turath_153

Page 1

‫الذرابة‬ ‫يف رم�سة‬ ‫�أهل الإمارات‬ ‫تراثية ثقافية منوعة ت�صدر عن نادي تــــــــــــــــراث الإمـارات العـدد ‪ 153‬يوليو ‪2012‬‬

‫خليفة بلغات العالم ‪..‬‬ ‫م�شروع وطني‬ ‫ملركز �سلطان بن زايد‬

‫ارتياد اآلفاق‪..‬‬

‫املحمل امل�صري‪ ..‬رحلة لها تاريخ‬ ‫يف ال�شعر اجلاهلي لغة عادية!‬

‫المغرب ‪..‬‬

‫تغييب الرتاث يف التعليم‬

‫اليولة ‪..‬‬

‫احتفالية طقو�سية‬ ‫بالن�صر على العدو‬

‫مع العدد‬ ‫كتاب تراث‬ ‫الشهري‬

‫سويحان‬ ‫غابت‬

‫البئر‬

‫وظلت عذوبتها‬



‫صوت من المستقبل‬ ‫إن املتاعب الكربى التي تواجهنا يف احلياة هي التي حتتاج إىل األخالق‬ ‫القومية‪ ،‬وكل إنسان يف إمكانه أن يقابل أية أزمة أو مصيبة بشجاعة‪،‬‬ ‫ولكن قل يل باهلل عليك‪ :‬كيف يواجه املرء املضايقات اليومية الصغرية‬ ‫بروح مرحة منطلقة؟ أعتقد أن هذا يلزمه عزمية من حديد‪.‬‬ ‫هذه العزمية هي التي سأحاول تنميتها‪ ،‬سأتظاهر بأن احلياة ليست‬ ‫سوى لعبة يلزمني فيها أن أمارسها مبهارة وشجاعة بقدر اإلمكان‪،‬‬ ‫إن خسرت فسأهز كتفي وأضحك‪ ،‬وهذا ما أنوي عمله عندما أجنح‪.‬‬ ‫جني وبسرت‬


‫محتويات العدد‬ ‫تراثية ثقافية منوعة‬ ‫ت�صدر عن‬ ‫مركز زايد للدرا�سات والبحوث‬ ‫بنادي تراث الإمارات‬

‫امل�شــرف العــام‬

‫حبيـب ال�صــايـغ‬ ‫اال�سـتـ�شـارة العـلـمـيــة‬

‫�أ‪ .‬د‪ .‬ح�سـن حمـمـد النابـودة‬ ‫�أ‪.‬د‪ .‬يحيى حممد حممـود‬ ‫�أ ‪ .‬حنفي جايل‬ ‫مدير التحرير‬

‫وليد عالء الدين‬ ‫هيئة التحرير‬

‫�شـم�سـة حـمـد الظاهـري‬ ‫فاطمة نايع املـنـ�صـوري‬ ‫حممــد �سعد النمـــر‬

‫ق�ضية للنقا�ش‪ :‬املغرب �أر�ض �شا�سعة تنامت على �صدرها منذ الأزل ت�ضاري�س احل�ضارة‬ ‫‪28‬‬ ‫والتاريخ وتعاقبت عليها احل�ضارات خملفة تراث ًا مادي ًا ومعنوي ًا مذه ًال على �صعيدي الكم‬ ‫والكيف‪ .‬ولكن �إىل �أي مدى �أمكن للمغاربة الإفادة من هذا الرتاث الكبري؟ �س�ؤال تكمن �إجابته يف‬ ‫حترى مالح ح�ضور هذا الرتاث يف املناهج التعليمية‪ ،‬فما تقييم اخلرباء والباحثني لهذا الوجود‬ ‫كاف للقيام بوظائفه التثقيفية والتوعوية وبناء‬ ‫املفرت�ض للرتاث يف مناهج التعليم‪ ،‬وهل هو ٍ‬ ‫الهوية وجتذير االنتماء؟ ‪ ..‬وغريها من ت�سا�ؤالت ن�سعى ‪ -‬على حلقتني – �إىل تقدمي مقاربات‬ ‫لأجوبتها يف باب «ق�ضية للنقا�ش»‪.‬‬ ‫�ساحة احلوار‪ :‬اقتحمت الباحثة التون�سية ال�شابة ليلى العبيدي منطقة خا�صة بها‪،‬‬ ‫‪44‬‬ ‫وا�ستك�شفتها بجر�أة ومت ُّكن‪ ،‬لتت َّوج بجائزة ال�شيخ زايد للكتاب‪ ،‬عن كتابها «الفكه يف‬ ‫الإ�سالم»‪ ،‬عادت العبيدي �إىل منابع الإ�سالم ال�صافية‪ ،‬لتزيح ركام ًا من الت�صورات التي ربطته‬ ‫باجلهامة والعبو�س والق�سوة‪ ،‬لت�ستعيد وجه ًا ُمغيب ًا مل�ؤه الإقبال البا�سم على احلياة‪ ،‬والفرح‬ ‫بها‪ ،‬وال�ضحكات ال�صافية التي ا�ستعادتها لنا من �أحاديث الر�سول «�صلى اهلل عليه و�سلم»‪،‬‬ ‫ال�صحيحة‪ ،‬و�سريته العطرة‪.‬‬ ‫ارتياد الآفاق‪ :‬يف كتابه «املحمل‪ -‬رحالت �شعبية يف وجدان �أمة» يقدم الكاتب �إبراهيم‬ ‫‪64‬‬ ‫حلمي ر�ؤية تاريخية ونقدية لرحالت املحامل العربية وقوافل احلج من البالد الإ�سالمية‬ ‫والتي ت�شمل املحمل ال�شامي‪ ،‬والعراقي واليمني‪ ،‬واملغربي‪ ،‬والتكروري‪ ،‬والرومي «الرتكي �أو‬ ‫العثماين» واملحمل امل�صري‪ .‬ونختار منه رحلة املحمل امل�صري الذي يرى �أنه فاق كل �أمثاله من‬ ‫حمامل الدول العربية �أو الإ�سالمية‪ ،‬يف جتهيزه ونظامه واحتفاالته وعاداته وتقاليده ومعتقداته‪،‬‬ ‫وحتى يف خالفاته ونزاعاته!‪.‬‬

‫املـراجـعـة والـتـدقـيـق‬

‫د‪ .‬حمـمـد فـاتــح زغـل‬ ‫املديـر الفنـي‬

‫فــواز نـاظــم‬ ‫ر�س ــوم‬

‫حـ�سـن �إدلـبـي‬ ‫حممد بريم‬ ‫الإخراج والت�صميم‬

‫�إيـنـا�س درويـ�ش‬ ‫هـاتف‪00971 2 2223000 :‬‬ ‫فـاك�س‪00971 2 6651115 :‬‬ ‫�ص‪.‬ب‪� :‬أبو ظبي ‪27765‬‬

‫قال الراوي‪ :‬حتت عنوان «الذرابة يف رم�سة �أهل الإمارات»‪ ،‬انتقت الباحثة ناجية الكتبي‬ ‫‪98‬‬ ‫خمتارات من عبارات التوا�صل االجتماعي بني �أهل الإمارات مما يقال يف املنا�سبات‬ ‫واملواقف اليومية املتنوعة التي يتعر�ض لها الإن�سان خالل اختالطه وتعامله مع غريه‪ .‬وهي ت�أمل‬ ‫�أن تنجح درا�ستها تلك يف لفت االنتباه �إىل الرتاث الإماراتي ال�شفهي الغزير‪ ،‬ونظم جهد بحثي‬ ‫بهدف توثيقه‪.‬‬ ‫يف ح�ضرة ال�شعر‪� :‬أنت الآن يف «�سوق عكاظ»‪ .‬يفت�شك القائم على باب ال�سوق؛ حيث يجب‬ ‫‪� 106‬أن حتمل معك معاجم «ل�سان العرب» و«العني» و«تاج العرو�س» و«القامو�س املحيط»‪ ،‬مع‬ ‫�أنها مل تُكتب بعد‪ .‬يقفز «امر�ؤ القي�س» �إىل من�صة الإلقاء‪ ،‬تهرول �أنت �إىل «ل�سان العرب» لتبحث‬ ‫عن املعنى‪ ...‬ر�ؤية �ساخرة يناق�ش بها الباحث عالء اجلابري ق�ضية جادة‪ ،‬ناقد ًا ومتداخ ًال مع‬ ‫ال�صورة الذهنية الرا�سخة لدينا عن ال�شعر اجلاهلي‪.‬‬ ‫ا�ستطالع‪�« :‬سويحان» ما هي �إال بئر ماء اختفت وال �أثر لها الآن‪ ،‬يقع مكانها اليوم يف منطقة‬ ‫‪ 114‬املزارع على الطريق امل�ؤدية �إىل مدينة �أبوظبي‪ ،‬الباحثة فاطمة املن�صوري كانت هناك‬ ‫لتقتفي اثر البئر التي غابت وظلت عذوبتها عنوان ًا للمكان‪.‬‬

‫‪Email: turathmag1@gmail.com‬‬

‫مدير التحرير‬

‫‪waleedalaa@hotmail.com‬‬

‫�أبوظبي للإعالم‪-‬توزيع‬ ‫الرقم املجاين ‪8002220 :‬‬ ‫فاك�س ‪+971 - 02-4145050 :‬‬

‫‪distribution@admedia.ae‬‬

‫أيضاً �أي�ضاً‪ :‬يف املحكي �شعر ًا يختار لنا ال�شاعر الإماراتي الكبري حممد �أحمد ال�سويدي نخبة من‬ ‫عيون ال�شعر ال�شعبي التي تغنى بها املطربون فباتت جزء ًا من الرتكيب الثقايف للمجتمع‪،‬‬ ‫ويف �أل�سنة عربية نتعرف على عنيز �أبو �سامل �أمري �شعراء البدو يف �سيناء‪ ،‬ويف زاويته عبق يعيد‬ ‫الكاتب �سعيد الكفراوي تعريفنا ب�شجر الدر‪ ،‬ذات ال�سرت اجلليل «ال�ست» �أم خليل‪ ،‬وتطالب مرية‬ ‫القا�سم ال�شاعر ال�شعبي ب�أن يتغري من �أجل �أن يتغري �شعره‪ ،‬ويكتب وليد عالء الدين عن معركته‬ ‫مع الروائي �إبراهيم الكوين‪ ،‬وزاوية جديدة للناقد الدكتور �أمين بكر بعنوان نافذة على الرتاث‬ ‫يقر�أ فيها هذا العدد مالمح بيجا�سيو�س العربي كما ر�سمها امر�ؤ القي�س‪ ،‬وقراءة جديدة للعبة‬ ‫«اليولة» التي حتولت يف الإمارات �إىل فن له قواعد و�أ�صول‪ ،‬وكالم �أخري لل�شاعر حبيب ال�صايغ‬ ‫عن اللعب النظيف وامل�شي �أثناء النوم‪.‬‬


‫‪28‬‬

‫يا هال‬

‫ي‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ال‬

‫السمالية ‪ ..‬روح التراث‬

‫‪92‬‬

‫‪58‬‬

‫‪128‬‬ ‫سعر النسخة‬

‫الإمارات العربية املتحدة ‪ 10‬دراهم ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية ‪ 10‬رياالت‬ ‫ الكويت دينار واحد ‪� -‬سلطنة عمان ‪ 800‬بي�سة ‪ -‬قطر ‪ 10‬رياالت ‪-‬‬‫مملكة البحرين دينار واحد ‪ -‬اليمن ‪ 200‬ريال ‪ -‬م�صر ‪ 5‬جنيهات ‪-‬‬ ‫ال�سودان ‪ 250‬جنيهاً ‪ -‬لبنان ‪ 5000‬لرية ‪� -‬سورية ‪ 100‬لرية ‪ -‬اململكة‬ ‫الإردنية الها�شمية ديناران ‪ -‬العراق‪ 2500 :‬دينار ‪ -‬فل�سطني ديناران ‪-‬‬ ‫اململكة املغربية ‪ 20‬درهماً ‪ -‬اجلماهريية الليبية ‪ 4‬دنانري ‪ -‬اجلمهورية‬ ‫التون�سية ديناران ‪ -‬بريطانيا ‪ 3‬جنيهات ‪� -‬سوي�سرا ‪ 7‬فرنكات ‪ -‬دول‬ ‫االحتاد الأوروبي ‪ 4‬يورو ‪ -‬الواليات املتحدة الأمريكية وكندا ‪ 5‬دوالرات‪.‬‬ ‫االشتراكات‬

‫للأفراد داخل الدولة‪ »100« :‬درهم ‪ /‬للأفراد من خارج الدولة‪»150« :‬‬ ‫درهماً ‪ /‬للم�ؤ�س�سات داخل الدولة‪ »150« :‬درهماً ‪ /‬للم�ؤ�س�سات من‬ ‫خارج الدولة‪ »200« :‬درهم‪.‬‬

‫«البحر له نا�س لفيحة»‬ ‫«نحن �أهل ال�سنع واملواجيب»‬ ‫«خلك هب الريح»‪..‬‬ ‫جمل ثالث كفيلة ب�أن تنقلك �إىل عواملها �شديدة اخل�صو�صية مبجرد الإن�صات‬ ‫�إليها‪.‬‬ ‫البحر له نا�س لفيحة‪ :‬ت�ستفز فيك كل ما تكتم من ف�ضول ورغبة يف اكتناه‬ ‫عوامل البحر‪ ،‬والتعرف على �أ�سراره‪ ،‬وم�شاهدة كيف يعي�ش �أهله ويتعاملون‬ ‫معه يف وقت �سماحته ويف �أوقات غ�ضبه‪ ،‬عندما يجود وعندما يبيد‪ ،‬كيف‬ ‫�صادق ه�ؤالء النا�س البحر وغنوا له �أغنيات و�صنعوا له ايقاعات‪ ،‬هل كانوا‬ ‫يغنون للبحر ويو ّقعون له‪� ،‬أم �أنهم كانوا يلتم�سون الدفء بغنائهم ودقهم‪ ،‬هل‬ ‫كان انتظامهم يف �إيقاع وترا�صهم ج�سدي ًا حماولة للت�شبه‪ ،‬ت�ستوحي روحها‬ ‫من حركة موج البحر‪� ،‬أم �أنه حتد وا�ضح لذلك البحر الغادر الهادر‪ ،‬احلبيب‬ ‫املرهوب‪ ،‬والقاتل املطلوب؟‬ ‫نحن �أهل ال�سنع واملواجيب‪ :‬و«ال�سنع» م�صطلح حملي بحت‪� ،‬شديد الداللة‪،‬‬ ‫ي�شري �إىل كل ما يتعلق بفنون التعامل مع الآخرين وفق قيم و�أعراف وتقاليد‬ ‫وعادات املجتمع‪ ،‬التي �أر�سى قواعدها و�أ�س�سها الأجداد والآباء‪ ،‬ف�إذا قال‬ ‫الوالد لولده «ب�س ّنعك»‪ ،‬ف�إنه يق�صد �أن يعيده �إىل الأ�صول والتقاليد التي حتظى‬ ‫باعرتاف املجتمع واحرتامه‪ .‬و«املواجيب» هي املفردة الدالة على ما يجب على‬ ‫النا�س القيام به يف �إطار العادات والتقاليد املرعية‪.‬‬ ‫وعندما يقول الإماراتيون‪« :‬نحن �أهل ال�سنع واملواجيب»‪ ،‬ف�إنهم ي�صفون حالهم‬ ‫دون مبالغة‪ ،‬ف�أهل الإمارات من �أ�شد النا�س مت�سك ًا ب�شبكة رائعة من العادات‬ ‫املتبعة يف الزيارات واملنا�سبات ال�سعيدة �أو احلزينة‪ ،‬ولكل منا�سبة �آدابها التي‬ ‫يتعلمها ال�صغري من الكبري‪ ،‬وللمجال�س �آداب يتوارثونها‪ ،‬وحتظى العالقات‬ ‫املجتمعية املتمثلة يف الرتاحم واالحرتام بني الكبري وال�صغري‪ ،‬وغريها من‬ ‫مفردات املوروثات الثقافية واالجتماعية الأ�صيلة باحرتام اجلميع‪.‬‬ ‫خلك هب الريح‪ :‬وهو قول يحتمل الت�أويل على ال�صعيدين‪ ،‬االجتماعي مبعنى‬ ‫كن لطيف ًا م�ؤن�س ًا ومنع�ش ًا كالريح‪ ،‬وعلى ال�صعيد العملي �أي كن ن�شيط ًا �سريع ًا‬ ‫تنجز الأعمال وتفرغ من الأ�شغال‪ ،‬وهو للت�أويل الأخري �أقرب‪ ،‬لأنه ارتبط‬ ‫بالألعاب ال�شعبية وان�سحب على كافة الأن�شطة الريا�ضية والرتويحية‪.‬‬ ‫اللطيف يف اجلمل الثالث ال�سابقة‪� ،‬أنها لي�ست عناوين �أفالم ق�صرية‪� ،‬أو‬ ‫ق�صائد �شعرية �أو ق�ص�ص �أدبية‪ ،‬و�إن كانت �صاحلة لأن تكون‪.‬‬ ‫�إمنا هي ثالث من ال�شعارات الرئي�سة لأ�سابيع ملتقى ال�سمالية ال�صيفي ‪2012‬‬ ‫الذي انطلقت فعالياته قبل �أيام من مثول املجلة للطباعة‪ ،‬حتت رعاية �سمو‬ ‫ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة رئي�س نادي‬ ‫تراث الإمارات‪.‬‬ ‫وال نزيد �سوى �أن نقول �إن ملتقى ال�سمالية �شبيه بتلك العبارات املوحية املعب�أة‬ ‫بالداللة‪� ،‬إنه ملتقى يخت�صر �سنني من الكالم‪ ،‬يعود ب�أبناء الوطن �إىل وطنهم‬ ‫كما �صنعه الأجداد‪ ،‬وي�ضعهم يف بيئة حية تفاعلية مع كل ما �أجنزه الأجداد‬ ‫من منجز معنوي �أو مادي‪ ،‬ميرحون ويلهون وينهلون من معني الثقافة واحلكمة‬ ‫ال�شعبية‪ ،‬ويتعلمون ريا�ضات كان للأجداد فيها ق�صب ال�سبق �سواء يف البحر‬ ‫�أو يف الرب‪.‬‬ ‫و�إذا كان خري الكالم ما قل ودل‪ ،‬وخري الفعل تثقيف العود‪ ،‬فملتقى «ال�سمالية»‬ ‫يثقف �أعواد �أبناء الوطن مبا �أجنزه �آبا�ؤهم و�أجدادهم من �أجماد‪.‬‬

‫«تراث»‬


‫‪6‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫حب ًا ووفاء للقائد‬

‫«خليفة بلغات العامل»‬

‫م�شروع وطني ملركز �سلطان بن زايد‬

‫�أبوظبي – تراث‬

‫تعبري ًا عن م�شاعر احل��ب وال��وف��اء لقائد‬ ‫امل�سرية الوالد �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة‬ ‫ب��ن زاي��د �آل نهيان رئي�س ال��دول��ة حفظه‬ ‫اهلل‪� ،‬أعلن مركز �سلطان بن زايد للثقافة‬ ‫والإع�لام �إطالق م�شروعه الوطني الكبري‬ ‫الذي يحمل عنوان «خليفة بلغات العامل »‪،‬‬ ‫لإهدائه �إىل �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة‬ ‫بن زايد �آل نهيان يف اليوم الوطني الواحد‬ ‫والأربعني لدولة الإم��ارات العربية املتحدة‬ ‫الثاين من دي�سمرب ‪. 2012‬‬ ‫وقال ال�سيد عبد اهلل املرزوقي مدير �إدارة‬ ‫الإع�ل�ام مبركز �سلطان بن زاي��د للثقافة‬ ‫والإع�لام يف م�ؤمتر �صحايف عقده املركز‬ ‫ال�شهر الفائت‪� :‬إن «خليفة بلغات العامل»‬ ‫م�شروع وطني رائد يقام بالتعاون بني املركز‬ ‫وم�ؤ�س�سة زاي��د العليا للرعاية الإن�سانية‬ ‫وذوي االح �ت �ي��اج��ات اخل��ا� �ص��ة وج��ام�ع��ة‬

‫الإم��ارات العربية املتحدة و�صندوق ال�شيخ‬ ‫خليفة لدعم م�شاريع ال�شباب‪ ،‬ويهدف �إىل‬ ‫التعبري عن احلب والوفاء لقائد امل�سرية‬ ‫الوالد �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد‬ ‫�آل نهيان‪ ،‬وذلك من خالل تخليد ا�سم �سموه‬ ‫«خليفة» بكتابته وترجمته بكل لغات العامل‪.‬‬ ‫و�أو� �ض��ح �أن امل�شروع يتما�شى ويت�سق مع‬ ‫توجيهات �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل‬ ‫نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة‪،‬‬ ‫رئي�س املركز ب�ضرورة �إيالء ال�ش�أن الوطني‬

‫يتضمن المشروع‬ ‫إقامة صرح هندسي‬ ‫معماري يجمع فنون‬ ‫التراث وأساليب البناء‬ ‫العصرية يحتضن اسم‬ ‫«خليفة» بأكثر من ‪250‬‬ ‫لغة‬

‫االهتمام الأك�ب�ر ‪ .‬و أ�� �ض��اف مدير �إدارة‬ ‫الإع�لام باملركز �أن امل�شروع يهدف �أي�ضا‬ ‫�إىل �إبراز الثقافة الوطنية للدولة من خالل‬ ‫تقديرها للقيادة‪ ،‬والت�أكيد على الهوية‬ ‫الوطنية الإم��ارات �ي��ة وتفاعلها م��ع جميع‬ ‫ثقافات دول و�شعوب العامل‪ ،‬والت�أكيد على‬ ‫تقدير واح�ترام دولة الإم��ارات حل�ضارات‬ ‫ال�شعوب‪ ،‬واجلن�سيات ال�ت��ي تعي�ش على‬ ‫�أر�ضها با�ستخدام لغاتها املختلفة واملتعددة‪،‬‬ ‫و�إ�شراكهم يف احتفاالت الدولة‪ ،‬ورد اجلميل‬ ‫للوطن وقائده من خالل امل�ساهمة وامل�شاركة‬ ‫الفعالة يف دع��م الن�شاطات والق�ضايا‬ ‫الوطنية‪.‬‬ ‫ودع��ا امل��رزوق��ي با�سم مركز �سلطان بن‬ ‫زايد للثقافة والإعالم اجلهات احلكومية‬ ‫واخلا�صة �إىل امل�ساهمة الفاعلة يف هذا‬ ‫العمل الوطني تكرميا للقائد وحكمته‪.‬‬


‫خالل امل�ؤمتر ال�صحفي للإعالن عن م�رشوع خليفة بلغات العامل‬

‫مراحل ثالث‬

‫م��ن جانبها �أو��ض�ح��ت ال�سيدة خديجة‬ ‫ال �� �ش �ح��ي‪ ،‬امل �� �ش��رف ال �ع��ام ع �ل��ى تنفيذ‬ ‫امل���ش��روع �أن امل���ش��روع �سيتم على ثالثة‬ ‫م��راح��ل ه��ي‪ ،‬املرحلة الأوىل ويتم فيها‬ ‫�إ�صدار مو�سوعة �إلكرتونية بعنوان «خليفة‬ ‫بلغات ال�ع��امل»‪ ،‬و�إن�شاء موقع �إلكرتوين‬ ‫بتقنيات عالية يت�ضمن ��س�يرة �صاحب‬ ‫ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زاي��د �آل نهيان‬ ‫ومل �ح��ات ع��ن �إجن� ��ازات دول ��ة الإم� ��ارات‬ ‫وترجمتها بلغات العامل املختلفة‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إىل م��و��س��وع��ة م�ط�ب��وع��ة حت�م��ل ع�ن��وان‬ ‫«خ�ل�ي�ف��ة ب�ل�غ��ات ال �ع��امل» و��س�ت�ك��ون ذات‬ ‫م��وا��ص�ف��ات ع��امل�ي��ة حت �ت��وي ع�ل��ى �أع�ل�ام‬ ‫دول العامل و �أكرث من ‪ 250‬ترجمة ال�سم‬ ‫�صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل‬ ‫نهيان رئي�س الدولة حفظه اهلل‪ ،‬بلغات‬ ‫ال �ع��امل امل�خ�ت�ل�ف��ة‪ ،‬ب��الإ� �ض��اف��ة مل�شاركة‬ ‫اجلاليات املختلفة يف الدولة يف املو�سوعة‬ ‫بكتابة ا�سم ال�شيخ خليفة بلغتهم الأم من‬ ‫خالل �شا�شة مل�س �إلكرتونية �سيتم توزيعها‬

‫المشروع يحمل رسالة‬ ‫تقدير واحترام من‬ ‫اإلمارات لحضارات‬ ‫الشعوب والجنسيات‬ ‫التي تعيش على‬ ‫أرضها باستخدام لغاتها‬ ‫المختلفة والمتعددة‬ ‫يف عدد من املراكز لتعرب عن حبها لل�شيخ‬ ‫خليفة ولدولة الإمارات‪.‬‬ ‫وذك��رت �أن املرحلة الثانية من امل�شروع‬ ‫�ست�شهد تنفيذ �أوب��ري��ت «خليفة بلغات‬ ‫العامل» بالتعاون مع م�ؤ�س�سة زايد العليا‬ ‫للرعاية الإن�سانية ل��ذوي االحتياجات‬ ‫اخلا�صة‪ ،‬و�سيتم �إهدا�ؤه ل�صاحب ال�سمو‬ ‫ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان حب ًا ووفا ًء‬ ‫من �أبناء الإمارات لقائدها‪ ،‬ي�شارك فيه‬ ‫عدد من �أبناء اجلاليات التي تعي�ش على‬ ‫�أر���ض الوطن وترغب �أن تعرب عن حبها‬ ‫لل�شيخ خليفة ول�شعب الإمارات بلغتها‪.‬‬

‫�صرح هند�سي‬

‫و�أ��ض��اف��ت ال�سيدة خديجة �أن املرحلة‬ ‫الثالثة تتكون من �إقامة معلم ثقايف يحمل‬ ‫ا�سم «خليفة بلغات ال�ع��امل» وه��و عبارة‬ ‫عن �صرح هند�سي معماري يجمع ما بني‬ ‫الفن الرتاثي و�أ�ساليب البناء الع�صرية‬ ‫وال���س�م��ات العاملية و�أه ��م م��ا مي�ي��زه هو‬ ‫وج ��ود ا��س��م «خ�ل�ي�ف��ة» ب�شكل ف�ن��ي ب��ارز‬ ‫و�أكرث من ‪ 250‬لغة ترجمة ال�سم �صاحب‬ ‫ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زاي��د �آل نهيان‬ ‫بلغات العامل املختلفة بالإ�ضافة للعديد‬ ‫من التقنيات احلديثة ب�إ�شراف �شركات‬ ‫عاملية متخ�ص�صة بحيث ي�ك��ون معلما‬ ‫ثقافيا يعرب ع��ن احل��ب وال��وف��اء لقائد‬ ‫امل�سرية ال��وال��د �صاحب ال�سمو ال�شيخ‬ ‫خليفة بن زايد �آل نهيان واملكانة املتميزة‬ ‫التي حتظى بها دولة الإم��ارات بني دول‬ ‫العامل‪ ،‬و�سيتم ت�شييده مبوقع مميز يف‬ ‫العا�صمة �أبو ظبي بالتن�سيق مع اجلهات‬ ‫املعنية‪ ،‬ليكون مق�صد ًا للزوار من داخل‬ ‫وخارج الدولة‬


‫‪8‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫لقطات من �أن�شطة امللتقى ال�سابق «�صور �أر�شيفية»‬

‫تحت رعاية سلطان بن زايد‬

‫نادي تراث الإمارات يطلق ملتقى‬ ‫ال�سمالية ال�صيفي ‪2012‬‬

‫�أبوظبي – تراث‬

‫بع�ض الريا�ضات والفرق املتخ�ص�صة مثل‬ ‫ال�سباحة والكاراتيه و�سالح املبارزة‪� ،‬إىل‬ ‫جانب الأن�شطة الثقافية والرتفيهية‪ ،‬كما‬ ‫تت�ضمن �أيام امللتقى الأوىل ا�ستقبال الطلبة‬ ‫وتق�سيمهم �إىل جمموعات وتن�سيبهم �إىل‬ ‫امل�شرفني ال�ترب��وي�ين �إ��ض��اف��ة �إىل تن�سيق‬ ‫عمليات النقل وتنظيم ج��دول املوا�صالت‬ ‫التي اعتاد النادي توفريها للم�شاركني‪.‬‬ ‫‪� ‬أ� �ش��ار �سعيد علي امل�ن��اع��ي م��دي��ر �إدارة‬ ‫الأن�شطة وال�سباقات بالإنابة‪� ،‬إىل �أن ملتقى‬ ‫هذا العام يج�سد �صيغ ًا حتتذى من التعاون‬ ‫البناء مع العديد من امل�ؤ�س�سات واجلهات‬

‫حتت رعاية �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد‬ ‫�آل ن�ه�ي��ان مم�ث��ل ��ص��اح��ب ال�سمو رئي�س‬ ‫الدولة رئي�س نادي تراث الإمارات انطلقت‬ ‫يف الع�شرين من ال�شهر املا�ضي فعاليات‬ ‫ال��دورة التا�سعة ع�شرة‪ ‬مللتقى «ال�سمالية»‬ ‫ال�صيفي ‪2012‬م‪ ،‬حتت �شعار «�إماراتنا‬ ‫هُ ويتنا»‪ ،‬والتي تت�ضمن برناجم ًا ي�شمل �أكرث‬ ‫من ع�شرين ن�شاط ًا ي�ستوعب �آالف الطلبة‬ ‫ويج�سد �صيغ ًا من التعاون مع العديد من‬ ‫امل�ؤ�س�سات املجتمعية يف الدولة‪.‬‬ ‫ت�ستهدف فعاليات ملتقى هذا العام التي‬ ‫ت�ستمر حتى الع�شرين من ال�شهر اجلاري‪،‬‬ ‫بالدرجة الأوىل طلبة ال�صفوف من الثالث‬ ‫حتى ال�ساد�س الأ�سا�سي‪ ،‬وتركز يف �‬ ‫أيامها الرميثي‪ :‬الملتقى‬ ‫الأوىل على الأن�شطة الرتبوية التي حتت�ضنها‬ ‫م��راك��ز ال �ن��ادي وم�ب�ن��ى �إدارة الأن�شطة يسعى لتحقيق‬ ‫الطالبية الذي يوفر للم�شاركني ممار�سة أهداف تعريف الناشئة‬

‫والشباب بمفهوم‬ ‫الهوية الوطنية‬

‫املعنية بالن�شء‪ ،‬واحلري�صة على �إك�ساب‬ ‫ال�شباب املهارات احلياتية املطلوبة �إىل‬ ‫ج��ان��ب ال�ق�ي��م وال���س�ل��وك�ي��ات ال �ت��ي متثل‬ ‫ال�شخ�صية الإماراتية الأ�صيلة‪ ،‬و�أ�ضاف‪:‬‬ ‫«ن �ح��ر���ص ع �ل��ى ان �ت �ق��اء ب��رام��ج مم�ي��زة‬ ‫تنفذها م�ؤ�س�سات �أخ��رى تخدم �أه��داف‬ ‫امللتقى»‪ ،‬مو�ضح ًا �أن عدد ًا من الدورات‬ ‫ال�ترب��وي��ة �ستنفذها م��ؤ��س���س��ة التنمية‬ ‫الأ�سرية يف �أبوظبي‪� ،‬إىل جانب التعاون‬ ‫م��ع ال�شرطة املجتمعية وهيئة ال�صحة‬ ‫ومركز الت�أهيل يف �أبوظبي وغريها من‬ ‫م�ؤ�س�سات املجتمع املحلي‪ ،‬وعلى ر�أ�سها‬ ‫وزارة الثقافة وال�شباب وتنمية املجتمع‬ ‫التي تنفذ برنامج «�صيف ب�لادي» الذي‬ ‫يركز على الفئات ال�شبابية يف املجتمع‪.‬‬ ‫و�أ�شار املناعي كذلك �إىل ما مييز �أن�شطة‬ ‫هذه ال��دورة من غنى وتنوع‪ ،‬فهي جتمع‬


‫ب�ين �أن���ش�ط��ة ت��راث�ي��ة وث�ق��اف�ي��ة وم�ه��اري��ة‬ ‫واجتماعية وترفيهية وتربوية وتعليمية‪،‬‬ ‫�إىل جانب الرحالت والزيارات مل�ؤ�س�سات‬ ‫ومعامل متنوعة‪.‬‬ ‫وق��ال املناعي �إن من �أه��م فعاليات هذه‬ ‫الدورة جمل�س يحمل ا�سم املغفور له ب�إذن‬ ‫اهلل تعاىل �سمو ال�شيخ زايد بن �سلطان‬ ‫�آل ن�ه�ي��ان‪ ،‬طيب اهلل ث ��راه‪ ،‬يف جزيرة‬ ‫ال�سمالية‪ ،‬حيث �سي�ستمع امل�شاركون طيلة‬ ‫�أي��ام امللتقى ‪-‬ال��ذي ميتد ل�شهر كامل‪-‬‬ ‫�إىل معظم خطابات �سموه التي ت�ضمنت‬ ‫توجيهات تربوية ومت�س حياة ال�شباب‪،‬‬ ‫وذلك مب�شاركة عدد من باحثات النادي‬ ‫اللواتي �سيتابعن �إع��داد بحوث عن هذه‬ ‫التجربة الفريدة ‪.‬‬ ‫وق � ��ال امل� �ن ��اع ��ي �إن م �ن��ا� �ش��ط م�ل�ت�ق��ى‬ ‫ال�سمالية ال�صيفي لهذا العام ت�أتي وفق ًا‬ ‫لر�سالة النادي يف العمل اجل��اد واملثابر‬ ‫ال�ست�شراف ال�تراث الوطني وا�ستجالء‬ ‫م�ضامينه الإن�سانية‪ ،‬ونقله �إىل النا�شئة‬ ‫وال�شباب بطرائق متكنهم م��ن �إدراك‬ ‫معطيات الطفرة التقنية واالقت�صادية‬ ‫والثقافية واالجتماعية املعا�صرة للمجتمع‬ ‫الإم��ارات��ي دون اهتزاز الثقة بالذات �أو‬ ‫فقدان الهوية‪ .‬وب�ين املناعي �أن جزيرة‬

‫المناعي‪ :‬الملتقى‬ ‫يجسد صيغ ًا تحتذى‬ ‫من التعاون بهدف‬ ‫تعزيز الشخصية‬ ‫اإلماراتية األصيلة‬ ‫ال�سمالية حتفل با�ستمرار بعديد من‬ ‫امللتقيات على مدار العام ‪.‬‬

‫فعاليات متنوعة‬

‫ت��زخ��ر دورة ‪ 2012‬مل�ل�ت�ق��ى ال�سمالية‬ ‫ال�صيفي‪ ،‬بالعديد من الفعاليات والربامج‬ ‫اجلديدة‪ ،‬وجاءت فعاليات الأ�سبوع الأول‬ ‫حت��ت ��ش�ع��ار «ال�ب�ح��ر ل��ه ن��ا���س لفيحة»‪،‬‬ ‫وت�ضمنت مهرجان ًا بحري ًا كانت الأن�شطة‬ ‫الرئي�سة فيه ه��ي‪ :‬ال���ش��راع التقليدي‪،‬‬ ‫«الي»‪� ،‬صيد ال�سمك‪ ،‬ور�ش فلق‬ ‫التجديف رَ‬ ‫املحار‪ ،‬ال�سفينة الرتاثية‪� ،‬أدوات ال�صيد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الألعاب ال�شاطئية‪� ،‬أما الأن�شطة املُ�ساندة‬ ‫خ�لال ه��ذا الأ��س�ب��وع فتمثلت يف‪ :‬امللعب‬ ‫ال���ص��اب��وين‪ ،‬البيئة «ا َمل � ْن� َ�ح��ل»‪ ،‬ال�شراع‬ ‫ال��رم�ل��ي‪ ،‬الفلك‪ ،‬ال �ط�يران االل �ك�تروين‪،‬‬ ‫واملر�سم ا ُ‬ ‫حلر‪.‬‬

‫م�ه��رج��ان �أه ��ل ال���دار بينما تنتظم يف‬ ‫الأ� �س �ب��وع ال �ث��اين م��ن امل �ه��رج��ان وال��ذي‬ ‫يقع يف ال�ف�ترة م��ن ‪� 1‬إىل ‪ 5‬م��ن ال�شهر‬ ‫اجل��اري فعاليات «مهرجان �أه��ل ال��دار»‬ ‫حتت �شعار«نحن �أهل ال�سنع واملواجيب»‪،‬‬ ‫وت�شمل �أن�شطة رئي�سة منها‪ :‬الفرو�سية‪،‬‬ ‫ال �ه �ج��ن‪ ،‬ال��رم��اي��ة‪ ،‬ال �ي��ول��ة‪ ،‬الأل��ع��اب‬ ‫ال�شعبية‪ ،‬ال�ع��ادات والتقاليد‪ ،‬ال�سفينة‬ ‫ال�تراث�ي��ة‪ ،‬ور��ش��ة ع�ت��اد ال�ه�ج��ن‪ ،‬وور��ش��ة‬ ‫اخليول‪ ،‬يف حني ت�ضم الأن�شطة امل�ساندة‬ ‫ك��ل م ��ن‪ :‬امل�ل�ع��ب ال �� �ص��اب��وين‪ ،‬الأل �ع��اب‬ ‫ال�شاطئية‪ ،‬ال�شراع الرملي‪ ،‬الفلك‪ ،‬البيئة‬ ‫«ا َمل َن ِاحل»‪ ،‬وور�شة �أدوات ال�صيد‪.‬‬ ‫وتنطلق يف الثالث م��ن ال�شهر اجل��اري‬ ‫م�سابقات‪ :‬ال�ه�ج��ن‪ ،‬ال��رم��اي��ة‪ ،‬واليولة‬ ‫جلميع مراكز النادي‪ .‬وتهدف الأن�شطة‬ ‫�إيل تعزيز الهوية الوطنية يف �أو��س��اط‬ ‫النا�شئة وال�شباب وتعميم ثقافة الرتاث‬ ‫الوطني يف �أو��س��اط�ه��م‪ ،‬ت�أكيد االل�ت��زام‬ ‫برتاث الآباء والأجداد واالمتثال ال�شديد‬ ‫لقيمه وعاداته ومثله و�أخالقياته‪ ،‬تر�سيخ‬ ‫امل�شاعر والأحا�سي�س العميقة لالرتباط‬ ‫بالوطن والزهو واالفتخار لالنتماء �إليه‪،‬‬ ‫تنمية خ�برات �أج �ي��ال امل�ستقبل و�إث��راء‬ ‫ثقافتهم وتن�شيط قدراتهم الإبداعية‪.‬‬


‫‪10‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫�أمهات امل�ستقبل‬

‫�أما الأ�سبوع الثالث الذي تدور فعالياته يف‬ ‫الفرتة من ‪� 8‬إىل ‪ 12‬من ال�شهر اجلاري‬ ‫فيحت�ضن مهرجان ًا خم�ص�ص ًا للأن�شطة‬ ‫الن�سائية‪ ،‬حتت �شعار «طالبات اليوم �أمهات‬ ‫م�ستقبلنا املُ�شرق»‪ ،‬ويتوىل �إدارت��ه ً‬ ‫كل من‬ ‫ال�سيد علي النعيمي مدير مركز العني‪،‬‬ ‫وفاطمة التميمي رئي�س ق�سم الأن�شطة‬ ‫ال�شبابية بالإنابة‪ .‬ويت�ضمن جمموعة �أن�شطة‬ ‫منها الرئي�سة‪ :‬الفرو�سية‪ ،‬الألعاب ال�شعبية‪،‬‬ ‫ور��ش��ة احل � ّن��اء‪ ،‬التلني ال���س�دُو‪ ،‬ال��دخ��ون‪،‬‬ ‫الفنون اليدوية‪ ،‬ال�سفينة الرتاثية‪ ،‬واملر�سم‬ ‫ا ُ‬ ‫حلر‪ .‬ف�ض ًال عن الأن�شطة املُ�ساندة خالل‬ ‫الأ�سبوع وت�شمل‪� :‬أل�ع��اب زم��ان‪ ،‬الطريان‬ ‫االلكرتوين‪ ،‬الهجن‪ ،‬الفلك‪ ،‬البيئة‪،‬ا َمل َن ِاحل‪،‬‬ ‫وال�شراع الرملي‪.‬‬

‫الملتقى يضم‬ ‫فعاليات تراثية‬ ‫خلك هب الريح‬ ‫فيما يت�ضمن الأ� �س �ب��وع ال��راب��ع والأخ�ي�ر وثقافية ومهرجانات‬ ‫م��ن امللتقى ‪ -‬م��ن ‪ 14‬ح�ت��ى ‪ 19‬يوليو‪ -‬بحرية وبرامج تعزز‬ ‫«مهرجان الريا�ضات املُتخ�ص�صة» الذي مفهوم التراث‬

‫ي�ق��ام ه��ذا ال�ع��ام حت��ت �شعار «خ�ل��ك هب‬ ‫الريح»‪ ،‬ب�إ�شراف �أحمد احلو�سني رئي�س‬ ‫ق�سم الأن�شطة ال�شبابية حيث وفرت �إدارة‬ ‫الأن�شطة خالله للم�شاركني العديد من‬ ‫الألعاب والن�شاطات الريا�ضية والرتويحية‬ ‫للم�شاركني كال�سباحة‪ ،‬الكاراتيه‪ ،‬املبارزة‪،‬‬ ‫الأل��ع��اب ال��ري��ا��ض�ي��ة ال�شاطئية‪ ،‬امللعب‬ ‫ال�صابوين‪ ،‬ال�شراع احلديث‪ ،‬البلياردو‪،‬‬ ‫ال�شراع الرملي‪ ،‬الفرو�سية‪ ،‬وريا�ضة الهجن‪.‬‬

‫مفهوم الهوية الوطنية‬

‫من جانبه �أو�ضح علي عبد اهلل الرميثي‬ ‫امل��دي��ر التنفيذي للأن�شطة ب�ن��ادي ت��راث‬ ‫الإمارات �أن امللتقى ي�سعى لتحقيق جمموعة‬ ‫من الأهداف وهي تعريف النا�شئة وال�شباب‬

‫امل�شاركني يف امللتقى مبفهوم الهوية الوطنية‬ ‫ومكوناتها والأخ��ط��ار وال�ت�ح��دي��ات التي‬ ‫تواجهها وا�سرتاتيجيات حمايتها‪ ،‬وتر�سيخ‬ ‫الأحا�سي�س وامل�شاعر الوطنية لدى النا�شئة‬ ‫وال�شباب امل�شاركني يف امللتقى وتب�صريهم‬ ‫بواجبات املواطنة جتاه الوطن‪.‬‬ ‫وقال �إن الفعاليات تركز على التوعية برتاث‬ ‫الآباء والأجداد وتنمية الإح�سا�س ب�أهميته‬ ‫وت�أكيد االلتزام به و�إثراء النف�س مبعطياته‬ ‫وا�ستثمار الأوقات احلرة للنا�شئني وال�شباب‬ ‫وتنمية ق��درات�ه��م العقلية واجل�سمية مع‬ ‫�إك�سابهم املعارف والقيم وامل�ه��ارات التي‬ ‫تلبي ح��اج��ات�ه��م ال��روح �ي��ة واالجتماعية‬

‫والنف�سية‪ ،‬وتكري�س قيم الإيثار والتعاون‬ ‫وال�ع�م��ل اجل�م��اع��ي امل���ش�ترك يف �أو� �س��اط‬ ‫النا�شئة وال�شباب امل�شاركني يف امللتقى‪،‬‬ ‫و�إك�سابهم امل �ه��ارات القيادية وم�ه��ارات‬ ‫املحادثة واحلوار والتعبري عن الر�أي‪.‬‬

‫جمل�س زايد‬

‫تت�ضمن فعاليات دورة هذا العام جمل�س ًا‬ ‫يحمل ا�سم املغفور له ب�إذن اهلل تعاىل �سمو‬ ‫ال�شيخ زاي��د بن �سلطان �آل نهيان‪ ،‬طيب‬ ‫اهلل ث ��راه‪ ،‬ينعقد يف ج��زي��رة ال�سمالية‪،‬‬ ‫يتيح للم�شاركني اال�ستماع �إىل منتخبات‬ ‫من خطابات الراحل الكبري التي تت�ضمن‬ ‫توجيهات تربوية راقية مت�س حياة ال�شباب‬ ‫وتنقل لهم خربة الأجيال ال�سابقة وحكمة‬ ‫باين الوطن وم�ؤ�س�سه‪.‬‬ ‫وي�شرف على املجل�س نخبة من باحثات نادي‬ ‫تراث الإمارات بهدف �إدارة تفاعل الن�شء‬ ‫وال�شباب من ح�ضور املجل�س مع اخلطابات‬ ‫و�إعداد بحوث جمتمعية علمية بهدف تعزيز‬ ‫هذه التجربة الفريدة وتطويرها‬


‫في بيت الشعر في أبوظبي‬

‫مهاو�ش‪:‬ال�شعر النبطي عربي النزعة والطابع‬ ‫�أبوظبي – تراث‬

‫ا�ست�ضاف بيت ال�شعر ب�أبوظبي ال�شاعر‬ ‫والناقد الإماراتي حممد مهاو�ش يف �أم�سية‬ ‫بعنوان «ال�شعر النبطي ومقايي�س اللغة»‪،‬‬ ‫ح�ضرها ح�شد من جمهور ال�شعر واملهتمني‬ ‫بال�شعر النبطي‪.‬‬ ‫�أدار الأم�سية الباحث حممد ن��ور الدين‬ ‫وا�ستهلها مهاو�ش باحلديث ع��ن درا�سة‬ ‫ال�شعر النبطي وق��ال‪« :‬م��ن يدر�س ال�شعر‬ ‫النبطي ويتعرف على مباحثه ال�شعرية‬ ‫والفنية‪ ،‬ويقف عليه عن كثب يجد �أنه �شعر‬ ‫عربي النزعة والطابع‪ ،‬و�أنه ميتاز بف�صاحة‬ ‫املفردة رغم افتقاره ملظهر الإعراب الذي‬ ‫يو�ضح �أ�شكال احلركات الإعرابية الطارئة‬ ‫على �أواخ ��ر الكلمات‪ ،‬لكنه يف املقابل ال‬ ‫يفارق العرب فيما كانوا يقولون من كالم‬ ‫وي�ضعون من قيا�سات و�صيغ �أ�سلوبية»‪.‬‬ ‫و�أ�شار مهاو�ش �إىل �أن كتب اللغوين العرب‪،‬‬ ‫كالأ�صمعي و�أب��ي عمر بن العالء وامل�برد‬ ‫وغريهم من علماء اللغة‪ ،‬كانوا ي�سمون‬ ‫اللهجة يف عرفنا احلايل باللغة‪ ،‬ويطلقون‬ ‫ع�ل��ى م��ا ن�سميه ن�ح��ن ب��ال�ل�غ��ة م�صطلح‬ ‫«الل�سان»‪ .‬و�أك��د �أن ال�شاعر النبطي كان‬ ‫ي�ستخدم اللغة التي كان يتحدث بها العرب‬ ‫القدماء‪ ،‬وهذه احلال تكاد تكون وا�ضحة‬ ‫وجلية كلما ابتعدنا يف التحرك بالزمن‬

‫�إىل الوراء‪ ،‬وذلك ب�سبب عدم اختالط ابن‬ ‫البادية العربية بالأجانب والأغ��راب‪ .‬ومن‬ ‫الأمثلة التي عر�ضها مهاو�ش قول ال�شاعر‬ ‫حممد الدهمان يف مدح عبدالكرمي اجلربا ‪:‬‬ ‫بيوت املحمد مدهل ال�ضيف واجل��ار‬ ‫وم �ل �ج��ا مل ��ن ك �ث�رت ع �ل �ي��ه ال �ب�ل�اوي‬ ‫الزم يجي بالبيت هات�ش وخطار‬ ‫وخ�ل��اي� ��ق م� ��ا ي� �ن� �ع ��رف ل� ��ه ل� �غ ��اوي‬ ‫و�أو�ضح �أن «خاليق» ال تعرف لها لهجات‪،‬‬ ‫فهي كناية عن تزايد ال�ضيوف والوافدين‬ ‫وق��ال‪«:‬ه��ذا اال�ستخدام و�إن دل على �أن‬ ‫معناه اللهجة‪ ،‬فبالإمكان �أن يكون له فهم‬ ‫�آخر‪� ،‬أي �أنه كناية عن تزاحم الأفراد من‬ ‫كل الأجنا�س كالعربي وال�ك��ردي والرتكي‬ ‫والفار�سي»‪.‬‬ ‫و�أ��ض��اف‪ :‬غري �أن ال�شاعر �سند احل�شار‬ ‫يدعم قول الدهمان ب�شكل �أكرث تو�ضيحا‪،‬‬ ‫حيث يقول يف مدح قبيلته «الظفري» ‪:‬‬ ‫م��ن ف�ع��ل طلقني ال�ل�غ��ا ب��امل�لاق��اة‬ ‫ال � �ل� ��ي وق� � ��ع ب� �ن� �ح ��وره ��م ل �ل��ذالق��ي‬ ‫م�شري ًا �إىل �أن «طلقني» ترتبط بالكالم‬ ‫واللهجة‪ ،‬وه��م الذين ال يخالط كالمهم‬ ‫كالم غريهم‪ ،‬وال يتداخل كالمهم مع كالم‬ ‫الأعجام والأغ��راب‪ .‬وهو كناية عن �صفاء‬ ‫اللهجة وعدم تداخلها مع لهجات الآخرين‪.‬‬

‫ور�أى مهاو�ش �أن هذا اال�ستخدام الداليل‬ ‫ل�ه��ذه امل �ف��ردة ن��اب��ع م��ن �أ�صولها العربية‬ ‫املوغلة يف التاريخ‪ ،‬متام ًا كما هو احلال‬ ‫بالن�سبة مل�ف��ردة «ق ��رن» يف ق��ول ال�شاعر‬ ‫احل�شار «لعيون من قرنه على املنت ت�شقاه»‬ ‫وهي تدل على مدى ارتباط ال�شعر النبطي‬ ‫بال�شعر العربي الف�صيح‪� ،‬إذ �أن هذه املفردة‬ ‫التي مل يعد يتداولها النا�س وحلت حملها‬ ‫كلمة مرادفة لها يف املعنى «اجلديلة»‪ .‬وقد‬ ‫ا�ستخدمها قي�س بن امللوح بقوله «وهل ر ّفت‬ ‫عليك قرون ليلى»‪ .‬كما حتدث مهاو�ش عن‬ ‫�شعراء �أخرين‪ ،‬م�ؤكد ًا �أن يف �شعرهم العديد‬ ‫م��ن الأمثلة على ارت�ب��اط ال�شعر النبطي‬ ‫بال�شعر العربي الف�صيح ‪.‬‬ ‫وق��ال‪«:‬ل��و ت�أملنا ه ��ؤالء ال�شعراء وحاولنا‬ ‫النظر �إليهم ب�شكل جماعي لر�أينا �أنهم‬ ‫�أ�شبه بف�صحاء الأع��راب الذين كان يلتقي‬ ‫بهم الك�سائي �أو اخلليل �أو الأ�صمعي الذين‬ ‫ينطلقون من �سليقة عربية �صافية ال تعرف‬ ‫الت�شوي�ش و ُيخ�ضعون كل كالم غريب على‬ ‫لغتهم ملقايي�س هذه اللغة‪� ،‬إما �أنهم ينطلقون‬ ‫من انطالقات �أ�سالفهم العرب القدماء‪،‬‬ ‫يف اال�ستعمال اللغوي‪� ،‬أو يخ�ضعون كل كلمة‬ ‫�أجنبية ملقايي�س ال�صرف العربي ال��ذي‬ ‫تعارف عليه العرب »‬


‫‪12‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫مركز سلطان بن زايد ونادي تراث اإلمارات يعلنان‬

‫خالل امل�ؤمتر ال�صحفي‬

‫فعاليات املهرجان الرم�ضاين ال�سابع‬

‫‪2012‬‬

‫�أبوظبي – تراث‬ ‫�أع �ل��ن م��رك��ز �سلطان ب��ن زاي ��د للثقافة‬ ‫والإع �ل��ام ون� ��ادي ت���راث الإم� � ��ارات عن‬ ‫فعاليات املهرجان الرم�ضاين ال�سابع الذي‬ ‫�سينظم حتت رعاية �سمو ال�شيخ �سلطان‬ ‫بن زاي��د �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو‬ ‫رئي�س الدولة على م�سرح �أبوظبي يف كا�سر‬ ‫الأم��واج مع �أول �أي��ام �شهر رم�ضان املقبل‬ ‫‪.2012‬‬ ‫و ّث�م��ن حبيب يو�سف ال�صايغ مدير عام‬ ‫مركز �سلطان بن زاي��د للثقافة والإع�لام‬ ‫ع�ضو جمل�س �إدارة نادي تراث الإم��ارات‬ ‫رئي�س جلنة الإعالم والعالقات العامة يف‬ ‫النادي خالل امل�ؤمتر ال�صحفي الذي عقد‬ ‫برئا�سته‪ ،‬توجيهات �سمو ال�شيخ �سلطان بن‬ ‫زايد �آل نهيان ودعمه للمهرجان الذي كان‬ ‫له الأثر الكبري يف ا�ستمراره وتنوعه �سنوي ًا‪.‬‬ ‫وق��ال‪� :‬إن الفعاليات التي ينظمها املركز‬

‫ثالثة عروض للبردة‬ ‫وعرض لفرقة المالد‬ ‫الهاشمي وآخر لفرقة‬ ‫الدار لإلنشاد الديني‬ ‫والنادي خالل �شهر رم�ضان املبارك ت�أتي‬ ‫بتوجيهات ورع��اي��ة �سمو ال�شيخ �سلطان‬ ‫بن زاي��د �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو‬ ‫رئي�س ال��دول��ة رئي�س ال �ن��ادي وامل��رك��ز‪،‬‬ ‫و��س�ير ًا على نهج ال��دول��ة بقيادة �صاحب‬ ‫ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زاي��د �آل نهيان‬ ‫رئي�س الدولة ‪-‬حفظه اهلل ‪ -‬وحر�صه على‬ ‫�إح�ضار العلماء املتميزين لينقلوا علومهم‬ ‫وخرباتهم �إىل �أبناء الوطن لتعم الفائدة‬ ‫وتنت�شر املعرفة‪.‬‬ ‫و�أ��ض��اف ال�صايغ �أن �إقامة املحا�ضرات‬

‫وامل �ج��ال ����س ال��رم���ض��ان�ي��ة خ�ل�ال ال�شهر‬ ‫الف�ضيل يج�سد التوا�صل واملحبة التي‬ ‫تتميز بها العالقة بني القيادة وال�شعب‬ ‫بجانب كونها ج�سر ًا للتوا�صل الفكري‬ ‫والتعارف واحل��وار وتبادل ال��ر�أي وفر�صة‬ ‫للتزود بالعلم واملعرفة ب��الأم��ور الدينية‬ ‫والدنيوية‪ ،‬م�شري ًا �إىل �أن دورة هذا العام‬ ‫حافلة بالعديد من الفعاليات الإميانية‬ ‫والثقافية واملجتمعية‪.‬‬ ‫و�أ�شار �إىل �أن الفعاليات �سوف تقام يف متام‬ ‫ال�ساعة العا�شرة م�سا ًء يف م�سرح �أبوظبي‬ ‫على كا�سر الأمواج‪ ،‬و�سوف تنطلق فعاليات‬ ‫املهرجان الرم�ضاين ال�سابع ‪ 2012‬مع‬ ‫�أول �أيام �شهر رم�ضان املبارك مبحا�ضرة‬ ‫دينية‪ ،‬فيما ينظم املركز يف الثالث من‬ ‫�شهر رم�ضان حما�ضرة ل�سماحة ال�سيد‬ ‫علي بن ال�سيد عبد الرحمن �آل ها�شم‬


‫�صورة ار�شيفية من املهرجان الرم�ضاين ال�ساد�س‬

‫م�ست�شار ال�ش�ؤون الق�ضائية والدينية يف‬ ‫وزارة �شئون الرئا�سة‪ ،‬ع�ضو جممع البحوث‬ ‫الإ�سالمية يف الأزهر‪.‬‬

‫م�سابقة �أف�ضل مرتل‬

‫الفنية حيث تقدم فرقة ال��دار للإن�شاد‬ ‫الإماراتي �أم�سية يف اليوم ال�سابع من ال�شهر‬ ‫الكرمي‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل حفل لفرقة الإن�شاد‬ ‫الديني املغربية يف اليوم الثامن من �شهر‬ ‫رم�ضان‪� ،‬إ�ضافة �إىل ثالثة عرو�ض للربدة‪،‬‬ ‫وعر�ض ًا لفرقة املالد الها�شمي‪ ،‬حيث تقدم‬ ‫الفرقة الوطنية الإماراتية للفنون ال�شعبية‬ ‫عر�ض ال�بردة يف اليوم الثالث ع�شر من‬ ‫�شهر رم�ضان الكرمي‪ ،‬بينما تقدم فرقة‬ ‫ب ��ردة ال�ب��و��ص�يري امل�صرية عر�ضني يف‬ ‫ال��راب��ع ع�شر واخل��ام����س ع�شر م��ن �شهر‬ ‫رم�ضان‪ .‬فيما تقدم فرقة املالد الها�شمي‬ ‫من الإم ��ارات عر�ضها يف اليوم احل��ادي‬ ‫والع�شرين من ال�شهر‪.‬‬ ‫وت���ش�ه��د ف�ع��ال�ي��ات الأ� �س �ب��وع ال �ث��ال��ث من‬ ‫املهرجان الرم�ضاين ال�سابع عدة فعاليات‬ ‫منها حما�ضرة ينظمها مركز �سلطان بن‬

‫ومن املقرر �أن ي�شهد اليوم الرابع من �شهر‬ ‫رم�ضان الكرمي انطالق فعاليات م�سابقة‬ ‫�أف�ضل مرتل للقر�آن الكرمي من الذكور‪،‬‬ ‫وت�ست�أنف يف اليوم احلادي ع�شر والثامن‬ ‫ع�شر من ال�شهر ال�ك��رمي‪ ،‬وي�شهد اليوم‬ ‫اخلام�س من �شهر رم�ضان الكرمي م�سابقة‬ ‫�أف�ضل مرتل للقر�آن الكرمي من الإن��اث‪،‬‬ ‫وت�ست�أنف يف اليوم الثاين ع�شر واليوم‬ ‫التا�سع ع�شر من ال�شهر الكرمي‪.‬‬ ‫�أما فعاليات الأ�سبوع الثاين من املهرجان‪،‬‬ ‫فت�شمل حما�ضرة يف العا�شر م��ن �شهر‬ ‫رم���ض��ان للأ�ستاذ ال��دك�ت��ور حممد عبد‬ ‫احلليم مدير عام مركز كر�سي امللك فهد‬ ‫للدرا�سات الإ�سالمية يف كلية الدرا�سات يشهد البرنامج‬ ‫ال�شرقية والإفريقية يف جامعة لندن‪.‬‬

‫عرو�ض للربدة والإن�شاد الديني مسابقتي أفضل‬ ‫ويت�ضمن ال�برن��ام��ج ع ��دد ًا م��ن العرو�ض مرتل للقرآن الكريم‬ ‫من الذكور واإلناث‬

‫زايد للثقافة والإعالم للدكتورة نادية عبد‬ ‫احلميد حممود ع�م��ارة‪ ،‬وذل��ك يف اليوم‬ ‫ال�سابع ع�شر من �شهر رم�ضان‪� .‬أما اليوم‬ ‫الع�شرين من ال�شهر الكرمي ف�سوف ي�شهد‬ ‫حما�ضرة ملفتي ال��دي��ار املقد�سة ف�ضيلة‬ ‫ال�شيخ حممد ح�سني‪.‬‬

‫حفالن للختام‬

‫وت �ت �� �ض �م��ن ف �ع��ال �ي��ات خ��ت��ام امل �ه��رج��ان‬ ‫الرم�ضاين ال�سابع حفلني �أولهما يف اليوم‬ ‫الثاين والع�شرين من ال�شهر الكرمي حيث‬ ‫يتم ت��وزي��ع ج��وائ��ز م�سابقة �أف�ضل مرتل‬ ‫للقر�آن الكرمي من الذكور‪ ،‬والآخر يف اليوم‬ ‫الثالث والع�شرين من ال�شهر الذي ي�شهد‬ ‫حفل توزيع جوائز م�سابقة �أف�ضل مرتل‬ ‫للقر�آن الكرمي من الإناث‪.‬‬ ‫كما ينظم مركز �سلطان بن زايد للثقافة‬ ‫والإع�لام ون��ادي ت��راث الإم��ارات فعاليات‬ ‫خا�صة بعيد الفطر املبارك تبد�أ مع اليوم‬ ‫الأول فيما �سيقدم املركز وال�ن��ادي ثاين‬ ‫وثالث �أي��ام عيد الفطر م�سرحية «�شكرا‬ ‫ماما» لفرقة م�سرح ر�أ�س اخليمة‬


‫‪14‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫للمؤلف العالمي‬ ‫دينيس جونسون ديفيز‬

‫ق�ص�ص من �سرية النبي حممد (ﷺ)‬

‫الغالف العربي‬

‫�إ�صدار جديد ملركز �سلطان بن زايد‬

‫�أبوظبي – ح�سن �أبو عمر‬

‫مدير عام مركز �سلطان بن زايد للثقافة‬ ‫واالع�ل�ام‪� :‬إن ��ص��دور ه��ذا الكتاب الهام‬ ‫يتزامن مع ذكرى اال�سراء واملعراج تنفيذ ًا‬ ‫لر�ؤية وتوجيهات �سمو ال�شيخ �سلطان بن‬ ‫زايد �آل نهيان‪ ،‬ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س‬ ‫الدولة رئي�س املركز ب�ضرورة رفد املكتبة‬ ‫العربية للن�شء ب�إ�صدارات نوعية ذات قيمة‬ ‫تعيد �صياغة وتقدمي الأفكار واملبادئ والقيم‬

‫يف طبعة �أنيقة مطعمة بر�سوم تو�ضيحية‬ ‫للفنان الكبري فران�س نعوف‪� ،‬أ�صدر مركز‬ ‫�سلطان بن زاي��د للثقافة واالع�ل�ام كتاب‬ ‫«ق�ص�ص من �سرية النبي حممد �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم» للم�ؤلف العاملي دني�س جون�سون‬ ‫ديفيز «عبد الودود»‪.‬‬ ‫يقع الكتاب املوجه للأطفال والن�شء يف‬ ‫‪� 318‬صفحة‪ ،‬باللغتني العربية واالجنليزية‪،‬‬ ‫والرتجمة للعربية الدكتور مو�سى احلالول‪،‬‬ ‫وكتب مقدمته املرحوم الدكتور عز الدين يستمد الكتاب‬ ‫ابراهيم‪ .‬ي�صدر الكتاب يف �إطار احتفاالت أهميته النوعية من‬ ‫امل��رك��ز ب��ذك��رى الإ�� �س ��راء وامل� �ع ��راج‪ ،‬ويف القيمة الكبرى التي‬ ‫ه��ذه املنا�سبة ق��ال حبيب يو�سف ال�صايغ‬

‫تمثلها شخصية‬ ‫الرسول الكريم‬

‫ال�سامية املتمثلة يف �سرية النبي حممد �صلى‬ ‫اهلل علية و�سلم‪ ،‬واحل���ض��ارة الإ�سالمية‬ ‫ب�أ�ساليب حديثة تتفق والتطورات التي حلقت‬ ‫بطرق و�آليات تعاطي الأجيال اجلديدة مع‬ ‫العلوم والآداب‪ ،‬وبعدة لغات نظر ًا النفتاح‬ ‫هذه الأجيال على لغات العامل وح�ضاراته‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف ال�صايغ‪ ،‬ال��ذي �أ�شرف على هذا‬ ‫اال� �ص��دار‪� :‬إن امل��رك��ز و�ضع خطة لتوفري‬ ‫الكتاب ال��ذي ُي�ق� ّدم ق�ص�ص ًا من ال�سرية‬ ‫النبوية العطرة يف ثالثني ف�ص ًال باللغتني‬ ‫العربية والإجنليزية بلغة رائقة وماتعة‪،‬‬ ‫لكل القراء العرب عرب الن�سيق مع اجلهات‬ ‫املعنية‪ ،‬وعرب �إي�صاله �إىل املكتبات املدر�سية‬


‫الغالف الإجنليزي‬

‫العامة واخلا�صة يف الدولة وخارجها‪.‬‬ ‫و�أك��د ال�صايغ �أن الكتاب‪ ،‬بلغته الراقية‪،‬‬ ‫�سوف ي�سهم يف تعريف الن�شء ب�أهم مراحل‬ ‫�سرية الر�سول الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم‪،‬‬ ‫ب��دء ًا من مرحلة ما قبل والدت��ه‪ ،‬والتب�شري‬ ‫به‪ ،‬وق�صة الراهب بحرية‪ ،‬ثم طفولته‪ ،‬عليه‬ ‫ال�صالة وال�سالم‪ ،‬ثم زواج��ه من ال�سيدة‬ ‫خديجة بنت خ��وي�ل��د‪ ،‬ر��ض��ي اهلل عنها‪،‬‬ ‫ومواقفها امل�ساندة والداعمة له‪ ،‬و�أثرها‬ ‫يف ا�ستمرار ال��دع��وة‪ ،‬ث��م ق�صة احلجر‬ ‫الأ�سود والبعثة‪ ،‬وكذلك التعريف ب�أ�صحابه‬ ‫ر�ضوان اهلل عليهم‪ ،‬وامل�سلمني الأوائل‪ ،‬ثم‬ ‫هجرته �إىل املدينة املنورة‪ ،‬وق�صة بناء‬ ‫امل�سجد النبوي‪ ،‬و�أخ�ب��ار بع�ض الغزوات‬ ‫مثل بدر و�أحد‪ ،‬ثم فتح مكة‪ ،‬وحجة الوداع‬ ‫و�صو ًال �إىل وفاته‪� ،‬صلى اهلل عليه و�سلم‪،‬‬ ‫ثم الف�صل اخلتامي وال��ذي حمل عنوان‬ ‫«اهلل حي ال ميوت»‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف ال�صايغ‪« :‬يهدف الكتاب الذي قدم‬

‫له املرحوم الدكتور عز الدين �إبراهيم‪،‬‬ ‫�إىل تزويد �أبنائنا من العرب وامل�سلمني يف‬ ‫املهجر‪ ،‬ببع�ض املعارف الرئي�سة يف حياة‬ ‫نبي الإ�سالم‪� ،‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وجهاده‬ ‫يف �سبيل ن�شر الدين احلنيف‪ ،‬وبخا�صة‬ ‫اجليل الثالث الذي يعاين من بعد ال�شقتني‪،‬‬ ‫الزمانية واملكانية عن الوطن الأم‪ ،‬وكذلك‬ ‫تزويد الناطقني بالعربية وبالإجنليزية من‬ ‫الن�شء والكبار بهذه امل�ع��ارف لتذكريهم‬ ‫بعظمة النبي‪� ،‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وعظمة‬ ‫و�سماحة دينهم»‪.‬‬ ‫وذك��ر مدير ع��ام مركز �سلطان بن زايد‬ ‫للثقافة واالعالم �أن هذا اال�صدار ي�ستمد‬ ‫�أهميته النوعية م��ن ع��دة �أم� ��ور‪� ،‬أول�ه��ا‬ ‫القيمة ال �ك�برى ال �ت��ي متثلها �شخ�صية‬ ‫ال��ر� �س��ول ال �ك��رمي‪ ،‬ب��الإ� �ض��اف��ة �إىل متيز‬ ‫فريق العمل ال��ذي قام ب�إجنازه ب��دء ًا من‬ ‫امل�ؤلف وهو دني�س جون�سون ديفيز الذي‪،‬‬ ‫الكاتب والباحث واملرتجم العاملي‪ ،‬الذي‬

‫تربطه عالقات وطيدة بالعاملني العربي‬ ‫والإ�سالمي‪ ،‬والذي دخل يف دين الإ�سالم‬ ‫عن قناعة ودرا�سة منذ فرتة طويلة واتخذ‬ ‫لنف�سه ا�سم ًا عربي ًا هو «عبد الودود»‪ ،‬والذي‬ ‫ترجم عيون الأدب العربي احلديث �إىل‬ ‫الإجنليزية‪ ،‬واحلائز على جائزة ال�شيخ‬ ‫زايد بن �سلطان �آل نهيان للكتاب يف دورة‬ ‫�سابقة‪ ،‬ثم �إىل �أهمية مرتجمه الدكتور‬ ‫مو�سى احل��ال��ول �أح��د �أ��ش�ه��ر املرتجمني‬ ‫العرب املعا�صرين‪ ،‬ثم من التقدمي الذي‬ ‫كتبه املرحوم الدكتور عز الدين �إبراهيم‪،‬‬ ‫امل�ست�شار ال�سابق ل�صاحب ال�سمو رئي�س‬ ‫الدولة‪ ،‬والذي �أ�شار فيه �إىل هدف وا�ضح‬ ‫و�صريح من ت�أليف ون�شر الكتاب‪ ،‬هو �إزالة‬ ‫التحامل ال�شديد ال��ذي كان موجه ًا فيما‬ ‫م�ضى‪ ،‬ورمبا حتى اليوم �ضد نبي الإ�سالم‪،‬‬ ‫والذي ميكن �إرجاعه �إىل �أزمنة املواجهة‬ ‫بني ال�شرق والغرب‪.‬‬ ‫يف مقدمة الكتاب �أ�شاد الدكتور عز الدين‬ ‫�إبراهيم بامل�ؤلف ال��ذي ا�ستطاع يف عدد‬ ‫حمدود من ال�صفحات �أن ي�سهم �إ�سهام ًا‬ ‫قيم ًا يف فهم الإ��س�لام نظر ًا لتمكنه من‬ ‫ال�ع��رب�ي��ة وم�ع��رف�ت��ه بخلفيتها ال��روح�ي��ة‬ ‫والثقافية والأدبية‪ ،‬كما �أنه «ق�ضى ال�سواد‬ ‫الأع �ظ��م م��ن حياته يف خمالطة العرب‬ ‫وامل�سلمني يف �أن �ح��اء خمتلفة يف ال�شرق‬ ‫الأو�سط»‪ ،‬وا�ستطاع كذلك «�أن يعرج بال‬ ‫�شطط ع��ن ه��دف��ه الأ��س��ا��س��ي على بع�ض‬ ‫تعاليم الإ� �س�لام الأ�سا�سية ومنهجه يف‬ ‫احل�ي��اة»‪ .‬و�أ��ش��ار امل��ؤل��ف دين�س جون�سون‬ ‫يف مقدمته اىل �أن فكرة الكتاب ج��اءت‬ ‫لتزويد �شباب و�أطفال امل�سلمني باحلقائق‬ ‫الأ�سا�سية عن �سرية النبي حممد �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم الفت ًا �إىل �أنه اعتمد لت�أليف‬ ‫كتابه وت�سجيل هذه ال�سرية العطرة‪ ،‬على‬ ‫�أمهات الكتب واملراجع املعتمدة‬


‫المرصد‬ ‫‪16‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫يحياوي و�إىل جانبه نور الدين خالل الأم�سية‬

‫يف �أم�سية نظمها بيت ال�شعر‬

‫عياش يحياوي‬

‫يوصف العادات القولية في الشعر النبطي‬ ‫ّ‬ ‫�أبوظبي ‪ -‬تراث‬ ‫ا�ست�ضاف بيت ال�شعر يف �أبوظبي التابع لنادي تراث الإمارات يف مقره مبركز زايد للبحوث‬ ‫والدرا�سات مبنطقة مارينا البطني يف �أبوظبي‪ ،‬ال�شاعر اجلزائري عيا�ش يحياوي يف‬ ‫�أم�سية بعنوان «العادات القولية يف ال�شعر النبطي يف الإمارات»‪ ،‬بح�ضور حبيب ال�صايغ‬ ‫رئي�س الهيئة الإدارية لبيت ال�شعر ونخبة من املثقفني وال�شعراء وجمهور ال�شعر‪.‬‬

‫ح��دد يحياوي يف ب��داي��ة حما�ضرته الفرتة‬ ‫زمنية م��ن ت��اري��خ الإم� ��ارات ال�ت��ي ي�شملها‬ ‫بحثه‪ ،‬وذلك من خالل اختياره لأربعة �شعراء‬ ‫�إماراتيني لدرا�سة مواقفهم من التقليد‪ ،‬هم‬ ‫ال�شاعر املاجدي بن ظاهر الذي عا�ش البيئة‬ ‫التاريخية واالجتماعية لأهل الإم��ارات من‬ ‫ب��داي��ات القرن ال�سابع ع�شر امل�ي�لادي �إىل‬ ‫نهايات القرن امل��وايل‪ ،‬وال�شاعر �سعيد بن‬

‫عتيج الهاملي الذي عا�ش من نهايات القرن‬ ‫التا�سع ع�شر �إىل بدايات القرن الع�شرين‬ ‫وت��ويف ع��ام ‪ ،1919‬وال�شاعرة فتاة العرب‪،‬‬ ‫وال�شاعر ابن عزيز املن�صوري اللذان عا�شا‬ ‫خ�لال اخلم�سني �سنة الأخ�ي�رة م��ن القرن‬ ‫املا�ضي ‪.‬‬ ‫ث��م ع��رج ي�ح�ي��اوي ع�ل��ى �إ��ش�ك��ال�ي��ة ال�ت�ك��رار‬ ‫اللفظي يف الن�صو�ص‪ ،‬معترب ًا �أن الوعي‬

‫اجلمعي يف بنية الق�صيدة النبطية جعل‬ ‫ّ‬ ‫و�ضخم ق�ي��وده��ا‪ ،‬ومنحها‬ ‫منها م�سطرة‪،‬‬ ‫�صفات مم �ي��زة‪ ،‬وج�ع��ل م��ن اخل ��روج عنها‬ ‫خ��روج � ًا ع��ن ال �ع��رف‪ ،‬ك�م��ا مي�ن��ح ال�شاعر‬ ‫النبطي موقف العرب «�أب�ن��اء القبائل» من‬ ‫ق�صيدته �أهمية كربى؛ ف�إن �أطروا ق�صيدته‬ ‫ارت �ف��ع كعبه ال���ش�ع��ري‪ ،‬و�إذا ت�برم��وا منها‬ ‫انح�سر �صيته وهبط بني فحول ال�شعراء‪� ،‬أي‬


‫عيا�ش يحياوي‬ ‫�أن جماليات الق�صيدة ذائعة و�شائعة بني‬ ‫العرب‪ ،‬واملطلوب من ال�شاعر �أن ين�سج على‬ ‫منوالها‪ ،‬وكلما كان ن�سجه �أ�صي ًال يف الذاكرة‬ ‫اجلمعية وك��ان طبعه ال�شعري يت�سم بقيم‬ ‫ال�ب��داوة يف لطائفها وعمق مراميها حفظ‬ ‫البدو �شعره ون�شروه بني القبائل‪ .‬ويف ذلك‬ ‫اعرتاف بقدرته على التعبري اللغوي «املبدع»‬ ‫ع��ن ت���ص��ورات�ه��م مل��ا ح��ول�ه��م م��ن ك��ائ�ن��ات‪،‬‬ ‫وما يف �أعماقهم من �أحالم وقيم وجدانية‬ ‫واجتماعية ت�ؤطرها الثقافة ال�صحراوية‬ ‫املتوارثة‪.‬‬ ‫و�أ�� �ض ��اف ي �ح �ي��اوي‪� :‬أن ال �ب��دو – ومنهم‬ ‫�شعرا�ؤهم‪ -‬ي�ك��ررون الأق��وال وال�سلوكيات‬ ‫املوروثة نف�سها على م��دار يومياتهم‪ ،‬ومن‬ ‫هنا كرث يف كالمهم تكرار الكلمات نف�سها‪،‬‬ ‫وال�تراك �ي��ب ال�ل�غ��وي��ة نف�سها‪ ،‬وك�ث�رت فيه‬ ‫الت�شبيهات يف مطالع الق�صائد وخواتيمها‪،‬‬ ‫بل وكرث فيه تكرار الت�شبيهات والف�ضاءات‬ ‫الو�صفية ملظاهر البيئة واملر�أة‪ ،‬غري �أن هذا‬ ‫التكرار العفوي الذي يراه ال�شاعر البدوي‬ ‫من طبائع الأمور – والكالم ليحياوي‪ -‬يراه‬ ‫ال�شاعر والناقد املدنيان عيب ًا من عيوب‬ ‫ال�شعر وجب على ال�شاعر املبدع اجتنابه‪.‬‬ ‫و�أ�شار يحياوي �إىل �أن النقاد العرب قدمياً‬ ‫ت �ن��اول��وا م��و� �ض��وع «ال �� �س��رق��ات ال���ش�ع��ري��ة»‬

‫�شاعر و�إعالمي جزائري‪ ،‬من‬ ‫مواليد عني خ�ضرة «امل�سيلة» �أو‬ ‫عني اخل�ضراء‪ ،‬بلدة جزائرية‬ ‫‪� ، 1957‬أ�شرف على العديد من‬ ‫ال�صفحات الثقافية يف اجلرائد‬ ‫واملجالت‪ ،‬له ‪ 12‬م�ؤلفاً ما‬ ‫بني كتاب وديوان‪ ،‬يعمل حالياً‬ ‫كبري باحثني يف هيئة �أبوظبي‬ ‫لل�سياحة والثقافة ب�أبوظبي‪.‬‬ ‫وو��ض�ع��وا لها مقايي�س ودرج� ��ات ت�ستملح‬ ‫ال�سرقة و�أخرى تقبحها‪ ،‬كما تفطنوا �إىل �أن‬ ‫الق�صائد ت�أكل من بع�ضها بع�ض ًا‪ ،‬وتتحاور‬ ‫وت�ت��داخ��ل وتتل�ص�ص على جماليات هذا‬ ‫الن�ص �أو ذاك‪ ،‬لكنها تختلف يف �أ�ساليب‬ ‫ال�سرقة‪.‬‬ ‫وقال يحياوي‪« :‬نتحدث عن ال�سرقة‪ ،‬ونحن‬ ‫ب�صدد التعامل مع ن�صو�ص �شعرية بدوية‪،‬‬ ‫ه��ي يف الظاهر ج��زء م��ن الأدب ال�شعبي»‬ ‫وا�ضاف‪ :‬و�إذا مت الت�أكد �أن مقايي�س الأدب‬ ‫ال���ش�ع�ب��ي تنطبق ع�ل�ي�ه��ا‪ ،‬ان�ت�ف��ى م��و��ض��وع‬ ‫ال�سرقات ال�شعرية‪ ،‬ومل يعد له مربر علمي‪،‬‬ ‫ذل��ك �أن ال�سرقات ت�صبح مو�ضوع درا�سة‬ ‫�إذا تعلق الأمر بالن�صو�ص امل�ؤكد انتما�ؤها‬ ‫�إىل امل�ؤلف الفالين املعروف‪� ،‬أما يف حالة‬ ‫الن�صو�ص املجهولة امل��ؤل��ف ف�إنها ت�صبح‬

‫املاجدي بن ظاهر‬ ‫ح�سب رواي��ة لأح�م��د ب��ن م�صبح ب��ن ح�م��وده‪ ،‬ول��د ال�شاعر اب��ن ظاهر‬ ‫بالقرب م��ن منطقة اخل � ّران ون�ش�أ بها وت��رع��رع على �أر��ض�ه��ا وعندما‬ ‫ا�شتد ع��وده و�أ��ص�ب��ح م��ن ال�ق��ادري��ن على حتمل الأخ �ط��ار وال���ض��رب يف‬ ‫الأر�ض �أخذ يتنقل يف مدن االمارات وقراها‪ ،‬ويف �آخر عمره ا�ستقر يف‬ ‫اخل� ّران وت��ويف فيها ودف��ن بها‪ ،‬ويذكر لنا ال��راوي �أي�ضا �أن ابن ظاهر‬ ‫ق��د �أج ��رى بع�ض ال�ت�ج��ارب ع�ل��ى الأرا� �ض��ي ال�ت��ي �أح��ب �أن ي��دف��ن فيها‬ ‫بعد موته‪ ،‬وكانت لديه درية بدفنها يف الرتاب حتى يحل عليها حول‬ ‫كامل ثم يعود لنب�شها فيجدها وق��د �أكلها ال�تراب‪� ،‬إال التي دفنها يف‬ ‫اخل ّران وجدها باقية على حالها مل تتغري‪ ،‬لذلك �أو�صى بدفنه فيها‪.‬‬ ‫وك��ان ابن ظاهر كما ي��روى عنه وكما تدلنا �أ�شعاره �أي�ضا رجل بدوي‬ ‫اعتاد التنقل يف �أرجاء املنطقة �ش�أنه يف ذلك �ش�أن البدو ال ّرحل الذين‬ ‫ينتجعون مواقع القطر ومنابت الكلأ‪ ،‬وله يف ذلك عدة ق�صائد يذكر‬ ‫فيها كثرياً من تلك املواطن التي كان ينتجعها‪.‬‬

‫ج��زء ًا من الأدب ال�شعبي‪ ،‬املحفوظ جي ًال‬ ‫بعد جيل يف الذاكرة ال�شعبية‪ ،‬ويف الغالب‬ ‫يتحول الن�ص ال�شعري البدوي الواحد �إىل‬ ‫عدد من الن�صو�ص الختالف رواته وتقادم‬ ‫الزمن عليه‪.‬‬ ‫و�أو�ضح يحياوي �أنه ‪-‬على خالف ال�شعراء‬ ‫ال�ث�لاث��ة الآخ��ري��ن‪ -‬نبه اب��ن ظ��اه��ر – يف‬ ‫�شعره‪� -‬إىل �أن �شعره نابع من «ف�ؤاده» ولي�س‬ ‫م�ستمد ًا من �شعر غ�يره من ال�شعراء‪ ،‬مبا‬ ‫يعني �أن��ه متفطن �إىل �شعراء زمانه الذين‬ ‫ال ي�صدر �شعرهم عن «الف�ؤاد» بل عن تقليد‬ ‫من �سبقوهم‪ ،‬م�شري ًا �إىل �أن ه��ذا املوقف‬ ‫امل�ت�ق��دم م��ن �شاعر كبري مثل اب��ن ظاهر‬ ‫ي�ؤكد �أن ال�شاعر النبطي املبدع ال ينقل عن‬ ‫غريه لأنه معتز مبوهبته وقدرته على الإتيان‬ ‫ب�صور ومعان �صادرة عن ذاته ال�شاعرة‪:‬‬

‫من �أمثالنا ال من متاثيل غرينا‬ ‫ق��راي �ن �ه��ا حم � �ج ��وزة ع ��ن ت�ل�اده��ا‬ ‫�أباهي بها ال ُّر َّما�س لي َمنْ تظاولوا‬ ‫ْ‬ ‫يل ظال ِم الر َّما�س ظول احت�شادها‬ ‫ك��ود �إن يف ال��رم��ا���س ق�ل��بٍ مولع‬ ‫�اظ لها وا�ستفادها‬ ‫م��ن البعد ح � َّف� ٍ‬ ‫ويقول‪:‬‬

‫ل�ص ْ‬ ‫حاف ِك ْتبٍ مرتجم ْه‬ ‫ول�سطار يف ْ‬ ‫ْ‬ ‫باالنظار و�أن��ا م��ن ف ��ؤادي تراجمه‬

‫�أم��ا ابن عتيج فلم يلتزم مبا التزم به ابن‬ ‫ظاهر‪ ،‬ور�أى يحياوي �أن �شعره مثل �شعر‬ ‫جمايليه ُيرد �إىل �شعر الأوائل كما ترد روافد‬ ‫املاء �إىل املجرى الأ�صلي لل�سيل‪.‬‬

‫وح� � َّن ��ا ِت � ��ر ّد ْام �ث��ا ْل �ن��ا الم�ث��ال�ه��م‬ ‫وم � �� � �س� ��اي� ��لٍ ت� �ت� �ب ��ع م � �غ� ��اين � �س �ي��ل‬ ‫و�أ��ش��ار يحياوي �إىل �أن ال�شاعر اب��ن عزيز‬ ‫كان يرى �أن �شعر ابن ظاهر ميثل منوذج ًا‬ ‫يحتذى به‪ ،‬ومل ينتبه �إىل �أن ابن ظاهر نف�سه‬ ‫يرف�ض فكرة االحتذاء مثل �أي �شاعر م�ؤمن‬ ‫بتفرده‪ ،‬ولقد كان ابن ظاهر يفتخر ب�شعره‬ ‫لأن ف��ؤاده هو م�صدره‪� ،‬أما ابن عتيج وابن‬


‫المرصد‬ ‫‪18‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫عزيز فيفتخران ب�شعرهما لأنه م�ستمد من‬ ‫�شعر �شعراء قدامى يعتزان مبكانتهم يف‬ ‫ذاكرة الأجيال‪.‬‬ ‫ويف ه��ذا ال�سياق ي�سجل ي�ح�ي��اوي موقف‬ ‫ابن عزيز من �شعر ابن ظاهر‪ ،‬حني يقول‪:‬‬ ‫«�سبحان اهلل‪ ،‬مل يكن املاجدي بن ظاهر‬ ‫�شاعر ًا‪� ،‬إن يف �شعره عامل ًا �أو�سع من عامل‬ ‫ال�شعراء‪� ،»...« ،‬إن يف ق�صيده من املعاين‬ ‫والت�شبيهات واخل �ي��ال واحل �ك��م والأم �ث��ال‬ ‫والأح�ساب وقيم الرجولة وطبائع الب�شر ما‬ ‫يفوق قدرة ال�شعر على التحمل‪.».‬‬ ‫وقال يحياوي �إن ر�أي فتاة العرب مل يختلف‬ ‫عن ر�أي ال�شاعرين ابن عتيج واب��ن عزيز‬ ‫ع�ل��ى ال��رغ��م م��ن الإ�� �ض ��اءات التجديدية‬ ‫الوا�ضحة يف البنية اللغوية لبع�ض �شعرها‬ ‫فهي ت��رى م��ا ي��ري��ان م��ن �أن اخل ��روج عن‬ ‫القواعد التي �أر�ساها ال�شعراء الأوائ��ل يف‬ ‫ق��ول ال�شعر ب��دع��ة غ�ير م�ستحبة‪ ،‬وت�شري‬ ‫باال�سم �إىل ال�شعراء القدامى الذين ترى‬ ‫�أن �شعرهم من��وذج يف التعبري عن لواعج‬ ‫احلب‪:‬‬

‫م�ست�سِ ّني‬ ‫لو يف الهوى حكم الن�صف ْ‬ ‫لِك ما عوى من ويعة احلب عاوي‬ ‫تج ّني‬ ‫وا�س َ‬ ‫قبلك محْ َ � ْي���س��ن ب��ه ِب� ِل��ي ْ‬ ‫واب��ن ال � َف � َر ْج مثله ون��اح احل�ساوي‬ ‫وع�ب��د اهلل ال�ق��ا��ض��ي عليهن ا ْي ��ون‬ ‫و�سليم ع�ب��د احل��ي ِي� ْن�خ��ا ال �ع��زاوي‬ ‫وحم � �م ��د ال� �ل� �ع� �ب ��ون ب� ��ه ِي� � ْل� � ِع� � ِب� � ّن ��ي‬ ‫ولمِ �غ �ل��وث اي� � ِه ��ن رِمِ � ��ي ب��ال��ده��اوي‬ ‫و ْب � � ��ن ال � �� �ّ�س ��راي ��ا ق �ب �ل �ه��م ِل � ّت �ه � ّن ��ي‬ ‫واللي َ‬ ‫م�ضوا د�سوا وع��وره حفاوي‬

‫امتداد الديوان النبطي اجلمعي‪.‬‬ ‫�أول هذه التكرارات هو تكرار الأرقام‪ ،‬حيث‬ ‫يتكرر – على �سبيل املثال‪ -‬الرقم ‪ 90‬لدى‬ ‫ال�شعراء الأرب�ع��ة –مو�ضع البحث‪ -‬وك�أنه‬ ‫رق��م �سحري من واج��ب ال�شاعر �أن يلتزم‬ ‫ب��ه‪ ،‬وكذلك ا�ستخدام كل من فتاة العرب‬ ‫وابن عزيز لرقمي «مليون ومليار» م�شري ًا‬ ‫�إىل �أنهما مل يظهرا يف �شعر ابن ظاهر وابن‬ ‫عتيج لأنهما رقمان حديثان ومرجعيتهما‬ ‫اللغوية غري عربية‪ .‬ويلفت يحياوي �إىل �أن‬ ‫هذين الرقمني قد ميثالن يف ال�شعر النبطي‬ ‫«وعد‬ ‫احلديث تطور ًا �شكلي ًا للع ّد يف قولهم‪َّ :‬‬ ‫ما ناحت الورقا‪ ،‬واعداد ما ن�سن�س ال�صبا»‬ ‫تقول فتاة العرب‪:‬‬

‫الوعي الجمعي في‬ ‫بنية القصيدة النبطية ويا مرحبا مليون هيلٍ بال كيل‬ ‫ع��د ال�ت�راب �أو ع��د م��ا ينبت العود‬ ‫حولها إلى مسطرة‬ ‫وجعل من الخروج‬ ‫ويقول ابن عزيز‪:‬‬ ‫ً‬ ‫عنها خروجا عن العرف ويا مرحبا ع�شرين مليون مليار‬ ‫مظاهر الت�شابهات اللفظية‬

‫وق��ال يحياوي �إن تقاليد القول يف ال�شعر‬ ‫النبطي فر�ضت ح��زم��ة ال �ت��زام��ات قيدت‬ ‫خ�ي��ال ال���ش��اع��ر‪ ،‬ومنعته م��ن ال �ت �م��ادي يف‬ ‫التجريب ال�شعري‪ ،‬باعتبار ذل��ك مغامرة‬ ‫غري م�ضمونة ميجها ال��ذوق القبلي وتن�أى‬ ‫ب��ال���ش��اع��ر ع��ن جم� ��اراة ف �ح��ول ال���ش�ع��راء‬ ‫الذين ت�شكل ق�صائدهم م�سطرة القيا�س‬ ‫يف الإج ��ادة وال�ت�ف��وق‪ ،‬فكرثت الت�شبيهات‬ ‫اللفظية والأ�سلوبية يف ن�سيج اللغة‪ ،‬وقدم‬ ‫مناذج لذلك‪ ،‬م�شري ًا �إىل �أن هذه التكرارات‬ ‫الأ�سلوبية واللفظية والبيانية تتكرر على‬

‫�سعيد بن عتيج الهاملي‬ ‫�سعيد بن را�شد بن �سعيد بن عتيج الهاملي‪� ،‬شاعر �إماراتي من �شعراء‬ ‫مطلع القرن الرابع ع�شر الهجري‪ ،‬والهوامل من حلف بني يا�س‪ ،‬ولد‬ ‫يف بطانة ليوا على بعد ‪ 20‬كلم من ليوا يف حم�ضر « حوايا » الذي‬ ‫ذكره يف واحدة من ق�صائده‪ ،‬وكانت والدته عام ‪ 1875‬على التقريب‬ ‫وكانت وفاته عام ‪ 1919‬م فعا�ش ‪� 44‬سنة تقريبا وتويف دون �أن يتزوج‪،‬‬ ‫ا�شتهر ب�شعر الونة‪.‬‬

‫ترحيب ما حت�صيه رو���س القالمه‬

‫كما متثلت الت�شابهات ال�شعرية كذلك يف‬ ‫تكرار ال�شائع‪ ،‬والكالم ما زال ليحياوي‪،‬‬ ‫الذي يرى �أنه ال غرابة يف �أن يكرر ال�شعراء‬ ‫تعبري ًا �شائع ًا‪ ،‬املهم هل مت توظيفه وفق ًا‬ ‫حلد�س �شعري يخ�صبه ويرتفع به من داللته‬ ‫الأ�صلية املبا�شرة �إىل ان��زي��اح جيد �أم ال‪،‬‬ ‫وق��ال‪ :‬ح�ين ذك��ر اب��ن ظاهر ع�ب��ارة «ج ْب ْل‬ ‫التهام ْه َجرادها» ف�إنه انتقل بهيجان اجلراد‬ ‫يف هذا اجلبل من داللته الفيزيائية املرئية‬ ‫�إىل داللة نف�سانية‪ ،‬فقد �شبه هيجان ال�شعر‬ ‫يف قلبه بهيجان ذلك اجلراد الكثري‪ ،‬تعبري ًا‬ ‫منه عن غ��زارة ال�شعر التي تنثال من قلبه‬ ‫املبدع حلظة �إن�شاء الق�صيدة‪ ،‬لذلك قال‪:‬‬

‫غو�ش لك ّنها‬ ‫يغو�شنْ على قلبي ْن ٍ‬ ‫كما غا�ش من ج ْب ْل التهامه جرادها‬

‫�أم��ا اب��ن عزيز – كما ي��رى يحياوي‪ -‬فلم‬ ‫يلتفت لغري ك�ثرة ع��دد ج��راد جبل تهامة‪،‬‬ ‫فا�ستخدم العدد كما �سمع به‪:‬‬


‫تقاليد القول في الشعر‬ ‫النبطي فرضت حزمة‬ ‫واللي تع ّنا به من ال�شر ماجور‬ ‫التزامات قيدت خيال‬ ‫وب��ه م��رح�ب��ا ع� �دّت ج ��راد التهامي الشاعر ومنعته من‬ ‫لو �شفتهم مثل اجلراد التهامي‬ ‫التمادي في التجريب‬ ‫ما ليهم عزامي يل احتما حامي الكري الشعري‬ ‫وا�ستطرد يحياوي يف ذكر �أن��واع الت�شابهات ب �ي ��ن م� � � ��وي اب � � �ح� � ��ور م� �ل� �ق ��ايف‬ ‫ال�شعرية‪ ،‬فذكر منها تكرار ال�صيغ اللفظية‪،‬‬ ‫م� � � ��ا ي� � ��� � �ص � ��ك ال � � � �ق� � � ��وع ب � � � ِّل � � �ي � ��ده‬ ‫ومثالها ال��ذي �أورده ت��وات��ر من��ط واح��د من‬

‫التعبري عن العمق لدى كل من ال�شعراء الثالثة‬ ‫ابن عتيج وفتاة العرب واب��ن عزيز‪ ،‬وهو ما‬ ‫ر�أى فيه منط ًا �شائع ًا بني ال�شعراء النبطيني‬ ‫التقليديني ال��ذي��ن رب �ط��وا جميع ًا العمق بـ‬ ‫«البلود» وهي قطع حديدية تربط يف حبل طويل‬ ‫وتُرمى من على املركب لقيا�س عمق البحر‪،‬‬ ‫وقد كانت هذه القطع �شائعة بني الغوا�صني يف‬ ‫«الهريات»‪ ،‬و�أ�ضاف يحياوي‪ :‬وك�أن ال�شعراء‬ ‫الذين ال يعرفون البلود ال ميكنهم و�صف عمق‬ ‫البحر �أو عمق �أي �شيء �آخر‪ ،‬وذاك دليل �آخر‬ ‫على االتباع والتقليد والتكرار من دون منح‬ ‫اخليال ال�شعري �أي فر�صة لبحث عن �صيغ‬ ‫تعبريية �أكرث جدة‪ .‬و�أكد يحياوي �أن ال�شعراء‬ ‫مل يكونوا يرون يف ذلك عيب ًا ما دام ال�سابقون‬ ‫لهم من الفحول قد �سنوا هذه ال�صيغة الثابتة‪،‬‬ ‫م�شري ًا �إىل �أن هذه ال�صيغة الو�صفية مل ترد يف‬ ‫�شعر ابن ظاهر‪.‬‬ ‫يقول ابن عتيق‪:‬‬

‫ع � � �ي� � ��ن ال� � � � �ظ� � � � �ب � � � ��ي مل� � � �ف� � � � ِّل � � ��ي‬ ‫� � � � � � � � �س � � � � � � � � َدّه غ � � � � ��زي � � � � ��ر ا ْب� � � � � �ل � � � � ��ود‬

‫وتقول فتاة العرب‪:‬‬

‫ث��اب��ت اىل خ�ف��ت وزون املهابيل‬ ‫وغ�م�ي��ق ب �ح��رٍ م��ار� �س��ت ف�ي��ه ل�ب�ل��ود‬

‫ويقول ابن عزيز‪:‬‬

‫زم��ن فوقها ق��رم املتامات ي�س ّلم‬ ‫غ ��زي ��ر � � �س � ٍّ�د وال حل � ْق �ل��ه اب� �ل ��ودي‬ ‫و�أ�شار يحياوي �إىل ما �أ�سماه بالتكرار الناجت‬ ‫عن جناية ال��رواة‪ ،‬وهو ال ُيدخله يف التكرار‬ ‫ال �ن��اجت ع �م��د ًا ع��ن ال���ش�ع��راء‪ ،‬وم�ث��ال��ه على‬ ‫ذلك التكرار اللفظي ل�صيغة لفظية كاملة‬ ‫و�سامع» من ق�صيدة ابن‬ ‫و�ضر�س‬ ‫هي «ع ٍني‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ظاهر �إىل ق�صيدة ابنته �أو العك�س‪ .‬م�شرياً‬ ‫�إىل �أن عبارة «ما قل ودل» تكررت لدى فتاة‬ ‫العرب وابن عزيز‪ ،‬وال ندري من �أخذها من‬ ‫الآخر‪ ،‬م�شري ًا �إىل �أنها قد تكون متداولة عند‬ ‫غريهما من ال�شعراء‪ .‬وذكر يحياوي �أنه يكاد‬ ‫يجزم �أن ت�سعني يف املائة من دواوين ال�شعر‬ ‫النبطي يف دولة الإمارات ال �أ�صول لها‪ ،‬بحيث‬ ‫ال جتد يف مقدمة الكتاب كيف قام الباحث‬ ‫بجمع املعلومات‪ ،‬وما هي م�سوداته‪ ،‬وما هي‬ ‫امل�صادر التي جمعها‪ ،‬م�شري ًا �إىل �أنه لي�س‬ ‫من حق الباحث �أن يعترب �أنه هو امل�صدر من‬ ‫دون �أن يذكر �أو يو�ضح ما هي امل�صادر التي‬ ‫جمع منها الديوان‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف �أن��ه يجب على الباحثني يف ال�شعر‬ ‫النبطي الإم��ارات��ي �سواء املواطنني �أو من‬

‫فتاة العرب‬ ‫هي ال�شاعرة الإماراتية عائ�شة بنت خليفه بن ّ‬ ‫ال�شيخ �أحمد بن خليفه‬ ‫ال�سويديّة‪ ،‬ولدت و �سكنت يف �أبوظبي ثم �أقامت بعد ذلك يف دبي‪ .‬هذه‬ ‫ال�شاعرة التي انقادت لها ع�صيّات الألفاظ امل�سوّمة و �سل�س لها قياد‬ ‫املعاين املحكمة كانت تعرف �سابقا بلقب « فتاة اخلليج » اختار لها لقب‬ ‫« فتاة العرب» ال�شيخ حممد بن را�شد �آل مكتوم بعد تكرميها وتقليدها‬ ‫و�سام �إمارة ال�شعر يف عامل ال�شعر ال�شعبي يف عام ‪.1989‬‬

‫ابن عزيز املن�صوري‬ ‫ه��و ال���ش��اع��ر ��ص��ال��ح ب��ن ع�ل��ي بن‬ ‫ع��زي��ز ب��ن ع�ب�ي��د امل �ع�ين امل�ط��اوع��ه‬ ‫البومنذر املن�صوري ‪ .‬م��ن قبيلة‬ ‫املنا�صري ‪ .‬ولد ال�شاعر عام‪1939‬م‬ ‫يف �إمارة �أبوظبي مبنطقة الظفرة‬ ‫يف ب �ي �ن��ون��ة ب��امل �ن �ط �ق��ة ال �غ��رب �ي��ة‪،‬‬ ‫ون�ش�أ وتربى وعا�ش حياة البادية‬ ‫ب�ين �أف��راد قبيلته‪ .‬م��ار���س ال�شعر‬ ‫وه� ��و يف � �س��ن ال �� �ش �ب��اب وع��ا� �ص��ر‬ ‫ظ �ه��ور ال �ن �ف��ط ون �ه��و���ض ال��دول��ة‬ ‫وتطورها وق��ام على خدمة وطنه‬ ‫ق �ب��ل االحت � � ��اد ب��ان �� �ض �م��ام��ه �إىل‬ ‫ق ��وات ح��ر���س احل ��دود وب�ع��د قيام‬ ‫دول��ة االحت��اد ان�ضم �إىل احلر�س‬ ‫اخل��ا���ص ل���ص��اح��ب ال���س�م��و رئي�س‬ ‫ال ��دول ��ة رح �م��ه اهلل‪ .‬ث ��م �أ� �ص �ب��ح‬ ‫ع�ضواً يف جمل�س �شعراء البادية‬ ‫ب�إمارة �أبوظبي‪ ،‬و�شارك يف العديد‬ ‫م��ن امل�ن�ت��دي��ات ال���ش�ع��ري��ة املحلية‬ ‫واخلليجية‪ ،‬حتى �أ�صبح �أحد �أبرز‬ ‫� �ش �ع��راء دول ��ة الإم � ��ارات ال�ع��رب�ي��ة‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫جن�سيات �أخ��رى �أن يحذروا من كتابة كلمة‬ ‫«ج�م��ع وحت�ق�ي��ق» لأن �أغ �ل��ب الكتب املعنية‬ ‫ب�ه��ذا ال���ش��أن يكتب عليها «حت�ق�ي��ق» وعند‬ ‫فتح الكتاب من الداخل ال جند �أي حتقيق‬ ‫ي��ذك��ر‪ ،‬فالتحقيق ه��و ف��ن ق��ائ��م ب��ذات��ه من‬ ‫خالل التعريف بال�شاعر والبيئة التي كان‬ ‫يعي�ش فيها ومن هم ال�شعراء الذين ت�أثر بهم‬ ‫وعا�صرهم‪ ،‬كما يجب �شرح �أ�سماء الأعالم‪،‬‬ ‫م�ث��ل �أ� �س �م��اء امل �ن��اط��ق واجل��ب��ال وال�ب�ح��ار‬ ‫والتطرق �إىل اللمحات التاريخية حتى يكون‬ ‫املعنى وا�ضح ًا للقارئ والباحثني‪.‬‬ ‫يف ختام الأم�سية كرم حبيب ال�صايغ رئي�س‬ ‫الهيئة الإداري��ة لبيت ال�شعر ال�شاعر عيا�ش‬ ‫يحياوي وقدم له درع بيت ال�شعر‬


‫اآلفاق‬ ‫المرصد‬ ‫ارتياد‬ ‫‪20‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫ي�سعى لتوثيق تراث الفنانني ال�شخ�صي‬

‫رواة القصص ‪..‬‬

‫معرض فني يقرن المرئي بالمكتوب‬ ‫�أبوظبي ‪� -‬سامح كعو�ش‬ ‫افتتح معايل خلدون خليفة املبارك‪ ،‬الرئي�س التنفيذي والع�ضو املنتدب ل�شركة مبادلة‬ ‫للتنمية‪ ،‬يف قاعة املعمورة يف �أبوظبي ال�شهر الفائت‪ ،‬املعر�ض الفني «رواة الق�ص�ص»‪ ،‬بح�ضور‬ ‫هدى كانو م�ؤ�س�س جمموعة �أبوظبي للثقافة والفنون املدير الفني ملهرجان �أبوظبي‪ ،‬ولفيف‬ ‫من حمبي الفن الت�شكيلي ومندوبي و�سائل الإعالم املحلية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ي�أتي املعر�ض يف �إطار رعاية مبادلة ملهرجان �أبوظبي‪ ،‬باعتبارها �شريكا طويل الأمد ملجموعة‬ ‫�أبوظبي للثقافة والفنون‪ ،‬وحر�صها على ن�شر ثقافة تقدير الرتاث واحرتامه‪.‬‬

‫الت�شكيل واالنيمي�شن معا ً لوفاء خازندار‬

‫ت�ضمن املعر�ض ال��ذي ي�ستمر حتى الرابع‬ ‫ع�شر من ال�شهر اجلاري �أعما ًال فنية لأربعة‬ ‫فنانني وخم�س فنانات من دولة الإمارات هم‪:‬‬ ‫عبد العزيز الف�ضلي «لوحات»‪ ،‬نور ال�سويدي‬ ‫«ل���وح���ات»‪ ،‬ي��و� �س��ف ال��ه��رم��ودي «ت���ص��وي��ر‬ ‫فوتوغرايف»‪ ،‬عبد ال��ر�ؤوف خلفان «لوحات»‪،‬‬

‫وفاء خازندار «لوحات وعمل فيديو»‪� ،‬أ�شواق‬ ‫احلو�سني‪ ،‬حممد املزروعي «لوحات»‪ ،‬خولة‬ ‫دروي�ش ونوف العجمي‪.‬‬ ‫وت�ترك��ز ف�ك��رة امل�ع��ر���ض يف حم��اول��ة جت��اوز‬ ‫ال�صيغ والأ�شكال املعروفة لالت�صال املرئي‬ ‫من خ�لال ط��رح �سرد �شخ�صي مع كل عمل‬

‫من الأعمال الفنية‪ ،‬يك�شف خالله الفنانون‬ ‫امل���ص��ادر احلقيقية لإلهامهم‪ ،‬يف حماولة‬ ‫لتوثيق منابع ت��راث�ه��م الفني اخل��ا���ص‪ .‬يف‬ ‫املعر�ض تتاح للمتلقي فر�صة �أن ي�شاهد العمل‬ ‫الفني و�أن يقر�أ ق�صته كما يرويها الفنان‬ ‫نف�سه‪ .‬هذا التجاور بني العمل وحكايته ميثل‬ ‫روح املعر�ض وما ينطوي عليه من دالالت فنية‬ ‫يتوافر عليها اال�سم نف�سه «رواة الق�ص�ص»‪،‬‬ ‫فاملعر�ض يف النهاية ال يقدم فقط جملة من‬ ‫الأ�ساليب الفنية املتباينة من فنان �إىل �آخر‪،‬‬ ‫و�إمنا يحفر يف البعد الر�ؤيوي للعمل الفني‪،‬‬ ‫وم�صادر �إلهامه‪ .‬وعندما يك�شف الفنان عن‬ ‫الن�ص الثاوي وراء لوحته �أو عمله الإبداعي‬ ‫ف�إنه يخلق عالقة خا�صة مع املتلقي‪ ،‬ورمبا‬ ‫زج��ه يف معرتك العمل وت�سا�ؤالته‬ ‫ي�سهم يف ّ‬ ‫ومقوالته الفنية والفكرية‪.‬‬ ‫ي�سلط امل�ع��ر���ض ال���ض��وء ع�ل��ى منجز الفن‬ ‫الت�شكيلي يف الإم� ��ارات م��ن خ�لال جت��ارب‬


‫الفنانني الت�سعة‪ ،‬وي�ضم �أعما ًال خمتارة لهم‬ ‫ت�أخذنا يف رحلة تتجاوز ال�صيغ والأ�شكال‬ ‫املعروفة لالت�صال املرئي‪� ،‬إذ تطرح منط ًا‬ ‫جديد ًا من العر�ض القائم على االكت�شاف‬ ‫الر�ؤيوي ملوحيات فنية ت�سهم يف �إجناز العمل‬ ‫الفني منبثق ًا من ذات الفنان‪ ،‬من خالل‬ ‫طرح الق�صة الكامنة وراء كل عمل مع كل‬ ‫من الأعمال الفنية املعرو�ضة‪ ،‬ي�سلط عربه‬ ‫الفنانون ال�ضوء على امل���ص��ادر احلقيقية‬ ‫لإل�ه��ام�ه��م‪ ،‬م��ن ال�ت�راث �إىل احل ��زن‪ ،‬ومن‬ ‫املر�ض �إىل الهجر‪ ،‬حيث ت�شكل املو�ضوعات‬ ‫التي ي�ستك�شفها الفنانون �أعما ًال فنية رائعة‬ ‫مت ّثل جمموعة متنوعة من و�سائل التعبري‬ ‫الب�صري الت�شكيلي‪.‬‬

‫لوحتان لعبد العزيز الف�ضلي‬

‫الألوان الأخرى كاف ًة‪ ،‬يف لوحة فنية �إماراتية‬ ‫عالية اخل�صو�صية‪ .‬‬

‫خلفان يستحضر‬ ‫الذاكرة اإلماراتية‬ ‫الف�ضلي ‪ ..‬رموز وثيمات غنية‬ ‫تشكيله‬ ‫في‬ ‫وحاضرها‬ ‫ال�سويدي‪ ..‬جر�أة لونية وداللية‬ ‫تعك�س �أعمال الفنان الت�شكيلي عبد العزيز‬ ‫تتجه الفنانة الت�شكيلية نور ال�سويدي التي‬ ‫حممد �سعيد الف�ضلي‪ ،‬وهو فنان وخطاط من الفني الصاخب‬

‫�أبو ظبي‪ ،‬الثقافة املحلية التي ينتمي �إليها‬ ‫مبا حتمله من رموز وثيمات غنية‪ ،‬ويرى �أنها‬ ‫هي م�صدر �إلهام لكل فنان‪ ،‬ويقول «كانت‬ ‫عنا�صر الثقافة التي ينتمي �إليها الفنان دوم ًا‬ ‫جم�سدة يف الأع �م��ال الفنية‪ ،‬وه��ي بالطبع‬ ‫موجودة يف �أعمايل»‪.‬‬ ‫حتقيق ًا حلريته اخل��ا��ص��ة يف التعبري عن‬ ‫هويته الإماراتية ب�أ�سلوب فني مغاير وجديد‪،‬‬ ‫يدمج يف �أعماله املبتكرة بني العلم والفن‪،‬‬ ‫وال ��ذي ه��و �أ��ش�ب��ه ب�سيمفونية �أو ق�صيدة‬ ‫حتتفي باحلروفية العربية‪ ،‬ا�ستطاع الفنان‬ ‫الف�ضلي ابتكار منطه الفني اخل��ا���ص من‬ ‫خ�لال درا�ساته وق��راءات��ه التحليلية للخط‬ ‫ال�ع��رب��ي‪ ،‬جامع ًا ب�ين الكال�سيكية القائمة‬ ‫ع�ل��ى امل�ح��اف�ظ��ة ع�ل��ى ال �ق��واع��د امل�شرتكة‬ ‫للخط ومبادئ احلروفية العربية‪ ،‬و�أ�سلوبه‬ ‫الفردي الذي قد يبدو �أحيان ًا غري تقليدي‪،‬‬ ‫� �ش��ارك يف ال �ع��دي��د م��ن امل �ع��ار���ض حملي ًا‬ ‫وعاملي ًا‪ ،‬وجال العامل على نطاق وا�سع‪ ،‬وهو‬ ‫�شاعر وكاتب وباحث يف التاريخ الإ�سالمي‬ ‫والفل�سفة االجتماعية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل ذلك‪،‬‬ ‫در���س الفنان املو�سيقى والت�صوير‪ ،‬وعمل‬ ‫يف امل�سرح ل�سنوات عديدة‪.‬وت�شي اللوحتان‬

‫اخل��ا��ص�ت��ان بالفنان الف�ضلي يف املعر�ض‬ ‫بجماليات احلروفية العربية كعن�صر مميز‬ ‫�ضمن عنا�صر ال�ت�راث الإم��ارات��ي والهوية‬ ‫الثقافية‪ ،‬فهذا الإرث اللغوي العظيم يعترب‬ ‫بالن�سبة �إىل الف�ضلي ملهمه الأول يف �إجناز‬ ‫عمله الفني‪ ،‬فهو يعترب �أن �أعماله تنبثق من‬ ‫معتقدات ذاته وقيمه الإبداعية والإن�سانية‬ ‫وجت�سد �أفكاره و�أحالمه و�أحا�سي�سه‪ ،‬وتقول‬ ‫ق�صته وم��ن خاللها يعلن ح�ضوره يف هذا‬ ‫ال �ع��امل‪ .‬وت��رك��زان يف تفا�صيلهما الدقيقة‬ ‫على الألوان املحلية والأ�شكال احلروفية التي‬ ‫جتتمع لتك ّون �صورها �أو �شكلها الإن�ساين‬ ‫اليومي‪ ،‬فالألوان الأزرق والرمادي يحتمالن‬ ‫التنوع اللوين يف الطبيعة الإماراتية‪ ،‬بالأزرق‬ ‫لون ًا لل�سماء والبحر مع ًا‪ ،‬وت��أت��ي احل��روف‬ ‫لتحتفي بلونيات مفارقة جامعة بني �صنوف‬

‫استطاع الفضلي‬ ‫ابتكار نمطه الفني‬ ‫الخاص من خالل‬ ‫دراساته وقراءاته‬ ‫التحليلية للخط العربي‬

‫ولدت عام ‪ ،1981‬واملتخ�ص�صة يف درا�سات‬ ‫الفنون يف اململكة املتحدة والواليات املتحدة‪،‬‬ ‫�إىل التنويع يف جتاربها الت�شكيلية يف عوامل‬ ‫الأل��وان على القما�ش والأعمال على الورق‪،‬‬ ‫بني البورتريه و الرمزية التجريدية‪ ،‬ومتثل‬ ‫�أعمالها تطورها �أ�سلوبي ًا‪ ،‬يف خليط يجمع بني‬ ‫اجلر�أة اللونية والأ�شكال املحملة بالدالالت‬ ‫التي حتفز املخيلة‪.‬‬ ‫وحتتفي الفنانة ال�سويدي بلونيات عالية‬ ‫التجريد تت�شكل ب ��أل��وان ح��ادة ول�ك��ن دون‬ ‫م�لام��ح وا��ض�ح��ة ل�ل�أ��ش�ك��ال‪ ،‬ك��ال�برت�ق��ايل‪،‬‬ ‫الأخ �� �ض��ر‪ ،‬الأ� �ص �ف��ر‪ ،‬ال ��زه ��ري‪ ،‬الأزرق‪،‬‬ ‫والبنف�سجي‪ ،‬يف ر�سم الوجوه التي ال ت�شبه‬ ‫ال��وج��وه‪ ،‬والب�شر ال��ذي��ن ي�شكلون من��وذج� ًا‬ ‫هالمي ًا ال يحتمل التفا�صيل الدقيقة والزوايا‬ ‫احل��ادة يف لوحتيها املعرو�ضتني‪ ،‬وت�ستمد‬ ‫ع�ن��ا��ص��ر �أ� �ش �ك��ال �ه��ا ال �ه�لام �ي��ة امل�ت�م��اوج��ة‬ ‫املالمح من ع��وامل �أحالمها‪ ،‬ك�أنها تر�سم‬ ‫«بالنيغاتيف» املل ّون‪ ،‬ولكنه ذو طابع �إماراتي‬ ‫ت�شرق فيه �ألوان ال�صباحات والطبيعة وحتى‬ ‫الأح�لام تتم�سك ب�ألوانها داخل اللوحة‪ ،‬يف‬ ‫تعبريها الفرح الكرنفايل‪.‬‬


‫المرصد‬ ‫‪22‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫القابلة ل �ل��دوران»‪ ،‬وت�شكل اللوحات الأرب��ع‬ ‫اخلا�صة ب��ه داخ��ل املعر�ض‪ ،‬ل��وح� ًة واح��د ًة‬ ‫ب��أج��زاء �أرب�ع��ة‪ ،‬ي�ستطيع امل�شاهد تدويرها‬ ‫يف اجت��اه معني لتجتمع يف �شكل �آخ��ر للوحة‬ ‫الواحدة‪ ،‬مبا يعنيه ذلك من خلق �أبعاد فنية‬ ‫وجمالية جديدة مع كل ا�ستدارة‪� ،‬إذ معها‬ ‫ي�ستجمع املتلقي �شك ًال من ا�شكال احل�ضور‬ ‫الت�ضامني مع العن�صر الأبرز للوحة‪ ،‬والذي‬ ‫يكون يف اال��س�ت��دارة الأوىل البيت الرتاثي‬ ‫الإماراتي‪ ،‬بينما يكون مع اال�ستدارة الثانية‬ ‫وجه امل��ر�أة‪ ،‬ويكون يف اال�ستدارة الثالثة جرة‬ ‫املاء احلمراء املزينة بنقو�ش تراثية هند�سية‪،‬‬ ‫�أما يف اال�ستدارة الرابعة فهو �شجرة النخيل‬ ‫ال��زرق��اء ال�ل��ون‪ ،‬ويف ذل��ك بعد داليل عجيب‬ ‫يحيل امل��وج��ودات الأ�صيلة يف البيئة املحلية‬ ‫ذات �ألوان ناطقة مبا هو خمتلف وجديد‪ ،‬ك�أننا‬ ‫�أمام لعبة الفن يف عالقته باحلياة‪� ،‬أو ما ميكن‬ ‫لنا �أن ن�سميه تفجريات اللون يف الللوحة الال‬ ‫نهائية الت�ش ّكل‪ ،‬وهي لعبة جمالية جل�أ �إليها‬ ‫الفنان ليك�سر حدة التلقي النمطي املعتاد يف‬ ‫القراءة الواحدة للعمل الفني‪.‬‬

‫�سف اخلو�ص ليو�سف الهرمودي‬

‫احلو�سني‪ ..‬تخييل الواقع‬

‫جم�سم القلوب خلولة دروي�ش‬

‫خلفان‪ ..‬عوامل من الرتاث‬

‫�أم��ا الفنان الت�شكيلي عبد ال��ر�ؤوف خلفان‬ ‫فيتميز كما هو معروف عنه‪ ،‬ونتيجة ارتباطه‬ ‫بوطنه و�شغفه بالرتاث‪ ،‬بر�سم عوامل تراثية‬ ‫ي�ستوحيها من خميلته و�أحالمه التي يغنيها‬ ‫موروثه الوطني وهويته الثقافية‪ ،‬ويرتجمها‬ ‫يف �أ�شكاله التكعيبية‪ ،‬فهو ي�ستح�ضر الذاكرة‬ ‫الإم��ارات �ي��ة وح��ا��ض��ره��ا يف ت�شكيله الفني‬ ‫ال�صاخب‪ ،‬ب�ألوان يغلب عليها الأ�صفر الرملي‬ ‫والأزرق ال�ب�ح��ري م��ن البيئة الإم��ارات �ي��ة‪،‬‬ ‫و�أ�شكال تت�ضح فيها مالمح �شجر النخيل‬ ‫وال �ب �ي��وت ال�ق��دمي��ة وال�ت��و��ش�ي��ة بالتفا�صيل‬

‫الهند�سية الإم��ارات �ي��ة الإ�سالمية يف وجه‬ ‫امل��ر�أة �أو �شجرة النخل �أو البيت الرتاثي �أو‬ ‫جرة امل��اء‪ ،‬يف ع��ودة �إىل م�صدر �إلهام فني‬ ‫�أكرث نقا ًء و�أ�صال ًة‪.‬‬ ‫كما يتميز الفنان الت�شكيلي عبد ال��ر�ؤوف‬ ‫خلفان �أي�ض ًا ب�أ�سلوبه اخل��ا���ص «اللوحات‬

‫تحتفي السويدي‬ ‫بلونيات عالية‬ ‫التجريد بألوان حادة‬ ‫دون مالمح واضحة‬ ‫لألشكال‬

‫ا�شتغلت الفنانة الت�شكيلية �أ�شواق احلو�سني‪،‬‬ ‫وهي خريجة فنون الغرافيك والت�صميم من‬ ‫كليات التقنية العليا يف العام ‪ ،2004‬على‬ ‫نف�سها لتكون يف م�صاف زمالئها الفنانني‬ ‫امل�شاركني يف معر�ض «رواة الق�ص�ص»‪ ،‬من‬ ‫�أ�صحاب التجارب املك ّر�سة يف م�شهد الفن‬ ‫الت�شكيلي يف الإم��ارات‪� ،‬إذ حاولت �أن جتعل‬ ‫من عملها الواحد �ضمن املعر�ض لوح ًة حافل ًة‬ ‫بالألوان و�صاخب ًة بها‪ ،‬بل ومت�ضمن ًة �أ�شكا ًال‬ ‫ع��دة م��ن التجريب الفني اجل���ريء‪ ،‬وهي‬ ‫كانت قد �شاركت يف العديد من ور�ش العمل‬ ‫ودورات التدريب يف املجمع الثقايف ومنطقة‬ ‫الفنون يف ال�شارقة‪.‬‬ ‫متزج الفنانة ال�شابة يف �أعمالها بني عنا�صر‬ ‫من الواقع و�أخرى من املخيلة‪ ،‬خالق ًة حوار ًا‬ ‫وج��د ًال فني ًا يف ت�ن��اول مو�ضوعات املجتمع‬ ‫واملحيط‪ ،‬ولكنها يف عملها اخلا�ص بف�ستان‬ ‫الأنثى التي ت�شكل العن�صر الأبرز يف لوحتها‪،‬‬


‫ت�شري �إىل لونية فرحة احتفائية منبثقة من‬ ‫�أجواء العر�س النف�سي الذي تقيمه احلبيبة‬ ‫وهي تنتقي ف�ستانها للقاء احلبيب« العري�س»‬ ‫الرجل‪ ،‬فالفنانة تلج�أ �إىل الألوان الطبيعية‬ ‫ج��د ًا ك��الأخ���ض��ر‪ ،‬الأح �م��ر‪ ،‬ال�برت�ق��ايل‪ ،‬بل‬ ‫وت�ستخدم ج�سد الأن�ث��ى �صاحبة الف�ستان‬ ‫نف�سها مبا ي�شبه عن�صر ًا طبيعي ًا هو ال�شجرة‬ ‫بف�ستانها الأخ�ضر و�شعرها املنت�شر يف الهواء‬ ‫ك��أغ���ص��ان مت�شابكة ل�شجرة م��ا‪ ،‬وتر�سم‬ ‫الفنانة احلو�سني عامل ًا غرامي ًا ت�ؤكده خلفية‬ ‫اللوحة وال�ت��ي يظهر فيها �أزواج راق�صون‬ ‫ول��ون �ي��ات ح���ادة ت���س�ت�خ��دم ال �ل��ون الأح �م��ر‬ ‫والربتقايل ملا يليق بلقاء عا�شقني‪.‬‬

‫الهرمودي‪ ..‬واقعية فنية‬

‫بينما ينتمي ال �ف �ن��ان الت�شكيلي يو�سف‬ ‫ال �ه��رم��ودي ال���ذي ب���د�أ م���س�يرت��ه كم�صور‬ ‫فوتوغرايف وعمره ال يتجاوز ‪� 12‬سن ًة‪ ،‬واحرتفه‬ ‫عند بلوغه ‪� 19‬سن ًة‪� ،‬إىل عامل الواقعية الفنية‬ ‫يف ت�صويره لبطل لوحاته الثالث املعرو�ضة‪،‬‬ ‫وه��و ال�ع�ج��وز �صانع ��س�لال الق�ش و�أدوات‬ ‫اال�ستعمال امل�ن��زيل امل�ستخدمة ق��دمي� ًا يف‬ ‫الإم� ��ارات‪ ،‬فالرجل العجوز يجل�س لي�سف‬ ‫اخلو�ص �صانع ًا منه ه��ذا ال�شكل الدائري‬ ‫اجلميل‪ ،‬ال كمجرد داللة ل�صناعة �إماراتية‬ ‫قدمية كانت منت�شرة ومتجذرة يف قامو�س‬ ‫احلياة وال�صناعات‪ ،‬لكن ك�شكل جمايل فني‬ ‫تدل عليه الأ�شكال اللونية والزرك�شة التي‬ ‫على ال�صحن نف�سه‪ ،‬وال تتوقف اجلماليات‬ ‫املتدفقة يف عمل الهرمودي‪ ،‬فهي ت�أخذنا �إىل‬ ‫دقائق مالمح وجه العجوز بتجاعيد ر�سمها‬ ‫الزمن على حمياه‪ ،‬وجدارية خلفه هي بحد‬ ‫ذاتها لوحة فنية �أخ��رى داخ��ل اللوحة‪ ،‬يف‬ ‫توزيع �أ�شياء البيت الإم��ارات��ي القدمي‪ ،‬من‬ ‫�ُ��ص� ّف� ٍة يجل�س عليها ال�ع�ج��وز‪� ،‬إىل مالب�س‬ ‫يرتديها‪ ،‬ونافذة خ�شبية مقفلة يف احلائط‪،‬‬ ‫و�أ�شياء الإنارة وال�شراب وغريها‪.‬‬ ‫يذكر �أن الفنان الهرمودي هو خريج جامعة‬ ‫ال�شارقة وه��و منتج �أف�ل�ام وم���ص��ور‪ ،‬نظم‬ ‫جم �م��وع � ًة م��ن امل �ع��ار���ض ال�شخ�صية مثل‬ ‫«ال�ط��واف» و«وج ��وه» و«�سكة»‪ ،‬ورغ��م �أن لكل‬

‫عمل فني لعبد الر�ؤوف خلفان‬

‫حاولت الحوسني‬ ‫أن تجعل من عملها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حافلة‬ ‫لوحة‬ ‫الواحد‬ ‫باأللوان وبأشكال‬ ‫عدة من التجريب‬ ‫الفني الجريء‬ ‫معر�ض �سمته وثيمته‪ ،‬لكن ما يجمع معار�ضه‬ ‫هو ع�شق ال�صحراء واالعتزاز برتاث الأجداد‪.‬‬

‫خازندرا‪ ..‬م�ضمون مفاهيمي‬

‫ترتكز جتربة الكاتبة والفنانة الت�شكيلية وفاء‬ ‫خازندار املولودة العام ‪ ،1963‬واحلائزة على‬ ‫جمموعة من اجلوائز الفنية والأدبية‪� ،‬إىل‬ ‫عالقتها الأوىل بالكتابة والإب ��داع املتنوع‪،‬‬ ‫فهي �صاحبة م�شروع ابتكاري ل�شخ�صيات‬ ‫الأن�ي�م�ي���ش��ن اخل��ا� �ص��ة ب �ه��ا‪ ،‬وه ��ي الأدي �ب��ة‬

‫وال�شاعرة ذات الثقافة العاملية والعربية من‬ ‫م�صدرين الأول �إماراتي والثاين فل�سطيني‪،‬‬ ‫�إذ لها جمموعتان �شعريتان‪ ،‬وجمموعة‬ ‫خم� �ت ��ارات ل�ق���ص����ص ق �� �ص�يرة‪ ،‬ت��رج�م��ت‬ ‫�أ�شعارها �إىل الأنكليزية‪.‬‬ ‫حتفز خميلة امل�شاهد لأعمالها امل�شغولة‬ ‫بالزيت على القما�ش ممزوج ًا مبواد خمتلفة‪،‬‬ ‫مب�ضمونها املفاهيمي الإن�ساين‪ ،‬م�ستوحية‬ ‫من عوامل احللم والطفولة‪� ،‬شخ�صيات تكرب‬ ‫مع الفنانة وتتكور داخل رحم وعيها الفني‪،‬‬ ‫حتى ت�ك��اد ت�خ��رج م�ستقل ًة عنها‪ ،‬متمرد ًة‬ ‫عليها‪ ،‬بل ومن�شطر ًة يف ذاتها‪� ،‬إذ نرى يف‬ ‫لوحتها ام��ر�أة ذات مالمح ح��ادة وتفا�صيل‬ ‫غاية يف الدقة‪ ،‬تركب ح�صانها الأزرق الذي‬ ‫ال يختلف لونه عن لون طا ٍغ يف لبا�س املر�أة‬ ‫نف�سها‪ ،‬واملتقارب اللون ج��د ًا مع امل�ساحة‬ ‫الأكرب من اللوحة وهي اخللفية باللون الأزرق‬ ‫الفاحت‪ ،‬ولكن املغايرة واملفاج�أة الداللية ذات‬ ‫الإدها�ش يف اللوحة تكمن يف وجه امر�أة رجل‬


‫المرصد‬ ‫‪24‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫جانب من ح�ضور املعر�ض‬

‫�أخرى يخرج من الن�صف الأ�سفل يف اللوحة‬ ‫ويتهاوى نزو ًال يف حركة �ضدية ال تتوافق مع‬ ‫اجتاه الن�صف العلوي من اللوحة �إىل الأعلى‬ ‫بالطريان والفرح واالنعتاق البارز يف حركة‬ ‫يد املر�أة ووجهها ورمزية احل�صان كعن�صر‬ ‫حر يف العمل الفني‪.‬‬ ‫ولأن الفنانة وف��اء خازندار فنانة ا�ستثنائية‬ ‫مبقايي�س ع��دة‪ ،‬جندها تعر�ض يف معر�ض‬ ‫«رواة الق�ص�ص» م�شروعها يف فن الأنيمي�شن‪،‬‬ ‫وه��و ع �ب��ارة ع��ن �سيناريو ح�ي��اة ل�شخ�صية‬ ‫ابتكارية من �صنعها �أ�سمتها «ال�سيد �صامت»‬ ‫ك�أنها تق ّوله يف احل��رك��ة والفنيات العالية‬ ‫املرافقة لها‪ ،‬ما ال يقوله يف احلياة‪.‬‬

‫املزروعي‪ ..‬االحتيال على املتلقي‬

‫ي�شارك الفنان الت�شكيلي حممد املزروعي‬ ‫ال �ف �ن��ان��ة خ���ازن���دار ه���ذا ال �� �ش �غ��ف ال�ف�ن��ي‬ ‫ب��امل�ت�ن��اق���ض��ات‪ ،‬وه ��و ك��ذل��ك اب ��ن ثقافتني‬ ‫ع��ري �ق �ت�ين ل�ل ��إم� ��ارات وم �� �ص��ر ا��س�ت�ل�ه��م‬ ‫موروثهما الغني يف �أعماله الت�شكيلية‪� ،‬إنه‬

‫املتعدد املواهب والغارق يف التجريب الفني‬ ‫والإب ��داع ��ي‪ ،‬كم�صور ف��وت��وغ��رايف و�شاعر‬ ‫وك��ات��ب ل��ه �أك�ثر م��ن �سبع �إ� �ص��دارات‪ ،‬عمل‬ ‫يف املجمع الثقايف ب�أبوظبي‪ ،‬و�أق��ام �أربعة‬ ‫معار�ض فردية يف الإم��ارات‪ ،‬كما �شارك يف‬ ‫العديد من املعار�ض اجلماعية‪.‬‬ ‫مييل الفنان حممد املزروعي �إىل املفاهيمية‬ ‫يف ف�ن��ه‪ ،‬م�ضمن ًا �أع�م��ال��ه �أب��ع��اد ًا جمالية‬ ‫عالية‪ ،‬ور�ؤية متميزة‪ ،‬لكنه يف معر�ض «رواة‬ ‫الق�ص�ص» يلج�أ �إىل حماولة االحتيال على‬ ‫املتلقي ب�أن ي�شركه الغو�ص يف عوامل طفولته‬ ‫وذاكرته الأوىل عن الأ�شياء والكائنات‪ ،‬يف‬ ‫�شفافية عالية ورمزية عميقة حتيل املتلقي‬ ‫�إىل كونٍ من الأ�سئلة الال متناهية عن الوجود‬ ‫والعدالة يف احلياة‪ ،‬وظروف الوالدة والطفولة‬ ‫والوجود الالحق الطبيعي‪ ،‬ليقع الرائي يف‬

‫خازندار أديبة وشاعرة‬ ‫وصاحبة مشروع‬ ‫ابتكاري لشخصيات‬ ‫أنيميشن خاصة بها‬

‫اللوحتني اخلا�صتني باملزروعي يف املعر�ض‪،‬‬ ‫يف �أ�سر املبهم الذي يريده الفنان �شك ًال �أوحد‬ ‫للوعي عن الأم‪ ،‬العائلة‪ ،‬الأ�صدقاء‪ ،‬الآخرين‬ ‫والأ�شياء التي ت�سم عاملهم‪.‬‬ ‫ير�سم امل��زروع��ي ال��وج��وه كما «يخرب�شها»‬ ‫طف ٌل �صغري‪ ،‬بل رمب��ا ن�ستطيع القول �إننا‬ ‫�أم� ��ام ف �ن��ان ك�ب�ير ي�ل�ج��أ �إىل «اخل��رب���ش��ة»‬ ‫كمحاولة لتح�سني �صورة العامل بت�شويهها‪،‬‬ ‫مب��ا ين�سجم م��ع نظرية اخل ��راب اجلميل‬ ‫ال�شائعة يف الأدب وال�ت�ج��ري��ب احل��داث��ي‪،‬‬ ‫فال�شاعر الفنان هنا يكتب عامله مبا ي�شتهيه‬ ‫كطفل يقول الوجود‬ ‫ك�أجمل ما يكون العمر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كما يل ّونه بعينيه‪ ،‬يطرح �أ�سئلته الكونية‬ ‫مب�ف��ردات طفلية ب�سيطة غري ع�صية على‬ ‫ال �ف �ه��م ين�سجم م�ع�ه��ا ف��ن «امل��ون��وت��اي��ب»‬ ‫ال��ذي ي�ستخدمه الفنان الت�شكيلي حممد‬ ‫املزروعي‪ ،‬ك�أنه ين�سج �شبكة غاية يف التعقيد‬ ‫من الأ�شكال والظالل والأل��وان التي تقع يف‬ ‫اللوحة ك�أنها نقاط مطر ينهمر على مهل‬ ‫ويخت�صر ذاته يف �أقل بقعة ممكنة‪ ،‬ليبقى‬


‫خلدون املبارك وهدى كانو خالل افتتاح املعر�ض‬

‫الفن الذي وفر يل ال�شعور بالراحة من بني‬ ‫�أعمايل الفنية» ‪.‬‬

‫دروي�ش‪ ..‬فو�ضى ب�صرية لونية‬

‫من اعمال نور ال�سويدي يف املعر�ض‬

‫احليز الأكرب يف اللوحة للفكرة خلفها‪.‬‬ ‫ي��رى امل��زروع��ي �أن ف��ن امل��ون��وت��اي��ب ال��ذي‬ ‫يعترب من �أ�سهل الأعمال اجلرافيكية من‬ ‫حيث الطباعة‪ ،‬قيا�س ًا مبا يحتاجه العمل‬ ‫اجلرافيكي ع��ادة من اجلهد والتعب‪ ،‬قد‬ ‫�أعاده �إىل طفولته و�سنوات �صباه‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫«لقد عملت يف �صغري �أعما ًال كثرية متعبة‬ ‫مثل كل الأطفال الفقراء ومل �أجد الراحة‬ ‫�إال ع�ن��دم��ا ب�ل�غ��ت ال�ع���ش��ري��ن م��ن العمر‬ ‫وعملت م�صور ًا للأعرا�س واحلفالت‪ ،‬كان‬ ‫الت�صوير هو الأكرث راحة يف حياتي العملية‬ ‫متام ًا كما كان اكت�شايف فن املونوتايب‪ ،‬هو‬

‫�أما الفنانة الت�شكيلية خولة دروي�ش‪ ،‬خريجة‬ ‫كلية الفنون بجامعة زاي��د‪ ،‬دب��ي‪ ،‬واملولودة‬ ‫عام ‪ 1986‬فتجمع يف ما اعتدناه من �أعمالها‬ ‫الفنية بني بيئات ت�ستوحيها من تراث وثقافة‬ ‫املكان الإماراتي من خالل الر�سم بالأكلرييك‬ ‫والأح �ب��ار ال�صينية وغريها‪ ،‬م�ستمدة من‬ ‫املفاهيمية فو�ضى ب�صرية لونية تن�سحب على‬ ‫العنا�صر امل�ضافة لرتكيبة اللوحة‪ ،‬وكانت‬ ‫خولة احلا�صلة على �شهادة يف الفنون من‬ ‫جامعة زايد‪� ،‬شاركت مبجموعة من �أعمالها‬ ‫يف بينايل البندقية عام ‪ .2009‬لكنها هنا ويف‬ ‫عملها الواحد ال��ذي تعر�ضه �ضمن معر�ض‬ ‫«رواة الق�ص�ص»‪ ،‬حت ��اول �أن جت�ّي رّ الفن‬ ‫خلدمة املجتمع املحلي وهي تعلن «�أثناء بحثي‬ ‫اكت�شفت �أن الإم��ارات ت�سجل معدالت عالية‬ ‫يف الوفيات ب�سبب �أمرا�ض القلب‪ ،‬ك�إماراتية‬ ‫وك�إن�سانة جربت معنى �أن ميوت من حتبهم‬ ‫مبر�ض القلب‪� ،‬أ�شعر �أن من واجبي �أن �أحذر‬ ‫من هذا املر�ض الذي يهددنا من خالل العمل‬ ‫الفني»‪ .‬ولهذا فهي تقدّم يف املعر�ض جم�سم ًا‬ ‫فني ًا من القلوب املو�ضوعة فوق بع�ضها على‬

‫�شكل هرمي‪ ،‬ت�أكيد ًا لهول م�صيبة �أن ميوت‬ ‫هذا الكم الكبري من الب�شر مبر�ض منت�شر‪،‬‬ ‫لأن وعينا ال�صحي قا�صر عن �إدراك �أمناط‬ ‫الوقاية منه‪.‬‬

‫نوف العجمي‪ ..‬بورتريه جمايل‬

‫بينما متيزت الفنانة الت�شكيلية ال�شابة نوف‬ ‫العجمي ب�أعمالها الثالثة التي تنتمي لفن‬ ‫البورتريه املدعم باجلماليات الهند�سية التي‬ ‫تعك�س جتارب احلياة نف�سها‪ ،‬وتربز ان�شغالها‬ ‫على كل عمل على حدة‪ ،‬يف مدة تقارب العام �أو‬ ‫العامني‪ ،‬من خالل التفا�صيل الدقيقة والكثرية‬ ‫للوجوه والأ�شكال الإن�سانية التي تر�سمها‪.‬‬ ‫والفنانة نوف العجمي ال تعتمد على جماليات‬ ‫ال���ش�ك��ل ب��ذات��ه ك�ف�ن��ان��ة جت��ري��د وج�م��ال�ي��ات‬ ‫طبيعية معتادة‪ ،‬بل كفنانة تعمد �إىل الت�شكيل‬ ‫الهند�سي ال��ذي ت��زدح��م فيه الأ��ش�ك��ال كما‬ ‫احلياة املعا�صرة نف�سها‪ ،‬وباحلدية وال�صخب‬ ‫نف�سه‪ ،‬فلوحاتها الثالث حتيل الرائي فيها �إىل‬ ‫�أ�سئلة عما يقوله الوجه‪� ،‬أو ما تنطق به العينان‬ ‫م��ن دالالت �صامتة يف �صخب‪� ،‬أو م��ا ي�شري‬ ‫�إليه اجل�سد املت�شكل من جمموعة هائلة من‬ ‫الرموز الهند�سية والأل��وان اخلافتة واحلادة‬ ‫يف اجتماعها مع ًا يف م�ساحة لونية تختزلها‬ ‫الفنانة �إىل �أقل م�ساحة ممكنة‬


‫ ‬

‫عبق‬ ‫عبق‬

‫‪26‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫ ‬

‫ذات الستر‬ ‫الجليل‬ ‫«الست»‬ ‫أم خليل‬

‫يقولون واهلل �أع �ل��م‪� :‬إن ال�ت��اري��خ معرفة‬ ‫بالزمن‪ ،‬وت��أم��ل لأح��وال��ه‪ ،‬وك��ل ما يتعلق‬ ‫ب��الإن���س��ان‪ ،‬م��ن احل ��وادث‪ ،‬وم��ا ج��رت به‬ ‫املقادير التي مير بها الكائن والكائنات‪،‬‬ ‫و�سبحان من له الدوام‪.‬‬ ‫والتاريخ عادة قد ينتهي مب�أ�ساة‪ ،‬و�أي�ضاً‬ ‫قد ينتهي ب�أمثوالت قد تثري العجب‪ ،‬وقد‬ ‫تثري ال�ضحك‪ ،‬ورمب��ا �أث ��ارت الده�شة‪،‬‬ ‫�أو ال�شفقه على م�صائر وخواتيم ه�ؤالء‬ ‫الذين كانوا يوم ًا يف عني الأي��ام‪ ،‬وعلى‬ ‫ر�ؤو�س احلوادث!!‬ ‫وه �ك��ذا ك��ان��ت م��ن و��ص�ف�ه��ا‪ ..‬اب��ن �إي��ا���س‬ ‫«امل�صرى‪ ،‬م�ؤرخ الع�صر الو�سيط الأ�شه»‬ ‫ذات ع�ق��ل وح� ��زم‪ ،‬ك��ات�ب��ة ق��ارئ��ة‪ ،‬لها‬ ‫معرفة تامة ب�أحوال اململكة‪ ،‬ولقد نالت‬ ‫مراتب العز والرفعة ما مل تنله ام��ر�أة‬ ‫مثلها وال بعدها‪.‬‬ ‫�أي ح��وادث ج��رت لتلك اجلليلة ع�صمت‬ ‫الدنيا والدين؟!‬ ‫تلك البهية‪ ،‬الر�شيدة التي ال يعرف عنها‬ ‫عامة النا�س �إال بع�ض القباقيب‪ ،‬وحلوى‬ ‫�أطلقوا عليها «�أم على»!!‬ ‫هي �شجر الدر‪� ،‬أو �شجر الدر بنت عبداهلل‪،‬‬ ‫البهية‪ ،‬قوية ال�شكيمة‪ ،‬التي وجدت لتطاع‪،‬‬ ‫�أرمينية ح�سناء‪� ،‬أو رو�سية جلب �أهلها‬ ‫من البالد البعيدة‪� ،‬أهديت للم�ستع�صم‬ ‫اخلليفة العبا�سي ال��ذي �أه��داه��ا لنجم‬ ‫�سعيد الكفراوي الدين الأيوبي ف�أعتقها وتزوجها‪ ،‬و�سرعان‬ ‫ما �أجنبت له ولد ًا ا�سمه خليل‪ ،‬عرفت به‬ ‫«�أم خليل»‪ .‬كانت ذات حظوة جلمالها‬ ‫وذكائها‪� .‬شاركته احلكم‪ .‬وعندما مات‬ ‫خليل حملت ا�سمه‪ ،‬اال�سم الذي كان يطرق‬ ‫على العملة‪ ،‬والذين يدعون لها به من فوق‬

‫املنابر وح�ين ج��اءت م�صر كانت �شجرة‬ ‫الدر تدير �أمر البالد مع جنم الدين‪.‬‬ ‫�شاركت زوجها االنت�صار على ملك فرن�سا‬ ‫ال�صليبي لوي�س التا�سع ع�شر الذي �سجن‬ ‫يف بيت اب��ن لقمان يف املن�صورة‪ .‬ولقد‬ ‫قامت �شجرة ال��در ب��أه��م �أدوار حياتها‬ ‫كامر�أة‪ ،‬و�سلطانة عندما مات جنم الدين‬ ‫�أي���وب يف ع��ز احل���رب‪ ،‬يف ال��وق��ت ال��ذي‬ ‫حت��رك فيه الفرن�سي�س يف طريقهم من‬ ‫دمياط �إىل داخل م�صر‪.‬‬ ‫ك��ان املماليك الأ� �ش��او���س يتح�صنون يف‬ ‫املن�صورة‪ ،‬وينتظرون لوي�س و�أجناده الذين‬ ‫اخرتقوا بال هواده �صفوف املماليك‪ ،‬لكن‬ ‫دفاعات امل�صريني �أجربتهم على الفرار‪،‬‬ ‫وك��ان��ت مقاومة املماليك حا�سمة حيث‬ ‫انتهى الأم��ر بت�شتيت �أم��ر الفرن�سي�س‪،‬‬ ‫وهزميتهم‪ ،‬ومت �أ��س��ر امل�ل��ك ال�صليبي‪،‬‬ ‫و�سجن يف بيت بن لقمان‪.‬‬ ‫�أخ�ف��ت �شجرة ال��در م��وت امل�ل��ك‪ .‬وكانت‬ ‫ت�ستقبل رج��ال الدولة من خلف ال�ستار‪،‬‬ ‫وت��دخ��ل ل��ه ال� ��دواء وال�ط�ع��ام ك ��أن��ه حي‪،‬‬ ‫ولكنه يعانى مر�ض ًا يحول بينه وبني مقابلة‬ ‫احلا�شية‪ ،‬وك��ان��ت متهر �أوام ��ر احل��رب‪،‬‬ ‫و�ش�ؤون البالد بخامتها‪ ،‬وتوقع اخلطابات‬ ‫بتوقيعها لأن�ه��ا ك��ان��ت تقلد توقيع امللك‬ ‫الراحل‪ ،‬ولوال ما �صنعته حلدث ا�ضطراب‬ ‫بني القادة‪ ،‬وحافظت على كيان الدولة‪،‬‬ ‫يف مواجهة حملة م��ن حمالت ال�صليب‬ ‫على �أر� ��ض الكنانة‪ ،‬كما حافظت على‬ ‫كيان الدولة الأيوبية حتى عاد ابن زوجها‬ ‫ت��وران �شاه من ال�ع��راق ف�سلمته مقاليد‬ ‫احلكم حتى �أكمل انت�صاره على الأ�سطول‬ ‫ال���ص�ل�ي�ب��ي‪ ،‬ومت الإج� �ه ��از ع �ل��ى جي�ش‬


‫الفرن�سي�س متام ًا يف فار�سكور‪.‬‬ ‫مل يفلح اب��ن جن��م ال��دي��ن �أي� ��وب ت��وران‬ ‫�شاه يف التعامل مع مماليك وال��ده الذين‬ ‫ع�ضدوه لإحراز ن�صره امل�ؤزر‪ ،‬ثم �أنه �ضيق‬ ‫على �شجرة ال��در ك��ل امل�ن��اف��ذ‪ ،‬وتوعدها‬ ‫حتى تقر ب�ثروة وال��ده من ذهب وجوهر‪،‬‬ ‫وحني �ضاق عليها احل�صار‪ ،‬و�أح�ست ملكة‬ ‫م�صر باملذلة قررت التخل�ص منه و�أر�سلت‬ ‫وعلي‬ ‫�إىل مماليكها « اقتلوا ت��وران �شاه ّ‬ ‫ر�ضاكم»‪ ،‬فقتلوه بال رحمة‪ ،‬وملقتله م�شه ٌد‬ ‫ُيحكى‪ ،‬ودر� � ٌ�س ُيلقى ومبقتل ت��وران �شاه‬ ‫تنتهي دولة بني �أيوب لتبد�أ دولة املماليك‬ ‫البحرية يف م�صر‪ ،‬وت�ت��وىل �شجرة ال��در‬ ‫�سلطنة البالد‪ .‬يقول �ستانلي ي��ول‪ ،‬م�ؤرخ‬ ‫الع�صر ال��و��س�ي��ط‪« :‬وت �ك��اد �شجرة ال��در‬ ‫امللكة الوحيدة التي تولت احلكم علي بالد‬ ‫امل�سلمني قبل �إمرباطورية امللكة فيكتوريا»‪.‬‬ ‫باختيار �شجرة ال��در للحكم بدا ما يدعو‬ ‫�إىل الده�شة‪.‬‬ ‫ك �ي��ف ي �خ �ت��ار ه � ��ؤالء اجل �ب��اب��رة ام� ��ر�أة‬ ‫تت�سلطن عليهم؟!‬ ‫رمبا هي احلكاية القدمية‪ ،‬املتكررة يف‬ ‫اخلالفة العبا�سية حيث يتوىل ال�سلطان‬ ‫الأ�ضعف حتى يتمكن قواده الأقوياء من‬ ‫القفز على ال�سلطة حني يريدون!!‬ ‫لعل الأم��ر ال يعدو بتولية �شجرة ال��در‬ ‫�إال متهيدا للطرق �أمام فر�سان املماليك‬ ‫للقفز علي ال�سلطة‪ ،‬وه �ن��اك يف �صف‬ ‫املنتظرين‪� ،‬أيبك و�أقطاي وبيرب�س وقطز‬ ‫وغريهم وكل منهم طموحه بني عينيه!!‪.‬‬ ‫ه��ل ك��ان اخ�ت�ي��اره��ا لطم�أنة بني �أي��وب‬ ‫يف ال���ش��ام باعتبارها �آخ��ر الأي��وب�ي�ين؟‬ ‫ت��ول��ت ��ش�ج��رة ال���در احل �ك��م ب�ك��ل �أب�ه��ة‬

‫امل�ل��ك‪ ،‬و�أم ��رت ف�أطيعت‪ ،‬وت�صرفت يف‬ ‫� �ش ��ؤون ال �ب�لاد وال �ع �ب��اد‪� .‬سكت النقود‬ ‫با�سمها‪ ،‬وحملت الأل �ق��اب ال�سلطانية‪:‬‬ ‫امل�ستع�صمية‪ .‬ال�صاحلية‪ .‬ملكة امل�سلمني‪.‬‬ ‫والدة امللك املن�صور خليل‪ .‬وكانوا يقبلون‬ ‫الأر�ضي لها‪ .‬حتدثهم من وراء حجاب‪.‬‬ ‫و�أغدقت على اجلميع العطايا واملنح‪.‬‬ ‫اق�ترب منها اململوك عز الدين �أيبك‪،‬‬ ‫و� �س��اع��ده��ا يف ت��دب�ي�ر �� �ش� ��ؤون امل �ل��ك‪،‬‬ ‫وك ��ان ذك �ي � ًا‪ ،‬حم��ارب � ًا‪ ،‬جميل الطلعة‪،‬‬ ‫فا�ستهواها‪ ،‬و�أحبته‪ ،‬حتى �أن �أمرها قد‬ ‫ا�ستفز اخلليفة امل�ستن�صر باهلل العبا�سي‬ ‫�أبو جعفر ف�أر�سل قوله لأهل م�صر‪ ،‬كما‬ ‫جاء يف كتاب «النجوم الزاهرة» للم�ؤرخ‬ ‫اب��ن �إي��ا���س‪« :‬اعلموا �أن ما بقي عندكم‬ ‫يف م���ص��ر م��ن ال ��رج ��ال م��ن ال ي�صلح‬ ‫لل�سلطة فنحن نر�سل لكم من ي�صلح لها»‬ ‫وذك��ره��م بحديث ر��س��ول اهلل‪« :‬ال �أفلح‬ ‫قوم ولوا �أمرهم امر�أة»‪.‬‬ ‫��ض��اق ب�ه��ا زوج �ه��ا ع��زال��دي��ن �أي �ب��ك من‬ ‫تدخلها يف �ش�ؤون احلكم‪ ،‬ومن �إعالنها‬ ‫ريا�ستها على اجلميع‪� ،‬إال �أنه هاونها حتى‬ ‫تك�شف له عن كنوز جنم الدين �أي��وب‪،‬‬ ‫ويف �سبيل ر�ضاها ال�سامي طلق زوجته �أم‬ ‫ولده علي‪.‬‬ ‫وقعت الكراهية والرتب�ص‪ ،‬حمل الع�شق‬ ‫والغرام‪ .‬وكانت �شجرة الدر قد و�صلت‬ ‫خ��ري��ف ال�ع�م��ر‪ ،‬وك ��ان �أي �ب��ك ق��د خطب‬ ‫��ش��اب��ة م��ن ع �م��ره ه��ي اب �ن��ة ب��در ال��دي��ن‬ ‫ل�ؤل�ؤ �صاحب املو�صل‪ .‬وا�شتعلت الغرية‬ ‫بقلبها فدعته لل�صعود �إىل القلعة بحجة‬ ‫امل�صاحلة‪ ،‬وب��داي��ة حياة جديدة مثلما‬ ‫كان يف املا�ضي‪ ،‬لكنها كان ت�ضمر الغدر‪.‬‬

‫ويف الق�صر �أمرت غلمانها‪ ،‬خم�سة منهم‬ ‫فخنقوه يف احلمام‪.‬‬ ‫يقول �شيخنا الراحل الكبري د ‪ .‬ح�سني‬ ‫فوزي يف كتابه الهائل‪�«..‬سندباد م�صري»‬ ‫و�أذيع يف اليوم التايل خرب انتقال �أيبك‬ ‫�إىل الرفيق الأعلى على جناح ال�سرعة‬ ‫م��ن دون مقاومة م��ن �أح��د فلم ي�صدق‬ ‫النا�س هذا النب�أ‪ ،‬لأن الرجل مل يبد عليه‬ ‫يوم ًا انه يتعجل الرحيل �إىل‪...‬هناك!‪.‬‬ ‫جنت �شجرة الدر حتى ت�أتي بهذا الفعل‪.‬‬ ‫ا�ضطرب عقلها والزمت ال�صمت وقب�ضوا‬ ‫عليها‪ ،‬وو�ضعوها يف الرت�سيم‪ ،‬و�شوهدت‬ ‫يف �آخ��ر �أي��ام�ه��ا وه��ي تطحن جواهرها‬ ‫الغالية‪ ،‬وحليها ال��ذي ال يقدر بثمن يف‬ ‫ه��ون م��ن ال��ذه��ب‪ .‬يتوىل علي ب��ن �أيبك‬ ‫ال�سلطنة‪ ،‬وي ��أت��ي ب�سلطانة امل�سلمني‬ ‫وي�سجنها ب��ال�برج الأح�م��ر بالقلعة‪ ،‬ثم‬ ‫حت�ضر �ضرتها �أم علي وت�أمر جواريها‬ ‫ب�ضربها بالقباقيب حتى املمات‪ ،‬وذلك يف‬ ‫يوم اجلمعة ‪ 11‬من ربيع الثاين يف العام‬ ‫‪648‬هـ‪ ،‬ويف اليوم نف�سه وزع��ت �أم علي‬ ‫حلوى من الرقاق واللنب وال�سكر �أطلق‬ ‫عليه حتى اليوم حلوي «�أم علي» احتفا ًال‬ ‫وابتهاج ًا وفرح ًا مبقتل �شجرة الدر‪� .‬أما‬ ‫�سلطانة الدنيا والدين فقد �سحبت من‬ ‫رجلها وهي عريانة لي�س عليها �إال لبا�س‬ ‫يف و�سطها و�ألقيت على �سور القلعة لثال‬ ‫�أي��ام‪ ،‬ت�أكل فيها الكالب‪ ،‬ثم حملت يف‬ ‫قفة ووري��ت يف مقابر ال�صدقة ومل يبق‬ ‫من تاريخ �سلطانة امل�سلمني‪ ،‬ملكة الدنيا‬ ‫وال��دي��ن �إال حكاية �ضربها بالقباقيب‪،‬‬ ‫وحلوى �أم علي!!! ف�سبحان القادر على‬ ‫ت�صاريف الزمان!!‬


‫قضية للنقاش‬ ‫‪28‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫ميثل تهديد ًا‬ ‫للهوية وللذاكرة‬

‫تغييب التراث‬ ‫في برامج‬ ‫التعليم‬ ‫بالمغرب «‪»2-1‬‬ ‫الرباط‪ -‬عبد الرحيم اخل�صار‬ ‫املغرب �أر�ض �شا�سعة تنامت على �صدرها منذ‬ ‫الأزل ت�ضاري�س احل�ضارة والتاريخ‪ ،‬فهنا‬ ‫�ضرب الفينيقيون خيامهم وعرب البيزنطيون‬ ‫والبونيقيون والرومان والوندال‪ ،‬وتعاقبت‬ ‫احل�ضارات الآ�شولية‪ ،‬املو�ستريية‪ ،‬العاتريية‪،‬‬ ‫الإيربوموريزية �إىل �أن و�صل الفتح الإ�سالمي‬ ‫يف القرن الأول هجري مع عهد الأمويني‪ ،‬وقبل‬ ‫امليالد بقرون �أ�س�س الأمازيغيون ممالكهم‪ ،‬وتنوعت‬ ‫�أ�شكال العي�ش وتعددت الأ�صول والأن�ساب وتراكم‬ ‫مع مرور الزمن تاريخ من الأحداث والتحوالت‪،‬‬ ‫وت�شكلت ذاكرة كبرية من العادات والتقاليد وطرق‬ ‫البناء والطبخ والأزياء والأثاث و�أنواع املو�سيقى‬ ‫وخمتلف الفنون‪ .‬هذه الذاكرة التي جتمع يف‬ ‫طياتها العنا�صر املادية واملعنوية �ستحمل الحقاً‬ ‫ا�سم «الرتاث»‪.‬‬


‫جل�سة �شاي على الطريقة ال�صحرواية‬

‫ل �ك��ن م���اذا ع��ن ح �� �ض��ور ه ��ذا ال �ت�راث يف‬ ‫امل �ن��اه��ج ال�ت�ع�ل�ي�م�ي��ة ب��امل �غ��رب؟ امل��دار���س‬ ‫واملعاهد واجل��ام�ع��ات‪ ،‬هل تُعنى بتدري�س‬ ‫الرتاث املادي واملعنوي للأجيال املتعاقبة؟‬ ‫تاريخ املو�سيقا واملعمار والأزي��اء والطبخ‬ ‫والأدب وال��ر��س��م وبقية الفنون باملغرب‪،‬‬ ‫هل هوتاريخ حتفظه الذاكرة �أم �أنه تاريخ‬ ‫من�سي؟ هل تتعامل امل�ؤ�س�سات التعليمية‬ ‫بتحفظ وبانتقاء مع ت��راث ه��ذه البالد؟‬ ‫وه��ل تنظر بنوع من اخلجل �إىل الرق�ص‬ ‫وال �غ �ن��اء ال���ش�ع�ب��ي وال �ط �ق��و���س وال��ع��ادات‬ ‫املوروثة؟‬ ‫ما تقييم اخل�براء والباحثني لهذا الوجود‬ ‫املفرت�ض للرتاث يف مناهج التعليم وهل هو‬ ‫كاف للقيام بوظائفه التثقيفية والتوعوية‬ ‫ٍ‬ ‫وبناء الهوية وجتذير الإنتماء؟‬ ‫�أال ي�شكل تغييب الرتاث يف برامج التعليم‬ ‫باملغرب تهديد ًا للهوية ول�ل��ذاك��رة ويخلق‬ ‫قطيعة بني الإن�سان وما�ضيه املادي واملعنوي‬ ‫وتاريخه العميق؟‬

‫تغييب التراث األمازيغي‬ ‫نتج عنه ضعف معرفة‬ ‫المغاربة بتاريخهم‬ ‫وشعورهم بالدونية‬ ‫الثقافية أمام األجنبي‬ ‫كيف ينظر املثقفون والباحثون يف تاريخ‬ ‫الفن واملعمار واملوروث ال�شفهي وامل�س�ؤولون‬ ‫يف ال�ق�ط��اع��ات املعنية �إىل ه��ذه العالقة؟‬ ‫وماذا يقرتحون من �أجل تدعيمها كي ي�صبح‬ ‫الرتاث مبختلف �أ�شكاله مادة علمية يف هذه‬ ‫امل�ؤ�س�سات؟‬ ‫هذه الأ�سئلة هي مدار النقا�ش يف حتقيقنا‬ ‫ه��ذا ال ��ذي � �س��وف ن�ن���ش��ره ع�ل��ى حلقتني‪،‬‬ ‫وال �غ��اي��ة ه��ي م�ع��رف��ة حقيقة ال�ع�لاق��ة بني‬ ‫الرتاث والتعليم يف املغرب‪ ،‬والوقوف على‬ ‫مكامن اخللل واق�ت�راح م��ا ي��ر�أب ال�صدع‬ ‫ب�ين ط��رف�ين‪ :‬ال�ت�راث ك��ام �ت��داد للما�ضي‬ ‫يف احلا�ضر وامل�سقبل‪ ،‬والتعليم كدعامة‬

‫وج�سر ال مفر من عبوره للو�صول بكل قطر‬ ‫من الأقطار �إىل �أر�ض التقدم والرقي‪.‬‬ ‫يف اجلزء الآخر من التحقيق‪� ،‬سوف نتوجه‬ ‫بالأ�سئلة �إىل م��دي��ري��ة امل�ن��اه��ج يف وزارة‬ ‫التعليم و�إىل اجلمعيات املدنية والهيئات‬ ‫املعنية و�إىل ب��اح�ث�ين �آخ��ري��ن يف ال�ت�راث‬ ‫ال�شفهي وامل ��ادي م��ن �أج��ل ت�سليط �ضوء‬ ‫�أكرب على هذه العالقة املعتمة بني التعليم‬ ‫والرتاث‪.‬‬

‫تعليم املغرب وتراثه‬

‫قررنا �أن نبد أ� التحقيق من وزارة الثقافة‪،‬‬ ‫فتوجهنا �إىل م��دي��ري��ة ال�ت�راث حت��دي��د ًا‪،‬‬ ‫لنعرف كيف ترى الأم��ر وكيف �أ�سهمت يف‬ ‫ردم الهوة بني تعليم املغرب وتراثه د‪�.‬سمري‬ ‫قف�ص رئي�س ق�سم ج��رد وتوثيق‪ ‬الرتاث‬ ‫مبديرية ال�ت�راث الثقايف ب ��وزارة الثقافة‬ ‫ي ��رى �أن احل��دي��ث ع��ن ال�ت��راث ال�ث�ق��ايف‬ ‫ي �ك�ثر‪ ‬يف الوقت‪ ‬الراهن‪ ‬بو�صفه مكونا‬ ‫�أ�سا�سي ًا لهوية ال�شعوب وراف��د ًا من روافد‪ ‬‬


‫قضية للنقاش‬ ‫‪30‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫د‪� .‬سمري قف�ص‬

‫التنمية‪ ‬الب�شرية‪ ‬واالقت�صادية‪ .‬وال �أدل على‬ ‫ذلك اتخاذه يف الآون��ة الأخ�يرة من طرف‬ ‫برنامج الأمم املتحدة للتنمية ك�أحد املحاور‬ ‫الرئي�سية ل�سيا�ساتها عرب العامل‪ ،‬وي�سوق‬ ‫هنا مثال الربنامج الذي �أجنز يف املغرب‬ ‫«‪ »2012 - 2008‬وال��ذي ُو�ضع حتت عنوان‬ ‫«ال�ت�راث الثقايف وال�صناعات اخل�لاق��ة»‪.‬‬ ‫ولقد ك��ان ه��ذا الربنامج فر�صة ملراجعة‬ ‫امل���ش��اك��ل الأك�ث�ر ح�سا�سية يف ال�سيا�سة‬ ‫الثقافية املتعلقة ب�صون وتثمني ال�تراث‬ ‫الثقايف املغربي‪ ،‬ويذكر منها على �سبيل‬ ‫املثال ال احل�صر‪:‬‬ ‫مراجعة القانون ‪ 80-22‬املتعلق بحماية‬ ‫ال�تراث الثقايف من �أج��ل تكميله و�إغنائه‬ ‫ل �ي��واك��ب ت �ط��ور م �ف �ه��وم ال�ت��راث ال�ث�ق��ايف‬ ‫اليوم ولي�أخذ بعني االعتبار جوانب مهمة‬ ‫�أغفلت �إىل حد الآن كالرتاث غري امل��ادي‬ ‫وال�تراث الأث��ري املغمور باملياه‪ ،‬بالإ�ضافة‬ ‫�إىل الإج��راءات وامل�ساطر املتبعة يف �إطار‬ ‫التدبري املنهجي لهذا الرتاث كما هواحلال‬ ‫بالن�سبة لعمليات اجلرد و�إعادة االعتبار‪.‬‬ ‫و�ضع قانون تنظيمي لإر�ساء منظومة وطنية‬ ‫للكنوز الب�شرية احلية‪.‬‬ ‫مراجعة وحتيني منظومة اجل��رد الوطنية‬ ‫م ��ن خ �ل�ال و���ض��ع م �ن �ظ��وم��ة م�ع�ل��وم��ات�ي��ة‬ ‫ت�ستجيب للمعايري الدولية يف هذا املجال‪.‬‬ ‫وي�ج��رد د‪� .‬سمري قف�ص‪ ‬الن�شاطات التي‬ ‫قامت بها الوزارة يف هذا ال�صدد‪ ،‬حيث مت‬ ‫الرتكيز‪ ‬على اجلانب التح�سي�سي ب�أهمية‬

‫د‪ .‬ابراهيم احلي�سن‬

‫د‪ .‬سمير قفص‪ :‬نسبة‬ ‫حضور المواد التراثية‬ ‫في برامجنا التعليمية‬ ‫ضئيلة جد ًا في الوقت‬ ‫الذي يزخر فيه المغرب‬ ‫بتراث ثقافي وطبيعي‬ ‫غني بمكوناته ومتنوع‬ ‫بروافده‬

‫ال�ت��راث خ��ا� �ص��ة ل ��دى ج �م �ه��ور ال�ي��اف�ع�ين‬ ‫وال �� �ش �ب��اب‪ ،‬ويف ه��ذا الإط� ��ار مت االت �ف��اق‬ ‫مع جمعية خريجي املعهد الوطني لعلوم‬ ‫الآث ��ار وال �ت�راث‪� ،‬أح��د �أن���ش��ط اجلمعيات‬ ‫الوطنية التي تهتم ب�ش�ؤون الرتاث الوطني‪،‬‬ ‫للقيام بحملة حت�سي�سية يف �أرب��ع جهات‬ ‫من امل�غ��رب‪ ،‬على �أ�سا�س �أن ه��ذه احلملة‬ ‫التجريبية �سيتم تعميمها على كافة الرتاب‬ ‫ال��وط�ن��ي‪� .‬شعار احلملة ك��ان ه��و« تقريب‬

‫د‪� .‬أحمد ع�صيد‬

‫ال�شباب من �إرث الأج��داد» وليت�سنى ذلك‬ ‫مت و�ضع برنامج حمكم �سهرت عليه جلنة‬ ‫م��رك��زي��ة ب�ت�ن���س�ي��ق م��ع مت�ث�ي�ل�ي��ات حملية‬ ‫للجمعية‪ .‬ه��ذه الأخ�ي�رة عقدت االت�صال‬ ‫بالأكادمييات اجلهوية املعنية ومبندوبيات‬ ‫ال�شباب وال��ري��ا��ض��ة لتحديد امل�ؤ�س�سات‬ ‫التعليمية التي �ست�ستفيد من هذه احلمالت‬ ‫التح�سي�سية‪ .‬ولهذا الغر�ض قامت اللجنة‬ ‫امل��رك��زي��ة ب��و��ض��ع وث�ي�ق��ة توجيهية للفرق‬ ‫املحلية التي �سهرت على �إعداد املادة اخلام‬ ‫لإخراج احلمالت التوا�صلية اخلا�صة بهذا‬ ‫النوع من الأن�شطة «معر�ض متنقل‪ ،‬كتيب‬ ‫ح��ول ال�ت�راث‪ ،‬مل�صقات» ه��ذا بالإ�ضافة‬ ‫�إىل و�ضع برنامج زي��ارات م�ؤطرة للمعامل‬ ‫واملواقع التاريخية و�إع��داد عر�ض بال�صور‬ ‫ح��ول ال�ت�راث ال��وط�ن��ي واجل �ه��وي‪ ،‬يعك�س‬ ‫الغنى والتنوع ويبني امل�ؤهالت التي يتوافر‬ ‫عليها واملخاطر التي تهدد كيانه و�أ�صالته‪.‬‬ ‫كل هذه املواد بالإ�ضافة �إىل �شريط وثائقي‬ ‫�أجنز يف �إطار الربنامج املذكور �ستجمع يف‬ ‫حقيبة بيداغوجية �ستوزع على املدر�سني‬ ‫يف امل�ؤ�س�سات امل�ستهدفة و�ست�سلم بع�ض‬ ‫ال�ع�ي�ن��ات ل�ل�أك��ادمي �ي��ات اجل�ه��وي��ة بق�صد‬ ‫تعميمها على امل�ؤ�س�سات التعليمية الأخرى‪.‬‬

‫ح�ضور �ضئيل للرتاث‬

‫احل��دي��ث‪ ‬ع��ن هذه‪ ‬احلملة التح�سي�سية‬ ‫املح�صورة يف الزمان وامل�ك��ان‪ -‬ح�سب د‪.‬‬ ‫�سمري‪ -‬يقود للتطرق لأحد املوا�ضيع الأكرث‬


‫جامع احل�سن الثاين يف الدار البي�ضاء‬

‫ج ��د ًال يف ال��وق��ت ال��راه��ن �أال وه��و م�شكل‬ ‫التعليم �أو بالأحرى «تراجع التعليم والرتبية‬ ‫النظامية» وت�أثري ذلك على ن�سب التنمية‬ ‫التي‪ ،‬وكما يعلم الكل‪ ،‬تقا�س �أي�ض ًا بجودة‬ ‫التعليم‪ .‬وكمتخ�ص�ص يف جم��ال ال�تراث‬ ‫ال �ث �ق��ايف ي�سجل ��س�م�ير ق�ف����ص �أن ن�سبة‬ ‫ح�ضور املواد الرتاثية يف براجمنا التعليمية‬ ‫�ضئيلة ج ��د ًا يف ال��وق��ت ال ��ذي ي��زخ��ر فيه‬ ‫املغرب برتاث ثقايف وطبيعي غني مبكوناته‬ ‫ومتنوع ب��رواف��ده‪ ،‬ميكن للمت�أمل فيه �أن‬ ‫ي�ستقي ما يريد من الأمثلة التعليمية احلية‬ ‫تليق لتمرير املفاهيم وال�ق��واع��د وت�سهم‬ ‫يف تر�سيخ الهوية واالعتزاز باالنتماء �إىل‬ ‫ثقافة موغلة يف التاريخ‪ ،‬تتغدى من روافد‬ ‫متعددة وهي بذلك الزخم والتنوع مازالت‬ ‫ت�ضفي رونق ًا وخ�صو�صية على حا�ضرنا‪.‬‬

‫مندجمة‪ ،‬الإن��دم��اج واال�ستمرارية‪ ،‬فهما‬ ‫ال�شرطان الأ�سا�سيان لبلوغ ه��ذا الهدف‬ ‫الذي لن يتي�سر عرب برامج م�ؤقتة و�إمنا عرب‬ ‫خمطط حمكم تنخرط فيه كل الفعاليات‬ ‫ال��وط �ن �ي��ة وامل��ح��ل��ي��ة‪ ،‬احل �ك��وم �ي��ة وغ�ير‬ ‫احلكومية وذل��ك يف تعاون وتناغم تامني‪.‬‬ ‫ويف‪ ‬هذا‪ ‬ال�صدد‪ ‬ميكن ل��وزارة الثقافة‪� ‬أن‬ ‫تلعب دور ًا حموري ًا يف �إقحام‪ ‬املزيد من املواد‬ ‫الرتاثية يف الربامج‪ ‬التعليمية‪ ‬وذلك‪ ‬عرب‬ ‫درا�سة �إمكانية ت�أ�سي�س «درو�س الرتاث» مع‬ ‫وزارة الرتبية الوطنية كمادة تعليمية حية‬ ‫يتم تلقينها من خالل الزيارات امليدانية‬ ‫للمتاحف واملعامل الأثرية وور�ش احلفريات‬ ‫الأثرية �إىل غري ذلك من التجارب امليدانية‬ ‫ال �ت��ي ت�سهم يف �إجن� ��از ال� ��دور التعليمي‬

‫إدماج مواد ونصوص‬ ‫الإندماج واال�ستمرارية‬ ‫يقول د‪� .‬سمري قف�ص‪ :‬من الواجب علينا تراثية ضمن المقررات‬ ‫�إذ ًا تي�سري ن�ق��ل ه��ذا الإرث ال�ت�ل�ي��د �إىل المدرسية ال يكفي‬ ‫الأجيال املقبلة عرب �إر�ساء منظومة تعليمية إلعادة االعتبار لميراثنا‬ ‫الثقافي العريق‬

‫ال�صرف ويف نف�س الوقت تف�ضي �إىل تكوين‬ ‫�شخ�صية املتلقي �أو املتلقن وتنمي �إح�سا�سه‬ ‫بهويته وب�ضرورة احلفاظ عليها‪ .‬ويف هذا‬ ‫ال�صدد هناك جتارب ناجحة عديدة عرب‬ ‫العامل ميكن االقتداء بها‪ .‬هذا ف� ً‬ ‫ضال عن‬ ‫تنامي الدور التفاعلي الذي تتيحه ال�شبكة‬ ‫العنكبوتية عرب خلق العديد من املتاحف‬ ‫االفرتا�ضية التي ميكن اعتبارها نافذة‬ ‫مفتوحة حول العامل‪ ،‬وفيما يتعلق بالرتاث‬ ‫الثقايف �أ�صبح ي�سري ًا على املدر�س زي��ارة‬ ‫املتحف وامل��وق��ع الأث��ري يف قاعة الدر�س‪.‬‬ ‫ولعل التحدي اليوم هومعرفة ا�ستغالل هذه‬ ‫التقنية التوا�صلية الرائعة ب�شكل جيد‪ .‬ويف‬ ‫هذا ال�صدد‪� ،‬أ�ستح�ضر مثا ًال حي ًا حول هذا‬ ‫النوع من امل��واق��ع االفرتا�ضية التي ميكن‬ ‫�أن ت�ستغل لأغرا�ض تعليمية ويتعلق الأمر‬ ‫مب��وق��ع «اك�ت���ش��ف ال�ف��ن الإ� �س�لام��ي» ال��ذي‬ ‫ينكب فريق من اخلرباء العرب على �إعداد‬ ‫دليل منهجي حوله ي�ضم امل��ادة التعليمية‬ ‫التي تتخذه‪ .‬ك�أر�ضية لها‪ .‬ينجز هذا املوقع‬ ‫يف �إطار �شراكة بني جامعة الدول العربية‬


‫قضية للنقاش‬ ‫‪32‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫املعمار املغربي التقليدي يف مدينة الق�صبات‬

‫ومتحف بال حدود‪.‬‬ ‫ويف �إط��ار مد اجل�سر بني التعليم وال�تراث‬ ‫يرى د‪� .‬سمري قف�ص �أن من �ش�أن‪ ‬هذا‪ ‬النوع‬ ‫م��ن امل�ن��اه��ج احل��دي�ث��ة �أن ي �ط��ور جمموعة‬ ‫م��ن ال�ك�ف��اءات ل��دى املتعلمني وال�ت��ي ميكن‬ ‫�إدراجها يف خانة «الربط باملنهاج املدر�سي»‬ ‫كما هو م�سطر يف �إط��ار جتربة «الو�ضعيات‬

‫والإدم ��اج»ال� �ت ��ي انطلقت ح��دي�ث� ًا بالنظام‬ ‫التعليمي امل �غ��رب��ي‪ .‬ومي �ك��ن ال��رب��ط مث ًال‬ ‫م��ع امل��واد التعليمية الآت �ي��ة‪ :‬م��ادة التاريخ‪:‬‬ ‫ح�صر �أه��م الأح��داث والأمكنة‪-‬تربية ح�س‬ ‫اال��س�ت�ك���ش��اف وامل�لاح �ظ��ة ل ��دى امل�ت�ل�ق��ن‪-‬‬ ‫القيام ب�أعمال وواجبات كتابية كملخ�صات‬ ‫وج��داول كرونولوجية وخرائط وكروكيهات‪،‬‬

‫حال الرتاث الأمازيغي‬ ‫ي��رى الدكتور �أحمد ع�صيد ع�ضو جمل�س �إدراة املعهد امللكي للثقافة‬ ‫الأمازيغية �أن��ه �إذا ك��ان �إق�صاء ال�تراث الأدب��ي والفني الأم��ازي�غ��ي من‬ ‫التعليم �أم��راً يف�سر بعدم �إدراج اللغة الأمازيغية يف املقررات الدرا�سية‬ ‫منذ البداية‪ ،‬مما يعني �ضمنياً ع��دم �إمكان تدري�س كل تراثها الأدب��ي‬ ‫والفني ذي ال�صلة باللغة و�أ�شكال التعبري الل�سانية‪ ،‬ف�إن تهمي�ش الرتاث‬ ‫الأمازيغي املادي كان يت ّم عرب تقدمي بع�ض عنا�صره املنتقاة باعتبارها‬ ‫ت��راث �اً "مغربياً" م��ن دون الإ� �ش��ارة �إىل خ�صو�صيته الأم��ازي�غ�ي��ة‪ ،‬مما‬ ‫يجعله ي�صنف لدى التالميذ باعتباره تراثاً عربياً‪� ،‬أما عنا�صر الرتاث‬ ‫الأمازيغي التي كانت حتمل م�ضامني خمالفة ملا يت ّم تلقينه يف �إط��ار‬ ‫املنظومة الثقافية العربية الإ�سالمية فكان يت ّم �إخفا�ؤها كلياً‪ ،‬وذلك‬ ‫مثل ما يتعلق مبجال القيم كاحلرية وامل�ساواة على وجه اخل�صو�ص‪.‬‬

‫مادة‪ ‬اجلغرافيا‪ :‬و�صف‪ ‬كيفية‪ ‬معي�شة‪ ‬النا‬ ‫�س‪ ‬وكيفية‪ ‬تنظيمهم‪ ‬للمجال ‪ -‬اكت�شاف‪ ‬ال‬ ‫جمال‪ ‬اجلغرايف‪ ‬واملحيط‪ ‬الذي‪ ‬يعي�ش‪ ‬فيه‪ ‬ال‬ ‫متلقن ‪-‬الوقوف على النماذج املختلفة من‬ ‫اال�ستيطان الب�شري‪ :‬املدينة‪ ،‬القرية‪ ،‬احلي‪.‬‬ ‫مادة‪ ‬تاريخ‪ ‬الفن‪ :‬متكني‪ ‬املتلقن من متييز‬ ‫�أهم الإنتاجات والتمظهرات الفنية للح�ضارة‬ ‫الإ�سالمية يف الزمان واملكان درا�سة الفنون‬ ‫وتنظيم امل�ج��ال يف احل���ض��ارة الإ�سالمية‪:‬‬ ‫العمارة‪ ،‬العمران‪ ،‬الفنون الزخرفية‪...‬‬

‫تغييب الرتاث الفني‬

‫وج�ه�ن��ا �أ��س�ئ�ل�ت�ن��ا ل�ل��دك�ت��ور ع��زي��ز �أزغ ��اي‬ ‫�أ�ستاذ مادة تاريخ الفن مبركز الأ�ساتذة‪،‬‬ ‫وه��ي �إح ��دى امل ��واد ال�ت��ي �أ� �ش��ار د‪� .‬سمري‬ ‫ق�ف����ص �إىل ق��درت �ه��ا ع �ل��ى مت �ث��ل ال�ت�راث‬ ‫وتدري�سه‪ ،‬د‪� .‬أزغ��اي ي��رى �أن التعامل مع‬ ‫ال�تراث الفكري الإ�سالمي ظل �إىل حدود‬ ‫ن�ه��اي��ة �ستينيات ال �ق��رن امل��ا� �ض��ي ي�شكل‬


‫�أح��د العناوين ال�ك�برى النهزامية العقل‬ ‫العربي‪ ،‬وا�ست�سالمه جلملة من الأحكام‬ ‫القطعية واالجتهادات املتجاوزة واملقوالت‬ ‫امل�سكوكة‪ ،‬التي مل تربح بع�ض يقينها املطلق‬ ‫�إال م��ع ب��داي��ة ان�ت���ش��ار ال�ف�ك��ر اال��ش�تراك��ي‬ ‫يف ع��دد م��ن ال �ب �ل��دان ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬وان�ف�ت��اح‬ ‫جامعاتها حديثة الن�ش�أة على النظريات‬ ‫واملناهج الفكرية والنقدية احلديثة‪ ،‬مثل‬ ‫البنيوية والوجودية وال�سو�سيولوجيا وعلم‬ ‫النف�س والأن�تروب��ول��وج �ي��ا والإث�ن��وغ��راف�ي��ا‬ ‫وال�سيميائيات وعلم اجلمال‪...‬‬ ‫وك���ان ط�ب�ي�ع�ي� ًا«ح���س��ب �أزغ � ��اي» �أن تثري‬ ‫خمتلف هذه االجتهادات املعرفية وغريها‬ ‫�شهية عدد من املفكرين والأدباء والفنانني‬ ‫العرب‪ ،‬الذين كان لهم الف�ضل يف �إعمال‬ ‫بع�ض خال�صات هذه املعارف اجلديدة يف‬ ‫م�ساءلة تراثهم من منطلق نقدي‪ ،‬ق�صد‬ ‫خلخلة جملة من ثوابته التي مل تعد تواكب‬ ‫ت�ط��ورات الع�صر‪ ،‬وجت��اوز كثري الإعطاب‬ ‫التي كانت ما تزال ت�شكل منطقة حمظورة‬ ‫عن امل�ساءلة و�إعمال العقل واالجتهاد‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ه��ذه اخلطوة املجتهدة‪،‬‬ ‫ظ �ل��ت ه �ن��اك ب�ع����ض امل� �ج ��االت واحل �ق��ول‬ ‫التعبريية والفنية‪ ،‬ال �سيما ال�شعبية منها‪،‬‬ ‫ت� ��راوح م�ن��اط�ق�ه��ا ال�ظ�ل�ي�ل��ة‪ ،‬ب��ل ب�ق�ي��ت يف‬ ‫من�أى عن اهتمام النخبة العربية املثقفة‪،‬‬ ‫�إن ب��دع��وى كونها ال ت�شكل �أول��وي��ة بحثية‬ ‫نا�ضجة‪� ،‬أو لكونها ال ترقى لأن تكون رافعة‬ ‫لبناء وعي جماهريي �ضد �سيا�سات القمع‬ ‫واال�ضطهاد والالم�ساواة‪ .‬ولعل مثل هذه‬ ‫امل��واق��ف امل�ت�رددة وغ�ير النا�ضجة ه��ي ما‬ ‫جعل ق�ط��اع��ات فنية �شعبية وا��س�ع��ة تظل‬ ‫عر�ضة للتهمي�ش واالزدراء‪ ،‬بعدما عا�شت‬ ‫– لعدة ق��رون – يف ظ��ل �أح�ك��ام فقهية‬ ‫متخلفة‪ ،‬كانت تعترب كل ما يكتب بغري اللغة‬ ‫العربية – لغة القر�آن – هو دون م�ستوى‬ ‫الإح��اط��ة وال �ت ��أم��ل‪ ،‬وك��ل م��ا ينتجه غري‬ ‫العلماء والفقهاء ورجال الدين يبقى كتابة‬ ‫الدهماء والرعاع وال�سوقية‪.‬‬ ‫ي�ضيف د‪ .‬ع��زي��ز �أزغ� ��اي‪« :‬ل �ه��ذا ال�سبب‬ ‫نفهم مل��اذا ج��اء تاريخنا الثقايف والفني‬

‫د‪ .‬لطيفة لب�صري‬

‫د‪ .‬عزيز أزغاي‪ :‬حضور‬ ‫التراث خاصة في جانبه‬ ‫البصري الجمالي‬ ‫في المناهج والبرامج‬ ‫التعليمية المغربية‬ ‫مبتسر‬

‫م���ش�م��و ًال ب�غ�ير ق�ل�ي��ل م��ن الأع� �ط ��اب وم��ن‬ ‫الثقوب املعيبة‪ .‬وملاذا ظل وعينا اجلمايل‪،‬‬ ‫مث ًال‪ ،‬م�ؤطر ًا ت�أطري ًا ثابت ًا ال يغادر القواعد‬ ‫الهند�سية وامل��و� �ض��وع��ات الأخ�لاق �ي��ة �إال‬ ‫ليعود �إليها دومنا �أدنى جر�أة على ابتداع‬ ‫�أ�شكال جديدة �أو تعبريات فنية خمتلفة‪،‬‬ ‫م��ادام��ت بع�ض االج�ت�ه��ادات الفقهية قد‬ ‫�أ�� �ص ��درت يف ح �ق��ه �أح �ك��ام � ًا ب��االج�ت�ث��اث‬ ‫ال�ت��اري�خ��ي‪ ،‬خم��اف��ة ع��ودة م��ن �أ��س�ل��م �إىل‬ ‫بع�ض ممار�سات اجلاهلية»‪.‬‬

‫د‪ .‬عزيز �أزغاي‬

‫�إزدراء الفنون‬

‫ا��س�ت�ح���ض��ار ًا ل�ك��ل ذل��ك يخل�ص الباحث‬ ‫وال�ف�ن��ان الت�شكيلي د‪ .‬ع��زي��ز �أزغ ��اي �إىل‬ ‫�أن جتربة املغرب فيما يتعلق مبدى متثل‬ ‫م�ن��اه�ج��ه وب ��راجم ��ه ال�ت�ع�ل�ي�م�ي��ة ل �ل�تراث‪،‬‬ ‫خا�صة يف جانبه الب�صري املرتبط بالفن‬ ‫الت�شكيلي‪ ،‬تبقى مثار ت�سا�ؤل كبري وغام�ض‪.‬‬ ‫فحتى ال�ي��وم‪ ،‬م��ازال املغرب ي�شهد غياب ًا‬ ‫فادح ًا للدر�س الفني اجلمايل كتخ�ص�ص‬ ‫م�ستقل مب ��واده يف جامعاتنا ومعاهدنا‬ ‫العليا‪ .‬فعلى الرغم من �أهمية هذا الدر�س‬ ‫املعريف يف تربية العني ويف تثوير ثقافتنا‬ ‫ووعينا الب�صريني‪ ،‬ظل املغرب ال يتوافر‬ ‫�إال على مدر�ستني «ولي�ستا �أكادمييتني»‬ ‫يتيمتني لتدري�س الفنون اجلميلة‪ ،‬تعتربان‬ ‫«غنيمة حرب»‪� ،‬إحداهما �أ�س�سها الإ�سبان‬ ‫مبدينة تطوان يف �سنة ‪ ،1947‬ومل ت�صبح‬ ‫تابعة لوزارة الثقافة �إال يف ال�سنوات القليلة‬ ‫امل��ا��ض�ي��ة‪ .‬وال�ث��ان�ي��ة �أن���ش��أه��ا الفرن�سيون‬ ‫يف �سنة ‪ 1952‬مب��دي�ن��ة ال ��دار البي�ضاء‪،‬‬ ‫ث��م �أ�صبحت بعد اال�ستقالل وحتى اليوم‬ ‫تابعة للمجموعة احل�ضرية التي تقع حتت‬ ‫و�صاية وزارة الداخلية‪ ! ‬والأنكى من ذلك‬ ‫�أن خريجي هاتني املدر�ستني ال يح�ضون‪،‬‬ ‫يف �أغ �ل��ب الأح �ي��ان‪ ،‬بنف�س احل �ق��وق التي‬ ‫توفرها الوظيفة العمومية خلريجي باقي‬ ‫�شعب وتخ�ص�صات امل��دار���س واجلامعات‬ ‫املغربية‪ .‬لذلك‪ ،‬ف ��إن ه��ذا الو�ضع املت�سم‬ ‫بغري قليل من االزدراء ملا هو فني جمايل‬


‫قضية للنقاش‬ ‫‪34‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫االنتماء‪� ،‬أمام هذا القبح املظلم واملتطرف‬ ‫ال��ذي �أ�صبح يكت�سح جغرافيات مهمة من‬ ‫اخلريطة العربية‪ ،‬هذا الورم املخيف الذي‬ ‫ال ي��رى يف اجلميل ويف امل�ل��ون ويف الفرح‬ ‫باب يقود «ر�أ�س ًا » �إىل �إ�شاعة الرذيلة‬ ‫�سوى ٍ‬ ‫وامل�ي��وع��ة والتف�سخ‪� ،‬أي ي�ق��ود �إىل ح�ضن‬ ‫ال�شيطان‪ .‬وتلك بطبيعة احلال �آفة الذي ال‬ ‫يب�صر‪ ..‬والذي ال يرى»‪.‬‬

‫�إق�صاء الرتاث الأمازيغي‬

‫لوحة امراة امازيغية للفنان اميل ليكومت‪-‬فرينت‬

‫من قبل اجلهات التعليمية الر�سمية‪ ،‬هو‬ ‫م��ا جعل ويجعل م��ن در���س الرتبية الفنية‬ ‫«مثله يف ذلك مثل در�س الرتبية املو�سيقية»‬ ‫داخل �صفوف وبرامج املدار�س االبتدائية‬ ‫والإع��دادي��ة جم��رد م��ادة تكميلية خللق ما‬ ‫قد يفهم منه «تنويع ًا»‪ ‬للمعارف والدرو�س‬ ‫وامل � ��واد‪ ،‬م��ادام��ت �آف��اق��ه اجل��ام�ع�ي��ة غري‬ ‫م��وج��ودة وغ�ير معرتف بها �ضمن خريطة‬ ‫تخ�ص�صات و�شعب التعليم العايل‪.‬‬ ‫ويختم د‪ .‬عزيز �أزغ��اي كلمته با�ستنتاج‬ ‫ي�سائل م��ن خالله اجل�ه��ات امل�س�ؤولة عن‬

‫النظام التعليمي‪« :‬م��ن ه�ن��ا‪ ،‬ف ��إن ��س��ؤال‬ ‫ح�ضور ال�ت�راث ع��ام��ة وال�ت�راث يف جانبه‬ ‫الب�صري اجل�م��ايل على وج��ه اخل�صو�ص‬ ‫يف املناهج وال�برام��ج التعليمية‪ ،‬بال�شكل‬ ‫اخلجول واملبت�سر ال��ذي تعك�سه املقررات‬ ‫التعليمية‪ ،‬هو مبثابة حق �أري��د به باطل‪،‬‬ ‫مادامت «العقول »املدبرة لل�ش�أن التعليمي‬ ‫املغربي ما زالت مل تنتبه بعد لأهمية هذا‬ ‫النوع من املعرفة اجلليلة يف بناء العقل ويف‬ ‫تربية الذوق ويف الإعالء من �ش�أن اجلمال‪،‬‬ ‫ويف التوعية والتثقيف وبناء الهوية وجتذير‬

‫ماذا عن ح�ضور الرتاث الأمازيغي يف مناهج‬ ‫التعليم ؟ �ألي�س ه��ذا ال�ت�راث ه��واالم�ت��داد‬ ‫العميق نحو بداية التاريخ وبداية احل�ضارة‬ ‫باملغرب؟‬ ‫وجهنا هذا ال�س�ؤال للدكتور �أحمد ع�صيد‬ ‫ع�ضو جمل�س �إدراة املعهد امللكي للثقافة‬ ‫الأم��ازي �غ �ي��ة‪ ،‬ف �ك��ان ج��واب��ه‪� «:‬إن تدري�س‬ ‫ال�تراث الثقايف عموم ًا يهدف �إىل تعريف‬ ‫الأج �ي��ال النا�شئة ب�ه��وي��ة ال�ب�ل��د وت��اري�خ��ه‬ ‫و�شخ�صيته الثقافية‪ ،‬وه��و م��ا ي�سهم يف‬ ‫تقوية ال�شعور باالنتماء �إىل القيم الوطنية‬ ‫امل�شرتكة‪ ،‬وتكوين الوعي اجلمعي لدى �أبناء‬ ‫البلد ال��واح��د‪ .‬ولهذا يعك�س م��دى اهتمام‬ ‫الربامج التعليمية بالرتاث الثقايف توجهات‬ ‫ال�سيا�سة التعليمية واختياراتها الوطنية‪.‬‬ ‫وي�ع� ّد ال�تراث الثقايف الأم��ازي�غ��ي باملغرب‬ ‫بنوعيه املادي والرمزي تراث ًا غني ًا �شديد‬ ‫التنوع‪ ،‬كما يتميز بعراقته وجت��ذره �سواء‬ ‫يف الوعي �أو يف ال�سلوك الفردي واجلماعي‬ ‫ل �ل �م �غ��ارب��ة‪ ،‬وي �ت �م �ظ �ه��ر ه� ��ذا ال �ت��راث يف‬ ‫�أ�شكال التعبري اللغوية ومظاهر التنظيم‬ ‫االجتماعي م��ن تقاليد وع��ادات و�أع��راف‬ ‫كما يف مظاهر امللب�س وامل ��أك��ل وامل�شرب‬ ‫وال�تراث الأدب��ي ال�شفوي ال�شعري والنرثي‬ ‫وف�ن��ون الغناء التقليدية و�أن ��واع الرق�ص‬ ‫اجلماعي والأهازيج ال�شعبية‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫امل�صنوعات اجللدية وال�صوفية واخلزفية‪،‬‬ ‫وكذا املعمار والهند�سة �إلخ‪»...‬‬ ‫ي�ضيف د ع�صيد‪ :‬غ�ير �أن ه��ذا ال�ت�راث‬ ‫الزاخر و�إن كان حي ًا متداو ًال يف كل مناطق‬ ‫املغرب حتى الآن‪� ،‬إال �أن ح�ضوره يف النظام‬


‫نقو�ش املوزاييك مبدر�سة بن يو�سف ‪ -‬مراك�ش‬

‫ال�ترب��وي وم�ضامني امل �ق��ررات الدرا�سية‬ ‫يكاد يكون منعدم ًا‪ ،‬ويعود ه��ذا بالدرجة‬ ‫الأوىل �إىل اختيارات الدولة فيما يخ�ص‬ ‫هويتها منذ اال�ستقالل عام ‪ ،1956‬حيث ّمت‬ ‫تبني النموذج الفرن�سي «اليعقوبي» للدولة‬ ‫الوطنية املركزية‪ ،‬وال��ذي يقوم على مبد�أ‬ ‫الت�أحيد ‪ Uniformisation‬الذي يرمي �إىل‬ ‫خلق التجان�س املطلق عرب تذويب عنا�صر‬ ‫التنوع وحموها التدريجي من �أجل التمكني‬ ‫لهوية ال��دول��ة امل��رك��زي��ة‪ ،‬ال�ت��ي ت�ق��وم على‬ ‫انتقاء عنا�صر ثقافية معينة باعتبارها‬ ‫«ر�سمية»‪ ،‬وترك بقية العنا�صر يف هام�ش‬ ‫الن�سيان �إىل �أن تنمحي تدريجي ًا‪.‬‬

‫يمكن لوزارة الثقافة‪ ‬أن‬ ‫تلعب دور ًا محوري ًا‬ ‫في إضافة‪ ‬المزيد من‬ ‫المواد التراثية في‬ ‫البرامج‪ ‬التعليمية‬ ‫وك��ان م��ن نتائج ه��ذا االخ�ت�ي��ار ال�سيا�سي‬ ‫ال��ذي خ�ضع ب�شكل كبري للت�أثري ال�سلبي‬ ‫ل� �ل ��إرث اال���س��ت��ع��م��اري‪ ،‬ت �ك��ري ����س م �ب��د�إ‬ ‫"التعريب" باعتباره �أح��د �أ�س�س النظام‬ ‫ال�ترب��وي امل�غ��رب��ي‪ ،‬ومل يكن يق�صد بهذا‬ ‫امل �ب��د�أ �إح�ل�ال اللغة العربية م�ك��ان اللغة‬

‫انهزامية العقل العربي‬ ‫يرى الدكتور عزيز �أزغاي‪� ،‬أ�ستاذ مادة تاريخ الفن مبركز الأ�ساتذة �أن‬ ‫التعامل مع ال�تراث الفكري الإ�سالمي ظل �إىل حدود نهاية �ستينيات‬ ‫القرن املا�ضي ي�شكل �أح��د العناوين الكربى النهزامية العقل العربي‪،‬‬ ‫وا��س�ت���س�لام��ه جل�م�ل��ة م��ن الأح �ك��ام ال�ق�ط�ع�ي��ة واالج �ت �ه��ادات امل �ت �ج��اوزة‬ ‫وامل�ق��والت امل�سكوكة‪ ،‬التي مل ت�برح بع�ض يقينها املطلق �إال م��ع بداية‬ ‫انت�شار الفكر اال�شرتاكي يف عدد من البلدان العربية‪ ،‬وانفتاح جامعاتها‬ ‫حديثة الن�ش�أة على النظريات واملناهج الفكرية والنقدية احلديثة‪ ،‬مثل‬ ‫البنيوية والوجودية وال�سو�سيولوجيا وعلم النف�س والأنرتوبولوجيا‬ ‫والإثنوغرافيا وال�سيميائيات وعلم اجلمال‪.‬‬

‫الفرن�سية الأجنبية ف�ق��ط‪ ،‬ه��ذه الأخ�يرة‬ ‫التي كانت ت�ست�أثر بن�صيب الأ��س��د داخل‬ ‫دواليب الدولة‪ ،‬بل اتخذ طابع ًا �إيديولوجي ًا‬ ‫ق��وي � ًا مت�ث��ل يف �إن �ك��ار ك��ل م��ا ه��و�أم��ازي�غ��ي‬ ‫باعتباره عن�صر ًا ن�شاز ًا يه ّدد االن�سجام‬ ‫العام والتما�سك االجتماعي الذي �أ�صبح يف‬ ‫الإيديولوجيا الر�سمية قائم ًا على «العروبة‬ ‫والإ�سالم» ال غري‪ .‬وهكذا دخلت الأمازيغية‬ ‫يف دائرة املحرم ال�سيا�سي‪ ،‬و�أق�صي الرتاث‬ ‫الأمازيغي من التعليم املغربي منذ بداية‬ ‫اال�ستقالل‪ ،‬مثلما ّمت احلر�ص على �إظهار‬ ‫تاريخ املغرب كما لو�أنه تاريخ عربي �صرف‪،‬‬ ‫مم��ا �أدى �إىل �إخ �ف��اء ال��رم��وز التاريخية‬ ‫الأمازيغية وطم�سها‪.‬‬ ‫يوا�صل د‪� .‬أحمد ع�صيد عتابه‪ :‬و�إذا كان‬ ‫�إق�صاء ال�تراث الأدب��ي والفني الأمازيغي‬ ‫من التعليم �أم��ر ًا يف�سر بعدم �إدراج اللغة‬ ‫الأم��ازي�غ�ي��ة يف امل �ق��ررات ال��درا��س�ي��ة منذ‬ ‫ال�ب��داي��ة‪ ،‬مم��ا يعني �ضمني ًا ع��دم �إم�ك��ان‬ ‫ت��دري ����س ك��ل ت��راث �ه��ا الأدب� ��ي وال �ف �ن��ي ذي‬ ‫ال�صلة باللغة و�أ�شكال التعبري الل�سانية‪،‬‬ ‫ف�إن تهمي�ش الرتاث الأمازيغي املادي كان‬ ‫ي�ت� ّ�م ع�بر ت�ق��دمي بع�ض عنا�صره املنتقاة‬


‫قضية للنقاش‬ ‫‪36‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫منوذج للمعمار املغربي‬

‫باعتبارها تراث ًا "مغربي ًا" من دون الإ�شارة‬ ‫�إىل خ�صو�صيته الأم��ازي�غ�ي��ة‪ ،‬مم��ا يجعله‬ ‫ي�صنف لدى التالميذ باعتباره تراث ًا عربي ًا‪،‬‬ ‫�أم��ا عنا�صر ال�تراث الأمازيغي التي كانت‬ ‫يتم تلقينه يف‬ ‫حتمل م�ضامني خمالفة ملا ّ‬ ‫�إطار املنظومة الثقافية العربية الإ�سالمية‬ ‫ف�ك��ان ي�ت� ّ�م �إخ �ف��ا�ؤه��ا كلي ًا‪ ،‬وذل��ك مثل ما‬ ‫يتعلق مبجال القيم كاحلرية وامل�ساواة على‬ ‫وجه اخل�صو�ص‪ .‬وب�سبب املوقف ال�سيا�سي‬ ‫الأ�صلي النابع من االختيارات الإيديولوجية‬ ‫للدولة‪ ،‬فقد اعترب تاريخ املغرب املاقبل‬ ‫�إ� �س�ل�ام��ي م��و� �ض��وع � ًا م��زع �ج � ًا بالن�سبة‬ ‫للأطروحة االختزالية ح��ول الهوية‪ ،‬مما‬ ‫�أدى �إىل طم�س ال�تراث الأمازيغي القدمي‬ ‫�سواء املعماري منه �أوم��ا يتعلق بالنقو�ش‬ ‫ال�صخرية العريقة وامل��آث��ر التي تعود �إىل‬ ‫املمالك الأمازيغية القدمية‪ ،‬و�إظهار بع�ض‬ ‫يخ�ص‬ ‫تلك امل�آثر كما لو �أنها تراث �أجنبي ّ‬ ‫الرومان والوندال والبيزنطيني والفينيقيني‬ ‫�إل��خ‪� ،..‬أي الأق��وام الأجانب الذين احتكوا‬

‫ب�سكان �شمال �إفريقيا الأمازيغي‪.‬‬ ‫ونتيجة ه��ذا االخ �ت �ي��ار‪ -‬ح�سب د‪� .‬أحمد‬ ‫ع�صيد‪ -‬هي عدم �شيوع املعارف العلمية‬ ‫امل�ت�ع�ل�ق��ة ب��ال�ت�راث الأم��ازي��غ��ي‪ ،‬مم��ا نتج‬ ‫ع�ن��ه ��ض�ع��ف م�ع��رف��ة امل �غ��ارب��ة بتاريخهم‬ ‫ومبمتلكاتهم الرمزية الأ�صيلة‪ ،‬كما �شاعت‬ ‫يف املجتمع املغربي نظرة قوامها ال�شعور‬ ‫بالدونية الثقافية �أم��ام الأجنبي‪ ،‬وبنزوع‬ ‫كبري نحو املحاكاة وتقليد الآخر مما �أ�سهم‬ ‫يف �إ� �ض �ع��اف احل ��� ّ�س الإب ��داع ��ي امل�غ��رب��ي‪،‬‬ ‫حيث تعتمد ال��روح الإبداعية لدى خمتلف‬ ‫ال�شعوب على االنطالق من الذات مبختلف‬

‫قفص‪ :‬من الواجب‬ ‫علينا تيسير نقل إرثنا‬ ‫التليد إلى األجيال‬ ‫المقبلة عبر إرساء‬ ‫منظومة تعليمية‬ ‫مند مجة‬

‫مقوماتها الغنية واملتفاعلة‪.‬‬ ‫و�إذا كان ال�تراث الأمازيغي ظل مغيب ًا يف‬ ‫برامج التعليم ويف الربامج العامة للدولة‪،‬‬ ‫ف�إن ب�صي�ص �ضوء يلمع يف ال�سنوات الأخرية‬ ‫ومينح �إ�شارات �إيجابية بخ�صو�ص امل�سقبل‪،‬‬ ‫فالباحث واحلقوقي �أحمد ع�صيد يخل�ص‬ ‫�إىل �إن ال�ت�ح��والت التي حملتها الع�شرية‬ ‫الأخ�ي�رة ال�ت��ي ت�ل��ت االع�ت�راف ال�سيا�سي‬ ‫باملكون الأمازيغي �سنة ‪ ،2001‬قد حملت‬ ‫بع�ض التغيريات الطفيفة �سواء يف املقررات‬ ‫الدرا�سية �أو يف و�سائل الإع�لام ال�سمعية‬ ‫وامل��رئ�ي��ة‪ ،‬حيث ت��زاي��د االه�ت�م��ام بالرتاث‬ ‫الأمازيغي بعد �إق��رار اللغة الأمازيغية يف‬ ‫املنظومة الرتبوية �سنة ‪ ،2003‬وبعد ال�سماح‬ ‫ب�إنتاج �أوىل الربامج الأمازيغية يف التلفزية‬ ‫املغربية بعد يناير ‪ .2006‬كما �أن االعرتاف‬ ‫الد�ستوري باللغة الأمازيغية لغة ر�سمية‬ ‫للبالد بجانب العربية‪ ،‬والذي مل يتحقق �إال‬ ‫يف يوليو ‪� ،2011‬أ�سهم ب�شكل كبري يف الدفع‬ ‫يف اجت��اه �إن���ص��اف ال�ت�راث الأم��ازي �غ��ي يف‬


‫التعليم وو�سائل الإعالم‪ ،‬وتخو�ض الأو�ساط‬ ‫احلكومية والربملانية وال�صحفية وتنظيمات‬ ‫املجتمع املدين حالي ًا نقا�ش ًا عمومي ًا دقيق ًا‬ ‫ح��ول م�ضامني ال�ق��ان��ون التنظيمي ال��ذي‬ ‫�سيحدد كيفية �إدراج الأم��ازي�غ�ي��ة يف كل‬ ‫جم��االت احلياة العامة‪ ،‬كما �سيتم �إن�شاء‬ ‫ين�ص عليه الد�ستور‬ ‫جمل�س وطني للغات ّ‬ ‫املعدل‪� ،‬سيكون من بني مهامه التفكري يف‬ ‫�أ�ساليب حماية الثقافات الوطنية‪.‬‬

‫الرتاث ال�صحراوي‬

‫و�إذا ك �ن��ا ق ��د ن��اق���ش�ن��ا ح �� �ض��ور ال�ت�راث‬ ‫الأمازيغي يف مناهج التعليم‪ ،‬لأن الأمازيغية‬ ‫مكون �أ�سا�سي يف الثقافة املغربية‪ ،‬فنحن‬ ‫ملزمون بال�ضرورة بالوقوف عند الرتاث‬ ‫ال �� �ص �ح��راوي لأن���ه ج ��زء م �ه��م يف تكوين‬ ‫املجتمع املغربي �سيما يف م��دن اجلنوب‪.‬‬ ‫ال�تراث ال�صحراوي احل�ساين يف املغربي‬ ‫ما حكايته؟ وما مدى ح�ضوره هو الآخر يف‬ ‫مفكرة منظري التعليم وم�س�ؤوليه باملغرب؟‬ ‫يجيبنا د‪� .‬إب��راه �ي��م احل�ي���س��ن الباحث‬ ‫يف ال�ت�راث الأدب���ي واجل �م��ايل احل���س��اين‪،‬‬ ‫واملتخ�ص�ص يف الثقافة ال�صحراوية‪:‬‬ ‫الرتبية على ال�تراث ممار�سة بيداغوجية‬ ‫راقية تر�سم يف عمقها دعوة علنية و�صريحة‬ ‫لفهم الرتاث و�إدراك �أهميته باعتباره‪:‬‬ ‫ي�شكل ب�ح�م��والت��ه ال�ث�ق��اف�ي��ة وال�ت��اري�خ�ي��ة‬ ‫واالجتماعية �سند ًا علمي ًا وتربوي ًا �أ�سا�سي ًا‬ ‫يف تنمية الفرد واجلماعة‪.‬‬ ‫مادة ا�سرتاتيجية لدعم االقت�صاد الوطني‬ ‫وامل�ساهمة يف تنميته «ت�ط��وي��ر ال�سياحة‬ ‫الثقافية»‪.‬‬ ‫ذاكرة و�سج ًال ميكن �أن يتجددا با�ستمرار‬ ‫ح�سب ما يتاح لهما من �أبحاث ودرا�سات‬ ‫و�أ�شكال �صيانة وحفظ وترميم‪..‬‬ ‫فاعلية �إن�سانية متميزة ال حميد عنها‪ ،‬لأنها‬ ‫تك�شف عن تطور حياة مبدعيها الروحية‬ ‫واملادية‪ .‬فهو تراث �أ�صيل ومت�أ�صل يج�سد‬ ‫تفكري املجتمع الذي �أنتجه»‪.‬‬ ‫وميكن احلديث عن الرتبية على الرتاث‪-‬‬ ‫ح�سب د‪ .‬احلي�سن‪ -‬مبراعاة جمموعة من‬

‫جامع القرويني اقدم جامعة يف العامل‬


‫قضية للنقاش‬ ‫‪38‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫�ساحة جامع الفنا‪ -‬معر�ض تراثي مفتوح‬

‫لقطة يف �شارع مغربي للفنان فردريك ارثر‬

‫الأبعاد‪ ،‬من �ضمنها‪:‬‬ ‫�أ‪ -‬البعد الوظيفي للرتاث‪ :‬مبعنى االهتمام‬ ‫ب��ال�تراث وحم��اول��ة اال�ستفادة منه وجعله‬ ‫م ��ادة م�ساهمة يف ت��رب�ي��ة ال �ن ����شء‪� ،‬إذ ال‬ ‫خ�ير يف علم ال ينفع‪ ،‬كما ي�ق��ال‪ .‬ج��اء يف‬ ‫الدعاء‪«:‬اللهم علمني ما ينفعني‪ ،‬وانفعني‬ ‫مبا علمتني وزدين علم ًا وكل علم وبال على‬

‫�صاحبه �إال من عمل به»‪..‬‬ ‫ب‪ -‬البعد التجريبي للرتاث‪ :‬ي�سميه البع�ض‬ ‫باملعاينة‪ ،‬وهو �أ�سلوب علمي عملي يقود �إىل‬ ‫حقائق احلياة وكنه الأ�شياء‪..‬ومن مراميه‬

‫األبحاث الجامعية حول‬ ‫التراث تحتاج إلى تمويل‬ ‫من أجل تطويرها‬

‫احل��ث على التح�صيل عن طريق املعاينة‬ ‫املبا�شرة واالختبار والتجربة‪ ،‬تيمن ًا بقول‬ ‫اجل��اح��ظ‪« :‬ل�ي����س ي�شفيني �إال امل�ع��اي�ن��ة»‪.‬‬ ‫فالتفكري العلمي ال ميكن اكت�سابه �سوى‬ ‫باملمار�سة والدربة وامل��ران‪ ،‬واالبتعاد عن‬ ‫ال��وه��م واخل��راف��ة والرتكيز على الربهنة‬ ‫والأدلة الواقعية‪..‬‬ ‫ج‪ -‬املثاقفة الرتاثية‪ :‬وه��ي �صياغة ر�ؤي��ة‬ ‫م�شرتكة واع �ت �ب��اره��ا ام��ت��داد ًا وت�ط��وي��ر ًا‬ ‫للمخزون الرتاثي فينا ولدينا‪..‬‬ ‫انطالق ًا من ه��ذه اخللفية البيداغوجية‬ ‫ي� ��رى د‪� .‬إب ��راه� �ي ��م احل �ي �� �س��ن ���ض��رورة‬ ‫�إدم� ��اج ال�ت�راث ب�شتى �أن��واع��ه و�أمن��اط��ه‬ ‫املادية والالمادية يف املنظومة الرتبوية‬ ‫والتعليمية حفاظ ًا عليه من �أت��ون التفتت‬ ‫وال�ضياع واالن��دث��ار‪ ،‬وذل��ك عرب التوارث‬ ‫والتناقل والتلقي املنهجي ب�إ�شراف باحثني‬ ‫ومدر�سني لهم اهتمام بال�ش�أن الرتاثي‪.‬‬ ‫ويعد �صون الرتاث من امل�س�ؤوليات الكبرية‬ ‫امللقاة على ع��ات��ق الأف ��راد واجل�م��اع��ات‪،‬‬ ‫بو�صفه م�ستودع ًا خ�صب ًا وخزان ًا ملعارف‬ ‫وخ�ب�رات و�إب��داع��ات ك�ث�يرة ��ش��اه��دة على‬


‫م �ن �ج��زات وع� �ط ��اءات ال �� �س �ل��ف‪ ،‬جت� ّم�ع��ت‬ ‫وتراكمت لرت�سم ذاكرة النا�س امل�شرتكة‪.‬‬ ‫غ�ير �أن �إدم� ��اج م ��واد ون���ص��و���ص ت��راث�ي��ة‬ ‫�ضمن املقررات املدر�سية ال يكفي لإعادة‬ ‫االع�ت�ب��ار ملرياثنا الثقايف ال�ع��ري��ق‪ ،‬ب��ل ال‬ ‫بد من تعزيزه بخلق بنيات حتتية موازية‬ ‫كاملتاحف «�إثنوغرافية‪� ،‬أثرية‪ ،‬بحرية‪»..‬‬ ‫باعتبارها هي الأخرى م�ؤ�س�سات تعليمية‬ ‫وذاك � ��رات خ���ص�ب��ة خل�ب�رات و�إب ��داع ��ات‬ ‫جتمعت واخ�ت��زن��ت ع�بر الع�صور لت�شكل‬ ‫�سند ًا مرجعي ًا للبحث والدرا�سة والتحليل‪.‬‬ ‫فالدور البيداغوجي ملثل هذه الف�ضاءات‬ ‫يتق َّوى عرب االنفتاح عملي ًا على امل�ؤ�س�سات‬ ‫التعليمية «ب�أ�سالكها الت�أهيلية والثانوية»‬ ‫وم���راك���ز ال �ت �ك��وي��ن ال�ت�رب���وي وال �ع �ل �م��ي‬ ‫وال �ت ��أه �ي��ل امل�ه�ن��ي وم��ؤ��س���س��ات االت���ص��ال‬ ‫اجلماهري عرب برجمة ح�ص�ص و�أوق��ات‬ ‫خا�صة للزيارة الدرا�سية واال�ستطالعية‬ ‫ت� �ك���ون م� � ��ؤط � ��رة م� ��ن ط�� ��رف ن �� �ش �ط��اء‬ ‫ومر�شدين لهم �إملام بثقافة وعلم املتاحف‬ ‫‪..Muséologie‬‬ ‫وح�ين ��س��أل�ن��ا د‪� .‬إب��راه �ي��م احلي�سن عن‬ ‫احل�ساين ال�صحراوي يف‬ ‫الرتاث ال�شعبي‬ ‫َّ‬ ‫�سياق حتقيقنا كان رده‪ ":‬ال ح�ضور لهذا‬ ‫ال�تراث يف املناهج وامل �ق��ررات التعليمية‬ ‫التي تدر�س باملدار�س والثانويات املغربية‪،‬‬ ‫�ش�أنه يف ذل��ك �ش�أن العديد من الأ�شكال‬ ‫ال�تراث�ي��ة الأخ ��رى‪ .‬وم��رد ذل��ك راج��ع‪ ،‬يف‬ ‫اعتقادي‪� ،‬إىل غياب ر�ؤي��ة وا�ضحة تتجه‬ ‫نحو هذا املنحى‪ .‬كما �أن دفاتر التحمالت‬ ‫‪ Cahiers de charges‬التي ت�صاغ على‬ ‫�ضوئها الكتب املدر�سية ال ت�شري ب�شكل‬ ‫�صريح �إىل هذا الأمر رغم �أهميته‪ .‬وكنا‬ ‫ق��د �أث��رن��ا امل��و��ض��وع يف �أك�ثر م��ن منا�سبة‬ ‫ونادينا مرار ًا وتكرار ًا ب�ضرورة تخ�صي�ص‬ ‫ح �ي��ز مل ��وروث ��ات� �ن ��ا ال �ث �ق��اف �ي��ة والأدب � �ي� ��ة‬ ‫واجلمالية �ضمن املقررات املدر�سية‪ .‬لكن‬ ‫على م�ستوى اجلامعات والكليات‪ ،‬هناك‬ ‫وح��دات لنيل �شهادة املا�سرت خم�ص�صة‬ ‫ل��ل�ت�راث وه ��ي ق�ل�ي�ل��ة وغ�ي�ر ك��اف �ي��ة وه��ي‬ ‫بحاجة �إىل تعميم �أو�سع‪ ،‬وغالب ًا ما يوجه‬

‫الطاجني ‪-‬جزء ا�صيل من تراث املغرب‬

‫أزغاي‪ :‬مازال المغرب‬ ‫يشهد غياب ًا فادح ًا‬ ‫للدرس الفني الجمالي‬ ‫كتخصص مستقل‬ ‫بمواده في جامعاتنا‬ ‫ومعاهدنا العليا‬ ‫خاللها الطلبة نحو �إجن ��از ب�ح��وث حول‬ ‫موا�ضيع تراثية كثري ًا ما تكون مو�سومة‬ ‫ب �ط��اب��ع ال �ت �� �س��رع وان� �ع ��دام ال�ت�خ���ص����ص‪.‬‬ ‫نف�س الأم��ر ينطبق على البحوث املنجزة‬ ‫�أثناء التح�ضري لنيل �شهادة الإجازة التي‬ ‫ي�شكل فيها اال�شتغال على ثقافة وت��راث‬

‫ال�صحراء ح�صة كبرية ال يتم ا�ستثمارها‬ ‫على النحوال�صحيح للأ�سف العميق‪.‬‬

‫الرتاث يف الدر�س اجلامعي‬

‫ت�ع� ُّق�ب� ًا م�ن��ا حل���ض��ور ال �ت�راث يف ال��در���س‬ ‫اجلامعي �س�ألنا الدكتورة لطيفة لب�صري‬ ‫�أ��س�ت��اذة التعليم ال�ع��ايل بجامعة احل�سن‬ ‫الثاين بالدار البي�ضاء‪ ،‬والباحثة والكاتبة‬ ‫يف جمال ال�سرد والر�أي‪.‬‬ ‫ترى د‪ .‬لطيفة‪� ‬أن هناك ح�ضور ًا‪ ‬للرتاث يف‬ ‫التكوين‪ ‬اجلامعي‪ ‬غري‪� ‬أنه‪ ‬ح�ضور ناق�ص‪.‬‬ ‫وتذكر جتربة طلبة املا�سرت يف كلية الآداب‬ ‫والعلوم الإن�سانية الذين قاموا بالعمل على‬ ‫ال�ت�راث ال�شعبي حت��ت �إ� �ش��راف الدكتورة‬ ‫ال�سعدية ع��زي��زي و�أجن ��زوا الكتاب الأول‬


‫قضية للنقاش‬ ‫‪40‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫ال ح�ضور للرتاث ال�صحراوي احل�ساين يف املناهج التعليمية‬

‫الذي يحمل عنوان‪« :‬مكنز الرتاث ال�شعبي‬ ‫املغربي» وهو �أول مكنز للرتاث ال�شعبي على‬ ‫ال�صعيد الوطني وي�ضم العديد من الفروع‬ ‫امل�ع��رف�ي��ة ال �ت��ي ت�خ����ص ال �ت�راث امل�غ��رب��ي‪،‬‬ ‫بحيث ي�شمل‪ :‬املعتقدات واملعارف ال�شعبية‪،‬‬ ‫وال� �ع ��ادات وال �ت �ق��ال �ي��د‪ ،‬والأدب ال�شعبي‬ ‫والفنون ال�شعبية والثقافة املادية التي تربز‬ ‫العادات يف اللبا�س وتطبع كل بلد على حدة‪.‬‬ ‫لكننا‪ -‬ت�ضيف د‪ .‬لب�صري‪ -‬ال ميكن �أن‬ ‫جنزم ب�أن هناك نق�ص ًا يف ح�ضور الرتاث‬ ‫ال�شعبي يف التعليم ب�شكل عام‪� ،‬إنه يف حاجة‬ ‫�إىل �أب�ح��اث وه��ذه الأب �ح��اث �أي���ض� ًا حتتاج‬ ‫�إىل متويل من �أجل تطويرها‪ .‬اللهم وجود‬ ‫�أبحاث نعتربها جمهودات �شخ�صية يعمل‬

‫عليها الباحث ل�سنوات‪� .‬إننا يف حاجة �إىل‬ ‫درا�سات �أنرتبولوجية لهذا املجال‪ ،‬وذلك‬ ‫لكونه جما ًال وا�سع ًا يعك�س البنيات الأ�سا�سية‬ ‫للفرد وال�ع��وامل التي ي��أت��ي منها‪ ،‬وه��ي يف‬ ‫حاجة �إىل درا�سة حتى نعرف ثقافة بلدنا‬ ‫الالواعية التي ت�سرينا من دون �أن ندري‪،‬‬ ‫ففي كثري م��ن الأح �ي��ان جن��دن��ا مهوو�سني‬

‫د‪ .‬أحمد عصيد‪ :‬حضور‬ ‫التراث األمازيغي في‬ ‫مضامين المقررات‬ ‫الدراسية يكاد يكون‬ ‫منعدم ًا رغم انتشاره في‬ ‫كل مناطق المغرب‬

‫باحلكايات اللقيطة التي ال نعرف م�صدرها‬ ‫ومع ذلك هي موجهة للعديد من ت�صوراتنا‬ ‫و�أفكارنا اخلا�صة وك�أنها ا�ستعارات نحيا‬ ‫بها من دون �أن ن�سائل م�صدرها الأ�سا�سي‪،‬‬ ‫وك��ذا حني نت�أمل الأم�ث��ال‪ ،‬فنحن ال ن�س�أل‬ ‫من �أي��ن نبعت وم��ع ذل��ك فهي حا�ضرة يف‬ ‫حياتنا اليومية‪ ،‬مغذية للعديد من �أمناط‬ ‫�سلوكاتنا‪ ،‬وم�ؤثرة يف �أحايني كثرية للعديد‬ ‫من املواقف التي تعرت�ضنا‪ ،‬ونحن نعتربها‬ ‫�شيئ ًا عار�ض ًا‪ ،‬يف حني متثل ج��زء ًا كبري ًا‬ ‫م��ن الثقافة ال�شفهية التي تعك�س الفرد‬ ‫من دون �أن يعرف �أن م�صدرها الآخ��رون‬ ‫ال��ذي��ن ي�شكلون ال��ر�أي ال�ع��ام‪� .‬إن�ن��ا نعي�ش‬ ‫ال�تراث ولكننا ال مننحه ق��وة يف احل�ضور‬


‫يف التعليم‪ ،‬فنحن نعي�ش الأ��ش�ي��اء بحذر‬ ‫وقد منار�سها يف حياتنا اليومية من غناء‬ ‫وفن ولكننا نعتربها ترف ًا فكري ًا �سرعان ما‬ ‫نبتعد عنه حني يتعلق الأمر بتوجيه �أبنائنا‬ ‫مث ًال يف م�ساراتهم امل�ستقبلية‪.‬‬ ‫ت� ��ؤك ��د د‪ .‬ل �ط �ي �ف��ة ل �ب �� �ص�ير‪� :‬إن‪ ‬ال� �ث��رات‬ ‫الثقايف‪ ‬هو م��ادة غنية ل�ل�إب��داع والثقافة‪،‬‬ ‫وتدري�سها يف التعليم بطرق علمية ر�صينة‬ ‫كفيل بت�صحيح امل�ف��اه�ي��م اجل��اه��زة عن‬ ‫العديد من الروا�سب التي مت تلقينها ب�شكل‬ ‫خاطىء يف طفولتنا‪ ،‬فنحن نعي�ش العديد‬ ‫من الأخطاء الرتبوية التي تغذي تخييلنا‬ ‫كوجود «عائ�شة قندي�شة ‪ -‬جنية يف الثقافة‬ ‫ال�شعبية املغربية» التي ت�سكن الب�شر‪ ،‬ولال‬ ‫رح�م��ة ال�ت��ي تقب�ض الأرواح وال�ع��دي��د من‬ ‫ال�شخ�صيات اال�ستيهامية التي �أ�صبحت‬ ‫م��ع م��رور ال��زم��ن م��ن ال�ث��واب��ت يف حياتنا‬ ‫اليومية واللغة تنقل الالوعي عرب الأزمنة‬ ‫ومعه ي�صبح من ال�صعب تفكيك املعقول‬ ‫م��ن ال�لام�ع�ق��ول‪� .‬إن �ن��ا ن�ت��واف��ر على ت��راث‬ ‫غني ومتنوع ويختلف من مادة �إىل �أخرى‪،‬‬ ‫وميكنه �أن ي�شكل مواد للإبداع والدرا�سة‪،‬‬ ‫فكل تيماته تلهم الفكر والأدب‪ ،‬غري �أن‬ ‫ال�تراث ال�شعبي مث ًال غالب ًا ما ينظر �إليه‬ ‫على �أن��ه �أق��ل قيمة معرفية م��ن الثقافة‬ ‫العاملية‪ ،‬يف حني يختزن امل��وروث الثقايف‬ ‫�سري النا�س وحكاياتهم وطبائعهم وتاريخ‬ ‫�أف �ك��اره��م ع�بر ال��زم��ن‪ ،‬وه��ي كفيلة ب ��أن‬ ‫تغذي تاريخ الأف�ك��ار القادمة‪� ،‬إذ �أن هذا‬ ‫املخزون يعك�س طرائق الأكل وفنون اللبا�س‬ ‫وال�غ�ن��اء واملو�سيقى وال��رق����ص وه��ي كلها‬ ‫تعك�س انتماء الفرد حلقبة زمنية والأفكار‬ ‫التي �سادت يف تلك احلقبة وهي مهمة جد ًا‬ ‫لتطور تاريخ الفكر والإن�سان‪� ،‬إذ كيف نحيا‬ ‫من دون ه��ذا الزخم ال��ذي يحدد هوياتنا‬ ‫وجذورنا الفعلية‪ ،‬غري �أننا ينبغي �أن نفكر‬ ‫يف �إغناء هذا املجال وحفظه من التال�شي‪،‬‬ ‫عن طريق التوثيق وعن طريق منح �أهمية‬ ‫لتدري�سه ور�ؤي �ت��ه بطريقة م�غ��اي��رة متنح‬ ‫للمقبل عليه عالقة بهويته الفعلية ال جعله‬ ‫بعيد ًا عما يحدث يف تاريخ االن�سان ‪.‬‬

‫الزفاف املغربي يف لوحة فنية‬

‫تغييب التراث الفني‬ ‫في برامج التعليم‬ ‫يجعل تاريخنا الثقافي‬ ‫مليئ ًا باألعطاب‬ ‫ت �خ �ل ����ص د‪ .‬ل �ط �ي �ف��ة ل� �ب� ��� �ص�ي�ر�إىل �أن‬ ‫ال�ت�راث مهم ج��د ًا بالن�سبة للتعليم‪ ،‬فهو‬ ‫يعك�س ث�ق��اف��ات ال���ش�ع��وب ‪ ،‬وال �ع��دي��د من‬ ‫ال���ش�ع��وب تفتخر ب�تراث�ه��ا وت�ع�ي��د �إن�ت��اج��ة‬ ‫و�إ�ستثمارة �إب��داع�ي� ًا وفكري ًا وتت�ساءل‪:‬مل‬

‫ال ي�صبح ال�تراث من �أهم‪ ‬موادنا خا�صة‬ ‫و �أ ننا ‪ ‬ن�شتمل ‪ ‬على ‪ ‬حقل ‪ ‬غني ‪ ‬و خ�صب‬ ‫ي �ع �ي��د ال��ت��ف��ك�ي�ر‪ ‬يف امل ��ا�� �ض ��ي ك���ي ي�ف�ت��ح‬ ‫الإمكانية‪ ‬للم�ستقبل‪ ،‬فنحن ال ميكن �أن‬ ‫نحيا م��ن دون‪ ‬ما�ض غني‪ ،‬و�إال فمن �أي��ن‬ ‫ق��دم�ن��ا؟ وم��ن �أي ��ن �أت �ي �ن��ا؟ �إن �ن��ا م��ن ذل��ك‬ ‫الكل املتنوع‪ ،‬احلكيم والالحكيم‪ ،‬املنطقي‬ ‫والالمنطقي والذي يبني متنوعات متعددة‬ ‫م��ن دون �أن ن��دري‪� .‬إننا‪ ‬يف حاجة لتعليم‬ ‫�أب�ن��ائ�ن��ا االه�ت�م��ام ب��ال�تراث ‪ ‬ومنحه‪ ‬بعد ًا‬ ‫�أك�بر يف املجال املعريف‪ ‬وتطويره‪ ‬بحيث ال‬ ‫ينفلت‪ ‬من تاريخنا‪ ‬العام‪ ‬وال�شخ�صي»‬


‫إرهاصة‬ ‫‪42‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫أن تقرأ لـ(الكوني)‪ ..‬وأن تراه‬ ‫ا�شتعل «الكوين» غ�ضب ًا‪ .‬وهو غ�ضب مل يتك�شف يف مالمح وجهه‬ ‫فح�سب‪� ،‬إمنا يف التفاتته الع�صبية �صوبي‪ ،‬وتلك الرجفة التي‬ ‫جتاوبت لها قامته املديدة‪ ،‬بينما تخلت ذراع��ه يف تلقائية عن‬ ‫ع�صاه اخل�شبية‪ ،‬وارتفعت �ساقه املجاورة للع�صا لت�ستقر فوق‬ ‫�شقيقتها‪ّ ،‬مت كل ذلك يف حلظة ق�صرية‪ ،‬كنت خاللها ما زلت‬ ‫�أ�ستكمل �سرد ت�سا�ؤيل‪ .‬حلظة بدا يل خاللها �أنني �أواجه رج ًال‬ ‫ي�ستجمع قواه‪ ،‬لي�س من �أجل تقدمي �إجابة على �س�ؤايل‪ ،‬بل من �أجل‬ ‫�أن ي�سحقني‪ ،‬حلظة بدت يل �ساع ًة طويلة مرهقة‪ ،‬اختربت خاللها‬ ‫�أفكاري حول الثبات وال�صمود‪ ،‬بينما كنت �أترقب الكلمات التي‬ ‫�سي�ستهل بها كالمه‪ ،‬هذا الرجل الذي قر�أت �أعماله على مدار‬ ‫ال�سنوات الع�شر الأخرية بحب و�إعجاب كبريين‪ .‬مل يكن «الكوين»‬ ‫�أول �ضيويف يف برنامج «تواقيع» يف معر�ض �أبوظبي للكتاب‪ ،‬فقد‬ ‫ا�ست�ضفت نخبة من الك ّتاب العرب‪ ،‬كان يل مع كل منهم حوار ًا‬ ‫وق�صة‪ ،‬لطيفة �أو م�شوبة ببع�ض املفارقات‪� ،‬إال �أن «الكوين» �أبى �إال‬ ‫�أن تكون ق�صته ملحمية بحجم �أعماله العظيمة‪ .‬خالل اللحظة‬ ‫وليد عالء الدين التي كنت ما زلت �أ�ستكمل فيها ت�سا�ؤيل‪ ،‬و�أراقب حتوالت «الكوين»‬ ‫�أمام ناظري‪� ،‬أجهدت ذاكرتي يف ا�ستعادة ما فهتُ به من كلمات‪،‬‬ ‫رمبا �أقف على تلك الكلمة املاكرة التي جنحت يف ا�ستفزاز هذا‬ ‫الرجل‪ ،‬الذي كنت قد خططت حلواره بالطريقة التي �أخطط بها‬ ‫لقراءة رواياته‪ ،‬ولكن هيهات؛ فالقراءة حوار بني طرفني �أحدهما‬ ‫�أنهى قوله وترك للآخر �أن يتجول فيه‪ ،‬بينما احلوار الآن مواجهة‬ ‫بني كائنني من حلم ودم‪ ،‬يبدو �أن �أحدهما مت�شوق لتمزيق الآخر‪.‬‬ ‫وللأ�سف‪ ،‬فقد ف�شلت يف التعرف على الكلمة التي �أ�شعلت فتيل‬ ‫غ�ضب «ال�ك��وين» �إىل �أن �أنهيت الت�سا�ؤل‪ ،‬فرحت �أنتظر �شكل‬ ‫الكلمات التي تليق بهيئة الرجل كما جت�سدت �أمامي‪� ،‬أو على‬ ‫الأقل كما �ضخمتها يل خميلتي‪ .‬ظل «الكوين» وا�ضع ًا �ساق ًا فوق‬ ‫�شقيقتها‪ ،‬ثم مال بج�سده ليذكرين ب�شخ�صيات رواياته عندما‬ ‫تريد التعبري ع��ن الكربياء والأن �ف��ة وال�ع��زة وك��ل م��ا يزخر به‬ ‫القامو�س من مفردات �شبيهة‪ ،‬و�أطلق مدفعه يف وجهي‪ ،‬مبدي ًا‬ ‫تعجبه‪ -‬بادئ الأمر ‪ -‬من جهل الإعالميني وال�صحافيني‪ ،‬والعرب‬ ‫منهم حتديد ًا‪ ،‬وكيف �أنهم ال يكلفون �أنف�سهم عناء حتري املعلومة‬ ‫التي ينقلونها‪ ،‬وكيف و‪ ..‬كيف؟‪.‬‬ ‫كنت �أ�شعر �أنني كاالبن العاق‪ ،‬جلبت امل�س ّبة لأهلي من ال�صحافيني‬ ‫والإعالميني‪ ،‬لي�س العرب فح�سب‪ ،‬ولكنه عقوق عاملي‪ ،‬وبد ًال من‬ ‫�أن �أ�شعر ب�أهميتي الق�صوى‪ ،‬رحت �أجتهد يف �إخفاء �سخونة �أذين‬ ‫واحمرار وجهي – و�أنا امل�شهور بهما منذ الطفولة عندما �أتعر�ض‬ ‫ملوقف حم��رج‪ -‬و�أر ّت��ب يف ذهني �سيناريوهات خاطفة لكيفية‬

‫الت�صرف‪ ،‬كان �أ�شدها �سخونة �أن �أقلب الطاولة على ال�ضيف‬ ‫و�أتهم بدوري املبدعني امل�شهورين‪ ،‬والعرب منهم حتديد ًا‪ ،‬ب�أنهم‬ ‫ي�سكنون �أبراجهم العاجية وال يجيدون خماطبة النا�س‪ ،‬و�أن �أختم‬ ‫املعركة يف م�سرحية ‪�« :‬أن ت�سمع باملعيدي خري من �أن تراه»‪� ،‬إال‬ ‫�أنني كنت �أرهف ال�سمع �إىل ما يقوله الكوين �أم ًال يف معرفة ما‬ ‫�أثار غ�ضبه‪ ،‬لت�صحيحه – �إذا احتاج ذلك‪� -‬أو ا�ستكمال املعركة‬ ‫�إذا تبني يل �أن غ�ضبه ناجت عن فكرة �أ�ؤم��ن بها ومل �أقتنع بعد‬ ‫بالتخلي عنها‪.‬‬ ‫ويبدو �أنني قد التقطت اخليط �أخ�ير ًا‪ ،‬فقد كان الكوين يردد‬ ‫�ضاغط ًا ح��روف كلماته‪« :‬ي��ا عزيزي‪ ،‬ال�ط��وارق لي�ست قبيلة‪،‬‬ ‫ال�ط��وارق �أم��ة ب�أ�سرها»‪ ،‬ثم راح ي�صف �أزم��ة العرب الذين ال‬ ‫يعرتفون ب ��أن ح�ضارتهم ن�سيج �أ�سهمت يف غزله �أمم كثرية‬ ‫وثقافات عديدة وح�ضارات متنوعة‪ ،‬لكل منها وجوده امل�ستقل‪.‬‬ ‫تنف�ست ال�صعداء‪ ،‬بعدما كنت �أ�سمع ب ��أذين «بقبقات» الدم‬ ‫املت�صاعد �إىل ر�أ�سي‪ ،‬ورحت �أراقب حتوالت الروائي الكبري‪ ،‬وهو‬ ‫يعيد �ساقه �إىل مكانها يف خجل لطيف‪ ،‬ويلتقط ع�صاه وي�ستقر‬ ‫يف جل�سته‪ ،‬من�صت ًا يف �أدب جم �إىل ما ا�ستطعت �أن �أعرب به من‬ ‫كلمات عن مفهومي مل�صطلح الـ«قبيلة» ومعرفتي بتاريخ الطوارق‪،‬‬ ‫و�إمياين بفكرة الن�سيج الكوين للح�ضارة العربية بعد الإ�سالم‪،‬‬ ‫ورف�ضي ملحاوالت طم�س تلك الف�سيف�ساء املذهلة‪ ،‬و�أخربته ب�أن‬ ‫م�صطلح قبيلة مقرون ًا بالطوارق م�أخوذ بالن�ص من ظهر غالف‬ ‫�إح��دى رواي��ات��ه‪ ،‬ومازحته ب�أنه بذلك متهم �شخ�صي ًا يف ن�شر‬ ‫الفكرة‪.‬‬ ‫عادت املياه �إىل جماريها‪ ،‬و�إن تكررت على امتداد احلوار حركة‬ ‫التخلي عن الع�صا وو�ضع ال�ساق فوق الأخرى‪ ،‬رمبا كانت الزمة‬ ‫يكررها عندما ي�ست�شعر عراك ًا! �إال �أنه كان خ�صم ًا راقي ًا‪ ،‬راقه‬ ‫ت�صنيفي لكتاباته ب�أنها كتابة مدفوعة بالرغبة يف �إثبات التفوق‬ ‫على من يعدونه خارجهم‪� ،‬إنه يقول ب�إجادته للغة العربية‪« :‬يا من‬ ‫تتهمونني ب�أنني جئت من خارج هذه اللغة‪ ،‬ها �أنا ذا �أجيد لغتي‬ ‫و�أتفوق عليكم جميع ًا»‪.‬‬ ‫كان احل��وار ماتع ًا‪ ،‬وكان الكوين – كما هو يف رواياته‪ -‬مفعم ًا‬ ‫ب�أرواح كثرية‪ .‬ال �أن�سى بينما هو ي�شد على كفي وي�سلمني ن�سخة‬ ‫موقعة من كتابه‪ ،‬قوله يل‪�« :‬أعرف �أن �صياغة الأ�سئلة من �أ�صعب‬ ‫املهام على الإن�سان‪ ،‬لكني �أعرتف �أنك �أجدت �صياغة �أفكارك يف‬ ‫ت�سا�ؤالت»‪.‬‬ ‫ودعته و�أنا �أردد‪« :‬رائع �أن تقر أ� للكوين‪ ،‬كما هو رائع �أن ت�سمع‬ ‫الكوين‪ ،‬و�أن تراه»‬



‫الحوار‬ ‫ساحةاآلفاق‬ ‫ارتياد‬ ‫‪44‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬


‫ليلى العبيدي‪:‬‬ ‫ما زلنا نجهل تراثنا العربي اإلسالمي‬ ‫حوار‪ -‬فاطمة عطفة‬ ‫اقتحمت الباحثة التون�سية ال�شابة ليلى العبيدي منطقة خا�صة بها‪ ،‬وا�ستك�شفتها بجر�أة ومت ُّكن‪،‬‬ ‫لتت َّوج بجائزة ال�شيخ زايد للكتاب‪ ،‬يف فرع امل�ؤلف ال�شاب‪ ،‬عن كتابها «الفكه يف الإ�سالم»‪ ،‬اعرتافاً‬ ‫بتم ُّيزه وعمقه و�أ�صالته‪ .‬عادت ليلى العبيدي �إىل منابع الإ�سالم ال�صافية‪ ،‬لتزيح بب�ساطة ركاماً‬ ‫من الأفكار والت�صورات الذهنية التي ربطت الإ�سالم باجلهامة والعبو�س والق�سوة‪ ،‬ولت�ستعيد وجهاً‬ ‫ُمغيباً مل�ؤه الإقبال البا�سم على احلياة‪ ،‬والفرح بها‪ ،‬وال�ضحكات ال�صافية التي ا�ستعادتها لنا من‬ ‫�أحاديث الر�سول «�صلى اهلل عليه و�سلم» ال�صحيحة‪ ،‬و�سريته العطرة‪.‬‬ ‫والكتاب الفائز‪ ،‬وهو الأول ل�صاحبته املولودة‬ ‫عام ‪ ،1975‬ثمرة رحلة علمية جادة‪ ،‬در�ست‬ ‫فيها ليلى العبيدي اللغة والأدب العربي‪،‬‬ ‫وعكفت على ق���راءة احل �� �ض��ارات القدمية‬ ‫ودرا��س��ات مقارنة الأدي��ان‪ ،‬و�سعت �إىل جمع‬ ‫الرتاث ال�شفاهي التون�سي ودرا�سته وحتليله‪،‬‬ ‫�إىل جانب كتابتها لل�شعر والق�ص�ص‪ .‬وهي‬ ‫الآن ب�صدد �إنهاء �أطروحتها للدكتوراه عن‬ ‫«�إ� �س�لام الق�صا�ص وال��وع��اظ وامل��ذك��ري��ن»‪.‬‬ ‫ويف ح��واره��ا م��ع جملة «ت ��راث» حاولنا تت ُّبع‬ ‫جزء من امل�سرية احلافلة للباحثة التي تقول‬ ‫�إنها مغرمة بالرتاث «م��ن منظور حداثي»‪،‬‬ ‫وتن�صحنا بقراءته مبا�شرة دون و�سيط ناقل‪،‬‬ ‫لأننا حينها �س ُنده�ش ملا �سنجده من مفاهيم‬ ‫وقيم‪ ،‬و�سنكت�شف �أنه لي�س ذلك الرتاث الذي‬ ‫«نقر أ� عنه»‪.‬‬

‫ال�ت�راث ال�ع��امل��ي‪ ،‬وك�ي��ف يتعامل ال�غ��رب مع‬ ‫تراثنا وح�ضارتنا؟‬ ‫ت�شمل اهتماماتي البحثية الرتاث واحل�ضارة‬ ‫العربية الإ�سالمية وما قبل الإ�سالم‪ ،‬كذلك‬ ‫ح�ضارة ما بني النهرين‪ ،‬قبل ميالد امل�سيح‬ ‫ب�أكرث من �ألفي �سنة‪ ،‬واحل�ضارة الفرعونية‬ ‫لدي يف الواقع ول ٌع كبري‬ ‫واحل�ضارة اليونانية‪َّ .‬‬ ‫بالرتاث الإن�ساين وح�ضارة الب�شرية‪ ،‬وكل ما‬ ‫يوحد هذه املجموعات الب�شرية الهائلة ويجمع‬ ‫ِّ‬ ‫بينها يف ذاكرة جماعية‪.‬‬ ‫قادتني هذه االهتمامات �إىل البحث والتفتي�ش‬ ‫يف كتب الرتاث العربي ويف املخطوطات‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من �أن ما �س�أقوله قد يبتعد بدرجة ما‬ ‫عن �س�ؤالك‪ ،‬ف�إنني �أنتهز الفر�صة للتعبري عن‬

‫لماذا يخصص الغرب‬ ‫أقسام ًا كاملة في‬ ‫خمطوطات يف الدهاليز املظلمة‬ ‫عالقتك باحل�ضارات والثقافات العاملية جامعاته لدراسة التراث‬ ‫ع�لاق��ة وث�ي�ق��ة‪ ،‬فهل ميكن �أن حت� �دِّدي لنا العربي واللهجات‬ ‫م��وق��ع احل �� �ض��ارة وال �ت��راث ال�ع��رب�ي�ين من العربية وال يحدث هذا‬ ‫في دولنا؟‬

‫�أملي يف �أن تخرج خمطوطات عربية كثرية �إىل‬ ‫النور‪ ،‬فكثري من نفائ�س الرتاث ما تزال ترزح‬ ‫حتت وط�أة الغبار وال�سو�س يف مكتبات مهجورة‬ ‫ودهاليز مظلمة يف مدن عربية �شتى‪ ،‬ومل تلق‬ ‫بع ُد االهتمام املطلوب‪.‬‬ ‫�أع ��ود الآن �إىل � �س ��ؤا ِل��ك‪ .‬لقد �س�أل ِتني عن‬ ‫اهتمام العرب برتاثهم واهتمام الغرب برتاث‬ ‫العرب‪ ،‬ومن منطلق درا�ستي للرتاث العربي‬ ‫ومراجعتي امل�ستمرة ملا ُن�شر عنه وما ُن�شر منه‬ ‫�أي�ض ًا‪ ،‬كثري ًا ما �أبحث فيما كتب امل�ست�شرقون‬ ‫عن ح�ضارتنا‪ .‬وهم‪ ،‬يف احلقيقة‪ ،‬كتبوا الكثري‬ ‫وخ�ص�صوا �سنوات من �أعمارهم للنب�ش يف‬ ‫َّ‬ ‫خمطوطات الرتاث العربي الإ�سالمي‪ ،‬وعملوا‬ ‫على �إخراجه يف �أح�سن �صورة‪ ،‬وال دليل على‬ ‫ذلك �أف�ضل من «املو�سوعة الإ�سالمية» التي‬ ‫�أخرجتها دار بريل للن�شر‪ ،‬وح�صلت على‬ ‫جائزة ال�شيخ زايد للكتاب يف فرع الن�شر‪ .‬لقد‬ ‫�أخرج الغرب �أمهات الرتاث العربي �إىل النور‬ ‫قبل �أن يبد أ� العرب ذلك يف الع�صر احلديث‪،‬‬ ‫وع� َّرف��وا بها ور َّوج��وا لها‪ .‬و�أن��ا هنا ال �أمتدح‬ ‫الغرب‪ ،‬بل �أ�سرد حقائق‪ .‬والذي �أُدركه �أي�ض ًا‬


‫ساحة الحوار‬ ‫‪46‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫هزاع بن زايد يكرم العبيدي يف حفل جائزة ال�شيخ زايد للكتاب‬

‫�أن الغرب اعتمد يف بداية نه�ضته على الرتاث‬ ‫الإ��س�لام��ي على اب��ن ر�شد وال�ف��اراب��ي وعلى‬ ‫مفكرين ع��رب كتبوا يف التاريخ واحل�ضارة‬ ‫والفلك والطب والفيزياء والكيمياء وخمتلف‬ ‫العلوم‪ ،‬وجتاوزوا ذلك وتقدموا وبنوا نه�ضتهم‬ ‫وح�ضارتهم‪.‬‬ ‫الإ�شكال لدينا نحن العرب �أننا ما نزال جنهل‬ ‫تراثنا‪ ،‬فما تزال املخطوطات التي حتمل تراثنا‬ ‫تقبع يف دهاليز مكتباتنا الوطنية‪ .‬ب�صراحة‬ ‫نحن مل مننح تراثنا العربي الإ�سالمي ما يكفي‬ ‫من االهتمام‪ ،‬بل �إننا ما نزال جنهل تقريب ًا‬ ‫هذا الرتاث‪ .‬ولنكن متفائلني ولنقل �إننا جنهله‬ ‫ب�شكل جزئي على الأق��ل‪ ،‬على الرغم من �أن‬ ‫العديد من دور الن�شر واملكتبات وال ُق َّراء يهتمون‬ ‫بالرتاث ويحاولون �إخراجه‪ ،‬لكن االعتمادات‬ ‫املالية وخم�ص�صات البحث العلمي من جانب‬ ‫الوزارات املخت�صة وامل�ؤ�س�سات والدول وغريها‬ ‫غائبة تقريب ًا عن جمال اكت�شاف هذا الرتاث‬ ‫ون�شره‪ .‬فلنحاول �أن نخرجها للقارئ على الأقل‬

‫كي يتعرف عليها‪ ،‬ون�أمل �أن ن�صل �إىل مرحلة مكتبة كبرية ت�ضم عيون الرتاث العربي‪ ،‬وبني‬ ‫نكون فيها فخورين بهذا الرتاث العربي الذي جوانبها ب��د�أت رحلة مع ه��ذا العامل املمتع‪.‬‬ ‫بنت عليه احل�ضارة الغربية نه�ضتها‪.‬‬ ‫يف ال�صف الأول الثانوي ق��ر�أت كتاب «تاريخ‬ ‫الأدب العربي» حلنا ال�ف��اخ��وري‪ ،‬وت�ش َّربت‬ ‫�صفاء النبع الأول‬ ‫هذا الكم الهائل من الن�صو�ص اجلميلة التي‬ ‫يف تون�س‪ ،‬القريبة من �إيطاليا جغرافياً حواها‪ .‬كنت �أت�ساءل يف هذا العمر املبكر‪ :‬يا‬ ‫خ�ص�ص‬ ‫وفرن�سا و�أوروب ��ا ثقافياً‪ ،‬يتوجه الباحثون اهلل! كيف كتب عن كل ه��ؤالء؟ وكم َّ‬ ‫امل�ت�م�ي��زون �إىل جم ��االت �أخ ��رى غ�ير اللغة لهم من الوقت ومن عمره؟ كذلك تعرفت على‬ ‫ال �ع��رب �ي��ة وال� �ت ��راث الإ�� �س�ل�ام ��ي‪ ،‬ف �م��ا �سر كتابات ابن اجلوزي‪ ،‬وهو الذي كتب ثالثمائة‬ ‫اختيارك لهذا الف�ضاء ال��ذي مل يعد هناك وخم�سني كتاب ًا يف حياته‪ ،‬و�أو�صى ب�أن ُي َّ‬ ‫�سخن‬ ‫الكثري ممن ُيقدمون على ارتياده؟‬ ‫غ�سل به موته مبا كان يت�ساقط‬ ‫املاء الذي �س ُي َّ‬ ‫قبيلة العبيدي بحد ذاتها هي قبيلة ذات ميول من فتات اخل�شب خالل «ب��ري» �أقالمه التي‬ ‫دينية‪ .‬كان جدي �إمام جامع يف منطقة الكاف‪ ،‬كتب بها كتبه‪.‬‬ ‫وهي م�سقط ر�أ�سه‪ .‬فتحتُ عيني يف بيتنا على هذا التقدي�س للكتابة ولطقو�سها لدى الرجل‬ ‫ال��ذي انقطع لها‪ ،‬وك��ان ي�ستغل الوقت الذي‬ ‫يق�ضيه مع �أ�صدقائه يف تهيئة �أقالمه وب ْر ِيها‬ ‫مئات من األحاديث‬ ‫و�إعداد املجلدات التي كتب فيها‪ ،‬هذا التبتل‬ ‫النبوية تتحدث عن‬ ‫�دي عالقة �شديدة‬ ‫يف حم��راب الكتابة خلق ل� ّ‬ ‫الفكه في اإلسالم وعن‬ ‫اخل�صو�صية بالرتاث الذي مل ينل ما ي�ستحق‪.‬‬

‫التبسط والتنعم واليسر‬ ‫والمزاح والضحك‬


‫«ا�ستفزتني» كل هذه الأ�شياء وغريها طبع ًا‪،‬‬ ‫مم��ا دف�ع�ن��ي ل �ل �ع��ودة ل �ه��ذا ال �ت�راث بالنقد‬ ‫وال�ق��راءة املتعمقة‪ ،‬لكنني ع��دت �إىل �صفاء‬ ‫النبع الأول‪ ،‬امل�صدر ال ِبكر‪� ،‬أ�ستنطقه و�أحاوره‪.‬‬ ‫عدت �إىل الرتاث ولي�س �إىل ما قيل عن الرتاث‬ ‫وما ُكتب حول الرتاث‪ ،‬والفارق كبري‪ .‬االت�صال‬ ‫املبا�شر بالرتاث يفتح عامل ًا ال ح� َّد الت�ساعه‬ ‫ورحابته‪ .‬وبكل �صراحة‪ ،‬ف�إن ما جعل الكتاب‬ ‫الفائز بجائزة ال�شيخ زايد للكتاب يخرج �إىل‬ ‫الوجود هو العودة �إىل �أمهات الكتب‪ ،‬وامل�ساءلة‬ ‫املبا�شرة واحلقيقية للتاريخ وللرتاث العربي‬ ‫الإ�سالمي ولبدايات الإ�سالم‪.‬‬

‫لماذا تهتم «أمريكا»‬ ‫الغزايل ي�صادر ال�ضحك‬ ‫ه��ل كنت تتوقعني ال�ف��وز بجائزة ال�شيخ وفرنسا بالتراث العربي‬ ‫زاي ��د ل�ل�ك�ت��اب‪ ،‬خ��ا��ص��ة م��ع م��ا ت�ع��رف�ين عن وال يهتم العرب‬ ‫حر�صها على �أن تقدم الكتب الفائزة �إ�سهاماً أنفسهم به؟‬ ‫ً‬

‫معرفيا متميزاً؟‬ ‫كتاب «الفكه يف الإ�سالم» هو درا�سة �أكادميية‬ ‫موثقة ببلوغرافيا من حيث املراجع وامل�صادر‪.‬‬ ‫وامل�صادر التي عملت عليها هي كتب الأحاديث‬ ‫ال�صحيحة الت�سعة ال�ت��ي حتظى بالإجماع‬ ‫واالت �ف��اق‪ .‬مل �أ��ش��أ �أن �أعمل على الأح��ادي��ث‬ ‫املو�ضوعة حتى ال ُيطعن بها مُوتحى ب�سهولة‪،‬‬ ‫لك ذلك؟ �أو من قال‬ ‫وحتى ال يقال‪ :‬من �أين ِ‬ ‫لك �إن الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم قال هذا؟‬ ‫ِ‬ ‫لقد عدتُ �إىل تلك الكتب كي �أ�سائلها‪ ،‬فدُه�شتُ‬ ‫لأين وجدتُ كم ًا هائ ًال ومئات من الأحاديث‬ ‫تتحدث عن الفكه يف الإ�سالم وتتحدث عن‬ ‫التب�سط والتنعم والي�سر وامل��زاح وال�ضحك‬ ‫وعالقة الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم بكل‬ ‫فئات املجتمع من ن�ساء و�أطفال ورج��ال‪ ،‬من‬ ‫بدو و�أعراب و�صحابة ويهود ون�صارى‪ .‬لقد كان‬ ‫يتعامل بي�سر ومبوعظة ح�سنة‪ ،‬وكان ي�ضحك‬ ‫يف وج��وه النا�س‪ ،‬وال ي�ف� ِّوت فر�صة للرتويح‬ ‫والتب�سط والتنعم‪ .‬وحني كان الإ�سالم يف بداية‬ ‫عهده كان النا�س يدخلونه بكرثة لأنهم ر�أوا‬ ‫يف �شخ�ص الر�سول خري منوذج لهذا الدين‪،‬‬ ‫وخري مثال على هذا الت�سامح‪.‬‬ ‫لقد اعتربوه املمثل الوحيد والأول للإ�سالم‪،‬‬ ‫فكانوا ي�ستفتونه يف �أم��ور دينهم‪ ،‬وك��ان هو‬

‫قبلتهم يف تلك اللحظة التي يطوفون فيها حوله‬ ‫ي�س�ألونه عن �أمور دينهم‪ .‬ومن جهته كان يجيب‬ ‫إ�سالم �إليهم ودخلوا‬ ‫فحبب ذلك ال َ‬ ‫بكل ي�سر‪ّ ،‬‬ ‫فيه ب�أعداد كبرية‪ ،‬على عك�س ال�سوداوية التي‬ ‫ت�صبغ ت�صوراتنا عن الإ�سالم‪ ،‬فيما هو لي�س‬ ‫كذلك على الإطالق‪.‬‬ ‫ن�ستطيع �أن ن��رى ب�شكل خا�ص تلك النظرة‬ ‫القامتة للدين الإ�سالمي التي ر ّوجها منت�سبون‬ ‫�إليه‪ ،‬ف�أ�صبحت اجلهامة وال�شدة والعبو�س‬ ‫والع�صبية ل�صيقة به‪ .‬يف العامل الغربي حني‬ ‫يقال م�سلم‪ ،‬يقولون �إرهابي‪ ،‬ملاذا؟ لي�س هذا‬ ‫هو �إ�سالمنا‪ ،‬ولي�س هذا هو ما �أو�صى به الر�سول‬ ‫�أو ج��اء ب��ه ال �ق��ر�آن‪ ،‬لذلك ع��دتُ للن�صو�ص‬ ‫الأ�صول �أ�سائلها‪ :‬هل هذا هو �إ�سالمنا؟ هل هو‬ ‫الإ�سالم الذي يدعو له املتطرفون الآن‪ ،‬وحتى‬ ‫ح�سنو النية ممن تلقوا فهم ًا خاطئ ًا للإ�سالم‬ ‫ومل يعرفوا �سواه؟ هل هو �إ�سالم التفجريات‬ ‫وعذاب القرب و�إطالة اللحية وهذه ال�شكليات‬ ‫التي ال متت للإ�سالم ب�صلة؟‬ ‫ع��دت للم�صادر الأ�صلية‪ ،‬ووج��دت بها كم ًا‬ ‫ال ب�أ�س به من الفكه‪ ،‬فانتقيت منه ما يوافق‬ ‫املقام ويتفق مع منهجي البحثي‪ ،‬لأنه لي�س كل‬

‫حديث يت�ضمن فكاهة هو حديث فكه وي�ضحك‬ ‫امل�ستمع‪ ،‬بل �إن هناك �أحاديث تدعو لالبت�سام‬ ‫ولكن لي�س لها �أي عالقة بالفكاهة وال�ضحك‪.‬‬ ‫ق�سمتها‬ ‫لقد ا�ستخرجت هذه املادة وب َّوبتها ثم َّ‬ ‫أكتف‬ ‫ح�سب ف�صول الكتاب وحللتها‪ ،‬ف�أنا مل � ِ‬ ‫بتجميع الأحاديث بل قمت بتحليلها‪.‬‬ ‫رمبا يقول قائل �إن هذه الأحاديث موجودة يف‬ ‫كتب الرتاث وال�سنة‪ ،‬وهذا �صحيح‪ ،‬لكنها مل‬ ‫�ضمها يف �سياق‬ ‫ت َر النور‪ ،‬ومل ي�سع �أحد �إىل ِّ‬ ‫بحثي وفكري ليخرج منها بر�ؤية مكتملة‪ .‬وقد‬ ‫عملت املنظومة الثقافية العربية والغربية على‬ ‫طم�سها و�إخفائها‪ .‬يف الف�صل الأول من كتابي‬ ‫در��س��ت الفكه يف الثقافة الغربية والثقافة‬ ‫العربية‪ ،‬وق��د ات�ضح يل �أن��ه منذ وق��ت مبكر‬ ‫كان لهذا اللون ح�ضوره يف الثقافة العربية‪،‬‬ ‫بدء ًا من اجلاحظ والأب�شيهي واحل�صري وابن‬ ‫اجل��وزي وغريهم‪ .‬كان لديهم كم هائل من‬ ‫املرح وال�ضحك والتب�سط والتنعم‪ ،‬لكن الأمر‬ ‫اتَّخذ منحى �آخر مع حجة الإ�سالم الغزايل‬ ‫الذي �ض َّيق اخلناق على ال�ضحك‪ ،‬و�صادر على‬ ‫ما يف كتب ال�تراث ويف امل�صادر الإ�سالمية‬ ‫ال�صحيحة من هذا امليل الفطري �إىل املرح‬ ‫وتع�س َف يف رف�ضه والتنفري منه‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫والتب�سط‪َّ ،‬‬ ‫فعلى الرغم من �إقراره ب�أن الر�سول �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم كان «ي�ضحك حتى تبدو نواجذه»‪،‬‬ ‫و�أن��ه كان «مي��زح دوم � ًا مع �أهله»‪ ،‬فقد حاول‬ ‫�أن يبحث عن �سبب لإدان��ة هذا ال�سلوك عند‬ ‫النا�س‪ ،‬فقال‪�« :‬صحيح �أن الر�سول كان ي�ضحك‬ ‫ولكنه ال يقول �إال حق ًا‪� ،‬أما �أنتم العامة ف�إذا‬ ‫�ضحكتم فال تعرفون متى تتوقفون‪ ،‬ولذلك من‬ ‫الأف�ضل �أال ت�ضحكوا»‪� .‬أ�صبح �أمر الدين قامت ًا‪،‬‬ ‫و ُفر�ضت الرقابة على ال�ضحك والإ�ضحاك‪،‬‬ ‫على الرغم من �أن العرب كانت ت�سمي �أبناءها‬ ‫والب�سام وط ْلق وطليق وفاكه للرجل‬ ‫َّ‬ ‫ال�ضحاك َّ‬ ‫وفكيهة للمر�أة‪ ،‬وكان معنى ال�ضحك �إيجابيا‪ً.‬‬ ‫وكانت العرب تقول للأر�ض �إذا �أنبتت زرعها‬ ‫«�ضحكت الأر�� ��ض» ولل�سماء �إذا �أم�ط��رت‬ ‫«�ضحكت ال�سماء»‪ .‬هذا الواقع اللغوي هو يف‬ ‫حقيقته موقف ثقايف و�إن�ساين ينحاز لذلك‬ ‫اجلانب البا�سم وامل�شرق من الإن�سان‪.‬‬ ‫كان هذا التحول ال��ذي ميثله حجة الإ�سالم‬


‫ساحة الحوار‬ ‫‪48‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫القانون الطبيعي‪ ،‬ف�إن احلياة ال ت�ستقيم باجلد‬ ‫فقط‪ ،‬وال بد من وج��ود الفكاهة كي ال يقع‬ ‫الإن�سان فري�سة للجهامة وال�شدة‪.‬‬

‫ثمرة قبول الآخر‬

‫خالل م�شاركتها يف فعاليات معر�ض �أبوظبي للكتاب‬

‫ال�غ��زايل خ�ط�ير ًا يف ت��اري��خ الثقافة العربية‬ ‫الإ�سالمية‪ .‬ومذ ذلك احلني توارت هذه املادة‬ ‫املوجودة يف ال�سنة النبوية ومل تلقَ من يخرجها‬ ‫للنا�س‪ .‬ب�صراحة �أنا مل �أبتدع �شيئ ًا‪ ،‬لقد ك�شفت‬ ‫ع َّما هو موجود بالفعل‪ ،‬على الرغم من �أن‬ ‫هذا هو �أول كتاب و�أول درا�سة تُفرد للفكه يف‬ ‫الإ�سالم على م�ستوى العامل العربي والغربي‪.‬‬ ‫وقبل �أن �أ�شرع يف هذا البحث كنت قد �أجريت‬ ‫م�سح ًا عام ًا و�شام ًال يف جميع املكتبات‪ ،‬و�أينما‬ ‫�سافرت كنت �أقوم بالتفتي�ش يف املكتبات كلها‪،‬‬ ‫وتبني يل �أن �أحد ًا مل يهتم بهذا اجلانب‪ ،‬وهذا‬ ‫ما دفعني �إىل العمل على هذا املبحث الذي ُع ّد‬ ‫حمظور ًا يف الثقافة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫رمب��ا ت�ك��ون ب ��ذور ال�ت�ط��رف ال ��ذي يعاين‬ ‫العامل العربي والإ�سالمي تبعاته الآن كامنة‬ ‫يف ه ��ذا ال�ن�م��ط اخل��اط��ئ م��ن ال�ف�ه��م وم��ن‬ ‫التعاطي �ض ِّيق الأفق مع الرتاث‪.‬‬ ‫التطرف‪ ،‬كما �أفهمه‪ ،‬ه��و ع��دم اال�ستعداد‬ ‫لتقبل الر�أي الآخر‪� .‬إذا مل تقبلي الر�أي الآخر‬ ‫أ�صبحت‬ ‫فهذا يعني �أن� ِ�ك �أن�ش� ِأت خ�صومة‪ ،‬و�‬ ‫ِ‬ ‫تع�صبنا لفكرة‪ ،‬ومل‬ ‫عدو ًا للطرف الآخر‪� .‬إذا َّ‬ ‫ن�سمح للفكرة الأخرى ب�أن ترى النور ورف�ضنا‬ ‫التفكري فيها‪ ،‬ن�ك��ون ق��د دخلنا يف اجل��دل‬ ‫العقيم‪ ،‬واجلدل العقيم ال ينتج معرفة‪ .‬وهذا‬ ‫النمط من رف�ض �أي فكرة �أخرى منت�شر بني‬

‫كثير من نفائس التراث‬ ‫ما تزال في مكتبات‬ ‫مهجورة في مدن‬ ‫عربية شتى ولم تلق‬ ‫االهتمام المطلوب‬ ‫املتدينني‪ ،‬وهو مرتبط مبا يظنونه دين ًا �أو‬ ‫مق َّد�س ًا فيما هو ال يعدو جمرد ر�أي‪ .‬وكثري‬ ‫من امل�صابني بهذا الداء الفكري ي�ستميتون‬ ‫يف الدفاع عن �أفكارهم‪ ،‬حتى عندما يثبت‬ ‫�أن �ه��ا خ �ط ��أ‪ ،‬وه��و م��ا ي�صفه اب��ن اجل��وزي‬ ‫باحلمق‪� .‬أما العامل احلقيقي فمتى ثبت خط�أ‬ ‫فكرته ف�إنه يتخلى عنها‪ ،‬ويبحث عن احلق‬ ‫وال�صواب يف فكرة �أخرى‪.‬‬ ‫كان الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم يقبل الآراء‬ ‫املختلفة وي�ست�شري �أحبار اليهود ويتب�سط مع‬ ‫ن�سائه‪ .‬مل تكن هناك م�شكلة‪ ،‬لأن��ه يف تلقي‬ ‫الدين هنالك و�سطية واع�ت��دال‪ ،‬واحلياة ال‬ ‫ميكن �أن ت�ستقيم مع ر�أي واحد‪ .‬احلياة تقوم‬ ‫على الثنائيات‪ .‬م �ث�ل ًا‪ :‬ه��ل ميكن مل�صباح‬ ‫كهربائي �أن ي�ضيء دون قطبي ال�سالب واملوجب‬ ‫مع ًا؟ هذا غري ممكن‪ .‬احلياة ال ت�ستقيم �إال يف‬ ‫ظل ثنائيات‪ ،‬ولكن الثقافة ال تهتم �إال مبا هو‬ ‫�إيجابي يف تلك الثنائيات‪ .‬لذلك غلب النور‬ ‫الظلمة‪ ،‬وغلب اخلري ال�شر‪ .‬انطالق ًا من هذا‬

‫ما ت�أثري ح�صولك على جائزة ال�شيخ زايد‬ ‫للكتاب يف خططك البحثية القادمة؟ وهل‬ ‫لديك م�شروعات بحثية حمدَّدة تعملني على‬ ‫�إجنازها الآن؟‬ ‫هذه اجلائزة تُلقي على عاتقي بعبء كبري‪،‬‬ ‫وتزيد من �شعوري بامل�س�ؤولية‪� .‬س�أل ِتني من قبل‬ ‫�إن كنتُ قد توقعتُ ح�صويل على اجلائزة‪ .‬يف‬ ‫البداية‪ ،‬وبعيد ًا عن الغرور‪ :‬نعم‪ .‬لقد كنت‬ ‫�أت��وق��ع �أن �أن��ال اجل��ائ��زة‪ ،‬ف��أن��ا �أع��رف قيمة‬ ‫ه��ذا العمل و�أع��رف �أن��ه يحمل ر�سالة مل�سلم‬ ‫القرن احلادي والع�شرين بالتو�سط واالعتدال‬ ‫وبالعودة �إىل الأ�صول‪ ،‬فال فائدة من قراءة‬ ‫درا� �س��ات م��ن ال��درج��ة العا�شرة �أو احلادية‬ ‫ع�شرة‪ .‬يكفي �أن نعود للتعاليم ال�سمحة يف‬ ‫بحب‪،‬‬ ‫الن�صو�ص الأ�صول‪ ،‬يكفينا هذا لنتعامل ٍّ‬ ‫ليقبل ك ٌّل منا الآخر‪ ،‬ولنتعامل بع�ضنا مع بع�ض‬ ‫بو�سطية‪ .‬احل�ضارة العربية كانت يف �أوجها‬ ‫عندما قبلت الآخر وعندما �أخذت من معارفه‪،‬‬ ‫فاحل�ضارة العربية مل تقم فقط على العرب‪،‬‬ ‫ب��ل �أ�سهمت فيها ك��ل الأع���راق الأخ ��رى من‬ ‫فر�س وترك و�آ�شوريني وغريهم الكثري‪ .‬الفوز‬ ‫بهذه اجلائزة هو انت�صار ل�سماحة الإ�سالم‬ ‫ولو�سطيته واعتداله‪.‬‬ ‫�إالم ��س�ي��ؤدي ف ��وزي ب��اجل��ائ��زة؟ ه��ذا م��ا ال‬ ‫�أ�ستطيع حتديده الآن‪ ،‬لكنني �س�أوا�صل بحثي‬ ‫يف احلقل نف�سه بعد �أن �أنهي ر�سالة الدكتوراه‬ ‫يف حقل الفكه يف الإ��س�لام‪ ،‬و�س�أمتد ببحثي‬ ‫�إىل مناطق �أخ��رى من ال�تراث‪ ،‬فالفكه لي�س‬ ‫موجود ًا يف احلديث النبوي فقط‪ ،‬بل ينت�شر يف‬ ‫كتب الرتاث ويف التاريخ وال�سري‪ .‬هو �إذ ًا حقل‬ ‫وا�سع كلما قلبنا فيه وحرثناه ورويناه بجهودنا‬ ‫البحثية منحنا من عطاياه وثماره‪.‬‬

‫طالبي يجمعون املوروث ال�شفهي‬

‫ه �ن��اك اه �ت �م��ام ب��ال��غ يف دول� ��ة الإم � ��ارات‬


‫العربية املتحدة بالرتاث والعادات والتقاليد‬ ‫الأ�صيلة‪ ،‬فكيف ترين اهتمام باقي ال��دول‬ ‫العربية برتاثها ال�شفوي وامل� ��ادي؟ وكيف‬ ‫تنظرين �إىل تون�س من هذه الناحية؟‬ ‫نعم‪ ،‬ت�شهد الإم��ارات اهتمام ًا كبري ًا بالرتاث‪،‬‬ ‫وهو اهتمام وا�ضح يف نوعية الكتب والإ�صدارات‬ ‫وامل�شروعات الثقافية التي يجري العمل فيها‪،‬‬ ‫�سواء يف م�شروع «كلمة» �أو غريه‪ .‬و ُيحمد لـ«نادي‬ ‫تراث الإم��ارات» يف �أبوظبي اهتمامه بالرتاث‬ ‫يف جميع جم��االت��ه‪ ،‬وج�ه��وده من �أج��ل �إحياء‬ ‫احلرف واملهن الرتاثية والتعريف بها‪ ،‬وكذلك‬ ‫عقد الفعاليات البحثية التي تهتم بالرتاث‪،‬‬ ‫واملهرجانات واالحتفاالت التي ُتعنى ب�إلقاء‬ ‫ال�ضوء على املوروث الإماراتي الأ�صيل‪ .‬يف باقي‬ ‫ال��دول العربية هناك م�ستويات خمتلفة من‬ ‫االهتمام بالثقافة ال�شفوية الآن‪ ،‬هناك وعي‬ ‫ب�أهميتها �أكرث من ذي قبل‪ .‬رمبا ن�شهد «�صحوة‬ ‫تراثية» قريب ًا‪ ،‬ورمبا ي�س�أل العرب �أنف�سهم‪ :‬ملاذا‬ ‫تهتم الواليات املتحدة وفرن�سا بالرتاث العربي‬ ‫وال يهتم العرب �أنف�سهم به؟ ومل��اذا يخ�ص�ص‬ ‫ال�غ��رب �أق�سام ًا كاملة يف جامعاته لدرا�سة‬ ‫ال�تراث العربي واللهجات العربية وال يحدث‬ ‫هذا يف دولنا؟‬ ‫يف تون�س هنالك اهتمام بدرجة ما‪ ،‬وقد بد�أت‬ ‫الكليات واجلامعات تلتفت لهذا النوع‪ .‬كذلك‬ ‫يتزايد االهتمام بالأنرثوبولوجيا الثقافية‪،‬‬ ‫وب��امل��روي��ات ال�شعبية واحل �ك��اي��ات والثقافة‬ ‫ال�شفهية‪ .‬وقد د َّر�ست هذه املو�ضوعات لطالبي‬ ‫يف اجلامعة‪ ،‬واهتممت باحلكايات ال�شعبية‬ ‫وجمعت كثري ًا منها من خمتلف املناطق يف‬ ‫ت��ون����س‪ ،‬وك� َّل�ف��تُ ط�لاب��ي‪ -‬على اع�ت�ب��ار �أنهم‬ ‫ي�أتون من �أماكن خمتلفة يف تون�س‪ -‬بجمع كل‬ ‫ما ي�ستطيعون من مرويات �شعبية من �أف��واه‬ ‫الأج ��داد واجل��دات وال ��رواة ال�شعبيني‪ .‬وكان‬ ‫الهدف هو تدوين ح�صيلة الذاكرة اجلماعية‬ ‫وتوثيقها يف كتاب �أو يف �أقرا�ص مدجمة مث ًال‪.‬‬ ‫ه��ذه امل��روي��ات لي�ست جم��رد خ��راف��ات تحُ كى‬ ‫للأطفال عن ع��امل اجل��ن والغيالن‪ ،‬بل �إنها‬ ‫تختزن عاداتنا وتراثنا وقيمنا و�شخ�صيتنا‬ ‫و«ب�صمتنا النف�سية» ور�ؤيتنا للحياة‪ ،‬كما تنطوي‬ ‫على مالمح احلياة االقت�صادية واالجتماعية‬

‫والثقافية والفكرية وال�سيا�سية التي كانت �سائدة‬ ‫من قبل‪ .‬وهناك �أحد املخت�صني الذين عملوا‬ ‫بجدٍّ يف هذا املجال يف اجلامعة التون�سية‪ ،‬وهو‬ ‫حممد جويلي‪ ،‬الباحث الإنرثوبولوجي الالمع‪.‬‬ ‫وق��د در���س جويلي الإنرثبولوجيا الثقافية يف‬ ‫الواليات املتحدة‪ ،‬و�أ َّلف كتاب ًا مهم ًا حتت عنوان‬ ‫«�إنرثبولوجيا احلكاية‪ ،‬مل يكتف فيه بجمع‬ ‫احلكايات ال�شعبية‪ ،‬بل ح َّللها‪ .‬لقد بد�أ االهتمام‬ ‫يت�صاعد �شيئ ًا ف�شيئ ًا بالبحوث وامل�شروعات‬ ‫املتعلقة باملوروث الثقايف والثقافة ال�شفهية‪.‬‬ ‫هل يوثق الرتاث ال�شفهي بالفعل التاريخ‬ ‫االجتماعي وال�سيا�سي‪� ،‬أم �إن��ه يحتاج �إىل‬ ‫تخلي�صه من ال�شوائب وا�ستخراج الأف�ضل‬ ‫منه؟‬ ‫الطربي هو املرجع الأول يف تاريخ الإ�سالم‪،‬‬ ‫فمِ َّم يتكون تاريخ الطربي؟ �إنه جتميع لأحاديث‬ ‫�شفهية و�أح��داث ووقائع مروية من من عهد‬

‫اإلسالم برئ من تلك‬ ‫النظرة القاتمة التي‬ ‫ر ّوجها منتسبون إليه‬ ‫إلى حد أصبحت معه‬ ‫الجهامة والشدة‬ ‫والعبوس والعصبية‬ ‫لصيقة به‬

‫الر�سول‪ ،‬يحفل الكتاب باملرويات واحلكايات‬ ‫وق �� �ص ����ص اجل���ن وال��غ��ي�ل�ان واخل���راف���ات‪،‬‬ ‫وامل �ع �ج��زات ال �ت��ي ال ي �ك��اد ي�صدقها العقل‬ ‫الب�شري‪ .‬هو �أخرجها من طابعها ال�شفهي‬ ‫ووثقها بالكتابة‪ .‬وحني نتحدث الآن عن القرن‬ ‫الأول للهجرة‪ ،‬ف�إن امل�صدر الرئي�سي املوثوق‬ ‫به هو الطربي‪ .‬هي حكايات �شفهية دخلت يف‬ ‫الثقافة املكتوبة و�أ�صبحت جزء ًا منها على ما‬ ‫فيها من خلط بني الأ�سطورة والتاريخ‪ ،‬رغم‬ ‫�أن �صاحبها م�ؤرخ‪ .‬ال �ضرر �إذ ًا من جتميع هذه‬ ‫احلكايات ال�شعبية متى كانت تخدم الثقافة‬ ‫الب�شرية وتخدم حياة الإن�سان وتوفر للباحث‬ ‫جماالت للتعمق يف �أركيولوجيا املعرفة‪.‬‬ ‫الثقافة يجب �أن ُيعاد النظر يف مفهومها يف‬ ‫الع�صر احل��دي��ث‪ ،‬فهي لي�ست فقط امل�أكل‬ ‫وامل�شرب وامللب�س‪ ،‬بل هي �أي�ض ًا حكاياتنا‬ ‫جنمعها ون�صنع منها حا�ضرنا وم�ستقبلنا‪.‬‬ ‫ح�ك��اي��ات الأج� ��داد مهمة ج ��د ًا‪ ،‬لي�س فقط‬ ‫لتخويف ال�صغار �أو الجتذابهم بهذا اخليال‬ ‫اجلميل‪ ،‬بل لفهم تاريخنا و�صناعة م�ستقبلنا‪.‬‬ ‫ت�سليط ال�ضوء على هذه احلكايات ُيرجعنا‬ ‫�إىل واقعنا و�إىل هويتنا الثقافية وتاريخنا‪� .‬إن‬ ‫هويتنا متجذرة يف تاريخنا‪ ،‬وهذه احلكايات‬ ‫جزء من تاريخنا‪.‬‬

‫ثوبي الرتاثي‬

‫و�أن��ت تت�سلمني اجلائزة من �سمو ال�شيخ‬ ‫الرتاثي‬ ‫لبا�سك‬ ‫هزاع بن زايد‪ ،‬لفت الأنظار ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ال�ت��ون���س� ُّ�ي الأن� �ي ��ق‪ ،‬ف� ��إىل �أي امل �ع��اين كانت‬ ‫ترمي هذه الإطاللة على ح�ضور متنوع من‬ ‫خمتلف البلدان؟‬ ‫�أنا م�شدودة �إىل الرتاث �ش ّد ًا‪ ،‬لكنه �إعجاب‬ ‫حداثي‪ ،‬نابع من نظرة �شابة متفائلة ترى‬ ‫يف ه��ذا ال�تراث ما ميكن ا�ستلهامه ليجعل‬ ‫احلياة �أكرث جما ًال وفرح ًا‪ .‬هذا الثوب موغل‬ ‫يف ال�تراث التون�سي‪ ،‬وفيه مالمح بربرية‬ ‫كذلك‪ ،‬وقد انتقيته انتقاء لهذه املنا�سبة‪،‬‬ ‫بل �إين ِخطته يف تون�س‪« .‬ال�برن��و���س»‪ ،‬وهو‬ ‫املعطف اخلارجي‪ ،‬بربري‪ ،‬واللبا�س الذي‬ ‫ك ��ان حت�ت��ه ت ��راث ت��ون���س��ي ب �ح��ت‪ ،‬ت��وارث�ت��ه‬ ‫جداتنا و�أمهاتنا‬


‫‪50‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫الكالم المباح‬

‫الكالم المباح‬

‫الغرض والمرض‬ ‫حنفي جايل‬


‫على مدار اثنتي ع�شرة جل�سة عمل‪� ،‬شارك فيها �أكرث من خم�سة‬ ‫وع�شرين باحث ًا من الأطباء واملعاجلني‪ ،‬وعدد من الإداريني املعنيني‪،‬‬ ‫وقدمت فيها �أوراق عمل جادة ور�صينة‪ ،‬دارت حولها مناق�شات‬ ‫وحماورات معمقة‪ ،‬ا�ستمعت �إىل كل ما دار يف ندوة الطب التكميلي‬ ‫«التقليدي» وعالقته بالطب احلديث «املعا�صر»‪ ،‬التي نظمها مركز‬ ‫�سلطان بن زايد للثقافة والإعالم ال�شهر الفائت‪ .‬وللوهلة الأوىل فقد‬ ‫تبادر �إىل ذهني �أننا �أمام امل�شكلة نف�سها‪ ،‬الأ�صالة واملعا�صرة‪ ،‬و�إن‬ ‫كانت بعنوان جديد‪ ،‬ذلك �أن امل�شاركني مثلوا فريقني مميزين‪ ،‬الأول‬ ‫يحاول �أن يتقدم بالطب التكميلي �إىل الواجهة من جديد‪ ،‬بعد �أن خبا‬ ‫�ضو�ؤه من جهة‪ ،‬وبعد �أن �أ�ساء �إليه مدّعون من جهة �أخرى‪ ،‬والفريق‬ ‫الآخر يرف�ض ذلك‪� ،‬سواء كان �ضمني ًا �أو �صريح ًا‪.‬‬ ‫وبعد املتابعة ت�أكد ما ذهبت �إليه‪ ،‬وبدا الأمر وك�أنه معركة بني فريقني‬ ‫ي�سعى كل منهما �إىل فر�ض ر�أيه ورف�ض الر�أي الآخر‪ .‬ورمبا ا�ستطعت‬ ‫التما�س العذر للجميع لو كانوا من غري املتعلمني املخت�صني‪� ،‬أما وقد‬ ‫كانوا‪ ،‬كما �أ�سلفت‪ ،‬من املتعلمني الباحثني املخت�صني‪ ،‬ف�إن الأمر يبدو‬ ‫�صعب ًا تقبله �أو جتاوزه‪ .‬وحتى ال �أقف موقف ًا �سلبي ًا مكتفي ًا بالنقد‪� ،‬أو‬ ‫اال�ستنكار‪ ،‬فال بد من الإ�شارة �إىل ماوقع فيه الطرفان من �أخطاء‪،‬‬ ‫وهي الأخطاء نف�سها التي نقع فيها غالب ًا‪.‬‬ ‫فمن املعروف �أن نقطة البداية التي ننطلق منها حتدد النهاية التي‬ ‫�سن�صل �إليها‪ ،‬وكلنا‪� ،‬إال من رحم ربي‪ ،‬يبد�أ من نقطة تقليدية تُبنى‬ ‫على �أن ر�أيي هو ال�صواب‪ ،‬وغريه هو اخلط�أ‪ ،‬وهو ما يجايف املنطق‪،‬‬ ‫ويخالف احلقيقة‪ ،‬فكل منا ي�صيب ويخطئ‪ ،‬وال يعيببه ذلك �أو ينتق�ص‬ ‫من قدره‪ ،‬بل قد ال ي�ضري الإن�سان �أن يكون على �صواب‪ ،‬ولكن من امل�ؤكد‬ ‫�أن الذي ي�ضريه هو �أن يكون على غري ال�صواب‪ ،‬وي�ضريه �أكرث �إن مل‬ ‫يعرف خط�أه‪ ،‬وي�ضريه �أكرث و�أكرث‪� ،‬إن هو عرف اخلط�أ ثم مل يعدل عنه‪،‬‬ ‫ومتادى يف غيه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ولئن كان ما تقدم �صحيحا يف حقنا جميعا �إال �أنه يكون �أكرث �صحة‬ ‫وب�صورة ال تقبل اجلدل مع من يدعي بحث ًا عن ال�صواب �أو احلقيقة‪،‬‬ ‫حيث ال بد له من االلتزام باملنهج العلمي‪ ،‬الذي يعتمد التجريب‬ ‫والر�صد واال�ستنتاج املبني على القواعد املنطقية‪ ،‬بد ًال من اعتماد‬ ‫�أفكار م�سبقة ت�ؤثر على تفكريه ومتيل به عن جادة ال�صواب‪ ،‬وجتعله‬ ‫فري�سة الهوى‪ ،‬لأن «�آفة الر�أي الهوى»‪ ،‬كما جتعل جهده وبحثه ونتائجه‬ ‫عر�ضة للمر�ض‪ ،‬لأن «الغر�ض مر�ض»‪.‬‬ ‫واحلقيقة �أن البداية التي �سبقت الإ�شارة �إليها والنتائج التي تنتهي‬ ‫�إليها تقود حتم ًا �إىل التع�صب‪ ،‬ومن ثم التطرف‪ ،‬فلي�س من املعقول وال‬ ‫من املقبول �أن يذهب فريق �إىل �أن كل ما يعر�ضه الفريق الآخر عدمي‬ ‫اجلدوى بالكلية‪ ،‬بينما يذهب الفريق الآخر �إىل �أن ما يعر�ضه فيه كل‬ ‫الفائدة‪ .‬و�أ�شري هنا �إىل رف�ض بع�ض معار�ضي العالج بالطب التكميلي‬ ‫لكل ما ي�سوقه �أن�صاره من فوائد لأنواع من العالجات التكميلية �أو‬ ‫التقليدية املبنية على جتارب بحجة مث ًال �أنها غري موثقة‪� ،‬أو رف�ضهم‬ ‫ا�ستخدام نباتات �أو �أع�شاب معينة بحجة �أنها غري معتمدة من هيئة‬ ‫كذا‪ ،‬لدرجة نفي فوائد الثوم �أو الزجنبيل �أو النعناع �أو الكركم‪� ،‬أو‬ ‫الت�شكيك يف فوائد احلجامة‪ ،‬ملجرد تفنيد �آراء القائلني بفوائدها‪.‬‬ ‫ويف املقابل فلي�س من املقبول وال من املعقول كذلك �أن يذهب م�ؤيدو‬

‫العالج بالطب التكميلي �إىل �أنه دواء لكل داء‪ ،‬حتى اخلبيث �أو املزمن‬ ‫�أو امل�ستع�صي منها‪ .‬ثمة خط�أ �آخر يقع فيه كثريون‪ ،‬وهو االن�سياق وراء‬ ‫حما�ستهم للقر�آن الكرمي‪� ،‬أو الأحاديث النبوية للتو�صل �إىل نتائج قد‬ ‫تكون‪ ،‬وفق ًا للمنطق الذي يتبعونه‪ ،‬لي�ست �سليمة‪ ،‬فرناهم ُيجهدون‬ ‫الآيات‪ ،‬ويخ�ضعونها حل�سابات �أو تخريجات قد تكون �صحيحة وقد‬ ‫ال تكون‪ ،‬ونراهم يوردون الأحاديث النبوية وي�ست�شهدون بها‪ ،‬رمبا يف‬ ‫غري موا�ضعها‪ ،‬ورمبا من غري تثبت من �صحتها �أو الرجوع لأ�صحاب‬ ‫القول الف�صل فيها من علماء اجلرح والتعديل‪ ،‬ولو فعلوا ال�ستفادوا على‬ ‫الأقل من منهاج ه�ؤالء العلماء يف البحث والتق�صي واال�ستنتاج‪ ،‬وهو‬ ‫ما نطالب به �أنف�سنا ونطالب اجلميع به‪ ،‬وال بد من الت�أكيد على �أن‬ ‫املق�صود بال�صحة من عدمها هو طريقة التعر�ض للآيات والأحاديث‪،‬‬ ‫ولي�س الآيات والأحاديث ال�صحيحة نف�سها‪ ،‬حا�شا هلل‪ ،‬وال بد من‬ ‫الت�أكيد كذلك على �أن النوايا احل�سنة ال تكفي وحدها للتو�صل �إىل‬ ‫النتائج ال�سليمة‪.‬‬ ‫و�أذكر يف هذا ال�صدد رواية عن ف�ضيلة الإمام ال�شخ حممد متويل‬ ‫ال�شعراوي‪ ،‬رحمه اهلل وغفر لنا وله‪ ،‬عن �سيدة �أجنبية‪ ،‬كانت تبحث يف‬ ‫�سرية ر�سول اهلل‪� ،‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬لبيان حقيقة هذه ال�شخ�صية‬ ‫العظيمة التي �سمعت بها وقر�أت عنها‪ ،‬وقررت �أن تُخ�ضع كل ما �سمعته‬ ‫وقر�أته للتحليل و�إعمال املنطق العلمي بعيد ًا عن الهوى‪ ،‬وعن التع�صب‪،‬‬ ‫ومن دون �أفكار م�سبقة‪ ،‬وكانت قر�أت ترجمة الآية الكرمية‪َ « :‬يا �أَ ُّي َها‬ ‫ول َب ِّل ْغ َما �أُ ِنز َل ِ�إ َل ْي َك ِمنْ َر ِّب َك َو ِ�إنْ لمَ ْ َت ْف َع ْل َف َما َب َّل ْغتَ ر َِ�سا َل َت ُه َو هَّ ُ‬ ‫ال َّر ُ�س ُ‬ ‫الل‬ ‫َ‬ ‫هَّ‬ ‫ا�س �إِنَّ الل اَل َي ْه ِدي ا ْل َق ْو َم ا ْل َكا ِف ِرينَ »‪ ،‬املائدة «‪.»67‬‬ ‫َي ْع ِ�ص ُم َك ِمنْ ال َّن ِ‬ ‫وبالبحث وال�س�ؤال والتق�صي والتفكري احليادي‪� ،‬س�ألت عن حال‬ ‫الر�سول الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬قبل نزول هذه الآية‪ ،‬وهل كان له‬ ‫من جند يحر�سونه من النا�س‪ ،‬فقيل لها �إن �أ�صحابه ر�ضوان اهلل عليهم‬ ‫كانوا يفعلون ويتناوبون على حرا�سته‪ ،‬ثم �س�ألت وكيف �أ�صبح الأمر بعد‬ ‫نزول هذه الآية الكرمية‪ ،‬فقيل لها �إن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫�صرف �أ�صحابه الكرام ر�ضوان اهلل عليهم من حرا�سته و�أعفاهم من‬ ‫ذلك الأمر‪ ،‬فقالت من فورها‪� :‬أ�شهد �أنه حق ًا ر�سول كرمي لرب عظيم‪،‬‬ ‫و�أ�شهد �أن ما �أنزل عليه هو احلق من ربه‪ ،‬لأنه لو كان من عند غري اهلل‬ ‫لعرف حممد نف�سه ذلك‪ ،‬وخلاف على نف�سه وما �صرف حرا�سه وترك‬ ‫نف�سه عر�ضة للأخطار‪.‬‬ ‫ال�شاهد يف الق�صة هنا هو كيفية التفكري العلمي املنطقي التي اتبعته‬ ‫ال�سيدة‪ ،‬وكيفية التحلى باحليادية يف التفكري‪ ،‬ما يعني تنحية الأهواء‬ ‫والأفكار امل�سبقة‪ ،‬وكيفية ترتيب النتائج وتتابعها و�صو ًال �إىل ر�أي �أقرب‬ ‫لل�صحة‪ ،‬و�أقرب للحقيقة‪.‬‬ ‫بقيت امل�شكلة الرئي�سة‪ ،‬يف ذلك اجلدل العقيم حول الرتاث واحلداثة‪،‬‬ ‫والذي ال �أرى له مربر ًا لأنه ال مفر من التكامل بني االثنني‪ ،‬وال بد‬ ‫من البحث يف الرتاث وا�ستخراج كنوزه و�إخ�ضاعها للو�سائل العلمية‬ ‫احلديثة‪ ،‬ثم �إعادة �إنتاج �أو ا�ستخراج كنوز جديدة منها‪ ،‬وقد خل�ص‬ ‫�أحد احلا�ضرين املوقف عندما دعا �أحد الراف�ضني للعالج بالطب‬ ‫التقليدي �إىل التفكري يف كيفية عالج النا�س �أنف�سهم وبع�ضهم بع�ض ًا‬ ‫قبل اكت�شاف الطب احلديث ب�أدواته و�آالته وكيماوياته و�أ�شعاته ومعامله‬ ‫وعياداته وم�شافيه‪ .‬اللهم ا�شفنا من الهوى والغر�ض واملر�ض‪� .‬آمني‬


‫نبض الذاكرة‬ ‫‪52‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬


‫رمضان ‪..‬‬

‫حكايات في الذاكرة‬ ‫القاهرة ‪ -‬ه�شام علي‬ ‫ونحن على �أبواب رم�ضان‪ ،‬ا�صطحبني يف يده الكاتب الكبري لوي�س جري�س‪ ،‬حل�ضور جل�سة من‬ ‫جل�سات «احلرافي�ش» على نيل القاهرة‪ ،‬يف ح�ضرة �سيد الرواية العربية «جنيب حمفوظ»‪ ،‬مل‬ ‫يكن لقائي الأول معه ومل يكن الأخري‪ ،‬انتهزتها فر�صة‪� ،‬أن �أخرج من اجلل�سة ويف يدي مو�ضوع‬ ‫�صحفي عن رم�ضان يف ذاكرة «جنيب حمفوظ»‪� ،‬أذكر عندما �س�ألته عن املتبقي من رم�ضان يف‬ ‫ذاكرته؟ �صمت قلي ً‬ ‫ال‪� ،‬أو مبعنى �أدق �سرح بعيداً‪ ،‬احرتمت هذا ال�صمت وحلظة الت�أمل‪ ،‬وتخيلت‬ ‫«الأ�ستاذ» يتجول بذاكرته‪ ،‬يف درب �أرمز‪ ،‬ومقهى الفي�شاوي‪ ،‬وحلقات املن�شدين‪ ،‬و�سيدنا احل�سني‬ ‫وخان اخلليلي‪.‬‬ ‫بعد �صمت مل ي��دم ط��وي�ل ًا‪ ،‬طلب مني �أن‬ ‫�أ�ضغط على الكا�سيت‪�« :‬أجمل �أيام رم�ضان‬ ‫على الإطالق يف الطفولة عندما كان الأهل‬ ‫مينحونا حرية ا�ستثنائية يف الت�أخري خارج‬ ‫البيت بعد الإف��ط��ار‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أن يف هذه‬ ‫املرحلة العمرية جمعتني هواية م�شرتكة مع‬ ‫بع�ض اال�صدقاء من جرياين وهي اال�ستماع‬ ‫�إىل الإن�����ش��اد الديني والتوا�شيح يف بيوت‬ ‫ال��ع��ائ�لات ال��ع��ري��ق��ة‪ ،‬ال��ت��ي ك��ان��ت تقيم يف‬ ‫رم�ضان يومي ًا ليايل للإن�شاد الديني واملديح‪،‬‬ ‫ولأنني كنت من ع�شاق ال�شيخ علي حممود‬ ‫ط��ه‪ ،‬كنت ي��وم��ي�� ًا �أذه���ب �إىل البيت ال��ذي‬ ‫ي�ست�ضيفه لال�ستماع �إليه طوال الليل‪ ،‬حتى‬ ‫ن�شهد �أجمل حلظة من املمكن �أن يعي�شها‬ ‫عا�شق لهذه الأ�صوات اجلميلة من املن�شدين‬

‫عندما يخرج كل من�شد من ه�ؤالء «الأكابر»‬ ‫ويقف �أمام البيت الذي ي�ست�ضيفه حتى ي�ؤذن‬ ‫ل�صالة الفجر‪ ،‬يف هذه اللحظات النورانية‬ ‫ت�ستمع �إىل �أعظم �سيمفونية مو�سيقية‪ ،‬مع‬ ‫ت��داخ��ل �أ���ص��وات امل�شايخ وك���أن��ه��ا مقطوعة‬ ‫مو�سيقية تهبط من ال�سماء طازجة»‪.‬‬ ‫وي�سرت�سل «الأ���س��ت��اذ» يف ح���واره‪« :‬رم�ضان‬ ‫و�أج�����واء ال�����ص��ف��اء النف�سي ال��ت��ي ت�سيطر‬ ‫على �أي��ام��ه منحتني فر�صة كبرية للقراءة‬ ‫واالط��ل�اع يف جم���االت خمتلفة ومتنوعة‪،‬‬ ‫يكفي �أن��ن��ي ق���ر�أت يف رم�ضان �إ�سالميات‬ ‫العقاد‪ ،‬وعلى هام�ش ال�سرية لـ«طه ح�سني»‪،‬‬ ‫وحديث عي�سى بن ه�شام وكثري من الكتب‬ ‫التي تتناول ال�صوفية‪ ،‬مع ق���راءات �أخ��رى‬ ‫متنوعة يف امل�سرح الغربي وال�شعر‪ ،‬وال �أن�سى‬

‫يف رم�ضان جل�سات «الفي�شاوي» بعد الإفطار‪،‬‬ ‫التي كانت تزدحم بالرواد ع�شاق «القافية»‬ ‫وتبادل النكات»‪.‬‬

‫�آخر نكتة لنجيب حمفوظ‬

‫بعد انتهاء «الأ���س��ت��اذ» م��ن ح���واره‪� ،‬أغلقت‬ ‫ال��ك��ا���س��ي��ت‪ .‬وجل�ست م�ستمع ًا وم��راق��ب�� ًا لـ‬ ‫جنيب حمفوظ وج��ه�� ًا ل��وج��ه‪ ،‬يدير احل��وار‬ ‫بني احلرافي�ش على مزاجه اخلا�ص‪� ،‬إذا مل‬ ‫يعجبه الكالم‪ ،‬يخلع ال�سماعة من �أذنه‪ ،‬و�إذا‬ ‫لفت نظره بحوارك مينحك مكاف�أة خا�صة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫�آخر نكتة‪« ،‬هو ده‪ ..‬جنيب حمفوظ»‪.‬‬

‫الكنافة وفطري املالك‬

‫و�أنا �أ�ستعيد هذه ال�سهرة مع جنيب حمفوظ‬


‫نبض الذاكرة‬ ‫‪54‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫جنيب حمفوظ يف جل�سته على مقهى ري�ش‬

‫يف ذاكرتي‪ ،‬وجدت نف�سي �أنا الآخر‪� ،‬سارح ًا‬ ‫م��ع رم�����ض��ان‪ ،‬حكاية م��ن هنا و�أخ����رى من‬ ‫هناك‪ ،‬خ�صو�ص ًا و�أن رم�ضان يف «�شربا»‬ ‫احل��ي ال���ذي تربيت ف��ي��ه‪ ،‬ل��ه طعم خا�ص‪،‬‬ ‫ال ميكن �أن جت��ده يف �أي م��ك��ان يف العامل‬ ‫�إال «���ش�برا»‪ ..‬ال��ذي يلتقي فيها رم�ضان مع‬ ‫احتفاالت امل�سيحني «مبولد ماري جرج�س»‬ ‫في�شاركوننا �صناعة زينة ال�شوارع امللونة‬ ‫ون�شاركهم تعليق «ال�صلبان» بالأحبال بني‬ ‫العمارات‪ ،‬نعطيهم �أطباق «الكنافة» ويردوها‬ ‫بـ«بفطري امل�لاك» وقبل �أذان الفجر جنل�س‬ ‫جميع ًا على الأر�ض نتناول ال�سحور املكون من‬ ‫الفول والزبادي‪.‬‬ ‫�أذكر �أنه يف �إحدى ال�سنوات‪� ،‬سقطت جمموعة‬ ‫ب��ي��وت ق��دمي��ة م��ت��ج��اورة يف ���ش��ارع العطار‬ ‫ال�شهري بحي �شربا‪ ،‬ومل يجد امل�س�ؤولون يف‬ ‫جمل�س املحافظة �أمامهم �إال ت�سكني �أهايل‬

‫ه��ذه البيوت يف مدر�سة �شربا الإع��دادي��ة‪،‬‬ ‫ولكن من �أي��ن �سي�أتون لكل ه��ذه العائالت‬ ‫بوجبات الإفطار وال�سحور؟! والدي الذي كان‬ ‫ع�ضو ًا يف جمل�س حمافظة القاهرة‪ ،‬وجد‬ ‫احلل عند �أبونا «متى �ساوير�س» كاهن كني�سة‬ ‫اجليو�شي‪ ،‬وامل�����س���ؤول ع��ن جمعية ال�سالم‬ ‫اخلريية‪ ،‬ال��ذي اعترب ح��واره مع وال��دي يف‬ ‫التليفون مبثابة تكليف‪ ،‬غري موقع بعقود‪� ،‬إال‬ ‫�ضمان العي�ش وامللح والأخ��وة‪ ،‬وف��ور ًا �أ�صدر‬ ‫�أبونا متى �ساوير�س تعليماته لإدارة جمعية‬

‫كان نجيب محفوظ‬ ‫إذا لم يعجبه الكالم‬ ‫يخلع السماعة من‬ ‫أذنه وإذا أعجبه حوارك‬ ‫يمنحك مكافأة‬ ‫خاصة‪ :‬آخر نكتة‬

‫ال�سالم ب�أن يعمل مطبخ اجلمعية ‪� 24‬ساعة‬ ‫لتجهيز وجبات الإفطار وال�سحور لل�صائمني‬ ‫يف مدر�سة �شربا الإعدادية‪ ،‬وكثري ًا ما كان‬ ‫يجل�س �أبونا متى �ساوير�س يفطر بينهم حتى‬ ‫يطمئن �أن اخلدمة ‪ 5‬جنوم‪.‬‬ ‫مبنا�سبة هذا املوقف ال��ذي فعله �أبونا متى‬ ‫�ساوير�س بعيد ًا عن الكامريات والت�صوير‪،‬‬ ‫وبرامج «التوك �شو»‪ ،‬وجه يل الدعوة ع�ضو‬ ‫�سابق مبجل�س ال�شعب لتناول الإفطار معه بني‬ ‫ين�س يف منت�صف احلوار �أن‬ ‫�أبناء دائرته‪ ،‬ومل َ‬ ‫يطلب مني �أن يكون معي م�صور اجلريدة‪ ،‬مل‬ ‫�أجد يف الأمر عيب ًا �إذ اعتربتها �صور ًا للذكرى‬ ‫ومل �أتخيلها للدعاية االنتخابية حتى فوجئت‬ ‫قبل مدفع الإفطار بثوان قليلة ب�أحد �أ�صحاب‬ ‫حم�ل�ات جت���ارة ك��اوت�����ش ال�����س��ي��ارات‪ ،‬ي���أت��ي‬ ‫متجه ًا نحوي مم�سك ًا بامل�صور ال��ذي يعمل‬ ‫معي‪ ،‬مهدد ًا بتك�سري الكامريا‪� ،‬إذا التقط‬


‫���ص��ورة واح���دة مل��ائ��دة ال��رح��م��ن‪ ،‬وب�شجاعة‬ ‫�أوالد البلد ورج��ول��ت��ه��م‪ ،‬وج��ه ك�لام��ه �إ ّ‬ ‫يل‬ ‫وهو ينظر �إىل ال�سيد ع�ضو جمل�س ال�شعب‬ ‫املحرتم‪« :‬طبع ًا بكرة �صور البيه‪ ،‬تنت�شر يف‬ ‫اجلرائد‪ ،‬وهو يجل�س بني النا�س الغالبة على‬ ‫مائدة الرحمن‪� ،‬ساعتها كل النا�س �ستظن‬ ‫�أنه املتكفل بتكاليف مائدة الرحمن‪� ،‬شوف‬ ‫ي��ا �أ���س��ت��اذ‪ ،‬بال�صالة على النبي‪ ،‬البيه‪..‬‬ ‫النهاردة جاب عجل‪ ..‬ب�س ب�ص هناك فيه‬ ‫�أك�ثر من ع�شرين عجل واقفني‪� ،‬أ�صحابهم‬ ‫جابوهم ون��زل��وه��م م��ن العربيات وم�شيوا‬ ‫معرف�شي هما مني‪ ..‬وال عايزين يتعرفوا وال‬ ‫يطلعوا يف اجلورنال‪ ..‬املائدة دي بي�صرف‬ ‫عليها نا�س منعرفهم�ش‪ ..‬وال نعرف هما‬ ‫مني‪ ..‬اللي بيجيب خ�ضار واللي بيجيب رز‬ ‫وال��ل��ي بيجيب ح��ل��وي��ات‪ ..‬تيجي ان��ت تن�شر‬ ‫�صورة لـلبيه‪ ،‬يبقى هوه اللي عامل كل ده‪..‬‬ ‫ير�ضيك انت؟»‪.‬‬ ‫�أن��ا و�ضعت عيني يف الأر����ض من اخلجل‪..‬‬ ‫لتعر�ضي لهذه اخلدعة االنتخابية‪ ،‬وال�سيد‬ ‫ع�ضو جمل�س ال�شعب امل��ح�ترم‪ ،‬ظل يجفف‬ ‫يف ع��رق��ه‪ ،‬وان�����س��ح��ب م��ن امل��ك��ان ب��ه��دوء‪،‬‬ ‫وا�ستكملت �أنا ال�سهرة بني �أهل املعروف‪ ،‬بعد‬ ‫�أن ذهب امل�صور‪ ،‬وخلعت عباءة ال�صحفي‪،‬‬ ‫وا���س�ترددت �شخ�صية اب��ن البلد‪ ،‬وجل�ست‬ ‫�أ�ستمع �إىل ح��ك��اي��ات مالئكية ع��ن كيفية‬ ‫جتهيز هذه املائدة يومي ًا التي تتكفل ب�إفطار‬ ‫�أكرث من ‪� 10‬آالف �صائم من عابري ال�سبيل‪،‬‬ ‫ال ي�س�ألهم �أح��د عن ديانتهم �أو جن�سيتهم‪،‬‬ ‫يجمعهم على املائدة بركة رم�ضان‪.‬‬

‫كروان ال�صعيد‬

‫�إذا ك��ان �أ���س��ت��اذن��ا جنيب حم��ف��وظ منحه‬ ‫احل���ظ �أن ي��ع��ي�����ش يف زم���ن رئ��ي�����س دول���ة‬ ‫املن�شدين ال�شيخ علي حممود ط��ه‪ ،‬فمن‬ ‫حقي �أن �أفتخر �أنني تعرفت على «كروان‬ ‫ال�صعيد» ال�شيخ «يا�سني التهامي» يف حفل‬ ‫«ط��ه��ور» يف جن��ع «ب��ردي�����س» يف ���س��وه��اج‪،‬‬ ‫وم��ن ه��ذا ال��ي��وم ال �أف��وت ل��ه ليلة وخا�صة‬ ‫الليايل الرم�ضانية يف �سيدنا احل�سني‪،‬‬ ‫�أو يف حفالت الـ ‪ ،v.i.b‬التي تنظم لل�شيخ‬

‫مقهى الفي�شاوي �أحد عالمات �شهر رم�ضان يف القاهرة‬

‫يف اجل��ام��ع��ة الأم��ري��ك��ي��ة وامل��رك��ز الثقايف‬ ‫الفرن�سي‪.‬‬ ‫مع يا�سني التهامي و�أ�شعار ابن الفار�ض‪،‬‬ ‫ت�سبح بعيد ًا يف عامل من الوجد ال�صويف‪ ،‬ال‬ ‫ميكن �أن مينحك �إياه �إال �سيدي ال�شيخ �سيد‬ ‫النق�شبندي‪ ،‬الذي تالقت حنجرته املا�سية‬ ‫مع الفتى الذهبي للمو�سيقى العربية بليغ‬ ‫حمدي يف م�شروع فني تبلورت مالحمه يف‬ ‫�سنوات املواجهة مع العدو الإ�سرائيلي‪ ،‬من‬

‫خ�لال جمموعة م��ن الأدع��ي��ة واالب��ت��ه��االت‬ ‫للجنود على اجلبهة‪ ،‬وح�سب ت�صريحات‬ ‫د‪ .‬مر�سي �سعد الدين ال�شقيق الأكرب لـ بليغ‬ ‫حمدي‪ ،‬ف�إن هذا امل�شروع الفني مت االتفاق‬ ‫عليه يف م��ي��ت �أب���و ال��ك��وم ق��ري��ة الرئي�س‬ ‫ال�سادات ب�أمر رئا�سي‪ ،‬عندما طلب منهما‬ ‫الرئي�س �أن يوظفا موهبتهما يف عمل فني‬ ‫يظهر يف رم�����ض��ان‪ ،‬ويحكى �أن ال�سادات‬ ‫ال��ع��ا���ش��ق للمو�سيقى وال��ف��ن ب�شكل ع��ام‪،‬‬


‫نبض الذاكرة‬ ‫‪56‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫باب املبنى ويريدان الدخول‪ ،‬تفادي ًا للحرج‬ ‫نزلت �إليهما م�سرع ًا‪ ،‬و�شرحت لبليغ ووردة‬ ‫املوقف الإعالمي وموقف الإذاعة‪ ،‬وقف بليغ‬ ‫ي�ستمع �إ ّ‬ ‫يبد اعرتا�ض ًا‪ ،‬بعد ‪ 15‬دقيقة‬ ‫يل ومل ِ‬ ‫تقريب ًا فوجئت بات�صال ي�أتيني من ال�ضابط‬ ‫امل��ن��اوب يف نقطة �شرطة ب���والق �أب���و العال‬ ‫يخربين ب�أن بليغ حمدي تقدم ببالغ �ضدي‬ ‫يف نقطة ال�شرطة يتهمني باخليانة العظمى‬ ‫لأين منعت اجلندي جمند بليغ حمدي من‬ ‫امل�شاركة يف حرب التحرير حرب رم�ضان من‬ ‫جبهة الإذاع��ة‪� ،‬أطلعت رئي�س الإذاع��ة «بابا‬ ‫�شارو» على املوقف‪ ،‬جل�س ي�ضحك و�أمرين �أن‬ ‫�أذهب و�أح�ضر «الواد املجنون ده»‪ ،‬و�أفتح له‬ ‫ا�ستديوهات الإذاعة‪ ،‬ودخل بليغ ومعه وردة‬ ‫وعبد الرحيم من�صور‪ ،‬كان ينام على �سلم‬ ‫الإذاع��ة‪ ،‬عبد الرحيم يقر�أ اجلرائد ويكتب‬ ‫كلمات الأغ���اين وبليغ يلحن ووردة تغني‪،‬‬ ‫وتوافد الفنانون جميع ًا لأداء واجبهم الوطني‬ ‫بعد �أن مهد لهم الأر�ض اجلندي جمند بليغ‬ ‫حمدي»‪.‬‬

‫حياة حتت الربع‬

‫�صانع الفواني�س يف منطقة «حتت الربع»‬

‫ك��ان �إذا ذه��ب �إىل قريته يف ري��ف م�صر‪،‬‬ ‫فالبد �أن يكون ال�شيخ النق�شبندي وبليغ‬ ‫يف مقدمة املدعوين �إىل بيته يجل�س بينهم‬ ‫على الأر����ض م�ستمتع ًا بنفحات ال�شيخ‪،‬‬ ‫وعزف بليغ على العود‪.‬‬

‫مع ياسين التهامي‬ ‫وأشعار ابن الفارض‬ ‫تسبح بعيد ًا في عالم‬ ‫من الوجد الصوفي‬

‫جندي جمند بليغ حمدي‬

‫هزمية ‪ 5‬يونيو‪ ،‬و�أول ه��ذه ال��ق��رارات عدم‬ ‫تقدمي �أغ��ان جديدة واالكتفاء باملوجود يف‬ ‫مكتبة الإذاع��ة من �أغان وطنية كال�سيكية‪،‬‬ ‫يف هذه الأيام كان مبنى الإذاعة والتلفزيون‬ ‫م�ؤمن ًا باحلر�س اجلمهوري وقوات اجلي�ش‪،‬‬ ‫و�أنا يف مكتبي فوجئت مبكاملة من الأمن تقول‬ ‫�إن بليغ حمدي ومعه وردة اجلزائرية على‬

‫وال�شيء بال�شيء يذكر‪ ،‬م�ساهمة بليغ الفنية‬ ‫يف ح���رب رم�����ض��ان ل��ه��ا ق�����ص��ة‪ ،‬رواه����ا يل‬ ‫�صديقه الإع�لام��ي الكبري وج��دي احلكيم‪:‬‬ ‫«عندما �أعلنت ح��رب �أكتوبر ‪ 10‬رم�ضان‪،‬‬ ‫اتخذت الإذاع���ة امل�صرية ق���رار ًا بالتعامل‬ ‫الإع�ل�ام���ي ال���ه���ادئ ب��ع��ي��د ًا ع��ن ال�ضجيج‬ ‫وال�صريخ‪ ،‬رمب��ا بعد �أن تعلمنا م��ن در���س‬

‫اع��ت��زازي ب���أين ع�شت رم�ضان يف �شربا‪ ،‬ال‬ ‫ينفي �أنني من ع�شاق القاهرة الإ�سالمية‪،‬‬ ‫�سيدنا احل�سني‪ ،‬وال�سيدة زينب‪ ،‬والقلعة‪،‬‬ ‫واخل��ي��ام��ي��ة‪ ،‬وخ���ان اخل��ل��ي��ل��ي‪ ،‬وخ�صو�ص ًا‬ ‫ال��غ��وري��ة‪ ،‬وم��ن��ط��ق��ة «حت���ت ال���رب���ع» امل��رك��ز‬ ‫الرئي�سي لت�صنيع «فانو�س رم�ضان» يف �شكله‬ ‫التقليدي اجلميل‪ ،‬وعلى فكرة‪ :‬امل�صريون‬ ‫�أول من عرفوا الفانو�س يف �أيام الفاطميني‪،‬‬ ‫وارت��ب��ط عندهم ب�شهر رم�ضان بداية من‬ ‫اليوم اخلام�س من �شهر رم�ضان عام ‪ 358‬هـ‬ ‫عندما خرج �أهايل القاهرة ال�ستقبال املعز‬ ‫لدين اهلل الفاطمي لي ًال حاملني امل�شاعل‬ ‫والفواني�س م��رددي��ن الهتافات والأغ���اين‪.‬‬ ‫ويعترب �أهل القاهرة �أول من حملوا الفانو�س‬ ‫يف رم�ضان‪ ،‬ورغم انت�شار «الفانو�س» ال�صيني‬ ‫املقلد‪ ،‬مل ترتاجع مبيعات «الفانو�س» الذي‬ ‫ي�ضاء لي ًال بال�شمعة‪ .‬وهذه املنطقة بالتحديد‬ ‫«حتت الربع» لها خ�صو�صية جتذب �سكان‬ ‫ال��ق��اه��رة وال��ق��ادم�ين م��ن الأري����اف ل�شراء‬


‫بائع العرق�سو�س املتجول تروج جتارته يف رم�ضان‬

‫م�ستلزماتهم «زي م��ا بيقولوا م��ن الإب��رة‬ ‫لل�صاروخ»‪ ..‬عطارة‪ ،‬فواني�س‪� ،‬أدوات مطبخ‪،‬‬ ‫معدات �شوي اللحم‪ ،‬قباقيب‪ ،‬طر�شي‪ ،‬كنافة‬ ‫ي��دوي��ة‪ ،‬كله م��وج��ود‪ ..‬و«حت��ت ال��رب��ع» ملن ال‬ ‫يعرف‪ ،‬مبثابة معرب ميكن �أن تخرج منه �إىل‬ ‫ال�سيدة زينب و�سيدنا احل�سني والقلعة‪ ،‬و�إذا‬ ‫�صادفك احلظ ودخل عليك �أذان املغرب يف‬ ‫«حتت الربع» ال ميكن �أن تفلت من �أهله �إال‬ ‫و�أفطروك بينهم واجلميع يقدم لك الطعام‬ ‫و�شراب «العرق�سو�س» م�صحوب بعباراتهم‬ ‫الرقيقة‪« :‬اجرب بخاطرنا»‪.‬‬

‫تاجر ال�سعادة‬

‫و�إذا تذكرنا رم�ضان مع جنيب حمفوظ ال‬

‫منطقة «تحت الربع»‬ ‫هي المركز الرئيس‬ ‫لتصنيع «فانوس‬ ‫رمضان» في شكله‬ ‫التقليدي الجميل‬ ‫ميكن �أن نن�سى تاجر ال�سعادة �أ�سامه �أنور‬ ‫عكا�شة‪ ،‬ال��ذي منح ليايل رم�ضان طابع ًا‬ ‫خا�ص ًا‪ ،‬والأ�سر العربية ملتفة حول التلفزيون‬ ‫تتابع �أحد �أعماله التي غريت �شكل الدراما‬ ‫التلفزيونية ونقلتها �إىل منطقة راق��ي��ة‬ ‫ت�صنف �أحيان ًا «�أدب تلفزيوين»‪ ،‬يف زمن‬

‫كانت امل�سل�سالت تباع للمحطات العربية‬ ‫با�سم كاتبها على الترت‪ :‬م�سل�سل لـ �أ�سامة‬ ‫�أنور عكا�شة‪ ،‬الذي كان يكتب عم ًال واحد ًا‬ ‫يف ال�سنة‪ ،‬يختار م�شاهده وح���واره على‬ ‫طريقة «اجلواهرجي» يف ر�ص «الأملاظ» يف‬ ‫قطع املجوهرات‪ ،‬قبل �أن يظهر نظام املنتج‬ ‫املنفذ و�شركات الإع�لان��ات‪ ،‬ويتم ت�سويق‬ ‫امل�سل�سالت با�سم النجمة قبل �أن يكتب‬ ‫امل�سل�سل‪ .‬الذي عرفنا �أنه يكتب يف �أ�سبوع‪،‬‬ ‫على يدي البطلة �أو البطل لإ�ضافة م�شاهد‬ ‫لها �أو حذف م�شاهد من زميلتها يف العمل‪.‬‬ ‫على ما يبدو �أن القراءة يف رم�ضان لي�ست‬ ‫عادة تخ�ص الأ�ستاذ جنيب حمفوظ فقط‪،‬‬ ‫ع��ن نف�سي اكت�شفت �أن معظم الأع��م��ال‬ ‫العظيمة انتهيت منها يف رم�ضان «الفتنة‬ ‫ال��ك�بري» ل��ـ ط��ه ح�سني «���ش��ه��ي��د ك��رب�لاء»‬ ‫العقاد «زهرة العمر» توفيق احلكيم‪« ،‬طلع‬ ‫البدر علينا» �أني�س من�صور‪ ،‬ب�س ب�صراحة‬ ‫من �أكرث الكتب التي تعلقت بها و�أ�صبحت‬ ‫ت�لازم��ن��ي يف رم�����ض��ان «احل�����س�ين ث��ائ��ر ًا»‬ ‫و«احل�سني �شهيد ًا»‪ ،‬و«الفاروق عمر» و«علي‬ ‫�إم��ام املتقني» للكاتب الرائع عبد الرحمن‬ ‫ال�شرقاوي‪ ،‬الذي حكى يل عنه �أ�ستاذ لوي�س‬ ‫جري�س‪� ،‬إنه يف رم�ضان ي�أخذ �إجازة �شهر ًا‬ ‫عن العمل ويجل�س يف بيته للكتابة‪ ،‬و�أنه يف‬ ‫�إح��دى ال�سنوات التي كان يعمل فيها معه‬ ‫يف «روزال��ي��و���س��ف» عندما ك��ان ال�شرقاوي‬ ‫ع�ضو ًا منتدب ًا للمجلة‪ ،‬ولوي�س رئي�س حترير‪،‬‬ ‫ت�أزم الو�ضع املادي يف املجلة واحتاج لوي�س‬ ‫�أن يوقع منه �شيكات روات���ب ال�صحفيني‬ ‫والعاملني يف «روزال��ي��و���س��ف»‪ ،‬ذه��ب �إليه‬ ‫لوي�س يف بيته وانتظره يف ال�صالون‪ ،‬يق�سم‬ ‫يل لوي�س �أنه مل يعرفه من �أول وهله‪ ،‬وظن‬ ‫نف�سه �أمام جمذوب من الذين يعي�شون يف‬ ‫�سيدنا احل�سني‪ ،‬خ��رج من خلوته‪ ،‬بعدها‬ ‫اكت�شف �أن ال�شرقاوي يعي�ش احل��ال الذي‬ ‫يكتب عليه‪ ،‬نقل نف�سه �إىل زمن ال�صحابة‪،‬‬ ‫عا�ش بينهم وكتب بل�سانهم‪ ،‬و�إح�سا�سهم‪،‬‬ ‫هنا عرفت ملاذا تعلقت بكتابات ال�شرقاوي‪،‬‬ ‫وطبع ًا جنيب حمفوظ‪« ،‬حد ين�سى جنيب‬ ‫حمفوظ!»‬


‫المرآة‬ ‫اآلفاق‬ ‫ارتيادفي‬ ‫وجه‬ ‫‪58‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬


‫عفيفي مطر‪:‬‬ ‫آخر شعراء المعلقات‬ ‫د‪�.‬أمين بكر‬ ‫جتربة عفيفي ال�شعرية مغرية وخميفة؛ مغرية لأنها تت�سع لتغطي م�ساحة وا�سعة وعميقة‬ ‫من الطموحات اجلمالية لل�شعراء والنقاد جميعا؛ فهي جتربة غذت الكثري من �شعراء �أجيال‬ ‫خمتلفة‪ ،‬وات�سعت قدرتها على مواكبة معظم الأ�شكال ال�شعرية العربية تقريبا؛ تت�سع جتربة‬ ‫عفيفي مطر فت�شمل ال�شكل العمودي وق�صيدة التفعيلة‪ ،‬وال تخلو من مناو�شات لق�صيدة النرث‪.‬‬ ‫وه��ي جت��رب��ة تت�سع لت�سمح ب�ت�ح��رك ع��دد القدرة على اللغة‬

‫كبري من النقاد ‪-‬وم��ن �أجيال خمتلفة‪ -‬يف‬ ‫و�صف مالحمها والتنظري لها‪ .‬هي جتربة‬ ‫مغرية لأن �ه��ا تقبل دون ِّ‬ ‫يل ذراع مقوالت‬ ‫ال�ن�ق��د وت��وج�ه��ات��ه ع�ل��ى ت�ن��وع�ه��ا‪ ،‬وخميفة‬ ‫لأنها بهذا الإغ��راء رمبا توهم الناقد �أنها‬ ‫قابلة لالختزال والت�أطري‪ ،‬يف حني ي�صعب‬ ‫ذلك ج��دا‪ ،‬ولعل �إط��ار الدرا�سة الأكادميية‬ ‫للماج�ستري �أو للدكتوراه �أن يدعي تقدمي ر�ؤية‬ ‫منظمة وا�سعة لهذه التجربة‪ ،‬لكنها �ستظل‬ ‫ر�ؤية ممكنة �ضمن ر�ؤى غري حمدودة ي�سمح‬ ‫بها ثراء وتنوع جتربة مطر‪ .‬وال يكفي للدار�س‬ ‫�أن يكون م�ستوعبا ملقوالته النقدية ق��ادرا‬ ‫على تطويعها فح�سب‪ ،‬بل البد له �أن يكون‬ ‫م�ستوعبا بعمق لرتاث ال�شعر العربي خا�صة‪،‬‬ ‫وذو ح�سا�سية خا�صة يف التعامل مع لغة هذا‬ ‫ال�شعر وبنياته اجلمالية والداللية‪ .‬فعفيفي‬ ‫م�ط��ر ي�ب��دو يل �آخ ��ر ال���ش�ع��راء اجلاهليني‬ ‫العظماء‪� ،‬آخر �شعراء املعلقات‪.‬‬

‫�أظ ��ن �أن و� �ص��ف عفيفي م�ط��ر ب ��أن��ه �آخ��ر‬ ‫ال�شعراء اجلاهليني العظام ينطوي ب�صورة‬ ‫خ��ا��ص��ة ع�ل��ى و��ص��ف مللمح �أ��س��ا��س��ي مميز‬ ‫لتجربته‪ :‬وه��و ال�ق��درة على اللغة‪ ،‬بنياتها‬ ‫ومو�سيقاها وقدراتها التعبريية والت�صويرية‬ ‫املجازية خا�صة‪ ،‬تلك القدرة التي غالبا ما‬ ‫يحاول الناقد و�صفها بعبارات جمازية ت�سعى‬ ‫للإم�ساك ب�شعور غام�ض يت�سرب له‪� ،‬شعور‬ ‫ب�سيطرة هادئة وحتكم غري مت�شنج من قبل‬ ‫ال�شاعر على ن�صه‪ ،‬ميكن لعفيفي مطر �أن‬ ‫يقف على الأطالل كامرئ القي�س �أو �أن يتغنى‬ ‫بوجيعة غربته كاملتنبي يف ق�صيدة موزونة‬ ‫مقفاة م�ستخدما بحر الطويل املميز لعيون‬ ‫ال�شعر الكال�سيكي العربي‪ ،‬خا�صة اجلاهلي‬

‫قدرة عفيفي مطر‬ ‫على اللغة جعلته آخر‬ ‫الشعراء الجاهليين‬ ‫العظام‬

‫منه‪ .‬يقول‪:‬‬

‫تركتم دم��ي �سبيا فلي�س يجريه‬ ‫�داج ��ى �أو � �ص��دي��ق ي���ص��اول‬ ‫ع ��دو ُي � َ‬ ‫وح��م ق�ضاء الليل ظلما وظلمة‬ ‫ق ��د ح �ب �ك��ت دون ال � �ف� ��رار امل �خ��ات��ل‬ ‫ف �ب��ت ع �ل��ى ظ� � ٍّ�ن دم ��ائ ��ي ت �� ُّؤج��ه‬ ‫وت��ذروه يف الريح الربوق ال�صواهل‬ ‫�أم ��وت و�أح �ي��ا حلظة بعد حلظة‬ ‫وت�صرخ يف حلمي الظبا وال��ذواب��ل‬ ‫�أه �ي��يء �أك �ف��اين و�أ�� �ص ��رخ ذاه�ل�ا‬ ‫��ش��رب��ت � �س��راب ال�ع�م��ر فيما حت��اول‬ ‫ف �ك ��ل ب �ل��اد ت��رت �� �ض �ي �ه��ا �إق ��ام ��ة‬ ‫ف�ج�ي�ع�ت�ه��ا ف �ي �ه��ا وم �ن �ه��ا ال �ن �ـ �ـ��وازل‬

‫فا�صلة �إيقاعات النمل‬

‫الأم��ر لي�س ان�سحاقا �أم��ام من��وذج ال�شعر‬ ‫العربي القدمي‪ ،‬وال هو متثل �إحيائي �سلبي‬ ‫يكرره‪ ،‬بل حت��اور معه وتطوير ل��ه‪ ،‬مل يقف‬ ‫عفيفي يف ا��س�ت�خ��دام��ه للطويل وللمعجم‬


‫وجه في المرآة‬ ‫‪60‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫عنا�صر العامل الرتاب واملاء والهواء والنار‪،‬‬ ‫ك��ان��ت الق�صيدة منت�شية ب�تراث�ه��ا تياهة‬ ‫حمتمية ب��ه‪ ،‬وك��ان��ت ذات ال�شاعر ت�صوغ‬ ‫خليقة �أخرى‪ ،‬كما روح الإله التي كانت ترف‬ ‫على وجه الغمر يف بداية اخلليقة‪:‬‬ ‫«عيني وياليلي و�آه»‬ ‫كان املغني طافيا فوق املياه‬

‫ال�شعري القدمي عند ال�شكل الكال�سيكي‪،‬‬ ‫ففي ق�صائد �أخ��رى ‪ -‬من ال��دي��وان نف�سه‬ ‫وم��ن غ�يره ‪ -‬يتالعب بالقافية حمتفظا‬ ‫بالوزن الأثري لدى اجلاهليني العظام‪ ،‬ويف‬ ‫كل حاالته يقود اللغة والن�ص نحو غايات له‬ ‫فيها فعل وا�ضح ال يرتك تراث ال�شعر كما‬ ‫كان‪:‬‬ ‫�أيا جارتا‪..‬‬ ‫كنا من الرمل نطف ًة‬ ‫مرج ِم‬ ‫وقب�ض َة جم ٍر يف حديثٍ َّ‬ ‫ور�ؤيا �سالالت من ال�شعر �أَوقدتْ‬ ‫أ�سباب‪ ..‬فالأفق ملعب‬ ‫ب�أوتادها ال َ‬ ‫يطري به �صقر من الطني والدم‬

‫مي�شي به النهر الثقيل اخلطو من �أهل‬ ‫�إىل �أهل‬ ‫ومن عام لعام‬

‫ب َّلغتُ ‪..‬‬ ‫لو ين�شق عن وجه البالد املبهم املفطور‬ ‫�صل�صال الكالم «ليلي وياعيني و�آه»‬

‫يظلله بيت من الكون �شا�س ُع «من ديوان‪ :‬تورط الذات ال�شاعرة مع العامل‬ ‫ف��ا��ص�ل��ة �إي �ق��اع��ات ال�ن�م��ل» ينك�سر �شكل‬ ‫ال�سطر ال�شعري وكذلك ينك�سر انتظام‬ ‫القافية‪ ،‬ويحدث بانك�سارهما االنحراف‬ ‫الذي �أ�شري �إليه‪ .‬قدرة عفيفي مطر على‬ ‫اللغة تختلف ب�صورة جذرية عن جتارب‬ ‫ف�ن�ي��ة �أخ� ��رى ت �ك��ون ف�ي�ه��ا ال �ل �غ��ة ه��ي من‬ ‫ي�ستخدم ال���ش��اع��ر‪ ،‬ف�ت�ت�ب��دى م��ن خالله‬ ‫بنياتها وجمالياتها بال �إرادة منه تقريبا‪،‬‬ ‫ي�صبح ال�شاعر يف مثل تلك و�سطا �شفافا‬ ‫الزما ال�ستمرار النوع دون �إ�ضافة حقيقية‪،‬‬ ‫دون �صراع عميق بني ال�ق��درات اخلالقة‬ ‫للفرد امل �ب��دع وت ��راث ال �ن��وع ال�ف�ن��ي‪ ،‬دون‬ ‫تفاعل عميق بني رغبة املبدع يف �أن يتجلى‬ ‫وعيه وتتبدى �إرادت��ه و�سطوة تاريخ اللغة‬ ‫وهيمنة ح�ضورها وبنياتها الفنية‪ .‬ويبدو‬ ‫يل �أن ا�ستخدام اللغة لل�شاعر ومباهاتها‬ ‫بذاتها عرب وعيه وق�صيدته رمبا كان من‬ ‫�أهم العوامل يف ترهل جتربة جيل واحتياج‬ ‫جيل �آخر لتجاوزها «بغ�ض النظر عن �أي‬ ‫تق�سيم زمني �صارم يحدد اجليل»‪.‬‬ ‫ع �ف �ي �ف��ي م �ط��ر يف ه� ��ذا ال �� �س �ي��اق ي �ب��دو‬ ‫فريدا فهو متفاعل مبتهج بتفاعالته مع‬ ‫منت�ش بفعله فيها‪ ،‬وبقدرته على‬ ‫اللغة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تروي�ضها‪� ،‬سعيد �أحيانا با�ست�سالمه لها‬ ‫ولأ�شكالها ال�شعرية التاريخية‪.‬‬

‫لعل ما �سبق يقودين لتحرك مهم يف جتربة‬ ‫مطر �أظ �ن��ه حتقق يف دي ��وان «احتفاليات‬ ‫امل�ؤمياء املتوح�شة»‪.‬التحرك ال��ذي �أق�صده‬ ‫ميكن ر��ص��ده مبحاولة ا�ستك�شاف م�ستوى‬ ‫تورط الذات ال�شاعرة مع العامل وا�صطدامها‬ ‫باللحظة التاريخية املعا�صرة‪.‬‬ ‫ال �أق ��ول �إن جت��رب��ة عفيفي مطر قبل هذا‬ ‫الديوان كانت من�شغلة بعالقته الفريدة مع‬ ‫اللغة فقط‪ ،‬ومنف�صلة ع��ن واق�ع��ه الثقايف‬ ‫املعي�ش مت��ام��ا‪ ،‬ولكنني �أدع��ي �أن التفاعل‬ ‫بني ذات ال�شاعر وثقافته ك��ان تفاع ًال مع‬ ‫ال�ت�راث امل�ح�م��ل يف ال�ل�غ��ة ق��دمي��ه وحديثه‬ ‫�أك�ثر من كونه تفاعال مع تفا�صيل اللحظة‬ ‫الثقافية ال�ت��ي يتحرك يف �إط��اره��ا حممد‬ ‫عفيفي مطر الكائن احلي‪ ،‬كانت الق�صيدة‬ ‫متتلئ بال�ساللة والأ� �س�ل�اف و�شخ�صيات‬ ‫التاريخ و�أحداثه العظيمة �سواء يف الثقافة‬ ‫العربية �أو يف ثقافات العامل الكربى‪ ،‬كانت‬ ‫الق�صيدة م�شغولة ب�صراعاتها مع لغتها‪،‬‬ ‫ب�صنع خ�صو�صياتها املتفردة‪ ،‬ب�إعادة ت�شكيل‬

‫قصائد مطر امتألت‬ ‫بالساللة واألسالف‬ ‫و شخصيات التاريخ‬ ‫وأحداثه العظيمة‬

‫من ديوان «فرح بالنار»‬ ‫هو خالق من نوع خا�ص مادة خلقه �صل�صال‬ ‫الكالم‪،‬ال�شعر‪ .‬وم��ن زاوي��ة �أخ��رى يبدو �أن‬ ‫ذات ال�شاعر ت�صنع �أ��س�ط��ورة رمب��ا ي�صح‬ ‫�أن ن�شبهها مبحاولة ابن عربي يف فتوحاته‪،‬‬ ‫حيث بدا �أن ابن عربي يقدم م�شروعا يحاول‬ ‫احتواء كل ما �سبقه من ر�ؤى كونية للعامل‬ ‫والإن�سان واملطلق وما بينهم من عالئق‪ ،‬بدا‬ ‫ابن عربي �ساعيا لت�ضمني تراثه الفل�سفي‬ ‫والديني �ضمن م�شروعه الكوين الفل�سفي‬ ‫الكبري‪ ،‬ويبدو يل عفيفي مطر من�شغ ًال مثله‬ ‫ب�صياغة م�شروع ك��وين �شعري كبري ي�شمل‬ ‫ت��راث��ه‪ ،‬وي�ق��دم ر�ؤي ��ة خا�صة كلية و�شاملة‬ ‫ومتجان�سة للعامل والإن �� �س��ان واملطلق وما‬ ‫بينهم من عالئق‪.‬‬ ‫ما الذي يخرج بديوان «احتفاليات املومياء‬ ‫املتوح�شة» �إذن ويدعوين لو�صفه ب�أنه حركة‬ ‫مغايرة ب�صورة ن�سبية ؟‬ ‫الديوان ي�ستخدم قدرات عفيفي مطر التي‬ ‫تر�سخت يف نحت ال���ص��ورة و�صنع املجاز‬ ‫و� �س��وق ال��دالل��ة وال�ت�ح�ك��م ب�ه��ا‪ ،‬ل�ك��ن روح��ا‬ ‫خمتلفة تن�شع من بني �سطوره‪ ،‬روح التورط‬ ‫العميق يف اللحظة التاريخية املعا�صرة‪ ،‬روح‬ ‫ال�صدام مع العامل بطريقة دامية ال يعرفها‬ ‫�إال م��ن جربها وع��ان��ى نزيفها‪ ،‬روح القهر‬ ‫البدين والروحي‪ ،‬روح املواجهة املبا�شرة مع‬ ‫دولة بولي�سية وديكتاتورية ع�سكرية خميفة ال‬


‫«احتفاليات المومياء‬ ‫تطيق الر�أي املخالف وال تعرف �سوى القهر المتوحشة» إضافة‬ ‫البدين والإبادة و�سيلة لإقناع املختلفني‪.‬‬ ‫نوعية خاصة لتجربة‬ ‫تظهر روح مغايرة ن�سبيا يف هذا‬ ‫الديوان‪ ،‬عفيفي مطر الشعرية‬ ‫بحيث يبدو الرتاث الذي احتمى به ال�شاعر‬ ‫م�شاركا �إياه يف حمنته وعاجزا كعجزه متاما‪،‬‬ ‫وتتجاوز الغنائية نف�سها يف هذا ال�سياق فتبد�أ‬ ‫الق�صيدة باقتبا�س من ق�صيدة لذو الإ�صبع‬ ‫ال�ع��دواين ثم يبد�أ ال�شاعر مقوله اخلا�ص‬ ‫مبقطع نرثي طويل‪:‬‬

‫اهلل ي �ع �ل��م �أين ال �أح �ب �ـ �ـ �ـ �ـ �ك �م��و‬ ‫وال �أل� ��وم � �ك � �م � �ـ� ��و �أال حت� �ب ��وين‬ ‫لو ت�شربون دمي مل َير ِو �شا ِر ُب ُكم‬ ‫وال دم � ��ا�ؤك� � �م � ��و ج �م �ع ��ا ت ��روي �ن ��ي‬

‫كيف هناك‪:‬‬ ‫يتنخل الوطن فتيته الطالعني من عكارة‬ ‫البلهار�سيا‬ ‫و�صميم الأمية وحيوانية اجلوع‬ ‫وره �ب��ة ال�ع�ب�ي��د وط��اع��ة الإم � ��اء وج�ب�روت‬ ‫الوح�ش‬ ‫ثم ينتقي‪:‬‬ ‫�أج �� �س��اد ق ��دت م ��ن � �ص �خ��رة واح � ��دة ع�ل��ى‬ ‫قالب وحيد‬ ‫فال ا�ستثناء يف �شيء‬ ‫وجوه م�سفوعة ب�صفرة ال�شم�س املعتلة‬ ‫وغبار الأحذية‬ ‫عيون تختلط فيها حمرة ب�صفرة ب��راووق‬ ‫النب املتخرث‬ ‫وال ي�شبهها �شيء �إال عيون الكالب امليتة يف‬ ‫جمرور النهر‬ ‫وم�ستنقعات الننت الدهري‬ ‫ك�أن ُ‬ ‫«خ ُنومَ» كان يدخرها يف فواخريه الأزلية‬ ‫حر�سا �سرمديا لفراعنة كل الدهور‬ ‫و�سوى ُخ ُنو َم ال �آله ًة هناك!!‬ ‫هذا املقطع ينظر بده�شة بادية ملا يدور حوله‬ ‫ك�أنه يراه لأول مرة‪ ،‬وي�صف م�ستخدما من‬ ‫مفردات اللغة �أب�شع ما ي�ستطيع ا�ستخدامه‬ ‫�شاعر قدير‪ ،‬هنا ينترث العامل ويفقد انتظامه‪،‬‬ ‫هنا ي�سقط العرو�ض وتظهر ال�صور املجازية‬ ‫يف خدمة �شيء �آخ��ر غري ذاتها وغ�ير زهو‬

‫اللغة بقدراتها‪ ،‬وغري تطوير م�شروع �شعري‬ ‫�ضخم يتجادل مع تاريخ النوع‪ ،‬املجازات يف‬ ‫املقطع ال�سابق تابعة لأمل التجربة احلية‪،‬‬ ‫تابعة للرغبة يف جت�سيد حلظة مريرة فاقت‬ ‫�أبعادها قدرة النظم على االنتظام‪ .‬مل ينته‬ ‫املقطع ال�ن�ثري عند ذل��ك احل��د‪ ،‬ب��ل ميتد‬ ‫و�أظن امتداده كان قرين ا�ستح�ضار ال�شاعر‬ ‫لكائناته وملفردات عامله التي ي�ألفها ويطمئن‬ ‫يف ح�ضورها‪ ،‬ب��د�أ االن�ت�ق��ال �إىل التفعيلة‬ ‫عندما ا�ستدعى الن�ص �سقراط وابن ر�شد‬ ‫والنفري وزرقاء اليمامة و�أوريديكي حبيبة‬ ‫�أورف�ي��و���س وغ�يره��م‪ ،‬ب��د�أ االن�ت�ق��ال عندما‬ ‫حدث احلد الأدن��ى من التوازن بني ح�ضور‬ ‫جتربة ال�شاعر املمتدة يف الزمن وح�ضور‬ ‫اللحظة املعي�شة الطاحنة‪ ،‬و�أظ ��ن حلظة‬ ‫حتقق هذا التوازن كانت هي حلظة البدء يف‬ ‫كتابة �أوىل ق�صائد هذا الديوان عموما‪.‬‬ ‫ت�ستعيد ال��ذات ال�شاعرة متا�سكها ن�سبياً‬ ‫وتبد�أ يف ا�ستخدام تراثها الفني اخلا�ص‬ ‫يف �صوغ التجربة‪ ،‬يدخل الرمز والت�شكيل‬ ‫الفني املركب‪ ،‬ولكن تلك الروح التي تن�شع‬ ‫من ال�سطور فتلونها تبدو متحكمة يف امل�شهد‬ ‫ال�شعري كله‪ ،‬فنجد �ألفاظ اللحظة التاريخية‬ ‫ظاهرة على ال�سطح بال قنا ِع جمازٍ يجملها‪،‬‬ ‫حيث جند با�ستخداماتها اليومية مفردات‬ ‫«اخلوف‪،‬اخليزران‪،‬احلر�س‪،‬اجلنزير‪،‬كل‬ ‫ب‪،‬ال�سجن‪،‬التعذيب‪،‬و�سخ الزجاج‪،‬البوق‬ ‫النحا�سي‪،‬البا�شا‪،‬عر�ض التمام» وغريها من‬ ‫مما ينتمي حلقل جتربة اال�صطدام احلية‬ ‫مع حلظة تاريخية كابو�سية‪ ،‬ولنت�أمل هذا‬ ‫املقطع ال��ذي ي�ستخدم مفردة من العامية‬ ‫غاية يف الداللة‪ ،‬غري �أن �أحدا مل يكن ليتخيل‬ ‫ا�ستخدام مطر لها يف �إحدى ق�صائده قبل‬ ‫ذلك‪ ،‬وهي لفظ «البزرميط»‪:‬‬ ‫�شعب خنومي‪ ،‬وجي�ش م�شرتى من �صيد‬ ‫نخا�سني‬

‫والبا�شا يقدم يف َرطا َنتِه جال ِئ َبه‪:‬‬ ‫ال �ط��وا� �ش� َّ�ي‪ ،‬ال �ق �� �ض��ا َة امل �خ�بري��ن‪ ،‬ال �� �س��اد َة‬ ‫اخل�صيا َن‪،‬‬ ‫�أع � �ي� ��ا َن ال �ت �� �س��ولِ ‪َ ،‬ج � ْن � َ�ج �ل � َ‬ ‫�وت امل �ن�بري��ات‬ ‫الزواين‪،‬‬ ‫َ‬ ‫البزرميط املدّعى‪..‬‬ ‫درع من ال�شرق املفتت‬ ‫وال�سيوف مباعة كي ميلك الغرب الرقاب‬ ‫«من ديوان‪ :‬احتفاليات املومياء املتوح�شة»‬ ‫ه��ذه ر�ؤي��ة �صريحة للحظة التاريخية مل‬ ‫يعتد مطر يف �شعره ال�سابق تقدميها بهذا‬ ‫الو�ضوح‪ ،‬فاملفردات �شبه مبا�شرة‪ ،‬متاما‬ ‫كنوع احلكمة التي يقدمها مطر يف مواقع‬ ‫كثرية من الديوان‪ ،‬م�ستعينا طوال الوقت‬ ‫ومب�شروعه ال�شعري ال�ضخم على �صياغة‬ ‫اللحظة ال�صادمة‪ ،‬جند ب�صورة متكررة‬ ‫�صياغات �شعرية مده�شة ل�صنوف من‬ ‫احلكمة‪ ،‬وتو�صيفات عميقة للحظة الثقافية‬ ‫التي نعي�شها‪ ،‬ويف الوقت نف�سه �سنجد بكاء‬ ‫مر ًا على الذات املنتهكة‪:‬‬ ‫�أق���س��ى م��ن امل��وت ارت�ع��ا���ش امل��وت يف َّ‬ ‫ال�شلو‬ ‫الذبيح‬ ‫كتابة �سلفت وهذا وقتها املقدور‬ ‫ه��ل ه��ذه لغة‪� ،‬أم �أن��ت �آخ��ر لغو الناطقني‬ ‫بها؟‬ ‫فاخرج بعريك ال ت�أمل وال تخف‬ ‫وادر�أ ب�ي��أ��س��ك م��ا ك��ان ال��زم��ان ب��ه يغوي‬ ‫ويوهم‬ ‫ياملكاً يبكي على عتبات ال�شعر‬ ‫«احتفاليات املومياء املتوح�شة»‬ ‫�أظ ��ن «اح �ت �ف��ال �ي��ات امل��وم �ي��اء امل�ت��وح���ش��ة»‬ ‫�إ�ضافة نوعية خا�صة لتجربة عفيفي مطر‬ ‫ال�شعرية‪� ،‬إ��ض��اف��ة بلورتها حلظة �صدام‬ ‫م��روع م��ع نظام ا�ستبدادي ق��اه��ر‪ ،‬و�أظ��ن‬ ‫�أن �أف��راد ه��ذا النظام قد وقعوا يف خط�أ‬ ‫ت��اري�خ��ي ي�ستحق ال �ن��دم‪ ،‬وذل ��ك ب��إت��اح��ة‬ ‫الفر�صة ل�شاعر له هامة عفيفي مطر �أن‬ ‫يف�ضح ما ارتكبوه من جرائم ب�شعر مل يعد‬ ‫ب�إمكان �أحد �أن ميحوه‬


‫‪62‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫التراث الذي يدفع نحو المستقبل‬

‫فاطمة املزروعي‬

‫يرتدد على نطاق وا�سع �أن ال�شعوب تتجه نحو ما�ضيها وتاريخها‬ ‫عندما تعي�ش �أزمة �أو تعاين من تراجع ح�ضاري‪ ،‬فت�ستعي�ض عن‬ ‫م�ستقبلها الذي ف�شلت يف الإبداع والتميز فيه باملا�ضي‪ .‬ويف ظني �أن‬ ‫مثل هذا القول يحمل يف جوانبه تعميماً خاطئاً ف�ض ً‬ ‫ال عن امل�ضمون‬ ‫الذي �أراه غري �صحيح‪.‬‬ ‫�إن �أي �شعب يعي�ش يف تراجع معريف وثقايف وتخلف تكنولوجي‬ ‫لي�س ب�سبب اهتمامه برتاثه وتاريخه‪ ،‬وال�شواهد التي تدح�ض هذا‬ ‫القول كثرية‪ ،‬بل �إنني �أعتقد �أن الأمة التي تتخل�ص من ما�ضيها‬ ‫وموروثها‪ ،‬بحجة املعا�صرة والتحديث واالنطالق نحو امل�ستقبل‪ ،‬ثم‬ ‫بعد عدة عقود تكت�شف �أنها �أ�ضاعت مقدراتها املادية والب�شرية لل�سعي‬ ‫نحو حتقيق منجز مل ُ‬ ‫تخط باجتاهه اخلطوات ال�صحيحة‪ ،‬فتعود‬ ‫للرتاجع‪ ،‬ومن هنا تبد�أ ت�ستدعي املا�ضي ليعو�ضها خ�سارة احلا�ضر‪.‬‬

‫ومهزومة ومت �إلزامها مبعاهدات طويلة املدى‬ ‫لكنها ��س��ارت على ُخ�ط��ى التطور والإن �ت��اج‬ ‫واندجمت ح�ضاري ًا‪ ،‬ومواكبة لهذا النهو�ض‬ ‫حافظت على هويتها وتاريخها‪ ،‬وال ترتدد‬ ‫يف �إب��داء مظاهر احلنني لرتاثها ال�ضارب‬ ‫العمق يف التاريخ‪ ،‬حيث تنظم املهرجانات‬ ‫ل�ل�أزي��اء الرتاثية اليابانية‪ ،‬وتقيم متاحف‬ ‫عن التاريخ الياباين‪ ،‬لي�س يف اليابان وح�سب‬ ‫و�إمنا تنظم �أن�شطة يف �سفاراتها وملحقياتها‬ ‫وبعثاتها الدبلوما�سية تقدم خاللها الأدب‬ ‫الياباين الذي يحتوي على ق�ص�ص قدمية‪ ،‬بل‬

‫هذه حقيقة‪ ،‬بل وهناك �أمم �سابقة بل ودول‬ ‫معا�صرة وقعت يف ه��ذا اخل�ط��أ التاريخي‪،‬‬ ‫وقد ال نذهب بعيد ًا‪ ،‬فهذه تركيا التي عا�شت‬ ‫ع�شرات ال�سنوات وهي تلهث خلف الوحدة‬ ‫الأوروب �ي��ة‪ ،‬وتخلت خ�لال ه��ذه الهرولة عن‬ ‫تراثها وتاريخها‪ ،‬بل وعن مكانها ومكانتها يف‬ ‫املنطقة‪ ،‬وعندما �أدركت ا�ستحالة حتقيق هذا‬ ‫التوجه ب�سبب رف�ض عدد من الدول الأوروبية‬ ‫التي تعتمد على ا�ستفتاء مبا�شر ل�شعوبها‪،‬‬ ‫�أقول �إنها بعد �أن فقدت الأمل �أو جزء ًا منه‬ ‫با�ستحالة االن�ضمام للوحدة الأوروبية‪ ،‬عادت‬ ‫نحو املا�ضي والأجم��اد العثمانية وتاريخها‬ ‫لعله يكون دافع ًا وحافز ًا لتعود قوة عظمى‪.‬‬ ‫على النقي�ض م��ن ه��ذا مت��ام � ًا ي ��أت��ي مثال بات شبابنا ينظرون إلى‬ ‫ً‬ ‫ال�ي��اب��ان � �ص��ارخ �ا‪ ،‬فهي مل تهمل �أو تهجر الغرب باعتباره موطن‬ ‫تاريخها و�إرثها العريق �أمام الوهج الزائف‬ ‫للمنتجات الأمريكية‪ ،‬رغم �أنها كانت حمتلة التطور والحضارة‬

‫والرقي فتجاهلوا‬ ‫تراثهم ونسوه‬

‫ويعر�ضون امل�أكوالت واحللوى وخا�صة احللوى‬ ‫التي ت�سمى الوغا�شي التي ت�صنع منذ �أكرث‬ ‫من خم�سمائة عام‪ ،‬ومن منا ال يعرف ال�شاي‬ ‫الأخ�ضر والذي ميتد عمره لآالف ال�سنوات‪،‬‬ ‫ولو مل جتد تلك احللوى �أو ال�شاي االهتمام يف‬ ‫كل جيل وت��وارث من الأج��داد �إىل الآب��اء �إىل‬ ‫الأبناء ملا و�صلت لنا‪ ،‬بل �سيكون م�صريها‬ ‫االندثار والن�سيان‪ ،‬متام ًا كما �ضاعت كثري‬ ‫م��ن امل �� �ش��روب��ات يف ع ��دد م��ن احل �� �ض��ارات‬ ‫والأمم‪ .‬فاليابان مل تتوقف عند هذا وح�سب‬ ‫�إمنا حافظت على �إرثها يف �صناعة اخلزف‬ ‫والن�سيج وك�أنها تقول للعامل �إن اليابان لي�ست‬ ‫�صناعة حديثة وتكنولوجيا وح�سب �إمنا تاريخ‬ ‫وتراث �أي�ض ًا‪.‬‬ ‫تراثنا العربي ‪-‬على الرغم من ثرائه‪� -‬إال‬ ‫�أنه يواجه خطر ًا بتجاهله‪ ،‬فقد اجته ال�شباب‬ ‫نحو امل��و��ض��ة والأزي � ��اء الغربية وتقم�صوا‬


‫عادات وتقاليد ال متت لتاريخنا ب�صلة‪ ،‬على‬ ‫�سبيل املثال‪ ،‬ما ن�شهده من انت�شار رق�صات‬ ‫بني الو�سط ال�شبابي كالراب والهيب هوب‬ ‫وغريهما‪ .‬وحتى يف لكنة كالمهم و�أ�سلوبهم‬ ‫وت�صرفاتهم جتد �أنهم مقلدون للغرب‪ ،‬قد‬ ‫يكون ال�سبب يف انت�شار مثل هذه الأفعال �أن‬ ‫املجتمع العربي ي�ستورد �أك�ثر مما ي�صدر‪،‬‬ ‫حيث �إن��ه يعتمد كلي ًا على ما ينتجه الغرب‬ ‫يف جمال ال�صناعة كالتقنية وو�سائل النقل‬ ‫والأدوات املنزلية وغريها‪� ..‬أما على ال�صعيد‬ ‫ال��ري��ا��ض��ي جن��د �أي���ض� ًا ت�ف��وق� ًا م��ن الأن��دي��ة‬ ‫الأوروب�ي��ة ب�شكل ال يقارن ب�أنديتنا العربية‬ ‫مع الأ�سف‪ .‬كذلك ال�سينما الغربية والأفالم‬ ‫وامل�سل�سالت كلها تبدي تفوق ًا على مثيالتها‬ ‫العربية‪ ،‬لذلك بات ال�شباب ينظرون للغرب‬ ‫على �أ�سا�س �أن��ه موطن التطور واحل�ضارة‬ ‫والرقي فتجاهلوا تراثهم ون�سوه‪� ،‬أو بالأحرى‬ ‫هم مل يعرفوه �أو يتعلموا عنه‪ ..‬ف�إىل جانب‬ ‫نظرة ال�شباب التي تقلل من قيمة ال�تراث‬ ‫العربي جند جتاه ًال من م�ؤ�س�سات املجتمع‬ ‫امل��دين يف ن�شر الوعي الثقايف عن ال�تراث‬ ‫العربي‪ ،‬كذلك الوزارات والهيئات احلكومية‬ ‫ال تقدم برامج و�أن�شطة جتعل �أنظار النا�س‬ ‫تتجه نحو تراثها‪ ..‬امل�ؤ�سف �أن هذا التجاهل‬ ‫ميار�س يف بيئة تعليمية كاملدار�س و�صروح‬ ‫العلم‪ ،‬فاملناهج ال تعر�ض التاريخ بال�شكل‬ ‫املطلوب ب��ل تركز على ال�ت��اري��خ ال�سيا�سي‬ ‫للدول مع جتاهل لق�ص�ص عن الرتاث العربي‬ ‫ب�شكل عام‪ ،‬وال ت�شرح نظريات العلماء العرب‬ ‫بل تن�سبها للعلماء الغرب!‬ ‫يقول ون�ستون ت�شر�شل رئي�س وزراء بريطانيا‬ ‫ع��ام ‪« :1940‬ل��و ب��د�أن��ا معركة ب�ين املا�ضي‬ ‫واحلا�ضر ف�سوف جند �أننا خ�سرنا امل�ستقبل»‪،‬‬ ‫من هنا يظهر �أن م�شكلة التخلي عن الرتاث‬ ‫العربي لي�ست يف ال�شباب وح�سب‪ ،‬ب��ل �إن‬ ‫ال�شباب نتاج التجاهل ال��ذي مت من الآب��اء‪،‬‬ ‫ف��امل���س��ؤول��ون و�أ� �ص �ح��اب ال �ق��رار ال يعريون‬ ‫املو�ضوع االهتمام الكايف‪ ،‬كما لو كانوا هم‬ ‫�أنف�سهم بحاجة ملن يعطيهم جرعات توعوية‬ ‫ويذكرهم بالأجماد التي �سطرها تاريخهم‬ ‫العربي‪ .‬خالل هذا التاريخ الطويل �شيدت‬

‫فهم الماضي والنظر‬ ‫نحوه بفخر والتعرف‬ ‫على نجاحات واخفاقات‬ ‫أجدادنا هو ما يجعلنا‬ ‫ننطلق نحو األمام‬ ‫ال�صروح والدور واخرتعت واكت�شفت العلوم‬ ‫و�أورثت للإن�سانية كنوز ًا معرفية هائلة‪ ،‬لقد‬ ‫كان الأج��داد العرب رج��ا ًال على �سواعدهم‬ ‫قامت الأمة وبتفكريهم وعملهم الدو�ؤب بنوا‬ ‫احل�ضارات‪ُ ،‬‬ ‫وخطت �أ�سما�ؤهم مباء الذهب‬ ‫لكل تلك الإجن��ازات التي ي�شيد بها الغرب‬ ‫حتى اليوم‪ ،‬كثري ًا ما جند �أن�صبة تذكارية‬ ‫لعلماء م�سلمني يف �شوارع املدن الأوروبية‪.‬‬ ‫من �صور التكرمي لعلماء العرب‪ ،‬ما قدمته‬ ‫ب��ري�ط��ان�ي��ا ل �ل �ع��امل ع �ن��دم��ا �أن �ت �ج��ت فيلم ًا‬ ‫�سينمائي ًا ع��ن �إجن� ��ازات ال�ع�ل�م��اء ال�ع��رب‬ ‫مو�ضحة فيه �أن الفرتة التي كانت ت�سمى‬ ‫بالع�صور املظلمة لدى �أوروب��ا كانت ع�صر ًا‬ ‫ذهبي ًا لدى احل�ضارة العربية‪ ،‬حيث بزغت‬ ‫�شم�س العلوم وت�أ�س�ست كثري من النظريات‬ ‫والأف�ك��ار يف �شتى امل�ج��االت‪ ،‬وق��د الق��ى هذا‬ ‫الفيلم جناح ًا مدوي ًا‪.‬‬ ‫ويف �أمريكا يف جامعة برن�ستون توجد قاعة‬ ‫فخمة ا�سمها «قاعة الرازي» حتتوي على كتبه‬ ‫و�إجن��ازات��ه يف جم��ال الطب‪ ،‬وه��ذا اع�تراف‬ ‫بف�ضل ذلك العامل الذي �أفنى حياته يف عالج‬ ‫الفقراء وامل�شردين‪ ،‬غري �أن��ه �أث��رى العلوم‬ ‫الطبية بكتبه‪ ،‬واب��ن �سينا �سبق يف نظرياته‬ ‫كثري ًا من العلماء يف ع�صر النه�ضة الأوروبية‬ ‫مثل قانون مقاومة الو�سط الذي ين�ص على‬ ‫�أنه‪« :‬ال يجوز �أن يكون يف ج�سم من الأج�سام‬ ‫قوة طبيعية حترك ذلك اجل�سم بال نهاية»‪،‬‬ ‫وقد طرح ليونارد دافن�شي هذا القانون ولكن‬ ‫ابن �سينا �سبقه به ب�أكرث من �أربعة قرون!‬ ‫والطبيب اجلراح �أبو القا�سم الزهراوي كان‬ ‫ي�أتيه طالب العلم من املغرب والأندل�س وحتى‬ ‫�أوروب ��ا‪ ،‬لأن��ه ك��ان �أب��رع طبيب يف ع�صره يف‬ ‫فرتة كانت فيها �أوروبا حترم �إجراء العلميات‬ ‫اجلراحية! وق��د ك��ان كتابه «الت�صريف ملن‬ ‫عجز عن الت�أليف» مرجع ًا يف اجلراحة لعلماء‬ ‫�أوروبا يف فرتة امتدت حتى خم�سة قرون‪.‬‬

‫يقول امل�ست�شرق الفرن�سي �سيديو‪« :‬العرب‬ ‫�أ�ساتذة �أهل �أوروبا!»‪ .‬والذي يدلل على كالمه‬ ‫ما قاله الدكتور عبداحلليم منت�صر يف كتابه‬ ‫«تاريخ العلم ودور العلماء العرب يف تطوره»‬ ‫حيث قال‪« :‬لقد �سبق العلماء العرب �إىل كثري‬ ‫من النظريات والآراء‪� ،‬إنها لتن�سب يف الوقت‬ ‫احلا�ضر �إىل علماء النه�ضة الأوروب�ي��ة‪ ،‬من‬ ‫دون الإ�شارة �إىل ه�ؤالء الرواد الذين تكلموا‬ ‫عن التطور قبل داروي��ن وعن اجلاذبية قبل‬ ‫نيوتن وانك�سار ال�ضوء قبل ديكارت‪ ،‬والدورة‬ ‫الدموية قبل هاريف!»‪.‬‬ ‫ال �أري��د �أن يفهم ال�ق��ارئ �أنني �أدع��و جلعل‬ ‫العقلية ما�ضوية تركز على �أجماد التاريخ من‬ ‫دون التطلع للغد‪ .‬تقول الروائية الربيطانية‬ ‫ماري �إيفان�س‪« :‬ال �أرغب مب�ستقبل يف�صلني‬ ‫ع��ن امل��ا� �ض��ي»‪� .‬إن ما�ضينا ع�ن��د مطالعة‬ ‫ق�ص�صه و�أحداثه ي�شعرنا بالفخر وبالتايل‬ ‫االن�ت�م��اء‪ ،‬وعندما تتكون لدينا �أحا�سي�س‬ ‫االنتماء لهويتنا وما�ضينا تبد�أ الرغبة ب�أن‬ ‫ننجز ونفيد جمتمعنا ونعيد �أجم��اده‪ ،‬ففهم‬ ‫املا�ضي والنظر نحوه بفخر والتعرف على‬ ‫جناحات واخفاقات �أجدادنا هو ما يجعلنا‬ ‫ننطلق نحو الأمام‪.‬‬ ‫�إن ال�سر يف الو�صول �إىل امل�ستقبل املن�شود هو‬ ‫يف االنتماء للما�ضي الراحل‪ .‬فالأمم الواعية‬ ‫وال�شعوب املتعلمة الواثقة من نف�سها هي تلك‬ ‫التي حتافظ على هويتها‪ ،‬وتتخوف من فقدها‬ ‫وا�ضمحاللها‪ ،‬هي التي تنافح وتطور من �أجل‬ ‫املحافظة على عبق املا�ضي وتراثها لأنه هو‬ ‫الهوية يف زمن تتالطم فيه �أمواج التحديات‬ ‫احل�ضارية‪� ،‬إن اهتمامنا برتاثنا يجب �أن‬ ‫ميتد لي�شمل اخ�تراع و�سائل حديثة لتقدميه‬ ‫�إىل العامل‪ ،‬وا�ستغالل التقنية املتطورة يف‬ ‫جم��ال االت�صاالت لتخدم ه��ذا امل�سعى‪� ،‬إن‬ ‫املناهج الدرا�سية �أي�ض ًا يجب �أن يعاد النظر‬ ‫يف تناولها‪ ،‬ويجب �أن يكون التاريخ الذي يتم‬ ‫تعليمه �شام ًال للحياة من احلرف والأعمال‬ ‫والهموم اليومية �إىل طبيعة املجتمع والأزياء‪،‬‬ ‫ونحوها من التفا�صيل‪ ،‬ويف ظني يجب �أن تبد�أ‬ ‫هذه العملية منذ وقت مبكر من حياة الن�شء‪،‬‬ ‫لينمو معهم �شيء جميل ن�سميه الرتاث‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪64‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫ين�شر هذا الباب بالتعاون‬ ‫مع املركز العربي للأدب‬ ‫اجلغرايف «ارتياد الآفاق»‬ ‫ �أبوظبي ‪ -‬لندن ‪،‬الذي يرعاه‬‫ال�شاعر والباحث الإماراتي‬ ‫حممد �أحمد ال�سويدي ‪.‬‬

‫فاق �أمثاله من حمامل الدول العربية والإ�سالمية‬

‫المحمل المصري‪..‬‬ ‫رحلة لها تاريخ‬

‫ر�سم املحمل ال�رشيف الذي �أن�ش�أه امللك الظاهر بيرب�س مبدينة القاهرة �سنة ‪675‬‬


‫القاهرة‪� -‬إبراهيم حلمي‬ ‫يف كتابه «املحمل‪ -‬رحالت �شعبية يف وجدان �أمة» يقدم الكاتب �إبراهيم حلمي ر�ؤية تاريخية ونقدية لرحالت‬ ‫املحامل العربية وقوافل احلج من البالد الإ�سالمية والتي ت�شمل املحمل ال�شامي‪ ،‬والعراقي واليمني‪ ،‬واملغربي‪،‬‬ ‫والتكروري‪ ،‬والرومي «الرتكي �أو العثماين» واملحمل امل�صري‪ .‬ويرى حلمي �أن املحمل امل�صري قد فاق كل �أمثاله‬ ‫من حمامل الدول العربية �أو الإ�سالمية‪ ،‬فاقها يف جتهيزه و�إعداده ونظامه واحتفاالته وعاداته وتقاليده‬ ‫ومعتقداته‪ ،‬وفاقها حتى يف خالفاته ونزاعاته!‪ ،‬من كتابه الهام‪ ،‬نقتطف فقرات حول رحلة املحمل امل�صري وهو‬ ‫لقب يطلق على قافلة احلجيج قا�صدي بالد احلجاز وب�صحبتهم الك�سوة ال�شريفة التي كانت تك�سى بها الكعبة‪.‬‬

‫وقد كانت منا�سبة خروج املحمل من جملة‬ ‫�أعياد امل�صريني‪ ،‬وكانت العادة �أن يطوف‬ ‫املحمل بالقاهرة يف مظهر احتفايل مرتني‬ ‫قبل رحيله‪ ،‬م��رة يف منت�صف �شهر رجب‪،‬‬ ‫وفيها يطوف بالقاهرة و�صو ًال للف�سطاط‪،‬‬ ‫والأخ ��رى يف �شوال حيث يطوف بالقاهرة‬ ‫ومنها �إيل الريدانية «العبا�سية» ثم تبد�أ‬ ‫ال��رح �ل��ة‪ ،‬وك ��ان امل��ن��ادون ي�ج��وب��ون � �ش��وارع‬ ‫القاهرة والف�سطاط قبلها بثالثة �أيام لدعوة‬ ‫النا�س للم�شاركة باالحتفال‪.‬‬ ‫وكان املحمل ي�شق القاهرة من باب الن�صر‬ ‫و�صو ًال �إىل ميدان الرميلة «القلعة» حتى يطل‬ ‫عليه ال�سلطان‪ .‬وق��د د�أب �سالطني م�صر‬ ‫املماليك على �أن يجتهدوا يف �إ�ضفاء مزيد‬ ‫م��ن الفخامة امل�م��زوج��ة بالبهجة يف هذه‬ ‫املنا�سبة‪ ،‬ففي ط��وف��ان املحمل ك��ان يخرج‬ ‫جنود املماليك من ال�شبان املتميزين بكامل‬ ‫�سالحهم وح�سن زينتهم ي�سريون يف املقدمة‬ ‫وهم يقومون با�ستعرا�ض مهارات الفرو�سية‬ ‫وخ�صو�ص ًا اللعب ب��ال��رم��ح متقدمني قبة‬ ‫املحمل املحمولة على ظهر اجلمل والذي هو‬ ‫رمز للمحمل‪.‬‬ ‫وك��ان القاهريون ي�ستقبلون ه��ذه املنا�سبة‬ ‫بتزيني بيوتهم وحم��ال�ه��م وي�خ��رج��ون �إىل‬ ‫ال�شوارع للفرجة ويبيتون الليايل‪ ،‬وكانت‬ ‫ال�شوارع تزدحم بهم عن �آخرها ابتهاج ًا‪.‬‬

‫منوذج للمحمل امل�رصي يف القرن التا�سع ع�رش بالقاهرة‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪66‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫�صناع الك�سوة ي�ستعر�ضونها مع بع�ض ال�ضباط الإجنليز بدايات القرن الع�رشين‬

‫تاريخ املحمل امل�صري‬

‫�شيء عادي جد ًا �أن تتوه منا البدايات الأوىل‬ ‫لظاهرة املحمل امل�صري‪ ،‬فهكذا التاريخ‪،‬‬ ‫ال اتفاق على �شيء حمدد‪ ،‬فبع�ض املهتمني‬ ‫بالفلكلور �أرجعها �إىل ع�صر املماليك‪� ،‬أيام‬ ‫ال�سلطان «الظاهر بيرب�س»‪ ،‬و�آخرون قالوا �إن‬ ‫البداية كانت �أيام حكم امللكة «�شجرة الدر»‬ ‫�آخر حكام الدولة الأيوبية‪.‬‬ ‫ومن كتبوا التاريخ من الثقاة مل يذكروا �أن‬ ‫«�شجرة الدر» �سريت حمم ًال �إىل احلجاز يف‬ ‫�سنة من ال�سنني‪ ،‬فهذا الأم��ر وه ٌم اخرتعه‬ ‫النا�س‪� ،‬أو من كان له م�صلحة يف تزيني الوجه‬ ‫القبيح لتلك امللكة التي �شهرت القباقيب يف‬ ‫وجوه من ناف�سوها على عر�ش م�صر‪ ،‬فال هي‬ ‫كانت متدينة‪ ،‬وال كانت تخاف اهلل يف �ش�ؤون‬ ‫حكمها مع الرعية!‬ ‫و�إذا كان امل�ؤرخون مل ي�سجلوا �أن لهذه امللكة‬ ‫�أي��ادي بي�ضاء يف ت�سيري حممل م�صري �إىل‬ ‫الأرا��ض��ي املقد�سة فمن �أي��ن ر�سخ يف ذهن‬ ‫البع�ض �أنها �أول من �سريت املحمل امل�صري‬ ‫�إىل احلجاز؟‬ ‫الواقع �إنه ال يوجد �سند تاريخي لذلك‪ ،‬وكل‬

‫م��ا ه��و م��وج��ود �إ� �ش��ارة �إىل ذل��ك يف �إح��دى‬ ‫ال�سري ال�شعبية العربية‪ ،‬وهي �سرية «امللك‬ ‫الظاهر بيرب�س» والتي ال تعد �سند ًا تاريخي ًا‬ ‫بقدر ما تعد �إبداع ًا �شعبي ًا‪ ،‬والإبداع ال�شعبي‬ ‫ال قيود له فيما يرى ويتخيل‪!.‬‬ ‫قال ال��راوي يف هذه ال�سرية ال�شعبية حاكي ًا‬ ‫وقائع �سفر «�شجرة الدر» والتي �سماها كذلك‬ ‫يف هذه ال�سرية با�سم «فاطمة» بعدما تزوجت‬ ‫من امللك «ال�صالح جنم الدين �أيوب»‪...« :‬‬ ‫ثم �أقاموا على ذلك املنوال �إىل �أن �أتى طلوع‬ ‫احلجاز بعد �شهر رم�ضان‪ ،‬ق��ال‪ :‬ف�أخربت‬ ‫«امللك ال�صالح» �أنها تريد احلج‪ ،‬ف�أذن لها يف‬ ‫ذلك‪ ،‬ثم �أمر «الأغا �شاهني» �أن يتوجه معها‬

‫فاق المحمل المصري‬ ‫أمثاله من محامل الدول‬ ‫العربية أو اإلسالمية‬ ‫في تجهيزه ونظامه‬ ‫واحتفاالته وعاداته‬ ‫وتقاليده ومعتقداته‬ ‫حتى في خالفاته‬ ‫ونزاعاته‬

‫�إىل الأقطار احلجازية لزيارة خري الربية‪،‬‬ ‫ثم �شرعت ال�سيدة يف املحمل امل�صري وك�سوة‬ ‫الكعبة‪ ،‬و�أخ��ذت معها العوايد �إىل العربان‪،‬‬ ‫ثم نادى املنادي‪ :‬معا�شر النا�س‪ .‬كل من كان‬ ‫يريد احلجاز ولي�س معه راحلة فيت�أهب �إىل‬ ‫الفر على راحلة ال�سلطنة ويتوجه مع ال�سيدة‬ ‫«فاطمة» على غاية ما يريد‪ ،‬حمبة يف ر�سول‬ ‫اهلل امل�ل��ك املجيد «ي��ا � �س��ادة»‪ ،‬فلما وقعت‬ ‫املناداة قبل كل من كان م�شتاق ًا‪ ،‬ثم �أُخرجت‬ ‫اخليول امل�سومة‪ ،‬وكان عدتها مائتني و�أربعة‬ ‫و�أربعني ح�صان ًا بال�سروج املذهبة والنقو�ش‬ ‫املكوكبة‪ ،‬ثم رتبت كاتب ال�سر‪ ،‬وجعلت «الأغا‬ ‫�شاهني» �أمري حج‪ ،‬و�سارت ال�سيدة «فاطمة»‬ ‫بالركب وب�ين يديها جيو�ش امللك و�أغ��وات‬ ‫وع�ساكر اململكة بالنوبة الرتكي واملزامري‬ ‫امللكي‪ ،‬وقرعت املدافع‪ ،‬وخرجت البنت من‬ ‫خدرها‪ ،‬ونزلت ال�سيدة «فاطمة» هناك‪ ،‬وقد‬ ‫�سار النا�س يت�أهبون �إىل الرحيل»‪.‬‬ ‫هذا التفخيم الذي ق�صده الراوي يف �سرية‬ ‫«امل�ل��ك الظاهر بيرب�س» لر�سم �شخ�صية‬ ‫«�شجرة الدر» خمالف للواقع التاريخي متام ًا‪،‬‬ ‫فهي كما �سبق �أن قلنا مل يذكر لها �أحد من‬


‫امل�ؤرخني �أن �أقدامها قد وط�أت يف يوم �أر�ض‬ ‫احلجاز‪ ،‬فما البال والراوي ال�شعبي يف هذه‬ ‫ال�سرية ال�شعبية قد ذكر لنا �أنها حجت اثني‬ ‫ع�شر عام ًا متتالية!‬ ‫والعقل واملنطق يرف�ض �أن تكون �سرية امللكة‬ ‫«�شجرة الدر» لها م�سحة دينية �أو �أن تكون قد‬ ‫ر�أت بيت اهلل احلرام مرة واحدة يف عمرها‪،‬‬ ‫ال اثنتي ع�شرة مرة كما ذكر راوي ال�سرية‬ ‫ال�شعبية‪� :‬سرية «امللك الظاهر بيرب�س» مبا‬ ‫�أبدع �أو ابتدع‪!...‬‬ ‫وقد ذكر «املقريزي» �أن �أول من �أدار املحمل‬ ‫امللك «الظاهر بيرب�س»‪ ،‬و�إذا ما وقفنا عند‬ ‫تاريخ «اب��ن �إيا�س» ف�سنجده ي ��ؤرخ حلوادث‬ ‫�سنة ‪ 667‬هجرية بقيام ال�سلطان اململوكي‬ ‫«الظاهر بيرب�س» باحلج‪ ،‬وجعل ابنه امللك‬ ‫«ال�سعيد» �أمري ًا للمحمل‪.‬‬ ‫وذك ��ر «اجل�ب�رت ��ي» يف ت��رج�م�ت��ه لل�سلطان‬ ‫«الظاهر بيرب�س»‪« :‬ودخ��ل «بيرب�س» م�صر‬ ‫�سلطان ًا‪ ،‬وتلقب بامللك «الظاهر»‪ ،‬وذلك �سنة‬ ‫‪ 658‬هجرية‪ ،‬وه��و ال�سلطان «رك��ن الدين‬ ‫�أب��و الفتح بيرب�س البندقداري ال�صاحلي‬ ‫النجمي» �أح��د املماليك البحرية‪ ،‬وعندما‬ ‫ا�ستقر بالقلعة �أبطل املظامل واملكو�س وجميع‬ ‫املنكرات‪ ،‬وجهز احلج‪ .‬وبعد انقطاعه اثنتي‬ ‫ع�شرة �سنة فتنة ال�ت�ت��ار‪ ،‬وق�ت��ل اخلليفة‪،‬‬ ‫ومنافقه �أمري مكة مع التتار‪ .‬فلما و�صلوا �إىل‬ ‫مكة منعوهم من دخ��ول املحمل ومن ك�سوة‬ ‫الكعبة‪ ،‬فقال لأمري مكة‪� :‬أما تخاف من امللك‬ ‫«الظاهر بيرب�س»؟ فقال‪ :‬دعه ي�أتيني على‬ ‫اخليل البلق ‪� -‬أي الكبرية ‪ -‬فلما رجع �أمري‬ ‫املحمل و�أخرب ال�سلطان مبا قاله �أمري مكة‪،‬‬ ‫جمع له يف ال�سنة الثانية �أربعة ع�شر �ألف‬ ‫فر�س �أبلق‪ ،‬وجهزهم �صحبة �أم�ير احلاج‪،‬‬ ‫وخ��رج بعدهم على ث�لاث ن��وق ع�شاريات‪،‬‬ ‫ف��واف��اه��م عند دخولهم م�ك��ة‪ ،‬وق��د منعهم‬ ‫التتار و�أمري مكة‪ ،‬فحاربوهم‪ ،‬فن�صرهم اهلل‬ ‫عليهم‪ ،‬وقتل ملك التتار و�أم�ير مكة طعنة‬ ‫ال�سلطان بالرمح‪ ،‬وقال له‪� :‬أنا امللك الظاهر‬ ‫جئتك على اخليل البلق‪ .‬فوقع �إىل الأر�ض‪،‬‬ ‫وركب ال�سلطان فر�سه‪ ،‬ودخل �إىل مكة‪ ،‬وك�سا‬ ‫البيت وعاد �إىل م�صر»‪.‬‬

‫خمطوط ي�صور جمل املحمل �أثناء �سريه �إىل احلج‬

‫وظيفة قاضي‬ ‫المحمل إصدار‬ ‫األحكام الشرعية بين‬ ‫الحجيج والفصل في‬ ‫المنازعات التي قد‬ ‫تنشأ بينهم‬ ‫وبرغم درامية وتراجيديا هذا احلدث الذي‬ ‫رواه «اجلربتي» يف تاريخه �إال �أنه ي�ستوقفنا‬ ‫ه�ن��ا ب �ع �ي��د ًا ع��ن االن� �ح ��راف �إىل زخ ��ارف‬ ‫املواقف البطولية لل�سلطان اململوكي �أمران‬ ‫يف غاية الأهمية عند التدقيق والتحقيق يف‬

‫�صحة التواريخ املذكورة‪ ،‬وهما‪:‬‬ ‫الأم��ر الأول هو‪ :‬جتهيز احلج بعد انقطاعه‬ ‫‪� 12‬سنة ب�سبب فتنة التتار‪ ،‬وقتل اخلليفة‬ ‫العبا�سي يف بغداد �سنة ‪657‬هجرية‪.‬‬ ‫وعن طريق احل�ساب ‪� -‬إذا افرت�ضنا �صحة ما‬ ‫جاء به «اجلربتي» من تواريخ‪ -‬يكون جتهيز‬ ‫احلجاج قد يتم قبل عام ‪ 645‬هجرية‪� ،‬أيام‬ ‫�سلطنة «ال�صالح جنم الدين �أيوب»‪.‬‬ ‫والأم� ��ر ال �ث��اين‪ :‬ه��و ان�ق�ط��اع رك��ب املحمل‬ ‫امل���ص��ري قبل ‪� 12‬سنة م��ن ح��ج ال�سلطان‬ ‫«الظاهر بيرب�س» يف �سنة ‪ 667‬هجرية‪،‬‬ ‫وذلك يرجعنا �إىل عام ‪ 655‬هجرية‪� ،‬أيام‬ ‫�سلطنة «املن�صور علي بن املعز �أيبك»‪ ،‬بعد‬ ‫وفاة امللكة «�شجرة الدر» وتوليته ال�سلطنة‬ ‫خلف ًا لأبيه‪.‬‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪68‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫لوحه للر�سام الرو�سي ماكفو�سكي كون�ستنتني للمحمل مبنطقة بني الق�رصين وحوله ال�صوفية ب�أعالمهم‬

‫ويف احلالتني ال ميكن ب�أي حال من الأحوال‬ ‫�أن نخرج بنتيجة م�ؤكدة لبداية ظهور املحمل‬ ‫امل�صري يف التاريخ‪ ،‬لأنه رمبا يكون وجوده‬ ‫قبل هذين التاريخني املرجحني‪ ،‬وهما‪ :‬عام‬ ‫‪ 645‬هجرية �أو عام ‪ 655‬هجرية‪.‬‬ ‫و�إذا كان «املقريزي» قد ذكر �أن ال�سلطان‬ ‫«الظاهر بيرب�س» هو �أول من �أدار املحمل‪،‬‬ ‫ف�إن تعبري «دوران املحمل» ال يعني بال�ضرورة‬ ‫البداية الفعلية التخاذ املحمل امل�صري و�سيلة‬ ‫لإر� �س��ال ك�سوة الكعبة امل�شرفة يف �صحبة‬ ‫قافلة احلجاج‪ ،‬و�إمنا الدوران املق�صود يكون‬ ‫لذلك الطق�س ال��ذي ك��ان ي��ؤدي��ه القائمون‬ ‫على املحمل ب�إدارته �سبع دورات كاملة �أمام‬ ‫النا�س للفرجة وامل�شاهدة‪.‬‬ ‫ويقوى لدينا هذا الظن مبا �أورده «املقريزي»‬ ‫نف�سه يف خططه ب���ش��أن جم��يء الأ��س�ت��اذ‬ ‫«م�ؤن�س اخلادم» من بغداد �إىل م�صر‪ ،‬والذي‬ ‫عا�صر هجمة القرامطة الرببرية على الكعبة‬ ‫امل�شرفة عام ‪ 317‬هجرية‪ ،‬كما عا�صر وايل‬ ‫م�صر «اب��ن طغج الإخ�شيدي» وال��ذي توىل‬

‫�أمر م�صر يف الفرتة ما بني عامي ‪ 321‬وحتى‬ ‫‪ 334‬هجرية‪.‬‬ ‫ق��ال نق ًال ع��ن «اب��ن زوالق»‪ ،‬ع��ن «�أب��ي بكر‬ ‫حممد بن علي امل���ادراين»‪� :‬إن��ه حج اثنتني‬ ‫وع�شرين حجة متوالية‪� ،‬أنفق يف كل حجة‬ ‫مائة �ألف دينار وخم�سني �ألف دينار‪ ،‬و�إنه كان‬ ‫يخرج معه بت�سعني ناقة لقبته التي يركبها‪،‬‬ ‫و�أربعمائة جلهازه وم�يرت��ه‪ ،‬ومعه املحمل‪،‬‬ ‫فيها �أح��وا���ض البقل و�أح��وا���ض الرياحني‬ ‫وكالب ال�صيد‪ ،‬وينفق على الأ�شراف و�أوالد‬ ‫ال�صحابة ولهم عنده ديوان ب�أ�سمائهم‪ ،‬و�أنه‬ ‫�أنفق يف �آخر خم�س حجات �ألفي �ألف دينار‬ ‫ومائتي �أل��ف دينار‪ ،‬وكانت جاريته توا�صل‬

‫كانت مصر ترسل‬ ‫كل عام إلى األراضي‬ ‫الحجازية مبلغ ًا من‬ ‫المال لفقراء الحرمين‬ ‫الشريفين ومعه‬ ‫مرتبات العربان‬

‫م�ع��ه احل ��ج‪ ،‬وم�ع�ه��ا لنف�سها ث�لاث��ون ناقة‬ ‫لقبتها‪ ،‬ومائة وخم�سون عربي ًا جلهازها»‪.‬‬ ‫ف�إذا كان هذا النموذج من احلج بد�أ يف م�صر‬ ‫يف ع�صر الدولة الإخ�شيدية �أال يعطينا هذا‬ ‫تاريخ ًا �أقدم من ذلك التاريخ املن�سوب �إىل‬ ‫ال�سلطان «الظاهر بيرب�س» �أو امللكة «�شجرة‬ ‫الدر» يف بداية ت�سيري املحمل امل�صري؟!‬ ‫وه��ل مت��ر ه��ذه ال�ظ��اه��رة م��رور ال �ك��رام يف‬ ‫ع�صر الدولة الإخ�شيدية يف م�صر وتر�صد‪،‬‬ ‫وال يحتذى بها �سوى بعد فرتة زمنية تعادل‬ ‫ثالثة قرون ون�صف؟!‬ ‫لقد ذكر «ابن �إيا�س» يف حوادث عامي ‪351‬‬ ‫و ‪ 355‬هجرية‪� ،‬أي��ام والي��ة «على ب��ن طغج‬ ‫الإخ�شيدي» �أن �أع��راب «بني �سامل» قطعوا‬ ‫الطريق على احلجاج‪ ،‬و�أخذوا منهم ع�شرين‬ ‫�أل��ف ب�ع�ير‪ ،‬حمملة قما�ش ًا على احل�ج��اج‪،‬‬ ‫و�أخ ��ذوا منهم ع�شرين �أل��ف بعري‪ ،‬حمملة‬ ‫قما�ش ًا وب�ضائع وم� ��ا ًال‪ ،‬و�أ���س��روا ال��رج��ال‬ ‫والن�ساء‪ .‬فهل قافلة مبثل هذا احلجم من‬ ‫ال�ث�راء يف مو�سم احل��ج‪ ،‬وب�ه��ا ه��ذا العدد‬


‫ال�ه��ائ��ل م��ن ال�ع�ير والإب� ��ل �أال ت�ع��د مقدمة‬ ‫تاريخية �أو �إرها�صة زمنية مليالد املحمل‬ ‫امل�صري يف زمن مبكر �سبق ع�صر �سالطني‬ ‫املماليك ذوي الثقافة الوافدة التي لي�س لها‬ ‫يف العري وال يف النفري؟!‬ ‫وقد يح�سم كل هذا اخلالف ما ذكره ال�شيخ‬ ‫«�أحمد الر�شيدي» يف كتابه «ح�سن ال�صفا‬ ‫واالب�ت�ه��اج بذكر م��ن ويل �إم ��ارة احل��اج» يف‬ ‫ح��وادث عام ‪ 340‬هجرية‪ ،‬حيث قال‪…« :‬‬ ‫وكان �أمري احلاج من بغداد «عمر بن يحيى‬ ‫العلوي»‪ ،‬فوقع بينه وبني �أمري احلاج امل�صري‬ ‫حرب �شديدة وقتال‪ ،‬وظهر نامو�س احلاج‬ ‫امل���ص��ري ون�صرته عليه‪ ،‬وه��و �أول ظهور‬ ‫نامو�س احلاج امل�صري‪ ،‬وقيمته مبكة امل�شرفة‬ ‫وظهور �أمره‪ ،‬وا�شتداد كلمته و�سطوته»‪.‬‬ ‫وه��ذا النامو�س الأول للحج امل�صري معناه‬ ‫�أول نظام لقوافل احلج امل�صرية ت�سري من‬ ‫م�صر �إىل الأرا� �ض��ي احلجازية يف ت�شكيل‬ ‫ن�ظ��ام��ي ي�شبه �إىل ح��د ك�ب�ير الت�شكيالت‬ ‫الع�سكرية‪ ،‬من حيث دقة التنظيم والإعداد‬ ‫واال�ستعداد ملجابهة وعناء الطريق الطويل ما‬ ‫بني القاهرة ومكة املكرمة وم�شاقه وخماطره‬ ‫منذ ع�صر الدولة الإخ�شيدية يف م�صر‪.‬‬ ‫هل ما زال بعد كل هذا جند بيننا الآن من‬ ‫ين�سب ب��دء رح�ل�ات املحمل امل���ص��ري �إىل‬ ‫ع�صر ودولة �سالطني املماليك؟!!‬

‫نظام املحمل امل�صري‬

‫امتاز املحمل امل�صري بالنظام الدقيق يف‬ ‫تكوينه ويف م�سريه‪ ،‬فكل فرد كان فيه يعرف‬ ‫حدوده وواجباته امللقاة على عاتقه‪ ،‬ووظيفته‬ ‫املحددة له يف داخل الركب‪ ،‬منذ بدايته وحتى‬ ‫نهايته‪ .‬كان هذا النظام الدقيق له تق�سيم على‬ ‫النحو الآتي‪:‬‬

‫�أمري احلاج �أو �أمري احلجاج‬

‫يعترب �أمري احلاج �أو �أمري احلجاج كبري قافلة‬ ‫احلج وم�س�ؤولها الأول يف كل �ش�ؤونها ور�أ�س‬ ‫الأم��ر فيها‪ .‬ويف احلديث النبوي ال�شريف‬ ‫�أن النبي «�صلى اهلل عليه و�سلم» قال‪�« :‬إذا‬

‫املحمل قبل حتركه يف منطقة العبا�سية بالقاهرة‬

‫ال يمكن أن نخرج‬ ‫بنتيجة مؤكدة لبداية‬ ‫ظهور المحمل‬ ‫المصري في التاريخ‬ ‫خ��رج ثالثة يف �سفر فلي�ؤمروا �أح��ده��م»‪،‬‬ ‫وهذا احلديث رواه «�أبو داوود» من حديث‬ ‫«�أبي �سعيد اخل��دري» و« أ�ب��ي هريرة» ر�ضي‬ ‫اهلل عنهما‪ ،‬وروى الإمام «�أحمد» يف امل�سند‬ ‫عن «عبد اهلل بن عمر» ر�ضي اهلل عنهما �أن‬ ‫النبي «�صلى اهلل عليه و�سلم» قال‪« :‬ال يحل‬ ‫لثالثة يكونون بفالة من الأر���ض �إال �أمروا‬ ‫عليهم �أحدهم»‪.‬‬ ‫ونظر ًا جل�سامة امل�س�ؤولية امللقاة على عاتق‬ ‫�أمري احلج هذا فقد حتددت له بدقة ع�شر‬ ‫مهام يقوم بها �أهمها‪� ،‬أن يجمع النا�س‬ ‫يف م�سريهم ون��زول �ه��م ح�ت��ى ال يتفرقوا‪،‬‬ ‫و�أن ي��رت��ب ال�ن��ا���س يف ال�ق��اف�ل��ة يف امل�سري‬ ‫والنزول‪ ،‬و�إعطاء كل طائفة منهم حمم ًال‬ ‫معروف ًا حتى يعرف كل فريق منهم مكانه‪،‬‬ ‫يف الإق��ام��ة ويف امل�سري‪ ،‬لئال يتنازعوا وال‬ ‫ي�ضلوا عنه‪ ،‬من �أجل راحة احلجاج وتفادي‬ ‫اال��ص�ط��دام وال���ش��رور وال�ف�تن م��ع بع�ضهم‬ ‫بع�ض ًا ‪.‬‬ ‫ك��ذل��ك �أن ي�سلك �أم�ي�ر احل��ج بالنا�س يف‬

‫القافلة �أو�ضح الطرق و�أو�سعها و�أخفها‪،‬‬ ‫ويراعي �أحوالهم يف ذلك ‪.‬‬ ‫و�أن ي��رت��اد �أم�ير احل��ج للنا�س يف القافلة‬ ‫املياه واملراعي �إذا قلت ‪.‬‬ ‫ثم �أن يقوم �أم�ير احل��ج بحرا�سة القافلة‬ ‫�إذا ن��زل��ت‪ ،‬ويحوطها �إذا رح�ل��ت‪ ،‬حتى ال‬ ‫يتخطفها متل�ص�ص ‪.‬‬ ‫ومن مهامه �أي�ض ًا �أن يكف �أمري احلج عن‬ ‫القافلة من ي�صدها عن امل�سري بقتال ‪� -‬إن‬ ‫اقت�ضى احلال ذلك وقدر عليه ‪� -‬أو يبذل‬ ‫ما ًال ‪� -‬إن �أجاب احلجيج �إليه‪ -‬وال يحل �أن‬ ‫يجرب �أحد ًا يف بذل اخلفارة �إن امتنع منها‪،‬‬ ‫لأن بذل املال يف اخلفارة ال يجب �أن يحدث‪.‬‬ ‫كذلك �أن يقوم �أمري احلج بت�أديب اجلاين‪،‬‬ ‫ِوفق ما يقرره ال�شرع‪.‬‬ ‫و�أخري ًا �أن يراعي �أمري احلج ات�ساع الوقت‬ ‫حتى ي�أمن فواته‪ ،‬وال يلحقهم �ضيق الوقت‬ ‫يف احلث على امل�سري‪.‬‬ ‫وكان تعيني �أمري احلج يف الع�صر اململوكي‬ ‫يتم ليلة امل��ول��د ال�ن�ب��وي‪ ،‬ف� ��إذا م��ا اجتمع‬ ‫الأم � ��راء ل ��دى ال���س�ل�ط��ان يف ه ��ذه الليلة‬ ‫لي�سمعوا ال��ق��ر�آن ال �ك��رمي وق���ص��ة امل��ول��د‬ ‫النبوي ال�شريف وحان وقت �إدارة ال�شراب‬ ‫احل�ل�ال ب��د�أ ال�ساقي بال�سلطان لي�شرب‬ ‫م��ن ال�ك��وب ب�ضع ر�شفات قليلة‪ ،‬ث��م ي�أمر‬ ‫بالباقي �إىل من يريده �أمري ًا للحج‪ ،‬ف�إذا ما‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪70‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫لقوافل املحمل امل�صري و�سلبه ونهبه بني �آن‬ ‫و�آخ��ر‪.‬ويف الع�صر العثماين �أم��ر ال�سلطان‬ ‫«�سليمان بن �سليم الأول» �أن يتبع املحمل‬ ‫امل���ص��ري �أرب �ع��ة ع�شر ���س��ردار ًا م��ن ق��واد‬ ‫اجلي�ش الكبار يف املكانة‪ ،‬وكانوا ي�ؤخذون‬ ‫م��ن �أق �� �س��ام اجل�ي����ش وم�ع�ه��م � �س��راي��ا من‬ ‫فرقهم الع�سكرية‪ ،‬ويتوىل �سبعة من ه�ؤالء‬ ‫القيادات تنظيم �سري ركب املحمل امل�صري‬ ‫وحمايته‪� ،‬أما الآخرون فكانوا يتوجهون �إىل‬ ‫جدة كي يتولوا قيادة الطابية فيها‪ ،‬وليحلوا‬ ‫حمل زمالئهم الذين عملوا هناك طوال‬ ‫العام ال�سابق‪.‬‬ ‫ويف �أواخ ��ر ال�ق��رن التا�سع ع�شر ك��ان يتم‬ ‫ت �ع �ي�ين ق��ائ��د ح��ر���س امل �ح �م��ل م ��ن �ضمن‬ ‫�أ�سماء تر�شحها نظارة احلربية للخديوي‪،‬‬ ‫وكانت ه��ذه الأ�سماء تختار ممن يحملون‬ ‫رتبة «قائمقام» الع�سكرية‪ ،‬وعندما يختار‬ ‫اخل��دي��وي ا� �س��م ق��ائ��د «ق��وم �ن��دان» حر�س‬ ‫املحمل امل�صري‪ ،‬يدرج على الفور ا�سمه يف‬ ‫جريدة الأوام��ر الع�سكرية مبعرفة نظارة‬ ‫احلربية‪.‬‬

‫جزء من قما�ش الك�سوة ال�رشيفة‬

‫المؤرخون ينسبون بدء‬ ‫رحالت المحمل المصري‬ ‫إلى عصر ودولة‬ ‫سالطين المماليك وهو‬ ‫خطأ فادح‬ ‫قا�ضي املحمل‬

‫�صديرية من قما�ش الك�سوة ال�رشيفة‬

‫�أعطى الكوب عرف �إنه �أمري احلج املختار‬ ‫لهذا ال�ع��ام‪ ،‬فيقوم �أم�ير احل��ج لل�سلطان‬ ‫�شاكر ًا‪ ،‬ثم تنهال عليه التهنئة من جميع‬ ‫احلا�ضرين ومنذ �ساعتئذ يعد عدته لل�سفر‬ ‫من دون �أن يكون له قانون معني ي�سري عليه‪،‬‬ ‫ويعينه على �أداء عمله �أ�صحابه وحمبوه‪،‬‬ ‫فيقدمون له املال والغالل والهدايا‪.‬‬

‫دوادار �أمري احلج‬

‫هو مقدم ال��دواة لأم�ير احل��ج عند توقيع‬ ‫الإم�ضاء على القرارات التي يتخذها هذا‬

‫الأمري‪ ،‬ويقوم بكتابة املهمات التي ي�سندها‬ ‫�إليه �أمري احلج‪ ،‬وبالإ�ضافة �إىل ذلك يقوم‬ ‫بتنظيم �سري رك��ب املحمل‪ ،‬وال�ط��واف على‬ ‫احلجاج لي ًال للحرا�سة �أو نهار ًا للمعاونة‪،‬‬ ‫والقب�ض على ال�سراق ‪ ،‬ب��ل و�إق��ام��ة ح��دود‬ ‫ال�شرع عليهم ب ��إذن من �أم�ير احل��ج‪ .‬وكان‬ ‫الدوادار يختار من الع�سكر ال�شجعان‪ ،‬ومن‬ ‫امل�شهورين بح�سن املعرفة والعقل وامل��روءة‬ ‫واخلربة‪ ،‬لأنه كان يعد م�ست�شار ًا لأمري احلج‪،‬‬ ‫وموجه ًا له بالن�صح وامل�شورة يف الأمور التي‬ ‫تعر�ض له‪.‬‬

‫رئي�س حر�س املحمل‬

‫كانت حرا�سة املحمل امل�صري يف ع�صر‬ ‫�سالطني املماليك م�سندة �إىل دوادار �أمري‬ ‫احل��ج وم�ساعديه م��ن اجل�ن��د‪ ،‬ول�ك��ن هذا‬ ‫مل مينع العربان من �أن يقوموا بالتعر�ض‬

‫نظر ًا لأن قافلة احلجيج كانت ت�ضم نوعيات‬ ‫خمتلفة م��ن النا�س يتعاملون �سوي ًا خالل‬ ‫فرتة الذهاب والإي��اب من احلج‪ ،‬فكان من‬ ‫ج ��راء اح �ت��دام ال�ت�ع��ام��ل واالح �ت �ك��اك فيما‬ ‫بينهم �أن ت�شتجر ال�شواجر فيما بني بع�ضهم‬ ‫بع�ض ًا‪ ،‬ول��ذل��ك خ�ص�صت وظيفة قا�ضي‬ ‫املحمل ليتوىل �إ�صدار الأحكام ال�شرعية بني‬ ‫احلجيج‪ ،‬والف�صل يف امل�ن��ازع��ات التي قد‬ ‫تن�ش�أ بينهم‪.‬‬ ‫وكانت هذه الوظيفة يتوالها يف �أيام املماليك‬ ‫ال�شراك�سة قا�ض من ق�ضاة املذاهب الأربعة‬ ‫يعينه قا�ضي الق�ضاة‪ ،‬ثم �صار �أم�ير احلج‬ ‫هو الذي يعني من اختاره ل�شغل هذا املن�صب‬ ‫من �أوالد العرب‪ ،‬وعندما ا�ستقر الأمر للدولة‬ ‫العثمانية يف م�صر‪ ،‬ا�شر�أبت �أعناق ق�ضاة‬ ‫العثمانيني �أو ق�ضاة ال��روم مللء و�شغل هذا‬ ‫املن�صب‪ ،‬ف�صار لهم ال ينازعهم فيه �أحد من‬ ‫غريهم‪ ،‬فكان ي�صدر �أمر �سلطاين بتعيينهم‬


‫موكب املحمل خالل جولته يف �شوارع القاهرة‬

‫مل��دة رح�ل��ة واح ��دة ف�ق��ط‪ ،‬وال يتكرر تولية‬ ‫القا�ضي مرة �أخرى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وك��ان قا�ضي املحمل يتقا�ضى �أج ��را ق��دره‬ ‫�أربعمائة ن�صف ف�ضة‪ ،‬وله جمل من جملة‬ ‫ج�م��ال امل�ح�م��ل‪ ،‬ول��ه ق�ف�ط��ان م��ن ال�شمطا‬ ‫الأو�سط �أو املخمل يلب�سه يوم خروج املحمل‬ ‫من القاهرة‪ ،‬وكان له يف كل م�ساء �أربعة من‬ ‫الفطري �أو اخلمري‪ ،‬وجرايتان من البق�سماط‪،‬‬ ‫كل جراية �ستة ع�شر رط ًال‪ ،‬غري ال�سكر املكرر‬ ‫�أو احللوى التي يرتاوح وزنها بني ثالثة �أرطال‬ ‫�سكر �أو �أربعة �أرطال من احللوى‪.‬‬ ‫وك��ان امل�صطلح عليه يف �أم��ر ق�ضاة املحمل‬ ‫منذ �أيام دولة �سالطني املماليك ال�شراك�سة‬ ‫واىل �آخر والية «�سليمان با�شا» و�صدر والية‬ ‫«داوود با�شا» �أن كتابات املعاقدات وجميع‬ ‫ما يتعلق ب�أمري احلج وركبه �أمرها ي�ؤول �إىل‬ ‫قا�ضي املحمل من غري منازع وال م�شارك له‬ ‫يف ذلك غري ال�شهود‪ .‬وكانت العادة �أن يجهر‬ ‫بالنداء يف القاهرة ب�أن‪« :‬من �أراد ال�سفر من‬ ‫ركب احلج ال يعاقد جماله �إال مبعرفة قا�ضي‬ ‫املحمل‪ ،‬ومن خالف ذلك فذنبه يف عنقه!»‪.‬‬ ‫ومن �إجالل �أويل الأمر لوظيفة قا�ضي املحمل‬ ‫�أن جعلوا ه��ذا القا�ضي ال يرتجل �أب��د ًا يف‬ ‫موكب املحمل من دون �سائر الق�ضاة الأربعة‬

‫املمثلني للمذاهب الإ�سالمية يف هذا املركب‪،‬‬ ‫بل ي��راه اجلميع راك�ب� ًا ج��واده ومتقدم ًا يف‬ ‫املواكب داللة على تبجيله وتعظيمه‪.‬‬ ‫ولكن �سرعان م��ا �ساء �أم��ر ه��ذه الوظيفة‬ ‫يف الع�صر العثماين‪� ،‬إذ طمح فيها كل ذي‬ ‫�ش�أن �صغري‪ ،‬ففرت �أم��ره��ا‪ ،‬و�ساءت �أحكام‬ ‫الق�ضاة الذين تولوها‪� ،‬إذ كان كل غر�ضهم‬ ‫احل�صول على الأم ��وال من تعاقداتهم مع‬ ‫�أ�صحاب اجلمال‪ ،‬وقد �ألغيت وظيفة املحمل‬ ‫منذ طوالع القرن الع�شرين‪ ،‬و�أ�سند الف�صل‬ ‫يف املنازعات واخل�صومات �إىل �أمري احلج‪.‬‬

‫�شاهدا املحمل‬

‫كان يختار اثنان من �أهل اخلربة والعدالة‬ ‫ل�ي�ك��ون��ا يف وظ�ي�ف��ة � �ش��اه��دي امل �ح �م��ل‪ .‬ق��ال‬ ‫«القلق�شندي» يف كتابه «�صبح الأع���ش��ى»‬ ‫عنهما‪�« :‬إن �شهود ال�سبيل املعرب ب�شهود‬

‫كانت حراسة‬ ‫المحمل المصري‬ ‫في عصر سالطين‬ ‫المماليك مسؤولية‬ ‫دوادار أمير الحج‬ ‫ومساعديه من الجند‬

‫املحمل‪ ،‬ف�إمنا تكتب لهم مربعات �شريفة من‬ ‫ديوان الوزارة»‪.‬‬

‫�أمني ال�صرة‬

‫كانت م�صر تر�سل ك��ل ع��ام �إىل الأرا��ض��ي‬ ‫احلجازية مبلغ ًا من املال لفقراء احلرمني‬ ‫ال�شريفني وم�ع��ه م��رت�ب��ات ال�ع��رب��ان الذين‬ ‫يالقيهم املحمل امل�صري يف طريقه ومكاف�آت‬ ‫ل�شريفي م�ك��ة امل�ك��رم��ة وامل��دي �ن��ة امل �ن��ورة‪،‬‬ ‫ومرتبات موظفي املحمل �أنف�سهم‪.‬‬ ‫وك���ان ي���ش�ترط يف �أم�ي�ن ال �� �ص��رة الأم��ان��ة‬ ‫واال� �س �ت �ق��ام��ة يف امل �ع��ام �ل��ة‪ ،‬ومل ي �ك��ن يقع‬ ‫االختيار على �أمني ال�صرة �إال بعد �أن يقدم‬ ‫�ضمان ًا‪ ،‬وعلى الرغم من �أن ا�سم «ال�صرة»‬ ‫وهي ذلك ال�شيء القما�ش الذي تو�ضع فيه‬ ‫الأ�شياء املهمة من النقود وخالفه‪� ،‬إال �أن‬ ‫املال الذي كان ير�سل يف �أواخر تعامل مايل‬ ‫مع حكومة اململكة العربية ال�سعودية كان‬ ‫يو�ضع يف �صناديق من اخل�شب‪ ،‬وم��ا زالت‬ ‫ه��ذه ال�صناديق م��وج��ودة حلد الآن يف دار‬ ‫الك�سوة ال�شريفة باخلرنف�ش بالقاهرة‪.‬وكان‬ ‫�آخ��ر مبلغ �أر�سل يف �أوائ��ل �ستينيات القرن‬ ‫الع�شرين يبلغ نحو ثالثني �ألف جنيه‪.‬‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪72‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫عددهم منذ الع�صر اململوكي اثنني‪ ،‬يحمل‬ ‫�أحدهما البريق الكبري اخلا�ص بال�سلطنة‪،‬‬ ‫والآخ� ��ر يحمل ال �ب�يرق ال���ص�غ�ير اخل��ا���ص‬ ‫ب��أم�ير احل��ج‪ .‬وك��ان مرتب حامل العلم يف‬ ‫ميزانية عام ‪ 1889‬ميالدية يبلغ ‪ 6‬جنيهات‬ ‫يتقا�ضاها عن ‪� 12‬شهر ًا‪ ،‬ثم زيدت �إىل جنية‬ ‫واحد يف ال�شهر‪ ،‬وكان بدل تعيني حامل العلم‬ ‫يف نف�س امليزانية يبلغ ‪ 2.25‬جنية‪.‬‬

‫وظائف �أخرى‬

‫منوذج جلمل املحمل‬

‫�إمام املحمل‬

‫ك��ان ير�سل مع املحمل امل�صري �إم��ام يتوىل‬ ‫ال�شعائر الدينية من �إق��ام��ة ال�صالة و�شرح‬ ‫منا�سك احل��ج للحجاج‪ ،‬ويفقههم يف �أم��ور‬ ‫الدين‪ ،‬وكان هذا الإمام يتقا�ضى مرتب ًا �شهري ًا‬ ‫مقداره جنيه واح��د يتقا�ضاه ط��ول العام يف‬ ‫�أوائل القرن الع�شرين‪ ،‬ويعطى يف مدة ال�سفر‬ ‫للمحمل ‪ 75‬قر�ش ًا �شهري ًا بدل �سفر‪.‬‬

‫كاتب ديوان �إمرة احلج‬

‫كان يعني كاتب مع �أمري احلج عند تعيينه‪،‬‬ ‫وي �ع��زل ع�ن��دم��ا ي �ع��زل �أم�ي�ر احل��ج وتنتهي‬ ‫مهماتهما مع ًا يف الع�صر اململوكي‪� .‬أما مع‬ ‫ب��داي��ة الع�صر العثماين فقد ت�ق��رر تعيني‬ ‫ك��ات��ب لأم�ي�ر احل��ج ال ي�ع��زل ب�ع��زل��ه‪ ،‬ويظل‬ ‫ه��ذا الكاتب همزة و�صل بني �أي �أم�ير حج‬ ‫وديوان ال�سلطان‪ ،‬بحيث ي�ضبط مالية �أمري‬ ‫احل��ج‪ ،‬وكذلك جمع ال�ضرائب وحت�صيلها‬ ‫من �أ�شراف مكة واملدينة حل�ساب ال�سلطان‪،‬‬ ‫و�ضبط املعامالت يف القافلة‪.‬‬

‫وهو ال�شخ�ص املخت�ص برعاية �أم��ر جمال‬ ‫املحمل وخ�ي��ول��ه‪ ،‬وك ��ان ه��ذا امل���ش��رف يلي‬ ‫الدوادار يف الرتبة والأهمية‪ ،‬وكان له م�شعل‬ ‫معني كالدوادار ي�ضاء له لي ًال‪ .‬وكان يعاون‬ ‫امل�شرف على جمال وخيول املحمل جمموعة‬ ‫من الأف��راد يطلق عليهم ا�سم «ال�شقارة»‪،‬‬ ‫مهمتهم توزيع الأعالف على الدواب‪ .‬وكان‬ ‫ير�أ�س ه�ؤالء «ال�شقارة» رئي�سان على الأقل‪،‬‬ ‫ملبا�شرة ومالحظة االنتظام يف �سري العمل‪،‬‬ ‫وك��ذل��ك م��راق�ب��ة و�ضبط �أي ان �ح��راف من‬ ‫«ال�شقارة» التي كانت غالب ًا ما تقوم بت�أجري‬ ‫بع�ض ال��دواب خل�سة لبع�ض احلجاج الذين‬ ‫�أتعبهم امل�سري‪ ،‬نظري �أجر ال يراه وال ي�سمع‬ ‫عنه �أحد �سوى من يقب�ض منهم هذه العمولة‬ ‫يف اخلفاء‪!!..‬‬

‫البريقدارية‬

‫هم حملة الأع�ل�ام املميزة للمحمل‪ ،‬وكان‬

‫كان القصد من وضع‬ ‫م�شرف جمال وخيول املحمل‬ ‫الطبول في ركب‬ ‫وك��ان م��ن ي�شغل ه��ذه الوظيفة يف الع�صر المحمل هو إرهاب‬ ‫اململوكي ي�سمى «�أمري �أخور» �أو «�أمري خور»‪،‬‬ ‫المفسدين وقطاع‬ ‫الطرق‬

‫بالإ�ضافة �إىل ذل��ك ك��ان ي�صحب املحمل‪،‬‬ ‫�أمني الك�ساوي واحللويات‪ ،‬وم�شرف التموين‪،‬‬ ‫وم �� �ش��رف امل �ط �ب��خ‪ ،‬وم �� �ش��رف ال���س�ق��ائ�ين‪،‬‬ ‫ومنظم �سري املحمل ‪ ،‬واملقدمون على جمال‬ ‫امل�ح�م��ل‪،‬وم�ق��دم ال�ضوئية وال�غ���َّ�ش��ام��ة وهو‬ ‫عبارة عن رجل كان مقدم ًا لرجال امل�شاعل‪،‬‬ ‫وال�غ���ش��ام��ة ه��م ال��ذي��ن ك��ان��وا ي�ت��ول��ون �أم��ر‬ ‫املحابي�س باحلديد والأ�صفاد وال�سال�سل‪.‬‬ ‫كما كان من وظيفة ال�ضوئية �إح�ضار احلطب‬ ‫للم�شاعل وامل�ط�ب��خ بالطريق وتك�سريها‪.‬‬ ‫وكان عدد امل�شاعل �أربعة وع�شرين م�شع ًال‪،‬‬ ‫منها خم�سة ت�شعل بالدهن‪ ،‬اخت�ص منها‬ ‫�أم�ير احل��ج �أربعة واخلام�س ل�ل��دوادار‪� ،‬أما‬ ‫بقية امل�شاعل فت�شعل باحلطب ل�سائر �أفراد‬ ‫خوا�ص الركب‪.‬‬ ‫وم��ن �ضمن مرافقي املحمل كذلك مقدم‬ ‫الهجانة وال���ش� ّق��ارة وه��و كبري املت�سلمني‬ ‫للإبل واجلمال من الهجانة ورجال ال�شقارة‬ ‫�أو ما ي�سمون باخلولة �أو اخل��ون��ة‪ ،‬وكانوا‬ ‫يقومون بو�ضع الو�سم على اجلمال‪ ،‬وهي‬ ‫العالمات املميزة لها �أو ما كان ي�سمى با�سم‬ ‫«ال� ��داغ»‪ .‬حيث ينق�ش بال�سكني للتمييز‪.‬‬ ‫ومقدمو القوا�سة ‪ ،‬و�صبي الباب‪ ،‬وامليقاتي‬ ‫وامل � ��ؤذن‪ ،‬وطبيب املحمل �أو اجلرائحى‪،‬‬ ‫ومهتار الط�شت خانة واخت�صا�صه �إح�ضار‬ ‫املاء للو�ضوء وغ�سل الأيدي عند االحتياج‪،‬‬ ‫وله �أتباع ي�سافرون معه ليعاونوه‪ ،‬ومهتار‬ ‫ال�شراب خانه وهو من يتوىل �أمر امل�شروب‪،‬‬ ‫ومهتار الفرا�شخانة والفرا�شني ويخت�ص‬ ‫بتدبري �أنواع اخليام‪ ،‬والأ�شاير املطلوبة من‬ ‫القناديل للإعالم بدخول �أوق��ات الراحة‬


‫قارعو الطبول �صحبة املحمل‬

‫من م�شقة الأ�سفار وورود مناهل املياه‪ ،‬ويف‬ ‫ه��ذه الإ� �ش��ارات �أو الأ��ش��اي��ر‪ .‬والطباخون‪،‬‬ ‫والزردكا�ش وينعت يف اللغة الرتكية «جيجي‬ ‫با�شا»‪ ،‬وه��و القائم على مهمات ال�سالح‬ ‫وما يحتاج �إليه من �أدوات احلرب ولبو�س‬ ‫اخليل‪ ،‬وكان �أقل عدد ي�سافر �صحبة املحمل‬ ‫ع�شرين ف ��رد ًا‪ ،‬والنفطي وه��و ال �ب��ارودي‬ ‫ال��ذي مهمته حمل الإح��راق��ات من القالع‬ ‫وال���ص��واري��خ وغ�يره��ا م��ن ل��زوم االحتفال‬ ‫واالب�ت�ه��اج عند ال ��وداع وال��رح�ي��ل‪ .‬ومهتار‬ ‫الركاب خانة وهو قائد ال�سيا�س واملخت�ص‬ ‫با�ستالم لوازم اخليل من ال�سروج والأجلمة‬ ‫والركائب وكان ال�سيا�س ال يقلون يف عددهم‬ ‫ع��ن ث�لاث��ة يف رك��ب امل �ح �م��ل‪ .‬ب��الإ��ض��اف��ة‬ ‫�إىل ال�شعراء وهما نفران من �أتباع مقدم‬ ‫الهجانة‪ ،‬وكان من املعتاد �أن يكونا مع �أول‬ ‫الهجن اخلا�ص يف البداية للرحلة‪ ،‬ثم مع‬ ‫�أمري الركب بقية الأيام‪ ،‬ي�سريون معه �أينما‬ ‫�سار‪ .‬والطبول خانة وكانت ت�سمى الطبول‬ ‫امل�صرية‪ ،‬وكانت ت�لازم العلم ال�سلطاين‪،‬‬ ‫ومكوناتها‪ :‬طبالن وزمران ونقارة‪ ،‬هذا يف‬ ‫الع�صر اململوكي‪� .‬أما يف الع�صر العثماين‬ ‫ف�ضمت �إىل ال��رك��ب ال�ط�ب��ول ال��روم�ي��ة �أو‬ ‫العثمانية‪ ،‬وجعلت م��ع العلم ال�سلطاين‪،‬‬

‫أول من زركش بيرق‬ ‫المحملبالمخيش‬ ‫الفضة المطالة بالذهب‬ ‫بد ً‬ ‫ال من الحرير األسود‬ ‫واألبيض هو «داوود‬ ‫باشا» الوالي العثماني‬ ‫في مصر وذلك في عام‬ ‫‪ 798‬هجرية‬ ‫يف ح�ين ق��دم��ت ال�ط�ب��ول امل�صرية يف �أول‬ ‫الركب‪ .‬وكان ي�صاحب دقها كو�سات املحمل‬ ‫منذ ع�صر �سالطني املماليك‪ .‬وي�ق��ال �إن‬ ‫الق�صد من و�ضع الطبول يف ركب املحمل هو‬ ‫�إرهاب املف�سدين وقطاع الطرق‪ .‬والبيطار‪،‬‬ ‫واخل �ب��از ‪ ،‬وال�ك�ي��ال��ون �أو ال�ع�ك��ام��ون كانت‬ ‫مهمة الكيالني �أو العكامني ت�شوين غالل‬ ‫املحمل و�إح���ض��ار �أ�صحاب ال ��دواب لنقلها‬ ‫واملغربلني لغربلتها واجلرا�شني جلر�شها‪،‬‬ ‫وعيار الكيالت وتقييدها �أو خروجها من‬ ‫العهدة عند اال�ستهالك‪ ،‬و�سد العجز �إن‬ ‫ح��دث نق�ص يف ع�ه��دة ال �غ�لال‪ ،‬وك��ان لكل‬

‫كيال راتب حمدد يبلغ نحو خم�سة وع�شرين‬ ‫دينار ًا‪ .‬وجنار املطبخ ‪ ،‬وجنار الكور‪ ،‬وخويل‬ ‫الأغنام‪ ،‬واجلزار ‪ ،‬وال�سعاة �أو الأدالء وهم‬ ‫الذين يعرفون م�سالك الطريق وتعاريجه‬ ‫وا�ستقاماته‪ .‬واملب�شرون بالدار وهم جماعة‬ ‫متعددة من املت�صوفة و�أهل ال�صالح‪ .‬وكان‬ ‫يخ�ص�ص لهم ال��رك��وب واجل��راي��ة ولكنهم‬ ‫كانوا بال مرتبات خم�ص�صة‪ .‬واملبيت وهو‬ ‫رج��ل تابع ملقدم ال�ضوئية‪ ،‬مهمته اجلهر‬ ‫بالنداء للركب عند االحتياج �إليه‪ ،‬والطواف‬ ‫على القافلة لي ًال مع الع�س�س وحده‪ .‬ومب�شر‬ ‫احل��اج وك��ان ينعم بهذه الوظيفة ال�سلطان‬ ‫اململوكي على م��ن �أراد �أن ي�شمله بالنعم‬ ‫والهبات نظر ًا ملا كان يح�صل عليه‪ .‬وكانت‬ ‫مهمته تنح�صر يف التبليغ قبل و�صول ركب‬ ‫املحمل عن �أحوال احلجاج وما حدث ب�ش�أنهم‬ ‫من �سرقات �أو قطع طريق �أو مر�ض �أو وفاة‪،‬‬ ‫�أو �أحوال الأمراء بالأرا�ضي احلجازية‪ .‬وكان‬ ‫من العوائد القدمية يف جتهيز مب�شر احلاج‬ ‫�إنه كان ال يت�أخر عن يوم منى بل يتوجه �إذ‬ ‫ذاك للب�شارة‪.‬‬

‫تكوين الك�سوة‬

‫و�صف الرحالة الإجنليزي «�إدوارد وليم لني»‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪74‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫املحمل �إذا ر�أيناه ب�أنف�سنا‪ ،‬وو�صفناه نحن‬ ‫امل�صريني‪ ،‬ونحن يف نهاية القرن الع�شرين؟‬

‫�شكل املحمل امل�صري وهيكله‬

‫ا�ستعرا�ض املحمل مبيدان القلعة‬

‫املحمل �أثناء امل�سري خارج القاهرة‬

‫املحمل امل�صري �سنة ‪ 1250‬هجرية املوافقة‬ ‫‪ 1834‬ميالدية‪ ،‬فقال‪« :‬هو �إط��ار مربع من‬ ‫اخل�شب‪ ،‬هرمي القمة‪ ،‬له �سرت من الديباج‬ ‫الأ�سود‪ ،‬عليه كتابة وزخارف مطرزة تطريز ًا‬ ‫ف��اخ��ر ًا بالذهب‪ ،‬على �أر�ضية من احلرير‬ ‫الأخ �� �ض��ر �أو الأح �م��ر يف بع�ض الأج� ��زاء‪،‬‬ ‫وي�ح��ده ه��دي��ة ح��ري��ري��ة‪ ،‬و��ش��راري��ب يعلوها‬ ‫كرات ف�ضية‪ .‬وزخرفة ال�سرت ال تكون دائم ًا‬ ‫على النموذج نف�سه‪ ،‬غري �أنني ال حظت �أن‬ ‫كل �سرت ر�أيته يحمل يف ق�سمه الأعلى من‬ ‫ال�صدر منظر ًا مل�سجد مكة «يق�صد الكعبة‬ ‫امل�شرفة» م�ط��رز ًا بالذهب‪ ،‬ويعلوه طغراء‬

‫ال�سلطان‪ .‬واملحمل ال يحوى �شيئ ًا‪ ،‬غري �أن‬ ‫هناك م�صحفني �صغريين‪� ،‬أحدهما قرطا�س‬ ‫ملفوف‪ ،‬والآخر كتاب عادي داخل �صندوقني‬ ‫من الف�ضة املذهبة‪ ،‬يعلقان خارج املحمل يف‬ ‫القمة‪ ،‬وتكون الكرات اخلم�س و�أهلتها التي‬ ‫تزين املحمل م��ن الف�ضة املذهبة ويحمل‬ ‫املحمل على جمل طويل جميل»‪.‬‬ ‫و�إذا كان هكذا ا�ستطاع امل�ست�شرق الإجنليزي‬ ‫«�إدوارد وليم لني» �أن ي�صف املحمل امل�صري‪،‬‬ ‫وهو يف الن�صف الأول من القرن الثالث ع�شر‬ ‫الهجري املوافق الن�صف الأول من القرن‬ ‫التا�سع ع�شر امليالدي‪ ،‬فكيف �إذ ًا يكون و�صف‬

‫يف احل �ق �ي �ق��ة‪� ،‬إن���ه م��ن خ�ل�ال امل���ش��اه��دة‬ ‫والفح�ص املتمهل للمحمل امل�صري املوجود‬ ‫الآن باملتحف االثنوجرايف التابع للجمعية‬ ‫اجلغرافية بالقاهرة ن�ستطيع �أن ن�صفه‬ ‫على النحو الآتي‪ :‬هو هيكل خ�شبي جموف‪،‬‬ ‫يت�شكل عن طريق عوار�ض �أفقية ور�أ�سية‬ ‫ومائلة‪� ،‬سمك ك��ل منها ‪� 10‬سنتيمرتات‪،‬‬ ‫وه��ذا الهيكل اخل�شبي يتكون من جزءين‬ ‫رئي�سيني‪ :‬اجل��زء الأول وه��و ال�سفلي منه‬ ‫من�شوري ال�شكل‪ ،‬طوله ‪ 1.75‬مرت‪ ،‬وعر�ضه‬ ‫‪ 1.30‬م�تر‪ ،‬وارت�ف��اع��ه ‪ 1.62‬م�تر‪ ،‬واجل��زء‬ ‫الأخ�ي�ر ال�ع�ل��وي ع�ب��ارة ع��ن ه��رم ارتفاعه‬ ‫‪ 1.95‬مرت‪ ،‬وقاعدته م�ستطيلة ال�شكل طولها‬ ‫‪ 1.75‬مرت‪ ،‬وعر�ضها ‪ 1.30‬مرت‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ويك�سو اجلزءين املن�شوري والهرمي معا �سرت‬ ‫من احلرير‪� ،‬ضاعت الآن معامل لونه‪ ،‬و�إن‬ ‫كان يبدو �أخ�ضر اللون‪ ،‬وهو م�شغول ومزرك�ش‬ ‫بخيوط اخلي�ش املذهبة والف�ضية والتي ت�شغل‬ ‫معظم م�ساحة هذا ال�سرت احلريري‪ ،‬حتى‬ ‫تكاد ه��ذه الزرك�شه �أن تطغى على قما�شة‬ ‫جمعيه‪.‬‬ ‫ب�أعلى اجل��زء الأول‪ ،‬وه��و املن�شوري توجد‬ ‫كتابات قر�آنية باخلط الثلث داخ��ل �إط��ار‬ ‫�سمكه �سبعة وع���ش��رون �سنتيمرت ًا‪ ،‬وه��ذه‬ ‫الكتابات القر�آنية حتيط باملحمل من جوانبه‬ ‫الأربعة على النحو الآتي‪:‬‬ ‫‪.1‬الواجهة الأمامية مكتوب فيها‪« :‬ب�سم اهلل‬ ‫الرحمن الرحيم اهلل ال �إله �إال هو»‪ ،‬ثم دائرة‬ ‫مزرك�شة باملخي�ش الف�ضي قطرها اخلارجي‬ ‫‪� 13.50‬سنتيمرت‪ ،‬وق�ط��ره��ا ال��داخ �ل��ي ‪19‬‬ ‫�سنتيمرت ًا‪ ،‬ومكتوب يف داخلها عبارة «اهلل‬ ‫رب��ي» باملخي�ش الف�ضي‪ ،‬ثم يلي ذل��ك الآي��ة‬ ‫القر�آنية الكرمية‪ ،‬وهي عبارة «احلي القيوم‬ ‫ال ت�أخذه �سنة وال نوم»‪.‬‬ ‫‪.2‬يف اجل��ان��ب الأمي���ن م�ك�ت��وب‪« :‬ل��ه م��ا يف‬ ‫ال�سموات وما يف الأر�ض من ذا الذي ي�شفع‬ ‫عنده �إال ب�إذنه»‪.‬‬


‫�صورة من القاهرة يف الع�رص اخلديوي ويظهر فيها الع�ساكر امل�رصيون ب�أزيائهم الر�سمية‬

‫‪.3‬يف الواجهة اخللفية مكتوب‪« :‬يعلم ما بني‬ ‫�أيديهم وما خلفهم وال يحيطون»‪ ،‬ثم دائرة‬ ‫مزرك�شة باملخي�ش الف�ضي بنف�س مقا�سات‬ ‫«حم �م��د ن �ب��ي»‪ ،‬ث��م ب�ق�ي��ة الآي� ��ة ال�ق��ر�آن�ي��ة‬ ‫الكرمية‪ ،‬وهي عبارة «ب�شيء من علمه �إال‬ ‫مبا �شاء و�سع كر�سيه»‪.‬‬ ‫‪.4‬الواجهة اخللفية مكتوب تكملة الآي��ة‪:‬‬ ‫«ال�سموات والأر���ض وال ي ��ؤده حفظهما وهو‬ ‫العلي العظيم»‪.‬‬ ‫�أم��ا يف الواجهة الأمامية الهرمية العلوية‬ ‫فتوجد عبارتان‪ ،‬الأوىل‪« :‬عمل هذا ال�سرت‬ ‫للمحمل ال�شريف موالنا ال�سلطان»‪ ،‬وهذه‬ ‫العبارة مو�ضوعة داخ��ل �شكل �شبه ن�صف‬ ‫بي�ضاوي قو�سه لأعلى‪ ،‬والعبارة الثانية بخط‬ ‫ذي حجم �أك�بر داخ��ل �شكل بي�ضاوي‪ ،‬وهي‬ ‫عبارة «ف�ؤاد الأول»‪ ،‬وحتتها يف نف�س ال�شكل‬ ‫البي�ضاوي مكتوب «‪.»1336‬‬ ‫وه��ذا ال�ت��اري��خ الهجري ي��واف��ق ع��ام ‪1918‬‬ ‫م �ي�لادي‪ ،‬وه��و بالطبع لي�س ت��اري��خ �صنع‬

‫املحمل‪ ،‬و�إمنا هو تاريخ جتديد الكتابة على‬ ‫�سرت املحمل نف�سه‪.‬‬ ‫�أما تاريخ �صنع هذا املحمل فاملرجح �أن يكون‬ ‫ه��و ع��ام ‪ 1292‬هجرية امل��واف��ق ع��ام ‪1875‬‬ ‫ميالدية‪ ،‬يف ع�صر اخلديوي «�إ�سماعيل»‪،‬‬ ‫وهو التاريخ املكتوب على القطعة النحا�سية‪،‬‬ ‫وال�ت��ي تتو�سط اجل��زء العلوي الهرمي من‬ ‫املحمل‪ ،‬ورمب��ا قد يكون تاريخ ال�صنع قبل‬ ‫هذا التاريخ‪ ،‬حيث �إن هذا التاريخ هو �أقدم‬ ‫ت��اري��خ م��وج��ود ع�ل��ى هيكل امل�ح�م��ل‪ ،‬وه��ذه‬ ‫القطعة النحا�سية �سهلة ال��رف��ع والتبديل‬ ‫والتغيري‪ ،‬ورمب��ا تكون قد ا�ستبدلت �ضمن‬ ‫التغريات الكثرية التي �أملت به �ضمن �أعمال‬

‫كان للمحمل المصري‬ ‫كسوة أخرى خضراء‬ ‫اللون بسيطة‬ ‫الزركشة لكي تتحمل‬ ‫غبار الطريق‬

‫�صيانة املحمل‪ ،‬والتي كانت تتم تباع ًا‪.‬‬ ‫ويف ه��ذه القطعة النحا�سية توجد كتابات‬ ‫يف ثمانية �أ�سطر‪ ،‬الأول مكتوب فيه عبارة‬ ‫«ي��ا اهلل» وال�سطر ال�ث��اين ع�ب��ارة «م��ا �شاء‬ ‫اهلل»‪ ،‬وال�سطر ال�ث��ال��ث ع �ب��ارة «ال �إل ��ه �إال‬ ‫اهلل»‪ ،‬وال�سطر الرابع عبارة «حممد ر�سول‬ ‫اهلل»‪ ،‬وال�سطر اخلام�س عبارة «ن�صر من‬ ‫اهلل»‪ ،‬وال�سطر ال�ساد�س عبارة «وفتح قريب‬ ‫وب�شر امل�ؤمنني» وال�سطر ال�سابع عبارة «يا‬ ‫حم�م��د» وال���س�ط��ر ال�ث��ام��ن والأخ �ي�ر ع�ب��ارة‬ ‫«‪ .»1292‬وه��ذه الكتابات �آخ��ذة �سطورها‬ ‫ال�شكل الهرمي‪ ،‬قمته لفظ اجلاللة «يا اهلل»‪،‬‬ ‫وقاعدته عبارة «وفتح قريب وب�شر امل�ؤمنني»‪.‬‬ ‫ويف ركن اللوحة النحا�سية الأي�سر عبارة «ال‬ ‫�شريك له»‪ ،‬وهي مكتوبة من �أعلى لأ�سفل يف‬ ‫و�ضع كتابة ر�أ�سي‪ ،‬كما يتوازن معها يف الركن‬ ‫الأمين عبارة «وحده»‪ ،‬وهي مكتوبة من �أ�سفل‬ ‫�إىل �أعلى‪ ،‬يف و�ضع كتابة ر�أ�سي �أي�ض ًا‪ ،‬ولكن‬ ‫على عك�س العبارة الأوىل‪.‬‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪76‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫الع�سكر امل�رصي ي�سري �صحبة املحمل‬

‫ويحيط باملحمل �أربع قوائم خ�شبية‪ ،‬مركب‬ ‫عليها �أرب �ع��ة �أ��ش�ك��ال خم��روط�ي��ة م��ن م��ادة‬ ‫النحا�س‪ ،‬يعتلي ك�لا منها ه�ل�ال‪ ،‬بداخله‬ ‫جن �م��ة خ�م��ا��س�ي��ة ن�ح��ا��س�ي��ة‪ ،‬وحم �ي��ط ه��ذا‬ ‫ال�شكل املخروطي عند �أك�بر قطر لقاعدته‬ ‫‪�� 28‬س�ن�ت�ي�م�تر ًا‪ ،‬وارت� �ف ��اع ه ��ذا ال �ق��ائ��م ‪78‬‬ ‫�سنتيمرت ًا‪ ،‬كما يعلو قمة ال�شكل الهرمي �شكل‬ ‫خمروطي �آخر‪ ،‬ولكنه �أكرب من حيث احلجم‬ ‫من الأ�شكال املخروطية الأربعة بارتفاع يبلغ‬ ‫حوايل مرت واحد‪.‬‬ ‫وقوائم الأركان النحا�سية الأربع يتذيلها �أربع‬ ‫ك�سوات مزرك�شة بخيوط املخي�ش الف�ضية‬ ‫بارتفاع ‪� 55‬سنتيمرت ًا وعر�ض ‪� 25‬سنتيمرت ًا‪،‬‬ ‫ومكتوب يف �سطرين منها عبارتا «ال �إل��ه‬ ‫�إال اهلل»‪ ،‬وذل��ك يف ال�سطر العلوي‪ ،‬أ�م��ا يف‬ ‫ال�سطر ال�سفلي فنجد عبارة «حممد ر�سول‬ ‫اهلل»‪ .‬وبنف�س ه��ذه النوعية م��ن الك�سوة‬ ‫يك�سى اجلزء الهرمي من �أعاله من الأمام‬ ‫واخللف بك�سوتني حتمالن نف�س العبارات‬ ‫ال���س��اب�ق��ة يف ك��ل م�ن�ه�م��ا‪ .‬وت�ت��ذي��ل املحمل‬ ‫� �ش��راري��ب ع�ل��ى ام��ت��داد حم�ي�ط��ه ال�سفلي‬ ‫بارتفاع ‪� 21‬سنتيمرت ًا‪ ،‬م�صنوعة من خيوط‬

‫بيرق المحمل صنع من‬ ‫القماش المزركش‬ ‫بالمخيش الفضة‬ ‫الملبسة بالذهب‬ ‫بزركشة نباتية‬ ‫وكتابية وهندسية‬ ‫الق�صب الأ�صفر اللون‪ ،‬كما تتذيل �شريط‬ ‫الكتابات القر�آنية كذلك بنف�س االرتفاع‪.‬‬ ‫ويوجد كنار �أ�صفر اللون ب�سمك ‪� 3‬سنتيمرتات‪،‬‬ ‫وه��و حت��ت احل���زام امل�ك�ت��وب باملخي�ش ب�آية‬ ‫الكر�سي‪ .‬وه��ذا الكنار يحيط ب�سرت اجلزء‬ ‫ال�سفلي من ك�سوة املحمل بنف�س ال�سمك‪.‬‬ ‫وقد ال حظنا �أن مقود اجلمل مزرك�ش كذلك‬ ‫ب�خ�ي��وط املخي�ش الف�ضية‪ ،‬بنف�س �سمات‬ ‫زرك�شة ك�سوة املحمل‪ ،‬ومن نف�س القما�ش‪،‬‬ ‫كما ال حظنا �أن جميع البطانة الداخلية‬ ‫لك�سوة املحمل من احلرير ذي اللون الأ�صفر‪،‬‬ ‫�أم��ا بطانة ك�سوة القوائم الر�أ�سية فهي من‬ ‫احلرير الأحمر اللون‪.‬‬

‫وق ��د بحثنا �أث��ن��اء ال�ف�ح����ص للمحمل عن‬ ‫منظر م�سجد مكة ال��ذي و�صفه الرحالة‬ ‫الإجنليزي «�إدوارد وليم لني» على كل �سرت‬ ‫له فلم جنده‪ ،‬فرجحنا يف البداية �أن يكون‬ ‫الق�صد هو ت�شبيه الكتابة ب�آية الكر�سي على‬ ‫ك�سوة املحمل بتلك الزرك�شة التي توجد على‬ ‫�أحزمة �ستائر ك�سوة الكعبة امل�شرفة‪ ،‬وظننا‬ ‫�أن دقة التعبري قد خانت «�إدوارد وليم لني»‪،‬‬ ‫ولكن بالرجوع �إىل �شكل املحمل الذي ر�سمه‬ ‫«�إدوارد وليم لني» بنف�سه وجدنا �شكل الكعبة‬ ‫امل�شرفة مر�سوم على اجلزء العلوي الهرمي‬ ‫الأمامي من ك�سوة املحمل‪ ،‬وبالطبع و�ضعت‬ ‫�سنة التعبري والتبديل ب�صماتها على ك�سوة‬ ‫املحمل‪ ،‬و�سبحان من ال يتبدل وال يتغري‪.‬‬ ‫ومل ين�س فنان الزرك�شة �أن ي�سرت رقبة جمل‬ ‫املحمل امل���ص��ري بك�سوة مزرك�شة بنف�س‬ ‫الزخارف‪ ،‬لت�ضفي عليه جما ًال وبريق ًا خا�ص ًا‬ ‫ي�سحر ال��رائ��ي ع�ن��دم��ا ينظر �إىل �سفينة‬ ‫ال�صحراء عند امل�سري يف املوكب املهيب الذي‬ ‫هو بطله وجنديه املجهول‪!!..‬‬


‫ك�سوة املحمل اخل�ضراء‬

‫ه��ذا الو�صف ال�سابق هو للك�سوة املذهبة‪،‬‬ ‫وه��ي الك�سوة الر�سمية للمحمل والتي كان‬ ‫يرتديها يف االحتفاالت العامة يف القاهرة �أو‬ ‫قبل دخوله مكة �أو املدينة املنورة‪ ،‬ولأن هذه‬ ‫الك�سوة كانت غالية ومن النوع الذي بذل فيه‬ ‫الفنانون يف دار الك�سوة ال�شريفة جمهود ًا‬ ‫وا�ضح ًا جعلها رائعة للناظرين‪ ،‬فقد خيف‬ ‫على ه��ذه الك�سوة م��ن �أت��رب��ة ال�سفر و�سط‬ ‫مفاوز ال�صحراوات‪ ،‬ومن ثم عملت للمحمل‬ ‫امل�صري ك�سوة �أخرى خ�ضراء اللون‪ ،‬ب�سيطة‬ ‫الزرك�شة‪ ،‬لكي تتحمل غبار الطريق‪ ،‬حيث‬ ‫كان ميكن تنظيفها بالغ�سل باملياه مثلها مثل‬ ‫�سائر �أنواع الأقم�شة الأخرى‪ ،‬وهي �أ�شبه بتلك‬ ‫الأن��واع التي تو�ضع فوق �أ�ضرحة الأولياء يف‬ ‫م�صر‪ .‬واجلزء العلوي من الك�سوة اخل�ضراء‪،‬‬ ‫وه��و الهرمي ك��ان يتزين ب��زخ��ارف من ذلك‬ ‫النوع املعروف بعمله رجال اخليامية يف م�صر‬ ‫وكانت فيه الآيات القر�آنية يف و�سط كل وجه‪،‬‬ ‫مثل «ن�صر من اهلل وفتح قريب»‪ ،‬ومثل «على‬ ‫كل �ضامر ي�أتني من كل فج عميق» يف حني و�ضع‬ ‫يف كل وجه من �أوجه الك�سوة �أربعة �أ�سماء مثل‬ ‫«اهلل» و«حممد» يف اجل��زء العلوي على ميني‬ ‫وي�سار الآي��ة القر�آنية‪ ،‬ثم «ح�سن» و«ح�سني»‬ ‫يف اجلزء ال�سفلي‪ ،‬ويتبادل يف هذا اجلزء يف‬ ‫الأوج��ه �أ�سماء اخللفاء الرا�شدين‪� .‬أم��ا علم‬ ‫املحمل �أو بريقه‪ ،‬فكان ي�صاحب عمل الك�سوة‬ ‫عمل بريق مميز لقافلة احلجيج‪ ،‬وهذا البريق‬ ‫له �شكل خا�ص ميكن �أن نتوقف عنده برهة‪.‬‬

‫�صورة لكبار �صناع الك�سوة بدايات القرن الع�رشين‬

‫ال�شم�س‪ ،‬ويحيط بها م�ستطيل مزرك�ش من‬ ‫الأوراق النباتية‪ .‬وخارج هذا امل�ستطيل حتيط‬ ‫ب��ه �أرب �ع��ة م�ستطيالت علوية و�سفلية وعلى‬ ‫اجلانبني‪ ،‬وقد كتب يف امل�ستطيل العلوي‪« :‬ب�سم‬ ‫اهلل الرحمن الرحيم �إنا فتحنا لك فتح ًا مبين ًا‬ ‫ليغفر لك اهلل ما تقدم من ذنبك وما ت�أخر‬ ‫بريق املحمل‬ ‫ويتم نعمته عليك ويهديك �صراطا م�ستقيما‬ ‫ه��ذا البريق م�صنوع من القما�ش املزرك�ش وين�صرك اهلل ن�صرا عزيز ًا»‪.‬‬ ‫باملخي�ش الف�ضة امللب�سة بالذهب بزرك�شة نباتية الوجه الآخ��ر‪ :‬وفيه �شكل بي�ضاوي مزرك�ش‬ ‫وكتابية وهند�سية ويالحظ على هذا البريق �أن يف املنت�صف‪ ،‬مثلما يف الوجه الأول و�إن كان‬ ‫زرك�شته التي باملخي�ش الف�ضة امللب�سة بالذهب‬ ‫على وجهيه على النحو الآتي‪:‬‬ ‫ال��وج��ه الأول‪ :‬وفيه �شكل بي�ضاوي مزرك�ش يحمل الجزء األول‬ ‫باملخي�ش‪ ،‬ويف منت�صف هذا ال�شكل توجد عبارة من هيكل المحمل‬ ‫«ال �إل��ه �إال اهلل»‪ ،‬وتت�شعب منه ع��دة خطوط كتابات قرآنية بالخط‬ ‫مزرك�شة م�ستقيمة ومتعرجة‪ ،‬ك�أمنا متثل عني‬

‫الثلث داخل إطار‬ ‫سمكه ‪ 27‬سنتيمتر ًا‬

‫بداخلة عبارة �أخرى‪ ،‬هي «حممد ر�سول اهلل»‪.‬‬ ‫�أما الآي��ات القر�آنية ال�شريفة فهي تكملة ما‬ ‫�سبق‪ ،‬وقد كتب‪« :‬الذي �أنزل ال�سكينة يف قلوب‬ ‫امل�ؤمنني ليزدادوا �إميان ًا مع �إميانهم وهلل جنود‬ ‫ال�سموات والأر���ض وكان اهلل عليم ًا حكيم ًا»‪.‬‬ ‫�صدق اهلل العظيم‪.‬‬ ‫وللبريق �شرابة مدالة بخيط قيطان مزخرف‬ ‫من �أعلى ال�صاري احلامل ل��ه‪ ،‬والتي تعلوه‬ ‫قطعة نحا�سية كتبت عليها من كال وجهيها‬ ‫عبارات مل ن�ستطع �أن نتبينها غري كلمة «يا‬ ‫حممد» على �أحد الأوجه‪ ،‬وكلمة «يا اهلل» على‬ ‫الوجه الآخ��ر‪ .‬ويذكر لنا التاريخ �أن �أول من‬ ‫زرك�ش بريق املحمل باملخي�ش الف�ضة املطالة‬ ‫بالذهب بد ًال من احلرير الأ�سود والأبي�ض هو‬ ‫«داوود با�شا» الوايل العثماين يف م�صر وذلك‬ ‫يف عام ‪ 798‬هجرية‬


‫‪78‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫عزيزي الشاعر الشعبي‬

‫ألفبائية‬

‫مريه القا�سم‬

‫م��رت �سنوات الآن على الأزم��ة االقت�صادية‬ ‫اخلانقة التي ع�صفت باقت�صادات الكثري من‬ ‫دول العامل وخلخلت �أ�سا�سات البع�ض الآخر‪،‬‬ ‫ومل تفلت من �سطوتها حتى الدول الكربى التي‬ ‫تهاوت فيها الكثري من �شركاتها العمالقة التي‬ ‫مل يكن �أحد يتخيل �أن تهتز �أغ�صانها فما بالك‬ ‫وقد اقتلعت الأزمة جذورها من منابتها!‬ ‫وعلى الرغم من كل التطمينات التي حملتها‬ ‫الأخبار اخلليجية و�أحاديث املجال�س عن عدم‬ ‫ت�أثر اقت�صادات اخلليج بتلك الأزمة‪ ،‬فال �شك‬ ‫يف �أنها «قد مرت من هنا» وقد و�صلت �آثارها‬ ‫�إىل مرابعنا اخلليجية الغناء‪.‬‬ ‫ما عالقة ذلك بي! البد و�أن��ك تت�ساءل الآن‪،‬‬ ‫عزيزي ال�شاعر ال�شعبي‪.‬‬ ‫عالقة ذلك بك‪� ،‬أنك – فيما يبدو يل‪ -‬الوحيد‬ ‫الذي مل يت�أثرـ ومل يلق با ًال لتلك الأزمة التي هي‬ ‫بالأ�سا�س �إن�سانية رغم ت�سرتها وراء امل�صطلح‬ ‫الذي يظن البع�ض �أنه حكر على �أولئك الرجال‬ ‫م��ن طبقة رج ��ال الأع��م��ال مم��ن ن�سميهم‬ ‫بالهوامري ويحملون غري ذلك من �صفات يف‬ ‫بلدان �أخرى �ألطفها القطط ال�سمان كما يقول‬ ‫الإخ��وة امل�صريون‪ ،‬أ�ع��ود لأق��ول لك عزيزي‬ ‫ال�شاعر ‪ :‬بدا يل �أنك الوحيد الذي مل يت�أثر‬ ‫بتلك الأزمة‪ ،‬حتى �أنك مل تتخل ولو م�ؤقت ًا عن‬ ‫�أي من «الإك�س�سوارات» التقليدية التي ت�صوغ‬ ‫بها ق�صائدك‪ ،‬وجتد فيها ُمعرب ًا عن �أفكارك‬ ‫ومعرب ًا لق�صائدك �إىل و�سائل الإعالم ‪.‬‬ ‫ال�شاعر ال�شعبي التقليدي «لدينا حتديدا»ً‬ ‫يختلف عن �أقرانه يف ال��دول القريبة‪ ،‬ورمبا‬ ‫البعيدة‪ ،‬وعن جميع �شعراء الكون‪ ،‬فغالبية‬ ‫ق�صائده تعرب ع��ن ح��ال��ة حمكومة ب�أ�شياء‬ ‫وم�ستلزمات «مادية» حم�سو�سة يعاي�شها ليل‬ ‫نهار‪ ،‬دون �إدراك بقيمتها الفعلية‪ ،‬فهو تارة‬ ‫يكتب عن خيله التي ال ي�ستطيع ركوبها خارج‬ ‫�أ�سوار خياله‪ ،‬وتارة عن جي�شه الوهمي الذي‬ ‫تك�شف الق�صيدة �أنه عبارة عن هجن ي�سابق بها‬

‫يف م�ضمار ال يزيد طوله عن عدة كيلو مرتات‪،‬‬ ‫�إذا كان بالفعل من النا�شطني امل�شاركني يف‬ ‫تلك الريا�ضات العريقة‪ ،‬وعندما يتجلى ف�إنه‬ ‫يكتب عن «�صقره» الذي ت�شعر و�أنت ت�ستمع �إىل‬ ‫�أو�صافه اخليالية وقيمة املدفوع القتنائه �أنه‬ ‫ال �شك العنقاء وقد جت�سدت متحدية �صورتنا‬ ‫عنها باعتبارها �أحد امل�ستحيالت‪.‬‬ ‫�شاعرنا ال�شعبي‪ ،‬يفعل ذل��ك ال ليعرب عن‬ ‫حقيقة م�شاعره ومنط حياته‪� ،‬إمن��ا هو يعرب‬ ‫عن �شعور تاريخي ظل يالزمه دون وعي ورثه‬ ‫عن �أبيه عن جده عن �شيخ قبيلته دون جهد‬ ‫حقيقي‪� -‬إال فيما ندر‪ -‬من �أجل نحت تعبريات‬ ‫نابعة من مفردات حياته نف�سها مبا ا�ستجد‬ ‫عليها وما ت�أثرت به من �أح��داث الدنيا التي‬ ‫حتى و�إن �أب��ى �أن يتابعها ف�إنها تتابعه ورمبا‬ ‫ترت�صد به‪ .‬بالرغم من ما يطالعه يف و�سائل‬ ‫االع�لام عن ال�ضربات االقت�صادية املوجعة‬ ‫التي تتزايد يوم ًا بعد ي��وم‪ ،‬وعلى الرغم من‬ ‫اكت�شاف املتابع للعبة ال�شاعر ال�شعبي التقليدي‬ ‫ال�سخيفة و�صورته النمطية الباهتة‪� ،‬إال �أنه ال‬ ‫يزال يقاتل من �أجل �إقناع �صحايف ب�إجراء لقاء‬ ‫معه‪� ،‬أو معد برامج ب�إدراجه �ضمن برنامج‬ ‫تلفزيوين ُيظهره متجو ًال يف �أرج��اء مزرعته‬ ‫اخلا�صة‪ ،‬ليعرف النا�س �أنه ميتلك جمموعة‬ ‫من مزايني الإب��ل وجيب راجن روف��ر‪ ،‬وخيمة‬ ‫ف��اخ��رة ت�ط��ورت م��ع م��رور ال��زم��ن و�أ�صبحت‬ ‫حتتوي على جميع اخل��دم��ات احلديثة رغم‬ ‫�أن «عقل» �صاحبها ال�شاعر �أب��ى �أن يتطور‬ ‫واكتفى ب�أن يجرت املا�ضي ويكرره ب�صورة مملة‬ ‫يف القنوات املهتمة بال�شعر واال���س ام ا�س‪،‬‬ ‫وللأ�سف ف�إن اخلا�سر الوحيد هو ال�شعر‪.‬‬ ‫عزيزي ال�شاعر ال�شعبي‪ :‬تغري وحاول �أن تُغري‪،‬‬ ‫بذلك ت�صبح �شاعر ًا‬



‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪80‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬


‫املحكي�شعرا ً‬ ‫ملف ال�شعر ال�شعبي‬

‫ديوان املختارات‬

‫�أعد هذه احللقة‬ ‫ال�شاعر‪ -‬حممد �أحمد بن خليفة ال�سويدي‬

‫�شاعر ومفكر �إماراتي بارز‪ ،‬يعد من املجددين يف الق�صيدة املحكية‪ ،‬له اهتمام كبري بتوثيق وبحث و�إعادة تقدمي الرتاث املحلي والعربي‬ ‫والعاملي‪ ،‬وتتعدد بحوثه وم�ؤلفاته فيه‪ .‬يعد من رواد املهتمني ب�أدب الرحلة‪ ،‬ويرعى املركز العربي الوحيد املعني ب�أدب الرحلة وهو «املركز‬ ‫العربي للأدب اجلغرايف – ارتياد الآفاق»‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل رعايته العديد من امل�شاريع الثقافية العربية املعنية ب�إحياء تراث احل�ضارة العربية‬ ‫من خالل اللغة وال�شعر والآداب والفنون‪ ،‬كمكتبة الوراق التي تعد الأكرب عربي ًا على الإنرتنت‪ ،‬ومو�سوعة ال�شعر العربي‪ ،‬وموقع امل�سالك‬ ‫الذي يهتم بجغرافيا العامل والرحالة‪ .‬وموقع حوايا الذي ُيعنى بعيون ال�شعر املحكي يف اخلليج العربي‪.‬‬ ‫كما ُعرف عنه اهتمامه و�شغفه ال�شديد بالبحث يف تاريخ ال�شاعر العربي الكبري �أبو الطيب املتنبي‪ ،‬الذي يرى فيه – �إ�ضافة �إىل عبقريته‪-‬‬ ‫املدخل الأن�سب لقراءة تاريخ ع�صره و�إعادة ترتيب الأحداث التاريخية يف الفرتة التي عا�شها‪.‬‬ ‫وقد اختار ال�سويدي لديوان املختارات �ستة من فرائد ال�شعر املحكي يف دولة الإمارات‪ ،‬جمع بينها – كما يرى‪� -‬أنها جميعها‪� ،‬صارت جزء ًا‬ ‫�أ�صي ًال من الرتكيبة النف�سية والثقافية والفكرية ملجتمع الإمارات‪ ،‬من خالل ذيوعها وانت�شارها بني النا�س ل�سببني �أولهما ما تتمتع به من‬ ‫عذوبة و�سال�سة وقرب من روح املجتمع‪ ،‬والآخر �أن حتولها �إىل �أغنيات ب�أ�صوات و�أحلان نخبة من �أ�ساطني الطرب والغناء املحلي واخلليجي‬ ‫�أ�سهم يف تر�سيخ �أثرها وحتولها �إىل جزء متني من ن�سيج املجتمع خا�صة يف فرتة اخلم�سينيات وال�ستينيات من القرن الفائت‪ ،‬وير�سل‬ ‫ال�شاعر حممد ال�سويدي عرب خمتاراته التي نعززها بتعريف لل�شاعر واملطرب على حد �سواء‪ ،‬ر�سالة �إىل �شعراء الع�صر احلايل مفادها �أن‬ ‫املنتج الأ�صيل قادر على �أن يبقى عرب ال�سنني و�أن �شروط ال�شعر اجليد هو �أن ُينحت من حجر �صلد لكن مبذاق عذب ك�شالل املاء‪.‬‬

‫قصائد الديوان‬

‫مينق�ش العناب ‪:‬‬

‫يا فتاة احلي لبعيدي‪:‬‬

‫خ ــدل ــج ‪:‬‬

‫�صاح ابزقر ملنادي‪:‬‬

‫فتاة العرب‬

‫را�شد اخل�ضر‬

‫هب ن�سنا�س ملغيبي‪:‬‬ ‫خلفان بن يدعوه‬

‫�أحمد بن �سلطان بن �سل ّيم‬ ‫�سعيد بن عتيج الهاملي‬

‫قطعت الو�صل‪:‬‬

‫�أحمد بن علي الكندي‬

‫لإر�سال ق�صائدكم‪ ،‬م�شاركاتكم ومالحظاتكم‪:‬‬

‫الربيد الإلكرتوين‪turathmag1@gmail.com :‬‬ ‫الفاك�س‪009712 6582282 :‬‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪82‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫يمنقش العناب‬ ‫ال�شاعرة‪ -‬فتاة العرب ‪:‬‬ ‫هي ال�شاعرة الإماراتية عائ�شة بنت خليفه بن ّ‬ ‫ال�شيخ �أحمد بن خليفة ال�سويديّ ‪ ،‬ولدت و�سكنت يف �أبوظبي‬ ‫ثم �أقامت بعد ذلك يف دبي‪ .‬هذه ال�شاعرة التي انقادت لها ع�ص ّيات الألفاظ امل�س ّومة و�سل�س لها قياد املعاين‬ ‫املحكمة كانت تعرف �سابقاً بلقب «فتاة اخلليج» اختار لها لقب «فتاة العرب» �صاحب ال�سمو ال�شيخ حممد بن‬ ‫را�شد �آل مكتوم نائب رئي�س الدولة رئي�س جمل�س الوزراء حاكم دبي بعد تكرميها وتقليدها و�سام �إمارة ال�شعر‬ ‫يف عامل ال�شعر ال�شعبي يف عام ‪.1989‬‬ ‫غناء الفنان الإماراتي ميحد حمد ‪:‬‬ ‫ملحن و�شاعر �إماراتي �أ�صيل من �إمارة ال�شارقة وهو من مواليد عام ‪ ،1961‬ا�سمه الكامل ميحد حمد ميحد‬ ‫املهريي ويلقب بفنان الإمارات الأول‪ .‬عا�ش ميحد طفولة ع�سرية بعد انف�صال والديه لفارق ال�سن بينهما‪.‬‬ ‫ومما مكنه من اجتياز ال�صعوبات املادية واالجتماعية التي كان يعي�شها‪� ،‬صوته اجلبلي الفريد الذي مكنه من‬ ‫دخول امليدان الفني لي�صبح �أحد رواد الأغنية الإماراتية و�أحد م�شاهري الأغنية اخلليجية والعربية عامة‪.‬‬

‫مي��������ن��������ق�����������������ش ال������������ع������������ن������������اب ب�������خ���������������ض�������اب‬ ‫مي�����������������������ش�����������رب ال����������������ل����������������ون �أب���������ي���������ا����������ض���������ي‬ ‫ب���������ا����������س���������ب���������اب والم������������ا�������������ش������������ي ا���������س��������ب��������اب‬ ‫دامي ات���������������������ش����������ك����������ل يف غ�������ي�������ا��������ض�������ي‬ ‫وغ����������ل���������اك ع����������ن����������دي م����������ال����������ه اح���������������س�������اب‬ ‫وال ت�������ن�������ق�������ل�������ه ���������س��������ب��������ع الأرا�����������������ض����������������ي‬ ‫ول�������������و ي�������ن�������خ�������زن يف ال���������������ش�������ام�������خ ان�������������ذاب‬ ‫ذوب احل��������������ي��������������د و���������������ش��������������ب ال����������ض���������ي‬ ‫ال��������ب�����������������س��������ت��������ن��������ي م احل��������������������ب ج�������ل�������ب�������اب‬ ‫ج����������ل���������اب م���������������ن ع����������ق����������ب ال�����ت����را�����������ض����������ي‬ ‫وخ��������ل��������ي��������ت��������ن��������ي م��������������ن خ�����������������������ارج ال���������ب���������اب‬ ‫م����������������اك����������������ن يل وي�������������������������������اك م���������ا����������ض���������ي‬ ‫�إع������������ج������������اب م�������ن�������ك �أو م�������ن�������ي �إع��������ج��������اب‬ ‫ت�������خ�������ط�������ي و�أن������������������������ا ل������������ك يف ت�����غ�����ا������ض�����ي‬


‫وال����������������وق����������������ت ي�����������ق�����������زر ك���������ل���������ه اع���������ت���������اب‬ ‫وال ��������ش�������ي ع�������ن�������د ال������������وا�������������ش ق�����ا������ض�����ي‬ ‫ي��������������اب��������������و ث��������������م��������������ان ذب����������������������ل اع����������������������ذاب‬ ‫يف م�������ب���������������س�������م ك���������احل�������������������ص ي������ا�������ض������ي‬ ‫وع�����������������ي�����������������ون ق�����������������ت�����������������االت ب��������������اه��������������داب‬ ‫واحل���������������������اظ يف ال���������ن���������ظ���������ره م������وا�������ض������ي‬ ‫�إن ق�������م�������ت ل����������ك ب������������ال������������وايف �أوج�����������������اب‬ ‫ه�����������������������ذاك يف احل������������������ب اف����ت����را����������ض���������ي‬ ‫ع�������������س������ى �أوط�����������ن�����������ك ي�����������س�����ق�����ي�����ه ������س�����ح�����اب‬ ‫م��������������رك��������������وم وم����������������زون����������������ه اغ����ل���ا���������ض��������ي‬ ‫ي���������ن���������ق���������اد م امل�������������غ�������������رب ل�������������ه اح���������ي���������اب‬ ‫وي���������������ب���������������ات ب���������������راق���������������ه ل�������وا��������ض�������ـ�������ـ�������ي‬ ‫و���������س��������م��������ي وت�����������زه�����������ر ف��������ي��������ه الع�������������ش������اب‬ ‫وامت ودي��������������������ان��������������������ه ري��������ا���������ض��������ـ��������ـ��������ي‬ ‫ت������ل������ت������ف ل����������ه يف ال������ك�������������ش������ت������ه ا�������ص������ح������اب‬ ‫مت�����������ش�����ي ل������ه������م خ������������دم �أو ح�����وا������ض�����ـ�����ي‬ ‫ه������������ن������������اك وي�������������������ن ت��������ق��������ي��������م الح����������ب����������اب‬ ‫وي��������ط��������ي��������ب ل�������ل�������ح�������ا��������ض�������ر م�����ق�����ا������ض�����ي‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪84‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫خدلج‬ ‫ال�شاعر‪ -‬را�شد اخل�ضر‪:‬‬

‫هو را�شد بن �سامل بن عبدالرحمن ال�سويدي‪ ،‬واخل�ضر لقب لأبيه لقب به ل�سمرة خفيفة يف لونه ا�شتهر به �شاعرنا ف�أ�صبح ال يعرف‬ ‫�إال بهذا اللقب‪ .‬ولد ال�شاعر يف عجمان يف حوايل عام ‪ 1905‬م ون�ش�أ بها مرتعرع ًا على مهادها‪ ،‬تيتم يف طفولة مبكرة‪ ،‬فقد �أباه وهو‬ ‫ملا يزل طف ًال مل يبلغ الثامنة من عمره ثم توفيت �أمه بعد �سنوات قليلة وعمره �آنذاك مل يتعد الرابعة ع�شرة‪ ،‬وكان له �أخ �شقيق يكربه‬ ‫ب�سنتني يدعى عبدالرحمن بن �سامل فتكفل بهما ابن عم �أبيه ال�شاعر نا�صر بن �سلطان بن جربان ال�سويدي‪ ،‬فعا�شا يف كنفه لكن‬ ‫احلياة مل متتد ب�شقيقه‪ ،‬ف�أدركته املنية وهو ابن ثماين ع�شرة �سنة‪ ،‬الأمر الذي �أثر يف جمرى حياة ال�شاعر را�شد اخل�ضر ف�أورثه نف�سية‬ ‫ع�صبية ومزاج ًا حاد ًا‪ .‬تلقى �شاعرنا يف �صغره علوم ًا بدائية يف كتاتيب عجمان التي كان التعليم �آنذاك يقت�صر عليها‪ ،‬فتعلم فيها بع�ض ًا‬ ‫من القراءة والكتابة ثم تركها والزم ابن عم �أبيه ال�شاعر نا�صر الذي كان ميتهن يف عجمان �صناعة تطريز «الب�شوت»‪ ،‬العباءات‪،‬‬ ‫فتعلم منه �شاعرنا هذه ال�صنعة و�أخذ ي�ساعده فيها ‪.‬‬

‫تغنى بها الفنان الكويتي القدير عبداملح�سن املهنا‪:‬‬

‫من مواليد الكويت ‪ ،1938‬من عائلة جمع بينها الفن واملو�سيقى واللحن ف�شقيقاه يو�سف «ملحن» وماجد «م�ؤلف �أغان»‪ .‬يعترب واحد ًا‬ ‫من رواد الأغنية الكويتية و�شارك يف العديد من املنا�سبات با�سم الكويت وكيف ال وهو من �أبناء هذه الأر�ض الطيبة‪ .‬ا�ستهواه الغناء وهو‬ ‫يف العا�شرة من عمره و�صار يقلد املطربني الكبار ب�أ�صواتهم ب�إجادة واتقان‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أغنية «مظلومة يا نا�س» للفنانة �سعاد حممد؛‬ ‫كما كان يحب اال�ستماع لل�سامري‪ .‬ينتمي �إىل جيل ال�ستينيات جيل زمن الطرب الأ�صيل‪ ،‬ومنهم عبد الكرمي عبد القادر وم�صطفى‬ ‫�أحمد وح�سني جا�سم وغريد ال�شاطئ و�صالح احلريبي وعبداحلميد ال�سيد ويحيى �أحمد وغريهم‪ ،‬جيل كان فيه امللحن والكاتب‬ ‫واملطرب خال�صة �شعور باملعاناة وال�صدق بالعطاء كي تخرج الأغنية �إىل اجلمهور‪ ،‬فامل�ؤلف كان «يكتب ويجمع �أحا�سي�سه ال ليقدمها‬ ‫ل�شخ�ص معني»‪� ،‬أو بناء على طلب‪ ،‬بل يكتبها حتت �إح�سا�س ما ويف ظرف معني‪ ،‬ويف ظل هذه الظروف تولد الأغنية والق�صيدة لت�أخذا‬ ‫دورتيهما الطبيعيتني �إىل امللحن ثم املطرب‪.‬‬

‫خ ــد ل ــج‪ ‬خ ـ ــدك‪ ‬ا لـ ـل ــي‪ ‬كــا لــ�س ـفــر جــل‬ ‫ت ـفــ�ض ــل ‪ ‬ب ـن ـع ـبــر ‪ ‬عـ ـبـ ــر ة ‪� ‬س ـه ــا ل ــه‬ ‫مـ ـ ـط ـ ــول ‪� ‬أو‪ ‬م ـ ـ ـ ــراود ‪� ‬أو ‪� ‬أ ن ـ ــا مـ ـ ــل‬ ‫تـ�صـا ف ـح ـنــا‪ ‬و�س ـ�أ ل ـنــي‪ ‬قـ ـل ــت ‪� ‬أ ن ــا م ــل‬ ‫�سـ ـفـ ــر نـ ــل‪ ‬بـ ـ ـخ ـ ــدودك‪ ‬تـ ـ ـ ـ ــاه‪ ‬ورده‬ ‫�إذا‪ ‬مـ ـي ـ ـلـ ــك‪ ‬و ل ـ ـ ـ ــم‪� ‬ش ـ ــر ت ـ ــاه‪ ‬ورده‬ ‫�أ نـ ــا‪ ‬ا لـظ ـم ـيــان‪ ‬وا نـ ــت‪ ‬ا ل ـم ــاي‪ ‬بـ ــارد‬

‫‪� ‬سـفــر‪ ‬بــدر‪ ‬و�س ـفــر‪� ‬ش ـمــ�س‪ ‬و�سـفــرجــل‬ ‫ب ـم ـيــل‪ ‬بـا ل ـغ ـلــ�س‪ ‬قـ ـب ــل‪ ‬ا لــ�س ـفــر جــل‬ ‫عـل ـي ـهــن‪ ‬ال‪ ‬و�شـ ــي‪ ‬ال‪ ‬مــ�ش ــي ‪� ‬أ ن ــا م ــل‬ ‫م ـح ـب ـيــن‪ ‬وال‪ ‬ع ـ ــن‪ ‬غـ ـيـ ــرك ‪� ‬أ�س ـ ـ ـ�أل‬ ‫و جـ ـ ــري‪ ‬نـ ـ ــل‪ ‬بـ ـخـ ــدودي‪ ‬ت ـ ـ ــاه‪ ‬ورده‬ ‫و خ ــذ ن ــي‪ ‬ل ـ ــو‪ ‬ب ـح ـب ــل‪ ‬ي ـت ـل ـنــي‪ ‬ت ـ ــل‬ ‫وز ن ـ ــدي‪ ‬ك ـ ــل‪ ‬م ـ ــن‪ ‬ه ـ ــف‪ ‬ا ل ـم ـب ــارد‬


‫نـح ـيــل ‪ ‬ا لـق ـلــب ‪ ‬م ــن ‪� ‬س ـح ــل ‪ ‬ا ل ـم ـبــا ر د‬ ‫مـع ـلــول ‪� ‬أ ن ــا‪ ‬و ل ـك ــم‪ ‬ا قـ ــوي‪ ‬ا ل ـعــزا يــم‬ ‫يـا هــل‪ ‬ا لـكــرم‪ ‬وا لـجــود‪ ‬يــا‪ ‬هــل‪ ‬ا لـعـزا يــم‬ ‫ن ـيــران‪ ‬و ج ــدي‪ ‬م ــا‪ ‬ا حـتــا جــت‪� ‬شـبــا بــي‬ ‫مــر ‪� ‬أو‪ ‬لـمـحـتــه‪ ‬بـ�شـيـل ـتــه‪ ‬م ــ�ش‪ ‬بــا بــي‬ ‫�أ نـ ــا ‪ ‬ع ـق ـبــه ‪ ‬مــر ب ــد ‪ ‬ا لـ ـن ــا �س‪ ‬ك ـل ـه ــم‬ ‫�أ ر ى ‪� ‬شـك ـلــه ‪ ‬ب ـم ـعــز ل ‪ ‬عـ ــن ‪� ‬شـك ـل ـهــم‬ ‫وا حـو يـج ـبــه‪ ‬ال‪ ‬ق ــو�س‪ ‬ال‪ ‬ع ـيــن‪ ‬ال‪ ‬ن ــون‬ ‫و عــوق‪ ‬ا بـجـبــدي‪ ‬ه ــوب‪ ‬ي ــرح‪ ‬وال‪ ‬ن ــون‬ ‫ت ــو ا لـ ــف ‪ ‬حــا جـ ـب ــه ‪ ‬فـ ـ ــر ق ‪ ‬ا ل ـث ـنــا ي ــا‬ ‫ب ــ�س ــا ي ــل ‪ ‬م ـ ـ ــر ه ‪� ‬أ و مـ ـ ـ ــر ه ‪ ‬ثـ ـن ــا يـ ــا‬ ‫ت ـمــ�شــي ‪ ‬د لـ ــع ‪ ‬بـ ــو �ش ‪ ‬ا لــ�ص ــد ر ‪ ‬ب ـ ــا ز ر‬ ‫و ج ـفـ ـن ــه ‪ ‬ع ـنـ ـت ــر ‪ ‬ل ـلـ ـح ــر ب ‪ ‬بـ ـ ــا ر ز‬ ‫و جـ ـي ــد ه ‪ ‬ال ‪ ‬مـ ـط ــل ‪ ‬ال ‪ ‬كـ ـ ــا �س‪ ‬ب ـطـ ـل ــي‬ ‫طــر قــت ‪� ‬أ و ‪� ‬س ـنــع ‪� ‬إ ل ـيــه ‪� ‬ش ــا ب ‪ ‬ب ـط ـلــي‬ ‫ال ‪ ‬م ـث ـل ــه ‪ ‬ا ل ــز ه ــر ا ‪ ‬و ال ‪ ‬ب ـ ــو ‪ ‬د م ــا نـ ــي‬ ‫بـرا نــي‪ ‬ا بـجـفـنــه‪ ‬بـعــد‪ ‬م ــا‪ ‬ه ــو‪ ‬د مــا نــي‬ ‫ت ـفـ ـن ــن ‪ ‬فـ ـ ــي ‪ ‬ا لـ ـتـ ــر ف ‪ ‬ا لــ�ش ـم ــا ي ــل‬ ‫�إ�ش‪ ‬وا قـ ـ ــف ‪� ‬إ�ش‪ ‬قـ ــا عـ ــد ‪� ‬إ�ش‪ ‬مـ ــا يـ ــل‬ ‫و�ص ـل ـنــي ‪� ‬أ ب ـي ــ�ض‪ ‬ا ل ــرا ي ــات‪ ‬ب ــا�س ــود‬ ‫و ب ـي ـتــه ‪ ‬مـ ــن ‪ ‬نــ�س ــل ‪ ‬م ـق ــد ا د ‪ ‬ا لأ �س ـ ــو د‬ ‫زرى‪ ‬بـالـمـ�ســك‪ ‬لـذفــر‪ ‬وال‪ ‬ه ــوب‪ ‬مــ�شــط‬ ‫مـ ـتـ ـغ ــر ي ــف ‪ ‬ال ‪ ‬ه ـ ـ ـ ــو ن ‪ ‬مـ ــ�ش ـ ـتـ ــط‬ ‫فـ ــدا‪ ‬لـ ــه‪ ‬م ـع ــي‪ ‬روح‪ ‬و خـ ــال‪ ‬و عـ ـم ــا‬ ‫و بـحــر‪ ‬ا لـهــوى‪ ‬جــا�ش‪ ‬و طـمـا نــي‪ ‬و ع ـمــا‬ ‫�س ـقــى‪ ‬اهلل‪ ‬د يــار هــم‪ ‬و�س ـم ــي‪ ‬ا لــروا ي ــح‬ ‫و هـ ـب ــت ‪ ‬م ـ ــن ‪ ‬نـ�ســا ي ـم ـهــا ‪ ‬ا ل ــر و ا ي ــح‬ ‫ي ــا ‪ ‬ب ــو ‪ ‬ر ي ــج ‪� ‬أ ل ــذ ‪ ‬مـ ــن ‪ ‬ل ـب ــن ‪ ‬خ ـل ـفــه‬ ‫ر �ســو ل ــك ‪ ‬و ا لــو ع ــد ‪ ‬لـ ــو ‪ ‬بـ ــا ‪ ‬ت ـخ ـل ـفــه‬

‫و جـ�سـمــي‪ ‬م ـثــل‪� ‬ش ـعــر‪ ‬ا لــز نــد‪ ‬وا ن ـحــل‬ ‫مـا‪ ‬فـاد نــي‪� ‬شــرب‪« ‬ا لـمـحــو»‪ ‬وا لـعـزا يــم‬ ‫مـنــوا‪ ‬عـلـ ّـي ‪ ‬ا بـ�شـر بــة‪ ‬ل ــو‪ ‬م ــن‪ ‬ا لــ�شــل‬ ‫فــي‪� ‬شــف‪ ‬تـلــع‪ ‬ا لـجـيــد‪ ‬ت ــرف‪ ‬ا لـ�ش ـبــاب‬ ‫�شـبـه‪ ‬ا لـقـمـيـ�ص‪ ‬ا لـلـي‪ ‬لـيـعـقــوب‪ ‬مـ�شـتــل‬ ‫ال ‪ ‬بـ ــو هـ ــم ‪ ‬ال ‪� ‬أ كـ ـلـ ـهـ ــم ‪ ‬ال ‪� ‬ش ــر بـ ـهـ ــم‬ ‫ووز ن ــه‪ ‬عـ ــن‪ ‬اوزون‪ ‬ا ل ـن ــا�س‪ ‬م ـج ـمــل‬ ‫مـحــروز‪ ‬بـا لـر حـمــن‪ ‬وا لـكـهــف‪ ‬وا ل ـنــون‬ ‫ا ع ـي ــا‪ ‬ا لــد خــا تــر‪ ‬وا ل ـمــال لــي‪ ‬وال‪ ‬م ـ ــل‬ ‫تـ ــو ا عـ ــد ن ـ ــا ‪ ‬و ل ـ ـ ـلـ ـ ــه ‪ ‬ا لـ ـثـ ـنـ ــا يـ ــا‬ ‫و مــره‪ ‬مـوا�صــل‪ ‬ا بـمــ�ســك ‪� ‬أو‪ ‬ع ــرق‪ ‬ف ــل‬ ‫و خــا ل ــه‪� ‬ش ـب ــه‪ ‬خ ـ ــان‪ ‬ا ل ـ ــروم‪ ‬ب ـ ــازر‬ ‫ذا‪ ‬ج ـت ـيــل‪ ‬وذا‪ ‬جــر ي ــح ‪� ‬أو‪ ‬ذا‪ ‬مـ�س ـلــ�ســل‬ ‫و ع ـي ـن ــه‪ ‬ال‪ ‬ف ـ ــرد‪ ‬ال‪� ‬سـ ـي ــف‪ ‬ب ـطـ ـل ــي‬ ‫د خ ـلــت‪ ‬ا ل ـج ـنــه‪ ‬و قــا ل ــت‪ : ‬خـ ــذا‪ ‬و خـ ــل‬ ‫و ال ‪ ‬مـ ـهـ ــر ة ‪ ‬قـ ـبـ ــا ‪ ‬و ال ‪ ‬هـ ـ ــو ‪ ‬د م ــا نـ ــي‬ ‫حـيـا تـي‪ ‬غـنـا تـي‪ ‬هـو‪ ‬عـن‪ ‬ا لـبـعـ�ض‪ ‬وا لـكـل‬ ‫كـغــ�صــن‪� ‬شــا ه ــد ‪� ‬أ كـ ــوا�س‪� ‬أو‪� ‬ش ـمــا يــل‬ ‫و�إن‪ ‬خـطــا‪ ‬طـيــر‪ ‬الـقـطــا‪ ‬الـخـجــل‪ ‬يــذهــل‬ ‫و خـر طـف‪ ‬لـلـحـمــر‪ ‬فــي‪ ‬ا لـمـ�شـيــه ‪� ‬أ�ســود‬ ‫و �س ـن ــه ‪� ‬سـ ــت ‪ ‬و �سـ ــت ‪ ‬و ا لـ ـع ــا م ‪ ‬ل ـ ــو ل‬ ‫ور ي ـجــه‪ ‬ال‪ ‬خ ـمــر‪ ‬ال‪ ‬ه ــوب‪ ‬م ــا‪ ‬ا لــ�ش ــط‬ ‫جـنــه‪ ‬ا لـ�سـكــر‪� ‬شـا نــه‪ ‬وال‪ ‬هــوب‪ ‬مـخ ـتــل‬ ‫حـبـيــب‪ ‬حــرزت‪ ‬ا�سـمــه‪ ‬بـتـبــارك‪ ‬و ع ـمــا‬ ‫ويـلـومـنـي‪ ‬لـي‪ ‬مـن‪ ‬هـوى‪ ‬الـ�شـوق‪ ‬مـبـتــل‬ ‫م ــن‪ ‬ا لـه ـطــال‪ ‬فـ ــي‪� ‬ص ـب ــح ‪� ‬أو‪ ‬روا يـ ــح‬ ‫خــز ي ـمــا ه ــا ‪ ‬و قــر ن ـف ـل ـهــا ‪� ‬أ و ‪� ‬صـ ـنـ ــد ل‬ ‫�أ ح ــب‪ ‬ار نـ ــج‪ ‬وال‪� ‬شـ ــي‪ ‬م ـع ــك‪ ‬خ ـل ـفــه‬ ‫و خـيــا لــك‪ ‬وا لـبـ�ش ـيــر‪ ‬وو�ص ـلــك ‪� ‬أ فــ�ضــل‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪86‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫هب نسناس لمغيبي‬ ‫ال�شاعر‪ -‬خلفان بن يدعوه‪:‬‬

‫ال�شاعر خلفان بن عبد اهلل بن يدعوه‪ ،‬من قبيلة املهريي‪ ،‬ن�ش�أ يف دبي‪� ،‬أحب فتاة فجرت قريحته ال�شعرية بعد خمود ف�أثار عا�صفة‬ ‫ق�صائده من بعد هدوء‪ ،‬حتى وفقه اهلل وجمع �شمله مبحبوبة قلبه‪ ،‬فعا�ش معها يف �سعادة وهناء حتى �أجنبت له عبد اهلل االبن البار‪،‬‬ ‫ولكن �أبى اهلل عز وجل �إال �أن تنتهي حياة �شاعرنا نهاية عاطفية كبدايتها‪ ..‬ذلك حينما ق�ست الأيام عليه ف�أخذت منه �أغلى ما عنده‪،‬‬ ‫ابنه عبد اهلل ومل يكد يعا�صر حزنه على ابنه حتى توفيت زوجته �أي�ض ًا‪ ،‬فحزن ال�شاعر عليهما حزن ًا �شديد ًا ف ُكف ب�صره ول�سانه ال يزال‬ ‫يلهج بذكرهما‪ ،‬حتى توفاه اهلل يف العام ‪ 1956‬رحم اهلل بن يدعوه �شاعر الإح�سا�س الذي خلد لنا من الق�صائد ما يتميز بالب�ساطة‬ ‫ورهافة احل�س وقرب الكلمة من قلوب النا�س يف �آن واحد‪.‬‬

‫�أحلان وغناء علي بالروغة‪:‬‬

‫هو علي عبداهلل بن روغه الزعابي‪ ،‬من مواليد اجلزيرة احلمراء«جزيرة الزعاب» يف �إمارة ر�أ�س اخليمة‪ ،‬تعلم العزف على العود حني‬ ‫كان �صغري ًا مع �أ�صدقائه على البحر‪ ،‬واجلل�سات على "ال�سييف" �شاطئ البحر‪ ،‬وباملمار�سة على العود �أ�صبح واحد ًا من �أمهر فناين‬ ‫الإمارات يف العزف على العود‪ .‬ترك بن روغه اجلزيرة احلمراء وتوجه �إىل دبي حيث �سكن يف منطقة الرا�شدية يف �سنة ‪ 1970‬تقريب ًا‬ ‫وظل هناك مدة طويلة وعا�صر بها �شعراء كثريين تغنى بكلماتهم‪ ،‬ثم انتقل �إىل منطقة جمريا لي�سكن هو وعائلته حتى تويف الكثري من‬ ‫�أ�صدقائه‪ ،‬وحتى توقف �صديقه ال�شاعر �سامل اجلمري عن ال�شعر �سنة ‪ ،1985‬وهو ما دفع بن روغه �إىل �أن ي�أتي �إىل �أبوظبي لي�سكن مع‬ ‫�أهله يف «منطقة الزعاب» مقابل منطقة البطني �إىل �أن قرر اعتزال الفن بعد �أدائه لفري�ضة احلج �سنة ‪.1987‬‬ ‫غنى بالروغة �أكرث من ‪ 360‬ق�صيدة لأكرث من ‪� 56‬شاعر ًا‪ ،‬معظمهم من املعا�صرين له‪ ،‬بينما غنى لقلة من ال�شعراء القدامى منهم‬ ‫ذياب بن عي�سى‪ ،‬و�سعيد بن عتيج الهاملي وحممد املطرو�شي وخلفان بن يدعوه و�أحمد بن حميد‪.‬‬


‫يل ه�����������ـ�����������ب ن�����������������س��������ن��������ـ��������ا���������س مل������غ������ي������ب������ـ������ي‬ ‫ورا اب����������ج����������ا�����������ش ا��������س�������ع�������ي�������ـ�������د ل������ي������ه������ـ������وب‬ ‫م ال�������������وي�������������ج وادع�������������ان�������������ـ�������������ي ������ص�����وي�����ب�����ـ�����ي‬ ‫ج�������������ن اب�������ح���������������ش�������اي�������ـ�������ه ق���������رح���������ـ���������ة اي���������ـ���������وب‬ ‫ل�����������ـ�����������و ي��������ع��������اجل��������ـ��������ه��������ـ��������ا ال������ط������ب������ي������ـ������ب������ـ������ي‬ ‫م��������������ا ف������������������اد ف��������ي��������ه��������ا ط���������ـ���������ب واط���������ب���������ـ���������وب‬ ‫ه���������ي���������ه���������ـ���������ات ذا ي�������������ـ�������������رح ي�����ط�����ي�����ـ�����ب�����ـ�����ي‬ ‫ال����������������ن ح���������������ص�������ل م ال������������ري������������ج م�������������ش������ـ������روب‬ ‫ي��������ال��������ع��������ـ��������م م���������ال���������ـ���������ي م���������ـ���������ن اي������ث������ي������ب������ـ������ي‬ ‫يل ع�������������ن و�����������ص����������ول����������ه غ�������ل�������ج�������ت ادروب‬ ‫ال���������ط���������ـ���������ف ب��������ح��������ال��������ـ��������ي ي���������ـ���������ا ح�����ب�����ي�����ب�����ـ�����ي‬ ‫ي��������������ا ����������س���������ي���������دي ي���������ـ���������ا ت������������ـ������������رف ل������ي������ن������ـ������وب‬ ‫رف��������������ب��������������ي ت����������������������������راين م�������������س������ت�������������ص������ي������ب������ي‬ ‫وات������ل������اح�������������ق�������������ي�������������ن�������������ه ق�������������ب�������������ل الذوب‬ ‫ف������������رق������������ـ������������اك م���������دع���������ن���������ـ���������ي ������س�����ل�����ي�����ـ�����ب�����ـ�����ي‬ ‫وال���������ب�������������������س���������ت ث�����������������وب ال���������غ���������ـ���������ي جم������ل������ـ������وب‬ ‫ي������������ا زي����������������ن ل������������و و���������ص��������ل��������ك ا������ص�����ع�����ي�����ب�����ـ�����ي‬ ‫اظ��������������ن��������������ون ع����������ن����������ك �آي�����������������ـ�����������������وز وات������������ـ������������وب‬ ‫ي�������������ا ع���������������ش�������ب ق�������ل�������ب�������ـ�������ي ي���������ـ���������ا ل�����ل�����ب�����ي�����ب�����ـ�����ي‬ ‫م��������������ا يف ه�����������������������واك �أوث��������������������������������وم وذن������������ـ������������وب‬ ‫م��������ل��������ي��������ت م����������ـ����������ن ع������������ـ������������ذل اجل�������ري�������ب�������ـ�������ي‬ ‫وال���������������ع���������������ذل م�������ن�������ه�������م ه�����������ـ�����������وب حم������ب������ـ������وب‬ ‫ح���������ي���������ث ان���������ن���������ـ���������ي ط���������ال���������ـ���������ب ط�����ل�����ي�����ب�����ـ�����ي‬ ‫ب��������������ال��������������ود ل��������������و م���������ا����������ص���������ـ���������رت م������ط������ل������ـ������وب‬ ‫ات����������������������رى ال���������ت���������ذل���������ـ���������ل ه�����������ـ�����������وب ع�����ي�����ب�����ـ�����ي‬ ‫امل������������ـ������������ن ع�������ل�������ي�������ـ�������ه ال���������ق���������ل���������ـ���������ب ل������ب������ل������ـ������وب‬ ‫يل ه�����������ـ�����������ب ن�����������������س��������ن��������ـ��������ا���������س مل������غ������ي������ب������ـ������ي‬ ‫ف�����������������وق امل�������������������ض���������ام���������ر ي��������خ��������ف��������ق ال��������ث��������ـ��������وب‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪88‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫يافتاة الحي لبعيدي‬ ‫ال�شاعر‪� -‬أحمد بن �سلطان بن �سل ّيم‪:‬‬

‫�شاعر و�أديب وم�ؤرخ‪ ،‬ولد يف دبي حوايل ‪ 1906‬للميالد ن�ش�أ فيها وتلقى العلم على يد كبار علمائه من �أمثال حممد عبا�س البغدادي‬ ‫نزيل دبي �آنذاك‪ ،‬وا�شتهر بني �أقرانه بالذكاء فلمع يف عامل ال�شعر والأدب‪ ،‬ونظم ال�شعر بالعامية والف�صحى ولقد برع يف �أ�شعاره‬ ‫النبطية براعة ا�ستحوذت على �إعجاب العارفني بفنون ال�شعر و�أ�ساليبه‪ .‬ميتاز �شعره بالر�صانة وح�سن ال�سبك ي�أتيك فيه بالألفاظ‬ ‫ومبنى‪ ،‬تقر�أ فيه جديد ًا‬ ‫معنى‬ ‫ً‬ ‫اجل ّيدة واملعاين ال�سامية‪ ،‬تواتيه اجلمل اجلميلة ط ّيعة منقادة في�ضع منها يف �شعره ما ي�سمو بالذوق ً‬ ‫غري ما ي�ألفه النا�س يف �أ�شعارهم املعتادة‪� .‬شارك ال�شاعر يف حمادثات االحتاد الت�ساعي الذي كان مقرر ًا �أن تن�ضم �إليه بجانب احتاد‬ ‫الإمارات دولة البحرين ودولة قطر‪ ،‬وكان رحمه اهلل رئي�س ًا لوفد الإمارات امل�شارك يف تلك املحادثات‪ .‬وقد �شغل عدة منا�صب يف بلده‬ ‫منها �إدارة اجلمارك بدبي‪ ،‬وعندما قامت دولة الإمارات العربية املتحدة ُعينّ وزير ًا للدولة فيها ثم �أُ�ضيفت �إليه يف �أوائل عام ‪1976‬‬ ‫للميالد رئا�سة جلنة الرتاث والتاريخ وظل ي�شغل املن�صبني مع ًا حتى وافاه الأجل املحتوم يف ‪ 28-10-1976‬للميالد‪.‬‬

‫غناها الفنان جابر جا�سم‪:‬‬

‫من �أهل دملا‪ ،‬ولد عام ‪1950‬م‪ ،‬تلقى تعليمه يف �أبوظبي وقطر‪ ،‬عمل بالفن‪ ،‬وهو ما يزال �صغري ًا‪ ،‬كان �أول ظهور له على امل�سرح عام‬ ‫‪1961‬م‪ ،‬ابتعث عام ‪ 1971‬لدرا�سة املو�سيقى يف م�صر يف املعهد العايل للمو�سيقى‪ ،‬له �صوت م�ؤن�س وهادئ‪ ،‬ميتاز ببحة جميلة‪ ،‬وطبقة‬ ‫�صوتية نادرة‪ ،‬وهو من اجليل الأول الذي اعتمد على موهبته‪ ،‬وثقف نف�سه بنف�سه‪� ،‬شاق ًا طريقه بد�أب وحب‪ ،‬تعاون مع كثري من ال�شعراء‬ ‫�أبرزهم الكندي‪ ،‬حلن لنف�سه وللكثري من املطربني واملطربات ك�سمرية �سعيد وعزيزة جالل ورجاء بلمليح‪.‬‬

‫ي�����������������������ا ف���������������ت���������������ـ���������������اة احل�������������������ـ�������������������ي ل���������ب���������ع���������ي���������ـ���������دي‬ ‫ح���������������ي���������������ل ب�����������ي�����������ن ال��������������ط��������������ي��������������ـ��������������ر ووروده‬ ‫������������������ص�����������������ار ه����������������������������ذا ال���������������������ده���������������������ر من������������ري������������ـ������������دي‬ ‫�إع����������������������ث���������������������رو ب����������������������ه زاغ�������������������������������������ت ال���������������ف���������������ـ���������������وده‬ ‫ل���������������������و �������������ص������������ف������������ي م������������ا�������������ض������������ي������������ه مب������������زي������������ـ������������دي‬ ‫ل����������������وع����������������ط����������������ا م������������������������ن ع������������ي�����������ن م������������ي������������ه������������ـ������������وده‬ ‫م��������������������������������ول م��������������������ال��������������������ه ب����������������ـ����������������د ل����������ي����������ك����������ي����������ـ����������دي‬ ‫دي������������������������������ن ي�������������������رج�������������������ع ق���������������ب���������������ل م���������������وع���������������ـ���������������وده‬ ‫����������������س���������������ي���������������دي ل�����������������������و ن�������������������������������������ازح ال������������ب������������ي������������ـ������������دي‬ ‫ل����������������������و ط���������ل��������اي������������������ع ج������������ي�������������������������ش واج����������������������ن����������������������وده‬ ‫غ����������ي���������ر ه�������������ي������������رك م�������������وح���������������������������ش ا�����������س����������ع����������ي����������دي‬


‫ي���������������ذح���������������ب���������������ل���������������ي غ��������������ي��������������ـ��������������ب اح�����������������ي�����������������ـ�����������������وده‬ ‫خ������������������������������ان ب����������������������ي ف���������������ي���������������ك ال����������ت����������ج����������ل����������ي����������ـ����������دي‬ ‫ع���������������ي���������������ل �������������������ص���������ب��������ري ع���������������ن���������������ك وح������������������������������������دوده‬ ‫م��������������ن��������������ك ه����������������������������ذا ال�����������������������������ص��������������د م������������اح������������ي������������دي‬ ‫ج��������������������������������ود وغ��������������������������������د غ��������������������������������رك اب������������������������ـ������������������������زوده‬ ‫يف ال�������������ق�������������ف�������������ـ�������������ا ن��������������ـ��������������م اب������������ت������������زي������������ي������������ـ������������دي‬ ‫ن�����������������������������ار يف ي������������������وف������������������ه م���������������ـ���������������ن ح������������ق������������ـ������������وده‬ ‫ج�������������������������ان ب�������������ات�������������ر��������������ض�������������ي ح�����������������������س�����������ا ����������س���������ي���������دي‬ ‫ذي����������������������������������ج واهلل ع�������������ل�������������ي�������������ـ�������������ه ع�����������������ـ�����������������وده‬ ‫م������������������������������ا ل�������������������ط�������������������رق ال�������������������������������������ود ح����������ف����������ي����������ـ����������دي‬ ‫ي�����������ن�����������ت�����������������������ص�����������ر ل�����������ل�����������ح�����������ـ�����������ق ب�����������������������ش�����������ه�����������ـ�����������وده‬ ‫ب��������������������ن حم��������������م��������������د ������������ض�����������م�����������ت و����������������������������ش ب����������ي����������دي‬ ‫ذا ن�����������������������������ش��������������ي��������������دي م����������������ـ����������������ن ب��������������������ـ��������������������روده‬ ‫ود م������������ن������������ه������������و ���������������ص��������������ف��������������وة ال�����������غ�����������ي�����������ـ�����������دي‬ ‫ح���������������������ط يف ق������������ل������������ب������������ي ل��������������ظ��������������ى اوق�����������������������������������وده‬ ‫م�������������������ا ع�������������ل�������������م �����������ض����������ي����������ج����������ي اوت���������������������س����������ه����������ي����������دي‬ ‫ي����������������������������وم ن��������������ف��������������ر ال���������������������رك���������������������ب م�����������ع�����������ب�����������ـ�����������وده‬ ‫�������������������س������������������ار م���������������������اري���������������������ع ل��������������ـ��������������ي ال�����������ه�����������ي�����������ـ�����������دي‬ ‫ع�������������ق�������������ب الم��������������������������ا ال����������������و�����������������ص����������������ل وع�����������������ه�����������������وده‬ ‫وا������������������ش�����������������ق�����������������ا ن�����������ف�����������������������س�����������ي وت�������������ب�������������دي�������������ـ�������������دي‬ ‫ي������������������������������وم خ������������������������������ار احل������������������������������ظ ب�����������������������س�����������ع�����������ـ�����������وده‬ ‫����������������ش���������������وف ب������������������ي ح������������������������ال �أو ت�������������������س���������دي���������دي‬ ‫ي���������������������اذخ���������������������ر م���������������������ن ���������������ش��������������د ب���������������������ك ع��������������ـ��������������وده‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪90‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫صاح ابزقر لمنادي‬ ‫ال�شاعر‪� -‬سعيد بن عتيج الهاملي‪:‬‬

‫�شاعر �إماراتي من �شعراء مطلع القرن الرابع ع�شر الهجري‪ ،‬والهوامل من حلف بني يا�س‪ ،‬ولد يف بطانة ليوا‬ ‫على بعد ‪ 20‬كلم من ليوا يف حم�ضر «حوايا» الذي ذكره يف واحدة من ق�صائده‪ ،‬وكانت والدته عام ‪ 1875‬على‬ ‫التقريب وكانت وفاته عام ‪ 1919‬م فعا�ش ‪� 44‬سنة تقريب ًا وتويف من دون �أن يتزوج‪ ،‬ا�شتهر ب�شعر الونة‪.‬‬

‫�أ�شهر من غناها‪:‬‬

‫الفنان علي بالروغة‪ ،‬والفنان جابر جا�سم‪ ،‬وقد تقدم التعريف بهما‪.‬‬ ‫����������������ص���������������اح اب������������������زق������������������ر امل���������������ن���������������ادي‬ ‫غ������������م�������������������������س ع��������������ل��������������ى ل�����������������ف�����������������وادي‬ ‫وي���������������������������ن اق��������������������م��������������������ري مل��������������ج��������������ادي‬ ‫يل م�����������������������س�����������ق�����������ن�����������ي ودادي‬ ‫ال����������������ل����������������ي �أق�������������������ب�������������������ل م�����������ت�����������ب�����������ادي‬ ‫ه�������������������و ج����������������اع����������������د الأن����������������������ه����������������������ادي‬ ‫ل���������������������������������ويل وج���������������������������������ف مل�����������������ع�����������������ادي‬ ‫ب���������������������������و خ���������������م�������������������������������ص ج�������������ل�������������ادي‬ ‫ت�����������������دع�����������������ي ح�����������������ال�����������������ك ن�������������ف�������������ادي‬ ‫ع���������ي���������ن���������ي و��������������س�������������ط ال�������������������������س������������وادي‬ ‫م�������������������ا خ���������������������������ص ب�������������ه�������������ا ه�������������ب�������������ادي‬ ‫غ�����������������������ش ال����������ب���������������������ص�����ي����ر ال��������������ع��������������ادي‬ ‫ي������������������ام������������������ن ب���������������ل���������������ي ب������������ي������������ه������������ادي‬ ‫��������������ش�������������اب�������������ك ع�������������ل�������������ى ل����������������ف����������������وادي‬ ‫يف ظ���������������ن���������������ي واح������������������ت������������������ي������������������ادي‬ ‫ق����������������������م دن ي����������������������ا ق�������������������������ص������������ادي‬ ‫ق���������������ب���������������ا ن�������������ف�������������ي�������������ا ع���������������������������ض�������������ادي‬ ‫وان ي��������������ي��������������ت يف ل��������������ب�������ل������ادي‬ ‫ه������������������������و م������������ن������������ت������������ه������������ى مل�������������������������������رادي‬

‫‪..‬ب��خ��ط��وف��ة‬ ‫‪..‬ب����ال����ك����وف����ة‬ ‫‪..‬م���ا����ش���وف���ة‬ ‫‪..‬ب�������ش���ف���وف���ة‬ ‫‪..‬الح�������وف�������ة‬ ‫‪..‬يل ���ش��وف��ة‬ ‫‪ ..‬ب�����س��ي��وف��ة‬ ‫‪..‬م�����س��ف��وف��ة‬ ‫‪..‬م���ا����ص���وف���ة‬ ‫‪..‬م�����اغ�����وف�����ة‬ ‫‪..‬م�����ش��ح��وف��ة‬ ‫‪..‬ع���ن �شوفة‬ ‫‪..‬يف ي���وف���ة‬ ‫‪..‬ب����ط����روف����ة‬ ‫‪..‬م����اط����وف����ة‬ ‫‪..‬م����ك����ل����وف����ة‬ ‫‪..‬ب���ال���ط���وف���ة‬ ‫‪..‬ب���ت�������ش���وف���ة‬ ‫‪..‬ل�������ل�������وف�������ة‬

‫ي�������������وم ال�������������س������ف������ن ب����ت���������ش����ل‬ ‫وال وادع������������������������ة ب������احل������ل‬ ‫يل ن������������������������وره م�������ع�������ت�������زل‬ ‫ع���������ل���������ه ع���������ق���������ب ال������ن������ه������ل‬ ‫�إن م��������ي��������ح��������ن ل�������ق�������ذل‬ ‫ي��������ن��������م��������از �أو ي������ع������ت������زل‬ ‫ع���������ن و������ص�����ل�����ه�����م ب����و�����ص����ل‬ ‫ع�����ي�����ن�����ه ه������دب������ه������ا ام�����ظ�����ل‬ ‫ال�����������ع�����ي�����ن م�������������ن ت�����������ش�����ه�����ل‬ ‫م����������اغ����������وف����������ة وات�������ه�������م�������ل‬ ‫�آن�����������������������������س م��������ن��������ه��������ا وي���������ل‬ ‫وال��������ع��������اج��������ل م���������ا ي���ج���ه���ل‬ ‫ع������������وقٍ م�������ا ه�������ب ال�������س���ه���ل‬ ‫م����������������ا خ��������ل�������ا يل م������ه������ل‬ ‫ه������������ذا ال�������������ش������ه������ر يل ح���ل‬ ‫م����������ا ع�������ر��������ض�������ت ل����ل����ج����م����ل‬ ‫ه��������������ات اب���������ه���������ا واع������ت������ي������ل‬ ‫دع���������������ج ال���������ع���������ي���������ان �إث������������ل‬ ‫ف���������ر����������ض وغ���������ي��������ره ن����ف����ل‬


‫قطعت الوصل‬ ‫ال�شاعر‪� -‬أحمد بن علي الكندي‪:‬‬

‫�أحمد علي الكندي املرر‪ ،‬ولد علم ‪ 1940‬وتويف ‪ 26/12/1985‬وقد ا�شتهر با�سم الكندي وهو ا�سمه العائلي وينتمي �إىل قبيله‬ ‫املرر وهي من قبائل بني يا�س ‪ .‬كان الكندي من ال�شعراء الذين �أ�سهموا يف تطوير الق�صيدة ال�شعبية واملحافظة على وجودها‬ ‫وجمالها بني الفنون والآداب ال�شعبية الأخرى‪ ،‬كما �أ�سهم يف الكثري من الربامج الإذاعية والتليفزيونية و�شارك يف اخلارج يف‬ ‫املهرجانات ال�شعبية لفنون دولة الإمارات‪.‬‬

‫غناها الفنان علي بالروغة‪ ،‬وقد تقدم التعريف به‪.‬‬

‫ق��ط��ع��ت ال���و����ص���ل ي����ا ح��ل��ـ��و ال�����س��ج��اي��ـ��ا‬ ‫ط�����وي�����ت ر������ش�����اك ث�����ر ع�����ن وردم����اي����ـ����ا‬ ‫ت���خ���ل���ي���ن���ـ���ي ادوي م����ـ����ـ����ن ظ���م���ـ���اي���ـ���ا‬ ‫�أخ������اف �أ����س���ب���اب ����ص���دك م���ن ال��و���ش��اي��ا‬ ‫�إذا ل������ك يف ه��������وى غ����ي����ـ����ري ب���غ���اي���ـ���ا‬ ‫وال �أج���ب���ر ن���ف�������س م�����ا ت���ب���غ���ي ه���واي���ـ���ا‬ ‫ح���ب���ي���ب���ي زورين واج�����ب�����ـ�����ر ع����زاي����ـ����ا‬ ‫ع������ذاب������ـ������ي م����ن����ـ����ك ط������ـ������ال واع����ن����اي����ـ����ا‬ ‫ع�������س���ى اهلل ف���ي���ـ���ك ي���ا����ص���ـ���ل رج���اي���ـ���ا‬ ‫ون���������س����ع����د يف امل����ح����ب����ـ����ه ي�����ـ�����ا م���ن���اي���ـ���ا‬ ‫ع���ل���ي���ك �أغ����������ار م�����ن ري�����ـ�����ح ال�������ص���ب���اي���ا‬ ‫وم������ن ك���ا����س���ك ع���ل���ى مل�������س ال�����ش��ف��اي��ـ��ا‬ ‫ودادك ل�����دن�����ـ�����ي ل�����ـ�����ـ����� ّد ال���ظ���م���ـ���اي���ـ���ا‬ ‫ج���ع���ل���ـ���ك اهلل ح���ل���م���ـ���ي وال�����ـ�����رواي�����ـ�����ا‬ ‫ويف ع���ي���ن���ي ع����زل����ك �أم�����ـ�����ن ال��ب�راي����ـ����ا‬ ‫ع����دي����ـ����م ف����ـ����ي امل�����داي�����ـ�����ن وال����ق����راي����ـ����ا‬ ‫����ش���ع���ل���ت ال������ن������ار يف ب����اط����ـ����ن ح�������ش���اي���ـ���ا‬ ‫�أال ي�����ـ�����ا ع����اذل����ي����ن����ـ����ي ف�����ـ�����ي ه����واي����ـ����ا‬ ‫ط�����ري�����ـ�����ق احل������ـ������ب ب����ال����ن����ـ����ي ب���ـ�ل�اي���ـ���ا‬

‫وال ادري و������ش ع�ل�ام���ك م����ا جت��ي��ن��ي‬ ‫و�����ص����رت ات����خ����وز ع����ن درب�������ي وع��ي��ن��ي‬ ‫ع����ل����ى ال����ب����ي����ب����ان م����ه����ج����ـ����ور ح���زي���ن���ـ���ي‬ ‫ك����ث��ي�ر ال����ن����ـ����ا�����س ف���ي���ه���ـ���م غ����ادري����ن����ـ����ي‬ ‫�أن������ا م����ا ت���ب���ع ه�����وى ال���ل���ي م����ا ي��ب��ي��ن��ـ��ي‬ ‫وال ت���ر����ض���ـ���ى ب�������س���ل���ـ���وم ال ّ��ط��ي��ب��ي��ن��ـ��ي‬ ‫وخ��������� ّل ال������وا�������ش يف غ���ي���ظ���ـ���ه دف���ي���ن���ـ���ي‬ ‫و�������ص���ب��ري ق������د ن����ف����ذ وي�����ـ�����ن امل���ع���ي���ن���ي‬ ‫ون���������ص����ب����ح ف����ـ����ي ه�����وان�����ـ�����ا م��ه��ت��ن��ي��ن��ـ��ي‬ ‫ب����ج����ـ���� ّو خ���ـ���ال���ـ���ي م�����ن احل���ا����س���دي���ـ���ن���ـ���ي‬ ‫�إذا ل����� ّف�����ك م����ـ����ن اي���������س����ـ����ار ومي���ي���ن���ـ���ي‬ ‫وم������ن ����ش���ي���ل���ك ع���ل���ى مل�������س اجل��ب��ي��ن��ـ��ي‬ ‫وغ�����ّي�����رّ ح�����ال�����ت�����ي ي�����ـ�����ا ن������ـ������ور ع���ي���ن���ـ���ي‬ ‫ويف درب����������ي خ����ي����ال����ك ل����ـ����ي ق���ري���ن���ـ���ي‬ ‫اب����ك����ل �أو��������ص�������اف م�����ن ط����ب����ع وزي���ن���ـ���ي‬ ‫������ش�����رات�����ك م����ـ����ن ج���م���ي���ـ���ع ال���ع���امل���ي���ن���ـ���ي‬ ‫ت����ع����ذب����ن����ـ����ي وق����ل����ب����ـ����ك م�����ـ�����ا ي���ل���ي���ـ���ن���ـ���ي‬ ‫�أن��������ا م�����ا ����س���م���ع ل���ك���ـ���م ي����ـ����ا ع���اذل���ي���ن���ـ���ي‬ ‫وم����ك����ت����وب ع����ل����ى ����ص���ف���ح���ـ���ة ج��ب��ي��ن��ـ��ي‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪92‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫�ألفاظه اخل�شنة م�ؤ�صلة يف القامو�س البدوي‬

‫عنيز أبو سالم التُّرباني‬

‫النبطي في سيناء‬ ‫أمير الشعر‬ ‫ّ‬ ‫�سيناء‪� -‬سامل �أبو �شبانه‬ ‫«�سيناء» ا�سم يلمع يف الأدَب ّيات العامل ّية‪� ،‬إنها �أر�ض اهلل حظيتْ بالقدا�سة منذ �أعماق التاريخ ال�سحيقة؛‬ ‫فالإله «حتوت» معبود ال�سينائيني �أنقذ الطفل «حور�س» عندما لدغ ْته العقرب يف م�ستنقعات الدلتا‪،‬‬ ‫�أي�ضاً الأديان ال�سماوية الثالثة كان م�سرحها �أر�ض �سينا َء ب�شكل �أو ب�آخر؛ كما �أن �سيناء ابتكرت �آلهة‬ ‫عاملية لع�صور طويلة؛ لعل من �أ�شهرها �إله القمر «�سني»؛ الذي انت�شرتْ عبادته يف ال�شرق القدمي‬ ‫حتى و�صل �إىل الهالل اخل�صيب �شما ًال وجنوب �شبه اجلزيرة العربية‪.‬‬


‫ل�ق��د اج �ت��ذب ج �م��ال الطبيعة يف �سيناء‬ ‫ال�ك�ث�ير م��ن ال�ت�ج�م�ع��ات ال�ب���ش��ري��ة ق��دمي� ًا‬ ‫وحديث ًا‪ ،‬منهم على �سبيل املثال ال احل�صر‬ ‫«الأنباط» الذين َب َنوا عا�صمتهم «البرتاء»‬ ‫على ت�خ��وم �سيناء‪ ،‬وك��ان لهم ميناء يف‬ ‫مدينة «ده��ب» احلالية‪ .‬كما اجتذب هذا‬ ‫اجل�م��ال الغام�ض ال�ع�ب��اد وال�ب��اح�ث�ين عن‬ ‫ال�سالم الروحي يف دير «�سانت كاترين»‬ ‫و«ج�ب��ل مو�سي» وال ��وادي املقد�س «ط��وى»‬ ‫وغريها الكثري من الأماكن املقد�سة‪.‬‬ ‫�إن �إن� � �ق � ��اذ الإل� � � ��ه «حت� � � ��وت» ل �ل �ط �ف� ِ�ل‬ ‫الإل��ه«ح��ور���س»ع�ن��دم��ا لدغته ال�ع�ق��رب يف‬ ‫�أحرا�ش الدلتا؛ يظهر بجالء ميل الإن�سان‬ ‫ال���س�ي�ن��ائ� ّ�ي ق��دمي � ًا للخري وك��ره��ه ال�شر‪،‬‬ ‫ال�سمات‪،‬‬ ‫وبالطبع م��ا زال يتَّ�سم بنف�س ّ‬ ‫كما كان للطبيعة القا�سية اخلالبة يف �آن‬ ‫دور مهم يف �إلهام قاطنيها رغبة البوح؛‬ ‫ومواجهة ق��وى الطبيعة‪ :‬اجلبل‪ ،‬ال��وادي‪،‬‬ ‫وال �� �ص �ح��راء ال �ت��ي ت �ت��وال��د م� � َّد ال�ب���ص��ر؛‬ ‫ال �� �ص��رام��ة وال ��� ّ�ش��اع��ري��ة وع� ��دم ال�ث�ب��ات‬ ‫والتبدل امل�ستمر‪ ،‬وملحاولة ال�سيطرة على‬ ‫كانت الو�سيل َة التي‬ ‫هذه الطبيعة؛ ف�إن الكلم َة ْ‬ ‫َرحاله؛‬ ‫توا�صل الإن�سان بها وع�ش َقها يف ِح ّل ِه وت َ‬ ‫فهي �إذن �أر�ض ال�شعر‪.‬‬ ‫ال�شعر مل يفارق قاطني �سيناء مَ َنا معهم‬ ‫وك ��ان دف�ت�ر �أح��وال �ه��م‪ ،‬ف�ح��وى �أف��راح�ه��م‬ ‫طي»‪ ،‬ومن‬ ‫و�أ ْت � َر َ‬ ‫اح �ه��م «�أع�ن��ي ال�شعرال َّن َب َّ‬ ‫فر�سانه الكبار «عنيز �أبو �سامل»‪.‬‬ ‫هذه حماولة لر�سم �صورة ل�شاعر �سيناء‬ ‫الكبري «عنيز �سامل ال�ترب��اين» ال��ذي ملأ‬ ‫الأ�سماع وتغنى ب�شعره كل ب��دوي منت�شي ًا‬ ‫ومعتز ًا ببداوته‪ .‬الرجل ال��ذي كان مثا ًال‬ ‫حقيقي ًا لفار�س الكلمة و�صاحب خلق طيب‬ ‫ن��ال مكانته العالية ب�ين ال�ب��دو ل�شعريته‬ ‫الفذة املتميزة‪.‬‬ ‫�س�أحاول �إ�سقاط ال�ضوء على هذا ال�شاعر‬ ‫الكبري من �شعراء �سيناء؛ بل �أمري �شعرائها‪.‬‬ ‫وقد جتلى ذلك يف �إنتاجه ال�شعري املتنوع‬ ‫واملتميز يف منطقة �سيناء مهد �أج ��داده‬ ‫الأنباط‪ ،‬بل وتخطي �إىل الدائرة الأو�سع من‬ ‫متذوقي ال�شعر يف الدول العربية املجاورة‪.‬‬

‫اجتذب جمال الطبيعة‬ ‫في سيناء الكثير من‬ ‫التجمعات البشرية‬ ‫قديم ًا وحديث ًا منهم‬ ‫«األنباط» الذين بَنَوا‬ ‫عاصمتهم على التخوم‬ ‫فمن هو عنيز �أبو �سامل الرتباين؟!‬

‫ن�سبه ومولده‬

‫ه��و «عنيز �سامل �سويلم ع�شي�ش العر�ضي‬ ‫ال�ت�رب ��اين» م��ن ق �ب �ي �ل��ة‪« ‬ت��راب�ين» ع���ش�يرة‬ ‫«ال�ع��ر��ض��ي»‪ .‬ول��د عام«‪ »1924‬يف منطقة‬ ‫نويبع بجنوب �سيناء عا�ش يف «العني ووادي‬ ‫وت�ي�ر»‪ .‬تنت�شر قبيلة ال�تراب�ين يف منطقة‬ ‫ال��و��س��ط واجل �ن��وب ل�شبه ج��زي��رة �سيناء‪،‬‬ ‫وحيث البداوة وال�صحراء و�شظف العي�ش‬ ‫ت��رع��رع ب�ين اجل�ب��ال وال�سهول وال��ودي��ان‪،‬‬ ‫ف��ر�أى الذئاب والثعالب وا�صطاد الغزالن‬ ‫وال�ث�ع��اب�ين‪ ،‬وت��رب��ى يف خ�شونة م��ن العي�ش‬

‫كطبيعة �أهل ال�صحراء القا�سية‪.‬‬

‫ن�ش�أته‬

‫ولد ال�شاعر يف �أ�سره فقرية‪ ،‬وقد تويف والده‬ ‫وترك له بع�ض ًا من الأغنام والإب��ل‪ .‬تاجريف‬ ‫الإبل فرتة وكان يبيعها يف �أ�سواق فل�سطني‪،‬‬ ‫ثم تاجر يف ال�بن «القهوة» وك��ان ي�أتي بها‬ ‫من ب�لاد ال�شام ويبيعها يف م�صر‪ .‬وبرغم‬ ‫حدّة احلياة وق�سوتها يف �سيناء وم�شاغله يف‬ ‫التجارة؛ �إال �أن��ه كان مل ّم ًا بال�شعر النبطي‬ ‫و�أ�شعار البادية‪ ،‬بد�أ نظم ال�شعر مع حداثه‬ ‫�سنه‪ُ ،‬عرف يف حميط �أماكن عدة ويف بع�ض‬ ‫ال ��دول امل �ج��اورة‪ :‬مثل ال�سعودية والأردن‬ ‫و�سوريا‪ ،‬وكان كثري ال�سفر �إليها‪ .‬وقد �أجرت‬ ‫ال�صحافة املحلية والأجنبية معه لقاءات عدة‬ ‫اعرتاف ًا مبوهبته ومتيزه ال�شعري‪ .‬ما يزال‬ ‫�أبنا�ؤه يقطنون مدينة نويبع‪.‬‬

‫مكانته‬

‫�أحب «عنيز» حياة ال�سفر والرتحال؛ فعمل‬ ‫بالتجارة‪ ،‬وتن ّقل بني املراكز والأق�سام‪ ،‬كما‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪94‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫تنقل يف �أنحاء م�صر وبني ال��دول العربية‪،‬‬ ‫ول �ع��ل �أ� �س �ف��اره �أك���س�ب�ت��ه خ�ب�رة ودرب� ��ة مل‬ ‫يكت�سبها �شاعر من قبل‪ ،‬وك��ان على دراي��ة‬ ‫بعلم الأن�ساب وبالق�ضاء العريف وكان مهاب ًا‬ ‫يف قومه‪ ،‬له ح�ضور و�أملعية وح�صافة ر�أي‬ ‫وبالغة مل تكن موجودة ل��دى �أق��ران��ه‪ ،‬لذا‬ ‫�أ�صبح قا�ضي ًا عرفي ًا و�شيخ ًا يق�صده امل�شايخ‬ ‫والق�ضاة العرفيون للت�شاور والأخ��ذ عنه‪،‬‬ ‫كما ك��ان يق�صده العامة حل � ّل م�شاكلهم‪،‬‬ ‫واال�ستمتاع بحكاياته وم�سامراته و�أ�شعاره‪.‬‬ ‫لقد ا�ستطاع �أبو �سامل �أن يحول ال�صحراء‬ ‫�إىل م�ن�ت��دى ث �ق��ايف و�أدب� ��ي ح�ي��ث يق�صده‬ ‫ال���ش�ع��راء بالليل‪ ،‬ين�شدون ال�شعر عنده‬ ‫وي�ستمعون �إىل �آخر ما كتب من ال�شعر‪ ،‬كما‬ ‫كانوا يتبارون معه يف م�ساجالت �شعرية‪،‬‬ ‫وكان من �أ�شد املعار�ضني له ال�شاعر �سلمى‬ ‫اجلربي �شاعر قبيلة «احلويطات »‪.‬‬ ‫مل يتعلم «عنيز» يف مدر�سة نظامية‪ ،‬بل كانت‬

‫شاعر فطرة مطبوع‬ ‫يتميز بالرصانة وجاءت‬ ‫أشعاره مقفاة الصدر‬ ‫والعجز متفرد ًا بذلك عن‬ ‫كل شعراء البادية في‬ ‫مصر‬ ‫احلياة مدر�سته‪ ،‬ومل مي�سك قلم ًا؛ ليخط به‬ ‫�أ�شعاره قط‪ .‬عنيز�أبو �سامل مدر�سة �شعرية‬ ‫ب��ذات�ه��ا‪ ،‬وا�ستحق �إم ��ارة ال�شعر ال�ب��دوي؛‬ ‫فكانت البالغة جتري على ل�سانه ب�سال�سة‪،‬‬ ‫رغم �أن الألفاظ يف �شعره خ�شنة وحو�شية يف‬ ‫الغالب‪� ،‬إال �أنها كانت م�ؤ�صلة يف القامو�س‬ ‫البدوي‪.‬‬ ‫عنيز �أبو �سامل �شاعر فطرة مطبوع‪ ،‬يتميز‬ ‫�شعره بالر�صانة‪ ،‬والتمكن من فن ال�شعر؛‬ ‫ف �ج��اءت �أ� �ش �ع��اره مقفاة ال���ص��در والعجز‬ ‫وتف ّرد بهذا عن كل �شعراء البادية يف م�صر‪.‬‬ ‫وفيما يلي خمتارات من ق�صائده‪:‬‬

‫البارحه والقلب مابات‬

‫ال�ب��ارح��ه والقلب فالليل مابات‬ ‫وال �ك �ب��د م ��ا ط��اي��ب ع�ل�ي�ه��ا ع���ش��اه��ا‬ ‫ب�ين الل�سان وزي�ب��ق امل��خ �شبكات‬ ‫عند الق�صيدة كيف نو�ضح ا�سماها‬ ‫قال الل�سان‪� :‬إن كان العلم كبات‬ ‫خ �� �س��اي��ر ال �ط �ل �ب��ة ع �ل��ى م ��ن ب�ن��اه��ا‬ ‫واملخ قال‪ :‬العني لل�شر مبيات‬ ‫وم� ��رواده� ��ا ه ��و ال���س�ب��ب يف ع�م��اه��ا‬ ‫وقال املراجل ‪ :‬بطلت واحليا مات‬ ‫وال �ن��ا���س � �ص��ار وج��وه��ا زي ق�ف��اه��ا‬ ‫واعر�ضت عن ن�ص ال�سوالف من �سكات‬ ‫ودلو الظمى ال نقرط وراها ر�شاها‬ ‫و�شديت علي من ركاب الأحيوات‬ ‫ع��و��ص��ن �شحمها م��ا يغطي كالها‬ ‫�أودت بي تخدلج مع نبوع الرخيمات‬ ‫وك �ن��ت م��ن ال�ف�ي�ح��ى ب�ل�اد ال�ت�ي��اه��ا‬ ‫وتلفي عريب ينقال عنهم الفهيدات‬ ‫ال �ك �ل �م��ة ال �ع �� �س��رى ع �ل �ي �ه��م دواه� ��ا‬ ‫ذب ��اح ��ة ل�ل���ض�ي��ف ع�ب����س امل�ل�ب��ات‬

‫و��ض�ي��وف�ه��م ت���ص�ب��ح ت �ن��اد���س حل��اه��ا‬ ‫واال بني عقبة تقول نا�س با�شات‬ ‫ب ����س م��اع��رف �ن��ا ج ��وده ��ا م ��ن رداه ��ا‬ ‫قالوا طالبه هايفه و�شرها مات‬ ‫وزغ ��رات� �ه ��ا م ��اه ��و م �غ �ط��ي غ �ن��اه��ا‬ ‫اللي �شرع القانون بالعار للعار بالذات‬ ‫اله � � � ��م ت � � ��راب �ي ��ن واله � � � � ��م ت� �ي ��اه ��ا‬ ‫زود البنتي �أ�صعب من ال�صعيبات‬ ‫و�ش كود �أبوها اللي فحلها عطاها‬ ‫حتتج من دي��رة �إىل �سبع دي��رات‬ ‫وت�صيب اللي فديرتها يفت�ش خطاها‬ ‫�أنتم تياها وت�شتكو من امل�سبات‬ ‫وي�ج��ب على الطلبه نغري �أ�سماها‬

‫و�سيط اخلري‬

‫ك��ان يتو�سط خ�ي�ر ًا ب�ين ال�ق�ب��ائ��ل؛ ليجمع‬ ‫�شملهم على اخل�ير‪ .‬من ذل��ك الق�صيدتان‬ ‫اللتان بني �أيدينا قالهما؛ لي�صلح بني قبيلتي‬ ‫«بني عطية» الذين هم �أخ��وال��ه وب�ين قبيلة‬ ‫«احلويطات»‪� .‬أر�سل �إحداها للطرف الأول‪،‬‬ ‫والأخرى للطرف الثاين‪.‬‬ ‫الق�صيدة التي �أر�سلها للطرف الأول‪ ،‬وهم‬ ‫«بنو عطية»‪:‬‬

‫من كرث ما ق�ضيت عمري وانا اللوب‬ ‫وف ��رق ��ت ب�ي�ن ال �ف��اي��ده واخل �� �س��اره‬ ‫ملا عرفت الرزق من داخل البوب‬ ‫وطرقك �أب��واب ال��رزق ما هو معاره‬ ‫يا راك��بٍ من عندنا فوق ميدوب‬ ‫مم �� �ش��ى � �ش �ه��ر ي �ت �ن��و� �ش��ه يف ن �ه��اره‬ ‫عليه من و�سم الرتابني غبغوب‬ ‫وع �ل �ي��ه م ��ن و�� �س ��م امل � �ع� ��ازه �أم� � ��اره‬ ‫ل �ق �ي��ه درب وي� �ف ��رق م �ن��ه دروب‬ ‫ودرب ال �ط �ب �ي �ق��ة ت �خ �ل��ه ع ي �� �س��اره‬ ‫و�أغ�شى تبوك و�أن�شد النا�س ب�أ�سلوب‬ ‫وال ف ��رق ب�ي�ن ال �ب��ادي��ة واحل �� �ض��اره‬ ‫وتلقى �ضيف اهلل م�آكل وم�شروب‬ ‫وال� �غ ��امن ��ة ف��ر� �س��ة والد ال �ن �م��اره‬ ‫يقدموا لل�ضيف اللي �أحلى من الذوب‬ ‫م��ن �أ��ص�ف��ر ت ��داوي ال��را���س ري�ح��ة بهاره‬


‫وحنت الغدى يقلط لنا ب�أعز مطلوب‬ ‫�وف ون ��ا� ��س ي �ق��دم��وه ب �ي �� �س��اره‬ ‫ب� �ح � ٍ‬ ‫�أنا خوايل �سا�سهم مقطع حروب‬ ‫ر ل� ��و خ � ��رب ع �ل �ي �ه��م ع �م ��اره‬ ‫وال � �ب� � ّ‬ ‫وتقول يا بن حرب ال�صرب مطلوب‬ ‫�إك � � � ��رم رب� �ي� �ب ��ك ال ت� �ب�ي�ن �إع � � � ��واره‬ ‫وال�شر الت�شريه لن جاك جملوب‬ ‫ما من �شراية ال�شر غري اخل�ساره‬ ‫دنياك لو تنظر لها كلها عيوب‬ ‫ما ظل عِ ��د وم��ا �أ�سطبت لك ق��راره‬ ‫واللي ح�صل نلقاه فاجلرد مكتوب‬ ‫ل��و ت��دح��ره ع�ن��ك �صعيبٍ ان��دح��اره‬ ‫يوم الدهر َلب�س لنا الثوب مقلوب‬ ‫ن�ت��رك ح �ل�اوات ��ه ون �� �ش��رب م� ��راره‬ ‫ون�صرب على احلا�ضر كما ي�صرب �أيوب‬ ‫وما�ضي ج��دودك غ�ير وده انطاره‬ ‫والذيب �صبح يلب�س القرن مقلوب‬ ‫وا�ستذيب ا ُ‬ ‫�صن عليك الب�شاره‬ ‫حل ِ‬

‫وخله على مينـاك زاحـول طابـه‬ ‫والئِت ْم الأي�سر هـو طريـق الغنايـم‬ ‫وبني احل�سِ ي واجلِ رف تلقـى ذيابـه‬ ‫ُ�شقـر ال�سيـوف مغربيـن الو�سايـم‬ ‫يا ما انكفوا ع ذود مـن را�س البـه‬ ‫ويا ما �أفطروا ع را�س وال�سيف �صامي‬ ‫ال�سيف ما هو �سيـف لـوال ان�صابـه‬ ‫ال�سيف جيد يف �إيد ابـو حـظ قايـم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وتعظ ْم يف عيـن ال�صغيـر الذبابـه‬ ‫وت�ص َغ ْر يف عيـن العظيـم العظايـم‬ ‫وتقول البن جازي �إن دارك مهابـه‬ ‫خ�صم ق�ـ��وي العزايـم‬ ‫وع�سرة على‬ ‫ٍ‬ ‫وتقول البـو تايـه كفانـا �صالبـه‬ ‫ياما ارتكبنا مـن ال�صالبـه جرايـم‬ ‫وا�سمع ق�صيد عنيز واقـرى جوابـه‬ ‫�إن���س��ان م��ا لـه ف ال�ب�ـ��داوه خ�صايـم‬ ‫�أنا �سمعـت �إن بينكـم زي الطالبـه‬ ‫ق���ص�ي�ـ��د ع �ـ��ذب وا� �ص �ـ �ـ��لٍ لل�شتـايـم يا طري‬

‫ياع�شي�ش لك عندى و�صاة مقيمة‬ ‫و�صاة اللى جرب امل ّر ياع�شــي�ش‬ ‫ياع�شي�ش التاكل عقــاب الوليمة‬ ‫وال متثل للرجال الدراويـــــــــ�ش‬ ‫وخلك �صبور وخل نف�سك عزمية‬ ‫و�أر�ضى بكومك لو عطوك الكراكي�ش‬ ‫ترى �أبوك �صبح يف بالد الظليمة‬ ‫و�أ�صفر لونه زي ذهاب اخلراطي�ش‬ ‫عقب املعزة والثياب الد�سيمة‬ ‫ور�ص الزبيديات جنب املهابي�ش‬ ‫ّ‬ ‫�صرنا هفايا مالنا ذات قيمة‬ ‫وب�س لي�ش ياالدنيا عملت كذا لي�ش‬ ‫وع�سى مع�شية املقاوي �سليمة‬ ‫اللي م�ضى على رقمها قايد اجلي�ش‬ ‫و«ع���ش�ي����ش» ال� ��وارد ذك ��ره يف الق�صيدة‬ ‫هو �أح��د �أب�ن��اء ال�شاعر‪ ،‬وتُ�ستخدم كلمة‬ ‫«م�ضى» مبعنى «وقع»‪.‬‬ ‫ياطري م�شني طبعك عقب تغيبك ما �إنت منطاقِ‬

‫�أم � ��ا ع ��ن ال �ق �� �ص �ي��دة ال �ث��ان �ي��ة ل�ق�ب�ي�ل��ة ياع�شي�ش‬ ‫م���ش�ين ط�ب�ع��ك ط ��ول ل�ي�ل��ك تقاقي‬ ‫احلويطات فهي‬ ‫ياونـــــة ونيتها عقب نيمــــــــة‬ ‫ياطري �أن��ا م�شتاق للعلم م�شتاق‬ ‫ب��رقٍ علـى القبلـه ت َقـز َل �سحابـه‬ ‫والعني تنو�ش من النوم تنوي�ش‬ ‫وقلب اخلطاطري زي ما�أنت هاقي‬ ‫خِ �ل�ت��ه وان �ـ��ا ��س�ه�ـ��ران وال��ذي�ـ��ب نايـم‬ ‫ياطري ماطبيت يل يمَ ب ّر بر�شاق‬ ‫يا راكب اللي مثـل قـو�س الربابـه‬ ‫� �ش �ـ��ارب ل�ب�ـ��ن ث�ن�ت�ي�ـ��ن �أم� �ـ ��ه وراي �ـ��م لم يتعلم عنيز في‬ ‫وال ال�ظ�ل��ل ج�ي�ت��ه ورو�� ��س ال��زالق��ي‬ ‫و�ضفت الفريق اللي به ال�سمن دفاق‬ ‫مدرسة نظامية ولم‬ ‫ل�ـ��و طبعـه رك�ي�ـ��ب خ�ب�ـ��لٍ عثـابـه‬ ‫ع ��ز ال �ط �ن �ي��ب وم� �ن ��وة م ��ن ي�لاق��ي‬ ‫وال اخل� �ـ� � َزم م �ـ��ا ي�ق��رع�ن�ـ��ه ��ص��راي�ـ��م يمسك قلم ًا ليخط به‬ ‫ولال وردت العني وهذيك الأطباق‬ ‫أشعاره ولكنه كان‬ ‫مِ � ْز َي��نْ َوب�شه عقـب مـا طـق نابـه‬ ‫وم ��داج خللي وال���ص��دي��ق ال��وف��اق��ي‬ ‫ط�ي ً�ر ُغ � ُر ْن �ـ��ق وط��ول�ـ��ة الليـل حايـم مدرسة شعرية بذاتها‬ ‫ي��اط�ير ماق�صيت يل ُج��رة نياق‬ ‫ج �ـ��ود م�ع��ال�ي�ق�ـ��ه وق�ـ�ل�ـ��ل زه�ـ��اب�ـ��ه‬ ‫واستحق إمارة الشعر‬ ‫يف ال�ل�ت��ح ول�ل�ا م �ق��وط��رات امل�لاق��ي‬ ‫ودون ال��وج��وه املفلحـه مِ �ن�ـ��تْ نايـم البدوي‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪96‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫و�أن��ا طلعتهن على را���س حردوب‬ ‫و�أن � � ��ا � �ش��وي��ر ال ��رب ��ع و�أن � � ��ا امل �ع��اين‬ ‫متق�سمني احلمد تق�سيم بالنوب‬ ‫م ��اه ��م م ��ن ال� �ل ��ي ت ��ارك�ي�ن امل �ع��اين‬

‫الفخر‪:‬‬

‫من �سا�سنا زين اخل�صيالت فينا‬ ‫اللي يطعمينا اخلطا نطعمه اي��اه‬ ‫ح �ن��ا ل�ف�ع��ل �أج ��دادن ��ا م��ا ن�سينا‬ ‫وك � ��ل م� ��ا ي �غ �ب��وب��ر ي �ح ��ل ب �ط��ري��اه‬ ‫وي��ام��ا ت�لام��ع زان�ه��ن ب�ين يدينا‬ ‫يف �� �س ��اع ��ة ف� �ي� �ه ��ا ك �ل ��ام امل� � �ك � ��ازاه‬ ‫ي��ام��ا ت�لام��ع زان �ه��ن ب�ين ايدينا‬ ‫ال � �ل� ��ي زرع اخل � �ط� ��ا غ �ي��ر ي �ج �ن��اه‬

‫ألفاظ عنيز خشنة‬ ‫وحوشية إال أنها مؤصلة‬ ‫عادة في القاموس‬ ‫البدوي‬ ‫امر�أة �سيناوية يف الزي التقليدي‬

‫يل َبكرة �شقرة مع الذود ملهاقي‬ ‫غ�صبٍ على خليتها وه��ي �إم�لاق��ي‬ ‫يف الليلة اللي �شرها ما بينطاق‬ ‫اهلل ال ي� �ب� �ل ��ى ب � �ل � �ي� ��ايل ال � �ف � ��راق‬ ‫دق�ي��ق ال��ذرع��ان ومدملج ال�ساق‬ ‫دم �ع��ه ي� ��ذرف م��ا ي�ن��زح�ن��ه ��س��واق��ي‬ ‫و�أمي حترى العِلم مع كل �سواق‬ ‫وت �ن �� �ش��د ال �ل��ي ن �� �ش��دت��ه م ��ا ت�ن�ط��اق‬ ‫و�أختي وراي تبدل ال�ضحك بزعاق‬ ‫ودم ��وع� �ه ��ا م��ا� �ض �ل��ت ل �ه��ن ب��واق��ي‬

‫يف الو�صف‪:‬‬

‫اليوم �أنا وايقت من فوق حردوب‬ ‫مب� ��رب� ��ع �� �ش ��وف ��ه ي� ��زي� ��ح ال� ��دخ� ��ان‬

‫قال مفتخر ًا �أي�ض ًا‪:‬‬

‫اح� �ن ��ا ب� �ق ��وم ول �ق �ب��ون��ا ت��راب�ي�ن‬ ‫وب ��ا ت��ت ت��زع��زع �ن��ا ح� ��روب ال� ��دو ّ‬ ‫يل‬ ‫تلقى منازلنا قريبة م��ن العني‬ ‫وت �ل �ق��ى م��را� �ش �ق �ه��ن ع �ل �ي �ن��ا ت��ديل‬ ‫تلقى دب�شنا قليل وب��ا��س�ن��ا زي��ن‬ ‫و�� �ص ��دورن ��ا م ��ن ه �ب��ة ال ��ري ��ح م�ل� ّ�ي‬

‫الغزل‪:‬‬

‫لم يفارق الشعر قاطني يا �أبو براطم زاهيات بالأو�صاف‬ ‫ح� ��رق� ��ت ق �ل �ب��ي ح� � � � ّرق اهلل دارك‬ ‫ما معهم وكان‬ ‫سيناء ن َ َ‬ ‫طبعك عنود وترزم ّ‬ ‫يل و�أنا �أخاف‬ ‫دفتر أحوالهم وحوى‬ ‫حلوك لنا�س ونا�س ت�شرب م��رارك‬ ‫حهم‬ ‫أفراحهم وأ ْترَا َ‬ ‫كويتني بالرم�ش من دون خراف‬ ‫واي�ش حال عاد اللي روى من قرارك‬ ‫ي��اراك��ب من عندنا ف��وق ميدوب‬ ‫تهتز يف م�شيك تقول عود �صف�صاف‬ ‫ال� �ع ��ود � �ض��ام��ر ل�ل�ح�ق��ب وال �ب �ط��ان‬ ‫من خوف واحد ي�شتلق على عوارك‬ ‫�أر�ضم عليه �شداد وخريج بهدوب‬ ‫دو� � ��س ال �ب �ن��ات جم � ��دالت ال �ث �م��اين الهجاء‪:‬‬ ‫ياحلو ملا يجن على اخلرم �سردوب‬ ‫ياراكب اللي �أبوه من زمل طبان‬ ‫وال �ك��ل م�ن�ه��م مقت�شط ل��ه ب ��أم��اين‬ ‫ي�ق�ف��ي ك �م��ا ي�ق�ف��ي ن �ع��ام ال �ق��راوي��ح‬ ‫ي�سوروالهممنفذاىل�شحتّ البوب‬ ‫ار�ضم عليه من اخل�شب ع�شر عيدان‬ ‫ل��و ��ص��ار �شي م��ن خ��اط�ي��ات ال��زم��ان‬ ‫ودوي ��ر ع دو� ��س ال�ب�ن��ات الطواطيح‬


‫حظيت املر�أة والإبل بن�صيب كبري من �شعر البدو يف �سيناء‬

‫ارخى زمامه وا�ضرب له مبحجان‬ ‫ي �ق �ط��ع م�ل�اوي� �ح� �اً ب� ��أث ��ر م�ل�اوي��ح‬ ‫نح ّيه عن عربان و�أغ�شية غربان‬ ‫�أغ�شى فريق اللي بهم هبت الريح‬ ‫�أل ّقى على حممد و�أترك �سليمان‬ ‫قلقي عليه م��ن ال��رج��ال��ة مالميح‬ ‫وتقول �أنا مبعوث من قبلة فالن‬ ‫وال�ل��ي حوجني للغلط ن��امي الريح‬ ‫اهلل ي�ل�ع��ن حل�ي�ت��ه وي ��ن م��ا ك��ان‬ ‫اع� � ��داد م ��ا � �ص �ك��ت ع �ل �ي �ن��ا م�ف��ات�ي��ح‬ ‫دنياك مهما طولت مالها �أركان‬ ‫الب � ��د م ��ات ��رم �ي ��ك ب �ي�ن ال �ل��واق �ي��ح‬ ‫ميكن ليايل العز ترجع زي ما كان‬ ‫و ّن � ��زه ال���ش�ي�ب��ة ع �ل��ى � �ض � ّم��ر ال�ف�ي��ح‬

‫احلكمة وو�صف الرزق والنا�س‬ ‫ال�ع�ب��د ع�ب��د اهلل ل��و راد �أع �ط��اه‬ ‫وال� ��رزق ل�ق�م��ة ع�ي����ش م��ا ه��و دي��ان��ة‬ ‫ون����ص ال�ع��دو مهجر ينكره ماه‬ ‫وان �أم � �ط� ��ر وادي� � � ��ه زاده ع �ف��ان��ة‬ ‫ون�صالرجالفحولن�سوانورعاه‬ ‫ال ي �ن �ف �ع ��وا ط �ب �ل��ة وال ن� �ق ��رزان ��ة‬ ‫ن �ع��اج ي� ��وم ي �� �س�ير ه� ��رج امل� �ك ��ازاة‬ ‫وج� �ي ��اد ي��وم��ي � �س�ير ه ��رج امل �ج��ان��ة‬ ‫وفيهم طويل وجرم النا�س متقاه‬ ‫وع �ن��د ال� �ل ��زوم ت�ك�ت�ف��ه م ��ن ل���س��ان��ه‬

‫وقال يرثي �صاحبه‪:‬‬

‫امل��وت ع رق��اب الرجاجيل ج��اري‬ ‫واهلل م�ف���ص��ل يف ت�ق��ّ��ص��ر وت�ط��وي��ل‬ ‫و�أطلب له حورية من احل��واري‬ ‫ومنزل ينا�سب له من �أح�سن منازيل‬ ‫�أ�شعر بج�سمي مثل طعن ال�شباري‬ ‫والقلب �صار يحط يف الهم وي�شيل‬ ‫لومي على م�سلم �صديقي وجاري‬ ‫م��ا د ّز ّ‬ ‫يل مر�سال م��ن ه��ا املرا�سيل‬ ‫ّ‬ ‫�أخ ��وك يف ال �ك �ت��اب ب��اي��ع و��ش��اري‬ ‫وي ��وم ال�ن�ه��ار ال���ش�ين ي�ن�ق��ال ويفيل‬ ‫والفعل ماهو ُ‬ ‫م�شرتى بامل�صاري‬ ‫وامل��رج �ل��ة م�ي�راث م��ن ج�ي��ل جليل‬ ‫�أن��ا ب�ع��زي ب�ح��زن م��ا ه��ي حت��اري‬ ‫ل �� �س �ك��ان��ة ال �ق �ب �ل��ة و� �س �ك��ان��ة ال�ن�ي��ل‬


‫قال الراوي‬ ‫‪98‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫لكل كلمة مع �صاحبتها مقام‬

‫الذرابة في‬ ‫رمسة أهل‬ ‫اإلمارات‬ ‫ناجية البادي الكتبي‬ ‫تقول العرب‪« :‬لكل مقام مقال‪ ،‬ولكل كلمة‬ ‫مع �صاحبتها مقام» ‪ ،‬فمطابقة الكالم‬ ‫ملقت�ضى احلال هو �أ�سا�س البالغة كلها‪ ،‬وهو‬ ‫الذي يجب مراعاته يف الكالم حتى ي�صبح‬ ‫بليغاً‪ ،‬ولهجتنا املحلية تزخر بالعديد من‬ ‫العبارات الدالة على انتقاء العبارات املنا�سبة‬ ‫لكل موقف‪ ،‬لكننا جند الكثري منا قد‬ ‫تنا�ساها‪ ،‬لذلك كان حريٌّ بنا املحافظة على‬ ‫خمزوننا ال�شعبي‪ ،‬وتعريف الأجيال النا�شئة‬ ‫بثقافة جمتمعهم وما يحمله من معاين‬ ‫الأدب واالحرتام يف احلديث مع الغري‪.‬‬


‫ولتفكيك معاين العنوان فقد ورد يف ل�سان‬ ‫ال �ع��رب‪ :‬ذرب ال��رج��ل‪� ،‬إذا ف�صح ل�سانه‪،‬‬ ‫وال��رم����س ه��و ال���ص��وت اخل �ف��ي‪ .‬وم��ا �سوف‬ ‫�أذك� ��ره الح �ق � ًا ه��و خم �ت��ارات م��ن ع �ب��ارات‬ ‫التوا�صل االجتماعي بني �أهل الإمارات مما‬ ‫يقال يف املنا�سبات واملواقف اليومية املتنوعة‬ ‫التي يتعر�ض لها الإن�سان خ�لال اختالطه‬ ‫وت�ع��ام�ل��ه م��ع غ�ي�ره‪� .‬آم �ل�ين �أن ت �ك��ون ه��ذه‬ ‫الدرا�سة ا�سهام ًا يف لفت االنتباه �إىل تراثنا‬ ‫ال�شفهي الغزير‪ ،‬ودعوة جلهد منظم ي�شبعه‬ ‫بحث ًا وتوثيق ًا‪ ،‬فما هذا الذي بني �أيدينا �إال‬ ‫غي�ض من في�ض من تراثنا الأدبي وموروثنا‬ ‫ال�شعبي‪.‬‬ ‫وق��د راج�ع�ن��ا يف ه��ذا البحث ال�ع��دي��د من‬ ‫املراجع منها «معجم �ألفاظ لهجة الإمارات‬ ‫وت�أ�صيلها‪ :‬احلموز‪ ،‬عبد الفتاح و�آخ��رون‪،‬‬ ‫مركز زايد للرتاث والتاريخ‪ ،‬العني‪»2008،‬‬ ‫و«ال� �ع ��ادات وال�ت�ق��ال�ي��د يف دول ��ة الإم� ��ارات‬ ‫العربية املتحدة‪ :‬حممد بن �أحمد بن ال�شيخ‬ ‫ح�سن» وكذلك »الأم�ث��ال والأل�غ��از ال�شعبية‪:‬‬ ‫عبيد را�شد بن �صندل‪ ،‬مركز زايد للرتاث‬ ‫وال �ت��اري��خ‪ »2001 ،‬و«امل� ��أث ��ورات ال�شعبية‪:‬‬ ‫ع� �ب ��ارات امل�لاط �ف��ة يف امل�ج�ت�م��ع ال�ق�ط��ري‬ ‫منا�سباتها ودالالتها‪ ،‬ظبية ال�سليطي‪ ،‬العدد‬ ‫‪� ،34‬إب��ري��ل‪ »1994 ،‬و«ك�لام النا�س‪ :‬حممد‬ ‫املر‪ ،‬مطابع البيان التجارية‪ ،‬دبي» بالإ�ضافة‬ ‫�إىل القامو�س املحيط للفريوز �آبادي ول�سان‬ ‫العرب البن منظور‪.‬‬

‫حتية ال�صباح وامل�ساء‬

‫«�أ�صبحتوا»‪ ،‬مبعنى �صباح اخلري‪.‬‬ ‫«�أم�سيتوا»‪ ،‬مبعنى م�ساء اخلري‪.‬‬

‫الزيارة وا�ستقبال ال�ضيف‬

‫عند زيارة الأ�صدقاء والأقرباء يقال «بن�سري‬ ‫«�س َرّينا على فالن»‪� ،‬أي �سوف‬ ‫على فالن»‪� ،‬أو َ‬ ‫نزوره‪.‬‬ ‫وع �ن��د اال� �س �ت �ئ��ذان ل��دخ��ول ال �ب �ي��ت ي �ق��ال‪:‬‬ ‫«ه � ��ووود»‪ ،‬وه��ي كلمة تنبيه لال�ستئذان‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا عند الرجال‪ ،‬لدخول �أي بيت حتى‬

‫ول��و كانت تربطهم ب�أ�صحابه �صلة قرابة‪.‬‬ ‫وردها ‪«:‬هده»‪� ،‬أي تف�ضل‪.‬‬ ‫�أو «اق��رب»‪� ،‬أو «ا�ستهد ب��اهلل»‪� ،‬أو «قريب»‪،‬‬ ‫«تف�ضل»‪« ،‬دام ف�ضلك»‪.‬‬ ‫وعند الرتحيب بالقادم يقال‪« :‬هال بالط�ش‬

‫وعند الترحيب‬ ‫بالقادم يقال‪« :‬هال‬ ‫بالطش والرش والما‬ ‫ورد في الغرش»‬

‫والر�ش واملا ورد يف الغر�ش»‪ ،‬الط�ش والر�ش‬ ‫من �أ�سماء املطر اخلفيف‪ ،‬ففرحتهم بالقادم‬ ‫كفرحتهم با�ستقبال امل�ط��ر‪ .‬وك��ذل��ك «اهلل‬ ‫َح ّيهم» مبعنى حياك اهلل‪ ،‬اق��رب «تف�ضل»‪.‬‬ ‫«م��رح�ب��ا ال �� �س��اع»‪ ،‬و«ال �� �س��اع» ه��و ال�ضيف‬ ‫ال�ساعي �إلينا والقادم �إلينا‪.‬‬ ‫«مرحبا بالرجاب و�أهلها»‪ ،‬ويق�صد بالرجاب‬ ‫هنا الإبل‪« .‬مرحبا بكم من �سرتوا لني ييتوا»‬ ‫�أو «مرحبابكم م��ن ظهرتوا ل�ين و�صلتوا»‬


‫قال الراوي‬ ‫‪100‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫ويكون الرد‪«:‬املرحب باجي» �أي باقي‪ ،‬وفيها‬ ‫الدعاء له بطول العمر‪.‬‬ ‫و�إذا كان الرتحيب ب�ضيف طال غيابه و�أراد‬ ‫امل�ضيف معاتبته ي�ق��ول‪« :‬وي��ن هالغيبه ما‬ ‫�شفناك م��ن زم���ان‪ ،‬م�ط��ول ال�غ�ي�ب��ات ي��اب‬ ‫ال�غ�ن��امي»‪� ،‬أي ع�سى �أن يكون وراء غيابك‬ ‫وانقطاعك عن ر�ؤيتنا خري‪.‬‬ ‫ثم يبد�أ ال�س�ؤال عن الأخبار‪ ،‬وقد اعتاد �أهل‬ ‫ال�ب�لاد على �أخ��ذ �أخ�ب��ار ال�ضيف قبل بدء‬ ‫ال�س�ؤال عن الأحوال‪ ،‬وهم بذلك «يتعاملون �أو‬ ‫يتخابرون»‪ ،‬ومن �أمثلة ذلك احلوار التايل‪:‬‬ ‫•علوووم ؟؟؟‬ ‫•�سالمتك ما �شي علوم‪.‬‬ ‫•خرب؟‬ ‫•ما �صار وال ا�ستوا و�أنتوا؟ «ال جديد»‪.‬‬ ‫•�سالمتك ما يبنا �شي‪.‬‬ ‫•ذاك الزين‪ ...‬اهلل يطب علوم ال�سو‪« .‬اهلل‬ ‫يبعد الأخبار ال�سيئة»‪.‬‬ ‫ثم يبد�ؤون بال�س�ؤال عن الأحوال وال�صحة‪:‬‬ ‫•ا�ش حالكم‪ ...‬بخري؟؟ ويقال للجماعة‪:‬‬

‫ا�شحالكم كل بحاله‪.‬‬ ‫•بخري اهلل يعافيك‪� ،‬أو طيبني اهلل ي�سلمك‪.‬‬ ‫•ا�ش حال العيال‪ ....‬و�ش حال فرقانكم؟‬ ‫والتوايل والعربان؟ «�أي الأهل والأقرباء»‪.‬‬ ‫•بخري ونعمة اهلل ي�سلمك‪.‬‬ ‫•من وين ال�سري؟‬ ‫•من املكان الفالين‪.‬‬

‫بعد االنتهاء من شرب‬ ‫القهوة يقول الضيف‪:‬‬ ‫«يعلها ما تهير» أي ال‬ ‫تهجر وال تنعدم‬

‫ف�إذا �أراد �أن ينقل له �سالم �شخ�ص ما قال‪:‬‬ ‫•ي�سلم عليك فالن‪.‬‬ ‫•عليك وعليه ال�سالم ع�سى �إنه بخري‪� ،‬أو‬ ‫«اهلل ي�سلمه وي�سلم م��ن ي��اب ال���س�لام» �أو‬ ‫«اهلل ي�سلمك وي�سلمه من ال�شر»‪.‬‬ ‫وبعد االنتهاء من �شرب القهوة يقال‪« :‬يعلها‬ ‫م��ا ت�ه�ير»‪ .‬واملعنى «ال تهجر» �أي ال تنعدم‬ ‫فتظل لوقت طويل يف بيت عامر قهوته عامره‬ ‫و�أهله بخري‪ .‬والرد ‪�« :‬إن �شاء اهلل»‪.‬‬ ‫وعند الدعوة �إىل الطعام يقال‪« :‬قربوا �سموا‬ ‫با�سم اهلل» �أو «هنهم»‪� ،‬أي هنيئ ًا مريئ ًا‪.‬‬ ‫وتقال �إذا دخل رجل على جماعة وهم ي�أكلون‬ ‫في�أتي الرد من اجلال�سني لإزالة احلرج عن‬ ‫ال �ق��ادم‪« :‬و�أن ��ت منهم»‪� .‬أي �إن املوجودين‬ ‫على الطعام ما هم �إال �أ�صدقاء فال حرج يف‬ ‫التف�ضل معنا‪.‬‬ ‫وبعد االنتهاء من الطعام يقال‪« :‬ك�ثر اهلل‬ ‫خ�يره��م وط��ول اهلل ع�م��اره��م‪ ،‬بيت معمور‬ ‫وحال م�ستور»‪ .‬ويقال �أي�ض ًا‪« :‬كرث اهلل خريكم‬ ‫وط��ول اهلل عماركم حول وكل حول زايدين‬


‫ومب ناق�صني»‪ .‬وفيه دعاء لأهل البيت بطول‬ ‫العمر‪.‬‬ ‫وع�ن��دم��ا ي��ري��د ال�ضيف اخل���روج م��ن بيت‬ ‫م�ضيفه ف�إنه يقول‪« :‬خالفتنا العافية»‪� ،‬أو‬ ‫«يتكم العافية»‪ ،‬وفيه دعاء بال�صحة والعافية‬ ‫لأه��ل البيت‪ .‬فريد �صاحب البيت‪« :‬مرحبا‬ ‫بكم من �سرتوا لني ييتوا ال تقطعونا عاد»‪،‬‬ ‫«�سلموا على ف�ل�ان»‪ ،‬فيقال ‪��« :‬س�لام يبلغ‬ ‫�إن �شاء اهلل»‪ .‬و�إذا ق��ام الأ�صدقاء بواجب‬ ‫ال�ضيافة على �أكمل وج��ه يقال‪« :‬ي��ا حافظ‬ ‫على الفالنيني ما ق�صروا»‪ ،‬مبعنى حفظ‬ ‫اهلل �أهل البيت فقد قاموا بواجب ال�ضيافة‬ ‫على �أمت وجه‪.‬‬

‫ال�سفر وامل�سافرون‬

‫�إذا عزم الإن�سان على ال�سفر قيل له‪« :‬تروح‬ ‫وترجع بال�سالمة» �أو «يف ماهلل»‪� ،‬أي يف �أمان‬ ‫اهلل‪.‬‬ ‫و�أي�ض ًا «يف حفظ اهلل» �أو «يف وداعة اهلل» �أو‬ ‫«موافجني خري»‪ .‬وعند الرجوع من ال�سفر‪:‬‬ ‫«ال�سلومة»‪ ،‬وال��رد «اهلل ي�سلمكم»‪ .‬ويقال‬ ‫لأهل امل�سافر‪« :‬عمتم باللوال»‪� ،‬أو «ت�ستاهلون‬ ‫ال �ل��وال»‪ .‬و«ال �ل��وال» ه��و ال��رج��وع م��ن ي ��ؤول‪،‬‬ ‫ويق�صد به تهنئتهم برجوع الغائب من �سفره‬ ‫بال�سالمة‪ .‬ويقال‪« :‬اهلل ي�ؤول عليكم بخري»‪.‬‬ ‫وعند ر�ؤي��ة �شخ�ص م�شتاقني �إل�ي��ه يقال ‪:‬‬ ‫«تولهنا عليكم»‪ ،‬والوله هنا مبعنى ال�شوق‪.‬‬ ‫والرد يكون‪«:‬تتوله عليكم العافيه»‪.‬‬

‫النداء والطلب والرجاء‬

‫�إذا �أردت �أن ال يرد طلبك‪ ،‬تقول‪« :‬طالبنك‬ ‫طلب ق��ول مت»‪� .‬أي ع��دين �أن تتم ما �أطلبه‬ ‫منك‪ .‬فيقول الآخ ��ر‪« :‬مت»‪ ،‬وبعد �أن يذكر‬ ‫طلبه يرد عليه‪« :‬فالك طيب»‪� ،‬أو «فالك ما‬ ‫يخيب»‪� .‬أما عند طلب �شيء بنوع من الرجاء‬ ‫فيقال‪« :‬ال�شيمة»‪� ،‬أي �ساعدين‪ .‬وعند الرغبة‬ ‫يف �إجبار ال�شخ�ص على فعل �شيء ما يقال‪:‬‬ ‫«ورف �ج��ة ف�لان» �أي رفقة ف�لان‪ ،‬وت�ستعمل‬ ‫للقيام مقام الق�سم على �شيء ما �أو �شخ�ص‬ ‫ما ليفعل �شيئ ًا ما‪ ،‬وتكون ملزمة لل�شخ�ص‪،‬‬


‫قال الراوي‬ ‫‪102‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫وقد يرفق ال�شخ�ص على املكان �أو احليوان‬ ‫�أو النبات مث ًال «ورف�ج��ة ال تقطع ال�شجرة‬ ‫الفالنية» �أو «ال تقتل احل �ي��وان ال�ف�لاين»‪،‬‬ ‫واملعنى الظاهر هنا بحق رفقة ال�شخ�ص‬ ‫الفالين ال تقوم بهذا العمل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫و�إذا �أردت من �شخ�ص �أن يناولك �شيئا ما‬ ‫تقول‪« :‬اهلل ال هانك‪ ..‬هات ال�شي الفالين»‪،‬‬ ‫�أو «ناولني هال�شي‪ ..‬ما عليك �إماره»‪ .‬وفيها‬ ‫طلب ال�شيء بتوا�ضع ولطف‪ ،‬حتى ال يظن‬ ‫ب�أنه �أم��ر‪ .‬وعند النداء على �شخ�ص يذكر‬ ‫ا�سمه‪« :‬ف�لان �أو فالنة»‪ ،‬فريد‪«:‬عونك»‪� ،‬أو‬ ‫«لبيك»‪ ،‬وت�ستعمالن خا�صة يف ال��رد على‬ ‫الوالدين �أو الأعزاء‪� .‬أو «عدوانك يفدونك»‪،‬‬ ‫�أو «لبيت حاج»‪ ،‬مبعنى لبيت يف بيت اهلل �إن‬ ‫�شاء اهلل‪.‬‬

‫املديح والتهنئة‬

‫ع �ن��د م���دح ��ش�خ����ص ي�ت���ص��ف ب��ال���ص�ف��ات‬ ‫احلميدة يقال‪« :‬فالن والنعم و�سبعة �أنعام»‪،‬‬ ‫والرد يكون‪« :‬اهلل ينعم عليك»‪ .‬ومن �أ�شهر‬ ‫العبارات التي تقال للتهنئة باخلطوبة �أو‬ ‫ال��زواج‪« :‬م�بروك ما دب��رت»‪� ،‬أي ب��ارك اهلل‬ ‫لك يف ما �أمتمت‪.‬‬

‫عبارات للأطفال‬

‫م��ا ي�ق��ال ع�ن��د ا�ستقبال امل��ول��ود اجل��دي��د‪:‬‬ ‫«م�بروك عليكم الطار�ش»‪� ،‬إذا كان املولود‬ ‫ذك ��ر ًا‪ ،‬و«ال �ط��ار���ش» هنا مبعنى ال��ر��س��ول‪،‬‬ ‫ف��ال��ول��د ه��و م��ن �سيقوم م�ستقب ًال برعاية‬ ‫�ش�ؤون املنزل وهو من �سيبعثه وال��ده للقيام‬ ‫باملهمات‪� .‬أم��ا �إذا كان املولود فتاة فيقال‬ ‫«م�بروك عليكم احلا�سر»‪ .‬و«احلا�سر» هنا‬ ‫مبعنى حت�سر عن �ساعديها‪ ،‬فالفتاة هي من‬ ‫�ستقوم ب�أعمال وتدبري �ش�ؤون املنزل‪.‬‬ ‫�إذا عط�س ال�صغري يقال له‪« :‬طار �شرك» اي‬ ‫ابتعد ال�شر‪� .‬أو «ع�شت وع�شع�شت ويف البيت‬ ‫نب�شت»‪ ،‬وه��ذا دع��اء للطفل بطول العمر‪،‬‬ ‫واالعتماد على نف�سه يف البحث عن �أ�شيائه‬ ‫عندما يكرب‪ .‬و�إذا ُحمل الطفل الر�ضيع يقال‬ ‫ل��ه‪« :‬زخ�ت��ك ي��د م��ا ��ض��رت��ك»‪ ،‬و«ال���زخ» هنا‬


‫مبعنى الإم�ساك‪ ،‬وفيه متني للطفل ب��أن ال‬ ‫ت�ضره �أي يد حت��اول الإم�ساك به‪ ،‬فج�سمه‬ ‫عند الوالدة يكون �ضعيف ًا وهزي ًال‪.‬‬ ‫و�إذا تعرث الطفل ي �ق��ال‪« :‬ط��اح ال���ش��ر» �أو‬ ‫«�سلمت»‪ ،‬و�إذا ت�صرف الطفل ب�شقاوة يقال‪:‬‬ ‫«اهلل يغربل بلي�سك»‪.‬‬

‫عند اللقاء بعد‬ ‫شوق يقال‪« :‬تولهنا‬ ‫عليكم» ويكون‬ ‫الرد‪« :‬تتوله عليكم‬ ‫العافيه»‬

‫عيادة املري�ض والعزاء‬

‫منا�سبات �أخرى‬

‫يقال عند زيارة املري�ض‪« :‬ماجور»‪� ،‬أي م�أجور‬ ‫على �صربك‪ ،‬والرد ‪«:‬اهلل ي�أجرك» �أو يقال‬ ‫‪�« :‬أجر وعافية» والرد يكون «اهلل يعافيك»‪.‬‬ ‫وم��ن ال �ع �ب��ارات اخل��ا��ص��ة بالتعزية‪ :‬عظم‬ ‫اهلل �أجركم‪ .‬و�أح�سن اهلل عزاكم‪ .‬وال��دامي‬ ‫والباقي «ويه» اهلل‪� .‬أي وجه اهلل‪.‬‬

‫من العبارات ال�شهرية يف اللهجة املحلية‪،‬‬ ‫ما يقال عند �شراء �شيء جديد‪« :‬مربوكة‬ ‫ولب م�شروكة‪ ،‬اهلل يعطيك خريها ويكفيك‬ ‫�شرها»‪ ،‬ويف حال اخل�صومة يقال‪« :‬ام�شي‬ ‫على ف�لان را� �ض �ي��ه»‪ ،‬و�إذا تعرث �شخ�ص‬ ‫ما �أو وق��ع �شيء من ي��ده‪ ،‬يقال‪�« :‬سلمت»‬

‫فريد‪«:‬ومن ق��ال»‪� .‬أما �إذا جال بخاطرك‬ ‫�شخ�ص ثم ر�أيته �أمامك فتقول‪« :‬ال �إله �إال‬ ‫اهلل‪ ...‬ولد احلالل عند طاريه»‪ ،‬وطاريه‬ ‫�أي ذك��ره‪ .‬و�إذا عمل �شخ�ص اخلري يقال‬ ‫له‪« :‬بي�ض اهلل ويهك» اي وجهك‪� ،‬أما �إذا‬ ‫عمل عم ًال م�شين ًا فيقال ل��ه‪��« :‬س��ود اهلل‬ ‫ويهك»‪ ،‬و�إذا فاز يف �سباق الإبل �أو اخليل‬ ‫يقال له‪« :‬ت�ستحق �أو ت�ستاهل النامو�س»‪،‬‬ ‫�أي ت�ستحق الفرح‪ ،‬وال��رد يكون «ت�ستحق‬ ‫خري»‪.‬‬ ‫�أما �إذا رمى �شخ�ص ل�شخ�ص �آخر تفاحة‬ ‫م�ث� ً‬ ‫لا فتلقفها‪� ،‬أو م��رر قطعة حل��م �إىل‬ ‫�شخ�ص �آخ��ر ف�ي�ق��ول‪« :‬م�ن�ق��ول��ة»‪ ،‬ويكون‬ ‫الرد «يعلها مقبولة» �أي قبلتها منك‬


‫نافذة على التراث‬ ‫‪104‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫بيجا سيو س‬ ‫عربي‬

‫�أمين بكر‬

‫لي�س علينا حني نقر�أ ال�شعر �أن نحتكم للمنطق البيت ال��ث��اين يف و�صف الفر�س ي���ؤك��د هذا‬ ‫�أو �أن نقبل بقيوده ال�ضيقة‪ ،‬فنحن يف عامل التوجه لر�سم �أ�سطورة بيجا�سيو�س عربي‪،‬‬ ‫يخلق منطقه وكائناته مبخيلة حرة‪ ،‬يجب �أن يقول‪:‬‬ ‫نتمتع مبخيلة تدانيها يف احلرية كي ن�ستطيع مِ � � َك� � ٍر مِ � � َف ��رٍ ُم � ْق � ِب��لٍ ُم � � ْد ِب ��رٍ م� ًع��ا‬ ‫امت�صا�ص �أك�بر قدر من ال�شحنة اجلمالية‬ ‫عل‬ ‫ُ‬ ‫ال�سي ُل من ِ‬ ‫كجل ُمو ِد �صخرٍ َح َّطه َّ‬ ‫للق�صيدة �أيا كان ع�صرها‪ ،‬و�أيا كان ق�صد تبدو الإ�شكالية هنا يف كلمة «معا» التي ت�صف‬ ‫ال�شاعر من �شعره‪ ،‬فنحن نحتكم ملا ينطق به حركات مت�ضادة يف اجتاهها «الكروالفر‪-‬‬ ‫الن�ص ال ما ا�ستقر يف بطن كاتبه‪.‬‬ ‫الإقبال والإدب��ار»‪� ،‬إذ كيف يت�أتى للفر�س �أن‬ ‫يبد�أ ام��ر�ؤ القي�س و�صف الفر�س يف معلقته يقبل ويدبر يف الآن نف�سه ؟ يقف ال�شراح هنا‬ ‫امل�شهورة بقوله‪:‬‬ ‫عند حل منطقي للإ�شكالية ال�سابقة مبتعدين‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ري يف ُوكناتِها‬ ‫وقد �أَ ْغ�ت��دي والط ُ‬ ‫ع��ن الآف���اق اجلمالية التي يفتحها البيت‪.‬‬ ‫مب � �ن� � َ�ج � � ِر ٍد َق � �ي� ��دِ الأواب � � � � ��دِ َه �ي �ك��لِ يحل الزوزين الأمر ب�أن يفرت�ض �أن املق�صود‬ ‫ُ‬ ‫هناك تعبري مده�ش يف البيت ال�سابق ي�صنع هو وج��ود ه��ذه املمكنات جميعا معا يف قوة‬ ‫من الظهور الأول للفر�س م�شهدا مثريا‪ .‬وهو احل�صان وق��درات��ه ولي�س يف فعله‪ .‬ومعنى‬ ‫تعبري «قيد الأواب��د»‪ .‬والأواب��د هي الوحو�ش‪ ،‬ك�لام ال�شارح هنا �أن الفر�س يقوم بالكر‬ ‫�أي احل��ي��وان��ات ال�بري��ة غ�يرالأل��ي��ف��ة على والفر والإقبال والإدبار حني يطلب منه ذلك‪،‬‬ ‫�إطالقها ولي�ست املفرت�سة منها كما ميكن وجميع هذه القدرات جمتمعة «معا» فيه لكنه‬ ‫�أن نفهم للوهلة الأوىل‪ .‬وتعبري «قيد الأوابد» ال يفعلها «معا» بل يفعلها واحدا فواحد‪.‬‬ ‫يعني �أن هذا احل�صان ل�شدة �سرعته وحلاقه وبعيدا عن الإيحاءات اجلمالية التي �ستختلف‬ ‫بالفرائ�س التي يطاردها ي�صبح كالقيد لها‪ ،‬م��ن ق��ارئ لآخ���ر‪� ،‬أود هنا وح�سب الرتكيز‬ ‫فال ميكنها الإف�لات منه‪� ،‬إن��ه ح�صان قادر على الوجه الأ�سطوري للفر�س‪ .‬ال ي�ستطيع‬ ‫على ال��ل��ح��اق ب����أي ك��ائ��ن �أي���ا ك��ان��ت �سرعته �أحد �أن يتجاهل التناق�ض احلركي بني الكر‬ ‫ومرونته‪ .‬ميكن �أي�ضا �أن ي�شكل تعبري «قيد والفر والإق��ب��ال والإدب���ار‪ ،‬كما ي�صعب على‬ ‫الأوابد» م�شهدا حركيا مثريا لالنتباه‪ :‬فر�س تف�سري ال��زوزين ال�سابق �أن ميحو متاما �أثر‬ ‫امرئ القي�س يجري ب�سرعة الريح‪ ،‬وحني مير كلمة «معا» يف �إ�شارتها حلركة احل�صان يف‬ ‫بجوار احليوانات الربية امل�سرعة يبدو للناظر جميع االجتاهات يف وقت واحد‪ ،‬ما �سي�صيب‬ ‫�أن تلك احل��ي��وان��ات «الأواب��د»ث��اب��ت��ة مقيدة خميلة القارئ ب�شيء من االرتباك وحماولة‬ ‫�إىل الأر����ض‪ ،‬وذل��ك لفرق ال�سرعة الهائل تخيل هذه ال�سرعة الرهيبة التي ت�شبه حركة‬ ‫بينها وبني فر�س ال�شاعر‪� .‬إنها بداية تت�سق الإلكرتونات حول الذرة‪� ،‬أو هي �أقرب حلركة‬ ‫و�أ�سطورية ي�ؤ�س�سها الو�صف لذلك الفر�س جلمود ال�صخر ال���ذي يندفع ط��ائ��را بقوة‬ ‫«الهيكل» �أي العظيم الأ�ضالع‪ .‬احل�صان لي�س ال�سيل من الأعلى‪.‬‬ ‫�أ�سرع حيوانات الربية‪ .‬لكن من قال �إننا يف لقد ر�سم البيت يف �شطره الثاين �صورة بديعة‬ ‫ح�ضرة و�صف ت�صويري ال يخرج باحليوان حلركة جلمود ال�صخر التي ي�شبهها البيت‬ ‫عن واقعيته؟ علينا كي نتفاعل بعمق مع و�صف بحركة الفر�س؛ �إن��ه قبل �أي �شيء جلمود‪،‬‬ ‫ام��رئ القي�س �أن نو�سع �أعيننا وخيالنا �إىل �أي �صخرة �ضخمة �صلبة ال تتفتت �أجزا�ؤها‬ ‫�أق�صى مدى ممكن لنتعرف على ح�صان من مع حتدرها القا�سي من الأعلى‪� ،‬إنها كيان‬ ‫نوع خا�ص‪ ،‬يكاد ال يبتعد عن «بيجا�سيو�س» متما�سك كالفر�س‪ ،‬كما �أنها ال تفقد �شيئا من‬ ‫كتلتها �أثناء ال�سقوط مبا ال يفقدها �شيئا من‬ ‫احل�صان املجنح يف امليثولوجيا اليونانية‪.‬‬


‫�سرعتها التى تزداد ب�صورة م�ضطردة‪ .‬الأمر‬ ‫الالفت �أي�ضا �أن �سقوط هذا اجللمود بفعل‬ ‫ال�سيل يجعل امل�شهد غريبا بحق؛ �إنها �صخرة‬ ‫هائلة احلجم وال�سرعة حماطة ب�شالالت من‬ ‫املاء ت�ضبب اجتاهها كما �أن هذه ال�صخرة‬ ‫يف ا�صطدامها بحواف اجلبل ال��ذي ت�سقط‬ ‫من �أعاله تنحرف عن م�سارها ميينا وي�سارا‬ ‫متقافزة‪ ،‬فتبدو مرتفعة عن ج�سد اجلبل‬ ‫دوم���ا‪ ،‬م��ا ي��وح��ي ب���أن��ه��ا �صخرة ط��ائ��رة من‬ ‫�أعلى �إىل �أ�سفل يف حركة ت�شبه حركة الفر�س‬ ‫الذي ميكنه التحرك يف اجتاهات متناق�ضة‬ ‫يف الوقت نف�سه‪ .‬يبدو يل هنا �أن الت�شبيه‬ ‫العبقري بني حركة الفر�س وحركة جلمود‬ ‫ال�صخر ال��ذي ي�سقط متحركا يف كل اجتاه‬ ‫ت�ؤيد املعنى الذي ا�ستبعده ال�شراح ملا ظنوا‬ ‫فيه من تناق�ض؛ �إن��ه فر�س يبدو طائرا يف‬ ‫حركته ال�سريعة بكل اجتاه لفرط �سرعته كما‬ ‫يطري جلمود ال�صخر يف هبوطه الأ�سطوري‬ ‫املحاط بهالة من املاء من الأعلى �إىل الأ�سفل‪.‬‬ ‫ولأنه فر�س يريد الن�ص �أن يقنعنا ب�أنه يطري‪،‬‬ ‫ال ي�شبه يف حركته �أي من اخليل التي تقرتب‬ ‫يف عدوها من هيئة ال�سابح يف املاء‪ ،‬ولذلك‬ ‫�سماها العرب «ال�سابحات»‪ ،‬يقول ال�شاعر‪:‬‬

‫ال�ساب ُ‬ ‫ِحات على ال َو َنى‬ ‫مِ َ�س ٍّح �إذا ما َّ‬ ‫�أَ َث� � � � � ْر َن ال� � ُغ� � َب ��ا َر ب ��ال� � َك ��دِ ْي ��دِ امل ُ� � َر َّك ��لِ‬

‫ي�سيل اجلري والعدو من هذا الفر�س �سيال‬ ‫حني ت�ضعف ال�سابحات وجت��ر �أرجلها تعبا‬ ‫فتثري الغبار‪� ،‬إنه ‪-‬بداللة املخالفة‪ -‬ال يثري‬ ‫ال��غ��ب��ار‪ ،‬فهو ينقر الأر����ض ن��ق��را �أو لعله ال‬ ‫يلم�سها‪ ،‬فجريه مت�صل يكاد يخفي �أقدامه‬ ‫الأربعة عن الناظر �إليه‪� ،‬إذ تبدو من �شدة‬ ‫ال�سرعة �أ�شبه بال�سائل املن�صب الذي ال تنقطع‬ ‫�أج����زا�ؤه‪ .‬هنا نحن �أم��ام �إي��ح��اء وا�ضح ب�أن‬ ‫الن�ص ير�سم �صورة حل�صان يطري �أو هو على‬ ‫و�شك �أن يفعل‪.‬‬ ‫من الطبيعي واحلال كذلك �أال يثبت �أي راكب‬ ‫على ظهر هذا الفر�س الأ�سطوري الذي يكاد‬ ‫لفرط �سرعته يطري‪ ،‬يقول امر�ؤ القي�س‪:‬‬

‫خل� َّ�ف عن َ�صهَوا ِت ِه‬ ‫ُي �ز ُِّل ال� ُغ�لا َم ا ِ‬ ‫و ُي � � ْل � �وِي ب � ��أ ْث� ��وابِ ال � َع �ن �ي��فِ امل ُ � َث � َّق��لِ‬

‫يربطها ال�صغار بخيط ثم مي�سكون بطرف‬ ‫اخليط ويديرون احلجر يف الهواء‪� ،‬إنه حجر‬ ‫طائر ال عالقة له بالأر�ض و�أح�سب �أن امتداده‬ ‫يف �ألعاب الأطفال هو الطائرة الورقية التي‬ ‫ترتفع يف ال��ه��واء وط��رف خيطها الآخ���ر يف‬ ‫يد من يلعب بها‪ .‬ولكي ي�ؤكد الن�ص ارتفاع‬ ‫احل�صان‪ /‬اخلذروف يف الهواء؛ جعل دورانه‬ ‫�أ�شد من العادي �إذ �إنه مربوط «بخيط مو�صل»‬ ‫وهو اخليط الذي قطع وو�صل �أكرث من مرة‬ ‫ف�صار �أقوى‪ ،‬وهو ما يجعل دوران اخلذروف‬ ‫�أ�شد‪� .‬أال يحق لنا بعد هذه الأبيات �أن نظن‬ ‫�أنف�سنا يف ح�ضرة �أ�سطورة �شعرية تر�سم‬ ‫فر�سا هو ن�سخة عربية من بيجا�سيو�س؟‬

‫�إن هذا الفر�س «الكميت»‪� ،‬أي ذا اللون الأحمر‬ ‫الذي يخالطه �سواد‪ ،‬ال ي�سمح با�ستقرار �أحد‬ ‫فوق ظهره �سواء حديث العهد قليل اخلربة‬ ‫باخليل «الغالم اخل��ف»‪� ،‬أو الفار�س اخلبري‬ ‫يف ركوب اخليل «العنيف املثقل»‪� ،‬إنه فر�س‬ ‫جامح �شمو�س‪ ،‬مثله مثل بيجا�سيو�س الذي‬ ‫ال ي�سمح لأحد باعتالء ظهره �سوى �شخ�ص‬ ‫واح��د ي�صادقه وي�شعر جتاهه بالألفة‪ .‬هنا‬ ‫ي�شري ال�شاعر ب�إ�صبع خفية �إىل نف�سه‪ ،‬فهو‬ ‫الفار�س ال��ذي يفوق اجلميع‪ ،‬هو وح��ده من‬ ‫ميكنه �إ�سال�س قياد هذا الفر�س املجنح‪.‬‬ ‫البيت التايل يقطع يف نظري ال�شك باليقني «من القامو�س»‬ ‫يف �أن الن�ص ق�صد �إىل ر�سم �صورة حل�صان ال ُك َم ْيتُ ‪« ،‬كزبري»‪ :‬الذي خالط حمرته قنوء‬ ‫طائر حتديدا‪ .‬يقول‬ ‫«�أي دكنة �أو �سواد» وي�ؤنث‪ ،‬ولونه ال ُك ْم َت ُة‪ ،‬وقد‬ ‫وف ال � َو ِل �ي��دِ �أ َم � � َّر ُه‬ ‫َد ِر ْي � ��رٍ َك � ُ�خ� � ْذ ُر ِ‬ ‫َك ُمتَ ك�� َك�� ُر َم‪ ،‬كمتا و ُك ْم َت ًة و َك�� َم��ا َت�� ًة‪ ،‬واخلمر‬ ‫َت � � َت� ��ا ُب � � ُع َك� � َّف� � ْي� � ِه ِب � َ�خ� � ْي � ٍ�ط ُم� � َو� َّ��ص ��لِ التي فيها �سواد وحمرة‪ ،‬وابن معروف‪ ،‬وابن‬ ‫هذا الفر�س «دري��ر» مبعنى �أن اجلري ي�سيل ثعلبة‪ ،‬وابن زيد‪ ،‬و�أفرا�س‪ .‬و ُك ِّم َتتَ ‪�ُ :‬ص رِّ َي ْت‬ ‫منه كما يدر احلليب من ال�ضرع‪ ،‬وهنا جند بال�صبغة ُك َم ْيتا‪ .‬و َك َمتَ الغيظ‪� :‬أ َك َّنهُ‪ .‬و�أخذه‬ ‫�أنف�سنا ثانية �أمام ت�شبيه احلركة يف ات�صالها ب َكمِ ْيتَته‪� ،‬أي ب�أ�صله‪ .‬وخيل َك َما ِت ٌّي‪ ،‬كزرابي‪:‬‬ ‫الفر�س �إ ْكماتا‪ ،‬وا ْك َم َّت ا ْكمِ تَاتًا‪،‬‬ ‫املربك‪ ،‬بال�سائل الذي ال تت�ضح �أجزا�ؤه‪ .‬لكن ُك ْمتٌ ‪ .‬و�أَ ْك َمتَ‬ ‫ُ‬ ‫الأه��م يف ه��ذا البيت هو حركة اخل��ذروف‪ ،‬وا ْك َماتَّ ا ْكميتاتًا‪.‬‬ ‫وهو لعبة قدمية تتكون من قطعة حجر مثقوب «القامو�س املحيط للفريوز�آبادي‪ ،‬م�ؤ�س�سة‬


‫في حضرة الشعر‬ ‫‪106‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬


‫الدخول وحومل مثل كارفور و�سيتي �ستار!‬

‫اللغة العادية‬ ‫في الشعر الجاهلي‬ ‫د‪.‬عالء اجلابري‬ ‫«وكما �أن لكل مقام مقال‪ ،‬فكذلك لكل ع�صر بيان» ابن �شهيد‬

‫�أنت الآن يف «�سوق عكاظ»‪ .‬يفت�شك القائم على باب ال�سوق؛ حيث يجب �أن حتمل معك معاجم‬ ‫«ل�سان العرب» و«العني» و«تاج العرو�س» و«القامو�س املحيط» «مع �أنها مل ُتكتب بعد»‪ .‬دع «املعجم‬ ‫الو�سيط» و«منت اللغة» و«املنجد»‪ ،‬وغريها من املعاجم «احلديثة»؛ �إذ ال �ش�أن لها مبا �ست�سمعه من‬ ‫�شعر‪ .‬يقفز «امر�ؤ القي�س» �إىل من�صة الإلقاء‪ ،‬ويقول‪:‬‬ ‫مكر مفر مقبل مدبر معاً‬ ‫كجلمود �صخر حطه ال�سيل من علِ‬ ‫تهرول �أنت �إىل «ل�سان العرب» تخرجه؛ لتبحث عن املعنى‪ .‬لي�س يف بطن ال�شاعر ولكن يف بطن‬ ‫الكتاب «املحمول»‪ .‬تفرح لظفرك مبعنى الكلمة التي الزال جارك يجري خلفها‪ ،‬وتقفز فرحاً‬ ‫وتخرج له ل�سانك‪ .‬يخرج ال�شاعر من من�صة الإلقاء‪ .‬فقد انتهى من �إلقاء الق�صيدة‪.‬‬ ‫�إذا ك�ن��ت ح��دي��ث ع�ه��د بالع�صر اجلاهلي‬ ‫ت�س�أل ع��ن كلمات‪ :‬ال��دخ��ول‪ ،‬ح��وم��ل‪ ،‬يذبل‬ ‫«ا�سم جبل» �سقط اللوى‪ .‬ت�سو�ؤك حني تعرف‬ ‫معناها؛ �إنها �أ�سماء �أم��اك��ن متام ًا لو ذكر‬ ‫كاتب عربي «�سانت كاترين»‪ ،‬و«�سانت تريز»‪،‬‬ ‫و«ال�صليبخات»‪ ،‬و«كارفور»‪ ،‬و«�سيتي �ستار»‪.‬‬ ‫�إنها �أ�سماء �أماكن «عادية»‪ .‬الآن‪.‬‬ ‫�أ� �س �م��اء الأ� �ش �خ��ا���ص‪ ،‬ي� ��زدان ب �ه��ا ال�شعر‬ ‫اجلاهلي‪ :‬عبلة‪� ،‬سلمى‪ ،‬هند‪ ،‬ملياء‪ ،‬ليلى‪ ،‬ريا‪،‬‬ ‫�أميمة‪ .‬تغنى بجمالهن‪ ،‬و�سجل كل يف �شعره‬ ‫ذكرياته معهن‪.‬‬ ‫وال�شعر «ديوان العرب» يف اجلاهلية‪ .‬هل كان‬ ‫ديوان الباب العايل فقط؟ ليحظى ال�صفوة‬ ‫بالدخول حلظوة ال�شعر و«�أبهته»‪ ،‬بينما يقبع‬

‫العاديون يف «ديوان املظامل»‪.‬‬ ‫ارجموا اجلاحظ الذي اعتمد ال�شعر م�صدراً‬ ‫لكتاب م��ن جهة منفكة مت��ام � ًا‪ ،‬فكتب عن‬ ‫«احل �ي��وان»‪ ،‬م�ستد ًال بال�شعر على احلياة‪.‬‬ ‫احلياة العادية‪� .‬إن ال�شعر مل يطلق عليه هذا‬ ‫اللقب «ديوان العرب» �إال لكونه جامع ًا لل�سوقي‬ ‫والربجوازي‪ ،‬العفيف والفاتك‪ .‬العادي وما‬ ‫�سواه‪.‬‬ ‫وال�سطور ال تريد ا�ستق�صاء الألفاظ ال�سهلة‪،‬‬ ‫التي‪ -‬رغم بعد العهد بها‪ -‬ال حتتاج �إىل بقر‬

‫غزل المثقب العبدي‬ ‫أال يصلح لخطابات‬ ‫المراهقين في‬ ‫المرحلة الثانوية؟‬

‫بطون املعاجم؛ �إذ �إن �أغلب الظن �أن ن�سبة‬ ‫الألفاظ الع�سرية الفهم لي�ست طاغية‪ ،‬ولكن‬ ‫اللغة ال�شعرية ‪-‬عادية كانت �أو غري ذلك‪ -‬ال‬ ‫تقت�صر على الألفاظ‪ ،‬فتدخل «املو�ضوعات»‬ ‫بح�سب التعبري القدمي‪ ،‬وك��ذا تقنيات ت�ؤكد‬ ‫ح��د���س ال�سطور بح�ضور اللغة ال�ع��ادي��ة يف‬ ‫جممل منظور ال�شعر اجلاهلي‪.‬‬ ‫م��رة كتبتُ ع��ن ك��ون ال�شرعية يف ق�صيدة‬ ‫النرث داخلية‪ ،‬من دون ا�ستجداء �صك القبول‬ ‫من ال�شعر‪ ،‬و�إال لكررت خط�أ ال�شعر احلر‬ ‫ال��ذي م��ا ب��رح يطرق ب��اب ال�شعر العمودي‬ ‫طالب ًا حق اللجوء الأدب��ي! المني الأ�صدقاء‪.‬‬ ‫بع�ضهم ب�ه��اج��� ٍ�س م��ن ع �ب��ادة امل��ا��ض��ي فال‬ ‫يت�صور �شرعية داخلية‪� .‬شرعية ثورية‪ ،‬تبع ًا‬


‫في حضرة الشعر‬ ‫‪108‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫بقايا �سوق عكاظ التاريخي حيث �أعيد ترميم جزء منه‬

‫ملا «ن�سمعه» هذه الأيام‪.‬‬ ‫�سخريتي يف بداية ال�سطور مهاجمة‪ ،‬خري‬ ‫م��ن ال��دف��اع ال��ذي ال يحرز ن�صر ًا‪ ،‬ناهيك‬ ‫عن البطولة‪ .‬يف ظني‪ ،‬اليعدو الأمر �أن يكون‬ ‫ولع ًا بقيا�س �شيء على �آخر‪� .‬أن يكون قيا�س‬ ‫ن��وع على �آخ ��ر؛ �إذ يقي�سون اللغة العادية‬ ‫على اللغة الأدبية ويبدو النوعان متواجهي‬ ‫املنحى والغاية والبنية واملفردات‪ .‬بينما هم‬ ‫يت�شاجرون على معنى اللغة الأدبية ابتداء!‬ ‫ثنائية امل�ث��ال وم��ا ��س��واه‪ ،‬بينما ه��ذا املثال‬ ‫مت�صور بامتياز؛ مبعنى �أن �صورته عندنا‪،‬‬ ‫وت�صورنا عنه ي�ؤثر يف فهمنا له من جهة‪،‬‬ ‫ويوجهه‪ ،‬وي�ؤطر قيا�سنا لغريه عليه من جهة‬ ‫�أخ��رى‪� .‬إننا نفهم الأم��ر على ت�صورنا له‪،‬‬ ‫مت��ام� ًا كاملحب ال��ذي يع�شق ��ص��ورة ر�سمها‬ ‫حلبيبته حتى �إذا تزوجها وجد نف�سه يبحث‬ ‫عن �صورة يف خياله‪.‬‬ ‫ولي�س هناك «دف�تر» حل�ضور اللغة الأدبية‬ ‫و«ان���ص��راف�ه��ا» ع��ن ال�ن����ص‪ ،‬ولي�ست اللغة‬ ‫املفارقة للعادي وامل�ألوف ميزة يف حد ذاتها‪.‬‬

‫لم يطلق على الشعر‬ ‫ديوان العرب إال لكونه‬ ‫جامع ًا للسوقي‬ ‫والبرجوازي‪ ..‬العفيف‬ ‫والفاتك‪ ..‬العادي وما‬ ‫سواه‬ ‫�إنهم ال يت�سقون مع نف�سهم حني يقولون هذا‪،‬‬ ‫ويطلبون «�شرح ًا» لأ�شعار بع�ضهم‪ .‬يحتج‬ ‫ال�شعر‪-‬ولي�س ال�شاعر‪ -‬بنزقه وخروجه عما‬ ‫ال يفهم «البقر»‪ .‬ورمب��ا �أ��س��اءوا ملجاز رائق‬ ‫فطلبوا قطرة من «ماء املالم»‪.‬‬ ‫والأم���ر ق ��دمي‪� .‬أ� �ض��رب ل��ك م�ث� ً‬ ‫لا م��ن فهم‬ ‫الأقدمني لفن املقطعات؛ �إذ جتد ا�ضطراب ًا‬ ‫كبري ًا يف حتديد امل�صطلح من�ش�ؤه �ضرورة‬ ‫التفرقة – عندهم – قبل كل �شيء بينها وبني‬ ‫الق�صيدة‪ .‬الق�صيدة هي الأم ال��ذي تتفرع‬ ‫عنها غريها‪ ،‬وكما يقول ال�صديق الدكتور‬

‫حممد م�صطفى يف كتابه املاتع «املقطعات‬ ‫ال�شعرية يف الع�صر العبا�سي»؛ لقد ُنظر‬ ‫�إىل كثري من ال�شعر العربي ومقطعاته على‬ ‫هذا النحو‪ ،‬حم ًال على بناء مت�صور قب ًال‪،‬‬ ‫هو الق�صيدة‪ ،‬وك�أنه ال ي�ستقيم فهم املقطعة‬ ‫بو�صفها نوع ًا �شعري ًا مغاير ًا يف طبيعة بنائه‬ ‫عن الق�صيدة �إال من هذا اجلانب الدال على‬ ‫النق�ص؛ فحتى لو كانت هذه النظرة داخلة‬ ‫يف داللة امل�صطلح‪ ،‬ف�إنها ال تربهن على وجود‬ ‫غياب لعنا�صر ن�صية معينة عن املقطعة‪.‬‬ ‫اجلهة منفكة‪-‬بتعبري الفقهاء‪-‬؛ ففي بع�ض‬ ‫الأحيان يكون االتكاء على اللغة العادية نوع ًا‬ ‫من «ت�صدير» للر�سالة على ح�ساب «التعبري»‬ ‫عنها‪ ،‬ت�صدير لقيمة ال��واق��ع على ح�ساب‬ ‫الفنية‪ ،‬وتقدمي للو�ضوح على ح�ساب الت�أويل‪،‬‬ ‫تقدمي للت�أمل الذاتي على ح�ساب «الرونق»‪،‬‬ ‫وغريه من موروثات قد ال تع�ضد قيم البالغة‬ ‫احل �ق��ة م��ن ج�ه��ة ك��ون�ه��ا «م�ط��اب�ق��ة ال�ك�لام‬ ‫ملقت�ضى احل��ال»؛ �إذ يجب �أن تراعي الفهم‬ ‫وت�صديره على غريه من اعتبارات التوا�صل‪،‬‬


‫وح ��ال امل�ستمع‪ .‬الأم ��ي ب��ام�ت�ي��از‪ ،‬واملتلقي‬ ‫ال�سماعي للن�ص القدمي‪ ،‬وعملية التوا�صل‬ ‫الآ�سرة مبا ي�ضمن ا�ستمرار �سطوة الق�صيدة‬ ‫مع اعتبارات كثرية تفر�ض على املبدع نوع ًا‬ ‫من «مداراة» املتلقي‪.‬‬ ‫ن�أ�سف ل�ضرورة اال�ستعانة مبقوالت «عادية»‬ ‫لديهم؛ لعل �أب��رزه��ا «مقولة الأغ��را���ض»‪.‬‬ ‫ن���ض��رب م �ث� ً‬ ‫لا ب�ف��ن ال��و� �ص��ف ال���ذي احتل‬ ‫�صفحات كثرية من ديوان ال�شعر اجلاهلي‪،‬‬ ‫حتى عده الكثريون غر�ض ًا �شعري ًا يقوم بجوار‬ ‫املدح والهجاء والغزل‪ ،‬وغريها‪ .‬واحلق �أن ‪-‬‬ ‫على هذا النحو‪� -‬سيكون ال�شعر كله و�صف ًا‪.‬‬ ‫احلد�س ال�سريع للألفاظ ال�صعبة يجدها‬ ‫مرتبطة بو�صف الناقة يف كثري من الأحيان‪،‬‬ ‫�أو الوقوف على الأط�لال يف �أحيان �أخ��رى‪.‬‬ ‫�صحيح �أن امل�س�ألة بحاجة �إىل �إح�صاء دقيق‬ ‫من جهة و�صعوبة اللفظ من عدمه ن�سبية‬ ‫للغاية م��ن جهة �أخ ��رى‪ ،‬ولكن يبدو يل �أن‬ ‫الناقة واحلديث عنها عند ال�شاعر اجلاهلي‬ ‫كان لزام ًا‪ ،‬ومن الطبيعي‪� ،‬أن تكون م�صدر‬ ‫�صعوبة؛ �إذ تدخل يف جميع مناحي حياته‪،‬‬ ‫ولي�ست جمرد �أداة للموا�صالت؛ �إنها �سمريته‬ ‫وم�ؤن�سته ور�أ���س ماله وغ��ذا�ؤه ولبا�سه ولذا‬ ‫فهي حتمل معاين عميقة‪ .‬يكفي �أن تراجع‬ ‫بع�ض ًا من ت�أويالت �أ�ستاذنا الرائع الدكتور‬ ‫م�صطفى ن��ا��ص��ف ف�ه��ي � �ص��راع م��ن �أج��ل‬ ‫احلياة ‪ -‬يف بع�ض ما ر�آه‪ -‬واحلياة حتتمل‬ ‫الكثري من �أوج��ه الب�ساطة والتعقيد‪� .‬أك��اد‬ ‫�أج��زم �أن و�صف الناقة يحتاج – بالقوة‪-‬‬ ‫�إىل بيان؛ ف�إذا و�صف ال�شاعر«ذنب» الناقة‪،‬‬ ‫يحتاج الأمر – الآن‪� -‬إىل �شرح معنى الناقة‬ ‫و«ذنبها» ابتداء‪ ،‬فكيف لو جل�أ �إىل مرادف‬ ‫للفظ امل�ستخدم؟ وكيف لو و�صفها‪� ،‬أو جزء ًا‬ ‫منها‪ ،‬والو�صف نوع من الت�أمل‪ ،‬وبحث عما‬ ‫يقرب املو�صوف من عقول املتلقني‪.‬‬ ‫وحتى يف التعامل مع الناقة بال�صفة الأكرث‬ ‫ب�ساطة‪ ،‬بو�صفها «مركبة» �سري‪� .‬أال ترانا‪-‬‬ ‫حتى الآن – ن�ستخدم م�صطلحات معينة‬ ‫للتعامل مع املركبات حتتاج �إىل �شرح يحار‬ ‫فيه من يتعامل معها لأول مرة؟ ال �أريد ذكر‬ ‫�أمثلة‪ ،‬لي�س فقط لأن بع�ضها «مع ّرب»‪ ،‬ولكن‬

‫لقطة من احدى موا�سم �سوق عكاظ‬


‫في حضرة الشعر‬ ‫‪110‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫لأنك –عزيزي القارئ‪ -‬تفهم معناها‪ .‬الآن‪.‬‬ ‫طغت الناقة يف ال�شعر �أبيات ًا وتنظري ًا ونقد ًا؛‬ ‫فا�ستمدت البحور �أ�سماءها منها‪ ،‬ون�ش�أ‬ ‫النقد مرتبط ًا مب�صطلحات الناقة فتكلم‬ ‫«الأ�صمعي» ع��ن «الفحل واحل �ق��اق»‪ ،‬وك��ون‬ ‫ال�شاعر الفحل له ميزة كميزة الفحل على‬ ‫احل�ق��اق‪ ،‬ثم تكلم �أب��و �سالم اجلمحي عن‬ ‫«طبقات فحول ال�شعراء»‪.‬‬ ‫وال يعني ذلك �أن كل �أبيات و�صف الناقة‬ ‫كانت ملغزة معماة‪ .‬وكذلك يبدو الأم��ر مع‬ ‫«ال��وق��وف على الأط �ل�ال»‪ ،‬وي�ح��وي �ألفاظ ًا‬ ‫ع�سرية‪ ،‬رمبا لأ�سباب ال تبتعد عن تف�سرينا‬ ‫ال�سابق؛ من جهة التعويل على �أهمية الطلل‪،‬‬ ‫ورمزيته التي حتتاج لكبري ت�أويل‪ .‬لقد فر�ض‬ ‫واقع ال�شعر اجلاهلي ح�ضور ًا فيا�ض ًا للطلل‬ ‫وللناقة‪ ،‬رمبا بدرجة تقرتب من الت�ساوي‪،‬‬ ‫يربزان من خالل الو�صف «وهو نوع من الت�أمل‬ ‫والت�شبيه والبحث عن النظري‪ ،‬وتقريب وجهة‬ ‫النظر»‪� .‬صعوبة اللفظ يف الو�صف قد تبدو‬ ‫ملمح ات�ساق مع الوعي ال�شعري �آنذاك‪.‬‬ ‫ال��وع��ي ال���ش�ع��ري ال�ب���س�ي��ط‪ ،‬غ�ير امل��رك��ب‬ ‫عامل �آخ��ر مل��ا نظنه‪ .‬اجل��اح��ظ ذات��ه يقول‬ ‫كلمة نابهة رمبا حتتاج فهم ًا جديد ًا وذائقة‬

‫الشعر ديوان العرب‬ ‫في الجاهلية ‪..‬هل‬ ‫كان ديوان الباب‬ ‫العالي فقط‪..‬‬ ‫ليحظى الصفوة‬

‫نزقهما‪ ،‬ومباغتتهما ملا اعتدناه‪.‬‬ ‫جتربة رثاء النف�س التي كانت جتربة فنية‬ ‫و�إن�سانية ن��ادرة بامتياز‪ ،‬هل كانت تخ�ضع‬ ‫لذلك التحكيك مهما افرت�ضنا كون ال�شاعر‬ ‫اجلاهلي ال ينام �إال ورثا�ؤه حتت ر�أ�سه!‬ ‫فيقول زيد بن حذاق‪:‬‬

‫متعاطفة؛ �إذ ي�ق��ول يف كتابه «احل �ي��وان»‪:‬‬ ‫«�أم��ا ال�شعر فحديث امل�ي�لاد‪� ،‬صغري ال�سن‬ ‫�أول م��ن نهج �سبيله و��س� َّه��ل ال�ط��ري��ق �إليه‬ ‫ام ��ر�ؤ القي�س ب��ن حجر ومهلهل ب��ن ربيعة‬ ‫وكتب �أر�سطوطالي�س‪ ،‬ومعلمه �أفالطون‪ ،‬ثم‬ ‫بطليمو�س ودميقراطي�س‪ ،‬وفالن‪ ،‬وفالن قبل‬ ‫بدء ال�شعر بالدهور قبل الدهور والأحقاب‬ ‫قبل الأحقاب»‪.‬‬ ‫على النهج ذاته يكتب ابن �سالم يف طبقاته‪:‬‬ ‫«ومل يكن لأوائل العرب من ال�شعر �إال الأبيات‬ ‫يقولها ال��رج��ل يف ح��ادث��ة‪ ،‬و�إمن ��ا ُق ِّ�صدت‬ ‫الق�صائد‪ُ ،‬‬ ‫وط � � ِّول ال�شعر على عهد عبد‬ ‫املطلب وها�شم بن عبد مناف‪ ،‬وذل��ك يدل‬ ‫على �إ�سقاط «�شعر» عاد وثمود وحمري و ُت َبع»‪.‬‬ ‫�ضع الفقرة ال�سابقة ب�ين قو�سني‪ ،‬وات��رك‬

‫ت�ل�م��ح يف ك�ل�ام ال �ن �ق��اد ال �ق��دام��ى ت�ق��دمي‬ ‫التوا�صل الإن�ساين الذي يقيمه ال�شعر ب�صفة‬ ‫�أوىل من غريه من االعتبارات؛ فيلحون على‬ ‫الفهم والإفهام؛ فتجد ابن �سالم اجلمحي‬ ‫يف «ط �ب �ق��ات ف �ح��ول ال �� �ش �ع��راء» ي �ق��ول عن‬ ‫النابغة‪�« :‬إنه كان �أح�سن اجلاهليني ديباجة‬ ‫�شعر و�أكرثهم رون��ق كالم و�أجزلهم بيتا»‪،‬‬

‫هل للفتى من بنات الدهر من واق‬ ‫�أم ه��ل ل��ه م��ن ح�م��ام امل��وت م��ن راق‬ ‫قد رجلوين‪ ،‬وما رجلت من �شعث‬ ‫و�أل� �ب� ��� �س ��وين ث� �ي ��اب� �اً غ �ي�ر �أخ �ل��اق‬ ‫ه��ون عليك وال تولــــــع ب�إ�شفاق‬ ‫ف�إمنـــــــــــا م��ال�ن��ا ل �ل ��وارث ال�ب��اق��ي‬ ‫ك�أنني قد رماين الدهر عن عر�ض‬ ‫ب� �ن ��اف ��ذات‪ .‬ب�ل�ا ري �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ ����ش و�أف � � ��واق‬


‫و�صاحب «عمود ال�شعر» يتحدث عن وجوب‬ ‫توفر‪� :‬شرف املعنى و�صحته‪ ،‬جزالة اللفظ‬ ‫وا�ستقامته‪ ،‬الإ�صابة يف الو�صف‪ ،‬املقاربة‬ ‫يف الت�شبيه‪ ،‬التحام �أجزاء النظم والتئامها‪،‬‬ ‫منا�سبة امل�ستعار منه للم�ستعار له‪ ،‬م�شاكلة‬ ‫اللفظ للمعنى‪ ،‬و�شدة اقت�ضائهما للقافية حتى‬ ‫ال منافرة بينهما‪� .‬أال ترى مراعاة النقد للفهم‬ ‫املنثال �سريع ًا بعيد ًا عن الغمو�ض الذي ن�سم‬ ‫به ال�شعر اجلاهلي ‪ ،‬بينما‪-‬رمبا‪ -‬مل يظهر «‬ ‫الغمو�ض» �إال مع احلوار حول �شعر «�أبو متام»‪.‬‬ ‫ال�شعر «لفظ معني بني قوم معينني»‪ ،‬كما يقول‬ ‫اجلرجاين‪ .‬ه�ؤالء «القوم املعينون» ال يحملون‬ ‫املعاجم‪ ،‬وال يعرفونها‪ ،‬يتلقون ال�شعر م�شافهة‬ ‫يف الأ��س��واق‪ ،‬فيعتمد «ال�شاعر» لغة تت�صدى‬ ‫للم�سائل الأق ��ل ��ش��أن� ًا‪ ،‬ف�ت��ات احل �ي��اة‪ ،‬قدر‬ ‫ت�صديها للإجابة عن �أ�سئلة عميقة وننتظر‬ ‫�آراء �أه��ل الإح�صاء حول �أبيات تت�صل بو�أد‬ ‫البنات �أو �صاحبات الرايات احلمر وهل زادت‬ ‫عن �أبيات تت�صل بغريها؟ وهل �أجرم ال�شاعر‬ ‫الذي يقول«دع ذا» وك�أنه –بتقنيته تلك‪ -‬يقول‬ ‫ها قد دخلنا يف املو�ضوع !‬ ‫وعلى اجلهة الأخ��رى‪ ،‬بدت �أغرا�ض �أخرى‪،‬‬ ‫و�أبواب جاءت �أغلب �أبياتها بعيدة عن الإلغاز‬ ‫الطاغي يف احلديث عن الناقة؛ فاالعتذار‬ ‫والرثاء واملدح والفخر والغزل ال جتد فيها –‬ ‫غالب ًا‪� -‬إال ما تفهمه من القراءة الأوىل‪.‬‬ ‫فمن االعتذار جند‪:‬‬

‫�شاهد قرب امر�ؤ القي�س‬

‫طغت الناقة في‬ ‫الشعر أبيات ًا وتنظير ًا‬ ‫ونقد ًا؛ فاستمدت‬ ‫البحور أسماءها منها‪،‬‬ ‫ونشأ النقد مرتبط ًا‬ ‫بمصطلحات‬

‫ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني‬ ‫وب �ي ����ض ال �ه �ن��د ت �ق �ط��ر م� ��ن دم��ي‬ ‫ف� ��وددت ت�ق�ب�ي��ل ال���س�ي��وف لأن�ه��ا‬ ‫مل � �ع� ��ت ك � � �ب� � ��ارق ث� � �غ � ��رك امل �ت �ب �� �س��م‬

‫غزل «املثقب العبدي» �أال ي�صلح خلطابات‬ ‫املراهقني يف املرحلة الثانوية؟‬

‫و�أح � � �ي� � ��ان � � �اً ع� �ل ��ى ب� �ك ��ر �أخ� �ي� �ن ��ا‬ ‫�أف � ��اط � ��م ق� �ب ��ل ب �ي �ن��ك م�ت�ع�ي�ن��ي‬ ‫�إذا مل جن� � � � ��د �إال �أخ� � � ��ان� � � ��ا‬ ‫وم �ن �ع ��ك م� ��ا �� �س� ��أل ��ت ك � � ��أن ت�ب�ي�ن��ي‬ ‫ومن الرثاء جند‪:‬‬ ‫ف �ل��ا ت � �ع� ��دي م � ��واع � ��د ك� ��اذب� ��ات‬ ‫مت � ��ر ب� �ه ��ا ري� � � ��اح ال� ��� �ص� �ي ��ف دوين‬ ‫�شفيت النف�س من حمل بن بدر‬ ‫و� �س �ي �ف��ي م ��ن ح��ذي �ف��ة ق ��د ��ش�ف��اين ف� � � ��إين ل� ��و ت �خ��ال �ف �ن��ي � �ش �م��ايل‬ ‫خ�ل�اف ��ك م ��ا و� �ص �ل��ت ب �ه��ا مي�ي�ن��ي‬ ‫��ش�ف�ي��ت ب�ق�ت�ل�ه��م ل�غ�ل�ي��ل ��ص��دري‬ ‫ول� � � �ك � � ��ن ق� � �ط� � �ع � ��ت ب � � �ه� � ��م ب � �ن� ��اين �إذن ل �ق �ط �ع �ت �ه��ا ول �ق �ل ��ت ب�ي�ن��ي‬ ‫ك� ��ذل� ��ك �أج� � �ت � ��وي م� ��ن ي �ج �ت��وي �ن��ي‬ ‫وال�شعر الغزيل‪:‬‬

‫�أف��اط��م مهال بع�ض ه��ذا التدلل‬ ‫و�إن كنت قد �أزمعت �صرمي فاجملي‬ ‫ول �� �س��ت مب���س�ت�ب��ق �أخ� ��ا ال تلمه‬ ‫و�إن كنت قد �ساءتك مني خليقة‬ ‫ع �ل��ى � �ش �ع��ث �أي ال� ��رج� ��ال امل �ه��ذب‬ ‫ف ��� ُ�س �ل��ي ث �ي��اب مي ��ن ث �ي��اب��ك تن�سل‬ ‫ومن الفخر جند‪:‬‬ ‫�أغ � � ��رك م �ن��ي �أن ح �ب��ك ق��ات �ل��ي‬ ‫ف� � ��إن ي ��ك ع ��ام ��ر ق ��د ق ��ل ج�ه�لا‬ ‫و�أن� ��ك م�ه�م��ا ت ��أم��ري ال�ق�ل��ب يفعل‬ ‫ف� � � � ��إن م� �ط� �ي ��ة اجل� � �ه � ��ل ال� ��� �س� �ب ��اب وم��ا ذرف ��ت عيناك �إال لتقدحي‬ ‫ف� �ك ��ن ك� ��أب� �ي ��ك �أو ك � ��أب� ��ي ب� ��راء‬ ‫ب���س�ه�م�ي��ك يف �أع �� �ش��ار ق �ل��ب معطل‬ ‫ت ��واف� �ق ��ك احل� �ك ��وم ��ة وال� ��� �ص ��واب‬ ‫وال ت ��ذه ��ب ب �ح �ل �م��ك ط��ام �ي��ات‬ ‫م � ��ن اخل� � �ي �ل��اء ل� �ي� �� ��س ل� �ه ��ن ب ��اب ليس هناك دفتر لحضور‬ ‫اللغة األدبية وانصرافها‬ ‫و�إن� � ��ك � �س��وف حت �ل��م �أو ت�ن��اه��ى‬ ‫�إذا م� ��ا � �ش �ب��ت �أو �� �ش ��اب ال� �غ ��راب عن النص‪ ..‬وليست‬ ‫ورمبا ن�ستخدم منذ ال�صغر قولهم املفاخر‬

‫وقول عنرتة‪:‬‬

‫اللغة المفارقة للعادي‬ ‫والمألوف ميزة في حد‬ ‫ذاتها‬

‫وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن ان �غ�لاق احل �ي��اة وطابعها‬ ‫املحافظ الذي يفر�ض على �أغلبهم و�أد البنات‬ ‫خمافة الوقوع يف الأ�سر‪ ،‬وال�شهامة التي جتعل‬ ‫�أغلبه «يغ�ض الطرف �إذا ما بدت جارت ِه»‪ ،‬فقد‬ ‫ظهرت �أبيات تتحدث عن الغزوات اجلن�سية‬ ‫لبع�ض ال�شعراء اجلاهليني‪ ،‬رمب��ا يف و�صف‬ ‫ال يتعامل مع ال�شعر بو�صفه حرم ًا غري قابل‬ ‫لالنتهاك‪ ،‬قدر وعيه بت�شكل ال�شعر من حمايثته‬ ‫للوعي اجلمعي‪ ،‬ومنه‪-‬بالطبع‪ -‬الوعي اللغوي‪.‬‬ ‫تراهن ال�سطور على ح�ضور اللغة العادية يف‬ ‫ال�شعر اجلاهلي‪ ،‬ت�سرت�شد بتق�سيم ال�شعر �إىل‬ ‫�أغرا�ض‪ ،‬وت�ؤول تقنيات كانت ذائعة عندهم‪،‬‬ ‫وتت�ساءل عن التلقي ال�سماعي ومدى �سماحه‬ ‫بت�أمل للذهن‪ ،‬وت�ستعني ببع�ض مقوالت النقد‬ ‫القدمي ذاته‪ .‬هل يا ترى �أفرطت يف «احلما�سة»‬ ‫للفكرة؟ �إذا قلت « نعم» فـ« دع ذا»‬


‫‪112‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫سيمياء‬

‫الهوية‬ ‫الثقافية‬ ‫المجتمعية‬ ‫والعولمة‬

‫عائ�شة الدرمكي‬ ‫‏‪aishaaldarmaki@hotmail.com‬‬

‫�إن الإمكانات التي ُتطلقها العوملة‬ ‫ال�شاملة بفتوحاتها اخلارقة‬ ‫وحتوالتها املت�سارعة ‪ -‬يف ظل‬ ‫االنفتاح التوا�صلي والتقني الذي‬ ‫ي�شهده العامل‪ -‬تفتح �آفاقاً جديدة‬ ‫للوجود واحلياة عموماً‪ ،‬وهي‬ ‫ب�سبب ذلك الت�سارع اجلارف ت�شكل‬ ‫حتديات �ضخمة فكرية واقت�صادية‬ ‫وجمتمعيةو�سيا�سية‪.‬‬

‫ف��إذا كانت الثقافة املجتمعية مبعطياتها‬ ‫ال��ذات�ي��ة وامل��و��ض��وع��ات�ي��ة جت�سيد ًا عيني ًا‬ ‫م�شخ�ص ًا للفردية املكونة لها يف الأ�سا�س‪،‬‬ ‫ف ��إن العاملية ه��ي التج�سيد الأك�ب�ر لهذه‬ ‫الثقافات جمتمعة كلها �أو معظمها‪.‬على‬ ‫�أن الهوية الثقافية املجتمعية كما يقول‬ ‫كو�ش يف كتابه «مفهوم الثقافة يف العلوم‬ ‫االجتماعية»‪« :‬ا�ستدماج و�إق�صاء يف � ٍآن‬ ‫مع ًا؛ �إنها حتدِّد املجموعة‪...‬ومت ِّيزها عن‬ ‫املجموعات الأخرى ‪»...‬؛ هكذا �إذن ميكن‬ ‫التعرف على الهوية املجتمعية؛ ومن هنا‬ ‫�أي�ض ًا ميكن �أن نف ِّرق بينها وبني العاملية التي‬ ‫تندفع نحوها بهدف الو�صول �إىل ما ي�سمى‬ ‫«الثقافة اجلماهريية» التي ق��د ت�ضمن‬ ‫جمموعة من تلك الثقافات املجتمعية‪.‬‬ ‫ي�ق��دم ال��دك �ت��ور ح�سني م��ؤن����س يف كتابه‬ ‫(احل�ضارة) تتبع ًا للثقافات املجتمعية التي‬ ‫تنبع من بيئة ال�شعب وظروفه التاريخية‬ ‫(وم��ا يتفرع عنها من ثقافات حملية هي‬ ‫ما ي�سمى بالثقافة الفرعية �أو التحتية ‪-‬‬ ‫‪ ،Sub-Culture‬وتنبع من ف��روع ال�شعب‬ ‫والبيئات املحلية املختلفة التي تعي�ش فيها‬ ‫‪ ،Sub-Nationality‬ثم الثقافة العاملية‬‫‪ ،Universal Culture‬والتي تن�ش�أ بف�ضل‬‫ازدياد و�سائل التوا�صل بني اجلماهري وهي‬ ‫بذلك تن�ش�أ عن موجة العاملية �أو احل�ضارة‬ ‫العاملية املوحدة التي تتجه نحوها اليوم‬ ‫والتي تتجه �إىل ابتالع الثقافات الفرعية �أو‬ ‫التحتية‪ ،‬والثقافة العاملية تتجه �إىل الق�ضاء‬ ‫على الثقافات املحلية وعندما يكتمل تكوين‬ ‫تلك الثقافة العاملية ت�صبح ح�ضارة وجتمد‬ ‫يف قوالب معينة ويبد�أ تدهورها»‪ .‬من هنا‬ ‫فزعت الأمم وال�شعوب ون��ادت بـ «الهوية‬ ‫ِ‬ ‫املجتمعية»‪ ،‬و�ضرورة املحافظة عليها وعلى‬ ‫تلك اخل�صو�صية التي متيزها عن غريها ‪.‬‬

‫الثقافة املجتمعية والرتاث‬

‫�إن الثقافة املجتمعية ظاهرة ن�ش�أت مع‬

‫الإن�سان من والدة اخلليقة فال ميكن �أن يكون‬ ‫هناك �شعب �أو �أمة بال ثقافة فهي م�ستمرة‬ ‫ومتغرية يف الوقت ذاته‪ ،‬تتغري وتتطور بتغري‬ ‫حياة الفرد وتطور و�سائله وعالقاته ولغته‬ ‫و�أدبه وفكره وتوا�صله مع ذاته ومع الآخر‪،‬‬ ‫�ضمن املجموعة الثقافية �أو خارجها كلما‬ ‫ات�سع نطاق توا�صله‪ ،‬غري �أن ه��ذا التغري‬ ‫والتطور يك�شف عن حالة ثبات وا�ضحة يف‬ ‫تلك الثقافات‪ ،‬هذا الثبات يك�شف عن تلك‬ ‫العالقة بني الأزمنة املتالحقة واملتوا�صلة‬ ‫بو�ساطة الفرد واجلماعة فهذا الثبات كما‬ ‫ي�صوره �سارتر يف «الكينونة والعدم»‪...« :‬‬ ‫من حيث هو ت�سوية بني املتناهي الالزمني‬ ‫مع ال��ذات ووح��دة التكوين الزمني القائم‬ ‫على اخل ��روج م��ن ال� ��ذات‪� ،‬سيظهر �إذ ًا‬ ‫كانزالق حم�ض للحظات يف ذاتها‪ ،‬وهي‬ ‫حلظات عدم �صغرية منف�صلة عن بع�ضها‬ ‫البع�ض‪ ،‬جتمعها عالقة خارجانية ب�سيطة‪،‬‬ ‫على امل�ستوى اخلارجي لكائن يحتفظ بثبات‬ ‫ال عالقة له بالزمنية‪ .‬لي�س �صحيح ًا �إذ ًا �أن‬ ‫الطابع الالزمني للكينونة يفلت منا‪� ،‬إنه‬ ‫عك�س ذل��ك‪ ،‬معطى يف ال��زم��ن‪ ،‬وي�ؤ�س�س‬ ‫لطريقة وج ��ود ال��زم��ن ال� �ك ��وين»‪ ،‬وه��ذا‬ ‫الزمن الذي تو�صله الذوات �إمنا يحمل تلك‬ ‫الثقافات وينقلها عرب الأزمنة يف �صور ثابتة‬ ‫متغرية؛ ثابتة من حيث القيمة االعتبارية‬ ‫كما جنده يف القيم الأخالقية �أو الدينية‬‫�أو ال�سلوكية �أو الفنية‪ ،‬ومتغرية من حيث‬ ‫خارجانيتها الظاهرية يف ال�شكل العام الذي‬ ‫�سيتطور من �أجل موائمة الزمن احلا�ضر ‪.‬‬ ‫وعلى ذلك ف�إن ا�ستمرارية هذه الثقافة مع‬ ‫تغريها وتطورها ت�صبح ا�ستمرارية عائدة‬ ‫�إىل املجال والزمن الذي ن�ش�أت فيه �أ�ص ًال‪،‬‬ ‫وب�سبب قوة ت�أثريها يف العقل اجلمعي ف�إن‬ ‫كل ما نقوله �أو نت�صوره �أو ن�سلكه �إمنا هو‬ ‫امتداد وج��زء من �إرث قد يكون مت�شابها‬ ‫�أو خمتلف ًا نوع ًا ما عن امل�ضمون �أوال�شكل‬ ‫ال�سابق تبع ًا ملراحل التطور وقوته من زمن‬


‫الثقافة املجتمعية والعاملية‬

‫�إن الفكر الثقايف الذي ت�صنعه تلك العوامل الثالثة �إمنا ُينتج‬ ‫ثقافتني من�سجمتني من ناحية ومتقابلتني من ناحية �أخرى‬ ‫�أحدهما مرتبطة بـ«الهوية» و�أخرى مرتبطة بـ«العوملة» وهما‬ ‫تياران ي�شكالن فكر الإن�سان بدرجات متفاوتة؛ الهوية متثل له‬ ‫الفكر الديني واملجتمعي؛ فهي الثقافة ال�شعبية مبا تعك�سه من‬ ‫�أفكار ومعتقدات تك ِّون االكت�ساب الأول للفكر الثقايف‪ ،‬وعليه‬ ‫ميكن القول �أن هناك �أهمية كبرية للثقافة ال�شعبية يف تكوين‬ ‫الهوية من ناحية ويف ت�أ�صيلها نحو تقبل وت�شكل تيار العوملة من‬ ‫ناحية �أخرى؛ يقول جون تومليت�سون يف «العوملة والثقافة»‪« :‬تقع‬ ‫العوملة يف القلب من الثقافة‪ ،‬وتقع املمار�سات الثقافية يف القلب‬ ‫من العوملة»؛ و�إذا ما �أردنا تتبع هذا الت�أ�صيل والت�شكل للعوملة‬ ‫ف�إننا نعمد �إىل �سرب طرق التفكري ب�ش�أن �أهمية الثقافة بالن�سبة‬ ‫�إىل العوملة؛ فاملرتبطية املعقدة لي�ست جم��رد تكامل �أوث��ق‬ ‫للم�ؤ�س�سات االجتماعية التي ميثلها املجتمع‪ ،‬لكنه يت�ضمن دمج‬ ‫الأفعال الفردية واجلماعية يف الطريقة التي تعمل بها تلك‬ ‫امل�ؤ�س�سات‪ ،‬وهذا ما ت�شكله القيم املجتمعية كال�شجاعة واملروءة‬ ‫والكرم من ت�أ�صيل يف مقابل قيم حديثة تت�صف بالفردية‪،‬‬ ‫وهكذا ف�إن املرتبطية الثقافية تطرح فكرة انعكا�سية احلياة‬ ‫الع�صرية العاملية؛ وهذا ما نراه يف �صور احلياة احلديثة مما‬ ‫ال يت�ضارب مع تلك القيم‪.‬‬ ‫وعليه؛ ف�إن حماولة التجان�س والتوافق بني قطبي الهوية والعوملة‬

‫سيمياء‬

‫�إىل �آخ��ر‪ .‬وعليه ف�إن هذه الثقافة ت�صل الأف��راد مبا�ضيهم‪،‬‬ ‫وتعترب منطلقات وموجهات للحياة يف احلا�ضر كونه منتج ًا‬ ‫عام ًا ولي�س خا�ص ًا بفرد ما‪ ،‬فالثقافة هنا كما يقول م�ؤن�س‪«:‬‬ ‫هي ثمرة كل ن�شاط �إن�ساين حملي نابع عن البيئة ومعرب عنها‬ ‫�أو موا�صل لتقاليدها يف هذا امليدان �أو ذاك» ‪.‬‬ ‫وهكذا يجد الإن�سان نف�سه اليوم بني عوامل متعددة لكل منها‬ ‫هويتها وخ�صو�صياتها يتمثل �أولها يف �إرث الأجداد ب�أ�صولياته‬ ‫الدينية وت�صوراته ومعتقداته وعاداته و�سلوكياته؛ بينما يتمثل‬ ‫ثانيها يف العامل الآين بتطوراته العلمية ومنطقه العقالين‪� ،‬أما‬ ‫ثالثها فيتمثل يف العامل الآخذ يف الت�شكل الآن نحو امل�ستقبل؛‬ ‫وه��و ع��امل العوملة بف�ضائه وجماله الإع�لام��ي الوا�سع‪ .‬هذه‬ ‫العوامل كلها تتجاذب الوعي بالهوية املجتمعية والثقافية‪ ،‬وهي‬ ‫جميع ًا ت�شكل الفكر الثقايف للفرد وبالتايل �شخ�صيته املتميزة‬ ‫عن غريها‪ ،‬حيث تنفتح �أمامه ثورة املعلومات و�إمكانات علمية‬ ‫غري م�سبوقة بو�ساطة التوا�صل التقني والرقمي ‪.‬‬

‫يوجب الدعوة �إىل ا�ستخدام البنى الرتاثية يف �أ�ساليب التعبري‬ ‫عن �صور التعامل مع الواقع الراهن لبيان الهوية املتفردة‬ ‫وتثبيت اخل�صو�صية التي ت�سهم يف الإب��داع احلداثي؛ ذلك‬ ‫لأن لكل م�ؤ�س�سة جمتمعية خ�صو�صيتها الرتاثية التي �شكلت‬ ‫�أفرادها فهي بذلك تعك�س الهوية اخلا�صة املتفردة وهذا ما‬ ‫نراه يف حماولة دول اخلليج مث ًال ت�أ�صيله يف �أبنائها للموائمة‬ ‫بني «الأ�صالة واملعا�صرة»؛ فهذه الهوية تتجان�س مع العوملة‬ ‫باقتدار من حيث التعاطي واالن�سجام �إذ ت�أخذ منها من دون‬ ‫تنازل عن هويتها املتفردة؛ غري �أن الثقافة املجتمعية �أ�صبحت‬ ‫ت�سعى يف ظل العوملة �إىل االندماج والتعريف بالذات بطرائق‬ ‫مبا�شرة �أو غري مبا�شرة؛ هذا ما يجعلنا مث ًال ن�ست�ضيف خبري ًا‬ ‫�أجنبي ًا – بالنظر �إليه �أنه يحمل ثقافة عاملية ال جمتمعية‪-‬‬ ‫لي�ستك�شف وي�ضع لنا خرائط و�صور ور�سومات عن كيفية‬ ‫بناء �أجدادنا لنظام الأفالج �أو العيون �أو ال�سدود‪� ،‬أو ليو�ضح‬ ‫لنا طرائق �صيد الل�ؤل�ؤ وكيفية �صياغته وغريها مما ا�شتغل‬ ‫فيه الأج��داد و�أبدعوه دومنا خرائط �أو خطط �إمنا باملرا�س‬ ‫والتكرار‪ ،‬وقد يبدو الأمر جلي ًا عندما ُي�ست�ضاف �أحد ه�ؤالء‬ ‫اخلرباء لي�شهد فعالية �شعبية �أو جمتمعية ما ثم يديل بت�صريح‬ ‫عما �شاهد! �إن ارتباط �إمكانية الثقافة املجتمعية بالعاملية‬ ‫لي�ست �سوى ارتباط بني و�سيلتني من�سقتني بني بع�ضهما يف‬ ‫اخل��ارج‪ ،‬من �أج��ل غاية ما وه��ذه الغاية متجهة من الثقافة‬ ‫املجتمعية نحو العاملية بو�صفها نطاق �أو�سع و�أكرث رحابة‪ ،‬لي�س‬ ‫ذلك فح�سب بل كون الثانية �أقوى و�أقدر على ال�صمود والبقاء‪.‬‬ ‫هذا ما يدفع اليوم الدول العربية والأجنبية �إىل تقدمي ملفات‬ ‫مفردات الرتاث الثقايف �إىل منظمة اليون�سكو ل�ضمه �إىل قائمة‬ ‫الرتاث العاملي‪ ،‬وتفاخر تلك الدول كلما متكنت من �ضم �أحد‬ ‫موروثاتها �إىل هذه القائمة‪.‬‬ ‫يقول حممد �أرك��ون يف حمادثته يف «كتابات معا�صرة» ‪�« :‬إن‬ ‫بع�ض املثقفني العرب يريدون نقد الرتاث �أو حتى �إزالته كلي ًا‬ ‫دون �أن يطرحوا م�س�ألة الرهانات الكربى املرتتبة على مثل‬ ‫هذا العمل»‪ ،‬ويردف يف مقولة �أخرى ‪« :‬ينبغي تقدمي بديل ذي‬ ‫م�صداقية‪ ،‬و�إ َّال ف�إن النا�س لن يتخلوا عن املا�ضي مبثل هذه‬ ‫ال�سهولة»‪ ،‬ويعقب قائ ًال ‪« :‬ال يحق لك �أن متنعهم من التعلق‬ ‫برتاثهم لأنه ي�شكل خ�شبة اخلال�ص الوحيدة التي تبقت لهم»؛‬ ‫فالرتاث �إذن هو املكون احلقيقي لثقافة الإن�سان التي متثل‬ ‫هويته الأوىل وتكوينه الأول‪ ،‬ولذلك ف�إن هذه الثقافة تُربك‬ ‫العوملة لأن الأوىل متتلك دوم ًا دالالت تربطها بفكرة وجود ثابت‬ ‫فهي تربط �ضمني ًا بني بناء املعنى واخل�صو�صية والتفرد‬


‫الغالف‬ ‫‪114‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫مورد �شيخان‪ ..‬عليه احلرب منقّايه‬

‫سويحان‪..‬‬

‫غابت البئر وظلت عذوبتها عنوان ًا للمكان‬ ‫فاطمة م�سعود املن�صوري‬ ‫�إنها املنطقة امل�ستكينة يف قلب ال�صحراء‪ ،‬التي حتيط بها مزارع النخيل لت�ضفي عليها �صفة الواحة‬ ‫املنت�شية بجمال خ�ضرتها ووارف ظاللها‪ ،‬تخيل لزائرها لأول مرة والذي يرى البيوت ال�سكنية املنت�شرة‬ ‫يف �أرجائها وتوافر البنية التحتية الالزمة لأي منطقة من مدار�س ومركز �صحي ودائرة للبلدية وفروع‬ ‫مل�ؤ�س�سات املاء والكهرباء واالت�صاالت ‪ ،‬ب�أنه يف املنطقة التي عرفت منذ القدم با�سم �سويحان ‪� ،‬إال �أن‬ ‫احلقائق اجلغرافية الواردة على ل�سان الرواية ال�شفهية ت�ؤكد عك�س ذلك‪ ،‬ف�سويحان القدمية هي عبارة‬ ‫عن بئر ماء حتيط بها الرمال وك�أنها حتت�ضنها من �أي خطر يحدق بها‪ ،‬نعم ف�سويحان ما هي �إال بئر‬ ‫ماء اختفت وال �أثر لها الآن ‪ ،‬يقع مكانها اليوم يف منطقة املزارع وبالتحديد على بعد حوايل «‪ 8‬كم» غرب‬ ‫�سويحان ‪ ،‬على الطريق امل�ؤدي �إىل مدينة �أبوظبي ‪ ،‬وعلى بعد نحو «‪ 105‬كم» �شرق مدينة �أبوظبي‪.‬‬


‫ب ��د�أت �سويحان يف ال �ف�ترة الأخ�ي�رة حتتل‬ ‫م��وق �ع � ًا م �ت �م �ي��ز ًا ع �ل��ى اخل��ري �ط��ة البيئية‬ ‫والثقافية لإم��ارة �أبوظبي‪ ،‬وذل��ك ملا ت�سهم‬ ‫به يف خدمة جليلة لإجن��اح هذين املجالني؛‬ ‫حتى �أ�صبحت �إمارة �أبوظبي رائدة يف املجال‬ ‫البيئي وال �ث �ق��ايف‪ .‬فعلى ال�صعيد البيئي‬ ‫ونتيجة لتوافر عنا�صر البيئة التي ت�سمح‬ ‫ب�إن�شاء املختربات الالزمة لإجراء التجارب‬ ‫الزراعية واحليوانية مبا ي�سهم يف دفع العمل‬ ‫التنموي‪ ،‬احت�ضنت �سويحان ب�ين كثبانها‬ ‫الرملية و�سيوحها الف�سيحة؛ جمموعة من‬ ‫�أهم املراكز البيئية التابعة للعا�صمة‪ ،‬ومن‬ ‫�أه��م تلك امل��راك��ز امل��رك��ز الوطني لبحوث‬ ‫الطيور التابع لهيئة بيئة �أبوظبي‪ ،‬وال��ذي‬ ‫يعمل م�ن��ذ ت�أ�سي�سه يف ع ��ام ‪ 1993‬على‬ ‫�ضمان ا�ستدامة ريا�ضة ال�صيد بال�صقور‪،‬‬ ‫وبالتحديد امل�ساهمة يف احلفاظ على الأعداد‬ ‫املتبقية من احلبارى الربية؛ فقد عمل طوال‬ ‫تلك الأع��وام املا�ضية يف ذلك املجال وجنح‬ ‫يف الكثري من جتاربه خا�صة يف جمال �إكثار‬ ‫طيور احلبارى يف الأ�سر‪ ،‬وا�ستطاع م�ؤخر ًا �أن‬ ‫ي�سجل انت�صار ًا عاملي ًا لهذه الريا�ضة الرتاثية‬

‫تميزت مراوي سويحان‬ ‫بقصر قامتها حيث كان‬ ‫البئر الواحد ال يتعدى‬ ‫الثالث قامات مما جعل‬ ‫استخدامها أكثر سهولة‬ ‫وأشهرها مروى بوكرية‬ ‫الأ�صيلة عندما مت يف ع��ام ‪ 2011‬ب�إ�ضافة‬ ‫ملف ال�صقارة �إىل القائمة العاملية للرتاث‬ ‫الإن�ساين‪� .‬أما املركز الآخر فيتمثل يف مركز‬ ‫زايد العاملي لبحوث البيئة والزراعة والواقع‬ ‫يف منطقة نه�شله «على طريق �سويحان‪-‬‬ ‫�أب��وظ�ب��ي»‪ ،‬وال��ذي يعترب م��رك��ز ًا رائ ��د ًا يف‬ ‫جمال التجارب الزراعية‪ ،‬حيث ا�ستطاع‬ ‫�أن يحقق العديد من الإجنازات خا�صة يف‬ ‫جمال الزراعة ال�صحراوية‪ .‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫هذين املركزين هناك �أي�ض ًا مركز �أبحاث‬ ‫الهجن‪ ،‬الواقع يف منطقة احليلية‪ ،‬والذي‬ ‫جن��ح منذ ت�أ�سي�سه يف ثمانينيات القرن‬ ‫املن�صرم �أن يحول العديد م��ن نظرياته‬

‫العلمية يف جم��ال التخ�صيب �إىل واق��ع‬ ‫ملمو�س‪ ،‬وذلك من خالل الإكثار من هجن‬ ‫ال�سباق الأ�صايل ذات التاريخ العريق يف‬ ‫جمال ال�سباق‪.‬‬ ‫«اب�شر مبيعاد اللقا يا �سويحان‪..‬‬ ‫واب�شر ب�شوف هالوجوه ال�سفرية‪..‬‬ ‫لأهل الرتاث �أ�صبحت رمزاً وعنوان‪..‬‬ ‫مل بال�سريرة»‬ ‫من ف�ضل ٍّ‬ ‫رب عا ٍ‬ ‫ال تتوقف �أهمية �سويحان يف كونها ت�ضم‬ ‫بني رمالها تلك املراكز العلمية املتخ�ص�صة‬ ‫والتي �أحدثت نه�ضة بيئية كبرية‪ ،‬بل امتدت‬ ‫�أهميتها لتزكي �إم ��ارة �أب��وظ�ب��ي يف جمال‬ ‫الثقافة وبالتحديد يف احلفاظ على الرتاث‬ ‫الأ�صيل الذي تنبثق نكهته ال�سنوية املميزة‬ ‫م��ن خ�ل�ال «م �ه��رج��ان ��س��وي�ح��ان ال�تراث��ي‬ ‫ال�سنوي»‪ ،‬والذي يحظى بدعم ورعاية خا�صة‬ ‫م��ن قبل �سمو ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي��د �آل‬ ‫نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة‪،‬‬ ‫رئي�س ن��ادي ت��راث الإم ��ارات‪ .‬فقد ا�ستطاع‬ ‫هذا املهرجان ومنذ ت�أ�سي�سه يف عام ‪1998‬‬ ‫�أن يجذب �أنظار العديد من املهتمني والهواة‪،‬‬ ‫ح�ت��ى �أ� �ص �ب��ح ع�لام��ة ف��ارق��ة ع�ل��ى خريطة‬


‫الغالف‬ ‫‪116‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫ال�صغار والكبار �رشكاء يف الفعاليات الرتاثية ب�سويحان‬

‫املهرجانات الرتاثية التي تقام يف الدولة‪.‬‬ ‫وي�ه��دف ن��ادي ت��راث الإم� ��ارات م��ن تنظيم‬ ‫هذا املهرجان يف ميدان �سباقات الهجن يف‬ ‫�سويحان �إىل حتقيق الآتي‪:‬‬ ‫دعم املوروث ال�شعبي وذلك ب�إحياء ريا�ضة‬ ‫�سباقات الهجن‪.‬‬ ‫رب��ط جيل ال�شباب ب��ال�تراث الأ��ص�ي��ل‪،‬‬ ‫وذل ��ك م��ن خ�ل�ال ت�شجيع ال�ن��ا���س وحمبي‬

‫ريا�ضة �سباقات الهجن على التوا�صل مع‬ ‫ه��ذه الريا�ضة الرتاثية اجلميلة من خالل‬ ‫م���ش��ارك�ت�ه��م يف � �س �ب��اق��ات ال �ه �ج��ن‪ ،‬حيث‬ ‫خ�ص�ص املهرجان مل�شاركة مواطني الدولة‬ ‫من �أعمار ‪� 10‬إىل ‪ 70‬عام ًا‪.‬‬ ‫ت�شجيع م�لاك ومربي الإب��ل على اقتناء‬ ‫ال�سالالت املحلية الأ�صيلة بو�صفها ث��روة‬ ‫وطنية م�ستدامة‪.‬‬

‫وي�أتي �سباق الإبل الرتاثي الأ�صيل املخ�ص�ص‬ ‫للهواة املواطنني على ر�أ���س قائمة الأن�شطة‬ ‫الرتاثية التي ي�ضمها مهرجان �سويحان‪،‬‬ ‫ويف �سبيل تطوير املهرجان فقد مت �إحلاق‬ ‫فعاليات جديدة به منذ عام ‪2008‬؛ تتمثل‬ ‫يف املزاينة‪ ،‬وامل��زاد على الإب��ل؛ حيث يزيد‬ ‫يف امل�ه��رج��ان الطلب على ال�ع��ر���ض وذل��ك‬ ‫نتيجة توافد �أعداد كبرية من النا�س‪ ،‬فيتم‬ ‫تنظيم م��زاد على الإب��ل خا�صة ال�صغرية‬ ‫منها وذات ال�سالالت املعروفة‪ .‬ومنذ عام‬ ‫‪ 2011‬مت �إحل ��اق بطولة مزاينة ال�سلوقي‬ ‫العربي بالتعاون مع مركز ال�سلوقي العربي‬ ‫يف �أبوظبي‪ .‬وقد �أحلق للمهرجان هذا العام‬ ‫م�سابقة املحالب‪ ،‬وعلى �أ�سا�س هذه امل�سابقة‬ ‫تفوز املطية ذات الإنتاج الوفري من احلليب‪.‬‬

‫�سويحان بني اجلغرافيا والتاريخ‬

‫«�سويحان مورد �شيخان‪ ،‬عليه احلرب من ّقايه»‪،‬‬ ‫ارتبط تاريخ �سويحان ببئر املاء املوجودة يف‬ ‫�أر�ضه‪ ،‬حيث �شكلت تلك البئر حمطة رئي�سية‬ ‫يف ط��رق القوافل القادمة من �أبوظبي �إىل‬ ‫العني والعك�س �صحيح‪ .‬حيث ا�شتهرت منذ‬ ‫القدم بعذوبة مياهها‪ ،‬الأمر الذي �ساعد على‬


‫ا�ستقرار العديد من القبائل حولها م�ؤذنني‬ ‫بذلك بت�شكيل م�ستوطنة ب�شرية ما لبثت �أن‬ ‫حتولت فيما بعد �إىل منطقة �سكنية �أ�صبحت‬ ‫من �أهم مناطق �إمارة �أبوظبي‪ .‬ولقد امتدح‬ ‫�أهايل �سويحان بئر مائهم «املورد»‪ ،‬وذهبوا‬ ‫ل�ضرب الأمثال والأو�صاف حولها ومنها ذلك‬ ‫املثل ال��دارج «�سويحان مورد �شيخان‪ ،‬عليه‬ ‫احلرب منقايه»‪ ،‬وتف�سر كلمات املثل معناه‪،‬‬ ‫فهو يحمل دالل��ة جغرافية مهمة تنم عن‬ ‫�أهمية منطقة �سويحان �أو بالأحرى عذوبة‬ ‫مائها حتى �أ�صبحت مق�صد ًا للنا�س وللطيور‬ ‫النادرة مثل طري احلبارى‪.‬‬

‫�أ�شهر مراوي �سويحان‬

‫وف ��رت اجل�غ��راف�ي��ا جمموعة م��ن العوامل‬ ‫جعلت من �سويحان موقع ًا مالئم ًا لل�سكن‪،‬‬ ‫ومنها على �سبيل املثال موقعها املتو�سط بني‬ ‫مدينتي �أبوظبي والعني‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل انت�شار‬ ‫«امل��راوي» �أي �آب��ار املياه يف �أرا�ضيها وكانت‬ ‫يف معظمها حتتوي على املياه العذبة؛ وكان‬ ‫من �أ�شهرها م��روى «بوكرية»‪ ،‬وق��د متيزت‬ ‫تلك املراوي بق�صر قامتها حيث كانت البئر‬ ‫الواحدة ال تتعدى الثالث قامات مما جعل‬ ‫ا�ستخدامها �أك�ثر �سهولة‪ ،‬وكانت تقع تلك‬ ‫امل��راوي ع��ادة يف الرملة �أي و�سط الكثبان‬ ‫الرملية‪ .‬بالإ�ضافة �إىل تلك الآب��ار العذبة‬ ‫كانت هناك الآبار الأخرى التي تقل عذوبة‬ ‫وت�سمى «م�ساقي» وتخ�ص�ص ل�سقيا الإب��ل‬ ‫واملوا�شي والتي تقع حالي ًا يف �آخ��ر منطقة‬ ‫امل��زارع‪ ،‬فهذه العوامل �ساعدت العديد من‬ ‫القبائل على اال�ستقرار يف �سويحان‪.‬‬ ‫القبائل التي كانت ت�سكن �سويحان قدمي ًا‬ ‫تذكر الرواية ال�شفهية �أهم البيوت الرئي�سية‬ ‫التي كانت ت�سكن يف منطقة �سويحان وبدع‬ ‫املغني‪ ،‬فتعدد تلك البيوت بذكر �أ�صحابها‬ ‫وه��م مع�ضد �سيف امل�شغوين و�أخ���وه عبد‬ ‫اهلل �سيف امل�شغوين‪ ،‬و�سيف بن را�شد بن‬ ‫ري��د ال�سبو�سي‪ ،‬ورا�شد بن عمان املهريي‪،‬‬ ‫ورا�شد بن خليفة بن عا�ضد املهريي و�إخوانه‬ ‫عبد اهلل و�سعيد و�ضحيجة‪ ،‬ونا�صر بن بطي‬ ‫املزروعي‪ ،‬وخمي�س بن �سعيد ال�سبو�سي‪.‬‬

‫اشتهر الكثير من أبناء‬ ‫سويحان بنبوغهم في‬ ‫الشعر واتخذوا منه‬ ‫وسيلة رئيسية في‬ ‫صياغة مفردات حياتهم‬ ‫األدبية‬ ‫�أهم الروايات حول ا�سم �سويحان‬

‫تعددت الروايات ال�شفهية حول �أ�صل ت�سمية‬ ‫��س��وي�ح��ان ب �ه��ذا اال���س��م‪ ،‬ف�ه�ن��اك م��ن ي��رد‬ ‫ت�سمية �سويحان �إىل ت�صغري كلمة �سيح‬ ‫وال�ت��ي تعني الأر� ��ض املنب�سطة‪ ،‬ف�سويحان‬ ‫تتميز جغرافيتها باعتبارها �سيح ًا طوي ًال‬ ‫ممتد ًا على هيئة م�ستطيل مب�سافة ت�صل �إىل‬ ‫«‪ 14‬كم» من بدع املغني �شرق ًا حتى منطقة‬ ‫نه�شلة يف الغرب‪ .‬وقيل كذلك �سميت بهذا‬ ‫اال��س��م ن�سبة �إىل البئر التي كانت ت�سكن‬ ‫حولها النا�س يف ال�سابق وكانت ت�سمى ببئر‬ ‫�سويحان‪ ،‬وال يعرف على وجه التحديد من‬ ‫ومتى مت حفر هذه البئر‪.‬‬ ‫وع �ل��ى ال��رغ��م م��ن �أن ج�غ��راف�ي��ة �سويحان‬ ‫عبارة عن �سيح �إال �أن حدودها من ال�شمال‬ ‫واجل �ن��وب ع �ب��ارة ع��ن كثبان رملية ت�سمى‬ ‫بـ«الهزوع»‪ ،‬والهزع هو الطريق املوجود يف‬ ‫الرمل‪ ،‬واعتاد البدو على ت�سمية تلك املناطق‬ ‫الرملية ب�أ�سماء معينة عرفت بها‪ ،‬ومن �أهم‬ ‫م�سميات تلك املناطق الرملية التي حتيط‬ ‫ببئر �سويحان‪ :‬هزع رغوة‪� ،‬ساروق نقا الذيب‪،‬‬ ‫مربخ غافات احل��اذ‪� ،‬ساروق �صم ّيخ‪ ،‬غينة‬ ‫العوير‪ ،‬بطني �شمطري‪ ،‬بطني حمادة‪ ،‬ظهرة‬ ‫الفر�س‪ ،‬بطني اليفرة‪� ،‬شمطوط امل�شعاب‪،‬‬ ‫ظهارة احلواوي�ص‪ ،‬اخل�شم‪ ،‬بطني اليورية‪.‬‬

‫احلياة االقت�صادية واالجتماعية‬

‫لقد اقت�ضت طبيعة االقت�صاد الثنائي الذي‬ ‫يعترب �أهم ما مييز جغرافية �إم��ارة �أبوظبي‬ ‫التي جمعت ما بني طبيعة احلياة البحرية‬ ‫والربية‪� ،‬أن ي�صبح مواطنو الإمارة متعددي‬ ‫املهارات واخلربات‪ .‬ف�أ�صبحوا كغريهم من‬ ‫البدو يف �شرق اجلزيرة العربية بارعني يف‬ ‫تربية اجلمال ويف الوقت ذاته كانوا يزرعون‬ ‫النخيل كما �أ�صبحوا من �أب��رز املجتمعات‬


‫الغالف‬ ‫‪118‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫خالل التح�ضريات ل�سباقات الهجن ال�شهرية يف �سويحان‬

‫الرائدة يف �صيد الل�ؤل�ؤ‪.‬‬ ‫كما ظهر نظام �آخ��ر يف طبيعة االقت�صاد‬ ‫التقليدي وهو نظام يقت�ضي تفوي�ض بع�ض‬ ‫الأن���ش�ط��ة االق�ت���ص��ادي��ة ل�ل�غ�ير‪ ،‬ح�ي��ث ك��ان‬ ‫بع�ض �أف ��راد �أح��د ف��روع بني يا�س يقومون‬ ‫ب��رع��اي��ة اجل �م��ال خ�ل�ال غ �ي��اب �أ�صحابها‬ ‫خا�صة يف مو�سم الغو�ص‪ ،‬لقاء �أج��ر متفق‬ ‫عليه‪ .‬وه��و ذات��ه النظام ال��ذي ك��ان ينت�شر‬ ‫يف ال��واح��ات وخا�صة واح��ة ليوا‪ ،‬حيث كان‬ ‫�أهايل ليوا وخا�صة القبائل البدوية يقيمون‬

‫يف ال�صحراء وال يعودون �إىل ليوا يف الوقت‬ ‫الذي يتم فيه تلقيح �أ�شجار النخيل يف �شهر‬ ‫مار�س‪ ،‬فكانوا بالتايل يوكلون تلك املهمة �إىل‬ ‫بع�ض املقيمني الثابتني يف الواحة لقاء �أجر‬ ‫يتفق عليه وغالب ًا ما يكون عيني ًا يف �شكل متور‬ ‫عندما يتم قطافها‪.‬‬ ‫مل يختلف ذل��ك الو�ضع ع��ن م��ا ك��ان عليه‬ ‫الأمر يف �سويحان‪ ،‬فهي جزء من بادية �إمارة‬ ‫�أبوظبي‪ .‬فقد اعتمد �أهل �سويحان يف ال�سابق‬ ‫ح�سب ما ت�ؤكده الرواية ال�شفهية على م�صادر‬

‫�سباق �سويحان‬ ‫«�إن �سباق �سويحان لي�س �سباقاً للأ�صايل فقط‪ ،‬و�إمنا هو �أكرب من ذلك‪،‬‬ ‫فهو مهرجان �شعبي ي�ضم اجلميع‪ ،‬وهو بذلك و�سيلة للتواد والتعارف‬ ‫وامل��ودة والإخ��اء الإن�ساين والتقاء امل�س�ؤول باملواطن‪ ،‬وتفاعل �أكرث بني‬ ‫كل العنا�صر التي ترعى وتعمل من �أجل حماية الرتاث واحلفاظ عليه»‬ ‫ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان‬

‫الدخل التقليدية‪ ،‬ففي ال�صيف كان معظم‬ ‫الرجال يذهبون للغو�ص يف �أبوظبي وجزيرة‬ ‫دملا‪ ،‬وقد عمل معظمهم كغا�صة و�سيب‪ ،‬حيث‬ ‫كان الرجال يغيبون عن املنزل مدة الثالثة‬ ‫�أ�شهر تقريب ًا‪ ،‬ويف هذه الفرتة كانت الن�ساء‬ ‫تقوم بتدبري �ش�ؤون املنزل والعائلة‪� ،‬أما الإبل‬ ‫فكانت ترتك عند �أحد الرجال الذي يتعهد‬ ‫بحمايتها ورعايتها حتى يعود �أ�صحابها من‬ ‫الغو�ص لقاء مبلغ يتفق عليه الطرفان‪ .‬كما‬ ‫اعتمد �أه ��ايل �سويحان على بيع احلطب‬ ‫وال�صخام والثمام «نوع من �أن��واع النباتات‬ ‫ك��ان��ت ت�ب��اع يف الأ���س��واق وت�ستخدم كعلف‬ ‫للحيوانات»‪ ،‬يف �أ�سواق �أبوظبي ودب��ي‪ ،‬ويف‬ ‫املقابل كان �أهايل �سويحان يقومون ب�شراء‬ ‫م�ستلزماتهم من تلك الأ�سواق‪.‬‬


‫املو�ضع احلايل لبئر �سويحان التي مل تعد موجودة‬

‫احلياة االجتماعية يف �سويحان‬

‫لقد كان �أهايل الإمارات قبل النفط يعي�شون‬ ‫حياة اجتماعية متكافلة ي�سودها التعاون‬ ‫والت�ضامن‪ ،‬حيث �إن �أه��ايل احل��ي الواحد‬ ‫ميثلون �أ�سرة كبرية يتعاونون فيما بينهم على‬ ‫توفري اخلدمات الأ�سا�سية التي يحتاجون‬ ‫�إليها كبناء امل�ساكن وكفالة الأ�سر التي يغيب‬ ‫عائلها ملدة طويلة بحث ًا عن ال��رزق‪ .‬وتذكر‬ ‫ال��رواي��ة ال�شفهية �أن النا�س يف �سويحان‬ ‫�سابق ًا كانوا يتعاونون يف �إن�شاء البيوت خا�صة‬ ‫اجل�ي�ران قبل �أن ت�شيد امل �ن��ازل احلديثة‪،‬‬ ‫وك��ان��ت تلك ال�ب�ي��وت ال�ت��ي تغلب الب�ساطة‬ ‫على طابعها تختلف من ف�صل ال�صيف �إىل‬ ‫ال�شتاء‪ ،‬ففي ف�صل ال�صيف عادة ما كانت‬ ‫ت�صنع البيوت من «اخلي�ش» وهي الأكيا�س‬

‫امل�صنوعة من الن�سيج‪ ،‬وكانت تلك اخلي�ش‬ ‫تو�ضع يف الأعلى‪� ،‬أم��ا على الأط��راف فكان‬ ‫يو�ضع «امل��رخ» وهو �أح��د النباتات املنت�شرة‬ ‫يف �صحراء الإمارات‪ ،‬في�صبح البيت بارد ًا‪،‬‬ ‫�أما يف ال�شتاء فكانت البيوت ت�صنع من قطع‬ ‫�أقم�شة قطنية ت�سمى يف اللهجة املحلية بـ‬ ‫«الرقاع» والذي مينح البيت بع�ض الدفء يف‬ ‫ف�صل ال�شتاء‪� ،‬أو ت�صنع من ال�شعر وهي التي‬ ‫ت�سمى ببيوت ال�شعر‪.‬‬

‫اشتهر الكثير من أبناء‬ ‫سويحان بنبوغهم‬ ‫في الشعر واتخذوا‬ ‫منه وسيلة رئيسة في‬ ‫صياغة مفردات حياتهم‬ ‫األدبية‬

‫احلياة الأدبية يف �سويحان‬

‫�أ�سهم ال�شعر يف �صياغة مفردات حياة �أهايل‬ ‫�سويحان مبختلف �أ�شكالها‪ ،‬ويعد ال�شعر‬ ‫ال�شعبي م��ن �أك�ثر عنا�صر الأدب ال�شعبي‬ ‫انت�شار ًا وتداو ًال بني �أفراد املجتمع‪ ،‬وخا�صة‬ ‫يف املجتمعات البدوية التي يتوافق ال�شعر‬ ‫ال�شعبي فيها م��ع نف�سية ال �ب��دوي وتكوينه‬ ‫احل �� �ض��اري ال ��ذي ي�ضع ال�شعر يف مرتبة‬ ‫�سامية تفوق جميع عنا�صر الأدب الأخرى‪.‬‬ ‫وال يختلف الأم��ر كثري ًا يف منطقة �سويحان‬ ‫التي ا�شتهر الكثري من �أبنائها بنبوغهم يف‬ ‫ال�شعر واتخذوا منه و�سيلة رئي�سية يف �صياغة‬ ‫مفردات حياتهم الأدبية‪.‬‬ ‫وتذكر الرواية ال�شفهية �أ�سماء عديدة من‬ ‫�شعراء �سويحان نذكر منهم ال�شاعر را�شد‬


‫الغالف‬ ‫‪120‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫�سويحان �أر�ض االحتفاء بالرتاث‬

‫بن �سعيد بن عمان املهريي‪ ،‬وال�شاعر �سيف‬ ‫بن �سعيد بن ريد ال�سبو�سي‪ ،‬وال�شاعر حمد‬ ‫ب��ن حممد امل��زروع��ي‪ ،‬وال���ش��اع��ر عبيد بن‬ ‫م�صبح العميمي‪ ،‬وال�شاعر �سامل بن خليفة‬ ‫بن عا�ضد املهريي‪.‬‬ ‫وحت �ف��ظ ال ��رواي ��ة ال���ش�ف�ه�ي��ة ال �ع��دي��د من‬ ‫ق�صائدهم اجلميلة‪ ،‬وم��ن تلك الق�صائد‬ ‫ق�صيدة لل�شاعر را�شد بن �سعيد بن عمان‬ ‫املهريي‪ ،‬حتمل العديد من املعاين اجلميلة‬ ‫التي يقول فيها‪:‬‬

‫تتميز سويحان‬ ‫بجغرافيتها فهي سيح‬ ‫طويل ممتد على هيئة‬ ‫مستطيل بمسافة‬ ‫تصل إلى ‪ 14‬كم‬ ‫ل� � ��و � � �ش � �ج � �ع� ��ويل ب �ي ��ن ظ �ل �ع�ي�ن‬ ‫ال � ��و�� � �س � ��م ع � ��وق � ��ي م � � ��ا ي �� �ش ��اف �ي ��ه‬ ‫ع � � ��ن ب � � ��و ح� � ��اي �ي ��ن م � �ق� ��اري�ي��ن‬ ‫واخل � �� � �ش� ��م ت� �ك� �ت ��ب ب ��ال� �ق� �ل ��م ف �ي��ه‬

‫ث� ��ر ن ��ا� ��س ل� �ل ��دخ�ت�ر ي �� �س�ي�رون‬ ‫ح � � � � ��دن ب� � � �ع � � ��وق وح � � � � ��د م� � � ��ا ف� �ي ��ه‬ ‫ل� ��وه� ��م ب� �ع ��وق ��ي � � �ص� ��ار ي� � ��درون‬ ‫وهناك ق�صيدة لل�شاعر �سيف بن �سعيد بن‬ ‫�� �ش� �غ ��ل ال � ��دخ � ��ات � ��ر م� � ��ا ي �� �ش��اف �ي��ه ريد ال�سبو�سي يقول فيها‪:‬‬ ‫ع ��وق ��ي � �س �ب��ا و�� �س ��ط الأ�� �س ��اوي ��د‬ ‫ي � � ��ا ل � �ي � �ت � �ن ��ا ي � � ��ا ران وح� �ل ��اه‬ ‫ج � � ��ري � � ��ب خ� � � �ط � � ��وة ي� � � � � ��وم ب� �ن� �ي ��ه‬ ‫واجل � � �ب � � ��د وك� � �ل � ��ت م � � ��ن م� �ع ��ال� �ي ��ه‬

‫ي� � ��ا زي� � � ��ن �� �ش ��اق� �ت� �ن ��ي ح� �ك ��اي ��اه‬ ‫وي� � � �ف � � ��ز ق� � �ل� � �ب � ��ي ع � � �ن� � ��د ط� � ��اري� � ��ه‬ ‫ل � �ه� ��و ب� �ح� ��� �س ��ب امل � � � ��ال ب� ��� �ش ��راه‬ ‫ل � � �ك� � ��ن ن� � � � � ��ال ال � � � ��رب � � � ��ح �� � �ش � ��اري � ��ه‬ ‫كما تذكر الرواية ال�شفهية ق�صيدة جميلة‬ ‫لل�شاعر عيد بن م�صبح العميمي يقول فيها‪:‬‬

‫ون� � � � �ي � � � ��ت و ّن� � � � � � � � � � ��ات امل � � �ه� � ��ان� � ��ة‬ ‫ع � � � �ل� � � ��ى زم� � � � � � � � � ��ان دب� � � � � � � ��ر وراح‬ ‫ال � � � ��وق � � � ��ت ف� � � � ّرق� � � �ن � � ��ا زم� � ��ان� � ��ه‬ ‫ول� � �ي � ��ا ذك� � ��رت� � ��ه خ� � ��اط� � ��ري �� �ص ��اح‬ ‫م � � � � ��ري � � � � ��ت ول � � � � � � � � � ��نْ م � � �ك� � ��ان� � ��ه‬ ‫م� �ب� �ط ��ي وت � � � � ��ذري ف � �ي� ��ه الأري � � � � ��اح‬ ‫ع �ق��ب ال �ق �� �ض��ي يل ع� ��ود ��ش��ان��ه‬ ‫رق ن � �ظ �ي��ر ال � � �ع� �ي��ن �� �ض� �ح� ��� �ض ��اح‬ ‫و ْي� � � � � ��ه ف � �ل � �ي� ��ح وال � � � � � � ��رب زان � � ��ه‬


‫التعامل مع الهجن يحتاج �إىل خربة ودراية كبرية‬

‫وال «ي � � � ��ا» ن � �ظ �ي�ر ال � �ع�ي��ن م �ل �ت��اح‬ ‫و�إل � � � �ي� � � ��ا ت� �ب� ��� �س ��م ع � � ��ن ث� �م ��ان ��ه‬ ‫ح� � �ت � ��ى ه� � � �م � � ��وم ال � � � �ب� � � ��ال ت� � �ن � ��زاح‬ ‫ح� �ك� �ي ��ه � � �ش� ��را ح� �ك� �ي ��ه ال �ل �م��ان��ه‬ ‫و�إال ورق م � � ��ن رو�� � � � � ��س ت � �ف ��اح‬ ‫ون � � � �ه� � � ��ار م� � � ��ا ف � � � � � ��ارق ي � ��ران � ��ه‬ ‫ت � �ك�ث��ر م � �� � �ص� ��اوي � �ب� ��ه ب � ��الأ�� � �س �ل��اح‬ ‫�أما ال�شاعر حمد بن حممد املزروعي فتحفظ‬ ‫له الرواية ال�شفهية ق�صيدة جميلة يقول فيها‪:‬‬

‫و ّن � � � �ي � � ��ت و ّن � � � � � � ��ات احل � �� � �س� ��اي� ��ف‬ ‫ودم� � � � � ��وع ع� �ي� �ن ��ي ب � ��رح � ��ت ذروف‬ ‫ع� �ل� �ي ��ك ي� � ��ا ح � �ل� ��و ال ��و�� �ص ��اي ��ف‬ ‫ي� � � ��ا ن� � �ظ �ي��ر �إيل ب� � � ��ك �أ� � � �ش � � ��وف‬ ‫م� ��رت � �ن� ��ي ظ � �ع� ��ون� ��ك خ� �ط ��اي ��ف‬ ‫و�أق� � �ف� � �ي � ��ت ال ع � � � ��ارف وم � �ع � ��روف‬

‫�أرب � � � � � � � ��اك وج� � � �ف � � ��وين رف � ��اي � ��ف‬ ‫ووق � �ف� ��ت ل�ي��ن �أخ� � �ط � ��اين ال �� �ش��وف‬ ‫ي � ��ا زي� � ��ن م � ��ن ف � ��رق � ��اك خ��اي��ف‬ ‫ي ��ا ط� ��ول ه �ج��رن��ا ووق �ت �ن��ا ي �ط��وف‬ ‫ودك احل � � � ��ق ح � � � ��ايل ك�ل�اي ��ف‬ ‫و�أخ � �ف� ��ي ع ��ن احل� ��� �س ��اد ال ت �� �ش��وف‬ ‫ي� � ��ا ق � ��اي � ��د �أري � � � � � � ��ام ال � ��والي � ��ف‬ ‫ب � ��أر�� ��ض خ�ل�ا و�آم � �ن� ��ه ع ��ن اخل ��وف‬ ‫حت� � � ��ي ورق ق � � �ل � ��ب ه � ��واي � ��ف‬ ‫ه � ��اق � ��ت وي � � � � ��اه ه � �ج� ��ر م� ��رظ� ��وف‬ ‫�إن العابر ب�سويحان اليوم ال ي��درك املكانة‬ ‫املهمة التي كانت متثلها هذه املدينة يف حياة‬ ‫البدوي يف ال�سابق‪ ،‬فهي جمرد مدينة ك�أي‬ ‫مدينة �أخ��رى بالن�سبة لهذا العابر مير بها‬ ‫مرور الكرام من دون �أن حترك يف وجدانه‬

‫ما حتمله من �إرث مكاين كبري‪.‬‬ ‫�أم ��ا بالن�سبة ل�ل�ع��اب��ر يف ال���س��اب��ق فكانت‬ ‫�سويحان نقطة مهمة‪ ،‬حيث �شكلت منطقة‬ ‫التقاء بني �أبوظبي والعني‪ ،‬ف�أر�ضها كانت‬ ‫ت��روي ظم�أ القوافل القادمة من العني �إىل‬ ‫�أبوظبي �أو العك�س‪ ،‬وذل��ك مبا حتتويه من‬ ‫مرا ٍو عذبة‪ .‬ومل تقت�صر �أهميتها على ذلك‪،‬‬ ‫بل تعدت �إىل �أن اتخذتها العديد من القبائل‬ ‫م�سكن ًا لها معلنة بذلك عن ت�أ�سي�س حا�ضرة‬ ‫من حوا�ضر مدينة �أبوظبي‪ .‬واليوم وبف�ضل‬ ‫جهود �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان‬ ‫تعيد �سويحان جت�سيد نف�سها م��رة �أخ��رى‬ ‫كجزء �أ�صيل من تراث هذا املكان وذلك مبا‬ ‫ينظم على �أر�ضها برعايته من مهرجانات‬ ‫تراثية �سنوية جنحت يف �أن ت�ستقطب �أنظار‬ ‫�أهل املنطقة واجلوار �إليها‬


‫مسرح‬ ‫‪122‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫امل�سرحي الأحوازي �سيد كاظم‬

‫مسرحنا العربي في األحواز‬ ‫في حاجة إلى من يوثقه‬ ‫حاوره ‪� -‬أحمد حيدري‬ ‫عربي يف اجلمهورية الإ�سالمية الإيرانية‪ ،‬يحفظ هوية الأحواز وينتمي �إليها»‪ ،‬هذا هو احللم‬ ‫«م�سر ٌح ٌ‬ ‫الذي راود امل�سرحي الأحوازي �سيد كاظم القري�شي منذ �سنوات ال�صبا‪ ،‬فانطلق يناطح الواقع االقت�صادي‬ ‫ال�صعب‪ ،‬ونق�ص اخلربات والقدرات الب�شرية‪ ،‬وغياب م�صادر املعرفة امل�سرحية املالئمة‪ ،‬واملوروث‬ ‫االجتماعي الذي ال ينظر �إىل امل�سرح بكثري من التبجيل‪ .‬نزل القري�شي بامل�سرح �إىل النا�س و�إىل ال�شارع‪،‬‬ ‫وك َّون الفرق امل�سرحية‪ ،‬و�أ َّلف وم َّثل و�أخرج‪ ،‬ود َّرب م�سرحيني كباراً و�صغاراً‪ ،‬وج َّرد قلمه ناقداً و�شارحاً‬ ‫وم�ؤرخاً للم�سرح العربي الأحوازي‪ ،‬يف �إميان عميق بـ«ر�سالية» مهمته‪ ،‬ودورها يف تغذية اجلذور الأ�صيلة‬ ‫للمكان الذي انتمى بعمق �إىل ب�شره وق�ضاياه وم�شكالته‪.‬‬


‫تدريبات على احلوار مع اع�ضاء الفرقة‬

‫يف ح��واره ُيدخلنا القري�شي عامله ال��ذي ال ع��اد ح�ين مل ُي��و َّف��ق‪ ،‬ومل يوثق �أح�� ٌد لهذين املذياع وحكايات جدتي «بنية»‬

‫نعرف عنه الكثري‪ ،‬عامل امل�سرح العربي يف‬ ‫�إيران‪ ،‬بتاريخه و�إجنازاته وم�ساراته وهمومه‬ ‫ومفارقاته‪.‬‬ ‫لديك جتربة مهمة يف امل�سرح الأحوازي‬ ‫باللغة العربية‪ ،‬وكتبت عن تاريخه الكثري‪،‬‬ ‫فكيف ب��د�أ هذا امل�سرح‪ ..‬وهل ترى �أن��ه نال‬ ‫حقه من العناية والتوثيق؟‬ ‫للأ�سف‪ ،‬م�سرحنا باللغة العربية يف الأحواز‬ ‫مل يوثقه �أحد ومل يتكلم عنه �أحد‪ .‬ورغم �أننا‬ ‫ال منلك وثائق وم�ستندات عن بداية القرن‬ ‫الع�شرين‪ ،‬ف��إن �أه��م ما لدينا كان «امل�سرح‬ ‫احل�سيني» �أو «الدائرة» �أو «الت�شابيه»‪ ،‬وهي‬ ‫م�شاهد ُت��ؤ َّدى يف العا�شر من حم َّرم‪ ،‬ويعود‬ ‫�أقدمها �إىل ما قبل ‪ 120‬عام ًا تقريب ًا‪ ،‬يف بيت‬ ‫حيدر الكرمي مبدينة «ال�شو�ش»‪ .‬ويبدو �أن‬ ‫�صاحب البيت �شاهد هذا التقليد يف كربالء‪،‬‬ ‫وح�ين ع��اد دع��ا ع��دة �أ�شخا�ص م��ن هناك‬ ‫ليمثلوا يف الأح� ��واز‪ .‬وك��ان��ت هناك دورات‬ ‫انقطاع وعودة لهذه الفن‪ ،‬ولكنه م�ستمر حتى‬ ‫الآن‪ .‬وك��ان لدينا �أي�ض ًا امل�سرح الكوميدي‬ ‫ال��ذي يقام يف الأع��را���س‪ ،‬ولكننا ال نعرف‬ ‫حتديد ًا متى بد�أ‪.‬‬ ‫بعد هذا ظهر م�سرحيان ُمه َّمان‪ ،‬هما عي�سى‬ ‫الطريف وبدن‪ ،‬وقد �سعى كل منهما للتمثيل‬ ‫ب�صورة احرتافية‪ ،‬يف املدار�س مث ًال‪ ،‬حتى �أن‬ ‫عي�سى الطريف ق�صد الكويت للتمثيل ولكنه‬

‫امل�سرحيني‪.‬‬ ‫وجاء بعدهما الفنان �أحمد كنعاين‪ ،‬وجتربته‬ ‫م�سجلة على �أ�شرطة‬ ‫رائده موثقة وم�سرحياته َّ‬ ‫�إذاعية‪ ،‬وما زال النا�س ي�ستمعون �إليها‪ .‬رمبا‬ ‫كانت هناك قبله م�سرحيات �أو بعده ولكنها‬ ‫مل ت�صل �إلينا‪ .‬وق��د ُ�سجلت لكنعاين عدة‬ ‫م�سرحيات‪ ،‬منها «ع��رو���س ال�بروج��ردي��ة»‪،‬‬ ‫و«زي��ارة ال�شو�ش»‪ ،‬وم�سرحه م�سرح �إذاع��ي‬ ‫ي�ستخدم لغة ال�شارع من �سباب و�شتائم‪،‬‬ ‫وكان باللغتني العربية والفار�سية‪.‬‬ ‫ث ��م ت� ��أت ��ي ق���ص����ص ح �� �س��ان ك�� ��زار‪ ،‬وه��ي‬ ‫م�سرحيات غنائية �شعرية رائعة‪ ،‬كان ي�ؤديها‬ ‫ب�صوته م�صحوب ًا بالربابة‪ .‬و�أول م�سرحية‬ ‫ُعرفت له كانت يف مدينة الدورق «�شادكان»‪،‬‬ ‫يف مهرجان امل�سرح العربي‪ .‬ويف ذلك الوقت‬ ‫كانت هناك حم��اوالت لت�شكيل فرق ولكنها‬ ‫توقفت‪ .‬وحني بد�أنا نحن يف الثمانينيات من‬ ‫القرن املا�ضي ح��دث ن�شاط م�سرحي مرة‬ ‫�أخ��رى يف �سو�سكرند «اخلفاجية»‪ ،‬و�أن�شئت‬ ‫فرق كثرية وهي م�ستمرة حتى اليوم‪.‬‬

‫على الرغم من‬ ‫المهرجانات‬ ‫واالحتفاالت‪ ..‬ليس‬ ‫هناك مسرح عربي‬ ‫في األحواز‬

‫ب��داي��ت��ك الفنية ك��ان��ت م��ع ال��ه��دي��ة التي‬ ‫كنت ت�ضمها‪� ،‬إع��زازاً‪� ،‬إىل �صدرك‪ :‬املذياع‪.‬‬ ‫وكانت حكايته معك جديرة ب�أن ُتروى‪.‬‬ ‫يف �سبعينيات القرن املا�ضي كانت الإذاعات‬ ‫تبث �أنا�شيد ثورية عربية جميلة‪ ،‬كان عمري‬ ‫�سبع �سنوات‪� ،‬أذك��ر بع�ضها بو�ضوح‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫«ط��ال��ع ي��ا ع��دوي طالع م��ن ك��ل بيت وح��ارة‬ ‫و�شارع» و«فل�سطني فل�سطني �أر�ضي املحتلة»‪.‬‬ ‫�أهداين والدي مذياع ًا كنت �أعلقه يف رقبتي‪،‬‬ ‫و�أح�م�ل��ه يف ال �ع �ب��ودي‪ -‬قريتنا يف ال ��دورق‬ ‫«�شادكان»‪ -‬بني النخيل وكان نهر العبودي‬ ‫ي�شق النخيل وتت�شعب اجل��داول والقنوات‬ ‫م�ن��ه‪ ،‬كنت �أ�ستمع �إىل مذياعي يف ظالل‬ ‫النخيل‪ ،‬وقدماي يف املاء‪.‬‬ ‫لكنني فقدت هديتي الأثرية ذات يوم م�ؤ�سف‪،‬‬ ‫طاردتني فيه كلبة �شر�سة حتر�س بيت عمي‪.‬‬ ‫هربت مذعور ًا �إىل �شاطئ النهر‪ ،‬وحاولت‬ ‫القفز ف��وق ق ��ارب ق��ري��ب لأ��س�ق��ط يف امل��اء‬ ‫والوحل مع مذياعي‪� ،‬أخذ والدي املذياع مع‬ ‫م�سجلة معطلة لي�صلحهما يف املدينة‪ ،‬وحني‬ ‫حدد ال�صانع �أجره‪ ،‬قال له والدي خذ املذياع‬ ‫و�أعطني امل�سجلة‪ ،‬وهكذا فقدت رفيقي‪.‬‬ ‫امل��ذي��اع ك ��ان خ �ط��وة ع�ل��ى ط��ري��ق تكويني‬ ‫امل�سرحي عن طريق امل�سل�سالت وامل�سرحيات‬ ‫الإذاع�ي��ة واحلكايات‪ ،‬كما ك��ان من عوامل‬ ‫ت�شجيعي على كتابة ال�شعر الفار�سي‪ .‬حكايات‬


‫مسرح‬ ‫‪124‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫مع امل�رسحی وال�سینمائي عبد الر�ضا فیا�ضي وجمموعة من م�رسحیي مدینة الدورق‬

‫جدتي «بنية» و�أ�ساطريها وحزوراتها �أي�ض ًا‬ ‫كانت تبقينا ُمت�س ِّمرين �إىل �ساعات مت�أخرة‬ ‫من الليل‪ .‬كانت حتفظ الكثري من ال�شعر‪،‬‬ ‫ولها ف�ضل كبري يف �صقل ثقافتي‪.‬‬

‫حكايات جدتي‬ ‫«بنية» وأساطيرها‬ ‫لها فضل كبير في‬ ‫صقل ثقافتي‬

‫تلعب ال�صدفة �أحياناً دوراً يف الفن‪ ،‬فهل‬ ‫قادتك ال�صدفة �إىل خ�شبة امل�سرح؟‬ ‫بالت�أكيد هي ال�صدفة‪ ،‬فقد كنت �أكتب ال�شعر‬ ‫الفار�سي و�أن�شره يف الثمانينيات‪ .‬ويف عام‬ ‫‪ 1988‬كانت هناك جمموعة من ال�شباب يف‬ ‫«ك��وت �سيد �صالح» مثل حممد املن�صوري‬ ‫و�سيد هادي فاخر ميثلون ب�إحدى املدار�س يف‬ ‫املنا�سبات الوطنية‪ ،‬وذات يوم طلبوا مني �أن‬ ‫�أكتب لهم ن�صو�ص ًا للتلفزيون لنمثلها‪ .‬وكتبت‬ ‫مقاطع حتت عنوان «�شل�ش وحن�ش» مراعي ًا‬ ‫�شخ�صية حممد و�سيد هادي‪ ،‬وهي مقاطع ذات‬ ‫هدف تربوي‪ ،‬تراوح بني ثماين دقائق وع�شر‬ ‫و�سجلناها و ُرف�ضت لرداءة الت�صوير‪.‬‬ ‫دقائق‪َّ ،‬‬ ‫قلنا لأنف�سنا �إننا لن نتوقف‪ .‬فكرنا يف تقدمي‬ ‫عر�ض ي�ضم �شعر ًا ومو�سيقى وجانب ًا م�سرحي ًا‬ ‫�أي�ض ًا‪� .‬أقمنا �أول حفل عام ‪ ،1989‬مبنا�سبة‬ ‫عيد الغدير‪ ،‬و�أطلقنا عليه «جنك �شادي» �أي‬ ‫مهرجان الفرح‪ .‬كان هذا �أول عمل م�سرحي‪،‬‬ ‫وك��ان ا�سم امل�سرحية ّ‬ ‫«عطال بطال»‪ ،‬وهي‬ ‫تتكون من مقاطع من م�سرحيات ومن م�شاهد‬ ‫مثلها ال�شباب باللغة العربية يف املدار�س‪،‬‬

‫�ضممتها يف �سياق مت�صل و�أ�ضفت �إليها بع�ض‬ ‫التفا�صيل وامل�شاهد‪ .‬كان العمل يتحدث عن‬ ‫البطالة والأعمال الب�سيطة والت�س ُّول‪ .‬و�ضمت‬ ‫امل�سرحية م�شاهد من م�سرحيات معروفة‬ ‫عربي ًا بلهجاتها الأ�صلية‪.‬‬ ‫ُمثلت امل�سرحية على م�سارح املدار�س‪ .‬وكان‬ ‫بع�ض املمثلني يعرف الغناء باللهجة امل�صرية‪،‬‬ ‫وبع�ضهم يقلد عادل �إمام يف م�شاهد �شهرية‪.‬‬ ‫وك��ان امل�ه��م ه��و قدرتنا على �ضم ك��ل هذه‬ ‫املقاطع للخروج مب�سرحية تالئم حميطنا‬ ‫و�أجواءنا‪ .‬وكانت الربوفات‪ -‬وما زالت‪ -‬تقام‬ ‫يف البيوت ولي�س على خ�شبة امل�سرح‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ي�ؤثر �سلبي ًا على �أعمالنا‪.‬‬

‫مهرجان الفرح‬

‫كيف ا�ستقبل اجلمهور هذه امل�سرحية؟‬ ‫يف اليوم الأول فوجئ اجلمهور‪ ،‬فقد كان‬ ‫ع�م� ً‬ ‫لا غ�ير م���س�ب��وق‪ .‬ك��ان��ت ه�ن��اك �أع�م��ال‬ ‫م�سرحية تُق َّدم يف الأعرا�س ويف املدار�س‪،‬‬ ‫ولكن هذه م�سرحية تُق َّدم يف قاعة وب�صورة‬ ‫ر�سمية ولها �إعالنات بارزة يف املدينة‪ .‬كان‬ ‫تفاعل اجلمهور جيد ًا ج��د ًا‪ .‬وتلقى كل من‬

‫عمل يف امل�سرحية عر�ض ًا لتمثيلها مرة �أخرى‪،‬‬ ‫وا�ضطررنا بعد �شهرين �أن نعيد تقدمي العمل‬ ‫يف ذكرى املولد النبوي ال�شريف‪.‬‬ ‫يف البدايات �أي�ضا كتبت عم ًال بعنوان «�شل�ش‬ ‫وح�ن����ش»‪ ،‬وه��و ح�ك��اي��ات ع��دة ل�شخ�صيتني‬ ‫كوميديتني ثابتتني‪ ،‬وكانت تتناول ق�ضايا‬ ‫اجتماعية و�أخالقية‪ ،‬مثل �إط�لاق النار يف‬ ‫الأعرا�س وجمال�س العزاء‪ ،‬وق�ضية الكذب‪،‬‬ ‫وجمتمعنا كان يف حاجة لها‪ ،‬وكنا نحاول من‬ ‫خاللها �إي�صال ر�سالة‪.‬‬

‫�شم�س اجلنوب‬

‫�أال ت���رى �أن امل��ج��ت��م��ع الأح������وازي يظلم‬ ‫املمثل �أح��ي��ان��اً‪ ،‬وال ينظر �إل��ي��ه �إال ك�إن�سان‬ ‫هزيل �أو مُه ِّرج جاء لإ�ضحاك النا�س فقط؟‬ ‫�أمل يواجهكم املجتمع بهذه النظرة؟‬ ‫فلنعطهم احلق يف ذلك‪ ،‬لأنهم مل يروا عمالً‬ ‫جاد ًا حتى مي ِّيزوا بينه وبني غريه‪ ،‬فقد كانوا‬ ‫دائم ًا ي�شاهدون �أعما ًال هزلية يف الأعرا�س‪،‬‬ ‫وهي لي�ست مكان ًا جاد ًا �أو مكان ًا لتقدمي عمل‬ ‫م�سرحي ح�سب �أ�صول امل�سرح وقواعده‪ .‬كان‬ ‫الهدف �إ�ضحاك النا�س‪ ،‬ومازالت لدينا مناذج‬ ‫مثل �ستار ال �ب��اوي‪ .‬ولكن ح�ين قمنا بعملنا‬ ‫و�سعينا �إىل �إعطائه طابع ًا علمي ًا م�سرحي ًا‬ ‫يت�ضمن ر�سالة‪ ،‬اختلفت نظرة املجتمع �إلينا‪.‬‬ ‫ه��ل �أدرك��ت��م يف تلك املرحلة ك��م �أن هذا‬


‫الفن لي�س �سه ً‬ ‫ال و�شعرمت بحاجتكم لدرا�سة‬ ‫امل�سرح ب�شكل علمي؟‬ ‫يف �صيف عام ‪ 2000‬انتمينا �إىل جمعية امل�سرح‬ ‫يف الأحواز وتلقينا درو�س ًا هناك‪ ،‬بعد �أن �أدركنا‬ ‫احلاجة املا�سة �إىل تقدمي عرو�ض م�سرحية‬ ‫ج ��ادة تُبنى على ق��واع��د و�أ��س����س م�سرحية‬ ‫حقيقية‪ .‬مل �أكن قد كتبت ن�صو�ص ًا م�سرحية‬ ‫م��ن ق�ب��ل‪ ،‬ومل �أك ��ن �أع���رف �أ� �ص��ول الكتابة‬ ‫امل�سرحية‪ ،‬وكانت الن�صو�ص الأوىل عفوية‪ .‬كنا‬ ‫نعر�ض م�سرحياتنا من خالل مهرجان ولي�س‬ ‫من خالل م�سرح م�ستقل‪ ،‬ومل يكن مبقدورنا‬ ‫عر�ض م�سرحية خارج �إطار املهرجان لأ�سباب‬ ‫اقت�صادية واجتماعية‪ .‬مل نكن منلك م��ا ًال‪،‬‬ ‫وداعمونا �إما �أنه كان لديهم �أهداف انتخابية‪،‬‬ ‫�أو �أفكار ال عالقة لها بامل�سرح‪.‬‬ ‫يف ذلك الزمن �أ�س�سنا فرقة «�شم�س اجلنوب»‬ ‫للتمثيل وامل�سرح‪ .‬كان اال�سم وليد اللحظة‪،‬‬ ‫واق�ترح��ه �أح��د زم�لائ�ن��ا‪ .‬والتحقنا ب��دورة‬ ‫للتعلم حتت �إ�شراف مرت�ضى مطوري‪ ،‬وهو‬ ‫خريج معهد �إخ ��راج وبجانبه ك��ان الكاتب‬ ‫امل �� �س��رح��ي ع �ب��دال��ر� �ض��ا ح �ي��ات��ي‪ ،‬وه �ن��اك‬ ‫قدمنا عملني للتلفزيون �أخرجهما مرت�ضى‬ ‫مطوري‪� ،‬أحدهما يتكون من م�شهدين مدة‬ ‫كل منهما ‪ 15‬دقيقة‪ ،‬والعمل الثاين ا�سمه‬ ‫«�أف��راح العيد» وهو برنامج ي�شمل مقاطع‬ ‫متثيلية وتقارير يف ‪ 138‬دقيقة‪ ،‬وا�ستغرق‬ ‫التدريب عليه �شهرين‪ ،‬والت�سجيل �شهر ًا‪.‬‬

‫ثالث �ساعات لت�أليف م�سرحية!‬

‫يف بع�ض ن�صو�صك امل�����س��رح��ي��ة يرجتل‬ ‫املمثلون ك��ث�يراً م��ن املقاطع واجل��م��ل على‬ ‫خ�شبة امل�سرح‪ ،‬فهل ميثل االرجتال الطابع‬ ‫الغالب لديكم؟‬ ‫يف البداية مل تكن الن�صو�ص امل�سرحية قوية‬ ‫نحجم املمثل‬ ‫لفر�ضها على املمثل‪ ،‬لأن�ن��ا ِّ‬ ‫بذلك ونقلل م��ن ق��درت��ه‪ .‬كذلك �أردن ��ا من‬ ‫خالل هذه املمار�سة �أن نربي كوادر متثيلية‪،‬‬ ‫�سعيت يف بع�ض الأوق��ات لإب��راز �أك�بر عدد‬ ‫ممكن من املمثلني‪ .‬يف امل�سرحية التي حتتاج‬ ‫ثالثة ممثلني كنت �أ�ضع �ستة ممثلني �أو �سبعة‬ ‫على اخل�شبة‪ ،‬لأننا كنا يف ذل��ك الزمن يف‬

‫لقطة من م�رسحية «حكایة من الریف»‬

‫المجتمع األحوازي‬ ‫يظلم الممثل وينظر‬ ‫مهرِّج جاء‬ ‫إليه ك ُ‬ ‫إلضحاك الناس‬ ‫حاجة �إىل ممثلني‪ .‬تعلمنا فيما بعد يف جمعية‬ ‫امل�سرح �أن املخرج يجب �أن يختار ن�ص ًا يحتوي‬ ‫على �أقل عدد من املمثلني‪ ،‬لت�سهيل ال�سيطرة‬ ‫عليهم واحلدِّ من الفو�ضى التي ت�شتِّت انتباه‬ ‫امل�شاهد‪ ،‬لكننا �آن��ذاك كنا يف حاجة ما�سة‬ ‫�إىل �أكرب عدد من املمثلني حتى ن�سد النق�ص‪.‬‬

‫ونحتاج �إىل م�سرحية‪ .‬يف ال�ساعة الثانية‬ ‫ظهر ًا و�صلنا مكان احلفل للتدريب‪ ،‬وكان‬ ‫ال�س�ؤال‪ :‬ماذا نفعل هنا الآن ولي�س لدينا ما‬ ‫نقدِّ مه؟ يف حلظات �أعددنا عر�ض ًا يقوم على‬ ‫انتظار �شخ�ص للطبيب وهو يحمل مذياع ًا‬ ‫يتنقل بني حمطاته‪ .‬وعلى اعتبار �أن �أحد‬ ‫ممثلينا مقلد �أ�صوات حمرتف فقد �أدى دور‬ ‫حمطات الإذاع��ة‪ ،‬من غناء ون�شرات �أخبار‬ ‫وق��راءة القر�آن �أو ن�شيد �أو لغة �إجنليزية �أو‬ ‫هندية‪ ،‬و�سمع اجلمهور غنا ًء لناظم الغزايل‬ ‫وعبداحلليم حافظ وحتى �صوت ت�شوي�ش على‬ ‫الإر�سال‪ .‬هذا اجلمهور جاء لي�ضحك‪ ،‬فهو‬ ‫جمهور جاء الحتفالية ولي�س مل�سرحية‪.‬‬

‫م��ن االن��ت��ق��ادات ال��ت��ي وج��ه��ت �إل��ي��ك��م �أن‬

‫ج��م��ي��ع �أع���م���ال���ك���م ك���ان���ت ك���وم���ي���دي���ة‪ ،‬فهل «�أوالد حارتنا» و «زي الهوا»‬

‫كنتم ت��رون �أن اجلمهور ال ي�ستوعب غري‬ ‫امل�شاهد الكوميدية‪� ،‬أم �أن الفرقة مل يكن‬ ‫با�ستطاعتها عبور هذا اخلط؟‬ ‫الرتاجيديا حتتاج اىل �إمكانيات كبرية‪ .‬يجب‬ ‫�أن تُن�شئ ممث ًال ق��ادر ًا على �أداء هذا النوع‬ ‫م��ن امل�سرحيات‪ ،‬وحت�ت��اج �إىل وق��ت طويل‬ ‫للتدريب‪ .‬العمل الكوميدي يعتمد على القدرة‬ ‫الإبداعية للممثل‪ ،‬وهو �أكرث ب�ساطة‪ .‬لقد كنا‬ ‫جنهز بع�ض الأعمال خالل �أقل من �أ�سبوع‪.‬‬ ‫ذات م��رة‪ ،‬ات�صلت بنا �إح��دى اجل�ه��ات يف‬ ‫العا�شرة �صباح ًا‪ ،‬و�أبلغتنا ب�أن هناك احتفا ًال‬ ‫يف ال���س��اع��ة اخل��ام���س��ة م��ن ال �ي��وم نف�سه‪،‬‬

‫فيما ب��ع��د ح���دث حت���� ُّول‪ ،‬ت��ب��دو مظاهره‬ ‫م��ث ً‬ ‫�لا يف ع��ن��اوي��ن امل�����س��رح��ي��ات ال��ت��ي ب���د�أت‬ ‫تختلف عن «حن�ش و�شل�ش» و«عطال بطال»‪،‬‬ ‫لت�صبح عناوين مثل «حكاية م��ن ال��ري��ف»‪،‬‬ ‫و«�أوالد حارتنا»‪ ،‬و«لومي ال�ضايع»‪ ،‬فما هي‬ ‫دوافع هذا التح ُّول؟ وهل كانت «�أوالد حارتنا»‬ ‫م�ستوحاة من عمل جنيب حمفوظ؟‬ ‫يرتبط ه��ذا التحول بانتمائي �إىل جمعية‬ ‫امل�سرح‪ ،‬وق��د ت��أث��رت يف ه��ذه ال�ف�ترة بعدة‬ ‫كتب و�أعمال �إبداعية منها «�إع��داد املمثل»‪،‬‬ ‫لق�سطنطني ��س�ت��ان���س�لاف���س�ك��ي‪ ،‬و�أع �م��ال‬ ‫�شك�سبري وبرتولد بريخت ويوجني يون�سكو‬


‫مسرح‬ ‫‪126‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫م�رسحية «لومی ال�ضایع» لفرقة �شم�س اجلنوب‬

‫وتوفيق احلكيم و�سعد اهلل ون��و���س وحممد‬ ‫امل ��اغ ��وط‪ ،‬وخ �� �ص��و� �ص � ًا مب���س��رح�ي��ات مثل‬ ‫«�أغنية امل ��وت»‪ ،‬و«يف انتظار غ ��ودو»‪ .‬ومن‬ ‫الكتاب الإيرانيني اهتممت ببهرام بي�ضايي‬ ‫وجميد جميدي‪ ،‬وحولت بع�ض ن�صو�صه �إىل‬ ‫�سيناريوهات‪ .‬ومل تكن «�أوالد حارتنا» م�ستوحاة‬ ‫من جنيب حمفوظ‪ ،‬بل كان الأمر جمرد ت�شابه‬ ‫يف الأ��س�م��اء‪ .‬وق��د تناولت امل�سرحية من��اذج‬ ‫م��وج��ودة يف املجتمع‪ ،‬منها م��دم��ن‪ ،‬ومقاول‬ ‫بيده عدة هواتف نقالة‪ ،‬ومثقف ي�ستخدم لغة‬ ‫ف�صحى مقعرة وم�ضحكة‪ .‬كانت م�سرحية‬ ‫تنتقد املجتمع والنخب‪ ،‬ويف نهايتها كان هناك‬ ‫مغن يغني �أغنية «زي الهوا» لعبداحلليم حافظ‪.‬‬ ‫�إىل ج���ان���ب ف���رق���ة «���ش��م�����س اجل���ن���وب»‬ ‫�أ���س�����س��تَ ف��رق��اً �أخ����رى‪ ،‬وم��ار���س��تَ �أن�شطة‬ ‫فنية متنوعة؟‬ ‫نعم‪� ..‬أ�س�ست م�ؤ�س�سة «بركان الثقافية» التي‬ ‫اهتمت بامل�سرح‪ ،‬وقدمنا عملني م�سرحيني‬ ‫من خاللها‪ .‬و�أ�صدرنا �صحيفة ظهر منها‬ ‫خم�سة �أعداد‪ ،‬وكنت �أنا رئي�س التحرير‪ .‬كما‬ ‫كنت من�شغ ًال بكتابة ال�شعر وبع�ض الأن�شطة‬ ‫الثقافية الأخرى‪.‬‬ ‫بعد التحاقي بالعمل احلكومي يف البلدية‪،‬‬ ‫حاولت �أن �أركز على امل�سرح وحده‪ ،‬و� َّأ�س�ست‬ ‫فرقة «�إ�شراق» للم�سرح‪ ،‬وكانت هناك �صالة‬ ‫يف البلدية حتولت �إىل ور�شة م�سرحية‪ .‬ويف‬ ‫هذه الفرتة قر�أت ع�شرات الكتب امل�سرحية‪،‬‬ ‫والتحقت ب��دورات متخ�ص�صة يف امل�سرح‪،‬‬ ‫�دي خ�برة مالئمة‪ .‬وك��ان �شبابنا‬ ‫وتكونت ل� ّ‬

‫لو كان الجمهور‬ ‫يدفع مقابل حضور‬ ‫المسرحيات لما َّ‬ ‫تأخر‬ ‫مسرحنا وتأزَّم‬ ‫ما�سة للدرا�سة امل�سرحية‪ ،‬لأن‬ ‫يف حاجة ّ‬ ‫جمعية امل�سرح كانت بعيدة عنهم‪ ،‬فنظمت‬ ‫دورات تعليمية للم�سرح يف البلدية‪ .‬ومن‬ ‫خ�لال فرقة «�إ� �ش��راق» ق َّدمنا �أع�م��ا ًال مهمة‬ ‫يف امل �� �س��رح‪ ،‬م�ث��ل م �� �ش��روع «ك��ل جمعة مع‬ ‫امل�سرح»‪ .‬كان هناك مهرجان كبري تنظمه‬ ‫البلدية‪ ،‬و�أع��ددن��ا برناجم ًا للم�شاركة فيه‬ ‫ولكن املهرجان مل ُي�ق��م‪ .‬وكنا ق��د �أع��ددن��ا‬ ‫م�سرحية بعنوان «العائلة املزدحمة» تناق�ش‬ ‫الكثافة ال�سكانية‪ ،‬و�أخ��رى بعنوان «العر�س‬ ‫احلزين» تناق�ش �إطالق النار يف احلفالت‪.‬‬ ‫وبعد ف�شل املهرجان اقرتحنا على م�ساعدية‬ ‫ال�ش�ؤون الثقافية للبلدية يف الأحواز �أن نقدم‬ ‫م�سرحيات كل جمعة حتت عنوان «امل�سرح‬ ‫املفتوح» �أو م�سرح ال�شارع‪ .‬وعلى امتداد ‪20‬‬ ‫�أ�سبوع ًا ق َّدمنا �أعمالنا‪ ،‬وهي �ست م�سرحيات‬ ‫قدمناها يف ثماين مناطق من الأحواز‪.‬‬

‫لقد �أكلت ملحكم وخبزكم‬

‫كان ح�ضور امل��ر�أة‪ ،‬وما يزال‪� ،‬صعباً يف‬ ‫امل�����س��رح ب�سبب رف�����ض ال��ع��ائ�لات وك��ذل��ك‬ ‫ب�����س��ب��ب رف�����ض اجل���م���ه���ور‪ ،‬ف��ه��ل واج��ه��ت��م‬ ‫مثل هذه املواقف؟‬ ‫خ�ص�صتُ‬ ‫بعد تقدمي درو�س امل�سرح للرجال َّ‬

‫�صفوف ًا للفتيات‪ .‬ك��ان��ت ه�ن��اك ف�ت��اة جتيد‬ ‫التمثيل‪ ،‬ولكنها ال ت�ستطيع امل���ش��ارك��ة يف‬ ‫امل�سرحية لأ�سباب عائلية‪ .‬يف �أح��د الأي��ام‬ ‫طرقت باب �أ�سرتها‪ ،‬وكان يجل�س �إىل جانبي‬ ‫والدها و�أخوها و�أمها وعرفتهم بنف�سي‪� ،‬أكلت‬ ‫معهم وقلت لأبيها‪ :‬لقد �أكلت ملحكم وخبزكم‪،‬‬ ‫و�أطلب منك �أن ت�سمح البنتك بالتمثيل معنا‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬متثل معك �أن��ت فقط‪ ،‬لأنني عرفتك‬ ‫ووثقت بك‪ .‬ومثلت معنا ثالث م�سرحيات‪ .‬ويف‬ ‫�إحدى م�سرحياتنا كانت واحدة من ممثالتنا‬ ‫على امل�سرح‪ ،‬و�أخوها كان و�سط جمهور يقارب‬ ‫ي�سب‬ ‫عدده ‪� 1500‬شخ�ص‪ ،‬و�سمع �أحد احل�ضور ُّ‬ ‫�أخته فحدث �شجار بينهما‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫هذه احلادثة �أكملنا امل�سرحية‪ ،‬لأن اجلمهور‬ ‫ك��ان متعط�ش ًا للم�سرح‪ .‬واجهنا م�شكالت‬ ‫�أحيان ًا �أدت �إىل توقف بع�ض املمثالت‪ ،‬لكن يف‬ ‫ذلك الزمان كان هناك �شوق ورغبة يف العمل‬ ‫بامل�سرح‪ .‬كنا جند �أمامنا ثمار عملنا‪.‬‬

‫م�سرح للأطفال وجمهور ال يدفع‬

‫ح��ق��ق��ت ق���ف���زة ن��وع��ي��ة ب��ت��ق��دمي �أع���م���ال‬ ‫م�سرحية للأطفال‪ ،‬فمن �أي��ن ج��اءت هذه‬ ‫الفكرة‪ ،‬وهو امل�سرح ال�صعب الذي ال يكتفي‬ ‫بالكوميديا؟‬ ‫كانت الفرقة التي تقدِّ م م�سرحيات للأطفال‬ ‫ت�ضم فتيات فقط‪ .‬وكما ذك��رت ل��ك‪ ،‬كان‬ ‫هدفنا يف هذه احلالة هو �إظهار �أكرب عدد‬ ‫من املمثالت‪ .‬وقد بد�أت الفكرة مع اقرتاح‬ ‫ب�إن�شاء م�سرح للطفل‪ ،‬ق َّدمتُه �إىل �إح��دى‬ ‫م��در��س��ات ال��رو��ض��ة ال�ت��ي ك��ان��ت ت��در���س يف‬


‫‪ ..‬وم�شهد �آخر من امل�رسحية‬

‫�صفوف امل�سرح معنا‪ ،‬ومثلنا �سوي ًا‪.‬‬ ‫هناك نوعان من امل�سرح يف ه��ذا اجلانب‪:‬‬ ‫«م�سرح للطفل» و«م�سرح الطفل»‪ .‬الأول ميثل‬ ‫فيه الكبار ويقدمون الإر�شادات‪� ،‬أما الثاين‪-‬‬ ‫م�سرح الطفل‪ -‬ف�إن من يقوم بالتمثيل فيه هو‬ ‫الأطفال‪ .‬وقد ق َّدمنا النوعني مع ًا‪ ،‬لأننا �أردنا‬ ‫�أن يكون الأطفال قاعدة م�سرحية لنا‪ ،‬و�أردنا‬ ‫�أي�ض ًا تقدمي م�سرح �إر�شادي للطفل‪ .‬كنا يف‬ ‫تلك الظروف نتعامل مع �أر�ض الواقع‪ ،‬فكنا‬ ‫نلبي ما تطلبه منا البلدية مث ًال‪ .‬كذلك كنت‬ ‫�أكتب الن�صو�ص ح�سب طاقات املمثل �أحيان ًا‪،‬‬ ‫وح�سب م��ا �أع ��رف م��ن ق��درات��ه اجل�سمية‬ ‫واحلركية وال�صوتية‪.‬‬ ‫م���ن ب�ي�ن �أع���م���ال���ك امل�����س��رح��ي��ة‪ ،‬م���ا هي‬ ‫الأعمال التي حتتل مكانة خا�صة يف نف�سك؟‬ ‫�أعتز ب�صورة خا�صة مب�سرحية «حكاية من‬ ‫ال��ري��ف»‪ ،‬وك��ان��ت فكرتها ملحمد من�صوري‬ ‫والإخراج له �أي�ض ًا‪ ،‬ولكني كنت الوحيد القادر‬ ‫على معاجلة الن�ص «ه��ذا م��دح لنف�سي!»‪،‬‬ ‫وط��وال �أ�سبوع قدمنا العمل يف قاعة املدينة‬ ‫مرحب ًا بها‪ ،‬وكان‬ ‫عام ‪ ،2004‬وكان اجلمهور ِّ‬ ‫يح�ضر يومي ًا مائتان �أو ثالثمائة م�شاهد‪� .‬أعتز‬ ‫كذلك مب�سرحية «ميزان العدالة» التي كنت‬ ‫كاتبها وممثلها وخمرجها‪ ،‬و�سعيت فيها �أن‬ ‫�أط ِّبق �أ�صول امل�سرح ومتر َّنا عليها ثالثة �أ�شهر‪،‬‬ ‫وانعك�ست �أ�صدا�ؤها يف ال�صحافة املحلية‪.‬‬ ‫ج���م���ه���ورن���ا ال ي����دف����ع م���ق���اب���ل دخ����ول‬ ‫امل�سرح‪� ،‬ألي�س هذا خط�أ؟‬

‫بالت�أكيد‪ .‬لو كان اجلمهور يدفع مقابل ح�ضور‬ ‫امل�سرحيات‪ ،‬ملا ت� َّأخر م�سرحنا وت�أ َّزم‪ .‬لو �شعر‬ ‫كثري من املمثلني والكتاب �أن هناك مردود ًا‬ ‫مالي ًا لأخذوا الأمور بجدية �أكرث‪.‬‬

‫لكنهم مل يكتبوا عنَّا‬

‫ك��ي��ف ت���ق���ر�أ واق����ع امل�����س��رح ال��ع��رب��ي يف‬ ‫الأحواز الآن؟‬ ‫ل �ي ����س ه �ن��اك م �� �س��رح‪ ،‬ع �ل��ى ال ��رغ ��م من‬ ‫امل�ه��رج��ان��ات واالح �ت �ف��االت‪ .‬جتتمع الفرق‬ ‫امل���س��رح�ي��ة يف امل���دن خ�ل�ال امل�ه��رج��ان��ات‬ ‫كيفما اتفق‪ ،‬وتقدم عرو�ض ًا هزيلة متثي ًال‬ ‫و�إخراج ًا‪ ،‬واملهم لديها هو امل�شاركة ليقال‬ ‫ع��ن �أع���ض��ائ�ه��ا �إن �ه��م م���س��رح�ي��ون‪ .‬جل��ان‬ ‫التحكيم يف حاالت كثرية مل تكن تعلن عن‬ ‫ف��وز �أح��د باملراكز الأوىل ل�سوء امل�ستوى‪،‬‬ ‫وكانت تكتفي بالتكرمي‪ .‬العر�ض امل�سرحي‬ ‫يجب �أن ُيعر�ض على النا�س يف القاعات‬ ‫بعد املهرجان‪.‬‬ ‫كتبت امل�سرح واملقاالت والتغطيات التي‬ ‫تتعلق بامل�سرح واحل����وارات �أي�����ض��اً‪ ،‬فما هي‬ ‫الأ�سباب التي دعتك �إىل ذلك؟‬ ‫كنت �أ�سعى �إىل توثيق جتربتي اخلا�صة‪،‬‬ ‫و�أول م �ق��االت��ي ك��ان ب �ع �ن��وان «يف �أج ��واء‬ ‫اخل�شبة»‪ ،‬ع��ام ‪ ،2004‬وه��و يقدم نظرة‬ ‫موجزة حول الإخراج امل�سرحي‪ ،‬وحتى هذه‬ ‫اللحظة مازلت �أكتب و�أن�شر يف ال�صحف‬ ‫وعلى �شبكة الإنرتنت‪ ،‬ومن �آخر ما ن�شرته‬ ‫لقاء ودي مع الفنان ر�ضا فيا�ضي‪.‬‬

‫ل��ك جت��رب��ة ك��ذل��ك يف ت��رج��م��ة ن�صو�ص‬ ‫�ألف ليلة وليلة �إىل الفار�سية‪ ،‬ماذا عنها؟‬ ‫مع �أول �صدور جلريدة الأحواز �سنة ‪1999‬م‬ ‫اتفقنا مع �سعيد �آل �صقور �أن نكتب‪ ،‬ولكن‬ ‫احلقيقة هي �أن ال�صدفة �أي�ض ًا لعبت دورها‪،‬‬ ‫وجدنا الكتاب عند �أبو ن�صار وقلنا لأنف�سنا‬ ‫لنرتجمه من اللغة العربية �إىل اللغة الفار�سية‬ ‫ونطبعه يف جريدة الأح��واز‪ ،‬وهي مترين لنا‬ ‫لكتابة امل�سرح وكتابة للجريدة‪.‬‬ ‫ر�ضا فيا�ضي م��ن امل�سرحيني املهمني يف‬ ‫�إيران‪� ،‬أال تعترب جتربته قوية يف امل�سرح مما‬ ‫يناق�ض ما ذكرته عن �ضعف امل�سرح العربي؟‬ ‫ممن مثل‬ ‫بالن�سبة �إىل ر�ضا فيا�ضي وغريه َّ‬ ‫و�أخرج للم�سرح‪ ،‬ف�إنهم مل يكونوا على �صلة‬ ‫بنا وباملكان‪ .‬لدينا ممثلون يف الدول العربية‬ ‫امل�ج��اورة مثل الكويت‪ ،‬ولكنهم مل يت�أثروا‬ ‫مبجتمعنا ومل ي�ؤثروا فيه‪� .‬صحيح �أن ر�ضا‬ ‫فيا�ضي من مواليد الأحواز ون�ش�أ فيها‪ ،‬و�أنه‬ ‫هاجر �إىل طهران وهو يف الثالثة والع�شرين‪،‬‬ ‫ولكن كل ما قدمه كان يف طهران‪ .‬مل ُين�شئ‬ ‫م�سرح ًا هنا‪ ،‬مل يخلق م�سرحيني هنا‪ ،‬مل‬ ‫يكتب ع�ن��ا‪ .‬مل يكن ه��ذا ��ش��أن��ه وح ��ده‪ ،‬بل‬ ‫كان �ش�أن كثريين مثله �سواء يف حمافظات‬ ‫�أخ ��رى داخ ��ل اجل�م�ه��وري��ة الإ� �س�لام �ي��ة �أو‬ ‫خ��ارج البالد‪ ،‬لي�س لديهم �صلة مب�سرحنا‬ ‫وخا�صيته اللغوية والثقافية يف حمافظتنا‬ ‫خوز�ستان «الأح� ��واز»‪� .‬إنهم ينتمون لهذه‬ ‫املنطقة حق ًا‪ ،‬لكنهم منقطعو ال�صلة بها‬ ‫من ناحية امل�سرح وفعالياته‬






‫روزنامة‬ ‫‪132‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫تعددت الأ�سماء والق�صد واحد‬

‫المسحراتي‬ ‫في بالد العرب‬ ‫القاهرة‪ -‬عمر �إبراهيم‬

‫يتميز �شهر رم�ضان بالكثري من العادات والتقاليد �أهمها �شخ�صية‬ ‫«امل�سحراتي» الذي يطوف الأحياء «�شارعاً وحارة» قبل �أذان الفجر‬ ‫مردداً الأنا�شيد واالبتهاالت التي توقظ النائمني‪.‬‬ ‫وهو يعتمد على «الطبلة والع�صا» �أثناء عمله يف ال�شهر الكرمي‪ ،‬وهي‬ ‫مهنة �شعبية تراثية تقاوم االنقرا�ض وحتاول التم�سك بال�صورة‬ ‫التقليدية القدمية واملحببة �إىل اجلميع يف ليايل رم�ضان املباركة‪،‬‬ ‫بعيداً عن الو�سائل احلديثة يف اال�ستيقاظ كاملنبهات واملوبايالت‪.‬‬


‫وامل�سحراتي هو ال�شخ�ص الذي يقوم بعملية‬ ‫�إيقاظ النا�س من النوم لي ًال لتناول وجبة‬ ‫ال�سحور قبل �أذان الفجر يف �شهر رم�ضان‪،‬‬ ‫وجاءت هذه املهنة مع الإ�سالم‪ ،‬فقد حر�ص‬ ‫امل�سلمون على طعام ال�سحور‪ ،‬متم�سكني‬ ‫باحلديث النبوي ال�شريف «ت�سحروا ف��إن‬ ‫يف ال�سحور بركة»‪ ،‬ويف عهد الر�سول حممد‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم كان امل�سلمون يعرفون‬ ‫وق��ت ال�سحور ب� ��أذان ال�صحابي «ب�لال بن‬ ‫رب��اح» ويعرفون االمتناع ع��ن الطعام‪� ،‬أي‬ ‫الإم�ساك‪ ،‬ب ��أذان ال�صحابي «عبد اهلل بن‬ ‫�أم مكتوم»‪ ،‬فقد قال الر�سول �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم �إن «ب�لال ي ��ؤذن بليل فكلوا وا�شربوا‬ ‫حتى ي�ؤذن �إبن �أم مكتوم»‪.‬‬

‫م�سحراتي الع�صر العبا�سي‬

‫يف الع�صر العبا�سي يف م�صر ظهرت وظيفة‬ ‫امل�سحراتي على يد وايل م�صر «عتبة بن‬ ‫�إ�سحاق»‪ ،‬فهو �أول من طاف �شوارع القاهرة‬ ‫ل�ي� ً‬ ‫لا يف رم�ضان لإي �ق��اظ �أهلها لل�سحور‬ ‫ً‬ ‫�سائرا على قدميه من مدينة الع�سكر يف‬ ‫الف�سطاط حتى جامع عمرو بن العا�ص‪.‬‬

‫تختلف مسميات‬ ‫القائم بمهنة إيقاظ‬ ‫الناس للسحور‬ ‫على امتداد الوطن‬ ‫حر‪،‬‬ ‫العربي فهو مس ّ‬ ‫ومسحراتي‪ ،‬وأبوطبيلة‬ ‫ويف الع�صر العبا�سي يف ب�غ��داد بالعراق‬ ‫كان «ابن نقطة» �أ�شهر من عمل بالت�سحري‪،‬‬ ‫ح�ي��ث ك��ان م��وك� ً‬ ‫لا �إل �ي��ه �إي �ق��اظ اخلليفة‬ ‫«النا�صر لدين اهلل العبا�سي»‪ ،‬وكان يتغنى‬ ‫ب�شعر ي�سمى «ال�ق��وم��ا»‪ ،‬وه��و �شعر �شعبي‬ ‫له وزنان خمتلفان وال يلتزم بقواعد اللغة‬ ‫العربية و�سمي «القوما» لأن��ه ك��ان ينادي‬ ‫«يا نياما قوما‪ ..‬قوما لل�سحور قوما»‪ ،‬وقد‬ ‫�أعجب اخلليفة به و�أم��ر ب�إعطائه مكاف�أة‬ ‫�سنوية‪.‬‬ ‫ويف مكة املكرمة كان امل�سحراتي «الزمزمي»‬ ‫�أ�شهر من توىل مهنة الت�سحري يف �صومعته‬ ‫ب�أعلى امل�سجد ومعه �أخوان �صغريان وكان‬ ‫يقول «يا نياما قوموا لل�سحور» ويديل حب ًال‬

‫فيه قنديالن كبريان فمن مل ي�سمع النداء‬ ‫يرى النور‪.‬‬

‫امل�سحراتي يف الع�صر الفاطمي‬

‫يف ع�صر الدولة الفاطمية «‪968‬هـ ‪1171 -‬م»‬ ‫مب�صر �أم ��ر احل��اك��م ب ��أم��ر اهلل الفاطمي‬ ‫جنوده ب�أن ميروا على البيوت ويدقوا الأبواب‬ ‫ليوقظوا النائمني لل�سحور‪ ،‬ومع مرور الأيام‬ ‫وال�سنوات تطورت املهنة على يد �أهل م�صر‪،‬‬ ‫حيث ابتكروا «الطبلة» ليحملها امل�سحراتي‬ ‫ليدق عليها وت�سمى الطبلة بـ «البازة»‪ ،‬وهي‬ ‫�صغرية احلجم وخفيفة الوزن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وي�ستغرق امل�سحراتي وقت ًا طويال ليطوف‬ ‫حول البيوت يف ال�شوارع واحل��ارات‪ ،‬لذلك‬ ‫يقوم بالت�سحري كل م�سحراتي يف منطقته‬ ‫ح�سب الو�ضع اجلغرايف املتفق عليه‪.‬‬

‫امل�سحراتي تراث �شعبي‬

‫مهنة امل�سحراتي يعمل �صاحبها �شهر ًا واحد ًا‬ ‫يف ال�سنه وهو �شهر رم�ضان‪ ،‬وال يرتبط ب�أجر‬ ‫معلوم �أو ثابت فهو يعتمد على م��ا مينحه‬ ‫النا�س من مبالغ مالية �أو عيديات «هبة»‬


‫روزنامة‬ ‫‪134‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫امل�سحراتي يف م�رص‬

‫كالقمح �أو الكعك �أو خالفة كل �صاحب بيت‬ ‫ح�سب ق��درات��ه‪ ،‬وي�ح��اول املهتمون بالرتاث‬ ‫التقليدي �إعادة ال�صورة القدمية للم�سحراتي‬ ‫مبالب�سه التقليدية و�صوته العذب عن طريق‬ ‫ع��ر���ض �أع �م��ال درام �ي��ة م�سرحية تظهره‬

‫‪ ..‬ويف اليمن‬

‫«ابن نقطة» أشهر‬ ‫من عمل بالتسحير‬ ‫في العراق حيث كان‬ ‫موك ً‬ ‫ال إليه إيقاظ‬ ‫الخليفة الناصر‬ ‫ب�أ�شعاره مرتدي ًا اجللباب ومم�سك ًا ب�أدواته‪.‬‬ ‫وت�خ�ت�ل��ف م���س�م�ي��ات ال �ق��ائ��م ب �ه��ذه املهنة‬ ‫على ام�ت��داد ال��وط��ن العربي‪ ،‬ب�ين م�سحر‪،‬‬ ‫وم�سحراتي‪� ،‬أبوطبيلة‪ ،‬وغريها‪ ،‬كما تختلف‬ ‫العبارات التي ي�ستخدمها‪ ،‬ومن �أ�شهر تلك‬ ‫العبارات يف الوطن العربي‪:‬‬

‫ال�سعودية‬

‫ي��وق��ظ امل �� �س �ح��رات��ي يف امل �م �ل �ك��ة ال�ع��رب�ي��ة‬ ‫ال�سعودية النائمني بقوله‪« :‬ربي قدرنا على‬ ‫ال�صيام و�أحفظ �إمياننا بني القوم»‪.‬‬

‫املغرب‬

‫يقوم امل�سحراتي ب��ارت��داء ال��زي التقليدي‬ ‫ال�شعبي ويدق �أبواب البيوت بالع�صا ليوقظ‬ ‫النائمني ا�ستعداد ًا لل�سحور‪.‬‬

‫اليمن‬

‫يقوم امل�سحراتي بدق �أبواب املنازل بالع�صا‬ ‫وينادي على �أهلها قائ ًال‪« :‬قوموا كلوا»‪.‬‬

‫ال�سودان‬

‫يطرق امل�سحراتي البيوت ومعه طفل �صغري‬

‫يحمل فانو�س ًا ودف�ت�ر ًا به �أ�سماء �أ�صحاب‬ ‫البيوت حيث ينادي عليهم ب�أ�سمائهم قائ ًال‪:‬‬ ‫«ياعباد اهلل وحدوا الدامي رم�ضان كرمي»‪.‬‬

‫عمان‬

‫يوقظ امل�سحراتي النائمني على واقع الطبلة‬ ‫�أو بالناقو�س وهو يقول‪« :‬يا نائمني الليل قوموا‬ ‫ت�سحروا‪ ..‬يا م�سلمني ال�سحور يا �صائمني»‪.‬‬

‫ال�شام‬

‫امل�سحراتي يف �أهل ال�شام له طقو�س خا�صة‬ ‫حيث يقوم بالت�سحري على �أن�غ��ام العيدان‬ ‫وال�صفافري وين�شد الأغ��اين اخلفيفة‪ ،‬ويف‬ ‫املا�ضي كان امل�سحراتي يف �أهل ال�شام ي�صعد‬ ‫�ال وي�صيح ب�أعلى �صوته‪« :‬يا‬ ‫�إىل مكان ع� ٍ‬ ‫�سامعني ذكر النبي على امل�صطفى �صلوا لوال‬ ‫النبي ما اتبنى جامع وال �صلوا»‪.‬‬ ‫وي �ب��د�أ امل�سحر يف ب�لاد ال�شام جولته قبل‬ ‫موعد الإم�ساك ب�ساعتني‪ ،‬يحمل طبلته بحبل‬ ‫يف رقبته فتتدىل �إىل �صدره‪ ،‬يرافقه �شخ�ص‬ ‫�آخ��ر يحمل ال�ف��ان��و���س‪ ،‬فيقف عند �أب��واب‬ ‫بع�ضهم وي�صيح با�سمه ليوقظه‪ .‬ويردد �أثناء‬ ‫جتواله بني الأزقة عبارات خمتلفة تتنا�سب‬ ‫وحد الدامي‪،‬‬ ‫مع �شهر رم�ضان منها ‪ « :‬يا نامي ّ‬ ‫يا نامي وحد ربك‪ ،‬يا نامي قوم ل�سحورك» �أو «‬ ‫�سحور يا عباد اهلل‪ ،‬وعلى النبي ما �شاء اهلل‪،‬‬ ‫وال �إله �إال اهلل»‪.‬‬ ‫يلحق بامل�سحر �أحيان ًا بع�ض الأوالد مي�شون‬


‫‪ ..‬ويف ال�شام‬

‫‪ ..‬ويف اخلليج‬

‫خلفه ويداعبونه �إما برتديد �أنا�شيده �أو �أنهم يعمل المسحراتي‬ ‫يعاك�سونه ب�إن�شاد �أغان يبتكرونها هم مثل ‪ :‬شهر ًا واحد ًا في السنه‬ ‫«�أبو طبلة مرتو حبله» �أو « �أوم ل�سحورك �إجا و يعتمد على ما يمنحه‬ ‫القط يزورك» �أو غري ذلك‪.‬‬ ‫الناس له من عيديات‬

‫وكان للم�سحر ثالث جوالت‪� :‬إحداها يومية‬ ‫ت�شمل كل احلي لإيقاظ النا�س وقت ال�سحر‪،‬‬ ‫والثانية يومية ت�شمل بع�ض الأحياء بالتناوب‬ ‫جلمع الطعام وامل�ساعدات‪ ،‬وي�صطحب معه‬ ‫يف هذه اجلولة م�ساعد ًا ليحمل �سلة وبع�ض‬ ‫الأط �ب��اق لو�ضع م��ا جت��ود ب��ه العائالت من‬ ‫�أطعمة‪ .‬لذلك يرتدد على �أل�سنة النا�س املثل‬ ‫ال�شعبي الذي يقول "مثل �أكالت امل�سحر" ملن‬ ‫ي�ضع يف طبقه عدة �أن��واع من الطعام دفعة‬ ‫واح��دة‪ .‬و�أ�صبح النا�س اليوم يجودون باملال‬ ‫بدل الطعام‪ ،‬فهو الأف�ضل‪� .‬أما اجلولة الثالثة‬ ‫للم�سحر فكانت �أيام العيد جلمع «العيديات»‬ ‫من النا�س‪ .‬وترافقه يف هذه اجل��والت طبلته‬ ‫التي هي مبثابة هويته اخلا�صة‪.‬‬ ‫يرتحم بع�ض امل�سحرين اليوم على �أيام زمان‬ ‫لأن فيها خ�ير ًا وب��رك��ة‪ ،‬وك��ان��ت الأعطيات‬ ‫كثرية؛ بينما يقول البع�ض الآخ��ر‪« :‬ال تزال‬ ‫الدنيا بخري»‪.‬‬

‫وال�ع���ص��ا وم � ��ردد ًا «ا� �ص �ح��ى ي��ا ن ��امي وح��د‬ ‫ال��دامي»‪ ،‬وهي مقطوعة من �أ�شعار ال�شاعر‬ ‫«ف��ؤاد ح��داد»‪ ،‬وغناها املبدع «�سيد مكاوي»‬ ‫مبا يعرف بامل�سحراتي و�أ�صبحت من �أهم‬ ‫الأنا�شيد يف ال�شهر الكرمي‪.‬‬ ‫يقول يف مطلعها‪:‬‬ ‫�أول م��ا ن �ب��دي ال �ق��ول ن���ص�ل��ي ع�ل��ى النبي‬ ‫امل�صطفي �سيد ولد عدنان‪.‬‬ ‫ا��ص�ح��ى ي��ا ن��امي ‪ ..‬وح��د ال ��دامي ‪ ..‬وق��ول‬ ‫ن��وي��ت ب�ك��ره �إن حييت ‪ ..‬ال�شهر ��ص��امي‪..‬‬ ‫وال�ف�ج��ر ق��امي ‪ ..‬ا��ص�ح��ى ي��ا ن��امي ا�صحى‬ ‫وحد الرزاق ‪ ..‬رم�ضاااااااان كرمي‪.‬‬ ‫الرجل تدب مطرح ما حتب ‪ ..‬و�أنا �صنعتي‬ ‫م�سحراتي يف البلد جوال‪.‬‬

‫منظومات لوداع ال�شهر‬

‫م�صر‬ ‫«عتبة بن إسحاق»‬ ‫تتوارثها‬ ‫مهنة‬ ‫أ�صبحت‬ ‫�‬ ‫م�صر‬ ‫يف‬ ‫امل�سحراتي‬ ‫والي مصر في العصر‬ ‫الأجيال يف الأحياء وامل��دن ال�شعبية ويظهر‬ ‫مرتدي ًا اجللباب التقليدي ومم�سك ًا بالطبلة العباسي هو أول من‬ ‫طاف شوارع القاهرة‬ ‫إليقاظ أهلها للسحور‬

‫وعندما يقرتب �شهر رم�ضان م��ن ال��وداع‬ ‫يبد�أ امل�سحراتي يف �صياغة منظومات الع�شر‬ ‫الأواخ ��ر من لياليه وي �ق��ول‪«:‬ال �أوح ����ش اهلل‬ ‫منك يا �شهر ال�صيام»‪..‬‬ ‫«ي� � ��ا م � ��ن حت � ��ل ب � ��ذك � ��ره ع� �ق ��د ال� �ن ��وائ ��ب‬ ‫وال�شدائد‪ ..‬يا من لديه امللتقى و�إليه �أمر‬ ‫اخللق عائد»‪.‬‬ ‫ويف الثالثة �أيام الأواخر من ال�شهر‪ ،‬ي�ستعد‬ ‫امل�سحراتي لكعك العيد مردداً‪:‬‬ ‫�أنا امل�سحراتي جيت �أطبل لكم‬ ‫يف كل ليلة يل علي كل بيت‬ ‫ويل عيديه عندكم كل عيد‬ ‫�آجي �أ�صحيكم و�أنتم نيام‬ ‫�أحياكم املويل كل عام‬ ‫و�أحكي حكاية الفار و�أقول ق�صته‬ ‫زكاة �صيامك عليك واجب تطلعها‬ ‫حافظ �أ�ساميكم �صغري مع كبري‬ ‫�إللي يف الذمة خرج للفقري‬ ‫الكعك وكفوف ال�شريك والفطري‬ ‫وقت ال�سحر عن كل خري غافلني‬ ‫�أنا امل�سحراتي جيت معاي طبلتي‬ ‫وما جري بينه وبني القط يوم وقعته‬ ‫ما دمت قادر عليها ليه بتمنعها‬ ‫طهر بها نف�سك من بخلك وادفعها‬


‫حرف تقليدية‬ ‫‪136‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬


‫ال�صعيدي �أف�ضل من البلدي و�أقوى‬

‫أقفاص‬ ‫جريد النخل‬ ‫في رشيد‪..‬‬

‫صناعة صامدة أمام‬ ‫غزو الورق والبالستيك‬ ‫ر�شيد‪ -‬عبده الزرّاع‪:‬‬ ‫تتميز الثقافة املادية بقدرتها على التعبري عن البيئة التي ن�ش�أت فيها‪،‬‬ ‫وقدرتها �أي�ضاً على التطوير لكي تواكب معطيات الع�صر‪ ،‬وت�ستفيد منه‬ ‫وت�ستمر‪ .‬وت�أتي �صناعة «الأقفا�ص» من جريد النخل‪ ،‬ك�أحد مفردات‬ ‫هذه الثقافة باعتبارها «حرفة» ي�شتغل بها العديد من �أفراد وفئات‬ ‫ال�شعب امل�صري‪.‬‬ ‫وت�شتهر مدينة «ر�شيد» مبحافظة البحرية‬ ‫بجمهورية م�صر العربية‪ ،‬بقدم وجود هذه‬ ‫احلرفة التقليدية بني �أفرادها‪ ،‬وا�شتغالهم‬ ‫بها لدرجة �أن معظم �أهايل هذه املدينة بل‬ ‫وامل��دن والقرى القريبة منها �أو التابعة لها‬ ‫مثل‪ :‬برج ر�شيد وبرج مغيزل‪ ،‬ومعدية ر�شيد‬ ‫يف ال�ضفة الثانية من النهر «يتبعان حمافظة‬ ‫كفر ال�شيخ» كانوا يعملون يف هذه احلرفة‪،‬‬ ‫لأن هذه احلرفة ـ ال�صناعة ـ قائمة على وجود‬ ‫النخيل بها‪ ،‬وه��ذه املناطق ال�سابق ذكرها‬

‫ت�شتهر بزراعة النخيل �إذ يوجد بها ما ي�شبه‬ ‫غابات النخيل‪ ،‬ويعترب مو�سم جني البلح من‬ ‫�أهم املوا�سم �إذ يرتتب عليه رواج اقت�صادي‬ ‫لأهل هذه املنطقة‪.‬‬ ‫وتتميز �صناعة الأق�ف��ا���ص بدقة ال�صنعة‪،‬‬ ‫ومهارة ال�صانع‪ ،‬وقدرته على �إنتاج عدد كبري‬ ‫من الأقفا�ص خالل �ساعات عمله اليومي‪،‬‬ ‫وهذا �أدي بدوره �إىل وجود رواج اقت�صادي‬ ‫يف هذه املدينة �آنذاك‪.‬‬ ‫ونتيجة للمتغريات املجتمعية واالقت�صادية‬


‫حرف تقليدية‬ ‫‪138‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫ل��ذا عمل معظم �أه��ايل ه��ذه املدينة بهذه‬ ‫احلرفة‪ ،‬وكان يوجد بها الكثري من الور�ش‬ ‫اخلا�صة بهذه ال�صناعة‪ ،‬والتي �أخ��ذت يف‬ ‫االن �ق��را���ض نتيجة ل�صعوبة ه��ذه احلرفة‬ ‫وم�ت��اع�ب�ه��ا ال �ت��ي ال تتنا�سب م��ع معطيات‬ ‫الع�صر‪ ،‬لأن�ه��ا غ�ير مربحة مبقيا�س هذا‬ ‫الزمن‪ ،‬واجت��ه النا�س �إىل �صناعات �أخرى‬ ‫ومهن �أخرى وتركوا هذه ال�صنعة‪.‬‬ ‫توجهت جملة «ت ��راث» �إىل �إح ��دى الور�ش‬ ‫ال�صغرية التي مازالت تعمل يف تلك املهنة‪،‬‬ ‫مبدينة ر�شيد‪ ،‬والتقت باحلريف حممد فكرى‬ ‫بي�صار‪ ،‬وكان هذا احلوار‪:‬‬

‫والتكنولوجية وال�سيا�سية‪ ،‬وال�ت��وج��ه �إىل‬ ‫�صناعة «الكراتني» الورقية ل�سهولة �إنتاجها‬ ‫وقلة تكلفتها‪� ،‬شهدت هذه احلرفة انح�سار ًا‬ ‫وباتت مقت�صرة على عدد قليل من احلرفيني‬ ‫وال�صناع املهرة الذين ما زالوا يعملون ب�صرب‬ ‫ومثابرة وح��ب لهذه احلرفة التي يهددها‬ ‫الع�صر احلديث باالندثار‪.‬‬ ‫مت اختيار مدينة «ر�شيد» مبحافظة البحرية‪،‬‬ ‫كمنطقة بحث باعتبار �أن هذه املدينة من‬ ‫�أقدم املدن امل�صرية فى �صناعة «الأقفا�ص»‬

‫لأن هذه ال�صناعة قائمة ب�شكل �أ�سا�سي على‬ ‫«اجلريد» امل�ستخل�ص من النخيل‪ ،‬وحيث �إن‬ ‫مدينة «ر�شيد» ت�شتهر بزراعة النخيل ب�شكل‬ ‫كبري ويوجد بها العديد من الغابات النخلية‪،‬‬

‫إختيار مدينة رشيد‬ ‫كمنطقة بحث‬ ‫لكونها أقدم المدن‬ ‫المصرية في صناعة‬ ‫«األقفاص»‬

‫م��ا امل�ن�ت��ج ال� ��ذى ت���ص�ن�ع��ه الآن يف ه��ذه‬ ‫الور�شة من جريد النخيل؟‬ ‫�أق��وم ب�صنع الأق�ف��ا���ص �صغرية م��ن جريد‬ ‫النخيل‪ ،‬وه��ذه الأقفا�ص يو�ضع فيها جميع‬ ‫�أنواع الفواكه من برتقال‪ ،‬وكمرثى‪ ،‬ورمان‪،‬‬ ‫وتفاح‪ ،‬وخوخ‪ ،‬ولكنها ت�ستخدم �أكرث فى تعبئة‬ ‫الربتقال واع ��داده للت�صدير‪ ،‬وف��ى مو�سم‬ ‫جمع الربتقال تُطلب منا كميات كبرية من‬ ‫الأقفا�ص‪� ،‬أم��ا ال�سنوات التي ال يكون فيها‬ ‫ت�صدير يقل الطلب على الأقفا�ص ويحدث‬ ‫ركود كبري لل�صنعة‪ ،‬وال يطلب منا �إال �أعداد‬ ‫قليلة من الأقفا�ص لال�ستخدام املحلي داخل‬ ‫املدينة �أو املدن والقرى املجاورة‪.‬‬ ‫وي�ضيف قائ ًال‪ :‬هناك نوع �آخر من الأقفا�ص‬ ‫ي�سمى املزدوج‪ ،‬وي�ستخدم يف تعبئة الفواكه‬ ‫حلفظها وتخزينها فى الثالجات الكبرية‬ ‫لالحتفاظ بها بعد امل��و��س��م‪ ،‬وتتميز هذه‬ ‫الأقفا�ص مبتانتها وق��وة حتملها‪ ،‬وقدرتها‬ ‫على التهوية اجل �ي��دة‪ ،‬ب��د ًال م��ن الكراتني‬ ‫الورقية التي ال تتحمل الرطوبة والبلل فرتة‬


‫طويلة‪ ،‬وغري جيدة التهوية‪.‬‬ ‫حدثنا عن طريقة الت�صنيع؟‬ ‫�أح���ض��ر اجل��ري��د امل �ع��د للت�صنيع و�أ��ض�ع��ه‬ ‫�أمامي و�أقوم بتقطيعه ح�سب مقا�س القف�ص‬ ‫املطلوب‪ ،‬وبعد التقطيع يتم ت�صفية القف�ص‬ ‫�أي «عمل ت�صميمه»‪ ،‬وخ �ط��وات الت�صنيع‬ ‫تتمثل يف الآت ��ي‪ :‬التقطيع‪ ،‬ث��م التف�صيل‪،‬‬ ‫ثم الت�صفية ب�آلة ح��ادة‪ ،‬والنقط «عالمات‬ ‫ال��ت��خ��رمي»‪ ،‬وت��و� �ض��ع ال �ع �ي��دان «يف م�ك��ان‬ ‫العالمات» با�ستخدام �آلة «التقيلة» وهى �آلة‬ ‫لل�ضرب على الأداة الثابتة‪ ،‬و�آل��ة «اللقط»‬ ‫وه��ى �أداة ال�ت�خ��رمي‪ .‬والقف�ص يتكون من‬ ‫اثنني «م��رب�ع��ة»‪ ،‬تو�ضع لعمل ق��اع للقف�ص‬ ‫وعمل الدواير‪ ،‬القي�صار‪ ،‬العيدان‪.‬‬ ‫وعن �سعر القف�ص قال‪ :‬يرتاوح �سعر القف�ص‬ ‫الواحد من جنيه �إىل جنيه ون�صف للقف�ص‬ ‫الفردي �أم��ا القف�ص امل��زدوج في�صل �سعره‬ ‫من جنيه ون�صف �إىل جنيهني‬ ‫ما امليزات التي يجب �أن يتحلى بها �صانع‬ ‫الأقفا�ص؟‬ ‫لأن ال�صنعة �شاقة وت�أخذ مراحل ع��دة يف‬ ‫ت�صنيع القف�ص‪ ،‬لذا البد و�أن يتحلى احلريف‬ ‫بال�صرب وال��دق��ة يف ال�صنع وم�ه��ارة عالية‬ ‫لإجناز �أكرب عدد من الأقفا�ص يف اليوم حتى‬ ‫ي�أتي بالعائد املرجو منها‪.‬‬ ‫وماذا عن �أحوال حريف الأقفا�ص يف ظل‬ ‫هذه الظروف؟‬ ‫حال �صنايعي الأقفا�ص بالطبع قد تدهور‬ ‫كثري ًا مع تدهور املهنة‪ ،‬وبعد ما كان معظم‬

‫صانعو األقفاص‪:‬‬ ‫الصنعة شاقة والبد أن‬ ‫يتحلي الحرفي بالصبر‬ ‫والدقة‬ ‫�أه��ايل املدينة يعملون يف �صناعة الأقفا�ص‬ ‫ت��رك��وه��ا و�أ��ص�ب�ح��وا يعملون ف��ى �صناعات‬ ‫�أخ��رى‪ ،‬ت��در عليهم ربح ًا �أك�بر من �صناعة‬ ‫الأقفا�ص‪ ،‬ولأن التطور العلمي �أدى �أي�ض ًا‬ ‫�إىل تدهورها فقد دخلت �صناعة الكراتني‬ ‫الورقية والبال�ستيكية وهى �أرخ�ص و�أخف‬ ‫و�أ�سهل يف اال�ستخدام‪ ،‬وع��دم وج��ود ت�أمني‬ ‫على العمالة‪ ،‬فال يوجد معا�ش وال ت�أمينات‬ ‫وبذلك رف�ض ال�شباب العمل فيها‪ ،‬لرخ�ص‬ ‫ثمن القف�ص الذى ي�ؤدي �إىل �ضعف الدخل‪،‬‬ ‫فال�صنايعي ال ي�ستطيع �أن ي�صنع ف��ى �أي‬ ‫حال من الأحوال �أكرث من �أربعني قف�ص ًا فى‬ ‫اليوم الواحد‪ ،‬وهناك من ي�صنع ع�شرين �أو‬ ‫خم�سة وع�شرين قف�ص ًا بداية من ال�ساعة‬ ‫ال�سابعة �صباح ًا حتى ال�ساعة احلادية ع�شرة‬ ‫ل�ي� ً‬ ‫لا‪ ،‬وي�سلم ال�صنايعى القف�ص العادي‬ ‫ل�صاحب الور�شة مببلغ ‪ 60‬قر�ش ًا‪ ،‬والقف�ص‬ ‫�أبو عر�ضتني ي�سلمه مببلغ ‪ 75‬قر�ش ًا ل�صاحب‬ ‫الور�شة‪ ،‬حيث يباع ح�سب ال�سوق وال يزيد‬ ‫ثمن القف�ص �أبوعر�ضتني عن ‪ 2‬جنيه‪.‬‬ ‫كيف حت�صل على اجلريد ال��ذى ت�صنع‬ ‫منه الأقفا�ص؟‬ ‫خامات الت�صنيع هي خامات طبيعية نح�صل‬ ‫عليها من جريد النخيل‪ ،‬وهما نوعان الأول‪:‬‬ ‫الأخ�ضر لعمل الأقفا�ص‪ .‬والثاين‪ :‬اجلريد‬ ‫النا�شف لعمل العيدان‪ ،‬وهو متوفر فى ر�شيد‬ ‫فى موا�سم قبل البلح‪ ،‬وبعد البلح‪ ،‬وفى بع�ض‬

‫�أدوات ال�صناعة‬ ‫تتعدد الأدوات التي ت�ستخدم يف �صناعة الأقفا�ص ومنها‪:‬‬ ‫ال�صدر‪ :‬وهي الآلة احلديدية التي ت�ستخدم يف عمليات تقطيع اجلريد‬ ‫�إىل الأجزاء والأ�شكال امل�ستخدمة يف ال�صناعة‪.‬‬ ‫امل�سيف‪ :‬وهو الذي ي�ستخدم يف عملية تق�شري اجلريد‪.‬‬ ‫م�سمار العالم‪ :‬وهو الآلة احلديدية التي ت�ستخدم يف عالم التخرمي‪.‬‬ ‫اللقط‪ :‬ما�سورة من احلديد ت�ستخدم يف عملية التخرمي الوا�سع‬ ‫الرقيق‪ :‬ما�سورة من احلديد ت�ستخدم يف عملية التخرمي ال�ضيق‬ ‫التقيلة‪ :‬قطعة من اخل�شب للطرق بها على ما�سورة «التخرمي»‬ ‫اخلفيفة‪ :‬قطعة من اخل�شب لدق العيدان‪.‬‬

‫الأحيان نح�صل عليه من خ��ارج ر�شيد من‬ ‫حقول ال�صعيد‪.‬‬ ‫ما هي �أنواع اجلريد؟‬ ‫اجلريد نوعان‪ ،‬الأول هو اجلريد البلدي‪ :‬وله‬ ‫موا�سم تبد�أ من �شهر يناير وي�ستمر ثالثة‬ ‫�شهور وي�سمي «م�سح البلح» بعد جني البلح‪،‬‬ ‫و�أنواعه هي‪� :‬سماين ـ حياين ـ زغلول ـ بنت‬ ‫عي�شه‪ ..‬و�أف�ضل الأن��واع بالن�سبة للعمل هى‬ ‫ال�سماين‪ ،‬لأن ثمرته قوية‪ ،‬وبالن�سبة للعيدان‬ ‫فت�صنع من احلياين وبنت عي�شه‪ ،‬وفيه موعد‬ ‫�آخ��ر للجريد البلدي ف��ى �شهر يونيه بعد‬ ‫«مايدكروا» النخل وي�سموه «الرواط»‪.‬‬ ‫�أما النوع التاين‪ :‬ي�سمى «ال�صعيدي» وي�أتي‬ ‫من ال�صعيد �أو من القاهرة وي�ستخدم �أي�ض ًا‬ ‫يف عمل الأق�ف��ا���ص‪ ،‬وه��و �أف�ضل و�أم�ت�ن من‬ ‫البلدي‪ ،‬لكن البلدي �أف�ضل يف الثمن لأنه‬ ‫�أرخ�ص من ال�صعيدي‪ ،‬و��س��واء البلدي �أو‬ ‫ال�صعيدي االثنني ي�ستخدمان فى الغر�ض‬ ‫نف�سه‪ ،‬وك��ل ج��ري��دة ولها �شغلها يف �صنع‬ ‫القف�ص‬


‫ألعاب شعبية‬ ‫‪140‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫جنحت الإمارات يف حتويلها �إىل فن جماهريي‬

‫اليولة ‪..‬‬ ‫احتفالية طقوسية‬ ‫بالنصر على العدو‬

‫د‪ -‬نوري املرادي‬ ‫«اليوله» �أو «اجلولة» واحدة من الألعاب العائدة الآن‬ ‫بقوة �إىل احلياة يف املجتمع الإماراتي‪.‬‬ ‫واملفهوم عندي �أن كل حركة جماعية على �أر�ض ميدان‬ ‫هي ا�سرتخاء �أو عر�ض؛ ف�إن زادت وترية حركتها‬ ‫واحتكمت �إىل قوانني متعارف عليها م�سبقاً ت�صبح لعبة؛‬ ‫وحني تخ�ضع هذه اللعبة ل�ضبط �إيقاعي ت�صبح رق�صاً‪.‬‬ ‫لكن من متابعاتي لعدة �سباقات عرب البث املرئي‬ ‫الإماراتي يف اجلولة‪ ،‬انتبهت �إىل �أن اليولة �ض ّيعت‬ ‫ال�صفتني؛ فال يقال �إماراتياً رق�صة اليولة‪ ،‬وال يقال‬ ‫لعبة اليولة‪ .‬و�س�ألت فتينب �أن �إلغاء ال�صفة متعمد نوعاً‬ ‫ما‪ .‬فاليولة وحيث هي حمكومة بالإيقاع فال يجوز‬ ‫ت�سميتها لعبة‪ .‬لكن م�صطلحاً من قبيل «راق�ص اليولة»‬ ‫غري دارج اجتماعياً �أو قلها غري م�ست�ساغ بعد‪ ،‬ولهذا‬ ‫ال يقال رق�صة اليولة‪ .‬ومن هنا ترك ا�سم «اليولة» يف‬ ‫الإمارات من دون متييز‪ .‬وراق�ص اجلولة ي�سمى حملياً‬ ‫يو ّيل‪ ،‬وهو ت�صغري لكلمة ي ّوال «ج ّوال»‪.‬‬


‫واجل��ول��ة لغة هي ذه��اب وع��ودة مما ي�شكل‬ ‫� �س�ير ًا على �شبه دائ ��رة م�ع�ن��وي� ًا‪ .‬واجل��ول��ة‬ ‫«اليوله» هي �إحدى رق�صات اخلليج العربي‬ ‫التي منها العيالة واحلربية والرزفة والليوا‬ ‫«ال �ه �ي��وا وال �ه �ب��ان وال �ط �ن �ب��ورة والأن��دمي��ة‬ ‫والتوبات وال�سوما‪ .‬ويقال �إن �أ�صلها متفرع من‬ ‫رق�صة الرزيف البدوية‪ .‬و�أقدم املالحظات‬ ‫املذكورة عن اجلولة الإماراتية كما ‪-‬يقول‬ ‫الباحث عبداهلل حمدان بن دملوك ‪-‬عمرها‬ ‫مئتي عام‪.‬‬

‫اليولة احتفالية بالن�صر‬

‫عنا�صر اجلولة الأ�سا�سية هي �إيقاع و�سالح‬ ‫وف �ت��ى‪ ،‬وه��ي العنا�صر ال�ث�لاث��ة الأ�سا�سية‬ ‫للحرب �أو �صيد الوح�ش‪ .‬واجلولة �إذن‪ ،‬هي‬ ‫طق�س ن�صر على عدو �أو وح�ش مت ا�صطياده‪.‬‬ ‫وفيما بعد تو�سع مدلولها لي�شتمل العرا�ضة‬ ‫ال�ع���س�ك��ري��ة ق �ب��ل احل � ��رب‪� ،‬أو ع��را� �ض��ات‬ ‫االح �ت �ف��االت القبائلية وم��ن ث��م الوطنية‪.‬‬ ‫ويف كل احل��االت‪ ،‬وابتهاج ًا بالنتيجة‪ ،‬يدور‬ ‫ال�ف�ت�ي��ان امل�ن�ت���ص��رون ح��ول ج�ث��ة ال �ع��دو �أو‬ ‫الوح�ش‪ ،‬و�سالحهم يف �أيديهم‪ .‬وحني تدور‬ ‫جماعة ح��ول �شيء فالو�ضع املريح والأك�ثر‬ ‫�أم��ان � ًا �أن يكون ال�سالح موجه ًا �إىل خ��ارج‬ ‫دائرة الدوران «املور» ولي�س �إىل داخله‪ .‬وحيث‬ ‫ال�ع��ادة �أن يحمل ال�سالح يف اليد ال ُيمنى‪،‬‬ ‫فهذه اليد �ستكون خارج املور بينما ال ُي�سرى‬ ‫متجهة �إىل مركزه‪ .‬وبالنتيجة �سيكون املور‬ ‫عك�س اجتاه عقارب ال�ساعة حتم ًا‪.‬‬ ‫وك��ل ن�صر ت�صاحبه ع�برة‪ ،‬حيث يتفح�ص‬ ‫املنت�صرون جثة العدو ال��ذي كان قبل قليل‬ ‫متجرب ًا‪� ،‬أو جثة الوح�ش الذي كان خطر ًا قبل‬ ‫حلظات‪ ،‬وها هو الآن قد مات �أو يحت�ضر‪.‬‬ ‫وهي حلظة تفر�ض قدر ًا من القد�سية جتاه‬ ‫اجل�سد الطريح الذي يدور حوله املنت�صرون‬ ‫حاملني الأ�سلحة‪.‬‬

‫ق�صة الدوران‬

‫�أكاد �أجزم �أن هذا الدوران هو الذي ت�أ�صل‬ ‫يف النف�س و�صار تعبري ًا �أو م�صاحب ًا لزيارة‬

‫العناصر الجديدة التي‬ ‫أدخلها اإلماراتيون‬ ‫على اليولة نقلتها‬ ‫من رقص عراضة‬ ‫واسترخاء إلى فن له‬ ‫أصول معقدة‬ ‫الطوطم �أو ال��رم��ز امل�ق��د���س‪ .‬وق��د ال �أك��ون‬ ‫م�صيب ًا‪ ،‬لكن الوقائع ت�شري �إىل �أن اجتاه‬ ‫الطواف حول الرمز �أو الن�صب املقد�س يكون‬ ‫عك�س عقارب ال�ساعة دائم ًا‪.‬‬ ‫و�إذ مل تنزل �آي��ة حت��دد اجت��اه ط��واف احلج‬ ‫حول الكعبة امل�شرفة‪ ،‬فهو �أي�ض ًا يتم عك�س‬ ‫ع�ق��ارب ال�ساعة‪ .‬وال �ط��واف ك��ان على هذا‬ ‫االجت� ��اه م��ا ق�ب��ل اجل��اه�ل�ي��ة وخ�لال �ه��ا ويف‬ ‫الإ�سالم‪ .‬والذي تغري فقط‪� ،‬أن حت ّول املُكاء‬ ‫�صاحب الطواف ما قبل‬ ‫«الفري» الذي قيل �إنه َ‬ ‫اجلاهلية �إىل ت�صفيق يف اجلاهلية ثم �إىل‬ ‫تلبية يف الإ�سالم‪.‬‬ ‫وباملنا�سبة‪ ،‬وال�شيء بال�شيء يذكر‪ ،‬فالوعي‬ ‫العام للب�شرية وموروثها الثقايف الذي نلم�سه‬

‫هو نتاج الن�صف ال�شمايل من الكرة الأر�ضية‬ ‫حيث يوجد الق�سم الأع�ظ��م م��ن الياب�سة‪.‬‬ ‫وق�صة اخللق تفيد ب�أن كل �شيء حي �أ�صله‬ ‫من امل��اء‪ .‬تلك احلقيقة التي �أكدتها الآي��ة‬ ‫الكرمية "وجعلنا من امل��اء كل �شيء حي"‪.‬‬ ‫وامل��اء ي�شكل ‪ 90%‬م��ن �أج�سادنا‪ .‬وامل��اء‬ ‫يف الن�صف ال�شمايل م��ن ال�ك��رة الأر�ضية‬ ‫ح�ين مي ��ور‪ ،‬وك��ذل��ك الإع �� �ص��ار ح�ين ينور‪،‬‬ ‫وب�سبب مغناطي�سية جزيئة املاء وب�سبب قوة‬ ‫كوروليو�س ‪ -‬فيزيائي ًا هو الت�شوه الظاهري‬ ‫يف حركة الأج�سام عندما ينظر �إليها من‬ ‫�إطار مرجعي دوراين‪ ،‬فاجتاه مورهما يكون‬ ‫عك�س عقارب ال�ساعة‪� ،‬أي مثل الطواف حول‬ ‫الكعبة متام ًا‪.‬‬ ‫ومعلوم �أن اجتاه مور املاء والإعا�صري يكون‬ ‫مع عقارب ال�ساعة يف الن�صف اجلنوبي من‬ ‫الكرة الأر�ضية‪ .‬ومل �أنتبه بعد �إىل اجتاه مور‬ ‫رق�صات ال�شعوب جنوب خط اال�ستواء‪� ،‬إمنا‬ ‫البد و�أن يكون عك�س عقارب ال�ساعة‪ ،‬نتيجة‬ ‫مل�صدرية امل��وروث العام للب�شرية ال��ذي هو‬ ‫�شمايل الطابع‪ ،‬ونتيجة لغلبة اليد ال ُيمنى‬ ‫على اليد ال ُي�سرى‪.‬‬ ‫وم��ن ال�تراث ال�شنعاري القدمي بقيت حتى‬ ‫ال�ي��وم رق�صة ال�سماع عند الإي��زي��دي�ين يف‬ ‫�شمال ال �ع��راق‪ .‬وه��ي رق�صة طقو�سية تتم‬ ‫على �شكل مور جماعي عك�س عقارب ال�ساعة‬ ‫حول نار �أو حول جثة ثور مذبوح‪ .‬وهي من‬ ‫رق���ص��ات االن�ت���ش��اء ال �ع��رف��اين‪ .‬وغ��ال�ب� ًا ما‬ ‫ينتظم الراق�صون على �شكل �أربعة خطوط‬ ‫ت�شبه ال�صليب متام ًا وت��دور لتحاكي �أذرع‬ ‫ال��دوام��ات الكونية وم��ن ثم �أذرع املجرات‪.‬‬ ‫وك��ل دوام ��ة ح��رك��ة وك��ل ح��رك��ة ح�ي��اة‪ .‬ومن‬ ‫رق�صة ال�سماع حتديد ًا‪ ،‬وحيث كانت بالأ�صل‬ ‫ت�ؤديها الن�ساء‪ ،‬ن�ش�أ ر�سم ال�صليب العادي‪،‬‬ ‫وال�صليب املعقوف الذي ي�سمى �سوا�ستيكا‪.‬‬ ‫و�أول �سوا�ستيكا معروفة موجودة على رقيم‬ ‫طيني من منطقة �سامراء عمرة ‪ 4000‬عام‪.‬‬ ‫ما �أعنيه عموم ًا هنا‪� ،‬أن اجتاه مور االنت�صار‬ ‫والعرا�ضات وما �إليه‪ ،‬يكاد يكون مبني ًا يف‬ ‫وعينا من املوروث القدمي‪ ،‬وهو عك�س عقارب‬ ‫ال�ساعة‪ .‬ومن هنا فعن�صر امل��ور يف رق�صة‬


‫ألعاب شعبية‬ ‫‪142‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫اليوله �إذا انتمى �إىل بقعة معينة ف��إىل كل‬ ‫الن�صف ال�شمايل من الكرة الأر�ضية‪.‬‬

‫�سالح اجلولة‬

‫و�سالح العرا�ضة �أو االنت�صار ميكن �أن يكون‬ ‫ع�ص ًا �أو �سيف ًا �أو رحم ًا �أو بندقية‪ ،‬وال وطن‬ ‫حمدد للع�صا وال�سيف والرمح‪� .‬أما البندقية‬ ‫فقد ظهر ا�سمها لأول مرة يف بغداد يف بدايات‬ ‫الع�صر العبا�سي‪ ،‬وب�شكل «قو�س ال ُبندق»‪.‬‬ ‫وهو قو�س تربط يف منت�صفه ق�صبة �أزيلت‬ ‫حواجز عقدها ويتحرك فيها �سهم م�شدود‬ ‫�إىل وتر القو�س يكون مبثابة قوة الدفع لبندقة‬ ‫�صغرية تو�ضع يف فوهة الق�صبة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وث �م��رة ال�ب�ن��دق �أ��ش�ي��ع ا��س�ت�ع�م��اال يف قو�س‬ ‫البندق من النوى �أو احلجر‪ ،‬ب�سبب �شكلها‬ ‫الكروي‪ .‬وعندما ُيطلق الوتر يدفع ال�سهم‬ ‫الذي يدفع البندقة بقوة نحو الهدف‪ .‬ومع‬ ‫ال �ت��داول ا�ستبدل اال� �س��م «ق��و���س البندق»‬ ‫باال�سم «ال ُبندقية»‪ .‬وال�صينيون هم الذين‬ ‫ا�ستخدموا البارود كقوة لدفع البندقة «التي‬ ‫�صارت من النحا�س �أو احلجر ال�صوان» بدل‬ ‫ال�سهم و�أبدلوا الق�صبة العادية ب�أخرى من‬ ‫النحا�س‪ .‬وكان حجمها كبري ًا وثقي ًال و�أ�شبه‬ ‫باملدفع‪� .‬إال �أن التطوير احلقيقي للبندقية‬ ‫جاء على يد العثمانيني‪ .‬ومن هنا �أي�ض ًا فال‬ ‫من�ش�أ معني للبندقية التي هي �أحد متغريات‬ ‫العن�صر الثالث للجولة وهو ال�سالح‪.‬‬

‫م�صدر الإيقاع‬

‫اليولة بتقنيات �إماراتية حديثة‬

‫ال اتفاق نهائي على‬ ‫منشأ عراضة اليولة‬ ‫وهي موجودة على‬ ‫المستوى الشعبي في‬ ‫كل بلدان العالم تقريب ًا‬ ‫بل هي حقيقة موجودة على امل�ستوى ال�شعبي يف‬ ‫كل بلدان العامل تقريب ًا‪.‬‬

‫ً‬ ‫لي�س �شرطا �أن يعزف الإيقاع ب�آلة معينة مع مالمح فن اليولة يف الإمارات‬

‫اجلولة‪� ،‬إذ يكفي �أن ي�ضبط الإيقاع ب�ضرب‬ ‫الأر� ��ض ب��راح��ة ال�ق��دم اليمنى‪ .‬وعموم ًا ال‬ ‫من�ش�أ حمدد للإيقاع‪ ،‬رغم �أنه ورد لأول مرة‬ ‫يف الن�صو�ص املكتوبة‪ ،‬يف ملحمة جلجام�ش‪،‬‬ ‫التي ذكرت �أن جلجام�ش ذاته حمل �آلتي ماكو‬ ‫وباكو‪ .‬وهما ‪-‬كما ترجمتهما �شخ�صي ًا وبنا ًء‬ ‫على �أ�س�س امللحمة ذاتها‪ -‬املزمار والدربكة‪.‬‬ ‫وكلمة مكا �أ�ص ًال تعني �ص ّفر �أو ز ّمر‪ .‬ومن كل‬ ‫ما جاء �أعاله‪ ،‬ال ميكن ‪�-‬أو �أنا ال �أ�ستطيع على‬ ‫الأقل‪� -‬أن �أحدد من�ش�أ معين ًا لعرا�ضة اجلولة‪،‬‬

‫لكن اليولة ب�شكلها ال��ذي ن��راه على البث‬ ‫امل��رئ��ي الإم ��ارات ��ي ه��و �إب� ��داع م��ن �صبيان‬ ‫الإمارات ح�صري ًا‪ ،‬ف�ض ًال عن كونهم رقوها‬ ‫ففر�ضوا �إدخالها �إىل عامل امل�سابقات‪.‬‬ ‫وال �إمل��ام كثري يل بالرق�ص‪� ،‬إمن��ا ال �أ�شك‬ ‫�أن خمت�صي ال��رق����ص �سيوافقونني على‬ ‫�أن العنا�صر اجل��دي��دة التي �أدخلها �صبية‬ ‫الإم��ارات على «اليولة» معقدة ونقلت اليولة‬ ‫من رق�ص عرا�ضة وا�سرتخاء �إىل فن جتاوز‬

‫عقبات ما كان ملزم ًا جتاوزها‪.‬‬ ‫فعلى �سبيل امل �ث��ال ك��ان��ت ح��رك��ة اجل ��وال‬ ‫ال�سابق بطيئة وال ت�ؤ�س�س ل �ف��ارق ب�ين �أن‬ ‫يكون حافي ًا �أو منتع ًال‪ .‬لكن ج��وال اليوم‬ ‫�سريع احلركة ويرق�ص حافي ًا‪ ،‬الأم��ر الذي‬ ‫يجعل ت�شبثه بالأر�ض ‪-‬وبالتايل ثباته خالل‬ ‫حركته ال�سريعة ومتايله‪ -‬يعتمد على �إبهام‬ ‫القدم و�سرعة اال�ستجابة لتوجيهات التوازن‬ ‫ال� ��واردة م��ن ق ��رون اال�ست�شعار يف الأذن‬ ‫ال��داخ�ل�ي��ة‪ .‬وك��ذل��ك فرق�ص امل ��ر�أة يفر�ض‬ ‫حمدودية حركة �ساقيها �أو يحتم اقرتابهما‬ ‫ليظهر جمال قدها من جهة ومن جهة �أخرى‬ ‫لي�سهل عليها حتريك اخل�صر واحلو�ض وما‬ ‫�إليه‪ .‬بينما رق�ص الرجل يعتمد على طالقة‬ ‫حركة �ساقيه‪ .‬لكن يف اليولة يرق�ص الفتى‬ ‫وه��و بالثوب التقليدي «الد�شدا�شة» الذي‬ ‫ي�ك��ون �ضيق ًا عند الركبتني وال�ق��دم�ين وال‬ ‫ي�سمح للما�شي بالكثري من احلركة فكيف‬ ‫بالراق�ص‪.‬‬ ‫وال ح��ري��ة ك�ب�يرة للجوال يف ح��رك��ة ر�أ��س��ه‪.‬‬ ‫فنظره يجب �أن يكون �أف�ق�ي� ًا �إىل الأم ��ام‪،‬‬


‫اليولة باتت جزءا ً من ن�شاطات املدار�س يف الدولة‬

‫ليظهر �أنه غري عابئ مبحيطه و�أن��ه يحرك‬ ‫�سالحه دومنا انفعال �أو اهتمام‪ .‬وهو عن�صر‬ ‫جديد �أ�ضيف �إىل الرق�صة‪ .‬لكن الأعقد من‬ ‫هذا كله هو تدوير ال�سالح ورميه‪.‬‬ ‫ف��ال���س�لاح امل���س�ت�خ��دم م��ن ق�ب��ل اجل��وال�ين‬ ‫احلاليني هو ر�شا�ش دمية يتنا�سب من حيث‬ ‫الأبعاد مع ج�سم اجلوال ليكون طول ن�صف‬ ‫الر�شا�ش �أقل قلي ًال من �ساعد اجلوال‪ .‬ووزن‬ ‫الر�شا�ش ما بني ‪�1‬إىل ‪ 2‬كيلوغرام‪ .‬واجلوال‬ ‫يديره بقب�ضته ويف اجت��اه غالب ًا ما يكون‬ ‫عك�س عقارب ال�ساعة �أي�ض ًا‪ .‬لكن �صبية‬ ‫الإم��ارات جعلوا �سرعة ال��دوران وثبات‬ ‫حموره على خط حمدد خالل‬ ‫الرق�ص �أحد �أهم �شروط‬ ‫الرباعة يف ال�صنعة‪ .‬ولو‬ ‫ف�سرت ه��ذا الأم ��ر نف�سي ًا‬ ‫الف�تر� �ض �ت��ه م�ب�ن�ي� ًا ع �ل��ى ن��زع��ة‬ ‫اال�ستخفاف بال�سالح‪ ،‬لدرجة‬ ‫�أن ال�صبي ال يهابه بل يديره‬ ‫�أو ي�لاع�ب��ه ب �ي��ده م��ن دون‬ ‫اه�ت�م��ام‪� .‬أي ه��و عن�صر‬

‫جديد �أ�ضيف �إىل الرق�صة وحل بدل القدمي‬ ‫املبني على �أن هز ال�سالح هو ا�ستقواء به �أمام‬ ‫العدو وحتذير‪.‬‬ ‫اجلميل �أن اجلوال يدير �سالحه فيلوح للناظر‪،‬‬ ‫�أن ال�سالح معلق مبحور خا�ص ويقف الراق�ص‬ ‫�أمامه ويديره ب�أ�صبعه‪.‬‬ ‫ويف ع��را� �ض��ات ال�ق�ب��ائ��ل‪ ،‬ق��د يلوح‬ ‫اجلوال ب�سالحه �أو يرميه �إىل الأعلى‬ ‫ملرت �أو ب�ضعه ثم يتلقفه �إذا كان هذا‬ ‫ال�سالح ع�ص ًا �أو �سيف ًا �أو رحم ًا‪ .‬لكنه‬ ‫ال يرمي البندقية �أب��د ًا‪ .‬ولرمبا �صار‬ ‫ال�صبي اجل��وال حالي ًا يرمي بندقيته‬

‫اليولة طقس نصر‬ ‫على عدو أو وحش تم‬ ‫اصطياده ثم توسع‬ ‫مدلولها ليشتمل‬ ‫العراضة العسكرية‬ ‫قبل الحرب أو عراضات‬ ‫االحتفاالت القبائلية‬ ‫ثم الوطنية‬

‫�إىل الأع�ل��ى لأن�ه��ا دمية م�أمونة اجلانب‪.‬‬ ‫لكن لي�س �إىل هذا العلو الذي نراه ولي�س‬ ‫وه��ي ت��دور ب�سرعة‪ ،‬ولي�س ليقف حتتها‬ ‫متام ًا وهي تنزل ليتلقفها بيد واحدة‪ .‬وكل‬ ‫ه��ذا ال يحت�سب م��ا مل ينتظم م��ع الإي�ق��اع‬ ‫والأه��زوج��ة املرافقة‪ .‬وم��ن متابعتي لآخر‬ ‫ا�ستعرا�ضات اليولة �أكاد �أمل�س �أن عن�صر ًا‬ ‫ج��دي��د ًا �سي�ضاف �إل�ي�ه��ا وه��و �أن يحرك‬ ‫اجل ��وال ر�أ� �س��ه ت�ن��اغ�م� ًا م��ع الإي �ق��اع ومب��ا‬ ‫ي�شبه حركة ال��ر�أ���س عند اجل��وق املرافقة‬ ‫للرق�صة‪ ،‬والتي حتاكي حركة ر�أ�س اجلمل‬ ‫خالل ال�سري حني يطربه احلادي‪.‬‬ ‫و�أخ�ير ًا‪ ،‬وي��وم �أم�س و�أن��ا �أكتب املقال عن‬ ‫ال�ي��ول��ة ك�ن��ت م��ع اب �ن��ي الكميت يف ملعب‬ ‫خا�ص للألواح املتزجلة‪ .‬ومن البهلوانيات‬ ‫ال�ت��ي ي�أتيها ال�صبيان‪ ،‬ومم��ا نعلمه عن‬ ‫�إب��داع��ات�ه��م يف احل��ا� �س��وب‪ ،‬وع�ل��ى خلفية‬ ‫�إب��داع �صبيان الإم��ارات لليولة اجلديدة‪،‬‬ ‫�صرت مقتنع ًا �أن الدور القيادي ملجتمعات‬ ‫الغد �سيكون يف يد ال�صبيان ولي�س يف �أيدي‬ ‫ال�شباب �أو الرجال والكهول‬


‫سوق الكتب‬ ‫‪144‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪153‬‬ ‫ي��ول��ي��و‬ ‫‪2012‬‬

‫لمحات من حياته في كتاب‬

‫الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان‬ ‫�سيمفونيةحب ووالء للراحل الكبري‬

‫�أبوظبي – حممد النمر‬ ‫لأنه رجل التاريخ بال منازع يف دولة الإمارات العربية املتحدة‪ ،‬فقد حظي الراحل الكبري املغفور له ب�إذن‬ ‫اهلل تعاىل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان باهتمام ال ُك ّتاب وامل�ؤرخني‪ ،‬الذين انبهروا ب�شخ�صيته الفذة‬ ‫وطموحه لتغيري وجه احلياة يف ال�صحراء وقدرته على جمع النا�س من حوله وحل م�شكالتهم‪.‬‬ ‫فلم يولد ال�شيخ زاي��د بن �سلطان ويف فمه‬ ‫ملعقة من الذهب‪ ،‬ومل يتعود ج�سده ملم�س‬ ‫ونعومة احلرير‪ ،‬بل تفتحت عيناه على قومه‪،‬‬ ‫وق��د نالت منهم �سنوات احلرمان والقهر‪،‬‬ ‫فتكونت �شخ�صيته كزعيم و�سط هذا املجتمع‬ ‫الذي ُحرم من كل �شيء �إال الكرامة والإباء‪.‬‬ ‫وك��ان��ت البداية التي ثبتت يف �أع�م��اق زاي��د‬ ‫ميزان العدل‪ ،‬و�أودعت يف قلبه ينبوع الرحمة‪.‬‬ ‫من هذا املنطلق ا�صطفت لغة القلوب نف�سها‬ ‫يف كتاب «ملحات من حياة ال�شيخ زاي��د بن‬ ‫�سلطان �آل نهيان رح�م��ه اهلل» للم�ست�شار‬ ‫�إبراهيم حممد بوملحة‪ ،‬م�ست�شار �صاحب‬ ‫ال�سمو حاكم دبي لل�ش�ؤون الثقافية والإن�سانية‪،‬‬ ‫فطغت العاطفة اجليا�شة وامل�شاعر النبيلة يف‬

‫تناول �شخ�صية ال�شيخ زاي��د بن �سلطان �آل‬ ‫نهيان منذ ع��ام ميالده ‪ ،1918‬وحتى رحل‬ ‫عن احلياة يف عام ‪ .2004‬ا�سرت�سل الكاتب‬ ‫يف تقليب مناقب وخ�صال القائد الراحل‬ ‫الفردية منها والعامة‪ ،‬حيث بد�أ من احلكمة‬ ‫وا�ضع ًا النقطة الأخ�ي�رة يف كتاب ال تنتهي‬ ‫فيه �صفحات ت�ستدعي �أخ��رى م�ضيئة على‬ ‫جتربة �إن�سانية يف ع��امل ال�سيا�سة واحلكم‬

‫كان الراحل الكبير يرى‬ ‫أن السالم هو األصل بين‬ ‫الدول بشرط أن يكون‬ ‫قائم ًا على العدالة في‬ ‫كل الجوانب‬

‫الر�شيد‪ ،‬خ�صو�ص ًا و�أن مقدمة الكتاب جاءت‬ ‫بقلم �صاحب ال�سمو ال�شيخ حممد بن را�شد‬ ‫�آل مكتوم نائب رئي�س الدولة رئي�س جمل�س‬ ‫الوزراء حاكم دبي «رعاه اهلل»‪.‬‬ ‫تناول الكاتب امل�ست�شار �إبراهيم بوملحة حياة‬ ‫ال�شيخ زاي��د يف ‪ 24‬ف�ص ًال هي ع��دد ف�صول‬ ‫الكتاب‪ ،‬منها‪ :‬مولد قائد تاريخي‪ ،‬ومرحلة‬ ‫التكوين وااله �ت �م��ام��ات‪ ،‬وم��رح�ل��ة التعمري‬ ‫والبناء‪ ،‬وقيام االحتاد ‪� -‬أهم حدث يف تاريخ‬ ‫زاي��د ‪ -‬وا�ستقالة يف ح��د ذات�ه��ا ا�ستفتاء‪،‬‬ ‫وتوحيد ط��اق��ات ال�ع��رب‪ ،‬و�صانع امل�ع��روف‪،‬‬ ‫واهتمامه بالرتاث‪ ،‬وقالوا عن ال�شيخ زايد‪،‬‬ ‫وب��اين ج�سور الأخ��وة وال�صداقة‪ ،‬وق�صيدة‬ ‫ال�شيخ حممد بن را�شد يف تكرمي ال�شيخ زايد‪،‬‬


‫ومن �أقواله رحمه اهلل‪.‬‬

‫مالمح من حياته‬

‫جاءت �صورة غالف الكتاب حتت�ضن �صورة‬ ‫ال�شيخ زايد �ساجد ًا ي�صلي بهدوء وورع‪ ،‬ثم‬ ‫ا�سرت�سل الكاتب يف �صفحة تلو الأخرى وك�أنه‬ ‫يعزف �سيمفونية حب ووالء للراحل الكبري‪،‬‬ ‫ووقف عند حمطات �أ�سا�سية يف مراحل حكم‬ ‫ال�شيخ زايد مبتدئ ًا مبدينة العني مرور ًا ب�صقل‬ ‫�شخ�صيته وحني �أ�صبح حاكم ًا ملدينة �أبو ظبي‬ ‫التي �أ�صبحت مدينة عاملية‪ ،‬وقيام ال�شيخ‬ ‫زايد ب�إر�ساء �أ�س�س جمتمع ودول��ة ع�صريني‬ ‫قبل الرحيل املر يف الثاين من نوفمرب ‪.2004‬‬

‫موقف زعيم‬

‫وا�ستعر�ض الكاتب �ضمن ف�صول الكتاب‬ ‫املفا�صل الأ�سا�سية يف حياة الراحل الكبري‬ ‫ال�شيخ زاي��د ب��دء ًا من حكم العني �إىل حكم‬ ‫دولة االحتاد مرور ًا بحكم �أبوظبي‪ ،‬م�ستذكر ًا‬ ‫حلظة تاريخية يف احلياة ال�سيا�سية يف البالد‬ ‫حني تنحى ال�شيخ زايد عن احلكم‪ ،‬فاندلعت‬ ‫املظاهرات يف كل �أرج��اء الإم��ارات مطالبة‬ ‫بعودته وا�ستجابته لهذا املطلب اجلماهريي‪،‬‬ ‫ال ��ذي ُاع �ت�بر مب�ث��اب��ة ا�ستفتاء ع�ل��ى حكمه‬ ‫الر�شيد و�شكل م��ن �أ��ش�ك��ال الدميقراطية‬ ‫ال�شعبية‪ ،‬وعاد زايد مبزيد من القوة مت�سلح ًا‬ ‫ب�إرادة اجلماهري‪.‬‬

‫قوة �ساحل عمان‬

‫وحتدث الكاتب عن مقدرة قيادية فذة كان‬ ‫يتمتع بها ال�شيخ زايد‪ ،‬وذلك منذ �أن راحت‬ ‫القبائل جميع ًا ت��دي��ن ل��ه ب��ال��والء يف واح��ة‬ ‫الربميي �أو العني‪ ،‬حيث لعب دور ًا كبري ًا يف‬ ‫حماية املنطقة‪ ،‬و�أ�سهم يف ت�أ�سي�س جي�ش‬ ‫«قوة �ساحل عمان»‪ ،‬الذي �ضم �أبوظبي ودبي‪،‬‬ ‫ومتكن من وقف الغزوات بني القبائل ووحد‬ ‫�صفوفها ومدّن الإن�سان البدوي‪ ،‬وهذا �أحد‬ ‫الأ��س�ب��اب ال�ت��ي جعلت م��ن زاي��د �أح��د �أب��رز‬ ‫الزعماء العرب بخ�صاله احلميدة‪.‬‬

‫لعب زايد دور ًا كبير ًا‬ ‫في حماية المنطقة‬ ‫وتمكن من وقف‬ ‫الغزوات بين القبائل‬ ‫ووحد صفوفها وم ّدن‬ ‫اإلنسان البدوي‬ ‫مازال حي ًا‬

‫ولفت الكاتب �إبراهيم بوملحة من خالل كتابه‬ ‫الذي �أهداه �إىل �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة‬ ‫بن زايد �آل نهيان رئي�س الدولة‪« ،‬حفظه اهلل»‪،‬‬ ‫و�إىل �إخوانه الكرام �أبناء ال�شيخ زاي��د‪� ،‬إىل‬ ‫�أن ال�شيخ زايد �سطر يف التاريخ �أمثلة غراء‬ ‫نا�صعة‪ ،‬وكتب مكارم وحمامد‪ ،‬وخلف م�آثر‬ ‫باقية ومازالت تُذكر له حتى اليوم‪ ،‬ويبقى بها‬ ‫حي ًا يف قلوب مواطنيه وحمبيه‪.‬‬

‫واجه ال�صعاب‬

‫وتناول بوملحه جوانب من املا�ضي ال�صعب‬ ‫ال ��ذي ع��ا��ش��ه �أب��ن��اء الإم� � ��ارات واحل��ا��ض��ر‬ ‫امل��زده��ر‪ ،‬ودور ال�شيخ زاي ��د يف النهو�ض‬ ‫ب��ال���ش�ب��اب وبجميع امل �ج��االت االجتماعية‬ ‫والإن�سانية والثقافية والرتاثية واالقت�صادية‪،‬‬ ‫ودوره الكبري يف الوقوف مع ال��دول العربية‬ ‫والإ�سالمية‪ ،‬ودعمه الالحمدود لها يف كثري‬ ‫من مواقفها وخا�صة يف حرب �أكتوبر‪.‬‬ ‫و�أ�شار بوملحة �إىل �أن ال�شيخ زايد رجل �سعى‬

‫دائم ًا للت�آلف وبناء ج�سور الأخوة وال�صداقة‬ ‫مع �شعوب العامل‪ ،‬و�سعى دائم ًا للم�صاحلة‬ ‫بني الدول العربية ومعاجلة �أ�سباب اخلالف‪،‬‬ ‫وك��ان ي��رى �أن ال�سالم يجب �أن ي�ك��ون هو‬ ‫الأ�صل بني الدول ولي�ست احلروب التي �إن‬ ‫قامت ف�إن ت�أثرياتها ال�سلبية �ستكون كبرية‬ ‫على الب�شر والأماكن‪ ،‬ومتتد نظرته �إىل �أن‬ ‫يعي�ش العامل كله يف �سالم‪ ،‬ب�شرط �أن يكون‬ ‫قائم ًا على العدالة يف اجلوانب ال�سيا�سية‬ ‫واالقت�صادية واالجتماعية‪.‬‬ ‫وعر�ض بو ملحة يف �صفحات كتابه �أن العامل‬ ‫�أجم َع على احرتام الدور الكبري الذي قام به‬ ‫ال�شيخ زايد رحمه اهلل يف حل النزاعات بني‬ ‫ال��دول‪ ،‬واهتمامه بال�سالم العاملي وحتقيق‬ ‫مقت�ضيات اال�ستقرار ومعاجلة �أ�سباب التوتر‬ ‫وال �� �ص��راع��ات‪ ،‬وجن��اح��ه �إىل ح��د بعيد يف‬ ‫توجهاته ال�سلمية‪ ،‬فكان داعية �سالم يف هذا‬ ‫الع�صر الذي �سادت فيه �صراعات وحروب‬ ‫ك �ث�يرة �أدت �إىل م��زي��د م��ن الإ� �ش �ك��االت‬ ‫ال �ع��امل �ي��ة‪ .‬وو� �ص��ف ال �ك��ات��ب احل��دي��ث عن‬ ‫ال�شيخ زاي��د ب�أنه حديث عن معانٍ ن��ادرة‪،‬‬ ‫� �س��واء يف ع��امل ال�سيا�سة �أو يف النواحي‬ ‫الإن�سانية التي قلما جتدها يف واقعنا بقدر‬ ‫م��ا ه��ي قائمة ومتمثلة يف �شخ�ص ال�شيخ‬ ‫زايد‪ ،‬حتى �صار مثا ًال وا�ضح ًا وقدوة نادرة‬ ‫للنا�س يف هذا الع�صر‪� ،‬سواء ملن عاي�شوه‬ ‫يف ف�ترة حياته‪� ،‬أو مم��ن �سمعوا م��ا ُينقل‬ ‫عنه من �أخ�ب��ار وق�ص�ص وحكايات‪ ،‬حتى‬ ‫�إنه يخيل للبع�ض �أن احلديث عنه في�ض من‬ ‫خيال �أو حديث عن �أ�سطورة من �أ�ساطري‬ ‫الزمان‪ ،‬و�إن مل يكن هذا وال ذاك‪ ،‬فلرمبا‬ ‫اعتقد بع�ضهم �أن يف ه��ذا احلديث كثري ًا‬ ‫من مبالغة من ناقل حمب ‪.‬‬ ‫يقول ال�شيخ حممد بن را�شد يف املقدمة التي‬ ‫كتبها لكتاب �إبراهيم بو ملحة عن �شخ�صية‬ ‫زاي��د بن �سلطان ‪« . .‬ك��ان رحمه اهلل مدر�سة‬ ‫تلتقي فيها القيم والأفكار واملبادئ والأخالق‪،‬‬ ‫تعلمت منه الأجيال من بعده كثري ًا من هذه‬ ‫املعاين الطيبة التي ُع��رف بها ال�شيخ زاي��د‪،‬‬ ‫ومت ّيز فيها حتى غدا َعلم ًا يف وطنه و�أمته ُي�شار‬ ‫�إليه بالبنان»‬


‫كالم أخير‬

‫حبيب ال�صايغ‬

‫لعب نظيف‬ ‫ال �أعرف متى ابتد�أت �أم�شي �أثناء النوم‪ ،‬لكن هذه‬ ‫عادتي منذ فتحت عيني على �سنوات القرن املا�ضي‬ ‫وهي تت�ساقط �أمامي يف الطريق غ�صن ًا غ�صن ًا‬ ‫وحريقة حريقة‪ ،‬م�شيت‪ ،‬م�شيت على املاء والثلج‪،‬‬ ‫و�صلت �إىل اجلبل ووا�صلت ال�سري‪ ،‬ويف خالل‬ ‫�سريي ا�صطدمت طبع ًا ب�أ�شياء كثرية‪ ،‬ولكنني‬ ‫م�شيت‪.‬‬ ‫ومرة‪ ،‬كنت �أم�شي �أثناء النوم‪ ،‬فحلمت �أنني‬ ‫يقظان‪ ،‬وكانت مت�شي �إىل جانبي‪ ،‬يد ًا بيد‪ ،‬امر�أة‬ ‫حلوة‪ ،‬مل �أدرك حقيقة �أمرها‪ :‬هل كانت م�ستيقظة‬ ‫فع ًال‪� ،‬أم كانت مثلي مت�شي �أثناء النوم؟‬ ‫ذهبنا مع ًا بعيد ًا‪� ،‬إىل البحر واجلبل والف�ضاء قلت‬ ‫لها ق�صائد حب وهجاء ومديح‪ ،‬وكانت عالمتها‬ ‫الفارقة �أنها كانت تبكي كثري ًا‪� ،‬أقول لها دائم ًا �إن‬ ‫دموعها غالية‪ ،‬وهي حتاول �إقناعي ب�أن دموعها‬ ‫رخي�صة‪ ،‬و�أن للغالء عالقة بالت�ضخم‪ ،‬و�أنها ال‬ ‫تت�أثر كثري ًا بتقلبات اجلو واالقت�صاد‪.‬‬ ‫وذهبنا مع ًا �أبعد‪ ،‬كنت ما زلت �أم�شي �أثناء النوم‪،‬‬ ‫ومعي املر�أة احللوة‪ ،‬يد ًا بيد‪ ،‬ومل �أحاول يف يوم‬ ‫الأيام �أن �أ�س�ألها هل هي �صاحية �أم مت�شي مثلي‬ ‫وهي نائمة‪.‬‬ ‫مل يكن الأمر يهمني كثري ًا‪ ،‬احلالة ال تتحمل و�صف ًا‬ ‫�أبد ًا‪ ،‬وقلت �أعي�ش احلالة كما هي‪ ،‬كانت تبكي‪،‬‬

‫وكنت �أ�ضحك‪.‬‬ ‫بيني وبينها ان�سجام وحيد‪ ،‬وبيننا فروقات‬ ‫هائلة‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف املواقف من الق�ضايا العربية‬ ‫والدولية‪� ،‬أقول لها �إن اختالف الر�أي ال يف�سد للود‬ ‫ق�ضية‪ ،‬وهي تبادلني الر�أي نف�سه‪ ،‬لكنني �أختلف‬ ‫معها يف اللون املف�ضل‪ ،‬والطعام املف�ضل‪ ،‬والتذوق‬ ‫الفني‪ ،‬وتقييم ال�سينما العربية‪ ،‬ونتائج القمم‬ ‫العربية واخلليجية‪.‬‬ ‫مث ًال هي تنتظر القمة العربية املقبلة على �أحر‬ ‫من اجلمر‪ ،‬و�أنا �أنتظرها بعقل بارد‪ ،‬ماذا ميكن‬ ‫�أن ت�ضيف هذه القمة �إىل �سابقاتها‪ ،‬طاملا �أن‬ ‫امل�صاحلات العربية بد�أت واحلمد هلل‪.‬‬ ‫وبيني وبينها خالفات ثقافية وريا�ضية‪ ،‬هي‬ ‫متحم�سة لإح�سان عبدالقدو�س ويو�سف ال�سباعي‪،‬‬ ‫و�أنا �أحب يو�سف �إدري�س وجنيب حمفوظ‪ ،‬وهي‬ ‫ت�شجع مان�ش�سرت يونايتد فيما �أ�شجع ريال مدريد‪.‬‬ ‫�أقول لها قد يكون بيننا وبني الإ�سبان ن�سب بدليل‬ ‫ال�شعر الأ�سود والعيون ال�سوداء‪ ،‬وهي تقول �إنها‬ ‫حتب اللعب النظيف‪.‬‬ ‫و�أحببتها بالرغم من كل ذلك‪ ،‬لكن امل�شكلة �أنني‬ ‫ما زلت �أم�شي �أثناء النوم‪ ،‬وهي مت�شي معي يد ًا‬ ‫بيد‪ ،‬وال �أعرف هل هي م�ستيقظة �أم مت�شي مثلي‬ ‫�أثناء النوم‪.‬‬

‫يدان تطوقان رمل الصحراء‬ ‫ورمل البحر‬ ‫يدان من املاء والرمل‬ ‫والتمنيات‬



‫يصدر كل شهر ويوزع مجاناً مع مجلة تراث‬

‫العدد المقبل‬

‫«سبع سموات»‬ ‫للروائي ‪� :‬سعد القر�ش‬

‫صدر ضمن سلسلة كتاب تراث‪:‬‬

‫اليمن ‪ ،1929‬انطباعات ومشاهدات البعثة السوفيتية‬ ‫األملانية السينامئية‪ ،‬ترجمة د‪ .‬سعيد دبعي‬ ‫تعدد الرواية يف الشعر الجاهيل‪ ،‬د‪ .‬أمين بكر‬ ‫ذاكرة الطني‪ ،‬شواهد من الرتاث املعامري والعسكري‬ ‫يف مدينة العني‪ ،‬د‪ .‬محمد فاتح صالح زعل‬ ‫حكمة األجداد يف تراث مجتمع اإلمارات‪،‬‬ ‫دراسة سوسيولوجية يف األمثال الشعبية‪ ،‬د‪ .‬أحمد محمود الخليل‬ ‫تأريخ القدامى للشعر إىل نهاية القرن الرابع‬ ‫مدونة املرزباين أمنوذجاً ‪ ،‬د‪ .‬محمد حبيبي‬ ‫اسرتاتيجية التأويل الداليل عند املعتزلة‬ ‫الدكتور هيثم رسحان‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.