الذرابة يف رم�سة �أهل الإمارات تراثية ثقافية منوعة ت�صدر عن نادي تــــــــــــــــراث الإمـارات العـدد 153يوليو 2012
خليفة بلغات العالم .. م�شروع وطني ملركز �سلطان بن زايد
ارتياد اآلفاق..
املحمل امل�صري ..رحلة لها تاريخ يف ال�شعر اجلاهلي لغة عادية!
المغرب ..
تغييب الرتاث يف التعليم
اليولة ..
احتفالية طقو�سية بالن�صر على العدو
مع العدد كتاب تراث الشهري
سويحان غابت
البئر
وظلت عذوبتها
صوت من المستقبل إن املتاعب الكربى التي تواجهنا يف احلياة هي التي حتتاج إىل األخالق القومية ،وكل إنسان يف إمكانه أن يقابل أية أزمة أو مصيبة بشجاعة، ولكن قل يل باهلل عليك :كيف يواجه املرء املضايقات اليومية الصغرية بروح مرحة منطلقة؟ أعتقد أن هذا يلزمه عزمية من حديد. هذه العزمية هي التي سأحاول تنميتها ،سأتظاهر بأن احلياة ليست سوى لعبة يلزمني فيها أن أمارسها مبهارة وشجاعة بقدر اإلمكان، إن خسرت فسأهز كتفي وأضحك ،وهذا ما أنوي عمله عندما أجنح. جني وبسرت
محتويات العدد تراثية ثقافية منوعة ت�صدر عن مركز زايد للدرا�سات والبحوث بنادي تراث الإمارات
امل�شــرف العــام
حبيـب ال�صــايـغ اال�سـتـ�شـارة العـلـمـيــة
�أ .د .ح�سـن حمـمـد النابـودة �أ.د .يحيى حممد حممـود �أ .حنفي جايل مدير التحرير
وليد عالء الدين هيئة التحرير
�شـم�سـة حـمـد الظاهـري فاطمة نايع املـنـ�صـوري حممــد �سعد النمـــر
ق�ضية للنقا�ش :املغرب �أر�ض �شا�سعة تنامت على �صدرها منذ الأزل ت�ضاري�س احل�ضارة 28 والتاريخ وتعاقبت عليها احل�ضارات خملفة تراث ًا مادي ًا ومعنوي ًا مذه ًال على �صعيدي الكم والكيف .ولكن �إىل �أي مدى �أمكن للمغاربة الإفادة من هذا الرتاث الكبري؟ �س�ؤال تكمن �إجابته يف حترى مالح ح�ضور هذا الرتاث يف املناهج التعليمية ،فما تقييم اخلرباء والباحثني لهذا الوجود كاف للقيام بوظائفه التثقيفية والتوعوية وبناء املفرت�ض للرتاث يف مناهج التعليم ،وهل هو ٍ الهوية وجتذير االنتماء؟ ..وغريها من ت�سا�ؤالت ن�سعى -على حلقتني – �إىل تقدمي مقاربات لأجوبتها يف باب «ق�ضية للنقا�ش». �ساحة احلوار :اقتحمت الباحثة التون�سية ال�شابة ليلى العبيدي منطقة خا�صة بها، 44 وا�ستك�شفتها بجر�أة ومت ُّكن ،لتت َّوج بجائزة ال�شيخ زايد للكتاب ،عن كتابها «الفكه يف الإ�سالم» ،عادت العبيدي �إىل منابع الإ�سالم ال�صافية ،لتزيح ركام ًا من الت�صورات التي ربطته باجلهامة والعبو�س والق�سوة ،لت�ستعيد وجه ًا ُمغيب ًا مل�ؤه الإقبال البا�سم على احلياة ،والفرح بها ،وال�ضحكات ال�صافية التي ا�ستعادتها لنا من �أحاديث الر�سول «�صلى اهلل عليه و�سلم»، ال�صحيحة ،و�سريته العطرة. ارتياد الآفاق :يف كتابه «املحمل -رحالت �شعبية يف وجدان �أمة» يقدم الكاتب �إبراهيم 64 حلمي ر�ؤية تاريخية ونقدية لرحالت املحامل العربية وقوافل احلج من البالد الإ�سالمية والتي ت�شمل املحمل ال�شامي ،والعراقي واليمني ،واملغربي ،والتكروري ،والرومي «الرتكي �أو العثماين» واملحمل امل�صري .ونختار منه رحلة املحمل امل�صري الذي يرى �أنه فاق كل �أمثاله من حمامل الدول العربية �أو الإ�سالمية ،يف جتهيزه ونظامه واحتفاالته وعاداته وتقاليده ومعتقداته، وحتى يف خالفاته ونزاعاته!.
املـراجـعـة والـتـدقـيـق
د .حمـمـد فـاتــح زغـل املديـر الفنـي
فــواز نـاظــم ر�س ــوم
حـ�سـن �إدلـبـي حممد بريم الإخراج والت�صميم
�إيـنـا�س درويـ�ش هـاتف00971 2 2223000 : فـاك�س00971 2 6651115 : �ص.ب� :أبو ظبي 27765
قال الراوي :حتت عنوان «الذرابة يف رم�سة �أهل الإمارات» ،انتقت الباحثة ناجية الكتبي 98 خمتارات من عبارات التوا�صل االجتماعي بني �أهل الإمارات مما يقال يف املنا�سبات واملواقف اليومية املتنوعة التي يتعر�ض لها الإن�سان خالل اختالطه وتعامله مع غريه .وهي ت�أمل �أن تنجح درا�ستها تلك يف لفت االنتباه �إىل الرتاث الإماراتي ال�شفهي الغزير ،ونظم جهد بحثي بهدف توثيقه. يف ح�ضرة ال�شعر� :أنت الآن يف «�سوق عكاظ» .يفت�شك القائم على باب ال�سوق؛ حيث يجب � 106أن حتمل معك معاجم «ل�سان العرب» و«العني» و«تاج العرو�س» و«القامو�س املحيط» ،مع �أنها مل تُكتب بعد .يقفز «امر�ؤ القي�س» �إىل من�صة الإلقاء ،تهرول �أنت �إىل «ل�سان العرب» لتبحث عن املعنى ...ر�ؤية �ساخرة يناق�ش بها الباحث عالء اجلابري ق�ضية جادة ،ناقد ًا ومتداخ ًال مع ال�صورة الذهنية الرا�سخة لدينا عن ال�شعر اجلاهلي. ا�ستطالع�« :سويحان» ما هي �إال بئر ماء اختفت وال �أثر لها الآن ،يقع مكانها اليوم يف منطقة 114املزارع على الطريق امل�ؤدية �إىل مدينة �أبوظبي ،الباحثة فاطمة املن�صوري كانت هناك لتقتفي اثر البئر التي غابت وظلت عذوبتها عنوان ًا للمكان.
Email: turathmag1@gmail.com
مدير التحرير
waleedalaa@hotmail.com
�أبوظبي للإعالم-توزيع الرقم املجاين 8002220 : فاك�س +971 - 02-4145050 :
distribution@admedia.ae
أيضاً �أي�ضاً :يف املحكي �شعر ًا يختار لنا ال�شاعر الإماراتي الكبري حممد �أحمد ال�سويدي نخبة من عيون ال�شعر ال�شعبي التي تغنى بها املطربون فباتت جزء ًا من الرتكيب الثقايف للمجتمع، ويف �أل�سنة عربية نتعرف على عنيز �أبو �سامل �أمري �شعراء البدو يف �سيناء ،ويف زاويته عبق يعيد الكاتب �سعيد الكفراوي تعريفنا ب�شجر الدر ،ذات ال�سرت اجلليل «ال�ست» �أم خليل ،وتطالب مرية القا�سم ال�شاعر ال�شعبي ب�أن يتغري من �أجل �أن يتغري �شعره ،ويكتب وليد عالء الدين عن معركته مع الروائي �إبراهيم الكوين ،وزاوية جديدة للناقد الدكتور �أمين بكر بعنوان نافذة على الرتاث يقر�أ فيها هذا العدد مالمح بيجا�سيو�س العربي كما ر�سمها امر�ؤ القي�س ،وقراءة جديدة للعبة «اليولة» التي حتولت يف الإمارات �إىل فن له قواعد و�أ�صول ،وكالم �أخري لل�شاعر حبيب ال�صايغ عن اللعب النظيف وامل�شي �أثناء النوم.
28
يا هال
ي ا ه ال
السمالية ..روح التراث
92
58
128 سعر النسخة
الإمارات العربية املتحدة 10دراهم -اململكة العربية ال�سعودية 10رياالت الكويت دينار واحد � -سلطنة عمان 800بي�سة -قطر 10رياالت -مملكة البحرين دينار واحد -اليمن 200ريال -م�صر 5جنيهات - ال�سودان 250جنيهاً -لبنان 5000لرية � -سورية 100لرية -اململكة الإردنية الها�شمية ديناران -العراق 2500 :دينار -فل�سطني ديناران - اململكة املغربية 20درهماً -اجلماهريية الليبية 4دنانري -اجلمهورية التون�سية ديناران -بريطانيا 3جنيهات � -سوي�سرا 7فرنكات -دول االحتاد الأوروبي 4يورو -الواليات املتحدة الأمريكية وكندا 5دوالرات. االشتراكات
للأفراد داخل الدولة »100« :درهم /للأفراد من خارج الدولة»150« : درهماً /للم�ؤ�س�سات داخل الدولة »150« :درهماً /للم�ؤ�س�سات من خارج الدولة »200« :درهم.
«البحر له نا�س لفيحة» «نحن �أهل ال�سنع واملواجيب» «خلك هب الريح».. جمل ثالث كفيلة ب�أن تنقلك �إىل عواملها �شديدة اخل�صو�صية مبجرد الإن�صات �إليها. البحر له نا�س لفيحة :ت�ستفز فيك كل ما تكتم من ف�ضول ورغبة يف اكتناه عوامل البحر ،والتعرف على �أ�سراره ،وم�شاهدة كيف يعي�ش �أهله ويتعاملون معه يف وقت �سماحته ويف �أوقات غ�ضبه ،عندما يجود وعندما يبيد ،كيف �صادق ه�ؤالء النا�س البحر وغنوا له �أغنيات و�صنعوا له ايقاعات ،هل كانوا يغنون للبحر ويو ّقعون له� ،أم �أنهم كانوا يلتم�سون الدفء بغنائهم ودقهم ،هل كان انتظامهم يف �إيقاع وترا�صهم ج�سدي ًا حماولة للت�شبه ،ت�ستوحي روحها من حركة موج البحر� ،أم �أنه حتد وا�ضح لذلك البحر الغادر الهادر ،احلبيب املرهوب ،والقاتل املطلوب؟ نحن �أهل ال�سنع واملواجيب :و«ال�سنع» م�صطلح حملي بحت� ،شديد الداللة، ي�شري �إىل كل ما يتعلق بفنون التعامل مع الآخرين وفق قيم و�أعراف وتقاليد وعادات املجتمع ،التي �أر�سى قواعدها و�أ�س�سها الأجداد والآباء ،ف�إذا قال الوالد لولده «ب�س ّنعك» ،ف�إنه يق�صد �أن يعيده �إىل الأ�صول والتقاليد التي حتظى باعرتاف املجتمع واحرتامه .و«املواجيب» هي املفردة الدالة على ما يجب على النا�س القيام به يف �إطار العادات والتقاليد املرعية. وعندما يقول الإماراتيون« :نحن �أهل ال�سنع واملواجيب» ،ف�إنهم ي�صفون حالهم دون مبالغة ،ف�أهل الإمارات من �أ�شد النا�س مت�سك ًا ب�شبكة رائعة من العادات املتبعة يف الزيارات واملنا�سبات ال�سعيدة �أو احلزينة ،ولكل منا�سبة �آدابها التي يتعلمها ال�صغري من الكبري ،وللمجال�س �آداب يتوارثونها ،وحتظى العالقات املجتمعية املتمثلة يف الرتاحم واالحرتام بني الكبري وال�صغري ،وغريها من مفردات املوروثات الثقافية واالجتماعية الأ�صيلة باحرتام اجلميع. خلك هب الريح :وهو قول يحتمل الت�أويل على ال�صعيدين ،االجتماعي مبعنى كن لطيف ًا م�ؤن�س ًا ومنع�ش ًا كالريح ،وعلى ال�صعيد العملي �أي كن ن�شيط ًا �سريع ًا تنجز الأعمال وتفرغ من الأ�شغال ،وهو للت�أويل الأخري �أقرب ،لأنه ارتبط بالألعاب ال�شعبية وان�سحب على كافة الأن�شطة الريا�ضية والرتويحية. اللطيف يف اجلمل الثالث ال�سابقة� ،أنها لي�ست عناوين �أفالم ق�صرية� ،أو ق�صائد �شعرية �أو ق�ص�ص �أدبية ،و�إن كانت �صاحلة لأن تكون. �إمنا هي ثالث من ال�شعارات الرئي�سة لأ�سابيع ملتقى ال�سمالية ال�صيفي 2012 الذي انطلقت فعالياته قبل �أيام من مثول املجلة للطباعة ،حتت رعاية �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة رئي�س نادي تراث الإمارات. وال نزيد �سوى �أن نقول �إن ملتقى ال�سمالية �شبيه بتلك العبارات املوحية املعب�أة بالداللة� ،إنه ملتقى يخت�صر �سنني من الكالم ،يعود ب�أبناء الوطن �إىل وطنهم كما �صنعه الأجداد ،وي�ضعهم يف بيئة حية تفاعلية مع كل ما �أجنزه الأجداد من منجز معنوي �أو مادي ،ميرحون ويلهون وينهلون من معني الثقافة واحلكمة ال�شعبية ،ويتعلمون ريا�ضات كان للأجداد فيها ق�صب ال�سبق �سواء يف البحر �أو يف الرب. و�إذا كان خري الكالم ما قل ودل ،وخري الفعل تثقيف العود ،فملتقى «ال�سمالية» يثقف �أعواد �أبناء الوطن مبا �أجنزه �آبا�ؤهم و�أجدادهم من �أجماد.
«تراث»
6
الشهر
الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
حب ًا ووفاء للقائد
«خليفة بلغات العامل»
م�شروع وطني ملركز �سلطان بن زايد
�أبوظبي – تراث
تعبري ًا عن م�شاعر احل��ب وال��وف��اء لقائد امل�سرية الوالد �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة ب��ن زاي��د �آل نهيان رئي�س ال��دول��ة حفظه اهلل� ،أعلن مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإع�لام �إطالق م�شروعه الوطني الكبري الذي يحمل عنوان «خليفة بلغات العامل »، لإهدائه �إىل �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان يف اليوم الوطني الواحد والأربعني لدولة الإم��ارات العربية املتحدة الثاين من دي�سمرب . 2012 وقال ال�سيد عبد اهلل املرزوقي مدير �إدارة الإع�ل�ام مبركز �سلطان بن زاي��د للثقافة والإع�لام يف م�ؤمتر �صحايف عقده املركز ال�شهر الفائت� :إن «خليفة بلغات العامل» م�شروع وطني رائد يقام بالتعاون بني املركز وم�ؤ�س�سة زاي��د العليا للرعاية الإن�سانية وذوي االح �ت �ي��اج��ات اخل��ا� �ص��ة وج��ام�ع��ة
الإم��ارات العربية املتحدة و�صندوق ال�شيخ خليفة لدعم م�شاريع ال�شباب ،ويهدف �إىل التعبري عن احلب والوفاء لقائد امل�سرية الوالد �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان ،وذلك من خالل تخليد ا�سم �سموه «خليفة» بكتابته وترجمته بكل لغات العامل. و�أو� �ض��ح �أن امل�شروع يتما�شى ويت�سق مع توجيهات �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة، رئي�س املركز ب�ضرورة �إيالء ال�ش�أن الوطني
يتضمن المشروع إقامة صرح هندسي معماري يجمع فنون التراث وأساليب البناء العصرية يحتضن اسم «خليفة» بأكثر من 250 لغة
االهتمام الأك�ب�ر .و أ�� �ض��اف مدير �إدارة الإع�لام باملركز �أن امل�شروع يهدف �أي�ضا �إىل �إبراز الثقافة الوطنية للدولة من خالل تقديرها للقيادة ،والت�أكيد على الهوية الوطنية الإم��ارات �ي��ة وتفاعلها م��ع جميع ثقافات دول و�شعوب العامل ،والت�أكيد على تقدير واح�ترام دولة الإم��ارات حل�ضارات ال�شعوب ،واجلن�سيات ال�ت��ي تعي�ش على �أر�ضها با�ستخدام لغاتها املختلفة واملتعددة، و�إ�شراكهم يف احتفاالت الدولة ،ورد اجلميل للوطن وقائده من خالل امل�ساهمة وامل�شاركة الفعالة يف دع��م الن�شاطات والق�ضايا الوطنية. ودع��ا امل��رزوق��ي با�سم مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم اجلهات احلكومية واخلا�صة �إىل امل�ساهمة الفاعلة يف هذا العمل الوطني تكرميا للقائد وحكمته.
خالل امل�ؤمتر ال�صحفي للإعالن عن م�رشوع خليفة بلغات العامل
مراحل ثالث
م��ن جانبها �أو��ض�ح��ت ال�سيدة خديجة ال �� �ش �ح��ي ،امل �� �ش��رف ال �ع��ام ع �ل��ى تنفيذ امل���ش��روع �أن امل���ش��روع �سيتم على ثالثة م��راح��ل ه��ي ،املرحلة الأوىل ويتم فيها �إ�صدار مو�سوعة �إلكرتونية بعنوان «خليفة بلغات ال�ع��امل» ،و�إن�شاء موقع �إلكرتوين بتقنيات عالية يت�ضمن ��س�يرة �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زاي��د �آل نهيان ومل �ح��ات ع��ن �إجن� ��ازات دول ��ة الإم� ��ارات وترجمتها بلغات العامل املختلفة� ،إ�ضافة �إىل م��و��س��وع��ة م�ط�ب��وع��ة حت�م��ل ع�ن��وان «خ�ل�ي�ف��ة ب�ل�غ��ات ال �ع��امل» و��س�ت�ك��ون ذات م��وا��ص�ف��ات ع��امل�ي��ة حت �ت��وي ع�ل��ى �أع�ل�ام دول العامل و �أكرث من 250ترجمة ال�سم �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان رئي�س الدولة حفظه اهلل ،بلغات ال �ع��امل امل�خ�ت�ل�ف��ة ،ب��الإ� �ض��اف��ة مل�شاركة اجلاليات املختلفة يف الدولة يف املو�سوعة بكتابة ا�سم ال�شيخ خليفة بلغتهم الأم من خالل �شا�شة مل�س �إلكرتونية �سيتم توزيعها
المشروع يحمل رسالة تقدير واحترام من اإلمارات لحضارات الشعوب والجنسيات التي تعيش على أرضها باستخدام لغاتها المختلفة والمتعددة يف عدد من املراكز لتعرب عن حبها لل�شيخ خليفة ولدولة الإمارات. وذك��رت �أن املرحلة الثانية من امل�شروع �ست�شهد تنفيذ �أوب��ري��ت «خليفة بلغات العامل» بالتعاون مع م�ؤ�س�سة زايد العليا للرعاية الإن�سانية ل��ذوي االحتياجات اخلا�صة ،و�سيتم �إهدا�ؤه ل�صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان حب ًا ووفا ًء من �أبناء الإمارات لقائدها ،ي�شارك فيه عدد من �أبناء اجلاليات التي تعي�ش على �أر���ض الوطن وترغب �أن تعرب عن حبها لل�شيخ خليفة ول�شعب الإمارات بلغتها.
�صرح هند�سي
و�أ��ض��اف��ت ال�سيدة خديجة �أن املرحلة الثالثة تتكون من �إقامة معلم ثقايف يحمل ا�سم «خليفة بلغات ال�ع��امل» وه��و عبارة عن �صرح هند�سي معماري يجمع ما بني الفن الرتاثي و�أ�ساليب البناء الع�صرية وال���س�م��ات العاملية و�أه ��م م��ا مي�ي��زه هو وج ��ود ا��س��م «خ�ل�ي�ف��ة» ب�شكل ف�ن��ي ب��ارز و�أكرث من 250لغة ترجمة ال�سم �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زاي��د �آل نهيان بلغات العامل املختلفة بالإ�ضافة للعديد من التقنيات احلديثة ب�إ�شراف �شركات عاملية متخ�ص�صة بحيث ي�ك��ون معلما ثقافيا يعرب ع��ن احل��ب وال��وف��اء لقائد امل�سرية ال��وال��د �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان واملكانة املتميزة التي حتظى بها دولة الإم��ارات بني دول العامل ،و�سيتم ت�شييده مبوقع مميز يف العا�صمة �أبو ظبي بالتن�سيق مع اجلهات املعنية ،ليكون مق�صد ًا للزوار من داخل وخارج الدولة
8
الشهر
الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
لقطات من �أن�شطة امللتقى ال�سابق «�صور �أر�شيفية»
تحت رعاية سلطان بن زايد
نادي تراث الإمارات يطلق ملتقى ال�سمالية ال�صيفي 2012
�أبوظبي – تراث
بع�ض الريا�ضات والفرق املتخ�ص�صة مثل ال�سباحة والكاراتيه و�سالح املبارزة� ،إىل جانب الأن�شطة الثقافية والرتفيهية ،كما تت�ضمن �أيام امللتقى الأوىل ا�ستقبال الطلبة وتق�سيمهم �إىل جمموعات وتن�سيبهم �إىل امل�شرفني ال�ترب��وي�ين �إ��ض��اف��ة �إىل تن�سيق عمليات النقل وتنظيم ج��دول املوا�صالت التي اعتاد النادي توفريها للم�شاركني. � أ� �ش��ار �سعيد علي امل�ن��اع��ي م��دي��ر �إدارة الأن�شطة وال�سباقات بالإنابة� ،إىل �أن ملتقى هذا العام يج�سد �صيغ ًا حتتذى من التعاون البناء مع العديد من امل�ؤ�س�سات واجلهات
حتت رعاية �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل ن�ه�ي��ان مم�ث��ل ��ص��اح��ب ال�سمو رئي�س الدولة رئي�س نادي تراث الإمارات انطلقت يف الع�شرين من ال�شهر املا�ضي فعاليات ال��دورة التا�سعة ع�شرة مللتقى «ال�سمالية» ال�صيفي 2012م ،حتت �شعار «�إماراتنا هُ ويتنا» ،والتي تت�ضمن برناجم ًا ي�شمل �أكرث من ع�شرين ن�شاط ًا ي�ستوعب �آالف الطلبة ويج�سد �صيغ ًا من التعاون مع العديد من امل�ؤ�س�سات املجتمعية يف الدولة. ت�ستهدف فعاليات ملتقى هذا العام التي ت�ستمر حتى الع�شرين من ال�شهر اجلاري، بالدرجة الأوىل طلبة ال�صفوف من الثالث حتى ال�ساد�س الأ�سا�سي ،وتركز يف � أيامها الرميثي :الملتقى الأوىل على الأن�شطة الرتبوية التي حتت�ضنها م��راك��ز ال �ن��ادي وم�ب�ن��ى �إدارة الأن�شطة يسعى لتحقيق الطالبية الذي يوفر للم�شاركني ممار�سة أهداف تعريف الناشئة
والشباب بمفهوم الهوية الوطنية
املعنية بالن�شء ،واحلري�صة على �إك�ساب ال�شباب املهارات احلياتية املطلوبة �إىل ج��ان��ب ال�ق�ي��م وال���س�ل��وك�ي��ات ال �ت��ي متثل ال�شخ�صية الإماراتية الأ�صيلة ،و�أ�ضاف: «ن �ح��ر���ص ع �ل��ى ان �ت �ق��اء ب��رام��ج مم�ي��زة تنفذها م�ؤ�س�سات �أخ��رى تخدم �أه��داف امللتقى» ،مو�ضح ًا �أن عدد ًا من الدورات ال�ترب��وي��ة �ستنفذها م��ؤ��س���س��ة التنمية الأ�سرية يف �أبوظبي� ،إىل جانب التعاون م��ع ال�شرطة املجتمعية وهيئة ال�صحة ومركز الت�أهيل يف �أبوظبي وغريها من م�ؤ�س�سات املجتمع املحلي ،وعلى ر�أ�سها وزارة الثقافة وال�شباب وتنمية املجتمع التي تنفذ برنامج «�صيف ب�لادي» الذي يركز على الفئات ال�شبابية يف املجتمع. و�أ�شار املناعي كذلك �إىل ما مييز �أن�شطة هذه ال��دورة من غنى وتنوع ،فهي جتمع
ب�ين �أن���ش�ط��ة ت��راث�ي��ة وث�ق��اف�ي��ة وم�ه��اري��ة واجتماعية وترفيهية وتربوية وتعليمية، �إىل جانب الرحالت والزيارات مل�ؤ�س�سات ومعامل متنوعة. وق��ال املناعي �إن من �أه��م فعاليات هذه الدورة جمل�س يحمل ا�سم املغفور له ب�إذن اهلل تعاىل �سمو ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل ن�ه�ي��ان ،طيب اهلل ث ��راه ،يف جزيرة ال�سمالية ،حيث �سي�ستمع امل�شاركون طيلة �أي��ام امللتقى -ال��ذي ميتد ل�شهر كامل- �إىل معظم خطابات �سموه التي ت�ضمنت توجيهات تربوية ومت�س حياة ال�شباب، وذلك مب�شاركة عدد من باحثات النادي اللواتي �سيتابعن �إع��داد بحوث عن هذه التجربة الفريدة . وق � ��ال امل� �ن ��اع ��ي �إن م �ن��ا� �ش��ط م�ل�ت�ق��ى ال�سمالية ال�صيفي لهذا العام ت�أتي وفق ًا لر�سالة النادي يف العمل اجل��اد واملثابر ال�ست�شراف ال�تراث الوطني وا�ستجالء م�ضامينه الإن�سانية ،ونقله �إىل النا�شئة وال�شباب بطرائق متكنهم م��ن �إدراك معطيات الطفرة التقنية واالقت�صادية والثقافية واالجتماعية املعا�صرة للمجتمع الإم��ارات��ي دون اهتزاز الثقة بالذات �أو فقدان الهوية .وب�ين املناعي �أن جزيرة
المناعي :الملتقى يجسد صيغ ًا تحتذى من التعاون بهدف تعزيز الشخصية اإلماراتية األصيلة ال�سمالية حتفل با�ستمرار بعديد من امللتقيات على مدار العام .
فعاليات متنوعة
ت��زخ��ر دورة 2012مل�ل�ت�ق��ى ال�سمالية ال�صيفي ،بالعديد من الفعاليات والربامج اجلديدة ،وجاءت فعاليات الأ�سبوع الأول حت��ت ��ش�ع��ار «ال�ب�ح��ر ل��ه ن��ا���س لفيحة»، وت�ضمنت مهرجان ًا بحري ًا كانت الأن�شطة الرئي�سة فيه ه��ي :ال���ش��راع التقليدي، «الي»� ،صيد ال�سمك ،ور�ش فلق التجديف رَ املحار ،ال�سفينة الرتاثية� ،أدوات ال�صيد، ّ الألعاب ال�شاطئية� ،أما الأن�شطة املُ�ساندة خ�لال ه��ذا الأ��س�ب��وع فتمثلت يف :امللعب ال���ص��اب��وين ،البيئة «ا َمل � ْن� َ�ح��ل» ،ال�شراع ال��رم�ل��ي ،الفلك ،ال �ط�يران االل �ك�تروين، واملر�سم ا ُ حلر.
م�ه��رج��ان �أه ��ل ال���دار بينما تنتظم يف الأ� �س �ب��وع ال �ث��اين م��ن امل �ه��رج��ان وال��ذي يقع يف ال�ف�ترة م��ن � 1إىل 5م��ن ال�شهر اجل��اري فعاليات «مهرجان �أه��ل ال��دار» حتت �شعار«نحن �أهل ال�سنع واملواجيب»، وت�شمل �أن�شطة رئي�سة منها :الفرو�سية، ال �ه �ج��ن ،ال��رم��اي��ة ،ال �ي��ول��ة ،الأل��ع��اب ال�شعبية ،ال�ع��ادات والتقاليد ،ال�سفينة ال�تراث�ي��ة ،ور��ش��ة ع�ت��اد ال�ه�ج��ن ،وور��ش��ة اخليول ،يف حني ت�ضم الأن�شطة امل�ساندة ك��ل م ��ن :امل�ل�ع��ب ال �� �ص��اب��وين ،الأل �ع��اب ال�شاطئية ،ال�شراع الرملي ،الفلك ،البيئة «ا َمل َن ِاحل» ،وور�شة �أدوات ال�صيد. وتنطلق يف الثالث م��ن ال�شهر اجل��اري م�سابقات :ال�ه�ج��ن ،ال��رم��اي��ة ،واليولة جلميع مراكز النادي .وتهدف الأن�شطة �إيل تعزيز الهوية الوطنية يف �أو��س��اط النا�شئة وال�شباب وتعميم ثقافة الرتاث الوطني يف �أو��س��اط�ه��م ،ت�أكيد االل�ت��زام برتاث الآباء والأجداد واالمتثال ال�شديد لقيمه وعاداته ومثله و�أخالقياته ،تر�سيخ امل�شاعر والأحا�سي�س العميقة لالرتباط بالوطن والزهو واالفتخار لالنتماء �إليه، تنمية خ�برات �أج �ي��ال امل�ستقبل و�إث��راء ثقافتهم وتن�شيط قدراتهم الإبداعية.
10
الشهر
الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
�أمهات امل�ستقبل
�أما الأ�سبوع الثالث الذي تدور فعالياته يف الفرتة من � 8إىل 12من ال�شهر اجلاري فيحت�ضن مهرجان ًا خم�ص�ص ًا للأن�شطة الن�سائية ،حتت �شعار «طالبات اليوم �أمهات م�ستقبلنا املُ�شرق» ،ويتوىل �إدارت��ه ً كل من ال�سيد علي النعيمي مدير مركز العني، وفاطمة التميمي رئي�س ق�سم الأن�شطة ال�شبابية بالإنابة .ويت�ضمن جمموعة �أن�شطة منها الرئي�سة :الفرو�سية ،الألعاب ال�شعبية، ور��ش��ة احل � ّن��اء ،التلني ال���س�دُو ،ال��دخ��ون، الفنون اليدوية ،ال�سفينة الرتاثية ،واملر�سم ا ُ حلر .ف�ض ًال عن الأن�شطة املُ�ساندة خالل الأ�سبوع وت�شمل� :أل�ع��اب زم��ان ،الطريان االلكرتوين ،الهجن ،الفلك ،البيئة،ا َمل َن ِاحل، وال�شراع الرملي.
الملتقى يضم فعاليات تراثية خلك هب الريح فيما يت�ضمن الأ� �س �ب��وع ال��راب��ع والأخ�ي�ر وثقافية ومهرجانات م��ن امللتقى -م��ن 14ح�ت��ى 19يوليو -بحرية وبرامج تعزز «مهرجان الريا�ضات املُتخ�ص�صة» الذي مفهوم التراث
ي�ق��ام ه��ذا ال�ع��ام حت��ت �شعار «خ�ل��ك هب الريح» ،ب�إ�شراف �أحمد احلو�سني رئي�س ق�سم الأن�شطة ال�شبابية حيث وفرت �إدارة الأن�شطة خالله للم�شاركني العديد من الألعاب والن�شاطات الريا�ضية والرتويحية للم�شاركني كال�سباحة ،الكاراتيه ،املبارزة، الأل��ع��اب ال��ري��ا��ض�ي��ة ال�شاطئية ،امللعب ال�صابوين ،ال�شراع احلديث ،البلياردو، ال�شراع الرملي ،الفرو�سية ،وريا�ضة الهجن.
مفهوم الهوية الوطنية
من جانبه �أو�ضح علي عبد اهلل الرميثي امل��دي��ر التنفيذي للأن�شطة ب�ن��ادي ت��راث الإمارات �أن امللتقى ي�سعى لتحقيق جمموعة من الأهداف وهي تعريف النا�شئة وال�شباب
امل�شاركني يف امللتقى مبفهوم الهوية الوطنية ومكوناتها والأخ��ط��ار وال�ت�ح��دي��ات التي تواجهها وا�سرتاتيجيات حمايتها ،وتر�سيخ الأحا�سي�س وامل�شاعر الوطنية لدى النا�شئة وال�شباب امل�شاركني يف امللتقى وتب�صريهم بواجبات املواطنة جتاه الوطن. وقال �إن الفعاليات تركز على التوعية برتاث الآباء والأجداد وتنمية الإح�سا�س ب�أهميته وت�أكيد االلتزام به و�إثراء النف�س مبعطياته وا�ستثمار الأوقات احلرة للنا�شئني وال�شباب وتنمية ق��درات�ه��م العقلية واجل�سمية مع �إك�سابهم املعارف والقيم وامل�ه��ارات التي تلبي ح��اج��ات�ه��م ال��روح �ي��ة واالجتماعية
والنف�سية ،وتكري�س قيم الإيثار والتعاون وال�ع�م��ل اجل�م��اع��ي امل���ش�ترك يف �أو� �س��اط النا�شئة وال�شباب امل�شاركني يف امللتقى، و�إك�سابهم امل �ه��ارات القيادية وم�ه��ارات املحادثة واحلوار والتعبري عن الر�أي.
جمل�س زايد
تت�ضمن فعاليات دورة هذا العام جمل�س ًا يحمل ا�سم املغفور له ب�إذن اهلل تعاىل �سمو ال�شيخ زاي��د بن �سلطان �آل نهيان ،طيب اهلل ث ��راه ،ينعقد يف ج��زي��رة ال�سمالية، يتيح للم�شاركني اال�ستماع �إىل منتخبات من خطابات الراحل الكبري التي تت�ضمن توجيهات تربوية راقية مت�س حياة ال�شباب وتنقل لهم خربة الأجيال ال�سابقة وحكمة باين الوطن وم�ؤ�س�سه. وي�شرف على املجل�س نخبة من باحثات نادي تراث الإمارات بهدف �إدارة تفاعل الن�شء وال�شباب من ح�ضور املجل�س مع اخلطابات و�إعداد بحوث جمتمعية علمية بهدف تعزيز هذه التجربة الفريدة وتطويرها
في بيت الشعر في أبوظبي
مهاو�ش:ال�شعر النبطي عربي النزعة والطابع �أبوظبي – تراث
ا�ست�ضاف بيت ال�شعر ب�أبوظبي ال�شاعر والناقد الإماراتي حممد مهاو�ش يف �أم�سية بعنوان «ال�شعر النبطي ومقايي�س اللغة»، ح�ضرها ح�شد من جمهور ال�شعر واملهتمني بال�شعر النبطي. �أدار الأم�سية الباحث حممد ن��ور الدين وا�ستهلها مهاو�ش باحلديث ع��ن درا�سة ال�شعر النبطي وق��ال« :م��ن يدر�س ال�شعر النبطي ويتعرف على مباحثه ال�شعرية والفنية ،ويقف عليه عن كثب يجد �أنه �شعر عربي النزعة والطابع ،و�أنه ميتاز بف�صاحة املفردة رغم افتقاره ملظهر الإعراب الذي يو�ضح �أ�شكال احلركات الإعرابية الطارئة على �أواخ ��ر الكلمات ،لكنه يف املقابل ال يفارق العرب فيما كانوا يقولون من كالم وي�ضعون من قيا�سات و�صيغ �أ�سلوبية». و�أ�شار مهاو�ش �إىل �أن كتب اللغوين العرب، كالأ�صمعي و�أب��ي عمر بن العالء وامل�برد وغريهم من علماء اللغة ،كانوا ي�سمون اللهجة يف عرفنا احلايل باللغة ،ويطلقون ع�ل��ى م��ا ن�سميه ن�ح��ن ب��ال�ل�غ��ة م�صطلح «الل�سان» .و�أك��د �أن ال�شاعر النبطي كان ي�ستخدم اللغة التي كان يتحدث بها العرب القدماء ،وهذه احلال تكاد تكون وا�ضحة وجلية كلما ابتعدنا يف التحرك بالزمن
�إىل الوراء ،وذلك ب�سبب عدم اختالط ابن البادية العربية بالأجانب والأغ��راب .ومن الأمثلة التي عر�ضها مهاو�ش قول ال�شاعر حممد الدهمان يف مدح عبدالكرمي اجلربا : بيوت املحمد مدهل ال�ضيف واجل��ار وم �ل �ج��ا مل ��ن ك �ث�رت ع �ل �ي��ه ال �ب�ل�اوي الزم يجي بالبيت هات�ش وخطار وخ�ل��اي� ��ق م� ��ا ي� �ن� �ع ��رف ل� ��ه ل� �غ ��اوي و�أو�ضح �أن «خاليق» ال تعرف لها لهجات، فهي كناية عن تزايد ال�ضيوف والوافدين وق��ال«:ه��ذا اال�ستخدام و�إن دل على �أن معناه اللهجة ،فبالإمكان �أن يكون له فهم �آخر� ،أي �أنه كناية عن تزاحم الأفراد من كل الأجنا�س كالعربي وال�ك��ردي والرتكي والفار�سي». و�أ��ض��اف :غري �أن ال�شاعر �سند احل�شار يدعم قول الدهمان ب�شكل �أكرث تو�ضيحا، حيث يقول يف مدح قبيلته «الظفري» : م��ن ف�ع��ل طلقني ال�ل�غ��ا ب��امل�لاق��اة ال � �ل� ��ي وق� � ��ع ب� �ن� �ح ��وره ��م ل �ل��ذالق��ي م�شري ًا �إىل �أن «طلقني» ترتبط بالكالم واللهجة ،وه��م الذين ال يخالط كالمهم كالم غريهم ،وال يتداخل كالمهم مع كالم الأعجام والأغ��راب .وهو كناية عن �صفاء اللهجة وعدم تداخلها مع لهجات الآخرين.
ور�أى مهاو�ش �أن هذا اال�ستخدام الداليل ل�ه��ذه امل �ف��ردة ن��اب��ع م��ن �أ�صولها العربية املوغلة يف التاريخ ،متام ًا كما هو احلال بالن�سبة مل�ف��ردة «ق ��رن» يف ق��ول ال�شاعر احل�شار «لعيون من قرنه على املنت ت�شقاه» وهي تدل على مدى ارتباط ال�شعر النبطي بال�شعر العربي الف�صيح� ،إذ �أن هذه املفردة التي مل يعد يتداولها النا�س وحلت حملها كلمة مرادفة لها يف املعنى «اجلديلة» .وقد ا�ستخدمها قي�س بن امللوح بقوله «وهل ر ّفت عليك قرون ليلى» .كما حتدث مهاو�ش عن �شعراء �أخرين ،م�ؤكد ًا �أن يف �شعرهم العديد م��ن الأمثلة على ارت�ب��اط ال�شعر النبطي بال�شعر العربي الف�صيح . وق��ال«:ل��و ت�أملنا ه ��ؤالء ال�شعراء وحاولنا النظر �إليهم ب�شكل جماعي لر�أينا �أنهم �أ�شبه بف�صحاء الأع��راب الذين كان يلتقي بهم الك�سائي �أو اخلليل �أو الأ�صمعي الذين ينطلقون من �سليقة عربية �صافية ال تعرف الت�شوي�ش و ُيخ�ضعون كل كالم غريب على لغتهم ملقايي�س هذه اللغة� ،إما �أنهم ينطلقون من انطالقات �أ�سالفهم العرب القدماء، يف اال�ستعمال اللغوي� ،أو يخ�ضعون كل كلمة �أجنبية ملقايي�س ال�صرف العربي ال��ذي تعارف عليه العرب »
12 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
مركز سلطان بن زايد ونادي تراث اإلمارات يعلنان
خالل امل�ؤمتر ال�صحفي
فعاليات املهرجان الرم�ضاين ال�سابع
2012
�أبوظبي – تراث �أع �ل��ن م��رك��ز �سلطان ب��ن زاي ��د للثقافة والإع �ل��ام ون� ��ادي ت���راث الإم� � ��ارات عن فعاليات املهرجان الرم�ضاين ال�سابع الذي �سينظم حتت رعاية �سمو ال�شيخ �سلطان بن زاي��د �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة على م�سرح �أبوظبي يف كا�سر الأم��واج مع �أول �أي��ام �شهر رم�ضان املقبل .2012 و ّث�م��ن حبيب يو�سف ال�صايغ مدير عام مركز �سلطان بن زاي��د للثقافة والإع�لام ع�ضو جمل�س �إدارة نادي تراث الإم��ارات رئي�س جلنة الإعالم والعالقات العامة يف النادي خالل امل�ؤمتر ال�صحفي الذي عقد برئا�سته ،توجيهات �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ودعمه للمهرجان الذي كان له الأثر الكبري يف ا�ستمراره وتنوعه �سنوي ًا. وق��ال� :إن الفعاليات التي ينظمها املركز
ثالثة عروض للبردة وعرض لفرقة المالد الهاشمي وآخر لفرقة الدار لإلنشاد الديني والنادي خالل �شهر رم�ضان املبارك ت�أتي بتوجيهات ورع��اي��ة �سمو ال�شيخ �سلطان بن زاي��د �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س ال��دول��ة رئي�س ال �ن��ادي وامل��رك��ز، و��س�ير ًا على نهج ال��دول��ة بقيادة �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زاي��د �آل نهيان رئي�س الدولة -حفظه اهلل -وحر�صه على �إح�ضار العلماء املتميزين لينقلوا علومهم وخرباتهم �إىل �أبناء الوطن لتعم الفائدة وتنت�شر املعرفة. و�أ��ض��اف ال�صايغ �أن �إقامة املحا�ضرات
وامل �ج��ال ����س ال��رم���ض��ان�ي��ة خ�ل�ال ال�شهر الف�ضيل يج�سد التوا�صل واملحبة التي تتميز بها العالقة بني القيادة وال�شعب بجانب كونها ج�سر ًا للتوا�صل الفكري والتعارف واحل��وار وتبادل ال��ر�أي وفر�صة للتزود بالعلم واملعرفة ب��الأم��ور الدينية والدنيوية ،م�شري ًا �إىل �أن دورة هذا العام حافلة بالعديد من الفعاليات الإميانية والثقافية واملجتمعية. و�أ�شار �إىل �أن الفعاليات �سوف تقام يف متام ال�ساعة العا�شرة م�سا ًء يف م�سرح �أبوظبي على كا�سر الأمواج ،و�سوف تنطلق فعاليات املهرجان الرم�ضاين ال�سابع 2012مع �أول �أيام �شهر رم�ضان املبارك مبحا�ضرة دينية ،فيما ينظم املركز يف الثالث من �شهر رم�ضان حما�ضرة ل�سماحة ال�سيد علي بن ال�سيد عبد الرحمن �آل ها�شم
�صورة ار�شيفية من املهرجان الرم�ضاين ال�ساد�س
م�ست�شار ال�ش�ؤون الق�ضائية والدينية يف وزارة �شئون الرئا�سة ،ع�ضو جممع البحوث الإ�سالمية يف الأزهر.
م�سابقة �أف�ضل مرتل
الفنية حيث تقدم فرقة ال��دار للإن�شاد الإماراتي �أم�سية يف اليوم ال�سابع من ال�شهر الكرمي ،بالإ�ضافة �إىل حفل لفرقة الإن�شاد الديني املغربية يف اليوم الثامن من �شهر رم�ضان� ،إ�ضافة �إىل ثالثة عرو�ض للربدة، وعر�ض ًا لفرقة املالد الها�شمي ،حيث تقدم الفرقة الوطنية الإماراتية للفنون ال�شعبية عر�ض ال�بردة يف اليوم الثالث ع�شر من �شهر رم�ضان الكرمي ،بينما تقدم فرقة ب ��ردة ال�ب��و��ص�يري امل�صرية عر�ضني يف ال��راب��ع ع�شر واخل��ام����س ع�شر م��ن �شهر رم�ضان .فيما تقدم فرقة املالد الها�شمي من الإم ��ارات عر�ضها يف اليوم احل��ادي والع�شرين من ال�شهر. وت���ش�ه��د ف�ع��ال�ي��ات الأ� �س �ب��وع ال �ث��ال��ث من املهرجان الرم�ضاين ال�سابع عدة فعاليات منها حما�ضرة ينظمها مركز �سلطان بن
ومن املقرر �أن ي�شهد اليوم الرابع من �شهر رم�ضان الكرمي انطالق فعاليات م�سابقة �أف�ضل مرتل للقر�آن الكرمي من الذكور، وت�ست�أنف يف اليوم احلادي ع�شر والثامن ع�شر من ال�شهر ال�ك��رمي ،وي�شهد اليوم اخلام�س من �شهر رم�ضان الكرمي م�سابقة �أف�ضل مرتل للقر�آن الكرمي من الإن��اث، وت�ست�أنف يف اليوم الثاين ع�شر واليوم التا�سع ع�شر من ال�شهر الكرمي. �أما فعاليات الأ�سبوع الثاين من املهرجان، فت�شمل حما�ضرة يف العا�شر م��ن �شهر رم���ض��ان للأ�ستاذ ال��دك�ت��ور حممد عبد احلليم مدير عام مركز كر�سي امللك فهد للدرا�سات الإ�سالمية يف كلية الدرا�سات يشهد البرنامج ال�شرقية والإفريقية يف جامعة لندن.
عرو�ض للربدة والإن�شاد الديني مسابقتي أفضل ويت�ضمن ال�برن��ام��ج ع ��دد ًا م��ن العرو�ض مرتل للقرآن الكريم من الذكور واإلناث
زايد للثقافة والإعالم للدكتورة نادية عبد احلميد حممود ع�م��ارة ،وذل��ك يف اليوم ال�سابع ع�شر من �شهر رم�ضان� .أما اليوم الع�شرين من ال�شهر الكرمي ف�سوف ي�شهد حما�ضرة ملفتي ال��دي��ار املقد�سة ف�ضيلة ال�شيخ حممد ح�سني.
حفالن للختام
وت �ت �� �ض �م��ن ف �ع��ال �ي��ات خ��ت��ام امل �ه��رج��ان الرم�ضاين ال�سابع حفلني �أولهما يف اليوم الثاين والع�شرين من ال�شهر الكرمي حيث يتم ت��وزي��ع ج��وائ��ز م�سابقة �أف�ضل مرتل للقر�آن الكرمي من الذكور ،والآخر يف اليوم الثالث والع�شرين من ال�شهر الذي ي�شهد حفل توزيع جوائز م�سابقة �أف�ضل مرتل للقر�آن الكرمي من الإناث. كما ينظم مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإع�لام ون��ادي ت��راث الإم��ارات فعاليات خا�صة بعيد الفطر املبارك تبد�أ مع اليوم الأول فيما �سيقدم املركز وال�ن��ادي ثاين وثالث �أي��ام عيد الفطر م�سرحية «�شكرا ماما» لفرقة م�سرح ر�أ�س اخليمة
14
الشهر
الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
للمؤلف العالمي دينيس جونسون ديفيز
ق�ص�ص من �سرية النبي حممد (ﷺ)
الغالف العربي
�إ�صدار جديد ملركز �سلطان بن زايد
�أبوظبي – ح�سن �أبو عمر
مدير عام مركز �سلطان بن زايد للثقافة واالع�ل�ام� :إن ��ص��دور ه��ذا الكتاب الهام يتزامن مع ذكرى اال�سراء واملعراج تنفيذ ًا لر�ؤية وتوجيهات �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ،ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة رئي�س املركز ب�ضرورة رفد املكتبة العربية للن�شء ب�إ�صدارات نوعية ذات قيمة تعيد �صياغة وتقدمي الأفكار واملبادئ والقيم
يف طبعة �أنيقة مطعمة بر�سوم تو�ضيحية للفنان الكبري فران�س نعوف� ،أ�صدر مركز �سلطان بن زاي��د للثقافة واالع�ل�ام كتاب «ق�ص�ص من �سرية النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم» للم�ؤلف العاملي دني�س جون�سون ديفيز «عبد الودود». يقع الكتاب املوجه للأطفال والن�شء يف � 318صفحة ،باللغتني العربية واالجنليزية، والرتجمة للعربية الدكتور مو�سى احلالول، وكتب مقدمته املرحوم الدكتور عز الدين يستمد الكتاب ابراهيم .ي�صدر الكتاب يف �إطار احتفاالت أهميته النوعية من امل��رك��ز ب��ذك��رى الإ�� �س ��راء وامل� �ع ��راج ،ويف القيمة الكبرى التي ه��ذه املنا�سبة ق��ال حبيب يو�سف ال�صايغ
تمثلها شخصية الرسول الكريم
ال�سامية املتمثلة يف �سرية النبي حممد �صلى اهلل علية و�سلم ،واحل���ض��ارة الإ�سالمية ب�أ�ساليب حديثة تتفق والتطورات التي حلقت بطرق و�آليات تعاطي الأجيال اجلديدة مع العلوم والآداب ،وبعدة لغات نظر ًا النفتاح هذه الأجيال على لغات العامل وح�ضاراته. و�أ�ضاف ال�صايغ ،ال��ذي �أ�شرف على هذا اال� �ص��دار� :إن امل��رك��ز و�ضع خطة لتوفري الكتاب ال��ذي ُي�ق� ّدم ق�ص�ص ًا من ال�سرية النبوية العطرة يف ثالثني ف�ص ًال باللغتني العربية والإجنليزية بلغة رائقة وماتعة، لكل القراء العرب عرب الن�سيق مع اجلهات املعنية ،وعرب �إي�صاله �إىل املكتبات املدر�سية
الغالف الإجنليزي
العامة واخلا�صة يف الدولة وخارجها. و�أك��د ال�صايغ �أن الكتاب ،بلغته الراقية، �سوف ي�سهم يف تعريف الن�شء ب�أهم مراحل �سرية الر�سول الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم، ب��دء ًا من مرحلة ما قبل والدت��ه ،والتب�شري به ،وق�صة الراهب بحرية ،ثم طفولته ،عليه ال�صالة وال�سالم ،ثم زواج��ه من ال�سيدة خديجة بنت خ��وي�ل��د ،ر��ض��ي اهلل عنها، ومواقفها امل�ساندة والداعمة له ،و�أثرها يف ا�ستمرار ال��دع��وة ،ث��م ق�صة احلجر الأ�سود والبعثة ،وكذلك التعريف ب�أ�صحابه ر�ضوان اهلل عليهم ،وامل�سلمني الأوائل ،ثم هجرته �إىل املدينة املنورة ،وق�صة بناء امل�سجد النبوي ،و�أخ�ب��ار بع�ض الغزوات مثل بدر و�أحد ،ثم فتح مكة ،وحجة الوداع و�صو ًال �إىل وفاته� ،صلى اهلل عليه و�سلم، ثم الف�صل اخلتامي وال��ذي حمل عنوان «اهلل حي ال ميوت». و�أ�ضاف ال�صايغ« :يهدف الكتاب الذي قدم
له املرحوم الدكتور عز الدين �إبراهيم، �إىل تزويد �أبنائنا من العرب وامل�سلمني يف املهجر ،ببع�ض املعارف الرئي�سة يف حياة نبي الإ�سالم� ،صلى اهلل عليه و�سلم ،وجهاده يف �سبيل ن�شر الدين احلنيف ،وبخا�صة اجليل الثالث الذي يعاين من بعد ال�شقتني، الزمانية واملكانية عن الوطن الأم ،وكذلك تزويد الناطقني بالعربية وبالإجنليزية من الن�شء والكبار بهذه امل�ع��ارف لتذكريهم بعظمة النبي� ،صلى اهلل عليه و�سلم ،وعظمة و�سماحة دينهم». وذك��ر مدير ع��ام مركز �سلطان بن زايد للثقافة واالعالم �أن هذا اال�صدار ي�ستمد �أهميته النوعية م��ن ع��دة �أم� ��ور� ،أول�ه��ا القيمة ال �ك�برى ال �ت��ي متثلها �شخ�صية ال��ر� �س��ول ال �ك��رمي ،ب��الإ� �ض��اف��ة �إىل متيز فريق العمل ال��ذي قام ب�إجنازه ب��دء ًا من امل�ؤلف وهو دني�س جون�سون ديفيز الذي، الكاتب والباحث واملرتجم العاملي ،الذي
تربطه عالقات وطيدة بالعاملني العربي والإ�سالمي ،والذي دخل يف دين الإ�سالم عن قناعة ودرا�سة منذ فرتة طويلة واتخذ لنف�سه ا�سم ًا عربي ًا هو «عبد الودود» ،والذي ترجم عيون الأدب العربي احلديث �إىل الإجنليزية ،واحلائز على جائزة ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان للكتاب يف دورة �سابقة ،ثم �إىل �أهمية مرتجمه الدكتور مو�سى احل��ال��ول �أح��د �أ��ش�ه��ر املرتجمني العرب املعا�صرين ،ثم من التقدمي الذي كتبه املرحوم الدكتور عز الدين �إبراهيم، امل�ست�شار ال�سابق ل�صاحب ال�سمو رئي�س الدولة ،والذي �أ�شار فيه �إىل هدف وا�ضح و�صريح من ت�أليف ون�شر الكتاب ،هو �إزالة التحامل ال�شديد ال��ذي كان موجه ًا فيما م�ضى ،ورمبا حتى اليوم �ضد نبي الإ�سالم، والذي ميكن �إرجاعه �إىل �أزمنة املواجهة بني ال�شرق والغرب. يف مقدمة الكتاب �أ�شاد الدكتور عز الدين �إبراهيم بامل�ؤلف ال��ذي ا�ستطاع يف عدد حمدود من ال�صفحات �أن ي�سهم �إ�سهام ًا قيم ًا يف فهم الإ��س�لام نظر ًا لتمكنه من ال�ع��رب�ي��ة وم�ع��رف�ت��ه بخلفيتها ال��روح�ي��ة والثقافية والأدبية ،كما �أنه «ق�ضى ال�سواد الأع �ظ��م م��ن حياته يف خمالطة العرب وامل�سلمني يف �أن �ح��اء خمتلفة يف ال�شرق الأو�سط» ،وا�ستطاع كذلك «�أن يعرج بال �شطط ع��ن ه��دف��ه الأ��س��ا��س��ي على بع�ض تعاليم الإ� �س�لام الأ�سا�سية ومنهجه يف احل�ي��اة» .و�أ��ش��ار امل��ؤل��ف دين�س جون�سون يف مقدمته اىل �أن فكرة الكتاب ج��اءت لتزويد �شباب و�أطفال امل�سلمني باحلقائق الأ�سا�سية عن �سرية النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم الفت ًا �إىل �أنه اعتمد لت�أليف كتابه وت�سجيل هذه ال�سرية العطرة ،على �أمهات الكتب واملراجع املعتمدة
المرصد 16 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
يحياوي و�إىل جانبه نور الدين خالل الأم�سية
يف �أم�سية نظمها بيت ال�شعر
عياش يحياوي
يوصف العادات القولية في الشعر النبطي ّ �أبوظبي -تراث ا�ست�ضاف بيت ال�شعر يف �أبوظبي التابع لنادي تراث الإمارات يف مقره مبركز زايد للبحوث والدرا�سات مبنطقة مارينا البطني يف �أبوظبي ،ال�شاعر اجلزائري عيا�ش يحياوي يف �أم�سية بعنوان «العادات القولية يف ال�شعر النبطي يف الإمارات» ،بح�ضور حبيب ال�صايغ رئي�س الهيئة الإدارية لبيت ال�شعر ونخبة من املثقفني وال�شعراء وجمهور ال�شعر.
ح��دد يحياوي يف ب��داي��ة حما�ضرته الفرتة زمنية م��ن ت��اري��خ الإم� ��ارات ال�ت��ي ي�شملها بحثه ،وذلك من خالل اختياره لأربعة �شعراء �إماراتيني لدرا�سة مواقفهم من التقليد ،هم ال�شاعر املاجدي بن ظاهر الذي عا�ش البيئة التاريخية واالجتماعية لأهل الإم��ارات من ب��داي��ات القرن ال�سابع ع�شر امل�ي�لادي �إىل نهايات القرن امل��وايل ،وال�شاعر �سعيد بن
عتيج الهاملي الذي عا�ش من نهايات القرن التا�سع ع�شر �إىل بدايات القرن الع�شرين وت��ويف ع��ام ،1919وال�شاعرة فتاة العرب، وال�شاعر ابن عزيز املن�صوري اللذان عا�شا خ�لال اخلم�سني �سنة الأخ�ي�رة م��ن القرن املا�ضي . ث��م ع��رج ي�ح�ي��اوي ع�ل��ى �إ��ش�ك��ال�ي��ة ال�ت�ك��رار اللفظي يف الن�صو�ص ،معترب ًا �أن الوعي
اجلمعي يف بنية الق�صيدة النبطية جعل ّ و�ضخم ق�ي��وده��ا ،ومنحها منها م�سطرة، �صفات مم �ي��زة ،وج�ع��ل م��ن اخل ��روج عنها خ��روج � ًا ع��ن ال �ع��رف ،ك�م��ا مي�ن��ح ال�شاعر النبطي موقف العرب «�أب�ن��اء القبائل» من ق�صيدته �أهمية كربى؛ ف�إن �أطروا ق�صيدته ارت �ف��ع كعبه ال���ش�ع��ري ،و�إذا ت�برم��وا منها انح�سر �صيته وهبط بني فحول ال�شعراء� ،أي
عيا�ش يحياوي �أن جماليات الق�صيدة ذائعة و�شائعة بني العرب ،واملطلوب من ال�شاعر �أن ين�سج على منوالها ،وكلما كان ن�سجه �أ�صي ًال يف الذاكرة اجلمعية وك��ان طبعه ال�شعري يت�سم بقيم ال�ب��داوة يف لطائفها وعمق مراميها حفظ البدو �شعره ون�شروه بني القبائل .ويف ذلك اعرتاف بقدرته على التعبري اللغوي «املبدع» ع��ن ت���ص��ورات�ه��م مل��ا ح��ول�ه��م م��ن ك��ائ�ن��ات، وما يف �أعماقهم من �أحالم وقيم وجدانية واجتماعية ت�ؤطرها الثقافة ال�صحراوية املتوارثة. و�أ�� �ض ��اف ي �ح �ي��اوي� :أن ال �ب��دو – ومنهم �شعرا�ؤهم -ي�ك��ررون الأق��وال وال�سلوكيات املوروثة نف�سها على م��دار يومياتهم ،ومن هنا كرث يف كالمهم تكرار الكلمات نف�سها، وال�تراك �ي��ب ال�ل�غ��وي��ة نف�سها ،وك�ث�رت فيه الت�شبيهات يف مطالع الق�صائد وخواتيمها، بل وكرث فيه تكرار الت�شبيهات والف�ضاءات الو�صفية ملظاهر البيئة واملر�أة ،غري �أن هذا التكرار العفوي الذي يراه ال�شاعر البدوي من طبائع الأمور – والكالم ليحياوي -يراه ال�شاعر والناقد املدنيان عيب ًا من عيوب ال�شعر وجب على ال�شاعر املبدع اجتنابه. و�أ�شار يحياوي �إىل �أن النقاد العرب قدمياً ت �ن��اول��وا م��و� �ض��وع «ال �� �س��رق��ات ال���ش�ع��ري��ة»
�شاعر و�إعالمي جزائري ،من مواليد عني خ�ضرة «امل�سيلة» �أو عني اخل�ضراء ،بلدة جزائرية � ، 1957أ�شرف على العديد من ال�صفحات الثقافية يف اجلرائد واملجالت ،له 12م�ؤلفاً ما بني كتاب وديوان ،يعمل حالياً كبري باحثني يف هيئة �أبوظبي لل�سياحة والثقافة ب�أبوظبي. وو��ض�ع��وا لها مقايي�س ودرج� ��ات ت�ستملح ال�سرقة و�أخرى تقبحها ،كما تفطنوا �إىل �أن الق�صائد ت�أكل من بع�ضها بع�ض ًا ،وتتحاور وت�ت��داخ��ل وتتل�ص�ص على جماليات هذا الن�ص �أو ذاك ،لكنها تختلف يف �أ�ساليب ال�سرقة. وقال يحياوي« :نتحدث عن ال�سرقة ،ونحن ب�صدد التعامل مع ن�صو�ص �شعرية بدوية، ه��ي يف الظاهر ج��زء م��ن الأدب ال�شعبي» وا�ضاف :و�إذا مت الت�أكد �أن مقايي�س الأدب ال���ش�ع�ب��ي تنطبق ع�ل�ي�ه��ا ،ان�ت�ف��ى م��و��ض��وع ال�سرقات ال�شعرية ،ومل يعد له مربر علمي، ذل��ك �أن ال�سرقات ت�صبح مو�ضوع درا�سة �إذا تعلق الأمر بالن�صو�ص امل�ؤكد انتما�ؤها �إىل امل�ؤلف الفالين املعروف� ،أما يف حالة الن�صو�ص املجهولة امل��ؤل��ف ف�إنها ت�صبح
املاجدي بن ظاهر ح�سب رواي��ة لأح�م��د ب��ن م�صبح ب��ن ح�م��وده ،ول��د ال�شاعر اب��ن ظاهر بالقرب م��ن منطقة اخل � ّران ون�ش�أ بها وت��رع��رع على �أر��ض�ه��ا وعندما ا�شتد ع��وده و�أ��ص�ب��ح م��ن ال�ق��ادري��ن على حتمل الأخ �ط��ار وال���ض��رب يف الأر�ض �أخذ يتنقل يف مدن االمارات وقراها ،ويف �آخر عمره ا�ستقر يف اخل� ّران وت��ويف فيها ودف��ن بها ،ويذكر لنا ال��راوي �أي�ضا �أن ابن ظاهر ق��د �أج ��رى بع�ض ال�ت�ج��ارب ع�ل��ى الأرا� �ض��ي ال�ت��ي �أح��ب �أن ي��دف��ن فيها بعد موته ،وكانت لديه درية بدفنها يف الرتاب حتى يحل عليها حول كامل ثم يعود لنب�شها فيجدها وق��د �أكلها ال�تراب� ،إال التي دفنها يف اخل ّران وجدها باقية على حالها مل تتغري ،لذلك �أو�صى بدفنه فيها. وك��ان ابن ظاهر كما ي��روى عنه وكما تدلنا �أ�شعاره �أي�ضا رجل بدوي اعتاد التنقل يف �أرجاء املنطقة �ش�أنه يف ذلك �ش�أن البدو ال ّرحل الذين ينتجعون مواقع القطر ومنابت الكلأ ،وله يف ذلك عدة ق�صائد يذكر فيها كثرياً من تلك املواطن التي كان ينتجعها.
ج��زء ًا من الأدب ال�شعبي ،املحفوظ جي ًال بعد جيل يف الذاكرة ال�شعبية ،ويف الغالب يتحول الن�ص ال�شعري البدوي الواحد �إىل عدد من الن�صو�ص الختالف رواته وتقادم الزمن عليه. و�أو�ضح يحياوي �أنه -على خالف ال�شعراء ال�ث�لاث��ة الآخ��ري��ن -نبه اب��ن ظ��اه��ر – يف �شعره� -إىل �أن �شعره نابع من «ف�ؤاده» ولي�س م�ستمد ًا من �شعر غ�يره من ال�شعراء ،مبا يعني �أن��ه متفطن �إىل �شعراء زمانه الذين ال ي�صدر �شعرهم عن «الف�ؤاد» بل عن تقليد من �سبقوهم ،م�شري ًا �إىل �أن ه��ذا املوقف امل�ت�ق��دم م��ن �شاعر كبري مثل اب��ن ظاهر ي�ؤكد �أن ال�شاعر النبطي املبدع ال ينقل عن غريه لأنه معتز مبوهبته وقدرته على الإتيان ب�صور ومعان �صادرة عن ذاته ال�شاعرة:
من �أمثالنا ال من متاثيل غرينا ق��راي �ن �ه��ا حم � �ج ��وزة ع ��ن ت�ل�اده��ا �أباهي بها ال ُّر َّما�س لي َمنْ تظاولوا ْ يل ظال ِم الر َّما�س ظول احت�شادها ك��ود �إن يف ال��رم��ا���س ق�ل��بٍ مولع �اظ لها وا�ستفادها م��ن البعد ح � َّف� ٍ ويقول:
ل�ص ْ حاف ِك ْتبٍ مرتجم ْه ول�سطار يف ْ ْ باالنظار و�أن��ا م��ن ف ��ؤادي تراجمه
�أم��ا ابن عتيج فلم يلتزم مبا التزم به ابن ظاهر ،ور�أى يحياوي �أن �شعره مثل �شعر جمايليه ُيرد �إىل �شعر الأوائل كما ترد روافد املاء �إىل املجرى الأ�صلي لل�سيل.
وح� � َّن ��ا ِت � ��ر ّد ْام �ث��ا ْل �ن��ا الم�ث��ال�ه��م وم � �� � �س� ��اي� ��لٍ ت� �ت� �ب ��ع م � �غ� ��اين � �س �ي��ل و�أ��ش��ار يحياوي �إىل �أن ال�شاعر اب��ن عزيز كان يرى �أن �شعر ابن ظاهر ميثل منوذج ًا يحتذى به ،ومل ينتبه �إىل �أن ابن ظاهر نف�سه يرف�ض فكرة االحتذاء مثل �أي �شاعر م�ؤمن بتفرده ،ولقد كان ابن ظاهر يفتخر ب�شعره لأن ف��ؤاده هو م�صدره� ،أما ابن عتيج وابن
المرصد 18 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
عزيز فيفتخران ب�شعرهما لأنه م�ستمد من �شعر �شعراء قدامى يعتزان مبكانتهم يف ذاكرة الأجيال. ويف ه��ذا ال�سياق ي�سجل ي�ح�ي��اوي موقف ابن عزيز من �شعر ابن ظاهر ،حني يقول: «�سبحان اهلل ،مل يكن املاجدي بن ظاهر �شاعر ًا� ،إن يف �شعره عامل ًا �أو�سع من عامل ال�شعراء� ،»...« ،إن يف ق�صيده من املعاين والت�شبيهات واخل �ي��ال واحل �ك��م والأم �ث��ال والأح�ساب وقيم الرجولة وطبائع الب�شر ما يفوق قدرة ال�شعر على التحمل.». وقال يحياوي �إن ر�أي فتاة العرب مل يختلف عن ر�أي ال�شاعرين ابن عتيج واب��ن عزيز ع�ل��ى ال��رغ��م م��ن الإ�� �ض ��اءات التجديدية الوا�ضحة يف البنية اللغوية لبع�ض �شعرها فهي ت��رى م��ا ي��ري��ان م��ن �أن اخل ��روج عن القواعد التي �أر�ساها ال�شعراء الأوائ��ل يف ق��ول ال�شعر ب��دع��ة غ�ير م�ستحبة ،وت�شري باال�سم �إىل ال�شعراء القدامى الذين ترى �أن �شعرهم من��وذج يف التعبري عن لواعج احلب:
م�ست�سِ ّني لو يف الهوى حكم الن�صف ْ لِك ما عوى من ويعة احلب عاوي تج ّني وا�س َ قبلك محْ َ � ْي���س��ن ب��ه ِب� ِل��ي ْ واب��ن ال � َف � َر ْج مثله ون��اح احل�ساوي وع�ب��د اهلل ال�ق��ا��ض��ي عليهن ا ْي ��ون و�سليم ع�ب��د احل��ي ِي� ْن�خ��ا ال �ع��زاوي وحم � �م ��د ال� �ل� �ع� �ب ��ون ب� ��ه ِي� � ْل� � ِع� � ِب� � ّن ��ي ولمِ �غ �ل��وث اي� � ِه ��ن رِمِ � ��ي ب��ال��ده��اوي و ْب � � ��ن ال � �� �ّ�س ��راي ��ا ق �ب �ل �ه��م ِل � ّت �ه � ّن ��ي واللي َ م�ضوا د�سوا وع��وره حفاوي
امتداد الديوان النبطي اجلمعي. �أول هذه التكرارات هو تكرار الأرقام ،حيث يتكرر – على �سبيل املثال -الرقم 90لدى ال�شعراء الأرب�ع��ة –مو�ضع البحث -وك�أنه رق��م �سحري من واج��ب ال�شاعر �أن يلتزم ب��ه ،وكذلك ا�ستخدام كل من فتاة العرب وابن عزيز لرقمي «مليون ومليار» م�شري ًا �إىل �أنهما مل يظهرا يف �شعر ابن ظاهر وابن عتيج لأنهما رقمان حديثان ومرجعيتهما اللغوية غري عربية .ويلفت يحياوي �إىل �أن هذين الرقمني قد ميثالن يف ال�شعر النبطي «وعد احلديث تطور ًا �شكلي ًا للع ّد يف قولهمَّ : ما ناحت الورقا ،واعداد ما ن�سن�س ال�صبا» تقول فتاة العرب:
الوعي الجمعي في بنية القصيدة النبطية ويا مرحبا مليون هيلٍ بال كيل ع��د ال�ت�راب �أو ع��د م��ا ينبت العود حولها إلى مسطرة وجعل من الخروج ويقول ابن عزيز: ً عنها خروجا عن العرف ويا مرحبا ع�شرين مليون مليار مظاهر الت�شابهات اللفظية
وق��ال يحياوي �إن تقاليد القول يف ال�شعر النبطي فر�ضت ح��زم��ة ال �ت��زام��ات قيدت خ�ي��ال ال���ش��اع��ر ،ومنعته م��ن ال �ت �م��ادي يف التجريب ال�شعري ،باعتبار ذل��ك مغامرة غري م�ضمونة ميجها ال��ذوق القبلي وتن�أى ب��ال���ش��اع��ر ع��ن جم� ��اراة ف �ح��ول ال���ش�ع��راء الذين ت�شكل ق�صائدهم م�سطرة القيا�س يف الإج ��ادة وال�ت�ف��وق ،فكرثت الت�شبيهات اللفظية والأ�سلوبية يف ن�سيج اللغة ،وقدم مناذج لذلك ،م�شري ًا �إىل �أن هذه التكرارات الأ�سلوبية واللفظية والبيانية تتكرر على
�سعيد بن عتيج الهاملي �سعيد بن را�شد بن �سعيد بن عتيج الهاملي� ،شاعر �إماراتي من �شعراء مطلع القرن الرابع ع�شر الهجري ،والهوامل من حلف بني يا�س ،ولد يف بطانة ليوا على بعد 20كلم من ليوا يف حم�ضر « حوايا » الذي ذكره يف واحدة من ق�صائده ،وكانت والدته عام 1875على التقريب وكانت وفاته عام 1919م فعا�ش � 44سنة تقريبا وتويف دون �أن يتزوج، ا�شتهر ب�شعر الونة.
ترحيب ما حت�صيه رو���س القالمه
كما متثلت الت�شابهات ال�شعرية كذلك يف تكرار ال�شائع ،والكالم ما زال ليحياوي، الذي يرى �أنه ال غرابة يف �أن يكرر ال�شعراء تعبري ًا �شائع ًا ،املهم هل مت توظيفه وفق ًا حلد�س �شعري يخ�صبه ويرتفع به من داللته الأ�صلية املبا�شرة �إىل ان��زي��اح جيد �أم ال، وق��ال :ح�ين ذك��ر اب��ن ظاهر ع�ب��ارة «ج ْب ْل التهام ْه َجرادها» ف�إنه انتقل بهيجان اجلراد يف هذا اجلبل من داللته الفيزيائية املرئية �إىل داللة نف�سانية ،فقد �شبه هيجان ال�شعر يف قلبه بهيجان ذلك اجلراد الكثري ،تعبري ًا منه عن غ��زارة ال�شعر التي تنثال من قلبه املبدع حلظة �إن�شاء الق�صيدة ،لذلك قال:
غو�ش لك ّنها يغو�شنْ على قلبي ْن ٍ كما غا�ش من ج ْب ْل التهامه جرادها
�أم��ا اب��ن عزيز – كما ي��رى يحياوي -فلم يلتفت لغري ك�ثرة ع��دد ج��راد جبل تهامة، فا�ستخدم العدد كما �سمع به:
تقاليد القول في الشعر النبطي فرضت حزمة واللي تع ّنا به من ال�شر ماجور التزامات قيدت خيال وب��ه م��رح�ب��ا ع� �دّت ج ��راد التهامي الشاعر ومنعته من لو �شفتهم مثل اجلراد التهامي التمادي في التجريب ما ليهم عزامي يل احتما حامي الكري الشعري وا�ستطرد يحياوي يف ذكر �أن��واع الت�شابهات ب �ي ��ن م� � � ��وي اب � � �ح� � ��ور م� �ل� �ق ��ايف ال�شعرية ،فذكر منها تكرار ال�صيغ اللفظية، م� � � ��ا ي� � ��� � �ص � ��ك ال � � � �ق� � � ��وع ب � � � ِّل � � �ي � ��ده ومثالها ال��ذي �أورده ت��وات��ر من��ط واح��د من
التعبري عن العمق لدى كل من ال�شعراء الثالثة ابن عتيج وفتاة العرب واب��ن عزيز ،وهو ما ر�أى فيه منط ًا �شائع ًا بني ال�شعراء النبطيني التقليديني ال��ذي��ن رب �ط��وا جميع ًا العمق بـ «البلود» وهي قطع حديدية تربط يف حبل طويل وتُرمى من على املركب لقيا�س عمق البحر، وقد كانت هذه القطع �شائعة بني الغوا�صني يف «الهريات» ،و�أ�ضاف يحياوي :وك�أن ال�شعراء الذين ال يعرفون البلود ال ميكنهم و�صف عمق البحر �أو عمق �أي �شيء �آخر ،وذاك دليل �آخر على االتباع والتقليد والتكرار من دون منح اخليال ال�شعري �أي فر�صة لبحث عن �صيغ تعبريية �أكرث جدة .و�أكد يحياوي �أن ال�شعراء مل يكونوا يرون يف ذلك عيب ًا ما دام ال�سابقون لهم من الفحول قد �سنوا هذه ال�صيغة الثابتة، م�شري ًا �إىل �أن هذه ال�صيغة الو�صفية مل ترد يف �شعر ابن ظاهر. يقول ابن عتيق:
ع � � �ي� � ��ن ال� � � � �ظ� � � � �ب � � � ��ي مل� � � �ف� � � � ِّل � � ��ي � � � � � � � � �س � � � � � � � � َدّه غ � � � � ��زي � � � � ��ر ا ْب� � � � � �ل � � � � ��ود
وتقول فتاة العرب:
ث��اب��ت اىل خ�ف��ت وزون املهابيل وغ�م�ي��ق ب �ح��رٍ م��ار� �س��ت ف�ي��ه ل�ب�ل��ود
ويقول ابن عزيز:
زم��ن فوقها ق��رم املتامات ي�س ّلم غ ��زي ��ر � � �س � ٍّ�د وال حل � ْق �ل��ه اب� �ل ��ودي و�أ�شار يحياوي �إىل ما �أ�سماه بالتكرار الناجت عن جناية ال��رواة ،وهو ال ُيدخله يف التكرار ال �ن��اجت ع �م��د ًا ع��ن ال���ش�ع��راء ،وم�ث��ال��ه على ذلك التكرار اللفظي ل�صيغة لفظية كاملة و�سامع» من ق�صيدة ابن و�ضر�س هي «ع ٍني ٍ ٍ ظاهر �إىل ق�صيدة ابنته �أو العك�س .م�شرياً �إىل �أن عبارة «ما قل ودل» تكررت لدى فتاة العرب وابن عزيز ،وال ندري من �أخذها من الآخر ،م�شري ًا �إىل �أنها قد تكون متداولة عند غريهما من ال�شعراء .وذكر يحياوي �أنه يكاد يجزم �أن ت�سعني يف املائة من دواوين ال�شعر النبطي يف دولة الإمارات ال �أ�صول لها ،بحيث ال جتد يف مقدمة الكتاب كيف قام الباحث بجمع املعلومات ،وما هي م�سوداته ،وما هي امل�صادر التي جمعها ،م�شري ًا �إىل �أنه لي�س من حق الباحث �أن يعترب �أنه هو امل�صدر من دون �أن يذكر �أو يو�ضح ما هي امل�صادر التي جمع منها الديوان. و�أ�ضاف �أن��ه يجب على الباحثني يف ال�شعر النبطي الإم��ارات��ي �سواء املواطنني �أو من
فتاة العرب هي ال�شاعرة الإماراتية عائ�شة بنت خليفه بن ّ ال�شيخ �أحمد بن خليفه ال�سويديّة ،ولدت و �سكنت يف �أبوظبي ثم �أقامت بعد ذلك يف دبي .هذه ال�شاعرة التي انقادت لها ع�صيّات الألفاظ امل�سوّمة و �سل�س لها قياد املعاين املحكمة كانت تعرف �سابقا بلقب « فتاة اخلليج » اختار لها لقب « فتاة العرب» ال�شيخ حممد بن را�شد �آل مكتوم بعد تكرميها وتقليدها و�سام �إمارة ال�شعر يف عامل ال�شعر ال�شعبي يف عام .1989
ابن عزيز املن�صوري ه��و ال���ش��اع��ر ��ص��ال��ح ب��ن ع�ل��ي بن ع��زي��ز ب��ن ع�ب�ي��د امل �ع�ين امل�ط��اوع��ه البومنذر املن�صوري .م��ن قبيلة املنا�صري .ولد ال�شاعر عام1939م يف �إمارة �أبوظبي مبنطقة الظفرة يف ب �ي �ن��ون��ة ب��امل �ن �ط �ق��ة ال �غ��رب �ي��ة، ون�ش�أ وتربى وعا�ش حياة البادية ب�ين �أف��راد قبيلته .م��ار���س ال�شعر وه� ��و يف � �س��ن ال �� �ش �ب��اب وع��ا� �ص��ر ظ �ه��ور ال �ن �ف��ط ون �ه��و���ض ال��دول��ة وتطورها وق��ام على خدمة وطنه ق �ب��ل االحت � � ��اد ب��ان �� �ض �م��ام��ه �إىل ق ��وات ح��ر���س احل ��دود وب�ع��د قيام دول��ة االحت��اد ان�ضم �إىل احلر�س اخل��ا���ص ل���ص��اح��ب ال���س�م��و رئي�س ال ��دول ��ة رح �م��ه اهلل .ث ��م �أ� �ص �ب��ح ع�ضواً يف جمل�س �شعراء البادية ب�إمارة �أبوظبي ،و�شارك يف العديد م��ن امل�ن�ت��دي��ات ال���ش�ع��ري��ة املحلية واخلليجية ،حتى �أ�صبح �أحد �أبرز � �ش �ع��راء دول ��ة الإم � ��ارات ال�ع��رب�ي��ة املتحدة. جن�سيات �أخ��رى �أن يحذروا من كتابة كلمة «ج�م��ع وحت�ق�ي��ق» لأن �أغ �ل��ب الكتب املعنية ب�ه��ذا ال���ش��أن يكتب عليها «حت�ق�ي��ق» وعند فتح الكتاب من الداخل ال جند �أي حتقيق ي��ذك��ر ،فالتحقيق ه��و ف��ن ق��ائ��م ب��ذات��ه من خالل التعريف بال�شاعر والبيئة التي كان يعي�ش فيها ومن هم ال�شعراء الذين ت�أثر بهم وعا�صرهم ،كما يجب �شرح �أ�سماء الأعالم، م�ث��ل �أ� �س �م��اء امل �ن��اط��ق واجل��ب��ال وال�ب�ح��ار والتطرق �إىل اللمحات التاريخية حتى يكون املعنى وا�ضح ًا للقارئ والباحثني. يف ختام الأم�سية كرم حبيب ال�صايغ رئي�س الهيئة الإداري��ة لبيت ال�شعر ال�شاعر عيا�ش يحياوي وقدم له درع بيت ال�شعر
اآلفاق المرصد ارتياد 20 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
ي�سعى لتوثيق تراث الفنانني ال�شخ�صي
رواة القصص ..
معرض فني يقرن المرئي بالمكتوب �أبوظبي � -سامح كعو�ش افتتح معايل خلدون خليفة املبارك ،الرئي�س التنفيذي والع�ضو املنتدب ل�شركة مبادلة للتنمية ،يف قاعة املعمورة يف �أبوظبي ال�شهر الفائت ،املعر�ض الفني «رواة الق�ص�ص» ،بح�ضور هدى كانو م�ؤ�س�س جمموعة �أبوظبي للثقافة والفنون املدير الفني ملهرجان �أبوظبي ،ولفيف من حمبي الفن الت�شكيلي ومندوبي و�سائل الإعالم املحلية. ً ي�أتي املعر�ض يف �إطار رعاية مبادلة ملهرجان �أبوظبي ،باعتبارها �شريكا طويل الأمد ملجموعة �أبوظبي للثقافة والفنون ،وحر�صها على ن�شر ثقافة تقدير الرتاث واحرتامه.
الت�شكيل واالنيمي�شن معا ً لوفاء خازندار
ت�ضمن املعر�ض ال��ذي ي�ستمر حتى الرابع ع�شر من ال�شهر اجلاري �أعما ًال فنية لأربعة فنانني وخم�س فنانات من دولة الإمارات هم: عبد العزيز الف�ضلي «لوحات» ،نور ال�سويدي «ل���وح���ات» ،ي��و� �س��ف ال��ه��رم��ودي «ت���ص��وي��ر فوتوغرايف» ،عبد ال��ر�ؤوف خلفان «لوحات»،
وفاء خازندار «لوحات وعمل فيديو»� ،أ�شواق احلو�سني ،حممد املزروعي «لوحات» ،خولة دروي�ش ونوف العجمي. وت�ترك��ز ف�ك��رة امل�ع��ر���ض يف حم��اول��ة جت��اوز ال�صيغ والأ�شكال املعروفة لالت�صال املرئي من خ�لال ط��رح �سرد �شخ�صي مع كل عمل
من الأعمال الفنية ،يك�شف خالله الفنانون امل���ص��ادر احلقيقية لإلهامهم ،يف حماولة لتوثيق منابع ت��راث�ه��م الفني اخل��ا���ص .يف املعر�ض تتاح للمتلقي فر�صة �أن ي�شاهد العمل الفني و�أن يقر�أ ق�صته كما يرويها الفنان نف�سه .هذا التجاور بني العمل وحكايته ميثل روح املعر�ض وما ينطوي عليه من دالالت فنية يتوافر عليها اال�سم نف�سه «رواة الق�ص�ص»، فاملعر�ض يف النهاية ال يقدم فقط جملة من الأ�ساليب الفنية املتباينة من فنان �إىل �آخر، و�إمنا يحفر يف البعد الر�ؤيوي للعمل الفني، وم�صادر �إلهامه .وعندما يك�شف الفنان عن الن�ص الثاوي وراء لوحته �أو عمله الإبداعي ف�إنه يخلق عالقة خا�صة مع املتلقي ،ورمبا زج��ه يف معرتك العمل وت�سا�ؤالته ي�سهم يف ّ ومقوالته الفنية والفكرية. ي�سلط امل�ع��ر���ض ال���ض��وء ع�ل��ى منجز الفن الت�شكيلي يف الإم� ��ارات م��ن خ�لال جت��ارب
الفنانني الت�سعة ،وي�ضم �أعما ًال خمتارة لهم ت�أخذنا يف رحلة تتجاوز ال�صيغ والأ�شكال املعروفة لالت�صال املرئي� ،إذ تطرح منط ًا جديد ًا من العر�ض القائم على االكت�شاف الر�ؤيوي ملوحيات فنية ت�سهم يف �إجناز العمل الفني منبثق ًا من ذات الفنان ،من خالل طرح الق�صة الكامنة وراء كل عمل مع كل من الأعمال الفنية املعرو�ضة ،ي�سلط عربه الفنانون ال�ضوء على امل���ص��ادر احلقيقية لإل�ه��ام�ه��م ،م��ن ال�ت�راث �إىل احل ��زن ،ومن املر�ض �إىل الهجر ،حيث ت�شكل املو�ضوعات التي ي�ستك�شفها الفنانون �أعما ًال فنية رائعة مت ّثل جمموعة متنوعة من و�سائل التعبري الب�صري الت�شكيلي.
لوحتان لعبد العزيز الف�ضلي
الألوان الأخرى كاف ًة ،يف لوحة فنية �إماراتية عالية اخل�صو�صية .
خلفان يستحضر الذاكرة اإلماراتية الف�ضلي ..رموز وثيمات غنية تشكيله في وحاضرها ال�سويدي ..جر�أة لونية وداللية تعك�س �أعمال الفنان الت�شكيلي عبد العزيز تتجه الفنانة الت�شكيلية نور ال�سويدي التي حممد �سعيد الف�ضلي ،وهو فنان وخطاط من الفني الصاخب
�أبو ظبي ،الثقافة املحلية التي ينتمي �إليها مبا حتمله من رموز وثيمات غنية ،ويرى �أنها هي م�صدر �إلهام لكل فنان ،ويقول «كانت عنا�صر الثقافة التي ينتمي �إليها الفنان دوم ًا جم�سدة يف الأع �م��ال الفنية ،وه��ي بالطبع موجودة يف �أعمايل». حتقيق ًا حلريته اخل��ا��ص��ة يف التعبري عن هويته الإماراتية ب�أ�سلوب فني مغاير وجديد، يدمج يف �أعماله املبتكرة بني العلم والفن، وال ��ذي ه��و �أ��ش�ب��ه ب�سيمفونية �أو ق�صيدة حتتفي باحلروفية العربية ،ا�ستطاع الفنان الف�ضلي ابتكار منطه الفني اخل��ا���ص من خ�لال درا�ساته وق��راءات��ه التحليلية للخط ال�ع��رب��ي ،جامع ًا ب�ين الكال�سيكية القائمة ع�ل��ى امل�ح��اف�ظ��ة ع�ل��ى ال �ق��واع��د امل�شرتكة للخط ومبادئ احلروفية العربية ،و�أ�سلوبه الفردي الذي قد يبدو �أحيان ًا غري تقليدي، � �ش��ارك يف ال �ع��دي��د م��ن امل �ع��ار���ض حملي ًا وعاملي ًا ،وجال العامل على نطاق وا�سع ،وهو �شاعر وكاتب وباحث يف التاريخ الإ�سالمي والفل�سفة االجتماعية ،بالإ�ضافة �إىل ذلك، در���س الفنان املو�سيقى والت�صوير ،وعمل يف امل�سرح ل�سنوات عديدة.وت�شي اللوحتان
اخل��ا��ص�ت��ان بالفنان الف�ضلي يف املعر�ض بجماليات احلروفية العربية كعن�صر مميز �ضمن عنا�صر ال�ت�راث الإم��ارات��ي والهوية الثقافية ،فهذا الإرث اللغوي العظيم يعترب بالن�سبة �إىل الف�ضلي ملهمه الأول يف �إجناز عمله الفني ،فهو يعترب �أن �أعماله تنبثق من معتقدات ذاته وقيمه الإبداعية والإن�سانية وجت�سد �أفكاره و�أحالمه و�أحا�سي�سه ،وتقول ق�صته وم��ن خاللها يعلن ح�ضوره يف هذا ال �ع��امل .وت��رك��زان يف تفا�صيلهما الدقيقة على الألوان املحلية والأ�شكال احلروفية التي جتتمع لتك ّون �صورها �أو �شكلها الإن�ساين اليومي ،فالألوان الأزرق والرمادي يحتمالن التنوع اللوين يف الطبيعة الإماراتية ،بالأزرق لون ًا لل�سماء والبحر مع ًا ،وت��أت��ي احل��روف لتحتفي بلونيات مفارقة جامعة بني �صنوف
استطاع الفضلي ابتكار نمطه الفني الخاص من خالل دراساته وقراءاته التحليلية للخط العربي
ولدت عام ،1981واملتخ�ص�صة يف درا�سات الفنون يف اململكة املتحدة والواليات املتحدة، �إىل التنويع يف جتاربها الت�شكيلية يف عوامل الأل��وان على القما�ش والأعمال على الورق، بني البورتريه و الرمزية التجريدية ،ومتثل �أعمالها تطورها �أ�سلوبي ًا ،يف خليط يجمع بني اجلر�أة اللونية والأ�شكال املحملة بالدالالت التي حتفز املخيلة. وحتتفي الفنانة ال�سويدي بلونيات عالية التجريد تت�شكل ب ��أل��وان ح��ادة ول�ك��ن دون م�لام��ح وا��ض�ح��ة ل�ل�أ��ش�ك��ال ،ك��ال�برت�ق��ايل، الأخ �� �ض��ر ،الأ� �ص �ف��ر ،ال ��زه ��ري ،الأزرق، والبنف�سجي ،يف ر�سم الوجوه التي ال ت�شبه ال��وج��وه ،والب�شر ال��ذي��ن ي�شكلون من��وذج� ًا هالمي ًا ال يحتمل التفا�صيل الدقيقة والزوايا احل��ادة يف لوحتيها املعرو�ضتني ،وت�ستمد ع�ن��ا��ص��ر �أ� �ش �ك��ال �ه��ا ال �ه�لام �ي��ة امل�ت�م��اوج��ة املالمح من ع��وامل �أحالمها ،ك�أنها تر�سم «بالنيغاتيف» املل ّون ،ولكنه ذو طابع �إماراتي ت�شرق فيه �ألوان ال�صباحات والطبيعة وحتى الأح�لام تتم�سك ب�ألوانها داخل اللوحة ،يف تعبريها الفرح الكرنفايل.
المرصد 22 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
القابلة ل �ل��دوران» ،وت�شكل اللوحات الأرب��ع اخلا�صة ب��ه داخ��ل املعر�ض ،ل��وح� ًة واح��د ًة ب��أج��زاء �أرب�ع��ة ،ي�ستطيع امل�شاهد تدويرها يف اجت��اه معني لتجتمع يف �شكل �آخ��ر للوحة الواحدة ،مبا يعنيه ذلك من خلق �أبعاد فنية وجمالية جديدة مع كل ا�ستدارة� ،إذ معها ي�ستجمع املتلقي �شك ًال من ا�شكال احل�ضور الت�ضامني مع العن�صر الأبرز للوحة ،والذي يكون يف اال��س�ت��دارة الأوىل البيت الرتاثي الإماراتي ،بينما يكون مع اال�ستدارة الثانية وجه امل��ر�أة ،ويكون يف اال�ستدارة الثالثة جرة املاء احلمراء املزينة بنقو�ش تراثية هند�سية، �أما يف اال�ستدارة الرابعة فهو �شجرة النخيل ال��زرق��اء ال�ل��ون ،ويف ذل��ك بعد داليل عجيب يحيل امل��وج��ودات الأ�صيلة يف البيئة املحلية ذات �ألوان ناطقة مبا هو خمتلف وجديد ،ك�أننا �أمام لعبة الفن يف عالقته باحلياة� ،أو ما ميكن لنا �أن ن�سميه تفجريات اللون يف الللوحة الال نهائية الت�ش ّكل ،وهي لعبة جمالية جل�أ �إليها الفنان ليك�سر حدة التلقي النمطي املعتاد يف القراءة الواحدة للعمل الفني.
�سف اخلو�ص ليو�سف الهرمودي
احلو�سني ..تخييل الواقع
جم�سم القلوب خلولة دروي�ش
خلفان ..عوامل من الرتاث
�أم��ا الفنان الت�شكيلي عبد ال��ر�ؤوف خلفان فيتميز كما هو معروف عنه ،ونتيجة ارتباطه بوطنه و�شغفه بالرتاث ،بر�سم عوامل تراثية ي�ستوحيها من خميلته و�أحالمه التي يغنيها موروثه الوطني وهويته الثقافية ،ويرتجمها يف �أ�شكاله التكعيبية ،فهو ي�ستح�ضر الذاكرة الإم��ارات �ي��ة وح��ا��ض��ره��ا يف ت�شكيله الفني ال�صاخب ،ب�ألوان يغلب عليها الأ�صفر الرملي والأزرق ال�ب�ح��ري م��ن البيئة الإم��ارات �ي��ة، و�أ�شكال تت�ضح فيها مالمح �شجر النخيل وال �ب �ي��وت ال�ق��دمي��ة وال�ت��و��ش�ي��ة بالتفا�صيل
الهند�سية الإم��ارات �ي��ة الإ�سالمية يف وجه امل��ر�أة �أو �شجرة النخل �أو البيت الرتاثي �أو جرة امل��اء ،يف ع��ودة �إىل م�صدر �إلهام فني �أكرث نقا ًء و�أ�صال ًة. كما يتميز الفنان الت�شكيلي عبد ال��ر�ؤوف خلفان �أي�ض ًا ب�أ�سلوبه اخل��ا���ص «اللوحات
تحتفي السويدي بلونيات عالية التجريد بألوان حادة دون مالمح واضحة لألشكال
ا�شتغلت الفنانة الت�شكيلية �أ�شواق احلو�سني، وهي خريجة فنون الغرافيك والت�صميم من كليات التقنية العليا يف العام ،2004على نف�سها لتكون يف م�صاف زمالئها الفنانني امل�شاركني يف معر�ض «رواة الق�ص�ص» ،من �أ�صحاب التجارب املك ّر�سة يف م�شهد الفن الت�شكيلي يف الإم��ارات� ،إذ حاولت �أن جتعل من عملها الواحد �ضمن املعر�ض لوح ًة حافل ًة بالألوان و�صاخب ًة بها ،بل ومت�ضمن ًة �أ�شكا ًال ع��دة م��ن التجريب الفني اجل���ريء ،وهي كانت قد �شاركت يف العديد من ور�ش العمل ودورات التدريب يف املجمع الثقايف ومنطقة الفنون يف ال�شارقة. متزج الفنانة ال�شابة يف �أعمالها بني عنا�صر من الواقع و�أخرى من املخيلة ،خالق ًة حوار ًا وج��د ًال فني ًا يف ت�ن��اول مو�ضوعات املجتمع واملحيط ،ولكنها يف عملها اخلا�ص بف�ستان الأنثى التي ت�شكل العن�صر الأبرز يف لوحتها،
ت�شري �إىل لونية فرحة احتفائية منبثقة من �أجواء العر�س النف�سي الذي تقيمه احلبيبة وهي تنتقي ف�ستانها للقاء احلبيب« العري�س» الرجل ،فالفنانة تلج�أ �إىل الألوان الطبيعية ج��د ًا ك��الأخ���ض��ر ،الأح �م��ر ،ال�برت�ق��ايل ،بل وت�ستخدم ج�سد الأن�ث��ى �صاحبة الف�ستان نف�سها مبا ي�شبه عن�صر ًا طبيعي ًا هو ال�شجرة بف�ستانها الأخ�ضر و�شعرها املنت�شر يف الهواء ك��أغ���ص��ان مت�شابكة ل�شجرة م��ا ،وتر�سم الفنانة احلو�سني عامل ًا غرامي ًا ت�ؤكده خلفية اللوحة وال�ت��ي يظهر فيها �أزواج راق�صون ول��ون �ي��ات ح���ادة ت���س�ت�خ��دم ال �ل��ون الأح �م��ر والربتقايل ملا يليق بلقاء عا�شقني.
الهرمودي ..واقعية فنية
بينما ينتمي ال �ف �ن��ان الت�شكيلي يو�سف ال �ه��رم��ودي ال���ذي ب���د�أ م���س�يرت��ه كم�صور فوتوغرايف وعمره ال يتجاوز � 12سن ًة ،واحرتفه عند بلوغه � 19سن ًة� ،إىل عامل الواقعية الفنية يف ت�صويره لبطل لوحاته الثالث املعرو�ضة، وه��و ال�ع�ج��وز �صانع ��س�لال الق�ش و�أدوات اال�ستعمال امل�ن��زيل امل�ستخدمة ق��دمي� ًا يف الإم� ��ارات ،فالرجل العجوز يجل�س لي�سف اخلو�ص �صانع ًا منه ه��ذا ال�شكل الدائري اجلميل ،ال كمجرد داللة ل�صناعة �إماراتية قدمية كانت منت�شرة ومتجذرة يف قامو�س احلياة وال�صناعات ،لكن ك�شكل جمايل فني تدل عليه الأ�شكال اللونية والزرك�شة التي على ال�صحن نف�سه ،وال تتوقف اجلماليات املتدفقة يف عمل الهرمودي ،فهي ت�أخذنا �إىل دقائق مالمح وجه العجوز بتجاعيد ر�سمها الزمن على حمياه ،وجدارية خلفه هي بحد ذاتها لوحة فنية �أخ��رى داخ��ل اللوحة ،يف توزيع �أ�شياء البيت الإم��ارات��ي القدمي ،من �ُ��ص� ّف� ٍة يجل�س عليها ال�ع�ج��وز� ،إىل مالب�س يرتديها ،ونافذة خ�شبية مقفلة يف احلائط، و�أ�شياء الإنارة وال�شراب وغريها. يذكر �أن الفنان الهرمودي هو خريج جامعة ال�شارقة وه��و منتج �أف�ل�ام وم���ص��ور ،نظم جم �م��وع � ًة م��ن امل �ع��ار���ض ال�شخ�صية مثل «ال�ط��واف» و«وج ��وه» و«�سكة» ،ورغ��م �أن لكل
عمل فني لعبد الر�ؤوف خلفان
حاولت الحوسني أن تجعل من عملها ً ً حافلة لوحة الواحد باأللوان وبأشكال عدة من التجريب الفني الجريء معر�ض �سمته وثيمته ،لكن ما يجمع معار�ضه هو ع�شق ال�صحراء واالعتزاز برتاث الأجداد.
خازندرا ..م�ضمون مفاهيمي
ترتكز جتربة الكاتبة والفنانة الت�شكيلية وفاء خازندار املولودة العام ،1963واحلائزة على جمموعة من اجلوائز الفنية والأدبية� ،إىل عالقتها الأوىل بالكتابة والإب ��داع املتنوع، فهي �صاحبة م�شروع ابتكاري ل�شخ�صيات الأن�ي�م�ي���ش��ن اخل��ا� �ص��ة ب �ه��ا ،وه ��ي الأدي �ب��ة
وال�شاعرة ذات الثقافة العاملية والعربية من م�صدرين الأول �إماراتي والثاين فل�سطيني، �إذ لها جمموعتان �شعريتان ،وجمموعة خم� �ت ��ارات ل�ق���ص����ص ق �� �ص�يرة ،ت��رج�م��ت �أ�شعارها �إىل الأنكليزية. حتفز خميلة امل�شاهد لأعمالها امل�شغولة بالزيت على القما�ش ممزوج ًا مبواد خمتلفة، مب�ضمونها املفاهيمي الإن�ساين ،م�ستوحية من عوامل احللم والطفولة� ،شخ�صيات تكرب مع الفنانة وتتكور داخل رحم وعيها الفني، حتى ت�ك��اد ت�خ��رج م�ستقل ًة عنها ،متمرد ًة عليها ،بل ومن�شطر ًة يف ذاتها� ،إذ نرى يف لوحتها ام��ر�أة ذات مالمح ح��ادة وتفا�صيل غاية يف الدقة ،تركب ح�صانها الأزرق الذي ال يختلف لونه عن لون طا ٍغ يف لبا�س املر�أة نف�سها ،واملتقارب اللون ج��د ًا مع امل�ساحة الأكرب من اللوحة وهي اخللفية باللون الأزرق الفاحت ،ولكن املغايرة واملفاج�أة الداللية ذات الإدها�ش يف اللوحة تكمن يف وجه امر�أة رجل
المرصد 24 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
جانب من ح�ضور املعر�ض
�أخرى يخرج من الن�صف الأ�سفل يف اللوحة ويتهاوى نزو ًال يف حركة �ضدية ال تتوافق مع اجتاه الن�صف العلوي من اللوحة �إىل الأعلى بالطريان والفرح واالنعتاق البارز يف حركة يد املر�أة ووجهها ورمزية احل�صان كعن�صر حر يف العمل الفني. ولأن الفنانة وف��اء خازندار فنانة ا�ستثنائية مبقايي�س ع��دة ،جندها تعر�ض يف معر�ض «رواة الق�ص�ص» م�شروعها يف فن الأنيمي�شن، وه��و ع �ب��ارة ع��ن �سيناريو ح�ي��اة ل�شخ�صية ابتكارية من �صنعها �أ�سمتها «ال�سيد �صامت» ك�أنها تق ّوله يف احل��رك��ة والفنيات العالية املرافقة لها ،ما ال يقوله يف احلياة.
املزروعي ..االحتيال على املتلقي
ي�شارك الفنان الت�شكيلي حممد املزروعي ال �ف �ن��ان��ة خ���ازن���دار ه���ذا ال �� �ش �غ��ف ال�ف�ن��ي ب��امل�ت�ن��اق���ض��ات ،وه ��و ك��ذل��ك اب ��ن ثقافتني ع��ري �ق �ت�ين ل�ل ��إم� ��ارات وم �� �ص��ر ا��س�ت�ل�ه��م موروثهما الغني يف �أعماله الت�شكيلية� ،إنه
املتعدد املواهب والغارق يف التجريب الفني والإب ��داع ��ي ،كم�صور ف��وت��وغ��رايف و�شاعر وك��ات��ب ل��ه �أك�ثر م��ن �سبع �إ� �ص��دارات ،عمل يف املجمع الثقايف ب�أبوظبي ،و�أق��ام �أربعة معار�ض فردية يف الإم��ارات ،كما �شارك يف العديد من املعار�ض اجلماعية. مييل الفنان حممد املزروعي �إىل املفاهيمية يف ف�ن��ه ،م�ضمن ًا �أع�م��ال��ه �أب��ع��اد ًا جمالية عالية ،ور�ؤية متميزة ،لكنه يف معر�ض «رواة الق�ص�ص» يلج�أ �إىل حماولة االحتيال على املتلقي ب�أن ي�شركه الغو�ص يف عوامل طفولته وذاكرته الأوىل عن الأ�شياء والكائنات ،يف �شفافية عالية ورمزية عميقة حتيل املتلقي �إىل كونٍ من الأ�سئلة الال متناهية عن الوجود والعدالة يف احلياة ،وظروف الوالدة والطفولة والوجود الالحق الطبيعي ،ليقع الرائي يف
خازندار أديبة وشاعرة وصاحبة مشروع ابتكاري لشخصيات أنيميشن خاصة بها
اللوحتني اخلا�صتني باملزروعي يف املعر�ض، يف �أ�سر املبهم الذي يريده الفنان �شك ًال �أوحد للوعي عن الأم ،العائلة ،الأ�صدقاء ،الآخرين والأ�شياء التي ت�سم عاملهم. ير�سم امل��زروع��ي ال��وج��وه كما «يخرب�شها» طف ٌل �صغري ،بل رمب��ا ن�ستطيع القول �إننا �أم� ��ام ف �ن��ان ك�ب�ير ي�ل�ج��أ �إىل «اخل��رب���ش��ة» كمحاولة لتح�سني �صورة العامل بت�شويهها، مب��ا ين�سجم م��ع نظرية اخل ��راب اجلميل ال�شائعة يف الأدب وال�ت�ج��ري��ب احل��داث��ي، فال�شاعر الفنان هنا يكتب عامله مبا ي�شتهيه كطفل يقول الوجود ك�أجمل ما يكون العمر، ٍ كما يل ّونه بعينيه ،يطرح �أ�سئلته الكونية مب�ف��ردات طفلية ب�سيطة غري ع�صية على ال �ف �ه��م ين�سجم م�ع�ه��ا ف��ن «امل��ون��وت��اي��ب» ال��ذي ي�ستخدمه الفنان الت�شكيلي حممد املزروعي ،ك�أنه ين�سج �شبكة غاية يف التعقيد من الأ�شكال والظالل والأل��وان التي تقع يف اللوحة ك�أنها نقاط مطر ينهمر على مهل ويخت�صر ذاته يف �أقل بقعة ممكنة ،ليبقى
خلدون املبارك وهدى كانو خالل افتتاح املعر�ض
الفن الذي وفر يل ال�شعور بالراحة من بني �أعمايل الفنية» .
دروي�ش ..فو�ضى ب�صرية لونية
من اعمال نور ال�سويدي يف املعر�ض
احليز الأكرب يف اللوحة للفكرة خلفها. ي��رى امل��زروع��ي �أن ف��ن امل��ون��وت��اي��ب ال��ذي يعترب من �أ�سهل الأعمال اجلرافيكية من حيث الطباعة ،قيا�س ًا مبا يحتاجه العمل اجلرافيكي ع��ادة من اجلهد والتعب ،قد �أعاده �إىل طفولته و�سنوات �صباه ،فيقول: «لقد عملت يف �صغري �أعما ًال كثرية متعبة مثل كل الأطفال الفقراء ومل �أجد الراحة �إال ع�ن��دم��ا ب�ل�غ��ت ال�ع���ش��ري��ن م��ن العمر وعملت م�صور ًا للأعرا�س واحلفالت ،كان الت�صوير هو الأكرث راحة يف حياتي العملية متام ًا كما كان اكت�شايف فن املونوتايب ،هو
�أما الفنانة الت�شكيلية خولة دروي�ش ،خريجة كلية الفنون بجامعة زاي��د ،دب��ي ،واملولودة عام 1986فتجمع يف ما اعتدناه من �أعمالها الفنية بني بيئات ت�ستوحيها من تراث وثقافة املكان الإماراتي من خالل الر�سم بالأكلرييك والأح �ب��ار ال�صينية وغريها ،م�ستمدة من املفاهيمية فو�ضى ب�صرية لونية تن�سحب على العنا�صر امل�ضافة لرتكيبة اللوحة ،وكانت خولة احلا�صلة على �شهادة يف الفنون من جامعة زايد� ،شاركت مبجموعة من �أعمالها يف بينايل البندقية عام .2009لكنها هنا ويف عملها الواحد ال��ذي تعر�ضه �ضمن معر�ض «رواة الق�ص�ص» ،حت ��اول �أن جت�ّي رّ الفن خلدمة املجتمع املحلي وهي تعلن «�أثناء بحثي اكت�شفت �أن الإم��ارات ت�سجل معدالت عالية يف الوفيات ب�سبب �أمرا�ض القلب ،ك�إماراتية وك�إن�سانة جربت معنى �أن ميوت من حتبهم مبر�ض القلب� ،أ�شعر �أن من واجبي �أن �أحذر من هذا املر�ض الذي يهددنا من خالل العمل الفني» .ولهذا فهي تقدّم يف املعر�ض جم�سم ًا فني ًا من القلوب املو�ضوعة فوق بع�ضها على
�شكل هرمي ،ت�أكيد ًا لهول م�صيبة �أن ميوت هذا الكم الكبري من الب�شر مبر�ض منت�شر، لأن وعينا ال�صحي قا�صر عن �إدراك �أمناط الوقاية منه.
نوف العجمي ..بورتريه جمايل
بينما متيزت الفنانة الت�شكيلية ال�شابة نوف العجمي ب�أعمالها الثالثة التي تنتمي لفن البورتريه املدعم باجلماليات الهند�سية التي تعك�س جتارب احلياة نف�سها ،وتربز ان�شغالها على كل عمل على حدة ،يف مدة تقارب العام �أو العامني ،من خالل التفا�صيل الدقيقة والكثرية للوجوه والأ�شكال الإن�سانية التي تر�سمها. والفنانة نوف العجمي ال تعتمد على جماليات ال���ش�ك��ل ب��ذات��ه ك�ف�ن��ان��ة جت��ري��د وج�م��ال�ي��ات طبيعية معتادة ،بل كفنانة تعمد �إىل الت�شكيل الهند�سي ال��ذي ت��زدح��م فيه الأ��ش�ك��ال كما احلياة املعا�صرة نف�سها ،وباحلدية وال�صخب نف�سه ،فلوحاتها الثالث حتيل الرائي فيها �إىل �أ�سئلة عما يقوله الوجه� ،أو ما تنطق به العينان م��ن دالالت �صامتة يف �صخب� ،أو م��ا ي�شري �إليه اجل�سد املت�شكل من جمموعة هائلة من الرموز الهند�سية والأل��وان اخلافتة واحلادة يف اجتماعها مع ًا يف م�ساحة لونية تختزلها الفنانة �إىل �أقل م�ساحة ممكنة
عبق عبق
26 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
ذات الستر الجليل «الست» أم خليل
يقولون واهلل �أع �ل��م� :إن ال�ت��اري��خ معرفة بالزمن ،وت��أم��ل لأح��وال��ه ،وك��ل ما يتعلق ب��الإن���س��ان ،م��ن احل ��وادث ،وم��ا ج��رت به املقادير التي مير بها الكائن والكائنات، و�سبحان من له الدوام. والتاريخ عادة قد ينتهي مب�أ�ساة ،و�أي�ضاً قد ينتهي ب�أمثوالت قد تثري العجب ،وقد تثري ال�ضحك ،ورمب��ا �أث ��ارت الده�شة، �أو ال�شفقه على م�صائر وخواتيم ه�ؤالء الذين كانوا يوم ًا يف عني الأي��ام ،وعلى ر�ؤو�س احلوادث!! وه �ك��ذا ك��ان��ت م��ن و��ص�ف�ه��ا ..اب��ن �إي��ا���س «امل�صرى ،م�ؤرخ الع�صر الو�سيط الأ�شه» ذات ع�ق��ل وح� ��زم ،ك��ات�ب��ة ق��ارئ��ة ،لها معرفة تامة ب�أحوال اململكة ،ولقد نالت مراتب العز والرفعة ما مل تنله ام��ر�أة مثلها وال بعدها. �أي ح��وادث ج��رت لتلك اجلليلة ع�صمت الدنيا والدين؟! تلك البهية ،الر�شيدة التي ال يعرف عنها عامة النا�س �إال بع�ض القباقيب ،وحلوى �أطلقوا عليها «�أم على»!! هي �شجر الدر� ،أو �شجر الدر بنت عبداهلل، البهية ،قوية ال�شكيمة ،التي وجدت لتطاع، �أرمينية ح�سناء� ،أو رو�سية جلب �أهلها من البالد البعيدة� ،أهديت للم�ستع�صم اخلليفة العبا�سي ال��ذي �أه��داه��ا لنجم �سعيد الكفراوي الدين الأيوبي ف�أعتقها وتزوجها ،و�سرعان ما �أجنبت له ولد ًا ا�سمه خليل ،عرفت به «�أم خليل» .كانت ذات حظوة جلمالها وذكائها� .شاركته احلكم .وعندما مات خليل حملت ا�سمه ،اال�سم الذي كان يطرق على العملة ،والذين يدعون لها به من فوق
املنابر وح�ين ج��اءت م�صر كانت �شجرة الدر تدير �أمر البالد مع جنم الدين. �شاركت زوجها االنت�صار على ملك فرن�سا ال�صليبي لوي�س التا�سع ع�شر الذي �سجن يف بيت اب��ن لقمان يف املن�صورة .ولقد قامت �شجرة ال��در ب��أه��م �أدوار حياتها كامر�أة ،و�سلطانة عندما مات جنم الدين �أي���وب يف ع��ز احل���رب ،يف ال��وق��ت ال��ذي حت��رك فيه الفرن�سي�س يف طريقهم من دمياط �إىل داخل م�صر. ك��ان املماليك الأ� �ش��او���س يتح�صنون يف املن�صورة ،وينتظرون لوي�س و�أجناده الذين اخرتقوا بال هواده �صفوف املماليك ،لكن دفاعات امل�صريني �أجربتهم على الفرار، وك��ان��ت مقاومة املماليك حا�سمة حيث انتهى الأم��ر بت�شتيت �أم��ر الفرن�سي�س، وهزميتهم ،ومت �أ��س��ر امل�ل��ك ال�صليبي، و�سجن يف بيت بن لقمان. �أخ�ف��ت �شجرة ال��در م��وت امل�ل��ك .وكانت ت�ستقبل رج��ال الدولة من خلف ال�ستار، وت��دخ��ل ل��ه ال� ��دواء وال�ط�ع��ام ك ��أن��ه حي، ولكنه يعانى مر�ض ًا يحول بينه وبني مقابلة احلا�شية ،وك��ان��ت متهر �أوام ��ر احل��رب، و�ش�ؤون البالد بخامتها ،وتوقع اخلطابات بتوقيعها لأن�ه��ا ك��ان��ت تقلد توقيع امللك الراحل ،ولوال ما �صنعته حلدث ا�ضطراب بني القادة ،وحافظت على كيان الدولة، يف مواجهة حملة م��ن حمالت ال�صليب على �أر� ��ض الكنانة ،كما حافظت على كيان الدولة الأيوبية حتى عاد ابن زوجها ت��وران �شاه من ال�ع��راق ف�سلمته مقاليد احلكم حتى �أكمل انت�صاره على الأ�سطول ال���ص�ل�ي�ب��ي ،ومت الإج� �ه ��از ع �ل��ى جي�ش
الفرن�سي�س متام ًا يف فار�سكور. مل يفلح اب��ن جن��م ال��دي��ن �أي� ��وب ت��وران �شاه يف التعامل مع مماليك وال��ده الذين ع�ضدوه لإحراز ن�صره امل�ؤزر ،ثم �أنه �ضيق على �شجرة ال��در ك��ل امل�ن��اف��ذ ،وتوعدها حتى تقر ب�ثروة وال��ده من ذهب وجوهر، وحني �ضاق عليها احل�صار ،و�أح�ست ملكة م�صر باملذلة قررت التخل�ص منه و�أر�سلت وعلي �إىل مماليكها « اقتلوا ت��وران �شاه ّ ر�ضاكم» ،فقتلوه بال رحمة ،وملقتله م�شه ٌد ُيحكى ،ودر� � ٌ�س ُيلقى ومبقتل ت��وران �شاه تنتهي دولة بني �أيوب لتبد�أ دولة املماليك البحرية يف م�صر ،وت�ت��وىل �شجرة ال��در �سلطنة البالد .يقول �ستانلي ي��ول ،م�ؤرخ الع�صر ال��و��س�ي��ط« :وت �ك��اد �شجرة ال��در امللكة الوحيدة التي تولت احلكم علي بالد امل�سلمني قبل �إمرباطورية امللكة فيكتوريا». باختيار �شجرة ال��در للحكم بدا ما يدعو �إىل الده�شة. ك �ي��ف ي �خ �ت��ار ه � ��ؤالء اجل �ب��اب��رة ام� ��ر�أة تت�سلطن عليهم؟! رمبا هي احلكاية القدمية ،املتكررة يف اخلالفة العبا�سية حيث يتوىل ال�سلطان الأ�ضعف حتى يتمكن قواده الأقوياء من القفز على ال�سلطة حني يريدون!! لعل الأم��ر ال يعدو بتولية �شجرة ال��در �إال متهيدا للطرق �أمام فر�سان املماليك للقفز علي ال�سلطة ،وه �ن��اك يف �صف املنتظرين� ،أيبك و�أقطاي وبيرب�س وقطز وغريهم وكل منهم طموحه بني عينيه!!. ه��ل ك��ان اخ�ت�ي��اره��ا لطم�أنة بني �أي��وب يف ال���ش��ام باعتبارها �آخ��ر الأي��وب�ي�ين؟ ت��ول��ت ��ش�ج��رة ال���در احل �ك��م ب�ك��ل �أب�ه��ة
امل�ل��ك ،و�أم ��رت ف�أطيعت ،وت�صرفت يف � �ش ��ؤون ال �ب�لاد وال �ع �ب��اد� .سكت النقود با�سمها ،وحملت الأل �ق��اب ال�سلطانية: امل�ستع�صمية .ال�صاحلية .ملكة امل�سلمني. والدة امللك املن�صور خليل .وكانوا يقبلون الأر�ضي لها .حتدثهم من وراء حجاب. و�أغدقت على اجلميع العطايا واملنح. اق�ترب منها اململوك عز الدين �أيبك، و� �س��اع��ده��ا يف ت��دب�ي�ر �� �ش� ��ؤون امل �ل��ك، وك ��ان ذك �ي � ًا ،حم��ارب � ًا ،جميل الطلعة، فا�ستهواها ،و�أحبته ،حتى �أن �أمرها قد ا�ستفز اخلليفة امل�ستن�صر باهلل العبا�سي �أبو جعفر ف�أر�سل قوله لأهل م�صر ،كما جاء يف كتاب «النجوم الزاهرة» للم�ؤرخ اب��ن �إي��ا���س« :اعلموا �أن ما بقي عندكم يف م���ص��ر م��ن ال ��رج ��ال م��ن ال ي�صلح لل�سلطة فنحن نر�سل لكم من ي�صلح لها» وذك��ره��م بحديث ر��س��ول اهلل« :ال �أفلح قوم ولوا �أمرهم امر�أة». ��ض��اق ب�ه��ا زوج �ه��ا ع��زال��دي��ن �أي �ب��ك من تدخلها يف �ش�ؤون احلكم ،ومن �إعالنها ريا�ستها على اجلميع� ،إال �أنه هاونها حتى تك�شف له عن كنوز جنم الدين �أي��وب، ويف �سبيل ر�ضاها ال�سامي طلق زوجته �أم ولده علي. وقعت الكراهية والرتب�ص ،حمل الع�شق والغرام .وكانت �شجرة الدر قد و�صلت خ��ري��ف ال�ع�م��ر ،وك ��ان �أي �ب��ك ق��د خطب ��ش��اب��ة م��ن ع �م��ره ه��ي اب �ن��ة ب��در ال��دي��ن ل�ؤل�ؤ �صاحب املو�صل .وا�شتعلت الغرية بقلبها فدعته لل�صعود �إىل القلعة بحجة امل�صاحلة ،وب��داي��ة حياة جديدة مثلما كان يف املا�ضي ،لكنها كان ت�ضمر الغدر.
ويف الق�صر �أمرت غلمانها ،خم�سة منهم فخنقوه يف احلمام. يقول �شيخنا الراحل الكبري د .ح�سني فوزي يف كتابه الهائل�«..سندباد م�صري» و�أذيع يف اليوم التايل خرب انتقال �أيبك �إىل الرفيق الأعلى على جناح ال�سرعة م��ن دون مقاومة م��ن �أح��د فلم ي�صدق النا�س هذا النب�أ ،لأن الرجل مل يبد عليه يوم ًا انه يتعجل الرحيل �إىل...هناك!. جنت �شجرة الدر حتى ت�أتي بهذا الفعل. ا�ضطرب عقلها والزمت ال�صمت وقب�ضوا عليها ،وو�ضعوها يف الرت�سيم ،و�شوهدت يف �آخ��ر �أي��ام�ه��ا وه��ي تطحن جواهرها الغالية ،وحليها ال��ذي ال يقدر بثمن يف ه��ون م��ن ال��ذه��ب .يتوىل علي ب��ن �أيبك ال�سلطنة ،وي ��أت��ي ب�سلطانة امل�سلمني وي�سجنها ب��ال�برج الأح�م��ر بالقلعة ،ثم حت�ضر �ضرتها �أم علي وت�أمر جواريها ب�ضربها بالقباقيب حتى املمات ،وذلك يف يوم اجلمعة 11من ربيع الثاين يف العام 648هـ ،ويف اليوم نف�سه وزع��ت �أم علي حلوى من الرقاق واللنب وال�سكر �أطلق عليه حتى اليوم حلوي «�أم علي» احتفا ًال وابتهاج ًا وفرح ًا مبقتل �شجرة الدر� .أما �سلطانة الدنيا والدين فقد �سحبت من رجلها وهي عريانة لي�س عليها �إال لبا�س يف و�سطها و�ألقيت على �سور القلعة لثال �أي��ام ،ت�أكل فيها الكالب ،ثم حملت يف قفة ووري��ت يف مقابر ال�صدقة ومل يبق من تاريخ �سلطانة امل�سلمني ،ملكة الدنيا وال��دي��ن �إال حكاية �ضربها بالقباقيب، وحلوى �أم علي!!! ف�سبحان القادر على ت�صاريف الزمان!!
قضية للنقاش 28 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
ميثل تهديد ًا للهوية وللذاكرة
تغييب التراث في برامج التعليم بالمغرب «»2-1 الرباط -عبد الرحيم اخل�صار املغرب �أر�ض �شا�سعة تنامت على �صدرها منذ الأزل ت�ضاري�س احل�ضارة والتاريخ ،فهنا �ضرب الفينيقيون خيامهم وعرب البيزنطيون والبونيقيون والرومان والوندال ،وتعاقبت احل�ضارات الآ�شولية ،املو�ستريية ،العاتريية، الإيربوموريزية �إىل �أن و�صل الفتح الإ�سالمي يف القرن الأول هجري مع عهد الأمويني ،وقبل امليالد بقرون �أ�س�س الأمازيغيون ممالكهم ،وتنوعت �أ�شكال العي�ش وتعددت الأ�صول والأن�ساب وتراكم مع مرور الزمن تاريخ من الأحداث والتحوالت، وت�شكلت ذاكرة كبرية من العادات والتقاليد وطرق البناء والطبخ والأزياء والأثاث و�أنواع املو�سيقى وخمتلف الفنون .هذه الذاكرة التي جتمع يف طياتها العنا�صر املادية واملعنوية �ستحمل الحقاً ا�سم «الرتاث».
جل�سة �شاي على الطريقة ال�صحرواية
ل �ك��ن م���اذا ع��ن ح �� �ض��ور ه ��ذا ال �ت�راث يف امل �ن��اه��ج ال�ت�ع�ل�ي�م�ي��ة ب��امل �غ��رب؟ امل��دار���س واملعاهد واجل��ام�ع��ات ،هل تُعنى بتدري�س الرتاث املادي واملعنوي للأجيال املتعاقبة؟ تاريخ املو�سيقا واملعمار والأزي��اء والطبخ والأدب وال��ر��س��م وبقية الفنون باملغرب، هل هوتاريخ حتفظه الذاكرة �أم �أنه تاريخ من�سي؟ هل تتعامل امل�ؤ�س�سات التعليمية بتحفظ وبانتقاء مع ت��راث ه��ذه البالد؟ وه��ل تنظر بنوع من اخلجل �إىل الرق�ص وال �غ �ن��اء ال���ش�ع�ب��ي وال �ط �ق��و���س وال��ع��ادات املوروثة؟ ما تقييم اخل�براء والباحثني لهذا الوجود املفرت�ض للرتاث يف مناهج التعليم وهل هو كاف للقيام بوظائفه التثقيفية والتوعوية ٍ وبناء الهوية وجتذير الإنتماء؟ �أال ي�شكل تغييب الرتاث يف برامج التعليم باملغرب تهديد ًا للهوية ول�ل��ذاك��رة ويخلق قطيعة بني الإن�سان وما�ضيه املادي واملعنوي وتاريخه العميق؟
تغييب التراث األمازيغي نتج عنه ضعف معرفة المغاربة بتاريخهم وشعورهم بالدونية الثقافية أمام األجنبي كيف ينظر املثقفون والباحثون يف تاريخ الفن واملعمار واملوروث ال�شفهي وامل�س�ؤولون يف ال�ق�ط��اع��ات املعنية �إىل ه��ذه العالقة؟ وماذا يقرتحون من �أجل تدعيمها كي ي�صبح الرتاث مبختلف �أ�شكاله مادة علمية يف هذه امل�ؤ�س�سات؟ هذه الأ�سئلة هي مدار النقا�ش يف حتقيقنا ه��ذا ال ��ذي � �س��وف ن�ن���ش��ره ع�ل��ى حلقتني، وال �غ��اي��ة ه��ي م�ع��رف��ة حقيقة ال�ع�لاق��ة بني الرتاث والتعليم يف املغرب ،والوقوف على مكامن اخللل واق�ت�راح م��ا ي��ر�أب ال�صدع ب�ين ط��رف�ين :ال�ت�راث ك��ام �ت��داد للما�ضي يف احلا�ضر وامل�سقبل ،والتعليم كدعامة
وج�سر ال مفر من عبوره للو�صول بكل قطر من الأقطار �إىل �أر�ض التقدم والرقي. يف اجلزء الآخر من التحقيق� ،سوف نتوجه بالأ�سئلة �إىل م��دي��ري��ة امل�ن��اه��ج يف وزارة التعليم و�إىل اجلمعيات املدنية والهيئات املعنية و�إىل ب��اح�ث�ين �آخ��ري��ن يف ال�ت�راث ال�شفهي وامل ��ادي م��ن �أج��ل ت�سليط �ضوء �أكرب على هذه العالقة املعتمة بني التعليم والرتاث.
تعليم املغرب وتراثه
قررنا �أن نبد أ� التحقيق من وزارة الثقافة، فتوجهنا �إىل م��دي��ري��ة ال�ت�راث حت��دي��د ًا، لنعرف كيف ترى الأم��ر وكيف �أ�سهمت يف ردم الهوة بني تعليم املغرب وتراثه د�.سمري قف�ص رئي�س ق�سم ج��رد وتوثيق الرتاث مبديرية ال�ت�راث الثقايف ب ��وزارة الثقافة ي ��رى �أن احل��دي��ث ع��ن ال�ت��راث ال�ث�ق��ايف ي �ك�ثر يف الوقت الراهن بو�صفه مكونا �أ�سا�سي ًا لهوية ال�شعوب وراف��د ًا من روافد
قضية للنقاش 30 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
د� .سمري قف�ص
التنمية الب�شرية واالقت�صادية .وال �أدل على ذلك اتخاذه يف الآون��ة الأخ�يرة من طرف برنامج الأمم املتحدة للتنمية ك�أحد املحاور الرئي�سية ل�سيا�ساتها عرب العامل ،وي�سوق هنا مثال الربنامج الذي �أجنز يف املغرب « »2012 - 2008وال��ذي ُو�ضع حتت عنوان «ال�ت�راث الثقايف وال�صناعات اخل�لاق��ة». ولقد ك��ان ه��ذا الربنامج فر�صة ملراجعة امل���ش��اك��ل الأك�ث�ر ح�سا�سية يف ال�سيا�سة الثقافية املتعلقة ب�صون وتثمني ال�تراث الثقايف املغربي ،ويذكر منها على �سبيل املثال ال احل�صر: مراجعة القانون 80-22املتعلق بحماية ال�تراث الثقايف من �أج��ل تكميله و�إغنائه ل �ي��واك��ب ت �ط��ور م �ف �ه��وم ال�ت��راث ال�ث�ق��ايف اليوم ولي�أخذ بعني االعتبار جوانب مهمة �أغفلت �إىل حد الآن كالرتاث غري امل��ادي وال�تراث الأث��ري املغمور باملياه ،بالإ�ضافة �إىل الإج��راءات وامل�ساطر املتبعة يف �إطار التدبري املنهجي لهذا الرتاث كما هواحلال بالن�سبة لعمليات اجلرد و�إعادة االعتبار. و�ضع قانون تنظيمي لإر�ساء منظومة وطنية للكنوز الب�شرية احلية. مراجعة وحتيني منظومة اجل��رد الوطنية م ��ن خ �ل�ال و���ض��ع م �ن �ظ��وم��ة م�ع�ل��وم��ات�ي��ة ت�ستجيب للمعايري الدولية يف هذا املجال. وي�ج��رد د� .سمري قف�ص الن�شاطات التي قامت بها الوزارة يف هذا ال�صدد ،حيث مت الرتكيز على اجلانب التح�سي�سي ب�أهمية
د .ابراهيم احلي�سن
د .سمير قفص :نسبة حضور المواد التراثية في برامجنا التعليمية ضئيلة جد ًا في الوقت الذي يزخر فيه المغرب بتراث ثقافي وطبيعي غني بمكوناته ومتنوع بروافده
ال�ت��راث خ��ا� �ص��ة ل ��دى ج �م �ه��ور ال�ي��اف�ع�ين وال �� �ش �ب��اب ،ويف ه��ذا الإط� ��ار مت االت �ف��اق مع جمعية خريجي املعهد الوطني لعلوم الآث ��ار وال �ت�راث� ،أح��د �أن���ش��ط اجلمعيات الوطنية التي تهتم ب�ش�ؤون الرتاث الوطني، للقيام بحملة حت�سي�سية يف �أرب��ع جهات من امل�غ��رب ،على �أ�سا�س �أن ه��ذه احلملة التجريبية �سيتم تعميمها على كافة الرتاب ال��وط�ن��ي� .شعار احلملة ك��ان ه��و« تقريب
د� .أحمد ع�صيد
ال�شباب من �إرث الأج��داد» وليت�سنى ذلك مت و�ضع برنامج حمكم �سهرت عليه جلنة م��رك��زي��ة ب�ت�ن���س�ي��ق م��ع مت�ث�ي�ل�ي��ات حملية للجمعية .ه��ذه الأخ�ي�رة عقدت االت�صال بالأكادمييات اجلهوية املعنية ومبندوبيات ال�شباب وال��ري��ا��ض��ة لتحديد امل�ؤ�س�سات التعليمية التي �ست�ستفيد من هذه احلمالت التح�سي�سية .ولهذا الغر�ض قامت اللجنة امل��رك��زي��ة ب��و��ض��ع وث�ي�ق��ة توجيهية للفرق املحلية التي �سهرت على �إعداد املادة اخلام لإخراج احلمالت التوا�صلية اخلا�صة بهذا النوع من الأن�شطة «معر�ض متنقل ،كتيب ح��ول ال�ت�راث ،مل�صقات» ه��ذا بالإ�ضافة �إىل و�ضع برنامج زي��ارات م�ؤطرة للمعامل واملواقع التاريخية و�إع��داد عر�ض بال�صور ح��ول ال�ت�راث ال��وط�ن��ي واجل �ه��وي ،يعك�س الغنى والتنوع ويبني امل�ؤهالت التي يتوافر عليها واملخاطر التي تهدد كيانه و�أ�صالته. كل هذه املواد بالإ�ضافة �إىل �شريط وثائقي �أجنز يف �إطار الربنامج املذكور �ستجمع يف حقيبة بيداغوجية �ستوزع على املدر�سني يف امل�ؤ�س�سات امل�ستهدفة و�ست�سلم بع�ض ال�ع�ي�ن��ات ل�ل�أك��ادمي �ي��ات اجل�ه��وي��ة بق�صد تعميمها على امل�ؤ�س�سات التعليمية الأخرى.
ح�ضور �ضئيل للرتاث
احل��دي��ث ع��ن هذه احلملة التح�سي�سية املح�صورة يف الزمان وامل�ك��ان -ح�سب د. �سمري -يقود للتطرق لأحد املوا�ضيع الأكرث
جامع احل�سن الثاين يف الدار البي�ضاء
ج ��د ًال يف ال��وق��ت ال��راه��ن �أال وه��و م�شكل التعليم �أو بالأحرى «تراجع التعليم والرتبية النظامية» وت�أثري ذلك على ن�سب التنمية التي ،وكما يعلم الكل ،تقا�س �أي�ض ًا بجودة التعليم .وكمتخ�ص�ص يف جم��ال ال�تراث ال �ث �ق��ايف ي�سجل ��س�م�ير ق�ف����ص �أن ن�سبة ح�ضور املواد الرتاثية يف براجمنا التعليمية �ضئيلة ج ��د ًا يف ال��وق��ت ال ��ذي ي��زخ��ر فيه املغرب برتاث ثقايف وطبيعي غني مبكوناته ومتنوع ب��رواف��ده ،ميكن للمت�أمل فيه �أن ي�ستقي ما يريد من الأمثلة التعليمية احلية تليق لتمرير املفاهيم وال�ق��واع��د وت�سهم يف تر�سيخ الهوية واالعتزاز باالنتماء �إىل ثقافة موغلة يف التاريخ ،تتغدى من روافد متعددة وهي بذلك الزخم والتنوع مازالت ت�ضفي رونق ًا وخ�صو�صية على حا�ضرنا.
مندجمة ،الإن��دم��اج واال�ستمرارية ،فهما ال�شرطان الأ�سا�سيان لبلوغ ه��ذا الهدف الذي لن يتي�سر عرب برامج م�ؤقتة و�إمنا عرب خمطط حمكم تنخرط فيه كل الفعاليات ال��وط �ن �ي��ة وامل��ح��ل��ي��ة ،احل �ك��وم �ي��ة وغ�ير احلكومية وذل��ك يف تعاون وتناغم تامني. ويف هذا ال�صدد ميكن ل��وزارة الثقافة� أن تلعب دور ًا حموري ًا يف �إقحام املزيد من املواد الرتاثية يف الربامج التعليمية وذلك عرب درا�سة �إمكانية ت�أ�سي�س «درو�س الرتاث» مع وزارة الرتبية الوطنية كمادة تعليمية حية يتم تلقينها من خالل الزيارات امليدانية للمتاحف واملعامل الأثرية وور�ش احلفريات الأثرية �إىل غري ذلك من التجارب امليدانية ال �ت��ي ت�سهم يف �إجن� ��از ال� ��دور التعليمي
إدماج مواد ونصوص الإندماج واال�ستمرارية يقول د� .سمري قف�ص :من الواجب علينا تراثية ضمن المقررات �إذ ًا تي�سري ن�ق��ل ه��ذا الإرث ال�ت�ل�ي��د �إىل المدرسية ال يكفي الأجيال املقبلة عرب �إر�ساء منظومة تعليمية إلعادة االعتبار لميراثنا الثقافي العريق
ال�صرف ويف نف�س الوقت تف�ضي �إىل تكوين �شخ�صية املتلقي �أو املتلقن وتنمي �إح�سا�سه بهويته وب�ضرورة احلفاظ عليها .ويف هذا ال�صدد هناك جتارب ناجحة عديدة عرب العامل ميكن االقتداء بها .هذا ف� ً ضال عن تنامي الدور التفاعلي الذي تتيحه ال�شبكة العنكبوتية عرب خلق العديد من املتاحف االفرتا�ضية التي ميكن اعتبارها نافذة مفتوحة حول العامل ،وفيما يتعلق بالرتاث الثقايف �أ�صبح ي�سري ًا على املدر�س زي��ارة املتحف وامل��وق��ع الأث��ري يف قاعة الدر�س. ولعل التحدي اليوم هومعرفة ا�ستغالل هذه التقنية التوا�صلية الرائعة ب�شكل جيد .ويف هذا ال�صدد� ،أ�ستح�ضر مثا ًال حي ًا حول هذا النوع من امل��واق��ع االفرتا�ضية التي ميكن �أن ت�ستغل لأغرا�ض تعليمية ويتعلق الأمر مب��وق��ع «اك�ت���ش��ف ال�ف��ن الإ� �س�لام��ي» ال��ذي ينكب فريق من اخلرباء العرب على �إعداد دليل منهجي حوله ي�ضم امل��ادة التعليمية التي تتخذه .ك�أر�ضية لها .ينجز هذا املوقع يف �إطار �شراكة بني جامعة الدول العربية
قضية للنقاش 32 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
املعمار املغربي التقليدي يف مدينة الق�صبات
ومتحف بال حدود. ويف �إط��ار مد اجل�سر بني التعليم وال�تراث يرى د� .سمري قف�ص �أن من �ش�أن هذا النوع م��ن امل�ن��اه��ج احل��دي�ث��ة �أن ي �ط��ور جمموعة م��ن ال�ك�ف��اءات ل��دى املتعلمني وال�ت��ي ميكن �إدراجها يف خانة «الربط باملنهاج املدر�سي» كما هو م�سطر يف �إط��ار جتربة «الو�ضعيات
والإدم ��اج»ال� �ت ��ي انطلقت ح��دي�ث� ًا بالنظام التعليمي امل �غ��رب��ي .ومي �ك��ن ال��رب��ط مث ًال م��ع امل��واد التعليمية الآت �ي��ة :م��ادة التاريخ: ح�صر �أه��م الأح��داث والأمكنة-تربية ح�س اال��س�ت�ك���ش��اف وامل�لاح �ظ��ة ل ��دى امل�ت�ل�ق��ن- القيام ب�أعمال وواجبات كتابية كملخ�صات وج��داول كرونولوجية وخرائط وكروكيهات،
حال الرتاث الأمازيغي ي��رى الدكتور �أحمد ع�صيد ع�ضو جمل�س �إدراة املعهد امللكي للثقافة الأمازيغية �أن��ه �إذا ك��ان �إق�صاء ال�تراث الأدب��ي والفني الأم��ازي�غ��ي من التعليم �أم��راً يف�سر بعدم �إدراج اللغة الأمازيغية يف املقررات الدرا�سية منذ البداية ،مما يعني �ضمنياً ع��دم �إمكان تدري�س كل تراثها الأدب��ي والفني ذي ال�صلة باللغة و�أ�شكال التعبري الل�سانية ،ف�إن تهمي�ش الرتاث الأمازيغي املادي كان يت ّم عرب تقدمي بع�ض عنا�صره املنتقاة باعتبارها ت��راث �اً "مغربياً" م��ن دون الإ� �ش��ارة �إىل خ�صو�صيته الأم��ازي�غ�ي��ة ،مما يجعله ي�صنف لدى التالميذ باعتباره تراثاً عربياً� ،أما عنا�صر الرتاث الأمازيغي التي كانت حتمل م�ضامني خمالفة ملا يت ّم تلقينه يف �إط��ار املنظومة الثقافية العربية الإ�سالمية فكان يت ّم �إخفا�ؤها كلياً ،وذلك مثل ما يتعلق مبجال القيم كاحلرية وامل�ساواة على وجه اخل�صو�ص.
مادة اجلغرافيا :و�صف كيفية معي�شة النا �س وكيفية تنظيمهم للمجال -اكت�شاف ال جمال اجلغرايف واملحيط الذي يعي�ش فيه ال متلقن -الوقوف على النماذج املختلفة من اال�ستيطان الب�شري :املدينة ،القرية ،احلي. مادة تاريخ الفن :متكني املتلقن من متييز �أهم الإنتاجات والتمظهرات الفنية للح�ضارة الإ�سالمية يف الزمان واملكان درا�سة الفنون وتنظيم امل�ج��ال يف احل���ض��ارة الإ�سالمية: العمارة ،العمران ،الفنون الزخرفية...
تغييب الرتاث الفني
وج�ه�ن��ا �أ��س�ئ�ل�ت�ن��ا ل�ل��دك�ت��ور ع��زي��ز �أزغ ��اي �أ�ستاذ مادة تاريخ الفن مبركز الأ�ساتذة، وه��ي �إح ��دى امل ��واد ال�ت��ي �أ� �ش��ار د� .سمري ق�ف����ص �إىل ق��درت �ه��ا ع �ل��ى مت �ث��ل ال�ت�راث وتدري�سه ،د� .أزغ��اي ي��رى �أن التعامل مع ال�تراث الفكري الإ�سالمي ظل �إىل حدود ن�ه��اي��ة �ستينيات ال �ق��رن امل��ا� �ض��ي ي�شكل
�أح��د العناوين ال�ك�برى النهزامية العقل العربي ،وا�ست�سالمه جلملة من الأحكام القطعية واالجتهادات املتجاوزة واملقوالت امل�سكوكة ،التي مل تربح بع�ض يقينها املطلق �إال م��ع ب��داي��ة ان�ت���ش��ار ال�ف�ك��ر اال��ش�تراك��ي يف ع��دد م��ن ال �ب �ل��دان ال�ع��رب�ي��ة ،وان�ف�ت��اح جامعاتها حديثة الن�ش�أة على النظريات واملناهج الفكرية والنقدية احلديثة ،مثل البنيوية والوجودية وال�سو�سيولوجيا وعلم النف�س والأن�تروب��ول��وج �ي��ا والإث�ن��وغ��راف�ي��ا وال�سيميائيات وعلم اجلمال... وك���ان ط�ب�ي�ع�ي� ًا«ح���س��ب �أزغ � ��اي» �أن تثري خمتلف هذه االجتهادات املعرفية وغريها �شهية عدد من املفكرين والأدباء والفنانني العرب ،الذين كان لهم الف�ضل يف �إعمال بع�ض خال�صات هذه املعارف اجلديدة يف م�ساءلة تراثهم من منطلق نقدي ،ق�صد خلخلة جملة من ثوابته التي مل تعد تواكب ت�ط��ورات الع�صر ،وجت��اوز كثري الإعطاب التي كانت ما تزال ت�شكل منطقة حمظورة عن امل�ساءلة و�إعمال العقل واالجتهاد. وعلى الرغم من ه��ذه اخلطوة املجتهدة، ظ �ل��ت ه �ن��اك ب�ع����ض امل� �ج ��االت واحل �ق��ول التعبريية والفنية ،ال �سيما ال�شعبية منها، ت� ��راوح م�ن��اط�ق�ه��ا ال�ظ�ل�ي�ل��ة ،ب��ل ب�ق�ي��ت يف من�أى عن اهتمام النخبة العربية املثقفة، �إن ب��دع��وى كونها ال ت�شكل �أول��وي��ة بحثية نا�ضجة� ،أو لكونها ال ترقى لأن تكون رافعة لبناء وعي جماهريي �ضد �سيا�سات القمع واال�ضطهاد والالم�ساواة .ولعل مثل هذه امل��واق��ف امل�ت�رددة وغ�ير النا�ضجة ه��ي ما جعل ق�ط��اع��ات فنية �شعبية وا��س�ع��ة تظل عر�ضة للتهمي�ش واالزدراء ،بعدما عا�شت – لعدة ق��رون – يف ظ��ل �أح�ك��ام فقهية متخلفة ،كانت تعترب كل ما يكتب بغري اللغة العربية – لغة القر�آن – هو دون م�ستوى الإح��اط��ة وال �ت ��أم��ل ،وك��ل م��ا ينتجه غري العلماء والفقهاء ورجال الدين يبقى كتابة الدهماء والرعاع وال�سوقية. ي�ضيف د .ع��زي��ز �أزغ� ��اي« :ل �ه��ذا ال�سبب نفهم مل��اذا ج��اء تاريخنا الثقايف والفني
د .لطيفة لب�صري
د .عزيز أزغاي :حضور التراث خاصة في جانبه البصري الجمالي في المناهج والبرامج التعليمية المغربية مبتسر
م���ش�م��و ًال ب�غ�ير ق�ل�ي��ل م��ن الأع� �ط ��اب وم��ن الثقوب املعيبة .وملاذا ظل وعينا اجلمايل، مث ًال ،م�ؤطر ًا ت�أطري ًا ثابت ًا ال يغادر القواعد الهند�سية وامل��و� �ض��وع��ات الأخ�لاق �ي��ة �إال ليعود �إليها دومنا �أدنى جر�أة على ابتداع �أ�شكال جديدة �أو تعبريات فنية خمتلفة، م��ادام��ت بع�ض االج�ت�ه��ادات الفقهية قد �أ�� �ص ��درت يف ح �ق��ه �أح �ك��ام � ًا ب��االج�ت�ث��اث ال�ت��اري�خ��ي ،خم��اف��ة ع��ودة م��ن �أ��س�ل��م �إىل بع�ض ممار�سات اجلاهلية».
د .عزيز �أزغاي
�إزدراء الفنون
ا��س�ت�ح���ض��ار ًا ل�ك��ل ذل��ك يخل�ص الباحث وال�ف�ن��ان الت�شكيلي د .ع��زي��ز �أزغ ��اي �إىل �أن جتربة املغرب فيما يتعلق مبدى متثل م�ن��اه�ج��ه وب ��راجم ��ه ال�ت�ع�ل�ي�م�ي��ة ل �ل�تراث، خا�صة يف جانبه الب�صري املرتبط بالفن الت�شكيلي ،تبقى مثار ت�سا�ؤل كبري وغام�ض. فحتى ال�ي��وم ،م��ازال املغرب ي�شهد غياب ًا فادح ًا للدر�س الفني اجلمايل كتخ�ص�ص م�ستقل مب ��واده يف جامعاتنا ومعاهدنا العليا .فعلى الرغم من �أهمية هذا الدر�س املعريف يف تربية العني ويف تثوير ثقافتنا ووعينا الب�صريني ،ظل املغرب ال يتوافر �إال على مدر�ستني «ولي�ستا �أكادمييتني» يتيمتني لتدري�س الفنون اجلميلة ،تعتربان «غنيمة حرب»� ،إحداهما �أ�س�سها الإ�سبان مبدينة تطوان يف �سنة ،1947ومل ت�صبح تابعة لوزارة الثقافة �إال يف ال�سنوات القليلة امل��ا��ض�ي��ة .وال�ث��ان�ي��ة �أن���ش��أه��ا الفرن�سيون يف �سنة 1952مب��دي�ن��ة ال ��دار البي�ضاء، ث��م �أ�صبحت بعد اال�ستقالل وحتى اليوم تابعة للمجموعة احل�ضرية التي تقع حتت و�صاية وزارة الداخلية ! والأنكى من ذلك �أن خريجي هاتني املدر�ستني ال يح�ضون، يف �أغ �ل��ب الأح �ي��ان ،بنف�س احل �ق��وق التي توفرها الوظيفة العمومية خلريجي باقي �شعب وتخ�ص�صات امل��دار���س واجلامعات املغربية .لذلك ،ف ��إن ه��ذا الو�ضع املت�سم بغري قليل من االزدراء ملا هو فني جمايل
قضية للنقاش 34 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
االنتماء� ،أمام هذا القبح املظلم واملتطرف ال��ذي �أ�صبح يكت�سح جغرافيات مهمة من اخلريطة العربية ،هذا الورم املخيف الذي ال ي��رى يف اجلميل ويف امل�ل��ون ويف الفرح باب يقود «ر�أ�س ًا » �إىل �إ�شاعة الرذيلة �سوى ٍ وامل�ي��وع��ة والتف�سخ� ،أي ي�ق��ود �إىل ح�ضن ال�شيطان .وتلك بطبيعة احلال �آفة الذي ال يب�صر ..والذي ال يرى».
�إق�صاء الرتاث الأمازيغي
لوحة امراة امازيغية للفنان اميل ليكومت-فرينت
من قبل اجلهات التعليمية الر�سمية ،هو م��ا جعل ويجعل م��ن در���س الرتبية الفنية «مثله يف ذلك مثل در�س الرتبية املو�سيقية» داخل �صفوف وبرامج املدار�س االبتدائية والإع��دادي��ة جم��رد م��ادة تكميلية خللق ما قد يفهم منه «تنويع ًا» للمعارف والدرو�س وامل � ��واد ،م��ادام��ت �آف��اق��ه اجل��ام�ع�ي��ة غري م��وج��ودة وغ�ير معرتف بها �ضمن خريطة تخ�ص�صات و�شعب التعليم العايل. ويختم د .عزيز �أزغ��اي كلمته با�ستنتاج ي�سائل م��ن خالله اجل�ه��ات امل�س�ؤولة عن
النظام التعليمي« :م��ن ه�ن��ا ،ف ��إن ��س��ؤال ح�ضور ال�ت�راث ع��ام��ة وال�ت�راث يف جانبه الب�صري اجل�م��ايل على وج��ه اخل�صو�ص يف املناهج وال�برام��ج التعليمية ،بال�شكل اخلجول واملبت�سر ال��ذي تعك�سه املقررات التعليمية ،هو مبثابة حق �أري��د به باطل، مادامت «العقول »املدبرة لل�ش�أن التعليمي املغربي ما زالت مل تنتبه بعد لأهمية هذا النوع من املعرفة اجلليلة يف بناء العقل ويف تربية الذوق ويف الإعالء من �ش�أن اجلمال، ويف التوعية والتثقيف وبناء الهوية وجتذير
ماذا عن ح�ضور الرتاث الأمازيغي يف مناهج التعليم ؟ �ألي�س ه��ذا ال�ت�راث ه��واالم�ت��داد العميق نحو بداية التاريخ وبداية احل�ضارة باملغرب؟ وجهنا هذا ال�س�ؤال للدكتور �أحمد ع�صيد ع�ضو جمل�س �إدراة املعهد امللكي للثقافة الأم��ازي �غ �ي��ة ،ف �ك��ان ج��واب��ه� «:إن تدري�س ال�تراث الثقايف عموم ًا يهدف �إىل تعريف الأج �ي��ال النا�شئة ب�ه��وي��ة ال�ب�ل��د وت��اري�خ��ه و�شخ�صيته الثقافية ،وه��و م��ا ي�سهم يف تقوية ال�شعور باالنتماء �إىل القيم الوطنية امل�شرتكة ،وتكوين الوعي اجلمعي لدى �أبناء البلد ال��واح��د .ولهذا يعك�س م��دى اهتمام الربامج التعليمية بالرتاث الثقايف توجهات ال�سيا�سة التعليمية واختياراتها الوطنية. وي�ع� ّد ال�تراث الثقايف الأم��ازي�غ��ي باملغرب بنوعيه املادي والرمزي تراث ًا غني ًا �شديد التنوع ،كما يتميز بعراقته وجت��ذره �سواء يف الوعي �أو يف ال�سلوك الفردي واجلماعي ل �ل �م �غ��ارب��ة ،وي �ت �م �ظ �ه��ر ه� ��ذا ال �ت��راث يف �أ�شكال التعبري اللغوية ومظاهر التنظيم االجتماعي م��ن تقاليد وع��ادات و�أع��راف كما يف مظاهر امللب�س وامل ��أك��ل وامل�شرب وال�تراث الأدب��ي ال�شفوي ال�شعري والنرثي وف�ن��ون الغناء التقليدية و�أن ��واع الرق�ص اجلماعي والأهازيج ال�شعبية� ،إ�ضافة �إىل امل�صنوعات اجللدية وال�صوفية واخلزفية، وكذا املعمار والهند�سة �إلخ»... ي�ضيف د ع�صيد :غ�ير �أن ه��ذا ال�ت�راث الزاخر و�إن كان حي ًا متداو ًال يف كل مناطق املغرب حتى الآن� ،إال �أن ح�ضوره يف النظام
نقو�ش املوزاييك مبدر�سة بن يو�سف -مراك�ش
ال�ترب��وي وم�ضامني امل �ق��ررات الدرا�سية يكاد يكون منعدم ًا ،ويعود ه��ذا بالدرجة الأوىل �إىل اختيارات الدولة فيما يخ�ص هويتها منذ اال�ستقالل عام ،1956حيث ّمت تبني النموذج الفرن�سي «اليعقوبي» للدولة الوطنية املركزية ،وال��ذي يقوم على مبد�أ الت�أحيد Uniformisationالذي يرمي �إىل خلق التجان�س املطلق عرب تذويب عنا�صر التنوع وحموها التدريجي من �أجل التمكني لهوية ال��دول��ة امل��رك��زي��ة ،ال�ت��ي ت�ق��وم على انتقاء عنا�صر ثقافية معينة باعتبارها «ر�سمية» ،وترك بقية العنا�صر يف هام�ش الن�سيان �إىل �أن تنمحي تدريجي ًا.
يمكن لوزارة الثقافة أن تلعب دور ًا محوري ًا في إضافة المزيد من المواد التراثية في البرامج التعليمية وك��ان م��ن نتائج ه��ذا االخ�ت�ي��ار ال�سيا�سي ال��ذي خ�ضع ب�شكل كبري للت�أثري ال�سلبي ل� �ل ��إرث اال���س��ت��ع��م��اري ،ت �ك��ري ����س م �ب��د�إ "التعريب" باعتباره �أح��د �أ�س�س النظام ال�ترب��وي امل�غ��رب��ي ،ومل يكن يق�صد بهذا امل �ب��د�أ �إح�ل�ال اللغة العربية م�ك��ان اللغة
انهزامية العقل العربي يرى الدكتور عزيز �أزغاي� ،أ�ستاذ مادة تاريخ الفن مبركز الأ�ساتذة �أن التعامل مع ال�تراث الفكري الإ�سالمي ظل �إىل حدود نهاية �ستينيات القرن املا�ضي ي�شكل �أح��د العناوين الكربى النهزامية العقل العربي، وا��س�ت���س�لام��ه جل�م�ل��ة م��ن الأح �ك��ام ال�ق�ط�ع�ي��ة واالج �ت �ه��ادات امل �ت �ج��اوزة وامل�ق��والت امل�سكوكة ،التي مل ت�برح بع�ض يقينها املطلق �إال م��ع بداية انت�شار الفكر اال�شرتاكي يف عدد من البلدان العربية ،وانفتاح جامعاتها حديثة الن�ش�أة على النظريات واملناهج الفكرية والنقدية احلديثة ،مثل البنيوية والوجودية وال�سو�سيولوجيا وعلم النف�س والأنرتوبولوجيا والإثنوغرافيا وال�سيميائيات وعلم اجلمال.
الفرن�سية الأجنبية ف�ق��ط ،ه��ذه الأخ�يرة التي كانت ت�ست�أثر بن�صيب الأ��س��د داخل دواليب الدولة ،بل اتخذ طابع ًا �إيديولوجي ًا ق��وي � ًا مت�ث��ل يف �إن �ك��ار ك��ل م��ا ه��و�أم��ازي�غ��ي باعتباره عن�صر ًا ن�شاز ًا يه ّدد االن�سجام العام والتما�سك االجتماعي الذي �أ�صبح يف الإيديولوجيا الر�سمية قائم ًا على «العروبة والإ�سالم» ال غري .وهكذا دخلت الأمازيغية يف دائرة املحرم ال�سيا�سي ،و�أق�صي الرتاث الأمازيغي من التعليم املغربي منذ بداية اال�ستقالل ،مثلما ّمت احلر�ص على �إظهار تاريخ املغرب كما لو�أنه تاريخ عربي �صرف، مم��ا �أدى �إىل �إخ �ف��اء ال��رم��وز التاريخية الأمازيغية وطم�سها. يوا�صل د� .أحمد ع�صيد عتابه :و�إذا كان �إق�صاء ال�تراث الأدب��ي والفني الأمازيغي من التعليم �أم��ر ًا يف�سر بعدم �إدراج اللغة الأم��ازي�غ�ي��ة يف امل �ق��ررات ال��درا��س�ي��ة منذ ال�ب��داي��ة ،مم��ا يعني �ضمني ًا ع��دم �إم�ك��ان ت��دري ����س ك��ل ت��راث �ه��ا الأدب� ��ي وال �ف �ن��ي ذي ال�صلة باللغة و�أ�شكال التعبري الل�سانية، ف�إن تهمي�ش الرتاث الأمازيغي املادي كان ي�ت� ّ�م ع�بر ت�ق��دمي بع�ض عنا�صره املنتقاة
قضية للنقاش 36 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
منوذج للمعمار املغربي
باعتبارها تراث ًا "مغربي ًا" من دون الإ�شارة �إىل خ�صو�صيته الأم��ازي�غ�ي��ة ،مم��ا يجعله ي�صنف لدى التالميذ باعتباره تراث ًا عربي ًا، �أم��ا عنا�صر ال�تراث الأمازيغي التي كانت يتم تلقينه يف حتمل م�ضامني خمالفة ملا ّ �إطار املنظومة الثقافية العربية الإ�سالمية ف�ك��ان ي�ت� ّ�م �إخ �ف��ا�ؤه��ا كلي ًا ،وذل��ك مثل ما يتعلق مبجال القيم كاحلرية وامل�ساواة على وجه اخل�صو�ص .وب�سبب املوقف ال�سيا�سي الأ�صلي النابع من االختيارات الإيديولوجية للدولة ،فقد اعترب تاريخ املغرب املاقبل �إ� �س�ل�ام��ي م��و� �ض��وع � ًا م��زع �ج � ًا بالن�سبة للأطروحة االختزالية ح��ول الهوية ،مما �أدى �إىل طم�س ال�تراث الأمازيغي القدمي �سواء املعماري منه �أوم��ا يتعلق بالنقو�ش ال�صخرية العريقة وامل��آث��ر التي تعود �إىل املمالك الأمازيغية القدمية ،و�إظهار بع�ض يخ�ص تلك امل�آثر كما لو �أنها تراث �أجنبي ّ الرومان والوندال والبيزنطيني والفينيقيني �إل��خ� ،..أي الأق��وام الأجانب الذين احتكوا
ب�سكان �شمال �إفريقيا الأمازيغي. ونتيجة ه��ذا االخ �ت �ي��ار -ح�سب د� .أحمد ع�صيد -هي عدم �شيوع املعارف العلمية امل�ت�ع�ل�ق��ة ب��ال�ت�راث الأم��ازي��غ��ي ،مم��ا نتج ع�ن��ه ��ض�ع��ف م�ع��رف��ة امل �غ��ارب��ة بتاريخهم ومبمتلكاتهم الرمزية الأ�صيلة ،كما �شاعت يف املجتمع املغربي نظرة قوامها ال�شعور بالدونية الثقافية �أم��ام الأجنبي ،وبنزوع كبري نحو املحاكاة وتقليد الآخر مما �أ�سهم يف �إ� �ض �ع��اف احل ��� ّ�س الإب ��داع ��ي امل�غ��رب��ي، حيث تعتمد ال��روح الإبداعية لدى خمتلف ال�شعوب على االنطالق من الذات مبختلف
قفص :من الواجب علينا تيسير نقل إرثنا التليد إلى األجيال المقبلة عبر إرساء منظومة تعليمية مند مجة
مقوماتها الغنية واملتفاعلة. و�إذا كان ال�تراث الأمازيغي ظل مغيب ًا يف برامج التعليم ويف الربامج العامة للدولة، ف�إن ب�صي�ص �ضوء يلمع يف ال�سنوات الأخرية ومينح �إ�شارات �إيجابية بخ�صو�ص امل�سقبل، فالباحث واحلقوقي �أحمد ع�صيد يخل�ص �إىل �إن ال�ت�ح��والت التي حملتها الع�شرية الأخ�ي�رة ال�ت��ي ت�ل��ت االع�ت�راف ال�سيا�سي باملكون الأمازيغي �سنة ،2001قد حملت بع�ض التغيريات الطفيفة �سواء يف املقررات الدرا�سية �أو يف و�سائل الإع�لام ال�سمعية وامل��رئ�ي��ة ،حيث ت��زاي��د االه�ت�م��ام بالرتاث الأمازيغي بعد �إق��رار اللغة الأمازيغية يف املنظومة الرتبوية �سنة ،2003وبعد ال�سماح ب�إنتاج �أوىل الربامج الأمازيغية يف التلفزية املغربية بعد يناير .2006كما �أن االعرتاف الد�ستوري باللغة الأمازيغية لغة ر�سمية للبالد بجانب العربية ،والذي مل يتحقق �إال يف يوليو � ،2011أ�سهم ب�شكل كبري يف الدفع يف اجت��اه �إن���ص��اف ال�ت�راث الأم��ازي �غ��ي يف
التعليم وو�سائل الإعالم ،وتخو�ض الأو�ساط احلكومية والربملانية وال�صحفية وتنظيمات املجتمع املدين حالي ًا نقا�ش ًا عمومي ًا دقيق ًا ح��ول م�ضامني ال�ق��ان��ون التنظيمي ال��ذي �سيحدد كيفية �إدراج الأم��ازي�غ�ي��ة يف كل جم��االت احلياة العامة ،كما �سيتم �إن�شاء ين�ص عليه الد�ستور جمل�س وطني للغات ّ املعدل� ،سيكون من بني مهامه التفكري يف �أ�ساليب حماية الثقافات الوطنية.
الرتاث ال�صحراوي
و�إذا ك �ن��ا ق ��د ن��اق���ش�ن��ا ح �� �ض��ور ال�ت�راث الأمازيغي يف مناهج التعليم ،لأن الأمازيغية مكون �أ�سا�سي يف الثقافة املغربية ،فنحن ملزمون بال�ضرورة بالوقوف عند الرتاث ال �� �ص �ح��راوي لأن���ه ج ��زء م �ه��م يف تكوين املجتمع املغربي �سيما يف م��دن اجلنوب. ال�تراث ال�صحراوي احل�ساين يف املغربي ما حكايته؟ وما مدى ح�ضوره هو الآخر يف مفكرة منظري التعليم وم�س�ؤوليه باملغرب؟ يجيبنا د� .إب��راه �ي��م احل�ي���س��ن الباحث يف ال�ت�راث الأدب���ي واجل �م��ايل احل���س��اين، واملتخ�ص�ص يف الثقافة ال�صحراوية: الرتبية على ال�تراث ممار�سة بيداغوجية راقية تر�سم يف عمقها دعوة علنية و�صريحة لفهم الرتاث و�إدراك �أهميته باعتباره: ي�شكل ب�ح�م��والت��ه ال�ث�ق��اف�ي��ة وال�ت��اري�خ�ي��ة واالجتماعية �سند ًا علمي ًا وتربوي ًا �أ�سا�سي ًا يف تنمية الفرد واجلماعة. مادة ا�سرتاتيجية لدعم االقت�صاد الوطني وامل�ساهمة يف تنميته «ت�ط��وي��ر ال�سياحة الثقافية». ذاكرة و�سج ًال ميكن �أن يتجددا با�ستمرار ح�سب ما يتاح لهما من �أبحاث ودرا�سات و�أ�شكال �صيانة وحفظ وترميم.. فاعلية �إن�سانية متميزة ال حميد عنها ،لأنها تك�شف عن تطور حياة مبدعيها الروحية واملادية .فهو تراث �أ�صيل ومت�أ�صل يج�سد تفكري املجتمع الذي �أنتجه». وميكن احلديث عن الرتبية على الرتاث- ح�سب د .احلي�سن -مبراعاة جمموعة من
جامع القرويني اقدم جامعة يف العامل
قضية للنقاش 38 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
�ساحة جامع الفنا -معر�ض تراثي مفتوح
لقطة يف �شارع مغربي للفنان فردريك ارثر
الأبعاد ،من �ضمنها: �أ -البعد الوظيفي للرتاث :مبعنى االهتمام ب��ال�تراث وحم��اول��ة اال�ستفادة منه وجعله م ��ادة م�ساهمة يف ت��رب�ي��ة ال �ن ����شء� ،إذ ال خ�ير يف علم ال ينفع ،كما ي�ق��ال .ج��اء يف الدعاء«:اللهم علمني ما ينفعني ،وانفعني مبا علمتني وزدين علم ًا وكل علم وبال على
�صاحبه �إال من عمل به».. ب -البعد التجريبي للرتاث :ي�سميه البع�ض باملعاينة ،وهو �أ�سلوب علمي عملي يقود �إىل حقائق احلياة وكنه الأ�شياء..ومن مراميه
األبحاث الجامعية حول التراث تحتاج إلى تمويل من أجل تطويرها
احل��ث على التح�صيل عن طريق املعاينة املبا�شرة واالختبار والتجربة ،تيمن ًا بقول اجل��اح��ظ« :ل�ي����س ي�شفيني �إال امل�ع��اي�ن��ة». فالتفكري العلمي ال ميكن اكت�سابه �سوى باملمار�سة والدربة وامل��ران ،واالبتعاد عن ال��وه��م واخل��راف��ة والرتكيز على الربهنة والأدلة الواقعية.. ج -املثاقفة الرتاثية :وه��ي �صياغة ر�ؤي��ة م�شرتكة واع �ت �ب��اره��ا ام��ت��داد ًا وت�ط��وي��ر ًا للمخزون الرتاثي فينا ولدينا.. انطالق ًا من ه��ذه اخللفية البيداغوجية ي� ��رى د� .إب ��راه� �ي ��م احل �ي �� �س��ن ���ض��رورة �إدم� ��اج ال�ت�راث ب�شتى �أن��واع��ه و�أمن��اط��ه املادية والالمادية يف املنظومة الرتبوية والتعليمية حفاظ ًا عليه من �أت��ون التفتت وال�ضياع واالن��دث��ار ،وذل��ك عرب التوارث والتناقل والتلقي املنهجي ب�إ�شراف باحثني ومدر�سني لهم اهتمام بال�ش�أن الرتاثي. ويعد �صون الرتاث من امل�س�ؤوليات الكبرية امللقاة على ع��ات��ق الأف ��راد واجل�م��اع��ات، بو�صفه م�ستودع ًا خ�صب ًا وخزان ًا ملعارف وخ�ب�رات و�إب��داع��ات ك�ث�يرة ��ش��اه��دة على
م �ن �ج��زات وع� �ط ��اءات ال �� �س �ل��ف ،جت� ّم�ع��ت وتراكمت لرت�سم ذاكرة النا�س امل�شرتكة. غ�ير �أن �إدم� ��اج م ��واد ون���ص��و���ص ت��راث�ي��ة �ضمن املقررات املدر�سية ال يكفي لإعادة االع�ت�ب��ار ملرياثنا الثقايف ال�ع��ري��ق ،ب��ل ال بد من تعزيزه بخلق بنيات حتتية موازية كاملتاحف «�إثنوغرافية� ،أثرية ،بحرية».. باعتبارها هي الأخرى م�ؤ�س�سات تعليمية وذاك � ��رات خ���ص�ب��ة خل�ب�رات و�إب ��داع ��ات جتمعت واخ�ت��زن��ت ع�بر الع�صور لت�شكل �سند ًا مرجعي ًا للبحث والدرا�سة والتحليل. فالدور البيداغوجي ملثل هذه الف�ضاءات يتق َّوى عرب االنفتاح عملي ًا على امل�ؤ�س�سات التعليمية «ب�أ�سالكها الت�أهيلية والثانوية» وم���راك���ز ال �ت �ك��وي��ن ال�ت�رب���وي وال �ع �ل �م��ي وال �ت ��أه �ي��ل امل�ه�ن��ي وم��ؤ��س���س��ات االت���ص��ال اجلماهري عرب برجمة ح�ص�ص و�أوق��ات خا�صة للزيارة الدرا�سية واال�ستطالعية ت� �ك���ون م� � ��ؤط � ��رة م� ��ن ط�� ��رف ن �� �ش �ط��اء ومر�شدين لهم �إملام بثقافة وعلم املتاحف ..Muséologie وح�ين ��س��أل�ن��ا د� .إب��راه �ي��م احلي�سن عن احل�ساين ال�صحراوي يف الرتاث ال�شعبي َّ �سياق حتقيقنا كان رده ":ال ح�ضور لهذا ال�تراث يف املناهج وامل �ق��ررات التعليمية التي تدر�س باملدار�س والثانويات املغربية، �ش�أنه يف ذل��ك �ش�أن العديد من الأ�شكال ال�تراث�ي��ة الأخ ��رى .وم��رد ذل��ك راج��ع ،يف اعتقادي� ،إىل غياب ر�ؤي��ة وا�ضحة تتجه نحو هذا املنحى .كما �أن دفاتر التحمالت Cahiers de chargesالتي ت�صاغ على �ضوئها الكتب املدر�سية ال ت�شري ب�شكل �صريح �إىل هذا الأمر رغم �أهميته .وكنا ق��د �أث��رن��ا امل��و��ض��وع يف �أك�ثر م��ن منا�سبة ونادينا مرار ًا وتكرار ًا ب�ضرورة تخ�صي�ص ح �ي��ز مل ��وروث ��ات� �ن ��ا ال �ث �ق��اف �ي��ة والأدب � �ي� ��ة واجلمالية �ضمن املقررات املدر�سية .لكن على م�ستوى اجلامعات والكليات ،هناك وح��دات لنيل �شهادة املا�سرت خم�ص�صة ل��ل�ت�راث وه ��ي ق�ل�ي�ل��ة وغ�ي�ر ك��اف �ي��ة وه��ي بحاجة �إىل تعميم �أو�سع ،وغالب ًا ما يوجه
الطاجني -جزء ا�صيل من تراث املغرب
أزغاي :مازال المغرب يشهد غياب ًا فادح ًا للدرس الفني الجمالي كتخصص مستقل بمواده في جامعاتنا ومعاهدنا العليا خاللها الطلبة نحو �إجن ��از ب�ح��وث حول موا�ضيع تراثية كثري ًا ما تكون مو�سومة ب �ط��اب��ع ال �ت �� �س��رع وان� �ع ��دام ال�ت�خ���ص����ص. نف�س الأم��ر ينطبق على البحوث املنجزة �أثناء التح�ضري لنيل �شهادة الإجازة التي ي�شكل فيها اال�شتغال على ثقافة وت��راث
ال�صحراء ح�صة كبرية ال يتم ا�ستثمارها على النحوال�صحيح للأ�سف العميق.
الرتاث يف الدر�س اجلامعي
ت�ع� ُّق�ب� ًا م�ن��ا حل���ض��ور ال �ت�راث يف ال��در���س اجلامعي �س�ألنا الدكتورة لطيفة لب�صري �أ��س�ت��اذة التعليم ال�ع��ايل بجامعة احل�سن الثاين بالدار البي�ضاء ،والباحثة والكاتبة يف جمال ال�سرد والر�أي. ترى د .لطيفة� أن هناك ح�ضور ًا للرتاث يف التكوين اجلامعي غري� أنه ح�ضور ناق�ص. وتذكر جتربة طلبة املا�سرت يف كلية الآداب والعلوم الإن�سانية الذين قاموا بالعمل على ال�ت�راث ال�شعبي حت��ت �إ� �ش��راف الدكتورة ال�سعدية ع��زي��زي و�أجن ��زوا الكتاب الأول
قضية للنقاش 40 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
ال ح�ضور للرتاث ال�صحراوي احل�ساين يف املناهج التعليمية
الذي يحمل عنوان« :مكنز الرتاث ال�شعبي املغربي» وهو �أول مكنز للرتاث ال�شعبي على ال�صعيد الوطني وي�ضم العديد من الفروع امل�ع��رف�ي��ة ال �ت��ي ت�خ����ص ال �ت�راث امل�غ��رب��ي، بحيث ي�شمل :املعتقدات واملعارف ال�شعبية، وال� �ع ��ادات وال �ت �ق��ال �ي��د ،والأدب ال�شعبي والفنون ال�شعبية والثقافة املادية التي تربز العادات يف اللبا�س وتطبع كل بلد على حدة. لكننا -ت�ضيف د .لب�صري -ال ميكن �أن جنزم ب�أن هناك نق�ص ًا يف ح�ضور الرتاث ال�شعبي يف التعليم ب�شكل عام� ،إنه يف حاجة �إىل �أب�ح��اث وه��ذه الأب �ح��اث �أي���ض� ًا حتتاج �إىل متويل من �أجل تطويرها .اللهم وجود �أبحاث نعتربها جمهودات �شخ�صية يعمل
عليها الباحث ل�سنوات� .إننا يف حاجة �إىل درا�سات �أنرتبولوجية لهذا املجال ،وذلك لكونه جما ًال وا�سع ًا يعك�س البنيات الأ�سا�سية للفرد وال�ع��وامل التي ي��أت��ي منها ،وه��ي يف حاجة �إىل درا�سة حتى نعرف ثقافة بلدنا الالواعية التي ت�سرينا من دون �أن ندري، ففي كثري م��ن الأح �ي��ان جن��دن��ا مهوو�سني
د .أحمد عصيد :حضور التراث األمازيغي في مضامين المقررات الدراسية يكاد يكون منعدم ًا رغم انتشاره في كل مناطق المغرب
باحلكايات اللقيطة التي ال نعرف م�صدرها ومع ذلك هي موجهة للعديد من ت�صوراتنا و�أفكارنا اخلا�صة وك�أنها ا�ستعارات نحيا بها من دون �أن ن�سائل م�صدرها الأ�سا�سي، وك��ذا حني نت�أمل الأم�ث��ال ،فنحن ال ن�س�أل من �أي��ن نبعت وم��ع ذل��ك فهي حا�ضرة يف حياتنا اليومية ،مغذية للعديد من �أمناط �سلوكاتنا ،وم�ؤثرة يف �أحايني كثرية للعديد من املواقف التي تعرت�ضنا ،ونحن نعتربها �شيئ ًا عار�ض ًا ،يف حني متثل ج��زء ًا كبري ًا م��ن الثقافة ال�شفهية التي تعك�س الفرد من دون �أن يعرف �أن م�صدرها الآخ��رون ال��ذي��ن ي�شكلون ال��ر�أي ال�ع��ام� .إن�ن��ا نعي�ش ال�تراث ولكننا ال مننحه ق��وة يف احل�ضور
يف التعليم ،فنحن نعي�ش الأ��ش�ي��اء بحذر وقد منار�سها يف حياتنا اليومية من غناء وفن ولكننا نعتربها ترف ًا فكري ًا �سرعان ما نبتعد عنه حني يتعلق الأمر بتوجيه �أبنائنا مث ًال يف م�ساراتهم امل�ستقبلية. ت� ��ؤك ��د د .ل �ط �ي �ف��ة ل �ب �� �ص�ير� :إن ال� �ث��رات الثقايف هو م��ادة غنية ل�ل�إب��داع والثقافة، وتدري�سها يف التعليم بطرق علمية ر�صينة كفيل بت�صحيح امل�ف��اه�ي��م اجل��اه��زة عن العديد من الروا�سب التي مت تلقينها ب�شكل خاطىء يف طفولتنا ،فنحن نعي�ش العديد من الأخطاء الرتبوية التي تغذي تخييلنا كوجود «عائ�شة قندي�شة -جنية يف الثقافة ال�شعبية املغربية» التي ت�سكن الب�شر ،ولال رح�م��ة ال�ت��ي تقب�ض الأرواح وال�ع��دي��د من ال�شخ�صيات اال�ستيهامية التي �أ�صبحت م��ع م��رور ال��زم��ن م��ن ال�ث��واب��ت يف حياتنا اليومية واللغة تنقل الالوعي عرب الأزمنة ومعه ي�صبح من ال�صعب تفكيك املعقول م��ن ال�لام�ع�ق��ول� .إن �ن��ا ن�ت��واف��ر على ت��راث غني ومتنوع ويختلف من مادة �إىل �أخرى، وميكنه �أن ي�شكل مواد للإبداع والدرا�سة، فكل تيماته تلهم الفكر والأدب ،غري �أن ال�تراث ال�شعبي مث ًال غالب ًا ما ينظر �إليه على �أن��ه �أق��ل قيمة معرفية م��ن الثقافة العاملية ،يف حني يختزن امل��وروث الثقايف �سري النا�س وحكاياتهم وطبائعهم وتاريخ �أف �ك��اره��م ع�بر ال��زم��ن ،وه��ي كفيلة ب ��أن تغذي تاريخ الأف�ك��ار القادمة� ،إذ �أن هذا املخزون يعك�س طرائق الأكل وفنون اللبا�س وال�غ�ن��اء واملو�سيقى وال��رق����ص وه��ي كلها تعك�س انتماء الفرد حلقبة زمنية والأفكار التي �سادت يف تلك احلقبة وهي مهمة جد ًا لتطور تاريخ الفكر والإن�سان� ،إذ كيف نحيا من دون ه��ذا الزخم ال��ذي يحدد هوياتنا وجذورنا الفعلية ،غري �أننا ينبغي �أن نفكر يف �إغناء هذا املجال وحفظه من التال�شي، عن طريق التوثيق وعن طريق منح �أهمية لتدري�سه ور�ؤي �ت��ه بطريقة م�غ��اي��رة متنح للمقبل عليه عالقة بهويته الفعلية ال جعله بعيد ًا عما يحدث يف تاريخ االن�سان .
الزفاف املغربي يف لوحة فنية
تغييب التراث الفني في برامج التعليم يجعل تاريخنا الثقافي مليئ ًا باألعطاب ت �خ �ل ����ص د .ل �ط �ي �ف��ة ل� �ب� ��� �ص�ي�ر�إىل �أن ال�ت�راث مهم ج��د ًا بالن�سبة للتعليم ،فهو يعك�س ث�ق��اف��ات ال���ش�ع��وب ،وال �ع��دي��د من ال���ش�ع��وب تفتخر ب�تراث�ه��ا وت�ع�ي��د �إن�ت��اج��ة و�إ�ستثمارة �إب��داع�ي� ًا وفكري ًا وتت�ساءل:مل
ال ي�صبح ال�تراث من �أهم موادنا خا�صة و �أ ننا ن�شتمل على حقل غني و خ�صب ي �ع �ي��د ال��ت��ف��ك�ي�ر يف امل ��ا�� �ض ��ي ك���ي ي�ف�ت��ح الإمكانية للم�ستقبل ،فنحن ال ميكن �أن نحيا م��ن دون ما�ض غني ،و�إال فمن �أي��ن ق��دم�ن��ا؟ وم��ن �أي ��ن �أت �ي �ن��ا؟ �إن �ن��ا م��ن ذل��ك الكل املتنوع ،احلكيم والالحكيم ،املنطقي والالمنطقي والذي يبني متنوعات متعددة م��ن دون �أن ن��دري� .إننا يف حاجة لتعليم �أب�ن��ائ�ن��ا االه�ت�م��ام ب��ال�تراث ومنحه بعد ًا �أك�بر يف املجال املعريف وتطويره بحيث ال ينفلت من تاريخنا العام وال�شخ�صي»
إرهاصة 42 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
أن تقرأ لـ(الكوني) ..وأن تراه ا�شتعل «الكوين» غ�ضب ًا .وهو غ�ضب مل يتك�شف يف مالمح وجهه فح�سب� ،إمنا يف التفاتته الع�صبية �صوبي ،وتلك الرجفة التي جتاوبت لها قامته املديدة ،بينما تخلت ذراع��ه يف تلقائية عن ع�صاه اخل�شبية ،وارتفعت �ساقه املجاورة للع�صا لت�ستقر فوق �شقيقتهاّ ،مت كل ذلك يف حلظة ق�صرية ،كنت خاللها ما زلت �أ�ستكمل �سرد ت�سا�ؤيل .حلظة بدا يل خاللها �أنني �أواجه رج ًال ي�ستجمع قواه ،لي�س من �أجل تقدمي �إجابة على �س�ؤايل ،بل من �أجل �أن ي�سحقني ،حلظة بدت يل �ساع ًة طويلة مرهقة ،اختربت خاللها �أفكاري حول الثبات وال�صمود ،بينما كنت �أترقب الكلمات التي �سي�ستهل بها كالمه ،هذا الرجل الذي قر�أت �أعماله على مدار ال�سنوات الع�شر الأخرية بحب و�إعجاب كبريين .مل يكن «الكوين» �أول �ضيويف يف برنامج «تواقيع» يف معر�ض �أبوظبي للكتاب ،فقد ا�ست�ضفت نخبة من الك ّتاب العرب ،كان يل مع كل منهم حوار ًا وق�صة ،لطيفة �أو م�شوبة ببع�ض املفارقات� ،إال �أن «الكوين» �أبى �إال �أن تكون ق�صته ملحمية بحجم �أعماله العظيمة .خالل اللحظة وليد عالء الدين التي كنت ما زلت �أ�ستكمل فيها ت�سا�ؤيل ،و�أراقب حتوالت «الكوين» �أمام ناظري� ،أجهدت ذاكرتي يف ا�ستعادة ما فهتُ به من كلمات، رمبا �أقف على تلك الكلمة املاكرة التي جنحت يف ا�ستفزاز هذا الرجل ،الذي كنت قد خططت حلواره بالطريقة التي �أخطط بها لقراءة رواياته ،ولكن هيهات؛ فالقراءة حوار بني طرفني �أحدهما �أنهى قوله وترك للآخر �أن يتجول فيه ،بينما احلوار الآن مواجهة بني كائنني من حلم ودم ،يبدو �أن �أحدهما مت�شوق لتمزيق الآخر. وللأ�سف ،فقد ف�شلت يف التعرف على الكلمة التي �أ�شعلت فتيل غ�ضب «ال�ك��وين» �إىل �أن �أنهيت الت�سا�ؤل ،فرحت �أنتظر �شكل الكلمات التي تليق بهيئة الرجل كما جت�سدت �أمامي� ،أو على الأقل كما �ضخمتها يل خميلتي .ظل «الكوين» وا�ضع ًا �ساق ًا فوق �شقيقتها ،ثم مال بج�سده ليذكرين ب�شخ�صيات رواياته عندما تريد التعبري ع��ن الكربياء والأن �ف��ة وال�ع��زة وك��ل م��ا يزخر به القامو�س من مفردات �شبيهة ،و�أطلق مدفعه يف وجهي ،مبدي ًا تعجبه -بادئ الأمر -من جهل الإعالميني وال�صحافيني ،والعرب منهم حتديد ًا ،وكيف �أنهم ال يكلفون �أنف�سهم عناء حتري املعلومة التي ينقلونها ،وكيف و ..كيف؟. كنت �أ�شعر �أنني كاالبن العاق ،جلبت امل�س ّبة لأهلي من ال�صحافيني والإعالميني ،لي�س العرب فح�سب ،ولكنه عقوق عاملي ،وبد ًال من �أن �أ�شعر ب�أهميتي الق�صوى ،رحت �أجتهد يف �إخفاء �سخونة �أذين واحمرار وجهي – و�أنا امل�شهور بهما منذ الطفولة عندما �أتعر�ض ملوقف حم��رج -و�أر ّت��ب يف ذهني �سيناريوهات خاطفة لكيفية
الت�صرف ،كان �أ�شدها �سخونة �أن �أقلب الطاولة على ال�ضيف و�أتهم بدوري املبدعني امل�شهورين ،والعرب منهم حتديد ًا ،ب�أنهم ي�سكنون �أبراجهم العاجية وال يجيدون خماطبة النا�س ،و�أن �أختم املعركة يف م�سرحية �« :أن ت�سمع باملعيدي خري من �أن تراه»� ،إال �أنني كنت �أرهف ال�سمع �إىل ما يقوله الكوين �أم ًال يف معرفة ما �أثار غ�ضبه ،لت�صحيحه – �إذا احتاج ذلك� -أو ا�ستكمال املعركة �إذا تبني يل �أن غ�ضبه ناجت عن فكرة �أ�ؤم��ن بها ومل �أقتنع بعد بالتخلي عنها. ويبدو �أنني قد التقطت اخليط �أخ�ير ًا ،فقد كان الكوين يردد �ضاغط ًا ح��روف كلماته« :ي��ا عزيزي ،ال�ط��وارق لي�ست قبيلة، ال�ط��وارق �أم��ة ب�أ�سرها» ،ثم راح ي�صف �أزم��ة العرب الذين ال يعرتفون ب ��أن ح�ضارتهم ن�سيج �أ�سهمت يف غزله �أمم كثرية وثقافات عديدة وح�ضارات متنوعة ،لكل منها وجوده امل�ستقل. تنف�ست ال�صعداء ،بعدما كنت �أ�سمع ب ��أذين «بقبقات» الدم املت�صاعد �إىل ر�أ�سي ،ورحت �أراقب حتوالت الروائي الكبري ،وهو يعيد �ساقه �إىل مكانها يف خجل لطيف ،ويلتقط ع�صاه وي�ستقر يف جل�سته ،من�صت ًا يف �أدب جم �إىل ما ا�ستطعت �أن �أعرب به من كلمات عن مفهومي مل�صطلح الـ«قبيلة» ومعرفتي بتاريخ الطوارق، و�إمياين بفكرة الن�سيج الكوين للح�ضارة العربية بعد الإ�سالم، ورف�ضي ملحاوالت طم�س تلك الف�سيف�ساء املذهلة ،و�أخربته ب�أن م�صطلح قبيلة مقرون ًا بالطوارق م�أخوذ بالن�ص من ظهر غالف �إح��دى رواي��ات��ه ،ومازحته ب�أنه بذلك متهم �شخ�صي ًا يف ن�شر الفكرة. عادت املياه �إىل جماريها ،و�إن تكررت على امتداد احلوار حركة التخلي عن الع�صا وو�ضع ال�ساق فوق الأخرى ،رمبا كانت الزمة يكررها عندما ي�ست�شعر عراك ًا! �إال �أنه كان خ�صم ًا راقي ًا ،راقه ت�صنيفي لكتاباته ب�أنها كتابة مدفوعة بالرغبة يف �إثبات التفوق على من يعدونه خارجهم� ،إنه يقول ب�إجادته للغة العربية« :يا من تتهمونني ب�أنني جئت من خارج هذه اللغة ،ها �أنا ذا �أجيد لغتي و�أتفوق عليكم جميع ًا». كان احل��وار ماتع ًا ،وكان الكوين – كما هو يف رواياته -مفعم ًا ب�أرواح كثرية .ال �أن�سى بينما هو ي�شد على كفي وي�سلمني ن�سخة موقعة من كتابه ،قوله يل�« :أعرف �أن �صياغة الأ�سئلة من �أ�صعب املهام على الإن�سان ،لكني �أعرتف �أنك �أجدت �صياغة �أفكارك يف ت�سا�ؤالت». ودعته و�أنا �أردد« :رائع �أن تقر أ� للكوين ،كما هو رائع �أن ت�سمع الكوين ،و�أن تراه»
الحوار ساحةاآلفاق ارتياد 44 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
ليلى العبيدي: ما زلنا نجهل تراثنا العربي اإلسالمي حوار -فاطمة عطفة اقتحمت الباحثة التون�سية ال�شابة ليلى العبيدي منطقة خا�صة بها ،وا�ستك�شفتها بجر�أة ومت ُّكن، لتت َّوج بجائزة ال�شيخ زايد للكتاب ،يف فرع امل�ؤلف ال�شاب ،عن كتابها «الفكه يف الإ�سالم» ،اعرتافاً بتم ُّيزه وعمقه و�أ�صالته .عادت ليلى العبيدي �إىل منابع الإ�سالم ال�صافية ،لتزيح بب�ساطة ركاماً من الأفكار والت�صورات الذهنية التي ربطت الإ�سالم باجلهامة والعبو�س والق�سوة ،ولت�ستعيد وجهاً ُمغيباً مل�ؤه الإقبال البا�سم على احلياة ،والفرح بها ،وال�ضحكات ال�صافية التي ا�ستعادتها لنا من �أحاديث الر�سول «�صلى اهلل عليه و�سلم» ال�صحيحة ،و�سريته العطرة. والكتاب الفائز ،وهو الأول ل�صاحبته املولودة عام ،1975ثمرة رحلة علمية جادة ،در�ست فيها ليلى العبيدي اللغة والأدب العربي، وعكفت على ق���راءة احل �� �ض��ارات القدمية ودرا��س��ات مقارنة الأدي��ان ،و�سعت �إىل جمع الرتاث ال�شفاهي التون�سي ودرا�سته وحتليله، �إىل جانب كتابتها لل�شعر والق�ص�ص .وهي الآن ب�صدد �إنهاء �أطروحتها للدكتوراه عن «�إ� �س�لام الق�صا�ص وال��وع��اظ وامل��ذك��ري��ن». ويف ح��واره��ا م��ع جملة «ت ��راث» حاولنا تت ُّبع جزء من امل�سرية احلافلة للباحثة التي تقول �إنها مغرمة بالرتاث «م��ن منظور حداثي»، وتن�صحنا بقراءته مبا�شرة دون و�سيط ناقل، لأننا حينها �س ُنده�ش ملا �سنجده من مفاهيم وقيم ،و�سنكت�شف �أنه لي�س ذلك الرتاث الذي «نقر أ� عنه».
ال�ت�راث ال�ع��امل��ي ،وك�ي��ف يتعامل ال�غ��رب مع تراثنا وح�ضارتنا؟ ت�شمل اهتماماتي البحثية الرتاث واحل�ضارة العربية الإ�سالمية وما قبل الإ�سالم ،كذلك ح�ضارة ما بني النهرين ،قبل ميالد امل�سيح ب�أكرث من �ألفي �سنة ،واحل�ضارة الفرعونية لدي يف الواقع ول ٌع كبري واحل�ضارة اليونانيةَّ . بالرتاث الإن�ساين وح�ضارة الب�شرية ،وكل ما يوحد هذه املجموعات الب�شرية الهائلة ويجمع ِّ بينها يف ذاكرة جماعية. قادتني هذه االهتمامات �إىل البحث والتفتي�ش يف كتب الرتاث العربي ويف املخطوطات .وعلى الرغم من �أن ما �س�أقوله قد يبتعد بدرجة ما عن �س�ؤالك ،ف�إنني �أنتهز الفر�صة للتعبري عن
لماذا يخصص الغرب أقسام ًا كاملة في خمطوطات يف الدهاليز املظلمة عالقتك باحل�ضارات والثقافات العاملية جامعاته لدراسة التراث ع�لاق��ة وث�ي�ق��ة ،فهل ميكن �أن حت� �دِّدي لنا العربي واللهجات م��وق��ع احل �� �ض��ارة وال �ت��راث ال�ع��رب�ي�ين من العربية وال يحدث هذا في دولنا؟
�أملي يف �أن تخرج خمطوطات عربية كثرية �إىل النور ،فكثري من نفائ�س الرتاث ما تزال ترزح حتت وط�أة الغبار وال�سو�س يف مكتبات مهجورة ودهاليز مظلمة يف مدن عربية �شتى ،ومل تلق بع ُد االهتمام املطلوب. �أع ��ود الآن �إىل � �س ��ؤا ِل��ك .لقد �س�أل ِتني عن اهتمام العرب برتاثهم واهتمام الغرب برتاث العرب ،ومن منطلق درا�ستي للرتاث العربي ومراجعتي امل�ستمرة ملا ُن�شر عنه وما ُن�شر منه �أي�ض ًا ،كثري ًا ما �أبحث فيما كتب امل�ست�شرقون عن ح�ضارتنا .وهم ،يف احلقيقة ،كتبوا الكثري وخ�ص�صوا �سنوات من �أعمارهم للنب�ش يف َّ خمطوطات الرتاث العربي الإ�سالمي ،وعملوا على �إخراجه يف �أح�سن �صورة ،وال دليل على ذلك �أف�ضل من «املو�سوعة الإ�سالمية» التي �أخرجتها دار بريل للن�شر ،وح�صلت على جائزة ال�شيخ زايد للكتاب يف فرع الن�شر .لقد �أخرج الغرب �أمهات الرتاث العربي �إىل النور قبل �أن يبد أ� العرب ذلك يف الع�صر احلديث، وع� َّرف��وا بها ور َّوج��وا لها .و�أن��ا هنا ال �أمتدح الغرب ،بل �أ�سرد حقائق .والذي �أُدركه �أي�ض ًا
ساحة الحوار 46 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
هزاع بن زايد يكرم العبيدي يف حفل جائزة ال�شيخ زايد للكتاب
�أن الغرب اعتمد يف بداية نه�ضته على الرتاث الإ��س�لام��ي على اب��ن ر�شد وال�ف��اراب��ي وعلى مفكرين ع��رب كتبوا يف التاريخ واحل�ضارة والفلك والطب والفيزياء والكيمياء وخمتلف العلوم ،وجتاوزوا ذلك وتقدموا وبنوا نه�ضتهم وح�ضارتهم. الإ�شكال لدينا نحن العرب �أننا ما نزال جنهل تراثنا ،فما تزال املخطوطات التي حتمل تراثنا تقبع يف دهاليز مكتباتنا الوطنية .ب�صراحة نحن مل مننح تراثنا العربي الإ�سالمي ما يكفي من االهتمام ،بل �إننا ما نزال جنهل تقريب ًا هذا الرتاث .ولنكن متفائلني ولنقل �إننا جنهله ب�شكل جزئي على الأق��ل ،على الرغم من �أن العديد من دور الن�شر واملكتبات وال ُق َّراء يهتمون بالرتاث ويحاولون �إخراجه ،لكن االعتمادات املالية وخم�ص�صات البحث العلمي من جانب الوزارات املخت�صة وامل�ؤ�س�سات والدول وغريها غائبة تقريب ًا عن جمال اكت�شاف هذا الرتاث ون�شره .فلنحاول �أن نخرجها للقارئ على الأقل
كي يتعرف عليها ،ون�أمل �أن ن�صل �إىل مرحلة مكتبة كبرية ت�ضم عيون الرتاث العربي ،وبني نكون فيها فخورين بهذا الرتاث العربي الذي جوانبها ب��د�أت رحلة مع ه��ذا العامل املمتع. بنت عليه احل�ضارة الغربية نه�ضتها. يف ال�صف الأول الثانوي ق��ر�أت كتاب «تاريخ الأدب العربي» حلنا ال�ف��اخ��وري ،وت�ش َّربت �صفاء النبع الأول هذا الكم الهائل من الن�صو�ص اجلميلة التي يف تون�س ،القريبة من �إيطاليا جغرافياً حواها .كنت �أت�ساءل يف هذا العمر املبكر :يا خ�ص�ص وفرن�سا و�أوروب ��ا ثقافياً ،يتوجه الباحثون اهلل! كيف كتب عن كل ه��ؤالء؟ وكم َّ امل�ت�م�ي��زون �إىل جم ��االت �أخ ��رى غ�ير اللغة لهم من الوقت ومن عمره؟ كذلك تعرفت على ال �ع��رب �ي��ة وال� �ت ��راث الإ�� �س�ل�ام ��ي ،ف �م��ا �سر كتابات ابن اجلوزي ،وهو الذي كتب ثالثمائة اختيارك لهذا الف�ضاء ال��ذي مل يعد هناك وخم�سني كتاب ًا يف حياته ،و�أو�صى ب�أن ُي َّ �سخن الكثري ممن ُيقدمون على ارتياده؟ غ�سل به موته مبا كان يت�ساقط املاء الذي �س ُي َّ قبيلة العبيدي بحد ذاتها هي قبيلة ذات ميول من فتات اخل�شب خالل «ب��ري» �أقالمه التي دينية .كان جدي �إمام جامع يف منطقة الكاف ،كتب بها كتبه. وهي م�سقط ر�أ�سه .فتحتُ عيني يف بيتنا على هذا التقدي�س للكتابة ولطقو�سها لدى الرجل ال��ذي انقطع لها ،وك��ان ي�ستغل الوقت الذي يق�ضيه مع �أ�صدقائه يف تهيئة �أقالمه وب ْر ِيها مئات من األحاديث و�إعداد املجلدات التي كتب فيها ،هذا التبتل النبوية تتحدث عن �دي عالقة �شديدة يف حم��راب الكتابة خلق ل� ّ الفكه في اإلسالم وعن اخل�صو�صية بالرتاث الذي مل ينل ما ي�ستحق.
التبسط والتنعم واليسر والمزاح والضحك
«ا�ستفزتني» كل هذه الأ�شياء وغريها طبع ًا، مم��ا دف�ع�ن��ي ل �ل �ع��ودة ل �ه��ذا ال �ت�راث بالنقد وال�ق��راءة املتعمقة ،لكنني ع��دت �إىل �صفاء النبع الأول ،امل�صدر ال ِبكر� ،أ�ستنطقه و�أحاوره. عدت �إىل الرتاث ولي�س �إىل ما قيل عن الرتاث وما ُكتب حول الرتاث ،والفارق كبري .االت�صال املبا�شر بالرتاث يفتح عامل ًا ال ح� َّد الت�ساعه ورحابته .وبكل �صراحة ،ف�إن ما جعل الكتاب الفائز بجائزة ال�شيخ زايد للكتاب يخرج �إىل الوجود هو العودة �إىل �أمهات الكتب ،وامل�ساءلة املبا�شرة واحلقيقية للتاريخ وللرتاث العربي الإ�سالمي ولبدايات الإ�سالم.
لماذا تهتم «أمريكا» الغزايل ي�صادر ال�ضحك ه��ل كنت تتوقعني ال�ف��وز بجائزة ال�شيخ وفرنسا بالتراث العربي زاي ��د ل�ل�ك�ت��اب ،خ��ا��ص��ة م��ع م��ا ت�ع��رف�ين عن وال يهتم العرب حر�صها على �أن تقدم الكتب الفائزة �إ�سهاماً أنفسهم به؟ ً
معرفيا متميزاً؟ كتاب «الفكه يف الإ�سالم» هو درا�سة �أكادميية موثقة ببلوغرافيا من حيث املراجع وامل�صادر. وامل�صادر التي عملت عليها هي كتب الأحاديث ال�صحيحة الت�سعة ال�ت��ي حتظى بالإجماع واالت �ف��اق .مل �أ��ش��أ �أن �أعمل على الأح��ادي��ث املو�ضوعة حتى ال ُيطعن بها مُوتحى ب�سهولة، لك ذلك؟ �أو من قال وحتى ال يقال :من �أين ِ لك �إن الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم قال هذا؟ ِ لقد عدتُ �إىل تلك الكتب كي �أ�سائلها ،فدُه�شتُ لأين وجدتُ كم ًا هائ ًال ومئات من الأحاديث تتحدث عن الفكه يف الإ�سالم وتتحدث عن التب�سط والتنعم والي�سر وامل��زاح وال�ضحك وعالقة الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم بكل فئات املجتمع من ن�ساء و�أطفال ورج��ال ،من بدو و�أعراب و�صحابة ويهود ون�صارى .لقد كان يتعامل بي�سر ومبوعظة ح�سنة ،وكان ي�ضحك يف وج��وه النا�س ،وال ي�ف� ِّوت فر�صة للرتويح والتب�سط والتنعم .وحني كان الإ�سالم يف بداية عهده كان النا�س يدخلونه بكرثة لأنهم ر�أوا يف �شخ�ص الر�سول خري منوذج لهذا الدين، وخري مثال على هذا الت�سامح. لقد اعتربوه املمثل الوحيد والأول للإ�سالم، فكانوا ي�ستفتونه يف �أم��ور دينهم ،وك��ان هو
قبلتهم يف تلك اللحظة التي يطوفون فيها حوله ي�س�ألونه عن �أمور دينهم .ومن جهته كان يجيب إ�سالم �إليهم ودخلوا فحبب ذلك ال َ بكل ي�سرّ ، فيه ب�أعداد كبرية ،على عك�س ال�سوداوية التي ت�صبغ ت�صوراتنا عن الإ�سالم ،فيما هو لي�س كذلك على الإطالق. ن�ستطيع �أن ن��رى ب�شكل خا�ص تلك النظرة القامتة للدين الإ�سالمي التي ر ّوجها منت�سبون �إليه ،ف�أ�صبحت اجلهامة وال�شدة والعبو�س والع�صبية ل�صيقة به .يف العامل الغربي حني يقال م�سلم ،يقولون �إرهابي ،ملاذا؟ لي�س هذا هو �إ�سالمنا ،ولي�س هذا هو ما �أو�صى به الر�سول �أو ج��اء ب��ه ال �ق��ر�آن ،لذلك ع��دتُ للن�صو�ص الأ�صول �أ�سائلها :هل هذا هو �إ�سالمنا؟ هل هو الإ�سالم الذي يدعو له املتطرفون الآن ،وحتى ح�سنو النية ممن تلقوا فهم ًا خاطئ ًا للإ�سالم ومل يعرفوا �سواه؟ هل هو �إ�سالم التفجريات وعذاب القرب و�إطالة اللحية وهذه ال�شكليات التي ال متت للإ�سالم ب�صلة؟ ع��دت للم�صادر الأ�صلية ،ووج��دت بها كم ًا ال ب�أ�س به من الفكه ،فانتقيت منه ما يوافق املقام ويتفق مع منهجي البحثي ،لأنه لي�س كل
حديث يت�ضمن فكاهة هو حديث فكه وي�ضحك امل�ستمع ،بل �إن هناك �أحاديث تدعو لالبت�سام ولكن لي�س لها �أي عالقة بالفكاهة وال�ضحك. ق�سمتها لقد ا�ستخرجت هذه املادة وب َّوبتها ثم َّ أكتف ح�سب ف�صول الكتاب وحللتها ،ف�أنا مل � ِ بتجميع الأحاديث بل قمت بتحليلها. رمبا يقول قائل �إن هذه الأحاديث موجودة يف كتب الرتاث وال�سنة ،وهذا �صحيح ،لكنها مل �ضمها يف �سياق ت َر النور ،ومل ي�سع �أحد �إىل ِّ بحثي وفكري ليخرج منها بر�ؤية مكتملة .وقد عملت املنظومة الثقافية العربية والغربية على طم�سها و�إخفائها .يف الف�صل الأول من كتابي در��س��ت الفكه يف الثقافة الغربية والثقافة العربية ،وق��د ات�ضح يل �أن��ه منذ وق��ت مبكر كان لهذا اللون ح�ضوره يف الثقافة العربية، بدء ًا من اجلاحظ والأب�شيهي واحل�صري وابن اجل��وزي وغريهم .كان لديهم كم هائل من املرح وال�ضحك والتب�سط والتنعم ،لكن الأمر اتَّخذ منحى �آخر مع حجة الإ�سالم الغزايل الذي �ض َّيق اخلناق على ال�ضحك ،و�صادر على ما يف كتب ال�تراث ويف امل�صادر الإ�سالمية ال�صحيحة من هذا امليل الفطري �إىل املرح وتع�س َف يف رف�ضه والتنفري منه، ُّ والتب�سطَّ ، فعلى الرغم من �إقراره ب�أن الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم كان «ي�ضحك حتى تبدو نواجذه»، و�أن��ه كان «مي��زح دوم � ًا مع �أهله» ،فقد حاول �أن يبحث عن �سبب لإدان��ة هذا ال�سلوك عند النا�س ،فقال�« :صحيح �أن الر�سول كان ي�ضحك ولكنه ال يقول �إال حق ًا� ،أما �أنتم العامة ف�إذا �ضحكتم فال تعرفون متى تتوقفون ،ولذلك من الأف�ضل �أال ت�ضحكوا»� .أ�صبح �أمر الدين قامت ًا، و ُفر�ضت الرقابة على ال�ضحك والإ�ضحاك، على الرغم من �أن العرب كانت ت�سمي �أبناءها والب�سام وط ْلق وطليق وفاكه للرجل َّ ال�ضحاك َّ وفكيهة للمر�أة ،وكان معنى ال�ضحك �إيجابياً. وكانت العرب تقول للأر�ض �إذا �أنبتت زرعها «�ضحكت الأر�� ��ض» ولل�سماء �إذا �أم�ط��رت «�ضحكت ال�سماء» .هذا الواقع اللغوي هو يف حقيقته موقف ثقايف و�إن�ساين ينحاز لذلك اجلانب البا�سم وامل�شرق من الإن�سان. كان هذا التحول ال��ذي ميثله حجة الإ�سالم
ساحة الحوار 48 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
القانون الطبيعي ،ف�إن احلياة ال ت�ستقيم باجلد فقط ،وال بد من وج��ود الفكاهة كي ال يقع الإن�سان فري�سة للجهامة وال�شدة.
ثمرة قبول الآخر
خالل م�شاركتها يف فعاليات معر�ض �أبوظبي للكتاب
ال�غ��زايل خ�ط�ير ًا يف ت��اري��خ الثقافة العربية الإ�سالمية .ومذ ذلك احلني توارت هذه املادة املوجودة يف ال�سنة النبوية ومل تلقَ من يخرجها للنا�س .ب�صراحة �أنا مل �أبتدع �شيئ ًا ،لقد ك�شفت ع َّما هو موجود بالفعل ،على الرغم من �أن هذا هو �أول كتاب و�أول درا�سة تُفرد للفكه يف الإ�سالم على م�ستوى العامل العربي والغربي. وقبل �أن �أ�شرع يف هذا البحث كنت قد �أجريت م�سح ًا عام ًا و�شام ًال يف جميع املكتبات ،و�أينما �سافرت كنت �أقوم بالتفتي�ش يف املكتبات كلها، وتبني يل �أن �أحد ًا مل يهتم بهذا اجلانب ،وهذا ما دفعني �إىل العمل على هذا املبحث الذي ُع ّد حمظور ًا يف الثقافة الإ�سالمية. رمب��ا ت�ك��ون ب ��ذور ال�ت�ط��رف ال ��ذي يعاين العامل العربي والإ�سالمي تبعاته الآن كامنة يف ه ��ذا ال�ن�م��ط اخل��اط��ئ م��ن ال�ف�ه��م وم��ن التعاطي �ض ِّيق الأفق مع الرتاث. التطرف ،كما �أفهمه ،ه��و ع��دم اال�ستعداد لتقبل الر�أي الآخر� .إذا مل تقبلي الر�أي الآخر أ�صبحت فهذا يعني �أن� ِ�ك �أن�ش� ِأت خ�صومة ،و� ِ تع�صبنا لفكرة ،ومل عدو ًا للطرف الآخر� .إذا َّ ن�سمح للفكرة الأخرى ب�أن ترى النور ورف�ضنا التفكري فيها ،ن�ك��ون ق��د دخلنا يف اجل��دل العقيم ،واجلدل العقيم ال ينتج معرفة .وهذا النمط من رف�ض �أي فكرة �أخرى منت�شر بني
كثير من نفائس التراث ما تزال في مكتبات مهجورة في مدن عربية شتى ولم تلق االهتمام المطلوب املتدينني ،وهو مرتبط مبا يظنونه دين ًا �أو مق َّد�س ًا فيما هو ال يعدو جمرد ر�أي .وكثري من امل�صابني بهذا الداء الفكري ي�ستميتون يف الدفاع عن �أفكارهم ،حتى عندما يثبت �أن �ه��ا خ �ط ��أ ،وه��و م��ا ي�صفه اب��ن اجل��وزي باحلمق� .أما العامل احلقيقي فمتى ثبت خط�أ فكرته ف�إنه يتخلى عنها ،ويبحث عن احلق وال�صواب يف فكرة �أخرى. كان الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم يقبل الآراء املختلفة وي�ست�شري �أحبار اليهود ويتب�سط مع ن�سائه .مل تكن هناك م�شكلة ،لأن��ه يف تلقي الدين هنالك و�سطية واع�ت��دال ،واحلياة ال ميكن �أن ت�ستقيم مع ر�أي واحد .احلياة تقوم على الثنائيات .م �ث�ل ًا :ه��ل ميكن مل�صباح كهربائي �أن ي�ضيء دون قطبي ال�سالب واملوجب مع ًا؟ هذا غري ممكن .احلياة ال ت�ستقيم �إال يف ظل ثنائيات ،ولكن الثقافة ال تهتم �إال مبا هو �إيجابي يف تلك الثنائيات .لذلك غلب النور الظلمة ،وغلب اخلري ال�شر .انطالق ًا من هذا
ما ت�أثري ح�صولك على جائزة ال�شيخ زايد للكتاب يف خططك البحثية القادمة؟ وهل لديك م�شروعات بحثية حمدَّدة تعملني على �إجنازها الآن؟ هذه اجلائزة تُلقي على عاتقي بعبء كبري، وتزيد من �شعوري بامل�س�ؤولية� .س�أل ِتني من قبل �إن كنتُ قد توقعتُ ح�صويل على اجلائزة .يف البداية ،وبعيد ًا عن الغرور :نعم .لقد كنت �أت��وق��ع �أن �أن��ال اجل��ائ��زة ،ف��أن��ا �أع��رف قيمة ه��ذا العمل و�أع��رف �أن��ه يحمل ر�سالة مل�سلم القرن احلادي والع�شرين بالتو�سط واالعتدال وبالعودة �إىل الأ�صول ،فال فائدة من قراءة درا� �س��ات م��ن ال��درج��ة العا�شرة �أو احلادية ع�شرة .يكفي �أن نعود للتعاليم ال�سمحة يف بحب، الن�صو�ص الأ�صول ،يكفينا هذا لنتعامل ٍّ ليقبل ك ٌّل منا الآخر ،ولنتعامل بع�ضنا مع بع�ض بو�سطية .احل�ضارة العربية كانت يف �أوجها عندما قبلت الآخر وعندما �أخذت من معارفه، فاحل�ضارة العربية مل تقم فقط على العرب، ب��ل �أ�سهمت فيها ك��ل الأع���راق الأخ ��رى من فر�س وترك و�آ�شوريني وغريهم الكثري .الفوز بهذه اجلائزة هو انت�صار ل�سماحة الإ�سالم ولو�سطيته واعتداله. �إالم ��س�ي��ؤدي ف ��وزي ب��اجل��ائ��زة؟ ه��ذا م��ا ال �أ�ستطيع حتديده الآن ،لكنني �س�أوا�صل بحثي يف احلقل نف�سه بعد �أن �أنهي ر�سالة الدكتوراه يف حقل الفكه يف الإ��س�لام ،و�س�أمتد ببحثي �إىل مناطق �أخ��رى من ال�تراث ،فالفكه لي�س موجود ًا يف احلديث النبوي فقط ،بل ينت�شر يف كتب الرتاث ويف التاريخ وال�سري .هو �إذ ًا حقل وا�سع كلما قلبنا فيه وحرثناه ورويناه بجهودنا البحثية منحنا من عطاياه وثماره.
طالبي يجمعون املوروث ال�شفهي
ه �ن��اك اه �ت �م��ام ب��ال��غ يف دول� ��ة الإم � ��ارات
العربية املتحدة بالرتاث والعادات والتقاليد الأ�صيلة ،فكيف ترين اهتمام باقي ال��دول العربية برتاثها ال�شفوي وامل� ��ادي؟ وكيف تنظرين �إىل تون�س من هذه الناحية؟ نعم ،ت�شهد الإم��ارات اهتمام ًا كبري ًا بالرتاث، وهو اهتمام وا�ضح يف نوعية الكتب والإ�صدارات وامل�شروعات الثقافية التي يجري العمل فيها، �سواء يف م�شروع «كلمة» �أو غريه .و ُيحمد لـ«نادي تراث الإم��ارات» يف �أبوظبي اهتمامه بالرتاث يف جميع جم��االت��ه ،وج�ه��وده من �أج��ل �إحياء احلرف واملهن الرتاثية والتعريف بها ،وكذلك عقد الفعاليات البحثية التي تهتم بالرتاث، واملهرجانات واالحتفاالت التي ُتعنى ب�إلقاء ال�ضوء على املوروث الإماراتي الأ�صيل .يف باقي ال��دول العربية هناك م�ستويات خمتلفة من االهتمام بالثقافة ال�شفوية الآن ،هناك وعي ب�أهميتها �أكرث من ذي قبل .رمبا ن�شهد «�صحوة تراثية» قريب ًا ،ورمبا ي�س�أل العرب �أنف�سهم :ملاذا تهتم الواليات املتحدة وفرن�سا بالرتاث العربي وال يهتم العرب �أنف�سهم به؟ ومل��اذا يخ�ص�ص ال�غ��رب �أق�سام ًا كاملة يف جامعاته لدرا�سة ال�تراث العربي واللهجات العربية وال يحدث هذا يف دولنا؟ يف تون�س هنالك اهتمام بدرجة ما ،وقد بد�أت الكليات واجلامعات تلتفت لهذا النوع .كذلك يتزايد االهتمام بالأنرثوبولوجيا الثقافية، وب��امل��روي��ات ال�شعبية واحل �ك��اي��ات والثقافة ال�شفهية .وقد د َّر�ست هذه املو�ضوعات لطالبي يف اجلامعة ،واهتممت باحلكايات ال�شعبية وجمعت كثري ًا منها من خمتلف املناطق يف ت��ون����س ،وك� َّل�ف��تُ ط�لاب��ي -على اع�ت�ب��ار �أنهم ي�أتون من �أماكن خمتلفة يف تون�س -بجمع كل ما ي�ستطيعون من مرويات �شعبية من �أف��واه الأج ��داد واجل��دات وال ��رواة ال�شعبيني .وكان الهدف هو تدوين ح�صيلة الذاكرة اجلماعية وتوثيقها يف كتاب �أو يف �أقرا�ص مدجمة مث ًال. ه��ذه امل��روي��ات لي�ست جم��رد خ��راف��ات تحُ كى للأطفال عن ع��امل اجل��ن والغيالن ،بل �إنها تختزن عاداتنا وتراثنا وقيمنا و�شخ�صيتنا و«ب�صمتنا النف�سية» ور�ؤيتنا للحياة ،كما تنطوي على مالمح احلياة االقت�صادية واالجتماعية
والثقافية والفكرية وال�سيا�سية التي كانت �سائدة من قبل .وهناك �أحد املخت�صني الذين عملوا بجدٍّ يف هذا املجال يف اجلامعة التون�سية ،وهو حممد جويلي ،الباحث الإنرثوبولوجي الالمع. وق��د در���س جويلي الإنرثبولوجيا الثقافية يف الواليات املتحدة ،و�أ َّلف كتاب ًا مهم ًا حتت عنوان «�إنرثبولوجيا احلكاية ،مل يكتف فيه بجمع احلكايات ال�شعبية ،بل ح َّللها .لقد بد�أ االهتمام يت�صاعد �شيئ ًا ف�شيئ ًا بالبحوث وامل�شروعات املتعلقة باملوروث الثقايف والثقافة ال�شفهية. هل يوثق الرتاث ال�شفهي بالفعل التاريخ االجتماعي وال�سيا�سي� ،أم �إن��ه يحتاج �إىل تخلي�صه من ال�شوائب وا�ستخراج الأف�ضل منه؟ الطربي هو املرجع الأول يف تاريخ الإ�سالم، فمِ َّم يتكون تاريخ الطربي؟ �إنه جتميع لأحاديث �شفهية و�أح��داث ووقائع مروية من من عهد
اإلسالم برئ من تلك النظرة القاتمة التي ر ّوجها منتسبون إليه إلى حد أصبحت معه الجهامة والشدة والعبوس والعصبية لصيقة به
الر�سول ،يحفل الكتاب باملرويات واحلكايات وق �� �ص ����ص اجل���ن وال��غ��ي�ل�ان واخل���راف���ات، وامل �ع �ج��زات ال �ت��ي ال ي �ك��اد ي�صدقها العقل الب�شري .هو �أخرجها من طابعها ال�شفهي ووثقها بالكتابة .وحني نتحدث الآن عن القرن الأول للهجرة ،ف�إن امل�صدر الرئي�سي املوثوق به هو الطربي .هي حكايات �شفهية دخلت يف الثقافة املكتوبة و�أ�صبحت جزء ًا منها على ما فيها من خلط بني الأ�سطورة والتاريخ ،رغم �أن �صاحبها م�ؤرخ .ال �ضرر �إذ ًا من جتميع هذه احلكايات ال�شعبية متى كانت تخدم الثقافة الب�شرية وتخدم حياة الإن�سان وتوفر للباحث جماالت للتعمق يف �أركيولوجيا املعرفة. الثقافة يجب �أن ُيعاد النظر يف مفهومها يف الع�صر احل��دي��ث ،فهي لي�ست فقط امل�أكل وامل�شرب وامللب�س ،بل هي �أي�ض ًا حكاياتنا جنمعها ون�صنع منها حا�ضرنا وم�ستقبلنا. ح�ك��اي��ات الأج� ��داد مهمة ج ��د ًا ،لي�س فقط لتخويف ال�صغار �أو الجتذابهم بهذا اخليال اجلميل ،بل لفهم تاريخنا و�صناعة م�ستقبلنا. ت�سليط ال�ضوء على هذه احلكايات ُيرجعنا �إىل واقعنا و�إىل هويتنا الثقافية وتاريخنا� .إن هويتنا متجذرة يف تاريخنا ،وهذه احلكايات جزء من تاريخنا.
ثوبي الرتاثي
و�أن��ت تت�سلمني اجلائزة من �سمو ال�شيخ الرتاثي لبا�سك هزاع بن زايد ،لفت الأنظار ُ ُّ ال�ت��ون���س� ُّ�ي الأن� �ي ��ق ،ف� ��إىل �أي امل �ع��اين كانت ترمي هذه الإطاللة على ح�ضور متنوع من خمتلف البلدان؟ �أنا م�شدودة �إىل الرتاث �ش ّد ًا ،لكنه �إعجاب حداثي ،نابع من نظرة �شابة متفائلة ترى يف ه��ذا ال�تراث ما ميكن ا�ستلهامه ليجعل احلياة �أكرث جما ًال وفرح ًا .هذا الثوب موغل يف ال�تراث التون�سي ،وفيه مالمح بربرية كذلك ،وقد انتقيته انتقاء لهذه املنا�سبة، بل �إين ِخطته يف تون�س« .ال�برن��و���س» ،وهو املعطف اخلارجي ،بربري ،واللبا�س الذي ك ��ان حت�ت��ه ت ��راث ت��ون���س��ي ب �ح��ت ،ت��وارث�ت��ه جداتنا و�أمهاتنا
50 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
الكالم المباح
الكالم المباح
الغرض والمرض حنفي جايل
على مدار اثنتي ع�شرة جل�سة عمل� ،شارك فيها �أكرث من خم�سة وع�شرين باحث ًا من الأطباء واملعاجلني ،وعدد من الإداريني املعنيني، وقدمت فيها �أوراق عمل جادة ور�صينة ،دارت حولها مناق�شات وحماورات معمقة ،ا�ستمعت �إىل كل ما دار يف ندوة الطب التكميلي «التقليدي» وعالقته بالطب احلديث «املعا�صر» ،التي نظمها مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم ال�شهر الفائت .وللوهلة الأوىل فقد تبادر �إىل ذهني �أننا �أمام امل�شكلة نف�سها ،الأ�صالة واملعا�صرة ،و�إن كانت بعنوان جديد ،ذلك �أن امل�شاركني مثلوا فريقني مميزين ،الأول يحاول �أن يتقدم بالطب التكميلي �إىل الواجهة من جديد ،بعد �أن خبا �ضو�ؤه من جهة ،وبعد �أن �أ�ساء �إليه مدّعون من جهة �أخرى ،والفريق الآخر يرف�ض ذلك� ،سواء كان �ضمني ًا �أو �صريح ًا. وبعد املتابعة ت�أكد ما ذهبت �إليه ،وبدا الأمر وك�أنه معركة بني فريقني ي�سعى كل منهما �إىل فر�ض ر�أيه ورف�ض الر�أي الآخر .ورمبا ا�ستطعت التما�س العذر للجميع لو كانوا من غري املتعلمني املخت�صني� ،أما وقد كانوا ،كما �أ�سلفت ،من املتعلمني الباحثني املخت�صني ،ف�إن الأمر يبدو �صعب ًا تقبله �أو جتاوزه .وحتى ال �أقف موقف ًا �سلبي ًا مكتفي ًا بالنقد� ،أو اال�ستنكار ،فال بد من الإ�شارة �إىل ماوقع فيه الطرفان من �أخطاء، وهي الأخطاء نف�سها التي نقع فيها غالب ًا. فمن املعروف �أن نقطة البداية التي ننطلق منها حتدد النهاية التي �سن�صل �إليها ،وكلنا� ،إال من رحم ربي ،يبد�أ من نقطة تقليدية تُبنى على �أن ر�أيي هو ال�صواب ،وغريه هو اخلط�أ ،وهو ما يجايف املنطق، ويخالف احلقيقة ،فكل منا ي�صيب ويخطئ ،وال يعيببه ذلك �أو ينتق�ص من قدره ،بل قد ال ي�ضري الإن�سان �أن يكون على �صواب ،ولكن من امل�ؤكد �أن الذي ي�ضريه هو �أن يكون على غري ال�صواب ،وي�ضريه �أكرث �إن مل يعرف خط�أه ،وي�ضريه �أكرث و�أكرث� ،إن هو عرف اخلط�أ ثم مل يعدل عنه، ومتادى يف غيه. ً ً ولئن كان ما تقدم �صحيحا يف حقنا جميعا �إال �أنه يكون �أكرث �صحة وب�صورة ال تقبل اجلدل مع من يدعي بحث ًا عن ال�صواب �أو احلقيقة، حيث ال بد له من االلتزام باملنهج العلمي ،الذي يعتمد التجريب والر�صد واال�ستنتاج املبني على القواعد املنطقية ،بد ًال من اعتماد �أفكار م�سبقة ت�ؤثر على تفكريه ومتيل به عن جادة ال�صواب ،وجتعله فري�سة الهوى ،لأن «�آفة الر�أي الهوى» ،كما جتعل جهده وبحثه ونتائجه عر�ضة للمر�ض ،لأن «الغر�ض مر�ض». واحلقيقة �أن البداية التي �سبقت الإ�شارة �إليها والنتائج التي تنتهي �إليها تقود حتم ًا �إىل التع�صب ،ومن ثم التطرف ،فلي�س من املعقول وال من املقبول �أن يذهب فريق �إىل �أن كل ما يعر�ضه الفريق الآخر عدمي اجلدوى بالكلية ،بينما يذهب الفريق الآخر �إىل �أن ما يعر�ضه فيه كل الفائدة .و�أ�شري هنا �إىل رف�ض بع�ض معار�ضي العالج بالطب التكميلي لكل ما ي�سوقه �أن�صاره من فوائد لأنواع من العالجات التكميلية �أو التقليدية املبنية على جتارب بحجة مث ًال �أنها غري موثقة� ،أو رف�ضهم ا�ستخدام نباتات �أو �أع�شاب معينة بحجة �أنها غري معتمدة من هيئة كذا ،لدرجة نفي فوائد الثوم �أو الزجنبيل �أو النعناع �أو الكركم� ،أو الت�شكيك يف فوائد احلجامة ،ملجرد تفنيد �آراء القائلني بفوائدها. ويف املقابل فلي�س من املقبول وال من املعقول كذلك �أن يذهب م�ؤيدو
العالج بالطب التكميلي �إىل �أنه دواء لكل داء ،حتى اخلبيث �أو املزمن �أو امل�ستع�صي منها .ثمة خط�أ �آخر يقع فيه كثريون ،وهو االن�سياق وراء حما�ستهم للقر�آن الكرمي� ،أو الأحاديث النبوية للتو�صل �إىل نتائج قد تكون ،وفق ًا للمنطق الذي يتبعونه ،لي�ست �سليمة ،فرناهم ُيجهدون الآيات ،ويخ�ضعونها حل�سابات �أو تخريجات قد تكون �صحيحة وقد ال تكون ،ونراهم يوردون الأحاديث النبوية وي�ست�شهدون بها ،رمبا يف غري موا�ضعها ،ورمبا من غري تثبت من �صحتها �أو الرجوع لأ�صحاب القول الف�صل فيها من علماء اجلرح والتعديل ،ولو فعلوا ال�ستفادوا على الأقل من منهاج ه�ؤالء العلماء يف البحث والتق�صي واال�ستنتاج ،وهو ما نطالب به �أنف�سنا ونطالب اجلميع به ،وال بد من الت�أكيد على �أن املق�صود بال�صحة من عدمها هو طريقة التعر�ض للآيات والأحاديث، ولي�س الآيات والأحاديث ال�صحيحة نف�سها ،حا�شا هلل ،وال بد من الت�أكيد كذلك على �أن النوايا احل�سنة ال تكفي وحدها للتو�صل �إىل النتائج ال�سليمة. و�أذكر يف هذا ال�صدد رواية عن ف�ضيلة الإمام ال�شخ حممد متويل ال�شعراوي ،رحمه اهلل وغفر لنا وله ،عن �سيدة �أجنبية ،كانت تبحث يف �سرية ر�سول اهلل� ،صلى اهلل عليه و�سلم ،لبيان حقيقة هذه ال�شخ�صية العظيمة التي �سمعت بها وقر�أت عنها ،وقررت �أن تُخ�ضع كل ما �سمعته وقر�أته للتحليل و�إعمال املنطق العلمي بعيد ًا عن الهوى ،وعن التع�صب، ومن دون �أفكار م�سبقة ،وكانت قر�أت ترجمة الآية الكرميةَ « :يا �أَ ُّي َها ول َب ِّل ْغ َما �أُ ِنز َل ِ�إ َل ْي َك ِمنْ َر ِّب َك َو ِ�إنْ لمَ ْ َت ْف َع ْل َف َما َب َّل ْغتَ ر َِ�سا َل َت ُه َو هَّ ُ ال َّر ُ�س ُ الل َ هَّ ا�س �إِنَّ الل اَل َي ْه ِدي ا ْل َق ْو َم ا ْل َكا ِف ِرينَ » ،املائدة «.»67 َي ْع ِ�ص ُم َك ِمنْ ال َّن ِ وبالبحث وال�س�ؤال والتق�صي والتفكري احليادي� ،س�ألت عن حال الر�سول الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم ،قبل نزول هذه الآية ،وهل كان له من جند يحر�سونه من النا�س ،فقيل لها �إن �أ�صحابه ر�ضوان اهلل عليهم كانوا يفعلون ويتناوبون على حرا�سته ،ثم �س�ألت وكيف �أ�صبح الأمر بعد نزول هذه الآية الكرمية ،فقيل لها �إن ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم �صرف �أ�صحابه الكرام ر�ضوان اهلل عليهم من حرا�سته و�أعفاهم من ذلك الأمر ،فقالت من فورها� :أ�شهد �أنه حق ًا ر�سول كرمي لرب عظيم، و�أ�شهد �أن ما �أنزل عليه هو احلق من ربه ،لأنه لو كان من عند غري اهلل لعرف حممد نف�سه ذلك ،وخلاف على نف�سه وما �صرف حرا�سه وترك نف�سه عر�ضة للأخطار. ال�شاهد يف الق�صة هنا هو كيفية التفكري العلمي املنطقي التي اتبعته ال�سيدة ،وكيفية التحلى باحليادية يف التفكري ،ما يعني تنحية الأهواء والأفكار امل�سبقة ،وكيفية ترتيب النتائج وتتابعها و�صو ًال �إىل ر�أي �أقرب لل�صحة ،و�أقرب للحقيقة. بقيت امل�شكلة الرئي�سة ،يف ذلك اجلدل العقيم حول الرتاث واحلداثة، والذي ال �أرى له مربر ًا لأنه ال مفر من التكامل بني االثنني ،وال بد من البحث يف الرتاث وا�ستخراج كنوزه و�إخ�ضاعها للو�سائل العلمية احلديثة ،ثم �إعادة �إنتاج �أو ا�ستخراج كنوز جديدة منها ،وقد خل�ص �أحد احلا�ضرين املوقف عندما دعا �أحد الراف�ضني للعالج بالطب التقليدي �إىل التفكري يف كيفية عالج النا�س �أنف�سهم وبع�ضهم بع�ض ًا قبل اكت�شاف الطب احلديث ب�أدواته و�آالته وكيماوياته و�أ�شعاته ومعامله وعياداته وم�شافيه .اللهم ا�شفنا من الهوى والغر�ض واملر�ض� .آمني
نبض الذاكرة 52 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
رمضان ..
حكايات في الذاكرة القاهرة -ه�شام علي ونحن على �أبواب رم�ضان ،ا�صطحبني يف يده الكاتب الكبري لوي�س جري�س ،حل�ضور جل�سة من جل�سات «احلرافي�ش» على نيل القاهرة ،يف ح�ضرة �سيد الرواية العربية «جنيب حمفوظ» ،مل يكن لقائي الأول معه ومل يكن الأخري ،انتهزتها فر�صة� ،أن �أخرج من اجلل�سة ويف يدي مو�ضوع �صحفي عن رم�ضان يف ذاكرة «جنيب حمفوظ»� ،أذكر عندما �س�ألته عن املتبقي من رم�ضان يف ذاكرته؟ �صمت قلي ً ال� ،أو مبعنى �أدق �سرح بعيداً ،احرتمت هذا ال�صمت وحلظة الت�أمل ،وتخيلت «الأ�ستاذ» يتجول بذاكرته ،يف درب �أرمز ،ومقهى الفي�شاوي ،وحلقات املن�شدين ،و�سيدنا احل�سني وخان اخلليلي. بعد �صمت مل ي��دم ط��وي�ل ًا ،طلب مني �أن �أ�ضغط على الكا�سيت�« :أجمل �أيام رم�ضان على الإطالق يف الطفولة عندما كان الأهل مينحونا حرية ا�ستثنائية يف الت�أخري خارج البيت بعد الإف��ط��ار ،خ�صو�ص ًا �أن يف هذه املرحلة العمرية جمعتني هواية م�شرتكة مع بع�ض اال�صدقاء من جرياين وهي اال�ستماع �إىل الإن�����ش��اد الديني والتوا�شيح يف بيوت ال��ع��ائ�لات ال��ع��ري��ق��ة ،ال��ت��ي ك��ان��ت تقيم يف رم�ضان يومي ًا ليايل للإن�شاد الديني واملديح، ولأنني كنت من ع�شاق ال�شيخ علي حممود ط��ه ،كنت ي��وم��ي�� ًا �أذه���ب �إىل البيت ال��ذي ي�ست�ضيفه لال�ستماع �إليه طوال الليل ،حتى ن�شهد �أجمل حلظة من املمكن �أن يعي�شها عا�شق لهذه الأ�صوات اجلميلة من املن�شدين
عندما يخرج كل من�شد من ه�ؤالء «الأكابر» ويقف �أمام البيت الذي ي�ست�ضيفه حتى ي�ؤذن ل�صالة الفجر ،يف هذه اللحظات النورانية ت�ستمع �إىل �أعظم �سيمفونية مو�سيقية ،مع ت��داخ��ل �أ���ص��وات امل�شايخ وك���أن��ه��ا مقطوعة مو�سيقية تهبط من ال�سماء طازجة». وي�سرت�سل «الأ���س��ت��اذ» يف ح���واره« :رم�ضان و�أج�����واء ال�����ص��ف��اء النف�سي ال��ت��ي ت�سيطر على �أي��ام��ه منحتني فر�صة كبرية للقراءة واالط��ل�اع يف جم���االت خمتلفة ومتنوعة، يكفي �أن��ن��ي ق���ر�أت يف رم�ضان �إ�سالميات العقاد ،وعلى هام�ش ال�سرية لـ«طه ح�سني»، وحديث عي�سى بن ه�شام وكثري من الكتب التي تتناول ال�صوفية ،مع ق���راءات �أخ��رى متنوعة يف امل�سرح الغربي وال�شعر ،وال �أن�سى
يف رم�ضان جل�سات «الفي�شاوي» بعد الإفطار، التي كانت تزدحم بالرواد ع�شاق «القافية» وتبادل النكات».
�آخر نكتة لنجيب حمفوظ
بعد انتهاء «الأ���س��ت��اذ» م��ن ح���واره� ،أغلقت ال��ك��ا���س��ي��ت .وجل�ست م�ستمع ًا وم��راق��ب�� ًا لـ جنيب حمفوظ وج��ه�� ًا ل��وج��ه ،يدير احل��وار بني احلرافي�ش على مزاجه اخلا�ص� ،إذا مل يعجبه الكالم ،يخلع ال�سماعة من �أذنه ،و�إذا لفت نظره بحوارك مينحك مكاف�أة خا�صة: ّ �آخر نكتة« ،هو ده ..جنيب حمفوظ».
الكنافة وفطري املالك
و�أنا �أ�ستعيد هذه ال�سهرة مع جنيب حمفوظ
نبض الذاكرة 54 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
جنيب حمفوظ يف جل�سته على مقهى ري�ش
يف ذاكرتي ،وجدت نف�سي �أنا الآخر� ،سارح ًا م��ع رم�����ض��ان ،حكاية م��ن هنا و�أخ����رى من هناك ،خ�صو�ص ًا و�أن رم�ضان يف «�شربا» احل��ي ال���ذي تربيت ف��ي��ه ،ل��ه طعم خا�ص، ال ميكن �أن جت��ده يف �أي م��ك��ان يف العامل �إال «���ش�برا» ..ال��ذي يلتقي فيها رم�ضان مع احتفاالت امل�سيحني «مبولد ماري جرج�س» في�شاركوننا �صناعة زينة ال�شوارع امللونة ون�شاركهم تعليق «ال�صلبان» بالأحبال بني العمارات ،نعطيهم �أطباق «الكنافة» ويردوها بـ«بفطري امل�لاك» وقبل �أذان الفجر جنل�س جميع ًا على الأر�ض نتناول ال�سحور املكون من الفول والزبادي. �أذكر �أنه يف �إحدى ال�سنوات� ،سقطت جمموعة ب��ي��وت ق��دمي��ة م��ت��ج��اورة يف ���ش��ارع العطار ال�شهري بحي �شربا ،ومل يجد امل�س�ؤولون يف جمل�س املحافظة �أمامهم �إال ت�سكني �أهايل
ه��ذه البيوت يف مدر�سة �شربا الإع��دادي��ة، ولكن من �أي��ن �سي�أتون لكل ه��ذه العائالت بوجبات الإفطار وال�سحور؟! والدي الذي كان ع�ضو ًا يف جمل�س حمافظة القاهرة ،وجد احلل عند �أبونا «متى �ساوير�س» كاهن كني�سة اجليو�شي ،وامل�����س���ؤول ع��ن جمعية ال�سالم اخلريية ،ال��ذي اعترب ح��واره مع وال��دي يف التليفون مبثابة تكليف ،غري موقع بعقود� ،إال �ضمان العي�ش وامللح والأخ��وة ،وف��ور ًا �أ�صدر �أبونا متى �ساوير�س تعليماته لإدارة جمعية
كان نجيب محفوظ إذا لم يعجبه الكالم يخلع السماعة من أذنه وإذا أعجبه حوارك يمنحك مكافأة خاصة :آخر نكتة
ال�سالم ب�أن يعمل مطبخ اجلمعية � 24ساعة لتجهيز وجبات الإفطار وال�سحور لل�صائمني يف مدر�سة �شربا الإعدادية ،وكثري ًا ما كان يجل�س �أبونا متى �ساوير�س يفطر بينهم حتى يطمئن �أن اخلدمة 5جنوم. مبنا�سبة هذا املوقف ال��ذي فعله �أبونا متى �ساوير�س بعيد ًا عن الكامريات والت�صوير، وبرامج «التوك �شو» ،وجه يل الدعوة ع�ضو �سابق مبجل�س ال�شعب لتناول الإفطار معه بني ين�س يف منت�صف احلوار �أن �أبناء دائرته ،ومل َ يطلب مني �أن يكون معي م�صور اجلريدة ،مل �أجد يف الأمر عيب ًا �إذ اعتربتها �صور ًا للذكرى ومل �أتخيلها للدعاية االنتخابية حتى فوجئت قبل مدفع الإفطار بثوان قليلة ب�أحد �أ�صحاب حم�ل�ات جت���ارة ك��اوت�����ش ال�����س��ي��ارات ،ي���أت��ي متجه ًا نحوي مم�سك ًا بامل�صور ال��ذي يعمل معي ،مهدد ًا بتك�سري الكامريا� ،إذا التقط
���ص��ورة واح���دة مل��ائ��دة ال��رح��م��ن ،وب�شجاعة �أوالد البلد ورج��ول��ت��ه��م ،وج��ه ك�لام��ه �إ ّ يل وهو ينظر �إىل ال�سيد ع�ضو جمل�س ال�شعب املحرتم« :طبع ًا بكرة �صور البيه ،تنت�شر يف اجلرائد ،وهو يجل�س بني النا�س الغالبة على مائدة الرحمن� ،ساعتها كل النا�س �ستظن �أنه املتكفل بتكاليف مائدة الرحمن� ،شوف ي��ا �أ���س��ت��اذ ،بال�صالة على النبي ،البيه.. النهاردة جاب عجل ..ب�س ب�ص هناك فيه �أك�ثر من ع�شرين عجل واقفني� ،أ�صحابهم جابوهم ون��زل��وه��م م��ن العربيات وم�شيوا معرف�شي هما مني ..وال عايزين يتعرفوا وال يطلعوا يف اجلورنال ..املائدة دي بي�صرف عليها نا�س منعرفهم�ش ..وال نعرف هما مني ..اللي بيجيب خ�ضار واللي بيجيب رز وال��ل��ي بيجيب ح��ل��وي��ات ..تيجي ان��ت تن�شر �صورة لـلبيه ،يبقى هوه اللي عامل كل ده.. ير�ضيك انت؟». �أن��ا و�ضعت عيني يف الأر����ض من اخلجل.. لتعر�ضي لهذه اخلدعة االنتخابية ،وال�سيد ع�ضو جمل�س ال�شعب امل��ح�ترم ،ظل يجفف يف ع��رق��ه ،وان�����س��ح��ب م��ن امل��ك��ان ب��ه��دوء، وا�ستكملت �أنا ال�سهرة بني �أهل املعروف ،بعد �أن ذهب امل�صور ،وخلعت عباءة ال�صحفي، وا���س�ترددت �شخ�صية اب��ن البلد ،وجل�ست �أ�ستمع �إىل ح��ك��اي��ات مالئكية ع��ن كيفية جتهيز هذه املائدة يومي ًا التي تتكفل ب�إفطار �أكرث من � 10آالف �صائم من عابري ال�سبيل، ال ي�س�ألهم �أح��د عن ديانتهم �أو جن�سيتهم، يجمعهم على املائدة بركة رم�ضان.
كروان ال�صعيد
�إذا ك��ان �أ���س��ت��اذن��ا جنيب حم��ف��وظ منحه احل���ظ �أن ي��ع��ي�����ش يف زم���ن رئ��ي�����س دول���ة املن�شدين ال�شيخ علي حممود ط��ه ،فمن حقي �أن �أفتخر �أنني تعرفت على «كروان ال�صعيد» ال�شيخ «يا�سني التهامي» يف حفل «ط��ه��ور» يف جن��ع «ب��ردي�����س» يف ���س��وه��اج، وم��ن ه��ذا ال��ي��وم ال �أف��وت ل��ه ليلة وخا�صة الليايل الرم�ضانية يف �سيدنا احل�سني، �أو يف حفالت الـ ،v.i.bالتي تنظم لل�شيخ
مقهى الفي�شاوي �أحد عالمات �شهر رم�ضان يف القاهرة
يف اجل��ام��ع��ة الأم��ري��ك��ي��ة وامل��رك��ز الثقايف الفرن�سي. مع يا�سني التهامي و�أ�شعار ابن الفار�ض، ت�سبح بعيد ًا يف عامل من الوجد ال�صويف ،ال ميكن �أن مينحك �إياه �إال �سيدي ال�شيخ �سيد النق�شبندي ،الذي تالقت حنجرته املا�سية مع الفتى الذهبي للمو�سيقى العربية بليغ حمدي يف م�شروع فني تبلورت مالحمه يف �سنوات املواجهة مع العدو الإ�سرائيلي ،من
خ�لال جمموعة م��ن الأدع��ي��ة واالب��ت��ه��االت للجنود على اجلبهة ،وح�سب ت�صريحات د .مر�سي �سعد الدين ال�شقيق الأكرب لـ بليغ حمدي ،ف�إن هذا امل�شروع الفني مت االتفاق عليه يف م��ي��ت �أب���و ال��ك��وم ق��ري��ة الرئي�س ال�سادات ب�أمر رئا�سي ،عندما طلب منهما الرئي�س �أن يوظفا موهبتهما يف عمل فني يظهر يف رم�����ض��ان ،ويحكى �أن ال�سادات ال��ع��ا���ش��ق للمو�سيقى وال��ف��ن ب�شكل ع��ام،
نبض الذاكرة 56 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
باب املبنى ويريدان الدخول ،تفادي ًا للحرج نزلت �إليهما م�سرع ًا ،و�شرحت لبليغ ووردة املوقف الإعالمي وموقف الإذاعة ،وقف بليغ ي�ستمع �إ ّ يبد اعرتا�ض ًا ،بعد 15دقيقة يل ومل ِ تقريب ًا فوجئت بات�صال ي�أتيني من ال�ضابط امل��ن��اوب يف نقطة �شرطة ب���والق �أب���و العال يخربين ب�أن بليغ حمدي تقدم ببالغ �ضدي يف نقطة ال�شرطة يتهمني باخليانة العظمى لأين منعت اجلندي جمند بليغ حمدي من امل�شاركة يف حرب التحرير حرب رم�ضان من جبهة الإذاع��ة� ،أطلعت رئي�س الإذاع��ة «بابا �شارو» على املوقف ،جل�س ي�ضحك و�أمرين �أن �أذهب و�أح�ضر «الواد املجنون ده» ،و�أفتح له ا�ستديوهات الإذاعة ،ودخل بليغ ومعه وردة وعبد الرحيم من�صور ،كان ينام على �سلم الإذاع��ة ،عبد الرحيم يقر�أ اجلرائد ويكتب كلمات الأغ���اين وبليغ يلحن ووردة تغني، وتوافد الفنانون جميع ًا لأداء واجبهم الوطني بعد �أن مهد لهم الأر�ض اجلندي جمند بليغ حمدي».
حياة حتت الربع
�صانع الفواني�س يف منطقة «حتت الربع»
ك��ان �إذا ذه��ب �إىل قريته يف ري��ف م�صر، فالبد �أن يكون ال�شيخ النق�شبندي وبليغ يف مقدمة املدعوين �إىل بيته يجل�س بينهم على الأر����ض م�ستمتع ًا بنفحات ال�شيخ، وعزف بليغ على العود.
مع ياسين التهامي وأشعار ابن الفارض تسبح بعيد ًا في عالم من الوجد الصوفي
جندي جمند بليغ حمدي
هزمية 5يونيو ،و�أول ه��ذه ال��ق��رارات عدم تقدمي �أغ��ان جديدة واالكتفاء باملوجود يف مكتبة الإذاع��ة من �أغان وطنية كال�سيكية، يف هذه الأيام كان مبنى الإذاعة والتلفزيون م�ؤمن ًا باحلر�س اجلمهوري وقوات اجلي�ش، و�أنا يف مكتبي فوجئت مبكاملة من الأمن تقول �إن بليغ حمدي ومعه وردة اجلزائرية على
وال�شيء بال�شيء يذكر ،م�ساهمة بليغ الفنية يف ح���رب رم�����ض��ان ل��ه��ا ق�����ص��ة ،رواه����ا يل �صديقه الإع�لام��ي الكبري وج��دي احلكيم: «عندما �أعلنت ح��رب �أكتوبر 10رم�ضان، اتخذت الإذاع���ة امل�صرية ق���رار ًا بالتعامل الإع�ل�ام���ي ال���ه���ادئ ب��ع��ي��د ًا ع��ن ال�ضجيج وال�صريخ ،رمب��ا بعد �أن تعلمنا م��ن در���س
اع��ت��زازي ب���أين ع�شت رم�ضان يف �شربا ،ال ينفي �أنني من ع�شاق القاهرة الإ�سالمية، �سيدنا احل�سني ،وال�سيدة زينب ،والقلعة، واخل��ي��ام��ي��ة ،وخ���ان اخل��ل��ي��ل��ي ،وخ�صو�ص ًا ال��غ��وري��ة ،وم��ن��ط��ق��ة «حت���ت ال���رب���ع» امل��رك��ز الرئي�سي لت�صنيع «فانو�س رم�ضان» يف �شكله التقليدي اجلميل ،وعلى فكرة :امل�صريون �أول من عرفوا الفانو�س يف �أيام الفاطميني، وارت��ب��ط عندهم ب�شهر رم�ضان بداية من اليوم اخلام�س من �شهر رم�ضان عام 358هـ عندما خرج �أهايل القاهرة ال�ستقبال املعز لدين اهلل الفاطمي لي ًال حاملني امل�شاعل والفواني�س م��رددي��ن الهتافات والأغ���اين. ويعترب �أهل القاهرة �أول من حملوا الفانو�س يف رم�ضان ،ورغم انت�شار «الفانو�س» ال�صيني املقلد ،مل ترتاجع مبيعات «الفانو�س» الذي ي�ضاء لي ًال بال�شمعة .وهذه املنطقة بالتحديد «حتت الربع» لها خ�صو�صية جتذب �سكان ال��ق��اه��رة وال��ق��ادم�ين م��ن الأري����اف ل�شراء
بائع العرق�سو�س املتجول تروج جتارته يف رم�ضان
م�ستلزماتهم «زي م��ا بيقولوا م��ن الإب��رة لل�صاروخ» ..عطارة ،فواني�س� ،أدوات مطبخ، معدات �شوي اللحم ،قباقيب ،طر�شي ،كنافة ي��دوي��ة ،كله م��وج��ود ..و«حت��ت ال��رب��ع» ملن ال يعرف ،مبثابة معرب ميكن �أن تخرج منه �إىل ال�سيدة زينب و�سيدنا احل�سني والقلعة ،و�إذا �صادفك احلظ ودخل عليك �أذان املغرب يف «حتت الربع» ال ميكن �أن تفلت من �أهله �إال و�أفطروك بينهم واجلميع يقدم لك الطعام و�شراب «العرق�سو�س» م�صحوب بعباراتهم الرقيقة« :اجرب بخاطرنا».
تاجر ال�سعادة
و�إذا تذكرنا رم�ضان مع جنيب حمفوظ ال
منطقة «تحت الربع» هي المركز الرئيس لتصنيع «فانوس رمضان» في شكله التقليدي الجميل ميكن �أن نن�سى تاجر ال�سعادة �أ�سامه �أنور عكا�شة ،ال��ذي منح ليايل رم�ضان طابع ًا خا�ص ًا ،والأ�سر العربية ملتفة حول التلفزيون تتابع �أحد �أعماله التي غريت �شكل الدراما التلفزيونية ونقلتها �إىل منطقة راق��ي��ة ت�صنف �أحيان ًا «�أدب تلفزيوين» ،يف زمن
كانت امل�سل�سالت تباع للمحطات العربية با�سم كاتبها على الترت :م�سل�سل لـ �أ�سامة �أنور عكا�شة ،الذي كان يكتب عم ًال واحد ًا يف ال�سنة ،يختار م�شاهده وح���واره على طريقة «اجلواهرجي» يف ر�ص «الأملاظ» يف قطع املجوهرات ،قبل �أن يظهر نظام املنتج املنفذ و�شركات الإع�لان��ات ،ويتم ت�سويق امل�سل�سالت با�سم النجمة قبل �أن يكتب امل�سل�سل .الذي عرفنا �أنه يكتب يف �أ�سبوع، على يدي البطلة �أو البطل لإ�ضافة م�شاهد لها �أو حذف م�شاهد من زميلتها يف العمل. على ما يبدو �أن القراءة يف رم�ضان لي�ست عادة تخ�ص الأ�ستاذ جنيب حمفوظ فقط، ع��ن نف�سي اكت�شفت �أن معظم الأع��م��ال العظيمة انتهيت منها يف رم�ضان «الفتنة ال��ك�بري» ل��ـ ط��ه ح�سني «���ش��ه��ي��د ك��رب�لاء» العقاد «زهرة العمر» توفيق احلكيم« ،طلع البدر علينا» �أني�س من�صور ،ب�س ب�صراحة من �أكرث الكتب التي تعلقت بها و�أ�صبحت ت�لازم��ن��ي يف رم�����ض��ان «احل�����س�ين ث��ائ��ر ًا» و«احل�سني �شهيد ًا» ،و«الفاروق عمر» و«علي �إم��ام املتقني» للكاتب الرائع عبد الرحمن ال�شرقاوي ،الذي حكى يل عنه �أ�ستاذ لوي�س جري�س� ،إنه يف رم�ضان ي�أخذ �إجازة �شهر ًا عن العمل ويجل�س يف بيته للكتابة ،و�أنه يف �إح��دى ال�سنوات التي كان يعمل فيها معه يف «روزال��ي��و���س��ف» عندما ك��ان ال�شرقاوي ع�ضو ًا منتدب ًا للمجلة ،ولوي�س رئي�س حترير، ت�أزم الو�ضع املادي يف املجلة واحتاج لوي�س �أن يوقع منه �شيكات روات���ب ال�صحفيني والعاملني يف «روزال��ي��و���س��ف» ،ذه��ب �إليه لوي�س يف بيته وانتظره يف ال�صالون ،يق�سم يل لوي�س �أنه مل يعرفه من �أول وهله ،وظن نف�سه �أمام جمذوب من الذين يعي�شون يف �سيدنا احل�سني ،خ��رج من خلوته ،بعدها اكت�شف �أن ال�شرقاوي يعي�ش احل��ال الذي يكتب عليه ،نقل نف�سه �إىل زمن ال�صحابة، عا�ش بينهم وكتب بل�سانهم ،و�إح�سا�سهم، هنا عرفت ملاذا تعلقت بكتابات ال�شرقاوي، وطبع ًا جنيب حمفوظ« ،حد ين�سى جنيب حمفوظ!»
المرآة اآلفاق ارتيادفي وجه 58 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
عفيفي مطر: آخر شعراء المعلقات د�.أمين بكر جتربة عفيفي ال�شعرية مغرية وخميفة؛ مغرية لأنها تت�سع لتغطي م�ساحة وا�سعة وعميقة من الطموحات اجلمالية لل�شعراء والنقاد جميعا؛ فهي جتربة غذت الكثري من �شعراء �أجيال خمتلفة ،وات�سعت قدرتها على مواكبة معظم الأ�شكال ال�شعرية العربية تقريبا؛ تت�سع جتربة عفيفي مطر فت�شمل ال�شكل العمودي وق�صيدة التفعيلة ،وال تخلو من مناو�شات لق�صيدة النرث. وه��ي جت��رب��ة تت�سع لت�سمح ب�ت�ح��رك ع��دد القدرة على اللغة
كبري من النقاد -وم��ن �أجيال خمتلفة -يف و�صف مالحمها والتنظري لها .هي جتربة مغرية لأن �ه��ا تقبل دون ِّ يل ذراع مقوالت ال�ن�ق��د وت��وج�ه��ات��ه ع�ل��ى ت�ن��وع�ه��ا ،وخميفة لأنها بهذا الإغ��راء رمبا توهم الناقد �أنها قابلة لالختزال والت�أطري ،يف حني ي�صعب ذلك ج��دا ،ولعل �إط��ار الدرا�سة الأكادميية للماج�ستري �أو للدكتوراه �أن يدعي تقدمي ر�ؤية منظمة وا�سعة لهذه التجربة ،لكنها �ستظل ر�ؤية ممكنة �ضمن ر�ؤى غري حمدودة ي�سمح بها ثراء وتنوع جتربة مطر .وال يكفي للدار�س �أن يكون م�ستوعبا ملقوالته النقدية ق��ادرا على تطويعها فح�سب ،بل البد له �أن يكون م�ستوعبا بعمق لرتاث ال�شعر العربي خا�صة، وذو ح�سا�سية خا�صة يف التعامل مع لغة هذا ال�شعر وبنياته اجلمالية والداللية .فعفيفي م�ط��ر ي�ب��دو يل �آخ ��ر ال���ش�ع��راء اجلاهليني العظماء� ،آخر �شعراء املعلقات.
�أظ ��ن �أن و� �ص��ف عفيفي م�ط��ر ب ��أن��ه �آخ��ر ال�شعراء اجلاهليني العظام ينطوي ب�صورة خ��ا��ص��ة ع�ل��ى و��ص��ف مللمح �أ��س��ا��س��ي مميز لتجربته :وه��و ال�ق��درة على اللغة ،بنياتها ومو�سيقاها وقدراتها التعبريية والت�صويرية املجازية خا�صة ،تلك القدرة التي غالبا ما يحاول الناقد و�صفها بعبارات جمازية ت�سعى للإم�ساك ب�شعور غام�ض يت�سرب له� ،شعور ب�سيطرة هادئة وحتكم غري مت�شنج من قبل ال�شاعر على ن�صه ،ميكن لعفيفي مطر �أن يقف على الأطالل كامرئ القي�س �أو �أن يتغنى بوجيعة غربته كاملتنبي يف ق�صيدة موزونة مقفاة م�ستخدما بحر الطويل املميز لعيون ال�شعر الكال�سيكي العربي ،خا�صة اجلاهلي
قدرة عفيفي مطر على اللغة جعلته آخر الشعراء الجاهليين العظام
منه .يقول:
تركتم دم��ي �سبيا فلي�س يجريه �داج ��ى �أو � �ص��دي��ق ي���ص��اول ع ��دو ُي � َ وح��م ق�ضاء الليل ظلما وظلمة ق ��د ح �ب �ك��ت دون ال � �ف� ��رار امل �خ��ات��ل ف �ب��ت ع �ل��ى ظ� � ٍّ�ن دم ��ائ ��ي ت �� ُّؤج��ه وت��ذروه يف الريح الربوق ال�صواهل �أم ��وت و�أح �ي��ا حلظة بعد حلظة وت�صرخ يف حلمي الظبا وال��ذواب��ل �أه �ي��يء �أك �ف��اين و�أ�� �ص ��رخ ذاه�ل�ا ��ش��رب��ت � �س��راب ال�ع�م��ر فيما حت��اول ف �ك ��ل ب �ل��اد ت��رت �� �ض �ي �ه��ا �إق ��ام ��ة ف�ج�ي�ع�ت�ه��ا ف �ي �ه��ا وم �ن �ه��ا ال �ن �ـ �ـ��وازل
فا�صلة �إيقاعات النمل
الأم��ر لي�س ان�سحاقا �أم��ام من��وذج ال�شعر العربي القدمي ،وال هو متثل �إحيائي �سلبي يكرره ،بل حت��اور معه وتطوير ل��ه ،مل يقف عفيفي يف ا��س�ت�خ��دام��ه للطويل وللمعجم
وجه في المرآة 60 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
عنا�صر العامل الرتاب واملاء والهواء والنار، ك��ان��ت الق�صيدة منت�شية ب�تراث�ه��ا تياهة حمتمية ب��ه ،وك��ان��ت ذات ال�شاعر ت�صوغ خليقة �أخرى ،كما روح الإله التي كانت ترف على وجه الغمر يف بداية اخلليقة: «عيني وياليلي و�آه» كان املغني طافيا فوق املياه
ال�شعري القدمي عند ال�شكل الكال�سيكي، ففي ق�صائد �أخ��رى -من ال��دي��وان نف�سه وم��ن غ�يره -يتالعب بالقافية حمتفظا بالوزن الأثري لدى اجلاهليني العظام ،ويف كل حاالته يقود اللغة والن�ص نحو غايات له فيها فعل وا�ضح ال يرتك تراث ال�شعر كما كان: �أيا جارتا.. كنا من الرمل نطف ًة مرج ِم وقب�ض َة جم ٍر يف حديثٍ َّ ور�ؤيا �سالالت من ال�شعر �أَوقدتْ أ�سباب ..فالأفق ملعب ب�أوتادها ال َ يطري به �صقر من الطني والدم
مي�شي به النهر الثقيل اخلطو من �أهل �إىل �أهل ومن عام لعام
ب َّلغتُ .. لو ين�شق عن وجه البالد املبهم املفطور �صل�صال الكالم «ليلي وياعيني و�آه»
يظلله بيت من الكون �شا�س ُع «من ديوان :تورط الذات ال�شاعرة مع العامل ف��ا��ص�ل��ة �إي �ق��اع��ات ال�ن�م��ل» ينك�سر �شكل ال�سطر ال�شعري وكذلك ينك�سر انتظام القافية ،ويحدث بانك�سارهما االنحراف الذي �أ�شري �إليه .قدرة عفيفي مطر على اللغة تختلف ب�صورة جذرية عن جتارب ف�ن�ي��ة �أخ� ��رى ت �ك��ون ف�ي�ه��ا ال �ل �غ��ة ه��ي من ي�ستخدم ال���ش��اع��ر ،ف�ت�ت�ب��دى م��ن خالله بنياتها وجمالياتها بال �إرادة منه تقريبا، ي�صبح ال�شاعر يف مثل تلك و�سطا �شفافا الزما ال�ستمرار النوع دون �إ�ضافة حقيقية، دون �صراع عميق بني ال�ق��درات اخلالقة للفرد امل �ب��دع وت ��راث ال �ن��وع ال�ف�ن��ي ،دون تفاعل عميق بني رغبة املبدع يف �أن يتجلى وعيه وتتبدى �إرادت��ه و�سطوة تاريخ اللغة وهيمنة ح�ضورها وبنياتها الفنية .ويبدو يل �أن ا�ستخدام اللغة لل�شاعر ومباهاتها بذاتها عرب وعيه وق�صيدته رمبا كان من �أهم العوامل يف ترهل جتربة جيل واحتياج جيل �آخر لتجاوزها «بغ�ض النظر عن �أي تق�سيم زمني �صارم يحدد اجليل». ع �ف �ي �ف��ي م �ط��ر يف ه� ��ذا ال �� �س �ي��اق ي �ب��دو فريدا فهو متفاعل مبتهج بتفاعالته مع منت�ش بفعله فيها ،وبقدرته على اللغة، ٍ تروي�ضها� ،سعيد �أحيانا با�ست�سالمه لها ولأ�شكالها ال�شعرية التاريخية.
لعل ما �سبق يقودين لتحرك مهم يف جتربة مطر �أظ �ن��ه حتقق يف دي ��وان «احتفاليات امل�ؤمياء املتوح�شة».التحرك ال��ذي �أق�صده ميكن ر��ص��ده مبحاولة ا�ستك�شاف م�ستوى تورط الذات ال�شاعرة مع العامل وا�صطدامها باللحظة التاريخية املعا�صرة. ال �أق ��ول �إن جت��رب��ة عفيفي مطر قبل هذا الديوان كانت من�شغلة بعالقته الفريدة مع اللغة فقط ،ومنف�صلة ع��ن واق�ع��ه الثقايف املعي�ش مت��ام��ا ،ولكنني �أدع��ي �أن التفاعل بني ذات ال�شاعر وثقافته ك��ان تفاع ًال مع ال�ت�راث امل�ح�م��ل يف ال�ل�غ��ة ق��دمي��ه وحديثه �أك�ثر من كونه تفاعال مع تفا�صيل اللحظة الثقافية ال�ت��ي يتحرك يف �إط��اره��ا حممد عفيفي مطر الكائن احلي ،كانت الق�صيدة متتلئ بال�ساللة والأ� �س�ل�اف و�شخ�صيات التاريخ و�أحداثه العظيمة �سواء يف الثقافة العربية �أو يف ثقافات العامل الكربى ،كانت الق�صيدة م�شغولة ب�صراعاتها مع لغتها، ب�صنع خ�صو�صياتها املتفردة ،ب�إعادة ت�شكيل
قصائد مطر امتألت بالساللة واألسالف و شخصيات التاريخ وأحداثه العظيمة
من ديوان «فرح بالنار» هو خالق من نوع خا�ص مادة خلقه �صل�صال الكالم،ال�شعر .وم��ن زاوي��ة �أخ��رى يبدو �أن ذات ال�شاعر ت�صنع �أ��س�ط��ورة رمب��ا ي�صح �أن ن�شبهها مبحاولة ابن عربي يف فتوحاته، حيث بدا �أن ابن عربي يقدم م�شروعا يحاول احتواء كل ما �سبقه من ر�ؤى كونية للعامل والإن�سان واملطلق وما بينهم من عالئق ،بدا ابن عربي �ساعيا لت�ضمني تراثه الفل�سفي والديني �ضمن م�شروعه الكوين الفل�سفي الكبري ،ويبدو يل عفيفي مطر من�شغ ًال مثله ب�صياغة م�شروع ك��وين �شعري كبري ي�شمل ت��راث��ه ،وي�ق��دم ر�ؤي ��ة خا�صة كلية و�شاملة ومتجان�سة للعامل والإن �� �س��ان واملطلق وما بينهم من عالئق. ما الذي يخرج بديوان «احتفاليات املومياء املتوح�شة» �إذن ويدعوين لو�صفه ب�أنه حركة مغايرة ب�صورة ن�سبية ؟ الديوان ي�ستخدم قدرات عفيفي مطر التي تر�سخت يف نحت ال���ص��ورة و�صنع املجاز و� �س��وق ال��دالل��ة وال�ت�ح�ك��م ب�ه��ا ،ل�ك��ن روح��ا خمتلفة تن�شع من بني �سطوره ،روح التورط العميق يف اللحظة التاريخية املعا�صرة ،روح ال�صدام مع العامل بطريقة دامية ال يعرفها �إال م��ن جربها وع��ان��ى نزيفها ،روح القهر البدين والروحي ،روح املواجهة املبا�شرة مع دولة بولي�سية وديكتاتورية ع�سكرية خميفة ال
«احتفاليات المومياء تطيق الر�أي املخالف وال تعرف �سوى القهر المتوحشة» إضافة البدين والإبادة و�سيلة لإقناع املختلفني. نوعية خاصة لتجربة تظهر روح مغايرة ن�سبيا يف هذا الديوان ،عفيفي مطر الشعرية بحيث يبدو الرتاث الذي احتمى به ال�شاعر م�شاركا �إياه يف حمنته وعاجزا كعجزه متاما، وتتجاوز الغنائية نف�سها يف هذا ال�سياق فتبد�أ الق�صيدة باقتبا�س من ق�صيدة لذو الإ�صبع ال�ع��دواين ثم يبد�أ ال�شاعر مقوله اخلا�ص مبقطع نرثي طويل:
اهلل ي �ع �ل��م �أين ال �أح �ب �ـ �ـ �ـ �ـ �ك �م��و وال �أل� ��وم � �ك � �م � �ـ� ��و �أال حت� �ب ��وين لو ت�شربون دمي مل َير ِو �شا ِر ُب ُكم وال دم � ��ا�ؤك� � �م � ��و ج �م �ع ��ا ت ��روي �ن ��ي
كيف هناك: يتنخل الوطن فتيته الطالعني من عكارة البلهار�سيا و�صميم الأمية وحيوانية اجلوع وره �ب��ة ال�ع�ب�ي��د وط��اع��ة الإم � ��اء وج�ب�روت الوح�ش ثم ينتقي: �أج �� �س��اد ق ��دت م ��ن � �ص �خ��رة واح � ��دة ع�ل��ى قالب وحيد فال ا�ستثناء يف �شيء وجوه م�سفوعة ب�صفرة ال�شم�س املعتلة وغبار الأحذية عيون تختلط فيها حمرة ب�صفرة ب��راووق النب املتخرث وال ي�شبهها �شيء �إال عيون الكالب امليتة يف جمرور النهر وم�ستنقعات الننت الدهري ك�أن ُ «خ ُنومَ» كان يدخرها يف فواخريه الأزلية حر�سا �سرمديا لفراعنة كل الدهور و�سوى ُخ ُنو َم ال �آله ًة هناك!! هذا املقطع ينظر بده�شة بادية ملا يدور حوله ك�أنه يراه لأول مرة ،وي�صف م�ستخدما من مفردات اللغة �أب�شع ما ي�ستطيع ا�ستخدامه �شاعر قدير ،هنا ينترث العامل ويفقد انتظامه، هنا ي�سقط العرو�ض وتظهر ال�صور املجازية يف خدمة �شيء �آخ��ر غري ذاتها وغ�ير زهو
اللغة بقدراتها ،وغري تطوير م�شروع �شعري �ضخم يتجادل مع تاريخ النوع ،املجازات يف املقطع ال�سابق تابعة لأمل التجربة احلية، تابعة للرغبة يف جت�سيد حلظة مريرة فاقت �أبعادها قدرة النظم على االنتظام .مل ينته املقطع ال�ن�ثري عند ذل��ك احل��د ،ب��ل ميتد و�أظن امتداده كان قرين ا�ستح�ضار ال�شاعر لكائناته وملفردات عامله التي ي�ألفها ويطمئن يف ح�ضورها ،ب��د�أ االن�ت�ق��ال �إىل التفعيلة عندما ا�ستدعى الن�ص �سقراط وابن ر�شد والنفري وزرقاء اليمامة و�أوريديكي حبيبة �أورف�ي��و���س وغ�يره��م ،ب��د�أ االن�ت�ق��ال عندما حدث احلد الأدن��ى من التوازن بني ح�ضور جتربة ال�شاعر املمتدة يف الزمن وح�ضور اللحظة املعي�شة الطاحنة ،و�أظ ��ن حلظة حتقق هذا التوازن كانت هي حلظة البدء يف كتابة �أوىل ق�صائد هذا الديوان عموما. ت�ستعيد ال��ذات ال�شاعرة متا�سكها ن�سبياً وتبد�أ يف ا�ستخدام تراثها الفني اخلا�ص يف �صوغ التجربة ،يدخل الرمز والت�شكيل الفني املركب ،ولكن تلك الروح التي تن�شع من ال�سطور فتلونها تبدو متحكمة يف امل�شهد ال�شعري كله ،فنجد �ألفاظ اللحظة التاريخية ظاهرة على ال�سطح بال قنا ِع جمازٍ يجملها، حيث جند با�ستخداماتها اليومية مفردات «اخلوف،اخليزران،احلر�س،اجلنزير،كل ب،ال�سجن،التعذيب،و�سخ الزجاج،البوق النحا�سي،البا�شا،عر�ض التمام» وغريها من مما ينتمي حلقل جتربة اال�صطدام احلية مع حلظة تاريخية كابو�سية ،ولنت�أمل هذا املقطع ال��ذي ي�ستخدم مفردة من العامية غاية يف الداللة ،غري �أن �أحدا مل يكن ليتخيل ا�ستخدام مطر لها يف �إحدى ق�صائده قبل ذلك ،وهي لفظ «البزرميط»: �شعب خنومي ،وجي�ش م�شرتى من �صيد نخا�سني
والبا�شا يقدم يف َرطا َنتِه جال ِئ َبه: ال �ط��وا� �ش� َّ�ي ،ال �ق �� �ض��ا َة امل �خ�بري��ن ،ال �� �س��اد َة اخل�صيا َن، �أع � �ي� ��ا َن ال �ت �� �س��ولِ َ ،ج � ْن � َ�ج �ل � َ �وت امل �ن�بري��ات الزواين، َ البزرميط املدّعى.. درع من ال�شرق املفتت وال�سيوف مباعة كي ميلك الغرب الرقاب «من ديوان :احتفاليات املومياء املتوح�شة» ه��ذه ر�ؤي��ة �صريحة للحظة التاريخية مل يعتد مطر يف �شعره ال�سابق تقدميها بهذا الو�ضوح ،فاملفردات �شبه مبا�شرة ،متاما كنوع احلكمة التي يقدمها مطر يف مواقع كثرية من الديوان ،م�ستعينا طوال الوقت ومب�شروعه ال�شعري ال�ضخم على �صياغة اللحظة ال�صادمة ،جند ب�صورة متكررة �صياغات �شعرية مده�شة ل�صنوف من احلكمة ،وتو�صيفات عميقة للحظة الثقافية التي نعي�شها ،ويف الوقت نف�سه �سنجد بكاء مر ًا على الذات املنتهكة: �أق���س��ى م��ن امل��وت ارت�ع��ا���ش امل��وت يف َّ ال�شلو الذبيح كتابة �سلفت وهذا وقتها املقدور ه��ل ه��ذه لغة� ،أم �أن��ت �آخ��ر لغو الناطقني بها؟ فاخرج بعريك ال ت�أمل وال تخف وادر�أ ب�ي��أ��س��ك م��ا ك��ان ال��زم��ان ب��ه يغوي ويوهم ياملكاً يبكي على عتبات ال�شعر «احتفاليات املومياء املتوح�شة» �أظ ��ن «اح �ت �ف��ال �ي��ات امل��وم �ي��اء امل�ت��وح���ش��ة» �إ�ضافة نوعية خا�صة لتجربة عفيفي مطر ال�شعرية� ،إ��ض��اف��ة بلورتها حلظة �صدام م��روع م��ع نظام ا�ستبدادي ق��اه��ر ،و�أظ��ن �أن �أف��راد ه��ذا النظام قد وقعوا يف خط�أ ت��اري�خ��ي ي�ستحق ال �ن��دم ،وذل ��ك ب��إت��اح��ة الفر�صة ل�شاعر له هامة عفيفي مطر �أن يف�ضح ما ارتكبوه من جرائم ب�شعر مل يعد ب�إمكان �أحد �أن ميحوه
62 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
التراث الذي يدفع نحو المستقبل
فاطمة املزروعي
يرتدد على نطاق وا�سع �أن ال�شعوب تتجه نحو ما�ضيها وتاريخها عندما تعي�ش �أزمة �أو تعاين من تراجع ح�ضاري ،فت�ستعي�ض عن م�ستقبلها الذي ف�شلت يف الإبداع والتميز فيه باملا�ضي .ويف ظني �أن مثل هذا القول يحمل يف جوانبه تعميماً خاطئاً ف�ض ً ال عن امل�ضمون الذي �أراه غري �صحيح. �إن �أي �شعب يعي�ش يف تراجع معريف وثقايف وتخلف تكنولوجي لي�س ب�سبب اهتمامه برتاثه وتاريخه ،وال�شواهد التي تدح�ض هذا القول كثرية ،بل �إنني �أعتقد �أن الأمة التي تتخل�ص من ما�ضيها وموروثها ،بحجة املعا�صرة والتحديث واالنطالق نحو امل�ستقبل ،ثم بعد عدة عقود تكت�شف �أنها �أ�ضاعت مقدراتها املادية والب�شرية لل�سعي نحو حتقيق منجز مل ُ تخط باجتاهه اخلطوات ال�صحيحة ،فتعود للرتاجع ،ومن هنا تبد�أ ت�ستدعي املا�ضي ليعو�ضها خ�سارة احلا�ضر.
ومهزومة ومت �إلزامها مبعاهدات طويلة املدى لكنها ��س��ارت على ُخ�ط��ى التطور والإن �ت��اج واندجمت ح�ضاري ًا ،ومواكبة لهذا النهو�ض حافظت على هويتها وتاريخها ،وال ترتدد يف �إب��داء مظاهر احلنني لرتاثها ال�ضارب العمق يف التاريخ ،حيث تنظم املهرجانات ل�ل�أزي��اء الرتاثية اليابانية ،وتقيم متاحف عن التاريخ الياباين ،لي�س يف اليابان وح�سب و�إمنا تنظم �أن�شطة يف �سفاراتها وملحقياتها وبعثاتها الدبلوما�سية تقدم خاللها الأدب الياباين الذي يحتوي على ق�ص�ص قدمية ،بل
هذه حقيقة ،بل وهناك �أمم �سابقة بل ودول معا�صرة وقعت يف ه��ذا اخل�ط��أ التاريخي، وقد ال نذهب بعيد ًا ،فهذه تركيا التي عا�شت ع�شرات ال�سنوات وهي تلهث خلف الوحدة الأوروب �ي��ة ،وتخلت خ�لال ه��ذه الهرولة عن تراثها وتاريخها ،بل وعن مكانها ومكانتها يف املنطقة ،وعندما �أدركت ا�ستحالة حتقيق هذا التوجه ب�سبب رف�ض عدد من الدول الأوروبية التي تعتمد على ا�ستفتاء مبا�شر ل�شعوبها، �أقول �إنها بعد �أن فقدت الأمل �أو جزء ًا منه با�ستحالة االن�ضمام للوحدة الأوروبية ،عادت نحو املا�ضي والأجم��اد العثمانية وتاريخها لعله يكون دافع ًا وحافز ًا لتعود قوة عظمى. على النقي�ض م��ن ه��ذا مت��ام � ًا ي ��أت��ي مثال بات شبابنا ينظرون إلى ً ال�ي��اب��ان � �ص��ارخ �ا ،فهي مل تهمل �أو تهجر الغرب باعتباره موطن تاريخها و�إرثها العريق �أمام الوهج الزائف للمنتجات الأمريكية ،رغم �أنها كانت حمتلة التطور والحضارة
والرقي فتجاهلوا تراثهم ونسوه
ويعر�ضون امل�أكوالت واحللوى وخا�صة احللوى التي ت�سمى الوغا�شي التي ت�صنع منذ �أكرث من خم�سمائة عام ،ومن منا ال يعرف ال�شاي الأخ�ضر والذي ميتد عمره لآالف ال�سنوات، ولو مل جتد تلك احللوى �أو ال�شاي االهتمام يف كل جيل وت��وارث من الأج��داد �إىل الآب��اء �إىل الأبناء ملا و�صلت لنا ،بل �سيكون م�صريها االندثار والن�سيان ،متام ًا كما �ضاعت كثري م��ن امل �� �ش��روب��ات يف ع ��دد م��ن احل �� �ض��ارات والأمم .فاليابان مل تتوقف عند هذا وح�سب �إمنا حافظت على �إرثها يف �صناعة اخلزف والن�سيج وك�أنها تقول للعامل �إن اليابان لي�ست �صناعة حديثة وتكنولوجيا وح�سب �إمنا تاريخ وتراث �أي�ض ًا. تراثنا العربي -على الرغم من ثرائه� -إال �أنه يواجه خطر ًا بتجاهله ،فقد اجته ال�شباب نحو امل��و��ض��ة والأزي � ��اء الغربية وتقم�صوا
عادات وتقاليد ال متت لتاريخنا ب�صلة ،على �سبيل املثال ،ما ن�شهده من انت�شار رق�صات بني الو�سط ال�شبابي كالراب والهيب هوب وغريهما .وحتى يف لكنة كالمهم و�أ�سلوبهم وت�صرفاتهم جتد �أنهم مقلدون للغرب ،قد يكون ال�سبب يف انت�شار مثل هذه الأفعال �أن املجتمع العربي ي�ستورد �أك�ثر مما ي�صدر، حيث �إن��ه يعتمد كلي ًا على ما ينتجه الغرب يف جمال ال�صناعة كالتقنية وو�سائل النقل والأدوات املنزلية وغريها� ..أما على ال�صعيد ال��ري��ا��ض��ي جن��د �أي���ض� ًا ت�ف��وق� ًا م��ن الأن��دي��ة الأوروب�ي��ة ب�شكل ال يقارن ب�أنديتنا العربية مع الأ�سف .كذلك ال�سينما الغربية والأفالم وامل�سل�سالت كلها تبدي تفوق ًا على مثيالتها العربية ،لذلك بات ال�شباب ينظرون للغرب على �أ�سا�س �أن��ه موطن التطور واحل�ضارة والرقي فتجاهلوا تراثهم ون�سوه� ،أو بالأحرى هم مل يعرفوه �أو يتعلموا عنه ..ف�إىل جانب نظرة ال�شباب التي تقلل من قيمة ال�تراث العربي جند جتاه ًال من م�ؤ�س�سات املجتمع امل��دين يف ن�شر الوعي الثقايف عن ال�تراث العربي ،كذلك الوزارات والهيئات احلكومية ال تقدم برامج و�أن�شطة جتعل �أنظار النا�س تتجه نحو تراثها ..امل�ؤ�سف �أن هذا التجاهل ميار�س يف بيئة تعليمية كاملدار�س و�صروح العلم ،فاملناهج ال تعر�ض التاريخ بال�شكل املطلوب ب��ل تركز على ال�ت��اري��خ ال�سيا�سي للدول مع جتاهل لق�ص�ص عن الرتاث العربي ب�شكل عام ،وال ت�شرح نظريات العلماء العرب بل تن�سبها للعلماء الغرب! يقول ون�ستون ت�شر�شل رئي�س وزراء بريطانيا ع��ام « :1940ل��و ب��د�أن��ا معركة ب�ين املا�ضي واحلا�ضر ف�سوف جند �أننا خ�سرنا امل�ستقبل»، من هنا يظهر �أن م�شكلة التخلي عن الرتاث العربي لي�ست يف ال�شباب وح�سب ،ب��ل �إن ال�شباب نتاج التجاهل ال��ذي مت من الآب��اء، ف��امل���س��ؤول��ون و�أ� �ص �ح��اب ال �ق��رار ال يعريون املو�ضوع االهتمام الكايف ،كما لو كانوا هم �أنف�سهم بحاجة ملن يعطيهم جرعات توعوية ويذكرهم بالأجماد التي �سطرها تاريخهم العربي .خالل هذا التاريخ الطويل �شيدت
فهم الماضي والنظر نحوه بفخر والتعرف على نجاحات واخفاقات أجدادنا هو ما يجعلنا ننطلق نحو األمام ال�صروح والدور واخرتعت واكت�شفت العلوم و�أورثت للإن�سانية كنوز ًا معرفية هائلة ،لقد كان الأج��داد العرب رج��ا ًال على �سواعدهم قامت الأمة وبتفكريهم وعملهم الدو�ؤب بنوا احل�ضاراتُ ، وخطت �أ�سما�ؤهم مباء الذهب لكل تلك الإجن��ازات التي ي�شيد بها الغرب حتى اليوم ،كثري ًا ما جند �أن�صبة تذكارية لعلماء م�سلمني يف �شوارع املدن الأوروبية. من �صور التكرمي لعلماء العرب ،ما قدمته ب��ري�ط��ان�ي��ا ل �ل �ع��امل ع �ن��دم��ا �أن �ت �ج��ت فيلم ًا �سينمائي ًا ع��ن �إجن� ��ازات ال�ع�ل�م��اء ال�ع��رب مو�ضحة فيه �أن الفرتة التي كانت ت�سمى بالع�صور املظلمة لدى �أوروب��ا كانت ع�صر ًا ذهبي ًا لدى احل�ضارة العربية ،حيث بزغت �شم�س العلوم وت�أ�س�ست كثري من النظريات والأف�ك��ار يف �شتى امل�ج��االت ،وق��د الق��ى هذا الفيلم جناح ًا مدوي ًا. ويف �أمريكا يف جامعة برن�ستون توجد قاعة فخمة ا�سمها «قاعة الرازي» حتتوي على كتبه و�إجن��ازات��ه يف جم��ال الطب ،وه��ذا اع�تراف بف�ضل ذلك العامل الذي �أفنى حياته يف عالج الفقراء وامل�شردين ،غري �أن��ه �أث��رى العلوم الطبية بكتبه ،واب��ن �سينا �سبق يف نظرياته كثري ًا من العلماء يف ع�صر النه�ضة الأوروبية مثل قانون مقاومة الو�سط الذي ين�ص على �أنه« :ال يجوز �أن يكون يف ج�سم من الأج�سام قوة طبيعية حترك ذلك اجل�سم بال نهاية»، وقد طرح ليونارد دافن�شي هذا القانون ولكن ابن �سينا �سبقه به ب�أكرث من �أربعة قرون! والطبيب اجلراح �أبو القا�سم الزهراوي كان ي�أتيه طالب العلم من املغرب والأندل�س وحتى �أوروب ��ا ،لأن��ه ك��ان �أب��رع طبيب يف ع�صره يف فرتة كانت فيها �أوروبا حترم �إجراء العلميات اجلراحية! وق��د ك��ان كتابه «الت�صريف ملن عجز عن الت�أليف» مرجع ًا يف اجلراحة لعلماء �أوروبا يف فرتة امتدت حتى خم�سة قرون.
يقول امل�ست�شرق الفرن�سي �سيديو« :العرب �أ�ساتذة �أهل �أوروبا!» .والذي يدلل على كالمه ما قاله الدكتور عبداحلليم منت�صر يف كتابه «تاريخ العلم ودور العلماء العرب يف تطوره» حيث قال« :لقد �سبق العلماء العرب �إىل كثري من النظريات والآراء� ،إنها لتن�سب يف الوقت احلا�ضر �إىل علماء النه�ضة الأوروب�ي��ة ،من دون الإ�شارة �إىل ه�ؤالء الرواد الذين تكلموا عن التطور قبل داروي��ن وعن اجلاذبية قبل نيوتن وانك�سار ال�ضوء قبل ديكارت ،والدورة الدموية قبل هاريف!». ال �أري��د �أن يفهم ال�ق��ارئ �أنني �أدع��و جلعل العقلية ما�ضوية تركز على �أجماد التاريخ من دون التطلع للغد .تقول الروائية الربيطانية ماري �إيفان�س« :ال �أرغب مب�ستقبل يف�صلني ع��ن امل��ا� �ض��ي»� .إن ما�ضينا ع�ن��د مطالعة ق�ص�صه و�أحداثه ي�شعرنا بالفخر وبالتايل االن�ت�م��اء ،وعندما تتكون لدينا �أحا�سي�س االنتماء لهويتنا وما�ضينا تبد�أ الرغبة ب�أن ننجز ونفيد جمتمعنا ونعيد �أجم��اده ،ففهم املا�ضي والنظر نحوه بفخر والتعرف على جناحات واخفاقات �أجدادنا هو ما يجعلنا ننطلق نحو الأمام. �إن ال�سر يف الو�صول �إىل امل�ستقبل املن�شود هو يف االنتماء للما�ضي الراحل .فالأمم الواعية وال�شعوب املتعلمة الواثقة من نف�سها هي تلك التي حتافظ على هويتها ،وتتخوف من فقدها وا�ضمحاللها ،هي التي تنافح وتطور من �أجل املحافظة على عبق املا�ضي وتراثها لأنه هو الهوية يف زمن تتالطم فيه �أمواج التحديات احل�ضارية� ،إن اهتمامنا برتاثنا يجب �أن ميتد لي�شمل اخ�تراع و�سائل حديثة لتقدميه �إىل العامل ،وا�ستغالل التقنية املتطورة يف جم��ال االت�صاالت لتخدم ه��ذا امل�سعى� ،إن املناهج الدرا�سية �أي�ض ًا يجب �أن يعاد النظر يف تناولها ،ويجب �أن يكون التاريخ الذي يتم تعليمه �شام ًال للحياة من احلرف والأعمال والهموم اليومية �إىل طبيعة املجتمع والأزياء، ونحوها من التفا�صيل ،ويف ظني يجب �أن تبد�أ هذه العملية منذ وقت مبكر من حياة الن�شء، لينمو معهم �شيء جميل ن�سميه الرتاث
ارتياد اآلفاق 64 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
ين�شر هذا الباب بالتعاون مع املركز العربي للأدب اجلغرايف «ارتياد الآفاق» �أبوظبي -لندن ،الذي يرعاهال�شاعر والباحث الإماراتي حممد �أحمد ال�سويدي .
فاق �أمثاله من حمامل الدول العربية والإ�سالمية
المحمل المصري.. رحلة لها تاريخ
ر�سم املحمل ال�رشيف الذي �أن�ش�أه امللك الظاهر بيرب�س مبدينة القاهرة �سنة 675
القاهرة� -إبراهيم حلمي يف كتابه «املحمل -رحالت �شعبية يف وجدان �أمة» يقدم الكاتب �إبراهيم حلمي ر�ؤية تاريخية ونقدية لرحالت املحامل العربية وقوافل احلج من البالد الإ�سالمية والتي ت�شمل املحمل ال�شامي ،والعراقي واليمني ،واملغربي، والتكروري ،والرومي «الرتكي �أو العثماين» واملحمل امل�صري .ويرى حلمي �أن املحمل امل�صري قد فاق كل �أمثاله من حمامل الدول العربية �أو الإ�سالمية ،فاقها يف جتهيزه و�إعداده ونظامه واحتفاالته وعاداته وتقاليده ومعتقداته ،وفاقها حتى يف خالفاته ونزاعاته! ،من كتابه الهام ،نقتطف فقرات حول رحلة املحمل امل�صري وهو لقب يطلق على قافلة احلجيج قا�صدي بالد احلجاز وب�صحبتهم الك�سوة ال�شريفة التي كانت تك�سى بها الكعبة.
وقد كانت منا�سبة خروج املحمل من جملة �أعياد امل�صريني ،وكانت العادة �أن يطوف املحمل بالقاهرة يف مظهر احتفايل مرتني قبل رحيله ،م��رة يف منت�صف �شهر رجب، وفيها يطوف بالقاهرة و�صو ًال للف�سطاط، والأخ ��رى يف �شوال حيث يطوف بالقاهرة ومنها �إيل الريدانية «العبا�سية» ثم تبد�أ ال��رح �ل��ة ،وك ��ان امل��ن��ادون ي�ج��وب��ون � �ش��وارع القاهرة والف�سطاط قبلها بثالثة �أيام لدعوة النا�س للم�شاركة باالحتفال. وكان املحمل ي�شق القاهرة من باب الن�صر و�صو ًال �إىل ميدان الرميلة «القلعة» حتى يطل عليه ال�سلطان .وق��د د�أب �سالطني م�صر املماليك على �أن يجتهدوا يف �إ�ضفاء مزيد م��ن الفخامة امل�م��زوج��ة بالبهجة يف هذه املنا�سبة ،ففي ط��وف��ان املحمل ك��ان يخرج جنود املماليك من ال�شبان املتميزين بكامل �سالحهم وح�سن زينتهم ي�سريون يف املقدمة وهم يقومون با�ستعرا�ض مهارات الفرو�سية وخ�صو�ص ًا اللعب ب��ال��رم��ح متقدمني قبة املحمل املحمولة على ظهر اجلمل والذي هو رمز للمحمل. وك��ان القاهريون ي�ستقبلون ه��ذه املنا�سبة بتزيني بيوتهم وحم��ال�ه��م وي�خ��رج��ون �إىل ال�شوارع للفرجة ويبيتون الليايل ،وكانت ال�شوارع تزدحم بهم عن �آخرها ابتهاج ًا.
منوذج للمحمل امل�رصي يف القرن التا�سع ع�رش بالقاهرة
ارتياد اآلفاق 66 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
�صناع الك�سوة ي�ستعر�ضونها مع بع�ض ال�ضباط الإجنليز بدايات القرن الع�رشين
تاريخ املحمل امل�صري
�شيء عادي جد ًا �أن تتوه منا البدايات الأوىل لظاهرة املحمل امل�صري ،فهكذا التاريخ، ال اتفاق على �شيء حمدد ،فبع�ض املهتمني بالفلكلور �أرجعها �إىل ع�صر املماليك� ،أيام ال�سلطان «الظاهر بيرب�س» ،و�آخرون قالوا �إن البداية كانت �أيام حكم امللكة «�شجرة الدر» �آخر حكام الدولة الأيوبية. ومن كتبوا التاريخ من الثقاة مل يذكروا �أن «�شجرة الدر» �سريت حمم ًال �إىل احلجاز يف �سنة من ال�سنني ،فهذا الأم��ر وه ٌم اخرتعه النا�س� ،أو من كان له م�صلحة يف تزيني الوجه القبيح لتلك امللكة التي �شهرت القباقيب يف وجوه من ناف�سوها على عر�ش م�صر ،فال هي كانت متدينة ،وال كانت تخاف اهلل يف �ش�ؤون حكمها مع الرعية! و�إذا كان امل�ؤرخون مل ي�سجلوا �أن لهذه امللكة �أي��ادي بي�ضاء يف ت�سيري حممل م�صري �إىل الأرا��ض��ي املقد�سة فمن �أي��ن ر�سخ يف ذهن البع�ض �أنها �أول من �سريت املحمل امل�صري �إىل احلجاز؟ الواقع �إنه ال يوجد �سند تاريخي لذلك ،وكل
م��ا ه��و م��وج��ود �إ� �ش��ارة �إىل ذل��ك يف �إح��دى ال�سري ال�شعبية العربية ،وهي �سرية «امللك الظاهر بيرب�س» والتي ال تعد �سند ًا تاريخي ًا بقدر ما تعد �إبداع ًا �شعبي ًا ،والإبداع ال�شعبي ال قيود له فيما يرى ويتخيل!. قال ال��راوي يف هذه ال�سرية ال�شعبية حاكي ًا وقائع �سفر «�شجرة الدر» والتي �سماها كذلك يف هذه ال�سرية با�سم «فاطمة» بعدما تزوجت من امللك «ال�صالح جنم الدين �أيوب»...« : ثم �أقاموا على ذلك املنوال �إىل �أن �أتى طلوع احلجاز بعد �شهر رم�ضان ،ق��ال :ف�أخربت «امللك ال�صالح» �أنها تريد احلج ،ف�أذن لها يف ذلك ،ثم �أمر «الأغا �شاهني» �أن يتوجه معها
فاق المحمل المصري أمثاله من محامل الدول العربية أو اإلسالمية في تجهيزه ونظامه واحتفاالته وعاداته وتقاليده ومعتقداته حتى في خالفاته ونزاعاته
�إىل الأقطار احلجازية لزيارة خري الربية، ثم �شرعت ال�سيدة يف املحمل امل�صري وك�سوة الكعبة ،و�أخ��ذت معها العوايد �إىل العربان، ثم نادى املنادي :معا�شر النا�س .كل من كان يريد احلجاز ولي�س معه راحلة فيت�أهب �إىل الفر على راحلة ال�سلطنة ويتوجه مع ال�سيدة «فاطمة» على غاية ما يريد ،حمبة يف ر�سول اهلل امل�ل��ك املجيد «ي��ا � �س��ادة» ،فلما وقعت املناداة قبل كل من كان م�شتاق ًا ،ثم �أُخرجت اخليول امل�سومة ،وكان عدتها مائتني و�أربعة و�أربعني ح�صان ًا بال�سروج املذهبة والنقو�ش املكوكبة ،ثم رتبت كاتب ال�سر ،وجعلت «الأغا �شاهني» �أمري حج ،و�سارت ال�سيدة «فاطمة» بالركب وب�ين يديها جيو�ش امللك و�أغ��وات وع�ساكر اململكة بالنوبة الرتكي واملزامري امللكي ،وقرعت املدافع ،وخرجت البنت من خدرها ،ونزلت ال�سيدة «فاطمة» هناك ،وقد �سار النا�س يت�أهبون �إىل الرحيل». هذا التفخيم الذي ق�صده الراوي يف �سرية «امل�ل��ك الظاهر بيرب�س» لر�سم �شخ�صية «�شجرة الدر» خمالف للواقع التاريخي متام ًا، فهي كما �سبق �أن قلنا مل يذكر لها �أحد من
امل�ؤرخني �أن �أقدامها قد وط�أت يف يوم �أر�ض احلجاز ،فما البال والراوي ال�شعبي يف هذه ال�سرية ال�شعبية قد ذكر لنا �أنها حجت اثني ع�شر عام ًا متتالية! والعقل واملنطق يرف�ض �أن تكون �سرية امللكة «�شجرة الدر» لها م�سحة دينية �أو �أن تكون قد ر�أت بيت اهلل احلرام مرة واحدة يف عمرها، ال اثنتي ع�شرة مرة كما ذكر راوي ال�سرية ال�شعبية� :سرية «امللك الظاهر بيرب�س» مبا �أبدع �أو ابتدع!... وقد ذكر «املقريزي» �أن �أول من �أدار املحمل امللك «الظاهر بيرب�س» ،و�إذا ما وقفنا عند تاريخ «اب��ن �إيا�س» ف�سنجده ي ��ؤرخ حلوادث �سنة 667هجرية بقيام ال�سلطان اململوكي «الظاهر بيرب�س» باحلج ،وجعل ابنه امللك «ال�سعيد» �أمري ًا للمحمل. وذك ��ر «اجل�ب�رت ��ي» يف ت��رج�م�ت��ه لل�سلطان «الظاهر بيرب�س»« :ودخ��ل «بيرب�س» م�صر �سلطان ًا ،وتلقب بامللك «الظاهر» ،وذلك �سنة 658هجرية ،وه��و ال�سلطان «رك��ن الدين �أب��و الفتح بيرب�س البندقداري ال�صاحلي النجمي» �أح��د املماليك البحرية ،وعندما ا�ستقر بالقلعة �أبطل املظامل واملكو�س وجميع املنكرات ،وجهز احلج .وبعد انقطاعه اثنتي ع�شرة �سنة فتنة ال�ت�ت��ار ،وق�ت��ل اخلليفة، ومنافقه �أمري مكة مع التتار .فلما و�صلوا �إىل مكة منعوهم من دخ��ول املحمل ومن ك�سوة الكعبة ،فقال لأمري مكة� :أما تخاف من امللك «الظاهر بيرب�س»؟ فقال :دعه ي�أتيني على اخليل البلق � -أي الكبرية -فلما رجع �أمري املحمل و�أخرب ال�سلطان مبا قاله �أمري مكة، جمع له يف ال�سنة الثانية �أربعة ع�شر �ألف فر�س �أبلق ،وجهزهم �صحبة �أم�ير احلاج، وخ��رج بعدهم على ث�لاث ن��وق ع�شاريات، ف��واف��اه��م عند دخولهم م�ك��ة ،وق��د منعهم التتار و�أمري مكة ،فحاربوهم ،فن�صرهم اهلل عليهم ،وقتل ملك التتار و�أم�ير مكة طعنة ال�سلطان بالرمح ،وقال له� :أنا امللك الظاهر جئتك على اخليل البلق .فوقع �إىل الأر�ض، وركب ال�سلطان فر�سه ،ودخل �إىل مكة ،وك�سا البيت وعاد �إىل م�صر».
خمطوط ي�صور جمل املحمل �أثناء �سريه �إىل احلج
وظيفة قاضي المحمل إصدار األحكام الشرعية بين الحجيج والفصل في المنازعات التي قد تنشأ بينهم وبرغم درامية وتراجيديا هذا احلدث الذي رواه «اجلربتي» يف تاريخه �إال �أنه ي�ستوقفنا ه�ن��ا ب �ع �ي��د ًا ع��ن االن� �ح ��راف �إىل زخ ��ارف املواقف البطولية لل�سلطان اململوكي �أمران يف غاية الأهمية عند التدقيق والتحقيق يف
�صحة التواريخ املذكورة ،وهما: الأم��ر الأول هو :جتهيز احلج بعد انقطاعه � 12سنة ب�سبب فتنة التتار ،وقتل اخلليفة العبا�سي يف بغداد �سنة 657هجرية. وعن طريق احل�ساب � -إذا افرت�ضنا �صحة ما جاء به «اجلربتي» من تواريخ -يكون جتهيز احلجاج قد يتم قبل عام 645هجرية� ،أيام �سلطنة «ال�صالح جنم الدين �أيوب». والأم� ��ر ال �ث��اين :ه��و ان�ق�ط��اع رك��ب املحمل امل���ص��ري قبل � 12سنة م��ن ح��ج ال�سلطان «الظاهر بيرب�س» يف �سنة 667هجرية، وذلك يرجعنا �إىل عام 655هجرية� ،أيام �سلطنة «املن�صور علي بن املعز �أيبك» ،بعد وفاة امللكة «�شجرة الدر» وتوليته ال�سلطنة خلف ًا لأبيه.
ارتياد اآلفاق 68 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
لوحه للر�سام الرو�سي ماكفو�سكي كون�ستنتني للمحمل مبنطقة بني الق�رصين وحوله ال�صوفية ب�أعالمهم
ويف احلالتني ال ميكن ب�أي حال من الأحوال �أن نخرج بنتيجة م�ؤكدة لبداية ظهور املحمل امل�صري يف التاريخ ،لأنه رمبا يكون وجوده قبل هذين التاريخني املرجحني ،وهما :عام 645هجرية �أو عام 655هجرية. و�إذا كان «املقريزي» قد ذكر �أن ال�سلطان «الظاهر بيرب�س» هو �أول من �أدار املحمل، ف�إن تعبري «دوران املحمل» ال يعني بال�ضرورة البداية الفعلية التخاذ املحمل امل�صري و�سيلة لإر� �س��ال ك�سوة الكعبة امل�شرفة يف �صحبة قافلة احلجاج ،و�إمنا الدوران املق�صود يكون لذلك الطق�س ال��ذي ك��ان ي��ؤدي��ه القائمون على املحمل ب�إدارته �سبع دورات كاملة �أمام النا�س للفرجة وامل�شاهدة. ويقوى لدينا هذا الظن مبا �أورده «املقريزي» نف�سه يف خططه ب���ش��أن جم��يء الأ��س�ت��اذ «م�ؤن�س اخلادم» من بغداد �إىل م�صر ،والذي عا�صر هجمة القرامطة الرببرية على الكعبة امل�شرفة عام 317هجرية ،كما عا�صر وايل م�صر «اب��ن طغج الإخ�شيدي» وال��ذي توىل
�أمر م�صر يف الفرتة ما بني عامي 321وحتى 334هجرية. ق��ال نق ًال ع��ن «اب��ن زوالق» ،ع��ن «�أب��ي بكر حممد بن علي امل���ادراين»� :إن��ه حج اثنتني وع�شرين حجة متوالية� ،أنفق يف كل حجة مائة �ألف دينار وخم�سني �ألف دينار ،و�إنه كان يخرج معه بت�سعني ناقة لقبته التي يركبها، و�أربعمائة جلهازه وم�يرت��ه ،ومعه املحمل، فيها �أح��وا���ض البقل و�أح��وا���ض الرياحني وكالب ال�صيد ،وينفق على الأ�شراف و�أوالد ال�صحابة ولهم عنده ديوان ب�أ�سمائهم ،و�أنه �أنفق يف �آخر خم�س حجات �ألفي �ألف دينار ومائتي �أل��ف دينار ،وكانت جاريته توا�صل
كانت مصر ترسل كل عام إلى األراضي الحجازية مبلغ ًا من المال لفقراء الحرمين الشريفين ومعه مرتبات العربان
م�ع��ه احل ��ج ،وم�ع�ه��ا لنف�سها ث�لاث��ون ناقة لقبتها ،ومائة وخم�سون عربي ًا جلهازها». ف�إذا كان هذا النموذج من احلج بد�أ يف م�صر يف ع�صر الدولة الإخ�شيدية �أال يعطينا هذا تاريخ ًا �أقدم من ذلك التاريخ املن�سوب �إىل ال�سلطان «الظاهر بيرب�س» �أو امللكة «�شجرة الدر» يف بداية ت�سيري املحمل امل�صري؟! وه��ل مت��ر ه��ذه ال�ظ��اه��رة م��رور ال �ك��رام يف ع�صر الدولة الإخ�شيدية يف م�صر وتر�صد، وال يحتذى بها �سوى بعد فرتة زمنية تعادل ثالثة قرون ون�صف؟! لقد ذكر «ابن �إيا�س» يف حوادث عامي 351 و 355هجرية� ،أي��ام والي��ة «على ب��ن طغج الإخ�شيدي» �أن �أع��راب «بني �سامل» قطعوا الطريق على احلجاج ،و�أخذوا منهم ع�شرين �أل��ف ب�ع�ير ،حمملة قما�ش ًا على احل�ج��اج، و�أخ ��ذوا منهم ع�شرين �أل��ف بعري ،حمملة قما�ش ًا وب�ضائع وم� ��ا ًال ،و�أ���س��روا ال��رج��ال والن�ساء .فهل قافلة مبثل هذا احلجم من ال�ث�راء يف مو�سم احل��ج ،وب�ه��ا ه��ذا العدد
ال�ه��ائ��ل م��ن ال�ع�ير والإب� ��ل �أال ت�ع��د مقدمة تاريخية �أو �إرها�صة زمنية مليالد املحمل امل�صري يف زمن مبكر �سبق ع�صر �سالطني املماليك ذوي الثقافة الوافدة التي لي�س لها يف العري وال يف النفري؟! وقد يح�سم كل هذا اخلالف ما ذكره ال�شيخ «�أحمد الر�شيدي» يف كتابه «ح�سن ال�صفا واالب�ت�ه��اج بذكر م��ن ويل �إم ��ارة احل��اج» يف ح��وادث عام 340هجرية ،حيث قال…« : وكان �أمري احلاج من بغداد «عمر بن يحيى العلوي» ،فوقع بينه وبني �أمري احلاج امل�صري حرب �شديدة وقتال ،وظهر نامو�س احلاج امل���ص��ري ون�صرته عليه ،وه��و �أول ظهور نامو�س احلاج امل�صري ،وقيمته مبكة امل�شرفة وظهور �أمره ،وا�شتداد كلمته و�سطوته». وه��ذا النامو�س الأول للحج امل�صري معناه �أول نظام لقوافل احلج امل�صرية ت�سري من م�صر �إىل الأرا� �ض��ي احلجازية يف ت�شكيل ن�ظ��ام��ي ي�شبه �إىل ح��د ك�ب�ير الت�شكيالت الع�سكرية ،من حيث دقة التنظيم والإعداد واال�ستعداد ملجابهة وعناء الطريق الطويل ما بني القاهرة ومكة املكرمة وم�شاقه وخماطره منذ ع�صر الدولة الإخ�شيدية يف م�صر. هل ما زال بعد كل هذا جند بيننا الآن من ين�سب ب��دء رح�ل�ات املحمل امل���ص��ري �إىل ع�صر ودولة �سالطني املماليك؟!!
نظام املحمل امل�صري
امتاز املحمل امل�صري بالنظام الدقيق يف تكوينه ويف م�سريه ،فكل فرد كان فيه يعرف حدوده وواجباته امللقاة على عاتقه ،ووظيفته املحددة له يف داخل الركب ،منذ بدايته وحتى نهايته .كان هذا النظام الدقيق له تق�سيم على النحو الآتي:
�أمري احلاج �أو �أمري احلجاج
يعترب �أمري احلاج �أو �أمري احلجاج كبري قافلة احلج وم�س�ؤولها الأول يف كل �ش�ؤونها ور�أ�س الأم��ر فيها .ويف احلديث النبوي ال�شريف �أن النبي «�صلى اهلل عليه و�سلم» قال�« :إذا
املحمل قبل حتركه يف منطقة العبا�سية بالقاهرة
ال يمكن أن نخرج بنتيجة مؤكدة لبداية ظهور المحمل المصري في التاريخ خ��رج ثالثة يف �سفر فلي�ؤمروا �أح��ده��م»، وهذا احلديث رواه «�أبو داوود» من حديث «�أبي �سعيد اخل��دري» و« أ�ب��ي هريرة» ر�ضي اهلل عنهما ،وروى الإمام «�أحمد» يف امل�سند عن «عبد اهلل بن عمر» ر�ضي اهلل عنهما �أن النبي «�صلى اهلل عليه و�سلم» قال« :ال يحل لثالثة يكونون بفالة من الأر���ض �إال �أمروا عليهم �أحدهم». ونظر ًا جل�سامة امل�س�ؤولية امللقاة على عاتق �أمري احلج هذا فقد حتددت له بدقة ع�شر مهام يقوم بها �أهمها� ،أن يجمع النا�س يف م�سريهم ون��زول �ه��م ح�ت��ى ال يتفرقوا، و�أن ي��رت��ب ال�ن��ا���س يف ال�ق��اف�ل��ة يف امل�سري والنزول ،و�إعطاء كل طائفة منهم حمم ًال معروف ًا حتى يعرف كل فريق منهم مكانه، يف الإق��ام��ة ويف امل�سري ،لئال يتنازعوا وال ي�ضلوا عنه ،من �أجل راحة احلجاج وتفادي اال��ص�ط��دام وال���ش��رور وال�ف�تن م��ع بع�ضهم بع�ض ًا . ك��ذل��ك �أن ي�سلك �أم�ي�ر احل��ج بالنا�س يف
القافلة �أو�ضح الطرق و�أو�سعها و�أخفها، ويراعي �أحوالهم يف ذلك . و�أن ي��رت��اد �أم�ير احل��ج للنا�س يف القافلة املياه واملراعي �إذا قلت . ثم �أن يقوم �أم�ير احل��ج بحرا�سة القافلة �إذا ن��زل��ت ،ويحوطها �إذا رح�ل��ت ،حتى ال يتخطفها متل�ص�ص . ومن مهامه �أي�ض ًا �أن يكف �أمري احلج عن القافلة من ي�صدها عن امل�سري بقتال � -إن اقت�ضى احلال ذلك وقدر عليه � -أو يبذل ما ًال � -إن �أجاب احلجيج �إليه -وال يحل �أن يجرب �أحد ًا يف بذل اخلفارة �إن امتنع منها، لأن بذل املال يف اخلفارة ال يجب �أن يحدث. كذلك �أن يقوم �أمري احلج بت�أديب اجلاين، ِوفق ما يقرره ال�شرع. و�أخري ًا �أن يراعي �أمري احلج ات�ساع الوقت حتى ي�أمن فواته ،وال يلحقهم �ضيق الوقت يف احلث على امل�سري. وكان تعيني �أمري احلج يف الع�صر اململوكي يتم ليلة امل��ول��د ال�ن�ب��وي ،ف� ��إذا م��ا اجتمع الأم � ��راء ل ��دى ال���س�ل�ط��ان يف ه ��ذه الليلة لي�سمعوا ال��ق��ر�آن ال �ك��رمي وق���ص��ة امل��ول��د النبوي ال�شريف وحان وقت �إدارة ال�شراب احل�ل�ال ب��د�أ ال�ساقي بال�سلطان لي�شرب م��ن ال�ك��وب ب�ضع ر�شفات قليلة ،ث��م ي�أمر بالباقي �إىل من يريده �أمري ًا للحج ،ف�إذا ما
ارتياد اآلفاق 70 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
لقوافل املحمل امل�صري و�سلبه ونهبه بني �آن و�آخ��ر.ويف الع�صر العثماين �أم��ر ال�سلطان «�سليمان بن �سليم الأول» �أن يتبع املحمل امل���ص��ري �أرب �ع��ة ع�شر ���س��ردار ًا م��ن ق��واد اجلي�ش الكبار يف املكانة ،وكانوا ي�ؤخذون م��ن �أق �� �س��ام اجل�ي����ش وم�ع�ه��م � �س��راي��ا من فرقهم الع�سكرية ،ويتوىل �سبعة من ه�ؤالء القيادات تنظيم �سري ركب املحمل امل�صري وحمايته� ،أما الآخرون فكانوا يتوجهون �إىل جدة كي يتولوا قيادة الطابية فيها ،وليحلوا حمل زمالئهم الذين عملوا هناك طوال العام ال�سابق. ويف �أواخ ��ر ال�ق��رن التا�سع ع�شر ك��ان يتم ت �ع �ي�ين ق��ائ��د ح��ر���س امل �ح �م��ل م ��ن �ضمن �أ�سماء تر�شحها نظارة احلربية للخديوي، وكانت ه��ذه الأ�سماء تختار ممن يحملون رتبة «قائمقام» الع�سكرية ،وعندما يختار اخل��دي��وي ا� �س��م ق��ائ��د «ق��وم �ن��دان» حر�س املحمل امل�صري ،يدرج على الفور ا�سمه يف جريدة الأوام��ر الع�سكرية مبعرفة نظارة احلربية.
جزء من قما�ش الك�سوة ال�رشيفة
المؤرخون ينسبون بدء رحالت المحمل المصري إلى عصر ودولة سالطين المماليك وهو خطأ فادح قا�ضي املحمل
�صديرية من قما�ش الك�سوة ال�رشيفة
�أعطى الكوب عرف �إنه �أمري احلج املختار لهذا ال�ع��ام ،فيقوم �أم�ير احل��ج لل�سلطان �شاكر ًا ،ثم تنهال عليه التهنئة من جميع احلا�ضرين ومنذ �ساعتئذ يعد عدته لل�سفر من دون �أن يكون له قانون معني ي�سري عليه، ويعينه على �أداء عمله �أ�صحابه وحمبوه، فيقدمون له املال والغالل والهدايا.
دوادار �أمري احلج
هو مقدم ال��دواة لأم�ير احل��ج عند توقيع الإم�ضاء على القرارات التي يتخذها هذا
الأمري ،ويقوم بكتابة املهمات التي ي�سندها �إليه �أمري احلج ،وبالإ�ضافة �إىل ذلك يقوم بتنظيم �سري رك��ب املحمل ،وال�ط��واف على احلجاج لي ًال للحرا�سة �أو نهار ًا للمعاونة، والقب�ض على ال�سراق ،ب��ل و�إق��ام��ة ح��دود ال�شرع عليهم ب ��إذن من �أم�ير احل��ج .وكان الدوادار يختار من الع�سكر ال�شجعان ،ومن امل�شهورين بح�سن املعرفة والعقل وامل��روءة واخلربة ،لأنه كان يعد م�ست�شار ًا لأمري احلج، وموجه ًا له بالن�صح وامل�شورة يف الأمور التي تعر�ض له.
رئي�س حر�س املحمل
كانت حرا�سة املحمل امل�صري يف ع�صر �سالطني املماليك م�سندة �إىل دوادار �أمري احل��ج وم�ساعديه م��ن اجل�ن��د ،ول�ك��ن هذا مل مينع العربان من �أن يقوموا بالتعر�ض
نظر ًا لأن قافلة احلجيج كانت ت�ضم نوعيات خمتلفة م��ن النا�س يتعاملون �سوي ًا خالل فرتة الذهاب والإي��اب من احلج ،فكان من ج ��راء اح �ت��دام ال�ت�ع��ام��ل واالح �ت �ك��اك فيما بينهم �أن ت�شتجر ال�شواجر فيما بني بع�ضهم بع�ض ًا ،ول��ذل��ك خ�ص�صت وظيفة قا�ضي املحمل ليتوىل �إ�صدار الأحكام ال�شرعية بني احلجيج ،والف�صل يف امل�ن��ازع��ات التي قد تن�ش�أ بينهم. وكانت هذه الوظيفة يتوالها يف �أيام املماليك ال�شراك�سة قا�ض من ق�ضاة املذاهب الأربعة يعينه قا�ضي الق�ضاة ،ثم �صار �أم�ير احلج هو الذي يعني من اختاره ل�شغل هذا املن�صب من �أوالد العرب ،وعندما ا�ستقر الأمر للدولة العثمانية يف م�صر ،ا�شر�أبت �أعناق ق�ضاة العثمانيني �أو ق�ضاة ال��روم مللء و�شغل هذا املن�صب ،ف�صار لهم ال ينازعهم فيه �أحد من غريهم ،فكان ي�صدر �أمر �سلطاين بتعيينهم
موكب املحمل خالل جولته يف �شوارع القاهرة
مل��دة رح�ل��ة واح ��دة ف�ق��ط ،وال يتكرر تولية القا�ضي مرة �أخرى. ً وك��ان قا�ضي املحمل يتقا�ضى �أج ��را ق��دره �أربعمائة ن�صف ف�ضة ،وله جمل من جملة ج�م��ال امل�ح�م��ل ،ول��ه ق�ف�ط��ان م��ن ال�شمطا الأو�سط �أو املخمل يلب�سه يوم خروج املحمل من القاهرة ،وكان له يف كل م�ساء �أربعة من الفطري �أو اخلمري ،وجرايتان من البق�سماط، كل جراية �ستة ع�شر رط ًال ،غري ال�سكر املكرر �أو احللوى التي يرتاوح وزنها بني ثالثة �أرطال �سكر �أو �أربعة �أرطال من احللوى. وك��ان امل�صطلح عليه يف �أم��ر ق�ضاة املحمل منذ �أيام دولة �سالطني املماليك ال�شراك�سة واىل �آخر والية «�سليمان با�شا» و�صدر والية «داوود با�شا» �أن كتابات املعاقدات وجميع ما يتعلق ب�أمري احلج وركبه �أمرها ي�ؤول �إىل قا�ضي املحمل من غري منازع وال م�شارك له يف ذلك غري ال�شهود .وكانت العادة �أن يجهر بالنداء يف القاهرة ب�أن« :من �أراد ال�سفر من ركب احلج ال يعاقد جماله �إال مبعرفة قا�ضي املحمل ،ومن خالف ذلك فذنبه يف عنقه!». ومن �إجالل �أويل الأمر لوظيفة قا�ضي املحمل �أن جعلوا ه��ذا القا�ضي ال يرتجل �أب��د ًا يف موكب املحمل من دون �سائر الق�ضاة الأربعة
املمثلني للمذاهب الإ�سالمية يف هذا املركب، بل ي��راه اجلميع راك�ب� ًا ج��واده ومتقدم ًا يف املواكب داللة على تبجيله وتعظيمه. ولكن �سرعان م��ا �ساء �أم��ر ه��ذه الوظيفة يف الع�صر العثماين� ،إذ طمح فيها كل ذي �ش�أن �صغري ،ففرت �أم��ره��ا ،و�ساءت �أحكام الق�ضاة الذين تولوها� ،إذ كان كل غر�ضهم احل�صول على الأم ��وال من تعاقداتهم مع �أ�صحاب اجلمال ،وقد �ألغيت وظيفة املحمل منذ طوالع القرن الع�شرين ،و�أ�سند الف�صل يف املنازعات واخل�صومات �إىل �أمري احلج.
�شاهدا املحمل
كان يختار اثنان من �أهل اخلربة والعدالة ل�ي�ك��ون��ا يف وظ�ي�ف��ة � �ش��اه��دي امل �ح �م��ل .ق��ال «القلق�شندي» يف كتابه «�صبح الأع���ش��ى» عنهما�« :إن �شهود ال�سبيل املعرب ب�شهود
كانت حراسة المحمل المصري في عصر سالطين المماليك مسؤولية دوادار أمير الحج ومساعديه من الجند
املحمل ،ف�إمنا تكتب لهم مربعات �شريفة من ديوان الوزارة».
�أمني ال�صرة
كانت م�صر تر�سل ك��ل ع��ام �إىل الأرا��ض��ي احلجازية مبلغ ًا من املال لفقراء احلرمني ال�شريفني وم�ع��ه م��رت�ب��ات ال�ع��رب��ان الذين يالقيهم املحمل امل�صري يف طريقه ومكاف�آت ل�شريفي م�ك��ة امل�ك��رم��ة وامل��دي �ن��ة امل �ن��ورة، ومرتبات موظفي املحمل �أنف�سهم. وك���ان ي���ش�ترط يف �أم�ي�ن ال �� �ص��رة الأم��ان��ة واال� �س �ت �ق��ام��ة يف امل �ع��ام �ل��ة ،ومل ي �ك��ن يقع االختيار على �أمني ال�صرة �إال بعد �أن يقدم �ضمان ًا ،وعلى الرغم من �أن ا�سم «ال�صرة» وهي ذلك ال�شيء القما�ش الذي تو�ضع فيه الأ�شياء املهمة من النقود وخالفه� ،إال �أن املال الذي كان ير�سل يف �أواخر تعامل مايل مع حكومة اململكة العربية ال�سعودية كان يو�ضع يف �صناديق من اخل�شب ،وم��ا زالت ه��ذه ال�صناديق م��وج��ودة حلد الآن يف دار الك�سوة ال�شريفة باخلرنف�ش بالقاهرة.وكان �آخ��ر مبلغ �أر�سل يف �أوائ��ل �ستينيات القرن الع�شرين يبلغ نحو ثالثني �ألف جنيه.
ارتياد اآلفاق 72 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
عددهم منذ الع�صر اململوكي اثنني ،يحمل �أحدهما البريق الكبري اخلا�ص بال�سلطنة، والآخ� ��ر يحمل ال �ب�يرق ال���ص�غ�ير اخل��ا���ص ب��أم�ير احل��ج .وك��ان مرتب حامل العلم يف ميزانية عام 1889ميالدية يبلغ 6جنيهات يتقا�ضاها عن � 12شهر ًا ،ثم زيدت �إىل جنية واحد يف ال�شهر ،وكان بدل تعيني حامل العلم يف نف�س امليزانية يبلغ 2.25جنية.
وظائف �أخرى
منوذج جلمل املحمل
�إمام املحمل
ك��ان ير�سل مع املحمل امل�صري �إم��ام يتوىل ال�شعائر الدينية من �إق��ام��ة ال�صالة و�شرح منا�سك احل��ج للحجاج ،ويفقههم يف �أم��ور الدين ،وكان هذا الإمام يتقا�ضى مرتب ًا �شهري ًا مقداره جنيه واح��د يتقا�ضاه ط��ول العام يف �أوائل القرن الع�شرين ،ويعطى يف مدة ال�سفر للمحمل 75قر�ش ًا �شهري ًا بدل �سفر.
كاتب ديوان �إمرة احلج
كان يعني كاتب مع �أمري احلج عند تعيينه، وي �ع��زل ع�ن��دم��ا ي �ع��زل �أم�ي�ر احل��ج وتنتهي مهماتهما مع ًا يف الع�صر اململوكي� .أما مع ب��داي��ة الع�صر العثماين فقد ت�ق��رر تعيني ك��ات��ب لأم�ي�ر احل��ج ال ي�ع��زل ب�ع��زل��ه ،ويظل ه��ذا الكاتب همزة و�صل بني �أي �أم�ير حج وديوان ال�سلطان ،بحيث ي�ضبط مالية �أمري احل��ج ،وكذلك جمع ال�ضرائب وحت�صيلها من �أ�شراف مكة واملدينة حل�ساب ال�سلطان، و�ضبط املعامالت يف القافلة.
وهو ال�شخ�ص املخت�ص برعاية �أم��ر جمال املحمل وخ�ي��ول��ه ،وك ��ان ه��ذا امل���ش��رف يلي الدوادار يف الرتبة والأهمية ،وكان له م�شعل معني كالدوادار ي�ضاء له لي ًال .وكان يعاون امل�شرف على جمال وخيول املحمل جمموعة من الأف��راد يطلق عليهم ا�سم «ال�شقارة»، مهمتهم توزيع الأعالف على الدواب .وكان ير�أ�س ه�ؤالء «ال�شقارة» رئي�سان على الأقل، ملبا�شرة ومالحظة االنتظام يف �سري العمل، وك��ذل��ك م��راق�ب��ة و�ضبط �أي ان �ح��راف من «ال�شقارة» التي كانت غالب ًا ما تقوم بت�أجري بع�ض ال��دواب خل�سة لبع�ض احلجاج الذين �أتعبهم امل�سري ،نظري �أجر ال يراه وال ي�سمع عنه �أحد �سوى من يقب�ض منهم هذه العمولة يف اخلفاء!!..
البريقدارية
هم حملة الأع�ل�ام املميزة للمحمل ،وكان
كان القصد من وضع م�شرف جمال وخيول املحمل الطبول في ركب وك��ان م��ن ي�شغل ه��ذه الوظيفة يف الع�صر المحمل هو إرهاب اململوكي ي�سمى «�أمري �أخور» �أو «�أمري خور»، المفسدين وقطاع الطرق
بالإ�ضافة �إىل ذل��ك ك��ان ي�صحب املحمل، �أمني الك�ساوي واحللويات ،وم�شرف التموين، وم �� �ش��رف امل �ط �ب��خ ،وم �� �ش��رف ال���س�ق��ائ�ين، ومنظم �سري املحمل ،واملقدمون على جمال امل�ح�م��ل،وم�ق��دم ال�ضوئية وال�غ���َّ�ش��ام��ة وهو عبارة عن رجل كان مقدم ًا لرجال امل�شاعل، وال�غ���ش��ام��ة ه��م ال��ذي��ن ك��ان��وا ي�ت��ول��ون �أم��ر املحابي�س باحلديد والأ�صفاد وال�سال�سل. كما كان من وظيفة ال�ضوئية �إح�ضار احلطب للم�شاعل وامل�ط�ب��خ بالطريق وتك�سريها. وكان عدد امل�شاعل �أربعة وع�شرين م�شع ًال، منها خم�سة ت�شعل بالدهن ،اخت�ص منها �أم�ير احل��ج �أربعة واخلام�س ل�ل��دوادار� ،أما بقية امل�شاعل فت�شعل باحلطب ل�سائر �أفراد خوا�ص الركب. وم��ن �ضمن مرافقي املحمل كذلك مقدم الهجانة وال���ش� ّق��ارة وه��و كبري املت�سلمني للإبل واجلمال من الهجانة ورجال ال�شقارة �أو ما ي�سمون باخلولة �أو اخل��ون��ة ،وكانوا يقومون بو�ضع الو�سم على اجلمال ،وهي العالمات املميزة لها �أو ما كان ي�سمى با�سم «ال� ��داغ» .حيث ينق�ش بال�سكني للتمييز. ومقدمو القوا�سة ،و�صبي الباب ،وامليقاتي وامل � ��ؤذن ،وطبيب املحمل �أو اجلرائحى، ومهتار الط�شت خانة واخت�صا�صه �إح�ضار املاء للو�ضوء وغ�سل الأيدي عند االحتياج، وله �أتباع ي�سافرون معه ليعاونوه ،ومهتار ال�شراب خانه وهو من يتوىل �أمر امل�شروب، ومهتار الفرا�شخانة والفرا�شني ويخت�ص بتدبري �أنواع اخليام ،والأ�شاير املطلوبة من القناديل للإعالم بدخول �أوق��ات الراحة
قارعو الطبول �صحبة املحمل
من م�شقة الأ�سفار وورود مناهل املياه ،ويف ه��ذه الإ� �ش��ارات �أو الأ��ش��اي��ر .والطباخون، والزردكا�ش وينعت يف اللغة الرتكية «جيجي با�شا» ،وه��و القائم على مهمات ال�سالح وما يحتاج �إليه من �أدوات احلرب ولبو�س اخليل ،وكان �أقل عدد ي�سافر �صحبة املحمل ع�شرين ف ��رد ًا ،والنفطي وه��و ال �ب��ارودي ال��ذي مهمته حمل الإح��راق��ات من القالع وال���ص��واري��خ وغ�يره��ا م��ن ل��زوم االحتفال واالب�ت�ه��اج عند ال ��وداع وال��رح�ي��ل .ومهتار الركاب خانة وهو قائد ال�سيا�س واملخت�ص با�ستالم لوازم اخليل من ال�سروج والأجلمة والركائب وكان ال�سيا�س ال يقلون يف عددهم ع��ن ث�لاث��ة يف رك��ب امل �ح �م��ل .ب��الإ��ض��اف��ة �إىل ال�شعراء وهما نفران من �أتباع مقدم الهجانة ،وكان من املعتاد �أن يكونا مع �أول الهجن اخلا�ص يف البداية للرحلة ،ثم مع �أمري الركب بقية الأيام ،ي�سريون معه �أينما �سار .والطبول خانة وكانت ت�سمى الطبول امل�صرية ،وكانت ت�لازم العلم ال�سلطاين، ومكوناتها :طبالن وزمران ونقارة ،هذا يف الع�صر اململوكي� .أما يف الع�صر العثماين ف�ضمت �إىل ال��رك��ب ال�ط�ب��ول ال��روم�ي��ة �أو العثمانية ،وجعلت م��ع العلم ال�سلطاين،
أول من زركش بيرق المحملبالمخيش الفضة المطالة بالذهب بد ً ال من الحرير األسود واألبيض هو «داوود باشا» الوالي العثماني في مصر وذلك في عام 798هجرية يف ح�ين ق��دم��ت ال�ط�ب��ول امل�صرية يف �أول الركب .وكان ي�صاحب دقها كو�سات املحمل منذ ع�صر �سالطني املماليك .وي�ق��ال �إن الق�صد من و�ضع الطبول يف ركب املحمل هو �إرهاب املف�سدين وقطاع الطرق .والبيطار، واخل �ب��از ،وال�ك�ي��ال��ون �أو ال�ع�ك��ام��ون كانت مهمة الكيالني �أو العكامني ت�شوين غالل املحمل و�إح���ض��ار �أ�صحاب ال ��دواب لنقلها واملغربلني لغربلتها واجلرا�شني جلر�شها، وعيار الكيالت وتقييدها �أو خروجها من العهدة عند اال�ستهالك ،و�سد العجز �إن ح��دث نق�ص يف ع�ه��دة ال �غ�لال ،وك��ان لكل
كيال راتب حمدد يبلغ نحو خم�سة وع�شرين دينار ًا .وجنار املطبخ ،وجنار الكور ،وخويل الأغنام ،واجلزار ،وال�سعاة �أو الأدالء وهم الذين يعرفون م�سالك الطريق وتعاريجه وا�ستقاماته .واملب�شرون بالدار وهم جماعة متعددة من املت�صوفة و�أهل ال�صالح .وكان يخ�ص�ص لهم ال��رك��وب واجل��راي��ة ولكنهم كانوا بال مرتبات خم�ص�صة .واملبيت وهو رج��ل تابع ملقدم ال�ضوئية ،مهمته اجلهر بالنداء للركب عند االحتياج �إليه ،والطواف على القافلة لي ًال مع الع�س�س وحده .ومب�شر احل��اج وك��ان ينعم بهذه الوظيفة ال�سلطان اململوكي على م��ن �أراد �أن ي�شمله بالنعم والهبات نظر ًا ملا كان يح�صل عليه .وكانت مهمته تنح�صر يف التبليغ قبل و�صول ركب املحمل عن �أحوال احلجاج وما حدث ب�ش�أنهم من �سرقات �أو قطع طريق �أو مر�ض �أو وفاة، �أو �أحوال الأمراء بالأرا�ضي احلجازية .وكان من العوائد القدمية يف جتهيز مب�شر احلاج �إنه كان ال يت�أخر عن يوم منى بل يتوجه �إذ ذاك للب�شارة.
تكوين الك�سوة
و�صف الرحالة الإجنليزي «�إدوارد وليم لني»
ارتياد اآلفاق 74 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
املحمل �إذا ر�أيناه ب�أنف�سنا ،وو�صفناه نحن امل�صريني ،ونحن يف نهاية القرن الع�شرين؟
�شكل املحمل امل�صري وهيكله
ا�ستعرا�ض املحمل مبيدان القلعة
املحمل �أثناء امل�سري خارج القاهرة
املحمل امل�صري �سنة 1250هجرية املوافقة 1834ميالدية ،فقال« :هو �إط��ار مربع من اخل�شب ،هرمي القمة ،له �سرت من الديباج الأ�سود ،عليه كتابة وزخارف مطرزة تطريز ًا ف��اخ��ر ًا بالذهب ،على �أر�ضية من احلرير الأخ �� �ض��ر �أو الأح �م��ر يف بع�ض الأج� ��زاء، وي�ح��ده ه��دي��ة ح��ري��ري��ة ،و��ش��راري��ب يعلوها كرات ف�ضية .وزخرفة ال�سرت ال تكون دائم ًا على النموذج نف�سه ،غري �أنني ال حظت �أن كل �سرت ر�أيته يحمل يف ق�سمه الأعلى من ال�صدر منظر ًا مل�سجد مكة «يق�صد الكعبة امل�شرفة» م�ط��رز ًا بالذهب ،ويعلوه طغراء
ال�سلطان .واملحمل ال يحوى �شيئ ًا ،غري �أن هناك م�صحفني �صغريين� ،أحدهما قرطا�س ملفوف ،والآخر كتاب عادي داخل �صندوقني من الف�ضة املذهبة ،يعلقان خارج املحمل يف القمة ،وتكون الكرات اخلم�س و�أهلتها التي تزين املحمل م��ن الف�ضة املذهبة ويحمل املحمل على جمل طويل جميل». و�إذا كان هكذا ا�ستطاع امل�ست�شرق الإجنليزي «�إدوارد وليم لني» �أن ي�صف املحمل امل�صري، وهو يف الن�صف الأول من القرن الثالث ع�شر الهجري املوافق الن�صف الأول من القرن التا�سع ع�شر امليالدي ،فكيف �إذ ًا يكون و�صف
يف احل �ق �ي �ق��ة� ،إن���ه م��ن خ�ل�ال امل���ش��اه��دة والفح�ص املتمهل للمحمل امل�صري املوجود الآن باملتحف االثنوجرايف التابع للجمعية اجلغرافية بالقاهرة ن�ستطيع �أن ن�صفه على النحو الآتي :هو هيكل خ�شبي جموف، يت�شكل عن طريق عوار�ض �أفقية ور�أ�سية ومائلة� ،سمك ك��ل منها � 10سنتيمرتات، وه��ذا الهيكل اخل�شبي يتكون من جزءين رئي�سيني :اجل��زء الأول وه��و ال�سفلي منه من�شوري ال�شكل ،طوله 1.75مرت ،وعر�ضه 1.30م�تر ،وارت�ف��اع��ه 1.62م�تر ،واجل��زء الأخ�ي�ر ال�ع�ل��وي ع�ب��ارة ع��ن ه��رم ارتفاعه 1.95مرت ،وقاعدته م�ستطيلة ال�شكل طولها 1.75مرت ،وعر�ضها 1.30مرت. ً ويك�سو اجلزءين املن�شوري والهرمي معا �سرت من احلرير� ،ضاعت الآن معامل لونه ،و�إن كان يبدو �أخ�ضر اللون ،وهو م�شغول ومزرك�ش بخيوط اخلي�ش املذهبة والف�ضية والتي ت�شغل معظم م�ساحة هذا ال�سرت احلريري ،حتى تكاد ه��ذه الزرك�شه �أن تطغى على قما�شة جمعيه. ب�أعلى اجل��زء الأول ،وه��و املن�شوري توجد كتابات قر�آنية باخلط الثلث داخ��ل �إط��ار �سمكه �سبعة وع���ش��رون �سنتيمرت ًا ،وه��ذه الكتابات القر�آنية حتيط باملحمل من جوانبه الأربعة على النحو الآتي: .1الواجهة الأمامية مكتوب فيها« :ب�سم اهلل الرحمن الرحيم اهلل ال �إله �إال هو» ،ثم دائرة مزرك�شة باملخي�ش الف�ضي قطرها اخلارجي � 13.50سنتيمرت ،وق�ط��ره��ا ال��داخ �ل��ي 19 �سنتيمرت ًا ،ومكتوب يف داخلها عبارة «اهلل رب��ي» باملخي�ش الف�ضي ،ثم يلي ذل��ك الآي��ة القر�آنية الكرمية ،وهي عبارة «احلي القيوم ال ت�أخذه �سنة وال نوم». .2يف اجل��ان��ب الأمي���ن م�ك�ت��وب« :ل��ه م��ا يف ال�سموات وما يف الأر�ض من ذا الذي ي�شفع عنده �إال ب�إذنه».
�صورة من القاهرة يف الع�رص اخلديوي ويظهر فيها الع�ساكر امل�رصيون ب�أزيائهم الر�سمية
.3يف الواجهة اخللفية مكتوب« :يعلم ما بني �أيديهم وما خلفهم وال يحيطون» ،ثم دائرة مزرك�شة باملخي�ش الف�ضي بنف�س مقا�سات «حم �م��د ن �ب��ي» ،ث��م ب�ق�ي��ة الآي� ��ة ال�ق��ر�آن�ي��ة الكرمية ،وهي عبارة «ب�شيء من علمه �إال مبا �شاء و�سع كر�سيه». .4الواجهة اخللفية مكتوب تكملة الآي��ة: «ال�سموات والأر���ض وال ي ��ؤده حفظهما وهو العلي العظيم». �أم��ا يف الواجهة الأمامية الهرمية العلوية فتوجد عبارتان ،الأوىل« :عمل هذا ال�سرت للمحمل ال�شريف موالنا ال�سلطان» ،وهذه العبارة مو�ضوعة داخ��ل �شكل �شبه ن�صف بي�ضاوي قو�سه لأعلى ،والعبارة الثانية بخط ذي حجم �أك�بر داخ��ل �شكل بي�ضاوي ،وهي عبارة «ف�ؤاد الأول» ،وحتتها يف نف�س ال�شكل البي�ضاوي مكتوب «.»1336 وه��ذا ال�ت��اري��خ الهجري ي��واف��ق ع��ام 1918 م �ي�لادي ،وه��و بالطبع لي�س ت��اري��خ �صنع
املحمل ،و�إمنا هو تاريخ جتديد الكتابة على �سرت املحمل نف�سه. �أما تاريخ �صنع هذا املحمل فاملرجح �أن يكون ه��و ع��ام 1292هجرية امل��واف��ق ع��ام 1875 ميالدية ،يف ع�صر اخلديوي «�إ�سماعيل»، وهو التاريخ املكتوب على القطعة النحا�سية، وال�ت��ي تتو�سط اجل��زء العلوي الهرمي من املحمل ،ورمب��ا قد يكون تاريخ ال�صنع قبل هذا التاريخ ،حيث �إن هذا التاريخ هو �أقدم ت��اري��خ م��وج��ود ع�ل��ى هيكل امل�ح�م��ل ،وه��ذه القطعة النحا�سية �سهلة ال��رف��ع والتبديل والتغيري ،ورمب��ا تكون قد ا�ستبدلت �ضمن التغريات الكثرية التي �أملت به �ضمن �أعمال
كان للمحمل المصري كسوة أخرى خضراء اللون بسيطة الزركشة لكي تتحمل غبار الطريق
�صيانة املحمل ،والتي كانت تتم تباع ًا. ويف ه��ذه القطعة النحا�سية توجد كتابات يف ثمانية �أ�سطر ،الأول مكتوب فيه عبارة «ي��ا اهلل» وال�سطر ال�ث��اين ع�ب��ارة «م��ا �شاء اهلل» ،وال�سطر ال�ث��ال��ث ع �ب��ارة «ال �إل ��ه �إال اهلل» ،وال�سطر الرابع عبارة «حممد ر�سول اهلل» ،وال�سطر اخلام�س عبارة «ن�صر من اهلل» ،وال�سطر ال�ساد�س عبارة «وفتح قريب وب�شر امل�ؤمنني» وال�سطر ال�سابع عبارة «يا حم�م��د» وال���س�ط��ر ال�ث��ام��ن والأخ �ي�ر ع�ب��ارة « .»1292وه��ذه الكتابات �آخ��ذة �سطورها ال�شكل الهرمي ،قمته لفظ اجلاللة «يا اهلل»، وقاعدته عبارة «وفتح قريب وب�شر امل�ؤمنني». ويف ركن اللوحة النحا�سية الأي�سر عبارة «ال �شريك له» ،وهي مكتوبة من �أعلى لأ�سفل يف و�ضع كتابة ر�أ�سي ،كما يتوازن معها يف الركن الأمين عبارة «وحده» ،وهي مكتوبة من �أ�سفل �إىل �أعلى ،يف و�ضع كتابة ر�أ�سي �أي�ض ًا ،ولكن على عك�س العبارة الأوىل.
ارتياد اآلفاق 76 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
الع�سكر امل�رصي ي�سري �صحبة املحمل
ويحيط باملحمل �أربع قوائم خ�شبية ،مركب عليها �أرب �ع��ة �أ��ش�ك��ال خم��روط�ي��ة م��ن م��ادة النحا�س ،يعتلي ك�لا منها ه�ل�ال ،بداخله جن �م��ة خ�م��ا��س�ي��ة ن�ح��ا��س�ي��ة ،وحم �ي��ط ه��ذا ال�شكل املخروطي عند �أك�بر قطر لقاعدته �� 28س�ن�ت�ي�م�تر ًا ،وارت� �ف ��اع ه ��ذا ال �ق��ائ��م 78 �سنتيمرت ًا ،كما يعلو قمة ال�شكل الهرمي �شكل خمروطي �آخر ،ولكنه �أكرب من حيث احلجم من الأ�شكال املخروطية الأربعة بارتفاع يبلغ حوايل مرت واحد. وقوائم الأركان النحا�سية الأربع يتذيلها �أربع ك�سوات مزرك�شة بخيوط املخي�ش الف�ضية بارتفاع � 55سنتيمرت ًا وعر�ض � 25سنتيمرت ًا، ومكتوب يف �سطرين منها عبارتا «ال �إل��ه �إال اهلل» ،وذل��ك يف ال�سطر العلوي ،أ�م��ا يف ال�سطر ال�سفلي فنجد عبارة «حممد ر�سول اهلل» .وبنف�س ه��ذه النوعية م��ن الك�سوة يك�سى اجلزء الهرمي من �أعاله من الأمام واخللف بك�سوتني حتمالن نف�س العبارات ال���س��اب�ق��ة يف ك��ل م�ن�ه�م��ا .وت�ت��ذي��ل املحمل � �ش��راري��ب ع�ل��ى ام��ت��داد حم�ي�ط��ه ال�سفلي بارتفاع � 21سنتيمرت ًا ،م�صنوعة من خيوط
بيرق المحمل صنع من القماش المزركش بالمخيش الفضة الملبسة بالذهب بزركشة نباتية وكتابية وهندسية الق�صب الأ�صفر اللون ،كما تتذيل �شريط الكتابات القر�آنية كذلك بنف�س االرتفاع. ويوجد كنار �أ�صفر اللون ب�سمك � 3سنتيمرتات، وه��و حت��ت احل���زام امل�ك�ت��وب باملخي�ش ب�آية الكر�سي .وه��ذا الكنار يحيط ب�سرت اجلزء ال�سفلي من ك�سوة املحمل بنف�س ال�سمك. وقد ال حظنا �أن مقود اجلمل مزرك�ش كذلك ب�خ�ي��وط املخي�ش الف�ضية ،بنف�س �سمات زرك�شة ك�سوة املحمل ،ومن نف�س القما�ش، كما ال حظنا �أن جميع البطانة الداخلية لك�سوة املحمل من احلرير ذي اللون الأ�صفر، �أم��ا بطانة ك�سوة القوائم الر�أ�سية فهي من احلرير الأحمر اللون.
وق ��د بحثنا �أث��ن��اء ال�ف�ح����ص للمحمل عن منظر م�سجد مكة ال��ذي و�صفه الرحالة الإجنليزي «�إدوارد وليم لني» على كل �سرت له فلم جنده ،فرجحنا يف البداية �أن يكون الق�صد هو ت�شبيه الكتابة ب�آية الكر�سي على ك�سوة املحمل بتلك الزرك�شة التي توجد على �أحزمة �ستائر ك�سوة الكعبة امل�شرفة ،وظننا �أن دقة التعبري قد خانت «�إدوارد وليم لني»، ولكن بالرجوع �إىل �شكل املحمل الذي ر�سمه «�إدوارد وليم لني» بنف�سه وجدنا �شكل الكعبة امل�شرفة مر�سوم على اجلزء العلوي الهرمي الأمامي من ك�سوة املحمل ،وبالطبع و�ضعت �سنة التعبري والتبديل ب�صماتها على ك�سوة املحمل ،و�سبحان من ال يتبدل وال يتغري. ومل ين�س فنان الزرك�شة �أن ي�سرت رقبة جمل املحمل امل���ص��ري بك�سوة مزرك�شة بنف�س الزخارف ،لت�ضفي عليه جما ًال وبريق ًا خا�ص ًا ي�سحر ال��رائ��ي ع�ن��دم��ا ينظر �إىل �سفينة ال�صحراء عند امل�سري يف املوكب املهيب الذي هو بطله وجنديه املجهول!!..
ك�سوة املحمل اخل�ضراء
ه��ذا الو�صف ال�سابق هو للك�سوة املذهبة، وه��ي الك�سوة الر�سمية للمحمل والتي كان يرتديها يف االحتفاالت العامة يف القاهرة �أو قبل دخوله مكة �أو املدينة املنورة ،ولأن هذه الك�سوة كانت غالية ومن النوع الذي بذل فيه الفنانون يف دار الك�سوة ال�شريفة جمهود ًا وا�ضح ًا جعلها رائعة للناظرين ،فقد خيف على ه��ذه الك�سوة م��ن �أت��رب��ة ال�سفر و�سط مفاوز ال�صحراوات ،ومن ثم عملت للمحمل امل�صري ك�سوة �أخرى خ�ضراء اللون ،ب�سيطة الزرك�شة ،لكي تتحمل غبار الطريق ،حيث كان ميكن تنظيفها بالغ�سل باملياه مثلها مثل �سائر �أنواع الأقم�شة الأخرى ،وهي �أ�شبه بتلك الأن��واع التي تو�ضع فوق �أ�ضرحة الأولياء يف م�صر .واجلزء العلوي من الك�سوة اخل�ضراء، وه��و الهرمي ك��ان يتزين ب��زخ��ارف من ذلك النوع املعروف بعمله رجال اخليامية يف م�صر وكانت فيه الآيات القر�آنية يف و�سط كل وجه، مثل «ن�صر من اهلل وفتح قريب» ،ومثل «على كل �ضامر ي�أتني من كل فج عميق» يف حني و�ضع يف كل وجه من �أوجه الك�سوة �أربعة �أ�سماء مثل «اهلل» و«حممد» يف اجل��زء العلوي على ميني وي�سار الآي��ة القر�آنية ،ثم «ح�سن» و«ح�سني» يف اجلزء ال�سفلي ،ويتبادل يف هذا اجلزء يف الأوج��ه �أ�سماء اخللفاء الرا�شدين� .أم��ا علم املحمل �أو بريقه ،فكان ي�صاحب عمل الك�سوة عمل بريق مميز لقافلة احلجيج ،وهذا البريق له �شكل خا�ص ميكن �أن نتوقف عنده برهة.
�صورة لكبار �صناع الك�سوة بدايات القرن الع�رشين
ال�شم�س ،ويحيط بها م�ستطيل مزرك�ش من الأوراق النباتية .وخارج هذا امل�ستطيل حتيط ب��ه �أرب �ع��ة م�ستطيالت علوية و�سفلية وعلى اجلانبني ،وقد كتب يف امل�ستطيل العلوي« :ب�سم اهلل الرحمن الرحيم �إنا فتحنا لك فتح ًا مبين ًا ليغفر لك اهلل ما تقدم من ذنبك وما ت�أخر بريق املحمل ويتم نعمته عليك ويهديك �صراطا م�ستقيما ه��ذا البريق م�صنوع من القما�ش املزرك�ش وين�صرك اهلل ن�صرا عزيز ًا». باملخي�ش الف�ضة امللب�سة بالذهب بزرك�شة نباتية الوجه الآخ��ر :وفيه �شكل بي�ضاوي مزرك�ش وكتابية وهند�سية ويالحظ على هذا البريق �أن يف املنت�صف ،مثلما يف الوجه الأول و�إن كان زرك�شته التي باملخي�ش الف�ضة امللب�سة بالذهب على وجهيه على النحو الآتي: ال��وج��ه الأول :وفيه �شكل بي�ضاوي مزرك�ش يحمل الجزء األول باملخي�ش ،ويف منت�صف هذا ال�شكل توجد عبارة من هيكل المحمل «ال �إل��ه �إال اهلل» ،وتت�شعب منه ع��دة خطوط كتابات قرآنية بالخط مزرك�شة م�ستقيمة ومتعرجة ،ك�أمنا متثل عني
الثلث داخل إطار سمكه 27سنتيمتر ًا
بداخلة عبارة �أخرى ،هي «حممد ر�سول اهلل». �أما الآي��ات القر�آنية ال�شريفة فهي تكملة ما �سبق ،وقد كتب« :الذي �أنزل ال�سكينة يف قلوب امل�ؤمنني ليزدادوا �إميان ًا مع �إميانهم وهلل جنود ال�سموات والأر���ض وكان اهلل عليم ًا حكيم ًا». �صدق اهلل العظيم. وللبريق �شرابة مدالة بخيط قيطان مزخرف من �أعلى ال�صاري احلامل ل��ه ،والتي تعلوه قطعة نحا�سية كتبت عليها من كال وجهيها عبارات مل ن�ستطع �أن نتبينها غري كلمة «يا حممد» على �أحد الأوجه ،وكلمة «يا اهلل» على الوجه الآخ��ر .ويذكر لنا التاريخ �أن �أول من زرك�ش بريق املحمل باملخي�ش الف�ضة املطالة بالذهب بد ًال من احلرير الأ�سود والأبي�ض هو «داوود با�شا» الوايل العثماين يف م�صر وذلك يف عام 798هجرية
78 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
عزيزي الشاعر الشعبي
ألفبائية
مريه القا�سم
م��رت �سنوات الآن على الأزم��ة االقت�صادية اخلانقة التي ع�صفت باقت�صادات الكثري من دول العامل وخلخلت �أ�سا�سات البع�ض الآخر، ومل تفلت من �سطوتها حتى الدول الكربى التي تهاوت فيها الكثري من �شركاتها العمالقة التي مل يكن �أحد يتخيل �أن تهتز �أغ�صانها فما بالك وقد اقتلعت الأزمة جذورها من منابتها! وعلى الرغم من كل التطمينات التي حملتها الأخبار اخلليجية و�أحاديث املجال�س عن عدم ت�أثر اقت�صادات اخلليج بتلك الأزمة ،فال �شك يف �أنها «قد مرت من هنا» وقد و�صلت �آثارها �إىل مرابعنا اخلليجية الغناء. ما عالقة ذلك بي! البد و�أن��ك تت�ساءل الآن، عزيزي ال�شاعر ال�شعبي. عالقة ذلك بك� ،أنك – فيما يبدو يل -الوحيد الذي مل يت�أثرـ ومل يلق با ًال لتلك الأزمة التي هي بالأ�سا�س �إن�سانية رغم ت�سرتها وراء امل�صطلح الذي يظن البع�ض �أنه حكر على �أولئك الرجال م��ن طبقة رج ��ال الأع��م��ال مم��ن ن�سميهم بالهوامري ويحملون غري ذلك من �صفات يف بلدان �أخرى �ألطفها القطط ال�سمان كما يقول الإخ��وة امل�صريون ،أ�ع��ود لأق��ول لك عزيزي ال�شاعر :بدا يل �أنك الوحيد الذي مل يت�أثر بتلك الأزمة ،حتى �أنك مل تتخل ولو م�ؤقت ًا عن �أي من «الإك�س�سوارات» التقليدية التي ت�صوغ بها ق�صائدك ،وجتد فيها ُمعرب ًا عن �أفكارك ومعرب ًا لق�صائدك �إىل و�سائل الإعالم . ال�شاعر ال�شعبي التقليدي «لدينا حتديدا»ً يختلف عن �أقرانه يف ال��دول القريبة ،ورمبا البعيدة ،وعن جميع �شعراء الكون ،فغالبية ق�صائده تعرب ع��ن ح��ال��ة حمكومة ب�أ�شياء وم�ستلزمات «مادية» حم�سو�سة يعاي�شها ليل نهار ،دون �إدراك بقيمتها الفعلية ،فهو تارة يكتب عن خيله التي ال ي�ستطيع ركوبها خارج �أ�سوار خياله ،وتارة عن جي�شه الوهمي الذي تك�شف الق�صيدة �أنه عبارة عن هجن ي�سابق بها
يف م�ضمار ال يزيد طوله عن عدة كيلو مرتات، �إذا كان بالفعل من النا�شطني امل�شاركني يف تلك الريا�ضات العريقة ،وعندما يتجلى ف�إنه يكتب عن «�صقره» الذي ت�شعر و�أنت ت�ستمع �إىل �أو�صافه اخليالية وقيمة املدفوع القتنائه �أنه ال �شك العنقاء وقد جت�سدت متحدية �صورتنا عنها باعتبارها �أحد امل�ستحيالت. �شاعرنا ال�شعبي ،يفعل ذل��ك ال ليعرب عن حقيقة م�شاعره ومنط حياته� ،إمن��ا هو يعرب عن �شعور تاريخي ظل يالزمه دون وعي ورثه عن �أبيه عن جده عن �شيخ قبيلته دون جهد حقيقي� -إال فيما ندر -من �أجل نحت تعبريات نابعة من مفردات حياته نف�سها مبا ا�ستجد عليها وما ت�أثرت به من �أح��داث الدنيا التي حتى و�إن �أب��ى �أن يتابعها ف�إنها تتابعه ورمبا ترت�صد به .بالرغم من ما يطالعه يف و�سائل االع�لام عن ال�ضربات االقت�صادية املوجعة التي تتزايد يوم ًا بعد ي��وم ،وعلى الرغم من اكت�شاف املتابع للعبة ال�شاعر ال�شعبي التقليدي ال�سخيفة و�صورته النمطية الباهتة� ،إال �أنه ال يزال يقاتل من �أجل �إقناع �صحايف ب�إجراء لقاء معه� ،أو معد برامج ب�إدراجه �ضمن برنامج تلفزيوين ُيظهره متجو ًال يف �أرج��اء مزرعته اخلا�صة ،ليعرف النا�س �أنه ميتلك جمموعة من مزايني الإب��ل وجيب راجن روف��ر ،وخيمة ف��اخ��رة ت�ط��ورت م��ع م��رور ال��زم��ن و�أ�صبحت حتتوي على جميع اخل��دم��ات احلديثة رغم �أن «عقل» �صاحبها ال�شاعر �أب��ى �أن يتطور واكتفى ب�أن يجرت املا�ضي ويكرره ب�صورة مملة يف القنوات املهتمة بال�شعر واال���س ام ا�س، وللأ�سف ف�إن اخلا�سر الوحيد هو ال�شعر. عزيزي ال�شاعر ال�شعبي :تغري وحاول �أن تُغري، بذلك ت�صبح �شاعر ًا
المحكي شعر ًا 80 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
املحكي�شعرا ً ملف ال�شعر ال�شعبي
ديوان املختارات
�أعد هذه احللقة ال�شاعر -حممد �أحمد بن خليفة ال�سويدي
�شاعر ومفكر �إماراتي بارز ،يعد من املجددين يف الق�صيدة املحكية ،له اهتمام كبري بتوثيق وبحث و�إعادة تقدمي الرتاث املحلي والعربي والعاملي ،وتتعدد بحوثه وم�ؤلفاته فيه .يعد من رواد املهتمني ب�أدب الرحلة ،ويرعى املركز العربي الوحيد املعني ب�أدب الرحلة وهو «املركز العربي للأدب اجلغرايف – ارتياد الآفاق» ،بالإ�ضافة �إىل رعايته العديد من امل�شاريع الثقافية العربية املعنية ب�إحياء تراث احل�ضارة العربية من خالل اللغة وال�شعر والآداب والفنون ،كمكتبة الوراق التي تعد الأكرب عربي ًا على الإنرتنت ،ومو�سوعة ال�شعر العربي ،وموقع امل�سالك الذي يهتم بجغرافيا العامل والرحالة .وموقع حوايا الذي ُيعنى بعيون ال�شعر املحكي يف اخلليج العربي. كما ُعرف عنه اهتمامه و�شغفه ال�شديد بالبحث يف تاريخ ال�شاعر العربي الكبري �أبو الطيب املتنبي ،الذي يرى فيه – �إ�ضافة �إىل عبقريته- املدخل الأن�سب لقراءة تاريخ ع�صره و�إعادة ترتيب الأحداث التاريخية يف الفرتة التي عا�شها. وقد اختار ال�سويدي لديوان املختارات �ستة من فرائد ال�شعر املحكي يف دولة الإمارات ،جمع بينها – كما يرى� -أنها جميعها� ،صارت جزء ًا �أ�صي ًال من الرتكيبة النف�سية والثقافية والفكرية ملجتمع الإمارات ،من خالل ذيوعها وانت�شارها بني النا�س ل�سببني �أولهما ما تتمتع به من عذوبة و�سال�سة وقرب من روح املجتمع ،والآخر �أن حتولها �إىل �أغنيات ب�أ�صوات و�أحلان نخبة من �أ�ساطني الطرب والغناء املحلي واخلليجي �أ�سهم يف تر�سيخ �أثرها وحتولها �إىل جزء متني من ن�سيج املجتمع خا�صة يف فرتة اخلم�سينيات وال�ستينيات من القرن الفائت ،وير�سل ال�شاعر حممد ال�سويدي عرب خمتاراته التي نعززها بتعريف لل�شاعر واملطرب على حد �سواء ،ر�سالة �إىل �شعراء الع�صر احلايل مفادها �أن املنتج الأ�صيل قادر على �أن يبقى عرب ال�سنني و�أن �شروط ال�شعر اجليد هو �أن ُينحت من حجر �صلد لكن مبذاق عذب ك�شالل املاء.
قصائد الديوان
مينق�ش العناب :
يا فتاة احلي لبعيدي:
خ ــدل ــج :
�صاح ابزقر ملنادي:
فتاة العرب
را�شد اخل�ضر
هب ن�سنا�س ملغيبي: خلفان بن يدعوه
�أحمد بن �سلطان بن �سل ّيم �سعيد بن عتيج الهاملي
قطعت الو�صل:
�أحمد بن علي الكندي
لإر�سال ق�صائدكم ،م�شاركاتكم ومالحظاتكم:
الربيد الإلكرتوينturathmag1@gmail.com : الفاك�س009712 6582282 :
المحكي شعر ًا 82 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
يمنقش العناب ال�شاعرة -فتاة العرب : هي ال�شاعرة الإماراتية عائ�شة بنت خليفه بن ّ ال�شيخ �أحمد بن خليفة ال�سويديّ ،ولدت و�سكنت يف �أبوظبي ثم �أقامت بعد ذلك يف دبي .هذه ال�شاعرة التي انقادت لها ع�ص ّيات الألفاظ امل�س ّومة و�سل�س لها قياد املعاين املحكمة كانت تعرف �سابقاً بلقب «فتاة اخلليج» اختار لها لقب «فتاة العرب» �صاحب ال�سمو ال�شيخ حممد بن را�شد �آل مكتوم نائب رئي�س الدولة رئي�س جمل�س الوزراء حاكم دبي بعد تكرميها وتقليدها و�سام �إمارة ال�شعر يف عامل ال�شعر ال�شعبي يف عام .1989 غناء الفنان الإماراتي ميحد حمد : ملحن و�شاعر �إماراتي �أ�صيل من �إمارة ال�شارقة وهو من مواليد عام ،1961ا�سمه الكامل ميحد حمد ميحد املهريي ويلقب بفنان الإمارات الأول .عا�ش ميحد طفولة ع�سرية بعد انف�صال والديه لفارق ال�سن بينهما. ومما مكنه من اجتياز ال�صعوبات املادية واالجتماعية التي كان يعي�شها� ،صوته اجلبلي الفريد الذي مكنه من دخول امليدان الفني لي�صبح �أحد رواد الأغنية الإماراتية و�أحد م�شاهري الأغنية اخلليجية والعربية عامة.
مي��������ن��������ق�����������������ش ال������������ع������������ن������������اب ب�������خ���������������ض�������اب مي�����������������������ش�����������رب ال����������������ل����������������ون �أب���������ي���������ا����������ض���������ي ب���������ا����������س���������ب���������اب والم������������ا�������������ش������������ي ا���������س��������ب��������اب دامي ات���������������������ش����������ك����������ل يف غ�������ي�������ا��������ض�������ي وغ����������ل���������اك ع����������ن����������دي م����������ال����������ه اح���������������س�������اب وال ت�������ن�������ق�������ل�������ه ���������س��������ب��������ع الأرا�����������������ض����������������ي ول�������������و ي�������ن�������خ�������زن يف ال���������������ش�������ام�������خ ان�������������ذاب ذوب احل��������������ي��������������د و���������������ش��������������ب ال����������ض���������ي ال��������ب�����������������س��������ت��������ن��������ي م احل��������������������ب ج�������ل�������ب�������اب ج����������ل���������اب م���������������ن ع����������ق����������ب ال�����ت����را�����������ض����������ي وخ��������ل��������ي��������ت��������ن��������ي م��������������ن خ�����������������������ارج ال���������ب���������اب م����������������اك����������������ن يل وي�������������������������������اك م���������ا����������ض���������ي �إع������������ج������������اب م�������ن�������ك �أو م�������ن�������ي �إع��������ج��������اب ت�������خ�������ط�������ي و�أن������������������������ا ل������������ك يف ت�����غ�����ا������ض�����ي
وال����������������وق����������������ت ي�����������ق�����������زر ك���������ل���������ه اع���������ت���������اب وال ��������ش�������ي ع�������ن�������د ال������������وا�������������ش ق�����ا������ض�����ي ي��������������اب��������������و ث��������������م��������������ان ذب����������������������ل اع����������������������ذاب يف م�������ب���������������س�������م ك���������احل�������������������ص ي������ا�������ض������ي وع�����������������ي�����������������ون ق�����������������ت�����������������االت ب��������������اه��������������داب واحل���������������������اظ يف ال���������ن���������ظ���������ره م������وا�������ض������ي �إن ق�������م�������ت ل����������ك ب������������ال������������وايف �أوج�����������������اب ه�����������������������ذاك يف احل������������������ب اف����ت����را����������ض���������ي ع�������������س������ى �أوط�����������ن�����������ك ي�����������س�����ق�����ي�����ه ������س�����ح�����اب م��������������رك��������������وم وم����������������زون����������������ه اغ����ل���ا���������ض��������ي ي���������ن���������ق���������اد م امل�������������غ�������������رب ل�������������ه اح���������ي���������اب وي���������������ب���������������ات ب���������������راق���������������ه ل�������وا��������ض�������ـ�������ـ�������ي و���������س��������م��������ي وت�����������زه�����������ر ف��������ي��������ه الع�������������ش������اب وامت ودي��������������������ان��������������������ه ري��������ا���������ض��������ـ��������ـ��������ي ت������ل������ت������ف ل����������ه يف ال������ك�������������ش������ت������ه ا�������ص������ح������اب مت�����������ش�����ي ل������ه������م خ������������دم �أو ح�����وا������ض�����ـ�����ي ه������������ن������������اك وي�������������������ن ت��������ق��������ي��������م الح����������ب����������اب وي��������ط��������ي��������ب ل�������ل�������ح�������ا��������ض�������ر م�����ق�����ا������ض�����ي
المحكي شعر ًا 84 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
خدلج ال�شاعر -را�شد اخل�ضر:
هو را�شد بن �سامل بن عبدالرحمن ال�سويدي ،واخل�ضر لقب لأبيه لقب به ل�سمرة خفيفة يف لونه ا�شتهر به �شاعرنا ف�أ�صبح ال يعرف �إال بهذا اللقب .ولد ال�شاعر يف عجمان يف حوايل عام 1905م ون�ش�أ بها مرتعرع ًا على مهادها ،تيتم يف طفولة مبكرة ،فقد �أباه وهو ملا يزل طف ًال مل يبلغ الثامنة من عمره ثم توفيت �أمه بعد �سنوات قليلة وعمره �آنذاك مل يتعد الرابعة ع�شرة ،وكان له �أخ �شقيق يكربه ب�سنتني يدعى عبدالرحمن بن �سامل فتكفل بهما ابن عم �أبيه ال�شاعر نا�صر بن �سلطان بن جربان ال�سويدي ،فعا�شا يف كنفه لكن احلياة مل متتد ب�شقيقه ،ف�أدركته املنية وهو ابن ثماين ع�شرة �سنة ،الأمر الذي �أثر يف جمرى حياة ال�شاعر را�شد اخل�ضر ف�أورثه نف�سية ع�صبية ومزاج ًا حاد ًا .تلقى �شاعرنا يف �صغره علوم ًا بدائية يف كتاتيب عجمان التي كان التعليم �آنذاك يقت�صر عليها ،فتعلم فيها بع�ض ًا من القراءة والكتابة ثم تركها والزم ابن عم �أبيه ال�شاعر نا�صر الذي كان ميتهن يف عجمان �صناعة تطريز «الب�شوت» ،العباءات، فتعلم منه �شاعرنا هذه ال�صنعة و�أخذ ي�ساعده فيها .
تغنى بها الفنان الكويتي القدير عبداملح�سن املهنا:
من مواليد الكويت ،1938من عائلة جمع بينها الفن واملو�سيقى واللحن ف�شقيقاه يو�سف «ملحن» وماجد «م�ؤلف �أغان» .يعترب واحد ًا من رواد الأغنية الكويتية و�شارك يف العديد من املنا�سبات با�سم الكويت وكيف ال وهو من �أبناء هذه الأر�ض الطيبة .ا�ستهواه الغناء وهو يف العا�شرة من عمره و�صار يقلد املطربني الكبار ب�أ�صواتهم ب�إجادة واتقان ،خ�صو�ص ًا �أغنية «مظلومة يا نا�س» للفنانة �سعاد حممد؛ كما كان يحب اال�ستماع لل�سامري .ينتمي �إىل جيل ال�ستينيات جيل زمن الطرب الأ�صيل ،ومنهم عبد الكرمي عبد القادر وم�صطفى �أحمد وح�سني جا�سم وغريد ال�شاطئ و�صالح احلريبي وعبداحلميد ال�سيد ويحيى �أحمد وغريهم ،جيل كان فيه امللحن والكاتب واملطرب خال�صة �شعور باملعاناة وال�صدق بالعطاء كي تخرج الأغنية �إىل اجلمهور ،فامل�ؤلف كان «يكتب ويجمع �أحا�سي�سه ال ليقدمها ل�شخ�ص معني»� ،أو بناء على طلب ،بل يكتبها حتت �إح�سا�س ما ويف ظرف معني ،ويف ظل هذه الظروف تولد الأغنية والق�صيدة لت�أخذا دورتيهما الطبيعيتني �إىل امللحن ثم املطرب.
خ ــد ل ــج خ ـ ــدك ا لـ ـل ــي كــا لــ�س ـفــر جــل ت ـفــ�ض ــل ب ـن ـع ـبــر عـ ـبـ ــر ة � س ـه ــا ل ــه مـ ـ ـط ـ ــول � أو م ـ ـ ـ ــراود � أو � أ ن ـ ــا مـ ـ ــل تـ�صـا ف ـح ـنــا و�س ـ�أ ل ـنــي قـ ـل ــت � أ ن ــا م ــل �سـ ـفـ ــر نـ ــل بـ ـ ـخ ـ ــدودك تـ ـ ـ ـ ــاه ورده �إذا مـ ـي ـ ـلـ ــك و ل ـ ـ ـ ــم� ش ـ ــر ت ـ ــاه ورده �أ نـ ــا ا لـظ ـم ـيــان وا نـ ــت ا ل ـم ــاي بـ ــارد
� سـفــر بــدر و�س ـفــر� ش ـمــ�س و�سـفــرجــل ب ـم ـيــل بـا ل ـغ ـلــ�س قـ ـب ــل ا لــ�س ـفــر جــل عـل ـي ـهــن ال و�شـ ــي ال مــ�ش ــي � أ ن ــا م ــل م ـح ـب ـيــن وال ع ـ ــن غـ ـيـ ــرك � أ�س ـ ـ ـ�أل و جـ ـ ــري نـ ـ ــل بـ ـخـ ــدودي ت ـ ـ ــاه ورده و خ ــذ ن ــي ل ـ ــو ب ـح ـب ــل ي ـت ـل ـنــي ت ـ ــل وز ن ـ ــدي ك ـ ــل م ـ ــن ه ـ ــف ا ل ـم ـب ــارد
نـح ـيــل ا لـق ـلــب م ــن � س ـح ــل ا ل ـم ـبــا ر د مـع ـلــول � أ ن ــا و ل ـك ــم ا قـ ــوي ا ل ـعــزا يــم يـا هــل ا لـكــرم وا لـجــود يــا هــل ا لـعـزا يــم ن ـيــران و ج ــدي م ــا ا حـتــا جــت� شـبــا بــي مــر � أو لـمـحـتــه بـ�شـيـل ـتــه م ــ�ش بــا بــي �أ نـ ــا ع ـق ـبــه مــر ب ــد ا لـ ـن ــا �س ك ـل ـه ــم �أ ر ى � شـك ـلــه ب ـم ـعــز ل عـ ــن � شـك ـل ـهــم وا حـو يـج ـبــه ال ق ــو�س ال ع ـيــن ال ن ــون و عــوق ا بـجـبــدي ه ــوب ي ــرح وال ن ــون ت ــو ا لـ ــف حــا جـ ـب ــه فـ ـ ــر ق ا ل ـث ـنــا ي ــا ب ــ�س ــا ي ــل م ـ ـ ــر ه � أ و مـ ـ ـ ــر ه ثـ ـن ــا يـ ــا ت ـمــ�شــي د لـ ــع بـ ــو �ش ا لــ�ص ــد ر ب ـ ــا ز ر و ج ـفـ ـن ــه ع ـنـ ـت ــر ل ـلـ ـح ــر ب بـ ـ ــا ر ز و جـ ـي ــد ه ال مـ ـط ــل ال كـ ـ ــا �س ب ـطـ ـل ــي طــر قــت � أ و � س ـنــع � إ ل ـيــه � ش ــا ب ب ـط ـلــي ال م ـث ـل ــه ا ل ــز ه ــر ا و ال ب ـ ــو د م ــا نـ ــي بـرا نــي ا بـجـفـنــه بـعــد م ــا ه ــو د مــا نــي ت ـفـ ـن ــن فـ ـ ــي ا لـ ـتـ ــر ف ا لــ�ش ـم ــا ي ــل �إ�ش وا قـ ـ ــف � إ�ش قـ ــا عـ ــد � إ�ش مـ ــا يـ ــل و�ص ـل ـنــي � أ ب ـي ــ�ض ا ل ــرا ي ــات ب ــا�س ــود و ب ـي ـتــه مـ ــن نــ�س ــل م ـق ــد ا د ا لأ �س ـ ــو د زرى بـالـمـ�ســك لـذفــر وال ه ــوب مــ�شــط مـ ـتـ ـغ ــر ي ــف ال ه ـ ـ ـ ــو ن مـ ــ�ش ـ ـتـ ــط فـ ــدا لـ ــه م ـع ــي روح و خـ ــال و عـ ـم ــا و بـحــر ا لـهــوى جــا�ش و طـمـا نــي و ع ـمــا �س ـقــى اهلل د يــار هــم و�س ـم ــي ا لــروا ي ــح و هـ ـب ــت م ـ ــن نـ�ســا ي ـم ـهــا ا ل ــر و ا ي ــح ي ــا ب ــو ر ي ــج � أ ل ــذ مـ ــن ل ـب ــن خ ـل ـفــه ر �ســو ل ــك و ا لــو ع ــد لـ ــو بـ ــا ت ـخ ـل ـفــه
و جـ�سـمــي م ـثــل� ش ـعــر ا لــز نــد وا ن ـحــل مـا فـاد نــي� شــرب« ا لـمـحــو» وا لـعـزا يــم مـنــوا عـلـ ّـي ا بـ�شـر بــة ل ــو م ــن ا لــ�شــل فــي� شــف تـلــع ا لـجـيــد ت ــرف ا لـ�ش ـبــاب �شـبـه ا لـقـمـيـ�ص ا لـلـي لـيـعـقــوب مـ�شـتــل ال بـ ــو هـ ــم ال � أ كـ ـلـ ـهـ ــم ال � ش ــر بـ ـهـ ــم ووز ن ــه عـ ــن اوزون ا ل ـن ــا�س م ـج ـمــل مـحــروز بـا لـر حـمــن وا لـكـهــف وا ل ـنــون ا ع ـي ــا ا لــد خــا تــر وا ل ـمــال لــي وال م ـ ــل تـ ــو ا عـ ــد ن ـ ــا و ل ـ ـ ـلـ ـ ــه ا لـ ـثـ ـنـ ــا يـ ــا و مــره مـوا�صــل ا بـمــ�ســك � أو ع ــرق ف ــل و خــا ل ــه� ش ـب ــه خ ـ ــان ا ل ـ ــروم ب ـ ــازر ذا ج ـت ـيــل وذا جــر ي ــح � أو ذا مـ�س ـلــ�ســل و ع ـي ـن ــه ال ف ـ ــرد ال� سـ ـي ــف ب ـطـ ـل ــي د خ ـلــت ا ل ـج ـنــه و قــا ل ــت : خـ ــذا و خـ ــل و ال مـ ـهـ ــر ة قـ ـبـ ــا و ال هـ ـ ــو د م ــا نـ ــي حـيـا تـي غـنـا تـي هـو عـن ا لـبـعـ�ض وا لـكـل كـغــ�صــن� شــا ه ــد � أ كـ ــوا�س� أو� ش ـمــا يــل و�إن خـطــا طـيــر الـقـطــا الـخـجــل يــذهــل و خـر طـف لـلـحـمــر فــي ا لـمـ�شـيــه � أ�ســود و �س ـن ــه � سـ ــت و �سـ ــت و ا لـ ـع ــا م ل ـ ــو ل ور ي ـجــه ال خ ـمــر ال ه ــوب م ــا ا لــ�ش ــط جـنــه ا لـ�سـكــر� شـا نــه وال هــوب مـخ ـتــل حـبـيــب حــرزت ا�سـمــه بـتـبــارك و ع ـمــا ويـلـومـنـي لـي مـن هـوى الـ�شـوق مـبـتــل م ــن ا لـه ـطــال فـ ــي� ص ـب ــح � أو روا يـ ــح خــز ي ـمــا ه ــا و قــر ن ـف ـل ـهــا � أ و � صـ ـنـ ــد ل �أ ح ــب ار نـ ــج وال� شـ ــي م ـع ــك خ ـل ـفــه و خـيــا لــك وا لـبـ�ش ـيــر وو�ص ـلــك � أ فــ�ضــل
المحكي شعر ًا 86 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
هب نسناس لمغيبي ال�شاعر -خلفان بن يدعوه:
ال�شاعر خلفان بن عبد اهلل بن يدعوه ،من قبيلة املهريي ،ن�ش�أ يف دبي� ،أحب فتاة فجرت قريحته ال�شعرية بعد خمود ف�أثار عا�صفة ق�صائده من بعد هدوء ،حتى وفقه اهلل وجمع �شمله مبحبوبة قلبه ،فعا�ش معها يف �سعادة وهناء حتى �أجنبت له عبد اهلل االبن البار، ولكن �أبى اهلل عز وجل �إال �أن تنتهي حياة �شاعرنا نهاية عاطفية كبدايتها ..ذلك حينما ق�ست الأيام عليه ف�أخذت منه �أغلى ما عنده، ابنه عبد اهلل ومل يكد يعا�صر حزنه على ابنه حتى توفيت زوجته �أي�ض ًا ،فحزن ال�شاعر عليهما حزن ًا �شديد ًا ف ُكف ب�صره ول�سانه ال يزال يلهج بذكرهما ،حتى توفاه اهلل يف العام 1956رحم اهلل بن يدعوه �شاعر الإح�سا�س الذي خلد لنا من الق�صائد ما يتميز بالب�ساطة ورهافة احل�س وقرب الكلمة من قلوب النا�س يف �آن واحد.
�أحلان وغناء علي بالروغة:
هو علي عبداهلل بن روغه الزعابي ،من مواليد اجلزيرة احلمراء«جزيرة الزعاب» يف �إمارة ر�أ�س اخليمة ،تعلم العزف على العود حني كان �صغري ًا مع �أ�صدقائه على البحر ،واجلل�سات على "ال�سييف" �شاطئ البحر ،وباملمار�سة على العود �أ�صبح واحد ًا من �أمهر فناين الإمارات يف العزف على العود .ترك بن روغه اجلزيرة احلمراء وتوجه �إىل دبي حيث �سكن يف منطقة الرا�شدية يف �سنة 1970تقريب ًا وظل هناك مدة طويلة وعا�صر بها �شعراء كثريين تغنى بكلماتهم ،ثم انتقل �إىل منطقة جمريا لي�سكن هو وعائلته حتى تويف الكثري من �أ�صدقائه ،وحتى توقف �صديقه ال�شاعر �سامل اجلمري عن ال�شعر �سنة ،1985وهو ما دفع بن روغه �إىل �أن ي�أتي �إىل �أبوظبي لي�سكن مع �أهله يف «منطقة الزعاب» مقابل منطقة البطني �إىل �أن قرر اعتزال الفن بعد �أدائه لفري�ضة احلج �سنة .1987 غنى بالروغة �أكرث من 360ق�صيدة لأكرث من � 56شاعر ًا ،معظمهم من املعا�صرين له ،بينما غنى لقلة من ال�شعراء القدامى منهم ذياب بن عي�سى ،و�سعيد بن عتيج الهاملي وحممد املطرو�شي وخلفان بن يدعوه و�أحمد بن حميد.
يل ه�����������ـ�����������ب ن�����������������س��������ن��������ـ��������ا���������س مل������غ������ي������ب������ـ������ي ورا اب����������ج����������ا�����������ش ا��������س�������ع�������ي�������ـ�������د ل������ي������ه������ـ������وب م ال�������������وي�������������ج وادع�������������ان�������������ـ�������������ي ������ص�����وي�����ب�����ـ�����ي ج�������������ن اب�������ح���������������ش�������اي�������ـ�������ه ق���������رح���������ـ���������ة اي���������ـ���������وب ل�����������ـ�����������و ي��������ع��������اجل��������ـ��������ه��������ـ��������ا ال������ط������ب������ي������ـ������ب������ـ������ي م��������������ا ف������������������اد ف��������ي��������ه��������ا ط���������ـ���������ب واط���������ب���������ـ���������وب ه���������ي���������ه���������ـ���������ات ذا ي�������������ـ�������������رح ي�����ط�����ي�����ـ�����ب�����ـ�����ي ال����������������ن ح���������������ص�������ل م ال������������ري������������ج م�������������ش������ـ������روب ي��������ال��������ع��������ـ��������م م���������ال���������ـ���������ي م���������ـ���������ن اي������ث������ي������ب������ـ������ي يل ع�������������ن و�����������ص����������ول����������ه غ�������ل�������ج�������ت ادروب ال���������ط���������ـ���������ف ب��������ح��������ال��������ـ��������ي ي���������ـ���������ا ح�����ب�����ي�����ب�����ـ�����ي ي��������������ا ����������س���������ي���������دي ي���������ـ���������ا ت������������ـ������������رف ل������ي������ن������ـ������وب رف��������������ب��������������ي ت����������������������������راين م�������������س������ت�������������ص������ي������ب������ي وات������ل������اح�������������ق�������������ي�������������ن�������������ه ق�������������ب�������������ل الذوب ف������������رق������������ـ������������اك م���������دع���������ن���������ـ���������ي ������س�����ل�����ي�����ـ�����ب�����ـ�����ي وال���������ب�������������������س���������ت ث�����������������وب ال���������غ���������ـ���������ي جم������ل������ـ������وب ي������������ا زي����������������ن ل������������و و���������ص��������ل��������ك ا������ص�����ع�����ي�����ب�����ـ�����ي اظ��������������ن��������������ون ع����������ن����������ك �آي�����������������ـ�����������������وز وات������������ـ������������وب ي�������������ا ع���������������ش�������ب ق�������ل�������ب�������ـ�������ي ي���������ـ���������ا ل�����ل�����ب�����ي�����ب�����ـ�����ي م��������������ا يف ه�����������������������واك �أوث��������������������������������وم وذن������������ـ������������وب م��������ل��������ي��������ت م����������ـ����������ن ع������������ـ������������ذل اجل�������ري�������ب�������ـ�������ي وال���������������ع���������������ذل م�������ن�������ه�������م ه�����������ـ�����������وب حم������ب������ـ������وب ح���������ي���������ث ان���������ن���������ـ���������ي ط���������ال���������ـ���������ب ط�����ل�����ي�����ب�����ـ�����ي ب��������������ال��������������ود ل��������������و م���������ا����������ص���������ـ���������رت م������ط������ل������ـ������وب ات����������������������رى ال���������ت���������ذل���������ـ���������ل ه�����������ـ�����������وب ع�����ي�����ب�����ـ�����ي امل������������ـ������������ن ع�������ل�������ي�������ـ�������ه ال���������ق���������ل���������ـ���������ب ل������ب������ل������ـ������وب يل ه�����������ـ�����������ب ن�����������������س��������ن��������ـ��������ا���������س مل������غ������ي������ب������ـ������ي ف�����������������وق امل�������������������ض���������ام���������ر ي��������خ��������ف��������ق ال��������ث��������ـ��������وب
المحكي شعر ًا 88 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
يافتاة الحي لبعيدي ال�شاعر� -أحمد بن �سلطان بن �سل ّيم:
�شاعر و�أديب وم�ؤرخ ،ولد يف دبي حوايل 1906للميالد ن�ش�أ فيها وتلقى العلم على يد كبار علمائه من �أمثال حممد عبا�س البغدادي نزيل دبي �آنذاك ،وا�شتهر بني �أقرانه بالذكاء فلمع يف عامل ال�شعر والأدب ،ونظم ال�شعر بالعامية والف�صحى ولقد برع يف �أ�شعاره النبطية براعة ا�ستحوذت على �إعجاب العارفني بفنون ال�شعر و�أ�ساليبه .ميتاز �شعره بالر�صانة وح�سن ال�سبك ي�أتيك فيه بالألفاظ ومبنى ،تقر�أ فيه جديد ًا معنى ً اجل ّيدة واملعاين ال�سامية ،تواتيه اجلمل اجلميلة ط ّيعة منقادة في�ضع منها يف �شعره ما ي�سمو بالذوق ً غري ما ي�ألفه النا�س يف �أ�شعارهم املعتادة� .شارك ال�شاعر يف حمادثات االحتاد الت�ساعي الذي كان مقرر ًا �أن تن�ضم �إليه بجانب احتاد الإمارات دولة البحرين ودولة قطر ،وكان رحمه اهلل رئي�س ًا لوفد الإمارات امل�شارك يف تلك املحادثات .وقد �شغل عدة منا�صب يف بلده منها �إدارة اجلمارك بدبي ،وعندما قامت دولة الإمارات العربية املتحدة ُعينّ وزير ًا للدولة فيها ثم �أُ�ضيفت �إليه يف �أوائل عام 1976 للميالد رئا�سة جلنة الرتاث والتاريخ وظل ي�شغل املن�صبني مع ًا حتى وافاه الأجل املحتوم يف 28-10-1976للميالد.
غناها الفنان جابر جا�سم:
من �أهل دملا ،ولد عام 1950م ،تلقى تعليمه يف �أبوظبي وقطر ،عمل بالفن ،وهو ما يزال �صغري ًا ،كان �أول ظهور له على امل�سرح عام 1961م ،ابتعث عام 1971لدرا�سة املو�سيقى يف م�صر يف املعهد العايل للمو�سيقى ،له �صوت م�ؤن�س وهادئ ،ميتاز ببحة جميلة ،وطبقة �صوتية نادرة ،وهو من اجليل الأول الذي اعتمد على موهبته ،وثقف نف�سه بنف�سه� ،شاق ًا طريقه بد�أب وحب ،تعاون مع كثري من ال�شعراء �أبرزهم الكندي ،حلن لنف�سه وللكثري من املطربني واملطربات ك�سمرية �سعيد وعزيزة جالل ورجاء بلمليح.
ي�����������������������ا ف���������������ت���������������ـ���������������اة احل�������������������ـ�������������������ي ل���������ب���������ع���������ي���������ـ���������دي ح���������������ي���������������ل ب�����������ي�����������ن ال��������������ط��������������ي��������������ـ��������������ر ووروده ������������������ص�����������������ار ه����������������������������ذا ال���������������������ده���������������������ر من������������ري������������ـ������������دي �إع����������������������ث���������������������رو ب����������������������ه زاغ�������������������������������������ت ال���������������ف���������������ـ���������������وده ل���������������������و �������������ص������������ف������������ي م������������ا�������������ض������������ي������������ه مب������������زي������������ـ������������دي ل����������������وع����������������ط����������������ا م������������������������ن ع������������ي�����������ن م������������ي������������ه������������ـ������������وده م��������������������������������ول م��������������������ال��������������������ه ب����������������ـ����������������د ل����������ي����������ك����������ي����������ـ����������دي دي������������������������������ن ي�������������������رج�������������������ع ق���������������ب���������������ل م���������������وع���������������ـ���������������وده ����������������س���������������ي���������������دي ل�����������������������و ن�������������������������������������ازح ال������������ب������������ي������������ـ������������دي ل����������������������و ط���������ل��������اي������������������ع ج������������ي�������������������������ش واج����������������������ن����������������������وده غ����������ي���������ر ه�������������ي������������رك م�������������وح���������������������������ش ا�����������س����������ع����������ي����������دي
ي���������������ذح���������������ب���������������ل���������������ي غ��������������ي��������������ـ��������������ب اح�����������������ي�����������������ـ�����������������وده خ������������������������������ان ب����������������������ي ف���������������ي���������������ك ال����������ت����������ج����������ل����������ي����������ـ����������دي ع���������������ي���������������ل �������������������ص���������ب��������ري ع���������������ن���������������ك وح������������������������������������دوده م��������������ن��������������ك ه����������������������������ذا ال�����������������������������ص��������������د م������������اح������������ي������������دي ج��������������������������������ود وغ��������������������������������د غ��������������������������������رك اب������������������������ـ������������������������زوده يف ال�������������ق�������������ف�������������ـ�������������ا ن��������������ـ��������������م اب������������ت������������زي������������ي������������ـ������������دي ن�����������������������������ار يف ي������������������وف������������������ه م���������������ـ���������������ن ح������������ق������������ـ������������وده ج�������������������������ان ب�������������ات�������������ر��������������ض�������������ي ح�����������������������س�����������ا ����������س���������ي���������دي ذي����������������������������������ج واهلل ع�������������ل�������������ي�������������ـ�������������ه ع�����������������ـ�����������������وده م������������������������������ا ل�������������������ط�������������������رق ال�������������������������������������ود ح����������ف����������ي����������ـ����������دي ي�����������ن�����������ت�����������������������ص�����������ر ل�����������ل�����������ح�����������ـ�����������ق ب�����������������������ش�����������ه�����������ـ�����������وده ب��������������������ن حم��������������م��������������د ������������ض�����������م�����������ت و����������������������������ش ب����������ي����������دي ذا ن�����������������������������ش��������������ي��������������دي م����������������ـ����������������ن ب��������������������ـ��������������������روده ود م������������ن������������ه������������و ���������������ص��������������ف��������������وة ال�����������غ�����������ي�����������ـ�����������دي ح���������������������ط يف ق������������ل������������ب������������ي ل��������������ظ��������������ى اوق�����������������������������������وده م�������������������ا ع�������������ل�������������م �����������ض����������ي����������ج����������ي اوت���������������������س����������ه����������ي����������دي ي����������������������������وم ن��������������ف��������������ر ال���������������������رك���������������������ب م�����������ع�����������ب�����������ـ�����������وده �������������������س������������������ار م���������������������اري���������������������ع ل��������������ـ��������������ي ال�����������ه�����������ي�����������ـ�����������دي ع�������������ق�������������ب الم��������������������������ا ال����������������و�����������������ص����������������ل وع�����������������ه�����������������وده وا������������������ش�����������������ق�����������������ا ن�����������ف�����������������������س�����������ي وت�������������ب�������������دي�������������ـ�������������دي ي������������������������������وم خ������������������������������ار احل������������������������������ظ ب�����������������������س�����������ع�����������ـ�����������وده ����������������ش���������������وف ب������������������ي ح������������������������ال �أو ت�������������������س���������دي���������دي ي���������������������اذخ���������������������ر م���������������������ن ���������������ش��������������د ب���������������������ك ع��������������ـ��������������وده
المحكي شعر ًا 90 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
صاح ابزقر لمنادي ال�شاعر� -سعيد بن عتيج الهاملي:
�شاعر �إماراتي من �شعراء مطلع القرن الرابع ع�شر الهجري ،والهوامل من حلف بني يا�س ،ولد يف بطانة ليوا على بعد 20كلم من ليوا يف حم�ضر «حوايا» الذي ذكره يف واحدة من ق�صائده ،وكانت والدته عام 1875على التقريب وكانت وفاته عام 1919م فعا�ش � 44سنة تقريب ًا وتويف من دون �أن يتزوج ،ا�شتهر ب�شعر الونة.
�أ�شهر من غناها:
الفنان علي بالروغة ،والفنان جابر جا�سم ،وقد تقدم التعريف بهما. ����������������ص���������������اح اب������������������زق������������������ر امل���������������ن���������������ادي غ������������م�������������������������س ع��������������ل��������������ى ل�����������������ف�����������������وادي وي���������������������������ن اق��������������������م��������������������ري مل��������������ج��������������ادي يل م�����������������������س�����������ق�����������ن�����������ي ودادي ال����������������ل����������������ي �أق�������������������ب�������������������ل م�����������ت�����������ب�����������ادي ه�������������������و ج����������������اع����������������د الأن����������������������ه����������������������ادي ل���������������������������������ويل وج���������������������������������ف مل�����������������ع�����������������ادي ب���������������������������و خ���������������م�������������������������������ص ج�������������ل�������������ادي ت�����������������دع�����������������ي ح�����������������ال�����������������ك ن�������������ف�������������ادي ع���������ي���������ن���������ي و��������������س�������������ط ال�������������������������س������������وادي م�������������������ا خ���������������������������ص ب�������������ه�������������ا ه�������������ب�������������ادي غ�����������������������ش ال����������ب���������������������ص�����ي����ر ال��������������ع��������������ادي ي������������������ام������������������ن ب���������������ل���������������ي ب������������ي������������ه������������ادي ��������������ش�������������اب�������������ك ع�������������ل�������������ى ل����������������ف����������������وادي يف ظ���������������ن���������������ي واح������������������ت������������������ي������������������ادي ق����������������������م دن ي����������������������ا ق�������������������������ص������������ادي ق���������������ب���������������ا ن�������������ف�������������ي�������������ا ع���������������������������ض�������������ادي وان ي��������������ي��������������ت يف ل��������������ب�������ل������ادي ه������������������������و م������������ن������������ت������������ه������������ى مل�������������������������������رادي
..ب��خ��ط��وف��ة ..ب����ال����ك����وف����ة ..م���ا����ش���وف���ة ..ب�������ش���ف���وف���ة ..الح�������وف�������ة ..يل ���ش��وف��ة ..ب�����س��ي��وف��ة ..م�����س��ف��وف��ة ..م���ا����ص���وف���ة ..م�����اغ�����وف�����ة ..م�����ش��ح��وف��ة ..ع���ن �شوفة ..يف ي���وف���ة ..ب����ط����روف����ة ..م����اط����وف����ة ..م����ك����ل����وف����ة ..ب���ال���ط���وف���ة ..ب���ت�������ش���وف���ة ..ل�������ل�������وف�������ة
ي�������������وم ال�������������س������ف������ن ب����ت���������ش����ل وال وادع������������������������ة ب������احل������ل يل ن������������������������وره م�������ع�������ت�������زل ع���������ل���������ه ع���������ق���������ب ال������ن������ه������ل �إن م��������ي��������ح��������ن ل�������ق�������ذل ي��������ن��������م��������از �أو ي������ع������ت������زل ع���������ن و������ص�����ل�����ه�����م ب����و�����ص����ل ع�����ي�����ن�����ه ه������دب������ه������ا ام�����ظ�����ل ال�����������ع�����ي�����ن م�������������ن ت�����������ش�����ه�����ل م����������اغ����������وف����������ة وات�������ه�������م�������ل �آن�����������������������������س م��������ن��������ه��������ا وي���������ل وال��������ع��������اج��������ل م���������ا ي���ج���ه���ل ع������������وقٍ م�������ا ه�������ب ال�������س���ه���ل م����������������ا خ��������ل�������ا يل م������ه������ل ه������������ذا ال�������������ش������ه������ر يل ح���ل م����������ا ع�������ر��������ض�������ت ل����ل����ج����م����ل ه��������������ات اب���������ه���������ا واع������ت������ي������ل دع���������������ج ال���������ع���������ي���������ان �إث������������ل ف���������ر����������ض وغ���������ي��������ره ن����ف����ل
قطعت الوصل ال�شاعر� -أحمد بن علي الكندي:
�أحمد علي الكندي املرر ،ولد علم 1940وتويف 26/12/1985وقد ا�شتهر با�سم الكندي وهو ا�سمه العائلي وينتمي �إىل قبيله املرر وهي من قبائل بني يا�س .كان الكندي من ال�شعراء الذين �أ�سهموا يف تطوير الق�صيدة ال�شعبية واملحافظة على وجودها وجمالها بني الفنون والآداب ال�شعبية الأخرى ،كما �أ�سهم يف الكثري من الربامج الإذاعية والتليفزيونية و�شارك يف اخلارج يف املهرجانات ال�شعبية لفنون دولة الإمارات.
غناها الفنان علي بالروغة ،وقد تقدم التعريف به.
ق��ط��ع��ت ال���و����ص���ل ي����ا ح��ل��ـ��و ال�����س��ج��اي��ـ��ا ط�����وي�����ت ر������ش�����اك ث�����ر ع�����ن وردم����اي����ـ����ا ت���خ���ل���ي���ن���ـ���ي ادوي م����ـ����ـ����ن ظ���م���ـ���اي���ـ���ا �أخ������اف �أ����س���ب���اب ����ص���دك م���ن ال��و���ش��اي��ا �إذا ل������ك يف ه��������وى غ����ي����ـ����ري ب���غ���اي���ـ���ا وال �أج���ب���ر ن���ف�������س م�����ا ت���ب���غ���ي ه���واي���ـ���ا ح���ب���ي���ب���ي زورين واج�����ب�����ـ�����ر ع����زاي����ـ����ا ع������ذاب������ـ������ي م����ن����ـ����ك ط������ـ������ال واع����ن����اي����ـ����ا ع�������س���ى اهلل ف���ي���ـ���ك ي���ا����ص���ـ���ل رج���اي���ـ���ا ون���������س����ع����د يف امل����ح����ب����ـ����ه ي�����ـ�����ا م���ن���اي���ـ���ا ع���ل���ي���ك �أغ����������ار م�����ن ري�����ـ�����ح ال�������ص���ب���اي���ا وم������ن ك���ا����س���ك ع���ل���ى مل�������س ال�����ش��ف��اي��ـ��ا ودادك ل�����دن�����ـ�����ي ل�����ـ�����ـ����� ّد ال���ظ���م���ـ���اي���ـ���ا ج���ع���ل���ـ���ك اهلل ح���ل���م���ـ���ي وال�����ـ�����رواي�����ـ�����ا ويف ع���ي���ن���ي ع����زل����ك �أم�����ـ�����ن ال��ب�راي����ـ����ا ع����دي����ـ����م ف����ـ����ي امل�����داي�����ـ�����ن وال����ق����راي����ـ����ا ����ش���ع���ل���ت ال������ن������ار يف ب����اط����ـ����ن ح�������ش���اي���ـ���ا �أال ي�����ـ�����ا ع����اذل����ي����ن����ـ����ي ف�����ـ�����ي ه����واي����ـ����ا ط�����ري�����ـ�����ق احل������ـ������ب ب����ال����ن����ـ����ي ب���ـ�ل�اي���ـ���ا
وال ادري و������ش ع�ل�ام���ك م����ا جت��ي��ن��ي و�����ص����رت ات����خ����وز ع����ن درب�������ي وع��ي��ن��ي ع����ل����ى ال����ب����ي����ب����ان م����ه����ج����ـ����ور ح���زي���ن���ـ���ي ك����ث��ي�ر ال����ن����ـ����ا�����س ف���ي���ه���ـ���م غ����ادري����ن����ـ����ي �أن������ا م����ا ت���ب���ع ه�����وى ال���ل���ي م����ا ي��ب��ي��ن��ـ��ي وال ت���ر����ض���ـ���ى ب�������س���ل���ـ���وم ال ّ��ط��ي��ب��ي��ن��ـ��ي وخ��������� ّل ال������وا�������ش يف غ���ي���ظ���ـ���ه دف���ي���ن���ـ���ي و�������ص���ب��ري ق������د ن����ف����ذ وي�����ـ�����ن امل���ع���ي���ن���ي ون���������ص����ب����ح ف����ـ����ي ه�����وان�����ـ�����ا م��ه��ت��ن��ي��ن��ـ��ي ب����ج����ـ���� ّو خ���ـ���ال���ـ���ي م�����ن احل���ا����س���دي���ـ���ن���ـ���ي �إذا ل����� ّف�����ك م����ـ����ن اي���������س����ـ����ار ومي���ي���ن���ـ���ي وم������ن ����ش���ي���ل���ك ع���ل���ى مل�������س اجل��ب��ي��ن��ـ��ي وغ�����ّي�����رّ ح�����ال�����ت�����ي ي�����ـ�����ا ن������ـ������ور ع���ي���ن���ـ���ي ويف درب����������ي خ����ي����ال����ك ل����ـ����ي ق���ري���ن���ـ���ي اب����ك����ل �أو��������ص�������اف م�����ن ط����ب����ع وزي���ن���ـ���ي ������ش�����رات�����ك م����ـ����ن ج���م���ي���ـ���ع ال���ع���امل���ي���ن���ـ���ي ت����ع����ذب����ن����ـ����ي وق����ل����ب����ـ����ك م�����ـ�����ا ي���ل���ي���ـ���ن���ـ���ي �أن��������ا م�����ا ����س���م���ع ل���ك���ـ���م ي����ـ����ا ع���اذل���ي���ن���ـ���ي وم����ك����ت����وب ع����ل����ى ����ص���ف���ح���ـ���ة ج��ب��ي��ن��ـ��ي
ألسنة عربية 92 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
�ألفاظه اخل�شنة م�ؤ�صلة يف القامو�س البدوي
عنيز أبو سالم التُّرباني
النبطي في سيناء أمير الشعر ّ �سيناء� -سامل �أبو �شبانه «�سيناء» ا�سم يلمع يف الأدَب ّيات العامل ّية� ،إنها �أر�ض اهلل حظيتْ بالقدا�سة منذ �أعماق التاريخ ال�سحيقة؛ فالإله «حتوت» معبود ال�سينائيني �أنقذ الطفل «حور�س» عندما لدغ ْته العقرب يف م�ستنقعات الدلتا، �أي�ضاً الأديان ال�سماوية الثالثة كان م�سرحها �أر�ض �سينا َء ب�شكل �أو ب�آخر؛ كما �أن �سيناء ابتكرت �آلهة عاملية لع�صور طويلة؛ لعل من �أ�شهرها �إله القمر «�سني»؛ الذي انت�شرتْ عبادته يف ال�شرق القدمي حتى و�صل �إىل الهالل اخل�صيب �شما ًال وجنوب �شبه اجلزيرة العربية.
ل�ق��د اج �ت��ذب ج �م��ال الطبيعة يف �سيناء ال�ك�ث�ير م��ن ال�ت�ج�م�ع��ات ال�ب���ش��ري��ة ق��دمي� ًا وحديث ًا ،منهم على �سبيل املثال ال احل�صر «الأنباط» الذين َب َنوا عا�صمتهم «البرتاء» على ت�خ��وم �سيناء ،وك��ان لهم ميناء يف مدينة «ده��ب» احلالية .كما اجتذب هذا اجل�م��ال الغام�ض ال�ع�ب��اد وال�ب��اح�ث�ين عن ال�سالم الروحي يف دير «�سانت كاترين» و«ج�ب��ل مو�سي» وال ��وادي املقد�س «ط��وى» وغريها الكثري من الأماكن املقد�سة. �إن �إن� � �ق � ��اذ الإل� � � ��ه «حت� � � ��وت» ل �ل �ط �ف� ِ�ل الإل��ه«ح��ور���س»ع�ن��دم��ا لدغته ال�ع�ق��رب يف �أحرا�ش الدلتا؛ يظهر بجالء ميل الإن�سان ال���س�ي�ن��ائ� ّ�ي ق��دمي � ًا للخري وك��ره��ه ال�شر، ال�سمات، وبالطبع م��ا زال يتَّ�سم بنف�س ّ كما كان للطبيعة القا�سية اخلالبة يف �آن دور مهم يف �إلهام قاطنيها رغبة البوح؛ ومواجهة ق��وى الطبيعة :اجلبل ،ال��وادي، وال �� �ص �ح��راء ال �ت��ي ت �ت��وال��د م� � َّد ال�ب���ص��ر؛ ال �� �ص��رام��ة وال ��� ّ�ش��اع��ري��ة وع� ��دم ال�ث�ب��ات والتبدل امل�ستمر ،وملحاولة ال�سيطرة على كانت الو�سيل َة التي هذه الطبيعة؛ ف�إن الكلم َة ْ َرحاله؛ توا�صل الإن�سان بها وع�ش َقها يف ِح ّل ِه وت َ فهي �إذن �أر�ض ال�شعر. ال�شعر مل يفارق قاطني �سيناء مَ َنا معهم وك ��ان دف�ت�ر �أح��وال �ه��م ،ف�ح��وى �أف��راح�ه��م طي» ،ومن و�أ ْت � َر َ اح �ه��م «�أع�ن��ي ال�شعرال َّن َب َّ فر�سانه الكبار «عنيز �أبو �سامل». هذه حماولة لر�سم �صورة ل�شاعر �سيناء الكبري «عنيز �سامل ال�ترب��اين» ال��ذي ملأ الأ�سماع وتغنى ب�شعره كل ب��دوي منت�شي ًا ومعتز ًا ببداوته .الرجل ال��ذي كان مثا ًال حقيقي ًا لفار�س الكلمة و�صاحب خلق طيب ن��ال مكانته العالية ب�ين ال�ب��دو ل�شعريته الفذة املتميزة. �س�أحاول �إ�سقاط ال�ضوء على هذا ال�شاعر الكبري من �شعراء �سيناء؛ بل �أمري �شعرائها. وقد جتلى ذلك يف �إنتاجه ال�شعري املتنوع واملتميز يف منطقة �سيناء مهد �أج ��داده الأنباط ،بل وتخطي �إىل الدائرة الأو�سع من متذوقي ال�شعر يف الدول العربية املجاورة.
اجتذب جمال الطبيعة في سيناء الكثير من التجمعات البشرية قديم ًا وحديث ًا منهم «األنباط» الذين بَنَوا عاصمتهم على التخوم فمن هو عنيز �أبو �سامل الرتباين؟!
ن�سبه ومولده
ه��و «عنيز �سامل �سويلم ع�شي�ش العر�ضي ال�ت�رب ��اين» م��ن ق �ب �ي �ل��ة« ت��راب�ين» ع���ش�يرة «ال�ع��ر��ض��ي» .ول��د عام« »1924يف منطقة نويبع بجنوب �سيناء عا�ش يف «العني ووادي وت�ي�ر» .تنت�شر قبيلة ال�تراب�ين يف منطقة ال��و��س��ط واجل �ن��وب ل�شبه ج��زي��رة �سيناء، وحيث البداوة وال�صحراء و�شظف العي�ش ت��رع��رع ب�ين اجل�ب��ال وال�سهول وال��ودي��ان، ف��ر�أى الذئاب والثعالب وا�صطاد الغزالن وال�ث�ع��اب�ين ،وت��رب��ى يف خ�شونة م��ن العي�ش
كطبيعة �أهل ال�صحراء القا�سية.
ن�ش�أته
ولد ال�شاعر يف �أ�سره فقرية ،وقد تويف والده وترك له بع�ض ًا من الأغنام والإب��ل .تاجريف الإبل فرتة وكان يبيعها يف �أ�سواق فل�سطني، ثم تاجر يف ال�بن «القهوة» وك��ان ي�أتي بها من ب�لاد ال�شام ويبيعها يف م�صر .وبرغم حدّة احلياة وق�سوتها يف �سيناء وم�شاغله يف التجارة؛ �إال �أن��ه كان مل ّم ًا بال�شعر النبطي و�أ�شعار البادية ،بد�أ نظم ال�شعر مع حداثه �سنهُ ،عرف يف حميط �أماكن عدة ويف بع�ض ال ��دول امل �ج��اورة :مثل ال�سعودية والأردن و�سوريا ،وكان كثري ال�سفر �إليها .وقد �أجرت ال�صحافة املحلية والأجنبية معه لقاءات عدة اعرتاف ًا مبوهبته ومتيزه ال�شعري .ما يزال �أبنا�ؤه يقطنون مدينة نويبع.
مكانته
�أحب «عنيز» حياة ال�سفر والرتحال؛ فعمل بالتجارة ،وتن ّقل بني املراكز والأق�سام ،كما
ألسنة عربية 94 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
تنقل يف �أنحاء م�صر وبني ال��دول العربية، ول �ع��ل �أ� �س �ف��اره �أك���س�ب�ت��ه خ�ب�رة ودرب� ��ة مل يكت�سبها �شاعر من قبل ،وك��ان على دراي��ة بعلم الأن�ساب وبالق�ضاء العريف وكان مهاب ًا يف قومه ،له ح�ضور و�أملعية وح�صافة ر�أي وبالغة مل تكن موجودة ل��دى �أق��ران��ه ،لذا �أ�صبح قا�ضي ًا عرفي ًا و�شيخ ًا يق�صده امل�شايخ والق�ضاة العرفيون للت�شاور والأخ��ذ عنه، كما ك��ان يق�صده العامة حل � ّل م�شاكلهم، واال�ستمتاع بحكاياته وم�سامراته و�أ�شعاره. لقد ا�ستطاع �أبو �سامل �أن يحول ال�صحراء �إىل م�ن�ت��دى ث �ق��ايف و�أدب� ��ي ح�ي��ث يق�صده ال���ش�ع��راء بالليل ،ين�شدون ال�شعر عنده وي�ستمعون �إىل �آخر ما كتب من ال�شعر ،كما كانوا يتبارون معه يف م�ساجالت �شعرية، وكان من �أ�شد املعار�ضني له ال�شاعر �سلمى اجلربي �شاعر قبيلة «احلويطات ». مل يتعلم «عنيز» يف مدر�سة نظامية ،بل كانت
شاعر فطرة مطبوع يتميز بالرصانة وجاءت أشعاره مقفاة الصدر والعجز متفرد ًا بذلك عن كل شعراء البادية في مصر احلياة مدر�سته ،ومل مي�سك قلم ًا؛ ليخط به �أ�شعاره قط .عنيز�أبو �سامل مدر�سة �شعرية ب��ذات�ه��ا ،وا�ستحق �إم ��ارة ال�شعر ال�ب��دوي؛ فكانت البالغة جتري على ل�سانه ب�سال�سة، رغم �أن الألفاظ يف �شعره خ�شنة وحو�شية يف الغالب� ،إال �أنها كانت م�ؤ�صلة يف القامو�س البدوي. عنيز �أبو �سامل �شاعر فطرة مطبوع ،يتميز �شعره بالر�صانة ،والتمكن من فن ال�شعر؛ ف �ج��اءت �أ� �ش �ع��اره مقفاة ال���ص��در والعجز وتف ّرد بهذا عن كل �شعراء البادية يف م�صر. وفيما يلي خمتارات من ق�صائده:
البارحه والقلب مابات
ال�ب��ارح��ه والقلب فالليل مابات وال �ك �ب��د م ��ا ط��اي��ب ع�ل�ي�ه��ا ع���ش��اه��ا ب�ين الل�سان وزي�ب��ق امل��خ �شبكات عند الق�صيدة كيف نو�ضح ا�سماها قال الل�سان� :إن كان العلم كبات خ �� �س��اي��ر ال �ط �ل �ب��ة ع �ل��ى م ��ن ب�ن��اه��ا واملخ قال :العني لل�شر مبيات وم� ��رواده� ��ا ه ��و ال���س�ب��ب يف ع�م��اه��ا وقال املراجل :بطلت واحليا مات وال �ن��ا���س � �ص��ار وج��وه��ا زي ق�ف��اه��ا واعر�ضت عن ن�ص ال�سوالف من �سكات ودلو الظمى ال نقرط وراها ر�شاها و�شديت علي من ركاب الأحيوات ع��و��ص��ن �شحمها م��ا يغطي كالها �أودت بي تخدلج مع نبوع الرخيمات وك �ن��ت م��ن ال�ف�ي�ح��ى ب�ل�اد ال�ت�ي��اه��ا وتلفي عريب ينقال عنهم الفهيدات ال �ك �ل �م��ة ال �ع �� �س��رى ع �ل �ي �ه��م دواه� ��ا ذب ��اح ��ة ل�ل���ض�ي��ف ع�ب����س امل�ل�ب��ات
و��ض�ي��وف�ه��م ت���ص�ب��ح ت �ن��اد���س حل��اه��ا واال بني عقبة تقول نا�س با�شات ب ����س م��اع��رف �ن��ا ج ��وده ��ا م ��ن رداه ��ا قالوا طالبه هايفه و�شرها مات وزغ ��رات� �ه ��ا م ��اه ��و م �غ �ط��ي غ �ن��اه��ا اللي �شرع القانون بالعار للعار بالذات اله � � � ��م ت � � ��راب �ي ��ن واله � � � � ��م ت� �ي ��اه ��ا زود البنتي �أ�صعب من ال�صعيبات و�ش كود �أبوها اللي فحلها عطاها حتتج من دي��رة �إىل �سبع دي��رات وت�صيب اللي فديرتها يفت�ش خطاها �أنتم تياها وت�شتكو من امل�سبات وي�ج��ب على الطلبه نغري �أ�سماها
و�سيط اخلري
ك��ان يتو�سط خ�ي�ر ًا ب�ين ال�ق�ب��ائ��ل؛ ليجمع �شملهم على اخل�ير .من ذل��ك الق�صيدتان اللتان بني �أيدينا قالهما؛ لي�صلح بني قبيلتي «بني عطية» الذين هم �أخ��وال��ه وب�ين قبيلة «احلويطات»� .أر�سل �إحداها للطرف الأول، والأخرى للطرف الثاين. الق�صيدة التي �أر�سلها للطرف الأول ،وهم «بنو عطية»:
من كرث ما ق�ضيت عمري وانا اللوب وف ��رق ��ت ب�ي�ن ال �ف��اي��ده واخل �� �س��اره ملا عرفت الرزق من داخل البوب وطرقك �أب��واب ال��رزق ما هو معاره يا راك��بٍ من عندنا فوق ميدوب مم �� �ش��ى � �ش �ه��ر ي �ت �ن��و� �ش��ه يف ن �ه��اره عليه من و�سم الرتابني غبغوب وع �ل �ي��ه م ��ن و�� �س ��م امل � �ع� ��ازه �أم� � ��اره ل �ق �ي��ه درب وي� �ف ��رق م �ن��ه دروب ودرب ال �ط �ب �ي �ق��ة ت �خ �ل��ه ع ي �� �س��اره و�أغ�شى تبوك و�أن�شد النا�س ب�أ�سلوب وال ف ��رق ب�ي�ن ال �ب��ادي��ة واحل �� �ض��اره وتلقى �ضيف اهلل م�آكل وم�شروب وال� �غ ��امن ��ة ف��ر� �س��ة والد ال �ن �م��اره يقدموا لل�ضيف اللي �أحلى من الذوب م��ن �أ��ص�ف��ر ت ��داوي ال��را���س ري�ح��ة بهاره
وحنت الغدى يقلط لنا ب�أعز مطلوب �وف ون ��ا� ��س ي �ق��دم��وه ب �ي �� �س��اره ب� �ح � ٍ �أنا خوايل �سا�سهم مقطع حروب ر ل� ��و خ � ��رب ع �ل �ي �ه��م ع �م ��اره وال � �ب� � ّ وتقول يا بن حرب ال�صرب مطلوب �إك � � � ��رم رب� �ي� �ب ��ك ال ت� �ب�ي�ن �إع � � � ��واره وال�شر الت�شريه لن جاك جملوب ما من �شراية ال�شر غري اخل�ساره دنياك لو تنظر لها كلها عيوب ما ظل عِ ��د وم��ا �أ�سطبت لك ق��راره واللي ح�صل نلقاه فاجلرد مكتوب ل��و ت��دح��ره ع�ن��ك �صعيبٍ ان��دح��اره يوم الدهر َلب�س لنا الثوب مقلوب ن�ت��رك ح �ل�اوات ��ه ون �� �ش��رب م� ��راره ون�صرب على احلا�ضر كما ي�صرب �أيوب وما�ضي ج��دودك غ�ير وده انطاره والذيب �صبح يلب�س القرن مقلوب وا�ستذيب ا ُ �صن عليك الب�شاره حل ِ
وخله على مينـاك زاحـول طابـه والئِت ْم الأي�سر هـو طريـق الغنايـم وبني احل�سِ ي واجلِ رف تلقـى ذيابـه ُ�شقـر ال�سيـوف مغربيـن الو�سايـم يا ما انكفوا ع ذود مـن را�س البـه ويا ما �أفطروا ع را�س وال�سيف �صامي ال�سيف ما هو �سيـف لـوال ان�صابـه ال�سيف جيد يف �إيد ابـو حـظ قايـم. َ وتعظ ْم يف عيـن ال�صغيـر الذبابـه وت�ص َغ ْر يف عيـن العظيـم العظايـم وتقول البن جازي �إن دارك مهابـه خ�صم ق�ـ��وي العزايـم وع�سرة على ٍ وتقول البـو تايـه كفانـا �صالبـه ياما ارتكبنا مـن ال�صالبـه جرايـم وا�سمع ق�صيد عنيز واقـرى جوابـه �إن���س��ان م��ا لـه ف ال�ب�ـ��داوه خ�صايـم �أنا �سمعـت �إن بينكـم زي الطالبـه ق���ص�ي�ـ��د ع �ـ��ذب وا� �ص �ـ �ـ��لٍ لل�شتـايـم يا طري
ياع�شي�ش لك عندى و�صاة مقيمة و�صاة اللى جرب امل ّر ياع�شــي�ش ياع�شي�ش التاكل عقــاب الوليمة وال متثل للرجال الدراويـــــــــ�ش وخلك �صبور وخل نف�سك عزمية و�أر�ضى بكومك لو عطوك الكراكي�ش ترى �أبوك �صبح يف بالد الظليمة و�أ�صفر لونه زي ذهاب اخلراطي�ش عقب املعزة والثياب الد�سيمة ور�ص الزبيديات جنب املهابي�ش ّ �صرنا هفايا مالنا ذات قيمة وب�س لي�ش ياالدنيا عملت كذا لي�ش وع�سى مع�شية املقاوي �سليمة اللي م�ضى على رقمها قايد اجلي�ش و«ع���ش�ي����ش» ال� ��وارد ذك ��ره يف الق�صيدة هو �أح��د �أب�ن��اء ال�شاعر ،وتُ�ستخدم كلمة «م�ضى» مبعنى «وقع». ياطري م�شني طبعك عقب تغيبك ما �إنت منطاقِ
�أم � ��ا ع ��ن ال �ق �� �ص �ي��دة ال �ث��ان �ي��ة ل�ق�ب�ي�ل��ة ياع�شي�ش م���ش�ين ط�ب�ع��ك ط ��ول ل�ي�ل��ك تقاقي احلويطات فهي ياونـــــة ونيتها عقب نيمــــــــة ياطري �أن��ا م�شتاق للعلم م�شتاق ب��رقٍ علـى القبلـه ت َقـز َل �سحابـه والعني تنو�ش من النوم تنوي�ش وقلب اخلطاطري زي ما�أنت هاقي خِ �ل�ت��ه وان �ـ��ا ��س�ه�ـ��ران وال��ذي�ـ��ب نايـم ياطري ماطبيت يل يمَ ب ّر بر�شاق يا راكب اللي مثـل قـو�س الربابـه � �ش �ـ��ارب ل�ب�ـ��ن ث�ن�ت�ي�ـ��ن �أم� �ـ ��ه وراي �ـ��م لم يتعلم عنيز في وال ال�ظ�ل��ل ج�ي�ت��ه ورو�� ��س ال��زالق��ي و�ضفت الفريق اللي به ال�سمن دفاق مدرسة نظامية ولم ل�ـ��و طبعـه رك�ي�ـ��ب خ�ب�ـ��لٍ عثـابـه ع ��ز ال �ط �ن �ي��ب وم� �ن ��وة م ��ن ي�لاق��ي وال اخل� �ـ� � َزم م �ـ��ا ي�ق��رع�ن�ـ��ه ��ص��راي�ـ��م يمسك قلم ًا ليخط به ولال وردت العني وهذيك الأطباق أشعاره ولكنه كان مِ � ْز َي��نْ َوب�شه عقـب مـا طـق نابـه وم ��داج خللي وال���ص��دي��ق ال��وف��اق��ي ط�ي ً�ر ُغ � ُر ْن �ـ��ق وط��ول�ـ��ة الليـل حايـم مدرسة شعرية بذاتها ي��اط�ير ماق�صيت يل ُج��رة نياق ج �ـ��ود م�ع��ال�ي�ق�ـ��ه وق�ـ�ل�ـ��ل زه�ـ��اب�ـ��ه واستحق إمارة الشعر يف ال�ل�ت��ح ول�ل�ا م �ق��وط��رات امل�لاق��ي ودون ال��وج��وه املفلحـه مِ �ن�ـ��تْ نايـم البدوي
ألسنة عربية 96 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
و�أن��ا طلعتهن على را���س حردوب و�أن � � ��ا � �ش��وي��ر ال ��رب ��ع و�أن � � ��ا امل �ع��اين متق�سمني احلمد تق�سيم بالنوب م ��اه ��م م ��ن ال� �ل ��ي ت ��ارك�ي�ن امل �ع��اين
الفخر:
من �سا�سنا زين اخل�صيالت فينا اللي يطعمينا اخلطا نطعمه اي��اه ح �ن��ا ل�ف�ع��ل �أج ��دادن ��ا م��ا ن�سينا وك � ��ل م� ��ا ي �غ �ب��وب��ر ي �ح ��ل ب �ط��ري��اه وي��ام��ا ت�لام��ع زان�ه��ن ب�ين يدينا يف �� �س ��اع ��ة ف� �ي� �ه ��ا ك �ل ��ام امل� � �ك � ��ازاه ي��ام��ا ت�لام��ع زان �ه��ن ب�ين ايدينا ال � �ل� ��ي زرع اخل � �ط� ��ا غ �ي��ر ي �ج �ن��اه
ألفاظ عنيز خشنة وحوشية إال أنها مؤصلة عادة في القاموس البدوي امر�أة �سيناوية يف الزي التقليدي
يل َبكرة �شقرة مع الذود ملهاقي غ�صبٍ على خليتها وه��ي �إم�لاق��ي يف الليلة اللي �شرها ما بينطاق اهلل ال ي� �ب� �ل ��ى ب � �ل � �ي� ��ايل ال � �ف � ��راق دق�ي��ق ال��ذرع��ان ومدملج ال�ساق دم �ع��ه ي� ��ذرف م��ا ي�ن��زح�ن��ه ��س��واق��ي و�أمي حترى العِلم مع كل �سواق وت �ن �� �ش��د ال �ل��ي ن �� �ش��دت��ه م ��ا ت�ن�ط��اق و�أختي وراي تبدل ال�ضحك بزعاق ودم ��وع� �ه ��ا م��ا� �ض �ل��ت ل �ه��ن ب��واق��ي
يف الو�صف:
اليوم �أنا وايقت من فوق حردوب مب� ��رب� ��ع �� �ش ��وف ��ه ي� ��زي� ��ح ال� ��دخ� ��ان
قال مفتخر ًا �أي�ض ًا:
اح� �ن ��ا ب� �ق ��وم ول �ق �ب��ون��ا ت��راب�ي�ن وب ��ا ت��ت ت��زع��زع �ن��ا ح� ��روب ال� ��دو ّ يل تلقى منازلنا قريبة م��ن العني وت �ل �ق��ى م��را� �ش �ق �ه��ن ع �ل �ي �ن��ا ت��ديل تلقى دب�شنا قليل وب��ا��س�ن��ا زي��ن و�� �ص ��دورن ��ا م ��ن ه �ب��ة ال ��ري ��ح م�ل� ّ�ي
الغزل:
لم يفارق الشعر قاطني يا �أبو براطم زاهيات بالأو�صاف ح� ��رق� ��ت ق �ل �ب��ي ح� � � � ّرق اهلل دارك ما معهم وكان سيناء ن َ َ طبعك عنود وترزم ّ يل و�أنا �أخاف دفتر أحوالهم وحوى حلوك لنا�س ونا�س ت�شرب م��رارك حهم أفراحهم وأ ْترَا َ كويتني بالرم�ش من دون خراف واي�ش حال عاد اللي روى من قرارك ي��اراك��ب من عندنا ف��وق ميدوب تهتز يف م�شيك تقول عود �صف�صاف ال� �ع ��ود � �ض��ام��ر ل�ل�ح�ق��ب وال �ب �ط��ان من خوف واحد ي�شتلق على عوارك �أر�ضم عليه �شداد وخريج بهدوب دو� � ��س ال �ب �ن��ات جم � ��دالت ال �ث �م��اين الهجاء: ياحلو ملا يجن على اخلرم �سردوب ياراكب اللي �أبوه من زمل طبان وال �ك��ل م�ن�ه��م مقت�شط ل��ه ب ��أم��اين ي�ق�ف��ي ك �م��ا ي�ق�ف��ي ن �ع��ام ال �ق��راوي��ح ي�سوروالهممنفذاىل�شحتّ البوب ار�ضم عليه من اخل�شب ع�شر عيدان ل��و ��ص��ار �شي م��ن خ��اط�ي��ات ال��زم��ان ودوي ��ر ع دو� ��س ال�ب�ن��ات الطواطيح
حظيت املر�أة والإبل بن�صيب كبري من �شعر البدو يف �سيناء
ارخى زمامه وا�ضرب له مبحجان ي �ق �ط��ع م�ل�اوي� �ح� �اً ب� ��أث ��ر م�ل�اوي��ح نح ّيه عن عربان و�أغ�شية غربان �أغ�شى فريق اللي بهم هبت الريح �أل ّقى على حممد و�أترك �سليمان قلقي عليه م��ن ال��رج��ال��ة مالميح وتقول �أنا مبعوث من قبلة فالن وال�ل��ي حوجني للغلط ن��امي الريح اهلل ي�ل�ع��ن حل�ي�ت��ه وي ��ن م��ا ك��ان اع� � ��داد م ��ا � �ص �ك��ت ع �ل �ي �ن��ا م�ف��ات�ي��ح دنياك مهما طولت مالها �أركان الب � ��د م ��ات ��رم �ي ��ك ب �ي�ن ال �ل��واق �ي��ح ميكن ليايل العز ترجع زي ما كان و ّن � ��زه ال���ش�ي�ب��ة ع �ل��ى � �ض � ّم��ر ال�ف�ي��ح
احلكمة وو�صف الرزق والنا�س ال�ع�ب��د ع�ب��د اهلل ل��و راد �أع �ط��اه وال� ��رزق ل�ق�م��ة ع�ي����ش م��ا ه��و دي��ان��ة ون����ص ال�ع��دو مهجر ينكره ماه وان �أم � �ط� ��ر وادي� � � ��ه زاده ع �ف��ان��ة ون�صالرجالفحولن�سوانورعاه ال ي �ن �ف �ع ��وا ط �ب �ل��ة وال ن� �ق ��رزان ��ة ن �ع��اج ي� ��وم ي �� �س�ير ه� ��رج امل� �ك ��ازاة وج� �ي ��اد ي��وم��ي � �س�ير ه ��رج امل �ج��ان��ة وفيهم طويل وجرم النا�س متقاه وع �ن��د ال� �ل ��زوم ت�ك�ت�ف��ه م ��ن ل���س��ان��ه
وقال يرثي �صاحبه:
امل��وت ع رق��اب الرجاجيل ج��اري واهلل م�ف���ص��ل يف ت�ق��ّ��ص��ر وت�ط��وي��ل و�أطلب له حورية من احل��واري ومنزل ينا�سب له من �أح�سن منازيل �أ�شعر بج�سمي مثل طعن ال�شباري والقلب �صار يحط يف الهم وي�شيل لومي على م�سلم �صديقي وجاري م��ا د ّز ّ يل مر�سال م��ن ه��ا املرا�سيل ّ �أخ ��وك يف ال �ك �ت��اب ب��اي��ع و��ش��اري وي ��وم ال�ن�ه��ار ال���ش�ين ي�ن�ق��ال ويفيل والفعل ماهو ُ م�شرتى بامل�صاري وامل��رج �ل��ة م�ي�راث م��ن ج�ي��ل جليل �أن��ا ب�ع��زي ب�ح��زن م��ا ه��ي حت��اري ل �� �س �ك��ان��ة ال �ق �ب �ل��ة و� �س �ك��ان��ة ال�ن�ي��ل
قال الراوي 98 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
لكل كلمة مع �صاحبتها مقام
الذرابة في رمسة أهل اإلمارات ناجية البادي الكتبي تقول العرب« :لكل مقام مقال ،ولكل كلمة مع �صاحبتها مقام» ،فمطابقة الكالم ملقت�ضى احلال هو �أ�سا�س البالغة كلها ،وهو الذي يجب مراعاته يف الكالم حتى ي�صبح بليغاً ،ولهجتنا املحلية تزخر بالعديد من العبارات الدالة على انتقاء العبارات املنا�سبة لكل موقف ،لكننا جند الكثري منا قد تنا�ساها ،لذلك كان حريٌّ بنا املحافظة على خمزوننا ال�شعبي ،وتعريف الأجيال النا�شئة بثقافة جمتمعهم وما يحمله من معاين الأدب واالحرتام يف احلديث مع الغري.
ولتفكيك معاين العنوان فقد ورد يف ل�سان ال �ع��رب :ذرب ال��رج��ل� ،إذا ف�صح ل�سانه، وال��رم����س ه��و ال���ص��وت اخل �ف��ي .وم��ا �سوف �أذك� ��ره الح �ق � ًا ه��و خم �ت��ارات م��ن ع �ب��ارات التوا�صل االجتماعي بني �أهل الإمارات مما يقال يف املنا�سبات واملواقف اليومية املتنوعة التي يتعر�ض لها الإن�سان خ�لال اختالطه وت�ع��ام�ل��ه م��ع غ�ي�ره� .آم �ل�ين �أن ت �ك��ون ه��ذه الدرا�سة ا�سهام ًا يف لفت االنتباه �إىل تراثنا ال�شفهي الغزير ،ودعوة جلهد منظم ي�شبعه بحث ًا وتوثيق ًا ،فما هذا الذي بني �أيدينا �إال غي�ض من في�ض من تراثنا الأدبي وموروثنا ال�شعبي. وق��د راج�ع�ن��ا يف ه��ذا البحث ال�ع��دي��د من املراجع منها «معجم �ألفاظ لهجة الإمارات وت�أ�صيلها :احلموز ،عبد الفتاح و�آخ��رون، مركز زايد للرتاث والتاريخ ،العني»2008، و«ال� �ع ��ادات وال�ت�ق��ال�ي��د يف دول ��ة الإم� ��ارات العربية املتحدة :حممد بن �أحمد بن ال�شيخ ح�سن» وكذلك »الأم�ث��ال والأل�غ��از ال�شعبية: عبيد را�شد بن �صندل ،مركز زايد للرتاث وال �ت��اري��خ »2001 ،و«امل� ��أث ��ورات ال�شعبية: ع� �ب ��ارات امل�لاط �ف��ة يف امل�ج�ت�م��ع ال�ق�ط��ري منا�سباتها ودالالتها ،ظبية ال�سليطي ،العدد � ،34إب��ري��ل »1994 ،و«ك�لام النا�س :حممد املر ،مطابع البيان التجارية ،دبي» بالإ�ضافة �إىل القامو�س املحيط للفريوز �آبادي ول�سان العرب البن منظور.
حتية ال�صباح وامل�ساء
«�أ�صبحتوا» ،مبعنى �صباح اخلري. «�أم�سيتوا» ،مبعنى م�ساء اخلري.
الزيارة وا�ستقبال ال�ضيف
عند زيارة الأ�صدقاء والأقرباء يقال «بن�سري «�س َرّينا على فالن»� ،أي �سوف على فالن»� ،أو َ نزوره. وع �ن��د اال� �س �ت �ئ��ذان ل��دخ��ول ال �ب �ي��ت ي �ق��ال: «ه � ��ووود» ،وه��ي كلمة تنبيه لال�ستئذان، خ�صو�ص ًا عند الرجال ،لدخول �أي بيت حتى
ول��و كانت تربطهم ب�أ�صحابه �صلة قرابة. وردها «:هده»� ،أي تف�ضل. �أو «اق��رب»� ،أو «ا�ستهد ب��اهلل»� ،أو «قريب»، «تف�ضل»« ،دام ف�ضلك». وعند الرتحيب بالقادم يقال« :هال بالط�ش
وعند الترحيب بالقادم يقال« :هال بالطش والرش والما ورد في الغرش»
والر�ش واملا ورد يف الغر�ش» ،الط�ش والر�ش من �أ�سماء املطر اخلفيف ،ففرحتهم بالقادم كفرحتهم با�ستقبال امل�ط��ر .وك��ذل��ك «اهلل َح ّيهم» مبعنى حياك اهلل ،اق��رب «تف�ضل». «م��رح�ب��ا ال �� �س��اع» ،و«ال �� �س��اع» ه��و ال�ضيف ال�ساعي �إلينا والقادم �إلينا. «مرحبا بالرجاب و�أهلها» ،ويق�صد بالرجاب هنا الإبل« .مرحبا بكم من �سرتوا لني ييتوا» �أو «مرحبابكم م��ن ظهرتوا ل�ين و�صلتوا»
قال الراوي 100 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
ويكون الرد«:املرحب باجي» �أي باقي ،وفيها الدعاء له بطول العمر. و�إذا كان الرتحيب ب�ضيف طال غيابه و�أراد امل�ضيف معاتبته ي�ق��ول« :وي��ن هالغيبه ما �شفناك م��ن زم���ان ،م�ط��ول ال�غ�ي�ب��ات ي��اب ال�غ�ن��امي»� ،أي ع�سى �أن يكون وراء غيابك وانقطاعك عن ر�ؤيتنا خري. ثم يبد�أ ال�س�ؤال عن الأخبار ،وقد اعتاد �أهل ال�ب�لاد على �أخ��ذ �أخ�ب��ار ال�ضيف قبل بدء ال�س�ؤال عن الأحوال ،وهم بذلك «يتعاملون �أو يتخابرون» ،ومن �أمثلة ذلك احلوار التايل: •علوووم ؟؟؟ •�سالمتك ما �شي علوم. •خرب؟ •ما �صار وال ا�ستوا و�أنتوا؟ «ال جديد». •�سالمتك ما يبنا �شي. •ذاك الزين ...اهلل يطب علوم ال�سو« .اهلل يبعد الأخبار ال�سيئة». ثم يبد�ؤون بال�س�ؤال عن الأحوال وال�صحة: •ا�ش حالكم ...بخري؟؟ ويقال للجماعة:
ا�شحالكم كل بحاله. •بخري اهلل يعافيك� ،أو طيبني اهلل ي�سلمك. •ا�ش حال العيال ....و�ش حال فرقانكم؟ والتوايل والعربان؟ «�أي الأهل والأقرباء». •بخري ونعمة اهلل ي�سلمك. •من وين ال�سري؟ •من املكان الفالين.
بعد االنتهاء من شرب القهوة يقول الضيف: «يعلها ما تهير» أي ال تهجر وال تنعدم
ف�إذا �أراد �أن ينقل له �سالم �شخ�ص ما قال: •ي�سلم عليك فالن. •عليك وعليه ال�سالم ع�سى �إنه بخري� ،أو «اهلل ي�سلمه وي�سلم م��ن ي��اب ال���س�لام» �أو «اهلل ي�سلمك وي�سلمه من ال�شر». وبعد االنتهاء من �شرب القهوة يقال« :يعلها م��ا ت�ه�ير» .واملعنى «ال تهجر» �أي ال تنعدم فتظل لوقت طويل يف بيت عامر قهوته عامره و�أهله بخري .والرد �« :إن �شاء اهلل». وعند الدعوة �إىل الطعام يقال« :قربوا �سموا با�سم اهلل» �أو «هنهم»� ،أي هنيئ ًا مريئ ًا. وتقال �إذا دخل رجل على جماعة وهم ي�أكلون في�أتي الرد من اجلال�سني لإزالة احلرج عن ال �ق��ادم« :و�أن ��ت منهم»� .أي �إن املوجودين على الطعام ما هم �إال �أ�صدقاء فال حرج يف التف�ضل معنا. وبعد االنتهاء من الطعام يقال« :ك�ثر اهلل خ�يره��م وط��ول اهلل ع�م��اره��م ،بيت معمور وحال م�ستور» .ويقال �أي�ض ًا« :كرث اهلل خريكم وط��ول اهلل عماركم حول وكل حول زايدين
ومب ناق�صني» .وفيه دعاء لأهل البيت بطول العمر. وع�ن��دم��ا ي��ري��د ال�ضيف اخل���روج م��ن بيت م�ضيفه ف�إنه يقول« :خالفتنا العافية»� ،أو «يتكم العافية» ،وفيه دعاء بال�صحة والعافية لأه��ل البيت .فريد �صاحب البيت« :مرحبا بكم من �سرتوا لني ييتوا ال تقطعونا عاد»، «�سلموا على ف�ل�ان» ،فيقال ��« :س�لام يبلغ �إن �شاء اهلل» .و�إذا ق��ام الأ�صدقاء بواجب ال�ضيافة على �أكمل وج��ه يقال« :ي��ا حافظ على الفالنيني ما ق�صروا» ،مبعنى حفظ اهلل �أهل البيت فقد قاموا بواجب ال�ضيافة على �أمت وجه.
ال�سفر وامل�سافرون
�إذا عزم الإن�سان على ال�سفر قيل له« :تروح وترجع بال�سالمة» �أو «يف ماهلل»� ،أي يف �أمان اهلل. و�أي�ض ًا «يف حفظ اهلل» �أو «يف وداعة اهلل» �أو «موافجني خري» .وعند الرجوع من ال�سفر: «ال�سلومة» ،وال��رد «اهلل ي�سلمكم» .ويقال لأهل امل�سافر« :عمتم باللوال»� ،أو «ت�ستاهلون ال �ل��وال» .و«ال �ل��وال» ه��و ال��رج��وع م��ن ي ��ؤول، ويق�صد به تهنئتهم برجوع الغائب من �سفره بال�سالمة .ويقال« :اهلل ي�ؤول عليكم بخري». وعند ر�ؤي��ة �شخ�ص م�شتاقني �إل�ي��ه يقال : «تولهنا عليكم» ،والوله هنا مبعنى ال�شوق. والرد يكون«:تتوله عليكم العافيه».
النداء والطلب والرجاء
�إذا �أردت �أن ال يرد طلبك ،تقول« :طالبنك طلب ق��ول مت»� .أي ع��دين �أن تتم ما �أطلبه منك .فيقول الآخ ��ر« :مت» ،وبعد �أن يذكر طلبه يرد عليه« :فالك طيب»� ،أو «فالك ما يخيب»� .أما عند طلب �شيء بنوع من الرجاء فيقال« :ال�شيمة»� ،أي �ساعدين .وعند الرغبة يف �إجبار ال�شخ�ص على فعل �شيء ما يقال: «ورف �ج��ة ف�لان» �أي رفقة ف�لان ،وت�ستعمل للقيام مقام الق�سم على �شيء ما �أو �شخ�ص ما ليفعل �شيئ ًا ما ،وتكون ملزمة لل�شخ�ص،
قال الراوي 102 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
وقد يرفق ال�شخ�ص على املكان �أو احليوان �أو النبات مث ًال «ورف�ج��ة ال تقطع ال�شجرة الفالنية» �أو «ال تقتل احل �ي��وان ال�ف�لاين»، واملعنى الظاهر هنا بحق رفقة ال�شخ�ص الفالين ال تقوم بهذا العمل. ً و�إذا �أردت من �شخ�ص �أن يناولك �شيئا ما تقول« :اهلل ال هانك ..هات ال�شي الفالين»، �أو «ناولني هال�شي ..ما عليك �إماره» .وفيها طلب ال�شيء بتوا�ضع ولطف ،حتى ال يظن ب�أنه �أم��ر .وعند النداء على �شخ�ص يذكر ا�سمه« :ف�لان �أو فالنة» ،فريد«:عونك»� ،أو «لبيك» ،وت�ستعمالن خا�صة يف ال��رد على الوالدين �أو الأعزاء� .أو «عدوانك يفدونك»، �أو «لبيت حاج» ،مبعنى لبيت يف بيت اهلل �إن �شاء اهلل.
املديح والتهنئة
ع �ن��د م���دح ��ش�خ����ص ي�ت���ص��ف ب��ال���ص�ف��ات احلميدة يقال« :فالن والنعم و�سبعة �أنعام»، والرد يكون« :اهلل ينعم عليك» .ومن �أ�شهر العبارات التي تقال للتهنئة باخلطوبة �أو ال��زواج« :م�بروك ما دب��رت»� ،أي ب��ارك اهلل لك يف ما �أمتمت.
عبارات للأطفال
م��ا ي�ق��ال ع�ن��د ا�ستقبال امل��ول��ود اجل��دي��د: «م�بروك عليكم الطار�ش»� ،إذا كان املولود ذك ��ر ًا ،و«ال �ط��ار���ش» هنا مبعنى ال��ر��س��ول، ف��ال��ول��د ه��و م��ن �سيقوم م�ستقب ًال برعاية �ش�ؤون املنزل وهو من �سيبعثه وال��ده للقيام باملهمات� .أم��ا �إذا كان املولود فتاة فيقال «م�بروك عليكم احلا�سر» .و«احلا�سر» هنا مبعنى حت�سر عن �ساعديها ،فالفتاة هي من �ستقوم ب�أعمال وتدبري �ش�ؤون املنزل. �إذا عط�س ال�صغري يقال له« :طار �شرك» اي ابتعد ال�شر� .أو «ع�شت وع�شع�شت ويف البيت نب�شت» ،وه��ذا دع��اء للطفل بطول العمر، واالعتماد على نف�سه يف البحث عن �أ�شيائه عندما يكرب .و�إذا ُحمل الطفل الر�ضيع يقال ل��ه« :زخ�ت��ك ي��د م��ا ��ض��رت��ك» ،و«ال���زخ» هنا
مبعنى الإم�ساك ،وفيه متني للطفل ب��أن ال ت�ضره �أي يد حت��اول الإم�ساك به ،فج�سمه عند الوالدة يكون �ضعيف ًا وهزي ًال. و�إذا تعرث الطفل ي �ق��ال« :ط��اح ال���ش��ر» �أو «�سلمت» ،و�إذا ت�صرف الطفل ب�شقاوة يقال: «اهلل يغربل بلي�سك».
عند اللقاء بعد شوق يقال« :تولهنا عليكم» ويكون الرد« :تتوله عليكم العافيه»
عيادة املري�ض والعزاء
منا�سبات �أخرى
يقال عند زيارة املري�ض« :ماجور»� ،أي م�أجور على �صربك ،والرد «:اهلل ي�أجرك» �أو يقال �« :أجر وعافية» والرد يكون «اهلل يعافيك». وم��ن ال �ع �ب��ارات اخل��ا��ص��ة بالتعزية :عظم اهلل �أجركم .و�أح�سن اهلل عزاكم .وال��دامي والباقي «ويه» اهلل� .أي وجه اهلل.
من العبارات ال�شهرية يف اللهجة املحلية، ما يقال عند �شراء �شيء جديد« :مربوكة ولب م�شروكة ،اهلل يعطيك خريها ويكفيك �شرها» ،ويف حال اخل�صومة يقال« :ام�شي على ف�لان را� �ض �ي��ه» ،و�إذا تعرث �شخ�ص ما �أو وق��ع �شيء من ي��ده ،يقال�« :سلمت»
فريد«:ومن ق��ال»� .أما �إذا جال بخاطرك �شخ�ص ثم ر�أيته �أمامك فتقول« :ال �إله �إال اهلل ...ولد احلالل عند طاريه» ،وطاريه �أي ذك��ره .و�إذا عمل �شخ�ص اخلري يقال له« :بي�ض اهلل ويهك» اي وجهك� ،أما �إذا عمل عم ًال م�شين ًا فيقال ل��ه��« :س��ود اهلل ويهك» ،و�إذا فاز يف �سباق الإبل �أو اخليل يقال له« :ت�ستحق �أو ت�ستاهل النامو�س»، �أي ت�ستحق الفرح ،وال��رد يكون «ت�ستحق خري». �أما �إذا رمى �شخ�ص ل�شخ�ص �آخر تفاحة م�ث� ً لا فتلقفها� ،أو م��رر قطعة حل��م �إىل �شخ�ص �آخ��ر ف�ي�ق��ول« :م�ن�ق��ول��ة» ،ويكون الرد «يعلها مقبولة» �أي قبلتها منك
نافذة على التراث 104 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
بيجا سيو س عربي
�أمين بكر
لي�س علينا حني نقر�أ ال�شعر �أن نحتكم للمنطق البيت ال��ث��اين يف و�صف الفر�س ي���ؤك��د هذا �أو �أن نقبل بقيوده ال�ضيقة ،فنحن يف عامل التوجه لر�سم �أ�سطورة بيجا�سيو�س عربي، يخلق منطقه وكائناته مبخيلة حرة ،يجب �أن يقول: نتمتع مبخيلة تدانيها يف احلرية كي ن�ستطيع مِ � � َك� � ٍر مِ � � َف ��رٍ ُم � ْق � ِب��لٍ ُم � � ْد ِب ��رٍ م� ًع��ا امت�صا�ص �أك�بر قدر من ال�شحنة اجلمالية عل ُ ال�سي ُل من ِ كجل ُمو ِد �صخرٍ َح َّطه َّ للق�صيدة �أيا كان ع�صرها ،و�أيا كان ق�صد تبدو الإ�شكالية هنا يف كلمة «معا» التي ت�صف ال�شاعر من �شعره ،فنحن نحتكم ملا ينطق به حركات مت�ضادة يف اجتاهها «الكروالفر- الن�ص ال ما ا�ستقر يف بطن كاتبه. الإقبال والإدب��ار»� ،إذ كيف يت�أتى للفر�س �أن يبد�أ ام��ر�ؤ القي�س و�صف الفر�س يف معلقته يقبل ويدبر يف الآن نف�سه ؟ يقف ال�شراح هنا امل�شهورة بقوله: عند حل منطقي للإ�شكالية ال�سابقة مبتعدين ُ َ ري يف ُوكناتِها وقد �أَ ْغ�ت��دي والط ُ ع��ن الآف���اق اجلمالية التي يفتحها البيت. مب � �ن� � َ�ج � � ِر ٍد َق � �ي� ��دِ الأواب � � � � ��دِ َه �ي �ك��لِ يحل الزوزين الأمر ب�أن يفرت�ض �أن املق�صود ُ هناك تعبري مده�ش يف البيت ال�سابق ي�صنع هو وج��ود ه��ذه املمكنات جميعا معا يف قوة من الظهور الأول للفر�س م�شهدا مثريا .وهو احل�صان وق��درات��ه ولي�س يف فعله .ومعنى تعبري «قيد الأواب��د» .والأواب��د هي الوحو�ش ،ك�لام ال�شارح هنا �أن الفر�س يقوم بالكر �أي احل��ي��وان��ات ال�بري��ة غ�يرالأل��ي��ف��ة على والفر والإقبال والإدبار حني يطلب منه ذلك، �إطالقها ولي�ست املفرت�سة منها كما ميكن وجميع هذه القدرات جمتمعة «معا» فيه لكنه �أن نفهم للوهلة الأوىل .وتعبري «قيد الأوابد» ال يفعلها «معا» بل يفعلها واحدا فواحد. يعني �أن هذا احل�صان ل�شدة �سرعته وحلاقه وبعيدا عن الإيحاءات اجلمالية التي �ستختلف بالفرائ�س التي يطاردها ي�صبح كالقيد لها ،م��ن ق��ارئ لآخ���ر� ،أود هنا وح�سب الرتكيز فال ميكنها الإف�لات منه� ،إن��ه ح�صان قادر على الوجه الأ�سطوري للفر�س .ال ي�ستطيع على ال��ل��ح��اق ب����أي ك��ائ��ن �أي���ا ك��ان��ت �سرعته �أحد �أن يتجاهل التناق�ض احلركي بني الكر ومرونته .ميكن �أي�ضا �أن ي�شكل تعبري «قيد والفر والإق��ب��ال والإدب���ار ،كما ي�صعب على الأوابد» م�شهدا حركيا مثريا لالنتباه :فر�س تف�سري ال��زوزين ال�سابق �أن ميحو متاما �أثر امرئ القي�س يجري ب�سرعة الريح ،وحني مير كلمة «معا» يف �إ�شارتها حلركة احل�صان يف بجوار احليوانات الربية امل�سرعة يبدو للناظر جميع االجتاهات يف وقت واحد ،ما �سي�صيب �أن تلك احل��ي��وان��ات «الأواب��د»ث��اب��ت��ة مقيدة خميلة القارئ ب�شيء من االرتباك وحماولة �إىل الأر����ض ،وذل��ك لفرق ال�سرعة الهائل تخيل هذه ال�سرعة الرهيبة التي ت�شبه حركة بينها وبني فر�س ال�شاعر� .إنها بداية تت�سق الإلكرتونات حول الذرة� ،أو هي �أقرب حلركة و�أ�سطورية ي�ؤ�س�سها الو�صف لذلك الفر�س جلمود ال�صخر ال���ذي يندفع ط��ائ��را بقوة «الهيكل» �أي العظيم الأ�ضالع .احل�صان لي�س ال�سيل من الأعلى. �أ�سرع حيوانات الربية .لكن من قال �إننا يف لقد ر�سم البيت يف �شطره الثاين �صورة بديعة ح�ضرة و�صف ت�صويري ال يخرج باحليوان حلركة جلمود ال�صخر التي ي�شبهها البيت عن واقعيته؟ علينا كي نتفاعل بعمق مع و�صف بحركة الفر�س؛ �إن��ه قبل �أي �شيء جلمود، ام��رئ القي�س �أن نو�سع �أعيننا وخيالنا �إىل �أي �صخرة �ضخمة �صلبة ال تتفتت �أجزا�ؤها �أق�صى مدى ممكن لنتعرف على ح�صان من مع حتدرها القا�سي من الأعلى� ،إنها كيان نوع خا�ص ،يكاد ال يبتعد عن «بيجا�سيو�س» متما�سك كالفر�س ،كما �أنها ال تفقد �شيئا من كتلتها �أثناء ال�سقوط مبا ال يفقدها �شيئا من احل�صان املجنح يف امليثولوجيا اليونانية.
�سرعتها التى تزداد ب�صورة م�ضطردة .الأمر الالفت �أي�ضا �أن �سقوط هذا اجللمود بفعل ال�سيل يجعل امل�شهد غريبا بحق؛ �إنها �صخرة هائلة احلجم وال�سرعة حماطة ب�شالالت من املاء ت�ضبب اجتاهها كما �أن هذه ال�صخرة يف ا�صطدامها بحواف اجلبل ال��ذي ت�سقط من �أعاله تنحرف عن م�سارها ميينا وي�سارا متقافزة ،فتبدو مرتفعة عن ج�سد اجلبل دوم���ا ،م��ا ي��وح��ي ب���أن��ه��ا �صخرة ط��ائ��رة من �أعلى �إىل �أ�سفل يف حركة ت�شبه حركة الفر�س الذي ميكنه التحرك يف اجتاهات متناق�ضة يف الوقت نف�سه .يبدو يل هنا �أن الت�شبيه العبقري بني حركة الفر�س وحركة جلمود ال�صخر ال��ذي ي�سقط متحركا يف كل اجتاه ت�ؤيد املعنى الذي ا�ستبعده ال�شراح ملا ظنوا فيه من تناق�ض؛ �إن��ه فر�س يبدو طائرا يف حركته ال�سريعة بكل اجتاه لفرط �سرعته كما يطري جلمود ال�صخر يف هبوطه الأ�سطوري املحاط بهالة من املاء من الأعلى �إىل الأ�سفل. ولأنه فر�س يريد الن�ص �أن يقنعنا ب�أنه يطري، ال ي�شبه يف حركته �أي من اخليل التي تقرتب يف عدوها من هيئة ال�سابح يف املاء ،ولذلك �سماها العرب «ال�سابحات» ،يقول ال�شاعر:
ال�ساب ُ ِحات على ال َو َنى مِ َ�س ٍّح �إذا ما َّ �أَ َث� � � � � ْر َن ال� � ُغ� � َب ��ا َر ب ��ال� � َك ��دِ ْي ��دِ امل ُ� � َر َّك ��لِ
ي�سيل اجلري والعدو من هذا الفر�س �سيال حني ت�ضعف ال�سابحات وجت��ر �أرجلها تعبا فتثري الغبار� ،إنه -بداللة املخالفة -ال يثري ال��غ��ب��ار ،فهو ينقر الأر����ض ن��ق��را �أو لعله ال يلم�سها ،فجريه مت�صل يكاد يخفي �أقدامه الأربعة عن الناظر �إليه� ،إذ تبدو من �شدة ال�سرعة �أ�شبه بال�سائل املن�صب الذي ال تنقطع �أج����زا�ؤه .هنا نحن �أم��ام �إي��ح��اء وا�ضح ب�أن الن�ص ير�سم �صورة حل�صان يطري �أو هو على و�شك �أن يفعل. من الطبيعي واحلال كذلك �أال يثبت �أي راكب على ظهر هذا الفر�س الأ�سطوري الذي يكاد لفرط �سرعته يطري ،يقول امر�ؤ القي�س:
خل� َّ�ف عن َ�صهَوا ِت ِه ُي �ز ُِّل ال� ُغ�لا َم ا ِ و ُي � � ْل � �وِي ب � ��أ ْث� ��وابِ ال � َع �ن �ي��فِ امل ُ � َث � َّق��لِ
يربطها ال�صغار بخيط ثم مي�سكون بطرف اخليط ويديرون احلجر يف الهواء� ،إنه حجر طائر ال عالقة له بالأر�ض و�أح�سب �أن امتداده يف �ألعاب الأطفال هو الطائرة الورقية التي ترتفع يف ال��ه��واء وط��رف خيطها الآخ���ر يف يد من يلعب بها .ولكي ي�ؤكد الن�ص ارتفاع احل�صان /اخلذروف يف الهواء؛ جعل دورانه �أ�شد من العادي �إذ �إنه مربوط «بخيط مو�صل» وهو اخليط الذي قطع وو�صل �أكرث من مرة ف�صار �أقوى ،وهو ما يجعل دوران اخلذروف �أ�شد� .أال يحق لنا بعد هذه الأبيات �أن نظن �أنف�سنا يف ح�ضرة �أ�سطورة �شعرية تر�سم فر�سا هو ن�سخة عربية من بيجا�سيو�س؟
�إن هذا الفر�س «الكميت»� ،أي ذا اللون الأحمر الذي يخالطه �سواد ،ال ي�سمح با�ستقرار �أحد فوق ظهره �سواء حديث العهد قليل اخلربة باخليل «الغالم اخل��ف»� ،أو الفار�س اخلبري يف ركوب اخليل «العنيف املثقل»� ،إنه فر�س جامح �شمو�س ،مثله مثل بيجا�سيو�س الذي ال ي�سمح لأحد باعتالء ظهره �سوى �شخ�ص واح��د ي�صادقه وي�شعر جتاهه بالألفة .هنا ي�شري ال�شاعر ب�إ�صبع خفية �إىل نف�سه ،فهو الفار�س ال��ذي يفوق اجلميع ،هو وح��ده من ميكنه �إ�سال�س قياد هذا الفر�س املجنح. البيت التايل يقطع يف نظري ال�شك باليقني «من القامو�س» يف �أن الن�ص ق�صد �إىل ر�سم �صورة حل�صان ال ُك َم ْيتُ « ،كزبري» :الذي خالط حمرته قنوء طائر حتديدا .يقول «�أي دكنة �أو �سواد» وي�ؤنث ،ولونه ال ُك ْم َت ُة ،وقد وف ال � َو ِل �ي��دِ �أ َم � � َّر ُه َد ِر ْي � ��رٍ َك � ُ�خ� � ْذ ُر ِ َك ُمتَ ك�� َك�� ُر َم ،كمتا و ُك ْم َت ًة و َك�� َم��ا َت�� ًة ،واخلمر َت � � َت� ��ا ُب � � ُع َك� � َّف� � ْي� � ِه ِب � َ�خ� � ْي � ٍ�ط ُم� � َو� َّ��ص ��لِ التي فيها �سواد وحمرة ،وابن معروف ،وابن هذا الفر�س «دري��ر» مبعنى �أن اجلري ي�سيل ثعلبة ،وابن زيد ،و�أفرا�س .و ُك ِّم َتتَ �ُ :ص رِّ َي ْت منه كما يدر احلليب من ال�ضرع ،وهنا جند بال�صبغة ُك َم ْيتا .و َك َمتَ الغيظ� :أ َك َّنهُ .و�أخذه �أنف�سنا ثانية �أمام ت�شبيه احلركة يف ات�صالها ب َكمِ ْيتَته� ،أي ب�أ�صله .وخيل َك َما ِت ٌّي ،كزرابي: الفر�س �إ ْكماتا ،وا ْك َم َّت ا ْكمِ تَاتًا، املربك ،بال�سائل الذي ال تت�ضح �أجزا�ؤه .لكن ُك ْمتٌ .و�أَ ْك َمتَ ُ الأه��م يف ه��ذا البيت هو حركة اخل��ذروف ،وا ْك َماتَّ ا ْكميتاتًا. وهو لعبة قدمية تتكون من قطعة حجر مثقوب «القامو�س املحيط للفريوز�آبادي ،م�ؤ�س�سة
في حضرة الشعر 106 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
الدخول وحومل مثل كارفور و�سيتي �ستار!
اللغة العادية في الشعر الجاهلي د.عالء اجلابري «وكما �أن لكل مقام مقال ،فكذلك لكل ع�صر بيان» ابن �شهيد
�أنت الآن يف «�سوق عكاظ» .يفت�شك القائم على باب ال�سوق؛ حيث يجب �أن حتمل معك معاجم «ل�سان العرب» و«العني» و«تاج العرو�س» و«القامو�س املحيط» «مع �أنها مل ُتكتب بعد» .دع «املعجم الو�سيط» و«منت اللغة» و«املنجد» ،وغريها من املعاجم «احلديثة»؛ �إذ ال �ش�أن لها مبا �ست�سمعه من �شعر .يقفز «امر�ؤ القي�س» �إىل من�صة الإلقاء ،ويقول: مكر مفر مقبل مدبر معاً كجلمود �صخر حطه ال�سيل من علِ تهرول �أنت �إىل «ل�سان العرب» تخرجه؛ لتبحث عن املعنى .لي�س يف بطن ال�شاعر ولكن يف بطن الكتاب «املحمول» .تفرح لظفرك مبعنى الكلمة التي الزال جارك يجري خلفها ،وتقفز فرحاً وتخرج له ل�سانك .يخرج ال�شاعر من من�صة الإلقاء .فقد انتهى من �إلقاء الق�صيدة. �إذا ك�ن��ت ح��دي��ث ع�ه��د بالع�صر اجلاهلي ت�س�أل ع��ن كلمات :ال��دخ��ول ،ح��وم��ل ،يذبل «ا�سم جبل» �سقط اللوى .ت�سو�ؤك حني تعرف معناها؛ �إنها �أ�سماء �أم��اك��ن متام ًا لو ذكر كاتب عربي «�سانت كاترين» ،و«�سانت تريز»، و«ال�صليبخات» ،و«كارفور» ،و«�سيتي �ستار». �إنها �أ�سماء �أماكن «عادية» .الآن. �أ� �س �م��اء الأ� �ش �خ��ا���ص ،ي� ��زدان ب �ه��ا ال�شعر اجلاهلي :عبلة� ،سلمى ،هند ،ملياء ،ليلى ،ريا، �أميمة .تغنى بجمالهن ،و�سجل كل يف �شعره ذكرياته معهن. وال�شعر «ديوان العرب» يف اجلاهلية .هل كان ديوان الباب العايل فقط؟ ليحظى ال�صفوة بالدخول حلظوة ال�شعر و«�أبهته» ،بينما يقبع
العاديون يف «ديوان املظامل». ارجموا اجلاحظ الذي اعتمد ال�شعر م�صدراً لكتاب م��ن جهة منفكة مت��ام � ًا ،فكتب عن «احل �ي��وان» ،م�ستد ًال بال�شعر على احلياة. احلياة العادية� .إن ال�شعر مل يطلق عليه هذا اللقب «ديوان العرب» �إال لكونه جامع ًا لل�سوقي والربجوازي ،العفيف والفاتك .العادي وما �سواه. وال�سطور ال تريد ا�ستق�صاء الألفاظ ال�سهلة، التي -رغم بعد العهد بها -ال حتتاج �إىل بقر
غزل المثقب العبدي أال يصلح لخطابات المراهقين في المرحلة الثانوية؟
بطون املعاجم؛ �إذ �إن �أغلب الظن �أن ن�سبة الألفاظ الع�سرية الفهم لي�ست طاغية ،ولكن اللغة ال�شعرية -عادية كانت �أو غري ذلك -ال تقت�صر على الألفاظ ،فتدخل «املو�ضوعات» بح�سب التعبري القدمي ،وك��ذا تقنيات ت�ؤكد ح��د���س ال�سطور بح�ضور اللغة ال�ع��ادي��ة يف جممل منظور ال�شعر اجلاهلي. م��رة كتبتُ ع��ن ك��ون ال�شرعية يف ق�صيدة النرث داخلية ،من دون ا�ستجداء �صك القبول من ال�شعر ،و�إال لكررت خط�أ ال�شعر احلر ال��ذي م��ا ب��رح يطرق ب��اب ال�شعر العمودي طالب ًا حق اللجوء الأدب��ي! المني الأ�صدقاء. بع�ضهم ب�ه��اج��� ٍ�س م��ن ع �ب��ادة امل��ا��ض��ي فال يت�صور �شرعية داخلية� .شرعية ثورية ،تبع ًا
في حضرة الشعر 108 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
بقايا �سوق عكاظ التاريخي حيث �أعيد ترميم جزء منه
ملا «ن�سمعه» هذه الأيام. �سخريتي يف بداية ال�سطور مهاجمة ،خري م��ن ال��دف��اع ال��ذي ال يحرز ن�صر ًا ،ناهيك عن البطولة .يف ظني ،اليعدو الأمر �أن يكون ولع ًا بقيا�س �شيء على �آخر� .أن يكون قيا�س ن��وع على �آخ ��ر؛ �إذ يقي�سون اللغة العادية على اللغة الأدبية ويبدو النوعان متواجهي املنحى والغاية والبنية واملفردات .بينما هم يت�شاجرون على معنى اللغة الأدبية ابتداء! ثنائية امل�ث��ال وم��ا ��س��واه ،بينما ه��ذا املثال مت�صور بامتياز؛ مبعنى �أن �صورته عندنا، وت�صورنا عنه ي�ؤثر يف فهمنا له من جهة، ويوجهه ،وي�ؤطر قيا�سنا لغريه عليه من جهة �أخ��رى� .إننا نفهم الأم��ر على ت�صورنا له، مت��ام� ًا كاملحب ال��ذي يع�شق ��ص��ورة ر�سمها حلبيبته حتى �إذا تزوجها وجد نف�سه يبحث عن �صورة يف خياله. ولي�س هناك «دف�تر» حل�ضور اللغة الأدبية و«ان���ص��راف�ه��ا» ع��ن ال�ن����ص ،ولي�ست اللغة املفارقة للعادي وامل�ألوف ميزة يف حد ذاتها.
لم يطلق على الشعر ديوان العرب إال لكونه جامع ًا للسوقي والبرجوازي ..العفيف والفاتك ..العادي وما سواه �إنهم ال يت�سقون مع نف�سهم حني يقولون هذا، ويطلبون «�شرح ًا» لأ�شعار بع�ضهم .يحتج ال�شعر-ولي�س ال�شاعر -بنزقه وخروجه عما ال يفهم «البقر» .ورمب��ا �أ��س��اءوا ملجاز رائق فطلبوا قطرة من «ماء املالم». والأم���ر ق ��دمي� .أ� �ض��رب ل��ك م�ث� ً لا م��ن فهم الأقدمني لفن املقطعات؛ �إذ جتد ا�ضطراب ًا كبري ًا يف حتديد امل�صطلح من�ش�ؤه �ضرورة التفرقة – عندهم – قبل كل �شيء بينها وبني الق�صيدة .الق�صيدة هي الأم ال��ذي تتفرع عنها غريها ،وكما يقول ال�صديق الدكتور
حممد م�صطفى يف كتابه املاتع «املقطعات ال�شعرية يف الع�صر العبا�سي»؛ لقد ُنظر �إىل كثري من ال�شعر العربي ومقطعاته على هذا النحو ،حم ًال على بناء مت�صور قب ًال، هو الق�صيدة ،وك�أنه ال ي�ستقيم فهم املقطعة بو�صفها نوع ًا �شعري ًا مغاير ًا يف طبيعة بنائه عن الق�صيدة �إال من هذا اجلانب الدال على النق�ص؛ فحتى لو كانت هذه النظرة داخلة يف داللة امل�صطلح ،ف�إنها ال تربهن على وجود غياب لعنا�صر ن�صية معينة عن املقطعة. اجلهة منفكة-بتعبري الفقهاء-؛ ففي بع�ض الأحيان يكون االتكاء على اللغة العادية نوع ًا من «ت�صدير» للر�سالة على ح�ساب «التعبري» عنها ،ت�صدير لقيمة ال��واق��ع على ح�ساب الفنية ،وتقدمي للو�ضوح على ح�ساب الت�أويل، تقدمي للت�أمل الذاتي على ح�ساب «الرونق»، وغريه من موروثات قد ال تع�ضد قيم البالغة احل �ق��ة م��ن ج�ه��ة ك��ون�ه��ا «م�ط��اب�ق��ة ال�ك�لام ملقت�ضى احل��ال»؛ �إذ يجب �أن تراعي الفهم وت�صديره على غريه من اعتبارات التوا�صل،
وح ��ال امل�ستمع .الأم ��ي ب��ام�ت�ي��از ،واملتلقي ال�سماعي للن�ص القدمي ،وعملية التوا�صل الآ�سرة مبا ي�ضمن ا�ستمرار �سطوة الق�صيدة مع اعتبارات كثرية تفر�ض على املبدع نوع ًا من «مداراة» املتلقي. ن�أ�سف ل�ضرورة اال�ستعانة مبقوالت «عادية» لديهم؛ لعل �أب��رزه��ا «مقولة الأغ��را���ض». ن���ض��رب م �ث� ً لا ب�ف��ن ال��و� �ص��ف ال���ذي احتل �صفحات كثرية من ديوان ال�شعر اجلاهلي، حتى عده الكثريون غر�ض ًا �شعري ًا يقوم بجوار املدح والهجاء والغزل ،وغريها .واحلق �أن - على هذا النحو� -سيكون ال�شعر كله و�صف ًا. احلد�س ال�سريع للألفاظ ال�صعبة يجدها مرتبطة بو�صف الناقة يف كثري من الأحيان، �أو الوقوف على الأط�لال يف �أحيان �أخ��رى. �صحيح �أن امل�س�ألة بحاجة �إىل �إح�صاء دقيق من جهة و�صعوبة اللفظ من عدمه ن�سبية للغاية م��ن جهة �أخ ��رى ،ولكن يبدو يل �أن الناقة واحلديث عنها عند ال�شاعر اجلاهلي كان لزام ًا ،ومن الطبيعي� ،أن تكون م�صدر �صعوبة؛ �إذ تدخل يف جميع مناحي حياته، ولي�ست جمرد �أداة للموا�صالت؛ �إنها �سمريته وم�ؤن�سته ور�أ���س ماله وغ��ذا�ؤه ولبا�سه ولذا فهي حتمل معاين عميقة .يكفي �أن تراجع بع�ض ًا من ت�أويالت �أ�ستاذنا الرائع الدكتور م�صطفى ن��ا��ص��ف ف�ه��ي � �ص��راع م��ن �أج��ل احلياة -يف بع�ض ما ر�آه -واحلياة حتتمل الكثري من �أوج��ه الب�ساطة والتعقيد� .أك��اد �أج��زم �أن و�صف الناقة يحتاج – بالقوة- �إىل بيان؛ ف�إذا و�صف ال�شاعر«ذنب» الناقة، يحتاج الأمر – الآن� -إىل �شرح معنى الناقة و«ذنبها» ابتداء ،فكيف لو جل�أ �إىل مرادف للفظ امل�ستخدم؟ وكيف لو و�صفها� ،أو جزء ًا منها ،والو�صف نوع من الت�أمل ،وبحث عما يقرب املو�صوف من عقول املتلقني. وحتى يف التعامل مع الناقة بال�صفة الأكرث ب�ساطة ،بو�صفها «مركبة» �سري� .أال ترانا- حتى الآن – ن�ستخدم م�صطلحات معينة للتعامل مع املركبات حتتاج �إىل �شرح يحار فيه من يتعامل معها لأول مرة؟ ال �أريد ذكر �أمثلة ،لي�س فقط لأن بع�ضها «مع ّرب» ،ولكن
لقطة من احدى موا�سم �سوق عكاظ
في حضرة الشعر 110 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
لأنك –عزيزي القارئ -تفهم معناها .الآن. طغت الناقة يف ال�شعر �أبيات ًا وتنظري ًا ونقد ًا؛ فا�ستمدت البحور �أ�سماءها منها ،ون�ش�أ النقد مرتبط ًا مب�صطلحات الناقة فتكلم «الأ�صمعي» ع��ن «الفحل واحل �ق��اق» ،وك��ون ال�شاعر الفحل له ميزة كميزة الفحل على احل�ق��اق ،ثم تكلم �أب��و �سالم اجلمحي عن «طبقات فحول ال�شعراء». وال يعني ذلك �أن كل �أبيات و�صف الناقة كانت ملغزة معماة .وكذلك يبدو الأم��ر مع «ال��وق��وف على الأط �ل�ال» ،وي�ح��وي �ألفاظ ًا ع�سرية ،رمبا لأ�سباب ال تبتعد عن تف�سرينا ال�سابق؛ من جهة التعويل على �أهمية الطلل، ورمزيته التي حتتاج لكبري ت�أويل .لقد فر�ض واقع ال�شعر اجلاهلي ح�ضور ًا فيا�ض ًا للطلل وللناقة ،رمبا بدرجة تقرتب من الت�ساوي، يربزان من خالل الو�صف «وهو نوع من الت�أمل والت�شبيه والبحث عن النظري ،وتقريب وجهة النظر»� .صعوبة اللفظ يف الو�صف قد تبدو ملمح ات�ساق مع الوعي ال�شعري �آنذاك. ال��وع��ي ال���ش�ع��ري ال�ب���س�ي��ط ،غ�ير امل��رك��ب عامل �آخ��ر مل��ا نظنه .اجل��اح��ظ ذات��ه يقول كلمة نابهة رمبا حتتاج فهم ًا جديد ًا وذائقة
الشعر ديوان العرب في الجاهلية ..هل كان ديوان الباب العالي فقط.. ليحظى الصفوة
نزقهما ،ومباغتتهما ملا اعتدناه. جتربة رثاء النف�س التي كانت جتربة فنية و�إن�سانية ن��ادرة بامتياز ،هل كانت تخ�ضع لذلك التحكيك مهما افرت�ضنا كون ال�شاعر اجلاهلي ال ينام �إال ورثا�ؤه حتت ر�أ�سه! فيقول زيد بن حذاق:
متعاطفة؛ �إذ ي�ق��ول يف كتابه «احل �ي��وان»: «�أم��ا ال�شعر فحديث امل�ي�لاد� ،صغري ال�سن �أول م��ن نهج �سبيله و��س� َّه��ل ال�ط��ري��ق �إليه ام ��ر�ؤ القي�س ب��ن حجر ومهلهل ب��ن ربيعة وكتب �أر�سطوطالي�س ،ومعلمه �أفالطون ،ثم بطليمو�س ودميقراطي�س ،وفالن ،وفالن قبل بدء ال�شعر بالدهور قبل الدهور والأحقاب قبل الأحقاب». على النهج ذاته يكتب ابن �سالم يف طبقاته: «ومل يكن لأوائل العرب من ال�شعر �إال الأبيات يقولها ال��رج��ل يف ح��ادث��ة ،و�إمن ��ا ُق ِّ�صدت الق�صائدُ ، وط � � ِّول ال�شعر على عهد عبد املطلب وها�شم بن عبد مناف ،وذل��ك يدل على �إ�سقاط «�شعر» عاد وثمود وحمري و ُت َبع». �ضع الفقرة ال�سابقة ب�ين قو�سني ،وات��رك
ت�ل�م��ح يف ك�ل�ام ال �ن �ق��اد ال �ق��دام��ى ت�ق��دمي التوا�صل الإن�ساين الذي يقيمه ال�شعر ب�صفة �أوىل من غريه من االعتبارات؛ فيلحون على الفهم والإفهام؛ فتجد ابن �سالم اجلمحي يف «ط �ب �ق��ات ف �ح��ول ال �� �ش �ع��راء» ي �ق��ول عن النابغة�« :إنه كان �أح�سن اجلاهليني ديباجة �شعر و�أكرثهم رون��ق كالم و�أجزلهم بيتا»،
هل للفتى من بنات الدهر من واق �أم ه��ل ل��ه م��ن ح�م��ام امل��وت م��ن راق قد رجلوين ،وما رجلت من �شعث و�أل� �ب� ��� �س ��وين ث� �ي ��اب� �اً غ �ي�ر �أخ �ل��اق ه��ون عليك وال تولــــــع ب�إ�شفاق ف�إمنـــــــــــا م��ال�ن��ا ل �ل ��وارث ال�ب��اق��ي ك�أنني قد رماين الدهر عن عر�ض ب� �ن ��اف ��ذات .ب�ل�ا ري �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ ����ش و�أف � � ��واق
و�صاحب «عمود ال�شعر» يتحدث عن وجوب توفر� :شرف املعنى و�صحته ،جزالة اللفظ وا�ستقامته ،الإ�صابة يف الو�صف ،املقاربة يف الت�شبيه ،التحام �أجزاء النظم والتئامها، منا�سبة امل�ستعار منه للم�ستعار له ،م�شاكلة اللفظ للمعنى ،و�شدة اقت�ضائهما للقافية حتى ال منافرة بينهما� .أال ترى مراعاة النقد للفهم املنثال �سريع ًا بعيد ًا عن الغمو�ض الذي ن�سم به ال�شعر اجلاهلي ،بينما-رمبا -مل يظهر « الغمو�ض» �إال مع احلوار حول �شعر «�أبو متام». ال�شعر «لفظ معني بني قوم معينني» ،كما يقول اجلرجاين .ه�ؤالء «القوم املعينون» ال يحملون املعاجم ،وال يعرفونها ،يتلقون ال�شعر م�شافهة يف الأ��س��واق ،فيعتمد «ال�شاعر» لغة تت�صدى للم�سائل الأق ��ل ��ش��أن� ًا ،ف�ت��ات احل �ي��اة ،قدر ت�صديها للإجابة عن �أ�سئلة عميقة وننتظر �آراء �أه��ل الإح�صاء حول �أبيات تت�صل بو�أد البنات �أو �صاحبات الرايات احلمر وهل زادت عن �أبيات تت�صل بغريها؟ وهل �أجرم ال�شاعر الذي يقول«دع ذا» وك�أنه –بتقنيته تلك -يقول ها قد دخلنا يف املو�ضوع ! وعلى اجلهة الأخ��رى ،بدت �أغرا�ض �أخرى، و�أبواب جاءت �أغلب �أبياتها بعيدة عن الإلغاز الطاغي يف احلديث عن الناقة؛ فاالعتذار والرثاء واملدح والفخر والغزل ال جتد فيها – غالب ًا� -إال ما تفهمه من القراءة الأوىل. فمن االعتذار جند:
�شاهد قرب امر�ؤ القي�س
طغت الناقة في الشعر أبيات ًا وتنظير ًا ونقد ًا؛ فاستمدت البحور أسماءها منها، ونشأ النقد مرتبط ًا بمصطلحات
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وب �ي ����ض ال �ه �ن��د ت �ق �ط��ر م� ��ن دم��ي ف� ��وددت ت�ق�ب�ي��ل ال���س�ي��وف لأن�ه��ا مل � �ع� ��ت ك � � �ب� � ��ارق ث� � �غ � ��رك امل �ت �ب �� �س��م
غزل «املثقب العبدي» �أال ي�صلح خلطابات املراهقني يف املرحلة الثانوية؟
و�أح � � �ي� � ��ان � � �اً ع� �ل ��ى ب� �ك ��ر �أخ� �ي� �ن ��ا �أف � ��اط � ��م ق� �ب ��ل ب �ي �ن��ك م�ت�ع�ي�ن��ي �إذا مل جن� � � � ��د �إال �أخ� � � ��ان� � � ��ا وم �ن �ع ��ك م� ��ا �� �س� ��أل ��ت ك � � ��أن ت�ب�ي�ن��ي ومن الرثاء جند: ف �ل��ا ت � �ع� ��دي م � ��واع � ��د ك� ��اذب� ��ات مت � ��ر ب� �ه ��ا ري� � � ��اح ال� ��� �ص� �ي ��ف دوين �شفيت النف�س من حمل بن بدر و� �س �ي �ف��ي م ��ن ح��ذي �ف��ة ق ��د ��ش�ف��اين ف� � � ��إين ل� ��و ت �خ��ال �ف �ن��ي � �ش �م��ايل خ�ل�اف ��ك م ��ا و� �ص �ل��ت ب �ه��ا مي�ي�ن��ي ��ش�ف�ي��ت ب�ق�ت�ل�ه��م ل�غ�ل�ي��ل ��ص��دري ول� � � �ك � � ��ن ق� � �ط� � �ع � ��ت ب � � �ه� � ��م ب � �ن� ��اين �إذن ل �ق �ط �ع �ت �ه��ا ول �ق �ل ��ت ب�ي�ن��ي ك� ��ذل� ��ك �أج� � �ت � ��وي م� ��ن ي �ج �ت��وي �ن��ي وال�شعر الغزيل:
�أف��اط��م مهال بع�ض ه��ذا التدلل و�إن كنت قد �أزمعت �صرمي فاجملي ول �� �س��ت مب���س�ت�ب��ق �أخ� ��ا ال تلمه و�إن كنت قد �ساءتك مني خليقة ع �ل��ى � �ش �ع��ث �أي ال� ��رج� ��ال امل �ه��ذب ف ��� ُ�س �ل��ي ث �ي��اب مي ��ن ث �ي��اب��ك تن�سل ومن الفخر جند: �أغ � � ��رك م �ن��ي �أن ح �ب��ك ق��ات �ل��ي ف� � ��إن ي ��ك ع ��ام ��ر ق ��د ق ��ل ج�ه�لا و�أن� ��ك م�ه�م��ا ت ��أم��ري ال�ق�ل��ب يفعل ف� � � � ��إن م� �ط� �ي ��ة اجل� � �ه � ��ل ال� ��� �س� �ب ��اب وم��ا ذرف ��ت عيناك �إال لتقدحي ف� �ك ��ن ك� ��أب� �ي ��ك �أو ك � ��أب� ��ي ب� ��راء ب���س�ه�م�ي��ك يف �أع �� �ش��ار ق �ل��ب معطل ت ��واف� �ق ��ك احل� �ك ��وم ��ة وال� ��� �ص ��واب وال ت ��ذه ��ب ب �ح �ل �م��ك ط��ام �ي��ات م � ��ن اخل� � �ي �ل��اء ل� �ي� �� ��س ل� �ه ��ن ب ��اب ليس هناك دفتر لحضور اللغة األدبية وانصرافها و�إن� � ��ك � �س��وف حت �ل��م �أو ت�ن��اه��ى �إذا م� ��ا � �ش �ب��ت �أو �� �ش ��اب ال� �غ ��راب عن النص ..وليست ورمبا ن�ستخدم منذ ال�صغر قولهم املفاخر
وقول عنرتة:
اللغة المفارقة للعادي والمألوف ميزة في حد ذاتها
وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن ان �غ�لاق احل �ي��اة وطابعها املحافظ الذي يفر�ض على �أغلبهم و�أد البنات خمافة الوقوع يف الأ�سر ،وال�شهامة التي جتعل �أغلبه «يغ�ض الطرف �إذا ما بدت جارت ِه» ،فقد ظهرت �أبيات تتحدث عن الغزوات اجلن�سية لبع�ض ال�شعراء اجلاهليني ،رمب��ا يف و�صف ال يتعامل مع ال�شعر بو�صفه حرم ًا غري قابل لالنتهاك ،قدر وعيه بت�شكل ال�شعر من حمايثته للوعي اجلمعي ،ومنه-بالطبع -الوعي اللغوي. تراهن ال�سطور على ح�ضور اللغة العادية يف ال�شعر اجلاهلي ،ت�سرت�شد بتق�سيم ال�شعر �إىل �أغرا�ض ،وت�ؤول تقنيات كانت ذائعة عندهم، وتت�ساءل عن التلقي ال�سماعي ومدى �سماحه بت�أمل للذهن ،وت�ستعني ببع�ض مقوالت النقد القدمي ذاته .هل يا ترى �أفرطت يف «احلما�سة» للفكرة؟ �إذا قلت « نعم» فـ« دع ذا»
112 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
سيمياء
الهوية الثقافية المجتمعية والعولمة
عائ�شة الدرمكي aishaaldarmaki@hotmail.com
�إن الإمكانات التي ُتطلقها العوملة ال�شاملة بفتوحاتها اخلارقة وحتوالتها املت�سارعة -يف ظل االنفتاح التوا�صلي والتقني الذي ي�شهده العامل -تفتح �آفاقاً جديدة للوجود واحلياة عموماً ،وهي ب�سبب ذلك الت�سارع اجلارف ت�شكل حتديات �ضخمة فكرية واقت�صادية وجمتمعيةو�سيا�سية.
ف��إذا كانت الثقافة املجتمعية مبعطياتها ال��ذات�ي��ة وامل��و��ض��وع��ات�ي��ة جت�سيد ًا عيني ًا م�شخ�ص ًا للفردية املكونة لها يف الأ�سا�س، ف ��إن العاملية ه��ي التج�سيد الأك�ب�ر لهذه الثقافات جمتمعة كلها �أو معظمها.على �أن الهوية الثقافية املجتمعية كما يقول كو�ش يف كتابه «مفهوم الثقافة يف العلوم االجتماعية»« :ا�ستدماج و�إق�صاء يف � ٍآن مع ًا؛ �إنها حتدِّد املجموعة...ومت ِّيزها عن املجموعات الأخرى »...؛ هكذا �إذن ميكن التعرف على الهوية املجتمعية؛ ومن هنا �أي�ض ًا ميكن �أن نف ِّرق بينها وبني العاملية التي تندفع نحوها بهدف الو�صول �إىل ما ي�سمى «الثقافة اجلماهريية» التي ق��د ت�ضمن جمموعة من تلك الثقافات املجتمعية. ي�ق��دم ال��دك �ت��ور ح�سني م��ؤن����س يف كتابه (احل�ضارة) تتبع ًا للثقافات املجتمعية التي تنبع من بيئة ال�شعب وظروفه التاريخية (وم��ا يتفرع عنها من ثقافات حملية هي ما ي�سمى بالثقافة الفرعية �أو التحتية - ،Sub-Cultureوتنبع من ف��روع ال�شعب والبيئات املحلية املختلفة التي تعي�ش فيها ،Sub-Nationalityثم الثقافة العاملية ،Universal Cultureوالتي تن�ش�أ بف�ضلازدياد و�سائل التوا�صل بني اجلماهري وهي بذلك تن�ش�أ عن موجة العاملية �أو احل�ضارة العاملية املوحدة التي تتجه نحوها اليوم والتي تتجه �إىل ابتالع الثقافات الفرعية �أو التحتية ،والثقافة العاملية تتجه �إىل الق�ضاء على الثقافات املحلية وعندما يكتمل تكوين تلك الثقافة العاملية ت�صبح ح�ضارة وجتمد يف قوالب معينة ويبد�أ تدهورها» .من هنا فزعت الأمم وال�شعوب ون��ادت بـ «الهوية ِ املجتمعية» ،و�ضرورة املحافظة عليها وعلى تلك اخل�صو�صية التي متيزها عن غريها .
الثقافة املجتمعية والرتاث
�إن الثقافة املجتمعية ظاهرة ن�ش�أت مع
الإن�سان من والدة اخلليقة فال ميكن �أن يكون هناك �شعب �أو �أمة بال ثقافة فهي م�ستمرة ومتغرية يف الوقت ذاته ،تتغري وتتطور بتغري حياة الفرد وتطور و�سائله وعالقاته ولغته و�أدبه وفكره وتوا�صله مع ذاته ومع الآخر، �ضمن املجموعة الثقافية �أو خارجها كلما ات�سع نطاق توا�صله ،غري �أن ه��ذا التغري والتطور يك�شف عن حالة ثبات وا�ضحة يف تلك الثقافات ،هذا الثبات يك�شف عن تلك العالقة بني الأزمنة املتالحقة واملتوا�صلة بو�ساطة الفرد واجلماعة فهذا الثبات كما ي�صوره �سارتر يف «الكينونة والعدم»...« : من حيث هو ت�سوية بني املتناهي الالزمني مع ال��ذات ووح��دة التكوين الزمني القائم على اخل ��روج م��ن ال� ��ذات� ،سيظهر �إذ ًا كانزالق حم�ض للحظات يف ذاتها ،وهي حلظات عدم �صغرية منف�صلة عن بع�ضها البع�ض ،جتمعها عالقة خارجانية ب�سيطة، على امل�ستوى اخلارجي لكائن يحتفظ بثبات ال عالقة له بالزمنية .لي�س �صحيح ًا �إذ ًا �أن الطابع الالزمني للكينونة يفلت منا� ،إنه عك�س ذل��ك ،معطى يف ال��زم��ن ،وي�ؤ�س�س لطريقة وج ��ود ال��زم��ن ال� �ك ��وين» ،وه��ذا الزمن الذي تو�صله الذوات �إمنا يحمل تلك الثقافات وينقلها عرب الأزمنة يف �صور ثابتة متغرية؛ ثابتة من حيث القيمة االعتبارية كما جنده يف القيم الأخالقية �أو الدينية�أو ال�سلوكية �أو الفنية ،ومتغرية من حيث خارجانيتها الظاهرية يف ال�شكل العام الذي �سيتطور من �أجل موائمة الزمن احلا�ضر . وعلى ذلك ف�إن ا�ستمرارية هذه الثقافة مع تغريها وتطورها ت�صبح ا�ستمرارية عائدة �إىل املجال والزمن الذي ن�ش�أت فيه �أ�ص ًال، وب�سبب قوة ت�أثريها يف العقل اجلمعي ف�إن كل ما نقوله �أو نت�صوره �أو ن�سلكه �إمنا هو امتداد وج��زء من �إرث قد يكون مت�شابها �أو خمتلف ًا نوع ًا ما عن امل�ضمون �أوال�شكل ال�سابق تبع ًا ملراحل التطور وقوته من زمن
الثقافة املجتمعية والعاملية
�إن الفكر الثقايف الذي ت�صنعه تلك العوامل الثالثة �إمنا ُينتج ثقافتني من�سجمتني من ناحية ومتقابلتني من ناحية �أخرى �أحدهما مرتبطة بـ«الهوية» و�أخرى مرتبطة بـ«العوملة» وهما تياران ي�شكالن فكر الإن�سان بدرجات متفاوتة؛ الهوية متثل له الفكر الديني واملجتمعي؛ فهي الثقافة ال�شعبية مبا تعك�سه من �أفكار ومعتقدات تك ِّون االكت�ساب الأول للفكر الثقايف ،وعليه ميكن القول �أن هناك �أهمية كبرية للثقافة ال�شعبية يف تكوين الهوية من ناحية ويف ت�أ�صيلها نحو تقبل وت�شكل تيار العوملة من ناحية �أخرى؛ يقول جون تومليت�سون يف «العوملة والثقافة»« :تقع العوملة يف القلب من الثقافة ،وتقع املمار�سات الثقافية يف القلب من العوملة»؛ و�إذا ما �أردنا تتبع هذا الت�أ�صيل والت�شكل للعوملة ف�إننا نعمد �إىل �سرب طرق التفكري ب�ش�أن �أهمية الثقافة بالن�سبة �إىل العوملة؛ فاملرتبطية املعقدة لي�ست جم��رد تكامل �أوث��ق للم�ؤ�س�سات االجتماعية التي ميثلها املجتمع ،لكنه يت�ضمن دمج الأفعال الفردية واجلماعية يف الطريقة التي تعمل بها تلك امل�ؤ�س�سات ،وهذا ما ت�شكله القيم املجتمعية كال�شجاعة واملروءة والكرم من ت�أ�صيل يف مقابل قيم حديثة تت�صف بالفردية، وهكذا ف�إن املرتبطية الثقافية تطرح فكرة انعكا�سية احلياة الع�صرية العاملية؛ وهذا ما نراه يف �صور احلياة احلديثة مما ال يت�ضارب مع تلك القيم. وعليه؛ ف�إن حماولة التجان�س والتوافق بني قطبي الهوية والعوملة
سيمياء
�إىل �آخ��ر .وعليه ف�إن هذه الثقافة ت�صل الأف��راد مبا�ضيهم، وتعترب منطلقات وموجهات للحياة يف احلا�ضر كونه منتج ًا عام ًا ولي�س خا�ص ًا بفرد ما ،فالثقافة هنا كما يقول م�ؤن�س«: هي ثمرة كل ن�شاط �إن�ساين حملي نابع عن البيئة ومعرب عنها �أو موا�صل لتقاليدها يف هذا امليدان �أو ذاك» . وهكذا يجد الإن�سان نف�سه اليوم بني عوامل متعددة لكل منها هويتها وخ�صو�صياتها يتمثل �أولها يف �إرث الأجداد ب�أ�صولياته الدينية وت�صوراته ومعتقداته وعاداته و�سلوكياته؛ بينما يتمثل ثانيها يف العامل الآين بتطوراته العلمية ومنطقه العقالين� ،أما ثالثها فيتمثل يف العامل الآخذ يف الت�شكل الآن نحو امل�ستقبل؛ وه��و ع��امل العوملة بف�ضائه وجماله الإع�لام��ي الوا�سع .هذه العوامل كلها تتجاذب الوعي بالهوية املجتمعية والثقافية ،وهي جميع ًا ت�شكل الفكر الثقايف للفرد وبالتايل �شخ�صيته املتميزة عن غريها ،حيث تنفتح �أمامه ثورة املعلومات و�إمكانات علمية غري م�سبوقة بو�ساطة التوا�صل التقني والرقمي .
يوجب الدعوة �إىل ا�ستخدام البنى الرتاثية يف �أ�ساليب التعبري عن �صور التعامل مع الواقع الراهن لبيان الهوية املتفردة وتثبيت اخل�صو�صية التي ت�سهم يف الإب��داع احلداثي؛ ذلك لأن لكل م�ؤ�س�سة جمتمعية خ�صو�صيتها الرتاثية التي �شكلت �أفرادها فهي بذلك تعك�س الهوية اخلا�صة املتفردة وهذا ما نراه يف حماولة دول اخلليج مث ًال ت�أ�صيله يف �أبنائها للموائمة بني «الأ�صالة واملعا�صرة»؛ فهذه الهوية تتجان�س مع العوملة باقتدار من حيث التعاطي واالن�سجام �إذ ت�أخذ منها من دون تنازل عن هويتها املتفردة؛ غري �أن الثقافة املجتمعية �أ�صبحت ت�سعى يف ظل العوملة �إىل االندماج والتعريف بالذات بطرائق مبا�شرة �أو غري مبا�شرة؛ هذا ما يجعلنا مث ًال ن�ست�ضيف خبري ًا �أجنبي ًا – بالنظر �إليه �أنه يحمل ثقافة عاملية ال جمتمعية- لي�ستك�شف وي�ضع لنا خرائط و�صور ور�سومات عن كيفية بناء �أجدادنا لنظام الأفالج �أو العيون �أو ال�سدود� ،أو ليو�ضح لنا طرائق �صيد الل�ؤل�ؤ وكيفية �صياغته وغريها مما ا�شتغل فيه الأج��داد و�أبدعوه دومنا خرائط �أو خطط �إمنا باملرا�س والتكرار ،وقد يبدو الأمر جلي ًا عندما ُي�ست�ضاف �أحد ه�ؤالء اخلرباء لي�شهد فعالية �شعبية �أو جمتمعية ما ثم يديل بت�صريح عما �شاهد! �إن ارتباط �إمكانية الثقافة املجتمعية بالعاملية لي�ست �سوى ارتباط بني و�سيلتني من�سقتني بني بع�ضهما يف اخل��ارج ،من �أج��ل غاية ما وه��ذه الغاية متجهة من الثقافة املجتمعية نحو العاملية بو�صفها نطاق �أو�سع و�أكرث رحابة ،لي�س ذلك فح�سب بل كون الثانية �أقوى و�أقدر على ال�صمود والبقاء. هذا ما يدفع اليوم الدول العربية والأجنبية �إىل تقدمي ملفات مفردات الرتاث الثقايف �إىل منظمة اليون�سكو ل�ضمه �إىل قائمة الرتاث العاملي ،وتفاخر تلك الدول كلما متكنت من �ضم �أحد موروثاتها �إىل هذه القائمة. يقول حممد �أرك��ون يف حمادثته يف «كتابات معا�صرة» �« :إن بع�ض املثقفني العرب يريدون نقد الرتاث �أو حتى �إزالته كلي ًا دون �أن يطرحوا م�س�ألة الرهانات الكربى املرتتبة على مثل هذا العمل» ،ويردف يف مقولة �أخرى « :ينبغي تقدمي بديل ذي م�صداقية ،و�إ َّال ف�إن النا�س لن يتخلوا عن املا�ضي مبثل هذه ال�سهولة» ،ويعقب قائ ًال « :ال يحق لك �أن متنعهم من التعلق برتاثهم لأنه ي�شكل خ�شبة اخلال�ص الوحيدة التي تبقت لهم»؛ فالرتاث �إذن هو املكون احلقيقي لثقافة الإن�سان التي متثل هويته الأوىل وتكوينه الأول ،ولذلك ف�إن هذه الثقافة تُربك العوملة لأن الأوىل متتلك دوم ًا دالالت تربطها بفكرة وجود ثابت فهي تربط �ضمني ًا بني بناء املعنى واخل�صو�صية والتفرد
الغالف 114 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
مورد �شيخان ..عليه احلرب منقّايه
سويحان..
غابت البئر وظلت عذوبتها عنوان ًا للمكان فاطمة م�سعود املن�صوري �إنها املنطقة امل�ستكينة يف قلب ال�صحراء ،التي حتيط بها مزارع النخيل لت�ضفي عليها �صفة الواحة املنت�شية بجمال خ�ضرتها ووارف ظاللها ،تخيل لزائرها لأول مرة والذي يرى البيوت ال�سكنية املنت�شرة يف �أرجائها وتوافر البنية التحتية الالزمة لأي منطقة من مدار�س ومركز �صحي ودائرة للبلدية وفروع مل�ؤ�س�سات املاء والكهرباء واالت�صاالت ،ب�أنه يف املنطقة التي عرفت منذ القدم با�سم �سويحان � ،إال �أن احلقائق اجلغرافية الواردة على ل�سان الرواية ال�شفهية ت�ؤكد عك�س ذلك ،ف�سويحان القدمية هي عبارة عن بئر ماء حتيط بها الرمال وك�أنها حتت�ضنها من �أي خطر يحدق بها ،نعم ف�سويحان ما هي �إال بئر ماء اختفت وال �أثر لها الآن ،يقع مكانها اليوم يف منطقة املزارع وبالتحديد على بعد حوايل « 8كم» غرب �سويحان ،على الطريق امل�ؤدي �إىل مدينة �أبوظبي ،وعلى بعد نحو « 105كم» �شرق مدينة �أبوظبي.
ب ��د�أت �سويحان يف ال �ف�ترة الأخ�ي�رة حتتل م��وق �ع � ًا م �ت �م �ي��ز ًا ع �ل��ى اخل��ري �ط��ة البيئية والثقافية لإم��ارة �أبوظبي ،وذل��ك ملا ت�سهم به يف خدمة جليلة لإجن��اح هذين املجالني؛ حتى �أ�صبحت �إمارة �أبوظبي رائدة يف املجال البيئي وال �ث �ق��ايف .فعلى ال�صعيد البيئي ونتيجة لتوافر عنا�صر البيئة التي ت�سمح ب�إن�شاء املختربات الالزمة لإجراء التجارب الزراعية واحليوانية مبا ي�سهم يف دفع العمل التنموي ،احت�ضنت �سويحان ب�ين كثبانها الرملية و�سيوحها الف�سيحة؛ جمموعة من �أهم املراكز البيئية التابعة للعا�صمة ،ومن �أه��م تلك امل��راك��ز امل��رك��ز الوطني لبحوث الطيور التابع لهيئة بيئة �أبوظبي ،وال��ذي يعمل م�ن��ذ ت�أ�سي�سه يف ع ��ام 1993على �ضمان ا�ستدامة ريا�ضة ال�صيد بال�صقور، وبالتحديد امل�ساهمة يف احلفاظ على الأعداد املتبقية من احلبارى الربية؛ فقد عمل طوال تلك الأع��وام املا�ضية يف ذلك املجال وجنح يف الكثري من جتاربه خا�صة يف جمال �إكثار طيور احلبارى يف الأ�سر ،وا�ستطاع م�ؤخر ًا �أن ي�سجل انت�صار ًا عاملي ًا لهذه الريا�ضة الرتاثية
تميزت مراوي سويحان بقصر قامتها حيث كان البئر الواحد ال يتعدى الثالث قامات مما جعل استخدامها أكثر سهولة وأشهرها مروى بوكرية الأ�صيلة عندما مت يف ع��ام 2011ب�إ�ضافة ملف ال�صقارة �إىل القائمة العاملية للرتاث الإن�ساين� .أما املركز الآخر فيتمثل يف مركز زايد العاملي لبحوث البيئة والزراعة والواقع يف منطقة نه�شله «على طريق �سويحان- �أب��وظ�ب��ي» ،وال��ذي يعترب م��رك��ز ًا رائ ��د ًا يف جمال التجارب الزراعية ،حيث ا�ستطاع �أن يحقق العديد من الإجنازات خا�صة يف جمال الزراعة ال�صحراوية .بالإ�ضافة �إىل هذين املركزين هناك �أي�ض ًا مركز �أبحاث الهجن ،الواقع يف منطقة احليلية ،والذي جن��ح منذ ت�أ�سي�سه يف ثمانينيات القرن املن�صرم �أن يحول العديد م��ن نظرياته
العلمية يف جم��ال التخ�صيب �إىل واق��ع ملمو�س ،وذلك من خالل الإكثار من هجن ال�سباق الأ�صايل ذات التاريخ العريق يف جمال ال�سباق. «اب�شر مبيعاد اللقا يا �سويحان.. واب�شر ب�شوف هالوجوه ال�سفرية.. لأهل الرتاث �أ�صبحت رمزاً وعنوان.. مل بال�سريرة» من ف�ضل ٍّ رب عا ٍ ال تتوقف �أهمية �سويحان يف كونها ت�ضم بني رمالها تلك املراكز العلمية املتخ�ص�صة والتي �أحدثت نه�ضة بيئية كبرية ،بل امتدت �أهميتها لتزكي �إم ��ارة �أب��وظ�ب��ي يف جمال الثقافة وبالتحديد يف احلفاظ على الرتاث الأ�صيل الذي تنبثق نكهته ال�سنوية املميزة م��ن خ�ل�ال «م �ه��رج��ان ��س��وي�ح��ان ال�تراث��ي ال�سنوي» ،والذي يحظى بدعم ورعاية خا�صة م��ن قبل �سمو ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي��د �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة، رئي�س ن��ادي ت��راث الإم ��ارات .فقد ا�ستطاع هذا املهرجان ومنذ ت�أ�سي�سه يف عام 1998 �أن يجذب �أنظار العديد من املهتمني والهواة، ح�ت��ى �أ� �ص �ب��ح ع�لام��ة ف��ارق��ة ع�ل��ى خريطة
الغالف 116 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
ال�صغار والكبار �رشكاء يف الفعاليات الرتاثية ب�سويحان
املهرجانات الرتاثية التي تقام يف الدولة. وي�ه��دف ن��ادي ت��راث الإم� ��ارات م��ن تنظيم هذا املهرجان يف ميدان �سباقات الهجن يف �سويحان �إىل حتقيق الآتي: دعم املوروث ال�شعبي وذلك ب�إحياء ريا�ضة �سباقات الهجن. رب��ط جيل ال�شباب ب��ال�تراث الأ��ص�ي��ل، وذل ��ك م��ن خ�ل�ال ت�شجيع ال�ن��ا���س وحمبي
ريا�ضة �سباقات الهجن على التوا�صل مع ه��ذه الريا�ضة الرتاثية اجلميلة من خالل م���ش��ارك�ت�ه��م يف � �س �ب��اق��ات ال �ه �ج��ن ،حيث خ�ص�ص املهرجان مل�شاركة مواطني الدولة من �أعمار � 10إىل 70عام ًا. ت�شجيع م�لاك ومربي الإب��ل على اقتناء ال�سالالت املحلية الأ�صيلة بو�صفها ث��روة وطنية م�ستدامة.
وي�أتي �سباق الإبل الرتاثي الأ�صيل املخ�ص�ص للهواة املواطنني على ر�أ���س قائمة الأن�شطة الرتاثية التي ي�ضمها مهرجان �سويحان، ويف �سبيل تطوير املهرجان فقد مت �إحلاق فعاليات جديدة به منذ عام 2008؛ تتمثل يف املزاينة ،وامل��زاد على الإب��ل؛ حيث يزيد يف امل�ه��رج��ان الطلب على ال�ع��ر���ض وذل��ك نتيجة توافد �أعداد كبرية من النا�س ،فيتم تنظيم م��زاد على الإب��ل خا�صة ال�صغرية منها وذات ال�سالالت املعروفة .ومنذ عام 2011مت �إحل ��اق بطولة مزاينة ال�سلوقي العربي بالتعاون مع مركز ال�سلوقي العربي يف �أبوظبي .وقد �أحلق للمهرجان هذا العام م�سابقة املحالب ،وعلى �أ�سا�س هذه امل�سابقة تفوز املطية ذات الإنتاج الوفري من احلليب.
�سويحان بني اجلغرافيا والتاريخ
«�سويحان مورد �شيخان ،عليه احلرب من ّقايه»، ارتبط تاريخ �سويحان ببئر املاء املوجودة يف �أر�ضه ،حيث �شكلت تلك البئر حمطة رئي�سية يف ط��رق القوافل القادمة من �أبوظبي �إىل العني والعك�س �صحيح .حيث ا�شتهرت منذ القدم بعذوبة مياهها ،الأمر الذي �ساعد على
ا�ستقرار العديد من القبائل حولها م�ؤذنني بذلك بت�شكيل م�ستوطنة ب�شرية ما لبثت �أن حتولت فيما بعد �إىل منطقة �سكنية �أ�صبحت من �أهم مناطق �إمارة �أبوظبي .ولقد امتدح �أهايل �سويحان بئر مائهم «املورد» ،وذهبوا ل�ضرب الأمثال والأو�صاف حولها ومنها ذلك املثل ال��دارج «�سويحان مورد �شيخان ،عليه احلرب منقايه» ،وتف�سر كلمات املثل معناه، فهو يحمل دالل��ة جغرافية مهمة تنم عن �أهمية منطقة �سويحان �أو بالأحرى عذوبة مائها حتى �أ�صبحت مق�صد ًا للنا�س وللطيور النادرة مثل طري احلبارى.
�أ�شهر مراوي �سويحان
وف ��رت اجل�غ��راف�ي��ا جمموعة م��ن العوامل جعلت من �سويحان موقع ًا مالئم ًا لل�سكن، ومنها على �سبيل املثال موقعها املتو�سط بني مدينتي �أبوظبي والعني ،بالإ�ضافة �إىل انت�شار «امل��راوي» �أي �آب��ار املياه يف �أرا�ضيها وكانت يف معظمها حتتوي على املياه العذبة؛ وكان من �أ�شهرها م��روى «بوكرية» ،وق��د متيزت تلك املراوي بق�صر قامتها حيث كانت البئر الواحدة ال تتعدى الثالث قامات مما جعل ا�ستخدامها �أك�ثر �سهولة ،وكانت تقع تلك امل��راوي ع��ادة يف الرملة �أي و�سط الكثبان الرملية .بالإ�ضافة �إىل تلك الآب��ار العذبة كانت هناك الآبار الأخرى التي تقل عذوبة وت�سمى «م�ساقي» وتخ�ص�ص ل�سقيا الإب��ل واملوا�شي والتي تقع حالي ًا يف �آخ��ر منطقة امل��زارع ،فهذه العوامل �ساعدت العديد من القبائل على اال�ستقرار يف �سويحان. القبائل التي كانت ت�سكن �سويحان قدمي ًا تذكر الرواية ال�شفهية �أهم البيوت الرئي�سية التي كانت ت�سكن يف منطقة �سويحان وبدع املغني ،فتعدد تلك البيوت بذكر �أ�صحابها وه��م مع�ضد �سيف امل�شغوين و�أخ���وه عبد اهلل �سيف امل�شغوين ،و�سيف بن را�شد بن ري��د ال�سبو�سي ،ورا�شد بن عمان املهريي، ورا�شد بن خليفة بن عا�ضد املهريي و�إخوانه عبد اهلل و�سعيد و�ضحيجة ،ونا�صر بن بطي املزروعي ،وخمي�س بن �سعيد ال�سبو�سي.
اشتهر الكثير من أبناء سويحان بنبوغهم في الشعر واتخذوا منه وسيلة رئيسية في صياغة مفردات حياتهم األدبية �أهم الروايات حول ا�سم �سويحان
تعددت الروايات ال�شفهية حول �أ�صل ت�سمية ��س��وي�ح��ان ب �ه��ذا اال���س��م ،ف�ه�ن��اك م��ن ي��رد ت�سمية �سويحان �إىل ت�صغري كلمة �سيح وال�ت��ي تعني الأر� ��ض املنب�سطة ،ف�سويحان تتميز جغرافيتها باعتبارها �سيح ًا طوي ًال ممتد ًا على هيئة م�ستطيل مب�سافة ت�صل �إىل « 14كم» من بدع املغني �شرق ًا حتى منطقة نه�شلة يف الغرب .وقيل كذلك �سميت بهذا اال��س��م ن�سبة �إىل البئر التي كانت ت�سكن حولها النا�س يف ال�سابق وكانت ت�سمى ببئر �سويحان ،وال يعرف على وجه التحديد من ومتى مت حفر هذه البئر. وع �ل��ى ال��رغ��م م��ن �أن ج�غ��راف�ي��ة �سويحان عبارة عن �سيح �إال �أن حدودها من ال�شمال واجل �ن��وب ع �ب��ارة ع��ن كثبان رملية ت�سمى بـ«الهزوع» ،والهزع هو الطريق املوجود يف الرمل ،واعتاد البدو على ت�سمية تلك املناطق الرملية ب�أ�سماء معينة عرفت بها ،ومن �أهم م�سميات تلك املناطق الرملية التي حتيط ببئر �سويحان :هزع رغوة� ،ساروق نقا الذيب، مربخ غافات احل��اذ� ،ساروق �صم ّيخ ،غينة العوير ،بطني �شمطري ،بطني حمادة ،ظهرة الفر�س ،بطني اليفرة� ،شمطوط امل�شعاب، ظهارة احلواوي�ص ،اخل�شم ،بطني اليورية.
احلياة االقت�صادية واالجتماعية
لقد اقت�ضت طبيعة االقت�صاد الثنائي الذي يعترب �أهم ما مييز جغرافية �إم��ارة �أبوظبي التي جمعت ما بني طبيعة احلياة البحرية والربية� ،أن ي�صبح مواطنو الإمارة متعددي املهارات واخلربات .ف�أ�صبحوا كغريهم من البدو يف �شرق اجلزيرة العربية بارعني يف تربية اجلمال ويف الوقت ذاته كانوا يزرعون النخيل كما �أ�صبحوا من �أب��رز املجتمعات
الغالف 118 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
خالل التح�ضريات ل�سباقات الهجن ال�شهرية يف �سويحان
الرائدة يف �صيد الل�ؤل�ؤ. كما ظهر نظام �آخ��ر يف طبيعة االقت�صاد التقليدي وهو نظام يقت�ضي تفوي�ض بع�ض الأن���ش�ط��ة االق�ت���ص��ادي��ة ل�ل�غ�ير ،ح�ي��ث ك��ان بع�ض �أف ��راد �أح��د ف��روع بني يا�س يقومون ب��رع��اي��ة اجل �م��ال خ�ل�ال غ �ي��اب �أ�صحابها خا�صة يف مو�سم الغو�ص ،لقاء �أج��ر متفق عليه .وه��و ذات��ه النظام ال��ذي ك��ان ينت�شر يف ال��واح��ات وخا�صة واح��ة ليوا ،حيث كان �أهايل ليوا وخا�صة القبائل البدوية يقيمون
يف ال�صحراء وال يعودون �إىل ليوا يف الوقت الذي يتم فيه تلقيح �أ�شجار النخيل يف �شهر مار�س ،فكانوا بالتايل يوكلون تلك املهمة �إىل بع�ض املقيمني الثابتني يف الواحة لقاء �أجر يتفق عليه وغالب ًا ما يكون عيني ًا يف �شكل متور عندما يتم قطافها. مل يختلف ذل��ك الو�ضع ع��ن م��ا ك��ان عليه الأمر يف �سويحان ،فهي جزء من بادية �إمارة �أبوظبي .فقد اعتمد �أهل �سويحان يف ال�سابق ح�سب ما ت�ؤكده الرواية ال�شفهية على م�صادر
�سباق �سويحان «�إن �سباق �سويحان لي�س �سباقاً للأ�صايل فقط ،و�إمنا هو �أكرب من ذلك، فهو مهرجان �شعبي ي�ضم اجلميع ،وهو بذلك و�سيلة للتواد والتعارف وامل��ودة والإخ��اء الإن�ساين والتقاء امل�س�ؤول باملواطن ،وتفاعل �أكرث بني كل العنا�صر التي ترعى وتعمل من �أجل حماية الرتاث واحلفاظ عليه» ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان
الدخل التقليدية ،ففي ال�صيف كان معظم الرجال يذهبون للغو�ص يف �أبوظبي وجزيرة دملا ،وقد عمل معظمهم كغا�صة و�سيب ،حيث كان الرجال يغيبون عن املنزل مدة الثالثة �أ�شهر تقريب ًا ،ويف هذه الفرتة كانت الن�ساء تقوم بتدبري �ش�ؤون املنزل والعائلة� ،أما الإبل فكانت ترتك عند �أحد الرجال الذي يتعهد بحمايتها ورعايتها حتى يعود �أ�صحابها من الغو�ص لقاء مبلغ يتفق عليه الطرفان .كما اعتمد �أه ��ايل �سويحان على بيع احلطب وال�صخام والثمام «نوع من �أن��واع النباتات ك��ان��ت ت�ب��اع يف الأ���س��واق وت�ستخدم كعلف للحيوانات» ،يف �أ�سواق �أبوظبي ودب��ي ،ويف املقابل كان �أهايل �سويحان يقومون ب�شراء م�ستلزماتهم من تلك الأ�سواق.
املو�ضع احلايل لبئر �سويحان التي مل تعد موجودة
احلياة االجتماعية يف �سويحان
لقد كان �أهايل الإمارات قبل النفط يعي�شون حياة اجتماعية متكافلة ي�سودها التعاون والت�ضامن ،حيث �إن �أه��ايل احل��ي الواحد ميثلون �أ�سرة كبرية يتعاونون فيما بينهم على توفري اخلدمات الأ�سا�سية التي يحتاجون �إليها كبناء امل�ساكن وكفالة الأ�سر التي يغيب عائلها ملدة طويلة بحث ًا عن ال��رزق .وتذكر ال��رواي��ة ال�شفهية �أن النا�س يف �سويحان �سابق ًا كانوا يتعاونون يف �إن�شاء البيوت خا�صة اجل�ي�ران قبل �أن ت�شيد امل �ن��ازل احلديثة، وك��ان��ت تلك ال�ب�ي��وت ال�ت��ي تغلب الب�ساطة على طابعها تختلف من ف�صل ال�صيف �إىل ال�شتاء ،ففي ف�صل ال�صيف عادة ما كانت ت�صنع البيوت من «اخلي�ش» وهي الأكيا�س
امل�صنوعة من الن�سيج ،وكانت تلك اخلي�ش تو�ضع يف الأعلى� ،أم��ا على الأط��راف فكان يو�ضع «امل��رخ» وهو �أح��د النباتات املنت�شرة يف �صحراء الإمارات ،في�صبح البيت بارد ًا، �أما يف ال�شتاء فكانت البيوت ت�صنع من قطع �أقم�شة قطنية ت�سمى يف اللهجة املحلية بـ «الرقاع» والذي مينح البيت بع�ض الدفء يف ف�صل ال�شتاء� ،أو ت�صنع من ال�شعر وهي التي ت�سمى ببيوت ال�شعر.
اشتهر الكثير من أبناء سويحان بنبوغهم في الشعر واتخذوا منه وسيلة رئيسة في صياغة مفردات حياتهم األدبية
احلياة الأدبية يف �سويحان
�أ�سهم ال�شعر يف �صياغة مفردات حياة �أهايل �سويحان مبختلف �أ�شكالها ،ويعد ال�شعر ال�شعبي م��ن �أك�ثر عنا�صر الأدب ال�شعبي انت�شار ًا وتداو ًال بني �أفراد املجتمع ،وخا�صة يف املجتمعات البدوية التي يتوافق ال�شعر ال�شعبي فيها م��ع نف�سية ال �ب��دوي وتكوينه احل �� �ض��اري ال ��ذي ي�ضع ال�شعر يف مرتبة �سامية تفوق جميع عنا�صر الأدب الأخرى. وال يختلف الأم��ر كثري ًا يف منطقة �سويحان التي ا�شتهر الكثري من �أبنائها بنبوغهم يف ال�شعر واتخذوا منه و�سيلة رئي�سية يف �صياغة مفردات حياتهم الأدبية. وتذكر الرواية ال�شفهية �أ�سماء عديدة من �شعراء �سويحان نذكر منهم ال�شاعر را�شد
الغالف 120 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
�سويحان �أر�ض االحتفاء بالرتاث
بن �سعيد بن عمان املهريي ،وال�شاعر �سيف بن �سعيد بن ريد ال�سبو�سي ،وال�شاعر حمد ب��ن حممد امل��زروع��ي ،وال���ش��اع��ر عبيد بن م�صبح العميمي ،وال�شاعر �سامل بن خليفة بن عا�ضد املهريي. وحت �ف��ظ ال ��رواي ��ة ال���ش�ف�ه�ي��ة ال �ع��دي��د من ق�صائدهم اجلميلة ،وم��ن تلك الق�صائد ق�صيدة لل�شاعر را�شد بن �سعيد بن عمان املهريي ،حتمل العديد من املعاين اجلميلة التي يقول فيها:
تتميز سويحان بجغرافيتها فهي سيح طويل ممتد على هيئة مستطيل بمسافة تصل إلى 14كم ل� � ��و � � �ش � �ج � �ع� ��ويل ب �ي ��ن ظ �ل �ع�ي�ن ال � ��و�� � �س � ��م ع � ��وق � ��ي م � � ��ا ي �� �ش ��اف �ي ��ه ع � � ��ن ب � � ��و ح� � ��اي �ي ��ن م � �ق� ��اري�ي��ن واخل � �� � �ش� ��م ت� �ك� �ت ��ب ب ��ال� �ق� �ل ��م ف �ي��ه
ث� ��ر ن ��ا� ��س ل� �ل ��دخ�ت�ر ي �� �س�ي�رون ح � � � � ��دن ب� � � �ع � � ��وق وح � � � � ��د م� � � ��ا ف� �ي ��ه ل� ��وه� ��م ب� �ع ��وق ��ي � � �ص� ��ار ي� � ��درون وهناك ق�صيدة لل�شاعر �سيف بن �سعيد بن �� �ش� �غ ��ل ال � ��دخ � ��ات � ��ر م� � ��ا ي �� �ش��اف �ي��ه ريد ال�سبو�سي يقول فيها: ع ��وق ��ي � �س �ب��ا و�� �س ��ط الأ�� �س ��اوي ��د ي � � ��ا ل � �ي � �ت � �ن ��ا ي � � ��ا ران وح� �ل ��اه ج � � ��ري � � ��ب خ� � � �ط � � ��وة ي� � � � � ��وم ب� �ن� �ي ��ه واجل � � �ب � � ��د وك� � �ل � ��ت م � � ��ن م� �ع ��ال� �ي ��ه
ي� � ��ا زي� � � ��ن �� �ش ��اق� �ت� �ن ��ي ح� �ك ��اي ��اه وي� � � �ف � � ��ز ق� � �ل� � �ب � ��ي ع � � �ن� � ��د ط� � ��اري� � ��ه ل � �ه� ��و ب� �ح� ��� �س ��ب امل � � � ��ال ب� ��� �ش ��راه ل � � �ك� � ��ن ن� � � � � ��ال ال � � � ��رب � � � ��ح �� � �ش � ��اري � ��ه كما تذكر الرواية ال�شفهية ق�صيدة جميلة لل�شاعر عيد بن م�صبح العميمي يقول فيها:
ون� � � � �ي � � � ��ت و ّن� � � � � � � � � � ��ات امل � � �ه� � ��ان� � ��ة ع � � � �ل� � � ��ى زم� � � � � � � � � ��ان دب� � � � � � � ��ر وراح ال � � � ��وق � � � ��ت ف� � � � ّرق� � � �ن � � ��ا زم� � ��ان� � ��ه ول� � �ي � ��ا ذك� � ��رت� � ��ه خ� � ��اط� � ��ري �� �ص ��اح م � � � � ��ري � � � � ��ت ول � � � � � � � � � ��نْ م � � �ك� � ��ان� � ��ه م� �ب� �ط ��ي وت � � � � ��ذري ف � �ي� ��ه الأري � � � � ��اح ع �ق��ب ال �ق �� �ض��ي يل ع� ��ود ��ش��ان��ه رق ن � �ظ �ي��ر ال � � �ع� �ي��ن �� �ض� �ح� ��� �ض ��اح و ْي� � � � � ��ه ف � �ل � �ي� ��ح وال � � � � � � ��رب زان � � ��ه
التعامل مع الهجن يحتاج �إىل خربة ودراية كبرية
وال «ي � � � ��ا» ن � �ظ �ي�ر ال � �ع�ي��ن م �ل �ت��اح و�إل � � � �ي� � � ��ا ت� �ب� ��� �س ��م ع � � ��ن ث� �م ��ان ��ه ح� � �ت � ��ى ه� � � �م � � ��وم ال � � � �ب� � � ��ال ت� � �ن � ��زاح ح� �ك� �ي ��ه � � �ش� ��را ح� �ك� �ي ��ه ال �ل �م��ان��ه و�إال ورق م � � ��ن رو�� � � � � ��س ت � �ف ��اح ون � � � �ه� � � ��ار م� � � ��ا ف � � � � � ��ارق ي � ��ران � ��ه ت � �ك�ث��ر م � �� � �ص� ��اوي � �ب� ��ه ب � ��الأ�� � �س �ل��اح �أما ال�شاعر حمد بن حممد املزروعي فتحفظ له الرواية ال�شفهية ق�صيدة جميلة يقول فيها:
و ّن � � � �ي � � ��ت و ّن � � � � � � ��ات احل � �� � �س� ��اي� ��ف ودم� � � � � ��وع ع� �ي� �ن ��ي ب � ��رح � ��ت ذروف ع� �ل� �ي ��ك ي� � ��ا ح � �ل� ��و ال ��و�� �ص ��اي ��ف ي� � � ��ا ن� � �ظ �ي��ر �إيل ب� � � ��ك �أ� � � �ش � � ��وف م� ��رت � �ن� ��ي ظ � �ع� ��ون� ��ك خ� �ط ��اي ��ف و�أق� � �ف� � �ي � ��ت ال ع � � � ��ارف وم � �ع � ��روف
�أرب � � � � � � � ��اك وج� � � �ف � � ��وين رف � ��اي � ��ف ووق � �ف� ��ت ل�ي��ن �أخ� � �ط � ��اين ال �� �ش��وف ي � ��ا زي� � ��ن م � ��ن ف � ��رق � ��اك خ��اي��ف ي ��ا ط� ��ول ه �ج��رن��ا ووق �ت �ن��ا ي �ط��وف ودك احل � � � ��ق ح � � � ��ايل ك�ل�اي ��ف و�أخ � �ف� ��ي ع ��ن احل� ��� �س ��اد ال ت �� �ش��وف ي� � ��ا ق � ��اي � ��د �أري � � � � � � ��ام ال � ��والي � ��ف ب � ��أر�� ��ض خ�ل�ا و�آم � �ن� ��ه ع ��ن اخل ��وف حت� � � ��ي ورق ق � � �ل � ��ب ه � ��واي � ��ف ه � ��اق � ��ت وي � � � � ��اه ه � �ج� ��ر م� ��رظ� ��وف �إن العابر ب�سويحان اليوم ال ي��درك املكانة املهمة التي كانت متثلها هذه املدينة يف حياة البدوي يف ال�سابق ،فهي جمرد مدينة ك�أي مدينة �أخ��رى بالن�سبة لهذا العابر مير بها مرور الكرام من دون �أن حترك يف وجدانه
ما حتمله من �إرث مكاين كبري. �أم ��ا بالن�سبة ل�ل�ع��اب��ر يف ال���س��اب��ق فكانت �سويحان نقطة مهمة ،حيث �شكلت منطقة التقاء بني �أبوظبي والعني ،ف�أر�ضها كانت ت��روي ظم�أ القوافل القادمة من العني �إىل �أبوظبي �أو العك�س ،وذل��ك مبا حتتويه من مرا ٍو عذبة .ومل تقت�صر �أهميتها على ذلك، بل تعدت �إىل �أن اتخذتها العديد من القبائل م�سكن ًا لها معلنة بذلك عن ت�أ�سي�س حا�ضرة من حوا�ضر مدينة �أبوظبي .واليوم وبف�ضل جهود �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان تعيد �سويحان جت�سيد نف�سها م��رة �أخ��رى كجزء �أ�صيل من تراث هذا املكان وذلك مبا ينظم على �أر�ضها برعايته من مهرجانات تراثية �سنوية جنحت يف �أن ت�ستقطب �أنظار �أهل املنطقة واجلوار �إليها
مسرح 122 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
امل�سرحي الأحوازي �سيد كاظم
مسرحنا العربي في األحواز في حاجة إلى من يوثقه حاوره � -أحمد حيدري عربي يف اجلمهورية الإ�سالمية الإيرانية ،يحفظ هوية الأحواز وينتمي �إليها» ،هذا هو احللم «م�سر ٌح ٌ الذي راود امل�سرحي الأحوازي �سيد كاظم القري�شي منذ �سنوات ال�صبا ،فانطلق يناطح الواقع االقت�صادي ال�صعب ،ونق�ص اخلربات والقدرات الب�شرية ،وغياب م�صادر املعرفة امل�سرحية املالئمة ،واملوروث االجتماعي الذي ال ينظر �إىل امل�سرح بكثري من التبجيل .نزل القري�شي بامل�سرح �إىل النا�س و�إىل ال�شارع، وك َّون الفرق امل�سرحية ،و�أ َّلف وم َّثل و�أخرج ،ود َّرب م�سرحيني كباراً و�صغاراً ،وج َّرد قلمه ناقداً و�شارحاً وم�ؤرخاً للم�سرح العربي الأحوازي ،يف �إميان عميق بـ«ر�سالية» مهمته ،ودورها يف تغذية اجلذور الأ�صيلة للمكان الذي انتمى بعمق �إىل ب�شره وق�ضاياه وم�شكالته.
تدريبات على احلوار مع اع�ضاء الفرقة
يف ح��واره ُيدخلنا القري�شي عامله ال��ذي ال ع��اد ح�ين مل ُي��و َّف��ق ،ومل يوثق �أح�� ٌد لهذين املذياع وحكايات جدتي «بنية»
نعرف عنه الكثري ،عامل امل�سرح العربي يف �إيران ،بتاريخه و�إجنازاته وم�ساراته وهمومه ومفارقاته. لديك جتربة مهمة يف امل�سرح الأحوازي باللغة العربية ،وكتبت عن تاريخه الكثري، فكيف ب��د�أ هذا امل�سرح ..وهل ترى �أن��ه نال حقه من العناية والتوثيق؟ للأ�سف ،م�سرحنا باللغة العربية يف الأحواز مل يوثقه �أحد ومل يتكلم عنه �أحد .ورغم �أننا ال منلك وثائق وم�ستندات عن بداية القرن الع�شرين ،ف��إن �أه��م ما لدينا كان «امل�سرح احل�سيني» �أو «الدائرة» �أو «الت�شابيه» ،وهي م�شاهد ُت��ؤ َّدى يف العا�شر من حم َّرم ،ويعود �أقدمها �إىل ما قبل 120عام ًا تقريب ًا ،يف بيت حيدر الكرمي مبدينة «ال�شو�ش» .ويبدو �أن �صاحب البيت �شاهد هذا التقليد يف كربالء، وح�ين ع��اد دع��ا ع��دة �أ�شخا�ص م��ن هناك ليمثلوا يف الأح� ��واز .وك��ان��ت هناك دورات انقطاع وعودة لهذه الفن ،ولكنه م�ستمر حتى الآن .وك��ان لدينا �أي�ض ًا امل�سرح الكوميدي ال��ذي يقام يف الأع��را���س ،ولكننا ال نعرف حتديد ًا متى بد�أ. بعد هذا ظهر م�سرحيان ُمه َّمان ،هما عي�سى الطريف وبدن ،وقد �سعى كل منهما للتمثيل ب�صورة احرتافية ،يف املدار�س مث ًال ،حتى �أن عي�سى الطريف ق�صد الكويت للتمثيل ولكنه
امل�سرحيني. وجاء بعدهما الفنان �أحمد كنعاين ،وجتربته م�سجلة على �أ�شرطة رائده موثقة وم�سرحياته َّ �إذاعية ،وما زال النا�س ي�ستمعون �إليها .رمبا كانت هناك قبله م�سرحيات �أو بعده ولكنها مل ت�صل �إلينا .وق��د ُ�سجلت لكنعاين عدة م�سرحيات ،منها «ع��رو���س ال�بروج��ردي��ة»، و«زي��ارة ال�شو�ش» ،وم�سرحه م�سرح �إذاع��ي ي�ستخدم لغة ال�شارع من �سباب و�شتائم، وكان باللغتني العربية والفار�سية. ث ��م ت� ��أت ��ي ق���ص����ص ح �� �س��ان ك�� ��زار ،وه��ي م�سرحيات غنائية �شعرية رائعة ،كان ي�ؤديها ب�صوته م�صحوب ًا بالربابة .و�أول م�سرحية ُعرفت له كانت يف مدينة الدورق «�شادكان»، يف مهرجان امل�سرح العربي .ويف ذلك الوقت كانت هناك حم��اوالت لت�شكيل فرق ولكنها توقفت .وحني بد�أنا نحن يف الثمانينيات من القرن املا�ضي ح��دث ن�شاط م�سرحي مرة �أخ��رى يف �سو�سكرند «اخلفاجية» ،و�أن�شئت فرق كثرية وهي م�ستمرة حتى اليوم.
على الرغم من المهرجانات واالحتفاالت ..ليس هناك مسرح عربي في األحواز
ب��داي��ت��ك الفنية ك��ان��ت م��ع ال��ه��دي��ة التي كنت ت�ضمها� ،إع��زازاً� ،إىل �صدرك :املذياع. وكانت حكايته معك جديرة ب�أن ُتروى. يف �سبعينيات القرن املا�ضي كانت الإذاعات تبث �أنا�شيد ثورية عربية جميلة ،كان عمري �سبع �سنوات� ،أذك��ر بع�ضها بو�ضوح ،مثل: «ط��ال��ع ي��ا ع��دوي طالع م��ن ك��ل بيت وح��ارة و�شارع» و«فل�سطني فل�سطني �أر�ضي املحتلة». �أهداين والدي مذياع ًا كنت �أعلقه يف رقبتي، و�أح�م�ل��ه يف ال �ع �ب��ودي -قريتنا يف ال ��دورق «�شادكان» -بني النخيل وكان نهر العبودي ي�شق النخيل وتت�شعب اجل��داول والقنوات م�ن��ه ،كنت �أ�ستمع �إىل مذياعي يف ظالل النخيل ،وقدماي يف املاء. لكنني فقدت هديتي الأثرية ذات يوم م�ؤ�سف، طاردتني فيه كلبة �شر�سة حتر�س بيت عمي. هربت مذعور ًا �إىل �شاطئ النهر ،وحاولت القفز ف��وق ق ��ارب ق��ري��ب لأ��س�ق��ط يف امل��اء والوحل مع مذياعي� ،أخذ والدي املذياع مع م�سجلة معطلة لي�صلحهما يف املدينة ،وحني حدد ال�صانع �أجره ،قال له والدي خذ املذياع و�أعطني امل�سجلة ،وهكذا فقدت رفيقي. امل��ذي��اع ك ��ان خ �ط��وة ع�ل��ى ط��ري��ق تكويني امل�سرحي عن طريق امل�سل�سالت وامل�سرحيات الإذاع�ي��ة واحلكايات ،كما ك��ان من عوامل ت�شجيعي على كتابة ال�شعر الفار�سي .حكايات
مسرح 124 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
مع امل�رسحی وال�سینمائي عبد الر�ضا فیا�ضي وجمموعة من م�رسحیي مدینة الدورق
جدتي «بنية» و�أ�ساطريها وحزوراتها �أي�ض ًا كانت تبقينا ُمت�س ِّمرين �إىل �ساعات مت�أخرة من الليل .كانت حتفظ الكثري من ال�شعر، ولها ف�ضل كبري يف �صقل ثقافتي.
حكايات جدتي «بنية» وأساطيرها لها فضل كبير في صقل ثقافتي
تلعب ال�صدفة �أحياناً دوراً يف الفن ،فهل قادتك ال�صدفة �إىل خ�شبة امل�سرح؟ بالت�أكيد هي ال�صدفة ،فقد كنت �أكتب ال�شعر الفار�سي و�أن�شره يف الثمانينيات .ويف عام 1988كانت هناك جمموعة من ال�شباب يف «ك��وت �سيد �صالح» مثل حممد املن�صوري و�سيد هادي فاخر ميثلون ب�إحدى املدار�س يف املنا�سبات الوطنية ،وذات يوم طلبوا مني �أن �أكتب لهم ن�صو�ص ًا للتلفزيون لنمثلها .وكتبت مقاطع حتت عنوان «�شل�ش وحن�ش» مراعي ًا �شخ�صية حممد و�سيد هادي ،وهي مقاطع ذات هدف تربوي ،تراوح بني ثماين دقائق وع�شر و�سجلناها و ُرف�ضت لرداءة الت�صوير. دقائقَّ ، قلنا لأنف�سنا �إننا لن نتوقف .فكرنا يف تقدمي عر�ض ي�ضم �شعر ًا ومو�سيقى وجانب ًا م�سرحي ًا �أي�ض ًا� .أقمنا �أول حفل عام ،1989مبنا�سبة عيد الغدير ،و�أطلقنا عليه «جنك �شادي» �أي مهرجان الفرح .كان هذا �أول عمل م�سرحي، وك��ان ا�سم امل�سرحية ّ «عطال بطال» ،وهي تتكون من مقاطع من م�سرحيات ومن م�شاهد مثلها ال�شباب باللغة العربية يف املدار�س،
�ضممتها يف �سياق مت�صل و�أ�ضفت �إليها بع�ض التفا�صيل وامل�شاهد .كان العمل يتحدث عن البطالة والأعمال الب�سيطة والت�س ُّول .و�ضمت امل�سرحية م�شاهد من م�سرحيات معروفة عربي ًا بلهجاتها الأ�صلية. ُمثلت امل�سرحية على م�سارح املدار�س .وكان بع�ض املمثلني يعرف الغناء باللهجة امل�صرية، وبع�ضهم يقلد عادل �إمام يف م�شاهد �شهرية. وك��ان امل�ه��م ه��و قدرتنا على �ضم ك��ل هذه املقاطع للخروج مب�سرحية تالئم حميطنا و�أجواءنا .وكانت الربوفات -وما زالت -تقام يف البيوت ولي�س على خ�شبة امل�سرح ،وهذا ما ي�ؤثر �سلبي ًا على �أعمالنا.
مهرجان الفرح
كيف ا�ستقبل اجلمهور هذه امل�سرحية؟ يف اليوم الأول فوجئ اجلمهور ،فقد كان ع�م� ً لا غ�ير م���س�ب��وق .ك��ان��ت ه�ن��اك �أع�م��ال م�سرحية تُق َّدم يف الأعرا�س ويف املدار�س، ولكن هذه م�سرحية تُق َّدم يف قاعة وب�صورة ر�سمية ولها �إعالنات بارزة يف املدينة .كان تفاعل اجلمهور جيد ًا ج��د ًا .وتلقى كل من
عمل يف امل�سرحية عر�ض ًا لتمثيلها مرة �أخرى، وا�ضطررنا بعد �شهرين �أن نعيد تقدمي العمل يف ذكرى املولد النبوي ال�شريف. يف البدايات �أي�ضا كتبت عم ًال بعنوان «�شل�ش وح�ن����ش» ،وه��و ح�ك��اي��ات ع��دة ل�شخ�صيتني كوميديتني ثابتتني ،وكانت تتناول ق�ضايا اجتماعية و�أخالقية ،مثل �إط�لاق النار يف الأعرا�س وجمال�س العزاء ،وق�ضية الكذب، وجمتمعنا كان يف حاجة لها ،وكنا نحاول من خاللها �إي�صال ر�سالة.
�شم�س اجلنوب
�أال ت���رى �أن امل��ج��ت��م��ع الأح������وازي يظلم املمثل �أح��ي��ان��اً ،وال ينظر �إل��ي��ه �إال ك�إن�سان هزيل �أو مُه ِّرج جاء لإ�ضحاك النا�س فقط؟ �أمل يواجهكم املجتمع بهذه النظرة؟ فلنعطهم احلق يف ذلك ،لأنهم مل يروا عمالً جاد ًا حتى مي ِّيزوا بينه وبني غريه ،فقد كانوا دائم ًا ي�شاهدون �أعما ًال هزلية يف الأعرا�س، وهي لي�ست مكان ًا جاد ًا �أو مكان ًا لتقدمي عمل م�سرحي ح�سب �أ�صول امل�سرح وقواعده .كان الهدف �إ�ضحاك النا�س ،ومازالت لدينا مناذج مثل �ستار ال �ب��اوي .ولكن ح�ين قمنا بعملنا و�سعينا �إىل �إعطائه طابع ًا علمي ًا م�سرحي ًا يت�ضمن ر�سالة ،اختلفت نظرة املجتمع �إلينا. ه��ل �أدرك��ت��م يف تلك املرحلة ك��م �أن هذا
الفن لي�س �سه ً ال و�شعرمت بحاجتكم لدرا�سة امل�سرح ب�شكل علمي؟ يف �صيف عام 2000انتمينا �إىل جمعية امل�سرح يف الأحواز وتلقينا درو�س ًا هناك ،بعد �أن �أدركنا احلاجة املا�سة �إىل تقدمي عرو�ض م�سرحية ج ��ادة تُبنى على ق��واع��د و�أ��س����س م�سرحية حقيقية .مل �أكن قد كتبت ن�صو�ص ًا م�سرحية م��ن ق�ب��ل ،ومل �أك ��ن �أع���رف �أ� �ص��ول الكتابة امل�سرحية ،وكانت الن�صو�ص الأوىل عفوية .كنا نعر�ض م�سرحياتنا من خالل مهرجان ولي�س من خالل م�سرح م�ستقل ،ومل يكن مبقدورنا عر�ض م�سرحية خارج �إطار املهرجان لأ�سباب اقت�صادية واجتماعية .مل نكن منلك م��ا ًال، وداعمونا �إما �أنه كان لديهم �أهداف انتخابية، �أو �أفكار ال عالقة لها بامل�سرح. يف ذلك الزمن �أ�س�سنا فرقة «�شم�س اجلنوب» للتمثيل وامل�سرح .كان اال�سم وليد اللحظة، واق�ترح��ه �أح��د زم�لائ�ن��ا .والتحقنا ب��دورة للتعلم حتت �إ�شراف مرت�ضى مطوري ،وهو خريج معهد �إخ ��راج وبجانبه ك��ان الكاتب امل �� �س��رح��ي ع �ب��دال��ر� �ض��ا ح �ي��ات��ي ،وه �ن��اك قدمنا عملني للتلفزيون �أخرجهما مرت�ضى مطوري� ،أحدهما يتكون من م�شهدين مدة كل منهما 15دقيقة ،والعمل الثاين ا�سمه «�أف��راح العيد» وهو برنامج ي�شمل مقاطع متثيلية وتقارير يف 138دقيقة ،وا�ستغرق التدريب عليه �شهرين ،والت�سجيل �شهر ًا.
ثالث �ساعات لت�أليف م�سرحية!
يف بع�ض ن�صو�صك امل�����س��رح��ي��ة يرجتل املمثلون ك��ث�يراً م��ن املقاطع واجل��م��ل على خ�شبة امل�سرح ،فهل ميثل االرجتال الطابع الغالب لديكم؟ يف البداية مل تكن الن�صو�ص امل�سرحية قوية نحجم املمثل لفر�ضها على املمثل ،لأن�ن��ا ِّ بذلك ونقلل م��ن ق��درت��ه .كذلك �أردن ��ا من خالل هذه املمار�سة �أن نربي كوادر متثيلية، �سعيت يف بع�ض الأوق��ات لإب��راز �أك�بر عدد ممكن من املمثلني .يف امل�سرحية التي حتتاج ثالثة ممثلني كنت �أ�ضع �ستة ممثلني �أو �سبعة على اخل�شبة ،لأننا كنا يف ذل��ك الزمن يف
لقطة من م�رسحية «حكایة من الریف»
المجتمع األحوازي يظلم الممثل وينظر مهرِّج جاء إليه ك ُ إلضحاك الناس حاجة �إىل ممثلني .تعلمنا فيما بعد يف جمعية امل�سرح �أن املخرج يجب �أن يختار ن�ص ًا يحتوي على �أقل عدد من املمثلني ،لت�سهيل ال�سيطرة عليهم واحلدِّ من الفو�ضى التي ت�شتِّت انتباه امل�شاهد ،لكننا �آن��ذاك كنا يف حاجة ما�سة �إىل �أكرب عدد من املمثلني حتى ن�سد النق�ص.
ونحتاج �إىل م�سرحية .يف ال�ساعة الثانية ظهر ًا و�صلنا مكان احلفل للتدريب ،وكان ال�س�ؤال :ماذا نفعل هنا الآن ولي�س لدينا ما نقدِّ مه؟ يف حلظات �أعددنا عر�ض ًا يقوم على انتظار �شخ�ص للطبيب وهو يحمل مذياع ًا يتنقل بني حمطاته .وعلى اعتبار �أن �أحد ممثلينا مقلد �أ�صوات حمرتف فقد �أدى دور حمطات الإذاع��ة ،من غناء ون�شرات �أخبار وق��راءة القر�آن �أو ن�شيد �أو لغة �إجنليزية �أو هندية ،و�سمع اجلمهور غنا ًء لناظم الغزايل وعبداحلليم حافظ وحتى �صوت ت�شوي�ش على الإر�سال .هذا اجلمهور جاء لي�ضحك ،فهو جمهور جاء الحتفالية ولي�س مل�سرحية.
م��ن االن��ت��ق��ادات ال��ت��ي وج��ه��ت �إل��ي��ك��م �أن
ج��م��ي��ع �أع���م���ال���ك���م ك���ان���ت ك���وم���ي���دي���ة ،فهل «�أوالد حارتنا» و «زي الهوا»
كنتم ت��رون �أن اجلمهور ال ي�ستوعب غري امل�شاهد الكوميدية� ،أم �أن الفرقة مل يكن با�ستطاعتها عبور هذا اخلط؟ الرتاجيديا حتتاج اىل �إمكانيات كبرية .يجب �أن تُن�شئ ممث ًال ق��ادر ًا على �أداء هذا النوع م��ن امل�سرحيات ،وحت�ت��اج �إىل وق��ت طويل للتدريب .العمل الكوميدي يعتمد على القدرة الإبداعية للممثل ،وهو �أكرث ب�ساطة .لقد كنا جنهز بع�ض الأعمال خالل �أقل من �أ�سبوع. ذات م��رة ،ات�صلت بنا �إح��دى اجل�ه��ات يف العا�شرة �صباح ًا ،و�أبلغتنا ب�أن هناك احتفا ًال يف ال���س��اع��ة اخل��ام���س��ة م��ن ال �ي��وم نف�سه،
فيما ب��ع��د ح���دث حت���� ُّول ،ت��ب��دو مظاهره م��ث ً �لا يف ع��ن��اوي��ن امل�����س��رح��ي��ات ال��ت��ي ب���د�أت تختلف عن «حن�ش و�شل�ش» و«عطال بطال»، لت�صبح عناوين مثل «حكاية م��ن ال��ري��ف»، و«�أوالد حارتنا» ،و«لومي ال�ضايع» ،فما هي دوافع هذا التح ُّول؟ وهل كانت «�أوالد حارتنا» م�ستوحاة من عمل جنيب حمفوظ؟ يرتبط ه��ذا التحول بانتمائي �إىل جمعية امل�سرح ،وق��د ت��أث��رت يف ه��ذه ال�ف�ترة بعدة كتب و�أعمال �إبداعية منها «�إع��داد املمثل»، لق�سطنطني ��س�ت��ان���س�لاف���س�ك��ي ،و�أع �م��ال �شك�سبري وبرتولد بريخت ويوجني يون�سكو
مسرح 126 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
م�رسحية «لومی ال�ضایع» لفرقة �شم�س اجلنوب
وتوفيق احلكيم و�سعد اهلل ون��و���س وحممد امل ��اغ ��وط ،وخ �� �ص��و� �ص � ًا مب���س��رح�ي��ات مثل «�أغنية امل ��وت» ،و«يف انتظار غ ��ودو» .ومن الكتاب الإيرانيني اهتممت ببهرام بي�ضايي وجميد جميدي ،وحولت بع�ض ن�صو�صه �إىل �سيناريوهات .ومل تكن «�أوالد حارتنا» م�ستوحاة من جنيب حمفوظ ،بل كان الأمر جمرد ت�شابه يف الأ��س�م��اء .وق��د تناولت امل�سرحية من��اذج م��وج��ودة يف املجتمع ،منها م��دم��ن ،ومقاول بيده عدة هواتف نقالة ،ومثقف ي�ستخدم لغة ف�صحى مقعرة وم�ضحكة .كانت م�سرحية تنتقد املجتمع والنخب ،ويف نهايتها كان هناك مغن يغني �أغنية «زي الهوا» لعبداحلليم حافظ. �إىل ج���ان���ب ف���رق���ة «���ش��م�����س اجل���ن���وب» �أ���س�����س��تَ ف��رق��اً �أخ����رى ،وم��ار���س��تَ �أن�شطة فنية متنوعة؟ نعم� ..أ�س�ست م�ؤ�س�سة «بركان الثقافية» التي اهتمت بامل�سرح ،وقدمنا عملني م�سرحيني من خاللها .و�أ�صدرنا �صحيفة ظهر منها خم�سة �أعداد ،وكنت �أنا رئي�س التحرير .كما كنت من�شغ ًال بكتابة ال�شعر وبع�ض الأن�شطة الثقافية الأخرى. بعد التحاقي بالعمل احلكومي يف البلدية، حاولت �أن �أركز على امل�سرح وحده ،و� َّأ�س�ست فرقة «�إ�شراق» للم�سرح ،وكانت هناك �صالة يف البلدية حتولت �إىل ور�شة م�سرحية .ويف هذه الفرتة قر�أت ع�شرات الكتب امل�سرحية، والتحقت ب��دورات متخ�ص�صة يف امل�سرح، �دي خ�برة مالئمة .وك��ان �شبابنا وتكونت ل� ّ
لو كان الجمهور يدفع مقابل حضور المسرحيات لما َّ تأخر مسرحنا وتأزَّم ما�سة للدرا�سة امل�سرحية ،لأن يف حاجة ّ جمعية امل�سرح كانت بعيدة عنهم ،فنظمت دورات تعليمية للم�سرح يف البلدية .ومن خ�لال فرقة «�إ� �ش��راق» ق َّدمنا �أع�م��ا ًال مهمة يف امل �� �س��رح ،م�ث��ل م �� �ش��روع «ك��ل جمعة مع امل�سرح» .كان هناك مهرجان كبري تنظمه البلدية ،و�أع��ددن��ا برناجم ًا للم�شاركة فيه ولكن املهرجان مل ُي�ق��م .وكنا ق��د �أع��ددن��ا م�سرحية بعنوان «العائلة املزدحمة» تناق�ش الكثافة ال�سكانية ،و�أخ��رى بعنوان «العر�س احلزين» تناق�ش �إطالق النار يف احلفالت. وبعد ف�شل املهرجان اقرتحنا على م�ساعدية ال�ش�ؤون الثقافية للبلدية يف الأحواز �أن نقدم م�سرحيات كل جمعة حتت عنوان «امل�سرح املفتوح» �أو م�سرح ال�شارع .وعلى امتداد 20 �أ�سبوع ًا ق َّدمنا �أعمالنا ،وهي �ست م�سرحيات قدمناها يف ثماين مناطق من الأحواز.
لقد �أكلت ملحكم وخبزكم
كان ح�ضور امل��ر�أة ،وما يزال� ،صعباً يف امل�����س��رح ب�سبب رف�����ض ال��ع��ائ�لات وك��ذل��ك ب�����س��ب��ب رف�����ض اجل���م���ه���ور ،ف��ه��ل واج��ه��ت��م مثل هذه املواقف؟ خ�ص�صتُ بعد تقدمي درو�س امل�سرح للرجال َّ
�صفوف ًا للفتيات .ك��ان��ت ه�ن��اك ف�ت��اة جتيد التمثيل ،ولكنها ال ت�ستطيع امل���ش��ارك��ة يف امل�سرحية لأ�سباب عائلية .يف �أح��د الأي��ام طرقت باب �أ�سرتها ،وكان يجل�س �إىل جانبي والدها و�أخوها و�أمها وعرفتهم بنف�سي� ،أكلت معهم وقلت لأبيها :لقد �أكلت ملحكم وخبزكم، و�أطلب منك �أن ت�سمح البنتك بالتمثيل معنا، فقال :متثل معك �أن��ت فقط ،لأنني عرفتك ووثقت بك .ومثلت معنا ثالث م�سرحيات .ويف �إحدى م�سرحياتنا كانت واحدة من ممثالتنا على امل�سرح ،و�أخوها كان و�سط جمهور يقارب ي�سب عدده � 1500شخ�ص ،و�سمع �أحد احل�ضور ُّ �أخته فحدث �شجار بينهما .وعلى الرغم من هذه احلادثة �أكملنا امل�سرحية ،لأن اجلمهور ك��ان متعط�ش ًا للم�سرح .واجهنا م�شكالت �أحيان ًا �أدت �إىل توقف بع�ض املمثالت ،لكن يف ذلك الزمان كان هناك �شوق ورغبة يف العمل بامل�سرح .كنا جند �أمامنا ثمار عملنا.
م�سرح للأطفال وجمهور ال يدفع
ح��ق��ق��ت ق���ف���زة ن��وع��ي��ة ب��ت��ق��دمي �أع���م���ال م�سرحية للأطفال ،فمن �أي��ن ج��اءت هذه الفكرة ،وهو امل�سرح ال�صعب الذي ال يكتفي بالكوميديا؟ كانت الفرقة التي تقدِّ م م�سرحيات للأطفال ت�ضم فتيات فقط .وكما ذك��رت ل��ك ،كان هدفنا يف هذه احلالة هو �إظهار �أكرب عدد من املمثالت .وقد بد�أت الفكرة مع اقرتاح ب�إن�شاء م�سرح للطفل ،ق َّدمتُه �إىل �إح��دى م��در��س��ات ال��رو��ض��ة ال�ت��ي ك��ان��ت ت��در���س يف
..وم�شهد �آخر من امل�رسحية
�صفوف امل�سرح معنا ،ومثلنا �سوي ًا. هناك نوعان من امل�سرح يف ه��ذا اجلانب: «م�سرح للطفل» و«م�سرح الطفل» .الأول ميثل فيه الكبار ويقدمون الإر�شادات� ،أما الثاين- م�سرح الطفل -ف�إن من يقوم بالتمثيل فيه هو الأطفال .وقد ق َّدمنا النوعني مع ًا ،لأننا �أردنا �أن يكون الأطفال قاعدة م�سرحية لنا ،و�أردنا �أي�ض ًا تقدمي م�سرح �إر�شادي للطفل .كنا يف تلك الظروف نتعامل مع �أر�ض الواقع ،فكنا نلبي ما تطلبه منا البلدية مث ًال .كذلك كنت �أكتب الن�صو�ص ح�سب طاقات املمثل �أحيان ًا، وح�سب م��ا �أع ��رف م��ن ق��درات��ه اجل�سمية واحلركية وال�صوتية. م���ن ب�ي�ن �أع���م���ال���ك امل�����س��رح��ي��ة ،م���ا هي الأعمال التي حتتل مكانة خا�صة يف نف�سك؟ �أعتز ب�صورة خا�صة مب�سرحية «حكاية من ال��ري��ف» ،وك��ان��ت فكرتها ملحمد من�صوري والإخراج له �أي�ض ًا ،ولكني كنت الوحيد القادر على معاجلة الن�ص «ه��ذا م��دح لنف�سي!»، وط��وال �أ�سبوع قدمنا العمل يف قاعة املدينة مرحب ًا بها ،وكان عام ،2004وكان اجلمهور ِّ يح�ضر يومي ًا مائتان �أو ثالثمائة م�شاهد� .أعتز كذلك مب�سرحية «ميزان العدالة» التي كنت كاتبها وممثلها وخمرجها ،و�سعيت فيها �أن �أط ِّبق �أ�صول امل�سرح ومتر َّنا عليها ثالثة �أ�شهر، وانعك�ست �أ�صدا�ؤها يف ال�صحافة املحلية. ج���م���ه���ورن���ا ال ي����دف����ع م���ق���اب���ل دخ����ول امل�سرح� ،ألي�س هذا خط�أ؟
بالت�أكيد .لو كان اجلمهور يدفع مقابل ح�ضور امل�سرحيات ،ملا ت� َّأخر م�سرحنا وت�أ َّزم .لو �شعر كثري من املمثلني والكتاب �أن هناك مردود ًا مالي ًا لأخذوا الأمور بجدية �أكرث.
لكنهم مل يكتبوا عنَّا
ك��ي��ف ت���ق���ر�أ واق����ع امل�����س��رح ال��ع��رب��ي يف الأحواز الآن؟ ل �ي ����س ه �ن��اك م �� �س��رح ،ع �ل��ى ال ��رغ ��م من امل�ه��رج��ان��ات واالح �ت �ف��االت .جتتمع الفرق امل���س��رح�ي��ة يف امل���دن خ�ل�ال امل�ه��رج��ان��ات كيفما اتفق ،وتقدم عرو�ض ًا هزيلة متثي ًال و�إخراج ًا ،واملهم لديها هو امل�شاركة ليقال ع��ن �أع���ض��ائ�ه��ا �إن �ه��م م���س��رح�ي��ون .جل��ان التحكيم يف حاالت كثرية مل تكن تعلن عن ف��وز �أح��د باملراكز الأوىل ل�سوء امل�ستوى، وكانت تكتفي بالتكرمي .العر�ض امل�سرحي يجب �أن ُيعر�ض على النا�س يف القاعات بعد املهرجان. كتبت امل�سرح واملقاالت والتغطيات التي تتعلق بامل�سرح واحل����وارات �أي�����ض��اً ،فما هي الأ�سباب التي دعتك �إىل ذلك؟ كنت �أ�سعى �إىل توثيق جتربتي اخلا�صة، و�أول م �ق��االت��ي ك��ان ب �ع �ن��وان «يف �أج ��واء اخل�شبة» ،ع��ام ،2004وه��و يقدم نظرة موجزة حول الإخراج امل�سرحي ،وحتى هذه اللحظة مازلت �أكتب و�أن�شر يف ال�صحف وعلى �شبكة الإنرتنت ،ومن �آخر ما ن�شرته لقاء ودي مع الفنان ر�ضا فيا�ضي.
ل��ك جت��رب��ة ك��ذل��ك يف ت��رج��م��ة ن�صو�ص �ألف ليلة وليلة �إىل الفار�سية ،ماذا عنها؟ مع �أول �صدور جلريدة الأحواز �سنة 1999م اتفقنا مع �سعيد �آل �صقور �أن نكتب ،ولكن احلقيقة هي �أن ال�صدفة �أي�ض ًا لعبت دورها، وجدنا الكتاب عند �أبو ن�صار وقلنا لأنف�سنا لنرتجمه من اللغة العربية �إىل اللغة الفار�سية ونطبعه يف جريدة الأح��واز ،وهي مترين لنا لكتابة امل�سرح وكتابة للجريدة. ر�ضا فيا�ضي م��ن امل�سرحيني املهمني يف �إيران� ،أال تعترب جتربته قوية يف امل�سرح مما يناق�ض ما ذكرته عن �ضعف امل�سرح العربي؟ ممن مثل بالن�سبة �إىل ر�ضا فيا�ضي وغريه َّ و�أخرج للم�سرح ،ف�إنهم مل يكونوا على �صلة بنا وباملكان .لدينا ممثلون يف الدول العربية امل�ج��اورة مثل الكويت ،ولكنهم مل يت�أثروا مبجتمعنا ومل ي�ؤثروا فيه� .صحيح �أن ر�ضا فيا�ضي من مواليد الأحواز ون�ش�أ فيها ،و�أنه هاجر �إىل طهران وهو يف الثالثة والع�شرين، ولكن كل ما قدمه كان يف طهران .مل ُين�شئ م�سرح ًا هنا ،مل يخلق م�سرحيني هنا ،مل يكتب ع�ن��ا .مل يكن ه��ذا ��ش��أن��ه وح ��ده ،بل كان �ش�أن كثريين مثله �سواء يف حمافظات �أخ ��رى داخ ��ل اجل�م�ه��وري��ة الإ� �س�لام �ي��ة �أو خ��ارج البالد ،لي�س لديهم �صلة مب�سرحنا وخا�صيته اللغوية والثقافية يف حمافظتنا خوز�ستان «الأح� ��واز»� .إنهم ينتمون لهذه املنطقة حق ًا ،لكنهم منقطعو ال�صلة بها من ناحية امل�سرح وفعالياته
روزنامة 132 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
تعددت الأ�سماء والق�صد واحد
المسحراتي في بالد العرب القاهرة -عمر �إبراهيم
يتميز �شهر رم�ضان بالكثري من العادات والتقاليد �أهمها �شخ�صية «امل�سحراتي» الذي يطوف الأحياء «�شارعاً وحارة» قبل �أذان الفجر مردداً الأنا�شيد واالبتهاالت التي توقظ النائمني. وهو يعتمد على «الطبلة والع�صا» �أثناء عمله يف ال�شهر الكرمي ،وهي مهنة �شعبية تراثية تقاوم االنقرا�ض وحتاول التم�سك بال�صورة التقليدية القدمية واملحببة �إىل اجلميع يف ليايل رم�ضان املباركة، بعيداً عن الو�سائل احلديثة يف اال�ستيقاظ كاملنبهات واملوبايالت.
وامل�سحراتي هو ال�شخ�ص الذي يقوم بعملية �إيقاظ النا�س من النوم لي ًال لتناول وجبة ال�سحور قبل �أذان الفجر يف �شهر رم�ضان، وجاءت هذه املهنة مع الإ�سالم ،فقد حر�ص امل�سلمون على طعام ال�سحور ،متم�سكني باحلديث النبوي ال�شريف «ت�سحروا ف��إن يف ال�سحور بركة» ،ويف عهد الر�سول حممد �صلى اهلل عليه و�سلم كان امل�سلمون يعرفون وق��ت ال�سحور ب� ��أذان ال�صحابي «ب�لال بن رب��اح» ويعرفون االمتناع ع��ن الطعام� ،أي الإم�ساك ،ب ��أذان ال�صحابي «عبد اهلل بن �أم مكتوم» ،فقد قال الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم �إن «ب�لال ي ��ؤذن بليل فكلوا وا�شربوا حتى ي�ؤذن �إبن �أم مكتوم».
م�سحراتي الع�صر العبا�سي
يف الع�صر العبا�سي يف م�صر ظهرت وظيفة امل�سحراتي على يد وايل م�صر «عتبة بن �إ�سحاق» ،فهو �أول من طاف �شوارع القاهرة ل�ي� ً لا يف رم�ضان لإي �ق��اظ �أهلها لل�سحور ً �سائرا على قدميه من مدينة الع�سكر يف الف�سطاط حتى جامع عمرو بن العا�ص.
تختلف مسميات القائم بمهنة إيقاظ الناس للسحور على امتداد الوطن حر، العربي فهو مس ّ ومسحراتي ،وأبوطبيلة ويف الع�صر العبا�سي يف ب�غ��داد بالعراق كان «ابن نقطة» �أ�شهر من عمل بالت�سحري، ح�ي��ث ك��ان م��وك� ً لا �إل �ي��ه �إي �ق��اظ اخلليفة «النا�صر لدين اهلل العبا�سي» ،وكان يتغنى ب�شعر ي�سمى «ال�ق��وم��ا» ،وه��و �شعر �شعبي له وزنان خمتلفان وال يلتزم بقواعد اللغة العربية و�سمي «القوما» لأن��ه ك��ان ينادي «يا نياما قوما ..قوما لل�سحور قوما» ،وقد �أعجب اخلليفة به و�أم��ر ب�إعطائه مكاف�أة �سنوية. ويف مكة املكرمة كان امل�سحراتي «الزمزمي» �أ�شهر من توىل مهنة الت�سحري يف �صومعته ب�أعلى امل�سجد ومعه �أخوان �صغريان وكان يقول «يا نياما قوموا لل�سحور» ويديل حب ًال
فيه قنديالن كبريان فمن مل ي�سمع النداء يرى النور.
امل�سحراتي يف الع�صر الفاطمي
يف ع�صر الدولة الفاطمية «968هـ 1171 -م» مب�صر �أم ��ر احل��اك��م ب ��أم��ر اهلل الفاطمي جنوده ب�أن ميروا على البيوت ويدقوا الأبواب ليوقظوا النائمني لل�سحور ،ومع مرور الأيام وال�سنوات تطورت املهنة على يد �أهل م�صر، حيث ابتكروا «الطبلة» ليحملها امل�سحراتي ليدق عليها وت�سمى الطبلة بـ «البازة» ،وهي �صغرية احلجم وخفيفة الوزن. ً وي�ستغرق امل�سحراتي وقت ًا طويال ليطوف حول البيوت يف ال�شوارع واحل��ارات ،لذلك يقوم بالت�سحري كل م�سحراتي يف منطقته ح�سب الو�ضع اجلغرايف املتفق عليه.
امل�سحراتي تراث �شعبي
مهنة امل�سحراتي يعمل �صاحبها �شهر ًا واحد ًا يف ال�سنه وهو �شهر رم�ضان ،وال يرتبط ب�أجر معلوم �أو ثابت فهو يعتمد على م��ا مينحه النا�س من مبالغ مالية �أو عيديات «هبة»
روزنامة 134 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
امل�سحراتي يف م�رص
كالقمح �أو الكعك �أو خالفة كل �صاحب بيت ح�سب ق��درات��ه ،وي�ح��اول املهتمون بالرتاث التقليدي �إعادة ال�صورة القدمية للم�سحراتي مبالب�سه التقليدية و�صوته العذب عن طريق ع��ر���ض �أع �م��ال درام �ي��ة م�سرحية تظهره
..ويف اليمن
«ابن نقطة» أشهر من عمل بالتسحير في العراق حيث كان موك ً ال إليه إيقاظ الخليفة الناصر ب�أ�شعاره مرتدي ًا اجللباب ومم�سك ًا ب�أدواته. وت�خ�ت�ل��ف م���س�م�ي��ات ال �ق��ائ��م ب �ه��ذه املهنة على ام�ت��داد ال��وط��ن العربي ،ب�ين م�سحر، وم�سحراتي� ،أبوطبيلة ،وغريها ،كما تختلف العبارات التي ي�ستخدمها ،ومن �أ�شهر تلك العبارات يف الوطن العربي:
ال�سعودية
ي��وق��ظ امل �� �س �ح��رات��ي يف امل �م �ل �ك��ة ال�ع��رب�ي��ة ال�سعودية النائمني بقوله« :ربي قدرنا على ال�صيام و�أحفظ �إمياننا بني القوم».
املغرب
يقوم امل�سحراتي ب��ارت��داء ال��زي التقليدي ال�شعبي ويدق �أبواب البيوت بالع�صا ليوقظ النائمني ا�ستعداد ًا لل�سحور.
اليمن
يقوم امل�سحراتي بدق �أبواب املنازل بالع�صا وينادي على �أهلها قائ ًال« :قوموا كلوا».
ال�سودان
يطرق امل�سحراتي البيوت ومعه طفل �صغري
يحمل فانو�س ًا ودف�ت�ر ًا به �أ�سماء �أ�صحاب البيوت حيث ينادي عليهم ب�أ�سمائهم قائ ًال: «ياعباد اهلل وحدوا الدامي رم�ضان كرمي».
عمان
يوقظ امل�سحراتي النائمني على واقع الطبلة �أو بالناقو�س وهو يقول« :يا نائمني الليل قوموا ت�سحروا ..يا م�سلمني ال�سحور يا �صائمني».
ال�شام
امل�سحراتي يف �أهل ال�شام له طقو�س خا�صة حيث يقوم بالت�سحري على �أن�غ��ام العيدان وال�صفافري وين�شد الأغ��اين اخلفيفة ،ويف املا�ضي كان امل�سحراتي يف �أهل ال�شام ي�صعد �ال وي�صيح ب�أعلى �صوته« :يا �إىل مكان ع� ٍ �سامعني ذكر النبي على امل�صطفى �صلوا لوال النبي ما اتبنى جامع وال �صلوا». وي �ب��د�أ امل�سحر يف ب�لاد ال�شام جولته قبل موعد الإم�ساك ب�ساعتني ،يحمل طبلته بحبل يف رقبته فتتدىل �إىل �صدره ،يرافقه �شخ�ص �آخ��ر يحمل ال�ف��ان��و���س ،فيقف عند �أب��واب بع�ضهم وي�صيح با�سمه ليوقظه .ويردد �أثناء جتواله بني الأزقة عبارات خمتلفة تتنا�سب وحد الدامي، مع �شهر رم�ضان منها « :يا نامي ّ يا نامي وحد ربك ،يا نامي قوم ل�سحورك» �أو « �سحور يا عباد اهلل ،وعلى النبي ما �شاء اهلل، وال �إله �إال اهلل». يلحق بامل�سحر �أحيان ًا بع�ض الأوالد مي�شون
..ويف ال�شام
..ويف اخلليج
خلفه ويداعبونه �إما برتديد �أنا�شيده �أو �أنهم يعمل المسحراتي يعاك�سونه ب�إن�شاد �أغان يبتكرونها هم مثل :شهر ًا واحد ًا في السنه «�أبو طبلة مرتو حبله» �أو « �أوم ل�سحورك �إجا و يعتمد على ما يمنحه القط يزورك» �أو غري ذلك. الناس له من عيديات
وكان للم�سحر ثالث جوالت� :إحداها يومية ت�شمل كل احلي لإيقاظ النا�س وقت ال�سحر، والثانية يومية ت�شمل بع�ض الأحياء بالتناوب جلمع الطعام وامل�ساعدات ،وي�صطحب معه يف هذه اجلولة م�ساعد ًا ليحمل �سلة وبع�ض الأط �ب��اق لو�ضع م��ا جت��ود ب��ه العائالت من �أطعمة .لذلك يرتدد على �أل�سنة النا�س املثل ال�شعبي الذي يقول "مثل �أكالت امل�سحر" ملن ي�ضع يف طبقه عدة �أن��واع من الطعام دفعة واح��دة .و�أ�صبح النا�س اليوم يجودون باملال بدل الطعام ،فهو الأف�ضل� .أما اجلولة الثالثة للم�سحر فكانت �أيام العيد جلمع «العيديات» من النا�س .وترافقه يف هذه اجل��والت طبلته التي هي مبثابة هويته اخلا�صة. يرتحم بع�ض امل�سحرين اليوم على �أيام زمان لأن فيها خ�ير ًا وب��رك��ة ،وك��ان��ت الأعطيات كثرية؛ بينما يقول البع�ض الآخ��ر« :ال تزال الدنيا بخري».
وال�ع���ص��ا وم � ��ردد ًا «ا� �ص �ح��ى ي��ا ن ��امي وح��د ال��دامي» ،وهي مقطوعة من �أ�شعار ال�شاعر «ف��ؤاد ح��داد» ،وغناها املبدع «�سيد مكاوي» مبا يعرف بامل�سحراتي و�أ�صبحت من �أهم الأنا�شيد يف ال�شهر الكرمي. يقول يف مطلعها: �أول م��ا ن �ب��دي ال �ق��ول ن���ص�ل��ي ع�ل��ى النبي امل�صطفي �سيد ولد عدنان. ا��ص�ح��ى ي��ا ن��امي ..وح��د ال ��دامي ..وق��ول ن��وي��ت ب�ك��ره �إن حييت ..ال�شهر ��ص��امي.. وال�ف�ج��ر ق��امي ..ا��ص�ح��ى ي��ا ن��امي ا�صحى وحد الرزاق ..رم�ضاااااااان كرمي. الرجل تدب مطرح ما حتب ..و�أنا �صنعتي م�سحراتي يف البلد جوال.
منظومات لوداع ال�شهر
م�صر «عتبة بن إسحاق» تتوارثها مهنة أ�صبحت � م�صر يف امل�سحراتي والي مصر في العصر الأجيال يف الأحياء وامل��دن ال�شعبية ويظهر مرتدي ًا اجللباب التقليدي ومم�سك ًا بالطبلة العباسي هو أول من طاف شوارع القاهرة إليقاظ أهلها للسحور
وعندما يقرتب �شهر رم�ضان م��ن ال��وداع يبد�أ امل�سحراتي يف �صياغة منظومات الع�شر الأواخ ��ر من لياليه وي �ق��ول«:ال �أوح ����ش اهلل منك يا �شهر ال�صيام».. «ي� � ��ا م � ��ن حت � ��ل ب � ��ذك � ��ره ع� �ق ��د ال� �ن ��وائ ��ب وال�شدائد ..يا من لديه امللتقى و�إليه �أمر اخللق عائد». ويف الثالثة �أيام الأواخر من ال�شهر ،ي�ستعد امل�سحراتي لكعك العيد مردداً: �أنا امل�سحراتي جيت �أطبل لكم يف كل ليلة يل علي كل بيت ويل عيديه عندكم كل عيد �آجي �أ�صحيكم و�أنتم نيام �أحياكم املويل كل عام و�أحكي حكاية الفار و�أقول ق�صته زكاة �صيامك عليك واجب تطلعها حافظ �أ�ساميكم �صغري مع كبري �إللي يف الذمة خرج للفقري الكعك وكفوف ال�شريك والفطري وقت ال�سحر عن كل خري غافلني �أنا امل�سحراتي جيت معاي طبلتي وما جري بينه وبني القط يوم وقعته ما دمت قادر عليها ليه بتمنعها طهر بها نف�سك من بخلك وادفعها
حرف تقليدية 136 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
ال�صعيدي �أف�ضل من البلدي و�أقوى
أقفاص جريد النخل في رشيد..
صناعة صامدة أمام غزو الورق والبالستيك ر�شيد -عبده الزرّاع: تتميز الثقافة املادية بقدرتها على التعبري عن البيئة التي ن�ش�أت فيها، وقدرتها �أي�ضاً على التطوير لكي تواكب معطيات الع�صر ،وت�ستفيد منه وت�ستمر .وت�أتي �صناعة «الأقفا�ص» من جريد النخل ،ك�أحد مفردات هذه الثقافة باعتبارها «حرفة» ي�شتغل بها العديد من �أفراد وفئات ال�شعب امل�صري. وت�شتهر مدينة «ر�شيد» مبحافظة البحرية بجمهورية م�صر العربية ،بقدم وجود هذه احلرفة التقليدية بني �أفرادها ،وا�شتغالهم بها لدرجة �أن معظم �أهايل هذه املدينة بل وامل��دن والقرى القريبة منها �أو التابعة لها مثل :برج ر�شيد وبرج مغيزل ،ومعدية ر�شيد يف ال�ضفة الثانية من النهر «يتبعان حمافظة كفر ال�شيخ» كانوا يعملون يف هذه احلرفة، لأن هذه احلرفة ـ ال�صناعة ـ قائمة على وجود النخيل بها ،وه��ذه املناطق ال�سابق ذكرها
ت�شتهر بزراعة النخيل �إذ يوجد بها ما ي�شبه غابات النخيل ،ويعترب مو�سم جني البلح من �أهم املوا�سم �إذ يرتتب عليه رواج اقت�صادي لأهل هذه املنطقة. وتتميز �صناعة الأق�ف��ا���ص بدقة ال�صنعة، ومهارة ال�صانع ،وقدرته على �إنتاج عدد كبري من الأقفا�ص خالل �ساعات عمله اليومي، وهذا �أدي بدوره �إىل وجود رواج اقت�صادي يف هذه املدينة �آنذاك. ونتيجة للمتغريات املجتمعية واالقت�صادية
حرف تقليدية 138 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
ل��ذا عمل معظم �أه��ايل ه��ذه املدينة بهذه احلرفة ،وكان يوجد بها الكثري من الور�ش اخلا�صة بهذه ال�صناعة ،والتي �أخ��ذت يف االن �ق��را���ض نتيجة ل�صعوبة ه��ذه احلرفة وم�ت��اع�ب�ه��ا ال �ت��ي ال تتنا�سب م��ع معطيات الع�صر ،لأن�ه��ا غ�ير مربحة مبقيا�س هذا الزمن ،واجت��ه النا�س �إىل �صناعات �أخرى ومهن �أخرى وتركوا هذه ال�صنعة. توجهت جملة «ت ��راث» �إىل �إح ��دى الور�ش ال�صغرية التي مازالت تعمل يف تلك املهنة، مبدينة ر�شيد ،والتقت باحلريف حممد فكرى بي�صار ،وكان هذا احلوار:
والتكنولوجية وال�سيا�سية ،وال�ت��وج��ه �إىل �صناعة «الكراتني» الورقية ل�سهولة �إنتاجها وقلة تكلفتها� ،شهدت هذه احلرفة انح�سار ًا وباتت مقت�صرة على عدد قليل من احلرفيني وال�صناع املهرة الذين ما زالوا يعملون ب�صرب ومثابرة وح��ب لهذه احلرفة التي يهددها الع�صر احلديث باالندثار. مت اختيار مدينة «ر�شيد» مبحافظة البحرية، كمنطقة بحث باعتبار �أن هذه املدينة من �أقدم املدن امل�صرية فى �صناعة «الأقفا�ص»
لأن هذه ال�صناعة قائمة ب�شكل �أ�سا�سي على «اجلريد» امل�ستخل�ص من النخيل ،وحيث �إن مدينة «ر�شيد» ت�شتهر بزراعة النخيل ب�شكل كبري ويوجد بها العديد من الغابات النخلية،
إختيار مدينة رشيد كمنطقة بحث لكونها أقدم المدن المصرية في صناعة «األقفاص»
م��ا امل�ن�ت��ج ال� ��ذى ت���ص�ن�ع��ه الآن يف ه��ذه الور�شة من جريد النخيل؟ �أق��وم ب�صنع الأق�ف��ا���ص �صغرية م��ن جريد النخيل ،وه��ذه الأقفا�ص يو�ضع فيها جميع �أنواع الفواكه من برتقال ،وكمرثى ،ورمان، وتفاح ،وخوخ ،ولكنها ت�ستخدم �أكرث فى تعبئة الربتقال واع ��داده للت�صدير ،وف��ى مو�سم جمع الربتقال تُطلب منا كميات كبرية من الأقفا�ص� ،أم��ا ال�سنوات التي ال يكون فيها ت�صدير يقل الطلب على الأقفا�ص ويحدث ركود كبري لل�صنعة ،وال يطلب منا �إال �أعداد قليلة من الأقفا�ص لال�ستخدام املحلي داخل املدينة �أو املدن والقرى املجاورة. وي�ضيف قائ ًال :هناك نوع �آخر من الأقفا�ص ي�سمى املزدوج ،وي�ستخدم يف تعبئة الفواكه حلفظها وتخزينها فى الثالجات الكبرية لالحتفاظ بها بعد امل��و��س��م ،وتتميز هذه الأقفا�ص مبتانتها وق��وة حتملها ،وقدرتها على التهوية اجل �ي��دة ،ب��د ًال م��ن الكراتني الورقية التي ال تتحمل الرطوبة والبلل فرتة
طويلة ،وغري جيدة التهوية. حدثنا عن طريقة الت�صنيع؟ �أح���ض��ر اجل��ري��د امل �ع��د للت�صنيع و�أ��ض�ع��ه �أمامي و�أقوم بتقطيعه ح�سب مقا�س القف�ص املطلوب ،وبعد التقطيع يتم ت�صفية القف�ص �أي «عمل ت�صميمه» ،وخ �ط��وات الت�صنيع تتمثل يف الآت ��ي :التقطيع ،ث��م التف�صيل، ثم الت�صفية ب�آلة ح��ادة ،والنقط «عالمات ال��ت��خ��رمي» ،وت��و� �ض��ع ال �ع �ي��دان «يف م�ك��ان العالمات» با�ستخدام �آلة «التقيلة» وهى �آلة لل�ضرب على الأداة الثابتة ،و�آل��ة «اللقط» وه��ى �أداة ال�ت�خ��رمي .والقف�ص يتكون من اثنني «م��رب�ع��ة» ،تو�ضع لعمل ق��اع للقف�ص وعمل الدواير ،القي�صار ،العيدان. وعن �سعر القف�ص قال :يرتاوح �سعر القف�ص الواحد من جنيه �إىل جنيه ون�صف للقف�ص الفردي �أم��ا القف�ص امل��زدوج في�صل �سعره من جنيه ون�صف �إىل جنيهني ما امليزات التي يجب �أن يتحلى بها �صانع الأقفا�ص؟ لأن ال�صنعة �شاقة وت�أخذ مراحل ع��دة يف ت�صنيع القف�ص ،لذا البد و�أن يتحلى احلريف بال�صرب وال��دق��ة يف ال�صنع وم�ه��ارة عالية لإجناز �أكرب عدد من الأقفا�ص يف اليوم حتى ي�أتي بالعائد املرجو منها. وماذا عن �أحوال حريف الأقفا�ص يف ظل هذه الظروف؟ حال �صنايعي الأقفا�ص بالطبع قد تدهور كثري ًا مع تدهور املهنة ،وبعد ما كان معظم
صانعو األقفاص: الصنعة شاقة والبد أن يتحلي الحرفي بالصبر والدقة �أه��ايل املدينة يعملون يف �صناعة الأقفا�ص ت��رك��وه��ا و�أ��ص�ب�ح��وا يعملون ف��ى �صناعات �أخ��رى ،ت��در عليهم ربح ًا �أك�بر من �صناعة الأقفا�ص ،ولأن التطور العلمي �أدى �أي�ض ًا �إىل تدهورها فقد دخلت �صناعة الكراتني الورقية والبال�ستيكية وهى �أرخ�ص و�أخف و�أ�سهل يف اال�ستخدام ،وع��دم وج��ود ت�أمني على العمالة ،فال يوجد معا�ش وال ت�أمينات وبذلك رف�ض ال�شباب العمل فيها ،لرخ�ص ثمن القف�ص الذى ي�ؤدي �إىل �ضعف الدخل، فال�صنايعي ال ي�ستطيع �أن ي�صنع ف��ى �أي حال من الأحوال �أكرث من �أربعني قف�ص ًا فى اليوم الواحد ،وهناك من ي�صنع ع�شرين �أو خم�سة وع�شرين قف�ص ًا بداية من ال�ساعة ال�سابعة �صباح ًا حتى ال�ساعة احلادية ع�شرة ل�ي� ً لا ،وي�سلم ال�صنايعى القف�ص العادي ل�صاحب الور�شة مببلغ 60قر�ش ًا ،والقف�ص �أبو عر�ضتني ي�سلمه مببلغ 75قر�ش ًا ل�صاحب الور�شة ،حيث يباع ح�سب ال�سوق وال يزيد ثمن القف�ص �أبوعر�ضتني عن 2جنيه. كيف حت�صل على اجلريد ال��ذى ت�صنع منه الأقفا�ص؟ خامات الت�صنيع هي خامات طبيعية نح�صل عليها من جريد النخيل ،وهما نوعان الأول: الأخ�ضر لعمل الأقفا�ص .والثاين :اجلريد النا�شف لعمل العيدان ،وهو متوفر فى ر�شيد فى موا�سم قبل البلح ،وبعد البلح ،وفى بع�ض
�أدوات ال�صناعة تتعدد الأدوات التي ت�ستخدم يف �صناعة الأقفا�ص ومنها: ال�صدر :وهي الآلة احلديدية التي ت�ستخدم يف عمليات تقطيع اجلريد �إىل الأجزاء والأ�شكال امل�ستخدمة يف ال�صناعة. امل�سيف :وهو الذي ي�ستخدم يف عملية تق�شري اجلريد. م�سمار العالم :وهو الآلة احلديدية التي ت�ستخدم يف عالم التخرمي. اللقط :ما�سورة من احلديد ت�ستخدم يف عملية التخرمي الوا�سع الرقيق :ما�سورة من احلديد ت�ستخدم يف عملية التخرمي ال�ضيق التقيلة :قطعة من اخل�شب للطرق بها على ما�سورة «التخرمي» اخلفيفة :قطعة من اخل�شب لدق العيدان.
الأحيان نح�صل عليه من خ��ارج ر�شيد من حقول ال�صعيد. ما هي �أنواع اجلريد؟ اجلريد نوعان ،الأول هو اجلريد البلدي :وله موا�سم تبد�أ من �شهر يناير وي�ستمر ثالثة �شهور وي�سمي «م�سح البلح» بعد جني البلح، و�أنواعه هي� :سماين ـ حياين ـ زغلول ـ بنت عي�شه ..و�أف�ضل الأن��واع بالن�سبة للعمل هى ال�سماين ،لأن ثمرته قوية ،وبالن�سبة للعيدان فت�صنع من احلياين وبنت عي�شه ،وفيه موعد �آخ��ر للجريد البلدي ف��ى �شهر يونيه بعد «مايدكروا» النخل وي�سموه «الرواط». �أما النوع التاين :ي�سمى «ال�صعيدي» وي�أتي من ال�صعيد �أو من القاهرة وي�ستخدم �أي�ض ًا يف عمل الأق�ف��ا���ص ،وه��و �أف�ضل و�أم�ت�ن من البلدي ،لكن البلدي �أف�ضل يف الثمن لأنه �أرخ�ص من ال�صعيدي ،و��س��واء البلدي �أو ال�صعيدي االثنني ي�ستخدمان فى الغر�ض نف�سه ،وك��ل ج��ري��دة ولها �شغلها يف �صنع القف�ص
ألعاب شعبية 140 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
جنحت الإمارات يف حتويلها �إىل فن جماهريي
اليولة .. احتفالية طقوسية بالنصر على العدو
د -نوري املرادي «اليوله» �أو «اجلولة» واحدة من الألعاب العائدة الآن بقوة �إىل احلياة يف املجتمع الإماراتي. واملفهوم عندي �أن كل حركة جماعية على �أر�ض ميدان هي ا�سرتخاء �أو عر�ض؛ ف�إن زادت وترية حركتها واحتكمت �إىل قوانني متعارف عليها م�سبقاً ت�صبح لعبة؛ وحني تخ�ضع هذه اللعبة ل�ضبط �إيقاعي ت�صبح رق�صاً. لكن من متابعاتي لعدة �سباقات عرب البث املرئي الإماراتي يف اجلولة ،انتبهت �إىل �أن اليولة �ض ّيعت ال�صفتني؛ فال يقال �إماراتياً رق�صة اليولة ،وال يقال لعبة اليولة .و�س�ألت فتينب �أن �إلغاء ال�صفة متعمد نوعاً ما .فاليولة وحيث هي حمكومة بالإيقاع فال يجوز ت�سميتها لعبة .لكن م�صطلحاً من قبيل «راق�ص اليولة» غري دارج اجتماعياً �أو قلها غري م�ست�ساغ بعد ،ولهذا ال يقال رق�صة اليولة .ومن هنا ترك ا�سم «اليولة» يف الإمارات من دون متييز .وراق�ص اجلولة ي�سمى حملياً يو ّيل ،وهو ت�صغري لكلمة ي ّوال «ج ّوال».
واجل��ول��ة لغة هي ذه��اب وع��ودة مما ي�شكل � �س�ير ًا على �شبه دائ ��رة م�ع�ن��وي� ًا .واجل��ول��ة «اليوله» هي �إحدى رق�صات اخلليج العربي التي منها العيالة واحلربية والرزفة والليوا «ال �ه �ي��وا وال �ه �ب��ان وال �ط �ن �ب��ورة والأن��دمي��ة والتوبات وال�سوما .ويقال �إن �أ�صلها متفرع من رق�صة الرزيف البدوية .و�أقدم املالحظات املذكورة عن اجلولة الإماراتية كما -يقول الباحث عبداهلل حمدان بن دملوك -عمرها مئتي عام.
اليولة احتفالية بالن�صر
عنا�صر اجلولة الأ�سا�سية هي �إيقاع و�سالح وف �ت��ى ،وه��ي العنا�صر ال�ث�لاث��ة الأ�سا�سية للحرب �أو �صيد الوح�ش .واجلولة �إذن ،هي طق�س ن�صر على عدو �أو وح�ش مت ا�صطياده. وفيما بعد تو�سع مدلولها لي�شتمل العرا�ضة ال�ع���س�ك��ري��ة ق �ب��ل احل � ��رب� ،أو ع��را� �ض��ات االح �ت �ف��االت القبائلية وم��ن ث��م الوطنية. ويف كل احل��االت ،وابتهاج ًا بالنتيجة ،يدور ال�ف�ت�ي��ان امل�ن�ت���ص��رون ح��ول ج�ث��ة ال �ع��دو �أو الوح�ش ،و�سالحهم يف �أيديهم .وحني تدور جماعة ح��ول �شيء فالو�ضع املريح والأك�ثر �أم��ان � ًا �أن يكون ال�سالح موجه ًا �إىل خ��ارج دائرة الدوران «املور» ولي�س �إىل داخله .وحيث ال�ع��ادة �أن يحمل ال�سالح يف اليد ال ُيمنى، فهذه اليد �ستكون خارج املور بينما ال ُي�سرى متجهة �إىل مركزه .وبالنتيجة �سيكون املور عك�س اجتاه عقارب ال�ساعة حتم ًا. وك��ل ن�صر ت�صاحبه ع�برة ،حيث يتفح�ص املنت�صرون جثة العدو ال��ذي كان قبل قليل متجرب ًا� ،أو جثة الوح�ش الذي كان خطر ًا قبل حلظات ،وها هو الآن قد مات �أو يحت�ضر. وهي حلظة تفر�ض قدر ًا من القد�سية جتاه اجل�سد الطريح الذي يدور حوله املنت�صرون حاملني الأ�سلحة.
ق�صة الدوران
�أكاد �أجزم �أن هذا الدوران هو الذي ت�أ�صل يف النف�س و�صار تعبري ًا �أو م�صاحب ًا لزيارة
العناصر الجديدة التي أدخلها اإلماراتيون على اليولة نقلتها من رقص عراضة واسترخاء إلى فن له أصول معقدة الطوطم �أو ال��رم��ز امل�ق��د���س .وق��د ال �أك��ون م�صيب ًا ،لكن الوقائع ت�شري �إىل �أن اجتاه الطواف حول الرمز �أو الن�صب املقد�س يكون عك�س عقارب ال�ساعة دائم ًا. و�إذ مل تنزل �آي��ة حت��دد اجت��اه ط��واف احلج حول الكعبة امل�شرفة ،فهو �أي�ض ًا يتم عك�س ع�ق��ارب ال�ساعة .وال �ط��واف ك��ان على هذا االجت� ��اه م��ا ق�ب��ل اجل��اه�ل�ي��ة وخ�لال �ه��ا ويف الإ�سالم .والذي تغري فقط� ،أن حت ّول املُكاء �صاحب الطواف ما قبل «الفري» الذي قيل �إنه َ اجلاهلية �إىل ت�صفيق يف اجلاهلية ثم �إىل تلبية يف الإ�سالم. وباملنا�سبة ،وال�شيء بال�شيء يذكر ،فالوعي العام للب�شرية وموروثها الثقايف الذي نلم�سه
هو نتاج الن�صف ال�شمايل من الكرة الأر�ضية حيث يوجد الق�سم الأع�ظ��م م��ن الياب�سة. وق�صة اخللق تفيد ب�أن كل �شيء حي �أ�صله من امل��اء .تلك احلقيقة التي �أكدتها الآي��ة الكرمية "وجعلنا من امل��اء كل �شيء حي". وامل��اء ي�شكل 90%م��ن �أج�سادنا .وامل��اء يف الن�صف ال�شمايل م��ن ال�ك��رة الأر�ضية ح�ين مي ��ور ،وك��ذل��ك الإع �� �ص��ار ح�ين ينور، وب�سبب مغناطي�سية جزيئة املاء وب�سبب قوة كوروليو�س -فيزيائي ًا هو الت�شوه الظاهري يف حركة الأج�سام عندما ينظر �إليها من �إطار مرجعي دوراين ،فاجتاه مورهما يكون عك�س عقارب ال�ساعة� ،أي مثل الطواف حول الكعبة متام ًا. ومعلوم �أن اجتاه مور املاء والإعا�صري يكون مع عقارب ال�ساعة يف الن�صف اجلنوبي من الكرة الأر�ضية .ومل �أنتبه بعد �إىل اجتاه مور رق�صات ال�شعوب جنوب خط اال�ستواء� ،إمنا البد و�أن يكون عك�س عقارب ال�ساعة ،نتيجة مل�صدرية امل��وروث العام للب�شرية ال��ذي هو �شمايل الطابع ،ونتيجة لغلبة اليد ال ُيمنى على اليد ال ُي�سرى. وم��ن ال�تراث ال�شنعاري القدمي بقيت حتى ال�ي��وم رق�صة ال�سماع عند الإي��زي��دي�ين يف �شمال ال �ع��راق .وه��ي رق�صة طقو�سية تتم على �شكل مور جماعي عك�س عقارب ال�ساعة حول نار �أو حول جثة ثور مذبوح .وهي من رق���ص��ات االن�ت���ش��اء ال �ع��رف��اين .وغ��ال�ب� ًا ما ينتظم الراق�صون على �شكل �أربعة خطوط ت�شبه ال�صليب متام ًا وت��دور لتحاكي �أذرع ال��دوام��ات الكونية وم��ن ثم �أذرع املجرات. وك��ل دوام ��ة ح��رك��ة وك��ل ح��رك��ة ح�ي��اة .ومن رق�صة ال�سماع حتديد ًا ،وحيث كانت بالأ�صل ت�ؤديها الن�ساء ،ن�ش�أ ر�سم ال�صليب العادي، وال�صليب املعقوف الذي ي�سمى �سوا�ستيكا. و�أول �سوا�ستيكا معروفة موجودة على رقيم طيني من منطقة �سامراء عمرة 4000عام. ما �أعنيه عموم ًا هنا� ،أن اجتاه مور االنت�صار والعرا�ضات وما �إليه ،يكاد يكون مبني ًا يف وعينا من املوروث القدمي ،وهو عك�س عقارب ال�ساعة .ومن هنا فعن�صر امل��ور يف رق�صة
ألعاب شعبية 142 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
اليوله �إذا انتمى �إىل بقعة معينة ف��إىل كل الن�صف ال�شمايل من الكرة الأر�ضية.
�سالح اجلولة
و�سالح العرا�ضة �أو االنت�صار ميكن �أن يكون ع�ص ًا �أو �سيف ًا �أو رحم ًا �أو بندقية ،وال وطن حمدد للع�صا وال�سيف والرمح� .أما البندقية فقد ظهر ا�سمها لأول مرة يف بغداد يف بدايات الع�صر العبا�سي ،وب�شكل «قو�س ال ُبندق». وهو قو�س تربط يف منت�صفه ق�صبة �أزيلت حواجز عقدها ويتحرك فيها �سهم م�شدود �إىل وتر القو�س يكون مبثابة قوة الدفع لبندقة �صغرية تو�ضع يف فوهة الق�صبة. ً وث �م��رة ال�ب�ن��دق �أ��ش�ي��ع ا��س�ت�ع�م��اال يف قو�س البندق من النوى �أو احلجر ،ب�سبب �شكلها الكروي .وعندما ُيطلق الوتر يدفع ال�سهم الذي يدفع البندقة بقوة نحو الهدف .ومع ال �ت��داول ا�ستبدل اال� �س��م «ق��و���س البندق» باال�سم «ال ُبندقية» .وال�صينيون هم الذين ا�ستخدموا البارود كقوة لدفع البندقة «التي �صارت من النحا�س �أو احلجر ال�صوان» بدل ال�سهم و�أبدلوا الق�صبة العادية ب�أخرى من النحا�س .وكان حجمها كبري ًا وثقي ًال و�أ�شبه باملدفع� .إال �أن التطوير احلقيقي للبندقية جاء على يد العثمانيني .ومن هنا �أي�ض ًا فال من�ش�أ معني للبندقية التي هي �أحد متغريات العن�صر الثالث للجولة وهو ال�سالح.
م�صدر الإيقاع
اليولة بتقنيات �إماراتية حديثة
ال اتفاق نهائي على منشأ عراضة اليولة وهي موجودة على المستوى الشعبي في كل بلدان العالم تقريب ًا بل هي حقيقة موجودة على امل�ستوى ال�شعبي يف كل بلدان العامل تقريب ًا.
ً لي�س �شرطا �أن يعزف الإيقاع ب�آلة معينة مع مالمح فن اليولة يف الإمارات
اجلولة� ،إذ يكفي �أن ي�ضبط الإيقاع ب�ضرب الأر� ��ض ب��راح��ة ال�ق��دم اليمنى .وعموم ًا ال من�ش�أ حمدد للإيقاع ،رغم �أنه ورد لأول مرة يف الن�صو�ص املكتوبة ،يف ملحمة جلجام�ش، التي ذكرت �أن جلجام�ش ذاته حمل �آلتي ماكو وباكو .وهما -كما ترجمتهما �شخ�صي ًا وبنا ًء على �أ�س�س امللحمة ذاتها -املزمار والدربكة. وكلمة مكا �أ�ص ًال تعني �ص ّفر �أو ز ّمر .ومن كل ما جاء �أعاله ،ال ميكن �-أو �أنا ال �أ�ستطيع على الأقل� -أن �أحدد من�ش�أ معين ًا لعرا�ضة اجلولة،
لكن اليولة ب�شكلها ال��ذي ن��راه على البث امل��رئ��ي الإم ��ارات ��ي ه��و �إب� ��داع م��ن �صبيان الإمارات ح�صري ًا ،ف�ض ًال عن كونهم رقوها ففر�ضوا �إدخالها �إىل عامل امل�سابقات. وال �إمل��ام كثري يل بالرق�ص� ،إمن��ا ال �أ�شك �أن خمت�صي ال��رق����ص �سيوافقونني على �أن العنا�صر اجل��دي��دة التي �أدخلها �صبية الإم��ارات على «اليولة» معقدة ونقلت اليولة من رق�ص عرا�ضة وا�سرتخاء �إىل فن جتاوز
عقبات ما كان ملزم ًا جتاوزها. فعلى �سبيل امل �ث��ال ك��ان��ت ح��رك��ة اجل ��وال ال�سابق بطيئة وال ت�ؤ�س�س ل �ف��ارق ب�ين �أن يكون حافي ًا �أو منتع ًال .لكن ج��وال اليوم �سريع احلركة ويرق�ص حافي ًا ،الأم��ر الذي يجعل ت�شبثه بالأر�ض -وبالتايل ثباته خالل حركته ال�سريعة ومتايله -يعتمد على �إبهام القدم و�سرعة اال�ستجابة لتوجيهات التوازن ال� ��واردة م��ن ق ��رون اال�ست�شعار يف الأذن ال��داخ�ل�ي��ة .وك��ذل��ك فرق�ص امل ��ر�أة يفر�ض حمدودية حركة �ساقيها �أو يحتم اقرتابهما ليظهر جمال قدها من جهة ومن جهة �أخرى لي�سهل عليها حتريك اخل�صر واحلو�ض وما �إليه .بينما رق�ص الرجل يعتمد على طالقة حركة �ساقيه .لكن يف اليولة يرق�ص الفتى وه��و بالثوب التقليدي «الد�شدا�شة» الذي ي�ك��ون �ضيق ًا عند الركبتني وال�ق��دم�ين وال ي�سمح للما�شي بالكثري من احلركة فكيف بالراق�ص. وال ح��ري��ة ك�ب�يرة للجوال يف ح��رك��ة ر�أ��س��ه. فنظره يجب �أن يكون �أف�ق�ي� ًا �إىل الأم ��ام،
اليولة باتت جزءا ً من ن�شاطات املدار�س يف الدولة
ليظهر �أنه غري عابئ مبحيطه و�أن��ه يحرك �سالحه دومنا انفعال �أو اهتمام .وهو عن�صر جديد �أ�ضيف �إىل الرق�صة .لكن الأعقد من هذا كله هو تدوير ال�سالح ورميه. ف��ال���س�لاح امل���س�ت�خ��دم م��ن ق�ب��ل اجل��وال�ين احلاليني هو ر�شا�ش دمية يتنا�سب من حيث الأبعاد مع ج�سم اجلوال ليكون طول ن�صف الر�شا�ش �أقل قلي ًال من �ساعد اجلوال .ووزن الر�شا�ش ما بني �1إىل 2كيلوغرام .واجلوال يديره بقب�ضته ويف اجت��اه غالب ًا ما يكون عك�س عقارب ال�ساعة �أي�ض ًا .لكن �صبية الإم��ارات جعلوا �سرعة ال��دوران وثبات حموره على خط حمدد خالل الرق�ص �أحد �أهم �شروط الرباعة يف ال�صنعة .ولو ف�سرت ه��ذا الأم ��ر نف�سي ًا الف�تر� �ض �ت��ه م�ب�ن�ي� ًا ع �ل��ى ن��زع��ة اال�ستخفاف بال�سالح ،لدرجة �أن ال�صبي ال يهابه بل يديره �أو ي�لاع�ب��ه ب �ي��ده م��ن دون اه�ت�م��ام� .أي ه��و عن�صر
جديد �أ�ضيف �إىل الرق�صة وحل بدل القدمي املبني على �أن هز ال�سالح هو ا�ستقواء به �أمام العدو وحتذير. اجلميل �أن اجلوال يدير �سالحه فيلوح للناظر، �أن ال�سالح معلق مبحور خا�ص ويقف الراق�ص �أمامه ويديره ب�أ�صبعه. ويف ع��را� �ض��ات ال�ق�ب��ائ��ل ،ق��د يلوح اجلوال ب�سالحه �أو يرميه �إىل الأعلى ملرت �أو ب�ضعه ثم يتلقفه �إذا كان هذا ال�سالح ع�ص ًا �أو �سيف ًا �أو رحم ًا .لكنه ال يرمي البندقية �أب��د ًا .ولرمبا �صار ال�صبي اجل��وال حالي ًا يرمي بندقيته
اليولة طقس نصر على عدو أو وحش تم اصطياده ثم توسع مدلولها ليشتمل العراضة العسكرية قبل الحرب أو عراضات االحتفاالت القبائلية ثم الوطنية
�إىل الأع�ل��ى لأن�ه��ا دمية م�أمونة اجلانب. لكن لي�س �إىل هذا العلو الذي نراه ولي�س وه��ي ت��دور ب�سرعة ،ولي�س ليقف حتتها متام ًا وهي تنزل ليتلقفها بيد واحدة .وكل ه��ذا ال يحت�سب م��ا مل ينتظم م��ع الإي�ق��اع والأه��زوج��ة املرافقة .وم��ن متابعتي لآخر ا�ستعرا�ضات اليولة �أكاد �أمل�س �أن عن�صر ًا ج��دي��د ًا �سي�ضاف �إل�ي�ه��ا وه��و �أن يحرك اجل ��وال ر�أ� �س��ه ت�ن��اغ�م� ًا م��ع الإي �ق��اع ومب��ا ي�شبه حركة ال��ر�أ���س عند اجل��وق املرافقة للرق�صة ،والتي حتاكي حركة ر�أ�س اجلمل خالل ال�سري حني يطربه احلادي. و�أخ�ير ًا ،وي��وم �أم�س و�أن��ا �أكتب املقال عن ال�ي��ول��ة ك�ن��ت م��ع اب �ن��ي الكميت يف ملعب خا�ص للألواح املتزجلة .ومن البهلوانيات ال�ت��ي ي�أتيها ال�صبيان ،ومم��ا نعلمه عن �إب��داع��ات�ه��م يف احل��ا� �س��وب ،وع�ل��ى خلفية �إب��داع �صبيان الإم��ارات لليولة اجلديدة، �صرت مقتنع ًا �أن الدور القيادي ملجتمعات الغد �سيكون يف يد ال�صبيان ولي�س يف �أيدي ال�شباب �أو الرجال والكهول
سوق الكتب 144 الـعــــدد 153 ي��ول��ي��و 2012
لمحات من حياته في كتاب
الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان �سيمفونيةحب ووالء للراحل الكبري
�أبوظبي – حممد النمر لأنه رجل التاريخ بال منازع يف دولة الإمارات العربية املتحدة ،فقد حظي الراحل الكبري املغفور له ب�إذن اهلل تعاىل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان باهتمام ال ُك ّتاب وامل�ؤرخني ،الذين انبهروا ب�شخ�صيته الفذة وطموحه لتغيري وجه احلياة يف ال�صحراء وقدرته على جمع النا�س من حوله وحل م�شكالتهم. فلم يولد ال�شيخ زاي��د بن �سلطان ويف فمه ملعقة من الذهب ،ومل يتعود ج�سده ملم�س ونعومة احلرير ،بل تفتحت عيناه على قومه، وق��د نالت منهم �سنوات احلرمان والقهر، فتكونت �شخ�صيته كزعيم و�سط هذا املجتمع الذي ُحرم من كل �شيء �إال الكرامة والإباء. وك��ان��ت البداية التي ثبتت يف �أع�م��اق زاي��د ميزان العدل ،و�أودعت يف قلبه ينبوع الرحمة. من هذا املنطلق ا�صطفت لغة القلوب نف�سها يف كتاب «ملحات من حياة ال�شيخ زاي��د بن �سلطان �آل نهيان رح�م��ه اهلل» للم�ست�شار �إبراهيم حممد بوملحة ،م�ست�شار �صاحب ال�سمو حاكم دبي لل�ش�ؤون الثقافية والإن�سانية، فطغت العاطفة اجليا�شة وامل�شاعر النبيلة يف
تناول �شخ�صية ال�شيخ زاي��د بن �سلطان �آل نهيان منذ ع��ام ميالده ،1918وحتى رحل عن احلياة يف عام .2004ا�سرت�سل الكاتب يف تقليب مناقب وخ�صال القائد الراحل الفردية منها والعامة ،حيث بد�أ من احلكمة وا�ضع ًا النقطة الأخ�ي�رة يف كتاب ال تنتهي فيه �صفحات ت�ستدعي �أخ��رى م�ضيئة على جتربة �إن�سانية يف ع��امل ال�سيا�سة واحلكم
كان الراحل الكبير يرى أن السالم هو األصل بين الدول بشرط أن يكون قائم ًا على العدالة في كل الجوانب
الر�شيد ،خ�صو�ص ًا و�أن مقدمة الكتاب جاءت بقلم �صاحب ال�سمو ال�شيخ حممد بن را�شد �آل مكتوم نائب رئي�س الدولة رئي�س جمل�س الوزراء حاكم دبي «رعاه اهلل». تناول الكاتب امل�ست�شار �إبراهيم بوملحة حياة ال�شيخ زاي��د يف 24ف�ص ًال هي ع��دد ف�صول الكتاب ،منها :مولد قائد تاريخي ،ومرحلة التكوين وااله �ت �م��ام��ات ،وم��رح�ل��ة التعمري والبناء ،وقيام االحتاد � -أهم حدث يف تاريخ زاي��د -وا�ستقالة يف ح��د ذات�ه��ا ا�ستفتاء، وتوحيد ط��اق��ات ال�ع��رب ،و�صانع امل�ع��روف، واهتمامه بالرتاث ،وقالوا عن ال�شيخ زايد، وب��اين ج�سور الأخ��وة وال�صداقة ،وق�صيدة ال�شيخ حممد بن را�شد يف تكرمي ال�شيخ زايد،
ومن �أقواله رحمه اهلل.
مالمح من حياته
جاءت �صورة غالف الكتاب حتت�ضن �صورة ال�شيخ زايد �ساجد ًا ي�صلي بهدوء وورع ،ثم ا�سرت�سل الكاتب يف �صفحة تلو الأخرى وك�أنه يعزف �سيمفونية حب ووالء للراحل الكبري، ووقف عند حمطات �أ�سا�سية يف مراحل حكم ال�شيخ زايد مبتدئ ًا مبدينة العني مرور ًا ب�صقل �شخ�صيته وحني �أ�صبح حاكم ًا ملدينة �أبو ظبي التي �أ�صبحت مدينة عاملية ،وقيام ال�شيخ زايد ب�إر�ساء �أ�س�س جمتمع ودول��ة ع�صريني قبل الرحيل املر يف الثاين من نوفمرب .2004
موقف زعيم
وا�ستعر�ض الكاتب �ضمن ف�صول الكتاب املفا�صل الأ�سا�سية يف حياة الراحل الكبري ال�شيخ زاي��د ب��دء ًا من حكم العني �إىل حكم دولة االحتاد مرور ًا بحكم �أبوظبي ،م�ستذكر ًا حلظة تاريخية يف احلياة ال�سيا�سية يف البالد حني تنحى ال�شيخ زايد عن احلكم ،فاندلعت املظاهرات يف كل �أرج��اء الإم��ارات مطالبة بعودته وا�ستجابته لهذا املطلب اجلماهريي، ال ��ذي ُاع �ت�بر مب�ث��اب��ة ا�ستفتاء ع�ل��ى حكمه الر�شيد و�شكل م��ن �أ��ش�ك��ال الدميقراطية ال�شعبية ،وعاد زايد مبزيد من القوة مت�سلح ًا ب�إرادة اجلماهري.
قوة �ساحل عمان
وحتدث الكاتب عن مقدرة قيادية فذة كان يتمتع بها ال�شيخ زايد ،وذلك منذ �أن راحت القبائل جميع ًا ت��دي��ن ل��ه ب��ال��والء يف واح��ة الربميي �أو العني ،حيث لعب دور ًا كبري ًا يف حماية املنطقة ،و�أ�سهم يف ت�أ�سي�س جي�ش «قوة �ساحل عمان» ،الذي �ضم �أبوظبي ودبي، ومتكن من وقف الغزوات بني القبائل ووحد �صفوفها ومدّن الإن�سان البدوي ،وهذا �أحد الأ��س�ب��اب ال�ت��ي جعلت م��ن زاي��د �أح��د �أب��رز الزعماء العرب بخ�صاله احلميدة.
لعب زايد دور ًا كبير ًا في حماية المنطقة وتمكن من وقف الغزوات بين القبائل ووحد صفوفها وم ّدن اإلنسان البدوي مازال حي ًا
ولفت الكاتب �إبراهيم بوملحة من خالل كتابه الذي �أهداه �إىل �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان رئي�س الدولة« ،حفظه اهلل»، و�إىل �إخوانه الكرام �أبناء ال�شيخ زاي��د� ،إىل �أن ال�شيخ زايد �سطر يف التاريخ �أمثلة غراء نا�صعة ،وكتب مكارم وحمامد ،وخلف م�آثر باقية ومازالت تُذكر له حتى اليوم ،ويبقى بها حي ًا يف قلوب مواطنيه وحمبيه.
واجه ال�صعاب
وتناول بوملحه جوانب من املا�ضي ال�صعب ال ��ذي ع��ا��ش��ه �أب��ن��اء الإم� � ��ارات واحل��ا��ض��ر امل��زده��ر ،ودور ال�شيخ زاي ��د يف النهو�ض ب��ال���ش�ب��اب وبجميع امل �ج��االت االجتماعية والإن�سانية والثقافية والرتاثية واالقت�صادية، ودوره الكبري يف الوقوف مع ال��دول العربية والإ�سالمية ،ودعمه الالحمدود لها يف كثري من مواقفها وخا�صة يف حرب �أكتوبر. و�أ�شار بوملحة �إىل �أن ال�شيخ زايد رجل �سعى
دائم ًا للت�آلف وبناء ج�سور الأخوة وال�صداقة مع �شعوب العامل ،و�سعى دائم ًا للم�صاحلة بني الدول العربية ومعاجلة �أ�سباب اخلالف، وك��ان ي��رى �أن ال�سالم يجب �أن ي�ك��ون هو الأ�صل بني الدول ولي�ست احلروب التي �إن قامت ف�إن ت�أثرياتها ال�سلبية �ستكون كبرية على الب�شر والأماكن ،ومتتد نظرته �إىل �أن يعي�ش العامل كله يف �سالم ،ب�شرط �أن يكون قائم ًا على العدالة يف اجلوانب ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية. وعر�ض بو ملحة يف �صفحات كتابه �أن العامل �أجم َع على احرتام الدور الكبري الذي قام به ال�شيخ زايد رحمه اهلل يف حل النزاعات بني ال��دول ،واهتمامه بال�سالم العاملي وحتقيق مقت�ضيات اال�ستقرار ومعاجلة �أ�سباب التوتر وال �� �ص��راع��ات ،وجن��اح��ه �إىل ح��د بعيد يف توجهاته ال�سلمية ،فكان داعية �سالم يف هذا الع�صر الذي �سادت فيه �صراعات وحروب ك �ث�يرة �أدت �إىل م��زي��د م��ن الإ� �ش �ك��االت ال �ع��امل �ي��ة .وو� �ص��ف ال �ك��ات��ب احل��دي��ث عن ال�شيخ زاي��د ب�أنه حديث عن معانٍ ن��ادرة، � �س��واء يف ع��امل ال�سيا�سة �أو يف النواحي الإن�سانية التي قلما جتدها يف واقعنا بقدر م��ا ه��ي قائمة ومتمثلة يف �شخ�ص ال�شيخ زايد ،حتى �صار مثا ًال وا�ضح ًا وقدوة نادرة للنا�س يف هذا الع�صر� ،سواء ملن عاي�شوه يف ف�ترة حياته� ،أو مم��ن �سمعوا م��ا ُينقل عنه من �أخ�ب��ار وق�ص�ص وحكايات ،حتى �إنه يخيل للبع�ض �أن احلديث عنه في�ض من خيال �أو حديث عن �أ�سطورة من �أ�ساطري الزمان ،و�إن مل يكن هذا وال ذاك ،فلرمبا اعتقد بع�ضهم �أن يف ه��ذا احلديث كثري ًا من مبالغة من ناقل حمب . يقول ال�شيخ حممد بن را�شد يف املقدمة التي كتبها لكتاب �إبراهيم بو ملحة عن �شخ�صية زاي��د بن �سلطان « . .ك��ان رحمه اهلل مدر�سة تلتقي فيها القيم والأفكار واملبادئ والأخالق، تعلمت منه الأجيال من بعده كثري ًا من هذه املعاين الطيبة التي ُع��رف بها ال�شيخ زاي��د، ومت ّيز فيها حتى غدا َعلم ًا يف وطنه و�أمته ُي�شار �إليه بالبنان»
كالم أخير
حبيب ال�صايغ
لعب نظيف ال �أعرف متى ابتد�أت �أم�شي �أثناء النوم ،لكن هذه عادتي منذ فتحت عيني على �سنوات القرن املا�ضي وهي تت�ساقط �أمامي يف الطريق غ�صن ًا غ�صن ًا وحريقة حريقة ،م�شيت ،م�شيت على املاء والثلج، و�صلت �إىل اجلبل ووا�صلت ال�سري ،ويف خالل �سريي ا�صطدمت طبع ًا ب�أ�شياء كثرية ،ولكنني م�شيت. ومرة ،كنت �أم�شي �أثناء النوم ،فحلمت �أنني يقظان ،وكانت مت�شي �إىل جانبي ،يد ًا بيد ،امر�أة حلوة ،مل �أدرك حقيقة �أمرها :هل كانت م�ستيقظة فع ًال� ،أم كانت مثلي مت�شي �أثناء النوم؟ ذهبنا مع ًا بعيد ًا� ،إىل البحر واجلبل والف�ضاء قلت لها ق�صائد حب وهجاء ومديح ،وكانت عالمتها الفارقة �أنها كانت تبكي كثري ًا� ،أقول لها دائم ًا �إن دموعها غالية ،وهي حتاول �إقناعي ب�أن دموعها رخي�صة ،و�أن للغالء عالقة بالت�ضخم ،و�أنها ال تت�أثر كثري ًا بتقلبات اجلو واالقت�صاد. وذهبنا مع ًا �أبعد ،كنت ما زلت �أم�شي �أثناء النوم، ومعي املر�أة احللوة ،يد ًا بيد ،ومل �أحاول يف يوم الأيام �أن �أ�س�ألها هل هي �صاحية �أم مت�شي مثلي وهي نائمة. مل يكن الأمر يهمني كثري ًا ،احلالة ال تتحمل و�صف ًا �أبد ًا ،وقلت �أعي�ش احلالة كما هي ،كانت تبكي،
وكنت �أ�ضحك. بيني وبينها ان�سجام وحيد ،وبيننا فروقات هائلة ،خ�صو�ص ًا يف املواقف من الق�ضايا العربية والدولية� ،أقول لها �إن اختالف الر�أي ال يف�سد للود ق�ضية ،وهي تبادلني الر�أي نف�سه ،لكنني �أختلف معها يف اللون املف�ضل ،والطعام املف�ضل ،والتذوق الفني ،وتقييم ال�سينما العربية ،ونتائج القمم العربية واخلليجية. مث ًال هي تنتظر القمة العربية املقبلة على �أحر من اجلمر ،و�أنا �أنتظرها بعقل بارد ،ماذا ميكن �أن ت�ضيف هذه القمة �إىل �سابقاتها ،طاملا �أن امل�صاحلات العربية بد�أت واحلمد هلل. وبيني وبينها خالفات ثقافية وريا�ضية ،هي متحم�سة لإح�سان عبدالقدو�س ويو�سف ال�سباعي، و�أنا �أحب يو�سف �إدري�س وجنيب حمفوظ ،وهي ت�شجع مان�ش�سرت يونايتد فيما �أ�شجع ريال مدريد. �أقول لها قد يكون بيننا وبني الإ�سبان ن�سب بدليل ال�شعر الأ�سود والعيون ال�سوداء ،وهي تقول �إنها حتب اللعب النظيف. و�أحببتها بالرغم من كل ذلك ،لكن امل�شكلة �أنني ما زلت �أم�شي �أثناء النوم ،وهي مت�شي معي يد ًا بيد ،وال �أعرف هل هي م�ستيقظة �أم مت�شي مثلي �أثناء النوم.
يدان تطوقان رمل الصحراء ورمل البحر يدان من املاء والرمل والتمنيات
يصدر كل شهر ويوزع مجاناً مع مجلة تراث
العدد المقبل
«سبع سموات» للروائي � :سعد القر�ش
صدر ضمن سلسلة كتاب تراث:
اليمن ،1929انطباعات ومشاهدات البعثة السوفيتية األملانية السينامئية ،ترجمة د .سعيد دبعي تعدد الرواية يف الشعر الجاهيل ،د .أمين بكر ذاكرة الطني ،شواهد من الرتاث املعامري والعسكري يف مدينة العني ،د .محمد فاتح صالح زعل حكمة األجداد يف تراث مجتمع اإلمارات، دراسة سوسيولوجية يف األمثال الشعبية ،د .أحمد محمود الخليل تأريخ القدامى للشعر إىل نهاية القرن الرابع مدونة املرزباين أمنوذجاً ،د .محمد حبيبي اسرتاتيجية التأويل الداليل عند املعتزلة الدكتور هيثم رسحان