turath_154

Page 1



‫صوت من المستقبل‬ ‫إن بناء الشعوب عملية صعبة‪ ،‬وإقامة نهضتها وحتقيق أهدافها أمر‬ ‫معقد وشاق‪ ،‬حماط باخلطر‪ ،‬وحمفوف بالصعاب‪ ،‬ذلك ألن قوى البغي‬ ‫والظالم املناهضة لبناء حريات الشعوب ال تلقي سالحها‪ ،‬وال تستسلم‬ ‫بسهولة‪ ،‬فهي تلقي بكل قواها يف معركة النور والظالم‪ ،‬ويطول أمد‬ ‫الصراع وتشتد ضراوته سنني طويلة‪ ،‬تخضب فيها الساحة بالدماء‬ ‫والدموع‪ ،‬ويكون النصر للشعوب يف نهاية املطاف‪ ،‬ألنها تندفع عن حق‪،‬‬ ‫وتكافح يف إميان عظيم‪.‬‬ ‫لقد كنا شعبًا مبعرثًا‪ ،‬متزقه القبلية‪ ،‬وتفرق بني صفوفه املطامع‬ ‫االستعمارية‪ ،‬وحتول بني وحدته العنعنات اإلقليمية‪ ،‬فصرنا بنعمة‬ ‫اهلل متحدين‪.‬‬ ‫أحمد أمني املدين‬ ‫شاعر من اإلمارات « ‪»1995-1931‬‬


‫محتويات العدد‬ ‫تراثية ثقافية منوعة‬ ‫ت�صدر عن‬ ‫مركز زايد للدرا�سات والبحوث‬ ‫بنادي تراث الإمارات‬

‫امل�شــرف العــام‬

‫حبيـب ال�صــايـغ‬ ‫اال�سـتـ�شـارة العـلـمـيــة‬

‫�أ‪ .‬د‪ .‬ح�سـن حمـمـد النابـودة‬ ‫�أ‪.‬د‪ .‬يحيى حممد حممـود‬ ‫�أ ‪ .‬حنفي جايل‬ ‫مدير التحرير‬

‫وليد عالء الدين‬ ‫هيئة التحرير‬

‫�شـم�سـة حـمـد الظاهـري‬ ‫فاطمة نايع املـنـ�صـوري‬ ‫حممــد �سعد النمـــر‬ ‫املـراجـعـة والـتـدقـيـق‬

‫د‪ .‬حمـمـد فـاتــح زغـل‬

‫املر�صد‪� :‬أ�شادت املنظمة الإ�سالمية للرتبية والعلوم والثقافة ‪�-‬إي�سي�سكو‪ -‬بقرار جلنة الرتاث‬ ‫‪20‬‬ ‫العاملي التابعة ملنظمة الأمم املتحدة للرتبية والعلم والثقافة ‪-‬يون�سكو‪� -‬إدراج‪ ‬كني�سة املهد‬ ‫وطريق احلجاج يف مدينة بيت حلم بدولة فل�سطني على الئحة الرتاث العاملي املهدد باخلطر‪ ،‬وهو‬ ‫ما اعتربته‪ ،‬ومعها كثريون‪� ،‬إ�ضافة هامة يف جهود الت�صدي للمحاوالت املتكررة من قبل «�إ�سرائيل»‬ ‫لتهويد مواقع ومعامل �أثرية فل�سطينية‪ ،‬وت�سجيلها على الئحة الرتاث العاملي‪ .‬من بيت حلم يكتب لنا‬ ‫ال�شاعر الفل�سطيني يو�سف املحمود تقرير ًا حول كني�سة املهد و�أ�صداء القرار‪.‬‬ ‫ق�ضية للنقا�ش‪ :‬يف كل رم�ضان تقريب ًا‪ ،‬يثار اجلدل حول عمل درامي اقرتب من مناطق‬ ‫‪28‬‬ ‫يرى البع�ض �أنها حمظورة يف الرتاث العربي والإ�سالمي‪ .‬ثم ينتهي اجلدل وترتاجع‬ ‫الق�ضية‪ .‬ولكن يبقى ال�س�ؤال الرئي�س يف حاجة �إىل نقا�ش عميق و�صو ًال �إىل ت�ص ّور يقرب وجهات‬ ‫النظر وي�ضمن عدم امل�سا�س بقيم وثوابت املجتمع‪ ،‬من دون �أن ينتق�ص من �أهمية دور الفنون‬ ‫يف التعريف بالرتاث‪� ،‬أو �أن يحرم الأجيال اجلديدة من و�سيلة حديثة ملعرفة رموز تراثهم يف‬ ‫زمن يحتاجون فيه �إىل تلك الرموز‪ .‬نخ�ص�ص ملف ق�ضية للنقا�ش هذا العدد لبحث هذه امل�س�ألة‬ ‫ال�شائكة مع مثقفني وخرباء وعلماء دين من املغرب وم�صر والإمارات‪.‬‬ ‫�ساحة احلوار‪ :‬منذ ‪ 12‬عام ًا يعكف الباحث عبد اهلل ال�سريحي على �إعادة حتقيق «معجم‬ ‫‪46‬‬ ‫البلدان» لياقوت احلموي ب�أجزائه الـ‪ ، 15‬ويربر ال�سريحي �إقدامه على ذلك اجلهد الكبري ب�أن‬ ‫املعجم ‪-‬بطبعاته احلالية‪ -‬غري مفيد على الإطالق‪ ،‬وهو يف حاجة �إىل حتقيق علمي حديث‪ ،‬وي�صف‬ ‫ال�سريحي املعجم ب�أنه �أو�سع املعامل اجلغرافية العربية و�أ�شملها‪ ،‬و�أكرثها دقة و�أ�صالة‪ ،‬وكل ما جاء‬ ‫بعده كان تكرار ًا واجرتار ًا‪.‬‬

‫املديـر الفنـي‬

‫فــواز نـاظــم‬ ‫ر�س ــوم‬

‫حـ�سـن �إدلـبـي‬ ‫حممد بريم‬ ‫الإخراج والت�صميم‬

‫�إيـنـا�س درويـ�ش‬ ‫هـاتف‪00971 2 22 23 000 :‬‬ ‫فـاك�س‪00971 2 658 22 82 :‬‬ ‫�ص‪.‬ب‪� :‬أبو ظبي ‪27765‬‬ ‫‪Email: turathmag1@gmail.com‬‬

‫مدير التحرير‬

‫‪waleedalaa@hotmail.com‬‬

‫�أبوظبي للإعالم‪-‬توزيع‬ ‫الرقم املجاين ‪8002220 :‬‬ ‫فاك�س ‪+971 - 02-4145050 :‬‬

‫‪distribution@admedia.ae‬‬

‫‪56‬‬ ‫وجه يف املر�آة‪ :‬بلغ ال�شاعر حمد �أبو �شهاب مكانة رفيعة بني �شعراء الإمارات‪ ،‬حيث يقف يف‬ ‫�صفوف �أهل املقدمة �سواء بني ال�سابقني واملعا�صرين‪ ،‬يوحي لك �شعره �أنك �أمام �أحد �شعراء‬ ‫العربية الفحول‪ ،‬تدرك يف �شعره اعتزاز ح�سان بن ثابت بدينه وعقيدته‪ ،‬وعزة �أبي العالء املعري‬ ‫بنف�سه‪ ،‬وو�صف البحرتي‪ ،‬كما كان له اللون ال�شهابي اخلا�ص الذي ال ي�شاركه فيه �أحد‪ ،‬تغزّل ّ‬ ‫فعف‬ ‫وو�صف ف�أجاد‪ ،‬وامتدح فوفى‪ ،‬ون�صح ف�أر�شد‪ ،‬وانت�صر لأمته الإ�سالمية فكان �شاعر العربية امل�سلمة‬ ‫بال منازع‪ .‬هكذا ير�سم الناقد الدكتور حممد عبد الهادي بقلمه مالمح وجه ال�شاعر الإماراتي‬ ‫الراحل حمد �أبو�شهاب الذي متر الذكرى العا�شرة على رحيله يف الثامن ع�شر من �شهر �أغ�سط�س‬ ‫اجلاري‪.‬‬

‫ارتياد الآفاق‪ :‬يقول امل�ست�شرق الفرن�سي بوفيل ‪� :‬إن من يكتب عن «تنبكتو» البد �أن ت�أخذه‬ ‫‪64‬‬ ‫نوبة من التنهدات‪ .‬وال �شك يف �أن تلك التنهدات تزداد الآن مع ما تتعر�ض له املعامل الأثرية‬ ‫املدرجة على قائمة الرتاث العاملي لليون�سكو يف تنبكتو عا�صمة مايل من تخريب و�إبادة‪ .‬الدكتور‬ ‫حممد ولد عبدي يعرفنا بتنبكتو ‪ ،‬تاريخها ومنجزها احل�ضاري و�صورتها يف مرايا الرحالة الذين‬ ‫و�صفوها بجوهرة ال�صحراء وعنقاء ال�ساحل لقيامها �أكرث من مرة من حتت رماد التخريب‪� ،‬إنها‬ ‫تنبكتو مدينة الأولياء الـ ‪ 333‬التي �صدّرت جامعتُها وجوامعها علماء �أجلاّ ء وا�ستقطبت طالب علم‬ ‫نهلوا منها وكانت منارة ثقافية �أ�ضاءت لقرون القارة الأفريقية وامتد �إ�شعاعها �إىل اجلهات الأربع‬ ‫وخ�صو�ص ًا �إىل احلوا�ضر الإ�سالمية الكربى‪.‬‬ ‫أيضاً و�أي�ضاً‪ :‬زوايا جديدة ملبدعني عرب‪ ،‬من املغرب الدكتور �سعيد يقطني يف زاوية بعنوان‬ ‫«مدارات»‪ ،‬ومن ال�سعودية الدكتور معجب الزهراين يف زاوية «جماليات»‪ ،‬ومن م�صر الروائي‬ ‫جمال الغيطاين يف زاوية «بدائع الزهور»‪.‬‬


‫‪128‬‬

‫يا هال‬

‫ي‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ال‬

‫التراث والسالح‬

‫‪140‬‬

‫‪56‬‬

‫‪118‬‬

‫سعر النسخة‬

‫الإمارات العربية املتحدة ‪ 10‬دراهم ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية ‪ 10‬رياالت‬ ‫ الكويت دينار واحد ‪� -‬سلطنة عمان ‪ 800‬بي�سة ‪ -‬قطر ‪ 10‬رياالت ‪-‬‬‫مملكة البحرين دينار واحد ‪ -‬اليمن ‪ 200‬ريال ‪ -‬م�صر ‪ 5‬جنيهات ‪-‬‬ ‫ال�سودان ‪ 250‬جنيهاً ‪ -‬لبنان ‪ 5000‬لرية ‪� -‬سورية ‪ 100‬لرية ‪ -‬اململكة‬ ‫الإردنية الها�شمية ديناران ‪ -‬العراق‪ 2500 :‬دينار ‪ -‬فل�سطني ديناران ‪-‬‬ ‫اململكة املغربية ‪ 20‬درهماً ‪ -‬اجلماهريية الليبية ‪ 4‬دنانري ‪ -‬اجلمهورية‬ ‫التون�سية ديناران ‪ -‬بريطانيا ‪ 3‬جنيهات ‪� -‬سوي�سرا ‪ 7‬فرنكات ‪ -‬دول‬ ‫االحتاد الأوروبي ‪ 4‬يورو ‪ -‬الواليات املتحدة الأمريكية وكندا ‪ 5‬دوالرات‪.‬‬ ‫االشتراكات‬

‫للأفراد داخل الدولة‪ »100« :‬درهم ‪ /‬للأفراد من خارج الدولة‪»150« :‬‬ ‫درهماً ‪ /‬للم�ؤ�س�سات داخل الدولة‪ »150« :‬درهماً ‪ /‬للم�ؤ�س�سات من‬ ‫خارج الدولة‪ »200« :‬درهم‪.‬‬

‫تظل ق�ضية مفهوم الرتاث وطريقة النظر �إليه هي الدرجة الأهم على �سلم‬ ‫ارتقاء احل�ضارات‪.‬‬ ‫ففي حني ت�صدت «�إ�سرائيل» بق�سوة لنجاح فل�سطني يف �إدراج‪ ‬كني�سة املهد‬ ‫وطريق احلجاج يف مدينة بيت حلم على الئحة الرتاث العاملي املهدد‬ ‫باخلطر لدى جلنة الرتاث العاملي التابعة ملنظمة الأمم املتحدة للرتبية‬ ‫والعلم والثقافة ‪-‬يون�سكو‪ .‬لأنها تدرك جيد ًا �أن هذا النجاح ميثل �ضربة‬ ‫قوية مل�شروعها الطامح �إىل تهويد املعامل الرتاثية يف فل�سطني وت�سجيلها‬ ‫باعتبارها تراث ًا يهودي ًا‪.‬‬ ‫يف احلني نف�سه‪ ،‬ت�أتينا الأنباء من مدينة تنبكتو‪ ،‬عا�صمة دولة مايل‬ ‫الأفريقية‪ -‬عن اجلماعات امل�سلحة التي تُد ّمر ‪-‬با�سم الدين‪ -‬جمموعة‬ ‫من التحف املعمارية النادرة التي تعد �شواهد على منجز احل�ضارة‬ ‫الإ�سالمية و�إرثها العظيم يف تلك املدينة‪ ،‬التي ي�سجل لها التاريخ �أنها‪،‬‬ ‫بجامعتها وجوامعها التي تتعر�ض للهدم الآن‪ ،‬كانت منارة علم �ص ّدرت‬ ‫علماء �أجالء وا�ستقطبت طالب علم نهلوا منها ون�شروا علوم الإ�سالم يف‬ ‫القارة الأفريقية‪.‬‬ ‫�أكدت وكاالت الأنباء قيام تلك اجلماعات بتدمري �أ�ضرحة يعود تاريخ‬ ‫بع�ضها �إىل القرن اخلام�س ع�شر‪ .‬وهو الأمر الذي تكرر خالل ال�سنوات‬ ‫الأخرية يف غري مكان على امتداد خارطة الوطن العربي والعامل‬ ‫الإ�سالمي؛ يف �أفغان�ستان ويف م�صر‪ ،‬كما �شهدت اجلزائر يف فرتة من‬ ‫فرتات تاريخها املعا�صر �أحداث ًا م�شابهة‪.‬‬ ‫من �ضمن ما قام به �أفراد اجلماعات امل�سلحة يف تنبكتو �أنهم دمروا باب‬ ‫م�سجد ي�سميه �أهل املدينة «باب القيامة»‪ ،‬يعود تاريخ بنائه �إىل القرن‬ ‫اخلام�س ع�شر‪ ،‬وتدور حوله �أ�سطورة تفيد �أنه لن ُيفتح �إال يوم القيامة‪،‬‬ ‫و�أعلن امل�سلحون �أنهم �أرادوا بذلك �أن يكذبوا تلك الأ�سطورة‪ ،‬وك�أنه ال حل‬ ‫�آخر �سوى العنف والتدمري!‬ ‫تتعلم الأمم املتح�ضرة من �أ�ساطريها‪ ،‬تدر�سها وتفح�صها وت�شرحها‬ ‫لتتجاوزها �أو لتبني عليها‪ ،‬ويف احلالتني حتفظها لأجيالها اجلديدة‬ ‫مقرونة مبا �أجنزته عليها من �شرح وحتليل ودرا�سة‪ ،‬ليجدوا فيها ما‬ ‫يدعوهم للفخر مبا �أنتجته قرائح �أجدادهم‪ ،‬ولل�سعادة بقدرتهم على‬ ‫جتاوزها �أو البناء عليها‪.‬‬ ‫تعرف الأمم املتح�ضرة �أن الأ�ساطري مفاتيح العامل نحو التقدم‪ ،‬كونها‬ ‫منجز عقلي ميثل درجة من درجات الوعي ميكن تطويرها عرب التوا�صل‬ ‫الإن�ساين بالكلمة واملعرفة والعلم ونقل اخلربات‪ ،‬فتتحول الأ�سطورة بعد‬ ‫�أن يتم جتاوزها �إىل تراث �شفهي يدعو �إىل الفخر وت�سعى �إليه النا�س طلب ًا‬ ‫للعلم واملتعة واجلمال‪.‬‬ ‫بينما ال يعرف امل�سلحون �أن هدم الباب وامل�سجد وال�ضريح ال يق�ضي على‬ ‫الأ�سطورة‪ ،‬بل ي�ضيف �إليها ظال ًال من احلنق والغ�ضب تتوارثها الأجيال‬ ‫بدي ًال لرتاثهم الأ�صيل الذي تعر�ض للتخريب‪.‬‬

‫«تراث»‬


‫‪6‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫تحت رعاية سلطان بن زايد‬

‫ملتقى ال�سمالية ال�صيفي الـ‪ 19‬يختتم فعالياته‬ ‫�أبوظبي – خالد امللكاوي‬ ‫حممود ا�سماعيل بدر‬

‫اختتمت ال�شهر الفائت على �أر�ض جزيرة‬ ‫ال�سمالية التي تعرف بـ «جزيرة الأحالم»‬ ‫فعاليات الدورة الـ‪ 19‬من ملتقى ال�سمالية‬ ‫ال�صيفي الذي ينظمه نادي تراث الإمارات‬ ‫برعاية �سمو ال�شيخ �سلطان بن زاي��د �آل‬ ‫نهيان‪ ،‬ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة‪،‬‬ ‫رئي�س نادي تراث الإمارات‪.‬‬ ‫حيث �شهدت اجلزيرة وغريها من املنافذ‬ ‫واملراكز التابعة للنادي‪ ،‬على امتداد �شهر‬ ‫كامل فعاليات تراثية وثقافية متنوعة‬ ‫���ش��ارك فيها الآالف م��ن �أب���ن���اء وب��ن��ات‬ ‫ال��وط��ن‪ ،‬ال��ذي��ن ت��واف��دوا على اجل��زي��رة‬ ‫ينهلون من معني ح�ضاري و�إرث اجتماعي‬ ‫ذي مالمح خا�صة مرتبطة ب�شكل متجذر‬ ‫بالإن�سان الإماراتي الذي عا�ش على هذه‬ ‫الأر�ض قرون ًا عديدة‪.‬‬

‫ا�ستهدفت ق��ط��اع��ات وا���س��ع��ة م��ن �أب��ن��اء‬ ‫بكم‬ ‫الإم������ارات‪ ،‬وجن��ح��ت يف ت��زوي��ده��م ّ‬ ‫معريف ومعلوماتي قيم يفيدهم يف حياتهم‬ ‫احلا�ضرة وامل�ستقبلية‪.‬‬

‫حدث جمتمعي هام‬

‫يف ه��ذا الإط��ار ق��ال �سعيد املناعي مدير‬ ‫�إدارة الأن�����ش��ط��ة وال�����س��ب��اق��ات البحرية‬ ‫بالإنابة يف نادي تراث الإمارات‪� :‬إن ملتقى‬ ‫ال�سمالية ال�صيفي عرب دورات��ه املتعاقبة‬ ‫التي و�صلت �إىل ‪ 19‬دورة هذا العام‪� ،‬صار‬ ‫ح��دث�� ًا �شبابي ًا وجمتمعي ًا مهم ًا ينتظره‬ ‫ال��ك��ث�يرون ���س��واء م��ن ال��ط�لاب �أو �أول��ي��اء‬ ‫الأمور‪ ،‬لال�ستفادة من �أن�شطته املتعددة يف‬ ‫جزيرة ال�سمالية وغريها من املراكز التابعة‬ ‫للنادي‪ ،‬خا�صة و�أن تلك الأن�شطة حتمل‬ ‫املتعة والفائدة يف �آن‪ ،‬وهو ما تتميز به كافة‬ ‫ور�ش العمل‬ ‫مت تق�سيم فعاليات امللتقى ال�صيفي على الفعاليات التي ينظمها نادي تراث الإمارات‪.‬‬ ‫�أربعة �أ�سابيع‪� ،‬شهدت �إق��ب��ا ًال كبري ًا من‬ ‫املقيمني �أو الزائرين للعا�صمة االماراتية‪� ،‬أن�شطة ميدانية‬ ‫ا�ستمتعوا خاللها ب�ألوان �شتى من الرتاث و�أ�شار املناعي �إىل �أن الأن�شطة امليدانية‬ ‫الإماراتي‪� ،‬سواء من الريا�ضات املختلفة التي تتم على جزيرة ال�سمالية‪ ،‬واملراكز‬ ‫ال��ت��ي م��ار���س��ه��ا الأق���دم���ون‪� ،‬أو الأل��ع��اب التابعة للنادي ت�ستهدف حتقيق جملة‬ ‫ال�����ش��ع��ب��ي��ة‪ ،‬وك����ذا ف��ن��ون ال��ب��ح��ر وكيفية من الأهداف منها‪ :‬احلفاظ على تراث‬ ‫التعاي�ش معه واال���س��ت��ف��ادة م��ن خرياته‪،‬‬ ‫والتدريب على عمل امل���أك��والت ال�شعبية «السمالية» صار حدث ًا‬ ‫الإم���ارات���ي���ة‪� ،‬إىل ج��ان��ب جم��م��وع��ة من مجتمعي ًا مهم ًا ينتظره‬ ‫ور���ش العمل واملحا�ضرات التوعوية التي الكثيرون سواء من‬

‫الطالب أو أولياء األمور‬

‫دولة الإمارات العربية املتحدة‪ ،‬وتثقيف‬ ‫الأجيال برتاث الآباء والأجداد‪ ،‬تنظيم‬ ‫وت���ط���وي���ر الأن�����ش��ط��ة امل��ت��ع��ل��ق��ة ب�ت�راث‬ ‫الإمارات‪ ،‬ن�شر الوعي الفكري والثقايف‬ ‫لتعميق احل�س الوطني ل��دى املنت�سبني‬ ‫للنادي‪ ،‬ت�أكيد االل��ت��زام ب�تراث الآب��اء‬ ‫والأج��داد‪ ،‬و�إثراء النف�س بكل معطيات‬ ‫ال��ث��ق��اف��ة وامل��ع��رف��ة‪ ،‬وال��ع��ل��وم املتعلقة‬ ‫بذلك‪.‬‬

‫جمل�س لل�شيخ زايد‬

‫ولفت املناعي �إىل �أن دورة هذا العام من‬ ‫امللتقى متيزت بقدر كبري من الفعاليات‬ ‫والأن�شطة ال�تراث��ي��ة‪ ،‬و�إن ك��ان �أب��رزه��ا‬ ‫جمل�س ال�شيخ زايد طيب اهلل ثراه الذي‬ ‫عر�ض �أفالم ًا وخطابات خا�صة باملغفور‬ ‫له «ب�إذنه تعاىل» على ال�شباب يف جزيرة‬ ‫ال�سمالية‪ ،‬من خاللها تعرفت الأجيال‬ ‫اجلديدة على هذا القائد العظيم الذي‬ ‫و�ضع لبنات بناء هذا الوطن‪.‬‬

‫حماور �أربعة رئي�سة‬

‫ت��وزع��ت فعاليات ملتقى ال�سمالية هذا‬ ‫العام على �أربعة حماور رئي�سة‪ ،‬ا�ستغرق‬ ‫كل حمور �أ�سبوع ًا وحمل عنوان ًا د ً‬ ‫اال على‬ ‫طبيعة الن�شاطات التي يحتويها‪ ،‬فالأ�سبوع‬ ‫الأول ج��اء حتت عنوان «البحر له نا�س‬ ‫لفيحة»‪ ،‬وت�ضمن جمموعة من الن�شاطات‬ ‫والريا�ضات الرتاثية البحرية منها ال�شراع‬


‫«الي»‪� ،‬صيد ال�سمك‪،‬‬ ‫التقليدي‪ ،‬التجديف رَ‬ ‫املحار‪ ،‬ال�سفينة الرتاثية‪� ،‬أدوات‬ ‫ور�ش فلق ّ‬ ‫ال�صيد‪ ،‬الألعاب ال�شاطئية‪ .‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫�أن�شطة ُم�ساندة مثل ال�شراع الرملي‪ ،‬الفلك‪،‬‬ ‫الطريان الإلكرتوين‪ ،‬واملر�سم ا ُ‬ ‫حلر‪.‬‬ ‫بينما ج��اء الأ���س��ب��وع ال��ث��اين حت��ت عنوان‬ ‫«نحن �أه��ل ال�سنع واملواجيب»‪ ،‬و«ال�سنع»‬ ‫م�صطلح حملي ب��ح��ت‪� ،‬شديد ال��دالل��ة‪،‬‬ ‫ي�شري �إىل ك��ل م��ا يتعلق بفنون التعامل‬ ‫مع الآخ��ري��ن وف��ق قيم و�أع���راف وتقاليد‬ ‫وع���ادات املجتمع‪ ،‬التي �أر���س��ى قواعدها‬ ‫و�أ�س�سها الأجداد والآباء‪ ،‬ف�إذا قال الوالد‬ ‫لولده «ب�س ّنعك»‪ ،‬ف�إنه يق�صد �أن يعيده �إىل‬ ‫الأ���ص��ول والتقاليد التي حتظى باعرتاف‬ ‫املجتمع واحرتامه‪ .‬و«املواجيب» هي املفردة‬ ‫الدالة على ما يجب على النا�س القيام به يف‬ ‫�إطار العادات والتقاليد املرعية‪.‬‬ ‫وعندما يقول الإم��ارات��ي��ون‪« :‬نحن �أه��ل‬ ‫ال�سنع واملواجيب»‪ ،‬ف�إنهم ي�صفون حالهم‬ ‫دون مبالغة‪ ،‬ف�أهل الإمارات من �أ�شد النا�س‬ ‫مت�سك ًا ب�شبكة رائعة من العادات املتبعة يف‬ ‫الزيارات واملنا�سبات ال�سعيدة �أو احلزينة‪،‬‬

‫توزعت الفعاليات على‬ ‫أربعة محاور حمل كل‬ ‫منها عنوان ًا دا ً‬ ‫ال على‬ ‫طبيعة النشاطات التي‬ ‫يحتويها‬ ‫ولكل منا�سبة �آدابها التي يتعلمها ال�صغري‬ ‫من الكبري‪ ،‬وللمجال�س �آداب يتوارثونها‪،‬‬ ‫وحتظى العالقات املجتمعية املتمثلة يف‬ ‫الرتاحم واالحرتام بني الكبري وال�صغري‪،‬‬ ‫وغريها من مفردات املوروثات الثقافية‬ ‫واالجتماعية الأ�صيلة باحرتام اجلميع‪.‬‬ ‫وق��د تركزت ن�شاطات ه��ذا ال�سبوع على‬ ‫جمموعة ال�سلوكيات املجتمعية احلميدة‬ ‫التي عرفها املجتمع الإماراتي منذ القدم‪،‬‬ ‫مثل �أ���ص��ول ال�ضيافة واال�ستقبال وفق‬ ‫التقاليد والعادات العربية الأ�صيلة‪.‬‬ ‫و�ضمت �أن�شطته ال��ف��رو���س��ي��ة‪ ،‬الهجن‪،‬‬ ‫الرماية‪ ،‬اليولة‪ ،‬الألعاب ال�شعبية‪ ،‬العادات‬ ‫والتقاليد‪ ،‬ال�سفينة الرتاثية‪ ،‬ور�شة عتاد‬ ‫الهجن‪ ،‬وور���ش��ة اخل��ي��ول‪ .‬بالإ�ضافة �إىل‬

‫�أن�شطة م�ساندة مثل امللعب ال�صابوين‪،‬‬ ‫الأل���ع���اب ال�شاطئية‪ ،‬ال�����ش��راع ال��رم��ل��ي‪،‬‬ ‫الفلك‪ ،‬وور�شة �أدوات ال�صيد‪.‬‬ ‫�أم���ا الأ���س��ب��وع ال��ث��ال��ث فقد حمل �شعار‬ ‫«طالبات اليوم �أمهات م�ستقبلنا املُ�شرق»‪،‬‬ ‫وت��وىل �إدارت��ه ال�سيد علي النعيمي مدير‬ ‫م��رك��ز ال��ع�ين‪ ،‬وف��اط��م��ة التميمي رئي�سة‬ ‫ق�سم الأن�شطة ال�شبابية بالإنابة‪ ،‬و�شهد‬ ‫هذا الأ�سبوع م�سابقات متنوعة لطالبات‬ ‫مركز �أبوظبي الن�سائي‪ ،‬اللواتي قدمن‬ ‫فقرة «�أهل ال�سنع واملواجيب»‪ ،‬و�شاركن يف‬ ‫�إعداد بع�ض الأكالت ال�شعبية االماراتية‬ ‫وممار�سة �ألعاب �شعبية خا�صة بالبنات‪،‬‬ ‫كما مار�ست الطالبات �ألوان ًا خمتلفة من‬ ‫الفنون‪ ،‬حيث قدمن �أن�شودة «حق الليلة»‬ ‫كون هذا الأ�سبوع وافق احتفال الدولة بليلة‬ ‫الن�صف م��ن �شعبان‪ ،‬و�شاركن يف ور�شة‬ ‫للر�سم‪ ،‬ومتثيل م�سرحية عن التفوق كتبتها‬ ‫�إحدى طالبات املركز‪.‬‬ ‫ج��اء ع��ن��وان الأ���س��ب��وع الأخ�ي�ر «خ��ل��ك هب‬ ‫ال���ري���ح»‪ ،‬وه���و ق���ول يحتمل ال��ت���أوي��ل على‬ ‫ال�صعيدين‪ ،‬االجتماعي مبعنى كن لطيف ًا‬


‫‪8‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫م�ؤن�س ًا ومنع�ش ًا كالريح‪ ،‬وعلى ال�صعيد املهرجان املائي ال��ذي ت�ضمن جملة من تعزيز الهوية‬

‫العملي �أي كن ن�شيط ًا �سريع ًا تنجز الأعمال‬ ‫وتفرغ من الأ�شغال‪ ،‬وهو للت�أويل الأخري‬ ‫�أق����رب‪ ،‬لأن���ه ارت��ب��ط ب��الأل��ع��اب ال�شعبية‬ ‫وان�سحب على كافة الأن�شطة الريا�ضية‬ ‫والرتويحية‪ .‬وخ�لال هذا الأ�سبوع وفرت‬ ‫�إدارة الأن�شطة للم�شاركني العديد من‬ ‫الألعاب والن�شاطات الريا�ضية والرتويحية‬ ‫كال�سباحة‪ ،‬الكاراتيه‪ ،‬امل��ب��ارزة‪ ،‬الألعاب‬ ‫الريا�ضية ال�شاطئية‪ ،‬امللعب ال�صابوين‪،‬‬ ‫ال�����ش��راع احل��دي��ث‪ ،‬ال��ب��ل��ي��اردو‪ ،‬ال�����ش��راع‬ ‫الرملي‪ ،‬الفرو�سية‪ ،‬وريا�ضة الهجن‪.‬‬ ‫كما �شهد ح�صن ال�شباب يف �إدارة االن�شطة‬ ‫وال�سباقات تنظيم فعاليات ومناف�سات‬

‫الأل��ع��اب ال�شاطئية والأن�شطة الريا�ضية‬ ‫املختلفة وبخا�صة ال�سباحة وك��رة امل��اء‪،‬‬ ‫فيما اختتمت دورة يف الدفاع عن النف�س‬ ‫يف جمال ريا�ضة الكاراتيه و�سط م�شاركة‬ ‫كبرية لإب���راز امل��ه��ارات واللياقة البدنية‬ ‫الالزمة يف هذه الريا�ضة ‪.‬‬

‫و�أكد املناعي �أن جميع الأن�شطة التي نظمها‬ ‫امللتقى ت�ستهدف تعزيز الهوية الوطنية يف‬ ‫�أو���س��اط النا�شئة وال�شباب‪ ،‬وتعميم ثقافة‬ ‫ال�تراث الوطني بينهم‪ ،‬وتر�سيخ امل�شاعر‬ ‫العميقة لالرتباط بالوطن والزهو واالفتخار‬ ‫لالنتماء �إليه‪ ،‬وتنمية خربات �أجيال امل�ستقبل‬ ‫و�إثراء ثقافتهم وتن�شيط قدراتهم الإبداعية‪.‬‬

‫الحفاظ على التراث‬ ‫ونقله لألجيال ورفع‬ ‫الوعي الفكري‬ ‫والثقافي وتعميق‬ ‫الحس الوطني من أبرز‬ ‫أهداف الملتقى‬

‫ح�ضور ن�سائي‬

‫ك��ان احل�ضور الن�سائي الفت ًا يف فعاليات‬ ‫ملتقى ال�سمالية ال�صيفي لهذا العام‪ ،‬حيث‬ ‫�شاركت الطالبات املنت�سبات للنادي واملراكز‬ ‫التابعة له يف كثري من الأن�شطة‪ ،‬وقالت منى‬


‫القمزي م��دي��رة مركز �أبوظبي الن�سائي‬ ‫التابع للنادي‪� ،‬إن امل�شاركة الن�سائية الفعالة‬ ‫يف املنا�شط املختلفة من دورات وور�ش عمل‬ ‫وم�سابقات و�ألعاب خمتلفة‪ ،‬جاءت �ضمن‬ ‫�سعي املركز لرت�سيخ الرتاث والهوية الوطنية‬ ‫وجت�سيدها يف احلياة اليومية للنا�شئة‪.‬‬ ‫و�أو���ض��ح��ت �أن ه��ذه ال�برام��ج ت��ه��دف �إىل‬ ‫تعريف الطالبات ب�تراث الآب��اء والأج��داد‬ ‫وربطهم ب�أ�صالتهم م��ن خ�لال ال�برام��ج‬ ‫الرتاثية‪ ،‬و�إحياء القيم وال�سلوكيات الرتاثية‬ ‫والأخالقية يف نفو�س الطالبات جلعلهن‬ ‫ع�ضوات فاعالت يف بيئتهن‪ .‬وتنمية املهارات‬ ‫ال�سلوكية والقيادية لدى فتيات الإم��ارات‬ ‫للم�ساهمة يف بناء جيل واعي متفوق ي�سهم‬ ‫ب�إيجابية يف املجتمع‪ .‬بالإ�ضافة �إىل اكت�شاف‬ ‫وت�شجيع املواهب الإبداعية واملتميزة لدى‬ ‫الطالبات والعمل على تطويرها‪.‬‬ ‫ولفتت مديرة مركز ابوظبي الن�سائي �إىل‬ ‫�أهمية ممار�سة البنات للعديد من الألعاب‬ ‫ال�شعبية اخلا�صة بهن والتي كانت الوالدات‬ ‫يلعبنها من قبل‪ ،‬خا�صة و�أن هذه الألعاب‬ ‫ترتبط ب�سمات وقيم ترفيهية واجتماعية‬ ‫مميزة كما �أن الألعاب ال�شعبية تقوم على‬ ‫�أ�س�س وق��واع��د متعارف عليها وتغيب يف‬ ‫�أجواء مناف�ساتها احلوافز املادية‪ ،‬ومن �أبرز‬ ‫تلك الألعاب‪� ،‬أم العيال‪ ،‬ال�صقله‪ ،‬خو�صه‬ ‫بو�صه‪ ،‬حلقة بنت ال�شيخ‪.‬‬

‫كرنفال �سنوي‬

‫من جانبه قال على النعيمي مدير مركز‬ ‫العني التابع لنادي ت��راث الإم���ارات �إن‬ ‫ملتقى ال�سمالية �أ�صبح كرنفا ًال �سنوي ًا‬ ‫ي�ستقطب الآالف م��ن �أب��ن��اء الإم���ارات‬ ‫ب��ف�����ض��ل اجل��ه��د ال��ك��ب�ير ال����ذي ت��ب��ذل��ه‬ ‫�إدارة النادي يف توفري كافة �سبل املتعة‬ ‫والرتفيه والتعلم‪ ،‬ف�ض ًال عن توفري كافة‬

‫يقوم الملتقى‬ ‫على مبدأ التعليم‬ ‫بالمشاركة والتركيز‬ ‫على اكتساب الخبرات‬ ‫بالممارسة وليس‬ ‫التلقين‬ ‫�إج��راءات ال�سالمة العامة للم�شاركني‪،‬‬ ‫وو�سائط النقل والوجبات الغذائية والزّي‬ ‫اخل��ا���ص بالفعاليات‪ ،‬كما �أع���دت لهم‬ ‫برامج تدريبية متنوعة ب�إ�شراف مدربني‬ ‫متخ�ص�صني‪ ،‬ح��ي��ث �أ���س��ه��م��ت ع��دي��د‬ ‫اجلهات وامل�ؤ�س�سات يف تقدمي خربات‬ ‫يف جماالت التوعية املرورية وال�صحية‬

‫واملجتمعية وذل���ك يف اط���ار توجيهات‬ ‫�سمو رئي�س النادي بتقدمي كافة و�سائل‬ ‫الدعم للم�شاركني لتحقيق تطلعاتهم من‬ ‫هذا احلدث الذي ي�سجل الريادة للنادي‬ ‫على م�ستوى تعليم ال�شباب تراث �آبائهم‬ ‫و�أجدادهم ب�صورة ح�ضارية‪.‬‬ ‫وبينّ النعيمي �أن النجاح الذي يحققه‬ ‫ملتقى ال�سمالية ع��ام�� ًا بعد ع��ام ح ّف ّز‬ ‫ع��ل��ى ا���س��ت��ق��ط��اب جم���م���وع���ات ك��ب�يرة‬ ‫م��ن املنت�سبني للعديد م��ن امل�ؤ�س�سات‬ ‫والهيئات واملراكز ال�صيفية لال�ستفادة‬ ‫من فعاليات وبرامج امللتقى التي جتمع‬ ‫بني الن�شاطات الرتاثية والثقافية والفنية‬ ‫والبيئية والريا�ضية واملجتمعية‬


‫‪10‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫أكثر من ‪ 90‬قصيدة معظمها في الغزل بأسلوب الردح والونَة‬

‫بيت ال�شعر يف �أبوظبي‬ ‫يد�شن �إ�صداراته النبطية بديوان «ابن �صقر»‬ ‫�أبوظبي – تراث‬ ‫يف �إط��ار �سعيه للحفاظ على امل��وروث‬ ‫ال�شعبي غ�ير امل���ادي‪ ،‬وحتقيق ًا لأح��د‬ ‫�أه��داف��ه ال��ت��ي و�ضعها �سمو ال�شيخ‬ ‫�سلطان ب��ن زاي���د �آل ن��ه��ي��ان‪ ،‬ممثل‬ ‫�صاحب ال�سمو رئي�س الدولة‪ ،‬رئي�س‬ ‫ن��ادي ت��راث الإم���ارات‪� ،‬أ�صدر بيت‬ ‫ال�شعر يف �أب��وظ��ب��ي ال��ت��اب��ع لنادي‬ ‫تراث الإمارات‪ ،‬ديوان «ابن �صقر»‬ ‫لل�شاعر حممد بن �صقر بن جمعة‪،‬‬ ‫امللقب «بن �صنقور»‪ ،‬لين�ضم �إىل‬ ‫�سل�سة �إ����ص���دارات ال��ن��ادي التي‬ ‫ان��ط��ل��ق��ت م��ن��ذ �أك��ث�ر م���ن ع�شر‬ ‫���س��ن��وات‪ ،‬وت�ضمنت الأع��م��ال الكاملة‬ ‫للعديد من ال�شعراء املحليني من اجليل‬ ‫القدمي وجيل الو�سط‪.‬‬ ‫يقع الديوان يف ‪� 256‬صفحة من القطع‬ ‫امل��ت��و���س��ط‪ ،‬وي�����ض��م �أك��ث�ر م���ن ت�سعني‬ ‫ق�صيدة‪ ،‬جمعها وحققها الدكتور را�شد‬ ‫�أحمد امل��زروع��ي‪ ،‬ع�ضو الهيئة الإداري��ة‬ ‫لبيت ال�شعر يف �أب��وظ��ب��ي‪ ،‬رئي�س جلنة‬ ‫الن�شر‪ .‬وهو الإ�صدارالنبطي الأول لبيت‬ ‫ال�شعر يف �أبوظبي‪ ،‬ال��ذي ت�أ�س�س بدي ًال‬ ‫للجنة ال�شعر يف نادي تراث الإمارات‪.‬‬ ‫يف تعريفه بال�شاعر‪ ،‬كتب رئي�س جلنة‬ ‫الن�شر يف بيت ال�شعر يف �أبوظبي الدكتور‬ ‫را���ش��د �أح��م��د امل��زروع��ي‪« :‬ول��د ال�شاعر‬

‫حممد ب��ن �صقر ب��ن جمعة ع��ام‬ ‫تقريب ًا‪ ،‬يف منطقة «ليمحه» الواقعة يف‬ ‫بر �أم القيوين‪ ،‬التي احت�ضنت كثري ًا من‬ ‫�شعراء ذلك الزمان من �أمثال را�شد بن‬ ‫مكتوم‪ ،‬و�آمنة بنت ح�سن‪ ،‬والدة ال�شاعر‬ ‫�أحمد �إدري�س‪ ،‬وكذلك ال�شاعر عبد اهلل‬ ‫باملر وحممد بن علي الكو�س وغريهم»‬ ‫وا����ض���اف‪« :‬ع��ا���ش «ب���ن ���ص��ن��ق��ور» �أي��ام�� ًا‬ ‫�صعبة يف بداية حياته �إال �أنه �سرعان ما‬

‫‪1902‬‬

‫تميز أسلوب ابن صنقور‬ ‫الشعري بالجزالة وحسن‬ ‫الصياغة وأجاد اختيار‬ ‫الكلمات وزبدة التعابير‬

‫اكت�سب �شهرة كبرية وذاع �صيته‪،‬‬ ‫ومت��ت��ع ب�����ص��ف��ات رج��ول��ي��ة ب���ارزة‪،‬‬ ‫و�شخ�صية جاذبة وطيبة و�أخ�لاق‬ ‫عالية‪ ،‬ما �أك�سبه احرتام جميع من‬ ‫عرفوه »‪.‬‬ ‫و�أ�����ض����اف امل����زروع����ي يف ت��ع��ري��ف��ه‬ ‫بال�شاعر �أن «اب��ن �صقر» انتقل يف‬ ‫منت�صف الأرب��ع��ي��ن��ي��ات م��ن ال��ق��رن‬ ‫امل��ا���ض��ي م��ن �أم ال��ق��ي��وي��ن �إىل دب��ي‪،‬‬ ‫وان�ضم �إىل مرافقي ال�شيخ �سعيد بن‬ ‫مكتوم‪ ،‬حاكم دب��ي الأ�سبق‪ ،‬ثم عمل‬ ‫مع املغفور له ب���إذن اهلل‪ ،‬ال�شيخ را�شد‬ ‫ب��ن ���س��ع��ي��د امل��ك��ت��وم‪ ،‬وع��م��ل يف دائ���رة‬ ‫الأرا�ضي والأمالك‪� ،‬إىل �أن تقاعد‪ ،‬وكان‬ ‫ع�ضو ًا يف جمل�س �شعراء تلفزيون دبي‪،‬‬ ‫ومتيز �أ�سلوبه ال�شعري باجلزالة وح�سن‬ ‫ال�صياغة‪ ،‬واختياره الكلمات اجلميلة‬ ‫وزبدة التعابري‪.‬‬ ‫ويحوي ديوان‪ ‬بن �صنقور معظم �أب��واب‬ ‫ال�شعر النبطي‪ ،‬مثل الغزل الذي ا�ست�أثر‬ ‫ب��اجل��ان��ب الأك��ب�ر م��ن ال��ق�����ص��ائ��د‪35 ،‬‬ ‫ق�صيدة‪� ،‬إ�ضافة �إىل املديح وال�شكاوى‬ ‫«امل�������ش���اك���اة» واالج��ت��م��اع��ي��ات‪ ،‬وي��غ��ل��ب‬ ‫على ق�صائد ال��دي��وان �أ�سلوب «ال��ردح»‬ ‫و«الو َنة»‪ ،‬حيث ا�شتهر �صاحبه بالق�صائد‬ ‫املربوعة واملثلوثة التي ميزت �أ�سلوبه‬


‫‪ ..‬ويطلق «طوق الغواية»‬ ‫لل�شاعرةحمدةخمي�س‬ ‫�أبوظبي – تراث‬ ‫يف �إط��ار اهتمامه بن�شر النتاج ال�شعري‬ ‫املحلي ب���أن��واع��ه‪� ،‬أط��ل��ق بيت ال�شعر يف‬ ‫�أبوظبي التابع لنادي ت��راث الإم���ارات‪،‬‬ ‫دي��وان�� ًا ج��دي��د ًا لل�شاعرة حمدة خمي�س‬ ‫عنوانه «طوق الغواية»‪ ،‬وهو من ال�شعر‬ ‫احل���دي���ث‪ ،‬وي��ق��ع يف ‪��� 150‬ص��ف��ح��ة من‬ ‫ال��ق��ط��ع ال�����ص��غ�ير‪ ،‬وي��ح��وي ب�ين دفتيه‬ ‫ث��م��اين ع�شرة ق�صيدة‪ ،‬منها ق�صيدة‬ ‫بعنوان الديوان نف�سه‪.‬‬ ‫قال ال�شاعر حبيب ال�صايغ‪ ،‬رئي�س الهيئة‬ ‫الإداري�����ة لبيت ال�شعر يف �أب��وظ��ب��ي �إن‬ ‫�إ�صدار هذا الديوان ي�أتي ت�أكيد ًا ملا وجه‬ ‫به �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان‪،‬‬ ‫مم��ث��ل ���ص��اح��ب ال�����س��م��و رئ��ي�����س ال��دول��ة‪،‬‬ ‫رئي�س ن��ادي ت��راث الإم���ارات‪ ،‬ب���أن يكون‬ ‫بيت ال�شعر يف �أبوظبي بيت ًا لكل ال�شعراء‪،‬‬ ‫م�شري ًا �إىل �أن البيت ا�ستهل �إ�صدارته‬ ‫ب��دي��وان ال�����ش��اع��ر اب��ن ���ص��ق��ر‪ ،‬امل��ع��روف‬ ‫ب��ـ«ب��ن ���ص��ن��ق��ور» وه���و م��ن �أب����رز �شعراء‬ ‫ال�شعر النبطي‪ ،‬و�أ�ضاف �أن خطة الن�شر‬ ‫يف بيت ال�شعر يف �أبوظبي تت�ضمن العديد‬

‫من الدواوين والدرا�سات ال�شعرية التي‬ ‫�سوف ت��رى ال��ن��ور قريب ًا‪ .‬الف��ت�� ًا �إىل نية‬ ‫بيت ال�شعر يف �إ���ص��دار كتاب جامع عن‬ ‫�أن�شطته خالل عام بنهاية العام اجلاري‪،‬‬ ‫ليكون مرجع ًا مهم ًا للحركة ال�شعرية يف‬ ‫الإم����ارات‪ ،‬حيث ك��ان هذ املو�سم حاف ًال‬ ‫بالأم�سيات التي ا�ست�ضافت �أ�سما ًء كبرية‬ ‫من ال�شعراء املحليني والعرب‪� ،‬أطلوا على‬ ‫اجلمهور من خالل نافذة بيت ال�شعر يف‬ ‫�أب��وظ��ب��ي‪ ،‬وم��ن ال�����ض��روري �أن يكون هذا‬ ‫النتاج متاح ًا للجميع من باحثني ومهتمني‪.‬‬ ‫�أه��دت ال�شاعرة حمدة خمي�س الديوان‬ ‫�إىل �أبنائها معرتفة �أنها منهم تعلمت‬ ‫وبهم اه��ت��دت �إىل م���دارج ال��رق��ي‪ .‬ومن‬

‫خطة النشر في بيت‬ ‫الشعر في أبوظبي‬ ‫تتضمن العديد من‬ ‫الدواوين والدراسات‬ ‫الشعرية التي سوف‬ ‫ترى النور قريب ًا‬

‫�أج����واء ال���دي���وان‪ :‬ق��د �أن�����س��ج ال��ك�لام يف‬ ‫الأح���ل��ام‪ /‬وح�ي�ن ي��ق��ظ��ت��ي‪ /‬ي�����ض��ي��ع يف‬ ‫ال��زح��ام‪� /‬أت���وه م��رة ع��ن غايتي‪ /‬وم��رة‬ ‫�أنق�ش كالإزميل‪ /‬يف �ضراوة الزحام‪.‬‬ ‫ي�ضم ال��دي��وان اح��دى ع�شرة ق�صيدة‪،‬‬ ‫منها «هوية»‪ ،‬و«حكمة اجلنون»‪ ،‬و«ك�أنني‬ ‫وال��ك��ون م��ف��ردة»‪ ،‬ويف ق�صيدتها التي‬ ‫يحمل ال��دي��وان ا�سمها‪« :‬ط��وق الغواية»‬ ‫تقول‪� :‬أكنا �شظايا‪ /‬فجمعنا الظل؟‪ /‬وكنا‬ ‫رهاف‪ /‬الطبائع‪ /‬فحجرنا اال�شتهاء؟‪/‬‬ ‫فلندنو كثري ًا �إذن‪ /‬ونرخي للقلب‪ /‬طوق‬ ‫الغواية‪ /‬حتى الندى‪ /‬ورنني البهاء‪.‬‬ ‫يذكر �أن لل�شاعرة حمدة خمي�س �أح��د‬ ‫ع�����ش��ر دي���وان��� ًا �سبقت دي��وان��ه��ا الأخ�ي�ر‬ ‫امل��و���س��وم ط���وق ال��غ��واي��ة‪ ،‬منها اع��ت��ذار‬ ‫الطفولة‪ ،‬الرتانيم‪ ،‬عزلة ال��رم��ان‪ ،‬تراب‬ ‫الروح عناقيد الفتنة‪ ،‬يف بهو الن�ساء‪ ،‬وديوان‬ ‫بعنوان «�إ�س �إم �إ�س» ا�ستخدمت ال�شاعرة‬ ‫خالله تقنية الر�سائل الق�صرية املوجهة �إىل‬ ‫�أ�صدقائها وحمبيها �إما رد ًا على ر�سائلهم‬ ‫�إليها‪� ،‬أو مبادرة منها �إليهم‬


‫ ‬

‫عبق‬ ‫عبق‬

‫‪12‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫ ‬

‫بعد قريتنا مب�سافة كيلو م�ترات ثمانية‪،‬‬ ‫ت��ق��ع ق��ري��ة «�أب���و����ص�ي�ر» وه����ي يف ال��ل��غ��ة‬ ‫القدمية «بر�أوزير» ومعني اال�سم‪ ،‬مكان‬ ‫�إقامة �أوزوي��ر �أو �أوزيري�س‪ ،‬حيث معبده‬ ‫ال�شعائري‪ ،‬و�صلواته‪� .‬أخ��ذين عمي مرة‬ ‫و�أنا �صغري‪ ،‬ور�أيت الأعمدة ذات التيجان‪،‬‬ ‫والأط��ل�ال تثري امل��خ��اوف‪ ،‬وح��ي��ث ر�أي��ت‬ ‫متثا ًال يقف وحده ويبت�سم‪ ،‬خفت‪ ،‬وقب�ضت‬ ‫على ذيل جلباب عمي!‬ ‫يف ال��ل��ي��ل حلمت ب�صاحب امل��ع��ب��د يتجه‬ ‫ن��اح��ي��ت��ي ع��ل��ى ر�أ����س���ه ال�����ش��م�����س‪ ،‬ي��رت��دي‬ ‫تاجه و�صوجلانه‪ ،‬فزعت من ع�� ّز املنام‪،‬‬ ‫و�صرخت‪ ،‬وحني �س�ألت عمي عن الأمر قال‬ ‫يل مبت�سما‪ :‬هو �أوزوري�����س �ساكن املعبد‪.‬‬ ‫ثم �أخ�برين عن �أه��ل «�أبو�صري» وق��ال يل‪:‬‬ ‫�إنهم ينب�شون املقابر القدمية بحث ًا عن‬ ‫امل�ساخيط‪ ،‬ومت��اث��ي��ل ال��ذه��ب ليبيعوها‬ ‫ل�ل�أغ��راب‪ ،‬و�إن �أحدهم وج��د م��رة متثا ًال‬ ‫للملك «توت» من الذهب اخلال�ص‪ ،‬فباعه‬ ‫وا�شرتى بثمنه مزرعة و�أ�صبح من �أهل املال‬ ‫وال�سلطان‪.‬كانت تلك احلكايات ت�ستقر‬ ‫بوعي الغالم‪ ،‬وت�شكل �أحالمه‪ ،‬ثم رمت به‬ ‫�إىل �شط�آن املعارف والبحث عن حوادث‬ ‫التواريخ والأيام!‬ ‫ب��د�أت بزيارة �أماكنهم‪ ،‬و�أطاللهم‪ ،‬عرب‬ ‫�أر���ض ال��وادي من �شماله وجنوبه و�شرقه‬ ‫وغربه‪ .‬وكلما �سمعت عن مكان ارحتلت‬ ‫�إل��ي��ه! زرت‪ ،‬و�أن��ا �صغري ال��ه��رم‪ ،‬واملتحف‬ ‫امل�صري‪ ،‬ومدينة «�أون»‪ :‬عني �شم�س‪.‬‬ ‫�سعيد الكفراوي ويف حمافظة الغربية زرت �سمنود بلد امل�ؤرخ‬ ‫ال��ق��دمي «م��ان��ي��ت��ون»‪ ،‬و«بهبيت احل��ج��ارة»‬ ‫و�أطاللها الباقية‪ ،‬وهي يف اللغة امل�صرية‬ ‫القدمية «بر – حبيت» �أي «بيت الأعياد»‪.‬‬ ‫وتوغلت حيث حمافظة ال�شرقية ور�أيت «تل‬ ‫ب�سطة» مكان عبادة القطة «ب�ست»‪.‬‬ ‫�إىل اجلنوب حيث جمد املا�ضي وبلدانه «تل‬ ‫العمارنة» مقابر امللوك والأ�شراف وكهنة‬

‫بعد أن‬ ‫تُحصى‬ ‫السنين‬

‫امل��ع��اب��د‪ ،‬وعلى �أر����ض �سوهاج زرت جبل‬ ‫الهريدي وك��وم ا�شفار‪ ،‬وزرت العا�صمة‬ ‫القدمية «اخميم» التي لعبت طور ًا مهم ًا يف‬ ‫تاريخ احل�ضارات‪ ،‬الفرعونية‪ ،‬واليونانية‪،‬‬ ‫والرومانية‪ ،‬والبيزنطية‪ ،‬والإ�سالمية‪.‬‬ ‫ك��ان��ت زي����ارة يف ال�����ض��ح��ى‪ ،‬و�أه����ل البلد‬ ‫يغادرونها حيث الغيطان‪ ،‬و�أنا �أحث ال�سري‬ ‫حيث معبد رم�سي�س الثاين‪ ،‬وعلى البعد‬ ‫ر�أي���ت التمثال العمالق ل��ـ«م�يرت �آم���ون»‬ ‫ابنة امللك رم�سي�س الثاين‪ ،‬ذلك التمثال‬ ‫الأكرب والأ�ضخم الم��ر�أة جميلة عرث عليه‬ ‫يف الدنيا‪.‬‬ ‫وع��ل��ى �أر����ض الأق�����ص��ر «طيبة» القدمية‪،‬‬ ‫عا�صمة الإمرباطورية‪ ،‬مالذ ملوك م�صر‬ ‫زرت معبد الأق�صر �أحد معابد «�آمون رع»‪،‬‬ ‫احل���رم اجل��ن��وب��ي ملعبد ال��ك��رن��ك‪ ،‬جممع‬ ‫معابد امللوك‪ ،‬و�آية عمارة الدنيا!‬ ‫عربت النيل حيث جهة الغرب‪ ،‬جهة غروب‬ ‫احلياة‪ ،‬وجبانات امللوك وامللكات‪ ،‬هناك‬ ‫يف ع��راء اجل��ب��ل‪ ،‬وحيث ترقد الأ�سرتان‬ ‫الـ‪ 19‬والـ‪ ،20‬وملوكها حتتم�س و�أحم�س‬ ‫و�أم��ن��ح��ت��ب‪ ،‬ث��م م��ن عليه ال��ك�لام‪ ،‬وم��ن‬ ‫�سن�سرد خربه‪ :‬توت عنخ �آمون‪.‬‬ ‫يقول �أح��د ال����رواة‪ :‬برغم االحتياطات‪،‬‬ ‫وكل و�سائل الت�أمني التي اتبعوها حلماية‬ ‫مقابرهم �إال �أن كلها قد تعر�ضت للنهب‬ ‫وال�سرقة‪.‬‬ ‫اال امل��ق�برة الوحيدة التي مل تنهب وهي‬ ‫لـ«توت عنخ �آمون»‪.‬‬ ‫ي�ضيف ال����راوي‪� :‬إذا كانت ه��ذه املقربة‬ ‫وحمتوياتها بهذا الغنى‪ ،‬والرثاء والعظمة‬ ‫وه��ي مللك قليل ال�����ش���أن‪ ،‬فما ح��ظ مقابر‬ ‫ال��ع��ظ��م��اء م���ن امل���ل���وك ق��ب��ل �أن ينهبها‬ ‫الل�صو�ص!‬ ‫تنتهي جتربتي م��ع ه����ؤالء‪ ،‬ب�أنني ق��درت‬ ‫واحرتمت �أربعة من ملوك م�صر القدامى‪:‬‬ ‫رم�سي�س الثاين مبا �أقامه من عمائر ما‬


‫ت��زال �شاهدة عليه حتى اليوم‪ ،‬وحتتم�س‬ ‫الثالث الذي كون �إمرباطورية �شملت معظم‬ ‫ممالك العامل القدمي‪ ،‬واخناتون �صاحب‬ ‫�أول ثورة دينية يف تاريخ الإن�سان‪ ،‬وتو�صله‬ ‫�إيل الإله الواحد الأحد‪ .‬ثم توت عنخ �آمون‬ ‫امللك ال�شاب اجلميل‪� ،‬صاحب كنز الكنوز‪،‬‬ ‫الذي ميثل مل�صر �أعظم ال�سفراء‪ ،‬والذي‬ ‫يثري الده�شة كلما ط��رق �أب���واب بلد من‬ ‫البلدان‪.‬‬ ‫دعوين‪ ،‬بعد �إذنكم طبعا‪� ،‬أق�ص القليل من‬ ‫خ�بره‪ ،‬و�أتتبع بع�ض ًا من �سريته‪� ،‬صاحب‬ ‫القناع ال��ذه��ب‪ ،‬وامل��ت��اع اجل��ن��ائ��زي ال��ذي‬ ‫�ضوى بالنور يوم العثور علي مقربته‪.‬‬ ‫كان امللك «توت» ابن ًا حل�ضارة تركزت على‬ ‫�ضفاف النيل منذ ‪ 3000‬عام قبل امليالد‪،‬‬ ‫ودائم ًا ما كنت �أ�س�أل‪ :‬كيف لهذه احل�ضارة‬ ‫القدمية �أن تقدم يف ذلك الزمن املوغل يف‬ ‫القدم ذلك االزدهار والإلهام الإن�ساين يف‬ ‫العقائد والد�ساتري‪ ،‬والعالقة بني النا�س‬ ‫ومليكهم‪ ،‬والإجن��از املهم يف العمارة مثل‬ ‫الأهرام واملعابد واملقابر‪ ،‬واكت�شافاتها يف‬ ‫الطب‪ ،‬ومعرفة النجوم‪ ،‬وعلم الزراعة‪،‬‬ ‫والري‪ ،‬والتنجيم‪ ،‬وغريها؟‬ ‫ت���وت ع��ن��خ �آم�����ون اب���ن ل��ت��ل��ك احل�����ض��ارة‬ ‫الإن�سانية التي �أقامت ج�سور ًا متينة مع‬ ‫احل�ضارات الأخ���رى امل�لازم��ة لها‪ ،‬والتي‬ ‫على �ضفافها‪� :‬آ�شورية و�سومرية وفينيقية‬ ‫ويونانية ورومانية وعربية �إ�سالمية‪.‬‬ ‫ت��وت عنخ �آم����ون‪ ،‬ا���س��م ح�ير ال��ع��امل عند‬ ‫اكت�شاف مقربته وال��ت��ع��رف على ك��ن��وزه‪،‬‬ ‫�أتخيل الدنيا يف ال��ع��ام ‪ 1922‬وق��د خرج‬ ‫من �إحدى مقابر م�صر هذا الكنز الهائل‬ ‫بفنونه وغرائبه‪ ،‬و�صحائف الربدي حتكي‬ ‫تاريخه!‬ ‫هو امللك ال�شاب �أحد ملوك م�صر القدمية‪،‬‬ ‫وبالرغم من �أنه مل يكن �صاحب انت�صارات‬ ‫�إم�ب�راط���وري���ة‪� ،‬إال �أن���ه ك��ان��ت ل��ه م��واق��ف‬

‫تاريخية م�شهودة تعود ملقربته املكت�شفة‪،‬‬ ‫كاملة ب�أثاثها اجلنائزي‪ ،‬وحتفها املبهرة‪،‬‬ ‫التي مل مي�س�سها �إن�سان‪� ،‬أو حفارو القبور‬ ‫من ل�صو�ص اجلبانات عرب التاريخ‪.‬‬ ‫يف العام ‪ 1922‬اكت�شفت املقربة مبعرفة‬ ‫االجنليزي «ه��وارد ك��ارت��ر»‪ ،‬وبدعم مايل‬ ‫من اللورد «كارنافون»‪ ،‬والذي �صرف �آخر‬ ‫�أمواله ومل يجدا �شيئا‪ ،‬وقررا الرحيل‪.‬‬ ‫بعد ي���أ���س ع�ثر ك��ارت��ر علي �أول درج��ات‬ ‫امل��ق�برة‪ ،‬وح�ين و���ص��ل احل��ف��ر �إىل الباب‬ ‫املغلق على �سره‪ ،‬واملو�سوم بعالمة احلياة‪،‬‬ ‫فتح كارتر الباب و�أط ّل علي ظالم القرون‪،‬‬ ‫�آالف ال�سنوات حمبو�سة مع ف�ضاء املوت‬ ‫واخل��ل��ود‪� ،‬أ�شعل ك��ارت��ر �شمعته‪ ،‬وعندما‬ ‫�شعت ال�شمعة ب�ضوئها وب���ددت الظالم‪،‬‬ ‫ور�أى كارتر ما ر�أى‪� ،‬أ�صابه اخلر�س‪ .‬كان‬ ‫يقف وراءه كارنافون وعندما �س�أله‪ :‬ما‬ ‫الذي يراه؟ �أجابه �أن ما يراه قد فاق �أحالم‬ ‫جنونه‪ .‬ثم �صمت‪ ،‬و�أكمل‪ :‬ك�أنهم �أحياء‪،‬‬ ‫والأثاث اجلنائزي يلمع يف ال�ضوء بالذهب‬ ‫والف�ضة والعاج واملرمر!‬ ‫كانت املجموعة �أكرث املجموعات اكتماال‪ً،‬‬ ‫تلك القادمة من م�صر القدمية‪ ،‬وكان عدد‬ ‫حتفها يفوق ‪ 3000‬قطعة‪ ،‬غري ما ُنهب عند‬ ‫االكت�شاف‪.‬‬ ‫ت��ب��د�أ ب��ق��ط��ع الأل���ع���اب اخل��ا���ص��ة بامللك‬ ‫ال�صغري‪� ،‬إىل الأثاث‪ ،‬والأ�سلحة‪ ،‬و�أدوات‬ ‫ال�����ص��ي��د‪ ،‬وال��ق��ن��اع ال��ذه��ب��ي‪ ،‬وال��ت��واب��ي��ت‬ ‫امل��ك�����س��وة ب���ال���ذه���ب‪ ،‬ومت��اث��ي��ل امل��رم��ر‪،‬‬ ‫وال��رم��وز‪ ،‬و�صحائف ال�بردي مب��ا حتمله‬ ‫من ال�سحر‪ ،‬والتمائم التي ت�ساعد امللك‬ ‫يف العامل الأخر حيث االعتقاد بالبعث‪.‬‬ ‫يف العام ‪� 1922‬أ�صبح امللك توت «موديل»‬ ‫تلك الأي��ام‪ ،‬ومن يومها وهو ال�سفري فوق‬ ‫ال��ع��ادة ب��ا���س��م م�صر ال��ق��دمي��ة ل���دى كل‬ ‫البالد التي زارها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫�صاحب اكت�شاف املقربة ما راج و�أطلق‬

‫عليه «لعنة الفراعنة»‪ ،‬كانت ال يعرف �أحد‬ ‫�سرها‪ ،‬ت�صيب كل من اق�ترب‪� ،‬أو دخل‬ ‫املقربة عند فتحها !‬ ‫�أ�شباح ملومياوات تظهر ملن م�سها‪ ،‬تطالب‬ ‫ب�أع�ضائها املنهوبة‪ ،‬كوابي�س يف الليل‬ ‫وحمى ي�صاحبها هذيان بكلمات غريبة‪،‬‬ ‫ولغات ال يعرف �سرها �أحد‪.‬‬ ‫ك��ان��ت ال��ظ��واه��ر خ��ارق��ة‪ ،‬واالح��ت��ف��ال يف‬ ‫م��دي��ن��ة ال��ق��اه��رة ي�سري ع��ل��ى خ�ير ح��ال‪،‬‬ ‫فج�أة انقطعت الكهرباء‪ ،‬وحل الظالم‪،‬‬ ‫بعدها �أ�صيب كارنافون باحلمى الغريبة‪،‬‬ ‫والهذيان املرعب‪ .‬مل يجد الأطباء تف�سري ًا‬ ‫�أو عالج ًا‪ ،‬ويف منت�صف الليلة نف�سها مات‬ ‫اللورد يف القاهرة بذلك املر�ض الغام�ض‪،‬‬ ‫ورحل عن الدنيا على جناح ال�سرعة‪.‬‬ ‫بعد ذلك توالت امل�صائب‪ ،‬وخاف كل من‬ ‫اقرتب من مقربة امللك‪.‬‬ ‫ثم بد�أ املوت يح�صد كل من دن�س تراب‬ ‫امل��ق�برة‪ ،‬وم��ن ال��غ��ري��ب �أن اجلميع مات‬ ‫بنف�س احلمى الغام�ضة وهو يطلق تراتيل‬ ‫الهذيان بالكلمات ال�سرية‪.‬‬ ‫ق���ال���وا �إن���ه���ا ب�����س��ب��ب ف��ط��ري��ات معجونة‬ ‫بال�سموم‪ ،‬ي�ضعها الفراعنة مع توابيتهم‬ ‫و�أج�سادهم ومتاعهم الآخر عم ًال حل�ساب‬ ‫الل�صو�ص‪ ،‬وناب�شي املقابر‪ ،‬وق��ال��وا هي‬ ‫رموز من ال�سحر ال يعرف �أحد �سرها‪.‬‬ ‫ويف الأخ�ي�ر‪ ،‬لقد �أم�ضيت عمري �أنظر‬ ‫حل�����ض��ارة م�����ص��ر ال��ق��دمي��ة ب��اع��ت��ب��اره��ا‬ ‫���س��ن��وات م��ن ظ��واه��ر امل��ج��د واالن��ح�لال‪،‬‬ ‫تختلط بها الأ�ساطري‪ ،‬واحلقائق‪ ،‬والواقع‬ ‫والأحالم‪.‬‬ ‫خم�سة �آالف م��ن ال�سنني‪ ،‬عا�شت فيها‬ ‫م�صر حت��ت وط����أة ال��زم��ن ال��ق��دمي حيث‬ ‫ي�صعد ال�صوت من الأب��دي��ة‪ ،‬ق��ادم�� ًا من‬ ‫قلب املا�ضي ال�سحيق‪ ،‬له رجفة يف حنايا‬ ‫القلب‪� ،‬صارخ ًا‪« :‬بعد �أن حت�صى ال�سنني‪..‬‬ ‫انه�ض‪ ..‬لن تفنى»‬


‫المرصد‬ ‫‪14‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫ا�ستعداد ًا الفتتاح‬ ‫متحف زايد الوطني‬

‫أبوظبي‬ ‫تستعرض‬ ‫كنوز‬ ‫ثقافات‬ ‫العالم‬ ‫�أبوظبي ‪� -‬أحمد عبداحلميد‬ ‫احت�ضنت العا�صمة �أبوظبي فعاليات معر�ض «كنوز‬ ‫ثقافات العامل»‪ ،‬الذي نظمته‪ ،‬يف جزيرة ال�سعديات‬ ‫ال�شهر الفائت‪ ،‬هيئة �أبوظبي لل�سياحة والثقافة‬ ‫بالتعاون مع املتحف الربيطاين‪.‬‬ ‫�سعى املعر�ض الذي ا�ستمر ملدة �شهر �إىل االحتفاء‬ ‫بالإجنازات الثقافية للح�ضارات الب�شرية منذ‬ ‫�أقدم تاريخ معروف لها‪ ،‬عرب جمموعة خمتارة من‬ ‫املعرو�ضات جتاوزت الـ‪ 250‬عم ً‬ ‫ال فنياً وقطعة �أثرية‬ ‫تروي ق�صة رحلة الإن�سان عرب التاريخ‪.‬‬


‫اال�ستعداد ملتحف زايد الوطني‬

‫وق��ال��ت �سالمة ال�شام�سي‪ ،‬م��دي��رة م�شاريع‬ ‫الق�سم الثقايف يف هيئة �أب��وظ�ب��ي لل�سياحة‬ ‫والثقافة‪� ،‬إن املعر�ض هو الثاين �ضمن �سل�سلة‬ ‫من الفعاليات التي تنظمها الهيئة ا�ستعداد ًا‬ ‫الفتتاح «متحف زاي��د ال��وط�ن��ي»‪ ،‬امل�ق��رر يف‬ ‫العام ‪ ،2016‬و�أ�ضافت �أن هذه ال�سل�سلة من‬ ‫املعار�ض تهدف �إىل تهيئة اجلمهور للتعامل مع‬ ‫الرتاث الإن�ساين‪ ،‬م�ؤكدة �أن الكثري من املواد‬ ‫التي ي�ضمها هذه املعر�ض وغريه من املعار�ض‬ ‫�ستكون �ضمن مقتنيات متحف ال�شيخ زايد‪.‬‬ ‫وقالت ال�شام�سي �إن اخلطة تت�ضمن تنظيم‬ ‫م�ع��ر���ض ك��ل ع ��ام ي��رت�ب��ط ب ��أح��د امل�ت��اح��ف‬ ‫املوجودة يف جزيرة ال�سعديات‪ ،‬ومنها اللوفر‬ ‫وجوجنهامي‪ ،‬حيث �شهد عام ‪ 2009‬تنظيم‬ ‫معر�ض خا�ص مبتحف ال�ل��وف��ر‪ ،‬ويف العام‬ ‫التايل له مت تنظيم معر�ض جوجنهامي يف‬ ‫ق�صر الإمارات‪ ،‬الفتة �إىل �أن الهيئة حري�صة‬

‫تروي قاعات المعرض‬ ‫المتعددة قصة تاريخ‬ ‫المنطقة‪ ،‬وصالتها‬ ‫مع العالم من خالل‬ ‫رحلة حياة المغفور له‬ ‫الشيخ زايد‬ ‫على تنظيم املحا�ضرات والندوات واملعار�ض‬ ‫�ضمن جمموعة الفعاليات املرتبطة بتحقيق‬ ‫ر�ؤية �أبوظبي ‪ ،2030‬لتكون عا�صمة الثقافة‬ ‫ومنارة �إ�شعاع ح�ضاري يف العامل‪.‬‬

‫نهيان‪ ،‬م�ؤ�س�س الدولة وم�صدر �إلهامها الدائم‪.‬‬ ‫ل��دى و�صولك �إىل املعر�ض ال��واق��ع يف منارة‬ ‫ال�سعديات باملنطقة الثقافية يف اجلزيرة‪،‬‬ ‫تطالعك �صورة تذكارية للراحل الكبري ال�شيخ‬ ‫زايد مم�سك ًا بال�صقر‪ ،‬بو�صفه �أحد �أهم رموز‬ ‫ومفردات الرتاث الإماراتي عرب الزمن‪.‬‬ ‫�إىل ال�ي�م�ين م��ن ال�ل��وح��ة وق�ب��ل ال��ول��وج �إىل‬ ‫قاعات املعر�ض ثمة لوحة جتمع �صور ًا لأ�شهر‬ ‫احل�ضارات التي ظهرت يف تاريخ الب�شرية‪،‬‬ ‫منها الفرعونية وال�صينية وح�ضارات �أمريكا‬ ‫اجلنوبية وغ�يره��ا‪ ،‬تعد ه��ذه اللوحة �أيقونة‬ ‫املعر�ض التي تعك�س رغبة �أبوظبي يف حتقيق‬ ‫التناغم بني ح�ضارات وثقافات العامل وجمعها‬ ‫يف باقة ح�ضارية واحدة على �أر�ض �أبوظبي‪.‬‬

‫م�ؤ�س�س الدولة‬ ‫ت��روي قاعات املعر�ض املتعددة ق�صة تاريخ بداية الب�شرية‬ ‫املنطقة‪ ،‬و�صالتها مع العامل من خالل رحلة‬ ‫حياة املغفور له ال�شيخ زاي��د بن �سلطان �آل‬

‫ت �ب��د�أ اجل��ول��ة داخ ��ل امل �ع��ر���ض م��ع القاعة‬ ‫املخ�ص�صة ل �ق��ارة اف��ري�ق�ي��ا‪ ،‬ح�ي��ث كانت‬


‫المرصد‬ ‫‪16‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫البداية احلقيقية للحياة الب�شرية‪ ،‬بح�سب‬ ‫ما ت�شري �إليه �أق��دم الأعمال امل�صنوعة من‬ ‫احلجر املكت�شفة يف القارة ال�سمراء‪ ،‬والتي‬ ‫يعود تاريخ بع�ضها �إىل حوايل ‪ 4 .2‬مليون �سنة‬ ‫م�ضت‪ ،‬ا�ستخدمها االن�سان الأول يف التكيف‬ ‫مع البيئة املحيطة به‪ ،‬فكانت م�ؤ�شرات ظهور‬ ‫الثقافة املادية والرغبة يف التنويع والتجويد‬ ‫التي ميزت الب�شر عن بقية اململكة احليوانية‪.‬‬

‫الف�أ�س التحفة‬

‫ت��زي��ن ��ص��در ق��اع��ة اف��ري�ق�ي��ا‪ ،‬واح ��دة من‬ ‫�أجمل الإبداعات الب�شرية املوغلة يف القدم‬ ‫وه��ي ف ��أ���س حجرية م�صنوعة م��ن م��ادة‬ ‫ال �ك��وارت��ز‪ ،‬ب��رواب��ط م��ن م ��ادة اجلم�شت‬ ‫القا�سية‪�ُ .‬صنعت هذه الف�أ�س للمرة الأوىل‬ ‫يف �إفريقيا ثم انت�شر ا�ستخدامها يف جنوب‬ ‫�آ�سيا وال�شرق الأو��س��ط و�أوروب��ا منذ نحو‬ ‫مليون �سنة م�ضت‪ ،‬وا�ستمر ا�ستخدامها‬ ‫ملدة ‪� 7500‬سنة �أخرى‪ ،‬ومل يعرف التاريخ‬

‫ضم المعرض مومياء‬ ‫كاملة متقنة التحنيط‬ ‫المرأة تحميها تميمة‬ ‫جعران مجنح‬ ‫ع�م� ً‬ ‫لا حرفي ًا �آخ��ر ا�ستمر ت�صنيعه ملثل‬ ‫هذا الوقت الطويل على مثل هذا االمتداد‬ ‫اجلغرايف الوا�سع‪.‬‬ ‫ت�ت���ص��در م�ق�ت�ن�ي��ات احل �� �ض��ارة امل�صرية‬ ‫ال�ق��دمي��ة اجل �ن��اح الأف��ري �ق��ي‪ ،‬باعتبارها‬ ‫احل�ضارة الأقدم على االطالق‪ ،‬حيث ت�شري‬ ‫الدرا�سات �إىل �أن �أول ظهور للدولة كان يف‬ ‫احل�ضارة املعروفة با�سم م�صر القدمية‬ ‫م�ن��ذ ‪�� 5000‬س�ن��ة م���ض��ت‪ ،‬نتيجة احت��اد‬ ‫العديد من الواليات امل�ستقلة وبقيت م�صر‬ ‫ملا يزيد عن ‪� 3000‬سنة تلت‪ ،‬القوة الرائدة‬ ‫يف منطقة البحر الأبي�ض املتو�سط‪.‬‬

‫املوت واحلياة‬

‫�ضمن معرو�ضات اجلناح امل�صري يربز قناع‬ ‫م�صنوع من اجلب�س والكتان ومطلي بالذهب‪،‬‬ ‫يعود �إىل الفرتة البطلمية ‪ ،‬وهو �أحد الأقنعة‬ ‫التي كانت تو�ضع على ر�أ���س املومياء حلماية‬ ‫وجه املتويف‪� ،‬أو بدي ًال للر�أ�س املحنطة التي‬ ‫ميكن �أن تفقد �أو ي�صيبها �شئي من ال�ضرر‬ ‫خالل عملية التحنيط‪.‬‬ ‫حيث كان امل�صريون القدماء يعتقدون �أن‬ ‫الروح تبقى حية بعد موت �صاحبها‪ ،‬وتغادر‬ ‫املقربة‪ ،‬و�أن ذلك القناع �سوف ير�شدها يف‬ ‫رحلة العودة �إىل �صاحبها‪ .‬ويتكون القناع من‬ ‫طبقات من قما�ش الكتان امل�شمعة واملغلفة‬ ‫بطبقات رقيقة من اجل�ص ت�شكل �سطح ًا‬ ‫�أمل�س لطبقتي الطالء والتذهيب‪.‬‬ ‫�إىل جانب القناع توجد جمموعة من الآثار‬ ‫الفرعونية املتنوعة‪ ،‬منها مومياء الم��ر�أة‬ ‫ملفوفة بالكامل‪ ،‬تعود �إىل فرتة بلوغ تقنيات‬ ‫التحنيط يف م�صر القدمية �أعلى م�ستوياتها‪،‬‬


‫ال�سبائك تُ�صب با�ستخدام تقنية‬ ‫ال�شمع املُذاب منذ حوايل ‪� 1550‬إىل‬ ‫‪ 1650‬م‪� ،‬صورت بع�ض اللوحات امللك‬ ‫�أوبا‪ ،‬مع كبار القادة واجلند يحتفلون‬ ‫بالقوة الع�سكرية ململكة بنني خالل‬ ‫تلك ال�ف�ترة‪ ،‬بينما و�ضحت لوحات‬ ‫�أخ��رى حياة الق�صالر وطقو�سه عرب‬ ‫ت�صوير حي لأوب��ا واحلا�شية امللكية‬ ‫وامل�س�ؤولني‪.‬‬ ‫وم��ن ج�ن��وب افريقيا ُع��ر���ض متثال‬ ‫خ �� �ش �ب��ي م �ن �ح��وت ك� ��ان ي���س�ت�خ��دم‬ ‫خالل االحتفاالت البدائية يف عالج‬ ‫الأمرا�ض‪� ،‬أما �ساحل العاج التي تقع‬ ‫يف غرب افريقيا فيمثلها متثال لفار�س‬ ‫خ�شبي يرمز ل��دخ��ول امل�سلمني لهذه‬ ‫الأر���ض يف القرن التا�سع ع�شر‪ ،‬وهو‬ ‫متثال لفار�س ي�ضع �سوار ًا �إ�سالمي ًا حول‬ ‫عنقه‪ ،‬ويحمل بندقية يف ي��ده اليمنى‬ ‫رام� ��ز ًا ل�سلطة ال �ف��ر� �س��ان امل�سلمني‬ ‫القادمني من ال�شمال‪.‬‬

‫وقد �أظهرت الأ�شعة ال�سينية �أن اجلثة‬ ‫املوجودة بالداخل تعود الم��ر�أة بالغة‪،‬‬ ‫ومت و�ضع عيون �صناعية يف ر�أ�سها‪،‬‬ ‫كما �أن اجل�سم مغطى ب�شبكة متقنة‬ ‫ال�صنع من اخل��رز‪ ،‬مع متيمة جعران‬ ‫جمنح وغطاء للكاحل‪ ،‬رمبا �أ�ضيفتا �إىل‬ ‫املومياء يف ع�صور الحقة‪.‬‬

‫الآلهة والفراعنة‬

‫��ض��م اجل �ن��اح امل���ص��ري ك��ذل��ك ع��دة‬ ‫متاثيل لآلهة كانت �شائعة لدى قدماء‬ ‫امل�صريني‪ ،‬متثلت يف ر�ؤو�س حليوانات‬ ‫ولطيور‪.‬‬ ‫م��ن �أب ��رز تلك الآل �ه��ة مت�ث��ال للملك‬ ‫�سيتاي الثاين ‪ 1200 - 1194‬ق‪ .‬م‪-‬‬ ‫جال�س ًا على العر�ش مم�سك ًا ب�صورة‬ ‫مقد�سة لر�أ�س كب�ش‪ ،‬وهو رمز مرتبط‬ ‫بالإله �آمون‪ ،‬وعلى جانب العر�ش نقو�ش‬ ‫مت�ث��ل احت ��اد ��ش�م��ال وج �ن��وب م�صر‪،‬‬ ‫وزينت القاعدة ب� أ�ج��زاء من الألقاب‬ ‫امللكية ت�صف امل�ل��ك بـ«حبيب» الآل�ه��ة‬ ‫�أوزوري����س‪ ،‬كما ُنحت ا�سمي امللك الرئي�سني‬ ‫على كتفيه‪.‬‬ ‫كذلك متثال للإلهة �سخمت التي ارتبطت‬ ‫ب��اخل��راب وال��دم��ار‪ ،‬وتظهر يف هيئة ام��ر�أة‬ ‫برا�س حيوان‪ ،‬ويعني ا�سمها «القوية»‪ ،‬ووفق ًا‬ ‫لإحدى الأ�ساطري القدمية‪ ،‬فقد كانت �سخمت‬ ‫العني النارية ل�ل�إل��ه رع �إل��ه ال�شم�س‪ ،‬التي‬ ‫يوجهها �ضد �أعدائه‪ ،‬بينما يروي ن�ص �آخر‪،‬‬ ‫�أنها �أر�سلت لتدمري اجلن�س الب�شري نف�سه‪،‬‬ ‫لأن اخلالق غري را�ض عن جرائمه و�آثامه‪.‬‬

‫جموهرات وم�شغوالت‬

‫من المعروضات‬ ‫تمثال للملك سيتاي‬ ‫ولإللهة المصرية‬ ‫سخمت بجسد امرأة‬ ‫ورأس حيوان‬ ‫ل�صنع امل �ج��وه��رات‪ ،‬مب��ا يف ذل��ك ال��ذه��ب‬ ‫واخل��زف وال��زج��اج امللون‪ ،‬كما مت ا�سترياد‬ ‫م��واد ثمينة معينة من بينها ال�ل�ازورد من‬ ‫مناطق بعيدة مثل �أفغان�ستان‪.‬‬

‫ك �م��ا � �ض��م اجل��ن��اح امل �� �ص��ري من� ��اذج من القارة ال�سمراء‬ ‫امل�ج��وه��رات التي ك��ان ي�ستخدمها الن�ساء‬ ‫وال��رج��ال �آن� ��ذاك‪ ،‬منها م�شغوالت ملونة‬ ‫لتزيني املالب�س‪ ،‬حيث كانت املجوهرات تدل‬ ‫على املكانة والرثاء‪ ،‬كما ت�ضمن احلماية من‬ ‫الأرواح ال�شريرة‪ ،‬وقد ا�ستخدمت جمموعة‬ ‫متنوعة من امل��واد الطبيعية واال�صطناعية‬

‫من احل�ضارة امل�صرية‪ ،‬التي متثل البوابة‬ ‫ال�شرقية لإفريقيا‪ ،‬ينتقل املعر�ض بزائريه‬ ‫�إىل عمق ال�ق��ارة ال�سمراء من خ�لال �أرب��ع‬ ‫لوحات نحا�سية متثل مملكة بنني الغربية‬ ‫ال �ق��وي��ة‪ ،‬وت�ع�ت�بر ت�ل��ك ال �ل��وح��ات املنقو�شة‬ ‫فريدة من نوعها يف افريقيا‪ ،‬حيث كانت‬

‫ال�شرق الأدنى القدمي‬

‫ال�شرق الأو� �س��ط وح�ضاراته املختلفة هي‬ ‫املحطة التالية لزائري املعر�ض‪ ،‬من خالل‬ ‫منطقة ال�شرق الأدنى القدمي‪ ،‬والتي ت�شمل‬ ‫كل منطقة ال�شرق الأو�سط احلديث‪ ،‬وت�ضم‬ ‫ك� ً‬ ‫لا من اجلزيرة العربية و�إي��ران والعراق‬ ‫و�سوريا والأردن وفل�سطني ولبنان وتركيا‪،‬‬ ‫وداخ ��ل ه��ذه الأرا� �ض��ي يحيط ن�ه��را دجلة‬ ‫وال��ف��رات باملنطقة امل �ع��روف��ة ب��ا��س��م ب�لاد‬ ‫الرافدين‪ ،‬وت�شمل منطقة بالد الرافدين ك ًال‬ ‫من العراق احلديث و�شمال �شرقي �سوريا‪،‬‬ ‫حيث ظهرت املدن الأوىل يف العامل يف جنوب‬ ‫بالد الرافدين قبل زمن بعيد من عام ‪3500‬‬ ‫قبل امل �ي�لاد‪ ،‬و�شهدت تلك ال�ف�ترة تطوير‬ ‫الكتابة والدين وامللكية وبريوقراطية الدولة‪.‬‬

‫الكتابة امل�سمارية‬

‫وي�ضم جناح ب�لاد الرافدين جمموعة من‬ ‫املرا�سالت بالكتابة امل�سمارية على �أل��واح‬


‫المرصد‬ ‫‪18‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫ضم جناح بالد الرافدين‬ ‫مجموعة من المراسالت‬ ‫بالكتابة المسمارية‬ ‫على ألواح الطين منها‬ ‫رسالة من حاكم بابل‬ ‫إلى ملك مصر‬ ‫الطني‪ ،‬ومنها ر�سالة من حاكم بابل �إىل ملك‬ ‫م�صر‪ ،‬وهناك ل��وح من مكتبة امللك �آ�شور‬ ‫بانيبال الذي ظهر يف نينوى �شمال العراق يف‬ ‫الفرتة من ‪ 700 - 600‬ق‪.‬م‪ ،‬حيث �أقام امللك‬ ‫واحدة من املكتبات املرجعية الأوىل يف العامل‪،‬‬ ‫�ضمت جمموعات من القوامي�س والن�صو�ص‬ ‫ال�سحرية والطبية‪ ،‬وهذا اللوح هو الثاين من‬ ‫ال�سل�سلة العالجية التي تنتمي �إىل «ق�صور‬ ‫�آ�شور بانيبال‪ ،‬ملك العامل‪ ،‬ملك �آ�شور»‪.‬‬ ‫ومن العراق �إىل �إيران‪ ،‬حيث ي�ضم املعر�ض‬ ‫متثال حار�س منحوت من حجر الكل�س من‬

‫بر�سيبولي�س عا�صمة االمرباطورية الأخمينية‬ ‫التي �أ�س�سها امللك داريو�س الأول ‪� -522‬إىل‬ ‫‪ 486‬ق‪.‬م‪ ،‬وي�ح�ت��وي �أح ��د ال��وج��وه ت�صوير‬ ‫حل��ار���س يف و� �ض��ع ال��وق��وف ي��رت��دي ال��زي‬ ‫الفار�سي وغ�ط��اء ال��ر�أ���س امل �ط��وي‪ ،‬ويحمل‬ ‫حربة بكلتا يديه وقو�سا وجعبة �سهام على‬ ‫ظهره‪ ،‬و ُيظهر الوجه الثاين م�س�ؤو ًال يرتدي‬ ‫الزي الفار�سي ويحمل �صوجلان ًا بيده الي�سرى‬ ‫املو�ضوعة فوق �ساعده الأمين‪.‬‬

‫ال�صراع على التجارة‬

‫احتلت التجارة وق�ص�ص ال�صراع عليها‪،‬‬ ‫جزء ًا مهما يف هذا الق�سم من معر�ض كنوز‬ ‫ث�ق��اف��ات ال �ع��امل‪ ،‬ح�ي��ث تظهر امل�ع��رو��ض��ات‬ ‫هنا ك�ي��ف �سعى ال��روم��ان لل�سيطرة على‬ ‫ال �ط��رف ال���ش��رق��ي ال�غ�ن��ي للبحر الأب�ي����ض‬ ‫املتو�سط‪ ،‬و�أقاموا عالقات متوترة وخا�ضوا‬ ‫ع��دة ح �م�لات ��ض��د ال �ب��ارث �ي�ين وخلفائهم‬ ‫ال�سا�سانيني‪ ،‬ومنت تدمر التابعة للمقاطعة‬ ‫الرومانية يف �سورية يف القرن الأول امليالدي‪،‬‬


‫ن �ظ��ر ًا لأه �م �ي��ة م��وق�ع�ه��ا على‬ ‫الطرق التجارية التي تربط‬ ‫بالد فار�س واجلزيرة العربية‬ ‫والهند والإمرباطورية الرومانية‪.‬‬ ‫وم��ن �أج�م��ل مقتنيات ه��ذا الق�سم‬ ‫ق�ن��اع امل ��وت ال��ذه�ب��ي‪ ،‬ال ��ذي ُعرفت‬ ‫�أمثلة منه يف لبنان والعراق وتركيا‬ ‫وال�سعودية‪ ،‬ومتثال ن�صفي لكاهن‬ ‫ي��رت��دي ث��وب� ًا روم��ان�ي� ًا ف�ضفا�ض ًا من‬ ‫تدمر يف �سوريا‪ ،‬ولوحة ف�ضية مع م�شهد‬ ‫�صيد يف �إيران يف الفرتة ال�سا�سانية‪.‬‬

‫الرافدين تعود �إىل‬ ‫ق‪.‬م‪ ،‬ع�ثر عليها يف ج��زي��رة �أم‬ ‫النار‪ ،‬وهي تدل على وجود روابط‬ ‫جتارية واقت�صادية قوية مع البلدان‬ ‫الم��ارات‬ ‫واحل�ضارات املحيطة بدولة إ‬ ‫يف ذل ��ك ال��زم��ن ال �� �س �ح �ي��ق‪ .‬وم ��ن عمق‬ ‫ال�صحراء العربية يف الإم��ارات تقودنا‬ ‫ال��رح �ل��ة داخ ��ل امل �ع��ر���ض �إىل ال���ش�م��ال‬ ‫الأوروب��ي �شديد ال�برودة‪ ،‬وجمموعة من‬ ‫املقتنيات التي ا�ستخدمها الإن���س��ان يف‬ ‫ه��ذه الأر� ��ض منذ �آالف ال�سنني‪� ،‬أب��رزه��ا‬ ‫درع برونزي م�سطح يرجع تاريخ �صنعه �إىل‬ ‫‪� 1200 - 900‬سنة قبل امليالد‪.‬‬ ‫وم � ��رور ًا ب��ال �ي��ون��ان ال �ق��دمي��ة وح���ض��ارت�ه��ا‬ ‫ال��زاه��رة‪ ،‬و�إي �ط��ال �ي��ا‪ ،‬والآث� ��ار ال��روم��ان�ي��ة‬ ‫امل�ت�ن��وع��ة‪ ،‬وح �� �ض��ارة ب�ي��زن�ط��ة‪ ،‬ن�صل �إىل‬ ‫االجنلو�ساك�سونيني يف اجنلرتا‪ ،‬والتماثيل‬ ‫الرائعة املمثلة القادمة من ال�نروي��ج‪ ،‬ثم‬ ‫ع�صر النه�ضة ال��ذي حمل �سمات فائقة‬ ‫للجمال �سادت �أوروبا يف القرون الو�سطى‪.‬‬

‫‪2300 - 2600‬‬

‫املنمنمات‬

‫حظيت قاعة ال�شرق الأو�سط الإ�سالمي بعناية‬ ‫خا�صة من القائمني على املعر�ض‪ ،‬وحوت �ألوان ًا‬ ‫من الفن الإ�سالمي مق�سمة �إىل �أربعة �أنواع من‬ ‫ال��زخ��ارف‪ :‬اخلطية‪ ،‬والنباتية‪ ،‬والهند�سية‪،‬‬ ‫والت�صويرية منفردة �أو مت�آلفة يف ت�شكيالت‬ ‫بديعة‪.‬‬ ‫م��ن الأع �م��ال ال�ت��ي تعك�س ب��راع��ة امل�سلمني‬ ‫العلمية والفنية الإ�سطرالب‪ ،‬وهو �أداة علمية‬ ‫ابتكرها امل�سلمون قبل ‪1000‬عام وا�ستعملوها‬ ‫يف ق �ي��ا���س االرت� �ف ��اع ��ات وحت ��دي ��د ال��وق��ت‬ ‫واجت��اه القبلة وت�صنيف الأب ��راج الفلكية‪،‬‬ ‫واال�سطرالب املعرو�ض م�صنوع من النحا�س‬ ‫ومو�شى ب�آيات قر�آنية‪.‬‬ ‫ي�ضم املعر�ض كذلك �أ��ش�ك��ا ًال خمتلفة من‬ ‫الأ�سلحة الإ�سالمية‪ ،‬والأواين ذات الربيق‬ ‫املعدين التي بد�أ �صنعها خزافون عراقيون يف‬ ‫القرن التا�سع امليالدي‪ ،‬وانت�شرت بعد ذلك‬ ‫يف م�صر و�سوريا و�إيران بحلول القرن الثالث‬ ‫ع�شر امليالدي‪.‬‬ ‫كما حظي فن املنمنمات الإ�سالمية مب�ساحة‬ ‫جيدة من املعر�ض حيث ُعر�ضت خمتارات‬ ‫من الفن الفار�سي‪ ،‬واملغويل‪ ،‬متثل م�شاهد‬ ‫ت���ص��وي��ري��ة لن�صو�ص ت��اري�خ�ي��ة و��ش�ع��ري��ة‪،‬‬ ‫وم�شاهد ع��ام��ة م��ن ح�ي��اة ال�ب�لاط و��ص��ور ًا‬ ‫م��ن ع��امل الطبيعة وت���ص��وي��ر ًا ل�شخ�صيات‬ ‫وحيوانات‪ .‬منها لوحة من املنمنمات الإيرانية‬ ‫ل�صياد ي�ستعني ب�صقر‪ ،‬يرجع تاريخها �إىل‬ ‫ع��ام ‪ 1580‬م�ي�لادي��ة‪ ،‬ول��وح��ة �أخ ��رى متثل‬

‫من أجمل المعروضات‬ ‫قناع الموت الذهبي‬ ‫عرفت أمثلة منه‬ ‫الذي ُ‬ ‫في لبنان والعراق‬ ‫الفن احلديث‬ ‫وتركيا والسعودية‬ ‫البطل الفار�سي ر�ستم وهو ي�ضرب باب �أحد‬ ‫ق�صور �أعدائه‪.‬‬

‫الإمارات املت�صاحلة‬

‫حظي ت��اري��خ دول��ة الإم ��ارات بن�صيب جيد‬ ‫م��ن املعر�ض‪ ،‬وم��ن �أه��م املقتنيات الأث��ري��ة‬ ‫امل �ع��رو� �ض��ة يف اجل �ن��اح الإم ��ارات ��ي �أدوات‬ ‫ح�ج��ري��ة م��ن جبل ال�ف��اي��ة بال�شارقة يعود‬ ‫ت��اري�خ�ه��ا �إىل ‪� 125‬أل ��ف ��س�ن��ة‪ ،‬وج ��رة من‬ ‫جبل حفيت تعود �إىل الأل�ف�ي��ة الثالثة قبل‬ ‫امليالد‪ ،‬ومتثال �صغري من الذهب اكت�شف‬ ‫يف ال�شارقة يرجع �إىل حوايل ‪ 2100‬عام قبل‬ ‫امليالد‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل جرة �أخرى من بالد‬

‫احتلت التجارة‬ ‫وقصص الصراع عليها‬ ‫جزء ًا مهم ًا من معرض‬ ‫كنوز ثقافات العالم‬

‫ويعرج بنا املعر�ض �إىل ال�صني و�إ�سهاماتها‬ ‫العظيمة يف ت��اري��خ ال�ب���ش��ري��ة‪ ،‬ال�ت��ي ل��وال‬ ‫العديد من �إجنازاتها لكان العامل خمتلف ًا‬ ‫�إىل ح��د كبري يف �أيامنا ه��ذه‪ ،‬وتعج هذه‬ ‫ال�ق��اع��ة بنخبة م��ن التحف والآث���ار التي‬ ‫عك�ست الإ�سهام ال�صيني القوي يف تطور‬ ‫م�سرية الب�شر على الأر�ض‪.‬‬ ‫وم��ن ال���ص�ين ن��ذه��ب �إىل منطقة جنوب‬ ‫�شرق �آ�سيا وال�ت��ي متثلها ال�ي��اب��ان وكوريا‬ ‫مب�ن�ج��زات�ه��م ال�ق�ي�م��ة يف ه ��ذا اجل ��زء من‬ ‫ال� �ع ��امل‪ ،‬ث��م �إىل الأم��ري �ك �ت�ين اجل�ن��وب�ي��ة‬ ‫وال��و��س�ط��ى‪ ،‬وجم�م��وع��ة م��ن الآث ��ار القيمة‬ ‫التي عك�ست قيمة احل�ضارات القوية التي‬ ‫ن�ش�أت بهما‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�أما نهاية الرحلة‪ ،‬فكانت �إبحارا عميقا يف‬ ‫�أل��وان الفن الت�شكيلي يف الع�صر احلديث‬ ‫عرب جمموعة من الأعمال الفنية التي توثق‬ ‫ا�ستمرارية وتغري الن�شاط الب�شري يف عامل‬ ‫يزداد تعقيد ًا وترابط ًا‬


‫المرصد‬ ‫‪20‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫مطالبات ب�ضم القد�س وامل�سجد الأق�صى‬

‫كنيسة المهد ‪..‬‬ ‫على قائمة التراث العالمي‬ ‫المهدد بالخطر لليونسكو‬

‫بيت حلم‪ -‬يو�سف املحمود‬ ‫�أ�شادت املنظمة الإ�سالمية للرتبية والعلوم‬ ‫والثقافة ‪�-‬إي�سي�سكو‪ -‬بقرار جلنة الرتاث‬ ‫العاملي التابعة ملنظمة الأمم املتحدة‬ ‫للرتبية والعلم والثقافة ‪-‬يون�سكو‪-‬‬ ‫�إدراج‪ ‬كني�سة املهد وطريق احلجاج يف مدينة‬ ‫بيت حلم بدولة فل�سطني على الئحة‬ ‫الرتاث العاملي املهدد باخلطر‪.‬‬


‫و�أك��دت الإي�سي�سكو �أن هذا القرار ين�سجم‬ ‫مع‪ ‬برنامج عمل جلنة ال�ت�راث الإ�سالمي‬ ‫التابعة لها‪ ،‬ويدعم جهودها الهادفة �إىل‬ ‫احلفاظ على ال�تراث احل�ضاري يف ال��دول‬ ‫الأع�ضاء من خ�لال �إع��داد الئحة لت�سجيل‬ ‫م�ع��امل��ه‪ ،‬والئ �ح��ة �أخ ��رى لت�سجيل املعر�ض‬ ‫منها ل�ل�أخ�ط��ار‪ ،‬وتن�سيق امل��واق��ف العربية‬ ‫والإ�سالمية‪ ،‬وتوحيد جهودها يف الت�صدي‬ ‫للمحاوالت املتكررة من قبل �إ�سرائيل‪ ،‬لتهويد‬ ‫مواقع ومعامل �أثرية فل�سطينية وت�سجيلها‬ ‫على الئحة الرتاث العاملي‪.‬‬ ‫ون �ظ��ر ًا �إىل ت�صاعد االع �ت��داءات الأخ�يرة‬ ‫من قبل �سلطات االحتالل الإ�سرائيلي على‬ ‫ال�ت�راث الثقايف واحل���ض��اري الفل�سطيني‪،‬‬ ‫وا�ستكما ًال جلهود الإي�سي�سكو الرامية �إىل‬ ‫حث الدول الأع�ضاء واملجتمع الدويل للتدخل‬ ‫ال�سريع لوقف ه��ذه االع �ت��داءات التي كان‬ ‫من �أبرزها بناء اجلدار العن�صري العازل‪،‬‬ ‫واحل�ف��ري��ات يف حميط امل�سجد الأق�صى‪،‬‬ ‫نا�شدت الإي�سي�سكو اليون�سكو �إ�صدار قرار‬ ‫مم��اث��ل ي�ضع ال�ق��د���س ال���ش��ري��ف وامل�سجد‬ ‫الأق�صى املبارك على الئحة الرتاث العاملي‬ ‫املهدد باخلطر‪.‬‬ ‫و�أ�شادت الإي�سي�سكو باملواقف التي تتخذها‬ ‫جلنة الرتاث العاملي ب�ش�أن املعامل احل�ضارية‬ ‫يف العامل الإ�سالمي‪ ،‬ودعت �إيل املزيد منها‬ ‫حفاظ ًا على ثروة ح�ضارية �إن�سانية كبرية‬

‫�إهمال وتخريب‬

‫منذ ب��داي��ة االح �ت�لال الإ��س��رائ�ي�ل��ي لل�ضفة‬ ‫ال�غ��رب�ي��ة يف ال �ع��ام ‪1967‬م‪ ،‬وم��دي�ن��ة بيت‬ ‫حلم‪ ،‬مبا حتمله وترمز �إليه ورغم �أهميتها‬ ‫العظيمة لدى �أتباع الديانة امل�سيحية‪ ،‬كونها‬ ‫املدينة الروحية الأوىل ذات القد�سية الكربى‬ ‫والتي ت�ضم كني�سة املهد ف��وق مكان ميالد‬ ‫ال�سيد امل�سيح عليه ال�سالم‪ ،‬تعاين الإهمال‬ ‫واحل�صار والت�ضييق وم�صادرة الأرا��ض��ي‬ ‫م��ن ق�ب��ل �سلطات االح �ت�ل�ال‪� ،‬إ� �ض��اف��ة �إىل‬ ‫ف�صلها عن القد�س ب�إقامة جدار اال�ستيطان‬ ‫وحما�صرتها بامل�ستوطنات‪.‬‬ ‫وكان �آخر ما تعر�ضت �إليه كني�سة املهد من‬

‫مغارة املهد‬

‫عدوان مبا�شر هو احل�صار ال�شهري يف العام‬ ‫‪ 2002‬و�إط�ل�اق ال�ن��ار على مبنى الكني�سة‬ ‫و�ساحاتها‪ ،‬ولكن الكني�سة الأقدم يف العامل‬ ‫والأه���م ل��دى امل�سيحيني ظلت ط ��وال تلك‬ ‫ال�سنوات‪� ،‬أي منذ عام ‪1967‬م‪ ،‬وحتى يومنا‬ ‫ه��ذا تعاين من الإه �م��ال وتبعات االحتالل‬ ‫التي تعرقل ومتنع االهتمام بالكني�سة‪.‬‬

‫حماية ب�صفة عاجلة‬

‫بعد ح�صول فل�سطني على ع�ضوية منظمة‬ ‫اليون�سكو يف ت�شرين �أول العام ‪� 2011‬سارع‬ ‫الفل�سطينيون بتقدمي طلب �إدراج الكني�سة‬

‫اإليسيسكو ناشدت‬ ‫اليونسكو وضع القدس‬ ‫والمسجد األقصى على‬ ‫الئحة التراث العالمي‬ ‫المهدد بالخطر‬

‫على قائمة الرتاث العاملي لليون�سكو يف �إجراء‬ ‫عاجل‪ ،‬ومت قبول الطلب الفل�سطيني من قبل‬ ‫املنظمة العاملية لي�سجل بذلك على �أنه املوقع‬ ‫الفل�سطيني الأول ال��ذي ي��درج �ضمن قائمة‬ ‫الرتاث العاملي‪.‬‬ ‫قوبل هذا القرار بفرح واحتفال فل�سطيني‬ ‫كبري و�صف باالنت�صار واالع�ت�راف العاملي‬ ‫ب��احل��ق الفل�سطيني ن �ظ��ر ًا مل��ا يحمله هذا‬ ‫ال �ق��رار وي���ش�ير �إل �ي��ه م��ن اع�ت�راف بنتائج‬ ‫االح �ت�لال الإ��س��رائ�ي�ل��ي وان�ع�ك��ا��س��ات��ه على‬ ‫الأر�� ��ض الفل�سطينية مب��ا فيها م��ن �آث ��ار‬ ‫تاريخية ومقدّ�سات خ�صو�ص ًا و�أن الطلب‬ ‫ال��ذي تقدّمت ب��ه فل�سطني يطالب ب���إدراج‬ ‫كني�سة امل�ه��د ع�ل��ى الئ�ح��ة ال�ت�راث العاملي‬ ‫«ب�صفة عاجلة» ب�سبب التلف والتخريب الذي‬ ‫حلق مبجمل البنية املعمارية لكني�سة املهد‪،‬‬ ‫و«ال�صفة العاجلة» تعني هنا �أن املوقع مهدد‬


‫المرصد‬ ‫‪22‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫مغارة املهد وتبدو النجمة التي ت�شري �إىل مكان ميالد امل�سيح‬

‫بالدمار والتلف والإهمال يف �إ�شارة وا�ضحة‬ ‫ل�سلطات االحتالل الإ�سرائيلي‪.‬‬ ‫يف املقابل‪� ،‬أثار القرار الذي اتخذته منظمة‬ ‫الأمم امل�ت�ح��دة للرتبية وال�ث�ق��اف��ة والعلوم‬ ‫«ال�ي��ون���س�ك��و» خ�ل�ال اج�ت�م��اع�ه��ا يف «��س��ان‬ ‫بطر�سبورغ» يف رو�سيا عا�صفة احتجاجات‬ ‫ح��ادة م��ن قبل �إ��س��رائ�ي��ل‪� .‬إذ ��س��ارع رئي�س‬ ‫ال ��وزراء الإ�سرائيلي بنيامني نتنياهو �إىل‬ ‫و�صف قرار «اليون�سكو» بال�سيا�سي وقال‪� :‬إن‬ ‫هذا القرار حتركه دواف��ع �سيا�سية ولي�ست‬ ‫ثقافية‪ ،‬وبد ًال من �أن يتقدموا جتاه ال�سالم‬ ‫يقوم الفل�سطينيون مب�ساع من جانب واحد‬ ‫تبعد ال�سالم‪ ،‬على حد زعمه‪.‬‬ ‫وفيما بعد نقل عن م�س�ؤولني �إ�سرائيليني �أن‬ ‫ال اعرتا�ض لديهم على �إدراج «كني�سة املهد»‬

‫وصف البعض‬ ‫القرار بالشوكة‬ ‫في ظهر المخطط‬ ‫«اإلسرائيلي» لمحو‬ ‫تراث فلسطين‬ ‫يف ال�تراث العاملي لكن االحتجاج جاء على‬ ‫ا�ستخدام كلمة «�صفة عاجلة» �إذ �أنه ّ‬ ‫يدل على‬ ‫�أن �إ�سرائيل ال حتمي املواقع‪.‬‬ ‫فيما �شدّد امل�س�ؤولون الفل�سطينيون على �أن‬ ‫�إ�سرائيل ت�سعى لطم�س هذه املواقع الدينية‬ ‫والتاريخية‪ ،‬و�أنها مهددة بالدمار الكامل‬ ‫ب�سبب االح �ت�لال الإ�سرائيلي وب�ن��اء ج��دار‬

‫الف�صل العن�صري والتدابري املتخذة لطم�س‬ ‫الهوية الفل�سطينية ‪.‬‬ ‫�أم ��ا ال�سلطة الفل�سطينية ف���س��ارع��ت �إىل‬ ‫التعبري ع��ن �سعادتها ب�ه��ذا ال �ق��رار ال��ذي‬ ‫و�صفته ب ��أن��ه اع�ت�راف م��ن ال �ع��امل بحقوق‬ ‫ال�شعب الفل�سطيني وانت�صار لق�ضية ال�شعب‬ ‫الفل�سطيني العادلة وهو قرار تاريخي ل�صالح‬ ‫ال�شعب الفل�سطيني وق��رار تاريخي ب�إعادة‬ ‫احلق املفقود لل�سيد امل�سيح عليه ال�سالم ‪.‬‬

‫ق�صة مدينة‬

‫تقع مدينة بيت حل��م �ضمن �سل�سلة جبال‬ ‫ال�ق��د���س ج�ن��وب ال�ضفة ال�غ��رب�ي��ة‪ ،‬يف قلب‬ ‫فل�سطني التاريخية‪ ،‬وال يف�صلها عن مدينة‬


‫القد�س �سوى ع�شرة كيلومرتات‪ ،‬وترتفع عن‬ ‫�سطح البحر ‪ 765‬مرت ًا ‪.‬‬ ‫يقول علماء الآثار �إن العرب الكنعانيني هم‬ ‫بناة املدينة الأوائ��ل وهم الذين �سكنوها يف‬ ‫العام ‪ 2000‬قبل امليالد‪ ،‬وا�سمها جاء ن�سبة‬ ‫�إىل الإله «خلمو» �أو «حلمو» الكنعاين وهو �إله‬ ‫الطعام عند الكنعانيني‪ ،‬ويف الآرامية يقال‪:‬‬ ‫خلم �أو حلم ومعناها اخلبز فت�صبح بيت‬ ‫حلم مبعنى بيت اخلبز‪ ،‬وي�شري بع�ض علماء‬ ‫الآثار �إىل �أنه من املحتمل �أن �أول ا�ستيطان‬ ‫ب�شري فيها كان عندما ّ‬ ‫حطت جماعات من‬ ‫البدو عند النبع القريب من كني�سة املهد‪.‬‬ ‫كما يقول امل�ؤرخون �إن �أقدم �إ�شارة تاريخية‬ ‫�إىل املدينة ظهرت يف ر�سائل تل العمارنة‬ ‫حوايل �سنة ‪ 1400‬قبل امليالد عندما نا�شد‬ ‫ملك القد�س ملك م�صر «وك��ان��ت املنطقة‬ ‫تابعة مل�صر يف تلك ال�ف�ترة» مل�ساعدته يف‬ ‫ا�ستعادة ال�سيطرة على بيت حلم يف �أعقاب‬ ‫غزو جماعات «اخلبريو �أو العبريو» �أو لب�سة‬ ‫جلود املاعز كما �أطلق عليهم‪ ،‬وهم جماعات‬ ‫ب�شرية غري م�ستقرة هاربة تعتمد الو�سائل‬ ‫البدائية يف العي�ش كما تعتمد على الغزو‬ ‫وال�ن�ه��ب‪ ،‬وال ي��وج��د معنى متفق عليه بني‬ ‫الباحثني على معنى كلمة خبريو �أو عبريو‬ ‫رغ��م حم ��اوالت بع�ض امل�شتغلني يف الآث��ار‬ ‫والتاريخ ربط كلمة «عبريو» بالعربيني و�أن‬ ‫ه��ذا اال�سم ا�شتق من «ع�بر» مبعنى الذين‬ ‫ع�ب�روا �إىل املنطقة ل�ل��دالل��ة ع�ل��ى ال��وج��ود‬ ‫اليهودي‪ ،‬وي�ؤيد ذلك بع�ض الذين لهم عالقة‬ ‫يف التاريخ والآث��ار من اتباع مدر�سة الكتاب‬ ‫املقدّ�س‪ ،‬لكن بع�ض املخت�صني ينفون ذلك‬ ‫جملة وتف�صي ًال‪ ،‬ويعتربون �أن ه��ذا الربط‬ ‫ينبع من دوافع �سيا�سية ليثبت اختالق اجلذر‬ ‫التاريخي للوجود اليهودي يف فل�سطني كما‬ ‫حتاول الرواية الإ�سرائيلية والغربية زرع وهم‬ ‫تاريخي وجعله حقيقة ليتوافق مع الر�ؤية‬ ‫اال�ستعمارية واالحتاللية احلديثة بعد ف�شل‬ ‫�إثباته من خالل احلفريات و�أعمال التنقيب‬ ‫التي جرت يف فل�سطني مدة مائة عام كاملة ‪.‬‬ ‫ويف تاريخ مدينة بيت حلم يروى �أن �سيدنا‬ ‫يعقوب عليه ال�سالم توقف يف هذه املدينة‬

‫داخل الكني�سة‬

‫وه��و يف طريقه �إىل اخلليل فتوفيت زوجته‬ ‫راح �ي��ل ح�ين ا��ش�ت� ّد بها �أمل ال� ��والدة �أث�ن��اء‬ ‫�إجنابها «بنيامني» ومت دفنها يف بيت حلم‬ ‫يف املكان الذي يعرف اليوم بق ّبة راحيل �أو‬

‫قرار اليونسكو ّ‬ ‫يدل على‬ ‫أن «إسرائيل» ال تحمي‬ ‫المواقع األثرية في‬ ‫األراضي المحتلة‬

‫م�سجد بالل بن رباح‪ ،‬وتوالت على بيت حلم‬ ‫الأحداث الكبرية والكثرية‪ ،‬وكانت تو�صف يف‬ ‫الع�صور القدمية ب�أنها قرية متوا�ضعة حتيط‬ ‫بها الأودي ��ة العميقة م��ن جهاتها الثالث‪،‬‬ ‫�أر�ضها خ�صبة تنت�شر فيها حقول القمح ‪.‬‬ ‫ومل��دي �ن��ة ب �ي��ت حل��م �أه �م �ي��ة ع�ظ�ي�م��ة ل��دى‬ ‫امل�سيحيني فهي مدينة مقدّ�سة كونها م�سقط‬ ‫ر�أ�س ال�سيد امل�سيح عليه ال�سالم الذي يعتقد‬


‫المرصد‬ ‫‪24‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫�أنه ولد يف مغارة هناك تقام عليها كني�سة‬ ‫املهد و�شهدت املدينة عرب التاريخ �صراعات‬ ‫وغزوات كثرية فقد تعر�ضت للغزو الآ�شوري‬ ‫والبابلي والفار�سي والإغريقي والروماين‬ ‫والبيزنطي‪ ،‬فتحها العرب امل�سلمون وا�ستوىل‬ ‫عليها ال�صليبيون ثم ح ّررها �صالح الدين‬ ‫الأيوبي وبقيت حتت احلكم الإ�سالمي حتى‬ ‫انتزعتها بريطانيا خالل احتاللها فل�سطني‪،‬‬ ‫ثم مت �إحلاقها بالأردن حتى احتلتها �إ�سرائيل‬ ‫العام ‪.1967‬‬

‫�أقدم كني�سة يف العامل‬

‫بني الأعوام ‪ 339 - 326‬مت بناء كني�سة املهد‬ ‫فوق مغارة امليالد‪ ،‬مكان ال�سيد امل�سيح عليه‬ ‫ال�سالم وذلك على يد الإمرباطورة البيزنطية‬ ‫هيالنة وال ��دة الإم�براط��ور ق�سطنطني بعد‬ ‫االع�ت�راف بالديانة امل�سيحية ديانة ر�سمية‬ ‫ل�ل�إم�براط��وري��ة ال��روم��ان�ي��ة‪ ،‬و�سميت با�سم‬ ‫الإمرباطورة‪.‬‬ ‫ويف ال�ع��ام ‪ 529‬للميالد تع ّر�ضت الكني�سة‬ ‫�إىل التدمري على �أي��دي ال�سامريني ب�سبب‬ ‫ا�ضطرابات وقعت �ض ّد البيزنطيني‪ ،‬وبعد �ست‬ ‫�سنوات مت �إع��ادة بناء الكني�سة للمرة الثانية‬ ‫على يد الإمرباطور البيزنطي «يو�ستنيانو�س»‬ ‫حيث دعيت با�سم كني�سة املهد‪.‬‬ ‫يف ال �ع��ام ‪ 614‬للميالد تعر�ضت فل�سطني‬ ‫واملنطقة للغزو الفار�سي‪ ،‬ومت هدم الكنائ�س‬ ‫يف فل�سطني ما عدا كني�سة املهد وذلك ب�سبب‬ ‫وج��ود قطعة م��ن الف�سيف�ساء على ج��دران‬ ‫الواجهة الغربية للكني�سة مت ّثل املجو�س ملوك‬ ‫ال�شرق بز ّيهم الفار�سي التقليدي وهم يقدمون‬ ‫الهدايا للطفل عي�سى عليه ال�سالم‪ ،‬واحرتام ًا‬ ‫مللوكهم �أعر�ضوا عن تدمري الكني�سة ‪.‬‬ ‫يف العام ‪ 638‬للميالد عام الفتح الإ�سالمي‪،‬‬ ‫دخ��ل �سيدنا‪ ،‬عمر بن اخلطاب‪ ،‬ر�ضي اهلل‬ ‫عنه‪ ،‬مدينة القد�س وت�سلمها من البطريرك‬ ‫�صفرونيو�س ومت عقد �أ�سمى معاهدة يف الإخاء‬ ‫وامل���س��اواة واملح ّبة‪ ،‬والتي تعرف باملعاهدة‬ ‫العمرية بني البطريرك �صفرونيو�س و�سيدنا‬ ‫ون�صت على �إعطاء الأمان للجميع وفر�ض‬ ‫عمر ّ‬ ‫االحرتام املتبادل ون�شر املحبة والت�سامح وعدم‬

‫نقو�ش على جدران الكني�سة‬

‫من مقتنيات الكني�سة‬


‫امل�سا�س بحرية الأماكن املقد�سة ومازال ذلك‬

‫منذ ‪1967‬م تعاني‬ ‫قائم ًا حتى يومنا هذا ‪.‬‬ ‫ت���ض� ّررت كني�سة املهد م� � ّرات ع��دي��دة بفعل كنيسة المهد من‬ ‫ال�ك��وارث الطبيعية كالزلزال‪ ،‬خ�صو�ص ًا ما إهمال االحتالل وعرقلته‬ ‫حدث يف العام ‪ 1843‬والعام ‪.1927‬‬ ‫عمليات صيانتها‬ ‫ويف ف�ترة االن�ت��داب الربيطاين العام ‪ 1934‬واالهتمام بها‬

‫للميالد قامت دائرة الآثار بالنظر يف �أ�سا�سات‬ ‫الكني�سة خ�لال �أع�م��ال ال�صيانة والرتميم‬ ‫وك��ان��ت النتيجة التي مت التو�صل �إليها �أن‬ ‫قواعد الأع�م��دة مطمورة يف �أر���ض الكني�سة‬ ‫ب�شكل متني‪ ،‬وخالل ذلك مت الك�شف عن بقايا‬ ‫الف�سيف�ساء التي تعود �إىل الكني�سة الأوىل زمن‬ ‫هيالنة يف القرن الرابع حيث وجدت الرموز‬ ‫امل�سيحية وبع�ض ال�صلبان‪.‬‬

‫و�صف كني�سة املهد‬

‫مي ّثل �صدر الكني�سة �أو�سع �أجزاءها‪ ،‬تق�سمه‬ ‫�أربعة �صفوف من الأعمدة احلجرية الوردية‬

‫ويتك ّون ك ّل �صف من �أحد ع�شر عمود ًا ي�صل‬ ‫ط��ول ال�ع�م��ود م��ع ال�ت��اج �إىل ‪5.7‬م‪ ،‬وال�ت��اج‬ ‫كورنثي النق�ش له �صليب ب��ارز‪ .‬يقوم فوق‬ ‫�صفي الأع �م��دة ج��دران خ�شبية تتخلل كل‬ ‫ّ‬ ‫واح��دة منها ع�شر نوافذ متو�سطة احلجم‬ ‫ت�ضيء الكني�سة ‪.‬‬ ‫جدران الكني�سة منقو�شة ب�صور مت ّثل ميالد‬ ‫ال�سيد امل�سيح و�أخ��رى ليوحنا املعمدان وهو‬ ‫يع ّمد امل�سيح يف نهر الأردن وغريها مت ّثل‬ ‫الع�شاء الأخري ‪.‬‬ ‫�أما الق�سم الأمامي من الكني�سة فهو مك ّون‬

‫من ُجرن مث ّمن الإ�ضالع منحوت من احلجر‬ ‫ال ��وردي وال�سقف ي�ستند �إىل �ستة �أعمدة‬ ‫حجرية �أك�ب�ر م��ن �أع �م��دة ��ص��در الكني�سة‬ ‫والأر�ضية مكونة من الرخام الأبي�ض‪.‬‬

‫مغارة املهد‬

‫�أما مغارة املهد فتقع حتت هيكل الكني�سة‪،‬‬ ‫ول �ل �م �غ��ارة ب��اب��ان الأول ل �ل��دخ��ول وال �ث��اين‬ ‫للخروج‪ ،‬ويهبط الزائر من الباب عرب عدة‬ ‫درجات مكونة من الرخام الأبي�ض امل�صقول‬ ‫وي�صعد منها‪ .‬املغارة م�ستطيلة ال�شكل مت‬ ‫تلبي�س �أجزاء من جدرانها بالرخام واجلزء‬ ‫الآخر بقي على حاله من ال�صخور الطبيعية‪،‬‬ ‫ويوجد يف املغارة الهيكل وحتته النجمة التي‬ ‫ت�شري �إىل مكان والدة ال�سيد امل�سيح ويقابل‬ ‫الهيكل جتويف يف ال�صخر يتم النزول �إليه‬ ‫من على ثالث درجات و�ضع فيه «مذود» من‬ ‫الرخام الأبي�ض‬


‫‪26‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫الكالم المباح‬

‫الكالم المباح‬

‫«دفتر أحوال» التراث‬ ‫حنفي جايل‬


‫نظر القا�ضي نظرة �سريعة يف ال�صفحة املفتوحة �أمامه من «دفرت‬ ‫�أحوال تراث الأمة» ثم �أعر�ض عن ال�صفحة ظن ًا منه للوهلة الأوىل �أنه‬ ‫�أخط�أ الدفرت‪ ،‬لكنه �سرعان ما عاد �إليها ليتبني له �أنه الدفرت نف�سه‪،‬‬ ‫فكتم ما بدا �أنها عالمات ده�شة وا�ستغراب حلال ال�صفحة التي‬ ‫�سودت بالكامل‪� -‬أو كادت‪ -‬وكان العهد بها �أن ي�أتيها �سطر �أو اثنان‪،‬‬ ‫�أعني حادثة �أو حادثتني‪ ،‬على فرتة‪ ،‬من هنا �أو من هناك‪ ،‬ينظر فيهما‬ ‫ليتبني من دون عناء �أن الفاعل يف هذا ال�سطر �أو هذين ال�سطرين‬ ‫جمنون وفاقد لقدراته العقلية‪� ،‬أو �أن دوافع غري منطقية دفعته لذلك‪،‬‬ ‫�سواء من داخله‪� ،‬أو من خارجه‪ ،‬ما يعني �أنه يف احلالتني قد دُفع �أو‬ ‫دُفع �إليه دفع ًا ليقدم على ما �أقدم عليه‪ ،‬في�أمر بالإعرا�ض والتجاوز‬ ‫عنهما لأن الفاعل «غري عاقل» ومري�ض نف�سي ًا‪ ،‬ولأن القاعدة املعروفة‬ ‫�إنه «لي�س على املري�ض حرج وال على املجنون حرج»‪.‬‬ ‫يف خانة الرتاث املادي قر�أ ما يلي‪« :‬كما �أقدم املجرمون على هدم‬ ‫الأ�ضرحة واملعابد الأثرية الرتاثية املوجودة يف مدينة متبكتو‪ ،‬عا�صمة‬ ‫مايل‪ ،‬مثل �أ�ضرحة �سيدي حممود و�سيدي خمتار و�ألفا مويا‪ ،‬كما �سبق‬ ‫و�أن �أقدموا مع �سبق الإ�صرار والرت�صد على ال�شروع يف هدم وحتطيم‬ ‫متاثيل بوذا يف �أفغان�ستان‪ ،‬يف حني �أقدم �آخرون على حتطيم عدد �آخر‬ ‫من الأ�ضرحة والتماثيل والأعمال الفنية يف �أنحاء متفرقة من جمهورية‬ ‫م�صر العربية‪ ،‬وب�س�ؤالهم اعرتفوا مبا هو من�سوب �إليهم‪ ،‬حيث ال جمال‬ ‫للإنكار‪ ،‬فالوقائع مثبتة بال�صوت وال�صورة‪ ،‬و�أفادوا ب�أن ما �أقدموا‬ ‫عليه �إمنا هو من �سبيل �إنكار املنكر وحماربة اجلهل الذي ا�ست�شرى‬ ‫بني النا�س وخوف ًا عليهم من العودة لعبادة الأ�صنام والأوثان»‪.‬‬ ‫ويف خانة الرتاث الفني قر�أ القا�ضي ما يلي‪« :‬وقد �أقدم �أحدهم على‬ ‫طعن الكاتب الكبري جنيب حمفوظ‪� ،‬أول �أديب عربي يح�صل على‬ ‫جائزة نوبل يف الآداب‪ ،‬متهم ًا �إياه بالكفر والزندقة‪ ،‬يف ما �أقدم‬ ‫�آخرون على حرق ن�سخ من كتاب «�ألف ليلة وليلة» يف مظاهرة �ضخمة‪،‬‬ ‫منددين مبا احتوته من م�ساخر وفجور‪ ،‬وتوجه فريق منهم �إىل دار‬ ‫«�سينما كايرو» يف حماولة حلرق الدار ووقف عر�ض فيلم طيور الظالم‬ ‫للفنان «عادل �إمام» لأنه ي�سخر من الدين ورجاالته»‪.‬‬ ‫توقف القا�ضي ومل يكمل قراءة ال�صفحة‪ ،‬وقال يف نف�سه‪� :‬إىل هذا‬ ‫احلد و�صل االعتداء على تراث الأمة‪ ،‬بل وتراث الإن�سانية‪ ،‬و�إىل هذا‬ ‫احلد و�صل التطاول على هذا الرتاث الذي تك ّون ويتك ّون ويرتاكم‬ ‫عرب �سنوات و�سنوات من اجلهد والعطاء واالجتهاد‪ ،‬ي�صيب �أكرثه يف‬ ‫�أوقات كثرية‪ ،‬ويخطئ �أقله �أحيان ًا‪ ،‬لكنه يراكم �أي�ض ًا على ال�صواب‬ ‫لينتجا معا تراث ًا �آخر‪ ،‬يتم تناوله بالنقد والدر�س والتمحي�ص لي�صفى‬ ‫وينقح ويثبت من جديد يف قائمة الرتاث املحلي‪ ،‬ليخرج منها بعد وقت‬ ‫�إىل قائمة الرتاث العاملي؟‪.‬‬ ‫وقفز �إىل ر�أ�س القا�ضي �س�ؤال �آخر حول اجلرائم املثبتة يف الدفرت‬ ‫والعالقة بينها وبني تلك التي مل تثبت‪ ،‬والتي جوهرها الت�شويه‬ ‫املتعمد لبقية �صنوف تراث الأمة‪ ،‬والتي كرثت وازدادت ب�شكل‬ ‫الفت هذه الأيام مثل الرتاث الفقهي الذي يتعر�ض لت�شويه وا�ضح‬ ‫عن طريق �إعادة �إنتاج فتاوى يثور معها اجلدل وال تعود بالنفع‪ ،‬مثل‬ ‫�إر�ضاع الكبري وزواج ملك اليمني وغريها‪.‬‬

‫وهنا انتبه القا�ضي �إىل �أنه �شخ�صي ًا‪ ،‬ومن معه من �أهل الق�ضاء‬ ‫�أي�ض ًا �أ�صبحوا من امل�ستهدفني ب�سهام طائ�شة تنطلق من �أقوا�س‬ ‫قدت من جهالة و�صنعت من غباء‪ ،‬و�أنه ومن معه �أ�صبحوا يف‬ ‫مرمى نريان ه�ؤالء املجرمني الأفاقني الذين مل يتورعوا عن �إهدار‬ ‫كل املبادئ التي ا�ستقر عليها �ضمري الأمة وارت�ضاها عقلها‪ ،‬ومن‬ ‫�أهمها و�آخرها املبادئ الفقهية والقانونية‪ ،‬ومهاجمة الق�ضاة‪،‬‬ ‫وحماوالت ترويعهم‪ ،‬والتجمهر �أمام املحاكم يف منظر يعيد �إىل‬ ‫الأذهان غوغائية الع�صور الو�سطى‪ ،‬التي اعتمدت العنف والقوة‬ ‫بد ًال من النزول على �أحكام الق�ضاء‪ ،‬يف م�شاهد يح�شد فيها‬ ‫الرعاع‪ ،‬ثم ينطلقون من غري وعي �إىل غري هدف‪ ،‬فرحني مبا‬ ‫�آتاهم اهلل من حناجر‪ ،‬فيطلقون لها العنان من غري تفكري يف ما‬ ‫ينطلق منها‪ ،‬فرتدد ما يدور يف عقول غريهم‪ ،‬وتنطق مبا �أ�ضمروه‬ ‫يف �صدورهم‪.‬‬ ‫قال القا�ضي يف نف�سه‪ :‬ه�ؤالء رمبا يعذرون باجلهل‪ ،‬ولو �أن اجلهل‬ ‫جرم ولي�س عذر ًا‪ ،‬ورمبا كانوا �أدوات يف �أيادي غريهم‪ ،‬فما بال‬ ‫من ُيفرت�ض فيهم �أنهم �شيوخ و�سبق لهم �أن جل�سوا على من�صات‬ ‫الق�ضاء وتولوا واليته‪ ،‬وقد ذهبوا يف ال�سبيل نف�سه‪ ،‬ف�سلكوا درب‬ ‫الغواية بعد �أن عرفوا طريق احلق‪ ،‬ومل ين�أوا ب�أنف�سهم عن االنحدار‬ ‫�إىل هذه الهاوية‪ ،‬ولكن راحوا‪ ،‬وب�سرعة غريبة وعجيبة‪ ،‬يخلعون‬ ‫عباءات االلتزام باحلق والعدل واملنطق‪ ،‬وي�ضعون جانب ًا �أو�شحة‬ ‫االتزان النف�سي والعقلي‪ ،‬لتظهر من حتتها جالليب االلتزام بفكر‬ ‫�ضيق �أحادي امل�شرب �أحادي الر�ؤية ال يرى وال ي�سمع �سوى ما فيه‬ ‫م�صلحته‪ ،‬ويف�ضل اخلا�ص على العام‪ ،‬والأنا على الغري‪ ،‬واجلماعة‬ ‫على املجتمع‪ ،‬من �أجل م�صلحة زائفة ونعمة زائلة‪.‬‬ ‫�ضرب القا�ضي بكفه اليمنى على كفه الي�سرى عدة مرات‪ ،‬وراح‬ ‫يحوقل وي�سرتجع‪ ،‬وا�ستعاد فكره ثم قرر البحث عن امل�ستفيدين‬ ‫من كل تلك اجلرائم‪ ،‬و�صو ًال �إىل الفاعلني باعتبارهم امل�ستفيدين‬ ‫الأوائل منها‪ ،‬و�سرعان ما اكت�شف �أن هناك قا�سم ًا م�شرتك ًا بني‬ ‫الفاعلني‪ ،‬و�أن الفاعل يف جميع تلك اجلرائم دائم ًا هو «�إن�سان‬ ‫م�سلم بالغ عاقل»‪ ،‬نعم فلي�س بني الفاعلني غري م�سلمني‪ ،‬ولي�س من‬ ‫فتعجب مرة �أخرى وقال‪:‬‬ ‫بينهم قا�صرون ولي�س من بينهم جمانني‪ّ ،‬‬ ‫�سبحان اهلل‪ ،‬وبحث عن امل�ستفيدين‪ ،‬فلم يجد من بينهم م�سلمني‪،‬‬ ‫فازداد عجبه‪ ،‬و�أ�صبحت امل�س�ألة ك�أنها لغز‪ :‬م�سلمون بالغون‬ ‫عاقلون‪� ،‬أو هكذا يفرت�ض فيهم‪ ،‬يعملون لغري �صالح امل�سلمني‪ ،‬بل‬ ‫ورمبا ل�صالح �أعدائهم‪ ،‬وهم يف �أفعالهم التي ي�أتونها يتخفون وراء‬ ‫الدين يف املظهر ويناق�ضونه يف اجلوهر‪ ،‬وي�ضيعون الفر�ض بال�سنة‪،‬‬ ‫فيقدمون على قتل النف�س التي حرم اهلل �إال باحلق‪ ،‬بدعوى الدعوة‬ ‫�إىل احلق‪ .‬وعال �صوت القا�ضي مت�سائ ًال‪� :‬أي حق َتدعون و�أي حق‬ ‫ْتدعون �إليه‪ ،‬ومن �أعطاكم احلق يف ما تفعلون‪ ،‬من والكم على خلق‬ ‫اهلل لتحكموا عليهم‪ ،‬وما هي م�ؤهالتكم للحكم عليهم؟ ثم تدعون‬ ‫�أنكم تريدون �شرع اهلل‪ ،‬ال واهلل �إنكم تريدون ملك ًا‪ ،‬فليكن‪ ،‬ولكن‬ ‫تذكروا يوم ًا ينادى فيه‪ :‬ملن امللك اليوم؟ فيجيب املالئكة وجميع‬ ‫اخلالئق امللك اليوم هلل الواحد القهار‬


‫الغالف‬ ‫‪28‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫�أثارها م�سل�سل «عمر »‬

‫رموزالتراثاإلسالمي‬ ‫فيمرآةالفن‪...‬‬ ‫موجة من الجدل ال تنتهي‬ ‫الرباط – عبد الرحيم اخل�صار‬ ‫القاهرة‪� -‬صفاء البيلي‬ ‫�أبوظبي – حممد النمر‬ ‫ٌ‬ ‫لغط �شديد‪ ،‬ومواقف متباينة ومتعار�ضة �أثارها الإعالن‬ ‫عن م�سل�سل «الفاروق» الذي يقدم حياة ال�صحابي اجلليل‬ ‫عمر بن اخلطاب‪ .‬وهو �أمر لي�س بجديد‪ ،‬فقد اعتاد النا�س‬ ‫–فيما يبدو‪ -‬على مثل هذه املوجات من اللغط مع اقرتاب‬ ‫�شهر رم�ضان من كل عام‪ ،‬حيث يدور اجلدل ويحتد ال�صراع‬ ‫حول مدى جواز جت�سيد بع�ض ال�شخ�صيات الإ�سالمية يف‬ ‫الأعمال الفنية املرئية‪.‬‬ ‫فتعلو �أ�صوات املعار�ضني التي تذهب �إىل حد التحرمي‬ ‫والتجرمي‪ ،‬بينما يت�شبث امل�ؤيدون ب�أن عدم وجود ن�ص‬ ‫يح�صر الأمر يف م�ساحة االجتهاد التي ال حتتمل التحرمي‪،‬‬ ‫و�إن كانت تتطلب نقا�شاً لالتفاق على معايري ومتطلبات‬ ‫وقواعد ت�ضمن جودة النتائج دون قمع للحريات‪.‬‬


‫على م��دار العقود املا�ضية‪ ،‬حتطمت على‬ ‫�صخرة هذا اجلدل �سفن الكثري من امل�شاريع‬ ‫الفنية التي كانت تخطط ملعاجلة جوانب من‬ ‫الرتاث الديني يف �أفالم �أو م�سل�سالت‪ ،‬بينما‬ ‫جنت �سفن �أخرى و�سجلت عالمات يف تاريخ‬ ‫ال�سينما والثقافة‪ ،‬بلل و�صل الأمر �إىل القول‬ ‫ب�أن بع�ضها قد جنح يف التعريف بالإ�سالم يف‬ ‫الغرب بطريقة مل ي�سبقه �إليها �أحد وهو فيلم‬ ‫«الر�سالة» للمخرج ال�سوري العاملي الراحل‬ ‫م�صطفى العقاد الذي و�صفه �أحد النقاد ب�أنه‬ ‫فيلم مت ّكن من �إعادة بناء اللحظة املف�صلية‬ ‫يف تاريخ امل�سلمني بطريقة حية ونقل م�شاعر‬ ‫حية لذلك الزمن‪.‬‬ ‫و�إن كان اجلدل يعلو ويخفت‪� ،‬إال �أن الق�ضية‬ ‫الرئي�سة تظل يف حاجة �إىل نقا�ش عميق‬ ‫ودقيق و�صو ًال �إىل ت�ص ّور عملي يقرب وجهات‬ ‫النظر ال ينتق�ص من �أهمية دور الفنون يف‬ ‫�إعادة التعريف بالرتاث ككل والرتاث الديني‬ ‫كجزء‪ ،‬ودون �أن يحرم الأجيال اجلديدة من‬ ‫و�سيلة حديثة وراقية يتعرفون من خاللها‬ ‫على تراثهم ويتوا�صلون معه‪.‬‬ ‫امللف الذي تفتح «تراث» هذا العدد‪ ،‬يحاول‬ ‫�أن يتجاوز م�ساحة الأزمة التي �أثارها م�سل�سل‬ ‫الفاروق �أو غريه‪ ،‬ليعيد طرح الت�سا�ؤل الأهم‪:‬‬ ‫الرتاث الديني اليوم ‪ ..‬كيف يجب التعامل‬ ‫معه؟ وهل على �أهل الفن �أن ينتظروا الإ�شارة‬ ‫من �أه��ل الدين ملعاجلته؟ ما ح��دود العمل‬ ‫الفني؟ وما ال�ضوابط التي تقيد حريته؟ وهل‬ ‫ثمة خطوط حمراء يجب �أال يتجاوزها املخرج‬ ‫وال�سيناري�ست والطاقم الفني حني يريدون‬ ‫ت�شخي�ص حياة و�سري الأنبياء وال�صحابة‬ ‫ورموز التاريخ الإ�سالمي؟‬ ‫حر�صنا يف هذا امللف على ا�ستعرا�ض �آراء‬ ‫ن�خ��ب م��ن ال�ف�ن��ان�ين وامل�شتغلني ب�صناعة‬ ‫ال�سينما وال��درام��ا التليفزيونية‪ ،‬وعلماء‬ ‫خمت�صني يف فروع العلوم الدينية‪ ،‬جنب ًا �إىل‬ ‫جنب مع مفكرين وكتاب و�أدب��اء يف م�شرق‬ ‫ومغرب العامل العربي‪.‬‬ ‫قبل ا�ستعرا�ض �آراء النخب‪ ،‬ن�ستعر�ض طريف‬ ‫الراي يف ق�ضية م�سل�سل الفاروق الذي �أثار‬ ‫اجل��دل‪ ،‬فمن �ضمن �أب��رز فتاوى العلماء يف‬

‫م�صطفى العقاد وانطوين كوين اثناء ت�صوير فيلم عمر املختار‬

‫ه��ذا ال���ص��دد‪ ،‬ف�ت��وى ال�شيخ عبد الرحمن‬ ‫الرباك التي يقول فيها ‪�« :‬إن علماء الع�صر‬ ‫امل�ع�ت�بري��ن م��ن �أع �� �ض��اء امل�ج��ام��ع الفقهية‬ ‫وغريها �أجمعوا على حترمي متثيل ال�صحابة‬ ‫ر�ضى اهلل عنهم‪ ،‬وذل��ك للمفا�سد الكثرية‬ ‫املرتتبة على ذلك»‪.‬‬ ‫وق��د �أفتى �أن��ه «ي�شرتك يف الإث��م كل من له‬ ‫�أثر يف �صناعة امل�سل�سل وترويجه‪ ،‬من كاتب‬ ‫وخمرج وممثل ومم ِّول ونا�شر‪ ،‬و�أوىل منهم‬ ‫بالإثم �صاحب فكرة امل�سل�سل‪ ،‬وهكذا من‬ ‫يق ّره وهو قادر على منعه»‪.‬‬ ‫�أم��ا مفتى ع��ام اململكة العربية ال�سعودية‬

‫الطريبق ‪:‬‬ ‫العودة إلى التاريخ‬ ‫اإلسالمي هدف نبيل‬ ‫يتوخى البحث عن‬ ‫قيم فنية جميلة‬ ‫وتقديمها للمتلقي‬

‫ال�شيخ عبد العزيز �آل ال�شيخ‪ ،‬فقد ا�ستنكر‬ ‫يف خطبة له جت�سيد الفاروق عمر‪ ،‬معترب ًا‬ ‫�أنّ م �ث��ل ه ��ذه امل���س�ل���س�لات «ال جت �ل��ب وال‬ ‫تق�صد خ�ي�ر ًا‪ ،‬مهما ق��ال م��ن �أع � ّده��ا ممن‬ ‫يدّعون التنوير الفكري»‪ ،‬بل وو�صف الفكرة‬ ‫بـ«اخلاطئة» واعترب الأ�شخا�ص الذين تبنوها‬ ‫«خمطئني و�ضالني»‪ ،‬لأنهم «لو �أرادوا احلقّ‬ ‫لرتجموا �سرية الفاروق ون�شروها»‪.‬‬ ‫ك��ذل��ك فقد رف����ض الأزه ��ر ال�شريف فكرة‬ ‫ال�ع�م��ل ك �ك��ل‪ ،‬ك�م��ا ح ��ذر م�ف�ت��ي ال�سعودية‬ ‫القنوات الف�ضائية من بثه‪ ،‬قائ ًال‪�« :‬إن عر�ض‬ ‫مثل هذه الأعمال �سي�ؤدى لتقليل هيبة ومكانة‬ ‫ال�صحابة لدى امل�شاهدين»‪.‬‬ ‫على اجلانب الآخ��ر‪ ،‬ق��ال املخرج ال�سوري‬ ‫حامت �إن الرتكيز على �سرية عمر بن اخلطاب‬ ‫ ر�ضي اهلل عنه – �إمنا جاء بحث ًا عن جت�سيد‬‫�صورة عدل احلاكم يف �أبهى �ألوانها‪ ،‬م�شري ًا‬ ‫�إىل �أن ر�صد جهتي الإنتاج ميزانية عالية‬ ‫للعمل هدفه حتقيق امل�صداقية عند النا�س‪.‬‬


‫الغالف‬ ‫‪30‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫املمثلني ي�ستطيع �أن يج�سد �شخ�صية الفاروق‬ ‫مثال! ثم بعد قليل يقوم ب�أدوار خملة ال ير�ضى‬ ‫عنها دين وال عرف وال تقاليد!‬

‫‪2012‬‬

‫ال حكم بدون معاينة‬

‫احمد خ�رض‬

‫د‪ .‬حممد رافت عثمان‬

‫خضر‪:‬‬ ‫قدمت تجربة ناجحة‬ ‫ولم أكمل الثانية‬

‫عثمان‪:‬‬ ‫مرفوض بال تراجع وال‬ ‫حيدة‬

‫وهو يرى �أن «م�شروعية �أي عمل تاريخي تكمن‬ ‫يف م��دى مواكبة �أف�ك��اره للع�صر‪ ،‬وقدرتها‬ ‫على ط��رح �أ�سئلة �أو الإج��اب��ة ع��ن �أ�سئلة‬ ‫معا�صرة‪ ،‬ف��الأع�م��ال التاريخية لي�س من‬ ‫مهمتها فقط �إعادة رواية التاريخ على غرار‬ ‫الكتب التاريخية‪ ،‬بل للعمل الفني �أهداف‬ ‫�أخرى‪ ،‬فحواها �أن تكون الأطروحات مهمة‬ ‫للم�شاهد يف هذا الع�صر‪ ،‬ومن هنا يكت�سب‬ ‫م�شروعيته وق��درت��ه ع�ل��ى ط��رح الأ��س�ئ�ل��ة‬ ‫و�إيجاد الإجابات»‪.‬‬ ‫وهو ي�ؤكد �أن فريق العمل قد توخى الدقة يف‬ ‫الرواية التاريخية لعظمة هذه ال�شخ�صية‪،‬‬ ‫م�شري ًا �إىل �أن البحث الذي قام به الدكتور‬ ‫وليد �سيف لكتابة العمل‪ ،‬متت متابعته من‬ ‫جلنة �ضمت جمموعة م��ن �أب ��رز العلماء‪،‬‬ ‫�أ�شرفت عليه ودققت يف الوقائع التاريخية‬ ‫وتابعت تفا�صيله‪ ،‬معلن ًا �أن اللجنة �ضمت‬ ‫ا�سماء من العيار الثقيل من �أبرزهم ال�شيخ‬ ‫يو�سف القر�ضاوي‪ ،‬وعبدالوهاب الطريري‬ ‫وع �ل��ي ال���ص�لاب��ي و��س�ل�م��ان ال �ع��ودة و�سعد‬ ‫العتيبي و�أكرم �ضياء العمري‪.‬‬

‫رئي�س جلنة الفتوى بالأزهر ال�شريف �أنه ال‬ ‫يجوز ب�أي حال من الأحوال جت�سيد الأنبياء‬ ‫وال �أح��د م��ن ال�صحابة ��س��واء ك��ان مب�شر ًا‬ ‫باجلنة �أو غري مب�شر‪.‬‬ ‫وعن عدم وجود ن�ص �صريح بذلك التحرمي‪،‬‬ ‫يلفت الأط��ر���ش �إىل �أن ه�ن��اك ن�صو�ص ًا‬ ‫�صحيحة من ال�سنة النبوية املطهرة‪ ،‬يختار‬ ‫منها قوله �صلى اهلل عليه و�سلم «�أ�صحابي‬ ‫كالنجوم ب�أيهم اقتديتم اهتديتم»‪ ،‬وقوله‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪« :‬عليكم ب�سنتي و�سنة‬ ‫اخللفاء الرا�شدين من بعدي فع�ضوا عليها‬ ‫بالنواجذ»‪.‬‬ ‫ويت�ساءل الأطر�ش‪« :‬من يف ع�صرنا هذا �أوتي‬ ‫احلكمة حتى ي�ستطيع جت�سيد ه�ؤالء العظام؟»‬ ‫وي�ضيف‪« :‬ل��و ح��دث ه ��ذا لع ّر�ضنا ه ��ؤالء‬ ‫ال�صحابة ملهازل هم بعيدون عنها كل البعد»‪،‬‬ ‫ويقرتح الأطر�ش على من يريد عر�ض �سري‬ ‫ه�ؤالء ال�صحابة �أن يفعل ذلك من وراء �ستار‪،‬‬ ‫�أو �صوت ًا دومنا �صورة‪ ،‬ويقول‪ :‬من لدينا من‬

‫اشويكة ‪:‬‬ ‫ترتبط فتاوى التحريم‬ ‫ال يجوز‪ ..‬والن�ص موجود!‬ ‫بقضية اإلسالم‬ ‫تباينت �آراء �أه��ل العلم �إىل حد كبري‪ ،‬يف والتصوير وما شاب‬ ‫البداية‪ ،‬ي�ؤكد الدكتور عبد احلميد الأطر�ش‪،‬‬ ‫العالقة بينهما من‬ ‫التباس‬

‫على النقي�ض من الأط��ر���ش‪ ،‬ي��رى الدكتور‬ ‫جمال قطب‪� ،‬أ�ستاذ ال�شريعة بجامعة الأزهر‬ ‫ورئي�س جلنة الفتوى بالأزهر �سابق ًا‪� ،‬أنه من‬ ‫غري املمكن احلكم على �أ�شياء غائبة‪ ،‬م�شري ًا‬ ‫�إىل �أن��ه ال يجوز �أن ننكر �أن هناك �أعما ًال‬ ‫جيدة تُرى و�أخ��رى ال تُرى‪ ،‬ويقول‪« :‬لنحكم‬ ‫على العمل هل هو جائز �أم ال‪ ،‬يجب �أن ُنرى‬ ‫�أو ًال كي ن�ستطيع احلكم عليه»‪.‬‬

‫مرفو�ض بال تراجع وال حيدة‬

‫خل�ص الدكتور حممد ر�أف��ت عثمان‪ ،‬ع�ضو‬ ‫جممع البحوث الإ�سالمية‪ ،‬الق�ضية يف نقطة‬ ‫واحدة‪ ،‬قائ ًال‪� :‬إذا كان العمل يج�سد �إحدى‬ ‫�شخ�صيات املب�شرين باجلنة مب��ن فيهم‬ ‫اخللفاء الرا�شدون‪ ،‬فلن ن�تردد يف رف�ضه‪،‬‬ ‫م�ضيف ًا ‪«:‬هذا موقف ثابت ال تراجع وال حيدة‬ ‫عنه»‪ .‬وقال‪� :‬إن م�سل�سل الفاروق مل يعر�ض‬ ‫على � ّأي جهة من جهات املوافقة على مثل‬ ‫ه��ذه الأع �م��ال ك��الأزه��ر ال�شريف �أو جممع‬ ‫البحوث الإ�سالمية‪.‬‬ ‫وع��ن �س�ؤالنا مل��اذا يحر�ص الأزه��ر وجممع‬ ‫ال�ب�ح��وث الإ��س�لام�ي��ة على ق��رار امل�ن��ع على‬ ‫الرغم من عدم وجود ن�ص �صريح‪� ،‬أكد ر�أفت‬ ‫�أنه من امل�ستحيل متثيل الر�سل والأنبياء و�آل‬ ‫بيت الر�سول‪ ،‬والع�شرة املب�شرين باجلنة‪،‬‬ ‫ومنهم اخللفاء الرا�شدون‪ ،‬و�أكمل‪�« :‬أما من‬ ‫ناحية الر�سل والأن�ب�ي��اء ف�ه��ؤالء نوعية من‬ ‫الب�شر ا�صطفاهم املوىل عز وجل عن �سائر‬ ‫خلقه‪ ،‬ق��ال ت�ع��اىل‪�« :‬إن اهلل ا�صطفى �آدم‬ ‫ونوحا و�آل �إبراهيم و�آل عمران على العاملني»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫و�أ�ضاف‪� :‬إذا كان اهلل عز وجل قد ا�صطفى‬ ‫ه ��ؤالء الب�شر‪ ،‬فهل من الالئق �أن يتقم�ص‬ ‫�أح��د �شخ�صياتهم؟‪ ،‬فالتمثيل ا�ستح�ضار‬ ‫��ص��ورة ال�شخ�صية ال�ت��ى ي�ق��وم بها املمثل‪،‬‬ ‫ومهما بالغ املمثل فى الإجادة‪ ،‬فلن ي�ستطيع‬


‫�أن يكون طبق الأ�صل من �شخ�صية لي�ست‬ ‫ك�سائر الب�شر‪.‬‬ ‫و�أ���ض��اف �أن امل�م�ث��ل ال ��ذى ي�ق��وم بتج�سيد‬ ‫�شخ�صيات الأن �ب �ي��اء وال�ع���ش��رة املب�شرين‬ ‫باجلنة يكذب ويدعى ادع��اء غري �صحيح‪،‬‬ ‫مو�ضح ًا �أن «املمثل» حينما يقوم بدور عمر‬ ‫بن اخلطاب‪ ،‬فك�أنه يقول �أنا هو متثي ًال وهذا‬ ‫لي�س ب�صحيح‪ ،‬ولعله �أقرب �إىل الكذب‪.‬‬

‫حتايل غري مقبول‬

‫ال��دك �ت��ور حم�م��د خم �ت��ار امل��ه��دي‪� ،‬أ��س�ت��اذ‬ ‫الدرا�سات العليا بكلية الدرا�سات الإ�سالمية‬ ‫وال�ع��رب�ي��ة بجامعة االزه���ر‪ ،‬وع�ضو جممع‬ ‫البحوث الإ��س�لام�ي��ة‪ ،‬و�إم ��ام �أه��ل ال�سنة‪،‬‬ ‫والرئي�س العام للجمعية ال�شرعية‪ ،‬ي�صف‬ ‫الأم� ��ر ب��ال�ت�ح��اي��ل غ�ير امل �ق �ب��ول‪ ،‬وي�ضيف‬ ‫داف �ع � ًا ب��الأم��ر �إىل زاوي ��ة ج��دي��دة‪�« :‬أظ��ن‬ ‫�أنها د�سي�سة �شيعية‪ ،‬لأن ال�شيعة ال يوقرون‬ ‫ال�صحابة‪ ،‬وي�سبونهم وي�سعون لال�ستهانة‬ ‫بهم»‪ ،‬م�شري ًا �إىل �أن الأزهر قد �أجمع منذ‬ ‫م��دة طويلة على ع��دم ج��واز ذل��ك‪ ،‬خا�صة‬ ‫الع�شرة املب�شرين باجلنة‪.‬‬ ‫وك ��أن��ه يبحث ع��ن خم��رج‪ ،‬ي�ق��ول الدكتور‬ ‫امل�ه��دي‪� :‬أم��ا �إذا ك��ان املق�صود بالأعمال‬ ‫ال��دي�ن�ي��ة وال�ت��اري�خ�ي��ة ه��و ت�ع��ري��ف النا�س‬ ‫ب�شخ�صيات عظيمة‪ ،‬ف�لا م��ان��ع م��ن ذلك‬ ‫ب�شرط ا�ستخدام التقنيات احلديثة وعدم‬ ‫جت�سيد ال�صحابة‪.‬‬ ‫ورف ����ض مت��ام � ًا ال� ��ر�أي ال�ق��ائ��ل ب� ��أن ه ��ؤالء‬ ‫ال��رج��ال ج��زء م��ن ت��راث الأم��ة و�أن��ه لي�س‬ ‫هناك ن�ص مينع ذلك التحرمي وقال‪« :‬حتى‬ ‫ولو كان تراث ًا وملك ًا للأمة‪ ..‬فيجب علينا‬ ‫احرتامه على كل حال»‪.‬‬

‫كالم فارغ!‬

‫«هذا كالم فارغ»‪ ،‬بهذه الكلمات الثالث بد�أ‬ ‫املفكر الإ�سالمي جمال البنا كالمه م�ؤكد ًا‬ ‫�أنه �إذا كان هناك مع�صوم من النواق�ص فهم‬ ‫الأنبياء‪� ،‬أما دون ذلك فهم �أنا�س عاديون‪،‬‬ ‫و�أن اجلنة فيها نا�س كثريون مب�شرون وغري‬

‫د‪ .‬رفيق ال�صبان‬

‫د‪ .‬جمال قطب‬

‫الصبان‪:‬‬ ‫التركيز على‬ ‫الشخصيات اإلسالمية‬ ‫التي تحافظ على‬ ‫توازن الدولة!‬

‫قطب‪:‬‬ ‫ال حكم بدون معاينة‬ ‫العمل للنهاية!‬

‫مب�شرين‪� ..‬إذ �إنه لي�س من املعقول �أن يكون‬ ‫فى اجلنة ع�شرة �أ�شخا�ص فقط؟!!‬ ‫و�أك��د البنا �أن��ه يخالف العلماء الذين �أفتوا‬ ‫بعدم جت�سيد ال�صحابة خا�صة املب�شرين‬ ‫منهم باجلنة‪ ،‬و ي��رى �أن��ه من املهم عر�ض‬ ‫�سري ه�ؤالء املقربني بكل ما فيها من ب�شرية‬ ‫و�أع �م��ال و�صفات �إن�سانية‪ ،‬فهم نا�س لهم‬ ‫�ضعفهم ال �ب �� �ش��ري‪ ،‬ول�ي����س م�ن�ه��م م��ن هو‬ ‫مقد�س‪ ،‬وي�ضيف‪« :‬اال�سالم �أبعد دين عن‬ ‫الوثنية �سواء يف الأ�شخا�ص �أو غري ه��ذا‪..‬‬ ‫�إال �إن ��ه ال يعجبنى ت�ق��دي����س ال�ب�ع����ض منا‬ ‫ل�شخ�صيات بعينها»‪.‬‬

‫ال عالقة للدين بالأمر‬

‫ال�سيناري�ست املغربي املعروف يو�سف فا�ضل‬ ‫يرى �أال عالقة للدين بالأمر‪ ،‬ويعترب �أننا‬

‫الطريبق ‪:‬‬ ‫يجب على اإلنسان‬ ‫أن يتصالح مع تراثه‬ ‫الديني والفني‬ ‫والثقافي وأن يكون‬ ‫واضح ًا في خياراته‬

‫اليوم نعي�ش يف الإعالم العربي فرتة �صعبة‬ ‫��ص��ارت فيها ك��ل ال�ف�ت��اوي م�ب��اح��ة‪ ،‬و�صار‬ ‫فيها كل �شيء قابال للتحرمي‪ ،‬وامل�شكلة ان‬ ‫املجتمع العربي يف غالبيته �أم��ي وحم��دود‬ ‫الثقافة وبالتايل فهو قابل لكل الت�أثريات‬ ‫التي يحركها البع�ض با�سم الدين‪ .‬ويبدو‬ ‫ل��ه ال�ي��وم �أن �أب�سط تهمة ج��اه��زة للفنان‬ ‫واملثقف هي التكفري‪ ،‬وبالتايل حت��رمي ما‬ ‫يقوم به من عمل‪ ،‬و�أن ال�صراع احلقيقي‬ ‫اليوم هو �صراع بني �أفكار تنويرية و�أخرى‬ ‫�سلفية‪.‬‬ ‫ي��و��س��ف ف��ا��ض��ل ال�سيناري�ست وال��روائ��ي‬ ‫وخمرج فيلم «طعم ال�صداقة» و«حب وخيل‬ ‫و�أ�شياء �أخرى» طالب ب�أن يرفع املتحدثون‬ ‫با�سم الدين يدهم عن الفن م�شري ًا �إىل �أن‬ ‫الكائن املتنور اليوم لي�س يف حاجة �إىل من‬ ‫ير�شده ويدله على ما ينا�سبه ويقوم مقامه‬ ‫يف اتخاذ ال�ق��رار‪ ،‬لذلك يقول‪« :‬يجب �أن‬ ‫نحرتم احلرية الفكرية واال�ستقاللية يف‬ ‫ال��ر�أي‪ ،‬كما يجب �أن ن�ستخدم العقل و�أال‬ ‫ننتظر احلل من الآخ��ري��ن‪ .‬ولي�س من حق‬ ‫�أح��د �أن يفر�ض علينا ما ن�شاهده‪ ،‬كما ال‬ ‫يحق له �أن مينعنا مما نريد م�شاهدته‪ ،‬كل‬ ‫�إن�سان نا�ضج حر يف خياراته»‪.‬‬ ‫وح�ين �س�ألنا الأ��س�ت��اذ يو�سف فا�ضل عما‬


‫الغالف‬ ‫‪32‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫من كوالي�س فيلم الر�سالة‪ .‬من اليمني عبد الله غيث‪ ،‬منى وا�صف‪ ،‬م�صطفى العقاد‬

‫ينبغي الآن على �أهل الدراما والفن والثقافة الدين مرجعية معلوماتية‬

‫يف ظ��ل ه��ذه ال�ف�ترة ال�ت��ي ُينظر �إىل الفن‬ ‫خاللها مبفهومي احل�لال واحل��رام �أج��اب‪:‬‬ ‫«ل�ي���س��ت ه �ن��اك و��ص�ف��ات ج��اه��زة ملعاجلة‬ ‫الأم � ��ر‪ ،‬ل�ك��ن ي �ج��ب ع�ل��ى ال �ف �ن��ان وامل�ف�ك��ر‬ ‫والأديب االنتباه �إىل هذه الق�ضايا وتناولها‬ ‫يف �أعمالهم الفنية‪ ،‬كما يجب بلورة �أفكار‬ ‫جديدة تواكب روح الع�صر من �أجل �إحداث‬ ‫قطيعة مع كل فكر غري تنويري»‪.‬‬ ‫ه��ذا ما ي��راه م�ؤلف امل��ادة احلكائية‪ .‬لكن‬ ‫م���اذا ع��ن ال ��ر�ؤي ��ة الإخ��راج��ي��ة مل��ن ي��ري��د‬ ‫التعامل مع الرتاث الديني؟ املخرج حممد‬ ‫ال�شريف الطريبق يعتقد �أنه حينما نخو�ض‬ ‫نقا�ش احلرام واحلالل نقع خارج الإبداع‪،‬‬ ‫فالدين له مقامه والفن له مقامه‪ ،‬الإبداع‬ ‫ال يخ�ضع ملنطق احلرام واحلالل و�إمنا تكون‬ ‫املعايري والأحكام فيه فنية بالأ�سا�س‪ ،‬ذلك‬ ‫�أن جمال الإبداع هو جمال امل�ساءلة و�إعادة‬ ‫امل�ساءلة من �أجل بناء قيم جديدة‪.‬‬

‫ح�ين �س�ألنا الطريبق �إن ك��ان ل��زام � ًا على‬ ‫املخرج �أن ي�ست�شري امل�ؤ�س�سة الدينية عندما‬ ‫يرغب يف معاجلة الرتاث الديني كان رده‪� :‬أنا‬ ‫كمخرج قد �أ�س�أل رجل الدين عن املعلومات‬ ‫واحلقائق التاريخية‪ ،‬وطبع ًا لن �أ�س�أله من‬ ‫�أجل ا�ست�شارة فنية‪ ،‬وبالتايل فاملجال الديني‬ ‫جم��ال مفتوح على الت�أويالت والفقهاء هم‬ ‫�أنف�سهم يختلفون باختالف املذاهب والر�ؤى‪.‬‬ ‫ي�ضيف خمرج «ثمن الرحيل» و«اخليل ت�سقط‬ ‫تباعا» و«ب��اب املدينة» وغريها من الأف�لام‪:‬‬

‫لعميم ‪:‬‬ ‫إطاللة بسيطة على‬ ‫لحظتنا التاريخية تفسر‬ ‫استدعاء هذه الشخصية‬ ‫المحورية في تاريخنا‬ ‫اإلسالمي‪ ..‬فهي نموذج‬ ‫نفتقده اليوم‬

‫حينما يقوم خمرج كيو�سف �شاهني بتقدمي‬ ‫فيلم املهاجر �أو حينما يقدم لنا العقاد عمله‬ ‫امل�ع��روف‪ :‬الر�سالة‪ ،‬يكون الهدف من وراء‬ ‫ه��ذه ال �ع��ودة �إىل ال�ت��اري��خ اال��س�لام��ي هدف ًا‬ ‫نبي ًال‪ ،‬يتوخى البحث عن قيم فنية جميلة‬ ‫وتقدميها للمتلقي‪.‬‬ ‫العمل الفني – ح�سب الطريبق– ال يقوم‬ ‫على التفكري الديني و�إمن��ا يتحاور معه‪،‬‬ ‫وامل�شكلة �أن ج��ل املنتقدين لي�ست لديهم‬ ‫ثقافة فنية‪ ،‬وال يفرقون بني املادة احلكائية‬ ‫ووج �ه��ة ن�ظ��ر امل �خ��رج‪ ،‬ب��ل �أك�ث�ر م��ن ذل��ك‬ ‫فاملخرج حر حني يقرتح انتقاد ًا ملو�ضوع ما‪،‬‬ ‫واحلرية طبعا قيمة مفتوحة‪.‬‬ ‫يف امل�ؤ�س�سات الدينية غالبا ما يوجد �أ�شخا�ص‬ ‫ال يقبلون احلوار �أ�ص ًال‪ ،‬هذا ما يراه حممد‬ ‫ال�شريف الطريبق‪ ،‬فهم يحملون �أف �ك��ار ًا‬ ‫�إطالقية جاهزة غري قابلة للنقا�ش‪ ،‬وبالتايل‬ ‫على املبدع �أن ي�ستمر يف �إبداعه‪ ،‬و�أن ي�أخذ‬ ‫بعني االعتبار �أن احلرية الفنية اليوم �صارت‬ ‫مقيدة ومهددة‪ ،‬على املبدع �أن يوا�صل دوره‬


‫التنويري داخل املجتمع‪.‬‬

‫الت�صالح مع الرتاث‬

‫ي�ع��ود الطريبق �إىل ال�ت��اري��خ ليذكرنا ب��أن‬ ‫امل�ؤ�س�سة الدينية يف �أوربا يف القرون ال�سابقة‬ ‫كانت تتدخل يف كل �شيء‪� ،‬إميان ًا منها ب�أن‬ ‫املواطن غري قادر على ممار�سة حياته دون‬ ‫تدبري منها‪ ،‬ومع مرور الوقت تقل�ص حجم‬ ‫تدخلها وتراجع‪ .‬وهذا ما ميكن �أن يقع للعامل‬ ‫العربي‪ ،‬فاحلداثة قادمة ولن ترتك امل�ساحة‬ ‫لأي تفكري رجعي‪ ،‬ويذكرنا �أي�ضا بالفتاوى‬ ‫ال �ت��ي �أ� �ص��دره��ا بع�ض م��ن مي�ث�ل��ون ال��دي��ن‬ ‫بخ�صو�ص حت��رمي رك ��وب ال���س�ي��ارات حني‬ ‫ظهرت ال�سيارة للوجود‪ ،‬وكيف �صارت مثل‬ ‫هذه الفتاوى املتجاوزة مدعاة لال�ستغراب‬ ‫ورمبا ال�ضحك‪.‬‬ ‫ي�ضيف املخرج حممد ال�شريف الطريبق‪:‬‬ ‫ي�ج��ب �أخ���ذ در����س يف ال �ت��اري��خ مل�ع��رف��ة �أن‬ ‫التقدم والتطور م�سائل حتمية‪ ،‬ويجب على‬ ‫الإن�سان �أن يت�صالح مع تراثه الديني والفني‬ ‫والثقايف‪ ،‬و�أن يكون وا�ضح ًا يف خياراته‪ ،‬حتى‬ ‫ال ت�صبح الن�سخة الوحيدة للعربي امل�سلم‬ ‫هي ن�سخة االن�سان امل�صاب بال�شكيزوفرينيا‬ ‫ال��ذي ي�شاهد املواقع الدينية بالقدر نف�سه‬ ‫الذي ي�شاهد به املواقع الإباحية‪.‬‬

‫التبا�س مطلوب ف�ضه‬

‫الناقد ال�سينمائي والفني حممد ا�شويكة‬ ‫�صاحب الكتب النقدية «ال�سينما املغربية‪:‬‬ ‫رهانات احلداثة ووع��ي ال��ذات» و«ال�صورة‬ ‫ال�سينمائية‪ :‬التقنية وال�ق��راءة»‪ ،‬و«ال�سينما‬ ‫املغربية‪� :‬أطروحات وجت��ارب»‪ ،‬وغريها من‬ ‫امل�ؤلفات‪ ،‬حني �س�ألناه عن �إ�شكالية ت�صوير‬ ‫ال�صحابة وال�شخ�صيات الدينية ذكرنا‬ ‫ب�آيتني من ال�ق��ر�آن‪« :‬هو ال��ذي ي�صوركم يف‬ ‫الأرحام» «�آل عمران‪« .»6/‬ولقد خلقناكم ثم‬ ‫�صورناكم» «الأعراف‪.»11/‬‬ ‫ث��م ع��اد بنا �إىل �أع �م��اق ال�ت��اري��خ م��ن �أج��ل‬ ‫قراءة عميقة للم�س�ألة‪ ،‬قال‪ :‬ترتبط الفتاوى‬ ‫الفقهية املُ� َ�ح � ِّر َم��ة للم�سل�سالت والأف�ل�ام‬

‫جمال البنا‬

‫د‪ .‬حممد خمتار املهدي‬

‫المهدي‪:‬‬ ‫البنا‪:‬‬ ‫رفض تجسيد الصحابة الشيعة هم أكثر‬ ‫كالم فارغ!‬ ‫من يدفعون باتجاه‬ ‫وغ�يره��ا بق�ضية الإ� �س�لام والت�صوير‪ ،‬وما التشخيص!‬ ‫�شاب العالقة بينهما من التبا�س‪ ،‬ولكي نفهم‬ ‫جذور ال�صراع القائم بني الفقهاء والفنانني‬ ‫ع�م��وم� ًا‪ ،‬الب��د م��ن القيام ِب� َ�ح� ْف��ر ب�سيط يف‬ ‫ثنايا علم الكالم‪ ،‬وما ُي ْن َ�س ُب للم�سلمني من‬ ‫فنون‪ ،‬ففكرة الت�شخي�ص قدمية للغاية �إال‬ ‫�أن جتلياتها ال�ك�برى ب ��د�أت م��ع امل�صريني‬ ‫من خالل الثالوث املقد�س «حور�س االبن‪،‬‬ ‫و�إيزي�س الأب‪ ،‬و�أوز يري�س الأم»‪ ،‬وهي �آلهة‬ ‫ترتبط باالنبعاث واخل�ضرة واخل�صب؛ ثم‬ ‫ج��اءت بعد ذل��ك الديانة اليهودية فوحدت‬ ‫وج� َّر َد ْت��ه رغم انت�شار بع�ض الطرائق‬ ‫الإل��ه َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫التعبدية امل ِخلة بذلك؛ وتلتها امل�سيحية التي‬ ‫�أع��ادت الت�شخي�ص من خالل التثليث «الأم‬ ‫واالبن والروح القد�س»؛ �أما الإ�سالم فقد جاء‬ ‫ُم َر ِّ�س ًخا فكرة التوحيد‪ ،‬مجُ َ ِّردًا الذات الإلهية‪،‬‬ ‫منتقد ًا اليهودية وامل�سيحية مع ًا «وقالت اليهود‬ ‫ُعزَ ْي ُر ابن اهلل‪ ،‬وقالت الن�صارى عزيز ابن اهلل»‬ ‫«التوبة‪ ،»30/‬وهو الأم��ر ال��ذي ح�سمته �سورة‬ ‫الإخال�ص من خالل ب�ضع جمل قليلة‪« :‬قل هو‬

‫الشناوي ‪:‬‬ ‫المرونة والتعامل‬ ‫بشكل عقالني مع‬ ‫مثل هذه األعمال يقدم‬ ‫حقيقة اإلسالم بصورة‬ ‫صحيحة ومشرفة‬

‫اهلل أ�ح��د‪ ،‬اهلل ال�صمد‪ ،‬مل يلد ومل يولد‪ ،‬ومل‬ ‫يكن له كف�ؤا �أحد»‪.‬‬ ‫ولكي تكتمل الر�ؤية‪ ،‬ي�شري حممد �شويكة �إىل‬ ‫�أن ال�ع��رب‪ ،‬كغريهم من ال�شعوب والأمم‪،‬‬ ‫عبدوا �آالف الآلهة؛ �إذ كان لكل قبيلة �إلهها‪،‬‬ ‫�إلهتها‪� ،‬أو �آلهتها حيث �أظهروا براعة كبرية‬ ‫وتفنن ًا متعدد ًا يف نحتها‪ ،‬كما اجتهدوا يف‬ ‫ت�شخي�صها ب�شتى ال �ط��رق‪ ،‬ف��و��ض�ع��وا لها‬ ‫التماثيل‪ ،‬وتمَ َ ��اه��وا م��ع � �ص��وره��ا‪ ،‬وقاتلوا‬ ‫م��ن �أج�ل�ه��ا ك��ي ت�ظ��ل ��ص��ورت�ه��ا حمفوظة‬ ‫مع�صومة‪.‬‬ ‫وامتداد ًا لذلك‪ ،‬جاءت فكرة احلجاب التي‬ ‫جتعل النبي مع�صوم ًا‪ ،‬ال ي�صدر عنه �إال ما‬ ‫هو حقيقي‪ ،‬وما على النا�س �إال االقتداء‬ ‫ب��ه‪ ،‬وذل��ك م��ا ق��ام ب��ه ال�صحابة الع�شرة‬ ‫املب�شرين باجلنة‪ ،‬وما �أكدته �سرية النبي‬ ‫حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬ال��ذي ي�أكل‬ ‫الطعام ومي�شي يف الأ�سواق‪.‬‬ ‫كان حلركات التثاقف التي عرفها العرب‪،‬‬ ‫نتيجة احتكاكهم ب��الأق��وام الأخ ��رى‪ ،‬ت�أثري‬ ‫وا�ضح على ثقافتهم التي ا�صطدمت بالفكر‬ ‫الغنو�صي والفل�سفات ال�شرقية والنظريات‬ ‫ال �ي��ون��ان �ي��ة‪ ،‬ك �م��ا ح �م��ل امل�ع�ت�ن�ق��ون اجل��دد‬ ‫للإ�سالم بع�ض ًا من عاداتهم وتقاليدهم التي‬ ‫ا�ستدجموها �ضمن طريقة تعبدهم اجلديدة‬


‫الغالف‬ ‫‪34‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫بو�سرت فيلم الو�صايا الع�رش‬

‫مم��ا ج�ع��ل ح ��دوث قطيعة ج��ذري��ة م��ع تلك‬ ‫الت�صورات �أمر ًا �صعب ًا‪.‬‬ ‫ومن الناحية الأركيولوجية جند �أن الدينار‬ ‫ال��ذه�ب��ي الإ� �س�لام��ي‪ ،‬ب��اع�ت�ب��اره �أول عملة‬ ‫�إ�سالمية‪ ،‬يحمل �صورة اخلليفة الأموي عبد‬ ‫املالك بن م��روان مب�ساعدة وزي��ره ا َ‬ ‫حل َّجاج‬ ‫بن يو�سف الثقفي‪ ،‬وه��ي جتمع بني النق�ش‬ ‫البيزنطي واخل �ط��وط العربية الإ�سالمية‬ ‫حيث كانت �أول خطوة يف التغيري �أن َح َّلت‬ ‫� �ص��ورة اخلليفة حم��ل � �ص��ورة الإم�ب�راط��ور‬ ‫البيزنطي‪ ،‬و�أخ��ذت الن�صو�ص الإ�سالمية‬ ‫تدخل �شيئ ًا ف�شيئ ًا‪.‬‬ ‫ي�شري حممد �شويكة �أي�ضا �إىل املنت الب�صري‬ ‫الثرَّ للمنمنمات الإ�سالمية التي �صورت حياة‬

‫الإن�سان امل�سلم من خالل خمتلف جتلياتها‪،‬‬ ‫واحتفت بالأو�ضاع الب�شرية يف �أعقد حاالتها‬ ‫الت�شكيلية‪ ،‬وذلك مثا ٌل فاقع للرد على غالة‬ ‫حترمي الت�صوير الذي يرتبط بالت�شخي�ص‪.‬‬ ‫اخل�لا��ص��ة‪� ،‬أن الإ� �س�لام ي�ح��رم ت�شخي�ص‬ ‫ال��ذات الإلهية‪ ،‬كما حارب الوثنية املرتبطة‬

‫أشملي ‪:‬‬ ‫أفتى مجموعة من‬ ‫أهل الذكر المعاصرين‬ ‫بجواز ذلك أمثال‬ ‫الدكتور يوسف‬ ‫القرضاوي والدكتور‬ ‫سلمان العودة‬

‫بالتماثيل‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬فال يوجد �أي �أث��ر يف‬ ‫القر�آن لتحرمي الت�صوير وما ارتبط به من‬ ‫فتاوى متنع ت�شخي�ص الأنبياء وال�صحابة‪،‬‬ ‫وتدعو �إىل تدمري التماثيل الأثرية التي ُت َع ُّد‬ ‫تراث ًا �أركيولوجيا يعك�س تطور الفكر الب�شري‪،‬‬ ‫وي�شهد على منوه الروحي وال َع َق ِدي‪ ،‬ترى ما‬ ‫الذي مينع ت�صوير هذه ال�شخ�صيات؟‬ ‫�إذا ك� ��ان الأم� � ��ر م �ق �ت �� �ص��ر ًا ع��ل��ى ه��ذه‬ ‫ال�شخ�صيات‪ ،‬فقط‪ ،‬ف�إن ال�سينما والتلفزيون‬ ‫وما �شابههما حرام جملة وتف�صيال‪ ،‬وبالتايل‪،‬‬ ‫هذا ما يخل�ص �إليه الناقد م�ضيفا‪ :‬فالتمثيل‬ ‫ت�شبيه‪ ،‬مبعنى �أنه فن‪ ،‬ولتو�ضيح ذلك �أكرث‪،‬‬ ‫�أ�شري �إىل ما تعنيه مفردة ‪Interprétation‬‬ ‫يف املو�سيقى‪ :‬لكل جوق �إح�سا�سه باملقطوعة‬ ‫املو�سيقية‪� ،‬أي ت�أويل �أفراده للحن و�إح�سا�سهم‬ ‫به‪ ،‬وتفاعلهم معه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فال�شخ�صية مجُ َ � � َّر ُد �ش َب ٍه ولي�ست هي هي‪،‬‬ ‫َت َف ُاع ٌل مع الت َ​َّ�ص ُّور ال��ذي �أراده لها كل من‬ ‫ال�سيناري�ست واملخرج يف الفيلم‪ .‬وذلك ما تدل‬ ‫عليه �إ�شارتنا �إىل مفهوم االقتداء الذي يعني‬ ‫الت�شبه ولي�س اال�ستح�ضار الكلي لل�شخ�صية‪،‬‬ ‫وتلك فل�سفة الت�شخي�ص يف ال�سينما وامل�سرح‬ ‫والتلفزيون‪ ،‬وذلك ما ال يريد فقهاء الفتاوى‬ ‫املت�سرعة فهمه‪ ،‬رغم �أنهم يطلون على النا�س‬ ‫م��ن خ�لال �شا�شات ال�ت�ل�ف��زي��ون‪ ،‬وميتثلون‬ ‫بدورهم لتقنيات الت�شخي�ص‪.‬‬ ‫�إن �شخ�صية ال�سيد امل�سيح والنبي مو�سى‬ ‫وال�ف��اروق عمر‪ ،‬لي�سوا �شخ�صيات حقيقية‬ ‫داخ ��ل الأف �ل�ام‪ ،‬و�إمن ��ا �شخ�صيات فيلمية‬ ‫متخيلة خ�ضعت لت�أويل تخييلي منبثق من‬ ‫التاريخ الذي ميكن �أن ُي�ؤَ ِّول بدوره الأحداث‪،‬‬ ‫وي�ق�ترح �إمكانيات �إن�سانية للوقائع خالل‬ ‫الأف �ل��ام وامل���س�ل���س�لات ال �ت��ي ت �ت �ن��اول تلك‬ ‫ال�شخ�صيات الب�شرية‪.‬‬

‫القدا�سة للقدو�س فقط‬

‫يختم حممد �شويكة كلمته‪ :‬و�أخ�ير ًا ال بد من‬ ‫الت�أكيد على �أن الإ��س�لام قد جعل القدا�سة‬ ‫مق�صورة على الإل��ه «ال�ق��دو���س» ولي�س على‬ ‫الب�شر‪ ،‬م�ؤكد ًا �أننا يف حاجة �إىل االنخراط‬ ‫يف �صناع ِة �صور ٍة ُت َع ِّر ُف بالثقافة الإ�سالمية‬


‫طارق ال�شناوي‬

‫عبد الله �أ�شملي‬

‫يو�سف فا�ضل‬

‫الشناوي‪:‬‬ ‫أوافق وأتعجب من‬ ‫رفض األزهر‬

‫و�شخ�صيات ب�صمت ال �ت��اري��خ‪ُ ،‬‬ ‫وخ �ل��دت يف‬ ‫الأذهان‪ ،‬عرب ال�صورة‪ .‬فلل�صورة �سحر لي�س‬ ‫يف الكلمات‪.‬‬ ‫�إن‪ ‬ا�ستدعاء‪ ‬الرموز وال�شخ�صيات‪ ‬التي فعلت‬ ‫يف التاريخ‪ ‬هو – ح�سب �آي��ت لعميم‪ -‬مطلب‬ ‫جوهري اليوم‪ ،‬فالغرب – مثال‪ -‬فر�ض تاريخه‬ ‫وثقافته عرب و�سائط ع��دة‪ :‬اللون وال�صورة‬ ‫وال�ضوء؛ فنحن العرب اليوم ينبغي لنا �أن نقر�أ‬ ‫املرحلة بعني ثاقبة وبنف�س م�ستقبلي‪ ،‬ذلك‬ ‫�أن التغريات التي تعرفها اخلريطة العربية‪،‬‬ ‫وال���ص��راع الإقليمي والطائفي ال��ذي ب��د�أت‬ ‫تتحدد معامله‪ ،‬والت�سابق نحو �إع��ادة ترتيب‬ ‫املواقع‪ ،‬كل هذا البد و�أن يفتح �أعيننا ويجعلنا‬ ‫متيقظني قبل فوات الأوان‪ ،‬ويحتم علينا �إعادة‬

‫ترتيب عالقتنا مع املا�ضي امل�ستمر‪ ،‬ف�إعادة‬ ‫اللحظة املا�ضوية م�شروطة بهواج�س احلا�ضر‬ ‫و�أ�سئلته؛ و�أ�سئلة احلا�ضر اليوم معقدة جد ًا‬ ‫ومت�شابكة للغاية‪.‬‬

‫وفقا ملا ينا�سب رموزها‪ ،‬وما يعك�س ر�سالتها‬ ‫الإن�سانية والكونية‪ ..‬فال قيمة لفتاوى املنع‬ ‫هاته لأن الرقابة باتت �أمرا ع�صيا �أمام انت�شار‬ ‫تقنيات التوا�صل احلديثة‪.‬‬ ‫الناقد والباحث يف الرتاث الثقايف حممد �آيت‬ ‫لعميم ن�س�أله فيجيبنا ب�س�ؤال �آخر‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬ ‫م��ن منا مل يت�سمر �أم��ام ال�شا�شة م�شدوه ًا‬ ‫وم�شدود ًا وهو ي�ستمتع برائعة املخرج الكبري‬ ‫املرحوم م�صطفى العقاد «الر�سالة»؟ فيلم‬ ‫مت ّكن من �إع��ادة بناء اللحظة املف�صلية يف‬ ‫تاريخ امل�سلمني بطريقة حية ونقل م�شاعر حية‬ ‫لذلك الزمن‪.‬‬ ‫من‪ ‬منا‪ ‬مل يتفاعل مع فيلم عمر املختار لدرجة‬ ‫التماهي مع البطل «انطوين كوين»؟‪� .‬أفالم‬ ‫عديدة �أع��ادت ت�شخي�ص حلظات تاريخية‪،‬‬

‫أشملي ‪:‬‬ ‫لم نجرؤ على تجسيد‬ ‫الصحابة إال بعد طفرة‬ ‫السينما اإليرانية‬

‫�أدوات فنية حديثة‬ ‫‪ ‬الباحث يف ال�تراث الديني عبد اهلل �أ�شملي يقف عند م�س�ألة �أ�سا�سية‪،‬‬ ‫تتجلى يف ك���ون التمثيل ه��و �إح����دى الأدوات ال��ف��ن��ي��ة احل��دي��ث��ة ال��ت��ي مل‬ ‫يعرفها ال�سلف‪ ،‬لأنه من امل�ستجدات الع�صرية التي يجب �أن ُنعمل فيها‬ ‫�آلة االجتهاد ب�أدواته ‪ ،‬خا�صة �أنه مل يرد �أي ن�ص فيه‪ ،‬ولي�س فيه �إجماع‬ ‫من علماء الأمة يف ع�صرنا ب�شكل عام‪ ،‬بل هناك جمرد اجتهادات كثرية‬ ‫ال ت�ستند �إىل �أي قيا�س يف حكم متثيل الأنبياء وال�صحابة‪ ،‬فاختلفت بني‬ ‫التحرمي والنهي والتحليل‪ ،‬وكلها �آراء فقهية حديثة ال متلك �أي �سند‬ ‫ن�صي �سوى �آراء النا�س �أنف�سهم يف املو�ضوع‪.‬‬

‫العقاد �شخّ �ص الفاروق من قبل!‬

‫ي�ضيف حممد �آيت لعميم الذي �أ�صدر عدة‬ ‫م��ؤل�ف��ات يف النقد وال�ترج�م��ة ك��ان �آخ��ره��ا‬ ‫كتابه املرجعي ع��ن املتنبي «ال ��روح القلقة‬ ‫وال�ترح��ال الأب ��دي»‪ ،‬وكتاب «مقاطع و�سور‬ ‫من القر�آن» الذي ترجمه �إىل الفرن�سية مع‬ ‫الكاتب الفرن�سي مي�شال �أور�سيل ‪� :‬سبق �أن‬ ‫كتب عبا�س حممود العقاد عبقرياته‪ ،‬ليقدم‬ ‫يف زمنه منوذج ًا للحاكم العربي وامل�سلم‪.‬‬ ‫ولي�س م��ن قبيل ال�صدفة �أن يعاد �إ��ص��دار‬ ‫كتاب «ال�شيخان» لطه ح�سني م��ؤخ��ر ًا؛ ويف‬ ‫هذا ال�سياق مت ت�صوير م�سل�سل عن �شخ�صية‬ ‫عمر الفاروق‪ ،‬ف�إطاللة ب�سيطة على حلظتنا‬ ‫التاريخية تف�سر ا�ستدعاء هذه ال�شخ�صية‬ ‫املحورية يف تاريخنا الإ��س�لام��ي‪ .‬التي هي‬ ‫النموذج الذي نفتقده اليوم؛ و�أعتقد �أنه من‬ ‫الالزم علينا اليوم �أن نقدم هذه ال�شخ�صية‬ ‫مبا يليق مبقامها للعرب وامل�سلمني وللعامل‬ ‫�أج �م��ع‪ .‬و�أف���ض��ل و�سيلة للقيام ب��ذل��ك هي‬ ‫توظيف ال�صورة من خالل ال�شا�شة ال�صغرية‬ ‫�أو ال�سينما‪� .‬إن ال�صورة القامتة التي ت�شكلت‬ ‫ح��ول الإ� �س�لام ال �ي��وم‪ ،‬وم�ظ��اه��ر التطرف‬ ‫التي زجت بنا يف متاهة‪ ،‬وال�صراع املبطن‬ ‫وال�صريح بني الطوائف‪ ،‬يحتاج �إىل منوذج‬


‫الغالف‬ ‫‪36‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫حممد ايت لعميم‬

‫من ع�صر الر�سالة الت�أ�سي�سي حتققت فيه‬ ‫جمموعة م��ن اخل���ص��ال وال���ص�ف��ات كفيلة‬ ‫ب��أن متيط حجاب �سوء الفهم والالتفاهم‬ ‫و�� �س ��وء ال� �ظ ��ن‪ .‬من� ��وذج احل ��اك ��م امل �ت��زن‪،‬‬ ‫واحلكم الر�شيد‪ ،‬والعدل ال�شامل‪ ،‬والرعاية‬ ‫الإج �ت �م��اع �ي��ة‪ ،‬وال��و� �س �ط �ي��ة واالع� �ت���دال‪.‬‬ ‫وال �ت �� �س��ام��ح ف �ه��ذه ال �ق �ي��م ك�ل�ه��ا ج�سدتها‬ ‫�شخ�صية اخلليفة الثاين عمر بن اخلطاب‬ ‫ر�ضي اهلل عنه‪ .‬وال بد للأجيال �أن تتعرف‬ ‫عليها يف زمن ال�صورة والتدافع عرب الإعالم‬ ‫امل��رئ��ي‪� .‬إذ دخ��ل ال�صراع جم��االت عديدة‬ ‫ومن �أهم هذه املجاالت ال�صورة التلفزيونية‬ ‫وال�سينمائية‪ .‬ف ��إذا جنح م�سل�سل الفاروق‬ ‫�سنكون قد ك�سبنا رهان ًا كبري ًا خ�صو�ص ًا و�أن‬ ‫ت�أثري ال�صورة �أبلغ من ت�أثري كل اخلطابات‬ ‫ال�سجالية وكل اخلطب الفارغة وكل عنف‬ ‫لغوي و�صراع طائفي‪.‬‬

‫‪ ‬ق�ضية ر�أي‬

‫الباحث يف ال�تراث الديني عبد اهلل �أ�شملي‬ ‫يقف عند م�س�ألة �أ�سا�سية‪ ،‬تتجلى يف كون‬ ‫التمثيل هو �إح��دى الأدوات الفنية احلديثة‬ ‫التي مل يعرفها ال�سلف‪ ،‬لأنه من امل�ستجدات‬ ‫الع�صرية ال�ت��ي ي�ج��ب �أن ُن�ع�م��ل فيها �آل��ة‬ ‫االجتهاد ب ��أدوات��ه‪ ،‬خا�صة �أن��ه مل ي��رد �أي‬ ‫ن�ص فيه‪ ،‬ولي�س فيه �إجماع من علماء الأمة‬ ‫يف ع�صرنا ب�شكل ع��ام‪ ،‬ب��ل ه�ن��اك جمرد‬ ‫اجتهادات كثرية ال ت�ستند �إىل �أي قيا�س يف‬ ‫حكم متثيل الأنبياء وال�صحابة‪ ،‬فاختلفت‬

‫حبيب غلوم‬

‫حممد ا�شويكة‬

‫غلوم‪:‬‬ ‫المسألة باتت «فرد‬ ‫عضالت» على الدين‬ ‫نفسه وعلى الفن‬ ‫كذلك‬

‫مل�صطفى العقاد‪ ،‬دور ًا كبري ًا يف التعريف‬ ‫بتعاليم الإ�سالم‪ ‬ب��ل ون�شره‪ ،‬وال��ذي وقف‬ ‫البع�ض يومها �ضده حتى مت ترحيل طاقم‬ ‫ت�صويره من �أر���ض املغرب «ورزازات» �إىل‬ ‫�صحارى ليبيا �آن��ذاك ‪،‬ليكت�شف �أن ال�صراع‬ ‫كان مفرت�ض ًا ومتوقع ًا رغم كون العقاد تفادى‬ ‫�إظ �ه��ار ��ص��ور النبي �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫و�صحابته الكرام‪ ،‬وعلق على ذلك �أي�ضا «يف‬ ‫بداية عر�ض الفيلم»‪.‬‬ ‫وعن امل�سل�سل الذي يثري النقا�ش اليوم يقول‬ ‫عبد اهلل �أ�شملي‪ :‬والآن وبعد تطور ت�سونامي‬ ‫ق��وة ال���ص��ورة يف ع�صر ح���ض��ارة ال�صورة‬ ‫وا�ستعداد قناة ‪ mbc‬مع تلفزيون قطر لإنتاج‬ ‫م�سل�سل عمر «ر�ضي اهلل عنه» وفيه يقوم �أحد‬ ‫املمثلني ب��دور ال�ف��اروق والآخ��ر ب��دور �أب��ي بكر‬ ‫ف�ض ًال عن بقية ال�صحابة ر�ضوان اهلل عليه‬ ‫�أجمعني‪� ،‬أفتى جمموعة من �أهل‪ ‬الذكر‪ ‬املعا�صر‬ ‫ين‪ ‬بجواز‪ ‬ذلك‪� ‬أمثال‪ ‬الدكتور‪ ‬يو�سفالقر�ضاوي‬ ‫والدكتور �سلمان العودة و�أرى �شخ�صيا �أن‬ ‫التفكري يف زمن التكفري قد حل على جمتمع‬ ‫يفتقد الق�ضايا احلقيقية �أو ذات ال�ش�أن‬ ‫احلقيقي‪.‬‬ ‫فال�سنة‪ ‬مل يجر�ؤوا �أو مل يت�شجعوا قبل جتربة‬ ‫العقاد يف الر�سالة على جت�سيد ال�صحابة‬ ‫و�أب�ن��اء الإم��ام علي ك��رم اهلل وجهه احل�سن‬ ‫واحل�سني �إال بعد طفرة ال�سينما الإيرانية‪،‬‬ ‫التي ال ترى مانع ًا من �إظهار �صور الأنبياء وقد‬ ‫ترى بع�ض مذاهبها ال�شيعية �إن مل نقل جلها‬ ‫ذلك يف التعامل مع كبار �أوليائهم و�أئمتهم ‪.‬‬

‫بني التحرمي والنهي والتحليل‪ ،‬وكلها �آراء‬ ‫فقهية حديثة المتلك �أي �سند ن�صي �سوى‬ ‫�آراء النا�س �أنف�سهم يف املو�ضوع‪.‬‬ ‫ومب��ا‪� ‬أن املو�ضوع‪ ‬ق�ضية ر�أي‪ ،‬فمن حق كل‬ ‫واحد �إعمال ر أ�ي��ه ونظره اخلا�ص يف امل�سالة‪،‬‬ ‫ولذلك مل نتفاج أ� كثريا �أن نكون �إزاء هده الآراء‬ ‫�أو ال�صراعات التي تن�شب حول هذه النازلة التي‬ ‫مل يت�سن للن�صو�ص القطعية الداللة احل�سم‬ ‫فيها‪�،‬إن كانت ت�ستحق احل�سم �أ�ص ًال‪ .‬‬ ‫فمثار هذه‪ ‬ال�ضجة‪ ،‬كما يراها �أ�شملي‪ ،‬يجعلنا‬ ‫ن�ضع‪ ‬احلواجز‪� ‬أمام الإب ��داع اخل�لاق الذي‬ ‫ميكن �أن يقرب �صورة ال�سلف بو�ضوح �أكرب‪،‬‬ ‫وبلغة الع�صر «ال �� �ص��ورة» ال�ت��ي ت�ق��ول م��ا ال‬ ‫يقوله اخلطاب‪ ،‬وبقوة فعالة‪ .‬و�ضوح يجعلنا‬ ‫نتذكر ما فعله فيلم «الر�سالة يف بع�ض �أ�صقاع‬ ‫ال �ع��امل‪ .‬حتى قيل لقد لعب العمل اجلبار‬

‫لعميم ‪:‬‬ ‫استدعاء‪ ‬الرموز‬ ‫والشخصيات‪ ‬التي‬ ‫فعلت في التاريخ‪ ‬‬ ‫مطلب جوهري اليوم‬


‫من م�سل�سل يو�سف ال�صديق «علية ال�سالم» ‪� -‬إنتاج �إيراين‬

‫ولعل اخلالف املثار ال يكاد جمرد �أمر ذوقي‬ ‫رفعه البع�ض �إىل م�ستوى التحرمي القطعي‬ ‫وهو رمي للتهم املجانية �شرق ًا وغرب ًا وجتاوز‬ ‫حلدود املعقولية �إىل حد الت�أثيم‪.‬‬ ‫وعن ت�أثري فتاوى التحرمي على طبيعة العالقة‬ ‫ب�ين ال�ع�م��ل ال�ف�ن��ي وال�ت��راث ال��دي �ن��ي يقول‬ ‫ال�ب��اح��ث‪ :‬لقد حرمتنا مواقف‪ ‬مماثلة من‬ ‫ر�ؤية وجوه �أ�سالفنا‪ ‬ومفكرينا‪ ‬القدامى‪ ‬بفعل‬ ‫ما �سمي‪ ‬بتحرمي ال�صور‪ ‬والتماثيل‪ ،‬وها نحن‬ ‫اليوم �أمام �ضجة �أخرى تعمل على الوقوف يف‬ ‫وجه �أعمال جبارة من �ش�أنها تقريب مالمح‬ ‫عهد �أو عهود ظلت حبي�سة الكتب‪ .‬ف�إحياء‬ ‫التاريخ هو عمل ال�صورة احلية الذي تتكفل به‬ ‫ال�سينما‪.‬‬ ‫ع�م��وم� َا يظهر على‪ ‬ال�سطح‪� ‬أن اخل�لاف‬ ‫انعكا�س ل�صراع ح��اد مت الإج�م��اع فيه على‬ ‫ال �ت �ح��رمي‪ ،‬ون�ح��ن ن��رى �أن امل���س��أل��ة ق�ضية‬ ‫معا�صرة �أثارتها ثورة ال�سينما والفي�سبوك‬ ‫والف�ضائيات وع�صر ال�صورة ‪.‬‬ ‫يخل�ص عبد اهلل �أ�شملي املن�شغل �أي�ض ًا‬ ‫بالرتاث الفني �إىل �أن امل�س�ألة‪ ‬ي�صعب فيها‬

‫اشويكة ‪:‬‬ ‫نحن في حاجة إلى‬ ‫صناعة‬ ‫االنخراط في‬ ‫ِ‬ ‫عر ِّ ُ‬ ‫ف بالثقافة‬ ‫صورة ت ُ َ‬ ‫ٍ‬ ‫اإلسالمية وتعكس‬ ‫رسالتها اإلنسانية‬ ‫والكونية‬ ‫�إثبات الإج�م��اع بل وا�ستحالته‪ ،‬مادامت ال‬ ‫ت�سيء بقدر ما ت�سدي خدمة ل�صرح تاريخي‬ ‫عظيم �أبطاله هم من و�صل دورهم يف البعث‬ ‫والإحياء على قنوات ال�سينما‪.‬‬ ‫ي�صل عبد اهلل �أ�شملي �إىل اخلال�صة حني‬ ‫ي�ق��ول‪ :‬لن�سمح قليال‪ ‬لأجيال الفي�س بوك‬ ‫و�أب��ن��اء ح���ض��ارة ال �� �ص��ورة ب��االن�ف�ت��اح على‬ ‫تاريخهم م��ا دام ال��زم��ن وواق ��ع احل��ال قد‬ ‫انت�صر لل�صورة «�سيدة اخلطاب» والإقناع‬ ‫و�ساحرة اجلماهري ‪.‬‬

‫االختالف وارد‬

‫م��ن ج��ان�ب��ه يتفهم ال�ن��اق��د ال��دك �ت��ور جابر‬ ‫ع�صفور‪ ،‬وزير الثقافة امل�صري الأ�سبق‪� ،‬أن‬ ‫يكون هناك اختالف على فكرة ت�شخي�ص‬ ‫ال�شخ�صيات ال�ك�ب�يرة م��ن خ�ل�ال الفنون‬ ‫املختلفة‪ ،‬م�شري ًا �إىل اج�ت�ه��ادات ال�شيعة‬ ‫الإي��ران �ي�ين حت��دي��د ًا يف ه��ذا ال �ب��اب‪ ،‬والتي‬ ‫رمبا تخالف ال�سنة يف كثري من الأمور‪ ،‬على‬ ‫حد تعبريه‪� ،‬إال �أنه ي�ضيف‪�« :‬إننا فى غالب‬ ‫الأمر نتقبل هذه العرو�ض ب�سماحة ونطالب‬ ‫فقط باحرتام عقائد ال�سنة لإحداث نوع من‬ ‫التوافق بني الطوائف املختلفة»‪.‬‬ ‫من جانبه ي�ؤكد الناقد وال�سيناري�ست الدكتور‬ ‫رفيق ال�صبان رف�ضه التام لفكرة منع جت�سيد‬ ‫ال�شخ�صيات الإ��س�لام�ي��ة‪ ،‬وي�ق��ول ‪« :‬لدينا‬ ‫�صفحات م�شرقة يف تاريخنا الإ��س�لام��ي‬ ‫خا�صة �أي��ام الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‬ ‫وال�صحابة الأوائ��ل‪ ،‬الذين �أقاموا التوازن‬ ‫بني العدل والدين‪ ،‬و�إغفال هذه ال�صفحة من‬ ‫تاريخنا مع التطور التكنولوجي والتقني يكون‬ ‫خط�أ ال ُيغتفر وغباء منا‪ ،‬وعلينا �أن نركز على‬


‫الغالف‬ ‫‪38‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫م�شهد من م�سل�سل القعقاع بن عمرو‬

‫ه�ؤالء الذين حملوا راية الإ�سالم مثل الفاروق‬ ‫عمر و�أبو بكر ال�صديق الذي ا�ستطاع احلفاظ‬ ‫على ت��وازن الدولة‪ ،‬وكل خليفة من اخللفاء‬ ‫ال��را� �ش��دي��ن وك ��ل ��ص�ح��اب��ي م��ن ال�صحابة‬ ‫ي�ستحق �أن نقدم عنه ع�شرات امل�سل�سالت‬ ‫خا�صة مع وجود الكثري من املوجات العاملية‬ ‫ال�صهيونية وغريها ممن يل�صقون الإرهاب‬ ‫بالإ�سالم‪ ،‬فيخلق بذلك فوبيا اخلوف منه»‪.‬‬ ‫ولفت ال�صبان �إىل �أنه يجب �أن نعاي�ش التطور‬ ‫التقني والإعالمي وا�ستخدام الو�سائل التي‬ ‫تدخل كل بيت لتعميمها من خالل التليفزيون‬ ‫والدراما التي تقدم من خالله‪.‬‬

‫خما�صمة للع�صر‬

‫بو�سرت م�سل�سل مرمي املقد�سة ‪-‬انتاج �إيراين‬

‫تو�صف الناقدة الكبرية ماجدة موري�س الواقع‬ ‫ّ‬ ‫فيما يتعلق ب�أمر منع التج�سيد‪ ،‬تقول‪ :‬هذا‬ ‫املو�ضوع بالذات ي�سري يف اجتاهني؛ ي�صر �أنا�س‬ ‫من امل�سلمني وبع�ض العلماء على رف�ض مثل‬ ‫هذه الأعمال وجت�سيد ال�شخ�صيات العظيمة يف‬ ‫الإ�سالم كال�صحابة وبخا�صة الع�شرة املب�شرين‬ ‫باجلنة‪ ،‬بينما يقوم �آخرون ب�إنتاجها واجلمهور‬ ‫ي�شاهد ويتفرج وي�ستمتع‪ ،‬وفى معظم الوقت‬ ‫ين�صرف الكثريون عن �آراء العلماء‪ ،‬ذلك لأن‬ ‫الواقع يتغري خا�صة فى ع�صر الف�ضائيات حيث‬ ‫�أ�صبح املنع من رابع امل�ستحيالت‪.‬‬


‫وت�شري موري�س �إىل �أنه مل يعد هناك ما ي�سمى‬ ‫باملنع‪ ،‬حتى الرقابة على ال�سينما وامل�صنفات‬ ‫الفنية ال ت�ستطيع �أن حتجب � ّأي �شيء‪ ،‬ومن‬ ‫ي��رف����ض ومي �ن��ع ظ �ه��ور ال�صحابة وخا�صة‬ ‫املب�شرين باجلنة فهو مبثابة املخا�صم للع�صر‬ ‫خ�صو�ص ًا �أنه لي�ست هناك موانع من القر�آن‬ ‫الكرمي �أو ال�سنة النبوية‪ ،‬وت�ضيف‪« :‬لذا ال �أرى‬ ‫� ّأي دا ِع �إال �إننا نفقد جمهورنا ال��ذي يثق يف‬ ‫ب�ضاعتنا»‪.‬‬ ‫وت�ضيف موري�س‪ :‬اجلمهور امل�صري مث ًال‬ ‫�شاهد م�سل�سالت �إي��ران�ي��ة �شهرية كالنبي‬ ‫يو�سف وم��رمي ال�صديقة وا�ستمتعوا بها‪،‬‬ ‫وا�ستوعبوها وناق�ش كثري من امل�شاهدين‬ ‫امل�سل�سل معي‪ ،‬م�ؤكدة �أن هذا �أكرب دليل على‬ ‫�أن نف�س اجلمهور ‪-‬بل �أكرث‪� -‬سوف ي�شاهد‬ ‫م�سل�سل الفاروق �أو غريه ويتابعه على الرغم‬ ‫من كل املحاذير التي قيلت وتقال‪.‬‬ ‫وترى موري�س �أن الغريب يف الأم��ر‪ ،‬وهو ما‬ ‫ت�صفه بـ «�شق �صفوف جماهري امل�شاهدين»‬ ‫�أن بع�ض العلماء وافق على عر�ض مثل هذه‬ ‫النوعية من الدراما‪ ،‬وما يفعله الراف�ضون‬ ‫لي�س �سوى «خبط الر�ؤو�س يف احليط»‪ ،‬فهم‬ ‫يف نهاية الأم��ر يخو�ضون معركة خا�سرة‪،‬‬ ‫وتقول‪� :‬أنا على امل�ستوى ال�شخ�صي �أثق جد ًا‬ ‫يف الكاتب وليد يو�سف واملخرج حامت علي‬ ‫لتقدمي �صورة موازية ملا يقدمه الإيرانيون‪.‬‬ ‫وعن اخلا�سرين تقول‪ ..‬هم �صناع الدراما‬ ‫امل�صرية الذين يحاولون االبتعاد عن مثل‬ ‫هذه الأعمال جتنب ًا للم�شاكل‪.‬‬ ‫وع��ن موافقة بع�ض علماء الأزه ��ر وجممع‬ ‫ال�ب�ح��وث ع��ن �صناعة م�ث��ل ه��ذه الأع �م��ال‬ ‫ال�ت��ي ت�ت�ن��اول ��س�يرة ال�صحابة واملب�شرين‬ ‫باجلنة امل�شروطة با�ستخدام التقنيات �أو‬ ‫التكنولوجيا يف �صناعة درام��ا جيدة بدون‬ ‫اظهار ال�شخ�صية ب�شكل �صريح‪ ،‬تت�ساءل‬ ‫موري�س‪ :‬ملاذا نلج�أ للتحايل طاملا �أنه ال يوجد‬ ‫ن�ص ق��ر�آين مينع ذل��ك؟ وا�ستطردت‪ :‬ملاذا‬ ‫ن�ضفى القدا�سة على ب�شر عاديني؟ وتختتم‬ ‫موري�س ر�أيها مبا تعتربه �شروط جودة‪ ،‬تقول‪:‬‬ ‫طاملا �أن الن�ص مكتوب على �أعلى م�ستوى من‬ ‫الكتابة‪ ،‬والأداء العام للعمل ككل من�ضبط‬

‫وحيد حامد‬

‫ي�رسي اجلندي‬

‫الجندي‪:‬‬ ‫حامد‪:‬‬ ‫االلتزام بقرار األزهر‪..‬‬ ‫لنمنح الفن فرصته‬ ‫واجب‬ ‫ليقوم بدوره لمواجهة‬ ‫مهني ًا‪ ،‬فالعمل مقبول‪ ،‬وترى �أن هذه الأعمال حمالت تشويه االسالم‬ ‫تقوم بدور تثقيفي وتعريفي مهم جد ًا حيث‬ ‫هناك كثري م��ن النا�س يف ال��وط��ن العربي‬ ‫�أميون مبعنى الأمية القرائية؛ �أي �أنهم ال‬ ‫ي�ق��ر�أون‪ ،‬وحينما تتاح لهم فر�صة �أن يروا‬ ‫الفن العظيم وال��درام��ا الكربى تقدم لهم‬ ‫القيم اجلميلة فنحن ن�ق��وم معهم مبهمة‬ ‫�شاقة ومهمة‪ ،‬وال نن�سى فيلم الر�سالة الذى‬ ‫مت منعه م��ن قبل و�أث�ي�رت ح��ول��ه امل�ع��ارك‪،‬‬ ‫وانتهى به الأم��ر �إىل �أن دخل اخلدمة ويتم‬ ‫عر�ضه على اجلمهورين امل�صري والعربي‬ ‫ب�شكل منا�سباتي‪.‬‬ ‫وي���رى ال �ن��اق��د ال�ك�ب�ير والإع�ل�ام ��ي ط��ارق‬ ‫ال�شناوي �أنه –على الرغم من التكتم الذي‬ ‫فر�ضه �صناع الفاروق على م�سل�سلهم‪� -‬إال‬ ‫�أن الأم��ر ات�ضح للجميع‪ ،‬و�أك��د ال�شناوي �أن‬ ‫امل�سل�سل متوقع له �أن يح�صل على �أكرب ن�سبة‬

‫أشملي ‪:‬‬ ‫لماذا نضع‪ ‬الحواجز‪ ‬أمام‬ ‫اإلبداع الخالق الذي‬ ‫يمكن أن يقرب صورة‬ ‫السلف بوضوح وبلغة‬ ‫العصر التي تقول ما ال‬ ‫يقوله الخطاب؟‬

‫م�شاهدة‪ ،‬لي�س على م�ستوى الوطن العربي‬ ‫فح�سب ب��ل على م�ستوى ال�ع��امل حيث متت‬ ‫ترجمته �إىل لغات كثرية منها الفار�سية التي‬ ‫متيزت يف هذه النوعية من امل�سل�سالت‪.‬‬ ‫وي�شري ال�شناوي �إىل �أن حماوالت املخرجني‬ ‫واملبدعني العرب مل تتوقف يف العزم على‬ ‫�صناعة �أعمال درامية تتناول �سري حياة واحد‬ ‫من ه ��ؤالء اخللفاء الرا�شدين –ر�ضى اهلل‬ ‫عنهم‪ -‬فقد �سبق وج�ه��ز امل�خ��رج الأردين‬ ‫الكبري حممد عزيزية م�سل�سال عن اخلليفة‬ ‫�أب��ي بكر ال�صديق ر�ضى اهلل عنه بعد �أن‬ ‫انتهى م��ن م�سل�سل خالد ب��ن الوليد ب�أربع‬ ‫�سنوات‪ ،‬وقام ببطولته الفنان با�سم ياخور‪،‬‬ ‫وعن �أ�سباب عدم ا�ستكمال م�سل�سل �أبو بكر‪،‬‬ ‫�أكد ال�شناوي �أنه �سبب اقت�صادي بحت‪.‬‬ ‫وع��ن ر�أي��ه يف جت�سيد ال�شخ�صيات الدينية‬ ‫وخا�صة الع�شرة املب�شرين باجلنة �أك��د �أنه‬ ‫يوافق ب�شدة ويتعجب من قرار وفتوى الأزهر‬ ‫مبنع عر�ضه‪ ،‬خا�صة و�أن املخرج قام ب�إ�سناد‬ ‫دور الفاروق �إىل �أحد الوجوه اجلديدة على �أال‬ ‫يقدم �أية �أعمال درامية خلم�س �سنوات مقبلة‪.‬‬ ‫وي�ؤكد ال�شناوي �أنه مع منع جت�سيد �شخ�صية‬ ‫�سيدنا حممد �صلى اهلل عليه و�سلم و�إباحة‬


‫الغالف‬ ‫‪40‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫ن�سبة م�شاهدتها للم�سل�سالت التي قام الأزهر‬ ‫مبنعها ورف���ض�ه��ا م��ن ق�ب��ل م �ث��ل‪« :‬احل�سن‬ ‫واحل �� �س�ين وم �ع��اوي��ة» و«م� ��رمي ال���ص��دي�ق��ة»‬ ‫و«يو�سف ال�صديق»‪ ،‬و«امل�سيح» عليهم جميعا‬ ‫ال�سالم‪ ،‬على الرغم من موافقة بع�ض العلماء‬ ‫على التج�سيد على ر�أ�سهم ال�شيخ القر�ضاوي‪.‬‬

‫‪2012‬‬

‫امل�س�ألة حمل نظر‬

‫من فيلم مملكة �سليمان االيراين‬

‫املمثل االيراين �أمني زندكاين‬

‫جت�سيد �أي��ة �شخ�صية �أخ ��رى‪ ،‬م�شري ًا �إىل‬ ‫�أن موقفه يتعار�ض مع موقف الفتاوى التي‬ ‫ات�سعت دائرتها ملنع عر�ض م�سرحية احل�سني‬ ‫ث��ائ��ر ًا و�شهيد ًا م��ن �إخ ��راج ك��رم م�ط��اوع يف‬ ‫�أواخر �ستينيات القرن املا�ضي‪ ،‬كذلك منعوا‬ ‫ظهور �سيدنا حمزة وظل فيلم الر�سالة للراحل‬ ‫العظيم م�صطفى العقاد ممنوع ًا من العر�ض‬ ‫منذ �أوا�سط الثمانينيات رغم عر�ضه يف كل‬ ‫الف�ضائيات حتى مت عر�ضه عام ‪2008‬م‪.‬‬ ‫وفى النهاية متنى ال�شناوي �أن يتحلى علماء‬ ‫الأزه��ر باملرونة والتعامل ب�شكل عقالين مع‬ ‫مثل هذه الأعمال التي تقدم حقيقة الإ�سالم‬ ‫ب�صورة �صحيحة وم�شرفة‪.‬‬

‫ويرى ال�شناوي �أن عر�ض «الفاروق» �سيكون‬ ‫مقدمة مل�شاهدة �أعمال �أخرى تتناول ق�ص�ص‬ ‫حياة و�سري ال�صحابة من املب�شرين باجلنة‬ ‫وغ�ي�ره��م‪ ،‬وي �ت �� �س��اءل‪ :‬مل ��اذا ي���ض��ع الأزه ��ر‬ ‫العراقيل �أم��ام جت�سيد ال�صحابة؟ وه��و ما‬ ‫يتعار�ض مع رغبة اجلماهري التي ازدادت‬

‫لعميم ‪:‬‬ ‫سبق أن كتب عباس‬ ‫محمود العقاد‬ ‫عبقرياته ليقدم في‬ ‫زمنه نموذج ًا للحاكم‬ ‫العربي والمسلم‬

‫�أما ال�سيناري�ست الكبري حممد �صفاء عامر‬ ‫فيقول‪� :‬أعتقد �أنه فيما عدا �شخ�صية النبي‬ ‫�صلى اهلل عليه و��س�ل��م م��ن امل�م�ك��ن متثيل‬ ‫وجت�سيد �أي��ة �شخ�صية‪ ،‬لكن علماء الأزه��ر‬ ‫ـ للأ�سف ـ مينعون جت�سيد ال�صحابة خا�صة‬ ‫املب�شرين منهم باجلنة‪.‬‬ ‫وي�ضيف‪� :‬أن��ا �أرى ب�شكل �شخ�صي �أن هذا‬ ‫املبد�أ حمل نظر ومراجعة‪ ،‬وال �أراه �سليم ًا لأن‬ ‫م�ؤداه �أننا نرتب �صحابة النبي ونقدم بع�ضهم‬ ‫على بع�ض وه��ذا غ�ير �صحيح‪� ،‬صحيح �أن‬ ‫الع�شرة املب�شرين باجلنة لهم منا كل تقدير‪،‬‬ ‫لكن كان هناك بع�ض ال�صحابة كانوا �أقرب‬ ‫لقلب النبي �صلى اهلل عليه و�سلم مثل عبد‬ ‫اهلل بن م�سعود وعمار بن يا�سر وب�لال بن‬ ‫رباح‪ .‬ويت�ساءل عامر‪ :‬ما وجه التفرقة �إذن‬ ‫بني ه ��ؤالء وب�ين الع�شرة املب�شرين باجلنة؟‬ ‫نعم كان الر�سول الكرمي يحبهم ولكنه كان‬ ‫يجب غريهم ح�سب الروايات ال�صحيحة يف‬ ‫ال�سرية النبوية‪.‬‬

‫احرتام ر�أي الأزهر‬

‫�أما الكاتب وال�سيناري�ست الكبري وحيد حامد‬ ‫فقد �أكد �أنه يجب علينا �أن نلتزم بقرار الأزهر‬ ‫ال�شريف‪ ،‬حيث يعترب امل�ؤ�س�سة ال�شرعية التي‬ ‫ن�ستقي منها كل ما ي�صدر من فتاوى و�آراء يف‬ ‫هذا ال�ش�أن‪ ،‬الفتا �إىل �أن لهذه ال�شخ�صيات‬ ‫العظيمة من ال�صحابة والع�شرة املب�شرين‬ ‫باجلنة مكانة وهيبة يجب احرتامها وذلك‬ ‫بعدم جت�سيدها لأن ال��ذي يج�سد مثل هذه‬ ‫ال�شخ�صيات �سريتكن �إىل اخليال ال حمالة‬ ‫حيث �أن��ه مل ير ال�شخ�صية احلقيقية‪ ،‬كما‬ ‫قد تكون تلك الت�صورات بعيدة عن حقيقة‬


‫ال�شخ�صية احلقيقية ن��اه�ي��ك ع��ن م��دى‬ ‫التخبط الذي يحدثه مثل ذلك الت�شخي�ص‬ ‫يف �أذهاننا لهذه ال�شخ�صيات الكرمية‪.‬‬ ‫ويرى الكاتب امل�سرحي وال�سيناري�ست الكبري‬ ‫ي�سري اجلندي �أن��ه من حيث امل�ب��د�أ ال يتم‬ ‫احلكم على �أي عمل فنى �إال بعد م�شاهدته‬ ‫ك��ام�لا‪ ،‬ويتعجب اجل�ن��دي م��ن ف�ت��اوى املنع‬ ‫حيث �أن هناك �أعمال عظيمة جت�سد بع�ض‬ ‫��ش�خ���ص�ي��ات ال���ص�ح��اب��ة ك��ال�ق�ع�ق��اع وك��ان‬ ‫م�سل�س ًال رائع ًا وفيه جاء جت�سيد �شخ�صية‬ ‫الإم��ام علي ر�ضى اهلل عنه لكن دون �إظهار‬ ‫ملالمح وجهه وعلى الرغم من هذا كان عم ًال‬ ‫جيد ًا �أ�ضاء هذه املرحلة املهمة من التاريخ‬ ‫الإ�سالمي ب�شكل من�صف‪.‬‬ ‫ويهيب اجلندي ب�صناع الدراما �أن يوظفوا‬ ‫ال�ف��ن ب�شكل متطور وم��و��ض��وع��ي يف جمال‬ ‫الأعمال الدرامية التاريخية والدينية لأننا‬ ‫نواجه مبوجات هجوم �شر�سة �ضد اال�سالم‬ ‫الذي ي�سمونه بالتطرف والإرهاب‪ ،‬فالإ�سالم‬ ‫و�سطي يحمل كل مقومات احلياة ورفاهيتها‬ ‫وكل الب�شرية ت�سعى لتحقيقها‪.‬‬ ‫وعلينا �أال نقف مكتويف الأيدي وديننا يهاجم‬ ‫ك�أننا �إرهابيون كما علينا �أال ن�صادر على دور‬ ‫الفن الذى يجب �أن ُي� َ�ؤ َّدى‪ ،‬فعلى �سبيل املثال‬ ‫هناك فيلم فجر الإ� �س�لام والر�سالة ال��ذي‬ ‫�أعطى �صورة جيدة عن الإ�سالم وامل�سلمني‪،‬‬ ‫بل وال �أكون مغالي ًا �إذا قلت �إن كثريا ممن يف‬ ‫الغرب غريوا ر�أيهم عن الإ�سالم بل و�أ�شهروا‬ ‫�إ�سالمهم‪ .‬وعن م�صادرة مثل هذه الأعمال‬ ‫التي جت�سد ال�شخ�صيات الإ�سالمية العظيمة‬ ‫والتي هي حمل خالف بني العلماء يرى �أن‬ ‫هذه امل�صادرة نوع ًا من الغفلة على الرغم من‬ ‫اعتزازنا واعرتافنا الكامل والتام ب�ضوابط‬ ‫الإ�سالم الو�سطي ال�صحيح الذي ال مغاالة‬ ‫فيه وال تع�صب‪ ،‬وفى �إطار هذا الفهم املعتدل‬ ‫ميكننا ا�ستقبال تلك الأعمال الدرامية التي‬ ‫متثل نوع ًا من الرتاث احل�ضاري الهام‪.‬‬ ‫ويت�ساءل اجلندي كيف مل�ؤ�س�سة الأزه��ر �أن‬ ‫حتكم على �أي عمل بالرف�ض والإق���ص��اء‬ ‫دون ر�ؤي�ت��ه؟ ويقرتح تكوين جلنة م�شاهدة‬ ‫من رج��ال وعلماء �أزهريني متفهمني لأمور‬

‫حممد �صفاء عامر‬

‫صفاء عامر‪:‬‬ ‫المسألة محل نظر‪..‬‬ ‫وال فرق بين المبشرين‬ ‫وغيرهم!‬ ‫الع�صر‪ ،‬وبيان �إذا ما كان هذا �سيعود بالنفع‬ ‫على امل�سلمني �أم ال‪.‬‬ ‫ولنعطي الفن فر�صة ليقوم ب ��دوره املنوط‬ ‫به وال��ذي نحن يف �أ�شد احلاجة �إليه بعد �أن‬ ‫تخلى الإعالم العربي عن دوره �أمام �أعا�صري‬ ‫وحمالت الت�شويه التي ي�شنها الإعالم الغربي‬ ‫الذي لي�س همه ت�شويهنا ك�أمة عربية و�إ�سالمية‬ ‫فقط ولكن همه الأك�بر يرتكز يف حم��اوالت‬ ‫م�ستميتة لإذاللنا لذا ال يجب �أن مننحهم هذه‬ ‫الفر�صة‪ ،‬خا�صة مع عدم وجود ن�ص �صريح‬ ‫مينع جت�سيد الرموز الإ�سالمية العظيمة‪.‬‬ ‫�أما املخرج التليفزيوين �أحمد خ�ضر فقال‪:‬‬ ‫�دي جتربتان �أواله �م��ا متت‬ ‫بهذا ال���ش��أن ل� ّ‬ ‫والثانية تنازلت عنها من كرثة امل�شاكل التي‬ ‫تعر�ضت ل�ه��ا‪ .‬ع��ن التجربة الأوىل يقول‬ ‫خ�ضر‪ :‬ك��ان��ت ع��ن �شخ�صية �سيدنا �أب��و‬ ‫عبيدة بن اجلراح‪ ،‬ر�ضى اهلل عنه و�أر�ضاه‪،‬‬ ‫عام‪ 1980‬وكتب الق�صة وال�سيناريو واحلوار‬ ‫ال�سيدة �أمينة ال�صاوي‪ ،‬ومت تنفيذها ب�إنتاج‬

‫الطريبق ‪:‬‬ ‫العمل الفني ال يقوم‬ ‫على التفكير الديني‬ ‫وإنما يتحاور معه‬

‫الإمارات العربية املتحدة‪ .‬كما مت عر�ضه يف‬ ‫كل الدول العربية ماعدا م�صر‪ .‬ولكنه �أذيع‬ ‫بعد ذلك‪.‬‬ ‫ويكمل خ�ضر‪ :‬ولكن عند �إذاعته يف م�صر‪،‬‬ ‫ت�صدى �أحد ال�صحفيني ‪-‬وعلى ما يبدو كان‬ ‫على خ�لاف م��ع ال�سيدة �أمينة ال�صاوي‪-‬‬ ‫وهاجم الأزهر ملوافقته على �إظهار وجت�سيد‬ ‫�شخ�صية �أبي عبيدة ر�ضى اهلل عنه حيث �إنه‬ ‫�أحد املب�شرين باجلنة‪.‬‬ ‫وبالفعل جنح اللغط الذي �أثري حول امل�سل�سل‬ ‫يف �إنهاء عر�ضه وتوقف عند احللقة الرابعة‪،‬‬ ‫والغريب يف الأمر �أن امل�سل�سل �أذيع بعد ذلك‬ ‫دون �أي��ة �ضجة تذكر وك��ان على القنوات‬ ‫امل�صرية‪ ،‬وقد قام ببطولته الفنان الكبري‬ ‫عزت العاليلي‪.‬‬ ‫وع��ن جتربته الثانية يقول خ�ضر‪ :‬ا�شتقت‬ ‫كمبدع للأعمال التاريخية العظيمة فوقع‬ ‫اختياري على م�سل�سل �أب��و حامد الغزايل‪،‬‬ ‫واتفقت مع امل�ؤلف حممد ال�سيد عيد على‬ ‫الن�ص و�سارت الأمور طبيعية وبعد املوافقة‬ ‫على �إنتاجه و�شى �أحد النجوم ـ الذي كان‬ ‫مر�شحا للدورـ �إىل �أن�س الفقي وزير الإعالم‬ ‫حينئذ بو�شاية غبية‪ ،‬مفادها؛ كيف ن�صنع‬ ‫م�سل�س ًال عن �أبي حامد الغزايل دون التطرق‬ ‫�إىل الإم��ام اب��ن ر�شد‪ ،‬متخذ ًا من رد ابن‬ ‫ر�شد على كتاب الغزايل «تهافت الفال�سفة»‬ ‫بكتاب «تهافت التهافت» للإمام ابن ر�شد‪،‬‬ ‫ي�ع��ار��ض��ه ف�ي��ه ع�ل��ى م��وق�ف��ه م��ن الفل�سفة‬ ‫والفال�سفة‪ ،‬حيث ك��ان ي��رى �أب��و حامد �أن‬ ‫الفل�سفة علوم كافرة �إال بع�ضها مما يتعلق‬ ‫بالطب والريا�ضيات‪ ،‬حيث كانت كلها تندرج‬ ‫حتت العلوم الفل�سفية‪ ،‬ويعرتف خ�ضر لأول‬ ‫م��رة �أن م��ا ق��ال��ه ذاك النجم حينها وما‬ ‫اتخذه الوزير من قرار ا�ضطره لالن�سحاب‪.‬‬ ‫حيث مل يكن �أب��دا موافقا ‪ ..‬فال�سيناريو‬ ‫الذي كتبه حممد ال�سيد عيد كان عبارة عن‬ ‫ق�صة حياة الإمام �أبو حامد الغزايل ومنابع‬ ‫فكره و�آرا�ؤه و تنتهى �أحداث امل�سل�سل بنهاية‬ ‫حياته‪.‬‬ ‫وملا كان بن ر�شد قد ولد بعد وفاة الغزايل مبا‬ ‫يقرب من ‪ 55‬عام ًا فقد كنت �أرى �أنه ال جمال‬


‫الغالف‬ ‫‪42‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫يف �أح��داث امل�سل�سل لذكر اب��ن ر�شد‪ ،‬ولكن‬ ‫الفقي �أم��ر بالتوقف بناء على ك�لام النجم‬ ‫وانتهى الأم��ر ونفذه معاونوه دون �أن يعطوا‬ ‫لأنف�سهم فر�صة القراءة واملراجعة واكت�ساب‬ ‫معلومة‪ .‬ويرى خ�ضر �أن الأزه��ر مل ميانع يف‬ ‫البداية من ظهور �سيدنا �أبو عبيدة وهذا دليل‬ ‫على الت�سامح ال�شديد‪ ،‬و�أن��ه يتمنى �أال يكون‬ ‫هناك حظر على جت�سيد �أي من ال�شخ�صيات‬ ‫الإ�سالمية ‪ .‬حيث �إن��ه ال يوجد هناك ن�ص‬ ‫مينع ذل��ك بدليل م��ا مت �إنتاجه م��ن �أعمال‬ ‫ح�صلت على موافقة كبار العلماء‪� .‬إذ ًا فهو‬ ‫ر�أي خاليف وغري م�ؤكد فلماذا نحجر على تلك‬ ‫ال�شخ�صيات ونحرم جمهورنا من �أن يراها‬ ‫جي ًال بعد جيل؟!‪.‬‬

‫�إ�سماعيل عبد الله‬

‫عبداهلل‪:‬‬ ‫على رجال الدين‬ ‫أن يتفهموا طبيعة‬ ‫التغيرات التي طرأت‬ ‫�إهمال الطرح الأخالقي‬ ‫م��ن جانبه ق��ال امل�خ��رج وامل�م�ث��ل الإم��ارات��ي على الحياة‬

‫الدكتور حبيب غلوم‪� :‬إن امل�شكلة يف التحرمي‬ ‫م��ن عدمه ه��ي �أن املنتجني ب��ات��وا يقتحمون‬ ‫امل�ج��ال م��ن �أج��ل �أي ��ش��يء‪ ،‬فيما ع��دا �سمو‬ ‫الطرح الفني نف�سه‪ ،‬م�شري ًا �إىل �أن املنتجني‬ ‫اه�ت�م��وا بجمع الأم� ��وال على ح�ساب ج��ودة‬ ‫الأع�م��ال‪ ،‬و�أهملوا الطرح الأخالقي يف مثل‬ ‫هذه الأعمال‪.‬‬ ‫ور�أى غلوم �أن امل�س�ألة حتولت �إىل مناف�سة بني‬ ‫مذاهب ال�سنة وال�شيعة‪ ،‬م�شري ًا �إىل �أن بع�ض‬ ‫القنوات التلفزيونية التي تخ�ضع �إىل مذاهب‬ ‫�أخ��رى غري املذاهب ال�سنية‪ ،‬ولها جتربتها‬ ‫يف ه��ذا املجال‪ ،‬تتناف�س على ح�ساب جودة‬ ‫الأعمال الفينة التي تقدمها‪.‬‬ ‫ولفت غلوم �إىل �أنه ي�شعر يف داخله ب�أن هذه‬ ‫الأعمال التي جت�سد �شخ�صيات ورم��وز ًا من‬ ‫الرتاث الإ�سالمي �إمنا هي رد من قبل القنوات‬ ‫امل�ضادة! وا�صف ًا هذا ال�سلوك ب�أنه يتنافى مع‬ ‫�أدبيات و�أخالقيات ر�سالة الفن‪ ،‬كونها ت�ستثمر‬ ‫هذه ال�شخ�صيات التي تعد خطوط ًا حمراء‪.‬‬ ‫و�أك ��د غ�ل��وم �أن الفنانني ي�ست�شعرون هذه‬ ‫امل�س�ألة‪ ،‬وهم جميع ًا – وفق ًا لغلوم‪� -‬ضد �أن‬ ‫مت�ضي الأمور يف هذا امل�سار‪ ،‬بعيد ًا عن فكرة‬ ‫التحليل وال�ت�ح��رمي‪ ،‬فالفنانون –والكالم‬ ‫لغلوم �أي�ض ًا ‪ -‬يتمنون �أن تكون هناك �أعما ًال‬

‫فنية تربز التاريخ يف �شكله العام ومبفهومه‬ ‫ال��وا� �س��ع‪ ،‬م�ضيف ًا �أن الفنانني لي�سوا �ضد‬ ‫الأطروحات الفنية التي جت�سد ال�شخ�صيات‬ ‫التاريخية الإ�سالمية‪ .‬وقال �إن امل�س�ألة باتت‬ ‫«فرد ع�ضالت» على الدين نف�سه‪ ،‬وعلى الفن‬ ‫كذلك‪ ،‬م�ضيف ًا‪« :‬واحنا م�ش ناق�صني عداوات‬ ‫للفن والفنانني»‪ ،‬الفت ًا �إىل الفن الذي ال يحرتم‬ ‫�أط��راف املجتمع كله ال ميكن �أن ي�سمى فن ًا‪،‬‬ ‫و�أ�ضاف‪ :‬مثل هذه الأعمال ت�أخذنا �إىل طرق‬ ‫مغلقة‪ ،‬وم�ؤداها يف النهاية �إىل �صدام‪ ،‬م�شري ًا‬ ‫�إىل �أن الفنانني اليوم ال ميلكون الو�صول �إىل‬ ‫حلول لأزم��ة �أزلية وموجودة منذ ‪ 1400‬عام‬ ‫م�ضت‪ ،‬ولن يحلوا تلك الأزم��ة يف م�سل�سل �أو‬ ‫عمل فني واحد‪ .‬و�أ�شار غلوم �إىل �أن مثل هذه‬ ‫الأعمال تزيد من االحتقان والتعنت‪ ،‬م�ؤكد ًا‬ ‫على �أن الفن �أ�صبح م�س�ألة جتارية بحتة ال‬ ‫ينظر املنتجني �إىل �شيء فيه �سوى العائد‬ ‫املادي‪ ،‬من دون النظر �أي عوامل �أخرى‪.‬‬

‫احلكم بعد امل�شاهدة‬

‫ال يرى الفنان الإم��ارات��ي ا�سماعيل عبداهلل‪،‬‬ ‫رئ �ي ����س ج�م�ع�ي��ة امل �� �س��رح �ي�ين‪ ،‬يف جت�سيد‬ ‫�شخ�صيات ال�صحابة ورم��ز ال�تراث العربي‬

‫ماجدة موري�س‬

‫موريس‪:‬‬ ‫من يرفض تجسيد‬ ‫الشخصيات العظيمة‬ ‫معاد للعصر!‬ ‫ٍ‬ ‫والإ�سالمي على ال�شا�شة �أمر ًا مقلق ًا‪� ،‬أو ي�ستحق‬ ‫ال�ضجة املثارة حوله‪ ،‬و�أو�ضح عبداهلل �أن �أي‬ ‫عمل درامي ال ميكن احلكم عليه قبل عر�ضه‪،‬‬ ‫و�أ�ضاف‪« :‬علينا االنتظار حتى ينتهي عر�ضه‬ ‫لنحكم عليه»‪ .‬وقال عبداهلل �إنه ال يرى مربر ًا‬ ‫للهجوم على امل�سل�سل �أو اي عمل فني �آخر‬ ‫قبل م�شاهدته‪ ،‬الفتًا �إىل �أن فكرة التابوهات‬ ‫التي يمُ نع االقرتاب منها باتت ال تالئم ع�صر‬ ‫الإن�ترن��ت ال��ذي �أ�صبح فيه كل �شيء مباح ًا‪،‬‬ ‫م��ؤك��د ًا على ��ض��رورة �أن يتفهم رج��ال الدين‬ ‫طبيعة التغريات التي طر�أت على احلياة‪.‬‬ ‫و�أكد عبداهلل �أن الأنبياء والر�سل فقط هم من‬ ‫نحتفظ لهم بقد�سية خا�صة ي�صعب جتاوزها‬ ‫بتج�سيد �شخ�صياتهم من قبل ممثلني‪ ،‬الفت ًا �إىل‬ ‫�أن �إيران قد ك�سرت هذا التابو من خالل م�سل�سل‬ ‫«يو�سف ال�صديق»‪ ،‬الذي حظي مبتابعة جيدة‬ ‫يف العامل العربي‪ .‬و�أ�شار �إىل �أن احلمالت التي‬ ‫يتم توجيهها ملثل هذه الأعمال تفقد �صدقيتها‬ ‫عندما تقدم على ال�شا�شة ويكت�شف النا�س �أنها‬ ‫قدمت ال�شخ�صيات يف �إط��ار ما ت�ستحقه من‬ ‫احرتام وما حتظى به من مكانة كبرية يف نفو�س‬ ‫امل�سلمني‪ ،‬وهي بالفعل �شخ�صيات لها العديد من‬ ‫الإيجابيات يف حياتها التي ت�ستحق �أن يتابعها‬ ‫اجلمهور‬



‫‪44‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫اآلفاق‬ ‫ارتياد‬ ‫مدارات‬

‫مدارات‬ ‫التراث‪..‬ذاكرة المستقبل‬ ‫ال �أظن �أن هناك �أمة يف الع�صر احلديث‬ ‫من�شغلة باحلديث عن تراثها مثل الأمة‬ ‫العربية‪ .‬ال مراء يف �أن الرتاث العربي‬ ‫الإ�سالمي من �أغنى و�أع��رق ما خلفه‬ ‫الإن�سان‪ .‬ويكفي �أن نقارن تراث �أي دولة‬ ‫�أوروبية بالرتاث العربي لنجد الفرق بني‬ ‫الرثى والرثيا‪ .‬ففرن�سا‪ ،‬مثال‪ ،‬ال يتجاوز‬ ‫تراثها ب�ضعة ق��رون‪ ،‬وحتى لو �أ�ضفنا‬ ‫�إليه الرتاث اليوناين والالتيني اللذين‬ ‫يعتربان جزءا من تراثها امل�شرتك مع‬ ‫�أوربا‪ ،‬ف�إننا جند كل ذلك ال يتعدى ما‬ ‫خلفه العرب فقط يف الأندل�س من تراث‬ ‫ي�صل �إىل ثمانية قرون‪.‬‬ ‫�إن ال �غ �ن��ى وال� �ع ��راق ��ة ل�ي���س��ا ك��اف�ي�ين‬ ‫لالن�شغال بهذا ال�تراث بالكيفية التي‬ ‫منار�سها‪ .‬فالرتاث ال�صيني عريق وغني‬ ‫ومتنوع‪ ،‬ولكن ال�صينيني املعا�صرين ال‬ ‫ميار�سون احلديث عن تراثهم بالهيئة‬ ‫التي ن�شتغل بها‪ .‬كما �أن الغربيني ال‬ ‫يتحدثون عن تراثهم بالطريقة التي‬ ‫نتق�صدها‪ .‬يكمن ال �ف��رق بيننا وبني‬ ‫الأمم املختلفة يف عالقاتها برتاثها‬ ‫يف �أننا «نتحدث» عن تراثنا �أكرث مما‬ ‫«نفكر» فيه‪ ،‬وي�ستهوينا االع �ت��زاز به‬ ‫�أكرث مما يهمنا التعرف عليه‪ .‬لذلك ال‬

‫ميكننا �أن نفهم كرثة االهتمام واملبالغة‬ ‫يف احلديث عنه �سوى م�ؤ�شر على �أن‬ ‫هناك خل ًال ما يف عالقتنا به‪.‬‬ ‫م��رد عالقتنا احل��دي�ث��ة‪ ،‬وامل�م�ت��دة �إىل‬ ‫الآن‪ ،‬برتاثنا تعود �إىل ما ي�سمى بع�صر‬ ‫النه�ضة حني ا�صطدم العرب بالغرب‬ ‫ومنط حياته وعلومه وفل�سفاته‪ .‬فر�أى‬ ‫بع�ضهم �أن علينا ال�سري على منواله‪،‬‬ ‫ونقطع مع تراثنا لأنه م�صدر تخلفنا‪.‬‬ ‫وك��ان رد الفعل قوي ًا ل��دى من ي��رى �أن‬ ‫لنا تاريخا وتراثا‪ ،‬وعلينا التعلق بهما‬ ‫مل��واج�ه��ة ال �غ��رب‪ ،‬وال� �س �ت �ع��ادة �أجم��اد‬

‫هيمنت التصورات‬ ‫الجاهزة والتأويالت‬ ‫المسبقة في ّ‬ ‫جل‬ ‫الكتابات الجادة‬ ‫حول التراث وعالقته‬ ‫بالحداثة أو العصر‬ ‫«نص ًا»‬ ‫وصار التراث‬ ‫ّ‬ ‫يقلب فيه كل تصور‬ ‫بما يتالءم مع أغراضه‬ ‫ومقاصده بهدف‬ ‫اإلقناع أو اإلفحام‬

‫تاريخنا‪ .‬جن��م ع��ن ك��ل ذل��ك م��ا �صار‬ ‫يعرف بالأ�صالة واملعا�صرة‪� ،‬أو التقليد‬ ‫واحل��داث��ة‪ .‬وب��ات كل تفكرينا من�شغال‬ ‫بهذه الثنائية‪ ،‬وك ٌل ينت�صر �إما للما�ضي‬ ‫وق���د � �ص��ار خم� �ت ��ز ًال يف ال� �ت��راث‪� ،‬أو‬ ‫بالع�صر الذي يربطه بالغرب‪ .‬ومل تفلح‬ ‫حماوالت التوفيق يف اجلمع بني املا�ضي‬ ‫واحل��ا��ض��ر‪� ،‬أو ب�ين ال�ت�راث والع�صر‪.‬‬ ‫و�أ�سيل مداد كثري‪ ،‬حول هذه الثنائية‪،‬‬ ‫ك �م��ا حت���دث ع �ن �ه��ا اجل �م �ي��ع ب �ن�برات‬ ‫متعددة ومتنوعة‪.‬‬ ‫عندما نعود الآن‪ ،‬بعد م��رور �أزي��د من‬ ‫قرن على هذه العالقة‪ ،‬ونت�أمل جيد ًا ما‬ ‫�أُجنز من كتابات يف هذا املجال‪ ،‬جند‬ ‫�أنف�سنا �أم��ام «�أح��ادي��ث» ال ح�صر لها‬ ‫عن ال�تراث‪ ،‬دفاع ًا �أو هجوم ًا‪ ،‬ولكننا‬ ‫ال جند بع�ضها يتميز عن بع�ض �إال على‬ ‫م�ستوى الظاهر ال��ذي ي�سعى لت�سجيل‬ ‫«م��وق��ف» م��ا م��ن ال �ت�راث‪� .‬أم ��ا العمق‬ ‫فم�شرتك‪ ،‬لأننا ال جنني «معرفة» دقيقة‬ ‫بهذا ال�تراث لدى من ينت�صرون له �أو‬ ‫يعار�ضونه‪.‬‬ ‫�إن ت�سجيل «املوقف» من الرتاث «مع �أو‬ ‫�ضد‪� ،‬أو التوفيق» �أملته �شروط تت�صل‬ ‫مبمار�سة ال���ص��راع الإي��دي��ول��وج��ي بني‬


‫�سعيد يقطني‬

‫التيارات ال�سيا�سية والفكرية املختلفة‪،‬‬ ‫وك ��ل م�ن�ه��ا ي�سعى �إىل ت��رج�ي��ح كفته‬ ‫لفائدة التقدم ال��ذي ي��راه كل منها يف‬ ‫الت�صور ال��ذي ينطلق منه يف تف�سري‬ ‫ال�ت�خ�ل��ف‪ .‬ل��ذل��ك هيمنت ال�ت���ص��ورات‬ ‫اجل��اه��زة وال�ت��أوي�لات امل�سبقة يف ّ‬ ‫جل‬ ‫الكتابات اجلادة حول الرتاث وعالقته‬ ‫ب��احل��داث��ة �أو ال�ع���ص��ر‪� � .‬ص��ار ال�ت�راث‬ ‫«ن�صا» يقلب فيه كل ت�صور مبا يتالءم‬ ‫مع �أغرا�ضه ومقا�صده بهدف الإقناع �أو‬ ‫الإفحام‪ ،‬وكل يجد يف «ن�صيته» مراده‬ ‫من ال�شواهد والأدل��ة التي تقوي ر�ؤيته‬ ‫وت�سوغها‪ .‬هذا على م�ستوى الظاهر‪.‬‬ ‫�أم���ا ع �ل��ى م���س�ت��وى ال �ع �م��ق‪ ،‬ف�لا جند‬ ‫خمتلف تلك الكتابات تقدم لنا معرفة‬ ‫دقيقة عن هذا الرتاث لأنها بكلمة كانت‬ ‫منهمكة يف الت�أويل ال الفهم‪ ،‬ويف الدفاع‬ ‫عن املوقف �أكرث من ان�شغالها مبعرفته‬ ‫�أو التعرف عليه‪� ،‬أو تقدمي معرفة جديدة‬ ‫عنه‪ .‬لذلك ظلت عالقتنا برتاثنا تقف‬ ‫على حدود الدفاع �أو االتهام‪ ،‬باعتباره‬ ‫«ما�ضي ًا»‪ ،‬علينا �أن ن�ستعيده �أو نقطع‬ ‫معه‪ ،‬وممار�سة ال�سجال الإيديولوجي‬ ‫وال���س�ي��ا��س��ي ب �� �ص��دده يف «احل��ا� �ض��ر»‬ ‫لتح�صيل مقا�صد �سيا�سية �آن�ي��ة‪� .‬أما‬

‫إن تراثنا وقد صار‬ ‫«ماضي ًا»‪ ،‬ال يمكن أن‬ ‫يكون سوى ذاكرة‬ ‫مستقبلنا‪ .‬هكذا‬ ‫تتعامل األمم األخرى‬ ‫مع تراثها‪ ،‬ولذلك‬ ‫تسعى إلى قراءة‬ ‫ذاكرتها الخاصة‬ ‫باستمرار قراءة ال أقول‬ ‫جديدة فقط ولكن‬ ‫عميقة أيض ًا‬ ‫عالقتنا به «م�ستقبال»‪ ،‬فهي �شبه ملغاة‪،‬‬ ‫�أو معطلة‪.‬‬ ‫كل كاتب �أو فنان �أو مفكر ينتج �أعماله‬ ‫الأدب �ي��ة والفنية والفكرية‪ ،‬يف ف�ضاء‬ ‫ح�ضاري ما‪ ،‬ويف زمان ما‪ .‬وكلهم ينتج‬ ‫يف تفاعل مع ق�ضايا الع�صر الذي يعي�ش‬ ‫فيه؛ وهو بذلك يتوجه �إىل معا�صريه‪،‬‬ ‫ولكنه يف الوقت نف�سه يكتب من �أجل‬ ‫التاريخ؟ فما معنى �أن يت�صور كاتب‬ ‫ما �أنه يكتب من �أجل التاريخ؟ الكاتب‬ ‫احل �ق �ي �ق��ي‪� ،‬أي� ��ا ك ��ان جم ��ال ال�ك�ت��اب��ة‬ ‫لديه‪� ،‬أو التخ�ص�ص ال��ذي ينتج عمله‬

‫يف ن �ط��اق��ه‪ ،‬ي �ب��دع م��ن �أج ��ل الإن �� �س��ان‬ ‫يف امل�ستقبل‪ .‬ول��ذل��ك يت�صور الكاتب‬ ‫احلقيقي ب��أن «التاريخ» �سين�صفه �إذا‬ ‫خذلته املعا�صرة وهي احلجاب‪ .‬ولي�س‬ ‫التاريخ غري امل�ستقبل‪ ،‬وهو قيد التحول‬ ‫�إىل ما�ض �أبد ًا‪.‬‬ ‫�إذا انطلقنا من هذه الفكرة‪ ،‬وربطناها‬ ‫بالإن�سان يف عالقته بالزمان‪� ،‬سنجد �أن‬ ‫الإنتاج الفني والفكري احلقيقي متعال‬ ‫عن الزمان لأن��ه يف �صريورته يتداخل‬ ‫فيه املا�ضي بامل�ستقبل حتى وهو يت�شكل‬ ‫يف احلا�ضر‪ .‬ولذلك فالثنائية الزمانية‬ ‫بني املا�ضي واحلا�ضر �إلغاء لل�صريورة‬ ‫الزمانية‪� .‬إن �أي ما�ض له ام�ت��داد يف‬ ‫امل�ستقبل بغ�ض النظر عن الت�صور الذي‬ ‫نوظف يف عالقتنا بالزمان‪� .‬إن تراثنا‬ ‫وقد �صار «ما�ضي ًا»‪ ،‬ال ميكن �أن يكون‬ ‫�سوى ذاك��رة م�ستقبلنا‪ .‬هكذا تتعامل‬ ‫الأمم الأخرى مع تراثها‪ ،‬ولذلك ت�سعى‬ ‫�إىل قراءة ذاكرتها اخلا�صة با�ستمرار‬ ‫قراءة ال �أقول جديدة فقط ولكن عميقة‬ ‫�أي �� �ض��ا‪ .‬ع�ن��دم��ا نعترب ال�ت�راث ذاك��رة‬ ‫م�ستقبلنا‪ ،‬فتلك بداية حقبة جديدة‬ ‫يف فهمنا وتعاملنا معه بكيفية ت�ؤهلنا‬ ‫لتقدمي معرفة جديدة‬


‫الحوار‬ ‫ساحةاآلفاق‬ ‫ارتياد‬ ‫‪46‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫يعكف على حتقيقه منذ ‪ 12‬عام ًا‬

‫عبد اهلل السريحي‪:‬‬

‫«معجم البلدان» ليس أقل شأن ًا‬ ‫من الموسوعات العالمية الحديثة‬


‫حوار – وليد عالء الدين‬ ‫«�إنه‪ ،‬بال منازع‪� ،‬أو�سع املعامل اجلغرافية العربية و�أ�شملها‪،‬‬ ‫و�أكرثها دقة و�أ�صالة‪ ،‬وكل ما جاء بعده كان تكراراً‬ ‫واجرتاراً‪� ،‬أو اخت�صاراً للمواد ال�سابقة»‪ ..‬هكذا ا�ستهل‬ ‫الباحث اليمني عبد اهلل بن يحيي ال�سريحي كالمه‬ ‫حول «معجم البلدان» لياقوت احلموي ‪-‬املتوفى �سنة‬ ‫‪ 626‬هـ‪ 1229/‬م‪ -‬الذي يعكف على حتقيقه ب�أجزائه‬ ‫اخلم�سة ع�شر‪ ،‬منذ �أكرث من ‪ 12‬عاماً‪ ،‬بتكليف من‬ ‫�إدارة دار الكتب الوطنية يف هيئة �أبو ظبي لل�سياحة‬ ‫والثقافة «املج َّمع الثقايف �سابقاً» وقد �أجنز منه �سبعة‬ ‫�أجزاء‪� ،‬صدر الأول منها يف فرباير ‪2002‬م عن املجمع‬ ‫الثقايف يف �أبو ظبي‪ ،‬ومازال ال�سريحي م�ستب�س ً‬ ‫ال يف‬ ‫ا�ستكمال حتقيق بقية �أجزاء املعجم الذي ي�أمل �أن ترى‬ ‫‪-‬الأجزاء املنجزة منه‪ -‬النور قريباً‪.‬‬

‫يف حواره معنا‪ ،‬قال ال�سريحي �إن قرار �إدارة‬ ‫دار الكتب الوطنية بتبني حتقيق ون�شر هذا‬ ‫العمل املو�سوعي العظيم نابع عن �إميانها‬ ‫بدورها يف خدمة الثقافة وال�تراث املحلي‬ ‫لإم��ارة «�أبو ظبي» ودولة الإم��ارات العربية‬ ‫املتحدة‪ ،‬ب�صورة خا�صة‪ ،‬وال�تراث العربي‬ ‫والإ�سالمي ب�صورة عامة‪ ،‬فقد �أخذت على‬ ‫عاتقها مه َّمة ن�شر مئات الكتب مبختلف‬ ‫و�سائل الن�شر التقليدية واحلديثة‪ :‬الكتاب‬ ‫املطبوع‪ ،‬والإلكرتوين‪ ،‬وامل�سموع‪ ،‬و�إتاحتها‬ ‫�أم��ام الق َّراء والباحثني ب�أ�سعار رمزية �أو‬ ‫جم��ان�� ًا‪ ،‬كما يف حالة الكتاب الإل��ك�تروين‬ ‫م��ن خ�لال م��وق��ع ال���دار‪ ،‬وم��وق��ع املو�سوعة‬ ‫ال�شعرية‪ ،‬على �شبكة الإنرتنت‪ .‬ومن �إدراك‬ ‫�أهمية معجم البلدان ال��ذي يعترب مبثابة‬ ‫ذاكرة للأمة‪ ،‬ولأن املعجم بطبعاته احلالية‬ ‫غري مفيد للباحثني واملحققني وطالب العلم‬ ‫على الإط��ل�اق‪ ،‬و�أن ذل��ك ل��ن يتحقق من‬

‫غري حتقيق علمي حديث‪،‬‬ ‫م�شري ًا �إىل �أن كل الطبعات‬ ‫املتداولة حالي ًا من املعجم‬ ‫تعتمد على طبعة امل�ست�شرق‬ ‫الأمل���اين ف�ستنفلد ال��ذي �صرف م��ن عمره‬ ‫‪ 12‬عام ًا يف حتقيقها انتهت عام ‪1873‬م‪،‬‬ ‫م�ؤكد ًا �أن ف�ستنفلد – حاله يف ذلك حال‬ ‫امل�ست�شرقني يف ذل��ك احل�ي�ن‪ -‬اك��ت��ف��ى يف‬ ‫حتقيقه للمعجم ب�ضبط الن�ص ومل يول‬ ‫امل���ادة اجلغرافية ‪-‬م��و���ض��وع املعجم‪� -‬أي‬

‫يضم المعجم بين‬ ‫دفتيه نحو ‪ 5‬آالف شاهد‬ ‫ومقطوعةشعرية‬ ‫تتراوح بين بيت واحد أو‬ ‫قصيدةبكاملهايزيد‬ ‫مجموع أبياتها عن ‪14‬‬ ‫ألف بيت‬

‫اهتمام‪ ،‬كما �أن عمل ف�ستنفلد قد �شابه‬ ‫الكثري من الأخطاء‪ ،‬رغم م�ساعيه اجلادة‬ ‫لتلم�س ال��ق��راءة ال�صحيحة للن�ص‪ ،‬وهي‬ ‫الأخطاء التي مل ينجح �أحد يف ا�ستدراكها‬ ‫يف الطبعات الالحقة‪ ،‬كما يرى ال�سريحي‪.‬‬ ‫وق��ال ال�سريحي �إن��ه ا�ستخدم يف حتقيقه‬ ‫ل���ـ«امل���ادة» اجل��غ��راف��ي��ة �أ���س��ل��وب�� ًا ع�صري ًا‬ ‫يت�ضمن التعريف باملو�ضع وا�سمه احلايل‬ ‫�أو القدمي �إن كان ما يزال معروف ًا به‪ ،‬ويف‬ ‫�أي بلد «دول���ة» ه��و‪ ،‬واملحافظة �أو الوالية‬ ‫التي يتبعها‪ ،‬وموقعه منها �أو م��ن �أ�شهر‬ ‫معلم جغرايف بارز يف املنطقة‪ ،‬وامل�سافة‬


‫ساحة الحوار‬ ‫‪48‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫بينهما‪ ،‬مع �إثبات «�إحداثيات» املوقع على‬ ‫خطوط الطول والعر�ض لي�سهل معرفته‬ ‫ع��ل��ى اخل���رائ���ط احل��دي��ث��ة وع��ل��ى �أر����ض‬ ‫الواقع‪ ،‬مع �إ�ضاءة موجزة عن التطورات‬ ‫التاريخية التي حلقت باملكان منذ وفاة‬ ‫ياقوت ‪�-‬إن وجدت‪.‬‬ ‫ويطمح ال�سريحي �إىل �أن يكون مع الن�سخة‬ ‫املطبوعة «ورقي ًا» من املعجم ن�سخة �أخرى‬ ‫«�إلكرتونية» يظهر فيها الن�ص كما ورد يف‬ ‫املعجم‪ ،‬مع تعريف معا�صر للمكان‪ ،‬وموقعه‬ ‫على اخلريطة‪ ،‬كما هو ال�ش�أن يف املو�سوعات‬ ‫العاملية احلديثة‪.‬‬ ‫دع��ن��ا ن��ب��د�أ ب��ال��ت�����س��ا�ؤل ع��ن ���س��ر اخ��ت��ي��ار‬ ‫معجم البلدان للتحقيق من بني م�ؤلفات‬ ‫ياقوت احلموي؟‬ ‫يعجب امل���رء ل��ل��ع��دد ال��ك��ب�ير م��ن م���ؤل��ف��ات‬ ‫ي��اق��وت‪ ،‬ال��ت��ي تت�سم بالطابع املو�سوعي‪،‬‬ ‫ومنها‪« :‬معجم البلدان» و«معجم ال�شعراء»‬ ‫و«م��ع��ج��م الأدب����اء»‪ .‬و�أ���ش��ه��ر ه��ذه املعاجم‬ ‫غنى يف مادته العلمية هو «معجم‬ ‫و�أكرثها ً‬ ‫البلدان» الذي قال عنه امل�ست�شرق الفرن�سي‬ ‫«ك��ارادي ف��و» يف كتابه «مفكرو الإ���س�لام»‪:‬‬ ‫«�إن��ه من امل�ؤلفات التي يحق للإ�سالم �أن‬ ‫يفخر بها كل الفخر»‪ .‬وقال كرات�شكوف�سكي‪:‬‬ ‫«�إن��ه �أو�سع و�أه��م‪ ،‬بل و�أف�ضل م�ص َّنف من‬ ‫نوعه مل�ؤلف عربي للع�صور الو�سيطة»‪.‬‬

‫مب�����ص�� َّن��ف��ات��ه��ا ال�����ص��رح ال��ه��ائ��ل ل��ل��ح�����ض��ارة‬ ‫العربية الإ�سالمية‪ ،‬ما الذي تراه الفتاً يف‬ ‫�سرية هذا الرجل؟‬ ‫ول��د ي��اق��وت ع��ام ‪575‬هـ‪ ،‬يف ب�لاد ال��روم‬ ‫«الأنا�ضول �أو اليونان»‪ ،‬وتع َّر�ض للأ�سر يف‬ ‫طفولته‪ ،‬وهو يف نحو اخلام�سة من عمره‪،‬‬

‫المستشرق الفرنسي‬ ‫كارادي فو‪ :‬معجم‬ ‫البلدان من المؤلفات‬ ‫ُتقدِّم �شخ�صية ياقوت احلموي الدليل التي يحق لإلسالم أن‬ ‫على �سعة الأفق والعبقرية التي مت َّيزت بها يفخر بها كل الفخر‬ ‫ال�شخ�صيات العلمية العربية‪ ،‬التي �شادت‬

‫م�صدر ال غنى عنه‬ ‫نتيجة للمنهج والنظرة املو�سوعية لياقوت‪ ،‬ا�ستوعب املعجم الكثري من‬ ‫ال��ع��ل��وم وامل��ع��ارف ال�����س��ائ��دة �آن����ذاك‪ ،‬حتى غ��دا مو�سوعة �ضخمة‪ ،‬لي�س يف‬ ‫اجلغرافية فح�سب‪ ،‬بل يف اللغة والأدب والنحو وال�صرف والتاريخ‪ ،‬و�أ�صبح‬ ‫الآن م�صدراً ال غنى عنه يف هذه العلوم‪ ،‬لأن جزءاً كبرياً من امل�صادر التي‬ ‫نقل عنها ي��اق��وت هلكت يف خ�ض ّم امل�صيبة ال��ك�برى التي اجتاحت العامل‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬مم ّثلة يف غزو التتار‪ .‬ولي�س � ّ‬ ‫أدل على ذلك من �أن ع�شرات من‬ ‫دواوي���ن ال�شعر العربي التي ُف��ق��دت‪ ،‬واجت��ه الباحثون يف الوقت احلا�ضر‬ ‫لإعادة جمع ما تبقى منها‪ ،‬كان «معجم البلدان» هو امل�صدر الوحيد لعدد‬ ‫غري قليل من ق�صائد تلك الدواوين‪.‬‬

‫وجلب �إىل بغداد فبيع فيها‪ ،‬وا�شرتاه تاجر‬ ‫ُ‬ ‫من �أهل حماه ي�سكن بغداد‪ ،‬ا�سمه ع�سكر‬ ‫ب��ن �إب��راه��ي��م احل��م��وي‪ ،‬وم���ن ح�سن حظ‬ ‫ياقوت �أن التاجر الذي ا�شرتاه كان ثر ّي ًا‪،‬‬ ‫ومل يكن يحتاج �إليه يف اخلدمة‪ ،‬ف�أدجمه‬ ‫م��ع �أوالده‪ ،‬و�أ���ش��رك��ه معهم يف التعليم‪،‬‬ ‫لي�ستعني ب��ه م�ستقب ًال يف م�سك الدفاتر‬ ‫واحل�����س��اب��ات‪ ،‬ف���أق��ب��ل الفتى على التعليم‬ ‫ب�شغف‪ ،‬ف��ن��ال ق�سط ًا واف����ر ًا م��ن الثقافة‬ ‫والعلوم العربية والإ�سالمية‪ .‬وخدمه احلظ‬ ‫م َّرة �أخرى‪� ،‬إذ ا�صطحبه مواله يف �أ�سفاره‬ ‫ورح�لات��ه التجارية‪ ،‬و�أح��ي��ان�� ًا ك��ان يك ِّلفه‬ ‫بال�سفر مب��ف��رده‪ ،‬وك��ان لهذه ال�سفريات‬ ‫�أب��ل��غ الأث��ر يف ُن�ضج �شخ�صيته‪ ،‬وتو�سيع‬ ‫مداركه وتعزيز ميوله واجتاهاته العلمية‬ ‫واهتماماته اجلغرافية‪.‬‬ ‫ول��ك��ن ك��ي��ف مت��ك��ن ي��اق��وت م��ن اجل��م��ع‬ ‫ب�ين مهنة ال��وراق��ة ك��ت��ج��ارة وب�ين الكتابة‬ ‫واالن�شغال بالت�أليف؟‬ ‫وعندما بلغ احلادية والع�شرين من العمر‪،‬‬ ‫وق��ع��ت بينه وب�ين م���واله ج��ف��وة‪� ،‬أ َّدت �إىل‬ ‫�إب��ع��اده عنه وع��ت��ق��ه‪ .‬ف��ك��ان ح�صوله على‬ ‫حريته نقطة حت�� ُّول مه َّمة يف حياته‪ .‬فبد�أ‬ ‫ب�شق طريقه بنف�سه للح�صول على م�صدر‬ ‫رزقه‪ .‬ولأنه مل تكن لديه معرفة بغري �أمور‬ ‫التجارة‪ ،‬التي اكت�سب خربتها مع م��واله‪،‬‬ ‫ولأن���ه ال ميتلك ر�أ����س امل���ال ال�ل�ازم لهذه‬ ‫امله َّمة‪ ،‬فقد امتهن حرفة «الوراقة»‪ ،‬يتاجر‬ ‫ويتك�سب بن�سخها‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫بالكتب‬ ‫َّ‬ ‫م��ن ق�� َّل��ة امل���ردود امل���ادي ل��ه��ذه احل��رف��ة �إالَّ‬ ‫�أن عائدها املعريف عليه ك��ان كبري ًا‪ .‬فقد‬ ‫ح�صل م��ن خاللها على م��ع��ارف وا�سعة‪،‬‬ ‫ح َّببت �إليه العلم‪ ،‬وع�� َّززت �صلته بالعلماء‬ ‫وحم ِّبي الكتب‪ .‬وبعد فرتة من الزمن يبدو‬ ‫�أن مواله ال�سابق َر َّق حلاله‪ ،‬فمنحه بع�ض‬ ‫امل��ال و���س��فَّ��ره يف جت��ارة �إىل ج��زي��رة قي�س‬ ‫«كي�ش» يف اخلليج العربي غري بعيدة عن‬ ‫م�ضيق هرمز‪ ،‬ع��اد منها راب��ح�� ًا‪ .‬ومل��ا عاد‬ ‫كان مواله قد تويف‪ ،‬ف�أعطى ورثته من الربح‬ ‫ما �أر�ضاهم به‪ ،‬وبقيت يف يده منه بقية‪،‬‬


‫ال�رسيحي خالل ت�سلمه جائزة التحقيق يف جوائز ابن بطوطة ‪ -‬دورة قطر‬

‫اتخذها ر�أ�س مال لتجارته‪ .‬وكان قد تع َّلق‬ ‫بالكتب‪ ،‬فاتخذها جتارة له‪ ،‬يتنقَّل بها بني‬ ‫خمتلف احلوا�ضر الإ�سالمية‪ ،‬حام ًال الكتب‬ ‫منها و�إليها‪.‬‬ ‫كانت �أخ�صب ف�ترة علمية يف حياته‪ ،‬هي‬ ‫التي �أم�ضاها يف الرتحال‪ ،‬وا�ستم َّرت زهاء‬ ‫‪ 16‬ع��ام�� ًا‪ ،‬حتى وف��ات��ه‪ ،‬مل تتخللها �سوى‬ ‫فرتات ق�صرية من اال�ستقرار‪ ،‬زار خاللها‬ ‫ت�بري��ز وامل��و���ص��ل‪ ،‬يف ط��ري��ق��ه �إىل م�صر‬ ‫وال�شام‪ .‬وبعد ثالثة �أعوام عاد �إىل دم�شق‬ ‫وتوجه منها �إىل حلب ف�إربل ف�أُرمية فتربيز‪،‬‬ ‫ومنها �إىل ���ش��رق �إي����ران‪ .‬و�أم�����ض��ى عامني‬ ‫بني�سابور‪ ،‬ثم غادرها �إىل هراة و�سرخ�س‪،‬‬ ‫�إىل �أن بلغ مدينة م��رو ال��ك�برى‪ ،‬وتعرف‬ ‫�أي�ضا بـ«مرو ال�شاهجان»‪ ،‬حا�ضرة �إقليم‬ ‫خرا�سان‪« ،‬يف جنوب جمهورية تركمان�ستان‬ ‫حالي ًا» و�أم�ضى بـ«مرو» ثالثة �أعوام‪ ،‬متنق ًال‬

‫بني مكتباتها ال�شهرية‪ .‬وهناك كانت وقفته‬ ‫الأهم مع الت�أليف‪.‬‬ ‫املو�صل كانت حمطة مهمة يف حياته‪،‬‬ ‫وكذلك فل�سطني وم�صر‪ ،‬فكيف كان ذلك؟‬ ‫ك���ان ي��اق��وت وق���ت وج����وده يف م���رو يعتزم‬ ‫زي����ارة خ����وارزم وب��ل��خ‪ ،‬ع��ن��دم��ا ب��ل��غ��ه خرب‬ ‫خ��روج امل��غ��ول ال��ع��ام ‪616‬هـ‪ ،‬وا�ستيالئهم‬ ‫على بخارى و�سمرقند‪ ،‬فهرب �إىل‬ ‫خرا�سان‪ ،‬تارك ًا وراءه بع�ض‬

‫كراتشكوفسكي‪:‬‬ ‫معجم البلدان أوسع‬ ‫وأهم بل وأفضل‬ ‫مصنَّف من نوعه‬ ‫لمؤلف عربي للعصور‬ ‫الوسيطة‬

‫مادته العلمية ور�أ���س ماله‪ .‬وم َّر يف طريق‬ ‫ع��ودت��ه ب��ال��ري وق��زوي��ن وت�بري��ز‪� ،‬إىل �أن‬ ‫بلغ املو�صل‪ ،‬فدخلها فقري ًا معدم ًا‪َّ ،‬‬ ‫وحل‬ ‫فيها على الوزير والأدي��ب علي بن يو�سف‬ ‫القفطي «املتوفى �سنة ‪646‬هـ»‪ ،‬الذي مت َّكن‬ ‫بف�ضل م�ساعدته من اال�ستمرار يف العمل‬ ‫يف «معجم البلدان»‪ ،‬حيث �أ َّمت ت�سويده عام‬ ‫‪621‬هـ‪ ،‬و�أه��دى خمطوطاته البن القفطي‬ ‫اعرتاف ًا بف�ضله‪ .‬ويف العام ‪624‬هـ‬ ‫رح��ل م��رة �أخ��رى �إىل فل�سطني‬ ‫وم�صر‪ ،‬ث��م رج��ع �إىل حلب‪،‬‬ ‫وظ�� َّل خ�لال ه��ذه امل��دة يعمل‬ ‫يف تنقيح وت��ه��ذي��ب املعجم‪،‬‬ ‫ثم عزم على تبيي�ضه‪ ،‬ابتداء‬ ‫م���ن ‪ 21‬حم���رم ‪625‬هـ ول��ك��ن‬ ‫ال��وف��اة عاجلته يف ‪ 20‬رم�ضان‬ ‫‪626‬هـ ق��ب��ل �أن ي��ت��م االن��ت��ه��اء من‬


‫ساحة الحوار‬ ‫‪50‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫تنقيح املعجم‪ ،‬ومل يتجاوز اخلم�سني من‬ ‫عمره‪ ،‬و�أو�صى بوقف مكتبته لأحد امل�ساجد‬ ‫ببغداد‪ ،‬و�أوكل مهمة تنفيذ و�صيته ل�صديقه‬ ‫امل�ؤرخ امل�شهور ابن الأثري‪.‬‬

‫ريادة �أم متيز؟‬

‫ما الذي يجعل من معجم البلدان كتاباً‬ ‫ب��ه��ذه الأه��م��ي��ة‪ ،‬ه��ل ه��ي جم��رد ال��ري��ادة �أم‬ ‫�أن هناك مميزات مو�ضوعية �أخرى �ضمها‬ ‫املعجم؟‬ ‫يعترب «معجم ال��ب��ل��دان» ب�لا م��ن��ازع‪� ،‬أو�سع‬ ‫املعامل اجلغرافية العربية و�أ�شملها‪ ،‬و�أكرثها‬ ‫دقة و�أ�صالة‪ ،‬وكل ما جاء بعده كان تكرار ًا‬ ‫واجرتار ًا‪� ،‬أو اخت�صار ًا للمواد ال�سابقة‪ .‬وال‬ ‫ن�ستطيع �أن نويف هذا املعجم حقَّه يف هذه‬ ‫العجالة‪ ،‬ولبيان �أهميته ي�ستح�سن �أن نعر�ض‬ ‫–ب�إيجاز‪ -‬للرتاث اجلغرايف العربي قبل‬ ‫ياقوت‪ ،‬فقد َم َّر الت�أليف يف الرتاث اجلغرايف‬ ‫قبله بعدة مراحل �أو «طبقات»‪ :‬الأوىل«طبقة‬ ‫ال��ل��غ��وي�ين و�أه�����ل الأدب»‪ ،‬ك��م��ا ي�سميهم‬ ‫ياقوت‪ ،‬وقد اهتم ه�ؤالء بال�شعر والأخبار‪،‬‬ ‫وحاولوا جمع وتدوين �أخبار و�أ�شعار العرب‬ ‫املتقدمني «يف اجلاهلية والإ�سالم»‪ ،‬و�شرح‬ ‫ما �أُبهم من �ألفاظها ومعانيها‪ ،‬وك��ان من‬ ‫بني اجل��وان��ب التي عنوا ب�شرحها‪ :‬البقاع‬ ‫والأماكن املذكورة يف تلك الأ�شعار‪ ،‬فبع�ضم‬ ‫عاملها معاملة غريها من الألفاظ الواردة‬ ‫يف ال�شعر وعاجلوها معاجلة لغوية و�أدبية‬ ‫ومبنهج لغوي‪ ،‬ومل يهتموا مبا وراء ذلك من‬ ‫اجلوانب اجلغرافية‪ ،‬ولذلك ال يجد الباحث‬

‫جزء كبير من المصادر‬ ‫التي نقل عنها ياقوت‬ ‫خضم‬ ‫هلكت في‬ ‫ّ‬ ‫المصيبة الكبرى‬ ‫التي اجتاحت العالم‬ ‫اإلسالمي ممثّلة في‬ ‫غزو التتار‬ ‫يف تلك امل�صادر �أكرث من كلمة‬ ‫«مو�ضع» لتف�سري تلك الكلمات‪،‬‬ ‫وق��د ي��زي��د �أح��ي��ان�� ًا‪« :‬مو�ضع يف دي��ار بني‬ ‫ف�لان‪ ،‬قبيلة ال�شاعر»‪ .‬الطبقة الثانية‪،‬‬ ‫طبقة امل�شتغلني يف علوم الفلك واجلغرافيا‬ ‫ال��ري��ا���ض��ي��ة‪ ،‬ال��ت��ي ت��زام��ن ظ��ه��وره��م مع‬ ‫ترجمات الكتب الفلكية يف الرتاث الهندي‬ ‫وال��ف��ار���س��ي وال��ي��ون��اين‪ ،‬وخ�صو�صا كتب‬ ‫�أفالطون وفيثاغور�س وبطليمو�س �إىل اللغة‬ ‫العربية ‪ ،‬و�إن�شاء املرا�صد الفلكية يف عهد‬ ‫امل�أمون‪ ،‬وما ترتب عليها من تطور يف هذه‬ ‫العلوم عند العرب‪� .‬أم��ا الطبقة الثالثة‪،‬‬ ‫والرحالة وكتَّاب‬ ‫وهي طبقة اجلغرافيني‬ ‫َّ‬ ‫ال��دواوي��ن وال�سفراء وال��ت��ج��ار‪ ،‬وق��د �ساح‬ ‫ه�ؤالء يف �أرجاء العامل الإ�سالمي‪ ،‬واهتموا‬ ‫بو�صف تلك البلدان و�صف ًا علمي ًا قائم ًا‬ ‫ع��ل��ى اخل�ب�رة وامل�����ش��اه��دة‪ ،‬ف��ع�� َّي��ن��وا ح��دود‬ ‫الأر�ض وتقا�سيم املمالك‪ ،‬وو�صفوا البلدان‬ ‫ومالحمها اخلا�صة‪ ،‬وامل�سالك «الطرق»‬ ‫واجل���ب���ال وال���ب���ح���ار والأن����ه����ار وامل���ع���ادن‬ ‫والآث��ار‪ ،‬و�ضبطوا امل�سافات بني الأم�صار‬ ‫�ضبط ًا دقيق ًا بح�ساب الأميال والفرا�سخ‪،‬‬

‫�شمولية و�إن�صاف‬ ‫مما �أ�صبغ على «معجم ياقوت» �شهرته الوا�سعة‪� ،‬شموليته ومتثيله لوحدة‬ ‫العامل الإ�سالمي �آنذاك‪ ،‬من �أق�صى الأندل�س �إىل حدود ال�صني‪ ،‬قبل تفككها‬ ‫على يد التتار‪ ،‬وقبل �سقوط الأندل�س‪.‬‬ ‫و�أي�ضاً لتحلي ياقوت بالإن�صاف واملو�ضوعية يف حترير مادة املعجم‪ ،‬وحتليه‬ ‫كذلك بروح النقد العلمي‪ ،‬ومقدرته على التمييز بني الغث وال�سمني من‬ ‫الأخبار والروايات املتعلقة مبادة معجمه‪ ،‬في�صحح خط�أ ما تبينّ له خط�أه‪،‬‬ ‫�أو ين ّبه على �ش ّكه فيه‪ ،‬وقد يعلن براءته من بع�ض الن�صو�ص التي نقلها‪،‬‬ ‫ولكنه يحر�ص على ذكرها من �أجل ظرافتها‪� ،‬أو من باب �إحراز الفائدة‪.‬‬

‫و�أح�����ص��وا م��ق��ادي��ر اجل��ب��اي��ات‬ ‫وم���ق���ادي���ر اخل�����راج وو���ص��ف��وا‬ ‫�أح����وال ال�����ش��ع��وب والأج��ن��ا���س‬ ‫وع����ادات����ه����م وت���ق���ال���ي���ده���م و‬ ‫جت���ارات���ه���م‪ ،‬وم����ا مي���ت���از ب��ه‬ ‫ك���ل ���ش��ع��ب م���ن اخل�����ص��ائ�����ص‬ ‫النف�سية واالجتماعية‪� ..‬إلخ‪.‬‬ ‫ال��ط��ب��ق��ة ال���راب���ع���ة‪ ،‬ه���ي ط��ب��ق��ة‬ ‫م�صنفي كتب «ال��ف��ت��وح» وم���ؤرخ��ي‬ ‫امل��دن والأق��ال��ي��م‪ ،‬ون�ش�أت ه��ذه املدر�سة‬ ‫�أو الطبقة متزامنة مع الطبقات ال�سابقة‪،‬‬ ‫وعني م�ؤلفو كتب الفتوح بذكر الفتوحات‬ ‫ُ‬ ‫الإ���س�لام��ي��ة ل��ل��م��دن والأق��ال��ي��م اجل��دي��دة‬ ‫ال��ت��ي دخ��ل��ه��ا الإ����س�ل�ام‪ ،‬و���س��رد �أح��داث��ه��ا‬ ‫التاريخية‪ ،‬وق��د ي�صفون م��ع��امل وخطط‬ ‫بع�ض تلك املدن كما �صنع ابن عبد احلكم‬ ‫«امل��ت��وف��ى �سنة ‪257‬هـ» يف ك��ت��اب��ه «ف��ت��وح‬ ‫م�����ص��ر»‪ ،‬ح��ي��ث ت��ط��رق �إىل ذك���ر خطط‬ ‫الف�سطاط واجليزة والإ�سكندرية‪ ،‬و�أحمد‬ ‫بن يحيى البالذري «املتوفى �سنة ‪257‬هـ»‬ ‫يف كتابه «ف��ت��وح ال��ب��ل��دان»‪ ،‬فقد ذك��ر �إىل‬ ‫جانب �أخبار الفتوح خطط بع�ض املدن مثل‬ ‫وق�سم‬ ‫مكة والطائف والب�صرة والكوفة‪ّ ،‬‬ ‫�أخ��ب��ار الفتوح على �أ���س��ا���س �إقليمي �أف��اد‬ ‫منه اجلغرافيون بعده‪� .‬أم��ا م�ؤرخو املدن‬ ‫فقد خ�ص�صوا م��ق��دم��ات كتبهم خلطط‬ ‫م��دي��ن��ت��ه��م وم���ا يت�صل ب��ه��ا م��ن ���ض��واح��ي‬ ‫وم��وارد مياه‪� ..‬إلخ‪ ،‬ثم يذكرون بعد ذلك‬ ‫تاريخها وتراجم املربزين من �أهلها‪.‬‬ ‫و�أخري ًا طبقة املحدِّ ثني‪ ،‬وقد �أ�سميت بهذا‬ ‫اال���س��م لأن��ه��م �أنف�سهم م��ن احل��ف��اظ ومن‬ ‫امل�شتغلني بعلم احل��دي��ث‪ ،‬ولأن��ه��م نهجوا‬ ‫يف طريقة ت�أليف كتبهم اجلغرافية منهج‬ ‫املحدِّ ثني الذين �سبقوهم �إىل الت�أليف‪.‬‬ ‫وم�����ا ال������ذي �أ����ض���اف���ت���ه ج���ه���ود ي���اق���وت‬ ‫احلموي �إىل ه�ؤالء؟‬ ‫يتجلى جهد ياقوت‪ ،‬يف جمعه ل�شتات املادة‬ ‫اجلغرافية حتى ع�صره‪� ،‬أي �أنه جمع بني‬ ‫هذه املدار�س واملناهج كلها‪ ،‬ومزج بينها‬ ‫ب�أ�سلوب جميل ولغة راقية‪ ،‬كونه من «�أهل‬


‫الأدب» وم��ن «ال��رح��ال��ة» �أي�����ض�� ًا‪ ،‬و�أ���ض��اف‬ ‫�إل��ي��ه��ا م���ا ا���س��ت��ج��د ل��دي��ه م���ن م��ع��ل��وم��ات‬ ‫اك��ت�����س��ب��ه��ا م���ن خ�ل�ال رح�ل�ات���ه وجت��ارب��ه‬ ‫ال�شخ�صية‪ ،‬واط�لاع��ه الوا�سع‪ ،‬وم��ا نقله‬ ‫من �أفواه العلماء والرواة والتجار والكتّاب‬ ‫الذين التقاهم يف �أ�سفاره‪ .‬وعر�ض كذلك‬ ‫خ�لا���ص��ة �أب���ح���اث ون��ظ��ري��ات اجل��غ��راف��ي��ا‬ ‫امل���ع���روف���ة �آن������ذاك ب�����ص��وره��ا امل��خ��ت��ل��ف��ة‪،‬‬ ‫«اجل��غ��راف��ي��ة ال��ط��ب��ي��ع��ي��ة» و«اجل��غ��راف��ي��ة‬ ‫ال��ف��ل��ك��ي��ة �أو ال��ري��ا���ض��ي��ة» و«اجل��غ��راف��ي��ة‬ ‫الو�صفية» ‪� ..‬إلخ‪.‬‬ ‫م��ن امل��ف��ي��د ع��ر���ض ب��ع�����ض امل��ع��ل��وم��ات �أو‬ ‫البيانات الإح�صائية عن «معجم البلدان»‬ ‫لإعطاء فكرة عنه ولبيان �أهميته؟‬ ‫يقع املعجم يف الطبعة الأورب���ي���ة‪ ،‬حتقيق‬ ‫ف��ردي��ن��ان��د ف�ستنفلد‪ ،‬يف ‪� 3864‬صفحة‪،‬‬ ‫ويحتوي على ‪ 15038‬مادة جغرافية‪ ،‬يرتاوح‬ ‫حجم املادة الواحدة منها بني ب�ضعة �أ�سطر‬ ‫وم��ا يزيد على ‪� 20‬صفحة‪ ،‬ح�سب �أهمية‬ ‫املادة‪ ،‬وما يتوفر لديه من معلومات عنها‪،‬‬ ‫وهي مرتّبة على احل��روف الهجائية‪ ،‬حيث‬ ‫ق�سم ياقوت املعجم �إىل ‪ 28‬كتاب ًا‪ ،‬على عدد‬ ‫ّ‬ ‫حروف املعجم‪ ،‬وق�سم كل كتاب «حرف» �إىل‬ ‫‪ 28‬باب ًا‪ ،‬ورتب مواد املعجم داخل كل باب‬ ‫ترتي ًبا �ألفبائي ًا على ترتيب حروف الكلمة‪،‬‬ ‫احلرف الأول ثم الذي يليه ثم الذي يليه‪...‬‬ ‫�إل��خ‪ ،‬كما هو احل��ال يف املعاجم احلديثة‪،‬‬ ‫و�ص ّدره مبقدمة موجزة للتعريف باملعجم‬ ‫ومبنهجه فيه‪ ،‬وذك��ر فيها دواع��ي وبواعث‬ ‫ت���أل��ي��ف��ه‪ ،‬و�أخ����رى مف�صلة ت��ق��ع يف خم�سة‬ ‫�أب��واب‪ ،‬عر�ض فيها �آراء و�أق��وال املتقدمني‬ ‫عن الأر�ض‪ :‬هيئتها و�أقاليمها وم�ساحتها‪...‬‬ ‫�إلخ‪ ،‬و�أورد بعد ذلك ثبت ًا بامل�صطلحات التي‬ ‫يتكرر ذك��ره��ا يف املعجم‪ ،‬كامل�صطلحات‬ ‫اخلا�صة بالتق�سيمات اجلغرافية والإداري��ة‬ ‫للبلدان مثل‪« :‬الإقليم وامل��خ�لاف والكورة‬ ‫والر�ستاق‪ ،»..‬وكذلك امل�صطلحات اخلا�صة‬ ‫بامل�سافات كالفر�سخ والربيد وامليل‪�..‬إلخ‪.‬‬ ‫كذلك ي�ضم املعجم بني دفتيه نحو خم�سة‬ ‫�آالف ���ش��اه��د وم��ق��ط��وع��ة ���ش��ع��ري��ة‪ ،‬ت�ت�راوح‬

‫بني بيت واح��د �أو ق�صيدة بكاملها‪ ،‬يزيد‬ ‫جمموع �أبياتها عن �أربعة ع�شر �ألف بيت‪.‬‬ ‫وقد جتاوز عدد الأع�لام «�أ�سماء الرجال‬ ‫والن�ساء» يف املعجم ‪� 12‬أل��ف َع َلم‪ ،‬ترجم‬ ‫لعدد كبري منهم‪.‬‬

‫مو�سوعة ولي�س جمرد معجم‬

‫وم����اذا ع���ن امل��ن��ه��ج ال����ذي ات��ب��ع��ه ي��اق��وت‬ ‫احلموي يف معجمه؟ ‬ ‫�ضبط احلموي �أعالم اجلغرافية «بالت�شكيل‬ ‫واحل��روف» لبيان نطقها ال�صحيح‪ ،‬جت ّنب ًا‬ ‫للخط�أ عند نطقها �أو كتابتها‪ ،‬مثال ذلك‪:‬‬ ‫« َاخْ ِ�س ْي َكثُ » بالفتح ثم ال�سكون وك�سر ال�سني‬ ‫املهملة وياء �ساكنة وكاف وثاء مثلثة‪.‬‬ ‫ث���م ق����ام ب��ت��ف�����س�ير ت��ل��ك الأع���ل���ام‪ ،‬وب��ي��ان‬ ‫ا�شتقاقها اللغوي‪ ،‬وتو�ضيح من�ش�أ الت�سمية‬ ‫و�أ���ص��ل��ه��ا‪ ،‬م��ع حت��دي��د م��وق��ع امل���ك���ان‪� ،‬إم��ا‬ ‫بالإقليم‪� ،‬أو مبا جاوره من الأماكن والأنهار‬ ‫والبحار املعروفة وامل�شهورة‪ ،‬وبيان طوله‬ ‫وعر�ضه‪ ،‬وحتديد الربج الذي يقع حتته‪.‬‬

‫يحتوي المعجم على‬ ‫أكثر من ‪ 15‬ألف مادة‬ ‫جغرافية يتراوح حجم‬ ‫المادة الواحدة منها‬ ‫بين بضعة أسطر وما‬ ‫يزيد على ‪ 20‬صفحة‬

‫و�أورد ملحة موجزة عن البلد وم��ن بناها‪،‬‬ ‫وت���اري���خ ف��ت��ح��ه��ا‪ ،‬وذك����ر �أب�����رز الأح�����داث‬ ‫والتطورات التاريخية التي م�� ّرت بها حتى‬ ‫ع�صره‪ ،‬مع التطرق �إىل خططها و�آثارها‪.‬‬ ‫وق��د تفرد ياقوت بذكر ع��دد من احل��وادث‬ ‫التاريخية التي وقعت يف ع�صره ومل تذكرها‬ ‫امل�صادر التاريخية الأخرى‪.‬‬ ‫كما �أنه ذكر املن�سوبني �إىل البلد من العلماء‬ ‫والأدب�����اء‪ ،‬وت��واري��خ والدت��ه��م‪ ،‬ووف��ي��ات��ه��م‪،‬‬ ‫وم�ؤلفاتهم «�إن كانت لهم م�ؤلفات»‪ .‬وذكر‬ ‫ما ورد عنه من الآيات القر�آنية والأحاديث‬ ‫ال��ن��ب��وي��ة‪ ،‬وم���ا ق��ي��ل ف��ي��ه م��ن ح��ك��م و�أم��ث��ال‬ ‫و�أ�شعار‪ ،‬وال يبخل علينا ياقوت بذكر ما‬ ‫قيل يف البلد �أو املدينة من م��دح �أو ذم‪،‬‬ ‫�شعر ًا ونرث ًا‪ ،‬وقد يقت�صر ذلك �أحيانا على‬ ‫الأقاليم واحلوا�ضر الكربى التي �أف��ردت‬ ‫لها م�صنفات‪.‬‬ ‫ث���م �أن����ه ع��ر���ض م���ا ي�� َّت�����س��م ب���ه ال��ب��ل��د من‬ ‫خ�صائ�ص نف�سية واجتماعيه‪ ،‬و�إثنولوجية‬ ‫«علم الأعراق والف�صائل الب�شرية»‪ ،‬وعادات‬ ‫وتقاليد‪� ..‬إلخ‪.‬‬ ‫ه���ل م���ن م����آخ���ذ مي��ك��ن احل���دي���ث عنها‬ ‫يف ه��ذا املنهج �أو يف م��ا �أورده احل��م��وي يف‬ ‫معجمه؟‬ ‫قد يقع ياقوت يف بع�ض الهنات يف النقل‪،‬‬ ‫وبخا�صة فيما يتعلق مب��دح �أو ذم بع�ض‬ ‫ال�شعوب والأق��وام �أو البلدان‪ ،‬كما وقع منه‬ ‫– على �سبيل املثال ‪ -‬يف مادة‪« :‬الأهواز»‬ ‫ع��ن اب��ن الفقيه ال��ه��م��ذاين‪ ،‬وم��ا نقله عن‬ ‫ابن حوقل يف مادتي «بربر» و«بلرم» من ذم‬ ‫ل�شعوبها و�سكانها ي�أباه الإ�سالم‪ ،‬ومل يعلق‬ ‫على ه��ذه الن�صو�ص‪ ،‬والبع�ض الآخ��ر من‬ ‫الهنات الي�سرية التي وقع فيها متعلق بالنقل‬ ‫ع��ن علماء اللغة املتقدمني يف «التكلف»‬ ‫ال�شتقاق �أ�صل عربي لأ�سماء بع�ض املدن‬ ‫وال��ب��ل��دات ذات الأ���ص��ل «غ�ير ال��ع��رب��ي»‪� ،‬أو‬ ‫ن�سبتها �إىل �شخ�ص بعينه مثل «دم�شق»‬ ‫و«دوم������ة اجل���ن���دل» و«ال�������روم» و«ال���ره���ا»‬ ‫و«م�صر» وغريها‪ ،‬ومعظمها كان م�صدره‬ ‫الأ�صمعي وابن الكلبي‪.‬‬


‫ساحة الحوار‬ ‫‪52‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫معظم مصادر‬ ‫المعجم كانت في‬ ‫دواعي �إعادة التحقيق‬ ‫ال�������س����ؤال الآن‪ ،‬م���ا ال����ذي ي���دع���وك �إىل وقت تحقيق فستنفلد‬ ‫حتقيق املعجم‪� ،‬أمل يتم حتقيقه من قبل؟ لها ماتزال مخطوطة‬ ‫ط��ب��ع امل��ع��ج��م ل��ل��م��رة الأوىل يف ليبت�سك وأخطاء نساخها كثيرة‬ ‫«‪ »Leipzig‬ب���أمل��ان��ي��ا بتحقيق امل�ست�شرق‬ ‫ه�ن�ري ف��ردي��ن��ان��د ف�ستنفلد‬ ‫‪« Ferdinand Wüstenfeld‬املتوفى �سنة‬ ‫‪1317‬هـ ‪1899/‬م»‪ ،‬وتقع ه��ذه الطبعة يف‬ ‫�أرب��ع��ة جم��ل��دات ك��ب��ار‪ ،‬وامل��ج��ل��د اخلام�س‬ ‫للمالحظات والفهار�س الفنية‪ ،‬ظهر املجلد‬ ‫الأول م��ن��ه ���س��ن��ة ‪1866‬م‪ ،‬والأخ��ي�ر �سنة‬ ‫‪1873‬م‪ ،‬وا�ستغرق يف حتقيقه ‪� 12‬سنة‪ ،‬بذل‬ ‫خاللها جهد ًا خارق ًا يف حتقيق املعجم‪� ،‬إذ‬ ‫اعتمد يف التحقيق على معظم خمطوطات‬ ‫املعجم املعروفة يف مكتبات �أورب��ا �آن��ذاك‪،‬‬ ‫وم���ن���ه���ا‪ :‬خم���ط���وط���ات ب���رل�ي�ن ال���ث�ل�اث‪،‬‬ ‫وخمطوطة رابعة فيها اجلزء الرابع فقط‬ ‫من حرف «ق‪-‬ي»‪ ،‬وخمطوطة بطر�س برج‪،‬‬ ‫وخمطوطة باري�س‪ ،‬والقطع املتوفرة من‬ ‫خمطوطات املعجم يف املتحف الربيطاين‪،‬‬ ‫وخمطوطة �أوك�سفور‬

‫‪Heinrich‬‬

‫«ي��ن��ق�����ص��ه��ا امل��ج��ل��د‬ ‫وي������ب������د�أ‬ ‫الأول‪،‬‬ ‫ال���ث���اين مب�����ادة‪� :‬أوار»‪.‬‬ ‫وجت�شم ع��ن��اء الرحلة �إىل‬ ‫ت��ل��ك امل��ك��ت��ب��ات بنف�سه ملقابلة‬ ‫«ال��ن�����س��خ��ة» �أو «ال��ن�����س��خ» ال��ت��ي متتلكها‬ ‫بالن�سخة ال��ت��ي ا�ستن�سخها لنف�سه‪ ،‬لأن‬ ‫الت�صوير الفوتوغرايف مل يكن متوفر ًا يف‬ ‫ذلك الوقت‪.‬‬ ‫ولكن اقت�صر ف�ستنفلد يف حتقيقه للمعجم‬ ‫على العناية ب�ضبط الن�ص على طريقة‬ ‫امل�����س��ت�����ش��رق�ين يف ذل���ك احل��ي�ن‪ ،‬ومل ي��ول‬ ‫العناية باملادة اجلغرافية «مو�ضوع املعجم»‬ ‫�أي اه��ت��م��ام‪ .‬ولأن معظم م�صادر ياقوت‬ ‫كانت �آن��ذاك ما تزال خمطوطة‪ ،‬فقد جل�أ‬ ‫ف�ستنفلد �إىل اال�ستعانة بجهود امل�ست�شرقني‬ ‫املعا�صرين ل��ه ال��ذي��ن يعرف �أن‬ ‫لديهم �أح��د امل�����ص��ادر التي‬ ‫ن���ق���ل ع��ن��ه��ا ي���اق���وت‬ ‫مل��ق��ارن��ة ال��ن��ق��ول‬ ‫عنها و�ضبطها‬

‫وفقا لتلك الن�سخة‪ ،‬وخ�صو�ص ًا ما‬ ‫يتعلق منها ب��الأع�لام اجلغرافية‬ ‫�أو ال�شواهد ال�شعرية‪ ،‬وذكر يف‬ ‫مقدمة التحقيق �أن��ه وق��ف على‬ ‫جل دواوين ال�شعراء الذين �أكرث‬ ‫ياقوت من اال�ست�شهاد ب�شعرهم‬ ‫ما ع��دا دي��وان متيم بن �أُب��ي بن‬ ‫مقبل‪.‬‬ ‫وظلت طبعة ف�ستنفلد هي الأ�سا�س‬ ‫ل��ك��ل ال��ط��ب��ع��ات ال�ل�اح���ق���ة‪ ،‬يف م�صر‬ ‫وبعد ذلك يف ب�يروت‪ ،‬حيث تولت طباعته‬ ‫دار �صادر بني عامي ‪1957 – 1955‬م يف‬ ‫خم�سة جملدات‪ ،‬وادعى النا�شر يف مقدمة‬ ‫الن�شر‪� :‬أن���ه عهد بت�صحيح ال��ك��ت��اب �إىل‬ ‫«حم��ق��ق�ين» م��ن �أب��ن��اء ال�����ض��اد‪ ،‬معروفني‬ ‫بتدقيقهم و���س��ع��ة م��ع��ارف��ه��م «ومل يذكر‬ ‫�أ�سماءهم»‪ .‬واملت�أمل يف هذه الطبعة يجد‬ ‫�أنها ك�سالفتها ‪-‬يف م�صر‪ -‬مل ت�أت بجديد‪،‬‬ ‫با�ستثناء زي��ادة بع�ض عالمات الرتقيم‪،‬‬ ‫�أو التنبيه على اخللل «الإق��واء بخا�صة» يف‬ ‫قوايف بع�ض الق�صائد التي �أوردها ياقوت‪.‬‬ ‫وتلك الت�صحيحات القليلة – يف الطبعتني‬ ‫مل ت�أت نتيجة الرجوع �إىل امل�صادر التي‬‫نقل عنها ياقوت‪ ،‬بل تعتمد على االجتهاد‬ ‫ال�شخ�صي وعلى الذائقة الأدب��ي��ة‪ ،‬ولذلك‬ ‫قد يقوم امل�صحح بت�صحيح اخلط�أ املوجود‬ ‫يف الن�ص بخط�أ �آخ��ر‪ ،‬وقد ي�ستبدل كلمة‬ ‫�صحيحة ب�أخرى خاطئة‪ .‬وتناقلت بعد ذلك‬ ‫دور الن�شر املختلفة ه��ذا الطبعة «طبعة‬ ‫دار �صادر» �إما بالت�صوير «بالأوف�ست» �أو‬ ‫ب�إعادة ال�صف‪.‬‬ ‫وعلى الرغم مما بذله ف�ستنفلد من جهد‬ ‫ووقت يف حتقيق معجم البلدان‪ ،‬وم�ساعيه‬ ‫اجلادة لتلم�س القراءة ال�صحيحة للن�ص‪،‬‬ ‫فقد �شاب تلك الطبعة الكثري من الأخطاء‪.‬‬ ‫ه�لا ح��دث��ت��ن��ا ع��ن ه���ذه الأخ���ط���اء‪� ،‬أو‬ ‫بع�ضها؟‬ ‫من ناحية التحقيق ومنهجه‪ ،‬مل تكن قد‬ ‫تر�سخت �آن���ذاك مناهج وق��واع��د مرعية‬ ‫وم��ت��ف��ق ع��ل��ي��ه��ا يف حت��ق��ي��ق ال��ن�����ص��و���ص‬


‫ون�شرها‪ ،‬وقد اجتهد يف �إخراج الن�ص كما‬ ‫هو الآن‪ ،‬وقد كان عمله ملبي ًا حلاجة ذلك‬ ‫الع�صر‪ ،‬ولكنه بعيد عن التحقيق العلمي‬ ‫امل��ت��ع��ارف عليه يف وقتنا احل��ا���ض��ر‪ ،‬قال‬ ‫كرات�شكوف�سكي‪« :‬وهذه الطبعة و�إن وقفت‬ ‫على م�ستوى ع��ال بالن�سبة حلاجة ذلك‬ ‫الع�صر �إ ّال �أنها ال ت�ستويف متاما املطالب‬ ‫العلمية بالن�سبة ملا يجب �أن يكون عليه‬ ‫ن�شر الن�صو�ص وحتقيقها»‪.‬‬ ‫من جهة �أخرى حلق الت�صحيف والتحريف‬ ‫بالكثري م��ن �أل��ف��اظ امل��ع��ج��م‪ ،‬وللمحقق‬ ‫ع��ذره يف ذل��ك‪ ،‬ويرجع ذل��ك �إىل �سببني‬ ‫الأول يرجع �إىل طبيعة مادة املعجم التي‬ ‫تت�سم بغلبة الأ�سماء الغريبة ذات الأ�صل‬ ‫الأعجمي‪�« :‬أ�سماء الأماكن والأ�شخا�ص‬ ‫وامل�صطلحات وامل��واد‪�..‬إل��خ» ف���إذا مل يكن‬ ‫امل���ؤل��ف �أو املحقق �أو النا�سخ على علم‬ ‫بها‪ ،‬ولديه م�صادر �أخ��رى ذك َر ْت َها‪ ،‬ف�إنه‬ ‫ال ي�ستطيع االجتهاد يف فهمها وت�صويبها‬ ‫لأن��ه��ا ال تخ�ضع للتعليل وال للقيا�س‪ ،‬وال‬ ‫ميكن فهمها من �سياق الن�ص‪ ،‬وي�ستوي‬ ‫يف ذلك �أي�ضا �أ�سماء املوا�ضع «العربية»‬ ‫التي ا�ستقاها ياقوت عن امل�صادر الأدبية‬ ‫امل��ب��ك��رة‪« :‬امل��ع��اج��م ودواوي�����ن ال�����ش��ع��راء‬ ‫و�شروحها» فقد كانت هذه امل��ادة ع�صية‬ ‫على القراءة والفهم على امل�ؤلف نف�سه‪،‬‬ ‫فقد �شكا يف مقدمة املعجم من كرثة ما‬ ‫اعرتاها من التحريف والت�صحيف على‬ ‫يد الن�ساخ‪ ،‬قال‪�« :‬أما الطبقة الأوىل ـــ �أي‬ ‫طبقة �أه��ل الأدب ـــ ف�أ�سماء الأم��اك��ن يف‬ ‫م�صحفة مغرية‪ ،‬ويف حيز العدم‬ ‫كتبهم‬ ‫َّ‬ ‫م�صيرّ ة‪ ،‬قد م�سخها من ن�سخها»‪ .‬وكان‬ ‫ي��اق��وت ‪ -‬قبلها – ق��د ق���ال ع��ن��د ذك��ر‬ ‫�أ�سباب وبواعث ت�أليف املعجم‪« :‬ثم‬ ‫ق َّلما ر�أي��ت الكتب املتقنة اخلط‪،‬‬ ‫املحتاطة لها بال�ضبط والنقط‪،‬‬ ‫�إ ّال و�أ�سماء البقاع فيها مهملة �أو‬ ‫حمرفة‪ ،‬وع��ن حمجة ال�صواب‬ ‫منعطفة �أو منحرفة‪ ،‬قد �أهمله‬ ‫كاتبه جهال‪ ،‬و�ص ّوره عن التوهم‬ ‫نقال»‪.‬‬

‫تجاوز عدد األعالم من‬ ‫الرجال والنساء في‬ ‫علَم‬ ‫المعجم ‪ 12‬ألف َ‬ ‫ترجم الحموي لعدد‬ ‫كبير منهم‬

‫هو؟ فتعريفات ياقوت للموا�ضع والبلدان‬ ‫مل تعد تنا�سب ع�صرنا‪ .‬فمعظم ما ورد يف‬ ‫املعجم من ت�سميات لبلدان ترد �إما من�سوبة‬ ‫�إىل القبيلة �أو �إىل الإقليم‪ .‬وعندما يعتمد‬ ‫الباحثون املعا�صرون على التعريف بتلك‬ ‫ال�����س��ب��ب ال��ث��اين ه��و �أن م��ع��ظ��م م�����ص��ادر امل��وا���ض��ع كما وردت يف معجم البلدان‪،‬‬ ‫م��ع��ج��م ال��ب��ل��دان ك��ان��ت يف ذل���ك احل�ين ف�إنهم �إمنا يعرفون جمهو ًال مبجهول‪.‬‬ ‫«الن�صف الثاين من القرن التا�سع ع�شر»‬ ‫وكيف خططت لتفادي تلك الأخطاء يف‬ ‫ماتزال خمطوطة‪ ،‬و�إن وجدت بع�ض تلك‬ ‫امل��خ��ط��وط��ات ف���أخ��ط��اء ن�ساخها ك��ث�يرة‪ ،‬حتقيقك للمعجم؟‬ ‫والبحث يف بع�ضها الآخر غري ي�سري نظر ًا اعتمدت �أ�سلوب ًا ع�صري ًا يف حتقيقي للمادة‬ ‫ملنهج ت�أليفها وتبويبها �إن كانت ماتزال اجلغرافية للمعجم‪ ،‬حيث �أذكر يف احلوا�شي‬ ‫خمطوطة‪ ،‬مثل‪« :‬تهذيب اللغة» للأزهري‪ ،‬نبذة موجزة عن «املو�ضع»‪ ،‬وا�سمه احلايل‬ ‫و«الإك��م��ال» الب��ن م��اك��وال‪ ،‬وهما من �أب��رز �أو القدمي �إن كان ما يزال معروف ًا به‪ ،‬ويف‬ ‫م�صادر ياقوت‪ ،‬ولهذا ي�صبح من الع�سري �أي بلد «دول��ة» ه��و‪ ،‬واملحافظة �أو الوالية‬ ‫ت�صحيح �أخطاء ن�ساخ معجم البلدان من التي يتبعها‪ ،‬وموقعه منها �أو من �أ�شهر‬ ‫معلم جغرايف ب��ارز يف املنطقة‪ ،‬وامل�سافة‬ ‫غري الرجوع �إىل تلك امل�صادر‪.‬‬ ‫ي�ضاف �إىل ذلك �أن ف�ستنفلد غري عربي‪ ،‬بينهما‪ ،‬مع �إثبات «�إحداثيات» املوقع على‬ ‫ومهما بلغ «امل�ست�شرق» �أو «امل�ستعرب» من خطوط الطول والعر�ض لي�سهل معرفته‬ ‫التمكن يف �إج��ادة اللغة العربية ف�إنه لن على اخلرائط احلديثة وعلى �أر�ض الواقع‪،‬‬ ‫يكون كمن ُول��د ون�ش�أ يف البالد العربية‪ ،‬مع �إ�ضاءة موجزة عن التطورات التاريخية‬ ‫ولهذا كانت تلتوي عليه بع�ض العبارات التي حلقت باملكان منذ وفاة ياقوت ‪�-‬إن‬ ‫وجدت‪.‬‬ ‫واجلمل‪.‬‬ ‫وم��ن دواع���ي حتقيق املعجم �أي�����ض�� ًا‪� ،‬أن��ه ونطمح �إىل �أن يكون مع الن�سخة املطبوعة‬ ‫بطبعاته احلالية‪ -‬غري مفيد للباحثني «ورق�����ي����� ًا» م����ن امل���ع���ج���م ن�����س��خ��ة �أخ����رى‬‫واملحققني وط�لاب العلم على الإط�لاق «�إل��ك�ترون��ي��ة» يظهر فيها الن�ص كما ورد‬ ‫من غري حتقيق علمي حديث‪ ،‬يركز على يف املعجم‪ ،‬مع تعريفنا املعا�صر للمكان‪،‬‬ ‫حتقيق ت��ل��ك امل��وا���ض��ع وال��ب��ل��دان وامل���دن وموقعه على اخلريطة‪ ،‬كما هو ال�ش�أن يف‬ ‫ال���واردة يف العجم و ُي��ع�� ّرف بكل مو�ضع‪ :‬املو�سوعات العاملية احلديثة‪.‬‬ ‫هل اندثر �أو ما يزال باقي ًا؟ وهل ما يزال ي�ضاف �إىل �أ�سباب حتقيقي للمعجم ظهور‬ ‫معروف ًا با�سمه �أو �أن��ه ق��د تغري و�أ�صبح جمموعة من الدرا�سات العلمية احلديثة‬ ‫يعرف با�سم �آخر؟ و�أين موقعه الآن على التي تتناول بالدر�س والتحقيق ب��ل��د ًا �أو‬ ‫وجه الدِّ قة؟ ويف �أي بلد‪ /‬دولة �إقليم ًا بعينة مما ورد يف معجم البلدان‬ ‫م��ن امل�����ص��ادر احلديثة ال��ت��ي ُي��ط��م���أن �إىل‬ ‫ت�صحيحات م�ؤلفيها ملا ورد يف املعجم من‬ ‫من هنّات المعجم‬ ‫�أخ��ط��اء �أو ت�صحيف �أو حت��ري��ف‪ ،‬كونهم‬ ‫�أعرف ببلدانهم ومب�صادرها‪ .‬و�ستعزز هذه‬ ‫اليسيرة التكلف‬ ‫الدرا�سات وامل�صادر احلديثة – بالإ�ضافة‬ ‫الشتقاق أصل عربي‬ ‫�إىل ما ُن�شر «حمقق ًا» من امل�صادر التي‬ ‫ألسماء بعض المدن‬ ‫اعتمد عليها ي��اق��وت ‪ -‬م��ن فر�ص جناح‬ ‫والبلدات ذات األصل‬ ‫حتقيق معجم البلدان‬

‫غير العربي‬


‫‪54‬‬

‫بدائع الزهور‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫ُ‬ ‫ع ْمرٌ‬ ‫مع‬ ‫الليالي‬

‫جمال الغيطاين‬

‫بالت�أكيد ثمة �صلة وثيقة بني ن�ش�أتي يف القاهرة القدمية و�ألف ليلة‪ ،‬لي�س ب�سبب‬ ‫طباعتها يف املكتبات املحيطة بالأزهر‪ ،‬خا�صة مكتبة ومطبعة حممد �صبيح التي‬ ‫تخ�ص�صت يف طبع الليايل منذ بداية القرن الع�شرين‪ ،‬طبعة على احلجر مزودة‬ ‫ب�صور تو�ضيحية ر�سمها فنان م�صري جمهول‪ ،‬كانت هذه الطبعة تقع يف �أربعة‬ ‫جملدات‪� ،‬إنها الطبعة نف�سها التي ا�ستهدفها بالغ �أح��د امل�صريني ال��ذي قدم‬ ‫�إىل �شرطة الآداب عام �ستة وثمانني باعتبار الليايل عم ًال فاح�ش ًا يت�ساوى مع‬ ‫امل�ؤ�س�سات والأعمال الفا�ضحة التي تقع يف اخت�صا�ص �شرطة الآداب‪ ،‬وقدر يل‬ ‫�أن �أخ�ص�ص ال�صفحة الأدبية بجريدة «الأخبار» التي كنت م�شرف ًا عليها وقتئذ‪،‬‬ ‫للدفاع عن الليايل حتت عنوان «دفاع ًا عن �شهرزاد»‪ ،‬وانتهت املحاكمة �أمام‬ ‫حمكمة اال�ستئناف التي �أ�صدرت حكم ًا تاريخيا �ضد امل�صادرة و�ضد كل من يعترب‬ ‫�ألف ليلة وليلة عم ًال �إباحي ًا‪.‬‬ ‫ثمة �صلة بني القاهرة القدمية والليايل‪ ،‬يف درب الطبالوي‪ ،‬احلارة العتيقة التي‬ ‫كان يوجد بها ق�صر امل�سافرخانة الأثري والذي احرتق عام �سبعة وت�سعني‪ ،‬تكاد‬ ‫تكون القاهرة القدمية هي الرتجمة املكانية املوازية لأحداث الليايل‪ ،‬ويف تقديري‬ ‫�أن بغداد املذكورة لي�ست �إال القاهرة‪ ،‬ولكنه ا�ستح�ضار ملكان بعيد يرتبط مبجد‬ ‫احل�ضارة العربية الإ�سالمية وله موقع خا�ص يف اخليال ال�شعبي امل�صري ومنه‬ ‫جاء لفظ «البغددة» املعرب عن الرفاهية والعز املبالغ فيهما‪ ،‬املكان يف الليايل‬ ‫هو القاهرة حتى و�إن �أطلق عليه بغداد‪ ،‬لقد ن�ش�أت وتفتح وعيي على واجهات‬ ‫البيوت القدمية ومقرن�صات امل�ساجد وامل ��آذن ال�سامقة والقباب‪ ،‬وعربت تلك‬ ‫النواحي املثقلة بالعتاقة‪ ،‬ور�أيت الوجوه التي حتيط مب�سجد موالنا و�سيدنا احل�سني‬ ‫املركز الروحي مل�صر‪ ،‬والأزهر امل�سجد واجلامعة‪ ،‬املركز العلمي والديني للعامل‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬يف املقاهي القاهرية العتيقة قبل اخرتاع الراديو كان الرواة يق�صون‬ ‫على امل�ستمعني الليايل �شفاهة مع املو�سيقى ال�صادرة عن الربابة‪ .‬كان ال�شعراء‬ ‫الرواة يق�صون على النا�س املالحم الكربى‪ ،‬عنرتة بن �شداد‪ ،‬الظاهر بيرب�س‬ ‫والأمرية ذات الهمة‪� ،‬سيف بن ذي يزن‪ ،‬والهاللية‪ ،‬وهي امللحمة الوحيدة الباقية‬ ‫حتى الآن �شفاهة وتن�شد كاملة يف جنوب م�صر‪ ،‬كانت الليايل من الن�صو�ص التي‬ ‫يحر�ص القاهريون على اال�ستماع �إليها يف القاهرة التي تخ�ص�صت فيها‪ .‬فلكل‬ ‫مقهى ملحمة تروى فيه‪ ،‬من هنا عرفت بع�ض املقاهي ب�أ�سماء املالحم ويتك�سبون‬ ‫من العي�ش بها‪ ،‬وكان و�ضع ه�ؤالء الرواة يف املجتمع متدني ًا‪ ،‬رمبا يف�سر لنا ذلك‬ ‫و�ضع الليايل يف نظر النا�س‪ ،‬خا�صة املثقفني‪ ،‬كان الأدب ال�شعبي خارج ال�سياق‪،‬‬ ‫الأديب اجلدير باالحرتام هو من يكتب بالف�صحى‪ ،‬وين�شد ال�شعر بالف�صحى‪ ،‬ويف‬ ‫القرن التا�سع ع�شر ظهرت املطبعة‪ ،‬وبد�أت الن�صو�ص ال�شفهية تتحول �إىل ن�صو�ص‬ ‫مكتوبة‪ ،‬مطبوعة‪ ،‬لكنها ظهرت بدون م�ؤلف معروف‪ ،‬مل تن�سب �إىل كاتب بعينه‪،‬‬ ‫�أي لقيطة بدون ن�سب‪ ،‬وللن�سب يف الثقافة العربية �ش�أن عظيم‪ ،‬لذلك ظلت النظرة‬ ‫�إليها دونية‪ .‬بل �أ�صبح بع�ضها ‪-‬مثل الليايل‪ -‬من الن�صو�ص املحرمة‪ ،‬تقر�أ يف‬ ‫البيوت �سر ًا‪� ،‬صحيح �أنها حمرمة خا�صة يف الطبقة الو�سطى‪ ،‬ولكنها موجودة �أي�ض ًا‬ ‫يف نف�س الوقت‪ ،‬لأن الليايل مبدعة خارج ال�سياق الر�سمي فقد عربت عن امل�سكوت‬ ‫عنه يف الأدب الر�سمي املعتمد‪ ،‬ال �أق�صد بذلك اجلن�س‪ ،‬فجميع الن�صو�ص الأدبية‬


‫بدائع الزهور‬ ‫العربية لكبار املبدعني حتوي من معاجلة �أمور اجلن�س ما ال يجر ؤ�‬ ‫عبت عن العقل‬ ‫�أديب عربي على الإقدام عليه الآن‪ ،‬ولكن الليايل رّ‬ ‫اجلمعي املكبوت �سواء فيما يتعلق بر�ؤية الكون‪� ،‬أو الوجود‪ ،‬ولأن‬ ‫الراوي غري معروف‪ ،‬فقد حتققت يف الليايل حرية ق�صوى‪ ،‬فمن‬ ‫ميكن حما�سبته هنا؟‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كان تعريف �إىل الليايل حدثا هاما يف حياتي‪ ،‬فقد قر�أتها و�أنا دون‬ ‫العا�شرة‪ ،‬كانت البكارة يف القراءة تدفعني �إىل معاي�شة ما �أقر�أ‬ ‫ولي�س االطالع عليه فقط‪ ،‬لذلك كنت �أكاد �أمل�س �شهرزاد و�أختها‬ ‫دنيازاد‪ ،‬و�أكاد ا�شهق مع طريان الرخ وال�سندباد متعلق به‪ ،‬كانت‬ ‫قراءة الده�شة واالكت�شاف لعوامل �سحرية غري قائمة يف الواقع‬ ‫لكنها جت�سد واقع ًا موازي ًا يتداخل مع القائم بالفعل فتت�سع الآفاق‬ ‫وينطلق اخليال ويتجدد با�ستمرار‪.‬‬ ‫ُقدمت �ألف ليلة عرب و�سائط �أخرى‪� ،‬أهمها كانت جملة ت�صدر عن‬ ‫دار املعارف‪ ،‬ا�سمها �سندباد‪ ،‬وكانت تتخذ �أحد ا�شهر الأ�سماء من‬ ‫الليايل‪ ،‬ال�سندباد‪ ،‬الرحالة‪ ،‬خمرتق الآفاق‪ ،‬كان يكتب ال�سيناريو‬ ‫امل�صاحب للر�سوم حممد �سعيد العريان‪� ،‬أما الفنان الذي ج�سد‬ ‫الليايل بري�شته فكان «بيكار» وهو �أحد �أكرب الفنانني امل�صريني يف‬ ‫القرن الع�شرين‪ ،‬ال يرد ا�سم ال�سندباد على ذاكرتي �أو �سمعي �إال‬ ‫ويتج�سد عرب ري�شة بيكار كما ر�أيته طف ًال‪ ،‬وال يرد ا�سم �شهرزاد‬ ‫�إال و�أ�صغي �إىل �صوت الفنانة «زوزو نبيل» التي كانت ت�ؤدي دور‬ ‫�شهرزاد يف امل�سل�سل الإذاعي ال�شهري �ألف ليلة وليلة‪ ،‬والذي ب ّثته‬ ‫الإذاع��ة امل�صرية يف اخلم�سينيات خالل �شهر رم�ضان‪ ،‬وكتبه‬ ‫ال�شاعر والأدي��ب طاهر �أبوفا�شا‪ ،‬وكانت املقدمة املو�سيقية من‬ ‫املتتالية ال�شهرية للمو�سيقار الرو�سي ري�سكي كور�ساكوف‪.‬‬ ‫لقد ج��رى حت��ول يف املوقف من �أل��ف ليلة منذ الثالثينيات يف‬ ‫القرن الع�شرين‪ ،‬عندما �أقدم الدكتور طه ح�سني‪� ،‬أحد �أعظم‬ ‫املثقفني امل�صريني‪ ،‬على ت�شجيع تلميذته �سهري القلماوي على‬ ‫�إعداد ر�سالتها لنيل درجة الدكتوراه حول الليايل‪ ،‬وكانت الر�سالة‬ ‫الرائدة �أول مثول �أكادميي رفيع امل�ستوى لألف ليلة يف اجلامعة‬ ‫امل�صرية‪ ،‬وبرغم ذلك ظلت ر�ؤي��ة املثقفني لها ‪-‬يف تقديري‪-‬‬ ‫متدنية‪ ،‬مل يعتربها معظمهم عم ًال جلي ًال‪� ،‬شاخم ًا‪ ،‬معرب ًا عن‬ ‫روح �إن�سانية عميقة‪ ،‬ور�ؤية كونية منطلقة من خ�صو�صية �إ�سالمية‬ ‫م�ستوعبة لرتاث ال�شرق كله‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تعددت قراءاتي لألف ليلة‪ ،‬ويف كل مرة �أكت�شف جديدا‪ ،‬يت�ضح يل‬ ‫عمق وم�ستوى مل �أكن �أعرفه‪ ،‬لقد و�ضعت �أمامي الليايل باعتبارها‬ ‫الن�ص الذي يجب �أن �أحاول جتاوزه‪ ،‬ورغم �إدراكي ا�ستحالة ذلك‪،‬‬ ‫�إال �أنني بعد �أكرث من ن�صف قرن من الكتابة‪ ،‬مل �أتراجع عن هذا‬ ‫الطموح‪ ،‬لعل وع�سى‪� ،‬أما القراءة واكت�شاف امل�ستويات املتعددة‬

‫اخلفية داخل الن�ص فما تزال متعددة‪ ،‬م�ستمرة‪ ،‬ما ا�ستوقفني‬ ‫خالل الت�أمل عالقة الليايل بالفن العربي الإ�سالمي‪ ،‬وقد ف�صلت‬ ‫ذلك يف ت�أملي لل�صلة بني الن�ص وفن الزخرفة «الأرابي�سك»‬ ‫وكذلك تخطيط املدن‪ ،‬يف ر�أيي �أن املرجعية هنا قدمية‪ ،‬ترجع‬ ‫�إىل خ�صو�صية الر�ؤية ال�شرقية �إىل الوجود والكون‪ ،‬خا�صة فيما‬ ‫يتعلق بال�صلة بني اجلزء والكل‪ ،‬هذه الر�ؤية تتج�سد يف القر�آن‬ ‫الكرمي الذي �أ�صبح الن�ص املرجعي لكافة الإبداعات يف الع�صور‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬كل �آية ميكن قراءتها بذاتها‪ ،‬و�إذ تت�صل ببع�ضها‬ ‫تتكون ال�سورة‪ ،‬ومن جمموع ال�سور يتكون القر�آن‪ ،‬هذه الر�ؤية‬ ‫جندها يف الزخرفة‪ ،‬يف العمارة‪ ،‬يف الن�صو�ص الأدبية الكربى‪،‬‬ ‫ومنها الليايل‪ ،‬الليايل التي تتواىل فيها احلكايات واحدة وراء‬ ‫الأخرى للتعلق باحلياة‪ ،‬احلكي هو احلياة‪ ،‬والتوقف عنه يعني‬ ‫امل��وت‪ ،‬الفناء‪ ،‬لي�ست احلياة �إال حكي ًا م�ستمر ًا‪ ،‬بتوقفه يكف‬ ‫التدفق ومتتنع احلياة‪.‬‬ ‫تعلقي بالليايل دفعني �إىل خدمة الكتاب‪ ،‬خا�صة يف ال�سنوات‬ ‫الأربعني الأخرية منذ ال�سبعينيات التي �شهدت �صعود ًا للتطرف‬ ‫الديني املعادي للإبداع والثقافة عموم ًا‪ ،‬و�أي�ض ًا تزايد الت�أثري‬ ‫غي منظور التعامل مع الرتاث العربي وح ّد من‬ ‫الوهابي الذي رّ‬ ‫انت�شار امل�صادر الكربى للفل�سفة الإ�سالمية والت�صوف والن�صو�ص‬ ‫الأدبية‪ ،‬ومنها الليايل‪.‬‬ ‫يف منت�صف الت�سعينيات طبعت بالت�صوير طبعة «كلكتا»‪ ،‬وكان‬ ‫القراء املعنيون ي�سمعون عنها ومل يروها‪ ،‬وحل�سن احلظ عرثت‬ ‫على ن�سخة �أ�صلية يف دار الكتب امل�صرية‪ ،‬وظلت طبعة بوالق غري‬ ‫متاحة �إال ملن لديه الإمكانات املادية‪ ،‬وكان قراري عندما ا�ست�أنفت‬ ‫الإ�شراف على �سل�سلة «الذخائر» التي �أ�س�ستها يف الت�سعينيات‬ ‫وت�صدر عن الهيئة امل�صرية العامة لق�صور الثقافة التابعة لوزارة‬ ‫الثقافة‪� ،‬إ�صدار طبعة منها بالت�صوير حتى ال تتحول الليايل‬ ‫�إىل �أثر خفي‪ ،‬ولتظل فاعلة يف حياتنا الثقافية‪� ،‬إن ال�ضجة التي‬ ‫�أثارها بع�ض املتطرفني‪ ،‬املعادين للثقافة حول الليايل لن ترهبني‬ ‫يف الدفاع عن �أحد �أهم الإبداعات الإن�سانية‪ ،‬و�أكرر مرة �أخرى‬ ‫�إن �أبلغ �إ�ساءة �إىل ديننا الإ�سالمي هي الهجوم على الن�صو�ص‬ ‫الثقافية والأدبية با�سم الدين‪.‬‬ ‫�إن خدمة الف ليلة وليلة والن�صو�ص الأدبية الكربى التي باتت الآن‬ ‫حمجوبة ب�سبب ت�صاعد الت�شدد واملذاهب الداعية �إىل االنغالق‬ ‫والتي جلبت على الإ�سالم وامل�سلمني �أبلغ الأ�ضرار‪ ،‬خدمة هذه‬ ‫الن�صو�ص و�إتاحتها واجب ثقايف و�إن�ساين‪ ،‬لي�ست �ألف ليلة �إال‬ ‫جتلي ًا للإبداع العربي‪ ،‬ولعل ال�صلة بني الليايل والفنون الأخرى‬ ‫�أبلغ دليل على ذلك‪ ،‬وهذا ما �أتوقف عنده‬


‫المرآة‬ ‫اآلفاق‬ ‫ارتيادفي‬ ‫وجه‬ ‫‪56‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬


‫مل ي�شاركه �أحد يف لونه «ال�شهابي» اخلا�ص‬

‫حمد بن خليفة أبو شهاب‬ ‫أحد شعراء العربية الفحول‬ ‫د‪ .‬حممد عبد الهادي‬ ‫يف �إمارة عجمان‪� ،‬إحدى �إمارات دولة الإمارات العربية املتحدة‪ ،‬ويف الثالثينيات من القرن املا�ضي‬ ‫ولد حمد بن خليفة �أبو�شهاب‪ .‬تع ّلم يف كتاتيب عجمان ثم التحق باملدر�سة املحمدية‪ .‬وقد �أحب‬ ‫ال�شعر مبكراً وكتبه يف �سن التا�سعة وظل حمافظاً على الق�صيدة العمودية طوال عمره يف �شعره‬ ‫الف�صيح و«النبطي»‪ .‬يف اخلم�سينيات من القرن الع�شرين تنقل للعمل ما بني جزيرة �سقطرة يف‬ ‫بحر العرب والكويت وال�سعودية والبحرين وعاد �إىل عجمان‪ ،‬ثم ارحتل منها ب�شدوه و�شجوه يف‬ ‫منت�صف ال�ستينيات �إىل دبي وفيها �ألقى ع�صا ت�سياره وقر على ثراها قراره‪.‬‬

‫وتقف الظروف احلياتية حائال دون متكنه‬ ‫م��ن موا�صلة التعليم‪ ،‬وك ��أمن��ا تعلن ل��ه عن‬ ‫�ضرورة االعتماد على النف�س يف بناء الثقافة‬ ‫ال�شخ�صية‪ ،‬فيدخل غ�م��ار احل �ي��اة ج�ه��اد ًا‬ ‫وحتدي ًا‪ ،‬زادُه عزم قوي‪ ،‬وعقل متفتح متوهج‪،‬‬ ‫وق��در م��ن املعرفة ي�سري‪ ،‬ول�ك��ن اال�ستعداد‬ ‫والعزمية يدفعان به لتحطيم كل العقبات‪،‬‬ ‫فيكون لنف�سه ك�سب ًا معرفيا بجهده الذاتي‪،‬‬ ‫يتطلع على كتب ال�ت�راث‪ ،‬ينهل م��ن معينها‬ ‫ال�صايف ال��ذي ال ين�ضب‪ ،‬مما �أك�سبه ثقافة‬ ‫انعك�ست �إيجاب ًا على نتاجه الأدب��ي‪ ،‬كيف ال‬ ‫وقد نهل من معني كتاب اهلل الذي وعى لفظه‬ ‫ومعناه‪ ،‬واطلع على �سنة ر�سول اهلل �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم‪ ،‬ذلك الهدى الذي ال يحيد من اطلع‬ ‫عليه عن جادة ال�صواب‪ .‬وق��ر�أ كتب التاريخ‬ ‫والأدب‪ ،‬وتراث �أمته الإ�سالمية وغريها من‬ ‫الأمم‪ ،‬و�أحاط بلغته العربية‪ .‬فجاءت �ألفاظه‬

‫جزلة وا�ضحة‪ ،‬ومعانيه رفيعة راقية‪ ،‬ولغته‬ ‫�سليمة �سل�سة‪ ،‬ال جتد يف لغته عيب ًا من عيوب‬ ‫الكالم تنفر منه الأذهان الرا�شدة ال�صافية‪.‬‬

‫�أحد �شعراء العربية الفحول‬

‫ب�ل��غ �أب ��و ��ش�ه��اب م�ك��ان��ة رف�ي�ع��ة ب�ين �شعراء‬ ‫الإمارات‪ ،‬حيث يقف يف �صفوف �أهل املقدمة‬ ‫�سواء بني ال�سابقني واملعا�صرين‪ ،‬ويوحي لك‬ ‫�شعره �أنك �أمام �أحد �شعراء العربية الفحول‪،‬‬

‫أحب الشعر مبكر ًا‬ ‫وكتبه في سن‬ ‫التاسعة وظل‬ ‫محافظ ًا على‬ ‫القصيدة العمودية‬ ‫طوال عمره في شعره‬ ‫الفصيح والنبطي‬

‫تدرك يف �شعره اعتزاز ح�سان بن ثابت بدينه‬ ‫وعقيدته‪ ،‬وعزة �أبي العالء املعري بنف�سه‪،‬‬ ‫وو�صف البحرتي‪ .‬كما كان له اللون ال�شهابي‬ ‫اخل��ا���ص ال��ذي ال ي�شاركه فيه �أح��د‪ ،‬تغزّل‬ ‫ّ‬ ‫فعف وو�صف ف�أجاد‪ ،‬وامتدح فوفى‪ ،‬ون�صح‬ ‫ف��أر��ش��د‪ ،‬وانت�صر لأم�ت��ه الإ�سالمية فكان‬ ‫�شاعر العربية امل�سلمة بال منازع‪.‬‬

‫توثيق تراث ال�شعر ال�شعب ي‬ ‫اهتم �شاعرنا بتوثيق الرتاث الإماراتي من‬ ‫ال�شعر ال�شعبي‪ ،‬وت��اري��خ دول��ة الإم� ��ارات‪،‬‬ ‫والأدب يف املنطقة‪ ،‬كما �أ�شرف على �إ�صدار‬ ‫ع��دد كبري من ال��دواوي��ن ل�شعراء النبط يف‬ ‫الإم� ��ارات‪ .‬ول�ق��د ت��رب��ع على ر�أ� ��س م�ساحة‬ ‫رحبة من العمل العام يف دول��ة الإم��ارات‪،‬‬ ‫فهو وزير مفو�ض بوزارة خارجيتها‪ ،‬وع�ضو‬ ‫جل �ن��ة ال �ت�راث وال��ت��اري��خ‪ ،‬وم��دي��ر �أ��س�ب��ق‬


‫وجه في المرآة‬ ‫‪58‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫ندوة حول توثيق تراث �أبو �شهاب‬

‫ملكتب وزارة الإع �ل�ام ب��ال���ش��ارق��ة‪ ،‬وح��از الثالث‪ ،‬عام ‪.1988‬‬ ‫املالمح ال�شخ�صية‬ ‫على �شخ�صية العام الثقافية لعام ‪ .1989‬ديوان ال�شيخ حممد بن را�شد املكتوم‪ ،‬عام الثقة بالنف�س‬

‫و�أول من قدم برامج ال�شعر ال�شعبي عرب‬ ‫�شا�شة الكويت املرئية من دبي عام ‪.1971‬‬ ‫و�أول من ن�شر ال�شعر ال�شعبي بال�صحافة‬ ‫الإماراتية حيث �أ�شرف على �صفحة ال�شعر‬ ‫يف جريدة البيان‪ .‬وكانت وفاته يف جنيف يف‬ ‫‪.19/8/2002‬‬

‫�أعماله املن�شورة‬

‫�أ�صدر يف حياته ع��دة �أع�م��ال‪ ،‬بلغ عددها‬ ‫خم�سة ع�شر عم ًال‪ ،‬بني درا�سة وتوثيق وبني‬ ‫ن�صو�ص �شعرية يف الف�صحى وال�شعبي‪،‬‬ ‫وهي‪:‬‬ ‫ديوان �سلطان بن علي العوي�س‪ ،‬عام ‪.1978‬‬ ‫دي��وان تراثنا «من ال�شعر ال�شعبي» اجلزء‬ ‫الأول والثاين‪ ،‬عامي ‪ 1980‬و‪.1981‬‬ ‫دي� � ��وان رب� �ي ��ع ب ��ن ي� ��اق� ��وت‪ ،‬ع� ��ام ‪1983‬‬ ‫و«املجموعة الكاملة» عام ‪1988‬‬ ‫ديوان �شاعرات من الإمارات‪ ،‬عام ‪.1984‬‬ ‫كتاب املاجدي بن ظاهر – حياته و�آث��اره‪،‬‬ ‫عام ‪.1984‬‬ ‫دي��وان �سلطان بن عبد اهلل العوي�س‪ ،‬عام‬ ‫‪.1986‬‬ ‫ديوان حممد بن علي الكو�س‪ ،‬عام ‪.1987‬‬ ‫دي��وان حمد ب��ن عبد اهلل العوي�س اجل��زء‬

‫‪.1989‬‬ ‫ديوان �أريج ال�سمر‪ ،‬عام ‪.1989‬‬ ‫ديوان فتاة العرب‪ ،‬عام ‪.1991‬‬ ‫دي� ��وان ��ص��اح��ب ال���س�م��و ال���ش�ي��خ زاي ��د بن‬ ‫�سلطان �آل نهيان‪ ،‬عام ‪.1991‬‬ ‫دي��وان ق�صائد مهداة �إىل �صاحب ال�سمو‬ ‫رئي�س الدولة‪ ،‬عام ‪.1995‬‬ ‫ن�سائم املحبة‪ ،‬عام ‪.1996‬‬ ‫وقفات مع تاريخ دولة الإمارات‪ ،‬عام ‪.1997‬‬ ‫ك�م��ا �أن ل��ه �أع� �م ��ا ًال مل ت�ط�ب��ع ب �ع��د‪ ،‬منها‬ ‫«�إطاللة على تاريخ الإمارات»‪« ،‬تراثنا من‬ ‫ال�شعر ال�شعبي ‪-‬اجل��زء الثالث»‪« ،‬ال�سرية‬ ‫الذاتية»‪ ،‬وجمموعة من �أ�شعاره الف�صحى‬ ‫والنبطية‪.‬‬ ‫هنا حماولة ال�ستجالء املالمح ال�شخ�صية‬ ‫والفنية التي ميتاز بها �شاعرنا والتي تبدو‬ ‫جلية من خالل لغته ومفرداته ال�شعرية‪.‬‬

‫كان لن�ش�أته الع�صامية واعتماده على نف�سه‬ ‫برعاية �أ�سرته �أث��ر كبري يف حتقيقه لذاته‬ ‫م��ن خ�ل�ال ذل ��ك‪ ،‬وح��ر� �ص��ه ع�ل��ى الإط�ل�اع‬ ‫وال�ق��راءة حتى حقق �إجن��از ًا معرفي ًا خارج‬ ‫�إطار امل�ؤ�س�سات الأكادميية‪ ،‬كما �أن �إحاطته‬ ‫بالتاريخ والأن�ساب‪ ،‬وما متتع به من ح�سن‬ ‫منطق وحافظة متقدة جعل له احلظوة لدى‬ ‫احلكام وعلية القوم يجلونه ويقدرونه‪ .‬كل‬ ‫ذلك �صبغ نف�سيته وحياته باالعتزاز الدائم‬ ‫ب��ال��ذات‪ .‬وتطغى �شخ�صيته على مو�ضوع‬ ‫�إبداعه‪ .‬وك�أنك ب�أبي العالء يف تفاخره وعلو‬ ‫الـ «�أن��ا» لديه‪ .‬ومن خالل ا�ستعرا�ض بع�ض‬ ‫ق�صائده يتبني لنا �أنه معتز بنف�سه وال يقبل‬ ‫ال�ضيم‪ ،‬وذلك ملا ُجبل عليه من خالل وطباع‬ ‫حميدة‪ ،‬فهو ال يداهن‪ ،‬وال مي��اري‪ ،‬وي�سعى‬ ‫دوم��ا لإحقاق احلق ال ت�أخذه يف ذلك لومة‬ ‫الئم حيث يقول‪:‬‬

‫وم���ا �أن����ا مم��ن ه��م��ـ��ه م��ن حيـاته‬ ‫في شعره اعتزاز حسان‬ ‫ر����ض���ا ب��اط��ـ��ل م��ه��م��ـ��ا ع��ت��ى وت���أل��ه��ـ��ا‬ ‫بن ثابت بدينه وعقيدته طبيعة نف�س يا رعى اهلل طبعها‬ ‫يراها حمب ال�صدق لل�صدق منتهى‬ ‫وعزة أبي العالء المعري‬

‫بنفسه ووصف البحتري‬ ‫كما كان له اللون‬ ‫الشهابي الخاص الذي‬ ‫ال يشاركه فيه أحد‬

‫وي ��ؤك��د �أن ال�صدق �سمة م��ن �سماته التي‬ ‫حتافظ عليها نف�سه احلرة الأبية‪:‬‬


‫مثلت قضية فلسطين‬ ‫هم ًا رئيسا لدى الشاعر‬ ‫وخاطب القادة العرب‬ ‫في إحدى اجتماعاتهم‬ ‫���س��ت��ظ��ل يف ج���ن���ب���ي ن���ف�������س ح���رة‬ ‫ل���ل�������ص���دق يف ك����ل امل�����واط�����ن �أ����س���ب���ق بقصيدة يستحثهم‬ ‫فيها على اتخاذ القرارات‬ ‫االعتزاز بالإبداع الذاتي‬ ‫الرادعة‬

‫ولد �شاعرنا حمد يف عجمان التي كانت تزخر‬ ‫بال�شعراء وتتلمذ على تلك املدر�سة ال�شعرية‬ ‫وان�ط�ل��ق منها وق��د ح��اف��ظ وال �ت��زم بنظام‬ ‫الق�صيدة العربية الأ�صيلة‪ ،‬فكان �إتباعي ًا يف‬ ‫منهجه ال�شعري‪ ،‬وكر�س جهده لذلك‪ ،‬فتمكن‬ ‫من لغته و�ألفاظه وتراكيبه‪ .‬وبلغ من اعتزازه‬ ‫بنتاجه الأدبي الغزير �إىل �أن يقول‪:‬‬

‫طرقت من ال�شعر �أغرا�ضـا منوعـة‬

‫ويجعل �شعره يف مقام الأقدمني من �شعراء‬ ‫اجلاهلية فر�سان �سوق عكاظ الأدبي‪ ،‬ولكنه‬ ‫جاء مت�أخر ًا‪:‬‬

‫ت��ك��ون م��ن نب�ض ال��ف���ؤاد جمانه‬ ‫ق���ري�������ض ع���ك���اظ���ي ت�����أخ����ر ع�����ص��ره‬

‫��دخ��ـ�لا ‬ ‫ومل �أغ������ادر م���ن الأب�������واب م َ‬ ‫ويعتز ب� ��أن �شعره منتقى وخم �ت��ار بعناية‬ ‫مدحت �أرخت �ساجـلت الذين لهم‬ ‫ال يفوقه يف �سبكه �أحد‪ :‬‬

‫القيم املعنوية كالأخالق التي يعتربها معيار ًا‬ ‫مهم ًا يف انقياده للمحبوبة‪ ،‬خا�صة �إذا كانت‬ ‫ذات ح�سن وجمال‪:‬‬

‫�إل�������ي�������ك ي�����������ش�����دين ������س�����ر خ���ف���ي‬ ‫ب�����واع�����ث�����ه اجل�������م�������ال ال���ي���ع���ـ���ـ���رب���ي‬ ‫و�أخ���������ل���������اق ي����ن����م����ق����ه����ا ح����ي����اء‬ ‫ك����ن����ب����ت ال��������رو���������ض ب�������اك�������رة ن�����دي‬

‫التوحد بالأمة والنزعة الإ�سالمية‬

‫وبل�سان حال �أهل اخلليج الذين تعاطفوا‬ ‫م��ع الق�ضايا العربية يف ك��ل م�ك��ان يقول‬ ‫�شاعرنا‪:‬‬

‫ال البعد ي�شغلنا حتى ولو بعدت‬ ‫دي�����ارن�����ا ال وال الأه�����������وال ت��ث��ن��ي��ن��ا‬ ‫فنحن ج�سم �إذا ع�ضوا �شكا �أمل لهو‬ ‫ع��ل��م وم���ا ك��ن��ت �إال امل��ت��ق��ـ��ن العمال �أوحى الف�ؤاد �إىل الرياع اجلوهرا ‬ ‫������س�����ه�����رن�����ا ول�����ب�����ي�����ن�����ا م����ن����ادي����ن����ـ����ا‬ ‫فم�ضى ير�صع بالن�ضار الأ�سطرا‬ ‫وق��وة �شعره وروعته جعلته يعتز ويفتخر به‬ ‫ ‬ ‫وي���خ���ط �أروع م���ا ����ش���دا م�ترن��ـ��ـ��م‬ ‫ف�أحيان ًا ي�شبه �شعره بالبدائع الدرية‪:‬‬ ‫وتربز عالقته مع ق�ضايا �أمته بد�أ من منا�صرته‬ ‫غ�����رد و�أج����م����ل م����ا ج���ن���ى وت��خ��ي��ـ��ـ��را‬ ‫لثورة ‪ 23‬يوليو وزعيمها جمال عبد النا�صر‪،‬‬ ‫خذ من بدائع ما تخط يراعتي‬ ‫ً‬ ‫الذي نظم فيه ق�صيدتني �إحداهما مادح ًا �إياه‬ ‫دررا ع���ل���ى ق���م���م امل����ع����اين ت�����ش��رق وع�ن��دم��ا يهنيء �شاعرنا ال�شيخ الدكتور‬ ‫�سلطان بن حممد القا�سمي بح�صوله على‬

‫فيها والأخرى يف رثائه‪ ،‬ومن املدح قوله‪:‬‬

‫الدكتوراه‪ ،‬نراه يحر�ص على جتويد ق�صيدته يا قائد العرب يف �أق�سى معاركها‬ ‫و�أحيانا ي�شبهه باجلواهر املكنونة‪:‬‬ ‫�أنت الزعيم و�أنت ال�ضيغم ال�ضاري‬ ‫ف���إل��ي��ك �أغ��ل��ى م��ا ت�ضم خزانتي‬ ‫وح�سن �سبكها ويقول يف ذلك‪:‬‬ ‫حققت يف �شهر مت��وز لنا �أمــال‬ ‫ع����ق����داً ف���رائ�������ض���ه ت���ف���وق اجل���وه���را ت�أخرت عنك بع�ض الوقت تهنئتي‬ ‫م���ت���وج���ـ���ا ب����أك���ال���ي���ـ���ـ���ل م�����ن ال���غ���ـ���ـ���ار‬ ‫وع���ذره���ا ال�����س��ب��ك ات��ق��ان��ا وحت�سينا‬ ‫بثورة قمت �ضد الظلم فانت�صرت‬ ‫ويرى �أن منظر �شعره وح�سن �سبكه يلهب الغرية حتى �إذا م��ا �أط��ل��ت ق��ال ناظرهـا‬ ‫يف نفو�س اجلواهر لأنه يفوقها ح�سن ًا وجما ًال‪:‬‬ ‫ب���ك ال��ع��روب��ـ��ـ��ـ��ة ب��ع��د ال�����ذل وال���ع���ار‬ ‫يف ل��ف��ظ��ه��ا ال���ف���ذ ح���ي اهلل ���ش��ادي��ه��ا‬ ‫�أزج����ي����ت����ه����ا ل�����ك درة م��ك��ن��ـ��ـ��ون��ة‬ ‫ ‬ ‫وي �� �ش �ي��د ب ��دع ��م ع �ب��د ال �ن��ا� �ص��ر ل �ل �ث��ورة‬ ‫م��ن ح�سن منظرها ي��غ��ار اجل��وه��ر العاطفة امل�شبوبة‬ ‫واحل��ب لدى �شاعرنا نور ي�شع يف الظلماء اجل��زائ��ري��ة‪ ،‬ومواقفه م��ن ال�ث��ورة اليمنية‬ ‫يف ل��ف��ظ��ه��ا ج���ر����س ي��ع��ي��د �إل��ي��ك‬ ‫رائ���ع���ة اب����ن م��ع��ت��وق ب��ل��ح��ن ي�سـكر لينري القلوب ويرفعها �إىل مرتبة عالية والق�ضية الفل�سطينية‪:‬‬ ‫من ال�صفاء والنقاء‪ ،‬ولي�س جمرد لقاءات �آزرت ث��ـ��ورة �شعـب يف ج��زائ��ـ��رن��ا‬ ‫ح���ت���ى حت����ـ����رر م����ن ن���ي���ـ���ر وم�����ن ن���ار‬ ‫وملا له من دراي��ة كبرية بفنون ال�شعر‪ ،‬ف�إن غرامية تنتهي بانتهاء املوعد الأول‪:‬‬ ‫وع��ن��ـ��دم��ا ق����ام ���س��ـ�لال ب��ث��ـ��ورت��ـ��ـ��ه‬ ‫�شعره ال يعيبه عيب عرو�ضي وال ي�ؤخذ عليه احل����ب ل��ي�����س ل����ق����اءات ينظمـها‬ ‫م�أخذ بالغي‪:‬‬ ‫لينقذ ال�شعب م��ن ب���ؤ���س و�أ���ض��رار‬ ‫وع�������د وال ر�����س����م �أف������ك������ار لإغ��������راء‬ ‫ت��ب��ت ي���داه���ا �إن �أخ�����ل بح�سنـها‬ ‫و�ضـد من جز�أوا ظلـما لنا وطنا‬ ‫و�إمن��ا احل��ب ي�سري يف جوانحنا‬ ‫وزن ي�����ض��ـ��ي��ق ب����ه الأدي����������ب ال��ن�ير‬ ‫م����وح����ـ����دا يف دوي�����ل����ات و�أق����ط����ـ����ار‬ ‫ك���ال���ن���ور ����ش���ق ط���ري���ق���ا ب��ي�ن ظ��ل��م��اء‬ ‫�أو ���ش��ان معناها اجل��م��ي��ل تكلف‬ ‫�أف���������روا ف��ل�����س��ط�ين م����ن �أر�����ض����ى‬ ‫يف ال��ن��ط��ق �أو ����ش���ان ال���ب���ي���ان تقعر �أما دواعي احلب لديه ف�إنها عديدة فهو �أ�سري‬ ‫ومن وطني وقدمـوها لأفاكـني �أ�شـرار‬


‫وجه في المرآة‬ ‫‪60‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫وي�ستنجد بعبد النا�صر ليقف مع عمان ويعني‬ ‫بها دول اخلليج العربي‪ ،‬لينقذها مما هي فيه‪:‬‬

‫ال تن�سى �أن عمـاناً ق��د يلـم بها‬ ‫ن��ف�����س امل�������ص���اب وم����ق����ـ����دار مب���ق���دار‬ ‫مدت �إليك يد ال�شكوى لتنقـذها‬ ‫مم����ا ت�ل�اق���ي���ه م����ن ظ���ل���م و�أخ���ط���ـ���ـ���ار‬ ‫فا�ستعجلالأمروانقذمن�أريدبها‬ ‫������ش�����راً ف���ق���د وق����ع����ت يف ك�����ف ج���ب���ار‬

‫ويبلغ �إعجابه بعبد النا�صر حد ًا كبري ًا فيعتربه‬ ‫الأوحد الذي مل يجد الزمان بغريه منذ غياب‬ ‫دولة اخلالفة‪:‬‬

‫منذ اخلالفة مل تنجب عروبتنا‬ ‫ك����ن����ا�����ص����ر م ً‬ ‫�����ث��ل��ا �أع������ل������ى لأح���������رار‬

‫ومي ��وت ع�ب��د ال�ن��ا��ص��ر فيعرب ال���ش��اع��ر عن‬ ‫�أحا�سي�سه و�أحا�سي�س ال�شارع العام يف �أمته‬ ‫حول امل�صاب‪ ،‬ويبدو يف هذه الق�صيدة �أن اجتماعاتهم ق�صيدة ي�ستحثهم فيها على التي يهنئ بها ال�شيخ الدكتور �سلطان بن‬ ‫�إمي��ان��ه ال�ق��وي ويقينه ب��امل��وت ق��د خففا من اتخاذ القرارات الرادعة‪:‬‬ ‫حممد القا�سمي مبنا�سبة ح�صوله على‬ ‫الدكتوراه يف التاريخ �إذ يقول‪:‬‬ ‫يا ق��ادة العرب لو كنتم جمديـنا‬ ‫اندفاعه للحزن و�ساعداه على التجلد‪:‬‬

‫يف القول مل يبق وغ��د يف فل�سطينا فندت ما زيف الأعداء من ق�ص�ص‬ ‫ي���ا �أم�����ة ف��ج��ع��ت ب��ف��ق��د زع��ي��م��ـ��ه��ا‬ ‫وق�����وى ال�������ض�ل�ال ل�����س��ل��ب��ه��ا تتجمع ك��ف��ى مب�شكلة الت�شريــد ث��رث��رة‬ ‫ب�����االف��ت��راءات م���ن ت��اري��خ��ن��ا حينـا‬ ‫ف��ق��د جم��ج��ن��ا خ��ط��اب��ـ��ات وت��ل��ح��ي��ـ��ن��ا �إذ رح���ت تبحث يف ت��اري��خ �أمتـنا‬ ‫ن��ف��ذ ال��ق�����ض��اء وال م��ف��ر ل��ك��ـ��ائ��ن‬ ‫ع���ن جم��ده��ا ب��اج��ت��ه��اد مل ي���ؤات��ي��ن��ـ��ا‬ ‫ح�����ي م�����ن امل��������وت ال��������ذي ال ي���دف���ع‬ ‫االرتباط بالتاريخ‬ ‫وكنت قبلك ا�ستق�صي وقائعـها‬ ‫ل���و ك���ان ي��ق��ب��ل ع���ن ج��م��ال ف��دي��ة‬ ‫ل����ف����دت����ه �أم���������ة ي�����ع�����رب والأ�����ض����ل����ـ����ع لقد ك��ان حمد م��ن جيل الثالثينيات من‬ ‫م���ن ال��ث��ق��ات و�أ���س��ت��ج��ل��ي الأزام���ي���ن���ا‬ ‫ً‬

‫القرن املا�ضي الذي كان قريبا من ثقافته‬ ‫ ‬ ‫م��ن جيل املثقفني الأوائ ��ل‪ ،‬ال��ذي��ن اهتموا‬ ‫وي�برز مكانته يف نفو�س النا�س والتي بدت‬ ‫بالتاريخ العربي‪ .‬وقد �ساعدته قراءته يف‬ ‫وا�ضحة بعد وفاته من خالل احلزن العميق‪،‬‬ ‫كتب التاريخ وال�سري على �أن يرتبط بالتاريخ‬ ‫وامل �� �س�يرات احل��زي�ن��ة ال�ت��ي ج��اب��ت ��ش��وارع‬ ‫بعالقة حميمة‪ ،‬ي�ستقر�ؤه وي�ستح�ضره لدي‬ ‫البالد العربية‪:‬‬ ‫كل موقف‪ .‬ونلم�س هذا من خالل ق�صيدته‬

‫ي��ا �أي��ه��ا الإن�����س��ان مل ينـل الأويل‬ ‫م�������ا ن�����ل�����ت م�������ن ح�������ب ب�������ه ت���ت���م���ت���ع‬ ‫إحاطته بالتاريخ‬ ‫جرحت فجيعتك ال�ضمائر كلها‬ ‫حسن‬ ‫ف�����ك������أن�����ه�����ا يف ك�������ل ق�����ل�����ب م���ب�������ض���ع واألنساب مع ُ‬

‫ ‬ ‫منطق وحافظة متقدة‬ ‫ً‬ ‫�دى‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫�ا‬ ‫�‬ ‫س‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫�‬ ‫ئ‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫�‬ ‫ه‬ ‫فل�سطني‬ ‫ق�ضية‬ ‫�ل‬ ‫�‬ ‫ث‬ ‫�‬ ‫مت‬ ‫و‬ ‫جعل له الحظوة لدى‬ ‫ال�شاعر‪ ،‬فيوجه �إىل القادة العرب يف �أحد الحكام وعلية القوم‬ ‫يجلونه ويقدرونه‬

‫ويبدو ا�ستخدامه للت�سجيل التاريخي جلي ًا‬ ‫يف رائعته البائية التي ي��ؤك��د فيها عالقة‬ ‫العروبة بالإ�سالم ثم ينتقل لي�ؤكد ال��دور‬ ‫الذي فعله الإ�سالم ب�إعزاز الأمة العربية‪:‬‬

‫ل����ك����ن م�����ن ي����ت����والن����ا ب��رح��م��ت��ـ��ه‬ ‫مل يرتك احلال فو�ضى �سعيها �شعب‬ ‫و�إمن��������ا اهلل ب����الإ�����س��ل�ام ن��ظ��م��ه��ا‬ ‫�شريعة همها الإ����ص�ل�اح ال ال�سـلب‬

‫ويعقد ح���وار ًا م��ع ��ص�لاح ال��دي��ن ل�ي��ؤك��د به‬ ‫دور الإ� �س�لام يف انت�صار ق�ضايا العروبة‪:‬‬


‫وقوله‪:‬‬

‫�أم���ن �أج���ل ال��ع��روب��ة جئت ت�سعى‬ ‫ل���ت���ن���ق���ذه���ا وحت����ت����م����ل ال�������ص���راع���ـ���ـ���ا‬ ‫�أم ان����ك ج��ئ��ت��ه��ا م���ن �أج�����ل دي��ـ��ن‬ ‫ب���ه ق���د �أح������دث ال���ب���اغ���ي ال�����ص��داع��ا‬ ‫ف����ك����ان ال�������رد م���ن���ه لأج���ـ���ـ���ل رب���ي‬ ‫�أق�����ات�����ل م����ن ع�������ص���اه مب����ن �أط���اع���ـ���ا‬

‫مع الن�سيم العليل الهادئ ال�ساري‬ ‫�أه�������دي ال���ي���ك حت���ي���ات���ي و�أ����ش���ع���اري‬

‫وقوله‪:‬‬

‫ن�سيم احلجا �أوحى �إىل م�سمع النهى‬ ‫ب����دائ����ع مل ت��ل��ه��ج ب����أم���ث���ال���ه���ا ال��ل��ه��ا‬

‫الوفاء للأ�صدقاء‬

‫احلكمة عند ال�شاعر‬

‫�شاعرنا حمد خمل�ص ويف لأ�صحابه يعزهم‬ ‫ويعزونه‪ ،‬ويودهم ويودونه‪ ،‬تتجلى عالقته‬ ‫مع رف��اق احل��رف والكلمة‪ ،‬وزم�لاء ال�شعر‬ ‫والعلم‪ ،‬الذين و�صفهم قائ ًال‪:‬‬

‫ما �أجمل العمر حتدو بي ركائبه‬ ‫كان قريب ًا في ثقافته‬ ‫يف ف����ت����ي����ة ه����م����ه����ا ع����ل����م و�آث����ـ����ـ����ـ����ار من جيل المثقفين‬ ‫األوائل الذين اهتموا‬ ‫وي�صف �أح��د زواره وه��و ال�شاعر حممد بن‬ ‫بالتاريخ العربي‬ ‫طوق جمل�سه بقوله‪:‬‬ ‫وقضايا األمة‬ ‫�أب������ا خ��ل��ي��ف��ة م���ازل���ن���ا ت�لام��ـ��ـ��ـ��ذة‬ ‫ت�����أت����ي ف��ي�����س��ح��رن��ا ن��ث�ر و�أ����ش���ع���ـ���ـ���ار‬

‫املالمح الفنية‬

‫�أب����ي����ت ال���ل���ع���ن �إن احل�����ق ي��ع��ل��وا‬ ‫وال ي����ع����ل����ى ع����ل����ي����ه �إن ا����س���ت���ع���د‬ ‫و�أن ال��ب��اط��ل امل��غ��رور مهما عال‬ ‫ف��ـ��ـ��ـ��ي الأر������ض متك ـي ـ ـنـ ـاً ت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ردّى‬ ‫ويقول‪:‬‬

‫ت���وج���ت �آم�������ال ال���ق���ل���وب ب���وح���دة‬ ‫ك���ي���ف ي������دوم يف ال���دن���ي���ا ���ص�لاح‬ ‫يف ظ���ل���ه���ا ع���ل���م احل���������ض����ارة ي��خ��ف��ق‬ ‫�إذا ف����ق����دت ذوو الأل������ب������اب ر�����ش����داً‬

‫نتناول هنا بع�ض الأغ��را���ض التى تناولها‬ ‫ف�نراه يذهب �إيل �أغ��را���ض امل��دح والو�صف ثم ال ين�سى نائب رئي�س الدولة‪:‬‬ ‫لل�شهم را�شد من قواعد �صرحها‬ ‫واحلكمة‪:‬‬

‫املديح عند ال�شاعر‬

‫وهي غر�ض ال يق�صد ال�شاعر �إليه ق�صد ًا‪،‬‬ ‫لكنه ي��أت��ي م��ع ثنايا ق�صائده يحمل خربة‬ ‫العمر وت�أمل الفكر‪ ،‬وهكذا ت�أتي احلكمة عنده‬ ‫طبيعية غري متكلفة‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫ويقول‪:‬‬

‫فالنا�س بالعلم �أحياء ف�إن خويت‬ ‫رك������ن ع���ل���ي���ه م����ن ال���ن�������ض���ارة رون����ق‬ ‫منه العقول ت�ساوى ال�صخر والب�شر‬

‫لقد �ساعد متكن �شاعرنا على �أن يبدع يف‬ ‫معظم جماالت ال�شعر و�أغرا�ضه‪ ،‬ولذا ف�إنه ثم يذكر باقي �أع�ضاء املجل�س الأعلى و�أولياء‬ ‫ونختتم مقالتنا بالتنويه ب�أن �شاعرنا كان من‬ ‫ن��ادر ًا ما متر منا�سبة من املنا�سبات التي العهود‪:‬‬ ‫حماة اللغة العربية وله ق�صيدة بعنوان لغة‬ ‫مت�س �شعوره �إال ويقول فيها ق�صيدة جميلة‪ ،‬بكما وبالأمراء ثم بنيكما‬ ‫القر�آن‪ ،‬جاء فيها‪:‬‬ ‫ي���ح���ي���ا ال�����ب�����ن�����اء و�أه�������ل�������ه وامل�����وث�����ق‬ ‫تنقل ه��ذا ال�شعور وت�ترج�م��ه‪ .‬ففي ذك��رى‬ ‫ل��غ��ة ال����ق����ر�آن ي���ا ���ش��م�����س ال��ه��دي‬ ‫العيد الوطني للدولة يدفعه حبه لبلده ليقول‪:‬‬ ‫ ‬

‫الطبيعة عند ال�شاعر‬

‫يزهو القري�ض به وي�سمو املنطق‬ ‫ع����ي����د ع����ل����ى ه��������ام ال�����ع��ل��ا ي����ت�����أل����ق �إح�سا�س ال�شاعر املرهف وال�شفافية التي‬

‫حتيط به جعلته قريب ًا من الطبيعة‪ ،‬تهز‬ ‫ويرفع التقدير والعرفان لبناة هذا ال�صرح قلبه ن�سائمها‪ .‬فالن�سيم عنده عبق ي�سري‬ ‫وهم رئي�س الدولة ونائبه و�أع�ضاء املجل�س ايل الف�ؤاد فينع�شه ويغذيه‪ ،‬كما ي�سهم يف‬ ‫بعث الأفكار واخلواطر فيحركها‪:‬‬ ‫الأعلى‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫من الن�سيم �شذا يهن�أ ال��ف���ؤاد به‬ ‫ي��ا زائ���د اخل�ي�رات نهجك وا�ضح‬ ‫ون��ح��ن ع��ل��ى ط��ي��ب��ه �إذ ذاك اله��ي��ن��ا‬ ‫�����ص����اف ك���ن���ب���ع ال���ن���ه���ر �إذ ي��ت��دف��ق‬

‫���ص��ان��ك ال��رح��م��ن م���ن ك��ي��د ال��ع��دى‬ ‫ي����ا وع������اء ال����دي����ن وال���دن���ي���ا م��ع��ا‬ ‫ح�������س���ب���ك ال��������ق��������ر�آن ح���ف���ظ���ا و�أدا‬ ‫ب��������ل�����������������س��������ان ع�����������رب�����������ي ن�����ب�����ع�����ه‬ ‫م�����ا ال������ف������رات ال�����ع�����ذب �أو م�����ا ب���رد‬ ‫ق���ل���م���ا ق���������ادك ����ش���ي���ط���ان ال����ه����وا‬ ‫ل�����ل�����ردى جن������اك ����س���ل���ط���ان ال���ه���دى‬


‫إرهاصة‬ ‫‪62‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫األديب الدبلوماسي‬ ‫منذ �أن مد ذراعه لي�صافحني‪ ،‬ت�أكدت لدي الفكرة التي‬ ‫ك ّونتها عنه من قبل‪� :‬إنه رجل �صالونات من الطراز الرفيع‪،‬‬ ‫ثمة ات�ساق وا�ضح بني لغة ج�سده وما ينطق ل�سانه‪ ،‬ات�ساق‬ ‫بدا يل مدرو�س ًا‪ ،‬غري عفوي‪ ،‬وقفته امل�شدودة يف بذلته‬ ‫الأنيقة‪ ،‬ذراعه املمتدة بح�ساب‪ ،‬كفه التي ت�صافح‪ ،‬كلماته‬ ‫املت�أنية‪ ،‬عيناه من خلف نظارتيه منحتاين �إح�سا�س ًا ب�أن‬ ‫مي�س الروح عندما‬ ‫ثمة من يراقبني‪ ،‬ذلك ال�شعور الذي ّ‬ ‫تدق باب ًا في�أتيك من خلفه ال�صمت‪ ،‬بينما ت�شعر �أن ثمة‬ ‫من يتابع من خلف العني ال�سحرية قبل �أن يقرر �إن كان‬ ‫�سيفتح لك �أم �سي�ستمر يف �صمته‪.‬‬ ‫وليد عالء الدين‬ ‫كان الكاتب الكبري حممد �سلماوي �ضيفي يف حفل توقيع‬ ‫كتابه �ضمن برنامج «تواقيع»‪ ،‬وحتى تلك اللحظة‪ ،‬مل �أكن‬ ‫�أملك ت�صور ًا ذاتي ًا عن �سلماوي القا�ص والكاتب امل�سرحي‪،‬‬ ‫فقد غلبت �صورته ك�صحايف‪ ،‬خا�صة يف حواراته مع الأديب‬ ‫الكبري جنيب حمفوظ‪ ،‬وكرجل ات�صال جماهريي‪ ،‬وهو‬ ‫التخ�ص�ص ال��ذي ح�صل فيه على درج��ة املاج�ستري‪ ،‬على‬ ‫ت�صوري ال�شخ�صي عنه‪ ،‬وهو ما �أف�سد علي‪-‬فيما يبدو‪-‬‬ ‫رغبتي يف قراءة �أي من �أعماله الإبداعية‪ ،‬واكتفيت مبتابعة‬ ‫الأخبار عن م�سريته الن�شيطة �سواء يف املنا�صب الر�سمية‬ ‫كوكيل ل��وزارة الثقافة‪� ،‬أو معاون لوزير الإع�لام‪� ،‬أو رئي�س‬ ‫لتحرير جريدة «الأه��رام �إبدو» ال�صادرة باللغة الفرن�سية‪،‬‬ ‫�أو يف املنا�صب �شبه الر�سمية‪ ،‬ك�أمني ع��ام احت��اد الكتاب‬ ‫والأدباء العرب‪ ،‬ورئي�س احتاد كتاب م�صر‪ ،‬وبرباعته الفائقة‬ ‫يف ح�صد الأو�سمة الأوربية ‪ :‬و�سام التاج امللكي البلجيكي‬ ‫من امللك �ألبري الثاين بدرجة قائد‪ ،‬و�سام اال�ستحقاق من‬ ‫الرئي�س الإيطايل كارلو ت�شامبي بدرجة �ضابط عظيم‪،‬‬ ‫وو�سام الفنون والآداب الفرن�سي بدرجة فار�س‪.‬‬ ‫يف ح���واري م�ع��ه‪ ،‬ك��ان ��س�ل�م��اوي م��ن �ضمن ‪� 20‬ضيف ًا‬ ‫التقيتهم‪ ،‬الأكرث حر�ص ًا على �أن ي�أخذ مني ال�س�ؤال‪ ،‬ثم‬ ‫يقدم الإجابة للجمهور‪ ،‬كان يراقبني بعينيه �إىل �أن �أنتهي‬

‫من طرح �س�ؤايل‪ ،‬ثم يلتفت بكامل انتباهه وهيئته �إىل‬ ‫اجلمهور ليمنحهم الإجابة‪ ،‬معزز ًا �إجابته بلغة اجل�سد‬ ‫ومالمح الوجه ون�برة ال�صوت‪ ،‬ك��ان الأداء هو �أه��م ما‬ ‫ميز �سلماوي‪ ،‬ينقل باحرتاف م�شاعره عرب تغيري و�ضعية‬ ‫ج�سده والتفاتة وجهه وتعبريات عينيه‪.‬‬ ‫مدفوع ًا بت�صوري اخلا�ص عنه ك�أديب دبلوما�سي‪ ،‬منفتح‬ ‫يف عالقاته مع الآخر الثقايف‪ ،‬دارت معظم ت�سا�ؤالتي له‬ ‫يف فلك العمل الثقايف العام و�صورتنا لدى الآخر الغربي‪،‬‬ ‫وم�صادرها‪ ،‬وكيفية تغيريها‪ ،‬وطبيعة الدور الذي ينبغي‬ ‫القيام به يف هذا ال�صدد‪.‬‬ ‫كنت حلوح ًا يف حماولة رده �إىل م�ساحة الفعل ال احللم‪،‬‬ ‫معتقد ًا �أن للأدباء واملثقفني وال�شعراء احلق يف احلديث‬ ‫عن احللم طاملا مل ميتلكوا �صالحيات الفعل‪� ،‬أو مل تتح‬ ‫لهم فر�صة �شغل منا�صب ذات �صلة بتطبيق هذا احللم‪،‬‬ ‫فاكتفوا بالتعبري عن �أحالمهم ور�ؤاه��م يف كتاباتهم �أو‬ ‫نقا�شاتهم العامة‪.‬‬ ‫قادتني حم��اوالت��ي تلك �إىل �أن �أو��ض��ح ل�ضيفي �أ�سباب‬ ‫رف�ضي االكتفاء بالأحالم من حممد �سلماوي‪« :،‬ل�ست‬ ‫�أ�س�ألك الآن بو�صفك مثقف ًا و�أدي�ب� ًا فح�سب»‪ ،‬قلت له‪،‬‬ ‫و�أ�ضفت ‪�« :‬إمنا �أ�س�ألك ك�صاحب قرار يف م�ؤ�س�سات ذات‬ ‫�صبغة �شبه ر�سمية‪ ،‬وبو�صفك كنت «رجل دولة» ف�أنت قادر‬ ‫على اقرتاح خطة عملية تراعي ما ال يراه الآخرون»‪.‬‬ ‫مل �أكد �أكمل �س�ؤايل حتى ب��ادرين الكاتب الكبري بنظرة‬ ‫جنح يف تعبئتها باملعنى‪ ،‬وقال بعد �أن التفت �إيل بوجهه‪:‬‬ ‫«�س�ؤالك جيد‪ ،‬و�أفهمه بو�ضوح‪ ،‬ولكن ما مل �أفهمه يف‬ ‫�س�ؤالك هو و�صفك يل برجل دولة! ما الذي تق�صده بذلك؟»‬ ‫�أو�ضحت له مق�صدي‪ ،‬وذ ّك��رت��ه ب�أنه ك��ان وكي ًال ل��وزارة‬ ‫الثقافة امل�صرية ومعاون ًا لوزير الإعالم‪ ،‬وعلى ق�صر مدة‬ ‫عمله يف كل من الوظيفتني‪� ،‬إال �أنهما –كتجربة‪ -‬يحمالن‬ ‫داللة‪ ،‬كما �أنهما مينحانه ما �أق�صده من غنى يف اجلمع‬


‫بني �أحالم املبدعني وقدرات الر�سميني‪.‬‬ ‫بدا �سلماوي م�صر ًا على دفع تهمة «رجل‬ ‫الدولة» عنه‪ ،‬التفت �إىل اجلمهور كعادته‪،‬‬ ‫مو�ضح ًا �أن توليه كال املن�صبني كان لفرتات‬ ‫ق�صرية وكانت لكل منهما ظروفه اخلا�صة‪.‬‬ ‫وع��رج يف نهاية ك�لام��ه على ذك��ر رواي�ت��ه‬ ‫الأخ�يرة التي ق��ال �إن��ه تنب�أ فيها ب�أحداث‬ ‫الثورة امل�صرية!‬ ‫ت��وا��ص��ل احل� ��وار ال ��ذي اح�ت�ف��ظ �سلماوي‬ ‫خ�لال��ه بلباقته ودب�ل��وم��ا��س�ي�ت��ه �إىل �آخ��ر‬ ‫حلظة‪ ،‬وعندما ح��ان دوري يف احل�صول‬ ‫على ن�سختي املوقعة من كتابه‪ ،‬الحظت �أنه‬ ‫ق��ام ب�شطب ا�سمه املطبوع على الغالف‬ ‫ال��داخ�ل��ي للكتاب قبل �أن ي�سجل كلمات‬ ‫�إهدائه يل‪ ،‬غلبني ف�ضويل كالعادة‪ ،‬وكنت‬ ‫ممتلئ ًا م��ا زل��ت ب�سخونة احل ��وار‪ .‬مل��اذا‬ ‫ت�شطب ا�سمك من على الغالف؟ �س�ألته‪،‬‬ ‫فقال �إن حفالت توقيع الكتب عادة �أوربية‬ ‫يف الأ��س��ا���س‪ ،‬ومل نح�سن نحن العرب –‬ ‫حتى الآن‪ -‬القيام بها‪ ،‬و�أو�ضح يل �أن يف‬ ‫�شطب امل��ؤل��ف ا�سمه املطبوع وا�ستبداله‬ ‫بتوقيعه ال�شخ�صي داللة على �أن الكتاب‬ ‫ُمهدى بالفعل من م�ؤلفه للقارئ‪ ،‬بينما –‬ ‫كنت �أهديك كتاب ًا‬ ‫والكالم ل�سلماوي‪� -‬إذا ُ‬ ‫�آخ��ر لي�س م��ن م��ؤل�ف��ات��ي‪ ،‬ف�إنني �س�أقوم‬ ‫بكتابة �إهداء لك يف املكان نف�سه‪ ،‬لكن من‬ ‫دون �أن ا�شطب على ا�سمي‪ .‬كان �صديقي‬ ‫الكاتب والت�شكيلي حممد املزروعي يتابع‬ ‫حوارنا بف�ضول يف انتظار احل�صول على‬ ‫ن�سخته املوقعة‪ ،‬فما كان منه �إال �أن �صاح‬ ‫ب�سعادة‪« :‬يابن الإيه‪ ،‬كنت هموت و�أعرف‬ ‫هو ليه بي�شطب على ا�سمه!»‪.‬‬ ‫يف ذل��ك ال�ي��وم‪� ،‬أك��رم�ن��ي الكاتب الكبري‬ ‫حم�م��د ��س�ل�م��اوي بن�سخ م��ن امل�ت��وف��ر من‬ ‫م�سرحياته وبروايته اجل��دي��دة‪ ،‬وبكتاب‬ ‫حواراته مع الرائع جنيب حمفوظ‪ ،‬قر�أت‬ ‫م��ا تي�سر يل م�ن�ه��ا ب�ع��د ذل ��ك‪ ،‬وع��رف��ت‬ ‫جوانب �أخ��رى �أ�ضيفت –بال �شك‪� -‬إىل‬ ‫�صورته يف ذهني‪ ،‬قد ت�ساعدين يف معرفة‬ ‫�أ�سباب جن��اح ه��ذا الأدي��ب الدبلوما�سي‬ ‫الذي يهتم كثري ًا بالتفا�صيل‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪64‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫ين�شر هذا الباب بالتعاون‬ ‫مع املركز العربي للأدب‬ ‫اجلغرايف «ارتياد الآفاق»‬ ‫ �أبوظبي ‪ -‬لندن ‪،‬الذي يرعاه‬‫ال�شاعر والباحث الإماراتي‬ ‫حممد �أحمد ال�سويدي ‪.‬‬

‫ملاذا ال ت�ستطيع ا�ستعادة مكانتها التاريخية؟‬

‫تنبكتو ‪..‬‬

‫أم مدائن السودانيين في العلم‬ ‫والحضارة وفي العمران والتجارة‬

‫د‪.‬حممد ولد عبدي‬

‫�شاعر وباحث من موريتانيا‬

‫«�إن من يكتب عن تنبكتو البد �أن ت�أخذه نوبة من التنهدات»‬

‫بوفيل‬

‫حني يذكر ا�سم تنبكتو تتداعى يف املخيلة �صور املا�ضي امل�شرق‪ ،‬وتزدحم الذاكرة بالتاريخ‪ ،‬مدينة‬ ‫تختزل كل �سرية ال�سودان الغربي‪ ،‬وت�شهد على �أحكامه وحكامه‪ ،‬حتكي �صعود دوله و�سقوط‬ ‫�إمرباطورياته‪ ،‬حتت�ضن تعدد �أجنا�سه و�أعراقه وحوار لغاته وثقافاته‪ ،‬وقبل هذا وذلك تنتف�ض‬ ‫من الذاكرة منارة ثقافية �أ�ضاءت لقرون كل القارة الأفريقية وامتد �إ�شعاعها �إىل اجلهات الأربع‬ ‫وخ�صو�صاً �إىل احلوا�ضر الإ�سالمية الكربى‪.‬‬


‫فقد كانت «عالقاتها الثقافية وطيدة مع مدن‬ ‫ال�شمال وم�صر واملدن املزدهرة ثقافي ًا مثل‬ ‫فا�س وال��ق�يروان وغدام�س وجامع الزيتونة‬ ‫وجامعة الأزهر» د‪.‬عطية خمزوم الفيتوري‪:‬‬ ‫درا���س��ات يف تاريخ �شرق �أفريقيا‪� ،‬ص‪291‬‬ ‫ط‪ 1998- 1-‬جامعة قاريون�س‪ -‬بنغازي ‪-‬‬ ‫وذل��ك مبا �صدّرت جامعتها وجوامعها من‬ ‫علماء �أجالء‪ ،‬ومبا ا�ستقطبت من طالب علم‬ ‫نهلوا منها‪ ،‬فعادوا �إىل �أوطانهم يلهجون مبا‬ ‫لها من مزايا ومالها من زواي��ا بل ومبا لها‬ ‫من �أ�سواق بو�أتها املركز التجاري الأول يف كل‬ ‫القارة‪� ،‬إذ هي مكان التقاء من ي�سافر على‬ ‫الياب�سة ومن ي�سافر على املاء‪ ،‬لأنها «تقع يف‬ ‫ح��دود ال�صحراء وعلى ال�ساحل ال�سوداين‬ ‫على مقربة من مورد واقع يف �أق�صى ال�شمال‬ ‫ال�سوداين وبذلك فهي مر�سى القوافل التي‬ ‫كان ينهكها عبور ال�صحراء‪ ،‬ومن جهة �أخرى‬ ‫فهي تقع يف منتهى الدلتا امل��رك��زي��ة لنهر‬ ‫النيجر من حيث تتلقى م�ؤونتها‪ ،‬فبف�ضل‬

‫هذا النهر الذي يعرب �أفريقيا من الغرب �إىل‬ ‫ال�شرق تعترب مرف�أ كبري ًا يرتبط مع �أق�صى‬ ‫اجلهات من ال�سهوب ال�سودانية»‪� -‬سيكني‬ ‫مودي �سي�سوكو‪ :‬نزعة تنبكتو يف وحدة العامل‬ ‫الأفريقي �ضمن الثقافة الأفريقية‪ :‬ملتقى‬ ‫اجلزائر يوليو ‪ 1969-‬فمن هذ ين التيارين‬ ‫الكبريين‪ :‬ال�سودان وامل��غ��رب كانت تنبكتو‬ ‫تكت�سب �أهميتها ومنهما كان النا�س يفدون‬ ‫�إليها «ملبادلة امللح والتمور وال�سلع املحمولة‬ ‫من املغرب‪ ،‬يف مقابل احلبوب وجوز الكوال‬ ‫وتراب الذهب من ال�سودان»‪ -‬بوفيل‪ :‬جتارة‬ ‫ال��ذه��ب و���س��ك��ان امل��غ��رب ال��ك��ب�ير ���ص ‪159‬‬ ‫ترجمة د‪ .‬الهادي �أبولقم ود‪ .‬حممد عزيز‬ ‫ط‪ 2-‬جامعة قاريون�س – بنغازي‪.‬‬ ‫�إن هذه ال�صورة امل�شرقة التي تتداعى حني‬ ‫ذكر هذه املدينة ال تنجلي مالحمها كاملة �إال‬ ‫�إذا حفرنا بعيد ًا يف الذاكرة على ال�صعيدين‬ ‫التاريخي واحل�ضاري‪ .‬لذا ف�إن هذا البحث‬ ‫ينق�سم �إج��رائ��ي�� ًا �إىل حم���اور ث�لاث��ة ه��ي‪:‬‬ ‫تنبكتو وال�سياق التاريخي‪ ،‬وتنبكتو واملنجز‬ ‫احل�ضاري‪ ،‬وتنبكتو يف مرايا الرحالة‪.‬‬

‫�أو ًال‪ -‬تنبكتو وال�سياق التاريخي‬

‫تعد تنبكتو مفتاح ًا مركزي ًا لتاريخ ال�سودان‬ ‫ال��غ��رب��ي‪ ،‬فلقد ���س��اي��رت خمتلف �أح��ك��ام��ه‬ ‫وعك�ست حتوالته ازده���ار ًا وانحطاط ًا‪ ،‬لذا‬ ‫يكفي امل���رء تتبع تاريخها حتى ينجلي له‬ ‫تاريخ املنطقة ب�أ�سرها‪ ،‬فلقد تغريت القوى‬

‫امل�سيطرة عليها م��رات ع��دي��دة‪� ،‬سيطرت‬ ‫عليها �إم�براط��وري��ة م��ايل‪ ،‬فبدو ال��ط��وارق‪،‬‬ ‫ف���إم�براط��وري��ة �صنغاي‪ ،‬ف��امل��غ��رب و�أخ�ي�ر ًا‬ ‫فرن�سا عندما احتلت كافة املنطقة ‪-‬املو�سوعة‬ ‫العربية العاملية ج‪� 7‬ص ‪ 185‬ط‪ 2-‬م�ؤ�س�سة‬ ‫املو�سوعة للن�شر والتوزيع‪.‬‬ ‫لقد كان تاريخ ال�سيطرة على تنبكتو خطوة‬ ‫حا�سمة لب�سط النفوذ على املنطقة ودلي ًال‬ ‫ق��وي�� ًا على م��دى متكن ق��وة م��ن دون �أخ��رى‬ ‫ونفوذ �سلطان من دون غرميه‪ .‬فكيف ن�ش�أت‬ ‫ه��ذه املدينة وكيف جتلت �أهميتها تلك يف‬ ‫الف�ضاء اجليو�سيا�سي العام؟‬

‫�أ‪ -‬تنبكتو‪ :‬الن�ش�أة والت�سمية‬

‫يف مطلع القرن احلادي ع�شر وعلى �ضفاف‬ ‫بئر تبعد ب�ضعة �آالف من الأق��دام عن �ضفة‬ ‫نهر النيجر مت��رك��زت قبيلة م��ن ال��ط��وارق‬ ‫ت��دع��ى «امي��غ��را���ش��ن» ك��ان��ت ه���ذه القبيلة‬ ‫تتخذ ه��ذا امل��ك��ان م�شتى لها حتى �إذا ما‬ ‫ح�� ّل ال�صيف ع��ادت �إىل مرابعها الأ�صلية‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪66‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫عمرانية وح�ضارية ومل حتقق ذل��ك �إال مع‬ ‫قيام االمرباطورية املالية‪.‬‬ ‫جدير بالذكر �أن هناك اختالف ًا يف حتديد‬ ‫�سنة �إن�شاء هذه املدينة فمن امل�ؤرخني من‬ ‫ي��رى �أن ذل��ك ك��ان �سنة ‪1080‬م ومنهم من‬ ‫ي��رى �أن���ه ك��ان �سنة ‪1087‬م‪ ،‬ان��ظ��ر حممد‬ ‫عبدالرحمن �سواملية‪ :‬تنبكتو جوهرة تغمرها‬ ‫الرمال �ص ‪ 38‬وحممد عبدالفتاح �إبراهيم‪:‬‬ ‫�أفريقية �ص ‪.104‬‬

‫‪2012‬‬

‫ب‪ -‬تنبكتو والإمرباطورية املالية‬

‫خريطة لتنبكتو ت�ستند �إىل زيارة هايرني�ش بارت لها عام ‪1853‬‬

‫يف «�أروان»‪ ،‬تاركة بع�ض �أثقالها يف خمازن‬ ‫وبيوت حتت حرا�سة عجوز تدعى «بكتو» ومن‬ ‫هذه الأخرية �أخذت املدينة ا�سمها «تني بكتو»‬ ‫�أي مكان �إقامة «بكتو»‪ ،‬ومع مرور الزمن ما‬ ‫لبث هذا املكان �أن لفت انتباه بع�ض التجار‬ ‫وعقدوا فيه �سوق ًا واتخذوا فيه م�ستودعات‬ ‫للب�ضائع‪ -‬د‪.‬عبدالقادر زبادية‪ :‬القرن ‪16‬‬ ‫وح��رك��ة التعليم يف متبكتو‪ :‬جملة امل����ؤرخ‬ ‫العربي – العدد ‪ 4‬ال�سنة ‪1980‬م �ص ‪. 208‬‬ ‫وي��رج��ع م���ؤرخ��و ال�����س��ودان الف�ضل يف ن�ش�أة‬ ‫وازدهار تنبكتو �إىل جتار املغرب الذين نقلوا‬ ‫�إليها بع�ض جتارتهم و�شرعوا يف عمارتها ‪-‬‬ ‫د‪ .‬حممد الغربي‪ :‬بداية احلكم املغربي يف‬

‫ال�سودان الغربي �ص ‪ - 573‬وكانوا يف الأول‬ ‫«يقيمون يف خيم يبلغ عددها ‪ 1100‬خيمة‬ ‫ثم ب��د�أت هذه اخليم تتحول �إىل �أك��واخ من‬ ‫الأع�شاب‪ ،‬ثم حتولت �إىل م�ساكن �أطول دوام ًا‬ ‫مبنية من الآجر املجفف بال�شم�س» ‪-‬بوفيل‪:‬‬ ‫املرجع نف�سه �ص ‪ - 159‬ولعل ه��ذا التطور‬ ‫املتالحق عائد �إىل وجودها بالقرب من نهر‬ ‫�صالح للمالحة مير بق�سم كبري من ال�سودان‬ ‫الغربي مما �أعطاها مزية عظيمة تتفوق بها‬ ‫على الأ�سواق املجاورة التي �صارت جتارتها‬ ‫تتحول تدريجي ًا �إليها ‪-‬بوفيل‪ :‬املرجع نف�سه‬ ‫�ص ‪ - 160‬غري �أن تنبكتو يف هذه املرحلة مل‬ ‫تبلغ م�ستوى املدينة بكل ما حتمله من دالالت‬

‫يف مطلع القرن الثالث ع�شر وبعد �صراع‬ ‫ع��ن��ي��ف ب�ي�ن ق��ب��ي��ل��ت��ي ال�����س��و���س��و وامل���ان���دع‬ ‫‪ Mandigue‬ق��ـ��ام��ت �إم�ب�راط���وري���ة م��ايل‬ ‫بزعامة امل��ل��ك �ساندياتا كيتا ‪Sundiata‬‬ ‫‪ Katia‬وب�سطت نفوذها على جمال طبيعي‬ ‫وا�سع ميتد من املحيط الأطل�سي غرب ًا �إىل‬ ‫ب�لاد ك��امن وال�برن��و وال��ه��و���س��ا ���ش��رق�� ًا‪ ،‬ومن‬ ‫غابات ال�سافانا جنوب ًا �إىل ال�صحراء الكربى‬ ‫�شما ًال ‪-‬عطية خم��زوم الفيتوري‪ :‬درا�سات‬ ‫يف تاريخ �شرق �أفريقيا �ص ‪ 261-‬وقد قام‬ ‫�سوندياتا بنقل عا�صمته من مدينة جريبة‬ ‫‪- Jeriba‬هي الق�سم الأعلى من مدينة باماكو‬ ‫احلالية‪� -‬إىل بلدة نياين املجاورة‪ ،‬وا�ستمرت‬ ‫جيو�شه يف التو�سع خا�صة يف الغرب �إىل �أن‬ ‫و�صلت نهر غامبيا وب�لاد التكرور ‪-‬نوفيل‪:‬‬ ‫املرجع نف�سه �ص ‪.156‬‬ ‫وبعد وفاته �سنة ‪1255‬م خلفه ابنه الأك�بر‬ ‫من�سي علي «‪1270 - 1200‬م» ال���ذي قام‬

‫مدينة الأولياء الـ ‪333‬‬

‫عٌ رفت تنبكتو‪ ،‬املدينة التي �أ�س�ستها قبائل من الطوارق يف‬ ‫�شمال مايل يف القرنني احلادي والثاين ع�شر‪ ،‬بـ«مدينة‬ ‫الأولياء الـ‪ ،»333‬وكانت مركزاً ثقافياً �إ�سالمياً ومدينة‬ ‫جتارية مزدهرة تعربها القوافل التجارية‪.‬‬ ‫وقد �أعلنتها اليوني�سكو �ضمن الئحة الرتاث العاملي املهدد‬ ‫باخلطر‪ ،‬وحذرت املجتمع الدويل من املخاطر املحدقة بها‪،‬‬ ‫م�شرية �إىل �أنها ت�ضم ‪ 16‬مقربة و�ضريحاً تعد من املكونات‬ ‫الأ�سا�سية للنظام الديني حيث �أن��ه��ا‪ ،‬ح�سب املعتقدات‬ ‫ال�شعبية‪ ،‬كانت ح�صناً يحمي املدينة من كل املخاطر‪.‬‬ ‫وا�شتهرت تنبكتو �أي�ضا بع�شرات �آالف املخطوطات التي‬ ‫يعود بع�ضها �إىل القرن الثاين ع�شر‪ ،‬والبع�ض الآخر �إىل ما‬ ‫قبل الإ�سالم‪ ،‬ومتلك معظمها كربى عائالت املدينة التي‬

‫تعتربها من الكنوز الثقافية‪ ،‬ونقلت نحو ثالثني �ألفاً من‬ ‫تلك الوثائق التي متلكها امل�ؤ�س�سة احلكومية لإيداعها يف‬ ‫مكان �آمن بعد عمليات �إتالف تعر�ضت لها يف وقت قريب‪.‬‬ ‫وح��ت��ى م��ث��ول امل��ج��ل��ة للن�شر‪ ،‬ت��ن��اق��ل��ت وك����االت �أن���ب���اء �أن‬ ‫�أن�صار جماعة �أن�صار الدين‪� ،‬إح��دى املجموعات امل�سلحة‬ ‫التي ت�سيطر على �شمال م��ايل‪ ،‬ب��د�أت يف تدمري �أ�ضرحة‬ ‫الأولياء امل�سلمني يف املدينة‪ ،‬حيث ت�أكد قيامهم بتدمري‬ ‫ث�لاث��ة �أ���ض��رح��ة على الأق���ل لأول��ي��اء م�سلمني يف تنبكتو‬ ‫م�ستخدمني �أزاميل ومعاول‪ ،‬معلنني �أنهم �سوف يدمرون‬ ‫جميع الأ�ضرحة بال ا�ستثناء‪ ،‬والأ�ضرحة الثالثة التي‬ ‫تعر�ضت للهدم تعود �إىل �سيدي حممود‪ ،‬و�سيدي املختار‪،‬‬ ‫والفا مويا‪.‬‬


‫ب�����أداء فري�ضة احل��ج وزار م�صر يف عهد‬ ‫ال�سلطان بيرب�س الذي حكم م�صر �سنوات‬ ‫«‪678 – 658‬هـ» ‪1277 – 1260« -‬م» وبعده‬ ‫ت��وىل احلكم �سبعة �أب��اط��رة ك��ان �أعظمهم‬ ‫القائد �ساكورا «‪1300 – 1282‬م» الذي �أنقذ‬ ‫االمرباطورية من االنهيار وحج بدوره يف �أيام‬ ‫ال�سلطان النا�صر حممد بن قالوون «‪- 693‬‬ ‫‪741‬هـ =‪1341 – 1293‬م» لكنه اغتيل يف‬ ‫ط��ري��ق ع��ودت��ه ‪-‬ان��ظ��ر الئ��ح��ة م��ل��وك م��ايل‬ ‫وتواريخهم يف‪� :‬أح��م��د ال�شكري‪ :‬الإ���س�لام‬ ‫واملجتمع ال�سوداين‪� :‬إمرباطورية مايل �ص‬ ‫‪ 184‬ط‪1999 1-‬م املجمع الثقايف‪� :‬أبوظبي‪.‬‬ ‫ولقد بلغت �إمرباطورية م��ايل قمة جمدها‬ ‫وقوتها مع اعتالء من�سي مو�سى �سدة العر�ش‬ ‫�سنة ‪1307‬م فلقد ا�ستطاع قواده فتح مدينة‬ ‫تنبكتو و«والت��ه» وا�ستطاع هو ال�سيطرة على‬ ‫احلكم املركزي بكافة م�ؤ�س�ساته ال�سيا�سية‬ ‫والع�سكرية‪ ،‬ويف عهده انت�شرت �شهرة مايل‬ ‫يف املغرب وامل�شرق بل ويف �أوروبا‪ ،‬ويعود ذلك‬ ‫يف الأ�سا�س �إىل رحلة حجه امل�شهورة ‪-‬عن‬ ‫تفا�صيل هذه الرحلة من خمتلف امل�صادر‬ ‫ان��ظ��ر‪ :‬اح��م��د ال�شكري‪ :‬امل��رج��ع نف�سه �ص‬ ‫‪� - 259 - 244‬سنة ‪1324‬م فقد كانت الأبهة‬ ‫والفخامة التي رافقت تلك الزيارة قد �أثارت‬ ‫من امل�شاعر يف القاهرة والأماكن الأخرى التي‬ ‫�شاهدت م��رور قافلته الرائعة ما جعل ا�سم‬ ‫ملك م��ايل ي�تردد يف ج��زء وا�سع من العامل‬ ‫املتمدن ‪-‬بوفيل‪ :‬املرجع نف�سه �ص ‪.157‬‬ ‫ويذكر بوفيل �أنه من املحتمل �أن يكون قد مر‬ ‫عن طريق وارغله ‪ Wargla‬ومن هناك �سار‬ ‫على طول �ساحل �سرت وبذلك �أتيحت الفر�صة‬ ‫للتجار القادمني من �أجزاء عديدة من �أوروبا‬ ‫بق�صد امل��ت��اج��رة م��ع �أفريقيا �أن ي�شاهدوا‬ ‫البهاء الذي يرافق �سفره قبل و�صوله القاهرة‬ ‫بوفيل‪ :‬املرجع نف�سه �ص ‪.175‬‬‫وجتمع امل�صادر �أن ال�سلطان من�سي مو�سى‬ ‫�أثناء �إقامته مب�صر كان كرمي ًا ج��واد ًا كثري‬ ‫ال�صدقة والرب‪.‬‬ ‫وبعد �أن مكث يف القاهرة قرابة خم�سة �أ�شهر‬ ‫توجه �إىل البالد املقد�سة ‪-‬املقريزي‪ :‬العرب‬ ‫ج‪� 5‬ص ‪ - 932‬و�أدى فري�ضة احلج ثم عاد‬

‫رينيه كاليه‪� -‬أول زائر غربي لتنبكتو‬

‫�إىل بالده حام ًال معه العديد من كتب املالكية‬ ‫وحمم ًال بالذكرى املذهلة التي احتفظ بها‬ ‫ع��ن ال��ق��اه��رة وامل���دن ال��ت��ي م�� ّر ب��ه��ا‪ ،‬ولهذا‬ ‫ا�صطحب معه ال�شاعر الغرناطي �أبا �إ�سحاق‬ ‫ال�ساحلي امل��ع��روف بالطويجن ال���ذي كان‬ ‫يح�سن �إىل جانب ال�شعر الهند�سة املعمارية‬ ‫هو �إبراهيم بن حممد الأن�صاري ال�ساحلي‬‫امل�شهور بالطويجن كان �أبوه �أمني العطارين‬ ‫بغرناطة– وق��د ترجم له ل�سان الدين بن‬ ‫اخلطيب يف الإحاطة ترجمة وا�سعة‪ :‬انظر‪:‬‬ ‫حتقيق د‪ .‬التازي لرحلة ابن بطوطة ج‪� 4‬ص‬ ‫‪ 264‬الهام�ش ‪.92‬‬ ‫وما �إن حل الركب امللكي بتنبكتو حتى دخلت‬ ‫ه��ذه امل��دي��ن��ة ت��اري��خ�� ًا عمراني ًا وح�ضاري ًا‬ ‫ج��دي��د ًا‪ ،‬ف��ب��د�أ ال�شاعر املهند�س يف بناء‬ ‫ق�صر وم�سجد من الآج��ر امل�شوي ووجدت‬ ‫الكتب طلبة و�أ���س��ات��ذة ينتظرونها وب��د�أت‬ ‫املدينة تدخل عهد ًا جديد ًا على امل�ستويني‬ ‫العلمي والتجاري‪.‬‬ ‫فعلى امل�ستوى الأول‪ :‬بد�أ العديد من علماء‬ ‫«والت��ه» خا�صة من قبيلتي �إجدالة وم�سوفة‬

‫كان على تنبكتو‬ ‫أن تنتظر زمن ًا لنقل‬ ‫صورتها بشكل أكثر‬ ‫دقة وإشراق ًا مع الرحالة‬ ‫المغربي الحسن بن‬ ‫الوزان المعروف بـ «ليو‬ ‫األفريقي»‬

‫يتوافدون عليها لغر�ض ال�سكن مما �أك�سبها‬ ‫�شهرة علمية مميزة �ستظل يف اط��راد عرب‬ ‫العهود الالحقة‪.‬‬ ‫�أم���ا على امل�ستوى ال��ث��اين فقد ا�ستحوذت‬ ‫على جت��ارة امل��دن املجاورة وخا�صة «والت��ه»‬ ‫فقد �أ�صبحت تزخر بالب�ضائع القادمة من‬ ‫ال�شمال كالأقم�شة واحلرير الفاخر والتوابل‬ ‫والنحا�س الأحمر والتي تتم مبادلتها بذهب‬ ‫م��ايل والأمل��ا���س والعاج وري�ش النعام وامللح‬ ‫وغ�يره��ا ‪-‬حم��م��د ع��ب��دال��رح��م��ن ���س��وامل��ي��ة‪:‬‬ ‫املرجع املذكور �ص ‪« - 40‬مما جعلها �أهم‬ ‫�سوق يف الق�سم الداخلي من �أفريقيا و�أهم‬ ‫م�ستودع للترب �أو غبار الذهب‪ ،‬وتوجهت �إليها‬ ‫التجارة من جميع الأنحاء‪ ،‬من درعة‪� ،‬سو�س‪،‬‬ ‫�سجلما�سة‪ ،‬فا�س‪ ،‬توات‪ ،‬غدام�س‪ ،‬فزان وكذا‬ ‫من م�صر» ‪-‬بوفيل‪ :‬املرجع نف�سه �ص ‪.161‬‬ ‫ومما زاد من ازدهار تنبكتو يف هذه احلقبة ما‬ ‫�شهدته العالقات املالية املغربية من ازدهار‬ ‫على امل�ستويني الر�سمي وال�شعبي‪ ،‬متثل يف‬ ‫ت��ب��ادل ال�سفارات وح�سن اجل���وار وال�سعي‬ ‫احلثيث م��ن اجلانبني امل�يرين واملانديجي‬ ‫لت�أمني ط��رق التجارة وتبادل الهدايا على‬ ‫نحو �شجع الكثريين على ال�سفر وتعرف‬ ‫�أبناء القطرين كل منهم على و�ضعية الآخر‪،‬‬ ‫وخا�صة يف تنبكتو ‪-‬حممد املغربي‪ :‬املرجع‬ ‫نف�سه �ص ‪ - 51‬الأم��ر ال��ذي بو�أها يف ذلك‬ ‫العهد مكانة املدينة الأوىل للعلم والثقافة‬ ‫يف ال�سودان الغربي كله مما �سوف نف�صل‬ ‫فيه القول الحق ًا‪ ،‬وجعل كثري ًا من امل�ؤرخني‬ ‫ي�صفها ب���أم م��دائ��ن ال�سودانيني ���س��واء يف‬ ‫العلم واحل�ضارة �أو يف العمران والتجارة ‪-‬د‪.‬‬ ‫عبدالقادر زيادية‪ :‬املرجع نف�سه �ص‪.209‬‬

‫ج‪ -‬تنبكتو حتت حكم الطوارق‬ ‫وال�سنغاي‬

‫يف �أواخ��ر القرن الرابع ع�شر امليالدي بد�أ‬ ‫ال��وه��ن وال�ضعف ي��دب يف �أو���ص��ال مملكة‬ ‫مايل وبد�أت تفقد �شيئ ًا ف�شيئ ًا �سيطرتها على‬ ‫الأقاليم التابعة لها‪ .‬وبعد هجمات عديدة‬ ‫ومتتابعة ا�ستطاع ال��ط��وارق ال�سيطرة على‬ ‫مدينة تنبكتو وذل��ك �سنة ‪1434‬م ‪-‬دائ��رة‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪68‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫الكثري من الآثار ما زالت يف حاجة للك�شف يف مايل‬

‫املعارف الإ�سالمية ج‪� 27‬ص ‪.8248‬‬ ‫مل تغري ه��ذه ال�سيطرة يف البداية �شيئ ًا يف‬ ‫حياة املدينة‪ ،‬بل �أراد الطوارق �أن يحتفظوا‬ ‫بها كما هي‪ ،‬حتى �إنهم �أبقوا نائب ًا عنهم يف‬ ‫حكمها «الكوي» «‪ »Koi‬الذي كان يتوىل �أمرها‬ ‫من قبل مايل‪ ،‬ولكن بعد وفاته عمت الفو�ضى‬ ‫وكرث النهب وفر الكثري من علمائها وجتارها‬ ‫�إىل م��دي��ن��ة «والت�����ه» ‪-‬حم��م��د ع��ب��دال��ف��ت��اح‬ ‫�إبراهيم‪ :‬املرجع نف�سه �ص ‪ ،110‬الأمر الذي‬ ‫دفع �سكان املدينة وعلى ر�أ�سهم القائد «عمار»‬ ‫نائب الطوارق �إىل اال�ستنجاد مبلك ال�سنغاي‬ ‫«ال�سني علي» لتدخل بذلك املدينة ف�ص ًال‬ ‫جديد ًا من اال�ضطراب بعد �أن ق�ضت خم�سة‬ ‫وثالثني عام ًا حتت حكم الطوارق ‪ -‬حممد‬ ‫عبدالرحمن �سواملية ‪ :‬امل��رج��ع نف�سه ‪.41‬‬ ‫كان امللك ال�سني علي «‪� »1494 - 1464‬أقوى‬ ‫ملوك ال�سنغاي منذ ا�ستقاللها عن مملكة‬ ‫مايل �سنة ‪1336‬م وكان قوي ًا جبار ًا ماكر ًا‪،‬‬ ‫وق��د تقبل م��ا عر�ضه عليه نائب ال��ط��وارق‬ ‫يف تنبكتو ف�سار �إليها وحا�صرها �سنة ‪1468‬م‬ ‫‪ -‬حممد عبدالفتاح �إبراهيم‪ :‬املرجع نف�سه‬

‫كانت تنبكتو مثل‬ ‫المضخة تمتص‬ ‫وتنفث دوري ًا الناس‬ ‫والبضائع واألفكار في‬ ‫جميع اتجاهات القارة‬ ‫األفريقية‬ ‫�ص ‪ - 111‬فدخلها وبادر �إىل تخريبها وغ ّرب‬ ‫علماءها والحقهم بالقتل واتخذ بناتهم جواري‬ ‫له ‪ -‬د‪ .‬حممد الغربي‪ :‬املرجع نف�سه �ص ‪.54‬‬ ‫غري �أنه يف �سنة ‪1493‬م تويف هذا الطاغية‬ ‫فتنف�س النا�س ال�صعداء‪ ،‬وزاد من فرحهم‬ ‫�أن تبع موته انقالب �أطاح بالأ�سرة احلاكمة‬ ‫وذلك بقيادة �أحد قادة اجلي�ش وهو حممد‬ ‫بن �أب��ي بكر التوري امللقب باال�سكيا احلاج‬ ‫حممد‪ ،‬ون�صب نف�سه ملك ًا ويف عهده وعهد‬ ‫�أ�سرته �ستعرف تنبكتو ع�صرها الذهبي‪.‬‬

‫د‪ -‬تنبكتو حتت حكم �أ�سكيا‬

‫كان الأ�سكيا حممد من �أعظم ملوك �سنغاي‪،‬‬

‫ورع��� ًا ع���اد ًال‪� ،‬شهدت يف عهده ال��ب�لاد كلها‬ ‫الأمن واال�ستقرار‪.‬‬ ‫يقول عنه امل���ؤرخ عبدالرحمن ال�سعدي وقد‬ ‫«ف��رج اهلل به على امل�سلمني الكروب و�أزال‬ ‫ب��ه عنهم ال��ب�لاء واخل��ط��وب‪ ،‬حيث اجتهد‬ ‫يف �إقامة ملة الإ�سالم و�إ�صالح �أم��ور الأنام‬ ‫و�صاحب العلماء وا�ستفتاهم فيما يلزمه من‬ ‫�أمر احلل والعقد وميز احللق» ‪ -‬عبدالرحمن‬ ‫ال�سعدي‪ :‬تاريخ ال�سودان �ص ‪ .73‬ويف عهده‬ ‫وعهد خلفائه عرفت تنبكتو ازده��ار ًا كثري ًا‬ ‫على امل�ستويني العلمي واالقت�صادي‪ ،‬وتو�سعت‬ ‫حتى ت�ضاعفت م�ساحتها و�أح��ي��ط��ت ب�سور‬ ‫وانتظمت �شوارعها وازدانت ن�سبة كبرية من‬ ‫بيوتها بواجهات تربطها �إىل حيطان البيوت‬ ‫�سياجات و�أخذت �أ�سواقها طابعها الإ�سالمي‬ ‫د‪.‬عبدالقادر زبادية‪ :‬املرجع نف�سه �ص‪.208‬‬‫�أما على امل�ستوى العلمي فقد عرفت تنبكتو يف‬ ‫عهد الأ�سكيا ازدهار ًا كبري ًا‪ ،‬فن�شطت احلركة‬ ‫الثقافية وات�سع التعليم اجلامعي وب��د�أ علماء‬ ‫ال�سودان يف الإن��ت��اج العلمي بعد �أن جت��اوزوا‬ ‫مرحلة اال�ستيعاب والتكوين‪ ،‬وك���ان علماء‬


‫امل��غ��رب ي���أت��ون للجلو�س معهم يف اجل��وام��ع‬ ‫وم�ؤ�س�سات التدري�س وللتوطن يف املدينة ‪ -‬من‬ ‫بني العلماء الذين جاءوا يف ذلك العهد كل من‪:‬‬ ‫حممد بن عبدالكرمي املغيلي و�سيدي يحيى‬ ‫التاديل وخملوف البلبايل و�إبراهيم الزلفي‬ ‫و�شيخ ال�شيوخ القا�ضي حممد الكابري‪ .‬انظر‬ ‫عبدالرحمن ال�سعدي ���ص ‪ 45- 21‬وك�ثرت‬ ‫اخلزائن العلمية باجللب واال�ستن�ساخ وامتزج‬ ‫الإ�سالم بالتجارة على نحو غريب – د‪.‬حممد‬ ‫الغربي‪ :‬املرجع نف�سه �ص ‪.60‬‬ ‫غري �أنه بعد موت الأ�سكيا حممد بد�أت مملكة‬ ‫�سنغاي ت�سري نحو قدرها وتنزلق نحو التفكك‬ ‫والف�ساد �سنة بعد �أخرى‪ ،‬وتواىل على احلكم‬ ‫�ستة ملوك مل ي�ستطيعوا ال�سيطرة على زمام‬ ‫اململكة‪ ،‬فبد�أت الفو�ضى تعم وبد�أت تنبكتو‬ ‫تتدهور مما هي�أ الظروف للحملة املغربية‬ ‫على ال�سودان الغربي‪.‬‬

‫هـ‪ -‬تنبكتو حتت احلكم املغربي‬

‫ت��ع��ود ال��ع�لاق��ات امل��غ��رب��ي��ة م��ع ب�ل�اد غ��رب‬ ‫�أفريقيا �إىل �أيام الفتح الإ�سالمي الأوىل‪،‬‬ ‫وظلت تلك العالقات يف اط��راد متزايد‪،‬‬ ‫ت��ع�����ض��ده ال��ع��ق��ي��دة وال��ث��ق��اف��ة وال��ت��ج��ارة‬ ‫وال���ع�ل�اق���ات ال��دب��ل��وم��ا���س��ي��ة وال�����ص�لات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬غري �أنها يف العهد ال�سعدي‬ ‫�أخذت طابع ًا �آخر متثل يف البعد ال�صدامي‬ ‫انتهى بعد �صوالت وجوالت �إىل ب�سط النفوذ‬ ‫املغربي على غالبية ال�سودان الغربي‪.‬‬ ‫وب��غ�����ض ال��ن��ظ��ر ع���ن ال���دواف���ع والأ���س��ب��اب‬ ‫امل��ب��ا���ش��رة ال��ت��ي ت��ق��ف ال��ع��وام��ل ال�سيا�سية‬ ‫واالقت�صادية يف مقدمتها‪ ،‬مم��ا �أفا�ضت‬ ‫كتب التاريخ يف تف�صيله ‪-‬ملعرفة �أ�سباب‬ ‫وظروف ونتائج احلملة املغربية على مملكة‬

‫جامع �سنكرى ‪ -‬تنبكتو‬

‫نظر الراغبون في‬ ‫اكتشاف عالم غربي‬ ‫أفريقيا إلى تنبكتو‬ ‫باعتبارها مفتاح حضارته‬ ‫وموطن تشكلها‬ ‫�سنغاي يراجع كتاب‪ :‬د‪.‬حممد الغربي‪ :‬بداية‬ ‫احلكم املغربي يف ال�سودان الغربي‪ -‬ف�إن‬ ‫ه��ذه احلقبة ال��ت��ي ب���د�أت �سنة ‪1591‬م قد‬ ‫�شهدت فيها مدينة تنبكتو تطورات عديدة‬ ‫و�أحداث ًا تاريخية حا�سمة تعترب يف تفا�صيلها‬ ‫مادة غنية تغري الباحث التاريخي �سواء يف‬ ‫عالقة �سكانها باجلي�ش املغربي بقيادة ج�ؤذر‬ ‫با�شا‪� ،‬أو يف موقف بع�ض علمائها وخ�صو�ص ًا‬ ‫علماء �أ�سرة �آل �أقيت من احلملة ال�سعدية‬ ‫ د‪.‬حممد الغربي‪ :‬املرجع نف�سه �ص ‪328‬‬‫ وغ�ير ذل��ك مم��ا ال تهتم ه��ذه املداخلة‬‫بتفا�صيله‪ ،‬بغ�ض النظر عن ذلك كله ف�إن‬ ‫م��دي��ن��ة تنبكتو ق��د ���ش��ه��دت يف ظ��ل احلكم‬ ‫املغربي ازدهار ًا كبري ًا يعرب عنه حممود كعتو‬ ‫يف كتابه تاريخ الفتا�شي بقوله «قد جرب اهلل‬ ‫ك�سر تنبكتو وجمع �شملها وعمرها و�أفا�ض‬ ‫ال�برك��ة يف ب��ره��ا وب��ح��ره��ا يف‬ ‫�أوائ����ل دول���ة جي�ش موالنا‬ ‫�أحمد و�أك�ثر اخلري فيها‬ ‫حتى كاد النا�س ين�سون‬ ‫دولة �سنغاي» ‪-‬حممود‬

‫كعتو‪ :‬ت��اري��خ الفتا�شي يف �أخ��ب��ار البلدان‬ ‫واجليو�ش و�أك��اب��ر النا�س �ص ‪ - 51‬حتقيق‬ ‫هودا�س وبونوا ط‪ - 1964 - 1‬باري�س‪.‬‬ ‫ومل تلبث تنبكتو �أن احتلت يف العهد املغربي‬ ‫الدرجة الأوىل من بني مدن ال�سودان وذلك‬ ‫عندما ح��ول��وه��ا عا�صمة �إداري����ة للأقاليم‬ ‫ال�سودانية‪ ،‬وا�ستمر و�ضعها ال��ع��م��راين يف‬ ‫التطور فكانت حمايتها من الأخطار اخلارجية‬ ‫وتزويدها بكل �ضروريات احلياة احل�ضرية من‬ ‫�أبرز ما اجتهد املغاربة يف حتقيقه‪ ،‬وكان �سور‬ ‫املدينة �أكرب �ضمانة يف ذلك‪.‬‬ ‫ومل يقت�صر التطور على احل��ي��اة الإداري���ة‬ ‫واالق��ت�����ص��ادي��ة وح�سب و�إمن���ا ط��ال احلياة‬ ‫ال��ث��ق��اف��ي��ة ف��ل��ق��د ح��ظ��ي ال��ت��ع��ل��ي��م ب��ن��وع من‬ ‫التنظيم والعناية مل يكن يعرفهما من قبل‪،‬‬ ‫ومل تعد امل��دار���س وقف ًا على �أب��ن��اء العلماء‬ ‫�أنف�سهم وال على عدد قليل من الطلبة ينفق‬ ‫القا�ضي عليهم من الوقف �أو من مداخيله‬ ‫املحدودة‪ ،‬كما كان احلال من قبل‪ ،‬بل �أ�صبح‬ ‫التعليم بجميع �أط����واره مفتوح ًا �أم���ام كل‬ ‫راغب يف حت�صيله واجللو�س له‪ ،‬وتكفلت‬ ‫الإدارة املغربية ب�أمكنة التعليم ورجاله‬ ‫وبالطلبة الأغ����راب ‪-‬نقوال‬ ‫زيادة‪� :‬أفريقيات �ص ‪350‬‬ ‫ط‪1991 – 1‬م دار ريا�ض‬ ‫الري�س – لندن‪ .‬وعرف‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪70‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫�أحد �أبناء الطوارق يقف �إىل جوار اجلامع الكبري يف تنبكتو‬

‫التعليم يف العهد املغربي الطابع املنهجي لأول‬

‫م��رة‪ ،‬فتعددت �أغرا�ضه وظهر العديد من جامع سنكري كان‬ ‫كالجامعة يفد إليه‬ ‫امل�ؤرخني وال�شعراء والرحالة‪.‬‬ ‫ولقد ظ َّ��ل ال�سلطان املغربي هو ال��ذي يعني كافة أبناء القارة‬ ‫ممثله يف املدينة �إىل غ��اي��ة ‪1612‬م ومنذ األفريقيةلطلبالعلم‬

‫ذلك التاريخ بد�أت ال�سلطة املركزية تتخلى‬ ‫�شيئ ًا ف�شيئ ًا عنها بل عن ال�سودان كله مما‬ ‫جعل �أفراد اجلي�ش املغربي وخ�صو�ص ًا القائد‬ ‫حممد بن احل��اج ال�شيوكي يعلن االنف�صال‬ ‫ر�سمي ًا عن املغرب وذلك �سنة ‪1657‬م‪.‬‬ ‫وبعد ه��ذا ال��ت��اري��خ �أ�صبحت املدينة حمط‬ ‫�أط��م��اع الكثريين‪ ،‬وذل��ك ل�ضعف �سلطاتها‬ ‫املتبدّلة من حكم الأرما ‪« Arma‬بقية اجلي�ش‬ ‫املغربي» �إىل الطوارق �إىل امللونني �إىل قبيلتي‬ ‫كنة والربابي�ش ‪-‬قبيلتني عربيتني من بالد‬ ‫�شنقيط‪ -‬الأمر الذي مهد الظروف لالحتالل‬ ‫الفرن�سي �سنة ‪1893‬م‪.‬‬

‫ولقد �ساعدت عوامل كثرية يف �إك�سابها ذلك‬ ‫الرثاء‪ ،‬فهي كما �سبقت الإ�شارة ملتقى جهات‬ ‫عدة وهمزة و�صل بني العامل العربي و�أفريقيا‬ ‫ال�سوداء‪ ،‬فلقد كان «التجار القادمون �إليها‬ ‫من ال�شمال ي�سلكون ث�لاث ط��رق متما�شية‬ ‫مع ث�لاث نزعات ح�ضارية عربية بربرية‪،‬‬ ‫فكان الغرب يوفد �إليها جتار مراك�ش وفا�س‬ ‫وال���ق�ي�روان وت����وات وال�����ش��رق جت���ار القاهرة‬ ‫وطرابل�س وغدام�س‪ ،‬كما كانت ال�صحراء توفد‬ ‫�إليها �سكان �شنقيط وتي�شيت ووالت��ه وودان‪،‬‬ ‫ورج��ال املناجم من تاوديني و�أوران والطواق‬ ‫من تادمكا» ‪� -‬سيكيني مودي ‪ :‬املرجع ال�سابق‬ ‫ثاني ًا ‪ -‬تنبكتو والبعد احل�ضاري �ص ‪.265‬‬ ‫�إن تاريخ هذه املدينة كما عر�ضناه ب�إيجاز �إن هذه اجلهات املختلفة التي ت�صب يف هذه‬ ‫يعك�س م��دى ثرائها التاريخي واحل�ضاري‪ ،‬املدينة هي ما جعل م�ؤرخي ال�سودان يثبتون‬

‫�أنها كانت موطن كثري من الأجنا�س‪ ،‬فكان‬ ‫ثمة املغاربة والتون�سيون وامل�صريون والطوارق‬ ‫و���ص��ن��ه��اج��ة وم�����س��وف��ة وزن����وج م��ن خمتلف‬ ‫الأج��ن��ا���س‪ ،‬و�أه��م��ه��م الفالنيون واملاندينغ‬ ‫والبمبارى وغريهم كثري ‪ -‬حممد الغربي‪:‬‬ ‫املرجع نف�سه ‪ .576‬وكان عدد ال�سكان يرتفع‬ ‫ارتفاع ًا كبري ًا يف مو�سم الأعمال والتجارة‪،‬‬ ‫فكانت بذلك مثل امل�ضخة متت�ص وتنفث‬ ‫دوري��� ًا النا�س والب�ضائع والأف��ك��ار يف جميع‬ ‫اجتاهات القارة الأفريقية‪.‬‬

‫م�ساجد تنبكتو‬

‫ت��ب��و�أت تنبكتو نتيجة مل��ا �سبق ذك��ره مكانة‬ ‫ح�ضارية ك��ب�يرة وعملت ل��ق��رون على ن�شر‬ ‫ال��ث��ق��اف��ة وامل���ع���رف���ة يف �أف��ري��ق��ي��ا‪ ،‬ف��ك��ان��ت‬ ‫م�ساجدها امل�شهورة تعترب مدار�س متميزة‬ ‫يف الثقافة العربية الإ�سالمية ولعل من �أ�شهر‬ ‫و�أقدم تلك امل�ساجد ما يلي‪:‬‬

‫جامع تنبكتو الكبري‬

‫يعترب ه��ذا اجل��ام��ع م��ن �أق���دم امل�ساجد يف‬ ‫ال�سودان الغربي وال يعرف على وجه التحديد‬


‫اجلامع الكبري يف جينيه ‪ -‬مايل‪� -‬أكرب بناء من الطوب اللنب‬

‫تاريخ الت�شييد الأول له‪ ،‬بيد �أن من املعروف‬ ‫�أنه �أقيم على �أنقا�ض م�سجد يف القرن ال�سابع‬ ‫الهجري «‪13‬م» وكان بنا�ؤه الأول على �صورة‬ ‫متوا�ضعة‪ ،‬ثم جدده ال�سلطان املايل احلاج‬ ‫من�سا مو�سى «‪732 - 707‬هـ» بعد عودته‬ ‫من احل��ج �سنة «‪724‬هـ» وه��و الوقت الذي‬ ‫�ضم فيه تنبكتو ململكته‪ ،‬وقد قام ببنائه كما‬ ‫�سبقت الإ�شارة �إىل ذلك ال�شاعر واملهند�س‬ ‫الأندل�سي �أب��و �إ�سحاق �إب��راه��ي��م ال�ساحلي‬ ‫املعروف بالطويجن‪ ،‬دفني تنبكتو كما ذكر‬ ‫ابن بطوطة ‪-‬ابن بطوطة ‪ :‬حتفة النظار يف‬ ‫غرائب الأم�صار وعجائب الأ�سفار ج‪� ،4‬ص‬ ‫‪.269‬‬ ‫ولقد ظل هذا امل�سجد مو�ضع عناية كبرية‬ ‫من ال�سالطني واحلكام الذين تعاقبوا على‬ ‫حكم امل��دي��ن��ة‪ ،‬فقد م�� ّر ب��ع��دة �إ���ص�لاح��ات‬ ‫م��ن ح�سن �إىل �أح�����س��ن‪ ،‬وم��ن �أ���ش��ه��ر تلك‬ ‫الإ���ص�لاح��ات م��ا ق��ام ب��ه الفقيه القا�ضي‬ ‫ال��ع��اق��ب ب��ن حم��م��ود ب��ن ع��م��ر ب��ن حممد‬ ‫�أقيت «‪991 - 913‬هـ» = «‪1583 – 1507‬م»‬ ‫فقد ق��ام بهدمه و�ضم �إليه امل�ساحة التي‬

‫ت�شغلها القبول املجاورة له وزاد فيه زيادة‬ ‫ك��ب�يرة وك��ان ذل��ك �سنة ‪976‬هـ =‪1570‬م‬ ‫يف ع�صر ال�سلطان �آ�سكيا داود «‪– 965‬‬ ‫‪990‬هـ» =«‪1582 – 1557‬م»عاهل دول��ة‬ ‫�سنغاي‪ ،‬كما �أدخلت عليه بعد ذلك بع�ض‬ ‫الإ�صالحات يف الأعوام‪1089 :‬هـ =‪1678‬م‬ ‫و‪1709=1121‬م و‪1149‬هـ = ‪1736‬م‪-‬‬ ‫املو�سوعة العربية العاملية‪ :‬ج‪� 8‬ص ‪ 572‬ط‪.2‬‬ ‫جامع �سنكري ‪Sankore‬‬

‫ال ت�سعفنا امل�صادر التاريخية يف معرفة تاريخ‬ ‫بناء هذا اجلامع‪ ،‬غري �أنها جتمع على �أنه‬ ‫بني على نفقة �سيدة فا�ضلة كانت مو�سرة‪،‬‬ ‫ويذهب حممد الغربي �إىل �أنها «من قبيلة‬ ‫الأغالل من جبال �آدرار ال�صحراوية «بالد‬

‫صورة تنبكتو كما‬ ‫رسمها الوزان أغرت‬ ‫األوروبيين وفتحت‬ ‫شهيتهم في البحث‬ ‫عنها معدن ًا ذهبي ًا‬ ‫وعقدة مواصالت تجارية‬

‫�شنقيط» ‪ -‬حممد الغربي‪ :‬املرجع نف�سه �ص‬ ‫‪ - 219‬ولقد كان هذا اجلامع مبثابة جامعة‬ ‫يفد �إليها كافة �أبناء القارة‪ ،‬ونظر ًا لتهافت‬ ‫الطلبة عليه وات�ساع حلقات العلم فيه فقد َّمت‬ ‫تو�سيعه �أكرث من مرة‪ ،‬ومن �أ�شهر تو�سيعاته‬ ‫تلك التي قام بها القا�ضي العاقب بن حممود‬ ‫بن عمر بن حممد �أقيت من ماله اخلا�ص ‪-‬‬ ‫عبدالقادر زبادية‪ :‬املرجع نف�سه �ص‪.219‬‬

‫م�سجد �سيدي يحيى التاديل‬

‫وق��د �شيده حممد نقي ال�صنهاجي حاكم‬ ‫تنبكتو التابع ل�سلطان الطوارق ال�سلطان‪:‬‬ ‫�آكل‪ ،‬وال يعرف بال�ضبط تاريخ �إن�شائه لكن‬ ‫م��ن املحتمل �أن ي��ك��ون �شيد م��ا ب�ين عامي‬ ‫«‪876 - 837‬هـ» =«‪1417 – 1433‬م» لأنه بني‬ ‫هذه الأع��وام كان حكم الطوارق لتنبكتو ‪-‬‬ ‫املو�سوعة العربية العاملية ج‪� 8‬ص ‪ - 572‬وقد‬ ‫بنى هذا امل�سجد تخليد ًا لأحد علماء املغرب‬ ‫«من �سو�س» الذين با�شروا التعليم يف تنبكتو‬ ‫خ�لال الن�صف الأول م��ن ال��ق��رن ال�ساد�س‬ ‫ع�شر فاجتهدوا يف تعليمهم و�أفادوا النا�س‪.‬‬ ‫ومل تكن املدينة ت�ضم هذه امل�ساجد الثالثة‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪72‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫فقط بل �ضمت م�ساجد �أخ��رى عديدة غري‬ ‫�أنها مل ت�صل �إىل �شهرة ومكانة هذه الثالثة‬ ‫يف ال��ت��اري��خ احل�����ض��اري الإ���س�لام��ي لغربي‬ ‫�أفريقيا‪ ،‬لقد �أو�صل امل�ؤرخون عدد امل�ساجد‬ ‫يف تنبكتو �إىل ت�سعة وذكر من �أ�سمائها عالوة‬ ‫على الثالثة املذكورين جامع خالد الذي كان‬ ‫خم�ص�ص ًا للتعليم املتو�سط فقط‪ .‬لقد كانت‬ ‫جامعات علمي ًة مزدهرة‬ ‫هذه امل�ساجد بحق‬ ‫ٍ‬ ‫حققت �أهدافها التعليمية والرتبوية والثقافية‬ ‫وال��دع��وي��ة وق��د ت��خ��رج فيها ق�ضاة وعلماء‬ ‫فقهاء وم�ؤرخون و�أدباء‪.‬‬

‫تلقي العلم وت�صديره‬

‫ولعل هذا االزدهار امل�شار �إليه هو ما �أك�سب‬ ‫املدينة �شهرتها العلمية‪ ،‬وجعل الطالب من‬ ‫�شتى بقاع غربي �أفريقيا يفدون �إليها لتلقي‬ ‫العلم على �أيدي م�شايخها ومنهم على �سبيل‬ ‫املثال‪ :‬خملوف بن علي البلبايل‪ ،‬كما جعل‬ ‫علماء م��ن �شتى �أن��ح��اء ال��ع��امل الإ���س�لام��ي‬ ‫يفدون �إليها لغر�ض التدري�س والدعوة �سواء‬ ‫من املغرب �أو م�صر �أو من الأندل�س‪.‬‬ ‫ومل تقت�صر تنبكتو على التلقي وح�سب و�إمنا‬ ‫�صدّرت علماءها �إىل �أنحاء كثرية‪ ،‬كذلك فقد‬ ‫َ‬ ‫ذكرت امل�صادر «�أن �أول بعثة تعليمية جاءت من‬ ‫تنبكتو املالية �إىل بالد الهو�سا والربنوهي البعثة‬ ‫الونغارية‪ ،‬وك��ان �أف��راده��ا من ركائز معاهد‬ ‫«تنبكتو»‪ ،‬كما �أن علماءها عرفوا يف امل�شرق‬ ‫العربي من خالل رحالت احلج‪ ،‬فكان منهم‬ ‫من يقيم مب�صر يف طريق عودته من احلج‬ ‫وميار�س مهنة التعليم والتعلم‪ ،‬ا�شتهر منهم‬ ‫�أبو حممد يو�سف بن عبداهلل التكروري الذي‬ ‫ين�سب �إليه يف بوالق الدكرور‪ ،‬وال�شيخ را�شد‬ ‫ع��ب��داهلل ال��ت��ك��روري «‪796‬هـ=‪1394‬م» ال��ذي‬ ‫كان من �أعيان العلماء وله جامع مب�صر عرف‬ ‫«بجامع را�شد» عند بركة احلب�ش وال�شيخ فاحت‬ ‫بن عثمان التكروري «تويف ‪695‬هـ =‪1293‬م»‬ ‫الذي الزم �أحد م�ساجد دمياط للتعليم والعبادة‬ ‫حتى ع��رف با�سمه «جامع فتح» ‪ -‬املو�سوعة‬ ‫العربية العاملية ج‪� 9‬ص ‪.575‬‬ ‫�إن هذا االزدهار العلمي املتميز وتلك احلركة‬ ‫التجارية الكبرية التي تعر�ضنا لنا هي ما‬

‫سنة ‪ 1827‬أعلنت‬ ‫الجمعية الجغرافية‬ ‫الفرنسية عن جائزة‬ ‫مالية بقيمة ‪ 10‬آالف‬ ‫فرنك فرنسي ألول‬ ‫رحالة يصل إلى‬ ‫تنبكتو‬ ‫جعل مدينة تنبكتو مو�ضع نظر الراغبني يف‬ ‫اكت�شاف عامل غربي �أفريقيا‪ ،‬ذلك �أنها هي‬ ‫مفتاح ح�ضارته وموطن ت�شكلها‪ .‬فكيف بدت‬ ‫يف عيون الرحالة وامل�ستك�شفني؟‬

‫ثالث ًا‪ -‬تنبكتو يف مرايا الرحالة‬ ‫وامل�ستك�شفني‬

‫لقد ظلت املعلومات عن داخل القارة الأفريقية‬ ‫وال�سودان الغربي ب�صورة خا�صة نظرية بحتة‬ ‫بالن�سبة للأوروبيني‪ ،‬وظل اكت�شاف الداخل‬ ‫حتى نهاية القرن ال��راب��ع ع�شر حكر ًا على‬ ‫العرب وحدهم‪ ،‬ويعد ابن بطوطة �أول رحالة‬

‫عربي يجوب غربي �أفريقيا بتكليف ر�سمي‬ ‫من ال�سلطان املرييني �أبي عنان ‪ -‬ابن بطوطة‬ ‫‪ :‬حتفة النظار ج‪ 4‬حتقيق د‪ .‬التازي �ص ‪239‬‬ ‫الهام�ش «‪ -»1‬وذلك بعد انتهائه من رحلتيه‬ ‫�إىل امل�شرق والأندل�س‪ ،‬وقد بد�أها �سنة ‪1352‬م‬ ‫يف عهد ال�سلطان املايل من�سي �سليمان «حكم‬ ‫م��ا ب�ين ‪ 1341‬و‪1360‬م» وا�ستغرقت زه��اء‬ ‫�سنتني‪ ،‬زار خاللها العديد من املدن والقرى‪،‬‬ ‫وم��ن �أه��م��ه��ا مدينة تنبكتو‪ ،‬وع��ل��ى الرغم‬ ‫من �أن��ه مل يذكر عدد �أي��ام �إقامته فيها ومل‬ ‫ي�سهب يف احلديث عنها �إال �أنه ذكر �أن �أكرث‬ ‫�سكانها يومئذ «من م�سوفة �أهل اللثام» ‪ -‬ابن‬ ‫بطوطة‪ :‬امل�صدر نف�سه ج‪� 4‬ص‪ 269-‬و�أن بها‬ ‫قرب ال�شاعر �أبي �إ�سحاق ال�ساحلي املعروف‬ ‫بالطويجن وقرب �سراج الدين ابن كويك ‪-‬ابن‬ ‫كويك‪ :‬هو عبداللطيف بن �أحمد بن حممود‬ ‫بن �أبي الفتح التكريتي الأ�صل �سراج الدين‬ ‫بن كويك التاجر اال�سكندراين‪ ..‬تويف بتنكتو‬ ‫�سنة ‪734‬هـ = ‪1334‬م‪ .‬انظر اب��ن بطوطة‪:‬‬ ‫امل�صدر نف�سه ج‪� 4‬ص‪ – 269‬الهام�ش ‪.104‬‬ ‫وك���ان ع��ل��ي تنبكتو �أن تنتظر زم��ن��ا لنقل‬ ‫�صورتها ب�شكل �أكرث دقة و�إ�شراق ًا مع مقدم‬ ‫الرحالة املغربي احل�سن بن الوزان املعروف‬


‫ص ّدرت جامعة تنبكتو‬ ‫وجوامعها علماء‬ ‫القر�آن‪ ،‬حتى �إنهم حفظوه غيب ًا‪ ،‬فهم يعلمونه‬ ‫بـ «ليو الأف��ري��ق��ي»‪« ،‬نحو ‪888‬هـ – ‪657‬هـ أجالء واستقطبت‬ ‫= ‪1550 – 1483‬م » ال��ذي ب��د�أ رحلته �سنة طالب علم نهلوا منها �أوالدهم منذ نعومة �أظافرهم» ‪ -‬جملة النهار‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬

‫‪910‬هـ = ‪1510‬م‪ ،‬مف�صال و�صفها فيه قائال‬ ‫«ودور تنبكتو عبارة عن �أكواخ مبنية ب�أوتاد‬ ‫مملوطة بالطني وم�سقوفة بالتنب ويف و�سط‬ ‫املدينة م�سجد مبني باحلجر املركب بالطني‬ ‫واجلري على يد مهند�س �أندل�سي من مدينة‬ ‫املانا وق�صر كبري من بناء نف�س املعلم ي�سكنه‬ ‫امللك ودكاكني كثرية لل�صناع والتجار ال�سيما‬ ‫دكاكني ن�ساجي �أقم�شة القطن وت�صل �أي�ض ًا‬ ‫�إىل تنبكتو �أقم�شة �أوروب����ا يحملها جتار‬ ‫الرببر» ‪ -‬احل�سن بن حممد الوزان الفا�سي‪:‬‬ ‫و�صف �أفريقيا ج‪� 2‬ص‪.165‬‬ ‫وي��ت��اب��ع ل��ي��و ق��ائ ً‬ ‫�لا «م���ازال���ت ن�����س��اء املدينة‬ ‫حمجبات با�ستثناء اجل���واري ال�لائ��ي يبعن‬ ‫كل املطعومات‪ ،‬وال�سكان �أغنياء مرتفون ال‬ ‫�سيما الأجانب املقيمون يف البالد‪ .‬حتى �إن‬ ‫امللك احلايل زوج اثنتني من بناته من �أخوين‬ ‫تاجرين لغناهما وتوجد يف تنبكتو عدة �آبار‪،‬‬ ‫ما�ؤها عذب بالإ�ضافة �إىل ما ي�صل �إىل املدينة‬ ‫من ماء يف قنوات عند في�ضان النهر واحلبوب‬ ‫واملوا�شي كثرية جد ًا بحيث �إن اللنب وال�سمن‬ ‫ي�ستهلكان فيها بكيفية مفرطة لكن امللح قليل‬ ‫جد ًا لأنه ي�ستورد من نغزة البعيدة عن تنبكتو‬ ‫بنحو خم�سمائة ميل» ‪ -‬احل�سن بن حممد‬ ‫الوزان الفا�سي‪ :‬امل�صدر نف�سه ج‪� 2‬ص‪.166‬‬ ‫وي�صف ليو ق�صر وموكب وحا�شية �سلطان‬ ‫تنبكتو مبين ًا �إعجابه وذهوله مما ر�أى من‬ ‫جالل وثراء وكيف الكل م�سري لطاعته ويتابع‬ ‫ق��ائ ً‬ ‫�لا «ويف تنبكتو ع��دد كثري م��ن الق�ضاة‬ ‫والفقهاء والأئمة يدفع امللك �إليهم جميع ًا‬ ‫مرتب ًا ح�سن ًا ويعظم الأدب���اء ك��ث�ير ًا‪ .‬وتباع‬ ‫�أي�ض ًا خمطوطات كثرية ت�أتي من بالد الرببر‬ ‫وتدر �أرباح ًا تفوق �أرب��اح �سائر الب�ضائع» ‪-‬‬ ‫امل�صدر نف�سه �ص ‪.167‬‬ ‫ويذهب اب��ن ال���وزان يف مالحظاته الدقيقة‬ ‫وا�صف ًا �أهل تنبكتو قائ ًال‪« :‬وقد فطر �أهل تنبكتو‬ ‫على املرح وتعودوا على التجول يف املدينة بني‬ ‫ال�ساعة العا�شرة لي ًال والواحدة �صباح ًا وهم‬ ‫يعزفون على �آالت الطرب ويرق�صون‪ ،‬ولأهل‬ ‫املدينة ع��دد كثري من الرقيق ذك���ور ًا و�إن��اث�� ًا‬

‫يعملون يف خدمتهم‪ ،‬وكثري ًا ما تتعر�ض تنبكتو‬ ‫خلطر احلريق»‪.‬‬ ‫لقد ك��ان احل�سن ال��وزان منت�شي ًا مبا ر�آه يف‬ ‫تنبكتو‪ ،‬وقد قدم عنها و�صف ًا دقيق ًا �إىل احلد‬ ‫ال���ذي جعل بوفيل ي��ع��زي �شهرتها والبهاء‬ ‫املحيط بها �إىل ال�صورة الزاهية التي ر�سمها‬ ‫ليو الأفريقي لها يف القرن ال�ساد�س ع�شر ‪-‬‬ ‫بوفيل‪ :‬املرجع نف�سه �ص ‪ - 233‬وهي �صورة‬ ‫�أغرت الأوروبيني وفتحت �شهيتهم يف البحث‬ ‫عنها معدن ًا ذهبي ًا وعقدة موا�صالت جتارية‪،‬‬ ‫لهذا بادرت اجلمعية اجلغرافية الفرن�سية �سنة‬ ‫‪ 1827‬ب�إعالن جائزة مالية بقيمة ع�شرة �آالف‬ ‫فرنك فرن�سي لأول رحالة ي�صل �إىل تنبكتو‪.‬‬

‫« كاييه» وبعده كثريون‬

‫كان يف ال�ساد�سة ع�شرة من عمره حني غادر‬ ‫الفتى رينيه كاييه ‪Rene Caillie 1799 -‬‬ ‫‪- 1839‬م م�سقط ر�أ�سه مدفوع ًا ب�أمل �أن‬ ‫يكون �أول �أوروبي ي�صل �إىل تنبكتو‪ ،‬تنكر يف‬ ‫ثياب م�صرية وادعى الإ�سالم ثم توجه �إىل‬ ‫�سان �ألوي ‪ Saint-Louis‬ومنها �إىل تنبكتو‪.‬‬ ‫حيث دخلها عند مغيب ال�شم�س يف يوم ‪20‬‬ ‫�أبريل �سنة ‪1828‬م فكان بذلك �أول �أوروبي‬ ‫يدخلها وكان �أول ما �سطر يف مذكراته عنها‬ ‫«دخلت املدينة الغام�ضة وقد �أخذ ال�شك مني‬ ‫كل م�أخذ‪ »..‬ق�ضى �أ�سبوعني كاملني ي�سجل‬ ‫مالحظاته وكتب عنها ن�ص ًا جمي ًال يتدفق‬ ‫عاطفة رغم �أنه ُ�صدم عند ر�ؤيته الأوىل لها‬ ‫لدي فكرة تختلف‬ ‫حني قال‪« :‬كانت قد ن�ش�أت ّ‬ ‫كل االختالف عن جالل وثروة تنبكتو‪ ،‬فلم‬ ‫تقدم يل املدينة �سوى جمموعة من البيوت‬ ‫ال�سيئة املظهر واملبنية من الرتاب» ‪ -‬بوفيل‪:‬‬ ‫املرجع نف�سه ‪.251‬‬ ‫والواقع �أن املدينة قد �أ�صابها اخل��راب قبيل‬ ‫قدومه بقليل على يد بع�ض الطوارق‪ ،‬ورغم‬ ‫ذل��ك �سجل �إعجابه بها ومب�ستواها الثقايف‬ ‫الرفيع بقول‪« :‬كان ب�إمكان عبيد تنبكتو قراءة‬

‫املحلق الثقايف – �أيار – ‪ 2000‬م‪.‬‬ ‫وتوا�صلت بعد ذلك الرحالت اال�ست�شكافية‬ ‫الأوروبية �إليها‪ ،‬فبعد �سنتني زارها «امليجور»‬ ‫الرائد جوردون الجن الذي جاءها من طرابل�س‬ ‫مارا بتوات‪ ،‬ويف �سبتمرب عام ‪1853‬م و�صل‬ ‫الرحالة الأملاين باث �إليها ووجدها يف حالة‬ ‫رخاء ‪ -‬جوزفني كام‪ :‬امل�ستك�شفون يف �أفريقيا‬ ‫�ص ‪ 197‬ترجمة و تقدمي وتعليق د‪ .‬ال�سيد‬ ‫يو�سف ن�صر ط‪1983 - 1‬م دار املعارف –‬ ‫م�صر‪ -‬و�شاهد �أن مثقفيها «كانوا ينع�شون‬ ‫الثقافة يف جميع �أرجاء البالد‪ ،‬يف ال�ساحل‬ ‫امل��وري��ت��اين ويف تادمكا ويف ك�بري��ات امل��دن‬ ‫الهاو�سية ويف كا�ستينا‪ ،‬وامتد عملهم جنوب ًا‬ ‫بوا�سطة �أطباء «جنة» الذين كانوا تالمذتهم‬ ‫عامة» ‪� -‬سيكيني م��ودي �سي�سوكو‪ :‬املرجع‬ ‫نف�سه ���ص ‪ - 267‬ويف �سنة ‪1880‬م نزلها‬ ‫الدكتور لينز و�سجل عنها مالحظات يف قمة‬ ‫الروعة ‪ -‬حممد عبدالفتاح �إبراهيم‪ :‬املرجع‬ ‫نف�س �ص ‪.114‬‬ ‫و�إذا كان الرحالة العرب قدموا �إىل تنبكتو‬ ‫لت�سجيل منجز ح�ضاري كان ثمرة تاريخ طويل‬ ‫من التوا�صل واحلوار واملثاقفة بني التقاليد‬ ‫الأف��ري��ق��ي��ة وال��ث��ق��اف��ة ال��ع��رب��ي��ة الإ���س�لام��ي��ة‬ ‫و�سجلوا مالحظاتهم ذاكرة حتفظها الأجيال‬ ‫منوذج ًا فذ ًا للحوار احل�ضاري ف�إن الرحالة‬ ‫الغربيني ج���اءوا م��دف��وع�ين برغبة ال�ثراء‬ ‫امل���ادي وغ��اي��ة اال�ستك�شاف ق�صد التمهيد‬ ‫لل�سيطرة واالحتالل‪« :‬فكان عملهم مفقر ًا‬ ‫يف امليادين االقت�صادية والثقافية على حد‬ ‫�سواء يف فرتة ما قبل اال�ستعمار ‪� -‬سيكيني‬ ‫م��ودي �سي�سوكو‪ :‬املرجع نف�سه �ص ‪- 267‬‬ ‫وكان الأداة الأوىل لعهد من القهر والظلم‬ ‫�أدخ��ل تنبكتو ومعها ال��ق��ارة جمعاء يف ليل‬ ‫ا�ستعماري دام�س مل ينجل �إال بعد عقود من‬ ‫الكفاح على �صعد �شتى‪ ،‬فكيف نا�ضلت تنبكتو‬ ‫من �أجل االنعتاق؟ وهل ا�ستطاعت �أن ت�ستعيد‬ ‫مكانتها التاريخية حتى الآن؟ �أ�سئلة �أح�سب‬ ‫الإجابة عليها ت�صيب املرء بنوبة جديدة من‬ ‫التنهدات‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪74‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫«مازار متبكتو فا�سق �إال تاب»‬

‫جوهرة الصحراء‬ ‫وعنقاء الساحل‬ ‫احل�سني ولد حميد‬ ‫باحث من موريتانيا‬

‫لي�ست امل�شكالت التي يعي�شها اليوم �شمال مايل وليدة �صدفة‪ ،‬و�إمنا هي حم�صلة عوامل‬ ‫خمتلفة‪ ،‬منها ما هو جغرايف ومنها ما هو تاريخي ومنها ما هو �سيا�سي‪ ،‬فوجود هذا الإقليم‬ ‫عند نهاية املجال العربي الأمازيغي من جهة‪ ،‬وبداية املجال الإفريقي من جهة‪ ،‬واالمتعا�ض‬ ‫امل�ستمر ل�ساكنته من العرب والأمازيغ وال�سونغاي من دولة مايل املركزية‪ ،‬واتهامهم لها‬ ‫بتهمي�ش �إقليمهم وتركه متخلفاً‪ ،‬كل هذه العوامل بالإ�ضافة �إيل عوامل �إقليمية �أخري‪ ،‬مثل‬ ‫قيام الثورة يف ليبيا‪� ،‬أدت �إيل جناح الثورة التي قام بها �سكان �إقليم ازواد والتي كانت ح�صيلة‬ ‫لتحالف مرحلي بني �سكان ازواد العرب والأمازيغيني والقاعدة من جهة �أخري‪ ،‬وهو الأمر‬ ‫الذي �أدي �إيل �سقوط جميع الإقليم ب�أيديهم يف وقت قيا�سي‪.‬‬


‫تقول األسطورة إنه ما‬ ‫زار «تمبكتو»زائر إال رجع‬ ‫وب�ع��د تك�شف امل���ش�ه��د‪ ،‬ظ�ه��ر �أن‬ ‫الفاعل إليها وال أتاها مريض إال‬ ‫الرئي�س يف الإقليم لي�ست جبهات ازواد‬ ‫و�إمن ��ا ه��و تنظيم ال �ق��اع��دة ال ��ذي ب�سط شفي وال فاسق إال تاب‬

‫نفوذه يف �أغلب مدن الإقليم‪ ،‬مثل مدينة‬ ‫تيمبكتو وغ ��او ح�ي��ث ب ��د�أ �أف� ��راد تنظيم‬ ‫القاعدة بت�سيري �ش�ؤون املدينتني‪.‬‬ ‫لكن فج�أة‪ ،‬انتقل دور التنظيم �إيل الأموات‪،‬‬ ‫وذل��ك بتحطيم بع�ض الأ�ضرحة القدمية‬ ‫التي طاملا �شكلت ج��زءا من تفرد و�شهرة‬ ‫وروح املنطقة مثل جامع و�ضريح �سيدي‬ ‫يحي‪ ،‬و�سيدي حممود بن عمار‪ ،‬و الفا مويا‪.‬‬

‫�أ�ضرحة حامية‬

‫من املعروف �أن تيمبكتو ت�ضم كما يقال‬ ‫‪�� 333‬ض��ري�ح� ًا‪ ،‬بع�ض ه��ذه الأ��ض��رح��ة يف‬ ‫امل��دي �ن��ة‪ ،‬وبع�ضها يف ��ض��واح��ي امل��دي�ن��ة‪،‬‬ ‫وهناك رواية لطيفة حتكي �أن �ستة ع�شر‬ ‫�ضريح ًا من هذه الأ�ضرحة حتمي املدينة‬ ‫م��ن ال���ش��رور‪ ،‬ويف ظ�لال ال��رواي��ة نف�سها‬ ‫ي�ق��ال �إن ال�ب��اب ال�شمايل مل�سجد �سيدي‬ ‫يحي «املعروف بباب القيامة» لن يفتح قبل‬ ‫يوم القيامة‪ ،‬وكلها رواي��ات باتت من قبيل‬ ‫الفلكلور والأدب ال�شعبي املتداول بني �سكان‬ ‫املدينة‪ ،‬كما �أن هذه الق�ص�ص عملت كعنا�صر‬ ‫جذب لل�سياحة يف كثري من الأحيان‪.‬‬ ‫من هنا يبدو اخلط�أ وا�ضح ًا يف قيا�س هذه‬ ‫الأ�ضرحة علي الأوثان التي كانت موجودة‬ ‫يف الزمن اجلاهلي‪ ،‬فهو قيا�س غري �سليم‪،‬‬ ‫لأن علة بناء تلك الأوثان �إمنا هو العبادة‬ ‫ف�ق��ط‪ ،‬بينما ه��ذه الأ� �ض��رح��ة ه��ي مقابر‬ ‫لعلماء وم�شايخ يتمتعون يف نفو�س العامة‬ ‫بنوع من التقدير‪ ،‬ويف �أق�صي احلاالت يتم‬ ‫التربك بهم‪ ،‬وهذا يختلف عن العبادة التي‬ ‫هي هلل وحده علي عباده‪ ،‬وحتى �إن انزلق‬ ‫بع�ض العوام �إيل اعتقاد ال�ضرر والنفع يف‬ ‫هذه الأ�ضرحة –وهو �أمر وارد احل�صول‬ ‫و�إن كان نادر ًا‪ -‬فلي�س من املقبول حتطيم‬ ‫هذه الأ�ضرحة بتلك احلجة لأن الأحكام ال‬ ‫تبنى علي اال�ستثناء‪ ،‬كما �أن تغيري الأفكار‬ ‫وال �ق �ن��اع��ات ه��و الأ� �س��ا���س يف ال�ت��وا��ص��ل‬ ‫الإن�ساين ولي�س الهدم والتخريب‪.‬‬

‫وبالتايل ف�إن حتطيم هذه الأ�ضرحة كان‬ ‫خ �ط ��أ ل �ع��دة �أ� �س �ب��اب‪ ،‬لأن ال�ت�ح�ط�ي��م قد‬ ‫ي�أتي بنتائج عك�سية‪ ،‬وك��ان الأوىل تعليم‬ ‫ه ��ؤالء ال�ع��وام دون انتقا�ص م��ن التقدير‬ ‫واالح��ت ��رام امل �ط �ل��وب ل��ه��ذه الأ� �ض��رح��ة‬ ‫باعتبارها تراث ًا �إن�ساني ًا ي�شهد على حقب‬ ‫زمنية ما�ضية‪ .‬كما �أن التجربة �أفادت �أن‬ ‫حتطيم بع�ض الأ�ضرحة واملراقد مل يفد‬ ‫�شيئ ًا وانتهي الأم��ر �إىل حتطيم وتفجري‬ ‫امل���س��اج��د وامل���ص�ل�ين‪ ،‬و�أدى �إيل تر�سيخ‬ ‫ثقافة التحطيم والتحطيم امل�ضاد‪.‬‬ ‫�أنا هنا ال �أكتب كباحث فقط‪ ،‬و�إمنا ك�شاهد‬ ‫وك �م �ع �ن��ي ب��امل��و� �ض��وع؛ ف �م��دي �ن��ة تيمبكتو‬ ‫تقع �ضمن امل�ج��ال التاريخي واجل�غ��رايف‬ ‫ملوريتانيا‪ ،‬وج��ل الأ�ضرحة امل��وج��ودة بها‬ ‫هي لعلماء موريتانيني‪ ،‬فال�شريف �سيدي‬ ‫يحيي ول��د زك��ري��ا (��ص��اح��ب ج��ام��ع �سيد‬ ‫ي�ح�ي��ي) ال ��ذي ك��ان وري ��ث ح�ك��م منطقة‬ ‫ت ��ارودان ��ت‪ ،‬ت��رك احل�ك��م ب�ه��ا وذه ��ب هو‬ ‫واب��ن �أخيه �سيد علي �إيل �إقليم �شنقيط‬ ‫املوريتاين‪ ،‬وبعد �أن عا�ش و�أجن��ب جميع‬ ‫�أب�ن��ائ��ه يف الإق�ل�ي��م امل��وري �ت��اين ت��وج��ه �إيل‬ ‫تيمبكتو ومات بها‪.‬‬ ‫�أما ال�شيخ �سيد املختار ولد �أحمد الكنتي‪،‬‬ ‫الذي هو �أب��رز م�شايخ الطريقة القادرية‬ ‫يف تلك املنطقة‪ ،‬ف�أغلب �أبنائه وتالمذته‬ ‫يعي�شون الآن يف موريتانيا‪ ،‬ونف�س ال�شيء‬ ‫ينطبق علي ال�شيخ �سيد حممود بن عامر‬ ‫و�سيد حممد ولد بوكو العلوي ال�شنقيطي‪.‬‬

‫�أ�سطورة متبكتو‬

‫لكني‪ ،‬وم��ع تزايد امل�شكالت واملحن علي‬ ‫تيمبكتو من حيث اجلفاف املزمن الذي‬ ‫تعي�شه‪ ،‬واالق�ت�ت��ال ال��دائ��م ون��ذر احل��رب‬ ‫ال�شاملة التي تلوح يف الأفق بني اجلماعات‬ ‫الدينية وح��رك��ات حترير ازواد من جهة‬ ‫ودول� ��ة م ��ايل امل��رك��زي��ة ودول ال���س��اح��ل‬

‫الأخرى من جهة �أخري‪� ،‬أجدين ال �أخ�شى‬ ‫علي تيمبكتو (جوهرة ال�صحراء)‪ ،‬فما‬ ‫�أكرث ما حتطمت وما �أكرث ما خرجت من‬ ‫حطامها �أق��وي‪ .‬حطمها ملك ال�سونغاي‬ ‫(���س��ن��ي ع��ل��ي ب� ��ر) ودم�� ��ر �أ� �ض��رح �ت �ه��ا‬ ‫ومكتباتها‪ ،‬ثم خرجت من حتت الرماد‬ ‫وه��ي �أق��وى‪ ،‬ثم حطمها اجلي�ش ال�سعدي‬ ‫ال ��ذي �أر� �س �ل��ه امل�ن���ص��ور ال��ذه�ب��ي بقيادة‬ ‫البا�شا ج��ؤذر الذي ترك املدينة �أنقا�ض ًا‬ ‫وق��ام بتدمري مكتباتها و�أ�ضرحتها وقتل‬ ‫الكثري من علمائها ثم خرجت وهي �أقوي‬ ‫وذاب البا�شا ج ��ؤذر وجي�شه ال��ذي عرف‬ ‫برماة املغرب يف م�شهدها‪.‬‬ ‫وتبقي مدينة جوهرة ال�صحراء التي تقول‬ ‫الأ� �س �ط��ورة �إن��ه م��ا زاره ��ا زائ��ر �إال رج��ع‬ ‫�إليها وال �أتاها مري�ض �إال �شفي‪ ،‬وال فا�سق‬ ‫�إال ت��اب‪ ،‬تعي�ش يف و�شاحها ال�صحراوي‬ ‫م�أ�ساتها ج��زء من قدرها كتب عليها �أن‬ ‫تتحطم وكتب لها �أن تنه�ض وهي �أق��وى‪،‬‬ ‫فلقد كانت دوم � ًا �أع�ظ��م بحطامها منها‬ ‫ب �ع �م��ران �ه��ا‪ ،‬ت �ع��دده��ا الإث��ن��ي ك ��ان دوم� � ًا‬ ‫ج��زءا م��ن م�أ�ساتها وج��زءا م��ن ثرائها‪،‬‬ ‫وج��وده��ا املف�صلي ب�ين ال���ش�م��ال ببي�ضه‬ ‫واجل�ن��وب ب�سوده وب�ين ال�صحراء �شما ًال‬ ‫والغابات جنوب ًا طاملا زادها جما ًال و�سحر ًا‬ ‫وا� �س �ت �ع �� �ص��اء‪ ،‬ال ت�خ���ش��ى ع �ل��ي �أح�ي��ائ�ه��ا‬ ‫وال علي �أم��وات �ه��ا و�أ��ض��رح�ت�ه��ا فهي كلما‬ ‫اح�ترق��ت خ��رج��ت م��ن حت��ت ال��رم��اد وهي‬ ‫�أقوي‪� ،‬إنها عنقاء ال�ساحل‪ ،‬بل رمبا كانت‬ ‫تلك امل�آ�سي التي عا�شتها وتعي�شها اليوم‬ ‫ج��زءا من لغزها ال��ذي طاملا ج��ذب �إليها‬ ‫الرحالة من �أق�صي العوامل‪.‬‬ ‫فتحطيم تلك الأ�ضرحة لن يفيد فاعليه يف‬ ‫�شيء‪ ،‬والدين الإ�سالمي بعظمته الميكن �أن‬ ‫ُيختزل يف حتطيم �ضريح �أو تعزير �شارب‬ ‫دخان‪ ،‬هو منهج حياة وفهم لها‪ ،‬و�ضوابط‬ ‫و�أح�ك��ام ونظام‪ ،‬منها ما هو ثابت بالن�ص‬ ‫وم�ن�ه��ا م��ا ه��و متغري بح�سب امل�ستجدات‬ ‫والأحداث و�أحوال الأمة و�إكراهات الواقع‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪76‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬


‫املحكي�شعرا ً‬ ‫ملف ال�شعر ال�شعبي‬

‫تغنّوا بالحب وبالوطن وأمجاده‬ ‫ابن فنه والمشيخي والشعيبي في ضيافة اتحاد الكتاب‬

‫�أبوظبي – تراث‬

‫ال�شعراء حممد �سعيد امل�شيخي‪ ،‬و�سعيد بن فنه اجلنيبي‪ ،‬وخالد علي ال�شعيبي كانوا �ضيوف الأم�سية ال�شعرية التي‬ ‫نظمتها جماعة ال�شعر ال�شعبي باحتاد كتاب و�أدباء الإمارات‪ ،‬يف مقره يف �أبوظبي نهاية ال�شهر الفائت‪ ،‬وهي الأم�سية التي‬ ‫قدمها ال�شاعر خالد طاهر الها�شمي‪ ،‬وحظيت بح�ضور نوعي مميز جتاوب مع خمتارات ال�شعراء الثالثة الذين حلقوا‬ ‫بن�صو�صهم يف ف�ضاءات الق�صيدة املحكية ب�أغرا�ضها العديدة من غزل وفكاهة وق�صائد يف حب الوطن والتغني ب�أجماده‪.‬‬ ‫املحكي �شعر ًا‪ ،‬تفتح بابها هذا العدد للتعريف بال�شعراء الثالثة من خالل ن�صو�ص خمتارة من �إبداعاتهم‪.‬‬ ‫لإر�سال ق�صائدكم‪ ،‬م�شاركاتكم ومالحظاتكم‪:‬‬

‫الربيد الإلكرتوين‪turathmag1@gmail.com :‬‬ ‫الفاك�س‪009712 6582282 :‬‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪78‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫الشاعر ‪:‬‬ ‫سعيد بن فنه الجنيبي‬

‫‪ -1‬صقر اإلمارات‬ ‫� � � �س �ل ��ام ي� � � ��ا � � �ص � �ق� ��ر وزع � � � �ي� � � ��م الإم� � � � � � � � ��ارات‬ ‫خ� � �ي� ��ر اخل � � � �ل� � � ��ف ل � � � �ل � � ��دول � � ��ة ال � �ي � �ع � ��رب � �ي � ��ه‬ ‫ال� � ��� � �ش� � �ي � ��خ ب � ��و�� � �س� � �ل� � �ط � ��ان رج � � � � ��ل امل � �ه � �م � ��ات‬ ‫يل ف� �ح� ��� �ض ��رت ��ه ن� ��� �ض ��رب �� �س� �ل ��وط ال �ت �ح �ي��ه‬ ‫يف ع � � �ي � ��دك � ��م ج� � �ي� � �ن � ��ا ن � � ��زك � � ��ي ال � �ت � �ح � �ي� ��ات‬ ‫ون � � � �ع� � � ��اه� � � ��دك م � � � � ��ادام � � � � ��ت ال� � � � � � � � ��روح ح� �ي ��ه‬ ‫ل� � ��ك ب � � ��الأم � � ��ر ت � ��ام � ��ر �إذا ج� � ��ت � � �ش� ��دي� ��دات‬ ‫ا ْن� � � � � � � ��دك رو� � � � � � ��س ال � � � �ق� � � ��وم ل� � � ��و ه� � � ��ي ردي� � � ��ه‬ ‫�أب � � �� � � �ش� � ��ر ب � �� � �س � �ع� ��دك ن � ��رت� � �ق � ��ي ْل� � �ط � ��وي �ل��ات‬ ‫م� � � � � � � � ��ادام ب � � ��وخ � � ��ال � � ��د ورا ال � �ع � �� � �س � �ك� ��ري� ��ه‬


‫‪ -2‬طيرين في عش‬ ‫�أح � �ي � �ـ � �ـ � �ـ ��ان ن �ب �ع �ـ �ـ��د ل �ك �ـ �ـ ��ن احل � �ـ � �ـ ��ب م��وج �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ود‬ ‫ن� �ـ ��زع� �ـ ��ل ون �ـ ��ر� �ض �ـ �ـ ��ى ث� �ـ ��م ن �ع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ود �إن �ت �ب��اع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬ ‫ي �ع �ن �ـ �ـ��ي م� �ـ� �ـ ��رد ال �ط �ي �ـ �ـ �ـ��ر ا ْل� �ع� ��� �ش� �ـ� �ـ ��ه اي �ع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ود‬ ‫و�أن� �ـ� �ـ� �ت ��ه وان� �ـ� �ـ� �ـ ��ا ط �ي �ـ �ـ �ـ��ري �ـ �ـ��ن يف ع �ـ �ـ ����ش واح �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬ ‫ت �ـ �ـ��رق �ـ��ى ل �ع �� �ش �ـ��ك ت �ل �ق �ـ��ى ه��ال �ـ �ح �ـ��ب م �ع �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ود‬ ‫و�أرق � �ـ � �ـ� ��ى ل �ع �ـ �� �ش �ـ �ـ �ـ��ي ل �ـ �ـ��ك و�أل� �ق� �ـ� �ـ� �ـ ��اك ق��اع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬ ‫ون� �ط� �ي� �ـ� �ـ ��ر يف ع �ل �ي �ـ �ـ �ـ��ا امل �ح �ب �ـ �ـ �ـ ��ه ب �ـ �ـ �ـ �ـ�ل�ا ح �ـ �ـ �ـ ��دود‬ ‫ون �ع �ي �ـ ����ش ن �ـ��ر� �س �ـ �ـ��م �� �ش� �ـ ��وق يف ح �ـ �ـ �ـ��ب واع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬ ‫وال � �ش �ف �ت �ن �ـ��ي �أب� �ع� �ـ� �ـ ��د وك� �ث� �ـ� �ـ� �ـ ��رة ال �� �ص �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��دود‬ ‫�أق �ي �ـ �ـ �� ��س ن �ب �ـ �ـ ����ض ال �� �ش �ـ �ـ �ـ��وق وال� �ل� �ـ� �ـ ��ه � �ش��اه �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬ ‫واحل� �ـ� �ـ ��ب ب �ي �ـ �ـ��ن اث �ن �ي �ـ �ـ��ن ه� �ـ ��و ط �ف �ـ �ـ��ل م��ول �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ود‬ ‫وال� �ب� �ع� �ـ� �ـ ��د ن �ف �� �س �ـ �ـ��ه � �ص �ـ �ـ �ـ��ار ل �ل �ح �ـ �ـ �ـ��ب وال �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬ ‫وم� �ه� �م� �ـ ��ا اب� �ت� �ع ��دن� �ـ ��ا ي � ��ا ب �ع �ـ �ـ��د �� �س� � ّي� �ـ ��د اخل �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ود‬ ‫ال ب �ـ �ـ �ـ ��د ت �� �ش �ت �ـ �ـ �ـ��اق ال� �ق� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ل ��وب ون �ع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��اود‬ ‫ه � �ـ � �ـ ��ذا �أن � �ـ � �ـ� ��ا � �ش �ف �ـ �ـ �ن��ي وح��ام �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ل �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ك �أورود‬ ‫راج� � �ـ � ��ع م � �ـ � �ـ � � َع � �ش��وق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي وال ال ت �ب �ـ �ـ��اع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬ ‫� �ص �ح �ي �ـ �ـ��ح ن� ��زع� ��ل ل �ك �ـ �ـ��ن احل� �ـ� �ـ� �ـ ��ب م��وج �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ود‬ ‫ون� �ع� �ـ� �ـ ��ود ف � ��الآخ � �ـ � ��ر ع� �ل� �ـ ��ى ع �ـ �ـ �ـ �ـ ����ش واح �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪80‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫‪ -3‬همِ م وإصرار‬ ‫ت ��اخ ��ذين ال��دن �ي �ـ �ـ �ـ��ا وال �� �س �ن �ي �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ن ت��ذك�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ار‬

‫وت � ْت �ج��اه �ـ �ـ �ـ��ل �أق �ـ �ـ��دام �ـ �ـ��ي دروبٍ ع��دي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ده‬

‫ل� ��ن احل �ي �ـ �ـ ��اة ال �ف ��ان �ي ��ه وج �ـ �ـ �ـ��ه م�ع�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ار‬

‫ب�ي�ن ال�ع�ق�ـ�ـ�ـ��ول ال�ن��ا��ض�ج�ـ�ـ�ـ�ـ��ه وال�ب�ل�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ده‬

‫م��اط �ي �ـ �ـ��ح ل ��و ك� ��ان ال� �ق ��در ري� ��ح وع�ـ���ص�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ار‬

‫ل ��ن احل� �ي� �ـ ��اة ْب� �ـ� �ـ ��دون ع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��زه زه�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ده‬

‫ي ��ام ��ا غ � ��در م � ��وج ال �ب �ح��ر وج �ـ �ـ �ـ �ـ��ه ب� ّ�ح�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ار‬

‫ك ��� ّ�س �ـ �ـ �ـ �ـ��ر جم ��ادي� �ف ��ه وج �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��دف ب ��إي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ده‬

‫م��ا ق ��ول � �ض��اق �إب� � َ�ي ال�ف���ض��ا وال�ع�م�ـ��ر جــــــار‬

‫واحل� ��ظ ��ض��اي�ـ�ـ�ـ��ع م��ا ق�ـ�ـ�ـ�ـ��درت �أ�ستعيـــــــده‬

‫�أب � �ن� ��ي ع ��زاي �ـ �ـ ��م ه �م �ت �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي � �س �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ا���س ودوار‬

‫وم � ��ارد ع ��ن ك���س�ـ�ـ��ب ال �ف �ع��ول التليــــــــــــده‬

‫�أع �� �ص��ر ع ��زم و�أ�� �ش ��رب م��ن ال �ه �م��ه �أم�ط�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ار‬

‫و�أن �ف ����ض ق�ي��م ت�ب�ق��ى امل�ع��ان�ـ�ـ�ـ��ي الفريـــــــــده‬

‫َم � ْب �ن��ي ط �ـ �م �ـ��وح �إال وي �ج �ـ��ي ق�ب�ل��ه �إ��ص�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��رار‬

‫و َم � ْرم �ـ��ي ه�ـ�ـ��دف �إال و��ض��ام�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ن �أ�صيــــــده‬

‫�إ� �س �ع �ـ��ى وع �ي ����ش ْ‬ ‫وغ� �ن ��م ب �ك �ـ��ل م���ش�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��وار‬

‫ح �ت��ى ول� ��و ��ش�م����س الأم��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي ب�ع�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ده‬

‫ا� �ص �ن��ع جن� ��اح امل �ج��د م ��ن ج �م �ل��ة �أ� �ض �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��رار‬ ‫ي� ��ا ك� ��م من �ل �ـ �ـ �ـ �ـ��ه ت �ب �ن �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي ْل �ق��وم �ه �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ا دار‬

‫رب� ��ى ت �ك��ن �أ� �ض �ـ �ـ �ـ �ـ��رار جم �ـ �ـ �ـ��دك م�ف�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ده‬ ‫ومت �� �ش��ي ع �ل �ي��ه ال �ن��ا���س ت��رج�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ع ت�ع�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ده‬

‫وال � �ي� ��وم ب�ي�ن ال� �ع ��زم وال �ع��ال �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��م ج�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��دار‬

‫م ��ا ع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��اد ب ��اق ��ي ل �ل �ع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��زوم ال���ش��دي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ده‬

‫�أح � �ـ� ��دٍ ي �ـ �ـ ��دور ل�ل�ك���س�ـ�ـ��ل ��ص�ف�ح�ـ�ـ��ة �أع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ذار‬

‫ول ��ه ب��ال �ع��ذر ك��ل ي ��وم �صفحـــــة جديــــــده‬

‫وال �ن ��ا� ��س ت �ط �م��ح ل �ك��ن اب �ـ �ـ �ـ �ـ��دون �إ��ص�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��رار‬ ‫�أ� �ض �ع��ف م� � َث ��ل‪� � :‬ش��اع��ر وج �م��ع ل ��ه �أف�ك�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ار‬

‫وت �ي ��أ���س م��ن �أت �ع ��اب ال��زم�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ان العنيـــــــده‬ ‫و�إذا ت �ع��ب يف ب �ي �ـ��ت ع�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��اف ال�ق���ص�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ده‬


‫الشاعر ‪:‬‬ ‫خالد علي الشعيبي‬

‫‪ -1‬خلي الشعر‬ ‫خلال�شعريا�صاحبيوا�سمعمن�أبياتالق�صيد‬

‫ال ت �ن �ب �ه��ر ب��امل �� �ش �ك �ل��ة وال ب �ح ��ل امل �� �ش �ك �ل��ه‬

‫ال�سالفة اكرب من انها بيت �صاحبه ال�سعيد‬

‫ال� ��� �س ��ال� �ف ��ة ذرة رم� � � ��اد ب� �ج ��وه ��ا م �ت �ح �ل �ل��ه‬

‫ما دام راعيها رف�ض ما يقول لك غري املفيد‬

‫خ��ذ م��ن ك�ل�ام ال ��در وات�ن� ّق��ى ع���ص��ار خميله‬

‫جاءتك بالإيد م�سلمة او جابها �ساعي الربيد‬

‫ر��س��ال� ٍة تا�صلك م��ن في�ض امل�شاعر مر�سله‬

‫الأول� ��ة ح�ب��ة خ�شم فيها ول��و ك��ان��ت ب��الإي��د‬

‫وال �ث��ان �ي��ة وق� ��ع ع�ل�ي�ه��ا دام م��اه��ي مهمله‬

‫عنوانها وا��ض��ح لعني ال�ل��ي ق��راه��ا بالوريد‬

‫كنها ثيابٍ دون طلبه و�سط �صيف مف�صله‬

‫م��دون��ه خ��ط ال�ق�ل��م ف�ي�ه��ا ذه ��ب وال ج��دي��د‬

‫ع � �ب ��ارة ث� � ��ارت ع �ل �ي �ه��ا ب��ال �ع �ق��ول الأ� �س �ئ �ل��ه‬

‫امل �ب ��دع ايل � �ص��اغ م�ن�ه��ا �أ� � �س ��ورة وال ن�شيد‬

‫وامل� �ب ��دع ال �ل��ي دل درب ال �ت��اي��ه بال�سل�سله‬

‫ترنيمة البلبل ب�أقفا�ص م�صوغه من حديد‬

‫ت�شبه ت��ران�ي�م��ه ب��أق�ف��ا���ص ال��زج��اج امل��ذه�ل��ه‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪82‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫‪ -2‬إماراتي‬ ‫ع � � � �ل� � � ��ى ذك� � � � � � � � � ��رك ن � � �ف � � �� � � �ض� � ��ت غ � � � � �ب� � � � ��ار ري� � ��� � �ش � ��ي‬ ‫ط � � � �ل � � � �ي� � � ��ب امل � � � � � �ج� � � � � ��د وال� � � � � �ع� � � � � �ل� � � � � �ي � � � � ��اء وال � � � � �ع � � � ��ز‬ ‫ي� � � ��� � � �ش � � ��وق� � � �ن � � ��ي ال� � � �ق� � � ��� � � �ص� � � �ي � � ��د وم � � � � � � � ��ا ت� � � ��� � � �ش� � � � ّوق‬ ‫ب � � � � � �ل � � � � ��ادي ي� � � � � � ��ا رب � � � � � � � � ��ى الأوط� � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ان ك� � �ل� � �ه � ��ا‬ ‫ح � � � � �ف� � � � ��رت ا� � � � �س � � � �م� � � ��ج ع � � � �ل� � � ��ى ق� � � �ل� � � �ب � � ��ي وازه� � � � � � � ��ر‬ ‫اط � � � � � � � �ع� � � � � � � ��ت اهلل ف� � � � � � �ي � � � � � ��ج ب� � � � � � �ق � � � � � ��و دي � � � � �ن � � � ��ي‬ ‫ام � � � � � � � � � ��ارات � � � � � � � � � ��ي وع � � � � � � � � �ن� � � � � � � � ��واين ال� � � �ت� � � ��� � � �س � � ��ام � � ��ح‬ ‫ت� � � � � � � � � ��رى االن� � � � � � ��� � � � � � �س � � � � � ��ان اخ � � �ل � ��ا� � � � � � �ص � � � � ��ه مي� � �ث � ��ل‬ ‫ع � � � �م � � � �ل� � � ��ه ال � � � � � �ل� � � � � ��ي م � � � � �ن � � � ��ه ق � � � � � � � � ��وت ل � � �ع � � �ي� � ��ال� � ��ه‬ ‫ب � � � � � �ن � � � � � ��اء اج� � � � � � � �ي � � � � � � ��ال ب � � � � � ��اج � � � � � ��ر والأم� � � � � � � � ��ان� � � � � � � � ��ه‬ ‫� � � � � � � �ص� � � � � � ��راع� � � � � � ��ات احل� � � � � � � ��� � � � � � � �ض � � � � � � ��ارات امب � � � � � � � � � ��ودة‬ ‫� � � � � � � �س � � �ل � � ��ام اهلل ع� � � � � �ل � � � � ��ى ذك � � � � � � � � � � � � � � ٍر ل � � � � ��زاي � � � � ��د‬ ‫اب � � � � � � ��ون � � � � � � ��ا ال� � � � � � � �ع � � � � � � ��ود يل خ � � � � �ل� � � � ��ف خ� � �ل� � �ي� � �ف � ��ة‬ ‫وق � � � � � � ��اي � � � � � � ��دن � � � � � � ��ا �إىل امل � � � � � � �ج� � � � � � ��د امل � � � �خ � � � �ل� � � ��د‬ ‫ي� � � � �غ� � � � �� � � � ��ض اب� � � � � � � � � �ن � � � � � � � � ��ورة ان� � � � � � � � � � � � � � � ��وار ال� � �ث � ��ري � � � � ��ا‬ ‫اذا مب� � � � � ��دح� � � � � ��ه م � � � � � � ��ا ت � � � �ك � � � �ف� � � ��ي ق � � �� � � �ص � � �ي� � ��دة‬ ‫واذا ب� � � � � � � � � � � ��اذم م � � � � � � ��ن ي � � � � �ف� � � � ��دي� � � � ��ه غ� � ��� � �ص� � �ب � ��ه‬ ‫ول � � � � � �ك � � � � � �ن� � � � � ��ي ح� � � � ��� � � � �ش� � � � �م � � � ��ت مي � � � �ي � � � ��ن ت � � �ع � � �ط� � ��ي‬ ‫ت � � � �� � � � �ش � � � �ب � � � �ه� � � ��ت اب� � � � � �ح� � � � � �ل � � � � ��م ق� � � � � � ��اي� � � � � � ��د وق � � � �م� � � ��ة‬ ‫ع � � � �ظ � � � �ي � � � �م� �ي� ��ن امل� � � � � � �ج � � � � � ��د ه� � � � � � � ��م �آل زاي� � � � � � � ��د‬ ‫ف � �ل � ��ا‪ ‬ج � � � ��اب � � � ��ت ب� � � � �ط � � � ��ون الأر�� � � � � � � � � � � ��ض � � �ش � �خ � ��� ٍ��ص‬ ‫ت� � � � �ع � � � ��م اف � � � �� � � � �ض� � � ��ال � � � �ه� � � ��م � � � � �ش � � � �ب� � � ��ه اجل� � � � � ��زي� � � � � ��رة‬ ‫�أال ي� � � � � � ��ا رم � � � � � �ل� � � � � ��ة ال � � � �� � � � �س � � � �ب� � � ��ع ال � � � �ك� � � ��رمي� � � ��ة‬ ‫وح � � � � � � �ن� � � � � � ��ا ه � � � � � � � ��ل اب � � � � � ��وظ� � � � � � �ب � � � � � ��ي احل� � � �ب� � � �ي� � � �ب � � ��ة‬ ‫�أق � � � � � � � � � � � � � � � ��ول مب� � � � � �ل � � � � ��ئ ف� � � � � � ��اه� � � � � � ��ي دام ع � � � � ��زج‬

‫وم � � � � � ��دي � � � � � ��ت ب� � � ��� � � �س� � � �م � � ��اك اق � � � �� � � � �ص� � � ��ى ج � � �ن � ��اح � ��ي‬ ‫ورف � � � � � � � ��ع ا�� � � �س� � � �م � � ��ج م� � � � ��ا ب � �ي � ��ن ك � � � �ف � � � ��وف راح� � � � ��ي‬ ‫ل � � � � �ب � � � � �ن� � � � ��تٍ � � � � � � �س� � � � � ��ال ب� � � � ��اي� � � � ��دي � � � � �ه� � � � ��ا ق� � � � ��راح� � � � ��ي‬ ‫و ي� � � � � � ��ا غ� � � � � �ي � � � � ��دٍ ب � � � � ��ري � � � � ��ح امل� � � � ��� � � � �س � � � ��ك ف � � ��اح � � ��ي‬ ‫م � � � ��ا ب � �ي� ��ن ا� � � �ض � � �ل� � ��وع� � ��ي ال � �ب � �ي � �� � �ض � ��ا ان� � ��� � �ش � ��راح � ��ي‬ ‫واخ � � �ل � � ��ا� � � � � � � �ص� � � � � � ��ي وح� � � � � � �ب � � � � � ��ي واب� � � � �ك� � � � �ف � � � ��اح � � � ��ي‬ ‫اع � � � � � � �ق� � � � � � ��د ع� � � � � � � � � � � � � ��زوم ح� � � � � �ي � � � � ��ا ع� � � ��ال � � � �ف� �ل� ��اح� � � ��ي‬ ‫وف � � � � � � � � � � � � � � ��اءه ل � � � �ل � � � �ع � � � �ل � � ��م الل � � � � � �� � � � � � �ص� � � � � ��در ب � � ��اح � � ��ي‬ ‫وواج � � � � � � � � �ب� � � � � � � � ��ه امب � � � � �� � � � � �س� � � � ��ى وال � � � �ص � � �ب� � ��اح� � ��ي‬ ‫ع� � � � � �ل � � � � ��ى اع� � � � � �ن � � � � ��اق� � � � � �ن � � � � ��ا � � � � � � � �س� � � � � � ��وت م� � � �ن � � ��اح � � ��ي‬ ‫وال� � � � � � � � � � � �ي � � � � � � � � � � ��اذات م� � � � ��رف � � � � �ي� � � � ��ت ال � � � ��و�� � � � �ش � � � ��اح � � � ��ي‬ ‫� � � �س � � �ق� � ��ى اهلل ق � � �ب � � ��ره اب � � � � ��دم � � � � ��ع ال� � ��� � �ص� � �ب � ��اح � ��ي‬ ‫اب � � � � ��و�� � � � � �س� � � � � �ل� � � � � �ط � � � � ��ان ل � � � � �ل � � � � ��أح � � � � � � � � � ��زان م� � � ��اح� � � ��ي‬ ‫�إىل ال � � � �ع � � � �ل � � � �ي� � � ��اء م � � � �ن� � � ��ه ال � � � �ن � � � �ج� � � ��م �� � �س � ��اح � ��ي‬ ‫وك � � � � � �ف� � � � � ��ة الا ّت � � � � � � � �ك� � � � � � � ��ى‪ ‬ع� � � ��ال � � � �ن � � � �ج� � � ��م ط � � ��اح � � ��ي‬ ‫ي� � � �ع� � � �ق � � ��د ال � � � � �� � � � � �س� � � � ��اين و ي� � � �ب� � � �ط � � ��ي ق � � � ��راح � � � ��ي‬ ‫ع� � � � �ل � � � ��ى �� � � � � �ش � � � � ��ارب � � � � ��ه ف � � ��ال � � � �ك � � � �ل � � � �م � � ��ه رم � � � ��اح � � � ��ي‬ ‫ج� � � � ��زي� � � � ��ل ال � � � �ع � � � �ف� � � ��و واج� � � � � � ��زل� � � � � � ��ت ب� � ��� � �س� � �م � ��اح � ��ي‬ ‫وق� � � � � � ��ال� � � � � � ��و م� � � � � � ��ن ت� � � ��� � � �ش� � � �ب � � ��ه ك � � � � � � � � ��ان � � � �ص� � ��اح� � ��ي‬ ‫اب� � � � � � � � � ��ن ن � � � � �ه � � � � �ي� � � � ��ان م � � � � � � ��ن �آل ال � � � �ف� �ل� ��اح� � � ��ي‬ ‫ي � � � �� � � � �س� � � ��اوي � � � �ه� � � ��م ب � � � � ��رب � � � � ��ع م � � � � � ��ن ال � � �� � � �ص �ل ��اح � � ��ي‬ ‫ح � � � �ك� � � ��م ع� � � � ��اخل � �ي � ��ر ب � � � � � ��اط � � �ل� � ��اق ال� � � ��� � � �س � � ��راح � � ��ي‬ ‫ف � � � � � � � � � � ��داج ارواح � � � � � � � � �ن� � � � � � � � ��ا ىل ال� � � � ��� � � � �ش � � � ��ر الح � � � ��ي‬ ‫ن � � � �� � � � �س� � � ��وم ال � � � � � � � � � � � ��روح ل � � � � �ت� � � � ��راب ال� � � ��� � � �ض � � ��واح � � ��ي‬ ‫ل � � � � �ب � � � ��و � � � � �س � � � �ل � � � �ط� � � ��ان ي� � � � � � ��ا دار ال � � � �ف � �ل ��اح� � � ��ي‬


‫الشاعر ‪:‬‬ ‫محمد سعيد المشيخي‬

‫‪ -1‬نور اإلمارات‬ ‫و�� � � �ش� � � �ل � � ��ون اب � � �ك � � �ت� � ��ب وال � � � �ن � � � ��واي � � � ��ا ك � �ث�ي��ره‬

‫�أ�� �س� �ت� �ل� �ه ��م الإح � �� � �س� ��ا�� ��س و�أراج � � � � � ��ع ال� � ��ذات‬

‫و�أق � � � � � � � � � � ��ول ي� � � � ��ا ح� � � � ��ي ال � � � �ع � � � �ل � � ��وم امل � � �ن �ي ��ره‬

‫ال� ��وا� � �ض � �ح� ��ه م � ��ن ن � � ��ور ف � �ج ��ر الإم� � � � � ��ارات‬

‫دار ال � �� � �ش � �ي� ��وخ ال� � �ل � ��ي ل � �ه� ��م �أل � � � � ��ف �� �س�ي�ره‬

‫م� �ع� �ل� �م�ي�ن ال � �ط � �ي � ��ب ع � �ل � ��م ال � �� � �ش � �ه ��ام ��ات‬

‫م � � � ��وروث� � � � �ه � � � ��م زاي � � � � � � � ��د وزاي� � � � � � � � � ��د وخ � �ي � ��ره‬

‫زاي � � � � � ��د وزاي � � � � � � ��د زاي � � � � � � ��دن ب � ��ال� � �ك � ��رام � ��ات‬

‫ه� � � � � ��ذا خ � �ل � �ي � �ف� ��ه ب � ��ال� � ��� � �ش� � �ه � ��ام � ��ه � � �س � �ف �ي�ره‬

‫راف � � � � ��ع � � �ش � �ع� ��ار ال � � �ع � � ��ز ب � �ع�ل��ا امل � �ق� ��ام� ��ات‬

‫�� �ش� �ع� �ب ��ك ي� ��اب� ��و� � �س � �ل � �ط� ��ان م � ��اب � ��ه ق� ��� �ص�ي�ره‬

‫م� � ��ن ف� ��� �ض ��ل خ � �ي ��رك ب� ��اي � �ت �ي�ن ب �� �س �ه�ل�ات‬

‫و�أم� � � � � � � � � ��ا ج� � �ب� � �ل� � �ن � ��ا ع� � � ��زن� � � ��ا اهلل ي� � �ج �ي��ره‬

‫ه � � � ��ذا ب � ��وخ � ��ال � ��د ف � �خ � ��ر ك � � ��ل الإم� � � � � � � ��ارات‬

‫ويل ع� � � �ه � � ��د امل� � � � �ج � � � ��د م � � � � ��ا ح � � � � ��د غ� �ي ��ره‬ ‫مي � � � �ن� � � ��اه ن � � � �ه� � � ��رن م � � � ��ا ي � � � ��و ّق � � � ��ف خ� � ��ري� � ��ره‬

‫�� � �س� � �ن � ��ام را�� � � � � ��س ال � � �ع� � ��ز ف� � � � ��وق امل� � �ق � ��ام � ��ات‬ ‫وي � �� � �س� ��راه م � ��ن مي � �ن� ��اه ت �� �ش �ك��ي خ� ��� �س ��ارات‬

‫ال وق � � �ف� � ��ت رو� � � � � � ��س اجل � � � �ب� � � ��ال ال � �� � �ش � �ه �ي�ره‬

‫اج � � �ب� � ��ال � � �ن� � ��ا ط� � �ي � ��ب وم � � � � � � ��وده ووق � � �ف� � ��ات‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪84‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫‪ -2‬الشعر له معنى غزير‬ ‫ا� � � �ش � � �ه � � ��د ان ال � � �� � � �ش � � �ع� � ��ر ل� � � � ��ه م� � �ع� � �ن � ��ى غ � ��زي � ��ر‬ ‫وامل� � � � � � � � � � � � � � ��داد اي� � � � � � �ج � � � � � ��ود واخل � � � � � � ��اط � � � � � � ��ر ك � �ت� ��ب‬ ‫يف ح � � � �ي� � � ��ات� � � ��ي زم � � � � �ه� � � � ��ري� � � � ��ر ال � � � � � ��وق � � � � � ��ت غ�ي��ر‬ ‫واب � � � � � � � � ��ل الأ� � � � � � �ش � � � � � �ع� � � � � ��ار ه � � � � � � ّم� � � � � ��ال ال� � ��� � �س� � �ح � ��ب‬ ‫م� � � � ��ن ظ� � � �ل� � ��ام ال � � �ع � � �� � � �ش� � ��ق ك� � � �ن � � ��ي و�� � � � �س � � � ��ط ب�ي�ر‬ ‫�أ� � � � � �ص � � � � �ف� � � � ��ق ال� � � � �ك� � � � �ف � �ي� ��ن و�أد ّور � � �س � �ب� ��ب‬ ‫ان � � �ك � � �� � � �ش� � ��اف ال � � � ��زي � � � ��ف يف � � � � �ص� � � ��در ال � �� � �ض � �م �ي�ر‬ ‫ي � � ��دح � � ��م اك� � � � �ت � � � ��اف ال� � � ��� � � �ص � � ��راح � � ��ه ب ��ال � �غ � �� � �ص ��ب‬ ‫ل � � �ي� � ��ن ب � � � � ّي � � � �ن � � � �ه� � � ��ا ع� � � � �ل � � � ��ى وج� � � � � � � � ��ه ال� � � �غ � � ��ري � � ��ر‬ ‫وا�� � � � �س� � � � �ت � � � ��وى امل � � � �ن � � � �ت � � ��وج يف ال � � � �غ � � ��اف � � ��ل ع� �ت ��ب‬ ‫م � � ��ن ع� � �ط � ��ان � ��ا م � � ��ن � � � �ص� � ��دى ال� � ��� � �ص � ��دم � ��ه ن ��ذي ��ر‬ ‫ن � � � ��رف� � � � �ع � � � ��ه رت� � � � � �ب � � � � ��ه ع� � � � �ل � � � ��ى ك � � � � � ��ل ال � � � ��رت � � � ��ب‬ ‫وم � � � � � � � ��ن ي� � � �ف � � ��اج� � � �ئ� � � �ن � � ��ا ب� � � �ط� � � �ع� � � �ن � � ��ات � � ��ه ح � �ق�ي��ر‬ ‫ن� � � � �ك � � � ��ره � � � ��ه ل � � � � � ��و ك � � � � � � � ��ان ق � � � � �ن � � � � �ط� � � � ��اره ذه � � � ��ب‬ ‫�� � � �س� � � �ي � � ��ف وج� � � � � � � ��ه ال � � � �� � � � �ص� � � ��د ب � � � � � �ت� � � � � ��ا ٍر � � �ش � �ط�ي��ر‬ ‫وامل� � � � � � � �ح � � � � � � ��اين م � � � � � ��ن �� � � � � � � �ص � � � � � � ��دوده ت � �ن � �ت � �ح� ��ب‬ ‫ذاك م � � � � � ��ن � � � � �س � � � � ّل� � � ��ط م � � � � � ��ع ظ � � � �ل � � � ��ي خ � �ف�ي��ر‬ ‫وي� � � � � � ��ن م � � � � ��ا �أق � � � � �ب � � � � �ل � � � ��ت ي� � � ��ذري � � � �ن� � � ��ي امل� � � �ه � � � ّ�ب‬ ‫ي � � �� � � �س � � �ت � � �ف � ��زك ب � � �ع � � ��� � ��ض االح � � � � � �ي� � � � � ��ان احل � � ��ري � � ��ر‬ ‫مل � � � �ع � � � �ت � � ��ه ح� � � � � �ل � � � � ��وه وم � � � �ل � � � �ب� � � ��و� � � � �س� � � ��ه خ � �� � �ش � ��ب‬ ‫وي� � � � �ق� � � � �ه � � � ��رك م � � � � ��ن ي � � � ��دع � � � ��ي ب� � � � � ��أن � � � � ��ه � � �س � �ف �ي�ر‬ ‫و�إن زه � � �م � � �ت � � ��ه � � � �ش � � �ف � ��ت م� � � � ��ن رده ع� �ج ��ب‬ ‫ج � � �ي � � ��ت �أ ّ‬ ‫مل ال � � �ط � � �ي � � ��ب يف ب � � �ط � � ��ن اجل� � �ف �ي��ر‬ ‫جل � � � � ��ل �آك � � � � � � � ��ل م � � � � ��ن ع� � � �ن � � ��ا ال� � � ��رح � � � �ل� � � ��ه رط � � ��ب‬ ‫م � � � � ��ا ج � � �ن � � �ي� � ��ت اال ال� � � �ع� � � �ن � � ��ا وال � � �ق � � �م � � �ط� � ��ري� � ��ر‬ ‫وال � � �� � � �س � � �ه� � ��د وال � � �� � � �ض � � �ي� � ��ق و�أن� � � � � � � � � � � ��واع ال � �ت � �ع� ��ب‬


‫صباحات القصيدة‬ ‫الشعبية الجديدة‬

‫ألفبائية‬

‫مريه القا�سم‬

‫ماذا يريد ال�شاعر من الن�شر‪ ،‬وقبل ذلك ما‬ ‫الذي يريده من ال�شعر؟ هل يرى فيه مر�آة‬ ‫للذات؟ �أم فر�صة لوقوف حتت ال�ضوء؟ ما هو‬ ‫الن�ص احلقيقي؟ كيف نحكم عليه؟ وما هي‬ ‫مقايي�س و�شروط التجديد؟ ب�صيغة �أخرى‪:‬‬ ‫هل الق�صيدة جمرد ح�شد لأفكار و�صور حتى‬ ‫لو جاءت تلك الأفكار وال�صور مكررة من دون‬ ‫جديد؟ �أم �أن الق�صيدة لكي حتمل هذا اال�سم‬ ‫ينبغي �أن تكون عم ًال مكثف ًا ينتج عن بحث‬ ‫ال�شاعر يف املجهول وحماولة اكت�شاف عالئق‬ ‫جديدة رمبا تكون خفية بني املفردات؟‬ ‫ه��ل هناك ف�صل ب�ين العقل والعاطفة يف‬ ‫بناء الن�ص؟ وما العالقة التي تربط ال�شكل‬ ‫بامل�ضمون؟ هل هي عالقة ان�صهار تذوب‬ ‫خالله الفوا�صل بينهما يف منتج جديد هو‬ ‫الق�صيدة‪� ،‬أم �أنهما يبقيان منف�صلني ي�ؤدي‬ ‫كل منهما وظيفته؟‬ ‫�أ�سئلة كثرية يجب �أن يجيب عليها ال�شاعر‬ ‫قبل ال�شروع يف الكتابة ‪.‬‬

‫م�ضمون‬

‫ال�شعر يعيد النظر فيما يحيط بنا من �أ�شياء‬ ‫متحركة ومتغرية‪ ،‬يف الإبداع ال توجد �أ�شياء‬ ‫ثابتة‪ ،‬كل ن�ص يهدم ليبني على �أنقا�ض‬ ‫الهدم ن�ص ًا �أن�ضر و�أغنى‪ ،‬لذا يقوم الناقد‬ ‫ب�إعادة كتابة الن�ص‪ ،‬كما �أن ال�شاعر ‪-‬وهو‬ ‫نقطة االرت��ك��از‪ -‬يف �إمكانه �إعطاء عامله‬ ‫�أ�شكا ًال خمتلفة‪ ،‬لأنه ميتلك الر�ؤية‪ .‬وال�شعر‬ ‫ح��ل��م‪ ،‬ن��وع م��ن ال��وه��م‪ ،‬لكن �أي���ن الناقد‬ ‫املتفح�ص يف دنيا الق�صيدة ال�شعبية؟ وكم‬ ‫�شاعر ًا حقيقي ًا منتلك؟‬

‫يقول �أدوني�س‪�« :‬إن قيمة ال�شعر لي�ست يف‬ ‫م�ضمونه فقط‪� ،‬إمنا يف كيفية التعبري عن‬ ‫هذا امل�ضمون» ‪ .‬هل يف تلك العبارة �إجابة‬ ‫ما على ال�س�ؤال!‬

‫تقليد‬

‫ي��ق��ول ه��ورا���س‪« :‬ك���ان �آب���ا�ؤن���ا خ�ي�ر ًا منا‪،‬‬ ‫و�آب��ا�ؤه��م خ�ير ًا منهم‪ ،‬ونحن خ�ير ممن‬ ‫�سي�أتون بعدنا!» هذه هي الق�شة التي يتعلق‬ ‫بها الغارقون يف تقليديتهم الفجة‪ ،‬امل�ؤمنون‬ ‫بقيم الثبات دون حماولة للتخطي‪ ،‬وك�أن يف‬ ‫التخطي خطيئة‪ ،‬فهم موقنون �أن ال�شعر‬ ‫القدمي منوذج‪� ،‬أو ينبغي �أن يكون النموذج‬ ‫الذي نقي�س عليه كل ما يجيء بعده‪ ،‬ويرون‬ ‫يف التمرد عليه خروج ًا عن التقاليد‪ ،‬خروج‬ ‫مبا حتمله املفردة من �سلبيات‪ ،‬فالأقدمون‬ ‫يف نظرهم‪ -‬هم على حق دائم ًا‪ ،‬ويف هذا‬‫�إلغاء للعقل‪.‬‬ ‫�أم��ام هذه الأف��ك��ار‪ ،‬على ال�شاعر �أن يكون‬ ‫ثائر ًا كي يكون جمدد ًا‪ ،‬عليه �أن يتجاوز ما‬ ‫�سبق ليكون متميز ًا‪ ،‬عليه �أن يعرف ويعرتف‬ ‫�أن ال قناعات نهائية يف ال�شعر‪ ،‬و�أن ال�شعر‬ ‫يكون باخلرق‪ ،‬خرق العادة والتقليد والنمط‪،‬‬ ‫�أو اخلرق فيهما‪ ،‬خرق يف اللغة وخرق بها‪.‬‬ ‫ن�صحو كل �صباح فنكت�شف �أن �أطفالنا‬ ‫نحتوا م��ف��ردة ج��دي��دة يف لغتنا لتنا�سب‬ ‫ده�شتهم وطزاجتهم وت��ع�بر عما يطر�أ‬ ‫علينا كل �صباح‪� ،‬إنهم ينحتون اللغة‪ ،‬وعلى‬ ‫�شعرائنا ال�شعبيني �أن يكونوا �أطفالنا‬ ‫فينحتون لنا ما ي�شبه �صباحاتنا اجلديدة‪،‬‬ ‫�ألي�س ال�شعر لغة؟‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪86‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫هل يكون م�صري‬ ‫«الف�صحى» كالالتينية!‬

‫قراءة في أسرار‬ ‫العاميةالسورية‬ ‫أمثال وتعابير شعبية‬ ‫من جبل حوران‬


‫�سالمة عبيد‬ ‫اللهجات العامية العربية كثرية ومنها العامية ال�سورية‪ .‬والعامية ال�سورية لي�ست‬ ‫واحدة �إذ �أن هناك اختالفاً وا�ضحاً بني لهجة احل�ضر ال�سوريني والبدو ال�سوريني‪،‬‬ ‫وهناك اختالف ملحوظ بني الريف واملدينة وبني الأرياف نف�سها واملدن نف�سها هناك‬ ‫لهجة �شامية وهناك لهجة حم�صية وحلبية‪ ،‬وهناك لهجة حورانية وديرية «دير الزور»‪،‬‬ ‫ولهذا عندما نتحدث هنا عن اللهجة العامية ال�سورية‪ ،‬ف�إمنا نعني امل�صطلحات العامية‬ ‫امل�شرتكة‪� ،‬إىل حد ما‪ ،‬بني �سوريا ولبنان وفل�سطني والأردن‪.‬‬ ‫وال �� �س ��ؤال امل��ط��روح‪ :‬ه��ل للهجة ال�شعبية‬ ‫ال�سورية‪ ،‬قواعد مثل قواعد اللغة الف�صحى؟!‬ ‫طبع ًا ال‪ ،‬لأن ه��ذه اللهجة ال �ضابط لها‪،‬‬ ‫�إذ �أن ك��ل منطقة وك��ل مدينة وح��ي‪ ،‬كل‬ ‫حي �أحيان ًا يتكلم «على هواه» ولكن هناك‬ ‫بع�ض النقاط امل�شركة قد ت�ساعدنا على‬ ‫«ا�ستنتاج» بع�ض ال�ق��واع��د العامة للهجة‬ ‫العامية ال�سورية و�إن مل تكن هذه القواعد‬ ‫«ملزمة» دائم ًا �أو عامة �شاملة دائم ًا‪.‬‬ ‫�أهم ما مييز اللهجة العامية ال�سورية �إنها ال‬ ‫تراعي القواعد املدر�سية للف�صحى‪ ،‬بل هي‬ ‫تتمرد عليها وتتحداها حتى كادت تعترب «لغة»‬ ‫قائمة بذاتها‪ ،‬وهذا خط�أ وا�ضح‪ ،‬لأن اللهجة‬ ‫ال�سورية ه��ي العربية الف�صحى يف حالة‬ ‫الفو�ضى واالنحطاط ومن املمكن جد ًا رفع‬ ‫م�ستواها وتهذيبها حتى تندمج بالف�صحى �أو‬ ‫تندمج الف�صحى بها‪ ،‬وهذا ممكن‪.‬‬

‫الف�صحى وم�صري الالتينية‬

‫وقد يعتقد بع�ضهم �أن م�صري اللغة الف�صحى‬ ‫�سوف يكون م�شابه ًا مل�صري اللغة الالتينية‬ ‫ال�سائدة يف الع�صور الو�سطى والتي ان�شقت‬ ‫منها �أو عنها ال�ل�غ��ة الفرن�سية م�ستقلة‬ ‫واللغة الإ�سبانية م�ستقلة واللغة االيطالية‬ ‫والرومانية والربتغالية وغريها م�ستقلة‪ ،‬ويف‬ ‫اعتقادنا �أن ه��ذا لن يحدث ب�سبب الوعي‬ ‫ال��وط�ن��ي ال�ق��وم��ي ال�ع��رب��ي ال��ذي يف�ضل �أن‬ ‫تكون له لغة �أدبية وعلمية واحدة و�أداة تعبري‬ ‫واحدة – ويف ا�ستطاعة هذه الأداة العربية‬

‫امل�شرتكة �إيجاد لهجة عربية مب�سطة ومقبولة‬ ‫ال هي الف�صحى التقليدية املتزمتة وال هي‬ ‫العاميات املحلية الع�شوائية‪ ،‬ومن �أه��م ما‬ ‫مييز اللهجة العامية‪:‬‬ ‫�إنها ترغب يف الت�سكني رغبة �شديدة حتى‬ ‫�إن�ن��ا ن�ستطيع ال�ق��ول �إن الت�سكني ه��و �أب��رز‬ ‫مظاهر اللهجة العامية‪.‬‬ ‫�إنها تخفف املهموز ال�ساكن فتقول را�س‪ ،‬بري‪،‬‬ ‫بري‪� ،‬سما‪ ،‬بد ًال من ر�أ�س‪ ،‬بئر‪ ،‬بريء‪� ،‬سماء‪.‬‬ ‫وهذه ح�سنة من ح�سنات اللهجة العامية‪.‬‬ ‫�إنها متيل �إىل االخت�صار �أو االختزال بحيث‬ ‫ي�صعب �أحيان ًا �أن تدرك جذور الكلمة اجلديدة‬ ‫العامية �أو التعبري اجلديد العامي ف�إذا �صادفنا‬ ‫ه��ذا التعبري مث ًال‪ :‬لي�ش؟ مبعنى مل��اذا؟ بدت‬ ‫كلمة «لي�ش» �شيئ ًا غريب ًا على �أ�سماعنا لأول‬ ‫وهلة‪ ،‬ولكن ب�شيء من التحليل جند �إنها مكونة‬ ‫من لأي �شيء؟ وكذلك‪� :‬إي�ش هذا‪� :‬أي �شيء هذا‬ ‫– وكذلك بدي �أعرف‪ :‬بودّي �أن �أعرف‪ ،‬ا�ست َنى‬ ‫وي‪ :‬انتظر قلي ًال ‪ ،‬ن�ص �ساعة ‪ :‬ن�صف �ساعة‪،‬‬ ‫ْ�ش ْ‬ ‫ا�ست َنا‪َ :‬ت�أنّ �شيئ ًا قلي ًال‪.‬‬ ‫�إنها تكرث من التحريف ب�سبب �أن ال �ضابط‬ ‫لها‪ ،‬فنجد �ضوابط مت�شدَ دة للف�صحى منها‬ ‫القر�آن الكرمي ومنها ال�شعر والأدب والقواعد‬ ‫املدر�سية‪ ،‬ولهذا جند كثري ًا من الكلمات التي‬

‫تميل العامية إلى‬ ‫االختصار أو االختزال‬ ‫بحيث يصعب أحيان ًا‬ ‫أن تدرك جذور التعبير‬ ‫الجديد‬

‫تبدو غريبة على �أ�سماعنا لأول وهلة ولكنها‬ ‫ف�صيحة الأ�صول مثل‪ :‬و ْي��ن؟ �أ�صلها �أي��ن؟‪،‬‬ ‫زغري‪� :‬أ�صلها �صغري‪ ،‬مني �أ�صلها منْ ؟‪ ،‬ال�ستَ‬ ‫�أ�صلها‪ :‬ال�سيدة‪.‬‬ ‫�إنها حتتوي على عدد كبري من الكلمات‬ ‫ال �ت��ي نعتقد �إن �ه��ا ع��ام�ي��ة حملية م��ع �أن�ه��ا‬ ‫يف احلقيقة ف�صيحة ع��ري�ق��ة و�إمن���ا �شاع‬ ‫ا�ستعمالها يف املحادثة ال�شفهية �أك�ثر من‬ ‫اال�ستعمال الأدبي الكتابي‪ ،‬مثل‪� :‬شاف مبعنى‬ ‫ر�أى‪ ،‬وب�ك��ره مبعنى غ ��د ًا‪ ،‬مب�سوط مبعنى‬ ‫م�سرور «انب�سطت �أ�سارير وجهه»‪ ،‬انقطع‬ ‫اخلط مبعنى ُق ِطع اخلط‪.‬‬ ‫�إنها ت�ش َوه ْ‬ ‫نطق بع�ض احلروف مثل ال‪ :‬ث‪،‬‬ ‫ذ‪� ،‬ض‪ ،‬ظ‪ ،‬ق‪.‬‬ ‫تلفظ بع�ض كلماتها بطريقة �أب�سط‬ ‫من طريقة الف�صحى �إذ لفظ كلمة يوم‪،‬‬ ‫دور‪ ،‬ث��ور‪ ،‬ح��ور ه�ك��ذا‪ :‬ي � ْوم مثل ‪HOME‬‬ ‫االنكليزية د ْور مثل ‪ DOOR‬ومثلها ثور تور‪،‬‬ ‫وحور‪ .‬ويف بع�ض احلاالت نالحظ الإمالة يف‬ ‫الفتحة والأل��ف فتلفظ مثل «‪ »E‬فقد تلفظ‬ ‫الكاف يف َكتَب ‪� KA‬أو ‪ ،KE‬مدينة تدمر‬ ‫ق��د تلفظ ‪ TEDMUR‬ب �ي�روت‪،BEY ...‬‬ ‫�أحمد‪ EH ...‬وهكذا‪.‬‬ ‫�إن للعامية ال�سورية �ألفاظها اخلا�صة بها‬ ‫�أو املتداولة فيها مثل « َب ْع ُده» حتى الآن‪ :‬بعده‬ ‫ما و�صل مبعنى مل ي�صل حتى الآن‪َ ،‬ب ْ�س‪ :‬فقط‬ ‫ل�سا‪ :‬حتى هذه ال�ساعة «فل�سطينية»‪،‬‬ ‫يكفي‪ّ ،‬‬ ‫َب ْر ُ�ض ْه «ومع ذلك» «فل�سطينية»‪� ،‬أبو �شوارب‪،‬‬ ‫�أب��و بطة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل بع�ض املجامالت‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪88‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫اطفال من مدينة حوران‬

‫خاط ْركم «�أ�ست�أذنكم»‪،‬‬ ‫املحلية مثل مرحبا‪ْ ،‬ب ِ‬ ‫ً‬ ‫اهلل يعطيكم ال َعا ِف َيهْ‪ ،‬وتقال ت�شجيعا للعمال‬ ‫�أثناء العمل‪.‬‬ ‫�إنها ت�ستخدم الكثري من املفردات الأجنبية‬ ‫وخا�صة الفرن�سية يف التعابري الفنية التقنية‪.‬‬

‫كيف تتمرد العامية على الف�صحى؟‬

‫تختلف ال�ع��ام�ي��ة ع��ن الف�صحى يف نقاط‬ ‫�أه ّمها‪ :‬اعتماد اللهجة العامية على الت�سكني‬ ‫فال فتحة يف �أواخر الكلمات غالب ًا وال �ضمة‬ ‫وال ك�سرة وم��ن ث��م ال تنوين �إج �م��ا ًال‪� .‬أم��ا‬ ‫االختالفات الأخرى فهذه �أه ّمها‪:‬‬

‫�أ‪ -‬يف الأ�سماء‬

‫الأ�سماء اخلم�سة‪� :‬أب��وك‪� ،‬أخ��وك‪ ،‬حموك‪،‬‬ ‫فوك‪ ،‬ذو �شاربني يقابلها يف العامية‪� :‬أبوك‪،‬‬ ‫�أخ��وك‪ ،‬عمك‪ ،‬ث ّمك �أو ّمت��ك و�أب��و �شوارب‬ ‫وه��ذه الأ��س�م��اء تبقى على حالها يف ّ�شتى‬ ‫ا�ستعماالتها مث ًال‪�« :‬أبوك �أر�سل هذا القامو�س‬ ‫�إىل �أخوك يف اجلامعة»‪�« ،‬صادفت �أخوك يف‬ ‫املدينة �أم�س»‪ ،‬ومثلها �أبو �شوارب و�أبو ّ‬ ‫بطة‪.‬‬ ‫وت�ستبدل «�أب��و» �أحيان ًا بـ «�صاحب»‪ :‬مثال‪:‬‬ ‫�صاحب ْ‬ ‫املال تعبانْ �أي ذو املال قلق دائم ًا‪،‬‬ ‫�أم��ا املثنى ف ُي�ستعمل بالياء وال�ن��ون دائم ًا‪:‬‬ ‫و��ص��ل رف�ي� َق�ْيننْ م��ن رفاقنا �أم ����س‪� ،‬سافرت‬

‫زميل َتينْ من زميالتنا �إىل دم�شق‪� ،‬صادفت‬ ‫زميلني قدميني يف املدينة �أم�س‪.‬‬ ‫�أم��ا جمع امل��ذك��ر ال�سامل في�ستعمل بالياء‬ ‫النجارِين اجلدد ِو ْ�صلوا �إىل‬ ‫والنون دائم ًا‪ّ :‬‬ ‫الور�شهْ‪ ،‬رجع املعلمِ ني من العطلة �أم�س‪� ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫رجعوا املعلمني‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫�أما جمع الإناث فال تعرتف به اللهجة ال�شعبية‬ ‫املعلمات‬ ‫يف ال�صفة �أو يف اخل�ب�ر‪ ،‬غ��ال�ب� ًا‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫جم�ت�ه��د ِي��نْ ‪ ،‬وق��د ي�ق��ال جم�ت�ه��دات‪ ،‬البنات‬ ‫ال�صغار «الزغار» ت�أخروا اليوم ب�سبب الربد‪.‬‬ ‫وتتحول ت��اء الت�أنيث غالب ًا �إىل ي��اء �أو الف‬ ‫�أو هاء �ساكنة‪ ،‬اجلمهورية العربية ال�سورية‬ ‫تلفظ «اجلمهور ّيي العر ِب ّي ِي ال�سو ِر ّي ِي»‪ ،‬بكينُ‬ ‫مدين ٌة عظيم ٌة‪ :‬بك ْني مدي ِني عظيمي ِ‪ ،‬مدينا‬ ‫�دت‬ ‫عظيما‪ ،‬وج ��دتُ حمفظ ًة ف��ارغ � ًة‪ :‬وج� ْ‬ ‫َ‬ ‫حمفظ ْه َ‬ ‫فارغه‪ ،‬وال�س�ؤال‪:‬‬ ‫حم َفظا فا ْرغا‪� ،‬أو‬ ‫متى تتح ّول تاء الت�أنيث �إىل «ي» ومتى تتح ّول‬

‫قبل الحرب العالمية‬ ‫األولى شاعت مفردات‬ ‫تركية في اللهجة‬ ‫العامية السورية‪ ،‬ولكن‬ ‫هذا التأثير تضاءل‬ ‫حتى انقرض في ظل‬ ‫االنتداب الفرنسي‬

‫�إىل «ا»؟‬ ‫ن�لاح��ظ �أن الأ� �س �م��اء املنتهية يف امل��ذك��ر‬ ‫ب��احل��روف احللقية ح ‪ /‬خ ‪ /‬ع ‪ /‬غ ‪ /‬هـ ‪/‬‬ ‫واللهوية قد تتحول تاء الت�أنيث فيها �إىل «ا»‬ ‫مثال‪� :‬صحيح‪� ،‬صحيحة‪� :‬صحيحا‪ .‬مذبوح‪،‬‬ ‫م��ذب��وح��ة‪ :‬م��ذب��وح��ا‪ .‬رف�ي��ع رف�ي�ع��ة‪ :‬رفيعا‪.‬‬ ‫ممنوع‪ ،‬ممنوعة‪ :‬ممنوعا‪ .‬طباخ‪ ،‬طباخة‪:‬‬ ‫طباخا‪ ،‬مطبوخ‪ ،‬مطبوخة‪ :‬مطبوخا‪ .‬دابغ‪،‬‬ ‫دابغة‪ :‬دابغا‪ .‬م�صبوغ‪ ،‬م�صبوغة‪ :‬م�صبوغا‪.‬‬ ‫ونالحظ كذلك الأ�سماء املنتهية يف املذكر‬ ‫باحلروف �ص ‪� /‬ض ‪ /‬ط تتحول تاء الت�أنيث‬ ‫فيها �إىل «ا»‪ ،‬مثل راق�ص راق�صة‪ :‬راق�صا‪،‬‬ ‫مق�صو�ص‪ ،‬مق�صو�صة‪ :‬مق�صو�صا‪ .‬عري�ض‪،‬‬ ‫عري�ضة‪ :‬عري�ضا‪ .‬حام�ض‪ ،‬حام�ضة‪ :‬حام�ضا‪.‬‬ ‫م��رف��و���ض‪ ،‬م��رف��و��ض��ة‪ :‬م��رف��و��ض��ا‪� .‬ساقط‪،‬‬ ‫�ساقطة‪� :‬ساقطا‪ .‬خملوط‪ ،‬خملوطة‪ :‬خملوطا‪.‬‬ ‫ولع ّل اللهجة العامية تعتربها من احلروف‬ ‫امل ّفخمة فتفرق ب�ين ال�صاد وال�سني وبني‬ ‫ال�ضاد وال��دال وبني الطاء والتاء �أما حرف‬ ‫ال��راء فقد تتحول هاء الت�أنيث فيه �إىل «ا»‬ ‫�أحيان ًا و�إىل «ى» �أحيان ًا‪ :‬كبري‪ ،‬كبريه‪ :‬كبريى‪.‬‬ ‫�شاكر‪� ،‬شاكره‪� :‬شاكرى‪ .‬من�صور‪ ،‬من�صوره‪:‬‬ ‫من�صورا‪ .‬بزّار‪ ،‬بزارة‪ :‬بزّارا‪.‬‬

‫ب‪ -‬يف ال�ضمائر‬

‫ب�سبب �أن اللهجة العام ّية تتعمد ال�سكون‬ ‫ف�إننا ن�ق��ر�أ �أن��ا در��س��تُ و�أَ ْن ��تَ در��س��تَ ‪� :‬أن��ا‬ ‫در�ست‪� .‬إال �أن اللهجة العامية‬ ‫نت‬ ‫ْ‬ ‫در�س ْت و�إِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫�‬ ‫ن‬ ‫�‬ ‫أ‬ ‫فنقول‪:‬‬ ‫ؤنث‬ ‫�‬ ‫امل‬ ‫�االت‬ ‫�‬ ‫ح‬ ‫تراعي‬ ‫�تَ در�ستَ‬ ‫در�س ِت «�أو‬ ‫أنت‬ ‫در�ست‪�ِ .‬إ ْن ْت َد َر ْ�س ْت؛ � ِ‬ ‫ِ‬ ‫و� ِ‬ ‫إنت ْ‬ ‫در�ستي»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫واللهجة العامية تفرق بني املخاطب املذكر‬ ‫واملخاطب امل��ؤن��ث‪ :‬ك ِي ْف حا َلك يا �أحمد؟‬ ‫بفتح ال�لام‪ ،‬ك ِي ْف حا ِلك يا �سعدي بك�سر‬ ‫الالم‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫أنت ‪ /‬ع ّمك �أنتَ‬ ‫ومثلها بيتَك �أنتَ ‪ /‬بي ِتك � ِ‬ ‫أنت ‪ /‬وين «�أين» كتا َب ْك �أنتَ ‪ /‬وين‬ ‫‪ /‬ع ِّم ْك � ِ‬ ‫إنت‪.‬‬ ‫كتا ِب ْك � ِ‬ ‫ً‬ ‫كما �أن نون الن�سوة ال تظهر غالبا يف اللهجة‬ ‫ال�شعبية‪ :‬املعلمني اجلدد و�صلوا واملعلمات‬ ‫اجلدد و�صلوا‪ ،‬الطالب جنحوا والطالبات‬ ‫جنحوا �أي�ض ًا‪.‬‬


‫ج‪ -‬يف الأفعال‬

‫�صيغة املجهول يف اللهجة ال�شعبية هي انفعل‬ ‫لأ ُف ِعل مثال‪ :‬انك�سر الكوب‪ ،‬اجنرح ا�صبعي‪،‬‬ ‫انطرب اجلمهور‪ ،‬ان�سمع دوي املدافع‪.‬‬ ‫ومع الفاعل اجلمع �أو الفاعل املث ّنى يظهر‬ ‫الفعل ب�صيغة اجلمع‪ ،‬فـ «املعلمون َو َ�صلوا»‬ ‫ت�ق��اب��ل «و� �ص��ل امل�ع�ل�م��ون» يف الف�صحى‪ .‬و‬ ‫«امل�ل�ازم ُطب َع ْت �أم����س» تقابلها يف العامية‬ ‫«املالزم انطبعوا �أم�س»‪ ،‬و «الزميالن جنحا‬ ‫‪ /‬جنح الزميالن» تقابلها «الزمي َلينْ جنحوا‬ ‫‪ /‬جنحوا ال��زم�ي� َل�ْي�نْ »‪ ،‬وك��ذل��ك «الزميالت‬ ‫جن �ح��ن ‪ /‬جن �ح��ت ال ��زم� �ي�ل�ات» ت�ق��اب�ل�ه��ا‬ ‫«الزميالت نجَ َ حوا ‪ /‬جنحوا الزميالت»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وتختفي هاء الغائب املذكر وامل�ؤنث غالبا يف‬ ‫اللهجة العام ّية‪:‬‬ ‫الف�صحى‪ :‬ه��ل �سمعتَ ه��ذا اخل�ب َ�ر؟ نعم‬ ‫معت هذا‬ ‫�سمع ُت ُه ‪ ،SEME’TU‬وعاميتها‪�ِ :‬س ْ‬ ‫اخلبرْ ؟ نعم «�أيوه» �سمع ِتو‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ال�ف���ص�ح��ى‪ :‬ك �ت �ب��تَ در�� �س ��ك؟ ن �ع��م كتبتُه‬ ‫كتبت در��ّ�س� ْ�ك؟‬ ‫‪ /KETEBTE‬وعاميتها‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫نعم كت ْبتُو ‪� /‬أي ��وه َك � َت � ْب � ُو‪ .‬بالف�صحى‪ :‬هل‬ ‫�سمعتَ هذه الأغنية اجلديدة‪ ،‬نعم �سمعتُها‪،‬‬ ‫�سمعت هذه الأغني ْه اجلديد ْة‬ ‫وعاميتها‪ :‬هل‬ ‫ْ‬ ‫نعم ْ�سمِ ْعتا ‪.SME’TA SEME’TA‬‬ ‫وهكذا نقول‪ :‬بي ُت ُه «بيتو» بيتُها « َب ْيتا» كتا ُبه‬ ‫« ْكتا ُبو» – َب ْيت َو – بيتا ‪BEITE – BEITU‬‬ ‫كتابو‪ -‬كتابا ‪.KTABA – KTABU‬‬ ‫يف العامية كذلك يحتفظ فعل الأمر بحرف‬ ‫�ام يا ول��د! و ُق� ْ�م‪:‬‬ ‫العلة من مثل‪ :‬من يا ول��د‪ :‬ن� ْ‬ ‫�وم‪ .‬ق��ل‪ُ :‬ق� ْ‬ ‫وح‪ ،‬غ��نِّ يا‬ ‫ُق� ْ‬ ‫�ول‪ُ .‬ر ْح «اذه ��ب»‪ُ :‬ر ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫�أحمد‪ :‬غني يا �أحمد‪ ،‬هو عط�شان ا�س ِق ِه‪ :‬هو‬ ‫عط�شان ا�سق ِيهْ‪.‬‬ ‫يف امل�ضارع ي�ضاف حرف «باء» يف �أول الفعل‬ ‫امل�ضارع ما عدا املتكلم اجلمع فهو م�سبوق بـ‬ ‫«م» ل�سهولة النطق‪.‬مثال‪� :‬أنا �أدر�س العربية‪،‬‬ ‫يدر�س‪ ،‬هي‬ ‫�أن��ت تدر�س‪� ،‬أن� ِ�ت تدر�سني‪ ،‬هو ُ‬ ‫ت��در�� ُ�س‪ ،‬نحن ن��در�� ُ�س‪� ،‬أنتم تدر�سون‪� ،‬أن�ت ّ‬ ‫ن‬ ‫تدر�سن‪ ،‬هم يدر�سون‪ ،‬هنَّ يدر�سن‪ .‬لت�صبح‪:‬‬ ‫ر�س العربي ْة ‪BUDRUS‬‬ ‫�أنا ُب ْد ْ‬ ‫ر�س ‪BTUDRUS‬‬ ‫�أنت ْبت ُْد ْ‬ ‫ِ�إ ْنت ْبت ُْد ُر ْ�س‬

‫يعتقد البعض أن مصير‬ ‫اللغة الفصحى سوف‬ ‫يكون مشابه ًا لمصير‬ ‫اللغة الالتينية السائدة‬ ‫في العصور الوسطى‬ ‫وفي اعتقادنا أن هذا لن‬ ‫يحدث بسبب الوعي‬ ‫الوطني القومي‬ ‫العربي‬ ‫�إِ ِنتي ْبت ُْد ْر�سى ‪BTUDURSI‬‬ ‫�س ‪BIUDRUS‬‬ ‫هو ْب ُي ْد ُر ْ‬

‫�س ‪BTUDRUS‬‬ ‫هي ْبت ُْد ُر ْ‬

‫�س» ‪MNUDRUS‬‬ ‫ْم ُن ْد ُر ْ�س « ِن ْح َنا ْم ُن ْد ُر ْ‬

‫ِن ْحنَ‬ ‫سوا ‪BTUDRSU‬‬ ‫�إِنتُو ْبت ُْد ْر� ُ‬ ‫ِ�إنتُو ْبت ُْد ْر�سو ُا‬ ‫هُ ْم ْب ُي ْد ْر ُ�سوا ‪BIUDRSU‬‬ ‫ِه َّني ْب ُي ْد ْر ُ�سوا‬ ‫ي�لاح��ظ م��ن ه ��ذا ال�ت���ص��رف ��س�ق��وط ن��ون‬ ‫امل�ضارعة‬ ‫نت ْبت ُْد ْر�سي ‪BTUDRSI‬‬ ‫�أنت تدر�سني �إِ ِ‬ ‫�أنتم تدر�سون �إِ ْنتُو ْبت ُْد ْر ُ�سوا ‪BTUDRSU‬‬ ‫ولن�أخذ من ت�صريف فعل �شاف «ر�أى» مثا ًال‪،‬‬ ‫يف املا�ضي‪:‬‬ ‫ْت الفلم اجلديد ‪ANA SHIFT‬‬ ‫�أنا �شف ّ‬ ‫�ت �شفت الفلم اجل��دي��د »‪INT «INTE‬‬ ‫�أن � ْ‬ ‫‪SHIFT‬‬

‫نتي �شفتي الفلم اجلديد ‪INTI SHIFTI‬‬ ‫ِا ِ‬ ‫هو �شاف ‪HU SHAF‬‬

‫هي �شافت ‪HI SHAFET‬‬

‫نحن �شفنا « ْن ِحنا» ‪NIHNA SHIFNA‬‬ ‫انتو �شفتوا «‪INTU SHIFTU «too‬‬

‫يف بادية حوران ي�صنع النا�س لغتهم‬

‫هني �شافوا «‪»HINNI SHAFU foo‬‬ ‫�أما يف امل�ضارع‪:‬‬ ‫�أنا ب�شوف ‪ANA BSHUF‬‬ ‫�أنت بت�شوف ‪INT BITSHUF‬‬ ‫انتي بت�شويف ‪INTI BITSHUFI‬‬ ‫هو بي�شوف ‪HU BISHUF‬‬ ‫هي بت�شوف ‪HI BITSHUF‬‬ ‫«نحنا» نحن من�شوف ‪NIHNA MINSHUF‬‬

‫انتو بت�شوفوا ‪INTU BITSHUFU‬‬

‫هم �شافوا «‪HUM SHAFU «foo‬‬

‫هم بي�شوفوا ‪HUM BISHUFU‬‬ ‫هني بي�شوفوا ‪HINNI BISHUFU‬‬ ‫ّ‬

‫ويف الأمر‪:‬‬ ‫�شوف �أنت! ‪SHUF – SHOOF‬‬ ‫�شويف �أنتي! ‪SHUFI – SHOOFI‬‬ ‫�شوفوا �أنتو! ‪SHUFU – SHOOFOO‬‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪90‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫م�شهد من م�سل�سل احلارة ال�سوري‬

‫نفي الأفعال‬

‫يف النفي ال ت�ستعمل اللهجة العامية «مل» وال‬ ‫«ملّ��ا» بل تكتفي غالب ًا بـ «م��ا»‪ :‬ما ْع ِر ْفنا‪ /‬ما‬ ‫ْ�سمِ ْعنا‪ /‬ما َب ْع ِر ْف‪ /‬وقد تزيد بع�ض املناطق‬ ‫ال�سورية «���ش» على �آخ��ر الفعل املنفي على‬ ‫ْ‬ ‫عرفنا�ش‪ /‬ما‬ ‫طريقة العامية امل�صرية ما‬ ‫ْ‬ ‫�سمعنا�ش‪ /‬ما بعر ْف ِ�ش‪.‬‬

‫تعتمد اللهجة العامية‬ ‫على التسكين‬ ‫فال فتحة في أواخر‬ ‫الكلمات وال ضمة وال‬ ‫كسرة وال تنوين إجما ً‬ ‫ال‬

‫ب ��رىء‪�� /‬س�م��اء‪ ،‬تلفظ يف ال�ع��ام�ي��ة‪ :‬را���س‪/‬‬ ‫فا�س‪ /‬بري‪ /‬رو�س‪ /‬برى‪� /‬سما‪� ،‬أما الهمزة‬ ‫املفتوحة �أو امل�ضمومه فتلفظ غالب ًا‪�:‬س�أل‪/‬‬ ‫م�س�ؤول‪ /‬ف�ؤاد‪.‬‬

‫االخت�صار‬

‫تعتمد االخت�صار �أو االخ �ت��زال �إىل درج��ة‬ ‫ْفهمت‪�ْ /‬سمعنا‪ْ /‬فهمنا‪.‬‬ ‫كبرية �أحيان ًا مث ًال على‪:‬‬ ‫علي ِو ْح�س ِني ت�صبح ع �أو «عا» َع َق ْد لحْ ا َف ْك ِم ّد ر ِْج َل ْي ْك‪َ /‬ع‬ ‫واو العطف تلفظ مك�سورة غالب ًا‪ِ :‬‬ ‫الت�سكني‬ ‫بح ْ‬ ‫بك يا‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ري‬ ‫احل�ص‬ ‫ِ‬ ‫طويلي وال ق�ص ِريي‪ّْ /‬‬ ‫لي‪.‬‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ني‬ ‫ح�س‬ ‫ال�ساكنة‪:‬‬ ‫أو‬ ‫�‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫تعتمد اللهجة العامية الت�سكني �أواخر الكلمات‬ ‫ا�سواري َع ِز ْندي ْال!‬ ‫مثال‪�ْ :‬سمِ ْع ْت انّ � ْ‬ ‫أخوك تخ ّر ْج من اجلامعهْ‪.‬‬ ‫كد ْ‬ ‫حتى ت�صبح ت‪� ،‬أو تا‪ِ :‬ع ْ‬ ‫ي�ش تا يطلع‬ ‫ي�ش يا ْ‬ ‫مربوك! وت�سمح بالتقاء ال�ساكنني على خالف الهمزة‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫تقول ْ‬ ‫احل�شي�ش‪ /‬ال ْ‬ ‫فول تا ي�صري با َمل ْك ُيول‪/‬‬ ‫الف�صحى‪�ْ :‬سمِ ْع ْت‪ْ /‬فهِ ْم ْت‪ .‬وت�سمح باالبتداء الهمزة ال�ساكنة �أو املتط ّرفة تهمل يف اللهجة‬ ‫يكح ْلها عماها‪.‬‬ ‫بال�ساكن على خ�لاف الف�صحى‪� :‬سمعت‪ /‬العامية‪ ،‬غالب ًا‪ :‬ر�أ�س‪ /‬ف�أ�س‪ /‬بئر‪ /‬ر�ؤو�س‪ِ � /‬إجاتا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ال��ذي التي‪ ،‬الذين اللواتي‪ :‬تخت�صر بـ ه ّلي‬ ‫�أو ال ّلي‪ ،‬مثال‪ِ :‬ه ّلي «اللي» ا ُم ْه خ ّبا ِز ْه ِبيجو ْع‪.‬‬ ‫العامية الف�صيحة‬ ‫ِه ّلي «اللي» ِبت ُْح ُّط ْه بال َّد ْ�ستُ ِبتْ�ش ِي ُل ْه با َملغْر ِفهْ‪.‬‬ ‫يف العامية كثري من املفردات �أو التعابري التي يعتقد النا�س �أنها عامية‬ ‫�أو ِه ّلي «اللي» كانو ْزغا ْر �صاروا كبا ْر «الذين‬ ‫��ص��رف ولكنها يف احلقيقة ف�صيحة الأ� �ص��ول مثبتة يف معاجم اللغة‬ ‫كانوا �صغار ًا �صاروا كبار ًا»‪.‬‬ ‫مثل‪ُ ،‬ك ْرما َل ْك «اك��رام�اً لك» – ع� ْ‬ ‫�ال «ممتاز» – كوي�س «ت�صغري َك ِّي ْ�س»‬ ‫ومن �أمثلة ذلك‪� :‬أخوك عندنا‪� :‬أخوك ِع ّنا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫– مب�سوط «م�سرور» منب�سط الأَ�سارير – َخ ّل ِي ْه َ‬ ‫«خ ِّلهْ‪ /‬اتر ْك ُه» َنط ُر ْه‬ ‫ما هذا؟ �أي �شيء هذا؟‪� :‬أَ ْي ْ�ش هذا؟‪ُ ،‬‬ ‫ن�صف‬ ‫ْ‬ ‫م�ضبوط «مبعنى‬ ‫�اب «جلب‪� /‬أح�ضر»‬ ‫«انتظره‪ ،‬ومنها الناطور» – ج� ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ال�س ّت‪�ِ ،‬شي ٌء‬ ‫‪:‬‬ ‫ة‬ ‫ال�سيد‬ ‫ْ‪،‬‬ ‫ه‬ ‫�ساع‬ ‫�ص‬ ‫ن‬ ‫‪:‬‬ ‫ة‬ ‫�ساع‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫�صج»‪ْ ،‬‬ ‫با�س « َق ّبل» ومنها بع�ض املجامالت‪.‬‬ ‫�شاف «نظر» – ْ‬ ‫قلي ٌل‪�ِ :‬شي َق ْ‬ ‫ْ‬ ‫ليل‪َ ،‬ج َّدتي‪�ِ :‬ستّي‪ ،‬جمان ًا‪ /‬بال‬ ‫اهلل مْي�س ِّي ُك ْم ب��ا ّ‬ ‫«م�ساكم باخلري جعل م�ساءكم خ�يراً»‪ /‬يا هَال‬ ‫خل�ْيررْ ْ ‪ّ :‬‬

‫بال�ضيف‪� :‬أه ً‬ ‫ال بال�ضيف‪ْ /‬بخاطِ ْر ُكم‪� :‬أ�ست�أذنكم‪.‬‬


‫��ش��ىءٍ ‪َ :‬ب�لا�� ْ�ش‪ ،‬هنئ ًا ل��ه‪ِ :‬ن� ّي��ال� ُو ‪،NYALU‬‬ ‫موجود‪ :‬ما‬ ‫موجو ُد «ال�شيء»‪ :‬فيِ ‪ ،Fee‬غري‬ ‫ٍ‬ ‫�ودي‪� /‬أح��ب‪َ :‬ب��دِّ ي‬ ‫فيِ ‪� ،MAFee‬أرغ ��ب‪ /‬ب � ّ‬ ‫‪� ،BADDI‬أقدر‪ /‬يف ا�ستطاعتي‪ِ :‬ف ّي ِى ‪،Fiyi‬‬ ‫ال �أق��در‪ :‬ما ِف ِيى‪ ،‬هكذا‪ :‬هَ ْي ْك ‪ ،HEIK‬هُ نا‪:‬‬ ‫هُ ْونْ ‪ ،HONE‬الب�أ�س‪َ :‬م ْع َل ْي ْ�ش ‪،MA’LEISH‬‬ ‫البا�س ‪ ،LABAS‬ماء‪َ :‬م ْي‪َ /‬م ّيهْ‪ ،‬جاء‪� :‬إِجا‬ ‫‪ ،IJA‬جا َءت‪ِ � :‬إج ْت ‪ ،IJIT‬ال‪ :‬لأْ‪.‬‬

‫ت�شويه نطق احلروف‬

‫يلفظ حرف ث‪�« :‬س» �أو «ت» يف بع�ض املناطق‬ ‫وخا�صة يف دم�شق‪ ،‬ف �ـ«�أث��اث البيت» تلفظ‬ ‫«�أ�سا�س البيت»‪ .‬وكذلك‪:‬‬ ‫ثوم‪ :‬توم تُوم ‪ TOOM‬مثل ‪ROOM‬‬ ‫ثور‪َ :‬ت ْور ‪ TOOR‬مثل ‪DOOR‬‬ ‫�أما حرف «ذ» فيلفظ «ز» �أو «د»> مثل لذيذ‬ ‫تلفظ لزيز‪ ،‬ذيب تلفظ ديب‪.‬‬ ‫وحرف الـ «�ض» قد يلفظ �شبه «د» مثل �ضر�س‬ ‫تلفظ ِد ْر� � ْ�س‪ ،‬بينما ح��رف «ظ» يلفظ �شبه‬ ‫«ز» مثل عظيم ع��زمي‪ ،‬وح��رف الـ «ق» يلفظ‬ ‫ب�أ�شكال متعددّة بالإ�ضافة �إىل ُن ْطقه التقليدي‬ ‫املدر�سي‪ ،‬و�أ�شهر هذه الأ�شكال «�آ»‬ ‫ق��ال «�آل» – ُق��م «�أوم»‪ .‬ويتحول يف بع�ض‬ ‫اللهجات وخا�صة الفل�سطينية �إىل «ك»‪ ،‬قال‬ ‫«ك��ال» – ق��م «ك ��وم»‪ ،‬و�إىل م��ا ي�شبه اجليم‬ ‫امل���ص��ر ّي��ة �أو احل ��رف ال�لات�ي�ن��ي «‪ »G‬ق��ال‬ ‫«جال»‪ .GAL /‬قريب «جريب» ‪.GAREEB‬‬ ‫وهذه اللهجة بدوية غالب ًا‪� .‬أما حرف الكاف‬ ‫فيلفظ يف كثري من املناطق ال�سورية مبا ي�شبه‬ ‫«ت�ش»‬ ‫َ‬ ‫كيف �أنت؟‪ :‬ت َْ�ش ْي ْف �أ ْن ْت ‪TSHEIF ENT‬‬ ‫اللهجة منتج ب�رشي ي�صنعه النا�س مبعامالتهم‬ ‫ْ�ش موجو ْد ‪ABUTSHI‬‬ ‫�أبوك موجود؟‪� :‬أبو ت ِ‬ ‫ما‪ُ :‬مو «مو موجود»‬ ‫وهذه اللهجة تكرث بني البدو واملت�أثرين بالبدو �أ ْن ِت‪� :‬إِن ِتي ‪INTI‬‬ ‫ّاج ْه «لهجة دم�شقية»‬ ‫�أَ ْنت ُْم‪ :‬انتو ‪ENTU INTU‬‬ ‫�سجاده‪� :‬سد ِ‬ ‫من �سكان الأرياف النائية‪.‬‬ ‫ملعقة‪َ :‬م ْع َل َق ْه وتلفظ َم ْعلآ‬ ‫نحن نحنا‪ /‬احنا‪NIHNA IHNA‬‬ ‫�ألفاظ حملية‬ ‫هن‪ِ :‬ه ّنى ‪HINNI‬‬ ‫الألفاظ امل�ش ّوهة‬ ‫للعامية �أل �ف��اظ حملية ت�ستعمل يف بع�ض‬ ‫نثبت هنا منوذج ًا من بع�ض الألفاظ امل�ش ّوهة من؟‪ :‬مني؟ ‪MEEN‬‬ ‫املناطق ال�سورية وال ت�ستعمل يف غريها �أو ق ّلما‬ ‫�صغري‪ْ :‬ز ِغري ‪ZGHEER‬‬ ‫الكثرية اال�ستعمال‪:‬‬ ‫ا�ستعملت يف غريها‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫�صفق‪ :‬ز ّق ْف ‪ZOQQAF‬‬ ‫�أين؟‪َ :‬و ْين؟ ‪WEIN‬‬ ‫ال�ساعهْ؟ «�أَ َّد ْي�ش»‬ ‫هكذا‪ :‬هَ ْيك ‪HEIK‬‬ ‫�أنتَ ‪� :‬أ ْن ْت ‪INT‬‬ ‫كم ال�ساعة؟‪َ :‬ق َّد ْي�ش َ‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪92‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫حتى الآن ما و�صل‪ِ :‬ل ّ�سا ما ِو ِ�ص ْل «حتى هذه‬ ‫ال�ساعة»‬ ‫حتى الآن ما و�صل‪َ :‬ب ْع ُد ْه ما ِو ِ�ص ْل‬ ‫فقط‪ /‬يكفي‪َ :‬ب ّ�س‬ ‫ذو �شوارب‪� :‬أبو َ�شوار ِْب‬ ‫ذات اخلال‪َّ � :‬أم ْ‬ ‫اخلال‬ ‫ومع ذلك‪َ :‬ب ْر ُ�ض ْه «فل�سطينية»‬ ‫نعم‪� /‬أي واهلل‪� :‬أَ ْي َو ْه‬ ‫لي�س‪ُ :‬م ْ�ش « ُم ْ�ش موجود»‬ ‫لي�س‪ُ :‬مو «مو موجود‪ /‬لهجة دم�شقية»‬ ‫كما �أن هناك كلمات لها �أكرث من داللة‪ :‬العم‪:‬‬ ‫هو �أخو الأب‪� /‬أبو الزوجة‪ /‬العجوز امل�سن‪:‬‬ ‫مرحب ًا يا عم! واخلالة‪� :‬أخت الأم‪ /‬الزوجة‬ ‫الثانية‪.‬‬

‫�ألفاظ �أجنبية‬

‫قبل احلرب العاملية الأوىل �شاعت مفردات‬ ‫تركية يف اللهجة العامية ال�سورية‪ ،‬ولكن هذا‬ ‫الت�أثري ت�ضاءل حتى انقر�ض يف ظل االنتداب‬ ‫الفرن�سي «‪ ،»1920 - 1946‬ويف ظ��ل هذا‬

‫االنتداب انت�شر الكثري من املفردات الأجنبية‬ ‫وخ��ا��ص��ة امل �ف��ردات احل���ض��اري��ة ال�صناعية‬ ‫اجلديدة وهذه بع�ض �أمثالها‪ :‬املفرد الأجنبي‬ ‫الأ�صل «غالبا فرن�سي الأ�صل»‬ ‫�آلو‪« :‬للرد على الهاتف»‬ ‫ْبرا ُفو‪� :‬أح�سنت ‪BRAVO‬‬ ‫ُ�شو َفيرْ ‪� :‬سائق �سيارة ‪CHAUFFEUR‬‬ ‫�سي‪� :‬سيارة �أجرة ‪TAXI‬‬ ‫ت ْك ِ‬ ‫با�ص‪� :‬سيارة ركاب كبرية ‪BUS‬‬ ‫ْ‬ ‫تْرانْ ‪ :‬قطار ‪TRAIN‬‬ ‫َ�س ْرف ِي ْ�س‪ :‬خدمة «يف مطعم‪� ،‬أو يف �سيارة‬ ‫�أجرة» ‪SERVICE‬‬ ‫سونْ ‪ :‬خادم يف مطعم ‪GARGON‬‬ ‫َج ْر� ُ‬ ‫ُب ْ‬ ‫وط‪ :‬حذاء ‪BOTTES‬‬

‫كم ق�صري ‪SHORT‬‬ ‫َ�ش ْو ْ‬ ‫رت‪ :‬بنطال ق�صري �أو ُ‬ ‫ما ُّي ْو‪ :‬لبا�س الب�ساحة ‪MAILLOT‬‬ ‫ُبو ْد َر ْه‪ :‬م�سحوق ‪POUDRE‬‬

‫ومي�ك��ن �أن ُن �ق��دم م�ئ��ات �أو �آالف الكلمات‬ ‫الأجنبية الأ�صل �إ ّال �أننا ال نحتاج �إليها يف‬ ‫ملحة موجزة كهذه‪ ،‬ويح�سن بنا �أن نالحظ‬ ‫�أن �سوريا ولبنان ا�ستقيا مفرداتهما الأجنبية‬ ‫ب�ت��أث�ير االن��ت��داب الفرن�سي �أم ��ا فل�سطني‬ ‫والأردن والعراق فقد ظهر الت�أثري الإنكليزي‬ ‫يف مفرداتهم العامية‪.‬‬ ‫قد تبدو العامية لغة جديدة بالن�سبة لدار�س‬ ‫ال�ل�غ��ة ال�ت�ق�ل�ي��دي��ة امل��در� �س �ي��ة ول �ك��ن ب�شيء‬ ‫م��ن املمار�سة والتدقيق تخف ال�صعوبات‬ ‫الكثرية التي تواجهه يف تع ّلمها �أو �سماعها‪،‬‬ ‫ول�ع� ّل درا� �س��ة الأم �ث��ال ال�شعبية واال�ستماع‬ ‫�إىل الأغ��اين ال�شعبية ي�ساعدان على تذليل‬ ‫بمقدورنا إيجاد لهجة‬ ‫ال�صعوبات الكثرية التي تواجه الأجنبي الذي‬ ‫عربية مبسطة ومقبولة مل يتع ّود �إ ّال على تذليل ال�صعوبات الكثرية‬ ‫التي تواجه الأجنبي الذي مل يتعود �إ ّال اللهجة‬ ‫ال هي الفصحى‬ ‫التقليدية الر�سمية‬ ‫التقليدية المتزمتة وال‬

‫هي العاميات المحلية‬ ‫العشوائية‬


‫من العامية ال�سورية‬

‫ح ْم ُد للواح ْد‬ ‫ال َ‬ ‫فواز هاين منذر‬ ‫ا َ‬ ‫حل� � � � � � ْم� � � � � � ُد ل� � � �ل � � ��واح� � � � ْد َع� � � �ل � � ��ى ُك� � � � � � ��لِ الأح � � � � � � � � � ْ‬ ‫�وال‬ ‫�� � �ص � � ّ�ح� � � ّْح َم � � �� � � �س� � ��ا َر ْك وا�� � �س� � � ُل � � ْ�ك ال� � �� � َّ ��ص � � ْ�ح وال � � � َع� � � ْ‬ ‫�ال‬

‫ح � � � ��ا ِك � � � � ْم و َع� � � � � � � � � � ��اد ِْل ع � � � � � � � مِ ْ‬ ‫�ال و ُم � � � � ّْل � � � �ه � � � � َم ْرح � � � � � � � ُو ْم‬ ‫ا ّر َح � � � � � � � � � � ْم رح� � � � � ْم � � � � َ�ك اللهّ ُ وا� � � �س � � �ع� � ��ى ل� � �ه � ��ا د ُو ْم‬

‫د ّوا ْر دهْ � � � � � � � � � � � َر ْك دو ْم م� � � ��ا ه� � � ��و َع� � � �ل � � ��ى ح� � � � ْ‬ ‫�ال‬ ‫َع � � � � � � ��د ّو م � � ��ا ِك � � ��ر �� � َ� ��ص� � � ��ا ْر َم� � �� ْ� ��ص� � �ل � � ْ�ح ومِ � � � � ْر�� � �َ ��س� � � � ْ‬ ‫�ال‬

‫ح � � � ��ال� � � � � ُه احل� � � � �ل� � � � � ُو وامل � � � � � � � � � ْر و� � � � � � �س� � � � � ��رو ْر وه� � � �م � � ��و ْم‬

‫�اح � � �م � ��ى �أه� � � �ل� � � � ُو َو� � َ��س� � �ه� � � ُل � ��و ه� � � َم � ��ى ه � �م� � ْ‬ ‫�ال‬ ‫�إل � � � � �ـ َم � � َ‬

‫و� � ُ��س� � �م� � � ُر ال� � ��� � �س � ��واع� � � ْد � � � �س� � ��ورهُ � � � ْم � � َ� ��ص � � ��ا ْر م� � �ه � ��دو ْم‬ ‫َه� � � � � � ّْد و َر َح � � � � � � � ْ�ل َم � � ��ال � � � ُه � � � ِ��س � � � َوى ال � � �ط � � ��ر ْد َوال � � �ل � � ��و ْم‬

‫َع� � � � � � � � ��ار ِْك َع� � � � � � � ��د ّوك �إدح� � � � � � � � ��ر ُه � � �س � �ه � ��ام � � ْ�ك ط � � � � ْ‬ ‫�وال‬

‫وح� � � � � � � �دّك ح� � � � � � � � � � ��د ُود َْك دو ْم واحل� � � � � � � � � ّْد َم � � � ْع � � �ل� � ��و ْم‬ ‫�� � � �س � � ��و ٍر ع� � �ل � ��ى ال � � � � � َّرم� � � � � ْ�ل امل َ � � � �ط � � � � ُر ه� � � � ّدم � � ��و ُك� � � � ��و ْم‬

‫�إ� � �ْ ��س � � � �ع � � ��ى و ِك� � � � � � � � � ّد و َد ِّور ال � � � � َع � � � � َم � � � � ْ�ل وع� � � �م � � � ْ‬ ‫�ال‬ ‫وال ع� � � � � َّم � � � ��رو ع � � � � ��ال � � � � ��دار َه� � � � � ��امِ � � � � � � ْ�ل و�إه � � � � �م � � � � � ْ‬ ‫�ال‬

‫م� � � � ��ا�� � َ� � ��ص� � � � ��ا ْد ك� � � ��ا�� � ِ� ��س� � � ��ر ال ع � � � � �ل � � � � � ًّو وال ُح � � � � � ��و ْم‬ ‫ه� � � � � � �دّو ال� � � �ع� � � �م � � ��ا َر و�� � َ� � ��ص� � � � ��ا ْر �أط � � � �ل � � � � ْ‬ ‫�ال ور� � � � �س� � � ��و ْم‬

‫و ّد ال� � � � � � � � � � � � � َود ُو ْد َو� � � َ� ��س � � � ��امِ � � � ��ره َم� � � � ��ا َل� � � � � ْ�ك و َم � � � � � � ْ‬ ‫�ال‬ ‫� � � َ� ��ص � � � � ْد َرك ل � � ��� � ِ��س � � � َّر ْك �� � � �س� � � � ُو ْر ل� � ��و �� � َ��س� � ��اءل� � ��وا ال ْآل‬

‫وح � � � � ��امِ � � � � � ْ�ل ال� � � � � � � � ��دا ْء و�� � �س� � �م � ��و ْم‬ ‫واح � � � � � ��د ل � � � � � � � � � � َد ُو ٍد َ‬ ‫�إع � � � � �م� � � � � ْ�ل �أ� � � � � �ص � � � � � ّم ودوم م� � � ��ا �� � � �س � � ��امِ � � � � ْع ع � � �ل � ��و ْم‬

‫حل � � � �م � � � � َل ل � � ��و َم � � � � ْ‬ ‫ح� � � � ّك� � � � ْم ال � � � �ع� � � ��د َل و�إع � � � � � � � � � ْ‬ ‫�ال‬ ‫�دل ا ِ‬

‫ع � � � � � � � � ِّو ْد �أوالدك �� َ� ��ص� � ��ال� � ��ح ال� � � �ع� � � � َم � � � ْ�ل وع� � � �ل � � ��و ْم‬ ‫�أه � � � � � � � ُل ال� � � � � ُه� � � � �دَى وال� � � � � ُك � � � � ْ�ل �إ�� � � � �س � �ل� ��ا ْم َم� � � � � � ْع ُرو ْم‬

‫�إع � � � � � �م � � � � � ْ�ل ك � � � �ل� � � ��ا ِم ال� � � � � � � � � ��د ّر دِر ٍع و� � �س � �ل � �� � �س � ��ال‬ ‫م � � � ��ال � � � � � ُه �إل� � � � � � � � � � ُه لمَ ّ� � � � � � � ��ا امل� � � � � � � ��رء َم � � � � � ��ا ِل � � � � � � ْ�ك املَ� � � � � � � � ْ‬ ‫�ال‬

‫و َم� � � � � ��ا َل� � � � � � ْ�ك �إ َل � � � � � � � � � ْ�ك عِ � � � � � � � �دّه ح � � �ل � � � ً‬ ‫اال وم � ��و�� � �س � ��وم‬

‫�أ� � ّ��س� � �� � � ْ�س َع � ��� َ��ص � �ل � � ْد ال � ��� َ��ص � � ْم م � ��ا ه� � � � ْو َع � �ل� ��ى �� �س� �م � ْ‬ ‫�ال‬

‫َوال� � � � � � � � � � �دُك و�أم� � � � � � � ��ك طِ � � � � � � � ْع �أوام� � � � � � ��رهُ � � � � � � � ْم � � � �س � � �� ْآل‬

‫ِد ُرع ال� � � � � �دَراهِ � � � � � � ْم َل � � � � � ْو ع� � � ��دى ال � � � � َّده � � � � ْر ح� �ّل� ��اّ ْل‬ ‫ح � �� � ِ��س � ��ا َم � � ْ�ك و�� � �س� � �ع� � �دَّك وال � � �� � � �س � ��واعِ � � � ْد والأم � � � � � ��وال‬

‫ود ُوم ال � �ع � �ك � ��� ��س ل � � ��و �� � َ� ��ص� � � ��ا ْر ل � � �ل � � �م � ��الِ حم � �ك ��وم‬ ‫ُع � �� � �س� ��رك وحِ � � �م � � � ْ�ل ا َ‬ ‫حل � � ��مِ � � � ْ�ل والأم � � � � � ��ر محَ � ��� ْ��س� ��و ْم‬ ‫احل� � � ��ا ِل� � � � ْ�ك �� �س� �ط ��ع ل � � ��و َه� � � � ْم �� � �س � ��وا �� � �س � ��اع � ��دوا دو ْم‬

‫ومل ّ� � � � � ��ا مل َ� � � � � � ْع �� � َ��س � � �ه � � � ْم ا َل� � � �ط� � � � َم� � � � ْع ح � � � ّ�ط� � � � ْم ا َ‬ ‫حل� � � � � � ْ‬ ‫�ال‬

‫ه � � � ّم� � ��ه َر�� � �َ ��س� � � ��ى و َع� � � � � � � � � ّْم الأ� � � � �س� � � ��ى �� � � �ص� � � � ّرح ول � � � ��و ْم‬ ‫ول� � � �ل� � � � َع � � ��دِ ْل �� ِ��س � �م � ��� ْ��س� ��ا ْر و�� � �س� � � ِع� � � ُر ح� � � � � � ��ا ِو ْر و�� � �س � ��و ْم‬

‫م � � ��ا� � � َ��س � � ��ا ْد َح � � ��ا� � �ِ ��س� � � � ْد واحل� � � �� � � َ��س� � � � َد دَا ْء � � � َ��س� �ّل �ْاّ ْل‬ ‫حم � � � � � � � � � � �دْو ْد ُع� � � � � �م� � � � � � ْر َك ُك � � � � � � ُّ�ل م� � � � �اَه� � � � � ّل ال� � � �ه� �ل � ْ‬ ‫�ال‬ ‫َ‬

‫وط� � � � � ّم � � � ��اع ل � � ��و َرا ْم ال� � � � ُع� �ل ��ا � � � َ� ��ص � � � ��ا ْر َم� � � � � ْوه � � � ��و ْم‬

‫�� َ� ��ص� � ��ا ْر احل � �� � �َ�س � � َد � � ْ��س � ��ا ِل � � ْ�ك و� � � �ص� � ��ا ْع ال � �ط � �م � � َع م ��ال‬

‫امل � � � � � � � ��رء َراحِ � � � � � � � � � � � � � � ْ�ل د ُو ْم م� � � � � � � � � � � � � ��ار ّد ُه ط� � � � � � � ْ‬ ‫�وال‬ ‫اللهّ ُ راد ال� � � �� � َ� ��ص� � � � َّح َم � � � � � � � ْع ح � � � � ِل � � � � ُو الأع � � � � �م � � � � ْ‬ ‫�ال‬ ‫�ال ال � � �� � � �س � � � ِّر وال � � � � َع� � � � ْ‬ ‫�أ�� � � � � �س� � � � � �� ْأل �� � �س� � �م � ��اح� � � ُه َع � � � � � � � � مَ ْ‬ ‫�ال‬

‫�إع � � � �ل � � � � ْم ه � � � ��دم َم� � � � � ْدم � � � ��اك وال � � � ��� � َ� ��ص � � � � َر ْح م� � � � َع � � ��دو ُم‬ ‫و� � � �س � ��ا ِل � ��ك هُ � � � � ��دى راحِ � � � � � � � ْ�ل و َم� � � � � � ْرح� � � � � � ُو ْم م� � �ك � ��رو ْم‬ ‫و�� � � � َ� � ��س� � � � � � ��ا َرو ْد ع � � � ��امِ � � � � ْ�ل � � � �س� � ��وء م � � � �ك � � ��روه حم� � � � ��رو ْم‬ ‫م� � � ��ا واحِ � � � � � � � � � ْد �إ ّال هُ � � � � � � � َو ك � � � ��امِ � � � � ْ�ل و َم � � � ْع � � �� � � �ص� � ��و ْم‬ ‫�إحدى الق�صائد ال َعواطل «اخلالية من النقاط»‬


‫‪94‬‬

‫جماليات‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫جماليات‬ ‫التراث‬

‫‪2012‬‬

‫معجب الزهراين‬

‫كثري ًا ما يختزل باحثونا مفهوم »الرتاث» يف معنى من معانيه ويقل�صونه‬ ‫�إىل بعد من �أب�ع��اده ‪ .‬و�أخطر ما يف لعبة االخ�ت��زال والتقلي�ص ه��ذه �أنها‬ ‫عادة ما تتم بعفوية‪� ،‬أي دومنا وعي ب�أنها حت�صره دا ًال وتف ّقره مدلو ًال ‪.‬‬ ‫نتحدث �أو نكتب عن «تراثنا» فين�صرف الذهن غالب ًا �إىل بع�ض املدونات‬ ‫و�صنفت يف حقبة معينة‪ ،‬ويف مقدمتها امل�ؤلفات‬ ‫الر�سمية التي ُجمعت ُ‬ ‫اللغوية والدينية والأدبية والتاريخية‪ .‬قليل من يدرك �أن لدينا «تراثات»‬ ‫علمية وفل�سفية ومعمارية لعلها متثل الوجوه الأكرث �إ�شعاع ًا يف تاريخنا‪،‬‬ ‫والأكرث ت�أثري ًا يف احل�ضارة الب�شرية العامة‪� .‬أما الرتاث اجلمايل‪ ،‬وب�شقيه‬ ‫العارف املكتوب‪ ،‬وال�شعبي ال�شفوي‪ ،‬فيكاد ي�شكل قارة جمهولة ن��ادر ًا ما‬ ‫يعنى الباحثون بارتيادها والك�شف عن معاملها ومكوناتها‪ ،‬علم ًا ب�أن هذا‬ ‫الرتاث الإبداعي قوي احل�ضور مت�صل الأثر يف حياة النا�س اليومية‪.‬‬ ‫وغني عن القول �إن الرتاث الفني يف �أي ح�ضارة عريقة يف الزمن وممتدة‬ ‫يف امل�ك��ان‪ ،‬يفي�ض ع��ن املنتوجات الأدب�ي��ة م��ن �شعر و�أ��س��اط�ير وحكايات‬ ‫و�أمثال ونوادر وطرف و�أحاجي لي�شمل خمتلف جماالت الإبداع املعتادة ‪.‬‬ ‫ولكي نبلور ت�صور ًا نظري ًا عن مدى التنوع والغنى يف هذا الرتاث اجلمايل‬ ‫�سنقدم له خطاطة عامة يف �ضوء النظرية اجلمالية التقليدية التي ت�شكلت‬ ‫كمحاولة مت�صلة للإجابة عن ثالثة �أ�سئلة‪ :‬ما الفن؟ ما وظيفته؟ وكيف‬ ‫ن�صنف الفنون لنتبني عالقات االختالف والتفاعل فيما بني �أنواعها؟‬ ‫ونظر ًا لكون هدفنا ال يتجاوز تو�سيع دائرة الوعي بغنى تراثنا احل�ضاري‬ ‫العام ف�سنعتمد النظرية التي تذهب �إىل �أن الفنون تختلف وتتعدد بح�سب‬ ‫و�سائل املحاكاة‪� ،‬أو ما ن�سميه اليوم باملواد التي ي�شتغل بها وعليها املبدعون‪.‬‬ ‫من هذا املنظور �سيكون لدينا �ستة �أجنا�س رئي�سة على النحو التايل‪:‬‬ ‫الفنون القولية «الأدب ال�شعبي بكل �أ�شكاله»‪.‬‬ ‫الفنون الب�صرية «ر�سم وت�شكيل وخط»‪.‬‬ ‫فنون النحت والعمارة «وتلحق بها فنون الزخرفة والنق�ش»‪.‬‬ ‫الفنون احلركية «الرق�صات ال�شعبية»‪.‬‬


‫جماليات‬ ‫إن التراث الفني في‬ ‫أي حضارة عريقة في‬ ‫الزمن وممتدة في‬ ‫المكان‪ ،‬يفيض عن‬ ‫المنتوجات األدبية من‬ ‫شعر وأساطير وحكايات‬ ‫وأمثال ونوادر وطرف‬ ‫وأحاجي ليشمل مختلف‬ ‫مجاالت اإلبداع المعتادة‬

‫الق�صب» و�أخ��ري��ات مفتوحة‬ ‫الفنون ال�صوتية كالغناء‬ ‫ع �ل��ى ع��ام��ة ال �ن��ا���س ال��ذي��ن‬ ‫واملو�سيقى‪.‬‬ ‫يبا�شرونها يف �أي مكان عام‬ ‫فنون التمثيل الدرامي �أو‬ ‫الب �� �س�ين �أزي ��اءه ��م ال�ي��وم�ي��ة‬ ‫االحتفايل «مل ُيعرف امل�سرح‬ ‫املعتادة وكل منهم يحمل من‬ ‫مبعناه الكال�سيكي يف تراثنا‬ ‫ال�سالح ما يحب «ال�سيوف‪،‬‬ ‫القدمي لكنه لي�س �سوى �أحد‬ ‫اخلناجر‪ ،‬البنادق‪.»..‬‬ ‫�أ�شكال التمثيل»‪.‬‬ ‫وه�ن��اك رق�صات ت�صاحبها‬ ‫ولقد ا�ستعملت �صيغة اجلمع‬ ‫�إيقاعات مو�سيقية‪ ،‬و�أخريات‬ ‫م �ك��ررة يف ك��ل ق�سم �أو ن��وع‬ ‫تعتمد على ال�صوت الب�شري‬ ‫لأنها الأدق علميا؛ فالباحث‬ ‫ً‬ ‫املخت�ص يف ه��ذا امل �ج��ال ي��درك ج �ي��دا م��دى ك�ثرة امل �ك��رر ب�ط��ري�ق��ة خم�صو�صة ف�ح���س��ب‪ .‬وت �ل��ك التي‬ ‫ال�ف�ن��ون الفرعية يف ك��ل ق�سم‪ ،‬مثلما ي��درك مدى ت�صاحبها �آالت مو�سيقية قد تعتمد على �آلة واحدة‬ ‫كالطبل �أو ال��دف‪ ،‬وقد ت�ستعمل فيها �آالت متنوعة‬ ‫مرونتها وتطورها عرب الزمن‪.‬‬ ‫ولو �ألقينا نظرة �أولية على فنون الرق�صات ال�شعبية‪ ،‬كاملزامري والأب��واق والقرب والآالت الوترية‪ .‬وهذه‬ ‫ولعلها الأك�ث�ر حيوية وعر�ضة ل�ل�إه�م��ال يف الوقت التنوعات واالختالفات التي تتجلى يف كل امل�ستويات‬ ‫ذاته‪ ،‬لتبني �أننا يف حاجة �إىل جملدات لكي نبا�شر كما نالحظ ه��و �أم��ر بدهي لأن الرق�ص ج��زء من‬ ‫ح�صرها وو�صفها ب�شكل م��وج��ز‪ ،‬فهناك رق�صات الثقافة ال�سائدة التي تنزع �إىل التعقيد والتطور‬ ‫للرجال ورق�صات تخ�ص الن�ساء ورق�صات ي�شرتك يف البيئات احل�ضرية و�إىل الب�ساطة والتق�شف يف‬ ‫فيها اجلن�سان‪ .‬والرق�صات الرجالية تتنوع �أ�شكالها البيئات الريفية والبدوية‪.‬‬ ‫و�إيقاعاتها ووظائفها حتى يف املنطقة الواحدة‪ ،‬وال ولو تطرقنا �إىل فنون الرق�ص ال�شعبي الأخرى التي‬ ‫�أدل على ذلك من كرثة رق�صات ا�ستعرا�ض القوة ت�ؤمن وظائف �إمتاعية «كفنون اللعب و ال�سامريات»‪،‬‬ ‫�أو روحية «كالرق�صات ال�صوفية» حيث ت�ستعر�ض‬ ‫وال�سلطة «العر�ضات» يف �أي بلد عربي‪.‬‬ ‫ولو �ضيقنا املنظور �أكرث ف�أكرث‪ ،‬فامل�ؤكد �أننا لن جند جماليات اجل�سد �إذ يتحرك مب��رون��ة وخفة لطال‬ ‫رق�صة ت�شاكل �أخرى متام ًا؛ فهناك رق�صات ت�ؤديها املقال وت�شعب‪.‬‬ ‫ومب��ا �أن ال�ق��ول ذات��ه ينطبق‬ ‫ف��رق متخ�ص�صة يف موا�سم‬ ‫على الرق�صات الن�سائية �أو‬ ‫معينة ويف �ساحات �أو ميادين كثير ً‬ ‫باحثونا‬ ‫يختزل‬ ‫ما‬ ‫ا‬ ‫امل�شرتكة ف�إننا نكتفي بهذا‬ ‫حمددة‪ ،‬وتتطلب ارتداء �أزياء‬ ‫في‬ ‫«التراث»‬ ‫مفهوم‬ ‫ال �ق��در ب ��أم��ل �أن ن �ع��ود �إىل‬ ‫خم�صو�صة و�أ�سلحة رمزية‬ ‫معانيه‬ ‫من‬ ‫معنى‬ ‫املو�ضوع لنف�صل فيه‬ ‫معينة «ع�صي اخل�ي��زران �أو‬

‫ويقلصونه إلى بعد من‬ ‫أبعاده‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫نقد‬ ‫‪96‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫بدايات واعدة مل تكتمل‬

‫إسهام العرب األقدمين‬ ‫في النقد االجتماعي لألدب‬ ‫د‪ .‬عمار علي ح�سن‬

‫روائي وباحث يف علم االجتماع ال�سيا�سي ـ م�رص‬

‫هناك عدة اعتبارات جتعل درا�سة الأدب من منظور اجتماعي‪� /‬سيا�سي �أمراً مهما‪ .‬و�إذا كان العرب‬ ‫الأقدمون قد فطنوا �إىل هذه امل�س�ألة فم�سوها كثرياً يف بع�ض املوا�ضع من خالل التعليق على وظيفة‬ ‫ال�شعر والنرث و�أهميتهما ف�إنه مع مرور الزمن ت�أكدت حيوية هذه االعتبارات‪ ،‬التي يكمن �أولها يف‬ ‫�أن الأدب ي�ستخدم ك�أحد روافد املعرفة يف بع�ض الدرا�سات الإمربيقية التي �أجريت يف حقل العلوم‬ ‫االجتماعية‪.‬‬ ‫فالرواية الواقعية تر�صد فئات من الب�شر‪،‬‬ ‫وت�صف تفا�صيل حياتهم‪ ،‬الأم ��ر ال��ذي قد‬ ‫ي�ساعد علماء االج�ت�م��اع على تف�سري بع�ض‬ ‫الظواهر الإن�سانية‪ ،‬وقد يكون جمدي ًا لعلماء‬ ‫النف�س وهم يالحظون �سلوك بع�ض النا�س‪،‬‬ ‫لي�س هذا فح�سب‪ ،‬بل �إن ال��رواي��ة‪ ،‬على وجه‬ ‫اخل�صو�ص‪ ،‬تعترب يف ح��د ذات�ه��ا ن��وع� ًا من‬ ‫«البحث االجتماعي الكيفي» وذل��ك �إذا ما‬ ‫نظرنا للأديب على �أنه باحث ي�ستخدم �أداتي‬ ‫املالحظة بامل�شاركة واملقابلة‪ ،‬يف �سرب �أغوار‬ ‫ال�شرائح االجتماعية التي يكتب عنها‪ .‬عالوة‬ ‫على ذلك ف�إن الأدب‪ ،‬خ�صو�صا اللون ال�شعبي‬ ‫منه «الفلكلور» الذي يتمثل يف ال�سري واملواويل‬ ‫والأمثال والأغنية ال�شعبية والعديد‪ ،‬يعرب عن‬ ‫مالمح ال�شخ�صية القومية لبلد ما‪.‬‬ ‫�أم��ا االعتبار الثاين فيتمثل يف �أن الأدب هو‬ ‫تاريخ من ال تاريخ لهم من الب�سطاء واملهم�شني‪،‬‬ ‫فامل�ؤرخون ي�سجلون تاريخ احلكام ويهتمون‬ ‫بالأحداث الكربى التي متر بهم‪ ،‬والتي غالب ًا ما‬ ‫تكون ال�سلطة ال�سيا�سية هي الالعب الأ�سا�سي‬ ‫فيها‪� ،‬أما الأدباء فيغو�صون �إىل القيعان البعيدة‬

‫للمجتمعات ويلتقطون �شخ�صيات عادية‪،‬‬ ‫وي�سلطون ال�ضوء عليها‪ ،‬وقد ينجحون يف �أن‬ ‫ي�ضفوا عليها قيمة ومكانة جتعلها يف املرتبة‬ ‫الأوىل الهتمامات النا�س‪ ،‬وك�أنها �شخ�صيات‬ ‫من حلم ودم‪ ،‬بل قد و�صل الأم��ر �إىل حد �أن‬ ‫الكثري من املو�سوعات والقوامي�س العاملية ت�ضع‬ ‫�أبطال بع�ض الأعمال الروائية اخلالدة جنب ًا‬ ‫�إىل جنب مع احلكام وامل�شاهري‪.‬‬

‫الأدب وحواجز ال�سلطة‬

‫واالعتبار الثالث يتعلق بقدرة الأدب على‬ ‫اخ �ت�راق احل��واج��ز ال �ت��ي ت�ضعها ال�سلطة‬ ‫ال�سيا�سية يف دول ال�ع��امل ال�ث��ال��ث‪ ،‬ب�صفة‬ ‫خا�صة‪� ،‬أم��ام �أي �أف�ك��ار �أو ت�ي��ارات ثقافية‬ ‫تريد �أن تب�شر بقيم خمالفة لتلك التي تروق‬ ‫لل�سلطة وحتقق م�صاحلها‪ ،‬فاحلكومات يف‬

‫صب َّ‬ ‫جل‬ ‫النقد العربي‬ ‫َّ‬ ‫اهتمامه على البنية‬ ‫الداخلية للنصوص‬ ‫األدبية على حساب‬ ‫السياق االجتماعي‬

‫عاملنا العربي‪ ،‬م�ث� ً‬ ‫لا‪ ،‬ت�سيطر على مناهج‬ ‫التعليم والكثري من م�ؤ�س�ساته‪ ،‬وت�ستخدمها‬ ‫�أداة لبث �أفكارها وقيمها‪ ،‬التي ت�ؤثر �سلب ًا‬ ‫على م�صلحة املجتمعات يف املدى البعيد‪ ،‬لكن‬ ‫ه��ذه احلكومات ال ت�ستطيع‪� ،‬إىل حد كبري‪،‬‬ ‫�أن ت�سيطر على الأدب‪ ،‬في�أتي متحرر ًا من‬ ‫�سلطانها‪ ،‬وير�صد تاريخ ال�شعوب بتفا�صيله‬ ‫الدقيقة‪ ،‬فيف�ضح بطرق متفاوتة‪ ،‬ت�تراوح‬ ‫ب�ين ال��رم��ز وال���ص��راح��ة ال�ع��ال�ي��ة‪ ،‬انعكا�س‬ ‫الأداء ال�سلبي لل�سلطة ال�سيا�سية على حياة‬ ‫اجلماهري‪ ،‬وحتى لو حاولت ال�سلطة �أن جتد‬ ‫الأدب الذي يدافع عنها‪ ،‬ف�إن هذا اللون من‬ ‫الأدب‪ ،‬ي�أتي �ضعيف ًا من الناحية الفنية‪ ،‬حيث‬ ‫تتغلب فيه الدعاية على ال�ف��ن‪ ،‬وم��ن ث��م ال‬ ‫ي�صمد كثري ًا‪ ،‬وال يجد �آذان ًا م�صغية‪.‬‬ ‫ويتعلق االعتبار الرابع باخلطاب ال�سيا�سي‬ ‫ذات��ه‪ ،‬ففي ال��وق��ت ال��ذي ترتبط فيه ق��درة‬ ‫ه��ذا اخل �ط��اب ع�ل��ى ال �ت ��أث�ير يف اجلماهري‬ ‫مب��دى ات�ساقه و�صدقه وم�سه الحتياجات‬ ‫النا�س الفعلية‪ ،‬ف�إن القائمني عليه يحر�صون‪،‬‬ ‫غ��ال�ب� ًا‪ ،‬على �صبغه باللغة الأدب �ي��ة املفعمة‬


‫ميخائيل باختني‬

‫بالتعبريات البالغية واجل��ر���س املو�سيقي‬ ‫لأن�ه��ا متتلك �سحر ًا ق��وي� ًا ي��ؤث��ر يف العامة‬ ‫واخلا�صة على حد �سواء‪ ،‬ويعطي ال�سا�سة‬ ‫فر�صة للتالعب بعواطف اجلماهري‪ ،‬و�أخذها‬ ‫بعيد ًا عن املفردات ال�شفافة التي يجب �أن‬ ‫يكون عليها اخل�ط��اب ال�سيا�سي وه��ي تلك‬ ‫التي تعتمد على ترتيب احلجج واال�ست�شهاد‬ ‫بالأرقام واملواقف والأح��داث وعدم التهرب‬ ‫من احلقائق‪ .‬ومن هنا ف�إن درا�سة الأدب‪،‬‬ ‫باعتباره ا�ستخدام ًا خا�ص ًا للغة‪ ،‬تفيد يف‬ ‫حتليل اخلطاب ال�سيا�سي ذاته‪ ،‬خا�صة �إذا‬ ‫كانت هذه الدرا�سة تتم وفق منظور �سيا�سي‪.‬‬ ‫�أم��ا االعتبار اخلام�س فيدور حول احلدود‬ ‫التي �أخذتها الظاهرة ال�سيا�سية يف الوقت‬ ‫الراهن‪� ،‬إذ �أنها امتدت لتطوق العديد من‬ ‫املمار�سات الإن�سانية‪ ،‬حتى الأخالقية منها‪،‬‬ ‫وو��ص�ل��ت حل��د �أن �ه��ا � �ص��ارت مت����س املظاهر‬ ‫الطبيعية‪ ،‬التي كان النا�س يف املا�ضي يظنون‬ ‫�أنها بعيدة كل البعد عن ذراع ال�سيا�سة‪ ،‬فعلى‬ ‫�سبيل املثال ف�إن وقوع كارثة طبيعية ميكن �أن‬ ‫ي ��ؤدي �إىل ت�صدع �أو �سقوط حكومة يف دولة‬ ‫ما‪ .‬ويف هذا الإطار يجد الأدب نف�سه يف قلب‬ ‫الظاهرة ال�سيا�سية‪ ،‬بل يبدو �أقرب �إليها من‬ ‫�أ�شكال م�ؤ�س�سية و�أطروحات فكرية �أخرى‪ ،‬لي�س‬ ‫من منطلق �أن قيمة ال�صراع هي التي ت�شكل‬ ‫جوهر الظاهرة ال�سيا�سية والإب��داع الأدب��ي‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا الرواية‪ ،‬فح�سب‪ ،‬بل لأن الأدب �صار‬ ‫مادة مهمة لدى ال�سا�سة و�أجهزة اال�ستخبارات‬ ‫التي ت�سعى للوقوف على �شخ�صية �أمة ما‪ ،‬كما‬ ‫فعلت الواليات املتحدة الأمريكية مع اليابان‪،‬‬

‫لو�سيان جولدمان‬

‫أخذ الثعالبي في‬ ‫كتابه «يتيمة الدهر»‬ ‫النقد في طريق قريب‬ ‫نسبي ًا من دراسة عالقة‬ ‫النص الشعري بسياقه‬ ‫االجتماعي‬ ‫وتفعله �إ�سرائيل مع العرب‪.‬‬ ‫ويرتبط االعتبار ال�ساد�س مبو�ضوع القيم‬ ‫ال�سيا�سية واالجتماعية على وجه اخل�صو�ص‪.‬‬ ‫فالقيم‪ ،‬التي تولد من رح��م تعاليم دينية‬ ‫وت��راك��م م�ع��ريف ومم��ار� �س��ات حياتية تنتج‬ ‫�أع ��راف� � ًا وت�ق��ال�ي��د معينة‪ ،‬ي �ك��ون ل�ه��ا دور ًا‬ ‫حم��وري� ًا يف حتديد توجهات الفرد وحتيزه‬ ‫حيال خمتلف الق�ضايا والأفكار والتنظيمات‬ ‫االجتماعية‪ .‬ويف �ضوء اجلدل الدائر حالي ًا‬

‫جورج لوكات�ش‬

‫حول تراجع الأيديولوجيات‪ ،‬وهي النغمة التي‬ ‫ذاع �صيتها عقب ت�صدع ال�شيوعية �إثر انهيار‬ ‫االحت ��اد ال�سوفيتي ال�سابق‪ ،‬ف ��إن مو�ضوع‬ ‫القيم يكت�سب �أهمية كبرية‪ ،‬لي�س من منطلق‬ ‫�أن تف�سخ �أيديولوجية معينة ال يعنى الإجهاز‬ ‫متام ًا على بع�ض القيم التي حملتها فح�سب‪،‬‬ ‫بل �أي�ض ًا من �إمكانية �أن يتم ط��رح القيم‬ ‫بدي ًال للأيديولوجيات‪� ،‬أو مبعنى �أكرث دقة‪،‬‬ ‫�أن يتم�سك الفرد بقيم معينة متثل مرجعية‬ ‫يقي�س عليها املواقف التي مير بها وال�سلوك‬ ‫ال��ذي ينبع منه وم��ن الآخ��ري��ن‪ ،‬ولعل قيم‬ ‫مثل العدالة واحلرية وامل�ساواة‪ ،‬من الواجب‬ ‫�أن متثل �إط��ار ًا عام ًا يحكم نظرتنا للأمور‬ ‫ومطالبنا حيال ال�سلطة واملجتمع‪.‬‬ ‫واالع �ت �ب��ار ال���س��اب��ع ي��رت�ب��ط ب��إم�ك��ان�ي��ة �أن‬ ‫ي�ستفيد علما االجتماع وال�سيا�سة‪� ،‬ش�أنه‬ ‫�ش�أن العلوم الإن�سانية الأخرى‪ ،‬من مناهج‬ ‫النقد الأدب ��ي‪ ،‬ففي ظ��ل عملية االرت�شاح‬ ‫امل�ستمرة ب�ين العلوم االجتماعية‪ ،‬بحيث‬ ‫مل يعد هناك حقل بينها منبت ال�صلة عن‬ ‫احلقول الأخرى‪ ،‬من ال�ضروري �أن ي�ستفيد‬ ‫علم ال�سيا�سة من هذه املناهج‪.‬‬ ‫وعلى �سبيل املثال‪ ،‬ال احل�صر‪ ،‬ف�إن مفهوم‬ ‫«التنا�ص» يفيد للغاية يف تتبع �سيل الأدبيات‬ ‫ال�سيا�سية التي تتكالب على ق�ضية �أو فكرة‬ ‫معينة‪ ،‬ولعل ما حدث مع �أفكار مثل «�صدام‬ ‫احل���ض��ارات» لهنتنجتون و«نهاية التاريخ»‬ ‫لفوكوياما ‪ ،‬يقدم منوذج ًا‪ ،‬وا�ضح املعامل‪،‬‬ ‫ع �ل��ى ك�ي�ف�ي��ة ت �ف��اع��ل ال �ب��اح �ث�ين يف جم��ال‬ ‫ال�سيا�سة مع «ن�ص» �أو «منتج فكري» ما‪،‬‬


‫نقد‬ ‫‪98‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫باملدح والقدح تارة‪ ،‬والنقد الب ّناء واالقتبا�س‬ ‫�أو النقل ال�صريح �أو العر�ض الأم�ين تارة‬ ‫�أخ��رى‪ ،‬بحيث ي�صبح ه��ذا «املنتج» حم��ور ًا‬ ‫ت��دور حوله كافة الكتابات التي ت�أتي على‬ ‫هام�شه‪� ،‬أو تعيد �إنتاجه‪ .‬كما �أن «الن�ص‬ ‫الأ�صيل» نف�سه مل يكن �سوى رد ًا على ن�صو�ص‬ ‫�أو �أفكار �أخ��رى‪ ،‬فهنتنجتون دب��ج كتابه يف‬ ‫��س�ي��اق �سيل م��ن الن�صو�ص ال�ت��ي ينتجها‬ ‫�أن�صار تيار العن�صرية اجلديدة يف الغرب‪،‬‬ ‫وفوكوياما كان يرد يف كتابه على ن�ص كتبه‬ ‫بول كيندي وعنونه بـ «�سقوط و�صعود القوى‬ ‫العظمى» تنب�أ فيه بانهيار الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫وه��ذه االع �ت �ب��ارات ك��اف��ة جتعل م��ن درا��س��ة‬ ‫الن�ص الأدبي يف �ضوء �سياقه االجتماعي �أمر ًا‬ ‫مهم ًا‪� ،‬إىل حد كبري‪ ،‬وجتعل كل الر�ؤى التي‬ ‫اعتقد �أ�صحابها �أن تنحية البعد اخلارجي‬ ‫يف درا�سة الأدب والرتكيز فقط على البنية‬ ‫الداخلية للن�ص الأدبي باتت مطلوبة مو�ضع‬ ‫�شك‪ .‬فاملزاوجة بني هذين املذهبني‪ ،‬تبدو‬ ‫هي الأقرب �إىل ال�صواب‪ ،‬الأمر الذي �سيتم‬ ‫تو�ضيحه يف النقطة التالية‪ ،‬قبل تناول النقد‬ ‫االجتماعي لدى العرب الأقدمني‪.‬‬

‫اجلماهري بال�سلطان‪ ،‬وفر�ضت ال�سيا�سة‬ ‫نف�سها على الأدب فما ا�ستطاع منها فكاك ًا‪،‬‬ ‫وه��و ي�سطر ال��واق��ع وينتقده‪ ،‬وي�شيد بنيان‬ ‫اخليال وي�ؤ�س�سه �شعر ًا ونرثا‪ .‬وفطن علماء‬ ‫ال�ع��رب يف حقول اللغة والأدب واالجتماع‬ ‫والفل�سفة �إىل �أن ما بني �أيديهم من ق�صائد‬ ‫وكتابات منثورة ينطوي على قيم وقرت يف‬ ‫نفو�سهم وعقولهم‪� ،‬إال �أن �أحد ًا منهم مل يبلور‬ ‫هذا الإدراك �إىل �صيغة متكاملة‪ ،‬يجمع فيها‬ ‫النرثات التي جاءت هنا وهناك يف كتاباتهم‬ ‫و�أبحاثهم‪ ،‬في�ضع بذلك «طريقة» للربط بني‬ ‫االجتماعي والأدب��ي‪ ،‬حتى �أت��ى نقاد الأدب‬ ‫العربي املعا�صرين‪ ،‬لي�ستفيدوا من العطاء‬ ‫ال��رح��ب ال��ذي ج��اد ب��ه علم �سو�سيولوجيا‬ ‫الأدب يف الغرب‪ ،‬ويعيدون النظر يف تراثهم‬ ‫الأدب��ي وف��ق ه��ذا املنظور‪ ،‬وذل��ك بالتوازي‬ ‫مع التمحي�ص الواعي يف الإب��داع العربي‪،‬‬ ‫احلديث واملعا�صر‪ ،‬مع الأخ��ذ يف االعتبار‬ ‫اخل�صو�صية الثقافية واالجتماعية العربية‪.‬‬ ‫ويبدو ه��ذا �أم��ر ًا �ضروريا بعد �أن تبلورت‬

‫الجهود المبذولة في‬ ‫سبيل كشف الجوانب‬ ‫الأدب يف ثوب ال�سيا�سة‬ ‫ويف تاريخ العرب لب�س الأدب يف حاالت كثرية االجتماعية في النقد‬ ‫ثوب ال�سيا�سة‪ ،‬فكان ال�شعر ديوانهم الذي األدبي العربي القديم‬ ‫ي�سجل �أيامهم وير�سم بع�ض مالمح عالقة‬ ‫ال تزال قاصرة وتتم على‬ ‫استحياء شديد‬

‫م�لام��ح ال��رواي��ة ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬ال�ت��ي تنهل من‬ ‫الواقع االجتماعي وت�ضيف �إليه‪ ،‬يف جدل‬ ‫ال ينف�ض ب�ين احلقيقي وامل �ج��ازي‪� ،‬أو بني‬ ‫املعا�ش واملتخيل‪.‬‬ ‫فقد �أدرك العرب الأقدمون يف مرحلة مبكرة‬ ‫الوظيفة االجتماعية لل�شعر‪ ،‬فكان ال�شاعر‬ ‫هو نا�صح القبيلة‪ ،‬وحكيمها‪ ،‬ال��ذي عركته‬ ‫الأي ��ام‪ ،‬وامل��داف��ع عنها‪ ،‬ال��ذي مينح ن�سقها‬ ‫االجتماعي تربيره‪ ،‬وك��ان ال�شعر هو ديوان‬ ‫حياتهم‪ ،‬حيث حمل عاداتهم وتقاليدهم‪،‬‬ ‫وان �ط��وى على �أف ��راح ال�ع��رب و�أت��راح �ه��م‪«.‬‬ ‫حممد ب��دوي‪ ،‬ال�شاعر والدولة‪� ،‬أدب ونقد‪،‬‬ ‫العدد «‪� ،»14‬أغ�سط�س ‪� ،1985‬ص‪»74:‬‬ ‫�صب جلَّ‬ ‫وم��ع ذل��ك‪ ،‬ف ��إن النقد العربي َّ‬ ‫اهتمامه على البنية الداخلية للن�صو�ص‬ ‫الأدب�ي��ة‪ ،‬على ح�ساب ال�سياق االجتماعي‪.‬‬ ‫ف��أول كتاب يف هذا امل�ضمار‪ ،‬وهو «طبقات‬ ‫ق�سم‬ ‫فحول ال�شعراء» البن �سالم «ت ‪ 232‬هـ» ّ‬ ‫ال�شعراء على �أ�سا�س الزمان واملكان‪ ،‬متناو ًال‬ ‫�إنتاجهم على �أ��س��ا���س «ال �ت��ذوق احل�سي»‪،‬‬ ‫ثم جاء ابن قتيبة « ت ‪ 276‬هـ» فرف�ض يف‬ ‫كتابه «ال�شعر وال�شعراء» ترتيب ال�شعراء‬ ‫على �أ�سا�س غزارة الإنتاج �أو الزمن‪ .‬وابتعد‬ ‫عبد ال�ع��زي��ز اجل��رج��اين « ت ‪ 290‬ه �ـ» يف‬ ‫كتابه «الو�ساطة بني املتنبي وخ�صومه» عن‬ ‫التعميمات‪ ،‬وح��اول ا�ستخال�ص نتائجه عن‬ ‫طريق اال�ستقراء‪ ،‬ممهد ًا بذلك الطريق �أمام‬ ‫حتول النقد الأدبي �إىل �شئ �أقرب للبالغة‪،‬‬ ‫حتى ج��اء �أب��و ه�لال الع�سكري‪ ،‬ليجعله يف‬ ‫كتابه «�سر ال�صناعتني» بالغة �صرفة‪.‬‬ ‫و�أخذ الثعالبي يف كتابه «يتيمة الدهر» النقد‬ ‫يف طريق قريب ن�سبي ًا م��ن درا��س��ة عالقة‬ ‫الن�ص ال�شعري ب�سياقه االجتماعي‪ ،‬حني‬ ‫ربط �شعر املتنبي ب�أخبار ال�شاعر و�أحواله‪.‬‬ ‫وق ��دم ع�ب��د ال�ق��اه��ر اجل��رج��اين يف ال�ق��رن‬ ‫اخلام�س الهجري جتربة نقدية نا�ضجة‪،‬‬ ‫ح�ين ق��اوم ت�ي��ار ال�صنعة اللفظية‪ ،‬ون��ادى‬ ‫ب��أن الأل�ف��اظ خ��دم للمعاين‪« ،‬د‪ .‬كوثر عبد‬ ‫ال�سالم البحريي‪ ،‬االجتاهات احلديثة للنقد‬ ‫الأدبي‪ ،‬مع درا�سة مقارنة بني النقد الأدبي‬ ‫العربي والغربي‪« ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الأجنلو»‪،‬‬


‫الطبعة الأوىل‪� ،1979 ،‬ص‪ ،»43 /29 :‬وفطن‬ ‫�إىل �أن اللغة لي�ست جمموعة من الألفاظ‪،‬‬ ‫بل جمموعة من العالقات‪ ،‬كما فطن �إىل‬ ‫الأ�سا�س الإ�شاري ال��ذي يحدد العالقة بني‬ ‫ال��دال واملدلول‪ ،‬وبذلك يكون قد و�صل �إىل‬ ‫مناطق قريبة من تلك التي و�صل �إليها علم‬ ‫اللغة يف القرن الع�شرين ب��أوروب��ا‪ ،‬على يد‬ ‫�سو�سري‪« .‬د‪� .‬صربي حافظ‪� ،‬أف��ق اخلطاب‬ ‫النقدي‪ :‬درا�سة نظرية وق��راءات تطبيقية‪،‬‬ ‫«القاهرة‪ :‬دار �شرقيات للن�شر والتوزيع»‪،‬‬ ‫الطبعة الأوىل‪� ،1996 ،‬ص‪»67/81 :‬‬ ‫ً‬ ‫وق��د ك��ان الب��ن خلدون �إ�سهام ًا ملمو�سا يف‬ ‫هذا امل�ضمار‪ ،‬من خالل حديثه عن الأدب‪،‬‬ ‫الذي �أطلق عليه ا�سم «علم املعاين» �أو «علم‬ ‫البيان»‪ ،‬معرفا �إي��اه بقوله‪« :‬ه��ذا العلم ال‬ ‫مو�ضوع له ينظر يف �إثبات عوار�ضه �أو نفيها‬ ‫و�إمنا املق�صود منه عند �أهل الل�سان ثمرته‬ ‫وهي الإج��ادة يف فني املنظوم واملنثور على‬ ‫�أ�ساليب العرب ومناحيهم»‪ -‬عبد الرحمن‬ ‫بن حممد بن خلدون‪ ،‬مقدمة ابن خلدون‪،‬‬ ‫حتقيق امل�ست�شرق الفرن�سي �أ‪ .‬م‪ .‬كاترمري‪،‬‬ ‫«ب�ي�روت‪ :‬مكتبة لبنان»‪ ،‬عن طبعة باري�س‬ ‫‪ ،1858‬املجلد ال�ث��ال��ث‪��� ،‬ص‪،295 /294 :‬‬ ‫وتتلخ�ص ال��ر�ؤي��ة االجتماعية التي حددها‬ ‫ابن خلدون للأدب يف �أمرين �أ�سا�سيني‪ ،‬الأول‬ ‫هو �ضرورة �أن يكون ال�شعر مفهوم ًا للنا�س‪،‬‬ ‫بحيث ي��ؤدي وظيفته على �أكمل وج��ه‪ ،‬وهنا‬ ‫يقول‪« :‬ال يكون ال�شعر �سه ًال �إال �إذا كانت‬ ‫معانيه ت�سابق �ألفاظه �إىل الذهن ‪ ..‬الكالم‬ ‫الذي هو العبارة واخلطاب �إمنا �سره وروحه‬ ‫يف �إف��ادة املعنى‪ ،‬و�أم��ا �إذا ك��ان مهمال فهو‬ ‫كاملوات الذي ال عربة به» ‪ -‬املرجع ال�سابق‪،‬‬ ‫�ص‪� ،338 :‬ص‪.351 :‬‬ ‫وتعود رغبة اب��ن خلدون يف �أن يكون ال�شعر‬ ‫مفهوم ًا �إىل �إميانه ب�أن ال�شعر هو ديوان العرب‬ ‫«فيه علومهم و�أخبارهم وحكمتهم‪ ،‬وكان ر�ؤ�ساء‬ ‫العرب متناف�سني فيه‪ ،‬وكانوا يقفون يف �سوق‬ ‫عكاظ لإن�شاده» ‪ -‬نف�سه‪� ،‬ص‪� .357 :‬أما الثاين‬ ‫فهو «اختالف الل�سان باختالف املكان»‪ ،‬وهو‬ ‫ما يتبني من قوله‪« :‬اعلم �أن الأذواق يف معرفة‬ ‫البالغة منها كلها �إمنا حت�صل ملن خالط تلك‬

‫جان بول �سارتر‬

‫الجرجاني وصل إلى‬ ‫مناطق قريبة من‬ ‫تلك التي وصل إليها‬ ‫علم اللغة في القرن‬ ‫العشرين بأوروبا‬

‫اللغة وك�ثر ا�ستعماله لها‪ ،‬وخماطبته بني‬ ‫�أجيالها حتى يح�صل ملكتها كما قلناه يف اللغة‬ ‫العربية‪ ،‬فال ي�شعر الأندل�سي بالبالغة التي يف‬ ‫�شعر �أهل املغرب‪ ،‬وال املغربي بالبالغة التي‬ ‫يف �شعر �أهل الأندل�س لأن الل�سان احل�ضري‬ ‫وتراكيبه خمتلفة فيهم‪ ،‬وك��ل �أح��د منهم‬ ‫مدرك بالغة لغته‪ ،‬وذائق حما�سن ال�شعر من‬

‫تريي ايجلتون‬

‫�أهل جلدته»‪ -‬نف�سه‪� ،‬ص‪.433 :‬‬ ‫وبالطبع ف��إن لنقاد الأدب العربي املحدثني‬ ‫باع ًا طوي ًال يف درا�سة اجلوانب االجتماعية‬ ‫للن�صو�ص الأدبية‪ .‬وقد �شاركهم هذا االهتمام‬ ‫بع�ض علماء االج�ت�م��اع ال��ذي��ن ا�ستخدموا‬ ‫الطرق والأدوات البحثية التي �أتاحها حقل‬ ‫معريف جديد هو «علم اجتماع الأدب»‪ .‬وهناك‬ ‫عدد من الكتابات النظرية العربية يف هذا‬ ‫امل�ضمار‪� ،‬إىل جانب الدرا�سات التطبيقية‪،‬‬ ‫التي �سلطت ال�ضوء على اجلوانب االجتماعية‬ ‫وال�سيا�سية يف �أعمال �أدبية خمتلفة‪ ،‬م�ستفيدة‬ ‫من ال�تراث املعريف ال��ذي تركه نقاد الأدب‬ ‫والباحثون يف الغرب ويف مقدمتهم‪ ،‬جورج‬ ‫لوكات�ش ولو�سيان جولدمان‪ ،‬وتريي �إيجلتون‬ ‫وجاك لينهاردت وجان بول �سارتر وميخائيل‬ ‫باختني‪ .‬لكن اجلهود املبذولة يف �سبيل ك�شف‬ ‫اجلوانب االجتماعية يف النقد الأدبي العربي‬ ‫القدمي ال تزال قا�صرة‪ ،‬وتتم على ا�ستحياء‬ ‫�شديد‪ .‬ف�ضال عن ذلك ف�إن هذه الدرا�سات‬ ‫العربية‪ ،‬على كرثتها وتنوعها‪ ،‬قا�صرة �إذا‬ ‫مت النظر �إليها من زاوي��ة ال��دور ال��ذي يلعبه‬ ‫الأدب يف ت�شكيل القيم االجتماعية والوعي‬ ‫ال���س�ي��ا��س��ي‪ .‬ك�م��ا �أن ه��ذه ال��درا� �س��ات هي‬ ‫يف احلقيقة بنت النقد الأدب ��ي ولي�س علم‬ ‫االجتماع ـ الذي يبدو هنا الأق��در على تناول‬ ‫ه��ذا املو�ضوع املهم ال��ذي ين�صب يف �إط��ار‬ ‫املحاوالت التي تبذل يف �سبيل ك�شف اجلوانب‬ ‫االجتماعية يف ت�ن��اول «ال�ن�ق��اد» ال�ع��رب يف‬ ‫القرون التي خلت ملا �أنتجته قرائح مبدعيهم‬ ‫من ق�صائد �شعرية ون�صو�ص نرثية‬


‫نافذة على التراث‬ ‫‪100‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫وفيات‬ ‫األعالم «‪»1‬‬

‫�أمين بكر‬

‫يف ال�ت�راث ال�ع��رب��ي ق�ص�ص مده�شة عن‬ ‫م��وت الأع�ل�ام‪ ،‬فمعظمهم حت��دث ل��ه قبل‬ ‫املوت �أو بعده �أ�شياء ميكن �أن تدخل �ضمن‬ ‫العجائبي‪ .‬ولعل �أحد �أ�سباب ذلك هو دخول‬ ‫ه�ؤالء الأعالم يف دوائر اجتماعية‪�-‬سيا�سية‬ ‫مت�شابكة ال ي�سلم من دخلها من �آثار الفنت‬ ‫وامل ��ؤام��رات «خا�صة يف الع�صرين الأم��وي‬ ‫وال �ع �ب��ا� �س��ي»‪ .‬ك�م��ا يف�سر ت�ل��ك الق�ص�ص‬ ‫العجيبة عن موت ال�شعراء والكتاب �أي�ض ًا‪،‬‬ ‫�أن الثقافة التي يعي�ش فيها ال�شخ�ص املبدع‬ ‫تتخذ منه موقف ًا بعينه ينعك�س هذا املوقف‬ ‫يف � �ص��ورة ق���ص����ص حت ��اك ح ��ول �إب��داع��ه‬ ‫وح��ول بع�ض تفا�صيل حياته‪ ،‬وح��ول موته‬ ‫�أي���ض��ا‪ ،‬بحيث ميكننا ال �ق��ول �إن الثقافة‬ ‫متار�س ت�أويالتها على كتابات املبدع وعلى‬ ‫�سريته يف �آن‪ .‬والنموذجان اللذان �س�أعرج‬ ‫عليهما هما‪ :‬ما حيك عن موت بديع الزمان‬ ‫الهمذاين «‪ 398 - 358‬هـ» �صاحب املقامات‬ ‫ال�شهرية‪ ،‬وكذلك املتنبي «‪ 354 - 303‬هـ»‬ ‫�شاعر العربية الأ�شهر‪.‬‬

‫موت بديع الزمان‪ :‬انتقام ثقايف‬

‫بديع الزمان الهمذاين‪� :‬أحمد بن ح�سني‬ ‫بن يحيى بن �سعيد «‪ 398 - 358‬هـ»‪� ،‬أثارت‬ ‫�شخ�صية بديع الزمان ردود �أفعال خمتلفة‬ ‫بني معا�صريه وقرائه‪ ،‬فهو �أول من �صاغ‬ ‫البناء الفني للمقامة الذي ظل املبدعون‬ ‫ين�سجون على منواله ملا يقرتب من ع�شرة‬ ‫قرون بعد بديع الزمان‪ .‬واملقامة هي �سرد‬ ‫ق�صري ل��ه بناء م�ك��رور ي�ب��د�أ بجملة ثابتة‬ ‫هي‪ :‬حدثنا عي�سى بن ه�شام قال‪ ،... :‬ثم‬ ‫ينطلق هذا الراوي املتخيل يف �سرد ق�صة‬ ‫تدور ‪-‬يف الأغلب الأعم من املقامات‪ -‬حول‬

‫بطل من نوع خا�ص؛ �إذ هو �أديب ال يبارى‬ ‫و�شاعر مبدع‪ ،‬لكنه يف الوقت نف�سه �شحاذ‬ ‫ال يجد قوت يومه‪ .‬وبني حدي هذه املفارقة‬ ‫تو ّلدت لدى بطل املقامات نقمة على الزمن‬ ‫و�أهله مل يفلح يف �إطفائها �أحد‪ .‬بل امتدت‬ ‫النقمة يف كل �أب�ط��ال املقامات بعد بديع‬ ‫الزمان وقد حملوا ال�صفات نف�سها‪ ،‬كما‬ ‫جند يف �شخ�صية «�أبي زيد ال�سروجي» بطل‬ ‫مقامات احلريري‪.‬‬ ‫وبعيد ًا عن املقامات‪ ،‬ك��ان لبديع الزمان‬ ‫دي� ��وان ��ش�ع��ر وع���دد ك�ب�ير م��ن ال��ر��س��ائ��ل‬ ‫الأدبية التي تفي�ض بفنون البالغة‪ .‬عا�ش‬ ‫ال�ه�م��ذاين ح�ي��اة �صاخبة مليئة باحلركة‬ ‫والتفاعل والإبداع والتناحر �أي�ضا‪ .‬وق�صة‬ ‫مناظرته مع �أبي بكر اخلوارزمي م�شهورة‬ ‫ورمبا تناولناها يف مقالة م�ستقلة ملا فيها‬ ‫من طرائف‪.‬‬ ‫ك��ان م��ن امل �ع��روف ع��ن ب��دي��ع ال��زم��ان �أن��ه‬ ‫«فتى و�ضي الطلعة ر�ضي الع�شرة‪ ،‬فتان‬ ‫امل�شاهدة �سحار املفاحتة‪ ،‬غاية يف الظرف‬ ‫�آية يف اللطف‪� »...‬إىل غري ذلك مما يرتدد‬ ‫يف و�صف كثري من �أعالم العرب «تراجع يف‬ ‫�أو�صاف بديع الزمان ر�سايل �أبي الف�ضل‬ ‫بديع الزمان الهمذاين‪ ،‬بتحقيق �إبراهيم‬ ‫�أف��ن��دي الأح� ��دب ال�ط��راب�ل���س��ي‪ /‬مطبعة‬ ‫هندية‪ ،‬القاهرة‪/‬ط‪� ،3‬سنة ‪� ،1898‬ص ‪.»2‬‬ ‫لكنه كان يو�صف �أي�ضا ب�أنه �سليط الل�سان‪،‬‬ ‫م� ّر ال�ع��داوة كما ج��اء يف وفيات الأع�ي��ان‪.‬‬ ‫ومن يرجع لر�سائله يكت�شف كيف كان بديع‬ ‫الزمان ي�ستخدم قدراته العقلية والبالغية‬ ‫ك�سيف م�سلط على رقاب من يختلف معهم؛‬ ‫حمو ًال االختالف العادي �إىل جرح غائر‪.‬‬ ‫ف�إن اقرت�ض منه �صديق مبلغ ًا من املال ومل‬ ‫يلتزم مبوعد ال�سداد‪ ،‬ح� ّول بديع الزمان‬


‫الأمر �إىل ف�ضيحة اجتماعية ملن ا�ستدان‪،‬‬ ‫منتج ًا ن�ص ًا �أدبي ًا يف ال�سب والهجاء النرثي‬ ‫اجل ��ارح‪ .‬ي�ضاف �إىل ذل��ك �أن��ه ك��ان يعتد‬ ‫بذاته اعتداد ًا زائد ًا ي�صل حد الغرور‪.‬‬ ‫وق�صة موت بديع الزمان من �أعجب ما روي‬ ‫عن وفيات الأعالم‪ ،‬فهي �أقرب �إىل انتقام‬ ‫حاكته بعد موته الثقاف ُة التي عرفته هجا ًء‬ ‫�سليط الل�سان كثري ال�ع��داوات‪ .‬ترد ق�صة‬ ‫موت بديع الزمان يف وفيات الأعيان على‬ ‫ل�سان �شخ�ص يدعى احلاكم �أبو �سعيد بن‬ ‫عبد الرحمن «وهو نف�سه من جمع ر�سائل‬ ‫بديع الزمان» كالآتي‪:‬‬ ‫«و��س�م�ع��ت ال�ث�ق��ات ي�ح�ك��ون �أن ��ه م��ات من‬ ‫و�سمع‬ ‫ال�سكتة‪ ،‬وعجل دفنه‪ ،‬ف�أفاق يف قربه ُ‬ ‫�صوته بالليل‪ ،‬و�أنه ُنب�ش عنه فوجدوه وقد‬ ‫قب�ض على حليته وم��ات م��ن ه��ول القرب»‬ ‫وفيات الأعيان و�أنباء �أبناء الزمان البن‬ ‫خلكان‪ /‬حتقيق د‪� .‬إح�سان عبا�س‪ /‬دار‬ ‫�صادر‪ ،‬بريوت‪� /1972 ،‬ص ‪.129‬‬ ‫مل ميت بديع الزمان �إذن‪ ،‬و�إمنا دخل فيما‬ ‫ي�شبه الغيبوبة الق�صرية‪ ،‬لكن القوم ظنوا‬ ‫�أن��ه مات وعجلوا بدفنه‪ ،‬ثم �إن��ه �أف��اق من‬ ‫غيبوبته ليجد نف�سه يف ال�ق�بر‪ .‬وت�ضيف‬ ‫بع�ض امل�صادر تفا�صيل من قبيل �أن بع�ض‬ ‫النا�س �سمع �ضجيج ًا ي�أتي من ناحية القرب‬ ‫لي ًال‪ ،‬فلما فتحوه على الهمذاين يف �صباح‬ ‫ال�ي��وم ال �ت��ايل‪ ،‬وج ��دوه جال�س ًا يف �أكفانه‬ ‫مم�سك ًا بلحيته وقد مات من هول املفاج�أة‪.‬‬ ‫ميكننا بب�ساطة �أن ن�صدق الق�صة بو�صفها‬ ‫ح��دث��ت رغ ��م غ��راب �ت �ه��ا‪ ،‬ومي�ك�ن�ن��ا �أي �� �ض � ًا‬ ‫�أن ن��رى فيها موقف ًا ثقافي ًا م��ن �شخ�ص‬ ‫الهمذاين‪ .‬رمبا مل ي�ستطع الكثريون ممن‬ ‫ع��ا� �ص��روا ب��دي��ع ال��زم��ان �أن ينتقموا من‬ ‫ت�ط��اول��ه عليهم‪ ،‬خا�صة وق��د ك��ان قريب‬

‫االت�صال دوم� ًا ب�أ�صحاب النفوذ‪ ،‬فقرروا‬ ‫�أن ميار�سوا انتقامهم بعد م��وت��ه‪ ،‬و�أظ��ن‬ ‫ه��ذا االنتقام قد ب��د�أ من فكرة «التعجيل‬ ‫بالدفن» تعجي ًال غري مربر‪� ،‬إال �أن ي�شري �إىل‬ ‫رغبة يف التخل�ص من هذا ال�شخ�ص‪ ،‬ومبا‬ ‫يخدم �أي�ض ًا هذا اخلط�أ الدرامي الذي �أدى‬ ‫�إىل موته يف النهاية‪ .‬ثم �إن طريقة املوت‬ ‫املفزعة التي تعر�ض لها ت�صل بنا لق ّمة‬ ‫االنتقام‪ ،‬فكيف احل��ال ب�شخ�ص ينام يف‬ ‫�سريره مرتدي ًا ثوب نومه املعتاد‪ ،‬ثم يفيق‬ ‫ف�إذا هو الب�س كفن ًا ويرقد حتت الرتاب يف‬ ‫قرب مظلم؟‬ ‫لي�س يف ق�صة م��وت بديع ال��زم��ان ن�سيج ًا‬ ‫��س��ردي� ًا �أ��س�ط��وري� ًا ك��ال��ذي جن��ده يف موت‬ ‫امرئ القي�س �أو طرفة بن العبد مثال‪� ،‬إذ‬

‫يت�شكل موته خرب ًا ق�صري ًا مملوء ًا ب�شحنة‬ ‫فزع ي�شفق املرء منها على �أعدائه‪ .‬ويبدو �أن‬ ‫هذه الق�صة‪ ،‬التي مل يرد ما يثبت �صحتها‪،‬‬ ‫هي جمرد ت�أويل ثقايف للجانب العدواين يف‬ ‫�شخ�صية بديع الزمان‪ ،‬وانتقام من هذا‬ ‫اجلانب لي�س يف حياته ولكن بعد موته‪.‬‬

‫من القامو�س‬ ‫امل�ق��ام��ة‪ :‬اجلماعة من النا�س‪ .‬واملجل�س‪،‬‬

‫واخلطبة �أو العظة �أو نحوهما‪ .‬وق�صة ق�صرية‬ ‫م�سجوعة‪ ،‬ت�شمل على عظة �أو ُملحة كان‬ ‫الأدباء يظهرون فيها براعتهم‪.‬‬ ‫«املعجم الو�سيط‪ ،‬عن جممع اللغة العربية‪،‬‬ ‫طباعة مكتبة ال�شروق الدولية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫ط ‪� ،2004 /4‬ص ‪»768‬‬


‫اآلفاقالشعر‬ ‫ارتيادحضرة‬ ‫في‬ ‫‪102‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬


‫مالك بن الريب التميمي‪..‬‬ ‫التحديق في وجه الموت‬ ‫‪‎‬د‪ .‬عايدي علي جمعة‬ ‫ن�ش�أ مالك بن الريب التميمي يف بادية الب�صرة‪ ،‬وكان �شجاعاً فاتكاً‪ ،‬لكنه مل يكن را�ضياً يف‬ ‫بداية حياته عن قيم املجتمع‪ ،‬وان�ضم �إليه �أمثاله من ال�شجعان ال�ساخطني على املجتمع‬ ‫وظلمه‪ ،‬فتزعمهم مالك بن الريب‪ ،‬وبد�أوا يف ال�سطو على النا�س‪ ،‬خ�صو�صاً الأغنياء منهم‪،‬‬ ‫�أو القريبني من ال�سلطة‪ ،‬مما جعل مروان بن احلكم يف عهد معاوية بن �أبى �سفيان يك ّلف‬ ‫عامله علي بن عمرو بن حنظلة بالقب�ض عليهم‪ ،‬لكنه مل يفلح‪ ،‬فك ّلف غريه‪ ،‬فنجح يف‬ ‫القب�ض عليهم‪ ،‬لكن مالك ا�ستطاع الفرار‪ ،‬و�أنقذ �أ�صحابه‪ ،‬وذهب بهم �إىل بالد فار�س‪.‬‬ ‫كانت هذه هي املرحلة الأوىل يف حياة مالك‬ ‫ابن الريب التميمي‪ ،‬ثم يحدث تغري كبري يف‬ ‫حياته‪ ،‬في�صري جماهد ًا فذ ًا يف جي�ش �سعيد‬ ‫بن عثمان بن عفان‪ ،‬بعد �أن �أ�صلح الأخري من‬ ‫حاله‪ ،‬وقدّر له راتب ًا ثابت ًا‪.‬‬ ‫وحني عزل معاوية بن �أبى �سفيان �سعيد بن‬ ‫عثمان بن عفان عن خرا�سان‪ ،‬يعود مالك‬ ‫بن الريب التميمي‪ ،‬لكنه مير�ض يف طريق‬ ‫العودة ـ عند مدينة مروـ مر�ض املوت‪ ،‬كان‬ ‫ذل��ك ح��واىل �سنة‪ 58‬هجرية وي��رث��ي نف�سه‬ ‫بق�صيدة تعد من عيون ال�شعر العربي‪.‬‬

‫وا���ض��ح‪ ،‬وق���د ب���دا الإح�����س��ا���س ب��ه��ا ع��ارم�� ًا‪،‬‬ ‫فاكت�سبت بعد ًا عميق ًا يف حلظة النهاية‪.‬‬ ‫وت�ستدعي هذه الق�صيدة ق�صيدة �أخرى من‬ ‫ال�شعر اجلاهلي لل�شاعر عبد يغوث اليماين‪،‬‬ ‫حينما وق��ع �أ���س�ير ًا يف ي��وم الكالب الثاين‪،‬‬ ‫وحاول �أن يفدي نف�سه‪ ،‬لكنه مل يفلح‪ ،‬وكان‬ ‫�أعدا�ؤه قد �شدوا ل�سانه بن�سعة‪ ،‬وهي �سري من‬ ‫اجللد‪ ،‬خوف ًا من هجائه لهم‪ ،‬ولكنه طلب‬

‫تركت تجربة مالك‬ ‫بن الريب بصمتها‬ ‫عمق �إن�ساين وا�ضح‬ ‫الواضحة على الشعر‬ ‫بالنظر �إىل ه��ذه الق�صيدة لل�شاعر مالك العربي والقت تجاوب ًا‬ ‫بن الريب ف�إننا جند ملمح الغربة ذا ح�ضور‬ ‫عميق ًا من المتلقي‬ ‫على مدار العصور‬

‫منهم �أن يطلقوا عن ل�سانه كي يرثي نف�سه‪،‬‬ ‫فجاءت ق�صيدته زفرة حارة يف رثاء النف�س‪،‬‬ ‫وكانت على نف�س الوزن والقافية‪ ،‬وهنا ي�سهم‬ ‫امل��وق��ف‪ :‬رث���اء ال���ذات وال����وزن والقافية يف‬ ‫جتاوب فني بني التجربتني‪.‬‬ ‫وقد تركت جتربة مالك بن الريب ب�صمتها‬ ‫الوا�ضحة على ال�شعر ال��ع��رب��ي‪ ،‬فهي تعد‬ ‫فريدة من فرائده‪ ،‬وقد القت جتاوب ًا عميق ًا‬ ‫من املتلقي على مدار الع�صور‪ ،‬وما هذا �إال ملا‬ ‫متثله من عمق �إن�ساين وا�ضح‪.‬‬ ‫و�إذا ك��ان��ت الق�صيدة اجلاهلية يف �أبهى‬ ‫من��اذج��ه��ا ت��ب��د�أ ب��ال��وق��وف ع��ل��ى الأط��ل�ال‪،‬‬ ‫وو�صف الناقة‪ ،‬وت�ستخدم الت�صريع الذي‬ ‫مينح بنية مو�سيقية خا�صة يف بداية الن�ص‪،‬‬ ‫ف�إن هذه الق�صيدة ال تنحو هذا النحو‪ ،‬فال‬


‫في حضرة الشعر‬ ‫‪104‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫جند الت�صريع يف البيت الأول‪ ،‬وال جند‬ ‫وقوف ًا على الأطالل‪.‬‬ ‫كما �أن ه��ذه الق�صيدة لل�شاعر مالك بن‬ ‫الريب التميمي تتخذ من ال�ضمري الأول «�أنا»‬ ‫ن�سق ًا معتمد ًا‪ ،‬وهذا ال�ضمري ي�ؤ�س�س لنمط‬ ‫ال�سارد الدرامي الذي ي�شتبك مع الأحداث‪،‬‬ ‫وينفعل بها ويكون فاع ًال فيها �أي�ض ًا‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ج�سدته هذه الق�صيدة‪ ،‬فال�سارد يروي عن‬ ‫نف�سه‪ ،‬وظل هذا ال�ضمري هو اخلط اجلامع‬ ‫يف الأب��ي��ات‪ ،‬يتحرك يف الف�ضاء الزماين‪،‬‬ ‫والف�ضاء املكاين‪ ،‬مما �أدى �إىل انت�شار هذه‬ ‫الأبيات ومتددها‪.‬‬ ‫وق��د كانت البداية مع �أمنية كبرية مليئة‬ ‫ب��احل�����س��رة‪ ،‬ه��ذه الأم��ن��ي��ة تتمثل يف م��دى‬ ‫�إمكانية ق�ضاء ليلة واحدة يف موطنه الأول‬ ‫‪ /‬الغ�ضا‪ ،‬ي�سوق النوق الفتية ال�سريعة كما‬ ‫كان يفعل يف املا�ضي‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫�أال ليت �شعري ه��ل �أب��ي�تن ليلة‬ ‫بجنب الغ�ضا �أزجي القال�ص النواجيا‬

‫وهنا يبدو ملمح الغربة وا�ضح ًا منذ البيت‬ ‫الأول نف�سه‪ ،‬وي�ستمر هذا امللمح على مدار‬ ‫الق�صيدة كلها‪ ،‬ويظل هو البطل احلقيقي‪،‬‬ ‫وامل�ؤثر الفاعل يف �أبياتها‪.‬‬ ‫وق���د ب���دا احل��ف��ر يف �أع��م��اق ه���ذا امللمح‪،‬‬ ‫وال��و���ص��ول ب��ه �إىل درج���ة غ��اي��ة يف العمق‪،‬‬ ‫عن طريق ال�ضمري الأول «�أنا» الذي يك ّر�س‬ ‫�إح�سا�سه العارم بالغربة‪.‬‬ ‫وقد ا�ستدعى هذا الإح�سا�س بنية التكرار‬ ‫مب��ا حتمله م��ن دالل��ة مو�سيقية ومعنوية‪،‬‬ ‫فر�أينا تكرار كلمة «الغ�ضا» �ست مرات يف‬ ‫الأب��ي��ات الثالثة الأوىل‪ ،‬حتى حتولت �إىل‬ ‫رمز لوطن الإن�سان الأول الذي يحن �إليه‪،‬‬ ‫ويتمنى العودة له ولو لليلة واحدة فقط‪.‬‬

‫التكرار وتو�سعة الرمز‬

‫و�إذا ك��ان ت��ك��رار كلمة «الغ�ضا» يف بداية‬ ‫الق�صيدة رم���ز ًا ل��وط��ن ال���ذات ال�شاعرة‬ ‫الأول‪ ،‬وبيته الذي درج فيه‪ ،‬ف�إن تكرار كلمة‬ ‫«الرمل» يف نهاية الق�صيدة ميثل تو�سيع ًا‬

‫جاءت القصيدة على‬ ‫بحر الطويل وهو من‬ ‫البحور المركبة مما‬ ‫يتناسب مع تعقيد‬ ‫الموقف الذي وجدت‬ ‫الذات الشاعرة نفسها‬ ‫فيه‬ ‫للرمز‪ ،‬فتبدو ال��ذات ال�شاعرة‪ ،‬وهي حتن‬ ‫لكل ذرة رمل يف موطنها الأول‪ ،‬وبذا يتحول‬ ‫«الرمل» �أي�ض ًا �إىل رمز خلعت عليه الذات‬ ‫ال�شاعرة من نف�سها و�أحا�سي�سها حتى بدا‬ ‫خمتلطا ب�أنفا�سها‪.‬‬ ‫كما تبدو �أي�ض ًا بع�ض البنى اجلزئية التي‬ ‫ت�سهم يف البنية الكربى للق�صيدة‪ ،‬من هذه‬ ‫البنى النجم «�سهيل» وهو جنم مياين كان‬ ‫للذات ال�شاعرة يف موطنها الأول ذكريات‬ ‫خا�صة معه‪ ،‬فيطلب ال�شاعر من �أ�صحابه‪،‬‬ ‫وه��و يجود بنف�سه‪� ،‬أن يرفعوه ك��ي متتلئ‬ ‫عيناه من هذا النجم العزيز‪.‬‬ ‫كما بدت الذات ال�شاعرة ذات مهارة خا�صة‬ ‫يف ال��ت��ق��اط ���ص��ورة للفر�س الأ���ش��ق��ر ال��ذي‬ ‫يجر عنانه حزين ًا �إىل امل��اء‪ ،‬وقد اختطف‬ ‫املوت �صاحبه الذي كان يقوم على رعايته‬ ‫وي�سقيه بنف�سه‪ ،‬فتبدو العالقة احلميمة بني‬ ‫الفار�س وفر�سه‪ ،‬وك�أنهما �صديقان‪ ،‬ولي�س‬ ‫ذل��ك غريب ًا على البيئة العربية القدمية‬ ‫التي كانت حتتفل مبيالد الفر�س فيها‪ ،‬كما‬ ‫كانت حتتفل بنبوغ ال�شاعر متام ًا‪ ،‬والعالقة‬ ‫بني الفار�س وفر�سه ذات تاريخ عري�ض يف‬ ‫الأدب العربي عموم ًا‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫علي فلم �أجد‬ ‫تذكرت من يبكي ّ‬ ‫�سوى ال�سيف والرمح الردينى باكيا‬ ‫و�أ����ش���ق���ر حم���ب���وك���ا ي���ج���ر ع��ن��ان��ه‬ ‫�إىل امل���اء مل ي�ترك ل��ه امل���وت �ساقيا‬ ‫وهنا تبدو العالقة الوطيدة بني الفار�س من‬

‫يبدو في القصيدة‬ ‫اتكاء الذات الشاعرة‬ ‫على تقليد القصيدة‬ ‫الجاهلية في خطاب‬ ‫الصاحبين‬

‫ناحية وبني �سيفه ورحمه وفر�سه من ناحية‬ ‫�أخرى‪ ،‬بحيث ال يجد هذا الفار�س ال�ضخم‬ ‫من باك عليه وحيد ًا يف �أر���ض الغربة غري‬ ‫�سالحه وفر�سه‪.‬‬

‫االرتداد كقيمة جمالية‬

‫ك��م��ا ك��ان مللمح ال��غ��رب��ة ال���ذي جت�سد عن‬ ‫طريق ال�سارد بال�ضمري الأول «�أن��ا» �أكرب‬ ‫الأثر يف ظهور االرتداد ب�صورة قوية يف هذه‬ ‫الق�صيدة املتميزة لل�شاعر مالك بن الريب‬ ‫التميمي‪.‬‬ ‫واالرت�����داد يعني ق��ط��ع الت�سل�سل الزمني‬ ‫بالعودة �إىل الزمن املا�ضي‪ ،‬وكانت العودة‬ ‫هنا �إىل حلظات ذات �أل��ق خا�ص يف حياة‬ ‫الذات ال�شاعرة‪.‬‬ ‫فحينما �ضغط ال��واق��ع ب�أ�صابعه ال��ت��ي ال‬ ‫ترحم‪ ،‬وبدت اللحظات الأخرية يف منتهى‬ ‫الق�سوة‪ ،‬وب��دا امل��وت حمقق ًا بحيث يطلب‬ ‫ال�شاعر مالك بن الريب من �صاحبيه �أن‬ ‫يجراه بثوبه �إىل مثواه الأخري حينما تفي�ض‬ ‫روحه جند ال�شاعر يقوم بعملية ارتداد �إىل‬ ‫حلظات ذات �ألق خا�ص من املا�ضي تقف يف‬ ‫مواجهة اللحظات التعي�سة التي يعي�شها‪.‬‬ ‫ف�صاحباه و�إن كانا يجرانه بال مقاومة الآن‬ ‫فقد ك��ان يف املا�ضي ال ينقاد لأح��د مهما‬ ‫كان‪ ،‬وكانت �شجاعته باهرة‪ ،‬ويظهر معدنه‬ ‫ذو الربيق الالمع يف حماية الأبطال وقت‬ ‫هزميتهم‪ ،‬كما ك��ان م��ن ال�سرعة مبكان‬ ‫بحيث ي�ستجيب على الفور ملن يدعونه يف‬ ‫احلرب‪.‬‬ ‫وحياته يف وق��ت ال�سلم كانت منعمة‪ ،‬ويف‬ ‫وق���ت احل���رب ك���ان م��ن ال�����ش��ج��اع��ة بحيث‬ ‫تخ ّرق ج�سمه الرماح‪ ،‬وال يفر‪.‬‬ ‫ث��م يعود �إىل اللحظة الأخ�ي�رة يف حياته‪،‬‬ ‫وذل���ك حينما يدفنه ال��رف��اق قائلني هذا‬ ‫الدعاء امل�شهور «ال تبعد»‪ ،‬ولكنه يقرر �أنه‬ ‫ال يوجد مكان للبعد �أك�ثر من ه��ذا املكان‬ ‫املدفون فيه‪ .‬وب��ذا ينه�ض االرت���داد بقطع‬ ‫الت�سل�سل ال��زم��ن��ي‪ ،‬مم��ا ي����ؤدي �إىل عدم‬ ‫ال�سري يف اجتاه واحد‪.‬‬ ‫كما كان لالرتداد دور وا�ضح يف ظهور بنية‬


‫املفارقة الت�صويرية‪ ،‬وجعلها منط ًا معتمد ًا‬ ‫يف هذه الق�صيدة كلها‪.‬‬ ‫فقد بدت املفارقة الت�صويرية بني احلا�ضر‬ ‫التعي�س واملا�ضي ذي الألق الباهر‪.‬‬ ‫كما ب��دت �أي�����ض�� ًا ب�ين امل��ك��ان القفر ال��ذي‬ ‫ميوت فيه بعيد ًا عن الأهل‪ ،‬واملكان الوطن‬ ‫‪ /‬الغ�ضا الذي كان مليئا بالدفء واحلب‪.‬‬ ‫واملفارقة الت�صويرية بني العجز الآن والقوة‬ ‫الباهرة يف املا�ضي‪.‬‬ ‫واملفارقة الت�صويرية بينه من ناحية‪ ،‬وبني‬ ‫�أ���ص��ح��اب��ه م��ن ن��اح��ي��ة �أخ����رى‪ ،‬ح��ي��ث يبدو‬ ‫هو عاجز ًا ال حول له وال قوة‪ ،‬وهم �أقوياء‬ ‫يجرونه �إىل مثواه الأخري‪.‬‬ ‫واملفارقة الت�صويرية بني ماله الآن الذي‬ ‫�سي�ؤول قريب ًا �إىل غ�يره‪ ،‬وماله قبل ذلك‬ ‫حيث كان املال ملك ًا له‪.‬‬ ‫وامل��ف��ارق��ة الت�صويرية ب�ين ال��ب��اك�ين عليه‬ ‫يف ال��غ��رب��ة‪ ،‬حيث ال يوجد ب��اك واح��د من‬ ‫الب�شر عليه‪ ،‬وال يبكي عليه �أحد غري فر�سه‬ ‫و���س�لاح��ه‪ ،‬وب�ين ال��ب��اك�ين عليه يف موطنه‬ ‫البعيد حيث توجد الن�سوة من �أهله و�إخوته‪،‬‬ ‫خ�صو�صا زوج��ت��ه املحبة التي تبكى عليه‬ ‫بحرقة ال مثيل لها‪.‬‬

‫جامع مالك بن الريب يف �سمنان االيرانية‬

‫وب���اك���ي���ة �أخ��������رى ت���ه���ي���ج ال���ب���واك���ي���ا‬

‫وهنا جند �شاعرنا مالك بن الريب التميمي‬ ‫يقول‪:‬‬

‫�شعاع احلب الالهب‬ ‫وي��ب��دو يف ه���ذه ال��ق�����ص��ي��دة ات��ك��اء ال���ذات ف��ي��ا ���ص��اح��ب��ي رح���ل���ي دن����ا امل���وت‬ ‫على‬ ‫املطبقة‬ ‫��وت‬ ‫مل‬ ‫وعلى الرغم من ظلمات ا‬ ‫ف���ان���زال ب��راب��ي��ة �إين م��ق��ي��م ل��ي��ال��ي��ا‬ ‫ال�شاعرة على تقليد الق�صيدة اجلاهلية‬

‫ال��ذات ال�شاعرة ف���إن �شعاع احلب الالهب له‬ ‫ب�صي�صه و�سط هذه الظلمات الكثيفة‪ ،‬وذلك‬ ‫حينما ت�ست�شرف هذه الذات ـ وهي حتدّق يف وجه‬ ‫املوت ـ موطنها الأ�صلي‪ ،‬وما فيه من عالقات‬ ‫�أ�سرية دفيئة‪ ،‬فتتخيل الباكيات من الأهل على‬ ‫ال��ف��راق‪ ،‬وتلتقط لقطة دال���ة للزوجة املحبة‬ ‫الثاكلة‪ ،‬وه��ي (تهيج البواكيا)‪ ،‬وتكون هذه‬ ‫اجلملة هي �آخر ما يطالعنا يف هذه الق�صيدة‬ ‫الفذة لل�شاعر مالك بن الريب التميمي‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫وبالرمل منا ن�سوة لو �شهدنني‬ ‫ب���ك�ي�ن‪ ،‬وف���دي���ن ال��ط��ب��ي��ب امل���داوي���ا‬ ‫وما كان عهد الرمل مني و�أهله‬ ‫ذم��ي��م��ا‪ ،‬وال ودع����ت ب��ال��رم��ل قاليا‬ ‫فمنهن �أختي وابنتاها و�إخوتي‬

‫يف خطاب ال�صاحبني‪ ،‬حيث ك ّر�س ام��ر�ؤ‬ ‫القي�س يف معلقته ال�شهرية ه��ذا النمط‪،‬‬ ‫و���س��ار ع��ل��ى ن��ه��ج��ه ال��ك��ث�ير م��ن ال�����ش��ع��راء‬ ‫ال��ذي��ن �أت���وا م��ن ب��ع��ده‪ ،‬وذل��ك يف قوله يف‬ ‫افتتاحية معلقته‪:‬‬

‫قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل‬ ‫ب�سقط اللوى بني الدخول فحومل‬

‫حرف الروي المعتمد‬ ‫هو الياء المطلقة‬ ‫مما يتناسب مع الزفرة‬ ‫الحارة التي تطلقها‬ ‫الذات الشاعرة‬

‫�أم���ا ع��ن ال��ب��ح��ر ال���ذي ج���اءت عليه ه��ذه‬ ‫ال��ق�����ص��ي��دة امل��ت��م��ي��زة لل�شاعر م��ال��ك بن‬ ‫الريب التميمي فهو بحر الطويل‪ ،‬و�صورته‬ ‫املثلى هي‪:‬‬ ‫فعولن ‪ /‬مفاعيلن ‪ /‬فعولن ‪ /‬مفاعيلن‬ ‫فعولن ‪ /‬مفاعيلن ‪ /‬فعولن ‪ /‬مفاعيلن‬ ‫وهو من البحور املركبة‪ ،‬ولي�س من البحور‬ ‫ال�صافية‪ ،‬مما يتنا�سب مع تعقيد املوقف‬ ‫الذي وجدت الذات ال�شاعرة نف�سها فيه‪.‬‬ ‫كما �أن حرف الروي املعتمد هنا هو الياء‬ ‫املطلقة مما يتنا�سب مع الزفرة احلارة‬ ‫التي تطلقها الذات ال�شاعرة‬


‫قال الراوي‬ ‫‪106‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫« ْل ْب ْل وال ِّلي خْ طاها ْيه ْبل»‬

‫اإلبل في الثقافة الشعبية‬ ‫األمثال الحسانية أنموذج ًا‬ ‫د‪ .‬بوزيد الغلى‬ ‫احتلت الإبل حيزاً متميزاً يف املخيال ال�شعبي احل�ساين‪ ،‬فقد تغنى بها ال�شعراء واحتفى‬ ‫بها احلكماء‪ ،‬وقد �أح�صيتُ من كالمهم ما ي ْربو على خم�سني مث ً‬ ‫ح�سانياً دارت كلها‬ ‫ال َّ‬ ‫حول الإبل تلميحاً �أو ت�صريحاً‪ .‬و�سنحاول يف هذه الدرا�سة �أن نحيط ُخ رْباً ب�أهم �أ�سنان‬ ‫«�أعمار» الإبل عند �أهل ال�صحراء التي ت�ضمنتها الأمثال احل�سانية‪ ،‬ثم ُنثني با�ستخال�ص‬ ‫�أهم الر�سائل الرتبوية والقيمية الثاوية بني ثنايا اخلطاب احل�ساين حول الإبل‪.‬‬


‫لي�س خافي ًا مقدار ت�أثر الثقافة احل�سانية‬ ‫بالثقافة العربية الأ�صيلة التي �أ َّثلت و� ّأ�س�ست‬ ‫إدراك متميز‬ ‫بنيان ًا فكري ًا قائم ًا على منط � ٍ‬ ‫ل�ل�إب��ل ي�تردد ب�ين املح�سو�س «و��ص��ف الإب��ل‬ ‫وذك � � ُر م��زاي��اه��ا � �ش �ع��ر ًا ون�ث��ر ًا» واملتخيل‬ ‫واخل��رايف‪« ،‬كان الرجل �إذا بلغت �إبله �ألف ًا‬ ‫قلع عني الفحل‪ ،‬يقولون اعتقاد ًا �إن ذلك‬ ‫يدفع عنها ال�ع�ين‪ ،‬و�إذا زادت ع��ن الأل��ف‬ ‫ف�ق��أ ع�ين الفحل الأخ� ��رى»‪� ،‬أم��ا عند بدو‬ ‫ال�صحراء‪ ،‬فال تخطئ العني التمائم املعلقة‬ ‫على رقاب بع�ض ر�ؤو�س الإبل دفعا للعني‪.‬‬ ‫ومل تقت�صر مناحي اال�ستمداد واالقرتا�ض‬ ‫من ذل��ك امل�يراث الفكري والأدب��ي العربي‬ ‫الفخم على االق�ترا���ض اللفظي ممث ًال يف‬ ‫�أ�سماء الإب��ل مبختلف �أعمارها و�أ�سنانها‬ ‫واخللفة‬ ‫كالبعري واجلمل واحل��وار والقارح ِ‬ ‫وما �إليها‪ ،‬و�إمنا تعداه �إىل ا�ستيحاء املعاين‬ ‫وخ��ا� �ص��ة م�ن�ه��ا ذات ال���ص�ل��ة باملعتقدات‬ ‫ال�شعبية‪ ،‬فكما كانت بع�ض النوق م�ضرب‬ ‫املثل يف ال�ش�ؤم عند العرب كقولهم‪� :‬أ�ش�أم من‬ ‫ناقة الب�سو�س‪ ،‬باتت الناقة اجلرباء املع ّبدة‬

‫اإلبل أبهى ما يهدى‬ ‫لألكابر وأرقى ما يُنحر‬ ‫احتفاء بمولود يولَد أو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بغائب يعود‬ ‫احتفاال‬ ‫ٍ‬ ‫�أو املطلية بالقطران رمز ًا لل�ش�ؤم يف الثقافة‬ ‫بخبها‬ ‫احل�سانية‪ ،‬كالناقة التي ��س��ارت رَ‬ ‫الركبان وجرى ذكرها على طرف كل ل�سان‬ ‫ردّد عبارة ‪�« :‬أ ْل َع ْك من نا َكة �إدا ْو َم ْ�س رَت» �أي‬ ‫�أ�ش�أم من ناقة �إِدَا ْو ْم ْ�سترْ ‪ ،‬وهي ناقة طالها‬ ‫�أهلها بقطران ع�سى �أن تتماثل لل�شفاء من‬ ‫اجل � َرب‪ ،‬فلما �سامت وانطلقت يف املرعى‬ ‫ع��ادت وعلى ظهرها �س ُبع �أ ْف�ن��ى الع�شرية‬ ‫ع��ن بكرة �أبيها‪ .‬ويف مقابل ق�صة ال�ش�ؤم‬ ‫هذه‪ ،‬ال يزال احل�سانيون يتفاءلون بالناقة‬ ‫«ال ��زر َك ��اء»‪ ،‬وه��ي ال�ن��اق��ة ال�ت��ي يتقا�سمها‬ ‫اللونان الأبي�ض وال ُبني‪ ،‬ويعتربونها �سبب ًا من‬ ‫�أ�سباب الربكة‪.‬‬ ‫ومن الالفت لالنتباه �أن الأمثال احل�سانية‬ ‫تكاد ال تغفل �سن ًا من �أ�سنان الإبل �إال وذكرته‬

‫�أو �أوردت � ��ه يف ��س�ي��اق �أو‬ ‫معنى معني ب ��دء ًا ب��ا ُ‬ ‫حل��وار‬ ‫وال�ب�ع�ير م� ��رور ًا ب��اب��ن لبون‬ ‫و أ�خم � � َّول وال �ك��ارح و�أَ ُزوزال‬ ‫وان �ت �ه��اء بال�شايلة واخللفة‬ ‫والفحل �أو َل ْهدادة‪ .‬وال�شك �أن‬ ‫�ضم الأمثال احل�سانية بني‬ ‫ثناياها كل هذه التفا�صيل‬ ‫املتعلقة ب��اخ �ت�لاف �أن ��واع‬ ‫و�أع� �م ��ار الإب � ��ل‪ ،‬ي �ن��م عن‬ ‫ال�سمة املتميزة للإبل عن‬ ‫غريها من الأنعام عند �أهل‬ ‫ال�صحراء‪ ،‬فال تكاد جتد‬ ‫يف �أمثالهم ذك��ر ًا لأ�سنان‬ ‫امل��اع��ز �أو ال�غ�ن��م �أو البقر‬ ‫على �سبيل التف�صيل نظر ًا‬ ‫لكونها ال تبلغ مبلغ �أهمية‬ ‫الإب� ��ل ع �ن��ده��م‪ ،‬ف�ه��ي �أع�ل��ى‬ ‫و�أغ �ل��ى مهر مُت � َه��ر ب��ه ن�ساء‬ ‫ال���ص�ح��راء‪ ،‬وه��ي �أف�ضل ما‬ ‫جترب به اخلواطر يف الديات‬


‫قال الراوي‬ ‫‪108‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫و�أن�سب ما تف�ض به النزاعات‪ ،‬وهي �أبهى‬ ‫ما يهدى للأكابر و�أرق��ى ما ينحر احتفا ًء‬ ‫بغائب يعود‪ ،‬وهي‬ ‫مبولود يو َلد �أو احتفا ًال‬ ‫ٍ‬ ‫بكلمة جامعة َ‬ ‫املال ك ّله‪ ،‬ولهذا قال قائلهم‪:‬‬ ‫« ْل ْب ْل وال ِّلي خْ طاها ْيه ْبل»‪ ،‬وتف�صيحه‪ :‬الإبل‬ ‫ومن �أُ ْع ِدمها �أو َفقدها‪ُ ،‬ج��نَّ و َف َقد عقله‪.‬‬ ‫و ق��د زك��ى ال��دي��ن ه��ذه امل �ع��اين جمتمعة‪،‬‬ ‫ومن جوامع الكلم يف هذا الباب قوله عليه‬ ‫ال�سالم‪« :‬الإبل ع ٌّز لأهلها‪ ،‬ويف الغنم بركة»‪.‬‬ ‫وعطف ًا على ما تقدم‪� ،‬سنعر�ض فيما يلي‬ ‫طائفة من الأمثال احل�سانية الدائرة حول‬ ‫�أ�سنان «�أعمار» الإبل املذكورة �آنف ًا‪:‬‬

‫لحْ وار‪:‬‬

‫يقول املثل احل�ساين‪« :‬لحْ وار ما يتب ْع ْلغروز»‬ ‫�أي �أن احل ��وار ل��ن يتبع �إال ن��اق��ة ح�ل��وب� ًا‪،‬‬ ‫وي�ستحيل �أن يلتم�س اللنب يف �ضرع قد َج ّف‪.‬‬ ‫واحل��وار هو �صغري الناقة ال��ذي �إذا ُف� ِّرق‬ ‫بينها وبينه َب َكت وح َّنت للقائه وفق امل�شهد‬ ‫ال��ذي ي�صفه �أح��د ال�شعراء احل�سانيني �إذ‬

‫األمثال الحسانية‬ ‫تكاد ال تغفل سن ًا من‬ ‫أسنان اإلبل إال وذكرته‬ ‫أو أوردته في سياق أو‬ ‫معنى‬ ‫يقول‪:‬‬

‫ب � � � � ّك� � � ��اين ْح � � � ��� � � ْ��س ْح � � ِن � �ي � � ْن � �ه� ��ا‬ ‫ْف � � � ْل � � � ْب� � ��ل َم � � � ��ا َراتْ ْح � � � ��وا ْر َه � � � ��ا‬

‫�أي �أبكاين �صوت حنينها ملا مل ت َر �أو مل جتد‬ ‫يف الإبل حوارها �أو �صغريها‪ .‬واحلنني دليل‬ ‫عاطفة جيا�شة امتازت بها الإبل لدرجة �أن‬ ‫حتن»‪ ،‬وقد‬ ‫العرب تقول‪« :‬ح ِّرك لها حوارها ِ‬ ‫�أملح الر�سول عليه ال�سالم �إىل تعذر تخل�صها‬ ‫وان�سالخها عن ح�سها املرهف رهافة ال�شعر‬ ‫ولطفه حيث قال‪«:‬ال تدع العرب ال�شعر حتى‬ ‫تدع الإبل احلنني»‪.‬‬

‫ْب ْل ُبون‪:‬‬

‫�أي ابن لبون‪ ،‬وهو الذي �أمت �سن ًة ودخل يف‬ ‫الثانية‪ ،‬ونظر ًا حلداثة �س ّنه ي�ضرب به املثل‬ ‫يف الفرق بني الأجيال كالذي بني النا�شئة‬

‫والكهولة �سن ًا وحنك ًة ومرا�س ًا‪� ،‬إذ يقول املثل‬ ‫احل�ساين‪«ْ :‬منَينْ َي ْل َح َك ْب ْل ُبون ْم َع ال َكا ْر ْح»‪،‬‬ ‫وتف�صيحه‪ :‬ما يبل ُغ ابن لبون من القارح؟‪،‬‬ ‫�إذ لي�س الأول ب ُكفء للثاين‪.‬‬

‫�أَ خْم ّول‪:‬‬

‫من بني �أ�شهر الأم�ث��ال التي ت�ضمنت ِذكر‬ ‫اخم��ول – ويدعى �أي�ض ًا ْل� َك� ُع��ود‪ ،-‬قولهم‪:‬‬ ‫«�إي َكا ْون َيخْ ِت ُريوا ْب ِعري ْف�أَ َّول ْل ْبل عن امخَْ َّول‬ ‫َف � ْع � َك��اب �ه��ا»‪� ،‬أي �أن امل�ط��رب�ين احل�سانيني‬ ‫يف�ضلون عطاء ع��اج� ً‬ ‫لا و�إن ق � ّل �أو ه � ُزل‪،‬‬ ‫في�ؤثرون �أخذ بعري بدل انتظار ر�أ�س �أف�ضل‬ ‫منه ك��أمخْ � ّول‪ ،‬وهو جمل �أ�سنّ منه‪ ،‬وذلك‬ ‫لأن خ�ير ال�بر عاجله‪ ،‬و�أك ��رم النا�س من‬ ‫يعطي على عجل‪.‬‬

‫ال َكارح‪:‬‬

‫اب ال � َك��ا ْرح‬ ‫ي�ق��ول امل�ث��ل احل �� �س��اين‪�ْ��«:‬س� َ�د ْ‬ ‫َذا ْرح»‪� ،‬أي �أن تروي�ض ال �ق��وارح مرهق‬ ‫وم �ت �ع��ب‪ ،‬وذل���ك ل���ص�ع��وب��ة ف�ط��ام�ه��ا عن‬ ‫م�ألوفاتها وتخ ّليها عن عوائدها‪.‬‬


‫أ� ُزوزال‪:‬‬

‫وه��و اجل�م��ل ال��ذي �أُزي ��ل ج�ه��ازه التنا�سلي‬ ‫لي�صبح خم�ص ّي ًا‪ ،‬وي�سهل ا�ستغالله يف ِّ‬ ‫احلل‬ ‫والرتحل‪ ،‬وي�ضرب به املثل يف ا�ستقباح �إتيان‬ ‫ُّ‬ ‫ما ال يتنا�سب مع ال�سن واملركز من الفعال‪،‬‬ ‫�إذ يقول املثل‪�« :‬شَينْ ال ّر ْبعة على �أ ُزوزال»‪� ،‬أي‬ ‫يعاب اجلري يف �سباق الهجن على �أزوزال‬ ‫ال�سن بينه وبني الر�ؤو�س‬ ‫نظر ًا للتفاوت يف ّ‬ ‫املُ َع ّدة لذلك‪.‬‬

‫ال�شوايل‪:‬‬

‫وال�شايلة ه��ي ال�ن��اق��ة ال��ول��ود ال�ت��ي خلفت‬ ‫�صغري ًا مل يكمل بع ُد عامه الأول‪ ،‬ولذلك‬ ‫غالب ًا ما ِتد ُّر لبن ًا وفري ًا خا�صة زمن الربيع‬ ‫حيث امل��اء والكلأ الرفيع‪� ،‬أم��ا �إذا �أجدبت‬ ‫الأر�ض �أو �أقفرت وهلك الزرع وجف ال�ضرع‪،‬‬ ‫فمن احلماقة انتظار غلة �أو نفع‪ ،‬ولذلك‬ ‫عطي ّْ‬ ‫ال�شوايل»‪ ،‬ونظريه‬ ‫قالوا‪«:‬لخْ ْ ريف َما ْي ِ‬ ‫ع�ن��د ال �ع��رب‪�« :‬إن ��ك ال جت�ن��ي م��ن ال�شوك‬ ‫العنب»‪.‬‬

‫التمائم املعلقة على رقاب بع�ض الإبل دفعا ً للعني‬

‫الفحل �أو ْلهدادَة‪:‬‬

‫والفحل ه��و اجلمل ال��ذي يخ�صب النوق‪،‬‬ ‫ومي�ث��ل ق��ائ��د القطيع وزع�ي�م��ه‪ ،‬ول��ذل��ك‪ ،‬ال‬ ‫يجتمع فحالن يف قطيع �إال �أب َعد �أحدهما‬ ‫الآخ ��ر مبقت�ضى التجربة ال�ت��ي يلخ�صها‬ ‫املثل احل�ساين القائل‪َ « :‬د ْو َل ��ه ما ي ْهدُّوها‬ ‫َف ْحلني»‪� ،‬أي �أن الدولة – وه��ي يف الل�سان‬ ‫احل�ساين قطعة �إبل �ضخمة – ال تُ�سا�س وال‬ ‫تقاد وال َ‬ ‫تخ ّ�صب بوا�سطة فحلني‪� ،‬إذ ال بد‬ ‫�أن يتنازعا ال��ري��ادة والقيادة حتى يتمكن‬ ‫الأمر لأحدهما‪ ،‬و�إمنا ي�ست�أهل لقب الفحولة‬ ‫الأقدر على �إثبات اجلدارة‪.‬‬

‫ر�سائل اخلطاب احل�ساين حول الإبل‬

‫�إن ورود الإبل يف املثل احل�ساين ال ي�أتي لذاتها‬ ‫ام�ت��داح� ًا و�إط� ��را ًء ل�صربها وح� ُن� ِّوه��ا على‬ ‫�صغارها وما �أ�شبه ذلك‪ ،‬و�إمنا ي�أتي لأمر �أهم‬ ‫و�أعظم‪ ،‬وهو نقل ر�سائل تربوية و�أخالقية‬ ‫د�أب �أهل ال�صحراء على متثلها والعمل على‬ ‫تر�سيخها يف الوعي والعقل اجلمعي‪ .‬ومن‬ ‫تلك الر�سائل القيمية الق ِّيمة ما يلي‪:‬‬

‫من جمال َخلق الناقة الزركاء زرقة �إحدى عينيها دون الأخرى‬

‫العدل وامل�ساواة‬

‫يف احلث على العدل وامل�ساواة بني الأبناء‬ ‫ذكور ًا و�إناث ًا‪ ،‬والتعامل باعتدال ال �شطط‬ ‫ف�ي��ه وال ت�ف��ري��ط م��ع ال���ش��رك��اء وال��رف�ق��اء‬ ‫وال�ن��ا���س �أج�م�ع�ين‪ ،‬يقول املثل احل�ساين‪:‬‬ ‫«� �س��اوي ْج �م��ال��ك َم��ا َت�� ْع�� َرف ْع � َل��ى �أ ّي �ه��م‬ ‫َت ْع َك ْب؟»‪ ،‬وتف�صيحه‪� :‬ساوي بني ِجمالك‬ ‫ف�م��ا ت ��دري ع�ل��ى �أي �ه��ا �ستعتمد‪ ،‬وب ��أ ّي �ه��ا‬ ‫�ستنتفع؟‪ .‬وامل ��راد وج��وب التعامل بنوع‬

‫من االعتدال وعدم امليل تف�ضي ًال و�إيثار ًا‬ ‫وتقدمي ًا لطرف على �آخ��ر‪ ،‬وم��ن لطائف‬ ‫التوجيه النبوي يف هذا ال�صدد‪�« :‬أحبب‬ ‫حبيبك هون ًا ما ع�سى �أن يكون بغي�ضك‬ ‫يوم ًا ما‪ ،‬و�أبغ�ض بغي�ضك هون ًا ما ع�سى‬ ‫�أن يكون حبيبك يوم ًا ما»‪.‬‬

‫التجان�س والتكاف�ؤ‬

‫يف احل�ض على مراعاة التجان�س والتنا�سق‬ ‫والتكاف�ؤ وعدم اجلمع بني املتناق�ضات‪ ،‬يقول‬


‫قال الراوي‬ ‫‪110‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫كانت بعض النوق‬ ‫مضرب المثل في‬ ‫املثل احل�ساين‪ْ « :‬ل ْبل ما ت ْ​ْ�سكن مع احلمري»‪ ،‬الشؤم عند العرب‬ ‫تف�صيحه‪ :‬الإبل ال ت�س ُكن مع احلمري‪ ،‬ونظريه كقولهم‪ :‬أشأم من‬ ‫يف امل�ث��ل ال�ع��رب��ي الف�صيح‪« :‬ال ُيجمع بني ناقة البسوس‬

‫الأروى والنعام»‪ ،‬لأن الأروى تعي�ش غالب ًا يف‬ ‫اجلبال خالف ًا للنعام التي تعي�ش يف ال�سهول‪.‬‬

‫التحذير من الرفقة ال�سيئة‬

‫وحتمل وتكبد امل�شاق والأوهاق‪.‬‬

‫مراعاة طبائع الأمور‬

‫ويف التحذير من الرفقة ال�سيئة ومن قرناء‬ ‫ال�سوء‪ ،‬يقول املثل احل�ساين‪« :‬ا َكرن لحْ ْ مار‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مع ْ‬ ‫النهيك»‪� ،‬أي‬ ‫ال�شهيك و َّال‬ ‫حل��وار ْيع ْلمو‬ ‫�إذا ُقرنَ احلمار مع احلوار‪ ،‬ع َّلم ُه النهيق‪،‬‬ ‫وهو �أنكر الأ�صوات‪.‬‬

‫يف مراعاة النوامي�س وطبائع الأم��ور وعدم‬ ‫الطمع يف حتقق امل�ستحيل �أو املمتنع‪،‬يقول‬ ‫املثل احل�ساين‪« :‬لخْ ْ ريف ما يعطي ال�شوايل»‪،‬‬ ‫�أي �أن اجلذب ال ي�ساعد على �إنتاج غلة جيدة‬ ‫كحليب ال�شوائل التي تر�ضع منه �صغارها‬ ‫ويتغذى وينتفع به القائمون على تربيتها‪.‬‬

‫لتح�صيل الرزق �أو طلب العلم �أو نحو ذلك‪،‬‬ ‫يقول املثل احل�ساين‪« :‬ال َك ْ�سب ْب ْ�شروطو» �أي‬ ‫�أن تنمية الإبل وتربيتها عملية �شاقة ومكلفة‬ ‫تكتنفها م�صاعب ومتاعب جمة‪ .‬ويقول املثل‬ ‫احل�ساين �أي�ض ًا‪ْ :‬‬ ‫«ال ما ْي� َر ِّب ما ْي َل ِّب»‪� ،‬أي‬ ‫ال ينتج اللب�أ من مل يبادر �إىل تنمية الإبل‬

‫يف الإ� � �ش� ��ارة �إىل اخ� �ت�ل�اف ال �ن��ا���س من‬ ‫ح�ي��ث ن�ي��ات�ه��م و�أغ��را� �ض �ه��م وم�صاحلهم‬ ‫واهتماماتهم‪ ،‬يقول املثل احل�ساين‪ْ « :‬ك ْلها‬ ‫َغ ْر�ضو ْف��ْ��ض� َر ْع �شا ْي ْلتو»‪ ،‬تف�صيحه‪ٍّ :‬‬ ‫لكل‬ ‫بغيته‪ ،‬فليلتم�سها يف �ضرع �شائلته‪ ،‬واملراد‬ ‫طلب بغيته والتما�س‬ ‫�أنه يتعني على كل امرئ ُ‬

‫اجلد والكد‬

‫يف احلث على اجلد والكد واتخاذ الأ�سباب اختالف النا�س‬

‫مطلبه بتدبريه وحت�صيله ال�شخ�صي‪.‬‬

‫حت�صيل الرزق‬

‫يف الإ�شارة �إىل امل�شاق والأتعاب التي تتخلل‬ ‫حت�صيل ال��رزق وتنمية الأم ��وال وامل ��وارد‪،‬‬ ‫يقول املثل احل�ساين‪ْ « :‬ل ْب ْل ْب ْذ َراها‪ ،‬وال َو ْيل‬ ‫ْو َراه ��ا»‪� ،‬أي �أن الإب��ل ال تنمو وت�سمن حتى‬ ‫ت�صري ذراه��ا مكتنزة �شحم ًا �إال �إذا القى‬ ‫مربيها الويل وتكبد العناء وامل�شقة‪ ،‬ونظريه‬ ‫�أي ���ض� ًا ق��ول�ه��م‪ْ « :‬ل �ب��ل ْب��خْ ��زا ْمي �ه��ا‪ ،‬وال � َو ْي��ل‬ ‫�إياليمْ ْ ها»‪� ،‬أي �أنك �ستالقي التعب يف �سبيل‬ ‫تربية الإب��ل‪ .‬ولذلك فامتالكها امل�شار �إليه‬ ‫على �سبيل اال�ستعارة بالإم�ساك ُ‬ ‫بخطامها‬ ‫«خ��زامي�ه��ا‪ :‬جمع خ��زام��ة وه��ي ا ُ‬ ‫خل�ط��ام»ال‬ ‫يعني �سوى بداية طريق �شاق تكتنفه املتاعب‬ ‫وامل�صاعب‪.‬‬

‫الرتفع عن ال�سفا�سف‬

‫يف احل��ث على ترفع العقالء والرا�شدين‬ ‫وت�ن��زه�ه��م ع��ن �سفا�سف الأم� ��ور وخ ��وارم‬ ‫املروءة‪ ،‬يقول املثل احل�ساين‪�« :‬شَينْ الرب َعه‬ ‫على � ّ‬ ‫أزوزال»‪ ،‬وذلك لأن الت�صابي والت َّ�سافه‬ ‫ال يتنا�سب مع �سن الرا�شدين ومراكزهم‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وقد قال ال�شاعر‪:‬‬

‫و�إن َ�سفاه ال�شيخ ال حِ لم بعده‬ ‫و�إن ال �ف �ت��ى ب �ع��د ال���س�ف��اه��ة يحلم‬

‫�ضرورة تروي�ض النف�س‬

‫يف االق ��رار ب�صعوبة التخلي ع��ن العوائد‬ ‫وامل ��أل��وف��ات‪ ،‬ويف ��ض��رورة تروي�ض النف�س‬ ‫وتعويدها على ترك ما ال يليق بذي مروءة‪،‬‬ ‫«�سداب ال َكارح ذا ْرح»‪،‬‬ ‫يقول املثل احل�ساين‪ْ :‬‬ ‫ومعناه كما تقدم �أن ت�أديب وتهذيب وتروي�ض‬ ‫القوارح حزَ ن ب َربوة‪.‬‬

‫احلذر من �سوء النوايا‬

‫يف التحذير من �سوء نية الغري الذي يتظاهر‬ ‫بحب اخلري لك و ُي�ضمر خالف ذلك‪ ،‬يقول‬


‫َ‬ ‫الزركاء التي يعتقد ال�صحراويون بربكتها‬ ‫الناقة‬

‫املثل احل�ساين‪ْ « :‬ي��دَ ّور ْم ْ‬ ‫عاك ْال ما ْي ْبغيك‬

‫ْجت رَ ْب»‪� ،‬أي ُرب امرئ ي�شارك معك يف البحث ال يزال الحسانيون‬ ‫عن �ضالتك وهو يتمنى يف ق��رارة نف�سه �أال يتفاءلون بالناقة‬ ‫جتدَ ها وال تهتدي �إليها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫«الزركاء» ويعتبرونها‬ ‫العمل بروح الفريق‬ ‫سبب ًا من أسباب البركة‬

‫يف احل ��ث ع�ل��ى ت �ب��ادل امل �ن��اف��ع وامل���ص��ال��ح‬ ‫والتعاون والعمل بروح الفريق‪ ،‬يقول املثل‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫«ال � ْ��س� َر ْح َل� ْ�ك َد ّو ْر ُل��و»‪� ،‬أي من �أعانك يف‬ ‫حرا�سة �إبلك فقابله بالإح�سان‪ ،‬واحر�ص‬ ‫على م�ساعدته يف البحث عن �ضالته‪.‬‬

‫االعتداد بالقوم‬

‫يف الإ�شارة �إىل اعتداد املرء بقومه ومقوماته‪،‬‬ ‫عاج ُبو �شَ ْي ُخو‬ ‫يقول املثل احل�ساين‪ْ « :‬ك ْلها ْ‬ ‫و ْب ِعريو»‪ ،‬وقد يثور الت�سا�ؤل عن �سر �ضرب‬ ‫امل�ث��ل ب��الإع �ج��اب بال�شيخ وال�ب�ع�ير ولي�س‬ ‫ب��الأب مث ًال كما يف املثل العربي ال�شهري‪:‬‬ ‫«ك��ل فتاة ب�أبيها معجبة»‪ ،‬واجل��واب راجع‬ ‫لطبيعة املجتمع احل�ساين الذي كان ال يفخر‬ ‫�إال باالنت�ساب حلملة ال�سالح «املقاتلون»‬ ‫�أو حملة الكتاب «العلماء»‪ ،‬ولذلك قالوا‪:‬‬ ‫«العي�ش �أ ّال تحَ ْ ت ْركاب و َّال حتت ْكتاب»‪.‬‬

‫مراعاة طبائع النا�س‬

‫يف احلث على مراعاة طبائع النا�س وال�صرب‬ ‫ُ‬ ‫واجلهول‪،‬‬ ‫احلليم‬ ‫عليهم خا�صة و�أن منهم‬ ‫ُ‬

‫وق��د قيل �إن يف جمال�ستك للعلماء زي��ادة‬ ‫علم‪ ،‬كما يف جمال�ستك لل�سفهاء زيادة ِحلم‪،‬‬ ‫لأنك تتعلم ال�صرب على جهاالتهم‪ ،‬وتتفادى‬ ‫�إغا�ضة ال َغ�ضوب منهم طبق ًا للمثل القائل‪:‬‬ ‫«ال ّلي ْع � َر ْف �صَ ْن ْع ُة َج ْم ُلو ما ْي َطيحو»‪� ،‬أي‬ ‫من عرف طبيعة ج َمله فلن ي�سقط من على‬ ‫ظهره ولن يف�شل يف التعامل معه‪.‬‬ ‫عدم اال�ستهانة بالأ�شياء‬ ‫يف الدعوة اىل االنتفاع ب��الأدن��ى �إنْ ع� ّز �أو‬ ‫امتنع الأعلى‪ ،‬يقول املثل احل�ساين‪« :‬لمْ ْعز‬ ‫اك ْل ْل ْبالَ ْن َ‬ ‫ْن َي َ‬ ‫ياك» تف�صيحه‪ :‬املاع ُز ُ‬ ‫نياق‬ ‫منْ ال ُنوق له‪ ،‬فمن مل يجد �سبي ًال المتالك‬ ‫النوق وهي �أعلى قيمة فال ي�صرفه طلبها‬ ‫عن االنتفاع مبا دونها قيمة‪ ،‬ونظريه عند‬ ‫العرب‪« :‬العيرَْ �إن َ‬ ‫فاتك اجلح�ش»‪.‬‬ ‫ويف ال���س�خ��ري��ة واال� �س �ت �ه��زاء مم��ن يطلب‬ ‫�أو ينتظر ح�صول امل�ستحيل‪ ،‬ي�ق��ول املثل‬

‫طيحو»‪،‬‬ ‫احل�ساين‪َ �« :‬إحانوا ْ�ش َوا ْرب اجلمل ْي ُ‬ ‫�أي ينتظرون �شوارب اجلمل ع�سى �أن ت�سقط‪،‬‬ ‫وهذه كناية عن انتظار ح�صول �أمر �سخيف‪.‬‬

‫التما�س املعرفة‬

‫يف الدعوة �إىل التيقظ والنباهة والتما�س‬ ‫امل �ع��رف��ة ال��دق�ي�ق��ة ب ��الأم ��ور‪ ،‬ي �ق��ول املثل‬ ‫واع َر ْف يمَ ْ َها»‪،‬‬ ‫احل�ساين‪�« :‬أ ْن َد ْه ْع َلى ْلبل ْ‬ ‫وانده عليها ثم اعرف �إىل‬ ‫�أي حاذي الإبل َ‬ ‫ميمت واجتهت‪.‬‬ ‫�أين ّ‬ ‫ويف الإ�شارة �إىل املعرفة ال�سابقة بالنوايا‬ ‫والأم��ور وع��دم التفاج�ؤ بحدوثها‪ ،‬يقول‬ ‫اج َمل ْف َرا�س‬ ‫ْرا�س ْ‬ ‫املثل احل�ساين‪« :‬ال ِّلي ف ْ‬ ‫ا َّ‬ ‫جل ّمالة»‪� ،‬أي �أن ما ق�صد اجلمل فع َله‪،‬‬ ‫ك��ان��ت ل�صاحبه معرفة م�سبقة ب��ه‪ ،‬وال‬ ‫�شك �أن املعرفة اال�ستباقية بالأمور تتيح‬ ‫فر�صة التح ّوط والتخطيط ملا يلزم فعله‪.‬‬ ‫وبكلمة جامعة‪� ،‬إن تنوع �سياقات ورود‬ ‫الإب��ل يف الأمثال احل�سانية وحمموالتها‬ ‫ودالالت �ه��ا االجتماعية والأخ�لاق �ي��ة ينم‬ ‫عن �أهمية مركز الإبل يف الوعي اجلمعي‬ ‫احل�ساين الذي �أنتج ثقافة مت�سمة بقدر‬ ‫كبري من الواقعية واال�ستمداد من املحيط‬ ‫البيئي البدوي‬


‫‪112‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫سيمياء‬

‫الشفرات‬ ‫الخرساء‬ ‫وال ُهوية‬

‫عائ�شة الدرمكي‬ ‫‏‪aishaaldarmaki@hotmail.com‬‬

‫�إن اللغة بو�صفها ن�شاطاً‬ ‫�إن�سانياً جمتمعياً تتجاوز‬ ‫يف كيانها حدود الل�سان‬ ‫الذي ال يعترب �إ َّال و�سيلة‬ ‫�ضمن و�سائل �أخرى ال تقل‬ ‫�أهمية من مثل الإ�شارات‪،‬‬ ‫والطقو�س‪ ،‬والرموز‪،‬‬ ‫وال�صور‪ ،‬والعادات وغريها‪.‬‬

‫ول��ن يكون ب��الإم�ك��ان هنا ق�صر ت�شكل‬ ‫الثقافة وال � ُه��وي��ة على الل�سان وح��ده‪،‬‬ ‫ف��ذل��ك يعني جت��اه��ل و�إه��م��ال و�سائل‬ ‫و�أمن��اط �أخ��رى لها دور رئي�س يف �إنتاج‬ ‫امل�ضامني االج�ت�م��اع�ي��ة؛ فحقيقتها ال‬ ‫تكمن يف الك�شف ع��ن ك��ون مرجعي �أو‬ ‫ذهني معطى ب�شكل نهائي ومطلق‪ ،‬فهي‬ ‫لي�ست خم��زون � ًا م�ت��وارث� ًا ولكنها �إنتاج‬ ‫مكت�سب‪ ،‬وهذا الإنتاج ال ي�أتي من خالل‬ ‫اللغة املتكلمة وحدها بل ب�أ�شكال متعددة‬ ‫مثل الإ�شارات والرموز والطقو�س‪ ،‬وهذه‬ ‫الإ�� �ش ��ارات وال�ط�ق��و���س م�ت�ع��ددة بتعدد‬ ‫اجلماعات اللغوية التي تعتمدها؛ ولذلك‬ ‫فهي ت�سهم �إ�سهام ًا مبا�شر ًا يف ت�شكيل‬ ‫ال ُهوية املجتمعية لكل جمتمع على حدة‪.‬‬ ‫ت�شكل تلك الإ�شارت والطقو�س والرموز‬ ‫ال�شفرات االجتماعية التي تتنوع وتتعدد‬ ‫لت�شكل الثقافة املعينة امل�ح��ددة‪ ،‬والتي‬ ‫حت��دد ال�ت�ف��ارق االجتماعي ال�شكالين‬ ‫ال� ��ذي � �س �ي �ح��دد ب �ع��د ذل���ك هُ ��وي ��ة كل‬ ‫جمتمع على حدة ومتيزه عن غريه من‬ ‫املجتمعات؛ فكل جمتمع يعرب عن هُ ويته‬ ‫اخلا�صة التي ُت�ع��رف ب��ه م��ن خ�لال ما‬ ‫يقوم به من �أعمال‪ ،‬وطريقته يف التكلم‬ ‫والتعبري عن الذات‪ ،‬وما يلب�سه من �أزياء‬ ‫معينة ذات طراز حمدد و�شكل مميز‪ ،‬بل‬ ‫وحتى عاداته يف امل�أكل وامل�شرب وطرائق‬ ‫�إعدادهما‪ ،‬وحميطه املحلي وممتلكاته‪،‬‬ ‫وما �إىل ذلك من الأمن��اط التي ي�ستعني‬ ‫بها الإن�سان يف جمتمعه لي�ؤ�س�سه وي�شكله‬ ‫�ضمن احل�ي��اة اليومية ع�بر الال�شعور‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل النمط اللغوي املميز الذي‬ ‫يو�سم ال ُهوية االجتماعية ب�سمات متفردة ‪.‬‬ ‫يف هذا املقال لن �أحتدث عن ال�شفرات‬ ‫الل�سانية بو�صفها حم��دد ًا لهذه ال ُهوية‬ ‫املجتمعية �إذ �أنها لي�ست امل�صدر الوحيد‬ ‫الذي ي�شكل هذه ال ُهوية و�إمنا �س�أخ�ص‬ ‫احل��دي��ث هنا ع��ن من��ط �آخ ��ر م��ن هذه‬

‫الأمن ��اط ه��و ال�شفرات غ�ير الل�سانية‪،‬‬ ‫وال�ت��ي يعتربها اجل��اح��ظ �صنف ًا مهم ًا‬ ‫وج ِعل‬ ‫من �صنوف البيان حني قال‪ُ ...« :‬‬ ‫البيان على �أرب�ع��ة �أق�سام؛ لفظ وخط‬ ‫ف�صل احلديث عنها‬ ‫وعقد و�إ�شارة»‪ ،‬فقد َّ‬ ‫طوي ًال يف كتابه «احليوان» �سيما يف ف�صل‬ ‫�أق�سام البيان؛ فيتحدث عن ف�ضل هذه‬ ‫ال�شفرات ودالالت�ه��ا وم��ا �أودع فيها من‬ ‫احلكمة وال�بره��ان؛ فالأج�سام اخلر�س‬ ‫ال�صامتة يعتربها ناطقة من جهة الداللة‬ ‫ومعربة من جهة �صحة ال�شهادة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫القدم مبثل‬ ‫وقد اعتنى الن�ص الأدبي منذ ِ‬ ‫ه��ذه ال�شفرات عناية كبرية م��ن حيث‬ ‫بيان دالالت�ه��ا االجتماعية ل��دى املتلقي‬ ‫بل وطريقة �أدائها من ِقبل الباث؛ فمن‬ ‫ذلك ما �أورد ابن جني يف «اخل�صائ�ص»‬ ‫م��ن �أن مثل تلك ال�شفرات لها �أهمية‬ ‫يف البيان ال��داليل والبالغي يف الن�ص‬ ‫الأدب��ي‪ ،‬و�أنها تبني ملتلقي الن�ص الأدبي‬ ‫املبني على مثل تلك ال�شفرات «الأحوال‬ ‫ال�شاهدة بالق�صود‪ ،‬بل احلالفة على ما‬ ‫يف النفو�س؛ �أال ترى �إىل قوله‪« :‬تقول‪،‬‬ ‫و��ص� َّك��ت وجهها بيمينها‪� /‬أب�ع�ل��ي هذا‬ ‫ب��ال��رح��ى امل�ت�ق��اع����س!»‪ ،‬فلو ق��ال حاكي ًا‬ ‫عنها‪� :‬أبعلي هذا بالرحى املتقاع�س من‬ ‫غري �أن يذكر َّ‬ ‫�صك الوجه‪ ،‬لأعلمنا بذلك‬ ‫ب�أنها كانت متعجبة منكرة‪ ،‬لكنه ملَّا حكى‬ ‫احلال فقال «و�صكت وجهها» ُع ِلم بذلك‬ ‫قوة �إنكارها»‪ ،‬ومنه ما ذك��ره اجلاحظ‬ ‫يف «البيان والتبني» لأحد ال�شعراء قوله‪:‬‬ ‫ي�سعى ومثل ال�صفري كالمه‪ /‬وتوحي يداه‬ ‫لهن وحي الأخر�س‪.‬‬ ‫فهناك الكثري من الن�صو�ص الأدبية التي‬ ‫عمدت �إىل و�صف مثل تلك ال�شفرات‬ ‫�أو حتديدها بعالمة ل�سانية مميزة كما‬ ‫جن��د يف «الإمي���اء والإ���ش��ارة‪ ،‬وال��وح��ي‪،‬‬ ‫واللمع‪ ،‬والنظر‪ ،‬والتحديق‪ ،‬والوم�ض»‬ ‫وغريها الكثري ‪� .‬إنها �شفرات اجتماعية‬


‫سيمياء‬

‫لها خ�صو�صيتها من حيث الأداء ومن حيث الداللة‪.‬‬ ‫يف احلقيقة �إننا �أمام كم هائل من ال�شفرات التي ينتجها‬ ‫املجتمع ل�سد حاجاته املعي�شية عامة اجتماعي ًا واقت�صادي ًا‬ ‫و�سيا�سي ًا ب��ل ونف�سي ًا وروح �ي � ًا‪ .‬فهي �أمن��اط ال ن�ستطيع‬ ‫�إح�صا�ؤها يف مثل هذا املقال‪ ،‬و�إمنا ميكن �أن ندلل عليها‬ ‫بنوع من ال�شفرات قد يكون �أكرث و�ضوح ًا؛ فهي من ال�شفرات‬ ‫التي تُ�شكل ال ُهوية ب�شكل الفت؛ �إذ �أ�صبحت الأمم تُعرف‬ ‫بها‪� ،‬أال وهي «ال�شفرات الب�صرية»؛ ذلك لأنها من ال�شفرات‬ ‫التي تتوىل النظام احل�سي الذي يحدد ثقافة النظر �إىل‬ ‫الآخر والأ�شياء‪ ،‬حيث تنظم كيفية توجيه النا�س �أنظارهم‬ ‫بع�ضهم لبع�ض يف املرتبة الأوىل يف املحيط الثقايف اخلا�ص‬ ‫باملجتمع‪ ،‬فهناك طرائق حمببة �أو مقبولة وهناك طرائق‬ ‫غري مرغوبة �أو حتى حمرمة‪ ،‬وتزيد �أو تقل �شفافية هذه‬ ‫ال�شفرات كلما كان الأفراد من الو�سط الثقايف نف�سه �أو ال‪،‬‬ ‫�أو كانت بينهم عالقات اجتماعية قريبة �أو بعيدة‪.‬‬ ‫�إن �أمناط «ال�شفرات الب�صرية» �أمناط مكت�سبة �إىل درجة‬ ‫كبرية؛ �إذ يتعلم الطفل من جمتمعه طرائق النظر و�إىل‬ ‫�أي مناطق اجل�سد من الآخ��ر ينظر و�أ ُّي�ه��ا ال ينظر‪� ،‬أو‬ ‫�إىل �أي الأ�شياء ينظر و�أ َّيها ال‪ .‬ثم طريقة النظر املقبولة‬ ‫�أو املرفو�ضة‪ ،‬ثم دالالت كل تلك الطرائق لدى املتلقي؛‬ ‫فيتلقن الأط �ف��ال طريقة النظر �إىل حمدثيهم‪ ،‬وع��دم‬ ‫احلملقة ب��ال�غ��رب��اء‪ ،‬وع��دم التحديق يف بع�ض �أج��زاء‬ ‫اجل�سد؛ �إذ عليهم النظر �إىل حمدثيهم ليبدوا مهذبني‪،‬‬ ‫وع��دم التحديق مب��ن ال يجوز النظر �إل�ي�ه��م‪ ،‬وم��راع��اة‬ ‫م�شاعر الآخرين عند النظر �إليهم‪ .‬وغريها من �أمناط‬ ‫�أداء تلك ال�شفرات حتى ي�صبح �أداءها �شيئ ًا ال �شعوري ًا‪،‬‬ ‫يقوم به ب�شكل بديهي مت��ام� ًا‪ .‬وبذلك يكت�سب املجتمع‬ ‫�أمناط ًا خا�صة به متيزه عن غريه من املجتمعات‪ ،‬فهي‬ ‫متثل منط ًا من هُ ويته؛ يذكر دانيال ت�شاندلر يف «�أ�س�س‬ ‫ال�سيميائية» �أنه «يف لويو يف كينيا ال يجوز �أن يحدق املرء‬ ‫يف حماته‪ ،‬ويف نيجرييا ال يجوز له �أن يحدق يف �أ�صحاب‬ ‫املقام الرفيع‪ ،‬وعند بع�ض الهنود يف �أمريكا اجلنوبية يجب‬ ‫�أن ال ينظر املرء �إىل حمدثه �أثناء التحاور‪ ،‬ويف اليابان ال‬ ‫يجوز التحديق يف الرقبة �أو الوجه‪ .‬وما �إىل ذلك»‪ ،‬فكل‬ ‫ذلك يجعل من «ال�شفرات الب�صرية» ذات طابع جمتمعي‬ ‫بحت �إ َّال �أنها حتمل خ�صو�صية �أك�ثر كلما انتقلنا �إىل‬ ‫جمتمع �صغري و�آخر؛ �إذ جند مث ًال يف الثقافة العربية �أن‬ ‫النظر �إىل الأ�سفل �أثناء احلديث مع الآخر يعرب عن عدم‬

‫ال�صدق‪ ،‬غري �أنه يف جمتمع عربي ما قد يدل على احلياء‬ ‫�أو التحفظ �أو التدين وغريها الكثري من تلك ال��دالالت‬ ‫التي تختلف باختالف املجتمع وال�سياق االجتماعي الذي‬ ‫يتحكم يف هذا النمط‪.‬‬ ‫وعلى ذل��ك ف ��إن �أي جمتمع �سيقوم بتعليم �أبنائه تلك‬ ‫الأمناط التي متثله ومتثل من �سبقه‪ ،‬وهي �أمناط متوارثة‬ ‫�إىل حد بعيد‪ ،‬غري �أنها تتطور من ناحية �أخرى فهي ال تثبت‬ ‫طوي ًال؛ فقد ت�ؤثر فيها التطورات الل�سانية واحل�ضارية‬ ‫ب�شكل كبري؛ فعلى �سبيل املثال املجتمع العربي الذي كانت‬ ‫تنظر فيه املر�أة �إىل الأ�سفل عند حديثها مع الرجل يف زمن‬ ‫ما هو نف�سه الذي قد تقف فيه املر�أة يف زمن الحق وعينها‬ ‫بعني الرجل وتتحدث �إليه دون �أن ي�ؤدي ذلك �إىل دالالت‬ ‫�سلبية اجتماعي ًا‪� .‬إن ما ح��دث فقط �أن ه��ذه ال�شفرات‬ ‫الب�صرية تطورت ومنت بنمو وتطور ثقافة املجتمع عموم ًا‬ ‫لأن��ه جزء من هذه الثقافة‪ ،‬وه��ذا �سين�سحب على باقي‬ ‫الأمن��اط كلها‪ ،‬لنجد اختالفات كثرية يف طرائق النظر‬ ‫ودالالتها االجتماعية مع الت�أكيد على ر�سوخ النمط العام‬ ‫لهذه ال�شفرات من ناحية القيمة االجتماعية التي متثلها‬ ‫ف��إذا كان املجتمع �سيقبل منط نظر امل��ر�أة للرجل �أثناء‬ ‫احلديث العام‪ ،‬ف�إنه لن يقبل طريقة التحديق املختل�سة‬ ‫بينهما يف �أي ن�سق من الأن�ساق و�سيظل ذلك يحمل دالالت‬ ‫�سلبية اجتماعي ًا مهما تطور ومنا املجتمع ح�ضاري ًا‪ ،‬كما‬ ‫أومهينة‬ ‫�ستظل كرثة التحديق «احلملقة» يف الآخر خميفة � ُ‬ ‫�أودليل قلة االحرتام يف �سياقاتها املتعددة‪.‬‬ ‫�إن �ن��ا �إذن نتعلم ق ��راءة ال �ع��امل بو�ساطة تلك ال�شفرات‬ ‫االجتماعية على تنوعها واختالفها يف ال�سياقات والأدوار‬ ‫االجتماعية الثقافية املعينة التي ننمو فيها اجتماعي ًا يف‬ ‫�سريورة تبني طريقة ما يف الر�ؤية‪ ،‬وعليه ف�إننا نتبنى �أي�ض ًا‬ ‫هُ وية خا�صة مبجتمعنا‪ .‬وهذه ال�سريورة �ست�شكل �إح�سا�سنا‬ ‫بذواتنا التي متثل نقطة اال�ستقرار التي ننطلق منها �إىل‬ ‫الآخر والعك�س‪� .‬إنه ت�شييد اجتماعي يتزاحم على حتديده‬ ‫ح�شد كبري من ال�شفرات املتفاعلة يف ثقافتنا املجتمعية‬ ‫م��ن مثل الأدوار‪ ،‬والأمن� ��اط‪ ،‬وامل��واق��ف‪ ،‬وال�ل�غ��ة؛ فكلها‬ ‫�شفرات اجتماعية ن�ستوعبها بدرجات متفاوتة‪ ،‬ومن خالل‬ ‫ا�ستمرارية التكرار يت�شكل تدريجي ًا مركز هو الذات الذي‬ ‫ي��ؤدي دوره مع الآخ��ر وبه �ستت�شكل منظومة املجتمع التي‬ ‫متثل هُ وية خا�صة بنا كوننا �أفراد ًا وبه كونه ُكل‬


‫اآلفاق‬ ‫روزنامة‬ ‫ارتياد‬ ‫‪114‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫رمضان ‪..‬‬

‫فرحة واحدة‬ ‫بألوان عديدة‬ ‫القاهرة ‪� -‬صفاء البيلي‬

‫تنبع املنا�سبات الإ�سالمية حول العامل من م�شكاة‬ ‫واحدة‪ ،‬لكن �ضوءها تختلف �ألوانه وزخارفه من‬ ‫بلد لآخر‪ ،‬طبقا لثقافة وعادات وتقاليد هذا‬ ‫البلد‪� ،‬أو طبقاً ملوقعه اجلغرايف‪ ،‬فرم�ضان يف‬ ‫�أفريقيا له �سمات ومميزات عنه يف �أوروبا‪ ،‬وهو يف‬ ‫النم�سا غريه يف م�صر واليمن‪ .‬هنا جولة �سريعة‬ ‫يف �أبرز �أجواء رم�ضان يف عدد من الدول العربية‪.‬‬


‫الإمارات‪ ..‬ال�سمر و�صلة الأرحام‬

‫�أب ��رز م��ا مييز �شهر رم���ض��ان الف�ضيل يف‬ ‫الإم� � ��ارات ه��و ��س�ع��ي ال �ن��ا���س �إىل ترميم‬ ‫العالقات االجتماعية التي رمب��ا �أ�صابها‬ ‫ال �ف �ت��ور نتيجة ل�لا��س�ت�غ��راق يف الأ� �ش �غ��ال‬ ‫والأعمال طوال ال�سنة‪ ،‬فينتهز �أهل الإمارات‬ ‫فر�صة ال�شهر الكرمي للتوا�صل والتزاور مع‬ ‫الأه��ل واجل�يران والأ��ص��دق��اء‪ ،‬فال�شهر هو‬ ‫�شهر �صلة الأرح��ام لدى الإماراتيني‪ ،‬وهي‬ ‫ف�ضائل تناقلتها الأجيال الإماراتية املختلفة‬ ‫ور�سخت يف ثقافتهم‪ ،‬وي�ج��دون يف ال�شهر‬ ‫الكرمي فر�صة ملمار�ستها حيث تكرث لقاءات‬ ‫ال�سمر عقب �صالة الرتاويح وت�ستمر حتى‬ ‫وقت ال�سحور‪.‬‬ ‫وحتتفظ ذاك��رة كبار ال�سن من �أه��ل الإم��ارات‬ ‫بذكرياتهم عن ليايل ال�سمر التي كانت غالب ًا‬ ‫ما تدور حول الرقائق وق�ص�ص ال�صاحلني التي‬ ‫حتقق معاين ال�شهر الكرمي وما جاء به من قيم‬ ‫ومعان فريدة‪.‬‬ ‫وتعد «الرم�سة الرم�ضانية» من العادات املميزة‬ ‫لأه��ل الإم��ارات يف ال�شهر الكرمي‪ ،‬حيث يجتمع‬ ‫الأ� �ص��دق��اء واخل�ل�ان ب��اخل�ي��ام ال�ت��ي يحر�صون‬ ‫على جتهيزها قبل ال�شهر الكرمي بفرتة كافية‪،‬‬ ‫للتجمع مع «الربع» والأ�صدقاء والأقارب للت�سامر‬ ‫والتدار�س‪ ،‬ت�صاحبهم القهوة العربية‪ ،‬والوجبات‬ ‫الرم�ضانية ال�شهرية‪ ،‬ويطول ليل الرم�سة �إىل بعد‬ ‫منت�صف الليل واال�ستعداد ليوم رم�ضاين جديد‪.‬‬ ‫يق�ضي معظم الإماراتيني نهارهم يف قراءة الذكر‬ ‫احلكيم‪ ،‬وللن�ساء عادات مميزة مع القر�آن حيث‬ ‫يجتمعن عند «املطوعة» وتكون يف العادة امر�أة‬ ‫تتوافر على ق��در منا�سب م��ن العلم ال�شرعي‪،‬‬ ‫ومعرفة �أحكام جتويد وقراءة القر�آن‪ ،‬ف�ض ًال عن‬ ‫متتعها برواية الق�ص�ص الدعوية والرتبوية التي‬ ‫ت�ضفي على هذه اللقاءات روحانيتها املطلوبة‪.‬‬ ‫يف رم �� �ض��ان‪ ،‬ت�ق��وم ال�ن���س��اء ب ��إع��داد الأط�ع�م��ة‬ ‫والأط�ب��اق ال�شعبية امل�شهورة‪ ،‬التي تعيد رحيق‬ ‫ت��راث الأج��داد عرب ال�سنني‪ ،‬فيحر�صن على �أن‬ ‫تكون احدى هذه الأكالت‪ ،‬على مائدة الإفطار‪،‬‬ ‫ال �ه��ري ����س وال �ع �ي ����ش واخل �ب �ي ����ص‪ ،‬وال�ل�ق�ي�م��ات‪،‬‬ ‫وال�ساقو‪ .‬ومن العادات املحببة للإماراتيني تبادل‬

‫اإلفطار الجماعي‬ ‫سمة رئيسة لرمضان‬ ‫في السودان حيث‬ ‫يفطر الناس جماعات‬ ‫خارج المنازل‬ ‫الطعام‪ ،‬ولقاء الرجال يف مكان واحد يتناولون‬ ‫فيه الإفطار‪ ،‬ولهذا املكان �سمات حيث يفرت�شون‬ ‫ال��رم��ل �أو احل�صر‪ ،‬وبعد �أن يتناولوا الإف�ط��ار‬ ‫يتوافدون على امل�ساجد لأداء ال�صالة‪ ،‬ويعودون‬ ‫بعد �أداء �صالة ال�تراوي��ح‪ ،‬لإكمال م�سامرتهم‪،‬‬ ‫وكذلك تفعل الن�ساء فيقمن جل�سات م�شابهة يف‬ ‫بيت �إحداهن لتناول طعام الإفطار‪ ،‬وبعد �صالة‬ ‫الع�شاء يكملن امل�سامرات وا�ستدعاء الذكريات‪.‬‬

‫الرمسة الرمضانية من‬ ‫العادات المميزة ألهل‬ ‫اإلمارات في الشهر‬ ‫الكريم‬

‫ال�سعودية ‪«..‬املغ�ش» �أو ًال‬

‫يف اململكة العربية ال�سعودية يرتبط �شهر‬ ‫ال�صيام ب�أمور يجب الإع��داد لها م�سبق ًا‪ ،‬مثل‬ ‫�شراء االطعمة اخلا�صة وامل�شاريب الرم�ضانية‬ ‫و�أبرزها قمر الدين‪ ،‬والتمر الهندي‪.‬‬ ‫والإف� �ط ��ار يف ال���س�ع��ودي��ة ي �ك��ون ع�ل��ى التمر‬ ‫والع�صريات �أو القهوة‪ ،‬ثم بعد �صالة املغرب‬ ‫مُتد مائدة الإفطار التي ال تخلو من ال�شوربة‬ ‫وال�سمبو�سة وال�ل�بن‪ ،‬وه��و �إف�ط��ار خفيف يف‬ ‫ال�ع��ادة يت�سامر النا�س حوله وه��م ي�شربون‬ ‫�شرب القهوة وال�شاي‪ ،‬حتى يحني موعد �صالة‬ ‫الع�شاء وال�تراوي��ح‪ ،‬بعدها يعود ال�سعوديون‬ ‫لتناول وجبة الع�شاء‪.‬‬ ‫من الأكالت ال�شعبية املرتبطة بال�شهر الكرمي‬ ‫يف ال���س�ع��ودي��ة‪� ،‬أك �ل��ة ت�ع��رف ب�ـ«امل�غ����ش» ويتم‬ ‫إ�ع��داده��ا يف الأواين احلجرية القدمية التي‬ ‫كانت ت�ستخدم قدمي ًا مبنطقة ج��ازان لطهي‬ ‫اللحم‪ ،‬وهي عبارة عن �آنية حجرية ًتنحت من‬ ‫نوع من �صخور «ال�سلف» التي حتتفظ باحلرارة‪،‬‬ ‫ا�ستخدمها �أهل جازان قدمي ًا يف �صنع الأواين‬ ‫املنزلية‪ .‬وت�ستخدم هذه «املغا�ش» جمع «مغ�ش»‪،‬‬


‫روزنامة‬ ‫‪116‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫تزيني ال�شوارع بالق�صا�صات امللونة يف رم�ضان‬

‫لطهي اللحم وذل��ك بو�ضعه يف التنور بعد �‬ ‫متو�سطة‪،‬أن يحرص الكويتيون‬ ‫تو�ضع قطع اللحم وال�شحم ب�أحجام‬ ‫ويو�ضع معها اخل�ضار وي�ضاف �إليها قليل من على االحتفال بيوم‬ ‫املاء باال�ضافة اىل البهارات والكركم‪.‬‬ ‫«القريش» استعداد ًا‬ ‫للشهر الكريم‬

‫الكويت‪ ..‬يوم القري�ش‬

‫يف الكويت‪ ،‬ي�برز ي��وم «القري�ش» ك�أحد أ�ب��رز‬ ‫ال �ع��ادات والتقاليد التي يحر�ص الكويتيون‬ ‫على �إحيائها‪ ،‬ويقع يف �آخر �أي��ام �شهر �شعبان‬ ‫ا�ستعداد ًا ال�ستقبال �شهر رم�ضان الكرمي‪ ،‬ويتم‬ ‫االحتفال بيوم القري�ش مع ر�ؤية هالل رم�ضان‪،‬‬ ‫�سواء �صادف �آخ��ر �أي��ام �شعبان بالفعل �أم مل‬ ‫ي�صادفه‪ ،‬وذلك خ�شية من االنتظار حتى ثبوت‬ ‫ال��ر�ؤي��ة التي ق��د تفاجئهم ببدء ال�صوم قبل‬ ‫االحتفال بالقري�ش‪.‬‬ ‫وتتمثل مظاهر االحتفال بهذا ال�ي��وم بحمل‬ ‫الأطعمة املتوفرة يف املنزل والذهاب بها �إىل‬ ‫بيت كبري العائلة‪ ،‬ويجتمعون حولها لالحتفال‬ ‫بقدوم ال�شهر املبارك‪ .‬وقد ن�ش�أت تلك العادة‬ ‫حلماية الطعام القابل للأكل يف ذلك اليوم من‬ ‫التلف‪ ،‬مع عدم وجود ثالجات حلفظ الأطعمة‬ ‫يف الأزم��ان ال�سابقة‪ ،‬وكان من ع��ادات النا�س‬ ‫يف ذاك الوقت تناول الأطعمة املتبقية يف اليوم‬ ‫ال�ت��ايل‪ .‬و�سمي ه��ذا اليوم بالقري�ش لأن��ه يتم‬ ‫اال�ستفادة من جميع الأطعمة املوجودة بالبيت‬ ‫قبل ب��دء ال�صوم كما �أن�ه��ا �أ�صبحت فر�صة‬

‫لاللتقاء بباقي �أفراد العائلة‪.‬‬ ‫وم��ا ت��زال بع�ض الأ�سر الكويتية حتر�ص على‬ ‫ه��ذه ال�ع��ادة حتى يومنا ه��ذا‪ ،‬و�إن ا�ستجابت‬ ‫لطابع احلياة احلديثة‪ ،‬ب�أن يكون االجتماع يف‬ ‫�إطار الأ�سرة ال�صغرية‪ ،‬ولي�س يف �إطار الأ�سرة‬ ‫الكبرية املمتدة كما كان يحدث �سابق ًا‪.‬‬

‫قرقيعان �أهل اخلليج‬

‫وح�ي�ن ن�ت�ح��دث ع��ن ع� ��ادات �أه ��ل اخل�ل�ي��ج يف‬ ‫رم���ض��ان ال نن�سى ع ��ادة «ال�ق��رق�ي�ع��ان» التي‬ ‫انتقلت �إليهم عن �آبائهم و�أجدادهم‪ ،‬وما زالوا‬ ‫يحر�صون على احلفاظ عليها حتى الآن‪ ،‬و�إن‬ ‫تغريت كثري ًا‪ ،‬حيث يطوف الأطفال يف منت�صف‬ ‫�شهر رم�ضان خالل ليايل ‪ 13‬و‪ 14‬و‪ 15‬رم�ضان‬ ‫وي� ��رددون الأه��ازي��ج وت ��وزع احل �ل��وى عليهم‪،‬‬ ‫وتختلف الأه��ازي��ج بح�سب املناطق اختالف ًا‬

‫السودانيون يقطعون‬ ‫الطريق بعمائمهم‬ ‫إلجبار المارة على‬ ‫اإلفطار معهم‬

‫ب�سيط ًا وتت�شابه يف امل�ضمون‪ ،‬ويرتدي الأطفال‬ ‫زي � ًا معينا لهذه املنا�سبة‪ ،‬والت�سميه م�شتقه‬ ‫من «كلمة قرقعة» �أي �إ�صدار �أ�صوات من مواد‬ ‫�صلبة وهي �صوت الأواين احلديدية التي حتمل‬ ‫احللويات‪ .‬والقرقيعان يف الكويت‪ ،‬والإمارات‪،‬‬ ‫هو قرقاعون يف �شرق ال�سعودية ويف البحرين‪،‬‬ ‫�أو قرقنقعوه يف قطر‪� ،‬أو القرنق�شوه يف عمان‪،‬‬ ‫واملاجينة يف العراق‪ ،‬وهو تقليد �سنوي ومنا�سبة‬ ‫تراثية يحتفل بها يف بلدان اخلليج العربي حتى‬ ‫اليوم‪ ،‬وك��ان القرقيعان يف املا�ضي عبارة عن‬ ‫�سلة كبرية م�صنوعة من �سعف النخيل يو�ضع‬ ‫بداخلها خليط من املك�سرات التي ت�شتمل على‬ ‫النخي والفول ال�سوداين والنقل واجلوز والتني‬ ‫املجفف بالإ�ضافة �إىل احللويات‪ ،‬وت��وزع على‬ ‫�أطفال احلي عندما يرددون الأهازيج اخلا�صة‬ ‫بهذه املنا�سبة‪ ،‬فعندما ي�سمع الأطفال �صوت‬ ‫�أذان امل�غ��رب يتناولون �إف�ط��اره��م على عجل‬ ‫م�صطحبني معهم �أكيا�س من القما�ش والطبول‬ ‫وي�سريون على �شكل جماعات مرددين �أهازيج‬ ‫القرقيعان و�أنا�شيده‪ ،‬وكانت البنات يف ال�سابق‬ ‫يجمعن القرقيعان من البيوت املجاورة والقريبة‬ ‫�إىل منازلهن‪ ،‬وذل��ك عندما ي��رددن �أهزوجة‬ ‫خا�صة بهن وهي‪:‬‬ ‫قرقيعان وقرقيعان‪..‬‬ ‫بيت ق�صري ورم�ضان‪..‬‬ ‫عادت عليكم �صيام‪..‬‬


‫كل �سنة وكل عام‪..‬‬ ‫�سلم ولدهم ياهلل‪ ..‬خله المه‪..‬‬ ‫ع�سى البقعة ال تخمه‬ ‫وال توازي على �أمه‪..‬‬ ‫عطونا اهلل يعطيكم بيت مكة يوديكم‪..‬‬ ‫يا مكة يا معمورة يا �أم ال�سال�سل والذهب‬ ‫يا نوره‬ ‫بينما ميتد ن�شاط الأوالد �إىل خ��ارج احلي‬ ‫وي�ت�ن�ق�ل��ون ب�ين الأح��ي��اء الأخ� ��رى م��رددي��ن‬ ‫�أن�شودة �صغرية هي «�سلم ولدهم ‪ ..‬ياهلل‪..‬‬ ‫خله المه‪ ..‬ياهلل»‪.‬‬

‫اليمن ‪ ..‬طالء املنازل و«ال�شعبنة»‬

‫ت�سعى الأ��س��رة اليمنية ال�ستقبال رم�ضان‬ ‫بكثري م��ن البهجة وال �ت �ف��ا�ؤل ككل البالد‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬وهناك عادات مميزة لليمنيني‬ ‫م��ن بينها �أن �ه��م ي�ح��ر��ص��ون ع�ل��ى تنظيف‬ ‫ال �ب �ي��وت وت�ن�ظ�ي�م�ه��ا‪ ،‬ق �ب��ل ب��داي��ة ال�شهر‬ ‫الكرمي‪� ،‬إذ يهتم رب الأ�سرة برتميم املنزل‬ ‫وتهيئته كي يكون مالئم ًا للجو الروحاين‬ ‫ل�شهر رم�ضان‪.‬‬ ‫ويف ال��ري��ف اليمني ي�ق��وم ال�ن��ا���س بطالء‬ ‫منازلهم مب��ادت��ي اجل����ص وال �ن��ورة اللتني‬ ‫ت�ستخرجان من مناطق معينة يف اجلبال‪،‬‬ ‫وبع�ض املناطق اليمنية ت�ستقبل رم�ضان مبا‬ ‫ي�سمى بالـ«�شعبانية» �أو «ال�شعبنة»‪ ،‬وتتم‬ ‫عند ثبوت ر�ؤي��ة هالل رم�ضان‪ ،‬ب��أن ي�أخذ‬ ‫ال��رج��ال يف امل���س��اج��د بالتهليل والتكبري‬ ‫والرتحيب و�أداء بع�ض الأنا�شيد الدينية‬ ‫املعروفة منذ القدم عرب مكربات ال�صوت‬ ‫يف امل�ساجد‪.‬‬

‫ال�سودانيون ‪..‬قطع الطريق‬ ‫بالعمائم‬

‫رم�ضان يف ال�سودان له �سمات مميزة‪ ،‬تبد�أ‬ ‫بـ«خم الرماد» ال��ذي ي�شبه «ي��وم القري�ش»‬ ‫يف الكويت‪ ،‬و«ال�شعبنة» يف اليمن‪ ،‬و«ي��وم‬ ‫ال���ش��ك» يف م�صر‪ .‬ويف ي��وم خ��م ال��رم��اد‪،‬‬ ‫ال�ي��وم الأخ�ير م��ن �شعبان‪ ،‬يتجهز النا�س‬

‫الإفطار اجلماعي �سمة رئي�سة لرم�ضان عند الكثري من ال�شعوب‬

‫لل�صيام ب�أكل ما لذ وطاب وتهيئون لل�صوم‪.‬‬ ‫يف اجل� ��زء ال �� �ش �م��ايل م��ن ال �� �س��ودان ت �ب��د�أ‬ ‫التجهيزات الرم�ضانية من وقت مبكر‪ ،‬ويعد‬ ‫الإف �ط��ار اجل�م��اع��ي �سمة رئي�سة لرم�ضان‬ ‫يف ال���س��ودان‪ ،‬حيث يفطر النا�س جماعات‬ ‫خارج املنازل‪� ،‬أو يف اخللوة التي يجهزونها‬ ‫ل��ذل��ك‪ ،‬‏�أو تفطر ك��ل جم�م��وع��ة ع�ل��ى ر�أ���س‬ ‫�شارع ترقب ًا للمارة وعابري ال�سبيل لدعوتهم‬ ‫لتناول الإفطار‪ ،‬‏وبعد الإفطار يكون اجللو�س‬ ‫يف حلقات للحديث واحل�ك��اي��ات وبعد ذلك‬ ‫الذهاب اىل امل�سجد ‏ ‏لأداء �صالة الرتاويح‪.‬‬ ‫ومما يروى عن ذلك �أن ال�شباب يقفون على‬ ‫الطريق ويفردون العمائم‪ ،‬مي�سك �أحدهم‬ ‫بطرف فيما ي�سمك �آخ��ر بالطرف الثاين‪،‬‬ ‫ويقومن بقطع الطرق على املارة لإجبارهم‬ ‫على التوقف وال�ن��زول يف �ضيافتهم وتناول‬ ‫طعام الإفطار معهم‪.‬‬

‫اجلزائر ‪« ..‬اخلفاف» من �أجل‬ ‫الطفل‬

‫م��ن �أه��م ال �ع��ادات االجتماعية امل�صاحبة‬ ‫ل�شهر رم�ضان يف اجلزائر‪ ،‬االحتفال ب�أول‬

‫«القرقيعان» عادة‬ ‫اجتماعية رمضانية‬ ‫يحرص أهل الخليج‬ ‫على بقائها حية‬

‫�صيام للأطفال‪ ،‬ويتم خالل الأيام الأوىل من‬ ‫�صيام الأطفال ال��ذي يكون ح�سب ما جرت‬ ‫به العادة ليلة الن�صف من رم�ضان �أو ليلة‬ ‫‪ 27‬منه‪� ،‬إعداد م�شروب خا�ص يتم حت�ضريه‬ ‫باملاء وال�سكر والليمون مع و�ضعه يف �إن��اء‬ ‫«م�شرب» بداخله خ��امت م��ن ذه��ب �أو ف�ضة‬ ‫من �أجل تر�سيخ وت�سهيل ال�صيام على الأبناء‬ ‫م�ستقبال‪ .‬وجتري هذه التح�ضريات و�سط جو‬ ‫احتفايل‪ ،‬بح�ضور الوالدين واجل��د واجلدة‬ ‫و�أفراد �آخرين من الأ�سرة والأقارب‪ ،‬مت�سك ًا‬ ‫ب �ع��ادات وتقاليد �أج��داده��م‪ .‬وم��ن مظاهر‬ ‫االحتفال بال�صيام الأول للطفل �أن تطبخ له‬ ‫أ�م��ه «اخلفاف» وهو نوع من فطائر العجني‬ ‫املقلي يف الزيت‪� ،‬أو تطبخ له «امل�سمن» وهو‬ ‫�أي�ض ًا نوع من الفطائر املرققة تطبخ يف قليل‬ ‫من الزيت‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وه��ذه الفطائر ف�ضال عن كونها مما يطبخ‬ ‫ل�ل�أط�ف��ال عند �صيامهم الأول فهي تطبخ‬ ‫�أي�ضا عند �أول حالقه للطفل الذكر‪� ،‬أو ظهور‬ ‫الأ�سنان الأويل له‪ ،‬وعند �أول دخول للمدر�سه‪.‬‬ ‫كما ي�صنع للطفل ال�صائم لأول مره م�شروب‬ ‫حلو يدعي «ال�شربات»‪ ،‬وهو مزيج من املاء‬ ‫وال�سكر وماء الزهر ي�ضاف �إليه عند البع�ض‬ ‫ع�صري الليمون‪ .‬وتعتقد الأم �ه��ات �أن هذا‬ ‫امل���ش��روب احللو يجعل �صيام الطفل حلو ًا‬ ‫ويحبب له ال�صيام كي ي�صوم مره �أخرى‬


‫عمران‬ ‫‪118‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬


‫تنوعت �أ�شكالها وتعددت ت�سمياتها‬

‫الحمامات العامة‬ ‫ّ‬ ‫في بيروت‬

‫بؤرة ثقافية اجتماعية‬ ‫ذات وظائف صحية‬ ‫بريوت‪ -‬نادر �رساج‬ ‫الكالم عن منظومة احل ّمامات العامة التي عرفتها حا�ضرة عربية مثل‬ ‫بريوت‪ ،‬يف خمتلف ع�صورها احلديثة‪ ،‬ينبغي �أن ي�ستبق بلمحة تاريخية‬ ‫موجزة تعيد الف�ضل �إىل هذه املدينة ال�ساحلية التي عرفت خالل القرن‬ ‫امليالدي الثاين ما ا�صطلح على ت�سميته «احل َّمامات الرومانية» ‪les‬‬ ‫‪ .thermes romaines‬وهي ح ّمامات عامة عرفت خالل الع�صور اليونانية‬ ‫الرومانية‪ ،‬وقد اكت�شفت �آثار هذه احل َّمامات يف �ستينيات القرن املن�صرم‬ ‫من قِبل املديرية العامة للآثار التي ك�شفت من خالل عمليات التنقيب‬ ‫هذا الإرث املعماري احل�ضاري الذي يظهر �أهمية احل ّمام العام يف انتظام‬ ‫احلياة املدينية‪ ،‬وبريوت م ّثلت منوذجاً متقدّماً لها‪.‬‬ ‫ومت �أخ�ي�ر ًا «ع��ام ‪»2009‬اكت�شاف ح ّمامات‬ ‫ال ِف َرق التي كانت ت�شارك يف �سباق اخليل يف‬ ‫مدرج بريوت الروماين الواقع يف «وادي �أبو‬ ‫جميل»‪ .‬وهي م�شابهة حل ّمامات موجودة حالي ًا‬ ‫وجم�سماتها يف‬ ‫يف مدينة �صور ن�شرت �صورها ّ‬ ‫جملة «بعل» «قهوجي‪.»2007‬‬ ‫درا�ستنا التالية عن تاريخية ت�شييد احل َّمامات‬

‫العامة يف الثغر البريوتي ا�ستندنا فيها ب�شكل‬ ‫�أ�سا�سي على الدالئل وال�سلنامات‪ ،‬وهي كلمة‬ ‫تركية من �أ�صل فار�سي‪ ،‬مركبة من املفردتني‬ ‫الفار�سيتني «��س��ال» مبعنى ال�سنة‪ ،‬و«نامة»‬ ‫مبعنى الأوراق والدفرت والكتابة‪ ،‬وتعني يف‬ ‫العربية‪ :‬كتاب ال�سنة �أو التقومي ال�سنوي‬ ‫�أو احلولية‪ .‬وقد �أ�صدرت الدولة العثمانية‬


‫عمران‬ ‫‪120‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫�سلنامات هي مبثابة جمالت �إدارية �سنوية‪،‬‬ ‫و�أول �سلنامه لوالية �سورية �صدرت يف عهد‬ ‫الوايل را�شد با�شا حوايل ال�سنة ‪ ،1870‬نق ًال‬ ‫عن ر�سالة ماجي�ستري غري مطبوعة ل�صادق‬ ‫ر�شوان حنا‪ ،‬جامعة القدي�س يو�سف‪.1984 ،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل كتب التاريخ وم�ص ّنفات ال�صور‬ ‫الفوتوغرافية ال�ت��ي مت�ح��ورت ح��ول نه�ضة‬ ‫بريوت خالل العقود الأخرية‪.‬‬ ‫ون�ستهل بالقول �إن احل� ّم��ام��ات العامة ما‬ ‫حظيت بح ّيز مقبول من التنقيب واالهتمام‬ ‫وال �دّرا� �س��ة يف معظم امل ��ؤ ّل �ف��ات ال�ت��ي عنت‬ ‫بت�أريخ �أح��وال �سكان امل��دن والثغور العربية‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬وبخا�صة تلك املتوزعة على �شرقي‬ ‫�شواطئ البحر املتو�سط‪.‬‬

‫تاريخ بريوت منوذج ًا‬

‫وتقت�ضينا احلقيقة �أن ن�شري �إىل �أن كتاب‬ ‫منزول بريوت مل�ؤلفه عبد اللطيف فاخوري‪،‬‬ ‫خ�ص‬ ‫ه��و ال��وح�ي��د‪ ،‬على م��ا نعتقد‪ ،‬ال ��ذي ّ‬ ‫احل ّمامات‪ ،‬بو�صفها واح��دة من امل�ؤ�س�سات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬ب�صفحات م�ستق ّلة‪ .‬فقد �أفرد لها‬ ‫مطلب ًا م�ستق ًال يف الف�صل الثاين‪ .‬وبا�ستثناء‬ ‫ذل��ك ث ّمة ��ش��ذرات متف ِّرقة عن احل ّمامات‬ ‫حفلت بها متون امل�ص ّنفات التاريخية وكتب‬ ‫الرتاث وتلك املهت َّمة بجمع امل�أثورات ال�شعبية‪.‬‬ ‫ويالحظ الباحث ن��درة املعلومات املت�صلة‬ ‫بهذه الأماكن �أو امل�ؤ�س�سات العا َّمة التي ت�ش ِّكل‬ ‫معلم ًا من معامل املدينة العربية الإ�سالمية‪،‬‬ ‫وملتقى اجتماعي ًا دوري � ًا‪ ،‬للرجال وللن�ساء‪،‬‬ ‫يق�صدونها �أفراد ًا وجماعات‪ ،‬ك ٌّل على حدة‪،‬‬ ‫حاجات ف�ض ًال عن‬ ‫�ات وق�ضاء‬ ‫ٍ‬ ‫لتزجية �أوق� ٍ‬ ‫املحافظة على طهارة اجل�سد‪ .‬فاحل ّمام كان‬ ‫واحد ًا من مكونات املدينة الأربعة‪ :‬امل�سجد‪،‬‬ ‫الكتّاب‪ ،‬الفرن واحل ّمام‪.‬‬ ‫و�سرنى تباع ًا �أن امل�ؤلفني تط َّرقوا �إىل ذكر‬ ‫احل� ّم��ام��ات العامة مل��ام� ًا يف كتب التاريخ‪.‬‬ ‫ف�صالح بن يحيى «ت‪1446 .‬م»‪� ،‬أحد علماء‬ ‫وم ��ؤ ّرخ��ي �أوا��س��ط القرن التا�سع الهجري‪،‬‬ ‫و�أح ��د �أب �ن��اء ب�ي�روت‪ ،‬ي��أت��ي يف كتاب تاريخ‬ ‫ب�يروت «حتقيق فرن�سي�س هور�س – كمال‬ ‫ال�صليبي‪ ،‬دار امل�شرق ‪� ،1969‬ص‪ »114 .‬على‬


‫ذكر �سيف الدين تنكز «ملك الأم��راء ونايب‬ ‫ال�شام» و«الأ�شرف ال�سيفي �سيد النواب» الذي‬ ‫ع َّمر يف بريوت ك ًال من الربج ال�صغري واخلان‬ ‫واحل� َّم��ام‪ .‬وي��ورد �شعر ًا نظمه نا�صر الدين‬ ‫بن احل�سني الذي �أمر بتعليقه على باب هذا‬ ‫احل َّمام‪:‬‬

‫وح �ـ � َّم �ـ ��ا ٌم ي � ��روق ال �ـ �ع�ي َ�ن ح���س�ن�اً‬ ‫جت � ��د ف� �ي ��ه ال � �ـ � �م � �� � �س � � َّر َة وال �ن �ع �ي ��م‬ ‫ت��ري��ك ال �ـ �م��ا َء ي �� �س��ر ُح ف �ـ��وق ن��ا ٍر‬ ‫وذاك مل� � ��ن ي� � � ��را ن � �ف� ��ي ال� �ـ� �ه� �م ��وم‬ ‫ك � � � � ��أ َّن ق� �ب ��اب� �ه ��ا وال� � �ـ� � �ج � ��ا ُم ف �ـ �ي��ا‬ ‫�� �س� �ـ� �م ��ا ط � ��ال � � �ع � � ٌ‬ ‫�ات ب� �ـ� �ه ��ا ن �ـ �ج �ـ ��وم‬

‫ويذكر يف الكتاب «احل َّمام العتيق» لدى الكالم‬ ‫عن العيا ِنبة «�أمراء عيناب» الذين اتخذوا لهم‬ ‫الدار املعروفة بدار �صاحب بريوت املجاورة‬ ‫للح ّمام العتيق‪ ،‬والواقعة بجانب البحر‪ ،‬وقد‬ ‫�سكن نا�صر الدين احل�سني «ح��وايل العام‬ ‫‪1394‬م» احل ��ارة اجل��دي��دة بعد ا�ستمالك‬ ‫الزقاق املعروف بزقاق اخليالة وهو من باب‬ ‫احل��ارة من جهة القبلة �إىل قريب احل َّمام‬ ‫العتيق جانبي الزقاق مينة وي�سرة‪.‬‬ ‫وث َّمة ذك ٌر ثانٍ للح َّمامات‪ ،‬ب�صيغة اجلمع‪ ،‬يف‬ ‫املرجع نف�سه‪� ،‬إذ ينقل كتاب لبنان‪ ،‬مباحث‬ ‫علمية واجتماعية الذي و�ضع يف العام ‪1918‬‬ ‫به َّمة �إ�سماعيل ح ِّقي بك مت�ص ِّرف جبل لبنان‪،‬‬ ‫عن �صالح بن يحيى «�ص‪ ،»59 .‬ويف معر�ض‬

‫ح ّمامهن �إن روى‬

‫الحمام‬ ‫طقوس‬ ‫َّ‬ ‫كانت بمثابة احتفال‬ ‫اجتماعي متكامل‪،‬‬ ‫يجري وفق سنن‪،‬‬ ‫توافقت عليها الجماعة‬ ‫ذك��ره ملراكب الفرجن التجارية التي ب��د�أت‬ ‫ت�تردّد �إىل ب�يروت‪ ،‬معلومة عن احل ّمامات‪:‬‬ ‫«وك��ان للقبار�سة ُك ُن�س ببريوت وجماعة من‬ ‫التجار ي�سكنون فيها ولهم خانات وح ّمامات»‪.‬‬ ‫وملزيد من التح ُّقق عن ذك��ر احل ّمامات يف‬ ‫«ف�صل يف ذك��ر ق��واع��د ب�ي�روت»‪ ،‬عدنا �إىل‬ ‫ن�سختني لكتاب تاريخ بريوت‪ ،‬الأوىل حمقَّقة‬ ‫و�صادرة عن دار امل�شرق «‪ ،»1986‬والثانية‬ ‫غري حمقَّقة و�صادرة عن دار الفكر احلديث‬ ‫«‪ .»1990‬فوجدنا �أن الأوىل تذكر «حانات‬ ‫وخمامري» ب��د ًال من احل ّمامات «���ص‪،»35 .‬‬ ‫يف حني �أثبتت الثانية «خ��ان��ات وح ّمامات»‬ ‫«�ص‪»24 .‬؛ �أي كما يرد حرفي ًا يف كتاب لبنان‬ ‫مباحث علمية واجتماعية «�ص‪.»329 .‬‬ ‫و�أ َّي� � ًا يكن من �أم��ر وج��ود احلمامات �أم ال‪،‬‬ ‫فل�سنا هنا يف معر�ض القطع يف د َّقة الكالم‬ ‫املن�سوب �إىل �صالح بن يحيى؛ �أي معرفة ما‬ ‫املق�صود متام ًا حانات �أو خانات! وح ّمامات‬ ‫�أو خمامري «ج‪ .‬خ َّمارة»! فهي مبجملها �أماكن‬ ‫عا َّمة كانت تن�ش�أ خلدمة املواطنني والأجانب‬ ‫وت ��أم�ين م�ستلزمات �إق��ام�ت�ه��م‪ .‬وم�صطلح‬ ‫«اخلمامري» لي�س غريب ًا عن ذاكرة البيارتة؛‬ ‫فقد كانت بريوت‪ ،‬يف �إحدى مراحل تاريخها‪،‬‬

‫املكانة التي احتلها احل َّمام العام يف الف�ضاء املديني �أ�سا�سية‪ ،‬وت َّتخذ �أهميتها‬ ‫بالنظر لتعدد الوظائف التي كانت ترتبط بوجوده‪ .‬وطقو�س احل َّمام كانت‬ ‫مبثابة احتفال اجتماعي متكامل‪ ،‬يجري وفق �سنن‪ ،‬توافقت عليها اجلماعة‪،‬‬ ‫يتم التهي�ؤ له م�سبقاً‪ ،‬وله‬ ‫ويف مواعيد حم �دَّدة بالن�سبة لل�ش َّلة ال��واح��دة؛ ُّ‬ ‫م�ستلزماته‪ ،‬وتنعقد فيه حلقات مغلقة «لكل من الن�ساء والرجال‪ ،‬على حدة‬ ‫ويتم يف �أرجائه التبا�سط يف �أمور عائلية �أو مهنية؛ �أو تبادل �أحاديث‬ ‫بالطبع»‪ُّ ،‬‬ ‫فردية �أو �إخوانية؛ �أو ت�صفية «ح�سابات»عالقة؛ �أو املبا�شرة بالكالم عن زيجات‬ ‫م��د َّب��رة؛ �أو جم� َّرد «ط� ّ�ق حنك» ونقل«خربيات» ون�سج ق�ص�ص ورواي��ات ع َّما‬ ‫يجري داخل البيوت‪ ،‬وبني العائالت؛ وما �أكرث �أ�سرارها وخباياها التي ال تعود‬ ‫بعد اخل��روج من احل َّمام دفينة ال�صدور‪ .‬وهنا بالذات ينطبق املثل ال�شعبي‬ ‫ال�سوري املعروف «فوتة احل َّمام مو متل طلعته»!! �أو «م�ش زي طلوعه» كما‬ ‫يقول الأ�شقاء امل�صريون؛ �أو «لي�س كاخلروج منه» كما يقول اللبنانيون‪.‬‬

‫تعرف «�سوق اخلمامري» الذي �أطلق عليه هذا‬ ‫اال�سم نظر ًا لوجود عدد من احلانات التي كان‬ ‫�أ�صحابها من الن�صارى الذين كانوا يتعاطون‬ ‫جتارة امل�شروبات الكحولية «امل�س ِّكرات»‪ .‬وهذا‬ ‫ال�سوق كان يقع بجوار �شارع فو�ش احلايل‪،‬‬ ‫و�أزي��ل أ�ي��ام ال��وايل عزمي ب��ك‪ ،‬وذل��ك وفق ًا‬ ‫ملا ذك��ره ال�شيخ طه ال��ويل‪ ،‬يف كتابه بريوت‬ ‫يف التاريخ واحل�ضارة والعمران‪ ،‬دار العلم‬ ‫للماليني‪ ،‬ط‪�« ،1993 ،»1« .‬ص‪.»151.‬‬ ‫ذكر احل ّمامات يف �سجالت املحكمة ال�شرعية‬ ‫ف�ض ًال عن بع�ض امل�ص َّنفات التاريخية التي‬ ‫ذكرت فيها احل ّمامات العا َّمة‪ ،‬فقد َّمت التط ُّرق‬ ‫�إليها يف �سجالت املحكمة ال�شرعية يف بريوت‪،‬‬ ‫َع َر�ض ًا‪ ،‬لتحديد موقع عقا ٍر ما‪� ،‬أو لدى ذكر‬ ‫�إح��دى وثائق البيوعات �أو عقود الإيجارات‬ ‫و�سواها‪ .‬ون��ورد مثا ًال على ذلك �أرب��ع وثائق‬ ‫عائدة ل�سجالت املحكمة ال�شرعية يف بريوت‪:‬‬ ‫الوثيقة الأوىل تتمحور حول �أرا��ٍ�ض و�أحكار‬ ‫وحمالت موقوفة للجامع العمري الكبري يف‬ ‫بريوت وتعود للعام ‪1258‬هـ ‪1842 /‬م وذكر‬ ‫فيها «ح َّمام الفوقاين» يف �أربعة موا�ضع‪ :‬الأول‬ ‫لبني دن��دن «���ص‪ ،»48 .‬وال�ث��اين لبيت قزاز‬ ‫«�ص‪ ،»49 .‬والثالث لل�ست خدّوج علي املريي‬ ‫«�ص‪ ،»62 .‬والرابع ل�سكن حممد القاطرجي‬ ‫«�ص‪« .»73 .‬ورد اال�سم يف الوثيقة رقم «‪،»1‬‬ ‫�أوقاف امل�سلمني يف بريوت يف العهد العثماين‪،‬‬ ‫ح�سان ح�ل�اق‪ ،‬ال ��دار اجلامعية‪ ،‬ط‪،»2« .‬‬ ‫‪� ،1988‬ص‪.»48 .‬‬ ‫وي�لاح��ظ �أن ��ش�ه��رة «احل� � َّم ��ام ال �ف��وق��اين»‬ ‫ا�ستدعت ت�سمية ال�ف��رن امل �ج��اور ل��ه «ف��رن‬ ‫ح� َّم��ام ال�ف��وق��اين» التي ن�صادفها يف وثيقة‬ ‫�شرعية تعود لأوق��اف جامع الد َّباغة مبدينة‬ ‫بريوت‪ .‬ومعروف �أن هذا اجلامع بني يف عهد‬ ‫املماليك �سنة ‪ ،1294‬وا�سمه م�أخوذ من باب‬ ‫الدباغة �أحد �أبواب املدينة ال�سبعة يف الع�صر‬ ‫الو�سيط‪.‬‬ ‫�أم��ا «ح� َّم��ام ال�سرايا» ال��ذي يقع ق��رب «باب‬ ‫ال �� �س��راي»‪ ،‬ف�يرد ذك��ره يف الوثيقة الثانية‬ ‫ال�ع��ائ��دة لأوق���اف ج��ام��ع ال�سرايا يف العام‬ ‫‪1259‬هـ‪1843/‬م وهو معروف با�سمي «م�سجد‬ ‫ب��اب ال�سرايا» و«م�سجد دار ال��والي��ة»‪ .‬وكان‬


‫عمران‬ ‫‪122‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬

‫التو�صيف امل�ستج ّد بات م�ست�ساغ ًا يف مقابل‬ ‫ال�ق��دمي‪ ،‬التقليدي املنحى‪ ،‬وال��ذي ال ي�شري‬ ‫�إال �إىل احلجم «ال�صغري» ن�سبة �إىل �آخ��ر‬ ‫«الكبري»‪.‬‬ ‫ويذكر «احل� َّم��ام الفوقاين» يف ه��ذه الوثائق‬ ‫ب�صيغتني‪ :‬منك ّر ًا؛ «ح َّمام الفوقاين»‪ ،‬ومع َّرف ًا‬ ‫«احل َّمام الفوقاين»‪ ،‬وذلك لدى الكالم عن‬ ‫حملة �شويربات القريبة من ه��ذا احل َّمام‪،‬‬ ‫ويعينَّ حالق موقع احل َّمام يف املحلة كالتايل‪:‬‬ ‫«قرب زاوية وم�سجد املجذوب‪ ،‬وهو قريب من‬ ‫دار بني دن��دن والقناطر ال�شهرية املعروفة‬ ‫با�سم هذه العائلة» «قناطر بني دندن»‪ ،‬وذلك‬ ‫يف املنطقة املعروفة اليوم باملجل�س النيابي‬ ‫ودار الكتب الوطنية»‪ ،‬ومل تعد دار الكتب‬ ‫قائمة يف هذا املوقع بعدما �أعيد بناء الو�سط‬ ‫التجاري لبريوت يف الت�سعينيات‪.‬‬

‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫ح ّمامات ال�شرق يف كتب امل�ست�شرقني‬

‫�أ�ص ًال كني�سة �صغرية‪ ،‬كني�سة املخ ّل�ص‪ ،‬فح َّوله‬ ‫ع�ساف �سنة ‪� 1572‬إىل م�سجد ف�س ِّمي‬ ‫الأمري ّ‬ ‫با�سمه‪ .‬ويتك َّرر يف الوثيقة ال�شرعية الثالثة‬ ‫ذك��ر ا�سم «ح� ّم��ام ال�سرايا» بالإ�ضافة �إىل‬ ‫«ح َّمام ال�صغري» �أو «ال�شفا»‪ .‬والوثيقة هي‬ ‫عبارة عن عقد �أجار مم َّيز حل َّمامني يف باطن‬ ‫بريوت بني اثنني من الطبقة اخلا�صة‪ :‬حممد‬ ‫عبد الفتاح �آغ��ا ح�م��ادة واحل��اج م�صطفى‬ ‫�آغا القباين يف ‪ 21‬جمادي الأوىل«‪1259‬هـ‪/‬‬ ‫‪1843‬م»‪ .‬الوثيقة الرابعة مو�ضوعها بيع بني‬ ‫�سوبرة دارهم الواقعة يف زاروب ال�شيخ نا�صر‬ ‫قرب ح َّمام ال�سراي داخل بريوت �سنة ‪1273‬‬ ‫هـ ‪1856 /‬م‪.‬‬ ‫وم��ا يهمنا هنا ه��و ذك��ر هذين احل َّمامني‬

‫املعنيني والكائنني يف باطن املحم َّية ال�شهري‪،‬‬ ‫�أحدهما معروف «بح َّمام ال�سرايا» والثاين‬ ‫«ح َّمام ال�صغري» �أو «ح َّمام ال�شفاء»‪.‬‬ ‫وللحقيقة فتعدّد ت�سمية احل ّمام الواحد تبد�أ‬ ‫يف الظهور يف مطلع القرن املن�صرم‪� ،‬إذ نقر�أ‬ ‫يف دليل بريوت وتقومي الإقبال ل�سنة ‪1327‬هـ‬ ‫اال�سم اجلديد الذي بات متداو ًال �أكرث على‬ ‫�أل�سنة �أهل املدينة «ال�شفاء»‪ ،‬ويو�ضع اال�سم‬ ‫ال�ق��دمي ب�ين قو�سني «ال���ص�غ�ير»‪ .‬وي�ب��دو �أن‬

‫الحمام كان واحد ًا‬ ‫ّ‬ ‫من مكونات المدينة‬ ‫األربعة‪ :‬المسجد‪،‬‬ ‫والحمام‬ ‫الكتّاب‪ ،‬الفرن‬ ‫ّ‬

‫ما غاب ال�شغف بزيارة �أو بو�صف احل ّمامات‬ ‫ال �ع��ام��ة يف ب�ل�اد امل �� �ش��رق ع��ن اه�ت�م��ام��ات‬ ‫امل�ست�شرقني الأج��ان��ب ال��ذي��ن راقتهم هذه‬ ‫املوا�ضيع‪ ،‬وهي نادر ًا ما دخلت يف �أعرافهم‪،‬‬ ‫وا� �س �ت �ق��رت �ضمن مم��ار��س��ات�ه��م الثقافية‬ ‫االجتماعية‪ .‬و�ضمن هذا الت ُّوجه‪ ،‬يذكر قن�صل‬ ‫فرن�سا يف حلب هرني غيز ‪ Henri Guys‬يف‬ ‫كتابه ال�صادر يف العام ‪ ،1847‬والذي ع ّربه‬ ‫مارون ع ّبود حتت عنوان بريوت ولبنان منذ‬ ‫ق��رن ون�صف ال �ق��رن‪ ،‬جملة م�شاهداته يف‬ ‫بريوت‪ .‬وي�شري �إىل وجود ح ّمامني «يقع الكبري‬ ‫منهما قرب ال�سراي‪ ،‬وهو قدمي العهد‪ ،‬ظهر‬ ‫�أن الإ�سماعيليني �ضربوا �صفح ًا عنه‪ ،‬كما‬ ‫�ضربوا �صفح ًا عن امل�سجد الكبري»‪ .‬ونعتقد‬ ‫�أنه يق�صد ح َّمام «الربغوت» الذي ذكره كتاب‬ ‫«اجلامعة �أو دليل بريوت لعام ‪ ،»1889‬وح َّدد‬ ‫موقعه ق��رب الثكنة‪ .‬وال�لاف��ت �أن احل َّمام‬ ‫نف�سه‪ ،‬على ما نعتقد‪ ،‬هو «ح� َّم��ام الق�شلة»‬ ‫الواقع بجانب الثكنة الع�سكرية واملذكور يف‬ ‫ع��داد احل� َّم��ام��ات ال�سبعة التي �أثبتها عبد‬ ‫البا�سط الأن���س��ي يف «دل�ي��ل ب�ي�روت»‪ .‬ول��دى‬ ‫كالم غيز عن وظائف احل َّمام يع ِّلق �ساخر ًا‬ ‫على الأمرا�ض التي يلتقطها املرء يف احل َّمام‬


‫تخ�ص�ص فقط‬ ‫العام قائ ًال‪�« :‬إن احل ّمامات مل َّ‬ ‫لتطهري امل�سلمني‪ ،‬بل لها �أي�ض ًا �أهمية كربى‬ ‫يف حقل الطب العربي‪ ...‬فهناك يتع َّر�ض املرء‬ ‫�إىل التقاط الأم��را���ض اجللدية‪ ،‬وغالب ًا ما‬ ‫تكون هذه الأمرا�ض معدية‪ ،‬و�أولها و�أ�سرعها‬ ‫عدوى اجل��رب‪ ،‬الكثري االنت�شار يف البالد»‪.‬‬ ‫وت�ستوقفه دواخل احل ّمامات في�صفها قائ ًال‬ ‫«تت�ألف ح ّمامات ال�شرق من رده��ات وا�سعة‬ ‫معقودة باحلجر‪ ،‬تعلوها قباب تطل منها كوى‬ ‫�صغرية م��د ّورة‪ ،‬لت�ستقبل �ضوء النهار»‪ .‬وال‬ ‫يفوته �أن يالحظ «�أن هذه احل ّمامات ال تعرف‬ ‫ال�ه��واء مطلق ًا لأن ك��ل ن��اف��ذة منها جم ّهزة‬ ‫بعد�سة من الزجاج»‪.‬‬ ‫املح�صلة يظهر �أن هذا احل َّمام ا�ستحقَّ‬ ‫ويف‬ ‫ّ‬ ‫ب�ج��دارة تو�صيفاته الوظيفية الثالثة‪ :‬فهو‬ ‫«ال �ك �ب�ير ح �ج �م � ًا» بالن�سبة �إىل غ�ي�ره من‬ ‫احل � ّم��ام��ات؛ وه��و «ح � َّم��ام ال�ق���ش�ل��ة» ن�ظ��ر ًا‬ ‫ملال�صقته للق�شلة العثمانية �أو للق�شالت‪ ،‬التي‬ ‫بات ا�سمها «ال�سراي» بعد �إعالن بريوت والية‬ ‫عام ‪1888‬؛ وهو �أي�ض ًا ح َّمام الربغوت« نظر ًا‬ ‫�إىل �أن �سبب ارتياده قد يكون التداوي من‬ ‫عدوى اجلرب والتخ ّل�ص من الرباغيت!‬ ‫ويف العام ‪ ،1884‬يد ّون عميد كلية الطب يف‬ ‫ليون الدكتور لوي�س لورتيه» «‪»Louis Lortet‬‬ ‫م�شاهداته يف لبنان و�سوريا‪ .‬ويتوقف عند‬ ‫ب�يروت‪ ،‬فيالحظ �أن عمران املدينة ازدهر‬ ‫فقامت فيها احل ّمامات والأروقة �إ�ضافة �إىل‬ ‫م��درج ك��ان ي�ضاهي �أف�ضل م��درج��ات ذلك‬ ‫الع�صر‪ .‬ه��ذه الإ� �ش��ارة اليتيمة �إىل وج��ود‬ ‫ح ّمامات عامة يف ب�يروت‪ ،‬يتبعها مبعلومات‬ ‫مف�صلة عن ح ّمامات مدينة دم�شق «�ص‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ »320‬خالل رحلته �إىل ال�شرق «�سوريا ولبنان‬

‫داخل قبة �أحد احلمامات الرتكية‬

‫وفل�سطني والأردن» خالل الفرتة من‬ ‫–‪ .1880‬وال يفوته االلتفات �إىل ح ّمامات‬ ‫دم�شق؛ فيدون جملة م�شاهداته‪ .‬ويتوقف يف‬ ‫مدينة دم�شق عند احل ّمامات العامة القدمية‬ ‫التي كانت ما تزال تنت�شر يف �أرجاء عا�صمة‬ ‫الأمويني‪ .‬وي�صفها لنا «�إنها عبارة عن ق ّبة‬ ‫يتو�سطها حو�ض كبري‪ .‬حول‬ ‫مركزية وا�سعة ّ‬ ‫احلو�ض تنت�شر جمموعة الغرف ال�صغرية‬ ‫املج ّهزة مبقاعد طويلة‪ ،‬وي�ستخدمها الزبائن‬ ‫للراحة وخلع الثياب‪� .‬أما اال�ستحمام فعبارة‬ ‫عن مراحل عديدة تبد�أ بغرف البخار املتفاوتة‬ ‫احلرارة‪ ،‬مرور ًا بالفرك بال�صابون والتدليك‬ ‫العنيف‪ّ ،‬ثم ح ّمامات املاء البارد وال�ساخن‪،‬‬ ‫امل�ستحم �إىل قاعة اال�ستقبال الأوىل‬ ‫لينتهي‬ ‫ّ‬ ‫حيث يرتاح ويرت�شف القهوة»‪.‬‬ ‫و�سرن�صد يف هذه الدرا�سة �أعداد احل ّمامات‬

‫‪1875‬‬

‫ب�ؤرة ثقافية اجتماعية‬ ‫�إن الرثثرة الن�سائية التي كانت تعبق بها ح ّماماتنا التقليدية ا�ستوقفت‬ ‫امل�ست�شرق الفرن�سي هرني غيز‪ .‬فكتب يف العام ‪ 1847‬خاطر ًة مفادها «يف‬ ‫احل ّمام ي�شت ّد هذ ُر الن�ساء ولغوهنّ »‪ .‬والأمثال ال�شعبية‪ ،‬املتنوعة املنابت‬ ‫�صحة هذه املالحظة‪ .‬لكن‬ ‫العربية‪ ،‬التي تزخر بها كتب الرتاث ال تنفي ّ‬ ‫ذلك ال يحجب ع ّنا حقيقة �أن احل ّمام العربي �شكل على م ّر فرتات تاريخنا‬ ‫الو�سيط واحلديث ب�ؤرة ثقافية اجتماعية ذات وظائف �صحية وطهورية‬ ‫�إذا �ص ّح القول‪ ،‬ميكن �إدراجها يف ثقافة االجتماع ال�شعبي الدوري الذي‬ ‫كان ينتظم �سلوكنا االجتماعي يف املدن العربية‪.‬‬

‫التي عرفتها مدن ال�سلطنة العثمانية ابتدا ًء‬ ‫من نهاية القرن التا�سع ع�شر‪ ،‬متوقفني عند‬ ‫«ح َّمام الزغري» هذا نظر ًا لتوفر املعلومات‬ ‫املبثوثة عنه‪ ،‬هنا وهناك‪ ،‬ف�ض ًال عن ظفرنا‬ ‫ممن �أتيح‬ ‫ب�شهادة ح َّية وطريفة لأحد ر َّواده ّ‬ ‫لهم زيارته واال�ستحمام فيه‪ ،‬رغم ًا عنه‪ ،‬يف‬ ‫مطلع القرن املن�صرم!‬

‫احل ّمامات يف الدالئل وال�سلنامات‬

‫وك��ي ال نركن فقط �إىل ال��دالئ��ل والتقاومي‬ ‫التي و�ضعها �أفراد‪ ،‬نعود �أي�ض ًا �إىل �سلنامات‬ ‫الدولة العلية‪ .‬ففي �إط��ار ر�صدها للمن�ش�آت‬ ‫العامة يف �سناجق ال�سلطنة ومدنها ود�ساكرها‬ ‫العثمانية‪� ،‬أوردت �سلنامه واليت بريوت للعام‬ ‫‪1319‬هـ‪1901/‬م وجود ‪ 7‬ح َّمامات يف بريوت‪،‬‬ ‫و‪ 6‬ح َّمامات يف ك� ٍّ�ل م��ن �صيدا والالذقية‪،‬‬ ‫وح َّمام واحد يف ٍّ‬ ‫كل من جبله واملرقب‪� ،‬أي ما‬ ‫جمموعه ‪ 21‬ح َّمام ًا عاما‪ً.‬‬ ‫ويبدو �أن العام ‪� 1908‬شهد تطور ًا ملحوظ ًا يف‬ ‫�أعداد احل َّمامات املنت�شرة على طول ال�سواحل‬ ‫ال�سورية اللبنانية الفل�سطينية‪� .‬إذ تر�صد‬ ‫�سلنامه واليت بريوت للعام ‪1326‬هـ ‪1908 /‬م‪،‬‬ ‫وجود ‪ 10‬ح َّمامات يف طرابل�س ال�شام وحدها‪،‬‬ ‫و‪ 8‬يف نابل�س‪ ،‬و‪ 7‬يف بريوت‪ ،‬و‪ 2‬يف ٍّ‬ ‫كل من عكا‬ ‫و�صور و�صفد‪ ،‬وح َّمام واحد يف ٍّ‬ ‫كل من حيفا‬


‫عمران‬ ‫‪124‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫من حمام العظم‬

‫وطربيا؛ �أي ما جمموعه ‪ 29‬ح َّمام ًا عام ًا‪.‬‬ ‫وقبل ذلك بعقدين‪� ،‬أي يف العام ‪ ،1888‬يذكر‬ ‫كتاب «اجلامعة �أو دليل بريوت لعام ‪،»1889‬‬ ‫�أنَّ هناك خم�سة ح َّمامات عامة يف بريوت‪.‬‬ ‫وت�ت��و َّزع ه��ذه احل ّمامات على الوجه التايل‪:‬‬ ‫«ح َّمام الكبري» «الدركاه» على ال�سور؛ «ح َّمام‬ ‫الزهور» على طريق ال�شام؛ «ح َّمام الربغوت»‬ ‫قرب الثكنة «الق�شالق»؛ «ح َّمام ال�شفا» «�أو‬ ‫ال�صغري» داخ��ل البلدة؛ «ح� َّم��ام البا�شورة»‬ ‫ق��رب ال�ترب��ة؛ وي��وج��د ثالثة ح� َّم��ام��ات بحر‬ ‫للرجال وللن�ساء‪ ،‬واحد على الزيتونة واثنني‬ ‫على املدور‪.‬‬ ‫وك��ان «ح� َّم��ام الكبري»‪ ،‬كما �أ�سلفنا‪ ،‬يعترب‬ ‫واح� ��د ًا م��ن م�لام��ح «حم�ل��ة ال ��درك ��اه» التي‬ ‫كانت تقع يف املكان الذي ُي ُ‬ ‫عرف اليوم ب�شارع‬ ‫املعر�ض‪� ،‬إ�ضافة �إىل القناة امل�شهورة وامل�سجد‬ ‫والكني�سة امل�سكوبية والدكاكني التجارية ودير‬ ‫الآب��اء الكبو�شيني ومقر القن�صل الفرن�سي‬ ‫يف �أواخر العهد العثماين‪« ،‬ومعلومة �أوردها‬ ‫ح�سان حالق يف احلا�شية رقم «‪ »2‬يف كتابه‬ ‫التاريخ االجتماعي واالقت�صادي وال�سيا�سي‬ ‫يف بريوت والواليات العثمانية يف القرن التا�سع‬ ‫ع�شر‪� ،‬ص‪ .»179 .‬وث َّمة من كان يع ّرفه با�سم‬ ‫«احل ّمام الرتكي»‪ ،‬حيث يدرج ف�ؤاد دبا�س يف‬ ‫كتابه بريوت ذاكراتنا «�ص‪� ،»81 .‬صورة تبدو‬

‫فيها ق َّبة «احل َّمام الرتكي»‪� .‬أو«احل َّمام الرتكي‬ ‫الكبري»‪ .‬وكان يقع �شرق ر�أ�س الدركه‪ ،‬و�أزيل‬ ‫الحق ًا وظهرت حتته الآثار الرومانية القدمية‬ ‫التي بانت للعيان اب�ت��دا ًء من العام ‪.1975‬‬ ‫وباحلديث عن منطقة ال��درك��ه نتطرق �إىل‬ ‫باب الدركه امل�شهور الذي كان يقع عند ر�أ�س‬ ‫�شارع املعر�ض‪ ،‬جتاه مبنى التياترو الكبري‪.‬‬ ‫وبغية �شق طريق املعر�ض اجلديدة‪ ،‬د ُِّمر باب‬ ‫الدركاه وم�سجد الدركاه واحل َّمام الرتكي يف‬ ‫العام ‪ .1915‬وقد َّ‬ ‫ظل ا�سم «الدركاه» متداو ًال‬ ‫حتى �أوائ��ل عهد االن�ت��داب الفرن�سي‪ .‬وكان‬ ‫للدركه �ساحة با�سمها‪ ،‬ويف منت�صفها‪ ،‬للجهة‬ ‫الي�سرى‪ ،‬كانت تقع بركة ال�سوق الكبري ذات‬ ‫الأنابيب املتعدِّ دة‪ .‬وكان �أ�صحاب احلوانيت‬ ‫املنت�شرة حولها ي�ستقون م��ن مياهها التي‬ ‫كانت تُنق ُل �إىل حمالتهم بوا�سطة عامالت‬ ‫متخ�ص�صات ب��ال�ن�ق��ل‪ ،‬وت �ب��اع ت�ن�ك��ة امل��اء‬ ‫ِّ‬ ‫مببلغ زهيد وذلك وفق ًا ملعلومة ذكرها عبد‬ ‫الرحمن بكدا�ش العد ّو يف كتاب بريوتي خالل‬ ‫ثلثي ق��رن‪���«،‬ص‪ »24 .‬وي��درج كتاب «ب�يروت‬ ‫ذاك��رت �ن��ا» � �ص��ورة ل�ه��ذه ال�برك��ة ت�ع��ود للعام‬ ‫‪ 1920‬مع عنوانني خمتلفني‪ :‬واحد مقت�ضب‬ ‫يف داللته‪ ،‬بالعربية‪�« ،‬سبيل يف �شارع املعر�ض‬ ‫يف ‪ ،»1920‬و�آخر �أكرث تف�صي ًال‪ ،‬بالفرن�سية‪،‬‬ ‫«‪Beyrouth–Femmes Metwallis à la‬‬

‫‪.»fontaine‬‬ ‫وبعد ما يقارب ال�سنتني‪ ،‬ي�ضاف ح َّمامان‬ ‫جديدان �إىل الالئحة املذكورة �سابق ًا لري�سو‬ ‫العدد يف بريوت على �سبعة؛ وفق دليل بريوت‬ ‫للعام ‪� ،1910 – 1909‬أي بزيادة كل من «ح َّمام‬ ‫الب�سطة» الواقع يف منطقة الب�سطة التحتا‪،‬‬ ‫و«ح� َّم��ام ال�ت��داوي ب��امل��اء» «لأج��ل الرومتزم»‬ ‫الواقع على جادة الثكنة الع�سكرية‪ .‬ونالحظ‬ ‫اختالف ًا يف ت�سمية �أربعة ح ّمامات يف املرجع‬ ‫الثاين‪� ،‬إذ يبدو �أن «ح َّمام الزهور» دعي الحق ًا‬ ‫بـِ «الزهارية»‪ ،‬يف حني دُعي «ح َّمام الربغوت»‬ ‫ب �ـِ «الق�شلة»‪ ،‬و«ح � ّم��ام البا�شورة» املال�صق‬ ‫للرتبة ب�ـِ «ح ّمام النزهة»‪ ،‬و«ح� ّم��ام الكبري»‬ ‫بـِ «الدركه»‪ .‬ونتوقف عند «ح ّمام الزهارية»‬ ‫لن�شري �إىل �أن اخلواجات زهّ ار وثابت و�سر�سق‬ ‫بنوه عام ‪ ،1886‬و�س ّمي «ح ّمام زهرة �سورية»‪.‬‬ ‫وك��ان موقعه يف حملة القرياط قرب �ساحة‬ ‫ال�برج‪ .‬و ّمتيز عن �سائر احل ّمامات بح�سن‬ ‫موقعه العلوي‪.‬‬

‫تعدد ت�سميات احل ّمامات و�صورها‬ ‫ُّ‬

‫تعدُّد امل�س َّميات بتعدُّد الفرتات الزمانية �أو‬ ‫امل�ؤرخني ين�سحب �أي�ض ًا على «ح ّمام الدركه»‬ ‫�أو «ح َّمام الزهارية» الواقع على طريق ال�شام‪،‬‬ ‫وال��ذي ذكره الأن�سي يف دليل ب�يروت‪ .‬ويبدو‬ ‫�أن��ه كان ي�س َّمى �أي�ض ًا «ح َّمام زه��رة �سوريا»‬ ‫وفق ًا لكتاب ب�يروت ذاكرتنا ال��ذي ال يكتفي‬ ‫بذكره؛ و�إمنا يدرج ثالث �صور له تعود للعام‬ ‫‪1905‬؛ �أوىل داخل احل َّمام وتبدو فيها بركة‬ ‫امل �ي��اه وال�ع�ق��د احل �ج��ري وال�ثري��ات امل�ت��دالة‬ ‫من ال�سقف؛ و�أخ��رى على مدخله حيث نقر�أ‬ ‫اليافطة «ح � َّم��ام زه��رة �سورية اجل��دي��دة»‪،‬‬ ‫وتبدو خلف ال�صورة �أجزاء من كاتدرائية مار‬ ‫جرج�س للموارنة؛ وثالثة لقبته وخلفها قبة‬ ‫وجر�س كني�سة الب�شارة للروم الأرثوذك�س‪.‬‬ ‫ويذكر الكتاب �أن هذا احل َّمام كان يتم َّيز بق َّبة‬ ‫تتخللها فتحات من الزجاج ال�شفَّاف‪ .‬وعم ًال‬ ‫مببد�أ الف�صل بني اجلن�سني‪ ،‬كان احل َّمام‪،‬‬ ‫املوروث عن احل ّمامات الرومانية‪ ،‬كما يذكر‬ ‫الكتاب‪ ،‬ملتقى الن�ساء نهار ًا والرجال م�سا ًء‪.‬‬ ‫ونتبينَّ مالمح هذا احل َّمام يف كتاب ثانٍ لف�ؤاد‬


‫دب��ا���س‪ ،‬يظهر جمموعة �صور فوتوغرافية‬ ‫نادرة لبريوت تعود لل�سنوات ‪.1916 – 1840‬‬ ‫وث َّمة �صورة بانورامية‪ ،‬من بينها‪ ،‬هي واحدة‬ ‫من جمموعة امل�ص ّور �أدريان بونفي�س ‪Adrien‬‬ ‫‪ ،Bonfis‬م� ��أخ ��وذة م��ن ��س��اح��ة الكني�سة‬ ‫الإجنيلية جلهة ال�شرق وتبدو فيها بو�ضوح‬ ‫ق َّبة ه��ذا احل� َّم��ام جم��اورة لكاتدرائية مار‬ ‫جرج�س املارونية‪.‬‬ ‫وي��ذك��ر الكتاب �أن ت��اري��خ ه��ذه ال�صورة هو‬ ‫مم��ا ي�ؤ ِّكد ما �سبق �أن نقلناه‬ ‫العام ‪َّ ،1897‬‬ ‫عن القن�صل هرني غيز «‪ »1847‬من وجود‬ ‫ح َّمامني يف ب�ي�روت‪ .‬وه��ذه املعلومة ك ّررها‬ ‫�أم�ي�ن خ��وري يف ك�ت��اب«اجل��ام�ع��ة» «‪،»1889‬‬ ‫لدى ذكره وجود خم�سة ح َّمامات يف املدينة‪.‬‬ ‫وي ؤ� ّكد كتاب منزولنا �أن «ح ّمام زهرة �سورية»‬ ‫�أو «ح ّمام الزهارية» بني يف العام ‪1886‬م‬ ‫من قبل اخلواجات زهار يف حملة القرياطي‬ ‫قرب �ساحة الربج‪ .‬وتبدو واجهة هذا احل ّمام‬ ‫يف ��ص��ورة ن�شرها كتاب ال�برج و�أ� �ش��ار �إليه‬ ‫بو�صفه «احل ّمام الرتكي» القائم على «الدرب‬ ‫الكبرية» «�شارع الأمري ب�شري حالي ًا» الرابطة‬ ‫بني �ساحة «ال�سور» و�ساحة «احلميدية» حيث‬ ‫�شيدت «احلديقة احلميدية» يف العام ‪1879‬‬ ‫مب�سعى من فخري بك رئي�س جمل�س بلدية‬ ‫بريوت‪.‬‬

‫ح َّمام ال�صغري �أو ح َّمام ال�شفا‪:‬‬

‫و� �س �ع �ي � ًا ل �ت��وث �ي��ق امل �ع �ط �ي��ات ع��ن «ح � َّم��ام‬ ‫ال�صغري»‪ ،‬عدنا �إىل كتاب بريوت يف التاريخ‬ ‫املنجدين‪،‬‬ ‫الذي يحدِّ ده لنا ا�ستناد ًا �إىل �سوق ِّ‬ ‫�أطول �أ�سواق املدينة‪ .‬كان هذا ال�سوق يتم َّيز‬ ‫يف منت�صفه و�آخ��ره‪� ،‬شرق ًا وغرب ًا‪ ،‬بوجود‬ ‫ممرات معقودة بالأحجار ينفذ منها املارة‬ ‫�إىل حمالت الثكنات وامل�ست�شفى الع�سكري‬ ‫«م �ق � ّر جمل�س الإمن� ��اء والإع� �م ��ار ح��ال�ي� ًا»‬ ‫والق�شالق «مق ّر ال�سراي احلكومي الكبري‬ ‫حالي ًا» و�سوق البازركان و�سوق العطارين‬ ‫و�سوق القطايف وزاروب املجذوب و«احل َّمام‬ ‫ال�صغري»�أو «ح َّمام ال�شفاء» وقناطر دندن‬ ‫التي كانت تقوم حم��ل وزارة االت�صاالت‬ ‫«م�ب�ن��ى ال�ب�ري ��د»‪ .‬ويف �آخ� ��ره ق ��رب ب��واب��ة‬ ‫يعقوب‪� ،‬ش ّيدت يف العام ‪� 1868‬أول كني�سة‬

‫الشهرة التي تصيب‬ ‫الحمام في‬ ‫وجود‬ ‫َّ‬ ‫منطقة معينة كانت‬ ‫تؤدي إلى إطالق‬ ‫اسمه على هذه‬ ‫المنطقة‬ ‫للآباء الكبو�شيني خلدمة اجلالية الالتينية‬ ‫الأجنبية يف بريوت‪ ،‬بعدما �سمح لهم الوايل‬ ‫ال�ترك��ي بت�شييدها‪ ،‬ب���ص��ورة ا�ستثنائية‪،‬‬ ‫خارج حدود املدينة‪ ،‬جتاه «اخل�سته خانه»‬ ‫�أو«امل�ست�شفى الع�سكري»‪ ،‬وحت��دي��د ًا على‬ ‫جزء من �سور املدينة الغربي املد َّمر‪ ،‬كما‬ ‫يذكر امل�ؤرخ يو�سف �إبراهيم يزبك يف كتابه‬ ‫«�أوراق لبنانية»‪.‬‬ ‫وبالعودة �إىل الكالم عن «ح َّمام ال�صغري»‪،‬‬ ‫ن�لاح��ظ �أن ال���ش�ه��رة ال�ت��ي ت�صيب وج��ود‬ ‫احل َّمام يف منطقة معينة كانت ت ��ؤدي من‬ ‫َّثم �إىل �إطالق ا�سمه على هذه املنطقة‪� ،‬أو‬ ‫على �إحدى «نزالتها»‪ ،‬من باب ت�سمية الكل‬ ‫باجلزء‪ .‬لذا يدرج يف «�سلنامه العام ‪1326‬‬ ‫هـ‪1908/.‬م» ا�سم «منطقة ح َّمام ال�صغري»‬ ‫يف ع��داد �أ�سماء ‪ 23‬حم َّلة يف ب�يروت‪ ،‬ويف‬ ‫العام ‪ ،1911‬تدرج «منطقة ح ّمام ال�صغري»‬ ‫يف «دليل بريوت» للأن�سي يف عداد ‪ 26‬حم ّلة‬ ‫�أو «ح� ّي� ًا» يف ب�يروت‪ .‬و�سبق للعميد خمتار‬ ‫عيتاين‪ ،‬وهو الراوي اللغوي الرئي�سي الذي‬ ‫ا�ستندنا �إىل �أقواله خالل حتقيق ميداين‬ ‫�أج��ري�ن��اه خ�لال �شهر �شباط ‪ ،1980‬لدى‬ ‫�إع ��داد �أط��روح��ة ال��دك�ت��وراه ح��ول «حمكية‬ ‫بريوت العربية»‪� .‬سبق له �أن روى لنا �أن ث َّمة‬ ‫يتوجه �أحدها نحو‬ ‫�شوارع «زغرية»‬ ‫ّ‬ ‫متفرعة‪ّ ،‬‬ ‫مبنى الربملان احل��ايل‪ ،‬والثاين نحو مبنى‬ ‫وزارة املالية احل ��ايل‪ ،‬فم�سارب ال�سيول‬ ‫ح�ف��رت يف الأر� ��ض وحت � َّول��ت �إىل «ن��زالت»‬ ‫«ج‪ .‬نزلة»‪ .‬وواحد منها ا�سمه «نزلة حمام‬ ‫الزغري»‪ ،‬وتقع يف املكان الذي كان يقوم فيه‬ ‫مبنى دوائر بريوت العقارية بالذات‪� ،‬أو ما‬ ‫كان ي�سمى قدمي ًا «�سوق القطايف»‪.‬‬

‫حمام ال�سرايا‪:‬‬

‫يقع ح َّمام ال�سرايا يف باطن املدينة بالقرب‬

‫من «جامع ال�سرايا» املعروف بجامع الأمري‬ ‫من�صور بن ع�ساف «من الأمراء املعنيني»‪،‬‬ ‫�شرقي بريوت القدمية‪ .‬و�سبق لعبد الغني‬ ‫النابل�سي �أن ذك��ره يف رحلته‪ ،‬عندما زار‬ ‫ب�ي�روت يف �أواخ � ��ر ال �ق��رن ال���س��اب��ع ع�شر‬ ‫امليالدي «‪ ،»20/9/1700‬من �ضمن ح َّمامات‬ ‫�أربعة‪ :‬الأول هو ح ّمام الأمري فخر الدين بن‬ ‫معن «ال�سرايا»‪ ،‬الثاين ح َّمام القي�شاين‪،‬‬ ‫الثالث ح� ّم��ام الإم ��ام الأوزاع� ��ي‪ ،‬وال��راب��ع‬ ‫ق��دمي ال ي�ع��رف ل��ه ا� �س��م‪ .‬وكلها مهجورة‬ ‫ما ع��دا ح َّمام الأم�ير فخر الدين وي�صف‬ ‫النابل�سي احل َّمام‪ :‬مب َّلط بالرخام املل َّون‪،‬‬ ‫ي�شتمل على ��ش��ا ِد ْروان‪��« ،‬ش��ا ِد ْروان‪ :‬زريبة‪:‬‬ ‫م�سيل امل��اء "نوفرة"‪ ،‬ق��ام��و���س ال ��دراري‬ ‫ال�لام �ع��ات يف منتخبات ال �ل �غ��ات‪ ،‬ال�شيخ‬ ‫حممد علي الأن�سي‪ ،‬مطبعة جريدة بريوت‬ ‫‪1318‬هـ‪1900/.‬م‪�« ،‬ص‪ »314.‬يف داخله‪،‬‬ ‫ي�ح��وط ب�ج��وان�ب��ه الأرب �ع��ة �أرب �ع��ة �إي��وان��ات‬ ‫«مفردة فار�سية تعني‪ :‬الق�سم امل�سقوف من‬ ‫ثالثة �أط��راف��ه «ال ��رواق» وال�شرفة‪ ،‬معجم‬ ‫املع َّربات الفار�سية يف اللغة العربية‪ ،‬حممد‬ ‫�أل�ت��وجن��ي‪ ،‬دار الأده���م‪ ،‬دم�شق‪ ،‬ط‪،»1«.‬‬ ‫‪�« ،1988‬ص‪ ،»31.‬وكل إ�ي��وان بقبو وقو�س‪،‬‬ ‫ويف م�شلحه «حجرة يف احل َّمام تخلع فيها‬ ‫ال�ث�ي��اب‪ ،‬قامو�س امل�ن�ج��د‪���«،‬ص‪�« »790 .‬أو‬ ‫�سلخه» ب��رك��ة م��اء مث ّمنة‪ ،‬وي�شتمل على‬ ‫قبة مرتفعة على �أرب �ع��ة ع��وام�ي��د‪ ،‬يحوط‬ ‫بها �أربعة « ِقبب» على �أ�سلوب جامع الأمري‬ ‫ع�ساف‪ّ .‬‬ ‫ويو�ضح كتاب منزولنا «�ص‪»202.‬‬ ‫ّ‬ ‫�أن «ح َّمام فخر الدين» يق�صد به «ح َّمام‬ ‫ال�سرايا» لتواجده قرب ال�سرايا التي �أراد‬ ‫الأمري بناءها �إىل ال�شرق من جامع الأمري‬ ‫من�صور ع�ساف املعروف بجامع ال�سرايا‪.‬‬ ‫ويرفدنا الكتاب مبعلومة �إ�ضافية‪ ،‬نق ًال عن‬ ‫الوثائق ال�شرعية‪ ،‬مفادها �أنَّ هذا احل َّمام‬ ‫ك��ان م�لا��ص�ق� ًا ل���س��ور امل��دي�ن��ة ق��رب ب��واب��ة‬ ‫ال�سرايا‪ .‬وق��د ا�ستملك عند تو�سيع �سوق‬ ‫الف�شخة و�شارع ال�سرايا‪ .‬الوث�سقة الرابعة‬ ‫مو�ضوعها بيع بني �سوبرة داره��م الواقعة‬ ‫يف زاروب ال�شيخ نا�صر قرب ح ّمام ال�سراي‬ ‫داخل بريوت �سنة ‪ 1273‬هـ‪1856 /‬م‬


‫حكايات من الذاكرة‬ ‫‪126‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫«تبّة كاريوكا»‬ ‫ه�شام علي‬ ‫الأ�سبوع املا�ضي‪ ،‬على مقهى «احلرية»‪ ،‬و�سط البلد بالقاهرة‪ ،‬التقيت �صديقي ال�شاب‪،‬‬ ‫خريج معهد الفنون امل�سرحية‪� ،‬أخربين منك�سراً �أنه ي�ستعد للهجرة �إىل �أمريكا‬ ‫ال�ستكمال م�شروعه الفني‪ ،‬ورغم �أن احلدث يدعو �إىل التفا�ؤل والبهجة والطموح‪� ،‬إال‬ ‫�أن �إح�سا�سي �أنه يحاول �أن يختبئ داخل نف�سه‪ ،‬ك�أنه ارتكب خطيئة تدفعه �إىل الهرب‬ ‫للخارج‪ .‬جعلني �أطلب منه �أن يفتح يل قلبه ويف�ضف�ض‪.‬‬ ‫�شعرت بال�صدمة مم��ا نقله يل م��ن ر�ؤي��ة‬ ‫املحيطني ب��ه للفن وال�ف�ن��ان�ين‪ .‬ف��أ��ص��دق��ا�ؤه‬ ‫يعايرونه باملمثلة التي طالبت بحرق الثوار يف‬ ‫امليدان‪ ،‬وي�سخر �أهله يف البيت من النجوم‬ ‫الذين ه��ددوا باالنتحار �إذا جنحت الثورة‬ ‫امل�صرية‪ ،‬وزوج �شقيقته املت�شدد‪ ،‬مينعه من‬ ‫زيارتها حتى ال يف�سد �أخالق �أوالده! قاطعته‬ ‫مت�سائ ًال‪ :‬ه��ل تعرف حتية ك��اري��وك��ا؟! فرد‬ ‫متعجب ًا‪ :‬الرقا�صة‪ ..‬ما لها!‬ ‫ق�ب��ل �أن ي�سرت�سل يف ح� ��واره ق�ل��ت ل ��ه‪ :‬يف‬ ‫الأرب��ع��ي��ن��ي��ات‪ ،‬ف�ت�رة م �ق��اوم��ة االح �ت�ل�ال‬ ‫الإجنليزي مل�صر‪ ،‬مت طرد ال�ضابط امل�صري‬ ‫�أنور ال�سادات من اجلي�ش ال�شتغاله بال�سيا�سة‪،‬‬ ‫و�أ�صبح مطارد ًا من قبل البولي�س ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫وقتها هرب اجلميع من ال�سادات‪ ،‬ومل يجد‬ ‫امل�ساعدة �إال من حتية كاريوكا التي قامت‬ ‫بتهريبه يف �سيارتها �إىل منزلها يف مدينة‬ ‫الإ�سماعيلية‪ ،‬وحكى لنا �صديقهما امل�شرتك‬ ‫امل ��ؤرخ الفني ح�سن �إم��ام عمر‪� ،‬أن كاريوكا‬ ‫يف هذه الفرتة كانت تقوم بتهريب ال�سالح‬ ‫يف �سيارتها لل�سادات‪ ،‬لتدريب الفدائيني‬ ‫على ا�ستخدامه يف �أر���ض ف�ضاء يف �صحراء‬

‫الإ�سماعيلية يطلق عليها حتى الآن «تبة‬ ‫كاريوكا»‪.‬‬ ‫ورغ��م موقفها ال�شهم مع ال���س��ادات‪ ،‬ع�ضو‬ ‫جمل�س قيادة الثورة‪ ،‬فقد َ‬ ‫فت» كاريوكا‬ ‫«�ش ّر ْ‬ ‫يف �سجون الثورة «‪ »101‬يوم‪ ،‬بتهمة االن�ضمام‬ ‫�إىل تنظيم �سري مناه�ض للثورة!‬ ‫املفاج�أة �أن كاريوكا مل تخرج من االعتقال‬ ‫لتم�شي ب�ج��وار احل��ائ��ط �أو تتفرغ للرق�ص‬ ‫وال �ف��ن؛ ففي ال �ع��دوان الثالثي على م�صر‬ ‫كانت يف مقدمة املتطوعني يف الهالل الأحمر‬ ‫لإ�سعاف اجلرحى وامل�صابني‪ .‬ومل حتمل يف‬ ‫نف�سها �ضغينة من قيادة الثورة التي اعتقلتها‬ ‫و�شوهت �صورتها يف بع�ض اجلرائد واملجالت‪.‬‬ ‫يف مهرجان «ك��ان» التي كانت ت�شارك فيه‬ ‫بفيلمها «�شباب ام��ر�أة» �أخربها ال�صحفيون‬

‫موشي ديان كان‬ ‫يصاب بالجنون من‬ ‫أغنية محمد الموجي‬ ‫ونجاح سالم «يا أغلى‬ ‫اسم في الوجود‪ ..‬يا‬ ‫مصر»‬

‫�أن امل�م�ث�ل��ة الأم��ري �ك �ي��ة ���س��وزان ه��ي��وارد ـ‬ ‫امل�ع��روف��ة باالنحياز لل�صهيونية‪ -‬تطاولت‬ ‫على م�صر وقيادتها ال�سيا�سية‪ .‬بذكاء �أوالد‬ ‫البلد ارت ��دت ك��اري��وك��ا «امل�لاي��ة ال�ل��ف» على‬ ‫ال�سجادة احل �م��راء‪ ،‬مم��ا �أب�ه��ر امل�صورين‬ ‫ورج��ال الإع�لام‪ ،‬ودفعهم �إىل الرتكيز على‬ ‫املمثلة امل�صرية التي �أده�شت اجلميع بداللها‬ ‫ور�شاقتها وخطوات بنت البلد امل�صرية‪.‬‬ ‫و�شخ�صي ًا‪ ،‬منحني احل��ظ �أن �أك��ون �شريكاً‬ ‫و�شاهد ًا على اعت�صام و�إ� �ض��راب الفنانني‬ ‫امل�صريني احتجاج ًا على ق��ان��ون النقابات‬ ‫الفنية «‪ »103‬الذي فجر ثورة داخل الو�سط‬ ‫الفني يف م�صر‪ ،‬وكانت كاريوكا �أول فنانة‬ ‫تعلن �إ�ضرابها عن الطعام‪ ،‬و�شاهدتها وهي‬ ‫تقوم بطرد م�ن��دوب القيادة ال�سيا�سية يف‬ ‫جل�سة املفاو�ضات‪ ،‬وحت ّمله ر�سالة‪« :‬قول للي‬ ‫بعتك‪ ،‬كاريوكا‪ ،‬مبتخاف�ش من حد»!‬ ‫قال �صديقي‪� :‬أنت تتكلم عن موقف فردي؟!‬ ‫فابت�سمت ق��ائ� ً‬ ‫لا‪ :‬خ��ذ عندك جمموعة من‬ ‫املواقف‪ :‬بعد الهزمية الع�سكرية التي حلقت‬ ‫باجلي�ش امل�صري يف حرب‪ 5‬يونيو‪ ،‬وخطاب‬ ‫تنحي ع�ب��د ال�ن��ا��ص��ر‪ ،‬ج�م��ع ال���ش��اع��ر عبد‬


‫الرحمن الأبنودي �أغرا�ضه واختفى يف بيته‬ ‫بال�صعيد حمبط ًا مهزوم ًا‪ ،‬يرف�ض �أن يتكلم‬ ‫مع �أحد‪ ،‬ك�أنه يختبئ داخل نف�سه ويعاقبها‬ ‫على كل �أغنية كتبها تب�شر بالغد القادم‪.‬‬ ‫لكن عبد احلليم حافظ جنح يف الو�صول‬ ‫�إل�ي��ه وات�صل ب��ه ق��ائ� ً‬ ‫لا‪« :‬ي��ا عبد الرحمن‬ ‫�إن��ت كنت بتتحب�س يف الفا�ضية واملليانة‪،‬‬ ‫وق��ت احلب�س اللي بجد بتهرب؟! ارج��ع يا‬ ‫عبد الرحمن واكتب‪ ،‬و�أن��ا هغني‪ ،‬واحتب�س‬ ‫معاك!» وبالفعل عاد الأبنودي‪ ،‬وكتب «موال‬ ‫النهار» و«امل�سيح»‪ ،‬و�سمع العامل من م�سرح‬ ‫«الأوليمبيا» بقلب باري�س «ابنك يا قد�س‬ ‫الزم يعود زي امل�سيح»‪ ،‬وه��و امل�سرح نف�سه‬ ‫ال��ذي ه��دد املت�شددون ال�صهاينة بتفجريه‬ ‫�إذا غنت عليه �أم كلثوم يف حفالتها املكوكية‬ ‫للمجهود احلربي‪ ،‬لكن �أم كلثوم مل تلتفت‬ ‫�إىل تهديدهم وغنت وطافت جتمع الأم��وال‬ ‫والتربعات والهدايا النقدية والعينية وتعود‬ ‫�إىل م�صر لت�سلمها للبنك املركزي‪.‬‬ ‫بعيد ًا عن املواقف الوطنية الكربى‪ ،‬ال ميكن‬ ‫�أن نتجاهل موقف �أم كلثوم يف الدفاع عن‬ ‫ال�صحفي م�صطفي �أم�ي�ن �أث �ن��اء اعتقاله‬ ‫�أيام عبد النا�صر‪ ،‬فعندما �س�ألها نا�صر عن‬ ‫ر�أيها؟ ردت بح�سم‪« :‬ان��ت يا فندم عارف‬ ‫�إن م�صطفى ب��ريء»‪ ،‬يف الوقت الذي هرب‬ ‫فيه عبد الوهاب من الإجابة بدبلوما�سيته‪:‬‬ ‫«ل��و متهم ياخد ج��زاءه‪ ..‬يا فندم»‪ ،‬ورغم‬ ‫هذا ال ميكن �أن ينكر التاريخ لـعبد الوهاب‬ ‫�أن��ه رف�ض الغناء لل�سادات وه��و عائد من‬ ‫القد�س‪ ،‬ففي مكاملة تليفونية �شهرية بينه‬ ‫وب�ين وزي��ر الإع�ل�ام‪� -‬شهد عليها الكاتب‬ ‫ال�صحفي حممود عو�ض‪ -‬رد عبد الوهاب‬ ‫على وزير الإعالم قائ ًال‪« :‬انتم م�ش عايزين‬ ‫واحد يغني‪� ..‬إنتم عايزين واحد «يزغرد»‬ ‫و�أنا م�ش بعرف �أزغرد»‪ .‬حممود عو�ض ف�سر‬ ‫يل موقف عبد الوهاب املفاجئ قائ ًال‪ :‬ح�س‬ ‫عبد الوهاب العروبي مل يتحمل زيارة عبد‬ ‫ال��وه��اب للقد�س ولقائه ق��ادة «�إ�سرائيل»‬ ‫خ �� �ص��و� �ص � ًا م��و� �ش��ي دي� ��ان‪ ،‬وزي� ��ر ال��دف��اع‬ ‫الإ��س��رائ�ي�ل��ي‪ ،‬ال��ذي ك��ان ي�صاب باجلنون‬ ‫واله�سرتيا من �أغنية حممد املوجي وجناح‬

‫كاريوكا كانت تقوم‬ ‫بتهريب السالح‬ ‫للسادات ليقوم‬ ‫بتدريب الفدائيين في‬ ‫صحراء اإلسماعيلية‬ ‫في منطقة حملت‬ ‫اسم «تبة كاريوكا»‬ ‫�سالم «يا �أغلى ا�سم يف الوجود‪ ..‬يا م�صر»‪..‬‬ ‫وك��ان يقول‪� :‬أوق�ف��وا ه��ذا ال�صوت �إن��ه يهز‬ ‫عر�ش «�إ�سرائيل»!!‬ ‫وح�سب رواي��ة املوجي ال�صغري اب��ن امللحن‬ ‫حم�م��د امل��وج��ي يل‪ ،‬ف��وج��ئ وال ��ده يف �أح��د‬ ‫الأيام ب�شركة �إنتاج تريد �أن تتعاقد ل�شراء‬ ‫كل �أحلانه‪ ،‬قام املوجي بتحديد موعد لهم يف‬ ‫مكتبه ب�شارع ال�شواربي‪ .‬وح�ضر امل�س�ؤولون‬ ‫ومعهم دفرت ال�شيكات الذي قدموه له ليكتب‬ ‫الرقم الذي يريده‪ ،‬فر�صة تاريخية ال ت�أتي‬ ‫كثري ًا خ�صو�ص ًا مع «املفل�سني» مادي ًا �أمثال‬ ‫املوجي الذي �أثار العر�ض �شكوكه‪ .‬ف�س�ألهم‬ ‫عن اجلهة التي يعملون حل�سابها‪ ،‬وكانت‬ ‫الطامة الكربى عندما �أخربوه �أنهم وكالء‬ ‫لإذاعة «�إ�سرائيل»‪ .‬ي�شهد على هذه الواقعة‬ ‫�سكان العمارة التي يقع فيها مكتب املوجي‪،‬‬ ‫وهو يطاردهم بحذائه وي�سبهم وميزق دفرت‬

‫الموجي طرد مندوبي‬ ‫إذاعة «إسرائيل»‬ ‫وطاردهم بحذائه على‬ ‫سلم منزله‬

‫ال�شيكات يف وجوهم‪.‬‬ ‫امل��وج��ي وب�ل�ي��غ وع �ب��د ال��وه��اب و�أم كلثوم‬ ‫وعبد احلليم‪ ،‬وغ�يره��م م��ن جن��وم الغناء‬ ‫هم امتداد للملحن العبقري �سيد دروي�ش‪،‬‬ ‫�صوت امل�صريني يف ث��ورة ‪ ،19‬ال��ذي حتايل‬ ‫على منع �سلطة االحتالل الربيطاين ن�شر �أي‬ ‫�أخبار عن زعيم الأمة �سعد زغلول‪ ،‬بتلحني‬ ‫وغناء �أغنية «يا بلح زغلول‪ ..‬زغلول يا بلح»‬ ‫لريدد امل�صريون ا�سم �سعد زغلول رغم �أنف‬ ‫�سلطات االحتالل‪.‬‬ ‫وال ميكن �أن يتجاهل التاريخ لهذا العبقري‪،‬‬ ‫�أن��ه �أول من دق ناقو�س اخلطر من الفتنة‬ ‫الطائفية‪ ،‬واملخدرات‪ ،‬والت�شبه باخلواجات‪.‬‬ ‫و�أث�ن��اء ال�ع��دوان الثالثي‪ ،‬قدمت �أم كلثوم‬ ‫رائعة �صالح جاهني «واهلل زمان يا �سالحي»‬ ‫رغم تهديد «�إ�سرائيل» ال�سافر ب�ضرب مبنى‬ ‫�إذاعة ال�شريفني بال�صواريخ‪ ،‬لكنها �أم كلثوم‬ ‫التي ال تخاف وال ترتاجع‪ ،‬حفظت و�سجلت‬ ‫الأغنية على �أ�ضواء ال�شموع‪ ،‬لت�صبح بعد‬ ‫ذلك ن�شيد ًا قومي ًا‪.‬‬ ‫ومبنا�سبة امل �ق��اوم��ة ال�شعبية‪ ،‬يف �أث�ن��اء‬ ‫ح�صار العدو الإ�سرائيلي ملدينة ال�سوي�س‪،‬‬ ‫كانت العمليات الفدائية تتم على �أنغام‬ ‫«ال�سم�سية»‪ ،‬وكان الكابنت غزايل‪ ،‬م�ؤ�س�س‬ ‫فرقة �أوالد الأر���ض‪ ،‬يتوىل التهيئة النف�سية‬ ‫للفدائيني‪.‬‬ ‫رحت �أغني بحما�س ‪« :‬وع�ضم �إخواتنا نلمه‬ ‫نلمه‪ ،‬ن�س ّنه ن�س ّنه‪ ،‬ون�صنع منه م��داف��ع‪،‬‬ ‫ون��داف��ع وجن�ي��ب الن�صر مل���ص��ر»‪ .‬فوجئت‬ ‫ب�صديقي الفنان ي�شاركني الغناء منفع ًال‪،‬‬ ‫قبل �أن يقاطعني‪« :‬ن�سيت ن��ادي��ة لطفي‪،‬‬ ‫و�إ�صرارها على دخول بريوت �أثناء ح�صار‬ ‫املقاومة الفل�سطينية‪ ،‬وتعر�ضها لال�ست�شهاد‬ ‫يف ك ��ل دق �ي �ق��ة ل �ت �� �ص��وي��ر ج ��رائ ��م ال �ع��دو‬ ‫الإ�سرائيلي» و�أ�ضاف‪« :‬على فكرة �أنا كنت‬ ‫مع يو�سف �شاهني على حدود غزة لالحتجاج‬ ‫على ح�صار الفل�سطينيني و�إغالق املعابر»‪.‬‬ ‫تغريت طريقة �صديقي يف احلوار‪ ،‬وفوجئت‬ ‫به وقد علت وجهه مالمح الإ�صرار‪ ،‬ينه�ض‬ ‫واقف ًا وي�س�ألني‪« :‬تيجي نعمل كل احلكايات‬ ‫دي فيلم ت�سجيلي؟»‪ ،‬ف�أجبته‪� :‬س�أفكر!‬


‫عادات الشعوب‬ ‫‪128‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫يا �أمي اخطبي يل �أم العيون نع�سانه‬

‫الخطب ُة في صعيد مصر‬ ‫ِ‬

‫طقوس نسائية برعاية الرجال‬ ‫ٌ‬ ‫دروي�ش الأ�سيوطي‬ ‫تلعب املر�أة يف ال�صعيد الدور الأ�سا�س يف تقرير الزواج وحتديد �شروطه‪،‬‬ ‫�سواء كانت املر�أة �أم العرو�س �أو �أم العري�س‪ .‬وهذه احلقيقة عك�س ما ي�شاع يف‬ ‫الأدبيات املعا�صرة عـن تهمي�ش دور املر�أة يف املجتمع ال�صعيدي‪ .‬فالقول بهذه‬ ‫املقولة جهل بحقائق اجتماعية ت�سود القرية يف �صعيد م�صر‪.‬‬


‫�أو ًال‪ :‬املفاحتة «الكالم »‬

‫تُعد املفاحتة هي اخلطوة الأوىل يف �سل�سلة‬ ‫طقو�س ال���زواج‪ .‬فتبد�أ اخلطبة مبفاحتة‬ ‫تقوم بها �أم العري�س‪� ،‬أو �إح��دى قريباتها ـ‬ ‫لأم العرو�س �أو من هي يف حجـرها‪ .‬وت�سمى‬ ‫املفاحتة بالكالم �أو القول‪ .‬وتهدف املفاحتة‬ ‫�أو «ال �ك�لام ـ ال �ق��ول» ال�ت�ع��رف �إىل موقف‬ ‫العرو�س من العري�س‪ ،‬وما �إذا كانت ترغب‬ ‫يف االق�تران به �أم ال‪ ،‬والفتاة تُ�سـ�أل فقط‬ ‫�إن كانت تقـبل ال��زواج من ذلك الفتى ابن‬ ‫فالنة �أم ال‪ .‬ف�إن كانت تقبل ف�إنها يف العادة‬ ‫ت�صمت �أو تقول «�إللي ت�شوفوه»‪� ،‬أمـا �إن كانت‬ ‫ال ترغب فعادة ما تدعي �أن النا�س يقولون‬ ‫ك��ذا وك��ذا يف حقه �أو ح��ق �أم��ه‪ .‬فقد يقول‬ ‫النا�س �إنه بخيل جلدة و�إن �أمه تعد �أرغفة‬ ‫العي�ش على ن�ساء بنيها‪ ...‬وهكذا‪.‬‬ ‫وال ��ش��أن لأح��د مب��ا تكنه الفتاة يف‬ ‫قلبها م��ن ح��ب �أو كراهية‪ ،‬فهذا‬ ‫�ش�أنها‪ ،‬ويخ�صها وحدها‪ .‬وعادة‬ ‫م��ا ُيختزن ح��ب الفتاة ل�شخ�ص‬ ‫غري حمدد الهوية‪ ،‬لكـن له �صورة‬ ‫خ�ي��ال�ي��ة يف ذه��ن ك��ل ف �ت��اة‪ ،‬وال‬ ‫يتحدد هذا احلب �إال بت�شخ�صن‬ ‫املحبوب فـي �صورة اخلطيب‪.‬‬

‫الفتاة لها �أن حتب وتع�شق هذا �ش�أنها‪ ،‬لكن ثانيا ‪ :‬ال َّنق َْ�ضة‬

‫ال ينبغي املجاهرة بتلك العالقة الوجدانية‪،‬‬ ‫فهذا يعـد ت�شهري ًا وتعري�ض ًا بالعائلة‪ ،‬وهذا‬ ‫خط�أ‪ ،‬وما مي�س �سمعة و�شرف العائلة لي�س‬ ‫�ش�أن العائلة �أو الأ��س��رة وح��ده��ا‪ ،‬بل �ش�أن‬ ‫اجلماعة ال�شعبية كلها‪ .‬ف�إن جتاوزت الفتاة‬ ‫ما لها من حقوق ك�أن تُدخل يف ن�سبهم �أي ًا‬ ‫كان من دون ر�أي منهم‪ ،‬فتلك خطيئة‪ ،‬وال‬ ‫عقوبة للخاطئة �إال املوت‪.‬‬ ‫وهنا ي�أتي دور �أم العرو�س لتت�أكد من حقيقة‬ ‫م�شاعر ابنتها‪ ،‬ولتت�أكد من تلك امل�شاعر ـ �إن‬ ‫وجدت ـ مل تتجاوز القلوب‪ ،‬وت�ستعني الأم يف‬ ‫�سبيل هذا اليقني بكل ال�سبل‪.‬‬ ‫«وال ترد �أم الفتاة على رغبة �أم الفتى قبل‬ ‫�أن تتيقن من عفة ابنتها‪ ،‬فالأمهات يف �أمر‬ ‫العفة �أكرث �صرامة حتى من الرجال‪ .‬فهـن‬ ‫ح�ـ��ام�لات الأن���س��اب وحافظاتها‪ ،‬ف��إن‬ ‫تيقنت انحازت من حيث املبد�أ �إىل‬ ‫قلب الفتاة ثم ر�أت ب�أ�ساليب �شتى‬ ‫مـا �إذا ك��ان الفتى ق ��ادر ًا على‬ ‫الزواج �أم غري قادر» من كتاب‬ ‫م ��ذك ��رات ق��ري��ة م���ص��ري��ة‪،‬‬ ‫ال��دك �ت��ور ع�صمت �سيف‬ ‫الدولة‪ ،‬دار الهالل‪.‬‬

‫حينما تبد�أ عالمات البلوغ بالظهور على‬ ‫الفتى‪ ،‬وتبد�أ ت�صرفاته يف االختالل‪ ،‬ويظهر‬ ‫ميله للخلوة ومراقبة البنات‪ ،‬تبد�أ الأم يف‬ ‫التلفت حولها عمن ت�صلح خطيبة لولدها‬ ‫العـزيز‪ .‬ولأن القرد يف عني �أمه غزال‪ ،‬فالأم‬ ‫عادة ما تتحرى اجلمال والأ�صل والغنى �إن‬ ‫�أمكن يف خطيبة ابنها‪.‬‬ ‫«النق�ض» �أو النقد �أ�ص ًال هو حتري الرديء‬ ‫م��ن ال �ط �ي��ب‪ ،‬و«ال �ن �ق �� �ض��ة» ط�ق����س ن�سائي‬ ‫متعارف عليه‪ ،‬تقوم به �أم الفتى الراغـب‬ ‫يف الزواج وت�شارك فيه �أم العرو�س والفتاة‪،‬‬ ‫وت�سمى «النق�ضة» بطق�س «التفتي�ش» �أي�ض ًا‪،‬‬ ‫وه��ذا الطق�س ال يتم �إال �إذا كانت الفتاة‬ ‫غريبة‪� ،‬أي م��ن قرية �أخ��رى مل يت�سن لأم‬ ‫الفتى التعرف �إليها ومراقبتها‪� ،‬أما �إن كانت‬ ‫العرو�س مــن بنـات القرية �أو العائلة فيكتفى‬ ‫بالكالم من دون النق�ضة �أو التفتي�ش‪.‬‬ ‫«وت �ب��د�أ طقو�س تفتي�ش �أم العري�س زوج��ة‬ ‫ابنها املقبلة‪ .‬تبلغها الأم دعوة �إلـى الزيارة‪،‬‬ ‫فتزور �صباح ًا قبل الإفطار‪ ،‬لأنها �ستفطر مع‬ ‫الفتاة التي تكون قد ا�ستعدت لتفتي�ش تعرف‬ ‫خطواته ودالالته‪ .‬ف�إذا اجتمعتا قدمت الفتاة‬ ‫�إىل حماتها املقبلة �إفطار ًا مكون ًا من بي�ضتني‬


‫عادات الشعوب‬ ‫‪130‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫زفة العرو�س جزء من طقو�س الزواج‬

‫م�سلوقتني ورغيف من خبز القمح وبع�ض‬ ‫امللح املخلوط بالفلفل «الأ�سمر»‪ .‬تلك هي‬ ‫املنا�سبة النادرة التي ي�أكل فيها �أهل القرية‬ ‫البي�ض امل�سلوق ولكنها طقو�س‪ ،‬ويكون على‬ ‫الفتــاة �أن تنزع ق�شر البي�ض بينما تت�أمل‬ ‫احل�م��اة خملوط امللح والفلفل لتت�أكد من‬ ‫ن�سبة هذا �إىل ذاك‪ ،‬ثم تقدم الفتاة بيدها‬ ‫بي�ضة �إىل �أم العري�س �إثر بي�ضة‪ .‬فال ت�أكلها‬ ‫مبا�شرة بل تديرها يف يدها وتت�أملها لتت�أكد‬ ‫من �أن عــرو�س ابنها قد انتزعت الق�شر‬ ‫بدون �أن تخد�ش البي�ضة‪ .‬ف�إذا انتهت تلك‬ ‫املرحلة دع��ت الأم‪� -‬أم ال�ف�ت��اة‪� -‬ضيفتها‬ ‫لتتفقد البيت وق��ادت�ه��ا حيث «ال�صوامع»‬ ‫التي �أن�ش�أتها الفتاة‪ .‬وبعد طـول حديث فارغ‬ ‫ت�أمر الأم ابنتها �أن تفلي خالتها‪ ..‬فتقعي �أم‬ ‫العري�س �أمام الفتاة كا�شفة �شعرها‪ ،‬دا�سة‬ ‫وجهها بني نهدي العرو�س متكئة مبرفقيها‬ ‫على فخــذيها‪ .‬العـرو�س تت�صنع البحث‬ ‫نب�ش ًا يف �شعر �أم العري�س ع��ن ح�شرات‬ ‫تعرف �أنها غري موجودة‪ ،‬وتتابع باهتمام‬ ‫�أم العري�س تد�س �أنفها بني نهديها وتخترب‬ ‫حجمهما و�صالبتهما‪ ،‬ومتيل �شما ًال وميـين ًا‬ ‫لتت�شمم حتت �إبطيها‪ ،‬وتتململ وهي قاعية‬ ‫لتتح�س�س فخذيها ف�إذا انتهت �شكرت الفتاة‬ ‫على �ضيافتها ثم ان�صرفت‪ .‬وبعد؟ ال �شيء‪،‬‬ ‫فلم يكن التفتي�ش مفاج�أة‪ ،‬وال تتوقف خطبة‬

‫الفتيات يف القـرية على �صالبة نهودهن‬ ‫�أو ا��س�ت��دارة �أف�خ��اذه��ن‪� .‬إمن��ا ه��ي طقو�س‬ ‫ترمز من خاللها الإن��اث �إىل �أنهن ملكات‬ ‫البيوت»‪ ،‬مذكرات قرية م�صرية‪ ،‬الدكتور‬ ‫ع�صمت �سيف الدولة‪ ،‬دار الهالل‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الزيارة‬

‫بعـد �أن تعود �أم العري�س �إىل بيتها‪ ،‬تكون قد‬ ‫ا�ستقرت على قرارها‪ ،‬ف�إما �إنفاذ الزيجة‬ ‫�أو �صرف النظر عن العرو�س‪ ،‬والبحث عن‬ ‫فتاة �أخرى‪ .‬ف�إذا كانت الفتاة قد راقت للأم‪،‬‬ ‫فيجـب �إط�ل�اع الأب على امل��و��ض��وع و«�أخ��ذ‬ ‫ر�أيه»‪ ،‬والرجل ال ميلك �أن يرف�ض الفتاة التي‬ ‫توافـق عليها �أم العري�س‪ ،‬فالرف�ض معناه‬ ‫�إعالن حالة الطوارئ يف بيت الأ�سرة‪ ،‬ورمبا‬ ‫تهدد الأم بالذهـاب �إىل بيت �أبيها‪ ،‬وهذا‬ ‫معناه خراب البيت‪.‬‬ ‫ويف ك��ل الأح���وال ي��واف��ق ال��رج��ل‪ ،‬فهو يعلم‬ ‫�أن م�صري العرو�س معلق بر�ضاء �أم زوجها‬ ‫عليها‪ ،‬و�أن ه�ـ��دوء �سر البيت يتوقف على‬

‫«النقضة» طقس‬ ‫نسائي تقوم فيه أم‬ ‫الفتى بـ«تفتيش»‬ ‫العروس للتأكد من‬ ‫مواصفاتها‬

‫قناعة الأم ب��زوج��ة ابنها وا�ستـمرار هذه‬ ‫القناعة‪.‬‬ ‫ومبباركة الرجل‪ ،‬تقوم �أم العري�س ب�إخطار‬ ‫�أم العرو�س ب�أنها ا�شتاقت �إليها وترغب يف‬ ‫زيارتها وحتدد موعد «الزيارة»‪ ،‬وي�سمى من‬ ‫يحمل طلب اال�ست�ضافة هذا باملر�سال‪ .‬وتكون‬ ‫�أم الفتاة قد رتبت �أمورها مـع زوجها فرتد‬ ‫مرحبة‪ ،‬ويف كل الأح��وال ترحب �أم العرو�س‬ ‫باخلطاب حتى و�إن كانت تعلم �أن الزواج لن‬ ‫يتم‪ .‬فالفتاة ترتفع �أ�سهمها يف القرية كلما‬ ‫زاد عدد خطابها‪.‬‬ ‫ت�ق��وم �أ� �س��رة ال�ف�ت��ى بتدبري م��ا ي�ه��دى �إىل‬ ‫�أ��س��رة الفتاة‪ ،‬وه��و م��ا ي�سمى «ب��ال��زي��ارة»‪،‬‬ ‫وقد تكون النفقة من نتاج الأ�سرة كالفاكهة‬ ‫وع�سل النحل‪ ،‬وقد تكون قطعة �أو قطعتني‬ ‫م��ن القما�ش‪ ،‬وق��د ي�شرتي العري�س بع�ض‬ ‫احللويات ال�شهرية من ال�سوق‪ .‬وحتمل الأم‬ ‫�أو الأخـت ‪�-‬أو كالهما‪ -‬النفقة على الر�أ�س‬ ‫�إذا ك��ان��ت النفقة مم��ا ي�سهل حمله‪ ،‬وقد‬ ‫ي�ستعان بحمار ورمبا جمل �إذا كانـت النفقة‬ ‫كبرية‪ .‬ويف كل الأح��وال ي�صحبها العري�س‪،‬‬ ‫وقد ارت��دى �أفخـر الثياب لديه‪ ،‬وت�سلح مبا‬ ‫يجيزه العرف من �سالح‪ ،‬من «ال�شومة» حتى‬ ‫البندقية‪ .‬ويتجه الركـب �إىل بيت العرو�س‬ ‫حيث ت�ستقبل �أم العرو�س الن�ساء اخلاطبات‬ ‫بالرتحاب‪� ،‬أما الفتاة فتكون قد كمنت خلف‬


‫للفتاة أن تحب وتعشق‬ ‫لكن ال ينبغي المجاهرة‬ ‫بتلك العالقة فهذا‬ ‫طاقة �أو فرجة ل�ترى ذل��ك املجهول ال��ذي يعـد تشهير ًا وتعريض ًا‬ ‫�ستق�ضي معه بقية عمرها‪� ،‬إن مل تكن زاملته بالعائلة‬ ‫ً‬

‫�صغريا و�إىل عهد قريب يف مالعب ال�صبا‬ ‫وم�سارح العمل‪ .‬ومتى قبلت الأم نفقة ابنتها‬ ‫زغ ��ردت‪ ،‬وه��ذا يعني امل�ضي يف �إج ��راءات‬ ‫ال��زواج‪� .‬أم��ا �إذا رف�ضت النفقة �أو الهدية‬ ‫فهذا يعني رف�ضها �إمت��ام ال��زواج ل�سبب �أو‬ ‫لآخ��ر «وي��ا دار ما دخلك �شر»‪ .‬ففي العادة‬ ‫تتقبل الأ�سر كال املوقفني بب�ساطة‪ ،‬فالزواج‪-‬‬ ‫�أو ًال و�أخري ًا‪ -‬ق�سمة ون�صيب‪.‬‬

‫�أغنيات لكل مرحلة‬

‫لكل مرحلة من مراحل اخلطبة وال��زواج ما‬ ‫ينا�سبها من الأغنيات ال�شعبية‪� ،‬أو ما اعتادت‬ ‫اجلماعة ال�شعبية على ت��ردي��ده فيها‪ ،‬و�إن‬ ‫كان الأمر لي�س بهذه ال�صرامة التي يتع�سفها‬ ‫بع�ضهم يف الت�صنيف لأغنيات الفرح ال�شعبي‪،‬‬ ‫فقد تغنى �أغنية يف مراحـل خمتلفة‪ .‬وقد تتذكر‬ ‫الفتاة �أغنية من �أغنيات ال�صغار فرتددها يف‬ ‫اخلطبة �أو الزفة �أو ال�صباحية ‪�..‬إلخ‪.‬‬ ‫ومن الأغنيات ما يقال على ل�سان �أهل الفتاة‬ ‫�أو على ل�سان �أهل الفتى‪ ،‬ومنها ما يقال على‬ ‫ل�سان الفتى �أو الفتاة‪ .‬و�سوف ن�ستعر�ض مع ًا‬ ‫بع�ض هذه النماذج متـوقفني �أم��ام املفردات‬ ‫التي نظنها غري وا�ضحة ونعلق على ارتباط‬ ‫بع�ض الأغنيات مبعارف �شعبية عامة نراها‬ ‫تغيب عن غري �أبناء الإقليم‪.‬‬ ‫يا �أمي اخطبي يل‬

‫«‪»1‬‬

‫يا �أمي اخطبي يل ‬ ‫�أم العيون نع�سانه‬ ‫ما خطبت لك ‬ ‫اللي رجالها يامه «كثريون»‬ ‫ ‬ ‫يا �أمي اخطبي يل‬ ‫�أم العيون ع�سليه «يف لون ع�سل النحل» ‬ ‫ما خطبت لك‬ ‫ ‬ ‫اللي رجالها ميه «مائة»‬ ‫يا �أمي اخطبي يل‬ ‫اللي بيا�ضها ع�سلي‬

‫ما خطبت لك‬ ‫اللي �أبوها ال�شلبي‬ ‫ ‬ ‫يا �أمي اخطبي يل‬ ‫ال����ل����ي خ����اط����ري ف���ي���ه���ا «�أرغ���������ب ف���ي���ه���ا �أو‬ ‫�أ�شتهيها» ‬ ‫ ‬ ‫ما خطبت لك‬ ‫اللي ِك َتار �أهاليها‬ ‫ ‬ ‫يا �أمي اخطبي يل‬ ‫اللي ِتل ِِّد علـ َّيه‬ ‫ ‬ ‫«تلذ يل �أو تعجبني»‬ ‫ ‬ ‫ما خطبت لك‬ ‫اللي رجالها مِ َّيه‬ ‫ ‬ ‫يا �أمي اخطبي يل‬ ‫اللي عيونها �سوده‬ ‫ما خطبت لك ياد «يا ولد» ‬ ‫بت نا�س معدودة «تعد بني كبار العائالت»‬ ‫ه��ذه الأغ�ن�ي��ة تبلور وتلخ�ص ال �ف��ارق بني‬ ‫امل �ق��اي �ي ����س ال� �ت ��ي ي���ض�ع�ه��ا‬ ‫ال �� �ش��اب ل �ع��رو� �س��ه‪ ،‬وب�ين‬ ‫املقايي�س ال�ت��ي ت�ضعها‬ ‫الأ��س��رة لعرو�س ابنهم‪،‬‬ ‫وه��ي يف الواقع املقايي�س‬ ‫املثالية التي ت�ضعها اجلماعة ال�شعبية‬ ‫للعرو�س واملقايي�س املثالية للفتاة من وجهة‬ ‫نظر ال���ش��اب واجل�م��اع��ة ال�شعبية‪ .‬يركز‬ ‫ال���ش��اب على ال�صفات اجل�سدية املثالية‬ ‫من وجهة نظره‪ ،‬فهو يريدها بي�ضاء‪ ،‬يكون‬ ‫بيا�ضها م�شرب ًا بحمرة الع�سل‪� ،‬أو كما ي�سمونه‬ ‫البيا�ض الرائق الذي ال ت�شوبه �شائبة‪ ،‬ناع�ســة‬ ‫الطرف‪ ،‬جنالء كحيلة العينني‪ .‬وقبل هذا‬ ‫كله البد �أن تروق له ت�صرفاتها‪ .‬بينما ترى‬ ‫الأم ممثلة الأ�سرة �أن امل�ستوى االجتماعي‬ ‫�أه��م ما ي�شغل تفكريها عند تزويج ابنها‪.‬‬ ‫فهي تريد البنها زوجة من قوم لهم �ش�أنهم‪،‬‬ ‫يعدهم النـا�س ويحرتمونهم‪.‬‬ ‫ويف املجتمع القبلي تقا�س قيمة العائلة مبا‬

‫يعد فيها من الرجال‪ ،‬ثم ي�أتي املال بعد ذلك‬ ‫كمحدد الختيارات اجلماعة‪ .‬ولذلك فالأم‬ ‫يف الأغنية تفاخر ب�أنها خطبت البنها بنت ًا‬ ‫يعد يف �أهلها مائة من الرجال‪.‬‬

‫«‪»2‬‬

‫ ‬ ‫قلبي يح ِّـب اللي بيا�ضها ع َ​َ�سلي‬ ‫حط امل�سد�س حتت ُ‬ ‫ِّ‬ ‫باطه َّ‬ ‫ال�شلبي‬ ‫ً‬ ‫«علقه على كتفه متدليا حتت �إبطه» ‬ ‫قلبي يحـب اللي بيا�ضها رايق «رائق» ‬ ‫حط امل�سد�س حتت ُ‬ ‫ِّ‬ ‫باطه العايق‬ ‫«يتيه ويزهو مبظهره والباط هو الإبط» ‬ ‫قلبي يحب اللي بيا�ضها خال�ص‬ ‫«ال يعكر لونه لون �آخر» ‬ ‫حط امل�سد�س حتت باطه الفار�س‬ ‫تعنى ه��ذه الطائفة م��ن الأغ ��اين بتو�ضيح‬ ‫مقايي�س امل� ��ر�أة امل��رغ �ـ��وب خطبتها ل��دى‬ ‫اخلاطب‪ ،‬ويف الوقت نف�سه تدلل على �صفات‬ ‫الرجولة والفرو�سية يف ال�شاب املغنى له‪،‬‬ ‫ويعد حمل امل�سد�س يف جراب حتت الإبط من‬ ‫عالمات الفتوة يف ال�صعيد‪ .‬فالفتى املكلف‬ ‫بحماية الأ�سرة والقبيلة البد �أن يكون ممن‬ ‫يجيدون حمل ال�سالح وا�ستخدامه‪.‬‬


‫عادات الشعوب‬ ‫‪132‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫الن�ساء والأطفال يحملون الأثاث �إىل بيت الزوجية‬

‫دي بنت مني؟‬

‫على اجلانب الآخ��ر‪ ،‬تتغنى البنات من �شيعة‬ ‫البنت املطلوب خطبتها بالت�أكيد يف �أغانيهن‬ ‫على الأ�صول العريقة لأ�سرة الفتاة‪ ،‬وغلو املهر‪،‬‬ ‫واملركز االجـتماعي للأ�سرة متمث ًال يف عدد‬ ‫رجال الأ�سرة وما متلكه من مال و�سالح‪ .‬وتربز‬ ‫موقع الأب املتفرد بني رجال املجتمع املحلي‪.‬‬

‫عكس ما يشاع تلعب‬ ‫المرأة في الصعيد الدور‬ ‫األساس في تقرير الزواج‬ ‫وتحديد شروطه‬

‫«‪»3‬‬

‫بت امل َ َقادم‬ ‫«من يقدمهم النا�س على غريهم»‬ ‫والرجال الزينه‬ ‫بت املقادم‬ ‫روحوا قولوا البوها‬ ‫�ألفني �شريفي‬ ‫«اجلنيه الذهب العثماين» ‬ ‫ ‬ ‫يف الطبق ُحطوها «�ضعوها»‬ ‫بت الأكابر‬ ‫روحوا قولوا الخوها‬ ‫�ألفني �شريفي‬ ‫يف الطبق ُك ُّبوها‬ ‫«ا�سكبوها من دون اهتمام بالعدد»‬ ‫بت املقادم‬ ‫م ال�صغر خطبوكي‬

‫ ‬

‫البدر عمك‬ ‫والهاليل �أبوكي‬ ‫«�أبو زيد الهاليل �أو الهالل نف�سه» ‬ ‫ما توقفي�ش ع الباب‬ ‫ال يعينوكي «حتى ال ت�صيبك عني» ‬ ‫يا علبة ال�صايغ «دقيقة املالمح» ‬ ‫ ‬ ‫منني جابوكي «جاءوا بك»‬ ‫من ف�ضه و�إال من دهب عملوكي‬

‫روحوا البوها‬ ‫واطلعوله املن�ضره‬ ‫ ‬ ‫«حمل انتظار ال�ضيوف»‬ ‫�إياك ي�سامح‬ ‫ ‬ ‫بته ل�سه �صغريه «ابنته»‬ ‫روحوا البوها‬ ‫واطلعوله العلـوه‬ ‫ ‬ ‫«املكان املرتفع يف البيت»‬ ‫�إياك ي�سامح يف الأمريه احللوه‬ ‫تتفاخر الأغنية ب ��أن الفتاة من عائلة كبرية‪،‬‬ ‫وت�ؤكد �أن العائلة لي�ست من العائالت املفككة‬ ‫بل هي عائلة جمتمعة حتت �إم��رة والد الفتاة‪،‬‬ ‫�صاحب الأم��ر والنهي‪ ،‬ولذلك على الفتى �أن‬ ‫يقدم املهر املنا�سب‪ ،‬ولي�س �أقل من �ألفي جنيه‬ ‫من اجلنيهات الذهبية تو�ضع �صب ًا ‪-‬ال عد ًا‪-‬‬ ‫يف الطبق‪ .‬فالعرو�س فتاة �صغرية ال�سن‪ ،‬دقيقة‬ ‫املالمح ك�أنها علبة �صاغها �أحد ال�صياغ املهرة‬ ‫ومن يراها يتحري هل �صاغ اهلل هذه الفتاة من‬ ‫الذهب �أم من الف�ضة‪ .‬ثم تطلب الأغنية من‬ ‫الفتاة �أن حتتجب عن العيون خوف ًا من احل�سد‪.‬‬ ‫وتن�صح اخلطاب �أن ي�سرعوا بال�صعود �إىل والد‬ ‫العرو�س يف منظرته وتطلب منهم �أن ي�س�ألوا‬ ‫اهلل موافقة والدها فهو يرى �أنها �صغرية‪ ،‬وهي‬


‫ ‬ ‫ا�سه‬ ‫عزيزة عليه ال يقدر على مفارقتها‪.‬‬ ‫والعيون ن َّع َ‬ ‫كانت حماتي رحمها اهلل تقول ممازحة ملن جابوا حريرها‬ ‫يتقدم خلطبة بنت من بناتها حـني ي�س�ألها «ا�شرتوا مالب�سها كلها من احلرير»‬ ‫عن طلباتها‪« :‬احلبق والنبق ُ‬ ‫ا�سه‬ ‫و�شو�شة �أمك واهلل ملو ِق َي َ‬ ‫ ‬ ‫يف الطبق» �أي �أنها تطلب مهر ًا البنتها �أعز «مركب �شراعي �صغري»‬ ‫مــا يطلب وهو فاكهة ال�صيف وفاكهة ال�شتاء دي بت مني‬ ‫مع ًا و�شعر ر�أ���س �أم العري�س يف الطبق‪ .‬وكان العايقه ال�شلبيه‬ ‫ ‬ ‫من ال�شائع �أن يتفاخر �أهل العرو�س مبا يقدم «النظيفة البي�ضاء املمتلئة»‬ ‫ ‬ ‫البنتهم كمهر في�صب يف طبق من ال�صيني ال�شعر خيلي‬ ‫ ‬ ‫والعيون ع�سليه‬ ‫«اخلزف» ويطاف به على احل�ضور‪.‬‬ ‫جابو حريرها ‬ ‫ما مال الدهبيه‬ ‫«‪»4‬‬ ‫«مركب كبري»‬ ‫يا حِ ْلوه ياللي‬ ‫ ‬ ‫الرجاله‬ ‫�أهلك َّ‬ ‫تت�ساءل املغنية مبدية الده�شة‪ :‬ابنة من تلك‬ ‫�أهلك َم َقادم‬ ‫التي حت�سن اختيار مالب�سها النظيفة البي�ضاء‬ ‫يف البالد خ َّياله‬ ‫املمتلئة‪ ،‬ذات ال�شعر الطويل كذيل احل�صان‪،‬‬ ‫«فوار�س يركبون اخليول ويقتنونها» ‬ ‫�صاحبة العيون ال�صافية كالع�سل‪� ،‬إنها عرو�س‬ ‫يا حلوه ياللي‬ ‫ذات �ش�أن ف�إن مالب�س جهازها كله من احلرير‪،‬‬ ‫�أهلك اجل ْمعيه‬ ‫وهو كثري جد ًا حتى �أنه ميلأ املركب‪.‬‬ ‫«فوار�س يركبون اخليول ويقتنونها» ‬ ‫وتلخ�ص ه��ذه الأغنية امل ��ر�أة اجلميلة «�أو‬ ‫�أهلك مقادم‬ ‫امل��ر�أة امل�ث��ال» يف ع��رف اجلماعة ال�شعبية‪،‬‬ ‫يف البالد م َْ�سميه‬ ‫فاملر�أة اجلميلة يجب �أن تكون امر�أة بي�ضاء‬ ‫«فوار�س يركبون اخليول ويقتنونها»‬ ‫ال�ل��ون‪ ،‬وه��و �أم��ر ن��ادر التحقق يف كثري من‬ ‫حمافظات ال�صعيد‪ ،‬لكنه معتاد بالن�سبة‬ ‫«‪»5‬‬ ‫ملنطقة و�سط ال�صعيد «النطاق اجلغرايف‬ ‫مني اللي دلك‬ ‫للبحث»‪ ،‬و�أن تكون ممتلئة ر�شيقة لي�ست‬ ‫ع الن�سب ده يا غايل‬ ‫بالنحيفة وال املرتهلة املكتظة بال�شحم‪،‬‬ ‫خدت الأ�صيله‬ ‫وه��ذا مـن دالئ��ل ال�صحة البدنية‪ ،‬فاملر�أة‬ ‫اللي تقول يا رجايل‬ ‫يجب �أن تكون م�ؤهلة �صحي ًا لعمل �شاق يف‬ ‫ ‬ ‫مني اللي دلك ع‬ ‫املنزل ولوظيفة اجتماعية مهمة هي �إجناب‬ ‫الن�سب ياعنيه‬ ‫الأبناء وتربيتهم‪ ،‬كما يجب �أن تكون جميلة‬ ‫خدت الأ�صيله‬ ‫العينني‪ ،‬وتف�ضل اجلماعة ال�شعبية لونني يف‬ ‫اللي رجالها ميه‬ ‫عيون الن�ساء‪ :‬الأ�سود والع�سلي‪ ،‬وهو لون ع�سل‬ ‫النحل الرائق‪ ،‬كما يجب �أن تكون طويلة �شعر‬ ‫«‪»6‬‬ ‫الر�أ�س ومنوذج طول ال�شعر هو ذيل احل�صان‪،‬‬ ‫دي بت مني‬ ‫وطويلة الرقبة‪ ،‬ومنوذج الرقبة الطويلة رقبة‬ ‫ا�سه‬ ‫العايقه ال ّل َّب َ‬ ‫الناقة �أو �أنثى اجلمل‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل النظافة‬ ‫«�صاحبة الذوق واملقدرة يف اللب�س» ‬ ‫وح�سن الهندام‪ ،‬و�صغر ال�سن‪ :‬وهو �أمر مهم‪،‬‬ ‫ال�شعر خيلي‬ ‫فكلما ارتفع �سن الفتاة قلت درجة اخل�صوبة‪،‬‬ ‫واخل���ص��وب��ة �أم ��ر حت��ر���ص عليه اجلماعة‬ ‫«طويل ك�شعر ذيل اخليل»‬

‫ال�شعبية‪ ،‬و�صغرية اليد والقدم «�أ�صابعها‬ ‫كحبات الل�ؤل�ؤ»‪ .‬وقد ت�ضيف اجلماعة ال�شعبية‬ ‫�إىل ال�شروط احل�سية ال�سابقة بع�ض ال�شروط‬ ‫واملحددات الأخالقية واالجتماعية التي يجب‬ ‫�أن تتوافر يف العرو�س‪ ،‬منها الأدب وح�سن‬ ‫ال�سلوك ويلخ�ص يف كلمة «�أمرية» �أي كالأمراء‬ ‫يف �سلوكها‪ ،‬و�أن ت�ك��ون ب �ك��ر ًا‪ ،‬ف�لا ت�شجع‬ ‫اجلماعة ال�شعبية زواج من �سبق لها الزواج‪،‬‬ ‫�أي املطلقة والأرملة �إال يف حاالت ال�ضرورة‪،‬‬ ‫وتو�صي الأغنية «املوال» ال�شاب فتقول‪:‬‬ ‫�أو�صيك يا واد مهما الزمان ط ِّو ْل‬ ‫التتجوز امل ْته َِّجلَ ْه‬ ‫«�أو الهجالة وه��ي الأرم��ل��ة‪ ،‬من م��ات عنها‬ ‫زوجها»‬ ‫وال اللي اجت َّو ْ‬ ‫زت ال ِّو ْل‬ ‫تاكل ف خريك‪ ..‬وتذكر جوزها الأول‬ ‫و�أخ�ير ًا يجب �أن تنت�سب العرو�س �إىل �أ�سرة‬ ‫كثرية العدد‪ ،‬مي�سورة‪ ،‬متتلك الأفدنة العديدة‬ ‫ولها �سمعة طيبة‪� ،‬أي �أن تكون العرو�س «بنت‬ ‫�أ�صول»‪ .‬وهذه القواعد قابلة للتغري من بيئة‬ ‫�إىل �أخرى‪ ،‬ومن زمن �إىل �آخر‪ ،‬فقد �صار يف‬ ‫ع�صرنا احلايل التعليم والعمل من ال�شروط‬ ‫التي يطلبها العري�س يف عرو�سه‬


‫تشكيل‬ ‫‪134‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫الفنانة فايزة مبارك يف مر�سمها‬


‫حداثي ي�ستمد روحه من الرتاث‬

‫إعادة خلق الكتاب العربي‬ ‫في تجربة فايزة مبارك ‪..‬‬ ‫قراءة‪� -‬سامح كعو�ش‬ ‫فايزة مبارك فنانة ت�شكيلية �إماراتية تعيد �إحياء تراث احلروفية العربية واملوروث الفني والثقايف‬ ‫الإماراتي عرب تقنياتها يف الـ(مك�س ميديا) اخلامات املتعددة‪� ،‬إذ ت�ستلهم املوروث اجلمايل يف‬ ‫الأ�شكال الهند�سية التقليدية واحلروفيات لتنجز �أعما ًال جعلت منها فنان ًة رائدة بني قليالتٍ‬ ‫ا�ستطعن �أن يربزن يف م�شهد الفن الت�شكيلي املحلي ملا تتميز به من اطالع وا�سع‪ ،‬ونظرة �صائبة‬ ‫�إىل م�ستقبل التخ�ص�ص يف الفنون‪ ،‬ومدى احتياج املكان الإماراتي لهذا التخ�ص�ص كونه ي�ستعد لأن‬ ‫ي�صبح مركز ا�ستقطاب عاملي و�إقليمي جاذب وواعد‪.‬‬ ‫�إنها فنانة الأ�صالة م�ضمخ ًة بعبق احلداثة الفرن�سي يف باري�س‪ ،‬و�شاركت يف العديد من ‪ ‬الطبيعة هي املعلم الأول‬

‫واملعا�صرة‪� ،‬إذ تنتقل كفرا�شة ما بني �أبوظبي‬ ‫وباري�س‪� ،‬ساعي ًة �إىل تعريف العامل بقدرات‬ ‫تختزنها احل��ال��ة الإم��ارات �ي��ة‪ ،‬ت�ؤهلها بحق‬ ‫لأن تكون ر�سولة الفن الت�شكيلي اخلليجي‬ ‫وال�ع��رب��ي �إىل العاملية‪ ،‬وه��ي التي �شاركت‬ ‫يف م�شروع فني مع مركز الفنون املعا�صر‬ ‫يف مدينة ديجون يف فرن�سا‪ ،‬كما �أنها �أول‬ ‫فنانة �إماراتية حازت الإقامة الفنية يف «‪City‬‬ ‫‪ »international des art‬ولأول ا�ستوديو‬ ‫للإمارات يف املدينة العاملية للفنون بباري�س‬ ‫‪ »City» international des art‬حتت رعاية‬ ‫م�ؤ�س�سة الإمارات ملنح الثقافة والفنون واملعهد‬

‫ور���ش العمل الفنية ومن �أبرزها ور�شة فنية‬ ‫نفذت يف جامعة زاي��د قدمت لطالبات كلية‬ ‫الفنون و�أخ ��رى يف هيئة �أبوظبي لل�سياحة‬ ‫والثقافة بالتزامن مع فعاليات معر�ض بيكا�سو‪،‬‬ ‫كما �أنها ع�ضو يف جمعية الإم ��ارات للفنون‬ ‫الت�شكيلية‪ ‬وجمعية �إحياء الرتاث العمراين يف‬ ‫دولة الإمارات العربية املتحدة‪.‬‬

‫بدت الجماليات‬ ‫اإلماراتية واضحة‬ ‫المعالم في جمال‬ ‫اللوحة وتكوينات‬ ‫المواد المستخدمة فيها‬

‫ياترى �أن عاملي النحت والت�شكيل الفنيني‬ ‫مت�سعان بات�ساع ال�ك��ون نف�سه‪ ،‬ل��ذا ف�إننا‬ ‫جندها هنا كما جندها هناك‪ ،‬ب��ارع� ًة يف‬ ‫النحت حني يت�شكل العمل الفني بني يديها‬ ‫كما ل��و �أن�ه��ا تنحته‪ ،‬وم�ب��دع� ًة يف الت�شكيل‬ ‫كما لو �أنها تن�سكن ب ��أرواح تخرج من كتب‬ ‫التاريخ ووريقاتها ال�صفراء لتعيد احلكاية‬ ‫كما لو �أنها الآن‪ ،‬ترى الفنانة �أن «الطبيعة‬ ‫هي املعلم الأول بالن�سبة �إليها»‪ ،‬وت�ضيف‪:‬‬ ‫«كانت بدايتي‪ ‬يف ت��ذوق جمال اللوحة من‬ ‫حركة اللون �إىل ا�ستفهامات فكرة العمل‬ ‫ملعرفة ما يرمي �إليه الفنان‪ ،‬وهذا طبع ًا‪ ‬قبل‬


‫تشكيل‬ ‫‪136‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫فيها‪.‬‬ ‫�إذ ًا هو الكتاب العربي ب�شكله احلداثي حيث‬ ‫تنجزه الفنانة فايزة مبارك مبواد وخامات‬ ‫متعددة‪ ،‬لتجعل منه جم�سم ًا فني ًا �أو تركيب ًا‬ ‫داللي ًا فائق الروعة واجلمال‪� ،‬إنه م�شروعها‬ ‫لإع ��ادة خلق ال�ك�ت��اب‪ ،‬ه��ذا امل���ش��روع ال��ذي‬ ‫يدعو يف ر�أيها �إىل كثري من البحث والغو�ص‬ ‫يف الرتاث الإماراتي والعربي‪ ،‬ليكون عملها‬ ‫الفني على ال�ك�ت��اب وت�شكيله و� �ص��و ًال �إىل‬ ‫جتريد فكرته الرمزية ودالالت��ه املعرفية‪،‬‬ ‫دع� ��وة ح�م�ل�ت�ه��ا ال �ف �ن��ان��ة �إىل الآخ ��ري ��ن‪،‬‬ ‫ت�ق��ول بحب ال�ك�ت��اب وت ��ؤم��ن مب��ا ميثله من‬ ‫ق� ��درات جتعلنا ن�خ��و���ض م��وج��ة احل��داث��ة‬ ‫ونت�أقلم مع ا�ستخدامات الو�سائل احلديثة‬ ‫يف التكنولوجيا واحل �ي��اة ك�م��ا يف الفنون‬ ‫والثقافات‪ ،‬تقول فايزة عن م�شروعها «هي‬

‫‪2012‬‬

‫معرفة املدار�س الفنية ومعاملها‪ ،‬وهذا قبل‬ ‫معر�ضي الأول عام ‪ ،2003‬يومها بد�أت �أبحث‬ ‫ع��ن نف�سي يف الفن الت�شكيلي وم��دار��س��ه‪،‬‬ ‫ب��د�أت يف املر�سم احل��ر يف املجمع الثقايف‬ ‫يف �أب��وظ�ب��ي لأب ��د�أ م��ن ور���ش عمل خمتلف‬ ‫الفنون من اخل��ط واحلروفية العربية �إىل‬ ‫ال�سرياميك واملواد الأخرى املتعددة‪ ،‬ولكني‬ ‫اجتهت �إىل التجريد من خالل تكوين اللوحة‬ ‫عن طريق معاجلات فنية بعجائن خمتلفة‬ ‫لت�سرد لوحة بها حرية يف اللون واخلط‪ ،‬بعد‬ ‫ف�ترة م��ن اخل�برة م��ن التجريب واملعار�ض‬ ‫وزيارة املتاحف والدرا�سة الذاتية واحتكاكي‬ ‫بالفنانيني وال�ن�ق��اد وال�صحفيني �صقلت‬ ‫موهبتي و�شاركت يف معار�ض حملية جماعية‬ ‫وفردية يف �أهم قاعات العر�ض العاملية»‪.‬‬

‫كثري من ال��دورات من خمتلف الفنانني‬ ‫الزائرين يف دول��ة الإم ��ارات ومتابعتها‬ ‫لفنانني �آخرين خارج الدولة واال�ستفادة‬ ‫منهم وزيارة كثري من املتاحف واملعار�ض‬ ‫الفنية ل�صقل موهبتها و�صو ًال �إىل التميز‬ ‫بنمط فني خا�ص و�أ�سلوب حمدد يعك�س‬ ‫ر�ؤيتها الفنية وتقنياتها اخلا�صة بها‪،‬‬ ‫الأمر الذي برز جلي ًا يف لوحاتها و�أعمالها‬ ‫بخطوطها اخلا�صة ورمزياتها العالية‬ ‫ودالالت �أعمالها التي حتكي الكثري عن‬ ‫هذا املكان وتاريخه و�إن�سانه‪ ،‬حيث بدت‬ ‫اجلماليات الإماراتية وا�ضحة املعامل يف‬ ‫جمال اللوحة وتكوينات املواد امل�ستخدمة‬

‫الكتاب رو ٌح تستحضرها‬ ‫اجلماليات الإماراتية‬ ‫الفنانة لتشي بالكثير‬ ‫ت�ستند الفنانة فايزة مبارك �إىل كم التجريب‬ ‫الكبري والتع ّلم املتخ�ص�ص الذي مار�سته بعد من دالالت الوجود‬ ‫اإلنساني في المكان‬ ‫والزمان‬


‫دع��وة للجميع للقراءة والبحث عن �أ�سرار‬ ‫ال�ك�ت��ب‪ ،‬وم��ا حتمله م��ن ق�ص�ص وت��اري��خ‬ ‫وح�ضارات و�شعوب‪ ،‬فم�شروع الكتاب ق�صة‬ ‫ال تنتهي‪ ،‬ع�ب��ارة ع��ن جمموعة م��ن الكتب‬ ‫املغلقة بها الأ�سرار والأفكار»‪.‬‬ ‫وهي ترى الكتاب م�شروع ًا م�ستمر ًا يعتمد‬ ‫على طريقة طرحه ون�شره من حيث اللون‬ ‫واحلجم والعر�ض‪ ،‬الكتاب بالن�سبة لفايزة‬ ‫مبارك لي�س �شك ًال فقط‪ ،‬تعتمد يف �إجنازه‬ ‫على الأل���وان الزيتية وامل��ائ�ي��ة على ال��ورق‬ ‫املقوى واخلامات الكثرية التي ت�ستخدمها‬ ‫يف �أع �م��ال امليك�س ميديا ال�ت��ي ت�برع بها‪،‬‬ ‫ب��ل ه��و رو ٌح ت�ستح�ضرها ال�ف�ن��ان��ة لت�شي‬ ‫بالكثري م��ن دالالت ال��وج��ود الإن �� �س��اين يف‬ ‫املكان والزمان‪� ،‬إذ يرتبط الكتاب بالقر�آن‬ ‫احلكيم‪ ،‬وهو الرمز الذي يحتل �أعلى �س ّلم‬ ‫املفاهيم الثقافية اخلا�صة ب�إن�سان هذا‬ ‫امل �ك��ان‪ ،‬ومب��رك��ز وعيه الثقايف وال��وج��ودي‬ ‫�إذ ارتبط بالآيات البينات التي منها قوله‬ ‫تعاىل «�إن��ا �أنزلنا �إل�ي� َ�ك الكتاب باحلق»‪،‬‬ ‫وهو الكتاب املبني الذي فيه الهداية للنا�س‬ ‫وت�ب�ي��ان ال �� �ص��واب‪ ،‬وه��و يرتبط يف ذاك��رة‬ ‫فايزة مبارك بالكم املعريف الإلهي املنزل‬ ‫للإن�سانية ب�أبلغ بيان و�أروع لغة‪ ،‬وهي هنا‬ ‫جت��اري ه��ذه اجلماليات اللغوية والبيانية‬ ‫بحروفيات عريقة م�ستلهمة م��ن ال�تراث‪،‬‬ ‫جت ��دده ��ا ل�ت�ع�ط�ي�ه��ا ��ص�ب�غ�ت�ه��ا احل��داث �ي��ة‬ ‫املعا�صرة‪ ،‬وت�ضيف �إليها عنا�صر هند�سية‬ ‫بخفة يد �سارق وملحة عني عا�شق‪.‬‬ ‫�إن�ه��ا حكاية ف��اي��زة م�ب��ارك م��ع م�شروعها‬ ‫للكتاب‪ ،‬حتمله ر�سالة فنية ح�ضارية �إىل‬ ‫ع��امل غ��رب��ي ورث ع�ن��ا مكتبات الأن��دل����س‬ ‫ونفائ�سها‪ ،‬وا�ستفاد منها لي�صنع ح�ضارته‬ ‫املعا�صرة‪ ،‬وك�أمنا تقول‪ :‬ها نحن ن�ستلهم‬ ‫اجلماليات نف�سها‪ ،‬ال يف املحتوى فقط بل‬ ‫بال�شكل والت�شكيل �أي�ض ًا‪ ،‬لن�صنع ح�ضارة‬ ‫�سمتُها الفن والإبداع الإماراتي املت�ألق ك�أنه‬ ‫الأبد‪ ،‬يف �صفحات كتاب وغالف كتاب‪ ،‬يف‬ ‫تهوميات لونية عالية الدقة وعميقة الإ�شارة‪،‬‬ ‫كما يف انثناءات حتاكي �أثر يد القارئ ك�أنه‬ ‫التاريخ يف ا�صفرار الورق وجتعيدات وجهه‪،‬‬

‫مزجت بين الجماليات‬ ‫اللغوية والبيانية‬ ‫والحروفيات العريقة‬ ‫المستلهمة من التراث‬ ‫وج�ح��وظ عينيه‪ ،‬ب��ل يف اللونيات املغايرة‬ ‫للم�ألوف من بنف�سجي و�أزرق‪ ،‬وميل تدريجي‬ ‫�إىل الرتابي ك�أن الفنانة فايزة مبارك ت�صنع‬ ‫لنا هذا اخلط البياين من الأم�س البعيد �إىل‬ ‫اليوم عرب كتاب ال ت�ؤثر فيه عوامل الزمان‪،‬‬ ‫�إمنا جتلوه وجتعله �أكرث �ألق ًا ب�إ�سهامه املعريف‬ ‫عرب الع�صور‪.‬‬

‫�إنها لعبة اللون والظالل عند فايزة مبارك‪،‬‬ ‫وه��ي ال��وح �ي��دة ب�ين ق�ل�ي�لات ا�ستطعن �أن‬ ‫يعتمدن لعبة الثالثية الأب �ع��اد يف العمل‬ ‫ال�ف�ن��ي‪� ،‬إذ �أجن ��زت جم�سمها للكتاب يف‬ ‫نحت بخاماتها حتى ت�صل بها �إىل ال�شكل‬ ‫الذي ت�شتهيه‪ ،‬يف الكتاب املزرك�ش بحلى من‬ ‫�أ�شكال هند�سة �إ�سالمية قدمية حتلق بنا يف‬ ‫عوامل الروحانيات وال�صوفية والت�أمل‪ ،‬ومن‬ ‫ح��روف عربية ب��أل��وان ري�شة فرا�شة‪ ،‬وقلم‬ ‫كاتبة تقر�أ يف كتاب لتكتب كتاب ًا ي�شبهه �أو‬ ‫ي�شري �إليه‬


‫أوراق تراثية‬ ‫‪138‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬

‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫لنحمي التراث من الحب القاتل!‬

‫ق�ضايا الرتاث واملوروث متنوعة وعديدة‪ ،‬من‬ ‫املحافظة عليه �إىل تطوير الآليات لتنمية ال�شعور‬ ‫املجتمعي وزيادة الإقبال واالهتمام به من كافة الأعمار‬ ‫وامل�ستويات‪ ،‬و�صو ًال لتنقيته مما علق به من ت�شويه‬ ‫ونظرة قا�صرة �أو حتى من دخول �أ�ساليب وكلمات بعيدة‬ ‫كلياً عن عبق املا�ضي العربي الأ�صيل وغريبة عن البيئة‬ ‫الرتاثية املحلية‪.‬‬ ‫فاطمة املزروعي‬

‫ف�إرث الآباء والأجداد غري حمتاج مل�ساحيق‬ ‫حديثة نزينه بها‪ ،‬فنحن نقبل به كما هو‬ ‫بعبقه اجلميل ومكانته يف �أرواح �ن��ا‪ ،‬وال‬ ‫نريد خلطه مبفاهيم غربية �أو حديثة‪ ،‬كما‬ ‫�أن ا�ستخدام و�سائل وطرق ال تنتمي لبيئة‬ ‫امل��وروث نف�سه بهدف تقريبه �أو �إي�صاله‬ ‫للجمهور قد تكون له �آث��ار عك�سية وت��ؤدي‬ ‫�إىل الف�شل وال�تراج��ع‪ ،‬وال�شواهد يف هذا‬ ‫املجال عديدة ومتنوعة على �سبيل املثال‬ ‫يقام حفل غنائي ت�ستخدم فيه املو�سيقى‬ ‫الغربية مبنا�سبة افتتاح متحف �أو قرية‬ ‫تراثية‪ ،‬لكن املع�ضلة ال تتوقف عند هذا‬ ‫اجل��ان��ب امل� ��ؤق ��ت ال� ��ذي ي�ن�ت�ه��ي ب��ان�ت�ه��اء‬ ‫املنا�سبة‪ ،‬ب��ل ه�ن��اك مم��ار��س��ات وكلمات‬ ‫الت�صقت ب��ال�تراث و�أ�صبح البع�ض يعتقد‬

‫�أنها من �صميم اللغة العربية بل من عبق‬ ‫املا�ضي وال��زم��ن ال�سحيق‪ ،‬م��ن ال�شواهد‬ ‫يف ه��ذا ال�سياق ا�ستخدام كلمة فلكلور‪،‬‬ ‫و�أ�صل هذه الت�سمية جاء من اللغة الأملانية‬ ‫«‪ »Volkskunde‬وم�ع�ن��ى ه��ذه الكلمة –‬ ‫الرتجمة ‪ -‬يف اللغة العربية «علم ال�شعوب»‬ ‫وبب�ساطة متناهية كلمة الرتاث تعطي نف�س‬ ‫املعنى �إذا مل تكن �أعم و�أ�شمل منها‪ ،‬فكيف‬ ‫دخ�ل��ت ه��ذه الكلمة وب��ات��ت م�ت��داول��ة على‬ ‫نطاق وا�سع وكبري‪ ،‬بل حتى املتخ�ص�صني‬

‫العالم األكثر تحضر ًا‬ ‫نظر إلى التراث نظرة‬ ‫مختلفة عنّا فأقام‬ ‫مؤسسات فعالة‬ ‫لحمايته ونشره‬

‫يف جمال املوروث ال�شعبي ي�ستخدمونها يف‬ ‫م�ؤلفاتهم وبحوثهم العلمية‪ ،‬وخا�صة عند‬ ‫احلديث عن الفن الغنائي ال�شعبي‪.‬‬ ‫يحتاج ال��دار� �س��ون واملخت�صون يف جمال‬ ‫ال �ع �ل��وم ال �ت��اري �خ �ي��ة وال�ت�راث� �ي ��ة للبحث‬ ‫والتق�صي يف قامو�سنا العلمي على كلمات‬ ‫ومفاهيم �أخرى قد تكون ت�سربت واندجمت‬ ‫يف العمق املعريف العربي وباتت ج��زء ًا من‬ ‫التفكري واللغة لدينا‪ .‬قد يقول قائل‪� :‬إن‬ ‫من خ�صائ�ص اللغة العربية قوتها وقدرتها‬ ‫على تكييف امل �ف��ردات و�صبغها ودجمها‬ ‫باللغة الأ�صلية – العربية – من دون ت�أثري‬ ‫على جوهر ونقاء لغة القر�آن‪ ،‬بل قد يجد‬ ‫ه��ذا ال�ق��ول �شواهد ك�ث�يرة لال�ستدالل مت‬ ‫خاللها ا�ستخدام مفردات غري عربية‪ ،‬يف‬


‫بعض المبالغات التي‬ ‫تشوه التراث تكون‬ ‫�أ�شعار وق�صائد عربية ل�شعراء منذ �أكرث أحيان ًا مدفوعة بالحب‬ ‫من �ألف عام كاملعلقات وغريها مما ًو�صل و االعتزاز !‬

‫�إلينا‪ .‬وهذا القول �صحيح‪ ،‬لكننا �أي�ضا ال‬ ‫نتحدث هنا عن موا�ضيع عامة ومعا�صرة‪،‬‬ ‫بل نتحدث عن مو�ضوع متخ�ص�ص بالرتاث‬ ‫وامل� ��وروث‪ ،‬مبعنى �أدق نحن نتحدث عن‬ ‫الأ�صالة ونقاء هذا املوروث‪ ،‬لذا ال نحتاج‬ ‫لتو�صيفه مب �ف��ردات غ��ري�ب��ة وب�ع�ي��دة عن‬ ‫جوهرة وعمقه‪� ..‬أفهم �أن ال�تراث نف�سه‬ ‫خ�ل�ال ح�ق�ب�ت��ه امل��ا� �ض �ي��ة ق��د ي �ك��ون ت ��أث��ر‬ ‫مبوجات من الهجرات �أو بغزوات خارجية‬ ‫�أو بقربه من بلد ما �أو ح�ضارة ما فدخل يف‬ ‫�أتونه بع�ض التغري‪ ،‬وهذا مالحظ ومعروف‬ ‫على نطاق وا�سع �سواء يف امللب�س �أو حتى‬ ‫يف بع�ض امل�ف��ردات املحكية‪ ،‬لكن ه��ذا هو‬ ‫الرتاث الذي و�صلنا ويجب �أن نحافظ عليه‬ ‫كما هو من دون �أن ن�ضيف له �أو ننق�ص‬ ‫منه‪ ،‬يجب �أن ندر�سه ونتمعن يف جوانبه‬ ‫ونو�صفه بنقاء ومن دون هاالت �أو بذخ �أو‬ ‫تزييف مع علمنا �أن هذا قد يحدث‪ ،‬و�إذا‬ ‫ح��دث ف��إن��ه غ�ير مق�صود‪ .‬كما �أف�ه��م �أن‬ ‫بع�ض االجتهادات واملبالغات مردها حب‬ ‫وع�شق ه��ذا ال�ت�راث‪ ،‬ل��ذا على الدار�سني‬ ‫يف ه��ذا امل�ج��ال حماية ال�ت�راث يف �أحيان‬ ‫�أي�ض ًا من املحبني‪ .‬يف احلقيقة �إن مهمة‬ ‫حماية الرتاث قد تكون �أعظم و�أكرب �أمام‬ ‫امل��د احلقيقي ال��ذي يهدد مكانته وال��ذي‬ ‫يطيب للبع�ض ت�سميته بالتطور والتحديث‪،‬‬ ‫وهذه املوجة �شاملة وجارفة‪ ،‬فهي ت�ضرب‬ ‫دون ه��وادة كافة مفا�صل حياتنا اليومية‬ ‫وم��ع م��زي��د م��ن ال�تراك��م امل�ع��ريف احلديث‬ ‫وم��ع اخ �ت��زال ذاك ��رة الأج �ي��ال للأ�ساليب‬ ‫احلديثة ال يبقى مكان للما�ضي وعبقه‪،‬‬ ‫فيعي�ش منزوي ًا يف زواي��ا املتخ�ص�صني يف‬ ‫درا�سة هذا املجال وح�سب‪ .‬العامل الأكرث‬ ‫حت�ضر ًا وتوهج ًا باملعرفة والتطور‪ ،‬نظر‬ ‫ل �ل�تراث ن�ظ��رة خمتلفة ج��د ًا ع��ن نظرتنا‬ ‫ف��أق��ام م�ؤ�س�سات فعالة حلمايته والعمل‬ ‫على ن�شره –الرتاث الإن �� �س��اين‪ -‬ب�صفة‬ ‫ع��ام��ة م��ن دون حت�ي��ز لبلد ع��ن �آخ ��ر ويف‬ ‫ب��داي��ة ه��ذا ال �ع��ام اح�ت�ف��ل ال �ع��امل ب��أ��س��ره‬

‫بالذكرى الأربعني التفاقية حماية الرتاث‬ ‫ال�ع��امل��ي ال�ث�ق��ايف والطبيعي‪ ،‬وتعترب هذه‬ ‫االتفاقية من �أجمل ما �أجنزته الإن�سانية‬ ‫يف حماية الآثار وامل��وروث‪ ،‬ومما ميز هذه‬ ‫االتفاقية �أنها جمعت بني حماية ال�تراث‬ ‫الثقايف وال�ت�راث الطبيعي وق��د وق��ع هذه‬ ‫االتفاقية ‪ 188‬دول��ة كانت الإم ��ارات من‬ ‫�أوائل الدول املوقعة وامل�ساهمة بفعالية يف‬ ‫اجلهود احلثيثة حلماية الرتاث الإن�ساين‪.‬‬ ‫و�صلت املواقع املدرجة للحماية والعناية‬ ‫الدولية �إىل ‪ 963‬موقع ًا موزعة يف ‪ 153‬بلد ًا‬ ‫كما ذك��رت منظمة الأمم املتحدة للرتبية‬ ‫والعلوم والثقافة اليون�سكو‪.‬‬ ‫�إذن ب� ��د�أ االه��ت��م��ام ال �ع��امل��ي ب ��امل ��وروث‬ ‫الإن�����س��اين م �ن��ذ �أك �ث�ر م��ن �أرب� �ع ��ة ع�ق��ود‬ ‫ما�ضية‪ ،‬ويف الوطن العربي بع�ض ال��دول‬ ‫تتجاهل م��وروث�ه��ا وت��اري�خ�ه��ا‪ ،‬ب��ل وي�صل‬ ‫ت�ن�ك��ره��ا �إىل �سطحية م�ع��رف�ي��ة ح�ت��ى يف‬ ‫لغتها الأم‪ ،‬اللغة العربية‪ ،‬وبع�ض ال��دول‬ ‫الأخرى ت�صب اهتمامها بالرتاث واملواقع‬ ‫الأثرية فقط‪ ،‬ب�سبب الدخل امل��ادي الذي‬ ‫مي�ك��ن �أن حتققه م��ن ال��وف��ود ال�سياحية‬ ‫التي ت�صل من م�شارق الأر���ض ومغاربها‬ ‫مل�شاهدة املتاحف ور�ؤية قطع �أثرية �ضاربة‬ ‫يف عمق الزمن‪ ،‬بينما مواطنوها يف جهل‬ ‫ت��ام بطبيعة امل ��وروث وال�ت��اري��خ‪ ،‬ب��ل ق��د ال‬ ‫يعرفون �أي��ن تقع املتاحف و�أي��ن اكت�شفت‬ ‫بع�ض الآث��ار الثمينة‪ ،‬وميتد ه��ذا التنكر‬ ‫لي�صل لعدم معرفتهم بتاريخ بلدهم وكفاح‬ ‫الآباء والأج��داد‪ ،‬مرور ًا بجهل يف العادات‬ ‫والتقاليد �إىل الأزي��اء واملالب�س القدمية‬ ‫و�صو ًال للغذاء و�أ�ساليب احلياة التي كانت‬ ‫ت�ستخدم ق��دمي � ًا‪� ،‬إذن ه��ي م�ع��زوف��ة حب‬ ‫الرتاث وع�شقه؟!‪..‬‬ ‫االهتمام ب��ال�تراث لي�س ب�إقامة الندوات‬ ‫التي ال يح�ضرها �سوى املهتمني‪� ،‬أو بتنظيم‬ ‫م���ؤمت��رات ت�ل�ق��ى ف�ي�ه��ا ب �ح��وث ودرا� �س��ات‬

‫ذات طابع ولغة علمية – رغم �أهمية هذه‬ ‫الفعاليات ‪ -‬كذلك لي�س مبعلومات جامدة‬ ‫نلقيها وك�أننا نحاول التخل�ص منها‪ ،‬بل‬ ‫با�ستخدام ذكي وم�شوق لك�سب اجلمهور‪،‬‬ ‫خا�صة ال�شباب والفتيات‪ ،‬ب�إدخال الرتاث‬ ‫يف حياتنا اليومية مبنتجات تباع ب�أ�سعار‬ ‫زهيدة فيها �أ�شكال لبع�ض التحف الأثرية‬ ‫�أو م��دون عليها بع�ض احلكم من التاريخ‬ ‫امل �ح �ك��ي ال � �ق� ��دمي‪ ،‬وت �� �ض �م�ين م��وا� �ض �ي��ع‬ ‫ق �� �ص ����ص ط��ري �ف��ة وم� �ع�ب�رة ع ��ن ال �ت�راث‬ ‫تكون مبنهجية و�أ�سلوب تربوي ج��ذاب يف‬ ‫املناهج الدرا�سية‪ .‬ال ت�ساورين ال�شكوك‬ ‫�أن ال �ع �ق��ول ل��دي�ه��ا م��ن الأف��ك��ار اخل�لاب��ة‬ ‫واجلميلة وامل�شوقة ما يعد ث��روة حقيقية‬ ‫يف هذا املجال‪ ،‬لكن من املهم معرفة كيف‬ ‫ن�ستقطبها وننتجها ونوظفها خلدمة ن�شر‬ ‫تراثنا والتعريف بقيمنا وعادتنا وتقاليدنا‬ ‫العربية الأ�صيلة‪ ،‬غني عن القول �إننا اليوم‬ ‫يف �أم�س احلاجة من �أي وق��ت م�ضى �إىل‬ ‫جهد م�ضاعف وغ�ير تقليدي ل�صون هذا‬ ‫ال�تراث وحمايته �أو ًال على �أر���ض الواقع‪،‬‬ ‫ثم من بع�ض العقول التي باتت ترى عدم‬ ‫�أهميته وغافلة �أو جاهلة عن توجه عاملي‬ ‫ل�لاه�ت�م��ام ب��ال�تراث الإن �� �س��اين و�أن ه��ذا‬ ‫االه�ت�م��ام ب��ات م�ي��زة ح�ضارية و�إن�سانية‬ ‫تنت�شر بني ال�شعوب واملجتمعات قاطبة‪.‬‬ ‫ومع �سعادتي �أن �أرى هذه اجلماهري التي‬ ‫حت�ضر مل�شاهدة القرية الرتاثية �أو �أي‬ ‫فعالية تراثية �إال �أنه تنتابني م�شاعر من‬ ‫احلزن كونها وفود ًا �أجنبية غربية‪ ،‬وجتد‬ ‫العرب قلة جد ًا‪ ،‬يف الوقت الذي ن�شاهد‬ ‫م��واق��ع ال�ترف�ي��ه واال��س�ت�ج�م��ام مزدحمة‬ ‫بهم – ه��ذا م��ن حقهم ‪ -‬ال��ذي �أري��ده‬ ‫من الأ�سر العربية �شيئ ًا من التوازن عند‬ ‫تخطيط رحالتهم ال�سياحية والرتفيهية‬ ‫بت�ضمينها امل ��رح وال�ف���س�ح��ة وال�ترف�ي��ه‬ ‫و�أي �� �ض � ًا زي ��ارة امل�ت��اح��ف وم�ع��رف��ة ت��اري��خ‬ ‫البلد ال��ذي ي�ست�ضيفهم �إذا مل يكن من‬ ‫�أجلهم فعلى الأق��ل م��ن �أج��ل �أبنائهم‪..‬‬ ‫العامل ب�أ�سره يهتم بالرتاث فلم ال نهتم‬ ‫نحن �أي�ض ًا به‬


‫فنون اآلفاق‬ ‫ارتياد‬ ‫‪140‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬


‫جابر جاسم المريخي‬ ‫غناء يعلق بالروح كما العطر‬ ‫�أبوظبي – حممد النمر‬ ‫يف �أم�سية طاب ن�سيمها‪ ،‬وبينما كنت �أجتول يف �شوارع اخلالدية‪ ،‬يف �أبوظبي‪ ،‬حيث‬ ‫�أ�سكن �إحدى بناياتها العالية‪ ،‬وكعادتي يف يوم الإجازة الأ�سبوعية رحت �أجتول بني‬ ‫املحال التجارية بحثاً عن الأ�شياء التي تخطف ب�صري �أو «تفتح نف�سي» ف�أ�شرتيها‪.‬‬ ‫ه ��ذه امل ��رة ان�خ�ط�ف��ت ن�ح��و رائ �ح��ة ب�خ��ور‬ ‫جميلة تت�صاعد م��ن حم��ل �صغري داخ��ل‬ ‫�إحدى املراكز التجارية‪ ،‬جذبتني الرائحة‬ ‫يف اجتاهها‪ ،‬ومل �أك��ن �أدرك �أن �سر تلك‬ ‫اجل��ذب��ة مل ت�ك��ن ال��رائ �ح��ة وح��ده��ا‪� ،‬إمن��ا‬ ‫ذل��ك ال�صوت ال�ع��ذب املن�سرب يف ه��دوء‬ ‫من املكان نف�سه‪� ،‬صافحني ال�شاب اليمني‬ ‫ب �ه��دوء‪�� ،‬س��أل�ت��ه ع��ن ا� �س��م ذل ��ك ال�ب�خ��ور‬ ‫اجل��ذاب وجتاذبنا احلديث عن م�صدره‬ ‫و� �س �ع��ره‪� ،‬أث �ن��اء احل��دي��ث ك�ن��ت ق��د ب��د�أت‬ ‫�أتعرف على مفردات الأغنية التي ترتدد‬ ‫بهدوء داخ��ل املحل املعبق بروائح الطيب‬ ‫تر العطر ذل��ك امل�ساء‪،‬‬ ‫وال�ع�ط��ور‪ ،‬مل �أ� �ش� ٍ‬ ‫ً‬ ‫ولكنني غادرت حممال برائحته‪ ،‬وبكلمات‬ ‫الأغنية التي علقت بروحي كما علق العطر‬ ‫بثيابي‪ ،‬و�إن ف�شلت يف معرفة ا�سم املطرب‬ ‫الذي جهله ال�شاب �صاحب املحل‪.‬‬ ‫حر�صت خ�لال طريق عودتي �إىل املنزل‪،‬‬

‫ع �ل��ى ت��ردي��د ال �ك �ل �م��ات ال �ت��ي مت�ك�ن��ت من‬ ‫التقاطها من الأغنية‪ ،‬يف الدقائق القليلة‬ ‫داخل حمل بيع البخور‪:‬‬

‫���ش��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دوا ال��ـ��ـ��ع��ـ��ـ��رب��ـ��ـ��ان بـالـك ـلــي‬ ‫وات���ـ���رك���ـ���ـ���وا ذا ال���ـ���ـ���ـ���روح ول��ـ��ه��ـ��ان��ـ��ـ��ه‬

‫وم��ا �إن و�صلت �إىل املنزل دفعني الف�ضول‬ ‫ملعرفة املطرب �صاحب هذا ال�صوت الرائع‬ ‫ال��ذي مل �أ�سمعه من قبل‪ ،‬وكالعادة جل�أت‬ ‫�إىل م�سرت جوجول‪ ،‬وبد�أت البحث عن طريق‬ ‫كلمات الأغ �ن �ي��ة‪ ،‬فعلمت �أن �ه��ا م��ن كلمات‬ ‫ال���ش��اع��ر �أح �م��د ب��ن ع�ل��ي ال �ك �ن��دي‪ ،‬غناها‬ ‫امل �ط��رب الإم ��ارات ��ي ال��راح��ل ج��اب��ر جا�سم‬ ‫املريخي‪ ،‬الذي رحل عن الدنيا عام ‪.2001‬‬

‫له صوت مؤنس‬ ‫وهادئ يمتاز ببحة‬ ‫جميلة وطبقة صوتية‬ ‫نادرة‬

‫تقول الأغنية‪:‬‬

‫���ش��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دوا ال��ـ��ـ��ع��ـ��ـ��رب��ـ��ـ��ان بـالـك ـلــي‬ ‫وات���ـ���رك���ـ���ـ���وا ذا ال���ـ���ـ���ـ���روح ول��ـ��ه��ـ��ان��ـ��ـ��ه‬ ‫م���ـ���ـ���ادروا و�����ش ب��احل��ـ�����ش��ـ��ا ح��ـ�� ّل��ـ��ي‬ ‫م ال��ـ��ـ��ـ��ف��ـ��ـ��ـ��راق وح��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� ّر ن��ـ��ـ��ي��ـ��ـ��ران��ـ��ـ��ـ��ه‬ ‫م�����س��ـ��ت��ـ��ل��ـ��ي��ـ��ع وح��ـ��ـ��ال��ـ��ـ��ي اع��ـ��ت��ـ��ـ��ل��ـ��ـ��ي‬ ‫واحل���ـ�������ش���ـ���ا ���ش��ـ�� ّب��ـ��ت ب��ـ��ـ��ـ��ه اح��ـ��زان��ـ��ـ��ه‬ ‫دم��ـ��ـ��ع ع��ي��ـ��ن��ـ��ي ���س��ـ��ـ��ال وان��ـ��ه��ـ��ل��ـ��ي‬ ‫ي���ـ���ـ���ـ���وم ق��ـ��ف��ـ��ـ��ت ع��ـ��ـ��ن��ـ��ـ��ي �أظ��ـ��ع��ـ��ان��ـ��ـ��ه‬ ‫وي���ـ���ل م��ـ��ن ه��ـ��و ع��ق��ب��ه��ـ��م خ��ـ��ل��ـ��ي‬ ‫���ض��ـ��ـ��اي��ـ��ـ��ـ��ع ع��ـ��ـ��ق��ـ��ـ��ل��ـ��ـ��ه وب��ـ��ـ��ره��ـ��ـ��ان��ـ��ـ��ه‬ ‫واب��ـ��ـ��ع��ـ��ـ��دوا بـالـغـالــي الـخ ـلــي‬ ‫واج���ـ���ـ���ب���ـ���ـ���روه اب��ـ��ه��ـ��ـ��ج��ـ��ـ��ر خ��ـ��ـ�لان��ـ��ـ��ـ��ه‬ ‫بــوجــديــل ط ـي ـب ــه اي ـع ـل ــي‬ ‫ي��ن��ـ�����ش��ـ��رى ل��ـ��ـ��و غ��ـ��ل��ـ��ي��ـ��ت �أث��ـ��م��ـ��ان��ـ��ه‬ ‫ي�����س��ـ��ك��ـ��رك م��ـ��ـ��ن ري��ـ��ح��ـ��ة الـفـلـي‬ ‫يل م�����ا ظ���ه���ر وال����ك����و�����س ط�ل�ان���ه‬


‫فنون‬ ‫‪142‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫م��ـ��ـ��ا خ��ـ��ـ��ـ��ذٍ م ال��ـ��زي��ـ��ـ��ن وم��ـ��خ��ـ��ل��ـ��ي‬ ‫ك���ـ��� ّم���ـ���ل���ـ���ه ع���ـ���ـ���ـ���ن ك���ـ���ـ���ـ���ل ن��ـ��ق��ـ�����ص��ـ��ان��ـ��ه‬ ‫�أط��ـ��ـ��ـ��رب ال��ـ�����ش��ـ��وف��ـ��ـ��ه وال ام ـلــي‬ ‫و�أرخ�������������ص ال�����غ�����ايل ع����ل����ى ���ش��ان��ـ��ه‬ ‫ه����و ����ش���ف���اي و���ش��م�����س��ـ��ي وظ��ل��ـ��ي‬ ‫را�����ض����ـ����ـ ٍ����ي يف ح���ـ���ك���ـ���ـ���م ���س��ل��ـ��ط��ـ��ان��ـ��ه‬ ‫ي��ـ��ع��ـ��ل ي��ـ��رج��ـ��ع ل��ـ��ـ��ـ��ي م��ـ��ـ��ـ��و ّد ل ــي‬ ‫م��ـ��ـ��ا ت��ـ��خ��ـ��ل��ـ��ف ال��ـ��ن��ـ��ـ��ا���س م��ـ��ي��ـ��زان��ـ��ه‬ ‫وي��ـ��ـ��ن ب��ل��ـ��ق��ـ��ى ع��ق��ـ��ب��ـ��ك ام�����س��ـ�� ّل��ـ��ي‬ ‫ي���ـ���ا ���ش��ب��ي��ـ��ه ال����ري����ـ����م يف اخ���ـ���وان���ـ���ه‬ ‫احـتـفــظ بــال ــود ي ـ ــا خ ـ ّل ــي‬ ‫ال ت��ـ��ـ��ـ��ـ��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دم ر������ص ب��ـ��ـ��ن��ـ��ـ��ي��ـ��ـ��ـ��ان��ـ��ـ��ـ��ه‬ ‫مل �أجد عن جابر املريخي �إال كلمات قليلة‬ ‫متناثرة بني �صفحات ال�شبكة العنكبوتية‪،‬‬ ‫و�صفه كتّاب عدة ب�أنه ‪�«:‬أحد رموز احلركة‬ ‫ال�ث�ق��اف�ي��ة وال �ف �ن �ي��ة وال �ع �م��ل االج�ت�م��اع��ي‬ ‫وال�سيا�سي» و�أ�شاروا �إىل �أنه «قام بدوره‬ ‫ال�ط�ل�ي�ع��ي يف ف�ت�رة مل ت�ك��ن بال�سهلة وال‬ ‫املي�سرة»‪.‬‬

‫حياته‬

‫جابر جا�سم جابر جا�سم املريخي‪ ،‬هكذا‬ ‫ا�سمه‪ ،‬م��ن �أه��ل دمل��ا‪ ،‬ول��د ع��ام ‪1950‬م‪،‬‬ ‫ت�ل�ق��ى تعليمه يف �أب��وظ �ب��ي وق �ط��ر‪ ،‬عمل‬ ‫ب��ال�ف��ن‪ ،‬وه��و م��ا ي��زال ��ص�غ�ير ًا‪ ،‬ك��ان �أول‬ ‫ظهور له على امل�سرح عام ‪1961‬م‪ ،‬ابتعث‬ ‫عام ‪ 1971‬لدرا�سة املو�سيقى يف م�صر يف‬ ‫املعهد العايل للمو�سيقى‪ ،‬له �صوت م�ؤن�س‬ ‫وهادئ‪ ،‬ميتاز ببحة جميلة‪ ،‬وطبقة �صوتية‬ ‫ن��ادرة‪ ،‬وهو من اجليل الأول الذي اعتمد‬ ‫على موهبته‪ ،‬وثقف نف�سه بنف�سه‪� ،‬شاق ًا‬ ‫طريقه ب��د�أب وح��ب‪ ،‬ت�ع��اون م��ع كثري من‬ ‫ال�شعراء �أب��رزه��م الكندي‪ ،‬حل��ن لنف�سه‬ ‫وللكثري من املطربني واملطربات ك�سمرية‬ ‫�سعيد وعزيزة جالل ورجاء بلمليح‪.‬‬ ‫ظ��ل امل��ري�خ��ي ي�خ��دم املو�سيقى وال�ف��ن يف‬ ‫الإمارات �أكرث من ‪ 30‬عام ًا‪ ،‬حافظ بغنائه‬ ‫على �أ�شعار كثرية كان مكانها يف ال�صدور‬ ‫ف�ق��ط‪ ،‬ت��ويف م�ب�ك��ر ًا ع��ام ‪ ،2001‬وه��و يف‬ ‫ال ��واح ��دة واخل �م �� �س�ين م��ن ع �م��ره‪� ،‬أح �ي��ا‬ ‫العديد م��ن احل�ف�لات يف ال��دول العربية‬ ‫ب �ه��دف ال �ت �ع��ري��ف ب��الأغ �ن �ي��ة الإم��ارات �ي��ة‬

‫�صورته يف الإنرتنت‬ ‫اق�ترن ا�سم الفنان الراحل على الإنرتنت بني حمبي‬ ‫فنه ب��ع��ب��ارات مثل «القطب الأوح���د للفن الإم��ارات��ي»‬ ‫و«وم�ؤ�س�س الأغنية املطورة»‪ ،‬و«�صاحب الطلة املميزة‬ ‫يف زم��ن الطرب اخلليجي اجلميل» و«ال�صوت العذب‬ ‫عازف العود املبدع»‪ ،‬و«�صاحب ال��ذوق الرفيع باختيار‬ ‫الكلمة واللحن الراقي»‪.‬‬ ‫ويجمع الكثريون من رواد منتديات الطرب اخلليجي‬ ‫على �أن جابر جا�سم واحد من الرائعني الكرث الذين‬ ‫مل يح�صلوا على التقدير املن�صف �سواء يف حياتهم �أو‬ ‫بعد رحيلهم‪ ،‬فلم يكن ن�صيبه �إال الن�سيان‪ ،‬رغ��م �أن��ه‬ ‫�أج���اد �أداء دوره يف خ��دم��ة ال��غ��ن��اء وال��ط��رب ورف���ع ا�سم‬ ‫الإمارات يف �ساحة الفن يف الوطن العربي‪.‬‬ ‫ي�����ش��ار �إىل �أن ال��ف��ن��ان ال��راح��ل ك���ان ق��د مت ت��ك��رمي��ه يف‬ ‫مهرجان الدوحة ال�سابع‪ ،‬وغنى له الفنان ال�سعودي‬ ‫خالد عبد الرحمن خالل املهرجان �أغنيته ال�شهرية «‬ ‫�سيدي يا �سيد �ساداتي »‪ ،‬ولكن املهرجان ‪ -‬وفقاً لكتابات‬ ‫حمبيه على الإن�ترن��ت‪ -‬مل يقدم �صورة وا�ضحة عنه‬ ‫لقلة املتوفر من �أخبار هذا الفنان‪،‬‬

‫اخلال�صة و�إي�صالها �إىل امل�ستمعني عرب‬ ‫ال�ع��امل ال�ع��رب��ي‪ ،‬يف وق��ت ك��ان��ت الو�سائل‬ ‫الإع�لام �ي��ة قليلة وم�ق���ص��رة‪ ،‬ف�أ�سهم يف‬ ‫�شهرة الأغنية الإم��ارات�ي��ة عربي ًا‪ ،‬وتغنى‬ ‫ب�أغنياته مطربون ومطربات ع��رب مثل‬ ‫�أغنية «�سيدي يا�سيد ��س��ادات��ي» للكندي‬ ‫و«غزيل ف ّله» لعتيق بالرو�ضة الظاهري‪.‬‬

‫تنوع وثراء‬

‫ن ّوع املريخي يف اختياره لأغنياته‪ ،‬ف�إىل جوار‬ ‫�أغنياته باللهجة املحكية الإم��ارات�ي��ة غنى‬ ‫�أغنيات بالعربية الف�صحى و�أخرى باللهجة‬ ‫امل�صرية‪ ،‬وغنى �أغنيات وطنية‪ ،‬وتوا�شيح‬ ‫دينية‪ ،‬وظلت �أغنياته قادرة على هز وجدان‬ ‫النا�س وتثري فيهم ال�شعور بالطرب‪ ،‬هي‬ ‫�أغنيات و�صفها البع�ض ب�أنها حتمل رائحة‬ ‫املكان والنا�س اجلميلني ووقتهم الذي م�ضى‪،‬‬ ‫منها‪ :‬يا�شوق هزّنيه ه��وى ال�شوق‪ ،‬و�ضاع‬ ‫فكري �شالنظر فيهم‪ ،‬و�س ّلمتلك يف احلب‬ ‫ت�سليم‪ ،‬وي��اوي��ل ي��ا م��ن �ضاع ف�ك��ره‪ ،‬و�صاح‬ ‫الزقر ملنادي‪.‬‬

‫وم��ن �أب��رز ما ت�ضمنته ع��ب��ارات التعريف بجا�سم على‬ ‫الإن��ت�رن����ت‪« :‬ف���ن���ان الإم��������ارات ال���راح���ل ج���اب���ر ج��ا���س��م‬ ‫املريخي‪� ،‬أحد �أبرز ر ّواد الفن اخلليجي الأ�صيل‪� .‬ش ّكل‬ ‫ب��ف�� ّن��ه ه��م��زة ال��و���ص��ل ب�ين ال��ف��ن الإم����ارات����ي وامل��ج��ت��م��ع‬ ‫العربي‪ ،‬ونقل الأغنية الإماراتية ال�شعبية املتميزة �إىل‬ ‫م�ساحات انت�شار �أكرب‪ .‬كان له الدور الأبرز يف حتديث‬ ‫الطرب املحلي‪ .‬تغنى بروائعه ع��دد من الفنانني من‬ ‫دولة الإمارات ودول عربية �أخرى‪».‬‬ ‫وت�ضمنت مو�سوعة ويكبيديا هذه الكلمات عنه «اال�سم‬ ‫الكامل للفنان هو جابر جا�سم جابر جا�سم املريخي‬ ‫ولكن ال �أحد يعرف �أنه مريخي �إال القليل من الأقارب‪،‬‬ ‫من �أهل جزيرة دملا‪ ،‬تويف يف عام ‪ ، 2001‬وعمره يناهز‬ ‫‪ 50‬ع��ام��اً‪ ،‬وه��و م��ن �أ�شهر مطربي الإم���ارات العربية‬ ‫املتحدة‪ ،‬در���س املرحلة االبتدائية يف قطر يف منطقة‬ ‫دخان‪ ،‬وهو مطرب �إماراتي معروف عند �أهل الإمارات‬ ‫و�أه���ل اخلليج ال��ذي ا�شتهر ب�أغنية «غ��زي��ل ف��ل��ه»‪ ،‬وله‬ ‫�أغنيات �شهرية منها �ضاع فكري وغزيل فله و�سيدي يا‬ ‫�سيد �ساداتي‪».‬‬


‫حافظ المريخي‬ ‫بغنائه على أشعار‬ ‫ظروف �صعبة‬ ‫حتدث الكثريون من الكتاب املهتمني باملريخي كثيرة كان مكانها‬ ‫خالل �صفحاتهم على الإنرتنت عن الظروف في الصدور فقط‬

‫ال�صعبة التي ن�ش�أ فيها املطرب واملو�سيقار‬ ‫الراحل‪ ،‬م�ؤكدين على �صعوبة الزمن الذي‬ ‫غنى وت�ألق فيه ‪ -‬نهاية ال�ستينيات وال�سبعينيات‬ ‫من القرن الفائت‪ ،‬الفتني �إىل �أن جيل اليوم ال‬ ‫ميلك �أن يتخيل �صعوبة تلك الأي��ام؛ لأن��ه مل‬ ‫يعاي�شها‪ ،‬و�أن نعيم احلا�ضر ال ميك ّنهم من‬ ‫النظر �إىل ما هو �أبعد من ق�شور الع�صرنة‪،‬‬ ‫م�ؤكدين �أن تلك الأي��ام كانت قا�سية و�صعبة‬ ‫يف ظروفها املعي�شية‪ ،‬بطريقة جتعل من جناح‬ ‫كالذي حققه املريخي ي�شبه امل�ستحيل‪ ،‬فلم‬ ‫يكن من ال�سهولة يف ذل��ك الزمان �أن يعمل‬ ‫الإن�سان وي�ستقر‪ ،‬فما بالك ب�أن يحلم ويبدع‪،‬‬ ‫وميثل ويغني مث ًال‪� ،‬أو �أن يربز ويكون فنان ًا يف‬ ‫�أي فن وجمال؟‬ ‫فقد كانت ف�سحة احلياة يف ذلك الزمان‬ ‫ك��ان��ت �ضيقة‪ ،‬وال ت�سمح ب�سهولة مبيالد‬ ‫م��وه�ب��ة‪ ،‬و�إن ح��دث‪ ،‬فكيف ل�ه��ذه املوهبة‬ ‫�أن تنمو وتظهر للنور‪ ،‬خال�صني من ذلك‬ ‫�إىل �أن جابر جا�سم املريخي كافح يف تلك‬ ‫الظروف وجنح يف �أن ي�سجل �صوته يف قلوب‬ ‫الكثريين حمليا وخليجيا وعربي ًا رغم دور‬ ‫الإع�لام ال�ضعيف و�صعوبة الو�صول �إليه‪،‬‬ ‫و�أن موهبته احلقيقية واجتهاده كانا وراء‬ ‫جناحه وانت�شاره وحب النا�س له‪ .‬يف فرتة‬ ‫ظهور املريخي‪ ،‬كان الفنان علي بو الروغة‬ ‫يت�سيد امل�شهد مبدر�سته التي تعتمد على‬ ‫العود ك�آلة �أوىل‪ ،‬هي ع�صب كل الأغ��اين‬ ‫ال�ت��ي ق��دم�ه��ا‪ .‬وك��ان ب��و ال��روغ��ة ح��ا��ض��ر ًا‪،‬‬ ‫عند احل�ضر والبدو و�سكان اجلبال‪ ،‬ا�سم ًا‬ ‫و�صوت ًا يف كل �أنحاء املنطقة‪.‬‬ ‫وج���اء امل��ري �خ��ي ل �ي �ق��دم م��در� �س��ة ج��دي��دة‬ ‫خم�ت�ل�ف��ة‪ ،‬تعتمد ع�ل��ى الآالت املو�سيقية‬ ‫احل��دي�ث��ة‪ ،‬والكلمات الق�صرية وجنومية‬ ‫الغناء على �شا�شة التلفزيون امللون‪.‬‬ ‫فات�سع امل�شهد لي�ضم �إىل ج ��وار ��ص��ورة‬ ‫ب��ال��روغ��ة‪ ،‬ب �ـ«ال �ك��وت» الأخ �� �ض��ر املخطط‬ ‫جال�س ًا حمت�ضن ًا عوده‪� ،‬صورة جابر جا�سم‬

‫راف �ع � ًا ط��رف غ�ترت��ه واق �ف � ًا ع�ل��ى امل�سرح‬ ‫متقدم ًا فرقته املو�سيقية احلديثة‪.‬‬ ‫وع �ل��ى ال��رغ��م م��ن �أن ال��رج �ل�ين �شكال‬ ‫مدر�ستني خمتلفتني‪� ،‬إال �أن �أي � ًا منهما‬ ‫مل ي�سء للآخر �أو يهاجمه‪ ،‬كما حدث‬ ‫ويحدث يف �أماكن و�أزمنة خمتلفة‪،‬‬ ‫فقد �أبقيا على الود بينهما واحرتام‬ ‫املهنة‪ ،‬وكان �أن وجد االثنان مكانة‬ ‫عالية ومميزة عند جمهورهما‬ ‫امل�شرتك‪.‬‬

‫جهود للتوثيق‬

‫يبقى �أن نقدم التحية ملوقع «خلي‬ ‫ال�ق�ل��ب» الإل��ك�ت�روين ال ��ذي خ�ص‬ ‫ال �ف �ن��ان ال��راح��ل ب�صفحة مميزة‬ ‫�ضمت ‪� 69‬أغنية من �أغنياته املميزة‬ ‫ميكن متابعتها على هذا الرابط‪http:// :‬‬ ‫‪ ،www.uae20.com/jasem.htm‬وندرج‬ ‫ه�ن��ا ق��ائ�م��ة ب�ه��ا م�ساهمة م�ن��ا يف توثيق‬ ‫تراث املطرب الراحل‪� :‬صافني يا �صخيف‬ ‫اخلدي‪� ،‬صاح بزقر ملنادي‪ ،‬ع ّدى وال �س ّلم‪،‬‬ ‫�أنا لوالك‪ ،‬اجلفن حارب‪ ،‬حر ٍة باجلوف‪ ،‬بو‬ ‫مبارك‪� ،‬أني�س الروح‪ ،‬حايز �سمت ومعاين‪،‬‬ ‫ح �م��ام ن ��اح يف ن��وم��ي‪ ،‬ل���س��ت ت� ��دري‪ ،‬حي‬ ‫الهجر‪ ،‬اغنم زمانك‪� ،‬ضاع فكري‪� ،‬أ�صبحت‬ ‫عنهم راي ��ح‪ ،‬امل ��وادع بال�سالمي‪ ،‬الكو�س‬ ‫لع�شوية‪� ،‬أنا والليل‪ ،‬قال من هو‪ ،‬فتاة احلي‪،‬‬ ‫ارتع�شت‪ ،‬هل عادين‪ ،‬غزيل ف ّلة‪ ،‬غردي يا‬ ‫بالبل‪ ،‬خ��ذين معك‪ ،‬ك��ان ا�سفحت‪ ،‬جلب‬ ‫الك�أ�س‪ ،‬يا من القى طاليب‪ ،‬كم ب�صرب‪ ،‬كم‬

‫ق ّدم المريخي مدرسة‬ ‫جديدة مختلفة‬ ‫تعتمد على الفرقة‬ ‫الموسيقية الحديثة‬ ‫وليس العود وحده‬

‫عذلت‪ ،‬معك التحية‪ ،‬لك ق�صر و�سط احل�شا‪،‬‬ ‫لدغني وداده يف احل�شا‪ ،‬مرحبا خالد‪ ،‬يا مالك‬ ‫الروح‪� ،‬أنا لو قلت ما �أحبك‪ ،‬من احلور‪ ،‬مرحبا‬ ‫يا حي ف�ضل اهلل‪ ،‬مرحبا مليار بقبالك‪ ،‬يا نور‬ ‫عيني تعال‪ ،‬ن�سيتونا حبايبنا‪ ،‬ناديت ما يف‬ ‫حدا ‪ ،‬بي من �سبع وناتي‪ ،‬رمتني من عيونك‬ ‫روحت عنهم‪� ،‬سيدي يا �سيد �ساداتي‪� ،‬سلموا‬ ‫يل‪� ،‬سالم للرباين‪ ،‬يا �شوق حلوين‪� ،‬شدوا‬ ‫العربان بالكلي‪� ،‬سقاين احلب‪ ،‬ونات مك�سور‪،‬‬ ‫ونتي ونات يل حاين‪ ،‬اهلل يل ت�سامح‪ ،‬يا كم يا‬ ‫عاذل‪ ،‬يا جفوين‪ ،‬وين يل طاقة‪ ،‬ياهلل يا عامل‪،‬‬ ‫يا كو�س يا لوابي‪ ،‬يا خفيف الروح‪ ،‬يا جنوم‪ ،‬يا‬ ‫مها وين‪ ،‬يللي انت غايل‪،‬‬ ‫يا ويل يا من �ضاع فكره‪ ،‬يا �شوق ه��زين‪ ،‬يا‬ ‫ركب يا ق�صادي‪ ،‬زارين بعد الع�صر‪ ،‬يقولون‬ ‫من حب ما يهتني‪ ،‬يا زين حبك‬


‫الكتب‬ ‫سوق اآلفاق‬ ‫ارتياد‬ ‫‪144‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪154‬‬ ‫�أغ�سط�س‬

‫‪2012‬‬

‫املدار�س والتعليم يف الرتاث‬

‫دراسة في تطور فكرة التربية عند العرب‬ ‫مفيد جنم‬ ‫قليلة هي الكتب التي بحثت يف فكرة الرتبية كما حتدثت عنها كتب تراث العرب القدمي‪ ،‬ولعل كتاب الباحث‬ ‫الفل�سطيني خليل طوطح الذي �صدر يف منت�صف ثالثينيات القرن املا�ضي «الرتبية عند العرب» هو واحد من‬ ‫تلك الكتب القليلة‪ ،‬التي مل تكتف بالبحث يف هذا املجال‪ ،‬بل عمدت �إىل تقدمي جداول �إح�صائية بعدد املدار�س‬ ‫و�أنواعها و�أماكن انت�شارها يف البلدان العربية منذ العهد العبا�سي وحتى بداية القرن الع�شرين‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫متابعة تطور فكرة الرتبية وتو�سعها وبراجمها املعتمدة‪ ،‬ما يقدِّم �إ�ضاءة وا�سعة ومهمة على هذا اجلانب الهام‬ ‫من تراثنا العلمي والرتبوي‪ ،‬من خالل منهج �أكادميي وا�ضح‪ ،‬ال�سيما �أن الكتاب كان يف الأ�صل ر�سالة دكتوراة‬ ‫قدَّمها طوطح جلامعة كولومبيا الأمريكية ونال عليها �شهادة الدكتوراة‪.‬‬ ‫�إن �أهمية الدرا�سة تكمن يف تاريخ �صدورها‪ ،‬يف‬ ‫«ثالثينيات القرن الع�شرين» عندما كان العرب‬ ‫يتحفزون لنيل اال�ستقالل والنه�ضة‪ ،‬الأم��ر‬ ‫ال��ذي كان ي�ستدعي منهم م�ضاعفة اجلهد‪،‬‬ ‫خا�صة على �صعيد الرتبية العامة التي يجب �أن‬ ‫تتجه نحو تربية العامة وتثقيفهم‪ ،‬وذلك بعدم‬ ‫اقت�صار فتح امل��دار���س على م��دن احلوا�ضر‬ ‫الرئي�سة يف البلدان العربية‪� ،‬أو على الذكور دون‬ ‫الإن��اث‪ ،‬لأن الثقافة يجب �أن تعم الأمة كلها‪.‬‬ ‫والغريب �أن وظيفة التعليم يف الأقطار العربية‬ ‫كما ك��ان ي��راه��ا ط��وط��ح مل تتبدل ك�ث�يرا يف‬ ‫وقتنا الراهن‪� ،‬إذ يراها ترتبط عند الكثريين‬ ‫بتح�صيل املعي�شة وت�أمني م�صدر للرزق‪ ،‬يف‬ ‫حني �أن العرب يف ع�صور �إزده��ار ح�ضارتهم‬ ‫عملوا على ن�شر العلم و�أ�س�سوا املدار�س على‬ ‫�أ�سا�س لغوي متني‪ .‬ويف �ضوء ذل��ك ي��رى �أن‬ ‫الرتبية العربية يف هذا الع�صر هي �أمام ثالثة‬ ‫م�سالك عليها �أن تختار امل�سلك املنا�سب منها‪،‬‬ ‫فهي �إما �أن تتم�سك باملدنية العربية القدمية‬ ‫التي توقفت عند الع�صور الو�سطى‪� ،‬أو تقتدي‬ ‫باحل�ضارة الغربية‪ ،‬كما فعل ب��الأت��راك دون‬ ‫التمحي�ص يف جوانبها املختلفة‪� ،‬أو اعتماد‬ ‫خطة اجلمع بني اجليد واملفيد من احل�ضارتني‬

‫العربية والغربية ودجمهما مع ًا وهو املوقف‬ ‫الذي يتبناه الباحث‪.‬‬ ‫وال�س�ؤال هنا ملاذا مل ت�ستطع الثقافة العربية‬ ‫وق��واه��ا االجتماعية والفكرية بعد ك��ل تلك‬ ‫ال�سنني وال�ت�ط��ور ال��ذي �شهدته املجتمعات‬ ‫العربية �أن تتجاوز تلك الإ�شكاليات املطروحة‬ ‫على �صعيد امل��وق��ف م��ن العالقة م��ع الغرب‬ ‫وح�ضارته‪ ،‬حيث ما زالت املراوحة على هذا‬ ‫امل�ستوى على �صعيد املواقف املت�صارعة‪ ،‬والتي‬ ‫تعرب عن التباينات فيها ‪ ،‬دون �أن تتبلور ر�ؤية‬ ‫عربية موحدة و�شاملة على هذا امل�ستوى‪.‬‬

‫املدار�س يف الع�صور التاريخية‬

‫يعتمده الباحث املنهج التاريخي من خالل‬ ‫تق�سيم تاريخ الرتبية عند العرب وفق الع�صور‬ ‫التاريخية ب��دءا من الع�صر اجلاهلي وحتى‬ ‫الن�صف الأول من القرن الع�شرين‪ ،‬فيتحدث‬

‫العرب اهتموا‬ ‫بالتأليف في قضايا‬ ‫التربية المختلفة على‬ ‫خالف ما يقوله بعض‬ ‫المستشرقين‬

‫يف البداية عن امل��دار���س و�أهمية العلم عند‬ ‫العرب منذ ظهور الدعوة الإ�سالمية‪ ،‬ال�سيما‬ ‫عرب موقف الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬الذي‬ ‫ك�شف عن مدى تقديره للعلم عندما قبل �أن‬ ‫يفدي كل �أ�سري من قري�ش نف�سه بتعليم ع�شرة‬ ‫من �أبناء امل�سلمني ‪� .‬أما يف الع�صر الأموي الذي‬ ‫ميثل كما يقول الباحث ع�صر االنتقال من‬ ‫البداوة �إىل احل�ضارة فقد ُعرف عن العديد‬ ‫من �شخ�صياته �أنهم ا�شتغلوا يف مهنة التعليم‬ ‫مثال احلجاج بن يو�سف والوليد بن عبد امللك‬ ‫وعبد احلميد الكاتب‪ ،‬يف حني اتخذ خلفاء بني‬ ‫�أمية م�ؤدبني لأبنائهم ‪ .‬ويف الع�صر العبا�سي‬ ‫كان الكت�شاف �صناعة ال��ورق يف ال�صني دوره‬ ‫الكبري يف ن�شر العلم ونه�ضة العبا�سيني‪ ،‬ثم‬ ‫يتحدث بالتف�صيل عن �أن��واع املعاهد العلمية‬ ‫التي توزعت على املكتب والكتَّاب واجلامع‬ ‫وجمال�س العلم والأدب واملدر�سة �أو الكلية‪.‬‬ ‫يعتمد الباحث يف تتبعه لواقع التعليم على‬ ‫امل��راج��ع الرتاثية التي حتدثت ع��ن مدار�س‬ ‫ال�ك� َّت��اب مثل ك�ت��اب الأغ� ��اين ال�شهري ال��ذي‬ ‫يتحدث ع��ن تلك املكاتب يف الكوفة وكتاب‬ ‫البيان والتبيني ومعجم الأدب��اء الذي يتحدث‬ ‫عن مكاتب بغداد‪ .‬و�إذا ك��ان الباعث الأك�بر‬


‫على فتح تلك املدار�س هو الباعث الديني ف�إن‬ ‫اجلوامع كانت �أكرث الأماكن التي ا�ستخدمت‬ ‫للتعليم‪ ،‬حيث توىل رجال الدين مهمة ت�أديب‬ ‫الأوالد وتعليم الفقهاء علوم الفقه‪ ،‬وما زالت‬ ‫هذه املهنة قائمة حتى ع�صرنا الراهن‪ ،‬ويعترب‬ ‫جامع الأزه��ر يف القاهرة املثال الوا�ضح يف‬ ‫ه��ذا امل�ج��ال‪ .‬وم��ن الإجن� ��ازات التي حققها‬ ‫العبا�سيون يف عهد الر�شيد �إن�شاء معهد راق‬ ‫يتلقى فيه الطلبة العلوم العالية كالريا�ضيات‬ ‫والفلك واحلكمة‪ ،‬وكان يدعى بيت احلكمة‪.‬‬ ‫يجمع امل�ؤرخون امل�سلمون على �أن �أول من بنى‬ ‫املدار�س يف الإ�سالم هو نظام امللك الطو�سي‬ ‫وزير ملك �شاه ال�سلجوقي يف �أوا�سط القرن‬ ‫اخلام�س للهجرة‪ ،‬وقد فتح مدار�س عديدة يف‬ ‫بغداد والب�صرة واملو�صل و�أ�صبهان وني�سابور‬ ‫وبلخ وجعل التعليم فيها جمان ًا‪ ،‬كما وزع على‬ ‫التالميذ الأرزاق‪ ،‬وكانت تلك املدار�س هي‬ ‫من متد الدولة بالق�ضاة واملدر�سني والكتبة‬ ‫وامل��وظ�ف�ين‪ .‬وعلى غ��رار بيت احلكمة ال��ذي‬ ‫�أن�ش�أه العبا�سيون يف بغداد �أق��ام الفاطميون‬ ‫يف القاهرة دار العلم وكان التعليم فيها متاح ًا‬ ‫ل�سائر طبقات ال�شعب ‪�.‬أما بالن�سبة �إىل عدد‬ ‫املدار�س فهو يختلف من مدينة �إىل �أخ��رى‪،‬‬ ‫لكنها كانت بالع�شرات‪ ،‬وق��د فتحت �أبوابها‬ ‫للفقراء وق��ام��ت �أوق���اف امل��دار���س بالتكقل‬ ‫بطعامهم وتدري�سهم ولب�سهم ومنامهم ويف‬ ‫بع�ض الأحيان مبعاجلتهم‪.‬‬

‫معلم ومدر�س و�أ�ستاذ‬

‫كان املعلم يف الإ�سالم من �أهل الع�صبية �أو من‬ ‫الهواة‪ ،‬ثم حتول التعليم �إىل �صناعة بهدف‬ ‫ك�سب الرزق ولذلك �أقبل عليه من كان بحاجة‬ ‫�إىل حت�صيل معا�شه‪ ،‬كما ك�ثرت الفكاهات‬ ‫واملزاح على ح�ساب املعلم العربي ما يدل على‬ ‫املكانة االجتماعية التي كان يحظى بها‪� ،‬إال �أن‬ ‫درجات املعلمني تباينت بني معلم �أوالد الذي‬ ‫كان هدفا ل�لازدراء‪ ،‬و�شيخ ومدر�س و�أ�ستاذ‬ ‫انتموا �إىل طبقة غري طبقة معلمي الأوالد‪� ،‬إذ‬ ‫كان لقب املعلم هو �أدن��ى الرتب العلمية‪� ،‬أما‬ ‫املدر�س فكان يف درجة �أرق��ى‪ ،‬وهناك املعيد‬ ‫الذي يكون من ف�ضالء ال�صلحاء‪ ،‬يف حني كان‬

‫�إىل املعلم‪ .‬وتروي بع�ض كتب الرتاث �أن ‪400‬‬ ‫�إىل ‪ 500‬طالب كان يجتمعون �إىل الدر�س‪.‬‬

‫كثرت الفكاهات‬ ‫والمزاح على حساب‬ ‫المعلم العربي ما‬ ‫يدل على المكانة‬ ‫االجتماعية التي كان‬ ‫يحظى بها‬ ‫لقب ال�شيخ يطلق على الأ�ستاذ والعامل ورئي�س‬ ‫ال�صناعة باعتباره الكبري يف العلم والف�ضيلة‪.‬‬ ‫و�إذا كان لقب اال�ستاذ قد �أطلق على من �أظهر‬ ‫مهارة يف التعليم‪ ،‬ف�إن لقب »ال ُّرحلة» كان يطلق‬ ‫على �أكابر العلماء ‪.‬‬ ‫لقد كان للمعلمني زي خا�ص بهم يف كل بلد‪،‬‬ ‫ولتمييزهم عن الآخرين كانت عمامتهم التي‬ ‫يرتدونها �أكرب من غريها‪ ،‬كما كانوا يرتدون‬ ‫الطيل�سان املكون من �شا�ش يو�ضع على الر�أ�س‬ ‫�أو الكتف‪ .‬ومما تذكره كتب الرتاث عن التعليم‬ ‫واملدار�س �أن املدار�س كانت متنوعة منها ما‬ ‫يخت�صبحفظالقر�آنوفقههومنهااملتخ�ص�ص‬ ‫يف احلديث‪ ،‬كما كان بع�ضها مرتبط ًا ب�أحد‬ ‫املذاهب كاملدر�سة ال�شافعية واملدر�سة احلنفية‬ ‫�إىل جانب مدار�س الطب‪ ،‬وقد لعبت امل�ساجد‬ ‫دور ًا مهم ًا يف هذا املجال‪ ،‬فابن جبري يذكر‬ ‫على �سبيل املثال �أن اجلامع الأموي كان ي�ؤمه‬ ‫م��ا ينوف على خم�سمائة �إن���س��ان‪ .‬ومل يكن‬ ‫حال املدار�س من حيث ازدحام الطالب فيها‬ ‫خمتلف ًا عن امل�ساجد مما كان ي�ضطر الطالب‬ ‫�أن يجل�سوا يف حلقات �ضمن حلقات لال�ستماع‬

‫وي�شري الباحث �إىل م�شاركة املر�أة يف ممار�سة‬ ‫مهنة التدري�س مع ذكر �أ�سماء بع�ضهن ‪.‬‬ ‫ويخل�ص الباحث من خ�لال بحثه يف �أق��وال‬ ‫العرب حول �أولوية ما يجب �أن يتعلمه الطالب‪،‬‬ ‫�إىل تركيزهم على تعلم الأم��ور العملية مثل‬ ‫ال�سباحة وال��رم��اي��ة ورك ��وب اخل�ي��ل وحفظ‬ ‫الأن�ساب واحل�ساب وقوانني ال�ضيافة وال�شعر‬ ‫لولعهم به‪ .‬وقد حظي القر�آن ب�صدارة مناهج‬ ‫ال��درا��س��ة يف ال�ك� ّت��اب‪ ،‬خا�صة و�أن امل��دار���س‬ ‫ا�صطبغت ب�صبغة دينية‪ ،‬جعلت برناجمها‬ ‫ديني ًا و�شرعي ًا ولغوي ًا و�أدب �ي � ًا وح�سابي ًا‪ ،‬يف‬ ‫حني �أن تدري�س امل��واد العلمية كالريا�ضيات‬ ‫والطب وما وراء الطبيعة والفلك كان وقف ًا على‬ ‫مدر�سني خ�صو�صيني‪ ،‬وعلى التدري�س يف بيت‬ ‫احلكمة ودار العلم ال غري‪.‬‬

‫�أ�ساليب التدري�س و�آدابه‬

‫ويبحث الكتاب يف �أ�ساليب التدري�س املتبعة‬ ‫وطرقها كالإلقاء �أو ال�شرح والإمالء والتلقني‬ ‫واملناق�شة وامل �ن��اظ��رة‪ ،‬وه ��ذه ال �ط��رق تعود‬ ‫�إىل �أ�سلوبني �أ�سا�سيني‪ ،‬هما التعليم والتعلم‬ ‫ي�ستفي�ض الباحث يف �شرح قواعدها �أم��ا ما‬ ‫يتعلق ب��آداب الدر�س والتدري�س فقد حتدثت‬ ‫كتب كثرية عنها‪ ،‬بل �إن العرب �أ�سرفوا يف‬ ‫احلديث عن ذلك وب ِّينوا وظائف كل من املعلم‬ ‫واملتعلم وو�ضعوا ال�شروط لها‪ ،‬كما ورد عند‬ ‫الغزايل يف كتابه �إحياء علوم الدين ‪.‬‬ ‫بعد هذا التعريف بواقع الرتبية عند العرب‬ ‫وتطوره يحاول الباحث التعريف بالفل�سفة‬ ‫التي قامت عليها الرتبية عند العرب وذلك‬ ‫يف الف�صل الأخ�ير من الكتاب ال��ذي يجمل‬ ‫فيه �أغ��را���ض الرتبية يف �أرب �ع��ة ع��وام��ل هي‬ ‫الديني واالجتماعي والعقلي واملادي‪ .‬ولت�أكيد‬ ‫اهتمام ال�ع��رب بالت�أليف يف جم��ال الرتبية‬ ‫يذكر جمموعة كبرية من امل�ؤلفات مع التعريف‬ ‫بها‪ ،‬ومبا احتوت عليه من ف�صول ومباحث‬ ‫ت�ؤكد �أن العرب على خالف ما يقوله بع�ض‬ ‫امل�ست�شرقني قد اهتموا بالت�أليف يف ق�ضايا‬ ‫الرتبية املختلفة‬


‫كالم أخير‬

‫حبيب ال�صايغ‬

‫العودة إلى األماكن القديمة‬ ‫ال ت�ستدعي العودة �إىل الأماكن القدمية‬ ‫روح املكان فقط‪ ،‬و�إمنا معها وقبلها روح‬ ‫الزمان‪.‬‬ ‫احلركة هنا دائرية وم�ستطيلة ومربعة‬ ‫ومتداخلة يف بع�ضها بع�ض ًا‪ ،‬احلركة هنا‬ ‫�إمياء يت�أمل و�إغواء يت�أجج‪ ،‬احلركة هنا‬ ‫ان�سياب �إىل ما ال تنك�شف عنه الذاكرة �إال‬ ‫�ساعة االعرتاف‪ ،‬تو�أم �ساعة املوت‪.‬‬ ‫لكن االعرتاف‪ ،‬مبعنى من املعاين‪ ،‬حياة‬ ‫�إ�ضافية‪ ،‬وعندما نعود �إىل الأماكن القدمية‬ ‫فنحن‪ ،‬يقين ًا‪ ،‬منار�س نوع ًا من االعرتاف‬ ‫بيننا وبني ذواتنا‪ ،‬وبيننا وبني الكائنات‬ ‫اجلامدة من جدران و�أ�سقف ونوافذ‬ ‫وحجارة‪ ،‬ترى‪ ..‬هل من طم�أنينة خارج‬ ‫هذا املكان‪ ،‬وهل من �ألفة ن�ألفها يف �أماكننا‬ ‫اجلديدة‪ ،‬وكم‪ ،‬ومتى؟‬

‫كيف يشيل البناء العتيق على ظهره‬ ‫حزن سكانه‪ ،‬وحكاياتهم‬ ‫كيف ينسى لكي يتماسك؟‬ ‫أو يتذكر‪ ..‬كيف؟‬

‫الذكريات ال ت�شدنا �إىل املا�ضي‪ ،‬و�إمنا �إىل‬ ‫ذلك الزيت اخلامل‪ ،‬اخلامد يف عقولنا‬ ‫ونفو�سنا‪ ،‬وهي ن�صف احلقيقة‪� ،‬أما‬ ‫الن�صف الآخر فهو القلق املكتوب على �أكف‬ ‫�أيدينا بحرب احلياة‪.‬‬ ‫ال يهم ما قالت العرافة �أو تقول‪ ،‬املهم ما‬ ‫تقول �أحالمنا وهي توقظ الليل فينا ومن‬ ‫حولنا‪ ،‬ت�ؤكد لنا وقد و�صلنا �إىل ال�شاطئ‬ ‫الآخر �أنه ال�شاطئ الأخري‪ ،‬و�أن ال�سفن‬ ‫وراءنا حمرتقة‪ ،‬ف�إما معاقرة التجربة‬ ‫اجلديدة‪� ،‬أي الالعودة‪� ،‬أو املوت غرق ًا‪.‬‬ ‫ال نية على العودة‪ ،‬لكن العودة �إىل الأماكن‬ ‫القدمية ذهاب �إىل التجربة من بابها‬ ‫الوا�سع‪ ،‬مما يحقق مفهوم الالعودة‪� ،‬أي‬ ‫االنقطاع عن املا�ضي ال بالرتويج للقطيعة‪،‬‬ ‫و�إمنا بتكرار املحاولة‪.‬‬



‫يصدر كل شهر ويوزع مجاناً مع مجلة تراث‬

‫العدد المقبل‬

‫«رسائل البشرى في السياحة‬ ‫بألمانيا وسويسرا ‪»1889‬‬ ‫رحلة عربي من برلني �إىل برلني‬ ‫للكاتب ح�سن توفيق العدل‪.‬‬ ‫حررها وقدّم لها نوري اجلراح‪.‬‬

‫يــــة‬

‫هــد‬ ‫مع‬

‫راث‬

‫جملة ت‬

‫صدر ضمن سلسلة كتاب تراث‪:‬‬

‫(‪)7‬‬

‫(‪)6‬‬

‫الت‬ ‫ة‬

‫يجي‬

‫ترات‬

‫اس‬

‫كرمي‬ ‫ال‬ ‫يف قراآنه ره يف‬ ‫تي�سري ذك � تيعاب‬ ‫ل عانيه وا�س ةً من‬ ‫م‬ ‫كب‬ ‫�ير بها ك� اتها‪،‬‬ ‫اهتمام من رواي ها كلٌّ‬ ‫ت‬ ‫ها والتثبُّ ج لها اأو ب للغ�ي‬ ‫جا‬ ‫ل والحت خذ منها ا عت�سد‬ ‫ها‬ ‫يه زعه؛ فات ذهبه‪ ،‬وا رجيح‬ ‫من‬ ‫مل‬ ‫هه و ه أاو حجة كام أاو يف ت �هها‬ ‫س وج‬ ‫لى قاعدت باط الأح ببع�‬ ‫كانت‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫تن‬ ‫ه يف ا�س �سل املتكل ب غريه‪ ،‬للغ�ي‬ ‫فقي ر‪ ،‬وت� َّ د مذه حليل ا‬ ‫على آاخ أو يف ر ي الت‬ ‫هبه ا ذلك ه‬ ‫م‬ ‫�جيه‬ ‫بات مذ ا اإىل‬ ‫يف الت‬ ‫نيها‪،‬‬ ‫هات‬ ‫يف اإث م جمي ًع ها‪.‬‬ ‫عا‬ ‫و�سيلته لعنا�سر ذه الجتا ث يف م على‬ ‫ح‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫والنح� خال ه عني بالب ة امل �رتت �ب � جلزري‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫وبزغ م خ �ر ك��ان ُ ال�ب�اغ�ي� ها ابن ا وج ًها‬ ‫عل‬ ‫اجت��اهٌ آا الأوج� � �ه ا‪ ،‬حتى ج ‪911‬ه�) رمي‪.‬‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫وت�ل� ُّم��� واختافه �طي (ت القر آان ال ي ب َّثها‬ ‫سي‬ ‫يف‬ ‫تغايرها ه�) وال� لباغي اغية الت راءات‬ ‫لب‬ ‫ا‬ ‫‪8‬‬ ‫(ت‪ 32‬الإعجاز ظ�اهر ا جيههم للق على‬ ‫ف‬ ‫�ه‬ ‫ال‬ ‫من وج تاب يتتبع عر�س ت� ثم ال�ق� وبيان‬ ‫سة‬ ‫م‬ ‫هذا الك �سلف يف ر�سدها؛ حتليلها‪ ،‬أثرها‬ ‫دخل‬ ‫و‬ ‫أاو تا‬ ‫و‬ ‫ال‬ ‫ا‬ ‫أ‬ ‫ا‪،‬‬ ‫علما ُء وغريه رة اإليها ال�س حركة‬ ‫�اترة‬ ‫الإ�سا غي اخل ب يف‬ ‫ملت‬ ‫يف‬ ‫ملنا�س‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫رائقهم حث الب عها ا‬ ‫�ق‬ ‫ط‬ ‫لب‬ ‫أثرها يف ا ع بذلك م دها‪.‬‬ ‫جتدي‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫ه؛ حتى ت اغة و‬ ‫ب سيل الب‬ ‫�‬

‫غي‬ ‫ِ‬ ‫ُه البَال نِي َّ ْة‬ ‫ي‬ ‫ُقرْآ‬ ‫ال َّتو ِج ت ال‬ ‫َءا ِ‬ ‫ِقرَا‬ ‫لِل‬

‫أوي‬

‫ل ال‬ ‫ـدال‬ ‫لي‬

‫حمد‬

‫رحان‬

‫ثم �س‬

‫هي‬

‫د‪� .‬أ‬

‫ت‬

‫دارا‬ ‫اإ�ش ‪2 0 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫�سعد‬

‫حممد‬

‫�سعد‬

‫اليمن ‪ ،1929‬انطباعات ومشاهدات البعثة السوفيتية‬ ‫األملانية السينامئية‪ ،‬ترجمة د‪ .‬سعيد دبعي‬ ‫تعدد الرواية يف الشعر الجاهيل‪ ،‬د‪ .‬أمين بكر‬ ‫ذاكرة الطني‪ ،‬شواهد من الرتاث املعامري والعسكري‬ ‫يف مدينة العني‪ ،‬د‪ .‬محمد فاتح صالح زعل‬ ‫حكمة األجداد يف تراث مجتمع اإلمارات‪،‬‬ ‫دراسة سوسيولوجية يف األمثال الشعبية‪ ،‬د‪ .‬أحمد محمود الخليل‬ ‫تأريخ القدامى للشعر إىل نهاية القرن الرابع‬ ‫مدونة املرزباين أمنوذجاً ‪ ،‬د‪ .‬محمد حبيبي‬ ‫اسرتاتيجية التأويل الداليل عند املعتزلة‬ ‫الدكتور هيثم رسحان‬ ‫التوجيه البالغي للقراءات القرآنية‪ ،‬د‪ .‬أحمد سعد محمد سعد‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.