صوت من المستقبل إن بناء الشعوب عملية صعبة ،وإقامة نهضتها وحتقيق أهدافها أمر معقد وشاق ،حماط باخلطر ،وحمفوف بالصعاب ،ذلك ألن قوى البغي والظالم املناهضة لبناء حريات الشعوب ال تلقي سالحها ،وال تستسلم بسهولة ،فهي تلقي بكل قواها يف معركة النور والظالم ،ويطول أمد الصراع وتشتد ضراوته سنني طويلة ،تخضب فيها الساحة بالدماء والدموع ،ويكون النصر للشعوب يف نهاية املطاف ،ألنها تندفع عن حق، وتكافح يف إميان عظيم. لقد كنا شعبًا مبعرثًا ،متزقه القبلية ،وتفرق بني صفوفه املطامع االستعمارية ،وحتول بني وحدته العنعنات اإلقليمية ،فصرنا بنعمة اهلل متحدين. أحمد أمني املدين شاعر من اإلمارات « »1995-1931
محتويات العدد تراثية ثقافية منوعة ت�صدر عن مركز زايد للدرا�سات والبحوث بنادي تراث الإمارات
امل�شــرف العــام
حبيـب ال�صــايـغ اال�سـتـ�شـارة العـلـمـيــة
�أ .د .ح�سـن حمـمـد النابـودة �أ.د .يحيى حممد حممـود �أ .حنفي جايل مدير التحرير
وليد عالء الدين هيئة التحرير
�شـم�سـة حـمـد الظاهـري فاطمة نايع املـنـ�صـوري حممــد �سعد النمـــر املـراجـعـة والـتـدقـيـق
د .حمـمـد فـاتــح زغـل
املر�صد� :أ�شادت املنظمة الإ�سالمية للرتبية والعلوم والثقافة �-إي�سي�سكو -بقرار جلنة الرتاث 20 العاملي التابعة ملنظمة الأمم املتحدة للرتبية والعلم والثقافة -يون�سكو� -إدراج كني�سة املهد وطريق احلجاج يف مدينة بيت حلم بدولة فل�سطني على الئحة الرتاث العاملي املهدد باخلطر ،وهو ما اعتربته ،ومعها كثريون� ،إ�ضافة هامة يف جهود الت�صدي للمحاوالت املتكررة من قبل «�إ�سرائيل» لتهويد مواقع ومعامل �أثرية فل�سطينية ،وت�سجيلها على الئحة الرتاث العاملي .من بيت حلم يكتب لنا ال�شاعر الفل�سطيني يو�سف املحمود تقرير ًا حول كني�سة املهد و�أ�صداء القرار. ق�ضية للنقا�ش :يف كل رم�ضان تقريب ًا ،يثار اجلدل حول عمل درامي اقرتب من مناطق 28 يرى البع�ض �أنها حمظورة يف الرتاث العربي والإ�سالمي .ثم ينتهي اجلدل وترتاجع الق�ضية .ولكن يبقى ال�س�ؤال الرئي�س يف حاجة �إىل نقا�ش عميق و�صو ًال �إىل ت�ص ّور يقرب وجهات النظر وي�ضمن عدم امل�سا�س بقيم وثوابت املجتمع ،من دون �أن ينتق�ص من �أهمية دور الفنون يف التعريف بالرتاث� ،أو �أن يحرم الأجيال اجلديدة من و�سيلة حديثة ملعرفة رموز تراثهم يف زمن يحتاجون فيه �إىل تلك الرموز .نخ�ص�ص ملف ق�ضية للنقا�ش هذا العدد لبحث هذه امل�س�ألة ال�شائكة مع مثقفني وخرباء وعلماء دين من املغرب وم�صر والإمارات. �ساحة احلوار :منذ 12عام ًا يعكف الباحث عبد اهلل ال�سريحي على �إعادة حتقيق «معجم 46 البلدان» لياقوت احلموي ب�أجزائه الـ ، 15ويربر ال�سريحي �إقدامه على ذلك اجلهد الكبري ب�أن املعجم -بطبعاته احلالية -غري مفيد على الإطالق ،وهو يف حاجة �إىل حتقيق علمي حديث ،وي�صف ال�سريحي املعجم ب�أنه �أو�سع املعامل اجلغرافية العربية و�أ�شملها ،و�أكرثها دقة و�أ�صالة ،وكل ما جاء بعده كان تكرار ًا واجرتار ًا.
املديـر الفنـي
فــواز نـاظــم ر�س ــوم
حـ�سـن �إدلـبـي حممد بريم الإخراج والت�صميم
�إيـنـا�س درويـ�ش هـاتف00971 2 22 23 000 : فـاك�س00971 2 658 22 82 : �ص.ب� :أبو ظبي 27765 Email: turathmag1@gmail.com
مدير التحرير
waleedalaa@hotmail.com
�أبوظبي للإعالم-توزيع الرقم املجاين 8002220 : فاك�س +971 - 02-4145050 :
distribution@admedia.ae
56 وجه يف املر�آة :بلغ ال�شاعر حمد �أبو �شهاب مكانة رفيعة بني �شعراء الإمارات ،حيث يقف يف �صفوف �أهل املقدمة �سواء بني ال�سابقني واملعا�صرين ،يوحي لك �شعره �أنك �أمام �أحد �شعراء العربية الفحول ،تدرك يف �شعره اعتزاز ح�سان بن ثابت بدينه وعقيدته ،وعزة �أبي العالء املعري بنف�سه ،وو�صف البحرتي ،كما كان له اللون ال�شهابي اخلا�ص الذي ال ي�شاركه فيه �أحد ،تغزّل ّ فعف وو�صف ف�أجاد ،وامتدح فوفى ،ون�صح ف�أر�شد ،وانت�صر لأمته الإ�سالمية فكان �شاعر العربية امل�سلمة بال منازع .هكذا ير�سم الناقد الدكتور حممد عبد الهادي بقلمه مالمح وجه ال�شاعر الإماراتي الراحل حمد �أبو�شهاب الذي متر الذكرى العا�شرة على رحيله يف الثامن ع�شر من �شهر �أغ�سط�س اجلاري.
ارتياد الآفاق :يقول امل�ست�شرق الفرن�سي بوفيل � :إن من يكتب عن «تنبكتو» البد �أن ت�أخذه 64 نوبة من التنهدات .وال �شك يف �أن تلك التنهدات تزداد الآن مع ما تتعر�ض له املعامل الأثرية املدرجة على قائمة الرتاث العاملي لليون�سكو يف تنبكتو عا�صمة مايل من تخريب و�إبادة .الدكتور حممد ولد عبدي يعرفنا بتنبكتو ،تاريخها ومنجزها احل�ضاري و�صورتها يف مرايا الرحالة الذين و�صفوها بجوهرة ال�صحراء وعنقاء ال�ساحل لقيامها �أكرث من مرة من حتت رماد التخريب� ،إنها تنبكتو مدينة الأولياء الـ 333التي �صدّرت جامعتُها وجوامعها علماء �أجلاّ ء وا�ستقطبت طالب علم نهلوا منها وكانت منارة ثقافية �أ�ضاءت لقرون القارة الأفريقية وامتد �إ�شعاعها �إىل اجلهات الأربع وخ�صو�ص ًا �إىل احلوا�ضر الإ�سالمية الكربى. أيضاً و�أي�ضاً :زوايا جديدة ملبدعني عرب ،من املغرب الدكتور �سعيد يقطني يف زاوية بعنوان «مدارات» ،ومن ال�سعودية الدكتور معجب الزهراين يف زاوية «جماليات» ،ومن م�صر الروائي جمال الغيطاين يف زاوية «بدائع الزهور».
128
يا هال
ي ا ه ال
التراث والسالح
140
56
118
سعر النسخة
الإمارات العربية املتحدة 10دراهم -اململكة العربية ال�سعودية 10رياالت الكويت دينار واحد � -سلطنة عمان 800بي�سة -قطر 10رياالت -مملكة البحرين دينار واحد -اليمن 200ريال -م�صر 5جنيهات - ال�سودان 250جنيهاً -لبنان 5000لرية � -سورية 100لرية -اململكة الإردنية الها�شمية ديناران -العراق 2500 :دينار -فل�سطني ديناران - اململكة املغربية 20درهماً -اجلماهريية الليبية 4دنانري -اجلمهورية التون�سية ديناران -بريطانيا 3جنيهات � -سوي�سرا 7فرنكات -دول االحتاد الأوروبي 4يورو -الواليات املتحدة الأمريكية وكندا 5دوالرات. االشتراكات
للأفراد داخل الدولة »100« :درهم /للأفراد من خارج الدولة»150« : درهماً /للم�ؤ�س�سات داخل الدولة »150« :درهماً /للم�ؤ�س�سات من خارج الدولة »200« :درهم.
تظل ق�ضية مفهوم الرتاث وطريقة النظر �إليه هي الدرجة الأهم على �سلم ارتقاء احل�ضارات. ففي حني ت�صدت «�إ�سرائيل» بق�سوة لنجاح فل�سطني يف �إدراج كني�سة املهد وطريق احلجاج يف مدينة بيت حلم على الئحة الرتاث العاملي املهدد باخلطر لدى جلنة الرتاث العاملي التابعة ملنظمة الأمم املتحدة للرتبية والعلم والثقافة -يون�سكو .لأنها تدرك جيد ًا �أن هذا النجاح ميثل �ضربة قوية مل�شروعها الطامح �إىل تهويد املعامل الرتاثية يف فل�سطني وت�سجيلها باعتبارها تراث ًا يهودي ًا. يف احلني نف�سه ،ت�أتينا الأنباء من مدينة تنبكتو ،عا�صمة دولة مايل الأفريقية -عن اجلماعات امل�سلحة التي تُد ّمر -با�سم الدين -جمموعة من التحف املعمارية النادرة التي تعد �شواهد على منجز احل�ضارة الإ�سالمية و�إرثها العظيم يف تلك املدينة ،التي ي�سجل لها التاريخ �أنها، بجامعتها وجوامعها التي تتعر�ض للهدم الآن ،كانت منارة علم �ص ّدرت علماء �أجالء وا�ستقطبت طالب علم نهلوا منها ون�شروا علوم الإ�سالم يف القارة الأفريقية. �أكدت وكاالت الأنباء قيام تلك اجلماعات بتدمري �أ�ضرحة يعود تاريخ بع�ضها �إىل القرن اخلام�س ع�شر .وهو الأمر الذي تكرر خالل ال�سنوات الأخرية يف غري مكان على امتداد خارطة الوطن العربي والعامل الإ�سالمي؛ يف �أفغان�ستان ويف م�صر ،كما �شهدت اجلزائر يف فرتة من فرتات تاريخها املعا�صر �أحداث ًا م�شابهة. من �ضمن ما قام به �أفراد اجلماعات امل�سلحة يف تنبكتو �أنهم دمروا باب م�سجد ي�سميه �أهل املدينة «باب القيامة» ،يعود تاريخ بنائه �إىل القرن اخلام�س ع�شر ،وتدور حوله �أ�سطورة تفيد �أنه لن ُيفتح �إال يوم القيامة، و�أعلن امل�سلحون �أنهم �أرادوا بذلك �أن يكذبوا تلك الأ�سطورة ،وك�أنه ال حل �آخر �سوى العنف والتدمري! تتعلم الأمم املتح�ضرة من �أ�ساطريها ،تدر�سها وتفح�صها وت�شرحها لتتجاوزها �أو لتبني عليها ،ويف احلالتني حتفظها لأجيالها اجلديدة مقرونة مبا �أجنزته عليها من �شرح وحتليل ودرا�سة ،ليجدوا فيها ما يدعوهم للفخر مبا �أنتجته قرائح �أجدادهم ،ولل�سعادة بقدرتهم على جتاوزها �أو البناء عليها. تعرف الأمم املتح�ضرة �أن الأ�ساطري مفاتيح العامل نحو التقدم ،كونها منجز عقلي ميثل درجة من درجات الوعي ميكن تطويرها عرب التوا�صل الإن�ساين بالكلمة واملعرفة والعلم ونقل اخلربات ،فتتحول الأ�سطورة بعد �أن يتم جتاوزها �إىل تراث �شفهي يدعو �إىل الفخر وت�سعى �إليه النا�س طلب ًا للعلم واملتعة واجلمال. بينما ال يعرف امل�سلحون �أن هدم الباب وامل�سجد وال�ضريح ال يق�ضي على الأ�سطورة ،بل ي�ضيف �إليها ظال ًال من احلنق والغ�ضب تتوارثها الأجيال بدي ًال لرتاثهم الأ�صيل الذي تعر�ض للتخريب.
«تراث»
6
الشهر
الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
تحت رعاية سلطان بن زايد
ملتقى ال�سمالية ال�صيفي الـ 19يختتم فعالياته �أبوظبي – خالد امللكاوي حممود ا�سماعيل بدر
اختتمت ال�شهر الفائت على �أر�ض جزيرة ال�سمالية التي تعرف بـ «جزيرة الأحالم» فعاليات الدورة الـ 19من ملتقى ال�سمالية ال�صيفي الذي ينظمه نادي تراث الإمارات برعاية �سمو ال�شيخ �سلطان بن زاي��د �آل نهيان ،ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة، رئي�س نادي تراث الإمارات. حيث �شهدت اجلزيرة وغريها من املنافذ واملراكز التابعة للنادي ،على امتداد �شهر كامل فعاليات تراثية وثقافية متنوعة ���ش��ارك فيها الآالف م��ن �أب���ن���اء وب��ن��ات ال��وط��ن ،ال��ذي��ن ت��واف��دوا على اجل��زي��رة ينهلون من معني ح�ضاري و�إرث اجتماعي ذي مالمح خا�صة مرتبطة ب�شكل متجذر بالإن�سان الإماراتي الذي عا�ش على هذه الأر�ض قرون ًا عديدة.
ا�ستهدفت ق��ط��اع��ات وا���س��ع��ة م��ن �أب��ن��اء بكم الإم������ارات ،وجن��ح��ت يف ت��زوي��ده��م ّ معريف ومعلوماتي قيم يفيدهم يف حياتهم احلا�ضرة وامل�ستقبلية.
حدث جمتمعي هام
يف ه��ذا الإط��ار ق��ال �سعيد املناعي مدير �إدارة الأن�����ش��ط��ة وال�����س��ب��اق��ات البحرية بالإنابة يف نادي تراث الإمارات� :إن ملتقى ال�سمالية ال�صيفي عرب دورات��ه املتعاقبة التي و�صلت �إىل 19دورة هذا العام� ،صار ح��دث�� ًا �شبابي ًا وجمتمعي ًا مهم ًا ينتظره ال��ك��ث�يرون ���س��واء م��ن ال��ط�لاب �أو �أول��ي��اء الأمور ،لال�ستفادة من �أن�شطته املتعددة يف جزيرة ال�سمالية وغريها من املراكز التابعة للنادي ،خا�صة و�أن تلك الأن�شطة حتمل املتعة والفائدة يف �آن ،وهو ما تتميز به كافة ور�ش العمل مت تق�سيم فعاليات امللتقى ال�صيفي على الفعاليات التي ينظمها نادي تراث الإمارات. �أربعة �أ�سابيع� ،شهدت �إق��ب��ا ًال كبري ًا من املقيمني �أو الزائرين للعا�صمة االماراتية� ،أن�شطة ميدانية ا�ستمتعوا خاللها ب�ألوان �شتى من الرتاث و�أ�شار املناعي �إىل �أن الأن�شطة امليدانية الإماراتي� ،سواء من الريا�ضات املختلفة التي تتم على جزيرة ال�سمالية ،واملراكز ال��ت��ي م��ار���س��ه��ا الأق���دم���ون� ،أو الأل��ع��اب التابعة للنادي ت�ستهدف حتقيق جملة ال�����ش��ع��ب��ي��ة ،وك����ذا ف��ن��ون ال��ب��ح��ر وكيفية من الأهداف منها :احلفاظ على تراث التعاي�ش معه واال���س��ت��ف��ادة م��ن خرياته، والتدريب على عمل امل���أك��والت ال�شعبية «السمالية» صار حدث ًا الإم���ارات���ي���ة� ،إىل ج��ان��ب جم��م��وع��ة من مجتمعي ًا مهم ًا ينتظره ور���ش العمل واملحا�ضرات التوعوية التي الكثيرون سواء من
الطالب أو أولياء األمور
دولة الإمارات العربية املتحدة ،وتثقيف الأجيال برتاث الآباء والأجداد ،تنظيم وت���ط���وي���ر الأن�����ش��ط��ة امل��ت��ع��ل��ق��ة ب�ت�راث الإمارات ،ن�شر الوعي الفكري والثقايف لتعميق احل�س الوطني ل��دى املنت�سبني للنادي ،ت�أكيد االل��ت��زام ب�تراث الآب��اء والأج��داد ،و�إثراء النف�س بكل معطيات ال��ث��ق��اف��ة وامل��ع��رف��ة ،وال��ع��ل��وم املتعلقة بذلك.
جمل�س لل�شيخ زايد
ولفت املناعي �إىل �أن دورة هذا العام من امللتقى متيزت بقدر كبري من الفعاليات والأن�شطة ال�تراث��ي��ة ،و�إن ك��ان �أب��رزه��ا جمل�س ال�شيخ زايد طيب اهلل ثراه الذي عر�ض �أفالم ًا وخطابات خا�صة باملغفور له «ب�إذنه تعاىل» على ال�شباب يف جزيرة ال�سمالية ،من خاللها تعرفت الأجيال اجلديدة على هذا القائد العظيم الذي و�ضع لبنات بناء هذا الوطن.
حماور �أربعة رئي�سة
ت��وزع��ت فعاليات ملتقى ال�سمالية هذا العام على �أربعة حماور رئي�سة ،ا�ستغرق كل حمور �أ�سبوع ًا وحمل عنوان ًا د ً اال على طبيعة الن�شاطات التي يحتويها ،فالأ�سبوع الأول ج��اء حتت عنوان «البحر له نا�س لفيحة» ،وت�ضمن جمموعة من الن�شاطات والريا�ضات الرتاثية البحرية منها ال�شراع
«الي»� ،صيد ال�سمك، التقليدي ،التجديف رَ املحار ،ال�سفينة الرتاثية� ،أدوات ور�ش فلق ّ ال�صيد ،الألعاب ال�شاطئية .بالإ�ضافة �إىل �أن�شطة ُم�ساندة مثل ال�شراع الرملي ،الفلك، الطريان الإلكرتوين ،واملر�سم ا ُ حلر. بينما ج��اء الأ���س��ب��وع ال��ث��اين حت��ت عنوان «نحن �أه��ل ال�سنع واملواجيب» ،و«ال�سنع» م�صطلح حملي ب��ح��ت� ،شديد ال��دالل��ة، ي�شري �إىل ك��ل م��ا يتعلق بفنون التعامل مع الآخ��ري��ن وف��ق قيم و�أع���راف وتقاليد وع���ادات املجتمع ،التي �أر���س��ى قواعدها و�أ�س�سها الأجداد والآباء ،ف�إذا قال الوالد لولده «ب�س ّنعك» ،ف�إنه يق�صد �أن يعيده �إىل الأ���ص��ول والتقاليد التي حتظى باعرتاف املجتمع واحرتامه .و«املواجيب» هي املفردة الدالة على ما يجب على النا�س القيام به يف �إطار العادات والتقاليد املرعية. وعندما يقول الإم��ارات��ي��ون« :نحن �أه��ل ال�سنع واملواجيب» ،ف�إنهم ي�صفون حالهم دون مبالغة ،ف�أهل الإمارات من �أ�شد النا�س مت�سك ًا ب�شبكة رائعة من العادات املتبعة يف الزيارات واملنا�سبات ال�سعيدة �أو احلزينة،
توزعت الفعاليات على أربعة محاور حمل كل منها عنوان ًا دا ً ال على طبيعة النشاطات التي يحتويها ولكل منا�سبة �آدابها التي يتعلمها ال�صغري من الكبري ،وللمجال�س �آداب يتوارثونها، وحتظى العالقات املجتمعية املتمثلة يف الرتاحم واالحرتام بني الكبري وال�صغري، وغريها من مفردات املوروثات الثقافية واالجتماعية الأ�صيلة باحرتام اجلميع. وق��د تركزت ن�شاطات ه��ذا ال�سبوع على جمموعة ال�سلوكيات املجتمعية احلميدة التي عرفها املجتمع الإماراتي منذ القدم، مثل �أ���ص��ول ال�ضيافة واال�ستقبال وفق التقاليد والعادات العربية الأ�صيلة. و�ضمت �أن�شطته ال��ف��رو���س��ي��ة ،الهجن، الرماية ،اليولة ،الألعاب ال�شعبية ،العادات والتقاليد ،ال�سفينة الرتاثية ،ور�شة عتاد الهجن ،وور���ش��ة اخل��ي��ول .بالإ�ضافة �إىل
�أن�شطة م�ساندة مثل امللعب ال�صابوين، الأل���ع���اب ال�شاطئية ،ال�����ش��راع ال��رم��ل��ي، الفلك ،وور�شة �أدوات ال�صيد. �أم���ا الأ���س��ب��وع ال��ث��ال��ث فقد حمل �شعار «طالبات اليوم �أمهات م�ستقبلنا املُ�شرق»، وت��وىل �إدارت��ه ال�سيد علي النعيمي مدير م��رك��ز ال��ع�ين ،وف��اط��م��ة التميمي رئي�سة ق�سم الأن�شطة ال�شبابية بالإنابة ،و�شهد هذا الأ�سبوع م�سابقات متنوعة لطالبات مركز �أبوظبي الن�سائي ،اللواتي قدمن فقرة «�أهل ال�سنع واملواجيب» ،و�شاركن يف �إعداد بع�ض الأكالت ال�شعبية االماراتية وممار�سة �ألعاب �شعبية خا�صة بالبنات، كما مار�ست الطالبات �ألوان ًا خمتلفة من الفنون ،حيث قدمن �أن�شودة «حق الليلة» كون هذا الأ�سبوع وافق احتفال الدولة بليلة الن�صف م��ن �شعبان ،و�شاركن يف ور�شة للر�سم ،ومتثيل م�سرحية عن التفوق كتبتها �إحدى طالبات املركز. ج��اء ع��ن��وان الأ���س��ب��وع الأخ�ي�ر «خ��ل��ك هب ال���ري���ح» ،وه���و ق���ول يحتمل ال��ت���أوي��ل على ال�صعيدين ،االجتماعي مبعنى كن لطيف ًا
8
الشهر
الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
م�ؤن�س ًا ومنع�ش ًا كالريح ،وعلى ال�صعيد املهرجان املائي ال��ذي ت�ضمن جملة من تعزيز الهوية
العملي �أي كن ن�شيط ًا �سريع ًا تنجز الأعمال وتفرغ من الأ�شغال ،وهو للت�أويل الأخري �أق����رب ،لأن���ه ارت��ب��ط ب��الأل��ع��اب ال�شعبية وان�سحب على كافة الأن�شطة الريا�ضية والرتويحية .وخ�لال هذا الأ�سبوع وفرت �إدارة الأن�شطة للم�شاركني العديد من الألعاب والن�شاطات الريا�ضية والرتويحية كال�سباحة ،الكاراتيه ،امل��ب��ارزة ،الألعاب الريا�ضية ال�شاطئية ،امللعب ال�صابوين، ال�����ش��راع احل��دي��ث ،ال��ب��ل��ي��اردو ،ال�����ش��راع الرملي ،الفرو�سية ،وريا�ضة الهجن. كما �شهد ح�صن ال�شباب يف �إدارة االن�شطة وال�سباقات تنظيم فعاليات ومناف�سات
الأل��ع��اب ال�شاطئية والأن�شطة الريا�ضية املختلفة وبخا�صة ال�سباحة وك��رة امل��اء، فيما اختتمت دورة يف الدفاع عن النف�س يف جمال ريا�ضة الكاراتيه و�سط م�شاركة كبرية لإب���راز امل��ه��ارات واللياقة البدنية الالزمة يف هذه الريا�ضة .
و�أكد املناعي �أن جميع الأن�شطة التي نظمها امللتقى ت�ستهدف تعزيز الهوية الوطنية يف �أو���س��اط النا�شئة وال�شباب ،وتعميم ثقافة ال�تراث الوطني بينهم ،وتر�سيخ امل�شاعر العميقة لالرتباط بالوطن والزهو واالفتخار لالنتماء �إليه ،وتنمية خربات �أجيال امل�ستقبل و�إثراء ثقافتهم وتن�شيط قدراتهم الإبداعية.
الحفاظ على التراث ونقله لألجيال ورفع الوعي الفكري والثقافي وتعميق الحس الوطني من أبرز أهداف الملتقى
ح�ضور ن�سائي
ك��ان احل�ضور الن�سائي الفت ًا يف فعاليات ملتقى ال�سمالية ال�صيفي لهذا العام ،حيث �شاركت الطالبات املنت�سبات للنادي واملراكز التابعة له يف كثري من الأن�شطة ،وقالت منى
القمزي م��دي��رة مركز �أبوظبي الن�سائي التابع للنادي� ،إن امل�شاركة الن�سائية الفعالة يف املنا�شط املختلفة من دورات وور�ش عمل وم�سابقات و�ألعاب خمتلفة ،جاءت �ضمن �سعي املركز لرت�سيخ الرتاث والهوية الوطنية وجت�سيدها يف احلياة اليومية للنا�شئة. و�أو���ض��ح��ت �أن ه��ذه ال�برام��ج ت��ه��دف �إىل تعريف الطالبات ب�تراث الآب��اء والأج��داد وربطهم ب�أ�صالتهم م��ن خ�لال ال�برام��ج الرتاثية ،و�إحياء القيم وال�سلوكيات الرتاثية والأخالقية يف نفو�س الطالبات جلعلهن ع�ضوات فاعالت يف بيئتهن .وتنمية املهارات ال�سلوكية والقيادية لدى فتيات الإم��ارات للم�ساهمة يف بناء جيل واعي متفوق ي�سهم ب�إيجابية يف املجتمع .بالإ�ضافة �إىل اكت�شاف وت�شجيع املواهب الإبداعية واملتميزة لدى الطالبات والعمل على تطويرها. ولفتت مديرة مركز ابوظبي الن�سائي �إىل �أهمية ممار�سة البنات للعديد من الألعاب ال�شعبية اخلا�صة بهن والتي كانت الوالدات يلعبنها من قبل ،خا�صة و�أن هذه الألعاب ترتبط ب�سمات وقيم ترفيهية واجتماعية مميزة كما �أن الألعاب ال�شعبية تقوم على �أ�س�س وق��واع��د متعارف عليها وتغيب يف �أجواء مناف�ساتها احلوافز املادية ،ومن �أبرز تلك الألعاب� ،أم العيال ،ال�صقله ،خو�صه بو�صه ،حلقة بنت ال�شيخ.
كرنفال �سنوي
من جانبه قال على النعيمي مدير مركز العني التابع لنادي ت��راث الإم���ارات �إن ملتقى ال�سمالية �أ�صبح كرنفا ًال �سنوي ًا ي�ستقطب الآالف م��ن �أب��ن��اء الإم���ارات ب��ف�����ض��ل اجل��ه��د ال��ك��ب�ير ال����ذي ت��ب��ذل��ه �إدارة النادي يف توفري كافة �سبل املتعة والرتفيه والتعلم ،ف�ض ًال عن توفري كافة
يقوم الملتقى على مبدأ التعليم بالمشاركة والتركيز على اكتساب الخبرات بالممارسة وليس التلقين �إج��راءات ال�سالمة العامة للم�شاركني، وو�سائط النقل والوجبات الغذائية والزّي اخل��ا���ص بالفعاليات ،كما �أع���دت لهم برامج تدريبية متنوعة ب�إ�شراف مدربني متخ�ص�صني ،ح��ي��ث �أ���س��ه��م��ت ع��دي��د اجلهات وامل�ؤ�س�سات يف تقدمي خربات يف جماالت التوعية املرورية وال�صحية
واملجتمعية وذل���ك يف اط���ار توجيهات �سمو رئي�س النادي بتقدمي كافة و�سائل الدعم للم�شاركني لتحقيق تطلعاتهم من هذا احلدث الذي ي�سجل الريادة للنادي على م�ستوى تعليم ال�شباب تراث �آبائهم و�أجدادهم ب�صورة ح�ضارية. وبينّ النعيمي �أن النجاح الذي يحققه ملتقى ال�سمالية ع��ام�� ًا بعد ع��ام ح ّف ّز ع��ل��ى ا���س��ت��ق��ط��اب جم���م���وع���ات ك��ب�يرة م��ن املنت�سبني للعديد م��ن امل�ؤ�س�سات والهيئات واملراكز ال�صيفية لال�ستفادة من فعاليات وبرامج امللتقى التي جتمع بني الن�شاطات الرتاثية والثقافية والفنية والبيئية والريا�ضية واملجتمعية
10
الشهر
الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
أكثر من 90قصيدة معظمها في الغزل بأسلوب الردح والونَة
بيت ال�شعر يف �أبوظبي يد�شن �إ�صداراته النبطية بديوان «ابن �صقر» �أبوظبي – تراث يف �إط��ار �سعيه للحفاظ على امل��وروث ال�شعبي غ�ير امل���ادي ،وحتقيق ًا لأح��د �أه��داف��ه ال��ت��ي و�ضعها �سمو ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي���د �آل ن��ه��ي��ان ،ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة ،رئي�س ن��ادي ت��راث الإم���ارات� ،أ�صدر بيت ال�شعر يف �أب��وظ��ب��ي ال��ت��اب��ع لنادي تراث الإمارات ،ديوان «ابن �صقر» لل�شاعر حممد بن �صقر بن جمعة، امللقب «بن �صنقور» ،لين�ضم �إىل �سل�سة �إ����ص���دارات ال��ن��ادي التي ان��ط��ل��ق��ت م��ن��ذ �أك��ث�ر م���ن ع�شر ���س��ن��وات ،وت�ضمنت الأع��م��ال الكاملة للعديد من ال�شعراء املحليني من اجليل القدمي وجيل الو�سط. يقع الديوان يف � 256صفحة من القطع امل��ت��و���س��ط ،وي�����ض��م �أك��ث�ر م���ن ت�سعني ق�صيدة ،جمعها وحققها الدكتور را�شد �أحمد امل��زروع��ي ،ع�ضو الهيئة الإداري��ة لبيت ال�شعر يف �أب��وظ��ب��ي ،رئي�س جلنة الن�شر .وهو الإ�صدارالنبطي الأول لبيت ال�شعر يف �أبوظبي ،ال��ذي ت�أ�س�س بدي ًال للجنة ال�شعر يف نادي تراث الإمارات. يف تعريفه بال�شاعر ،كتب رئي�س جلنة الن�شر يف بيت ال�شعر يف �أبوظبي الدكتور را���ش��د �أح��م��د امل��زروع��ي« :ول��د ال�شاعر
حممد ب��ن �صقر ب��ن جمعة ع��ام تقريب ًا ،يف منطقة «ليمحه» الواقعة يف بر �أم القيوين ،التي احت�ضنت كثري ًا من �شعراء ذلك الزمان من �أمثال را�شد بن مكتوم ،و�آمنة بنت ح�سن ،والدة ال�شاعر �أحمد �إدري�س ،وكذلك ال�شاعر عبد اهلل باملر وحممد بن علي الكو�س وغريهم» وا����ض���اف« :ع��ا���ش «ب���ن ���ص��ن��ق��ور» �أي��ام�� ًا �صعبة يف بداية حياته �إال �أنه �سرعان ما
1902
تميز أسلوب ابن صنقور الشعري بالجزالة وحسن الصياغة وأجاد اختيار الكلمات وزبدة التعابير
اكت�سب �شهرة كبرية وذاع �صيته، ومت��ت��ع ب�����ص��ف��ات رج��ول��ي��ة ب���ارزة، و�شخ�صية جاذبة وطيبة و�أخ�لاق عالية ،ما �أك�سبه احرتام جميع من عرفوه ». و�أ�����ض����اف امل����زروع����ي يف ت��ع��ري��ف��ه بال�شاعر �أن «اب��ن �صقر» انتقل يف منت�صف الأرب��ع��ي��ن��ي��ات م��ن ال��ق��رن امل��ا���ض��ي م��ن �أم ال��ق��ي��وي��ن �إىل دب��ي، وان�ضم �إىل مرافقي ال�شيخ �سعيد بن مكتوم ،حاكم دب��ي الأ�سبق ،ثم عمل مع املغفور له ب���إذن اهلل ،ال�شيخ را�شد ب��ن ���س��ع��ي��د امل��ك��ت��وم ،وع��م��ل يف دائ���رة الأرا�ضي والأمالك� ،إىل �أن تقاعد ،وكان ع�ضو ًا يف جمل�س �شعراء تلفزيون دبي، ومتيز �أ�سلوبه ال�شعري باجلزالة وح�سن ال�صياغة ،واختياره الكلمات اجلميلة وزبدة التعابري. ويحوي ديوان بن �صنقور معظم �أب��واب ال�شعر النبطي ،مثل الغزل الذي ا�ست�أثر ب��اجل��ان��ب الأك��ب�ر م��ن ال��ق�����ص��ائ��د35 ، ق�صيدة� ،إ�ضافة �إىل املديح وال�شكاوى «امل�������ش���اك���اة» واالج��ت��م��اع��ي��ات ،وي��غ��ل��ب على ق�صائد ال��دي��وان �أ�سلوب «ال��ردح» و«الو َنة» ،حيث ا�شتهر �صاحبه بالق�صائد املربوعة واملثلوثة التي ميزت �أ�سلوبه
..ويطلق «طوق الغواية» لل�شاعرةحمدةخمي�س �أبوظبي – تراث يف �إط��ار اهتمامه بن�شر النتاج ال�شعري املحلي ب���أن��واع��ه� ،أط��ل��ق بيت ال�شعر يف �أبوظبي التابع لنادي ت��راث الإم���ارات، دي��وان�� ًا ج��دي��د ًا لل�شاعرة حمدة خمي�س عنوانه «طوق الغواية» ،وهو من ال�شعر احل���دي���ث ،وي��ق��ع يف ��� 150ص��ف��ح��ة من ال��ق��ط��ع ال�����ص��غ�ير ،وي��ح��وي ب�ين دفتيه ث��م��اين ع�شرة ق�صيدة ،منها ق�صيدة بعنوان الديوان نف�سه. قال ال�شاعر حبيب ال�صايغ ،رئي�س الهيئة الإداري�����ة لبيت ال�شعر يف �أب��وظ��ب��ي �إن �إ�صدار هذا الديوان ي�أتي ت�أكيد ًا ملا وجه به �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان، مم��ث��ل ���ص��اح��ب ال�����س��م��و رئ��ي�����س ال��دول��ة، رئي�س ن��ادي ت��راث الإم���ارات ،ب���أن يكون بيت ال�شعر يف �أبوظبي بيت ًا لكل ال�شعراء، م�شري ًا �إىل �أن البيت ا�ستهل �إ�صدارته ب��دي��وان ال�����ش��اع��ر اب��ن ���ص��ق��ر ،امل��ع��روف ب��ـ«ب��ن ���ص��ن��ق��ور» وه���و م��ن �أب����رز �شعراء ال�شعر النبطي ،و�أ�ضاف �أن خطة الن�شر يف بيت ال�شعر يف �أبوظبي تت�ضمن العديد
من الدواوين والدرا�سات ال�شعرية التي �سوف ت��رى ال��ن��ور قريب ًا .الف��ت�� ًا �إىل نية بيت ال�شعر يف �إ���ص��دار كتاب جامع عن �أن�شطته خالل عام بنهاية العام اجلاري، ليكون مرجع ًا مهم ًا للحركة ال�شعرية يف الإم����ارات ،حيث ك��ان هذ املو�سم حاف ًال بالأم�سيات التي ا�ست�ضافت �أ�سما ًء كبرية من ال�شعراء املحليني والعرب� ،أطلوا على اجلمهور من خالل نافذة بيت ال�شعر يف �أب��وظ��ب��ي ،وم��ن ال�����ض��روري �أن يكون هذا النتاج متاح ًا للجميع من باحثني ومهتمني. �أه��دت ال�شاعرة حمدة خمي�س الديوان �إىل �أبنائها معرتفة �أنها منهم تعلمت وبهم اه��ت��دت �إىل م���دارج ال��رق��ي .ومن
خطة النشر في بيت الشعر في أبوظبي تتضمن العديد من الدواوين والدراسات الشعرية التي سوف ترى النور قريب ًا
�أج����واء ال���دي���وان :ق��د �أن�����س��ج ال��ك�لام يف الأح���ل��ام /وح�ي�ن ي��ق��ظ��ت��ي /ي�����ض��ي��ع يف ال��زح��ام� /أت���وه م��رة ع��ن غايتي /وم��رة �أنق�ش كالإزميل /يف �ضراوة الزحام. ي�ضم ال��دي��وان اح��دى ع�شرة ق�صيدة، منها «هوية» ،و«حكمة اجلنون» ،و«ك�أنني وال��ك��ون م��ف��ردة» ،ويف ق�صيدتها التي يحمل ال��دي��وان ا�سمها« :ط��وق الغواية» تقول� :أكنا �شظايا /فجمعنا الظل؟ /وكنا رهاف /الطبائع /فحجرنا اال�شتهاء؟/ فلندنو كثري ًا �إذن /ونرخي للقلب /طوق الغواية /حتى الندى /ورنني البهاء. يذكر �أن لل�شاعرة حمدة خمي�س �أح��د ع�����ش��ر دي���وان��� ًا �سبقت دي��وان��ه��ا الأخ�ي�ر امل��و���س��وم ط���وق ال��غ��واي��ة ،منها اع��ت��ذار الطفولة ،الرتانيم ،عزلة ال��رم��ان ،تراب الروح عناقيد الفتنة ،يف بهو الن�ساء ،وديوان بعنوان «�إ�س �إم �إ�س» ا�ستخدمت ال�شاعرة خالله تقنية الر�سائل الق�صرية املوجهة �إىل �أ�صدقائها وحمبيها �إما رد ًا على ر�سائلهم �إليها� ،أو مبادرة منها �إليهم
عبق عبق
12 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
بعد قريتنا مب�سافة كيلو م�ترات ثمانية، ت��ق��ع ق��ري��ة «�أب���و����ص�ي�ر» وه����ي يف ال��ل��غ��ة القدمية «بر�أوزير» ومعني اال�سم ،مكان �إقامة �أوزوي��ر �أو �أوزيري�س ،حيث معبده ال�شعائري ،و�صلواته� .أخ��ذين عمي مرة و�أنا �صغري ،ور�أيت الأعمدة ذات التيجان، والأط��ل�ال تثري امل��خ��اوف ،وح��ي��ث ر�أي��ت متثا ًال يقف وحده ويبت�سم ،خفت ،وقب�ضت على ذيل جلباب عمي! يف ال��ل��ي��ل حلمت ب�صاحب امل��ع��ب��د يتجه ن��اح��ي��ت��ي ع��ل��ى ر�أ����س���ه ال�����ش��م�����س ،ي��رت��دي تاجه و�صوجلانه ،فزعت من ع�� ّز املنام، و�صرخت ،وحني �س�ألت عمي عن الأمر قال يل مبت�سما :هو �أوزوري�����س �ساكن املعبد. ثم �أخ�برين عن �أه��ل «�أبو�صري» وق��ال يل: �إنهم ينب�شون املقابر القدمية بحث ًا عن امل�ساخيط ،ومت��اث��ي��ل ال��ذه��ب ليبيعوها ل�ل�أغ��راب ،و�إن �أحدهم وج��د م��رة متثا ًال للملك «توت» من الذهب اخلال�ص ،فباعه وا�شرتى بثمنه مزرعة و�أ�صبح من �أهل املال وال�سلطان.كانت تلك احلكايات ت�ستقر بوعي الغالم ،وت�شكل �أحالمه ،ثم رمت به �إىل �شط�آن املعارف والبحث عن حوادث التواريخ والأيام! ب��د�أت بزيارة �أماكنهم ،و�أطاللهم ،عرب �أر���ض ال��وادي من �شماله وجنوبه و�شرقه وغربه .وكلما �سمعت عن مكان ارحتلت �إل��ي��ه! زرت ،و�أن��ا �صغري ال��ه��رم ،واملتحف امل�صري ،ومدينة «�أون» :عني �شم�س. �سعيد الكفراوي ويف حمافظة الغربية زرت �سمنود بلد امل�ؤرخ ال��ق��دمي «م��ان��ي��ت��ون» ،و«بهبيت احل��ج��ارة» و�أطاللها الباقية ،وهي يف اللغة امل�صرية القدمية «بر – حبيت» �أي «بيت الأعياد». وتوغلت حيث حمافظة ال�شرقية ور�أيت «تل ب�سطة» مكان عبادة القطة «ب�ست». �إىل اجلنوب حيث جمد املا�ضي وبلدانه «تل العمارنة» مقابر امللوك والأ�شراف وكهنة
بعد أن تُحصى السنين
امل��ع��اب��د ،وعلى �أر����ض �سوهاج زرت جبل الهريدي وك��وم ا�شفار ،وزرت العا�صمة القدمية «اخميم» التي لعبت طور ًا مهم ًا يف تاريخ احل�ضارات ،الفرعونية ،واليونانية، والرومانية ،والبيزنطية ،والإ�سالمية. ك��ان��ت زي����ارة يف ال�����ض��ح��ى ،و�أه����ل البلد يغادرونها حيث الغيطان ،و�أنا �أحث ال�سري حيث معبد رم�سي�س الثاين ،وعلى البعد ر�أي���ت التمثال العمالق ل��ـ«م�يرت �آم���ون» ابنة امللك رم�سي�س الثاين ،ذلك التمثال الأكرب والأ�ضخم الم��ر�أة جميلة عرث عليه يف الدنيا. وع��ل��ى �أر����ض الأق�����ص��ر «طيبة» القدمية، عا�صمة الإمرباطورية ،مالذ ملوك م�صر زرت معبد الأق�صر �أحد معابد «�آمون رع»، احل���رم اجل��ن��وب��ي ملعبد ال��ك��رن��ك ،جممع معابد امللوك ،و�آية عمارة الدنيا! عربت النيل حيث جهة الغرب ،جهة غروب احلياة ،وجبانات امللوك وامللكات ،هناك يف ع��راء اجل��ب��ل ،وحيث ترقد الأ�سرتان الـ 19والـ ،20وملوكها حتتم�س و�أحم�س و�أم��ن��ح��ت��ب ،ث��م م��ن عليه ال��ك�لام ،وم��ن �سن�سرد خربه :توت عنخ �آمون. يقول �أح��د ال����رواة :برغم االحتياطات، وكل و�سائل الت�أمني التي اتبعوها حلماية مقابرهم �إال �أن كلها قد تعر�ضت للنهب وال�سرقة. اال امل��ق�برة الوحيدة التي مل تنهب وهي لـ«توت عنخ �آمون». ي�ضيف ال����راوي� :إذا كانت ه��ذه املقربة وحمتوياتها بهذا الغنى ،والرثاء والعظمة وه��ي مللك قليل ال�����ش���أن ،فما ح��ظ مقابر ال��ع��ظ��م��اء م���ن امل���ل���وك ق��ب��ل �أن ينهبها الل�صو�ص! تنتهي جتربتي م��ع ه����ؤالء ،ب�أنني ق��درت واحرتمت �أربعة من ملوك م�صر القدامى: رم�سي�س الثاين مبا �أقامه من عمائر ما
ت��زال �شاهدة عليه حتى اليوم ،وحتتم�س الثالث الذي كون �إمرباطورية �شملت معظم ممالك العامل القدمي ،واخناتون �صاحب �أول ثورة دينية يف تاريخ الإن�سان ،وتو�صله �إيل الإله الواحد الأحد .ثم توت عنخ �آمون امللك ال�شاب اجلميل� ،صاحب كنز الكنوز، الذي ميثل مل�صر �أعظم ال�سفراء ،والذي يثري الده�شة كلما ط��رق �أب���واب بلد من البلدان. دعوين ،بعد �إذنكم طبعا� ،أق�ص القليل من خ�بره ،و�أتتبع بع�ض ًا من �سريته� ،صاحب القناع ال��ذه��ب ،وامل��ت��اع اجل��ن��ائ��زي ال��ذي �ضوى بالنور يوم العثور علي مقربته. كان امللك «توت» ابن ًا حل�ضارة تركزت على �ضفاف النيل منذ 3000عام قبل امليالد، ودائم ًا ما كنت �أ�س�أل :كيف لهذه احل�ضارة القدمية �أن تقدم يف ذلك الزمن املوغل يف القدم ذلك االزدهار والإلهام الإن�ساين يف العقائد والد�ساتري ،والعالقة بني النا�س ومليكهم ،والإجن��از املهم يف العمارة مثل الأهرام واملعابد واملقابر ،واكت�شافاتها يف الطب ،ومعرفة النجوم ،وعلم الزراعة، والري ،والتنجيم ،وغريها؟ ت���وت ع��ن��خ �آم�����ون اب���ن ل��ت��ل��ك احل�����ض��ارة الإن�سانية التي �أقامت ج�سور ًا متينة مع احل�ضارات الأخ���رى امل�لازم��ة لها ،والتي على �ضفافها� :آ�شورية و�سومرية وفينيقية ويونانية ورومانية وعربية �إ�سالمية. ت��وت عنخ �آم����ون ،ا���س��م ح�ير ال��ع��امل عند اكت�شاف مقربته وال��ت��ع��رف على ك��ن��وزه، �أتخيل الدنيا يف ال��ع��ام 1922وق��د خرج من �إحدى مقابر م�صر هذا الكنز الهائل بفنونه وغرائبه ،و�صحائف الربدي حتكي تاريخه! هو امللك ال�شاب �أحد ملوك م�صر القدمية، وبالرغم من �أنه مل يكن �صاحب انت�صارات �إم�ب�راط���وري���ة� ،إال �أن���ه ك��ان��ت ل��ه م��واق��ف
تاريخية م�شهودة تعود ملقربته املكت�شفة، كاملة ب�أثاثها اجلنائزي ،وحتفها املبهرة، التي مل مي�س�سها �إن�سان� ،أو حفارو القبور من ل�صو�ص اجلبانات عرب التاريخ. يف العام 1922اكت�شفت املقربة مبعرفة االجنليزي «ه��وارد ك��ارت��ر» ،وبدعم مايل من اللورد «كارنافون» ،والذي �صرف �آخر �أمواله ومل يجدا �شيئا ،وقررا الرحيل. بعد ي���أ���س ع�ثر ك��ارت��ر علي �أول درج��ات امل��ق�برة ،وح�ين و���ص��ل احل��ف��ر �إىل الباب املغلق على �سره ،واملو�سوم بعالمة احلياة، فتح كارتر الباب و�أط ّل علي ظالم القرون، �آالف ال�سنوات حمبو�سة مع ف�ضاء املوت واخل��ل��ود� ،أ�شعل ك��ارت��ر �شمعته ،وعندما �شعت ال�شمعة ب�ضوئها وب���ددت الظالم، ور�أى كارتر ما ر�أى� ،أ�صابه اخلر�س .كان يقف وراءه كارنافون وعندما �س�أله :ما الذي يراه؟ �أجابه �أن ما يراه قد فاق �أحالم جنونه .ثم �صمت ،و�أكمل :ك�أنهم �أحياء، والأثاث اجلنائزي يلمع يف ال�ضوء بالذهب والف�ضة والعاج واملرمر! كانت املجموعة �أكرث املجموعات اكتماالً، تلك القادمة من م�صر القدمية ،وكان عدد حتفها يفوق 3000قطعة ،غري ما ُنهب عند االكت�شاف. ت��ب��د�أ ب��ق��ط��ع الأل���ع���اب اخل��ا���ص��ة بامللك ال�صغري� ،إىل الأثاث ،والأ�سلحة ،و�أدوات ال�����ص��ي��د ،وال��ق��ن��اع ال��ذه��ب��ي ،وال��ت��واب��ي��ت امل��ك�����س��وة ب���ال���ذه���ب ،ومت��اث��ي��ل امل��رم��ر، وال��رم��وز ،و�صحائف ال�بردي مب��ا حتمله من ال�سحر ،والتمائم التي ت�ساعد امللك يف العامل الأخر حيث االعتقاد بالبعث. يف العام � 1922أ�صبح امللك توت «موديل» تلك الأي��ام ،ومن يومها وهو ال�سفري فوق ال��ع��ادة ب��ا���س��م م�صر ال��ق��دمي��ة ل���دى كل البالد التي زارها. ُ �صاحب اكت�شاف املقربة ما راج و�أطلق
عليه «لعنة الفراعنة» ،كانت ال يعرف �أحد �سرها ،ت�صيب كل من اق�ترب� ،أو دخل املقربة عند فتحها ! �أ�شباح ملومياوات تظهر ملن م�سها ،تطالب ب�أع�ضائها املنهوبة ،كوابي�س يف الليل وحمى ي�صاحبها هذيان بكلمات غريبة، ولغات ال يعرف �سرها �أحد. ك��ان��ت ال��ظ��واه��ر خ��ارق��ة ،واالح��ت��ف��ال يف م��دي��ن��ة ال��ق��اه��رة ي�سري ع��ل��ى خ�ير ح��ال، فج�أة انقطعت الكهرباء ،وحل الظالم، بعدها �أ�صيب كارنافون باحلمى الغريبة، والهذيان املرعب .مل يجد الأطباء تف�سري ًا �أو عالج ًا ،ويف منت�صف الليلة نف�سها مات اللورد يف القاهرة بذلك املر�ض الغام�ض، ورحل عن الدنيا على جناح ال�سرعة. بعد ذلك توالت امل�صائب ،وخاف كل من اقرتب من مقربة امللك. ثم بد�أ املوت يح�صد كل من دن�س تراب امل��ق�برة ،وم��ن ال��غ��ري��ب �أن اجلميع مات بنف�س احلمى الغام�ضة وهو يطلق تراتيل الهذيان بالكلمات ال�سرية. ق���ال���وا �إن���ه���ا ب�����س��ب��ب ف��ط��ري��ات معجونة بال�سموم ،ي�ضعها الفراعنة مع توابيتهم و�أج�سادهم ومتاعهم الآخر عم ًال حل�ساب الل�صو�ص ،وناب�شي املقابر ،وق��ال��وا هي رموز من ال�سحر ال يعرف �أحد �سرها. ويف الأخ�ي�ر ،لقد �أم�ضيت عمري �أنظر حل�����ض��ارة م�����ص��ر ال��ق��دمي��ة ب��اع��ت��ب��اره��ا ���س��ن��وات م��ن ظ��واه��ر امل��ج��د واالن��ح�لال، تختلط بها الأ�ساطري ،واحلقائق ،والواقع والأحالم. خم�سة �آالف م��ن ال�سنني ،عا�شت فيها م�صر حت��ت وط����أة ال��زم��ن ال��ق��دمي حيث ي�صعد ال�صوت من الأب��دي��ة ،ق��ادم�� ًا من قلب املا�ضي ال�سحيق ،له رجفة يف حنايا القلب� ،صارخ ًا« :بعد �أن حت�صى ال�سنني.. انه�ض ..لن تفنى»
المرصد 14 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
ا�ستعداد ًا الفتتاح متحف زايد الوطني
أبوظبي تستعرض كنوز ثقافات العالم �أبوظبي � -أحمد عبداحلميد احت�ضنت العا�صمة �أبوظبي فعاليات معر�ض «كنوز ثقافات العامل» ،الذي نظمته ،يف جزيرة ال�سعديات ال�شهر الفائت ،هيئة �أبوظبي لل�سياحة والثقافة بالتعاون مع املتحف الربيطاين. �سعى املعر�ض الذي ا�ستمر ملدة �شهر �إىل االحتفاء بالإجنازات الثقافية للح�ضارات الب�شرية منذ �أقدم تاريخ معروف لها ،عرب جمموعة خمتارة من املعرو�ضات جتاوزت الـ 250عم ً ال فنياً وقطعة �أثرية تروي ق�صة رحلة الإن�سان عرب التاريخ.
اال�ستعداد ملتحف زايد الوطني
وق��ال��ت �سالمة ال�شام�سي ،م��دي��رة م�شاريع الق�سم الثقايف يف هيئة �أب��وظ�ب��ي لل�سياحة والثقافة� ،إن املعر�ض هو الثاين �ضمن �سل�سلة من الفعاليات التي تنظمها الهيئة ا�ستعداد ًا الفتتاح «متحف زاي��د ال��وط�ن��ي» ،امل�ق��رر يف العام ،2016و�أ�ضافت �أن هذه ال�سل�سلة من املعار�ض تهدف �إىل تهيئة اجلمهور للتعامل مع الرتاث الإن�ساين ،م�ؤكدة �أن الكثري من املواد التي ي�ضمها هذه املعر�ض وغريه من املعار�ض �ستكون �ضمن مقتنيات متحف ال�شيخ زايد. وقالت ال�شام�سي �إن اخلطة تت�ضمن تنظيم م�ع��ر���ض ك��ل ع ��ام ي��رت�ب��ط ب ��أح��د امل�ت��اح��ف املوجودة يف جزيرة ال�سعديات ،ومنها اللوفر وجوجنهامي ،حيث �شهد عام 2009تنظيم معر�ض خا�ص مبتحف ال�ل��وف��ر ،ويف العام التايل له مت تنظيم معر�ض جوجنهامي يف ق�صر الإمارات ،الفتة �إىل �أن الهيئة حري�صة
تروي قاعات المعرض المتعددة قصة تاريخ المنطقة ،وصالتها مع العالم من خالل رحلة حياة المغفور له الشيخ زايد على تنظيم املحا�ضرات والندوات واملعار�ض �ضمن جمموعة الفعاليات املرتبطة بتحقيق ر�ؤية �أبوظبي ،2030لتكون عا�صمة الثقافة ومنارة �إ�شعاع ح�ضاري يف العامل.
نهيان ،م�ؤ�س�س الدولة وم�صدر �إلهامها الدائم. ل��دى و�صولك �إىل املعر�ض ال��واق��ع يف منارة ال�سعديات باملنطقة الثقافية يف اجلزيرة، تطالعك �صورة تذكارية للراحل الكبري ال�شيخ زايد مم�سك ًا بال�صقر ،بو�صفه �أحد �أهم رموز ومفردات الرتاث الإماراتي عرب الزمن. �إىل ال�ي�م�ين م��ن ال�ل��وح��ة وق�ب��ل ال��ول��وج �إىل قاعات املعر�ض ثمة لوحة جتمع �صور ًا لأ�شهر احل�ضارات التي ظهرت يف تاريخ الب�شرية، منها الفرعونية وال�صينية وح�ضارات �أمريكا اجلنوبية وغ�يره��ا ،تعد ه��ذه اللوحة �أيقونة املعر�ض التي تعك�س رغبة �أبوظبي يف حتقيق التناغم بني ح�ضارات وثقافات العامل وجمعها يف باقة ح�ضارية واحدة على �أر�ض �أبوظبي.
م�ؤ�س�س الدولة ت��روي قاعات املعر�ض املتعددة ق�صة تاريخ بداية الب�شرية املنطقة ،و�صالتها مع العامل من خالل رحلة حياة املغفور له ال�شيخ زاي��د بن �سلطان �آل
ت �ب��د�أ اجل��ول��ة داخ ��ل امل �ع��ر���ض م��ع القاعة املخ�ص�صة ل �ق��ارة اف��ري�ق�ي��ا ،ح�ي��ث كانت
المرصد 16 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
البداية احلقيقية للحياة الب�شرية ،بح�سب ما ت�شري �إليه �أق��دم الأعمال امل�صنوعة من احلجر املكت�شفة يف القارة ال�سمراء ،والتي يعود تاريخ بع�ضها �إىل حوايل 4 .2مليون �سنة م�ضت ،ا�ستخدمها االن�سان الأول يف التكيف مع البيئة املحيطة به ،فكانت م�ؤ�شرات ظهور الثقافة املادية والرغبة يف التنويع والتجويد التي ميزت الب�شر عن بقية اململكة احليوانية.
الف�أ�س التحفة
ت��زي��ن ��ص��در ق��اع��ة اف��ري�ق�ي��ا ،واح ��دة من �أجمل الإبداعات الب�شرية املوغلة يف القدم وه��ي ف ��أ���س حجرية م�صنوعة م��ن م��ادة ال �ك��وارت��ز ،ب��رواب��ط م��ن م ��ادة اجلم�شت القا�سية�ُ .صنعت هذه الف�أ�س للمرة الأوىل يف �إفريقيا ثم انت�شر ا�ستخدامها يف جنوب �آ�سيا وال�شرق الأو��س��ط و�أوروب��ا منذ نحو مليون �سنة م�ضت ،وا�ستمر ا�ستخدامها ملدة � 7500سنة �أخرى ،ومل يعرف التاريخ
ضم المعرض مومياء كاملة متقنة التحنيط المرأة تحميها تميمة جعران مجنح ع�م� ً لا حرفي ًا �آخ��ر ا�ستمر ت�صنيعه ملثل هذا الوقت الطويل على مثل هذا االمتداد اجلغرايف الوا�سع. ت�ت���ص��در م�ق�ت�ن�ي��ات احل �� �ض��ارة امل�صرية ال�ق��دمي��ة اجل �ن��اح الأف��ري �ق��ي ،باعتبارها احل�ضارة الأقدم على االطالق ،حيث ت�شري الدرا�سات �إىل �أن �أول ظهور للدولة كان يف احل�ضارة املعروفة با�سم م�صر القدمية م�ن��ذ �� 5000س�ن��ة م���ض��ت ،نتيجة احت��اد العديد من الواليات امل�ستقلة وبقيت م�صر ملا يزيد عن � 3000سنة تلت ،القوة الرائدة يف منطقة البحر الأبي�ض املتو�سط.
املوت واحلياة
�ضمن معرو�ضات اجلناح امل�صري يربز قناع م�صنوع من اجلب�س والكتان ومطلي بالذهب، يعود �إىل الفرتة البطلمية ،وهو �أحد الأقنعة التي كانت تو�ضع على ر�أ���س املومياء حلماية وجه املتويف� ،أو بدي ًال للر�أ�س املحنطة التي ميكن �أن تفقد �أو ي�صيبها �شئي من ال�ضرر خالل عملية التحنيط. حيث كان امل�صريون القدماء يعتقدون �أن الروح تبقى حية بعد موت �صاحبها ،وتغادر املقربة ،و�أن ذلك القناع �سوف ير�شدها يف رحلة العودة �إىل �صاحبها .ويتكون القناع من طبقات من قما�ش الكتان امل�شمعة واملغلفة بطبقات رقيقة من اجل�ص ت�شكل �سطح ًا �أمل�س لطبقتي الطالء والتذهيب. �إىل جانب القناع توجد جمموعة من الآثار الفرعونية املتنوعة ،منها مومياء الم��ر�أة ملفوفة بالكامل ،تعود �إىل فرتة بلوغ تقنيات التحنيط يف م�صر القدمية �أعلى م�ستوياتها،
ال�سبائك تُ�صب با�ستخدام تقنية ال�شمع املُذاب منذ حوايل � 1550إىل 1650م� ،صورت بع�ض اللوحات امللك �أوبا ،مع كبار القادة واجلند يحتفلون بالقوة الع�سكرية ململكة بنني خالل تلك ال�ف�ترة ،بينما و�ضحت لوحات �أخ��رى حياة الق�صالر وطقو�سه عرب ت�صوير حي لأوب��ا واحلا�شية امللكية وامل�س�ؤولني. وم��ن ج�ن��وب افريقيا ُع��ر���ض متثال خ �� �ش �ب��ي م �ن �ح��وت ك� ��ان ي���س�ت�خ��دم خالل االحتفاالت البدائية يف عالج الأمرا�ض� ،أما �ساحل العاج التي تقع يف غرب افريقيا فيمثلها متثال لفار�س خ�شبي يرمز ل��دخ��ول امل�سلمني لهذه الأر���ض يف القرن التا�سع ع�شر ،وهو متثال لفار�س ي�ضع �سوار ًا �إ�سالمي ًا حول عنقه ،ويحمل بندقية يف ي��ده اليمنى رام� ��ز ًا ل�سلطة ال �ف��ر� �س��ان امل�سلمني القادمني من ال�شمال.
وقد �أظهرت الأ�شعة ال�سينية �أن اجلثة املوجودة بالداخل تعود الم��ر�أة بالغة، ومت و�ضع عيون �صناعية يف ر�أ�سها، كما �أن اجل�سم مغطى ب�شبكة متقنة ال�صنع من اخل��رز ،مع متيمة جعران جمنح وغطاء للكاحل ،رمبا �أ�ضيفتا �إىل املومياء يف ع�صور الحقة.
الآلهة والفراعنة
��ض��م اجل �ن��اح امل���ص��ري ك��ذل��ك ع��دة متاثيل لآلهة كانت �شائعة لدى قدماء امل�صريني ،متثلت يف ر�ؤو�س حليوانات ولطيور. م��ن �أب ��رز تلك الآل �ه��ة مت�ث��ال للملك �سيتاي الثاين 1200 - 1194ق .م- جال�س ًا على العر�ش مم�سك ًا ب�صورة مقد�سة لر�أ�س كب�ش ،وهو رمز مرتبط بالإله �آمون ،وعلى جانب العر�ش نقو�ش مت�ث��ل احت ��اد ��ش�م��ال وج �ن��وب م�صر، وزينت القاعدة ب� أ�ج��زاء من الألقاب امللكية ت�صف امل�ل��ك بـ«حبيب» الآل�ه��ة �أوزوري����س ،كما ُنحت ا�سمي امللك الرئي�سني على كتفيه. كذلك متثال للإلهة �سخمت التي ارتبطت ب��اخل��راب وال��دم��ار ،وتظهر يف هيئة ام��ر�أة برا�س حيوان ،ويعني ا�سمها «القوية» ،ووفق ًا لإحدى الأ�ساطري القدمية ،فقد كانت �سخمت العني النارية ل�ل�إل��ه رع �إل��ه ال�شم�س ،التي يوجهها �ضد �أعدائه ،بينما يروي ن�ص �آخر، �أنها �أر�سلت لتدمري اجلن�س الب�شري نف�سه، لأن اخلالق غري را�ض عن جرائمه و�آثامه.
جموهرات وم�شغوالت
من المعروضات تمثال للملك سيتاي ولإللهة المصرية سخمت بجسد امرأة ورأس حيوان ل�صنع امل �ج��وه��رات ،مب��ا يف ذل��ك ال��ذه��ب واخل��زف وال��زج��اج امللون ،كما مت ا�سترياد م��واد ثمينة معينة من بينها ال�ل�ازورد من مناطق بعيدة مثل �أفغان�ستان.
ك �م��ا � �ض��م اجل��ن��اح امل �� �ص��ري من� ��اذج من القارة ال�سمراء امل�ج��وه��رات التي ك��ان ي�ستخدمها الن�ساء وال��رج��ال �آن� ��ذاك ،منها م�شغوالت ملونة لتزيني املالب�س ،حيث كانت املجوهرات تدل على املكانة والرثاء ،كما ت�ضمن احلماية من الأرواح ال�شريرة ،وقد ا�ستخدمت جمموعة متنوعة من امل��واد الطبيعية واال�صطناعية
من احل�ضارة امل�صرية ،التي متثل البوابة ال�شرقية لإفريقيا ،ينتقل املعر�ض بزائريه �إىل عمق ال�ق��ارة ال�سمراء من خ�لال �أرب��ع لوحات نحا�سية متثل مملكة بنني الغربية ال �ق��وي��ة ،وت�ع�ت�بر ت�ل��ك ال �ل��وح��ات املنقو�شة فريدة من نوعها يف افريقيا ،حيث كانت
ال�شرق الأدنى القدمي
ال�شرق الأو� �س��ط وح�ضاراته املختلفة هي املحطة التالية لزائري املعر�ض ،من خالل منطقة ال�شرق الأدنى القدمي ،والتي ت�شمل كل منطقة ال�شرق الأو�سط احلديث ،وت�ضم ك� ً لا من اجلزيرة العربية و�إي��ران والعراق و�سوريا والأردن وفل�سطني ولبنان وتركيا، وداخ ��ل ه��ذه الأرا� �ض��ي يحيط ن�ه��را دجلة وال��ف��رات باملنطقة امل �ع��روف��ة ب��ا��س��م ب�لاد الرافدين ،وت�شمل منطقة بالد الرافدين ك ًال من العراق احلديث و�شمال �شرقي �سوريا، حيث ظهرت املدن الأوىل يف العامل يف جنوب بالد الرافدين قبل زمن بعيد من عام 3500 قبل امل �ي�لاد ،و�شهدت تلك ال�ف�ترة تطوير الكتابة والدين وامللكية وبريوقراطية الدولة.
الكتابة امل�سمارية
وي�ضم جناح ب�لاد الرافدين جمموعة من املرا�سالت بالكتابة امل�سمارية على �أل��واح
المرصد 18 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
ضم جناح بالد الرافدين مجموعة من المراسالت بالكتابة المسمارية على ألواح الطين منها رسالة من حاكم بابل إلى ملك مصر الطني ،ومنها ر�سالة من حاكم بابل �إىل ملك م�صر ،وهناك ل��وح من مكتبة امللك �آ�شور بانيبال الذي ظهر يف نينوى �شمال العراق يف الفرتة من 700 - 600ق.م ،حيث �أقام امللك واحدة من املكتبات املرجعية الأوىل يف العامل، �ضمت جمموعات من القوامي�س والن�صو�ص ال�سحرية والطبية ،وهذا اللوح هو الثاين من ال�سل�سلة العالجية التي تنتمي �إىل «ق�صور �آ�شور بانيبال ،ملك العامل ،ملك �آ�شور». ومن العراق �إىل �إيران ،حيث ي�ضم املعر�ض متثال حار�س منحوت من حجر الكل�س من
بر�سيبولي�س عا�صمة االمرباطورية الأخمينية التي �أ�س�سها امللك داريو�س الأول � -522إىل 486ق.م ،وي�ح�ت��وي �أح ��د ال��وج��وه ت�صوير حل��ار���س يف و� �ض��ع ال��وق��وف ي��رت��دي ال��زي الفار�سي وغ�ط��اء ال��ر�أ���س امل �ط��وي ،ويحمل حربة بكلتا يديه وقو�سا وجعبة �سهام على ظهره ،و ُيظهر الوجه الثاين م�س�ؤو ًال يرتدي الزي الفار�سي ويحمل �صوجلان ًا بيده الي�سرى املو�ضوعة فوق �ساعده الأمين.
ال�صراع على التجارة
احتلت التجارة وق�ص�ص ال�صراع عليها، جزء ًا مهما يف هذا الق�سم من معر�ض كنوز ث�ق��اف��ات ال �ع��امل ،ح�ي��ث تظهر امل�ع��رو��ض��ات هنا ك�ي��ف �سعى ال��روم��ان لل�سيطرة على ال �ط��رف ال���ش��رق��ي ال�غ�ن��ي للبحر الأب�ي����ض املتو�سط ،و�أقاموا عالقات متوترة وخا�ضوا ع��دة ح �م�لات ��ض��د ال �ب��ارث �ي�ين وخلفائهم ال�سا�سانيني ،ومنت تدمر التابعة للمقاطعة الرومانية يف �سورية يف القرن الأول امليالدي،
ن �ظ��ر ًا لأه �م �ي��ة م��وق�ع�ه��ا على الطرق التجارية التي تربط بالد فار�س واجلزيرة العربية والهند والإمرباطورية الرومانية. وم��ن �أج�م��ل مقتنيات ه��ذا الق�سم ق�ن��اع امل ��وت ال��ذه�ب��ي ،ال ��ذي ُعرفت �أمثلة منه يف لبنان والعراق وتركيا وال�سعودية ،ومتثال ن�صفي لكاهن ي��رت��دي ث��وب� ًا روم��ان�ي� ًا ف�ضفا�ض ًا من تدمر يف �سوريا ،ولوحة ف�ضية مع م�شهد �صيد يف �إيران يف الفرتة ال�سا�سانية.
الرافدين تعود �إىل ق.م ،ع�ثر عليها يف ج��زي��رة �أم النار ،وهي تدل على وجود روابط جتارية واقت�صادية قوية مع البلدان الم��ارات واحل�ضارات املحيطة بدولة إ يف ذل ��ك ال��زم��ن ال �� �س �ح �ي��ق .وم ��ن عمق ال�صحراء العربية يف الإم��ارات تقودنا ال��رح �ل��ة داخ ��ل امل �ع��ر���ض �إىل ال���ش�م��ال الأوروب��ي �شديد ال�برودة ،وجمموعة من املقتنيات التي ا�ستخدمها الإن���س��ان يف ه��ذه الأر� ��ض منذ �آالف ال�سنني� ،أب��رزه��ا درع برونزي م�سطح يرجع تاريخ �صنعه �إىل � 1200 - 900سنة قبل امليالد. وم � ��رور ًا ب��ال �ي��ون��ان ال �ق��دمي��ة وح���ض��ارت�ه��ا ال��زاه��رة ،و�إي �ط��ال �ي��ا ،والآث� ��ار ال��روم��ان�ي��ة امل�ت�ن��وع��ة ،وح �� �ض��ارة ب�ي��زن�ط��ة ،ن�صل �إىل االجنلو�ساك�سونيني يف اجنلرتا ،والتماثيل الرائعة املمثلة القادمة من ال�نروي��ج ،ثم ع�صر النه�ضة ال��ذي حمل �سمات فائقة للجمال �سادت �أوروبا يف القرون الو�سطى.
2300 - 2600
املنمنمات
حظيت قاعة ال�شرق الأو�سط الإ�سالمي بعناية خا�صة من القائمني على املعر�ض ،وحوت �ألوان ًا من الفن الإ�سالمي مق�سمة �إىل �أربعة �أنواع من ال��زخ��ارف :اخلطية ،والنباتية ،والهند�سية، والت�صويرية منفردة �أو مت�آلفة يف ت�شكيالت بديعة. م��ن الأع �م��ال ال�ت��ي تعك�س ب��راع��ة امل�سلمني العلمية والفنية الإ�سطرالب ،وهو �أداة علمية ابتكرها امل�سلمون قبل 1000عام وا�ستعملوها يف ق �ي��ا���س االرت� �ف ��اع ��ات وحت ��دي ��د ال��وق��ت واجت��اه القبلة وت�صنيف الأب ��راج الفلكية، واال�سطرالب املعرو�ض م�صنوع من النحا�س ومو�شى ب�آيات قر�آنية. ي�ضم املعر�ض كذلك �أ��ش�ك��ا ًال خمتلفة من الأ�سلحة الإ�سالمية ،والأواين ذات الربيق املعدين التي بد�أ �صنعها خزافون عراقيون يف القرن التا�سع امليالدي ،وانت�شرت بعد ذلك يف م�صر و�سوريا و�إيران بحلول القرن الثالث ع�شر امليالدي. كما حظي فن املنمنمات الإ�سالمية مب�ساحة جيدة من املعر�ض حيث ُعر�ضت خمتارات من الفن الفار�سي ،واملغويل ،متثل م�شاهد ت���ص��وي��ري��ة لن�صو�ص ت��اري�خ�ي��ة و��ش�ع��ري��ة، وم�شاهد ع��ام��ة م��ن ح�ي��اة ال�ب�لاط و��ص��ور ًا م��ن ع��امل الطبيعة وت���ص��وي��ر ًا ل�شخ�صيات وحيوانات .منها لوحة من املنمنمات الإيرانية ل�صياد ي�ستعني ب�صقر ،يرجع تاريخها �إىل ع��ام 1580م�ي�لادي��ة ،ول��وح��ة �أخ ��رى متثل
من أجمل المعروضات قناع الموت الذهبي عرفت أمثلة منه الذي ُ في لبنان والعراق الفن احلديث وتركيا والسعودية البطل الفار�سي ر�ستم وهو ي�ضرب باب �أحد ق�صور �أعدائه.
الإمارات املت�صاحلة
حظي ت��اري��خ دول��ة الإم ��ارات بن�صيب جيد م��ن املعر�ض ،وم��ن �أه��م املقتنيات الأث��ري��ة امل �ع��رو� �ض��ة يف اجل �ن��اح الإم ��ارات ��ي �أدوات ح�ج��ري��ة م��ن جبل ال�ف��اي��ة بال�شارقة يعود ت��اري�خ�ه��ا �إىل � 125أل ��ف ��س�ن��ة ،وج ��رة من جبل حفيت تعود �إىل الأل�ف�ي��ة الثالثة قبل امليالد ،ومتثال �صغري من الذهب اكت�شف يف ال�شارقة يرجع �إىل حوايل 2100عام قبل امليالد ،بالإ�ضافة �إىل جرة �أخرى من بالد
احتلت التجارة وقصص الصراع عليها جزء ًا مهم ًا من معرض كنوز ثقافات العالم
ويعرج بنا املعر�ض �إىل ال�صني و�إ�سهاماتها العظيمة يف ت��اري��خ ال�ب���ش��ري��ة ،ال�ت��ي ل��وال العديد من �إجنازاتها لكان العامل خمتلف ًا �إىل ح��د كبري يف �أيامنا ه��ذه ،وتعج هذه ال�ق��اع��ة بنخبة م��ن التحف والآث���ار التي عك�ست الإ�سهام ال�صيني القوي يف تطور م�سرية الب�شر على الأر�ض. وم��ن ال���ص�ين ن��ذه��ب �إىل منطقة جنوب �شرق �آ�سيا وال�ت��ي متثلها ال�ي��اب��ان وكوريا مب�ن�ج��زات�ه��م ال�ق�ي�م��ة يف ه ��ذا اجل ��زء من ال� �ع ��امل ،ث��م �إىل الأم��ري �ك �ت�ين اجل�ن��وب�ي��ة وال��و��س�ط��ى ،وجم�م��وع��ة م��ن الآث ��ار القيمة التي عك�ست قيمة احل�ضارات القوية التي ن�ش�أت بهما. ً ً �أما نهاية الرحلة ،فكانت �إبحارا عميقا يف �أل��وان الفن الت�شكيلي يف الع�صر احلديث عرب جمموعة من الأعمال الفنية التي توثق ا�ستمرارية وتغري الن�شاط الب�شري يف عامل يزداد تعقيد ًا وترابط ًا
المرصد 20 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
مطالبات ب�ضم القد�س وامل�سجد الأق�صى
كنيسة المهد .. على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر لليونسكو
بيت حلم -يو�سف املحمود �أ�شادت املنظمة الإ�سالمية للرتبية والعلوم والثقافة �-إي�سي�سكو -بقرار جلنة الرتاث العاملي التابعة ملنظمة الأمم املتحدة للرتبية والعلم والثقافة -يون�سكو- �إدراج كني�سة املهد وطريق احلجاج يف مدينة بيت حلم بدولة فل�سطني على الئحة الرتاث العاملي املهدد باخلطر.
و�أك��دت الإي�سي�سكو �أن هذا القرار ين�سجم مع برنامج عمل جلنة ال�ت�راث الإ�سالمي التابعة لها ،ويدعم جهودها الهادفة �إىل احلفاظ على ال�تراث احل�ضاري يف ال��دول الأع�ضاء من خ�لال �إع��داد الئحة لت�سجيل م�ع��امل��ه ،والئ �ح��ة �أخ ��رى لت�سجيل املعر�ض منها ل�ل�أخ�ط��ار ،وتن�سيق امل��واق��ف العربية والإ�سالمية ،وتوحيد جهودها يف الت�صدي للمحاوالت املتكررة من قبل �إ�سرائيل ،لتهويد مواقع ومعامل �أثرية فل�سطينية وت�سجيلها على الئحة الرتاث العاملي. ون �ظ��ر ًا �إىل ت�صاعد االع �ت��داءات الأخ�يرة من قبل �سلطات االحتالل الإ�سرائيلي على ال�ت�راث الثقايف واحل���ض��اري الفل�سطيني، وا�ستكما ًال جلهود الإي�سي�سكو الرامية �إىل حث الدول الأع�ضاء واملجتمع الدويل للتدخل ال�سريع لوقف ه��ذه االع �ت��داءات التي كان من �أبرزها بناء اجلدار العن�صري العازل، واحل�ف��ري��ات يف حميط امل�سجد الأق�صى، نا�شدت الإي�سي�سكو اليون�سكو �إ�صدار قرار مم��اث��ل ي�ضع ال�ق��د���س ال���ش��ري��ف وامل�سجد الأق�صى املبارك على الئحة الرتاث العاملي املهدد باخلطر. و�أ�شادت الإي�سي�سكو باملواقف التي تتخذها جلنة الرتاث العاملي ب�ش�أن املعامل احل�ضارية يف العامل الإ�سالمي ،ودعت �إيل املزيد منها حفاظ ًا على ثروة ح�ضارية �إن�سانية كبرية
�إهمال وتخريب
منذ ب��داي��ة االح �ت�لال الإ��س��رائ�ي�ل��ي لل�ضفة ال�غ��رب�ي��ة يف ال �ع��ام 1967م ،وم��دي�ن��ة بيت حلم ،مبا حتمله وترمز �إليه ورغم �أهميتها العظيمة لدى �أتباع الديانة امل�سيحية ،كونها املدينة الروحية الأوىل ذات القد�سية الكربى والتي ت�ضم كني�سة املهد ف��وق مكان ميالد ال�سيد امل�سيح عليه ال�سالم ،تعاين الإهمال واحل�صار والت�ضييق وم�صادرة الأرا��ض��ي م��ن ق�ب��ل �سلطات االح �ت�ل�ال� ،إ� �ض��اف��ة �إىل ف�صلها عن القد�س ب�إقامة جدار اال�ستيطان وحما�صرتها بامل�ستوطنات. وكان �آخر ما تعر�ضت �إليه كني�سة املهد من
مغارة املهد
عدوان مبا�شر هو احل�صار ال�شهري يف العام 2002و�إط�ل�اق ال�ن��ار على مبنى الكني�سة و�ساحاتها ،ولكن الكني�سة الأقدم يف العامل والأه���م ل��دى امل�سيحيني ظلت ط ��وال تلك ال�سنوات� ،أي منذ عام 1967م ،وحتى يومنا ه��ذا تعاين من الإه �م��ال وتبعات االحتالل التي تعرقل ومتنع االهتمام بالكني�سة.
حماية ب�صفة عاجلة
بعد ح�صول فل�سطني على ع�ضوية منظمة اليون�سكو يف ت�شرين �أول العام � 2011سارع الفل�سطينيون بتقدمي طلب �إدراج الكني�سة
اإليسيسكو ناشدت اليونسكو وضع القدس والمسجد األقصى على الئحة التراث العالمي المهدد بالخطر
على قائمة الرتاث العاملي لليون�سكو يف �إجراء عاجل ،ومت قبول الطلب الفل�سطيني من قبل املنظمة العاملية لي�سجل بذلك على �أنه املوقع الفل�سطيني الأول ال��ذي ي��درج �ضمن قائمة الرتاث العاملي. قوبل هذا القرار بفرح واحتفال فل�سطيني كبري و�صف باالنت�صار واالع�ت�راف العاملي ب��احل��ق الفل�سطيني ن �ظ��ر ًا مل��ا يحمله هذا ال �ق��رار وي���ش�ير �إل �ي��ه م��ن اع�ت�راف بنتائج االح �ت�لال الإ��س��رائ�ي�ل��ي وان�ع�ك��ا��س��ات��ه على الأر�� ��ض الفل�سطينية مب��ا فيها م��ن �آث ��ار تاريخية ومقدّ�سات خ�صو�ص ًا و�أن الطلب ال��ذي تقدّمت ب��ه فل�سطني يطالب ب���إدراج كني�سة امل�ه��د ع�ل��ى الئ�ح��ة ال�ت�راث العاملي «ب�صفة عاجلة» ب�سبب التلف والتخريب الذي حلق مبجمل البنية املعمارية لكني�سة املهد، و«ال�صفة العاجلة» تعني هنا �أن املوقع مهدد
المرصد 22 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
مغارة املهد وتبدو النجمة التي ت�شري �إىل مكان ميالد امل�سيح
بالدمار والتلف والإهمال يف �إ�شارة وا�ضحة ل�سلطات االحتالل الإ�سرائيلي. يف املقابل� ،أثار القرار الذي اتخذته منظمة الأمم امل�ت�ح��دة للرتبية وال�ث�ق��اف��ة والعلوم «ال�ي��ون���س�ك��و» خ�ل�ال اج�ت�م��اع�ه��ا يف «��س��ان بطر�سبورغ» يف رو�سيا عا�صفة احتجاجات ح��ادة م��ن قبل �إ��س��رائ�ي��ل� .إذ ��س��ارع رئي�س ال ��وزراء الإ�سرائيلي بنيامني نتنياهو �إىل و�صف قرار «اليون�سكو» بال�سيا�سي وقال� :إن هذا القرار حتركه دواف��ع �سيا�سية ولي�ست ثقافية ،وبد ًال من �أن يتقدموا جتاه ال�سالم يقوم الفل�سطينيون مب�ساع من جانب واحد تبعد ال�سالم ،على حد زعمه. وفيما بعد نقل عن م�س�ؤولني �إ�سرائيليني �أن ال اعرتا�ض لديهم على �إدراج «كني�سة املهد»
وصف البعض القرار بالشوكة في ظهر المخطط «اإلسرائيلي» لمحو تراث فلسطين يف ال�تراث العاملي لكن االحتجاج جاء على ا�ستخدام كلمة «�صفة عاجلة» �إذ �أنه ّ يدل على �أن �إ�سرائيل ال حتمي املواقع. فيما �شدّد امل�س�ؤولون الفل�سطينيون على �أن �إ�سرائيل ت�سعى لطم�س هذه املواقع الدينية والتاريخية ،و�أنها مهددة بالدمار الكامل ب�سبب االح �ت�لال الإ�سرائيلي وب�ن��اء ج��دار
الف�صل العن�صري والتدابري املتخذة لطم�س الهوية الفل�سطينية . �أم ��ا ال�سلطة الفل�سطينية ف���س��ارع��ت �إىل التعبري ع��ن �سعادتها ب�ه��ذا ال �ق��رار ال��ذي و�صفته ب ��أن��ه اع�ت�راف م��ن ال �ع��امل بحقوق ال�شعب الفل�سطيني وانت�صار لق�ضية ال�شعب الفل�سطيني العادلة وهو قرار تاريخي ل�صالح ال�شعب الفل�سطيني وق��رار تاريخي ب�إعادة احلق املفقود لل�سيد امل�سيح عليه ال�سالم .
ق�صة مدينة
تقع مدينة بيت حل��م �ضمن �سل�سلة جبال ال�ق��د���س ج�ن��وب ال�ضفة ال�غ��رب�ي��ة ،يف قلب فل�سطني التاريخية ،وال يف�صلها عن مدينة
القد�س �سوى ع�شرة كيلومرتات ،وترتفع عن �سطح البحر 765مرت ًا . يقول علماء الآثار �إن العرب الكنعانيني هم بناة املدينة الأوائ��ل وهم الذين �سكنوها يف العام 2000قبل امليالد ،وا�سمها جاء ن�سبة �إىل الإله «خلمو» �أو «حلمو» الكنعاين وهو �إله الطعام عند الكنعانيني ،ويف الآرامية يقال: خلم �أو حلم ومعناها اخلبز فت�صبح بيت حلم مبعنى بيت اخلبز ،وي�شري بع�ض علماء الآثار �إىل �أنه من املحتمل �أن �أول ا�ستيطان ب�شري فيها كان عندما ّ حطت جماعات من البدو عند النبع القريب من كني�سة املهد. كما يقول امل�ؤرخون �إن �أقدم �إ�شارة تاريخية �إىل املدينة ظهرت يف ر�سائل تل العمارنة حوايل �سنة 1400قبل امليالد عندما نا�شد ملك القد�س ملك م�صر «وك��ان��ت املنطقة تابعة مل�صر يف تلك ال�ف�ترة» مل�ساعدته يف ا�ستعادة ال�سيطرة على بيت حلم يف �أعقاب غزو جماعات «اخلبريو �أو العبريو» �أو لب�سة جلود املاعز كما �أطلق عليهم ،وهم جماعات ب�شرية غري م�ستقرة هاربة تعتمد الو�سائل البدائية يف العي�ش كما تعتمد على الغزو وال�ن�ه��ب ،وال ي��وج��د معنى متفق عليه بني الباحثني على معنى كلمة خبريو �أو عبريو رغ��م حم ��اوالت بع�ض امل�شتغلني يف الآث��ار والتاريخ ربط كلمة «عبريو» بالعربيني و�أن ه��ذا اال�سم ا�شتق من «ع�بر» مبعنى الذين ع�ب�روا �إىل املنطقة ل�ل��دالل��ة ع�ل��ى ال��وج��ود اليهودي ،وي�ؤيد ذلك بع�ض الذين لهم عالقة يف التاريخ والآث��ار من اتباع مدر�سة الكتاب املقدّ�س ،لكن بع�ض املخت�صني ينفون ذلك جملة وتف�صي ًال ،ويعتربون �أن ه��ذا الربط ينبع من دوافع �سيا�سية ليثبت اختالق اجلذر التاريخي للوجود اليهودي يف فل�سطني كما حتاول الرواية الإ�سرائيلية والغربية زرع وهم تاريخي وجعله حقيقة ليتوافق مع الر�ؤية اال�ستعمارية واالحتاللية احلديثة بعد ف�شل �إثباته من خالل احلفريات و�أعمال التنقيب التي جرت يف فل�سطني مدة مائة عام كاملة . ويف تاريخ مدينة بيت حلم يروى �أن �سيدنا يعقوب عليه ال�سالم توقف يف هذه املدينة
داخل الكني�سة
وه��و يف طريقه �إىل اخلليل فتوفيت زوجته راح �ي��ل ح�ين ا��ش�ت� ّد بها �أمل ال� ��والدة �أث�ن��اء �إجنابها «بنيامني» ومت دفنها يف بيت حلم يف املكان الذي يعرف اليوم بق ّبة راحيل �أو
قرار اليونسكو ّ يدل على أن «إسرائيل» ال تحمي المواقع األثرية في األراضي المحتلة
م�سجد بالل بن رباح ،وتوالت على بيت حلم الأحداث الكبرية والكثرية ،وكانت تو�صف يف الع�صور القدمية ب�أنها قرية متوا�ضعة حتيط بها الأودي ��ة العميقة م��ن جهاتها الثالث، �أر�ضها خ�صبة تنت�شر فيها حقول القمح . ومل��دي �ن��ة ب �ي��ت حل��م �أه �م �ي��ة ع�ظ�ي�م��ة ل��دى امل�سيحيني فهي مدينة مقدّ�سة كونها م�سقط ر�أ�س ال�سيد امل�سيح عليه ال�سالم الذي يعتقد
المرصد 24 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
�أنه ولد يف مغارة هناك تقام عليها كني�سة املهد و�شهدت املدينة عرب التاريخ �صراعات وغزوات كثرية فقد تعر�ضت للغزو الآ�شوري والبابلي والفار�سي والإغريقي والروماين والبيزنطي ،فتحها العرب امل�سلمون وا�ستوىل عليها ال�صليبيون ثم ح ّررها �صالح الدين الأيوبي وبقيت حتت احلكم الإ�سالمي حتى انتزعتها بريطانيا خالل احتاللها فل�سطني، ثم مت �إحلاقها بالأردن حتى احتلتها �إ�سرائيل العام .1967
�أقدم كني�سة يف العامل
بني الأعوام 339 - 326مت بناء كني�سة املهد فوق مغارة امليالد ،مكان ال�سيد امل�سيح عليه ال�سالم وذلك على يد الإمرباطورة البيزنطية هيالنة وال ��دة الإم�براط��ور ق�سطنطني بعد االع�ت�راف بالديانة امل�سيحية ديانة ر�سمية ل�ل�إم�براط��وري��ة ال��روم��ان�ي��ة ،و�سميت با�سم الإمرباطورة. ويف ال�ع��ام 529للميالد تع ّر�ضت الكني�سة �إىل التدمري على �أي��دي ال�سامريني ب�سبب ا�ضطرابات وقعت �ض ّد البيزنطيني ،وبعد �ست �سنوات مت �إع��ادة بناء الكني�سة للمرة الثانية على يد الإمرباطور البيزنطي «يو�ستنيانو�س» حيث دعيت با�سم كني�سة املهد. يف ال �ع��ام 614للميالد تعر�ضت فل�سطني واملنطقة للغزو الفار�سي ،ومت هدم الكنائ�س يف فل�سطني ما عدا كني�سة املهد وذلك ب�سبب وج��ود قطعة م��ن الف�سيف�ساء على ج��دران الواجهة الغربية للكني�سة مت ّثل املجو�س ملوك ال�شرق بز ّيهم الفار�سي التقليدي وهم يقدمون الهدايا للطفل عي�سى عليه ال�سالم ،واحرتام ًا مللوكهم �أعر�ضوا عن تدمري الكني�سة . يف العام 638للميالد عام الفتح الإ�سالمي، دخ��ل �سيدنا ،عمر بن اخلطاب ،ر�ضي اهلل عنه ،مدينة القد�س وت�سلمها من البطريرك �صفرونيو�س ومت عقد �أ�سمى معاهدة يف الإخاء وامل���س��اواة واملح ّبة ،والتي تعرف باملعاهدة العمرية بني البطريرك �صفرونيو�س و�سيدنا ون�صت على �إعطاء الأمان للجميع وفر�ض عمر ّ االحرتام املتبادل ون�شر املحبة والت�سامح وعدم
نقو�ش على جدران الكني�سة
من مقتنيات الكني�سة
امل�سا�س بحرية الأماكن املقد�سة ومازال ذلك
منذ 1967م تعاني قائم ًا حتى يومنا هذا . ت���ض� ّررت كني�سة املهد م� � ّرات ع��دي��دة بفعل كنيسة المهد من ال�ك��وارث الطبيعية كالزلزال ،خ�صو�ص ًا ما إهمال االحتالل وعرقلته حدث يف العام 1843والعام .1927 عمليات صيانتها ويف ف�ترة االن�ت��داب الربيطاين العام 1934واالهتمام بها
للميالد قامت دائرة الآثار بالنظر يف �أ�سا�سات الكني�سة خ�لال �أع�م��ال ال�صيانة والرتميم وك��ان��ت النتيجة التي مت التو�صل �إليها �أن قواعد الأع�م��دة مطمورة يف �أر���ض الكني�سة ب�شكل متني ،وخالل ذلك مت الك�شف عن بقايا الف�سيف�ساء التي تعود �إىل الكني�سة الأوىل زمن هيالنة يف القرن الرابع حيث وجدت الرموز امل�سيحية وبع�ض ال�صلبان.
و�صف كني�سة املهد
مي ّثل �صدر الكني�سة �أو�سع �أجزاءها ،تق�سمه �أربعة �صفوف من الأعمدة احلجرية الوردية
ويتك ّون ك ّل �صف من �أحد ع�شر عمود ًا ي�صل ط��ول ال�ع�م��ود م��ع ال�ت��اج �إىل 5.7م ،وال�ت��اج كورنثي النق�ش له �صليب ب��ارز .يقوم فوق �صفي الأع �م��دة ج��دران خ�شبية تتخلل كل ّ واح��دة منها ع�شر نوافذ متو�سطة احلجم ت�ضيء الكني�سة . جدران الكني�سة منقو�شة ب�صور مت ّثل ميالد ال�سيد امل�سيح و�أخ��رى ليوحنا املعمدان وهو يع ّمد امل�سيح يف نهر الأردن وغريها مت ّثل الع�شاء الأخري . �أما الق�سم الأمامي من الكني�سة فهو مك ّون
من ُجرن مث ّمن الإ�ضالع منحوت من احلجر ال ��وردي وال�سقف ي�ستند �إىل �ستة �أعمدة حجرية �أك�ب�ر م��ن �أع �م��دة ��ص��در الكني�سة والأر�ضية مكونة من الرخام الأبي�ض.
مغارة املهد
�أما مغارة املهد فتقع حتت هيكل الكني�سة، ول �ل �م �غ��ارة ب��اب��ان الأول ل �ل��دخ��ول وال �ث��اين للخروج ،ويهبط الزائر من الباب عرب عدة درجات مكونة من الرخام الأبي�ض امل�صقول وي�صعد منها .املغارة م�ستطيلة ال�شكل مت تلبي�س �أجزاء من جدرانها بالرخام واجلزء الآخر بقي على حاله من ال�صخور الطبيعية، ويوجد يف املغارة الهيكل وحتته النجمة التي ت�شري �إىل مكان والدة ال�سيد امل�سيح ويقابل الهيكل جتويف يف ال�صخر يتم النزول �إليه من على ثالث درجات و�ضع فيه «مذود» من الرخام الأبي�ض
26 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
الكالم المباح
الكالم المباح
«دفتر أحوال» التراث حنفي جايل
نظر القا�ضي نظرة �سريعة يف ال�صفحة املفتوحة �أمامه من «دفرت �أحوال تراث الأمة» ثم �أعر�ض عن ال�صفحة ظن ًا منه للوهلة الأوىل �أنه �أخط�أ الدفرت ،لكنه �سرعان ما عاد �إليها ليتبني له �أنه الدفرت نف�سه، فكتم ما بدا �أنها عالمات ده�شة وا�ستغراب حلال ال�صفحة التي �سودت بالكامل� -أو كادت -وكان العهد بها �أن ي�أتيها �سطر �أو اثنان، �أعني حادثة �أو حادثتني ،على فرتة ،من هنا �أو من هناك ،ينظر فيهما ليتبني من دون عناء �أن الفاعل يف هذا ال�سطر �أو هذين ال�سطرين جمنون وفاقد لقدراته العقلية� ،أو �أن دوافع غري منطقية دفعته لذلك، �سواء من داخله� ،أو من خارجه ،ما يعني �أنه يف احلالتني قد دُفع �أو دُفع �إليه دفع ًا ليقدم على ما �أقدم عليه ،في�أمر بالإعرا�ض والتجاوز عنهما لأن الفاعل «غري عاقل» ومري�ض نف�سي ًا ،ولأن القاعدة املعروفة �إنه «لي�س على املري�ض حرج وال على املجنون حرج». يف خانة الرتاث املادي قر�أ ما يلي« :كما �أقدم املجرمون على هدم الأ�ضرحة واملعابد الأثرية الرتاثية املوجودة يف مدينة متبكتو ،عا�صمة مايل ،مثل �أ�ضرحة �سيدي حممود و�سيدي خمتار و�ألفا مويا ،كما �سبق و�أن �أقدموا مع �سبق الإ�صرار والرت�صد على ال�شروع يف هدم وحتطيم متاثيل بوذا يف �أفغان�ستان ،يف حني �أقدم �آخرون على حتطيم عدد �آخر من الأ�ضرحة والتماثيل والأعمال الفنية يف �أنحاء متفرقة من جمهورية م�صر العربية ،وب�س�ؤالهم اعرتفوا مبا هو من�سوب �إليهم ،حيث ال جمال للإنكار ،فالوقائع مثبتة بال�صوت وال�صورة ،و�أفادوا ب�أن ما �أقدموا عليه �إمنا هو من �سبيل �إنكار املنكر وحماربة اجلهل الذي ا�ست�شرى بني النا�س وخوف ًا عليهم من العودة لعبادة الأ�صنام والأوثان». ويف خانة الرتاث الفني قر�أ القا�ضي ما يلي« :وقد �أقدم �أحدهم على طعن الكاتب الكبري جنيب حمفوظ� ،أول �أديب عربي يح�صل على جائزة نوبل يف الآداب ،متهم ًا �إياه بالكفر والزندقة ،يف ما �أقدم �آخرون على حرق ن�سخ من كتاب «�ألف ليلة وليلة» يف مظاهرة �ضخمة، منددين مبا احتوته من م�ساخر وفجور ،وتوجه فريق منهم �إىل دار «�سينما كايرو» يف حماولة حلرق الدار ووقف عر�ض فيلم طيور الظالم للفنان «عادل �إمام» لأنه ي�سخر من الدين ورجاالته». توقف القا�ضي ومل يكمل قراءة ال�صفحة ،وقال يف نف�سه� :إىل هذا احلد و�صل االعتداء على تراث الأمة ،بل وتراث الإن�سانية ،و�إىل هذا احلد و�صل التطاول على هذا الرتاث الذي تك ّون ويتك ّون ويرتاكم عرب �سنوات و�سنوات من اجلهد والعطاء واالجتهاد ،ي�صيب �أكرثه يف �أوقات كثرية ،ويخطئ �أقله �أحيان ًا ،لكنه يراكم �أي�ض ًا على ال�صواب لينتجا معا تراث ًا �آخر ،يتم تناوله بالنقد والدر�س والتمحي�ص لي�صفى وينقح ويثبت من جديد يف قائمة الرتاث املحلي ،ليخرج منها بعد وقت �إىل قائمة الرتاث العاملي؟. وقفز �إىل ر�أ�س القا�ضي �س�ؤال �آخر حول اجلرائم املثبتة يف الدفرت والعالقة بينها وبني تلك التي مل تثبت ،والتي جوهرها الت�شويه املتعمد لبقية �صنوف تراث الأمة ،والتي كرثت وازدادت ب�شكل الفت هذه الأيام مثل الرتاث الفقهي الذي يتعر�ض لت�شويه وا�ضح عن طريق �إعادة �إنتاج فتاوى يثور معها اجلدل وال تعود بالنفع ،مثل �إر�ضاع الكبري وزواج ملك اليمني وغريها.
وهنا انتبه القا�ضي �إىل �أنه �شخ�صي ًا ،ومن معه من �أهل الق�ضاء �أي�ض ًا �أ�صبحوا من امل�ستهدفني ب�سهام طائ�شة تنطلق من �أقوا�س قدت من جهالة و�صنعت من غباء ،و�أنه ومن معه �أ�صبحوا يف مرمى نريان ه�ؤالء املجرمني الأفاقني الذين مل يتورعوا عن �إهدار كل املبادئ التي ا�ستقر عليها �ضمري الأمة وارت�ضاها عقلها ،ومن �أهمها و�آخرها املبادئ الفقهية والقانونية ،ومهاجمة الق�ضاة، وحماوالت ترويعهم ،والتجمهر �أمام املحاكم يف منظر يعيد �إىل الأذهان غوغائية الع�صور الو�سطى ،التي اعتمدت العنف والقوة بد ًال من النزول على �أحكام الق�ضاء ،يف م�شاهد يح�شد فيها الرعاع ،ثم ينطلقون من غري وعي �إىل غري هدف ،فرحني مبا �آتاهم اهلل من حناجر ،فيطلقون لها العنان من غري تفكري يف ما ينطلق منها ،فرتدد ما يدور يف عقول غريهم ،وتنطق مبا �أ�ضمروه يف �صدورهم. قال القا�ضي يف نف�سه :ه�ؤالء رمبا يعذرون باجلهل ،ولو �أن اجلهل جرم ولي�س عذر ًا ،ورمبا كانوا �أدوات يف �أيادي غريهم ،فما بال من ُيفرت�ض فيهم �أنهم �شيوخ و�سبق لهم �أن جل�سوا على من�صات الق�ضاء وتولوا واليته ،وقد ذهبوا يف ال�سبيل نف�سه ،ف�سلكوا درب الغواية بعد �أن عرفوا طريق احلق ،ومل ين�أوا ب�أنف�سهم عن االنحدار �إىل هذه الهاوية ،ولكن راحوا ،وب�سرعة غريبة وعجيبة ،يخلعون عباءات االلتزام باحلق والعدل واملنطق ،وي�ضعون جانب ًا �أو�شحة االتزان النف�سي والعقلي ،لتظهر من حتتها جالليب االلتزام بفكر �ضيق �أحادي امل�شرب �أحادي الر�ؤية ال يرى وال ي�سمع �سوى ما فيه م�صلحته ،ويف�ضل اخلا�ص على العام ،والأنا على الغري ،واجلماعة على املجتمع ،من �أجل م�صلحة زائفة ونعمة زائلة. �ضرب القا�ضي بكفه اليمنى على كفه الي�سرى عدة مرات ،وراح يحوقل وي�سرتجع ،وا�ستعاد فكره ثم قرر البحث عن امل�ستفيدين من كل تلك اجلرائم ،و�صو ًال �إىل الفاعلني باعتبارهم امل�ستفيدين الأوائل منها ،و�سرعان ما اكت�شف �أن هناك قا�سم ًا م�شرتك ًا بني الفاعلني ،و�أن الفاعل يف جميع تلك اجلرائم دائم ًا هو «�إن�سان م�سلم بالغ عاقل» ،نعم فلي�س بني الفاعلني غري م�سلمني ،ولي�س من فتعجب مرة �أخرى وقال: بينهم قا�صرون ولي�س من بينهم جماننيّ ، �سبحان اهلل ،وبحث عن امل�ستفيدين ،فلم يجد من بينهم م�سلمني، فازداد عجبه ،و�أ�صبحت امل�س�ألة ك�أنها لغز :م�سلمون بالغون عاقلون� ،أو هكذا يفرت�ض فيهم ،يعملون لغري �صالح امل�سلمني ،بل ورمبا ل�صالح �أعدائهم ،وهم يف �أفعالهم التي ي�أتونها يتخفون وراء الدين يف املظهر ويناق�ضونه يف اجلوهر ،وي�ضيعون الفر�ض بال�سنة، فيقدمون على قتل النف�س التي حرم اهلل �إال باحلق ،بدعوى الدعوة �إىل احلق .وعال �صوت القا�ضي مت�سائ ًال� :أي حق َتدعون و�أي حق ْتدعون �إليه ،ومن �أعطاكم احلق يف ما تفعلون ،من والكم على خلق اهلل لتحكموا عليهم ،وما هي م�ؤهالتكم للحكم عليهم؟ ثم تدعون �أنكم تريدون �شرع اهلل ،ال واهلل �إنكم تريدون ملك ًا ،فليكن ،ولكن تذكروا يوم ًا ينادى فيه :ملن امللك اليوم؟ فيجيب املالئكة وجميع اخلالئق امللك اليوم هلل الواحد القهار
الغالف 28 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
�أثارها م�سل�سل «عمر »
رموزالتراثاإلسالمي فيمرآةالفن... موجة من الجدل ال تنتهي الرباط – عبد الرحيم اخل�صار القاهرة� -صفاء البيلي �أبوظبي – حممد النمر ٌ لغط �شديد ،ومواقف متباينة ومتعار�ضة �أثارها الإعالن عن م�سل�سل «الفاروق» الذي يقدم حياة ال�صحابي اجلليل عمر بن اخلطاب .وهو �أمر لي�س بجديد ،فقد اعتاد النا�س –فيما يبدو -على مثل هذه املوجات من اللغط مع اقرتاب �شهر رم�ضان من كل عام ،حيث يدور اجلدل ويحتد ال�صراع حول مدى جواز جت�سيد بع�ض ال�شخ�صيات الإ�سالمية يف الأعمال الفنية املرئية. فتعلو �أ�صوات املعار�ضني التي تذهب �إىل حد التحرمي والتجرمي ،بينما يت�شبث امل�ؤيدون ب�أن عدم وجود ن�ص يح�صر الأمر يف م�ساحة االجتهاد التي ال حتتمل التحرمي، و�إن كانت تتطلب نقا�شاً لالتفاق على معايري ومتطلبات وقواعد ت�ضمن جودة النتائج دون قمع للحريات.
على م��دار العقود املا�ضية ،حتطمت على �صخرة هذا اجلدل �سفن الكثري من امل�شاريع الفنية التي كانت تخطط ملعاجلة جوانب من الرتاث الديني يف �أفالم �أو م�سل�سالت ،بينما جنت �سفن �أخرى و�سجلت عالمات يف تاريخ ال�سينما والثقافة ،بلل و�صل الأمر �إىل القول ب�أن بع�ضها قد جنح يف التعريف بالإ�سالم يف الغرب بطريقة مل ي�سبقه �إليها �أحد وهو فيلم «الر�سالة» للمخرج ال�سوري العاملي الراحل م�صطفى العقاد الذي و�صفه �أحد النقاد ب�أنه فيلم مت ّكن من �إعادة بناء اللحظة املف�صلية يف تاريخ امل�سلمني بطريقة حية ونقل م�شاعر حية لذلك الزمن. و�إن كان اجلدل يعلو ويخفت� ،إال �أن الق�ضية الرئي�سة تظل يف حاجة �إىل نقا�ش عميق ودقيق و�صو ًال �إىل ت�ص ّور عملي يقرب وجهات النظر ال ينتق�ص من �أهمية دور الفنون يف �إعادة التعريف بالرتاث ككل والرتاث الديني كجزء ،ودون �أن يحرم الأجيال اجلديدة من و�سيلة حديثة وراقية يتعرفون من خاللها على تراثهم ويتوا�صلون معه. امللف الذي تفتح «تراث» هذا العدد ،يحاول �أن يتجاوز م�ساحة الأزمة التي �أثارها م�سل�سل الفاروق �أو غريه ،ليعيد طرح الت�سا�ؤل الأهم: الرتاث الديني اليوم ..كيف يجب التعامل معه؟ وهل على �أهل الفن �أن ينتظروا الإ�شارة من �أه��ل الدين ملعاجلته؟ ما ح��دود العمل الفني؟ وما ال�ضوابط التي تقيد حريته؟ وهل ثمة خطوط حمراء يجب �أال يتجاوزها املخرج وال�سيناري�ست والطاقم الفني حني يريدون ت�شخي�ص حياة و�سري الأنبياء وال�صحابة ورموز التاريخ الإ�سالمي؟ حر�صنا يف هذا امللف على ا�ستعرا�ض �آراء ن�خ��ب م��ن ال�ف�ن��ان�ين وامل�شتغلني ب�صناعة ال�سينما وال��درام��ا التليفزيونية ،وعلماء خمت�صني يف فروع العلوم الدينية ،جنب ًا �إىل جنب مع مفكرين وكتاب و�أدب��اء يف م�شرق ومغرب العامل العربي. قبل ا�ستعرا�ض �آراء النخب ،ن�ستعر�ض طريف الراي يف ق�ضية م�سل�سل الفاروق الذي �أثار اجل��دل ،فمن �ضمن �أب��رز فتاوى العلماء يف
م�صطفى العقاد وانطوين كوين اثناء ت�صوير فيلم عمر املختار
ه��ذا ال���ص��دد ،ف�ت��وى ال�شيخ عبد الرحمن الرباك التي يقول فيها �« :إن علماء الع�صر امل�ع�ت�بري��ن م��ن �أع �� �ض��اء امل�ج��ام��ع الفقهية وغريها �أجمعوا على حترمي متثيل ال�صحابة ر�ضى اهلل عنهم ،وذل��ك للمفا�سد الكثرية املرتتبة على ذلك». وق��د �أفتى �أن��ه «ي�شرتك يف الإث��م كل من له �أثر يف �صناعة امل�سل�سل وترويجه ،من كاتب وخمرج وممثل ومم ِّول ونا�شر ،و�أوىل منهم بالإثم �صاحب فكرة امل�سل�سل ،وهكذا من يق ّره وهو قادر على منعه». �أم��ا مفتى ع��ام اململكة العربية ال�سعودية
الطريبق : العودة إلى التاريخ اإلسالمي هدف نبيل يتوخى البحث عن قيم فنية جميلة وتقديمها للمتلقي
ال�شيخ عبد العزيز �آل ال�شيخ ،فقد ا�ستنكر يف خطبة له جت�سيد الفاروق عمر ،معترب ًا �أنّ م �ث��ل ه ��ذه امل���س�ل���س�لات «ال جت �ل��ب وال تق�صد خ�ي�ر ًا ،مهما ق��ال م��ن �أع � ّده��ا ممن يدّعون التنوير الفكري» ،بل وو�صف الفكرة بـ«اخلاطئة» واعترب الأ�شخا�ص الذين تبنوها «خمطئني و�ضالني» ،لأنهم «لو �أرادوا احلقّ لرتجموا �سرية الفاروق ون�شروها». ك��ذل��ك فقد رف����ض الأزه ��ر ال�شريف فكرة ال�ع�م��ل ك �ك��ل ،ك�م��ا ح ��ذر م�ف�ت��ي ال�سعودية القنوات الف�ضائية من بثه ،قائ ًال�« :إن عر�ض مثل هذه الأعمال �سي�ؤدى لتقليل هيبة ومكانة ال�صحابة لدى امل�شاهدين». على اجلانب الآخ��ر ،ق��ال املخرج ال�سوري حامت �إن الرتكيز على �سرية عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه – �إمنا جاء بحث ًا عن جت�سيد�صورة عدل احلاكم يف �أبهى �ألوانها ،م�شري ًا �إىل �أن ر�صد جهتي الإنتاج ميزانية عالية للعمل هدفه حتقيق امل�صداقية عند النا�س.
الغالف 30 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
املمثلني ي�ستطيع �أن يج�سد �شخ�صية الفاروق مثال! ثم بعد قليل يقوم ب�أدوار خملة ال ير�ضى عنها دين وال عرف وال تقاليد!
2012
ال حكم بدون معاينة
احمد خ�رض
د .حممد رافت عثمان
خضر: قدمت تجربة ناجحة ولم أكمل الثانية
عثمان: مرفوض بال تراجع وال حيدة
وهو يرى �أن «م�شروعية �أي عمل تاريخي تكمن يف م��دى مواكبة �أف�ك��اره للع�صر ،وقدرتها على ط��رح �أ�سئلة �أو الإج��اب��ة ع��ن �أ�سئلة معا�صرة ،ف��الأع�م��ال التاريخية لي�س من مهمتها فقط �إعادة رواية التاريخ على غرار الكتب التاريخية ،بل للعمل الفني �أهداف �أخرى ،فحواها �أن تكون الأطروحات مهمة للم�شاهد يف هذا الع�صر ،ومن هنا يكت�سب م�شروعيته وق��درت��ه ع�ل��ى ط��رح الأ��س�ئ�ل��ة و�إيجاد الإجابات». وهو ي�ؤكد �أن فريق العمل قد توخى الدقة يف الرواية التاريخية لعظمة هذه ال�شخ�صية، م�شري ًا �إىل �أن البحث الذي قام به الدكتور وليد �سيف لكتابة العمل ،متت متابعته من جلنة �ضمت جمموعة م��ن �أب ��رز العلماء، �أ�شرفت عليه ودققت يف الوقائع التاريخية وتابعت تفا�صيله ،معلن ًا �أن اللجنة �ضمت ا�سماء من العيار الثقيل من �أبرزهم ال�شيخ يو�سف القر�ضاوي ،وعبدالوهاب الطريري وع �ل��ي ال���ص�لاب��ي و��س�ل�م��ان ال �ع��ودة و�سعد العتيبي و�أكرم �ضياء العمري.
رئي�س جلنة الفتوى بالأزهر ال�شريف �أنه ال يجوز ب�أي حال من الأحوال جت�سيد الأنبياء وال �أح��د م��ن ال�صحابة ��س��واء ك��ان مب�شر ًا باجلنة �أو غري مب�شر. وعن عدم وجود ن�ص �صريح بذلك التحرمي، يلفت الأط��ر���ش �إىل �أن ه�ن��اك ن�صو�ص ًا �صحيحة من ال�سنة النبوية املطهرة ،يختار منها قوله �صلى اهلل عليه و�سلم «�أ�صحابي كالنجوم ب�أيهم اقتديتم اهتديتم» ،وقوله �صلى اهلل عليه و�سلم« :عليكم ب�سنتي و�سنة اخللفاء الرا�شدين من بعدي فع�ضوا عليها بالنواجذ». ويت�ساءل الأطر�ش« :من يف ع�صرنا هذا �أوتي احلكمة حتى ي�ستطيع جت�سيد ه�ؤالء العظام؟» وي�ضيف« :ل��و ح��دث ه ��ذا لع ّر�ضنا ه ��ؤالء ال�صحابة ملهازل هم بعيدون عنها كل البعد»، ويقرتح الأطر�ش على من يريد عر�ض �سري ه�ؤالء ال�صحابة �أن يفعل ذلك من وراء �ستار، �أو �صوت ًا دومنا �صورة ،ويقول :من لدينا من
اشويكة : ترتبط فتاوى التحريم ال يجوز ..والن�ص موجود! بقضية اإلسالم تباينت �آراء �أه��ل العلم �إىل حد كبري ،يف والتصوير وما شاب البداية ،ي�ؤكد الدكتور عبد احلميد الأطر�ش، العالقة بينهما من التباس
على النقي�ض من الأط��ر���ش ،ي��رى الدكتور جمال قطب� ،أ�ستاذ ال�شريعة بجامعة الأزهر ورئي�س جلنة الفتوى بالأزهر �سابق ًا� ،أنه من غري املمكن احلكم على �أ�شياء غائبة ،م�شري ًا �إىل �أن��ه ال يجوز �أن ننكر �أن هناك �أعما ًال جيدة تُرى و�أخ��رى ال تُرى ،ويقول« :لنحكم على العمل هل هو جائز �أم ال ،يجب �أن ُنرى �أو ًال كي ن�ستطيع احلكم عليه».
مرفو�ض بال تراجع وال حيدة
خل�ص الدكتور حممد ر�أف��ت عثمان ،ع�ضو جممع البحوث الإ�سالمية ،الق�ضية يف نقطة واحدة ،قائ ًال� :إذا كان العمل يج�سد �إحدى �شخ�صيات املب�شرين باجلنة مب��ن فيهم اخللفاء الرا�شدون ،فلن ن�تردد يف رف�ضه، م�ضيف ًا «:هذا موقف ثابت ال تراجع وال حيدة عنه» .وقال� :إن م�سل�سل الفاروق مل يعر�ض على � ّأي جهة من جهات املوافقة على مثل ه��ذه الأع �م��ال ك��الأزه��ر ال�شريف �أو جممع البحوث الإ�سالمية. وع��ن �س�ؤالنا مل��اذا يحر�ص الأزه��ر وجممع ال�ب�ح��وث الإ��س�لام�ي��ة على ق��رار امل�ن��ع على الرغم من عدم وجود ن�ص �صريح� ،أكد ر�أفت �أنه من امل�ستحيل متثيل الر�سل والأنبياء و�آل بيت الر�سول ،والع�شرة املب�شرين باجلنة، ومنهم اخللفاء الرا�شدون ،و�أكمل�« :أما من ناحية الر�سل والأن�ب�ي��اء ف�ه��ؤالء نوعية من الب�شر ا�صطفاهم املوىل عز وجل عن �سائر خلقه ،ق��ال ت�ع��اىل�« :إن اهلل ا�صطفى �آدم ونوحا و�آل �إبراهيم و�آل عمران على العاملني». ً و�أ�ضاف� :إذا كان اهلل عز وجل قد ا�صطفى ه ��ؤالء الب�شر ،فهل من الالئق �أن يتقم�ص �أح��د �شخ�صياتهم؟ ،فالتمثيل ا�ستح�ضار ��ص��ورة ال�شخ�صية ال�ت��ى ي�ق��وم بها املمثل، ومهما بالغ املمثل فى الإجادة ،فلن ي�ستطيع
�أن يكون طبق الأ�صل من �شخ�صية لي�ست ك�سائر الب�شر. و�أ���ض��اف �أن امل�م�ث��ل ال ��ذى ي�ق��وم بتج�سيد �شخ�صيات الأن �ب �ي��اء وال�ع���ش��رة املب�شرين باجلنة يكذب ويدعى ادع��اء غري �صحيح، مو�ضح ًا �أن «املمثل» حينما يقوم بدور عمر بن اخلطاب ،فك�أنه يقول �أنا هو متثي ًال وهذا لي�س ب�صحيح ،ولعله �أقرب �إىل الكذب.
حتايل غري مقبول
ال��دك �ت��ور حم�م��د خم �ت��ار امل��ه��دي� ،أ��س�ت��اذ الدرا�سات العليا بكلية الدرا�سات الإ�سالمية وال�ع��رب�ي��ة بجامعة االزه���ر ،وع�ضو جممع البحوث الإ��س�لام�ي��ة ،و�إم ��ام �أه��ل ال�سنة، والرئي�س العام للجمعية ال�شرعية ،ي�صف الأم� ��ر ب��ال�ت�ح��اي��ل غ�ير امل �ق �ب��ول ،وي�ضيف داف �ع � ًا ب��الأم��ر �إىل زاوي ��ة ج��دي��دة�« :أظ��ن �أنها د�سي�سة �شيعية ،لأن ال�شيعة ال يوقرون ال�صحابة ،وي�سبونهم وي�سعون لال�ستهانة بهم» ،م�شري ًا �إىل �أن الأزهر قد �أجمع منذ م��دة طويلة على ع��دم ج��واز ذل��ك ،خا�صة الع�شرة املب�شرين باجلنة. وك ��أن��ه يبحث ع��ن خم��رج ،ي�ق��ول الدكتور امل�ه��دي� :أم��ا �إذا ك��ان املق�صود بالأعمال ال��دي�ن�ي��ة وال�ت��اري�خ�ي��ة ه��و ت�ع��ري��ف النا�س ب�شخ�صيات عظيمة ،ف�لا م��ان��ع م��ن ذلك ب�شرط ا�ستخدام التقنيات احلديثة وعدم جت�سيد ال�صحابة. ورف ����ض مت��ام � ًا ال� ��ر�أي ال�ق��ائ��ل ب� ��أن ه ��ؤالء ال��رج��ال ج��زء م��ن ت��راث الأم��ة و�أن��ه لي�س هناك ن�ص مينع ذلك التحرمي وقال« :حتى ولو كان تراث ًا وملك ًا للأمة ..فيجب علينا احرتامه على كل حال».
كالم فارغ!
«هذا كالم فارغ» ،بهذه الكلمات الثالث بد�أ املفكر الإ�سالمي جمال البنا كالمه م�ؤكد ًا �أنه �إذا كان هناك مع�صوم من النواق�ص فهم الأنبياء� ،أما دون ذلك فهم �أنا�س عاديون، و�أن اجلنة فيها نا�س كثريون مب�شرون وغري
د .رفيق ال�صبان
د .جمال قطب
الصبان: التركيز على الشخصيات اإلسالمية التي تحافظ على توازن الدولة!
قطب: ال حكم بدون معاينة العمل للنهاية!
مب�شرين� ..إذ �إنه لي�س من املعقول �أن يكون فى اجلنة ع�شرة �أ�شخا�ص فقط؟!! و�أك��د البنا �أن��ه يخالف العلماء الذين �أفتوا بعدم جت�سيد ال�صحابة خا�صة املب�شرين منهم باجلنة ،و ي��رى �أن��ه من املهم عر�ض �سري ه�ؤالء املقربني بكل ما فيها من ب�شرية و�أع �م��ال و�صفات �إن�سانية ،فهم نا�س لهم �ضعفهم ال �ب �� �ش��ري ،ول�ي����س م�ن�ه��م م��ن هو مقد�س ،وي�ضيف« :اال�سالم �أبعد دين عن الوثنية �سواء يف الأ�شخا�ص �أو غري ه��ذا.. �إال �إن ��ه ال يعجبنى ت�ق��دي����س ال�ب�ع����ض منا ل�شخ�صيات بعينها».
ال عالقة للدين بالأمر
ال�سيناري�ست املغربي املعروف يو�سف فا�ضل يرى �أال عالقة للدين بالأمر ،ويعترب �أننا
الطريبق : يجب على اإلنسان أن يتصالح مع تراثه الديني والفني والثقافي وأن يكون واضح ًا في خياراته
اليوم نعي�ش يف الإعالم العربي فرتة �صعبة ��ص��ارت فيها ك��ل ال�ف�ت��اوي م�ب��اح��ة ،و�صار فيها كل �شيء قابال للتحرمي ،وامل�شكلة ان املجتمع العربي يف غالبيته �أم��ي وحم��دود الثقافة وبالتايل فهو قابل لكل الت�أثريات التي يحركها البع�ض با�سم الدين .ويبدو ل��ه ال�ي��وم �أن �أب�سط تهمة ج��اه��زة للفنان واملثقف هي التكفري ،وبالتايل حت��رمي ما يقوم به من عمل ،و�أن ال�صراع احلقيقي اليوم هو �صراع بني �أفكار تنويرية و�أخرى �سلفية. ي��و��س��ف ف��ا��ض��ل ال�سيناري�ست وال��روائ��ي وخمرج فيلم «طعم ال�صداقة» و«حب وخيل و�أ�شياء �أخرى» طالب ب�أن يرفع املتحدثون با�سم الدين يدهم عن الفن م�شري ًا �إىل �أن الكائن املتنور اليوم لي�س يف حاجة �إىل من ير�شده ويدله على ما ينا�سبه ويقوم مقامه يف اتخاذ ال�ق��رار ،لذلك يقول« :يجب �أن نحرتم احلرية الفكرية واال�ستقاللية يف ال��ر�أي ،كما يجب �أن ن�ستخدم العقل و�أال ننتظر احلل من الآخ��ري��ن .ولي�س من حق �أح��د �أن يفر�ض علينا ما ن�شاهده ،كما ال يحق له �أن مينعنا مما نريد م�شاهدته ،كل �إن�سان نا�ضج حر يف خياراته». وح�ين �س�ألنا الأ��س�ت��اذ يو�سف فا�ضل عما
الغالف 32 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
من كوالي�س فيلم الر�سالة .من اليمني عبد الله غيث ،منى وا�صف ،م�صطفى العقاد
ينبغي الآن على �أهل الدراما والفن والثقافة الدين مرجعية معلوماتية
يف ظ��ل ه��ذه ال�ف�ترة ال�ت��ي ُينظر �إىل الفن خاللها مبفهومي احل�لال واحل��رام �أج��اب: «ل�ي���س��ت ه �ن��اك و��ص�ف��ات ج��اه��زة ملعاجلة الأم � ��ر ،ل�ك��ن ي �ج��ب ع�ل��ى ال �ف �ن��ان وامل�ف�ك��ر والأديب االنتباه �إىل هذه الق�ضايا وتناولها يف �أعمالهم الفنية ،كما يجب بلورة �أفكار جديدة تواكب روح الع�صر من �أجل �إحداث قطيعة مع كل فكر غري تنويري». ه��ذا ما ي��راه م�ؤلف امل��ادة احلكائية .لكن م���اذا ع��ن ال ��ر�ؤي ��ة الإخ��راج��ي��ة مل��ن ي��ري��د التعامل مع الرتاث الديني؟ املخرج حممد ال�شريف الطريبق يعتقد �أنه حينما نخو�ض نقا�ش احلرام واحلالل نقع خارج الإبداع، فالدين له مقامه والفن له مقامه ،الإبداع ال يخ�ضع ملنطق احلرام واحلالل و�إمنا تكون املعايري والأحكام فيه فنية بالأ�سا�س ،ذلك �أن جمال الإبداع هو جمال امل�ساءلة و�إعادة امل�ساءلة من �أجل بناء قيم جديدة.
ح�ين �س�ألنا الطريبق �إن ك��ان ل��زام � ًا على املخرج �أن ي�ست�شري امل�ؤ�س�سة الدينية عندما يرغب يف معاجلة الرتاث الديني كان رده� :أنا كمخرج قد �أ�س�أل رجل الدين عن املعلومات واحلقائق التاريخية ،وطبع ًا لن �أ�س�أله من �أجل ا�ست�شارة فنية ،وبالتايل فاملجال الديني جم��ال مفتوح على الت�أويالت والفقهاء هم �أنف�سهم يختلفون باختالف املذاهب والر�ؤى. ي�ضيف خمرج «ثمن الرحيل» و«اخليل ت�سقط تباعا» و«ب��اب املدينة» وغريها من الأف�لام:
لعميم : إطاللة بسيطة على لحظتنا التاريخية تفسر استدعاء هذه الشخصية المحورية في تاريخنا اإلسالمي ..فهي نموذج نفتقده اليوم
حينما يقوم خمرج كيو�سف �شاهني بتقدمي فيلم املهاجر �أو حينما يقدم لنا العقاد عمله امل�ع��روف :الر�سالة ،يكون الهدف من وراء ه��ذه ال �ع��ودة �إىل ال�ت��اري��خ اال��س�لام��ي هدف ًا نبي ًال ،يتوخى البحث عن قيم فنية جميلة وتقدميها للمتلقي. العمل الفني – ح�سب الطريبق– ال يقوم على التفكري الديني و�إمن��ا يتحاور معه، وامل�شكلة �أن ج��ل املنتقدين لي�ست لديهم ثقافة فنية ،وال يفرقون بني املادة احلكائية ووج �ه��ة ن�ظ��ر امل �خ��رج ،ب��ل �أك�ث�ر م��ن ذل��ك فاملخرج حر حني يقرتح انتقاد ًا ملو�ضوع ما، واحلرية طبعا قيمة مفتوحة. يف امل�ؤ�س�سات الدينية غالبا ما يوجد �أ�شخا�ص ال يقبلون احلوار �أ�ص ًال ،هذا ما يراه حممد ال�شريف الطريبق ،فهم يحملون �أف �ك��ار ًا �إطالقية جاهزة غري قابلة للنقا�ش ،وبالتايل على املبدع �أن ي�ستمر يف �إبداعه ،و�أن ي�أخذ بعني االعتبار �أن احلرية الفنية اليوم �صارت مقيدة ومهددة ،على املبدع �أن يوا�صل دوره
التنويري داخل املجتمع.
الت�صالح مع الرتاث
ي�ع��ود الطريبق �إىل ال�ت��اري��خ ليذكرنا ب��أن امل�ؤ�س�سة الدينية يف �أوربا يف القرون ال�سابقة كانت تتدخل يف كل �شيء� ،إميان ًا منها ب�أن املواطن غري قادر على ممار�سة حياته دون تدبري منها ،ومع مرور الوقت تقل�ص حجم تدخلها وتراجع .وهذا ما ميكن �أن يقع للعامل العربي ،فاحلداثة قادمة ولن ترتك امل�ساحة لأي تفكري رجعي ،ويذكرنا �أي�ضا بالفتاوى ال �ت��ي �أ� �ص��دره��ا بع�ض م��ن مي�ث�ل��ون ال��دي��ن بخ�صو�ص حت��رمي رك ��وب ال���س�ي��ارات حني ظهرت ال�سيارة للوجود ،وكيف �صارت مثل هذه الفتاوى املتجاوزة مدعاة لال�ستغراب ورمبا ال�ضحك. ي�ضيف املخرج حممد ال�شريف الطريبق: ي�ج��ب �أخ���ذ در����س يف ال �ت��اري��خ مل�ع��رف��ة �أن التقدم والتطور م�سائل حتمية ،ويجب على الإن�سان �أن يت�صالح مع تراثه الديني والفني والثقايف ،و�أن يكون وا�ضح ًا يف خياراته ،حتى ال ت�صبح الن�سخة الوحيدة للعربي امل�سلم هي ن�سخة االن�سان امل�صاب بال�شكيزوفرينيا ال��ذي ي�شاهد املواقع الدينية بالقدر نف�سه الذي ي�شاهد به املواقع الإباحية.
التبا�س مطلوب ف�ضه
الناقد ال�سينمائي والفني حممد ا�شويكة �صاحب الكتب النقدية «ال�سينما املغربية: رهانات احلداثة ووع��ي ال��ذات» و«ال�صورة ال�سينمائية :التقنية وال�ق��راءة» ،و«ال�سينما املغربية� :أطروحات وجت��ارب» ،وغريها من امل�ؤلفات ،حني �س�ألناه عن �إ�شكالية ت�صوير ال�صحابة وال�شخ�صيات الدينية ذكرنا ب�آيتني من ال�ق��ر�آن« :هو ال��ذي ي�صوركم يف الأرحام» «�آل عمران« .»6/ولقد خلقناكم ثم �صورناكم» «الأعراف.»11/ ث��م ع��اد بنا �إىل �أع �م��اق ال�ت��اري��خ م��ن �أج��ل قراءة عميقة للم�س�ألة ،قال :ترتبط الفتاوى الفقهية املُ� َ�ح � ِّر َم��ة للم�سل�سالت والأف�ل�ام
جمال البنا
د .حممد خمتار املهدي
المهدي: البنا: رفض تجسيد الصحابة الشيعة هم أكثر كالم فارغ! من يدفعون باتجاه وغ�يره��ا بق�ضية الإ� �س�لام والت�صوير ،وما التشخيص! �شاب العالقة بينهما من التبا�س ،ولكي نفهم جذور ال�صراع القائم بني الفقهاء والفنانني ع�م��وم� ًا ،الب��د م��ن القيام ِب� َ�ح� ْف��ر ب�سيط يف ثنايا علم الكالم ،وما ُي ْن َ�س ُب للم�سلمني من فنون ،ففكرة الت�شخي�ص قدمية للغاية �إال �أن جتلياتها ال�ك�برى ب ��د�أت م��ع امل�صريني من خالل الثالوث املقد�س «حور�س االبن، و�إيزي�س الأب ،و�أوز يري�س الأم» ،وهي �آلهة ترتبط باالنبعاث واخل�ضرة واخل�صب؛ ثم ج��اءت بعد ذل��ك الديانة اليهودية فوحدت وج� َّر َد ْت��ه رغم انت�شار بع�ض الطرائق الإل��ه َ ُ َّ التعبدية امل ِخلة بذلك؛ وتلتها امل�سيحية التي �أع��ادت الت�شخي�ص من خالل التثليث «الأم واالبن والروح القد�س»؛ �أما الإ�سالم فقد جاء ُم َر ِّ�س ًخا فكرة التوحيد ،مجُ َ ِّردًا الذات الإلهية، منتقد ًا اليهودية وامل�سيحية مع ًا «وقالت اليهود ُعزَ ْي ُر ابن اهلل ،وقالت الن�صارى عزيز ابن اهلل» «التوبة ،»30/وهو الأم��ر ال��ذي ح�سمته �سورة الإخال�ص من خالل ب�ضع جمل قليلة« :قل هو
الشناوي : المرونة والتعامل بشكل عقالني مع مثل هذه األعمال يقدم حقيقة اإلسالم بصورة صحيحة ومشرفة
اهلل أ�ح��د ،اهلل ال�صمد ،مل يلد ومل يولد ،ومل يكن له كف�ؤا �أحد». ولكي تكتمل الر�ؤية ،ي�شري حممد �شويكة �إىل �أن ال�ع��رب ،كغريهم من ال�شعوب والأمم، عبدوا �آالف الآلهة؛ �إذ كان لكل قبيلة �إلهها، �إلهتها� ،أو �آلهتها حيث �أظهروا براعة كبرية وتفنن ًا متعدد ًا يف نحتها ،كما اجتهدوا يف ت�شخي�صها ب�شتى ال �ط��رق ،ف��و��ض�ع��وا لها التماثيل ،وتمَ َ ��اه��وا م��ع � �ص��وره��ا ،وقاتلوا م��ن �أج�ل�ه��ا ك��ي ت�ظ��ل ��ص��ورت�ه��ا حمفوظة مع�صومة. وامتداد ًا لذلك ،جاءت فكرة احلجاب التي جتعل النبي مع�صوم ًا ،ال ي�صدر عنه �إال ما هو حقيقي ،وما على النا�س �إال االقتداء ب��ه ،وذل��ك م��ا ق��ام ب��ه ال�صحابة الع�شرة املب�شرين باجلنة ،وما �أكدته �سرية النبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ،ال��ذي ي�أكل الطعام ومي�شي يف الأ�سواق. كان حلركات التثاقف التي عرفها العرب، نتيجة احتكاكهم ب��الأق��وام الأخ ��رى ،ت�أثري وا�ضح على ثقافتهم التي ا�صطدمت بالفكر الغنو�صي والفل�سفات ال�شرقية والنظريات ال �ي��ون��ان �ي��ة ،ك �م��ا ح �م��ل امل�ع�ت�ن�ق��ون اجل��دد للإ�سالم بع�ض ًا من عاداتهم وتقاليدهم التي ا�ستدجموها �ضمن طريقة تعبدهم اجلديدة
الغالف 34 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
بو�سرت فيلم الو�صايا الع�رش
مم��ا ج�ع��ل ح ��دوث قطيعة ج��ذري��ة م��ع تلك الت�صورات �أمر ًا �صعب ًا. ومن الناحية الأركيولوجية جند �أن الدينار ال��ذه�ب��ي الإ� �س�لام��ي ،ب��اع�ت�ب��اره �أول عملة �إ�سالمية ،يحمل �صورة اخلليفة الأموي عبد املالك بن م��روان مب�ساعدة وزي��ره ا َ حل َّجاج بن يو�سف الثقفي ،وه��ي جتمع بني النق�ش البيزنطي واخل �ط��وط العربية الإ�سالمية حيث كانت �أول خطوة يف التغيري �أن َح َّلت � �ص��ورة اخلليفة حم��ل � �ص��ورة الإم�ب�راط��ور البيزنطي ،و�أخ��ذت الن�صو�ص الإ�سالمية تدخل �شيئ ًا ف�شيئ ًا. ي�شري حممد �شويكة �أي�ضا �إىل املنت الب�صري الثرَّ للمنمنمات الإ�سالمية التي �صورت حياة
الإن�سان امل�سلم من خالل خمتلف جتلياتها، واحتفت بالأو�ضاع الب�شرية يف �أعقد حاالتها الت�شكيلية ،وذلك مثا ٌل فاقع للرد على غالة حترمي الت�صوير الذي يرتبط بالت�شخي�ص. اخل�لا��ص��ة� ،أن الإ� �س�لام ي�ح��رم ت�شخي�ص ال��ذات الإلهية ،كما حارب الوثنية املرتبطة
أشملي : أفتى مجموعة من أهل الذكر المعاصرين بجواز ذلك أمثال الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور سلمان العودة
بالتماثيل ،وبالتايل ،فال يوجد �أي �أث��ر يف القر�آن لتحرمي الت�صوير وما ارتبط به من فتاوى متنع ت�شخي�ص الأنبياء وال�صحابة، وتدعو �إىل تدمري التماثيل الأثرية التي ُت َع ُّد تراث ًا �أركيولوجيا يعك�س تطور الفكر الب�شري، وي�شهد على منوه الروحي وال َع َق ِدي ،ترى ما الذي مينع ت�صوير هذه ال�شخ�صيات؟ �إذا ك� ��ان الأم� � ��ر م �ق �ت �� �ص��ر ًا ع��ل��ى ه��ذه ال�شخ�صيات ،فقط ،ف�إن ال�سينما والتلفزيون وما �شابههما حرام جملة وتف�صيال ،وبالتايل، هذا ما يخل�ص �إليه الناقد م�ضيفا :فالتمثيل ت�شبيه ،مبعنى �أنه فن ،ولتو�ضيح ذلك �أكرث، �أ�شري �إىل ما تعنيه مفردة Interprétation يف املو�سيقى :لكل جوق �إح�سا�سه باملقطوعة املو�سيقية� ،أي ت�أويل �أفراده للحن و�إح�سا�سهم به ،وتفاعلهم معه. َ فال�شخ�صية مجُ َ � � َّر ُد �ش َب ٍه ولي�ست هي هي، َت َف ُاع ٌل مع الت ََّ�ص ُّور ال��ذي �أراده لها كل من ال�سيناري�ست واملخرج يف الفيلم .وذلك ما تدل عليه �إ�شارتنا �إىل مفهوم االقتداء الذي يعني الت�شبه ولي�س اال�ستح�ضار الكلي لل�شخ�صية، وتلك فل�سفة الت�شخي�ص يف ال�سينما وامل�سرح والتلفزيون ،وذلك ما ال يريد فقهاء الفتاوى املت�سرعة فهمه ،رغم �أنهم يطلون على النا�س م��ن خ�لال �شا�شات ال�ت�ل�ف��زي��ون ،وميتثلون بدورهم لتقنيات الت�شخي�ص. �إن �شخ�صية ال�سيد امل�سيح والنبي مو�سى وال�ف��اروق عمر ،لي�سوا �شخ�صيات حقيقية داخ ��ل الأف �ل�ام ،و�إمن ��ا �شخ�صيات فيلمية متخيلة خ�ضعت لت�أويل تخييلي منبثق من التاريخ الذي ميكن �أن ُي�ؤَ ِّول بدوره الأحداث، وي�ق�ترح �إمكانيات �إن�سانية للوقائع خالل الأف �ل��ام وامل���س�ل���س�لات ال �ت��ي ت �ت �ن��اول تلك ال�شخ�صيات الب�شرية.
القدا�سة للقدو�س فقط
يختم حممد �شويكة كلمته :و�أخ�ير ًا ال بد من الت�أكيد على �أن الإ��س�لام قد جعل القدا�سة مق�صورة على الإل��ه «ال�ق��دو���س» ولي�س على الب�شر ،م�ؤكد ًا �أننا يف حاجة �إىل االنخراط يف �صناع ِة �صور ٍة ُت َع ِّر ُف بالثقافة الإ�سالمية
طارق ال�شناوي
عبد الله �أ�شملي
يو�سف فا�ضل
الشناوي: أوافق وأتعجب من رفض األزهر
و�شخ�صيات ب�صمت ال �ت��اري��خُ ، وخ �ل��دت يف الأذهان ،عرب ال�صورة .فلل�صورة �سحر لي�س يف الكلمات. �إن ا�ستدعاء الرموز وال�شخ�صيات التي فعلت يف التاريخ هو – ح�سب �آي��ت لعميم -مطلب جوهري اليوم ،فالغرب – مثال -فر�ض تاريخه وثقافته عرب و�سائط ع��دة :اللون وال�صورة وال�ضوء؛ فنحن العرب اليوم ينبغي لنا �أن نقر�أ املرحلة بعني ثاقبة وبنف�س م�ستقبلي ،ذلك �أن التغريات التي تعرفها اخلريطة العربية، وال���ص��راع الإقليمي والطائفي ال��ذي ب��د�أت تتحدد معامله ،والت�سابق نحو �إع��ادة ترتيب املواقع ،كل هذا البد و�أن يفتح �أعيننا ويجعلنا متيقظني قبل فوات الأوان ،ويحتم علينا �إعادة
ترتيب عالقتنا مع املا�ضي امل�ستمر ،ف�إعادة اللحظة املا�ضوية م�شروطة بهواج�س احلا�ضر و�أ�سئلته؛ و�أ�سئلة احلا�ضر اليوم معقدة جد ًا ومت�شابكة للغاية.
وفقا ملا ينا�سب رموزها ،وما يعك�س ر�سالتها الإن�سانية والكونية ..فال قيمة لفتاوى املنع هاته لأن الرقابة باتت �أمرا ع�صيا �أمام انت�شار تقنيات التوا�صل احلديثة. الناقد والباحث يف الرتاث الثقايف حممد �آيت لعميم ن�س�أله فيجيبنا ب�س�ؤال �آخر ،حيث يقول: م��ن منا مل يت�سمر �أم��ام ال�شا�شة م�شدوه ًا وم�شدود ًا وهو ي�ستمتع برائعة املخرج الكبري املرحوم م�صطفى العقاد «الر�سالة»؟ فيلم مت ّكن من �إع��ادة بناء اللحظة املف�صلية يف تاريخ امل�سلمني بطريقة حية ونقل م�شاعر حية لذلك الزمن. من منا مل يتفاعل مع فيلم عمر املختار لدرجة التماهي مع البطل «انطوين كوين»؟� .أفالم عديدة �أع��ادت ت�شخي�ص حلظات تاريخية،
أشملي : لم نجرؤ على تجسيد الصحابة إال بعد طفرة السينما اإليرانية
�أدوات فنية حديثة الباحث يف ال�تراث الديني عبد اهلل �أ�شملي يقف عند م�س�ألة �أ�سا�سية، تتجلى يف ك���ون التمثيل ه��و �إح����دى الأدوات ال��ف��ن��ي��ة احل��دي��ث��ة ال��ت��ي مل يعرفها ال�سلف ،لأنه من امل�ستجدات الع�صرية التي يجب �أن ُنعمل فيها �آلة االجتهاد ب�أدواته ،خا�صة �أنه مل يرد �أي ن�ص فيه ،ولي�س فيه �إجماع من علماء الأمة يف ع�صرنا ب�شكل عام ،بل هناك جمرد اجتهادات كثرية ال ت�ستند �إىل �أي قيا�س يف حكم متثيل الأنبياء وال�صحابة ،فاختلفت بني التحرمي والنهي والتحليل ،وكلها �آراء فقهية حديثة ال متلك �أي �سند ن�صي �سوى �آراء النا�س �أنف�سهم يف املو�ضوع.
العقاد �شخّ �ص الفاروق من قبل!
ي�ضيف حممد �آيت لعميم الذي �أ�صدر عدة م��ؤل�ف��ات يف النقد وال�ترج�م��ة ك��ان �آخ��ره��ا كتابه املرجعي ع��ن املتنبي «ال ��روح القلقة وال�ترح��ال الأب ��دي» ،وكتاب «مقاطع و�سور من القر�آن» الذي ترجمه �إىل الفرن�سية مع الكاتب الفرن�سي مي�شال �أور�سيل � :سبق �أن كتب عبا�س حممود العقاد عبقرياته ،ليقدم يف زمنه منوذج ًا للحاكم العربي وامل�سلم. ولي�س م��ن قبيل ال�صدفة �أن يعاد �إ��ص��دار كتاب «ال�شيخان» لطه ح�سني م��ؤخ��ر ًا؛ ويف هذا ال�سياق مت ت�صوير م�سل�سل عن �شخ�صية عمر الفاروق ،ف�إطاللة ب�سيطة على حلظتنا التاريخية تف�سر ا�ستدعاء هذه ال�شخ�صية املحورية يف تاريخنا الإ��س�لام��ي .التي هي النموذج الذي نفتقده اليوم؛ و�أعتقد �أنه من الالزم علينا اليوم �أن نقدم هذه ال�شخ�صية مبا يليق مبقامها للعرب وامل�سلمني وللعامل �أج �م��ع .و�أف���ض��ل و�سيلة للقيام ب��ذل��ك هي توظيف ال�صورة من خالل ال�شا�شة ال�صغرية �أو ال�سينما� .إن ال�صورة القامتة التي ت�شكلت ح��ول الإ� �س�لام ال �ي��وم ،وم�ظ��اه��ر التطرف التي زجت بنا يف متاهة ،وال�صراع املبطن وال�صريح بني الطوائف ،يحتاج �إىل منوذج
الغالف 36 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
حممد ايت لعميم
من ع�صر الر�سالة الت�أ�سي�سي حتققت فيه جمموعة م��ن اخل���ص��ال وال���ص�ف��ات كفيلة ب��أن متيط حجاب �سوء الفهم والالتفاهم و�� �س ��وء ال� �ظ ��ن .من� ��وذج احل ��اك ��م امل �ت��زن، واحلكم الر�شيد ،والعدل ال�شامل ،والرعاية الإج �ت �م��اع �ي��ة ،وال��و� �س �ط �ي��ة واالع� �ت���دال. وال �ت �� �س��ام��ح ف �ه��ذه ال �ق �ي��م ك�ل�ه��ا ج�سدتها �شخ�صية اخلليفة الثاين عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه .وال بد للأجيال �أن تتعرف عليها يف زمن ال�صورة والتدافع عرب الإعالم امل��رئ��ي� .إذ دخ��ل ال�صراع جم��االت عديدة ومن �أهم هذه املجاالت ال�صورة التلفزيونية وال�سينمائية .ف ��إذا جنح م�سل�سل الفاروق �سنكون قد ك�سبنا رهان ًا كبري ًا خ�صو�ص ًا و�أن ت�أثري ال�صورة �أبلغ من ت�أثري كل اخلطابات ال�سجالية وكل اخلطب الفارغة وكل عنف لغوي و�صراع طائفي.
ق�ضية ر�أي
الباحث يف ال�تراث الديني عبد اهلل �أ�شملي يقف عند م�س�ألة �أ�سا�سية ،تتجلى يف كون التمثيل هو �إح��دى الأدوات الفنية احلديثة التي مل يعرفها ال�سلف ،لأنه من امل�ستجدات الع�صرية ال�ت��ي ي�ج��ب �أن ُن�ع�م��ل فيها �آل��ة االجتهاد ب ��أدوات��ه ،خا�صة �أن��ه مل ي��رد �أي ن�ص فيه ،ولي�س فيه �إجماع من علماء الأمة يف ع�صرنا ب�شكل ع��ام ،ب��ل ه�ن��اك جمرد اجتهادات كثرية ال ت�ستند �إىل �أي قيا�س يف حكم متثيل الأنبياء وال�صحابة ،فاختلفت
حبيب غلوم
حممد ا�شويكة
غلوم: المسألة باتت «فرد عضالت» على الدين نفسه وعلى الفن كذلك
مل�صطفى العقاد ،دور ًا كبري ًا يف التعريف بتعاليم الإ�سالم ب��ل ون�شره ،وال��ذي وقف البع�ض يومها �ضده حتى مت ترحيل طاقم ت�صويره من �أر���ض املغرب «ورزازات» �إىل �صحارى ليبيا �آن��ذاك ،ليكت�شف �أن ال�صراع كان مفرت�ض ًا ومتوقع ًا رغم كون العقاد تفادى �إظ �ه��ار ��ص��ور النبي �صلى اهلل عليه و�سلم و�صحابته الكرام ،وعلق على ذلك �أي�ضا «يف بداية عر�ض الفيلم». وعن امل�سل�سل الذي يثري النقا�ش اليوم يقول عبد اهلل �أ�شملي :والآن وبعد تطور ت�سونامي ق��وة ال���ص��ورة يف ع�صر ح���ض��ارة ال�صورة وا�ستعداد قناة mbcمع تلفزيون قطر لإنتاج م�سل�سل عمر «ر�ضي اهلل عنه» وفيه يقوم �أحد املمثلني ب��دور ال�ف��اروق والآخ��ر ب��دور �أب��ي بكر ف�ض ًال عن بقية ال�صحابة ر�ضوان اهلل عليه �أجمعني� ،أفتى جمموعة من �أهل الذكر املعا�صر ين بجواز ذلك� أمثال الدكتور يو�سفالقر�ضاوي والدكتور �سلمان العودة و�أرى �شخ�صيا �أن التفكري يف زمن التكفري قد حل على جمتمع يفتقد الق�ضايا احلقيقية �أو ذات ال�ش�أن احلقيقي. فال�سنة مل يجر�ؤوا �أو مل يت�شجعوا قبل جتربة العقاد يف الر�سالة على جت�سيد ال�صحابة و�أب�ن��اء الإم��ام علي ك��رم اهلل وجهه احل�سن واحل�سني �إال بعد طفرة ال�سينما الإيرانية، التي ال ترى مانع ًا من �إظهار �صور الأنبياء وقد ترى بع�ض مذاهبها ال�شيعية �إن مل نقل جلها ذلك يف التعامل مع كبار �أوليائهم و�أئمتهم .
بني التحرمي والنهي والتحليل ،وكلها �آراء فقهية حديثة المتلك �أي �سند ن�صي �سوى �آراء النا�س �أنف�سهم يف املو�ضوع. ومب��ا� أن املو�ضوع ق�ضية ر�أي ،فمن حق كل واحد �إعمال ر أ�ي��ه ونظره اخلا�ص يف امل�سالة، ولذلك مل نتفاج أ� كثريا �أن نكون �إزاء هده الآراء �أو ال�صراعات التي تن�شب حول هذه النازلة التي مل يت�سن للن�صو�ص القطعية الداللة احل�سم فيها�،إن كانت ت�ستحق احل�سم �أ�ص ًال . فمثار هذه ال�ضجة ،كما يراها �أ�شملي ،يجعلنا ن�ضع احلواجز� أمام الإب ��داع اخل�لاق الذي ميكن �أن يقرب �صورة ال�سلف بو�ضوح �أكرب، وبلغة الع�صر «ال �� �ص��ورة» ال�ت��ي ت�ق��ول م��ا ال يقوله اخلطاب ،وبقوة فعالة .و�ضوح يجعلنا نتذكر ما فعله فيلم «الر�سالة يف بع�ض �أ�صقاع ال �ع��امل .حتى قيل لقد لعب العمل اجلبار
لعميم : استدعاء الرموز والشخصيات التي فعلت في التاريخ مطلب جوهري اليوم
من م�سل�سل يو�سف ال�صديق «علية ال�سالم» � -إنتاج �إيراين
ولعل اخلالف املثار ال يكاد جمرد �أمر ذوقي رفعه البع�ض �إىل م�ستوى التحرمي القطعي وهو رمي للتهم املجانية �شرق ًا وغرب ًا وجتاوز حلدود املعقولية �إىل حد الت�أثيم. وعن ت�أثري فتاوى التحرمي على طبيعة العالقة ب�ين ال�ع�م��ل ال�ف�ن��ي وال�ت��راث ال��دي �ن��ي يقول ال�ب��اح��ث :لقد حرمتنا مواقف مماثلة من ر�ؤية وجوه �أ�سالفنا ومفكرينا القدامى بفعل ما �سمي بتحرمي ال�صور والتماثيل ،وها نحن اليوم �أمام �ضجة �أخرى تعمل على الوقوف يف وجه �أعمال جبارة من �ش�أنها تقريب مالمح عهد �أو عهود ظلت حبي�سة الكتب .ف�إحياء التاريخ هو عمل ال�صورة احلية الذي تتكفل به ال�سينما. ع�م��وم� َا يظهر على ال�سطح� أن اخل�لاف انعكا�س ل�صراع ح��اد مت الإج�م��اع فيه على ال �ت �ح��رمي ،ون�ح��ن ن��رى �أن امل���س��أل��ة ق�ضية معا�صرة �أثارتها ثورة ال�سينما والفي�سبوك والف�ضائيات وع�صر ال�صورة . يخل�ص عبد اهلل �أ�شملي املن�شغل �أي�ض ًا بالرتاث الفني �إىل �أن امل�س�ألة ي�صعب فيها
اشويكة : نحن في حاجة إلى صناعة االنخراط في ِ عر ِّ ُ ف بالثقافة صورة ت ُ َ ٍ اإلسالمية وتعكس رسالتها اإلنسانية والكونية �إثبات الإج�م��اع بل وا�ستحالته ،مادامت ال ت�سيء بقدر ما ت�سدي خدمة ل�صرح تاريخي عظيم �أبطاله هم من و�صل دورهم يف البعث والإحياء على قنوات ال�سينما. ي�صل عبد اهلل �أ�شملي �إىل اخلال�صة حني ي�ق��ول :لن�سمح قليال لأجيال الفي�س بوك و�أب��ن��اء ح���ض��ارة ال �� �ص��ورة ب��االن�ف�ت��اح على تاريخهم م��ا دام ال��زم��ن وواق ��ع احل��ال قد انت�صر لل�صورة «�سيدة اخلطاب» والإقناع و�ساحرة اجلماهري .
االختالف وارد
م��ن ج��ان�ب��ه يتفهم ال�ن��اق��د ال��دك �ت��ور جابر ع�صفور ،وزير الثقافة امل�صري الأ�سبق� ،أن يكون هناك اختالف على فكرة ت�شخي�ص ال�شخ�صيات ال�ك�ب�يرة م��ن خ�ل�ال الفنون املختلفة ،م�شري ًا �إىل اج�ت�ه��ادات ال�شيعة الإي��ران �ي�ين حت��دي��د ًا يف ه��ذا ال �ب��اب ،والتي رمبا تخالف ال�سنة يف كثري من الأمور ،على حد تعبريه� ،إال �أنه ي�ضيف�« :إننا فى غالب الأمر نتقبل هذه العرو�ض ب�سماحة ونطالب فقط باحرتام عقائد ال�سنة لإحداث نوع من التوافق بني الطوائف املختلفة». من جانبه ي�ؤكد الناقد وال�سيناري�ست الدكتور رفيق ال�صبان رف�ضه التام لفكرة منع جت�سيد ال�شخ�صيات الإ��س�لام�ي��ة ،وي�ق��ول « :لدينا �صفحات م�شرقة يف تاريخنا الإ��س�لام��ي خا�صة �أي��ام الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم وال�صحابة الأوائ��ل ،الذين �أقاموا التوازن بني العدل والدين ،و�إغفال هذه ال�صفحة من تاريخنا مع التطور التكنولوجي والتقني يكون خط�أ ال ُيغتفر وغباء منا ،وعلينا �أن نركز على
الغالف 38 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
م�شهد من م�سل�سل القعقاع بن عمرو
ه�ؤالء الذين حملوا راية الإ�سالم مثل الفاروق عمر و�أبو بكر ال�صديق الذي ا�ستطاع احلفاظ على ت��وازن الدولة ،وكل خليفة من اخللفاء ال��را� �ش��دي��ن وك ��ل ��ص�ح��اب��ي م��ن ال�صحابة ي�ستحق �أن نقدم عنه ع�شرات امل�سل�سالت خا�صة مع وجود الكثري من املوجات العاملية ال�صهيونية وغريها ممن يل�صقون الإرهاب بالإ�سالم ،فيخلق بذلك فوبيا اخلوف منه». ولفت ال�صبان �إىل �أنه يجب �أن نعاي�ش التطور التقني والإعالمي وا�ستخدام الو�سائل التي تدخل كل بيت لتعميمها من خالل التليفزيون والدراما التي تقدم من خالله.
خما�صمة للع�صر
بو�سرت م�سل�سل مرمي املقد�سة -انتاج �إيراين
تو�صف الناقدة الكبرية ماجدة موري�س الواقع ّ فيما يتعلق ب�أمر منع التج�سيد ،تقول :هذا املو�ضوع بالذات ي�سري يف اجتاهني؛ ي�صر �أنا�س من امل�سلمني وبع�ض العلماء على رف�ض مثل هذه الأعمال وجت�سيد ال�شخ�صيات العظيمة يف الإ�سالم كال�صحابة وبخا�صة الع�شرة املب�شرين باجلنة ،بينما يقوم �آخرون ب�إنتاجها واجلمهور ي�شاهد ويتفرج وي�ستمتع ،وفى معظم الوقت ين�صرف الكثريون عن �آراء العلماء ،ذلك لأن الواقع يتغري خا�صة فى ع�صر الف�ضائيات حيث �أ�صبح املنع من رابع امل�ستحيالت.
وت�شري موري�س �إىل �أنه مل يعد هناك ما ي�سمى باملنع ،حتى الرقابة على ال�سينما وامل�صنفات الفنية ال ت�ستطيع �أن حتجب � ّأي �شيء ،ومن ي��رف����ض ومي �ن��ع ظ �ه��ور ال�صحابة وخا�صة املب�شرين باجلنة فهو مبثابة املخا�صم للع�صر خ�صو�ص ًا �أنه لي�ست هناك موانع من القر�آن الكرمي �أو ال�سنة النبوية ،وت�ضيف« :لذا ال �أرى � ّأي دا ِع �إال �إننا نفقد جمهورنا ال��ذي يثق يف ب�ضاعتنا». وت�ضيف موري�س :اجلمهور امل�صري مث ًال �شاهد م�سل�سالت �إي��ران�ي��ة �شهرية كالنبي يو�سف وم��رمي ال�صديقة وا�ستمتعوا بها، وا�ستوعبوها وناق�ش كثري من امل�شاهدين امل�سل�سل معي ،م�ؤكدة �أن هذا �أكرب دليل على �أن نف�س اجلمهور -بل �أكرث� -سوف ي�شاهد م�سل�سل الفاروق �أو غريه ويتابعه على الرغم من كل املحاذير التي قيلت وتقال. وترى موري�س �أن الغريب يف الأم��ر ،وهو ما ت�صفه بـ «�شق �صفوف جماهري امل�شاهدين» �أن بع�ض العلماء وافق على عر�ض مثل هذه النوعية من الدراما ،وما يفعله الراف�ضون لي�س �سوى «خبط الر�ؤو�س يف احليط» ،فهم يف نهاية الأم��ر يخو�ضون معركة خا�سرة، وتقول� :أنا على امل�ستوى ال�شخ�صي �أثق جد ًا يف الكاتب وليد يو�سف واملخرج حامت علي لتقدمي �صورة موازية ملا يقدمه الإيرانيون. وعن اخلا�سرين تقول ..هم �صناع الدراما امل�صرية الذين يحاولون االبتعاد عن مثل هذه الأعمال جتنب ًا للم�شاكل. وع��ن موافقة بع�ض علماء الأزه ��ر وجممع ال�ب�ح��وث ع��ن �صناعة م�ث��ل ه��ذه الأع �م��ال ال�ت��ي ت�ت�ن��اول ��س�يرة ال�صحابة واملب�شرين باجلنة امل�شروطة با�ستخدام التقنيات �أو التكنولوجيا يف �صناعة درام��ا جيدة بدون اظهار ال�شخ�صية ب�شكل �صريح ،تت�ساءل موري�س :ملاذا نلج�أ للتحايل طاملا �أنه ال يوجد ن�ص ق��ر�آين مينع ذل��ك؟ وا�ستطردت :ملاذا ن�ضفى القدا�سة على ب�شر عاديني؟ وتختتم موري�س ر�أيها مبا تعتربه �شروط جودة ،تقول: طاملا �أن الن�ص مكتوب على �أعلى م�ستوى من الكتابة ،والأداء العام للعمل ككل من�ضبط
وحيد حامد
ي�رسي اجلندي
الجندي: حامد: االلتزام بقرار األزهر.. لنمنح الفن فرصته واجب ليقوم بدوره لمواجهة مهني ًا ،فالعمل مقبول ،وترى �أن هذه الأعمال حمالت تشويه االسالم تقوم بدور تثقيفي وتعريفي مهم جد ًا حيث هناك كثري م��ن النا�س يف ال��وط��ن العربي �أميون مبعنى الأمية القرائية؛ �أي �أنهم ال ي�ق��ر�أون ،وحينما تتاح لهم فر�صة �أن يروا الفن العظيم وال��درام��ا الكربى تقدم لهم القيم اجلميلة فنحن ن�ق��وم معهم مبهمة �شاقة ومهمة ،وال نن�سى فيلم الر�سالة الذى مت منعه م��ن قبل و�أث�ي�رت ح��ول��ه امل�ع��ارك، وانتهى به الأم��ر �إىل �أن دخل اخلدمة ويتم عر�ضه على اجلمهورين امل�صري والعربي ب�شكل منا�سباتي. وي���رى ال �ن��اق��د ال�ك�ب�ير والإع�ل�ام ��ي ط��ارق ال�شناوي �أنه –على الرغم من التكتم الذي فر�ضه �صناع الفاروق على م�سل�سلهم� -إال �أن الأم��ر ات�ضح للجميع ،و�أك��د ال�شناوي �أن امل�سل�سل متوقع له �أن يح�صل على �أكرب ن�سبة
أشملي : لماذا نضع الحواجز أمام اإلبداع الخالق الذي يمكن أن يقرب صورة السلف بوضوح وبلغة العصر التي تقول ما ال يقوله الخطاب؟
م�شاهدة ،لي�س على م�ستوى الوطن العربي فح�سب ب��ل على م�ستوى ال�ع��امل حيث متت ترجمته �إىل لغات كثرية منها الفار�سية التي متيزت يف هذه النوعية من امل�سل�سالت. وي�شري ال�شناوي �إىل �أن حماوالت املخرجني واملبدعني العرب مل تتوقف يف العزم على �صناعة �أعمال درامية تتناول �سري حياة واحد من ه ��ؤالء اخللفاء الرا�شدين –ر�ضى اهلل عنهم -فقد �سبق وج�ه��ز امل�خ��رج الأردين الكبري حممد عزيزية م�سل�سال عن اخلليفة �أب��ي بكر ال�صديق ر�ضى اهلل عنه بعد �أن انتهى م��ن م�سل�سل خالد ب��ن الوليد ب�أربع �سنوات ،وقام ببطولته الفنان با�سم ياخور، وعن �أ�سباب عدم ا�ستكمال م�سل�سل �أبو بكر، �أكد ال�شناوي �أنه �سبب اقت�صادي بحت. وع��ن ر�أي��ه يف جت�سيد ال�شخ�صيات الدينية وخا�صة الع�شرة املب�شرين باجلنة �أك��د �أنه يوافق ب�شدة ويتعجب من قرار وفتوى الأزهر مبنع عر�ضه ،خا�صة و�أن املخرج قام ب�إ�سناد دور الفاروق �إىل �أحد الوجوه اجلديدة على �أال يقدم �أية �أعمال درامية خلم�س �سنوات مقبلة. وي�ؤكد ال�شناوي �أنه مع منع جت�سيد �شخ�صية �سيدنا حممد �صلى اهلل عليه و�سلم و�إباحة
الغالف 40 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
ن�سبة م�شاهدتها للم�سل�سالت التي قام الأزهر مبنعها ورف���ض�ه��ا م��ن ق�ب��ل م �ث��ل« :احل�سن واحل �� �س�ين وم �ع��اوي��ة» و«م� ��رمي ال���ص��دي�ق��ة» و«يو�سف ال�صديق» ،و«امل�سيح» عليهم جميعا ال�سالم ،على الرغم من موافقة بع�ض العلماء على التج�سيد على ر�أ�سهم ال�شيخ القر�ضاوي.
2012
امل�س�ألة حمل نظر
من فيلم مملكة �سليمان االيراين
املمثل االيراين �أمني زندكاين
جت�سيد �أي��ة �شخ�صية �أخ ��رى ،م�شري ًا �إىل �أن موقفه يتعار�ض مع موقف الفتاوى التي ات�سعت دائرتها ملنع عر�ض م�سرحية احل�سني ث��ائ��ر ًا و�شهيد ًا م��ن �إخ ��راج ك��رم م�ط��اوع يف �أواخر �ستينيات القرن املا�ضي ،كذلك منعوا ظهور �سيدنا حمزة وظل فيلم الر�سالة للراحل العظيم م�صطفى العقاد ممنوع ًا من العر�ض منذ �أوا�سط الثمانينيات رغم عر�ضه يف كل الف�ضائيات حتى مت عر�ضه عام 2008م. وفى النهاية متنى ال�شناوي �أن يتحلى علماء الأزه��ر باملرونة والتعامل ب�شكل عقالين مع مثل هذه الأعمال التي تقدم حقيقة الإ�سالم ب�صورة �صحيحة وم�شرفة.
ويرى ال�شناوي �أن عر�ض «الفاروق» �سيكون مقدمة مل�شاهدة �أعمال �أخرى تتناول ق�ص�ص حياة و�سري ال�صحابة من املب�شرين باجلنة وغ�ي�ره��م ،وي �ت �� �س��اءل :مل ��اذا ي���ض��ع الأزه ��ر العراقيل �أم��ام جت�سيد ال�صحابة؟ وه��و ما يتعار�ض مع رغبة اجلماهري التي ازدادت
لعميم : سبق أن كتب عباس محمود العقاد عبقرياته ليقدم في زمنه نموذج ًا للحاكم العربي والمسلم
�أما ال�سيناري�ست الكبري حممد �صفاء عامر فيقول� :أعتقد �أنه فيما عدا �شخ�صية النبي �صلى اهلل عليه و��س�ل��م م��ن امل�م�ك��ن متثيل وجت�سيد �أي��ة �شخ�صية ،لكن علماء الأزه��ر ـ للأ�سف ـ مينعون جت�سيد ال�صحابة خا�صة املب�شرين منهم باجلنة. وي�ضيف� :أن��ا �أرى ب�شكل �شخ�صي �أن هذا املبد�أ حمل نظر ومراجعة ،وال �أراه �سليم ًا لأن م�ؤداه �أننا نرتب �صحابة النبي ونقدم بع�ضهم على بع�ض وه��ذا غ�ير �صحيح� ،صحيح �أن الع�شرة املب�شرين باجلنة لهم منا كل تقدير، لكن كان هناك بع�ض ال�صحابة كانوا �أقرب لقلب النبي �صلى اهلل عليه و�سلم مثل عبد اهلل بن م�سعود وعمار بن يا�سر وب�لال بن رباح .ويت�ساءل عامر :ما وجه التفرقة �إذن بني ه ��ؤالء وب�ين الع�شرة املب�شرين باجلنة؟ نعم كان الر�سول الكرمي يحبهم ولكنه كان يجب غريهم ح�سب الروايات ال�صحيحة يف ال�سرية النبوية.
احرتام ر�أي الأزهر
�أما الكاتب وال�سيناري�ست الكبري وحيد حامد فقد �أكد �أنه يجب علينا �أن نلتزم بقرار الأزهر ال�شريف ،حيث يعترب امل�ؤ�س�سة ال�شرعية التي ن�ستقي منها كل ما ي�صدر من فتاوى و�آراء يف هذا ال�ش�أن ،الفتا �إىل �أن لهذه ال�شخ�صيات العظيمة من ال�صحابة والع�شرة املب�شرين باجلنة مكانة وهيبة يجب احرتامها وذلك بعدم جت�سيدها لأن ال��ذي يج�سد مثل هذه ال�شخ�صيات �سريتكن �إىل اخليال ال حمالة حيث �أن��ه مل ير ال�شخ�صية احلقيقية ،كما قد تكون تلك الت�صورات بعيدة عن حقيقة
ال�شخ�صية احلقيقية ن��اه�ي��ك ع��ن م��دى التخبط الذي يحدثه مثل ذلك الت�شخي�ص يف �أذهاننا لهذه ال�شخ�صيات الكرمية. ويرى الكاتب امل�سرحي وال�سيناري�ست الكبري ي�سري اجلندي �أن��ه من حيث امل�ب��د�أ ال يتم احلكم على �أي عمل فنى �إال بعد م�شاهدته ك��ام�لا ،ويتعجب اجل�ن��دي م��ن ف�ت��اوى املنع حيث �أن هناك �أعمال عظيمة جت�سد بع�ض ��ش�خ���ص�ي��ات ال���ص�ح��اب��ة ك��ال�ق�ع�ق��اع وك��ان م�سل�س ًال رائع ًا وفيه جاء جت�سيد �شخ�صية الإم��ام علي ر�ضى اهلل عنه لكن دون �إظهار ملالمح وجهه وعلى الرغم من هذا كان عم ًال جيد ًا �أ�ضاء هذه املرحلة املهمة من التاريخ الإ�سالمي ب�شكل من�صف. ويهيب اجلندي ب�صناع الدراما �أن يوظفوا ال�ف��ن ب�شكل متطور وم��و��ض��وع��ي يف جمال الأعمال الدرامية التاريخية والدينية لأننا نواجه مبوجات هجوم �شر�سة �ضد اال�سالم الذي ي�سمونه بالتطرف والإرهاب ،فالإ�سالم و�سطي يحمل كل مقومات احلياة ورفاهيتها وكل الب�شرية ت�سعى لتحقيقها. وعلينا �أال نقف مكتويف الأيدي وديننا يهاجم ك�أننا �إرهابيون كما علينا �أال ن�صادر على دور الفن الذى يجب �أن ُي� َ�ؤ َّدى ،فعلى �سبيل املثال هناك فيلم فجر الإ� �س�لام والر�سالة ال��ذي �أعطى �صورة جيدة عن الإ�سالم وامل�سلمني، بل وال �أكون مغالي ًا �إذا قلت �إن كثريا ممن يف الغرب غريوا ر�أيهم عن الإ�سالم بل و�أ�شهروا �إ�سالمهم .وعن م�صادرة مثل هذه الأعمال التي جت�سد ال�شخ�صيات الإ�سالمية العظيمة والتي هي حمل خالف بني العلماء يرى �أن هذه امل�صادرة نوع ًا من الغفلة على الرغم من اعتزازنا واعرتافنا الكامل والتام ب�ضوابط الإ�سالم الو�سطي ال�صحيح الذي ال مغاالة فيه وال تع�صب ،وفى �إطار هذا الفهم املعتدل ميكننا ا�ستقبال تلك الأعمال الدرامية التي متثل نوع ًا من الرتاث احل�ضاري الهام. ويت�ساءل اجلندي كيف مل�ؤ�س�سة الأزه��ر �أن حتكم على �أي عمل بالرف�ض والإق���ص��اء دون ر�ؤي�ت��ه؟ ويقرتح تكوين جلنة م�شاهدة من رج��ال وعلماء �أزهريني متفهمني لأمور
حممد �صفاء عامر
صفاء عامر: المسألة محل نظر.. وال فرق بين المبشرين وغيرهم! الع�صر ،وبيان �إذا ما كان هذا �سيعود بالنفع على امل�سلمني �أم ال. ولنعطي الفن فر�صة ليقوم ب ��دوره املنوط به وال��ذي نحن يف �أ�شد احلاجة �إليه بعد �أن تخلى الإعالم العربي عن دوره �أمام �أعا�صري وحمالت الت�شويه التي ي�شنها الإعالم الغربي الذي لي�س همه ت�شويهنا ك�أمة عربية و�إ�سالمية فقط ولكن همه الأك�بر يرتكز يف حم��اوالت م�ستميتة لإذاللنا لذا ال يجب �أن مننحهم هذه الفر�صة ،خا�صة مع عدم وجود ن�ص �صريح مينع جت�سيد الرموز الإ�سالمية العظيمة. �أما املخرج التليفزيوين �أحمد خ�ضر فقال: �دي جتربتان �أواله �م��ا متت بهذا ال���ش��أن ل� ّ والثانية تنازلت عنها من كرثة امل�شاكل التي تعر�ضت ل�ه��ا .ع��ن التجربة الأوىل يقول خ�ضر :ك��ان��ت ع��ن �شخ�صية �سيدنا �أب��و عبيدة بن اجلراح ،ر�ضى اهلل عنه و�أر�ضاه، عام 1980وكتب الق�صة وال�سيناريو واحلوار ال�سيدة �أمينة ال�صاوي ،ومت تنفيذها ب�إنتاج
الطريبق : العمل الفني ال يقوم على التفكير الديني وإنما يتحاور معه
الإمارات العربية املتحدة .كما مت عر�ضه يف كل الدول العربية ماعدا م�صر .ولكنه �أذيع بعد ذلك. ويكمل خ�ضر :ولكن عند �إذاعته يف م�صر، ت�صدى �أحد ال�صحفيني -وعلى ما يبدو كان على خ�لاف م��ع ال�سيدة �أمينة ال�صاوي- وهاجم الأزهر ملوافقته على �إظهار وجت�سيد �شخ�صية �أبي عبيدة ر�ضى اهلل عنه حيث �إنه �أحد املب�شرين باجلنة. وبالفعل جنح اللغط الذي �أثري حول امل�سل�سل يف �إنهاء عر�ضه وتوقف عند احللقة الرابعة، والغريب يف الأمر �أن امل�سل�سل �أذيع بعد ذلك دون �أي��ة �ضجة تذكر وك��ان على القنوات امل�صرية ،وقد قام ببطولته الفنان الكبري عزت العاليلي. وع��ن جتربته الثانية يقول خ�ضر :ا�شتقت كمبدع للأعمال التاريخية العظيمة فوقع اختياري على م�سل�سل �أب��و حامد الغزايل، واتفقت مع امل�ؤلف حممد ال�سيد عيد على الن�ص و�سارت الأمور طبيعية وبعد املوافقة على �إنتاجه و�شى �أحد النجوم ـ الذي كان مر�شحا للدورـ �إىل �أن�س الفقي وزير الإعالم حينئذ بو�شاية غبية ،مفادها؛ كيف ن�صنع م�سل�س ًال عن �أبي حامد الغزايل دون التطرق �إىل الإم��ام اب��ن ر�شد ،متخذ ًا من رد ابن ر�شد على كتاب الغزايل «تهافت الفال�سفة» بكتاب «تهافت التهافت» للإمام ابن ر�شد، ي�ع��ار��ض��ه ف�ي��ه ع�ل��ى م��وق�ف��ه م��ن الفل�سفة والفال�سفة ،حيث ك��ان ي��رى �أب��و حامد �أن الفل�سفة علوم كافرة �إال بع�ضها مما يتعلق بالطب والريا�ضيات ،حيث كانت كلها تندرج حتت العلوم الفل�سفية ،ويعرتف خ�ضر لأول م��رة �أن م��ا ق��ال��ه ذاك النجم حينها وما اتخذه الوزير من قرار ا�ضطره لالن�سحاب. حيث مل يكن �أب��دا موافقا ..فال�سيناريو الذي كتبه حممد ال�سيد عيد كان عبارة عن ق�صة حياة الإمام �أبو حامد الغزايل ومنابع فكره و�آرا�ؤه و تنتهى �أحداث امل�سل�سل بنهاية حياته. وملا كان بن ر�شد قد ولد بعد وفاة الغزايل مبا يقرب من 55عام ًا فقد كنت �أرى �أنه ال جمال
الغالف 42 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
يف �أح��داث امل�سل�سل لذكر اب��ن ر�شد ،ولكن الفقي �أم��ر بالتوقف بناء على ك�لام النجم وانتهى الأم��ر ونفذه معاونوه دون �أن يعطوا لأنف�سهم فر�صة القراءة واملراجعة واكت�ساب معلومة .ويرى خ�ضر �أن الأزه��ر مل ميانع يف البداية من ظهور �سيدنا �أبو عبيدة وهذا دليل على الت�سامح ال�شديد ،و�أن��ه يتمنى �أال يكون هناك حظر على جت�سيد �أي من ال�شخ�صيات الإ�سالمية .حيث �إن��ه ال يوجد هناك ن�ص مينع ذل��ك بدليل م��ا مت �إنتاجه م��ن �أعمال ح�صلت على موافقة كبار العلماء� .إذ ًا فهو ر�أي خاليف وغري م�ؤكد فلماذا نحجر على تلك ال�شخ�صيات ونحرم جمهورنا من �أن يراها جي ًال بعد جيل؟!.
�إ�سماعيل عبد الله
عبداهلل: على رجال الدين أن يتفهموا طبيعة التغيرات التي طرأت �إهمال الطرح الأخالقي م��ن جانبه ق��ال امل�خ��رج وامل�م�ث��ل الإم��ارات��ي على الحياة
الدكتور حبيب غلوم� :إن امل�شكلة يف التحرمي م��ن عدمه ه��ي �أن املنتجني ب��ات��وا يقتحمون امل�ج��ال م��ن �أج��ل �أي ��ش��يء ،فيما ع��دا �سمو الطرح الفني نف�سه ،م�شري ًا �إىل �أن املنتجني اه�ت�م��وا بجمع الأم� ��وال على ح�ساب ج��ودة الأع�م��ال ،و�أهملوا الطرح الأخالقي يف مثل هذه الأعمال. ور�أى غلوم �أن امل�س�ألة حتولت �إىل مناف�سة بني مذاهب ال�سنة وال�شيعة ،م�شري ًا �إىل �أن بع�ض القنوات التلفزيونية التي تخ�ضع �إىل مذاهب �أخ��رى غري املذاهب ال�سنية ،ولها جتربتها يف ه��ذا املجال ،تتناف�س على ح�ساب جودة الأعمال الفينة التي تقدمها. ولفت غلوم �إىل �أنه ي�شعر يف داخله ب�أن هذه الأعمال التي جت�سد �شخ�صيات ورم��وز ًا من الرتاث الإ�سالمي �إمنا هي رد من قبل القنوات امل�ضادة! وا�صف ًا هذا ال�سلوك ب�أنه يتنافى مع �أدبيات و�أخالقيات ر�سالة الفن ،كونها ت�ستثمر هذه ال�شخ�صيات التي تعد خطوط ًا حمراء. و�أك ��د غ�ل��وم �أن الفنانني ي�ست�شعرون هذه امل�س�ألة ،وهم جميع ًا – وفق ًا لغلوم� -ضد �أن مت�ضي الأمور يف هذا امل�سار ،بعيد ًا عن فكرة التحليل وال�ت�ح��رمي ،فالفنانون –والكالم لغلوم �أي�ض ًا -يتمنون �أن تكون هناك �أعما ًال
فنية تربز التاريخ يف �شكله العام ومبفهومه ال��وا� �س��ع ،م�ضيف ًا �أن الفنانني لي�سوا �ضد الأطروحات الفنية التي جت�سد ال�شخ�صيات التاريخية الإ�سالمية .وقال �إن امل�س�ألة باتت «فرد ع�ضالت» على الدين نف�سه ،وعلى الفن كذلك ،م�ضيف ًا« :واحنا م�ش ناق�صني عداوات للفن والفنانني» ،الفت ًا �إىل الفن الذي ال يحرتم �أط��راف املجتمع كله ال ميكن �أن ي�سمى فن ًا، و�أ�ضاف :مثل هذه الأعمال ت�أخذنا �إىل طرق مغلقة ،وم�ؤداها يف النهاية �إىل �صدام ،م�شري ًا �إىل �أن الفنانني اليوم ال ميلكون الو�صول �إىل حلول لأزم��ة �أزلية وموجودة منذ 1400عام م�ضت ،ولن يحلوا تلك الأزم��ة يف م�سل�سل �أو عمل فني واحد .و�أ�شار غلوم �إىل �أن مثل هذه الأعمال تزيد من االحتقان والتعنت ،م�ؤكد ًا على �أن الفن �أ�صبح م�س�ألة جتارية بحتة ال ينظر املنتجني �إىل �شيء فيه �سوى العائد املادي ،من دون النظر �أي عوامل �أخرى.
احلكم بعد امل�شاهدة
ال يرى الفنان الإم��ارات��ي ا�سماعيل عبداهلل، رئ �ي ����س ج�م�ع�ي��ة امل �� �س��رح �ي�ين ،يف جت�سيد �شخ�صيات ال�صحابة ورم��ز ال�تراث العربي
ماجدة موري�س
موريس: من يرفض تجسيد الشخصيات العظيمة معاد للعصر! ٍ والإ�سالمي على ال�شا�شة �أمر ًا مقلق ًا� ،أو ي�ستحق ال�ضجة املثارة حوله ،و�أو�ضح عبداهلل �أن �أي عمل درامي ال ميكن احلكم عليه قبل عر�ضه، و�أ�ضاف« :علينا االنتظار حتى ينتهي عر�ضه لنحكم عليه» .وقال عبداهلل �إنه ال يرى مربر ًا للهجوم على امل�سل�سل �أو اي عمل فني �آخر قبل م�شاهدته ،الفتًا �إىل �أن فكرة التابوهات التي يمُ نع االقرتاب منها باتت ال تالئم ع�صر الإن�ترن��ت ال��ذي �أ�صبح فيه كل �شيء مباح ًا، م��ؤك��د ًا على ��ض��رورة �أن يتفهم رج��ال الدين طبيعة التغريات التي طر�أت على احلياة. و�أكد عبداهلل �أن الأنبياء والر�سل فقط هم من نحتفظ لهم بقد�سية خا�صة ي�صعب جتاوزها بتج�سيد �شخ�صياتهم من قبل ممثلني ،الفت ًا �إىل �أن �إيران قد ك�سرت هذا التابو من خالل م�سل�سل «يو�سف ال�صديق» ،الذي حظي مبتابعة جيدة يف العامل العربي .و�أ�شار �إىل �أن احلمالت التي يتم توجيهها ملثل هذه الأعمال تفقد �صدقيتها عندما تقدم على ال�شا�شة ويكت�شف النا�س �أنها قدمت ال�شخ�صيات يف �إط��ار ما ت�ستحقه من احرتام وما حتظى به من مكانة كبرية يف نفو�س امل�سلمني ،وهي بالفعل �شخ�صيات لها العديد من الإيجابيات يف حياتها التي ت�ستحق �أن يتابعها اجلمهور
44 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
اآلفاق ارتياد مدارات
مدارات التراث..ذاكرة المستقبل ال �أظن �أن هناك �أمة يف الع�صر احلديث من�شغلة باحلديث عن تراثها مثل الأمة العربية .ال مراء يف �أن الرتاث العربي الإ�سالمي من �أغنى و�أع��رق ما خلفه الإن�سان .ويكفي �أن نقارن تراث �أي دولة �أوروبية بالرتاث العربي لنجد الفرق بني الرثى والرثيا .ففرن�سا ،مثال ،ال يتجاوز تراثها ب�ضعة ق��رون ،وحتى لو �أ�ضفنا �إليه الرتاث اليوناين والالتيني اللذين يعتربان جزءا من تراثها امل�شرتك مع �أوربا ،ف�إننا جند كل ذلك ال يتعدى ما خلفه العرب فقط يف الأندل�س من تراث ي�صل �إىل ثمانية قرون. �إن ال �غ �ن��ى وال� �ع ��راق ��ة ل�ي���س��ا ك��اف�ي�ين لالن�شغال بهذا ال�تراث بالكيفية التي منار�سها .فالرتاث ال�صيني عريق وغني ومتنوع ،ولكن ال�صينيني املعا�صرين ال ميار�سون احلديث عن تراثهم بالهيئة التي ن�شتغل بها .كما �أن الغربيني ال يتحدثون عن تراثهم بالطريقة التي نتق�صدها .يكمن ال �ف��رق بيننا وبني الأمم املختلفة يف عالقاتها برتاثها يف �أننا «نتحدث» عن تراثنا �أكرث مما «نفكر» فيه ،وي�ستهوينا االع �ت��زاز به �أكرث مما يهمنا التعرف عليه .لذلك ال
ميكننا �أن نفهم كرثة االهتمام واملبالغة يف احلديث عنه �سوى م�ؤ�شر على �أن هناك خل ًال ما يف عالقتنا به. م��رد عالقتنا احل��دي�ث��ة ،وامل�م�ت��دة �إىل الآن ،برتاثنا تعود �إىل ما ي�سمى بع�صر النه�ضة حني ا�صطدم العرب بالغرب ومنط حياته وعلومه وفل�سفاته .فر�أى بع�ضهم �أن علينا ال�سري على منواله، ونقطع مع تراثنا لأنه م�صدر تخلفنا. وك��ان رد الفعل قوي ًا ل��دى من ي��رى �أن لنا تاريخا وتراثا ،وعلينا التعلق بهما مل��واج�ه��ة ال �غ��رب ،وال� �س �ت �ع��ادة �أجم��اد
هيمنت التصورات الجاهزة والتأويالت المسبقة في ّ جل الكتابات الجادة حول التراث وعالقته بالحداثة أو العصر «نص ًا» وصار التراث ّ يقلب فيه كل تصور بما يتالءم مع أغراضه ومقاصده بهدف اإلقناع أو اإلفحام
تاريخنا .جن��م ع��ن ك��ل ذل��ك م��ا �صار يعرف بالأ�صالة واملعا�صرة� ،أو التقليد واحل��داث��ة .وب��ات كل تفكرينا من�شغال بهذه الثنائية ،وك ٌل ينت�صر �إما للما�ضي وق���د � �ص��ار خم� �ت ��ز ًال يف ال� �ت��راث� ،أو بالع�صر الذي يربطه بالغرب .ومل تفلح حماوالت التوفيق يف اجلمع بني املا�ضي واحل��ا��ض��ر� ،أو ب�ين ال�ت�راث والع�صر. و�أ�سيل مداد كثري ،حول هذه الثنائية، ك �م��ا حت���دث ع �ن �ه��ا اجل �م �ي��ع ب �ن�برات متعددة ومتنوعة. عندما نعود الآن ،بعد م��رور �أزي��د من قرن على هذه العالقة ،ونت�أمل جيد ًا ما �أُجنز من كتابات يف هذا املجال ،جند �أنف�سنا �أم��ام «�أح��ادي��ث» ال ح�صر لها عن ال�تراث ،دفاع ًا �أو هجوم ًا ،ولكننا ال جند بع�ضها يتميز عن بع�ض �إال على م�ستوى الظاهر ال��ذي ي�سعى لت�سجيل «م��وق��ف» م��ا م��ن ال �ت�راث� .أم ��ا العمق فم�شرتك ،لأننا ال جنني «معرفة» دقيقة بهذا ال�تراث لدى من ينت�صرون له �أو يعار�ضونه. �إن ت�سجيل «املوقف» من الرتاث «مع �أو �ضد� ،أو التوفيق» �أملته �شروط تت�صل مبمار�سة ال���ص��راع الإي��دي��ول��وج��ي بني
�سعيد يقطني
التيارات ال�سيا�سية والفكرية املختلفة، وك ��ل م�ن�ه��ا ي�سعى �إىل ت��رج�ي��ح كفته لفائدة التقدم ال��ذي ي��راه كل منها يف الت�صور ال��ذي ينطلق منه يف تف�سري ال�ت�خ�ل��ف .ل��ذل��ك هيمنت ال�ت���ص��ورات اجل��اه��زة وال�ت��أوي�لات امل�سبقة يف ّ جل الكتابات اجلادة حول الرتاث وعالقته ب��احل��داث��ة �أو ال�ع���ص��ر� � .ص��ار ال�ت�راث «ن�صا» يقلب فيه كل ت�صور مبا يتالءم مع �أغرا�ضه ومقا�صده بهدف الإقناع �أو الإفحام ،وكل يجد يف «ن�صيته» مراده من ال�شواهد والأدل��ة التي تقوي ر�ؤيته وت�سوغها .هذا على م�ستوى الظاهر. �أم���ا ع �ل��ى م���س�ت��وى ال �ع �م��ق ،ف�لا جند خمتلف تلك الكتابات تقدم لنا معرفة دقيقة عن هذا الرتاث لأنها بكلمة كانت منهمكة يف الت�أويل ال الفهم ،ويف الدفاع عن املوقف �أكرث من ان�شغالها مبعرفته �أو التعرف عليه� ،أو تقدمي معرفة جديدة عنه .لذلك ظلت عالقتنا برتاثنا تقف على حدود الدفاع �أو االتهام ،باعتباره «ما�ضي ًا» ،علينا �أن ن�ستعيده �أو نقطع معه ،وممار�سة ال�سجال الإيديولوجي وال���س�ي��ا��س��ي ب �� �ص��دده يف «احل��ا� �ض��ر» لتح�صيل مقا�صد �سيا�سية �آن�ي��ة� .أما
إن تراثنا وقد صار «ماضي ًا» ،ال يمكن أن يكون سوى ذاكرة مستقبلنا .هكذا تتعامل األمم األخرى مع تراثها ،ولذلك تسعى إلى قراءة ذاكرتها الخاصة باستمرار قراءة ال أقول جديدة فقط ولكن عميقة أيض ًا عالقتنا به «م�ستقبال» ،فهي �شبه ملغاة، �أو معطلة. كل كاتب �أو فنان �أو مفكر ينتج �أعماله الأدب �ي��ة والفنية والفكرية ،يف ف�ضاء ح�ضاري ما ،ويف زمان ما .وكلهم ينتج يف تفاعل مع ق�ضايا الع�صر الذي يعي�ش فيه؛ وهو بذلك يتوجه �إىل معا�صريه، ولكنه يف الوقت نف�سه يكتب من �أجل التاريخ؟ فما معنى �أن يت�صور كاتب ما �أنه يكتب من �أجل التاريخ؟ الكاتب احل �ق �ي �ق��ي� ،أي� ��ا ك ��ان جم ��ال ال�ك�ت��اب��ة لديه� ،أو التخ�ص�ص ال��ذي ينتج عمله
يف ن �ط��اق��ه ،ي �ب��دع م��ن �أج ��ل الإن �� �س��ان يف امل�ستقبل .ول��ذل��ك يت�صور الكاتب احلقيقي ب��أن «التاريخ» �سين�صفه �إذا خذلته املعا�صرة وهي احلجاب .ولي�س التاريخ غري امل�ستقبل ،وهو قيد التحول �إىل ما�ض �أبد ًا. �إذا انطلقنا من هذه الفكرة ،وربطناها بالإن�سان يف عالقته بالزمان� ،سنجد �أن الإنتاج الفني والفكري احلقيقي متعال عن الزمان لأن��ه يف �صريورته يتداخل فيه املا�ضي بامل�ستقبل حتى وهو يت�شكل يف احلا�ضر .ولذلك فالثنائية الزمانية بني املا�ضي واحلا�ضر �إلغاء لل�صريورة الزمانية� .إن �أي ما�ض له ام�ت��داد يف امل�ستقبل بغ�ض النظر عن الت�صور الذي نوظف يف عالقتنا بالزمان� .إن تراثنا وقد �صار «ما�ضي ًا» ،ال ميكن �أن يكون �سوى ذاك��رة م�ستقبلنا .هكذا تتعامل الأمم الأخرى مع تراثها ،ولذلك ت�سعى �إىل قراءة ذاكرتها اخلا�صة با�ستمرار قراءة ال �أقول جديدة فقط ولكن عميقة �أي �� �ض��ا .ع�ن��دم��ا نعترب ال�ت�راث ذاك��رة م�ستقبلنا ،فتلك بداية حقبة جديدة يف فهمنا وتعاملنا معه بكيفية ت�ؤهلنا لتقدمي معرفة جديدة
الحوار ساحةاآلفاق ارتياد 46 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
يعكف على حتقيقه منذ 12عام ًا
عبد اهلل السريحي:
«معجم البلدان» ليس أقل شأن ًا من الموسوعات العالمية الحديثة
حوار – وليد عالء الدين «�إنه ،بال منازع� ،أو�سع املعامل اجلغرافية العربية و�أ�شملها، و�أكرثها دقة و�أ�صالة ،وكل ما جاء بعده كان تكراراً واجرتاراً� ،أو اخت�صاراً للمواد ال�سابقة» ..هكذا ا�ستهل الباحث اليمني عبد اهلل بن يحيي ال�سريحي كالمه حول «معجم البلدان» لياقوت احلموي -املتوفى �سنة 626هـ 1229/م -الذي يعكف على حتقيقه ب�أجزائه اخلم�سة ع�شر ،منذ �أكرث من 12عاماً ،بتكليف من �إدارة دار الكتب الوطنية يف هيئة �أبو ظبي لل�سياحة والثقافة «املج َّمع الثقايف �سابقاً» وقد �أجنز منه �سبعة �أجزاء� ،صدر الأول منها يف فرباير 2002م عن املجمع الثقايف يف �أبو ظبي ،ومازال ال�سريحي م�ستب�س ً ال يف ا�ستكمال حتقيق بقية �أجزاء املعجم الذي ي�أمل �أن ترى -الأجزاء املنجزة منه -النور قريباً.
يف حواره معنا ،قال ال�سريحي �إن قرار �إدارة دار الكتب الوطنية بتبني حتقيق ون�شر هذا العمل املو�سوعي العظيم نابع عن �إميانها بدورها يف خدمة الثقافة وال�تراث املحلي لإم��ارة «�أبو ظبي» ودولة الإم��ارات العربية املتحدة ،ب�صورة خا�صة ،وال�تراث العربي والإ�سالمي ب�صورة عامة ،فقد �أخذت على عاتقها مه َّمة ن�شر مئات الكتب مبختلف و�سائل الن�شر التقليدية واحلديثة :الكتاب املطبوع ،والإلكرتوين ،وامل�سموع ،و�إتاحتها �أم��ام الق َّراء والباحثني ب�أ�سعار رمزية �أو جم��ان�� ًا ،كما يف حالة الكتاب الإل��ك�تروين م��ن خ�لال م��وق��ع ال���دار ،وم��وق��ع املو�سوعة ال�شعرية ،على �شبكة الإنرتنت .ومن �إدراك �أهمية معجم البلدان ال��ذي يعترب مبثابة ذاكرة للأمة ،ولأن املعجم بطبعاته احلالية غري مفيد للباحثني واملحققني وطالب العلم على الإط��ل�اق ،و�أن ذل��ك ل��ن يتحقق من
غري حتقيق علمي حديث، م�شري ًا �إىل �أن كل الطبعات املتداولة حالي ًا من املعجم تعتمد على طبعة امل�ست�شرق الأمل���اين ف�ستنفلد ال��ذي �صرف م��ن عمره 12عام ًا يف حتقيقها انتهت عام 1873م، م�ؤكد ًا �أن ف�ستنفلد – حاله يف ذلك حال امل�ست�شرقني يف ذل��ك احل�ي�ن -اك��ت��ف��ى يف حتقيقه للمعجم ب�ضبط الن�ص ومل يول امل���ادة اجلغرافية -م��و���ض��وع املعجم� -أي
يضم المعجم بين دفتيه نحو 5آالف شاهد ومقطوعةشعرية تتراوح بين بيت واحد أو قصيدةبكاملهايزيد مجموع أبياتها عن 14 ألف بيت
اهتمام ،كما �أن عمل ف�ستنفلد قد �شابه الكثري من الأخطاء ،رغم م�ساعيه اجلادة لتلم�س ال��ق��راءة ال�صحيحة للن�ص ،وهي الأخطاء التي مل ينجح �أحد يف ا�ستدراكها يف الطبعات الالحقة ،كما يرى ال�سريحي. وق��ال ال�سريحي �إن��ه ا�ستخدم يف حتقيقه ل���ـ«امل���ادة» اجل��غ��راف��ي��ة �أ���س��ل��وب�� ًا ع�صري ًا يت�ضمن التعريف باملو�ضع وا�سمه احلايل �أو القدمي �إن كان ما يزال معروف ًا به ،ويف �أي بلد «دول���ة» ه��و ،واملحافظة �أو الوالية التي يتبعها ،وموقعه منها �أو م��ن �أ�شهر معلم جغرايف بارز يف املنطقة ،وامل�سافة
ساحة الحوار 48 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
بينهما ،مع �إثبات «�إحداثيات» املوقع على خطوط الطول والعر�ض لي�سهل معرفته ع��ل��ى اخل���رائ���ط احل��دي��ث��ة وع��ل��ى �أر����ض الواقع ،مع �إ�ضاءة موجزة عن التطورات التاريخية التي حلقت باملكان منذ وفاة ياقوت �-إن وجدت. ويطمح ال�سريحي �إىل �أن يكون مع الن�سخة املطبوعة «ورقي ًا» من املعجم ن�سخة �أخرى «�إلكرتونية» يظهر فيها الن�ص كما ورد يف املعجم ،مع تعريف معا�صر للمكان ،وموقعه على اخلريطة ،كما هو ال�ش�أن يف املو�سوعات العاملية احلديثة. دع��ن��ا ن��ب��د�أ ب��ال��ت�����س��ا�ؤل ع��ن ���س��ر اخ��ت��ي��ار معجم البلدان للتحقيق من بني م�ؤلفات ياقوت احلموي؟ يعجب امل���رء ل��ل��ع��دد ال��ك��ب�ير م��ن م���ؤل��ف��ات ي��اق��وت ،ال��ت��ي تت�سم بالطابع املو�سوعي، ومنها« :معجم البلدان» و«معجم ال�شعراء» و«م��ع��ج��م الأدب����اء» .و�أ���ش��ه��ر ه��ذه املعاجم غنى يف مادته العلمية هو «معجم و�أكرثها ً البلدان» الذي قال عنه امل�ست�شرق الفرن�سي «ك��ارادي ف��و» يف كتابه «مفكرو الإ���س�لام»: «�إن��ه من امل�ؤلفات التي يحق للإ�سالم �أن يفخر بها كل الفخر» .وقال كرات�شكوف�سكي: «�إن��ه �أو�سع و�أه��م ،بل و�أف�ضل م�ص َّنف من نوعه مل�ؤلف عربي للع�صور الو�سيطة».
مب�����ص�� َّن��ف��ات��ه��ا ال�����ص��رح ال��ه��ائ��ل ل��ل��ح�����ض��ارة العربية الإ�سالمية ،ما الذي تراه الفتاً يف �سرية هذا الرجل؟ ول��د ي��اق��وت ع��ام 575هـ ،يف ب�لاد ال��روم «الأنا�ضول �أو اليونان» ،وتع َّر�ض للأ�سر يف طفولته ،وهو يف نحو اخلام�سة من عمره،
المستشرق الفرنسي كارادي فو :معجم البلدان من المؤلفات ُتقدِّم �شخ�صية ياقوت احلموي الدليل التي يحق لإلسالم أن على �سعة الأفق والعبقرية التي مت َّيزت بها يفخر بها كل الفخر ال�شخ�صيات العلمية العربية ،التي �شادت
م�صدر ال غنى عنه نتيجة للمنهج والنظرة املو�سوعية لياقوت ،ا�ستوعب املعجم الكثري من ال��ع��ل��وم وامل��ع��ارف ال�����س��ائ��دة �آن����ذاك ،حتى غ��دا مو�سوعة �ضخمة ،لي�س يف اجلغرافية فح�سب ،بل يف اللغة والأدب والنحو وال�صرف والتاريخ ،و�أ�صبح الآن م�صدراً ال غنى عنه يف هذه العلوم ،لأن جزءاً كبرياً من امل�صادر التي نقل عنها ي��اق��وت هلكت يف خ�ض ّم امل�صيبة ال��ك�برى التي اجتاحت العامل الإ�سالمي ،مم ّثلة يف غزو التتار .ولي�س � ّ أدل على ذلك من �أن ع�شرات من دواوي���ن ال�شعر العربي التي ُف��ق��دت ،واجت��ه الباحثون يف الوقت احلا�ضر لإعادة جمع ما تبقى منها ،كان «معجم البلدان» هو امل�صدر الوحيد لعدد غري قليل من ق�صائد تلك الدواوين.
وجلب �إىل بغداد فبيع فيها ،وا�شرتاه تاجر ُ من �أهل حماه ي�سكن بغداد ،ا�سمه ع�سكر ب��ن �إب��راه��ي��م احل��م��وي ،وم���ن ح�سن حظ ياقوت �أن التاجر الذي ا�شرتاه كان ثر ّي ًا، ومل يكن يحتاج �إليه يف اخلدمة ،ف�أدجمه م��ع �أوالده ،و�أ���ش��رك��ه معهم يف التعليم، لي�ستعني ب��ه م�ستقب ًال يف م�سك الدفاتر واحل�����س��اب��ات ،ف���أق��ب��ل الفتى على التعليم ب�شغف ،ف��ن��ال ق�سط ًا واف����ر ًا م��ن الثقافة والعلوم العربية والإ�سالمية .وخدمه احلظ م َّرة �أخرى� ،إذ ا�صطحبه مواله يف �أ�سفاره ورح�لات��ه التجارية ،و�أح��ي��ان�� ًا ك��ان يك ِّلفه بال�سفر مب��ف��رده ،وك��ان لهذه ال�سفريات �أب��ل��غ الأث��ر يف ُن�ضج �شخ�صيته ،وتو�سيع مداركه وتعزيز ميوله واجتاهاته العلمية واهتماماته اجلغرافية. ول��ك��ن ك��ي��ف مت��ك��ن ي��اق��وت م��ن اجل��م��ع ب�ين مهنة ال��وراق��ة ك��ت��ج��ارة وب�ين الكتابة واالن�شغال بالت�أليف؟ وعندما بلغ احلادية والع�شرين من العمر، وق��ع��ت بينه وب�ين م���واله ج��ف��وة� ،أ َّدت �إىل �إب��ع��اده عنه وع��ت��ق��ه .ف��ك��ان ح�صوله على حريته نقطة حت�� ُّول مه َّمة يف حياته .فبد�أ ب�شق طريقه بنف�سه للح�صول على م�صدر رزقه .ولأنه مل تكن لديه معرفة بغري �أمور التجارة ،التي اكت�سب خربتها مع م��واله، ولأن���ه ال ميتلك ر�أ����س امل���ال ال�ل�ازم لهذه امله َّمة ،فقد امتهن حرفة «الوراقة» ،يتاجر ويتك�سب بن�سخها .وعلى الرغم بالكتب َّ م��ن ق�� َّل��ة امل���ردود امل���ادي ل��ه��ذه احل��رف��ة �إالَّ �أن عائدها املعريف عليه ك��ان كبري ًا .فقد ح�صل م��ن خاللها على م��ع��ارف وا�سعة، ح َّببت �إليه العلم ،وع�� َّززت �صلته بالعلماء وحم ِّبي الكتب .وبعد فرتة من الزمن يبدو �أن مواله ال�سابق َر َّق حلاله ،فمنحه بع�ض امل��ال و���س��فَّ��ره يف جت��ارة �إىل ج��زي��رة قي�س «كي�ش» يف اخلليج العربي غري بعيدة عن م�ضيق هرمز ،ع��اد منها راب��ح�� ًا .ومل��ا عاد كان مواله قد تويف ،ف�أعطى ورثته من الربح ما �أر�ضاهم به ،وبقيت يف يده منه بقية،
ال�رسيحي خالل ت�سلمه جائزة التحقيق يف جوائز ابن بطوطة -دورة قطر
اتخذها ر�أ�س مال لتجارته .وكان قد تع َّلق بالكتب ،فاتخذها جتارة له ،يتنقَّل بها بني خمتلف احلوا�ضر الإ�سالمية ،حام ًال الكتب منها و�إليها. كانت �أخ�صب ف�ترة علمية يف حياته ،هي التي �أم�ضاها يف الرتحال ،وا�ستم َّرت زهاء 16ع��ام�� ًا ،حتى وف��ات��ه ،مل تتخللها �سوى فرتات ق�صرية من اال�ستقرار ،زار خاللها ت�بري��ز وامل��و���ص��ل ،يف ط��ري��ق��ه �إىل م�صر وال�شام .وبعد ثالثة �أعوام عاد �إىل دم�شق وتوجه منها �إىل حلب ف�إربل ف�أُرمية فتربيز، ومنها �إىل ���ش��رق �إي����ران .و�أم�����ض��ى عامني بني�سابور ،ثم غادرها �إىل هراة و�سرخ�س، �إىل �أن بلغ مدينة م��رو ال��ك�برى ،وتعرف �أي�ضا بـ«مرو ال�شاهجان» ،حا�ضرة �إقليم خرا�سان« ،يف جنوب جمهورية تركمان�ستان حالي ًا» و�أم�ضى بـ«مرو» ثالثة �أعوام ،متنق ًال
بني مكتباتها ال�شهرية .وهناك كانت وقفته الأهم مع الت�أليف. املو�صل كانت حمطة مهمة يف حياته، وكذلك فل�سطني وم�صر ،فكيف كان ذلك؟ ك���ان ي��اق��وت وق���ت وج����وده يف م���رو يعتزم زي����ارة خ����وارزم وب��ل��خ ،ع��ن��دم��ا ب��ل��غ��ه خرب خ��روج امل��غ��ول ال��ع��ام 616هـ ،وا�ستيالئهم على بخارى و�سمرقند ،فهرب �إىل خرا�سان ،تارك ًا وراءه بع�ض
كراتشكوفسكي: معجم البلدان أوسع وأهم بل وأفضل مصنَّف من نوعه لمؤلف عربي للعصور الوسيطة
مادته العلمية ور�أ���س ماله .وم َّر يف طريق ع��ودت��ه ب��ال��ري وق��زوي��ن وت�بري��ز� ،إىل �أن بلغ املو�صل ،فدخلها فقري ًا معدم ًاَّ ، وحل فيها على الوزير والأدي��ب علي بن يو�سف القفطي «املتوفى �سنة 646هـ» ،الذي مت َّكن بف�ضل م�ساعدته من اال�ستمرار يف العمل يف «معجم البلدان» ،حيث �أ َّمت ت�سويده عام 621هـ ،و�أه��دى خمطوطاته البن القفطي اعرتاف ًا بف�ضله .ويف العام 624هـ رح��ل م��رة �أخ��رى �إىل فل�سطني وم�صر ،ث��م رج��ع �إىل حلب، وظ�� َّل خ�لال ه��ذه امل��دة يعمل يف تنقيح وت��ه��ذي��ب املعجم، ثم عزم على تبيي�ضه ،ابتداء م���ن 21حم���رم 625هـ ول��ك��ن ال��وف��اة عاجلته يف 20رم�ضان 626هـ ق��ب��ل �أن ي��ت��م االن��ت��ه��اء من
ساحة الحوار 50 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
تنقيح املعجم ،ومل يتجاوز اخلم�سني من عمره ،و�أو�صى بوقف مكتبته لأحد امل�ساجد ببغداد ،و�أوكل مهمة تنفيذ و�صيته ل�صديقه امل�ؤرخ امل�شهور ابن الأثري.
ريادة �أم متيز؟
ما الذي يجعل من معجم البلدان كتاباً ب��ه��ذه الأه��م��ي��ة ،ه��ل ه��ي جم��رد ال��ري��ادة �أم �أن هناك مميزات مو�ضوعية �أخرى �ضمها املعجم؟ يعترب «معجم ال��ب��ل��دان» ب�لا م��ن��ازع� ،أو�سع املعامل اجلغرافية العربية و�أ�شملها ،و�أكرثها دقة و�أ�صالة ،وكل ما جاء بعده كان تكرار ًا واجرتار ًا� ،أو اخت�صار ًا للمواد ال�سابقة .وال ن�ستطيع �أن نويف هذا املعجم حقَّه يف هذه العجالة ،ولبيان �أهميته ي�ستح�سن �أن نعر�ض –ب�إيجاز -للرتاث اجلغرايف العربي قبل ياقوت ،فقد َم َّر الت�أليف يف الرتاث اجلغرايف قبله بعدة مراحل �أو «طبقات» :الأوىل«طبقة ال��ل��غ��وي�ين و�أه�����ل الأدب» ،ك��م��ا ي�سميهم ياقوت ،وقد اهتم ه�ؤالء بال�شعر والأخبار، وحاولوا جمع وتدوين �أخبار و�أ�شعار العرب املتقدمني «يف اجلاهلية والإ�سالم» ،و�شرح ما �أُبهم من �ألفاظها ومعانيها ،وك��ان من بني اجل��وان��ب التي عنوا ب�شرحها :البقاع والأماكن املذكورة يف تلك الأ�شعار ،فبع�ضم عاملها معاملة غريها من الألفاظ الواردة يف ال�شعر وعاجلوها معاجلة لغوية و�أدبية ومبنهج لغوي ،ومل يهتموا مبا وراء ذلك من اجلوانب اجلغرافية ،ولذلك ال يجد الباحث
جزء كبير من المصادر التي نقل عنها ياقوت خضم هلكت في ّ المصيبة الكبرى التي اجتاحت العالم اإلسالمي ممثّلة في غزو التتار يف تلك امل�صادر �أكرث من كلمة «مو�ضع» لتف�سري تلك الكلمات، وق��د ي��زي��د �أح��ي��ان�� ًا« :مو�ضع يف دي��ار بني ف�لان ،قبيلة ال�شاعر» .الطبقة الثانية، طبقة امل�شتغلني يف علوم الفلك واجلغرافيا ال��ري��ا���ض��ي��ة ،ال��ت��ي ت��زام��ن ظ��ه��وره��م مع ترجمات الكتب الفلكية يف الرتاث الهندي وال��ف��ار���س��ي وال��ي��ون��اين ،وخ�صو�صا كتب �أفالطون وفيثاغور�س وبطليمو�س �إىل اللغة العربية ،و�إن�شاء املرا�صد الفلكية يف عهد امل�أمون ،وما ترتب عليها من تطور يف هذه العلوم عند العرب� .أم��ا الطبقة الثالثة، والرحالة وكتَّاب وهي طبقة اجلغرافيني َّ ال��دواوي��ن وال�سفراء وال��ت��ج��ار ،وق��د �ساح ه�ؤالء يف �أرجاء العامل الإ�سالمي ،واهتموا بو�صف تلك البلدان و�صف ًا علمي ًا قائم ًا ع��ل��ى اخل�ب�رة وامل�����ش��اه��دة ،ف��ع�� َّي��ن��وا ح��دود الأر�ض وتقا�سيم املمالك ،وو�صفوا البلدان ومالحمها اخلا�صة ،وامل�سالك «الطرق» واجل���ب���ال وال���ب���ح���ار والأن����ه����ار وامل���ع���ادن والآث��ار ،و�ضبطوا امل�سافات بني الأم�صار �ضبط ًا دقيق ًا بح�ساب الأميال والفرا�سخ،
�شمولية و�إن�صاف مما �أ�صبغ على «معجم ياقوت» �شهرته الوا�سعة� ،شموليته ومتثيله لوحدة العامل الإ�سالمي �آنذاك ،من �أق�صى الأندل�س �إىل حدود ال�صني ،قبل تفككها على يد التتار ،وقبل �سقوط الأندل�س. و�أي�ضاً لتحلي ياقوت بالإن�صاف واملو�ضوعية يف حترير مادة املعجم ،وحتليه كذلك بروح النقد العلمي ،ومقدرته على التمييز بني الغث وال�سمني من الأخبار والروايات املتعلقة مبادة معجمه ،في�صحح خط�أ ما تبينّ له خط�أه، �أو ين ّبه على �ش ّكه فيه ،وقد يعلن براءته من بع�ض الن�صو�ص التي نقلها، ولكنه يحر�ص على ذكرها من �أجل ظرافتها� ،أو من باب �إحراز الفائدة.
و�أح�����ص��وا م��ق��ادي��ر اجل��ب��اي��ات وم���ق���ادي���ر اخل�����راج وو���ص��ف��وا �أح����وال ال�����ش��ع��وب والأج��ن��ا���س وع����ادات����ه����م وت���ق���ال���ي���ده���م و جت���ارات���ه���م ،وم����ا مي���ت���از ب��ه ك���ل ���ش��ع��ب م���ن اخل�����ص��ائ�����ص النف�سية واالجتماعية� ..إلخ. ال��ط��ب��ق��ة ال���راب���ع���ة ،ه���ي ط��ب��ق��ة م�صنفي كتب «ال��ف��ت��وح» وم���ؤرخ��ي امل��دن والأق��ال��ي��م ،ون�ش�أت ه��ذه املدر�سة �أو الطبقة متزامنة مع الطبقات ال�سابقة، وعني م�ؤلفو كتب الفتوح بذكر الفتوحات ُ الإ���س�لام��ي��ة ل��ل��م��دن والأق��ال��ي��م اجل��دي��دة ال��ت��ي دخ��ل��ه��ا الإ����س�ل�ام ،و���س��رد �أح��داث��ه��ا التاريخية ،وق��د ي�صفون م��ع��امل وخطط بع�ض تلك املدن كما �صنع ابن عبد احلكم «امل��ت��وف��ى �سنة 257هـ» يف ك��ت��اب��ه «ف��ت��وح م�����ص��ر» ،ح��ي��ث ت��ط��رق �إىل ذك���ر خطط الف�سطاط واجليزة والإ�سكندرية ،و�أحمد بن يحيى البالذري «املتوفى �سنة 257هـ» يف كتابه «ف��ت��وح ال��ب��ل��دان» ،فقد ذك��ر �إىل جانب �أخبار الفتوح خطط بع�ض املدن مثل وق�سم مكة والطائف والب�صرة والكوفةّ ، �أخ��ب��ار الفتوح على �أ���س��ا���س �إقليمي �أف��اد منه اجلغرافيون بعده� .أم��ا م�ؤرخو املدن فقد خ�ص�صوا م��ق��دم��ات كتبهم خلطط م��دي��ن��ت��ه��م وم���ا يت�صل ب��ه��ا م��ن ���ض��واح��ي وم��وارد مياه� ..إلخ ،ثم يذكرون بعد ذلك تاريخها وتراجم املربزين من �أهلها. و�أخري ًا طبقة املحدِّ ثني ،وقد �أ�سميت بهذا اال���س��م لأن��ه��م �أنف�سهم م��ن احل��ف��اظ ومن امل�شتغلني بعلم احل��دي��ث ،ولأن��ه��م نهجوا يف طريقة ت�أليف كتبهم اجلغرافية منهج املحدِّ ثني الذين �سبقوهم �إىل الت�أليف. وم�����ا ال������ذي �أ����ض���اف���ت���ه ج���ه���ود ي���اق���وت احلموي �إىل ه�ؤالء؟ يتجلى جهد ياقوت ،يف جمعه ل�شتات املادة اجلغرافية حتى ع�صره� ،أي �أنه جمع بني هذه املدار�س واملناهج كلها ،ومزج بينها ب�أ�سلوب جميل ولغة راقية ،كونه من «�أهل
الأدب» وم��ن «ال��رح��ال��ة» �أي�����ض�� ًا ،و�أ���ض��اف �إل��ي��ه��ا م���ا ا���س��ت��ج��د ل��دي��ه م���ن م��ع��ل��وم��ات اك��ت�����س��ب��ه��ا م���ن خ�ل�ال رح�ل�ات���ه وجت��ارب��ه ال�شخ�صية ،واط�لاع��ه الوا�سع ،وم��ا نقله من �أفواه العلماء والرواة والتجار والكتّاب الذين التقاهم يف �أ�سفاره .وعر�ض كذلك خ�لا���ص��ة �أب���ح���اث ون��ظ��ري��ات اجل��غ��راف��ي��ا امل���ع���روف���ة �آن������ذاك ب�����ص��وره��ا امل��خ��ت��ل��ف��ة، «اجل��غ��راف��ي��ة ال��ط��ب��ي��ع��ي��ة» و«اجل��غ��راف��ي��ة ال��ف��ل��ك��ي��ة �أو ال��ري��ا���ض��ي��ة» و«اجل��غ��راف��ي��ة الو�صفية» � ..إلخ. م��ن امل��ف��ي��د ع��ر���ض ب��ع�����ض امل��ع��ل��وم��ات �أو البيانات الإح�صائية عن «معجم البلدان» لإعطاء فكرة عنه ولبيان �أهميته؟ يقع املعجم يف الطبعة الأورب���ي���ة ،حتقيق ف��ردي��ن��ان��د ف�ستنفلد ،يف � 3864صفحة، ويحتوي على 15038مادة جغرافية ،يرتاوح حجم املادة الواحدة منها بني ب�ضعة �أ�سطر وم��ا يزيد على � 20صفحة ،ح�سب �أهمية املادة ،وما يتوفر لديه من معلومات عنها، وهي مرتّبة على احل��روف الهجائية ،حيث ق�سم ياقوت املعجم �إىل 28كتاب ًا ،على عدد ّ حروف املعجم ،وق�سم كل كتاب «حرف» �إىل 28باب ًا ،ورتب مواد املعجم داخل كل باب ترتي ًبا �ألفبائي ًا على ترتيب حروف الكلمة، احلرف الأول ثم الذي يليه ثم الذي يليه... �إل��خ ،كما هو احل��ال يف املعاجم احلديثة، و�ص ّدره مبقدمة موجزة للتعريف باملعجم ومبنهجه فيه ،وذك��ر فيها دواع��ي وبواعث ت���أل��ي��ف��ه ،و�أخ����رى مف�صلة ت��ق��ع يف خم�سة �أب��واب ،عر�ض فيها �آراء و�أق��وال املتقدمني عن الأر�ض :هيئتها و�أقاليمها وم�ساحتها... �إلخ ،و�أورد بعد ذلك ثبت ًا بامل�صطلحات التي يتكرر ذك��ره��ا يف املعجم ،كامل�صطلحات اخلا�صة بالتق�سيمات اجلغرافية والإداري��ة للبلدان مثل« :الإقليم وامل��خ�لاف والكورة والر�ستاق ،»..وكذلك امل�صطلحات اخلا�صة بامل�سافات كالفر�سخ والربيد وامليل�..إلخ. كذلك ي�ضم املعجم بني دفتيه نحو خم�سة �آالف ���ش��اه��د وم��ق��ط��وع��ة ���ش��ع��ري��ة ،ت�ت�راوح
بني بيت واح��د �أو ق�صيدة بكاملها ،يزيد جمموع �أبياتها عن �أربعة ع�شر �ألف بيت. وقد جتاوز عدد الأع�لام «�أ�سماء الرجال والن�ساء» يف املعجم � 12أل��ف َع َلم ،ترجم لعدد كبري منهم.
مو�سوعة ولي�س جمرد معجم
وم����اذا ع���ن امل��ن��ه��ج ال����ذي ات��ب��ع��ه ي��اق��وت احلموي يف معجمه؟ �ضبط احلموي �أعالم اجلغرافية «بالت�شكيل واحل��روف» لبيان نطقها ال�صحيح ،جت ّنب ًا للخط�أ عند نطقها �أو كتابتها ،مثال ذلك: « َاخْ ِ�س ْي َكثُ » بالفتح ثم ال�سكون وك�سر ال�سني املهملة وياء �ساكنة وكاف وثاء مثلثة. ث���م ق����ام ب��ت��ف�����س�ير ت��ل��ك الأع���ل���ام ،وب��ي��ان ا�شتقاقها اللغوي ،وتو�ضيح من�ش�أ الت�سمية و�أ���ص��ل��ه��ا ،م��ع حت��دي��د م��وق��ع امل���ك���ان� ،إم��ا بالإقليم� ،أو مبا جاوره من الأماكن والأنهار والبحار املعروفة وامل�شهورة ،وبيان طوله وعر�ضه ،وحتديد الربج الذي يقع حتته.
يحتوي المعجم على أكثر من 15ألف مادة جغرافية يتراوح حجم المادة الواحدة منها بين بضعة أسطر وما يزيد على 20صفحة
و�أورد ملحة موجزة عن البلد وم��ن بناها، وت���اري���خ ف��ت��ح��ه��ا ،وذك����ر �أب�����رز الأح�����داث والتطورات التاريخية التي م�� ّرت بها حتى ع�صره ،مع التطرق �إىل خططها و�آثارها. وق��د تفرد ياقوت بذكر ع��دد من احل��وادث التاريخية التي وقعت يف ع�صره ومل تذكرها امل�صادر التاريخية الأخرى. كما �أنه ذكر املن�سوبني �إىل البلد من العلماء والأدب�����اء ،وت��واري��خ والدت��ه��م ،ووف��ي��ات��ه��م، وم�ؤلفاتهم «�إن كانت لهم م�ؤلفات» .وذكر ما ورد عنه من الآيات القر�آنية والأحاديث ال��ن��ب��وي��ة ،وم���ا ق��ي��ل ف��ي��ه م��ن ح��ك��م و�أم��ث��ال و�أ�شعار ،وال يبخل علينا ياقوت بذكر ما قيل يف البلد �أو املدينة من م��دح �أو ذم، �شعر ًا ونرث ًا ،وقد يقت�صر ذلك �أحيانا على الأقاليم واحلوا�ضر الكربى التي �أف��ردت لها م�صنفات. ث���م �أن����ه ع��ر���ض م���ا ي�� َّت�����س��م ب���ه ال��ب��ل��د من خ�صائ�ص نف�سية واجتماعيه ،و�إثنولوجية «علم الأعراق والف�صائل الب�شرية» ،وعادات وتقاليد� ..إلخ. ه���ل م���ن م����آخ���ذ مي��ك��ن احل���دي���ث عنها يف ه��ذا املنهج �أو يف م��ا �أورده احل��م��وي يف معجمه؟ قد يقع ياقوت يف بع�ض الهنات يف النقل، وبخا�صة فيما يتعلق مب��دح �أو ذم بع�ض ال�شعوب والأق��وام �أو البلدان ،كما وقع منه – على �سبيل املثال -يف مادة« :الأهواز» ع��ن اب��ن الفقيه ال��ه��م��ذاين ،وم��ا نقله عن ابن حوقل يف مادتي «بربر» و«بلرم» من ذم ل�شعوبها و�سكانها ي�أباه الإ�سالم ،ومل يعلق على ه��ذه الن�صو�ص ،والبع�ض الآخ��ر من الهنات الي�سرية التي وقع فيها متعلق بالنقل ع��ن علماء اللغة املتقدمني يف «التكلف» ال�شتقاق �أ�صل عربي لأ�سماء بع�ض املدن وال��ب��ل��دات ذات الأ���ص��ل «غ�ير ال��ع��رب��ي»� ،أو ن�سبتها �إىل �شخ�ص بعينه مثل «دم�شق» و«دوم������ة اجل���ن���دل» و«ال�������روم» و«ال���ره���ا» و«م�صر» وغريها ،ومعظمها كان م�صدره الأ�صمعي وابن الكلبي.
ساحة الحوار 52 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
معظم مصادر المعجم كانت في دواعي �إعادة التحقيق ال�������س����ؤال الآن ،م���ا ال����ذي ي���دع���وك �إىل وقت تحقيق فستنفلد حتقيق املعجم� ،أمل يتم حتقيقه من قبل؟ لها ماتزال مخطوطة ط��ب��ع امل��ع��ج��م ل��ل��م��رة الأوىل يف ليبت�سك وأخطاء نساخها كثيرة « »Leipzigب���أمل��ان��ي��ا بتحقيق امل�ست�شرق ه�ن�ري ف��ردي��ن��ان��د ف�ستنفلد « Ferdinand Wüstenfeldاملتوفى �سنة 1317هـ 1899/م» ،وتقع ه��ذه الطبعة يف �أرب��ع��ة جم��ل��دات ك��ب��ار ،وامل��ج��ل��د اخلام�س للمالحظات والفهار�س الفنية ،ظهر املجلد الأول م��ن��ه ���س��ن��ة 1866م ،والأخ��ي�ر �سنة 1873م ،وا�ستغرق يف حتقيقه � 12سنة ،بذل خاللها جهد ًا خارق ًا يف حتقيق املعجم� ،إذ اعتمد يف التحقيق على معظم خمطوطات املعجم املعروفة يف مكتبات �أورب��ا �آن��ذاك، وم���ن���ه���ا :خم���ط���وط���ات ب���رل�ي�ن ال���ث�ل�اث، وخمطوطة رابعة فيها اجلزء الرابع فقط من حرف «ق-ي» ،وخمطوطة بطر�س برج، وخمطوطة باري�س ،والقطع املتوفرة من خمطوطات املعجم يف املتحف الربيطاين، وخمطوطة �أوك�سفور
Heinrich
«ي��ن��ق�����ص��ه��ا امل��ج��ل��د وي������ب������د�أ الأول، ال���ث���اين مب�����ادة� :أوار». وجت�شم ع��ن��اء الرحلة �إىل ت��ل��ك امل��ك��ت��ب��ات بنف�سه ملقابلة «ال��ن�����س��خ��ة» �أو «ال��ن�����س��خ» ال��ت��ي متتلكها بالن�سخة ال��ت��ي ا�ستن�سخها لنف�سه ،لأن الت�صوير الفوتوغرايف مل يكن متوفر ًا يف ذلك الوقت. ولكن اقت�صر ف�ستنفلد يف حتقيقه للمعجم على العناية ب�ضبط الن�ص على طريقة امل�����س��ت�����ش��رق�ين يف ذل���ك احل��ي�ن ،ومل ي��ول العناية باملادة اجلغرافية «مو�ضوع املعجم» �أي اه��ت��م��ام .ولأن معظم م�صادر ياقوت كانت �آن��ذاك ما تزال خمطوطة ،فقد جل�أ ف�ستنفلد �إىل اال�ستعانة بجهود امل�ست�شرقني املعا�صرين ل��ه ال��ذي��ن يعرف �أن لديهم �أح��د امل�����ص��ادر التي ن���ق���ل ع��ن��ه��ا ي���اق���وت مل��ق��ارن��ة ال��ن��ق��ول عنها و�ضبطها
وفقا لتلك الن�سخة ،وخ�صو�ص ًا ما يتعلق منها ب��الأع�لام اجلغرافية �أو ال�شواهد ال�شعرية ،وذكر يف مقدمة التحقيق �أن��ه وق��ف على جل دواوين ال�شعراء الذين �أكرث ياقوت من اال�ست�شهاد ب�شعرهم ما ع��دا دي��وان متيم بن �أُب��ي بن مقبل. وظلت طبعة ف�ستنفلد هي الأ�سا�س ل��ك��ل ال��ط��ب��ع��ات ال�ل�اح���ق���ة ،يف م�صر وبعد ذلك يف ب�يروت ،حيث تولت طباعته دار �صادر بني عامي 1957 – 1955م يف خم�سة جملدات ،وادعى النا�شر يف مقدمة الن�شر� :أن���ه عهد بت�صحيح ال��ك��ت��اب �إىل «حم��ق��ق�ين» م��ن �أب��ن��اء ال�����ض��اد ،معروفني بتدقيقهم و���س��ع��ة م��ع��ارف��ه��م «ومل يذكر �أ�سماءهم» .واملت�أمل يف هذه الطبعة يجد �أنها ك�سالفتها -يف م�صر -مل ت�أت بجديد، با�ستثناء زي��ادة بع�ض عالمات الرتقيم، �أو التنبيه على اخللل «الإق��واء بخا�صة» يف قوايف بع�ض الق�صائد التي �أوردها ياقوت. وتلك الت�صحيحات القليلة – يف الطبعتني مل ت�أت نتيجة الرجوع �إىل امل�صادر التينقل عنها ياقوت ،بل تعتمد على االجتهاد ال�شخ�صي وعلى الذائقة الأدب��ي��ة ،ولذلك قد يقوم امل�صحح بت�صحيح اخلط�أ املوجود يف الن�ص بخط�أ �آخ��ر ،وقد ي�ستبدل كلمة �صحيحة ب�أخرى خاطئة .وتناقلت بعد ذلك دور الن�شر املختلفة ه��ذا الطبعة «طبعة دار �صادر» �إما بالت�صوير «بالأوف�ست» �أو ب�إعادة ال�صف. وعلى الرغم مما بذله ف�ستنفلد من جهد ووقت يف حتقيق معجم البلدان ،وم�ساعيه اجلادة لتلم�س القراءة ال�صحيحة للن�ص، فقد �شاب تلك الطبعة الكثري من الأخطاء. ه�لا ح��دث��ت��ن��ا ع��ن ه���ذه الأخ���ط���اء� ،أو بع�ضها؟ من ناحية التحقيق ومنهجه ،مل تكن قد تر�سخت �آن���ذاك مناهج وق��واع��د مرعية وم��ت��ف��ق ع��ل��ي��ه��ا يف حت��ق��ي��ق ال��ن�����ص��و���ص
ون�شرها ،وقد اجتهد يف �إخراج الن�ص كما هو الآن ،وقد كان عمله ملبي ًا حلاجة ذلك الع�صر ،ولكنه بعيد عن التحقيق العلمي امل��ت��ع��ارف عليه يف وقتنا احل��ا���ض��ر ،قال كرات�شكوف�سكي« :وهذه الطبعة و�إن وقفت على م�ستوى ع��ال بالن�سبة حلاجة ذلك الع�صر �إ ّال �أنها ال ت�ستويف متاما املطالب العلمية بالن�سبة ملا يجب �أن يكون عليه ن�شر الن�صو�ص وحتقيقها». من جهة �أخرى حلق الت�صحيف والتحريف بالكثري م��ن �أل��ف��اظ امل��ع��ج��م ،وللمحقق ع��ذره يف ذل��ك ،ويرجع ذل��ك �إىل �سببني الأول يرجع �إىل طبيعة مادة املعجم التي تت�سم بغلبة الأ�سماء الغريبة ذات الأ�صل الأعجمي�« :أ�سماء الأماكن والأ�شخا�ص وامل�صطلحات وامل��واد�..إل��خ» ف���إذا مل يكن امل���ؤل��ف �أو املحقق �أو النا�سخ على علم بها ،ولديه م�صادر �أخ��رى ذك َر ْت َها ،ف�إنه ال ي�ستطيع االجتهاد يف فهمها وت�صويبها لأن��ه��ا ال تخ�ضع للتعليل وال للقيا�س ،وال ميكن فهمها من �سياق الن�ص ،وي�ستوي يف ذلك �أي�ضا �أ�سماء املوا�ضع «العربية» التي ا�ستقاها ياقوت عن امل�صادر الأدبية امل��ب��ك��رة« :امل��ع��اج��م ودواوي�����ن ال�����ش��ع��راء و�شروحها» فقد كانت هذه امل��ادة ع�صية على القراءة والفهم على امل�ؤلف نف�سه، فقد �شكا يف مقدمة املعجم من كرثة ما اعرتاها من التحريف والت�صحيف على يد الن�ساخ ،قال�« :أما الطبقة الأوىل ـــ �أي طبقة �أه��ل الأدب ـــ ف�أ�سماء الأم��اك��ن يف م�صحفة مغرية ،ويف حيز العدم كتبهم َّ م�صيرّ ة ،قد م�سخها من ن�سخها» .وكان ي��اق��وت -قبلها – ق��د ق���ال ع��ن��د ذك��ر �أ�سباب وبواعث ت�أليف املعجم« :ثم ق َّلما ر�أي��ت الكتب املتقنة اخلط، املحتاطة لها بال�ضبط والنقط، �إ ّال و�أ�سماء البقاع فيها مهملة �أو حمرفة ،وع��ن حمجة ال�صواب منعطفة �أو منحرفة ،قد �أهمله كاتبه جهال ،و�ص ّوره عن التوهم نقال».
تجاوز عدد األعالم من الرجال والنساء في علَم المعجم 12ألف َ ترجم الحموي لعدد كبير منهم
هو؟ فتعريفات ياقوت للموا�ضع والبلدان مل تعد تنا�سب ع�صرنا .فمعظم ما ورد يف املعجم من ت�سميات لبلدان ترد �إما من�سوبة �إىل القبيلة �أو �إىل الإقليم .وعندما يعتمد الباحثون املعا�صرون على التعريف بتلك ال�����س��ب��ب ال��ث��اين ه��و �أن م��ع��ظ��م م�����ص��ادر امل��وا���ض��ع كما وردت يف معجم البلدان، م��ع��ج��م ال��ب��ل��دان ك��ان��ت يف ذل���ك احل�ين ف�إنهم �إمنا يعرفون جمهو ًال مبجهول. «الن�صف الثاين من القرن التا�سع ع�شر» وكيف خططت لتفادي تلك الأخطاء يف ماتزال خمطوطة ،و�إن وجدت بع�ض تلك امل��خ��ط��وط��ات ف���أخ��ط��اء ن�ساخها ك��ث�يرة ،حتقيقك للمعجم؟ والبحث يف بع�ضها الآخر غري ي�سري نظر ًا اعتمدت �أ�سلوب ًا ع�صري ًا يف حتقيقي للمادة ملنهج ت�أليفها وتبويبها �إن كانت ماتزال اجلغرافية للمعجم ،حيث �أذكر يف احلوا�شي خمطوطة ،مثل« :تهذيب اللغة» للأزهري ،نبذة موجزة عن «املو�ضع» ،وا�سمه احلايل و«الإك��م��ال» الب��ن م��اك��وال ،وهما من �أب��رز �أو القدمي �إن كان ما يزال معروف ًا به ،ويف م�صادر ياقوت ،ولهذا ي�صبح من الع�سري �أي بلد «دول��ة» ه��و ،واملحافظة �أو الوالية ت�صحيح �أخطاء ن�ساخ معجم البلدان من التي يتبعها ،وموقعه منها �أو من �أ�شهر معلم جغرايف ب��ارز يف املنطقة ،وامل�سافة غري الرجوع �إىل تلك امل�صادر. ي�ضاف �إىل ذلك �أن ف�ستنفلد غري عربي ،بينهما ،مع �إثبات «�إحداثيات» املوقع على ومهما بلغ «امل�ست�شرق» �أو «امل�ستعرب» من خطوط الطول والعر�ض لي�سهل معرفته التمكن يف �إج��ادة اللغة العربية ف�إنه لن على اخلرائط احلديثة وعلى �أر�ض الواقع، يكون كمن ُول��د ون�ش�أ يف البالد العربية ،مع �إ�ضاءة موجزة عن التطورات التاريخية ولهذا كانت تلتوي عليه بع�ض العبارات التي حلقت باملكان منذ وفاة ياقوت �-إن وجدت. واجلمل. وم��ن دواع���ي حتقيق املعجم �أي�����ض�� ًا� ،أن��ه ونطمح �إىل �أن يكون مع الن�سخة املطبوعة بطبعاته احلالية -غري مفيد للباحثني «ورق�����ي����� ًا» م����ن امل���ع���ج���م ن�����س��خ��ة �أخ����رىواملحققني وط�لاب العلم على الإط�لاق «�إل��ك�ترون��ي��ة» يظهر فيها الن�ص كما ورد من غري حتقيق علمي حديث ،يركز على يف املعجم ،مع تعريفنا املعا�صر للمكان، حتقيق ت��ل��ك امل��وا���ض��ع وال��ب��ل��دان وامل���دن وموقعه على اخلريطة ،كما هو ال�ش�أن يف ال���واردة يف العجم و ُي��ع�� ّرف بكل مو�ضع :املو�سوعات العاملية احلديثة. هل اندثر �أو ما يزال باقي ًا؟ وهل ما يزال ي�ضاف �إىل �أ�سباب حتقيقي للمعجم ظهور معروف ًا با�سمه �أو �أن��ه ق��د تغري و�أ�صبح جمموعة من الدرا�سات العلمية احلديثة يعرف با�سم �آخر؟ و�أين موقعه الآن على التي تتناول بالدر�س والتحقيق ب��ل��د ًا �أو وجه الدِّ قة؟ ويف �أي بلد /دولة �إقليم ًا بعينة مما ورد يف معجم البلدان م��ن امل�����ص��ادر احلديثة ال��ت��ي ُي��ط��م���أن �إىل ت�صحيحات م�ؤلفيها ملا ورد يف املعجم من من هنّات المعجم �أخ��ط��اء �أو ت�صحيف �أو حت��ري��ف ،كونهم �أعرف ببلدانهم ومب�صادرها .و�ستعزز هذه اليسيرة التكلف الدرا�سات وامل�صادر احلديثة – بالإ�ضافة الشتقاق أصل عربي �إىل ما ُن�شر «حمقق ًا» من امل�صادر التي ألسماء بعض المدن اعتمد عليها ي��اق��وت -م��ن فر�ص جناح والبلدات ذات األصل حتقيق معجم البلدان
غير العربي
54
بدائع الزهور
الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
ُ ع ْمرٌ مع الليالي
جمال الغيطاين
بالت�أكيد ثمة �صلة وثيقة بني ن�ش�أتي يف القاهرة القدمية و�ألف ليلة ،لي�س ب�سبب طباعتها يف املكتبات املحيطة بالأزهر ،خا�صة مكتبة ومطبعة حممد �صبيح التي تخ�ص�صت يف طبع الليايل منذ بداية القرن الع�شرين ،طبعة على احلجر مزودة ب�صور تو�ضيحية ر�سمها فنان م�صري جمهول ،كانت هذه الطبعة تقع يف �أربعة جملدات� ،إنها الطبعة نف�سها التي ا�ستهدفها بالغ �أح��د امل�صريني ال��ذي قدم �إىل �شرطة الآداب عام �ستة وثمانني باعتبار الليايل عم ًال فاح�ش ًا يت�ساوى مع امل�ؤ�س�سات والأعمال الفا�ضحة التي تقع يف اخت�صا�ص �شرطة الآداب ،وقدر يل �أن �أخ�ص�ص ال�صفحة الأدبية بجريدة «الأخبار» التي كنت م�شرف ًا عليها وقتئذ، للدفاع عن الليايل حتت عنوان «دفاع ًا عن �شهرزاد» ،وانتهت املحاكمة �أمام حمكمة اال�ستئناف التي �أ�صدرت حكم ًا تاريخيا �ضد امل�صادرة و�ضد كل من يعترب �ألف ليلة وليلة عم ًال �إباحي ًا. ثمة �صلة بني القاهرة القدمية والليايل ،يف درب الطبالوي ،احلارة العتيقة التي كان يوجد بها ق�صر امل�سافرخانة الأثري والذي احرتق عام �سبعة وت�سعني ،تكاد تكون القاهرة القدمية هي الرتجمة املكانية املوازية لأحداث الليايل ،ويف تقديري �أن بغداد املذكورة لي�ست �إال القاهرة ،ولكنه ا�ستح�ضار ملكان بعيد يرتبط مبجد احل�ضارة العربية الإ�سالمية وله موقع خا�ص يف اخليال ال�شعبي امل�صري ومنه جاء لفظ «البغددة» املعرب عن الرفاهية والعز املبالغ فيهما ،املكان يف الليايل هو القاهرة حتى و�إن �أطلق عليه بغداد ،لقد ن�ش�أت وتفتح وعيي على واجهات البيوت القدمية ومقرن�صات امل�ساجد وامل ��آذن ال�سامقة والقباب ،وعربت تلك النواحي املثقلة بالعتاقة ،ور�أيت الوجوه التي حتيط مب�سجد موالنا و�سيدنا احل�سني املركز الروحي مل�صر ،والأزهر امل�سجد واجلامعة ،املركز العلمي والديني للعامل الإ�سالمي ،يف املقاهي القاهرية العتيقة قبل اخرتاع الراديو كان الرواة يق�صون على امل�ستمعني الليايل �شفاهة مع املو�سيقى ال�صادرة عن الربابة .كان ال�شعراء الرواة يق�صون على النا�س املالحم الكربى ،عنرتة بن �شداد ،الظاهر بيرب�س والأمرية ذات الهمة� ،سيف بن ذي يزن ،والهاللية ،وهي امللحمة الوحيدة الباقية حتى الآن �شفاهة وتن�شد كاملة يف جنوب م�صر ،كانت الليايل من الن�صو�ص التي يحر�ص القاهريون على اال�ستماع �إليها يف القاهرة التي تخ�ص�صت فيها .فلكل مقهى ملحمة تروى فيه ،من هنا عرفت بع�ض املقاهي ب�أ�سماء املالحم ويتك�سبون من العي�ش بها ،وكان و�ضع ه�ؤالء الرواة يف املجتمع متدني ًا ،رمبا يف�سر لنا ذلك و�ضع الليايل يف نظر النا�س ،خا�صة املثقفني ،كان الأدب ال�شعبي خارج ال�سياق، الأديب اجلدير باالحرتام هو من يكتب بالف�صحى ،وين�شد ال�شعر بالف�صحى ،ويف القرن التا�سع ع�شر ظهرت املطبعة ،وبد�أت الن�صو�ص ال�شفهية تتحول �إىل ن�صو�ص مكتوبة ،مطبوعة ،لكنها ظهرت بدون م�ؤلف معروف ،مل تن�سب �إىل كاتب بعينه، �أي لقيطة بدون ن�سب ،وللن�سب يف الثقافة العربية �ش�أن عظيم ،لذلك ظلت النظرة �إليها دونية .بل �أ�صبح بع�ضها -مثل الليايل -من الن�صو�ص املحرمة ،تقر�أ يف البيوت �سر ًا� ،صحيح �أنها حمرمة خا�صة يف الطبقة الو�سطى ،ولكنها موجودة �أي�ض ًا يف نف�س الوقت ،لأن الليايل مبدعة خارج ال�سياق الر�سمي فقد عربت عن امل�سكوت عنه يف الأدب الر�سمي املعتمد ،ال �أق�صد بذلك اجلن�س ،فجميع الن�صو�ص الأدبية
بدائع الزهور العربية لكبار املبدعني حتوي من معاجلة �أمور اجلن�س ما ال يجر ؤ� عبت عن العقل �أديب عربي على الإقدام عليه الآن ،ولكن الليايل رّ اجلمعي املكبوت �سواء فيما يتعلق بر�ؤية الكون� ،أو الوجود ،ولأن الراوي غري معروف ،فقد حتققت يف الليايل حرية ق�صوى ،فمن ميكن حما�سبته هنا؟ ً ً كان تعريف �إىل الليايل حدثا هاما يف حياتي ،فقد قر�أتها و�أنا دون العا�شرة ،كانت البكارة يف القراءة تدفعني �إىل معاي�شة ما �أقر�أ ولي�س االطالع عليه فقط ،لذلك كنت �أكاد �أمل�س �شهرزاد و�أختها دنيازاد ،و�أكاد ا�شهق مع طريان الرخ وال�سندباد متعلق به ،كانت قراءة الده�شة واالكت�شاف لعوامل �سحرية غري قائمة يف الواقع لكنها جت�سد واقع ًا موازي ًا يتداخل مع القائم بالفعل فتت�سع الآفاق وينطلق اخليال ويتجدد با�ستمرار. ُقدمت �ألف ليلة عرب و�سائط �أخرى� ،أهمها كانت جملة ت�صدر عن دار املعارف ،ا�سمها �سندباد ،وكانت تتخذ �أحد ا�شهر الأ�سماء من الليايل ،ال�سندباد ،الرحالة ،خمرتق الآفاق ،كان يكتب ال�سيناريو امل�صاحب للر�سوم حممد �سعيد العريان� ،أما الفنان الذي ج�سد الليايل بري�شته فكان «بيكار» وهو �أحد �أكرب الفنانني امل�صريني يف القرن الع�شرين ،ال يرد ا�سم ال�سندباد على ذاكرتي �أو �سمعي �إال ويتج�سد عرب ري�شة بيكار كما ر�أيته طف ًال ،وال يرد ا�سم �شهرزاد �إال و�أ�صغي �إىل �صوت الفنانة «زوزو نبيل» التي كانت ت�ؤدي دور �شهرزاد يف امل�سل�سل الإذاعي ال�شهري �ألف ليلة وليلة ،والذي ب ّثته الإذاع��ة امل�صرية يف اخلم�سينيات خالل �شهر رم�ضان ،وكتبه ال�شاعر والأدي��ب طاهر �أبوفا�شا ،وكانت املقدمة املو�سيقية من املتتالية ال�شهرية للمو�سيقار الرو�سي ري�سكي كور�ساكوف. لقد ج��رى حت��ول يف املوقف من �أل��ف ليلة منذ الثالثينيات يف القرن الع�شرين ،عندما �أقدم الدكتور طه ح�سني� ،أحد �أعظم املثقفني امل�صريني ،على ت�شجيع تلميذته �سهري القلماوي على �إعداد ر�سالتها لنيل درجة الدكتوراه حول الليايل ،وكانت الر�سالة الرائدة �أول مثول �أكادميي رفيع امل�ستوى لألف ليلة يف اجلامعة امل�صرية ،وبرغم ذلك ظلت ر�ؤي��ة املثقفني لها -يف تقديري- متدنية ،مل يعتربها معظمهم عم ًال جلي ًال� ،شاخم ًا ،معرب ًا عن روح �إن�سانية عميقة ،ور�ؤية كونية منطلقة من خ�صو�صية �إ�سالمية م�ستوعبة لرتاث ال�شرق كله. ً تعددت قراءاتي لألف ليلة ،ويف كل مرة �أكت�شف جديدا ،يت�ضح يل عمق وم�ستوى مل �أكن �أعرفه ،لقد و�ضعت �أمامي الليايل باعتبارها الن�ص الذي يجب �أن �أحاول جتاوزه ،ورغم �إدراكي ا�ستحالة ذلك، �إال �أنني بعد �أكرث من ن�صف قرن من الكتابة ،مل �أتراجع عن هذا الطموح ،لعل وع�سى� ،أما القراءة واكت�شاف امل�ستويات املتعددة
اخلفية داخل الن�ص فما تزال متعددة ،م�ستمرة ،ما ا�ستوقفني خالل الت�أمل عالقة الليايل بالفن العربي الإ�سالمي ،وقد ف�صلت ذلك يف ت�أملي لل�صلة بني الن�ص وفن الزخرفة «الأرابي�سك» وكذلك تخطيط املدن ،يف ر�أيي �أن املرجعية هنا قدمية ،ترجع �إىل خ�صو�صية الر�ؤية ال�شرقية �إىل الوجود والكون ،خا�صة فيما يتعلق بال�صلة بني اجلزء والكل ،هذه الر�ؤية تتج�سد يف القر�آن الكرمي الذي �أ�صبح الن�ص املرجعي لكافة الإبداعات يف الع�صور الإ�سالمية ،كل �آية ميكن قراءتها بذاتها ،و�إذ تت�صل ببع�ضها تتكون ال�سورة ،ومن جمموع ال�سور يتكون القر�آن ،هذه الر�ؤية جندها يف الزخرفة ،يف العمارة ،يف الن�صو�ص الأدبية الكربى، ومنها الليايل ،الليايل التي تتواىل فيها احلكايات واحدة وراء الأخرى للتعلق باحلياة ،احلكي هو احلياة ،والتوقف عنه يعني امل��وت ،الفناء ،لي�ست احلياة �إال حكي ًا م�ستمر ًا ،بتوقفه يكف التدفق ومتتنع احلياة. تعلقي بالليايل دفعني �إىل خدمة الكتاب ،خا�صة يف ال�سنوات الأربعني الأخرية منذ ال�سبعينيات التي �شهدت �صعود ًا للتطرف الديني املعادي للإبداع والثقافة عموم ًا ،و�أي�ض ًا تزايد الت�أثري غي منظور التعامل مع الرتاث العربي وح ّد من الوهابي الذي رّ انت�شار امل�صادر الكربى للفل�سفة الإ�سالمية والت�صوف والن�صو�ص الأدبية ،ومنها الليايل. يف منت�صف الت�سعينيات طبعت بالت�صوير طبعة «كلكتا» ،وكان القراء املعنيون ي�سمعون عنها ومل يروها ،وحل�سن احلظ عرثت على ن�سخة �أ�صلية يف دار الكتب امل�صرية ،وظلت طبعة بوالق غري متاحة �إال ملن لديه الإمكانات املادية ،وكان قراري عندما ا�ست�أنفت الإ�شراف على �سل�سلة «الذخائر» التي �أ�س�ستها يف الت�سعينيات وت�صدر عن الهيئة امل�صرية العامة لق�صور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة� ،إ�صدار طبعة منها بالت�صوير حتى ال تتحول الليايل �إىل �أثر خفي ،ولتظل فاعلة يف حياتنا الثقافية� ،إن ال�ضجة التي �أثارها بع�ض املتطرفني ،املعادين للثقافة حول الليايل لن ترهبني يف الدفاع عن �أحد �أهم الإبداعات الإن�سانية ،و�أكرر مرة �أخرى �إن �أبلغ �إ�ساءة �إىل ديننا الإ�سالمي هي الهجوم على الن�صو�ص الثقافية والأدبية با�سم الدين. �إن خدمة الف ليلة وليلة والن�صو�ص الأدبية الكربى التي باتت الآن حمجوبة ب�سبب ت�صاعد الت�شدد واملذاهب الداعية �إىل االنغالق والتي جلبت على الإ�سالم وامل�سلمني �أبلغ الأ�ضرار ،خدمة هذه الن�صو�ص و�إتاحتها واجب ثقايف و�إن�ساين ،لي�ست �ألف ليلة �إال جتلي ًا للإبداع العربي ،ولعل ال�صلة بني الليايل والفنون الأخرى �أبلغ دليل على ذلك ،وهذا ما �أتوقف عنده
المرآة اآلفاق ارتيادفي وجه 56 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
مل ي�شاركه �أحد يف لونه «ال�شهابي» اخلا�ص
حمد بن خليفة أبو شهاب أحد شعراء العربية الفحول د .حممد عبد الهادي يف �إمارة عجمان� ،إحدى �إمارات دولة الإمارات العربية املتحدة ،ويف الثالثينيات من القرن املا�ضي ولد حمد بن خليفة �أبو�شهاب .تع ّلم يف كتاتيب عجمان ثم التحق باملدر�سة املحمدية .وقد �أحب ال�شعر مبكراً وكتبه يف �سن التا�سعة وظل حمافظاً على الق�صيدة العمودية طوال عمره يف �شعره الف�صيح و«النبطي» .يف اخلم�سينيات من القرن الع�شرين تنقل للعمل ما بني جزيرة �سقطرة يف بحر العرب والكويت وال�سعودية والبحرين وعاد �إىل عجمان ،ثم ارحتل منها ب�شدوه و�شجوه يف منت�صف ال�ستينيات �إىل دبي وفيها �ألقى ع�صا ت�سياره وقر على ثراها قراره.
وتقف الظروف احلياتية حائال دون متكنه م��ن موا�صلة التعليم ،وك ��أمن��ا تعلن ل��ه عن �ضرورة االعتماد على النف�س يف بناء الثقافة ال�شخ�صية ،فيدخل غ�م��ار احل �ي��اة ج�ه��اد ًا وحتدي ًا ،زادُه عزم قوي ،وعقل متفتح متوهج، وق��در م��ن املعرفة ي�سري ،ول�ك��ن اال�ستعداد والعزمية يدفعان به لتحطيم كل العقبات، فيكون لنف�سه ك�سب ًا معرفيا بجهده الذاتي، يتطلع على كتب ال�ت�راث ،ينهل م��ن معينها ال�صايف ال��ذي ال ين�ضب ،مما �أك�سبه ثقافة انعك�ست �إيجاب ًا على نتاجه الأدب��ي ،كيف ال وقد نهل من معني كتاب اهلل الذي وعى لفظه ومعناه ،واطلع على �سنة ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ،ذلك الهدى الذي ال يحيد من اطلع عليه عن جادة ال�صواب .وق��ر�أ كتب التاريخ والأدب ،وتراث �أمته الإ�سالمية وغريها من الأمم ،و�أحاط بلغته العربية .فجاءت �ألفاظه
جزلة وا�ضحة ،ومعانيه رفيعة راقية ،ولغته �سليمة �سل�سة ،ال جتد يف لغته عيب ًا من عيوب الكالم تنفر منه الأذهان الرا�شدة ال�صافية.
�أحد �شعراء العربية الفحول
ب�ل��غ �أب ��و ��ش�ه��اب م�ك��ان��ة رف�ي�ع��ة ب�ين �شعراء الإمارات ،حيث يقف يف �صفوف �أهل املقدمة �سواء بني ال�سابقني واملعا�صرين ،ويوحي لك �شعره �أنك �أمام �أحد �شعراء العربية الفحول،
أحب الشعر مبكر ًا وكتبه في سن التاسعة وظل محافظ ًا على القصيدة العمودية طوال عمره في شعره الفصيح والنبطي
تدرك يف �شعره اعتزاز ح�سان بن ثابت بدينه وعقيدته ،وعزة �أبي العالء املعري بنف�سه، وو�صف البحرتي .كما كان له اللون ال�شهابي اخل��ا���ص ال��ذي ال ي�شاركه فيه �أح��د ،تغزّل ّ فعف وو�صف ف�أجاد ،وامتدح فوفى ،ون�صح ف��أر��ش��د ،وانت�صر لأم�ت��ه الإ�سالمية فكان �شاعر العربية امل�سلمة بال منازع.
توثيق تراث ال�شعر ال�شعب ي اهتم �شاعرنا بتوثيق الرتاث الإماراتي من ال�شعر ال�شعبي ،وت��اري��خ دول��ة الإم� ��ارات، والأدب يف املنطقة ،كما �أ�شرف على �إ�صدار ع��دد كبري من ال��دواوي��ن ل�شعراء النبط يف الإم� ��ارات .ول�ق��د ت��رب��ع على ر�أ� ��س م�ساحة رحبة من العمل العام يف دول��ة الإم��ارات، فهو وزير مفو�ض بوزارة خارجيتها ،وع�ضو جل �ن��ة ال �ت�راث وال��ت��اري��خ ،وم��دي��ر �أ��س�ب��ق
وجه في المرآة 58 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
ندوة حول توثيق تراث �أبو �شهاب
ملكتب وزارة الإع �ل�ام ب��ال���ش��ارق��ة ،وح��از الثالث ،عام .1988 املالمح ال�شخ�صية على �شخ�صية العام الثقافية لعام .1989ديوان ال�شيخ حممد بن را�شد املكتوم ،عام الثقة بالنف�س
و�أول من قدم برامج ال�شعر ال�شعبي عرب �شا�شة الكويت املرئية من دبي عام .1971 و�أول من ن�شر ال�شعر ال�شعبي بال�صحافة الإماراتية حيث �أ�شرف على �صفحة ال�شعر يف جريدة البيان .وكانت وفاته يف جنيف يف .19/8/2002
�أعماله املن�شورة
�أ�صدر يف حياته ع��دة �أع�م��ال ،بلغ عددها خم�سة ع�شر عم ًال ،بني درا�سة وتوثيق وبني ن�صو�ص �شعرية يف الف�صحى وال�شعبي، وهي: ديوان �سلطان بن علي العوي�س ،عام .1978 دي��وان تراثنا «من ال�شعر ال�شعبي» اجلزء الأول والثاين ،عامي 1980و.1981 دي� � ��وان رب� �ي ��ع ب ��ن ي� ��اق� ��وت ،ع� ��ام 1983 و«املجموعة الكاملة» عام 1988 ديوان �شاعرات من الإمارات ،عام .1984 كتاب املاجدي بن ظاهر – حياته و�آث��اره، عام .1984 دي��وان �سلطان بن عبد اهلل العوي�س ،عام .1986 ديوان حممد بن علي الكو�س ،عام .1987 دي��وان حمد ب��ن عبد اهلل العوي�س اجل��زء
.1989 ديوان �أريج ال�سمر ،عام .1989 ديوان فتاة العرب ،عام .1991 دي� ��وان ��ص��اح��ب ال���س�م��و ال���ش�ي��خ زاي ��د بن �سلطان �آل نهيان ،عام .1991 دي��وان ق�صائد مهداة �إىل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة ،عام .1995 ن�سائم املحبة ،عام .1996 وقفات مع تاريخ دولة الإمارات ،عام .1997 ك�م��ا �أن ل��ه �أع� �م ��ا ًال مل ت�ط�ب��ع ب �ع��د ،منها «�إطاللة على تاريخ الإمارات»« ،تراثنا من ال�شعر ال�شعبي -اجل��زء الثالث»« ،ال�سرية الذاتية» ،وجمموعة من �أ�شعاره الف�صحى والنبطية. هنا حماولة ال�ستجالء املالمح ال�شخ�صية والفنية التي ميتاز بها �شاعرنا والتي تبدو جلية من خالل لغته ومفرداته ال�شعرية.
كان لن�ش�أته الع�صامية واعتماده على نف�سه برعاية �أ�سرته �أث��ر كبري يف حتقيقه لذاته م��ن خ�ل�ال ذل ��ك ،وح��ر� �ص��ه ع�ل��ى الإط�ل�اع وال�ق��راءة حتى حقق �إجن��از ًا معرفي ًا خارج �إطار امل�ؤ�س�سات الأكادميية ،كما �أن �إحاطته بالتاريخ والأن�ساب ،وما متتع به من ح�سن منطق وحافظة متقدة جعل له احلظوة لدى احلكام وعلية القوم يجلونه ويقدرونه .كل ذلك �صبغ نف�سيته وحياته باالعتزاز الدائم ب��ال��ذات .وتطغى �شخ�صيته على مو�ضوع �إبداعه .وك�أنك ب�أبي العالء يف تفاخره وعلو الـ «�أن��ا» لديه .ومن خالل ا�ستعرا�ض بع�ض ق�صائده يتبني لنا �أنه معتز بنف�سه وال يقبل ال�ضيم ،وذلك ملا ُجبل عليه من خالل وطباع حميدة ،فهو ال يداهن ،وال مي��اري ،وي�سعى دوم��ا لإحقاق احلق ال ت�أخذه يف ذلك لومة الئم حيث يقول:
وم���ا �أن����ا مم��ن ه��م��ـ��ه م��ن حيـاته في شعره اعتزاز حسان ر����ض���ا ب��اط��ـ��ل م��ه��م��ـ��ا ع��ت��ى وت���أل��ه��ـ��ا بن ثابت بدينه وعقيدته طبيعة نف�س يا رعى اهلل طبعها يراها حمب ال�صدق لل�صدق منتهى وعزة أبي العالء المعري
بنفسه ووصف البحتري كما كان له اللون الشهابي الخاص الذي ال يشاركه فيه أحد
وي ��ؤك��د �أن ال�صدق �سمة م��ن �سماته التي حتافظ عليها نف�سه احلرة الأبية:
مثلت قضية فلسطين هم ًا رئيسا لدى الشاعر وخاطب القادة العرب في إحدى اجتماعاتهم ���س��ت��ظ��ل يف ج���ن���ب���ي ن���ف�������س ح���رة ل���ل�������ص���دق يف ك����ل امل�����واط�����ن �أ����س���ب���ق بقصيدة يستحثهم فيها على اتخاذ القرارات االعتزاز بالإبداع الذاتي الرادعة
ولد �شاعرنا حمد يف عجمان التي كانت تزخر بال�شعراء وتتلمذ على تلك املدر�سة ال�شعرية وان�ط�ل��ق منها وق��د ح��اف��ظ وال �ت��زم بنظام الق�صيدة العربية الأ�صيلة ،فكان �إتباعي ًا يف منهجه ال�شعري ،وكر�س جهده لذلك ،فتمكن من لغته و�ألفاظه وتراكيبه .وبلغ من اعتزازه بنتاجه الأدبي الغزير �إىل �أن يقول:
طرقت من ال�شعر �أغرا�ضـا منوعـة
ويجعل �شعره يف مقام الأقدمني من �شعراء اجلاهلية فر�سان �سوق عكاظ الأدبي ،ولكنه جاء مت�أخر ًا:
ت��ك��ون م��ن نب�ض ال��ف���ؤاد جمانه ق���ري�������ض ع���ك���اظ���ي ت�����أخ����ر ع�����ص��ره
��دخ��ـ�لا ومل �أغ������ادر م���ن الأب�������واب م َ ويعتز ب� ��أن �شعره منتقى وخم �ت��ار بعناية مدحت �أرخت �ساجـلت الذين لهم ال يفوقه يف �سبكه �أحد :
القيم املعنوية كالأخالق التي يعتربها معيار ًا مهم ًا يف انقياده للمحبوبة ،خا�صة �إذا كانت ذات ح�سن وجمال:
�إل�������ي�������ك ي�����������ش�����دين ������س�����ر خ���ف���ي ب�����واع�����ث�����ه اجل�������م�������ال ال���ي���ع���ـ���ـ���رب���ي و�أخ���������ل���������اق ي����ن����م����ق����ه����ا ح����ي����اء ك����ن����ب����ت ال��������رو���������ض ب�������اك�������رة ن�����دي
التوحد بالأمة والنزعة الإ�سالمية
وبل�سان حال �أهل اخلليج الذين تعاطفوا م��ع الق�ضايا العربية يف ك��ل م�ك��ان يقول �شاعرنا:
ال البعد ي�شغلنا حتى ولو بعدت دي�����ارن�����ا ال وال الأه�����������وال ت��ث��ن��ي��ن��ا فنحن ج�سم �إذا ع�ضوا �شكا �أمل لهو ع��ل��م وم���ا ك��ن��ت �إال امل��ت��ق��ـ��ن العمال �أوحى الف�ؤاد �إىل الرياع اجلوهرا ������س�����ه�����رن�����ا ول�����ب�����ي�����ن�����ا م����ن����ادي����ن����ـ����ا فم�ضى ير�صع بالن�ضار الأ�سطرا وق��وة �شعره وروعته جعلته يعتز ويفتخر به وي���خ���ط �أروع م���ا ����ش���دا م�ترن��ـ��ـ��م ف�أحيان ًا ي�شبه �شعره بالبدائع الدرية: وتربز عالقته مع ق�ضايا �أمته بد�أ من منا�صرته غ�����رد و�أج����م����ل م����ا ج���ن���ى وت��خ��ي��ـ��ـ��را لثورة 23يوليو وزعيمها جمال عبد النا�صر، خذ من بدائع ما تخط يراعتي ً الذي نظم فيه ق�صيدتني �إحداهما مادح ًا �إياه دررا ع���ل���ى ق���م���م امل����ع����اين ت�����ش��رق وع�ن��دم��ا يهنيء �شاعرنا ال�شيخ الدكتور �سلطان بن حممد القا�سمي بح�صوله على
فيها والأخرى يف رثائه ،ومن املدح قوله:
الدكتوراه ،نراه يحر�ص على جتويد ق�صيدته يا قائد العرب يف �أق�سى معاركها و�أحيانا ي�شبهه باجلواهر املكنونة: �أنت الزعيم و�أنت ال�ضيغم ال�ضاري ف���إل��ي��ك �أغ��ل��ى م��ا ت�ضم خزانتي وح�سن �سبكها ويقول يف ذلك: حققت يف �شهر مت��وز لنا �أمــال ع����ق����داً ف���رائ�������ض���ه ت���ف���وق اجل���وه���را ت�أخرت عنك بع�ض الوقت تهنئتي م���ت���وج���ـ���ا ب����أك���ال���ي���ـ���ـ���ل م�����ن ال���غ���ـ���ـ���ار وع���ذره���ا ال�����س��ب��ك ات��ق��ان��ا وحت�سينا بثورة قمت �ضد الظلم فانت�صرت ويرى �أن منظر �شعره وح�سن �سبكه يلهب الغرية حتى �إذا م��ا �أط��ل��ت ق��ال ناظرهـا يف نفو�س اجلواهر لأنه يفوقها ح�سن ًا وجما ًال: ب���ك ال��ع��روب��ـ��ـ��ـ��ة ب��ع��د ال�����ذل وال���ع���ار يف ل��ف��ظ��ه��ا ال���ف���ذ ح���ي اهلل ���ش��ادي��ه��ا �أزج����ي����ت����ه����ا ل�����ك درة م��ك��ن��ـ��ـ��ون��ة وي �� �ش �ي��د ب ��دع ��م ع �ب��د ال �ن��ا� �ص��ر ل �ل �ث��ورة م��ن ح�سن منظرها ي��غ��ار اجل��وه��ر العاطفة امل�شبوبة واحل��ب لدى �شاعرنا نور ي�شع يف الظلماء اجل��زائ��ري��ة ،ومواقفه م��ن ال�ث��ورة اليمنية يف ل��ف��ظ��ه��ا ج���ر����س ي��ع��ي��د �إل��ي��ك رائ���ع���ة اب����ن م��ع��ت��وق ب��ل��ح��ن ي�سـكر لينري القلوب ويرفعها �إىل مرتبة عالية والق�ضية الفل�سطينية: من ال�صفاء والنقاء ،ولي�س جمرد لقاءات �آزرت ث��ـ��ورة �شعـب يف ج��زائ��ـ��رن��ا ح���ت���ى حت����ـ����رر م����ن ن���ي���ـ���ر وم�����ن ن���ار وملا له من دراي��ة كبرية بفنون ال�شعر ،ف�إن غرامية تنتهي بانتهاء املوعد الأول: وع��ن��ـ��دم��ا ق����ام ���س��ـ�لال ب��ث��ـ��ورت��ـ��ـ��ه �شعره ال يعيبه عيب عرو�ضي وال ي�ؤخذ عليه احل����ب ل��ي�����س ل����ق����اءات ينظمـها م�أخذ بالغي: لينقذ ال�شعب م��ن ب���ؤ���س و�أ���ض��رار وع�������د وال ر�����س����م �أف������ك������ار لإغ��������راء ت��ب��ت ي���داه���ا �إن �أخ�����ل بح�سنـها و�ضـد من جز�أوا ظلـما لنا وطنا و�إمن��ا احل��ب ي�سري يف جوانحنا وزن ي�����ض��ـ��ي��ق ب����ه الأدي����������ب ال��ن�ير م����وح����ـ����دا يف دوي�����ل����ات و�أق����ط����ـ����ار ك���ال���ن���ور ����ش���ق ط���ري���ق���ا ب��ي�ن ظ��ل��م��اء �أو ���ش��ان معناها اجل��م��ي��ل تكلف �أف���������روا ف��ل�����س��ط�ين م����ن �أر�����ض����ى يف ال��ن��ط��ق �أو ����ش���ان ال���ب���ي���ان تقعر �أما دواعي احلب لديه ف�إنها عديدة فهو �أ�سري ومن وطني وقدمـوها لأفاكـني �أ�شـرار
وجه في المرآة 60 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
وي�ستنجد بعبد النا�صر ليقف مع عمان ويعني بها دول اخلليج العربي ،لينقذها مما هي فيه:
ال تن�سى �أن عمـاناً ق��د يلـم بها ن��ف�����س امل�������ص���اب وم����ق����ـ����دار مب���ق���دار مدت �إليك يد ال�شكوى لتنقـذها مم����ا ت�ل�اق���ي���ه م����ن ظ���ل���م و�أخ���ط���ـ���ـ���ار فا�ستعجلالأمروانقذمن�أريدبها ������ش�����راً ف���ق���د وق����ع����ت يف ك�����ف ج���ب���ار
ويبلغ �إعجابه بعبد النا�صر حد ًا كبري ًا فيعتربه الأوحد الذي مل يجد الزمان بغريه منذ غياب دولة اخلالفة:
منذ اخلالفة مل تنجب عروبتنا ك����ن����ا�����ص����ر م ً �����ث��ل��ا �أع������ل������ى لأح���������رار
ومي ��وت ع�ب��د ال�ن��ا��ص��ر فيعرب ال���ش��اع��ر عن �أحا�سي�سه و�أحا�سي�س ال�شارع العام يف �أمته حول امل�صاب ،ويبدو يف هذه الق�صيدة �أن اجتماعاتهم ق�صيدة ي�ستحثهم فيها على التي يهنئ بها ال�شيخ الدكتور �سلطان بن �إمي��ان��ه ال�ق��وي ويقينه ب��امل��وت ق��د خففا من اتخاذ القرارات الرادعة: حممد القا�سمي مبنا�سبة ح�صوله على الدكتوراه يف التاريخ �إذ يقول: يا ق��ادة العرب لو كنتم جمديـنا اندفاعه للحزن و�ساعداه على التجلد:
يف القول مل يبق وغ��د يف فل�سطينا فندت ما زيف الأعداء من ق�ص�ص ي���ا �أم�����ة ف��ج��ع��ت ب��ف��ق��د زع��ي��م��ـ��ه��ا وق�����وى ال�������ض�ل�ال ل�����س��ل��ب��ه��ا تتجمع ك��ف��ى مب�شكلة الت�شريــد ث��رث��رة ب�����االف��ت��راءات م���ن ت��اري��خ��ن��ا حينـا ف��ق��د جم��ج��ن��ا خ��ط��اب��ـ��ات وت��ل��ح��ي��ـ��ن��ا �إذ رح���ت تبحث يف ت��اري��خ �أمتـنا ن��ف��ذ ال��ق�����ض��اء وال م��ف��ر ل��ك��ـ��ائ��ن ع���ن جم��ده��ا ب��اج��ت��ه��اد مل ي���ؤات��ي��ن��ـ��ا ح�����ي م�����ن امل��������وت ال��������ذي ال ي���دف���ع االرتباط بالتاريخ وكنت قبلك ا�ستق�صي وقائعـها ل���و ك���ان ي��ق��ب��ل ع���ن ج��م��ال ف��دي��ة ل����ف����دت����ه �أم���������ة ي�����ع�����رب والأ�����ض����ل����ـ����ع لقد ك��ان حمد م��ن جيل الثالثينيات من م���ن ال��ث��ق��ات و�أ���س��ت��ج��ل��ي الأزام���ي���ن���ا ً
القرن املا�ضي الذي كان قريبا من ثقافته م��ن جيل املثقفني الأوائ ��ل ،ال��ذي��ن اهتموا وي�برز مكانته يف نفو�س النا�س والتي بدت بالتاريخ العربي .وقد �ساعدته قراءته يف وا�ضحة بعد وفاته من خالل احلزن العميق، كتب التاريخ وال�سري على �أن يرتبط بالتاريخ وامل �� �س�يرات احل��زي�ن��ة ال�ت��ي ج��اب��ت ��ش��وارع بعالقة حميمة ،ي�ستقر�ؤه وي�ستح�ضره لدي البالد العربية: كل موقف .ونلم�س هذا من خالل ق�صيدته
ي��ا �أي��ه��ا الإن�����س��ان مل ينـل الأويل م�������ا ن�����ل�����ت م�������ن ح�������ب ب�������ه ت���ت���م���ت���ع إحاطته بالتاريخ جرحت فجيعتك ال�ضمائر كلها حسن ف�����ك������أن�����ه�����ا يف ك�������ل ق�����ل�����ب م���ب�������ض���ع واألنساب مع ُ
منطق وحافظة متقدة ً �دى � ل �ا � س � � � ي � ئ ر ا � م � ه فل�سطني ق�ضية �ل � ث � مت و جعل له الحظوة لدى ال�شاعر ،فيوجه �إىل القادة العرب يف �أحد الحكام وعلية القوم يجلونه ويقدرونه
ويبدو ا�ستخدامه للت�سجيل التاريخي جلي ًا يف رائعته البائية التي ي��ؤك��د فيها عالقة العروبة بالإ�سالم ثم ينتقل لي�ؤكد ال��دور الذي فعله الإ�سالم ب�إعزاز الأمة العربية:
ل����ك����ن م�����ن ي����ت����والن����ا ب��رح��م��ت��ـ��ه مل يرتك احلال فو�ضى �سعيها �شعب و�إمن��������ا اهلل ب����الإ�����س��ل�ام ن��ظ��م��ه��ا �شريعة همها الإ����ص�ل�اح ال ال�سـلب
ويعقد ح���وار ًا م��ع ��ص�لاح ال��دي��ن ل�ي��ؤك��د به دور الإ� �س�لام يف انت�صار ق�ضايا العروبة:
وقوله:
�أم���ن �أج���ل ال��ع��روب��ة جئت ت�سعى ل���ت���ن���ق���ذه���ا وحت����ت����م����ل ال�������ص���راع���ـ���ـ���ا �أم ان����ك ج��ئ��ت��ه��ا م���ن �أج�����ل دي��ـ��ن ب���ه ق���د �أح������دث ال���ب���اغ���ي ال�����ص��داع��ا ف����ك����ان ال�������رد م���ن���ه لأج���ـ���ـ���ل رب���ي �أق�����ات�����ل م����ن ع�������ص���اه مب����ن �أط���اع���ـ���ا
مع الن�سيم العليل الهادئ ال�ساري �أه�������دي ال���ي���ك حت���ي���ات���ي و�أ����ش���ع���اري
وقوله:
ن�سيم احلجا �أوحى �إىل م�سمع النهى ب����دائ����ع مل ت��ل��ه��ج ب����أم���ث���ال���ه���ا ال��ل��ه��ا
الوفاء للأ�صدقاء
احلكمة عند ال�شاعر
�شاعرنا حمد خمل�ص ويف لأ�صحابه يعزهم ويعزونه ،ويودهم ويودونه ،تتجلى عالقته مع رف��اق احل��رف والكلمة ،وزم�لاء ال�شعر والعلم ،الذين و�صفهم قائ ًال:
ما �أجمل العمر حتدو بي ركائبه كان قريب ًا في ثقافته يف ف����ت����ي����ة ه����م����ه����ا ع����ل����م و�آث����ـ����ـ����ـ����ار من جيل المثقفين األوائل الذين اهتموا وي�صف �أح��د زواره وه��و ال�شاعر حممد بن بالتاريخ العربي طوق جمل�سه بقوله: وقضايا األمة �أب������ا خ��ل��ي��ف��ة م���ازل���ن���ا ت�لام��ـ��ـ��ـ��ذة ت�����أت����ي ف��ي�����س��ح��رن��ا ن��ث�ر و�أ����ش���ع���ـ���ـ���ار
املالمح الفنية
�أب����ي����ت ال���ل���ع���ن �إن احل�����ق ي��ع��ل��وا وال ي����ع����ل����ى ع����ل����ي����ه �إن ا����س���ت���ع���د و�أن ال��ب��اط��ل امل��غ��رور مهما عال ف��ـ��ـ��ـ��ي الأر������ض متك ـي ـ ـنـ ـاً ت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ردّى ويقول:
ت���وج���ت �آم�������ال ال���ق���ل���وب ب���وح���دة ك���ي���ف ي������دوم يف ال���دن���ي���ا ���ص�لاح يف ظ���ل���ه���ا ع���ل���م احل���������ض����ارة ي��خ��ف��ق �إذا ف����ق����دت ذوو الأل������ب������اب ر�����ش����داً
نتناول هنا بع�ض الأغ��را���ض التى تناولها ف�نراه يذهب �إيل �أغ��را���ض امل��دح والو�صف ثم ال ين�سى نائب رئي�س الدولة: لل�شهم را�شد من قواعد �صرحها واحلكمة:
املديح عند ال�شاعر
وهي غر�ض ال يق�صد ال�شاعر �إليه ق�صد ًا، لكنه ي��أت��ي م��ع ثنايا ق�صائده يحمل خربة العمر وت�أمل الفكر ،وهكذا ت�أتي احلكمة عنده طبيعية غري متكلفة ،يقول:
ويقول:
فالنا�س بالعلم �أحياء ف�إن خويت رك������ن ع���ل���ي���ه م����ن ال���ن�������ض���ارة رون����ق منه العقول ت�ساوى ال�صخر والب�شر
لقد �ساعد متكن �شاعرنا على �أن يبدع يف معظم جماالت ال�شعر و�أغرا�ضه ،ولذا ف�إنه ثم يذكر باقي �أع�ضاء املجل�س الأعلى و�أولياء ونختتم مقالتنا بالتنويه ب�أن �شاعرنا كان من ن��ادر ًا ما متر منا�سبة من املنا�سبات التي العهود: حماة اللغة العربية وله ق�صيدة بعنوان لغة مت�س �شعوره �إال ويقول فيها ق�صيدة جميلة ،بكما وبالأمراء ثم بنيكما القر�آن ،جاء فيها: ي���ح���ي���ا ال�����ب�����ن�����اء و�أه�������ل�������ه وامل�����وث�����ق تنقل ه��ذا ال�شعور وت�ترج�م��ه .ففي ذك��رى ل��غ��ة ال����ق����ر�آن ي���ا ���ش��م�����س ال��ه��دي العيد الوطني للدولة يدفعه حبه لبلده ليقول:
الطبيعة عند ال�شاعر
يزهو القري�ض به وي�سمو املنطق ع����ي����د ع����ل����ى ه��������ام ال�����ع��ل��ا ي����ت�����أل����ق �إح�سا�س ال�شاعر املرهف وال�شفافية التي
حتيط به جعلته قريب ًا من الطبيعة ،تهز ويرفع التقدير والعرفان لبناة هذا ال�صرح قلبه ن�سائمها .فالن�سيم عنده عبق ي�سري وهم رئي�س الدولة ونائبه و�أع�ضاء املجل�س ايل الف�ؤاد فينع�شه ويغذيه ،كما ي�سهم يف بعث الأفكار واخلواطر فيحركها: الأعلى ،يقول:
من الن�سيم �شذا يهن�أ ال��ف���ؤاد به ي��ا زائ���د اخل�ي�رات نهجك وا�ضح ون��ح��ن ع��ل��ى ط��ي��ب��ه �إذ ذاك اله��ي��ن��ا �����ص����اف ك���ن���ب���ع ال���ن���ه���ر �إذ ي��ت��دف��ق
���ص��ان��ك ال��رح��م��ن م���ن ك��ي��د ال��ع��دى ي����ا وع������اء ال����دي����ن وال���دن���ي���ا م��ع��ا ح�������س���ب���ك ال��������ق��������ر�آن ح���ف���ظ���ا و�أدا ب��������ل�����������������س��������ان ع�����������رب�����������ي ن�����ب�����ع�����ه م�����ا ال������ف������رات ال�����ع�����ذب �أو م�����ا ب���رد ق���ل���م���ا ق���������ادك ����ش���ي���ط���ان ال����ه����وا ل�����ل�����ردى جن������اك ����س���ل���ط���ان ال���ه���دى
إرهاصة 62 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
األديب الدبلوماسي منذ �أن مد ذراعه لي�صافحني ،ت�أكدت لدي الفكرة التي ك ّونتها عنه من قبل� :إنه رجل �صالونات من الطراز الرفيع، ثمة ات�ساق وا�ضح بني لغة ج�سده وما ينطق ل�سانه ،ات�ساق بدا يل مدرو�س ًا ،غري عفوي ،وقفته امل�شدودة يف بذلته الأنيقة ،ذراعه املمتدة بح�ساب ،كفه التي ت�صافح ،كلماته املت�أنية ،عيناه من خلف نظارتيه منحتاين �إح�سا�س ًا ب�أن مي�س الروح عندما ثمة من يراقبني ،ذلك ال�شعور الذي ّ تدق باب ًا في�أتيك من خلفه ال�صمت ،بينما ت�شعر �أن ثمة من يتابع من خلف العني ال�سحرية قبل �أن يقرر �إن كان �سيفتح لك �أم �سي�ستمر يف �صمته. وليد عالء الدين كان الكاتب الكبري حممد �سلماوي �ضيفي يف حفل توقيع كتابه �ضمن برنامج «تواقيع» ،وحتى تلك اللحظة ،مل �أكن �أملك ت�صور ًا ذاتي ًا عن �سلماوي القا�ص والكاتب امل�سرحي، فقد غلبت �صورته ك�صحايف ،خا�صة يف حواراته مع الأديب الكبري جنيب حمفوظ ،وكرجل ات�صال جماهريي ،وهو التخ�ص�ص ال��ذي ح�صل فيه على درج��ة املاج�ستري ،على ت�صوري ال�شخ�صي عنه ،وهو ما �أف�سد علي-فيما يبدو- رغبتي يف قراءة �أي من �أعماله الإبداعية ،واكتفيت مبتابعة الأخبار عن م�سريته الن�شيطة �سواء يف املنا�صب الر�سمية كوكيل ل��وزارة الثقافة� ،أو معاون لوزير الإع�لام� ،أو رئي�س لتحرير جريدة «الأه��رام �إبدو» ال�صادرة باللغة الفرن�سية، �أو يف املنا�صب �شبه الر�سمية ،ك�أمني ع��ام احت��اد الكتاب والأدباء العرب ،ورئي�س احتاد كتاب م�صر ،وبرباعته الفائقة يف ح�صد الأو�سمة الأوربية :و�سام التاج امللكي البلجيكي من امللك �ألبري الثاين بدرجة قائد ،و�سام اال�ستحقاق من الرئي�س الإيطايل كارلو ت�شامبي بدرجة �ضابط عظيم، وو�سام الفنون والآداب الفرن�سي بدرجة فار�س. يف ح���واري م�ع��ه ،ك��ان ��س�ل�م��اوي م��ن �ضمن � 20ضيف ًا التقيتهم ،الأكرث حر�ص ًا على �أن ي�أخذ مني ال�س�ؤال ،ثم يقدم الإجابة للجمهور ،كان يراقبني بعينيه �إىل �أن �أنتهي
من طرح �س�ؤايل ،ثم يلتفت بكامل انتباهه وهيئته �إىل اجلمهور ليمنحهم الإجابة ،معزز ًا �إجابته بلغة اجل�سد ومالمح الوجه ون�برة ال�صوت ،ك��ان الأداء هو �أه��م ما ميز �سلماوي ،ينقل باحرتاف م�شاعره عرب تغيري و�ضعية ج�سده والتفاتة وجهه وتعبريات عينيه. مدفوع ًا بت�صوري اخلا�ص عنه ك�أديب دبلوما�سي ،منفتح يف عالقاته مع الآخر الثقايف ،دارت معظم ت�سا�ؤالتي له يف فلك العمل الثقايف العام و�صورتنا لدى الآخر الغربي، وم�صادرها ،وكيفية تغيريها ،وطبيعة الدور الذي ينبغي القيام به يف هذا ال�صدد. كنت حلوح ًا يف حماولة رده �إىل م�ساحة الفعل ال احللم، معتقد ًا �أن للأدباء واملثقفني وال�شعراء احلق يف احلديث عن احللم طاملا مل ميتلكوا �صالحيات الفعل� ،أو مل تتح لهم فر�صة �شغل منا�صب ذات �صلة بتطبيق هذا احللم، فاكتفوا بالتعبري عن �أحالمهم ور�ؤاه��م يف كتاباتهم �أو نقا�شاتهم العامة. قادتني حم��اوالت��ي تلك �إىل �أن �أو��ض��ح ل�ضيفي �أ�سباب رف�ضي االكتفاء بالأحالم من حممد �سلماوي« :،ل�ست �أ�س�ألك الآن بو�صفك مثقف ًا و�أدي�ب� ًا فح�سب» ،قلت له، و�أ�ضفت �« :إمنا �أ�س�ألك ك�صاحب قرار يف م�ؤ�س�سات ذات �صبغة �شبه ر�سمية ،وبو�صفك كنت «رجل دولة» ف�أنت قادر على اقرتاح خطة عملية تراعي ما ال يراه الآخرون». مل �أكد �أكمل �س�ؤايل حتى ب��ادرين الكاتب الكبري بنظرة جنح يف تعبئتها باملعنى ،وقال بعد �أن التفت �إيل بوجهه: «�س�ؤالك جيد ،و�أفهمه بو�ضوح ،ولكن ما مل �أفهمه يف �س�ؤالك هو و�صفك يل برجل دولة! ما الذي تق�صده بذلك؟» �أو�ضحت له مق�صدي ،وذ ّك��رت��ه ب�أنه ك��ان وكي ًال ل��وزارة الثقافة امل�صرية ومعاون ًا لوزير الإعالم ،وعلى ق�صر مدة عمله يف كل من الوظيفتني� ،إال �أنهما –كتجربة -يحمالن داللة ،كما �أنهما مينحانه ما �أق�صده من غنى يف اجلمع
بني �أحالم املبدعني وقدرات الر�سميني. بدا �سلماوي م�صر ًا على دفع تهمة «رجل الدولة» عنه ،التفت �إىل اجلمهور كعادته، مو�ضح ًا �أن توليه كال املن�صبني كان لفرتات ق�صرية وكانت لكل منهما ظروفه اخلا�صة. وع��رج يف نهاية ك�لام��ه على ذك��ر رواي�ت��ه الأخ�يرة التي ق��ال �إن��ه تنب�أ فيها ب�أحداث الثورة امل�صرية! ت��وا��ص��ل احل� ��وار ال ��ذي اح�ت�ف��ظ �سلماوي خ�لال��ه بلباقته ودب�ل��وم��ا��س�ي�ت��ه �إىل �آخ��ر حلظة ،وعندما ح��ان دوري يف احل�صول على ن�سختي املوقعة من كتابه ،الحظت �أنه ق��ام ب�شطب ا�سمه املطبوع على الغالف ال��داخ�ل��ي للكتاب قبل �أن ي�سجل كلمات �إهدائه يل ،غلبني ف�ضويل كالعادة ،وكنت ممتلئ ًا م��ا زل��ت ب�سخونة احل ��وار .مل��اذا ت�شطب ا�سمك من على الغالف؟ �س�ألته، فقال �إن حفالت توقيع الكتب عادة �أوربية يف الأ��س��ا���س ،ومل نح�سن نحن العرب – حتى الآن -القيام بها ،و�أو�ضح يل �أن يف �شطب امل��ؤل��ف ا�سمه املطبوع وا�ستبداله بتوقيعه ال�شخ�صي داللة على �أن الكتاب ُمهدى بالفعل من م�ؤلفه للقارئ ،بينما – كنت �أهديك كتاب ًا والكالم ل�سلماوي� -إذا ُ �آخ��ر لي�س م��ن م��ؤل�ف��ات��ي ،ف�إنني �س�أقوم بكتابة �إهداء لك يف املكان نف�سه ،لكن من دون �أن ا�شطب على ا�سمي .كان �صديقي الكاتب والت�شكيلي حممد املزروعي يتابع حوارنا بف�ضول يف انتظار احل�صول على ن�سخته املوقعة ،فما كان منه �إال �أن �صاح ب�سعادة« :يابن الإيه ،كنت هموت و�أعرف هو ليه بي�شطب على ا�سمه!». يف ذل��ك ال�ي��وم� ،أك��رم�ن��ي الكاتب الكبري حم�م��د ��س�ل�م��اوي بن�سخ م��ن امل�ت��وف��ر من م�سرحياته وبروايته اجل��دي��دة ،وبكتاب حواراته مع الرائع جنيب حمفوظ ،قر�أت م��ا تي�سر يل م�ن�ه��ا ب�ع��د ذل ��ك ،وع��رف��ت جوانب �أخ��رى �أ�ضيفت –بال �شك� -إىل �صورته يف ذهني ،قد ت�ساعدين يف معرفة �أ�سباب جن��اح ه��ذا الأدي��ب الدبلوما�سي الذي يهتم كثري ًا بالتفا�صيل
ارتياد اآلفاق 64 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
ين�شر هذا الباب بالتعاون مع املركز العربي للأدب اجلغرايف «ارتياد الآفاق» �أبوظبي -لندن ،الذي يرعاهال�شاعر والباحث الإماراتي حممد �أحمد ال�سويدي .
ملاذا ال ت�ستطيع ا�ستعادة مكانتها التاريخية؟
تنبكتو ..
أم مدائن السودانيين في العلم والحضارة وفي العمران والتجارة
د.حممد ولد عبدي
�شاعر وباحث من موريتانيا
«�إن من يكتب عن تنبكتو البد �أن ت�أخذه نوبة من التنهدات»
بوفيل
حني يذكر ا�سم تنبكتو تتداعى يف املخيلة �صور املا�ضي امل�شرق ،وتزدحم الذاكرة بالتاريخ ،مدينة تختزل كل �سرية ال�سودان الغربي ،وت�شهد على �أحكامه وحكامه ،حتكي �صعود دوله و�سقوط �إمرباطورياته ،حتت�ضن تعدد �أجنا�سه و�أعراقه وحوار لغاته وثقافاته ،وقبل هذا وذلك تنتف�ض من الذاكرة منارة ثقافية �أ�ضاءت لقرون كل القارة الأفريقية وامتد �إ�شعاعها �إىل اجلهات الأربع وخ�صو�صاً �إىل احلوا�ضر الإ�سالمية الكربى.
فقد كانت «عالقاتها الثقافية وطيدة مع مدن ال�شمال وم�صر واملدن املزدهرة ثقافي ًا مثل فا�س وال��ق�يروان وغدام�س وجامع الزيتونة وجامعة الأزهر» د.عطية خمزوم الفيتوري: درا���س��ات يف تاريخ �شرق �أفريقيا� ،ص291 ط 1998- 1-جامعة قاريون�س -بنغازي - وذل��ك مبا �صدّرت جامعتها وجوامعها من علماء �أجالء ،ومبا ا�ستقطبت من طالب علم نهلوا منها ،فعادوا �إىل �أوطانهم يلهجون مبا لها من مزايا ومالها من زواي��ا بل ومبا لها من �أ�سواق بو�أتها املركز التجاري الأول يف كل القارة� ،إذ هي مكان التقاء من ي�سافر على الياب�سة ومن ي�سافر على املاء ،لأنها «تقع يف ح��دود ال�صحراء وعلى ال�ساحل ال�سوداين على مقربة من مورد واقع يف �أق�صى ال�شمال ال�سوداين وبذلك فهي مر�سى القوافل التي كان ينهكها عبور ال�صحراء ،ومن جهة �أخرى فهي تقع يف منتهى الدلتا امل��رك��زي��ة لنهر النيجر من حيث تتلقى م�ؤونتها ،فبف�ضل
هذا النهر الذي يعرب �أفريقيا من الغرب �إىل ال�شرق تعترب مرف�أ كبري ًا يرتبط مع �أق�صى اجلهات من ال�سهوب ال�سودانية»� -سيكني مودي �سي�سوكو :نزعة تنبكتو يف وحدة العامل الأفريقي �ضمن الثقافة الأفريقية :ملتقى اجلزائر يوليو 1969-فمن هذ ين التيارين الكبريين :ال�سودان وامل��غ��رب كانت تنبكتو تكت�سب �أهميتها ومنهما كان النا�س يفدون �إليها «ملبادلة امللح والتمور وال�سلع املحمولة من املغرب ،يف مقابل احلبوب وجوز الكوال وتراب الذهب من ال�سودان» -بوفيل :جتارة ال��ذه��ب و���س��ك��ان امل��غ��رب ال��ك��ب�ير ���ص 159 ترجمة د .الهادي �أبولقم ود .حممد عزيز ط 2-جامعة قاريون�س – بنغازي. �إن هذه ال�صورة امل�شرقة التي تتداعى حني ذكر هذه املدينة ال تنجلي مالحمها كاملة �إال �إذا حفرنا بعيد ًا يف الذاكرة على ال�صعيدين التاريخي واحل�ضاري .لذا ف�إن هذا البحث ينق�سم �إج��رائ��ي�� ًا �إىل حم���اور ث�لاث��ة ه��ي: تنبكتو وال�سياق التاريخي ،وتنبكتو واملنجز احل�ضاري ،وتنبكتو يف مرايا الرحالة.
�أو ًال -تنبكتو وال�سياق التاريخي
تعد تنبكتو مفتاح ًا مركزي ًا لتاريخ ال�سودان ال��غ��رب��ي ،فلقد ���س��اي��رت خمتلف �أح��ك��ام��ه وعك�ست حتوالته ازده���ار ًا وانحطاط ًا ،لذا يكفي امل���رء تتبع تاريخها حتى ينجلي له تاريخ املنطقة ب�أ�سرها ،فلقد تغريت القوى
امل�سيطرة عليها م��رات ع��دي��دة� ،سيطرت عليها �إم�براط��وري��ة م��ايل ،فبدو ال��ط��وارق، ف���إم�براط��وري��ة �صنغاي ،ف��امل��غ��رب و�أخ�ي�ر ًا فرن�سا عندما احتلت كافة املنطقة -املو�سوعة العربية العاملية ج� 7ص 185ط 2-م�ؤ�س�سة املو�سوعة للن�شر والتوزيع. لقد كان تاريخ ال�سيطرة على تنبكتو خطوة حا�سمة لب�سط النفوذ على املنطقة ودلي ًال ق��وي�� ًا على م��دى متكن ق��وة م��ن دون �أخ��رى ونفوذ �سلطان من دون غرميه .فكيف ن�ش�أت ه��ذه املدينة وكيف جتلت �أهميتها تلك يف الف�ضاء اجليو�سيا�سي العام؟
�أ -تنبكتو :الن�ش�أة والت�سمية
يف مطلع القرن احلادي ع�شر وعلى �ضفاف بئر تبعد ب�ضعة �آالف من الأق��دام عن �ضفة نهر النيجر مت��رك��زت قبيلة م��ن ال��ط��وارق ت��دع��ى «امي��غ��را���ش��ن» ك��ان��ت ه���ذه القبيلة تتخذ ه��ذا امل��ك��ان م�شتى لها حتى �إذا ما ح�� ّل ال�صيف ع��ادت �إىل مرابعها الأ�صلية
ارتياد اآلفاق 66 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
عمرانية وح�ضارية ومل حتقق ذل��ك �إال مع قيام االمرباطورية املالية. جدير بالذكر �أن هناك اختالف ًا يف حتديد �سنة �إن�شاء هذه املدينة فمن امل�ؤرخني من ي��رى �أن ذل��ك ك��ان �سنة 1080م ومنهم من ي��رى �أن���ه ك��ان �سنة 1087م ،ان��ظ��ر حممد عبدالرحمن �سواملية :تنبكتو جوهرة تغمرها الرمال �ص 38وحممد عبدالفتاح �إبراهيم: �أفريقية �ص .104
2012
ب -تنبكتو والإمرباطورية املالية
خريطة لتنبكتو ت�ستند �إىل زيارة هايرني�ش بارت لها عام 1853
يف «�أروان» ،تاركة بع�ض �أثقالها يف خمازن وبيوت حتت حرا�سة عجوز تدعى «بكتو» ومن هذه الأخرية �أخذت املدينة ا�سمها «تني بكتو» �أي مكان �إقامة «بكتو» ،ومع مرور الزمن ما لبث هذا املكان �أن لفت انتباه بع�ض التجار وعقدوا فيه �سوق ًا واتخذوا فيه م�ستودعات للب�ضائع -د.عبدالقادر زبادية :القرن 16 وح��رك��ة التعليم يف متبكتو :جملة امل����ؤرخ العربي – العدد 4ال�سنة 1980م �ص . 208 وي��رج��ع م���ؤرخ��و ال�����س��ودان الف�ضل يف ن�ش�أة وازدهار تنبكتو �إىل جتار املغرب الذين نقلوا �إليها بع�ض جتارتهم و�شرعوا يف عمارتها - د .حممد الغربي :بداية احلكم املغربي يف
ال�سودان الغربي �ص - 573وكانوا يف الأول «يقيمون يف خيم يبلغ عددها 1100خيمة ثم ب��د�أت هذه اخليم تتحول �إىل �أك��واخ من الأع�شاب ،ثم حتولت �إىل م�ساكن �أطول دوام ًا مبنية من الآجر املجفف بال�شم�س» -بوفيل: املرجع نف�سه �ص - 159ولعل ه��ذا التطور املتالحق عائد �إىل وجودها بالقرب من نهر �صالح للمالحة مير بق�سم كبري من ال�سودان الغربي مما �أعطاها مزية عظيمة تتفوق بها على الأ�سواق املجاورة التي �صارت جتارتها تتحول تدريجي ًا �إليها -بوفيل :املرجع نف�سه �ص - 160غري �أن تنبكتو يف هذه املرحلة مل تبلغ م�ستوى املدينة بكل ما حتمله من دالالت
يف مطلع القرن الثالث ع�شر وبعد �صراع ع��ن��ي��ف ب�ي�ن ق��ب��ي��ل��ت��ي ال�����س��و���س��و وامل���ان���دع Mandigueق��ـ��ام��ت �إم�ب�راط���وري���ة م��ايل بزعامة امل��ل��ك �ساندياتا كيتا Sundiata Katiaوب�سطت نفوذها على جمال طبيعي وا�سع ميتد من املحيط الأطل�سي غرب ًا �إىل ب�لاد ك��امن وال�برن��و وال��ه��و���س��ا ���ش��رق�� ًا ،ومن غابات ال�سافانا جنوب ًا �إىل ال�صحراء الكربى �شما ًال -عطية خم��زوم الفيتوري :درا�سات يف تاريخ �شرق �أفريقيا �ص 261-وقد قام �سوندياتا بنقل عا�صمته من مدينة جريبة - Jeribaهي الق�سم الأعلى من مدينة باماكو احلالية� -إىل بلدة نياين املجاورة ،وا�ستمرت جيو�شه يف التو�سع خا�صة يف الغرب �إىل �أن و�صلت نهر غامبيا وب�لاد التكرور -نوفيل: املرجع نف�سه �ص .156 وبعد وفاته �سنة 1255م خلفه ابنه الأك�بر من�سي علي «1270 - 1200م» ال���ذي قام
مدينة الأولياء الـ 333
عٌ رفت تنبكتو ،املدينة التي �أ�س�ستها قبائل من الطوارق يف �شمال مايل يف القرنني احلادي والثاين ع�شر ،بـ«مدينة الأولياء الـ ،»333وكانت مركزاً ثقافياً �إ�سالمياً ومدينة جتارية مزدهرة تعربها القوافل التجارية. وقد �أعلنتها اليوني�سكو �ضمن الئحة الرتاث العاملي املهدد باخلطر ،وحذرت املجتمع الدويل من املخاطر املحدقة بها، م�شرية �إىل �أنها ت�ضم 16مقربة و�ضريحاً تعد من املكونات الأ�سا�سية للنظام الديني حيث �أن��ه��ا ،ح�سب املعتقدات ال�شعبية ،كانت ح�صناً يحمي املدينة من كل املخاطر. وا�شتهرت تنبكتو �أي�ضا بع�شرات �آالف املخطوطات التي يعود بع�ضها �إىل القرن الثاين ع�شر ،والبع�ض الآخر �إىل ما قبل الإ�سالم ،ومتلك معظمها كربى عائالت املدينة التي
تعتربها من الكنوز الثقافية ،ونقلت نحو ثالثني �ألفاً من تلك الوثائق التي متلكها امل�ؤ�س�سة احلكومية لإيداعها يف مكان �آمن بعد عمليات �إتالف تعر�ضت لها يف وقت قريب. وح��ت��ى م��ث��ول امل��ج��ل��ة للن�شر ،ت��ن��اق��ل��ت وك����االت �أن���ب���اء �أن �أن�صار جماعة �أن�صار الدين� ،إح��دى املجموعات امل�سلحة التي ت�سيطر على �شمال م��ايل ،ب��د�أت يف تدمري �أ�ضرحة الأولياء امل�سلمني يف املدينة ،حيث ت�أكد قيامهم بتدمري ث�لاث��ة �أ���ض��رح��ة على الأق���ل لأول��ي��اء م�سلمني يف تنبكتو م�ستخدمني �أزاميل ومعاول ،معلنني �أنهم �سوف يدمرون جميع الأ�ضرحة بال ا�ستثناء ،والأ�ضرحة الثالثة التي تعر�ضت للهدم تعود �إىل �سيدي حممود ،و�سيدي املختار، والفا مويا.
ب�����أداء فري�ضة احل��ج وزار م�صر يف عهد ال�سلطان بيرب�س الذي حكم م�صر �سنوات «678 – 658هـ» 1277 – 1260« -م» وبعده ت��وىل احلكم �سبعة �أب��اط��رة ك��ان �أعظمهم القائد �ساكورا «1300 – 1282م» الذي �أنقذ االمرباطورية من االنهيار وحج بدوره يف �أيام ال�سلطان النا�صر حممد بن قالوون «- 693 741هـ =1341 – 1293م» لكنه اغتيل يف ط��ري��ق ع��ودت��ه -ان��ظ��ر الئ��ح��ة م��ل��وك م��ايل وتواريخهم يف� :أح��م��د ال�شكري :الإ���س�لام واملجتمع ال�سوداين� :إمرباطورية مايل �ص 184ط1999 1-م املجمع الثقايف� :أبوظبي. ولقد بلغت �إمرباطورية م��ايل قمة جمدها وقوتها مع اعتالء من�سي مو�سى �سدة العر�ش �سنة 1307م فلقد ا�ستطاع قواده فتح مدينة تنبكتو و«والت��ه» وا�ستطاع هو ال�سيطرة على احلكم املركزي بكافة م�ؤ�س�ساته ال�سيا�سية والع�سكرية ،ويف عهده انت�شرت �شهرة مايل يف املغرب وامل�شرق بل ويف �أوروبا ،ويعود ذلك يف الأ�سا�س �إىل رحلة حجه امل�شهورة -عن تفا�صيل هذه الرحلة من خمتلف امل�صادر ان��ظ��ر :اح��م��د ال�شكري :امل��رج��ع نف�سه �ص � - 259 - 244سنة 1324م فقد كانت الأبهة والفخامة التي رافقت تلك الزيارة قد �أثارت من امل�شاعر يف القاهرة والأماكن الأخرى التي �شاهدت م��رور قافلته الرائعة ما جعل ا�سم ملك م��ايل ي�تردد يف ج��زء وا�سع من العامل املتمدن -بوفيل :املرجع نف�سه �ص .157 ويذكر بوفيل �أنه من املحتمل �أن يكون قد مر عن طريق وارغله Warglaومن هناك �سار على طول �ساحل �سرت وبذلك �أتيحت الفر�صة للتجار القادمني من �أجزاء عديدة من �أوروبا بق�صد امل��ت��اج��رة م��ع �أفريقيا �أن ي�شاهدوا البهاء الذي يرافق �سفره قبل و�صوله القاهرة بوفيل :املرجع نف�سه �ص .175وجتمع امل�صادر �أن ال�سلطان من�سي مو�سى �أثناء �إقامته مب�صر كان كرمي ًا ج��واد ًا كثري ال�صدقة والرب. وبعد �أن مكث يف القاهرة قرابة خم�سة �أ�شهر توجه �إىل البالد املقد�سة -املقريزي :العرب ج� 5ص - 932و�أدى فري�ضة احلج ثم عاد
رينيه كاليه� -أول زائر غربي لتنبكتو
�إىل بالده حام ًال معه العديد من كتب املالكية وحمم ًال بالذكرى املذهلة التي احتفظ بها ع��ن ال��ق��اه��رة وامل���دن ال��ت��ي م�� ّر ب��ه��ا ،ولهذا ا�صطحب معه ال�شاعر الغرناطي �أبا �إ�سحاق ال�ساحلي امل��ع��روف بالطويجن ال���ذي كان يح�سن �إىل جانب ال�شعر الهند�سة املعمارية هو �إبراهيم بن حممد الأن�صاري ال�ساحليامل�شهور بالطويجن كان �أبوه �أمني العطارين بغرناطة– وق��د ترجم له ل�سان الدين بن اخلطيب يف الإحاطة ترجمة وا�سعة :انظر: حتقيق د .التازي لرحلة ابن بطوطة ج� 4ص 264الهام�ش .92 وما �إن حل الركب امللكي بتنبكتو حتى دخلت ه��ذه امل��دي��ن��ة ت��اري��خ�� ًا عمراني ًا وح�ضاري ًا ج��دي��د ًا ،ف��ب��د�أ ال�شاعر املهند�س يف بناء ق�صر وم�سجد من الآج��ر امل�شوي ووجدت الكتب طلبة و�أ���س��ات��ذة ينتظرونها وب��د�أت املدينة تدخل عهد ًا جديد ًا على امل�ستويني العلمي والتجاري. فعلى امل�ستوى الأول :بد�أ العديد من علماء «والت��ه» خا�صة من قبيلتي �إجدالة وم�سوفة
كان على تنبكتو أن تنتظر زمن ًا لنقل صورتها بشكل أكثر دقة وإشراق ًا مع الرحالة المغربي الحسن بن الوزان المعروف بـ «ليو األفريقي»
يتوافدون عليها لغر�ض ال�سكن مما �أك�سبها �شهرة علمية مميزة �ستظل يف اط��راد عرب العهود الالحقة. �أم���ا على امل�ستوى ال��ث��اين فقد ا�ستحوذت على جت��ارة امل��دن املجاورة وخا�صة «والت��ه» فقد �أ�صبحت تزخر بالب�ضائع القادمة من ال�شمال كالأقم�شة واحلرير الفاخر والتوابل والنحا�س الأحمر والتي تتم مبادلتها بذهب م��ايل والأمل��ا���س والعاج وري�ش النعام وامللح وغ�يره��ا -حم��م��د ع��ب��دال��رح��م��ن ���س��وامل��ي��ة: املرجع املذكور �ص « - 40مما جعلها �أهم �سوق يف الق�سم الداخلي من �أفريقيا و�أهم م�ستودع للترب �أو غبار الذهب ،وتوجهت �إليها التجارة من جميع الأنحاء ،من درعة� ،سو�س، �سجلما�سة ،فا�س ،توات ،غدام�س ،فزان وكذا من م�صر» -بوفيل :املرجع نف�سه �ص .161 ومما زاد من ازدهار تنبكتو يف هذه احلقبة ما �شهدته العالقات املالية املغربية من ازدهار على امل�ستويني الر�سمي وال�شعبي ،متثل يف ت��ب��ادل ال�سفارات وح�سن اجل���وار وال�سعي احلثيث م��ن اجلانبني امل�يرين واملانديجي لت�أمني ط��رق التجارة وتبادل الهدايا على نحو �شجع الكثريين على ال�سفر وتعرف �أبناء القطرين كل منهم على و�ضعية الآخر، وخا�صة يف تنبكتو -حممد املغربي :املرجع نف�سه �ص - 51الأم��ر ال��ذي بو�أها يف ذلك العهد مكانة املدينة الأوىل للعلم والثقافة يف ال�سودان الغربي كله مما �سوف نف�صل فيه القول الحق ًا ،وجعل كثري ًا من امل�ؤرخني ي�صفها ب���أم م��دائ��ن ال�سودانيني ���س��واء يف العلم واحل�ضارة �أو يف العمران والتجارة -د. عبدالقادر زيادية :املرجع نف�سه �ص.209
ج -تنبكتو حتت حكم الطوارق وال�سنغاي
يف �أواخ��ر القرن الرابع ع�شر امليالدي بد�أ ال��وه��ن وال�ضعف ي��دب يف �أو���ص��ال مملكة مايل وبد�أت تفقد �شيئ ًا ف�شيئ ًا �سيطرتها على الأقاليم التابعة لها .وبعد هجمات عديدة ومتتابعة ا�ستطاع ال��ط��وارق ال�سيطرة على مدينة تنبكتو وذل��ك �سنة 1434م -دائ��رة
ارتياد اآلفاق 68 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
الكثري من الآثار ما زالت يف حاجة للك�شف يف مايل
املعارف الإ�سالمية ج� 27ص .8248 مل تغري ه��ذه ال�سيطرة يف البداية �شيئ ًا يف حياة املدينة ،بل �أراد الطوارق �أن يحتفظوا بها كما هي ،حتى �إنهم �أبقوا نائب ًا عنهم يف حكمها «الكوي» « »Koiالذي كان يتوىل �أمرها من قبل مايل ،ولكن بعد وفاته عمت الفو�ضى وكرث النهب وفر الكثري من علمائها وجتارها �إىل م��دي��ن��ة «والت�����ه» -حم��م��د ع��ب��دال��ف��ت��اح �إبراهيم :املرجع نف�سه �ص ،110الأمر الذي دفع �سكان املدينة وعلى ر�أ�سهم القائد «عمار» نائب الطوارق �إىل اال�ستنجاد مبلك ال�سنغاي «ال�سني علي» لتدخل بذلك املدينة ف�ص ًال جديد ًا من اال�ضطراب بعد �أن ق�ضت خم�سة وثالثني عام ًا حتت حكم الطوارق -حممد عبدالرحمن �سواملية :امل��رج��ع نف�سه .41 كان امللك ال�سني علي «� »1494 - 1464أقوى ملوك ال�سنغاي منذ ا�ستقاللها عن مملكة مايل �سنة 1336م وكان قوي ًا جبار ًا ماكر ًا، وق��د تقبل م��ا عر�ضه عليه نائب ال��ط��وارق يف تنبكتو ف�سار �إليها وحا�صرها �سنة 1468م -حممد عبدالفتاح �إبراهيم :املرجع نف�سه
كانت تنبكتو مثل المضخة تمتص وتنفث دوري ًا الناس والبضائع واألفكار في جميع اتجاهات القارة األفريقية �ص - 111فدخلها وبادر �إىل تخريبها وغ ّرب علماءها والحقهم بالقتل واتخذ بناتهم جواري له -د .حممد الغربي :املرجع نف�سه �ص .54 غري �أنه يف �سنة 1493م تويف هذا الطاغية فتنف�س النا�س ال�صعداء ،وزاد من فرحهم �أن تبع موته انقالب �أطاح بالأ�سرة احلاكمة وذلك بقيادة �أحد قادة اجلي�ش وهو حممد بن �أب��ي بكر التوري امللقب باال�سكيا احلاج حممد ،ون�صب نف�سه ملك ًا ويف عهده وعهد �أ�سرته �ستعرف تنبكتو ع�صرها الذهبي.
د -تنبكتو حتت حكم �أ�سكيا
كان الأ�سكيا حممد من �أعظم ملوك �سنغاي،
ورع��� ًا ع���اد ًال� ،شهدت يف عهده ال��ب�لاد كلها الأمن واال�ستقرار. يقول عنه امل���ؤرخ عبدالرحمن ال�سعدي وقد «ف��رج اهلل به على امل�سلمني الكروب و�أزال ب��ه عنهم ال��ب�لاء واخل��ط��وب ،حيث اجتهد يف �إقامة ملة الإ�سالم و�إ�صالح �أم��ور الأنام و�صاحب العلماء وا�ستفتاهم فيما يلزمه من �أمر احلل والعقد وميز احللق» -عبدالرحمن ال�سعدي :تاريخ ال�سودان �ص .73ويف عهده وعهد خلفائه عرفت تنبكتو ازده��ار ًا كثري ًا على امل�ستويني العلمي واالقت�صادي ،وتو�سعت حتى ت�ضاعفت م�ساحتها و�أح��ي��ط��ت ب�سور وانتظمت �شوارعها وازدانت ن�سبة كبرية من بيوتها بواجهات تربطها �إىل حيطان البيوت �سياجات و�أخذت �أ�سواقها طابعها الإ�سالمي د.عبدالقادر زبادية :املرجع نف�سه �ص.208�أما على امل�ستوى العلمي فقد عرفت تنبكتو يف عهد الأ�سكيا ازدهار ًا كبري ًا ،فن�شطت احلركة الثقافية وات�سع التعليم اجلامعي وب��د�أ علماء ال�سودان يف الإن��ت��اج العلمي بعد �أن جت��اوزوا مرحلة اال�ستيعاب والتكوين ،وك���ان علماء
امل��غ��رب ي���أت��ون للجلو�س معهم يف اجل��وام��ع وم�ؤ�س�سات التدري�س وللتوطن يف املدينة -من بني العلماء الذين جاءوا يف ذلك العهد كل من: حممد بن عبدالكرمي املغيلي و�سيدي يحيى التاديل وخملوف البلبايل و�إبراهيم الزلفي و�شيخ ال�شيوخ القا�ضي حممد الكابري .انظر عبدالرحمن ال�سعدي ���ص 45- 21وك�ثرت اخلزائن العلمية باجللب واال�ستن�ساخ وامتزج الإ�سالم بالتجارة على نحو غريب – د.حممد الغربي :املرجع نف�سه �ص .60 غري �أنه بعد موت الأ�سكيا حممد بد�أت مملكة �سنغاي ت�سري نحو قدرها وتنزلق نحو التفكك والف�ساد �سنة بعد �أخرى ،وتواىل على احلكم �ستة ملوك مل ي�ستطيعوا ال�سيطرة على زمام اململكة ،فبد�أت الفو�ضى تعم وبد�أت تنبكتو تتدهور مما هي�أ الظروف للحملة املغربية على ال�سودان الغربي.
هـ -تنبكتو حتت احلكم املغربي
ت��ع��ود ال��ع�لاق��ات امل��غ��رب��ي��ة م��ع ب�ل�اد غ��رب �أفريقيا �إىل �أيام الفتح الإ�سالمي الأوىل، وظلت تلك العالقات يف اط��راد متزايد، ت��ع�����ض��ده ال��ع��ق��ي��دة وال��ث��ق��اف��ة وال��ت��ج��ارة وال���ع�ل�اق���ات ال��دب��ل��وم��ا���س��ي��ة وال�����ص�لات االجتماعية ،غري �أنها يف العهد ال�سعدي �أخذت طابع ًا �آخر متثل يف البعد ال�صدامي انتهى بعد �صوالت وجوالت �إىل ب�سط النفوذ املغربي على غالبية ال�سودان الغربي. وب��غ�����ض ال��ن��ظ��ر ع���ن ال���دواف���ع والأ���س��ب��اب امل��ب��ا���ش��رة ال��ت��ي ت��ق��ف ال��ع��وام��ل ال�سيا�سية واالقت�صادية يف مقدمتها ،مم��ا �أفا�ضت كتب التاريخ يف تف�صيله -ملعرفة �أ�سباب وظروف ونتائج احلملة املغربية على مملكة
جامع �سنكرى -تنبكتو
نظر الراغبون في اكتشاف عالم غربي أفريقيا إلى تنبكتو باعتبارها مفتاح حضارته وموطن تشكلها �سنغاي يراجع كتاب :د.حممد الغربي :بداية احلكم املغربي يف ال�سودان الغربي -ف�إن ه��ذه احلقبة ال��ت��ي ب���د�أت �سنة 1591م قد �شهدت فيها مدينة تنبكتو تطورات عديدة و�أحداث ًا تاريخية حا�سمة تعترب يف تفا�صيلها مادة غنية تغري الباحث التاريخي �سواء يف عالقة �سكانها باجلي�ش املغربي بقيادة ج�ؤذر با�شا� ،أو يف موقف بع�ض علمائها وخ�صو�ص ًا علماء �أ�سرة �آل �أقيت من احلملة ال�سعدية د.حممد الغربي :املرجع نف�سه �ص 328 وغ�ير ذل��ك مم��ا ال تهتم ه��ذه املداخلةبتفا�صيله ،بغ�ض النظر عن ذلك كله ف�إن م��دي��ن��ة تنبكتو ق��د ���ش��ه��دت يف ظ��ل احلكم املغربي ازدهار ًا كبري ًا يعرب عنه حممود كعتو يف كتابه تاريخ الفتا�شي بقوله «قد جرب اهلل ك�سر تنبكتو وجمع �شملها وعمرها و�أفا�ض ال�برك��ة يف ب��ره��ا وب��ح��ره��ا يف �أوائ����ل دول���ة جي�ش موالنا �أحمد و�أك�ثر اخلري فيها حتى كاد النا�س ين�سون دولة �سنغاي» -حممود
كعتو :ت��اري��خ الفتا�شي يف �أخ��ب��ار البلدان واجليو�ش و�أك��اب��ر النا�س �ص - 51حتقيق هودا�س وبونوا ط - 1964 - 1باري�س. ومل تلبث تنبكتو �أن احتلت يف العهد املغربي الدرجة الأوىل من بني مدن ال�سودان وذلك عندما ح��ول��وه��ا عا�صمة �إداري����ة للأقاليم ال�سودانية ،وا�ستمر و�ضعها ال��ع��م��راين يف التطور فكانت حمايتها من الأخطار اخلارجية وتزويدها بكل �ضروريات احلياة احل�ضرية من �أبرز ما اجتهد املغاربة يف حتقيقه ،وكان �سور املدينة �أكرب �ضمانة يف ذلك. ومل يقت�صر التطور على احل��ي��اة الإداري���ة واالق��ت�����ص��ادي��ة وح�سب و�إمن���ا ط��ال احلياة ال��ث��ق��اف��ي��ة ف��ل��ق��د ح��ظ��ي ال��ت��ع��ل��ي��م ب��ن��وع من التنظيم والعناية مل يكن يعرفهما من قبل، ومل تعد امل��دار���س وقف ًا على �أب��ن��اء العلماء �أنف�سهم وال على عدد قليل من الطلبة ينفق القا�ضي عليهم من الوقف �أو من مداخيله املحدودة ،كما كان احلال من قبل ،بل �أ�صبح التعليم بجميع �أط����واره مفتوح ًا �أم���ام كل راغب يف حت�صيله واجللو�س له ،وتكفلت الإدارة املغربية ب�أمكنة التعليم ورجاله وبالطلبة الأغ����راب -نقوال زيادة� :أفريقيات �ص 350 ط1991 – 1م دار ريا�ض الري�س – لندن .وعرف
ارتياد اآلفاق 70 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
�أحد �أبناء الطوارق يقف �إىل جوار اجلامع الكبري يف تنبكتو
التعليم يف العهد املغربي الطابع املنهجي لأول
م��رة ،فتعددت �أغرا�ضه وظهر العديد من جامع سنكري كان كالجامعة يفد إليه امل�ؤرخني وال�شعراء والرحالة. ولقد ظ َّ��ل ال�سلطان املغربي هو ال��ذي يعني كافة أبناء القارة ممثله يف املدينة �إىل غ��اي��ة 1612م ومنذ األفريقيةلطلبالعلم
ذلك التاريخ بد�أت ال�سلطة املركزية تتخلى �شيئ ًا ف�شيئ ًا عنها بل عن ال�سودان كله مما جعل �أفراد اجلي�ش املغربي وخ�صو�ص ًا القائد حممد بن احل��اج ال�شيوكي يعلن االنف�صال ر�سمي ًا عن املغرب وذلك �سنة 1657م. وبعد ه��ذا ال��ت��اري��خ �أ�صبحت املدينة حمط �أط��م��اع الكثريين ،وذل��ك ل�ضعف �سلطاتها املتبدّلة من حكم الأرما « Armaبقية اجلي�ش املغربي» �إىل الطوارق �إىل امللونني �إىل قبيلتي كنة والربابي�ش -قبيلتني عربيتني من بالد �شنقيط -الأمر الذي مهد الظروف لالحتالل الفرن�سي �سنة 1893م.
ولقد �ساعدت عوامل كثرية يف �إك�سابها ذلك الرثاء ،فهي كما �سبقت الإ�شارة ملتقى جهات عدة وهمزة و�صل بني العامل العربي و�أفريقيا ال�سوداء ،فلقد كان «التجار القادمون �إليها من ال�شمال ي�سلكون ث�لاث ط��رق متما�شية مع ث�لاث نزعات ح�ضارية عربية بربرية، فكان الغرب يوفد �إليها جتار مراك�ش وفا�س وال���ق�ي�روان وت����وات وال�����ش��رق جت���ار القاهرة وطرابل�س وغدام�س ،كما كانت ال�صحراء توفد �إليها �سكان �شنقيط وتي�شيت ووالت��ه وودان، ورج��ال املناجم من تاوديني و�أوران والطواق من تادمكا» � -سيكيني مودي :املرجع ال�سابق ثاني ًا -تنبكتو والبعد احل�ضاري �ص .265 �إن تاريخ هذه املدينة كما عر�ضناه ب�إيجاز �إن هذه اجلهات املختلفة التي ت�صب يف هذه يعك�س م��دى ثرائها التاريخي واحل�ضاري ،املدينة هي ما جعل م�ؤرخي ال�سودان يثبتون
�أنها كانت موطن كثري من الأجنا�س ،فكان ثمة املغاربة والتون�سيون وامل�صريون والطوارق و���ص��ن��ه��اج��ة وم�����س��وف��ة وزن����وج م��ن خمتلف الأج��ن��ا���س ،و�أه��م��ه��م الفالنيون واملاندينغ والبمبارى وغريهم كثري -حممد الغربي: املرجع نف�سه .576وكان عدد ال�سكان يرتفع ارتفاع ًا كبري ًا يف مو�سم الأعمال والتجارة، فكانت بذلك مثل امل�ضخة متت�ص وتنفث دوري��� ًا النا�س والب�ضائع والأف��ك��ار يف جميع اجتاهات القارة الأفريقية.
م�ساجد تنبكتو
ت��ب��و�أت تنبكتو نتيجة مل��ا �سبق ذك��ره مكانة ح�ضارية ك��ب�يرة وعملت ل��ق��رون على ن�شر ال��ث��ق��اف��ة وامل���ع���رف���ة يف �أف��ري��ق��ي��ا ،ف��ك��ان��ت م�ساجدها امل�شهورة تعترب مدار�س متميزة يف الثقافة العربية الإ�سالمية ولعل من �أ�شهر و�أقدم تلك امل�ساجد ما يلي:
جامع تنبكتو الكبري
يعترب ه��ذا اجل��ام��ع م��ن �أق���دم امل�ساجد يف ال�سودان الغربي وال يعرف على وجه التحديد
اجلامع الكبري يف جينيه -مايل� -أكرب بناء من الطوب اللنب
تاريخ الت�شييد الأول له ،بيد �أن من املعروف �أنه �أقيم على �أنقا�ض م�سجد يف القرن ال�سابع الهجري «13م» وكان بنا�ؤه الأول على �صورة متوا�ضعة ،ثم جدده ال�سلطان املايل احلاج من�سا مو�سى «732 - 707هـ» بعد عودته من احل��ج �سنة «724هـ» وه��و الوقت الذي �ضم فيه تنبكتو ململكته ،وقد قام ببنائه كما �سبقت الإ�شارة �إىل ذلك ال�شاعر واملهند�س الأندل�سي �أب��و �إ�سحاق �إب��راه��ي��م ال�ساحلي املعروف بالطويجن ،دفني تنبكتو كما ذكر ابن بطوطة -ابن بطوطة :حتفة النظار يف غرائب الأم�صار وعجائب الأ�سفار ج� ،4ص .269 ولقد ظل هذا امل�سجد مو�ضع عناية كبرية من ال�سالطني واحلكام الذين تعاقبوا على حكم امل��دي��ن��ة ،فقد م�� ّر ب��ع��دة �إ���ص�لاح��ات م��ن ح�سن �إىل �أح�����س��ن ،وم��ن �أ���ش��ه��ر تلك الإ���ص�لاح��ات م��ا ق��ام ب��ه الفقيه القا�ضي ال��ع��اق��ب ب��ن حم��م��ود ب��ن ع��م��ر ب��ن حممد �أقيت «991 - 913هـ» = «1583 – 1507م» فقد ق��ام بهدمه و�ضم �إليه امل�ساحة التي
ت�شغلها القبول املجاورة له وزاد فيه زيادة ك��ب�يرة وك��ان ذل��ك �سنة 976هـ =1570م يف ع�صر ال�سلطان �آ�سكيا داود «– 965 990هـ» =«1582 – 1557م»عاهل دول��ة �سنغاي ،كما �أدخلت عليه بعد ذلك بع�ض الإ�صالحات يف الأعوام1089 :هـ =1678م و1709=1121م و1149هـ = 1736م- املو�سوعة العربية العاملية :ج� 8ص 572ط.2 جامع �سنكري Sankore
ال ت�سعفنا امل�صادر التاريخية يف معرفة تاريخ بناء هذا اجلامع ،غري �أنها جتمع على �أنه بني على نفقة �سيدة فا�ضلة كانت مو�سرة، ويذهب حممد الغربي �إىل �أنها «من قبيلة الأغالل من جبال �آدرار ال�صحراوية «بالد
صورة تنبكتو كما رسمها الوزان أغرت األوروبيين وفتحت شهيتهم في البحث عنها معدن ًا ذهبي ًا وعقدة مواصالت تجارية
�شنقيط» -حممد الغربي :املرجع نف�سه �ص - 219ولقد كان هذا اجلامع مبثابة جامعة يفد �إليها كافة �أبناء القارة ،ونظر ًا لتهافت الطلبة عليه وات�ساع حلقات العلم فيه فقد َّمت تو�سيعه �أكرث من مرة ،ومن �أ�شهر تو�سيعاته تلك التي قام بها القا�ضي العاقب بن حممود بن عمر بن حممد �أقيت من ماله اخلا�ص - عبدالقادر زبادية :املرجع نف�سه �ص.219
م�سجد �سيدي يحيى التاديل
وق��د �شيده حممد نقي ال�صنهاجي حاكم تنبكتو التابع ل�سلطان الطوارق ال�سلطان: �آكل ،وال يعرف بال�ضبط تاريخ �إن�شائه لكن م��ن املحتمل �أن ي��ك��ون �شيد م��ا ب�ين عامي «876 - 837هـ» =«1417 – 1433م» لأنه بني هذه الأع��وام كان حكم الطوارق لتنبكتو - املو�سوعة العربية العاملية ج� 8ص - 572وقد بنى هذا امل�سجد تخليد ًا لأحد علماء املغرب «من �سو�س» الذين با�شروا التعليم يف تنبكتو خ�لال الن�صف الأول م��ن ال��ق��رن ال�ساد�س ع�شر فاجتهدوا يف تعليمهم و�أفادوا النا�س. ومل تكن املدينة ت�ضم هذه امل�ساجد الثالثة
ارتياد اآلفاق 72 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
فقط بل �ضمت م�ساجد �أخ��رى عديدة غري �أنها مل ت�صل �إىل �شهرة ومكانة هذه الثالثة يف ال��ت��اري��خ احل�����ض��اري الإ���س�لام��ي لغربي �أفريقيا ،لقد �أو�صل امل�ؤرخون عدد امل�ساجد يف تنبكتو �إىل ت�سعة وذكر من �أ�سمائها عالوة على الثالثة املذكورين جامع خالد الذي كان خم�ص�ص ًا للتعليم املتو�سط فقط .لقد كانت جامعات علمي ًة مزدهرة هذه امل�ساجد بحق ٍ حققت �أهدافها التعليمية والرتبوية والثقافية وال��دع��وي��ة وق��د ت��خ��رج فيها ق�ضاة وعلماء فقهاء وم�ؤرخون و�أدباء.
تلقي العلم وت�صديره
ولعل هذا االزدهار امل�شار �إليه هو ما �أك�سب املدينة �شهرتها العلمية ،وجعل الطالب من �شتى بقاع غربي �أفريقيا يفدون �إليها لتلقي العلم على �أيدي م�شايخها ومنهم على �سبيل املثال :خملوف بن علي البلبايل ،كما جعل علماء م��ن �شتى �أن��ح��اء ال��ع��امل الإ���س�لام��ي يفدون �إليها لغر�ض التدري�س والدعوة �سواء من املغرب �أو م�صر �أو من الأندل�س. ومل تقت�صر تنبكتو على التلقي وح�سب و�إمنا �صدّرت علماءها �إىل �أنحاء كثرية ،كذلك فقد َ ذكرت امل�صادر «�أن �أول بعثة تعليمية جاءت من تنبكتو املالية �إىل بالد الهو�سا والربنوهي البعثة الونغارية ،وك��ان �أف��راده��ا من ركائز معاهد «تنبكتو» ،كما �أن علماءها عرفوا يف امل�شرق العربي من خالل رحالت احلج ،فكان منهم من يقيم مب�صر يف طريق عودته من احلج وميار�س مهنة التعليم والتعلم ،ا�شتهر منهم �أبو حممد يو�سف بن عبداهلل التكروري الذي ين�سب �إليه يف بوالق الدكرور ،وال�شيخ را�شد ع��ب��داهلل ال��ت��ك��روري «796هـ=1394م» ال��ذي كان من �أعيان العلماء وله جامع مب�صر عرف «بجامع را�شد» عند بركة احلب�ش وال�شيخ فاحت بن عثمان التكروري «تويف 695هـ =1293م» الذي الزم �أحد م�ساجد دمياط للتعليم والعبادة حتى ع��رف با�سمه «جامع فتح» -املو�سوعة العربية العاملية ج� 9ص .575 �إن هذا االزدهار العلمي املتميز وتلك احلركة التجارية الكبرية التي تعر�ضنا لنا هي ما
سنة 1827أعلنت الجمعية الجغرافية الفرنسية عن جائزة مالية بقيمة 10آالف فرنك فرنسي ألول رحالة يصل إلى تنبكتو جعل مدينة تنبكتو مو�ضع نظر الراغبني يف اكت�شاف عامل غربي �أفريقيا ،ذلك �أنها هي مفتاح ح�ضارته وموطن ت�شكلها .فكيف بدت يف عيون الرحالة وامل�ستك�شفني؟
ثالث ًا -تنبكتو يف مرايا الرحالة وامل�ستك�شفني
لقد ظلت املعلومات عن داخل القارة الأفريقية وال�سودان الغربي ب�صورة خا�صة نظرية بحتة بالن�سبة للأوروبيني ،وظل اكت�شاف الداخل حتى نهاية القرن ال��راب��ع ع�شر حكر ًا على العرب وحدهم ،ويعد ابن بطوطة �أول رحالة
عربي يجوب غربي �أفريقيا بتكليف ر�سمي من ال�سلطان املرييني �أبي عنان -ابن بطوطة :حتفة النظار ج 4حتقيق د .التازي �ص 239 الهام�ش « -»1وذلك بعد انتهائه من رحلتيه �إىل امل�شرق والأندل�س ،وقد بد�أها �سنة 1352م يف عهد ال�سلطان املايل من�سي �سليمان «حكم م��ا ب�ين 1341و1360م» وا�ستغرقت زه��اء �سنتني ،زار خاللها العديد من املدن والقرى، وم��ن �أه��م��ه��ا مدينة تنبكتو ،وع��ل��ى الرغم من �أن��ه مل يذكر عدد �أي��ام �إقامته فيها ومل ي�سهب يف احلديث عنها �إال �أنه ذكر �أن �أكرث �سكانها يومئذ «من م�سوفة �أهل اللثام» -ابن بطوطة :امل�صدر نف�سه ج� 4ص 269-و�أن بها قرب ال�شاعر �أبي �إ�سحاق ال�ساحلي املعروف بالطويجن وقرب �سراج الدين ابن كويك -ابن كويك :هو عبداللطيف بن �أحمد بن حممود بن �أبي الفتح التكريتي الأ�صل �سراج الدين بن كويك التاجر اال�سكندراين ..تويف بتنكتو �سنة 734هـ = 1334م .انظر اب��ن بطوطة: امل�صدر نف�سه ج� 4ص – 269الهام�ش .104 وك���ان ع��ل��ي تنبكتو �أن تنتظر زم��ن��ا لنقل �صورتها ب�شكل �أكرث دقة و�إ�شراق ًا مع مقدم الرحالة املغربي احل�سن بن الوزان املعروف
ص ّدرت جامعة تنبكتو وجوامعها علماء القر�آن ،حتى �إنهم حفظوه غيب ًا ،فهم يعلمونه بـ «ليو الأف��ري��ق��ي»« ،نحو 888هـ – 657هـ أجالء واستقطبت = 1550 – 1483م » ال��ذي ب��د�أ رحلته �سنة طالب علم نهلوا منها �أوالدهم منذ نعومة �أظافرهم» -جملة النهار: ً ً
910هـ = 1510م ،مف�صال و�صفها فيه قائال «ودور تنبكتو عبارة عن �أكواخ مبنية ب�أوتاد مملوطة بالطني وم�سقوفة بالتنب ويف و�سط املدينة م�سجد مبني باحلجر املركب بالطني واجلري على يد مهند�س �أندل�سي من مدينة املانا وق�صر كبري من بناء نف�س املعلم ي�سكنه امللك ودكاكني كثرية لل�صناع والتجار ال�سيما دكاكني ن�ساجي �أقم�شة القطن وت�صل �أي�ض ًا �إىل تنبكتو �أقم�شة �أوروب����ا يحملها جتار الرببر» -احل�سن بن حممد الوزان الفا�سي: و�صف �أفريقيا ج� 2ص.165 وي��ت��اب��ع ل��ي��و ق��ائ ً �لا «م���ازال���ت ن�����س��اء املدينة حمجبات با�ستثناء اجل���واري ال�لائ��ي يبعن كل املطعومات ،وال�سكان �أغنياء مرتفون ال �سيما الأجانب املقيمون يف البالد .حتى �إن امللك احلايل زوج اثنتني من بناته من �أخوين تاجرين لغناهما وتوجد يف تنبكتو عدة �آبار، ما�ؤها عذب بالإ�ضافة �إىل ما ي�صل �إىل املدينة من ماء يف قنوات عند في�ضان النهر واحلبوب واملوا�شي كثرية جد ًا بحيث �إن اللنب وال�سمن ي�ستهلكان فيها بكيفية مفرطة لكن امللح قليل جد ًا لأنه ي�ستورد من نغزة البعيدة عن تنبكتو بنحو خم�سمائة ميل» -احل�سن بن حممد الوزان الفا�سي :امل�صدر نف�سه ج� 2ص.166 وي�صف ليو ق�صر وموكب وحا�شية �سلطان تنبكتو مبين ًا �إعجابه وذهوله مما ر�أى من جالل وثراء وكيف الكل م�سري لطاعته ويتابع ق��ائ ً �لا «ويف تنبكتو ع��دد كثري م��ن الق�ضاة والفقهاء والأئمة يدفع امللك �إليهم جميع ًا مرتب ًا ح�سن ًا ويعظم الأدب���اء ك��ث�ير ًا .وتباع �أي�ض ًا خمطوطات كثرية ت�أتي من بالد الرببر وتدر �أرباح ًا تفوق �أرب��اح �سائر الب�ضائع» - امل�صدر نف�سه �ص .167 ويذهب اب��ن ال���وزان يف مالحظاته الدقيقة وا�صف ًا �أهل تنبكتو قائ ًال« :وقد فطر �أهل تنبكتو على املرح وتعودوا على التجول يف املدينة بني ال�ساعة العا�شرة لي ًال والواحدة �صباح ًا وهم يعزفون على �آالت الطرب ويرق�صون ،ولأهل املدينة ع��دد كثري من الرقيق ذك���ور ًا و�إن��اث�� ًا
يعملون يف خدمتهم ،وكثري ًا ما تتعر�ض تنبكتو خلطر احلريق». لقد ك��ان احل�سن ال��وزان منت�شي ًا مبا ر�آه يف تنبكتو ،وقد قدم عنها و�صف ًا دقيق ًا �إىل احلد ال���ذي جعل بوفيل ي��ع��زي �شهرتها والبهاء املحيط بها �إىل ال�صورة الزاهية التي ر�سمها ليو الأفريقي لها يف القرن ال�ساد�س ع�شر - بوفيل :املرجع نف�سه �ص - 233وهي �صورة �أغرت الأوروبيني وفتحت �شهيتهم يف البحث عنها معدن ًا ذهبي ًا وعقدة موا�صالت جتارية، لهذا بادرت اجلمعية اجلغرافية الفرن�سية �سنة 1827ب�إعالن جائزة مالية بقيمة ع�شرة �آالف فرنك فرن�سي لأول رحالة ي�صل �إىل تنبكتو.
« كاييه» وبعده كثريون
كان يف ال�ساد�سة ع�شرة من عمره حني غادر الفتى رينيه كاييه Rene Caillie 1799 - - 1839م م�سقط ر�أ�سه مدفوع ًا ب�أمل �أن يكون �أول �أوروبي ي�صل �إىل تنبكتو ،تنكر يف ثياب م�صرية وادعى الإ�سالم ثم توجه �إىل �سان �ألوي Saint-Louisومنها �إىل تنبكتو. حيث دخلها عند مغيب ال�شم�س يف يوم 20 �أبريل �سنة 1828م فكان بذلك �أول �أوروبي يدخلها وكان �أول ما �سطر يف مذكراته عنها «دخلت املدينة الغام�ضة وقد �أخذ ال�شك مني كل م�أخذ »..ق�ضى �أ�سبوعني كاملني ي�سجل مالحظاته وكتب عنها ن�ص ًا جمي ًال يتدفق عاطفة رغم �أنه ُ�صدم عند ر�ؤيته الأوىل لها لدي فكرة تختلف حني قال« :كانت قد ن�ش�أت ّ كل االختالف عن جالل وثروة تنبكتو ،فلم تقدم يل املدينة �سوى جمموعة من البيوت ال�سيئة املظهر واملبنية من الرتاب» -بوفيل: املرجع نف�سه .251 والواقع �أن املدينة قد �أ�صابها اخل��راب قبيل قدومه بقليل على يد بع�ض الطوارق ،ورغم ذل��ك �سجل �إعجابه بها ومب�ستواها الثقايف الرفيع بقول« :كان ب�إمكان عبيد تنبكتو قراءة
املحلق الثقايف – �أيار – 2000م. وتوا�صلت بعد ذلك الرحالت اال�ست�شكافية الأوروبية �إليها ،فبعد �سنتني زارها «امليجور» الرائد جوردون الجن الذي جاءها من طرابل�س مارا بتوات ،ويف �سبتمرب عام 1853م و�صل الرحالة الأملاين باث �إليها ووجدها يف حالة رخاء -جوزفني كام :امل�ستك�شفون يف �أفريقيا �ص 197ترجمة و تقدمي وتعليق د .ال�سيد يو�سف ن�صر ط1983 - 1م دار املعارف – م�صر -و�شاهد �أن مثقفيها «كانوا ينع�شون الثقافة يف جميع �أرجاء البالد ،يف ال�ساحل امل��وري��ت��اين ويف تادمكا ويف ك�بري��ات امل��دن الهاو�سية ويف كا�ستينا ،وامتد عملهم جنوب ًا بوا�سطة �أطباء «جنة» الذين كانوا تالمذتهم عامة» � -سيكيني م��ودي �سي�سوكو :املرجع نف�سه ���ص - 267ويف �سنة 1880م نزلها الدكتور لينز و�سجل عنها مالحظات يف قمة الروعة -حممد عبدالفتاح �إبراهيم :املرجع نف�س �ص .114 و�إذا كان الرحالة العرب قدموا �إىل تنبكتو لت�سجيل منجز ح�ضاري كان ثمرة تاريخ طويل من التوا�صل واحلوار واملثاقفة بني التقاليد الأف��ري��ق��ي��ة وال��ث��ق��اف��ة ال��ع��رب��ي��ة الإ���س�لام��ي��ة و�سجلوا مالحظاتهم ذاكرة حتفظها الأجيال منوذج ًا فذ ًا للحوار احل�ضاري ف�إن الرحالة الغربيني ج���اءوا م��دف��وع�ين برغبة ال�ثراء امل���ادي وغ��اي��ة اال�ستك�شاف ق�صد التمهيد لل�سيطرة واالحتالل« :فكان عملهم مفقر ًا يف امليادين االقت�صادية والثقافية على حد �سواء يف فرتة ما قبل اال�ستعمار � -سيكيني م��ودي �سي�سوكو :املرجع نف�سه �ص - 267 وكان الأداة الأوىل لعهد من القهر والظلم �أدخ��ل تنبكتو ومعها ال��ق��ارة جمعاء يف ليل ا�ستعماري دام�س مل ينجل �إال بعد عقود من الكفاح على �صعد �شتى ،فكيف نا�ضلت تنبكتو من �أجل االنعتاق؟ وهل ا�ستطاعت �أن ت�ستعيد مكانتها التاريخية حتى الآن؟ �أ�سئلة �أح�سب الإجابة عليها ت�صيب املرء بنوبة جديدة من التنهدات
ارتياد اآلفاق 74 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
«مازار متبكتو فا�سق �إال تاب»
جوهرة الصحراء وعنقاء الساحل احل�سني ولد حميد باحث من موريتانيا
لي�ست امل�شكالت التي يعي�شها اليوم �شمال مايل وليدة �صدفة ،و�إمنا هي حم�صلة عوامل خمتلفة ،منها ما هو جغرايف ومنها ما هو تاريخي ومنها ما هو �سيا�سي ،فوجود هذا الإقليم عند نهاية املجال العربي الأمازيغي من جهة ،وبداية املجال الإفريقي من جهة ،واالمتعا�ض امل�ستمر ل�ساكنته من العرب والأمازيغ وال�سونغاي من دولة مايل املركزية ،واتهامهم لها بتهمي�ش �إقليمهم وتركه متخلفاً ،كل هذه العوامل بالإ�ضافة �إيل عوامل �إقليمية �أخري ،مثل قيام الثورة يف ليبيا� ،أدت �إيل جناح الثورة التي قام بها �سكان �إقليم ازواد والتي كانت ح�صيلة لتحالف مرحلي بني �سكان ازواد العرب والأمازيغيني والقاعدة من جهة �أخري ،وهو الأمر الذي �أدي �إيل �سقوط جميع الإقليم ب�أيديهم يف وقت قيا�سي.
تقول األسطورة إنه ما زار «تمبكتو»زائر إال رجع وب�ع��د تك�شف امل���ش�ه��د ،ظ�ه��ر �أن الفاعل إليها وال أتاها مريض إال الرئي�س يف الإقليم لي�ست جبهات ازواد و�إمن ��ا ه��و تنظيم ال �ق��اع��دة ال ��ذي ب�سط شفي وال فاسق إال تاب
نفوذه يف �أغلب مدن الإقليم ،مثل مدينة تيمبكتو وغ ��او ح�ي��ث ب ��د�أ �أف� ��راد تنظيم القاعدة بت�سيري �ش�ؤون املدينتني. لكن فج�أة ،انتقل دور التنظيم �إيل الأموات، وذل��ك بتحطيم بع�ض الأ�ضرحة القدمية التي طاملا �شكلت ج��زءا من تفرد و�شهرة وروح املنطقة مثل جامع و�ضريح �سيدي يحي ،و�سيدي حممود بن عمار ،و الفا مويا.
�أ�ضرحة حامية
من املعروف �أن تيمبكتو ت�ضم كما يقال �� 333ض��ري�ح� ًا ،بع�ض ه��ذه الأ��ض��رح��ة يف امل��دي �ن��ة ،وبع�ضها يف ��ض��واح��ي امل��دي�ن��ة، وهناك رواية لطيفة حتكي �أن �ستة ع�شر �ضريح ًا من هذه الأ�ضرحة حتمي املدينة م��ن ال���ش��رور ،ويف ظ�لال ال��رواي��ة نف�سها ي�ق��ال �إن ال�ب��اب ال�شمايل مل�سجد �سيدي يحي «املعروف بباب القيامة» لن يفتح قبل يوم القيامة ،وكلها رواي��ات باتت من قبيل الفلكلور والأدب ال�شعبي املتداول بني �سكان املدينة ،كما �أن هذه الق�ص�ص عملت كعنا�صر جذب لل�سياحة يف كثري من الأحيان. من هنا يبدو اخلط�أ وا�ضح ًا يف قيا�س هذه الأ�ضرحة علي الأوثان التي كانت موجودة يف الزمن اجلاهلي ،فهو قيا�س غري �سليم، لأن علة بناء تلك الأوثان �إمنا هو العبادة ف�ق��ط ،بينما ه��ذه الأ� �ض��رح��ة ه��ي مقابر لعلماء وم�شايخ يتمتعون يف نفو�س العامة بنوع من التقدير ،ويف �أق�صي احلاالت يتم التربك بهم ،وهذا يختلف عن العبادة التي هي هلل وحده علي عباده ،وحتى �إن انزلق بع�ض العوام �إيل اعتقاد ال�ضرر والنفع يف هذه الأ�ضرحة –وهو �أمر وارد احل�صول و�إن كان نادر ًا -فلي�س من املقبول حتطيم هذه الأ�ضرحة بتلك احلجة لأن الأحكام ال تبنى علي اال�ستثناء ،كما �أن تغيري الأفكار وال �ق �ن��اع��ات ه��و الأ� �س��ا���س يف ال�ت��وا��ص��ل الإن�ساين ولي�س الهدم والتخريب.
وبالتايل ف�إن حتطيم هذه الأ�ضرحة كان خ �ط ��أ ل �ع��دة �أ� �س �ب��اب ،لأن ال�ت�ح�ط�ي��م قد ي�أتي بنتائج عك�سية ،وك��ان الأوىل تعليم ه ��ؤالء ال�ع��وام دون انتقا�ص م��ن التقدير واالح��ت ��رام امل �ط �ل��وب ل��ه��ذه الأ� �ض��رح��ة باعتبارها تراث ًا �إن�ساني ًا ي�شهد على حقب زمنية ما�ضية .كما �أن التجربة �أفادت �أن حتطيم بع�ض الأ�ضرحة واملراقد مل يفد �شيئ ًا وانتهي الأم��ر �إىل حتطيم وتفجري امل���س��اج��د وامل���ص�ل�ين ،و�أدى �إيل تر�سيخ ثقافة التحطيم والتحطيم امل�ضاد. �أنا هنا ال �أكتب كباحث فقط ،و�إمنا ك�شاهد وك �م �ع �ن��ي ب��امل��و� �ض��وع؛ ف �م��دي �ن��ة تيمبكتو تقع �ضمن امل�ج��ال التاريخي واجل�غ��رايف ملوريتانيا ،وج��ل الأ�ضرحة امل��وج��ودة بها هي لعلماء موريتانيني ،فال�شريف �سيدي يحيي ول��د زك��ري��ا (��ص��اح��ب ج��ام��ع �سيد ي�ح�ي��ي) ال ��ذي ك��ان وري ��ث ح�ك��م منطقة ت ��ارودان ��ت ،ت��رك احل�ك��م ب�ه��ا وذه ��ب هو واب��ن �أخيه �سيد علي �إيل �إقليم �شنقيط املوريتاين ،وبعد �أن عا�ش و�أجن��ب جميع �أب�ن��ائ��ه يف الإق�ل�ي��م امل��وري �ت��اين ت��وج��ه �إيل تيمبكتو ومات بها. �أما ال�شيخ �سيد املختار ولد �أحمد الكنتي، الذي هو �أب��رز م�شايخ الطريقة القادرية يف تلك املنطقة ،ف�أغلب �أبنائه وتالمذته يعي�شون الآن يف موريتانيا ،ونف�س ال�شيء ينطبق علي ال�شيخ �سيد حممود بن عامر و�سيد حممد ولد بوكو العلوي ال�شنقيطي.
�أ�سطورة متبكتو
لكني ،وم��ع تزايد امل�شكالت واملحن علي تيمبكتو من حيث اجلفاف املزمن الذي تعي�شه ،واالق�ت�ت��ال ال��دائ��م ون��ذر احل��رب ال�شاملة التي تلوح يف الأفق بني اجلماعات الدينية وح��رك��ات حترير ازواد من جهة ودول� ��ة م ��ايل امل��رك��زي��ة ودول ال���س��اح��ل
الأخرى من جهة �أخري� ،أجدين ال �أخ�شى علي تيمبكتو (جوهرة ال�صحراء) ،فما �أكرث ما حتطمت وما �أكرث ما خرجت من حطامها �أق��وي .حطمها ملك ال�سونغاي (���س��ن��ي ع��ل��ي ب� ��ر) ودم�� ��ر �أ� �ض��رح �ت �ه��ا ومكتباتها ،ثم خرجت من حتت الرماد وه��ي �أق��وى ،ثم حطمها اجلي�ش ال�سعدي ال ��ذي �أر� �س �ل��ه امل�ن���ص��ور ال��ذه�ب��ي بقيادة البا�شا ج��ؤذر الذي ترك املدينة �أنقا�ض ًا وق��ام بتدمري مكتباتها و�أ�ضرحتها وقتل الكثري من علمائها ثم خرجت وهي �أقوي وذاب البا�شا ج ��ؤذر وجي�شه ال��ذي عرف برماة املغرب يف م�شهدها. وتبقي مدينة جوهرة ال�صحراء التي تقول الأ� �س �ط��ورة �إن��ه م��ا زاره ��ا زائ��ر �إال رج��ع �إليها وال �أتاها مري�ض �إال �شفي ،وال فا�سق �إال ت��اب ،تعي�ش يف و�شاحها ال�صحراوي م�أ�ساتها ج��زء من قدرها كتب عليها �أن تتحطم وكتب لها �أن تنه�ض وهي �أق��وى، فلقد كانت دوم � ًا �أع�ظ��م بحطامها منها ب �ع �م��ران �ه��ا ،ت �ع��دده��ا الإث��ن��ي ك ��ان دوم� � ًا ج��زءا م��ن م�أ�ساتها وج��زءا م��ن ثرائها، وج��وده��ا املف�صلي ب�ين ال���ش�م��ال ببي�ضه واجل�ن��وب ب�سوده وب�ين ال�صحراء �شما ًال والغابات جنوب ًا طاملا زادها جما ًال و�سحر ًا وا� �س �ت �ع �� �ص��اء ،ال ت�خ���ش��ى ع �ل��ي �أح�ي��ائ�ه��ا وال علي �أم��وات �ه��ا و�أ��ض��رح�ت�ه��ا فهي كلما اح�ترق��ت خ��رج��ت م��ن حت��ت ال��رم��اد وهي �أقوي� ،إنها عنقاء ال�ساحل ،بل رمبا كانت تلك امل�آ�سي التي عا�شتها وتعي�شها اليوم ج��زءا من لغزها ال��ذي طاملا ج��ذب �إليها الرحالة من �أق�صي العوامل. فتحطيم تلك الأ�ضرحة لن يفيد فاعليه يف �شيء ،والدين الإ�سالمي بعظمته الميكن �أن ُيختزل يف حتطيم �ضريح �أو تعزير �شارب دخان ،هو منهج حياة وفهم لها ،و�ضوابط و�أح�ك��ام ونظام ،منها ما هو ثابت بالن�ص وم�ن�ه��ا م��ا ه��و متغري بح�سب امل�ستجدات والأحداث و�أحوال الأمة و�إكراهات الواقع
المحكي شعر ًا 76 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
املحكي�شعرا ً ملف ال�شعر ال�شعبي
تغنّوا بالحب وبالوطن وأمجاده ابن فنه والمشيخي والشعيبي في ضيافة اتحاد الكتاب
�أبوظبي – تراث
ال�شعراء حممد �سعيد امل�شيخي ،و�سعيد بن فنه اجلنيبي ،وخالد علي ال�شعيبي كانوا �ضيوف الأم�سية ال�شعرية التي نظمتها جماعة ال�شعر ال�شعبي باحتاد كتاب و�أدباء الإمارات ،يف مقره يف �أبوظبي نهاية ال�شهر الفائت ،وهي الأم�سية التي قدمها ال�شاعر خالد طاهر الها�شمي ،وحظيت بح�ضور نوعي مميز جتاوب مع خمتارات ال�شعراء الثالثة الذين حلقوا بن�صو�صهم يف ف�ضاءات الق�صيدة املحكية ب�أغرا�ضها العديدة من غزل وفكاهة وق�صائد يف حب الوطن والتغني ب�أجماده. املحكي �شعر ًا ،تفتح بابها هذا العدد للتعريف بال�شعراء الثالثة من خالل ن�صو�ص خمتارة من �إبداعاتهم. لإر�سال ق�صائدكم ،م�شاركاتكم ومالحظاتكم:
الربيد الإلكرتوينturathmag1@gmail.com : الفاك�س009712 6582282 :
المحكي شعر ًا 78 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
الشاعر : سعيد بن فنه الجنيبي
-1صقر اإلمارات � � � �س �ل ��ام ي� � � ��ا � � �ص � �ق� ��ر وزع � � � �ي� � � ��م الإم� � � � � � � � ��ارات خ� � �ي� ��ر اخل � � � �ل� � � ��ف ل � � � �ل � � ��دول � � ��ة ال � �ي � �ع � ��رب � �ي � ��ه ال� � ��� � �ش� � �ي � ��خ ب � ��و�� � �س� � �ل� � �ط � ��ان رج � � � � ��ل امل � �ه � �م � ��ات يل ف� �ح� ��� �ض ��رت ��ه ن� ��� �ض ��رب �� �س� �ل ��وط ال �ت �ح �ي��ه يف ع � � �ي � ��دك � ��م ج� � �ي� � �ن � ��ا ن � � ��زك � � ��ي ال � �ت � �ح � �ي� ��ات ون � � � �ع� � � ��اه� � � ��دك م � � � � ��ادام � � � � ��ت ال� � � � � � � � ��روح ح� �ي ��ه ل� � ��ك ب � � ��الأم � � ��ر ت � ��ام � ��ر �إذا ج� � ��ت � � �ش� ��دي� ��دات ا ْن� � � � � � � ��دك رو� � � � � � ��س ال � � � �ق� � � ��وم ل� � � ��و ه� � � ��ي ردي� � � ��ه �أب � � �� � � �ش� � ��ر ب � �� � �س � �ع� ��دك ن � ��رت� � �ق � ��ي ْل� � �ط � ��وي �ل��ات م� � � � � � � � ��ادام ب � � ��وخ � � ��ال � � ��د ورا ال � �ع � �� � �س � �ك� ��ري� ��ه
-2طيرين في عش �أح � �ي � �ـ � �ـ � �ـ ��ان ن �ب �ع �ـ �ـ��د ل �ك �ـ �ـ ��ن احل � �ـ � �ـ ��ب م��وج �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ود ن� �ـ ��زع� �ـ ��ل ون �ـ ��ر� �ض �ـ �ـ ��ى ث� �ـ ��م ن �ع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ود �إن �ت �ب��اع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د ي �ع �ن �ـ �ـ��ي م� �ـ� �ـ ��رد ال �ط �ي �ـ �ـ �ـ��ر ا ْل� �ع� ��� �ش� �ـ� �ـ ��ه اي �ع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ود و�أن� �ـ� �ـ� �ت ��ه وان� �ـ� �ـ� �ـ ��ا ط �ي �ـ �ـ �ـ��ري �ـ �ـ��ن يف ع �ـ �ـ ����ش واح �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د ت �ـ �ـ��رق �ـ��ى ل �ع �� �ش �ـ��ك ت �ل �ق �ـ��ى ه��ال �ـ �ح �ـ��ب م �ع �ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ود و�أرق � �ـ � �ـ� ��ى ل �ع �ـ �� �ش �ـ �ـ �ـ��ي ل �ـ �ـ��ك و�أل� �ق� �ـ� �ـ� �ـ ��اك ق��اع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د ون� �ط� �ي� �ـ� �ـ ��ر يف ع �ل �ي �ـ �ـ �ـ��ا امل �ح �ب �ـ �ـ �ـ ��ه ب �ـ �ـ �ـ �ـ�ل�ا ح �ـ �ـ �ـ ��دود ون �ع �ي �ـ ����ش ن �ـ��ر� �س �ـ �ـ��م �� �ش� �ـ ��وق يف ح �ـ �ـ �ـ��ب واع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د وال � �ش �ف �ت �ن �ـ��ي �أب� �ع� �ـ� �ـ ��د وك� �ث� �ـ� �ـ� �ـ ��رة ال �� �ص �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��دود �أق �ي �ـ �ـ �� ��س ن �ب �ـ �ـ ����ض ال �� �ش �ـ �ـ �ـ��وق وال� �ل� �ـ� �ـ ��ه � �ش��اه �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د واحل� �ـ� �ـ ��ب ب �ي �ـ �ـ��ن اث �ن �ي �ـ �ـ��ن ه� �ـ ��و ط �ف �ـ �ـ��ل م��ول �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ود وال� �ب� �ع� �ـ� �ـ ��د ن �ف �� �س �ـ �ـ��ه � �ص �ـ �ـ �ـ��ار ل �ل �ح �ـ �ـ �ـ��ب وال �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د وم� �ه� �م� �ـ ��ا اب� �ت� �ع ��دن� �ـ ��ا ي � ��ا ب �ع �ـ �ـ��د �� �س� � ّي� �ـ ��د اخل �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ود ال ب �ـ �ـ �ـ ��د ت �� �ش �ت �ـ �ـ �ـ��اق ال� �ق� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ل ��وب ون �ع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��اود ه � �ـ � �ـ ��ذا �أن � �ـ � �ـ� ��ا � �ش �ف �ـ �ـ �ن��ي وح��ام �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ل �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ك �أورود راج� � �ـ � ��ع م � �ـ � �ـ � � َع � �ش��وق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي وال ال ت �ب �ـ �ـ��اع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د � �ص �ح �ي �ـ �ـ��ح ن� ��زع� ��ل ل �ك �ـ �ـ��ن احل� �ـ� �ـ� �ـ ��ب م��وج �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ود ون� �ع� �ـ� �ـ ��ود ف � ��الآخ � �ـ � ��ر ع� �ل� �ـ ��ى ع �ـ �ـ �ـ �ـ ����ش واح �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��د
المحكي شعر ًا 80 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
-3همِ م وإصرار ت ��اخ ��ذين ال��دن �ي �ـ �ـ �ـ��ا وال �� �س �ن �ي �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ن ت��ذك�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ار
وت � ْت �ج��اه �ـ �ـ �ـ��ل �أق �ـ �ـ��دام �ـ �ـ��ي دروبٍ ع��دي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ده
ل� ��ن احل �ي �ـ �ـ ��اة ال �ف ��ان �ي ��ه وج �ـ �ـ �ـ��ه م�ع�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ار
ب�ي�ن ال�ع�ق�ـ�ـ�ـ��ول ال�ن��ا��ض�ج�ـ�ـ�ـ�ـ��ه وال�ب�ل�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ده
م��اط �ي �ـ �ـ��ح ل ��و ك� ��ان ال� �ق ��در ري� ��ح وع�ـ���ص�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ار
ل ��ن احل� �ي� �ـ ��اة ْب� �ـ� �ـ ��دون ع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��زه زه�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ده
ي ��ام ��ا غ � ��در م � ��وج ال �ب �ح��ر وج �ـ �ـ �ـ �ـ��ه ب� ّ�ح�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ار
ك ��� ّ�س �ـ �ـ �ـ �ـ��ر جم ��ادي� �ف ��ه وج �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��دف ب ��إي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ده
م��ا ق ��ول � �ض��اق �إب� � َ�ي ال�ف���ض��ا وال�ع�م�ـ��ر جــــــار
واحل� ��ظ ��ض��اي�ـ�ـ�ـ��ع م��ا ق�ـ�ـ�ـ�ـ��درت �أ�ستعيـــــــده
�أب � �ن� ��ي ع ��زاي �ـ �ـ ��م ه �م �ت �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي � �س �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ا���س ودوار
وم � ��ارد ع ��ن ك���س�ـ�ـ��ب ال �ف �ع��ول التليــــــــــــده
�أع �� �ص��ر ع ��زم و�أ�� �ش ��رب م��ن ال �ه �م��ه �أم�ط�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ار
و�أن �ف ����ض ق�ي��م ت�ب�ق��ى امل�ع��ان�ـ�ـ�ـ��ي الفريـــــــــده
َم � ْب �ن��ي ط �ـ �م �ـ��وح �إال وي �ج �ـ��ي ق�ب�ل��ه �إ��ص�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��رار
و َم � ْرم �ـ��ي ه�ـ�ـ��دف �إال و��ض��ام�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ن �أ�صيــــــده
�إ� �س �ع �ـ��ى وع �ي ����ش ْ وغ� �ن ��م ب �ك �ـ��ل م���ش�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��وار
ح �ت��ى ول� ��و ��ش�م����س الأم��ان �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي ب�ع�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ده
ا� �ص �ن��ع جن� ��اح امل �ج��د م ��ن ج �م �ل��ة �أ� �ض �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��رار ي� ��ا ك� ��م من �ل �ـ �ـ �ـ �ـ��ه ت �ب �ن �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي ْل �ق��وم �ه �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ا دار
رب� ��ى ت �ك��ن �أ� �ض �ـ �ـ �ـ �ـ��رار جم �ـ �ـ �ـ��دك م�ف�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ده ومت �� �ش��ي ع �ل �ي��ه ال �ن��ا���س ت��رج�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ع ت�ع�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ده
وال � �ي� ��وم ب�ي�ن ال� �ع ��زم وال �ع��ال �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��م ج�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��دار
م ��ا ع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��اد ب ��اق ��ي ل �ل �ع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��زوم ال���ش��دي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ده
�أح � �ـ� ��دٍ ي �ـ �ـ ��دور ل�ل�ك���س�ـ�ـ��ل ��ص�ف�ح�ـ�ـ��ة �أع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ذار
ول ��ه ب��ال �ع��ذر ك��ل ي ��وم �صفحـــــة جديــــــده
وال �ن ��ا� ��س ت �ط �م��ح ل �ك��ن اب �ـ �ـ �ـ �ـ��دون �إ��ص�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��رار �أ� �ض �ع��ف م� � َث ��ل� � :ش��اع��ر وج �م��ع ل ��ه �أف�ك�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ار
وت �ي ��أ���س م��ن �أت �ع ��اب ال��زم�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ان العنيـــــــده و�إذا ت �ع��ب يف ب �ي �ـ��ت ع�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��اف ال�ق���ص�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ده
الشاعر : خالد علي الشعيبي
-1خلي الشعر خلال�شعريا�صاحبيوا�سمعمن�أبياتالق�صيد
ال ت �ن �ب �ه��ر ب��امل �� �ش �ك �ل��ة وال ب �ح ��ل امل �� �ش �ك �ل��ه
ال�سالفة اكرب من انها بيت �صاحبه ال�سعيد
ال� ��� �س ��ال� �ف ��ة ذرة رم� � � ��اد ب� �ج ��وه ��ا م �ت �ح �ل �ل��ه
ما دام راعيها رف�ض ما يقول لك غري املفيد
خ��ذ م��ن ك�ل�ام ال ��در وات�ن� ّق��ى ع���ص��ار خميله
جاءتك بالإيد م�سلمة او جابها �ساعي الربيد
ر��س��ال� ٍة تا�صلك م��ن في�ض امل�شاعر مر�سله
الأول� ��ة ح�ب��ة خ�شم فيها ول��و ك��ان��ت ب��الإي��د
وال �ث��ان �ي��ة وق� ��ع ع�ل�ي�ه��ا دام م��اه��ي مهمله
عنوانها وا��ض��ح لعني ال�ل��ي ق��راه��ا بالوريد
كنها ثيابٍ دون طلبه و�سط �صيف مف�صله
م��دون��ه خ��ط ال�ق�ل��م ف�ي�ه��ا ذه ��ب وال ج��دي��د
ع � �ب ��ارة ث� � ��ارت ع �ل �ي �ه��ا ب��ال �ع �ق��ول الأ� �س �ئ �ل��ه
امل �ب ��دع ايل � �ص��اغ م�ن�ه��ا �أ� � �س ��ورة وال ن�شيد
وامل� �ب ��دع ال �ل��ي دل درب ال �ت��اي��ه بال�سل�سله
ترنيمة البلبل ب�أقفا�ص م�صوغه من حديد
ت�شبه ت��ران�ي�م��ه ب��أق�ف��ا���ص ال��زج��اج امل��ذه�ل��ه
المحكي شعر ًا 82 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
-2إماراتي ع � � � �ل� � � ��ى ذك� � � � � � � � � ��رك ن � � �ف � � �� � � �ض� � ��ت غ � � � � �ب� � � � ��ار ري� � ��� � �ش � ��ي ط � � � �ل � � � �ي� � � ��ب امل � � � � � �ج� � � � � ��د وال� � � � � �ع� � � � � �ل� � � � � �ي � � � � ��اء وال � � � � �ع � � � ��ز ي� � � ��� � � �ش � � ��وق� � � �ن � � ��ي ال� � � �ق� � � ��� � � �ص� � � �ي � � ��د وم � � � � � � � ��ا ت� � � ��� � � �ش� � � � ّوق ب � � � � � �ل � � � � ��ادي ي� � � � � � ��ا رب � � � � � � � � ��ى الأوط� � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ان ك� � �ل� � �ه � ��ا ح � � � � �ف� � � � ��رت ا� � � � �س � � � �م� � � ��ج ع � � � �ل� � � ��ى ق� � � �ل� � � �ب � � ��ي وازه� � � � � � � ��ر اط � � � � � � � �ع� � � � � � � ��ت اهلل ف� � � � � � �ي � � � � � ��ج ب� � � � � � �ق � � � � � ��و دي � � � � �ن � � � ��ي ام � � � � � � � � � ��ارات � � � � � � � � � ��ي وع � � � � � � � � �ن� � � � � � � � ��واين ال� � � �ت� � � ��� � � �س � � ��ام � � ��ح ت� � � � � � � � � ��رى االن� � � � � � ��� � � � � � �س � � � � � ��ان اخ � � �ل � ��ا� � � � � � �ص � � � � ��ه مي� � �ث � ��ل ع � � � �م � � � �ل� � � ��ه ال � � � � � �ل� � � � � ��ي م � � � � �ن � � � ��ه ق � � � � � � � � ��وت ل � � �ع � � �ي� � ��ال� � ��ه ب � � � � � �ن � � � � � ��اء اج� � � � � � � �ي � � � � � � ��ال ب � � � � � ��اج � � � � � ��ر والأم� � � � � � � � ��ان� � � � � � � � ��ه � � � � � � � �ص� � � � � � ��راع� � � � � � ��ات احل� � � � � � � ��� � � � � � � �ض � � � � � � ��ارات امب � � � � � � � � � ��ودة � � � � � � � �س � � �ل � � ��ام اهلل ع� � � � � �ل � � � � ��ى ذك � � � � � � � � � � � � � � ٍر ل � � � � ��زاي � � � � ��د اب � � � � � � ��ون � � � � � � ��ا ال� � � � � � � �ع � � � � � � ��ود يل خ � � � � �ل� � � � ��ف خ� � �ل� � �ي� � �ف � ��ة وق � � � � � � ��اي � � � � � � ��دن � � � � � � ��ا �إىل امل � � � � � � �ج� � � � � � ��د امل � � � �خ � � � �ل� � � ��د ي� � � � �غ� � � � �� � � � ��ض اب� � � � � � � � � �ن � � � � � � � � ��ورة ان� � � � � � � � � � � � � � � ��وار ال� � �ث � ��ري � � � � ��ا اذا مب� � � � � ��دح� � � � � ��ه م � � � � � � ��ا ت � � � �ك � � � �ف� � � ��ي ق � � �� � � �ص � � �ي� � ��دة واذا ب� � � � � � � � � � � ��اذم م � � � � � � ��ن ي � � � � �ف� � � � ��دي� � � � ��ه غ� � ��� � �ص� � �ب � ��ه ول � � � � � �ك � � � � � �ن� � � � � ��ي ح� � � � ��� � � � �ش� � � � �م � � � ��ت مي � � � �ي � � � ��ن ت � � �ع � � �ط� � ��ي ت � � � �� � � � �ش � � � �ب � � � �ه� � � ��ت اب� � � � � �ح� � � � � �ل � � � � ��م ق� � � � � � ��اي� � � � � � ��د وق � � � �م� � � ��ة ع � � � �ظ � � � �ي � � � �م� �ي� ��ن امل� � � � � � �ج � � � � � ��د ه� � � � � � � ��م �آل زاي� � � � � � � ��د ف � �ل � ��ا ج � � � ��اب � � � ��ت ب� � � � �ط � � � ��ون الأر�� � � � � � � � � � � ��ض � � �ش � �خ � ��� ٍ��ص ت� � � � �ع � � � ��م اف � � � �� � � � �ض� � � ��ال � � � �ه� � � ��م � � � � �ش � � � �ب� � � ��ه اجل� � � � � ��زي� � � � � ��رة �أال ي� � � � � � ��ا رم � � � � � �ل� � � � � ��ة ال � � � �� � � � �س � � � �ب� � � ��ع ال � � � �ك� � � ��رمي� � � ��ة وح � � � � � � �ن� � � � � � ��ا ه � � � � � � � ��ل اب � � � � � ��وظ� � � � � � �ب � � � � � ��ي احل� � � �ب� � � �ي� � � �ب � � ��ة �أق � � � � � � � � � � � � � � � ��ول مب� � � � � �ل � � � � ��ئ ف� � � � � � ��اه� � � � � � ��ي دام ع � � � � ��زج
وم � � � � � ��دي � � � � � ��ت ب� � � ��� � � �س� � � �م � � ��اك اق � � � �� � � � �ص� � � ��ى ج � � �ن � ��اح � ��ي ورف � � � � � � � ��ع ا�� � � �س� � � �م � � ��ج م� � � � ��ا ب � �ي � ��ن ك � � � �ف � � � ��وف راح� � � � ��ي ل � � � � �ب � � � � �ن� � � � ��تٍ � � � � � � �س� � � � � ��ال ب� � � � ��اي� � � � ��دي � � � � �ه� � � � ��ا ق� � � � ��راح� � � � ��ي و ي� � � � � � ��ا غ� � � � � �ي � � � � ��دٍ ب � � � � ��ري � � � � ��ح امل� � � � ��� � � � �س � � � ��ك ف � � ��اح � � ��ي م � � � ��ا ب � �ي� ��ن ا� � � �ض � � �ل� � ��وع� � ��ي ال � �ب � �ي � �� � �ض � ��ا ان� � ��� � �ش � ��راح � ��ي واخ � � �ل � � ��ا� � � � � � � �ص� � � � � � ��ي وح� � � � � � �ب � � � � � ��ي واب� � � � �ك� � � � �ف � � � ��اح � � � ��ي اع � � � � � � �ق� � � � � � ��د ع� � � � � � � � � � � � � ��زوم ح� � � � � �ي � � � � ��ا ع� � � ��ال � � � �ف� �ل� ��اح� � � ��ي وف � � � � � � � � � � � � � � ��اءه ل � � � �ل � � � �ع � � � �ل � � ��م الل � � � � � �� � � � � � �ص� � � � � ��در ب � � ��اح � � ��ي وواج � � � � � � � � �ب� � � � � � � � ��ه امب � � � � �� � � � � �س� � � � ��ى وال � � � �ص � � �ب� � ��اح� � ��ي ع� � � � � �ل � � � � ��ى اع� � � � � �ن � � � � ��اق� � � � � �ن � � � � ��ا � � � � � � � �س� � � � � � ��وت م� � � �ن � � ��اح � � ��ي وال� � � � � � � � � � � �ي � � � � � � � � � � ��اذات م� � � � ��رف � � � � �ي� � � � ��ت ال � � � ��و�� � � � �ش � � � ��اح � � � ��ي � � � �س � � �ق� � ��ى اهلل ق � � �ب � � ��ره اب � � � � ��دم � � � � ��ع ال� � ��� � �ص� � �ب � ��اح � ��ي اب � � � � ��و�� � � � � �س� � � � � �ل� � � � � �ط � � � � ��ان ل � � � � �ل � � � � ��أح � � � � � � � � � ��زان م� � � ��اح� � � ��ي �إىل ال � � � �ع � � � �ل � � � �ي� � � ��اء م � � � �ن� � � ��ه ال � � � �ن � � � �ج� � � ��م �� � �س � ��اح � ��ي وك � � � � � �ف� � � � � ��ة الا ّت � � � � � � � �ك� � � � � � � ��ى ع� � � ��ال � � � �ن � � � �ج� � � ��م ط � � ��اح � � ��ي ي� � � �ع� � � �ق � � ��د ال � � � � �� � � � � �س� � � � ��اين و ي� � � �ب� � � �ط � � ��ي ق � � � ��راح � � � ��ي ع� � � � �ل � � � ��ى �� � � � � �ش � � � � ��ارب � � � � ��ه ف � � ��ال � � � �ك � � � �ل � � � �م � � ��ه رم � � � ��اح � � � ��ي ج� � � � ��زي� � � � ��ل ال � � � �ع � � � �ف� � � ��و واج� � � � � � ��زل� � � � � � ��ت ب� � ��� � �س� � �م � ��اح � ��ي وق� � � � � � ��ال� � � � � � ��و م� � � � � � ��ن ت� � � ��� � � �ش� � � �ب � � ��ه ك � � � � � � � � ��ان � � � �ص� � ��اح� � ��ي اب� � � � � � � � � ��ن ن � � � � �ه � � � � �ي� � � � ��ان م � � � � � � ��ن �آل ال � � � �ف� �ل� ��اح� � � ��ي ي � � � �� � � � �س� � � ��اوي � � � �ه� � � ��م ب � � � � ��رب � � � � ��ع م � � � � � ��ن ال � � �� � � �ص �ل ��اح � � ��ي ح � � � �ك� � � ��م ع� � � � ��اخل � �ي � ��ر ب � � � � � ��اط � � �ل� � ��اق ال� � � ��� � � �س � � ��راح � � ��ي ف � � � � � � � � � � ��داج ارواح � � � � � � � � �ن� � � � � � � � ��ا ىل ال� � � � ��� � � � �ش � � � ��ر الح � � � ��ي ن � � � �� � � � �س� � � ��وم ال � � � � � � � � � � � ��روح ل � � � � �ت� � � � ��راب ال� � � ��� � � �ض � � ��واح � � ��ي ل � � � � �ب � � � ��و � � � � �س � � � �ل � � � �ط� � � ��ان ي� � � � � � ��ا دار ال � � � �ف � �ل ��اح� � � ��ي
الشاعر : محمد سعيد المشيخي
-1نور اإلمارات و�� � � �ش� � � �ل � � ��ون اب � � �ك � � �ت� � ��ب وال � � � �ن � � � ��واي � � � ��ا ك � �ث�ي��ره
�أ�� �س� �ت� �ل� �ه ��م الإح � �� � �س� ��ا�� ��س و�أراج � � � � � ��ع ال� � ��ذات
و�أق � � � � � � � � � � ��ول ي� � � � ��ا ح� � � � ��ي ال � � � �ع � � � �ل � � ��وم امل � � �ن �ي ��ره
ال� ��وا� � �ض � �ح� ��ه م � ��ن ن � � ��ور ف � �ج ��ر الإم� � � � � ��ارات
دار ال � �� � �ش � �ي� ��وخ ال� � �ل � ��ي ل � �ه� ��م �أل � � � � ��ف �� �س�ي�ره
م� �ع� �ل� �م�ي�ن ال � �ط � �ي � ��ب ع � �ل � ��م ال � �� � �ش � �ه ��ام ��ات
م � � � ��وروث� � � � �ه � � � ��م زاي � � � � � � � ��د وزاي� � � � � � � � � ��د وخ � �ي � ��ره
زاي � � � � � ��د وزاي � � � � � � ��د زاي � � � � � � ��دن ب � ��ال� � �ك � ��رام � ��ات
ه� � � � � ��ذا خ � �ل � �ي � �ف� ��ه ب � ��ال� � ��� � �ش� � �ه � ��ام � ��ه � � �س � �ف �ي�ره
راف � � � � ��ع � � �ش � �ع� ��ار ال � � �ع � � ��ز ب � �ع�ل��ا امل � �ق� ��ام� ��ات
�� �ش� �ع� �ب ��ك ي� ��اب� ��و� � �س � �ل � �ط� ��ان م � ��اب � ��ه ق� ��� �ص�ي�ره
م� � ��ن ف� ��� �ض ��ل خ � �ي ��رك ب� ��اي � �ت �ي�ن ب �� �س �ه�ل�ات
و�أم� � � � � � � � � ��ا ج� � �ب� � �ل� � �ن � ��ا ع� � � ��زن� � � ��ا اهلل ي� � �ج �ي��ره
ه � � � ��ذا ب � ��وخ � ��ال � ��د ف � �خ � ��ر ك � � ��ل الإم� � � � � � � ��ارات
ويل ع� � � �ه � � ��د امل� � � � �ج � � � ��د م � � � � ��ا ح � � � � ��د غ� �ي ��ره مي � � � �ن� � � ��اه ن � � � �ه� � � ��رن م � � � ��ا ي � � � ��و ّق � � � ��ف خ� � ��ري� � ��ره
�� � �س� � �ن � ��ام را�� � � � � ��س ال � � �ع� � ��ز ف� � � � ��وق امل� � �ق � ��ام � ��ات وي � �� � �س� ��راه م � ��ن مي � �ن� ��اه ت �� �ش �ك��ي خ� ��� �س ��ارات
ال وق � � �ف� � ��ت رو� � � � � � ��س اجل � � � �ب� � � ��ال ال � �� � �ش � �ه �ي�ره
اج � � �ب� � ��ال � � �ن� � ��ا ط� � �ي � ��ب وم � � � � � � ��وده ووق � � �ف� � ��ات
المحكي شعر ًا 84 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
-2الشعر له معنى غزير ا� � � �ش � � �ه � � ��د ان ال � � �� � � �ش � � �ع� � ��ر ل� � � � ��ه م� � �ع� � �ن � ��ى غ � ��زي � ��ر وامل� � � � � � � � � � � � � � ��داد اي� � � � � � �ج � � � � � ��ود واخل � � � � � � ��اط � � � � � � ��ر ك � �ت� ��ب يف ح � � � �ي� � � ��ات� � � ��ي زم � � � � �ه� � � � ��ري� � � � ��ر ال � � � � � ��وق � � � � � ��ت غ�ي��ر واب � � � � � � � � ��ل الأ� � � � � � �ش � � � � � �ع� � � � � ��ار ه � � � � � � ّم� � � � � ��ال ال� � ��� � �س� � �ح � ��ب م� � � � ��ن ظ� � � �ل� � ��ام ال � � �ع � � �� � � �ش� � ��ق ك� � � �ن � � ��ي و�� � � � �س � � � ��ط ب�ي�ر �أ� � � � � �ص � � � � �ف� � � � ��ق ال� � � � �ك� � � � �ف � �ي� ��ن و�أد ّور � � �س � �ب� ��ب ان � � �ك � � �� � � �ش� � ��اف ال � � � ��زي � � � ��ف يف � � � � �ص� � � ��در ال � �� � �ض � �م �ي�ر ي � � ��دح � � ��م اك� � � � �ت � � � ��اف ال� � � ��� � � �ص � � ��راح � � ��ه ب ��ال � �غ � �� � �ص ��ب ل � � �ي� � ��ن ب � � � � ّي � � � �ن � � � �ه� � � ��ا ع� � � � �ل � � � ��ى وج� � � � � � � � ��ه ال� � � �غ � � ��ري � � ��ر وا�� � � � �س� � � � �ت � � � ��وى امل � � � �ن � � � �ت � � ��وج يف ال � � � �غ � � ��اف � � ��ل ع� �ت ��ب م � � ��ن ع� � �ط � ��ان � ��ا م � � ��ن � � � �ص� � ��دى ال� � ��� � �ص � ��دم � ��ه ن ��ذي ��ر ن � � � ��رف� � � � �ع � � � ��ه رت� � � � � �ب � � � � ��ه ع� � � � �ل � � � ��ى ك � � � � � ��ل ال � � � ��رت � � � ��ب وم � � � � � � � ��ن ي� � � �ف � � ��اج� � � �ئ� � � �ن � � ��ا ب� � � �ط� � � �ع� � � �ن � � ��ات � � ��ه ح � �ق�ي��ر ن� � � � �ك � � � ��ره � � � ��ه ل � � � � � ��و ك � � � � � � � ��ان ق � � � � �ن � � � � �ط� � � � ��اره ذه � � � ��ب �� � � �س� � � �ي � � ��ف وج� � � � � � � ��ه ال � � � �� � � � �ص� � � ��د ب � � � � � �ت� � � � � ��ا ٍر � � �ش � �ط�ي��ر وامل� � � � � � � �ح � � � � � � ��اين م � � � � � ��ن �� � � � � � � �ص � � � � � � ��دوده ت � �ن � �ت � �ح� ��ب ذاك م � � � � � ��ن � � � � �س � � � � ّل� � � ��ط م � � � � � ��ع ظ � � � �ل � � � ��ي خ � �ف�ي��ر وي� � � � � � ��ن م � � � � ��ا �أق � � � � �ب � � � � �ل � � � ��ت ي� � � ��ذري � � � �ن� � � ��ي امل� � � �ه � � � ّ�ب ي � � �� � � �س � � �ت � � �ف � ��زك ب � � �ع � � ��� � ��ض االح � � � � � �ي� � � � � ��ان احل � � ��ري � � ��ر مل � � � �ع � � � �ت � � ��ه ح� � � � � �ل � � � � ��وه وم � � � �ل � � � �ب� � � ��و� � � � �س� � � ��ه خ � �� � �ش � ��ب وي� � � � �ق� � � � �ه � � � ��رك م � � � � ��ن ي � � � ��دع � � � ��ي ب� � � � � ��أن � � � � ��ه � � �س � �ف �ي�ر و�إن زه � � �م � � �ت � � ��ه � � � �ش � � �ف � ��ت م� � � � ��ن رده ع� �ج ��ب ج � � �ي � � ��ت �أ ّ مل ال � � �ط � � �ي � � ��ب يف ب � � �ط � � ��ن اجل� � �ف �ي��ر جل � � � � ��ل �آك � � � � � � � ��ل م � � � � ��ن ع� � � �ن � � ��ا ال� � � ��رح � � � �ل� � � ��ه رط � � ��ب م � � � � ��ا ج � � �ن � � �ي� � ��ت اال ال� � � �ع� � � �ن � � ��ا وال � � �ق � � �م � � �ط� � ��ري� � ��ر وال � � �� � � �س � � �ه� � ��د وال � � �� � � �ض � � �ي� � ��ق و�أن� � � � � � � � � � � ��واع ال � �ت � �ع� ��ب
صباحات القصيدة الشعبية الجديدة
ألفبائية
مريه القا�سم
ماذا يريد ال�شاعر من الن�شر ،وقبل ذلك ما الذي يريده من ال�شعر؟ هل يرى فيه مر�آة للذات؟ �أم فر�صة لوقوف حتت ال�ضوء؟ ما هو الن�ص احلقيقي؟ كيف نحكم عليه؟ وما هي مقايي�س و�شروط التجديد؟ ب�صيغة �أخرى: هل الق�صيدة جمرد ح�شد لأفكار و�صور حتى لو جاءت تلك الأفكار وال�صور مكررة من دون جديد؟ �أم �أن الق�صيدة لكي حتمل هذا اال�سم ينبغي �أن تكون عم ًال مكثف ًا ينتج عن بحث ال�شاعر يف املجهول وحماولة اكت�شاف عالئق جديدة رمبا تكون خفية بني املفردات؟ ه��ل هناك ف�صل ب�ين العقل والعاطفة يف بناء الن�ص؟ وما العالقة التي تربط ال�شكل بامل�ضمون؟ هل هي عالقة ان�صهار تذوب خالله الفوا�صل بينهما يف منتج جديد هو الق�صيدة� ،أم �أنهما يبقيان منف�صلني ي�ؤدي كل منهما وظيفته؟ �أ�سئلة كثرية يجب �أن يجيب عليها ال�شاعر قبل ال�شروع يف الكتابة .
م�ضمون
ال�شعر يعيد النظر فيما يحيط بنا من �أ�شياء متحركة ومتغرية ،يف الإبداع ال توجد �أ�شياء ثابتة ،كل ن�ص يهدم ليبني على �أنقا�ض الهدم ن�ص ًا �أن�ضر و�أغنى ،لذا يقوم الناقد ب�إعادة كتابة الن�ص ،كما �أن ال�شاعر -وهو نقطة االرت��ك��از -يف �إمكانه �إعطاء عامله �أ�شكا ًال خمتلفة ،لأنه ميتلك الر�ؤية .وال�شعر ح��ل��م ،ن��وع م��ن ال��وه��م ،لكن �أي���ن الناقد املتفح�ص يف دنيا الق�صيدة ال�شعبية؟ وكم �شاعر ًا حقيقي ًا منتلك؟
يقول �أدوني�س�« :إن قيمة ال�شعر لي�ست يف م�ضمونه فقط� ،إمنا يف كيفية التعبري عن هذا امل�ضمون» .هل يف تلك العبارة �إجابة ما على ال�س�ؤال!
تقليد
ي��ق��ول ه��ورا���س« :ك���ان �آب���ا�ؤن���ا خ�ي�ر ًا منا، و�آب��ا�ؤه��م خ�ير ًا منهم ،ونحن خ�ير ممن �سي�أتون بعدنا!» هذه هي الق�شة التي يتعلق بها الغارقون يف تقليديتهم الفجة ،امل�ؤمنون بقيم الثبات دون حماولة للتخطي ،وك�أن يف التخطي خطيئة ،فهم موقنون �أن ال�شعر القدمي منوذج� ،أو ينبغي �أن يكون النموذج الذي نقي�س عليه كل ما يجيء بعده ،ويرون يف التمرد عليه خروج ًا عن التقاليد ،خروج مبا حتمله املفردة من �سلبيات ،فالأقدمون يف نظرهم -هم على حق دائم ًا ،ويف هذا�إلغاء للعقل. �أم��ام هذه الأف��ك��ار ،على ال�شاعر �أن يكون ثائر ًا كي يكون جمدد ًا ،عليه �أن يتجاوز ما �سبق ليكون متميز ًا ،عليه �أن يعرف ويعرتف �أن ال قناعات نهائية يف ال�شعر ،و�أن ال�شعر يكون باخلرق ،خرق العادة والتقليد والنمط، �أو اخلرق فيهما ،خرق يف اللغة وخرق بها. ن�صحو كل �صباح فنكت�شف �أن �أطفالنا نحتوا م��ف��ردة ج��دي��دة يف لغتنا لتنا�سب ده�شتهم وطزاجتهم وت��ع�بر عما يطر�أ علينا كل �صباح� ،إنهم ينحتون اللغة ،وعلى �شعرائنا ال�شعبيني �أن يكونوا �أطفالنا فينحتون لنا ما ي�شبه �صباحاتنا اجلديدة، �ألي�س ال�شعر لغة؟
ألسنة عربية 86 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
هل يكون م�صري «الف�صحى» كالالتينية!
قراءة في أسرار العاميةالسورية أمثال وتعابير شعبية من جبل حوران
�سالمة عبيد اللهجات العامية العربية كثرية ومنها العامية ال�سورية .والعامية ال�سورية لي�ست واحدة �إذ �أن هناك اختالفاً وا�ضحاً بني لهجة احل�ضر ال�سوريني والبدو ال�سوريني، وهناك اختالف ملحوظ بني الريف واملدينة وبني الأرياف نف�سها واملدن نف�سها هناك لهجة �شامية وهناك لهجة حم�صية وحلبية ،وهناك لهجة حورانية وديرية «دير الزور»، ولهذا عندما نتحدث هنا عن اللهجة العامية ال�سورية ،ف�إمنا نعني امل�صطلحات العامية امل�شرتكة� ،إىل حد ما ،بني �سوريا ولبنان وفل�سطني والأردن. وال �� �س ��ؤال امل��ط��روح :ه��ل للهجة ال�شعبية ال�سورية ،قواعد مثل قواعد اللغة الف�صحى؟! طبع ًا ال ،لأن ه��ذه اللهجة ال �ضابط لها، �إذ �أن ك��ل منطقة وك��ل مدينة وح��ي ،كل حي �أحيان ًا يتكلم «على هواه» ولكن هناك بع�ض النقاط امل�شركة قد ت�ساعدنا على «ا�ستنتاج» بع�ض ال�ق��واع��د العامة للهجة العامية ال�سورية و�إن مل تكن هذه القواعد «ملزمة» دائم ًا �أو عامة �شاملة دائم ًا. �أهم ما مييز اللهجة العامية ال�سورية �إنها ال تراعي القواعد املدر�سية للف�صحى ،بل هي تتمرد عليها وتتحداها حتى كادت تعترب «لغة» قائمة بذاتها ،وهذا خط�أ وا�ضح ،لأن اللهجة ال�سورية ه��ي العربية الف�صحى يف حالة الفو�ضى واالنحطاط ومن املمكن جد ًا رفع م�ستواها وتهذيبها حتى تندمج بالف�صحى �أو تندمج الف�صحى بها ،وهذا ممكن.
الف�صحى وم�صري الالتينية
وقد يعتقد بع�ضهم �أن م�صري اللغة الف�صحى �سوف يكون م�شابه ًا مل�صري اللغة الالتينية ال�سائدة يف الع�صور الو�سطى والتي ان�شقت منها �أو عنها ال�ل�غ��ة الفرن�سية م�ستقلة واللغة الإ�سبانية م�ستقلة واللغة االيطالية والرومانية والربتغالية وغريها م�ستقلة ،ويف اعتقادنا �أن ه��ذا لن يحدث ب�سبب الوعي ال��وط�ن��ي ال�ق��وم��ي ال�ع��رب��ي ال��ذي يف�ضل �أن تكون له لغة �أدبية وعلمية واحدة و�أداة تعبري واحدة – ويف ا�ستطاعة هذه الأداة العربية
امل�شرتكة �إيجاد لهجة عربية مب�سطة ومقبولة ال هي الف�صحى التقليدية املتزمتة وال هي العاميات املحلية الع�شوائية ،ومن �أه��م ما مييز اللهجة العامية: �إنها ترغب يف الت�سكني رغبة �شديدة حتى �إن�ن��ا ن�ستطيع ال�ق��ول �إن الت�سكني ه��و �أب��رز مظاهر اللهجة العامية. �إنها تخفف املهموز ال�ساكن فتقول را�س ،بري، بري� ،سما ،بد ًال من ر�أ�س ،بئر ،بريء� ،سماء. وهذه ح�سنة من ح�سنات اللهجة العامية. �إنها متيل �إىل االخت�صار �أو االختزال بحيث ي�صعب �أحيان ًا �أن تدرك جذور الكلمة اجلديدة العامية �أو التعبري اجلديد العامي ف�إذا �صادفنا ه��ذا التعبري مث ًال :لي�ش؟ مبعنى مل��اذا؟ بدت كلمة «لي�ش» �شيئ ًا غريب ًا على �أ�سماعنا لأول وهلة ،ولكن ب�شيء من التحليل جند �إنها مكونة من لأي �شيء؟ وكذلك� :إي�ش هذا� :أي �شيء هذا – وكذلك بدي �أعرف :بودّي �أن �أعرف ،ا�ست َنى وي :انتظر قلي ًال ،ن�ص �ساعة :ن�صف �ساعة، ْ�ش ْ ا�ست َناَ :ت�أنّ �شيئ ًا قلي ًال. �إنها تكرث من التحريف ب�سبب �أن ال �ضابط لها ،فنجد �ضوابط مت�شدَ دة للف�صحى منها القر�آن الكرمي ومنها ال�شعر والأدب والقواعد املدر�سية ،ولهذا جند كثري ًا من الكلمات التي
تميل العامية إلى االختصار أو االختزال بحيث يصعب أحيان ًا أن تدرك جذور التعبير الجديد
تبدو غريبة على �أ�سماعنا لأول وهلة ولكنها ف�صيحة الأ�صول مثل :و ْي��ن؟ �أ�صلها �أي��ن؟، زغري� :أ�صلها �صغري ،مني �أ�صلها منْ ؟ ،ال�ستَ �أ�صلها :ال�سيدة. �إنها حتتوي على عدد كبري من الكلمات ال �ت��ي نعتقد �إن �ه��ا ع��ام�ي��ة حملية م��ع �أن�ه��ا يف احلقيقة ف�صيحة ع��ري�ق��ة و�إمن���ا �شاع ا�ستعمالها يف املحادثة ال�شفهية �أك�ثر من اال�ستعمال الأدبي الكتابي ،مثل� :شاف مبعنى ر�أى ،وب�ك��ره مبعنى غ ��د ًا ،مب�سوط مبعنى م�سرور «انب�سطت �أ�سارير وجهه» ،انقطع اخلط مبعنى ُق ِطع اخلط. �إنها ت�ش َوه ْ نطق بع�ض احلروف مثل ال :ث، ذ� ،ض ،ظ ،ق. تلفظ بع�ض كلماتها بطريقة �أب�سط من طريقة الف�صحى �إذ لفظ كلمة يوم، دور ،ث��ور ،ح��ور ه�ك��ذا :ي � ْوم مثل HOME االنكليزية د ْور مثل DOORومثلها ثور تور، وحور .ويف بع�ض احلاالت نالحظ الإمالة يف الفتحة والأل��ف فتلفظ مثل « »Eفقد تلفظ الكاف يف َكتَب � KAأو ،KEمدينة تدمر ق��د تلفظ TEDMURب �ي�روت،BEY ... �أحمد EH ...وهكذا. �إن للعامية ال�سورية �ألفاظها اخلا�صة بها �أو املتداولة فيها مثل « َب ْع ُده» حتى الآن :بعده ما و�صل مبعنى مل ي�صل حتى الآنَ ،ب ْ�س :فقط ل�سا :حتى هذه ال�ساعة «فل�سطينية»، يكفيّ ، َب ْر ُ�ض ْه «ومع ذلك» «فل�سطينية»� ،أبو �شوارب، �أب��و بطة ،بالإ�ضافة �إىل بع�ض املجامالت
ألسنة عربية 88 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
اطفال من مدينة حوران
خاط ْركم «�أ�ست�أذنكم»، املحلية مثل مرحباْ ،ب ِ ً اهلل يعطيكم ال َعا ِف َيهْ ،وتقال ت�شجيعا للعمال �أثناء العمل. �إنها ت�ستخدم الكثري من املفردات الأجنبية وخا�صة الفرن�سية يف التعابري الفنية التقنية.
كيف تتمرد العامية على الف�صحى؟
تختلف ال�ع��ام�ي��ة ع��ن الف�صحى يف نقاط �أه ّمها :اعتماد اللهجة العامية على الت�سكني فال فتحة يف �أواخر الكلمات غالب ًا وال �ضمة وال ك�سرة وم��ن ث��م ال تنوين �إج �م��ا ًال� .أم��ا االختالفات الأخرى فهذه �أه ّمها:
�أ -يف الأ�سماء
الأ�سماء اخلم�سة� :أب��وك� ،أخ��وك ،حموك، فوك ،ذو �شاربني يقابلها يف العامية� :أبوك، �أخ��وك ،عمك ،ث ّمك �أو ّمت��ك و�أب��و �شوارب وه��ذه الأ��س�م��اء تبقى على حالها يف ّ�شتى ا�ستعماالتها مث ًال�« :أبوك �أر�سل هذا القامو�س �إىل �أخوك يف اجلامعة»�« ،صادفت �أخوك يف املدينة �أم�س» ،ومثلها �أبو �شوارب و�أبو ّ بطة. وت�ستبدل «�أب��و» �أحيان ًا بـ «�صاحب» :مثال: �صاحب ْ املال تعبانْ �أي ذو املال قلق دائم ًا، �أم��ا املثنى ف ُي�ستعمل بالياء وال�ن��ون دائم ًا: و��ص��ل رف�ي� َق�ْيننْ م��ن رفاقنا �أم ����س� ،سافرت
زميل َتينْ من زميالتنا �إىل دم�شق� ،صادفت زميلني قدميني يف املدينة �أم�س. �أم��ا جمع امل��ذك��ر ال�سامل في�ستعمل بالياء النجارِين اجلدد ِو ْ�صلوا �إىل والنون دائم ًاّ : الور�شهْ ،رجع املعلمِ ني من العطلة �أم�س� ،أو ِ رجعوا املعلمني. ْ �أما جمع الإناث فال تعرتف به اللهجة ال�شعبية املعلمات يف ال�صفة �أو يف اخل�ب�ر ،غ��ال�ب� ًا: ْ جم�ت�ه��د ِي��نْ ،وق��د ي�ق��ال جم�ت�ه��دات ،البنات ال�صغار «الزغار» ت�أخروا اليوم ب�سبب الربد. وتتحول ت��اء الت�أنيث غالب ًا �إىل ي��اء �أو الف �أو هاء �ساكنة ،اجلمهورية العربية ال�سورية تلفظ «اجلمهور ّيي العر ِب ّي ِي ال�سو ِر ّي ِي» ،بكينُ مدين ٌة عظيم ٌة :بك ْني مدي ِني عظيمي ِ ،مدينا �دت عظيما ،وج ��دتُ حمفظ ًة ف��ارغ � ًة :وج� ْ َ حمفظ ْه َ فارغه ،وال�س�ؤال: حم َفظا فا ْرغا� ،أو متى تتح ّول تاء الت�أنيث �إىل «ي» ومتى تتح ّول
قبل الحرب العالمية األولى شاعت مفردات تركية في اللهجة العامية السورية ،ولكن هذا التأثير تضاءل حتى انقرض في ظل االنتداب الفرنسي
�إىل «ا»؟ ن�لاح��ظ �أن الأ� �س �م��اء املنتهية يف امل��ذك��ر ب��احل��روف احللقية ح /خ /ع /غ /هـ / واللهوية قد تتحول تاء الت�أنيث فيها �إىل «ا» مثال� :صحيح� ،صحيحة� :صحيحا .مذبوح، م��ذب��وح��ة :م��ذب��وح��ا .رف�ي��ع رف�ي�ع��ة :رفيعا. ممنوع ،ممنوعة :ممنوعا .طباخ ،طباخة: طباخا ،مطبوخ ،مطبوخة :مطبوخا .دابغ، دابغة :دابغا .م�صبوغ ،م�صبوغة :م�صبوغا. ونالحظ كذلك الأ�سماء املنتهية يف املذكر باحلروف �ص � /ض /ط تتحول تاء الت�أنيث فيها �إىل «ا» ،مثل راق�ص راق�صة :راق�صا، مق�صو�ص ،مق�صو�صة :مق�صو�صا .عري�ض، عري�ضة :عري�ضا .حام�ض ،حام�ضة :حام�ضا. م��رف��و���ض ،م��رف��و��ض��ة :م��رف��و��ض��ا� .ساقط، �ساقطة� :ساقطا .خملوط ،خملوطة :خملوطا. ولع ّل اللهجة العامية تعتربها من احلروف امل ّفخمة فتفرق ب�ين ال�صاد وال�سني وبني ال�ضاد وال��دال وبني الطاء والتاء �أما حرف ال��راء فقد تتحول هاء الت�أنيث فيه �إىل «ا» �أحيان ًا و�إىل «ى» �أحيان ًا :كبري ،كبريه :كبريى. �شاكر� ،شاكره� :شاكرى .من�صور ،من�صوره: من�صورا .بزّار ،بزارة :بزّارا.
ب -يف ال�ضمائر
ب�سبب �أن اللهجة العام ّية تتعمد ال�سكون ف�إننا ن�ق��ر�أ �أن��ا در��س��تُ و�أَ ْن ��تَ در��س��تَ � :أن��ا در�ست� .إال �أن اللهجة العامية نت ْ در�س ْت و�إِ ْ ْ � ن � أ فنقول: ؤنث � امل �االت � ح تراعي �تَ در�ستَ در�س ِت «�أو أنت در�ست�ِ .إ ْن ْت َد َر ْ�س ْت؛ � ِ ِ و� ِ إنت ْ در�ستي». ِ واللهجة العامية تفرق بني املخاطب املذكر واملخاطب امل��ؤن��ث :ك ِي ْف حا َلك يا �أحمد؟ بفتح ال�لام ،ك ِي ْف حا ِلك يا �سعدي بك�سر الالم، ْ أنت /ع ّمك �أنتَ ومثلها بيتَك �أنتَ /بي ِتك � ِ أنت /وين «�أين» كتا َب ْك �أنتَ /وين /ع ِّم ْك � ِ إنت. كتا ِب ْك � ِ ً كما �أن نون الن�سوة ال تظهر غالبا يف اللهجة ال�شعبية :املعلمني اجلدد و�صلوا واملعلمات اجلدد و�صلوا ،الطالب جنحوا والطالبات جنحوا �أي�ض ًا.
ج -يف الأفعال
�صيغة املجهول يف اللهجة ال�شعبية هي انفعل لأ ُف ِعل مثال :انك�سر الكوب ،اجنرح ا�صبعي، انطرب اجلمهور ،ان�سمع دوي املدافع. ومع الفاعل اجلمع �أو الفاعل املث ّنى يظهر الفعل ب�صيغة اجلمع ،فـ «املعلمون َو َ�صلوا» ت�ق��اب��ل «و� �ص��ل امل�ع�ل�م��ون» يف الف�صحى .و «امل�ل�ازم ُطب َع ْت �أم����س» تقابلها يف العامية «املالزم انطبعوا �أم�س» ،و «الزميالن جنحا /جنح الزميالن» تقابلها «الزمي َلينْ جنحوا /جنحوا ال��زم�ي� َل�ْي�نْ » ،وك��ذل��ك «الزميالت جن �ح��ن /جن �ح��ت ال ��زم� �ي�ل�ات» ت�ق��اب�ل�ه��ا «الزميالت نجَ َ حوا /جنحوا الزميالت». ً وتختفي هاء الغائب املذكر وامل�ؤنث غالبا يف اللهجة العام ّية: الف�صحى :ه��ل �سمعتَ ه��ذا اخل�ب َ�ر؟ نعم معت هذا �سمع ُت ُه ،SEME’TUوعاميتها�ِ :س ْ اخلبرْ ؟ نعم «�أيوه» �سمع ِتو. َ ال�ف���ص�ح��ى :ك �ت �ب��تَ در�� �س ��ك؟ ن �ع��م كتبتُه كتبت در��ّ�س� ْ�ك؟ /KETEBTEوعاميتها: ْ نعم كت ْبتُو � /أي ��وه َك � َت � ْب � ُو .بالف�صحى :هل �سمعتَ هذه الأغنية اجلديدة ،نعم �سمعتُها، �سمعت هذه الأغني ْه اجلديد ْة وعاميتها :هل ْ نعم ْ�سمِ ْعتا .SME’TA SEME’TA وهكذا نقول :بي ُت ُه «بيتو» بيتُها « َب ْيتا» كتا ُبه « ْكتا ُبو» – َب ْيت َو – بيتا BEITE – BEITU كتابو -كتابا .KTABA – KTABU يف العامية كذلك يحتفظ فعل الأمر بحرف �ام يا ول��د! و ُق� ْ�م: العلة من مثل :من يا ول��د :ن� ْ �وم .ق��لُ :ق� ْ وح ،غ��نِّ يا ُق� ْ �ولُ .ر ْح «اذه ��ب»ُ :ر ْ َ ّ �أحمد :غني يا �أحمد ،هو عط�شان ا�س ِق ِه :هو عط�شان ا�سق ِيهْ. يف امل�ضارع ي�ضاف حرف «باء» يف �أول الفعل امل�ضارع ما عدا املتكلم اجلمع فهو م�سبوق بـ «م» ل�سهولة النطق.مثال� :أنا �أدر�س العربية، يدر�س ،هي �أن��ت تدر�س� ،أن� ِ�ت تدر�سني ،هو ُ ت��در�� ُ�س ،نحن ن��در�� ُ�س� ،أنتم تدر�سون� ،أن�ت ّ ن تدر�سن ،هم يدر�سون ،هنَّ يدر�سن .لت�صبح: ر�س العربي ْة BUDRUS �أنا ُب ْد ْ ر�س BTUDRUS �أنت ْبت ُْد ْ ِ�إ ْنت ْبت ُْد ُر ْ�س
يعتقد البعض أن مصير اللغة الفصحى سوف يكون مشابه ًا لمصير اللغة الالتينية السائدة في العصور الوسطى وفي اعتقادنا أن هذا لن يحدث بسبب الوعي الوطني القومي العربي �إِ ِنتي ْبت ُْد ْر�سى BTUDURSI �س BIUDRUS هو ْب ُي ْد ُر ْ
�س BTUDRUS هي ْبت ُْد ُر ْ
�س» MNUDRUS ْم ُن ْد ُر ْ�س « ِن ْح َنا ْم ُن ْد ُر ْ
ِن ْحنَ سوا BTUDRSU �إِنتُو ْبت ُْد ْر� ُ ِ�إنتُو ْبت ُْد ْر�سو ُا هُ ْم ْب ُي ْد ْر ُ�سوا BIUDRSU ِه َّني ْب ُي ْد ْر ُ�سوا ي�لاح��ظ م��ن ه ��ذا ال�ت���ص��رف ��س�ق��وط ن��ون امل�ضارعة نت ْبت ُْد ْر�سي BTUDRSI �أنت تدر�سني �إِ ِ �أنتم تدر�سون �إِ ْنتُو ْبت ُْد ْر ُ�سوا BTUDRSU ولن�أخذ من ت�صريف فعل �شاف «ر�أى» مثا ًال، يف املا�ضي: ْت الفلم اجلديد ANA SHIFT �أنا �شف ّ �ت �شفت الفلم اجل��دي��د »INT «INTE �أن � ْ SHIFT
نتي �شفتي الفلم اجلديد INTI SHIFTI ِا ِ هو �شاف HU SHAF
هي �شافت HI SHAFET
نحن �شفنا « ْن ِحنا» NIHNA SHIFNA انتو �شفتوا «INTU SHIFTU «too
يف بادية حوران ي�صنع النا�س لغتهم
هني �شافوا «»HINNI SHAFU foo �أما يف امل�ضارع: �أنا ب�شوف ANA BSHUF �أنت بت�شوف INT BITSHUF انتي بت�شويف INTI BITSHUFI هو بي�شوف HU BISHUF هي بت�شوف HI BITSHUF «نحنا» نحن من�شوف NIHNA MINSHUF
انتو بت�شوفوا INTU BITSHUFU
هم �شافوا «HUM SHAFU «foo
هم بي�شوفوا HUM BISHUFU هني بي�شوفوا HINNI BISHUFU ّ
ويف الأمر: �شوف �أنت! SHUF – SHOOF �شويف �أنتي! SHUFI – SHOOFI �شوفوا �أنتو! SHUFU – SHOOFOO
ألسنة عربية 90 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
م�شهد من م�سل�سل احلارة ال�سوري
نفي الأفعال
يف النفي ال ت�ستعمل اللهجة العامية «مل» وال «ملّ��ا» بل تكتفي غالب ًا بـ «م��ا» :ما ْع ِر ْفنا /ما ْ�سمِ ْعنا /ما َب ْع ِر ْف /وقد تزيد بع�ض املناطق ال�سورية «���ش» على �آخ��ر الفعل املنفي على ْ عرفنا�ش /ما طريقة العامية امل�صرية ما ْ �سمعنا�ش /ما بعر ْف ِ�ش.
تعتمد اللهجة العامية على التسكين فال فتحة في أواخر الكلمات وال ضمة وال كسرة وال تنوين إجما ً ال
ب ��رىء�� /س�م��اء ،تلفظ يف ال�ع��ام�ي��ة :را���س/ فا�س /بري /رو�س /برى� /سما� ،أما الهمزة املفتوحة �أو امل�ضمومه فتلفظ غالب ًا�:س�أل/ م�س�ؤول /ف�ؤاد.
االخت�صار
تعتمد االخت�صار �أو االخ �ت��زال �إىل درج��ة ْفهمت�ْ /سمعناْ /فهمنا. كبرية �أحيان ًا مث ًال على: علي ِو ْح�س ِني ت�صبح ع �أو «عا» َع َق ْد لحْ ا َف ْك ِم ّد ر ِْج َل ْي ْكَ /ع واو العطف تلفظ مك�سورة غالب ًاِ : الت�سكني بح ْ بك يا ال ي ري احل�ص ِ طويلي وال ق�ص ِرييّْ / لي. ع و ني ح�س ال�ساكنة: أو � ْ َ ْ ِ تعتمد اللهجة العامية الت�سكني �أواخر الكلمات ا�سواري َع ِز ْندي ْال! مثال�ْ :سمِ ْع ْت انّ � ْ أخوك تخ ّر ْج من اجلامعهْ. كد ْ حتى ت�صبح ت� ،أو تاِ :ع ْ ي�ش تا يطلع ي�ش يا ْ مربوك! وت�سمح بالتقاء ال�ساكنني على خالف الهمزة ْ ْ تقول ْ احل�شي�ش /ال ْ فول تا ي�صري با َمل ْك ُيول/ الف�صحى�ْ :سمِ ْع ْتْ /فهِ ْم ْت .وت�سمح باالبتداء الهمزة ال�ساكنة �أو املتط ّرفة تهمل يف اللهجة يكح ْلها عماها. بال�ساكن على خ�لاف الف�صحى� :سمعت /العامية ،غالب ًا :ر�أ�س /ف�أ�س /بئر /ر�ؤو�سِ � /إجاتا ِ ْ ال��ذي التي ،الذين اللواتي :تخت�صر بـ ه ّلي �أو ال ّلي ،مثالِ :ه ّلي «اللي» ا ُم ْه خ ّبا ِز ْه ِبيجو ْع. العامية الف�صيحة ِه ّلي «اللي» ِبت ُْح ُّط ْه بال َّد ْ�ستُ ِبتْ�ش ِي ُل ْه با َملغْر ِفهْ. يف العامية كثري من املفردات �أو التعابري التي يعتقد النا�س �أنها عامية �أو ِه ّلي «اللي» كانو ْزغا ْر �صاروا كبا ْر «الذين ��ص��رف ولكنها يف احلقيقة ف�صيحة الأ� �ص��ول مثبتة يف معاجم اللغة كانوا �صغار ًا �صاروا كبار ًا». مثلُ ،ك ْرما َل ْك «اك��رام�اً لك» – ع� ْ �ال «ممتاز» – كوي�س «ت�صغري َك ِّي ْ�س» ومن �أمثلة ذلك� :أخوك عندنا� :أخوك ِع ّنا، َ – مب�سوط «م�سرور» منب�سط الأَ�سارير – َخ ّل ِي ْه َ «خ ِّلهْ /اتر ْك ُه» َنط ُر ْه ما هذا؟ �أي �شيء هذا؟� :أَ ْي ْ�ش هذا؟ُ ، ن�صف ْ م�ضبوط «مبعنى �اب «جلب� /أح�ضر» «انتظره ،ومنها الناطور» – ج� ْ ُ ُ ال�س ّت�ِ ،شي ٌء : ة ال�سيد ْ، ه �ساع �ص ن : ة �ساع ٍ َ ّ ِّ �صج»ْ ، با�س « َق ّبل» ومنها بع�ض املجامالت. �شاف «نظر» – ْ قلي ٌل�ِ :شي َق ْ ْ ليلَ ،ج َّدتي�ِ :ستّي ،جمان ًا /بال اهلل مْي�س ِّي ُك ْم ب��ا ّ «م�ساكم باخلري جعل م�ساءكم خ�يراً» /يا هَال خل�ْيررْ ْ ّ :
بال�ضيف� :أه ً ال بال�ضيفْ /بخاطِ ْر ُكم� :أ�ست�أذنكم.
��ش��ىءٍ َ :ب�لا�� ْ�ش ،هنئ ًا ل��هِ :ن� ّي��ال� ُو ،NYALU موجود :ما موجو ُد «ال�شيء» :فيِ ،Feeغري ٍ �ودي� /أح��بَ :ب��دِّ ي فيِ � ،MAFeeأرغ ��ب /ب � ّ � ،BADDIأقدر /يف ا�ستطاعتيِ :ف ّي ِى ،Fiyi ال �أق��در :ما ِف ِيى ،هكذا :هَ ْي ْك ،HEIKهُ نا: هُ ْونْ ،HONEالب�أ�سَ :م ْع َل ْي ْ�ش ،MA’LEISH البا�س ،LABASماءَ :م ْيَ /م ّيهْ ،جاء� :إِجا ،IJAجا َءتِ � :إج ْت ،IJITال :لأْ.
ت�شويه نطق احلروف
يلفظ حرف ث�« :س» �أو «ت» يف بع�ض املناطق وخا�صة يف دم�شق ،ف �ـ«�أث��اث البيت» تلفظ «�أ�سا�س البيت» .وكذلك: ثوم :توم تُوم TOOMمثل ROOM ثورَ :ت ْور TOORمثل DOOR �أما حرف «ذ» فيلفظ «ز» �أو «د»> مثل لذيذ تلفظ لزيز ،ذيب تلفظ ديب. وحرف الـ «�ض» قد يلفظ �شبه «د» مثل �ضر�س تلفظ ِد ْر� � ْ�س ،بينما ح��رف «ظ» يلفظ �شبه «ز» مثل عظيم ع��زمي ،وح��رف الـ «ق» يلفظ ب�أ�شكال متعددّة بالإ�ضافة �إىل ُن ْطقه التقليدي املدر�سي ،و�أ�شهر هذه الأ�شكال «�آ» ق��ال «�آل» – ُق��م «�أوم» .ويتحول يف بع�ض اللهجات وخا�صة الفل�سطينية �إىل «ك» ،قال «ك��ال» – ق��م «ك ��وم» ،و�إىل م��ا ي�شبه اجليم امل���ص��ر ّي��ة �أو احل ��رف ال�لات�ي�ن��ي « »Gق��ال «جال» .GAL /قريب «جريب» .GAREEB وهذه اللهجة بدوية غالب ًا� .أما حرف الكاف فيلفظ يف كثري من املناطق ال�سورية مبا ي�شبه «ت�ش» َ كيف �أنت؟ :ت َْ�ش ْي ْف �أ ْن ْت TSHEIF ENT اللهجة منتج ب�رشي ي�صنعه النا�س مبعامالتهم ْ�ش موجو ْد ABUTSHI �أبوك موجود؟� :أبو ت ِ ماُ :مو «مو موجود» وهذه اللهجة تكرث بني البدو واملت�أثرين بالبدو �أ ْن ِت� :إِن ِتي INTI ّاج ْه «لهجة دم�شقية» �أَ ْنت ُْم :انتو ENTU INTU �سجاده� :سد ِ من �سكان الأرياف النائية. ملعقةَ :م ْع َل َق ْه وتلفظ َم ْعلآ نحن نحنا /احناNIHNA IHNA �ألفاظ حملية هنِ :ه ّنى HINNI الألفاظ امل�ش ّوهة للعامية �أل �ف��اظ حملية ت�ستعمل يف بع�ض نثبت هنا منوذج ًا من بع�ض الألفاظ امل�ش ّوهة من؟ :مني؟ MEEN املناطق ال�سورية وال ت�ستعمل يف غريها �أو ق ّلما �صغريْ :ز ِغري ZGHEER الكثرية اال�ستعمال: ا�ستعملت يف غريها ،منها: �صفق :ز ّق ْف ZOQQAF �أين؟َ :و ْين؟ WEIN ال�ساعهْ؟ «�أَ َّد ْي�ش» هكذا :هَ ْيك HEIK �أنتَ � :أ ْن ْت INT كم ال�ساعة؟َ :ق َّد ْي�ش َ
ألسنة عربية 92 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
حتى الآن ما و�صلِ :ل ّ�سا ما ِو ِ�ص ْل «حتى هذه ال�ساعة» حتى الآن ما و�صلَ :ب ْع ُد ْه ما ِو ِ�ص ْل فقط /يكفيَ :ب ّ�س ذو �شوارب� :أبو َ�شوار ِْب ذات اخلالَّ � :أم ْ اخلال ومع ذلكَ :ب ْر ُ�ض ْه «فل�سطينية» نعم� /أي واهلل� :أَ ْي َو ْه لي�سُ :م ْ�ش « ُم ْ�ش موجود» لي�سُ :مو «مو موجود /لهجة دم�شقية» كما �أن هناك كلمات لها �أكرث من داللة :العم: هو �أخو الأب� /أبو الزوجة /العجوز امل�سن: مرحب ًا يا عم! واخلالة� :أخت الأم /الزوجة الثانية.
�ألفاظ �أجنبية
قبل احلرب العاملية الأوىل �شاعت مفردات تركية يف اللهجة العامية ال�سورية ،ولكن هذا الت�أثري ت�ضاءل حتى انقر�ض يف ظل االنتداب الفرن�سي « ،»1920 - 1946ويف ظ��ل هذا
االنتداب انت�شر الكثري من املفردات الأجنبية وخ��ا��ص��ة امل �ف��ردات احل���ض��اري��ة ال�صناعية اجلديدة وهذه بع�ض �أمثالها :املفرد الأجنبي الأ�صل «غالبا فرن�سي الأ�صل» �آلو« :للرد على الهاتف» ْبرا ُفو� :أح�سنت BRAVO ُ�شو َفيرْ � :سائق �سيارة CHAUFFEUR �سي� :سيارة �أجرة TAXI ت ْك ِ با�ص� :سيارة ركاب كبرية BUS ْ تْرانْ :قطار TRAIN َ�س ْرف ِي ْ�س :خدمة «يف مطعم� ،أو يف �سيارة �أجرة» SERVICE سونْ :خادم يف مطعم GARGON َج ْر� ُ ُب ْ وط :حذاء BOTTES
كم ق�صري SHORT َ�ش ْو ْ رت :بنطال ق�صري �أو ُ ما ُّي ْو :لبا�س الب�ساحة MAILLOT ُبو ْد َر ْه :م�سحوق POUDRE
ومي�ك��ن �أن ُن �ق��دم م�ئ��ات �أو �آالف الكلمات الأجنبية الأ�صل �إ ّال �أننا ال نحتاج �إليها يف ملحة موجزة كهذه ،ويح�سن بنا �أن نالحظ �أن �سوريا ولبنان ا�ستقيا مفرداتهما الأجنبية ب�ت��أث�ير االن��ت��داب الفرن�سي �أم ��ا فل�سطني والأردن والعراق فقد ظهر الت�أثري الإنكليزي يف مفرداتهم العامية. قد تبدو العامية لغة جديدة بالن�سبة لدار�س ال�ل�غ��ة ال�ت�ق�ل�ي��دي��ة امل��در� �س �ي��ة ول �ك��ن ب�شيء م��ن املمار�سة والتدقيق تخف ال�صعوبات الكثرية التي تواجهه يف تع ّلمها �أو �سماعها، ول�ع� ّل درا� �س��ة الأم �ث��ال ال�شعبية واال�ستماع �إىل الأغ��اين ال�شعبية ي�ساعدان على تذليل بمقدورنا إيجاد لهجة ال�صعوبات الكثرية التي تواجه الأجنبي الذي عربية مبسطة ومقبولة مل يتع ّود �إ ّال على تذليل ال�صعوبات الكثرية التي تواجه الأجنبي الذي مل يتعود �إ ّال اللهجة ال هي الفصحى التقليدية الر�سمية التقليدية المتزمتة وال
هي العاميات المحلية العشوائية
من العامية ال�سورية
ح ْم ُد للواح ْد ال َ فواز هاين منذر ا َ حل� � � � � � ْم� � � � � � ُد ل� � � �ل � � ��واح� � � � ْد َع� � � �ل � � ��ى ُك� � � � � � ��لِ الأح � � � � � � � � � ْ �وال �� � �ص � � ّ�ح� � � ّْح َم � � �� � � �س� � ��ا َر ْك وا�� � �س� � � ُل � � ْ�ك ال� � �� � َّ ��ص � � ْ�ح وال � � � َع� � � ْ �ال
ح � � � ��ا ِك � � � � ْم و َع� � � � � � � � � � ��اد ِْل ع � � � � � � � مِ ْ �ال و ُم � � � � ّْل � � � �ه � � � � َم ْرح � � � � � � � ُو ْم ا ّر َح � � � � � � � � � � ْم رح� � � � � ْم � � � � َ�ك اللهّ ُ وا� � � �س � � �ع� � ��ى ل� � �ه � ��ا د ُو ْم
د ّوا ْر دهْ � � � � � � � � � � � َر ْك دو ْم م� � � ��ا ه� � � ��و َع� � � �ل � � ��ى ح� � � � ْ �ال َع � � � � � � ��د ّو م � � ��ا ِك � � ��ر �� � َ� ��ص� � � ��ا ْر َم� � �� ْ� ��ص� � �ل � � ْ�ح ومِ � � � � ْر�� � �َ ��س� � � � ْ �ال
ح � � � ��ال� � � � � ُه احل� � � � �ل� � � � � ُو وامل � � � � � � � � � ْر و� � � � � � �س� � � � � ��رو ْر وه� � � �م � � ��و ْم
�اح � � �م � ��ى �أه� � � �ل� � � � ُو َو� � َ��س� � �ه� � � ُل � ��و ه� � � َم � ��ى ه � �م� � ْ �ال �إل � � � � �ـ َم � � َ
و� � ُ��س� � �م� � � ُر ال� � ��� � �س � ��واع� � � ْد � � � �س� � ��ورهُ � � � ْم � � َ� ��ص � � ��ا ْر م� � �ه � ��دو ْم َه� � � � � � ّْد و َر َح � � � � � � � ْ�ل َم � � ��ال � � � ُه � � � ِ��س � � � َوى ال � � �ط � � ��ر ْد َوال � � �ل � � ��و ْم
َع� � � � � � � � ��ار ِْك َع� � � � � � � ��د ّوك �إدح� � � � � � � � ��ر ُه � � �س � �ه � ��ام � � ْ�ك ط � � � � ْ �وال
وح� � � � � � � �دّك ح� � � � � � � � � � ��د ُود َْك دو ْم واحل� � � � � � � � � ّْد َم � � � ْع � � �ل� � ��و ْم �� � � �س � � ��و ٍر ع� � �ل � ��ى ال � � � � � َّرم� � � � � ْ�ل امل َ � � � �ط � � � � ُر ه� � � � ّدم � � ��و ُك� � � � ��و ْم
�إ� � �ْ ��س � � � �ع � � ��ى و ِك� � � � � � � � � ّد و َد ِّور ال � � � � َع � � � � َم � � � � ْ�ل وع� � � �م � � � ْ �ال وال ع� � � � � َّم � � � ��رو ع � � � � ��ال � � � � ��دار َه� � � � � ��امِ � � � � � � ْ�ل و�إه � � � � �م � � � � � ْ �ال
م� � � � ��ا�� � َ� � ��ص� � � � ��ا ْد ك� � � ��ا�� � ِ� ��س� � � ��ر ال ع � � � � �ل � � � � � ًّو وال ُح � � � � � ��و ْم ه� � � � � � �دّو ال� � � �ع� � � �م � � ��ا َر و�� � َ� � ��ص� � � � ��ا ْر �أط � � � �ل � � � � ْ �ال ور� � � � �س� � � ��و ْم
و ّد ال� � � � � � � � � � � � � َود ُو ْد َو� � � َ� ��س � � � ��امِ � � � ��ره َم� � � � ��ا َل� � � � � ْ�ك و َم � � � � � � ْ �ال � � � َ� ��ص � � � � ْد َرك ل � � ��� � ِ��س � � � َّر ْك �� � � �س� � � � ُو ْر ل� � ��و �� � َ��س� � ��اءل� � ��وا ال ْآل
وح � � � � ��امِ � � � � � ْ�ل ال� � � � � � � � ��دا ْء و�� � �س� � �م � ��و ْم واح � � � � � ��د ل � � � � � � � � � � َد ُو ٍد َ �إع � � � � �م� � � � � ْ�ل �أ� � � � � �ص � � � � � ّم ودوم م� � � ��ا �� � � �س � � ��امِ � � � � ْع ع � � �ل � ��و ْم
حل � � � �م � � � � َل ل � � ��و َم � � � � ْ ح� � � � ّك� � � � ْم ال � � � �ع� � � ��د َل و�إع � � � � � � � � � ْ �ال �دل ا ِ
ع � � � � � � � � ِّو ْد �أوالدك �� َ� ��ص� � ��ال� � ��ح ال� � � �ع� � � � َم � � � ْ�ل وع� � � �ل � � ��و ْم �أه � � � � � � � ُل ال� � � � � ُه� � � � �دَى وال� � � � � ُك � � � � ْ�ل �إ�� � � � �س � �ل� ��ا ْم َم� � � � � � ْع ُرو ْم
�إع � � � � � �م � � � � � ْ�ل ك � � � �ل� � � ��ا ِم ال� � � � � � � � � ��د ّر دِر ٍع و� � �س � �ل � �� � �س � ��ال م � � � ��ال � � � � � ُه �إل� � � � � � � � � � ُه لمَ ّ� � � � � � � ��ا امل� � � � � � � ��رء َم � � � � � ��ا ِل � � � � � � ْ�ك املَ� � � � � � � � ْ �ال
و َم� � � � � ��ا َل� � � � � � ْ�ك �إ َل � � � � � � � � � ْ�ك عِ � � � � � � � �دّه ح � � �ل � � � ً اال وم � ��و�� � �س � ��وم
�أ� � ّ��س� � �� � � ْ�س َع � ��� َ��ص � �ل � � ْد ال � ��� َ��ص � � ْم م � ��ا ه� � � � ْو َع � �ل� ��ى �� �س� �م � ْ �ال
َوال� � � � � � � � � � �دُك و�أم� � � � � � � ��ك طِ � � � � � � � ْع �أوام� � � � � � ��رهُ � � � � � � � ْم � � � �س � � �� ْآل
ِد ُرع ال� � � � � �دَراهِ � � � � � � ْم َل � � � � � ْو ع� � � ��دى ال � � � � َّده � � � � ْر ح� �ّل� ��اّ ْل ح � �� � ِ��س � ��ا َم � � ْ�ك و�� � �س� � �ع� � �دَّك وال � � �� � � �س � ��واعِ � � � ْد والأم � � � � � ��وال
ود ُوم ال � �ع � �ك � ��� ��س ل � � ��و �� � َ� ��ص� � � ��ا ْر ل � � �ل � � �م � ��الِ حم � �ك ��وم ُع � �� � �س� ��رك وحِ � � �م � � � ْ�ل ا َ حل � � ��مِ � � � ْ�ل والأم � � � � � ��ر محَ � ��� ْ��س� ��و ْم احل� � � ��ا ِل� � � � ْ�ك �� �س� �ط ��ع ل � � ��و َه� � � � ْم �� � �س � ��وا �� � �س � ��اع � ��دوا دو ْم
ومل ّ� � � � � ��ا مل َ� � � � � � ْع �� � َ��س � � �ه � � � ْم ا َل� � � �ط� � � � َم� � � � ْع ح � � � ّ�ط� � � � ْم ا َ حل� � � � � � ْ �ال
ه � � � ّم� � ��ه َر�� � �َ ��س� � � ��ى و َع� � � � � � � � � ّْم الأ� � � � �س� � � ��ى �� � � �ص� � � � ّرح ول � � � ��و ْم ول� � � �ل� � � � َع � � ��دِ ْل �� ِ��س � �م � ��� ْ��س� ��ا ْر و�� � �س� � � ِع� � � ُر ح� � � � � � ��ا ِو ْر و�� � �س � ��و ْم
م � � ��ا� � � َ��س � � ��ا ْد َح � � ��ا� � �ِ ��س� � � � ْد واحل� � � �� � � َ��س� � � � َد دَا ْء � � � َ��س� �ّل �ْاّ ْل حم � � � � � � � � � � �دْو ْد ُع� � � � � �م� � � � � � ْر َك ُك � � � � � � ُّ�ل م� � � � �اَه� � � � � ّل ال� � � �ه� �ل � ْ �ال َ
وط� � � � � ّم � � � ��اع ل � � ��و َرا ْم ال� � � � ُع� �ل ��ا � � � َ� ��ص � � � ��ا ْر َم� � � � � ْوه � � � ��و ْم
�� َ� ��ص� � ��ا ْر احل � �� � �َ�س � � َد � � ْ��س � ��ا ِل � � ْ�ك و� � � �ص� � ��ا ْع ال � �ط � �م � � َع م ��ال
امل � � � � � � � ��رء َراحِ � � � � � � � � � � � � � � ْ�ل د ُو ْم م� � � � � � � � � � � � � ��ار ّد ُه ط� � � � � � � ْ �وال اللهّ ُ راد ال� � � �� � َ� ��ص� � � � َّح َم � � � � � � � ْع ح � � � � ِل � � � � ُو الأع � � � � �م � � � � ْ �ال �ال ال � � �� � � �س � � � ِّر وال � � � � َع� � � � ْ �أ�� � � � � �س� � � � � �� ْأل �� � �س� � �م � ��اح� � � ُه َع � � � � � � � � مَ ْ �ال
�إع � � � �ل � � � � ْم ه � � � ��دم َم� � � � � ْدم � � � ��اك وال � � � ��� � َ� ��ص � � � � َر ْح م� � � � َع � � ��دو ُم و� � � �س � ��ا ِل � ��ك هُ � � � � ��دى راحِ � � � � � � � ْ�ل و َم� � � � � � ْرح� � � � � � ُو ْم م� � �ك � ��رو ْم و�� � � � َ� � ��س� � � � � � ��ا َرو ْد ع � � � ��امِ � � � � ْ�ل � � � �س� � ��وء م � � � �ك � � ��روه حم� � � � ��رو ْم م� � � ��ا واحِ � � � � � � � � � ْد �إ ّال هُ � � � � � � � َو ك � � � ��امِ � � � � ْ�ل و َم � � � ْع � � �� � � �ص� � ��و ْم �إحدى الق�صائد ال َعواطل «اخلالية من النقاط»
94
جماليات
الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
جماليات التراث
2012
معجب الزهراين
كثري ًا ما يختزل باحثونا مفهوم »الرتاث» يف معنى من معانيه ويقل�صونه �إىل بعد من �أب�ع��اده .و�أخطر ما يف لعبة االخ�ت��زال والتقلي�ص ه��ذه �أنها عادة ما تتم بعفوية� ،أي دومنا وعي ب�أنها حت�صره دا ًال وتف ّقره مدلو ًال . نتحدث �أو نكتب عن «تراثنا» فين�صرف الذهن غالب ًا �إىل بع�ض املدونات و�صنفت يف حقبة معينة ،ويف مقدمتها امل�ؤلفات الر�سمية التي ُجمعت ُ اللغوية والدينية والأدبية والتاريخية .قليل من يدرك �أن لدينا «تراثات» علمية وفل�سفية ومعمارية لعلها متثل الوجوه الأكرث �إ�شعاع ًا يف تاريخنا، والأكرث ت�أثري ًا يف احل�ضارة الب�شرية العامة� .أما الرتاث اجلمايل ،وب�شقيه العارف املكتوب ،وال�شعبي ال�شفوي ،فيكاد ي�شكل قارة جمهولة ن��ادر ًا ما يعنى الباحثون بارتيادها والك�شف عن معاملها ومكوناتها ،علم ًا ب�أن هذا الرتاث الإبداعي قوي احل�ضور مت�صل الأثر يف حياة النا�س اليومية. وغني عن القول �إن الرتاث الفني يف �أي ح�ضارة عريقة يف الزمن وممتدة يف امل�ك��ان ،يفي�ض ع��ن املنتوجات الأدب�ي��ة م��ن �شعر و�أ��س��اط�ير وحكايات و�أمثال ونوادر وطرف و�أحاجي لي�شمل خمتلف جماالت الإبداع املعتادة . ولكي نبلور ت�صور ًا نظري ًا عن مدى التنوع والغنى يف هذا الرتاث اجلمايل �سنقدم له خطاطة عامة يف �ضوء النظرية اجلمالية التقليدية التي ت�شكلت كمحاولة مت�صلة للإجابة عن ثالثة �أ�سئلة :ما الفن؟ ما وظيفته؟ وكيف ن�صنف الفنون لنتبني عالقات االختالف والتفاعل فيما بني �أنواعها؟ ونظر ًا لكون هدفنا ال يتجاوز تو�سيع دائرة الوعي بغنى تراثنا احل�ضاري العام ف�سنعتمد النظرية التي تذهب �إىل �أن الفنون تختلف وتتعدد بح�سب و�سائل املحاكاة� ،أو ما ن�سميه اليوم باملواد التي ي�شتغل بها وعليها املبدعون. من هذا املنظور �سيكون لدينا �ستة �أجنا�س رئي�سة على النحو التايل: الفنون القولية «الأدب ال�شعبي بكل �أ�شكاله». الفنون الب�صرية «ر�سم وت�شكيل وخط». فنون النحت والعمارة «وتلحق بها فنون الزخرفة والنق�ش». الفنون احلركية «الرق�صات ال�شعبية».
جماليات إن التراث الفني في أي حضارة عريقة في الزمن وممتدة في المكان ،يفيض عن المنتوجات األدبية من شعر وأساطير وحكايات وأمثال ونوادر وطرف وأحاجي ليشمل مختلف مجاالت اإلبداع المعتادة
الق�صب» و�أخ��ري��ات مفتوحة الفنون ال�صوتية كالغناء ع �ل��ى ع��ام��ة ال �ن��ا���س ال��ذي��ن واملو�سيقى. يبا�شرونها يف �أي مكان عام فنون التمثيل الدرامي �أو الب �� �س�ين �أزي ��اءه ��م ال�ي��وم�ي��ة االحتفايل «مل ُيعرف امل�سرح املعتادة وكل منهم يحمل من مبعناه الكال�سيكي يف تراثنا ال�سالح ما يحب «ال�سيوف، القدمي لكنه لي�س �سوى �أحد اخلناجر ،البنادق.».. �أ�شكال التمثيل». وه�ن��اك رق�صات ت�صاحبها ولقد ا�ستعملت �صيغة اجلمع �إيقاعات مو�سيقية ،و�أخريات م �ك��ررة يف ك��ل ق�سم �أو ن��وع تعتمد على ال�صوت الب�شري لأنها الأدق علميا؛ فالباحث ً املخت�ص يف ه��ذا امل �ج��ال ي��درك ج �ي��دا م��دى ك�ثرة امل �ك��رر ب�ط��ري�ق��ة خم�صو�صة ف�ح���س��ب .وت �ل��ك التي ال�ف�ن��ون الفرعية يف ك��ل ق�سم ،مثلما ي��درك مدى ت�صاحبها �آالت مو�سيقية قد تعتمد على �آلة واحدة كالطبل �أو ال��دف ،وقد ت�ستعمل فيها �آالت متنوعة مرونتها وتطورها عرب الزمن. ولو �ألقينا نظرة �أولية على فنون الرق�صات ال�شعبية ،كاملزامري والأب��واق والقرب والآالت الوترية .وهذه ولعلها الأك�ث�ر حيوية وعر�ضة ل�ل�إه�م��ال يف الوقت التنوعات واالختالفات التي تتجلى يف كل امل�ستويات ذاته ،لتبني �أننا يف حاجة �إىل جملدات لكي نبا�شر كما نالحظ ه��و �أم��ر بدهي لأن الرق�ص ج��زء من ح�صرها وو�صفها ب�شكل م��وج��ز ،فهناك رق�صات الثقافة ال�سائدة التي تنزع �إىل التعقيد والتطور للرجال ورق�صات تخ�ص الن�ساء ورق�صات ي�شرتك يف البيئات احل�ضرية و�إىل الب�ساطة والتق�شف يف فيها اجلن�سان .والرق�صات الرجالية تتنوع �أ�شكالها البيئات الريفية والبدوية. و�إيقاعاتها ووظائفها حتى يف املنطقة الواحدة ،وال ولو تطرقنا �إىل فنون الرق�ص ال�شعبي الأخرى التي �أدل على ذلك من كرثة رق�صات ا�ستعرا�ض القوة ت�ؤمن وظائف �إمتاعية «كفنون اللعب و ال�سامريات»، �أو روحية «كالرق�صات ال�صوفية» حيث ت�ستعر�ض وال�سلطة «العر�ضات» يف �أي بلد عربي. ولو �ضيقنا املنظور �أكرث ف�أكرث ،فامل�ؤكد �أننا لن جند جماليات اجل�سد �إذ يتحرك مب��رون��ة وخفة لطال رق�صة ت�شاكل �أخرى متام ًا؛ فهناك رق�صات ت�ؤديها املقال وت�شعب. ومب��ا �أن ال�ق��ول ذات��ه ينطبق ف��رق متخ�ص�صة يف موا�سم على الرق�صات الن�سائية �أو معينة ويف �ساحات �أو ميادين كثير ً باحثونا يختزل ما ا امل�شرتكة ف�إننا نكتفي بهذا حمددة ،وتتطلب ارتداء �أزياء في «التراث» مفهوم ال �ق��در ب ��أم��ل �أن ن �ع��ود �إىل خم�صو�صة و�أ�سلحة رمزية معانيه من معنى املو�ضوع لنف�صل فيه معينة «ع�صي اخل�ي��زران �أو
ويقلصونه إلى بعد من أبعاده
ارتياد اآلفاق نقد 96 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
بدايات واعدة مل تكتمل
إسهام العرب األقدمين في النقد االجتماعي لألدب د .عمار علي ح�سن
روائي وباحث يف علم االجتماع ال�سيا�سي ـ م�رص
هناك عدة اعتبارات جتعل درا�سة الأدب من منظور اجتماعي� /سيا�سي �أمراً مهما .و�إذا كان العرب الأقدمون قد فطنوا �إىل هذه امل�س�ألة فم�سوها كثرياً يف بع�ض املوا�ضع من خالل التعليق على وظيفة ال�شعر والنرث و�أهميتهما ف�إنه مع مرور الزمن ت�أكدت حيوية هذه االعتبارات ،التي يكمن �أولها يف �أن الأدب ي�ستخدم ك�أحد روافد املعرفة يف بع�ض الدرا�سات الإمربيقية التي �أجريت يف حقل العلوم االجتماعية. فالرواية الواقعية تر�صد فئات من الب�شر، وت�صف تفا�صيل حياتهم ،الأم ��ر ال��ذي قد ي�ساعد علماء االج�ت�م��اع على تف�سري بع�ض الظواهر الإن�سانية ،وقد يكون جمدي ًا لعلماء النف�س وهم يالحظون �سلوك بع�ض النا�س، لي�س هذا فح�سب ،بل �إن ال��رواي��ة ،على وجه اخل�صو�ص ،تعترب يف ح��د ذات�ه��ا ن��وع� ًا من «البحث االجتماعي الكيفي» وذل��ك �إذا ما نظرنا للأديب على �أنه باحث ي�ستخدم �أداتي املالحظة بامل�شاركة واملقابلة ،يف �سرب �أغوار ال�شرائح االجتماعية التي يكتب عنها .عالوة على ذلك ف�إن الأدب ،خ�صو�صا اللون ال�شعبي منه «الفلكلور» الذي يتمثل يف ال�سري واملواويل والأمثال والأغنية ال�شعبية والعديد ،يعرب عن مالمح ال�شخ�صية القومية لبلد ما. �أم��ا االعتبار الثاين فيتمثل يف �أن الأدب هو تاريخ من ال تاريخ لهم من الب�سطاء واملهم�شني، فامل�ؤرخون ي�سجلون تاريخ احلكام ويهتمون بالأحداث الكربى التي متر بهم ،والتي غالب ًا ما تكون ال�سلطة ال�سيا�سية هي الالعب الأ�سا�سي فيها� ،أما الأدباء فيغو�صون �إىل القيعان البعيدة
للمجتمعات ويلتقطون �شخ�صيات عادية، وي�سلطون ال�ضوء عليها ،وقد ينجحون يف �أن ي�ضفوا عليها قيمة ومكانة جتعلها يف املرتبة الأوىل الهتمامات النا�س ،وك�أنها �شخ�صيات من حلم ودم ،بل قد و�صل الأم��ر �إىل حد �أن الكثري من املو�سوعات والقوامي�س العاملية ت�ضع �أبطال بع�ض الأعمال الروائية اخلالدة جنب ًا �إىل جنب مع احلكام وامل�شاهري.
الأدب وحواجز ال�سلطة
واالعتبار الثالث يتعلق بقدرة الأدب على اخ �ت�راق احل��واج��ز ال �ت��ي ت�ضعها ال�سلطة ال�سيا�سية يف دول ال�ع��امل ال�ث��ال��ث ،ب�صفة خا�صة� ،أم��ام �أي �أف�ك��ار �أو ت�ي��ارات ثقافية تريد �أن تب�شر بقيم خمالفة لتلك التي تروق لل�سلطة وحتقق م�صاحلها ،فاحلكومات يف
صب َّ جل النقد العربي َّ اهتمامه على البنية الداخلية للنصوص األدبية على حساب السياق االجتماعي
عاملنا العربي ،م�ث� ً لا ،ت�سيطر على مناهج التعليم والكثري من م�ؤ�س�ساته ،وت�ستخدمها �أداة لبث �أفكارها وقيمها ،التي ت�ؤثر �سلب ًا على م�صلحة املجتمعات يف املدى البعيد ،لكن ه��ذه احلكومات ال ت�ستطيع� ،إىل حد كبري، �أن ت�سيطر على الأدب ،في�أتي متحرر ًا من �سلطانها ،وير�صد تاريخ ال�شعوب بتفا�صيله الدقيقة ،فيف�ضح بطرق متفاوتة ،ت�تراوح ب�ين ال��رم��ز وال���ص��راح��ة ال�ع��ال�ي��ة ،انعكا�س الأداء ال�سلبي لل�سلطة ال�سيا�سية على حياة اجلماهري ،وحتى لو حاولت ال�سلطة �أن جتد الأدب الذي يدافع عنها ،ف�إن هذا اللون من الأدب ،ي�أتي �ضعيف ًا من الناحية الفنية ،حيث تتغلب فيه الدعاية على ال�ف��ن ،وم��ن ث��م ال ي�صمد كثري ًا ،وال يجد �آذان ًا م�صغية. ويتعلق االعتبار الرابع باخلطاب ال�سيا�سي ذات��ه ،ففي ال��وق��ت ال��ذي ترتبط فيه ق��درة ه��ذا اخل �ط��اب ع�ل��ى ال �ت ��أث�ير يف اجلماهري مب��دى ات�ساقه و�صدقه وم�سه الحتياجات النا�س الفعلية ،ف�إن القائمني عليه يحر�صون، غ��ال�ب� ًا ،على �صبغه باللغة الأدب �ي��ة املفعمة
ميخائيل باختني
بالتعبريات البالغية واجل��ر���س املو�سيقي لأن�ه��ا متتلك �سحر ًا ق��وي� ًا ي��ؤث��ر يف العامة واخلا�صة على حد �سواء ،ويعطي ال�سا�سة فر�صة للتالعب بعواطف اجلماهري ،و�أخذها بعيد ًا عن املفردات ال�شفافة التي يجب �أن يكون عليها اخل�ط��اب ال�سيا�سي وه��ي تلك التي تعتمد على ترتيب احلجج واال�ست�شهاد بالأرقام واملواقف والأح��داث وعدم التهرب من احلقائق .ومن هنا ف�إن درا�سة الأدب، باعتباره ا�ستخدام ًا خا�ص ًا للغة ،تفيد يف حتليل اخلطاب ال�سيا�سي ذاته ،خا�صة �إذا كانت هذه الدرا�سة تتم وفق منظور �سيا�سي. �أم��ا االعتبار اخلام�س فيدور حول احلدود التي �أخذتها الظاهرة ال�سيا�سية يف الوقت الراهن� ،إذ �أنها امتدت لتطوق العديد من املمار�سات الإن�سانية ،حتى الأخالقية منها، وو��ص�ل��ت حل��د �أن �ه��ا � �ص��ارت مت����س املظاهر الطبيعية ،التي كان النا�س يف املا�ضي يظنون �أنها بعيدة كل البعد عن ذراع ال�سيا�سة ،فعلى �سبيل املثال ف�إن وقوع كارثة طبيعية ميكن �أن ي ��ؤدي �إىل ت�صدع �أو �سقوط حكومة يف دولة ما .ويف هذا الإطار يجد الأدب نف�سه يف قلب الظاهرة ال�سيا�سية ،بل يبدو �أقرب �إليها من �أ�شكال م�ؤ�س�سية و�أطروحات فكرية �أخرى ،لي�س من منطلق �أن قيمة ال�صراع هي التي ت�شكل جوهر الظاهرة ال�سيا�سية والإب��داع الأدب��ي، خ�صو�ص ًا الرواية ،فح�سب ،بل لأن الأدب �صار مادة مهمة لدى ال�سا�سة و�أجهزة اال�ستخبارات التي ت�سعى للوقوف على �شخ�صية �أمة ما ،كما فعلت الواليات املتحدة الأمريكية مع اليابان،
لو�سيان جولدمان
أخذ الثعالبي في كتابه «يتيمة الدهر» النقد في طريق قريب نسبي ًا من دراسة عالقة النص الشعري بسياقه االجتماعي وتفعله �إ�سرائيل مع العرب. ويرتبط االعتبار ال�ساد�س مبو�ضوع القيم ال�سيا�سية واالجتماعية على وجه اخل�صو�ص. فالقيم ،التي تولد من رح��م تعاليم دينية وت��راك��م م�ع��ريف ومم��ار� �س��ات حياتية تنتج �أع ��راف� � ًا وت�ق��ال�ي��د معينة ،ي �ك��ون ل�ه��ا دور ًا حم��وري� ًا يف حتديد توجهات الفرد وحتيزه حيال خمتلف الق�ضايا والأفكار والتنظيمات االجتماعية .ويف �ضوء اجلدل الدائر حالي ًا
جورج لوكات�ش
حول تراجع الأيديولوجيات ،وهي النغمة التي ذاع �صيتها عقب ت�صدع ال�شيوعية �إثر انهيار االحت ��اد ال�سوفيتي ال�سابق ،ف ��إن مو�ضوع القيم يكت�سب �أهمية كبرية ،لي�س من منطلق �أن تف�سخ �أيديولوجية معينة ال يعنى الإجهاز متام ًا على بع�ض القيم التي حملتها فح�سب، بل �أي�ض ًا من �إمكانية �أن يتم ط��رح القيم بدي ًال للأيديولوجيات� ،أو مبعنى �أكرث دقة، �أن يتم�سك الفرد بقيم معينة متثل مرجعية يقي�س عليها املواقف التي مير بها وال�سلوك ال��ذي ينبع منه وم��ن الآخ��ري��ن ،ولعل قيم مثل العدالة واحلرية وامل�ساواة ،من الواجب �أن متثل �إط��ار ًا عام ًا يحكم نظرتنا للأمور ومطالبنا حيال ال�سلطة واملجتمع. واالع �ت �ب��ار ال���س��اب��ع ي��رت�ب��ط ب��إم�ك��ان�ي��ة �أن ي�ستفيد علما االجتماع وال�سيا�سة� ،ش�أنه �ش�أن العلوم الإن�سانية الأخرى ،من مناهج النقد الأدب ��ي ،ففي ظ��ل عملية االرت�شاح امل�ستمرة ب�ين العلوم االجتماعية ،بحيث مل يعد هناك حقل بينها منبت ال�صلة عن احلقول الأخرى ،من ال�ضروري �أن ي�ستفيد علم ال�سيا�سة من هذه املناهج. وعلى �سبيل املثال ،ال احل�صر ،ف�إن مفهوم «التنا�ص» يفيد للغاية يف تتبع �سيل الأدبيات ال�سيا�سية التي تتكالب على ق�ضية �أو فكرة معينة ،ولعل ما حدث مع �أفكار مثل «�صدام احل���ض��ارات» لهنتنجتون و«نهاية التاريخ» لفوكوياما ،يقدم منوذج ًا ،وا�ضح املعامل، ع �ل��ى ك�ي�ف�ي��ة ت �ف��اع��ل ال �ب��اح �ث�ين يف جم��ال ال�سيا�سة مع «ن�ص» �أو «منتج فكري» ما،
نقد 98 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
باملدح والقدح تارة ،والنقد الب ّناء واالقتبا�س �أو النقل ال�صريح �أو العر�ض الأم�ين تارة �أخ��رى ،بحيث ي�صبح ه��ذا «املنتج» حم��ور ًا ت��دور حوله كافة الكتابات التي ت�أتي على هام�شه� ،أو تعيد �إنتاجه .كما �أن «الن�ص الأ�صيل» نف�سه مل يكن �سوى رد ًا على ن�صو�ص �أو �أفكار �أخ��رى ،فهنتنجتون دب��ج كتابه يف ��س�ي��اق �سيل م��ن الن�صو�ص ال�ت��ي ينتجها �أن�صار تيار العن�صرية اجلديدة يف الغرب، وفوكوياما كان يرد يف كتابه على ن�ص كتبه بول كيندي وعنونه بـ «�سقوط و�صعود القوى العظمى» تنب�أ فيه بانهيار الواليات املتحدة. وه��ذه االع �ت �ب��ارات ك��اف��ة جتعل م��ن درا��س��ة الن�ص الأدبي يف �ضوء �سياقه االجتماعي �أمر ًا مهم ًا� ،إىل حد كبري ،وجتعل كل الر�ؤى التي اعتقد �أ�صحابها �أن تنحية البعد اخلارجي يف درا�سة الأدب والرتكيز فقط على البنية الداخلية للن�ص الأدبي باتت مطلوبة مو�ضع �شك .فاملزاوجة بني هذين املذهبني ،تبدو هي الأقرب �إىل ال�صواب ،الأمر الذي �سيتم تو�ضيحه يف النقطة التالية ،قبل تناول النقد االجتماعي لدى العرب الأقدمني.
اجلماهري بال�سلطان ،وفر�ضت ال�سيا�سة نف�سها على الأدب فما ا�ستطاع منها فكاك ًا، وه��و ي�سطر ال��واق��ع وينتقده ،وي�شيد بنيان اخليال وي�ؤ�س�سه �شعر ًا ونرثا .وفطن علماء ال�ع��رب يف حقول اللغة والأدب واالجتماع والفل�سفة �إىل �أن ما بني �أيديهم من ق�صائد وكتابات منثورة ينطوي على قيم وقرت يف نفو�سهم وعقولهم� ،إال �أن �أحد ًا منهم مل يبلور هذا الإدراك �إىل �صيغة متكاملة ،يجمع فيها النرثات التي جاءت هنا وهناك يف كتاباتهم و�أبحاثهم ،في�ضع بذلك «طريقة» للربط بني االجتماعي والأدب��ي ،حتى �أت��ى نقاد الأدب العربي املعا�صرين ،لي�ستفيدوا من العطاء ال��رح��ب ال��ذي ج��اد ب��ه علم �سو�سيولوجيا الأدب يف الغرب ،ويعيدون النظر يف تراثهم الأدب��ي وف��ق ه��ذا املنظور ،وذل��ك بالتوازي مع التمحي�ص الواعي يف الإب��داع العربي، احلديث واملعا�صر ،مع الأخ��ذ يف االعتبار اخل�صو�صية الثقافية واالجتماعية العربية. ويبدو ه��ذا �أم��ر ًا �ضروريا بعد �أن تبلورت
الجهود المبذولة في سبيل كشف الجوانب الأدب يف ثوب ال�سيا�سة ويف تاريخ العرب لب�س الأدب يف حاالت كثرية االجتماعية في النقد ثوب ال�سيا�سة ،فكان ال�شعر ديوانهم الذي األدبي العربي القديم ي�سجل �أيامهم وير�سم بع�ض مالمح عالقة ال تزال قاصرة وتتم على استحياء شديد
م�لام��ح ال��رواي��ة ال�ع��رب�ي��ة ،ال�ت��ي تنهل من الواقع االجتماعي وت�ضيف �إليه ،يف جدل ال ينف�ض ب�ين احلقيقي وامل �ج��ازي� ،أو بني املعا�ش واملتخيل. فقد �أدرك العرب الأقدمون يف مرحلة مبكرة الوظيفة االجتماعية لل�شعر ،فكان ال�شاعر هو نا�صح القبيلة ،وحكيمها ،ال��ذي عركته الأي ��ام ،وامل��داف��ع عنها ،ال��ذي مينح ن�سقها االجتماعي تربيره ،وك��ان ال�شعر هو ديوان حياتهم ،حيث حمل عاداتهم وتقاليدهم، وان �ط��وى على �أف ��راح ال�ع��رب و�أت��راح �ه��م«. حممد ب��دوي ،ال�شاعر والدولة� ،أدب ونقد، العدد «� ،»14أغ�سط�س � ،1985ص»74: �صب جلَّ وم��ع ذل��ك ،ف ��إن النقد العربي َّ اهتمامه على البنية الداخلية للن�صو�ص الأدب�ي��ة ،على ح�ساب ال�سياق االجتماعي. ف��أول كتاب يف هذا امل�ضمار ،وهو «طبقات ق�سم فحول ال�شعراء» البن �سالم «ت 232هـ» ّ ال�شعراء على �أ�سا�س الزمان واملكان ،متناو ًال �إنتاجهم على �أ��س��ا���س «ال �ت��ذوق احل�سي»، ثم جاء ابن قتيبة « ت 276هـ» فرف�ض يف كتابه «ال�شعر وال�شعراء» ترتيب ال�شعراء على �أ�سا�س غزارة الإنتاج �أو الزمن .وابتعد عبد ال�ع��زي��ز اجل��رج��اين « ت 290ه �ـ» يف كتابه «الو�ساطة بني املتنبي وخ�صومه» عن التعميمات ،وح��اول ا�ستخال�ص نتائجه عن طريق اال�ستقراء ،ممهد ًا بذلك الطريق �أمام حتول النقد الأدبي �إىل �شئ �أقرب للبالغة، حتى ج��اء �أب��و ه�لال الع�سكري ،ليجعله يف كتابه «�سر ال�صناعتني» بالغة �صرفة. و�أخذ الثعالبي يف كتابه «يتيمة الدهر» النقد يف طريق قريب ن�سبي ًا م��ن درا��س��ة عالقة الن�ص ال�شعري ب�سياقه االجتماعي ،حني ربط �شعر املتنبي ب�أخبار ال�شاعر و�أحواله. وق ��دم ع�ب��د ال�ق��اه��ر اجل��رج��اين يف ال�ق��رن اخلام�س الهجري جتربة نقدية نا�ضجة، ح�ين ق��اوم ت�ي��ار ال�صنعة اللفظية ،ون��ادى ب��أن الأل�ف��اظ خ��دم للمعاين« ،د .كوثر عبد ال�سالم البحريي ،االجتاهات احلديثة للنقد الأدبي ،مع درا�سة مقارنة بني النقد الأدبي العربي والغربي« ،القاهرة :مكتبة الأجنلو»،
الطبعة الأوىل� ،1979 ،ص ،»43 /29 :وفطن �إىل �أن اللغة لي�ست جمموعة من الألفاظ، بل جمموعة من العالقات ،كما فطن �إىل الأ�سا�س الإ�شاري ال��ذي يحدد العالقة بني ال��دال واملدلول ،وبذلك يكون قد و�صل �إىل مناطق قريبة من تلك التي و�صل �إليها علم اللغة يف القرن الع�شرين ب��أوروب��ا ،على يد �سو�سري« .د� .صربي حافظ� ،أف��ق اخلطاب النقدي :درا�سة نظرية وق��راءات تطبيقية، «القاهرة :دار �شرقيات للن�شر والتوزيع»، الطبعة الأوىل� ،1996 ،ص»67/81 : ً وق��د ك��ان الب��ن خلدون �إ�سهام ًا ملمو�سا يف هذا امل�ضمار ،من خالل حديثه عن الأدب، الذي �أطلق عليه ا�سم «علم املعاين» �أو «علم البيان» ،معرفا �إي��اه بقوله« :ه��ذا العلم ال مو�ضوع له ينظر يف �إثبات عوار�ضه �أو نفيها و�إمنا املق�صود منه عند �أهل الل�سان ثمرته وهي الإج��ادة يف فني املنظوم واملنثور على �أ�ساليب العرب ومناحيهم» -عبد الرحمن بن حممد بن خلدون ،مقدمة ابن خلدون، حتقيق امل�ست�شرق الفرن�سي �أ .م .كاترمري، «ب�ي�روت :مكتبة لبنان» ،عن طبعة باري�س ،1858املجلد ال�ث��ال��ث��� ،ص،295 /294 : وتتلخ�ص ال��ر�ؤي��ة االجتماعية التي حددها ابن خلدون للأدب يف �أمرين �أ�سا�سيني ،الأول هو �ضرورة �أن يكون ال�شعر مفهوم ًا للنا�س، بحيث ي��ؤدي وظيفته على �أكمل وج��ه ،وهنا يقول« :ال يكون ال�شعر �سه ًال �إال �إذا كانت معانيه ت�سابق �ألفاظه �إىل الذهن ..الكالم الذي هو العبارة واخلطاب �إمنا �سره وروحه يف �إف��ادة املعنى ،و�أم��ا �إذا ك��ان مهمال فهو كاملوات الذي ال عربة به» -املرجع ال�سابق، �ص� ،338 :ص.351 : وتعود رغبة اب��ن خلدون يف �أن يكون ال�شعر مفهوم ًا �إىل �إميانه ب�أن ال�شعر هو ديوان العرب «فيه علومهم و�أخبارهم وحكمتهم ،وكان ر�ؤ�ساء العرب متناف�سني فيه ،وكانوا يقفون يف �سوق عكاظ لإن�شاده» -نف�سه� ،ص� .357 :أما الثاين فهو «اختالف الل�سان باختالف املكان» ،وهو ما يتبني من قوله« :اعلم �أن الأذواق يف معرفة البالغة منها كلها �إمنا حت�صل ملن خالط تلك
جان بول �سارتر
الجرجاني وصل إلى مناطق قريبة من تلك التي وصل إليها علم اللغة في القرن العشرين بأوروبا
اللغة وك�ثر ا�ستعماله لها ،وخماطبته بني �أجيالها حتى يح�صل ملكتها كما قلناه يف اللغة العربية ،فال ي�شعر الأندل�سي بالبالغة التي يف �شعر �أهل املغرب ،وال املغربي بالبالغة التي يف �شعر �أهل الأندل�س لأن الل�سان احل�ضري وتراكيبه خمتلفة فيهم ،وك��ل �أح��د منهم مدرك بالغة لغته ،وذائق حما�سن ال�شعر من
تريي ايجلتون
�أهل جلدته» -نف�سه� ،ص.433 : وبالطبع ف��إن لنقاد الأدب العربي املحدثني باع ًا طوي ًال يف درا�سة اجلوانب االجتماعية للن�صو�ص الأدبية .وقد �شاركهم هذا االهتمام بع�ض علماء االج�ت�م��اع ال��ذي��ن ا�ستخدموا الطرق والأدوات البحثية التي �أتاحها حقل معريف جديد هو «علم اجتماع الأدب» .وهناك عدد من الكتابات النظرية العربية يف هذا امل�ضمار� ،إىل جانب الدرا�سات التطبيقية، التي �سلطت ال�ضوء على اجلوانب االجتماعية وال�سيا�سية يف �أعمال �أدبية خمتلفة ،م�ستفيدة من ال�تراث املعريف ال��ذي تركه نقاد الأدب والباحثون يف الغرب ويف مقدمتهم ،جورج لوكات�ش ولو�سيان جولدمان ،وتريي �إيجلتون وجاك لينهاردت وجان بول �سارتر وميخائيل باختني .لكن اجلهود املبذولة يف �سبيل ك�شف اجلوانب االجتماعية يف النقد الأدبي العربي القدمي ال تزال قا�صرة ،وتتم على ا�ستحياء �شديد .ف�ضال عن ذلك ف�إن هذه الدرا�سات العربية ،على كرثتها وتنوعها ،قا�صرة �إذا مت النظر �إليها من زاوي��ة ال��دور ال��ذي يلعبه الأدب يف ت�شكيل القيم االجتماعية والوعي ال���س�ي��ا��س��ي .ك�م��ا �أن ه��ذه ال��درا� �س��ات هي يف احلقيقة بنت النقد الأدب ��ي ولي�س علم االجتماع ـ الذي يبدو هنا الأق��در على تناول ه��ذا املو�ضوع املهم ال��ذي ين�صب يف �إط��ار املحاوالت التي تبذل يف �سبيل ك�شف اجلوانب االجتماعية يف ت�ن��اول «ال�ن�ق��اد» ال�ع��رب يف القرون التي خلت ملا �أنتجته قرائح مبدعيهم من ق�صائد �شعرية ون�صو�ص نرثية
نافذة على التراث 100 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
وفيات األعالم «»1
�أمين بكر
يف ال�ت�راث ال�ع��رب��ي ق�ص�ص مده�شة عن م��وت الأع�ل�ام ،فمعظمهم حت��دث ل��ه قبل املوت �أو بعده �أ�شياء ميكن �أن تدخل �ضمن العجائبي .ولعل �أحد �أ�سباب ذلك هو دخول ه�ؤالء الأعالم يف دوائر اجتماعية�-سيا�سية مت�شابكة ال ي�سلم من دخلها من �آثار الفنت وامل ��ؤام��رات «خا�صة يف الع�صرين الأم��وي وال �ع �ب��ا� �س��ي» .ك�م��ا يف�سر ت�ل��ك الق�ص�ص العجيبة عن موت ال�شعراء والكتاب �أي�ض ًا، �أن الثقافة التي يعي�ش فيها ال�شخ�ص املبدع تتخذ منه موقف ًا بعينه ينعك�س هذا املوقف يف � �ص��ورة ق���ص����ص حت ��اك ح ��ول �إب��داع��ه وح��ول بع�ض تفا�صيل حياته ،وح��ول موته �أي���ض��ا ،بحيث ميكننا ال �ق��ول �إن الثقافة متار�س ت�أويالتها على كتابات املبدع وعلى �سريته يف �آن .والنموذجان اللذان �س�أعرج عليهما هما :ما حيك عن موت بديع الزمان الهمذاين « 398 - 358هـ» �صاحب املقامات ال�شهرية ،وكذلك املتنبي « 354 - 303هـ» �شاعر العربية الأ�شهر.
موت بديع الزمان :انتقام ثقايف
بديع الزمان الهمذاين� :أحمد بن ح�سني بن يحيى بن �سعيد « 398 - 358هـ»� ،أثارت �شخ�صية بديع الزمان ردود �أفعال خمتلفة بني معا�صريه وقرائه ،فهو �أول من �صاغ البناء الفني للمقامة الذي ظل املبدعون ين�سجون على منواله ملا يقرتب من ع�شرة قرون بعد بديع الزمان .واملقامة هي �سرد ق�صري ل��ه بناء م�ك��رور ي�ب��د�أ بجملة ثابتة هي :حدثنا عي�سى بن ه�شام قال ،... :ثم ينطلق هذا الراوي املتخيل يف �سرد ق�صة تدور -يف الأغلب الأعم من املقامات -حول
بطل من نوع خا�ص؛ �إذ هو �أديب ال يبارى و�شاعر مبدع ،لكنه يف الوقت نف�سه �شحاذ ال يجد قوت يومه .وبني حدي هذه املفارقة تو ّلدت لدى بطل املقامات نقمة على الزمن و�أهله مل يفلح يف �إطفائها �أحد .بل امتدت النقمة يف كل �أب�ط��ال املقامات بعد بديع الزمان وقد حملوا ال�صفات نف�سها ،كما جند يف �شخ�صية «�أبي زيد ال�سروجي» بطل مقامات احلريري. وبعيد ًا عن املقامات ،ك��ان لبديع الزمان دي� ��وان ��ش�ع��ر وع���دد ك�ب�ير م��ن ال��ر��س��ائ��ل الأدبية التي تفي�ض بفنون البالغة .عا�ش ال�ه�م��ذاين ح�ي��اة �صاخبة مليئة باحلركة والتفاعل والإبداع والتناحر �أي�ضا .وق�صة مناظرته مع �أبي بكر اخلوارزمي م�شهورة ورمبا تناولناها يف مقالة م�ستقلة ملا فيها من طرائف. ك��ان م��ن امل �ع��روف ع��ن ب��دي��ع ال��زم��ان �أن��ه «فتى و�ضي الطلعة ر�ضي الع�شرة ،فتان امل�شاهدة �سحار املفاحتة ،غاية يف الظرف �آية يف اللطف� »...إىل غري ذلك مما يرتدد يف و�صف كثري من �أعالم العرب «تراجع يف �أو�صاف بديع الزمان ر�سايل �أبي الف�ضل بديع الزمان الهمذاين ،بتحقيق �إبراهيم �أف��ن��دي الأح� ��دب ال�ط��راب�ل���س��ي /مطبعة هندية ،القاهرة/ط� ،3سنة � ،1898ص .»2 لكنه كان يو�صف �أي�ضا ب�أنه �سليط الل�سان، م� ّر ال�ع��داوة كما ج��اء يف وفيات الأع�ي��ان. ومن يرجع لر�سائله يكت�شف كيف كان بديع الزمان ي�ستخدم قدراته العقلية والبالغية ك�سيف م�سلط على رقاب من يختلف معهم؛ حمو ًال االختالف العادي �إىل جرح غائر. ف�إن اقرت�ض منه �صديق مبلغ ًا من املال ومل يلتزم مبوعد ال�سداد ،ح� ّول بديع الزمان
الأمر �إىل ف�ضيحة اجتماعية ملن ا�ستدان، منتج ًا ن�ص ًا �أدبي ًا يف ال�سب والهجاء النرثي اجل ��ارح .ي�ضاف �إىل ذل��ك �أن��ه ك��ان يعتد بذاته اعتداد ًا زائد ًا ي�صل حد الغرور. وق�صة موت بديع الزمان من �أعجب ما روي عن وفيات الأعالم ،فهي �أقرب �إىل انتقام حاكته بعد موته الثقاف ُة التي عرفته هجا ًء �سليط الل�سان كثري ال�ع��داوات .ترد ق�صة موت بديع الزمان يف وفيات الأعيان على ل�سان �شخ�ص يدعى احلاكم �أبو �سعيد بن عبد الرحمن «وهو نف�سه من جمع ر�سائل بديع الزمان» كالآتي: «و��س�م�ع��ت ال�ث�ق��ات ي�ح�ك��ون �أن ��ه م��ات من و�سمع ال�سكتة ،وعجل دفنه ،ف�أفاق يف قربه ُ �صوته بالليل ،و�أنه ُنب�ش عنه فوجدوه وقد قب�ض على حليته وم��ات م��ن ه��ول القرب» وفيات الأعيان و�أنباء �أبناء الزمان البن خلكان /حتقيق د� .إح�سان عبا�س /دار �صادر ،بريوت� /1972 ،ص .129 مل ميت بديع الزمان �إذن ،و�إمنا دخل فيما ي�شبه الغيبوبة الق�صرية ،لكن القوم ظنوا �أن��ه مات وعجلوا بدفنه ،ثم �إن��ه �أف��اق من غيبوبته ليجد نف�سه يف ال�ق�بر .وت�ضيف بع�ض امل�صادر تفا�صيل من قبيل �أن بع�ض النا�س �سمع �ضجيج ًا ي�أتي من ناحية القرب لي ًال ،فلما فتحوه على الهمذاين يف �صباح ال�ي��وم ال �ت��ايل ،وج ��دوه جال�س ًا يف �أكفانه مم�سك ًا بلحيته وقد مات من هول املفاج�أة. ميكننا بب�ساطة �أن ن�صدق الق�صة بو�صفها ح��دث��ت رغ ��م غ��راب �ت �ه��ا ،ومي�ك�ن�ن��ا �أي �� �ض � ًا �أن ن��رى فيها موقف ًا ثقافي ًا م��ن �شخ�ص الهمذاين .رمبا مل ي�ستطع الكثريون ممن ع��ا� �ص��روا ب��دي��ع ال��زم��ان �أن ينتقموا من ت�ط��اول��ه عليهم ،خا�صة وق��د ك��ان قريب
االت�صال دوم� ًا ب�أ�صحاب النفوذ ،فقرروا �أن ميار�سوا انتقامهم بعد م��وت��ه ،و�أظ��ن ه��ذا االنتقام قد ب��د�أ من فكرة «التعجيل بالدفن» تعجي ًال غري مربر� ،إال �أن ي�شري �إىل رغبة يف التخل�ص من هذا ال�شخ�ص ،ومبا يخدم �أي�ض ًا هذا اخلط�أ الدرامي الذي �أدى �إىل موته يف النهاية .ثم �إن طريقة املوت املفزعة التي تعر�ض لها ت�صل بنا لق ّمة االنتقام ،فكيف احل��ال ب�شخ�ص ينام يف �سريره مرتدي ًا ثوب نومه املعتاد ،ثم يفيق ف�إذا هو الب�س كفن ًا ويرقد حتت الرتاب يف قرب مظلم؟ لي�س يف ق�صة م��وت بديع ال��زم��ان ن�سيج ًا ��س��ردي� ًا �أ��س�ط��وري� ًا ك��ال��ذي جن��ده يف موت امرئ القي�س �أو طرفة بن العبد مثال� ،إذ
يت�شكل موته خرب ًا ق�صري ًا مملوء ًا ب�شحنة فزع ي�شفق املرء منها على �أعدائه .ويبدو �أن هذه الق�صة ،التي مل يرد ما يثبت �صحتها، هي جمرد ت�أويل ثقايف للجانب العدواين يف �شخ�صية بديع الزمان ،وانتقام من هذا اجلانب لي�س يف حياته ولكن بعد موته.
من القامو�س امل�ق��ام��ة :اجلماعة من النا�س .واملجل�س،
واخلطبة �أو العظة �أو نحوهما .وق�صة ق�صرية م�سجوعة ،ت�شمل على عظة �أو ُملحة كان الأدباء يظهرون فيها براعتهم. «املعجم الو�سيط ،عن جممع اللغة العربية، طباعة مكتبة ال�شروق الدولية ،القاهرة، ط � ،2004 /4ص »768
اآلفاقالشعر ارتيادحضرة في 102 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
مالك بن الريب التميمي.. التحديق في وجه الموت د .عايدي علي جمعة ن�ش�أ مالك بن الريب التميمي يف بادية الب�صرة ،وكان �شجاعاً فاتكاً ،لكنه مل يكن را�ضياً يف بداية حياته عن قيم املجتمع ،وان�ضم �إليه �أمثاله من ال�شجعان ال�ساخطني على املجتمع وظلمه ،فتزعمهم مالك بن الريب ،وبد�أوا يف ال�سطو على النا�س ،خ�صو�صاً الأغنياء منهم، �أو القريبني من ال�سلطة ،مما جعل مروان بن احلكم يف عهد معاوية بن �أبى �سفيان يك ّلف عامله علي بن عمرو بن حنظلة بالقب�ض عليهم ،لكنه مل يفلح ،فك ّلف غريه ،فنجح يف القب�ض عليهم ،لكن مالك ا�ستطاع الفرار ،و�أنقذ �أ�صحابه ،وذهب بهم �إىل بالد فار�س. كانت هذه هي املرحلة الأوىل يف حياة مالك ابن الريب التميمي ،ثم يحدث تغري كبري يف حياته ،في�صري جماهد ًا فذ ًا يف جي�ش �سعيد بن عثمان بن عفان ،بعد �أن �أ�صلح الأخري من حاله ،وقدّر له راتب ًا ثابت ًا. وحني عزل معاوية بن �أبى �سفيان �سعيد بن عثمان بن عفان عن خرا�سان ،يعود مالك بن الريب التميمي ،لكنه مير�ض يف طريق العودة ـ عند مدينة مروـ مر�ض املوت ،كان ذل��ك ح��واىل �سنة 58هجرية وي��رث��ي نف�سه بق�صيدة تعد من عيون ال�شعر العربي.
وا���ض��ح ،وق���د ب���دا الإح�����س��ا���س ب��ه��ا ع��ارم�� ًا، فاكت�سبت بعد ًا عميق ًا يف حلظة النهاية. وت�ستدعي هذه الق�صيدة ق�صيدة �أخرى من ال�شعر اجلاهلي لل�شاعر عبد يغوث اليماين، حينما وق��ع �أ���س�ير ًا يف ي��وم الكالب الثاين، وحاول �أن يفدي نف�سه ،لكنه مل يفلح ،وكان �أعدا�ؤه قد �شدوا ل�سانه بن�سعة ،وهي �سري من اجللد ،خوف ًا من هجائه لهم ،ولكنه طلب
تركت تجربة مالك بن الريب بصمتها عمق �إن�ساين وا�ضح الواضحة على الشعر بالنظر �إىل ه��ذه الق�صيدة لل�شاعر مالك العربي والقت تجاوب ًا بن الريب ف�إننا جند ملمح الغربة ذا ح�ضور عميق ًا من المتلقي على مدار العصور
منهم �أن يطلقوا عن ل�سانه كي يرثي نف�سه، فجاءت ق�صيدته زفرة حارة يف رثاء النف�س، وكانت على نف�س الوزن والقافية ،وهنا ي�سهم امل��وق��ف :رث���اء ال���ذات وال����وزن والقافية يف جتاوب فني بني التجربتني. وقد تركت جتربة مالك بن الريب ب�صمتها الوا�ضحة على ال�شعر ال��ع��رب��ي ،فهي تعد فريدة من فرائده ،وقد القت جتاوب ًا عميق ًا من املتلقي على مدار الع�صور ،وما هذا �إال ملا متثله من عمق �إن�ساين وا�ضح. و�إذا ك��ان��ت الق�صيدة اجلاهلية يف �أبهى من��اذج��ه��ا ت��ب��د�أ ب��ال��وق��وف ع��ل��ى الأط��ل�ال، وو�صف الناقة ،وت�ستخدم الت�صريع الذي مينح بنية مو�سيقية خا�صة يف بداية الن�ص، ف�إن هذه الق�صيدة ال تنحو هذا النحو ،فال
في حضرة الشعر 104 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
جند الت�صريع يف البيت الأول ،وال جند وقوف ًا على الأطالل. كما �أن ه��ذه الق�صيدة لل�شاعر مالك بن الريب التميمي تتخذ من ال�ضمري الأول «�أنا» ن�سق ًا معتمد ًا ،وهذا ال�ضمري ي�ؤ�س�س لنمط ال�سارد الدرامي الذي ي�شتبك مع الأحداث، وينفعل بها ويكون فاع ًال فيها �أي�ض ًا ،وهذا ما ج�سدته هذه الق�صيدة ،فال�سارد يروي عن نف�سه ،وظل هذا ال�ضمري هو اخلط اجلامع يف الأب��ي��ات ،يتحرك يف الف�ضاء الزماين، والف�ضاء املكاين ،مما �أدى �إىل انت�شار هذه الأبيات ومتددها. وق��د كانت البداية مع �أمنية كبرية مليئة ب��احل�����س��رة ،ه��ذه الأم��ن��ي��ة تتمثل يف م��دى �إمكانية ق�ضاء ليلة واحدة يف موطنه الأول /الغ�ضا ،ي�سوق النوق الفتية ال�سريعة كما كان يفعل يف املا�ضي ،يقول:
�أال ليت �شعري ه��ل �أب��ي�تن ليلة بجنب الغ�ضا �أزجي القال�ص النواجيا
وهنا يبدو ملمح الغربة وا�ضح ًا منذ البيت الأول نف�سه ،وي�ستمر هذا امللمح على مدار الق�صيدة كلها ،ويظل هو البطل احلقيقي، وامل�ؤثر الفاعل يف �أبياتها. وق���د ب���دا احل��ف��ر يف �أع��م��اق ه���ذا امللمح، وال��و���ص��ول ب��ه �إىل درج���ة غ��اي��ة يف العمق، عن طريق ال�ضمري الأول «�أنا» الذي يك ّر�س �إح�سا�سه العارم بالغربة. وقد ا�ستدعى هذا الإح�سا�س بنية التكرار مب��ا حتمله م��ن دالل��ة مو�سيقية ومعنوية، فر�أينا تكرار كلمة «الغ�ضا» �ست مرات يف الأب��ي��ات الثالثة الأوىل ،حتى حتولت �إىل رمز لوطن الإن�سان الأول الذي يحن �إليه، ويتمنى العودة له ولو لليلة واحدة فقط.
التكرار وتو�سعة الرمز
و�إذا ك��ان ت��ك��رار كلمة «الغ�ضا» يف بداية الق�صيدة رم���ز ًا ل��وط��ن ال���ذات ال�شاعرة الأول ،وبيته الذي درج فيه ،ف�إن تكرار كلمة «الرمل» يف نهاية الق�صيدة ميثل تو�سيع ًا
جاءت القصيدة على بحر الطويل وهو من البحور المركبة مما يتناسب مع تعقيد الموقف الذي وجدت الذات الشاعرة نفسها فيه للرمز ،فتبدو ال��ذات ال�شاعرة ،وهي حتن لكل ذرة رمل يف موطنها الأول ،وبذا يتحول «الرمل» �أي�ض ًا �إىل رمز خلعت عليه الذات ال�شاعرة من نف�سها و�أحا�سي�سها حتى بدا خمتلطا ب�أنفا�سها. كما تبدو �أي�ض ًا بع�ض البنى اجلزئية التي ت�سهم يف البنية الكربى للق�صيدة ،من هذه البنى النجم «�سهيل» وهو جنم مياين كان للذات ال�شاعرة يف موطنها الأول ذكريات خا�صة معه ،فيطلب ال�شاعر من �أ�صحابه، وه��و يجود بنف�سه� ،أن يرفعوه ك��ي متتلئ عيناه من هذا النجم العزيز. كما بدت الذات ال�شاعرة ذات مهارة خا�صة يف ال��ت��ق��اط ���ص��ورة للفر�س الأ���ش��ق��ر ال��ذي يجر عنانه حزين ًا �إىل امل��اء ،وقد اختطف املوت �صاحبه الذي كان يقوم على رعايته وي�سقيه بنف�سه ،فتبدو العالقة احلميمة بني الفار�س وفر�سه ،وك�أنهما �صديقان ،ولي�س ذل��ك غريب ًا على البيئة العربية القدمية التي كانت حتتفل مبيالد الفر�س فيها ،كما كانت حتتفل بنبوغ ال�شاعر متام ًا ،والعالقة بني الفار�س وفر�سه ذات تاريخ عري�ض يف الأدب العربي عموم ًا ،يقول:
علي فلم �أجد تذكرت من يبكي ّ �سوى ال�سيف والرمح الردينى باكيا و�أ����ش���ق���ر حم���ب���وك���ا ي���ج���ر ع��ن��ان��ه �إىل امل���اء مل ي�ترك ل��ه امل���وت �ساقيا وهنا تبدو العالقة الوطيدة بني الفار�س من
يبدو في القصيدة اتكاء الذات الشاعرة على تقليد القصيدة الجاهلية في خطاب الصاحبين
ناحية وبني �سيفه ورحمه وفر�سه من ناحية �أخرى ،بحيث ال يجد هذا الفار�س ال�ضخم من باك عليه وحيد ًا يف �أر���ض الغربة غري �سالحه وفر�سه.
االرتداد كقيمة جمالية
ك��م��ا ك��ان مللمح ال��غ��رب��ة ال���ذي جت�سد عن طريق ال�سارد بال�ضمري الأول «�أن��ا» �أكرب الأثر يف ظهور االرتداد ب�صورة قوية يف هذه الق�صيدة املتميزة لل�شاعر مالك بن الريب التميمي. واالرت�����داد يعني ق��ط��ع الت�سل�سل الزمني بالعودة �إىل الزمن املا�ضي ،وكانت العودة هنا �إىل حلظات ذات �أل��ق خا�ص يف حياة الذات ال�شاعرة. فحينما �ضغط ال��واق��ع ب�أ�صابعه ال��ت��ي ال ترحم ،وبدت اللحظات الأخرية يف منتهى الق�سوة ،وب��دا امل��وت حمقق ًا بحيث يطلب ال�شاعر مالك بن الريب من �صاحبيه �أن يجراه بثوبه �إىل مثواه الأخري حينما تفي�ض روحه جند ال�شاعر يقوم بعملية ارتداد �إىل حلظات ذات �ألق خا�ص من املا�ضي تقف يف مواجهة اللحظات التعي�سة التي يعي�شها. ف�صاحباه و�إن كانا يجرانه بال مقاومة الآن فقد ك��ان يف املا�ضي ال ينقاد لأح��د مهما كان ،وكانت �شجاعته باهرة ،ويظهر معدنه ذو الربيق الالمع يف حماية الأبطال وقت هزميتهم ،كما ك��ان م��ن ال�سرعة مبكان بحيث ي�ستجيب على الفور ملن يدعونه يف احلرب. وحياته يف وق��ت ال�سلم كانت منعمة ،ويف وق���ت احل���رب ك���ان م��ن ال�����ش��ج��اع��ة بحيث تخ ّرق ج�سمه الرماح ،وال يفر. ث��م يعود �إىل اللحظة الأخ�ي�رة يف حياته، وذل���ك حينما يدفنه ال��رف��اق قائلني هذا الدعاء امل�شهور «ال تبعد» ،ولكنه يقرر �أنه ال يوجد مكان للبعد �أك�ثر من ه��ذا املكان املدفون فيه .وب��ذا ينه�ض االرت���داد بقطع الت�سل�سل ال��زم��ن��ي ،مم��ا ي����ؤدي �إىل عدم ال�سري يف اجتاه واحد. كما كان لالرتداد دور وا�ضح يف ظهور بنية
املفارقة الت�صويرية ،وجعلها منط ًا معتمد ًا يف هذه الق�صيدة كلها. فقد بدت املفارقة الت�صويرية بني احلا�ضر التعي�س واملا�ضي ذي الألق الباهر. كما ب��دت �أي�����ض�� ًا ب�ين امل��ك��ان القفر ال��ذي ميوت فيه بعيد ًا عن الأهل ،واملكان الوطن /الغ�ضا الذي كان مليئا بالدفء واحلب. واملفارقة الت�صويرية بني العجز الآن والقوة الباهرة يف املا�ضي. واملفارقة الت�صويرية بينه من ناحية ،وبني �أ���ص��ح��اب��ه م��ن ن��اح��ي��ة �أخ����رى ،ح��ي��ث يبدو هو عاجز ًا ال حول له وال قوة ،وهم �أقوياء يجرونه �إىل مثواه الأخري. واملفارقة الت�صويرية بني ماله الآن الذي �سي�ؤول قريب ًا �إىل غ�يره ،وماله قبل ذلك حيث كان املال ملك ًا له. وامل��ف��ارق��ة الت�صويرية ب�ين ال��ب��اك�ين عليه يف ال��غ��رب��ة ،حيث ال يوجد ب��اك واح��د من الب�شر عليه ،وال يبكي عليه �أحد غري فر�سه و���س�لاح��ه ،وب�ين ال��ب��اك�ين عليه يف موطنه البعيد حيث توجد الن�سوة من �أهله و�إخوته، خ�صو�صا زوج��ت��ه املحبة التي تبكى عليه بحرقة ال مثيل لها.
جامع مالك بن الريب يف �سمنان االيرانية
وب���اك���ي���ة �أخ��������رى ت���ه���ي���ج ال���ب���واك���ي���ا
وهنا جند �شاعرنا مالك بن الريب التميمي يقول:
�شعاع احلب الالهب وي��ب��دو يف ه���ذه ال��ق�����ص��ي��دة ات��ك��اء ال���ذات ف��ي��ا ���ص��اح��ب��ي رح���ل���ي دن����ا امل���وت على املطبقة ��وت مل وعلى الرغم من ظلمات ا ف���ان���زال ب��راب��ي��ة �إين م��ق��ي��م ل��ي��ال��ي��ا ال�شاعرة على تقليد الق�صيدة اجلاهلية
ال��ذات ال�شاعرة ف���إن �شعاع احلب الالهب له ب�صي�صه و�سط هذه الظلمات الكثيفة ،وذلك حينما ت�ست�شرف هذه الذات ـ وهي حتدّق يف وجه املوت ـ موطنها الأ�صلي ،وما فيه من عالقات �أ�سرية دفيئة ،فتتخيل الباكيات من الأهل على ال��ف��راق ،وتلتقط لقطة دال���ة للزوجة املحبة الثاكلة ،وه��ي (تهيج البواكيا) ،وتكون هذه اجلملة هي �آخر ما يطالعنا يف هذه الق�صيدة الفذة لل�شاعر مالك بن الريب التميمي ،يقول:
وبالرمل منا ن�سوة لو �شهدنني ب���ك�ي�ن ،وف���دي���ن ال��ط��ب��ي��ب امل���داوي���ا وما كان عهد الرمل مني و�أهله ذم��ي��م��ا ،وال ودع����ت ب��ال��رم��ل قاليا فمنهن �أختي وابنتاها و�إخوتي
يف خطاب ال�صاحبني ،حيث ك ّر�س ام��ر�ؤ القي�س يف معلقته ال�شهرية ه��ذا النمط، و���س��ار ع��ل��ى ن��ه��ج��ه ال��ك��ث�ير م��ن ال�����ش��ع��راء ال��ذي��ن �أت���وا م��ن ب��ع��ده ،وذل��ك يف قوله يف افتتاحية معلقته:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ب�سقط اللوى بني الدخول فحومل
حرف الروي المعتمد هو الياء المطلقة مما يتناسب مع الزفرة الحارة التي تطلقها الذات الشاعرة
�أم���ا ع��ن ال��ب��ح��ر ال���ذي ج���اءت عليه ه��ذه ال��ق�����ص��ي��دة امل��ت��م��ي��زة لل�شاعر م��ال��ك بن الريب التميمي فهو بحر الطويل ،و�صورته املثلى هي: فعولن /مفاعيلن /فعولن /مفاعيلن فعولن /مفاعيلن /فعولن /مفاعيلن وهو من البحور املركبة ،ولي�س من البحور ال�صافية ،مما يتنا�سب مع تعقيد املوقف الذي وجدت الذات ال�شاعرة نف�سها فيه. كما �أن حرف الروي املعتمد هنا هو الياء املطلقة مما يتنا�سب مع الزفرة احلارة التي تطلقها الذات ال�شاعرة
قال الراوي 106 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
« ْل ْب ْل وال ِّلي خْ طاها ْيه ْبل»
اإلبل في الثقافة الشعبية األمثال الحسانية أنموذج ًا د .بوزيد الغلى احتلت الإبل حيزاً متميزاً يف املخيال ال�شعبي احل�ساين ،فقد تغنى بها ال�شعراء واحتفى بها احلكماء ،وقد �أح�صيتُ من كالمهم ما ي ْربو على خم�سني مث ً ح�سانياً دارت كلها ال َّ حول الإبل تلميحاً �أو ت�صريحاً .و�سنحاول يف هذه الدرا�سة �أن نحيط ُخ رْباً ب�أهم �أ�سنان «�أعمار» الإبل عند �أهل ال�صحراء التي ت�ضمنتها الأمثال احل�سانية ،ثم ُنثني با�ستخال�ص �أهم الر�سائل الرتبوية والقيمية الثاوية بني ثنايا اخلطاب احل�ساين حول الإبل.
لي�س خافي ًا مقدار ت�أثر الثقافة احل�سانية بالثقافة العربية الأ�صيلة التي �أ َّثلت و� ّأ�س�ست إدراك متميز بنيان ًا فكري ًا قائم ًا على منط � ٍ ل�ل�إب��ل ي�تردد ب�ين املح�سو�س «و��ص��ف الإب��ل وذك � � ُر م��زاي��اه��ا � �ش �ع��ر ًا ون�ث��ر ًا» واملتخيل واخل��رايف« ،كان الرجل �إذا بلغت �إبله �ألف ًا قلع عني الفحل ،يقولون اعتقاد ًا �إن ذلك يدفع عنها ال�ع�ين ،و�إذا زادت ع��ن الأل��ف ف�ق��أ ع�ين الفحل الأخ� ��رى»� ،أم��ا عند بدو ال�صحراء ،فال تخطئ العني التمائم املعلقة على رقاب بع�ض ر�ؤو�س الإبل دفعا للعني. ومل تقت�صر مناحي اال�ستمداد واالقرتا�ض من ذل��ك امل�يراث الفكري والأدب��ي العربي الفخم على االق�ترا���ض اللفظي ممث ًال يف �أ�سماء الإب��ل مبختلف �أعمارها و�أ�سنانها واخللفة كالبعري واجلمل واحل��وار والقارح ِ وما �إليها ،و�إمنا تعداه �إىل ا�ستيحاء املعاين وخ��ا� �ص��ة م�ن�ه��ا ذات ال���ص�ل��ة باملعتقدات ال�شعبية ،فكما كانت بع�ض النوق م�ضرب املثل يف ال�ش�ؤم عند العرب كقولهم� :أ�ش�أم من ناقة الب�سو�س ،باتت الناقة اجلرباء املع ّبدة
اإلبل أبهى ما يهدى لألكابر وأرقى ما يُنحر احتفاء بمولود يولَد أو ً ً بغائب يعود احتفاال ٍ �أو املطلية بالقطران رمز ًا لل�ش�ؤم يف الثقافة بخبها احل�سانية ،كالناقة التي ��س��ارت رَ الركبان وجرى ذكرها على طرف كل ل�سان ردّد عبارة �« :أ ْل َع ْك من نا َكة �إدا ْو َم ْ�س رَت» �أي �أ�ش�أم من ناقة �إِدَا ْو ْم ْ�سترْ ،وهي ناقة طالها �أهلها بقطران ع�سى �أن تتماثل لل�شفاء من اجل � َرب ،فلما �سامت وانطلقت يف املرعى ع��ادت وعلى ظهرها �س ُبع �أ ْف�ن��ى الع�شرية ع��ن بكرة �أبيها .ويف مقابل ق�صة ال�ش�ؤم هذه ،ال يزال احل�سانيون يتفاءلون بالناقة «ال ��زر َك ��اء» ،وه��ي ال�ن��اق��ة ال�ت��ي يتقا�سمها اللونان الأبي�ض وال ُبني ،ويعتربونها �سبب ًا من �أ�سباب الربكة. ومن الالفت لالنتباه �أن الأمثال احل�سانية تكاد ال تغفل �سن ًا من �أ�سنان الإبل �إال وذكرته
�أو �أوردت � ��ه يف ��س�ي��اق �أو معنى معني ب ��دء ًا ب��ا ُ حل��وار وال�ب�ع�ير م� ��رور ًا ب��اب��ن لبون و أ�خم � � َّول وال �ك��ارح و�أَ ُزوزال وان �ت �ه��اء بال�شايلة واخللفة والفحل �أو َل ْهدادة .وال�شك �أن �ضم الأمثال احل�سانية بني ثناياها كل هذه التفا�صيل املتعلقة ب��اخ �ت�لاف �أن ��واع و�أع� �م ��ار الإب � ��ل ،ي �ن��م عن ال�سمة املتميزة للإبل عن غريها من الأنعام عند �أهل ال�صحراء ،فال تكاد جتد يف �أمثالهم ذك��ر ًا لأ�سنان امل��اع��ز �أو ال�غ�ن��م �أو البقر على �سبيل التف�صيل نظر ًا لكونها ال تبلغ مبلغ �أهمية الإب� ��ل ع �ن��ده��م ،ف�ه��ي �أع�ل��ى و�أغ �ل��ى مهر مُت � َه��ر ب��ه ن�ساء ال���ص�ح��راء ،وه��ي �أف�ضل ما جترب به اخلواطر يف الديات
قال الراوي 108 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
و�أن�سب ما تف�ض به النزاعات ،وهي �أبهى ما يهدى للأكابر و�أرق��ى ما ينحر احتفا ًء بغائب يعود ،وهي مبولود يو َلد �أو احتفا ًال ٍ بكلمة جامعة َ املال ك ّله ،ولهذا قال قائلهم: « ْل ْب ْل وال ِّلي خْ طاها ْيه ْبل» ،وتف�صيحه :الإبل ومن �أُ ْع ِدمها �أو َفقدهاُ ،ج��نَّ و َف َقد عقله. و ق��د زك��ى ال��دي��ن ه��ذه امل �ع��اين جمتمعة، ومن جوامع الكلم يف هذا الباب قوله عليه ال�سالم« :الإبل ع ٌّز لأهلها ،ويف الغنم بركة». وعطف ًا على ما تقدم� ،سنعر�ض فيما يلي طائفة من الأمثال احل�سانية الدائرة حول �أ�سنان «�أعمار» الإبل املذكورة �آنف ًا:
لحْ وار:
يقول املثل احل�ساين« :لحْ وار ما يتب ْع ْلغروز» �أي �أن احل ��وار ل��ن يتبع �إال ن��اق��ة ح�ل��وب� ًا، وي�ستحيل �أن يلتم�س اللنب يف �ضرع قد َج ّف. واحل��وار هو �صغري الناقة ال��ذي �إذا ُف� ِّرق بينها وبينه َب َكت وح َّنت للقائه وفق امل�شهد ال��ذي ي�صفه �أح��د ال�شعراء احل�سانيني �إذ
األمثال الحسانية تكاد ال تغفل سن ًا من أسنان اإلبل إال وذكرته أو أوردته في سياق أو معنى يقول:
ب � � � � ّك� � � ��اين ْح � � � ��� � � ْ��س ْح � � ِن � �ي � � ْن � �ه� ��ا ْف � � � ْل � � � ْب� � ��ل َم � � � ��ا َراتْ ْح � � � ��وا ْر َه � � � ��ا
�أي �أبكاين �صوت حنينها ملا مل ت َر �أو مل جتد يف الإبل حوارها �أو �صغريها .واحلنني دليل عاطفة جيا�شة امتازت بها الإبل لدرجة �أن حتن» ،وقد العرب تقول« :ح ِّرك لها حوارها ِ �أملح الر�سول عليه ال�سالم �إىل تعذر تخل�صها وان�سالخها عن ح�سها املرهف رهافة ال�شعر ولطفه حيث قال«:ال تدع العرب ال�شعر حتى تدع الإبل احلنني».
ْب ْل ُبون:
�أي ابن لبون ،وهو الذي �أمت �سن ًة ودخل يف الثانية ،ونظر ًا حلداثة �س ّنه ي�ضرب به املثل يف الفرق بني الأجيال كالذي بني النا�شئة
والكهولة �سن ًا وحنك ًة ومرا�س ًا� ،إذ يقول املثل احل�ساين«ْ :منَينْ َي ْل َح َك ْب ْل ُبون ْم َع ال َكا ْر ْح»، وتف�صيحه :ما يبل ُغ ابن لبون من القارح؟، �إذ لي�س الأول ب ُكفء للثاين.
�أَ خْم ّول:
من بني �أ�شهر الأم�ث��ال التي ت�ضمنت ِذكر اخم��ول – ويدعى �أي�ض ًا ْل� َك� ُع��ود ،-قولهم: «�إي َكا ْون َيخْ ِت ُريوا ْب ِعري ْف�أَ َّول ْل ْبل عن امخَْ َّول َف � ْع � َك��اب �ه��ا»� ،أي �أن امل�ط��رب�ين احل�سانيني يف�ضلون عطاء ع��اج� ً لا و�إن ق � ّل �أو ه � ُزل، في�ؤثرون �أخذ بعري بدل انتظار ر�أ�س �أف�ضل منه ك��أمخْ � ّول ،وهو جمل �أ�سنّ منه ،وذلك لأن خ�ير ال�بر عاجله ،و�أك ��رم النا�س من يعطي على عجل.
ال َكارح:
اب ال � َك��ا ْرح ي�ق��ول امل�ث��ل احل �� �س��اين�ْ��«:س� َ�د ْ َذا ْرح»� ،أي �أن تروي�ض ال �ق��وارح مرهق وم �ت �ع��ب ،وذل���ك ل���ص�ع��وب��ة ف�ط��ام�ه��ا عن م�ألوفاتها وتخ ّليها عن عوائدها.
أ� ُزوزال:
وه��و اجل�م��ل ال��ذي �أُزي ��ل ج�ه��ازه التنا�سلي لي�صبح خم�ص ّي ًا ،وي�سهل ا�ستغالله يف ِّ احلل والرتحل ،وي�ضرب به املثل يف ا�ستقباح �إتيان ُّ ما ال يتنا�سب مع ال�سن واملركز من الفعال، �إذ يقول املثل�« :شَينْ ال ّر ْبعة على �أ ُزوزال»� ،أي يعاب اجلري يف �سباق الهجن على �أزوزال ال�سن بينه وبني الر�ؤو�س نظر ًا للتفاوت يف ّ املُ َع ّدة لذلك.
ال�شوايل:
وال�شايلة ه��ي ال�ن��اق��ة ال��ول��ود ال�ت��ي خلفت �صغري ًا مل يكمل بع ُد عامه الأول ،ولذلك غالب ًا ما ِتد ُّر لبن ًا وفري ًا خا�صة زمن الربيع حيث امل��اء والكلأ الرفيع� ،أم��ا �إذا �أجدبت الأر�ض �أو �أقفرت وهلك الزرع وجف ال�ضرع، فمن احلماقة انتظار غلة �أو نفع ،ولذلك عطي ّْ ال�شوايل» ،ونظريه قالوا«:لخْ ْ ريف َما ْي ِ ع�ن��د ال �ع��رب�« :إن ��ك ال جت�ن��ي م��ن ال�شوك العنب».
التمائم املعلقة على رقاب بع�ض الإبل دفعا ً للعني
الفحل �أو ْلهدادَة:
والفحل ه��و اجلمل ال��ذي يخ�صب النوق، ومي�ث��ل ق��ائ��د القطيع وزع�ي�م��ه ،ول��ذل��ك ،ال يجتمع فحالن يف قطيع �إال �أب َعد �أحدهما الآخ ��ر مبقت�ضى التجربة ال�ت��ي يلخ�صها املثل احل�ساين القائلَ « :د ْو َل ��ه ما ي ْهدُّوها َف ْحلني»� ،أي �أن الدولة – وه��ي يف الل�سان احل�ساين قطعة �إبل �ضخمة – ال تُ�سا�س وال تقاد وال َ تخ ّ�صب بوا�سطة فحلني� ،إذ ال بد �أن يتنازعا ال��ري��ادة والقيادة حتى يتمكن الأمر لأحدهما ،و�إمنا ي�ست�أهل لقب الفحولة الأقدر على �إثبات اجلدارة.
ر�سائل اخلطاب احل�ساين حول الإبل
�إن ورود الإبل يف املثل احل�ساين ال ي�أتي لذاتها ام�ت��داح� ًا و�إط� ��را ًء ل�صربها وح� ُن� ِّوه��ا على �صغارها وما �أ�شبه ذلك ،و�إمنا ي�أتي لأمر �أهم و�أعظم ،وهو نقل ر�سائل تربوية و�أخالقية د�أب �أهل ال�صحراء على متثلها والعمل على تر�سيخها يف الوعي والعقل اجلمعي .ومن تلك الر�سائل القيمية الق ِّيمة ما يلي:
من جمال َخلق الناقة الزركاء زرقة �إحدى عينيها دون الأخرى
العدل وامل�ساواة
يف احلث على العدل وامل�ساواة بني الأبناء ذكور ًا و�إناث ًا ،والتعامل باعتدال ال �شطط ف�ي��ه وال ت�ف��ري��ط م��ع ال���ش��رك��اء وال��رف�ق��اء وال�ن��ا���س �أج�م�ع�ين ،يقول املثل احل�ساين: «� �س��اوي ْج �م��ال��ك َم��ا َت�� ْع�� َرف ْع � َل��ى �أ ّي �ه��م َت ْع َك ْب؟» ،وتف�صيحه� :ساوي بني ِجمالك ف�م��ا ت ��دري ع�ل��ى �أي �ه��ا �ستعتمد ،وب ��أ ّي �ه��ا �ستنتفع؟ .وامل ��راد وج��وب التعامل بنوع
من االعتدال وعدم امليل تف�ضي ًال و�إيثار ًا وتقدمي ًا لطرف على �آخ��ر ،وم��ن لطائف التوجيه النبوي يف هذا ال�صدد�« :أحبب حبيبك هون ًا ما ع�سى �أن يكون بغي�ضك يوم ًا ما ،و�أبغ�ض بغي�ضك هون ًا ما ع�سى �أن يكون حبيبك يوم ًا ما».
التجان�س والتكاف�ؤ
يف احل�ض على مراعاة التجان�س والتنا�سق والتكاف�ؤ وعدم اجلمع بني املتناق�ضات ،يقول
قال الراوي 110 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
كانت بعض النوق مضرب المثل في املثل احل�ساينْ « :ل ْبل ما ت ْْ�سكن مع احلمري» ،الشؤم عند العرب تف�صيحه :الإبل ال ت�س ُكن مع احلمري ،ونظريه كقولهم :أشأم من يف امل�ث��ل ال�ع��رب��ي الف�صيح« :ال ُيجمع بني ناقة البسوس
الأروى والنعام» ،لأن الأروى تعي�ش غالب ًا يف اجلبال خالف ًا للنعام التي تعي�ش يف ال�سهول.
التحذير من الرفقة ال�سيئة
وحتمل وتكبد امل�شاق والأوهاق.
مراعاة طبائع الأمور
ويف التحذير من الرفقة ال�سيئة ومن قرناء ال�سوء ،يقول املثل احل�ساين« :ا َكرن لحْ ْ مار َ َ مع ْ النهيك»� ،أي ال�شهيك و َّال حل��وار ْيع ْلمو �إذا ُقرنَ احلمار مع احلوار ،ع َّلم ُه النهيق، وهو �أنكر الأ�صوات.
يف مراعاة النوامي�س وطبائع الأم��ور وعدم الطمع يف حتقق امل�ستحيل �أو املمتنع،يقول املثل احل�ساين« :لخْ ْ ريف ما يعطي ال�شوايل»، �أي �أن اجلذب ال ي�ساعد على �إنتاج غلة جيدة كحليب ال�شوائل التي تر�ضع منه �صغارها ويتغذى وينتفع به القائمون على تربيتها.
لتح�صيل الرزق �أو طلب العلم �أو نحو ذلك، يقول املثل احل�ساين« :ال َك ْ�سب ْب ْ�شروطو» �أي �أن تنمية الإبل وتربيتها عملية �شاقة ومكلفة تكتنفها م�صاعب ومتاعب جمة .ويقول املثل احل�ساين �أي�ض ًاْ : «ال ما ْي� َر ِّب ما ْي َل ِّب»� ،أي ال ينتج اللب�أ من مل يبادر �إىل تنمية الإبل
يف الإ� � �ش� ��ارة �إىل اخ� �ت�ل�اف ال �ن��ا���س من ح�ي��ث ن�ي��ات�ه��م و�أغ��را� �ض �ه��م وم�صاحلهم واهتماماتهم ،يقول املثل احل�ساينْ « :ك ْلها َغ ْر�ضو ْف��ْ��ض� َر ْع �شا ْي ْلتو» ،تف�صيحهٍّ : لكل بغيته ،فليلتم�سها يف �ضرع �شائلته ،واملراد طلب بغيته والتما�س �أنه يتعني على كل امرئ ُ
اجلد والكد
يف احلث على اجلد والكد واتخاذ الأ�سباب اختالف النا�س
مطلبه بتدبريه وحت�صيله ال�شخ�صي.
حت�صيل الرزق
يف الإ�شارة �إىل امل�شاق والأتعاب التي تتخلل حت�صيل ال��رزق وتنمية الأم ��وال وامل ��وارد، يقول املثل احل�ساينْ « :ل ْب ْل ْب ْذ َراها ،وال َو ْيل ْو َراه ��ا»� ،أي �أن الإب��ل ال تنمو وت�سمن حتى ت�صري ذراه��ا مكتنزة �شحم ًا �إال �إذا القى مربيها الويل وتكبد العناء وامل�شقة ،ونظريه �أي ���ض� ًا ق��ول�ه��مْ « :ل �ب��ل ْب��خْ ��زا ْمي �ه��ا ،وال � َو ْي��ل �إياليمْ ْ ها»� ،أي �أنك �ستالقي التعب يف �سبيل تربية الإب��ل .ولذلك فامتالكها امل�شار �إليه على �سبيل اال�ستعارة بالإم�ساك ُ بخطامها «خ��زامي�ه��ا :جمع خ��زام��ة وه��ي ا ُ خل�ط��ام»ال يعني �سوى بداية طريق �شاق تكتنفه املتاعب وامل�صاعب.
الرتفع عن ال�سفا�سف
يف احل��ث على ترفع العقالء والرا�شدين وت�ن��زه�ه��م ع��ن �سفا�سف الأم� ��ور وخ ��وارم املروءة ،يقول املثل احل�ساين�« :شَينْ الرب َعه على � ّ أزوزال» ،وذلك لأن الت�صابي والت َّ�سافه ال يتنا�سب مع �سن الرا�شدين ومراكزهم االجتماعية ،وقد قال ال�شاعر:
و�إن َ�سفاه ال�شيخ ال حِ لم بعده و�إن ال �ف �ت��ى ب �ع��د ال���س�ف��اه��ة يحلم
�ضرورة تروي�ض النف�س
يف االق ��رار ب�صعوبة التخلي ع��ن العوائد وامل ��أل��وف��ات ،ويف ��ض��رورة تروي�ض النف�س وتعويدها على ترك ما ال يليق بذي مروءة، «�سداب ال َكارح ذا ْرح»، يقول املثل احل�ساينْ : ومعناه كما تقدم �أن ت�أديب وتهذيب وتروي�ض القوارح حزَ ن ب َربوة.
احلذر من �سوء النوايا
يف التحذير من �سوء نية الغري الذي يتظاهر بحب اخلري لك و ُي�ضمر خالف ذلك ،يقول
َ الزركاء التي يعتقد ال�صحراويون بربكتها الناقة
املثل احل�ساينْ « :ي��دَ ّور ْم ْ عاك ْال ما ْي ْبغيك
ْجت رَ ْب»� ،أي ُرب امرئ ي�شارك معك يف البحث ال يزال الحسانيون عن �ضالتك وهو يتمنى يف ق��رارة نف�سه �أال يتفاءلون بالناقة جتدَ ها وال تهتدي �إليها. َ «الزركاء» ويعتبرونها العمل بروح الفريق سبب ًا من أسباب البركة
يف احل ��ث ع�ل��ى ت �ب��ادل امل �ن��اف��ع وامل���ص��ال��ح والتعاون والعمل بروح الفريق ،يقول املثل: ْ «ال � ْ��س� َر ْح َل� ْ�ك َد ّو ْر ُل��و»� ،أي من �أعانك يف حرا�سة �إبلك فقابله بالإح�سان ،واحر�ص على م�ساعدته يف البحث عن �ضالته.
االعتداد بالقوم
يف الإ�شارة �إىل اعتداد املرء بقومه ومقوماته، عاج ُبو �شَ ْي ُخو يقول املثل احل�ساينْ « :ك ْلها ْ و ْب ِعريو» ،وقد يثور الت�سا�ؤل عن �سر �ضرب امل�ث��ل ب��الإع �ج��اب بال�شيخ وال�ب�ع�ير ولي�س ب��الأب مث ًال كما يف املثل العربي ال�شهري: «ك��ل فتاة ب�أبيها معجبة» ،واجل��واب راجع لطبيعة املجتمع احل�ساين الذي كان ال يفخر �إال باالنت�ساب حلملة ال�سالح «املقاتلون» �أو حملة الكتاب «العلماء» ،ولذلك قالوا: «العي�ش �أ ّال تحَ ْ ت ْركاب و َّال حتت ْكتاب».
مراعاة طبائع النا�س
يف احلث على مراعاة طبائع النا�س وال�صرب ُ واجلهول، احلليم عليهم خا�صة و�أن منهم ُ
وق��د قيل �إن يف جمال�ستك للعلماء زي��ادة علم ،كما يف جمال�ستك لل�سفهاء زيادة ِحلم، لأنك تتعلم ال�صرب على جهاالتهم ،وتتفادى �إغا�ضة ال َغ�ضوب منهم طبق ًا للمثل القائل: «ال ّلي ْع � َر ْف �صَ ْن ْع ُة َج ْم ُلو ما ْي َطيحو»� ،أي من عرف طبيعة ج َمله فلن ي�سقط من على ظهره ولن يف�شل يف التعامل معه. عدم اال�ستهانة بالأ�شياء يف الدعوة اىل االنتفاع ب��الأدن��ى �إنْ ع� ّز �أو امتنع الأعلى ،يقول املثل احل�ساين« :لمْ ْعز اك ْل ْل ْبالَ ْن َ ْن َي َ ياك» تف�صيحه :املاع ُز ُ نياق منْ ال ُنوق له ،فمن مل يجد �سبي ًال المتالك النوق وهي �أعلى قيمة فال ي�صرفه طلبها عن االنتفاع مبا دونها قيمة ،ونظريه عند العرب« :العيرَْ �إن َ فاتك اجلح�ش». ويف ال���س�خ��ري��ة واال� �س �ت �ه��زاء مم��ن يطلب �أو ينتظر ح�صول امل�ستحيل ،ي�ق��ول املثل
طيحو»، احل�ساينَ �« :إحانوا ْ�ش َوا ْرب اجلمل ْي ُ �أي ينتظرون �شوارب اجلمل ع�سى �أن ت�سقط، وهذه كناية عن انتظار ح�صول �أمر �سخيف.
التما�س املعرفة
يف الدعوة �إىل التيقظ والنباهة والتما�س امل �ع��رف��ة ال��دق�ي�ق��ة ب ��الأم ��ور ،ي �ق��ول املثل واع َر ْف يمَ ْ َها»، احل�ساين�« :أ ْن َد ْه ْع َلى ْلبل ْ وانده عليها ثم اعرف �إىل �أي حاذي الإبل َ ميمت واجتهت. �أين ّ ويف الإ�شارة �إىل املعرفة ال�سابقة بالنوايا والأم��ور وع��دم التفاج�ؤ بحدوثها ،يقول اج َمل ْف َرا�س ْرا�س ْ املثل احل�ساين« :ال ِّلي ف ْ ا َّ جل ّمالة»� ،أي �أن ما ق�صد اجلمل فع َله، ك��ان��ت ل�صاحبه معرفة م�سبقة ب��ه ،وال �شك �أن املعرفة اال�ستباقية بالأمور تتيح فر�صة التح ّوط والتخطيط ملا يلزم فعله. وبكلمة جامعة� ،إن تنوع �سياقات ورود الإب��ل يف الأمثال احل�سانية وحمموالتها ودالالت �ه��ا االجتماعية والأخ�لاق �ي��ة ينم عن �أهمية مركز الإبل يف الوعي اجلمعي احل�ساين الذي �أنتج ثقافة مت�سمة بقدر كبري من الواقعية واال�ستمداد من املحيط البيئي البدوي
112 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
سيمياء
الشفرات الخرساء وال ُهوية
عائ�شة الدرمكي aishaaldarmaki@hotmail.com
�إن اللغة بو�صفها ن�شاطاً �إن�سانياً جمتمعياً تتجاوز يف كيانها حدود الل�سان الذي ال يعترب �إ َّال و�سيلة �ضمن و�سائل �أخرى ال تقل �أهمية من مثل الإ�شارات، والطقو�س ،والرموز، وال�صور ،والعادات وغريها.
ول��ن يكون ب��الإم�ك��ان هنا ق�صر ت�شكل الثقافة وال � ُه��وي��ة على الل�سان وح��ده، ف��ذل��ك يعني جت��اه��ل و�إه��م��ال و�سائل و�أمن��اط �أخ��رى لها دور رئي�س يف �إنتاج امل�ضامني االج�ت�م��اع�ي��ة؛ فحقيقتها ال تكمن يف الك�شف ع��ن ك��ون مرجعي �أو ذهني معطى ب�شكل نهائي ومطلق ،فهي لي�ست خم��زون � ًا م�ت��وارث� ًا ولكنها �إنتاج مكت�سب ،وهذا الإنتاج ال ي�أتي من خالل اللغة املتكلمة وحدها بل ب�أ�شكال متعددة مثل الإ�شارات والرموز والطقو�س ،وهذه الإ�� �ش ��ارات وال�ط�ق��و���س م�ت�ع��ددة بتعدد اجلماعات اللغوية التي تعتمدها؛ ولذلك فهي ت�سهم �إ�سهام ًا مبا�شر ًا يف ت�شكيل ال ُهوية املجتمعية لكل جمتمع على حدة. ت�شكل تلك الإ�شارت والطقو�س والرموز ال�شفرات االجتماعية التي تتنوع وتتعدد لت�شكل الثقافة املعينة امل�ح��ددة ،والتي حت��دد ال�ت�ف��ارق االجتماعي ال�شكالين ال� ��ذي � �س �ي �ح��دد ب �ع��د ذل���ك هُ ��وي ��ة كل جمتمع على حدة ومتيزه عن غريه من املجتمعات؛ فكل جمتمع يعرب عن هُ ويته اخلا�صة التي ُت�ع��رف ب��ه م��ن خ�لال ما يقوم به من �أعمال ،وطريقته يف التكلم والتعبري عن الذات ،وما يلب�سه من �أزياء معينة ذات طراز حمدد و�شكل مميز ،بل وحتى عاداته يف امل�أكل وامل�شرب وطرائق �إعدادهما ،وحميطه املحلي وممتلكاته، وما �إىل ذلك من الأمن��اط التي ي�ستعني بها الإن�سان يف جمتمعه لي�ؤ�س�سه وي�شكله �ضمن احل�ي��اة اليومية ع�بر الال�شعور، بالإ�ضافة �إىل النمط اللغوي املميز الذي يو�سم ال ُهوية االجتماعية ب�سمات متفردة . يف هذا املقال لن �أحتدث عن ال�شفرات الل�سانية بو�صفها حم��دد ًا لهذه ال ُهوية املجتمعية �إذ �أنها لي�ست امل�صدر الوحيد الذي ي�شكل هذه ال ُهوية و�إمنا �س�أخ�ص احل��دي��ث هنا ع��ن من��ط �آخ ��ر م��ن هذه
الأمن ��اط ه��و ال�شفرات غ�ير الل�سانية، وال�ت��ي يعتربها اجل��اح��ظ �صنف ًا مهم ًا وج ِعل من �صنوف البيان حني قالُ ...« : البيان على �أرب�ع��ة �أق�سام؛ لفظ وخط ف�صل احلديث عنها وعقد و�إ�شارة» ،فقد َّ طوي ًال يف كتابه «احليوان» �سيما يف ف�صل �أق�سام البيان؛ فيتحدث عن ف�ضل هذه ال�شفرات ودالالت�ه��ا وم��ا �أودع فيها من احلكمة وال�بره��ان؛ فالأج�سام اخلر�س ال�صامتة يعتربها ناطقة من جهة الداللة ومعربة من جهة �صحة ال�شهادة. ُ القدم مبثل وقد اعتنى الن�ص الأدبي منذ ِ ه��ذه ال�شفرات عناية كبرية م��ن حيث بيان دالالت�ه��ا االجتماعية ل��دى املتلقي بل وطريقة �أدائها من ِقبل الباث؛ فمن ذلك ما �أورد ابن جني يف «اخل�صائ�ص» م��ن �أن مثل تلك ال�شفرات لها �أهمية يف البيان ال��داليل والبالغي يف الن�ص الأدب��ي ،و�أنها تبني ملتلقي الن�ص الأدبي املبني على مثل تلك ال�شفرات «الأحوال ال�شاهدة بالق�صود ،بل احلالفة على ما يف النفو�س؛ �أال ترى �إىل قوله« :تقول، و��ص� َّك��ت وجهها بيمينها� /أب�ع�ل��ي هذا ب��ال��رح��ى امل�ت�ق��اع����س!» ،فلو ق��ال حاكي ًا عنها� :أبعلي هذا بالرحى املتقاع�س من غري �أن يذكر َّ �صك الوجه ،لأعلمنا بذلك ب�أنها كانت متعجبة منكرة ،لكنه ملَّا حكى احلال فقال «و�صكت وجهها» ُع ِلم بذلك قوة �إنكارها» ،ومنه ما ذك��ره اجلاحظ يف «البيان والتبني» لأحد ال�شعراء قوله: ي�سعى ومثل ال�صفري كالمه /وتوحي يداه لهن وحي الأخر�س. فهناك الكثري من الن�صو�ص الأدبية التي عمدت �إىل و�صف مثل تلك ال�شفرات �أو حتديدها بعالمة ل�سانية مميزة كما جن��د يف «الإمي���اء والإ���ش��ارة ،وال��وح��ي، واللمع ،والنظر ،والتحديق ،والوم�ض» وغريها الكثري � .إنها �شفرات اجتماعية
سيمياء
لها خ�صو�صيتها من حيث الأداء ومن حيث الداللة. يف احلقيقة �إننا �أمام كم هائل من ال�شفرات التي ينتجها املجتمع ل�سد حاجاته املعي�شية عامة اجتماعي ًا واقت�صادي ًا و�سيا�سي ًا ب��ل ونف�سي ًا وروح �ي � ًا .فهي �أمن��اط ال ن�ستطيع �إح�صا�ؤها يف مثل هذا املقال ،و�إمنا ميكن �أن ندلل عليها بنوع من ال�شفرات قد يكون �أكرث و�ضوح ًا؛ فهي من ال�شفرات التي تُ�شكل ال ُهوية ب�شكل الفت؛ �إذ �أ�صبحت الأمم تُعرف بها� ،أال وهي «ال�شفرات الب�صرية»؛ ذلك لأنها من ال�شفرات التي تتوىل النظام احل�سي الذي يحدد ثقافة النظر �إىل الآخر والأ�شياء ،حيث تنظم كيفية توجيه النا�س �أنظارهم بع�ضهم لبع�ض يف املرتبة الأوىل يف املحيط الثقايف اخلا�ص باملجتمع ،فهناك طرائق حمببة �أو مقبولة وهناك طرائق غري مرغوبة �أو حتى حمرمة ،وتزيد �أو تقل �شفافية هذه ال�شفرات كلما كان الأفراد من الو�سط الثقايف نف�سه �أو ال، �أو كانت بينهم عالقات اجتماعية قريبة �أو بعيدة. �إن �أمناط «ال�شفرات الب�صرية» �أمناط مكت�سبة �إىل درجة كبرية؛ �إذ يتعلم الطفل من جمتمعه طرائق النظر و�إىل �أي مناطق اجل�سد من الآخ��ر ينظر و�أ ُّي�ه��ا ال ينظر� ،أو �إىل �أي الأ�شياء ينظر و�أ َّيها ال .ثم طريقة النظر املقبولة �أو املرفو�ضة ،ثم دالالت كل تلك الطرائق لدى املتلقي؛ فيتلقن الأط �ف��ال طريقة النظر �إىل حمدثيهم ،وع��دم احلملقة ب��ال�غ��رب��اء ،وع��دم التحديق يف بع�ض �أج��زاء اجل�سد؛ �إذ عليهم النظر �إىل حمدثيهم ليبدوا مهذبني، وع��دم التحديق مب��ن ال يجوز النظر �إل�ي�ه��م ،وم��راع��اة م�شاعر الآخرين عند النظر �إليهم .وغريها من �أمناط �أداء تلك ال�شفرات حتى ي�صبح �أداءها �شيئ ًا ال �شعوري ًا، يقوم به ب�شكل بديهي مت��ام� ًا .وبذلك يكت�سب املجتمع �أمناط ًا خا�صة به متيزه عن غريه من املجتمعات ،فهي متثل منط ًا من هُ ويته؛ يذكر دانيال ت�شاندلر يف «�أ�س�س ال�سيميائية» �أنه «يف لويو يف كينيا ال يجوز �أن يحدق املرء يف حماته ،ويف نيجرييا ال يجوز له �أن يحدق يف �أ�صحاب املقام الرفيع ،وعند بع�ض الهنود يف �أمريكا اجلنوبية يجب �أن ال ينظر املرء �إىل حمدثه �أثناء التحاور ،ويف اليابان ال يجوز التحديق يف الرقبة �أو الوجه .وما �إىل ذلك» ،فكل ذلك يجعل من «ال�شفرات الب�صرية» ذات طابع جمتمعي بحت �إ َّال �أنها حتمل خ�صو�صية �أك�ثر كلما انتقلنا �إىل جمتمع �صغري و�آخر؛ �إذ جند مث ًال يف الثقافة العربية �أن النظر �إىل الأ�سفل �أثناء احلديث مع الآخر يعرب عن عدم
ال�صدق ،غري �أنه يف جمتمع عربي ما قد يدل على احلياء �أو التحفظ �أو التدين وغريها الكثري من تلك ال��دالالت التي تختلف باختالف املجتمع وال�سياق االجتماعي الذي يتحكم يف هذا النمط. وعلى ذل��ك ف ��إن �أي جمتمع �سيقوم بتعليم �أبنائه تلك الأمناط التي متثله ومتثل من �سبقه ،وهي �أمناط متوارثة �إىل حد بعيد ،غري �أنها تتطور من ناحية �أخرى فهي ال تثبت طوي ًال؛ فقد ت�ؤثر فيها التطورات الل�سانية واحل�ضارية ب�شكل كبري؛ فعلى �سبيل املثال املجتمع العربي الذي كانت تنظر فيه املر�أة �إىل الأ�سفل عند حديثها مع الرجل يف زمن ما هو نف�سه الذي قد تقف فيه املر�أة يف زمن الحق وعينها بعني الرجل وتتحدث �إليه دون �أن ي�ؤدي ذلك �إىل دالالت �سلبية اجتماعي ًا� .إن ما ح��دث فقط �أن ه��ذه ال�شفرات الب�صرية تطورت ومنت بنمو وتطور ثقافة املجتمع عموم ًا لأن��ه جزء من هذه الثقافة ،وه��ذا �سين�سحب على باقي الأمن��اط كلها ،لنجد اختالفات كثرية يف طرائق النظر ودالالتها االجتماعية مع الت�أكيد على ر�سوخ النمط العام لهذه ال�شفرات من ناحية القيمة االجتماعية التي متثلها ف��إذا كان املجتمع �سيقبل منط نظر امل��ر�أة للرجل �أثناء احلديث العام ،ف�إنه لن يقبل طريقة التحديق املختل�سة بينهما يف �أي ن�سق من الأن�ساق و�سيظل ذلك يحمل دالالت �سلبية اجتماعي ًا مهما تطور ومنا املجتمع ح�ضاري ًا ،كما أومهينة �ستظل كرثة التحديق «احلملقة» يف الآخر خميفة � ُ �أودليل قلة االحرتام يف �سياقاتها املتعددة. �إن �ن��ا �إذن نتعلم ق ��راءة ال �ع��امل بو�ساطة تلك ال�شفرات االجتماعية على تنوعها واختالفها يف ال�سياقات والأدوار االجتماعية الثقافية املعينة التي ننمو فيها اجتماعي ًا يف �سريورة تبني طريقة ما يف الر�ؤية ،وعليه ف�إننا نتبنى �أي�ض ًا هُ وية خا�صة مبجتمعنا .وهذه ال�سريورة �ست�شكل �إح�سا�سنا بذواتنا التي متثل نقطة اال�ستقرار التي ننطلق منها �إىل الآخر والعك�س� .إنه ت�شييد اجتماعي يتزاحم على حتديده ح�شد كبري من ال�شفرات املتفاعلة يف ثقافتنا املجتمعية م��ن مثل الأدوار ،والأمن� ��اط ،وامل��واق��ف ،وال�ل�غ��ة؛ فكلها �شفرات اجتماعية ن�ستوعبها بدرجات متفاوتة ،ومن خالل ا�ستمرارية التكرار يت�شكل تدريجي ًا مركز هو الذات الذي ي��ؤدي دوره مع الآخ��ر وبه �ستت�شكل منظومة املجتمع التي متثل هُ وية خا�صة بنا كوننا �أفراد ًا وبه كونه ُكل
اآلفاق روزنامة ارتياد 114 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
رمضان ..
فرحة واحدة بألوان عديدة القاهرة � -صفاء البيلي
تنبع املنا�سبات الإ�سالمية حول العامل من م�شكاة واحدة ،لكن �ضوءها تختلف �ألوانه وزخارفه من بلد لآخر ،طبقا لثقافة وعادات وتقاليد هذا البلد� ،أو طبقاً ملوقعه اجلغرايف ،فرم�ضان يف �أفريقيا له �سمات ومميزات عنه يف �أوروبا ،وهو يف النم�سا غريه يف م�صر واليمن .هنا جولة �سريعة يف �أبرز �أجواء رم�ضان يف عدد من الدول العربية.
الإمارات ..ال�سمر و�صلة الأرحام
�أب ��رز م��ا مييز �شهر رم���ض��ان الف�ضيل يف الإم� � ��ارات ه��و ��س�ع��ي ال �ن��ا���س �إىل ترميم العالقات االجتماعية التي رمب��ا �أ�صابها ال �ف �ت��ور نتيجة ل�لا��س�ت�غ��راق يف الأ� �ش �غ��ال والأعمال طوال ال�سنة ،فينتهز �أهل الإمارات فر�صة ال�شهر الكرمي للتوا�صل والتزاور مع الأه��ل واجل�يران والأ��ص��دق��اء ،فال�شهر هو �شهر �صلة الأرح��ام لدى الإماراتيني ،وهي ف�ضائل تناقلتها الأجيال الإماراتية املختلفة ور�سخت يف ثقافتهم ،وي�ج��دون يف ال�شهر الكرمي فر�صة ملمار�ستها حيث تكرث لقاءات ال�سمر عقب �صالة الرتاويح وت�ستمر حتى وقت ال�سحور. وحتتفظ ذاك��رة كبار ال�سن من �أه��ل الإم��ارات بذكرياتهم عن ليايل ال�سمر التي كانت غالب ًا ما تدور حول الرقائق وق�ص�ص ال�صاحلني التي حتقق معاين ال�شهر الكرمي وما جاء به من قيم ومعان فريدة. وتعد «الرم�سة الرم�ضانية» من العادات املميزة لأه��ل الإم��ارات يف ال�شهر الكرمي ،حيث يجتمع الأ� �ص��دق��اء واخل�ل�ان ب��اخل�ي��ام ال�ت��ي يحر�صون على جتهيزها قبل ال�شهر الكرمي بفرتة كافية، للتجمع مع «الربع» والأ�صدقاء والأقارب للت�سامر والتدار�س ،ت�صاحبهم القهوة العربية ،والوجبات الرم�ضانية ال�شهرية ،ويطول ليل الرم�سة �إىل بعد منت�صف الليل واال�ستعداد ليوم رم�ضاين جديد. يق�ضي معظم الإماراتيني نهارهم يف قراءة الذكر احلكيم ،وللن�ساء عادات مميزة مع القر�آن حيث يجتمعن عند «املطوعة» وتكون يف العادة امر�أة تتوافر على ق��در منا�سب م��ن العلم ال�شرعي، ومعرفة �أحكام جتويد وقراءة القر�آن ،ف�ض ًال عن متتعها برواية الق�ص�ص الدعوية والرتبوية التي ت�ضفي على هذه اللقاءات روحانيتها املطلوبة. يف رم �� �ض��ان ،ت�ق��وم ال�ن���س��اء ب ��إع��داد الأط�ع�م��ة والأط�ب��اق ال�شعبية امل�شهورة ،التي تعيد رحيق ت��راث الأج��داد عرب ال�سنني ،فيحر�صن على �أن تكون احدى هذه الأكالت ،على مائدة الإفطار، ال �ه��ري ����س وال �ع �ي ����ش واخل �ب �ي ����ص ،وال�ل�ق�ي�م��ات، وال�ساقو .ومن العادات املحببة للإماراتيني تبادل
اإلفطار الجماعي سمة رئيسة لرمضان في السودان حيث يفطر الناس جماعات خارج المنازل الطعام ،ولقاء الرجال يف مكان واحد يتناولون فيه الإفطار ،ولهذا املكان �سمات حيث يفرت�شون ال��رم��ل �أو احل�صر ،وبعد �أن يتناولوا الإف�ط��ار يتوافدون على امل�ساجد لأداء ال�صالة ،ويعودون بعد �أداء �صالة ال�تراوي��ح ،لإكمال م�سامرتهم، وكذلك تفعل الن�ساء فيقمن جل�سات م�شابهة يف بيت �إحداهن لتناول طعام الإفطار ،وبعد �صالة الع�شاء يكملن امل�سامرات وا�ستدعاء الذكريات.
الرمسة الرمضانية من العادات المميزة ألهل اإلمارات في الشهر الكريم
ال�سعودية «..املغ�ش» �أو ًال
يف اململكة العربية ال�سعودية يرتبط �شهر ال�صيام ب�أمور يجب الإع��داد لها م�سبق ًا ،مثل �شراء االطعمة اخلا�صة وامل�شاريب الرم�ضانية و�أبرزها قمر الدين ،والتمر الهندي. والإف� �ط ��ار يف ال���س�ع��ودي��ة ي �ك��ون ع�ل��ى التمر والع�صريات �أو القهوة ،ثم بعد �صالة املغرب مُتد مائدة الإفطار التي ال تخلو من ال�شوربة وال�سمبو�سة وال�ل�بن ،وه��و �إف�ط��ار خفيف يف ال�ع��ادة يت�سامر النا�س حوله وه��م ي�شربون �شرب القهوة وال�شاي ،حتى يحني موعد �صالة الع�شاء وال�تراوي��ح ،بعدها يعود ال�سعوديون لتناول وجبة الع�شاء. من الأكالت ال�شعبية املرتبطة بال�شهر الكرمي يف ال���س�ع��ودي��ة� ،أك �ل��ة ت�ع��رف ب�ـ«امل�غ����ش» ويتم إ�ع��داده��ا يف الأواين احلجرية القدمية التي كانت ت�ستخدم قدمي ًا مبنطقة ج��ازان لطهي اللحم ،وهي عبارة عن �آنية حجرية ًتنحت من نوع من �صخور «ال�سلف» التي حتتفظ باحلرارة، ا�ستخدمها �أهل جازان قدمي ًا يف �صنع الأواين املنزلية .وت�ستخدم هذه «املغا�ش» جمع «مغ�ش»،
روزنامة 116 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
تزيني ال�شوارع بالق�صا�صات امللونة يف رم�ضان
لطهي اللحم وذل��ك بو�ضعه يف التنور بعد � متو�سطة،أن يحرص الكويتيون تو�ضع قطع اللحم وال�شحم ب�أحجام ويو�ضع معها اخل�ضار وي�ضاف �إليها قليل من على االحتفال بيوم املاء باال�ضافة اىل البهارات والكركم. «القريش» استعداد ًا للشهر الكريم
الكويت ..يوم القري�ش
يف الكويت ،ي�برز ي��وم «القري�ش» ك�أحد أ�ب��رز ال �ع��ادات والتقاليد التي يحر�ص الكويتيون على �إحيائها ،ويقع يف �آخر �أي��ام �شهر �شعبان ا�ستعداد ًا ال�ستقبال �شهر رم�ضان الكرمي ،ويتم االحتفال بيوم القري�ش مع ر�ؤية هالل رم�ضان، �سواء �صادف �آخ��ر �أي��ام �شعبان بالفعل �أم مل ي�صادفه ،وذلك خ�شية من االنتظار حتى ثبوت ال��ر�ؤي��ة التي ق��د تفاجئهم ببدء ال�صوم قبل االحتفال بالقري�ش. وتتمثل مظاهر االحتفال بهذا ال�ي��وم بحمل الأطعمة املتوفرة يف املنزل والذهاب بها �إىل بيت كبري العائلة ،ويجتمعون حولها لالحتفال بقدوم ال�شهر املبارك .وقد ن�ش�أت تلك العادة حلماية الطعام القابل للأكل يف ذلك اليوم من التلف ،مع عدم وجود ثالجات حلفظ الأطعمة يف الأزم��ان ال�سابقة ،وكان من ع��ادات النا�س يف ذاك الوقت تناول الأطعمة املتبقية يف اليوم ال�ت��ايل .و�سمي ه��ذا اليوم بالقري�ش لأن��ه يتم اال�ستفادة من جميع الأطعمة املوجودة بالبيت قبل ب��دء ال�صوم كما �أن�ه��ا �أ�صبحت فر�صة
لاللتقاء بباقي �أفراد العائلة. وم��ا ت��زال بع�ض الأ�سر الكويتية حتر�ص على ه��ذه ال�ع��ادة حتى يومنا ه��ذا ،و�إن ا�ستجابت لطابع احلياة احلديثة ،ب�أن يكون االجتماع يف �إطار الأ�سرة ال�صغرية ،ولي�س يف �إطار الأ�سرة الكبرية املمتدة كما كان يحدث �سابق ًا.
قرقيعان �أهل اخلليج
وح�ي�ن ن�ت�ح��دث ع��ن ع� ��ادات �أه ��ل اخل�ل�ي��ج يف رم���ض��ان ال نن�سى ع ��ادة «ال�ق��رق�ي�ع��ان» التي انتقلت �إليهم عن �آبائهم و�أجدادهم ،وما زالوا يحر�صون على احلفاظ عليها حتى الآن ،و�إن تغريت كثري ًا ،حيث يطوف الأطفال يف منت�صف �شهر رم�ضان خالل ليايل 13و 14و 15رم�ضان وي� ��رددون الأه��ازي��ج وت ��وزع احل �ل��وى عليهم، وتختلف الأه��ازي��ج بح�سب املناطق اختالف ًا
السودانيون يقطعون الطريق بعمائمهم إلجبار المارة على اإلفطار معهم
ب�سيط ًا وتت�شابه يف امل�ضمون ،ويرتدي الأطفال زي � ًا معينا لهذه املنا�سبة ،والت�سميه م�شتقه من «كلمة قرقعة» �أي �إ�صدار �أ�صوات من مواد �صلبة وهي �صوت الأواين احلديدية التي حتمل احللويات .والقرقيعان يف الكويت ،والإمارات، هو قرقاعون يف �شرق ال�سعودية ويف البحرين، �أو قرقنقعوه يف قطر� ،أو القرنق�شوه يف عمان، واملاجينة يف العراق ،وهو تقليد �سنوي ومنا�سبة تراثية يحتفل بها يف بلدان اخلليج العربي حتى اليوم ،وك��ان القرقيعان يف املا�ضي عبارة عن �سلة كبرية م�صنوعة من �سعف النخيل يو�ضع بداخلها خليط من املك�سرات التي ت�شتمل على النخي والفول ال�سوداين والنقل واجلوز والتني املجفف بالإ�ضافة �إىل احللويات ،وت��وزع على �أطفال احلي عندما يرددون الأهازيج اخلا�صة بهذه املنا�سبة ،فعندما ي�سمع الأطفال �صوت �أذان امل�غ��رب يتناولون �إف�ط��اره��م على عجل م�صطحبني معهم �أكيا�س من القما�ش والطبول وي�سريون على �شكل جماعات مرددين �أهازيج القرقيعان و�أنا�شيده ،وكانت البنات يف ال�سابق يجمعن القرقيعان من البيوت املجاورة والقريبة �إىل منازلهن ،وذل��ك عندما ي��رددن �أهزوجة خا�صة بهن وهي: قرقيعان وقرقيعان.. بيت ق�صري ورم�ضان.. عادت عليكم �صيام..
كل �سنة وكل عام.. �سلم ولدهم ياهلل ..خله المه.. ع�سى البقعة ال تخمه وال توازي على �أمه.. عطونا اهلل يعطيكم بيت مكة يوديكم.. يا مكة يا معمورة يا �أم ال�سال�سل والذهب يا نوره بينما ميتد ن�شاط الأوالد �إىل خ��ارج احلي وي�ت�ن�ق�ل��ون ب�ين الأح��ي��اء الأخ� ��رى م��رددي��ن �أن�شودة �صغرية هي «�سلم ولدهم ..ياهلل.. خله المه ..ياهلل».
اليمن ..طالء املنازل و«ال�شعبنة»
ت�سعى الأ��س��رة اليمنية ال�ستقبال رم�ضان بكثري م��ن البهجة وال �ت �ف��ا�ؤل ككل البالد الإ�سالمية ،وهناك عادات مميزة لليمنيني م��ن بينها �أن �ه��م ي�ح��ر��ص��ون ع�ل��ى تنظيف ال �ب �ي��وت وت�ن�ظ�ي�م�ه��ا ،ق �ب��ل ب��داي��ة ال�شهر الكرمي� ،إذ يهتم رب الأ�سرة برتميم املنزل وتهيئته كي يكون مالئم ًا للجو الروحاين ل�شهر رم�ضان. ويف ال��ري��ف اليمني ي�ق��وم ال�ن��ا���س بطالء منازلهم مب��ادت��ي اجل����ص وال �ن��ورة اللتني ت�ستخرجان من مناطق معينة يف اجلبال، وبع�ض املناطق اليمنية ت�ستقبل رم�ضان مبا ي�سمى بالـ«�شعبانية» �أو «ال�شعبنة» ،وتتم عند ثبوت ر�ؤي��ة هالل رم�ضان ،ب��أن ي�أخذ ال��رج��ال يف امل���س��اج��د بالتهليل والتكبري والرتحيب و�أداء بع�ض الأنا�شيد الدينية املعروفة منذ القدم عرب مكربات ال�صوت يف امل�ساجد.
ال�سودانيون ..قطع الطريق بالعمائم
رم�ضان يف ال�سودان له �سمات مميزة ،تبد�أ بـ«خم الرماد» ال��ذي ي�شبه «ي��وم القري�ش» يف الكويت ،و«ال�شعبنة» يف اليمن ،و«ي��وم ال���ش��ك» يف م�صر .ويف ي��وم خ��م ال��رم��اد، ال�ي��وم الأخ�ير م��ن �شعبان ،يتجهز النا�س
الإفطار اجلماعي �سمة رئي�سة لرم�ضان عند الكثري من ال�شعوب
لل�صيام ب�أكل ما لذ وطاب وتهيئون لل�صوم. يف اجل� ��زء ال �� �ش �م��ايل م��ن ال �� �س��ودان ت �ب��د�أ التجهيزات الرم�ضانية من وقت مبكر ،ويعد الإف �ط��ار اجل�م��اع��ي �سمة رئي�سة لرم�ضان يف ال���س��ودان ،حيث يفطر النا�س جماعات خارج املنازل� ،أو يف اخللوة التي يجهزونها ل��ذل��ك ،�أو تفطر ك��ل جم�م��وع��ة ع�ل��ى ر�أ���س �شارع ترقب ًا للمارة وعابري ال�سبيل لدعوتهم لتناول الإفطار ،وبعد الإفطار يكون اجللو�س يف حلقات للحديث واحل�ك��اي��ات وبعد ذلك الذهاب اىل امل�سجد لأداء �صالة الرتاويح. ومما يروى عن ذلك �أن ال�شباب يقفون على الطريق ويفردون العمائم ،مي�سك �أحدهم بطرف فيما ي�سمك �آخ��ر بالطرف الثاين، ويقومن بقطع الطرق على املارة لإجبارهم على التوقف وال�ن��زول يف �ضيافتهم وتناول طعام الإفطار معهم.
اجلزائر « ..اخلفاف» من �أجل الطفل
م��ن �أه��م ال �ع��ادات االجتماعية امل�صاحبة ل�شهر رم�ضان يف اجلزائر ،االحتفال ب�أول
«القرقيعان» عادة اجتماعية رمضانية يحرص أهل الخليج على بقائها حية
�صيام للأطفال ،ويتم خالل الأيام الأوىل من �صيام الأطفال ال��ذي يكون ح�سب ما جرت به العادة ليلة الن�صف من رم�ضان �أو ليلة 27منه� ،إعداد م�شروب خا�ص يتم حت�ضريه باملاء وال�سكر والليمون مع و�ضعه يف �إن��اء «م�شرب» بداخله خ��امت م��ن ذه��ب �أو ف�ضة من �أجل تر�سيخ وت�سهيل ال�صيام على الأبناء م�ستقبال .وجتري هذه التح�ضريات و�سط جو احتفايل ،بح�ضور الوالدين واجل��د واجلدة و�أفراد �آخرين من الأ�سرة والأقارب ،مت�سك ًا ب �ع��ادات وتقاليد �أج��داده��م .وم��ن مظاهر االحتفال بال�صيام الأول للطفل �أن تطبخ له أ�م��ه «اخلفاف» وهو نوع من فطائر العجني املقلي يف الزيت� ،أو تطبخ له «امل�سمن» وهو �أي�ض ًا نوع من الفطائر املرققة تطبخ يف قليل من الزيت. ً وه��ذه الفطائر ف�ضال عن كونها مما يطبخ ل�ل�أط�ف��ال عند �صيامهم الأول فهي تطبخ �أي�ضا عند �أول حالقه للطفل الذكر� ،أو ظهور الأ�سنان الأويل له ،وعند �أول دخول للمدر�سه. كما ي�صنع للطفل ال�صائم لأول مره م�شروب حلو يدعي «ال�شربات» ،وهو مزيج من املاء وال�سكر وماء الزهر ي�ضاف �إليه عند البع�ض ع�صري الليمون .وتعتقد الأم �ه��ات �أن هذا امل���ش��روب احللو يجعل �صيام الطفل حلو ًا ويحبب له ال�صيام كي ي�صوم مره �أخرى
عمران 118 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
تنوعت �أ�شكالها وتعددت ت�سمياتها
الحمامات العامة ّ في بيروت
بؤرة ثقافية اجتماعية ذات وظائف صحية بريوت -نادر �رساج الكالم عن منظومة احل ّمامات العامة التي عرفتها حا�ضرة عربية مثل بريوت ،يف خمتلف ع�صورها احلديثة ،ينبغي �أن ي�ستبق بلمحة تاريخية موجزة تعيد الف�ضل �إىل هذه املدينة ال�ساحلية التي عرفت خالل القرن امليالدي الثاين ما ا�صطلح على ت�سميته «احل َّمامات الرومانية» les .thermes romainesوهي ح ّمامات عامة عرفت خالل الع�صور اليونانية الرومانية ،وقد اكت�شفت �آثار هذه احل َّمامات يف �ستينيات القرن املن�صرم من قِبل املديرية العامة للآثار التي ك�شفت من خالل عمليات التنقيب هذا الإرث املعماري احل�ضاري الذي يظهر �أهمية احل ّمام العام يف انتظام احلياة املدينية ،وبريوت م ّثلت منوذجاً متقدّماً لها. ومت �أخ�ي�ر ًا «ع��ام »2009اكت�شاف ح ّمامات ال ِف َرق التي كانت ت�شارك يف �سباق اخليل يف مدرج بريوت الروماين الواقع يف «وادي �أبو جميل» .وهي م�شابهة حل ّمامات موجودة حالي ًا وجم�سماتها يف يف مدينة �صور ن�شرت �صورها ّ جملة «بعل» «قهوجي.»2007 درا�ستنا التالية عن تاريخية ت�شييد احل َّمامات
العامة يف الثغر البريوتي ا�ستندنا فيها ب�شكل �أ�سا�سي على الدالئل وال�سلنامات ،وهي كلمة تركية من �أ�صل فار�سي ،مركبة من املفردتني الفار�سيتني «��س��ال» مبعنى ال�سنة ،و«نامة» مبعنى الأوراق والدفرت والكتابة ،وتعني يف العربية :كتاب ال�سنة �أو التقومي ال�سنوي �أو احلولية .وقد �أ�صدرت الدولة العثمانية
عمران 120 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
�سلنامات هي مبثابة جمالت �إدارية �سنوية، و�أول �سلنامه لوالية �سورية �صدرت يف عهد الوايل را�شد با�شا حوايل ال�سنة ،1870نق ًال عن ر�سالة ماجي�ستري غري مطبوعة ل�صادق ر�شوان حنا ،جامعة القدي�س يو�سف.1984 ، بالإ�ضافة �إىل كتب التاريخ وم�ص ّنفات ال�صور الفوتوغرافية ال�ت��ي مت�ح��ورت ح��ول نه�ضة بريوت خالل العقود الأخرية. ون�ستهل بالقول �إن احل� ّم��ام��ات العامة ما حظيت بح ّيز مقبول من التنقيب واالهتمام وال �دّرا� �س��ة يف معظم امل ��ؤ ّل �ف��ات ال�ت��ي عنت بت�أريخ �أح��وال �سكان امل��دن والثغور العربية الإ�سالمية ،وبخا�صة تلك املتوزعة على �شرقي �شواطئ البحر املتو�سط.
تاريخ بريوت منوذج ًا
وتقت�ضينا احلقيقة �أن ن�شري �إىل �أن كتاب منزول بريوت مل�ؤلفه عبد اللطيف فاخوري، خ�ص ه��و ال��وح�ي��د ،على م��ا نعتقد ،ال ��ذي ّ احل ّمامات ،بو�صفها واح��دة من امل�ؤ�س�سات االجتماعية ،ب�صفحات م�ستق ّلة .فقد �أفرد لها مطلب ًا م�ستق ًال يف الف�صل الثاين .وبا�ستثناء ذل��ك ث ّمة ��ش��ذرات متف ِّرقة عن احل ّمامات حفلت بها متون امل�ص ّنفات التاريخية وكتب الرتاث وتلك املهت َّمة بجمع امل�أثورات ال�شعبية. ويالحظ الباحث ن��درة املعلومات املت�صلة بهذه الأماكن �أو امل�ؤ�س�سات العا َّمة التي ت�ش ِّكل معلم ًا من معامل املدينة العربية الإ�سالمية، وملتقى اجتماعي ًا دوري � ًا ،للرجال وللن�ساء، يق�صدونها �أفراد ًا وجماعات ،ك ٌّل على حدة، حاجات ف�ض ًال عن �ات وق�ضاء ٍ لتزجية �أوق� ٍ املحافظة على طهارة اجل�سد .فاحل ّمام كان واحد ًا من مكونات املدينة الأربعة :امل�سجد، الكتّاب ،الفرن واحل ّمام. و�سرنى تباع ًا �أن امل�ؤلفني تط َّرقوا �إىل ذكر احل� ّم��ام��ات العامة مل��ام� ًا يف كتب التاريخ. ف�صالح بن يحيى «ت1446 .م»� ،أحد علماء وم ��ؤ ّرخ��ي �أوا��س��ط القرن التا�سع الهجري، و�أح ��د �أب �ن��اء ب�ي�روت ،ي��أت��ي يف كتاب تاريخ ب�يروت «حتقيق فرن�سي�س هور�س – كمال ال�صليبي ،دار امل�شرق � ،1969ص »114 .على
ذكر �سيف الدين تنكز «ملك الأم��راء ونايب ال�شام» و«الأ�شرف ال�سيفي �سيد النواب» الذي ع َّمر يف بريوت ك ًال من الربج ال�صغري واخلان واحل� َّم��ام .وي��ورد �شعر ًا نظمه نا�صر الدين بن احل�سني الذي �أمر بتعليقه على باب هذا احل َّمام:
وح �ـ � َّم �ـ ��ا ٌم ي � ��روق ال �ـ �ع�ي َ�ن ح���س�ن�اً جت � ��د ف� �ي ��ه ال � �ـ � �م � �� � �س � � َّر َة وال �ن �ع �ي ��م ت��ري��ك ال �ـ �م��ا َء ي �� �س��ر ُح ف �ـ��وق ن��ا ٍر وذاك مل� � ��ن ي� � � ��را ن � �ف� ��ي ال� �ـ� �ه� �م ��وم ك � � � � ��أ َّن ق� �ب ��اب� �ه ��ا وال� � �ـ� � �ج � ��ا ُم ف �ـ �ي��ا �� �س� �ـ� �م ��ا ط � ��ال � � �ع � � ٌ �ات ب� �ـ� �ه ��ا ن �ـ �ج �ـ ��وم
ويذكر يف الكتاب «احل َّمام العتيق» لدى الكالم عن العيا ِنبة «�أمراء عيناب» الذين اتخذوا لهم الدار املعروفة بدار �صاحب بريوت املجاورة للح ّمام العتيق ،والواقعة بجانب البحر ،وقد �سكن نا�صر الدين احل�سني «ح��وايل العام 1394م» احل ��ارة اجل��دي��دة بعد ا�ستمالك الزقاق املعروف بزقاق اخليالة وهو من باب احل��ارة من جهة القبلة �إىل قريب احل َّمام العتيق جانبي الزقاق مينة وي�سرة. وث َّمة ذك ٌر ثانٍ للح َّمامات ،ب�صيغة اجلمع ،يف املرجع نف�سه� ،إذ ينقل كتاب لبنان ،مباحث علمية واجتماعية الذي و�ضع يف العام 1918 به َّمة �إ�سماعيل ح ِّقي بك مت�ص ِّرف جبل لبنان، عن �صالح بن يحيى «�ص ،»59 .ويف معر�ض
ح ّمامهن �إن روى
الحمام طقوس َّ كانت بمثابة احتفال اجتماعي متكامل، يجري وفق سنن، توافقت عليها الجماعة ذك��ره ملراكب الفرجن التجارية التي ب��د�أت ت�تردّد �إىل ب�يروت ،معلومة عن احل ّمامات: «وك��ان للقبار�سة ُك ُن�س ببريوت وجماعة من التجار ي�سكنون فيها ولهم خانات وح ّمامات». وملزيد من التح ُّقق عن ذك��ر احل ّمامات يف «ف�صل يف ذك��ر ق��واع��د ب�ي�روت» ،عدنا �إىل ن�سختني لكتاب تاريخ بريوت ،الأوىل حمقَّقة و�صادرة عن دار امل�شرق « ،»1986والثانية غري حمقَّقة و�صادرة عن دار الفكر احلديث « .»1990فوجدنا �أن الأوىل تذكر «حانات وخمامري» ب��د ًال من احل ّمامات «���ص،»35 . يف حني �أثبتت الثانية «خ��ان��ات وح ّمامات» «�ص»24 .؛ �أي كما يرد حرفي ًا يف كتاب لبنان مباحث علمية واجتماعية «�ص.»329 . و�أ َّي� � ًا يكن من �أم��ر وج��ود احلمامات �أم ال، فل�سنا هنا يف معر�ض القطع يف د َّقة الكالم املن�سوب �إىل �صالح بن يحيى؛ �أي معرفة ما املق�صود متام ًا حانات �أو خانات! وح ّمامات �أو خمامري «ج .خ َّمارة»! فهي مبجملها �أماكن عا َّمة كانت تن�ش�أ خلدمة املواطنني والأجانب وت ��أم�ين م�ستلزمات �إق��ام�ت�ه��م .وم�صطلح «اخلمامري» لي�س غريب ًا عن ذاكرة البيارتة؛ فقد كانت بريوت ،يف �إحدى مراحل تاريخها،
املكانة التي احتلها احل َّمام العام يف الف�ضاء املديني �أ�سا�سية ،وت َّتخذ �أهميتها بالنظر لتعدد الوظائف التي كانت ترتبط بوجوده .وطقو�س احل َّمام كانت مبثابة احتفال اجتماعي متكامل ،يجري وفق �سنن ،توافقت عليها اجلماعة، يتم التهي�ؤ له م�سبقاً ،وله ويف مواعيد حم �دَّدة بالن�سبة لل�ش َّلة ال��واح��دة؛ ُّ م�ستلزماته ،وتنعقد فيه حلقات مغلقة «لكل من الن�ساء والرجال ،على حدة ويتم يف �أرجائه التبا�سط يف �أمور عائلية �أو مهنية؛ �أو تبادل �أحاديث بالطبع»ُّ ، فردية �أو �إخوانية؛ �أو ت�صفية «ح�سابات»عالقة؛ �أو املبا�شرة بالكالم عن زيجات م��د َّب��رة؛ �أو جم� َّرد «ط� ّ�ق حنك» ونقل«خربيات» ون�سج ق�ص�ص ورواي��ات ع َّما يجري داخل البيوت ،وبني العائالت؛ وما �أكرث �أ�سرارها وخباياها التي ال تعود بعد اخل��روج من احل َّمام دفينة ال�صدور .وهنا بالذات ينطبق املثل ال�شعبي ال�سوري املعروف «فوتة احل َّمام مو متل طلعته»!! �أو «م�ش زي طلوعه» كما يقول الأ�شقاء امل�صريون؛ �أو «لي�س كاخلروج منه» كما يقول اللبنانيون.
تعرف «�سوق اخلمامري» الذي �أطلق عليه هذا اال�سم نظر ًا لوجود عدد من احلانات التي كان �أ�صحابها من الن�صارى الذين كانوا يتعاطون جتارة امل�شروبات الكحولية «امل�س ِّكرات» .وهذا ال�سوق كان يقع بجوار �شارع فو�ش احلايل، و�أزي��ل أ�ي��ام ال��وايل عزمي ب��ك ،وذل��ك وفق ًا ملا ذك��ره ال�شيخ طه ال��ويل ،يف كتابه بريوت يف التاريخ واحل�ضارة والعمران ،دار العلم للماليني ،ط�« ،1993 ،»1« .ص.»151. ذكر احل ّمامات يف �سجالت املحكمة ال�شرعية ف�ض ًال عن بع�ض امل�ص َّنفات التاريخية التي ذكرت فيها احل ّمامات العا َّمة ،فقد َّمت التط ُّرق �إليها يف �سجالت املحكمة ال�شرعية يف بريوت، َع َر�ض ًا ،لتحديد موقع عقا ٍر ما� ،أو لدى ذكر �إح��دى وثائق البيوعات �أو عقود الإيجارات و�سواها .ون��ورد مثا ًال على ذلك �أرب��ع وثائق عائدة ل�سجالت املحكمة ال�شرعية يف بريوت: الوثيقة الأوىل تتمحور حول �أرا��ٍ�ض و�أحكار وحمالت موقوفة للجامع العمري الكبري يف بريوت وتعود للعام 1258هـ 1842 /م وذكر فيها «ح َّمام الفوقاين» يف �أربعة موا�ضع :الأول لبني دن��دن «���ص ،»48 .وال�ث��اين لبيت قزاز «�ص ،»49 .والثالث لل�ست خدّوج علي املريي «�ص ،»62 .والرابع ل�سكن حممد القاطرجي «�ص« .»73 .ورد اال�سم يف الوثيقة رقم «،»1 �أوقاف امل�سلمني يف بريوت يف العهد العثماين، ح�سان ح�ل�اق ،ال ��دار اجلامعية ،ط،»2« . � ،1988ص.»48 . وي�لاح��ظ �أن ��ش�ه��رة «احل� � َّم ��ام ال �ف��وق��اين» ا�ستدعت ت�سمية ال�ف��رن امل �ج��اور ل��ه «ف��رن ح� َّم��ام ال�ف��وق��اين» التي ن�صادفها يف وثيقة �شرعية تعود لأوق��اف جامع الد َّباغة مبدينة بريوت .ومعروف �أن هذا اجلامع بني يف عهد املماليك �سنة ،1294وا�سمه م�أخوذ من باب الدباغة �أحد �أبواب املدينة ال�سبعة يف الع�صر الو�سيط. �أم��ا «ح� َّم��ام ال�سرايا» ال��ذي يقع ق��رب «باب ال �� �س��راي» ،ف�يرد ذك��ره يف الوثيقة الثانية ال�ع��ائ��دة لأوق���اف ج��ام��ع ال�سرايا يف العام 1259هـ1843/م وهو معروف با�سمي «م�سجد ب��اب ال�سرايا» و«م�سجد دار ال��والي��ة» .وكان
عمران 122 الـعــــدد 154
التو�صيف امل�ستج ّد بات م�ست�ساغ ًا يف مقابل ال�ق��دمي ،التقليدي املنحى ،وال��ذي ال ي�شري �إال �إىل احلجم «ال�صغري» ن�سبة �إىل �آخ��ر «الكبري». ويذكر «احل� َّم��ام الفوقاين» يف ه��ذه الوثائق ب�صيغتني :منك ّر ًا؛ «ح َّمام الفوقاين» ،ومع َّرف ًا «احل َّمام الفوقاين» ،وذلك لدى الكالم عن حملة �شويربات القريبة من ه��ذا احل َّمام، ويعينَّ حالق موقع احل َّمام يف املحلة كالتايل: «قرب زاوية وم�سجد املجذوب ،وهو قريب من دار بني دن��دن والقناطر ال�شهرية املعروفة با�سم هذه العائلة» «قناطر بني دندن» ،وذلك يف املنطقة املعروفة اليوم باملجل�س النيابي ودار الكتب الوطنية» ،ومل تعد دار الكتب قائمة يف هذا املوقع بعدما �أعيد بناء الو�سط التجاري لبريوت يف الت�سعينيات.
�أغ�سط�س
2012
ح ّمامات ال�شرق يف كتب امل�ست�شرقني
�أ�ص ًال كني�سة �صغرية ،كني�سة املخ ّل�ص ،فح َّوله ع�ساف �سنة � 1572إىل م�سجد ف�س ِّمي الأمري ّ با�سمه .ويتك َّرر يف الوثيقة ال�شرعية الثالثة ذك��ر ا�سم «ح� ّم��ام ال�سرايا» بالإ�ضافة �إىل «ح َّمام ال�صغري» �أو «ال�شفا» .والوثيقة هي عبارة عن عقد �أجار مم َّيز حل َّمامني يف باطن بريوت بني اثنني من الطبقة اخلا�صة :حممد عبد الفتاح �آغ��ا ح�م��ادة واحل��اج م�صطفى �آغا القباين يف 21جمادي الأوىل«1259هـ/ 1843م» .الوثيقة الرابعة مو�ضوعها بيع بني �سوبرة دارهم الواقعة يف زاروب ال�شيخ نا�صر قرب ح َّمام ال�سراي داخل بريوت �سنة 1273 هـ 1856 /م. وم��ا يهمنا هنا ه��و ذك��ر هذين احل َّمامني
املعنيني والكائنني يف باطن املحم َّية ال�شهري، �أحدهما معروف «بح َّمام ال�سرايا» والثاين «ح َّمام ال�صغري» �أو «ح َّمام ال�شفاء». وللحقيقة فتعدّد ت�سمية احل ّمام الواحد تبد�أ يف الظهور يف مطلع القرن املن�صرم� ،إذ نقر�أ يف دليل بريوت وتقومي الإقبال ل�سنة 1327هـ اال�سم اجلديد الذي بات متداو ًال �أكرث على �أل�سنة �أهل املدينة «ال�شفاء» ،ويو�ضع اال�سم ال�ق��دمي ب�ين قو�سني «ال���ص�غ�ير» .وي�ب��دو �أن
الحمام كان واحد ًا ّ من مكونات المدينة األربعة :المسجد، والحمام الكتّاب ،الفرن ّ
ما غاب ال�شغف بزيارة �أو بو�صف احل ّمامات ال �ع��ام��ة يف ب�ل�اد امل �� �ش��رق ع��ن اه�ت�م��ام��ات امل�ست�شرقني الأج��ان��ب ال��ذي��ن راقتهم هذه املوا�ضيع ،وهي نادر ًا ما دخلت يف �أعرافهم، وا� �س �ت �ق��رت �ضمن مم��ار��س��ات�ه��م الثقافية االجتماعية .و�ضمن هذا الت ُّوجه ،يذكر قن�صل فرن�سا يف حلب هرني غيز Henri Guysيف كتابه ال�صادر يف العام ،1847والذي ع ّربه مارون ع ّبود حتت عنوان بريوت ولبنان منذ ق��رن ون�صف ال �ق��رن ،جملة م�شاهداته يف بريوت .وي�شري �إىل وجود ح ّمامني «يقع الكبري منهما قرب ال�سراي ،وهو قدمي العهد ،ظهر �أن الإ�سماعيليني �ضربوا �صفح ًا عنه ،كما �ضربوا �صفح ًا عن امل�سجد الكبري» .ونعتقد �أنه يق�صد ح َّمام «الربغوت» الذي ذكره كتاب «اجلامعة �أو دليل بريوت لعام ،»1889وح َّدد موقعه ق��رب الثكنة .وال�لاف��ت �أن احل َّمام نف�سه ،على ما نعتقد ،هو «ح� َّم��ام الق�شلة» الواقع بجانب الثكنة الع�سكرية واملذكور يف ع��داد احل� َّم��ام��ات ال�سبعة التي �أثبتها عبد البا�سط الأن���س��ي يف «دل�ي��ل ب�ي�روت» .ول��دى كالم غيز عن وظائف احل َّمام يع ِّلق �ساخر ًا على الأمرا�ض التي يلتقطها املرء يف احل َّمام
تخ�ص�ص فقط العام قائ ًال�« :إن احل ّمامات مل َّ لتطهري امل�سلمني ،بل لها �أي�ض ًا �أهمية كربى يف حقل الطب العربي ...فهناك يتع َّر�ض املرء �إىل التقاط الأم��را���ض اجللدية ،وغالب ًا ما تكون هذه الأمرا�ض معدية ،و�أولها و�أ�سرعها عدوى اجل��رب ،الكثري االنت�شار يف البالد». وت�ستوقفه دواخل احل ّمامات في�صفها قائ ًال «تت�ألف ح ّمامات ال�شرق من رده��ات وا�سعة معقودة باحلجر ،تعلوها قباب تطل منها كوى �صغرية م��د ّورة ،لت�ستقبل �ضوء النهار» .وال يفوته �أن يالحظ «�أن هذه احل ّمامات ال تعرف ال�ه��واء مطلق ًا لأن ك��ل ن��اف��ذة منها جم ّهزة بعد�سة من الزجاج». املح�صلة يظهر �أن هذا احل َّمام ا�ستحقَّ ويف ّ ب�ج��دارة تو�صيفاته الوظيفية الثالثة :فهو «ال �ك �ب�ير ح �ج �م � ًا» بالن�سبة �إىل غ�ي�ره من احل � ّم��ام��ات؛ وه��و «ح � َّم��ام ال�ق���ش�ل��ة» ن�ظ��ر ًا ملال�صقته للق�شلة العثمانية �أو للق�شالت ،التي بات ا�سمها «ال�سراي» بعد �إعالن بريوت والية عام 1888؛ وهو �أي�ض ًا ح َّمام الربغوت« نظر ًا �إىل �أن �سبب ارتياده قد يكون التداوي من عدوى اجلرب والتخ ّل�ص من الرباغيت! ويف العام ،1884يد ّون عميد كلية الطب يف ليون الدكتور لوي�س لورتيه» «»Louis Lortet م�شاهداته يف لبنان و�سوريا .ويتوقف عند ب�يروت ،فيالحظ �أن عمران املدينة ازدهر فقامت فيها احل ّمامات والأروقة �إ�ضافة �إىل م��درج ك��ان ي�ضاهي �أف�ضل م��درج��ات ذلك الع�صر .ه��ذه الإ� �ش��ارة اليتيمة �إىل وج��ود ح ّمامات عامة يف ب�يروت ،يتبعها مبعلومات مف�صلة عن ح ّمامات مدينة دم�شق «�ص. ّ »320خالل رحلته �إىل ال�شرق «�سوريا ولبنان
داخل قبة �أحد احلمامات الرتكية
وفل�سطني والأردن» خالل الفرتة من – .1880وال يفوته االلتفات �إىل ح ّمامات دم�شق؛ فيدون جملة م�شاهداته .ويتوقف يف مدينة دم�شق عند احل ّمامات العامة القدمية التي كانت ما تزال تنت�شر يف �أرجاء عا�صمة الأمويني .وي�صفها لنا «�إنها عبارة عن ق ّبة يتو�سطها حو�ض كبري .حول مركزية وا�سعة ّ احلو�ض تنت�شر جمموعة الغرف ال�صغرية املج ّهزة مبقاعد طويلة ،وي�ستخدمها الزبائن للراحة وخلع الثياب� .أما اال�ستحمام فعبارة عن مراحل عديدة تبد�أ بغرف البخار املتفاوتة احلرارة ،مرور ًا بالفرك بال�صابون والتدليك العنيفّ ،ثم ح ّمامات املاء البارد وال�ساخن، امل�ستحم �إىل قاعة اال�ستقبال الأوىل لينتهي ّ حيث يرتاح ويرت�شف القهوة». و�سرن�صد يف هذه الدرا�سة �أعداد احل ّمامات
1875
ب�ؤرة ثقافية اجتماعية �إن الرثثرة الن�سائية التي كانت تعبق بها ح ّماماتنا التقليدية ا�ستوقفت امل�ست�شرق الفرن�سي هرني غيز .فكتب يف العام 1847خاطر ًة مفادها «يف احل ّمام ي�شت ّد هذ ُر الن�ساء ولغوهنّ » .والأمثال ال�شعبية ،املتنوعة املنابت �صحة هذه املالحظة .لكن العربية ،التي تزخر بها كتب الرتاث ال تنفي ّ ذلك ال يحجب ع ّنا حقيقة �أن احل ّمام العربي �شكل على م ّر فرتات تاريخنا الو�سيط واحلديث ب�ؤرة ثقافية اجتماعية ذات وظائف �صحية وطهورية �إذا �ص ّح القول ،ميكن �إدراجها يف ثقافة االجتماع ال�شعبي الدوري الذي كان ينتظم �سلوكنا االجتماعي يف املدن العربية.
التي عرفتها مدن ال�سلطنة العثمانية ابتدا ًء من نهاية القرن التا�سع ع�شر ،متوقفني عند «ح َّمام الزغري» هذا نظر ًا لتوفر املعلومات املبثوثة عنه ،هنا وهناك ،ف�ض ًال عن ظفرنا ممن �أتيح ب�شهادة ح َّية وطريفة لأحد ر َّواده ّ لهم زيارته واال�ستحمام فيه ،رغم ًا عنه ،يف مطلع القرن املن�صرم!
احل ّمامات يف الدالئل وال�سلنامات
وك��ي ال نركن فقط �إىل ال��دالئ��ل والتقاومي التي و�ضعها �أفراد ،نعود �أي�ض ًا �إىل �سلنامات الدولة العلية .ففي �إط��ار ر�صدها للمن�ش�آت العامة يف �سناجق ال�سلطنة ومدنها ود�ساكرها العثمانية� ،أوردت �سلنامه واليت بريوت للعام 1319هـ1901/م وجود 7ح َّمامات يف بريوت، و 6ح َّمامات يف ك� ٍّ�ل م��ن �صيدا والالذقية، وح َّمام واحد يف ٍّ كل من جبله واملرقب� ،أي ما جمموعه 21ح َّمام ًا عاماً. ويبدو �أن العام � 1908شهد تطور ًا ملحوظ ًا يف �أعداد احل َّمامات املنت�شرة على طول ال�سواحل ال�سورية اللبنانية الفل�سطينية� .إذ تر�صد �سلنامه واليت بريوت للعام 1326هـ 1908 /م، وجود 10ح َّمامات يف طرابل�س ال�شام وحدها، و 8يف نابل�س ،و 7يف بريوت ،و 2يف ٍّ كل من عكا و�صور و�صفد ،وح َّمام واحد يف ٍّ كل من حيفا
عمران 124 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
من حمام العظم
وطربيا؛ �أي ما جمموعه 29ح َّمام ًا عام ًا. وقبل ذلك بعقدين� ،أي يف العام ،1888يذكر كتاب «اجلامعة �أو دليل بريوت لعام ،»1889 �أنَّ هناك خم�سة ح َّمامات عامة يف بريوت. وت�ت��و َّزع ه��ذه احل ّمامات على الوجه التايل: «ح َّمام الكبري» «الدركاه» على ال�سور؛ «ح َّمام الزهور» على طريق ال�شام؛ «ح َّمام الربغوت» قرب الثكنة «الق�شالق»؛ «ح َّمام ال�شفا» «�أو ال�صغري» داخ��ل البلدة؛ «ح� َّم��ام البا�شورة» ق��رب ال�ترب��ة؛ وي��وج��د ثالثة ح� َّم��ام��ات بحر للرجال وللن�ساء ،واحد على الزيتونة واثنني على املدور. وك��ان «ح� َّم��ام الكبري» ،كما �أ�سلفنا ،يعترب واح� ��د ًا م��ن م�لام��ح «حم�ل��ة ال ��درك ��اه» التي كانت تقع يف املكان الذي ُي ُ عرف اليوم ب�شارع املعر�ض� ،إ�ضافة �إىل القناة امل�شهورة وامل�سجد والكني�سة امل�سكوبية والدكاكني التجارية ودير الآب��اء الكبو�شيني ومقر القن�صل الفرن�سي يف �أواخر العهد العثماين« ،ومعلومة �أوردها ح�سان حالق يف احلا�شية رقم « »2يف كتابه التاريخ االجتماعي واالقت�صادي وال�سيا�سي يف بريوت والواليات العثمانية يف القرن التا�سع ع�شر� ،ص .»179 .وث َّمة من كان يع ّرفه با�سم «احل ّمام الرتكي» ،حيث يدرج ف�ؤاد دبا�س يف كتابه بريوت ذاكراتنا «�ص� ،»81 .صورة تبدو
فيها ق َّبة «احل َّمام الرتكي»� .أو«احل َّمام الرتكي الكبري» .وكان يقع �شرق ر�أ�س الدركه ،و�أزيل الحق ًا وظهرت حتته الآثار الرومانية القدمية التي بانت للعيان اب�ت��دا ًء من العام .1975 وباحلديث عن منطقة ال��درك��ه نتطرق �إىل باب الدركه امل�شهور الذي كان يقع عند ر�أ�س �شارع املعر�ض ،جتاه مبنى التياترو الكبري. وبغية �شق طريق املعر�ض اجلديدة ،د ُِّمر باب الدركاه وم�سجد الدركاه واحل َّمام الرتكي يف العام .1915وقد َّ ظل ا�سم «الدركاه» متداو ًال حتى �أوائ��ل عهد االن�ت��داب الفرن�سي .وكان للدركه �ساحة با�سمها ،ويف منت�صفها ،للجهة الي�سرى ،كانت تقع بركة ال�سوق الكبري ذات الأنابيب املتعدِّ دة .وكان �أ�صحاب احلوانيت املنت�شرة حولها ي�ستقون م��ن مياهها التي كانت تُنق ُل �إىل حمالتهم بوا�سطة عامالت متخ�ص�صات ب��ال�ن�ق��ل ،وت �ب��اع ت�ن�ك��ة امل��اء ِّ مببلغ زهيد وذلك وفق ًا ملعلومة ذكرها عبد الرحمن بكدا�ش العد ّو يف كتاب بريوتي خالل ثلثي ق��رن���«،ص »24 .وي��درج كتاب «ب�يروت ذاك��رت �ن��ا» � �ص��ورة ل�ه��ذه ال�برك��ة ت�ع��ود للعام 1920مع عنوانني خمتلفني :واحد مقت�ضب يف داللته ،بالعربية�« ،سبيل يف �شارع املعر�ض يف ،»1920و�آخر �أكرث تف�صي ًال ،بالفرن�سية، «Beyrouth–Femmes Metwallis à la
.»fontaine وبعد ما يقارب ال�سنتني ،ي�ضاف ح َّمامان جديدان �إىل الالئحة املذكورة �سابق ًا لري�سو العدد يف بريوت على �سبعة؛ وفق دليل بريوت للعام � ،1910 – 1909أي بزيادة كل من «ح َّمام الب�سطة» الواقع يف منطقة الب�سطة التحتا، و«ح� َّم��ام ال�ت��داوي ب��امل��اء» «لأج��ل الرومتزم» الواقع على جادة الثكنة الع�سكرية .ونالحظ اختالف ًا يف ت�سمية �أربعة ح ّمامات يف املرجع الثاين� ،إذ يبدو �أن «ح َّمام الزهور» دعي الحق ًا بـِ «الزهارية» ،يف حني دُعي «ح َّمام الربغوت» ب �ـِ «الق�شلة» ،و«ح � ّم��ام البا�شورة» املال�صق للرتبة ب�ـِ «ح ّمام النزهة» ،و«ح� ّم��ام الكبري» بـِ «الدركه» .ونتوقف عند «ح ّمام الزهارية» لن�شري �إىل �أن اخلواجات زهّ ار وثابت و�سر�سق بنوه عام ،1886و�س ّمي «ح ّمام زهرة �سورية». وك��ان موقعه يف حملة القرياط قرب �ساحة ال�برج .و ّمتيز عن �سائر احل ّمامات بح�سن موقعه العلوي.
تعدد ت�سميات احل ّمامات و�صورها ُّ
تعدُّد امل�س َّميات بتعدُّد الفرتات الزمانية �أو امل�ؤرخني ين�سحب �أي�ض ًا على «ح ّمام الدركه» �أو «ح َّمام الزهارية» الواقع على طريق ال�شام، وال��ذي ذكره الأن�سي يف دليل ب�يروت .ويبدو �أن��ه كان ي�س َّمى �أي�ض ًا «ح َّمام زه��رة �سوريا» وفق ًا لكتاب ب�يروت ذاكرتنا ال��ذي ال يكتفي بذكره؛ و�إمنا يدرج ثالث �صور له تعود للعام 1905؛ �أوىل داخل احل َّمام وتبدو فيها بركة امل �ي��اه وال�ع�ق��د احل �ج��ري وال�ثري��ات امل�ت��دالة من ال�سقف؛ و�أخ��رى على مدخله حيث نقر�أ اليافطة «ح � َّم��ام زه��رة �سورية اجل��دي��دة»، وتبدو خلف ال�صورة �أجزاء من كاتدرائية مار جرج�س للموارنة؛ وثالثة لقبته وخلفها قبة وجر�س كني�سة الب�شارة للروم الأرثوذك�س. ويذكر الكتاب �أن هذا احل َّمام كان يتم َّيز بق َّبة تتخللها فتحات من الزجاج ال�شفَّاف .وعم ًال مببد�أ الف�صل بني اجلن�سني ،كان احل َّمام، املوروث عن احل ّمامات الرومانية ،كما يذكر الكتاب ،ملتقى الن�ساء نهار ًا والرجال م�سا ًء. ونتبينَّ مالمح هذا احل َّمام يف كتاب ثانٍ لف�ؤاد
دب��ا���س ،يظهر جمموعة �صور فوتوغرافية نادرة لبريوت تعود لل�سنوات .1916 – 1840 وث َّمة �صورة بانورامية ،من بينها ،هي واحدة من جمموعة امل�ص ّور �أدريان بونفي�س Adrien ،Bonfisم� ��أخ ��وذة م��ن ��س��اح��ة الكني�سة الإجنيلية جلهة ال�شرق وتبدو فيها بو�ضوح ق َّبة ه��ذا احل� َّم��ام جم��اورة لكاتدرائية مار جرج�س املارونية. وي��ذك��ر الكتاب �أن ت��اري��خ ه��ذه ال�صورة هو مم��ا ي�ؤ ِّكد ما �سبق �أن نقلناه العام َّ ،1897 عن القن�صل هرني غيز « »1847من وجود ح َّمامني يف ب�ي�روت .وه��ذه املعلومة ك ّررها �أم�ي�ن خ��وري يف ك�ت��اب«اجل��ام�ع��ة» «،»1889 لدى ذكره وجود خم�سة ح َّمامات يف املدينة. وي ؤ� ّكد كتاب منزولنا �أن «ح ّمام زهرة �سورية» �أو «ح ّمام الزهارية» بني يف العام 1886م من قبل اخلواجات زهار يف حملة القرياطي قرب �ساحة الربج .وتبدو واجهة هذا احل ّمام يف ��ص��ورة ن�شرها كتاب ال�برج و�أ� �ش��ار �إليه بو�صفه «احل ّمام الرتكي» القائم على «الدرب الكبرية» «�شارع الأمري ب�شري حالي ًا» الرابطة بني �ساحة «ال�سور» و�ساحة «احلميدية» حيث �شيدت «احلديقة احلميدية» يف العام 1879 مب�سعى من فخري بك رئي�س جمل�س بلدية بريوت.
ح َّمام ال�صغري �أو ح َّمام ال�شفا:
و� �س �ع �ي � ًا ل �ت��وث �ي��ق امل �ع �ط �ي��ات ع��ن «ح � َّم��ام ال�صغري» ،عدنا �إىل كتاب بريوت يف التاريخ املنجدين، الذي يحدِّ ده لنا ا�ستناد ًا �إىل �سوق ِّ �أطول �أ�سواق املدينة .كان هذا ال�سوق يتم َّيز يف منت�صفه و�آخ��ره� ،شرق ًا وغرب ًا ،بوجود ممرات معقودة بالأحجار ينفذ منها املارة �إىل حمالت الثكنات وامل�ست�شفى الع�سكري «م �ق � ّر جمل�س الإمن� ��اء والإع� �م ��ار ح��ال�ي� ًا» والق�شالق «مق ّر ال�سراي احلكومي الكبري حالي ًا» و�سوق البازركان و�سوق العطارين و�سوق القطايف وزاروب املجذوب و«احل َّمام ال�صغري»�أو «ح َّمام ال�شفاء» وقناطر دندن التي كانت تقوم حم��ل وزارة االت�صاالت «م�ب�ن��ى ال�ب�ري ��د» .ويف �آخ� ��ره ق ��رب ب��واب��ة يعقوب� ،ش ّيدت يف العام � 1868أول كني�سة
الشهرة التي تصيب الحمام في وجود َّ منطقة معينة كانت تؤدي إلى إطالق اسمه على هذه المنطقة للآباء الكبو�شيني خلدمة اجلالية الالتينية الأجنبية يف بريوت ،بعدما �سمح لهم الوايل ال�ترك��ي بت�شييدها ،ب���ص��ورة ا�ستثنائية، خارج حدود املدينة ،جتاه «اخل�سته خانه» �أو«امل�ست�شفى الع�سكري» ،وحت��دي��د ًا على جزء من �سور املدينة الغربي املد َّمر ،كما يذكر امل�ؤرخ يو�سف �إبراهيم يزبك يف كتابه «�أوراق لبنانية». وبالعودة �إىل الكالم عن «ح َّمام ال�صغري»، ن�لاح��ظ �أن ال���ش�ه��رة ال�ت��ي ت�صيب وج��ود احل َّمام يف منطقة معينة كانت ت ��ؤدي من َّثم �إىل �إطالق ا�سمه على هذه املنطقة� ،أو على �إحدى «نزالتها» ،من باب ت�سمية الكل باجلزء .لذا يدرج يف «�سلنامه العام 1326 هـ1908/.م» ا�سم «منطقة ح َّمام ال�صغري» يف ع��داد �أ�سماء 23حم َّلة يف ب�يروت ،ويف العام ،1911تدرج «منطقة ح ّمام ال�صغري» يف «دليل بريوت» للأن�سي يف عداد 26حم ّلة �أو «ح� ّي� ًا» يف ب�يروت .و�سبق للعميد خمتار عيتاين ،وهو الراوي اللغوي الرئي�سي الذي ا�ستندنا �إىل �أقواله خالل حتقيق ميداين �أج��ري�ن��اه خ�لال �شهر �شباط ،1980لدى �إع ��داد �أط��روح��ة ال��دك�ت��وراه ح��ول «حمكية بريوت العربية»� .سبق له �أن روى لنا �أن ث َّمة يتوجه �أحدها نحو �شوارع «زغرية» ّ متفرعةّ ، مبنى الربملان احل��ايل ،والثاين نحو مبنى وزارة املالية احل ��ايل ،فم�سارب ال�سيول ح�ف��رت يف الأر� ��ض وحت � َّول��ت �إىل «ن��زالت» «ج .نزلة» .وواحد منها ا�سمه «نزلة حمام الزغري» ،وتقع يف املكان الذي كان يقوم فيه مبنى دوائر بريوت العقارية بالذات� ،أو ما كان ي�سمى قدمي ًا «�سوق القطايف».
حمام ال�سرايا:
يقع ح َّمام ال�سرايا يف باطن املدينة بالقرب
من «جامع ال�سرايا» املعروف بجامع الأمري من�صور بن ع�ساف «من الأمراء املعنيني»، �شرقي بريوت القدمية .و�سبق لعبد الغني النابل�سي �أن ذك��ره يف رحلته ،عندما زار ب�ي�روت يف �أواخ � ��ر ال �ق��رن ال���س��اب��ع ع�شر امليالدي « ،»20/9/1700من �ضمن ح َّمامات �أربعة :الأول هو ح ّمام الأمري فخر الدين بن معن «ال�سرايا» ،الثاين ح َّمام القي�شاين، الثالث ح� ّم��ام الإم ��ام الأوزاع� ��ي ،وال��راب��ع ق��دمي ال ي�ع��رف ل��ه ا� �س��م .وكلها مهجورة ما ع��دا ح َّمام الأم�ير فخر الدين وي�صف النابل�سي احل َّمام :مب َّلط بالرخام املل َّون، ي�شتمل على ��ش��ا ِد ْروان��« ،ش��ا ِد ْروان :زريبة: م�سيل امل��اء "نوفرة" ،ق��ام��و���س ال ��دراري ال�لام �ع��ات يف منتخبات ال �ل �غ��ات ،ال�شيخ حممد علي الأن�سي ،مطبعة جريدة بريوت 1318هـ1900/.م�« ،ص »314.يف داخله، ي�ح��وط ب�ج��وان�ب��ه الأرب �ع��ة �أرب �ع��ة �إي��وان��ات «مفردة فار�سية تعني :الق�سم امل�سقوف من ثالثة �أط��راف��ه «ال ��رواق» وال�شرفة ،معجم املع َّربات الفار�سية يف اللغة العربية ،حممد �أل�ت��وجن��ي ،دار الأده���م ،دم�شق ،ط،»1«. �« ،1988ص ،»31.وكل إ�ي��وان بقبو وقو�س، ويف م�شلحه «حجرة يف احل َّمام تخلع فيها ال�ث�ي��اب ،قامو�س امل�ن�ج��د���«،ص�« »790 .أو �سلخه» ب��رك��ة م��اء مث ّمنة ،وي�شتمل على قبة مرتفعة على �أرب �ع��ة ع��وام�ي��د ،يحوط بها �أربعة « ِقبب» على �أ�سلوب جامع الأمري ع�سافّ . ويو�ضح كتاب منزولنا «�ص»202. ّ �أن «ح َّمام فخر الدين» يق�صد به «ح َّمام ال�سرايا» لتواجده قرب ال�سرايا التي �أراد الأمري بناءها �إىل ال�شرق من جامع الأمري من�صور ع�ساف املعروف بجامع ال�سرايا. ويرفدنا الكتاب مبعلومة �إ�ضافية ،نق ًال عن الوثائق ال�شرعية ،مفادها �أنَّ هذا احل َّمام ك��ان م�لا��ص�ق� ًا ل���س��ور امل��دي�ن��ة ق��رب ب��واب��ة ال�سرايا .وق��د ا�ستملك عند تو�سيع �سوق الف�شخة و�شارع ال�سرايا .الوث�سقة الرابعة مو�ضوعها بيع بني �سوبرة داره��م الواقعة يف زاروب ال�شيخ نا�صر قرب ح ّمام ال�سراي داخل بريوت �سنة 1273هـ1856 /م
حكايات من الذاكرة 126 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
«تبّة كاريوكا» ه�شام علي الأ�سبوع املا�ضي ،على مقهى «احلرية» ،و�سط البلد بالقاهرة ،التقيت �صديقي ال�شاب، خريج معهد الفنون امل�سرحية� ،أخربين منك�سراً �أنه ي�ستعد للهجرة �إىل �أمريكا ال�ستكمال م�شروعه الفني ،ورغم �أن احلدث يدعو �إىل التفا�ؤل والبهجة والطموح� ،إال �أن �إح�سا�سي �أنه يحاول �أن يختبئ داخل نف�سه ،ك�أنه ارتكب خطيئة تدفعه �إىل الهرب للخارج .جعلني �أطلب منه �أن يفتح يل قلبه ويف�ضف�ض. �شعرت بال�صدمة مم��ا نقله يل م��ن ر�ؤي��ة املحيطني ب��ه للفن وال�ف�ن��ان�ين .ف��أ��ص��دق��ا�ؤه يعايرونه باملمثلة التي طالبت بحرق الثوار يف امليدان ،وي�سخر �أهله يف البيت من النجوم الذين ه��ددوا باالنتحار �إذا جنحت الثورة امل�صرية ،وزوج �شقيقته املت�شدد ،مينعه من زيارتها حتى ال يف�سد �أخالق �أوالده! قاطعته مت�سائ ًال :ه��ل تعرف حتية ك��اري��وك��ا؟! فرد متعجب ًا :الرقا�صة ..ما لها! ق�ب��ل �أن ي�سرت�سل يف ح� ��واره ق�ل��ت ل ��ه :يف الأرب��ع��ي��ن��ي��ات ،ف�ت�رة م �ق��اوم��ة االح �ت�ل�ال الإجنليزي مل�صر ،مت طرد ال�ضابط امل�صري �أنور ال�سادات من اجلي�ش ال�شتغاله بال�سيا�سة، و�أ�صبح مطارد ًا من قبل البولي�س ال�سيا�سي. وقتها هرب اجلميع من ال�سادات ،ومل يجد امل�ساعدة �إال من حتية كاريوكا التي قامت بتهريبه يف �سيارتها �إىل منزلها يف مدينة الإ�سماعيلية ،وحكى لنا �صديقهما امل�شرتك امل ��ؤرخ الفني ح�سن �إم��ام عمر� ،أن كاريوكا يف هذه الفرتة كانت تقوم بتهريب ال�سالح يف �سيارتها لل�سادات ،لتدريب الفدائيني على ا�ستخدامه يف �أر���ض ف�ضاء يف �صحراء
الإ�سماعيلية يطلق عليها حتى الآن «تبة كاريوكا». ورغ��م موقفها ال�شهم مع ال���س��ادات ،ع�ضو جمل�س قيادة الثورة ،فقد َ فت» كاريوكا «�ش ّر ْ يف �سجون الثورة « »101يوم ،بتهمة االن�ضمام �إىل تنظيم �سري مناه�ض للثورة! املفاج�أة �أن كاريوكا مل تخرج من االعتقال لتم�شي ب�ج��وار احل��ائ��ط �أو تتفرغ للرق�ص وال �ف��ن؛ ففي ال �ع��دوان الثالثي على م�صر كانت يف مقدمة املتطوعني يف الهالل الأحمر لإ�سعاف اجلرحى وامل�صابني .ومل حتمل يف نف�سها �ضغينة من قيادة الثورة التي اعتقلتها و�شوهت �صورتها يف بع�ض اجلرائد واملجالت. يف مهرجان «ك��ان» التي كانت ت�شارك فيه بفيلمها «�شباب ام��ر�أة» �أخربها ال�صحفيون
موشي ديان كان يصاب بالجنون من أغنية محمد الموجي ونجاح سالم «يا أغلى اسم في الوجود ..يا مصر»
�أن امل�م�ث�ل��ة الأم��ري �ك �ي��ة ���س��وزان ه��ي��وارد ـ امل�ع��روف��ة باالنحياز لل�صهيونية -تطاولت على م�صر وقيادتها ال�سيا�سية .بذكاء �أوالد البلد ارت ��دت ك��اري��وك��ا «امل�لاي��ة ال�ل��ف» على ال�سجادة احل �م��راء ،مم��ا �أب�ه��ر امل�صورين ورج��ال الإع�لام ،ودفعهم �إىل الرتكيز على املمثلة امل�صرية التي �أده�شت اجلميع بداللها ور�شاقتها وخطوات بنت البلد امل�صرية. و�شخ�صي ًا ،منحني احل��ظ �أن �أك��ون �شريكاً و�شاهد ًا على اعت�صام و�إ� �ض��راب الفنانني امل�صريني احتجاج ًا على ق��ان��ون النقابات الفنية « »103الذي فجر ثورة داخل الو�سط الفني يف م�صر ،وكانت كاريوكا �أول فنانة تعلن �إ�ضرابها عن الطعام ،و�شاهدتها وهي تقوم بطرد م�ن��دوب القيادة ال�سيا�سية يف جل�سة املفاو�ضات ،وحت ّمله ر�سالة« :قول للي بعتك ،كاريوكا ،مبتخاف�ش من حد»! قال �صديقي� :أنت تتكلم عن موقف فردي؟! فابت�سمت ق��ائ� ً لا :خ��ذ عندك جمموعة من املواقف :بعد الهزمية الع�سكرية التي حلقت باجلي�ش امل�صري يف حرب 5يونيو ،وخطاب تنحي ع�ب��د ال�ن��ا��ص��ر ،ج�م��ع ال���ش��اع��ر عبد
الرحمن الأبنودي �أغرا�ضه واختفى يف بيته بال�صعيد حمبط ًا مهزوم ًا ،يرف�ض �أن يتكلم مع �أحد ،ك�أنه يختبئ داخل نف�سه ويعاقبها على كل �أغنية كتبها تب�شر بالغد القادم. لكن عبد احلليم حافظ جنح يف الو�صول �إل�ي��ه وات�صل ب��ه ق��ائ� ً لا« :ي��ا عبد الرحمن �إن��ت كنت بتتحب�س يف الفا�ضية واملليانة، وق��ت احلب�س اللي بجد بتهرب؟! ارج��ع يا عبد الرحمن واكتب ،و�أن��ا هغني ،واحتب�س معاك!» وبالفعل عاد الأبنودي ،وكتب «موال النهار» و«امل�سيح» ،و�سمع العامل من م�سرح «الأوليمبيا» بقلب باري�س «ابنك يا قد�س الزم يعود زي امل�سيح» ،وه��و امل�سرح نف�سه ال��ذي ه��دد املت�شددون ال�صهاينة بتفجريه �إذا غنت عليه �أم كلثوم يف حفالتها املكوكية للمجهود احلربي ،لكن �أم كلثوم مل تلتفت �إىل تهديدهم وغنت وطافت جتمع الأم��وال والتربعات والهدايا النقدية والعينية وتعود �إىل م�صر لت�سلمها للبنك املركزي. بعيد ًا عن املواقف الوطنية الكربى ،ال ميكن �أن نتجاهل موقف �أم كلثوم يف الدفاع عن ال�صحفي م�صطفي �أم�ي�ن �أث �ن��اء اعتقاله �أيام عبد النا�صر ،فعندما �س�ألها نا�صر عن ر�أيها؟ ردت بح�سم« :ان��ت يا فندم عارف �إن م�صطفى ب��ريء» ،يف الوقت الذي هرب فيه عبد الوهاب من الإجابة بدبلوما�سيته: «ل��و متهم ياخد ج��زاءه ..يا فندم» ،ورغم هذا ال ميكن �أن ينكر التاريخ لـعبد الوهاب �أن��ه رف�ض الغناء لل�سادات وه��و عائد من القد�س ،ففي مكاملة تليفونية �شهرية بينه وب�ين وزي��ر الإع�ل�ام� -شهد عليها الكاتب ال�صحفي حممود عو�ض -رد عبد الوهاب على وزير الإعالم قائ ًال« :انتم م�ش عايزين واحد يغني� ..إنتم عايزين واحد «يزغرد» و�أنا م�ش بعرف �أزغرد» .حممود عو�ض ف�سر يل موقف عبد الوهاب املفاجئ قائ ًال :ح�س عبد الوهاب العروبي مل يتحمل زيارة عبد ال��وه��اب للقد�س ولقائه ق��ادة «�إ�سرائيل» خ �� �ص��و� �ص � ًا م��و� �ش��ي دي� ��ان ،وزي� ��ر ال��دف��اع الإ��س��رائ�ي�ل��ي ،ال��ذي ك��ان ي�صاب باجلنون واله�سرتيا من �أغنية حممد املوجي وجناح
كاريوكا كانت تقوم بتهريب السالح للسادات ليقوم بتدريب الفدائيين في صحراء اإلسماعيلية في منطقة حملت اسم «تبة كاريوكا» �سالم «يا �أغلى ا�سم يف الوجود ..يا م�صر».. وك��ان يقول� :أوق�ف��وا ه��ذا ال�صوت �إن��ه يهز عر�ش «�إ�سرائيل»!! وح�سب رواي��ة املوجي ال�صغري اب��ن امللحن حم�م��د امل��وج��ي يل ،ف��وج��ئ وال ��ده يف �أح��د الأيام ب�شركة �إنتاج تريد �أن تتعاقد ل�شراء كل �أحلانه ،قام املوجي بتحديد موعد لهم يف مكتبه ب�شارع ال�شواربي .وح�ضر امل�س�ؤولون ومعهم دفرت ال�شيكات الذي قدموه له ليكتب الرقم الذي يريده ،فر�صة تاريخية ال ت�أتي كثري ًا خ�صو�ص ًا مع «املفل�سني» مادي ًا �أمثال املوجي الذي �أثار العر�ض �شكوكه .ف�س�ألهم عن اجلهة التي يعملون حل�سابها ،وكانت الطامة الكربى عندما �أخربوه �أنهم وكالء لإذاعة «�إ�سرائيل» .ي�شهد على هذه الواقعة �سكان العمارة التي يقع فيها مكتب املوجي، وهو يطاردهم بحذائه وي�سبهم وميزق دفرت
الموجي طرد مندوبي إذاعة «إسرائيل» وطاردهم بحذائه على سلم منزله
ال�شيكات يف وجوهم. امل��وج��ي وب�ل�ي��غ وع �ب��د ال��وه��اب و�أم كلثوم وعبد احلليم ،وغ�يره��م م��ن جن��وم الغناء هم امتداد للملحن العبقري �سيد دروي�ش، �صوت امل�صريني يف ث��ورة ،19ال��ذي حتايل على منع �سلطة االحتالل الربيطاين ن�شر �أي �أخبار عن زعيم الأمة �سعد زغلول ،بتلحني وغناء �أغنية «يا بلح زغلول ..زغلول يا بلح» لريدد امل�صريون ا�سم �سعد زغلول رغم �أنف �سلطات االحتالل. وال ميكن �أن يتجاهل التاريخ لهذا العبقري، �أن��ه �أول من دق ناقو�س اخلطر من الفتنة الطائفية ،واملخدرات ،والت�شبه باخلواجات. و�أث�ن��اء ال�ع��دوان الثالثي ،قدمت �أم كلثوم رائعة �صالح جاهني «واهلل زمان يا �سالحي» رغم تهديد «�إ�سرائيل» ال�سافر ب�ضرب مبنى �إذاعة ال�شريفني بال�صواريخ ،لكنها �أم كلثوم التي ال تخاف وال ترتاجع ،حفظت و�سجلت الأغنية على �أ�ضواء ال�شموع ،لت�صبح بعد ذلك ن�شيد ًا قومي ًا. ومبنا�سبة امل �ق��اوم��ة ال�شعبية ،يف �أث�ن��اء ح�صار العدو الإ�سرائيلي ملدينة ال�سوي�س، كانت العمليات الفدائية تتم على �أنغام «ال�سم�سية» ،وكان الكابنت غزايل ،م�ؤ�س�س فرقة �أوالد الأر���ض ،يتوىل التهيئة النف�سية للفدائيني. رحت �أغني بحما�س « :وع�ضم �إخواتنا نلمه نلمه ،ن�س ّنه ن�س ّنه ،ون�صنع منه م��داف��ع، ون��داف��ع وجن�ي��ب الن�صر مل���ص��ر» .فوجئت ب�صديقي الفنان ي�شاركني الغناء منفع ًال، قبل �أن يقاطعني« :ن�سيت ن��ادي��ة لطفي، و�إ�صرارها على دخول بريوت �أثناء ح�صار املقاومة الفل�سطينية ،وتعر�ضها لال�ست�شهاد يف ك ��ل دق �ي �ق��ة ل �ت �� �ص��وي��ر ج ��رائ ��م ال �ع��دو الإ�سرائيلي» و�أ�ضاف« :على فكرة �أنا كنت مع يو�سف �شاهني على حدود غزة لالحتجاج على ح�صار الفل�سطينيني و�إغالق املعابر». تغريت طريقة �صديقي يف احلوار ،وفوجئت به وقد علت وجهه مالمح الإ�صرار ،ينه�ض واقف ًا وي�س�ألني« :تيجي نعمل كل احلكايات دي فيلم ت�سجيلي؟» ،ف�أجبته� :س�أفكر!
عادات الشعوب 128 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
يا �أمي اخطبي يل �أم العيون نع�سانه
الخطب ُة في صعيد مصر ِ
طقوس نسائية برعاية الرجال ٌ دروي�ش الأ�سيوطي تلعب املر�أة يف ال�صعيد الدور الأ�سا�س يف تقرير الزواج وحتديد �شروطه، �سواء كانت املر�أة �أم العرو�س �أو �أم العري�س .وهذه احلقيقة عك�س ما ي�شاع يف الأدبيات املعا�صرة عـن تهمي�ش دور املر�أة يف املجتمع ال�صعيدي .فالقول بهذه املقولة جهل بحقائق اجتماعية ت�سود القرية يف �صعيد م�صر.
�أو ًال :املفاحتة «الكالم »
تُعد املفاحتة هي اخلطوة الأوىل يف �سل�سلة طقو�س ال���زواج .فتبد�أ اخلطبة مبفاحتة تقوم بها �أم العري�س� ،أو �إح��دى قريباتها ـ لأم العرو�س �أو من هي يف حجـرها .وت�سمى املفاحتة بالكالم �أو القول .وتهدف املفاحتة �أو «ال �ك�لام ـ ال �ق��ول» ال�ت�ع��رف �إىل موقف العرو�س من العري�س ،وما �إذا كانت ترغب يف االق�تران به �أم ال ،والفتاة تُ�سـ�أل فقط �إن كانت تقـبل ال��زواج من ذلك الفتى ابن فالنة �أم ال .ف�إن كانت تقبل ف�إنها يف العادة ت�صمت �أو تقول «�إللي ت�شوفوه»� ،أمـا �إن كانت ال ترغب فعادة ما تدعي �أن النا�س يقولون ك��ذا وك��ذا يف حقه �أو ح��ق �أم��ه .فقد يقول النا�س �إنه بخيل جلدة و�إن �أمه تعد �أرغفة العي�ش على ن�ساء بنيها ...وهكذا. وال ��ش��أن لأح��د مب��ا تكنه الفتاة يف قلبها م��ن ح��ب �أو كراهية ،فهذا �ش�أنها ،ويخ�صها وحدها .وعادة م��ا ُيختزن ح��ب الفتاة ل�شخ�ص غري حمدد الهوية ،لكـن له �صورة خ�ي��ال�ي��ة يف ذه��ن ك��ل ف �ت��اة ،وال يتحدد هذا احلب �إال بت�شخ�صن املحبوب فـي �صورة اخلطيب.
الفتاة لها �أن حتب وتع�شق هذا �ش�أنها ،لكن ثانيا :ال َّنق َْ�ضة
ال ينبغي املجاهرة بتلك العالقة الوجدانية، فهذا يعـد ت�شهري ًا وتعري�ض ًا بالعائلة ،وهذا خط�أ ،وما مي�س �سمعة و�شرف العائلة لي�س �ش�أن العائلة �أو الأ��س��رة وح��ده��ا ،بل �ش�أن اجلماعة ال�شعبية كلها .ف�إن جتاوزت الفتاة ما لها من حقوق ك�أن تُدخل يف ن�سبهم �أي ًا كان من دون ر�أي منهم ،فتلك خطيئة ،وال عقوبة للخاطئة �إال املوت. وهنا ي�أتي دور �أم العرو�س لتت�أكد من حقيقة م�شاعر ابنتها ،ولتت�أكد من تلك امل�شاعر ـ �إن وجدت ـ مل تتجاوز القلوب ،وت�ستعني الأم يف �سبيل هذا اليقني بكل ال�سبل. «وال ترد �أم الفتاة على رغبة �أم الفتى قبل �أن تتيقن من عفة ابنتها ،فالأمهات يف �أمر العفة �أكرث �صرامة حتى من الرجال .فهـن ح�ـ��ام�لات الأن���س��اب وحافظاتها ،ف��إن تيقنت انحازت من حيث املبد�أ �إىل قلب الفتاة ثم ر�أت ب�أ�ساليب �شتى مـا �إذا ك��ان الفتى ق ��ادر ًا على الزواج �أم غري قادر» من كتاب م ��ذك ��رات ق��ري��ة م���ص��ري��ة، ال��دك �ت��ور ع�صمت �سيف الدولة ،دار الهالل.
حينما تبد�أ عالمات البلوغ بالظهور على الفتى ،وتبد�أ ت�صرفاته يف االختالل ،ويظهر ميله للخلوة ومراقبة البنات ،تبد�أ الأم يف التلفت حولها عمن ت�صلح خطيبة لولدها العـزيز .ولأن القرد يف عني �أمه غزال ،فالأم عادة ما تتحرى اجلمال والأ�صل والغنى �إن �أمكن يف خطيبة ابنها. «النق�ض» �أو النقد �أ�ص ًال هو حتري الرديء م��ن ال �ط �ي��ب ،و«ال �ن �ق �� �ض��ة» ط�ق����س ن�سائي متعارف عليه ،تقوم به �أم الفتى الراغـب يف الزواج وت�شارك فيه �أم العرو�س والفتاة، وت�سمى «النق�ضة» بطق�س «التفتي�ش» �أي�ض ًا، وه��ذا الطق�س ال يتم �إال �إذا كانت الفتاة غريبة� ،أي م��ن قرية �أخ��رى مل يت�سن لأم الفتى التعرف �إليها ومراقبتها� ،أما �إن كانت العرو�س مــن بنـات القرية �أو العائلة فيكتفى بالكالم من دون النق�ضة �أو التفتي�ش. «وت �ب��د�أ طقو�س تفتي�ش �أم العري�س زوج��ة ابنها املقبلة .تبلغها الأم دعوة �إلـى الزيارة، فتزور �صباح ًا قبل الإفطار ،لأنها �ستفطر مع الفتاة التي تكون قد ا�ستعدت لتفتي�ش تعرف خطواته ودالالته .ف�إذا اجتمعتا قدمت الفتاة �إىل حماتها املقبلة �إفطار ًا مكون ًا من بي�ضتني
عادات الشعوب 130 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
زفة العرو�س جزء من طقو�س الزواج
م�سلوقتني ورغيف من خبز القمح وبع�ض امللح املخلوط بالفلفل «الأ�سمر» .تلك هي املنا�سبة النادرة التي ي�أكل فيها �أهل القرية البي�ض امل�سلوق ولكنها طقو�س ،ويكون على الفتــاة �أن تنزع ق�شر البي�ض بينما تت�أمل احل�م��اة خملوط امللح والفلفل لتت�أكد من ن�سبة هذا �إىل ذاك ،ثم تقدم الفتاة بيدها بي�ضة �إىل �أم العري�س �إثر بي�ضة .فال ت�أكلها مبا�شرة بل تديرها يف يدها وتت�أملها لتت�أكد من �أن عــرو�س ابنها قد انتزعت الق�شر بدون �أن تخد�ش البي�ضة .ف�إذا انتهت تلك املرحلة دع��ت الأم� -أم ال�ف�ت��اة� -ضيفتها لتتفقد البيت وق��ادت�ه��ا حيث «ال�صوامع» التي �أن�ش�أتها الفتاة .وبعد طـول حديث فارغ ت�أمر الأم ابنتها �أن تفلي خالتها ..فتقعي �أم العري�س �أمام الفتاة كا�شفة �شعرها ،دا�سة وجهها بني نهدي العرو�س متكئة مبرفقيها على فخــذيها .العـرو�س تت�صنع البحث نب�ش ًا يف �شعر �أم العري�س ع��ن ح�شرات تعرف �أنها غري موجودة ،وتتابع باهتمام �أم العري�س تد�س �أنفها بني نهديها وتخترب حجمهما و�صالبتهما ،ومتيل �شما ًال وميـين ًا لتت�شمم حتت �إبطيها ،وتتململ وهي قاعية لتتح�س�س فخذيها ف�إذا انتهت �شكرت الفتاة على �ضيافتها ثم ان�صرفت .وبعد؟ ال �شيء، فلم يكن التفتي�ش مفاج�أة ،وال تتوقف خطبة
الفتيات يف القـرية على �صالبة نهودهن �أو ا��س�ت��دارة �أف�خ��اذه��ن� .إمن��ا ه��ي طقو�س ترمز من خاللها الإن��اث �إىل �أنهن ملكات البيوت» ،مذكرات قرية م�صرية ،الدكتور ع�صمت �سيف الدولة ،دار الهالل.
ثالثا :الزيارة
بعـد �أن تعود �أم العري�س �إىل بيتها ،تكون قد ا�ستقرت على قرارها ،ف�إما �إنفاذ الزيجة �أو �صرف النظر عن العرو�س ،والبحث عن فتاة �أخرى .ف�إذا كانت الفتاة قد راقت للأم، فيجـب �إط�ل�اع الأب على امل��و��ض��وع و«�أخ��ذ ر�أيه» ،والرجل ال ميلك �أن يرف�ض الفتاة التي توافـق عليها �أم العري�س ،فالرف�ض معناه �إعالن حالة الطوارئ يف بيت الأ�سرة ،ورمبا تهدد الأم بالذهـاب �إىل بيت �أبيها ،وهذا معناه خراب البيت. ويف ك��ل الأح���وال ي��واف��ق ال��رج��ل ،فهو يعلم �أن م�صري العرو�س معلق بر�ضاء �أم زوجها عليها ،و�أن ه�ـ��دوء �سر البيت يتوقف على
«النقضة» طقس نسائي تقوم فيه أم الفتى بـ«تفتيش» العروس للتأكد من مواصفاتها
قناعة الأم ب��زوج��ة ابنها وا�ستـمرار هذه القناعة. ومبباركة الرجل ،تقوم �أم العري�س ب�إخطار �أم العرو�س ب�أنها ا�شتاقت �إليها وترغب يف زيارتها وحتدد موعد «الزيارة» ،وي�سمى من يحمل طلب اال�ست�ضافة هذا باملر�سال .وتكون �أم الفتاة قد رتبت �أمورها مـع زوجها فرتد مرحبة ،ويف كل الأح��وال ترحب �أم العرو�س باخلطاب حتى و�إن كانت تعلم �أن الزواج لن يتم .فالفتاة ترتفع �أ�سهمها يف القرية كلما زاد عدد خطابها. ت�ق��وم �أ� �س��رة ال�ف�ت��ى بتدبري م��ا ي�ه��دى �إىل �أ��س��رة الفتاة ،وه��و م��ا ي�سمى «ب��ال��زي��ارة»، وقد تكون النفقة من نتاج الأ�سرة كالفاكهة وع�سل النحل ،وقد تكون قطعة �أو قطعتني م��ن القما�ش ،وق��د ي�شرتي العري�س بع�ض احللويات ال�شهرية من ال�سوق .وحتمل الأم �أو الأخـت �-أو كالهما -النفقة على الر�أ�س �إذا ك��ان��ت النفقة مم��ا ي�سهل حمله ،وقد ي�ستعان بحمار ورمبا جمل �إذا كانـت النفقة كبرية .ويف كل الأح��وال ي�صحبها العري�س، وقد ارت��دى �أفخـر الثياب لديه ،وت�سلح مبا يجيزه العرف من �سالح ،من «ال�شومة» حتى البندقية .ويتجه الركـب �إىل بيت العرو�س حيث ت�ستقبل �أم العرو�س الن�ساء اخلاطبات بالرتحاب� ،أما الفتاة فتكون قد كمنت خلف
للفتاة أن تحب وتعشق لكن ال ينبغي المجاهرة بتلك العالقة فهذا طاقة �أو فرجة ل�ترى ذل��ك املجهول ال��ذي يعـد تشهير ًا وتعريض ًا �ستق�ضي معه بقية عمرها� ،إن مل تكن زاملته بالعائلة ً
�صغريا و�إىل عهد قريب يف مالعب ال�صبا وم�سارح العمل .ومتى قبلت الأم نفقة ابنتها زغ ��ردت ،وه��ذا يعني امل�ضي يف �إج ��راءات ال��زواج� .أم��ا �إذا رف�ضت النفقة �أو الهدية فهذا يعني رف�ضها �إمت��ام ال��زواج ل�سبب �أو لآخ��ر «وي��ا دار ما دخلك �شر» .ففي العادة تتقبل الأ�سر كال املوقفني بب�ساطة ،فالزواج- �أو ًال و�أخري ًا -ق�سمة ون�صيب.
�أغنيات لكل مرحلة
لكل مرحلة من مراحل اخلطبة وال��زواج ما ينا�سبها من الأغنيات ال�شعبية� ،أو ما اعتادت اجلماعة ال�شعبية على ت��ردي��ده فيها ،و�إن كان الأمر لي�س بهذه ال�صرامة التي يتع�سفها بع�ضهم يف الت�صنيف لأغنيات الفرح ال�شعبي، فقد تغنى �أغنية يف مراحـل خمتلفة .وقد تتذكر الفتاة �أغنية من �أغنيات ال�صغار فرتددها يف اخلطبة �أو الزفة �أو ال�صباحية �..إلخ. ومن الأغنيات ما يقال على ل�سان �أهل الفتاة �أو على ل�سان �أهل الفتى ،ومنها ما يقال على ل�سان الفتى �أو الفتاة .و�سوف ن�ستعر�ض مع ًا بع�ض هذه النماذج متـوقفني �أم��ام املفردات التي نظنها غري وا�ضحة ونعلق على ارتباط بع�ض الأغنيات مبعارف �شعبية عامة نراها تغيب عن غري �أبناء الإقليم. يا �أمي اخطبي يل
«»1
يا �أمي اخطبي يل �أم العيون نع�سانه ما خطبت لك اللي رجالها يامه «كثريون» يا �أمي اخطبي يل �أم العيون ع�سليه «يف لون ع�سل النحل» ما خطبت لك اللي رجالها ميه «مائة» يا �أمي اخطبي يل اللي بيا�ضها ع�سلي
ما خطبت لك اللي �أبوها ال�شلبي يا �أمي اخطبي يل ال����ل����ي خ����اط����ري ف���ي���ه���ا «�أرغ���������ب ف���ي���ه���ا �أو �أ�شتهيها» ما خطبت لك اللي ِك َتار �أهاليها يا �أمي اخطبي يل اللي ِتل ِِّد علـ َّيه «تلذ يل �أو تعجبني» ما خطبت لك اللي رجالها مِ َّيه يا �أمي اخطبي يل اللي عيونها �سوده ما خطبت لك ياد «يا ولد» بت نا�س معدودة «تعد بني كبار العائالت» ه��ذه الأغ�ن�ي��ة تبلور وتلخ�ص ال �ف��ارق بني امل �ق��اي �ي ����س ال� �ت ��ي ي���ض�ع�ه��ا ال �� �ش��اب ل �ع��رو� �س��ه ،وب�ين املقايي�س ال�ت��ي ت�ضعها الأ��س��رة لعرو�س ابنهم، وه��ي يف الواقع املقايي�س املثالية التي ت�ضعها اجلماعة ال�شعبية للعرو�س واملقايي�س املثالية للفتاة من وجهة نظر ال���ش��اب واجل�م��اع��ة ال�شعبية .يركز ال���ش��اب على ال�صفات اجل�سدية املثالية من وجهة نظره ،فهو يريدها بي�ضاء ،يكون بيا�ضها م�شرب ًا بحمرة الع�سل� ،أو كما ي�سمونه البيا�ض الرائق الذي ال ت�شوبه �شائبة ،ناع�ســة الطرف ،جنالء كحيلة العينني .وقبل هذا كله البد �أن تروق له ت�صرفاتها .بينما ترى الأم ممثلة الأ�سرة �أن امل�ستوى االجتماعي �أه��م ما ي�شغل تفكريها عند تزويج ابنها. فهي تريد البنها زوجة من قوم لهم �ش�أنهم، يعدهم النـا�س ويحرتمونهم. ويف املجتمع القبلي تقا�س قيمة العائلة مبا
يعد فيها من الرجال ،ثم ي�أتي املال بعد ذلك كمحدد الختيارات اجلماعة .ولذلك فالأم يف الأغنية تفاخر ب�أنها خطبت البنها بنت ًا يعد يف �أهلها مائة من الرجال.
«»2
قلبي يح ِّـب اللي بيا�ضها ع ََ�سلي حط امل�سد�س حتت ُ ِّ باطه َّ ال�شلبي ً «علقه على كتفه متدليا حتت �إبطه» قلبي يحـب اللي بيا�ضها رايق «رائق» حط امل�سد�س حتت ُ ِّ باطه العايق «يتيه ويزهو مبظهره والباط هو الإبط» قلبي يحب اللي بيا�ضها خال�ص «ال يعكر لونه لون �آخر» حط امل�سد�س حتت باطه الفار�س تعنى ه��ذه الطائفة م��ن الأغ ��اين بتو�ضيح مقايي�س امل� ��ر�أة امل��رغ �ـ��وب خطبتها ل��دى اخلاطب ،ويف الوقت نف�سه تدلل على �صفات الرجولة والفرو�سية يف ال�شاب املغنى له، ويعد حمل امل�سد�س يف جراب حتت الإبط من عالمات الفتوة يف ال�صعيد .فالفتى املكلف بحماية الأ�سرة والقبيلة البد �أن يكون ممن يجيدون حمل ال�سالح وا�ستخدامه.
عادات الشعوب 132 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
الن�ساء والأطفال يحملون الأثاث �إىل بيت الزوجية
دي بنت مني؟
على اجلانب الآخ��ر ،تتغنى البنات من �شيعة البنت املطلوب خطبتها بالت�أكيد يف �أغانيهن على الأ�صول العريقة لأ�سرة الفتاة ،وغلو املهر، واملركز االجـتماعي للأ�سرة متمث ًال يف عدد رجال الأ�سرة وما متلكه من مال و�سالح .وتربز موقع الأب املتفرد بني رجال املجتمع املحلي.
عكس ما يشاع تلعب المرأة في الصعيد الدور األساس في تقرير الزواج وتحديد شروطه
«»3
بت امل َ َقادم «من يقدمهم النا�س على غريهم» والرجال الزينه بت املقادم روحوا قولوا البوها �ألفني �شريفي «اجلنيه الذهب العثماين» يف الطبق ُحطوها «�ضعوها» بت الأكابر روحوا قولوا الخوها �ألفني �شريفي يف الطبق ُك ُّبوها «ا�سكبوها من دون اهتمام بالعدد» بت املقادم م ال�صغر خطبوكي
البدر عمك والهاليل �أبوكي «�أبو زيد الهاليل �أو الهالل نف�سه» ما توقفي�ش ع الباب ال يعينوكي «حتى ال ت�صيبك عني» يا علبة ال�صايغ «دقيقة املالمح» منني جابوكي «جاءوا بك» من ف�ضه و�إال من دهب عملوكي
روحوا البوها واطلعوله املن�ضره «حمل انتظار ال�ضيوف» �إياك ي�سامح بته ل�سه �صغريه «ابنته» روحوا البوها واطلعوله العلـوه «املكان املرتفع يف البيت» �إياك ي�سامح يف الأمريه احللوه تتفاخر الأغنية ب ��أن الفتاة من عائلة كبرية، وت�ؤكد �أن العائلة لي�ست من العائالت املفككة بل هي عائلة جمتمعة حتت �إم��رة والد الفتاة، �صاحب الأم��ر والنهي ،ولذلك على الفتى �أن يقدم املهر املنا�سب ،ولي�س �أقل من �ألفي جنيه من اجلنيهات الذهبية تو�ضع �صب ًا -ال عد ًا- يف الطبق .فالعرو�س فتاة �صغرية ال�سن ،دقيقة املالمح ك�أنها علبة �صاغها �أحد ال�صياغ املهرة ومن يراها يتحري هل �صاغ اهلل هذه الفتاة من الذهب �أم من الف�ضة .ثم تطلب الأغنية من الفتاة �أن حتتجب عن العيون خوف ًا من احل�سد. وتن�صح اخلطاب �أن ي�سرعوا بال�صعود �إىل والد العرو�س يف منظرته وتطلب منهم �أن ي�س�ألوا اهلل موافقة والدها فهو يرى �أنها �صغرية ،وهي
ا�سه عزيزة عليه ال يقدر على مفارقتها. والعيون ن َّع َ كانت حماتي رحمها اهلل تقول ممازحة ملن جابوا حريرها يتقدم خلطبة بنت من بناتها حـني ي�س�ألها «ا�شرتوا مالب�سها كلها من احلرير» عن طلباتها« :احلبق والنبق ُ ا�سه و�شو�شة �أمك واهلل ملو ِق َي َ يف الطبق» �أي �أنها تطلب مهر ًا البنتها �أعز «مركب �شراعي �صغري» مــا يطلب وهو فاكهة ال�صيف وفاكهة ال�شتاء دي بت مني مع ًا و�شعر ر�أ���س �أم العري�س يف الطبق .وكان العايقه ال�شلبيه من ال�شائع �أن يتفاخر �أهل العرو�س مبا يقدم «النظيفة البي�ضاء املمتلئة» البنتهم كمهر في�صب يف طبق من ال�صيني ال�شعر خيلي والعيون ع�سليه «اخلزف» ويطاف به على احل�ضور. جابو حريرها ما مال الدهبيه «»4 «مركب كبري» يا حِ ْلوه ياللي الرجاله �أهلك َّ تت�ساءل املغنية مبدية الده�شة :ابنة من تلك �أهلك َم َقادم التي حت�سن اختيار مالب�سها النظيفة البي�ضاء يف البالد خ َّياله املمتلئة ،ذات ال�شعر الطويل كذيل احل�صان، «فوار�س يركبون اخليول ويقتنونها» �صاحبة العيون ال�صافية كالع�سل� ،إنها عرو�س يا حلوه ياللي ذات �ش�أن ف�إن مالب�س جهازها كله من احلرير، �أهلك اجل ْمعيه وهو كثري جد ًا حتى �أنه ميلأ املركب. «فوار�س يركبون اخليول ويقتنونها» وتلخ�ص ه��ذه الأغنية امل ��ر�أة اجلميلة «�أو �أهلك مقادم امل��ر�أة امل�ث��ال» يف ع��رف اجلماعة ال�شعبية، يف البالد م َْ�سميه فاملر�أة اجلميلة يجب �أن تكون امر�أة بي�ضاء «فوار�س يركبون اخليول ويقتنونها» ال�ل��ون ،وه��و �أم��ر ن��ادر التحقق يف كثري من حمافظات ال�صعيد ،لكنه معتاد بالن�سبة «»5 ملنطقة و�سط ال�صعيد «النطاق اجلغرايف مني اللي دلك للبحث» ،و�أن تكون ممتلئة ر�شيقة لي�ست ع الن�سب ده يا غايل بالنحيفة وال املرتهلة املكتظة بال�شحم، خدت الأ�صيله وه��ذا مـن دالئ��ل ال�صحة البدنية ،فاملر�أة اللي تقول يا رجايل يجب �أن تكون م�ؤهلة �صحي ًا لعمل �شاق يف مني اللي دلك ع املنزل ولوظيفة اجتماعية مهمة هي �إجناب الن�سب ياعنيه الأبناء وتربيتهم ،كما يجب �أن تكون جميلة خدت الأ�صيله العينني ،وتف�ضل اجلماعة ال�شعبية لونني يف اللي رجالها ميه عيون الن�ساء :الأ�سود والع�سلي ،وهو لون ع�سل النحل الرائق ،كما يجب �أن تكون طويلة �شعر «»6 الر�أ�س ومنوذج طول ال�شعر هو ذيل احل�صان، دي بت مني وطويلة الرقبة ،ومنوذج الرقبة الطويلة رقبة ا�سه العايقه ال ّل َّب َ الناقة �أو �أنثى اجلمل ،بالإ�ضافة �إىل النظافة «�صاحبة الذوق واملقدرة يف اللب�س» وح�سن الهندام ،و�صغر ال�سن :وهو �أمر مهم، ال�شعر خيلي فكلما ارتفع �سن الفتاة قلت درجة اخل�صوبة، واخل���ص��وب��ة �أم ��ر حت��ر���ص عليه اجلماعة «طويل ك�شعر ذيل اخليل»
ال�شعبية ،و�صغرية اليد والقدم «�أ�صابعها كحبات الل�ؤل�ؤ» .وقد ت�ضيف اجلماعة ال�شعبية �إىل ال�شروط احل�سية ال�سابقة بع�ض ال�شروط واملحددات الأخالقية واالجتماعية التي يجب �أن تتوافر يف العرو�س ،منها الأدب وح�سن ال�سلوك ويلخ�ص يف كلمة «�أمرية» �أي كالأمراء يف �سلوكها ،و�أن ت�ك��ون ب �ك��ر ًا ،ف�لا ت�شجع اجلماعة ال�شعبية زواج من �سبق لها الزواج، �أي املطلقة والأرملة �إال يف حاالت ال�ضرورة، وتو�صي الأغنية «املوال» ال�شاب فتقول: �أو�صيك يا واد مهما الزمان ط ِّو ْل التتجوز امل ْته َِّجلَ ْه «�أو الهجالة وه��ي الأرم��ل��ة ،من م��ات عنها زوجها» وال اللي اجت َّو ْ زت ال ِّو ْل تاكل ف خريك ..وتذكر جوزها الأول و�أخ�ير ًا يجب �أن تنت�سب العرو�س �إىل �أ�سرة كثرية العدد ،مي�سورة ،متتلك الأفدنة العديدة ولها �سمعة طيبة� ،أي �أن تكون العرو�س «بنت �أ�صول» .وهذه القواعد قابلة للتغري من بيئة �إىل �أخرى ،ومن زمن �إىل �آخر ،فقد �صار يف ع�صرنا احلايل التعليم والعمل من ال�شروط التي يطلبها العري�س يف عرو�سه
تشكيل 134 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
الفنانة فايزة مبارك يف مر�سمها
حداثي ي�ستمد روحه من الرتاث
إعادة خلق الكتاب العربي في تجربة فايزة مبارك .. قراءة� -سامح كعو�ش فايزة مبارك فنانة ت�شكيلية �إماراتية تعيد �إحياء تراث احلروفية العربية واملوروث الفني والثقايف الإماراتي عرب تقنياتها يف الـ(مك�س ميديا) اخلامات املتعددة� ،إذ ت�ستلهم املوروث اجلمايل يف الأ�شكال الهند�سية التقليدية واحلروفيات لتنجز �أعما ًال جعلت منها فنان ًة رائدة بني قليالتٍ ا�ستطعن �أن يربزن يف م�شهد الفن الت�شكيلي املحلي ملا تتميز به من اطالع وا�سع ،ونظرة �صائبة �إىل م�ستقبل التخ�ص�ص يف الفنون ،ومدى احتياج املكان الإماراتي لهذا التخ�ص�ص كونه ي�ستعد لأن ي�صبح مركز ا�ستقطاب عاملي و�إقليمي جاذب وواعد. �إنها فنانة الأ�صالة م�ضمخ ًة بعبق احلداثة الفرن�سي يف باري�س ،و�شاركت يف العديد من الطبيعة هي املعلم الأول
واملعا�صرة� ،إذ تنتقل كفرا�شة ما بني �أبوظبي وباري�س� ،ساعي ًة �إىل تعريف العامل بقدرات تختزنها احل��ال��ة الإم��ارات �ي��ة ،ت�ؤهلها بحق لأن تكون ر�سولة الفن الت�شكيلي اخلليجي وال�ع��رب��ي �إىل العاملية ،وه��ي التي �شاركت يف م�شروع فني مع مركز الفنون املعا�صر يف مدينة ديجون يف فرن�سا ،كما �أنها �أول فنانة �إماراتية حازت الإقامة الفنية يف «City »international des artولأول ا�ستوديو للإمارات يف املدينة العاملية للفنون بباري�س »City» international des artحتت رعاية م�ؤ�س�سة الإمارات ملنح الثقافة والفنون واملعهد
ور���ش العمل الفنية ومن �أبرزها ور�شة فنية نفذت يف جامعة زاي��د قدمت لطالبات كلية الفنون و�أخ ��رى يف هيئة �أبوظبي لل�سياحة والثقافة بالتزامن مع فعاليات معر�ض بيكا�سو، كما �أنها ع�ضو يف جمعية الإم ��ارات للفنون الت�شكيلية وجمعية �إحياء الرتاث العمراين يف دولة الإمارات العربية املتحدة.
بدت الجماليات اإلماراتية واضحة المعالم في جمال اللوحة وتكوينات المواد المستخدمة فيها
ياترى �أن عاملي النحت والت�شكيل الفنيني مت�سعان بات�ساع ال�ك��ون نف�سه ،ل��ذا ف�إننا جندها هنا كما جندها هناك ،ب��ارع� ًة يف النحت حني يت�شكل العمل الفني بني يديها كما ل��و �أن�ه��ا تنحته ،وم�ب��دع� ًة يف الت�شكيل كما لو �أنها تن�سكن ب ��أرواح تخرج من كتب التاريخ ووريقاتها ال�صفراء لتعيد احلكاية كما لو �أنها الآن ،ترى الفنانة �أن «الطبيعة هي املعلم الأول بالن�سبة �إليها» ،وت�ضيف: «كانت بدايتي يف ت��ذوق جمال اللوحة من حركة اللون �إىل ا�ستفهامات فكرة العمل ملعرفة ما يرمي �إليه الفنان ،وهذا طبع ًا قبل
تشكيل 136 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
فيها. �إذ ًا هو الكتاب العربي ب�شكله احلداثي حيث تنجزه الفنانة فايزة مبارك مبواد وخامات متعددة ،لتجعل منه جم�سم ًا فني ًا �أو تركيب ًا داللي ًا فائق الروعة واجلمال� ،إنه م�شروعها لإع ��ادة خلق ال�ك�ت��اب ،ه��ذا امل���ش��روع ال��ذي يدعو يف ر�أيها �إىل كثري من البحث والغو�ص يف الرتاث الإماراتي والعربي ،ليكون عملها الفني على ال�ك�ت��اب وت�شكيله و� �ص��و ًال �إىل جتريد فكرته الرمزية ودالالت��ه املعرفية، دع� ��وة ح�م�ل�ت�ه��ا ال �ف �ن��ان��ة �إىل الآخ ��ري ��ن، ت�ق��ول بحب ال�ك�ت��اب وت ��ؤم��ن مب��ا ميثله من ق� ��درات جتعلنا ن�خ��و���ض م��وج��ة احل��داث��ة ونت�أقلم مع ا�ستخدامات الو�سائل احلديثة يف التكنولوجيا واحل �ي��اة ك�م��ا يف الفنون والثقافات ،تقول فايزة عن م�شروعها «هي
2012
معرفة املدار�س الفنية ومعاملها ،وهذا قبل معر�ضي الأول عام ،2003يومها بد�أت �أبحث ع��ن نف�سي يف الفن الت�شكيلي وم��دار��س��ه، ب��د�أت يف املر�سم احل��ر يف املجمع الثقايف يف �أب��وظ�ب��ي لأب ��د�أ م��ن ور���ش عمل خمتلف الفنون من اخل��ط واحلروفية العربية �إىل ال�سرياميك واملواد الأخرى املتعددة ،ولكني اجتهت �إىل التجريد من خالل تكوين اللوحة عن طريق معاجلات فنية بعجائن خمتلفة لت�سرد لوحة بها حرية يف اللون واخلط ،بعد ف�ترة م��ن اخل�برة م��ن التجريب واملعار�ض وزيارة املتاحف والدرا�سة الذاتية واحتكاكي بالفنانيني وال�ن�ق��اد وال�صحفيني �صقلت موهبتي و�شاركت يف معار�ض حملية جماعية وفردية يف �أهم قاعات العر�ض العاملية».
كثري من ال��دورات من خمتلف الفنانني الزائرين يف دول��ة الإم ��ارات ومتابعتها لفنانني �آخرين خارج الدولة واال�ستفادة منهم وزيارة كثري من املتاحف واملعار�ض الفنية ل�صقل موهبتها و�صو ًال �إىل التميز بنمط فني خا�ص و�أ�سلوب حمدد يعك�س ر�ؤيتها الفنية وتقنياتها اخلا�صة بها، الأمر الذي برز جلي ًا يف لوحاتها و�أعمالها بخطوطها اخلا�صة ورمزياتها العالية ودالالت �أعمالها التي حتكي الكثري عن هذا املكان وتاريخه و�إن�سانه ،حيث بدت اجلماليات الإماراتية وا�ضحة املعامل يف جمال اللوحة وتكوينات املواد امل�ستخدمة
الكتاب رو ٌح تستحضرها اجلماليات الإماراتية الفنانة لتشي بالكثير ت�ستند الفنانة فايزة مبارك �إىل كم التجريب الكبري والتع ّلم املتخ�ص�ص الذي مار�سته بعد من دالالت الوجود اإلنساني في المكان والزمان
دع��وة للجميع للقراءة والبحث عن �أ�سرار ال�ك�ت��ب ،وم��ا حتمله م��ن ق�ص�ص وت��اري��خ وح�ضارات و�شعوب ،فم�شروع الكتاب ق�صة ال تنتهي ،ع�ب��ارة ع��ن جمموعة م��ن الكتب املغلقة بها الأ�سرار والأفكار». وهي ترى الكتاب م�شروع ًا م�ستمر ًا يعتمد على طريقة طرحه ون�شره من حيث اللون واحلجم والعر�ض ،الكتاب بالن�سبة لفايزة مبارك لي�س �شك ًال فقط ،تعتمد يف �إجنازه على الأل���وان الزيتية وامل��ائ�ي��ة على ال��ورق املقوى واخلامات الكثرية التي ت�ستخدمها يف �أع �م��ال امليك�س ميديا ال�ت��ي ت�برع بها، ب��ل ه��و رو ٌح ت�ستح�ضرها ال�ف�ن��ان��ة لت�شي بالكثري م��ن دالالت ال��وج��ود الإن �� �س��اين يف املكان والزمان� ،إذ يرتبط الكتاب بالقر�آن احلكيم ،وهو الرمز الذي يحتل �أعلى �س ّلم املفاهيم الثقافية اخلا�صة ب�إن�سان هذا امل �ك��ان ،ومب��رك��ز وعيه الثقايف وال��وج��ودي �إذ ارتبط بالآيات البينات التي منها قوله تعاىل «�إن��ا �أنزلنا �إل�ي� َ�ك الكتاب باحلق»، وهو الكتاب املبني الذي فيه الهداية للنا�س وت�ب�ي��ان ال �� �ص��واب ،وه��و يرتبط يف ذاك��رة فايزة مبارك بالكم املعريف الإلهي املنزل للإن�سانية ب�أبلغ بيان و�أروع لغة ،وهي هنا جت��اري ه��ذه اجلماليات اللغوية والبيانية بحروفيات عريقة م�ستلهمة م��ن ال�تراث، جت ��دده ��ا ل�ت�ع�ط�ي�ه��ا ��ص�ب�غ�ت�ه��ا احل��داث �ي��ة املعا�صرة ،وت�ضيف �إليها عنا�صر هند�سية بخفة يد �سارق وملحة عني عا�شق. �إن�ه��ا حكاية ف��اي��زة م�ب��ارك م��ع م�شروعها للكتاب ،حتمله ر�سالة فنية ح�ضارية �إىل ع��امل غ��رب��ي ورث ع�ن��ا مكتبات الأن��دل����س ونفائ�سها ،وا�ستفاد منها لي�صنع ح�ضارته املعا�صرة ،وك�أمنا تقول :ها نحن ن�ستلهم اجلماليات نف�سها ،ال يف املحتوى فقط بل بال�شكل والت�شكيل �أي�ض ًا ،لن�صنع ح�ضارة �سمتُها الفن والإبداع الإماراتي املت�ألق ك�أنه الأبد ،يف �صفحات كتاب وغالف كتاب ،يف تهوميات لونية عالية الدقة وعميقة الإ�شارة، كما يف انثناءات حتاكي �أثر يد القارئ ك�أنه التاريخ يف ا�صفرار الورق وجتعيدات وجهه،
مزجت بين الجماليات اللغوية والبيانية والحروفيات العريقة المستلهمة من التراث وج�ح��وظ عينيه ،ب��ل يف اللونيات املغايرة للم�ألوف من بنف�سجي و�أزرق ،وميل تدريجي �إىل الرتابي ك�أن الفنانة فايزة مبارك ت�صنع لنا هذا اخلط البياين من الأم�س البعيد �إىل اليوم عرب كتاب ال ت�ؤثر فيه عوامل الزمان، �إمنا جتلوه وجتعله �أكرث �ألق ًا ب�إ�سهامه املعريف عرب الع�صور.
�إنها لعبة اللون والظالل عند فايزة مبارك، وه��ي ال��وح �ي��دة ب�ين ق�ل�ي�لات ا�ستطعن �أن يعتمدن لعبة الثالثية الأب �ع��اد يف العمل ال�ف�ن��ي� ،إذ �أجن ��زت جم�سمها للكتاب يف نحت بخاماتها حتى ت�صل بها �إىل ال�شكل الذي ت�شتهيه ،يف الكتاب املزرك�ش بحلى من �أ�شكال هند�سة �إ�سالمية قدمية حتلق بنا يف عوامل الروحانيات وال�صوفية والت�أمل ،ومن ح��روف عربية ب��أل��وان ري�شة فرا�شة ،وقلم كاتبة تقر�أ يف كتاب لتكتب كتاب ًا ي�شبهه �أو ي�شري �إليه
أوراق تراثية 138 الـعــــدد 154
�أغ�سط�س
2012
لنحمي التراث من الحب القاتل!
ق�ضايا الرتاث واملوروث متنوعة وعديدة ،من املحافظة عليه �إىل تطوير الآليات لتنمية ال�شعور املجتمعي وزيادة الإقبال واالهتمام به من كافة الأعمار وامل�ستويات ،و�صو ًال لتنقيته مما علق به من ت�شويه ونظرة قا�صرة �أو حتى من دخول �أ�ساليب وكلمات بعيدة كلياً عن عبق املا�ضي العربي الأ�صيل وغريبة عن البيئة الرتاثية املحلية. فاطمة املزروعي
ف�إرث الآباء والأجداد غري حمتاج مل�ساحيق حديثة نزينه بها ،فنحن نقبل به كما هو بعبقه اجلميل ومكانته يف �أرواح �ن��ا ،وال نريد خلطه مبفاهيم غربية �أو حديثة ،كما �أن ا�ستخدام و�سائل وطرق ال تنتمي لبيئة امل��وروث نف�سه بهدف تقريبه �أو �إي�صاله للجمهور قد تكون له �آث��ار عك�سية وت��ؤدي �إىل الف�شل وال�تراج��ع ،وال�شواهد يف هذا املجال عديدة ومتنوعة على �سبيل املثال يقام حفل غنائي ت�ستخدم فيه املو�سيقى الغربية مبنا�سبة افتتاح متحف �أو قرية تراثية ،لكن املع�ضلة ال تتوقف عند هذا اجل��ان��ب امل� ��ؤق ��ت ال� ��ذي ي�ن�ت�ه��ي ب��ان�ت�ه��اء املنا�سبة ،ب��ل ه�ن��اك مم��ار��س��ات وكلمات الت�صقت ب��ال�تراث و�أ�صبح البع�ض يعتقد
�أنها من �صميم اللغة العربية بل من عبق املا�ضي وال��زم��ن ال�سحيق ،م��ن ال�شواهد يف ه��ذا ال�سياق ا�ستخدام كلمة فلكلور، و�أ�صل هذه الت�سمية جاء من اللغة الأملانية « »Volkskundeوم�ع�ن��ى ه��ذه الكلمة – الرتجمة -يف اللغة العربية «علم ال�شعوب» وبب�ساطة متناهية كلمة الرتاث تعطي نف�س املعنى �إذا مل تكن �أعم و�أ�شمل منها ،فكيف دخ�ل��ت ه��ذه الكلمة وب��ات��ت م�ت��داول��ة على نطاق وا�سع وكبري ،بل حتى املتخ�ص�صني
العالم األكثر تحضر ًا نظر إلى التراث نظرة مختلفة عنّا فأقام مؤسسات فعالة لحمايته ونشره
يف جمال املوروث ال�شعبي ي�ستخدمونها يف م�ؤلفاتهم وبحوثهم العلمية ،وخا�صة عند احلديث عن الفن الغنائي ال�شعبي. يحتاج ال��دار� �س��ون واملخت�صون يف جمال ال �ع �ل��وم ال �ت��اري �خ �ي��ة وال�ت�راث� �ي ��ة للبحث والتق�صي يف قامو�سنا العلمي على كلمات ومفاهيم �أخرى قد تكون ت�سربت واندجمت يف العمق املعريف العربي وباتت ج��زء ًا من التفكري واللغة لدينا .قد يقول قائل� :إن من خ�صائ�ص اللغة العربية قوتها وقدرتها على تكييف امل �ف��ردات و�صبغها ودجمها باللغة الأ�صلية – العربية – من دون ت�أثري على جوهر ونقاء لغة القر�آن ،بل قد يجد ه��ذا ال�ق��ول �شواهد ك�ث�يرة لال�ستدالل مت خاللها ا�ستخدام مفردات غري عربية ،يف
بعض المبالغات التي تشوه التراث تكون �أ�شعار وق�صائد عربية ل�شعراء منذ �أكرث أحيان ًا مدفوعة بالحب من �ألف عام كاملعلقات وغريها مما ًو�صل و االعتزاز !
�إلينا .وهذا القول �صحيح ،لكننا �أي�ضا ال نتحدث هنا عن موا�ضيع عامة ومعا�صرة، بل نتحدث عن مو�ضوع متخ�ص�ص بالرتاث وامل� ��وروث ،مبعنى �أدق نحن نتحدث عن الأ�صالة ونقاء هذا املوروث ،لذا ال نحتاج لتو�صيفه مب �ف��ردات غ��ري�ب��ة وب�ع�ي��دة عن جوهرة وعمقه� ..أفهم �أن ال�تراث نف�سه خ�ل�ال ح�ق�ب�ت��ه امل��ا� �ض �ي��ة ق��د ي �ك��ون ت ��أث��ر مبوجات من الهجرات �أو بغزوات خارجية �أو بقربه من بلد ما �أو ح�ضارة ما فدخل يف �أتونه بع�ض التغري ،وهذا مالحظ ومعروف على نطاق وا�سع �سواء يف امللب�س �أو حتى يف بع�ض امل�ف��ردات املحكية ،لكن ه��ذا هو الرتاث الذي و�صلنا ويجب �أن نحافظ عليه كما هو من دون �أن ن�ضيف له �أو ننق�ص منه ،يجب �أن ندر�سه ونتمعن يف جوانبه ونو�صفه بنقاء ومن دون هاالت �أو بذخ �أو تزييف مع علمنا �أن هذا قد يحدث ،و�إذا ح��دث ف��إن��ه غ�ير مق�صود .كما �أف�ه��م �أن بع�ض االجتهادات واملبالغات مردها حب وع�شق ه��ذا ال�ت�راث ،ل��ذا على الدار�سني يف ه��ذا امل�ج��ال حماية ال�ت�راث يف �أحيان �أي�ض ًا من املحبني .يف احلقيقة �إن مهمة حماية الرتاث قد تكون �أعظم و�أكرب �أمام امل��د احلقيقي ال��ذي يهدد مكانته وال��ذي يطيب للبع�ض ت�سميته بالتطور والتحديث، وهذه املوجة �شاملة وجارفة ،فهي ت�ضرب دون ه��وادة كافة مفا�صل حياتنا اليومية وم��ع م��زي��د م��ن ال�تراك��م امل�ع��ريف احلديث وم��ع اخ �ت��زال ذاك ��رة الأج �ي��ال للأ�ساليب احلديثة ال يبقى مكان للما�ضي وعبقه، فيعي�ش منزوي ًا يف زواي��ا املتخ�ص�صني يف درا�سة هذا املجال وح�سب .العامل الأكرث حت�ضر ًا وتوهج ًا باملعرفة والتطور ،نظر ل �ل�تراث ن�ظ��رة خمتلفة ج��د ًا ع��ن نظرتنا ف��أق��ام م�ؤ�س�سات فعالة حلمايته والعمل على ن�شره –الرتاث الإن �� �س��اين -ب�صفة ع��ام��ة م��ن دون حت�ي��ز لبلد ع��ن �آخ ��ر ويف ب��داي��ة ه��ذا ال �ع��ام اح�ت�ف��ل ال �ع��امل ب��أ��س��ره
بالذكرى الأربعني التفاقية حماية الرتاث ال�ع��امل��ي ال�ث�ق��ايف والطبيعي ،وتعترب هذه االتفاقية من �أجمل ما �أجنزته الإن�سانية يف حماية الآثار وامل��وروث ،ومما ميز هذه االتفاقية �أنها جمعت بني حماية ال�تراث الثقايف وال�ت�راث الطبيعي وق��د وق��ع هذه االتفاقية 188دول��ة كانت الإم ��ارات من �أوائل الدول املوقعة وامل�ساهمة بفعالية يف اجلهود احلثيثة حلماية الرتاث الإن�ساين. و�صلت املواقع املدرجة للحماية والعناية الدولية �إىل 963موقع ًا موزعة يف 153بلد ًا كما ذك��رت منظمة الأمم املتحدة للرتبية والعلوم والثقافة اليون�سكو. �إذن ب� ��د�أ االه��ت��م��ام ال �ع��امل��ي ب ��امل ��وروث الإن�����س��اين م �ن��ذ �أك �ث�ر م��ن �أرب� �ع ��ة ع�ق��ود ما�ضية ،ويف الوطن العربي بع�ض ال��دول تتجاهل م��وروث�ه��ا وت��اري�خ�ه��ا ،ب��ل وي�صل ت�ن�ك��ره��ا �إىل �سطحية م�ع��رف�ي��ة ح�ت��ى يف لغتها الأم ،اللغة العربية ،وبع�ض ال��دول الأخرى ت�صب اهتمامها بالرتاث واملواقع الأثرية فقط ،ب�سبب الدخل امل��ادي الذي مي�ك��ن �أن حتققه م��ن ال��وف��ود ال�سياحية التي ت�صل من م�شارق الأر���ض ومغاربها مل�شاهدة املتاحف ور�ؤية قطع �أثرية �ضاربة يف عمق الزمن ،بينما مواطنوها يف جهل ت��ام بطبيعة امل ��وروث وال�ت��اري��خ ،ب��ل ق��د ال يعرفون �أي��ن تقع املتاحف و�أي��ن اكت�شفت بع�ض الآث��ار الثمينة ،وميتد ه��ذا التنكر لي�صل لعدم معرفتهم بتاريخ بلدهم وكفاح الآباء والأج��داد ،مرور ًا بجهل يف العادات والتقاليد �إىل الأزي��اء واملالب�س القدمية و�صو ًال للغذاء و�أ�ساليب احلياة التي كانت ت�ستخدم ق��دمي � ًا� ،إذن ه��ي م�ع��زوف��ة حب الرتاث وع�شقه؟!.. االهتمام ب��ال�تراث لي�س ب�إقامة الندوات التي ال يح�ضرها �سوى املهتمني� ،أو بتنظيم م���ؤمت��رات ت�ل�ق��ى ف�ي�ه��ا ب �ح��وث ودرا� �س��ات
ذات طابع ولغة علمية – رغم �أهمية هذه الفعاليات -كذلك لي�س مبعلومات جامدة نلقيها وك�أننا نحاول التخل�ص منها ،بل با�ستخدام ذكي وم�شوق لك�سب اجلمهور، خا�صة ال�شباب والفتيات ،ب�إدخال الرتاث يف حياتنا اليومية مبنتجات تباع ب�أ�سعار زهيدة فيها �أ�شكال لبع�ض التحف الأثرية �أو م��دون عليها بع�ض احلكم من التاريخ امل �ح �ك��ي ال � �ق� ��دمي ،وت �� �ض �م�ين م��وا� �ض �ي��ع ق �� �ص ����ص ط��ري �ف��ة وم� �ع�ب�رة ع ��ن ال �ت�راث تكون مبنهجية و�أ�سلوب تربوي ج��ذاب يف املناهج الدرا�سية .ال ت�ساورين ال�شكوك �أن ال �ع �ق��ول ل��دي�ه��ا م��ن الأف��ك��ار اخل�لاب��ة واجلميلة وامل�شوقة ما يعد ث��روة حقيقية يف هذا املجال ،لكن من املهم معرفة كيف ن�ستقطبها وننتجها ونوظفها خلدمة ن�شر تراثنا والتعريف بقيمنا وعادتنا وتقاليدنا العربية الأ�صيلة ،غني عن القول �إننا اليوم يف �أم�س احلاجة من �أي وق��ت م�ضى �إىل جهد م�ضاعف وغ�ير تقليدي ل�صون هذا ال�تراث وحمايته �أو ًال على �أر���ض الواقع، ثم من بع�ض العقول التي باتت ترى عدم �أهميته وغافلة �أو جاهلة عن توجه عاملي ل�لاه�ت�م��ام ب��ال�تراث الإن �� �س��اين و�أن ه��ذا االه�ت�م��ام ب��ات م�ي��زة ح�ضارية و�إن�سانية تنت�شر بني ال�شعوب واملجتمعات قاطبة. ومع �سعادتي �أن �أرى هذه اجلماهري التي حت�ضر مل�شاهدة القرية الرتاثية �أو �أي فعالية تراثية �إال �أنه تنتابني م�شاعر من احلزن كونها وفود ًا �أجنبية غربية ،وجتد العرب قلة جد ًا ،يف الوقت الذي ن�شاهد م��واق��ع ال�ترف�ي��ه واال��س�ت�ج�م��ام مزدحمة بهم – ه��ذا م��ن حقهم -ال��ذي �أري��ده من الأ�سر العربية �شيئ ًا من التوازن عند تخطيط رحالتهم ال�سياحية والرتفيهية بت�ضمينها امل ��رح وال�ف���س�ح��ة وال�ترف�ي��ه و�أي �� �ض � ًا زي ��ارة امل�ت��اح��ف وم�ع��رف��ة ت��اري��خ البلد ال��ذي ي�ست�ضيفهم �إذا مل يكن من �أجلهم فعلى الأق��ل م��ن �أج��ل �أبنائهم.. العامل ب�أ�سره يهتم بالرتاث فلم ال نهتم نحن �أي�ض ًا به
فنون اآلفاق ارتياد 140 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
جابر جاسم المريخي غناء يعلق بالروح كما العطر �أبوظبي – حممد النمر يف �أم�سية طاب ن�سيمها ،وبينما كنت �أجتول يف �شوارع اخلالدية ،يف �أبوظبي ،حيث �أ�سكن �إحدى بناياتها العالية ،وكعادتي يف يوم الإجازة الأ�سبوعية رحت �أجتول بني املحال التجارية بحثاً عن الأ�شياء التي تخطف ب�صري �أو «تفتح نف�سي» ف�أ�شرتيها. ه ��ذه امل ��رة ان�خ�ط�ف��ت ن�ح��و رائ �ح��ة ب�خ��ور جميلة تت�صاعد م��ن حم��ل �صغري داخ��ل �إحدى املراكز التجارية ،جذبتني الرائحة يف اجتاهها ،ومل �أك��ن �أدرك �أن �سر تلك اجل��ذب��ة مل ت�ك��ن ال��رائ �ح��ة وح��ده��ا� ،إمن��ا ذل��ك ال�صوت ال�ع��ذب املن�سرب يف ه��دوء من املكان نف�سه� ،صافحني ال�شاب اليمني ب �ه��دوء�� ،س��أل�ت��ه ع��ن ا� �س��م ذل ��ك ال�ب�خ��ور اجل��ذاب وجتاذبنا احلديث عن م�صدره و� �س �ع��ره� ،أث �ن��اء احل��دي��ث ك�ن��ت ق��د ب��د�أت �أتعرف على مفردات الأغنية التي ترتدد بهدوء داخ��ل املحل املعبق بروائح الطيب تر العطر ذل��ك امل�ساء، وال�ع�ط��ور ،مل �أ� �ش� ٍ ً ولكنني غادرت حممال برائحته ،وبكلمات الأغنية التي علقت بروحي كما علق العطر بثيابي ،و�إن ف�شلت يف معرفة ا�سم املطرب الذي جهله ال�شاب �صاحب املحل. حر�صت خ�لال طريق عودتي �إىل املنزل،
ع �ل��ى ت��ردي��د ال �ك �ل �م��ات ال �ت��ي مت�ك�ن��ت من التقاطها من الأغنية ،يف الدقائق القليلة داخل حمل بيع البخور:
���ش��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دوا ال��ـ��ـ��ع��ـ��ـ��رب��ـ��ـ��ان بـالـك ـلــي وات���ـ���رك���ـ���ـ���وا ذا ال���ـ���ـ���ـ���روح ول��ـ��ه��ـ��ان��ـ��ـ��ه
وم��ا �إن و�صلت �إىل املنزل دفعني الف�ضول ملعرفة املطرب �صاحب هذا ال�صوت الرائع ال��ذي مل �أ�سمعه من قبل ،وكالعادة جل�أت �إىل م�سرت جوجول ،وبد�أت البحث عن طريق كلمات الأغ �ن �ي��ة ،فعلمت �أن �ه��ا م��ن كلمات ال���ش��اع��ر �أح �م��د ب��ن ع�ل��ي ال �ك �ن��دي ،غناها امل �ط��رب الإم ��ارات ��ي ال��راح��ل ج��اب��ر جا�سم املريخي ،الذي رحل عن الدنيا عام .2001
له صوت مؤنس وهادئ يمتاز ببحة جميلة وطبقة صوتية نادرة
تقول الأغنية:
���ش��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دوا ال��ـ��ـ��ع��ـ��ـ��رب��ـ��ـ��ان بـالـك ـلــي وات���ـ���رك���ـ���ـ���وا ذا ال���ـ���ـ���ـ���روح ول��ـ��ه��ـ��ان��ـ��ـ��ه م���ـ���ـ���ادروا و�����ش ب��احل��ـ�����ش��ـ��ا ح��ـ�� ّل��ـ��ي م ال��ـ��ـ��ـ��ف��ـ��ـ��ـ��راق وح��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� ّر ن��ـ��ـ��ي��ـ��ـ��ران��ـ��ـ��ـ��ه م�����س��ـ��ت��ـ��ل��ـ��ي��ـ��ع وح��ـ��ـ��ال��ـ��ـ��ي اع��ـ��ت��ـ��ـ��ل��ـ��ـ��ي واحل���ـ�������ش���ـ���ا ���ش��ـ�� ّب��ـ��ت ب��ـ��ـ��ـ��ه اح��ـ��زان��ـ��ـ��ه دم��ـ��ـ��ع ع��ي��ـ��ن��ـ��ي ���س��ـ��ـ��ال وان��ـ��ه��ـ��ل��ـ��ي ي���ـ���ـ���ـ���وم ق��ـ��ف��ـ��ـ��ت ع��ـ��ـ��ن��ـ��ـ��ي �أظ��ـ��ع��ـ��ان��ـ��ـ��ه وي���ـ���ل م��ـ��ن ه��ـ��و ع��ق��ب��ه��ـ��م خ��ـ��ل��ـ��ي ���ض��ـ��ـ��اي��ـ��ـ��ـ��ع ع��ـ��ـ��ق��ـ��ـ��ل��ـ��ـ��ه وب��ـ��ـ��ره��ـ��ـ��ان��ـ��ـ��ه واب��ـ��ـ��ع��ـ��ـ��دوا بـالـغـالــي الـخ ـلــي واج���ـ���ـ���ب���ـ���ـ���روه اب��ـ��ه��ـ��ـ��ج��ـ��ـ��ر خ��ـ��ـ�لان��ـ��ـ��ـ��ه بــوجــديــل ط ـي ـب ــه اي ـع ـل ــي ي��ن��ـ�����ش��ـ��رى ل��ـ��ـ��و غ��ـ��ل��ـ��ي��ـ��ت �أث��ـ��م��ـ��ان��ـ��ه ي�����س��ـ��ك��ـ��رك م��ـ��ـ��ن ري��ـ��ح��ـ��ة الـفـلـي يل م�����ا ظ���ه���ر وال����ك����و�����س ط�ل�ان���ه
فنون 142 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
م��ـ��ـ��ا خ��ـ��ـ��ـ��ذٍ م ال��ـ��زي��ـ��ـ��ن وم��ـ��خ��ـ��ل��ـ��ي ك���ـ��� ّم���ـ���ل���ـ���ه ع���ـ���ـ���ـ���ن ك���ـ���ـ���ـ���ل ن��ـ��ق��ـ�����ص��ـ��ان��ـ��ه �أط��ـ��ـ��ـ��رب ال��ـ�����ش��ـ��وف��ـ��ـ��ه وال ام ـلــي و�أرخ�������������ص ال�����غ�����ايل ع����ل����ى ���ش��ان��ـ��ه ه����و ����ش���ف���اي و���ش��م�����س��ـ��ي وظ��ل��ـ��ي را�����ض����ـ����ـ ٍ����ي يف ح���ـ���ك���ـ���ـ���م ���س��ل��ـ��ط��ـ��ان��ـ��ه ي��ـ��ع��ـ��ل ي��ـ��رج��ـ��ع ل��ـ��ـ��ـ��ي م��ـ��ـ��ـ��و ّد ل ــي م��ـ��ـ��ا ت��ـ��خ��ـ��ل��ـ��ف ال��ـ��ن��ـ��ـ��ا���س م��ـ��ي��ـ��زان��ـ��ه وي��ـ��ـ��ن ب��ل��ـ��ق��ـ��ى ع��ق��ـ��ب��ـ��ك ام�����س��ـ�� ّل��ـ��ي ي���ـ���ا ���ش��ب��ي��ـ��ه ال����ري����ـ����م يف اخ���ـ���وان���ـ���ه احـتـفــظ بــال ــود ي ـ ــا خ ـ ّل ــي ال ت��ـ��ـ��ـ��ـ��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دم ر������ص ب��ـ��ـ��ن��ـ��ـ��ي��ـ��ـ��ـ��ان��ـ��ـ��ـ��ه مل �أجد عن جابر املريخي �إال كلمات قليلة متناثرة بني �صفحات ال�شبكة العنكبوتية، و�صفه كتّاب عدة ب�أنه �«:أحد رموز احلركة ال�ث�ق��اف�ي��ة وال �ف �ن �ي��ة وال �ع �م��ل االج�ت�م��اع��ي وال�سيا�سي» و�أ�شاروا �إىل �أنه «قام بدوره ال�ط�ل�ي�ع��ي يف ف�ت�رة مل ت�ك��ن بال�سهلة وال املي�سرة».
حياته
جابر جا�سم جابر جا�سم املريخي ،هكذا ا�سمه ،م��ن �أه��ل دمل��ا ،ول��د ع��ام 1950م، ت�ل�ق��ى تعليمه يف �أب��وظ �ب��ي وق �ط��ر ،عمل ب��ال�ف��ن ،وه��و م��ا ي��زال ��ص�غ�ير ًا ،ك��ان �أول ظهور له على امل�سرح عام 1961م ،ابتعث عام 1971لدرا�سة املو�سيقى يف م�صر يف املعهد العايل للمو�سيقى ،له �صوت م�ؤن�س وهادئ ،ميتاز ببحة جميلة ،وطبقة �صوتية ن��ادرة ،وهو من اجليل الأول الذي اعتمد على موهبته ،وثقف نف�سه بنف�سه� ،شاق ًا طريقه ب��د�أب وح��ب ،ت�ع��اون م��ع كثري من ال�شعراء �أب��رزه��م الكندي ،حل��ن لنف�سه وللكثري من املطربني واملطربات ك�سمرية �سعيد وعزيزة جالل ورجاء بلمليح. ظ��ل امل��ري�خ��ي ي�خ��دم املو�سيقى وال�ف��ن يف الإمارات �أكرث من 30عام ًا ،حافظ بغنائه على �أ�شعار كثرية كان مكانها يف ال�صدور ف�ق��ط ،ت��ويف م�ب�ك��ر ًا ع��ام ،2001وه��و يف ال ��واح ��دة واخل �م �� �س�ين م��ن ع �م��ره� ،أح �ي��ا العديد م��ن احل�ف�لات يف ال��دول العربية ب �ه��دف ال �ت �ع��ري��ف ب��الأغ �ن �ي��ة الإم��ارات �ي��ة
�صورته يف الإنرتنت اق�ترن ا�سم الفنان الراحل على الإنرتنت بني حمبي فنه ب��ع��ب��ارات مثل «القطب الأوح���د للفن الإم��ارات��ي» و«وم�ؤ�س�س الأغنية املطورة» ،و«�صاحب الطلة املميزة يف زم��ن الطرب اخلليجي اجلميل» و«ال�صوت العذب عازف العود املبدع» ،و«�صاحب ال��ذوق الرفيع باختيار الكلمة واللحن الراقي». ويجمع الكثريون من رواد منتديات الطرب اخلليجي على �أن جابر جا�سم واحد من الرائعني الكرث الذين مل يح�صلوا على التقدير املن�صف �سواء يف حياتهم �أو بعد رحيلهم ،فلم يكن ن�صيبه �إال الن�سيان ،رغ��م �أن��ه �أج���اد �أداء دوره يف خ��دم��ة ال��غ��ن��اء وال��ط��رب ورف���ع ا�سم الإمارات يف �ساحة الفن يف الوطن العربي. ي�����ش��ار �إىل �أن ال��ف��ن��ان ال��راح��ل ك���ان ق��د مت ت��ك��رمي��ه يف مهرجان الدوحة ال�سابع ،وغنى له الفنان ال�سعودي خالد عبد الرحمن خالل املهرجان �أغنيته ال�شهرية « �سيدي يا �سيد �ساداتي » ،ولكن املهرجان -وفقاً لكتابات حمبيه على الإن�ترن��ت -مل يقدم �صورة وا�ضحة عنه لقلة املتوفر من �أخبار هذا الفنان،
اخلال�صة و�إي�صالها �إىل امل�ستمعني عرب ال�ع��امل ال�ع��رب��ي ،يف وق��ت ك��ان��ت الو�سائل الإع�لام �ي��ة قليلة وم�ق���ص��رة ،ف�أ�سهم يف �شهرة الأغنية الإم��ارات�ي��ة عربي ًا ،وتغنى ب�أغنياته مطربون ومطربات ع��رب مثل �أغنية «�سيدي يا�سيد ��س��ادات��ي» للكندي و«غزيل ف ّله» لعتيق بالرو�ضة الظاهري.
تنوع وثراء
ن ّوع املريخي يف اختياره لأغنياته ،ف�إىل جوار �أغنياته باللهجة املحكية الإم��ارات�ي��ة غنى �أغنيات بالعربية الف�صحى و�أخرى باللهجة امل�صرية ،وغنى �أغنيات وطنية ،وتوا�شيح دينية ،وظلت �أغنياته قادرة على هز وجدان النا�س وتثري فيهم ال�شعور بالطرب ،هي �أغنيات و�صفها البع�ض ب�أنها حتمل رائحة املكان والنا�س اجلميلني ووقتهم الذي م�ضى، منها :يا�شوق هزّنيه ه��وى ال�شوق ،و�ضاع فكري �شالنظر فيهم ،و�س ّلمتلك يف احلب ت�سليم ،وي��اوي��ل ي��ا م��ن �ضاع ف�ك��ره ،و�صاح الزقر ملنادي.
وم��ن �أب��رز ما ت�ضمنته ع��ب��ارات التعريف بجا�سم على الإن��ت�رن����ت« :ف���ن���ان الإم��������ارات ال���راح���ل ج���اب���ر ج��ا���س��م املريخي� ،أحد �أبرز ر ّواد الفن اخلليجي الأ�صيل� .ش ّكل ب��ف�� ّن��ه ه��م��زة ال��و���ص��ل ب�ين ال��ف��ن الإم����ارات����ي وامل��ج��ت��م��ع العربي ،ونقل الأغنية الإماراتية ال�شعبية املتميزة �إىل م�ساحات انت�شار �أكرب .كان له الدور الأبرز يف حتديث الطرب املحلي .تغنى بروائعه ع��دد من الفنانني من دولة الإمارات ودول عربية �أخرى». وت�ضمنت مو�سوعة ويكبيديا هذه الكلمات عنه «اال�سم الكامل للفنان هو جابر جا�سم جابر جا�سم املريخي ولكن ال �أحد يعرف �أنه مريخي �إال القليل من الأقارب، من �أهل جزيرة دملا ،تويف يف عام ، 2001وعمره يناهز 50ع��ام��اً ،وه��و م��ن �أ�شهر مطربي الإم���ارات العربية املتحدة ،در���س املرحلة االبتدائية يف قطر يف منطقة دخان ،وهو مطرب �إماراتي معروف عند �أهل الإمارات و�أه���ل اخلليج ال��ذي ا�شتهر ب�أغنية «غ��زي��ل ف��ل��ه» ،وله �أغنيات �شهرية منها �ضاع فكري وغزيل فله و�سيدي يا �سيد �ساداتي».
حافظ المريخي بغنائه على أشعار ظروف �صعبة حتدث الكثريون من الكتاب املهتمني باملريخي كثيرة كان مكانها خالل �صفحاتهم على الإنرتنت عن الظروف في الصدور فقط
ال�صعبة التي ن�ش�أ فيها املطرب واملو�سيقار الراحل ،م�ؤكدين على �صعوبة الزمن الذي غنى وت�ألق فيه -نهاية ال�ستينيات وال�سبعينيات من القرن الفائت ،الفتني �إىل �أن جيل اليوم ال ميلك �أن يتخيل �صعوبة تلك الأي��ام؛ لأن��ه مل يعاي�شها ،و�أن نعيم احلا�ضر ال ميك ّنهم من النظر �إىل ما هو �أبعد من ق�شور الع�صرنة، م�ؤكدين �أن تلك الأي��ام كانت قا�سية و�صعبة يف ظروفها املعي�شية ،بطريقة جتعل من جناح كالذي حققه املريخي ي�شبه امل�ستحيل ،فلم يكن من ال�سهولة يف ذل��ك الزمان �أن يعمل الإن�سان وي�ستقر ،فما بالك ب�أن يحلم ويبدع، وميثل ويغني مث ًال� ،أو �أن يربز ويكون فنان ًا يف �أي فن وجمال؟ فقد كانت ف�سحة احلياة يف ذلك الزمان ك��ان��ت �ضيقة ،وال ت�سمح ب�سهولة مبيالد م��وه�ب��ة ،و�إن ح��دث ،فكيف ل�ه��ذه املوهبة �أن تنمو وتظهر للنور ،خال�صني من ذلك �إىل �أن جابر جا�سم املريخي كافح يف تلك الظروف وجنح يف �أن ي�سجل �صوته يف قلوب الكثريين حمليا وخليجيا وعربي ًا رغم دور الإع�لام ال�ضعيف و�صعوبة الو�صول �إليه، و�أن موهبته احلقيقية واجتهاده كانا وراء جناحه وانت�شاره وحب النا�س له .يف فرتة ظهور املريخي ،كان الفنان علي بو الروغة يت�سيد امل�شهد مبدر�سته التي تعتمد على العود ك�آلة �أوىل ،هي ع�صب كل الأغ��اين ال�ت��ي ق��دم�ه��ا .وك��ان ب��و ال��روغ��ة ح��ا��ض��ر ًا، عند احل�ضر والبدو و�سكان اجلبال ،ا�سم ًا و�صوت ًا يف كل �أنحاء املنطقة. وج���اء امل��ري �خ��ي ل �ي �ق��دم م��در� �س��ة ج��دي��دة خم�ت�ل�ف��ة ،تعتمد ع�ل��ى الآالت املو�سيقية احل��دي�ث��ة ،والكلمات الق�صرية وجنومية الغناء على �شا�شة التلفزيون امللون. فات�سع امل�شهد لي�ضم �إىل ج ��وار ��ص��ورة ب��ال��روغ��ة ،ب �ـ«ال �ك��وت» الأخ �� �ض��ر املخطط جال�س ًا حمت�ضن ًا عوده� ،صورة جابر جا�سم
راف �ع � ًا ط��رف غ�ترت��ه واق �ف � ًا ع�ل��ى امل�سرح متقدم ًا فرقته املو�سيقية احلديثة. وع �ل��ى ال��رغ��م م��ن �أن ال��رج �ل�ين �شكال مدر�ستني خمتلفتني� ،إال �أن �أي � ًا منهما مل ي�سء للآخر �أو يهاجمه ،كما حدث ويحدث يف �أماكن و�أزمنة خمتلفة، فقد �أبقيا على الود بينهما واحرتام املهنة ،وكان �أن وجد االثنان مكانة عالية ومميزة عند جمهورهما امل�شرتك.
جهود للتوثيق
يبقى �أن نقدم التحية ملوقع «خلي ال�ق�ل��ب» الإل��ك�ت�روين ال ��ذي خ�ص ال �ف �ن��ان ال��راح��ل ب�صفحة مميزة �ضمت � 69أغنية من �أغنياته املميزة ميكن متابعتها على هذا الرابطhttp:// : ،www.uae20.com/jasem.htmوندرج ه�ن��ا ق��ائ�م��ة ب�ه��ا م�ساهمة م�ن��ا يف توثيق تراث املطرب الراحل� :صافني يا �صخيف اخلدي� ،صاح بزقر ملنادي ،ع ّدى وال �س ّلم، �أنا لوالك ،اجلفن حارب ،حر ٍة باجلوف ،بو مبارك� ،أني�س الروح ،حايز �سمت ومعاين، ح �م��ام ن ��اح يف ن��وم��ي ،ل���س��ت ت� ��دري ،حي الهجر ،اغنم زمانك� ،ضاع فكري� ،أ�صبحت عنهم راي ��ح ،امل ��وادع بال�سالمي ،الكو�س لع�شوية� ،أنا والليل ،قال من هو ،فتاة احلي، ارتع�شت ،هل عادين ،غزيل ف ّلة ،غردي يا بالبل ،خ��ذين معك ،ك��ان ا�سفحت ،جلب الك�أ�س ،يا من القى طاليب ،كم ب�صرب ،كم
ق ّدم المريخي مدرسة جديدة مختلفة تعتمد على الفرقة الموسيقية الحديثة وليس العود وحده
عذلت ،معك التحية ،لك ق�صر و�سط احل�شا، لدغني وداده يف احل�شا ،مرحبا خالد ،يا مالك الروح� ،أنا لو قلت ما �أحبك ،من احلور ،مرحبا يا حي ف�ضل اهلل ،مرحبا مليار بقبالك ،يا نور عيني تعال ،ن�سيتونا حبايبنا ،ناديت ما يف حدا ،بي من �سبع وناتي ،رمتني من عيونك روحت عنهم� ،سيدي يا �سيد �ساداتي� ،سلموا يل� ،سالم للرباين ،يا �شوق حلوين� ،شدوا العربان بالكلي� ،سقاين احلب ،ونات مك�سور، ونتي ونات يل حاين ،اهلل يل ت�سامح ،يا كم يا عاذل ،يا جفوين ،وين يل طاقة ،ياهلل يا عامل، يا كو�س يا لوابي ،يا خفيف الروح ،يا جنوم ،يا مها وين ،يللي انت غايل، يا ويل يا من �ضاع فكره ،يا �شوق ه��زين ،يا ركب يا ق�صادي ،زارين بعد الع�صر ،يقولون من حب ما يهتني ،يا زين حبك
الكتب سوق اآلفاق ارتياد 144 الـعــــدد 154 �أغ�سط�س
2012
املدار�س والتعليم يف الرتاث
دراسة في تطور فكرة التربية عند العرب مفيد جنم قليلة هي الكتب التي بحثت يف فكرة الرتبية كما حتدثت عنها كتب تراث العرب القدمي ،ولعل كتاب الباحث الفل�سطيني خليل طوطح الذي �صدر يف منت�صف ثالثينيات القرن املا�ضي «الرتبية عند العرب» هو واحد من تلك الكتب القليلة ،التي مل تكتف بالبحث يف هذا املجال ،بل عمدت �إىل تقدمي جداول �إح�صائية بعدد املدار�س و�أنواعها و�أماكن انت�شارها يف البلدان العربية منذ العهد العبا�سي وحتى بداية القرن الع�شرين� ،إ�ضافة �إىل متابعة تطور فكرة الرتبية وتو�سعها وبراجمها املعتمدة ،ما يقدِّم �إ�ضاءة وا�سعة ومهمة على هذا اجلانب الهام من تراثنا العلمي والرتبوي ،من خالل منهج �أكادميي وا�ضح ،ال�سيما �أن الكتاب كان يف الأ�صل ر�سالة دكتوراة قدَّمها طوطح جلامعة كولومبيا الأمريكية ونال عليها �شهادة الدكتوراة. �إن �أهمية الدرا�سة تكمن يف تاريخ �صدورها ،يف «ثالثينيات القرن الع�شرين» عندما كان العرب يتحفزون لنيل اال�ستقالل والنه�ضة ،الأم��ر ال��ذي كان ي�ستدعي منهم م�ضاعفة اجلهد، خا�صة على �صعيد الرتبية العامة التي يجب �أن تتجه نحو تربية العامة وتثقيفهم ،وذلك بعدم اقت�صار فتح امل��دار���س على م��دن احلوا�ضر الرئي�سة يف البلدان العربية� ،أو على الذكور دون الإن��اث ،لأن الثقافة يجب �أن تعم الأمة كلها. والغريب �أن وظيفة التعليم يف الأقطار العربية كما ك��ان ي��راه��ا ط��وط��ح مل تتبدل ك�ث�يرا يف وقتنا الراهن� ،إذ يراها ترتبط عند الكثريين بتح�صيل املعي�شة وت�أمني م�صدر للرزق ،يف حني �أن العرب يف ع�صور �إزده��ار ح�ضارتهم عملوا على ن�شر العلم و�أ�س�سوا املدار�س على �أ�سا�س لغوي متني .ويف �ضوء ذل��ك ي��رى �أن الرتبية العربية يف هذا الع�صر هي �أمام ثالثة م�سالك عليها �أن تختار امل�سلك املنا�سب منها، فهي �إما �أن تتم�سك باملدنية العربية القدمية التي توقفت عند الع�صور الو�سطى� ،أو تقتدي باحل�ضارة الغربية ،كما فعل ب��الأت��راك دون التمحي�ص يف جوانبها املختلفة� ،أو اعتماد خطة اجلمع بني اجليد واملفيد من احل�ضارتني
العربية والغربية ودجمهما مع ًا وهو املوقف الذي يتبناه الباحث. وال�س�ؤال هنا ملاذا مل ت�ستطع الثقافة العربية وق��واه��ا االجتماعية والفكرية بعد ك��ل تلك ال�سنني وال�ت�ط��ور ال��ذي �شهدته املجتمعات العربية �أن تتجاوز تلك الإ�شكاليات املطروحة على �صعيد امل��وق��ف م��ن العالقة م��ع الغرب وح�ضارته ،حيث ما زالت املراوحة على هذا امل�ستوى على �صعيد املواقف املت�صارعة ،والتي تعرب عن التباينات فيها ،دون �أن تتبلور ر�ؤية عربية موحدة و�شاملة على هذا امل�ستوى.
املدار�س يف الع�صور التاريخية
يعتمده الباحث املنهج التاريخي من خالل تق�سيم تاريخ الرتبية عند العرب وفق الع�صور التاريخية ب��دءا من الع�صر اجلاهلي وحتى الن�صف الأول من القرن الع�شرين ،فيتحدث
العرب اهتموا بالتأليف في قضايا التربية المختلفة على خالف ما يقوله بعض المستشرقين
يف البداية عن امل��دار���س و�أهمية العلم عند العرب منذ ظهور الدعوة الإ�سالمية ،ال�سيما عرب موقف الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم ،الذي ك�شف عن مدى تقديره للعلم عندما قبل �أن يفدي كل �أ�سري من قري�ش نف�سه بتعليم ع�شرة من �أبناء امل�سلمني � .أما يف الع�صر الأموي الذي ميثل كما يقول الباحث ع�صر االنتقال من البداوة �إىل احل�ضارة فقد ُعرف عن العديد من �شخ�صياته �أنهم ا�شتغلوا يف مهنة التعليم مثال احلجاج بن يو�سف والوليد بن عبد امللك وعبد احلميد الكاتب ،يف حني اتخذ خلفاء بني �أمية م�ؤدبني لأبنائهم .ويف الع�صر العبا�سي كان الكت�شاف �صناعة ال��ورق يف ال�صني دوره الكبري يف ن�شر العلم ونه�ضة العبا�سيني ،ثم يتحدث بالتف�صيل عن �أن��واع املعاهد العلمية التي توزعت على املكتب والكتَّاب واجلامع وجمال�س العلم والأدب واملدر�سة �أو الكلية. يعتمد الباحث يف تتبعه لواقع التعليم على امل��راج��ع الرتاثية التي حتدثت ع��ن مدار�س ال�ك� َّت��اب مثل ك�ت��اب الأغ� ��اين ال�شهري ال��ذي يتحدث ع��ن تلك املكاتب يف الكوفة وكتاب البيان والتبيني ومعجم الأدب��اء الذي يتحدث عن مكاتب بغداد .و�إذا ك��ان الباعث الأك�بر
على فتح تلك املدار�س هو الباعث الديني ف�إن اجلوامع كانت �أكرث الأماكن التي ا�ستخدمت للتعليم ،حيث توىل رجال الدين مهمة ت�أديب الأوالد وتعليم الفقهاء علوم الفقه ،وما زالت هذه املهنة قائمة حتى ع�صرنا الراهن ،ويعترب جامع الأزه��ر يف القاهرة املثال الوا�ضح يف ه��ذا امل�ج��ال .وم��ن الإجن� ��ازات التي حققها العبا�سيون يف عهد الر�شيد �إن�شاء معهد راق يتلقى فيه الطلبة العلوم العالية كالريا�ضيات والفلك واحلكمة ،وكان يدعى بيت احلكمة. يجمع امل�ؤرخون امل�سلمون على �أن �أول من بنى املدار�س يف الإ�سالم هو نظام امللك الطو�سي وزير ملك �شاه ال�سلجوقي يف �أوا�سط القرن اخلام�س للهجرة ،وقد فتح مدار�س عديدة يف بغداد والب�صرة واملو�صل و�أ�صبهان وني�سابور وبلخ وجعل التعليم فيها جمان ًا ،كما وزع على التالميذ الأرزاق ،وكانت تلك املدار�س هي من متد الدولة بالق�ضاة واملدر�سني والكتبة وامل��وظ�ف�ين .وعلى غ��رار بيت احلكمة ال��ذي �أن�ش�أه العبا�سيون يف بغداد �أق��ام الفاطميون يف القاهرة دار العلم وكان التعليم فيها متاح ًا ل�سائر طبقات ال�شعب �.أما بالن�سبة �إىل عدد املدار�س فهو يختلف من مدينة �إىل �أخ��رى، لكنها كانت بالع�شرات ،وق��د فتحت �أبوابها للفقراء وق��ام��ت �أوق���اف امل��دار���س بالتكقل بطعامهم وتدري�سهم ولب�سهم ومنامهم ويف بع�ض الأحيان مبعاجلتهم.
معلم ومدر�س و�أ�ستاذ
كان املعلم يف الإ�سالم من �أهل الع�صبية �أو من الهواة ،ثم حتول التعليم �إىل �صناعة بهدف ك�سب الرزق ولذلك �أقبل عليه من كان بحاجة �إىل حت�صيل معا�شه ،كما ك�ثرت الفكاهات واملزاح على ح�ساب املعلم العربي ما يدل على املكانة االجتماعية التي كان يحظى بها� ،إال �أن درجات املعلمني تباينت بني معلم �أوالد الذي كان هدفا ل�لازدراء ،و�شيخ ومدر�س و�أ�ستاذ انتموا �إىل طبقة غري طبقة معلمي الأوالد� ،إذ كان لقب املعلم هو �أدن��ى الرتب العلمية� ،أما املدر�س فكان يف درجة �أرق��ى ،وهناك املعيد الذي يكون من ف�ضالء ال�صلحاء ،يف حني كان
�إىل املعلم .وتروي بع�ض كتب الرتاث �أن 400 �إىل 500طالب كان يجتمعون �إىل الدر�س.
كثرت الفكاهات والمزاح على حساب المعلم العربي ما يدل على المكانة االجتماعية التي كان يحظى بها لقب ال�شيخ يطلق على الأ�ستاذ والعامل ورئي�س ال�صناعة باعتباره الكبري يف العلم والف�ضيلة. و�إذا كان لقب اال�ستاذ قد �أطلق على من �أظهر مهارة يف التعليم ،ف�إن لقب »ال ُّرحلة» كان يطلق على �أكابر العلماء . لقد كان للمعلمني زي خا�ص بهم يف كل بلد، ولتمييزهم عن الآخرين كانت عمامتهم التي يرتدونها �أكرب من غريها ،كما كانوا يرتدون الطيل�سان املكون من �شا�ش يو�ضع على الر�أ�س �أو الكتف .ومما تذكره كتب الرتاث عن التعليم واملدار�س �أن املدار�س كانت متنوعة منها ما يخت�صبحفظالقر�آنوفقههومنهااملتخ�ص�ص يف احلديث ،كما كان بع�ضها مرتبط ًا ب�أحد املذاهب كاملدر�سة ال�شافعية واملدر�سة احلنفية �إىل جانب مدار�س الطب ،وقد لعبت امل�ساجد دور ًا مهم ًا يف هذا املجال ،فابن جبري يذكر على �سبيل املثال �أن اجلامع الأموي كان ي�ؤمه م��ا ينوف على خم�سمائة �إن���س��ان .ومل يكن حال املدار�س من حيث ازدحام الطالب فيها خمتلف ًا عن امل�ساجد مما كان ي�ضطر الطالب �أن يجل�سوا يف حلقات �ضمن حلقات لال�ستماع
وي�شري الباحث �إىل م�شاركة املر�أة يف ممار�سة مهنة التدري�س مع ذكر �أ�سماء بع�ضهن . ويخل�ص الباحث من خ�لال بحثه يف �أق��وال العرب حول �أولوية ما يجب �أن يتعلمه الطالب، �إىل تركيزهم على تعلم الأم��ور العملية مثل ال�سباحة وال��رم��اي��ة ورك ��وب اخل�ي��ل وحفظ الأن�ساب واحل�ساب وقوانني ال�ضيافة وال�شعر لولعهم به .وقد حظي القر�آن ب�صدارة مناهج ال��درا��س��ة يف ال�ك� ّت��اب ،خا�صة و�أن امل��دار���س ا�صطبغت ب�صبغة دينية ،جعلت برناجمها ديني ًا و�شرعي ًا ولغوي ًا و�أدب �ي � ًا وح�سابي ًا ،يف حني �أن تدري�س امل��واد العلمية كالريا�ضيات والطب وما وراء الطبيعة والفلك كان وقف ًا على مدر�سني خ�صو�صيني ،وعلى التدري�س يف بيت احلكمة ودار العلم ال غري.
�أ�ساليب التدري�س و�آدابه
ويبحث الكتاب يف �أ�ساليب التدري�س املتبعة وطرقها كالإلقاء �أو ال�شرح والإمالء والتلقني واملناق�شة وامل �ن��اظ��رة ،وه ��ذه ال �ط��رق تعود �إىل �أ�سلوبني �أ�سا�سيني ،هما التعليم والتعلم ي�ستفي�ض الباحث يف �شرح قواعدها �أم��ا ما يتعلق ب��آداب الدر�س والتدري�س فقد حتدثت كتب كثرية عنها ،بل �إن العرب �أ�سرفوا يف احلديث عن ذلك وب ِّينوا وظائف كل من املعلم واملتعلم وو�ضعوا ال�شروط لها ،كما ورد عند الغزايل يف كتابه �إحياء علوم الدين . بعد هذا التعريف بواقع الرتبية عند العرب وتطوره يحاول الباحث التعريف بالفل�سفة التي قامت عليها الرتبية عند العرب وذلك يف الف�صل الأخ�ير من الكتاب ال��ذي يجمل فيه �أغ��را���ض الرتبية يف �أرب �ع��ة ع��وام��ل هي الديني واالجتماعي والعقلي واملادي .ولت�أكيد اهتمام ال�ع��رب بالت�أليف يف جم��ال الرتبية يذكر جمموعة كبرية من امل�ؤلفات مع التعريف بها ،ومبا احتوت عليه من ف�صول ومباحث ت�ؤكد �أن العرب على خالف ما يقوله بع�ض امل�ست�شرقني قد اهتموا بالت�أليف يف ق�ضايا الرتبية املختلفة
كالم أخير
حبيب ال�صايغ
العودة إلى األماكن القديمة ال ت�ستدعي العودة �إىل الأماكن القدمية روح املكان فقط ،و�إمنا معها وقبلها روح الزمان. احلركة هنا دائرية وم�ستطيلة ومربعة ومتداخلة يف بع�ضها بع�ض ًا ،احلركة هنا �إمياء يت�أمل و�إغواء يت�أجج ،احلركة هنا ان�سياب �إىل ما ال تنك�شف عنه الذاكرة �إال �ساعة االعرتاف ،تو�أم �ساعة املوت. لكن االعرتاف ،مبعنى من املعاين ،حياة �إ�ضافية ،وعندما نعود �إىل الأماكن القدمية فنحن ،يقين ًا ،منار�س نوع ًا من االعرتاف بيننا وبني ذواتنا ،وبيننا وبني الكائنات اجلامدة من جدران و�أ�سقف ونوافذ وحجارة ،ترى ..هل من طم�أنينة خارج هذا املكان ،وهل من �ألفة ن�ألفها يف �أماكننا اجلديدة ،وكم ،ومتى؟
كيف يشيل البناء العتيق على ظهره حزن سكانه ،وحكاياتهم كيف ينسى لكي يتماسك؟ أو يتذكر ..كيف؟
الذكريات ال ت�شدنا �إىل املا�ضي ،و�إمنا �إىل ذلك الزيت اخلامل ،اخلامد يف عقولنا ونفو�سنا ،وهي ن�صف احلقيقة� ،أما الن�صف الآخر فهو القلق املكتوب على �أكف �أيدينا بحرب احلياة. ال يهم ما قالت العرافة �أو تقول ،املهم ما تقول �أحالمنا وهي توقظ الليل فينا ومن حولنا ،ت�ؤكد لنا وقد و�صلنا �إىل ال�شاطئ الآخر �أنه ال�شاطئ الأخري ،و�أن ال�سفن وراءنا حمرتقة ،ف�إما معاقرة التجربة اجلديدة� ،أي الالعودة� ،أو املوت غرق ًا. ال نية على العودة ،لكن العودة �إىل الأماكن القدمية ذهاب �إىل التجربة من بابها الوا�سع ،مما يحقق مفهوم الالعودة� ،أي االنقطاع عن املا�ضي ال بالرتويج للقطيعة، و�إمنا بتكرار املحاولة.
يصدر كل شهر ويوزع مجاناً مع مجلة تراث
العدد المقبل
«رسائل البشرى في السياحة بألمانيا وسويسرا »1889 رحلة عربي من برلني �إىل برلني للكاتب ح�سن توفيق العدل. حررها وقدّم لها نوري اجلراح.
يــــة
هــد مع
راث
جملة ت
صدر ضمن سلسلة كتاب تراث:
()7
()6
الت ة
يجي
ترات
اس
كرمي ال يف قراآنه ره يف تي�سري ذك � تيعاب ل عانيه وا�س ةً من م كب �ير بها ك� اتها، اهتمام من رواي ها كلٌّ ت ها والتثبُّ ج لها اأو ب للغ�ي جا ل والحت خذ منها ا عت�سد ها يه زعه؛ فات ذهبه ،وا رجيح من مل هه و ه أاو حجة كام أاو يف ت �هها س وج لى قاعدت باط الأح ببع� كانت م و تن ه يف ا�س �سل املتكل ب غريه ،للغ�ي فقي ر ،وت� َّ د مذه حليل ا على آاخ أو يف ر ي الت هبه ا ذلك ه م �جيه بات مذ ا اإىل يف الت نيها، هات يف اإث م جمي ًع ها. عا و�سيلته لعنا�سر ذه الجتا ث يف م على ح ة ي والنح� خال ه عني بالب ة امل �رتت �ب � جلزري ن ي وبزغ م خ �ر ك��ان ُ ال�ب�اغ�ي� ها ابن ا وج ًها عل اجت��اهٌ آا الأوج� � �ه ا ،حتى ج 911ه�) رمي. ك س وت�ل� ُّم��� واختافه �طي (ت القر آان ال ي ب َّثها سي يف تغايرها ه�) وال� لباغي اغية الت راءات لب ا 8 (ت 32الإعجاز ظ�اهر ا جيههم للق على ف �ه ال من وج تاب يتتبع عر�س ت� ثم ال�ق� وبيان سة م هذا الك �سلف يف ر�سدها؛ حتليلها ،أثرها دخل و أاو تا و ال ا أ ا، علما ُء وغريه رة اإليها ال�س حركة �اترة الإ�سا غي اخل ب يف ملت يف ملنا�س ا ا رائقهم حث الب عها ا �ق ط لب أثرها يف ا ع بذلك م دها. جتدي ق ا ه؛ حتى ت اغة و ب سيل الب �
غي ِ ُه البَال نِي َّ ْة ي ُقرْآ ال َّتو ِج ت ال َءا ِ ِقرَا لِل
أوي
ل ال ـدال لي
حمد
رحان
ثم �س
هي
د� .أ
ت
دارا اإ�ش 2 0 1 2
�سعد
حممد
�سعد
اليمن ،1929انطباعات ومشاهدات البعثة السوفيتية األملانية السينامئية ،ترجمة د .سعيد دبعي تعدد الرواية يف الشعر الجاهيل ،د .أمين بكر ذاكرة الطني ،شواهد من الرتاث املعامري والعسكري يف مدينة العني ،د .محمد فاتح صالح زعل حكمة األجداد يف تراث مجتمع اإلمارات، دراسة سوسيولوجية يف األمثال الشعبية ،د .أحمد محمود الخليل تأريخ القدامى للشعر إىل نهاية القرن الرابع مدونة املرزباين أمنوذجاً ،د .محمد حبيبي اسرتاتيجية التأويل الداليل عند املعتزلة الدكتور هيثم رسحان التوجيه البالغي للقراءات القرآنية ،د .أحمد سعد محمد سعد