turath_157

Page 1

‫الإبل‪..‬‬ ‫�سفائن البدو‬ ‫ومهور احلرائر‬ ‫تراثية ثقافية منوعة ت�صدر عن نادي تــــــــــــــــراث الإمـارات العـدد ‪ 157‬نوفمرب ‪2012‬‬

‫ارتياد اآلفاق‪..‬‬

‫م�ساهدات يف حم�ص وحماة‬ ‫وحلب ‪1910‬م‬

‫المحكي شعر ًا‬

‫قراءة يف مدار�ص ال�سعر النبطي‬ ‫يف الإمارات‬

‫ألسنة عربية‬

‫اأول قامو�ص للمفردات الدخيلة‬ ‫على اللهجة املحلية‬

‫جميلة فالّح‪:‬‬

‫تدوين الرتاث رهان ح�ساري‬

‫مع العدد‬ ‫كتاب‬ ‫الشهري‬

‫?‬

‫باعة كتب ‪..‬‬ ‫أم عشاق‬



‫صوت من المستقبل‬ ‫هناك من يرى أن األديان تنزع بطبعها إىل السياسة‪ ،‬من منطلق انطوائها‬ ‫على تصور متكامل للحياة‪ ،‬لكن خربة التفاعل بني معطيات الواقع‬ ‫ونصوص األديان معًا جتعل من الضروري التفرقة بني أمرين يف هذا‬ ‫املضمار‪ ،‬األول هو «تديني السياسة»‪ ،‬والثاين هو «تسييس الدين»‪.‬‬ ‫فاألول يبدو مقبوالً‪ ،‬إذ أن وضع إطار قيمي أخالقي ينبع من الدين أو‬ ‫حتى من التقاليد أو األعراف احلميدة السائدة‪ ،‬من أجل تهذيب حركة‬ ‫السياسة‪ ،‬وإبعادها عن التوسل بالتالعب واخملاتلة واخلديعة‪ ،‬كان‪ ،‬وال‬ ‫يزال‪ ،‬مطلبًا‪ ،‬جتاهد الفلسفة السياسية يف سبيل بلوغه‪.‬‬ ‫أما الثاين «تسييس الدين» فيجب رفضه على اإلطالق‪ ،‬فإضفاء صفة الدين‬ ‫على ممارسات سياسية‪ ،‬يضر بالدين والسياسة معًا‪ ،‬ألنه ينتج يف نهاية‬ ‫املطاف ألوانًا سياسية متعددة من التالعب امللفوظ مبصالح الناس‬ ‫وعقولهم‪ ،‬وتأويالت دينية ملفقة تضر بفقه الواقع‪ ،‬ألنها تقدم مصالح‬ ‫فئة بعينها على أنها رؤية الدين الوحيدة التي تنطوي على صواب مطلق‪.‬‬ ‫د‪ .‬عمار علي حسن‬


‫محتويات العدد‬ ‫تراثية ثقافية منوعة‬ ‫ت�صدر عن‬ ‫مركز زايد للدرا�سات والبحوث‬ ‫بنادي تراث الإمارات‬

‫اال�سـتـ�شـارة العـلـمـيــة‬

‫�أ‪ .‬د‪ .‬ح�سـن حمـمـد النابـودة‬ ‫�أ‪.‬د‪ .‬يحيى حممد حممـود‬ ‫�أ ‪ .‬حنفي جايل‬ ‫مدير التحرير‬

‫وليد عالء الدين‬ ‫�سكرتري التحرير‬

‫حممــد �سعد النمـــر‬ ‫هيئة التحرير‬

‫�شـم�سـة حـمـد الظاهـري‬ ‫فاطمة نايع املـنـ�صـوري‬ ‫املـراجـعـة والـتـدقـيـق‬

‫د‪ .‬حمـمـد فـاتــح زغـل‬ ‫املديـر الفنـي‬

‫فــواز نـاظــم‬ ‫ر�س ــوم‬

‫حـ�سـن �إدلـبـي‬ ‫حممد بريم‬ ‫�أدهم العك�ش‬ ‫الإخراج والت�صميم‬

‫�إيـنـا�س درويـ�ش‬ ‫هـاتف‪00971 2 2223000 :‬‬ ‫فـاك�س‪00971 2 6651115 :‬‬ ‫�ص‪.‬ب‪� :‬أبو ظبي ‪27765‬‬ ‫‪Email: turathmag1@gmail.com‬‬

‫مدير التحرير‬

‫‪waleedalaa@hotmail.com‬‬

‫�أبوظبي للإعالم ‪ -‬توزيع‬ ‫الرقم املجاين‪8002220 :‬‬

‫لالت�صال من اخلارج ‪00971 2 4145000 :‬‬ ‫فاك�س ‪00971 2 4145050 :‬‬ ‫‪distribution@admedia.ae‬‬

‫املر�صد‪ :‬احت�ضنت والية �صور العمانية ال�شهر الفائت‪ ،‬وعلى مدار يومني فعاليات مهرجان‬ ‫‪14‬‬ ‫الفنون ال�شعبية العمانية الثاين‪ .‬ت�ضمنت الفعاليات ندوة بحثية �شارك فيها عدد من اخلرباء‬ ‫واملخت�صني ح��ذروا من �ضياع الهوية الرتاثية للفنون ال�شعبية وطالبوا بتكثيف اجلهود من �أجل‬ ‫�إنقاذها خا�صة املو�سيقى ال�شفهية التي يفقد ممار�سوها القدرة تدريجي ًا على نقلها �إىل الأجيال‬ ‫اجلديدة بالو�سائل املعتادة‪.‬‬ ‫ملف العدد‪ :‬تعر�ض باعة الكتب القدمية «الكتبية» يف �شارع النبي دانيال بالإ�سكندرية‪ ،‬م�صر‪،‬‬ ‫‪24‬‬ ‫حلملة �إزال��ة قام بها موظفو البلدية بدعاوى التنظيم والنظافة‪ ،‬انربت جماعات املثقفني‬ ‫والكتاب للدفاع عن �شارع النبي دانيال م�ؤكدين �أنه �أحد معامل امل�شهد الثقايف امل�صري‪ ،‬مذكرين‬ ‫باخلط�أ نف�سه الذي قامت به احلكومة مع �سور الأزبكية التاريخي الذي ال يناف�سه يف تفرده الثقايف �إال‬ ‫ُ‬ ‫�ضفاف نهر ال�سني مبدينة باري�س يف فرن�سا‪.‬‬ ‫الكتاب امل�ستع َمل �أو ما ي�سميه باولو كويلهو «الكتاب امل�سافر» الذي ينتقل من يد �إىل �أخرى ومن قارئ‬ ‫�إىل �آخر‪ ،‬هو حمور ملف العدد‪ ،‬نتعقبه ون�سافر معه يف الف�ضاءات التي حتت�ضنه يف العوا�صم واملدن‬ ‫العربية الكربى‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الإ�سكندرية‪ ،‬بغداد‪ ،‬ويف دول اخلليج العربي‪ ،‬الإمارات والكويت والبحرين‬ ‫وعمان‪ ،‬وكذلك دول املغرب العربي من الدار البي�ضاء �إىل اجلزائر فتون�س وطرابل�س‪.‬‬ ‫�ساحة احل��وار ‪ :‬ت�صف الباحثة اجلزائرية جميلة ف ّالح ال�تراث ال�شفهي اجلزائري بالرثاء‬ ‫‪50‬‬ ‫والتنوع‪ ،‬وت�ؤكد �أن �سر غناه يكمن يف تعدد م�صادره وت�آلفها‪ ،‬وهي �إذ تروي يف حوارنا معها‬ ‫مالمح تفرد هذا الرتاث وت�سرد تفا�صيل جتربتها يف التنقيب عنه وحماوالت جمعه وتدوينه‪ ،‬تعلن‬ ‫خ�شيتها من املخاطر الناجتة عن عدم التعجيل يف جمعه نظر ًا لأن الرواة الذين يرحلون عن عاملنا‬ ‫ال ميكن تعوي�ضهم‪ .‬وتعرب فلاّ ح عن �أملها يف تخ�صي�ص موقع �إلكرتوين متكامل لتوثيق ورعاية كنوز‬ ‫الرتاث الالمادي ي�شمل كل منطقة من مناطق اجلزائر‪ ،‬مع و�ضع اخلطط الكفيلة بتفعيل اال�ستفادة‬ ‫من هذا الرتاث‪ .‬معربة عن �أ�سفها لكون الرتاث ال�شفهي اجلزائري العريق ما زال بال توثيق‪ ،‬مما‬ ‫ي�سمح للعابثني بالتالعب به وت�شويهه‪.‬‬ ‫ارتياد الآف��اق‪ :‬ظل الأمري حممد علي با�شا يحلم بزيارة بالد ال�شام منذ �أن تفتح وعيه على‬ ‫‪64‬‬ ‫احلياة وحدّثه التاريخ عن حملة جده �إبراهيم با�شا �إىل �سوريا‪ ،‬وتقهقر الإمرباطورية العثمانية‬ ‫العجوز �أمام جي�شه العربي الذي تخطى حدود تركيا وهدد عا�صمة الإمرباطورية بال�سقوط لوال‬ ‫تدخل الدول الأوروبية‪ .‬يف ارتياد الآفاق هذا العدد نقتطف من رحلة الأمري بع�ض ما �أورده قبل �أكرث‬ ‫من ‪ 100‬عام يف و�صف املدن ال�سورية الثالث التي يتعر�ض تراثها الآن للتخريب والدمار‪ :‬حم�ص‬ ‫وحماة وحلب‪.‬‬ ‫‪ 108‬قال الراوي‪ :‬املطوع �سعيد �سليمان املطلعي من �أوائل املطوعني الذين عا�شوا يف املنطقة ال�شرقية‬ ‫التابعة لإمارة ال�شارقة‪ ،‬ن�ش�أ وترعرع بني جبال خورفكان وخورها املعطاء‪ .‬ونقل العلم لكثريين‬ ‫من �أبناء تلك املنطقة حتى �أ�صبحوا حفظة للكتاب الكرمي‪ ،‬تعلموه و�أتقنوا تالوته وحفظوا �أحكامه‬ ‫على يديه‪ .‬هنا لقاء مع املطوع املطلعي‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬يعود تاريخه �إىل ثمانينيات القرن الفائت‪ ،‬قامت‬ ‫الباحثة ناجية الكتبي بتفريغه من �أر�شيف م�شروع جمع الرتاث ال�شفهي‪ ،‬الذي يرعاه مركز زايد‬ ‫للدرا�سات والبحوث‪ ،‬وعززته مبعلومات من ابنه‪ ،‬يو�سف بن �سليمان املطلعي‪ ،‬ومعلومات �أخرى من‬ ‫عدد من املراجع‪.‬‬ ‫‪116‬‬

‫عمران‪ :‬منذ القرن التا�سع ع�شر‪ ،‬عند نهايات الدولة العثمانية‪ ،‬ومع حركة دخول اال�ستعمار‬ ‫للعامل العربي دخل طراز جديد من العمارة �سمي بالعمارة الكولونيالية �أو اال�ست�شراقية �أو امل�ستعربة‪،‬‬ ‫خا�صة يف مدن مثل القاهرة والإ�سكندرية واجلزائر وتون�س العا�صمة و�صفاق�س واليمن وبريوت والدار‬ ‫البي�ضاء ودم�شق وحلب والرباط والقد�س‪� .‬إنها تغرتف عنا�صرها الأ�سا�سية من العمارة الأوروبية‬ ‫احلديثة لكن تط ِّعمها بعنا�صر من العمارة الإ�سالمية واملحلية‪� ،‬أو متنحها مظهر ًا حملي ًا‪ .‬الباحث‬ ‫�شاكر لعيبي ير�صد امل�شرتك بني الطرز العثمانية والكولونيالية واملحلية يف بغداد‪.‬‬


‫‪24‬‬

‫يا هال‬

‫ي‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ال‬

‫حلب الشهباء‬

‫‪58‬‬

‫‪108‬‬

‫‪138‬‬

‫سعر النسخة‬

‫الإمارات العربية املتحدة ‪ 10‬دراهم ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫‪ 10‬ري��االت ‪ -‬الكويت دينار واح��د ‪� -‬سلطنة عمان ‪ 800‬بي�سة ‪-‬‬ ‫قطر ‪ 10‬ري��االت ‪ -‬مملكة البحرين دينار واح��د ‪ -‬اليمن ‪200‬‬ ‫ري��ال ‪ -‬م�صر ‪ 5‬جنيهات ‪ -‬ال�سودان ‪ 250‬جنيهاً ‪ -‬لبنان ‪5000‬‬ ‫لرية ‪� -‬سورية ‪ 100‬لرية ‪ -‬اململكة الإردنية الها�شمية ديناران‬ ‫ العراق‪ 2500 :‬دينار ‪ -‬فل�سطني ديناران ‪ -‬اململكة املغربية ‪20‬‬‫االشتراكات‬

‫ل�ل�أف��راد داخ���ل ال��دول��ة‪ »100« :‬دره���م ‪ /‬ل�ل�أف��راد م��ن خ��ارج‬ ‫ال��دول��ة‪ »150« :‬دره��م��اً ‪ /‬للم�ؤ�س�سات داخ��ل ال��دول��ة‪»150« :‬‬ ‫درهماً ‪ /‬للم�ؤ�س�سات من خارج الدولة‪ »200« :‬درهم‪.‬‬

‫قبل �أك�ثر م��ن مائة ع��ام و�صف الأم�ي�ر حممد علي با�شا‪ ،‬يف‬ ‫رحلته ال�شامية ال�شهرية‪ ،‬مدينة حلب‪ ،‬قائ ًال‪ ...« :‬وهي مبا‬ ‫ح��وت م��ن جمال اجل � ّو وح�سن البقعة وج��ودة ال�ه��واء جديرة‬ ‫بالذكر والإطراء»‪.‬‬ ‫وي�سرد حممد علي با�شا يف كتابه عدد ًا من امل�صائب والنوازل‬ ‫ال�ت��ي �أ��ص��اب��ت مدينة ح�ل��ب‪�� ،‬س��واء �أك��ان��ت طبيعية ك��ال��زالزل‬ ‫واحل��رائ��ق امل��دم��رة‪� ،‬أو اع��ت��داءات غا�شمة �أ��ش�ه��ره��ا غ��زوة‬ ‫تيمورلنك ال��ذي خرب املدينة عام ‪1400‬م‪� .‬إال �أن��ه ي�ؤكد بعد‬ ‫ذل��ك �أن حلب ا�ستطاعت‪ ،‬على الرغم من ك� ّل ه��ذه احل��وادث‬ ‫املتك ّررة وامل�صائب املتتابعة‪� ،‬أن تقوم من وهدتها ال ّمة �شعثها‬ ‫رافعة ر�أ�سها حافظة لكيانها ومكانها‪.‬‬ ‫يف معر�ض تعليقه على ما تتعر�ض له �آثار مدينة حلب من دمار‬ ‫وتخريب‪ ،‬حتدث أ�ح��د املعنيني الأوربيني بالرتاث العاملي �إىل‬ ‫و�سائل الإع�لام‪ ،‬م��ردد ًا‪« :‬ل��و كانت �أورب��ا متتلك مدينة بربع‬ ‫م��ؤه�لات «ح�ل��ب» ال�سورية‪ ،‬جلعلت منها املدينة الأوىل على‬ ‫قائمة ال�سياحة والثقافة والفنون يف العامل‪ ،‬وحل ّولتها –لي�س‬ ‫فقط‪� -‬إىل مركز ثقايف وتراثي عاملي ي�ضم �شواهد من �شتى‬ ‫ح�ضارات العامل‪ ،‬بل جلعلت منها – باملعنى االقت�صادي‪� -‬أهم‬ ‫و�أكرب م�صادر الدخل يف ميزانيتها»‪.‬‬ ‫تعد حلب �إح��دى �أق��دم امل��دن امل�أهولة يف العامل‪ ،‬فهي م�أهولة‬ ‫منذ ما ال يقل عن �أربعة �آالف عام‪ ،‬كانت حينها عا�صمة ململكة‬ ‫ميحا�ض الأمورية‪ ،‬وتعاقبت عليها بعد ذلك ح�ضاراتٌ عدة مثل‬ ‫احلثية والآرامية والآ�شورية والفار�سية والهيلينية والرومانية‬ ‫والبيزنطية ثم الإ�سالمية‪ .‬ويف الع�صر العبا�سي برزت حلب‬ ‫كعا�صمة للدولة احلمدانية‪.‬‬ ‫يف الع�صر العثماين تنامت �أهمية حلب حتى �صارت ثالث �أهم‬ ‫مدينة يف الإمرباطورية العثمانية بعد الأ�ستانة والقاهرة‪ .‬لكن‬ ‫مكانتها ب��د�أت بالرتاجع بعد انهيار الدولة العثمانية‪ ،‬ب�سبب‬ ‫انف�صال حلب عن الأنا�ضول الذي كان يعتمد اقت�صادها على‬ ‫التجارة مع مدنه‪ ،‬خا�صة املدن التي كانت تابعة لوالية حلب‬ ‫تاريخي ًا كعينتاب ومرع�ش و�أ�ضنة ومر�سني‪ ،‬والتي �ضمها كمال‬ ‫�أتاتورك �إىل تركيا يف مطلع الع�شرينيات من القرن الفائت‪،‬‬ ‫و�أدت هذه القطيعة �إىل ك�ساد وتدهور كبري يف اقت�صاد حلب‪.‬‬ ‫كما �أن انف�صال �سوريا عن العراق بفعل اتفاقية �سايك�س بيكو‬ ‫�أ�ساء �أي�ض ًا �إىل جتارة حلب‪ .‬وتفاقم تدهور االقت�صاد احللبي‬ ‫�أك�ثر بعد ا�ستيالء �أت��ات��ورك على ميناء حلب الأ�سا�سي‪ ،‬لواء‬ ‫الإ�سكندرون يف �أواخر الثالثينيات‪ .‬وعلى الرغم من كل تلك‬ ‫الأحداث ظلت حلب والريف املحيط بها م�صدر ًا ملعظم الناجت‬

‫«تراث»‬


‫‪6‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمرب‬ ‫‪2012‬‬

‫تضمنت أنشطة ثقافية وفنية ورياضية‬

‫القافلة الرتاثية تن�شر الوعي الثقايف املحلي‬ ‫يف جزيرة يا�س‬ ‫جزيرة يا�س ‪ - ‬تراث‬

‫‪ ‬ا�ست�ضافت ق��اع��ة «دو» بجزيرة يا�س‬ ‫ب�أبوظبي ال�شهر الفائت فعاليات» القافلة‬ ‫الرتاثية»‪ ،‬التي‪ ‬ت�ضمنت �أن�شطة تراثية‬ ‫وثقافية وفنية وريا�ضية نفذتها طالبات‬ ‫مركز �أبوظبي‪ ‬الن�سائي‪ ،‬مب�شاركة مركز‬ ‫ال��وث�ب��ة‪ ،‬وامل���ش�غ��ل الن�سائي بال�سمحة‬ ‫التابعة لنادي تراث الإم��ارات‪ ،‬بح�ضور‬ ‫فاطمة التميمي رئي�سة ق�سم الأن�شطة‬ ‫الن�سائية‪ ،‬ومنى غريب القمزي مديرة‬ ‫م��رك��ز �أب��وظ�ب��ي ال�ن���س��ائ��ي‪ ،‬وم�شرفات‬

‫وم�شرفني من املراكز امل�شاركة‪.‬‬ ‫‪ ‬وقالت فاطمة التميمي‪ :‬ي�أتي انطالق‬ ‫ف �ع��ال �ي��ة» ال �ق��اف �ل��ة ال�تراث �ي��ة» ب�ج��زي��رة‬ ‫ي��ا���س ويف‪ ‬الأم��اك��ن ال�ع��ام��ة ب�شكل عام‬ ‫وامل�ت�ن��زه��ات ب�شكل خ��ا���ص‪ ،‬ان�سجام ًا‬ ‫مع ر�سالة النادي وجهوده التي حتظى‬ ‫بدعم مو�صول ورع��اي��ة دائمة من لدن‬ ‫�سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان‬ ‫مم�ث��ل ��ص��اح��ب ال���س�م��و رئ�ي����س ال��دول��ة‬ ‫رئ�ي����س ن ��ادي ت ��راث الإم � ��ارات‪� ،‬ضمن‬

‫�إ�سرتاتيجية النادي للو�صول �إىل كافة‬ ‫�شرائح املجتمع‪ ،‬بهدف املحافظة على‬ ‫الرتاث الوطني ون�شره بني اجلميع‪.‬‬ ‫‪ ‬م ��ن ج��ان �ب �ه��ا �أ�� �ش���ارت م �ن��ى غ��ري��ب‬ ‫القمزي �إىل �أن‪ ‬انطالق ّ برنامج القافلة‬ ‫الرتاثية‪ ‬يف �سوق جممعات الدار بجزيرة‬ ‫ي��ا���س‪ ،‬ي�ه��دف �إىل ن�شر �أه ��داف ن��ادي‬ ‫تراث اﻻمارات الرامية للتعريف برتاث‬ ‫ال��دول��ة‪ ،‬وال�ستمرارية امل��وروث الرتاثي‬ ‫لآبائنا و�أج��دادن��ا‪ ،‬وك��ذل��ك ا�ستقطاب‬


‫ال�ط��ال�ب��ات امل��واط �ن��ات لأن���ش�ط��ة مركز‬ ‫�أبوظبي الن�سائي‪ ،‬ولتعزيز امل�س�ؤولية‬ ‫اﻻجتماعية‪ ،‬وال�ت�ع��اون وامل���ش��ارك��ة مع‬ ‫اجلهات وامل�ؤ�س�سات الأخ��رى مبا يفيد‬ ‫وي �ن �ف��ع املجتمع‪ ‬املحلي وي �ب�رز ت��راث‬ ‫الإمارات لل�س ّياح ولزوار الدولة‪.‬‬ ‫‪ ‬و�أ�ضافت القمزي‪� :‬إنّ برنامج» القافلة‬ ‫ال�تراث �ي��ة» ال��ذي ن�ف��ذن��اه ت�ضمن ع��دد ًا‬ ‫م��ن ال�ف�ع��ال�ي��ات ذات ال�ط��اب��ع ال�تراث��ي‬ ‫املحلي للدولة‪� ،‬إذ ا�شتمل على اخليمة‬ ‫ال�تراث �ي��ة‪ ،‬وتقدمي‪ ‬ال�ضيافة العربية‪،‬‬ ‫وتنظيم معر�ض جم�سمات حول احلياة‬ ‫قدمي ًا يف‪ ‬الإم ��ارات‪ ،‬ف�ض ًال عن عر�ض‬ ‫ح � ّ�ي ل�ل�م���ش�غ��والت ال�ن���س��ائ�ي��ة ال�ق��دمي��ة‬ ‫مثل‪« :‬التلي‪ ،‬اخلو�ص واملغزل»‪ ،‬ونق�ش‬ ‫حي لل�صقارة‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫احلناء‪ ،‬وعر�ض ّ‬ ‫�إىل ت �ن �ظ �ي��م ور�� �ش ��ة خ��ا� �ص��ة ل�ت�ل��وي��ن‬ ‫ال��ر��س��وم��ات ال�تراث�ي��ة‪ ،‬و�إق��ام��ة معر�ض‬ ‫�صور لإدارة الأن�شطة‪ ،‬وركن للم�شغوالت‬ ‫والأك �� �س �� �س��وارت احل��دي �ث��ة با�ستخدام‬ ‫اخل��و���ص وال��ت��ل��ي‪ ،‬وف �ع��ال �ي��ة الأل��ع��اب‬ ‫ال�شعبية الرتاثية للبنات‪ ،‬والت�صوير‬ ‫�زي الإم��ارات��ي‪ ،‬و�صاحب ذل��ك كله‬ ‫ب��ال� ّ‬ ‫�إع���داد ع�� ّدة �أرك���ان منها‪ :‬رك��ن للبيع‬ ‫وال���ش��راء‪ ،‬ول�ل�أل�ع��اب والأط �ف��ال‪ ،‬ولبيع‬ ‫الأكالت‪ ،‬وللعرو�ض ال�سياحية‪.‬‬

‫الكبرية‪.‬‬ ‫وق��د كانت فعاليات» القافلة الرتاثية»‬ ‫ب� � � ��د�أت م� ��ع ت� �ق���دمي ع� ��رو�� ��ض ل �ع��دد‬ ‫من‪ ‬املج�سمات نفذتها موزة العبيديل‪،‬‬ ‫م�شرفة الأ�شغال اليدوية‪ ،‬حيث عر�ضت‬ ‫للجمهور جم�سمات مل �ف��ردات اال�ع�لاج‬ ‫ب��ال�ط��ب ال�شعبي‪ ،‬وال �ط �ب��خ‪ ،‬وال�سقي‪،‬‬ ‫و�أداة ّ‬ ‫خل�ض احلليب‪ ،‬و�أخرى للمك�سار‪،‬‬ ‫وع��ر���ض ل��زه�ب��ة ال �ع��رو���س يف امل��ا��ض��ي‪،‬‬ ‫�ضمت الطا�سة‪ ،‬ال�شيلة‪ ،‬العطور‪ ،‬ا ُ‬ ‫حل ّلي‬ ‫والزينة‪ ،‬واملالب�س‪ ،‬ف�ض ًال عن جم�سمات‬ ‫ل�ل�أل �ع��اب ال�شعبية للبنني وال �ب �ن��ات‪،‬‬ ‫ولأدوات �صيد ال�سمك‪ ،‬ولطحن احلبوب‬ ‫«ال� � َر َح ��ى»‪ ،‬وط �ح��ن ال�ق�ه��وة باملنحاز‪،‬‬ ‫واخلياطة على «الكرخانة» املكينة‪ ،‬للتلي‬ ‫واخلو�ص‪.‬‬ ‫‪ ‬ك� �م ��ا ا���ش��ت��م��ل��ت‪ ‬ال��ف��ع��ال��ي��ات ع �ل��ى‬ ‫ركن‪ ‬للح ّناء‪ ،‬ن�ف��ذت��ه حليمة ع��و���ض‪،‬‬ ‫ومنى جا�سم املال‪ ،‬حيث �أقبلت الن�ساء‬ ‫والأط�ف��ال من خمتلف اجلن�سيات على‬ ‫نق�ش احل� ّن��اء على �أي��دي�ه��ن‪ ،‬كما �أف��رد‬ ‫ركن �آخر للت�صوير �أ�شرفت عليه �سارة‬ ‫ال�سعيدي ومنى احلو�سني اللتان �أ�شرفتا‬ ‫على م�ساعدة وت�صوير الزوار الأجانب‬ ‫الزي‬ ‫من الرجال والن�ساء على ارت��داء ّ‬ ‫الإماراتي اللتقاط ال�صور التذكارية‪.‬‬

‫خيمة تراثية‪ ‬‬ ‫فعاليات متنوعة‬ ‫نقطة‬ ‫للنادي‬ ‫الرتاثية‬ ‫و�شكلت اخليمة‬ ‫‪ ‬كما خ�ص�ص جناح للجمهور لتعريفهم‬ ‫جذب للجمهور و�سط القاعة املخ�ص�صة بن�شاطات وبرامج و�إ� �ص��دارات النادي‬ ‫للقافلة الرتاثية ولبقية امل�شاركني يف و�إدارة الأن �� �ش �ط��ة ع�ل��ى م ��دار ال �ع��ام‪،‬‬ ‫��س��وق جم�م�ع��ات ال ��دار ب�ج��زي��رة ي��ا���س‪،‬‬ ‫حيث �ضمت املجل�س‪ ،‬و�أم�ه��ات امل�شغل‬ ‫الن�سائي وهُ ��نّ ي�صنعن ب�أيديهن التلي استراتيجية نادي‬ ‫وال� �غ ��زل‪� ،‬إ� �ض��اف��ة �إىل ت �ق��دمي واج��ب تراث اإلمارات تتضمن‬ ‫ال���ض�ي��اف��ة م��ن ال�ل�ق�ي�م��ات‪ ،‬وال�ل��وب�ي��اء‪ ،‬الوصول إلى كافة‬ ‫واحللويات والفواكه وال�شاي والقهوة شرائح المجتمع بهدف‬ ‫العربية للجمهور الذي توافد بكثافة‬ ‫على المحافظة على التراث‬ ‫جناح النادي و�سط القاعة ومعرو�ضاتها‬

‫الوطني ونشره بين‬ ‫الجميع‬

‫�أ�شرفت عليه جميلة امل��زروع��ي‪ ،‬بينما‬ ‫ك��ان جلناح رك��ن الأط�ف��ال �إقبال وا�سع‬ ‫من الأط�ف��ال‪ ،‬ملزاولة الألعاب البيئية‪،‬‬ ‫والر�سم والتلوين والنق�ش باحل ّناء‪� .‬أما‬ ‫فقرة الأل�ع��اب ال�شعبية‪ ،‬فقدمت فيها‬ ‫ط��ال �ب��ات م��رك��ز �أب� ��و ظ �ب��ي ال�ن���س��ائ��ي‬ ‫جم�م��وع��ة �أل �ع��اب‪ ‬م �ث��ل‪ :‬اجل �ي ����س‪ ،‬ن� ّ�ط‬ ‫احلبل‪ ،‬واملريحانة‪ ،‬و�أم العيال‪ ،‬وحلقة‬ ‫ب�ن��ت ال���ش�ي��خ‪ ،‬ال �ت��ي ن��ال��ت ا�ستح�سان‬ ‫احل�ضور‪.‬‬ ‫‪ ‬وكان مل�شاركة مركز الوثبة من خالل‬ ‫املُدربني حم ّمد علي املن�صوري و�سامل‬ ‫�سويد امل�ن���ص��وري �أث ��ره يف ا�ستقطاب‬ ‫اجلمهور �إىل جناح النادي‪ ،‬حيث توافد‬ ‫الكبار وال�صغار للتعرف على ال�صقر‪،‬‬ ‫مما‬ ‫والتقاط ال�صور التذكارية معه‪ّ ،‬‬ ‫�أ��ض�ف��ى ع�ل��ى اجل�م�ي��ع ج ��و ًا م��ن الأل �ف��ة‬ ‫والتقرب من هذا الطري اجلارح‪.‬‬ ‫‪ ‬ويف اختتام فعاليات القافلة الرتاثية‬ ‫الناجحة بكل املقايي�س‪ ،‬ق��ال��ت مرمي‬ ‫م�شاركة‪ :‬تعرفت يف‬ ‫نا�صر ‪ -‬طالبة‬ ‫ُ‬ ‫ور�شة «التلي» �إىل‪ ‬الأدوات امل�ستخدمة‬ ‫فيها وه��ي �أدوات ب�سيطة تعتمد على‬ ‫«ال�ك��اج��وج��ة» وت�ستند عليها‪ ‬الو�سادة‬ ‫املح�شوة بالقطن‪ ،‬وتثبت بالدبابي�س‬ ‫اخل �ي��وط ال�ق�ط�ن�ي��ة ال�ب�ي���ض��اء وخ�ي��وط‬ ‫من‪ ‬الف�ضة ل ُن ِحيك ِ�سوار ًا ملون ًا لأكمام‬ ‫الثوب‪ .‬فيما قالت �ضحى وغال حم ّمد ‪-‬‬ ‫�شقيقتان م�شاركتان‪� :‬أ�سعدتنا امل�شاركة‬ ‫يف القافلة الرتاثية‪ ،‬حيث مار�سنا عدة‬ ‫�أن�شطة ت��راث�ي��ة‪ ،‬ومنها ف�ق��رة الأل�ع��اب‬ ‫ال�شعبية ّ‬ ‫ونق�ش احل ّناء‪.‬‬ ‫‪ ‬وق � � ��د مت ع� ��ر�� ��ض جم� �م���وع���ة م��ن‬ ‫�إبداع‪ ‬الطالبات يعك�س ما تعلمنه من‬ ‫جم�م��وع��ة ال��ور���ش املخ�ص�صة ل�ه��ن يف‬ ‫جماالت تراثية‪ ‬جميلة تعيد �إىل نفو�سهنّ‬ ‫احلنني �صوب املا�ضي اجلميل‬


‫‪8‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمرب‬ ‫‪2012‬‬

‫ضمن فعاليات األسبوع العالمي للمدرسة البريطانية‬

‫مركز الوثبة بنادي تراث الإمارات‬ ‫ُيع ّرف برتاث الدولة‬ ‫ال�سامرائي‬ ‫الوثبة‪ -‬حم ّمد رجب‬ ‫ّ‬

‫نهيان «طيب اهلل ثراه»‪ ،‬وفيلم �آخر‬ ‫عن �صيد ال�صقور من ن��ادي تراث‬ ‫الإم��ارات‪ ،‬كما تخلل العر�ض تقدمي‬ ‫عدد من الأغاين والأهازيج ال�شعبية‬ ‫املختلفة‪.‬‬

‫���ش��ارك مركز الوثبة للبنني التابع‬ ‫ل���ن���ادي ت�����راث الإم��������ارات ال�����ش��ه��ر‬ ‫الفائت يف فعاليات الأ�سبوع العاملي‬ ‫ال��ذي نظمته امل��در���س��ة الربيطانية‬ ‫اخلا�صة ب�أبوظبي‪ ،‬وذل��ك لتعريف‬ ‫الطالب والهيئات التعليمية برتاث‬ ‫دولة الإمارات العربية املتحدة‪.‬‬ ‫هدفت المشاركة إلى‬ ‫بد�أت الفعاليات يف قاعة الإمارات تعريف الطالب وأسرهم‬ ‫بعر�ض فيلم ع��ن امل��غ��ف��ور ل��ه ب ��إذن من مختلف الجنسيات‬ ‫اهلل ال�����ش��ي��خ زاي���د ب��ن ���س��ل��ط��ان �آل‬

‫والثقافات بمفردات‬ ‫التراث الوطني العريقة‬

‫وا�شتملت الفعاليات على العديد‬ ‫م��ن الأن�����ش��ط��ة منها رك��ن املقنا�ص‬ ‫ال��ذي قدمه �سامل �سند املن�صوري‬ ‫م��ن م��رك��ز ال��وث��ب��ة ب��ال��ن��ادي ال��ذي‬ ‫ع ّرف الطالب والهيئات التدري�سية‬ ‫بطريقة م�سك ال�صقر على اليد‪،‬‬ ‫والتعريف ب ��أدوات��ه كاملخالة‪ ،‬وهي‬ ‫ال��ك��ي�����س امل�������ص���ن���وع م���ن ال��ق��ط��ن‪،‬‬ ‫وال����ذي ي��ح��ت��ف��ظ ال�����ص � ّق��ار ب��داخ��ل��ه‬ ‫مب��ا يقتن�صه م��ن �صيد‪ ،‬و«ال�برق��ع»‬


‫جانب من �أن�شطة املركز‬

‫ل��ل��ن�����س��اء وال���ب���ن���ات‪ ،‬ول�ل��أط���ف���ال‪،‬‬ ‫وق��ام��وا بارتدائها‪ ،‬و ّ‬ ‫مت توزيع عدد‬ ‫م��ن امل��ط��ب��وع��ات التعريفية ب����إدارة‬ ‫الأن�شطة يف نادي تراث الإمارات‪.‬‬ ‫وقد �أ�شرف على تنظيم هذا املعر�ض‬ ‫عدد كبري من املواطنات من �أمهات‬ ‫الطلبة الدار�سني يف هذه املدر�سة‪،‬‬ ‫من �أجل تعريف الطلبة من خمتلف‬ ‫اجل��ن�����س��ي��ات وال��ث��ق��اف��ات ب��ال�تراث‬ ‫الوطني‪ ،‬وه� ّ�ن « �أم��ل املعمري‪ ،‬والء‬ ‫���س��ل��م��ان‪ ،‬م��ن��ال احل���م���ادي‪ ،‬وه��ن��د‬ ‫خليفة ‪.‬‬ ‫وقالت �أمل املعمري‪ّ � :‬إن م�شاركتنا‬ ‫يف هذا الأ�سبوع هو لتعريف الطالب‬

‫وه��و غ��ط��اء م��ن اجل��ل��د ي��و���ض��ع على‬ ‫وجه ال�صقر‪ ،‬و«املنقلة» وهي الدرع‬ ‫الواقي لل�صقّار من خمالب ال�صقر‪،‬‬ ‫والذي به يحمله على يده‪.‬‬ ‫كما عرف ّهم املن�صوري بـ«ال�سبوق»‬ ‫وهو اخليط الذي تربط ِرجل ال�صقر‬ ‫ب�أحد طرفيه‪ ،‬ويثبت الطرف الآخر‬ ‫باملر�سل الذي يكون مربوط ًا يف الوكر‬ ‫�أو يف املنقلة‪ ،‬وع ّرفهم باملر�سل وهو‬ ‫اجلزء الثاين املكمل لإحكام القب�ض‬ ‫على ال�صقر من الوثوب �أو الهرب‪.‬‬ ‫ك��ذل��ك ت��ع � ّرف ال��ط��ل��ب��ة وال��ه��ي��ئ��ات‬ ‫التدري�سية يف املدر�سة على العديد‬ ‫من املفردات الرتاثية املحلية حيث‬ ‫�شاهدوا «امل�شب» امل��روح��ة اليدوية‬ ‫من اخلو�ص‪ ،‬و»املكب» الذي يغطون تخلل العرض عدد‬ ‫به الطعام‪ ،‬ودل��ة القهوة‪ ،‬والزبيل‪ ،‬من األغاني واألهازيج‬ ‫ً‬ ‫وال�سرود‪ ،‬و�آل��ة الربابة‪ ،‬ف�ضال عن الشعبية المختلفة‬ ‫عر�ض مناذج من الألب�سة الن�سائية‬

‫التي أثارت إعجاب‬ ‫الحضور وتفاعلهم‬

‫ومدر�سيهم بالرتاث املحلي النابع‬ ‫م��ن �أ���ص��ال��ة دول����ة الإم�������ارات‪ ،‬من‬ ‫�أجل �أن يكونوا على �إملام مبا ت�ضمه‬ ‫الإم��ارات من خمزون تراثي غني ال‬ ‫ين�ضب ‪.‬‬ ‫من جانبها قالت املعلمة» ال�سيدة‬ ‫�آ���ش��ف��ي م��ن « ب��ري��ط��ان��ي��ا»‪� :‬أعجبت‬ ‫ب��ف��ك��رة ه���ذا امل��ع��ر���ض ال���ذي نقلنا‬ ‫�إىل �أج������واء ال��ت��راث الإم����ارات����ي‪،‬‬ ‫و�أعجبت �أي�ض ًا بعر�ض ال�صقور وكل‬ ‫املعرو�ضات يف قاعة الإمارات‪ .‬بينما‬ ‫عبرّ ت» را�ضية ب�شري من « بريطانيا»‬ ‫عن اعتزازها وطالبها مبا �شاهدته‬ ‫م��ن م��ع��رو���ض��ات وم���ا ت��ع��رف��ت عليه‬ ‫خا�صة و�أن ه��ذه التجربة للنادي‬ ‫تراها جتربة فريدة وجميلة عرفتها‬ ‫واجل��م��ي��ع ب��ت�راث دول����ة الإم�����ارات‬ ‫العربية املتحدة‬


‫‪10‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمرب‬ ‫‪2012‬‬

‫مهرجان الوقن يختتم فعالياته بالعين‬

‫م�شاركة متميزة للقوافل الرتاثية لنادي تراث الإمارات‬ ‫ال�سامرائي‬ ‫العني‪ -‬حم ّمد رجب‬ ‫ّ‬

‫ال�تراث��ي يف الأم��اك��ن ال��ع��ام��ة ب�شكل‬ ‫عام واملتنزهات ب�شكل خا�ص ي�أتي‬ ‫ان�سجام ًا مع ر�سالة النادي وجهوده‬ ‫يف امل��ح��اف��ظ��ة ع��ل��ى ت����راث ال��دول��ة‬ ‫ون�شره‪ ،‬التي حتظى بدعم ورعاية‬ ‫دائ��م��ة م��ن �سمو ال�شيخ �سلطان بن‬ ‫زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو‬ ‫رئ��ي�����س ال��دول��ة رئ��ي�����س ن���ادي ت��راث‬ ‫الإمارات �ضمن �إ�سرتاتيجية النادي‬ ‫م��ن �أج���ل ال��و���ص��ول �إىل ك��اف��ة �أب��ن��اء‬ ‫املجتمع‪.‬‬

‫اختتم نادي تراث الإمارات م�شاركته‬ ‫بالقافلة ال�تراث��ي��ة �ضمن مهرجان‬ ‫ال��وق��ن ال�تراث��ي الأول مبدينة العني‬ ‫الذي انطلقت فعالياته يف الثامن من‬ ‫ال�شهر الفائت وا�ستمرت ملدة ثالثة‬ ‫�أيام‪ ،‬ونظمه قطاع خدمات املناطق‪-‬‬ ‫القطاع اجلنوبي لبلدية مدينة العني‬ ‫مب�شاركة ع��دد م��ن امل�ؤ�س�سات‪� ،‬إذ‬ ‫مثل النادي يف املهرجان مركز العني‬ ‫التابع له‪ ،‬من خالل تقدمي فعاليات‬ ‫وع��رو���ض تراثية وثقافية نابعة من‬ ‫الرتاث املحلي للدولة‪.‬‬ ‫وق����ال ���س��ع��ي��د ع��ل��ي امل��ن��اع��ي م��دي��ر النعيمي‪ :‬ركزنا على‬ ‫�إدارة الأن�شطة بالإنابة يف النادي‬ ‫الوقن تعريف الجمهور برياضة‬ ‫� ّإن م�شاركتنا يف م��ه��رج��ان‬

‫الصقارة وتراثها حيث‬ ‫أننا في موسم الصقور‬

‫و�أ�ضاف املناعي �إن م�شاركة القافلة‬ ‫الرتاثية يف مهرجان الوقن تهدف‬ ‫�إىل خ���دم���ة �أه������داف ن����ادي ت���راث‬ ‫الإم���ارات الرامية للتعريف ب�تراث‬ ‫الدولة وال�ستمرارية املوروث لآبائنا‬ ‫و�أج��دادن��ا‪ ،‬والتعاون وامل�شاركة مع‬ ‫اجل��ه��ات وامل��ؤ���س�����س��ات الأخ����رى مبا‬ ‫يفيد وينفع املجتمع املحلي وي�برز‬ ‫ت����راث الإم������ارات ل��ل�����س� ّي��اح ول����زوار‬ ‫الدولة‪.‬‬ ‫من جهته �أ�شار علي حممد النعيمي‬ ‫مدير مركز العني التابع للنادي �إىل‬ ‫�أن م�شاركة املركز يف هذا املهرجان‬ ‫متثلت يف تنظيم فعاليات للقافلة‬ ‫ال�تراث��ي��ة ال��ت��ي ح��ط��ت رح��ال��ه��ا يف‬


‫منطقة الوقن‪ ،‬وقال‪ :‬قدمنا للجمهور‬ ‫ال��ع��دي��د م���ن ال�ب�رام���ج والأن�����ش��ط��ة‬ ‫ذات الطابع الرتاثي الثقايف‪ ،‬حيث‬ ‫�أع��ددن��ا ب��ي��ت� ًا لل�شَ َعر ���ض��م املجل�س‬ ‫مع تقدمي واج��ب ال�ضيافة العربية‬ ‫للزوار كافة‪ ،‬كما قدم طالب املركز‬ ‫�أل��ع��اب � ًا �شعبية حم��ل��ي��ة‪ ،‬ف�����ض� ً‬ ‫لا عن‬ ‫ف��ق��رات م��ن احل��رب��ي��ة‪� ،‬إىل ج��ان��ب‬ ‫�إق���ام���ة م��ع��ر���ض ����ص���ور ي��ح��ك��ي عن‬ ‫فعاليات ومهرجانات �إدارة الأن�شطة‬ ‫ومراكزها للبنني والبنات‪ ،‬ومطويات‬ ‫خمتلفة تو�ضح �أبرز تلك الفعاليات‬ ‫التعريفية بالنادي و�أن�شطته الرتاثية‬ ‫والثقافية املختلفة‪.‬‬

‫ع��ل��ى ال���ي���د‪ ،‬ح��ي��ث �أن���ن���ا يف م��و���س��م‬ ‫ال�����ص��ق��ور‪ ،‬وق���ام ط�لاب امل��رك��ز من‬ ‫خ�ل�ال ف��ع��ال��ي��ات ال��ق��اف��ل��ة ال�تراث��ي��ة‬ ‫ب��ت��وزي��ع ه��داي��ا عينية وم��ط��ب��وع��ات‬ ‫ع���دي���دة ع��ل��ى احل�����ض��ور‪ ،‬ك��م��ا متت‬ ‫دعوة �أبناء منطقة الوقن للم�شاركة‬ ‫يف �أن�شطة مركزنا من خالل تنظيم‬ ‫زي������ارات �إىل ج���زي���رة ال�����س��م��ال��ي��ة‬ ‫ل�ل��إط�ل�اع ع��ل��ى م��ع��امل��ه��ا كمحمية‬ ‫طبيعية وبيئية �ساحرة ت�ضم العديد‬ ‫من الفعاليات والأن�شطة الرتاثية‪،‬‬ ‫وكذلك زيارة القرية الرتاثية التابعة‬ ‫ل��ل��ن��ادي يف منطقة ك��ا���س��ر الأم���واج‬ ‫ب�أبوظبي للتعرف على �أرجائها التي‬ ‫حت��ك��ي ل��ل��زائ��ري��ن تفا�صيل احل��ي��اة‬

‫ا�ستعرا�ض ال�صقارة‬ ‫و�أ�ضاف النعيمي‪ :‬و�شملت م�شاركتنا المناعي‪ :‬مشاركتنا في‬ ‫املتميزة يف مهرجان الوقن الرتاثي مهرجان الوقن التراثي‬ ‫ا�ستعرا�ض طالبنا لل�صقارة‬ ‫وتعريف تأتي ضمن جهود‬ ‫اجلمهور بال�صقور و�إمكانية حملها‬

‫النادي في المحافظة‬ ‫على تراث الدولة ونشره‬

‫اليومية للإن�سان الإماراتي قدمي ًا‪،‬‬ ‫ولزيارة قرية بوذيب العاملية للقدرة‬ ‫ل�ل��إط�ل�اع ع��ل��ي��ه��ا وال���ت���دري���ب على‬ ‫ريا�ضة الفرو�سية‪.‬‬ ‫واختتم النعيمي ت�صريحه قائال‪ً:‬‬ ‫� ّإن م�شاركتنا يف القافلة الرتاثية‬ ‫ل��ل��ن��ادي ال��ي��وم يف م��ه��رج��ان ال��وق��ن‬ ‫ال�تراث��ي‪ ،‬ي ��أت��ي ا���س��ت��م��رار ًا لتنظيم‬ ‫النادي لها‪ ،‬ولتحقيق م�شاركة فاعلة‬ ‫خل��دم��ة ���ش��رائ��ح املجتمع املحلي يف‬ ‫الدولة ونقله من مراكز النادي �إىل‬ ‫خ��ارج��ه��ا لتعريف ال��ن��ا���س بالكنوز‬ ‫الرتاثية التي يجب علينا املحافظة‬ ‫عليها خ�شية االن���دث���ار وال�����ض��ي��اع‪،‬‬ ‫علم ًا ب� ّأن النادي كان قد �أطلق �أوىل‬ ‫رحالت م�شروع القوافل الرتاثية يف‬ ‫العام املا�ضي لن�شر ال�تراث املحلي‬ ‫بني كافة �أبناء �إمارات الدولة‪ ،‬ونالت‬ ‫ا�ستح�سان املواطنني واملقيمني التي‬ ‫عرفتهم بالرتاث اخلالد للدولة‬


‫ ‬

‫‪12‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نو فمرب‬ ‫‪2012‬‬

‫ ‬

‫عبق‬ ‫عبق‬

‫الفتى‬ ‫الحلبي‬ ‫يغتال‬ ‫الجنرال‬

‫يقولون‬

‫واهلل �أعلم‪ :‬ب�أن �أبي‬ ‫الأن �ب �ي��اء �إب��راه �ي��م‬ ‫ع�ل�ي��ه ال �� �س�لام ق��د خ �ي��م يف م��و��ض��ع‬ ‫احل�صن‪ ،‬و�سط مدينة حلب‪ ،‬وذلك‬ ‫قبل الزمان بزمان‪ ،‬وكان عنده بقرة‬ ‫م �ب��ارك��ة‪�� ،‬ش�ه�ب��اء ال �ل��ون‪ ،‬ك��ان كلما‬ ‫حلبها‪ ،‬ودر لبنها الوفري‪ ،‬وزعه على‬ ‫الفقراء‪ ،‬فكانوا يت�صايحون فرحني‪:‬‬ ‫حلب «ال�شهباء»‪ ،‬من هنا كان اال�سم‬ ‫املبارك‪.‬‬ ‫م��دي �ن��ة ق ��دمي ��ة‪ ،‬ق �ب��ل ع���اد وث��م��ود‪،‬‬ ‫ت���س�ك��ن يف ال��زم��ن وال ��ذاك ��رة‪ ،‬ول�ه��ا‬ ‫من احلكايات ما يفي�ض وتزدحم به‬ ‫ليايل الرواية والق�ص‪.‬‬ ‫�ألقى بها الوقت يف طريق الأجنا�س‬ ‫والأمم ‪ :‬فر�س ويونان ورومان وعرب‬ ‫�أجاويد‪ ،‬و�آثارها ت�شهد عليها‪� :‬أطلقوا‬ ‫عليها‪ :‬ال�شهباء‪ ،‬والفيحاء‪ ،‬وذكرها‬ ‫الكثريون بالرواية �أحيان ًا‪ ،‬وبال�شعر‬ ‫�أحيان ًا ‪.‬‬ ‫قال عنها البحرتي‪:‬‬ ‫�أر�ض اذا ا�ستوح�شتكم بتذكر‬ ‫ح�����ش��دت ع��ل��ي ف����أك�ث�رت �إي��ن��ا���س��ي‬

‫م��دي�ن��ة للمقاومني ع�بر ال�ع���ص��ور ‪..‬‬ ‫تدفع برجالها لل�ساحة‪ ،‬ولها يف ذلك‬ ‫ت��واري��خ ووق��ائ��ع ال ت�ن���س��ى ‪ ...‬زم��ن‬ ‫ح��رب ال���ص�ل�ي��ب ح�ي��ث م��دت �صالح‬ ‫�سعيد الكفراوي الدين بالأجناد املدافعني‪ ،‬والرجال‬ ‫�أ�صحاب العقل الراجح !!‬ ‫حلب الآن تتوج بال�شهادة‪ ،‬والدفاع‬ ‫عن الوطن جمللة بالدم واملوت!!‬ ‫ه��ي ح �ل��ب ال �ت��ي خ ��رج م�ن�ه��ا الفتى‬ ‫احللبي ‪ ...‬الفتى الذي ترك يف تاريخ‬

‫الن�ضال ال�ع��رب��ي ع�لام��ة ال تنمحي‪،‬‬ ‫وذكرى للعاملني !!‬ ‫ا�سمه �سليمان ون�س احللبي ‪ ...‬ولد يف‬ ‫العام ‪ ،‬بنواحي البيا�ضية من املدينة‬ ‫‪...‬تعلم القراءة والكتابة‪ ،‬وبع�ضا من‬ ‫علوم الدين‪ ،‬وارتبط مبكان ولد فيه‪،‬‬ ‫و�أم��ة ينتمي �إليها‪ ،‬وك��ان يبحث منذ‬ ‫�إدراك��ه عن جمال�س العلم والعلماء‪،‬‬ ‫وي�صاحبهم‪.‬‬ ‫ك ��ان ي �ع��رف ت ��اري ��خ ح �ل��ب‪ ،‬وي �ع��رف‬ ‫ان �ه��ا ت �� �ص��دت حل �م�لات ال�صليبني‬ ‫ت �ل��ك احل��م�ل�ات ال �ت��ي ك��ان��ت ت�سعي‬ ‫لال�ستغالل وال�سيطرة بحجة الدفاع‬ ‫عن الأر�ض املقد�سة‪ ،‬ودين امل�سيح‪.‬‬ ‫ظل �سليمان احللبي منذ اول �شبابه‬ ‫ي�صغي ل�صوت بداخله كانه النذير‪،‬‬ ‫�صوت ي�أتيه يف ال�صحو‪ ،‬ويف املنام‪،‬‬ ‫ك ��ان ال �� �ص��وت ي�ن�ب�ه��ه ل���ش��ئ غام�ض‬ ‫ينبع م��ن ه�ن��اك‪ ،‬م��ن �ساحة الأزه��ر‬ ‫ال�����ش��ري��ف‪ ،‬ح �ي��ث رواق ال�����ش��وام‪،‬‬ ‫والدار�سني وكان ينتظر العائدين من‬ ‫م�صر‪ ،‬ي�س�ألهم ع��ن الأح ��وال‪ ،‬وعن‬ ‫مظامل الفرن�سي�س بالنا�س‪ ،‬وعندما‬ ‫كانوا يجيبونه‪ ،‬ويطلعونه على دفرت‬ ‫�أح � ��وال ال ��وط ��ن‪ ،‬ك ��ان ي �ل��وذ بحلمه‬ ‫وفكره‪ ،‬وانتظار الفر�ص !!‬ ‫ظ ��ل ي �� �س��اع��د وال � ��ده ت��اج��ر ال���س�م��ن‬ ‫والزيت‪ ،‬الذي تعر�ض لظلم الراعي‬ ‫الرتكي‪ ،‬وا�ضطهاد �أجنادهم‪ ،‬ه�ؤالء‬ ‫احل�ك��ام ال��ذي��ن ف��ر��ض��وا على ال��وال��د‬ ‫ال�ضرائب‪ ،‬و أ�ن��ذروه �إن مل ي�سدد ما‬ ‫عليه �سوف يزجون به يف ال�سجن‪.‬‬ ‫ظ� �ل ��وا ي��ب��ت��زون � �س �ل �ي �م��ان ووال� � ��ده‪،‬‬ ‫ويحا�صرونهما بالتهديد والوعيد ‪.‬‬


‫�سعى �سليمان ملقابلة الراعي الرتكي‬ ‫طالب ًا الر�أفة بوالده‪ ،‬و�إ�صدار العفو‬ ‫عنه ‪� ...‬ساومه الرتكي‪ ،‬ووعده بالعفو‬ ‫ع��ن �أب �ي��ه‪ ،‬م��ن ال�سجن وال���ض��رائ��ب‪،‬‬ ‫ووع ��ده ب ��أن يكرمه ويهيئ ل��ه فر�ص‬ ‫احل��ي��اة ل��و �أن ��س�ل�ي�م��ان واف���ق على‬ ‫اغ �ت �ي��ال � �س��اري ع�سكر الفرن�سي�س‬ ‫كليرب ‪...‬فوجئ �سليمان بطلب احلاكم‬ ‫الرتكي‪ ،‬وان�شغل بالأمر‪ ،‬مت طلب مهلة‬ ‫يراجع نف�سه ‪.‬‬ ‫اح�ت��ار �سليمان‪ ،‬وجت��اوز الأم��ر عنده‬ ‫الهاج�س �إىل فكرة ثابتة ت�شغله ‪...‬‬ ‫ما طلبه الرتكي يلتقي وقناعاته ‪...‬‬ ‫ال�ترك��ي يطلب ال�ق�ت��ل رغ�ب��ة يف ال��رد‬ ‫على هزميتهم من الفرن�سيني ‪ ...‬وهو‬ ‫يطلب القتل انتقام ًا لتجاوز اجلرنال‬ ‫يف املظامل‪ ،‬وتعاطفا مع نا�س قريبني‬ ‫من قبله‪.‬‬ ‫ك��ان نابليون ق��د ر ح��ل يف ا ل �ع��ام ‪1799‬‬ ‫بعد �أن مني بف�شل فتح عكا الع�صية‬ ‫‪ ...‬وك��ان كليرب ق��د ت��وىل حكم م�صر‪،‬‬ ‫ومار�س ا�ستبداده امتداد ًا لتاريخه يف‬ ‫القمع و�سفك الدماء‪.‬‬ ‫ج��اء �سليمان �إىل ال �ق��اه��رة‪ ،‬وكانت‬ ‫يف ذل ��ك احل�ي�ن مت ��وج ب �ك��ل ت �ي��ارات‬ ‫الفكر‪ ،‬واملذاهب الإ�سالمية تتجاور‪،‬‬ ‫و�ساحة الأزهر يف ذلك الوقت �ساحة‬ ‫ل �ل �م �ق��اوم��ة‪ ،‬ت �ت �ج �م��ع ف �ي �ه��ا �أج �ن��ا���س‬ ‫امل �� �س �ل �م�ين‪ ،‬واجل� �م ��اع ��ات ال �� �س��ري��ة‪،‬‬ ‫ي�ن��اق���ش��ون‪ ،‬وي�ف�ت�ح��ون ال�ط��ري��ق �أم��ام‬ ‫اال� �س �ت �ق�لال واخل�ل�ا���ص م��ن احلملة‬ ‫الفرن�سيه‪.‬‬ ‫�سار يف امل�ساحة ب�ين القبلة‪ ،‬ورواق‬ ‫ال�شوام‪ ،‬ال ي�ستطيع �أن يقاوم ال�صوت‬

‫ال �ق��دمي ال��ذي ينبع م��ن ه�ن��اك حيث‬ ‫رغبته يف االنتقام واخلال�ص‪.‬‬ ‫ك��ان يت�ساءل‪ :‬ه��ل على ذل��ك احللبي‬ ‫ال �ق��ادم م��ن ال�ب�لاد ال�ع�ي��دة �أن يكون‬ ‫طرف ًا يف هذا ال�صراع؟ هل هو جزء‬ ‫منه؟‬ ‫يرتك بالده النائية وي�أتي خلف هدف‬ ‫غ��ام����ض‪ ،‬و��ص��وت ي�ستدعيه‪ ،‬وي�شعل‬ ‫بداخله االنتقام‪.‬‬ ‫ينخرط يف الأح��داث التى تقع يف بر‬ ‫م�صر‪ ،‬وي�صادق ال�سوريني وال يطلعهم‬ ‫عما يف �ضمريه من �أ�سرار!!‬ ‫كان مي�شي بالليل يف �صحراء املماليك‪،‬‬ ‫يحيطه الف�ضاء وال يرى على البعد �إال‬ ‫النجوم ‪ ..‬ميعن يف فكره‪ ،‬متوحد ًا‪،‬‬ ‫من�شغ ًال ب�أ�سئلته‪ .‬فج�أة �صرخ وحده‪:‬‬ ‫ه��ي ال�ع��دال��ة ‪ ...‬حتقيق ال�ع��دل بقتل‬ ‫الظاملني والطغاة‪ .‬يف اللحظة توقف‬ ‫عند هذه القناعة‪ ،‬وب��د�أ يعيد ترتيب‬ ‫اه �ت �م��ام��ات��ه‪ ،‬ف �ك��ر‪� ،‬أن ��ت ق ��ادم على‬ ‫فعل خطري ��ش��يء خطري يهز البالد‬ ‫ويزلزل العباد‪ ،‬و�سوف ي�أتون ب�أهلك‬ ‫و�أ�صحابك‪ ،‬و�سوف يهدر الدم عالمة‬ ‫على ال�شهادة‪.‬‬ ‫ه��ي ال�ع��دال��ة‪ ،‬تطلب الثمن ال�ف��ادح‪،‬‬ ‫ول �� �س��وف ي�ن�ه����ش حل �م��ك اجل �ل�اد !!‬ ‫ت�أكد �أن ما اختاره هو �سعي لتحقيق‬ ‫العدالة‪ ،‬و�أدرك أ�خ�ير ًا �أن��ه طرف يف‬ ‫��ص��راع يخ�صه ه��و‪� ،‬سليمان احللبي‬ ‫ال�سوري‪.‬‬ ‫كان يف �آخر �أيامه يحب امل�شي وحيدا‪ً،‬‬ ‫وي ��دور يف م��دي�ن��ة ي�سكنها ال �ظ�لام‪،‬‬ ‫و�ضربات حوافز جياد الغازي‪ ،‬و�شعب‬ ‫ينام وي�ستيقظ على الثورة واملقاومة‪.‬‬

‫انتهى �أمره باختالط �أحواله ب�أحوال‬ ‫امل���ص��ري�ين ف�لا ف��رق ب�ين م�ظ�ل��وم يف‬ ‫املحرو�سة ومظلوم يف حلب‪.‬‬ ‫ك��ان ق��د و� �ص��ل �إىل يقينه يف الفعل‬ ‫واالنتقام‪ ،‬وكان ال�صوت ي�أتيه �صارخ ًا‬ ‫ومزلز ًال كيانه‪ ،‬وكان قد اتخذ قراره‪.‬‬ ‫ي �ق��ول ��س�ي��دي امل � ��ؤرخ ع�ب��د ال��رح�م��ن‬ ‫اجل�برت��ي يف ك�ت��اب��ه ال�ك�ب�ير «عجائب‬ ‫الآثار يف الرتاجم والأخبار»‪.‬‬ ‫«ك ��ان � �س��اري ع�سكر كليرب م��ع كبري‬ ‫املهند�سني ي�سريان بداخل الب�ستان‬ ‫ال ��ذى ب ��داره ب��الأزب�ك�ي��ة ف��دخ��ل عليه‬ ‫�شخ�ص حلبي ق���ص��ده ف ��أ� �ش��ار عليه‬ ‫بالرجوع وق��ال له «مافي�ش» وكررها‬ ‫فلم يرجع و�أوهمه ب�أن له حاجة فلما‬ ‫دنا منه مد له يده الي�سار يريد تقبيلها‬ ‫ل�ك��ن �سليمان قب�ض عليها و�ضربه‬ ‫بخنجر ك��ان قد �أع��ده يف ي��ده اليمنى‬ ‫�أرب���ع � �ض��رب��ات م�ت��وال�ي��ة ف���ش��ق بطنه‬ ‫وهوى على الأر�ض وهرب احللبي»‪.‬‬ ‫روع���ت امل��دي �ن��ة‪ ،‬و�أح � ��دث االغ �ت �ي��ال‬ ‫�صخب ًا‪ ،‬وجتمع النا�س وهللوا‪ ،‬وبحثوا‬ ‫ع ��ن ال �ف �ت��ى احل �ل �ب��ي ح �ت��ى وج� ��دوه‬ ‫خمتفيا يف الب�ستان عذبوه �إىل �أبعد‬ ‫ح��دود الأمل‪ ،‬ق�ط�ع��وا ر�أ� �س��ه ال�ت��ى ما‬ ‫ت��زال معرو�ضة حتى اليوم يف متحف‬ ‫ب �ب��اري ����س‪ .‬ح �ق��ق احل �ل �ب��ي ح �ك �م��ه يف‬ ‫العدل‪ ،‬و�أثبت �أن روح العدل تنطلق‬ ‫م ��ن م �ع �ن��ى ال �� �س��ن ب��ال �� �س��ن‪ ،‬وال �ع�ين‬ ‫بالعني‪ ،‬ولكم يف «الق�صا�ص حياة »‬


‫المرصد‬ ‫‪14‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫�ضمن فعاليات مهرجان ا�ست�ضافته والية «�صور»‬

‫باحثون يحذرون من ضياع‬ ‫الهوية التراثية للفنون الشعبية‬ ‫ُعمان ‪ -‬خمي�س ال�سلطي‬

‫احت�ضنت والية �صور العمانية ال�شهر الفائت‪ ،‬وعلى مدار يومني فعاليات مهرجان الفنون ال�شعبية‬ ‫العمانية الثاين‪.‬‬ ‫�أقيم على هام�ش الفعاليات ندوة بحثية �شارك فيها عدد من اخلرباء واملخت�صني‪ ،‬هم الدكتور �سعيد‬ ‫بن حممد الها�شمي‪ ،‬والدكتورة عائ�شة بنت حمد الدرمكي‪ ،‬والباحث م�سلم بن �أحمد الكثريي‪.‬‬


‫قدم الدكتور �سعيد بن حممد الها�شمي ورقة‬ ‫عمل حتت عنوان «الت�أثري والت�أثر احل�ضاري‬ ‫يف الفنون ال�شعبية العمانية» تطرق خاللها‬ ‫�إىل مدى ت�أثر �أمناط الفنون ال�شعبية العمانية‬ ‫بالواقع احل�ضاري املعا�صر‪ ،‬من خالل ثالثة‬ ‫جوانب هي الإيقاع املو�سيقي‪ ،‬وال�شعر االرجتايل‬ ‫«املقا�صب»‪ ،‬والأداء احلركي «الرق�ص»‪.‬‬ ‫وتتبع الها�شمي خ�لال ورقته البحثية خيوط‬ ‫�أ�صالة ه��ذه الفنون و�أدوات �ه��ا وممار�ساتها‪،‬‬ ‫معرج ًا على الت�أثري احل�ضاري‪ ،‬وت�أثري «علمنة‬ ‫الثقافة» التي من �ضمن �أهدافها انتزاع الهوية‬ ‫الوطنية التاريخية وجت��ري��ده��ا م��ن �أ��ص��ول‬ ‫تكوينها وتوجيهها �إىل م�سار عاملي يفقدها‬ ‫معظم قيمها‪ ،‬لتكون من دون هوية‪.‬‬ ‫وح��ذر الها�شمي من �أن يطال فقدان الهوية‬ ‫ع��دد ًا كبري ًا من الفنون ال�شعبية‪ ،‬م��ؤك��د ًا �أن‬ ‫�أول مظاهر هذا الفقدان هو �ضياع الكلمات‬ ‫الرتاثية املغناة يف الفنون ال�شعبية لتحل حملها‬ ‫كلمات ذات طابع حديث تفتقر �إىل الرتاكيب‬ ‫احل�سية ال�ت��ي ت�ط��رب امل�ستمع‪ ،‬م�شري ًا �إىل‬ ‫�أن ه��ذه الكلمات امل�ستحدثة ال ت ��ؤدي املعاين‬ ‫احلقيقية ملتذوق ال�شعر كما ال تلتزم ب�إيقاعاته‪.‬‬ ‫وخل�ص الها�شمي يف ورقته �إىل عدد من النتائج‬ ‫�أبرزها �أن الت�أثري والت�أثر احل�ضاري يف الفنون‬ ‫ال�شعبية م�صدره الأ�سا�سي تغري منط احلياة‬ ‫االجتماعية واالقت�صادية والثقافية‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫انعك�س يف �ضعف الأداء وتردي �صياغة مفردات‬ ‫ال�شعر‪ ،‬م�ؤكد ًا �أن هذا الأثر كان وا�ضح ًا على‬ ‫بع�ض الفنون �إىل احل��د ال��ذي �أخرجها من‬ ‫عباءتها الأ�صيلة‪.‬‬ ‫�أما التو�صيات‪ ،‬فقد خل�ص الها�شمي �أهمها‬ ‫يف �ضرورة املحافظة بالتوثيق والو�صف على‬ ‫امل��وروث ال�شعبي يف الفنون ال�شعبية وتكثيف‬ ‫العمل يف امل�سابقات وامل�شاركات يف املهرجانات‬ ‫الداخلية واخلارجية لفرق الفنون ال�شعبية‪،‬‬ ‫ودعمها مادي ًا ومعنويا‪ ،‬على �أن تتم املحافظة‬ ‫على هذه الفنون وفق معايري و�أ�س�س متينة قوية‬ ‫م�صدرها ما�ض ق��وي يف ج��وه��ره ومكوناته‪،‬‬ ‫م�ؤكد ًا �أن ذلك لن يت�أتى �إىل مب�شاركة امل�صدر‬ ‫الذي هو �أبناء الوطن‪.‬‬ ‫وطالب الها�شمي وزارة الإعالم ووزارة الرتاث‬

‫من فن العيالة‬

‫والثقافة ببذل املزيد من اجلهد يف املحافظة‬ ‫على مكونات الفنون ال�شعبية‪ ،‬وقال �إن الفرق‬ ‫عليها �أن تبذل جهدها يف الأداء وا إلب��داع يف‬ ‫مكونات الفنون ال�شعبية ليلقى قبوال لدي املتلقي‬ ‫بحيث ال يخرج عن مكونات الهوية الوطنية‬ ‫العمانية‪.‬‬ ‫و�أكد الها�شمي يف ورقته �أن امل�س�ؤولية م�شرتكة‬ ‫بني امل�ؤ�س�سات الراعية لهذه الفنون والفرق‬

‫الكثيري‪ :‬الموسيقى‬ ‫العمانية تنتظر‬ ‫ُ‬ ‫الدارسين للكشف‬ ‫عن خصائصها الفنية‬ ‫والثقافية والصيغ‬ ‫اللحنية واإليقاعية‬

‫الوطنية ال�شعبية للفنون‪ ،‬كما �أن امل�صري‬ ‫م�شرتك‪ ،‬وق��ال �إن مواجهة إ�غ��راء الثقافات‬ ‫امل�ستوردة بوا�سطة القنوات الف�ضائية واجب‬ ‫وطني‪ ،‬حم��ذر ًا من تراجع البنية االجتماعية‬ ‫والثقافية �أمام النزعة االقت�صادية‪ ،‬بحيث بات‬ ‫املجتمع مييل �إىل االنعزالية‪ ،‬وطالب الها�شمي‬ ‫املجتمع بالعودة �إىل التما�سك والتخلي عن‬ ‫النزعة اال�ستهالكية التي �أثرت ب�شكل كبري على‬ ‫الفنون ال�شعبية‪.‬‬

‫�أزياء الفنون ال�شعبية‬

‫يف ورق� ��ة ع �م��ل ح�م�ل��ت ع��ن��وان «ال �ع�لام��ات‬ ‫الرتميزية لأزي��اء الفنون ال�شعبية يف عمان»‬ ‫قالت الدكتورة عائ�شة بنت حمد الدرمكي �إن‬


‫المرصد‬ ‫‪16‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫من فن العيالة‬

‫مظاهر ال��وج��ود اليومي للإن�سان عبارة عن‬ ‫عالمات ت�شكل انعكا�س ًا للثقافة املجتمعية التي‬ ‫تخرب عنها وتك�شف عن هُ ويتها؛ فالطقو�س‬ ‫االجتماعية واللبا�س والأداء الفني والأدبي‪ ،‬وكل‬ ‫مظاهر احلياة االجتماعية‪ ،‬كلها عالمات ن�ستند‬ ‫�إليها يف التوا�صل مع الآخر «الإن�سان والف�ضاء‬ ‫الذي يحيط بنا»‪ ،‬فكل لغة من هذه اللغات حتتاج‬ ‫�إىل الك�شف عن القواعد التي حتكم طريقتها‬ ‫يف �إنتاج معانيها‪ ،‬م�ستندة يف ذلك ويف الكثري‬

‫من احلاالت �إىل ما تقرتحه العلوم الأخرى من‬ ‫مفاهيم ور�ؤى وت�صورات‪ ،‬ولذلك ف�إن كل �شيء‬ ‫يف اللغة يحوي قيمة داللية وتوا�صلية‪.‬‬ ‫و�أ�ضافت الدرمكي �أن التوا�صل غري اللغوي عرب‬ ‫ال�سيميائيات �أخذ قيمته يف القنوات التوا�صلية‬ ‫املجتمعية‪� ،‬إذ مت االعتماد على درا�سة �أن�ساق‬ ‫توا�صلية متعددة ك�إ�شارات امل��رور وا إلمي��اءات‬ ‫وا�ستعماالت اجل�سد اال�ستعارية والرموز‪ ،‬م�ؤكدة‬ ‫�أنه ال ميكن تفكيك وحتليل مو�ضوعات املالب�س‬

‫م�أزق الثقافة ال�شفهية‬ ‫تبدو الثقافة املو�سيقية ال�شفهية اليوم‪ ،‬يف و�ضع �صعب للغاية‪ ،‬خا�صة و�أن‬ ‫ممار�سيها يفقدون القدرة تدريجياً على نقلها �إىل الأجيال اجلديدة بالو�سائل‬ ‫املعتادة‪ ،‬والفنان التقليدي يعي�ش خارج اهتمام امل�ؤ�س�سات الثقافية والإعالمية‪،‬‬ ‫فبعد �أن كان ه�ؤالء املبدعني يوجهون خياراتنا الفنية‪ ،‬وي�شكلون عرب قرون‬ ‫ذائقتنا الفنية‪ ،‬ف�إنهم ي�أخذون �أ�سماءهم وفنونهم وين�صرفون عن احلا�ضر‬ ‫وامل�ستقبل واحداً بعد الآخر‪ ،‬بينما النخبة الثقافية وال�سيا�سية يزداد تعلقها‬ ‫باملو�سيقى الغربية وتتخذ ال��ق��رارات التي من �ش�أنها تر�سيخها يف املجتمع‬ ‫م�سلم بن �أحمد الكثريي‬ ‫ال ُعماين املعا�صر‪.‬‬

‫�إ َّال �إذا ُف ِهمت باعتبارها مو�ضوعات توا�ضعية‬ ‫وا�صطناعية‪ ،‬توا�ضع عليها جمتمع ما يف حقبة‬ ‫تاريخية معينة ثم �أ�صبحت متكررة عرب حقب‬ ‫الحقة حتى بات ال ُيعرف لها ُمن�شئ �أول‪ .‬ومع‬ ‫الت�أكيد ب�أنها عالمات توا�ضعية و�أن�ه��ا تقوم‬ ‫على �سنن اجتماعية متاثلية �إ َّال �أنها �إىل حد‬ ‫بعيد غري معللة‪ ،‬فال ميكن تف�سري �شكل الكثري‬ ‫من املالب�س �إ َّال ب�إرجاعها �إىل �أ�سباب دينية �أو‬ ‫اجتماعية عامة‪� ،‬أما التفا�صيل فقد ال نتمكن من‬ ‫تعليلها �أو تف�سريها غري �أننا ميكن �أن ن�ؤولها �إىل‬ ‫دالالت متعددة‪ .‬وعلى ذلك ميكن عقد عالقة‬ ‫دائرية بني التماثلي والالمعلل «االعتباطي»؛‬ ‫بحيث يكون هناك اجتاه مزدوج ومتكامل �إىل‬ ‫تطبيع الالمعلل‪ ،‬وتثقيف املعلل‪ .‬ولذلك ف�إن هذا‬ ‫البحث يطلع على ر�صد تلك العالمات التثقيفية‬ ‫بني اللبا�س والفنون ال�شعبية يف �سلطنة عمان‬ ‫بو�صفها رموز ًا ب�صرية ذات �أبعاد داللية وثقافية‬ ‫متنوعة‪.‬‬ ‫و�أ�ضافت الدرمكي �إن الفن بو�صفه عالمة يحمل‬ ‫داالت يطلق عليها الل�سانيون الداالت «املتحركة»‬ ‫كونها متغرية بتغري الذوات التي ت�ؤديها‪ ،‬ليمثل‬ ‫الرتميز امللب�سي �شك ًال تعبريي ًا ذات�ي� ًا يحيل‬ ‫�إىل دالالت منفتحة من حيث كونها اجتماعية‬ ‫واقت�صادية؛ فب�صرف النظر ع��ن ك��ون تلك‬ ‫العالمات امللب�سية اعتيادية �أو يومية من حيث‬ ‫االرت��داء �إ َّال �أنها من حيث خ�صائ�صها «اللون‬ ‫ونوع اخلام والنقو�ش وامللم�س» حتيل �إىل زمان‬ ‫ومكان الفن‪ ،‬ثم الو�ضع االجتماعي لل�شخو�ص‬ ‫امل�ؤدية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل الو�ضع االقت�صادي لها؛‬ ‫كل ذلك يف�سر حاجة العالمة «الفن» �إىل تلك‬ ‫الرتميزات وارتباطها بها من الناحية الداللية‬ ‫‪ .‬وخل�صت الدرمكي �إىل �أنه ال ميكن للعالمات‬ ‫امللب�سية �أن ت�شتغل لوحدها داخ��ل اخلطاب‬ ‫الب�صري‪� ،‬إذ �أن ارتباطاتها اللونية وخطوطها‬ ‫وق�صاتها و�أدوات�ه��ا التكميلية ت�شكل‬ ‫ونقو�شها ّ‬ ‫عالقة داللية مع اجل�سد والف�ضاء الكوين الذي‬ ‫يحويها‪ ،‬لذلك ف ��إن فاعلية العالقة هي التي‬ ‫حت��دد مكانة الأزي ��اء الداللية داخ��ل �سياقها‬ ‫الب�صري‪ ،‬فهي التي متنحها �سمة الديناميكية‬ ‫وت��ؤط��ره��ا ف�ك��ري� ًا‪� ،‬أم��ا اجل�سد امل��رت��دي فهو‬ ‫املحدد لنمطية ونوعية ما يرتديه وفق حركته‬


‫من فن امليدان‬

‫وم�ستوياته الفكرية املختلفة من ناحية‪ ،‬ودوره‬ ‫يف �صناعة الن�ص من ناحية �أخرى‪.‬‬

‫الإيقاعات املو�سيقية ال ُعمانية‬

‫وقدم الباحث م�سلم بن �أحمد الكثريي ورقة‬ ‫عمل حملت عنوان حملت عنوان «الإيقاعات‬ ‫املو�سيقية ال� ُع�م��ان�ي��ة»‪ ،‬ت �ط��رق خ�لال�ه��ا �إىل‬ ‫خ�صو�صية الإي��ق��اع وم�ك��ان�ت��ه يف املو�سيقى‬ ‫ال ُعمانية مف�ص ًال احلديث عن الآالت الإيقاعية‬ ‫ال ُعمانية الوترية والطبول وغريها‪ ،‬مع طرق‬ ‫�صياغة الإيقاع الفني ال ُعماين‪ ،‬معتمد ًا �إيقاع‬ ‫فن الربعة منوذج ًا للدرا�سة‪.‬‬ ‫وق��ال الكثريي �إن هناك جم��االت عديدة يف‬ ‫املو�سيقى ال ُعمانية تنتظر الدار�سني للك�شف‬ ‫عن خ�صائ�صها الفنية والثقافية ومنها ال�صيغ‬ ‫اللحنية والإيقاعية‪ ،‬م�ؤكد َا على م�س�ألة فنية‬ ‫غاية يف الأهمية وه��ي متابعة ه��ذه الدرا�سة‬ ‫بهدف و�ضع �إط��ار نظري للإيقاع املو�سيقي‬ ‫ال� ُع�م��اين وت�صنيفه ت�صنيف ًا علمي ًا يحقق‬ ‫احل��اج��ات املعرفية التوثيقية والبيداغوجية‬ ‫والفنية لل�شباب املو�سيقي ال ُعماين‪ ،‬خا�صة يف‬ ‫هذا الوقت الذي نحن فيه �أمام ظروف ثقافية‬ ‫جديدة و�ضعتنا يف مواجهة املو�سيقى الغربية‬ ‫بكل �إمكانيات �أدواتها احل�ضارية ال�ضخمة‪.‬‬ ‫و�أك��د الكثريي �إن الثقافة املو�سيقية ال�شفهية‬ ‫اليوم تبدو يف و�ضع �صعب للغاية خا�صة و�أن‬ ‫ممار�سيها يفقدون القدرة تدريجي ًا على نقلها‬ ‫�إىل الأج �ي��ال اجل��دي��دة بالو�سائل املعتادة‪،‬‬

‫توصية بوضع إطار‬ ‫نظري لإليقاع‬ ‫العماني‬ ‫الموسيقي ُ‬ ‫وتصنيفه علمي ًا‬ ‫بما يحقق الحاجات‬ ‫التوثيقية والمعرفية‬ ‫والبيداغوجية والفنية‬ ‫والفنان التقليدي يعي�ش خارج اهتمام امل�ؤ�س�سات‬ ‫الثقافية والإع�لام �ي��ة‪ ،‬فبعد �أن ك��ان ه ��ؤالء‬ ‫املبدعني يوجهون خياراتنا الفنية‪ ،‬و�شكلوا عرب‬ ‫قرون ذائقتنا الفنية‪ ،‬ف�إنهم ي�أخذون �أ�سماءهم‬ ‫وفنونهم وين�صرفون عن احلا�ضر وامل�ستقبل‬ ‫واحد ًا بعد الآخر‪ ،‬والنخبة الثقافية وال�سيا�سية‬ ‫يزدادتعلقهاباملو�سيقىالغربيةوتتخذالقرارات‬ ‫التي من �ش�أنها تر�سيخها يف املجتمع ال ُعماين‬ ‫املعا�صر‪ .‬ويف اط��ار اث��راء فعاليات املهرجان‬ ‫وحتقيق الفائدة يف جماالت البحوث اخلا�صة‬ ‫بالفنون ال�شعبية وتن�سيق جهود ال�سلطنة يف‬ ‫ادراج الفنون ال�شعبية العمانية يف القائمة‬

‫الهاشمي‪ :‬تغير نمط‬ ‫الحياة انعكس في‬ ‫تردي مفردات الشعر‬ ‫وضعف أداء الفنون‬ ‫الشعبية إلى حد الخروج‬ ‫عن عباءتها‬

‫التمثيلية للرتاث الثقايف غري املادي باليون�سكو‬ ‫ا�ست�ضاف مهرجان الفنون ال�شعبية ك ًال من‬ ‫الدكتور نا�صر احلمريي من دول��ة االم��ارات‬ ‫العربية املتحدة‪ ،‬والدكتور علي عبداهلل خليفة‬ ‫من مملكة البحرين‪ ،‬والدكتور مـحمـد البيايل‬ ‫من اململكة العربية ال�سعودية‪.‬‬

‫�سباقات العيالة وامليدان والربعة‬

‫جدير بالذكر �أن عدد الفرق التي �شاركت‬ ‫يف املهرجان ت�سع ف��رق �شعبية يف فنون‬ ‫"العيالة وامليدان والربعة"‪ ،‬وجاءت نتائج‬ ‫املهرجان كالتايل‪ ،‬يف فن العيالة ح�صلت‬ ‫فرقة �صقور اخل��اب��ورة للفنون ال�شعبية‬ ‫على امل��رك��ز الأول‪ ،‬بينما ح�صلت فرقة‬ ‫ق�صبية �آل بريك للفنون ال�شعبية على‬ ‫امل��رك��ز ال�ث��اين‪ ،‬وح�صلت فرقة ال�سيلف‬ ‫ل�ل�ف�ن��ون ال�شعبية ع�ل��ى امل��رك��ز ال�ث��ال��ث‪.‬‬ ‫ويف ف��ن امل �ي��دان ح�صلت ف��رق��ة الأج�ي��ال‬ ‫للفنون ال�شعبية على املركز الأول‪ ،‬فيما‬ ‫ح�صلت فرقة االختيار للفنون ال�شعبية‬ ‫على املركز الثاين‪ ،‬وح�صلت فرقة الطيبة‬ ‫للفنون ال�شعبية على املركز الثالث‪ ،‬ويف‬ ‫فن الربعة ح�صلت فرقة املجد للفنون‬ ‫ال�شعبية على املركز الأول‪ ،‬فيما ح�صلت‬ ‫فرقة �شباب الأ��ش�خ��رة للفنون ال�شعبية‬ ‫على املركز الثاين‪ ،‬وح�صلت فرقة املثالية‬ ‫للفنون ال�شعبية على املركز الثالث‬


‫المرصد‬ ‫‪18‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫بني دعم تعلم العربية ومقاومة «الإ�سالموفوبيا»‬

‫«اإلسيسكو»‬

‫تدعو إلى الحوار للتعايش السلمي‬ ‫وا�شنطن ‪ -‬خا�ص‬

‫نظمت املنظمة الإ�سالمية للرتبية والعلوم والثقافة «�إ�سي�سكو»‪ ،‬وم�ؤ�س�سة غرناطة‬ ‫للن�شر واخلدمات الرتبوية‪ ،‬بالتعاون مع مركز املعلومات وامل�صادر العربي‪ ،‬ال�شهر‬ ‫الفائت ملتقى تكوينياً حول توظيف امل�ستجدات الرتبوية والتكنولوجية لتطوير‬ ‫تعليم اللغة العربية يف البيئات الثقافية الغربية‪.‬‬


‫جاء هذا امللتقى ال��ذي ا�ست�ضافته وا�شنطن‬ ‫خالل الفرتة من ‪� 20‬إىل ‪� 23‬سبتمرب املا�ضي‪،‬‬ ‫يف �إطار التعاون بني م�ؤ�س�سة غرناطة للن�شر‬ ‫واخلدمات الرتبوية العاملة يف جمال �إعداد‬ ‫الو�سائل التعليمية والكتب املدر�سية لتعليم‬ ‫اللغة العربية يف ال�غ��رب‪ ،‬ومركز املعلومات‬ ‫وامل�صادر العربي ال��ذي يعمل انطالق ًا من‬ ‫مق ّره يف وا�شنطن‪ ،‬على التعريف بالثقافتني‬ ‫العربية والإ��س�لام�ي��ة يف ال��والي��ات املتحدة‬ ‫الأمريكية‪ ،‬وان��درج تنظيم الن�شاط يف �سياق‬ ‫اجلهود التي تبذلها الإ�سي�سكو لتن�سيق العمل‬ ‫الرتبوي الإ�سالمي يف الغرب بني امل�ؤ�س�سات‬ ‫املتخ�ص�صة واملهتمة‪� ،‬سعي ًا‬ ‫واملراكز والهيئات‬ ‫ّ‬ ‫�إىل تطوير طرق تعليم اللغة العربية للناطقني‬ ‫بغريها‪ ،‬والتعريف بالو�سائل التكنولوجية‬ ‫والإ� �ص��دارات املدر�سية احلديثة واملنا�سبة‬ ‫لتعليم العربية يف البيئات الثقافية الغربية‪.‬‬

‫عدد من امل�شاركني يف امللتقى‬

‫�آليات جديدة‬

‫� �ش��ارك يف �أع �م��ال امللتقى ث�لاث��ون م��د ّر��س� ًا‬ ‫وم�س�ؤو ًال تربوي ًا من م� ّؤ�س�سات تعليمية وتربوية‬ ‫يف الواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬حيث ناق�ش‬ ‫ع ��دد ًا م��ن امل��و��ض��وع��ات ال�ترب��وي��ة م��ن بينها‬ ‫امل�شروع الرتبوي العربي الإ�سالمي يف الغرب‬ ‫«�أ�س�سه و�آف��اق ال ّنهو�ض ب��ه»‪ ،‬وخ�صو�ص ّيات‬ ‫الكتاب املدر�سي لتعليم العربية للناطقني‬ ‫بغريها ومرجع ّيات ّت�أليفه‪ ،‬ومناهج �إع��داد‬ ‫ال��دّرو���س على ��ض��وء ال�ن�ظ��ري��ات التعليمية‬ ‫احلديثة‪ ،‬وا�ستثمار ال�س ّبورة الإلكرتونية الذكية‬ ‫يف تدري�س اللغة العربية للناطقني بغريها‪،‬‬ ‫وتقومي الطالب «�أنواعه ووظائفه و�أهدافه»‪،‬‬ ‫املتخ�ص�صني لتعليم‬ ‫وت�أهيل املد ّر�سني غري‬ ‫ّ‬ ‫العربية يف امل�ؤ�س�سات التعليمية يف الواليات‬ ‫املتحدة الأمريكية‪ ،‬كما �أتاح امللتقى للم�شاركني‬ ‫فيه جم��ال ال �ت��د ّري��ب على �إع� ��داد ال��درو���س‬ ‫وتقدميها يف خمتلف موا ّد اللغة العربية‪.‬‬ ‫و�أ���ش��رف ع�ل��ى �أع �م��ال امللتقى خ�ب�ير دويل‬ ‫متخ�ص�ص يف جمال تعليم العربية للناطقني‬ ‫ّ‬ ‫بغريها‪ ،‬ومثل الإ�سي�سكو فيه �أخ�صائي برامج‬ ‫يف مديرية الرتبية عادل بوراوي‪.‬‬ ‫من جانب آ�خ��ر‪ ،‬دعا اخل�براء امل�شاركون يف‬

‫جانب من احل�ضور‬

‫الندوة الدولية ح��ول «الإ�سي�سكو وامل�سلمون‬ ‫يف الغرب» التي اختتمت �أعمالها يف مدنية‬ ‫�شف�شاون «�شمال اململكة املغربية»‪� ،‬إىل العمل‬ ‫على �صون املقومات الثقافية للم�سلمني خارج‬ ‫ال�ع��امل الإ� �س�لام��ي‪ ،‬ع��ن ط��ري��ق تعزيز وعي‬ ‫الأجيال اجلديدة بثقافتها الإ�سالمية وتعليمها‬ ‫اللغة العربية من خالل ا�سرتاتيجيات حمكمة‪،‬‬

‫ضرورة التواصل بين‬ ‫اإلسيسكو والمنظمات‬ ‫اإلسالمية لمواجهة‬ ‫اإلسالموفوبيا‬

‫وب��رام��ج م�ستمرة ب��ال�ت�ع��اون م��ع املنظمات‬ ‫وامل�ؤ�س�سات العاملة يف هذا املجال‪.‬‬ ‫و�أك ��دوا على �أهمية م� ِّ�د ج�سور التوا�صل مع‬ ‫ال�ك�ف��اءات امل�سلمة خ��ارج ال�ع��امل الإ�سالمي‬ ‫و�إ�شراكها يف بنائه بخرباتها وا�ست�شاراتها‪،‬‬ ‫وا� �س �ت �ك �م��ال ق��واع��د ال �ب �ي��ان��ات ال��را� �ص��دة‬ ‫لتخ�ص�صات ه� ��ؤالء اخل�ب�راء وعناوينهم‪.‬‬ ‫كما دع��وا �إىل موا�صلة الت�صدي للحمالت‬ ‫الإع�لام�ي��ة املنظمة واملتوا�صلة يف الغرب‬ ‫للتخويف م��ن الإ� �س�لام «الإ�سالموفوبيا»‪،‬‬ ‫الهادفة �إىل تهييج الر�أي العامل العاملي �ضد‬


‫المرصد‬ ‫‪20‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫ال���ص��ور النمطية ع��ن الإ� �س�لام يف و�سائل‬ ‫الإعالم الدولية‪.‬‬ ‫و�أ� �ش��ار اخل�ب�راء �إىل �أن احل��اج��ة �أ�صبحت‬ ‫ما�سة لل�شروع يف مرحلة جديدة من التوعية‬ ‫ب�أهمية دور التقريب بني امل�سلمني ومذاهبهم‬ ‫وم�ؤ�س�ساتهم يف عمل م�شرتك على خمتلف‬ ‫الأ�صعدة للتعريف بثوابت الإ�سالم وثقافته‬ ‫و�أثرها يف �إ�سعاد الب�شرية‪ ،‬و�إب��راز النموذج‬ ‫احل�ضاري الإ�سالمي للعامل من خالل ا�ستعادة‬ ‫الأم��ة لذاتيتها الثقافية ال��واح��دة‪ .‬و�أ��ش��ادوا‬ ‫باجلهود الكبرية التي قامت بها الإ�سي�سكو يف‬ ‫هذه املجاالت‪ ،‬مطالبني بتعزيزها وتكثيفها‪،‬‬ ‫ملا لها من �آثار �إيجابية يف التعريف بالإ�سالم‬ ‫واحل �� �ض��ارة الإ� �س�لام �ي��ة‪ ،‬وت�ع��زي��ز التوا�صل‬ ‫والتعاون بني امل�ؤ�س�سات والهيئات الإ�سالمية يف‬ ‫الدول الغربية‪.‬‬

‫‪2012‬‬

‫�ضد التحري�ض‬

‫الإ� �س�لام وامل�سلمني‪ ،‬وردع �ه��ا ع��ن حتقيق‬ ‫�أه��داف �ه��ا ال �ه��دام��ة‪ ،‬وحت��ذي��ر ال �ع��امل من‬ ‫تفاقم خطرها على امل�صالح العامة جلميع‬ ‫الأط ��راف‪ ،‬وذل��ك من خ�لال عمل �إعالمي‬ ‫حمكم‪.‬‬

‫�ضرورة التوا�صل‬

‫و�أو�� �ص ��ى اخل�ب��راء ب�ت�ع��زي��ز ال �ت��وا� �ص��ل بني‬ ‫الإ�سي�سكو واملراكز واجلمعيات الإ�سالمية يف‬ ‫الغرب‪ ،‬من �أجل العمل على تنفيذ الأن�شطة‬ ‫الثقافية والرتبوية لتدعيم العمل الثقايف‬ ‫الإ��س�لام��ي وف��ق اال�سرتاتيجيات وال�برام��ج‬ ‫والأن�شطة املقررة يف هذا املجال داعني �إىل‬ ‫تعزيز االت�صال بو�سائل الإع�ل�ام املختلفة‬

‫الهجوم على الرموز‬ ‫الدينية يهدد السلم‬ ‫واألمن العالميين‬ ‫للتعريف بالثقافة الإ��س�لام�ي��ة ودوره���ا يف‬ ‫البناء احل�ضاري والتعاي�ش الإن�ساين واحلوار‬ ‫الثقايف‪ ،‬و�أثر ذلك على ال�سلم العاملي ومقاومة‬ ‫العن�صرية وثقافة الكراهية والإق�صاء‪.‬‬ ‫ووجهوا دعوة �إىل الإ�سي�سكو لتكثيف تنظيم‬ ‫ال� ��دورات التدريبية لفائدة ال�صحافيني‪،‬‬ ‫ا�ستناد ًا �إىل منهاجها الدرا�سي حول معاجلة‬

‫يجب مواجهة تشويه‬ ‫الغرب لإلسالم بأسلوب‬ ‫حضاري منظم‬

‫�أي���ض� ًا ك��ان ثمة ت�أكيد على � �ض��رورة اتخاذ‬ ‫ا إلج��راءات القانونية الالزمة يف حق و�سائل‬ ‫الإع�ل�ام ال�سمعية والب�صرية والإلكرتونية‬ ‫وامل�ط�ب��وع��ة امل�ح��ر��ض��ة ع�ل��ى �أع �م��ال العنف‬ ‫والكراهية للم�سلمني‪ ،‬والتع�صب والتمييز‬ ‫�ضد الدين الإ�سالمي‪ ،‬وا�ستهداف القر�آن‬ ‫ال �ك��رمي وال��ر� �س��ول حممد «�صلى اهلل عليه‬ ‫و��س�ل��م» وان�ت�ه��اك ح��رم��ة امل���س��اج��د‪ ،‬تنفيذا‬ ‫ل �ل �ق��رار الأمم� ��ي رق ��م «‪ ،»224/65‬ب���ش��أن‬ ‫مناه�ضة ت�شويه �صورة الأديان‪.‬‬ ‫ودع ��ا اخل�ب�راء امل�ن�ظ�م��ات احل�ك��وم�ي��ة وغ�ير‬ ‫احلكومية وج�ه��ات االخت�صا�ص الق�ضائية‬ ‫يف العامل الإ�سالمي �إىل رفع دع��وى �ضد كل‬ ‫�شخ�ص �أو م�ؤ�س�سة ت�سيء �إىل الإ�سالم ورموزه‬ ‫ل��دى املحاكم ال��دول�ي��ة املخت�صة‪ ،‬مذكرين‬ ‫ب�سوابق يف �إ�صدار قوانني �ضد من ي�سيء �إىل‬ ‫جماعات خا�صة مثل ق��ان��ون جت��رمي معاداة‬ ‫ال�سامية‪ ،‬حيث مل يغب عن مائدة احلوار دعوة‬ ‫القائمني باالحتجاجات يف العامل الإ�سالمي‬ ‫على الفيلم امل�سيء للر�سول الكرمي وغريه من‬ ‫الأعمال‪� ،‬إىل الهدوء و�ضبط النف�س‪ ،‬وعدم‬ ‫اللجوء �إىل العنف والتخريب‪ ،‬ونهج �أ�سلوب‬ ‫احلكمة والتب�صر يف �إدانة الأعمال التي مت�س‬


‫لقطة تذكارية جتمع امل�شاركني يف امللتقى‬

‫الدين الإ�سالمي ورموزه ب�أ�سلوب ح�ضاري ال‬

‫ي�سيء �إىل امل�سلمني وال ير�سخ ال�صورة النمطية على المسلمين تبني‬ ‫عنهم لدى �أعدائهم‪ ،‬واللجوء بد ًال من ذلك آليات واضحة لتحسين‬ ‫�إىل رفع ق�ضايا قانونية �ضد من ي�سيء �إىل صورتهم لدى العالم‬

‫الإ�سالم و�إىل قيمه‪.‬‬ ‫�إذ �شددوا على �ضرورة �أن يعمل امل�سلمون ب�شكل‬ ‫مت�ضامن ومتكامل على التعريف بالإ�سالم‬ ‫ور��س��ول��ه «�صلى اهلل عليه و�سلم» يف حملة‬ ‫�إيجابية ملقاومة الإ�ساءة للإ�سالم‪ ،‬ومواجهة‬

‫ظ��اه��رة الإ��س�لام��وف��وب�ي��ا‪ ،‬ت�ت�ج��اوز حمالت‬ ‫اال�ستنكار وال�شجب و�أعمال العنف وال�شغب‪.‬‬ ‫واقرتح اخلرباء على منظمة الإ�سي�سكو عقد‬ ‫ندوة دولية حول «جتديد اخلطاب الإ�سالمي‬

‫عن الإ�سي�سكو‬ ‫تبلورت فكرة املنظمة يف تو�صية من امل�ؤمتر الإ�سالمي التا�سع ل��وزراء اخلارجية‬ ‫«دك��ار ـ ال�سنغال ‪� 24 - 28 :‬أبريل ‪ 1978‬م»‪ ،‬وردت يف القـرار رقم ‪ 9/9‬ـ ث‪ ،‬ب�ش�أن‬ ‫تو�صيات امل�ؤمتر العاملي الأول للتعليم الإ�سالمي‪ .‬ثم كان القرار الأعلى ال�صادر‬ ‫عن م�ؤمتر القمة الإ�سالمي الثالث «مكة املكرمة ـ اململكة العربية ال�سعودية ‪:‬‬ ‫‪ 25 - 28‬يناير ‪ 1981‬م»‪ ،‬ت�أكيداً لإن�شاء جهاز �إ�سالمي دويل جديد �ضمن �أجهزة‬ ‫العمل الإ�سالمي امل�شرتك يف �إطار منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي‪ ،‬حمل ا�سم‪« :‬املنظمة‬ ‫الإ�سالمية للرتبية والعلوم والثقافة»‪ .‬وج��اء يف ق��رار م�ؤمتر القمة الإ�سالمي‬ ‫الثالث حتت رقم ‪ 6/3‬ث «ق �أ» حول املنظمة الإ�سالمية للرتبية والعلوم والثقافة‪.‬‬ ‫ون�ص ميثاق املنظمة الإ�سالمية للرتبية والعلوم والثقافة على �أن ك َّل دولة ع�ضو‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يف منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي‪ ،‬ت�صبح ع�ضوا يف الإ�سي�سكو بعد توقيعها ر�سميا على‬ ‫امليثاق‪ ،‬وبعد ا�ستكمال الإج��راءات القانونية والت�شريعية لقرار االن�ضمام و�إ�شعار‬ ‫الإدارة العامة للإ�سي�سكو بذلك خطياً‪ ،‬وال يحق لأي دولة غري ع�ضو �أو غري مراقب‬ ‫يف منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي‪� ،‬أن تكون ع�ضواً بالإ�سي�سكو‪ .‬وبلغ عدد الدول الأع�ضاء‬ ‫يف املنظمة الإ�سالمية حتى الآن «‪ »50‬دولة‪ ،‬من جمموع الدول الأع�ضاء يف منظمة‬ ‫امل�ؤمتر الإ�سالمي البالغ عددها «‪ »57‬دولة‪.‬‬

‫يف الغرب»‪ ،‬وكذلك تنظيم ور�ش تكوينية يف‬ ‫جم��ال احل ��وار‪ ،‬و«�آل �ي��ات ت�صحيح ال�صورة‬ ‫النمطية عن الإ��س�لام وامل�سلمني يف الكتب‬ ‫واملناهج الدرا�سية الغربية »‪.‬‬ ‫و�شهدت اجلل�سة اخلتامية للحدث‪ ،‬كلمة‬ ‫رئي�س جمعية الدعوة الإ�سالمية يف �شف�شاون‬ ‫علي الري�سوين‪ ،‬الذي �أ�شاد بجهود الإ�سي�سكو‬ ‫على امل�ستويات املحلية والإ�سالمية والدولية‪،‬‬ ‫ودوره� ��ا يف ت�ع��زي��ز احل���وار ب�ين ال�ث�ق��اف��ات‪،‬‬ ‫والرد على حمالت الت�شويه الإعالمي ل�صورة‬ ‫الإ�سالم وامل�سلمني يف الغرب‪.‬‬ ‫و�أكد املدير العام للإ�سي�سكو يف كلمة له على‬ ‫ال��دور احل�ضاري والثقايف ملدينة �شف�شاون‬ ‫وعراقتها و�أ�صالة �سكانها‪ ،‬حيث رك��ز على‬ ‫�أهمية عقد ن��دوة ح��ول مو�ضوع «الإ�سي�سكو‬ ‫وامل�سلمون يف ال�غ��رب» يف ال�ظ��روف الدولية‬ ‫ال�صعبة التي يعي�شها العامل الإ�سالمي اليوم‪،‬‬ ‫وال�ت��ي ت�شهد هجمة �إع�لام�ي��ة �شر�سة على‬ ‫الإ�سالم ور�سوله الكرمي‪ ،‬مما ي�شكل خطر ًا‬ ‫على ال�سلم والأم��ن العامليني‪ ،‬والتعاي�ش بني‬ ‫ال�شعوب‪ ،‬وي�ه��دد بن�سف جهود العقالء يف‬ ‫العاملني الإ��س�لام��ي وال�غ��رب��ي ال�ساعية �إىل‬ ‫ن�شر قيم الإخاء والت�سامح والعي�ش امل�شرتك‪،‬‬ ‫وتفعيل احل��وار بني الثقافات والتحالف بني‬ ‫احل�ضارات والتعاي�ش بني الأديان‬


‫‪22‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمرب‬ ‫‪2012‬‬

‫اآلفاق‬ ‫ارتياد‬ ‫مدارات‬

‫مدارات‬ ‫اآلخر والمفارقة‬ ‫�س�ؤال‬

‫ال� �ب� �ح ��ث ال� �ع ��رب ��ي ع��ن‬ ‫ال � � � ��ذات‪ ،‬يف ال �ع �� �ص��ر‬ ‫احل��دي��ث‪ ،‬مل ي �ط��رح �إال يف ت���س��اوق‬ ‫م��ع اكت�شاف الآخ ��ر‪ ،‬وق��د ��ص��ار غري‬ ‫الآخ� ��ر ال���ذي ت���ش�ك�ل��ت ل ��دى ال �ع��رب‬ ‫ع�ن��ه � �ص��ور وم�ت�خ�ي�لات ق��دمي��ة‪ .‬ك��ان‬ ‫الآخ ��ر‪ ،‬ال �غ��رب‪ ،‬يف املتخيل العربي‬ ‫م�ت�خ�ل�ف� ًا وق� ��ذر ًا‪ ،‬وب���س�ي��ط التفكري‪،‬‬ ‫ي ��ؤم��ن ب��اخل��راف��ات ويخ�ضع ل�سلطة‬ ‫رجال الدين الذين يبيعون له �صكوك‬ ‫الغفران‪ ،‬لكن ال�صدمة اال�ستعمارية‬ ‫جعلتهم يكت�شفون غ��رب� ًا �آخ��ر‪ ،‬قطع‬ ‫�أ� �ش��واط � ًا بعيدة يف امل��دن�ي��ة والتطور‬ ‫احل�ضاري والتقدم العلمي والتنظيم‬ ‫العك�سري‪.‬‬ ‫بالرغم من تغري النظرة بعد االحتكاك‬ ‫املبا�شر‪ ،‬ظل �آخر وخمتلف ًا‪� .‬إنه‪ ،‬قبل‬ ‫الآن‪ ،‬غ��از يحتل ال �ب�لاد وال�ث�روات‪،‬‬ ‫ع�ك����س م��ا ك ��ان ع�ل�ي��ه الأم� ��ر ق��دمي��ا‪،‬‬ ‫ح�ي��ث ب ��اءت ك��ل حم��اوالت��ه بالف�شل‪.‬‬ ‫ل �ك �ن��ه الآن‪ ،‬ال ي �ك �ت �ف��ي ب��االح �ت�لال‬ ‫واال�ستيطان‪ ،‬و�إح��داث تغريات على‬ ‫ال�ب�ن�ي��ات ال�ت�ح�ت�ي��ة ف �ق��ط‪� .‬إن ��ه ي��روم‬ ‫�أي�ضا الت�أثري على الذهنيات وحتويل‬

‫املعتقدات وتبديل التقاليد والعادات‪.‬‬ ‫وبذلك مل ينظر �إىل اال�ستعمار على �أنه‬ ‫اقت�صاد فقط‪ ،‬ولكنه �أي�ضا فكر وثقافة‪.‬‬ ‫ومن هنا انربت املقاومة للآخر‪ .‬كانت‬ ‫ال�سلفية �إيذانا ل�صراع ال هوادة فيه مع‬ ‫الغرب واحل�ضارة الغربية منذ نهايات‬ ‫القرن التا�سع ع�شر وحتى نهاية احلرب‬ ‫الثانية‪ .‬ثم تلتها اال�شرتاكية لتميز بني‬ ‫غرب ر�أ�سمايل وغرب حترري و�إن�ساين‬ ‫ون�صري‪.‬‬ ‫م��ع ان �ه �ي��ار امل�ن�ظ��وم��ة اال� �ش�تراك �ي��ة‪،‬‬ ‫واحتالل �أمريكا موقع �صدارة متثيل‬ ‫الغرب كانت احلركات الإ�سالمية قد‬ ‫ا�ستعادت ب��دوره��ا موقع ال���ص��دارة‪.‬‬ ‫وب��ع��د �أح� � ��داث احل � ��ادي ع �� �ش��ر من‬ ‫��ش�ت�ن�بر‪ ،‬ت�ب��دل��ت ال �ع�لاق��ة م��ع الآخ��ر‬ ‫و�� �ص ��ارت �أك �ث�ر ع �ن �ف��ا وت �ط��رف��ا من‬ ‫ال �ط��رف�ين م �ع��ا‪ .‬ل �ق��د ح �ل��ت م��واج�ه��ة‬ ‫الإ�سالم حمل ال�شيوعية ‪.‬‬ ‫ل �ق��د ات �خ��ذت �أم��ري �ك��ا يف ��ص��راع�ه��ا‬ ‫م��ع امل �ن �ظ��وم��ة اال� �ش�تراك �ي��ة م�ف�ه��وم‬ ‫«ال�شيوعية»‪ ،‬ر�أ���س حربة للمواجهة‬ ‫‪ ،‬لأن ��ه ي�ج���س��د م��ا ك ��ان ي�ط�م��ح �إل �ي��ه‬ ‫اال�� �ش�ت�راك� �ي ��ون ‪ :‬ب� �ن ��اء «امل �ج �ت �م��ع‬

‫الالطبقي» حت��ت �سلطة «دكتاتورية‬ ‫الربوليتاريا»‪ .‬ولذلك مل تكن تتحدث‬ ‫عن اال�شرتاكية‪� .‬سارت �أمريكا على‬ ‫ال�ن�ه��ج ن�ف���س��ه يف ت�سمية احل��رك��ات‬ ‫الإ�سالمية املتطرفة‪ .‬لقد اختزلتها‬ ‫يف «الإره ��اب» ما دام �أ�صحاب هذه‬ ‫احل ��رك ��ات ي �ن �� �ش��دون ال �ق �ط �ي �ع��ة مع‬ ‫الغرب وبناء «الدولة ـ اخلالفة» التي‬ ‫تطبق فيها «ال�شريعة الإ��س�لام�ي��ة»‪،‬‬ ‫ومل تكن تتحدث عن الإ�سالم ب�شكل‬ ‫مبا�شر‪ ،‬و�إن ك��ان��ت الإ���ش��ارات‪ ،‬بني‬ ‫الفينة والأخرى‪ ،‬دالة وبينة‪.‬‬ ‫ال ي��زال هذا ال�صراع متمركزا حول‬ ‫الإ��س�لام وق��د �صار ردي��ف الإره��اب‪،‬‬ ‫�أو جم�سدا من خ�لال حركات ت�ؤمن‬ ‫بالعنف لتحقيق الدولة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫ما ميكن ت�سجيله يف هذه ال�صريورة‬ ‫هو �أن الآخ��ر‪� ،‬سواء ل��دى املتطرفني‬ ‫�أو املعتدلني معا‪ ،‬وجهان متناق�ضان‪:‬‬ ‫�سيا�سة وثقافة‪ .‬وب�إزائهما معا نحن‬ ‫�أمام مفارقة مزدوجة‪ :‬يكون التحالف‬ ‫الر�سمي‪ ،‬على امل�ستوى ال�سيا�سي مع‬ ‫الآخ��ر‪ ،‬ما دام التحالف موجها �ضد‬ ‫احل��رك��ات امل �ن��اوئ��ة داخ �ل �ي��ا‪ ،‬و� �س��واء‬


‫�سعيد يقطني‬

‫ك��ان��ت ه��ذه احل��رك��ات ا��ش�تراك�ي��ة �أو‬ ‫�إ�سالمية‪ .‬ويف الوقت نف�سه يتم رف�ض‬ ‫« فكر» الآخ��ر و«ثقافته » ما دام ذلك‬ ‫يتعار�ض مع « الفكر» الر�سمي ال�سائد‪.‬‬ ‫وباملقابل‪ ،‬جند لدى احلركات املعار�ضة‬ ‫رف�ضا ل�سيا�سة الآخر حني تكون موجهة‬ ‫�ضدها‪ ،‬وقبوال لها حني تكون لفائدتها‬ ‫«حقوق الإن�سان والدميوقراطية»‪ ،‬وجند‬ ‫ال�شيء نف�سه حني يتعلق بقبول عنا�صر‬ ‫م��ن ف�ك��ر الآخ���ر وث�ق��اف�ت��ه ��ض��د الفكر‬ ‫الر�سمي ال�سائد‪.‬‬ ‫�إن�ه��ا االنتقائية يف التعامل م��ع الآخ��ر‬ ‫وفكره و�إنتاجه تبعا ملقت�ضيات م�صلحة‬ ‫خا�صة‪ .‬وما دامت الذات تظل تبحث عن‬ ‫ذاتها دون �أن جتدها‪ ،‬ف�إنها ت�سرت�شد‬ ‫بالآخر كلما ا�ستدعت ال�ضرورة ذلك‪،‬‬ ‫حتى و�إن كانت تدعي العك�س‪.‬‬ ‫غ�ي�ر �أن ال ��وج ��ه الأك �ب��ر ل�ل�م�ف��ارق��ة‬ ‫يكمن يف التعامل م��ع منتوج الآخ��ر‬ ‫ال�صناعي والتكنولوجي ومع خربات‬ ‫علمائه ومهند�سيه ورج ��ال �أعماله‬ ‫وم�ستثمريه بال عقد وال م�شاكل‪ .‬يتم‬ ‫ا�ستهالك كل ما ينتجه ه��ذا الآخ��ر‪،‬‬ ‫وا�سترياد كل منتجاته من الورود �إىل‬

‫الطائرات النفاثة بل وحتى الأ�سلحة‬ ‫امل�ه�ترئ��ة‪ ،‬م ��رورا بالعطور وخمتلف‬ ‫مواد الزينة والتجميل وكل الب�ضائع‬ ‫م��ن �أب���س�ط�ه��ا �إىل �أك�ثره��ا تعقيدا‪.‬‬ ‫لذلك ن��رى احلياة اليومية العربية‪،‬‬ ‫يف ج��زء م�ن�ه��ا‪ ،‬ن�ت��اج م�ن�ت��وج الآخ��ر‪،‬‬ ‫وحتى نظام املبادالت مع هذا الآخر‬ ‫ال يتوقف �أبدا حيث �أن الواردات �أكرث‬ ‫من ال�صادرات‪.‬‬ ‫ل�ك��ن ح�ين يتعلق الأم ��ر بالنظريات‬ ‫وال �ع �ل��وم املختلفة يف جم��ال الآداب‬ ‫وال � �ف � �ن� ��ون وال � �ع � �ل� ��وم الإن� ��� �س ��ان� �ي ��ة‬ ‫واالجتماعية وال�ف�ك��ر جن��د احلديث‬ ‫ع��ن «ا��س�ت�يراد» النظريات والعلوم‪،‬‬ ‫وي �ت��م ات��ه��ام ب�ع����ض امل �ث �ق �ف�ين‪ ،‬تبعا‬ ‫لذلك‪ ،‬ب�أنهم «عمالء» الغرب والآخر‪،‬‬ ‫و�أن��ه��م ي �ق��وم��ون ب �ـ«ا� �س �ت�ي�راد» ه��ذه‬ ‫النظريات واملناهج يف حتليل الأدب‬ ‫واملجتمع والتاريخ‪� .‬إمنا يعملون على‬ ‫الق�ضاء على الثقافة العربية وعلى‬ ‫اللغة العربية ؟‬ ‫�إىل م �ت��ى ن �ظ��ل ن�ت�ع��ام��ل م��ع الآخ���ر‪،‬‬ ‫ه��ذا التعامل امل���زدوج‪ ،‬ف ُنقبل على‬ ‫«ا� �س �ت�يراد» ك��ل خم��زون��ات م�صانع‬

‫الآخ � � ��ر ب� �ه���دف اال�� �س� �ت� �ه�ل�اك‪ ،‬يف‬ ‫ح�ين ن��رف����ض «ال�ت�ف��اع��ل» م��ع‪ ،‬ولي�س‬ ‫«ا�سترياد» املجهود الفكري والثقايف‬ ‫والعلمي ال��ذي ي�صدر عن خمتربات‬ ‫ال �ب �ح��ث ال �ع �ل �م��ي‪ ،‬ب��ه��دف ال�ت�ف�ك�ير‬ ‫والبحث والإنتاج؟ تلك هي املفارقة‪.‬‬ ‫يف جم��ال العلوم وامل�ع��ارف ال ميكننا‬ ‫�أن نتحدث عن «اال�سترياد»‪ ،‬ولكن عن‬ ‫«التفاعل»‪ .‬قد يكون التفاعل �إيجابيا‬ ‫ح�ين ن�ع��ي ج�ي��دا ال �� �ش��روط والآل �ي��ات‬ ‫التي تتحكم يف �إنتاج املعرفة‪ ،‬ون�ؤمن‬ ‫بن�سبيتها‪ ،‬فنعمل من �أجل تطويرها‪.‬‬ ‫وقد يكون التفاعل �سلبيا حني نتعامل‬ ‫مع املعرفة «الأخرى» على �أنها نتائج‬ ‫نهائية‪ .‬وهذا هو ال�سائد عندنا‪ ،‬لأنه‬ ‫نتاج «رد الفعل» �ضد الذين يناوئون‬ ‫«ثقافة الآخر» ويرف�ضونها‪.‬‬ ‫املفارقة مزدوجة‪ :‬رف�ض لفكر الآخر‪،‬‬ ‫با�سم «الأ���ص��ال��ة»‪ .‬وق��ب��ول ل��ه با�سم‬ ‫«احل��داث��ة»‪ .‬وباال�سمني نظل ن��راوح‬ ‫«رد ال��ف��ع��ل» و«ال��ت��ف��اع��ل ال�سلبي»‪.‬‬ ‫ف��أن��ى لتفاعلنا �أن ي��ك��ون �إيجابيا؟‬ ‫���س��ؤال م��ع��ريف؟ فمتى �سنطرح هذا‬ ‫ال�س�ؤال؟‬


‫الملف‬ ‫‪24‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬


‫هل هي �أ�ضيق مما ت�ستحقه الثقافة؟‬

‫فضاءات‬ ‫الكتب المستعملة‬ ‫في العالم العربي‬ ‫جتول امللف يف املدن العربية التالية ‪:‬‬

‫�أبوظبي‪ ،‬ال�شارقة‪ ,‬القاهرة‪ ،‬اال�سكندرية‪ ،‬بغداد‪ ،‬الدار‬ ‫البي�ضاء‪ ،‬تون�س‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬طرابل�س‪ ،‬بنغازي‪ ، ،‬املنامة‪،‬‬ ‫الكويت‪ ،‬م�سقط‪ ،‬الريا�ض‪.‬‬

‫�شارك يف �إعداد امللف ‪:‬‬ ‫عبد اجلليل ال�سعد ‪ -‬حممد ال�سقا‬ ‫�صفاء البيلي ‪ -‬عبد الرحيم اخل�صار‬ ‫�إدري�س ع ّلو�ش‬

‫عادة ما يخرج القارئ من بيته باحثاً عن املعرفة فيلج�أ‬ ‫�إىل املكتبات واملعار�ض التي ت�ضع �أمامه الكثري من‬ ‫العناوين اجلديدة‪ ،‬لكنه �أحياناً يغري الوجهة فيع ّرج‬ ‫�صوب كتاب تناولته يد �أو �أيا ٍد �أخرى قبله‪ ،‬و �سهرتْ معه‬ ‫عني �أو عيون �أخرى ال يعرف عنها �أي �شيء‪.‬‬ ‫الكتاب امل�ستع َمل �أو ما ي�سميه باولو كويلهو «الكتاب‬ ‫امل�سافر» الذي ينتقل من يد �إىل �أخرى ومن قارئ �إىل‬ ‫�آخر‪ ،‬نتعقبه بالعامل العربي ون�سافر معه يف الف�ضاءات‬ ‫التي حتت�ضنه يف العوا�صم واملدن الكربى‪.‬‬


‫الملف‬ ‫‪26‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫«كتبية» القاهرة يحلمون بالعودة �إليه‬

‫سور األزبكية‪..‬‬

‫مستودع الذاكرة الثقافية المصرية‬ ‫يف العقود املت�أخرة‪ ،‬رمبا تكون القاهرة قد تنازلت ل�شقيقتها بريوت عن لقبها ك�أكرب قوة طباعة ون�شر‬ ‫للكتب‪ ،‬لكن يبقى بيع و�شراء الكتب يف القاهرة يف تزايد‪ ،‬ون�سبة تداول الكتب فيها هي الأعلى عربياً‪.‬‬ ‫زيارة لبائعي الكتب يف الأزبكية املعروفة بـ «�سور الأزبكية» تقدم للقارئ واملثقف العربي ملحات م�ستمرة‬ ‫عن ما�ضي القاهرة الثقايف والأدبي‪ .‬وال �أكون مبالغاً �إذا قلت �أن �سوق الكتب يف الأزبكية ال يناف�سه‬ ‫ُ‬ ‫�ضفاف نهر ال�سني مبدينة باري�س يف فرن�سا‪ ،‬فكالهما يحت�ضن الثقافة وي�سعى‬ ‫يف تفرده الثقايف �إال‬ ‫لتقدميها للنا�س مببال َغ زهيدة‪ .‬واحلقيقة �أن �سور الأزبكية لي�س جمرد مكان لبيع الكتب القدمية‬ ‫بل هو ذاكرة جمعية للثقافة ‪ ..‬ومكتباته م�ستودعات لت�شكيل العقل اجلمعي امل�صري‪ .‬ورفوفه املكتظة‬ ‫هي قبلة الباحثني والكتاب واجلمهور املثقفني بل والقارئ العادي‪.‬‬

‫ف�إن كنت �شغوف ًا بالقراءة �أو باحث ُا �أكادميي ًا �أو‬ ‫طالب ًا باجلامعة �أو مهتم ًا بالثقافة �أو حتى طف ًال‬ ‫�صغري ًا يبحث عن «حكايات ميكي» �أو كنت مغرم ًا‬ ‫بال�صحف واملجالت القدمية ف�أنت مدعو لتبلغ‬ ‫حاجتك وحت�صل على غايتك بني رفوف الكتب‬ ‫هناك وبثمن بخ�س لن يتجاوز جنيهات معدودة‪.‬‬ ‫قبل ربع قرن من الزمان كان الإذاع��ي والأديب‬

‫الكبري �سليمان فيا�ض يبث برنامج �إذاعي يحمل عام ازدحام ًا �شديد ًا ورواج ًا يف حركة البيع رغم‬ ‫ا�سم «�سور الأزبكية» و�إليه يرجع �إط�لاق لقب افتقاره �إىل نوع من التنظيم‪.‬‬ ‫«جامعة الفقراء» على �سور الأزبكية و�سوقه‪� .‬أما‬ ‫الهيئة امل�صرية العامة للكتاب فقد حفظت‬ ‫ماء دكتوراه من �سور الأزبكية!‬ ‫وجهها بتخ�صي�ص مكان بنف�س اال��س��م‪� :‬سور‬ ‫الأزبكية‪ ،‬يف معر�ض القاهرة ال��دويل للكتاب‪ ،‬جاء من �أ�سوان قبل �أربعني �سنة لي�ستقر مع �أخوته‬ ‫واملفاج�أة كانت �أن هذا الق�سم هو الذي ي�شهد كل يف القاهرة ويرث املهنة من والده احلاج الركابي‬


‫بائع الكتب القدمية ‪ ..‬كان يبيع الكتب يف منطقة‬ ‫الإ�سعاف ثم يف الأزه��ر ثم ا�ستقر به املقام يف‬ ‫�سوق الأزبكية‪ ،‬وال��ده كان على ال�سور منذ عام‬ ‫‪1940‬م‪ ،‬يتحدث �أحمد الركابي الر�شيدي الذي‬ ‫ح�صل على املاج�ستري ثم الدكتوراه من كلية‬ ‫الآداب عن �إهانة ال�سور حتت عني و�سمع وزارة‬ ‫الثقافة يف العهود ال�سابقة‪ ،‬يتحدث عن بائعي‬ ‫الكتب مب�صطلح «الكتبية» وي�شرحه يل ب�أنه‬ ‫يوازي ا�سم «الوراقني» قدمي ًا‪.‬‬ ‫املربع اجلغرايف للأزبكية يتكون من الأوب��را‪،‬‬ ‫وامل�سرح القومي‪ ،‬وم�سرح العرائ�س و�سور حديقة‬ ‫الأزبكية الذي ا�ست�ضاف بائعي الكتب «ال ُكتبية»‬ ‫من ‪1930‬م حتى ‪1970‬م ومن بعدها بد�أت فرتة‬ ‫التيه وال�شتات لأك�شاك الكتب ب�سبب عمليات‬ ‫التطوير يف العا�صمة وليدفع بائعي الكتب الثمن‬ ‫يف كل مرة‪ .‬ك�أنه خمطط لدفن عا�صمة الثقافة‬ ‫يف القاهرة «�سور الأزب�ك�ي��ة» منبع الثقافة يف‬ ‫م�صر‪ ،‬هكذا يرى �أحمد الركابي امل�شهد‪.‬‬ ‫بح�سرة يتحدث الركابي عن فرتة ازدهار ال�سور‬ ‫بزواره الأجانب قبل العرب‪ ،‬فحيث �أقف �أنا الآن‬ ‫وقفت «�آنا جو» رئي�سة املركز الثقايف الفرن�سي‪،‬‬ ‫و«ج��ي م��ارت��ن» رئي�س امللحق امل�صري مبتحف‬ ‫لندن‪ ،‬وغريهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫�أم��ا عن نوعية الكتب الأك�ث�ر طلبا يقول �أحد‬ ‫البائعني‪ :‬يف كل �صباح كنا نبيع رواي��ات �أني�س‬ ‫من�صور وجنيب حمفوظ وم�صطفى حممود‪ ،‬الآن‬ ‫كتب التنمية الب�شرية والإ�سالم ال�سيا�سي والكتب‬ ‫التي تتحدث عن القانون �أو املجتمع �أو الثورات‬ ‫�أو املذاهب الفكرية كالليربالية �أ�صبحت الأعلى‬ ‫مبيع ًا‪ .‬ويف النهاية تبقى القاعدة «�إذا مات امل�ؤلف‬ ‫زاد الطلب على كتبه» ‪ ...‬معادلة عجيبة يفهمها‬ ‫الكتبية جيد ًا‪ .‬ويح�سنون ا�ستغاللها لك�سب قرو�ش‬ ‫�أكرث يف ثمن الكتاب الذي مات م�ؤلفه حديث ًا‪.‬‬

‫موت النوادر‬

‫الكتب املهمة م�صطلح متغري‪ ،‬ف��ال��ذي يجعل‬ ‫الكتاب مهم ًا هو القارئ نف�سه‪ ،‬فمتى كان العقل‬ ‫اجلمعي للقراء يقظ ًا وعلى م�ستوى ع� ٍ�ال منح‬ ‫الكتاب العميق �أهمية خا�صة‪ ،‬ميكنك القول �إن‬ ‫الكتاب النادر ميوت مبوت من ي�س�أل عنه‪ ،‬و�إن‬ ‫الكتاب املهم يفقد �أهميته مبوت املثقف الواعي‬

‫سور األزبكية ليس‬ ‫مجرد مكان لبيع‬ ‫الكتب القديمة بل هو‬ ‫ذاكرة جمعية للثقافة‬ ‫ومكتباته أسهمت‬ ‫في تشكيل العقل‬ ‫الجمعي المصري‬

‫حماولة باءت بالف�شل لإبعادهم عن �سور الأزبكية‬ ‫قبل ثمانني �سنة من الآن‪.‬‬

‫بعتها وندمت‬

‫يحكي �أحد الباعة بالأزبكية عن ن�سخة خمطوط‬ ‫لديوان ابن الفار�ض تعود �إىل الع�صر العبا�سي‪،‬‬ ‫وا�ستطرد يذكرين ب�أبيات من �إح��دى ق�صائده‬ ‫وك�أنه يعرفني بابن الفار�ض ‪:‬‬

‫فا�سلَ ْم با َ‬ ‫حل�شا ما الهوى َ�س ْه ُل‬ ‫ُّ‬ ‫هواحلب ْ‬ ‫ف��م��ا اخ��ت��ـ��ـ��ـ��ـ��ا َر ُه مُ�����ض��ن ً��ى ب��� ِه ول��ـ�� ُه عَ�� ْق�� ُل‬ ‫حلـ ُّـب راحت ـ ُ ُه َعنـَاً‬ ‫الذي يفت�ش عنه‪ .‬هذه خال�صة حواري مع �أحد وعِ ـ ْـ�ش َخـاليـاً فا ُ‬ ‫الباعة «احلكماء» يف �سور الأزبكية‪ .‬و�أظنهم‬ ‫و�أول���ـُ���ـ���ـ���ـ��� ُه � ُ��س��ق��ـْ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� ٌم و�آخ���ـ���ـ���ـ���ـ��� ُره َق��ـ��ت��ـ��ـْ��ـ�� ُل‬ ‫جميع ًا قد وهبوا احلكمة من طول جماورة الكتب‪.‬‬

‫حلم الكتبية‬

‫يتفق جميع كتبية الأزبكية على حلم واحد يعرب‬ ‫عنه عم حربي – ‪� 62‬سنة‪ -‬بقوله‪« :‬بحلم �إن‬ ‫الدولة تهتم بال�سور كمنارة ثقافية ويتم ف�صل‬ ‫بائعي الكتب عن بائعي الإك�س�سوارات ال�صينية‬ ‫و�أدوات التجميل الذين احتلوا ال�شارع» �إنهم يف‬ ‫انتظار قرار تاريخي يعيدهم �إىل مكانهم القدمي‬ ‫حول �سور حديقة الأزبكية التي كان املهند�س‬ ‫الربيطاين «امل�س�ؤول عن رعاية حديقة الأزبكية»‬ ‫�إبان االحتالل الربيطاين‪ ،‬ي�أمر بر�شهم باملاء يف‬

‫قطع ا�ستمتاعي بكلمات اب��ن الفار�ض تنهيدة‬ ‫بائع الكتب الذي ا�ضطر لبيع الن�سخة القدمية‬ ‫حلاجته �إىل املال‪ ،‬ويكمل‪«:‬وما ندمت يف حياتي‬ ‫على �شيء كندمي على التفريط يف هذا املخطوط‬ ‫وال �أعلم �أين ذهب»�ص‪ ،‬رمبا مت بيعه �إىل الأجانب‬ ‫ومنهم �إىل متاحف ومكتبات �أوروب��ا كما حدث‬ ‫مع مئات الكتب النادرة على حني غرة من �أهل‬ ‫الثقافة وال�سيا�سة يف بالدنا‪.‬‬

‫مكتبة القاهرة بدون كتاب عربي‬

‫الأ��س�ت��اذ �أح�م��د – كما يحب �أن يعرف نف�سه‬


‫الملف‬ ‫‪28‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫عن بع�ضها ب�شكل وا�ضح‪ ،‬يف ك�شك منهم‪� ،‬أحد‬ ‫بائعي الكتب تراه يق ّلب يف كتاب �صور للأطفال‬ ‫وحوله عدد من الأطفال مع ذويهم وكتب الأطفال‬ ‫ب�ألوانها ال��زاه�ي��ة كفرا�شات متال�صقة‪ ،‬وفى‬ ‫الك�شك املجاور جل�س رجل عجوز يرتدي جلباب ًا‬ ‫ي�شغل وقته ب�ق��راءة ال �ق��ر�آن‪ ،‬ويف مقابله �شاب‬ ‫يدير مكتبتني يتنقل بينهما بخفة مرتدي ًا بنطلون‬ ‫جينز �ضيق وعلى مكتبه «الب ت��وب» و�سماعات‬ ‫ت�صدر عنها مو�سيقى الراب‪ .‬وبقربه ك�شك فيه‬ ‫رجل و�أوالده يعاونونه يف ت�صنيف الكتب‪ ،‬بينما‬ ‫جل�س عم �صربي كنبيل �أورب��ي و�سط كنوز كتبه‬ ‫املرتا�صة يف ك�شكه ال�ضيق‪� ،‬إنها م�صر جتتمع �أو‬ ‫تكاد مبختلف مكوناتها الثقافية واالجتماعية‪.‬‬

‫‪2012‬‬

‫�سور الأزبكية مدر�سة‬

‫بدون الإف�صاح عن بقية ا�سمه حتى �أنه كتب على‬ ‫بطاقة التعريف اخلا�صة به «الأ�ستاذ �أحمد» دون‬ ‫�أن يزيد على ذلك �شيء! با�ستثناء رقم الهاتف‬ ‫وا�سم مكتبته «مكتبة القاهرة»‪ .‬تخ�ص�ص يف‬ ‫بيع كتب التاريخ باللغة الأجنبية ‪ ..‬لي�س لديه �أي‬ ‫كتاب باللغة العربية‪� ،‬إال �أن مكتبته التي مل تتجاوز‬ ‫م�ساحتها مرتين مربعني حوت بداخلها كنوز ًا‬ ‫ال تقدر بثمن‪ ،‬كتاب ثمني لـ جا�ستون ما�سبريو‬ ‫‪ 1916 – 1846‬يتحدث عن تاريخ احل�ضارات‬ ‫القدمية باللغة الفرن�سية وجمموعة هائلة من‬ ‫«رح�لات يف �آ�سيا و�أفريقيا» بعدة لغات ر�أيتها‬ ‫نائمة يف جمال �أجهده الزمن فوق رفوف املكتبة‬ ‫العتيقة‪.‬‬

‫حكاية ال�سور‬

‫العم عبد اهلل حممد – ‪�62‬سنة‪ -‬يحكي تاريخ‬ ‫والده مع ال�سور ومعاناتهم مع املهند�س الإجنليزي‬ ‫الذي كان ي�أمر ع�ساكره بر�شهم باملياه لإبعادهم‬ ‫عن �سور حديقة الأزبكية – املقر القدمي لبائعي‬ ‫الكتب‪ -‬حتى ج��اءت ث��ورة ‪52‬م فكان ق��رار عبد‬ ‫النا�صر مبنحهم تراخي�ص للعمل ب�شكل م�ستقر‪،‬‬ ‫ويف العقود املت�أخرة وب�سبب عملية �إن�شاء مرتو‬ ‫ال�ق��اه��رة مت نقل البائعة بعد ه��دم الأك�شاك‬ ‫بالبلدوزر ب�إهانة �شديدة �إىل منطقة الدرا�سة‬

‫�إىل جوار اجلامع الأزه��ر‪ ،‬ثم عادوا بعد انتهاء‬ ‫املرحلة الأوىل من امل�شروع ليدخلوا يف فرتة من‬ ‫التيه والبهدلة – ح�سب تعبريه‪� -‬إىل �أن �أمر عبد‬ ‫الرحيم �شحاته حمافظ القاهرة قبل �سبع �سنوات‬ ‫ببناء �سوق الأزبكية يف مكانه احلايل «على بعد‬ ‫خم�سني مرت ًا من �سور جنينة – حديقة‪ -‬الأزبكية‬ ‫املكان القدمي لهم»‪.‬‬ ‫�إنها مبثابة �أف�ضل �أر�شيف عتيق لع�شاق الكتب‬ ‫امل�ستعملة يف القاهرة منت�شرة يف ما يزيد عن ‪132‬‬ ‫ك�شك موزعة يف �صفوف �ضيقة على �أربع حارات‬ ‫متوازية‪ .‬بنيت بطراز معماري مميز‪ ،‬ا�ستخدمت‬ ‫الأخ�شاب املطلية باللون البني القدمي لإ�ضفاء‬ ‫طابع تراثي عليها حتى �أن الذي يراه يظن �أنها‬ ‫من عهد املماليك! ‪ ..‬فالزخارف اخل�شبية هاللية‬ ‫ال�شكل تعلو جميع الأك�شاك يف تنا�سق ال يخلو من‬ ‫�إهمال غري خمل‪� .‬أما الباعة فعلى عك�س الأك�شاك‬ ‫املت�شابهة تالحظ �شخ�صياتهم م�ستقلة وخمتلفة‬

‫يحلم كتبية األزبكية‬ ‫بفصلهم عن بائعي‬ ‫اإلكسسوارات‬ ‫الصينية وأدوات‬ ‫التجميل وأن تنظر‬ ‫الدولة إلى السور‬ ‫كمنارة ثقافية‬

‫كل امل�شاهري يف عامل ال�صحافة والفن والأدب‬ ‫والثقافة هم يف احلقيقة تالميذ جنباء تخرجوا‬ ‫من مدر�سة �سور الأزبكية‪ ..‬ال تكاد جتد �أح��د ًا‬ ‫ممن ملعت �أ�سما�ؤهم يف �سماء م�صر �إال ومر على‬ ‫�سوق الأزبكية كقارئ وباحث عن الكتب‪ ،‬كان‬ ‫م�صطفى حممود ي�شرتي الكتب القدمية من «عم‬ ‫عبد اهلل»‪ ،‬ال�سادات كان هنا ‪ ..‬عبد النا�صر مر‬ ‫من هنا ‪ ..‬الكاتب وال�سينار�سيت الراحل �أ�سامة‬ ‫�أنور عكا�شة كان يزو ال�سوق ب�شكل منتظم‪� ،‬سور‬ ‫الأزبكية كما يقول عم عبداهلل هو املكان الذي‬ ‫ي�أتيه امل�شاهري ‪ ..‬قبل �أن ي�شتهروا ‪ ..‬لكن بعد‬ ‫�أن ي�شتهر �أحدهم فهو ال ي�أتي �إال ن��ادر ًا ‪ ..‬لكن‬ ‫يكفي �أن يذكرنا يف مذكراته كما فعل ال�سادات يف‬ ‫كتابه «البحث عن الذات» ‪ ..‬ولكن يبقى الكتاب‬ ‫هو �صاحب اجلاللة على حد و�صف عم عبد اهلل‬ ‫‪ ..‬ال �أخفيكم �سر ًا �سرت يف ج�سدي ق�شعريرة من‬ ‫قوة تعبريه التي �أ�ضافت �إليها جتاعيد الزمن‬ ‫املحفورة على ب�شرته ال�سمراء عمق ًا ال يو�صف‪.‬‬ ‫مل يفت عم عبد اهلل �أن ي�شري �إىل ظاهرة املر�أة‬ ‫ك�ق��ارئ وب��اح��ث ع��ن الكتب يف �سوق الأزبكية‪،‬‬ ‫بد�أت املر�أة تركب قطار القراء يف �سور الأزبكية‬ ‫‪ ..‬وي�سرت�سل دومنا �س�ؤال "وابني حممد يعاونني‬ ‫يف املهنة واحلمد هلل رزقه وا�سع وفاحت بيته من‬ ‫ال�شغل معايا يف بيع الكتب‪ ..‬و�سيبقى ال�سور‬ ‫مدر�سة تخرج امل�شاهري ‪ ..‬و�ستبقى ال�شهرة‬ ‫حتجبهم عنا و�ستبقى مذكراتهم مكان منا�سب‬


‫لرد اجلميل ‪ ..‬رمبا ‪ ...‬لكن الأكيد �أن الكتاب‬ ‫�سيبقى هو �صاحب اجلاللة الذي ال يعزل‪.‬‬ ‫�أحمد الد�سوقي – بائع كتب‪ -‬ال��ذي اختفى‬ ‫ن�صف وجهه حتت نظارته العجيبة ‪ ..‬والن�صف‬ ‫الآخر مدفون يف �صفحات كتاب يقر�أه م�ستثمر ًا‬ ‫وقته �أثناء جلو�سه يف مكتبته يف القراءة‪ ،‬منتظر ًا‬ ‫رزق��ه ال��ذي الب��د و�أن ي�أتي‪� ،‬أحمد تفاعل معي‬ ‫عندما حتدثنا عن م�صطفى حممود وكتاباته‬ ‫التي �أث��ارت ج��د ًال‪ ..‬وطريقته يف الكتابة التي‬ ‫تعنى بطرح الأ�سئلة �أكرث من البحث عن الإجابة‬ ‫لتفتح للقارئ باب ًا �أو�سع للتفكري‪ ..‬ميتلك �أحمد‬ ‫يف مكتبته جمموعة عالية القيمة من كتب قدمية‬ ‫�أ�صابتها ال�صفرة بفعل الزمن ‪ ..‬يلتقطها �أحمد‬ ‫ب�أنامله ‪ ..‬كجوهرة ثمينة ‪ ..‬ينف�ض عنها بع�ض‬ ‫الغبار ‪ ..‬يحملها بعناية �شديدة ‪ ..‬عمرها يزيد‬ ‫عن مائة �سنة ‪ ..‬هي يف احلقيقة كنوز ال تقدر‬ ‫بثمن‪ .....‬لكن الزبائن م�ضطرون للبحث و�سط‬ ‫�أك��وام من الكتب واملجلدات بع�ضها يرجع �إىل‬ ‫ع�صور ال�سالالت اخلم�س!‪ .‬البحث و�سط الكتب‬ ‫�سي�ستهلك من وقتك �ساعات‪ ،‬لكن من العا�شرة‬ ‫�صباح ًا وحتى العا�شرة م�سا ًء يومي ًا عدا اجلمعة‬ ‫الأك�شاك يف ا�ستقبالك‪.‬‬

‫بائع كتب وحملل �سيا�سي‬

‫�أثناء جتويل يف احلارات‪ ،‬لفت نظري رجل يرتدي‬ ‫قمي�ص ًا ر�سمي ًا بلون �أزرق‪ ،‬و�سامته باقية حتى‬ ‫بعد �أن عاجلها الزمن ‪ ..‬طريقة جل�سته كنبيل‬ ‫�أو ثري خ�سر ممتلكاته لكنه احتفظ بالعظمة‬ ‫والأبهة ك�أنه خديوي �سابق‪� ،‬شعرت �أنه �أعمق مما‬ ‫يبدو‪ ،‬قادين ف�ضويل للحديث معه‪ ،‬ي�س�أله يف كل‬ ‫دقيقة �شابان �أو �أكرث عن كتب ومراجع �أجنبية‬ ‫يجيب بكال�سيكية و�شموخ‪ ،‬يختال يف م�شيته‬ ‫كطاوو�س‪ ،‬يح�ضر الكتاب املطلوب يف خفة حاوي‬ ‫�شعبي‪ ،‬يجيد قراءة عدة لغات‪ ،‬يحفظ ن�صو�ص ًا‬ ‫كاملة من الكتب‪ ،‬تال على م�سامعي فقرة كاملة‬ ‫يحفظها من كتاب «البحث عن ال��ذات» الذي‬ ‫دون فيه الرئي�س امل�صري الراحل �أنور ال�سادات‬ ‫مذكراته‪« :‬كنت �أنزل �إىل �سور الأزبكية و�أنحني‬ ‫على ركبتي لأب �ح��ث ع��ن ك �ت��اب»‪..‬ال��خ‪ ،‬تالها‬ ‫م��ن حمفوظاته وك��أن��ه مر�شد �سياحي يحفظ‬ ‫ذاك��رة املكان‪� ،‬أو موظف عموم يحفظ �أر�شيف‬

‫أنور السادات في‬ ‫مذكراته‪« :‬كنت أنزل‬ ‫إلى سور األزبكية‬ ‫وأنحني على ركبتي‬ ‫ألبحث عن كتاب»‬ ‫عمله ب�شكل جيد‪ ،‬كان �أدا�ؤه �سينمائي ًا �إىل �أبعد‬ ‫حد‪ ،‬تطرق �إىل احلديث عن عالقة ال�سور مع‬ ‫ال�سيا�سة‪ ،‬فاملندوب الإجنليزي ك��ان ير�شهم‬ ‫باملاء لإبعادهم عن ال�سور‪ ،‬وعبد النا�صر �أ�صدر‬ ‫�أوامره برتخي�ص الأك�شاك ليمنحهم حق احلياة‪،‬‬ ‫وال�سادات خلد ا�سم ال�سوق يف مذكراته‪ ،‬وال�شتات‬ ‫واملطاردة كانتا �سمة التعامل يف النظام ال�سابق‪،‬‬ ‫�أما احلا�ضر فعم �صربي ال�سرجاين يراه �ضبابي ًا‬ ‫والر�ؤية غري وا�ضحة‪.‬‬ ‫قطع حتليله ال�سيا�سي ونه�ض من مكانه ودخل‬ ‫�إىل ممر �أ�ضيق داخل ك�شكه و�أخرج يل من بني‬ ‫خمب�أه كتاب «القاهرة يف �ألف عام» يوثق تاريخ‬ ‫القاهرة بال�صور من ‪969‬م �إىل ‪1969‬م ليطلعنا‬ ‫ عم �صربي ‪ -‬على توثيق �صورة منطقة �سور‬‫الأزبكية يف هذا الكتاب يف ال�ستينيات‪ ،‬لي�ؤكد‬ ‫�أن مكانهم الطبيعي حول ال�سور ويعمق جذور‬ ‫احلكاية التي امتدت عرب ال�سنوات‪.‬‬

‫�أقدم رجاالت ال�سور‬

‫�أما احلاج حممود حممد ال�صعيدي – ‪� 72‬سنة‬

‫ �أق��دم رج��االت ال�سور‪ ،‬لديه �أحمد وحممد‬‫وكالهما يعمل يف مهنة بيع الكتب‪ ،‬فمالحمه‬ ‫ال حتتاج �إىل �أ�سئلة ‪ ..‬خم�سون عام ًا ق�ضاها‬ ‫على �سور الأزبكية ‪ ..‬وال زال يف موقعه ‪ ..‬يعمل‬ ‫كابن الع�شرين‪ ،‬جلبابه الب�سيط ‪ ..‬وحتته‬ ‫«ال�صديري الفالحي ال�شهري» وطاقية ككتبه‬ ‫القدمية كالتاج على ر�أ��س��ه‪ ،‬جتاعيد وجهه‬ ‫حتكي حكايته مع الزمن‪ ،‬يتجرع �أمل��ه الذي‬ ‫يخفيه حتت خفة دم��ه‪� ،‬س�ألته‪�« :‬إن��ت قدمي‬ ‫هنا؟» فقال يل ‪ :‬ال‪� ،‬أنا هنا من �أكرث من �أ�سبوع‬ ‫فقط‪ ،‬وتركني وم�ضى يف �إكمال ترتيب كتبه‬ ‫املتناثرة‪ ،‬درت حوله واعتذرت له عن �صيغة‬ ‫ال�س�ؤال التي مل تعجبه‪ ،‬فتب�سم �ضاحك ًا‪ ،‬وقال‬ ‫�صدقني �أنا ل�سه ب�أتعلم مهنة الكتب‪ ،‬ثم جل�س‬ ‫على كر�سيه املك�سور يت�أمل‪ ،‬وجل�ست �أنا بني‬ ‫يديه كتلميذ‪ ،‬فطلب يل كوب ًا من ال�شاي‪ ،‬وبد�أ‬ ‫حديثه ين�سال كال�سكني القاطع‪ ،‬يتحدث عن‬ ‫�إهمال وتغييب و�ضيق حال و�صراع يومي مع‬ ‫م�ستجدات احلياة‪ ،‬و�أكرث ما ي�ؤمل يف امل�شهد‬ ‫را�ض برزقه‪ ،‬والأ�شد �أمل ًا‬ ‫ما�ض يف مهمته‪ٍ ،‬‬ ‫�أنه ِ‬ ‫�أنه ال يزال يحلم ب�أن يعود ال�سوق �إىل مكانه‬ ‫اال�صلي حول ال�سور على ال�شارع الرئي�سي ليعود‬ ‫القارئ يتجول بحريته و�سط الكتب بعيد ًا عن‬ ‫احتالل بائعي الإك�س�سوار و�أدوات التجميل‬ ‫الذين ي�شوهون �صورة املكان‪� ،‬إن��ه الأم��ل يف‬ ‫غدٍ جديد يحمل معه م�ستقب ًال �أف�ضل للثقافة‬ ‫ومعذبيها‬


‫الملف‬ ‫‪30‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫ع المتن ِبي ببغداد‬ ‫شار ُ‬

‫ِق ْبل َ ُ‬ ‫م َّ‬ ‫العرَا ِقي‬ ‫ة ال َ‬ ‫ياة لل ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ثق ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫على الرغم من التفجريات التي كثرياً ما كانت تق�ض م�ضاجع العراقيني بني حلظة و�أخرى وت�سرق‬ ‫الأمان من قلوبهم‪� ،‬إال �أنهم ما يزالون يحلمون اال�ستقرار‪ ،‬وي�ؤمنون �أن الثقافة مهما ّ‬ ‫قل االهتمام‬ ‫بها يف جو �صار فيه القب�ض على رغيف خبز غري ملطخ بالدماء �أطيب ما يف احلياة!‬ ‫بني هم�سات املارة و�ضجيج �أ�صحاب املحالت و�أ�صوات الأغاين املتداخلة التي ت�شعر بكدها و�إنهاكها‬ ‫ال مكب ً‬ ‫وهي تخرج من املذياع ك�أنها �سارت طريقاً طوي ً‬ ‫ال بال�صخور ال�صلدة لت�سرتيح يف �آذان‬ ‫الواقفني على عتبات الدكاكني يقلبون ها هنا مرة وهناك �أخرى‪ ..‬كامنا ُ‬ ‫كل يبحث عن ذاته يف كتاب!‬


‫�سابح‪...‬‬ ‫ورمبا لأن "�أعز مكان يف الدنا �سرج ُ‬ ‫كتاب" كما �صدح املتنبي‬ ‫جلي�س يف الزمان ُ‬ ‫وخري ٍ‬ ‫ذات يوم ليظل هو املتنف�س احلقيقي للمثقفني‬ ‫العراقيني كما هم�س بذلك �أحد املثقفني بذلك‬ ‫ذات ي��وم‪ ،‬فمتى ذهبت وج��دت ال�شارع ميوج‬ ‫باحلركة ال يغيبه ال�سكون وال تخيفه طلقات‬ ‫الر�صا�ص و�أ�صوات القنابل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يقع ��ش��ارع املتنبي جغرافيا و�سط العا�صمة‬ ‫العراقية "بغداد" بالقرب من منطقة امليدان‬ ‫و�شارع الر�شيد‪ ،‬وتاريخي ًا يعود �إىل �أواخر الع�صر‬ ‫العبا�سي‪ ،‬مبنطقة يطلقون عليها "الق�شلة"‪.‬‬ ‫و�شارع املتنبي الذي حتيطه املباين البغدادية‬ ‫العتيقة والتي ك��ان معظمها مقر ًا حلكم بني‬ ‫العبا�س‪ ،‬ك��ان مثله مثل الكثري م��ن ال�شوارع‬ ‫العربية ال�ت��ي تهتم ب�ت�ج��ارة ال�ك�ت��اب بنوعيه‬ ‫اجلديد وامل�ستعمل‪ ،‬وقد �أخذ �صيته و�سمعته التي‬ ‫�سرت هنا وهناك من الدور اجلليل الذي يقوم‬ ‫به يف تنوير وتثري الوعي عن طريق الكتاب الذي‬ ‫ما يزال يجد ع�شاقه رغم وح�ش التكنولوجيا‬ ‫والإنرتنت الطاغي‪ ،‬ب إ�لإ�ضافة �إىل ذلك فهي‬ ‫حتوي مطبعة تعود �إىل القرن التا�سع ع�شر‪.‬‬ ‫كما يعترب امل�صدر الرئي�س لثقافة الأهايل‪ ،‬تكون‬ ‫فيه حركة البيع وال�شراء ن�شطة لكنها ت�صبح‬ ‫�أكرث ن�شاط ًا وحركة يوم اجلمعة‪.‬‬ ‫ويف عهد امللك في�صل مت �إطالق ا�سم �شاعر‬ ‫العربية الأول «املتنبي» عام ‪1932‬تيمن ًا به ملا‬ ‫ا�شتهر عنه من �آيات ال�شجاعة والإقدام‪.‬‬ ‫يف �أوائ��ل الت�سعينيات من القرن املا�ضي ويف‬ ‫ظل احلظر الدويل الذي مت فر�ضه على العراق‬ ‫�صار هذا ال�شارع‪ ،‬بخا�صة يوم اجلمعة ملتقى‬ ‫للمثقفني وحمبي الكتب حيث يقوم البائعون‬ ‫بعر�ض ما لديهم من الكتب من كل �صنف ولون‪،‬‬ ‫كما تنت�شر فيه مكتبات الر�صيف هنا وهناك‪.‬‬ ‫وال�شارع ُيقدّر طوله بحوايل كيلومرت‪ ،‬وي�ستقبله‬ ‫متثال للمتنبي واقف ًا يف �إباء مي ِّمم ًا وجهه �شطر‬ ‫اجلانب ال�شرقي لنهر دجلة العظيم‪ ،‬منتهي ًا‬ ‫بقو�س ارتفاعه يقرتب من الع�شرة �أمتار‪ ،‬مزين‬ ‫ببيت ال�شعر املعروف بالبيت الذي قتل �صاحبه‪:‬‬ ‫«اخليل والليل والبيداء تعرفني‪ /‬وال�سيف‬ ‫والرمح والقرطا�س والقلم»‪ .‬وال��ذي ا�ست�شف‬ ‫منه النقاد مدى �شجاعة الرجل و�إقدامه‪.‬‬

‫ه��ا هنا يف �أروق ��ة ال���ش��ارع يجد ك � ٌل بغيته‪،‬‬ ‫حتى ع�شاق التكنولوجيا والكمبيوتر �صاروا‬ ‫يجدون مبتغاهم من الكتب الإلكرتونية «�سي‬ ‫دي» واخل��رائ��ط‪ ،‬كذلك توجد عدة مكتبات‬ ‫تعر�ض اخلرائط والر�سائل الأثرية‪ ،‬عالوة‬ ‫على كل �أنواع الكتب بجميع اجتاهاتها خا�صة‬ ‫ال�سيا�سية واالجتماعية والتاريخية‪ ،‬وال�سعر‬ ‫ب�سيط يف متناول اجلميع ال يتعدى مبلغ الـ‬ ‫‪ 250‬دينار ًا‪.‬‬

‫الشارع طوله حوالي‬ ‫كيلومتر يستقبله‬ ‫تمثال المتنبي واقف ًا‬ ‫في إباء وجهه شطر‬ ‫الجانب الشرقي لنهر‬ ‫دجلة العظيم‬

‫على الرغم من �أن ال�شارع مت افتتاحه ر�سمي ًا‬ ‫عام ‪� 2008‬إال �أنه ما يزال �شاهد ًا هو ومن فيه‬ ‫من �أ�صحاب الدكاكني على عنف الأمريكان‬ ‫�أو «�أحفاد هوالكو» كما ي�سميهم البغداديون‪،‬‬ ‫حيث �أدم��ى ف� ��ؤاده العديد م��ن التفجريات‬ ‫املتتابعة والتي كان من نتائجها �أن التهمت‬ ‫ال�ن�يران مكتباتها العريقة وحتولت الكتب‬ ‫�إىل رم��اد‪ .‬كما ُق ِت َل و�أ�صيب الكثريون ممن‬ ‫ما تزال دما�ؤهم �شاهدة على ه�ؤالء الذئاب‬ ‫وتلعنهم‪� .‬شارع املتنبي العريق‪ ..‬رمبا ي�شبهه‬ ‫بع�ضهم ممن اعتادوا على ارتياده مبتحف‬ ‫للوجوه �إمعان ًا يف �أن�سنته حيث تعتاد الوجوه‬ ‫بع�ضها بل وتت�صادق يف كثري من احل��االت‬ ‫لت�صنع الثقافة ما ال ي�صنعه البارود واملال‪،‬‬ ‫قلب ي�شعر بدبيب‬ ‫�أما �أنا‪ ..‬ف�أراه وقد نبت له ٌ‬ ‫�أقدام مواطنيه فيجمعهم بني جناحيه واهب ًا‬ ‫لهم دفء احلب و�شبع املعرفة!‬


‫الملف‬ ‫‪32‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫باعة كتب ‪ ..‬أم عشاق؟‬ ‫شارع النبي دانيال باإلسكندرية‬ ‫و�صلت �إىل الإ�سكندرية وكلي لهفة للقاء هذا ال�شارع من جديد‪ ،‬حكايات كثرية‪ ،‬ومواقف‬ ‫�إن�سانية وعظمة متوا�ضعة كانت يف انتظاري‪ ..‬درا�ستي يف القاهرة مل ت�سمح يل ب�أن �أكون من‬ ‫زواره الدائمني‪ ،‬بعد �أن ر�أيته اليوم �أكرر ما �أقوله دوماً‪ :‬ال�شارع تاريخي بامتياز‪..‬‬ ‫عليك �أن ت�ستقل �سيارة «املن�شية» وترتجل �إىل من مهنة �إىل ع�شق‬

‫الكورني�ش‪ ،‬وبعد �أن تعطي ظهرك للبحر‪ ،‬تتوجه‬ ‫�سري ًا على الأق��دام ملدة خم�س دقائق لت�صل �إىل‬ ‫�شارع النبي دانيال ال��ذي يكتظ يف ج��زءه الأول‬ ‫مب�ح�لات تبيع ب�ضائع �إل�ك�ترون�ي��ة‪� ،‬أم��ا اجل��زء‬ ‫الثاين فيبد�أ مع تقاطع �شارع �سعد زغلول ‪ ..‬تبدو‬ ‫الأك�شاك ال�صغرية هنا كموجات بحر هادئ على‬ ‫ي�سار ال�شارع‪ ،‬رائحة الورق القدمي ت�شري وبقوة �أن‬ ‫التاريخ يباع هنا‪..‬‬

‫ع��م خمتار فهمي –‬ ‫�سنة‪ ،‬يظهر حيوية ا�ستثنائية �أثناء بيعه للكتب‪،‬‬ ‫ك��ان ف�ضويل ي�سبقني ملعرفة كيف و�صل هذا‬ ‫الو�سيم �إىل مهنة بيع الكتب القدمية‪ ،‬ق�صته مع‬ ‫الكتب بد�أت مع مكتبة بجوار بيتهم القدمي‪ ،‬بد�أ‬ ‫يف تعاطي الكتب كقارئ نهم منذ طفولته‪ ..‬وكانت‬ ‫�صداقته بابن �صاحب املكتبة ت�سمح له بالقراءة‬ ‫دون حتمل تكاليف �شراءها‪ ..‬مع الأي��ام ارتبط‬ ‫بالكتب وكانت احلاجه لتوفري بع�ض املال كافية‬

‫�صاحب ك�شك كتب‪52 -‬‬

‫لأن يبد�أ عم خمتار يف جت��ارة الكتب ال�صغرية‬ ‫بيع ًا و�شرا ًء يف يوم اجلمعة �أمام امل�ساجد الكربى‬ ‫م�ستغ ًال وجود عدد كبري من النا�س‪ ،‬وكانت مكتبته‬ ‫هي عربة يد خ�شبية‪ ،‬يقول عم خمتار‪ :‬وكنت �أقر�أ‬ ‫�أكرث مما �أبيع فتحولت �إىل عا�شق للكتب‪ ،‬يف بداية‬ ‫ال�سبعينيات كان امتالك مو�ضع قدم يف النبي‬ ‫دانيال حلم لبائعي الكتب‪.‬‬ ‫بد�أ عم خمتار يبيع كتبه على عربة اليد العتيقة‪،‬‬ ‫جتمعت العربات يف ال�شارع‪ ،‬وبعد �صوالت وجوالت‬ ‫م��ع رج��ال الإزال ��ة والبلدية ا�ست�سلم الر�صيف‬


‫ملغازلة الكتب وفتح ال�شارع ذراعيه ومت فر�ش‬ ‫الكتب على الر�صيف وبيع الكتاب بقر�ش �صاغ و‬ ‫بــ «ن�صف فرنك»‪.‬‬ ‫يحكي �أح��د املرتددين على ال�شارع وهو نا�شط‬ ‫حقوقي �أن��ه ك��ان ي�شرتي نف�س كتبه م��ن هذا‬ ‫ال���ش��ارع‪ ،‬حيث ك��ان معار�ض ًا وك��ان��ت الأج�ه��زة‬ ‫ال�سيادية تداهم بيته وت�صادر كتبه «م��ن باب‬ ‫النكاية والإ� �ض��رار ب��ه»‪ ،‬وك��ان ينزل �إىل �شارع‬ ‫النبي دانيال بعدها ب�أ�سبوع ليجد كتبه قد عرفت‬ ‫طريقها �إىل رفوف الأك�شاك ال�صغرية يف ال�شارع‬ ‫وك�أنها طيور احلمام ا�ستطاعت الإف�ل�ات من‬ ‫خمتطفيها وجنحت يف الو�صول �إىل �أع�شا�شها‬ ‫مرة �أخرى بقدرة عجيبة!!‬ ‫الكتب ت�صل �إىل �شارع النبي دانيال من عدة‬ ‫ط��رق‪� ،‬أ�شهرها جامعي الروبابيكيا وهي مهنة‬ ‫معروفة ي�شرتي �صاحبها الأ��ش�ي��اء القدمية‪،‬‬ ‫مالب�س وكتب و�أث��اث وحت��ف‪ ،‬ويقوم بف�صل كل‬ ‫نوع على حدة لت�ستقر الكتب القدمية يف �شوارع‬ ‫الكتب‪.‬‬ ‫�أما امل�صدر الثاين فهو ذلك النوع من الأجيال‬ ‫التي ال تعرف قيمة املكتبات املنزلية العتيقة‬ ‫التي خلفها �أجدادهم فباعوها من �أج��ل «عمل‬ ‫ديكورات حديثة» ملنازلهم �أو طلب ًا لتو�سعة املكان‬ ‫والتخل�ص من الـ «روبابيكيا»‪.‬‬ ‫�أم ��ا امل���ص��در ال�ث��ال��ث فقد اع �ت�بره ع��م خمتار‬ ‫«�سري للغاية»‪ ،‬عرفت بعد ذلك �أن هناك �شبكة‬ ‫كربى من التجار تدير عملية بيع الكتب القدمية‬ ‫والهامة‪ ،‬و�أن ه�ؤالء هم �أ�شبه مبافيا تبيع التاريخ‬ ‫مقابل املال‪.‬‬

‫�أي كتاب بـ ‪ 3‬جنيه!‬

‫جت��ارة الكتب التي مل تعد ت��در ربح ًا يف زماننا‬ ‫ه��ذا‪ ،‬اختار �أ�صحابها اال�ستمرار فيها حب ًا يف‬ ‫الثقافة‪ ،‬وتوريث ًا للمهنة‪ ،‬و�إدراكا لقيمة كتب من‬ ‫بينها نوادر‪ -‬ترا�صت يف �أك�شاك �أو علي الأر�ض‬ ‫نظر ًا ل�ضيق ذات اليد‪ .‬الفتة و�ضعها البائع على‬ ‫كومة كبرية من الكتب كتب عليها ‪� :‬أي كتاب بـ ‪3‬‬ ‫جنيه كفيلة ب�إي�صال الر�سالة وقادرة على التعبري‬ ‫عن �إميان ه�ؤالء مبا يفعلون‪.‬‬ ‫يحكي لنا ال�ع��م فهمي ع��زازي – بائع الكتب‬ ‫ب�شارع النبي دانيال‪ -‬كيف كانت �سعادته عندما‬

‫ح�صل على ن�سخة من تف�سري اب��ن كثري ُكتبت‬ ‫بخط اليد‪ ،‬وباعها مببلغ جمزي‪ ،‬وكذلك ن�سخة‬ ‫عتيقة من كتاب الأغاين‪ ،‬ختم عزازي كالمه ب�أن‬ ‫مهنته علمته �أن الكتاب كابنتك مهما �أحببتها‬ ‫�أو احتفظت بها فهي يف النهاية �ستجد حبيب �أو‬ ‫عا�شق ي�ستطيع خطفها من بني يديك تارك ًا لك‬ ‫حفنة من املال كمهر للعرو�س‪.‬‬

‫«الكتاب عمره ماهيموت» ‪..‬‬

‫حتول �إىل خطيب ثائر ب�شكل درامي عندما �س�ألته‬ ‫هل تعتقد �أن مهنة بيع الكتب �ست�ستمر؟؟‬ ‫ي�صر عم جمدي على توريث املهنة البنه ال�صغري‪،‬‬

‫مهنة بيع الكتب‬ ‫القديمة تستلزم‬ ‫مهارات متعددة ولها‬ ‫أباطرة وتحكمها‬ ‫منظومة قوية وبها‬ ‫أسرار يعتبرها أصحابها‬ ‫مقدسة‬

‫�شديد‪« :‬الكتاب عمره ماهيموت»‪،‬‬ ‫وي�ؤكد يف حزم ٍ‬ ‫يقول‪ :‬ب��د�أت �أن��ا و�أخ��ي منذ �أربعني �سنة يف بيع‬ ‫الكتب بجوار املركز الفرن�سي «على ميني ال�شارع»‬ ‫ثم انتقلنا �إىل ي�سار ال�شارع بعد �أن ح�صلت على‬ ‫ك�شك مرخ�ص‪� ،‬إن�سانية الق�صة ير�سمها عم‬ ‫جمدي ب�إ�صراره على توريث املهنة البنه الذي مل‬ ‫يتجاوز عامه الثاين ع�شر‪.‬‬ ‫�أع��ود �إىل ال�شارع املحمل بهموم ال��زم��ن التي‬ ‫ر�سمت تقا�سيم م�لاحم��ه‪ ،‬فمن خ�لال �شرفة‬ ‫مبني الأهرام العريق ميكن للناظر �أن يري معبد‬ ‫وكني�سة وم�سجد يعود تاريخ بنائه �إيل القرن‬ ‫الثاين ع�شر الهجري‪ ،‬ي�ضم �ضريح ال�شيخ حممد‬ ‫دانيال املو�صلي الذي جاء للإ�سكندرية يف نهاية‬ ‫القرن الثامن الهجري‪ ،‬وق��ام بتدري�س �أ�صول‬ ‫الدين وعلم الفرائ�ض علي النهج ال�شافعي‪.‬‬ ‫النبي دانيال – ال�شارع‪� -‬أ�صبح مبرور ال�سنوات‬ ‫م��زار ًا �سياحي ًا وقبلة للباحثني وع�شاق املعرفة‬ ‫وهواة اقتناء الكتب القدمية النادرة التي مل تعد‬ ‫تطبع‪ ،‬وللراغبني يف �شراء الكتب بثمن زهيد �أو‬ ‫بيعهاوا�ستبدالها‪.‬‬


‫الملف‬ ‫‪34‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫جنيب حمفوظ كان الأعلى مبيع ًا‬

‫الحظت تنوع الكتب التي يتم بيعها يف �شارع النبي‬ ‫دانيال‪ ،‬لكني كنت بحاجة ملعلومة دقيقة عن �أكرث‬ ‫الكتب مبيع ًا‪ ،‬يتحدث عم بخيت بح�سرة ال ي�ستطيع‬ ‫�إخفاءها عن تلك الأيام اجلميلة التي كانت كتب‬ ‫الأدب هي الأعلى مبيع ًا‪ ،‬ولكن اجليل تغري‪ ،‬يقول‬ ‫عم بخيت‪ :‬كان الزم نبيع كل يوم للعقاد وجنيب‬ ‫حمفوظ وخالد حممد خالد واملنفلوطي‪ ،‬لكن مل‬ ‫يكن �أحد يتفوق على مبيعات جنيب حمفوظ حتى‬ ‫نهاية الت�سعينات‪� ،‬أما بعدها فال �أدري ماذا حدث‬ ‫للجيل ‪ ...‬يبدو �أن اجليل تغري‪ .‬هكذا يتحدث بائع‬ ‫الكتب القدمية وال �أظنه �إال حكيم �أخفاه الزمن‬ ‫بني تالل الكتب‪.‬‬

‫�سر ال�صنعة‬

‫يخطئ من يظن �أن مهنة بيع الكتب القدمية مهنة‬ ‫ب�سيطة �أو �سطحية‪ ،‬واحلقيقة �أنها ت�ستلزم مهارات‬ ‫متعددة‪ ،‬كما �أن لها �أباطرة وحتكمها منظومة قوية‬ ‫وبها �أ�سرار يعتربها �أ�صاحبها مقد�سة‪ ،‬يقول عم‬ ‫جمدي �إن الذي تربى يف املهنة وهو �صغري على‬ ‫يد �أخوته �أو والده وجده هو فقط من يعرف �سر‬ ‫ال�صنعة لأن «الغريب» لن يعلمك �إال ما ميكنه من‬ ‫ا�ستغاللك والإف��ادة منك فقط‪ ،‬فهو يعلم �أوالده‬

‫كتبية النبي دانيال‪:‬‬ ‫لم يكن أحد يتفوق‬ ‫على مبيعات نجيب‬ ‫محفوظ حتى نهاية‬ ‫التسعينيات‬ ‫كيف يختار وينتقي الكتب وما هو الكتاب الذي ال‬ ‫يفرط به ب�سهولة وكيف يعرف عمر الكتاب من‬ ‫�شكله وكيف يقدر قيمة الكتاب‪ ،‬بل وكيف يتمكن‬ ‫من �إخفاء حر�صه على �شراء كتاب قيم من زبون‬ ‫يبيعه‪ ،‬ليظهر �أمام �صاحب الكتاب القيم مبظهر‬ ‫غري احلري�ص على ال�شراء حتى ال يزيد ال�سعر‪،‬‬ ‫يجيد الكثري من الباعة قراءة مفردات بعدة لغات‬ ‫«الإجنليزية والفرن�سية والإيطالية»‪.‬‬ ‫يف ه��ذا ال�شارع ر�أي��ت ن�سخة قدمية م��ن جملة‬ ‫االذاع� ��ة والتليفزيون وه��ي م��ن �أق ��دم و�أع ��رق‬ ‫املجالت امل�صرية ت�صدر �أ�سبوعي ًا عن احتاد‬ ‫الإذاع��ة والتلفزيون امل�صري‪� ،‬صدر العدد الأول‬ ‫منها يف ‪ 21‬م��ار���س ع��ام ‪ 1935‬با�سم ال��رادي��و‬ ‫امل���ص��ري وفيها كتب جنيب حم�ف��وظ وتوفيق‬ ‫احلكيم و�سكينة ف�ؤاد و�سامي ال�سالموين و�أحمد‬ ‫بهجت‪.‬‬ ‫وكنت �سعيد ًا عندما �أم�سكت عند �أح��د الباعة‬

‫مبجلة «اجل �ي��ل اجل��دي��د» ال�ت��ي �أ� �ص��دره��ا ت��و�أم‬ ‫ال�صحافة امل�صرية علي �أم�ين وم�صطفى �أمني‬ ‫عن م�ؤ�س�سة �أخبار اليوم عام ‪١٩٥١‬م‪ ،‬م�ستغرق ًا‬ ‫يف �أحالم اليقظة �أن �أكون على طريقهما يوم ًا ما‪.‬‬ ‫�ضربة مبنفعة‬ ‫تطرق ع��م �إب��راه�ي��م �سويلم وع��م زك��ي واحل��اج‬ ‫ح�سن و�أخ ��وه خمي�س وع��م نبيل باحلديث �إىل‬ ‫حملة الإزال ��ة الع�شوائية التي �شهدها ال�شارع‬ ‫يف ال�شهور الأخ�ي�رة‪ ،‬و�أف�صحوا عن مراراتهم‬ ‫ومعاناتهم اليومية يف الأك�شاك التي طالتها اليد‬ ‫العابثة‪� ،‬إال �أنهم ي�ؤكدون �أنه رب �ضارة نافعة فلقد‬ ‫حتولت املحنة التي طالت ال�شارع يف حملة الإزالة‬ ‫�إىل فر�صة ليعرف بائعو الكتب مدى �أهميتهم‬ ‫وت�صبح ال�ضربة التي مل تفلح يف ق�صم ظهورهم‬ ‫هي نف�سها التي متنحهم القوة والعزمية على‬ ‫اال�ستمرار يف تغذية م�صابيح املعرفة وامل�ساهمة‬ ‫يف تدوير �ساقية الثقافة من خالل �أكرب و�أهم رافد‬ ‫�شعبي لإمداد املثقفني بالكتب يف عامل حتا�صره‬ ‫الأوهام والأ�سئلة التي تبقى �إجاباتها �أو على الأقل‬ ‫مفاتيح �إجابتها عالقة بني �سطور الكتب ‪ ..‬ال�سيما‬ ‫تلك التي �صبغها الزمن بال�شيب‪ ،‬لكنه مل ينجح‬ ‫يف �إخماد جذوة �شبابها امل�شتعل بزيت احلاجة �إىل‬ ‫املعرفة‬



‫الملف‬ ‫‪36‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫�أ�شهرها «املقا�صي�ص» و«مطرح»‬

‫الكتاب القديم في أسواق الخليج العربي‬ ‫للكتاب طعم كال�سكر وروح كالن�سمة املعبقة باملعرفة واملتعة‪ ،‬وهي ظاهرة �أو �سمة خا�صة بد�أ تك�شفها من زمن‬ ‫التدوين والوراقني والكتاب الذي يحتاج لزمنا طويل لكتابته كامال و�إعطائه ل�صاحبه‪ ،‬لذا كان الكتاب ذو قيمة‬ ‫فنية ومعرفية ومادية‪ ،‬وقد كان الوراقون واخلطاطون مق�صد الأمراء وامللوك والوجهاء لقيمة ما يقدمونه يف‬ ‫هذا الباب وهذه املتعة وهي اقتناء كتاب‪� ،‬أما اليوم فالكتاب يطبع ب�آالف الن�سخ وماليينها �أحيانا « �إن كان ناجحاً‬ ‫ومقروءا» ويج ّلد بكل ما يخطر علي البال من جلود ومواد تغليف ال يت�صورها عقل‪� ،‬أما الكتاب القدمي والنادر‬ ‫واملخطوط �أحياناً فهو عملة نادرة وله �أ�سواقه و�أ�صحابه ومتابعو تنقله بني �أيدي املهتمني والقراء واملقتنني‪،‬‬ ‫كما له مكتبات وبيوت ودور ومزادات حول العامل‪ ،‬كما له رابطات ومزادات تتناقل �أخبارها الر�سائل والأخبار‪.‬‬ ‫ال�ك�ت��اب ال �ق��دمي وال �ن��ادر وج��د يف املكتبات للإعارة �أو الإه��داء‪ ،‬ويحتفي البيت بالكثري من‬ ‫املتخ�ص�صة وع �ن��د اجل��ام �ع�ين وامل � ��زادات الزوار يومي ًا وب�أعداد كبرية ‪.‬‬ ‫وال��دوائ��ر احلكومية الثقافية الر�سمية وغري‬ ‫�زارات‬ ‫الر�سمية‪ ،‬كما وجد يف �أحياء و�شبه م�‬ ‫املكتبة الع�صرية يف البحرين‬ ‫خا�صة يف الوطن العربي مثل �سوق الأزبكية الفقيد عبد اهلل �أحمد اجل��ودر �صاحب املكتبة‬ ‫يف م�صر ومثيالته يف باقي ال��دول العربية الع�صرية « امل�ؤ�س�سة يف اخلم�سينيات من القرن‬ ‫ولكن ب�أحجام ومقتنيات خمتلفة وتخ�ص�صات امل��ا��ض��ي» و�صاحب �أول مكتبة لبيع الكتب يف‬ ‫تختلف من منطقة �إىل �أخ��رى‪ ،‬وتعترب الهند البحرين‪ ،‬له ذكريات طويلة معي �شخ�صي ًا ومع‬ ‫« بومباي ودلهي وبع�ض مناطقها » من �أهم كل مثقفي البحرين‪ ،‬والفقيد را�صد جيد مل�ستوي‬ ‫مناطق تواجد املخطوط والكتاب الإ�سالمي‬ ‫الثقافة ومدي تطورها �أو تدنيها مبا يتلم�سه من‬ ‫وغري الإ�سالمي القدمي‪ ،‬وبها بع�ض الأ�سواق‬ ‫طلبات القراء من الكتب‪ ،‬واجل��ودر من القراء‬ ‫واملحالت اخلا�صة يعرفها املهتمون‪.‬‬ ‫اخلليج العربي يف عامل الكتاب القدمي والنادر مل اجل�ي��دي��ن واملتابعني للو�ضع ال�ث�ق��ايف والأدب ��ي‬ ‫يختلف عن باقي العامل ويف هذا توجد �أمثلة كثرية يف البحرين‪ ،‬ول��ه جت��ارب �سيا�سية ك ��أول نائب‬ ‫حية وقائمة وم�ستمرة يف تقدمي فاكهة املخطوطة للمجل�س‪ ،‬و�أت��ذك��ر �أن اخل��ط البياين لقراءات‬ ‫والكتاب القدمي ومنها بيت القر�آن يف البحرين النا�س هناك ارت�ب��ط ب�شكل ق��وي مب��ا يح�ضره‬ ‫وال��ذي جمع فيه الباحث والوجيه ورجل الدولة‬ ‫جمموعة �ضخمة ون��ادرة جدا من ن�سخ القر�آن المقاصيص تعني‬ ‫ال�ك��رمي يف مبني �ضخم كمتحف �سمي «بيت المفلسين والفقراء‪..‬‬ ‫القر�آن» مت افتتاحه عام ‪ 1990‬وي�ضم جمموعة وفي هذا السوق تجد‬ ‫كبرية م��ن املقتنيات والن�سخ ال �ن��ادرة والآث‬ ‫امللكية� �أو�ار كل شيء قديم‬ ‫والنوادر من التحف والكتب �إما بحق‬

‫ومستعمل حتى الكتب‬ ‫بالعربية واإلنجليزية‬

‫اجل���ودر‪ ،‬فكنا ن�ق��ر�أ ار��س�ين ل��وب�ين ث��م انتقلنا‬ ‫لروايات الهالل ثم �سالمة مو�سى ونوال ال�سعداوي‬ ‫ثم يو�سف ال�سباعي وبقية كتاب الرواية والق�صة‪،‬‬ ‫كما �شهدنا مرحلة كتب فو�ستا والكونت دميونت‬ ‫كر�ستو وباردليان‪ ،‬وكان باملكتبة الع�صرية كتب‬ ‫قدمية ون��ادرة ي�شرتيها ك�صاحب مكتبة ولي�س‬ ‫كمهتم بالأقتناء والبيت‪ ،‬واليوم فالكتب القدمية‬ ‫كلها مع ابنه الذي يحتفظ بها‪.‬‬

‫�سوق املقا�صي�ص يف البحرين‬

‫جتربة �آخ��ري يف الكتب القدمية وال�ن��ادرة هي‬ ‫«�سوق املقا�صي�ص»‪ ،‬واملقا�صي�ص تعني املفل�سني‬ ‫وال �ف �ق��راء‪ ،‬ويف ه��ذا ال�سوق ال��ذي يعد ذاك��رة‬ ‫بحرينية مهمة‪ ،‬جتد كل �شيء قدمي وم�ستعمل‪،‬‬ ‫وم��ؤخ��ر ًا تخ�ص�ص بع�ض الباعة يف بيع الكتب‬ ‫القدمية بالعربية والإجنليزية‪ ،‬رمبا �أ�شهرهم‬ ‫«مكتبة �صالح ال�شعبية» التي باتت اليوم حمطة‬ ‫يق�صدها �أكادمييون و�شعراء ومثقفون وكتاب‬ ‫و�أ�ساتذة وطالب جامعة و�صحافيون يف قلب هذه‬ ‫ال�سوق‪ ،‬ولكنك ب�شكل عام حتتاج �إىل جمموعة‬ ‫زيارات �إىل �سوق املقا�صي�ص حتي جتد ما تبحث‬


‫عنه‪ ،‬لأن الكتب قد تكون �ضمن ب�ضاعة �أخرى‬ ‫كثرية‪ ،‬لذلك قد جتد بال�صدفة كتاب ًا نادر ًا وقيم ًا‬ ‫ب�سعر ب�سيط‪ ،‬و�أذك��ر انني ا�شرتيت طبعة �أويل‬ ‫ون��ادرة لأ�شعار بابلو ن�يرودا بالعربية من �سوق‬ ‫املقا�صي�ص‪.‬‬ ‫الإم ��ارات امتلكت جتربتها اخلا�صة‪ ،‬فالكثري‬ ‫من امل�ؤ�س�سات الثقافية متتلك مقتنياتها من‬ ‫امل�خ�ط��وط��ات وال�ك�ت��ب ال �ن��ادر‪ ،‬ومنها املجمع‬ ‫الثقايف «هيئة �أبوظبي لل�سياحة والثقافة»‪ ،‬مركز‬ ‫زايد للرتاث والتاريخ يف العني‪ ،‬ومركز الوثائق‬ ‫واملخطوطات التابع لديوان الرئا�سة وكلها يف‬ ‫�أبوظبي‪ ،‬بقية الإم��ارات لها مراكزها للتوثيق‬ ‫واجلمع مثل جمعة املاجد يف دبي ومركزه امل�شهور‬ ‫عاملي ًا بكمية ونوعية املخطوطات وحركة الرتميم‬ ‫الكبرية التي ميار�سها املركز‪ ،‬حتي �أ�صبح مركز‬ ‫ا�ست�شارة وتدريب يف هذا املجال‪ ،‬وبقية الإمارات‬ ‫لها جتربتها يف اجلمع واالقتناء‪.‬‬

‫مزاد للكتاب يف ال�شارقة‬

‫قد قامت ال�شارقة م�ؤخر ًا وخالل �أيام ال�شارقة‬ ‫الرتاثية بت�شجيع من �صاحب ال�سمو حاكم‬ ‫ال�شارقة « وه��و مثقف ومقتني كبري للكتب‬ ‫واملخطوطات والوثائق ب�شكل �شخ�صي وعام‪،‬‬ ‫وله باع كبرية وخربة يف هذا املجال » ب�إقامة‬ ‫املزاد العاملي ‪.‬‬ ‫امل��زاد خطوة جديدة لأي��ام ال�شارقة الرتاثية‬ ‫وجمال االحتفاليات الرتاثية علي م�ستوي املنطقة‬ ‫العربية‪ ،‬وكان املزاد لفتة ال ميكن �إنكار �أهميتها‬ ‫والت�شويق الذي حظيت به من جمهور الزائرين‬ ‫وامل�ه�ت�م�ين‪ ،‬وف�ي��ه اجتمع ه ��واة اق�ت�ن��اء القطع‬ ‫الرتاثية والأث��ري��ة والطوابع والعمالت النادرة‬ ‫واملخطوطات والأدوات‪ ،‬فجعلت امل��زاد والأي��ام‬ ‫حدث ًا ال ميكن �إن�ك��ار �أهميته‪ ،‬فيما ي�ستحدث‬ ‫فيه من ن�شاطات‪� ،‬أوج��دت له جمهور ًا وزوار ًا‬ ‫يرتقبونه يف �شهر �أبريل من كل عام‪ ،‬كما قدمت‬ ‫ال�شارقة جتربة بيع الكتاب امل�ستعمل وفيها مت‬ ‫بيع جمموعة كبرية من الكتب امل�ستعملة ب�أ�سعار‬ ‫جيدة‪ ،‬واحتوي املعر�ض علي جمموعة من الكتب‬ ‫الغري موجودة يف املكتبات منذ مدة طويلة ‪.‬‬ ‫ب��اق��ي منطقة اخلليج بها الكثري م��ن املقنني‬ ‫والقراء‪ ،‬التقيت وزرت البع�ض منهم و�سمعت‬

‫�سوق املقا�صي�ص‬

‫عن الأخ��ري��ن مثل نا�صر املطوع من الريا�ض‬ ‫باململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬كما توجد جمموعة‬ ‫مقتنني من عدة مناطق خليجية وعربية يزورون‬ ‫امل�ؤ�س�سات الثقافية ويعر�ضون عليها مقتنياتهم‬ ‫وهي كثرية �أحيانا وحمدودة �أحيانا �أخرى‪.‬‬

‫�سوق مطرح‬

‫�سلطنة ع�م��ان ل�ه��ا جت��رب��ة م�ث�يرة يف الكتب‬ ‫القدمية �شاهدتها �شخ�صي ًا يف �سوق مطرح‬ ‫القدمي‪� ،‬أو كما ي�سمونه «�سوق الظالم»‪� ،‬أغلب‬ ‫تلك الكتب خمطوطات‪ ،‬والكثري منها متعلق‬ ‫بالطال�سم والتعاويذ وكتب ال�سحر‪ ،‬ويوجد‬ ‫يف عمان جمموعة خمطوطات وكتب ودواوين‬ ‫ق��دمي��ة ومكتوبة ب��ال�ي��د‪ ،‬وه��ي حمفوظة عند‬ ‫امل�شايخ والباحثني الكبار وبع�ض املعمرين‪ ،‬و�إن‬ ‫مل تعر�ض يف مزاد �أو مكتبة �أو معر�ض ‪.‬‬

‫جتربة امل�سباح يف الكويت‬

‫�صالح امل�سباح من الكويت جتربة نادرة وفريدة‬ ‫يف اخلليج العربي ورمبا العامل العربي كتجربة‬ ‫�شخ�صية لعا�شق ومهوو�س بالكتب واملخطوطات‬

‫مكتبة المسباح في «أرض‬ ‫البحار» بالكويت مركز نادر‬ ‫لتداول الكتب القديمة‬ ‫وهي مقصد لعشاق‬ ‫الكتاب في الخليج العربي‬

‫والإ�صدارات النادرة‪ ،‬وقد بد�أت هذه التجربة من‬ ‫�سبعينيات وثمانينيات القرن املا�ضي عندما كان‬ ‫يعمل يف وزارة الأوقاف بدولة الكويت‪ ،‬وتطورت‬ ‫ه��ذه الرغبة بعد ن�صيحة �أح��د الربيطانني له‬ ‫بجمع الأع ��داد الأويل من املجالت واجلرائد‬ ‫العربية‪ ،‬ثم تخ�ص�ص يف الكتاب فافتتح مكتبة‬ ‫�صالح امل�سباح يف �شارع اخلليج العربي «�أر�ض‬ ‫البحار» عدا �آالف الكتب القدمية واملخزنة يف‬ ‫بيته‪ ،‬وامل�سباح يتعامل يف الكتب مع الكثري من‬ ‫املقتنني‪ ،‬ويح�ضر مزادات كتب مبعدل �أ�سبوعي‪،‬‬ ‫كما رتب �أكرث من ‪ 100‬معر�ض لعر�ض وبيع هذه‬ ‫الكتب يف �أنحاء خمتلفة‪ ،‬ي�شرتي امل�سباح من كل‬ ‫�أنحاء العامل‪ ،‬وقريب ًا ا�شرتى �أطال�س من �أملانيا‬ ‫يعود ت��اري��خ طباعتها لعام ‪ ،1890‬وللم�سباح‬ ‫اليوم ‪� 10‬آالف كتاب يحتفظ بهم �شخ�صي ًا‪� ،‬أما‬ ‫ما يعر�ضه يف مكتبته �شبه املتخ�ص�صة فهو ‪40‬‬ ‫�ألف كتاب قدمي‪ .‬امل�سباح كاتب وباحث وم�سرحي‬ ‫وي�شغل الآن من�صب الأمني العام لرابطة الأدباء‬ ‫الكويتني وله عدة �إ�صدارات والكثري من اللقاءات‬ ‫وال�برام��ج التلفزيونية والإذاع �ي��ة يف الكويت‬ ‫تخت�ص بالكويت خ�صو�ص ًا واخلليج العربي‬ ‫عموم ًا‪ ،‬حتي �أطلق عليه لقب « ذاكرة الكويت »‪.‬‬ ‫ال زال للكتاب القدمي قيمته العلمية والنف�سيه‬ ‫ورائ �ح��ة احل�بر فيه �أزك ��ى للعا�شق م��ن عطر‬ ‫املحبوبة احلقيقية‬


‫الملف‬ ‫‪38‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫تعامل مع �شوقي والعقاد والكيالين‬

‫أقدم «كتبية» سور األزبكية‪:‬‬ ‫القراءة كانت زمان‪ ..‬والكتب اآلن زينة في المنازل‬ ‫طغت متعة احلديث معه و�سرده لذكرياته الطفولية احلميمة على الزحام ال�شديد وال�ضو�ضاء التي‬ ‫ت�صم الآذان وت�سبب ال�صداع الذي يجعل الواحد منا يق�سم ب�أغلظ الأيمْ ان �أنه لن يعود ملثلها ولن‬ ‫ي�أتي هذا املكان ثانية‪ .‬تتداخل نداءات الباعة اجلائلني من كل �صنف ولون جوارب �أكواب‪ ،‬مالب�س‪،‬‬ ‫و�أم�شاط‪ ..‬عالوة على كل منتجات ال�صني من كل �صنفٍ ْ‬ ‫ولون!‬


‫عم حممد ر�ضوان عبد اهلل‪ ،‬يعرفه كل الباعة‬ ‫يف ال�سور‪ ،‬ويرتاد ك�شكه ال�صغري الع�شرات من‬ ‫ع�شاق القراءة وحمبي الكتب‪ ،‬تراه وقد تناثرت‬ ‫ذرات الغبار املتطايرة من خبطاته الودودة على‬ ‫�أغلفة الكتب بني اللحظة والأخرى ملمع ًا �إياها‪،‬‬ ‫يتعامل معها بحب وع�شق �شديدين ك�أنها �أوالده‬ ‫الذين ال يناف�سهم يف قلبه �سوى تلك املهنة التي‬ ‫يراها ر�سالة والتي ورثها �أب ًا عن جد‪ ،‬كما يحب‬ ‫�أن يقول‪� .‬شعره الأبي�ض و�سنوات عمره التي تعدت‬ ‫االثنني وال�سبعني التي ما يزال يعمل ليثبت �أنه‬ ‫ي�ستطيع حملها على كتفيه‪ ،‬واالبت�سامة التي يلقى‬ ‫بها زبائنه تغريهم مبزيد من البحث والتقليب‬ ‫و�أح�ي��ان� ًا ال���ش��راء‪ ،‬ك�شكه مكتظ باملتناق�ضات‬ ‫تراها متجاورة يف �سالم ي�شبه �سالمه النف�سي‬ ‫الذي ميلأ روحه‪ .‬يباغتني �شرح املعلقات ال�سبع‬ ‫للزوزين بجوار مذكرات ت�شر�شل وكفاحي لهتلر‬ ‫و�أح�لام��ي ال تعرف ح ��دود ًا ل�ـ «ه �ـ ‪� .‬أ ‪ .‬رو���س»‬ ‫وال�صارم امل�سلول البن تيمية بجوار مفهوم الن�ص‬ ‫لن�صر حاد �أبو زيد‪ ،‬و�سر �أ�صل اجلرة ل�سيم�سون‬ ‫نايوفت�ش بجوار امل�سيخ الدجال و�ألف ليلة وليلة‬ ‫بجوار الذكاء االجتماعي جلون �أليك�س‪.‬‬ ‫عناوين كثرية مل �أ�ستطع �إح�صاءها فتوجهت �إليه‬ ‫ب�أ�سئلتي فكان هذا احلوار‪:‬‬ ‫م��ن ع���ام ‪ 1952‬ال���ذي ي�����ؤرخ ل��ث��ورة يوليو‬ ‫وعمرك حينها ‪ 12‬عاماً وحتى ‪ 2012‬الذي‬ ‫ي�شهد تبعات ثورة ‪ 25‬يناير تاريخ طويل‪ ..‬من‬ ‫�أين حتب �أن حتكي؟‬ ‫�أجمل �شيء يف الدنيا البداية‪ ،‬فعلى الرغم‬ ‫من �أنها كانت �أيام ًا �صعبة �إال �أنها كانت من‬ ‫�أجمل الأي��ام فقد كنت يف مراهقتي‪ ،‬و�أتذكر‬ ‫�أنني كنت �أرى امللك فاروق وهو ذاهب ل�صالة‬ ‫اجلمعة اليتيمة يف جامع عمرو بن العا�ص حيث‬ ‫�أ�سكن مبنطقة م�صر القدمية العريقة‪ ،‬كل‬ ‫ذلك و�أنا غر �أخرج يف ال�صباح لأذهب لعملي‬ ‫كـ «�صبي» يف مطبعة «اال�ستقامة» والتي ما تزال‬ ‫موجودة حتى الآن‪.‬‬

‫سور األزبكية عريق‪ ..‬منذ‬ ‫نهاية القرن التاسع عشر‬ ‫وبدأ نشاطه الفعلي مع‬ ‫بداية القرن العشرين‬ ‫وكان بائعو الكتب‬ ‫يحملونها فوق أيديهم‬ ‫ويمرون بها على الزبائن‬ ‫في الحديقة‬ ‫والكامل يف التاريخ البن الأث�ير ع�لاوة على‬ ‫تاريخ وتف�سري الطربي‪.‬‬ ‫�أمل يكن هناك اهتمام بكتب ال�شعر وامل�سرح؟‬ ‫كنا نهتم به طبع ًا ونطبع دواوين �أمري ال�شعراء‬ ‫وم�سرحياتهال�شعرية‪.‬‬ ‫هل تعرف �أ�سماء م�سرحياته؟‬ ‫طبع ًا �أع� ��رف؛ «ع�ل��ي ب��ك الكبري»و«قمبيز»‬ ‫و«جمنون ليلى»‪.‬‬ ‫وم��ن غ�ير �شوقي كنتم تهتمون بطباعة‬ ‫�أعماله؟‬ ‫املنفلوطي وم�صطفى �صادق الرافعي‪.‬‬ ‫ت���ت���ذك���ر ك����ل ه�����ذا وع����م����رك مل ي��ت��ج��اوز‬ ‫‪12‬عاماً؟‬ ‫نعم‪ ..‬ثم �إنني ا�شتغلت يف املكتبة التجارية‬ ‫ال��ك�ب�رى‪ ،‬وك ��ان ل�ه��ا ف ��روع يف الإ��س�ك�ن��دري��ة‬ ‫والقاهرة وكانت متخ�ص�صة يف ن�شر الرتاث‬ ‫و�أ�شعار املتنبي والبحرتي و�أبي متام‪ ،‬كما كانت‬ ‫املكتبة غنية ومتنوعة و�شاملة‪ ،‬وكانت توزع ما‬ ‫تقوم بطباعته للبالد العربية‪ ،‬فم�صر كانت يف‬ ‫هذا الوقت م�صدر ًا ال غنى عنه للكتاب العربي‪،‬‬ ‫لذا فقد كنا ن�صدر الكتاب امل�صري لبريوت‬ ‫و�سورية وغريهما من البالد العربية‪.‬‬ ‫متى انتقلتَ للعمل يف �سور الأزبكية؟‬ ‫مل انتقل ل�سور الأزبكية مبا�شرة‪ ،‬فبعد �أن ظللت‬

‫كاد اإلنترنت يقضي‬ ‫م���ا �أن�������واع ال��ك��ت��ب ال���ت���ي ك���ان���ت تطبعها على كل شيء‪ ،‬فكل‬ ‫اال�ستقامة؟‬ ‫الكتب الثمينة صارت‬ ‫كتب الرتاث مثل البداية والنهاية البن كثري‬ ‫موجودة على مواقع‬ ‫اإلنترنت‬

‫�أك�ثر من ع�شر �سنوات يف املطبعة‪ ..‬تركتها‬ ‫للعمل ببيع الكتب م��ن خ�لال ��س��ور الأزه ��ر‪،‬‬ ‫وهناك تعرفت على امل�شايخ الكبار و�أ�ساتذة‬ ‫الأزهر وعمداء الكليات‪.‬‬ ‫ب�صراحة هل بيع الكتب القدمية مربح؟‬ ‫«يبت�سم خج ًال» لي�ست مربحة‪ ..‬ولكن كل ما‬ ‫ي�أتي منها «بركة»‪ ،‬فقد ربيت �أوالدي ال�سبعة‬ ‫م��ن خ�يره��ا‪ ،‬تخرجوا دك��ات��رة ومهند�سني‪،‬‬ ‫واحلقيقة لو عملت يف جت��ارة �أي��ة �سلعة غري‬ ‫الكتب لكنت �س�أك�سب �أك�ثر‪ ،‬لكن بيع الكتب‬ ‫عندي كان ر�سالة عظيمة‪.‬‬ ‫م��ن �أ���ش��ه��ر ال�شخ�صيات الأزه����ري����ة التي‬ ‫تعاملت معها يف تلك الفرتة؟‬ ‫ك�ث�يرون منهم ‪ ..‬ال�شيخ على جمعة‪ ،‬مفتي‬ ‫اجلمهورية‪ ،‬كان دائم ًا ما ي�شرتي مني الكتب‬ ‫فقد كان قارئ ًا من الدرجة الأوىل‪ ،‬كما �أتذكر‬ ‫طالب ًا من طالب الأزه��ر‪ ،‬كان يعاين من �شلل‬ ‫برجليه‪ ،‬لدرجة �أن��ه كان يزحف على الأر���ض‬ ‫وكان بع�ض زمالئه يحملونه فوق �أكتافهم �أثناء‬ ‫ذهابهم و�إيابهم من الأزه��ر‪ ،‬وكانوا ي�شرتون‬ ‫مني الكتب امل�ستعملة‪ ،‬وكان هذا الطالب يجل�س‬ ‫عندي �أحيان ًا كثرية منتظر ًا �أ�صدقاءه‪ ،‬فكان‬ ‫يطلب مني �أن �أقر�أ له عناوين بع�ض الكتب التي‬ ‫�أبيعها‪ ،‬وكثري ًا ما كنت �أعطيه الكتب و�أح�صل‬ ‫على ثمنها م�ؤج ًال‪ ،‬هذا الطالب جنح جناح ًا‬ ‫باهر ًا‪ ،‬لكن الأزهر رف�ض تعيينه كمعيد لظروف‬ ‫�إعاقته‪ ،‬لكنه كافح وح�صل حتى على الدكتوراه‬ ‫وحينها �أرغمهم على تعيينه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هذا الطالب الذي كان مكفوفا معاقا هو الأ�ستاذ‬ ‫الدكتور زك��ي حممد عثمان وه��و الآن رئي�س‬ ‫ق�سم بكلية الدعوة بجامعة الأزهر‪ ،‬كما �أنه هو‬ ‫املتحدث الر�سمي للجامعة باللغة الإجنليزية‪،‬‬ ‫وكثري ًا ما �أقابله يف معر�ض الكتاب‪ ،‬فيلتفت ملن‬ ‫معه‪ ،‬ومن يجر كر�سيه املتحرك ليحكي حكايته‬ ‫معي‪ ،‬وكيف �أن يل دور ًا يف حياته‪ .‬كما �أود �أن‬ ‫�أقول �إن وزير الأوقاف احلايل الدكتور طلعت‬ ‫حممد عفيفي كان زميل الطالب املكفوف الذي‬ ‫�صار ملء ال�سمع والب�صر عند الأزاهرة‪.‬‬ ‫علي جيئة ورواح � ًا‬ ‫�أم��ا من �شاهدتهم وم��روا ّ‬


‫الملف‬ ‫‪40‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫عشنا فترة ذهبية‬ ‫التقينا خاللها باألساتذة‬ ‫مبكتبة الأزهر ومل �أتعامل معهم للأ�سف فكثري والمثقفين ثم بعدها‬ ‫من فطاحل الأزهر وجهابذته‪ ،‬مثل ال�شيخ عبد وحتى اآلن نعيش‬ ‫احلليم حممود ودكتور البي�صار‪.‬‬ ‫مهملين كـ«عمال‬ ‫حدثني متى بد�أت عالقتك ب�سور الأزبكية التراحيل»‬ ‫وما حكايتك معه؟‬ ‫عالقتي به متتد لأكرث منذ اثنني وثالثني عام ًا‪،‬‬ ‫فقد ظللنا نبيع الكتب يف �سوق الأزه��ر حتى‬ ‫قامت الدولة ب�إزالة �أك�شاكنا بعد زلزال ‪1992‬م‬ ‫وو�ضعونا يف الدرا�سة‪ ،‬التي ظللنا فيها ملدة �أربع‬ ‫�سنوات كاملة‪.‬‬

‫وكيف �سارت الأمور هناك؟‬ ‫لقد كانت تلك ال�سنوات بائ�سة‪ ،‬فقد انتقلنا من‬ ‫براح الأزهر ل�سجن الدرا�سة!‬ ‫�ألهذه الدرجة؟‬ ‫و�أك �ث��ر‪ ...‬ف�ف��ي ال��درا� �س��ة ك�ن��ا ننقطع عن‬ ‫ال �ع��امل‪ ،‬ف�ق��د ك�ن��ا يف ح�ضن اجل �ب��ل �أم��ام‬ ‫م�ست�شفى احل�سني اجلامعي‪ ،‬بال مبالغة‪،‬‬ ‫كنا يف منطقة مقطوعة وقريبني ج��د ًا من‬ ‫حي الباطنية ال�شهري‪ ،‬مما جعلنا نعي�ش يف‬ ‫رعب دائم‪.‬‬ ‫وماذا عن البيع وال�شراء؟‬ ‫البيع وال�شراء كان معط ًال فال �أحد ي�أتي وال �أحد‬ ‫يذهب �إال فيما ندر‪.‬‬ ‫وماذا كنتم تفعلون طوال النهار؟‬ ‫«ي�ضحك �ضارب ًا كفيه ببع�ضهما» كنا نق�ضي‬ ‫النهار يف لعب الطاولة وكثري ًا ما كنا نق�سم‬ ‫البائعني �إىل فريقني ونلعب كرة القدم!‬ ‫ع�شت رحالت عديدة «من الأزبكية للأزهر‬ ‫رايح جاي»احك يل؟‬ ‫بعدما ظللنا ثالث �سنوات ثقيلة الظل على‬ ‫قلوبنا و�أرزاقنا يف الدرا�سة‪� ،‬أ�صدر حمافظ‬ ‫القاهرة حينها دكتور عبد الرحيم �شحاته‬ ‫وو��ض�ع�ن��ا م��رة �أخ� ��رى يف �أك �� �ش��اك جم ّمعة‬ ‫ب��الأزه��ر والأزبكية خلم�س �سنوات ثم جاء‬ ‫قرار �إزالتنا‪.‬‬

‫الثمينة �صارت موجودة على مواقع الإنرتنت‪.‬‬

‫هل تغريت ع��ادات ال��ق��راءة و���ش��راء الكتب‬ ‫القدمية الآن عما قبل؟‬ ‫مل تعد القراءة مثل «�أيام زمان» «م��زاج»‪ ،‬كان‬ ‫النا�س قدمي ًا مدمنني للقراءة‪ ،‬ف�أحد زبائني‬ ‫ملاذا هذه املرة؟‬ ‫مث ًال كان يحكي يل �أنه كان يدخل بيته خمبئ ًا‬ ‫ب�سبب م�ت�رو الأن��ف��اق وك ��ان ذل��ك يف ب��داي��ة الكتب من زوجته التي يقتلها ال�ضيق من تراكم‬ ‫الثمانينيات‪ ،‬وو�ضعونا كلنا هنا بالعتبة وطالبونا الكتب هنا وهناك‪.‬‬ ‫ب ��إزال��ة الأك���ش��اك القدمية لي�أتوا لنا ب�أخرى‬ ‫جديدة على نفقتهم اخلا�صة‪ ،‬ومر وقت طويل‪ ،‬لكن ما ي��زال الكثريون يقر�أون وي�شرتون‬ ‫ونحن بال عمل وال بيع وال �شراء‪ ،‬حتى انتهوا من الكتب‪�..‬ألي�س كذلك؟‬ ‫�صنع الأك�شاك للمرة الرابعة وو�ضعونا فيها‪.‬‬ ‫لك‬ ‫امل�س�ألة ترجع للرتبية والتعود‪ ،‬لكنني �س�أقول ِ‬ ‫ما �آملني و�أده�شني يف نف�س الوقت من النا�س‬ ‫احلمد هلل ‪� ..‬أن��ت��م الآن أ�ك�ثر ا�ستقراراً‪ ..‬هذه الأيام بالن�سبة للقراءة والكتب‪.‬‬ ‫�ألي�س كذلك؟‬ ‫تف�ضل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫«يبت�سم ابت�سامة �أمل»‪ ،‬منذ فرتة قليلة �أخربونا كثريا ما ي�أتيني بع�ضهم بغر�ض ت�أ�سي�س مكتبة‬ ‫�أنهم يفكرون يف �إزالتنا للمرة العا�شرة ب�سبب يف منازلهم اجلديدة ويجمعون بع�ض الكتب‬ ‫اخلط اجلديد للمرتو‪.‬‬ ‫ذات الأغلفة امللونة اجلميلة‪ ،‬غري عابئني مبا‬ ‫فيها وال عما تتحدث‪ ،‬لكن االختيار يكون فقط‬ ‫كيف كان ال�سور من قبل؟‬ ‫لأن الكتب «�شكلها حلو»!!‬ ‫�سور الأزبكية عريق‪ ..‬فهو موجود منذ نهاية‬ ‫القرن التا�سع ع�شر‪ ،‬وبد�أ ن�شاطه الفعلي مع بداية‬ ‫رمبا هذا �سيئ لكن يغفر لهم تفكريهم يف‬ ‫القرن الع�شرين‪ ،‬وكان بائعو الكتب يحملونها �شراء الكتب نف�سها حتى لو للزينة!‬ ‫فوق �أيديهم ومي��رون بها على الزبائن فمنهم «يرد بحزن» الألعن من ذلك �أن بع�ضهم �صار‬ ‫ي�شرتي ومنهم من ُي ْع ِر�ض‪ ،‬ويف وقت الع�صر يعمل يف �شقته �أو بيته « ديكور للكتب» بالر�سم‬ ‫يجل�سون بجوار �سور حديقة الأزبكية بالقرب وهي لي�ست كتب ًا‪ ..‬القراءة �صارت عزيزة!!‬ ‫من مبنى الأوبرا القدمية‪ ،‬وم�سرح الأزبكية التي‬ ‫�شهدت روائع �أم كلثوم‪ ،‬ويف �أوقات الراحة كان‬ ‫َمنْ َ‬ ‫من الكتاب �أو املثقفني امل�شهورين كانوا‬ ‫النا�س ميرون على البائعني الواقفني وي�شرتون يتعاملون معك؟‬ ‫منهم‪ ..‬وم��رت ا ألي��ام ولأن املكان كان ملتقى �شاهدت وتعاملت مع بع�ضهم وتعاملت مع ورثة‬ ‫للمثقفني «الأوبرا وامل�سرح» فقد اعتادوا ال�شراء بع�ضهم الآخ��ر‪ ،‬فممن تعاملت معهم مبا�شرة‬ ‫منهم لإدمانهم القراءة ‪«..‬متح�سر ًا » �أما الآن؟ حممود عبا�س العقاد حيث كان ي�أتي �إىل املطبعة‬ ‫ونقوم نحن بطباعةعبقرياته‪.‬‬ ‫الآن ماذا؟‬ ‫كاد الإنرتنت يق�ضي على كل �شيء‪ ،‬فكل الكتب‬ ‫�صفه يل؟‬ ‫كان متو�سط القامة ويرتدي كوفية دائم ًا‪ ،‬كما‬ ‫ك��ان رج� ً‬ ‫لا ع�صامي ًا دقيق ًا ي��راج��ع ك��ل �شيء‬ ‫القراءة كانت زمان‪..‬‬ ‫بنف�سه قبل الطباعة‪ ..‬كنت �أح��ب مراقبته‬ ‫واآلن االختيار يكون‬ ‫خا�صة �إنني طاملا كنت �أمتنى ر�ؤية هذا الرجل‬ ‫فقط ألن الكتب‬ ‫العمالق ال�شهري الذي كنت �أ�سمع عن مناو�شاته‬

‫«شكلها حلو» وتصلح‬ ‫لديكورات البيوت‬


‫وخالفاته الثقافية مع الرافعي‪ .‬كذلك كاتب‬ ‫الأط �ف��ال « ك��ام��ل ك �ي�لاين»‪ ،‬كنت �أراه �أث�ن��اء‬ ‫ح�ضوره ال��دائ��م لدينا باملطبعة وق��ت طباعة‬ ‫كتبه التي كانت مطلوبة جد ًا وكان �أهم ميزة‬ ‫لديه توا�ضعه خلق ًا و�شك ًال‪ ،‬عالوة على �أنه كان‬ ‫رج ًال طيب ًا مبعنى الكلمة‪� ،‬أما من تقابلت مع‬ ‫ورثتهم فاملنفلوطي والرافعي فكالهما كانت‬ ‫م�ؤلفاته مطلوبة‪ ،‬وكان لزام ًا علينا يف املطبعة‬ ‫�أن نح�صل على توقيعهم على امللزمة الأوىل‪،‬‬ ‫وهو ما يحدد عدد الن�سخ التي �سيطبعها النا�شر‬ ‫وال يزيد عليها �شيئ ُا‪.‬‬ ‫ومَن من الأدباء واملثقفني املعا�صرين؟‬ ‫ك��ث�يرون منهم ج��م��ال الغيطاين ال���ذي كان‬ ‫رئي�س حترير « �أخبار الأدب»‪.‬‬ ‫وملاذا تتذكر الغيطاين بالذات؟‬ ‫لأنه كثري ًا ما كان يرتدد وما زال ثم �إنه كتب‬ ‫كثري ًا عن ال�سور و�أهله وم�شاكله‪.‬‬

‫مرا�سلة «تراث» خالل احلوار‬

‫هل تتذكر متى �شاركت يف �أول معر�ض كتاب‬ ‫دويل؟‬ ‫ع��ام ‪ 1963‬وك��ان مكانه يف �أر� ��ض املعار�ض‬ ‫باجلزيرة حينئذ‪ ،‬ويف ذاك الوقت طلب وزير‬ ‫الإر�شاد القومي �إقامة «�أ�سبوع الكتاب العربي»‬ ‫ف�صرنا نذهب بالكتب امل�ستعملة �إىل جميع‬ ‫املحافظات‪ ،‬و�أتذكر �أنهم كانوا يبنون ال�سد‬ ‫العايل حينها و�إنني طفت اجلمهورية بكتبي‬ ‫امل�ستعملة من �أ�سوان للفيوم ثم ال�سواحل فالوجه‬ ‫البحري‪ .‬تعرفنا على مدن وقرى وب�شر‪ ..‬كانت‬ ‫�أيام ًا جميلة‪.‬‬

‫�أعلم �أن �أك�ث�ر الكتب طلباً �أث��ن��اء ال��ث��ورة‬ ‫كان «كتاب طبائع اال�ستبداد» لعبد الرحمن‬ ‫ال��ك��واك��ب��ي ح��ت��ى �إن����ه مت���ت ط��ب��اع��ت��ه طباعة‬ ‫حديثة عدة مرات‪ ..‬هل هذا حقيقي؟‬ ‫�أريد �أن �أو�ضح لك �شيئ ًا‪.‬‬ ‫ك �ث�ير ًا م��ا ي�ك��ون ل�ل�إع�لام دوره العظيم‬ ‫يف ال�تروي��ج لكتاب م��ا �أو �سلعة بعينها‪،‬‬ ‫وكثري ًا ما يجيء النا�س لي�سالوا عن الكتب‬ ‫التي ر ِّوج لها ونوق�شت يف تلك القنوات‬ ‫الف�ضائية‪.‬‬

‫تق�صد �أيام عبد النا�صر؟‬ ‫نعم‪ ،‬كانت �أيامه كلها ثقافة وم�سرح و�سينما‬ ‫حتى املطربني العظماء كانوا �أيامه‪.‬‬

‫ما �أكرث �شيء تعلمته من بيع الكتب؟‬ ‫فلنعك�س ال�س�ؤال‪ ..‬ما الذي تعلمته من م�شرتي‬ ‫ال�ك�ت��ب؟ وه �ن��ا �أج�ي�ب��ك �أن ه �ن��اك م�شرتين‬ ‫عرفوين قيمة الكتب‪ ،‬ف�أحيان ًا يكون لديّ كتاب‬ ‫ثمني وال �أعرف قدره‪.‬‬

‫هل ت�أثر عملك ب�سبب ثورة ‪ 25‬يناير؟‬ ‫ط�ب�ع� ًا ك ��ان ه �ن��اك ت ��أث�ير حينها ط�ل��ب مني‬ ‫جرياين يف ال�سور العمل يف بيع الكتاب املدر�سي‬ ‫امل�ستعمل‪ ،‬لكنني رف�ضت على الرغم من �ضعف‬ ‫املردود املادي‪.‬‬

‫كانت أيام عبد الناصر‬ ‫كلها ثقافة ومسرح‬ ‫وسينما حتى المطربين‬ ‫العظماء كانوا أيامه‬

‫ه��ل وق��ع حت��ت ي��دي��ك كتب م��و َّق��ع��ة من‬ ‫�أدباء كبار؟‬ ‫كثري ًا ما كنت �أجد مثل هذه الكتب املوقعة وكنت‬ ‫�أتعجب لكنني �أرد ذلك �إىل حال الدنيا‪.‬‬ ‫م��ا �أط����رف امل���واق���ف ال��ت��ي قابلتك ط��وال‬ ‫رحلتك يف ال�سور؟‬ ‫ً‬ ‫طرائف كثرية فمث ًال‪« :‬مي�سك �أحدهم كتابا ثم‬ ‫يفتحه ويظل يقر�أ ويقر�أ ومي�شي ب�ضع خطوات‪..‬‬ ‫وي�ضع ي��ده يف جيبه ومل��ا ينتبه لوجودي ي�ضع‬ ‫الكتاب خج ًال ومي�ضي»!! وكثري ًا ما كنت �أخف�ض‬ ‫من ثمن الكتب ملثل ه�ؤالء‪.‬‬ ‫ما الفرتة الذهبية لعملك يف هذه املهنة؟‬ ‫كانت من ‪ 1970‬لعام ‪1992‬م‬ ‫ملاذا؟‬ ‫لأنني كنت �أحتك فيها بالأ�ساتذة واملثقفني ثم‬ ‫بعد هذه الفرتة حتى الآن ع�شنا مهملني كعمال‬ ‫الرتاحيل!‬


‫الملف‬ ‫‪42‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫ع�شاقها ال يحتاجون �إىل دليل‬

‫مزارات الكتاب القديم‬ ‫في المغرب العربي‬ ‫ال يوجد يف املغرب العربي �شارع بحجم ومقام �شارع املتنبي يف بغداد وال �سوق كربى ب�شهرة �سوق‬ ‫الأزبكية يف القاهرة‪ ،‬الف�ضاءات �صغرية لكنها منت�شرة هنا و هناك‪ ،‬وروادها ال يحتاجون �إىل دليل‪.‬‬ ‫حني ت�صل �إىل الدار البي�ضاء عرب حمطة القطار القريبة من امليناء �ستجد الف�ضاء ال�شا�سع الذي يقام‬ ‫فيه �سنويا املعر�ض الدويل للكتاب‪ ،‬وهو �أحد �أهم املعار�ض العربية‪ .‬املدينة التي حتت�ضن هذا املعر�ض‬ ‫حتت�ضن باملقابل �أمكنة �صغرية هي يف الغالب عبارة عن دكاكني و�أ�سواق تقرتح على من يرتادها �آالف‬ ‫العناوين يف الأدب والتاريخ والعلوم وخمتلف املعارف وبعدد من اللغات‪ ،‬لعل العربية �أولها‪.‬‬

‫وغري بعيد عن املكان �ستقودك �أقدامك �إىل‬ ‫« َل ْب َحرية» �إن كنت طبع ًا من مدمني البحث‬ ‫عن الكتب القدمية‪ ،‬البحرية ف�ضاء �شهري‬ ‫على �أع �ت��اب امل��دي�ن��ة ال�ق��دمي��ة‪ ،‬يف «درب‬ ‫االجن�ل�ي��ز» حت��دي��د ًا وغ�ير بعيد ع��ن حافة‬ ‫املحيط الأطل�سي تبدو الدكاكني مرتا�صة‪،‬‬ ‫مل يكن هنا مطلع ال�سبعينيات �سوى حملني‬ ‫فقط‪ ،‬ويف العقود الالحقة جت��اوز العدد‬ ‫الع�شرة‪ ،‬لكنه يف نهاية املطاف �ضئيل جد َا‬ ‫�سيما ح�ين يتعلق الأم ��ر مبدينة ي�سكنها‬ ‫املاليني‪.‬‬

‫�أدوني�س يف �سوق اخلردة‬

‫لي�ست البحرية املكان الوحيد‪ ،‬هناك «درب‬ ‫غ�ل��ف» ه��و الآخ ��ر ي�ضم �أك�ث�ر م��ن ع�شرة‬ ‫حمالت لبيع الكتب امل�ستعملة �أو ما ي�سميها‬ ‫املغاربة حتديدا «الكتب القدمية»‪ ،‬كانت‬ ‫هنا «جوطية» �أي �سوق اخل��ردة يف �شارع‬ ‫واط��و على مقربة م��ن ملتقى �ستاندال‪،‬‬

‫وب�ع��د احل��ري��ق ال ��ذي تعر�ضت ل��ه �أواخ ��ر‬ ‫ال�سبعينيات انتقلت ال���س��وق �إىل ��ش��ارع‬ ‫�أن ��وال‪ -‬فيليك�س ف��ور �سابقا‪ -‬ق��رب دوار‬ ‫مبريكو‪ ،‬حيث يجد الزائر �أكرث من ع�شر‬ ‫حمالت لبيع الكتب امل�ستعملة‪.‬‬ ‫التقينا هنا الكاتب املغربي حممد كويندي‬ ‫الذي تربطه عالقة وطيدة منذ �أربعة عقود‬ ‫م��ع ه��ذا امل�ك��ان وم��ع الأمكنة التي ت�شبهه‬ ‫يف خمتلف �أحياء ال��دار البي�ضاء‪ ،‬حدثنا‬

‫ال يوجد في المغرب‬ ‫العربي شارع بحجم‬ ‫ومقام شارع المتنبي‬ ‫في بغداد وال سوق كبرى‬ ‫بشهرة سوق األزبكية‬ ‫في القاهرة الفضاءات‬ ‫صغيرة لكنها منتشرة‬ ‫هنا وهناك وروادها ال‬ ‫يحتاجون إلى دليل‬

‫كويندي ع��ن ت��اري��خ درب غلف والبحرية‬ ‫وع ��ن � �س��وق الأرب� �ع���اء ب��ال �� �س��امل �ي��ة‪ ،‬وع��ن‬ ‫املكتبات التي انقر�ضت يف حي املعاريف‬ ‫حيث �أن�شئ الحقا وعلى مقربة من مكانها‬ ‫املركب الثقايف ال��ذي يحمل ا�سم الكاتب‬ ‫الكبري حممد زفزاف‪ ،‬كما حدثنا عن حمل‬ ‫�آخ��ر يوجد مبعرب التازي تركته �صاحبته‬ ‫الفرن�سية ملغربي ليتدبر �أمره بعدما عادت‬ ‫هي لبالدها‪.‬‬ ‫يف ال�ب�ح�يرة كما يف درب غلف ثمة كتب‬ ‫يبدو �أثر الزمن عليها وا�ضحا‪ ،‬و رمبا لأنها‬ ‫حتمل قيمة معرفية �أو جمالية كربى فقد‬ ‫تقلبت بني �أيد كثرية‪ ،‬وبع�ضها �صادر عن‬ ‫دور ن�شر مل يعد لها من وجود‪ ،‬بينما هناك‬ ‫كتب الزال��ت حتافظ على ن�ضارتها رغم‬ ‫�صدورها بعقد �أو عقدين‪ ،‬وهذا يعني �أنها‬ ‫كانت يف خزانة �آمنة‪� ،‬أو �أنها من مرجوعات‬ ‫�إحدى دور الن�شر‪ ،‬بل �إن بع�ض النا�شرين‬ ‫املغاربة حني تتقادم الكتب لديهم يف �أماكن‬


‫التخزين يدفعون بها من تلقاء �أنف�سهم �إىل مبدعون‪ :‬الكتاب دائم ًا‬ ‫�سوق الكتب امل�ستعملة راغبني على الأقل يف جديد‪ ..‬ال تنظر للغالف‬ ‫ا�ستعادة تكلفة الورق و الطبع‪.‬‬ ‫واألوراق والحبر وتأمل‬ ‫يحكي كويندي عن ذكرياته مع الكتب أثره في قلبك دائما‬

‫امل�ستعملة‪ ،‬فقد ا�شرتى مرة مكتبة كاملة‬ ‫لكاتب مغربي ووج��د يف �أح��د الكتب �شيك ًا‬ ‫با�سمه و�أعاده �إليه‪ ،‬كما �أنه عرث على كتاب‬ ‫وقعه �أدوني�س لأح��د املثقفني املغاربة‪ ،‬وال‬ ‫يعرف كيف ي�صل كتاب بتوقيع كاتب كبري‬ ‫ل�سوق اخل ��ردة ه��و الآخ ��ر‪ .‬م��ن هنا ومن‬ ‫ف�ضاءات �شبيهة ا�شرتى كتبا نادرة كر�سالة‬ ‫املالئكة ألب��ي العالء املعري و«االع�ت�راف‬ ‫بالق�صة الق�صرية» ل�سوزان لوهافو‪.‬‬

‫رحيل الكتبيني القدامى‬

‫�سيرتاءى لك هنا �شيء غريب‪ ،‬فبع�ض باعة‬ ‫الكتب امل�ستعملة يف البحرية يبيعون الطيور‬ ‫�أي �� �ض � ًا‪ ،‬ل��ذل��ك جت��د ال�ك�ث�ير م��ن �أق�ف��ا���ص‬ ‫ال�ك�ن��اري على عتبات الأب���واب‪ ،‬ال �أع��رف‬ ‫ما العالقة بني الكتب و الطيور‪ ،‬كويندي‬ ‫ي�ق��ول‪« :‬ال�ك�ت��اب ط��ائ��ر رم ��زي»‪ ،‬لقد كتب‬

‫ن�ص ًا ج��دي��د ًا عنوانه «الأل�ع��وب��ان» واملكان‬ ‫ال�سردي فيه هو ف�ضاء الكتب امل�ستعملة‪،‬‬ ‫ا�سم الوردة لأمربتو �إيكو يدور حول كتاب‬ ‫م�ستعمل وج ��ده ب�ط��ل ال��رواي��ة يف دهليز‬ ‫ق��دمي‪ ،‬ي�ضيف كويندي‪ ،‬و�إح��دى ق�ص�ص‬ ‫بورخي�س يحركها كتاب قدمي مير من يد‬ ‫�إىل يد‪ .‬ما الذي يجعل كاتب ًا �أو قارئ ًا يرتدد‬ ‫على هذا املكان با�ستمرار؟ يجيب حممد‬ ‫كويندي «لي�س ال�سبب دائما هو انخفا�ض‬ ‫الثمن‪ ،‬ثمة كتب ل��ن جتدها يف املكتبات‬ ‫ال �ت��ي ت�ع��ر���ض اجل��دي��د‪ .‬ث��م �إن ال��ذه��اب‬ ‫�إىل هناك ي�شبه الإدم ��ان وال��ول��ع‪ ،‬هناك‬ ‫حكايات و �أ�سرار‪ ،‬بع�ض الكتب وجدت فيها‬ ‫ملخ�صات وهوام�ش وت�سطريات وتعقيبات‬ ‫تعطيك فكرة عن الطريقة التي ق��ر�أه بها‬ ‫��ص��اح�ب��ه‪� ،‬صاحبه ال ��ذي ظ��ل يف الغالب‬

‫جمهو ًال بالن�سبة يل»‪.‬‬ ‫ب ��ودرار بلعيد رج��ل يبيع الكتب القدمية‬ ‫وامل�ستعملة منذ �أكرث من �أربعني عاما‪� ،‬إنه‬ ‫ال�ق�ي��دوم ه�ن��ا‪ ،‬حمله يف «�شطيبة» يحمل‬ ‫ال�ك�ث�ير م��ن الأ�� �س ��رار‪� ،‬أخ �ب�رين �أن عبد‬ ‫اهلل اب��راه�ي��م الرئي�س الأ��س�ب��ق للحكومة‬ ‫امل �غ��رب �ي��ة ك ��ان ي�ت�ردد ع �ل��ى حم �ل��ه‪ ،‬لي�س‬ ‫ه��ذا ال�سيا�سي فح�سب‪ ،‬ب��ل كبار الكتاب‬ ‫واملثقفني والإع�لام �ي�ين‪� .‬إن��ه يتح�سر لأن‬ ‫الزمن قد تغري‪ ،‬وكبار باعة هاته الكتب قد‬ ‫رحلوا وحتولت مكتباتهم �إىل حمالت لبيع‬ ‫�سلع �أخ��رى ال عالقة لها بالثقافة‪.‬يجل�س‬ ‫ال��رج��ل و� �س��ط رك ��ام ال�ك�ت��ب ال �ت��ي تنتمي‬ ‫حلقول خمتلفة‪ ،‬يقول‪« :‬هنا �أجد راحتي‪،‬‬ ‫الكتاب خري �أني�س يل �أنا �أي�ضا»‪ ،‬بودرار ال‬ ‫يبيع الكتب فح�سب‪ ،‬بل هو م�ستعد لتقدمي‬ ‫ال�شروحات ح��ول كل كتاب يبيعه‪ ،‬الكثري‬ ‫من الطلبة والباحثني والقراء يقبلون عليه‬ ‫والكثري من الأطاريح اجلامعية بنيت على‬ ‫كتب قدمية كانت يوما ما يف حمله‪.‬‬


‫الملف‬ ‫‪44‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫�ساحة الربيد املركزي ‪ -‬اجلزائر‬

‫�سوق �شعبية للكتب امل�ستعملة ‪ -‬املغرب‬

‫نهج الدباغني ‪ -‬تون�س‬

‫اجلزائر وحلم الكتب‬ ‫امل�ستعملة‬

‫يف اجل ��زائ ��ر ال�ع��ا��ص�م��ة � �س��اح��ة ال�بري��د‬ ‫املركزي هي درب غلف �أو البحرية يف الدار‬ ‫البي�ضاء‪ ،‬هناك حم�لات قليلة يف �شارع‬ ‫«ديدو�ش مراد» و ف�ضاءات �صغرية و عتيقة‬ ‫بـ«الق�صبة» و يف «�شوفايل» مكتبة حتمل‬ ‫ا�سما جميال «املولع باملطالعة»‪ ،‬لكن �ساحة‬ ‫الربيد هي �أهم نقطة للباحث عن الكتاب‬ ‫امل�ستعمل‪ ،‬والكتبيون هنا �صاروا يطالبون‬ ‫بتنظيم معر�ض �سنوي قار‪.‬‬ ‫الكاتب اجل��زائ��ري عبد ال ��رزاق بوكبة‬ ‫ا�شتغل على هذا الف�ضاء يف روايته «ندبة‬ ‫الهاليل»‪ ،‬لذلك �س�ألته عن املكان ف�أخربين‬ ‫�أنه حني دخل اجلزائر العا�صمة عام ‪2002‬‬ ‫م قادم ًا �إليها من قريته �أوالد جحي�ش كان‬ ‫خائفا من الفراغ وم��ن �أم��ور �أخ��رى‪ ،‬غري‬ ‫�أن �ساحة الربيد املركزي الف�ضاء الذي‬ ‫يتوفر على ع�شرات ال�ط��اوالت التي تبيع‬ ‫ال�ك�ت��اب ال �ق��دمي وامل�ستعمل ��س��اع��دت��ه يف‬ ‫البداية على التخل�ص من تلك الهواج�س‪:‬‬ ‫«ك �ن��ت ك��ل ��ص�ب��اح �أق �� �ص��ده��ا ع�ل�ن��ي �أج��د‬ ‫وجبة �أدب�ي��ة وفكرية �أتنا�سى بها و�ضعي‬ ‫كبطال يف مدينة ال ترحم البطالني‪ ،‬كنت‬ ‫�أحيانا �أتخلى عن وجبة الطعام لأ�شرتي‬ ‫ك�ت��اب� ًا‪ ،‬وم��ع م��رور ال��زم��ن ب��ات��ت تربطني‬ ‫عالقة وطيدة بال�شباب الباعة حيث باتوا‬ ‫ي�سمحون يل ب��أن �أق��ر�أ كتبهم من غري �أن‬ ‫�أدفع لهم»‪.‬‬ ‫عبد ال��رزاق �سيقرتح يف مرحلة الحقة‬ ‫ت�أ�سي�س حركة مع بع�ض الأ�صدقاء املثقفني‬ ‫ت��دع��و �إىل ت�خ���ص�ي����ص ���ش��ارع ك��ام��ل يف‬ ‫اجلزائر العا�صمة يخ�ص�ص لبيع الكتب‬ ‫القدمية‪ ،‬كما هو ال�ش�أن يف بغداد مع �شارع‬ ‫املتنبي‪� .‬إنه يرى �أن مدن ًا ال حتتفي بالكتاب‬

‫م ُ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫الكتاب المستع َ‬ ‫ّ‬ ‫درجات‬ ‫كائن يتمتع بكل‬ ‫ِ‬ ‫الضوء والحرارة المتصلة‬ ‫مالكه األ ّول‬ ‫بجسد‬ ‫ِ‬ ‫وهواجسه‬ ‫بأنامله‬ ‫ِ‬

‫هي مدن ملحقة بالكهوف واملغارات‪ ،‬وما‬ ‫زال امل�شروع على قيد االنتظار‪« :‬نحلم يف‬ ‫اجلزائر العا�صمة ب�أن ننجز هذا امل�شروع‬ ‫حتى ت�صبح املدينة معروفة به مثلما هي‬ ‫معروفة ب�شارع بيع الع�صافري‪ ،‬و�شارع بيع‬ ‫الذهب»‪.‬‬

‫تون�س و�أر�صفتها امل�شغولة‬

‫يف تون�س العا�صمة لي�س هناك �أي�ضا ما‬ ‫ي�شبه ��ش��ارع املتنبي وال ��س��وق الأزب�ك�ي��ة‪،‬‬ ‫هناك �أر�صفة م�شغولة مبئات العناوين‪،‬‬ ‫�أك���ش��اك حم�شوة م��ن ال �ق��اع �إىل ال�سقف‬ ‫باملعاجم والقوامي�س القدمية واحلديثة ‪:‬‬ ‫كتب يف ال�تراث والأدب‬ ‫فهار�س ومعاج ٌم‪ُ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ال�ق��دمي‪ ،‬جمموعات �شعرية ورواي ��ات من‬ ‫�إ�صدارات دور ن�شر فرن�سية‪edition ... :‬‬ ‫‪Gallimard,Seuil‬‬

‫ال�شاعر التون�سي زياد عبد القادر ي�صف‬ ‫تعج بالزائرين‪،‬‬ ‫لنا امل�ك��ان‪« :‬الأك���ش��اك ّ‬ ‫جلبة املكان و�شقلبة الأوراق امل�ستم ّرة منذ‬ ‫�ساعات ال�صباح �إىل املغيب يجعلني �أنظر‬ ‫�إىل الر�صيف امل�شغول ب ��الأوراق القدمية‬ ‫الكتب‬ ‫من زاوية �أقرب �إىل وهم ال�شاعرية‪ُ :‬‬ ‫القدمية �أ�شبه بر�سائل الع�شاق‪ ،‬تنتظر‬ ‫جوابا عليها‪ .‬ك�أن يدً ا عا�شقة رمت ر�سالتها‬ ‫واختفت‪ « .‬الزاوية التي �أنظر منها متنح‬ ‫م�شهد ًا ي�ك��ا ُد يكون مطابق ًا لذلك ال��ذي‬ ‫تنقله كامريا �سينمائية تتحرك ب�سرعة‬ ‫فائقة ذها ًبا و�إيا ًبا بطريقة عك�سية‪ ،‬حيث‬ ‫ينتفي االح�سا�س بانفالت الزمن ل�صالح‬ ‫اح�سا�س بال�سباحة يف امل�ط�ل��ق‪ ،‬للمطلق‬ ‫عالقة باال�ستعادة ال بالتكرار‪ .‬جوه ُر ما‬ ‫�س ّماه فريدريك نيت�شه ال�ع��ود َة الدائم َة‪.‬‬ ‫ني ب�إغراء هذا االكت�شاف‪ ،‬يتح ّول‬ ‫مم�سو�س َ‬ ‫ع�شاق العودة الدائمة �إىل نهج الدباغني‬ ‫و�ساحة العمل ِة حيثُ الأر��ص�ف��ة امل�شغولة‬ ‫بالكتب القدمي ِة»‪.‬‬ ‫ي�ضيف زي��اد‪« :‬بع�ض الكتب ال تزال طرية‬ ‫م�ن� ّع�م��ة ك��أن�ه��ا �أخ��رج��ت ل�ت� ّوه��ا م��ن ف��رن‬ ‫املطبعة‪ ،‬رغ��م م��رور عقود على تك ّد�سها‬ ‫الر�صيف‪ .‬ب�إمكانك‬ ‫فوق الرفوف �أو على‬ ‫ِ‬


‫عبد الرزاق بوكبة‬

‫زياد عبد القادر‬

‫�أن ت���ش� ّ�م رائ �ح��ة احل�ب�ر و� �ش��ذى اخل�شب‬ ‫املفروم يف معامل الورق‪ ،‬حتى �أنه بو�سعك‬ ‫تهج�س �أ�سماء الن�ساء والرجال الذين‬ ‫�أن‬ ‫َ‬ ‫الغابات خل�ض الأغ�صان‬ ‫خ ّو�ضوا يف �أعماق‬ ‫ِ‬ ‫وملء ال�سالل مبا ت�ساقط‪.‬‬ ‫ما ت�ساقط مل يذهب ُ�سدى‪ .‬ما ت�ساقط �صار‬ ‫ُبعد ًا من �أبعاد املخيل ِة‪ .‬ذل��ك ما تكت�شفه‬ ‫و�أنت تق ّلب خمطوط ًا قدمي ًا �أو جم ّلد ًا ّ‬ ‫تق�شر‬ ‫الفائح برائحة الزئبق يف عتم ِة مكتب ٍة‬ ‫جلده‬ ‫ُ‬ ‫قدمية يف نهج �أجنلرتا �أو نهج اجلزير ِة"‪.‬‬ ‫�اب امل�ستع َم ُل‪ -‬ح�سب زي ��اد‪ -‬كائن‬ ‫ال�ك�ت� ُ‬ ‫ّ‬ ‫درجات ال�ضوء واحلرارة املت�صلة‬ ‫يتمتع بكل‬ ‫ِ‬ ‫بج�سد مالك ِه الأ ّول‪ :‬ب�أنامله وهواج�س ِه‪ .‬ال‬ ‫ت�صف ّر ال�صفحاتُ مبفعول ال��زم��ن‪� ،‬إمن��ا‬ ‫بفعل ُ�شعاع احلرية املت�س ّرب من الذهن �إىل‬ ‫خريفي‪.‬‬ ‫النظرات كخيط �ضوءٍ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫تنبثق من الكتاب امل�ستع َمل قوة جمهولة‪ ،‬ق ّو ُة‬ ‫العود ِة الدائم ِة‪� ،‬إغ��را ُء الأقوا�س املفتوحة‬ ‫على احتماالت الإعادة واال�ستعاد ِة‪.‬‬ ‫�س�ألت زي��اد �إن ك��ان ال��زم��ن ق��د تغري و�إن‬ ‫ك��ان رواد ال�ك�ت��اب امل�ستعمل ق��د خ��ذل��وا‬ ‫ندميهم ف�أجاب‪« :‬منذ ما يقرب من عقدٍ‬ ‫خفّت ال�ضو�ضاء و�شقلبة الأوراق يف نهج‬ ‫أك�شاك �شارع لندرا ونهج جامع‬ ‫الدباغني و� ِ‬ ‫الزيتونة»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الكتاب امل�ستعمل �صار يف‬ ‫الأم � ُر ب�سيط‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫املكتبات الباذخ ِة‪.‬‬ ‫غالء الكتب املعرو�ضة يف‬ ‫ِ‬ ‫الأم � � ُر ب�سيط م��رة �أخ� ��رى‪ :‬ب��اع��ة الكتب‬ ‫القدمية يحلمون بتعوي�ض خ�ساراتهم وق ّلة‬ ‫مداخيله برفع �أ�سعار الكتب امل�ستعملة �إىل‬ ‫�سقفها الأعلى‪ .‬الق ّراء �صاروا ق ّلة‪ .‬احلاملون‬ ‫وامل�ؤمنون بالعودة الدائمة �صاروا ق ّلة»‪.‬‬

‫حممد الأ�صفر‬

‫في الجزائر يطالبون‬ ‫بشارع للكتب‬ ‫المستعملة مثل‬ ‫شارع بيع العصافير‬ ‫الكتاب‬ ‫وفي تونس‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫المستعمل يرتفع ثمنه‬ ‫والرواد يقلون بالتدريج‬ ‫ليبيا‪ ..‬مكتبة �شارع الوادي‬

‫يف ليبيا تن�شط حركة الكتب القدمية يف‬ ‫مدينتي طرابل�س وب�ن�غ��ازي ويقبل عليها‬ ‫ع�شاق القراءة والأدب��اء نظرا للت�سهيالت‬ ‫من ناحية ال�سعر وكذلك وف��رة الطبعات‬ ‫العتيقة القدمية خا�صة للكتب املرتجمة‬ ‫للعربية من قبل مرتجمني كبار رحلوا‪ ،‬يف‬ ‫طرابل�س توجد مكتبة عتيقة ب�شارع الوادي‬ ‫�صاحبها �شيخ كبري ي�شرتي الكتب القدمية‬ ‫ويبيعها ب�أ�سعار معقولة وقد يعريك �إياها‬ ‫�إن كان يعرفك‪ ،‬هذا ما يرويه لنا الروائي‬ ‫الليبي حممد الأ�صفر‪ ،‬كذلك من املمكن‬ ‫جد ًا �أن ت�ستفيد من اخلرب�شات التي دونها‬ ‫ق��ارئ جمهول �سابق وقد جتد على غالف‬ ‫الكتاب الداخلي �إه��دا ًء طريف ًا بالإ�ضافة‬ ‫�إىل �أن ه��ذه الكتب تكون طباعتها جيدة‬ ‫وخالية من الأخ�ط��اء الإمالئية والنحوية‬ ‫حيث �أن الن�شر يف ال�سنوات املا�ضية كان‬

‫عقد‬ ‫منذ ما يقرب من‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫خفت الضوضاء‬ ‫وشقلبة األوراق في نهج‬ ‫وأكشاك شارع‬ ‫الدباغين‬ ‫ِ‬ ‫لندرا ونهج جامع الزيتونة‬

‫حممد كويندي‬

‫مير عرب طريق �صارم ومل يكن متاح ًا �إال‬ ‫للكتاب احلقيقيني املالكني ل�ل��أدوات من‬ ‫موهبة ولغة ودرا�سة وغريها‪.‬‬ ‫يف بنغازي يوجد �شارع عمر املختار‪ ،‬لكنه‬ ‫لي�س للكتب فح�سب‪ ،‬ب��ل �إن �أمكنة قليلة‬ ‫فيه هي التي تعر�ض الكتاب امل�ستعمل مثل‬ ‫مكتبة رابح ل�صاحبها �صالح الربع�صي‪ .‬و‬ ‫مكتبة بن غزي ومكتبة �سعد الأوجلي‪.‬‬ ‫و ت��وج��د مكتبة �صابر يف ال���ش��ارع ذات��ه‪،‬‬ ‫و�صاحب املكتبة مهوو�س بالكتب واملجالت‬ ‫وال�صحف وي�شرتي �أي �شيء قدمي ب�سخاء‬ ‫و�أي�ضا يبيع ب�أ�سعار معقولة وعلى عالقة‬ ‫طيبة بكل الكتاب يف بنغازي وغ��ال�ب� ًا ما‬ ‫جتد لديه حتى �إ�صدارات حديثة فهو على‬ ‫ات�صال مب�صر ولبنان ويجلب لزبائنه كل‬ ‫ج��دي��د ن ��ادر‪ ،‬ي�ضيف اال� �ص �ف��ر‪« :‬عموما‬ ‫رب الكتاب القدمي امل�ستعمل �أف�ضل من‬ ‫�أعت ُ‬ ‫اجل��دي��د ال��ذي يعج برائحة الكيماويات‪،‬‬ ‫ف���الأوراق ال�صفراء القدمية �أ�شعر �أنها‬ ‫�أكرث حميمية وتقاوم الزمن‪ ،‬و�أتخيل دائما‬ ‫الأ�صابع اجلميلة واخل�شنة التي ت�صفحتها‬ ‫والعيون العا�شقة للحرف التي طالعتها‪،‬‬ ‫وبالطبع القلوب التي تعلقت بها وعا�شت‬ ‫معها حرف ًا حرف ًا كلمة كلمة‪ .‬و�أن��ا �سعيد‬ ‫دائما ب��أن �أن�ضم للقراء ال�سابقني الذين‬ ‫ق ��ر�ؤوا ال�ك�ت��اب ودائ �م��ا ال �أح��ب �أن يكون‬ ‫قرب �أي كتاب �أنتقيه هو مكتبتي‪ ،‬فدائم ًا‬ ‫�أعريه للأ�صدقاء وال �أطالبهم به‪ ،‬و�أعرف‬ ‫�أن ال�ك�ت��اب مثل امل ��ال �إن خ��رج ل��ن يعود‬ ‫من جديد و�إن عاد ف�س�أ�شعر �أين ال �أحبه‬ ‫و�أطرده لأول مكتبة يف طريقي تهتم بالكتب‬ ‫القدمية‪ ،‬ويف النهاية ال �أوافق على ت�سمية‬ ‫«كتب ق��دمي��ة» فالكتاب دائ�م� ًا ج��دي��د‪ ..‬ال‬


‫الملف‬ ‫‪46‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫يرف�ض باعته هجر‬ ‫الكتب لب�ضاعة �أخرى‬

‫«درب غلف» ‪..‬‬ ‫سوق الكتاب المفتوح‬ ‫«درب غلف» منتجع جتاري �شا�سع يقع يف مدينة الدار البي�ضاء كربى املدن املغربية التي يتجاوز عدد‬ ‫�سكانها ‪ 7‬ماليني ن�سمة‪ ،‬مدينة �صناعية وعمالية بامتياز‪ ،‬تعرف على مدار الف�صول حراكاً اقت�صادياً‬ ‫�صناعياً وجتارياً منقطع النظري‪ ،‬ومبعنى �أدق فهي القلب الناب�ض للمغرب االقت�صادي ‪.‬‬ ‫�ص«درب غلف» يقع بالتحديد يف �أحد �أحياء الدار‬ ‫البي�ضاء ال�شعبية املكتظة بال�ساكنة‪� ،‬سوق مفتوح‬ ‫على تعدد وتنوع الب�ضائع املعرو�ضة للبيع‪ ،‬ب�ضائع‬ ‫ت�أتي من كل الأ�صقاع توفرها املالحة البحرية‬ ‫التي يعرفها ميناء ال��دار البي�ضاء الواقع على‬ ‫بحر املحيط الأطل�سي‪ .‬ب�ضائع م�ستوردة من كل‬ ‫اجلغرافيات التي تنتج ال�صناعات اال�ستهالكية‬ ‫اخلفيفة وال� ��ذي ت���س�ت��أث��ر ب��ه ال���ص�ين يف ظل‬ ‫ا�سرتاتيجيات االقت�صاد «املُع ْولمَ » وحترير ال�سوق‬ ‫من ال�ضوابط اجلمركية‪.‬‬ ‫ما مييز هذا املنتجع التجاري املفتوح على �سبل‬ ‫الرزق و�أ�سباب العي�ش للعديد من الفئات ال�شعبية‬ ‫التي تنتع�ش يف ردهاته هو توفر �سوق الكتاب‬ ‫امل�ستعمل‪ ،‬فيه العديد من الأك�شاك الداخلية‬ ‫ميتلكها باعة احرتفوا هذه املهنة و�أدمنوا عليها‬ ‫و�آخرون يفرت�شون جوانب ال�سوق و�ضفافه وجلهم‬ ‫ُيجمع �أن متعتهم تكمن يف التما�س املبا�شر مع‬ ‫الكتاب وم��ع الزبناء من ق��راء ومثقفني ي�أتون‬ ‫القتناء كتب حم��ددة تهمهم وتهم م�ساراتهم‬ ‫الثقافية واملهنية‪ ،‬و�أنهم ال يرغبون‪�-‬أي حمرتيف‬ ‫هذه املهنة‪ -‬يف تغيري مهنة بيع الكتب امل�ستعملة‬ ‫رغ��م �أن ربحها حم���دود‪ ،‬ب��ال�ك��اد يكفي ل�سد‬ ‫رمق عي�شهم‪ ،‬ويف االمكان بحكم توفرهم على‬ ‫�أك�شاك يف ال�سوق‪ ،‬يف حالة تغيري جتارتهم‪� ،‬أن‬

‫يكون ربحهم �أف�ضل ور�أ�سمالهم �سيكرب يف حالة‬ ‫مزاولتهم لأي ن�شاط جتاري �آخر بديل‪.‬‬ ‫وحتى نقرتب من ال�صورة احلية لهذا الن�شاط‬ ‫التجاري املرتبط ب�سوق الكتاب امل�ستعمل كان‬ ‫لنا لقاءات مبا�شرة مع العديد من ن�شطاء �سوق‬ ‫«درب غلف»‪:‬‬ ‫ال�سيد حممد ك��رم وه��و م��ن ق��دم��اء الكتبيني‬ ‫ممتهني جتارة الكتب امل�ستعملة والتي بد�أها يف‬ ‫�سنة ‪1970‬م بحيث ق�ضى ما يزيد على �أربعة‬ ‫عقود يف هذه التجارة‪ ،‬يحكي �أنهم يف البداية‬ ‫كانوا ثالثة واح��ده��م ت��ويف وال�ث��اين �أورث‪-‬م��ن‬ ‫التوريث املهني‪ -‬البنه هذه املهنة‪ ،‬هم �أول من‬ ‫جا�ؤوا ل�سوق «درب غلف» الذي كان يف «اجلوطية»‬ ‫القدمية ح�سب ذك��ره قبل �أن ي�ستقروا داخ��ل‬ ‫ال�سوق‪ ،‬والآن �أ�صبحوا �ستة �أ�شخا�ص لديهم‬ ‫حمالت ق��ارة والباقي يفرت�ش الأر���ض‪ ،‬ي�ضيف‬

‫ال�سيد حممد كرم �أن املو�سم الدرا�سي من كل �سنة‬ ‫يعرف ال�سوق رواج ًا ا�ستثنائي ًا وحراك ًا كبري ًا لأن‬ ‫�أغلب الأ�سر الفقرية ال ت�ستطيع �شراء املقررات‬ ‫اجل��دي��دة وتكتفي بكتب امل �ق��ررات الدرا�سية‬ ‫امل�ستعملة لأن �أثمانها رمزية ويف متناولهم‪� .‬أما‬ ‫كتب الثقافة العامة كتب التاريخ والأدب والفكر‬ ‫وال�تراث فيظل الإقبال عليها على م��دار ال�سنة‬ ‫وج��ل ف�صولها‪ .‬ال�سيد حممد ك��رم ي�ق��ول �إن��ه‬ ‫يح�صل على الكتب من �شرائها من النا�س الذين‬ ‫ي�ستغنون عنها‪ ،‬ومنهم بع�ض الأجانب املقيمني‬ ‫يف املغرب‪ ،‬ويحدث �أن يعر�ض �أحد الأ�شخا�ص‬ ‫مكتبته كاملة للبيع‪ ،‬وهي املت�ضمنة للكتب املتعددة‬ ‫االهتمامات واالخت�صا�صات‪ ،‬و�أحيانا يحدث �أن‬ ‫يح�صل على كتب قيمة ون��ادرة‪ ،‬وتغطي ف�ضاء‬ ‫ك�شك ال�سيد حممد ك��رم كتب بلغات متعددة‬ ‫بالعربية والفرن�سية واال�سبانية واالجنليزية‬ ‫و�أحيانا باللغة االملانية‪.‬‬

‫يعرف سوق «درب غلف» باعة ومثقفون‬ ‫رواج ًا خالل الدراسة ألن‬ ‫ال�سيد عبد الرحمن الفا�ضل وه��و م��ن اجليل‬ ‫اجلديد الذي ورث املهنة عن �أبيه وانخرط فيها‬ ‫األسر الفقيرة تكتفي‬ ‫عمليا منذ �سنة ‪2000‬م يقول �إن هذه املهنة حتتاج‬ ‫بكتب بالمقررات‬ ‫للبلورة والتطوير حتى تظل م�صدر ًا للرزق‪ ،‬و�إال‬ ‫الدراسية المستعملة‬ ‫�ستتعر�ض للتلف واالندثار و�سيطالها الن�سيان‪،‬‬ ‫ألن أثمانها رمزية وفي‬ ‫متناولهم‬


‫عبد الرحمن فا�ضل‬

‫ويقول �إن الكتاب املدر�سي امل�ستعمل خ�صو�ص ًا مع‬ ‫بداية الدخول املدر�سي هو الأ�سا�س يف احلراك‬ ‫التجاري ل�سوق الكتاب امل�ستعمل بالإ�ضافة �إىل‬ ‫اهتمامات �أخ��رى ت�ن��درج يف احل��رك��ة الدائمة‬ ‫املرتبطة باقتناء كتب العلم واالقت�صاد والأدب‬ ‫وحت��دي��د ًا ال��رواي��ات و�أي���ض� ًا للمو�سوعات التي‬ ‫لها ح��ظ يف الإق �ب��ال‪ ،‬وفيما يتعلق باملجالت‬ ‫فالأكرث مبيع ًا ورواج ًا هي املجالت املتخ�ص�صة‬ ‫يف اخلياطة والديكور والطبخ ‪ ،‬و�أك�ثر زبنائه‬ ‫من ال�شباب باعتبارهم ق��راء نهمني للروايات‬ ‫والن�صو�ص ال�سردية‪.‬‬ ‫فنيد �سعيد ال�شاب ال��ذي ا�ستهوته ه��ذه املهنة‬ ‫التي يتحدث عنها بحب و�شغب والتي اختارها‬ ‫مبح�ض �إرادته منذ نهاية الت�سعينيات من القرن‬ ‫امل��ا��ض��ي‪ ،‬يحكي ع��ن �شرف ه��ذه املهنة و�أنها‬ ‫حتتاج ل�صرب خ�صو�ص ًا �أن العمل فيها متوا�صل‬ ‫وب�شكل يومي عدا يوم اجلمعة الذي اختاره يوم‬ ‫عطلته‪ ،‬وي�ضيف �أن��ه يتاجر يف كل الكتب عدا‬ ‫كتب «ال�شعوذة» لأنها ال تعنيه ولن تفيد القارئ‬ ‫يف �شيء‪ ،‬وبالن�سبة �إليه فالكتب الأكرث مبيع ًا يف‬ ‫ك�شكه هي كتب ال�سرد الق�ص�صي وال��رواي��ات‬ ‫والكتب الرتاثية وكتب التاريخ وحت��دي��د ًا كتب‬ ‫تاريخ املغرب التي يطالبه الزبناء بتوفريها‬ ‫وحجزها لهم عندما تقع يف يده‪.‬‬ ‫كما ي ��ؤك��د فنيد �سعيد �أن ��ه بحكم املمار�سة‬ ‫االح�تراف �ي��ة �أ��ض�ح��ى ل��ه الآن �شبكة �أ�سا�سية‬ ‫ومهمة من النا�س توفر له الكتب التي يقتنيها‬ ‫منهم ويعيد فيها البيع‪ ،‬و�أ�ضحت جتمعه به�ؤالء‬ ‫�صداقات متينة مبنية على االحرتام واالحرتام‬ ‫املتبادل وه��و ب��دوره يوفر لهم حاجتهم لكتب‬ ‫حمددة يحر�صون على اقتنائها مادامت تدخل‬

‫فنيد �سعيد‬

‫يف �صلب اهتماماتهم الثقافية‪.‬‬ ‫ويختم فنيد �سعيد ب ��أن ه��ذه املهنة ال�شريفة‬ ‫ت�شكل م�صدر �سعادته ال�شخ�صية‪ ،‬و�أن رزقها‬ ‫م�ضمون واحل�م��د هلل‪ ،‬ه��ذا دون �أن ين�سى �أن‬ ‫�سعادة ا�ستثنائية تغمره لأن ك�شكه يتوفر على‬ ‫كتب‪ ،‬وبلغات متعددة منها العربية والفرن�سية‬ ‫واالجنليزية والأملانية والرو�سية‪.‬‬ ‫يو�سف بورة الكتبي ال�شهري رئي�س جمعية الكتبيني‬ ‫يف الدار البي�ضاء‪ ،‬والذي توجد مكتبته يف «�سوق‬ ‫لقريعة» وهذه اجلمعية هي التي تنظم معر�ض ًا‬ ‫�سنوي ًا للكتاب امل�ستعمل يف«�ساحة ال�سراعنة»‬ ‫بالدار البي�ضاء والذي يعرف م�شاركة وح�ضور‬ ‫وم���س��اه�م��ة ال �ع��دي��د م��ن ال �ك �ت��اب وامل�ب��دع�ين‬ ‫واملثقفني‪ ،‬يوازيه العديد من الفعاليات الثقافية‬ ‫التي تتدرا�س و�ضع و��ش��أن الكتاب و�سبل رفع‬ ‫م�ستوى القراءة واملقروئية يف املغرب‪ ،‬والذي‬ ‫خ�ص�ص حمور الربيع العربي لدورته الرابعة‬ ‫‪ ،2012‬فيما ت�ستعد الآن جمعية الكتبيني بالدار‬ ‫البي�ضاء لإطالق ال��دورة اخلام�سة يف منت�صف‬ ‫ال�سنة القادمة ‪2013‬م ‪.‬يقول الكتبي يو�سف بورة‬ ‫�إن عدد الكتبيني يف املغرب املهتمني ب�ش�أن الكتاب‬

‫مكتبة الفالح هي‬ ‫أول مكتبة للكتاب‬ ‫المستعمل في المغرب‬ ‫شنت سنة ‪1947‬م في‬ ‫ُد ِ‬ ‫منطقة «البحيرة» أحد‬ ‫الفضاءات التاريخية‬ ‫المهتمة بتسويق‬ ‫الكتاب المستعمل في‬ ‫مدينة الدار البيضاء‬

‫حممد كارم‬

‫امل�ستعمل يزيد عن ‪ 120‬كتبي ًا وجلهم موجود يف‬ ‫الأحياء الهام�شية‪ ،‬ويف الدار البي�ضاء ما يزيد‬ ‫عن ‪ 30‬منهم والباقي يتوزعون على املدن الكربى‬ ‫يف املغرب مثل فا�س ومكنا�س وال��رب��اط و�سال‬ ‫ومراك�ش وتطوان وطنجة‪.‬‬ ‫وعن املهنة يقول يو�سف بورة �إنها مهنة ال تعد‬ ‫بالرفاهية وال�ثراء وال�ترف لكنها مهنة �شريفة‬ ‫املهم فيها هو التما�س الدائم واملبا�شر مع ال ِكتاب‬ ‫وال ُكتاب ولي�س الربح امل��ادي ال�صرف‪ ،‬ويحكي‬ ‫�أن الكاتب وال�شاعر ح�سن جنمي �أل��ف روايته‬ ‫«ج�يرت��رود» �إنطالقا م��ن ح�صوله على كتاب‬ ‫مهم عن الفن الت�شكيلي ح�صل عليه بال�صدفة‬ ‫يف �سوق الكتاب امل�ستعمل �أثناء جوالته يف هذه‬ ‫ال�سوق‪ ،‬يو�سف بورة العارف ب�أ�سرار هذه املهنة‬ ‫والذي مار�سها لأزيد من ‪� 20‬سنة يقول �إن �أول‬ ‫مكتبة وه��ي مكتبة الفالح التي ال ت��زال قائمة‬ ‫�إىل الآن د ُِ�شنت �سنة ‪1947‬م وه��ي توجد يف‬ ‫منطقة «ال�ب�ح�يرة»�أح��د الف�ضاءات التاريخية‬ ‫املهتمة بت�سويق الكتاب امل�ستعمل يف مدينة الدار‬ ‫البي�ضاء‪.‬‬

‫قرية مفتوحة للكتاب امل�ستعمل‬

‫ويحلم يو�سف بورة‪ ،‬وهو ال�شغوف بهذه املهنة‪ ،‬ب�أن‬ ‫تكون يف املغرب قرية مفتوحة للكتاب امل�ستعمل‪،‬‬ ‫منظمة وجم�ه��زة بطريقة حديثة ت�سمح مبد‬ ‫ج�سور التوا�صل اليومي بالفئات املهتمة ب�سوق‬ ‫الكتاب فيها كل امل��راف��ق احليوية من مطاعم‬ ‫وم�ق��اه��ي وا� �س�تراح��ات وق��اع��ات للمح�ضرات‬ ‫واللقاءات االدبية والفكرية واملعرفية‪ ،‬تتوج �سنويا‬ ‫مبهرجان وطني و�أخر عربي يعيد االعتبار لكل‬ ‫املن�شغلني بهذا القطاع ومرديه‬


‫‪48‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمرب‬ ‫‪2012‬‬

‫الكالم المباح‬

‫الكالم المباح‬

‫سلسلة الغباء‬ ‫حنفي جايل‬


‫يف‬

‫«الكالم املباح» املن�شور يف العدد الفائت‪ ،‬وحتت عنوان «�سل�سلة‬ ‫احلكمة املمتدة» عر�ضنا ملخطوطة ك�شفت عن �أن �أب��ا الطيب‬ ‫املتنبي ترجم �أق��وال �أر�سطاطالي�س بعد �أن ت�أثر مبا فيها من حكمة‪،‬‬ ‫ور�أينا كيف امتدت �سل�سلة احلكمة‪ ،‬وطالت م�سبحة الفل�سفة‪ ،‬وكيف‬ ‫�أنتج التوا�صل بني الأجيال مبادئ طيبة �أنارت دروب �سالكيها‪ .‬وانتهينا‬ ‫�إىل �أن التاريخ مليء بنماذج من احلكماء اهتدت فهدت‪ ،‬وعرفت‬ ‫فلزمت‪ ،‬متام ًا كما هو مليء بنماذج �أخرى‪ ،‬للأ�سف‪� ،‬ضلت و�أ�ضلت‪.‬‬ ‫و�أ�شرنا �إىل �أن �صراع العلم واجلهل‪ ،‬و�صراع احلق والباطل‪ ،‬كان‪،‬‬ ‫و�سيكون منذ الأزل و�إىل نهايته‪� ،‬إىل �أن يرث اهلل الأر�ض ومن عليها‪،‬‬ ‫وعندها فقط �سيكون القول الف�صل‪ ،‬قو ًال واحد ًا‪َ ،‬‬ ‫كم واحد‪« .‬ملن‬ ‫حل ٍ‬ ‫امللك اليوم‪ ،‬هلل الواحد القهار»‪.‬‬ ‫وقبل �أن يجف مداد تلك الكلمات طالعتنا الأنباء بخربين غريبني عن‬ ‫حادثني مت�شابهني وقع �أحدهما يف مدينة الإ�سكندرية يف م�صر‪ ،‬والآخر يف‬ ‫العا�صمة العراقية بغداد‪ ،‬ومو�ضوع احلادثني واحد ن�ستطيع و�صفه بعملية‬ ‫اغتيال مدبرة ومق�صودة للثقافة وال�تراث‪ ،‬واملجني عليه يف احلادثني‬ ‫واحد �أي�ض ًا‪ ،‬هو الكتاب‪ .‬قد تابعنا واقعة قيام قوات الأمن يف الإ�سكندرية‬ ‫بـ«اقتحام» �شارع النبي دانيال‪ ،‬و«تدمري» �أك�شاك بيع الكتب القدمية‬ ‫وامل�ستعملة‪ ،‬و«تطهري» ال�شارع من الباعة اجلائلني‪ ،‬الذين «احتلوه»‪ .‬وبعد‬ ‫�أ�سبوع واحد بال�ضبط تكررت الهجمة العنرتية على �شارع املتنبي يف و�سط‬ ‫العا�صمة العراقية بغداد وفق ال�سيناريو نف�سه الذي مت يف الإ�سكندرية‪.‬‬ ‫ولن �أثقل على القارئ الكرمي ب�سرد تفا�صيل احلادثني‪ ،‬ولكن �س�أذهب‬ ‫مبا�شرة �إىل حماولة فهم دالالت احلادثني والرابط بينهما بعيد ًا عن نظرية‬ ‫امل�ؤامرة‪ ،‬ومن دون الدفاع عن وجهتي نظر الأمن من جهة وباعة الكتب من‬ ‫جهة �أخرى‪ .‬فمن املعروف �إن الكتب متثل واحد ًا من �أهم �أوعية الثقافة‪،‬‬ ‫و�إن عائالت ب�أكملها توارثت بيع القدمي من هذه الكتب‪ ،‬وحمل كثري ًا منها‬ ‫لقب «الكتبي»‪ ،‬وا�شتهرت به لدرجة طغت على �أ�صلها �أو قبيلتها‪ ،‬ما ي�شري‬ ‫�إىل االع�ت��زاز باملهنة وباللقب يف �آن‪ ،‬وم��ن املعروف كذلك �إن تبادل �أو‬ ‫جتارة الكتب القدمية وامل�ستعملة �أ�سهمت‪ ،‬وال تزال يف تثقيف وت�شكيل وعي‬ ‫كثريين من �أبرز و�أهم �أدباء ومثقفي الأمة العربية‪ ،‬وبخا�صة يف الدولتني‬ ‫اللتني �شهدتا واقعة تدمري �أك�شاك بائعيها‪ ،‬و�إن من بني هذه الكتب القدمية‬ ‫وامل�ستعملة نفائ�س وكنوز ًا حقيقية ولي�ست جمازية‪ ،‬و�إن بائعي هذه الكتب‬ ‫�أ�سهموا وب�شكل كبري يف حفظ هذه النفائ�س من ال�ضياع وحماية تلك الكنوز‬ ‫من الفناء‪ ،‬وكثري ًا ما وجد الباحثون �ضالتهم من كتب وخمطوطات يف ما‬ ‫حتويه هذه الأك�شاك‪ ،‬و�إن هذه التجارة من الأهمية مبكان لطالبي العلم يف‬ ‫دولتني تقبع ن�سبة ال ب�أ�س بها من �سكانهما حتت خط الفقر‪ ،‬ما يعني �صعوبة‬ ‫تدبري احتياجاتها املعي�شية الأ�سا�سية ف�ض ًال عن اقتنائها للكتب‪ ،‬و�إن �أماكن‬ ‫بيع تلك الكتب �أنتجت العديد من ال�صداقات التي جمعت ما بني روادها وبني‬ ‫التجار من جهة‪ ،‬وبني الرواد �أنف�سهم من جهة �أخرى‪ ،‬ما �ساعد يف �إنتاج‬ ‫مزيد من الكتابات‪ ،‬وتوليد الكثري من الأفكار ومو�ضوعات البحث‪ ،‬و�أثرى‬ ‫حقول املعرفة الإن�سانية‪ ،‬والنتيجة‪ ،‬وجود «�سوق موازية» لتجارة الكتب‪� ،‬إىل‬ ‫جانب ال�سوق الرئي�سة التي تعاين‪ ،‬منذ فرتة من ركود وك�ساد كنتيجة طبيعية‬ ‫لرتدي الأو�ضاع االقت�صادية‪ ،‬وظهور الكتاب الإلكرتوين‪ ،‬وزيادة عمليات‬ ‫القر�صنة الإلكرتونية على حمتويات املكتبات اخلا�صة والعامة على حد‬ ‫�سواء‪ ،‬ثم النتيجة الأهم‪ ،‬وهي التي خل�صنا �إليها يف «الكالم املباح» املن�شور‬ ‫يف العدد املا�ضي وهي «امتداد �سل�سلة احلكمة»‪ ،‬وا�ستطالة م�سبحة الفل�سفة‪.‬‬

‫ثم جاء احلادثان اللذان وقعا ال�شهر املا�ضي لي�ؤكدا وجود ال�صراع بني العلم‬ ‫واجلهل‪ ،‬وبني احلكمة والغباء‪ ،‬فالأمن املهاب يف الدولتني �صاحبتي التاريخ‬ ‫ا ألق��دم واحل�ضارة الأع��رق‪ ،‬ي�صحو يف القرن الواحد والع�شرين وينتبه‬ ‫فج�أة �إىل وجود «ب�ؤرتني» �أو «مركزين» لبيع الكتب القدمية وامل�ستعملة يف‬ ‫�شارعني من �أهم �شوارع حا�ضرتني من حوا�ضرهما‪ ،‬وبد ًال من الفخر بهما‬ ‫كحا�ضنتني للثقافة ووعاءين للرتاث‪ ،‬يقرر اقتحامهما وتطهريهما وتدمري‬ ‫ما فيهما من �أك�شاك‪ ،‬ويا للغباء!‪.‬‬ ‫وبفر�ض �إن ما حدث كان نتيجة قرارين فرديني‪ ،‬و�إن الذي يقف وراءهما‬ ‫م�س�ؤولني �أمنيني‪ ،‬ف�إنه يجب التوقف لل�س�ؤال عن هذين امل�س�ؤولني اللذين‬ ‫يجهالن �أهمية الكتاب‪ ،‬حتى و�إن كان قدمي ًا �أو م�ستعم ًال‪ ،‬ناهيك عن اجلهل‬ ‫ب�أهمية الثقافة و�أهمية ال�تراث‪ ،‬و�أحقية كل من امل�س�ؤولني مبن�صبه‪ ،‬ثم‬ ‫ال�س�ؤال عن الفكر الذي يعتنقه كل منهما‪ ،‬والذي تطل منه رائحة التطرف‬ ‫بالفعل‪ ،‬باعتبار �أن التطرف من�ش�ؤه الفكر‪ ،‬وكما يطل التطرف من ر�ؤو�س‬ ‫و�أفكار بع�ض م�ؤلفي الكتب‪ ،‬ف�إنه يطل من ر�ؤو�س وت�صرفات �أمثال رجلي‬ ‫الأمن �صاحبي القرارين بتدمري �شارعي النبي دانيا و�أبي الطيب املتنبي‪.‬‬ ‫يحدث هذا يا �سادة ياكرام يف الوقت الذي يغ�ض فيه الأمن املهاب الطرف‬ ‫عن كثري من الأمور املعروفة للجميع‪ ،‬ويهُب للق�ضاء على ب�ؤرتني من �أخطر‬ ‫ب�ؤر الثقافة والتنوير‪ ،‬ما يعك�س نظرته لهما‪ ،‬و�إح�سا�سه مبدى خطورتهما‬ ‫على املجتمع‪ ،‬تلك النظرة التي ت�ستند �إىل فكرة �إن املجتمع اجلاهل ت�سهل‬ ‫قيادته وال�سيطرة عليه‪ ،‬وهي نظرة قا�صرة‪ ،‬ونظرية �أثبت التاريخ ف�شلها‪،‬‬ ‫كما �أثبت �إن ال�سيطرة على فكر الب�شر ومنعه من التحليق والإبداع �أمر يعادل‬ ‫يف ا�ستحالته ال�سيطرة على �أ�شعة ال�شم�س ومنعها من الإ�ضاءة‪ ،‬و�إن ذلك لو‬ ‫حدث لفرتة‪ ،‬فمن امل�ستحيل �أن ي�ستمر لفرتات طويلة‪ ،‬فالأ�شعة موجودة‪،‬‬ ‫و�إن حجبتها �سحب �أو �أخفتها �ستائر‪ ،‬ومع �أول انق�شاع لل�سحب‪ ،‬و�أ�صغر فتحة‬ ‫لل�ستائر تغمر ال�شم�س الأمكنة كلها‪ ،‬فت�ضيء ما ت�شاء وتل�سع وحترق ما ت�شاء‪.‬‬ ‫وللعلم ف�إن هذين احلادثني لي�سا الأولني‪ ،‬ولن يكونا الأخريين‪ ،‬فقد �سبق‬ ‫�أن هجم امل�ستفيدون الذين �أثروا جراء االنفتاح الذي فر�ض على م�صر‬ ‫�أواخر ال�سبعينيات و�أوائل الثمانينيات من القرن املا�ضي على واحد من �أهم‬ ‫�شوارع القاهرة‪ ،‬وهو �شارع "الفجالة" ليحولوا حمالته بقدرة املال جمهول‬ ‫امل�صدر‪« ،‬وهذا و�صف رقيق وخمفف وغري جم َرم للمال احلرام يف جميع‬ ‫�صوره» من حمالت لبيع الكتب والقرطا�سية والأدوات املكتبية �إىل‬ ‫حمال لبيع ال�سرياميك والأدوات ال�صحية‪ ،‬ولكن الفارق بني احلالتني‬ ‫�أن االعتداء الأول مت ببطء وبالرتا�ضي وا�ستغالل حاجة النا�س للمال‬ ‫لأغرا�ض ا�ستهالكية ومظهرية‪� ،‬أما الآخ��ر فقد حدث بغتة‪ ،‬ويف �أول‬ ‫النهار‪ ،‬وبا�ستخدام العنف �ضد �أنا�س يف حاجة �أي�ض ًا للمال‪ ،‬ولكن‬ ‫للعي�ش باحلد الأدنى من الكرامة‪ ،‬و�إقامة الأود و�إعفاف اليد والنف�س‪،‬‬ ‫وبد ًال من التجارة يف "املمنوعات" وما �أ�سهلها وما �أكرث دروبها امللتوية‪.‬‬ ‫و�أخري ًا ن�صل �إىل الرابط بني احلادثني‪ ،‬وهو وجود قوى ظالمية مت�شابهة‬ ‫الفكر و�إن اختلفت �أ�شكالها‪ ،‬ووج��ود م�ساع للتجهيل مقابل م�ساعي‬ ‫التنوير‪ ،‬و�أن هذه القوى ترى يف الثقافة والفكر والعلم خطورة تهدد‬ ‫م�صاحلها وتهز �أركانها‪ ،‬وبالتايل فهي حتاول ب�أق�صى ما ت�ستطيع وبكل‬ ‫ما متلك الق�ضاء على م�صادرها ومن بينها الكتب‪ ،‬ولكن الثقة دائم ًا يف‬ ‫�أن العلم �أخري ًا ينت�صر‪ ،‬و�أن احلق �أخري ًا ي�سطع‪ ،‬و�أن الزبد يذهب جفا ًء‬ ‫و�أما ينفع النا�س فيمكث يف الأر�ض‪ ،‬بالرغم من امتداد �سل�سلة الغباء‬ ‫وا�ستفحال قوى اجلهل‬


‫ساحة الحوار‬ ‫‪50‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫تدعو مل�شروع حلفظ الأدب ال�شعبي اجلزائري‬

‫الباحثة جميلة فالّح‪:‬‬

‫التنقيب عن التراث الشفوي وتدوينه رهان حضاري‬


‫حوار‪ -‬نور الدين برقادي‬ ‫ف�ضل الباحثة اجلزائرية جميلة ف ّ‬ ‫ُت ّ‬ ‫طيني‬ ‫الح طهي اخلبز التقليدي «الرخ�سي�س» يف موقد‬ ‫ّ‬ ‫خالل �سهرات والية «خن�شلة»‪ ،‬ال�شمال ال�شرقي للجزائر‪ ،‬بح�ضور �أفراد الأ�سرة‪ ،‬وترى �أن‬ ‫فاكهة هذه ال�سهرات هي الأمثال والق�ص�ص امل�ستمدة من الرتاث ال�شفهي اجلزائري الرثي‪،‬‬ ‫الذي تهتم به وت�سعى �إىل التنقيب عنه وتدوينه وحفظه م�ؤكدة �أن �سر تفرده وغناه يكمن يف‬ ‫تعدد م�صادره وت�آلفها‪.‬‬ ‫يف حورانا التايل معها‪ ،‬حتدثت ف�ّل�اّ ح عن‬ ‫جتربتها يف التنقيب عن ال�تراث ال�شفهي‬ ‫وحم��اوالت جمعه وتدوينه‪ ،‬والعقبات التي‬ ‫حت��ول دون جن��اح ذل��ك واملخاطر الناجتة‬ ‫عن عدم التعجيل يف جمعه نظر ًا لأن الرواة‬ ‫الذين يرحلون عن عاملنا ال ميكن تعوي�ضهم‪.‬‬ ‫وتعرب فلاّ ح عن �أملها يف تخ�صي�ص موقع‬ ‫�إل �ك�ت�روين متكامل لتوثيق ورع��اي��ة كنوز‬ ‫ال�ت�راث ال�لام��ادي ي�شمل ك��ل منطقة من‬ ‫مناطق اجلزائر‪ ،‬مع و�ضع اخلطط الكفيلة‬ ‫بتفعيل اال�ستفادة من هذا الرتاث‪ .‬معربة‬ ‫عن ا�سفها لكون الرتاث ال�شفهي اجلزائري‬ ‫ال �ع��ري��ق م��ا زال ب�لا ت��وث �ي��ق‪ ،‬مم��ا ي�سمح‬ ‫للعابثني بالتالعب به وت�شويهه‪ ،‬وفيما يلي‬ ‫ن�ص احلوار‪:‬‬ ‫على الرغم من مرور �أكرث من خم�سة‬ ‫�آالف ���س��ن��ة ع��ل��ى ظ��ه��ور ال��ك��ت��اب��ة‪ ،‬م���ا زال‬ ‫ال�ت�راث ال�شفهي �أك�ث�ر غنى وح�����ض��وراً يف‬ ‫الثقافة املغاربية‪ ،‬كيف تف�سرين ذلك؟‬ ‫ع��ان��ت خم �ت �ل��ف ل �ه �ج��ات ال�ب�رب ��ر‪ ،‬ط ��وال‬ ‫ع�صورها‪ ،‬من االنتقال من لغة �شفوية �إىل‬ ‫لغة مكتوبة‪ ،‬ومن لغة القبيلة �إىل لغة الدولة‪،‬‬ ‫ومن لغة البداوة �إىل لغة احل�ضارة‪ ،‬وذلك‬ ‫لالنغالق الثقايف والتطور البطيء للمجتمع‬ ‫الرببري‪ ،‬هذا املجتمع الريفي القبلي الذي‬ ‫ويتح�صن‬ ‫كان من دون كيان �سيا�سي‪ ،‬يركن‬ ‫ّ‬ ‫بالقرى اجلبلية بعيد ًا عن الت�أثر ب�أية ثقافة‬ ‫متح�ضرة‪ ،‬حم�صور ًا يف ثقافة قبلية‪.‬‬ ‫و�أت���س��اءل معك‪ :‬هل كانت لنا ح�ضارة �أو‬

‫م��ا ي�شبه احل �� �ض��ارة امل�ك�ت��وب��ة؟ وينتابني‬ ‫الأ�سف حني تقودين الإج��اب��ة �إىل �أننا بال‬ ‫ذاكرة‪ ،‬بال توثيق‪ ،‬بقينا ندور حول جتارب‬ ‫الآخرين‪ ،‬والواقع �أن ذلك اخلط أ� التاريخي‬ ‫الفادح لل�سيا�سات املرتدّية التي مل تعتمد‬ ‫على ثقافة الأر�ض‪ ،‬مبا لها وما عليها‪ ،‬نلوم‬ ‫ال��دول��ة التي مل ت�ضع على عاتقها تطوير‬ ‫منابع الثقافات املحلية‪ .‬الكتابة على الكتابة‬ ‫ات �� �س��اع‪� ،‬إن �ه��ا امل �ح��ور الأ� �ص��ل يف حتريك‬ ‫جت��ارب ال��ذه��ن وامل�خ� ّي�ل��ة‪ ،‬يف ر�ؤي ��ة جميع‬ ‫الأبعاد خالل تعاقب الأزمنة واحلقب‪ ،‬تظ ّل‬ ‫الكتابة يف هذا امل�ضمار هي الباقية‪.‬‬ ‫ت��ك��ت�����س��ب ال��ث��ق��اف��ة امل��غ��ارب��ي��ة �أه��م��ي��ت��ه��ا‬ ‫وغناها من تعدد م�شاربها‪ ،‬كيف جتدين‬ ‫العالقة بني الرتاثني الأمازيغي والعربي‬ ‫بالتطبيق على املثل ال�شعبي اجلزائري؟‬ ‫يعترب املثل ال�شعبي �أحد �أكرث فروع الثقافة‬ ‫ال�شعبية ث ��راء يف ال�ل�غ��ة‪ .‬وامل �ث��ل ال�شعبي‬ ‫الأم��ازي�غ��ي ال يختلف عن املثل العربي يف‬ ‫البناء‪ ،‬ويف �أداء الوظيفة البالغية والبيانية‬ ‫التي يتوخاها املتك ّلم من �ضرب الأمثال‪.‬‬ ‫ف��امل �ث��ل ت�ع�ب�ير ب�لاغ��ي ب��ال��درج��ة الأوىل‪،‬‬ ‫يتّ�صف بال�شمول وال�ع�م��وم بالقيا�س �إىل‬

‫المرأة الريفية في‬ ‫الجزائر لديها قدرات لو‬ ‫تهيأت لها الظروف‬ ‫المناسبة لحققت‬ ‫الكثير‬

‫باقي �أ�ساليب التعبري البيانية‪ ،‬الأم�ث��ال‬ ‫بالأمازيغية �أو بالعربية «العامية» تعرب عن‬ ‫جتربة �سابقة ُتتّخذ منوذج ًا للتعبري عما‬ ‫يختلج يف �صدور �أفراد املجتمع‪ ،‬غري �أنهما‬ ‫«�أي املثل الأمازيغي واملثل العربي» متباينان‬ ‫يف �شيء واحد وهو اللغة‪.‬‬ ‫وم�����اذا ت��ق�ترح�ين ل����ر ّد االع���ت���ب���ار ل��ه��ذا‬ ‫امل�����وروث احل�����ض��اري ال��وط��ن��ي امل��ت��م��ث��ل يف‬ ‫الثقافة ال�شفوية والتي تو�صف عادة ب�أنها‬ ‫تعاين من التهمي�ش وعدم االهتمام؟‬ ‫لرد االعتبار ملوروثنا من الأدب ال�شعبي‪،‬‬ ‫علينا باملبادرة ال�سريعة والفاعلة من �أجل‬ ‫�أر�شفة تراثنا‪ ،‬حفاظا على وجه ب��ارز من‬ ‫التاريخ الثقايف للجزائر‪ .‬كل ما جمعناه‬ ‫ال ي�ف��ي ب��ال �غ��ر���ض‪� ،‬أق �ت�رح �إن �� �ش��اء م��واق��ع‬ ‫�إلكرتونية خا�صة بكل منطقة من مناطق‬ ‫اجلزائر؛ فلكل منطقة كنوزها من الرتاث‬ ‫ال� ّ‬ ‫لام��ادي‪ ،‬بهذه الطريقة نقدم للآخرين‬ ‫تراثنا ب�أنف�سنا وال نرتكه يف متناول العابثني‬ ‫به وبالتايل احلفاظ عليه من ال�ضياع‪.‬‬ ‫التكنولوجيا احلديثة تهدد ك ّل ثقافة‬ ‫غري مكتوبة بالذوبان‪ ،‬والعوملة ال تعرتف‬ ‫بالثقافات املحلية‪ ،‬كيف ميكن حماية هذه‬ ‫الثقافات من االندثار واملوت؟‬ ‫هذا الرتاث ال�شعبي الذي تتوارثه الأجيال‬ ‫م���ش��اف�ه��ة ي��واج��ه ال �ع��دي��د م��ن الأخ��ط��ار؛‬ ‫�أخطار املحو من الذاكرة ال�شعبية للأجيال‬


‫ساحة الحوار‬ ‫‪52‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫زينة املر�أة الأمازيغية‬

‫ال���ص��اع��دة‪ ،‬ب�سبب ع��وام��ل ع��دي��دة �أه ّمها‬ ‫التغيرّ ات احلا�صلة يف البنية االجتماعية‬ ‫ويف ط��رائ��ق احل �ي��اة وال �ت �ف �ك�ير امل��رت�ب�ط��ة‬ ‫ب�ضرورات الع�صر وما تفر�ضه من حتميات‪،‬‬ ‫�إذن الإج��اب��ة عند الباحثني والأك��ادمي�ي�ين‬ ‫امل�شتغلني يف حقول الرتاث ال�شعبي‪ .‬لنفر�ض‬ ‫�أن اله ّمة توفرت والإرادة انعقدت وم�ضى‬ ‫العزم حتى ّمت لنا تدوين هذا ال�تراث‪ ،‬هل‬ ‫�سن�ستح�ضره يف املنا�سبات واملعار�ض‪ ،‬ثم‬ ‫نقربه يف م�ستودعات الأر�شيف؟ هل ن�ؤ�س�س‬ ‫مكتبات خا�صة به؟ �إذن ال�س�ؤال املهم الذي‬ ‫ن�ط��رح��ه‪ :‬م��اه��ي القيمة احلقيقية ل�تراث‬ ‫�شعبي �شفوي ند ّونه؟‬

‫التنقيب عن التراث‬ ‫الشفوي وتدوينه رهان‬ ‫حضاري يحتاج إلى‬ ‫إصرار وإرادة وثبات من‬ ‫الباحثين‬ ‫ت��واج��ه ال��ب��اح��ث يف الأدب ال�شعبي عدة‬ ‫����ص���ع���وب���ات‪ ،‬م����ن خ��ل��ال جت���رب���ت���ك م��اه��ي‬ ‫ال�����ص��ع��وب��ات ال��ت��ي واج��ه��ت��ك ع��ن��د �إجن���ازك‬ ‫لأبحاثك؟‬ ‫ك �ن��ت م �ن��ذ ط �ف��ول �ت��ي �أم� �ي ��ل �إىل ال�ك�ت��اب��ة‬ ‫الإب��داع �ي��ة؛ ��س��واء �شعر ًا �أم ن�ث�ر ًا‪ ،‬وكانت‬

‫الأمثال ال�شعبية‬ ‫الأم��ث��ال ال�شعبية م��ن �أب���رز عنا�صر ثقافة املجتمع فهي م���ر�آة عاك�سة‬ ‫لطبيعة النا�س ومعتقداتهم نظراً لتغلغلها يف معظم جوانب حياتهم‬ ‫وت�صويرها للمواقف املختلفة‪ ،‬ب��ل ت��ت��ج��اوز ذل��ك ل��ت��ق��دّم لهم من��وذج��اً‬ ‫يقتدى به يف مواقف عديدة‪ ،‬كما �أنها ت�ساهم يف ت�شكيل �أمناط اجتاهات‬ ‫وق ّيم املجتمع‪.‬‬

‫كتاباتي ت�ش ّد اهتمام �أ��س��ات��ذت��ي ـ خا�صة‬ ‫امل�شارقة منهم ـ ث��م م��ع الأي��ام ��ص��ارت يل‬ ‫م�ساهمات يف اجلرائد واملجالت والإذاع��ة‬ ‫ال��وط�ن�ي��ة‪ ،‬بعدها غ��رق��تُ يف بحر ال�تراث‬ ‫ال�شفوي ملنطقتي «الأورا� � ��س»؛ فاكت�شفت‬ ‫ك�ن��وزا غالية‪ ،‬ك��ان ال ب � ّد م��ن نف�ض الغبار‬ ‫عنها‪ ،‬وك ّلما �أحاول اخلروج من هذا البحر‬ ‫والعودة للكتابة الإبداعية ال �أ�ستطيع‪ ،‬لأنني‬ ‫يف ك��ل م��رة اكت�شف �أ��ش�ي��اء ت�ش ّدين �أك�ثر‪.‬‬ ‫الكتابة �أو تدوين الرتاث ال�شفوي والتنقيب‬ ‫عنه يحتاج �إىل �إ��ص��رار و�إرادة وثبات من‬ ‫الباحث‪ .‬وك��ام��ر�أة تعي�ش يف و�سط �صعب‬ ‫امل��را���س‪� ،‬أج��د �صعوبات ج ّمة يف �أبحاثي‪،‬‬ ‫�أهمها ع��دم تف ّهم حميطي للعمل ال�شاق‬ ‫الذي �أقوم به‪ ،‬كما �أن التقاليد تقف حائال‬ ‫دون مت ّكني م��ن التنقل �إىل عمق الريف‬ ‫الأورا���س��ي واالح�ت�ك��اك ب ��أه��ايل الأورا����س‪،‬‬ ‫خا�صة كبار ال�سنّ منهم‪.‬‬ ‫هناك من النا�س من مل يتع ّود على مثل هذا‬


‫ال�ن��وع م��ن ال��درا� �س��ة‪ ،‬مم��ا جعل االت�صال‬ ‫بهم �أم��ر ًا �صعب ًا ـ خا�صة يف بداية التعامل‬ ‫ـ لكن م��ع الأي ��ام تع ّلمتُ طريقة التعامل‬ ‫والتوا�صل مع كبار ال�سن‪ ،‬وبالذات الن�سوة‬ ‫امل�س ّنات اللواتي عملت معهن على توثيق‬ ‫ال�صلة‪ ،‬وذل��ك للحديث معي بطريقة غري‬ ‫م�ب��ا��ش��رة يف ط��رح الأ� �س �ئ �ل��ة وحم��اورت �ه��ن‬ ‫ال��س�ت�ق��اء امل �ع �ل��وم��ات وت�سجيل امل� ��ادة ثم‬ ‫غربلتها وت�صنيفها‪ .‬والذي يح ّز يف نف�سي‬ ‫وي�ؤملني؛ �أنه بعد تط ّور �أوا�صر املحبة بيني‬ ‫وب�ي�ن ��س�ي��دة م�سنة ل �ف�ترة ط��وي �ل��ة‪ ،‬ي�صل‬ ‫�أجلها ملفارقة احلياة‪ ،‬وهي حتت�ضر تطلب‬ ‫ح�ضوري لتزويدي مبعلومات جديدة‪.‬‬ ‫البع�ض ي�سبغ نوعاً من القدا�سة على‬ ‫املثل ال�شعبي‪ ،‬هل املثل ال�شعبي �صالح لك ّل‬ ‫زمان ومكان؟‬ ‫يقال باللهجة ال�شاوية‪�« :‬أوردجني �إمزويرا‬ ‫متى �أذينني �إن ّقورا»‪ ،‬ويقابله املثل ال�شعبي‬ ‫بالعربية ال�ع��ام�ي��ة‪« :‬م��ا خ�لاو ال� ّل��ول�ين ما‬ ‫يقولوا ال ّلخرين»‪ .‬تعترب الأم�ث��ال ال�شعبية‬ ‫م��ن �أب���رز ع�ن��ا��ص��ر ث�ق��اف��ة امل�ج�ت�م��ع‪ ،‬فهي‬ ‫م��ر�آة عاك�سة لطبيعة النا�س ومعتقداتهم‬ ‫نظرا لتغلغلها يف معظم ج��وان��ب حياتهم‬ ‫وت�صويرها للمواقف املختلفة‪ ،‬بل تتجاوز‬ ‫ذل��ك ل�ت�ق� ّدم ل�ه��م من��وذج��ا ي�ق�ت��دى ب��ه يف‬ ‫مواقف عديدة‪ ،‬كما �أنها ت�ساهم يف ت�شكيل‬ ‫�أمناط اجتاهات وق ّيم املجتمع‪� .‬إذن‪ ،‬فهي‬ ‫م��ن م�ستلزمات احل�ي��اة االجتماعية التي‬ ‫ي�صنعها الإن���س��ان بتفاعل‪ ،‬لكونها تعي�ش‬ ‫معنا يف يومياتنا وت�ش ّكل �سالحا للأفراد‬ ‫وما يجب �أن يفعلوه‪.‬‬ ‫هناك م��ن ي��رى �أن املجتمع اجل��زائ��ري‬ ‫ينتق�ص من قيمة وحق املر�أة‪ ،‬كيف و�صف‬ ‫املثل ال�شعبي اجلزائري املر�أة؟‬ ‫حت�ت��ل امل���ر�أة يف الأم �ث��ال ال�شعبية جم��ا ًال‬ ‫كبري ًا‪ ،‬باعتبارها حمور احلياة االجتماعية‬ ‫داخ��ل البيت وخ��ارج��ه‪ ،‬وذل��ك م��ن خالل‬ ‫الدور الذي تلعبه كزوجة و�أم وابنة وحماة‪،‬‬ ‫واملت�أمل ل�صورة امل��ر�أة يف احلياة اليومية‪،‬‬

‫من �آثار مدينة خن�شلة اجلزائرية‬

‫لكل منطقة من مناطق‬ ‫الجزائر كنوزها من التراث‬ ‫الالّمادي وأقترح إنشاء‬ ‫مواقع إلكترونية خاصة‬ ‫بكل منها‬ ‫من خالل الأمثال ال�شعبية‪ ،‬يجد لها �صور ًا‬ ‫عديدة متقابلة‪ ،‬تعك�س ك ّل �صورة مالحمها‬ ‫املتنوعة؛ فتتداخل معا لتك ّون يف النهاية‬ ‫��ش�ك� ً‬ ‫لا ع��ام � ًا ل �ل �م��ر�أة امل�ت�م�ي��زة ب��الأ��ص��ال��ة‬ ‫والن�شاط وخ ّفة الروح‪� ،‬إذ ال حتاول الأمثال‬ ‫تقدمي �صورة عامة للمر�أة ككائن جمايل‬ ‫حت� � ّدد خ�صائ�صه ومت �ت��دح ��ص�ف��ات��ه‪ ،‬بل‬

‫ت�سعى �إىل �سرب �أغ��وار ه��ذا الكائن الذي‬ ‫ي�ش ّكل حم��ور ًا �أ�سا�سي ًا من حم��اور احلياة‬ ‫االجتماعية؛ حيث �أ ّنها حتر�ص على تقدمي‬ ‫ر�ؤي��ة وا�ضحة لطبيعة ال�سلوك الإن�ساين‬ ‫متّخذة من املر�أة رمز ًا لهذا ال�سلوك‪ ،‬ي�شري‬ ‫�إىل �شكل العالقة االجتماعية القائمة بني‬ ‫امل��ر�أة واملجتمع‪ .‬وم��ن �أ�شهر الأم�ث��ال التي‬ ‫قيلت عن املر�أة‪:‬‬ ‫«م��ا يعجبك ن� � ّوار ال��دف�ل��ة يف ال ��واد عامل‬ ‫ظ�لاي��ل»‪ ،‬و«م��ا يعجبك زي��ن الطفلة حتى‬ ‫ت�شوف لفعايل»‪« .‬بنت ال�س ّد وامل�� ّد وبنت‬ ‫الق�صعة وامل�ثرد»‪« ،‬ق ّلب الربمة على فمها‬ ‫ت�خ��رج الأن �ث��ى لأم �ه��ا»‪�« ،‬أدّي لبنات على‬ ‫الأمهات و�أدّي اخليل على ال�سادات»‪« ،‬اللي‬


‫ساحة الحوار‬ ‫‪54‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫وتنا�سق جمله وجتان�س �أحرفه‪ ،‬نف�س ال�شيء‬ ‫مع الأحاجي التي ت�ستعمل عادة لل�سمر وملأ‬ ‫الفراغ والت�سلية‪ ،‬فغالب ًا ما تلتزم بال�سجع‪،‬‬ ‫كما تدفع ب�سامعها لتحريك الفكر واختبار‬ ‫العقل ال�ستنباط املغزى‪.‬‬ ‫�أم��ا الق�صة الأمازيغية‪ ،‬فتم ّثل ق�سما هاما‬ ‫من امل�أثورات ال�شفوية اجلزائرية تنتقل من‬ ‫الكبري �إىل ال�صغري‪ ،‬فيها �شيء من طفولة‬ ‫الب�شر وك��ذا مالمح وفية لطبيعة الريف‪،‬‬ ‫ت �ب��دو ذات طبيعة خ�ي��ال�ي��ة‪ ،‬ت ��روى بغر�ض‬ ‫الت�سلية والرتفيه عن النف�س بعد عناء اجلهد‬ ‫والتعب‪ ،‬فيها مل�سات للأ�صالة مبختلف �ألوانها‬ ‫و�أ�شكالها‪ ،‬ت�ص ّور لنا حياة الإن�سان الأمازيغي‬ ‫يف مواجهته لذاته وحميطه‪.‬‬

‫‪2012‬‬

‫بورتريه امر�أة �شاوية للفنان لزهر هادف‬

‫�صربت دارها عمرت»‪.‬‬ ‫�شعبي‪ ،‬تعليمي و�شكل �أدبي مكتمل‪ ،‬كما �أنها‬ ‫�سهلة احلفظ والتناقل على الأل�سنة‪ ،‬وهذا‬ ‫ب��اع��ت��ب��ارك مهتمة بالبحث يف الثقافة راجع �إىل بالغتها‪ ،‬مثال نقول «الربد يع ّلم‬ ‫ال�����ش��ع��ب��ي��ة الأم���ازي���غ���ي���ة‪ ،‬م��اه��ي خ�صائ�ص خلياطة واجل��وع يع ّلم ال�سقاطة»‪� ،‬أو نقول‬ ‫والهم يك ّم�ش»؛ هنا جند املثل‬ ‫امل��ث��ل ال�شعبي‪ ،‬الأح��ج��ي��ة‪ ،‬ال��ل��غ��ز والق�صة «اخلري يل ّل�ش ّ‬ ‫الأمازيغية؟‬ ‫فيه جر�س مو�سيقى نظر ًا لتناغم �ألفاظه‬ ‫�إذا كانت الأمثال ال�شعبية عبارة عن �أقوال‬ ‫�شفوية‪ ،‬جمهولة القائل ووا�سعة االنت�شار‬ ‫بني العامة واخلا�صة‪ ،‬ف�إنّ �سر ذيوعها يعود تحتل المرأة في‬ ‫�إىل جملة م��ن اخل�صائ�ص ال�ت��ي ام�ت��ازت األمثال الشعبية‬ ‫بها و�أجمع عليها الدار�سون؛ وه��ي‪� :‬إيجاز الجزائرية مجا ً‬ ‫ال كبير ًا‬ ‫اللفظ‪ ،‬و�إ��ص��اب��ة املعنى‪ ،‬وح�سن الت�شبيه باعتبارها محور الحياة‬ ‫وجودة الكناية‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أنها ذات طابع‬

‫االجتماعية داخل‬ ‫البيت وخارجه‬

‫جند يف الأدب ال�شفوي العربة‪ ،‬واحلكمة‪،‬‬ ‫وال��ب��ط��ول��ة‪ ،‬واحل���ب‪ ،‬واخل��راف��ة‪ ،‬مب تتميز‬ ‫اخلرافة يف الأدب ال�شعبي اجلزائري؟‬ ‫ع��دد الأم �ث��ال ال�شعبية والأح��اج��ي ي�ق� ّدر‬ ‫ب� ��الآالف‪ ،‬بينما ع��دد الق�ص�ص ال�شعبية‬ ‫حم� ��دود‪ .‬تنق�سم ال�ق���ص��ة ال���ش�ع�ب�ي��ة �إىل‬ ‫�أ�صناف‪ :‬الق�صة العجائبية‪ ،‬الأ�سطورة‪،‬‬ ‫احل �ك��ي ع�ل��ى ل���س��ان احل� �ي ��وان‪ ،‬واخل��راف��ة‬ ‫ت��دخ��ل يف ه��ذا امل�ضمار‪ .‬ت�ه��دف اخل��راف��ة‬ ‫�إىل الت�سلية‪ ،‬كما تهدف �إىل تقدمي املوعظة‬ ‫وال �ع�ب�رة‪ ،‬ت���ص� ّور ل�ن��ا اخل��راف��ة ال�ع�لاق��ات‬ ‫االجتماعية وال�سيا�سية ال���س��ائ��دة‪ ،‬تقدم‬ ‫اخلربة الإن�سانية وطبائع الب�شر‪ ،‬ومتثل �أداة‬ ‫فعالة يف الرتبية وتو�صيل القيم اخللقية‬ ‫و�إبراز الفروق الفردية بني الب�شر‪ .‬خذ مثال‬ ‫حكايات «الأغ� ��وال»؛ تلك احل�ك��اي��ات التي‬ ‫ترويها لنا اجلدات لي ًال‪ ،‬والتي ن�ستنتج منها‬ ‫ال�صراع الدائر بني احلق والباطل‪ ،‬القوي‬ ‫وال�ضعيف‪ ،‬اخلري وال�شر‪.‬‬ ‫الأدب ال�شعبي �إب��داع جمعي‪ ،‬وهو دليل‬ ‫على عبقرية �شعب من ال�شعوب‪ ،‬مقارنة‬ ‫ب��الآداب ال�شعبية العاملية‪ ،‬مب ميتاز الأدب‬ ‫ال�شعبي اجلزائري؟‬ ‫�أهم ما مي ّيز الأدب ال�شعبي اجلزائري �أنه‬ ‫ال ي�ع�ّب�رّ ع��ن وج ��دان ف ��ردي‪ ،‬وه��و ب�ه��ذا؛ ال‬


‫مناذج من حلي املر�أة اجلزائرية‬

‫يعبرّ عن فكرة الفرد ولكن فكرة اجلماعة‪،‬‬ ‫وذل��ك القرتانه بالق�ضايا االجتماعية من‬ ‫خ�لال ت���ص��وي��ره لأح��ا��س�ي����س‪� ،‬آالم و�آم ��ال‬ ‫�أفراد ال�شعب‪ ،‬كما �أنه يعتمد على الرواية‬ ‫واحلفظ يف انتقاله من جيل لآخر؛ �إذ كانت‬ ‫هذه الرواية �سبب ًا يف تغيرّ بع�ض عنا�صره‬ ‫وفق ًا لطبيعة اجلمهور املتلقي‪ .‬وه��و �أدب‬ ‫ع��ام��ي‪ ،‬تقليدي‪� ،‬شفاهي متعدد اللغات‪،‬‬ ‫جمهول امل�ؤلف ومتوارث عرب الأجيال‪.‬‬ ‫�إىل جانب اهتمامك بالبحث يف الأدب‬ ‫ال�����ش��ع��ب��ي‪ ،‬ت��ن��ا���ض��ل�ين يف ���ص��ف��وف احل��رك��ة‬ ‫الن�سوية‪ ،‬م��اذا عن واق��ع امل��ر�أة الريفية يف‬ ‫اجلزائر؟‬

‫األدب الشعبي‬ ‫الجزائري يصور‬ ‫أحاسيس وآالم وآمال‬ ‫أفراد الشعب ويعبّر عن‬ ‫فكرة الجماعة متجاوز ًا‬ ‫اإلحساس الفردي‬ ‫املر�أة الريفية ـ خا�صة يف منطقة الأورا�س‬ ‫ـ ال ت��زال مه ّم�شة على ال��رغ��م م��ن ال��دور‬ ‫الكبري ال��ذي تلعبه �إىل جانب ال��رج��ل‪ ،‬ال‬ ‫تزال املر�أة الريفية تعاين من م�شاق احلياة‬

‫املر�أة الرمز‬ ‫ال حت��اول الأم��ث��ال تقدمي ���ص��ورة عامة للمر�أة ككائن جمايل حت�� ّدد‬ ‫خ�صائ�صه ومت��ت��دح �صفاته‪ ،‬ب��ل ت�سعى �إىل �سرب �أغ���وار ه��ذا الكائن‬ ‫الذي ي�ش ّكل حموراً �أ�سا�سياً من حماور احلياة االجتماعية؛ حيث �أنّها‬ ‫حتر�ص على تقدمي ر�ؤية وا�ضحة لطبيعة ال�سلوك الإن�ساين متّخذة‬ ‫من امل��ر�أة رم��زاً لهذا ال�سلوك‪ ،‬ي�شري �إىل �شكل العالقة االجتماعية‬ ‫القائمة بني املر�أة واملجتمع‪.‬‬

‫املعي�شية‪ ،‬حتى يف ظ��ل وج��ود جم�ه��ودات‬ ‫لإنعا�ش الريف‪ ،‬املر�أة الريفية لديها قدرات‬ ‫ل��و تهي�أت لها ال�ظ��روف املنا�سبة حلققت‬ ‫الكثري‪ .‬هنا ي�أتي دور اجلمعيات الن�سوية‬ ‫التي تهدف �إىل تدريب وت�أهيل امل��ر�أة على‬ ‫حرف يدوية مع ّينة ت�سهم يف حت�سني م�ستوى‬ ‫معي�شة �أ�سرتها‪ ،‬و�أي�ضا توعيتها وتثقيفها‬ ‫م ��ن ال��ن��واح��ي ال �� �ص �ح �ي��ة واالج �ت �م��اع �ي��ة‬ ‫والثقافية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل مكافحة الأمية‬ ‫بتعليم الن�ساء الأميات وتدريبهن وت�أهيلهن‬ ‫للعمل ع�ل��ى التخفيف م��ن ع��بء الفقر‪،‬‬ ‫ت�ع��ري��ف امل���ر�أة بحقوقها امل �ع�ترف ب�ه��ا يف‬ ‫قانون الأ�سرة‪ ،‬توعيتها للحفاظ على تراثها‬ ‫ال�شعبي‪ .‬و�أريد �أن �أقول هنا؛ هذه م�شاريع‬ ‫و�آفاق �أمتنى جت�سيدها يف �إطار انخراطي‬ ‫م��ع اجلمعية الوطنية «جمعية امل���ر�أة يف‬ ‫ات�صال ‪ ،» FEC‬رمبا �أمتكن من م�ساعدة‬ ‫امل��ر�أة الريفية الأورا��س�ي��ة يف اخل��روج من‬ ‫القوقعة التي توجد فيها‬


‫‪56‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نو فمرب‬ ‫‪2012‬‬

‫هنا ‪ ..‬وهناك‬

‫المرأة‪ ..‬الهيكل العظمي‬ ‫�إنها‬

‫حكاية قدمية ج��دا حتكيها اجل��دات يف ب�لاد الإ�سكيمو‬ ‫الباردة‪ ،‬واحلكاية تف�سر �أزمات عالقات احلب يف زماننا‬ ‫هذا‪ .‬هل هذا ممكن؟ هذا ما ت�ؤكده م�ؤلفة كتاب «ن�ساء يرك�ضن‬ ‫مع ال��ذئ��اب‪� :‬أ�ساطري وحكايات النموذج الأويل للمر�أة الربية»‪.‬‬ ‫لقد �سمعت «كالري�سا بنكوال �إي�ست�س» احلكاية من �إح��دى ن�ساء‬ ‫الإ�سكيمو وكتبتها لنا‪ ،‬ثم قدمت حتليال نف�سيا للحكاية يغو�ص يف‬ ‫�أعماق نفو�سنا ويخرج لنا بحقائق ثمينة رمبا لو فهمناها لأنقذنا‬ ‫عالقات حب عديدة من الف�شل‪.‬‬ ‫تقول احلكاية �أن �شابة قد غ�ضب عليها �أباها‪ ،‬ل�سبب مل يعد يذكره‬ ‫النا�س‪ ،‬فقذف بها �إىل البحر‪ .‬وهناك �أك��ل ال�سمك حلمها وفق�أ‬ ‫عينيها والتفت �أع�شاب البحر والطحالب حول هيكلها العظمي‬ ‫الذي �أخذ التيار يتقاذفه مينة وي�سرة‪ .‬ويف يوم من ا ألي��ام ذهب‬ ‫�أحد ال�صيادين مبركبه ال�صغرية �إىل املكان الذي ترقد يف �أعماقه‬ ‫امل��ر�أة كي ي�صطاد‪ .‬رم��ى ال�صياد �سنارته‪ ،‬ويف التو �شعر بثقل‬ ‫ال�صيد الآتي من عمق البحر‪ .‬فرح ال�صياد وزغرد قلبه وهو يرفع‬ ‫ال�سمكة ال�سمينة‪ .‬وما �إن ظهر له ال�صيد حتى ر�أى هيكال عظميا‪.‬‬ ‫ارتعب ال�صياد وقذف بالهيكل �إىل املاء مرة �أخرى و�أخذ يجدف‬ ‫عائدا �إىل ال�شاطئ وقلبه يدق فزعا‪ .‬مل ي��درك الرجل �أن خيط‬ ‫ال�سنارة قد التفت حول عظام امل��ر�أة فكان كلما نظر وراءه وجد‬ ‫الهيكل يطارده‪ .‬وعندما نزل �إىل ال�شاطئ �أطلق �ساقيه للريح وهو‬ ‫ي�صرخ‪ .‬و�صل �إىل كوخه وهو يلهث‪ ،‬دخل و�أغلق الباب وراءه كمن‬ ‫جنا من املوت مبعجزة‪ .‬وما �أن التفت وراءه حتى ر�أى هيكل املر�أة‬ ‫العظمي وقد ا�شتبكت عظامه مع بع�ضها البع�ض ومع خيط ال�سنارة‬ ‫فانهار �إىل الأر�ض باكيا‪ .‬وعندما هد�أت �أنفا�سه‪� ،‬ألقى عليها نظرة‬ ‫�أخرى ف�أدرك �أنها بال حول‪ ،‬و�أن لي�س ب�إمكانها �إيذائه‪ .‬وكان التعب‬ ‫والفزع قد ناال منه فقرر �أن يرتكها مكانها‪ .‬ال‪ ..‬بل �إن حلظة �شفقة‬

‫غريبة قد مرت بقلبه فقرر تخلي�صها من التفاف اخليط وت�شابك‬ ‫عظام �ساقيها مع قف�صها ال�صدري‪ .‬كان كل هذا يحدث واملر�أة مل‬ ‫تتحرك �أو تبدي رد فعل خوفا من �أن يلقي بها ال�صياد خارج الكوخ‬ ‫ومن فوق ال�صخرة العالية فتتحطم عظامها �إىل الأب��د‪ .‬و�أخ�يرا‬ ‫�سحب ال�صياد البطانية الثقيلة فوق ج�سده ون��ام‪ .‬وب��د�أت امل��ر�أة‬ ‫الهيكل العظمي تت�أمله‪ .‬الحظت انفالت دمعة من عينيه وهو نائم‪،‬‬ ‫وهو �أمر متكرر احلدوث مع الب�شر‪� .‬شعرت املر�أة حلظتها بعط�ش‬ ‫�شديد‪ .‬اقرتبت بهدوء و�أخذت ت�شرب من تلك الدمعة �أنهارا من‬ ‫املاء �أ�شبعت عط�ش ال�سنني الطويلة‪ .‬ثم �أخرجت بهدوء قلبه من‬ ‫بني ال�ضلوع وب��د�أت تدق عليه مثل الطبلة وهي تغني من �أجل �أن‬ ‫يعود �إىل ج�سمها اللحم‪ .‬غنت من �أجل �شعر طويل وعينني جميلتني‬ ‫وبطن م�ستديرة‪ .‬وكلما غنت املر�أة كلما اكت�ست عظامها باللحم‬ ‫وعاد �إليها �شعرها والعينني‪ .‬و�صحا ال�صياد يف ال�صباح على امر�أة‬ ‫جميلة تنام بجانبه وتنظر �إليه بحب‪ .‬يقول النا�س �أن ال�صياد‬ ‫وحبيبته قد تركا تلك القرية ورحال �إىل مكان جديد‪.‬‬ ‫كيف تك�شف حكاية الإ�سكيمو هذه �أزم��ة احلب يف �أيامنا؟ تقوله‬ ‫املحللة النف�سية «كالري�سا بنكوال �إي�ست�س» �أن �أحد الأزم��ات التي‬ ‫ت�صيب عالقات احلب تنبع من خوفنا من دورة «احلياة‪ /‬املوت‪/‬‬ ‫احلياة»‪ .‬فنحن‪� ،‬أبناء وبنات الثقافة احلديثة‪ ،‬نريد «احلياة» فقط‪،‬‬ ‫ونظن �أن امل��وت يعني النهاية‪� .‬أي �أننا نتوقع �أن ت�أتي لنا عالقة‬ ‫احلب بكل ما هو وردي وجميل وم�شرق‪ ،‬ويف هذا التجاهل للجانب‬ ‫املعتم من احل��ب جهل كبري بطبيعته‪ .‬فاحلب لي�س وجها واح��دا‬ ‫جميال وما دونه �سيء وغري مرغوب به‪ .‬احلب موجات �أولها �سعادة‬ ‫وانبهار �أننا قد وجدنا كنزا عظيما‪ ،‬و�أن �سنارة �صيدنا قد التقطت‬ ‫ما مل يلتقطه �صياد من قبل‪ .‬نفرح بخفقات القلب واللقاءات‬ ‫الأوىل واالهتمام ونظرات الإعجاب والتمني والرجاء‪ .‬وبعد �أن متر‬


‫د‪�.‬سحر املوجي‬

‫مرحلة االفتتان الأوىل‪ /‬فرحة ال�صيد الثمني‪ ،‬نقابل الوجه الآخر‬ ‫ملن نحب‪� ،‬أو نتعرف على الوجه الآخر للحب وهو الهيكل العظمي‪/‬‬ ‫املوت‪ .‬ما الذي ميوت؟ متوت �أوهام وتذوي توقعات‪ ،‬ميوت طمعنا‬ ‫يف احل�صول على كل �شيء‪ .‬متوت اخلفقة الأوىل وجند �أنف�سنا‪،‬‬ ‫وجها لوجه‪� ،‬أمام بع�ض ال�شوائب يف ال�صورة‪ ،‬فرمبا احلبيب لي�س‬ ‫كما ت�صورناه بعيون احلب الأوىل‪ ،‬رمبا لن متنحنا العالقة كل ما‬ ‫توقعناه‪� .‬إن مواجهة الهيكل العظمي‪ /‬مرحلة املوت يف العالقة لهو‬ ‫�أمر يتطلب قوة داخلية وقدرة على موا�صلة احلب رغم موت بع�ض‬ ‫الأ�شياء‪ .‬فرمبا من هذا امل��وت تنبعث حياة جديدة‪ .‬احل��ب‪ ،‬كما‬ ‫تقول «�إي�ست�س»‪ ،‬هو �أن تقف مكانك بينما كل ذرة يف كيانك ت�صرخ‬ ‫«اهرب»!‬ ‫فلننظر مثال �إىل ال�صياد الذي فرح يف البداية بال�صيد الثمني‪،‬‬ ‫وعندما ر�أى الهيكل العظمي ركبه الفزع وفر هاربا‪ ،‬وعندما قرر‬ ‫يف كوخه �أن ي�ترك الهيكل وح��ال��ه‪� ،‬أن يقبل وج��وده‪ ،‬و�أن يتوقف‬ ‫عن الهروب‪ ،‬بد�أ يجد يف الأمور �أمور‪ .‬يف حلظة تعب �أو ي�أ�س من‬ ‫الهروب‪ ،‬ترك ال�صياد هيكل املر�أة يف الكوخ‪ .‬بل �إنه فك ا�شتباك‬ ‫عظامها و�أع��اده��ا �إىل مكانها‪� .‬إن م��ا فعله ي��وازي تلك العملية‬ ‫النف�سية التي يجب �أن نقوم بها جميعا كي نفهم �أنف�سنا‪ ،‬ون�س�أل‪:‬‬ ‫ما هي الأ�شياء التي يجب �أن �أقبل موتها الآن؟ رمبا هو �شعوري‬ ‫باخلوف‪ .‬البد للخوف �أن ميوت‪ .‬رمبا هو رغبتي يف اال�ستحواذ على‬ ‫كل ما هو جميل ولفظي ملا هو خارج توقعاتي؟ رمبا هي التوقعات‬ ‫غري الواقعية التي البد �أن �أتركها متوت؟ ما هو ال�شيء الذي البد �أن‬ ‫ميوت ّ‬ ‫يف كي يتدفق نهر احلياة داخلي مرة �أخرى؟‬ ‫ويف �أمان البيت ال�صغري ودفئه �شعرت املر�أة مبا ينق�صها‪ .‬ينق�صها‬ ‫�أن ت��روي عط�شها م��ن دم�ع��ة �أفلتت م��ن ع�ين ال�ن��ائ��م‪� .‬إن حزنه‬ ‫الدفني هو �إن�سانيته‪ ،‬ومنطقة �ضعفه اخلفية عن كل العيون‪ ،‬وهي‬

‫ت�شعر بعط�ش حارق لالرتواء من نبع احلزن هذا‪ .‬هل لأن لديها‬ ‫هي الأخ��رى �أح��زان مطوية؟ كما �شعرت �أنها تريد �أن تدق على‬ ‫قلبه كالطبلة وتغني طلبا ملا ينق�صها‪ .‬القلب هو نبع احلياة‪ ،‬ومن‬ ‫نب�ضات قلب الرجل عادت احلياة للهيكل العظمي و�أ�صبحت امر�أة‬ ‫م��رة �أخ��رى‪ .‬لقد قامت امل��ر�أة ب�شفاء نف�سها عندما �أدرك��ت ما‬ ‫ينق�صها و�سعت �إليه‪ .‬واحلقيقة �أننا كثريا ما نرتكب خط�أ فادحا‬ ‫عندما ال نواجه جراحنا‪ :‬ميوت �أح��د الأحبة فن�ستمر يف م�سرية‬ ‫حياتنا ونحن ندعي �أن كل �شيء على ما يرام‪ ،‬نفقد حلما فنهون‬ ‫من الأمر‪ ،‬لكننا ال نبحث عن حلم جديد‪ .‬لكن ما يحدث يف حقيقة‬ ‫الأمر هو �أننا ن�صب ملحا يف تلك اجلراح عندما نغم�سها كل يوم يف‬ ‫املرارة والغ�ضب من احلياة وال�شفقة على الذات‪ .‬ونادرا ما نفهم‬ ‫�أن هناك جراحا البد �أن نواجهها ب�أنف�سنا‪ ،‬و�أن ال �أحد مبكانه �أن‬ ‫ي�شفي تلك اجلراح �إال نحن‪ .‬فعلينا �أن نواجه حزننا ونغفر لنف�سنا‬ ‫الأخطاء بعد �أن نفهمها‪ ،‬و�أن نتعلم من كل جرح در�سا‪ .‬اجلرح‬ ‫نوع من �أنواع املوت‪ ،‬وعلينا �أن منتلك �شجاعة مواجهة هذا املوت‬ ‫كي ُنبعث �إىل حياة جديدة ن�صبح فيها �أك�ثر رحابة و�أك�ثر طيبة‬ ‫وت�ساحما مع �أنف�سنا‪.‬‬ ‫تف�شل عالقات احلب لأن كال الطرفني يدخل �إىل العالقة حممال‬ ‫ب�إرث قدمي من اجلروح وبحقيبة ثقيلة من التوقعات وب�إ�سقاطات‬ ‫من ما�ضينا على اللحظة احلا�ضرة‪ .‬وتنجح تلك العالقات عندما‬ ‫يقوم كل من الرجل وامل��ر�أة بالواجب النف�سي الأ�سا�سي‪ :‬حماولة‬ ‫فهم ال��ذات‪ ،‬تطهري اجل��روح‪ ،‬مواجهة اخل��وف وان�ع��دام ا ألم��ان‪،‬‬ ‫وتعلم الثقة يف الآخ��ر وم�شاركته حزننا ال��دف�ين‪ .‬تعلمنا امل��ر�أة‬ ‫الهيكل العظمي �أن احلياة يتلوها موت وكل موت يفتح الباب حلياة‬ ‫جديدة‬

‫هنا ‪..‬وهناك‬


‫وجه في المرآة‬ ‫‪58‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫ن�صبه طه ح�سني �أمري ًا لل�شعر بعد �شوقي‬ ‫ّ‬

‫عباس العقاد ‪..‬‬ ‫شاعر األدباء‬


‫القاهرة ‪� -‬أحمـد �أبو زيد‬ ‫يظل �أديب م�صر العمالق عبا�س حممود العقاد‪ ،‬رغم مرور �أكرث من �أربعني عاماَ على رحيله‪ ،‬حا�ضراً‬ ‫يف �ساحة الأدب والفكر يف م�صر‪ ،‬م�ؤثراً فيها بكتاباته الفكرية والأدبية ومو�سوعاته‪ ،‬وعبقرياته التي‬ ‫تفرد بكتابتها عن الر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم‪ -‬وعن كبار ال�صحابة واخللفاء الرا�شدين ‪.‬‬ ‫فقد اجتمع للعقاد ما مل يجتمع لغريه من املواهب‬ ‫وامل َل َكات‪ ،‬فهو كاتب كبري‪ ،‬و�شاعر المع‪ ،‬وناقد‬ ‫ب�صري‪ ،‬وم�ؤرخ ح�صيف‪ ،‬ولغوي ب�صري‪ ،‬و�سيا�سي‬ ‫حاذق‪ ،‬و�صحفي نابه‪ ،‬مل ينل منزلته الرفيعة يف‬ ‫عامل الأدب والفكر والثقافة بجاه �أو �سلطان‪،‬‬ ‫�أو بدرجات و�شهادات علمية‪ ،‬بل نالها مبواهبه‬ ‫املتعددة‪ ،‬وهمته العالية‪ ،‬ود�أبه املتوا�صل‪ ،‬عا�ش‬ ‫من قلمه وكتبه‪ ،‬وترفع عن الوظائف واملنا�صب‬ ‫ال كره ًا فيها‪ ،‬بل �صو ًنا حلريته واعتزا ًزا بها‪،‬‬ ‫وخو ًفا من �أن تنازعه الوظائف ع�شقه للمعرفة‪.‬‬

‫�أحد كبار املو�سوعيني‬

‫وهو �أح��د كبار املو�سوعيني‪ ،‬حيث كان م�ؤ�س�س ًا‬ ‫حقيقي ًا يف ال�شعر ونقده‪ ،‬والأدب وتاريخه‪ ،‬والفكر‬ ‫الإ�سالمي والفل�سفة‪ ،‬والفكر العاملي والرتاجم‪،‬‬ ‫ومل يكن جامع معلومات بل كان يف كل ما يدر�سه‬ ‫ويقدمه ويبدعه يتجاوز حدود املعرفة التقليدية‬ ‫التي ا�ستقرت قبله لينفذ فيها ب�سهمه ال�شخ�صي‪،‬‬ ‫وقد انفتح علي ح�ضارات العامل وثقافته‪ ،‬واكت�شف‬ ‫ذاته العربية و�أدرك �أبعاد �شخ�صيته القومية‪،‬‬ ‫لي�سرتد وعيه العربي والإ�سالمي ويعرف كيف‬ ‫يقر�أ تراثه قراءة جيدة‪ ،‬وميكنه اكت�شاف املكنون‬ ‫يف طبيعة هذا الرتاث‪.‬‬ ‫ومتتد رحلته املديدة وكفاحه يف حمراب الفكر‬ ‫والعلم والأدب حتى يرحل يف ‪ 13‬مار�س ‪1964‬‬ ‫عن خم�سة و�سبعني عام ًا‪ .‬بعد �أن ترك وراءه ثروة‬ ‫فكرية تتمثل يف �أكرث من مائة كتاب‪ ،‬عدا �آالف‬ ‫من البحوث واملقاالت‪.‬‬ ‫ولقد عُ رف العقاد منذ �صغره بنهمه ال�شديد �إىل‬ ‫ال�ق��راءة‪ ،‬و�إنفاقه ال�ساعات الطوال يف البحث‬ ‫والدر�س‪ ،‬وقدرته الفائقة على الفهم واال�ستيعاب‪،‬‬ ‫و�شملت قراءاته الأدب العربي والآداب العاملية‪،‬‬ ‫فلم ينقطع يو ًما عن االت�صال بهما‪ ،‬ال يحوله‬

‫مانع عن قراءة عيونهما ومتابعة اجلديد الذي‬ ‫ي�صدر منهما‪ ،‬وبلغ من �شغفه بالقراءة �أنه كان‬ ‫يطالع كت ًبا كثرية ال ينوي الكتابة يف مو�ضوعاتها‪،‬‬ ‫حتى �إن �أدي ًبا زاره يو ًما‪ ،‬فوجد على مكتبه بع�ض‬ ‫املجلدات يف غرائز احل�شرات و�سلوكها‪ ،‬ف�س�أله‬ ‫عنها‪ ،‬ف�أجابه ب�أنه يقر�أ ذل��ك تو�سي ًعا لنهمه‬ ‫و�إدراكه‪ ،‬حتى ينفذ �إىل بواطن الطبائع و�أ�صولها‬ ‫الأوىل‪ ،‬ويقي�س عليها دنيا النا�س وال�سيا�سة‪.‬‬ ‫وقد كتب العقاد ع�شرات الكتب يف مو�ضوعات‬ ‫خمتلفة‪ ،‬فكتب يف الأدب والتاريخ واالجتماع‬ ‫مثل‪ :‬مطالعات يف الكتب واحلياة‪ ،‬ومراجعات يف‬ ‫الأدب والفنون‪ ،‬و�أ�شتات جمتمعة يف اللغة والأدب‪،‬‬ ‫و�ساعات بني الكتب‪ ،‬وعقائد املفكرين يف القرن‬ ‫الع�شرين‪ ،‬وجحا ال�ضاحك امل�ضحك‪ ،‬وبني الكتب‬ ‫والنا�س‪ ،‬والف�صول‪ ،‬واليد القوية يف م�صر‪.‬‬

‫مكانته ال�شعرية‬

‫و�أعا�صري مغرب‪ ،‬وبعد الأعا�صري‪ ،‬و�أ�شجان‬ ‫الليل‪ ،‬ووحي الأربعني‪ ،‬وهدية الكروان‪ ،‬وعابر‬ ‫�سبيل‪ ،‬ودي��وان من دواوي��ن‪ ،‬وهذه الدواوين‬ ‫عاما‬ ‫الع�شرة هي ثمرة ما يزيد على خم�سني ً‬ ‫من التجربة ال�شعرية‪.‬‬

‫يقظة ال�صباح‬

‫ولقد كان لل�شعر مكانة كبرية يف فكر العقاد‪،‬‬ ‫حيث بد�أ �إنتاجه ال�شعري قبل احلرب العاملية‬ ‫الأوىل‪ ،‬و�أ�صدر �أول دواوينه عام ‪1916‬م‪ ،‬وهو‬ ‫«يقظة ال�صباح»‪ ،‬وتوالت بعد ذلك جمموعاته‬ ‫ال�شعرية بعناوين خمتلفة‪ ،‬و�أ�شعاره تتميز‬ ‫ب�أ�صالة ال�شعور والفكر حتى حني كان ينظم‬ ‫يف املنا�سبات‪ ،‬وي��رى �أن العناية بال�صياغة‬ ‫وحدها ال تنتج �شعر ًا له قيمة‪.‬‬ ‫وقد ارتاد لل�شعر العربي �آفاق ًا جديدة‪ ،‬فلم‬ ‫يكتف بال�شعر الق�ص�صي‪ ،‬بل اتخذ من البيئة‬ ‫امل�صرية وم�شاهد احلياة العادية م�صادر‬ ‫للإلهام‪ ،‬ولت�أكيد هذا املذهب خا�ض العقاد‬ ‫الناقد معارك �شديدة مع �أن�صار القدمي‪،‬‬ ‫تتمثل حدتها الأوىل يف كتاب ا�شرتك فيه‬ ‫املازين‪ ،‬و�صدر با�سم «الديوان» �سنة ‪1921‬م‪.‬‬

‫ومل يكن العقاد كات ًبا فذا وباح ًثا د�ؤو ًبا ومفك ًرا‬ ‫عمي ًقا‪ ،‬وم� ً‬ ‫ؤرخا دقي ًقا فح�سب‪ ،‬بل كان �شاع ًرا‬ ‫جم��ددًا‪ ،‬ففي �سنة‏‪1934‬‏م قال عنه الدكتور‬ ‫ط��ه ح�سني‏‪:‬‏ «‏�إين ال �أوم ��ن ب�شاعر يف هذا‬ ‫الع�صر �إمياين بالعقاد»‪ ،‬ون�صبه �أمري ًا لل�شعر‬ ‫بعد رحيل �شوقي وحافظ‪ ،‬و�شبه الدكتور زكي‬ ‫�صالون العقاد‬ ‫جنيب حممود �شعر العقاد بفن العمارة‏‪.‬‏‬ ‫وللعقاد ع�شرة دواوي��ن �شعرية‪ ،‬ه��ي‪ :‬يقظة ْا�شتُهر العقاد ب�صالونه الأدبي الذي كان يعقد‬ ‫ال�صباح‪ ،‬ووهج الظهرية‪ ،‬و�أ�شباح الأ�صيل‪ ،‬يف �صباح كل جمعة‪ ،‬ي�ؤمه تالمذته وحمبوه‪،‬‬ ‫يلتقون حول �أ�ساتذتهم‪ ،‬ويعر�ضون مل�سائل من‬ ‫العلم والأدب والتاريخ دون �إعداد لها �أو ترتيب‪،‬‬ ‫اجتمع للعقاد ما لم‬ ‫و�إمنا كانت ُت ْطرح بينهم و ُيديل كل منهم بدلوه‪،‬‬ ‫يجتمع لغيره من‬ ‫وع��ن ه��ذه اجلل�سات ال�شهرية �أخ��رج الأ�ستاذ‬ ‫المواهب والمل َ َ‬ ‫�أني�س من�صور كتابه البديع «يف �صالون العقاد»‪.‬‬ ‫كات‬ ‫فكان كاتب ًا وأديب ًا كبير ًا وقد احتوى ديوانه الأول «يقظة ال�صباح» على‬ ‫ق�صائد عديدة منها «ال�شاعر الأعمى» و«العقاب‬

‫وشاعر ًا المع ًا ومؤرخ ًا‬ ‫وسياسي ًا حاذق ًا‬


‫وجه في المرآة‬ ‫‪60‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫الهرم» و«خمارويه وحار�سه» و«رثاء �أخ»‪.‬‬ ‫و�إذا كان اجلميع متفق على مكانة العقاد يف‬ ‫النرث والنقد‪ ،‬ف�إن �شاعريته كانت مثار خالف‪،‬‬ ‫بني النقاد والأدب��اء‪ ،‬فمنهم من يرى �أن ل�شعر‬ ‫العقاد مكانة عالية ومن �أولئك د‪ .‬طه ح�سني‬ ‫و�إبراهيم عبد القادر امل��ازين وعبد الرحمن‬ ‫�شكري وعبد الرحمن �صدقي وعلي �أدهم و�سيد‬ ‫قطب‪ .‬ومنهم من ر�أى �أن الرجل متو�سط القامة‬ ‫يف ال�شعر من �أمثال م��ارون عبود وحممد‬ ‫مندور‪.‬‬ ‫وتعترب ق�صيدة «احل��ب الأول» يف دي��وان‬ ‫«يقظة ال�صباح» من �أعظم ق�صائد الديوان‬ ‫وه ��ي ق���ص�ي��دة ط��وي �ل��ة ي �ع��ار���ض ب �ه��ا اب��ن‬ ‫ال��روم��ي‪ ،‬وق��د �أعجب بها كثري من النقاد‬ ‫بينما يرى �آخرون �أنه �سطا فيها على كثري‬ ‫من �شعراء الت�صوف الإ�سالمي يقول فيها‬ ‫العقاد‪:‬‬

‫ي��ا م��ن ي���راين غ��ري��ق��اً يف حمبته‬ ‫وج�����دا وي�����س���أل��ن��ي ه���ل �أن�����ت غ�����ص��ان‬ ‫وا�صنيعة احل���ب �أب��دي��ه و�أك��ت��م��ه‬ ‫وم�����ن ع��ن��ي��ت ب����ه ع����ن ذاك غ��ف�لان‬ ‫يل يف حم��ي��اك �أ���ش��ع��ار �أ���ض��ن بها‬ ‫ع��ل��ى �أم�����رئ ف���خ���ره ع���ر����ش و�إي�����وان‬ ‫ع��ل��ى حم��ي��اك م���ن و���ش��ى ال�صبا‬ ‫روع ول��ل��م��ح��ب�ين �أح�������داق و�أع���ي���ان‬ ‫�إن اجل�������س���وم م���ث���ن���اه ج���وارح���ه���ا‬ ‫�إال ال��ق��ل��وب ف�صيغت وه���ي �أح����دان‬ ‫ل���ك���ل ق���ل���ب ق����ري����ن ي�����س��ت��ت��ب ب��ه‬ ‫َخ��ل��ق ُ‬ ‫وخ��ل��ق فهل ير�ضيك نق�صان‬

‫طه ح�سني‬

‫�أحمد �شوقي‬

‫ويتجه الأ�ستاذ العقاد �إىل الت�أمل والتعمق‬ ‫و�أن ي��ح��م��ي اب���ن �آدم م���ن �أخ��ي��ه‬ ‫�����س����ب����اع ج������ل �أن ي�����دع�����ي �أخ�����اه�����ا يف اجلمال الذي يقف عليه ويراه من حوله‪،‬‬ ‫فيخاطبه قائال‏‪:‬‏‬ ‫وث��ق��ت ب��ذي ح��ف��اظ لي�س ير�شي‬

‫وال ي���ن�������س���ي احل�����ق�����وق مل�����ن ح��ب��اه��ا‬ ‫وه���م ق��ت��ل��وك ح�ين وث��ق��ت منهم‬ ‫وك����م ح��ف��ظ ال��ع��ه��ود ف��م��ا اع��ت��داه��ا‬ ‫ول����و ���ش��ه��د اغ��ت��ي��ال��ك يف دم�����ش��ق‬ ‫ل���������ض����رج ب����اجل����ن����اي����ة م������ن ج���ن���اه���ا‬ ‫ويت�ساءل عن احلقيقة‪ ،‬ثم يجيب يف نف�س‬ ‫الديوان قائ ًال‪:‬‬

‫�أي���������ن احل����ق����ي����ق����ة؟ ال ح��ق��ي��ق��ة‬ ‫ك����������������ل م����������������ا زع����������������م����������������وا ك�����ل�����ام‬ ‫�إن احل��������ق��������ي��������ق��������ة غ��������������ادة‬ ‫ك�����ال�����غ�����ي�����د ي�����������ض�����م�����ره�����ا ال�����ل�����ث�����ام‬ ‫ك�������������ل ي��������ه��������ي��������م ب���������ه���������ا ف��������������إن‬ ‫الح����������ت ل�����ه�����م ��������ص�������دوا وه������ام������وا‬ ‫ك������م �أ��������ش�������رف احل�������ق ال���������ص����راح‬ ‫ف���������أع��������ر���������ض��������ت ع�������ن�������ه الأن������������������ام‬ ‫وال����ن����ا�����س ل����و ت������دري خ��ف��اف��ي�����ش‬ ‫ي����������ط����������ي����������ب ل�����������ه�����������ا ال�����������ظ�����ل�����ام‬ ‫خمارويه وحار�سه‬ ‫ال ح��������������������ق �إال �أن��������������������ه‬ ‫يغافل‬ ‫�ذي‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫إن�ساين‬ ‫ل‬ ‫ويت�أمل العقاد لل�ضعف ا‬ ‫الح����������������ق يف ال����������دي����������ن����������ا ي������������رام‬

‫ال�ضمري احل ‏ي ‏‪ ،‬فين�سى العهود ويجحد اجلميل‏‪ .‬‏‪.‬‬ ‫وتتعمق خطوط ال�صورة هذه يف‬ ‫مقطوعته‏ح‏‪»:‬‏‪،‬‏« اكتشف ذاته العربية‬ ‫خمارويه وحار�سه‏» ‏‪ ،‬من ديوان‏«‏يقظة ال�صبا‬ ‫م�شري ًا �إيل ق�صة الأ��س��د ال��ذي ك��ان يحر�س وأدرك أبعاد شخصيته‬ ‫خمارويه‪ ،‬ويقارن بني الأ�سد والإن�سان‪ ،‬فيقو ‏ل ‏‪ :‬القومية ليسترد وعيه‬

‫�أل���ي�������س م���ن ال��ع��ج��ائ��ب �أن ليثا‬ ‫العربي واإلسالمي‬ ‫ي���������������ذود رع��������ي��������ة ع������م������ن رع������اه������ا ويعرف كيف يقرأ تراثه‬ ‫قراءة جيدة‬

‫�أوتيت من ح�سن ال�شمائل نعمة‬ ‫واحل�������س���ن يف ال���دن���ي���ا م����ن الآف������ات‬ ‫هو جوهر يجني عليك ومي�ضه‬ ‫ع��������������دوان ��������س�������راق وح������ق������د ع����ف����اة‬ ‫واحل�����س��ن يع�شقه ال��ك��رمي ورمب��ا‬ ‫�أ�����ض����ري ل��ئ��ي��م ال��ن��ف�����س ب��ال��ن��زع��ات‬ ‫ك���ال���ب���در ي��������أمت ال���������س����راة ب���ن���وره‬ ‫ول����ق����د ي�������ض���ئ م�����واق�����ع ال�������ش���ب���ه���ات‬

‫تقوى امل�شيب‬

‫وي�سخر العقاد من ذلك الرجل كبري ال�سن‬ ‫ال��ذي يعي�ش �أطيب حياته الهي ًا �ساهي ًا عن‬ ‫اهلل‪ ،‬ثم هو يلج�أ اىل تقوى امل�شيب‏‪ ،‬فيقول يف‬ ‫ديوان‏«‏ يقظة ال�صباح‏»‏‪:‬‏‬

‫�أب��ع��د ال�شيب ت��رغ��ب يف ال�صالح‬ ‫وت�������زه�������د يف امل��������دام��������ة وامل����ل����اح‬ ‫ف��رغ��ت م��ن احل��ي��اة ف���أن��ت ترجو‬ ‫ح�����ي�����اة يف ال�����ف�����رادي�����������س ال���ف�������س���اح‬ ‫رج��ع��ت ع��ن احل���رام ف���أن��ت عندي‬ ‫ع������ج������زت ع��������ن امل��������ح��������رم وامل������ب������اح‬ ‫فما تقوى ال�شيوخ �سوي ا�ضطرار‬ ‫ك������ت������ق������وى ال������ل�������������ص ب����ل���ا �����س��ل�اح‬

‫عابر �سبيل‬

‫وم��ن �أط��رف دواوي ��ن العقاد دي��وان��ه «عابر‬ ‫�سبيل»‪ ،‬ال��ذي �أراد به �أن يبتدع طريقة يف‬


‫ال�شعر العربي‪ ،‬وال يجعل ال�شعر مق�صو ًرا‬ ‫على غر�ض دون غر�ض‪ ،‬ف�أمور احلياة كلها‬ ‫�وع��ا لل�شعر؛ ول ��ذا جعل هذا‬ ‫ت�صلح م��و��ض� ً‬ ‫ال��دي��وان مبو�ضوعات م�ستمدة من احلياة‪،‬‬ ‫ومن املو�ضوعات التي �ضمها الديوان ق�صيدة‬ ‫عن «ع�سكري املرور» جاء فيها‪:‬‬

‫م�����ت�����ح�����ك�����م يف ال�����راك�����ب�����ـ�����ـ�����ـ��ي��ن‬ ‫وم�������������ا ل�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ه �أب����������������������دًا رك�������وب�������ة‬ ‫ل�����ه�����م امل�����ث�����وب�����ة م�������ن ب���ن���ـ���ـ���ان���ك‬ ‫ح�����ي����ن ت�����������أم����������ر وال�����ع�����ق�����ـ�����ـ�����ـ�����وب�����ة‬ ‫مُ������ر م����ا ب������دا ل����ك يف ال��ط��ـ��ري��ق‬ ‫ور���������������ض ع������ل������ى م������ه������ل �����ش����ع����وب����ه‬ ‫�أن����������ا ث�����ائ�����ر �أب��������������دًا وم��������ا ف��ـ��ـ��ـ��ي‬ ‫ث����������ورت����������ي �أب����������������������دًا �����ص����ع����ـ����ـ����ـ����وب����ة‬ ‫�أن��������������ا راك��������������ب رج�������ل�������ي ف���ـ���ـ���ـ�ل�ا‬ ‫��������ي وال �����ض����ري����ب����ة‬ ‫� ْأم���������������������� ٌر ع��������ل َّ‬

‫رثاء احلب‬

‫ويف عام ‪1926‬م‪ ،‬وقع العقاد يف حب �سارة‪،‬‬ ‫وهو حب عاثر‪ ،‬وقد �سجلها العقاد بعد ذلك‬ ‫يف ق�صته «�� �س ��ارة»‪ ،‬و�أم���ا � �س��ارة ف�ق��د ذك��ر‬ ‫ا�سمها احلقيقي الأ�ستاذ علي �أدهم يف مقاله‬ ‫مبجلة الهالل‪ ،‬وكذلك عامر العقاد يف كتابه‬ ‫عن عمه‪ ،‬و�أح��ب العقاد يف نف�س الوقت مي‬ ‫زيادة التي كان يرتدد على �صالونها‪ ،‬وانتهت‬ ‫الق�صتان ب�أمل مرير عا�شه العقاد طوال حياته‪.‬‬ ‫وق��د رث��ى حبه م��ع م��ي بعد �أن علم بهيامها‬ ‫مبعا�صرها اللبناين ج�بران خليل ج�بران‪،‬‬ ‫فقال‪:‬‬

‫ول��������د احل��������ب ل����ن����ا وام�����زح�����ت�����اه‬ ‫وق�����������ض�����ى يف م������ه������ده وا�أ�������س������ف������اه‬ ‫م����ات مل ي�����درج ومل ي��ل��ع��ب ومل‬ ‫ي�����ش��ه��د ال���ب���ل���وى ومل ي���ع���رف �أب�����اه‬ ‫ل��ي��ت��ه ع���ا����ش ف�����أم����ا �إذ‪ ..‬ق�����ض��ى‬ ‫ف��ل��ي��ك��ن ب�������رداً ع���ل���ى ال���ق���ل���ب ج����واه‬ ‫�أ�����ش����ك����ر امل��������وت و�أ������ش�����ك�����وه م���ع���اً‬ ‫غ�������ال ح����ب����ي ق���ب���ل���م���ا ت���ن���م���و ق������واه‬ ‫غ������ال������ه وه���������و �����ص����غ��ي�ر ق���ب���ل���م���ا‬ ‫ت�����ك��ب��ر ال�����ب�����ل�����وى ب�������ه ي���������وم ن�������واه‬

‫�أني�س من�صور‬

‫املازين‬

‫أول من ّ‬ ‫ل ّ‬ ‫لم يكن العقاد جامع‬ ‫فك اخلطى من قيودها‬ ‫�أوائ����������ل خ����ط����وي ي������وم ال ي��ت��ق��ي�� ُد‬ ‫معلومات بل كان‬ ‫و�أعظم بها من حرية زيد قدرها‬ ‫يتجاوز حدود المعرفة‬ ‫لدن فقدت �أو قيل يف ال�سجن تفق ُد‬ ‫التقليدية التي استقرت‬ ‫ُ‬ ‫عرفت لها احلبني يف النف�س واحلمى‬ ‫قبله لينفذ فيها بسهمه‬ ‫�����ب و�إن ج����� ّل م���ف���ر ُد‬ ‫وك������ان ل���ه���ا ح ّ‬ ‫الشخصي‬ ‫ففي كل يوم يولد املر ُء ذو احلجى‬ ‫ويف ك����ل ي�����وم ذو اجل���ه���ال���ة ي��ل��ح�� ُد‬ ‫ك����ن����ت �أرج��������������وه ل���ل���ي���ل���ى ك��ل��م��ا‬ ‫وما�أفقدتيلظلمةال�سجنعزمة‬ ‫جل������ت احل�����ي����رة ب������ي حت������ت دج������اه‬ ‫ف��م��ا ك���ل ل��ي��لٍ ح�ي�ن ي��غ�����ش��اك م��رق�� ُد‬ ‫ك����ن����ت �أرج�������������وه ل����ي����وم����ي ك��ل��م��ا‬ ‫�سنى‬ ‫وما غ ّيبتني ظلمة ال�سجن عن ً‬ ‫ع�����زين يف م��ط��ل��ع ال�����ش��م�����س ه����داه‬ ‫م��ن ال���ر�أي يتلو ف��رق��دا منه فرق ُد‬ ‫عداتي و�صحبي ال اختالف عليه ــم‬ ‫�شهور يف ال�سجن‬ ‫�سيعهدين كل كما كـ ــان يعهـ ـ ُد !‬ ‫ً‬ ‫ويف عام ‪1929‬م كتب العقاد مقاال يدافع عن‬ ‫د�ستور م�صر‪ ،‬ويع ّر�ض بامللك ف ��ؤاد قائال‪:‬‬

‫«�إن الأمة على ا�ستعداد لأن ت�سحق �أكرب ر�أ�س فكاهة العقاد‬ ‫يخون الد�ستور �أو يعتدي عليه !!»‪ ،‬وقد ُقدِّ م‬ ‫�إىل املحاكمة ليعا َقب بت�سعة �شهور يف �سجن‬ ‫م�صر العمومي «ق ��ري م �ي��دان»‪ ،‬ث��م خرج‬ ‫من ال�سجن فكان �أول ما �صنع �أن زار قرب‬ ‫�سعد زغلول لي�ؤكد بقاءه على العهد وت�أييده‬ ‫لق�ضايا احلرية وخ�صامه لأع��داء ال�شعب‪،‬‬ ‫ومن ق�صيدته التي �ألقاها على قرب �سعد هذه‬ ‫الأبيات ال�شاخمة‪:‬‬

‫وال يخلو �شعر العقاد من عن�صر الفكاهة‏‪،‬‬ ‫فقد �أف�ضى �إليه �صديق له ب�أن كلبته ولدت‬ ‫جرو ًا‪ ،‬فقال �ساخر ًا‪:‬‬

‫�أع��ل��ن��ي ي���ا ف��ل��ـ��ـ��ـ��ـ��ورة الأف��راح��ـ��ـ��ـ��ـ��ا‬ ‫و�أم����ل����ئ الأر��������ض وال�������س���م���اء ن��ب��اح��ا‬ ‫ما حبي الدهر بنت كلب ب�أعلى‬ ‫م�����ن ذراري�����������ك ع���ن�������ص���را ول���ق���اح���ا‬ ‫�أب�������ش���ري دول������ة ال����ك��ل�اب ب��ج��رو‬ ‫�إىل الذاهب الباقي ذهاب جمدد‬ ‫����س���وف ي��ن��ف��ي ع���ن ج��ي��ل��ه الأت���راح���ا‬ ‫وع��ن��د ث����رى ���س��ع��د م��ث��اب وم�سجد �سوف يدعى علي الكالب �أمريا‬ ‫وكنتُ جنني ال�سجن ت�سعة �أ�شهر‬ ‫ي�����ف�����زع الأ�������س������د وث�����ب�����ة و����ص���ي���اح���ا‬ ‫ُ‬ ‫ف��ه��ا �أن������ذا يف ���س��اح��ة اخل���ل���د �أول������ ُد ي��ل��ب�����س ال���ط���وق م���ن ن�����ض��ار ودر‬ ‫خرجتُ له �أ�سعى ويف كل خطوة‬ ‫وي����ح����ول اخل������ز ال���ث���م�ي�ن و����ش���اح���ا‬ ‫دع��������اء ُي��������������ؤدّى �أو والء ي�����ؤك���� ُد‬


‫نافذة على التراث‬ ‫‪62‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمرب‬ ‫‪2012‬‬

‫�أن ام��ر�أة طلبت من اجلاحظ‬ ‫�أن يتبعها‪ ،‬حتى و�صال �إىل حمل‬ ‫�صائغ‪ ،‬فقالت امل��ر�أة م�شرية �إىل اجلاحظ‪:‬‬ ‫«مثل هذا» وان�صرفت‪� .‬س�أل اجلاحظ متعجبا‬ ‫عن املق�صود‪ ،‬ف�أخربه ال�صائغ �أن املر�أة كانت‬ ‫ق��د طلبت منه �أن ير�سم ��ص��ورة ال�شيطان‬ ‫على ف�ص خ��امت لها‪ ،‬فلما مل يتمكن‪� ،‬أت��ت‬ ‫باجلاحظ ك�أقرب منوذج لتلك ال�صورة‪.‬‬ ‫�إىل ه��ذا احل��د و�صف عمرو بن بحر «‪160‬‬ ‫ ‪ 255‬هـ» امللقب باجلاحظ جلحوظ عينيه‬‫بدمامة ال�شكل‪ ،‬وهو �أم��ر كان من �ش�أنه �أن‬ ‫يق�ضي على م�ستقبله قبل �أن يبد�أ‪ ،‬خا�صة‬ ‫وقد ن�ش�أ لأبوين فقريين يف الب�صرة‪ ،‬وا�ضطر‬ ‫للعمل يف مهن ب�سيطة ومرهقة كبيع ال�سمك‬ ‫ليك�سب عي�شه‪ ،‬لكنه مع هذا تتلمذ على يد‬ ‫كبار علماء ع�صره يف الكوفة كالأخف�ش و�أبي‬ ‫عبيدة ّ‬ ‫والنظام‪ .‬وال �أظننا نبتعد كثريا �إذا‬ ‫ا�ستنتجنا �أن ما امتلأ به عقل اجلاحظ من‬ ‫معرفة وما تولد فيه من �إبداع فكري قد �أبر�أ‬ ‫روح��ه من �أمل ال�شكل القبيح‪ ،‬بل �إن��ه حتول‬ ‫بالنوادر التي كانت حتكى عن قبح �شكله �إىل‬ ‫�أن ت�صبح مدعاة للإعجاب بهذا العامل‪ ،‬حيث‬ ‫ك��ان ي��روى بنف�سه كثريا من الق�ص�ص عن‬ ‫دمامته وما �سببته له من حرج‪ .‬ولأن اجلمال‬ ‫ن�سبي‪ ،‬فقد حت��دث ك�ث�يرون يف املقابل عن‬ ‫جمال اجلاحظ‪ ،‬الذي يتبدى حني يتحدث؛‬ ‫حيث ي�ضفي عليه علمه وذك��ا�ؤه وخفة روحه‬ ‫جماال حقيقيا جعل ن��دم��ا�ؤه يتوقون لإدام��ة‬ ‫النظر يف وجهه بعد �أن �أذهبت ال�شخ�صية‬ ‫واملعرفة عنه مالمح القبح‪.‬‬ ‫للجاحظ كتب كثرية �ضاع معظمها‪ ،‬بع�ضها‬ ‫م��و��س��وع��ي ك�ك�ت��اب��ي «احل� �ي ��وان» و «ال�ب�ي��ان‬ ‫والتبيني»‪ ،‬وبع�ضها حم��دد املو�ضوع ككتابه‬ ‫عن «الرب�صان والعميان والعرجان واحلوالن»‬ ‫وكذلك كتاب "البخالء" الذي نقف عنده‪.‬‬

‫ُيحكى‬

‫الجاحظ‬ ‫والبخالء‬

‫�أمين بكر‬

‫البخل بني ال�سيا�سة واملجتمع‬ ‫والأدب‬

‫اختلفت التحليالت حول �سبب الت�أليف عن‬ ‫البخالء قبل اجل��اح��ظ‪ ،‬وميكن اال�ستعانة‬

‫مبا ذكره الأ�ستاذ طه احلاجري‪ ،‬يف تقدميه‬ ‫ل �ب �خ�لاء اجل ��اح ��ظ‪ ،‬م��ن �أن احل��دي��ث عن‬ ‫البخالء كان حم�صورا قبل اجلاحظ �ضمن‬ ‫ح��رب �سيا�سية م��زدوج��ة‪ ،‬حدها الأول بني‬ ‫ال�شعوبية وال�ع��رب‪ ،‬حيث ح��اول ال�شعوبيون‬ ‫�أن ينكروا على العرب �صفة هي من �أ�شهر‬ ‫ما عرف عنهم قبل الإ�سالم �أال وهي الكرم‪،‬‬ ‫و�أخ ��ذوا ي �ع��ددون م��ا يف ع��ادات ال�ع��رب من‬ ‫حر�ص وما يف م�أكلهم من رقة فر�ضتها عليهم‬ ‫الظروف �ساعتها‪ ،‬م�ستعينني بالأهاجي التي‬ ‫دارت بني �شعراء القبائل يف هذا امل�ضمار‪.‬‬ ‫واحل ��د ال �ث��اين ب�ين العبا�سيني و�أ�سالفهم‬ ‫الأم��وي�ين؛ حيث ح��اول العبا�سيون �أ�صحاب‬ ‫الدولة اجلديدة �أن ي�شنعوا الأمويني بذكر‬ ‫نواق�صهم‪ ،‬وما ي�ؤخذ على �أمرائهم وعمالهم‬ ‫وم��ن �ضمنه البخل «البخالء‪ ،‬حتقيق‪ :‬طه‬ ‫احل��اج��ري‪ ،‬دار امل �ع��ارف‪ ،‬ال�ق��اه��رة‪ ،‬ط‪/9‬‬ ‫‪� ،2009‬ص �ص ‪.»29 - 28‬‬ ‫�أم ��ا العن�صر الأدب� ��ي ال �ف �ك��ري اخلال�ص‬ ‫فيمتاز به م�ؤلف اجلاحظ عن البخالء‪� ،‬إذ‬ ‫تظهر فيه نزعة حتليلية تهدف لفهم منطق‬ ‫البخل وحتليل نف�سية ال�ب�خ�لاء‪ ،‬كما �أن‬ ‫بعد التحليل االجتماعي يف كتاب اجلاحظ‬ ‫وا� �ض��ح ج�ل��ي ل���ش��ري�ح��ة مت �ي��زت ب�سلوكها‬ ‫اخلا�ص وطرائق عي�شها املده�شة‪ ،‬وهو ما‬ ‫فعله اجلاحظ مع فئات �أخ��رى؛ كتعر�ضه‬ ‫لفئة الل�صو�ص وتف�صيله حليل ل�صو�ص‬ ‫النهار و��س��راق الليل كما ي�شري ه��و نف�سه‬ ‫يف مقدمة كتاب البخالء‪ .‬ويغلب الظن �أن‬ ‫هذا املنحى التحليلي قد غاب فيما كتب عن‬ ‫البخالء قبل اجلاحظ‪.‬‬ ‫من زاوية �أخرى ين�ضم كتاب البخالء �إىل‬ ‫منظومة اجلاحظ الأدبية‪ ،‬فهو جمال يفتح‬ ‫الباب لإظهار متيز �أ�سلوبه الأدبي يف تناول‬ ‫املو�ضوع عمن �سبقه �إليه كالأ�صمعي و�أبي‬ ‫عبيدة‪ .‬كما �أن اختيارات اجلاحظ للنوادر‬ ‫التي يرويها تظهر خفة روح ت�ضم للقارئ‬ ‫املتعة �إىل الإفادة‪ .‬وهو ما يظهر جليا فيما‬ ‫رواه عن �أهل خرا�سان وما ا�شتهروا به من‬ ‫بخل‪ ،‬خا�صة من كان منهم مروزيا �أي من‬ ‫�سكان مرو‪.‬‬


‫من نوادر بخالء اجلاحظ‪:‬‬ ‫قال �أ�صحابنا‪ :‬يقول امل��روزي للزائر �إذا‬ ‫�أتاه‪ ،‬وللجلي�س �إذا طال جلو�سه‪ :‬تغديتَ اليوم؟‬ ‫ف�إن قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬لوال �أنك تغديت لغديتك‬ ‫بغداء طيب‪ ،‬و�إن قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬لو كنت تغديت‬ ‫ل�سقيتك خم�سة �أقداح‪ .‬فال ي�صري يف يده على‬ ‫الوجهني قليل وال كثري‪.‬‬ ‫وقال ثمامة‪ :‬مل �أر الديك يف بلدة قط �إال‬ ‫وهو الفظ‪ ،‬ي�أخذ احلب مبنقاره‪ ،‬ثم يلفظها‬ ‫ق��دام الدجاجة‪� ،‬إال ديكة م��رو‪ ،‬ف ��إين ر�أي��ت‬ ‫ديكة مرو ت�سلب الدجاج ما يف مناقريها من‬ ‫احلب‪ .‬قال‪ :‬فعلمت �أن بخلهم �شيء يف طبع‬ ‫البالد ويف جواهر امل��اء‪ ،‬فمن ثم عم جميع‬ ‫حيوانهم‪.‬‬ ‫وزعم ا�صحابنا �أن خرا�سانية ترافقوا يف‬ ‫م�ن��زل‪ ،‬و��ص�بروا ع��ن االرت �ف��اق بامل�صباح ما‬ ‫�أمكن ال�صرب‪ .‬ثم �إنهم تناهدوا وتخارجوا «�أي‬ ‫تعاونوا و�أخرج كل منهم �شيئا من املال ل�شراء‬ ‫م�صباح» و�أب��ى واح��د منهم �أن يعينهم‪ ،‬و�أن‬ ‫يدخل يف الغرم معهم‪ ،‬فكانوا �إذا جاء امل�صباح‬ ‫��ش��دوا عينيه مبنديل‪ ،‬وال ي��زال وال يزالون‬ ‫كذلك‪� ،‬إىل �أن يناموا ويطفئوا امل�صباح‪ ،‬ف�إذا‬ ‫�أطف�ؤوه �أطلقوا عينيه‪.‬‬ ‫وحدثني �إبراهيم بن ال�سندي قال‪ :‬كان على‬ ‫رب�ض ال�شاذروان �شيخ لنا من �أهل خرا�سان‪.‬‬ ‫الر�شا‬ ‫وك��ان م�صحا بعيدا من الف�ساد وم��ن ِ‬ ‫ومن احلكم بالهوى‪ ،‬وكان حفيا جدا‪ ،‬وكذلك‬ ‫كان يف �إم�ساكه ويف بخله وتدنيقه يف نفقاته‪،‬‬ ‫وكان ال ي�أكل �إال ما البد منه وال ي�شرب �إال ما‬ ‫ال بد له منه‪ ...‬قال �إبراهيم‪ :‬فبينا هو يوما‬ ‫من �أيامه ي�أكل يف بع�ض املوا�ضع‪� ،‬إذ مر به‬ ‫رجل ف�سلم عليه‪ ،‬فرد ال�سالم ثم ق��ال‪ :‬هلم‬ ‫عافاك اهلل «�أي تف�ضل للأكل معي»‪ .‬فلما نظر‬ ‫�إىل الرجل قد انثنى راجعا يريد �أن يطفر‬ ‫اجل��دول �أو يعرب النهر ق��ال ل��ه‪ :‬مكانك ف�إن‬ ‫العجلة م��ن عمل ال�شيطان‪ .‬فوقف الرجل‪،‬‬ ‫ف�أقبل عليه اخلرا�ساين وقال‪ :‬تريد ماذا؟ قال‪:‬‬ ‫�أريد �أن �أتغدى‪ .‬قال‪ :‬ومل ذاك؟ وكيف طمعت‬ ‫يف ه��ذا؟ وم��ن �أب��اح لك م��ايل؟ ق��ال الرجل‪:‬‬ ‫�أ َولي�س قد دعوتني؟ قال‪ :‬ويلك‪ ،‬لو ظننت �أنك‬ ‫هكذا �أحمق ما رددت عليك ال�سالم‪ .‬الآيني‬

‫«العرف» فيما نحن فيه �أن تكون‪� ،‬إذا كنت‬ ‫�أنا اجلال�س و�أنت املار �أن تبد�أ �أنت فت�سلم‪،‬‬ ‫ف�أقول �أنا جميبا لك‪ :‬وعليكم ال�سالم‪ .‬ف�إن‬ ‫كنت ال �آك�لا �شيئا �سكت �أن��ا و�سكت �أن��ت‪،‬‬ ‫وم�ضيت �أنت وقعدت �أنا على حايل‪ .‬و�إن كنت‬ ‫�آكل فها هنا �آيني �آخر‪ ،‬وهو �أن �أبد�أ �أنا ف�أقول‪:‬‬ ‫هلم‪ ،‬وجتيب �أنت فتقول‪ :‬هنيئا‪ .‬فيكون كالم‬ ‫بكالم‪ ،‬ف�أما ك�لام بفعال وق��ول ب�أكل فهذا‬ ‫لي�س من الإن�صاف‪ ،‬وهذا يخرج علينا ف�ضال‬ ‫كبريا‪ .‬قال‪ :‬فورد على الرجل �شيء مل يكن‬ ‫يف ح�سابه‪« .‬البخالء للجاحظ‪ /‬حتقيق طه‬ ‫احلاجري»‬

‫من القامو�س‪:‬‬

‫اجل �ح��اظ‪ ،‬ك� ِ�ك�ت��اب‪ :‬حم�ج� ُر ال �ع�ين‪ ،‬وح��رف‬ ‫ِ‬ ‫ال� َك� َم� َرة‪ ،‬وجحظت عينه كمنع‪ :‬خرجت من‬

‫مقلتها‪� ،‬أو عظمت‪ .‬وجحظ �إليه عمله‪ :‬نظر يف‬ ‫عمله‪ ،‬فر�أى �سوء ما �صنع‪ .‬والتجحيظ‪ :‬حتديد‬ ‫النظر‪ .‬واجلاحظ‪ :‬لقب عمرو بن بحر‪.‬‬ ‫وكج َبل ونجَ ْ ��م‬ ‫البخل والبخول‪ ،‬ب�ضمهما‪َ ،‬‬ ‫وع ُنق «�أي ال َب َخل‪ ،‬وال َبخْ ل‪ ،‬وال ُب ُخل»‪� :‬ضد‬ ‫ُ‬ ‫الكرم‪ ،‬بخل‪ ،‬كفرح وك��رم‪ ،‬بخال‪ ،‬بال�ضم‬ ‫وال�ت�ح��ري��ك‪ ،‬فهو ب��اخ��ل م��ن ُب� َّ�خ��ل‪ ،‬ك� ُر َّك��ع‪،‬‬ ‫وبخيل م��ن ب �خ�لاء‪ .‬ورج��ل َب� َ�خ � ٌل حمركة‪:‬‬ ‫و�صف بامل�صدر‪ ،‬وبخال‪ ،‬ك�سحاب و�شداد‬ ‫وم �ع �ظ��م‪ .‬و�أب �خ �ل��ه‪ :‬وج ��ده ب�خ�ي�لا‪ .‬وبخله‬ ‫تبخيال‪ :‬رم��اه ب��ه‪ .‬وك َم ْر َحلة «�أي َم ْب َخلة»‪:‬‬ ‫ما يحملك عليه وي��دع��وك �إليه «القامو�س‬ ‫امل�ح�ي��ط ل�ل�ف�يروز �آب� ��ادي» وال�ت��و��ض�ي��ح بني‬ ‫الأقوا�س لكاتب املقال‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪64‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫م�شاهدات يف حم�ص وحماة وحلب‬

‫الرحلة الشامية ‪1910‬م‬ ‫األمير ‪ ..‬محمد علي باشا‬

‫اللبا�س ال�شعبي يف حمافظة حم�ص‬


‫قلعة حلب ‪1920‬‬

‫علي كنعان‬ ‫بد�أ حممد علي با�شا رحلته من ال�سوي�س يوم اجلمعة يف ‪ 21‬ربيع الأول ‪ 1328‬هجرية‪ ،‬املوافق الأول من‬ ‫�أبريل‪/‬ني�سان ‪ 1910‬ميالدية‪ .‬وهذه الفرتة من �أخطر املراحل التي �شهدتها بالد ال�شام‪ ،‬وهي تتهي�أ �س َّراً‬ ‫خلو�ض معركة اال�ستقالل‪ ،‬كما كانت ال�سلطنة العثمانية متر مبرحلة احت�ضارها‪ ،‬وخا�صة بعد الإطاحة‬ ‫بال�سلطان الأحمر عبد احلميد الثاين على �أيدي قادة جمعية االحتاد والرتقي‪ .‬وكانت دول اال�ستعمار‬ ‫الأوربي تطلق على تلك الإمرباطورية لقب «الرجل املري�ض» وت�سن �أنيابها ا�ستعدادا لتمزيقه واقت�سام‬ ‫�أو�صاله‪ ،‬وهي ت�ستعد يف الوقت ذاته خلو�ض احلرب العاملية الأوىل التي انتهت وباال على �أمتنا العربية‪� ،‬إذ‬ ‫�صدر وعد بلفور امل�ش�ؤوم الذى و�ضع الأ�سا�س اال�ستعماري الغت�صاب فل�سطني‪ ،‬كما �أبرمت م�شاريع اقت�سام‬ ‫تركة العثماين املري�ض باتفاقية �سايك�س‪ -‬بيكو وتنفيذ بنودها على �أر�ض الواقع‪.‬‬ ‫خ�لال ه��ذه الرحلة‪ ،‬ن�شارك الأم�ي�ر �سروره‬ ‫وابتهاجه وه��و يتابع طريقه من ب�يروت �إىل‬ ‫دم�شق‪ ،‬ويت�أمل املناظر الطبيعية اخلالبة‬ ‫عرب نافذة القطار ال�سياحي البطيء‪� ،‬صاعدا‬ ‫جبال لبنان وهابط ًا منها ليمر يف وادي بردى‬ ‫ويتوقف بني حني و�آخر يف حمطاتها اجلميلة‬ ‫املنع�شة باعتدال جو ربيعها وعذوبة �أن�سامها‬ ‫الندية‪ .‬كما نعاين يف الوقت ذاته ذلك الو�ضع‬ ‫املرتدي الذي بلغته احلالة ال�سيا�سية وه�شا�شة‬ ‫ال�سلطة العثمانية يف بالد ال�شام‪ ،‬و�إن كانت‬ ‫ال�صورة يف حلب وبريوت خمتلفة متام ًا‪ .‬وهذا‬ ‫التناق�ض العميق يف املواقف بني مدينة و�أخرى‬ ‫ي�شكل عالمة بارزة من عالمات احت�ضار تلك‬ ‫ال�سلطنة‪ ،‬وب��ادرة �أك�ي��دة من ب��وادر انحالل‬

‫دولتها وتهافت �أطرافها واقرتاب موعد زوالها‪.‬‬

‫�أنيقة وزروع بهيجة تنع�ش الروح وت�س ّر اخلاطر‬ ‫وقد �صادفنا �أثناء �سرينا قرية ت�س ّمى الياعات‪.‬‬

‫ال�سفر �إىل حم�ص‬ ‫نزلنا من القطر وم��ا هي �إال ملحة عني وقد مدينة حم�ص‬ ‫حت ّرك متّجه ًا مع �سالمة اهلل �إىل حم�ص وكان‬ ‫طريق �سريه بالقرب من نهر هناك يعرف بنهر‬ ‫العا�صي‪ ،‬وك��ان على جانبي الطريق ب�ساتني‬

‫وجدنا قلعة حمص خربة‬ ‫قد د ّمرتها يد الخطوب‬ ‫ّ‬ ‫والحوادث‬ ‫وحطمها كر ّ‬ ‫العشي حتّى‬ ‫ّ‬ ‫الغداة ومر ّ‬ ‫لم َ‬ ‫يبق من معالمها‬ ‫األثريّة إال باب أو بابان‬

‫حم�ص مدينة يقال �إنها قدمية ج ّد ًا و�إن ا ّلذي‬ ‫بناها رجل يقال له حم�ص بن املهرب بن جان‬ ‫بن مكنف‪ ،‬وقيل حم�ص بن مكنف العمليقي‪،‬‬ ‫وقيل بناها اليونانيون‪ .‬وفيها �آثار كثرية وم�شاهد‬ ‫وم��زارات وم�ساجد �شهرية منها م�شهد على بن‬ ‫�أبي طالب‪ ،‬ك ّرم اهلل وجهه‪ ،‬ودار الفاحت الكبري‬ ‫خالد بن الوليد‪.‬‬ ‫�أ ّما املدينة فقائمة على م�ستوى من الأر�ض‪ ،‬وهي‬ ‫ح�صينة مق�صودة م��ن �سائر اجل�ه��ات جميلة‬ ‫الهواء والرتبة‪ ،‬كثرية املياه والأ�شجار و�أهلها من‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪66‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫باب الفرج ‪� -‬ساحة رئي�سية مبدينة حلب ‪1908 -‬‬

‫ذلك يف خ�صب ورغد من العي�ش‪ .‬ويقال �أنها يف‬ ‫قدمي الزمان كانت �أكرب البالد و�أح�سنها‪ ،‬وكانت‬ ‫بيد ملوك ال��روم �إىل �أن ملكها ك�سرى يف جملة‬ ‫ما ملك من البالد الرومية‪ .‬وملّ��ا ِانهزم ال��روم‬ ‫بعد وقعة الريموك‪ ،‬كان هرقل بحم�ص ففارقها‬ ‫وجعلها بينه وبني امل�سلمني‪ ،‬و�أ ّم��ر عليها �أم�ير ًا‪.‬‬ ‫وملّا ح�صر امل�سلمون دم�شق‪ ،‬كان بها ع�سكر من‬ ‫�أهل حم�ص �أتوا جندة‪ .‬وملّا فتحت دم�شق‪� ،‬سار‬ ‫�أبو عبيدة بن اجلراح وخالد بن الوليد قا�صدين‬ ‫حم�ص بجيو�ش كافية‪ ،‬وذلك �سنة ‪ 15‬للهجرة‪،‬‬ ‫فنازلوها وجعلوا يقاتلونها �صباح ًا وم�سا ًء‪ .‬وكان‬ ‫الربد قد �آذى امل�سلمني وطال احل�صار ف�صربوا‪،‬‬ ‫وكتب هرقل �إىل �أهل اجلزيرة �أن ي�أتوا مدد ًا �إىل‬ ‫حم�ص‪ ،‬فاعرت�ضهم امل�سلمون وفرقوهم فلم‬ ‫ي�أتوها‪ .‬فل ّما ِان�صرم ال�شتاء‪ ،‬كان قد �ضاق احلال‬ ‫ب�أهل حم�ص فخرجوا يطلبون ال�صلح ف�صاحلهم‬ ‫�أبو عبيدة على �صلح دم�شق‪ّ ،‬ثم ا�ستخلف عليها‬ ‫عبادة بن ال�صامت ورحل �إىل حماة‪ .‬وقد ح�صل‬ ‫فيها بعد الفتح جملة حوادث مه ّمة ال يتّ�سع املقام‬ ‫لتف�صيلها‪� .‬أ ّم��ا �س ّكانها فيبلغون نحو ‪� 8‬آالف‬ ‫ن�سمة‪ ،‬منهم �ألفان من الروم الأرتدك�س و�ألف من‬ ‫الالتني والباقي من طوائف خمتلفة‪.‬‬ ‫نزلنا يف حمطة حم�ص‪ ،‬وك��ان ي�ستقبلنا على‬

‫�إفريزها عدد كبري من رجال احلكومة و�أعيان‬ ‫املدينة ووجهائها امل�ح�ترم�ين‪ ،‬ويف مقدمتهم‬ ‫�صاحب ال�سعادة قائمقام حم�ص‪ .‬وكان �سعادة‬ ‫عبد احلميد با�شا ال��دروب��ي يع ّرفنا ب��ال��ذوات‬ ‫والعظماء ويقدّمهم �إلينا واحد ًا واحد ًا‪.‬‬

‫نرى ونحن فوقها من �أبنية املدينة‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫جوامعها وكنائ�سها وما يحيط بها ويتخ ّللها من‬ ‫الأ�شجار والأنهار‪ ،‬مثل تلك املناظر اجلميلة‬ ‫ا ّلتي ك ّنا نطل عليها حتت اجلبال واحل�صون‬ ‫العالية يف كثري من بالد ال�شام‪.‬‬

‫قلعة حم�ص‬

‫كلمة عامة عن املدينة‬

‫وبعد ذلك ذهبنا �إىل زيارة قلعة حم�ص‪ ،‬وك ّنا‬ ‫نح�سب �أ ّنها من الأهم ّية باملكان ا ّلذي ي�ستدعي‬ ‫ق�صد ال�سياح �إليها‪ .‬ولك ّنا وجدناها خربة قد‬ ‫د ّمرتها يد اخلطوب واحل��وادث ّ‬ ‫وحطمها ك ّر‬ ‫الع�شي‪ ،‬حتّى مل يبقَ من معاملها‬ ‫الغداة وم� ّر‬ ‫ّ‬ ‫الأثر ّية �إال باب �أو بابان‪ ،‬ال �أذكر متام ًا‪ .‬ويقال‬ ‫�إن جدّنا املرحوم �إبراهيم با�شا هدم من ذلك‬ ‫احل�صن ج ��زء ًا ك�ب�ير ًا عندما ح��ارب ال�شام‬ ‫وخرج عليه �أهل حم�ص وع�صوا �أوام��ره‪ .‬وك ّنا‬

‫فدخلت هذا المسجد‬ ‫ورأيت فيه محراب ًا‪ ..‬وكان‬ ‫في دوائره وزرة من‬ ‫خشب عليها نقوش ما‬ ‫نظرت عيني إلى اليوم‬ ‫أجمل منها‬

‫نزلنا من القلعة قا�صدين �إىل زيارة ما كان‬ ‫يه ّمنا زي��ارت��ه يف ه��ذا البلد‪ ،‬فق�صدنا �أ ّو ًال‬ ‫�إىل زي ��ارة ج��ام��ع خ��ال��د ب��ن ال��ول�ي��د‪ ،‬ر�ضي‬ ‫اهلل عنه‪ ،‬فمررنا م��ن �سوق كبري م�سقوف‬ ‫باخل�شب ك�أ�سواق دم�شق وبع�ض الأ�سواق يف‬ ‫بالد ال�شرق‪ .‬والحظنا �أثناء مرورنا �أن �أغلب‬ ‫ال�ب��اع��ة يف ح��وان�ي��ت ه��ذا ال���س��وق ك��ان��وا من‬ ‫احلم�ص ّيني‪� ،‬أ ّم��ا امل�شرتون ف�إنهم يختلفون‬ ‫بني ه��ؤالء وبني �أع��راب البادية وال�شراك�سة‬ ‫املهاجرين ا ّلذين ي�سكنون �ضواحي حم�ص‬ ‫وما يجاورها من البالد‪ .‬كما الحظنا‪ ،‬من‬ ‫الأز ّقة والطرق و�شكل البيوت يف ك ّل اجلهات‬ ‫ا ّلتي مررنا عليها‪� ،‬أن مدينة حم�ص ك�سائر‬ ‫بالد ال�شام‪ ،‬على معنى �أ ّنها ال تزال �إىل اليوم‬ ‫حافظة لكيانها ال�شرقي و�شكلها الأ�صلي‪.‬‬


‫جامع خالد بن الوليد‬

‫بعدئذ ذهبنا من خارج البلد لنزور جامع خالد‬ ‫بن الوليد ذلك ا ّلذي له الف�ضل الأكرب يف فتوح‬ ‫ال�شام‪ .‬وعندما �أو�شكنا �أن ن�صل �إليه‪ ،‬وقد كان‬ ‫على �أقرب امل�سافات من املدينة‪ ،‬قال لنا �سعادة‬ ‫عبد احلميد با�شا الدروبي‪� :‬أمل يكن �شكل هذا‬ ‫اجلامع ليلفت خاطركم �إىل امل�سجد الكبري‬ ‫ا ّلذي � ّأ�س�سه يف قلعة م�صر جدّكم الأكرب‪� ،‬ساكن‬ ‫اجلنان‪ ،‬حم ّمد علي با�شا؟ فقلت له‪ :‬بلى‪ ،‬لك�أنيّ‬ ‫به وهو جامع القلعة بعينه‪ .‬وحقيقة‪ ،‬كان هذا‬ ‫امل�سجد العظيم ال يختلف عن جامع القلعة‬ ‫�شيئ ًا يف ر�سمه ونظره‪� ،‬سواء يف ذل��ك �شكله‬ ‫من الظاهر والباطن‪ .‬وقال �سعادة البا�شا‪� :‬إننا‬ ‫ا�ست�صدرنا �أمر جاللة موالنا ال�سلطان ب�إ�صالح‬ ‫هذا امل�سجد وتعمريه‪ ،‬ور�أينا حينئذ �أن ن�شيده‬ ‫على طراز م�سجد القلعة‪ّ .‬ثم دخلناه و ّاطلعنا‬ ‫على ما كان فيه‪ ،‬وقد �سررنا كثري ًا من زخرفه‬ ‫وزينته‪ .‬و ِاتجّ هنا بعد ذلك �إىل زيارة ذلك البطل‬ ‫الكبري وال �ف��احت ال�شهري خالد ب��ن الوليد يف‬ ‫تي�سر‬ ‫�ضريحه‪ ،‬وقر�أنا على روحه الطاهرة ما ّ‬ ‫لنا من القر�آن الكرمي‪.‬‬

‫زيارة املدر�سة الإ�سرائيلية‬

‫توجهنا �إىل زيارة املدر�سة الإ�سرائيلية ملنا�سبة‬ ‫ّ‬ ‫�أنّ م� ّؤ�س�سيها كانوا قد طلبوا �إلينا زيارتها‪.‬‬ ‫وقد وجدنا يف ِا�ستقبالنا عدد ًا كبري ًا من ّ‬ ‫جتار‬ ‫احلم�ص ّيني يف مدينة طنطا‪ .. .‬وبعدما فرغوا‬ ‫من ذكر �أ�شعارهم ومقاالتهم‪� ،‬أخذنا نتحدّث‬ ‫يف مو�ضوع التجارة املحل ّية‪ .‬و�س�ألتهم يف ماذا‬ ‫يتّجر �أهل حم�ص و�أيّ الأ�شياء �أكرث �شهرة يف‬ ‫متاجرهم فذكروا يل �أنّ جت��ارة احلم�ص ّيني‬ ‫قائمة يف الغالب على ما ال ميكن اال�ستغناء عنه‬ ‫من حما�صيلهم وم�صنوعاتهم التي �أ�شهرها‬ ‫و�أه ّمها املن�سوجات احلريرية والق�صبية ّثم �إن‬ ‫حم�ص هي البلدة الوحيدة ا ّلتي ِا�شتهرت يف‬ ‫جميع بالد �سورية بحل احلرير و�إح�سان �صنعته‬ ‫ون�سيجه‪.‬‬

‫ال�سفر من حم�ص‬

‫ويف �صبيحة ال�ي��وم ال�ث��اين ك ّنا ت�أهّ بنا لل�سفر‬

‫حلب ‪� ..‬أيام اخلالفة العثمانية‬

‫الحظنا‪ ،‬من األز ّقة‬ ‫والطرق وشكل البيوت‬ ‫في ّ‬ ‫كل الجهات الّتي‬ ‫مررنا عليها‪ ،‬أن مدينة‬ ‫حمص كسائر بالد‬ ‫الشام‪ ،‬ال تزال حافظة‬ ‫لكيانها الشرقي‬ ‫وشكلها األصلي‬ ‫فتوجهنا م��ن م�ن��زل ��س�ع��ادة عبد‬ ‫�إىل ح�ل��ب‪ّ ،‬‬ ‫احلميد با�شا �إىل ّ‬ ‫املحطة يف رك��اب حافل من‬ ‫مظاهر القوم و�أع�ي��ان املدينة ا ّل��ذي��ن رافقونا‬ ‫حتّى ودّعناهم ونزلنا يف القطار‪ ،‬و�سار القطار‬ ‫على ب��رك��ة اهلل متّجه ًا �إىل ح�ل��ب‪ ،‬وم��ا ِان�ف� ّ�ك‬ ‫يوا�صل بنا ال�سري والأر���ض على مييننا وي�سارنا‬ ‫�إىل م�سافات وا�سعة كانت ك ّلها خ�صبة ج ّيدة‬ ‫مفرو�شة بب�ساط من املزارع اخل�ضراء حيث كان‬ ‫الزمن ربيع ًا‪ ،‬وكنت �أعجب كثري ًا مبا �أ�شاهده‬ ‫على تلك ال���زروع م��ن �أل���وان ال��زه��ر املختلفة‬ ‫ب�ين احل�م��راء والبي�ضاء وال��زرق��اء ا ّل�ت��ي ت�شبه‬ ‫املر�صعة‪ ،‬وج ّل‬ ‫جمموعتها البديعة باقة الزهور ّ‬

‫هذه امل��زارع الن�ضرة والأع�شاب اجلميلة �إنمّ ا‬ ‫نبتت يف تلك الأر���ض بوا�سطة الأمطار وعندئذ‬ ‫مل �أ�ستغرب ومل �أنده�ش ممّ ا كنت �سمعته من‬ ‫�أن قبائل العرب والرعاة يق�صدون �إىل اجلهات‬ ‫قبل ف�صل ال�صيف بخيلهم وموا�شيهم لرعي تلك‬ ‫احل�شائ�ش‪ ،‬وما �أح�سنها من مرعي و�أجملها من‬ ‫ربيع خ�صو�ص ًا و�أن املياه يف تلك البقعة غاية يف‬ ‫الكفاية وال�صفاء‪ ،‬حتّى بلغ �إىل ّ‬ ‫حمطة حماة وهي‬ ‫على م�سافة ‪ 55‬كيلومرت ًا من حم�ص وقد قطعها‬ ‫القطار يف نحو �ساعة و‪ 45‬دقيقة‪« .‬امل�سافة بني‬ ‫حم�ص وحماة ‪ 40‬كيلومرتا فقط»‬

‫حماة‬

‫هذه البلدة واقعة يف حدود والية �سورية وكانت‬ ‫�أ ّو ًال تابعة لأيالة ال�شام‪� ،‬أ ّما الآن فقد انف�صلت‬ ‫عنها وجعلت مت�صرف ّية م�ستقلة وه��ي مدينة‬ ‫قدمية التاريخ‪ ،‬ويظنّ كثري من ال ّنا�س �أنّ بانيها‬ ‫�صح ذلك فيكون قد‬ ‫هو حمت بن كنعان‪ .‬ف��إذا ّ‬ ‫م�ضى عليها الآن �أكرث من ‪� 4‬آالف �سنة‪ .‬ويقال‬ ‫�إن حماة كانت يف وقت خروج الإ�سرائيليني من‬ ‫م�صر مملكة م�ستق ّلة تتاخم �أر�ض امليعاد ا ّلتي‬ ‫ِاحت ّلها الإ�سرائيليون‪ .‬وكانت اململكة التي ت�س ّمى‬ ‫با�سمها متت ّد من منبع العا�صي حتّى م�ص ّبه‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪68‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫وغريها‪ .‬وجتارتها دائرة على تلك امل�صنوعات‬ ‫وهذه املحا�صيل‪.‬‬

‫‪2012‬‬

‫ال�سفر �إىل حلب‬

‫�صحن جامع النبي زكريا‬

‫مع ك ّل ال�سهل ال�شرقي منه‪ ،‬وكان يتاخمها من‬ ‫اجلنوب مدينة دم�شق ومن الغرب بلدا فينيقية‬ ‫وممّ ا ّ‬ ‫يدل على �أن هذه البلدة قدمية جاهلية ما‬ ‫جاء يف �شعر ِام��رئ القي�س من بع�ض ق�صائده‬ ‫حيث قال‪:‬‬

‫ت��ق ّ��ط��ع �أَ����س���ب���اب ال��ل��ب��ان��ة وَال���ه���وى‬ ‫عَ�������ش��� ّي���ة ُرح����ن����ا مِ ������ن حَ ����م����اة و�����ش��ي�رزا‬

‫ّثم �إ ّنها �أو�سع من مدينة حم�ص م�ساحة و�أكرب‬ ‫منها عمارة و�سكانها يبلغون نحو ‪�9‬آالف نف�س‪.‬‬ ‫ويقال �إن امل�سلمني من ه�ؤالء ال�س ّكان متم�س ّكون‬ ‫بدينهم مت�س ّك ًا � �ش��دي��د ًا بلغ بهم �إىل درج��ة‬ ‫التع�صب‪ّ ،‬ثم �إ ّنهم غاية يف ال�شهامة وال�شجاعة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويقال �إن امللك امل�ؤيد عندما فتح ب�لاد ال�شام‬ ‫جعل هذه املدينة قاعدة ملكه‪ ،‬وت�س ّمى ب�سلطان‬ ‫ح�م��اة‪ .‬وين�سب �إليها بع�ض العلماء وامل�ل��وك‪،‬‬ ‫و�أ��ش�ه��ره��م امل � ��ؤ ّرخ �أب ��و ال �ف��داء احل �م��وي �أح��د‬ ‫ملوكها من الأ ّيوب ّيني‪ ،‬واجلغرايف الكبري ياقوت‬ ‫حجة ال�شاعر‬ ‫�صاحب املعجم‪ ،‬وتقي الدين ابن ّ‬ ‫املعروف‪ .‬ومن �أ�شهر بيوتها ا ّلتي يفتخر بها �أهل‬ ‫حماة ويذكرونها بالف�ضل وال�سيادة بيت ال�شيخ‬ ‫عبد القادر الكيالين‪� ،‬شيخ الطريقة الكيالنية‬ ‫املعروفة‪� .‬أ ّما �صناعتها فمنح�صرة يف ِا�صطناع‬

‫في سنة ‪ 611‬بعد‬ ‫المسيح ُدهمت مدينة‬ ‫حلب بحريق عظيم‬ ‫ويقال أن إحراقها في‬ ‫ذلك العهد كان بأمر‬ ‫من كسرى الثاني ملك‬ ‫العجم‬ ‫الأ��ش�ي��اء العمومية ا ّل�ت��ي ال ي�ستغنى عنها من‬ ‫املن�سوجات احلريرية والقطنية والأحذية وما‬ ‫�أ�شبه ذلك‪ .‬ومن حما�صيلها احلنطة وال�شعري‬ ‫وال ��ذرة وغ�يره��ا م��ن احل�ب��وب وال�ف��واك��ه ا ّلتي‬ ‫ي�صدر كثري منها �إىل طرابل�س‪ ،‬وير�سل �أي�ض ًا‬ ‫كثري من �سمنها وجبنها �إىل �أ�سواق ال�شام وزحلة‬

‫الحظت أن مسجد خالد‬ ‫بن الوليد في حمص ال‬ ‫يختلف عن جامع القلعة‬ ‫في مصر شيئ ًا في‬ ‫رسمه ونظره سواء في‬ ‫ذلك شكله من الظاهر‬ ‫والباطن‬

‫ويف �صبيحة اليوم الثاين ك ّنا ت�أهّ بنا لل�سفر �إىل‬ ‫حلب‪ ،‬ومررنا ببلدة تعرف مبع ّرة نعمان‪ ،‬ن�سبة‬ ‫فيما يقال �إىل نعمان بن ب�شري‪ .‬وهي من القرى‬ ‫ا ّلتي ا�شتهرت باحلروب ال�صليبية‪ ،‬ويوجد فيها‬ ‫خربة مهدّمة يقال �إ ّنها كانت قلعة نعمان‪ .‬و�س�ألت‬ ‫�أ�صحابنا عن ع��دد �س ّكانها الآن فقالوا �إنهم‬ ‫يبلغون ‪� 7‬آالف نف�س‪ .‬و�شاهدنا حول هذه القرية‬ ‫مروج ًا و�أحرا�ش ًا وا�سعة‪ ،‬يقال �إن �أكرث غر�سها من‬ ‫بعدئذ ببلدة ت�س ّمى‬ ‫�شجر التني والف�ستق‪ .‬ومررنا ٍ‬ ‫ال�سرمني‪ ،‬وهي م�شهورة بالينابيع والعيون الكثرية‬ ‫تتفجر من خالل ال�صخور‪ .‬ويقال �إن يف هذه‬ ‫التي ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫القرية عددا كبريا من املغارات والكهوف حيث‬ ‫كان النا�س يف �سابق الزمان ي�سكنونها وي��أوون‬ ‫�إليها و�إىل بطون اجلبال‪� .‬أ ّما �أر�ضها فكان منها‬ ‫اخل�صب امل��زروع‪ ،‬ومنها القحل الأج��رد ب�سبب‬ ‫تغلب امللوحة يف تربته‪� .‬أ ّما تلك الأرا�ضي اململحة‬ ‫فكانت ترى للم�سافر على م�سافة بعيدة من البلد‪.‬‬ ‫ّثم مررنا ببلد يدعى بخان تومان‪ ،‬ويزعمون �أنّ‬ ‫ه��ذا اال�سم م��أخ��وذ من ا�سم �أح��د ال�سالطني‪،‬‬ ‫وعند هذه القرية ي�شاهد امل�سافر م�آذن حلب من‬ ‫بعيد‪ّ .‬ثم ما برحنا �سائرين ننتقل من بلد �إىل �آخر‬ ‫واملزارع من جمالها الطبيعي على ما و�صفنا حتّى‬ ‫مررنا بنهر ي�س ّمى قويق‪ ،‬وهو من الأنهار امل�شهورة‬ ‫يف تلك اجلهات‪� .‬أ ّم��ا امل�سافة من تلك النقطة‬ ‫�إىل مدينة حلب فكانت تقرب من ن�صف ال�ساعة‬ ‫ب�سري القطار وقد ك ّنا يف غ�ضونها نط ّل من نافذة‬ ‫العربة فن�شاهد �أمامنا على بعد هيكل مدينة حلب‬ ‫ج�سيم ًا �ضخم ًا تعلوه م�آذنها ال�شاهقة ا ّلتي هي‬ ‫�أ ّول ما يظهر للناظرين‪.‬‬

‫م�سجد �سيدنا زكريا‬

‫ق�صدنا �إىل جامع �س ّيدنا زكريا نبي اهلل عليه‬ ‫ال �� �س�لام‪ .‬وه ��و م�سجد ج�م�ي��ل ال���ش�ك��ل متقن‬ ‫ال�صناعة والبنيان‪ ،‬تعتمد �سقوفه املتينة على‬ ‫�أقبية وعمد يف طول امل�سجد وعر�ضه‪ .‬ويقال �إنّ‬ ‫مو�ضع هذا امل�سجد كان يف الأ�صل كني�سة من‬


‫عهد الإمرباطورة هيالنة من قيا�صرة الرومان‪،‬‬ ‫وي�س ّمى اجلامع الأموي لأ ّنه من �آثار بني �أم ّية‪.‬‬ ‫وي � ّدع��ي �أه ��ل ه��ذه اجل �ه��ات �أ ّن���ه ك��ان �شبيه ًا‬ ‫باجلامع الأموي يف دم�شق‪ ،‬وقد �أحرقته طائفة‬ ‫الإ�سماعيلية �سنة ‪ 1169‬ميالدية‪ّ ،‬ثم �أعاد بناءه‬ ‫املرحوم ال�سلطان نور الدين ال�شهيد‪ّ ،‬ثم هدمه‬ ‫املغول حتت ريا�سة هوالكو‪ .‬وميتاز هذا امل�سجد‬ ‫مبئذنته ال�شاهقة ا ّلتي يبلغ ارتفاعها نحو ‪54‬‬ ‫م�تر ًا‪ ،‬ومل ن�شاهد م�أذنة يف م�ساجد امل�سلمني‬ ‫ا ّلتي ر�أيناها بلغت من العلو هذا املبلغ �إال تلك‬ ‫امل�أذنة العجيبة‪ ،‬وهي قائمة يف الزاوية ال�شمالية‬ ‫الغربية من جهة ال�صحن الكبري ا ّلذي حتيط به‬ ‫الأعمدة من الثالث جهات‪ .‬ويقال �إن هذه امل�أذنة‬ ‫بنيت يف �سنة ‪ 1290‬ميالدية‪� .‬أ ّما امل�سجد ا ّلذي‬ ‫تقام فيه ال�صالة ف�إ ّنه واقع يف اجلهة اجلنوبية‬ ‫من ال�صحن املذكور‪ ،‬وفيه حجاز من اخل�شب‬ ‫«دراب��زي��ن» يق�سمه �إىل ق�سمني لك ّنهما غري‬ ‫خ�ص�ص الق�سم الأ�صغر منهما‬ ‫مت�ساويني؛ وقد ّ‬ ‫خا�ص ًا‬ ‫بال�صلوات اخلم�س‪ ،‬وجعل الق�سم الأكرب ّ‬ ‫ب�صالة اجلمعة‪ .‬وفيه يوجد قرب النبي زكرياء‪،‬‬ ‫وال��د النبي يحيى املدفون بجامع بني �أمية يف‬ ‫دم�شق‪ ،‬وي�س ّمى يوح ّنا املعمدان‪ .‬وهذا القرب مل‬ ‫يكن هو القرب الوحيد املجمع عليه من �أهل املدن‬ ‫والطوائف‪ ،‬ف�إنّ مدينة �سام ّرا وبع�ض مدن �أخرى‬ ‫من ال�شام تزعم �أنّ فيها قربه عليه ال�سالم‪ ،‬وقد‬ ‫ر�أيناه حماط ًا مبق�صورة مذهّ بة بديعة ال�شكل‪.‬‬ ‫دخلنا امل�سجد �أ ّو ًال و�ص ّلينا فيه حت ّيته ركعتني‪،‬‬ ‫ّثم ذهبنا �إىل ذلك املقام ال�شريف وقر�أنا يف‬ ‫تي�سر لنا من كتاب اهلل بن ّية ح�صول‬ ‫داخله ما ّ‬ ‫ال�برك��ة و�إ� �ص�لاح احل��ال‪ .‬وه�ن��اك �س�ألنا اهلل‬ ‫تعاىل �أن يتق ّبل م ّنا هذه الزيارة ا ّلتي ن�شكره‪،‬‬ ‫ج� ّل �ش�أنه‪ ،‬على هدايتنا لها وتوفيقنا �إليها‪.‬‬ ‫وخرجنا بعد ذلك عامدين على زي��ارة القلعة‬ ‫احللبية‪ ،‬وك��ان طريق �سرينا �إليها من داخل‬ ‫البلد‪ .‬وال ب ّد لنا من ذكر كلمة عن هذه القلعة‬ ‫تت�ض ّمن نبذة من تاريخها‪ ،‬وو�صفها على حالتها‬ ‫احلا�ضرة بقدر الإمكان‪.‬‬

‫لقطة قدمية للجامع الأموي وتبدو خلفه قلعة حلب‬

‫اجلامع من الزاوية نف�سها يف فرتة الحقة‬

‫�صناعي‪ .‬ويقول م�ؤرخو العرب �أنه كان على هذا‬ ‫التل مدينة قدمية من مدن ال�شام‪ ،‬قائمة على‬ ‫ثمانية �آالف عمود‪ ،‬وهي بالطلع مدينة حلب‪.‬‬ ‫ويقال �إنّ ا ّلذي بنى هذه القلعة هو �سلوق�س الذي‬ ‫ّ‬ ‫اختط حلب وبناها‪ ،‬فهي على هذا عتيقة ّ‬ ‫متوغلة‬ ‫يف القدم‪ .‬وبع�ض امل�ؤرخني يزعم �أنّ ك�سرى زاد‬ ‫يف حت�صينها ومنعتها‪ .‬ول�ست �أدري من هو ك�سرى‬

‫فإن‬ ‫وعلى الجملة‪ّ ،‬‬ ‫حلب هذه هي أحسن‬ ‫قلعة حلب‬ ‫نقطة في ّ‬ ‫كل الوالية‪..‬‬ ‫مرتفع‬ ‫تل‬ ‫على‬ ‫املدينة‬ ‫و�سط‬ ‫يف‬ ‫واقعة‬ ‫هذه القلعة‬ ‫مر�صوف باحلجارة‪ ،‬وه��و من ذل��ك يظهر �أ ّن��ه ولذلك اتّخذها أكثر‬ ‫الملوك الفاتحين‬ ‫عاصمة ملكهم‬

‫ه��ذا من ملوك فار�س‪ ،‬ولع ّله ك��ان غري ك�سرى‬ ‫الثاين‪ ،‬لأنّ ذلك هو ا ّلذي �أحرقت مدينة حلب‬ ‫ب�أمره �سنة ‪ 611‬بعد امل�سيح‪ .‬ومن �أبعد ما يت�ص ّور‬ ‫�أن يعمر القلعة ويزيد يف حت�صينها من يخرب‬ ‫املدينة وي�أمر ب�إحراقها‪ .‬ث� ّ�م �إنها حماطة من‬ ‫جميع جهاتها بخندق عميق ميكن غمره باملاء‪،‬‬ ‫ويقال �إ ّنه بلغ من العمق بحيث ي�ستغرق امل�سافر‬ ‫�إىل ق��راره م�سافة تقرب من ن�صف ال�ساعة‪.‬‬ ‫ويوجد على هذا اخلندق قنطرة جميلة م�صنوعة‬ ‫من اخل�شب تو�صل �إىل القلعة‪ ،‬ولي�س الدخول فيها‬ ‫مباح ًا مطلق ًا‪ ،‬بل هو حمظور عادة �إال ملن ح�صل‬ ‫على �إذن احلرب ّية ا ّلتي ال تزال �صاحبة ال�سلطة‬ ‫وال�سيطرة عليها �إىل اليوم‪ ،‬على الرغم من �أنّ‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪70‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫حريف حم�صي بداية القرن الع�رشين‬

‫�صورة لبع�ض قاطني مدينة حلب تُظهر تنوع الأزياء ‪1873 -‬‬

‫هذه القلعة �صارت خربة مهدّمة‪ .‬ولهذه املنا�سبة كنت ما�شي ًا يف ذلك ال�صحن �أ ّنه الب ّد �أن يوجد‬ ‫وجدنا ِاثنني من �ض ّباط اجلي�ش يف ِانتظارنا حتت احلجارة وال��ردوم �شيء عظيم من الآثار‬ ‫هناك‪ .‬وقد و�صلنا من هذا املعبرّ اخل�شبي �إىل التاريخيةالعجيبة‪.‬‬ ‫برج خارجي‪ ،‬دخلناه من باب حديد مزخرف‬ ‫ب�أبدع حلية و�أجمل نق�ش‪ ،‬وقد �أخذ م ّني الإعجاب م�سجد بديع‬ ‫وبعدئذ ذهبت مني ِالتفاتة على باب خمفي بع�ضه‬ ‫مبنظر ذلك الباب م�أخذ ًا بلغ منه �أنيّ �ص ّممت‬ ‫ٍ‬ ‫على تقليد �شيء من �شكله يف بيتي ا ّلذي �أ�سكنه حتت �أطباق ال�تراب‪ ،‬ف�س�ألت عنه بع�ض امللمني‬ ‫يف منيل الرو�ضة‪ّ .‬ثم دخلنا يف بهو يالحظ املا ّر به بذلك الأثر العتيق‪ ،‬فقال يل‪� :‬إن من ذلك الباب‬ ‫�أنّ يف �أعلى الباب احلديد من اجلهة اليمنى من يدخل الإن�سان �إىل م�سجد �صغري‪ ،‬كان ي�ص ّلي‬ ‫الداخل نقو�ش ًا على اجلدار ومر�سومات حفر ّية فيه بع�ض الع�سكر املتمر�ضني‪ ،‬فمالت نف�سي‬ ‫بديعة من �شجر الريحان‪ ،‬وكتابات ينتهي تاريخها لالطالع عليه �ش�أن ال�سائح ا ّلذي يريد �أن ي�ستطلع‬ ‫�إىل �سنة ‪ 605‬هجرية املوافقة �سنة ‪ 1209‬ميالدية ك� ّل �شيء غريب يقع حتت نظره‪ .‬فدخلت هذا‬ ‫على عهد امللك الظاهر«غازي‪ :‬ابن �صالح الدين‬ ‫الأيوبي»‪ .‬ويالحظ �أي�ض ًا على ميني وي�سار الباب يقول مؤرخو العرب أن‬ ‫الثاين ر�سومات حفرية �أخرى مت ّثل ر�ؤو�س الفهود مدينة حلب القديمة‬ ‫متثي ًال متقن ًا‪ .‬ومن ذلك الباب خرجنا �إىل �صحن كانت مبنية على التل‬ ‫متّ�سع ّ‬ ‫مغطى بكومات من الأت��رب��ة وال‬ ‫أنقا�ض‪ ،‬الذي يحوي قلعتها اآلن‬ ‫وفيه �آثار جملة طرق‪ .‬وقد دار يف نف�سي وقت ما‬

‫وكانت قائمة على‬ ‫ثمانية آالف عمود‬

‫امل�سجد ور أ�ي��ت فيه حمراب ًا‪ ،‬وك��ان يف دوائ��ره‬ ‫وزرة من خ�شب عليها نقو�ش ما نظرت عيني‬ ‫�إىل اليوم �أجمل منها‪ .‬ولقد ر�أيت من الر�سوم‬ ‫الناتئة واحلفرية والنقو�ش العربية ما ل�ست‬ ‫�أح�صيه عدد ًا‪ ،‬خ�صو�ص ًا ما �شاهدته من ذلك‬ ‫فيما يوجد عادة يف �أوائل الكتب الأثرية‪ .‬ومع‬ ‫ذلك‪ ،‬مل �أذكر يف م ّرة من املرات �أنيّ ّاطلعت‬ ‫على �أعجب و�أتقن من تلك النقو�ش املحكمة‬ ‫وال��رق��و���ش الدقيقة‪ .‬وه��ذا م��ا اقت�ضاين‪� ،‬إذ‬ ‫ذاك‪� ،‬أن �أت� ّأ�سف كثري ًا من �إهمال ذلك امل�سجد‬ ‫اجلليل وت��رك��ه ب��دون �أق��ل م��راق�ب��ة‪ .‬والب�� ّد �أنّ‬ ‫�شيئ ًا عظيم ًا من �صناعاته البديعة وزخارفه‬ ‫املده�شة قد �ضاع وحمي �أثره‪ ،‬لأن يف وجود مثل‬ ‫الآثار التي �شاهدناها على اجلدران وغريها ما‬ ‫ّ‬ ‫ي�ستدل منه على �أن امل�سجد كان قبل �أن تفتك‬ ‫به عاديات الزمان حاف ًال بامل�صنوعات العربية‬ ‫ا ّلتي من هذا القبيل‪ .‬ول�سنا نعرف لعفاء هذه‬ ‫الأ�شياء النفي�سة �سبب ًا �سوى عدم العناية يف‬


‫ال�سوق القدمي يف حلب ‪ -‬الذي تعر�ض للدمار م�ؤخرا ً‬

‫مبد�أ الأم��ر بحفظ �آث��ار املتقدّمني و�أعمالهم‬ ‫التاريخية النبيلة‪.‬‬ ‫وبعد ذلك مررنا بالآبار‪ ،‬وقال مر�شدونا يف‬ ‫ذلك املكان �إ ّنها عميقة �إىل قرار بعيد‪ ،‬وال‬ ‫يبعد �أ ّنها تكون يف عمق اخلندق‪ّ .‬ثم �إنّ يف‬ ‫�صحن القلعة ا ّلذي �أ�سلفنا ذكره عدد ًا كبري ًا‬ ‫من الأقبية‪ ،‬ويف و�سطه ق ّبة فخمة قائمة على‬ ‫ّ‬ ‫وي�ستدل من �شكلها‬ ‫�أربعة �أعمدة من البناء‪.‬‬ ‫على �أ ّنها كانت يف �أ ّول عهدها فوق بئر حمفورة‬ ‫يف نف�س ال�صخر‪ ،‬وهناك ر�أينا منارة جميلة‬ ‫ال�شكل بهيجة املنظر‪ .‬ويف اجلهة ال�شمالية‬ ‫ال�غ��رب�ي��ة ي��وج��د م��دف�ع��ان ق��دمي��ان‪� ،‬صنعت‬ ‫فوهتهما من احلديد املمزوج بالر�صا�ص‪.‬‬ ‫أهم ما ت�شتمل عليه تلك‬ ‫وبعدما ّاطلعنا على � ّ‬ ‫القلعة م��ن ال��داخ��ل واخل ��ارج‪� ،‬صعدنا �إىل‬ ‫�أعلى نقطة فيها و�أ�شرفنا منها على املدينة‬ ‫و�ضواحيها‪ ،‬فر�أينا بني الأ�شجار واملزارع وما‬ ‫يتخ ّللها من العيون والأنهار منظر ًا �ساحر ًا‬

‫فتّان ًا ال ندري‪ ،‬وقد �أخذتنا من ح�سنه روعة‪،‬‬ ‫�أهو �أبهج �أم ذلك املنظر ا ّلذي ك ّنا �شاهدناه‬ ‫على دم�شق من فوق ال�صاحلية‪.‬‬

‫حلب‬

‫ه��ذه امل��دي�ن��ة واق �ع��ة على ال��درج��ة ‪ 36‬و‪11‬‬

‫دقيقة و‪ 32‬ثانية من العر�ض ال�شمايل ويبلغ‬ ‫ارتفاعها عن �سطح البحر نحو ‪ 320‬مرت ًا‪،‬‬ ‫وه��ي قائمة يف �سهل منخف�ض على ح��دود‬

‫يقال إن صادرات حلب‬ ‫بلغت نحو مليون‬ ‫ونصف من الجنيهات‬ ‫أن أكثر ما‬ ‫وقد علمنا ّ‬ ‫يصنع من األنسجة‬ ‫الحريرية والصوفية‬ ‫وغيرها يص ّدر معظمه‬ ‫إلى جهة األناضول‬

‫ال���ص�ح��راء حت�ي��ط ب�ه��ا ت�ل��ول ك �ث�يرة‪ ،‬وي��رى‬ ‫حواليها �آث��ار �أبنية قدمية ّ‬ ‫تدل على �أنّ هذه‬ ‫البلد كان حماط ًا ب�سور كبري �ضخم‪ ،‬بل �إن �أثر‬ ‫ال�سور نف�سه ال يزال قائم ًا يف بع�ض نواحيها‬ ‫�إىل الآن‪ ،‬ول��ه �أب ��واب ع �دّة ت�س ّمى ب�أ�سماء‬ ‫خمتلفة‪ ،‬فمنها باب الن�صر وباب ال َف َرج وباب‬ ‫اجلنني وباب �أنطاكية‪ ،‬لأ ّنه قائم على طريق‬ ‫�أنطاكية ا ّلتي هي على م�سافة نحو �ستّني مي ًال‬ ‫من مدينة حلب‪ ،‬وباب قن�سرين وباب املقام‬ ‫وباب الرتاب وباب الأحمر وباب احلديد‪ ،‬ويف‬ ‫اجلهة ال�شمالية الغربية يجري نهر قويق‪،‬‬ ‫وهو نهر جميل كثري ال�سمك‪ ،‬ويكرث فيه على‬ ‫اخل�صو�ص ن��وع من ه��ذا ي�س ّمى بالثعابني‪.‬‬ ‫وهناك يجري نهر �آخر ي�س ّمى �شالو�س وهو‬ ‫ينبع على بعد ب�ضعة �أيام من اجلهة ال�شمالية‬ ‫وي�صب يف م�ستنقع يبعد عن جنوب املدينة‬ ‫بنحو خم�س �ساعات ون�صف تقريب ًا‪.‬‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪72‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫�ساحة البازار بحم�ص‬

‫تاريخ املدينة‬

‫�أ ّم��ا املدينة فقدمية ج � ّد ًا واختلف يف بانيها‬ ‫على جملة �آراء‪ ،‬منها �أنّ حلب بن املهر �أحد‬ ‫بني احل��ان بن مكنف من العماليق هو ا ّلذي‬ ‫ّ‬ ‫اختط هذه املدينة و�س ّميت با�سمه �سنة ‪3990‬‬ ‫لآدم‪ ،‬وذل��ك بعد ورود �إبراهيم �إىل الدّيار‬ ‫ال�شامية مب �دّة ‪� 549‬سنة ه��ارب� ًا من رامي�س‬ ‫ملك �أ�سور«�أ�شور»‪ ،‬و�أن العمالقة كانوا جعلوها‬ ‫ح�صن ًا لأنف�سهم و�أموالهم‪ ،‬بعد �أن فتح ي�شوع‬ ‫بالدهم ومل يزالوا عليها �إىل �أن �أخذها منهم‬ ‫داود‪ ،‬وكرث ذكرها يف تاريخ العرب و�شعرهم‪.‬‬ ‫وهي مبا حوت من جمال اجل ّو وح�سن البقعة‬ ‫وجودة الهواء جديرة بذلك الذكر والإط��راء‪،‬‬ ‫ّثم �إ ّنه يحيط بها يف �ضواحيها املبا�شرة حدائق‬ ‫غ ّناء وب�ساتني بهيجة‪� ،‬أكرث غر�سها من �شجر‬ ‫الدلب‪ ،‬و�شجر �آخ��ر ي�س ّمى ل�سان الع�صفور‪،‬‬ ‫و�شجر احلور الأبي�ض‪ ،‬و�شجر ال َغ َرب‪ ،‬وكذلك‬ ‫النبق واجلوز وال�سفرجل والف�ستق والزيتون‪.‬‬ ‫وهذه اخل�ضرة املتجاوزة ح ّد اجلمال تبتدئ‬ ‫على ب�ضع �ساعات من اجلهة ال�شمالية‪.‬‬ ‫ث� ّ�م �إن حلب ه��ي مركز ال��والي��ة ا ّل�ت��ي ت�شمل‬ ‫ال�شام ال�شمالية ك ّلها‪ ،‬وحدودها ت�صل �إىل نهر‬ ‫الفرات‪ .‬ويقدّر عدد �س ّكانها الآن بنحو ‪200‬‬ ‫�ألف نف�س‪ ،‬والثلثان من هذا العدد م�سلمون‪،‬‬

‫والثلث الباقي م��ن ط��وائ��ف خمتلفة‪ ،‬فمنه‪:‬‬ ‫‪�12‬ألف ًا من الروم ومثلهم من اليهود و ‪� 4‬آالف‬ ‫من الأرمن‪ ،‬والباقي بعد ذلك خليط من الأرمن‬ ‫املتحدين واملارونيني والكاثوليك‪ .‬ويوجد فيها‬ ‫جمعية بروت�ستانتية للإجنليز وفيها ع�دّة‬ ‫م��دار���س ِابتدائية وث��ان��وي��ة‪ ،‬بع�ضها لطائفة‬ ‫الفرن�سي�سكان‪ ،‬وفيها �أي�ض ًا مدر�سة للبنات‬ ‫تديرها راهبات القدّي�س يو�سف‪ .‬وعلى م�سافة‬ ‫�أرب�ع�ين كيلومرت ًا من �شمال املدينة‪ ،‬يبتدئ‬ ‫ّ‬ ‫خط االنف�صال بني اللغتني العربية والرتكية‪.‬‬ ‫ّثم �إن �أهل املدينة يتكلمون بالعربية‪ ،‬وهم مع‬ ‫ذلك يجيدون اللغة الرتكية نطق ًا وفهم ًا �أكرث‬ ‫من �أهل دم�شق‪ ،‬ولع ّل ذلك لأ ّنهم قريبون من‬ ‫جهة الأنا�ضول‪ .‬وقد يالحظ �أنّ اللهجة العربية‬

‫الدخول إلى قلعة حلب‬ ‫ليس مباح ًا مطلق ًا بل‬ ‫هو محظور عادة إال لمن‬ ‫حصل على إذن الحربيّة‬ ‫الّتي ال تزال صاحبة‬ ‫السلطة والسيطرة‬ ‫عليها على الرغم من‬ ‫كونها صارت خربة‬ ‫مه ّدمة‬

‫يف حلب ال تفرتق كثري ًا عن لهجات �سائر مدن‬ ‫ال�شام‪ .‬وعدد الإفرجن فيها �أكرث من عددهم يف‬ ‫مدينة دم�شق‪ ،‬ولع ّل ال�سبب يف ذلك هو �أن حلب‬ ‫مبثابة م�ستودع لكثري من متاجر الأوربيني بحكم‬ ‫مركزها اجل �غ��رايف‪� ،‬إذ ه��ي واق�ع��ة ب�ين جملة‬ ‫طرق‪ .‬وقد �أخذت هذه املدينة تتح ّول قلي ًال عن‬ ‫�شكلها ال�شرقي‪ ،‬و�صناعتها الوطنية تكاد تتال�شى‬ ‫يف جانب ال�صناعة الأورب �ي��ة‪ .‬وال �سبب لهذا‪،‬‬ ‫فيما يغلب على الظنّ ‪� ،‬إال تلك العالقات ا ّلتي‬ ‫كانت وال تزال بني هذه املدينة وبني الغرب منذ‬ ‫الع�صور القدمية‪ .‬وهي‪ ،‬يف مقابل ما ت�ستورده من‬ ‫م�صنوعات �أوربا وت�ستجلبه من ب�ضاعتها‪ ،‬ت�صدّر‬ ‫�إليها الأ�شياء الأ ّولية الآتية‪ :‬وهي الغالل وال�صوف‬ ‫والقطن «ا ّل��ذي ال تزال ت��زداد زراعته �سنة بعد‬ ‫أ�خ��رى» والع�صف«ورق ال��زرع‪ ،‬التنب» وال�صمغ‬ ‫وال�سم�سم واجللد على ِاختالف �أ�صنافه‪ .‬ويقال �إن‬ ‫�صادرات هذا البلد بلغت �إىل نحو مليون ون�صف‬ ‫من اجلنيهات‪ .‬وقد علمنا �أنّ �أكرث ما ي�صنع من‬ ‫الأن�سجة احلريرية وال�صوفية وغريها ي�صدّر‬ ‫معظمه �إىل جهة الأنا�ضول‪ .‬ومن تاريخ حلب �أي�ض ًا‬ ‫�أ ّنه جاء ذكرها يف الآثار امل�صرية منذ ‪� 2000‬سنة‬ ‫قبل امليالد‪ .‬وقد ذكرها �سلمنذار ملك �آ�شوريا‪،‬‬ ‫وهو ا ّلذي فتح مدينة �سامرا«ال�سامرة» وفر�ض‬ ‫اجلزية على بني �إ�سرائيل‪ّ ،‬ثم حما ملكهم حيث‬


‫�أخذهم وملكهم �أ�سرى يف �سنة ‪ 854‬قبل امليالد‬ ‫وق��د ق � ّرب فيها قربان ًا �إىل الإل��ه ح��داد«ح��دد»‬ ‫وزاد يف ا ّت�ساعها بعده امللك �سيلوكو�س نيكاتور‪.‬‬ ‫حكم هذا امللك على بابل بعد وف��اة الإ�سكندر‬ ‫وجمع حتت لوائه ال�شام و�أرمينيا والعراق وق�سم ًا‬ ‫من �آ�سيا الو�سطى‪ ،‬وهو م� ّؤ�س�س الأ�سرة امللوكية‬ ‫ا ّلتي حكمت ال�شام زمان ًا وكانت تل ّقب با�سمه «‬ ‫نيكاتور»‪ ،‬وهو �أي�ض ًا ا ّلذي �أطلق على حلب ا�سم‬ ‫ب�يرواه‪ .‬ويف �سنة ‪ 611‬بعد امل�سيح دهمت هذه‬ ‫املدينة بحريق عظيم‪ .‬ويقال �أن �إحراقها يف ذلك‬ ‫العهد كان ب�أمر من ك�سرى الثاين «ك�سرى الثاين‪:‬‬ ‫ك�سرى �أبرويز «‪ »590-628‬ابن هرمزد الرابع»‬ ‫ملك العجم‪ّ .‬ثم وقعت يف �أيدي العرب حتت قيادة‬ ‫�أبي عبيدة بن اجلراح بدون �أدنى مقاومة يف �سنة‬ ‫‪ 145‬للهجرة‪ .‬وذل��ك �أن أ�ب��ا عبيدة‪ ،‬ر�ضي اهلل‬ ‫عنه‪ ،‬ملّا فرغ من قن�سرين‪� ،‬سار �إىل حلب فبلغه‬ ‫�أنّ �أهل قن�سرين نق�ضوا وغ��دروا‪ ،‬ف�أر�سل �إليها‬ ‫جماعة و�سار هو حتّى و�صل �إىل ظاهر حلب‪ ،‬وهو‬ ‫قريب منها فجمع �أ�صناف ًا من العرب و�صاحلهم‬ ‫على اجلزية ّثم �أ�سلموا بعد ذلك‪ .‬و�أت��ى حلب‪،‬‬ ‫فتح�صن‬ ‫وعلى مقدّمته عيا�ض بن غنم الفهري‪ّ ،‬‬ ‫�أهلها وحا�صرهم امل�سلمون‪ ،‬فلم يلبثوا �أن طلبوا‬ ‫ال�صلح والأمان على �أنف�سهم و�أوالدهم ومدينتهم‬ ‫وكنائ�سهم وح�صنهم ف�أعطوا ذل��ك‪ ،‬وا�ستثنى‬ ‫عليهم مو�ضع امل�سجد‪ .‬ومن هذا احلني �أخذت‬ ‫البلد تتقدّم وت��زداد �أهم ّيتها‪ .‬وكانت عا�صمة‬ ‫ملك �سيف ال��دول��ة ب��ن ح�م��دان م��ن �سنة ‪936‬‬ ‫�إىل �سنة ‪ 967‬ميالدية‪ .‬ويف �سنة ‪ 961‬ا�ستوىل‬ ‫عليها البيزانطيون حتت ريا�سة نقفور ولكن مل‬ ‫ي�ستطيعوا اال�ستيالء على ح�صنها‪ّ ،‬ثم جاءت بعد‬ ‫ذلك احلروب ال�صليبية‪ .‬ويف �سنة ‪ 1114‬هدمتها‬ ‫الزالزل‪ .‬ويف �سنة ‪ 1124‬حا�صرها امللك بيدوين‪،‬‬ ‫�أح��د ملوك ال�صليبيني‪ ،‬ولك ّنه مل يتم ّكن من‬ ‫اال�ستيالء عليها‪ .‬ويف �سنة ‪ 1139‬عاودتها الزالزل‬ ‫ثانية‪ّ ،‬ثم رجعت ثالثة وكانت يف الأخ�يرة �أ�ش ّد‬ ‫منها يف الأوليني‪ ،‬وذلك يف �سنة ‪ ،1170‬فجدّد‬ ‫عمارتها و�أعاد �إليها �سريتها املرحوم ال�سلطان‬ ‫نور الدين ال�شهيد‪ .‬كما �أ ّنه بنى القلعة‪ّ ،‬ثم هدمها‬ ‫املغول حتت ريا�سة هوالكو يف �سنة ‪ّ ، 1260‬ثم‬ ‫�أعادوا الك ّرة عليها يف �سنة ‪.1280‬‬ ‫ويف عهد �سالطني املماليك مب�صر‪ ،‬كانت حلب‬

‫موزاييك من الآثار املجاورة ملدينة حلب‬

‫ي ّدعي أهل هذه الجهات‬ ‫أن جامع سيدنا زكريا كان‬ ‫ّ‬ ‫شبيه ًا بالجامع األموي‬ ‫في دمشق وقد أحرقته‬ ‫ثم‬ ‫طائفة اإلسماعيلية ّ‬ ‫أعاد بناءه السلطان نور‬ ‫ثم هدمه‬ ‫الدين الشهيد ّ‬ ‫المغول تحت رياسة‬ ‫هوالكو‬

‫عا�صمة ال�شام ال�شمالية‪ .‬ويف �سنة ‪ 1400‬خرب‬ ‫املدينة تيمورلنك‪ ،‬بعد واقعة هائلة على الأبواب‬ ‫هزم فيها ال�سوريون �ش ّر هزمية‪ .‬ويف �سنة ‪1516‬‬ ‫افتتحها ال�سلطان �سليم وحما �آثار �سلطة املماليك‬ ‫منها‪ .‬ومنذ ذلك العهد وهي قاعدة والية‪ .‬و�إذا‬ ‫كانت حلب قد ا�ستطاعت‪ ،‬على الرغم من ك ّل‬ ‫هذه احل��وادث املتك ّررة وامل�صائب املتتابعة‪� ،‬أن‬ ‫تقوم من وهدتها ال ّمة �شعثها رافعة ر�أ�سها حافظة‬ ‫لكيانها ومكانها‪ ،‬فذلك �إنمّ ا هو بف�ضل مركزها‬ ‫اجلغرايف والتجاري‪� .‬أ ّم��ا مركزها اجلغرايف‪،‬‬ ‫فلأ ّنها قائمة على طريق العجم والهند‪ .‬و�أ ّم��ا‬ ‫مركزها التجاري‪ ،‬فلأنّ جتارة احلرير والأقم�شة‬ ‫والأجواخ والأحجار الكرمية‪ ،‬ك ّل هذه التجارات‬

‫يف ذلك البلد نامية زاهرة‪ .‬وعلى اجلملة‪ ،‬ف�إنّ‬ ‫حلب هذه هي �أح�سن نقطة يف ك ّل الوالية‪ .‬ولذلك‬ ‫ا ّتخذها �أكرث امللوك الفاحتني عا�صمة ملكهم‪.‬‬ ‫ويقال �إنّ جدّنا املرحوم �إبراهيم با�شا كان قد‬ ‫ا ّتخذها مركز ًا للجنود والع�ساكر‪.‬‬

‫بيوت املدينة‬

‫وقد ك ّنا ن�شاهد �أثناء مرورنا يف طرق املدينة‬ ‫و�شوارعها �أنّ البيوتات يف معظم اجلهات‬ ‫مبن ّية من حجارة منقو�شة مزخرفة ال فرق‬ ‫يف ذلك بني طبقاتها العليا و�أدواره��ا ال�سفلى‪،‬‬ ‫وقد �أعجبني كثري ًا ما ر�أيته من تلك النقو�ش‬ ‫البديعة املحفورة يف نف�س الأحجار بغاية الد ّقة‬ ‫والإتقان‪ .‬ومن ذلك عرفت �أنّ لأهل هذا البلد‬ ‫مهارة فائقة وحذق ًا عجيب ًا يف �صنعة النق�ش‬ ‫احلفري ا ّل��ذي يظهر ف�ضل ال�صانع فيه على‬ ‫الأحجار �أك�ثر مما يظهر على غريها‪ ،‬فكان‬ ‫ذلك م�صدّق ًا ملا ا�شتهر عنهم منذ زمان بعيد‪.‬‬ ‫ّثم ر�أينا يف بع�ض �أحياء البلد �أبنية حديثة العهد‬ ‫على النمط الأورب��ي‪ ،‬ومل ن�ستغرب �أن من ّر من‬ ‫�شوارع البلد يف بيوت على الطراز اجلديد و�أنّ‬ ‫�سكانها �أكرثهم من ثراة امل�سيحيني‪ ،‬وهناك‬ ‫حي �آخر ي�سكنه جماعة اليهود‬


‫أوراق تراثية‬ ‫‪74‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمرب‬ ‫‪2012‬‬

‫نبشر بالتراث‬ ‫بعين قوية على المستقبل!!‬ ‫عندما نطالع امل�سرية الب�شرية وتاريخها ونتعمق يف جوانبها املختلفة‪،‬‬ ‫ن�صاب بحالة من الذهول لكل هذا الإرث العظيم الذي خلفته الأجيال‬ ‫املتتالية حتى وقتنا الراهن‪� .‬إال �أن البع�ض من الدار�سني يف هذا املجال‬ ‫ي�ؤكدون �أنه رغم هذا الكم الهائل من املخرتعات واملبتكرات والعلوم‬ ‫املتنوعة واملعارف املكت�سبة‪ ،‬والتي الكثري منها نتاج تراكمات من‬ ‫التجارب والتطوير املتتايل حتى و�صولها للكمال يف خدمة النا�س‪ ،‬ف�إن‬ ‫الإن�سان مل يوفق يف حفظ الكثري من �أرثه و�إجنازاته‪ ،‬وهناك اعتقاد‬ ‫على نطاق وا�سع �أن الذي و�صلنا وبات بني يدينا اليوم من كل هذا‬ ‫الكم الإنتاجي �سواء يف جمال العلوم واملخرتعات �أو حتى االكت�شافات‬ ‫وغريها �شحيح مقارنة مبا �أنتجه الإن�سان منذ ع�صور �سحيقة مروراً‬ ‫بالتجمعات الأوىل ثم و�صو ًال للمدن فقيام احل�ضارات والأمم‪.‬‬ ‫فاطمة املزروعي‬ ‫وهذه احلالة – عدم و�صول الإنتاج الإن�ساين‬ ‫ك��ام� ً‬ ‫لا ‪ -‬لها �أ�سباب ع��دي��دة بع�ضها �أ�سهم‬ ‫الإن�سان فيها ب�شكل مبا�شر ومتعمد وهدم‬ ‫هذه املنجزات ب�سبب ال�صراعات واحل��روب‬ ‫وال�ت�ق��ات��ل وم��ن ث��م حم��اول��ة املنت�صر �إل�غ��اء‬ ‫و�إخفاء معامل �أي متيز وتقدم ملن حلقت به‬ ‫الهزمية‪� ،‬أو ب�شكل غري مبا�شر كجهلة ب�أهمية‬ ‫�أن يحافظ على ه��ذه املكت�سبات الإن�سانية‬ ‫ومن ثم نقلها �إىل الأجيال التالية‪� ،‬أو ب�أ�سباب‬ ‫طبيعية كالفي�ضانات وال�براك�ين ونحوها‪،‬‬ ‫وهناك �أ�سباب عديدة �أخ��رى‪ .‬عمر الب�شرية‬ ‫على الأر�ض كبري جد ًا حيث تتفاوت تقديرات‬ ‫العلماء فهناك م��ن يقول �إن�ه��ا �ستة ماليني‬ ‫�سنة و�آخرين ي�ؤكدون �أنها �أقل‪ ،‬ولكنه – �أي‬ ‫الإن�سان – مل يتمكن من التقدم والتعلم �إال‬ ‫منذ نحو ‪� 300‬سنة‪ ،‬وهذا ما �أ�شار له العامل‬

‫الدكتور برتراند را�سل‪ ،‬يف كتابة‪� :‬أثر العلم‬ ‫يف املجتمع‪ ،‬حيث ق��ال‪« :‬ي�ع��ود وج��ود الب�شر‬ ‫�إىل نحو مليون �سنة‪ ،‬وتعود معرفتهم بالكتابة‬ ‫�إىل نحو �ستة الآف �سنة‪ ،‬بينما تعود معرفتهم‬ ‫بالزراعة حلقبة �أق��دم قلي ًال‪� ،‬أما العلم فقد‬ ‫ت��واج��د كعامل مهيمن يف تقرير معتقدات‬ ‫املثقفني من الب�شر لنحو ‪� 300‬سنة‪ ،‬يف حني �أنه‬ ‫�أ�صبح م�صدر ًا للتقنية االقت�صادية منذ ‪150‬‬ ‫�سنة وح�سب»‪.‬‬ ‫وهذا يعطي داللة كبرية على ت�أخر الإن�سانية‬ ‫بل وبطء �شديد يف تطورها وتقدمها‪ ،‬وهناك‬ ‫ج��ان��ب �آخ��ر م��ن املع�ضلة حيث ال ميكن �أن‬

‫األمة التي تهدم‬ ‫ذاكرتها ‪ ..‬أمة أنانية‬ ‫تحرم أجيالها المقبلة‬ ‫من ضوء ماضيهم‬

‫يفهم كيف متكنت �أمم من التميز والتقدم‬ ‫يف ع��دة جم��االت كالبناء والت�شييد ب��ل ويف‬ ‫بع�ض اجل��وان��ب الطبية‪ ،‬ف�ض ًال عن اخ�تراع‬ ‫و�سائل لل�صيد البحري �أو مطاردة الفرائ�س‬ ‫يف الغابات‪ ،‬ومن ثم انهيار هذه الأمة واختفاء‬ ‫م�صادر قوتها والأدوات التي ا�ستخدمتها‪،‬‬ ‫وجميعنا يعلم على �سبيل املثال الأهرامات يف‬ ‫احل�ضارة الفرعونية حيث توجد عدة نظريات‬ ‫يف الكيفية التي مت بنا�ؤها‪ ،‬وال �شيء م�ؤكد‬ ‫يف ه��ذا الإط ��ار‪� ،‬أي�ض ًا ح�ضارات كالإغريق‬ ‫وال �ي��ون��ان وغ�يره�م��ا‪ ،‬حيث ك��ان��ت ت�ستخدم‬ ‫�إع�شاب وم�شروبات يتم ت�صنيعها من �أوراق‬ ‫�أ�شجار معروفة لديهم ملعاجلة �آالم البطن‬ ‫والتخفيف م��ن ال�صداع ومعاجلة الك�سور‪،‬‬ ‫ول�سعات الزواحف‪ ،‬وغريها كثري‪ ،‬وجميعها‬ ‫و�سائل عالجية مل تنقل �إلينا كاملة‪ ،‬وم�ضى‬


‫كل فكرة عظيمة‬ ‫خدمت البشرية كانت‬ ‫عمر طويل حتى عرفنا الكيفية التي تعد فيها في األساس حلم ًا‬ ‫هذه الأدوية‪ ،‬مبعنى كنا نقر�أ يف تاريخ �أمة‬ ‫من حققه العمل‬ ‫الأمم فنجد �أن املعالج الفالين قدم م�شروب ًا‬

‫لأحد املر�ضى فتم �شفا�ؤه‪� ،‬أو ق�صة تقول �إن‬ ‫جمذوم ًا كان على و�شك الوفاة و�صف له �أحد‬ ‫املعاجلني بع�ض الأع�شاب‪ ،‬وبعد �أن ا�ستخدمها‬ ‫لفرتة من الزمن بد�أت �صحته تتح�سن‪ ،‬لكننا‬ ‫ال جند و�صف ًا لهذه الأدوي��ة والأع�شاب‪ ،‬فهل‬ ‫هي خرافات �أو �أ�ساطري يتم ن�سجها لإبالغ‬ ‫الأمم الأخ ��رى �أن�ه��م �أك�ث�ر تفوق ًا وتقدم ًا؟‬ ‫ال �أح��د يعلم‪ .‬لكن من امل�ؤكد �أن اخلرافات‬ ‫والأ�ساطري كانت مهيمنة على تفكري وخيال‬ ‫وحياة الإن�سان الأول بل وحتى �إن�سان اليوم‬ ‫يف بع�ض الأرجاء‪ ،‬وجميعنا يعلم �أن اخلرافة‬ ‫تتعار�ض مت��ام � ًا م��ع العلم فاملجتمع ال��ذي‬ ‫تنت�شر فيه العلوم تنهزم فيه مبا�شرة اخلرافة‬ ‫وت�ضمحل‪� ،‬أما املجتمعات اجلاهلة فهي تغذي‬ ‫ق�صورها وتوا�ضع معرفتها باخلرافات التي ال‬ ‫ميكن �أن تبنى بوا�سطتها ح�ضارة �أو تقدم‪ .‬يف‬ ‫كتابة‪ ،‬الإن�سان احلائر بني العلم واخلرافة‪،‬‬ ‫حتدث الدكتور عبداملح�سن �صالح‪ ،‬عن هذا‬ ‫اجلانب‪ ،‬فقال‪� ":‬إن الدار�س لن�ش�أة املجتمعات‬ ‫الب�شرية‪ ،‬و�أمناط �سلوكها‪ ،‬و�ضروب �أفكارها‪،‬‬ ‫��س��وف ي�ضع ي��دي��ه على ح�صيلة هائلة من‬ ‫الأفكار الغريبة‪ ،‬والتقاليد املثرية‪ ،‬ومعظمها‬ ‫– بال �شك – قد نبع من تفاعل الإن�سان مع‬ ‫البيئة الطبيعية التي يعي�ش فيها‪ ...‬فلقد ر�أى‬ ‫الإن�سان القدمي مث ًال من ظواهر الطبيعة �أمور ًا‬ ‫حريته �أ�شد حرية‪ ،‬ف�أثارت خماوفه‪ ،‬و�شحذت‬ ‫خياله‪ ،‬ومن ثم فقد بد�أ يف ا�ستنباط تف�سريات‬ ‫تتالءم و�إدراك ��ه البدائي �أو الب�سيط‪ ،‬ومن‬ ‫هذه التف�سريات اخلاطئة للظواهر الكائنة‪،‬‬ ‫نبتت اخل��راف��ات‪ ،‬وترعرعت اخلزعبالت‪،‬‬ ‫وانت�شرت الأ�ساطري يف كل املجتمعات! ومن‬ ‫�أج��ل ه��ذا ال يرتاح رج��ل العلم كثري ًا لأم��ور‬ ‫الكرامات واملعجزات التي ينادي بها عامة‬ ‫النا�س‪� .‬إن الرا�سخني يف العلم يدركون متام ًا‬ ‫�أن كل �شيء يف الأر�ض ويف ال�سماء ي�سري على‬ ‫هدى �شرائع ال ا�ستثناءات فيها وال فو�ضى‪،‬‬ ‫ولو حدث اال�ستثناء لف�سد كل ما يف الأر�ض‬ ‫وال�سماء لكننا – واحلق يقال – ال نلحظ �إال‬

‫كل ما هو بديع ومنظم ومتقن وجميل‪ ،‬ولو‬ ‫جاءت املعجزات التي يتحدث بها النا�س يف‬ ‫هذا الزمان لت�ستثني من القوانني الطبيعية‬ ‫ب�شر ًا �أو خلق ًا �أو �أديان ًا �أو �شعوب ًا �أو �أجرام ًا‪،‬‬ ‫لكان معنى ذلك �أنها لي�ست قوانني �صامدة‪،‬‬ ‫وال �شرائع ج ��ادة‪ ،‬وه��ي – قطع ًا – لي�ست‬ ‫كذلك‪� ،‬إذ لي�س �أدل على �صحة ما نرمي هنا‬ ‫�إليه مما جاءت به هذه الآي��ة الكرمية «�سنة‬ ‫اهلل التي قد خلت من قبل‪ ،‬ولن جتد ل�سنة اهلل‬ ‫تبديال»‪ .‬والذي �أرمي له يف هذا ال�سياق‪ ،‬هو‬ ‫�أن املخطوطات واملدونات القدمية واملحفوظة‬ ‫حتى اليوم والتي نقر�ؤها ونعجب من كل ما‬ ‫حملته من �أن�ب��اء عن عالجات �أو مبتكرات‬ ‫ب�شرية يف ح�ضارة م��ا‪ ،‬من دون �شرح ونقل‬ ‫لهذه العالجات �أو ك�شف للطريقة والو�سيلة‪،‬‬ ‫ف�إن هذه قد تعد من ن�سج خيال الإن�سان‪ ،‬الذي‬ ‫يحاول �أن يبتكر ويقدم �شيئ ًا خمتلف ًا لواقعه‬ ‫القا�سي امل�ؤمل الذي يعي�شه مبزيد من الآمال‬ ‫والأح�لام‪ ،‬والإن�سان هو الكائن الوحيد كما‬ ‫ي�ؤكد العلماء يتمتع بعقل ميكنه اخليال‪� ،‬إال‬ ‫�أن �إجنازات هذه الأحالم كانت دوم ًا عظيمة‪،‬‬ ‫فكل فكرة خالقة وعظيمة خدمة الب�شرية‬ ‫كانت بدايتها حلم‪ ،‬ولعل �أهم �أحالم الإن�سان‬ ‫والتي حتققت‪ ،‬بل و�صارع لتحقيقها منذ مئات‬ ‫ال�سنني حتى اليوم هو حلمه بالطريان‪� ،‬أمل‬ ‫يحلم وه��و ي�شاهد الطيور حتلق يف ال�سماء‬ ‫�أن يكون مثلها وي�ستطيع التنقل ب�سهولة بد ًال‬ ‫من م�شقة �صعود اجلبال ونزول ال�سهول؟ �أمل‬ ‫يكن يحلم الإن�سان مبعانقة ال�سحب وال�سباحة‬ ‫يف الف�ضاء وهو يف كل ليلة يجل�س ال�ساعات‬ ‫الطويلة ينظر للنجوم وال�شهب؟ بل �إن �أحالم‬ ‫وذكاء الإن�سان جعلته متحرر ًا من قيود البيئة‬ ‫وحدود املكان‪ ،‬حر ًا �سيد ًا على هذا الكوكب‪،‬‬ ‫وهو اجلانب الذي حتدث عنه مطو ًال العامل‬ ‫الدكتور جاكوب برونوف�سكي‪ ،‬يف كتابه املفيد‬ ‫والرثي التطور احل�ضاري للإن�سان حيث قال‪:‬‬ ‫متتلئ كل املناظر اخللوية يف العامل بالتكيفات‬

‫امل�ضبوطة اجلميلة‪ ،‬التي ين�سجم بها احليوان‬ ‫م��ع بيئته فالقنفذ يظل نائم ًا ينتظر حلول‬ ‫الربيع ليتفجر ن�شاطه وميلأ احلياة‪ ،‬والطائر‬ ‫الطنان يظل ي�ضرب ال�ه��واء بجناحيه وهو‬ ‫�صوب منقاره الدقيق كابرة داخ��ل الأزه��ار‬ ‫امل��دالة‪ ،‬والفرا�شات حتاكي �أوراق النباتات‪،‬‬ ‫ب��ل وحت��اك��ي بع�ض احل �ي��وان��ات امل ��ؤذي��ة‪ ،‬كي‬ ‫تخدع املفرت�سات‪ ،‬ولكن الطبيعة – نق�صد‬ ‫التطور البيولوجي – مل ت�شكل الإن�سان ليتوافق‬ ‫مع بيئة بذاتها‪ ،‬حيث �إن جهازه ميكنه من‬ ‫التوافق داخل كل البيئات ومن بني هذه الوفرة‬ ‫من احليوانات التي تعدو‪ ،‬وتطري‪ ،‬وحتفر‪،‬‬ ‫وتعوم من حولنا‪� ،‬سنجد الإن�سان هو الكائن‬ ‫الوحيد الذي مل يحب�س داخل بيئته‪ ،‬فخياله‬ ‫ومنطقة وح��دة ذكائه وخ�شونته‪ ،‬كلها جتعله‬ ‫قادر ًا على �أال يقبل بيئته‪ ،‬و�أن يغريها‪ .‬وهذه‬ ‫ال�سل�سلة من االبتكارات التي �أعاد بها الإن�سان‬ ‫�صياغة بيئته على مر الع�صور هي ن��وع من‬ ‫التطور خمتلف‪ ،‬تطور لي�س بيولوجي ًا و�إمنا هو‬ ‫تطور ح�ضاري‪� .‬إن الإن�سان يتميز على غريه‬ ‫من احليوانات مبواهبه التخيلية‪� .‬أنه ير�سم‬ ‫اخلطط واالبتكارات واالكت�شافات اجلديدة‬ ‫ع��ن طريق جتميع ملكات خمتلفة‪ ،‬وت��زداد‬ ‫اكت�شافاته حذق ًا وذكاء وهو يتدرب على جتميع‬ ‫ملكاته بطريقة �أك�ثر تعقيد ًا وع�م�ق� ًا‪ .‬ول��ذا‬ ‫ف��إن االكت�شافات العظيمة للع�صور املختلفة‬ ‫واحل�ضارات املختلفة كلها تعرب يف تعاقبها عن‬ ‫اقرتان �أكرث ثراء وتعقيد ًا بني امللكات الب�شرية‪،‬‬ ‫عن ت�شابك مت�صاعد ملواهبه‪ .‬انتهى‪� .‬إننا ل�سنا‬ ‫بحاجة للخرافات لتغذي �أي نق�ص نعاين‬ ‫منه‪ ،‬ولنجعل �أحالمنا فعالة مفيدة‪ ،‬ولنبني‬ ‫بوا�سطتها ج�سر ًا للم�ستقبل ونكون مفيدين‬ ‫منتجني ملجتمعاتنا‪ ،‬وغني عن القول �إن �أي �أمة‬ ‫تخفي وتدمر �إجنازاتها وتلغي ذاكرتها وتهدم‬ ‫�إرث�ه��ا �أم��ة �أنانية ال تتمتع باحل�س الإن�ساين‬ ‫والب�صرية لترتك للأجيال التالية �ضوء ًا حقيقي ًا‬ ‫من املا�ضي لعله ير�شد وينري دروب احلا�ضر‬ ‫وامل�ستقبل‪ ،‬وي�ساعد يف البناء ورخاء الإن�سان‪،‬‬ ‫لذا نحن �أمة حتب املا�ضي وتراثها وتب�شر به‪،‬‬ ‫ولكن بعني حادة على امل�ستقبل وقلب مطمئن‬ ‫حمب للحا�ضر‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪76‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬


‫املحكي�شعرا ً‬ ‫ملف ال�شعر ال�شعبي‬

‫تتغري مالحمها لتنا�سب البيئة واملجتمع‬

‫قراءة في مدارس الشعر النبطي في اإلمارات‬ ‫حممد نور الدين‬ ‫ال يتفاعل ال�شاعر مع ق�صيدته كطرف مبعزل عن �أطراف �أخرى‪ ،‬وهي عادة املتلقي والناقد جمتمعني �أو منف�صلني‪ .‬وتختلف طريقة تفاعل‬ ‫ال�شاعر مع هذه الأطراف الثالثة‪ ،‬وعلى �أ�سا�سها تو�ضع لبنة الق�صيدة الأوىل‪ .‬ويعد ال�شاعر الطرف الأهم يف ت�شكيل الق�صيدة؛ فهو امل�ؤثر‬ ‫يو�سع من دائرة‬ ‫الأول واملت�أ ّثر الأول‪ ،‬بينما باقي الأطراف ال ت�ستطيع �أن ت�ؤثر بطريقة مبا�شرة يف الق�صيدة‪ ،‬لذلك يجب على ال�شاعر �أن ّ‬ ‫وال�شعر فن كباقي الفنون‪ ،‬ال ن�ستطيع �أن ن�ضع‬ ‫له قوانني وقواعد علمية ال تتغري مبرور الزمان‪،‬‬ ‫بل هي قواعد تتغري وتت�أقلم ح�سب الق�صيدة‬ ‫والظروف املحيطة بها ‪ -‬يتعامل بع�ض النقاد‬ ‫مع هذه القواعد كقواعد علمية ثابتة وين�ش�أ من‬ ‫ذلك مواجهة مبكرة مع �إبداع ال�شعراء‪.‬‬ ‫ت�أ�سي�س ًا على هذه الفكرة‪� ،‬سوف نعر�ض هنا يف‬ ‫باب املحكي �شعر ًا‪ ،‬على حلقات متتابعة‪� ،‬شرح ًا‬ ‫للمدار�س ال�شعرية املختلفة التي ن�ش�أت بفعل‬ ‫هذه امل�ؤثرات وتلك الظروف يف جمتمع دولة‬ ‫الإم��ارات العربية املتحدة‪ ،‬ن�ستهلها باملدر�سة‬ ‫التقليدية‪ ،‬تليها املدر�سة ال�شعورية‪ ،‬انتهاء‬ ‫باملدر�سة الواقعية‪.‬‬ ‫وق��د اعتمدنا يف ه��ذا الت�صنيف على حتليل‬ ‫قمنا ب��ه للن�صو�ص وال�ظ��واه��ر املختلفة منذ‬

‫بداية ال�شعر النبطي يف ا إلم ��ارات مع ق��راءة‬ ‫امل�شرتك بني تلك التجارب يف �إطارها التاريخي‬ ‫واملجتمعي‪ ،‬دون ادعاء حلتمية التم�سك بذلك‬ ‫الت�صنيف �إال يف ح��دود ما ر�أيناه الزم � ًا لهذا‬ ‫اجلهد التنظريي‪.‬‬

‫املدر�سة التقليدية‬

‫املدر�سة التقليدية هي املدر�سة الأدبية الأوىل‬ ‫التي ي�ش ّكل فيها ال�شاعر رابط َا قوي ًا مع املتلقني‪،‬‬ ‫وهذا ال يعني �أن ال�شاعر ال يهتم بالق�صيدة �أو‬ ‫النقاد‪ ،‬ولكنه ال يرتبط مع هذه الأطراف برابط‬ ‫يف قوة الرابط الأول‪ ،‬لذا ف�إن فعل الكتابة لدى‬ ‫ال�شاعر التقليدي يكون بهدف �إر�ضاء اجلمهور‬ ‫�أكرث من �إر�ضاء الذات �أو �إبداع ن�ص فني‪.‬‬ ‫الق�صيدة التقليدية هي الق�صيدة التي تهتم‬ ‫لإر�سال ق�صائدكم‪ ،‬م�شاركاتكم ومالحظاتكم‪:‬‬

‫الربيد الإلكرتوين‪turathmag1@gmail.com :‬‬ ‫الفاك�س‪009712 6582282 :‬‬

‫ب��ذوق املتلقي‪ ،‬لذا ف��إن ذوق وفل�سفة ال�شاعر‬ ‫احلقيقية ال تظهر �أغلب الأحيان يف الق�صيدة‪،‬‬ ‫فال�شاعر �إم��ا �إن��ه يتق ّم�ص دور ال�شخ�صية‬ ‫املقبولة يف جمتمعه مبا يعر�ض يف الق�صيدة‬ ‫من قيم و�أخالق وعادات وتقاليد �أو �إن دوره ال‬ ‫يتعدّى دور ال�شاهد واملب ّلغ يف �سياق الق�صيدة‪.‬‬ ‫فظهور املدر�سة التقليدية كان ب�سبب املجتمعات‬ ‫الب�سيطة التي ن�ش�أ ال�شعراء بها‪ ،‬فال�شاعر‬ ‫النبطي كان مبثابة قناة �إعالمية يف جمتمعه‬ ‫يقدّم نف�سه يف املجتمع املحيط به مبا�شرة‬ ‫وذلك يف اللقاءات االجتماعية كزيارة جمال�س‬ ‫كبار القوم �أو الأ�صدقاء �أو حتى يف دائرة عائلته‬ ‫ال�صغرية ويف املنا�سبات االجتماعية املختلفة‬ ‫كموا�سم الأف� ��راح و�أوق� ��ات العمل املختلفة‪.‬‬ ‫وهذا ما جعل ال�شاعر التقليدي مهتما بذائقة‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪78‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫متلقيه كون ا�ستمرار هذه القناة الإعالمية ‪� -‬أي‬ ‫ال�شاعر ‪ -‬مرهون بقبول الآخرين‪.‬‬

‫الناقد يف املدر�سة التقليدية‬

‫البدء مبا ي�شري �إىل �أن الق�صيدة قد ب��د�أت‪ ،‬وك��ذل��ك ال���ش��اع��ر ي�ع�ق��وب احل��امت��ي‪� ,‬سريته‬ ‫ومن �أ�شهر هذه الإ�شارات عبارة «يقول»التي ال و�أ�شعاره‪ ،‬ت�أليف �سلطان العميمي‪� ،‬ص ‪:41‬‬ ‫يزال ال�شعراء ي�ستخدمونها ال �إرادي ًا قبل �إلقاء يقول ْيعقوب احلامتي و ْلد يو�سف‬ ‫ق�صيدتهم‪ ،‬ولكنها كانت ت�ستخدم �سابقا يف‬ ‫�أب���ي���ات ���ش��ع��ر ٍ م ال���ّ��ض��م�ير امتثالها‬ ‫بداية الق�صيدة ولي�س قبل �إلقاء الق�صيدة‪،‬‬ ‫و�أغلب الظن �أن �سبب ذلك هو �أن ال�شاعر كان ون���ش��أة ه��ذه ال�ظ��اه��رة رمب��ا ت�ك��ون ب�سبب علو‬ ‫يبد�أ ق�صيدته مبقدمة �أو حوار مع املتلقني قبل �ش�أن ال�شاعر يف جمتمعه و�إ�صرار مريديه على‬ ‫البدء بالق�صيدة‪ ،‬ويريد �أن يف�صل بهذه الإ�شارة اال�ستماع �إليه �أو ًال‪ ،‬وندرة وجود ال�شعراء �أو تدنيّ‬ ‫ب�ين الق�صيدة وم��ا �سبقها‪ ،‬وق��د ا�ستخدمت م�ستواهم ال�شعري ثاني ًا‪ ،‬ومن ال�صعب التحقق‬ ‫�أ�ساليب عديدة يف هذا ال�صدد منها حني يبد�أ من هذه الت�أويالت لندرة الأخبار ال��واردة �إلينا‬ ‫ال�شاعر بتقدمي ق�صيدته م��ن خ�لال تقدمي عن تفا�صيل جمتمع الإمارات يف الفرتة الزمنية‬ ‫نف�سه يف البيت الأول كما درج ال�شاعر املاجدي التي عا�ش فيها ال�شاعران ال�سابقان‪ ،‬ولكن البيت‬ ‫بن ظاهر ‪ -‬تراثنا من ال�شعر ال�شعبي‪ ،‬جمع التايل لل�شاعر يعقوب احلامتي ا�ستدالل منا�سب‬ ‫وحتقيق حمد بو�شهاب‪� ،‬ص ‪:16‬‬ ‫يو�ضح �أن ال�شاعر الكبري مل يكن ليلقي ق�صيدته‬ ‫ي����ق����ول امل������اي������دي �أب������ي������ات ���ش��ع��ر‬ ‫قبل �أن يلحظ اهتمام م�ستمعيه –املرجع ال�سابق‪:‬‬

‫و�أما الناقد فكانت ذائقته الفنية غري مكتملة‬ ‫يف تلك الفرتة وكانت حتاكي ذائقة املتلقي لذا‬ ‫ف�إنه من ال�صعب �أن نقول �أن هناك رابط ًا قوي ًا‬ ‫بني ال�شاعر والناقد يف من�ش�أ املدر�سة التقليدية‪،‬‬ ‫ويكفي القول �إن املتلقي كان ي�أخذ دور الناقد‬ ‫يف تقييم الق�صيدة‪ ،‬وال�شاعر الأقل معرفة من‬ ‫املتلقني ال يرتقي �إىل م�ستوى �شاعر يف املجتمع‪،‬‬ ‫ف��ال���ش��اع��ر يف املجتمع ال�ت�ق�ل�ي��دي �شخ�صية‬ ‫حمرتمة يقدره جميع النا�س وله مكانة حمفوظة‬ ‫عند كبار قومه وال يحظى بهذه امل�ي��زات �إال‬ ‫بعد �إب��رازه موهبته احلقيقية وتقدميه الأدب‬ ‫الر�صني املالئم لطبيعة املجتمع املحافظ على‬ ‫ي�����������داد اجل������ي������ل ع�����������دالت امل�����ب�����اين‬ ‫الثوابت االجتماعية املتوارثة‪ .‬وملا كان ال�شعراء‬ ‫التقليديون ينطلقون من نف�س الر�ؤية‪ ،‬نالحظ‬ ‫�أن الق�صيدة التقليدية لها �سمات م�شابهة الشاعر النبطي‬ ‫و�سنحاول هنا �أن نعر�ض باخت�صار بع�ض مالمح التقليدي كان قناة‬ ‫هذه املدر�سة‪.‬‬

‫إعالمية في مجتمعه‬ ‫واستمراره كان مرهون ًا‬ ‫الإ�شارة �إىل البداية‬ ‫من الأ�ساليب التي انتهجها ال�شعراء الأقدمون بقبول اآلخرين لما‬ ‫ينتجه وتماشيه مع‬ ‫نموذج قيمهم‬

‫جاوبت من ي�صغي جليل ْمعنايه‬ ‫وال حلد م النا�س �أنبي وال ا�صطاخ‬

‫ورمب��ا تكون البداية بذكر ال�شاعر افتخار ًا‬ ‫باملقدرة ال�شعرية‪ ،‬كما �أ��ش��ار ع��دد كبري من‬ ‫الباحثني‪ ،‬واختفت ه��ذه الظاهرة ومل يهتم‬ ‫ال�شعراء بعد ذل��ك بافتتاح ق�صائدهم بهذا‬ ‫الأ�سلوب كثري ًا‪ ،‬رمبا لعدم تق ّبل اجلمهور هذا‬ ‫الأ�سلوب منهم‪ ،‬ون�ستطيع �أن ن�ستثني بع�ض‬


‫ال�شعراء الكبار الذين �أتوا الحق ًا ومنهم مبارك‬ ‫العقيلي حني بد�أ ق�صيدته نا�صح ًا بهذا الأ�سلوب‬ ‫ تراثنا من ال�شعر ال�شعبي‪ ،‬جمع وحتقيق حمد‬‫بو�شهاب‪� ،‬ص ‪:16‬‬

‫قال العقيلي يف تراكيب االب��داع‬ ‫�أم���ث���ال ت���ط���رب يف امل��ل�ا ك���� ّل واع���ي‬ ‫من �ضامر من �صلو نار جوى ماع‬ ‫وي����ا وي����ل ق���ل���بٍ ح���ل ف��ي��ه ال��ت��ي��اع��ي‬ ‫وكما �أ�شرنا �سابقا �سوا ًء كان ذلك لبيان علو‬ ‫�ش�أن ال�شاعر �أو افتخاره مبقدرته ال�شعرية ف�إن‬ ‫ال�شاعر ال يذكر ا�سمه يف بداية الق�صيدة �إال‬ ‫بعد معرفة عميقة مب�ستمعيه‪ ،‬وال�شاعر مبارك‬ ‫العقيلي �شاعر كبري ويكفي م�ستواه العلمي‬ ‫الرفيع؛ فهو معلم ومطوع معروف‪ ،‬كي يخاطب‬ ‫املجتمع بفل�سفته اخلا�صة كما يف الق�صيدة‬ ‫ال�سابقة‪ ،‬وي�ضمن تق ّبل من ي�ستمع �إليه‪.‬‬ ‫ومن �أ�ساليب ال�شعراء يف املدر�سة التقليدية يف‬ ‫الإ��ش��ارة �إىل بدء ق�صائدهم جند ا�ستخدام‬ ‫�أ� �س �ل��وب ال �ن��داء يف مطلع الق�صائد وذك��ر‬ ‫�وج��ه من‬ ‫املخاطب �أي���ض� ًا‪ ،‬وه�ن��ا اخل�ط��اب م� ّ‬ ‫ال�شاعر جويهر بن عبود �إىل �إن�سان �آخر وقد‬ ‫��ص��رح با�سمه _وه��و �سيده ب��الأح��رى_‬ ‫وع��ادة ما يكون ذك��ر املخاطب ل�شد انتباهه‬ ‫وهذا ما يريده ال�شاعر من مطلع ق�صيدته كي‬ ‫يبد�أ رحلة املو�ضوع مع امل�ستمعني كما بد�أه مع‬ ‫خماطبه ‪� -‬أعذب الألفاظ من ذاكرة احلفاظ‪،‬‬ ‫جمع وحتقيق حماد اخلاطري‪� ،‬ص ‪:202‬‬

‫القصيدة التقليدية‬ ‫تهتم بذوق المتلقي‬ ‫أكثر من ذوق وفلسفة‬ ‫الشاعر الحقيقية‬ ‫والشاعر التقليدي‬ ‫يتقمص دور الشخصية‬ ‫ّ‬ ‫المقبولة في مجتمعه‬ ‫ل��������و ب����ي����ح���������ص����ل يف �أي���������������ام ق����ف����ال‬ ‫ي������ا خ����ال����ق����ي ل������و جت���ع���ل���ه ����ص���وخ‬ ‫ري�������������ض������ه ي������ل���ي��ن ْي��������ه�������� ّل ال������ه���ل��ال‬ ‫����ص���ادوك ���ص��ي��دة ط�ي�ر يف ْف��خ��وخ‬ ‫ي�������ا احل�������امت�������ي غ�����������زالن االط����ل����ال‬ ‫���س��ي��ف ال���ه���وى ي���ا ن���ا����س م�����ش��روخ‬ ‫ح��������������������دّه ول�������ل�������ع���������������ش�������اق ق�������� ّت��������ال‬ ‫م����ن م���وج���ن���ات ٍ م��ث��ل م����ا اجل����وخ‬ ‫ح������ل������و امل�������ق������� ّف�������ى زي�����������ن االق�������ب�������ال‬ ‫نالحظ كيف ح��اول ال�شاعر خماطبة اجلمع‬ ‫بدل املفرد بالإ�ضافة �إىل �شكواه �إىل اخلالق يف‬ ‫�سبيل جلب انتباه املتلقي �إىل مو�ضوع الق�صيدة‪،‬‬ ‫وهكذا د�أب ال�شعراء على بدء ق�صائد كثرية‬ ‫بالنداء �سواء كان املخاطب �إن�سان ًا �أو عن�صر ًا‬ ‫من عنا�صر الطبيعة كما يف املثال التايل لل�شيخ‬ ‫خليفة بن �شخبوط �آل نهيان حني يخاطب هبوب‬ ‫الكو�س ‪�-‬أع��ذب الألفاظ من ذاكرة احلفاظ‪،‬‬ ‫جمع وحتقيق حماد اخلاطري‪� ،‬ص ‪:145‬‬

‫ي�������������ا ك�����������و������������س ي�������������ا دعّ�����������اب�����������ي‬ ‫ي���������ا ب���������ن ح������م������د ي���������ا � ْ������س������ن������ادي‬ ‫�������������ص������������ ّل������������ب ه����������������������������واك ون�����������������اح‬ ‫رخ���������������������ص����������ه ق���������������ل يل م��������ب��������اح‬

‫وال�ن��داء �أداة ل�شد انتباه املتلقني‪ ،‬ف ��إذا كان‬ ‫امل��و��ض��وع ع��ام � ًا ف ��إن��ه ي�ستوجب �أن يخاطب‬ ‫جميع النا�س‪ ،‬ولكن ال�شاعر يعقوب احلامتي‬ ‫يف املطلع التايل يريد جذب انتباه �أكرث عدد‬ ‫من املتلقني با�ستخدام هذا الأ�سلوب‪ ،‬و�إن كان‬ ‫ي�ستطيع �إيراد املعنى مبخاطب مفرد ‪ -‬يعقوب‬ ‫احل��امت��ي �سريته و�أ� �ش �ع��اره‪ ،‬ت��أل�ي��ف �سلطان‬ ‫العميمي‪� ،‬ص ‪:142‬‬

‫ي������ا ن�����ا������س ه��������ذا ولمْ �����ش����م����روخ‬

‫�أو خماطبة املحبوب ب�أحد رم��وز الطبيعة‬ ‫كما يخاطب ال�شيخ خليفة بن �شخبوط �آل‬ ‫نهيان يف املثال التايل حمبوبه با�ستعارة‬

‫في المدرسة التقليدية‬ ‫يكون فعل الكتابة لدى‬ ‫الشاعر مرتبط ًا بهدف‬ ‫إرضاء الجمهور أكثر من‬ ‫إرضاء الذات أو إبداع‬ ‫نص فني‬

‫ت�صريحية وي�شري �إىل كرب �سن املحبوب –‬ ‫ال�سابق �ص ‪:137‬‬

‫ي������������ا ع����������������ود ري����������ت����������ك ه������اي������ف‬ ‫وم���������ن���������ك � ْ�������س�������م�������ط�������ت الوراق‬ ‫ب����������ون����������ك م����������ظ���������� ّل ون��������اي��������ف‬ ‫وك���������������ل ق��������ل��������ب ل������������ك م�����������ش�����ت�����اق‬ ‫ت��������زه��������و ْب����������ف����������رع و������ص�����ن�����اي�����ف‬ ‫وم�������������ق�������������ي�������������ل ل���������ل���������ع���������� ّ���������ش���������اق‬ ‫دامي م�������������������زار ال ّ‬ ‫��������ط��������اي��������ف‬ ‫وامل����������ن����������ت����������ه����������ى الأ�������������������ش������������������واق‬ ‫خ��������������ذ م����������ن����������ي ب��������احل����ل���اي��������ف‬ ‫وف�����������������������وق ال���������ع���������ه���������د م������ي������ث������اق‬ ‫م���������ا �أرم���������������������س ب���������ك خ��ل��اي�����ف‬ ‫ل����������������و ي���������������������س����������ت����������وي ل�����������ف�����������راق‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪80‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫البداية بالرتحيب‬

‫‪2012‬‬

‫وال تقت�صر الإ�شارة �إىل بدء املو�ضوع با�ستخدام‬ ‫�أ�سلوب النداء والدعاء فهناك �أي�ضا الرتحيب‪،‬‬ ‫وه��ي ع ��ادة دارج���ة ب�ين ال���ش�ع��راء وك�ث�ر هذا‬ ‫اخلطاب املبا�شر يف ق�صائد امل�شاكاة واملردة‬ ‫�أو حني يكون �صلة املخاطب وثيقة مبو�ضوع‬ ‫الق�صيدة كما يف الرد التايل لل�شيخ �صقر بن‬ ‫خالد القا�سمي على ق�صيدة حمد بن �سرحان‬ ‫–ال�سابق �ص ‪:263‬‬ ‫ال�شيخ بطي بن �سهيل‬

‫ال�شيخ �سلطان بن �صقر‬

‫ي���������ا ل����ي����ن حت���������ط ال���������ص����ق����اي����ف‬ ‫ع���������������ش�������ر ٍ ع��������ل��������ى الأط������������ب������������اق‬ ‫ي������������������وم ْرك����������������اب����������������ي زالي��������������ف‬ ‫واغ���������������وي���������������ت يف ال�������ت�������ح�������ق�������اق‬ ‫م�����������ا ع������ي������ن������ي يف اخل������ف������اي������ف‬ ‫وال ا����������ص���������اح���������ب اال���������ص��������ف��������اق‬

‫رب ي���ا م���ن ك��� ّل خ��ل��ق��ه ت�ساله‬ ‫ي���ا ّ‬

‫ونالحظ �أن ال�شاعر حني يعود يف الأبيات الثاين‬ ‫والثالث والرابع �إىل عهد ال�شباب ي�ستمر يف‬ ‫ا�ستعاراته الت�صريحية امل�أخوذة من الطبيعة‬ ‫لي�ضمن بذلك ا�ستمرار تفاعل املتلقي‪.‬‬

‫االبتهال �إىل اهلل‬

‫��ل�ا و���س��ه ً‬ ‫�أه ً‬ ‫�لا ع��� ّد م��ا ���س��اي��لٍ �سال‬ ‫�أو ع����� ّد م����ا ب�����رق ٍ ل���ظ���ى يف خم��اي��ل��ه‬

‫يا كا�شف الأك���راب يا مف ّرج ال�ضيج �أو الرتحيب بالق�صيدة القادمة �إليه و�شاعرها‬ ‫كما يف املثال التايل لل�شاعر حمني ال�شام�سي –‬ ‫وال��دع��اء يف املجتمع الإ�سالمي لفظ دارج ال�سابق �ص ‪:116‬‬ ‫يف احل��وار اليومي ويعد ا�ستذكار ًا لوجود ي���اين ال��ك��ت��اب وح���ي ذاك الكتابي‬ ‫ح����ي ال���ك���ت���اب وح�����ي م����ن ه����و ك��ت��اب��ه‬ ‫اخل ��ال ��ق ال� �ق ��ادر ع �ل��ى ك ��ل � �ش��ي يف �أك�ث�ر‬ ‫احل��االت‪ ،‬و أ�م��ا ال��دع��اء يف ال�صالة وباقي فكيت ختمه وانتظرت اجلوابي‬ ‫الفرائ�ض الدينية فيعد حوار ًا مبا�شر ًا بني‬ ‫ن��ع��م اجل�����واب ون��ع��م م���ن ه���و ج��واب��ه‬ ‫امل�خ�ل��وق وخ��ال�ق��ه يطلب ال�ع�ف��و وال�سالمة م��� ّ‬ ‫��س��ط��ر ٍ م���ن م���دم ٍ���ي ل��ل��ح��راب��ي‬ ‫والتوفيق‪ ،‬و�أما الدعاء يف مطلع الق�صيدة‬ ‫�����ش����ي ٍ����خ �أب����و�����ش����اه��ي�ن ج�����ي�����دوم الب����ه‬ ‫ف�إنه ي�ضفي على الق�صيدة جو ًا من ال�سكينة‬ ‫وي���ش��د ان�ت�ب��اه املتلقي وه ��ذا بال�ضبط ما �شد ال�ضعن‬ ‫يرجوه ال�شاعر من مطلع ق�صيدته ويحقق ومن �أ�شهر الإ�شارات ببدء الق�صيدة هي البدء‬ ‫له الهدف الذي ين�شده دائما كما �أ�شرنا يف‬ ‫مبو�ضوع �شد ال�ضعن‪ ،‬وهي �إ�شارة م�ؤثرة �أكرث‬ ‫الفقرات ال�سابقة حني كان ي�شري �إىل بدء‬ ‫م��ن �سابقتها ك��ون��ه ي�شري �إىل احل��رك��ة وه��ذه‬ ‫الق�صيدة‪ ،‬وهنا مثال �آخر لل�شيخ �صقر بن‬ ‫الإث��ارة احلركية ت�ضيف �إىل الق�صيدة �أج��واء‬ ‫خالد القا�سمي‪�-‬ص ‪:270‬‬ ‫�أك�ثر جاذبية‪ ،‬ل��ذا ف ��إن امل�ستمع ي�ستقر على‬ ‫اهلل يا م�شكاي يف ك ّل مطلوب‬ ‫اال�ستماع �إىل الق�صيدة كما ي�ستقر الراكب‬ ‫ي�����ا واح���������دٍ ك�����ل اخل��ل��اي�����ج ت�����س��ال��ه‬ ‫على الإبل للتنقل واملثال التايل ل�شاعرنا ال�شيخ‬ ‫يامنتهىالراجيومنفيهمرغوب‬ ‫خليفة بن �شخبوط �آل نهيان ‪� -‬أعذب الألفاظ‬ ‫ّ‬ ‫يا ذا اجلالل اللي تعال جالله م��ن ذاك� ��رة احل��ف��اظ‪ ،‬ج�م��ع وحت�ق�ي��ق حماد‬ ‫اخلاطري‪� ،‬ص ‪:143‬‬

‫مل ي�ترك ال�شعراء يف امل��در��س��ة التقليدية‬ ‫الإ�� �ش ��ارة �إىل ب��دء ال�ق���ص�ي��دة وان�ت�ه�ج��وا‬ ‫�أ�ساليب �أخ��رى تر�سخت يف الأذه��ان حتى‬ ‫�صارت ت�شري �إىل بداية الق�صيدة كاالبتهال‬ ‫�إىل اهلل �سبحانه وتعاىل يف الأمثلة التالية‬ ‫التي ي�ستعني فيها ال�شاعر ب�أ�سلوب النداء‬ ‫ال���ذي ورد ��س��اب�ق��ا ك�م��ا يف امل �ث��ال ال�ت��ايل‬ ‫لل�شاعر حمني ال�شام�سي ‪ -‬تراثنا من ال�شعر‬ ‫ال�شعبي‪ ،‬جمع وحتقيق حمد بو�شهاب‪� ،‬ص‬ ‫ذائقة الناقد الفنية‬ ‫‪:164‬‬

‫لم تكن مكتملة في‬ ‫رب ي��ا ع���امل خ��ف�� ّي��ات ال���س��رار‬ ‫ي��ا ّ‬ ‫جتعل لنا �سمك ال�����س��م��اوات م��درار المرحلة التقليدية‬ ‫وكانت تحاكي ذائقة‬ ‫ومثال �آخر لل�شيخ بطي بن �سهيل –ال�سابق المتلقي الذي كان‬ ‫�ص ‪:234‬‬ ‫يلعب دور الناقد في‬ ‫تلك المرحلة‬

‫ق�������������م ر ّد يل ي�������������ا ��������ش�������امي‬ ‫�������������ش������������ق������������را ط������������وي������������ل������������ة ب������������اع‬ ‫������������ب ْت��������������������زامي‬ ‫يل ب������������امل������������خ ّ‬ ‫ت����������دع����������ي اجل������������دي������������ل �أق����������ط����������اع‬ ‫ل����������و م����������ا اح����������ات����������ي ال���������ل���������وامي‬ ‫و ادراي م ال��������� ّ��������ض��������ي��������اع‬


‫����������ش��������� ّع ال���������ب��������رق و��������س�������ن�������ا ب����ي‬ ‫ب���������ي��������ن عْ ��������������ت��������������ب��������������ات ال������������ب������������اب‬ ‫��������ش�������ور ال������ع������ج������وز �أ������س�����ب�����اب�����ي‬ ‫ّ‬ ‫ال ج����������������ز َي����������������ت ب������������ال������������ث������������واب‬ ‫خ����������� ّل�����������ت زي�����������������ن احل�������ج�������اب�������ي‬ ‫ع�����������ن�����������ي ال�����������ت�����������ج�����������ى م�������ت�������ه�������اب‬

‫خليفة الكتبي‬

‫مبارك العقيلي‬

‫الشاعر في المجتمع‬ ‫التقليدي شخصية‬ ‫محترمة يقدره الناس‬ ‫ومكانته عند قومه‬ ‫مرهونة بإبرازه موهبته‬ ‫وتقديمه ما يالئم طبيعة‬ ‫المجتمع وموروثاته‬

‫ال اخ��������ل��������ي��������ه��������ن ق���������������س�������امي‬ ‫ه���������ج���������ن���������ي ع����������ل����������ى امل�������������ف�������������زاع‬ ‫ل��������ي�������ن ْت�������������ب������ي������ن ال�����������ع�����ل�����امي‬ ‫وي����������ق����������اب����������ل����������ن����������ي ال���������������� ّرف����������������اع‬ ‫وان���������������ص�������ى ن���������ا� ٍ���������س ح���������ش����امي‬ ‫م�������������ا خ��������������� ّرب���������������وا الأ�����������س����������ن����������اع‬ ‫يف ْم�����������������ش��������اه��������ده��������م ن������ع������امي‬ ‫ويف ب�����������ع�����������ده�����������م الوج���������������������اع‬ ‫ح����������ذري����������ن ْم�������������ن ال������� ّت�������ه�������امي‬ ‫البدايات حجاب للم�شاعر‬ ‫وم�����������������ت�����������������ورث��������ي��������ن اط�������������ب�������������اع ورمب��ا تكون ه��ذه البدايات التقليدية‪ ،‬كما‬ ‫فاختيار الهجن الأ�صيلة والتوجه �إىل املخاطب‬ ‫دليل على علو قدر املخاطب وعزمية ال�شاعر‬ ‫وبيان حتمله امل�شقة �أو ا�ستعداده لبذل اجلهد‬ ‫والبدء بهذا الأ�سلوب عادة يكون جللب انتباه‬ ‫خماطب ال�شاعر �أو حمبوبه‪.‬‬

‫البدء بطلب �أدوات الكتابة‬

‫وك�ثر ا�ستخدام البدء بطلب �أدوات الكتابة‬ ‫كذلك من قبل �شعراء املدر�سة التقليدية وهو‬ ‫عادة ما يكون دليال على االهتمام وبيان م�شاعر‬ ‫و�أحا�سي�س ال�شاعر كما يف املثال التايل لل�شاعر‬ ‫يعقوب احل��امت��ي ‪ -‬يعقوب احل��امت��ي �سريته‬ ‫و�أ�شعاره‪ ،‬ت�أليف �سلطان العميمي‪� ،‬ص ‪:106‬‬

‫اب���ري يل را����س القلم وان��ه��ي بعد‬ ‫ي����ا ن���دي���ب���ي ه�����ات ب�����س��ج��ل م����ع م����داد‬ ‫�أه���ج���ي ك��ي��ف ه��ي��ج��ن��ي��ه وا���س��ت��م��د‬ ‫يف ب�����ح�����ور ٍ ج�����ان�����ي�����اتٍ ب����ال����� ّ����س����واد‬

‫�أ�سلفنا‪� ،‬إ��ش��ارات ل�شد انتباه املتلقي‪ ،‬كون‬ ‫ال�ق���ص��ائ��د ك��ان��ت ت�ل�ق��ى م �ب��ا� �ش��رة وحت�ق��ق‬ ‫االن�ط�ب��اع الإي�ج��اب��ي ال��ذي ين�شده ال�شاعر‬ ‫قبل خو�ضه غمار املو�ضوع من ناحية‪ ،‬ومن‬ ‫ناحية �أخ ��رى تعد ه��ذه ال�ب��داي��ات حجاب ًا‬ ‫يخفي خلفه ال�شاعر امل��و��ض��وع الرئي�سي‬ ‫ك��ون املجتمع املحافظ يلتزم ال�شاعر فيه‬ ‫ب��ال�ت���ص��ري��ح غ�ير امل�ب��ا��ش��ر ع��ن م���ش��اع��ره‬ ‫الداخلية وب��ال��ذات يف املوا�ضيع العاطفية‬ ‫مراعاة جلميع فئات املتلقني ال�س ّن ّية حيث‬ ‫ي��أخ��ذ ال�صغري ظاهر ال�ق��ول بينما ي�صل‬ ‫الكبار �إىل مق�صد ال�شاعر بعد عبورهم‬ ‫املعنى الظاهري‪ ،‬ون�ستطيع �أن ن�أخذ مطلع‬ ‫ق�صيدة«ياعود ريتك هايف» املذكورة �آنفا‬ ‫كدليل على ذل��ك وه�ن��ا �أي���ض��ا م�ث��ال �آخ��ر‬ ‫لل�شاعر جويهر بن عبود ‪� -‬أعذب الألفاظ‬ ‫م��ن ذاك��رة احل�ف��اظ‪ ،‬جمع وحتقيق حماد‬ ‫اخلاطري‪� ،‬ص ‪:143‬‬

‫ومل يق�صد ال�شاعر هنا نور ًا غري نور حمبوبه‬ ‫حني فتح الباب له ولكن ال�شاعر �أتى باملعنى يف‬ ‫قالب ا�ستعارة ت�صريحية «ملحبوبه» يف البيت‬ ‫الأول ومل ي�ستمر با�ستعارة ت�صريحية �أخرى‬ ‫«للعجوز» يف البيت الثاين كي يف�صح عن املعنى‬ ‫ومل يتوغل يف ترميز الق�صيدة �أكرث من ذلك‪.‬‬

‫�أ�سلوب الألفيات‬

‫وهناك �أ�ساليب �أخرى �أبدعها الأقدمون وباتت‬ ‫ت�شري �إىل �أن الق�صيدة قد بد�أت ومنها الق�صائد‬ ‫املبنية على �أ�سلوب الألفيات بذكر �أول حروف‬ ‫الهجاء‪ ،‬و�إذا كان البدء بركوب الهجن �إ�شارة‬ ‫�إىل احلركة ف�إن الألفيات ت�شري �إىل االنتظام‬ ‫والتتايل كما يف املثال التايل لل�شاعر �أحمد‬ ‫بو�سنيدة ‪� -‬أحمد بو�سنيده حياته و�أ�شعاره‪،‬‬ ‫ت�أليف �سلطان العميمي‪� ،‬ص ‪:206‬‬

‫�أل����ف ٍ �أول�����ف يف ه���وا دار ِم ال��ي��اه‬ ‫يف ����ش ّ���ف غ���� ٍّر ب�ي�ن اال����ض�ل�اع م��ل��ي��اه‬ ‫يف �شف غر ٍّ بني الأ�ضالع ملياه‬ ‫م���اين ب��ت��ارك م��ن ب��غ��ى ال��ق��ل��ب ملياه‬ ‫البا ب��داين الهم والقلب م�سلوب‬ ‫ل��ف��راق غ�� ٍّر �ضامر اخل�صر م�سلوب‬ ‫ثرمنيلومالليمنالعقلم�سلوب‬ ‫الع�شق �صعب ويلحق القلب ماذاه‬

‫وهذا النظام املتّبع يف الألفيات ي�ضمن معرفة‬ ‫املتلقي بداية الق�صيدة وكذلك قرب نهايتها‪،‬‬ ‫�إال �أنه ال ي�ضمن تفاعل املتلقي طوال الق�صيدة‬ ‫بالرغم �أن �شاعرها �أراد بهذا الأ�سلوب �أن‬ ‫ي�ضمن ذلك‪ .‬فحروف الهجاء التي تربوا على‬ ‫الع�شرين حرف ًا حتتاج �إىل �شاعر متمكن من‬ ‫�أدوات��ه يتناول حرف ًا بعد �آخر ب�صورة ال تبعث‬ ‫على امللل ل��ذا ف ��إن االل�ف�ي��ات ع��ادة م��ا تكون‬ ‫لإظهار املقدرة ال�شعرية‪.‬‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪82‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫البدء بدوران عجلة ال�شعر‬

‫البدء بدوران عجلة ال�شعر كناية عن بداية رحلة‬ ‫الق�صيدة هو �أ�سلوب �أي�ضا من �أ�ساليب �إ�ضفاء‬ ‫احلركة على الق�صيدة لزيادة عن�صر الإثارة‬ ‫جللب انتباه املتلقي كما يف الهجائية التالية‬ ‫لل�شاعر �أحمد بو�سنيدة ‪� -‬ص ‪:206‬‬

‫دار دوالب ال�����ش��ع��ر م��ن عا�صفات‬ ‫ق���م���ت ادي�������ره وا����س���ت���دي���ره ب ْ���ح���رك���ات‬

‫ويف ه��ذه الق�صيدة مل يتوقف بو�سنيدة عن‬ ‫الهجاء حتى بعد انتهاء الق�صيدة كما ت�شري‬ ‫الأب �ي��ات الأخ�ي�رة حيث انتهى بال�صالة على‬ ‫الر�سول الكرمي ولكنه عاد �إىل مطلع الق�صيدة‬ ‫مرة �أخ��رى �إ�شارة �إىل نف�سه ال�شعري الطويل‬ ‫وا� �س �ت �ع��داده امل�ت��وا��ص��ل ب�ت��وا��ص��ل احل��رك��ة يف‬ ‫الق�صيدة وعدم توقف الق�صيدة يف «مت» بالرغم‬ ‫من انتهائها‪:‬‬

‫مت قويل والف �ص ّلي على الر�سول‬ ‫����ي ٍ وال���ب���ت���ول‬ ‫و�آت�����ر� ّ�����ض�����ى ع�����ن ع����ل ّ‬ ‫واحل�����س��ي��ن�ين ٍ ع����دد ح����اد ٍ ي��ق��ول‬ ‫دار دوالب ال�����ش��ع��ر م����ن ع��ا���ص��ف��ات‬

‫الإ�شارة �إىل نهاية الق�صيدة‬

‫درج ر ّواد املدر�سة التقليدية على الإ�شارة �إىل‬ ‫انتهاء الق�صيدة بال�صالة على خامت الأنبياء‬ ‫حممد عليه �أف�ضل ال�صالة يف �أغلب الأحيان‬

‫فكما نالحظ ف�إن ال�شاعر قد �أنهى مو�ضوعه‬ ‫قبل البيت الأخ�ير ولكنه و�ضع البيت الأخ�ير‬ ‫كعالمة لنهاية الق�صيدة‪ ،‬ويعود �سبب ذلك �إىل‬ ‫�أهمية الدين يف املجتمع �أكرث من �أهميته لدى‬ ‫ال�شاعر‪ ،‬فال�شاعر يف املدر�سة التقليدية يختم‬ ‫ق�صيدته بهذا الأ�سلوب ل�سببني مهمني �إما �أن‬ ‫يكون ت�أكيد ًا على التزامه بالثوابت االجتماعية‬ ‫كي يقنع املتلقي �أن��ه مل يخرج من �سياق هذه‬ ‫الثوابت �أو �أن يكون مبثابة �إبراز ح�سن نيته يف‬ ‫املعاين الواردة يف �سياق الق�صيدة كي ال ت�ؤخذ‬ ‫مبعنى خارج عن الثوابت االجتماعية‪.‬‬ ‫ولهذه الأ�سباب �أي�ض ًا وردت نهايات �أخرى يطلب‬ ‫ال�شاعر فيها ال�سماح من خماطبه كظاهرة‬ ‫�شاعت يف ق�صائد كثرية وبالذات يف املدر�سة‬ ‫الرومان�سية التي �أت��ت بعد املدر�سة التقليدية‬ ‫ولكنها ال تعد نقطة ت�شري �إىل نهاية للمو�ضوع‬ ‫بل قد تكون نهاية املو�ضوع واملثال التايل لل�شاعر‬ ‫علي بن قنرب منوذج لذلك‪ ،‬علي بن قنرب‪ ،‬حياته‬ ‫و�شعره‪ ،‬جمع و�إعداد �سلطان العميمي‪� ،‬ص ‪:251‬‬

‫دأب الشعراء على‬ ‫بدء قصائدهم بالنداء‬ ‫سواء كان المخاطب‬ ‫إنسان ًا أو عنصر ًا من‬ ‫عناصر الطبيعة في‬ ‫ي�����ا زي�������ن �����س����ام����ح واك�����ت�����م ال�����س��د‬ ‫سبيل جلب انتباه‬ ‫وال�������ل�������ي �����س����ل����ف ه������������ذاك م�����ذخ�����ور‬ ‫المتلقي إلى موضوع‬ ‫القصيدة‬ ‫الإ�شارة �إىل املا�ضي‬ ‫وهي �إ�شارة �إىل �أن ال�شاعر قد قطع �شوط ًا كبريا‬ ‫من نقطة البداية �إىل نقطة النهاية والأمثلة على‬ ‫ذلك كثرية ومنها للماجدي بن ظاهر‪ ،‬تراثنا‬ ‫من ال�شعر ال�شعبي‪ ،‬جمع وحتقيق حمد خليفة‬ ‫بو�شهاب‪ ،‬ج‪� ،1‬ص ‪:22‬‬

‫وط�����اب ال���ن���وم م���ن ع��ق��ب ال��ه��م��وم‬ ‫وج�����اب�����وا ����ص���اح���ب���ي م ال���ب���ع���د داين‬ ‫ح�سني ال��� ّ��ص��ور جم��ل��ود اخل�صور‬ ‫ل����ك���� ّن����ه م�����ن ظ����ب����ي ����س���ي���ح ال���ي���م���اين‬ ‫ع���ي���ن ل���ك���ن���ه���ا ع���ي��ن رمي‬ ‫������س�����وى ٍ‬ ‫وع�������ن�������قٍ م���ث���ل���م���ا ع�����ن�����ق ال������� ّدم�������اين‬ ‫�������������س ا�����س����م����ر ج�������اين ���س��ب��ي��ب‬ ‫ورا� ٍ‬ ‫ك���م���ا ال���غ���رب���ي���ب واج����ن����ا م���ن���ه ج���اين‬ ‫و���ص�� ّل��و ي���ا ح�����ض��ور ع��ل��ى ال��ر���س��ول‬ ‫ع����������دد م�������ا الح ب��������������� ّراق ال����ي����م����اين‬

‫كما بد�أنا الق�سم الأول بالق�صائد التي تبد�أ بـ‬ ‫«يقول» ف�إن ق�صائد تقليدية كثرية تبد�أ بذكر‬ ‫الأ�شجان ومدخلها «البارحة» �أي �أن نقطة‬ ‫ال�صفر �أو بداية املو�ضوع كانت قبل فرتة‬ ‫زمنية من �إن�شاد الق�صيدة كما يف الق�صيدة‬ ‫التالية لل�شيخ خليفة بن �شخبوط �آل نهيان‪،‬‬ ‫�أع��ذب الأل�ف��اظ من ذاك��رة احل�ف��اظ‪ ،‬جمع‬ ‫وحتقيق حماد اخلاطري‪:‬‬

‫ال��������������ب��������������ارح��������������ه ي���������������ا زاي���������������د‬ ‫ب�������������������ات ال����������ق����������ل����������ب ْب������ح�������������ش������ي������د‬ ‫م�����������ن ب�����������ه ن��������ح��������ن ب�����ن�����ع�����اي�����د‬ ‫م���������������ص�������ب�������ح ع�������ل�������ي�������ن�������ا ال������ع������ي������د‬ ‫و اب�������������و خ���������������ص�������ور ٍ ق��ل��اي�����د‬ ‫ع������������ن������������ا اح������������������ت������������������از ْب��������ع��������ي��������د‬

‫�أو كما يقول جويهر بن عبود‪ ،‬امل�صدر ال�سابق‪:‬‬


‫ال�������������ب�������������ارح�������������ه م�������������ش������غ������وب������ي‬ ‫و�آر� ّ‬ ‫�������������������������ض�������������������������ف ال�����������������و ّن�����������������ات‬ ‫������ي اجل������ن������وب������ي‬ ‫ي�����������ا �������س������ه������ي������ل ّ‬ ‫���������������س�������������� ّوي��������������ت يل ط������������������������ورات‬ ‫ول�ي����س ب��ال���ض��رورة �أن ي ��أت��ي ال���ش��اع��ر بذكر‬ ‫«البارحة» ولكن كون املدر�سة التقليدية ال تعيب‬ ‫إ�ي��راد املعاين املطروقة ف��إن ال�شعراء درج��وا‬ ‫على ا�ستخدام «البارحة» لبيان خروجهم عن‬ ‫احلالة العاطفية التي يتحدثون عنها قبل البدء‬ ‫بالق�صيدة‪ ،‬وهنا مثال �آخر جلويهر بن عبود‬ ‫ي�ستخدم «غب�شة» بدال من «البارحة»‪ ،‬امل�صدر‬ ‫ال�سابق‪:‬‬

‫غ������ب�������������ش������ه ت�����ل����اي����������ا ْرق�������������������ادي‬ ‫ْب��������������������ط��������������������ارق��������������������ي و ّن���������������ي���������������ت‬ ‫ع�����������ل�����������ى زم��������������������������������انٍ غ����������������ادي‬ ‫ب������������ان�������������������������س������������اه وال ق���������وي���������ت‬ ‫ويف ذا ال����������زم����������ان ال���������������رادي‬ ‫م����������ث����������ل �أ ّول م���������������ا ل�����ق�����ي�����ت‬ ‫وق��د جت ��اوز بع�ض ال���ش�ع��راء ذك��ر الأ��ش�ج��ان‬ ‫املا�ضية و�أن�شدوا ق�صائدهم يف حال ال�شجن‬ ‫�أي �أن نقطة ال�صفر بد�أت ببدء الق�صيدة كما‬ ‫يف ق�صيدة يعقوب احلامتي‪ ،‬يعقوب احلامتي‬ ‫�سريته و�أ�شعاره‪ ،‬ت�أليف �سلطان العميمي‪� ،‬ص‬ ‫‪:54‬‬

‫حال الكرى عني وملت م�ضاجعي‬ ‫وان��ه��ل دم��ع��ي م��ن ع��ي��اين �سواكبه‬ ‫مي و�صابني‬ ‫�إىل من دعاين له غر ٍ‬ ‫خ���ل ٍ دع�����اه ال���ب���ال وال���ق���ل���ب ه����اج به‬

‫وهناك �أ�ساليب كثرية �أخ��رى يف البدء بذكر‬ ‫الأ�شجان ومنها الأن�ين كما يف البيت التايل‬ ‫لل�شاعر يعقوب احلامتي‪ ،‬ال�سابق �ص ‪:65‬‬

‫و ّن�����ي�����ت ون�������ه م�����ن ف����������وا ٍد ع����وي ِ����ج‬ ‫�������ض م����ن ���س��ن�ين ٍ ع��ت��اي��ج‬ ‫ون�����ة م���ري ٍ‬ ‫كما الحظنا يف الأمثلة ال�سابقة ف��إن ال�شاعر‬ ‫يف�صل الق�صيدة عن الإ�شجان �أي �أن الق�صيدة‬ ‫مل ت� ��أت يف ذروة ت ��أث��ر ال�شاعر بهمومه بل‬

‫�أت��ت الق�صيدة ك��ردة فعل على ما جرى عليه‬ ‫بعد م�ضي ليلته ال�سابقة �أو بعد ه��دوء ونينه‬ ‫و�أ�شجانه‪ .‬وهذا ال يعني بال�ضرورة �أن ال�شاعر‬ ‫ين�شد الق�صيدة بعد �أن تخمد �أ�شجانه ولكن‬ ‫ب�ه��ذا الأ� �س �ل��وب ي �ح��اول ال�شاعر �أن ي�ص ّرح‬ ‫بعواطفه وه��و خ��ارج م��ن ت ��أث��ره املبا�شر بها‬ ‫لأن ت�أثري الهموم والأ�شجان ت�ستوجب الرقة‬ ‫واخل�ضوع وهذا ما ال ي�ستطيع ال�شاعر �إبرازه‬ ‫�أمام العامة بغتة من دون مقدمات يف جمتمع‬ ‫حمافظ يتعامل مع �إبراز امل�شاعر غري ال�شرعية‬ ‫بح�سا�سية لذا يحاول ال�شعراء عدم الإف�صاح‬ ‫عن التفا�صيل الدقيقة لق�ص�صهم يف الق�صائد‬ ‫مراعاة للقيم املجتمع املحافظ �إ�ضافة على‬ ‫حفظ وقارهم وهيبتهم‪.‬‬ ‫وح� ��اول ال���ش�ع��راء وم�ن�ه��م ج��وي�ه��ر ب��ن عبود‬ ‫جتاوز هذه املرحلة مبواجهة املجتمع املحافظ‬

‫سواء كان ذلك لبيان‬ ‫ً‬ ‫علو شأن الشاعر‬ ‫أو افتخاره بمقدرته‬ ‫الشعرية فإن الشاعر‬ ‫التقليدي لم يكن‬ ‫يذكر اسمه في‬ ‫بداية القصيدة إال‬ ‫بعد معرفة عميقة‬ ‫بمستمعيه‬

‫وا إلع�ل�ان عن م�شاعره وحت ّمل ل��وم الآخرين‬ ‫وهذا من خ�صائ�ص املدر�سة الرومان�سية التي‬ ‫�سنتطرق �إليها الحقا كما يف الق�صيدة التالية‪،‬‬ ‫�أع ��ذب الأل �ف��اظ م��ن ذاك ��رة احل �ف��اظ‪ ،‬جمع‬ ‫وحتقيق حماد اخلاطري‪:‬‬

‫ل������������������و مل����������ت����������ن����������ي ي������������������ا المي‬ ‫ل����������������������وم ٍ ب��������ل�������ا م�������������������ص���������روف‬ ‫ق���������������اع���������������د وم������������������������������ ٍّر ق������������امي‬ ‫�������������ب ْي���������ط���������وف‬ ‫وارج�������������������������و امل�������������ح ّ‬

‫وهنا �أي�ضا ال�شاعر م�ب��ارك العقيلي يواجه‬ ‫مالمة النا�س بنف�س الأ�سلوب �أي بذكر م�شقته‬ ‫يف احل��ب‪ ،‬تراثنا م��ن ال�شعر ال�شعبي‪ ،‬جمع‬ ‫وحتقيق حمد بو�شهاب‪� ،‬ص ‪:329‬‬

‫ع����ل����ى م���������اذا ت����ل����وم����وين دوام�������ي‬ ‫و�أن����������ا عْ �����ي�����وين م����دام����ع����ه����ا دوام�������ي‬ ‫ع���رف���ت احل����ب ط���ف���لٍ واخ��ت�برت��ه‬ ‫ف���خ���ذ ل����ه و�����ص����ف م���ن���ي ب��ال��ت��م��ام��ي‬ ‫ت������راين ب��خ��ت�����ص��ر م���ع���ن���اه ف��اف��ه��م‬ ‫ل�����رم�����زي ف����ي����ه ع�����ن �أه��������ل امل��ل�ام����ي‬ ‫وكذلك هي احلال مع ال�شاعر �أحمد بو�سنيدة‪،‬‬ ‫�أح �م��د بو�سنيده ح�ي��ات��ه و�أ��ش�ع��اره‪��،‬س�ل�ط��ان‬ ‫العميمي‪� ،‬ص ‪:140‬‬

‫على َم ان���ا اه��ل��ي ل�� ّوم��وين مالما‬ ‫يف ���ص��اح��بٍ يل يف خ���دي���ده ع�لام��ا‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪84‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫الدعاء في مطلع‬ ‫القصيدة يضفي‬ ‫واللوم متعب يا هلي كان تدرون‬ ‫عليها جو ًا من‬ ‫واح�������س���ن ت���ك��� ّف���ون احل���ك���ي وامل�ل�ام���ا السكينة ويشد انتباه‬ ‫ع�لام ي��ا هلي يف حب ّيبي ْتعذلون‬ ‫المتلقي وهذا ما‬ ‫ح���ل���و امل���ح���ي���ا ����ص���ايف اخل�����د وال���ل���ون‬ ‫يرجوه الشاعر من‬ ‫مب���ا �أن����ا ف��ي��ه ت���درون‬ ‫ل��و ي��ا ه��ل��ي ّ‬ ‫م�������ن ك���������ان زدت�������������وا ع����ل���� ّي����ه م�ل�ام���ا مطلع قصيدته‬ ‫ف�ه�ي�ب��ة ال��رج��ل يف امل �ج �ت �م �ع��ات امل�ح��اف�ظ��ة‬ ‫م�س�ؤولية �شخ�صية لأج��ل احلفاظ على قيم‬ ‫وث��واب��ت املجتمع امل �ت��وارث��ة‪ ،‬ل��ذا ف ��إن �إي��راد‬ ‫املعاين املحظورة ومنها �إيراد تفا�صيل عالقة‬ ‫ال��رج��ل ب��امل��ر�أة �أم��ر غ�ير مقبول ل��دى عامة‬ ‫النا�س وهذه العالقة عالقة مقد�سة ال تخرج‬ ‫م��ن نطاق امل�ن��زل‪ ،‬وحتى ل��و مل تكن عالقة‬ ‫�شرعية ف�إنها ال تخرج �إىل نطاق املجتمع وال‬ ‫تتعدى احلب العفيف ال��ذي يحاول ال�شاعر‬ ‫نف�سه حفظ حمبوبه‪ .‬ولكن لأن الق�صيدة‬ ‫متنف�س ال�شاعر ي�شكو �إليها خبايا نف�سه ف�إنه‬ ‫يلج�أ �إليها وي�شكو �إليها ومن ال�صعب جدا �أن‬ ‫ت�ضع حاجزا بني ال�شاعر وق�صيدته‪ ،‬وحني‬ ‫تقف القيم والثوابت االجتماعية بني ال�شاعر‬ ‫وق�صيدته ف ��إن ال�شاعر �إم��ا �أن يعلن ثورته‬ ‫على القيم وال�ث��واب��ت �أو يبحث ع��ن طريقة‬ ‫لتطويع ق�صيدته‪ .‬ويف جمتمعات كمجتمع‬ ‫الإم� ��ارات ال��ذي ي�ستلهم ثوابته م��ن الدين‬ ‫الإ�سالمي ومعتقداته املتينة ف�إن احلل الثاين‬ ‫هو احلل ال�شعراء الأمثل‪ ،‬لذا ف�إننا ال جند‬ ‫ثورة ملدر�سة جديدة �ضد مدر�سة قدمية بل‬ ‫تتناغم امل��دار���س وتتغري ب�صورة تدريجية‬ ‫كما �سن�شاهد يف �سياق ه��ذا املبحث‪ ،‬فمن‬ ‫جويهر �إىل ابو�سنيدة ومن ثم العقيلي مراحل‬ ‫متتابعة و�سنني طويلة ب��رزت فيها مالمح‬ ‫املدر�سة ال�شعورية الرومان�سية‪.‬‬ ‫وبالعودة �إىل مو�ضوع البدء بذكر الأ�شجان‬ ‫جن��د ال�شاعر ي��وج��ه خطابه �إىل نف�سه يف‬ ‫�أحيان كثرية بدال من �أن يوجه اخلطاب �إىل‬ ‫�إن�سان �آخر كي يربر للمجتمع عن ما يعانيه‬ ‫من هموم كما يف املثال التايل جلويهر بن‬ ‫عبود‪ ،‬أ�ع��ذب الألفاظ من ذاك��رة احلفاظ‪،‬‬ ‫جمع وحتقيق حماد اخلاطري‪:‬‬

‫ي������������ا ن�������ف���������������س ي������������ا ���������ص�������� ّب��������اره‬ ‫داري مل�����������ع�����������ا������������ش�����������ره‬ ‫خ����������� ّل�����������ك ع���������ل���������ى م���������������س�������ي�������اره‬ ‫�������������������������������������ن ي���������������ذك���������������ره‬ ‫ل����������������������ك زي‬ ‫ٍ‬ ‫واحل������������ا�������������س������������د ب��������ان��������ت��������ك��������اره‬ ‫ع��������������������� ّن���������������������ك م�������������������������ا غ������������ّي������������رّ ه‬ ‫والج��������ل��������ك ح����ف����ظ����ت ا���������س��������راره‬ ‫وام���������������������������������ش����������������ي ب�������������امل�������������ع�������������ذره‬ ‫وي��������������������وم ْت����������ب����������اع����������د م����������������زاره‬ ‫ْت������������������������������و ّزم������������������������������ت ْخ���������������ط���������������ره‬ ‫�������ش������م������ي������ت حت������������ت � ْ��������س��������ط��������اره‬ ‫ري��������������ح ٍ م َ �أح�����������ل�����������ى عْ �������ط�������ره‬ ‫يل ت�����������������ش��������رب��������ه احل����������������������راره‬ ‫ال���������������������������ش�������������ام�������������ي ّ ْخ�������������م�������������ره‬ ‫ال ي���������ع���������ل���������م���������ون ْك�������������ب�������������اره‬ ‫�أخ���������������������������ف���������������������������ي مل��������������������������������������������زاوره‬ ‫نالحظ تطويع الفكرة لإيراد معاين ال ترد عادة‬ ‫يف الق�صائد التقليدية وهي�أ ال�شاعر لإيرادها‬ ‫مطلع الق�صيدة مبخاطبة نف�سه ب��دال من �أن‬ ‫ي�شرك �شخ�صا لتدار الق�صيدة بني ال�شاعر‬ ‫ونف�سه‪ ،‬وع��ادة ما يدخل �شخ�ص احل�سود بني‬ ‫ال�شاعر ونف�سه يف ق�صائد عديدة كما الحظنا‬

‫شد الظعن إشارة‬ ‫مؤثرة لبدء القصيدة‬ ‫كونها تشير إلى‬ ‫الحركة وتجعل‬ ‫المستمع يستقر‬ ‫على االستماع إلى‬ ‫القصيدة كما يستقر‬ ‫الراكب على اإلبل‬

‫يف الق�صيدة ال�سابقة وهنا مثال �آخر لل�شاعر‬ ‫جويهر بن عبود �أي�ضا ويالحظ يف الق�صيدة‬ ‫دخول �شخ�ص والإ�شارة �إىل احلا�سد‪ ،‬امل�صدر‬ ‫ال�سابق‪:‬‬

‫ي��������ا � ْ�����س�����ع�����ي�����د خ ّ‬ ‫�����������ف ال������� ّ������س������دي‬ ‫وال ت�����������������خ����������������� ّرب امل����������ي����������ع����������اد‬ ‫يل ع��������������دت ت���������ه���������وى ح�����������دّي‬ ‫وهْ ��������������������������������������وه غ�������������������������ايل ه����������ب����������اد‬ ‫ان�����������������ص��������ه ب��������غ����ي���ر مجْ����������������دّي‬ ‫ي������������������������وم ْت������������ه������������ج������������ع ل��������ع��������ب��������اد‬ ‫ي�������������وم ال����������� ّدج�����������ى م���������������س�������ودّي‬ ‫وال�����������������������������ش��������������وف م���������������ا ي�������ن�������ح�������اد‬ ‫وان ري�������������ت ع��������ن��������ده ح����������دّي‬ ‫خ����������������ل ْم�������������������������س������ي�����رك ق���������������ص�������اد‬ ‫م��������ي��������ح ع��������ن��������ه وان�������������������ض���������دّي‬ ‫وال مت�������������������ش���������ي ب��������اع��������ت��������ن��������اد‬ ‫و يل م��������ن زق��������������رك ْت��������������ردّي‬ ‫رج�������������������������ع وق�������������������������ل ل�������������������ه ك�������������اد‬ ‫وم���������������ض�������دّي‬ ‫ع���������ن ح������ا�������س������د ٍ ْ‬ ‫ن������������ا�������������س ٍ ع��������ل��������ي��������ك اوغ�������������������اد‬ ‫ي�����������اخ�����������ذ م���������ن���������ك وي���������������������ودّي‬ ‫امل�����������������و������������������ش�����������������ي احل���������������������������س�������������اد‬ ‫ل����������ك ب������ال������ل�������������س������ان ْم�����������������ودّي‬ ‫وال������������ق������������ل������������ب ف����������ي����������ه اح����������ق����������اد‬

‫و�أما العاذل يف هذا ال�سياق فهو �صنو احلا�سد‬ ‫لنالحظ هذه الأبيات لل�شاعر �أحمد بو�سنيدة‬ ‫وجن��د الوا�شي وال�ساعي يف املعنى نف�سه‪،‬‬ ‫�أح �م��د بو�سنيده حياته و�أ�شعاره‪�،‬سلطان‬ ‫العميمي‪� ،‬ص ‪:140‬‬

‫���س���اع�ي�ن م��وا���ش�ين‬ ‫ب��ي��ن��ي وب���ي���ن���ه �‬ ‫ٍ‬ ‫ه��م ف�� ّرق��وا بيني وب�ي�ن اري�����ش العني‬ ‫ن��ق��ال��ة ال��ب��ه��ت��ان وال������زور وال�����ش�ين‬ ‫يل م��ن وداده ط��اح قلبي ه��وى التيه‬ ‫و�شخ�صية احل��ا��س��د �أو ال �ع��اذل ال� ��واردة يف‬ ‫الق�صائد التقليدية �أ��ص�ب�ح��ت ع ��ادة يلج�أ‬ ‫�إليها ال�شعراء لبيان اعرتا�ضهم على عدم‬ ‫ا�ستطاعتهم �إظهار قيمهم الداخلية النبيلة‬


‫إذا كان البدء بركوب‬ ‫الهجن إشارة إلى‬ ‫الحركة فإن البدء‬ ‫باأللفيات أو حروف‬ ‫الهجاء يشير إلى‬ ‫االنتظام والتتالي‬

‫�أمام قيم املجتمع اخلارجية النبيلة �أي�ض ًا‪ ،‬وهذا‬ ‫الت�ضارب احلا�صل دف��ع ال�شاعر �إىل �إدخ��ال‬ ‫احلا�سد يف الق�صيدة‪ .‬و�شخ�صية احلا�سد‬ ‫�أو ال�ع��اذل لي�ست بال�ضرورة �أن تكون كذلك‬ ‫كما الحظنا يف املثال الأخري بل هي �شخ�صية‬ ‫تقليدية يعرب ال�شاعر بها عن الأ�شخا�ص الذين‬ ‫ال ي�شعرون به من عامة النا�س �أو عن �أ�شخا�ص‬ ‫راف�ضني العالقة الوجدانية االفرتا�ضية بني‬ ‫ب�������ي������ن ال��������������ب��������������زم وج��������ن��������ان��������ه‬ ‫ال�شاعر وحمبوبه‪.‬‬

‫�أما اجلزء الثاين من هذا الق�سم فننتقل فيه‬ ‫�إىل اخلطاب الداخلي وهو �أي�ضا لي�س ح��وار ًا‬ ‫مونولوجي ًا ب��ل ه��و �أ��س�ل��وب متبع يف املدر�سة‬ ‫التقليدية يخاطب فيه خماطب ًا تقليدي ًا كالنف�س‬ ‫للن�صيحة وال�شكاوي العاطفية يف املثال التايل‬ ‫ذاكرة احلفاظ‪ ،‬جمع وحتقيق حماد اخلاطري‪ ،‬لل�شيخ �سعيد بن طحنون بن �شخبوط �آل نهيان‪،‬‬ ‫�أعذب الألفاظ من ذاكرة احلفاظ‪� ،‬ص ‪:139‬‬ ‫�ص ‪:182‬‬

‫ي�������������ا ن�������ف���������������س م�������������ا �����س����ل����ي����ت����ي‬ ‫ح������ي�����رت������������ن������������ي ي�������������������ا ك���������و����������س‬ ‫ك��������������ل م��������������ا ب��������غ��������ي��������ت �أ�������������س������ل�����اه‬ ‫ع�����������ى ال�����������������ص��������اح��������ب ع����ت����ي����ت����ي‬ ‫اخلطاب‬ ‫حمام‬ ‫خماطبا‬ ‫�ود‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫�‬ ‫ع‬ ‫�ن‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫جويهر‬ ‫�ر‬ ‫�‬ ‫ع‬ ‫�ا‬ ‫�‬ ‫ش‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫جنزئ هذا الق�سم �إىل جزءين‪ ،‬جزء نتحدث‬ ‫و������������������ش ل�������������ك ب���������ه���������ا امل�������ع���������������ص�������اه‬

‫فيه عن اخلطاب الداخلي وقبل ذلك �سنتطرق الراعبي‪� ،‬أعذب الألفاظ من ذاكرة احلفاظ‪،‬‬ ‫�إىل اخلطاب اخلارجي‪ ،‬فعادة ال جند ح��وار ًا جمع وحتقيق حماد اخلاطري‪� ،‬ص ‪:124‬‬ ‫ب�ين ال�شاعر والعن�صر اخل��ارج��ي ب��ل يكتفي ي�����������ا ال����������راع����������ب����������ي م������رف������وق������ي‬ ‫ع��������ي��������ن��������ك ح�����������������ش��������م ع����������رب����������ان‬ ‫ال�شاعر ب�أخذ دور املخاطب وال ي�ضيف رد ًا من‬ ‫املخاطب يف الق�صيدة‪ ،‬وقد درج ر ّواد ال�شعر‬ ‫التقليدي على خماطبة �أ�شخا�ص كاملندوب وكما �أ�سلفنا ف�إن ال�شاعر ال ينقل اخلطاب �إىل‬ ‫والندمي وحادي الإبل وعنا�صر الطبيعة كالن�سيم م�ستوى احلوار �أي �أنه ال يدرج �إجابات َ‬ ‫املخاطب‬ ‫والطائر املثري لل�شجون �أو عنا�صر �أخ��رى من يف الق�صيدة �إال نادر ًا كما يف الق�صيدة التالية‬ ‫�صنع الإن�سان كالبيت والق�صر وح�ضور هذا لل�شيخ خليفة بن �شخبوط حني يخاطب الن�سيم‬ ‫�اط��ب التقليدي كثري ج��د ًا يف الق�صائد يف الأبيات الثالثة الأويل ويكمل باقي الأبيات‬ ‫امل�خ� َ‬ ‫التقليدية فقلما جتد �شاعر ًا من �شعراء القرن على ل�سان الن�سيم وهذه من اال�ستثناءات التي‬ ‫الـ‪ 19‬يف الإمارات مل يتبع هذا الأ�سلوب يف عدد قلما جت��ده��ا عند رواد امل��در��س��ة التقليدية‪،‬‬ ‫كبري من ق�صائده وهنا بع�ض الأمثلة التي تدل ال�سابق �ص ‪:185‬‬ ‫على ذلك ونبد�أ باملثال التايل لل�شاعر حمني ي�����������ا ع�������� ّري�����������������ض ال����ن���������س����ي����م����ي‬ ‫ال�شام�سي وهو يخاطب ندميه‪� ،‬أعذب الألفاظ‬ ‫يل م������������ن م����������ع����������ايل ال������� ّ������ض������ي������ت‬ ‫م��ن ذاك� ��رة احل��ف��اظ‪ ،‬ج�م��ع وحت�ق�ي��ق حماد خ�������������ّب�������������رّ ين ع�����������������ن ن��������دمي��������ي‬ ‫اخلاطري‪� ،‬ص ‪:124‬‬ ‫ك������������������������ان ْوط������������������ن������������������ه م������������ ّري������������ت‬

‫خ���� ّل����ن����ي ي������ا ن�����دمي�����ي ال ت�������س���ال‬ ‫ال ت�����واخ�����ذين مب�����ا ت����ب����دي ال���ل���ي���ال‬

‫وال�شاعر �أحمد بن عبداهلل بن �صالح خماطبا‬ ‫�أهل الهجن‪ ،‬تراثنا من ال�شعر ال�شعبي‪ ،‬جمع‬ ‫وحتقيق حمد بو�شهاب‪� ،‬ص ‪:177‬‬

‫يا االهل الهجن �شدّوا خيار املكاليف‬ ‫ن��ف��ي امل���راف���ج م���ن ه��ج��اه��ي��ج الن��ي��اق‬ ‫وال�شاعر ال�شيخ �سعيد بن طحنون �آل نهيان‬ ‫خماطبا ن�سيم الكو�س‪� ،‬أع��ذب الأل �ف��اظ من‬

‫ه���������������������واه ع�����������ن�����������دي ْم���������دمي���������ي‬ ‫ي�������������������������وم اذك�������������������������������������ره و ّن�������������ي�������������ت‬ ‫ق���������������ال اب�����������������ش��������ر ب������ال������ل������زمي������ي‬ ‫ب�������������ال�������������ع�������������رف وال��������ت��������ث��������ب��������ي��������ت‬ ‫ن����������اق����������ل ل������������ك ال�����ت�����������س�����ل�����ي�����م�����ي‬ ‫ع��������������ن م��������������ن ع���������ن���������ه خ������� ّ������ص������ي������ت‬ ‫ق������اب�������������ض ������س�����ك�����ي�����ك اجل����ي����م����ي‬ ‫وي�����������������������ا ح������������������ي م������������������ن الق���������ي���������ت‬ ‫يف اجل�������ي�������م�������ي م���������س����ت����ق����ي����م����ي‬ ‫ويف امل�����������ع�����ت�����ر������������ض ل��������������ه ب�����ي�����ت‬

‫وعادة ما يكون هذا اخلطاب خمت�صر ًا ال يتعدى‬ ‫�أبيات ًا حمدودة و�سرعان ما يلتفت ال�شاعر ويغري‬ ‫من وجهة خطابه‪ ،‬ولكننا نالحظ الإ�سهاب‬ ‫يف خماطبة النف�س يف ق�صائد ن��ادرة ومنها‬ ‫الق�صيدة ال�شيخ خليفة �شخبوط �آل نهيان يف‬ ‫الن�صيحة حني يبد�أ مبخاطبة نف�سه من البيت‬ ‫الثاين �إىل نهاية الق�صيدة‪ ،‬ال�سابق �ص ‪:139‬‬

‫م������ت�����رى ال������ع������ي������ل م���������ن ح���ي���ن���ه‬ ‫ك�����������������ل ْم������������ع������������ن������������ى َي�������خ�������ط�������ي�������ه‬ ‫ن�������ف���������������س�������ي ك������������������وين رزي���������ن���������ه‬ ‫درب اخل����������������ط����������������ا داري�������������������������ه‬ ‫واق���������������������ري ����������س��������� ّر ال����ب����ط����ي����ن����ه‬ ‫و مبّ����������������������������ا ب�����������غ�����������ى خ�������� ّف��������ي��������ه‬ ‫ال�������������������غ�������������������ايل ت���������������ش���ت���ري�������ن�������ه‬ ‫م����������������ا م����������������ن خ�������������������������س������������ارة ف�����ي�����ه‬ ‫ال�������������ع�������������وف ال ْت��������خ��������اوي��������ن��������ه‬ ‫ب���������������ادن���������������ى ثِ��������������� َم���������������ن ب�����ي�����ع�����ي�����ه‬ ‫خ������������� ّل�������������ي������������� ْه ال ت������ت������ل������ي������ن������ه‬ ‫و�������������س������������ط ال����������ب����������ح����������ر ت�������وح�������ي�������ه‬ ‫وي��������ل��������ا ب������خ�������������ص������ت������ي ع�����ي�����ن�����ه‬ ‫ب������������ي������������ب������ي�����ن ل���������������������ك خ���������اف���������ي���������ه‬ ‫ال�����������ل�����������ي ْم�����������������ض�������� ِّي��������ع دي������ن������ه‬ ‫ك�����������ي�����������ف ال�����������ع�����������ه�����������د ي��������وف��������ي��������ه‬


‫‪86‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمرب‬ ‫‪2012‬‬

‫شحفانالقطو‬ ‫لدينا‬

‫ألفبائية‬

‫مريه القا�سم‬

‫ال� �ك� �ث�ي�ر م� ��ن امل� �ب ��دع�ي�ن ‪..‬‬ ‫مم��ن ن�ع�ت�ق��د �أن��ه��م ق � ّدم��وا‬ ‫ما يجعلهم ي�ستحقون م ّنا كل التقدير‬ ‫وااله�ت�م��ام واملتابعة‪ ،‬م��ا ّد ّي��ا و معنو ّيا‪،‬‬ ‫لي�س على م�ستوى الأف��راد فح�سب‪ ،‬بل‬ ‫وامل�ؤ�س�سات كذلك‪ ،‬وهو ما ن�سعى دائم ًا‬ ‫�إىل ت�أكيده ب�شتى الو�سائل والطرق متى‬ ‫ما ت�س ّنى لنا الوقت لذلك‪� ،‬أو متى ما‬ ‫�ساعد الظرف على ��ض��رورة ق��ول ذلك‬ ‫�أو فعله‪.‬‬ ‫من بني ه�ؤالء الرواد‪ ،‬يف دولة الإمارات‬ ‫حتديد ًا‪ ،‬برز الفنان الإماراتي ال�شامل‬ ‫�سلطان ال�شاعر‪ ،‬املعروف بـ « �شحفان‬ ‫ال �ق �ط��و» ‪ ،‬رح �م��ه اهلل‪ ،‬رائ ��د م��ن رواد‬ ‫امل�سرح وال��درام��ا يف الإم� ��ارات‪ُ ،‬ع��رف‬ ‫ب �� �ص��داق �ت��ه ل �ل��رائ��د ال ��راح ��ل ال �ف �ن��ان‬ ‫الكويتي �صقر الر�شود‪ ،‬وع��رف بر�ؤيته‬ ‫الف ّنية الواقعية التي تعتمد منهج النقد‬ ‫االج �ت �م��اع��ي ح��راك � ًا يف ع��امل ال��درام��ا‬ ‫الإم��ارات �ي��ة‪ ،‬ب��ل و��ص��ار ذل��ك ج��زء ًا من‬ ‫النهج ل�ل��درام��ا اخلليجية ال�ت��ي تعتمد‬ ‫الكوميديا م�سلكا فن ّي ًا‪.‬‬ ‫مل يعتمد �سلطان ال�شاعر على اجلانب‬ ‫ال�ت�راج� �ي ��دي يف م �ن��اق �� �ش��ة اجل ��وان ��ب‬ ‫االجتماعية وق�ضايا النا�س‪ ،‬بل اعتمد‬ ‫ال�ك��وم�ي��دي��ا‪ ،‬وه��و م��ا ج�ع�ل��ه ي���ص��ل �إىل‬ ‫م��رح �ل��ة ي �ك��اد ال ي �ق��در ع �ل��ى ت �ك��راره��ا‬ ‫�أح��د‪ ،‬على الرغم من ظهور الكثري من‬ ‫امل�سل�سالت ذات ال�ن�ه��ج ذات ��ه‪�� ،‬س��واء‬ ‫على م�ستوى الإم��ارات �أو اخلليج‪ ،‬فهو‬ ‫ك��ان ذا نكهة �أدائ �ي��ة خ��ا��ص��ة‪ ،‬وه��و ما‬ ‫جعله متف ّردا حتى اللحظة‪ ،‬والدليل هو‬ ‫عر�ض م�سل�سله اليتيم (�شحفان القطو)‬

‫على الرغم من بدائية الت�صوير‪ ،‬وعلى‬ ‫الرغم من م��رور ‪ 30‬عام ًا على ظهوره‬ ‫كعر�ض �أول يف الإمارات‪.‬‬ ‫�سلطان ال�شاعر قبل وفاته م ّر مبرحلة‬ ‫مر�ض ّية جعلته ي�شعر �أنه م�ستبعد‪ ،‬وزاد‬ ‫لديه احل�س بالعزلة والتهمي�ش‪ ،‬وقد بدا‬ ‫انفعاله بالو�ضع الذي هو عليه من خالل‬ ‫و�سائل الإع�ل�ام املح ّل ّية‪� ،‬إال �أن دائ��رة‬ ‫ال���ص�ح��ة واخل ��دم ��ات ال�ط�ب�ي��ة يف دب��ي‬ ‫نقلته �إىل مرحلة جديدة من التفا�ؤل‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا و�أن �ه��ا ت�ب� ّن��ت متابعة حالته‬ ‫ال�صح ّية التي مي ّر بها‪ ،‬وحت ّول من حالة‬ ‫ّ‬ ‫«الي�أ�س» �إىل حالة «الر�ضا» التام عن ما‬ ‫مت تقدميه �إليه‪ ،‬وهذا هو ما ك ّنا ن�أمله‬ ‫م��ن م�ؤ�س�ساتنا املح ّلية حينما تتعامل‬ ‫مع ر ّواد ه��ذا البلد املعطاء‪ ،‬من خالل‬ ‫االهتمام برموزه التي �أحدثت حت ّوالت‬ ‫يف بنيته اجلوهرية يف املجاالت املختلفة‪،‬‬ ‫ومن بينهم – بطبيعة احلال – �سلطان‬ ‫ال�شاعر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫نحن ك�ث�يرا م��ا ن�ق��ول‪ :‬ال��رم��وز ال ينبغي‬ ‫�أن نهمل دوره��ا احلقيقي يف املجتمع‪،‬‬ ‫ب��ل ينبغي ال�ت��وا��ص��ل معها بطريقة �أو‬ ‫ب ��أخ��رى‪ ،‬وه��و الأم ��ر ال��ذي يفرت�ض يف‬ ‫اجل�ه��ات الر�سمية العمل‪ ،‬فهل تنتظر‬ ‫م�ؤ�س�ساتنا املختلفة �أن تكتب رموزنا عن‬ ‫ك�آباتهم وحزنهم وي�أ�سهم عرب و�سائل‬ ‫الإع�ل�ام لكي يعلموا �أن ث� ّم��ة رواد ًا يف‬ ‫�ساحتنا املح ّلية ؟‬ ‫هذا الأمر لي�س ه ّينا‪ ،‬فلدينا الكثري من‬ ‫ال��رواد‪ ،‬ولكن ال يوجد من يبحث عنهم‬ ‫لري ّد لهم بع�ض ًا مما ق ّدموه للنا�س‪ ،‬وما‬ ‫�أ�ضافوه �إىل جمتمعهم‪.‬‬



‫ألسنة عربية‬ ‫‪88‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫تهديد �صارخ‬ ‫لـ «رم�سة»‬ ‫الآباء والأجداد‬

‫معجم‬ ‫بالكلمات‬ ‫األجنبية‬ ‫الدخيلة‬ ‫�رسور الكعبي‬ ‫كانت اللغة العربية وال تزال‬ ‫ال�شرنقة التي خرجت منها لهجاتنا‬ ‫املحلية يف الوطن العربي‪ ،‬والتي و�إن‬ ‫بطابع خا�ص لكل بلد‪� ،‬إال‬ ‫ا�صطبغت‬ ‫ٍ‬ ‫�أن العرب يجمعهم �شرف حملهم‬ ‫للغة التي �شرفهم اهلل بها‪ ،‬ف�أنزل‬ ‫بل�سانهم قر�آنه الكرمي‪ .‬فاللغة‬ ‫العربية هي لغة ال�ضاد التي حفظها‬ ‫القر�آن الكرمي من ال�ضياع والتغيري‪،‬‬ ‫لي�صبح الل�سان القومي لأمة العرب‬ ‫وامل�سلمني‪.‬‬


‫و�إنطالقا من اخل�صو�صية التي متتاز بها‬ ‫كل لهجة عربية يف �أي قطرعربي‪ ،‬و�أحيانا‬ ‫يوجد عدد من اللهجات يف البلد العربي‬ ‫ال��واح��د‪ ،‬ك�ح��ال دول��ة الإم� ��ارات العربية‬ ‫امل�ت�ح��دة ال �ت��ي تنت�شر فيها ال�ع��دي��د من‬ ‫اللهجات والتي و�إن ا�شرتكت يف العديد من‬ ‫مفرداتها‪� ،‬إال �أنها تطبع �أ�صحابها بطابع‬ ‫خا�ص مييزهم عن غريهم‪.‬‬ ‫ويف العهد القدمي من تاريخ ه��ذه البقعة‬ ‫العربية‪ ،‬يكاد القاطن فيها يعرف �إىل‬ ‫�أي��ة قبيلة ينتمي املتحدث‪ ،‬ومن �أي فخذ‬ ‫منها ويف �أي منطقة �سكنية يعي�ش‪ ،‬ملا‬ ‫للطابع ال�صوتي والإيقاع املو�سيقي اخلا�ص‬ ‫باللهجات املحلية م��ن مم�ي��زات ومتايز‬ ‫باتت متثل ب�صمة خا�صة لكل مكون ب�شري‬ ‫من الرتكيبة االجتماعية يف املنطقة‪ .‬وتكاد‬ ‫هذه امليزة تزول متام ًا من جمتمع الإمارات‬ ‫ملا خالط هذه اللهجات من مفردات كثرية‬ ‫�أدت يف �أغلب الأح�ي��ان �إىل ت�شويه �أ�صل‬ ‫اللهجة‪ ،‬خا�صة البدوية التي تكاد تكون‬ ‫حم��دودة متام ًا ويقت�صر انت�شارها على‬ ‫مناطق جغرافية �ضيقة‪.‬‬ ‫واللهجة الإماراتية بالإ�ضافة �إىل تعددها‪،‬‬ ‫ف�إنها ترتبط �إرت �ب��اط � ًا مبا�شر ًا بالبيئة‬ ‫املحيطة‪ .‬فلهجات البدو تختلف عن لهجات‬ ‫احل�ضر‪ .‬وكذلك احلال بالن�سبة للهجات‬ ‫البيئات البحرية على ال�ساحل‪ ،‬ولهجات‬ ‫احل�ضر يف ال��واح��ات ال��زراع �ي��ة خا�صة‬ ‫يف م��دن العني وحتا واملناطق ال�شمالية‬ ‫املتاخمة ل�سلطنة عمان‪.‬‬ ‫وبالرغم من هذه الإختالفات ف�إن اللهجة‬ ‫املحلية يف الإمارات ب�شكل عام ت�شرتك يف‬ ‫معظم املحددات اخلا�صة للهجة‪ ،‬كطريقة‬ ‫نطق احلروف‪ ،‬واملخارج ال�صوتية والرتقيق‬ ‫والتب�سيط وحذف بع�ض احلروف كالهمزة‬ ‫يف احلديث‪ ،‬و التخل�ص من هذه الهمزة يف‬ ‫الكلمات التي تقع يف �أولها كما هو احلال‬ ‫يف كلمتي «�أحمر‪� ،‬أخ�ضر» فتنطق «حمر‪،‬‬ ‫خ�ضر»‪ .‬وعلى �أن ذلك ال ي�شكل قاعدة ثابتة‬ ‫يف اللهجة‪ ،‬حيث ال يزال الإماراتيون يبقون‬ ‫على الهمزة االبتدائية فيقولون �أبو �أحمد و‬

‫من �أعمال الت�شكيلي الإماراتي ‪ -‬ح�سن ال�رشيف‬

‫خالط لهجات اإلمارات‬ ‫مفردات كثيرة أدت‬ ‫في أغلب األحيان إلى‬ ‫تشويه أصل اللهجة‬ ‫خاصة البدوية التي تكاد‬ ‫تكون محدودة تمام ًا‬ ‫ويقتصر انتشارها على‬ ‫مناطق جغرافية ضيقة‬

‫عميقة‪ ،‬فعندما يريد �أن يذهب مع �أبنائه‬ ‫ال يقول «نهينا» �أي ذهبنا ولكنه يقول «بهو»‬ ‫�أي «هيا»‪ ،‬وذل��ك من دون التطرق للهجة‬ ‫التي تتحدث بها قبائل حمددة كالعوامر‬ ‫واملنا�صري‪ ،‬وم��ا ت�ستخدمه من مفردات‬ ‫ومو�سيقى ودالالت خا�صة‪ .‬فاملنا�صري مث ًال‬ ‫يقلبون امليم يف اجلمع �إىل �ألف �أو يحذفونها‬ ‫متام ًا‪ ،‬ويتبني ذلك من خالل هذه الأبيات‬ ‫لل�شاعر عي�سى ب��ن �سعيد ب��ن قطامي‬ ‫املطيوعي املن�صوري‪ ،‬حيث يالحظ ذلك‬ ‫يف كلمات «ودهم» و«عيدهم» و«عزهم»‪:‬‬

‫رفع ال�صوت �أو خف�ضه‪ .‬فالبدوي ال يقول‬ ‫«ناقتي» ولكنه يقول «ناقتيه» و«كندورتيه»‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل ا�ستخدامه م�ف��ردات جميلة‬ ‫الإيقاعات وذات دالالت �إيحائية ومعانٍ‬

‫ويف نف�س الق�صيدة ‪:‬‬

‫تختلف لهجات البدو عن‬ ‫لهجات الحضر ولهجات‬ ‫الساحل والواحات‬ ‫الزراعية خاصة في مدن‬ ‫العين وحتا والمناطق‬ ‫الشمالية المتاخمة‬ ‫لسلطنة عمان‬

‫كذلك ف�إن الإماراتيني يف لهجتهم املحلية‪،‬‬ ‫كما هو احلال يف معظم الدول اخلليجية‪،‬‬ ‫يقلبون اجليم يا ًء كقولهم يار بد ًال من جار‪،‬‬ ‫و يابر بد ًال من جابر‪ ،‬وي�سر بد ًال من ج�سر‪،‬‬

‫�أبو �سامل وهكذا‪.‬‬ ‫�أ�شــرق بذكر الغ�ض ــي �ش ــرق ــا‬ ‫ومت �ت��از ال�ل�ه�ج��ة الإم ��ارات� �ي ��ة مبو�سيقى‬ ‫ل ــي جمـ ــاله ب ــاهـ ــي بـ ــزي ـ ـنـ ــا‬ ‫جميلة و�إيقاعات ودرج��ات �صوتية تختلف �س ــارقـ ـنــي وده��ـ��ـ��ـ��وا �سـ ــرق ــا‬ ‫ب�إختالف اال�ستخدام واملنا�سبات و�ضرورة‬ ‫�سـ ــاهــرن وال ـن ــا�س مـم ــ�س ـيـ ـن ــا‬

‫كــل ن��ـ��ـ��ـ��ا� ٍ��س غ ــربــن و�شـ ــرقــا‬ ‫عـي ـ ــده ــوا ع ـنـ ــد الل ــه ايـ ــزي ـنـا‬ ‫ع ــزهــوا ل ـمـك ــون ال ـبــرق ــا‬ ‫�س ـ ـ ـ ــاه ـ ــرٍ مــا يغــ�ض ــي ابـعـيـنـا‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪90‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫ارتبطت اللهجة بالبيئة واحلرف ال�سائدة فيها‬

‫وينطقون الكاف امل�شن�شنة‪ ،‬فيقولون «جيف‬ ‫احلال» �أي « َكيف احلال‪ ،‬و«جلب» �أي « َكلب»‪،‬‬ ‫ويقلبون القاف جيم ًا كقولهم �سارج وي�صفج‬ ‫يف كلمتي �سارق وي�صفق‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أنهم‬ ‫يقلبون حرف القاف �إىل اجليم امل�صرية‬ ‫املعجمة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ومم��ا دفعني للكتابة يف ه��ذا امل�ج��ال‪ ،‬هو‬ ‫م��ا ط��ر�أ على اللهجة العامية الإم��ارات�ي��ة‬ ‫من تغيري وا�ستخدام الإماراتيني لألفاظ‬ ‫�أجنبية و�أحيان ًا عربية ولكنها لي�ست حملية‬ ‫وا�ستبدالهم للكلمات املحلية بهذه الكلمات‬ ‫الدخيلة على العامية الإماراتية ما �أفقد‬

‫اللهجة رون�ق�ه��ا وخ�صو�صيتها‪ .‬و�أ�صبح‬ ‫الن�شء اجل��دي��د ال يتحدث بهذه اللهجة‬ ‫اخلا�صة بل بخليط عجيب من اللهجات‬ ‫العربية املختلطة ببع�ض املفردات الأجنبية‬ ‫�أو حتى باللغة الإجنليزية ال�صرفة‪ ،‬لتفقد‬ ‫بذلك اللهجة الإماراتية رونقها اخلا�ص‪.‬‬

‫كلمات دخيلة‬

‫وال يقت�صر التغيري يف ا�ستخدام الكلمات‬ ‫الدخيلة يف اللهجة الإماراتية على الكلمات‬ ‫الأجنبية فقط‪ ،‬بل �إن اللهجة الإماراتية‬ ‫ت��أث��رت ب�شكل كبري باللهجات وامل�ف��ردات‬

‫مو�سيقى و�إيقاعات‬ ‫متتاز اللهجة الإماراتية مبو�سيقى جميلة و�إيقاعات ودرجات �صوتية تختلف‬ ‫باختالف اال�ستخدام واملنا�سبات و�ضرورة رفع ال�صوت �أو خف�ضه‪ .‬فالبدوي‬ ‫ال يقول «ناقتي» ولكنه يقول «ناقتيه» و«كندورتيه»‪� ،‬إ�ضافة �إىل ا�ستخدامه‬ ‫مفردات جميلة الإيقاعات وذات دالالت �إيحائية ومعانٍ عميقة‪ ،‬فعندما يريد‬ ‫�أن يذهب مع �أبنائه ال يقول «نهينا» �أي ذهبنا ولكنه يقول «بهو» �أي «هيا»‪،‬‬ ‫وذل��ك من دون التطرق للهجة التي تتحدث بها قبائل حم��ددة كالعوامر‬ ‫واملنا�صري‪ ،‬وما ت�ستخدمه من مفردات ومو�سيقى ودالالت خا�صة‪ .‬فاملنا�صري‬ ‫مث ً‬ ‫ال يقلبون امليم يف اجلمع �إىل �ألف �أو يحذفونها متاماً‪.‬‬

‫العربية الدخيلة على اللهجة‪ ،‬كالكلمات‬ ‫امل�صرية وال�شامية و اخلليجية التي ت�سمى‬ ‫هنا باللغة الغربية �أو لغة �أه��ل الغرب‪،‬‬ ‫ف�أ�صبح الإم��ارات��ي ي�ق��ول «ل�ي��ه» ب��د ًال من‬ ‫«لي�ش»‪ ،‬و«بيه» بدال من «�أبويه» و«�أبغا» بد ًال‬ ‫من «�أبغي » و«طوفة» بد ًال من «يدار»‪ ،‬ناهيك‬ ‫عن ا�ستخدام املفردات الأجنبية البحتة يف‬ ‫احلديث اليومي االعتيادي بني النا�س‪ ،‬ما‬ ‫يفقد القوة ال�شخ�صية للهجة املحلية‪.‬‬ ‫ولي�س املق�صود مما نقول ون�شرح الدعوة‬ ‫لال�ستقاللية والع�صبية اللغوية‪ ،‬ب��ل هو‬ ‫دعوة للحفاظ على اللهجة اخلا�صة بهذه‬ ‫الأر�ض التي ن�ش�أنا عليها ودرج عليها �آبا�ؤنا‬ ‫و�أجدادنا‪ .‬فلماذا ال يتحدث الغري بلهجتنا؟‬ ‫وهل يعود ذلك لأن لهجتنا �ضعيفة �أو غري‬ ‫حمببه ولي�س لها �إيقاعها ال�ع��ذب ال��ذي‬ ‫ي�شجع الغري على تقليدها �أو التحدث بها ؟‬ ‫وملاذا نلهج بل�سان الغري رغم �أن هذا الغري‬ ‫هو �إبن العم ولي�س البعيد الغريب‪ .‬وحتى‬ ‫�أبناء العم من �أخواننا اخلليجيني والعرب‪،‬‬ ‫لديهم يف دي��اره��م العديد م��ن اللهجات‬


‫املحلية التي يعرفون عن طريقها �أن�ساب‬ ‫وانتماءات املتحدثني بها‪ ،‬وق ّلما جند من‬ ‫يغري لهجته املحلية لأي �سبب كان‪.‬‬ ‫وبالرغم من �أننا نطمح �إىل �أن يتحدث‬ ‫العرب لغة ال�ضاد ال�صرفة النق ّية‪� ،‬إال‬ ‫�أن االن���زالق ن�ح��و ا��س�ت�خ��دام امل �ف��ردات‬ ‫الأجنبية زاد من �ضعف اللغة العربية‬ ‫ب�شكل ع��ام وال�ل�ه�ج��ات امل�ح�ل�ي��ة ب�شكل‬ ‫خ��ا���ص حتى ب��ات��ت املجتمعات العربية‬ ‫تفتقد لهويتها اللغوية اخلا�صة‪.‬‬ ‫وال ري��ب يف �أن الن�شء اجلديد يف دولة‬ ‫الإم���ارات العربية املتحدة بحاجة لأن‬ ‫يلتفت �إىل هذه اللهجة املحلية التي ت�شكل‬ ‫�شخ�صيته الثقافية‪ ،‬و�أن ال ي�ضيع «رم�سة»‬ ‫الآب��اء والأج���داد‪ .‬و�إن مل��ن امل�ح��زن حق ًا‬ ‫�أن ي�صبح ال�شاب الإم��ارات��ي غريب ًا عن‬ ‫لهجته املحلية‪.‬‬ ‫ول �ع��ل م��ن امل �ح��زن �أي �� �ض � ًا م��ا ن ��راه من‬ ‫م�سل�سالت تلفزية حملية تو�صف ب�أنها‬ ‫�إم��ارات��ي��ة وت �ت �ن��اول ف �ت�رات م�ه�م��ة من‬ ‫تاريخ الإم��ارات وال ُيعنى فيها باللهجة‬ ‫ومب �ف��ردات �ه��ا‪ ،‬ف �ج��اءت �أغ �ل��ب الأع �م��ال‬ ‫غريبة ع��ن جمتمعنا ولهجته الأ�صيلة‬ ‫بالرغم من قيام مدققني لغويني مبراجعة‬ ‫املادة‪ .‬وهذا ميثل ت�شويه ًا حقيقي ًا للهجة‬ ‫يعتز �أهلها بها �أيمّ ا اعتزاز‪ .‬وال يفوتني‬ ‫�أي�ضا التطرق �إىل قيام العديد من الأ�سر‬ ‫الإماراتية بتعليم �أبنائها اللغات الأجنبية‬ ‫وح ّثهم على جتنّب احلديث بلغتهم الأم‬ ‫وه��ي ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬فين�ش�أوا ه�ك��ذا وه��م ال‬ ‫يفقهون العربية مطلق ًا فما بالك باللهجة‬ ‫املحلية‪ .‬وكان من ثالثة الأثايف �أن يت�أثر‬ ‫الأط� �ف ��ال الإم ��ارات� �ي ��ون ب�ل�غ��ة امل��رب�ي��ات‬ ‫و�أ�سلوب حديثهن باللغة العربية الركيكة‬ ‫م��ا يجعل م��ن الع�سري ع�ل��ى ال�ط�ف��ل �أن‬ ‫يواجه ال�صعوبات الكبرية يف فهم و�إتقان‬ ‫اللغة العربية الأ�صيلة ناهيك عن اللهجة‬ ‫املحلية‪ .‬وتكون الطامة الكربى عندما‬ ‫يتحدر الطفل من والدة لي�ست �إماراتية‬ ‫ّ‬ ‫اجلذور‪.‬‬

‫اجليل اجلديد ‪ ..‬هل يفقد لهجة �أجداده ؟‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪92‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫تنتقل اللهجة من الآباء �إىل الأبناء عرب املمار�سة‬

‫معجم الكلمات الأجنبية‬ ‫الدخيلة‬

‫ولقد �آث��رت �أن �أق��وم ب ��إع��داد معجم ي�ضم‬ ‫الكلمات الأج�ن�ب�ي��ة ال�ت��ي دخ�ل��ت �إىل اللغة‬ ‫املحلية الإماراتية والتي �أ�صبحت جزء ًا منها‬ ‫عرب ال�سنني والأعوام‪ ،‬حتى انطبعت بالطابع‬ ‫اخلا�ص للهجة الإماراتية التي �أ�صبحت يف‬ ‫حاجة �إىل �إعادة �إحياء عرب برامج ومراجع‬ ‫وجهود لتنقيتها من ال�شوائب وتنظيف املعجم‬ ‫املحلي م��ن اال��س�ت�خ��دام اخل��اط��ئ للكلمات‬ ‫الأج�ن�ب�ي��ة وال��دخ�ي�ل��ة ع�ل��ى اللهجة املحلية‬ ‫الإماراتية‪ .‬و�أدرجت تلك الكلمات مرتبة على‬ ‫حروف املعجم ب��دء ًا بالألف وانتهاء بالياء‪.‬‬ ‫و�سنكتفي هنا ب�شرح �أمثلة عنها‪.‬‬

‫حرف الألف‬

‫حماية اللهجة جزء من مهمة التعليم‬

‫�أب��ل��ة‪ :‬مدر�سة الف�صل‪ ،‬وه��ي م��ن الكلمات‬ ‫احل��دي�ث��ة ن��وع��ا م��ا‪ ،‬فلم تكن يف الإم���ارات‬ ‫مدار�س للفتيات �أو الفتيان �إال بعد منت�صف‬ ‫القرن املا�ضي‪ ،‬وه��ذه الكملة تركية ‪Abla‬‬


‫ولها نف�س املعنى‪.‬‬

‫�أورتيم «وارتيم»‪ :‬وقت العمل الإ�ضايف‬ ‫وهي من اللغة الإجنليزية ‪ over time‬وقد‬ ‫دخلت اللهج‪ m‬املحلية بعد انخراط النا�س‬ ‫بالعمل يف �شركات ال �ب�ترول التي ب��د�أت‬ ‫بالتنقيب عن النفط يف خم�سينيات القرن‬ ‫الع�شرين‪.‬‬ ‫�أورك�����وت «وارك�����وت» ‪:‬املعطف وي�سمى‬ ‫�أي�ضا «ك��وت»‪ ،‬وهي من اللغة الإجنليزية‬ ‫‪.coat‬‬ ‫�أرب�����اب ‪:‬كلمة فار�سية و�أوردي � ��ة وتعني‬ ‫�صاحب العمل �أو امل�س�ؤول‪ .‬وبالرغم من‬ ‫وج ��ود كلمة �أرب� ��اب يف العربية كالقول‬ ‫«�أرباب العمل» مبعني �أ�صحاب الأعمال‪� ،‬إال‬ ‫�أن اللفظة ومعناها م�أخوذان من الأوردية‬ ‫حيث دخلت يف اللهجة بنف�س املعنى ك�أن‬ ‫ي�س�أل �سائل‪ :‬وين �أرباب �أو كيف �أرباب؟‪.‬‬ ‫�أن���ك���ر «�أجن������ر»‪ :‬ه��ي م��ر��س��اة ال�سفينة‬ ‫وم�شتقة من كلمة ‪ anchor‬الإجنليزية‪.‬‬ ‫�إن�ك��ري��زي و�إن �ق��ري��زي‪ :‬ه��و و�صف الرجل‬ ‫الأجنليزي‪ ،‬جمعها �إجنريز �أو �أنكريز‪.‬‬ ‫�إنكيج «�إنقيج»‪ :‬وتعني حمجوز‪.‬‬

‫حرف الباء‬ ‫بارجيل «ب��ارك��ي��ل»‪ :‬وه��و ب��رج للتهوية‬

‫يبنى يف امل��دن ال�ساحلية ويبنى ع��ادة من‬ ‫الطني �أو مادة ال�صاروج‪ ،‬وله �أربع جهات‬ ‫جموفة ويرتفع فوق املنزل ليعرت�ض جمرى‬ ‫الهواء الذي ي�سري يف جتويفاته الأربعة �إىل‬ ‫داخل املنزل لي�شبعه بالهواء البارد‪ ،‬وميكن‬ ‫بناء الباركيل �أي���ض� ًا م��ن �سعف النخيل‬ ‫والأخ�شاب‪ ،‬والكلمة دخيلة من الفار�سية‬ ‫«باد كري» �أو «باد قري»‪.‬‬ ‫برتي‪ :‬بطارية ال�سيارة‪ ،‬وهي البطاريات‬ ‫امل�ستخدمة يف امل�صابيح اليدوية وكذلك‬ ‫�أج �ه��زة ال��رادي��و وغ�يره��ا م��ن الأج �ه��زة‬ ‫الكهربائية وال�ساعات‪.‬‬ ‫ب��ال��دي ‪:‬ال�سطل‪ ،‬وه��ي كلمة دخيلة من‬ ‫الأوردية‬

‫الآثار ميكن ترميمها ‪ ..‬فماذا عن اللغة ؟‬

‫بارهوز ‪ :‬حمطة توليد الطاقة الكهربائية‬ ‫وهي دخيلة من اللغة الإجنليزية « ‪power‬‬ ‫‪.» house‬‬ ‫بخت ‪ :‬حظ وح�سن طالع‪ ،‬ويقال باللهجة‬ ‫الإم��ارات �ي��ة‪ :‬ي��ا بختك للرجل‪ ،‬ويابختج‬ ‫للمر�أة‪ ،‬وه��ي كلمة فار�سية مبعنى حظ‪.‬‬ ‫يقول ال�شاعر �سامل اجلمري‪:‬‬

‫المعجم ليس دعوة‬ ‫للعصبية اللغوية بل‬ ‫للحفاظ على اللهجة‬ ‫الخاصة بهذه األرض‬ ‫التي نشأنا عليها ودرج‬ ‫عليها آباؤنا وأجدادنا‬

‫�س ـع ــد اللـيــايل �صـارت �أت��ـ��راح واتـبـدلـت‬ ‫عـقب الطـرب نــوح‬ ‫من عـقـب مـانـا �صـرت مرتـاح بـايل وبــاب‬ ‫ال�صــد مـف ـت ــوح‬

‫ك��ـ��ـ��ن ال��ـ��ب��ـ��خ��ـ��ت ي��ـ��ـ��ـ�� ّذاب��ـ��ـ��ي وط��ـ��ـ��ـ��اح‬ ‫و�آزم���������ت ع��ـ��ق��ـ��ب ال���ـ���ق���ـ���رب م���ن���ـ���زوح‬ ‫ي��ـ��ام��ـ��ـ��ـ��ا ���س��ـ��ق��ـ��ان��ـ��ـ��ـ��ي خ��ـ��ـ��ل��ـ��ي ب��ـ��ـ��ـ��راح‬ ‫ك��ـ��ـ��ا���س احل���ـ���ي���ـ���اة و����ص���ـ���رت مم��ـ��ن��وح‬ ‫بر�ستي ‪ :‬كوخ م�صنوع من ال�سعف مغطى‬ ‫بالق�صدير �أو الزنك‪ ،‬وهي لفظة ا�سبانية‬ ‫«بركيا» وتعنى ال�صومعة ‪.‬‬ ‫ب�شت‪ :‬هو ما يلب�سة ال�شيوخ وعلية النا�س‬ ‫يف الإمارات فوق الثوب والذي ي�سمى‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪94‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫بالف�صحى م�شلح‪ ،‬وهي كلمة من �أ�صل‬ ‫فار�سي بنف�س املعنى واللفظ‪.‬‬ ‫برغي‪ :‬امل�سمار الد ّوار‪ ،‬وهي كلمة تركية‬ ‫‪.burgu‬‬ ‫بروانه ‪ :‬مروحة ال�سفينة �أو القارب وهي‬ ‫دخيلة من الفار�سية والرتكية‪.‬‬ ‫برو�ش ‪ :‬وهي الفر�شاة �سواء امل�ستخدمة‬ ‫لتنظيف الأ�سنان �أو تنظيف املنزل‪ ،‬وهي‬ ‫كلمة دخيلة من اللغة الأجنليزية‪. brush‬‬ ‫ب�س ‪ :‬تعنى كفى‪ ،‬ك�أن تقول لأحد ما ‪ :‬ب�س‬ ‫خلك من ها الرم�سة‪.‬‬ ‫ب�شكار ‪ :‬العامل الذي يف املنزل كخادم‪،‬‬ ‫وهي من اللغة الفار�سية‪.‬‬

‫بتوجيه ومراقبة عن �إجن��از العمل‪ ،‬وهي من‬ ‫حرف التاء‬ ‫(‪)1‬‬ ‫اللغة الأوردية بنف�س املعني وللفظ ‪.‬‬ ‫تاوة ‪ :‬املقالة‪ ،‬وهي كلمة تركية‬ ‫ت��ي��م ‪:‬ال��وق��ت �أو ال�ت��وق�ي��ت‪ ،‬ويف الإم� ��ارات‬ ‫تنت ‪:‬ال�سجائر‪ ،‬وهي التبغ وهي من اللغة‬ ‫م�سابقات الإبل لك�سر الوقت‪ ،‬ويقال بالفكاهة‬ ‫الرتكية بنف�س املعنى واللفظ‬ ‫يف و�صف الفتاه اجلميلة �أنها «ك�سر تيم » دليال‬ ‫ت��ري��ب ‪:‬اجل��زء من النقلة ك ��أن نقول هذا‬ ‫عن جمالها البارع‪ ،‬وهي من اللغة الإجنليزية‬ ‫تريب واح��د من نقلة الب�ضاعة‪ ،‬وجمعها‬ ‫«‪ »Time‬ويف ذل��ك يقول ال�شاعر بن مهيلة‬ ‫تريبات‪ ،‬وهي من اللغة الإجنليزية «‪Trip‬‬ ‫ال�شام�سي ‪:‬‬ ‫»‪ ،‬وي�ستخدمها ال�سائقني بقولهم ‪ :‬كم تدفع‬ ‫يف الرتيب ال��واح��د؟ وال���س��ؤال ‪ :‬كم تريد �أب�ش ــر ب�شــوفة �صاحـبـك من قــبل رم�ضـان‬ ‫فلــو ك ــان مــبعــد والب ــحر دار من دونه‬ ‫بالرتيب ؟‬ ‫تريك ‪ :‬ويلفظ تريج‪ ،‬وهو امل�صباح الذي الزم ن ــزوره ويــن يطـري لـنــا �سـ ـ ـكــان‬ ‫والزم و�ص ــول ــه لــو بعي ــدٍ ي ــذك ــرونه‬ ‫يعمل بالكاز « القاز »‪ ،‬وهي كلمة التينية‬ ‫فــي خ ــن �صــارو ٍخ جـديــدٍ ورد ف ـ ـنــان‬ ‫تعني امل�صباح ‪.‬‬ ‫تي ـ ـمــه ربــع �س ــاعة والزم تـو�صـلونه‬ ‫تنديل ‪:‬م�س�ؤول العمال‪ ،‬وه��و ال��ذي يقوم‬

‫�ضياع اللهجة‬ ‫ما دفعني للكتابة يف هذا املجال‪ ،‬هو ما طر�أ على اللهجة العامية الإماراتية‬ ‫من تغيري وا�ستخدام الإماراتيني لألفاظ �أجنبية و�أحياناً عربية ولكنها‬ ‫لي�ست حملية وا�ستبدالهم للكلمات املحلية بهذه الكلمات الدخيلة على‬ ‫العامية الإماراتية ما �أفقد اللهجة رونقها وخ�صو�صيتها‪ .‬و�أ�صبح الن�شء‬ ‫اجلديد ال يتحدث بهذه اللهجة اخلا�صة بل بخليط عجيب من اللهجات‬ ‫العربية املختلطة ببع�ض امل��ف��ردات الأجنبية �أو حتى باللغة الإجنليزية‬ ‫ال�صرفة‪ ،‬لتفقد بذلك اللهجة الإماراتية رونقها اخلا�ص‪.‬‬

‫ت��� َّي���ت‪�:‬أي �شد ال�برغ��ي �إىل �أق�صى حد‪،‬‬ ‫وه��ي �شدة و�إح�ك��ام الغلق‪ ،‬وه��ي من اللغة‬ ‫الإجنليزية « ‪» Tight‬‬

‫حرف اجليم‬ ‫جو�ش ‪:‬الع�صري واي م�شروب معلب‪ ،‬وهي‬ ‫من اللغة الإجنليزية « ‪» Jose‬‬


‫جيب ‪:‬الالندروفر‪� ،‬سيارة �صناعة‬ ‫بريطانيا وهي من �أوائل ال�سيارات التي‬ ‫و�صلت الإمارات واعتمد عليها ال�سكان‬ ‫لفرتات طويلة من تاريخ الدولة‪ ،‬وال‬ ‫تزال هذه ال�سيارة لها مكانة خا�صة يف‬ ‫نفو�س الأماراتيني والكثري منهم يحتفظ‬ ‫مبوديالت قدمية منها على �سبيل التذكار‪،‬‬ ‫وقد تغنى الكثري من ال�شعراء بهذه‬ ‫ال�سيارة‪ ،‬وفيها قال ال�شاعر عبيد بن‬ ‫مع�ضد النعيمي ‪:‬‬

‫ي��ا �س ـعــيد( ) �إن ك���ان تــره ـيـله‬ ‫ث��ـ��ـ��ي��ـ��ـ��ـ��ب��ـ��ـ��ن��ـ��ـ��ي ي��ـ��ا ن��ـ��ـ�����س��ـ��ـ��ـ��ل ل��ـ��ـ��ي��ـ��ـ��وادي‬ ‫ب��اع��ط��ـ��ي��ـ��ك و����ص���وف و ادل��ـ��ي��ـ��ـ��ل��ه‬ ‫ك���ـ���ان ���ص��ـ��ـ��وب��ـ��ـ��ه رح���ـ���ـ���ت ق��ـ��ـ�����ص��ـ��ـ��ـ��ادي‬ ‫ف���ـ���وق يل ي��ـ��ـ��ق��ـ��ـ��ـ��ط��ـ��ع مــ�سـاهيله‬ ‫ذب ل��ـ��ـ��ي م��ـ��ـ��ـ��ن ي��ـ��ـ��ـ��اه م��ـ��ـ�����س��ـ��ـ��ـ��ن��ـ��ـ��ادي‬ ‫ج��ـ��ـ��ي��ـ��ـ��ب م��ـ��ا ت��ـ��ـ�����س��ـ��م��ع ت��ـ��ب��ـ��ادي��ـ��ل��ه‬ ‫ف��ـ��ـ��ـ��ي ال��ـ��ـ��ث��ـ�لاث��ـ��ـ��ة و�أالرب���ع���ـ���ه ع��ـ��ـ��ـ��ادي‬ ‫وف���ـ���ي ال��ـ��ث��ـ��ـ��ـ��ن��ـ��ي��ـ��ـ��ن��ـ��ة ال ت��ـ��وزي��ـ��ل��ه‬ ‫( )يف ال��ن��ـ��ـ��ـ��زول وك��ـ��ـ��ل م��ـ�����ص��ـ��ع��ـ��ـ��ادي‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫ج�ي�ر ‪ :‬وت�ل�ف��ظ ق�ي�ر‪ ،‬وه��ي ع�م��ود تغيري‬ ‫ال �� �س��رع��ة يف ال �� �س �ي��ارة وه ��ي م��ن اللغة‬ ‫الإجنليزية «‪»gear‬‬ ‫ج�� ّي��م ‪�:‬أي توقف ع��ن ال���دوران وتعذرت‬ ‫�إدارت� � ��ه‪ ،‬وه ��ي م��ن ال�ل�غ��ة الإجن �ل �ي��زي��ة «‬ ‫‪»Jammed‬‬

‫حرف الزاي‬ ‫زام ‪:‬املناوبة يف العمل‪ ،‬وهي الرتتيب يف‬

‫ال�صف �أو الطابور‪ ،‬حيث يقال ‪ :‬اوقف يف‬ ‫زام��ك‪� ،‬أي قف يف ال�صف وفقا ل��دورك‪،‬‬ ‫وال��زام ع��ادة ما يكون للع�سكريني الذين‬ ‫يتولون مناوبات ليلية �أو لفرتة زمنية يف‬ ‫املخيمات الع�سكري‪ ،‬فلما ي�س�أل �أين فالن ؟‬ ‫يقال ‪ :‬عليه زام‪� ،‬أو ما�سك زام‪� ،‬أو مم�سوك‬ ‫زام‪� ،‬أم��ا عند ال���س��ؤال فيقال ‪ :‬زام منو‬ ‫احلني ؟ �أو من عليه الزام اليوم ؟ وهي من‬ ‫(‪)4‬‬ ‫اللغة الفار�سية‬

‫اللهجات المحلية في‬ ‫اإلمارات تشترك في‬ ‫معظم المحددات‬ ‫الخاصة للهجة‬ ‫كطريقة نطق الحروف‬ ‫والمخارج الصوتية‬ ‫والترقيق والتبسيط‬ ‫وحذف بعض الحروف‬ ‫كالهمزة في الحديث‬ ‫زربول ‪:‬جورب عادة ما يكون من‬ ‫ال�صوف لل�شتاء‪ ،‬ويلب�سه الرجال والن�ساء‪،‬‬ ‫جمعها زرابيل‪ ،‬ويعتقد �أنها كلمة رمانية‬ ‫و�صلت الإمارات عرب ال�شام‬ ‫زري ‪:‬خيوط ذهبية يف العادة تزين بها‬ ‫�ألب�سة الن�ساء والفتيات‪ ،‬حتاك على الثياب‬ ‫ب�أ�شكال خمتلفة وهي عاد ما تكون ملاعة‪،‬‬ ‫وهي من اللغة الفار�سية « زر » وتعني الذهب‬ ‫زطي ‪ :‬لفظ يطلق على البخيل من النا�س‬ ‫�أو قليل امل� ��روءة‪ ،‬جمعها زط��وط وه��م كرث‬ ‫و�أ�شبه بالغجر املتنقلني وهم جيل ال يعرف‬ ‫ل�ه��م ن�سب ح�ي��ث �أن �ه��م خليط م��ن امل��وايل‬ ‫والعجم‪ ،‬وقيل عنهم �أنهم من �أتباع العائلة‬ ‫ال�سا�سانية يف �إي��ران وي��وال��وه��م‪ ،‬ويقال �أن‬ ‫ت�سميتهم جاءت ن�سبة �إىل جبل « زط » وهو‬ ‫جبل يف الهند‪ ،‬والزطاط يف املغرب هو حار�س‬ ‫الليل‪ ،‬ي��ؤخ��ذ عليهم �أن�ه��م ك�ث�يروا الن�سل ال‬ ‫يعريون للقوانني االجتماعية �أية �أهمية‪ ،‬ولهم‬ ‫عاداتهم وقوانينهم اخلا�صة وال ينتمون الي بلد‬ ‫لذا ف�إنهم يف الإمارات غالبا جمهولوا الن�سب‬ ‫واجلن�سية والإن�ت�م��اء وال يحملون �أي �أوراق‬ ‫ثبوتيه ويعي�شون يف جممعات مغلقة‪ ،‬االمر الذي‬ ‫ي�شكل عبئا �أمنيا على ال��دول التي يتواجدون‬ ‫فيها ويدعون �أنهم من املن�سيني يف املجتمعات‬ ‫زنكار ‪:‬ال�صد�أ‪ ،‬وهي من اللغة الفار�سية‬ ‫بنف�س اللفظ واملعنى‬ ‫وم��ا ه��ذه �إال �أمثلة قليلة عن ع��دد �ضخم‬ ‫من املفردات التي ن�سعى لتبويبها وفرزها‬ ‫ون���ش��ره��ا يف ك�ت� ّي��ب ب �ه��دف تنقية اللغة‬ ‫الإم��ارات��ي��ة الأ��ص�ي�ل��ة مم��ا ع�ل��ق ب�ه��ا من‬ ‫�شوائب‪ ،‬فلترتاث الإم��ارات��ي الأ�صيل حق‬ ‫علينا ت�أديته‬

‫هوام�ش املعجم‬ ‫‪ - 1‬يــا بنتنا يـا حلــوة املجــدول‬ ‫م��ـ��رف��وق ع���ن ت��ن��دي��ل وع���ن ك��ويل‬ ‫يا غري ياللي يركبون احلويل‬ ‫ول���ه���ـ���م م��ق��ـ��ـ��ر و����س���ـ���ط ب��ـ��ـ��ر امل����ويل‬ ‫‪ - 2‬ال�شاعر �سعيد بن كلفوت بن �سرور بن‬ ‫مهيلة ال�شام�سي‪ ،‬املعروف بابن مهيله‪ ،‬وهو‬ ‫من كبار �شعراء االم��ارات املعروفني‪ ،‬ولد‬ ‫عام ‪1939‬م وانتقل اىل رحمة اهلل ‪1998‬م‬ ‫يف مدينة العني ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬ويف اجليب تغنى العديد من ال�شعراء ملا‬ ‫كان له من ت�أثري يف تقريب البعيد وال�سري‬ ‫�إىل احلبيب وقطع امل�سافات البعيدة‪ ،‬ويف‬ ‫اجليب كتب �شاعر الإمارات الكبري �أحمد‬ ‫بن علي الكندي املرر فقال ‪:‬‬

‫قم يا نديبي فوق ملموع لطراف ‬ ‫جيبٍ م ــن الط ـ ــرز اجلــديد اخلياره‬ ‫طرز اجلـديد اللي على ال�سري هـزاف‬ ‫مكتم ــل التم ــرين مــا بــه غيـ ـ ــاره‬ ‫تواي ــره مــن «لطل�سيات» لـخـف ـ ــاف‬ ‫تــوطى الرم ــال الراخــية واحلجــاره‬ ‫ومفــ�صلٍ لــه ف ــوق ل�صياخ رفـراف‬ ‫وم ــورد الرفـ ــراف فـ ــوق الغمــاره‬ ‫عجل ايال اقفا مثل عـا�صوف ل�صياف‬ ‫ما تخـ ــ�ص منــه كـ ــود حـاثي غباره‬ ‫يك�سر على العطفــه كما طري خطـاف‬

‫ويــزرق كمــا زرق احلن�ش م اخلواره‬ ‫منوتـك لــي ب ـدّت مـ ــالزمي وا�شفـاف‬ ‫يقــرب ــك م الل ــي معب ـ ــداتٍ دي ــاره‬ ‫عليه قــر ٍم م املنـ ــاع ــري ل�شـ ـ ــراف‬ ‫فهي ــم م ــا ي ــزداد ع ــرف و�شطـاره‬ ‫ي�ســري و لــو باقـي مـن الليل لن�صاف‬ ‫و ي ــدل فــي لـيــله كـمـا فـي نه ــاره‬ ‫خــال علــى مين ــاه بـال�سي ــر ل�سـيــاف‬ ‫واخ�ش ــوم بـر البـاديــه عــن ي�ســاره‬ ‫‪ - 4‬ق�صيدة فتاة العرب «تختال عيني»‬

‫كـم ليلـ ٍة هـا�ض الفـكـر مابـعـد نــام‬ ‫وعيني عـن العـاذل تعمـدت �صدتهـا‬ ‫كني علـى بـاب ال�شقـا ما�سـك الـزام‬ ‫عقبك �ضياع الظنـون وفـي متاهتهـا‬


‫إرهاصة‬ ‫‪96‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نو فمرب‬ ‫‪2012‬‬

‫أوراق الماء‬ ‫لـ«منىمطر»‬ ‫منذ‬

‫�أي��ام أ�ع��دت ق��راءة جمموعة «�أوراق امل��اء»‬ ‫لل�شاعرة الإماراتية منى مطر‪ ،‬وا�ستعدت‬ ‫بع�ض خواطر كنت قد دونتها حولها‪.‬‬ ‫حتاول منى مطر يف جمموعتها ترتيب بع�ض �أمورها‬ ‫اخلا�صة‪� ،‬أهمها عالقة ما �شائكة بالوطن‪ ،‬وعالقة‬ ‫�أخرى مرتبكة بالرجل‪ ،‬وهي من �أجل ذلك ت�ستح�ضر‬ ‫�أمن���وذج الت�صوف ال ��ذي ُت��ر ِّق��ع خرقته البالية يف‬ ‫الأ�سا�س‪ ،‬عن عمد رمبا‪ ،‬بعنا�صر موحية لها دالالت‬ ‫وليد عالء الدين‬ ‫خارجة عن �سياق الت�صوف‪ ،‬بخيوط من ن�سيج �آخر له‬ ‫عالقة باجل�سد والأر�ض والرجل‪ ،‬وهي �أمور بعيدة عن‬ ‫مائدة ال�صويف العامرة بالفوقي واملتعايل‪ .‬هذا املزج‬ ‫و�إن �شابه قليل من االرتباك هو حماولة لتو�ضيح �أنها‬ ‫ارتدت عباءة الت�صوف ‪-‬النقي�ض ملا تريده‪ -‬فقط من‬ ‫�أجل التعبري عن م�شكالت لها عالقة باملادي‪ ،‬ورمبا‬ ‫يكون ت�أكيدها اللفظي بتكرار كلمة اجل�سد يف �أكرث‬ ‫من مقطع املثال الأو�ضح على ذلك‪� ،‬إال �أن ع��دد ًا ال‬ ‫ب�أ�س به من مقاطع املجموعة ميكن بقليل من اخليال‬ ‫عرب ‪ -‬فهمنا لهذه الداللة ‪� -‬أن يتحول �إىل حديث عن‬ ‫هذا اجل�سد الأنثوي املقموع يف حاالته كلها‪ ،‬والذي‬ ‫يعاين من العط�ش‪ ،‬فت�صبح «كهرباء اجل�سد البارد»‬ ‫‪ ،‬وت���أوه الغمام عند اال��ص�ط��دام‪ ،‬و�أن�ف��ا���س الأح�ب��ة‪،‬‬ ‫وال�شحنة الكهربائية ال�صغرية‪ ،‬وال�سحابة التي تعرف‬ ‫كيف يقاد املاء �إىل مداه‪ ،‬وغريها يف لوحة «برق» –‬ ‫�إحدى �أطول لوحات املجموعة‪ -‬عنا�صر ت�أكيد لتلك‬ ‫ال�صورة‪.‬‬ ‫داخل هذا الإط��ار ت�سعى ال�شاعرة �إىل الت�أكيد على‬

‫�أن ذات الأنوثة كل ال ينف�صل وال يتجز�أ‪ ،‬فال ميكن‬ ‫للمجتمع �أن يحظى بامر�أة �صاحلة دون �أن تكون �أنثى‬ ‫كاملة‪ ،‬وال ميكن له �أن يتحدث عن �أم مثالية بينما‬ ‫يقمع يف امل��ر�أة عنا�صرها الطبيعية‪ ،‬وال ميكن �أن‬ ‫يحظى ب�أخت حقيقية دون �أن ي�سمح لها ب��أن تكون‬ ‫ن��د ًا و�صديق ًا‪ ،‬وهي تخت�صر م�صري العالقة املختلة‬ ‫بني الذات الأنثوية وجمتمعها يف عبارة موجزة تبني‬ ‫حجم الكذبة التي يعي�ش فيها املجتمع وهو يعتقد �أنه‬ ‫قد جنح يف كبت تلك الذات وتقليم �أظافرها ‪« :‬ذلك‬ ‫اخلتم الذي مهرمت به القمقم‪ /‬و�أنتم تلقونني يف اليم‬ ‫مكتوف ًا‪ /‬كان خامتي‪..‬انظروا!»‬ ‫امل���ش�ك�ل��ة ال �ت��ي مي�ك��ن احل��دي��ث ع�ن�ه��ا يف م�ث��ل ه��ذه‬ ‫الرتكيبات الفكرية البالغية التي اجن��ذب��ت �إليها‬ ‫منى مطر يف جمموعتها‪� ،‬أن م�صدر جمالها هو‬ ‫مكمن خطورتها‪ ،‬مبعنى �أن املقطع ‪/‬الرتكيب ميوت‬ ‫ف��ور ًا «مبعنى ع��دم حتقق ال��دالل��ة» �إن مل ينجح يف‬ ‫�أن ي��أخ��ذك للوهلة الأوىل ويفر�ض عليك منطقه‪،‬‬ ‫لأن خ��روج��ك م��ن قب�ضته با�ستح�ضار منطق �آخ��ر‬ ‫يعني قراءة خارجية له ال تذهب بك �إىل حيث �أراد‬ ‫ال�شاعر‪� ،‬أي �أن ه��ذا النوع من الكتابة يحتاج �إىل‬ ‫احرتاف عال ودربة كبرية ت�شبه الفطرة جتعله قادر ًا‬ ‫على فر�ض منطقه معه للوهلة الأوىل‪ ،‬لأن ا�ستقامته‬ ‫اجلمالية والداللية مرتبطتان بحيث تف�شل �إحداهما‬ ‫دون الأخرى‪ ،‬فتتحول �إىل �أحجية يعاب عليها غياب‬ ‫احلجة واجلمال‪� ،‬أو �إىل عبارة جميلة ال دالل��ة لها‪،‬‬ ‫كما �أن ه��ذا ال�ن��وع م��ن التهوميات ال�شعرية يحيل‬


‫القارئ �إىل منابعه الأوىل عند املت�صوفة احلقيقيني‪ ،‬وهو‬ ‫�أمر يف حد ذاته كفيل ب�أن ي�ضعها على حمك ال طاقة لها‬ ‫باحل�ضور �أمامه‪« :‬من �ضاق عن مدي فجزا�ؤه جزري»‪،‬‬ ‫«عندما تتكور الأر���ض على نف�سها كحلقة حرف امليم‪،‬‬ ‫يفي�ض املاء»‬ ‫ولنخرت عبارة من عبارات منى مطر ونحاورها قلي ًال‪:‬‬ ‫«�سقط خلخايل‪ /‬فج�أة‪ /‬رنت الأر�ض»‬ ‫العبارة مكونة من جملتني حموريتني تقطعهما وت�صلهما‬ ‫يف ال��وق��ت نف�سه كلمة تفيد ع��ن احل��ال‪ ،‬وه��و الفج�أة‪،‬‬ ‫واملق�صود من ترتيب اجلملتني ‪ :‬جملة ال�سقوط‪� :‬سقط‬ ‫خلخايل‪ ،‬وجملة الرنني ‪ :‬رنت الأر�ض‪� ،‬أن الأخرية نتيجة‬ ‫للأوىل‪ ،‬و�أن الأوىل �سبب للأخرية‪.‬‬ ‫ه�ن��اك بع�ض الأ� �س �ب��اب ال�ت��ي مت�ن��ح ال �ع �ب��ارة �شعريتها‬ ‫امل�ف�تر��ض��ة‪ ،‬منها ال�غ�م��و���ض امل�ح�ي��ط باملتكلم �صاحب‬ ‫اخللخال‪ ،‬و�صاحب العبارة‪ ،‬فياء املتكلم يف خلخايل هي‬ ‫الدال الوحيد الذي ي�شعرنا بوجوده‪ ،‬كما �أن عدم �إقحام‬ ‫فاء ال�سببية �أو الرتتيب بني اجلملتني «�سقط خلخايل‬ ‫أف�سح املجالَ ملزيدٍ من عمل املخيلة وهو‬ ‫فرنت الأر�ض» � َ‬ ‫�أمر �شعري‪ ،‬كما �أن املنطق اخلا�ص الرابط يف العالقة‬ ‫بني املكونني الرئي�سني للعبارة «اخللخال‪ ،‬والأر�ض» لعب‬ ‫دور ًا كبري ًا يف �إك�ساب الأمر مزيد ًا من ال�شعرية‪ ،‬لأنه فتح‬ ‫العبارة على الإيحاء‪ ،‬تبقى كلمة «فج�أة» التي ميكن �أن‬ ‫تثري بع�ض اجل��دل‪ ،‬هل يعد وجودها نوع ًا من الإقحام‬ ‫�أ�ضاع على القارئ فر�صة املفاج�أة نف�سها‪� ،‬أي �أنه مهد‬ ‫ب�شكل رت�ي��ب مل��ا ينبغي �أال يتم التمهيد ل��ه‪ ،‬وك��ان من‬ ‫الأف�ضل �أن يرتك �سر الرنني لعالقة اخللخال بالأر�ض‬

‫ولي�س للمفاج�أة‪� ،‬أم �أن الكلمة لعبت دور ًا يف �إك�ساب‬ ‫العبارة بع�ض ال�شعرية‪.‬‬ ‫هذه الطريقة يف التفكري تعود بنا �إىل احلديث عن منطق‬ ‫املقاطع الذي �أ�شرت �إليه منذ قليل‪ ،‬هنا رمبا �أ�صابت هذه‬ ‫املفردة «فج�أة» حالة التلقي باخللل‪ ،‬لأنها �أحدثت وقف ًة‬ ‫طرح خاللها املتلقي منطقه اخلا�ص اخلارجي‪ ،‬فاعتور‬ ‫َ‬ ‫املقطع �شعو ٌر بالعادية وك��أن ام��ر�أة �سقط خلخالها من‬ ‫قدمها ف�أحدث �صوت ًا على الأر�ض‪ ،‬وك�أن املطربة ال�شعبية‬ ‫ميه»‪ ،‬هل ي�صلح الآن �أن �أردد املقطع‬ ‫تغني «رنة خلخايل ّ‬ ‫هكذا‪�« :‬سقط خلخايل ‪ ..‬رنت الأر�ض»!!‬ ‫يف املقابل تعالوا ن�ستمع مع ًا �إىل ه��ذا ‪« :‬كانوا يثقبون‬ ‫اجل��دار‪ ،‬يثقبون قلبي‪ ،‬وكنا نتابع الأزم�ي��ل‪ ،‬هو يحفر‪،‬‬ ‫وقلبي يت�سع لثقوب الفراغ»‬ ‫هذا التعدد ال�ثري داخ��ل املقطع خلق حالة �أ�شبه بتيار‬ ‫مت�صل مل تفق منه �إال و�أنت متلب�س بجماله الذي فر�ضه‬ ‫عليك منطقه‪ ،‬وهو ال يعني �أن املقطع �صار مقد�س ًا‪ ،‬ف�أنت‬ ‫يحق لك �أن تعبث معه كيفما �شئت‪� ،‬إال �أنك لن ت�ستطيع‬ ‫�إال �أن ت�سرتجع حالوة االنطباع الأول الذي خلفه لديك‪.‬‬ ‫هذه الـ «كانوا» والـ «كنا» والـ «هو» و«الأنا» ‪ -‬املت�ضمنة يف‬ ‫«قلبي» – تنويعات جميلة‪ ،‬ثمة وحدة حال بني ال�شاعرة‬ ‫و�آخرين ت�شري �إليهم يف غمو�ض لذيذ‪ ،‬ثمة انتقال يدوخك‬ ‫�أثناء متابعة فعل الثقب يف اجل��دار‪ ،‬الثقب يف القلب‪،‬‬ ‫ويده�شك و�أنت ترى القلب يت�سع لثقوب الفراغ‪ .‬هنا يكتمل‬ ‫ال�شعري باكتمال املنطق‪ ،‬ف�أ�سمي هذا املقطع باملنطقي‪،‬‬ ‫مبعنى �أنه جنح يف فر�ض منطقه اخلا�ص الداخلي‪ ،‬ومل‬ ‫ي�سمح ملنطق خارجي �أن يفر�ض نف�سه عليه‬


‫في حضرة الشعر‬ ‫‪98‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫و�صفها املتنبي بحبال احلياة وطيور ال�صحراء‬

‫اإلبل في الشعر العربي‬

‫سفائن البدو ومهور الحرائر‬

‫�صالح ال�شهاوي‬ ‫احتلت الإبل من نفو�س العرب مكانة مرموقة ال‬ ‫تكاد تعدلها �أو تدانيها منزلة �أي �شيء �آخر‪� ،‬إذا‬ ‫نحن ا�ستثنينا اخليل‪ .‬ولي�س �أدل على ذلك من‬ ‫�أنها كانت ت�سمى باملال‪ ،‬فكلمة املال �إذا �أطلقت يف‬ ‫كالم العرب �أريد بها الإبل «جمل ‪ -‬ناقة ‪ -‬بعري»‪.‬‬


‫وكيف ال حتتل الإبل هذه املكانة‪ ،‬وال تتبو�أ هذه‬ ‫املنزلة‪ ،‬وحتى وقت قريب كانوا يقي�سون عز‬ ‫القبيلة وقوتها بعدد الإبل التي متتلكها‪ ،‬فكلما‬ ‫كرث عددها �أ�صبح للقبيلة �ش�أن كبري‪ .‬وكانت‬ ‫يف الوقت نف�سه ثمن ًا للأفراح والأتراح‪ ،‬فمهر‬ ‫العرو�س من النياق‪ ،‬وكلما زاد عدد النوق زاد‬ ‫قدر العرو�س‪ ،‬وق�صة عبلة م�شهورة ومعروفة‬ ‫للجميع‪ ،‬حني ا�شرتط والدها على عنرتة مئة‬ ‫من النوق املغاتري‪.‬‬ ‫كانت الإب��ل يف الأت��راح ثمن ًا لوقوف ال��دم‪.‬‬ ‫وت��دف��ع دي��ة للقتل اخل �ط ��أ غ�ير املق�صود‪،‬‬ ‫ح�سبما يقرره عقالء القوم‪� ،‬أو ح�سبما اتفق‬ ‫عليه اجلميع وقتها‪.‬‬ ‫والإب��ل رفيقة للإن�سان العربي منذ القدم‪،‬‬ ‫فهي �سفينته عربال�صحراء‪ ،‬وقد طوى على‬ ‫ظهرها الفيايف وال�ق�ف��ار‪ ،‬و�أدل ��ج الأ�صقاع‬ ‫والأم�صار‪ ،‬وهي �شريان حياته الناب�ض يف‬ ‫موا�صالته وتنقالته‪ ،‬فنجدها ط��وع �أم��ره‪،‬‬ ‫يوجهها ب�صوته كيف ي�شاء‪ ،‬ويطربها بغنائه‬ ‫�إن غنى‪ ،‬ويجذبها ب�صوت حدائه‪ ،‬ت�ستجيب‬ ‫لندائه فرحة م�سرورة‪� ،‬إذا �صاح راعي الإبل‬ ‫جتمعت حوله من �أقا�صي مرعاها‪ ،‬وك�أنه‬

‫ي�ن��ادي ج �ن��ود ًا طيعني‪ ،‬وحت�ي��ط ب��ه �إح��اط��ة‬ ‫ال�سوار باملع�صم فتنتظر �أوامره وتوجيهاته‪.‬‬ ‫يقول الدمريي يف كتابه احليوان‪« :‬ما خلق‬ ‫اهلل �شيئ ًا م��ن ال ��دواب خ�ير ًا م��ن الإب��ل �إن‬ ‫أبعدت‪ .‬و�إن ُحلبت‬ ‫ُحملت �أثقلت‪ .‬و�إن �سارت � ْ‬ ‫�أروت‪ ،‬و�إن ُنحرت �أ�شبعت‪ .‬وملا �أراد اهلل �أن‬ ‫تكون الإبل �سفائن البرَ �صبرّ ها على احتمال‬ ‫العط�ش‪ .‬وجعلها ترعى كل �شيء نابت يف‬ ‫الرباري واملغاور مما ال يرعاه �سائر البهائم‪.‬‬ ‫والإب���ل م��ن احل �ي��وان��ات العجيبة و�إن كان‬ ‫عجبها �سقط من �أعني النا�س لكرثة ر�ؤيتهم‬ ‫لها وذاك �أن��ه حيوان عظيم اجل�سم �سريع‬ ‫االنقياد‪ ،‬ينه�ض باحلمل الثقيل وي�برك به‬ ‫ب�صوت واحد‪ .‬وي�أخذ زمامه �صبي فيذهب به‬ ‫حيث �شاء‪ .‬و ُيتخذ على ظهره بيت فيجعل فيه‬

‫ّ‬ ‫قل أن تجد شاعر ًا جاهلي ًا‬ ‫لم يتحدث عن عالقته‬ ‫بناقته وقد أعطانا‬ ‫القدماء من شعراء‬ ‫العرب أجمل الصور‬ ‫الشعرية التي تتحدث‬ ‫عن تلك العالقة‬

‫الإن�سان م�أكوله وم�شربه وملبو�سه وظروفه‬ ‫وو�سائده كما يف بيته‪ .‬ويتخذ للبيت �سقف ًا وهو‬ ‫مي�شي بكل ذلك»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وك���ان اجل �م��ل ل�ل�أع��راب��ي ق��دمي��ا‪ .‬مو�ضع‬ ‫بج َلده و�صربه ي�ضرب‬ ‫الق�صيدة واحلكاية‪َ .‬‬ ‫املثل‪ ،‬وك��ان ملهم ًا لل�شعراء يف القدرة على‬ ‫احلركة و�سط الظروف ال�صعبة‪ ،‬وال�صرب‬ ‫على اجل��وع والعط�ش‪ ،‬لقد كان �أي�ض ًا رفيق‬ ‫الدروب ال�صعبة‪ ،‬وم�شوار احلياة القا�سية‪،‬‬ ‫وك��ان الأني�س واجللي�س‪ ،‬وم�صدر ال��رزق‪،‬‬ ‫وو�سيلة املوا�صالت‪ ،‬وعتاد احلرب‪.‬‬ ‫واجلمل يف املعنى اللغوي يعني الذكر من‬ ‫الإبل‪ ،‬و�أنثاه «الناقة» �أما «البعري» فيقع على‬ ‫الذكر والأنثى ودليل ذلك قول ال�شاعر‪:‬‬

‫ال ن�شتهي ل�بن ال��ب��ع�ير وع��ن��دن��ا‬ ‫ع�����رق ال����زج����اج����ة واك�������ف امل��ع�����ص��ار‬

‫مكانة الإبل يف تراث العرب‬

‫تزخر الثقافة العربية بالكثري من الأدبيات‬ ‫امل��رت�ب�ط��ة ب��الإب��ل م��ن م ��ؤل �ف��ات وق�ص�ص‬ ‫و�أ�شعار‪ ،‬ذلك �أن الإبل ارتبطت ‪-‬كما ارتبطت‬ ‫اخليل‪ -‬ب�إن�سان اجلزيرة العربية ارتباط ًا‬


‫في حضرة الشعر‬ ‫‪100‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫ع�ضوي ًا حتتمه طبيعة البيئة التي يعي�ش بها‬ ‫هذا الإن�سان‪ ،‬فكان للإبل كما للخيل مكانة‬ ‫خا�صة لديهم‪ ،‬فالإبل ترتبط مبناحي حياتهم‬ ‫ارت �ب��اط � ًا وث�ي�ق� ًا فعليها ي��رك�ب��ون وي��رح�ل��ون‬ ‫وينقلون متاعهم‪ ،‬ومن حليبها يتغذون وعلى‬ ‫حلومها يقتاتون‪ ،‬ومن وبرها يلب�سون‪.‬‬

‫الإبل يف ال�شعر العربي‬

‫ك��ان��ت الإب���ل وم��ازال��ت ذات �أث ��ر ك�ب�ير يف‬ ‫الأدب العربي‪ ،‬فقد تناول ال��رواة �أخبارها‬ ‫يف �أ�شعارهم و�أقوالهم و�أمثالهم ف�إذا كان‬ ‫ال�شعر العربي هو ديوان العرب‪ ،‬ف�إن الإبل‬ ‫عمود مهم م��ن �أع�م��دة ه��ذا ال��دي��وان منذ‬ ‫ع�صر اجلاهلية حتى الإ��س�لام وم��ا بعده‪،‬‬ ‫ولعلنا عندما ننتقي من اهتمامات فحول‬ ‫�شعراء العربية ماتعلق بالإبل ف�إننا بذلك‬ ‫نكون قد �أرجعنا ال�سيف �إىل غمده‪ ،‬والفرع‬ ‫�إىل �أ�صله‪ ،‬ال �س ّيما و�أن الإب��ل كانت حمط‬ ‫عناية الطبقة الأوىل من ال�شعراء العرب‪.‬‬ ‫ويف ال��و��ص��ف ل�ع��ل �أج ��ود م��اق�ي��ل يف و�صف‬ ‫الإبل‪ ،‬قول ال�شاعر العربي طرفة بن العبد‬ ‫يف معلقته امل�شهورة‪:‬‬

‫لم يحظ الجمل في‬ ‫الشعر الجاهلي بما‬ ‫حظيت به الناقة فقد‬ ‫ورد ذكره في قصائد‬ ‫معدودة أضفيت عليه‬ ‫فيها صفات الناقة‬ ‫وخصائصها‬ ‫وقال امر�ؤ القي�س‪:‬‬

‫ف��دع ذا و�سل الهم عنك بح�سر ِة‬ ‫ذم ٌ‬ ‫�������ول �إذا ����ص���ام ال���ن���ه���ار وه���ج���را‬ ‫ت���ق���ط���ع غ���ي���ط���ان���ا ك��������أن م��ت��ون��ه��ا‬ ‫�إذا �أظ���ه���رت ت��ك�����س��ي م��ل�اء م��ن�����ش��را‬ ‫ب��ع��ي��دة ب�ين املنكبني ك���أن��ه��ا ت��رى‬ ‫عند جم��رى ال�ضفر ه��راً ّ‬ ‫م�شجرا ً‪.‬‬ ‫وقال عبيد بن الأبر�ص‪:‬‬

‫وقال ح�سان بن ثابت‪:‬‬

‫ط��وى �أب��رق ال�� ُع��زاّ ِف يرع ُد مت َن ُه‬ ‫ح��ن�ين امل��ت��ايل ن ْ��ح�� َو ���ص��وتِ امل�����ش��ا ِي�� ِع‬

‫ومي�ضي ال�شاعر املر ّق�ش الأكرب بناقته تارك ًا‬ ‫خلفه الليل الطويل وموقد النار‪ ،‬وينتهي به‬ ‫�إىل و�صف املكان يف هد�أة الليل‪:‬‬

‫�لا ط��وي ً‬ ‫ت��رك��تُ ب��ه��ا ل��ي ً‬ ‫�لا وم��ن��زال‬ ‫وم���وق��� ُد ن����ا ٍر ْ‬ ‫مل ت��� ُر ْم��� ُه ال��ق��واب��ي��� ُ��س‬ ‫وت�سم ُع ت��زق��ا ًء م��ن ال��ب��و ِم ح ْولنا‬ ‫النواقي�س‬ ‫كما ُ�ضربتْ بع َد ال��ه��دو ِء‬ ‫ُ‬

‫ناقة طرفة بن العبد‬

‫ُيذكر �أن ال�شاعر طرفة بن العبد من �أكرث‬ ‫ال�شعراء �صحب ًة للناقة حتى �أن م�شكلته مع‬ ‫�أهله �صغري ًا و�إ�سرافه يف اللهو �شاب ًا دفعه �إىل‬ ‫التغرب يف البلدان هائم ًا على وجهه متن ّق ًال‬ ‫بني �أحياء العرب �أو قا�صد ًا امللوك‪ ،‬وال �أني�س‬ ‫له �إال ناقته‪ ،‬وهو القائل‪:‬‬

‫ك�������أن ف���ي���ه ع���������ش����اراً ج���ل��� ٌة ���ش��رف��ا‬ ‫���ش��ع��ث��اً ل��ه��ا م��ي��م ق��� ْد ه�� ّم��ت ب���أر���ش��ا ِح ك���������أن ح��������دوج امل����ال����ك����ي����ة غ�������دو ًة‬ ‫�ين ب��ال��ن��وا���ص��فِ م���ن د ِد‬ ‫خ�لاي��ا ���س��ف ٍ‬ ‫ب��ح��ا ح��ن��اج��ره��ا ه���د ًال م�شافرها‬ ‫يامن‬ ‫ت�����س��ي��م �أوالده��������ا يف ق���رق���ر ���ض��اح��ي عدولي ًة �أو من �سفني اب��ن ٍ‬ ‫و�إين لأم�ضي الهم عند احت�ضاره‬ ‫ي���ج���و ُز ب��ه��ا امل��ل��اح ط������� ْوراً وي��ه��ت��دي‬ ‫ي�����ش��ق ع��ب��اب امل����اء ح��ي��زوم��ه��ا بها‬ ‫ب���ع���وج���اء م����رق����الٍ ت�������رو ُح وت��غ��ت��دي للناقة مكانة عالية في‬ ‫ال���ت���رب امل���ف���اي���ل ب��ال��ي ِ��د‬ ‫ك���م���ا ق�����س��م‬ ‫�أم������ون ك�����أل����واح الآران ن�����ص��ات��ه��ا‬ ‫ُ‬ ‫نفوس العرب الجاهليين‬ ‫ع���ل���ى الح������ب ظ����ه����رٍ ك������أ ّن�����ه ب���رج���د‬

‫وقد جعلها الشعراء‬ ‫مدار وصفهم تارة ومدار‬ ‫فخرهم تارة أخرى‬

‫النوا�صف‪ :‬املكان الرحب الوا�سع‪ ،‬دد‪ :‬ا�سم‬


‫مو�ضوع‪ ،‬و«اب��ن يامن» م�لاح عربي من �سكان‬ ‫البحرين مهر يف �صناعة ال�سفن قبل الإ�سالم‪،‬‬ ‫والعدوليه‪� :‬سفينة من�سوبة �إىل �شخ�ص �أ�سمه‬ ‫ع��دويل �أو ه��ي قرية يف البحرين كما ورد يف‬ ‫معجم البلدان لياقوت احلموي‪.‬‬ ‫ثم ي�صف طرفة مقدم ال�سفينة – حيزومها‬ ‫– وهو ي�شق البحر ب�سهولة وي�سر كما يق�سم‬ ‫الالعبون ال�صغار الرتاب اىل ق�سمني بحث ًا عن‬ ‫خبيئة د�سوها يف ال�تراب ويقول الالعب منهم‬ ‫وي�سمى «املفايل» واللعبة املفايله‪ :‬يف �أي ق�سمني‬ ‫خب�أت؟ وم��ن امل��أث��ور ال�شائع �أن اجلمل �سفينة‬ ‫ال�صحراء‪ ،‬لهذا جند ال�شاعر اجلاهلي يوحد‬ ‫يف و�صفه الفني بني �سفينة ال�صحراء «الناقة»‬ ‫و�سفينة البحر‪ ،‬فهذه ت�شق الرمال يف �سريها‬ ‫وتلك ت�شق البحر يف جريها‪.‬‬ ‫ولقد �أعطانا القدماء من �شعراء العرب �أجمل‬ ‫ال�صور ال�شعرية التي تتحدث عن عالقة العربي‬ ‫بناقته‪ ،‬وقل �أن جتد �شاعر ًا جاهلي ًا مل يتناول هذا‬ ‫الغر�ض باحلديث‪ ،‬فكم طال بهم احلديث عن‬ ‫ال�ضعائن وحداة القوافل‪ ،‬ولو �أردنا �سرد بع�ض‬ ‫ما ج��ادت به قرائح ال�شعراء لطال بنا الأم��ر‪،‬‬ ‫ولكن انتقاء بع�ض هذه الأبيات فيه ما يغني‪ ،‬فقد‬ ‫ورد و�صف الإبل ب�صور �شعرية رائعة يف معلقات‬ ‫ال�شعراء اجلاهليني؛ يقول عمرو بن كلثوم‪:‬‬

‫ذراع�����������ي ع����ي����ط����لٍ �أدم������������اء ب��ك��ر‬ ‫ه����ج����ان ال����ل����ون مل ت����ق����ر�أ ج��ن��ي��ن��ا‬ ‫ويقول عنرتة‪:‬‬

‫ف���وق���ف���ت ف��ي��ه��ا ن���اق���ت���ي وك����أن���ه���ا‬ ‫ف ٌ‬ ‫���������دن لأق���������ض����ي ح�����اج�����ة امل����ت����ل����و ِم‬

‫وم��ن �أق ��دم الن�صو�ص ال�ت��ي ت�ضمنت ذكر‬ ‫ال�ن��اق��ة معلقة ال�شاعر اجل��اه�ل��ي لبيد بن‬ ‫ربيعة‪� ،‬إذ جاء فيها‪:‬‬

‫وج������زور �أي�������س���ار دع�����وت حلتفها‬ ‫مب����غ����ال����ق م���ت�������ش���اب���ه �أج�������س���ام���ه���ا‬ ‫�أدع�������و ب���ه���ن ل���ع���اق���ر �أو م��ط��ف��ل‬ ‫ب���ذل���ت جل���ي��ران اجل���م���ي���ع حل��ام��ه��ا‬ ‫اجل������زور ‪ :‬ه��ي ال �ن��اق��ة ت �� �ش�ترى ل�ل��ذب��ح‪،‬‬

‫والأي �� �س��ار ج�م��ع ي�سر وه��و ال ��ذي ي�ضرب‬ ‫بالقداح‪ ،‬وهي �أع��واد ت�سوى وتو�ضع عليها‬ ‫ع�لام��ات ال�ك���س��ب واخل �� �س��ارة يف ال�ق�م��ار‪،‬‬ ‫واملغالق من نعوت قداح املي�سر التي يكون لها‬ ‫الفوز‪ ،‬واللحام جمع حلم‪.‬‬ ‫ويف الأبيات يقول لبيد‪ :‬ورب جزور مقامرين‪،‬‬ ‫دعوت من �أجل نحرها �سواء �أكانت عاقر ًا �أم‬ ‫مطفال «ذات طفل‪ -‬وهي الأغلى ثمن ًا» بقداح‬

‫اتخذ العربي ناقته‬ ‫صاحب ًا ورفيق ًا وخلع‬ ‫عليها من مشاعره‬ ‫وأحاسيسه ما جعلها‬ ‫تتصف بالصفات‬ ‫اإلنسانية فتشكو وتتألم‬ ‫وتشعر بالحنين إلى‬ ‫الوطن وتناجي صاحبها‬ ‫وتحاوره‬

‫مت�شابه العالمات فائزة عند اللعب بها‪ ،‬تُبذل‬ ‫حلومها جلريان اجلميع‪.‬‬ ‫ومل يحظ اجلمل يف ال�شعر اجلاهلي مبا‬ ‫حظيت ب��ه الناقة‪ ،‬فقلما ت�ن��اول ال�شعراء‬ ‫اجل�م��ل يف �أ��ش�ع��اره��م ومل ي��ؤث��ر لنا عنهم‬ ‫�سوى ق�صائد م�ع��دودة تناولوه فيها‪ ،‬وقد‬ ‫ي�ضفون عليه فيها �صفات الناقة ويخلعون‬ ‫عليه �سماتها وخ�صائ�صها‪ ،‬مثل ال�صيعرية‬ ‫التي هي �سمة يف عنق الناقة خا�صة مثل‬ ‫قول امل�سيب بن عل�س‪:‬‬

‫وقد �أتنا�سى الهم عند احت�ضاره‬ ‫ب����ن����اج ع���ل���ي���ه ال�������ص���ي���ع���ري���ة م���ك���رم‬

‫مما دع��ا طرفه �إىل �أن يتندر عليه بقوله‪:‬‬ ‫«ا�ستنوق اجلمل»‪.‬‬ ‫وال عجب �أن العرب يف اجلاهلية ف�ضلوا الناقة‬ ‫ع�ل��ى اجل�م��ل ف�ف��ي ت�ل��ك ال���ص�ح��ارى امل�ترام�ي��ة‬ ‫ا ألط��راف يف اجلزيرة العربية والتي ال توجد‬


‫في حضرة الشعر‬ ‫‪102‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫المتنبي حين يذكر‬ ‫صفات اإلبل وأسماءها‬ ‫و�سيلة الخرتاقها والتنقل عربها �إال الناقة‪ ،‬ف�ضال يذكر صورة غير مسبوقة‬ ‫عما ي�ستفيده العربي من حلمها ولبنها ووبرها‪ ،‬فهو يشبهها بحبال‬ ‫ومل��ا ك��ان للناقة مكانة عالية يف نفو�س العرب الحياة وطيور الصحراء‬

‫اجلاهليني فقد جعلها ال�شعراء م��دار و�صفهم‬ ‫تارة ومدار فخرهم تارة �أخرى ولعل خري �شاهد ي�ستطيع التعبري عن همومه و�أحزانه ي�صور‬ ‫لنا ذلك املثقب العبدي بقوله‪:‬‬ ‫جنده على ذلك قول �أبى ر�ؤاد الإيادى‪:‬‬

‫�إب����ل����ي الإب�������ل ال ي���ح���وزه���ا ال����را‬ ‫ع������ون م�����ج ال�����ن�����دى ع���ل���ي���ه���ا امل������دام‬ ‫�سمنت فا�ستح�ش �أكرعها ال الني‬ ‫ين وال ال�����������������س��������ن��������ام �������س������ن������ام‬ ‫ف������������إذا �أق�����ب�����ل�����ت ت������ق������ول‪� :‬إك��������ام‬ ‫م�����������ش�����رف�����ات‪ :‬ب���ي��ن الإك�������������ام �إك��������ام‬ ‫و�إذا �أع���ر����ض���ت ت���ق���ول ق�����ص��ور‬ ‫م�������ن �����س����م����اه����ي����ج ف�����وق�����ه�����ا �آط���������ام‬ ‫و�إذا م����ا ف��ج��ئ��ت��ه��ا ب���ط���ن غ��ي��ب‬ ‫ق��ل��ت‪ :‬ن��خ��ل ق���د ح����ان م��ن��ه��ا ���ص��رام‬

‫غ�����دت ق��������وداء م���ن�������ش��� ِّق���اً ن�����س��اه��ا‬ ‫جت�����ا������س�����ر ب�����ال�����ن�����خ�����اع وال�������وت���ي���ن‬ ‫�إذا م������ا ق����ل����ت �أرح�����ل�����ه�����ا ب��ل��ي��ل‬ ‫ت�������������أوه �آه����������ة ال������رج������ل احل����زي����ن‬ ‫ت����ق����ول �إذا در�أت ل���ه���ا و���ض��ب��ى‬ ‫�أه���������������ذا دي�������ن�������ه �أب���������������دا ودي�������ن�������ي؟‬ ‫�أك����������ل ال������ده������ر ح������ل وارحت����������ال‬ ‫�أم��������ا ي���ب���ق���ى ع���ل���ى وم������ا ي��ب��ق��ي��ن��ي؟‬ ‫ف�����أب����ق����ى ب���اط���ل���ي واحل�������د م��ن��ه��ا‬ ‫ك���������دك���������ان ال���������دراب���������ن���������ة امل�����ط��ي��ن‬ ‫ث��ن��ي��ت زم��ام��ه��ا وو���ض��ع��ت رح��ل��ي‬ ‫ومن��������رق��������ة رف������������دت ب�����ه�����ا مي���ي���ن���ي‬ ‫ف���رح���ت ب��ه��ا ت��ع��ار���ض م�����س��ي��ط��را‬ ‫ع�����ل�����ى �����ص����ح����اح����ه وع������ل������ى امل�����ت�����ون‬

‫الليل وتربك كعادتها وقت ال�صبح تت�أوه وك�أنها‬ ‫رجل م�سلوب اللب يت�أوه من �شدة احلزن‪ ،‬بعد‬ ‫�أن �أ�ضر بها طول ال�سرى و�أ�ضناها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫لقد اتخذ العربي ناقته �صاحب ًا ورفيقا وخلع‬ ‫عليها من م�شاعره و�أحا�سي�سه ما يجعلها‬ ‫تت�صف بال�صفات الإن�سانية فت�شكو وتت�أمل‬ ‫وت�شعر بالغربة واحلنني �إىل الوطن وتناجي‬ ‫�صاحبها وحتاوره وقد �صور ال�شعر اجلاهلي‬ ‫ه��ذه ال�صلة الإن�سانية ب�ين العربي وناقته‬ ‫�أ�صدق ت�صوير مما يرفعه �إىل �أن يكون يف‬ ‫منزلة ال�شعر الإن�ساين اخلالد‪.‬‬ ‫وغ�ير ه��ذه الأب �ي��ات كثرية يف ه��ذا ال�ش�أنْ ‪،‬‬ ‫فالإبل ْمل تكن فقط ر�أ���س م��ال يتفاخر به‪،‬‬ ‫ولكن كانت �إ ْلهام ًا َي�شكي �إليه ال�شاعر ه ّمه‪،‬‬ ‫بالو�صف الدقيق‪.‬‬ ‫وي�صفه بعدَ امل�شاكاة ْ‬

‫ناقة �أبي نوا�س جامعة ال�صفات‬

‫�إذا ك��ان ام���ر�ؤ القي�س م�ؤ�س�س الق�صيدة‬ ‫فهو ي��رى �إبله ن��ادرة ال��وج��ود‪ ،‬ن��ادرة املثال‬ ‫الكال�سيكية يف منت ال�شعر العربي و�أيقونته‬ ‫الأ�سا�سية و�سيد املعلقات والطلل ّيات‪ ،‬ف�إن‬ ‫يح�سبها حين ًا ت�لا ًال مرتفعة وحين ًا ق�صور‬ ‫�أب��ون��وا���س ال يق�صر ع��ن ه��ذا التو�صيف يف‬ ‫جزيرة‪� -‬سماهيج ‪-‬امل�شتهرة بكرب حجمها‬ ‫امل�ستوى و�إن اختلف يف النوع‪ ،‬فهو الوجه الآخر‬ ‫وحين ًا �أ�شجار نخيل قد ناءت بثقل �أثمارها‪.‬‬ ‫واملت�صفح لديوان ال�شعر العربي اجلاهلي يقول ال�شاعر �أن ناقته وهي تظل �سائرة طول من تلك الأيقونة‪ ،‬وهو م�ؤ�س�س امللهاة يف ال�شعر‬ ‫العربي بامتياز‪ ،‬وقد ق��ارب النقاد القدامى‬ ‫قلما يجد ق�صيدة تخلو من ذكر الناقة �سواء‬ ‫�أ�صل هذه الفكرة؛ �إذ كثري ًا ما تنقل امل�صادر‬ ‫ك��ان و�صفا مبا�شرا �أم ت�شبيها حليوانات‬ ‫�أخ��رى بها �أو حمادثة بني الناقة و�صاحبها اإلبل ْ‬ ‫لم تكن فقط رأس ع��ن �أب ��ي ع�ب�ي��دة ق��ول��ه‪« :‬ذه �ب��ت ال�ي�م��ن بجد‬ ‫مال يتفاخر به العربي‬ ‫ال�شعر وهزله‪ ،‬فامر�ؤ القي�س بجده و�أبو نوا�س‬ ‫لبث ال�شكوى �أو املناجاة‪.‬‬ ‫بهزله»‪ ،‬فقد نقل �أبو نوا�س ال�شعر العربي من‬ ‫فهذه هي ناقة املثقب العبدي يرتفع رغا�ؤها ولكن كانت إ ْلهام ًا‬ ‫همه �صورة البطل امل�أ�سوي الوحيد يف �صحراء �أيامه‬ ‫ويعلو �أنينها وتتجه �إل�ي��ه بال�شكوى فت�صل يَشكي إليه الشاعر ّ‬ ‫والوحيد �إزاء م�صريه‪� ،‬إيل م�شهد اجلماعة يف‬ ‫الآهات �إىل �أعماق نف�سه وتتالقى م�شاعرهما ويصفه بع َد المشاكاة‬ ‫املدينة وجوقة الفرح وهي تتحرك يف‬ ‫وتزول احلواجز بينهما فتغدو الناقة �إن�سان ًا‬ ‫بالوصف الدقيق‬ ‫ْ‬ ‫جغرافيا م�أهولة‪ ،‬ذلك �أن امللهاة‬ ‫ابنة املرح وطقو�س اخل�صب وليل‬ ‫العتمة‪ .‬و�إذا كانت تراجيديا‬ ‫امللك ال�ضليل «�إمر�ؤ القي�س»‬


‫�شخ�صية‪ ،‬ف ��إن كوميديا اليمني الآخ��ر «�أب��و‬ ‫نوا�س» كانت جماعية بغدادية بامتياز‪ ،‬فهو‬ ‫�شاعر هذه املدينة بال منازع‪ ،‬و�أبرز رموزها‬ ‫حتى �أك�ثر من «ه��ارون الر�شيد»الذي حملت‬ ‫املدينة ا�سمه يف واحدة من ت�سمياتها املتعددة‪،‬‬ ‫ول��و ك��ان لتلك احلقبة م��ن ت��اري��خ ب�غ��داد �أن‬ ‫تلخ�ص با�سم فهي حقبة �أبي نوا�س حق ًا؛ ف�أبو‬ ‫نوا�س هو �شاعر العربية يف املائة الثانية بعد‬ ‫ب�شار بن ب��رد‪ ،‬وه��و ميثل �صفحة م�ضيئة يف‬ ‫كتاب ال�شعر العربي‪ ،‬جاء فملأ الأ�سماع وبهر‬ ‫الأنظار‪ ،‬وا�ستوي يف الإعجاب ب�شعره اجلادون‬ ‫والهازلون‪ ،‬لأن��ه دار بني اجلد والهزل‪ ،‬وقد‬ ‫خلط النا�س يف �أمره قدمي ًا وحديث ًا‪ .‬ومع هذه‬ ‫املكانة لأبي نوا�س يف ال�شعر ومقدرته القولية‬ ‫فكيف و�صف لنا الناقة؟‪ .‬لقد ت��رك لنا �أبو‬ ‫نوا�س ق�صيدة يف و�صف الناقة تدل على قدرته‬ ‫الت�صويرية الفريدة �إذ يقول‪:‬‬

‫ول����ق����د جت������وب ب����ي ال����ف��ل�اة �إذا‬ ‫������ص�����ام ال�����ن�����ه�����ار وق������ال������ت ال����ع����ف���� ُر‬ ‫����ش���ذن���ي���ة رع������ت احل����م����ى ف����أت���ت‬ ‫م����������لء احل�������ب�������ال ك�������أن������ه������ا ق�������ص���ر‬ ‫ت��ث��ن��ي ع��ل��ى احل���اذي���ن ذا خ�صل‬ ‫ت����ع����م����ال����ه ال���������������ش�������زران واخل�����ط�����ر‬ ‫�أم������������ا �إذا رف�����ع�����ت�����ه �����ش����ام����ذة‬ ‫ف�����ت�����ق�����ول رن����������ق ف�����وق�����ه�����ا ن�������س���ر‬ ‫�أم����������ا �إذا و�����ض����ع����ت����ه ع����ار�����ض����ة‬ ‫ف�����ت�����ق�����ول �أرخ�������������ى ف�����وق�����ه�����ا ����س�ت�ر‬ ‫وت���������س����ف �أح�����ي�����ان�����اً ف��ت��ح�����س��ب��ه��ا‬ ‫م���ت���ر��������س�������م�������ا ي���������ق���������ت���������اده �أث������������ر‬ ‫ف������إذا ق�����ص��رت ل��ه��ا ال���زم���ام �سما‬ ‫ف�������������وق امل������������ق������������ادم م������ل������ط������م ح����ر‬ ‫ي�صف �أبو نوا�س ناقته بالقوة وال�صرب حتى‬ ‫�أنها لتجوب به ال�صحراء يف الوقت الذي‬ ‫ينت�صف فيه النهار‪ ،‬وتقيل الظباء فرار ًا من‬ ‫�شدة احلر‪ ،‬وهي من بنات ال�صحراء‪ ،‬وقد‬ ‫كانت هذه الناقة مرهفة مدللة ت�صيب يف‬ ‫املرعى ما ميتنع على غريها‪ ،‬فقويت و�سمنت‬ ‫حتى �أ�صبحت كالق�صر‪ ،‬وهي حترك ذنبها‬ ‫ميين ًا وي�سار ًا‪ ،‬ف�إذا رفعته �أ�شبهت ن�سر ًا يخفق‬

‫من أقدم النصوص‬ ‫الشعرية التي تضمنت‬ ‫ذكر الناقة معلقة الشاعر‬ ‫الجاهلي لبيد بن ربيعة‬ ‫بجناحيه ويرفرف فوقها‪� ،‬أما �إذا خف�ضته‬ ‫وهي ت�سري بن�شاط فك�أمنا �أرخى فوقها �سرت‪،‬‬ ‫و�إذا مرت على وجه الأر�ض بر�أ�سها ح�سبتها‬ ‫ق�صا�ص �أث��ر‪ ،‬وت�شبه �أعاليها الأمامية �إذا‬ ‫ق�صرت لها الزمام خد ًا �أ�سيال‪.‬‬

‫�إبل املتنبي‪ ..‬طري ال�صحراء‬

‫املتنبي ال�شاعر الأ�شهر ال��ذي جت�سدت يف‬ ‫�شخ�صيته �صفات العرب ويف �شعره جت�سدت‬ ‫مزايا ال�شعر الأ�صيل– �أحمد بن ح�سني بن‬ ‫احل�سن ب��ن عبد ال�صمد اجلعفي الكويف‬

‫ال �ك �ن��دي «‪354 - 303‬هـ ‪ 915-965/‬م»‬ ‫ال�شاعر احلكيم و�أحد مفاخر الأدب العربي‪.‬‬ ‫له الأمثال ال�سائرة واحلكم البالغة واملعاين‬ ‫املبتكرة‪ ،‬وه��و �شاعر العربية الأك�ب�ر‪ ،‬يف‬ ‫�أ�صالته واعتزازه بح�ضارته‪ ،‬يف حبه للطموح‬ ‫وغنائه للفرو�سية وال�شجاعة‪ .‬يف حثه علي‬ ‫مقاومة الظلم ورفع يد الطغيان‪ .‬يف مدائحه‬ ‫وهجائياته‪ ،‬يف فخره واعتداده‪.‬‬ ‫فلأبي الطيب املتنبي مكانة �سامية مل تتح‬ ‫مثلها لغريه من �شعراء العربية‪ ،‬فقد كان‬ ‫نادرة زمانه‪ ،‬و�أعجوبة ع�صره‪ ،‬وظل �شعره‬ ‫�إىل ال �ي��وم م�صدر �إل �ه��ام ووح��ي لل�شعراء‬ ‫والأدب� � ��اء ي �ج��دون ف�ي��ه ال��ق��وة‪ ،‬وال �ت��دف��ق‪،‬‬ ‫وال�شاعرية املرتكزة على احل�س والتجربة‬ ‫ال�صادقة‪� .‬أطلق املتنبي ال�شعر من قيوده التي‬ ‫قيده بها �أبو متام وخرج عن �أ�ساليب العرب‬ ‫املخ�صو�صة‪ ،‬فهو �إم��ام الطريقة الإبداعية‬


‫في حضرة الشعر‬ ‫‪104‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫يف ال�شعر العربي‪ .‬واملتنبي حني يذكر �صفات الإبل حبال احلياة‬

‫الإب��ل و�أ�سمائها‪ ،‬يذكر �صورة غري م�سبوقة من املعروف �أن الإبل واخليل كانا الو�سيلة‬ ‫فهو ي�شبهها بطري ال�صحراء يف قوله‪:‬‬ ‫الأك�ثر فاعلية للتنقل يف ال�صحراء �إال �أن‬ ‫ن��ح��ن رك���ب ك��اجل��ن يف زي ن��ا���س‬ ‫ارتباط ا إلب��ل بالأ�سفار �أوث��ق من ارتباط‬ ‫ف����وق ط�ي�ر ل��ه��ا ���ش��خ��و���ص اجل���م���الِ اخل �ي��ل ب �ه��ا؛ ف��اخل�ي��ل ل�ه��ا � �ش ��أن م�ه��م يف‬ ‫م��ن ب��ن��ات اجل��دي��ل مت�شي بنا يف‬ ‫ميادين �أخري غري ال�سفر كالفرو�سية مثال‬ ‫ال���ب���ي���د م�������ش���ي الأي����������ام يف الآج�������ال �أو لنقل كان لها �ش�أن مهم يف فنون احلرب‬ ‫ك�����ل ه�����وج�����اء ل���ل���دي���ام���ي���م ف��ي��ه��ا‬ ‫ويف امل �غ��ام��رات علي �أن��واع �ه��ا‪� .‬أم��ا الإب��ل‬

‫�أث���������ر ال������ن������ار يف ����س���ل���ي���ط ال�����ذب�����ال‬

‫يقول املتنبي �إنهم كاجلن يف �إلفة املجاهل‬ ‫وال �ف �ل��وات ورك��ائ�ب�ه��م ك��ال�ط�ير يف �سرعة‬ ‫قطع امل�سافات‪ ،‬وه��ذه اجل�م��ال م��ن بنات‬ ‫فحل ك��رمي تقطع بنا امل�ف��اوز قطع الأي��ام‬ ‫ل�ل�آج��ال حتى تفنيها‪ ،‬وق��د �أفناها ال�سري‬ ‫كما تفني النار دهن الفتيلة‪� ،‬أو �أن املفاوز‬ ‫قد �ألهبتها بالظم�أ واحلر ف�أثرت فيها �أثر‬ ‫النار يف دهن الفتيلة‪.‬‬

‫المتصفح لديوان الشعر‬ ‫العربي الجاهلي قلما‬ ‫يجد قصيدة تخلو من‬ ‫ذكر الناقة سواء كان‬ ‫وصف ًا مباشر ًا أم تشبيه ًا‬ ‫لحيوانات أخرى بها‬ ‫أو محادثة بين الناقة‬ ‫وصاحبها لبث الشكوى‬ ‫أو المناجاة‬

‫فالعربي ق��د ر�أي فيها ‪ -‬حبال احلياة‪-‬‬ ‫«احل�ب��ال يف املعجم لها معني الأع�صاب‬ ‫والعروق من ذلك حبل الوريد» معرب ًا عن‬ ‫حاجته الق�صوى �إليها وهو ين�شد النجاة‬ ‫هاربا ومطاردا‪ ،‬يقول املتنبي يف ق�صيدة‬ ‫نظمها علي �أثر هروبه من م�صر متحدثا‬ ‫عن الإبل‪:‬‬

‫�أال ك�������ل م����ا�����ش����ي����ة اخل�����ي�����زيل‬ ‫ف����������دا ك�������ل م����ا�����ش����ي����ة ال����ه����ي����دب����ى‬ ‫وك���������������ل ن��������اج��������ي��������ه ب�������ج�������اوي�������ة‬ ‫خ�����ن�����وف وم��������ا ب������ي ح�������س���ن امل�������ش���ى‬ ‫ول������ك������ن������ه������م ح��������ب��������ال احل�������ي�������اة‬ ‫وك�����ي�����د ال�������ع�������داة وم�����ي�����ط الأذى‬

‫اخل��ي��زيل‪� � :‬ض��رب م��ن م���ش��ي ال�ن���س��اء‪.‬‬ ‫وال �ه �ي��دب��ي‪� � :‬ض��رب م��ن م���ش��ي اخل �ي��ل‪.‬‬ ‫والناجية‪ :‬هي الناقة ال�سريعة‪ .‬وبجاوية‪:‬‬ ‫ن�سبة �إيل بجاوة وهي �أر�ض بالنوبة تعرف‬ ‫نوقها بال�سرعة‪ .‬واخلنوف من الإبل‪ :‬هي‬


‫اللينة اليدين يف ال�سري‪.‬‬ ‫ي��ري��د ال�شاعر �أن يجعل الن�ساء ف��داء‬ ‫للخيل والإب��ل ملا يريد الإيحاء ب�أنه لي�س‬ ‫من �أه��ل الع�شق والتغزل بالن�ساء و�إمنا‬ ‫هو من �أهل ال�سفر وهو ي�ستدرك يف نهاية‬ ‫البيت الثاين ‪-‬وكذلك يف البيت الثالث‬ ‫الذي يجعل الإبل حبال احلياة‪ -‬بالقول‬ ‫�إنه يف تقدميه الإبل �أو اخليل علي الن�ساء‬ ‫ال يق�صد ح�سن امل�شي و�إمن��ا يق�صد ما‬ ‫للإبل من ف�ضل يف نيل الرغبات وحتقيق‬ ‫الغايات‪ ،‬فاملتنبي مل يكن يقت�صر علي‬ ‫�إظهار �أهمية الإبل التي بها ي�سعي املرء‬ ‫�إيل ال���رزق ي �خ��رج م��ن امل�ه��ال��ك ويكيد‬ ‫الأعداء ويدفع الأذى و�إمنا ينطوي �أي�ضا‬ ‫علي ��ش��يء م��ن ال�ت�غ��زل ب��الإب��ل وجعلها‬ ‫«حبال احلياة»‪.‬‬ ‫ومن جميل قول ال�شعراء يف و�صف الناقة‬ ‫ما نظمه ال�شاعر ب�شامة بن الغدير‪:‬‬

‫ور الشعر الجاهلي‬ ‫�إذا �أق����ب����ل����ت ق����ل����ت م�������ش���ح���ون��� ًة‬ ‫ص ّ‬ ‫ً‬ ‫�أط����اع����ت ل��ه��ا ال���ري���ح ق��ل��ع��ا ج��ف��وال‬ ‫الصلة اإلنسانية بين‬ ‫و�إذا �أدب�����������رت ق���ل���ت م�����ذع�����ور ًة‬ ‫العربي وناقته أصدق‬ ‫م�����ن ال�����رب�����د ت���ت���ب���ع ه����ي����ق����اً ذم�����وال‬ ‫تصوير مما يرفعه إلى أن‬ ‫وقول ال�شاعر �أبي مت ّام الطائي‪:‬‬ ‫يكون في منزلة الشعر‬ ‫وب�����دل�����ه�����ا ال�����������س�����رى ب���اجل���ه���ل‬ ‫اإلنساني الخالد‬ ‫مي‬ ‫ح���ل���م���ا وق������د �أدمي�����ه�����ا ق����د الأد ِ‬ ‫ب������دت ك����ال����ب����در يف ل����ي����لٍ ب��ه��ي ٍ��م‬ ‫ك�������� ّأن ي���دي���ه���ا �إذا �أرق��������دت وق���� ْد‬ ‫مي‬ ‫و�آب��������������ت م�����ث�����ل ع��������رج��������ونٍ ق�������د ِ‬ ‫ح�������رن ث������� ّم اه�����ت�����دي�����ن ال�������س���ب���ي�ل�ا‬ ‫ي����دا ����س���اب ٍ���ح خ���� ّر يف غ���م���ر ٍة وق��د‬ ‫تلك كانت وقفات ق�صرية مع �سفائن البدو‬ ‫ُ‬ ‫������������������وت �إ ّال ق���ل���ي�ل�ا‬ ‫����������ش���������ارف امل‬

‫إذا كان الشعر هو‬ ‫ديوان العرب فإن اإلبل‬ ‫عمود مهم من أعمدة‬ ‫هذا الديوان منذ عصر‬ ‫الجاهلية حتى اإلسالم‬ ‫وما بعده‬

‫ومهور احلرائر‪ ،‬الإبل يف ال�شعر العربي‪ ،‬التي‬ ‫و�صفها العرب بقولهم‪�« :‬إذا حملت ثقلت‪ ،‬و�إذا‬ ‫م�شت �أبعدت‪ ،‬و�إذا نحرت �أ�شبعت‪ ،‬و�إذا حلبت‬ ‫روت»‪ ،‬و�صدق الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم �إذ‬ ‫يقول‪« :‬الإبل عز لأهلها‪ ،‬والغنم بركة‪ ،‬واخلري‬ ‫معقود يف نوا�صي اخليل �إىل يوم القيامة»‬


‫‪106‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نو فمرب‬ ‫‪2012‬‬

‫سيمياء‬

‫اللهجات‬ ‫بوصفها‬ ‫لسان‬ ‫مجتمع‬ ‫شعري‬

‫عائ�شة الدرمكي‬ ‫‏‪aishaaldarmaki@hotmail.com‬‬

‫كان الل�سان بح�سب فرديناند‬ ‫دو� � �س� ��و� � �س �ي�ر ه � ��و «اجل� � ��زء‬ ‫املجتمعي من اللغة‪ ، »..‬ف��إن امل��رء هنا‬ ‫ي�ك��ون غ�ير ق��ادر على اب�ت�ك��اره وال على‬ ‫تغيريه منفرد ًا ؛ ذل��ك لأن الل�سان هنا‬ ‫ال يوجد بني �أع�ضاء اجلماعة �إ َّال على‬ ‫نوع من االتفاق الذي يقول عنه �سو�سري‬ ‫ب�أنه «عقد معقود بينها ‪ ،‬ومن جهة ثانية‬ ‫يحتاج الفرد �إىل التعلم ليعرف كيفية‬ ‫الت�صرف فيه»‪.‬‬ ‫ل�ق��د ت��و��ص��ل �سو�سري �إىل ذل��ك ب�ع��د ما‬ ‫ظ��ل ال�ت�ع��ام��ل م��ع ال�ل�غ��ة ل �ق��رون ع��دي��دة‬ ‫ح��ول مبنى اللغة «الأ� �ص��وات وال�صرف‬ ‫والنحو» ‪ ،‬واعتربت اللغة نظام ًا مغلق ًا‬ ‫�أي �أن ال�سياق االجتماعي مل يكن ذا‬ ‫ب��ال يف درا�ستها ‪ ،‬على ال��رغ��م م��ن �أن‬ ‫اب��ن جني يف كتابه اخل�صائ�ص ع� َّرف‬ ‫اللغة ب�أنها «�أ��ص��وات يعرب بها كل قوم‬ ‫عن �أغرا�ضهم»‪ ،‬فهي �إذن ال تخرج عن‬ ‫ال�سياق االجتماعي لال�ستعمال ‪ ،‬ويف‬ ‫اخلم�سني �أو ال�ستني �سنة الأخ�ي�رة مت‬ ‫الرتكيز على هذا املعنى للغة مع قدوم‬ ‫علم اللغة االجتماعي وبلورته ‪ ،‬و�إدراك‬ ‫اللغة على �أنها نظام ًا مفتوح ًا ت�ؤثر فيما‬ ‫حولها وت�ت��أث��ر ب��ه ‪ .‬ووف��ق ه��ذا املفهوم‬ ‫�أ�صبح ال�سياق االجتماعي جوهري ًا يف‬ ‫ف�ه��م ودرا���س��ة ال�ل�غ��ة و�أ َّث� ��ر الح �ق � ًا على‬ ‫العلوم التطبيقية للغة‪.‬‬ ‫�إن �ن��ا ه�ن��ا ن�ت�ح��دث ع��ن ج��ان��ب م�ه��م من‬ ‫اللغة وه��و «الل�سان» ال��ذي ُيطلق عليه‬ ‫«ال�ل�ه�ج��ة» ‪ ،‬وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن �أن ه��ذا‬ ‫امل�صطلح ح��دي��ث ن�سبي ًا ‪� ،‬إذ مل تكن‬ ‫هناك لهجات يف الع�صور املا�ضية بل‬ ‫ُيطلق على الأل�سنة لغات «لغة قري�ش ‪،‬‬ ‫ولغة متيم ‪ ،‬ولغة هذيل ‪� ،»...‬إ َّال �أنه يف‬ ‫الع�صر احلديث �أ�صبح لدينا علم قائم‬ ‫ب��ذات��ه ي��در���س تلك اللهجات ه��و «علم‬ ‫اللغة اجلغرايف» ال��ذي ي�صف اللهجات‬

‫�إذا‬

‫كما يقول �إبراهيم �أني�س يف كتابه «يف‬ ‫اللهجات العربية» ب�أنها «جمموعة من‬ ‫ال�صفات اللغوية تنتمي �إىل بيئة خا�صة‬ ‫‪ ،‬وي�شرتك يف هذه ال�صفات جميع �أفراد‬ ‫البيئة ‪ ،»...‬على �أن بيئة اللهجة الواحدة‬ ‫هي ج��زء من بيئة �أو��س��ع و�أ�شمل ت�ضم‬ ‫لهجات ع��دة ‪ ،‬لكل منها خ�صائ�صها‬ ‫املميزة ‪ ،‬غ�ير �أن�ه��ا ت�شرتك جميع ًا يف‬ ‫ال �ظ��واه��ر ال�ل�غ��وي��ة ال�ت��ي تي�سر توا�صل‬ ‫�أفراد هذه البيئات بع�ضهم ببع�ض ‪ ،‬وهو‬ ‫ما ي�سمى بـ «اللغة» – اللغة العربية ‪� ،‬أو‬ ‫اللغة الإجنيزية مث ًال ‪.-‬‬ ‫ولأن اللغة �أحد امل�ؤ�شرات املهمة لل ُهوية‬ ‫التي ت�سهم يف ت�شكيلها وتعزيزها بني‬ ‫جم �م��وع��ة م��ن ال��ع��وامل يف ه ��ذا ال �ك��ون‬ ‫الذي مييز بني لغات الأق��وام بني الأ�سر‬ ‫اللغوية‪ ،‬ف ��إن اللهجات لها طابع �أك�ثر‬ ‫خ�صو�صية من حيث هي خا�صة مبجتمع‬ ‫معني ‪� ،‬إذ يكت�سب هذا املجتمع �أو ذاك‬ ‫ُه��وي��ة جمتمعية مت �ي��زه ع��ن ج ��اره من‬ ‫املجتمعات‪ ،‬هذه الهوية تعترب البو�صلة‬ ‫للمجموعات وللمجتمعات عامة‪.‬‬ ‫ال�ه��وي��ة املجتمعية �إذن ت�شكل انتماء‬ ‫الفرد �إىل جمموعة اجتماعية حمددة‬ ‫ومعينة‪� ،‬إ��ض��اف��ة �إىل القيمة وال��دالل��ة‬ ‫العاطفية املن�سوبتني �إىل هذا االنتماء‪.‬‬ ‫خ�ل�ال ه��ذه العملية ف ��إن �ن��ا ن�ع�م��ل على‬ ‫ت�صنيف �أنف�سنا وت�صنيف الآخ��ري��ن‪.‬‬ ‫وهذه العملية هي عملية ذهنية حم�ضة‬ ‫نقوم من خاللها بتق�سيم وت�صنيف وتنظيم‬ ‫حميطنا االجتماعي واجل�غ��رايف ‪ ،‬فهناك‬ ‫ُهويات �صغرية تربط �إن�سان ال�ساحل و�إن�سان‬ ‫الداخل �أو ال�شرق �أو الغرب من الدولة نف�سها‬ ‫التي متثل البقعة اجلغرافية التي حتمل يف‬ ‫النهاية ُهوية جمتمعية واح��دة ت�ضم تلك‬ ‫ال ُهويات جميع ًا ‪.‬‬ ‫وه��ذه ال � ُه��وي��ات املجتمعية ال تظهر يف‬ ‫�أ�صوات اللهجة فقط �أو لكنتها �أو حتى‬


‫سيمياء‬

‫يف ا�ستخدامها للدالالت بل �أي�ض ًا يف الإنتاج الثقايف لذلك‬ ‫املجتمع ؛ فهي لي�ست ناقلة للثقافة فح�سب ‪ ،‬بل جزء من‬ ‫ماهية تلك الثقافة‪ ،‬والأ�سا�س الذي متر من خالله قيم‬ ‫وثقافة وح�ضارة تلك املجتمعات ال�صغرية التي ت�شكل‬ ‫ح�ضارة املجتمع الوطني املعني‪.‬‬ ‫ولعل قول ريكور ب�أن «‪ ...‬اللغات ال تتكلم بل يتكلم النا�س»‪،‬‬ ‫يجعلنا نفكر ملي ًا ملاذا يعتقد البع�ض ب�أن بع�ض اللهجات‬ ‫ال ت�ستوعب الإنتاج الأدبي ل�شاعر �أو كاتب ما ؟! فيلج�أ �إىل‬ ‫ا�ستعارة مفردات من لهجات جماورة ل�سبك ال�شعر ‪ ،‬كما‬ ‫هو احل��ال يف ا�ستعارة كلمات من اللغة الإجنليزية على‬ ‫اعتبار �أننا ال منلك مقابل لها يف اللغة العربية ‪ .‬هل هذا‬ ‫يعني �أن اللغة هي العاجزة عن التفاعل مع معطيات الع�صر‬ ‫�أو الفن �أو الفكر ؟‬ ‫�إننا �أمام مفارقة فكيف ميكن �أن تكون اللغة �أو اللهجة قد‬ ‫ُوجدت �ضمن اتفاق معني من لدن جمموعة لغوية معينة‬ ‫‪ ،‬ثم عجزت هذه اللغة نف�سها عن التما�شي مع املعطيات‬ ‫احلالية وب��ات��ت غ�ير ق��ادرة على العطاء ‪ .‬واحل��ق �أن��ه ال‬ ‫ميكن �أن تكون �أية لغة �أو لهجة بهذا العجز �إ َّال �إذا عجز‬ ‫من�ش�ؤها عن ابتكار جديد و�إ�ضافة ما ميكن �أن يجعلها‬ ‫ح�ي��ة م�ستمرة ‪ .‬و��ض�م��ن ه��ذا ال���س�ي��اق مي�ك��ن ال �ق��ول �إن‬ ‫�إ�ضافة مفردات من العربية الف�صحى على �سبيل املثال‬ ‫يف من�ضومة ال�شعر ال�شعبي ال تفقده ُهويته العامة �إذا ما‬ ‫متت �إ�ضافة م�ف��ردات من لهجات جم��اورة ‪ .‬واحل��ال �أن‬ ‫هذه الأخ�يرة �ستجعله – �أي ال�شعر – ال ن�سب له لغوي ًا‬ ‫�أو جغرافي ًا �إذا ما �أردن��ا حتديد ُهويته‪ ،‬و�إمن��ا �سيكون‬ ‫حالة من املحاكاة التي ال ترتكك �أث��ر ًا ‪ .‬ولأن اللغة ال‬ ‫تتكلم – على حد تعبري ريكور – ف�إنها لن تخلق منفردة‬ ‫مفردات تالئم احلياة احلديثة مامل يفعل ذلك املن�شيء‬ ‫«ا لإن�سان»اجتماعي ًا ‪.‬‬ ‫حتدث ميخائيل باختني يف كتابه «اخلطاب الروائي» عن‬ ‫اخلطاب ال�شعري ولغته وف َّرق بينه وبني اخلطاب الروائي‬ ‫يف �أن اخلطاب ال�شعري خطاب �أح��ادي مبا�شر من قِبل‬ ‫ال�شاعر و�أن اللغة تتحقق «‪ ...‬ك�أنها لغة �أكيدة ‪ ،‬حا�سمة‬ ‫‪ ،‬حا�ضنة ك��ل ��ش��يء ‪ ،‬وبوا�سطتها ع��ن ط��ري��ق �أ�شكالها‬ ‫الداخلية ُيب�صر ال�شاعر ‪ ،‬يفهم ويت�أمل ‪ .‬وعندما يعرب‬ ‫عن نف�سه ‪ ،‬ال �شيء ي�ستثري فيه احلاجة �إىل اال�ستعانة‬ ‫بلغة «�أخرى» و«�أجنبية» ‪ ،»...‬ولذلك نقول ب�أن لغة‪ /‬لهجة‬ ‫ال�شعر هي لغة املبدع ب�صورة �أحادية وهي تلك اللغة التي‬

‫اكت�سبها اكت�ساب ًا معرفي ًا وفكري ًا ال تقليد ًا وال ا�ستعارة من‬ ‫لغات �أخرى ‪.‬‬ ‫ولعلنا حتدثنا يف مقال �سابق بعنوان «تعددية اخلطاب‬ ‫املجتمعي ال�ث�ق��ايف» ع��ن تلك امل�ف��ارق��ة ب�ين لغة م��ا يكتبه‬ ‫ال�شاعر ولغة ال�شاعر بو�صفه ذات ًا متكلمة ‪ ،‬و�أق�صد هنا‬ ‫«ال�شعر ال�شعبي خا�صة»‪ ،‬ذلك لأن��ه ي�ستعري من لهجات‬ ‫�أخرى كلمات قد يعتقد �أنها غري متوفرة يف لهجته ‪ ،‬وهو‬ ‫بذلك ُيفقد لهجته �سمتني �أ�سا�سيتني هما؛ �سمة القدرة ‪،‬‬ ‫و�سمة اخل�صو�صية ‪ ،‬بينما يفقد ذاته �سمة املعرفة بتلك‬ ‫اللغة التي يتحدثها وبالتايل القدرة على التعبري بها‪.‬‬ ‫وعلى �أن اللهجات ناب�ضة باحلياة اجتماعي ًا �إ َّال �أنه البد من‬ ‫الت�أكيد ب�أنها تتطور وت�ستمر مع النتاج املعريف والثقايف ‪،‬‬ ‫كما هو احلال يف جمتمعات كثرية عندما ت�سمع �أو تقر�أ‬ ‫ما كتبوا بلهجاتهم ف�إنك �ستعرف ب�أنهم جمتمع م�ستمر‬ ‫�ام وب��اقٍ بو�صفه ن�ص ًا حتى و�إن اندثر املجتمع نف�سه ‪،‬‬ ‫ون� ٍ‬ ‫كما هو احلال يف املجتمع اجلاهلي �أو العربي القدمي الذي‬ ‫اندثر وبقيت �آثاره التي كتبها بلغته فهناك �شعر ونرث ُكتِب‬ ‫بلغة �أقوامه وبقي حتى اليوم – هذا مع الت�أكيد �أن الأدب‬ ‫اجلاهلي برمته ه��و �أدب �شعبي ‪ ، -‬لي�س ذل��ك فح�سب‬ ‫بل �إن النحاة �أنف�سهم ا�ست�شهدوا به يف قواعدهم التي‬ ‫ن�ستعملها �إىل اليوم ‪� .‬إنها �إذن لغة املجتمعات ال�صغرية‬ ‫الباقية �ضمن لغة قومية كبرية ت�ضمها فكري ًا وثقافيا‬


‫قال الراوي‬ ‫‪108‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫«المطوع» سعيد المطلعي‬ ‫شخصية شعبية‬ ‫محفورةفي ذاكرة أهل خورفكان ‬


‫�أبوظبي –ناجية الكتبي‬ ‫حلافظ القر�آن الكرمي منزلة رفيعة و�أجر كبري‪ ،‬وقد فطن �آبا�ؤنا يف املا�ضي لهذا الأجر‪ ،‬لذا ف�إنهم كانوا‬ ‫ير�سلون �أبناءهم �إىل «املطوع» ليعلمهم القر�آن والنحو واحل�ساب‪ ،‬لينالوا بذلك الأجر الكبري يف الدنيا والآخرة‪.‬‬ ‫املطوع �سعيد �سليمان املطلعي من �أوائل املطوعني الذين عا�شوا يف املنطقة ال�شرقية التابعة لإمارة ال�شارقة‪،‬‬ ‫فقد ُولد – رحمه اهلل‪ -‬وترعرع بني جبال خورفكان وخورها املعطاء‪ .‬ونقل العلم لكثريين من �أبناء تلك‬ ‫املنطقة حتى �أ�صبحوا حفظة للكتاب الكرمي‪ ،‬تعلموه و�أتقنوا تالوته وحفظوا �أحكامه على يديه‪.‬‬

‫هنا لقاء مع املطوع املطلعي‪ ،‬يعود تاريخه‬ ‫�إىل ث�م��ان�ي�ن�ي��ات ال��ق��رن ال �ف��ائ��ت‪ ،‬قمنا‬ ‫بتفريغه من �أر�شيف م�شروع جمع الرتاث‬ ‫ال�شفهي‪ ،‬الذي يرعاه مركز زايد للدرا�سات‬ ‫وال�ب�ح��وث‪ ،‬وع��ززن��اه مبعلومات م��ن ابنه‪،‬‬ ‫يو�سف ب��ن �سليمان املطلعي‪ ،‬ومعلومات‬ ‫�أخرى ا�ستقيناها من عدد من املراجع‪:‬‬

‫كيف كانت البدايات‬

‫يحدثنا يو�سف بن �سليمان املطلعي‪ ،‬ابن‬ ‫املطوع �سليمان املطلعي‪ ،‬عن بدايات والده‬ ‫يف �سلك هذا الطريق الديني‪ ،‬يقول‪« :‬كان‬ ‫�إمام امل�سجد ‪-‬حينما يكون ذاهب ًا �إىل مكان‬ ‫ما‪ -‬يوكل مهمة �إمامة النا�س يف ال�صالة‬ ‫�إىل وال� ��دي»‪ ،‬وي���ض�ي��ف ‪«:‬ك���ان ال��وال��د يف‬ ‫البداية يرتدد‪ ،‬حيث مل يعهد بهذا العمل يف‬ ‫حياته من قبل‪� ،‬إال �أنه بت�شجيع من الإمام‬ ‫عمل على حفظ �سور من القر�آن ب�شكل �شبه‬ ‫يومي‪ ،‬حتى يت�سنى له قراءتها للنا�س يف‬ ‫ال�صالة‪ ،‬وبتلك الطريقة ا�ستطاع �أن يحفظ‬ ‫القر�آن الكرمي يف �سن مبكرة»‪.‬‬ ‫وي�ستطرد االب ��ن يف احل��دي��ث وي �ق��ول من‬ ‫امل��واق��ف املهمة التي ك��ان وال��دي يرددها‬ ‫دائ�م� ًا م��ا ح��دث ل��ه م��ع ذل��ك ا إلم ��ام ال��ذي‬ ‫�أ�صبح معلمه الأول‪� ،‬إذا طلب منه يف يوم‬

‫الحياة في الماضي‬ ‫كانت أفضل بكثير من‬ ‫اآلن والنفوس كانت‬ ‫نظيفة ونقيه ال حسد‬ ‫فيها وال نميمة‬ ‫من الأيام �أن يحل حمله يف خطبة اجلمعة‬ ‫ب�سبب �سفره �إىل بلده جم��اورة‪ ،‬يف بداية‬ ‫الأمر تردد والده ولكن حتت ا�صرار الإمام‬ ‫ال�شديد واف��ق يف الأخ�ي�ر‪ ،‬ف��أع�ط��اه كتاب‬ ‫«خطب اب��ن نباته» وطلب منه �أن يحفظ‬ ‫خطبة من الكتاب‪ ،‬وهذا ما اعتاد على فعله‬ ‫بع�ض اخلطباء يف تلك الفرتة ملا يحتويه‬ ‫الكتاب من العرب والعظات‪ ،‬اجتهد والده يف‬ ‫املو�ضوع من �أجل �أن ينجح يف ذلك االختبار‬ ‫ال�صعب الذي و�ضعه معلمه فيه‪ ،‬فعكف على‬ ‫حفظ اخلطبة وترديدها �أكرث من مرة حتى‬ ‫متكن من �أدائها ب�شكل ممتاز‪ ،‬كانت كلمات‬ ‫معلمه ترن يف �أذنه وهي التي �شجعته على‬

‫حفظ القرآن الكريم‬ ‫بحاجة إلى مذاكرة فهو‬ ‫كغيره من العلوم إن‬ ‫لم تتعهده بالكتابة‬ ‫والمذاكرة فسرعان ما‬ ‫ستنساه‬

‫اال�ستمرار‪ ،‬ويف اليوم املوعود وقبل �صعوده‬ ‫على املنرب بدقائق �إذا به يرى معلمه يدخل‬ ‫من ب��اب امل�سجد فتهللت �أ�ساريره وذهب‬ ‫لل�سالم عليه فطلب منه �أن يعتلي املنرب‬ ‫ولكنه رف�ض وب�شدة و�أجابه ‪� :‬إذا ح�ضر املاء‬ ‫بطل التيمم‪.‬‬ ‫ويحكي لنا يو�سف ابن ال�شيخ �سعيد املطلعي‬ ‫ق�صة م�شابهة حدثت مع والده‪� ،‬إذ بعد مرور‬ ‫�سنوات ذهب هو ووالده �إىل �أحد امل�ساجد‬ ‫لت�أدية �صالة اجلمعة ف ��إذا باخلطيب هو‬ ‫�أحد التالميذ الذين تتلمذوا على يد ال�شيخ‬ ‫�سعيد‪ ،‬فلما ر�أى ال�شيخ �سلم عليه وطلب‬ ‫منه �أن يحل مكانه‪ ،‬ا�ستغرب ال�شيخ هذا‬ ‫الطلب من تلميذه فكانت �إجابة التلميذ ‪:‬‬ ‫�أ�ستاذي �إذا ح�ضر املاء بطل التيمم‪ ،‬وهذا‬ ‫امل�شهد ال��ذي يتكرر يف ك��ل م��رة ي��ؤك��د لنا‬ ‫مدى االحرتام واملنزلة الرفيعة التي يكنها‬ ‫الطالب لأ�ساتذتهم يف ذلك الوقت‪.‬‬ ‫ال تقت�صر وظيفة املطوع �سليمان املطلعي‬ ‫يف ال�سابق على تدري�س ال�ق��ر�آن بل تعدته‬ ‫�إىل الوعظ والإر�شاد و�إلقاء خطب اجلمعة‪،‬‬ ‫فقد حفظ خطب ابن نباته‪ ،‬وهو ال�شيخ عبد‬ ‫الرحيم بن حممد بن �إ�سماعيل امللقب بابن‬ ‫نباته‪� ،‬صاحب كتاب ديوان خطب ابن نباته‬ ‫يف اخلطب املنربية‪ ،‬وخ�ص�ص لكل جمعة‬


‫قال الراوي‬ ‫‪110‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫خطبة معينة بعدد �أي��ام ال�سنة كما وردت‬ ‫مت�سل�سلة يف كتاب «خطب ابن نباته»‪ ،‬لقد‬ ‫ك��ان لهذه ا ُ‬ ‫خلطب الأث��ر العميق يف نفو�س‬ ‫املتلقني‪ .‬بالإ�ضافة �إىل تلك اخلطب كان‬ ‫املطوع �سليمان املطلعي يف�ضل قراءة الكتب‬ ‫التي حتكي ع��ن الأن�ب�ي��اء وال�صحابة مثل‬

‫كتاب «ريا�ض ال�صاحلني»‪ ،‬وكتب �أخرى عن‬ ‫�أحكام الإ�سالم والأم��ور التي تعنى بالدين‬ ‫والدنيا وعن ق�ص�ص الأولني لال�ستفادة من‬ ‫املواقف التي مروا بها‪.‬‬ ‫ب��الإ� �ض��اف��ة �إىل ذل ��ك ي�ع�م��ل «امل� �ط ��وع» يف‬ ‫م���س��اع��دة ال�شيخ يف ف����ض امل �ن��ازع��ات بني‬

‫ذوبان احلجر‬ ‫ينقل ابن املطوع �سليمان موقفاً طريفاً كان ي�سمعه من وال��ده كثرياً حيث‬ ‫يقول‪ :‬كان عندي طالب بليد ا�ستعملت معه كل الطرق من �أجل �أن يحفظ‬ ‫ولكن بال فائدة‪ ،‬قررت �أن �أعطيه فر�صة �أخ�يره فطلبت منه �أن يذهب �إىل‬ ‫ال�شاطىء وي�ضع حجراً يف املاء وينتظر حتى يذوب‪ ،‬بعد �ساعات ذهبت لأتفقده‬ ‫فوجدته جال�ساً ينظر �إىل احلجر ف�س�ألته‪ :‬ماذا تفعل ؟ قال‪� :‬أنتظر ذوبان‬ ‫احلجر كما �أمرتني‪ ،‬هنا نف�ضت يدي منه و�أيقنت �أن ال فائدة ترجى منه‪.‬‬

‫املتخا�صمني والإ� �ص�لاح بينهم‪ ،‬وق��د يقوم‬ ‫البع�ض منهم ب��إج��راءات ال��زواج مثل عقد‬ ‫القران وي�سمى حينها «مليك ًا»‪ .‬ومل يكتف‬ ‫املطلعي بالعمل ال��دع��وي و�إمن��ا امتهن يف‬ ‫حياته مهنة �أخرى ت�ساعده على توفري املال‬ ‫ل��ه ولأ��س��رت��ه‪ ،‬فقد عمل يف حرفة �صناعة‬ ‫القوارب وبالتحديد قارب ي�سمى «ال�شا�شة»‪،‬‬ ‫وال�شا�شة عبارة عن قارب �صغري يخ�ص�ص‬ ‫لل�صيد يف امل �ي��اه ال�ق��ري�ب��ة م��ن ال�شاطئ‬ ‫وي�صنع ع ��ادة م��ن ج��ري��د النخيل ويت�سع‬ ‫لأربعة �أ�شخا�ص تقريب ًا‪ ،‬وما يذكره ابنه �أن‬ ‫وال��ده بعد االنتهاء من �صالة الفجر كان‬ ‫يتجه �إىل مزاولة مهنته حتى �صالة الظهر‪،‬‬


‫وه �ك��ذا رح�م��ه اهلل ح�ت��ى ت�أ�سي�س مكتب‬ ‫الأوقاف يف خورفكان يف بداية ال�سبعينيات‬ ‫حيث �أ�صبح املطلعي موظف ًا يف ذلك املكتب‪.‬‬

‫كتاتيب املنطقة ال�شرقية‬

‫ي��ذك��ر لنا الأ� �س �ت��اذ عبد اهلل ال�ط��اب��ور يف‬ ‫كتابه التعليم التقليدي يف الإم��ارات بداية‬ ‫ظ �ه��ور ال �ك �ت��ات �ي��ب يف امل�ن�ط�ق��ة ال���ش��رق�ي��ة‬ ‫«ك�ل�ب��اء وخ��ورف �ك��ان»‪ ،‬ف�ي�ق��ول‪� :‬إن التعليم‬ ‫يف ال�ساحل ال�شرقي ق��دمي و�أول م��ن ب��د�أ‬ ‫التعليم يف الكتاتيب ه��و امل�ط��وع عبد اهلل‬ ‫البديع �سنة ‪1932‬م‪ ،‬يف عهد ال�شيخ �سعيد‬ ‫بن حمد القا�سمي وال��ذي كان حاكم ًا لكل‬ ‫م��ن خ��ورف�ك��ان وكلباء ب�ين ع��ام��ي ‪- 1903‬‬ ‫‪ ،1937‬وينقل عن املطوع البديع �أن الكتب‬ ‫وامل�صاحف كانت ت�صل �إىل املنطقة من‬ ‫الإح �� �س��اء �أو م��ن مكة امل�ك��رم��ة يف مو�سم‬ ‫احلج �إذا كان يو�صي من يذهب لأداء احلج‬ ‫ب�إح�ضار امل�صاحف وكتب التوحيد‪.‬‬

‫الت�أديب �أو ًال ثم التعليم‬

‫�أم ��ا ع��ن ط��ري�ق��ة ال �ق �ب��ول وال �ت��دري ����س يف‬ ‫الكتاتيب فيذكر املطوع �سليمان املطلعي‬ ‫ذل ��ك ب�ق��ول��ه ع ��ادة م��ا ن�ق�ب��ل ال �ط�لاب يف‬ ‫�سن ال�سابعة فما ف��وق‪ ،‬حيث يح�ضر �أحد‬ ‫ال��وال��دي��ن اب �ن��ه �أو اب�ن�ت��ه �إىل «ال � ُك � َت��اب»‬ ‫والكتاتيب يف املا�ضي‪� ،‬إما يف بيت املطوع‬ ‫�أو مكان ملحق بامل�سجد‪ ،‬فيو�صي املطوع‬ ‫بتعليمه وت�أديبه‪ ،‬فدور املطوع كما �أ�سلفنا‬ ‫ال يقت�صر على التدري�س فقط بل يتعداه‬ ‫�إىل تن�شئة الأوالد وتربيتهم على الأخالق‬ ‫احلميدة‪.‬‬ ‫وتبد�أ الدرا�سة من ال�ساعة ال�سابعة �صباح ًا‬ ‫وحتى ما قبل �صالة الظهر‪ ،‬وهناك بع�ض‬ ‫من املطاوعة من يتابع التدري�س من بعد‬ ‫�صالة الع�صر وحتى ما قبل �صالة املغرب‪.‬‬ ‫ب��الإ��ض��اف��ة �إىل اجل�ه��د ال ��ذي ك��ان يبذله‬ ‫املطوع �سليمان يف التدري�س �إال �أن زوجته‬ ‫كان لها دور كبري يف م�ساعدته خا�صة يف‬ ‫الت�صرف م��ع الأط �ف��ال الأ��ش�ق�ي��اء الذين‬

‫المطوعسعيدسليمان‬ ‫المطلعي من أوائل‬ ‫المطوعينالذينعاشوا‬ ‫فيالمنطقةالشرقية‬ ‫التابعة إلمارة الشارقة‪،‬‬ ‫فقد ُولد « رحمه اهلل»‬ ‫وترعرع بين جبال خورفكان‬ ‫وخورهاالمعطاء‬ ‫ي�سببون الفو�ضى خالل فرتة الدر�س‪ .‬وهنا‬ ‫يربز دور امل��ر�أة الرتبوي يف ال�سابق حيث‬ ‫كانت مت��ار���س �أدوار ًا ع��دي��دة يف املجتمع‬ ‫جنب ًا �إىل جنب مع الرجل‪.‬‬

‫طريقة التدري�س‬

‫يذكر املطوع طريقة التدري�س فيقول نبد�أ‬ ‫بتدري�س الأوالد ح��روف ال�ه�ج��اء «�أب�ج��د‬ ‫هوز»‪ ،‬فنبد أ� بالألف‪ ،‬فحرف الألف ال �شي‬ ‫له ونق�صد بذلك ب�أنه خ��ال من النقاط‪.‬‬ ‫�أما الباء فتحته نقطة والتاء فوقه نقطتان‬ ‫‪..‬الخ حتى ننتهي من احلروف ثم نبد�أ بعد‬ ‫ذلك بتعليمهم القر�آن جزء عم ‪ ،‬بالإ�ضافة‬ ‫�إىل النحو فاتقان اللغة العربية �شرط من‬ ‫�شروط تعلم جتويد القر�آن وتالوته‪.‬‬

‫العلم �صيد والكتابة قيده‬

‫حفظ القر�آن الكرمي بحاجة �إىل مذاكرة‬ ‫فهو كغريه من العلوم �إن مل تتعهده بالكتابة‬ ‫وامل��ذاك��رة ف�سرعان ما �ستن�ساه‪ ،‬وقد قال‬ ‫�سبحانه وتعاىل يف ذلك " َو َمنْ �أَ ْع َر َ�ض َعنْ‬ ‫ِذ ْك� ِ�ري َف� ِ�إنَّ َل ُه َم ِع َ‬ ‫ي�ش ًة َ�ض ْنك ًا َو َن ْح ُ�ش ُر ُه َي ْو َم‬ ‫َ‬ ‫ا ْل ِق َي َام ِة �أَ ْع َمى‪َ .‬ق َال َر ِّب لمِ َ َح َ�ش ْر َت ِني �أ ْع َمى‬

‫لم تقتصر وظيفة‬ ‫«المطلعي» على‬ ‫تدريس القرآن بل تعدته‬ ‫إلى الوعظ واإلرشاد‬ ‫وإلقاء خطب الجمعة‬ ‫وقد حفظ خطب ابن‬ ‫نباته وخصص لكل‬ ‫جمعة خطبة معينة‬ ‫بعدد أيام السنة‬

‫َو َق ْد ُك ْنتُ َب ِ�صري ًا‪َ .‬ق َال َك َذ ِل َك �أَ َتت َْك �آ َيا ُت َنا‬ ‫َف َن ِ�سي َت َها َو َك� َ�ذ ِل� َ�ك ا ْل� َي� ْو َم ُت ْن َ�سى �سورة طه‪:‬‬ ‫الآيات من ‪.126 - 124‬‬ ‫وكما قال �أحد ال�شعراء‪:‬‬

‫ال���ع���ل���م ���ص��ي��د وال���ك���ت���اب���ة ق��ي��ده‬ ‫ق���ي���د ����ص���ي���ودك ب���ال���ق���ي���ود ال���واث���ق���ة‬

‫وقد يتميز عندي بع�ض الطالب يف احلفظ‬ ‫ف��أوك��ل �إليهم مهمة تدري�س غريهم من‬ ‫ال �ط�لاب ال�ضعفاء‪ .‬وي��ذك��ر اب��ن املطوع‬ ‫�سليمان موقف ًا طريف ًا ك��ان ي�سمعه من‬ ‫والده كثري ًا حيث يقول‪ :‬كان عندي طالب‬ ‫بليد ا�ستعملت معه كل الطرق من �أجل �أن‬ ‫يحفظ ولكن بال فائدة‪ ،‬قررت �أن �أعطيه‬ ‫فر�صة �أخ�يره فطلبت منه �أن يذهب �إىل‬ ‫ال�شاطىء وي�ضع حجر ًا يف امل��اء وينتظر‬ ‫حتى ي��ذوب‪ ،‬بعد �ساعات ذهبت لأتفقده‬ ‫فوجدته جال�س ًا ينظر �إىل احلجر ف�س�ألته‪:‬‬ ‫ماذا تفعل ؟ قال‪� :‬أنتظر ذوبان احلجر كما‬ ‫�أمرتني‪..‬هنالك نف�ضت يدي منه و�أيقنت‬ ‫�أن ال فائدة ترجى منه‪ ،‬وهنا تربز حكمة‬ ‫املطوع �سليمان املطلعي‪.‬‬

‫اخلط للغني جمال وللفقري مال‬ ‫قال �أحد ال�شعراء‪:‬‬

‫تعلـّم قِ����وام اخل���ط ي��ا ذا ال��ت���أدب‬ ‫ف����م����ا اخل�������ط �إال زي�����ن�����ة امل������ت�������أدب‬ ‫ف����إن ك��ن��ت ذا م���ال فخطك زينة‬ ‫و�إن كنت حمتاجاً ف�أف�ضل مك�سب‬ ‫املغزى من هذا البيت �إن ال�شاعر يحث كل‬ ‫من ميلك موهبة اخلط اجلميل ب�أن ي�ستغله‬ ‫يف ك�سب ق��وت يومه وذل��ك من خ�لال عمله‬ ‫كخطاط‪ ،‬ف ��إذا ك��ان غني ًا فاخلط اجلميل‬ ‫زينة ومنفعة له‪.‬‬

‫ف������ل������و�������س اخل����م����ي���������س����ي����ة غ�ي�ر‬ ‫وف�����������ل�����������و������������س اخل���������ت���������م���������ه غ��ي��ر‬ ‫اخلمي�سية �سميت بذلك لأنها عبارة عن مبلغ‬ ‫ب�سيط روبية �أو �آنة «عملة ت�ستخدم قدمي ًا يف‬


‫قال الراوي‬ ‫‪112‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫ا إلم��ارات» �أو قد يكون قليل طحني �أو متر �أو‬ ‫�أي حم�صول من املزرعة يعطى للمطوع كل‬ ‫خمي�س‪� ،‬أما فلو�س اخلتمة وهي املبلغ الذي‬ ‫يت�سلمه املطوع بعد �أن يتم ال��دار���س ختمه‬ ‫للقر�آن الكرمي ويرتاوح بني ‪ 100 - 60‬روبية‪.‬‬

‫التومينة‪ ..‬االحتفال الكبري‬

‫بعد االن�ت�ه��اء م��ن حفظ وجت��وي��د ال �ق��ر�آن‬ ‫ال �ك��رمي ك��ام� ً‬ ‫لا ك��ان ال ب��د م��ن ال�ت�ك��رمي‪،‬‬ ‫وي�سمى هذا االحتفال باخلتمة بالتومينة‬ ‫�أو ال�ت�ح�م�ي��دة‪ ،‬وال�ت��وم�ي�ن��ة م� ��أخ ��وذة من‬ ‫كلمة �آمني وتلفظ يف اللهجة «�إوم�ين» وهي‬ ‫الت�أمني على الدعاء �أو الرتاتيل والأنا�شيد‬ ‫الدينية خلف املطوع �أو املطوعة الذي يقود‬ ‫احلفل‪� ،‬أما التحميدة فم�أخوذة من كلمة‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬فهنا يحمد النا�س اهلل على‬ ‫توفيقه البنهم يف حفظ القر�آن‪ ،‬وذلك وفقا‬ ‫للباحث عبد اهلل الطابور يف كتابه التعليم‬ ‫التقليدي يف الإمارات‪.‬‬ ‫يبد�أ االحتفال ب��إع�لان «امل �ط � ّوع» �أن �أحد‬ ‫ت�لام �ي��ذه ق��د ت ��أه��ل ل�ل�ت�خ��رج م��ن حلقته‬ ‫التعليمية‪ ،‬فيتم �إبالغ �أهل التلميذ اخلامت‬ ‫ال �ق��ر�آن ب��ذل��ك‪ ،‬ف� ��إذا ك��ان �صبي ًا �ألب�سوه‬ ‫ال�ب���ش��ت‪� ،‬أم ��ا �إذا ك��ان��ت ف �ت��اة ا��س�ت�ع��اروا‬ ‫لها الذهب وخ�ضبوها باحلناء‪ ،‬ويطوف‬ ‫ال�صبية على احل ��ارة يتقدمهم اخل��امت‬ ‫واملطوع ين�شدون �أنا�شيد التومينه فيقوم‬ ‫الأه� � ��ايل ب �ت �ق��دمي احل��ل��وي��ات وال �ط �ح�ين‬ ‫والقهوة لهم‪ ،‬ثم يتوقف املوكب عند منزل‬ ‫املطوع ويجمع ما ح�صله ال�صبية‪ ،‬وت�ستمر‬ ‫االحتفاالت ثالثة �أيام متتالية يف بيته‪.‬‬

‫بعد االنتهاء من حفظ‬ ‫وتجويد القرآن الكريم‬ ‫كام ً‬ ‫ال كان ال بد من‬ ‫التكريم ويسمى‬ ‫هذا االحتفال بالختمة‬ ‫بـ«التومينة» أو «التحميدة»‬ ‫هواكي وراق��ب��ي الرحمن‪� ،‬آمييني‪ ،‬يا نف�س‬ ‫واج��ت��ن��ب��ي ال��ذن��وب ف���إن��ه��ا‪� ،‬آم��ي��ي�ين‪ ،‬تخزي‬ ‫الوجوه وتف�ضح الإن�سان‪� ،‬آمييني‪ ،‬يا نف�س‬ ‫ق��د وىل ال�شباب وق��د م�ضى‪� ،‬آمييني‪ ،‬هذا‬ ‫دل���ي���ل امل�����وت ق���د واف����ان����ا‪� ،‬آم���ي���ي�ي�ن‪��� ،‬ش��رب��وا‬ ‫ك�ؤو�س املوت من بعد احليا‪� ،‬آمييني‪� ،‬أم�سوا‬ ‫�سكارى كلهم جمعانا‪� ،‬آم��ي��ي�ين‪ ،‬ولن�شربن‬ ‫بك�أ�سهم من بعدهم‪� ،‬آمييني‪� ،‬سكنوا القبور‬ ‫وفارقوا الولدان‪� ،‬آمييني‪ ،‬يا طالب الدنيا‬ ‫�أم��ل��ك دن���ا‪� ،‬آم��ي��ي�ين‪� ،‬أ���ص��ب��ح��ت م���غ���روراً بها‬ ‫�سكرانا‪� ،‬آمييني‪ ،‬لواله مل تكن نار وال جنة‪،‬‬ ‫�آمييني‪ ،‬وال حما�سبة �إلهي كفانا‪� ،‬آمييني‪،‬‬ ‫م��ايل �أراك على ال��ذن��وب مواظباً‪� ،‬آمييني‪،‬‬ ‫فهل اتخذت من الإله �أمانا‪� ،‬آمييني‪ ،‬والآل‬ ‫والأ�صحاب جميعاً كلهم ‪� ،‬آمييني‪ ،‬والأنبياء‬ ‫جميعهم �إخ��وان��ا‪� ،‬آمييني‪ ،‬ثم ال�صالة على‬ ‫النبي حممدا‪� ،‬آمييني‪ ،‬ما غرد الطري على‬ ‫الأغ�صان‪� ،‬آمييني‪.‬‬

‫الن�شيد الثاين‬

‫وم�ضى ال�شباب بح�سنه مت�صرما ‪�...‬آمييني‬ ‫�أن����ت امل�����ش��ي��ب �أراه ���ش��ي��ب��اً داب�����را ‪�...‬آم��ي��ي�ين‬ ‫ث��م ال�صالة على النبي حممدا ‪�...‬آمييني‬ ‫يا ها�شمي يا خري من وط�أ الرثى ‪�...‬آمييني‬ ‫ي��ا م��ن ل��ه و�سط القلوب م��ن��از َل ‪�...‬آم��ي��ي�ين‬ ‫وعلى ل�ساين غري مدحك ما جرى ‪�...‬آمييني‬ ‫والأر�ض ترجف وال�سموات العال ‪�...‬آميني‬ ‫وال�شم�س وال��ق��م��ر امل��ن�ير ت��غ�يرا ‪�...‬آم��ي��ي�ين‬ ‫�إن اجل���ن���ان م��ف��ت��ح��ة �أب���واب���ه���ا ‪�...‬آم���ي���ي�ي�ن‬ ‫واحل����ور فيها م�����ش��رف��ات ت��ن��ظ��را ‪�...‬آم��ي��ي�ين‬ ‫لقدوم روح��ك لينظرون لقاءها ‪�...‬آمييني‬ ‫يف جنة الفردو�س روحك �سائره ‪�...‬آمييني‬ ‫�سمعوا جميع اخللق و�ضجوا بالبكاء‪�..‬آمييني‬ ‫�أ�سفا على الهادي النبي وما جرى ‪�...‬آمييني‬ ‫والطري يف جو ال�سماء بجالله ‪�...‬آمييني‬ ‫يبكيعلىاحلبيبمعالنجومالزهرا‪�...‬آمييني‬ ‫ي���وم ال��ث�لاث��اء ث��م ي���وم الأرب���ع���اء ‪�...‬آم��ي��ي�ين‬ ‫ي���وم اخل��م��ي�����س ك���ان ي��وم��ا �آخ����� َر ‪�...‬آم��ي��ي�ين‬ ‫ل��ع�����ش��ي��ة دف����ن ال��ن��ب��ي حم���م���دا ‪�...‬آم���ي���ي�ي�ن‬ ‫يف ل��ي��ل��ة غ�����راء �أم�������س���ى م���ق�ب�را ‪�...‬آم���ي���ي�ي�ن‬ ‫ث��م ال�����ص�لاة على النبي حم��م��دا‪�...‬آم��ي��ي�ين‬ ‫م��ا الح جن��م يف ال�سماء و�أزه����را ‪�...‬آم��ي��ي�ين‬

‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫الح امل�����ش��ي��ب ب��ع��ار���ض��ي ف����أك�ث�را ‪�...‬آم��ي��ي�ين الن�شيد الثالث‪:‬‬

‫وم�ضى ال�شباب ل��ل��وداع ف���أدب��را ‪�...‬آم��ي��ي�ين ي���ا راح���ل�ي�ن �إل���ـ���ى م��ن��ـ��ى ب��ق��ي��ـ��ادي‬ ‫ه��ي��ج��ت��م��وا ي�����وم ال���رح���ي���ـ���ل ف����ـ�����ؤادي‬ ‫���س��رمت و���س��ار دليلكم ي��ا وح�شتـي‬ ‫التعليم في الساحل‬ ‫ال�������ش���وق �أق��ل��ق��ن��ي و����ص���وت احل���ـ���ادي‬ ‫الشرقي قديم وأول‬ ‫وحرمتموا جفني املنام ببعدكـم‬ ‫من بدأ التعليم في‬ ‫من �أنا�شيد التومينة‬ ‫ي�����ا ����س���اك���ن�ي�ن امل���ن���ح���ن���ـ���ى وال�����ـ�����وادي‬ ‫الكتاتيب هو المطوع‬ ‫الن�شيد الأول‪:‬‬ ‫وي��ل��وح يل م��اب�ين زم���زم وال�صفـا‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‪� ،‬سبحان خالق عبد اهلل البديع سنة‬ ‫ع��ن��د امل���ق���ام ���س��م��ع��ت ���ص��وت م��ن��ادي‬ ‫ط�يره��ا ووح��و���ش��ه��ا‪� ،‬آم��ي��ي�ين‪ ،‬حتى ال���دواب ‪1932‬م‪ ،‬في عهد‬ ‫ال�سـرى‬ ‫وي��ق��ول يل يانائما جـد ُ‬ ‫و���ص��ور الإن�����س��ان‪� ،‬آم��ي��ي�ين‪� ،‬سبحان خالقنا الشيخ سعيد بن حمد‬ ‫ع�����رف�����ات جت���ل���و ك�����ل ق���ل���ب ����ص���ـ���ادي‬ ‫لف�صل ق�ضائه‪� ،‬آم��ي��ي�ين‪ ،‬ل��ي��وم ت�شيب من القاسمي والذي‬ ‫من نال من عرفات نظرة �ساعة‬ ‫�أه��وال��ه ال��ول��دان‪� ،‬آم��ي��ي�ين‪ ،‬ي��ا نف�س ويحك كان حاكم ً‬ ‫من‬ ‫لكل‬ ‫ا‬ ‫ن������ال ال���������س����رور ون�������ال ك����ل م����ـ����رادي‬ ‫ف��ات��رك��ي ق�����ص��د ال���ه���وى‪� ،‬آم��ي��ي�ين‪ ،‬و�أع�����ص��ي‬

‫خورفكان وكلباء بين‬ ‫عامي ‪1937 - 1903‬‬


‫�صلى عليك اهلل يا علـم الهـدى‬ ‫ت��اهلل م��ا �أح��ل��ى املبيت على منـى‬ ‫يف ل���ي���ل ع���ي���د �أب�����ـ�����رك الأع����ي����ـ����ادي‬ ‫م����ا ����س���ار رك�����ب �أو ت���رن���ـ���م ح���ـ���ادي‬ ‫�ضحوا �ضحاياهم ثم �سال دما�ؤها‬ ‫و�أن��������ا امل���ت���ي���م ق����د ن���ح���ـ���رت ف����ـ�����ؤادي احل�سود ال ي�سود‬ ‫يتذكر ال�شيخ �سعيد املطلعي احل�ي��اة يف‬ ‫لب�سوا ثياب البي�ض �شارات اللقاء‬ ‫و�أن�������ا امل����ل����وع ق����د ل��ب�����س��ـ��ت ����س���ـ���وادي امل��ا��ض��ي مب��ا فيها م��ن ال���ص�ف��اء وال�ن�ق��اء‬ ‫فيقول «احل�ي��اة يف املا�ضي كانت �أف�ضل‬ ‫ي��ارب �أن��ت و�صلتهم �صلني بهـم‬ ‫بكثري م��ن الآن وال�ن�ف��و���س ك��ان��ت نظيفة‬ ‫ُ‬ ‫ف��ب��ح��ق��ه��ـ��م ي���ـ���ا رب ف����ـ����ك ق���ي���ـ���ادي ونقيه ال ح�سد فيها وال منيمة‪ ،‬حتى �أنهم‬ ‫ف������إذا و���ص��ل��ت��ـ��م ���س��امل��ي��ـ��ن فبلغـوا‬ ‫كانوا يثقون ببع�ضهم واجلار يحافظ على‬ ‫ُ‬ ‫م��ن��ي ال�����س�لام �أه��ي��ـ��ل ذاك ال���ـ���وادي �سمعة ج��اره و�أه�ل��ه كخوفه على �أ�سرته‪،‬‬ ‫ق��ول��وا لهم عبـد الرحيـم متيـم‬ ‫وكانوا يهتمون ب�إقامة ال�صالة والفرائ�ض‬ ‫وم����ف����ـ����ارق الأح����ـ����ب����ـ����اب والأوالد وب��الأع �م��ال احل�سنة ويجتنبون احل�سد‪،‬‬

‫وق��د ق��ال ر��س��ول�ن��ا ال �ك��رمي – �صلى اهلل‬ ‫عليه و�سلم حتذير ًا من احل�سد‪�« :‬إياكم‬ ‫واحل�سد ف�إن احل�سد ي�أكل احل�سنات كما‬ ‫ت�أكل النار احلطب �أو قال الع�شب»‪ ،‬رواه‬ ‫�أب��و داوود واملثل العربي امل�شهور يف ذلك‬ ‫يقول «احل�سود ال ي�سود»‪.‬‬ ‫وي�خ�ت��م ال�شيخ �سعيد �سليمان املطلعي‬ ‫حديثة بهذا الدعاء «اللهم ارفع عنا الغالء‬ ‫والبالء وال��زالزل واملحن و�سوء الفنت ما‬ ‫ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خا�صة‬ ‫و�سائر ب�لاد امل�سلمني عامة‪ ،‬واحلمد هلل‬ ‫رب العاملني»‪ .‬رحم اهلل هذا ال�شيخ اجلليل‬ ‫و�أ�سكنه ف�سيح جناته‬


‫حكايات من الذاكرة‬ ‫‪114‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫«السندريال»‬

‫تراجيديا الحياة والموت!‬ ‫القاهرة ‪ -‬ه�شام علي‬ ‫مل تع�شق الكامريا جنمة كما ع�شقت �سعاد ح�سني‪ ،‬ومل تغدر الكامريا بنجمة كما غدرت ب�سعاد ح�سني‪ ،‬منحتها‬ ‫«الكامريا» املجد الفني وحب اجلماهري‪ ،‬والنجومية الطاغية‪ ،‬ويف حلظة �سحبت منها كل هذا‪ ،‬و�أبرزت‬ ‫التجاعيد واخلطوط ال�سوداء والرتهل‪ ،‬رفعتها �إىل ال�سماء ودفعتها �إىل الأر�ض‪� ،‬شدتها بق�سوة من دفء‬ ‫�أح�ضان اجلماهري �إىل بالد ال تعرف ال�شم�س‪ ،‬كتبت نهاية فيلم «ال�سندريال» على �أر�ض باردة ال تعرف الرحمة!‬ ‫رغ��م م�ساحة البهجة ال�ت��ي ك��ان��ت تفر�شها‬ ‫ابت�سامة �سعاد ح�سني على جمهورها �سواء يف‬ ‫دور العر�ض ال�سينمائي �أو �أمام التليفزيون‪� ،‬إال‬ ‫�إنها كانت تخفي يف داخلها �شخ�صية حزينة‪،‬‬ ‫رمبا ب�سبب املعاناة القا�سية التي عا�شتها يف‬ ‫طفولتها‪ ،‬والتي �أفردت لها �صحافة ال�ستينيات‬ ‫القاهرية‪ ،‬بعد �أن فوجئ اجلميع‪ ،‬بق�ضية‬ ‫ت�تردد يف كوالي�س املحاكم‪ ،‬طرفاها �سعاد‬ ‫ح�سني و�شقيقتها املطربة جن��اة ال�صغرية‪،‬‬ ‫يف مواجهة والدهما ال��ذي قام برفع دعوى‬ ‫ق�ضائية يطالبهما فيها بالإنفاق عليه‪ ،‬لكن‬ ‫�سعاد وجناة رف�ضن وك�شفن كيف كان هذا‬ ‫الأب قا�سي ًا معهما ي�ستغلهما يف احلفالت‬ ‫وهما طفلتان ا�ستغال ًال ب�شع ًا‪ ،‬لدرجة �أنه كان‬ ‫يتقا�ضى ما يح�صال عليه من �أجر ويرتكهما‬ ‫بال طعام بالأيام‪.‬‬ ‫وقد حدث هذا �أكرث مع جناة‪ ،‬يف املقابل كانت‬ ‫�سعاد �ضحية زوجة الأب القا�سية التي كانت‬ ‫تتفنن يف تعذيبها‪ ،‬ومل ينقذ �سعاد من هذا‬ ‫امل�صري �إال مكت�شف النجوم يف اخلم�سينيات‬ ‫وال�ستينيات الكاتب عبد الرحمن اخلمي�سي‬ ‫الذي قدمها يف فيلم «ح�سن ونعيمة» مع املطرب‬ ‫حمرم ف ��ؤاد‪ ،‬هذا الفيلم ال��ذي �أح��دث �ضجة‬ ‫يف الو�سط ال�سينمائي و�أعلن عن ميالد جنمة‬ ‫جديدة وع�صر جديد يف ال�سينما امل�صرية بطلته‬

‫�سعاد ح�سني التي كان وجود ا�سمها على «�أفي�ش»‬ ‫�أي فيلم يكفل له النجاح اجلماهريي الكبري‪،‬‬ ‫بعد �أن �أ�صبحت «ال�سندريال» هي فتاة �أحالم‬ ‫ال�شباب‪ ،‬ومن��وذج البنت امل�صرية الع�صرية‪،‬‬ ‫والفنانة ال�شاملة وهذا ما كانت تفتقده النجمات‬ ‫الالتي �سبقوها على ال�شا�شة من �أمثال مديحة‬ ‫ي�سري‪ ،‬وفاتن حمامة‪ ،‬ومرمي فخر الدين‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من كل هذا النجاح الفني �إال �أن‬ ‫�أنها �صادفت ف�ش ًال على امل�ستوى العاطفي �سواء‬ ‫يف زيجاتها التي انتهت جميعها بالطالق‪،‬‬ ‫لأ�سباب خمتلفة‪� ،‬أو ق�صة حبها مثار اجلدل‬ ‫م��ع العندليب الأ�سمر عبد احلليم حافظ‪،‬‬ ‫�سواء تزوجها عرفي ًا �أم مل يتزوجها‪ ،‬يف النهاية‬ ‫كتب لهذا احلب �أن يف�شل وال يرى النور ويبقى‬ ‫وجبة �صحفية د�سمة للنميمة‪ ،‬كما حدث بعد‬ ‫طالقها من املخرج علي بدرخان‪ ،‬البع�ض �أكد‬ ‫�أن عدم قدرة �سعاد على الإجناب دفع والدته‬ ‫�إىل الإ�صرار على طالق ابنها منها‪ ،‬والبع�ض‬ ‫�شهر بزوجها علي بدرخان وقال‪� :‬إنها هي التي‬ ‫طلبت الطالق بعد �أن علمت بخيانته لها‪ ،‬وهذا‬ ‫ما نفاه بدرخان كثري ًا‪ ،‬خ�صو�ص ًا بعد �أن تعر�ض‬ ‫م�سل�سل «ال�سندريال» لواقعة اخليانة‪ ،‬و�إذا كان‬ ‫طالقها من بدرخان ترك �أثار ًا نف�سية دفعتها‬ ‫�إىل طريق االكتئاب‪.‬‬ ‫وال ميكن �أن نتجاهل طالقها من املخرج ال�شاب‬

‫زكي فطني عبد الوهاب ابن الفنانة ليلى مراد‪،‬‬ ‫التي رف�ضت هذا الزواج من البداية‪ ،‬على الأقل‬ ‫ب�سبب ف��ارق ال�سن الكبري بني �سعاد وابنها‬ ‫الذي مل يتحمل �ضغوط �أمه ور�ضخ يف النهاية‬ ‫ومل ي�ستمر ال ��زواج‪ ،‬بعد ه��ذا الطالق الذي‬ ‫مت يف �صمت كبري بعيد ًا عن ال�صحافة‪� ،‬أخذ‬ ‫م�سارها الفني ي�أخذ منحنى �آخر من الرتاجع‪،‬‬ ‫وال�سقوط املدوي الذي مل تتحمله ال�سندريال‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا بعد �سقوط فيلمها «الدرجة الثالثة»‬ ‫مع النجم �أحمد زكي يف مواجهة فيلم «حالة‬ ‫تلب�س» بطولة �سماح �أنور‪.‬‬ ‫فقد رف��ع ال��درج��ة الثالثة م��ن دور العر�ض‬ ‫ال�سينمائي بعد �أ�سبوع واحد من عر�ضه‪ ،‬وقتها‬ ‫�شعرت بالإهانة الكبرية واهتزاز الأر���ض من‬ ‫حتتها وتخلى جمهورها عنها‪ ،‬وتكرر معها‬ ‫املوقف نف�سه يف فيلم «الراعي والن�ساء» فلم‬ ‫يرحمها جمهورها ومل مينحها فر�صة �أخرى‬ ‫للعودة ل�ل�أ��ض��واء والنجومية‪ ،‬ان�سحبت يف‬ ‫هدوء �إىل لندن جتر هزميتها الفنية و�أحزانها‬ ‫العاطفية و�سل�سلة الأمرا�ض التي هاجمتها‪،‬‬ ‫وعبثت بجمالها وبريقها‪ ،‬كل هذه الأحزان يف‬ ‫حياة ال�سندريال تف�سر �سر �صداقتها العميقة مع‬ ‫ال�شاعر الرائع �صالح جاهني‪ ،‬حزنهما الداخلي‬ ‫دفعهما نحو ال�صداقة النبيلة واال��ش�تراك يف‬ ‫االكتئاب القاتل‪ ،‬ثنائي فني مده�ش �صالح‬


‫و�سعاد‪ ،‬قدما لل�سينما امل�صرية �أهم �أفالمها‬ ‫اال�ستعرا�ضية «خللي بالك من زوزو» و�أجمل‬ ‫م�سل�سل ا�ستعرا�ضي غنائي «هو وهي»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من �أن خللي بالك من زوزو ا�ستمر‬ ‫عر�ضه يف ال�سينما �أكرث من ‪� 22‬أ�سبوع ًا‪ ،‬مل‬ ‫ي�سلم هو الآخر من هجوم النقاد عليه وعلى‬ ‫خمرجه ح�سن الإمام‪ ،‬وم�ؤلفه �صالح جاهني‬ ‫ال��ذي ا�ستوحى فكرة الفيلم من ق�صة حياة‬ ‫ال�صحفية الكبرية بهرية خمتار التي كانت‬ ‫تتوىل رئا�سة ق�سم التحقيقات ب��الأه��رام‪،‬‬ ‫وو�صلت �إىل منا�صب �صحفية راقية‪ ،‬وهي ابنة‬ ‫الراق�صة نبوية م�صطفي والريا�ضي العظيم‬ ‫خم �ت��ار ح�سني احل��ا� �ص��ل ع�ل��ى امل�ي��دال�ي��ات‬ ‫الذهبية يف الأومل �ب �ي��اد‪� ،‬صحيح �أن نبوية‬ ‫م�صطفي مبجرد زواجها اعتزلت الرق�ص‬ ‫وتفرغت لرتبية �أبنائها ورعاية زوجها البطل‪،‬‬ ‫وهذا ما مل يظهر يف الفيلم الذي اعتمد على‬ ‫فكرة عمل عليها الكاتب وهي ابنة الراق�صة‬ ‫التي تربت يف �شارع «حممد علي» يف الوقت‬ ‫الذي كانت تدر�س فيه يف كلية الإعالم‪ ،‬وحتى‬ ‫ال يخطفنا بريق خللي بالك م��ن زوزو من‬ ‫�سعاد ح�سني‪ ،‬البد �أن نتوقف عند ملاذا رحلت‬ ‫�سعاد ح�سني وهي �شبه مفل�سة؟!‬ ‫الإج��اب��ة �سمعتها م��ن ك��ات��ب �صحفي كانت‬ ‫ت��رب�ط��ه ب�ه��ا � �ص��داق��ة ك �ب�يرة‪ ،‬ل�ك�ن��ه رف�ض‬ ‫�أن ي �� �ش��ارك يف م��ول��د احل � ��وارات عنها يف‬ ‫الف�ضائيات والرتبح من ورائها بكتابة املقاالت‬ ‫لدرجة �أنه ا�ستحلفني �أال �أ�ستغل ا�سمه يف �أي‬ ‫مو�ضع �أكتب فيه عن �سعاد ح�سني‪� ،‬صديقي‬ ‫ال�صحفي ق��ال يل‪� :‬سعاد ك��ان��ت �شخ�صية‬ ‫جماملة ف��وق احل� ��دود‪ ،‬كثري م��ن الأع �م��ال‬ ‫التي �شاركت فيها مل تتقا�ض عنها �أج��ر ًا‬ ‫ت�شجيع ًا ملنتج يف بداية حياته‪� ،‬أو جماملة‬ ‫لزميل يخو�ض جتربة الإن �ت��اج‪ ،‬لكن يبقى‬ ‫لعب «ال��ورق» �أهم عيوبها‪ ،‬والذي دمر كثري ًا‬ ‫من ر�صيدها املادي‪ ،‬حتى �أن املنتجني عندما‬ ‫كانوا يتفاو�ضون معها على فيلم جديد وكانت‬ ‫ترفع �أجرها كانوا ال يغ�ضبون منها ويوافقونها‬ ‫على طلباتها و�شروطها‪ ،‬لأنهم على علم �أن ما‬ ‫�أخذته منهم يف املكتب �سوف يح�صلون عليه‬ ‫لي ًال على مائدة «الكوت�شينة»‪.‬‬

‫يف املقابل مل تتعر�ض جنمة يف تاريخ الفن‬ ‫امل�صري لالبتزاز‪ ،‬كما حدث مع �سعاد ح�سني‪،‬‬ ‫ابتزوها يف حياتها بال�شائعات التي �أطلقوها‬ ‫عليها لي ًال ون �ه��ار ًا‪ ،‬وبعد رحيلها باملتاجرة‬ ‫بتاريخها وحياتها و�أ�سرارها‪ ،‬الذي �صافحته‬ ‫مرة يف افتتاح فيلم علي �سبيل املجاملة منح‬ ‫نف�سه حق ت�أليف كتاب عن �أ�سرار �سعاد ح�سني‬ ‫والذي قابلها على �سبيل امل�صادفة يف م�صعد‬ ‫بيتها ظهر يف الربامج الف�ضائية‪ ،‬يحكي عن‬ ‫م�شواره مع �سعاد ح�سني‪ ،‬مل يرحموا هذه‬ ‫النجمة الرقيقة حية ومل يرتكوها يف حالها‬ ‫ميتة‪ ،‬اغتالوها معنوي ًَا ورق�صوا على جثتها‪.‬‬ ‫�صحفية كبرية يف م�ؤ�س�سة �صحفية حمرتمة‪،‬‬ ‫وج�ه��ت لها طعنة غ ��ادرة وه��ي يف ل�ن��دن يف‬ ‫مقال‪� ،‬أدق و�صف له �أنه كان خنجر ًا م�سموم ًا‬ ‫كتبت ال�صحفية‪�« :‬أنها تت�سول يف لندن‪ ،‬ومل‬ ‫يكفها هذا التلفيق ال�صحفي �أخذت تعايرها‬ ‫بجمالها الذي ذهب‪ ،‬وزيادة وزنها الذي تعانيه‬ ‫ب�سبب ت�ن��اول الأدوي ��ة وحقن الكورتيزون»‪.‬‬ ‫وبع�ض امل��واق��ع روج��ت �أن �سعاد يف �أيامها‬ ‫الأخرية‪ ،‬قامت بتغري ديانتها من الإ�سالم �إىل‬ ‫امل�سيحية بعد �أن احت�ضنتها طائفة تب�شريية‬ ‫ا�ستغلت احلاجة التي كانت تعي�ش فيها و�آالم‬ ‫املر�ض املزمن التي كانت تالزمها‪ ،‬والوحدة‬ ‫التي عا�شتها يف �آخر م�شوار حياتها‪.‬‬ ‫حتى طريقة رحيلها �صنعوا منها «فيلماً‬ ‫ب��ول �ي �� �س �ي � ًا» وروج� � ��وا �أن� �ه ��ا ��ض�ح�ي��ة عملية‬ ‫خمابراتية‪ ،‬كما يحدث يف الأفالم الأمريكية‪،‬‬ ‫عندما تريد الأجهزة �أن تتخل�ص من عمالئها‬ ‫ال�سابقني‪ ،‬و�أكد هذا الكالم ما �صرح به اللواء‬ ‫ف�ؤاد ن�صار املدير الأ�سبق جلهاز املخابرات‬ ‫العامة يف ع�صر الرئي�س ال�سادات يف �أكرث من‬ ‫و�سيلة �إعالمية‪�« :‬سعاد ح�سني كانت جمندة‬ ‫للمخابرات امل�صرية هي وغريها‪ ،‬وهذا كان‬ ‫�أ�سلوب ًا من الأ�ساليب التي تتبعها املخابرات‬ ‫للح�صول على املعلومات من ال�شخ�صيات التي‬ ‫متيل جتاه ال�سيدات‪ ،‬فكانت املخابرات ت�أتي‬ ‫بهن وتعرفهن على هذه ال�شخ�صيات ليجل�سن‬ ‫معهم ويدخلن غرفهم وي�سجلن لهم‪ ،‬وبهذا‬ ‫يكون معنا �سالح �ضد هذه ال�شخ�صيات»‪.‬‬ ‫وبعيد ًا عن ما تردد عن طريقة جتنيد �سعاد‬

‫ح�سني‪ ،‬التي �أف ��ردت لها اعتماد خور�شيد‬ ‫�صفحات يف كتابها «مذكرات اعتماد خور�شيد»‬ ‫الذي �أثار �ضجة يف القاهرة ـ بعد ت�صريحات‬ ‫ال�ل��واء ف���ؤاد ن�صارـ ن�ستطيع �أن نقف على‬ ‫�أ�سباب م�ساحة ال�صدق الذي قدمت به �سعاد‬ ‫ح�سني �شخ�صية «زينب» يف فيلم «الكرنك»‬ ‫طالبة اجلامعة التي مت �إجبارها على كتابة‬ ‫التقارير �ضد زمالئها‪ ،‬وك�أنها يف هذا الفيلم‬ ‫�أرادت �أن تنتقم من الذين ا�ستغلوها لأداء‬ ‫�أدوار ترف�ضها ولكنها �أجربت على تقدميها‪.‬‬ ‫وه��ذا امللف بالكامل ‪ -‬ا�ستغالل الن�ساء يف‬ ‫املخابرات ‪ -‬تناولته ال�سينما امل�صرية يف‬ ‫فيلم «ك�شف امل�ستور» للكاتب وحيد حامد‬ ‫واملخرج الراحل عاطف الطيب‪ ،‬ورغم‬ ‫ما يت�ضمنه الفيلم من �إ�شارات وا�ضحة‬ ‫ع��ن طبيعة العمليات التي كانت تكلف‬ ‫بها العميالت من نوعية �سعاد وغريها‪،‬‬ ‫مل يتعر�ض الفيلم لأزم��ات رقابية‪ ،‬ومل‬ ‫يتدخل «مق�ص الرقيب» يف حذف �أي من‬ ‫م�شاهده‬


‫عمران‬ ‫‪116‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫بغداد ‪ -‬مقر اجلي�ش العثماين ‪ -‬ال�رساي ‪1918 -‬‬

‫عمارة الشعب ‪..‬‬

‫المشترك بين الطرز العثمانية‬ ‫والكولونيالية والمحلية في بغداد‬


‫�شاكر لعيبي‬

‫الكلية الطبية‪ ،‬بغداد ‪ ،1932‬مكتبة الكونغر�س‪.‬‬

‫منذ القرن التا�سع ع�شر‪ ،‬عند نهايات الدولة العثمانية‪ ،‬ومع حركة دخول اال�ستعمار للعامل العربي‬ ‫دخل طراز جديد من العمارة �سمي بالعمارة الكولونيالية �أو اال�ست�شراقية �أو امل�ستعربة‪ ،‬خا�صة‬ ‫يف مدن مثل القاهرة والإ�سكندرية واجلزائر وتون�س العا�صمة و�صفاق�س واليمن وبريوت والدار‬ ‫البي�ضاء ودم�شق وحلب والرباط والقد�س‪� .‬إنها تغرتف عنا�صرها الأ�سا�سية من العمارة الأوروبية‬ ‫احلديثة لكن تط ِّعمها بعنا�صر من العمارة الإ�سالمية واملحلية‪� ،‬أو متنحها مظهراً حملياً‪.‬‬ ‫الكمي الأوف��ر من‬ ‫لعل للقاهرة الن�صيب‬ ‫ّ‬ ‫مبان‬ ‫هذه العمارة لأ�سباب معروفة‪ ،‬فكانت ِ‬ ‫مثل بنك م�صر يف القاهرة «ال�شياك ‪»1929‬‬ ‫ومعهد املو�سيقى العربية «فريو�ش ‪»1923‬‬ ‫دلي ًال على امتزاج العنا�صر‪.‬‬ ‫يف دم�شق ت�ق��دم �أب�ن�ي��ة امل�شفى الإي�ط��ايل‬ ‫واملدر�سة االيطالية مثالني وا�ضحني لها‪ .‬يف‬ ‫بريوت نراها اليوم‪ ،‬ح�سب رهيف فيا�ض‪،‬‬ ‫يف ��ش��ارع ف��و���ش‪ ،‬و��ش��ارع املعر�ض‪ ،‬و�شارع‬ ‫اللنبي‪ ،‬و��ش��ارع وي�غ��ان‪ ،‬كما ن��راه��ا يف كل‬ ‫ال�شوارع ال�ضيقة واملتعامدة �شمال مبنى‬ ‫ب�ل��دي��ة ب�ي�روت‪ .‬م��ن الأم�ث�ل��ة الأخ���رى على‬ ‫العمارة الكولونيالية يف بريوت بناية جامعة‬ ‫هايكازيان يف منطقة القنطاري يف بريوت‬ ‫التي ت�ستخدم ت�ك��رار القو�س ال�ق��وط� ّ�ي مع‬ ‫املحافظة على مر�أي «م�شرقي» خمادع بهيج‪.‬‬ ‫يف عدن ميكن الإ�شارة �إىل بناية �شركة باردي‬ ‫‪« La maison Bardey‬منزل رامبو» واملتحف‬ ‫احلربي‪ ،‬والكثري من البنايات غري ذلك‪.‬‬

‫بل �إن العمارة الكولونيالية وجدت �أن�صار ًا‬ ‫اليمني «رائ��د‬ ‫حمليني لها‪ ،‬مثل املعماري‬ ‫ّ‬ ‫ال �ع �م��ارة ال�ط�ي�ن�ي��ة يف ح �� �ض��رم��وت‪ ،‬قبل‬ ‫امل�صري اجلليل ح�سن فتحي» علوي �أب��و‬ ‫ب�ك��ر ال �ك��اف‪ ،‬م�ص ّمم َق ��ْ��ص � َر ْي ب��ن داع��ر‬ ‫ب�سي�ؤن «�سنة ‪ 1935‬م» وق�صر ع�شة برتمي‬ ‫الذي بناه البناء املعلم يعمر باحري�ش قبل‬ ‫الق�صر الأول‪.‬‬ ‫م��ن ال �ن��ادر �أن ي�ق��ع احل��دي��ث ع��ن ع�م��ارة‬ ‫كولونيالية يف عمارة بغداد احلديثة‪ .‬ميكن‬ ‫احلديث عن هذا الأ�سلوب على �سبيل املثال‬ ‫يف مبنى «� �س��راي احل�ك��وم��ة» �أو «الق�شلة»‬

‫نصب الجندي المجهول‬ ‫الذي صممه الجادرجي‬ ‫الذي يُنظر إليه على أنه‬ ‫عمل تجريدي مستلهم‬ ‫من شكل الضريح‬ ‫الشعبي في العراق‬ ‫ّ‬

‫ال��ذي يعود تاريخه �إىل زم��ن وايل بغداد‬ ‫«نامق با�شا» عام ‪1861‬م ومن ثم «مدحت‬ ‫با�شا» الذي ا�ستكمل امل�شروع م�ضيف ًا طابق ًا‬ ‫ثاني ًا وب��رج ال�ساعة امليكانيكية ال�شهرية‪.‬‬ ‫من اجلدير بالذكر �أن وايل بغداد مدحت‬ ‫با�شا ك��ان قد �أم��ر بهدم �سور بغداد �سنة‬ ‫‪1870‬م ال�ستعمال طابوقه يف بناء دي��وان‬ ‫�سراي احلكومة‪ .‬لكن ما هي اخل�صائ�ص‬ ‫تقرب غالبية عمارة ال�سراي‬ ‫الأ�سلوبية التي ِّ‬ ‫من العمارة الكولونيالية؟‪.‬‬

‫خ�صائ�ص �أ�سلوبية‬

‫منذ وق��ت مبكر‪ ،‬ك��ان ب��إم�ك��ان بناية مقر‬ ‫�اين ال �ق��دمي‪ ،‬يف «ال���س��راي»‬ ‫اجلي�ش ال�ع�ث�م� ٍ‬ ‫�أن جت��اري من��ط العمارة الكولونيالية‪� .‬إن‬ ‫الأع�م��دة الأ�سطوانية اليونانية‪-‬الرومانية‬ ‫امل�ك� ّررة ذات التيجان املز ّينة من �أعالها‬ ‫بطريقة قليلة الإثارة‪ ،‬ذات امل�ستويني‪� :‬أربعة‬ ‫منها ع�ن��د امل��دخ��ل ال��رئ�ي����س‪ ،‬وه��ي الأك�ث�ر‬


‫عمران‬ ‫‪118‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫�سينما الزوراء‪ ،‬بغداد عام ‪.1944‬‬

‫ع �ل��و ًا م��ن الأخ ��ري ��ات يف امل���س�ت��وى ال �ث��اين‪،‬‬ ‫حت��اول االن�سجام‪ ،‬ب�شكل ملفق مع الأقوا�س‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬خا�صة و�أن �أ�سلوبها قليل احل�ضور‬ ‫يف قو�س العمارة العبا�سية ‪ -‬البغدادية‪ .‬هنا‬ ‫حماولة للتال�ؤم بني �أ�سلوبني مع الإبقاء على‬ ‫»روح« معماري مربوط‪ ،‬بطريقة ما مع �إرث‬ ‫العمارة الإ�سالمي‪.‬‬ ‫وهذا الأمر كانت قد حاولته العمارة العثمانية‬ ‫منذ وقت �أبكر من ذلك يف �إ�سطنبول وغريها‬ ‫من املدن‪ ،‬لي�س فقط لأ�سباب جغرافية وبيئية‪،‬‬ ‫ولكن لأنها كانت حتاول التق ّرب من العمارة‬ ‫الأوربية ال�سائدة‪ ،‬املعا�صرة يومها‪ ،‬مع البقاء‪،‬‬ ‫بوعي م�سبق‪ ،‬يف تخوم عمارة تليق ب�إمرباطورية‬ ‫�إ�سالمية تلم م�يراث البلدان الواقعة حتت‬ ‫�سيطرتها ومتثلها وتر ّوج جلوهر عماراتها‪.‬‬ ‫كانت العمارة العثمانية ت�ق� ِ�دّم يف الهام�ش‬ ‫العراقي على ا�ستحياء‪ ،‬وقبلها بج�سارة يف‬

‫�إ�سطنبول املركز‪� ،‬أمثلة مواظبة للأ�سلوب‬ ‫والوعي النظري والأيديولوجي الذي يح ّرك‬ ‫يف احلقيقة ما �سي�س ّمى بالعمارة الكولونيالية‪،‬‬ ‫قبل عمارة اال�ستعمار الربيطاين للعراق‪.‬‬ ‫�إن مثال املدر�سة امل�أمونية ب��ارز �أي�ض ًا يف‬ ‫هذا ال�سياق‪ .‬العمارة الكولونيالية مرتبطة‬

‫قدمت العمارة‬ ‫العثمانية في الهامش‬ ‫العراقي وفي إسطنبول‬ ‫المركز أمثلة مواظبة‬ ‫لألسلوب والوعي‬ ‫النظري واأليديولوجي‬ ‫سيسمى‬ ‫الذي حرّك ما‬ ‫ّ‬ ‫بالعمارة الكولونيالية‬ ‫قبل عمارة االستعمار‬ ‫البريطاني للعراق‬

‫ج��وه��ري� ًا باال�ستعمار‪ .‬وجت��د �أه��م �أمثلتها‬ ‫يف مدينة ب �غ��داد‪ ،‬منذ ع�شرينيات القرن‬ ‫الع�شرين‪ .‬ولعل بناية املتحف العراقي عام‬ ‫‪ 1926‬وكلية الطب مثاالن بارزان هنا‪� ،‬أ�ضف‬ ‫لهما‪ ،‬قبل ذلك‪ ،‬مبنى القن�صلية الربيطانية‬ ‫الذي كان يقع يف �شارع النهر‪.‬‬ ‫يف الوعي العثماين اخلجول لتحديث العمارة‪،‬‬ ‫ع�بر م��زج ال�ع�ن��ا��ص��ر الإ� �س�لام �ي��ة بغريها‪،‬‬ ‫و�سيا�سي‪� ،‬سنجده‬ ‫ثمة هاج�س �أيديولوجي‬ ‫ّ‬ ‫يف كل ممار�سة ثقافية �أخ��رى‪ ،‬ويقع �أ�صله‬ ‫يف زع��م ال��دول��ة العثمانية �أنها تتابع �أي�ضا‬ ‫هواج�س ع�صرها و�أنها ال تق ّل »ح�ضاري ًة«‬ ‫عن الإمرباطوريات اال�ستعمارية التي كانت‬ ‫تناف�سها‪ .‬كانت تزعم وت�سعى كذلك �إىل‬ ‫الإم�ساك بجوهر احلداث ٍة املهيمنة حينها‪،‬‬ ‫بالرتافق مع ارتباطها الإيديولوجي املحتم‬ ‫بالثقافة الإ�سالمية التي ك��ان العثمانيون‬ ‫يعتربون �أنف�سهم مرجع ًا لها ولعنا�صرها‬ ‫املعمارية‪ .‬من هنا يخرج �أي�ضا هذا الأ�سلوب‬ ‫املعماري الهجني‪ .‬واملفردة الأخ�يرة ال تريد‬ ‫بحال �أن تكون حكم قيمة‪.‬‬ ‫على م�ستوى ف��ن ال�ب�ن��اء هجر املعماريون‬ ‫امل �ج �ه��ول��ون «ق �ب��ل ظ �ه��ور م�ع�م��اري��ي حركة‬ ‫العمارة احلديثة املعروفني» �سريع ًا‪ ،‬ورمبا‬ ‫عفوي ًا‪ ،‬الأ�سلوب الكولونيايل ل�صالح �أ�سلوب‬ ‫يت�ضمن القليل والكثري من الالر ديكو والالر‬ ‫نوفو ‪ l'Art Nouveau‬ا َمل � ِ�رح ال��ذي ُي ْحرج‬ ‫بالأحرى ويزعج نزوع العمارة اال�ستعمارية‬ ‫ال�صارم قلي ًال واملفربك‪�» .‬سنظل ن�ستخدم‬ ‫املفردة »ارت ديكو« كما هي من دون ترجمتها‬ ‫= فنون الديكور‪ ،‬التزيني‪ ،‬التزويق ‪ k‬التي‬ ‫تفقدها معناها الأ�صلي متام ًا«‪.‬‬

‫الفن اجلديد‬

‫يف ذلك الن�صف الثاين من القرن التا�سع‬ ‫ع�شر انتع�شت اجت��اه��ات جم ��ددة مثل ما‬ ‫ي�سمى ‪« jugendstil‬ميكن ترجمتها بالفن‬ ‫اجل��دي��د» يف �أمل��ان �ي��ا وال �ف��ن اجل��دي��د ‪Art‬‬ ‫‪ Nouveau‬يف فرن�سا والأ��س�ل��وب احلديث‬ ‫‪ Moderne Style‬يف �إنكلرتا و�أمريكا‪ ،‬وكانت‬ ‫تظهر خا�صة يف الفنون التطبيقية‪ :‬الديكور‬


‫الداخلي والعمارة والطوبوغرافيا والفنون‬ ‫الغرافيكية‪.‬‬ ‫ميكن اللقاء بهذا الأ�سلوب ‪-‬بطريقة �أولية‪-‬‬ ‫لدى العديد من الفنانني ممن يعتربون من‬ ‫املب�شرين وال��رواد للفن احل��دي��ث‪� .‬إن فان‬ ‫كوخ ومونخ و�سورا وتولوز لوتريك قد ا�شتغلوا‬ ‫بخ�صائ�صهم اجلمالية الفردية بني ‪1880‬‬ ‫و‪ 1900‬وه��م يختلفون ال��واح��د ع��ن الآخ��ر‬ ‫لكن بينهم‪ ،‬على ما يقول هربرت ريد‪� ،‬أمر ًا‬ ‫واحد ًا م�شرتك ًا �أال وهو �أنهم كانوا يتقا�سمون‬ ‫ذلك الأ�سلوب بطريقة ال واعية‪.‬‬ ‫كان �سيزان يرف�ض ب�شدة العن�صر الزخريف‪:‬‬ ‫‪ l’élément decorative‬الذي �ساد يومها‪.‬‬ ‫وقد قال مرة عن ماتي�س بنربة فيها �شيء‬ ‫من االحتقار‪�» :‬إن��ه �صانع �صور �صينية ‪un‬‬ ‫‪ « fabricant d’images chinoises‬وهي‬ ‫جملة تخفي رف�ض ًا لتلك الرمزية امل�صطنعة‬ ‫ت�س ُم كل الفن‬ ‫التي كانت ب�شكل �أو ب�آخر ِ‬ ‫الغربي يف ال�سنوات الع�شرين الأخ�يرة من‬ ‫القرن التا�سع ع�شر‪.‬‬ ‫م��ن ال�صعب ال �ق��ول �إن ف��ان ك��وخ وت��ول��وز‬ ‫لوتريك كانا م��ن �صناع ال�صور ال�صينية‬ ‫التي مل يكن �سيزان يحبذها‪ .‬كان ثمة ‪-‬يف‬ ‫تقربهم من مونخ‬ ‫الأقل‪ -‬وجهة يف �أعمالهم ِّ‬ ‫وغوغان‪ ،‬واحلديث دائم ًا لهربرت ريد‪ .‬هذا‬ ‫الأ�سلوب كان ي�أتي من منطقتني اثنتني غري‬ ‫متوقعتني‪� :‬إنكلرتا واليابان‪ .‬من �إنكلرتا و�صل‬ ‫ت�أثري قوي‪ ،‬وظهر خا�صة يف العمارة والفنون‬ ‫التطبيقية‪ ،‬لكنه مار�س ت�أثريه الأ�سلوبي على‬ ‫الت�صوير والنحت‪ .‬يتعلق الأمر باحلركة التي‬ ‫�أ�س�سها وليام موري�س» ‪William Morris‬‬ ‫‪ »1834 - 1896‬نحو العام ‪ 1880‬التي ت�سمى‬ ‫»فن وحرفة« التي �أثرت على الفن الإنكليزي‬ ‫يف القرن الع�شرين‪� .‬إ�ضافة �إىل ظهورها‬ ‫يف �أ�شغال املوبيليا وال�سجاد وورق املر�سوم‬ ‫«ورق احليطان» والكتب املزينة بالر�سوم‬ ‫ف �ق��د ظ �ه��رت يف ع� �م ��ارة ت �� �ش��ارل��ز ري�ن��ي‬ ‫ماكنتو�ش ‪Charles Rennie Macintosh‬‬ ‫وت�شارلز فواي�سي ‪ Charles Voysey‬يف‬ ‫�إنكلرتا‪ .‬ثم غ��دت حركة عاملية‪ ،‬مزدهرة‬ ‫يف جميع �أوروب� ��ا‪ ،‬يف ال�ع�م��ارة البلجيكية‬

‫رفعت اجلادرجي‪ -‬ن�صب اجلندي املجهول‬

‫كان الشرق يبدو يوم‬ ‫ذاك واحد ًا ومتشابه ًا‬ ‫بسبب سهو معرفي ما‬ ‫زالت بعض آثاره قائمة‬ ‫حتى اليوم حيث ال يميز‬ ‫البعض بين العربي‬ ‫والتركي والفارسي‬ ‫والهندي ألنهم من‬ ‫المسلمين فحسب‬ ‫والهولندية والفرن�سية والأمريكية‪ ،‬لكن‬ ‫�أي�ض ًا يف الفنون الغرافيكية والتزويقية يف‬ ‫العامل �أجمع‪ .‬وم��ن امل��ؤك��د‪ ،‬ي�ؤكد ري��د‪� ،‬أن‬ ‫القا�سم امل�شرتك ال��ذي يوجد ل��دى جميع‬ ‫�أولئك املعماريني واملز ّوقني موجود كذلك يف‬

‫�أعمال مونخ وهودلري ال�سوي�سري والرمزي‬ ‫بوفي�س دو �شافان ‪Puvis de Chavannes‬‬ ‫وت��ول��وز ل��وت��ري��ك و�آخ��ري��ن ك�ث�يري��ن‪ .‬لي�س‬ ‫التوهم القول �إن بع�ض العنا�صر‬ ‫�ضرب ًا من ُّ‬ ‫التزويقية املوجودة يف �أعمال غوغان وفان‬ ‫كوخ وخا�صة وبالت�أكيد يف الأعمال الأخرية‬ ‫لفويار ‪ Vuillard‬وب��ون��ار ‪ Bonnard‬قد‬ ‫جاءت ال �شعوري ًا من هذا الأ�سلوب‪.‬‬ ‫يع ّدد هربرت ريد �أ�ساطني الفن احلديث‬ ‫منت�صف ونهاية القرن التا�سع ع�شر الذين‬ ‫ظهروا يف �إنكلرتا وال بد �أنهم تعرفوا على‬ ‫التزويقي‪ .‬وبطبيعة احلال ال‬ ‫�أ�سلوب موري�س‬ ‫ّ‬ ‫يتعلق الأمر بتلقف مبا�شر و�آين و�إمنا مثل‬ ‫كل م�ؤثر ف�إنه قد تغلغل رويد ًا رويد ًا لفرتة‬ ‫طويلة و�أح �ي��ان � ًا م��ن دون ال�شعور بكيفية‬ ‫تغلغله و�صريورته بداهة‪.‬‬


‫عمران‬ ‫‪120‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫مناذج من بغداد القدمية‬

‫مدر�سة الر ديكو‬ ‫ثمة هاجس أيديولوجي‬ ‫�أم ��ا م��در��س��ة الر دي �ك��و ‪ L'Art déco‬فقد في الوعي العثماني‬ ‫ظهرت‪ ،‬من الهواج�س نف�سها‪ ،‬يف فرن�سا بعد‬ ‫العام ‪ 1910‬وانت�شرت يف �أوروب��ا عام ‪ 1920‬للعمارة عبر مزج العناصر‬ ‫قبل انطفائها �سنوات الثالثينيات‪ .‬وكانت اإلسالمية بغيرها‬ ‫فاعلة بالفنون الزخرفية والعمارة والت�صميم‬ ‫واملو�ضة وجميع الفنون البال�ستيكية‪ .‬وقد‬ ‫اجتهت نحو اخلطوط الب�سيطة والت�شكيالت‬ ‫الكال�سيكية واال�ستخدام املخت�صر للديكور‬ ‫وبالرغبة بالعودة �إىل التنظيم وال�سيمتريية‬ ‫«التماثلية» و�إىل الر�صانة‪.‬‬ ‫�إن هربرت ريد‪ ،‬وغريه من م�ؤرخي الفن ال‬ ‫ين�سون الأم��ر الثاين ال��ذي �أ�سهم يف ت�شكيل‬ ‫�أ�سلوب الفن احلديث‪ ،‬وهذا يتعلق‪ ،‬مداورة‬ ‫إ�سالمي‪ ،‬وهو م�ؤثر جذري �أ�سهم‬ ‫بالعامل ال‬ ‫ّ‬ ‫يف التطور الأ�سلوبي يف الن�صف الثاين من‬ ‫القرن التا�سع ع�شر نف�سه‪ ،‬ومل يكن �سوى‬

‫الفن الياباين‪ .‬جلب الت�أثري الياباين لأوروبا‬ ‫واح ��دة م��ن جتديداتها التقنية ال�ت��ي تبدو‬ ‫للوهلة الأوىل من دون كبري �أهمية‪ ،‬لكنها يف‬ ‫حقيقة الأم��ر غ�يرت م�سرية الفن الأوروب��ي‬ ‫برمته‪ .‬كان الف�ضول �إزاء اليابان يغزو ال�سوق‬ ‫الأوروب��ي منذ �أوا�سط ذلك القرن عرب �ألف‬ ‫و�سيلة وو�سيلة‪ .‬ومار�ست الدمغات ‪Estampes‬‬ ‫�شرقي مبعنى‬ ‫اليابانية‪ ،‬وهي فن منمنماتي‬ ‫ّ‬ ‫من املعاين‪ ،‬ولها قرابة يف معاجلة ال�سطوح‬ ‫اللونية مع الفن الإ�سالمي‪ ،‬ت��أث�ير ًا طاغي ًا‬ ‫على الذائقة الفنية‪ .‬لقد اخ�ت��ار الفنانون‬

‫الأوروب �ي��ون‪ ،‬على ا�ستحياء ب��ادئ الأم��ر ثم‬ ‫بو�ضوح‪ ،‬فن اليابان القدمي من �أجل تطوير‬ ‫املوحدة وتغييب املنظور قلي ًال‬ ‫ال�سطوح املل َّونة َّ‬ ‫وهجر دقة التفا�صيل‪ ،‬بينما اختار ماتي�س بعد‬ ‫�سنوات قليلة ال�شرق الإ�سالمي وفنه خللق‬ ‫�أ�سلوب جديد انطالق ًا من املبادئ نف�سها‪.‬‬ ‫لقد انفجرت موهبته ب�سبب عالقته املبا�شرة‬ ‫ببي�سارو كما نعلم‪ .‬وبي�سارو �سيعلمه عظمة فن‬ ‫�سيزان‪ ،‬و�سيتعلم من �سيزان مبد�أ �أ�سا�سي ًا �أال‬ ‫وهو �أن اللون يف فن الر�سم يجب �أن ميتلك‬ ‫بنية و�أن اللوحة تُعمل انطالق ًا من العالقة‬ ‫بني الألوان و�أنها‪ ،‬الألوان هذه بال�ضبط‪ ،‬من‬ ‫مينح اللوحة بنيتها‪ .‬لكن ماتي�س �سي�شهر‬ ‫فكرة �أن «التعبري» �أ�سا�سي يف العمل الفني‪.‬‬ ‫وك���ان ي �ع��رف ال �ف��ن امل �� �ص��ري والإغ��ري �ق��ي‬ ‫وال�شرقي‪ .‬وقد ذهب لفن الإ�سالم من �أجل‬ ‫ذل��ك كله‪� .‬إن التلوين ال�صارخ للوح�شيني‬ ‫كان قد ُم ّهد له عرب فنانني �آخرين‪ :‬فان كوخ‬ ‫و�سورا وغوغان خا�صة الذين ا�ستلهموا الفن‬ ‫الياباين من دون �شك‪ .‬كان ال�شرق يبدو يوم‬ ‫ذاك واحد ًا ومت�شابه ًا ب�سبب �سهو معريف ما‬ ‫زال��ت بع�ض �آث��اره قائمة حتى اليوم حيث ال‬ ‫مييز البع�ض بني العربي والرتكي والفار�سي‬ ‫والهندي لأنهم من امل�سلمني فح�سب‪.‬‬ ‫ه ��ذه � �ص��ورة �إج �م��ال �ي��ة حت �ت��اج �إىل رت��و���ش‬ ‫وهوام�ش ال جمال لها‪� .‬أما يف حقل العمارة‬ ‫فقد و�صلت نزعة ال�لار ديكو �إىل العمارة‬ ‫العثمانية �أي�ض ًا‪ ،‬علم ًا �أن بع�ض الآثار املعمارية‬ ‫يف الدولة العثمانية وتوابعها مثل م�صر كانت‬ ‫تعلن نوع ًا من �أرت ديكو يف عمائرها قبل‬ ‫ظهوره الر�سمي‪ ،‬خا�صة يف عمائر الأ�سبلة‬ ‫العثمانية والقاهرية التي ترقى لل�سنوات بني‬ ‫‪� 1860-1870‬أي قبل ظهور ذلك الأ�سلوب‪.‬‬ ‫�إن التم ّعن ب��ال��وث��ائ��ق ال�ف��وت��وغ��راف�ي��ة لهذه‬ ‫ال�سنوات يقرتح فر�ضيتنا ب�أن تكون العمارة‬ ‫العثمانية قد �أثرت بر ّواد الرت ديكو‪ .‬مل تعد‬ ‫الواجهات معنية فقط بالوظيفة �إمنا ان�شغلت‬ ‫بتزيني ق��وي منظم‪ ،‬و�إىل مفهوم جنيني‬ ‫للديكور كما نعرفه ال�ي��وم‪ ،‬وه��و م��ا يحتاج‬ ‫ّ‬ ‫مدر�سي‬ ‫و�سيدل �أي دليل‬ ‫�إىل درا�سة �أخرى‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يتعلق بعمارة �إ�سطنبول بداية القرن الع�شرين‬


‫منوذج �أر يكو من �سوق مدينة ال�سليمانية العتيق‬

‫على ت�أثر املدينة العميق �أي�ض ًا بالالرت ديكو‬ ‫ح�سبما تبلورت وانت�شرت يف �أوروبا‪� .‬إن بيوت‬ ‫اخل��وا�� ّ�ص البغداديني يف الأح �ي��اء العريقة‬ ‫�ستنغمر بزينة خارجية تتطابق الكثري من‬ ‫عنا�صرها «ال�شرفات والأف��اري��ز والزينة‬ ‫بالطابوق‪ ..‬ال��خ» م��ع ه��ذا الأ��س�ل��وب الفني‬ ‫اخلارج من القرن التا�سع ع�شر‪ ،‬بالتزامن مع‬ ‫اال�ستيهامات امل�ألوفة من العمارة العراقية‬ ‫التقليدية‪ .‬ومن هذه البيوت عينها �سي�ستلهم‬ ‫ب���الأح���رى ب�ع����ض امل �ع �م��اري�ين ال �ع��راق �ي�ين‬ ‫احلديثني بع�ض ت�صاميمهم وعنا�صرهم‬ ‫املعمارية‪� .‬إن خوا�ص البناء العراقي القائم‬ ‫على الآجر واخل�شب ي�سمح باللعب التزييني‬ ‫وال�صرامة والتنظيم واالقرتاب بالتايل من‬ ‫الالر ديكو‪�،‬أكرث من املواد ال�صلبة ال�ضرورية‬ ‫للمناخات الباردة‪.‬‬ ‫ويف ت �ق��دي��ري ف� ��إن ا��س�ت�ل�ه��ام ال�ب�غ��دادي�ين‬ ‫امل��و� �س��وري��ن ل �ه��ذا ال �ط��راز ال�ت��زي�ي�ن� ّ�ي ج��اء‬ ‫م �ت ��أث��ر ًا ب��الأ��ص��ل ب��ال�ت�ج��دي��دات الزخرفية‬ ‫الواقعة على العمارة العثمانية‪ ،‬بدليل �أن‬ ‫هذا الطراز عينه موجود يف بريوت ودم�شق‬ ‫على �سبيل املثال «منزل �سيدي حميد عام‬ ‫‪1860‬وال�شارع امل�ستقيم يف دم�شق القدمية‬ ‫عام ‪ »1900‬التي توائم ‪-‬مثل عمارة بغداد‬ ‫الرتاثية‪ -‬بني �إرثها املحلي والنزعة ال�شاملة‬

‫عاملي ًا بتزيني العمائر التي انطلقت منذ‬ ‫القرنني التا�سع ع�شر وبداية الع�شرين يف‬ ‫�أوروب���ا وام �ت��دت �إىل ك��ل م�ك��ان‪ .‬يف دم�شق‬ ‫وقعت للأ�سباب ذاتها تقريب ًا املزاوجة بني‬ ‫النمط ال�سوري التاريخي‪ ،‬امل�سمى �أبلق‪،‬‬ ‫امل �ب �ن� ّ�ي ب��احل �ج��ر‪ ،‬وت� ��راث امل���ش��رب�ي��ات مع‬ ‫ح�ضور ت�أثريات تزويقية عثمانية جلية‪ .‬ويف‬ ‫ب�يروت ي�صري الت�أثري العثماين والفرن�سي‬ ‫بارز ًا‪ ،‬ويقع ا�ستخدام احلجر للتزيني جوار‬ ‫العنا�صر التزيينية اخلارجية مبواد احلديد‬ ‫وال��زج��اج املع�شق م��ن تلك ال�ت��ي ن��راه��ا يف‬ ‫ب��غ��داد‪ ،‬وي�ح���ض��ر ال �ق��و���س ال �ق��وط� ّ�ي ج��وار‬ ‫ال�ق��و���س الإ� �س�لام��ي املتنحي ق�ل�ي� ً‬ ‫لا‪ .‬لكن‬ ‫امل�شربيات تختفي تقريب ًا لعدم احلاجة‬ ‫�إليها‪ ،‬ونكاد نقول �إن خ�شب الأبواب املرئي‬ ‫خمت�صر ًا‬ ‫من ال�شرفات اللبنانية ي�صري‬ ‫َ‬ ‫مل�شربي ٍة �ضامر ٍة‪ ،‬مرتاجع ٍة �إىل م�ستوى‬

‫في مبنى مركز‬ ‫االتصاالت في شارع‬ ‫الرشيد الذي صممه‬ ‫الجادرجي عودة إلى‬ ‫جميع العناصر البغدادية‬ ‫من دون أن يكون محض‬ ‫استعادة للماضي‬

‫�سطح البناء‪ ،‬وه��ي ت ��ؤدي يف طق�س رائق‬ ‫وظيفة مناخية وجمالية من طينة وظائف‬ ‫امل�شربيات الكاملة يف الطق�س القائظ‪.‬‬ ‫ث��م �أن ه��ذه ال�شرفات ال�صغرية الناتئة‬ ‫وا ألف��اري��ز البريوتية احلديدية اخلارجية‬ ‫تت�شابه �إىل حد بعيد ب�أحجامها و�أ�شكالها‪،‬‬ ‫من جهة �أخ��رى‪ ،‬مع الكثري من النماذج‬ ‫العراقية مث ًال «ق��ارن بنايات و�سط البلد‬ ‫واجلميزة يف بريوت مع النماذج البغدادية‬ ‫املن�شورة هنا»‪.‬‬

‫تاريخ امل�شربيات‬

‫علينا التذكري يف هذا ال�سياق ب�أن امل�شربيات‬ ‫�أو ال�شنا�شيل هي عن�صر معماري عراقي‬ ‫َب ْ�ص ِر ّي قدمي‪ ،‬ويرد ذكر لها يف حكاية يرويها‬ ‫امل��ؤرخ اجلاد الطربي عن وايل الب�صرة يف‬ ‫عهد اخلليفة عمر بن اخلطاب‪ .‬وكان للوايل‬ ‫املغرية بن �شعبة جار ا�سمه �أبو بكرة «ينافره‬ ‫عند كل ما يكون منه‪ ،‬وكانا بالب�صرة‪ ،‬وكانا‬ ‫متجاورين بينهما طريق‪ .‬وكانا يف م�شربيتني‬ ‫متقابلتني لهما يف داري�ه�م��ا يف ك��ل واح��دة‬ ‫منهما ك ّوة مقابلة الأخرى‪ .‬فاجتمع �إىل �أبي‬ ‫بكرة نفر يتحدثون يف م�شربته‪ ،‬فهبت ريح‪،‬‬ ‫ففتحت باب الك ّوة فـقام �أبو بكرة لي�صفقه‪،‬‬ ‫فب�صر باملغرية –الوايل‪ -‬وقد فتحت الريح‬


‫عمران‬ ‫‪122‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫مبنى القن�صلية الربيطانية‪� ،‬شارع النهر‪ ،‬بغداد ‪1909‬‬

‫–�أي�ض ًا‪ -‬باب كوة م�شربته‪ ،‬وهو بني رجلي عمارة ال�شعب‬

‫املعمارية الباقية اليوم يف الأحياء العراقية‬ ‫ال�شعبية ترقى �إىل �سنوات الثالثينيات‪ ،‬ف�إنها‬ ‫ميكن �أن تكون م�صدر �إل �ه��ام للمعماريني‬ ‫احل��دي�ث�ين امل �ع��روف�ين ال �ب��ارع�ين ال�ق��ادم�ين‬ ‫يف ف�ترة زمنية الح�ق��ة‪ .‬ه��ذه احلجة لي�ست‬ ‫�شكالنية وحم ����ض منطقية‪ ،‬وق ��د تربهن‬ ‫عليها االن�شغاالت النظرية والتطبيقية رفيعة‬ ‫امل�ستوى لبع�ض �أه��م املعماريني احلديثني‬ ‫يف ال�ب�ل��د‪ .‬وب �ع �ب��ارة وا��ض�ح��ة �أخ���رى كانت‬ ‫التجديدات التزيينية الواقعة على عمارة‬ ‫بغداد من طرف «�أ�سطوات» البناء �أقدم من‬ ‫حماوالت ر ّواد التحديث‪.‬‬

‫امر�أة‪ .‬فقال للنفر‪ :‬قوموا فانظروا‪ ،‬فقاموا ا�ستلهم رواد العمارة العربية احلديثة‪ ،‬ح�سبما �أ�سطوات» بغداد‬

‫فنظروا‪ ،‬ثم قال ا�شهدوا‪ .‬قالوا‪ :‬من هذه؟‪.‬‬ ‫قال ‪� :‬أم جميل ابنة الأفقم‪ ،‬وكانت �أم جميل‬ ‫�إحدى بني عامر بن �صع�صعة‪ ،‬وكانت غا�شية‬ ‫للمغرية‪ ،‬وتغ�شى الأم ��راء والأ� �ش��راف وكان‬ ‫بع�ض الن�ساء يفعلن ذل��ك يف زمانها… »‬ ‫«الطربي ج ‪� 4‬ص‪.»69-72‬‬ ‫هذه الرواية تعني �أن الق�صة دارت يف طابق‬ ‫�صحت ف�إنها وقعت‬ ‫أر�ضي‪ .‬و�إذا ّ‬ ‫ثانٍ ولي�س ال ّ‬ ‫يف زمن عمر الذي عا�ش بني ‪584‬م – ‪644‬م‪،‬‬ ‫الأمر الذي يعني �أن امل�شربيات كانت �سائدة‬ ‫يف الب�صرة يف القرن ال�سابع امليالدي‪ ،‬وهذا‬ ‫وق��ت مبكر‪ .‬ال نعرف �إ��ش��ارة �أق��دم من ذلك‬ ‫للم�شربيات يف امل�صادر التاريخية‪ ،‬وه��و ما‬ ‫يجعل من ح�ضورها بداهة يف العمارة العراقية‬ ‫التي انتقلت منها يف الغالب �إىل بقية البلدان‬ ‫الإ�سالمية واملجاورة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ن��ود �أن ن�شري َع� َر��ض�ا �أن حتليلنا ي�شدّد يف‬ ‫�سياقه ال�ضيق احل��ايل على امل�شرتك بني‬ ‫الطرز العثمانية والكولونيالية واملحلية يف‬ ‫معني‬ ‫القرن التا�سع ع�شر والع�شرين‪ ،‬غري ّ‬ ‫بتحليل مدقق للعنا�صر املعمارية الل�صيقة‬ ‫ب �ه��ذه ال�ب�ي�ئ��ة �أو ذاك ال �ب �ل��د‪ ،‬املمنوحة‬ ‫يف ب �ل��دان ال �ع��امل ال �ع��رب��ي‪ ،‬م�ن��ذ �سنوات‬ ‫اال� �س �ت �ق�لال‪�� ،‬س�م��ات ع��ال�ي��ة واف�ترا��ض�ي��ة‬ ‫الت�ضخم ال��ذي ُيخْ رجها عن �سياقها‬ ‫من ّ‬ ‫البديهي يف املنطقة‪.‬‬ ‫التاريخي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ت� ��ؤدي ال���ش��واه��د واال��س�ت�ن�ت��اج��ات املنطقية‬ ‫وال�ت��واري��خ‪ ،‬بع�ض ًا م��ن م�سعاهم التحديثي‬ ‫املن�سلخ بل الراف�ض للعمارة الكولونيالية‪ ،‬من‬ ‫«عمارة ال�شعب» الرتاثية التي كان معماريوها‬ ‫جمهويل الهوية قد ت�أثروا بال�ضرورة‪ ،‬يف تلك‬ ‫اللحظة‪ ،‬بالقطب الثقايف املهيمن يومها‪:‬‬ ‫الدولة العثمانية‪.‬‬ ‫م��ن �أج ��ل ه��ذا امل�سعى و�ضعت درا�ساتهم‬ ‫احلديثة للعمارة ن�صب عينها الإرث املعماري‬ ‫املحلي‪ ،‬لكي ترفعه �إىل م�ستوى �آخر عرب �إدماج‬ ‫ّ‬ ‫عنا�صره مبنجزاتهم التحديثية‪� .‬سنظل عند‬ ‫املثال العراقي ب�صفته برناجم ًا للت�شخي�ص‪،‬‬ ‫خا�صة و�أن مغزى ونية العودة �إىل ال�تراث‬ ‫املحلي ال��ذي وق��ع الإحل��اح عليه يف مدر�سة‬ ‫ب �غ��داد للفن احل��دي��ث‪ ،‬الت�شكيلية �سنوات‬ ‫اخلم�سينيات‪� ،‬أكرث من �أي مدر�سة ت�شكيلية‬ ‫عربية �أخ ��رى‪ ،‬لي�س مب�ن��أى ع��ن اال�شتغال‬ ‫بالر�سامني‬ ‫امل �ع �م��اري ال ��ذي ت��رب��ط ر ّواده‬ ‫ّ‬ ‫والنحاتني العراقيني الطليعيني الكثري الوثيق‬ ‫من الروابط الثقافية وال�شخ�صية احلميمة‪.‬‬ ‫�إذا ك��ان �صحيح ًا �أن الكثري م��ن ال�شواهد‬

‫استلهم رواد العمارة‬ ‫العربية الحديثة‬ ‫بعض ًا من مسعاهم‬ ‫التحديثي الرافض‬ ‫للعمارة الكولونيالية‬

‫�إن �أوائل املعماريني احلديثني يعا�صرون ظهور‬ ‫النزعة الزخرفية القوية يف ع�م��ارة بغداد‬ ‫ال�شعبية «يقال عادة الرتاثية ل�سبب غام�ض»‪.‬‬ ‫�أحمد خمتار �إبراهيم �أول املعماريني احلديثني‬ ‫معروف �سنة ‪« 1936‬ك ��أول مهند�س معماري‬ ‫حمرتف وم�ؤهل �أكادميي ًا» على ما يقول خالد‬ ‫ال�سلطاين ال��ذي ي�ضيف قبل ذل��ك معلومة‬ ‫مفيدة يف �سياقنا‪ ،‬هي �أن «العقد الثالثيني‬ ‫�أف��رز ظ��اه��رة ج��دي��دة م�ألوفة يف ال�سياقات‬ ‫الت�صميمية‪ ،‬وهي ظاهرة البناء وفق ما يعرف‬ ‫بالبيانات امل���ص��ورة «�أو ال��دف��ات��ر امل�صورة»‬ ‫�أي «الكاتالوغات ‪ .»CATALOGUE‬فقد‬ ‫انت�شرت مو�ضة املكاتب التي تعنى بتقدمي �أنواع‬ ‫خمتلفة من الت�صاميم املعمارية املن�شورة يف‬ ‫هذا «الكاتالوغات» ويرتك للزبون حرية اختيار‬ ‫الت�صميم الذي ينا�سبه ويتكفل املكتب املحلي يف‬ ‫جت�سيد «احللم» الت�صميمي �إىل الواقع‪ .‬و�أكرث‬ ‫ت�صاميم هذه «الدفاتر امل�صورة» هي ت�صاميم‬ ‫�شائعة يف ب�لاد ال�شام وفل�سطني وكذلك يف‬ ‫بلدان حو�ض البحر املتو�سط الأخرى‪ ،‬كرتكيا‬ ‫وال �ي��ون��ان و�إي�ط��ال�ي��ا وح�ت��ى فرن�سا‪ .‬وتت�سم‬ ‫ت�صاميم هذه امل�شاريع التي كانت تتبع الأ�سلوب‬ ‫«التوليفي ‪ »ECLECTICISM‬بكثافة فائقة‬ ‫من العنا�صر الزخرفية وا�ستخدام مفردات‬ ‫معمارية ه��ي �أ� �ص� ً‬ ‫لا دخيلة وغ�ير متداخلة‬ ‫وغريبة عن تراث وتقاليد املنطقة العمرانية»‪.‬‬ ‫�أم��ا ح��ازم نامق فهو من جيل الثالثينيات‬


‫تف�صيل من بناية م�رصف الرافدين‬

‫�أي�ض ًا‪ ،‬وهو من �ص ّمم منزل ال�شاعرة مليعة‬ ‫عبا�س عمارة‪ ،‬وكان قد «تخرج يف جامعة ويلز‬ ‫وهو من �أ�صحاب مدر�سة معمارية �صغرية يف‬ ‫العراق عرفت بتخطيط مبان للدولة تتميز‬ ‫باجلر�أة يف الر�ؤية والت�صميم» على ما يقول‬ ‫جربا �إبراهيم جربا‪.‬‬ ‫ثم حممد مكية «ول��د ع��ام ‪ 1914‬ح��از على‬ ‫الدكتوراه من كامربج ‪ 1946‬وو�صل العراق‬ ‫نهاية الأربعينيات» وه�شام منري «من مواليد‬ ‫‪ ،1930‬مهند�س مقر نقابة املهند�سني يف‬ ‫املن�صور‪ ،‬و«ق�صر ال�سالم» �سنة ‪ 1964‬ومبنى‬ ‫«وزارة التجارة» يف منت�صف ال�سبعينيات‪ ،‬يف‬ ‫�ساحة اخل�لاين ببغداد» ورفعت اجلادرجي‬ ‫«ولد يف ‪ »1926‬وجعفر عالوي «ولد يف ‪»1915‬‬ ‫وعبد اهلل �إح�سان كامل «ولد ‪ ،»1919‬ومدحت‬ ‫علي مظلوم «‪ »1973 - 1913‬وقحطان عوين‬ ‫«‪ 1926‬ــ ‪ »1972‬وكان ع�ضو ًا يف جماعة بغداد‬ ‫للفن احلديث‪.‬‬ ‫اال�سمان الأ�سا�سيان الكبريان املعروفان بعودتهما‬ ‫�إىل الرتاث املعماري البغدادي هما حممد مكية‬ ‫ورفعت اجلادرجي‪ .‬تبدو مادة الآجر‪ -‬الطابوق‬ ‫حا�ضرة يف ن�سيج الأع �م��ال الت�صميمية التي‬ ‫نفذها مكية يف نهاية الأربعينيات واخلم�سينيات‪،‬‬ ‫ويطلق �أحيان ًا على �أعماله وجمايليه ا�سم املدر�سة‬ ‫املعمارية البغدادية‪� .‬أما اجلادرجي الذي ت�أثر‬ ‫بفالرت كروبيو�س «‪ »1883-1969‬وفرانك لويد‬ ‫رايت «‪ 1869‬ــ ‪ ،»1959‬فقد �شرع بعد العام ‪1962‬‬ ‫يف التعامل مع املواد املحلية «كالآجر» من �أجل‬ ‫تكري�س نوع من اخل�صو�صية املحلية‪� .‬إن عالقاته‬

‫أقدم إشارة للمشربيات‬ ‫في المصادر التاريخية‬ ‫تفيد بحضورها في‬ ‫العمارة العراقية التي‬ ‫انتقلت منها في الغالب‬ ‫إلى بقية البلدان‬ ‫اإلسالمية والمجاورة‬ ‫مع الفنانني الت�شكيليني يف «جماعة بغداد للفن‬ ‫احلديث»‪ ،‬وخا�صة مع �صديقه الر�سام والنحات‬ ‫ج��واد �سليم «‪ 1920‬ـ�ـ ‪ »1961‬ذات مغزى‪ .‬كان‬ ‫بع�ض م�سعاه ال��و� �ص��ول ب��ال�ع�م��ارة التقليدية‬ ‫«التحدارية» �إىل م�ستوى جتريدي رفيع‪.‬‬ ‫هذان اال�سمان الكبريان اللذان ميتلكان ثقافة‬ ‫كبرية يخرجان �أي�ض ًا‪ ،‬م��داورة وبرباعة ورمبا‬ ‫ع�بر ال وع��ي ظ��ل يعتمل فيهما منذ الطفولة‪،‬‬ ‫من هواج�س املعماريني ال�شعبيني البغداديني‪،‬‬ ‫ل�ك��ن ب� � ��أدوات ع��ال�ي��ة امل���س�ت��وى ووع���ي نظري‬ ‫متميز‪ ،‬ودرا�سة �أكادميية رفيعة‪ .‬لقد انطف�أت‬ ‫يف �أعمالهما العنا�صر التزويقية الرباقة التي‬ ‫��ش��اه��دوه��ا يف �أع �م��ال «�أ� �س �ط��وات» مدينتهم‬ ‫ومعماريي الكاتالوغات امل�شار �إليهم‪ ،‬ل�صالح‬ ‫�إدم� ��اج العنا�صر نف�سها يف ه��اج����س جمايل‬ ‫حم��اي��د‪� ،‬أك�ث�ر ب ��رودة وب��وع��ي ج�م��ايل يتجاوز‬ ‫بالطبع اال�ستخدامات املبهرة احلارة لأ�سالفهم‬ ‫ليهم‬ ‫القريبني‪ .‬مل يعد الالرديكو يف العمارة ّ‬ ‫�أح ��د ًا يف ال�ع��امل منذ تخ ُّرجهما يف اجلامعة‪،‬‬ ‫لكن �شيئ ًا منه يظل رغم ذلك حا�ضر ًا بطريقة‬

‫مراوغة وذكية يف �أعمالهما‪ .‬ففي مبنى مركز‬ ‫االت �� �ص��االت يف � �ش��ارع الر�شيد ال ��ذي �صممه‬ ‫اجلادرجي عودة �إىل جميع العنا�صر البغدادية‬ ‫من دون �أن يكون‪ ،‬كما ت�شري �سي�سيليا بيريي‪،‬‬ ‫حم�ض ا�ستعادة للما�ضي‪ ،‬خا�صة لأقوا�س العمارة‬ ‫الإ�سالمية‪ .‬يف العمل الهامات من عمارة بغداد‬ ‫ال�شعبية ال�ت��ي يعرفها اجل��ادرج��ي‪ ،‬م��ن دون‬ ‫�شك‪ ،‬وملفهوم الأقوا�س الذي ي�صري �شارة على‬ ‫خ�صو�صية «تراثية» بغدادية‪ ،‬طاملا �أل��ح عليها‬ ‫ج��واد �سليم كثري ًا‪ ،‬حتى لك�أن ت�صميمه لوح ًة‬ ‫ثالثية الأبعاد �أو منحوتة من �أعمال �سليم‪� .‬أما‬ ‫ن�صب اجلندي املجهول الذي �صممه اجلادرجي‬ ‫والذي ال ُي�شار عادة ملرجعياته ال�شكلية‪ ،‬و ُينظر‬ ‫�إليه على �أنه عمل جتريدي‪ ،‬ف�أرى �أنه م�ستلهم‬ ‫ال�شعبي يف العراق‪ ،‬وال �أرى �أنه‬ ‫من �شكل ال�ضريح‬ ‫ّ‬ ‫من الأعمال املبهرة املربهن عليها يف الأعمال‬ ‫الالحقة للمعماري‪.‬‬ ‫يف �أعمال حممد مكية العودة امللحة عينها‪ ،‬كما‬ ‫يف ت�صميمه مل�صرف الرافدين يف بغداد ‪1968‬م‪،‬‬ ‫م��ع الإ���ص��رار على ا��س�ت�خ��دام م ��ادة الطابوق‬ ‫و�إمكاناتها التزيينية التي عرفها �أ�سطوات بغداد‬ ‫يقين ًا‪ ،‬وعرفتها قبلهم العمارة العبا�سية‪.‬‬ ‫اليوم �أي�ضا ي�سعى املعماريون املحرتفون الأقل‬ ‫��ش��أن� ًا‪� ،‬إىل �أم��ر م�شابه وي �ع��اودون االغ�ت�راف‬ ‫من املعني الرتاثي نف�سه‪ ،‬لي�س بنف�س الرباعة‬ ‫واحلذاقة والبحث اجلمايل‪ .‬وهو ما ميكن �أن‬ ‫ن��راه يف العديد من ت�صاميم املنازل يف بغداد‬ ‫احل��ال �ي��ة‪ .‬ل�ق��د غ��دت ه��ذه ال �ع��ودة �إىل ت��راث‬ ‫الأ�سالف كلي�شة وا�ست�سها ًال‬


‫مجلس العلوم‬ ‫‪124‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمرب‬ ‫‪2012‬‬

‫أشهر عمليات‬ ‫التلفيق العلمي‬ ‫د‪�.‬سمري عالء الدين‬ ‫ن�شرت جملة الأهرام العلمية تقريراً حول �أ�شهر عمليات التلفيق العلمي وثقها الدكتور طريف‬ ‫�سرد�ست‪ ،‬م�شريا ً �إىل �أن ال�ساحة العلمية –�ش�أنها �ش�أن كل الن�شاطات الب�شرية‪ -‬مل تخل من �أفراد‬ ‫جل�أوا اىل الغ�ش والتزوير للو�صول �إىل �أهدافهم‪ ،‬بع�ضهم كان ب�سبب املال والبع�ض الآخر �سعياً وراء‬ ‫املجد وال�شهرة‪ .‬مطمئناً القراء ب�أن امل�ؤ�س�سة العلمية يف جميع االحوال متكنت من ك�شف عمليات‬ ‫التزوير و�إعادة الأمور �إىل ن�صابها‪ ،‬ومن �أبرز عمليات التلفيق العلمي التي �أوردها التقرير‪:‬‬ ‫�شعب بدائي‬

‫جمموعة من العلماء املحايدين مل ي�سمح لهم العثور على �سكان القمر‬

‫باحل�صول على ت�صريح للو�صول �إىل املنطقة‪.‬‬ ‫بعد �سقوط نظام ماركو�س عام ‪ 1986‬رفع‬ ‫احلظر عن املنطقة ومتكن �صحفيان اثنان‬ ‫من العثور على املنطقة‪ .‬غري �أن املغارات‬ ‫كانت فارغة‪ ،‬ومع ذلك متكن ال�صحفيان من‬ ‫العثور على «املجموعة البدائية»‪ .‬لقد كانوا‬ ‫يعي�شون يف بيوت �صغرية يف قرية جم��اورة‬ ‫ويلب�سون اجلينز‪ .‬ب�سرعة جرى الك�شف �أن‬ ‫ه�ؤالء القوم كان يدفع لهم ليمثلوا دور �أهل‬ ‫الكهف وج��رى تعليمهم طريقة احلياة‪ .‬يف‬ ‫ذلك الوقت كان ال�سيا�سي الفلبيني هارب ًا‬ ‫بعد �أن اختل�س ‪ 35‬مليون دوالر جمعهم بف�ضل‬ ‫�صندوق دعم ال�شعب الفطري‪.‬‬

‫يف ع��ام ‪h 1971‬علن ال�سيا�سي الفيليبيني‬ ‫مانويل ايليزالده «‪ »Manuel Elizalde‬عن‬ ‫اكت�شافه ل�شعب تا�سادا الذي يعي�ش يف الغابات‬ ‫اال�ستوائية منعزال على جزيرة ميندانو ومل‬ ‫يلتق �أبد ًا مع ب�شر من خارج جمتمعه‪ .‬عدد هذه‬ ‫املجموعة مل يزد عن ‪� 26‬شخ�ص ًا جرى و�صفهم‬ ‫ب�أنهم الأك�ثر بدائية على �سطح الأر���ض‪ .‬لقد‬ ‫كانوا يعي�شون يف املغارات وي�ستخدمون �أدوات‬ ‫حجرية ب�سيطة ومالب�سهم من �أوراق ال�شجر‬ ‫ومل يكونوا يعرفون ال�صيد �أو الزراعة‪.‬‬ ‫ال�ت��ا��س��ادا ك��ان��وا ي��أك�ل��ون فقط ال�ط�ع��ام ال��ذي‬ ‫يلتقطونه يف الغابات اال�ستوائية وعا�شوا يف �سالم‬ ‫�إىل درجة �أن لغتهم املنطوقة ال يوجد فيها كلمات‬ ‫تعرب عن احلرب �أو ال�سالح �أو العدو‪.‬‬ ‫ه��ذا اخل�بر انت�شر مثل النار يف اله�شيم يف العلم يكتشف خدعة‬ ‫�أن�ح��اء العامل ع��ام ‪ 1972‬وج��رى ت�صويرهم «المغناطيسيةالفطرية»‬ ‫يف ب��رن��ام��ج خ��ا���ص عر�ضته �أغ�ل��ب حمطات التي تربط اإلنسان بقوة‬ ‫التلفزيون وتدفق ال��زوار على املنطقة‪ ،‬ولكن‬

‫قادمة من الشمس والقمر‬ ‫تصيبه بالضعف واألمراض‬

‫يف يوم ‪� 25‬أغ�سط�س من عام ‪ 1835‬ن�شر خرب‬ ‫على ال�صفحة االوىل يف جريدة نيويورك �صون‬ ‫يقول‪« :‬اكت�شاف فلكي كبري من قبل ال�سري‬ ‫جون هريت�شيل»‪ »Sir John Herschel« .‬يف‬ ‫�إحدى املقاالت كتب ال�صحفي ريت�شارد �آدامز‬ ‫لوك �أن الفلكي الربيطاين ال�شهري متكن خالل‬ ‫زيارته جلنوب �إفريقيا من اكت�شاف كواكب يف‬ ‫جمموعات �شم�سية �أخرى‪.‬‬ ‫يف عمق املقال جاء اخلرب الأكرث �أهمية‪ :‬هري�شيل‬ ‫عرث على حياة على القمر‪ .‬القارئ كان يفهم �أن‬ ‫هناك قطعان من حيوان البيزون يف �سهوب‬ ‫القمر و�أن وحيد القرن الأزرق يعي�ش على قمم‬ ‫اجلبال‪ .‬والأك�ثر �إث��ارة للده�شة �أن��ه متكن من‬ ‫مالحظة وجود قناد�س بال ذيل تعي�ش يف خيام‬ ‫وت�ستخدم النار‪.‬‬ ‫يف ‪� 28‬أغ�سط�س متكنت جريدة النيويورك �صن‬ ‫من الو�صول �إىل رقم قيا�سي يف مبيعات ن�سخة‬ ‫�إ�ضافية و�صل عددها �إىل ‪ 19360‬ن�سخة‪ .‬يف‬


‫ذلك اليوم كان بالإمكان القراءة �أن هري�شيل‬ ‫ر�أى م�ستعمرة لب�شر على �شكل ال��وط��واط‬ ‫وج�ل��ده��م �أ��ص�ف��ر و��ش�ع��ره��م ب�ل��ون النحا�س‬ ‫يعي�شون بان�سجام قرب معبد عظيم‪ .‬على الفور‬ ‫بد�أت اجلمعيات التب�شريية يف مناق�شة كيفية‬ ‫ن�شر الديانة امل�سيحية بني م�ستعمرات الإن�سان‬ ‫ال��وط��واط‪ ،‬عندها اع�ترف ل��وك ان املو�ضوع‬ ‫ب�أكمله كذبة‪ .‬كان الأمر برمته حماولة لإنقاذ‬ ‫اجلريدة من الك�ساد‪ .‬وعلى الرغم من النجاح‬ ‫يف �إنقاذ اجلريدة‪ ،‬حيث �أن اجلريدة ال زالت‬ ‫حتى اليوم‪� ،‬إال �أن لوك جرى طرده من وظيفته‬ ‫على الفور‪.‬‬

‫التمارين حت�سن اجلينات‬

‫هل ميكن للخ�صائ�ص املح�سنة بالتمرين �أن‬ ‫تورث للأطفال؟ على هذا ال�س�ؤال �أجاب الباحث‬ ‫الطبيعي الم ��ارك بنعم‪ .‬ح�سب تف�سريه كان‬ ‫ب�إمكان الأه��ل حت�سني خ�صائ�ص الأطفال من‬ ‫خالل �أن يقوم الأه��ل مثال بالتمرن على كمال‬ ‫الأج�سام فيكونوا واثقني �أن �أطفالهم �سيكون لهم‬ ‫ع�ضالت �صلبة ومنتفخة‪.‬‬ ‫اليوم متلك هذه النظرية �أتباع قليلون ولكن يف‬ ‫بداية القرن الع�شرين كانت �شعبية للغاية‪� .‬أحد‬ ‫�أك�ثر امل�ؤيدين لها ك��ان البيولوجي النم�ساوي‬ ‫ب��اول كامريير ‪ ،Paul Kammerer‬و�أراد يف‬ ‫الع�شرينيات تقدمي الربهان النهائي‪.‬‬ ‫يف �إحدى التجارب ا�ستخدم نوع ًا من ال�ضفادع‬ ‫يو�صف باحل�ضانة وعلى عك�س بقية ال�ضفادع‬ ‫يقوم بالتزاوج على الياب�سة‪ .‬لهذا ال�سبب ال‬ ‫متلك هذه ال�ضفدعة ما ي�شبه امل�صا�صات على‬ ‫رجلها اخللفية والتي ت�ستخدمها بقية ال�ضفادع‬ ‫«وال�سالحف» من �أجل تثبيت نف�سها على الأنثى‬ ‫عند عملية اجلماع‪.‬‬ ‫كامريير و�ضع �ضفادع التجربة يف حو�ض زجاجي‬ ‫به م��اء‪ ،‬مما يجرب ال�ضفدعة على التالقح يف‬ ‫املاء على عك�س طبيعتها‪ ،‬وانتظر ب�ضعة �أجيال‬ ‫من �صغارها‪ .‬عام ‪� 1926‬أعلن عن والدة �ضفادع‬ ‫لها م�صا�صات �سوداء‪ ،‬وهو اكت�شاف �أدى اىل‬ ‫ه��زة بني علماء ال�ع��امل‪ .‬غري �أن خمت�ص ًا قام‬ ‫بفح�ص امل�صا�صات ليجدها عبارة عن بقع جرى‬ ‫حقنها حتت جلد ال�ضفدعة‪ .‬غري �أن كامريير‬

‫�أنكر معرفته بالأمر وادع��ى �أن الفاعل البد �أن‬ ‫يكون �أحد م�ساعديه‪ .‬غري �أن �سمعته �أ�صبحت يف‬ ‫احل�ضي�ض وبعد ب�ضعة �أيام اطلق النار على نف�سه‬ ‫وانتحر‪.‬‬

‫الدينا�صور الطائر‬

‫يف نوفمرب م��ن ع��ام ‪ 1999‬متكنت املجلة‬ ‫العلمية نا�شيونال جيوغرايف من احل�صول على‬ ‫�سبق �صحفي بن�شر مقال علمي �أثار الإعجاب‪:‬‬ ‫يف ال�صني متكنوا من العثور على م�ستحاثة‬ ‫ل�ط�ير ول ��ه رق �ب��ة دي �ن��ا� �ص��ور‪ .‬ح�سب امل�ق��ال‬ ‫كانت ه��ذه امل�ستحاثة هي حلقة بني الطيور‬

‫الفالحون الصينيون‬ ‫خدعوا العلماء بهيكل‬ ‫الديناصور الطائر للحصول‬ ‫على مكافأة مجزية‬

‫والدينا�صورات‪ .‬ولكون امل�ستحاثة جرى العثور‬ ‫عليها يف منطقة ‪ Liaoning‬وه��ي منطقة‬ ‫م�شهورة �إذ جرى العثور فيها على م�ستحاثات‬ ‫هامة يف ال�سابق ولذلك اعتربت امل�ستحاثة‬ ‫اجلديدة موثوقة‪.‬‬ ‫ح�سب الباليونتالوجيني كان هذا الكائن الذي‬ ‫ج��رى ت�سميته ‪ ،Archaeoraptor‬مرحلة‬ ‫�سابقة للطيور احلالية‪ ،‬بالذات من املرحلة‬ ‫ال�ت��ي ك��ان ي�ج��ري فيها جت��رب��ة ال �ق��درة على‬ ‫الطريان‪ .‬غري �أن ال�سنة التالية على ن�شر املقال‬ ‫ظهر �أنه لي�س التطور الذي �أنتج هذا الكائن‬ ‫و�إمنا ال�صمغ الذي �أل�صق بقايا الطيور ببقايا‬ ‫الدينا�صورات‪.‬‬ ‫الت�صوير اال�شعاعي للم�ستحاثة ك�شف �أن‬ ‫ارت�شيورابتور هو موزاييك من نوعني خمتلفني‬ ‫على الأق ��ل وع�ل��ى الأغ �ل��ب م��ن خم�سة‪ .‬لقد‬


‫مجلس العلوم‬ ‫‪126‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمرب‬ ‫‪2012‬‬

‫ظهر �أن ال��ذي��ل ج��رى ل�صقه ق��رب اجل�سم‬ ‫ويف ع��ام ‪� 2002‬أظ�ه��ر التحليل �أن اجل�سم‬ ‫لطائر ق��دمي غ�ير م�ع��روف لنا ‪Yasnornis‬‬ ‫‪ ،martini‬وكان بحجم الغراب‪ .‬الذيل كان من‬ ‫‪ mikrorapotor‬وهو دينا�صور �صغري يغطيه‬ ‫الري�ش‪ .‬ال �أحد يعلم من الذي قام بالتزييف‪،‬‬ ‫ولكن الهدف كان ك�سب الأموال‪.‬‬ ‫الق�صة �أن امل�ستحاثات ُيدفع ثمنها‪ ،‬والفالحني‬ ‫ال�صينيني تعلموا �أنه كلما كانت امل�ستحاثة كاملة‬ ‫وبحالة طيبة كلما ح�صلوا على مبالغ �أك�بر‪.‬‬ ‫لهذا ال�سبب البد �أن بع�ضهم تعلم فن حت�سني‬ ‫امل�ستحاثة �إىل درج��ة تخدع حتى عني اخلبري‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬وحل�سن احلظ الزال لي�س بالإمكان خداع‬ ‫الأجهزة املعقدة واحل�سا�سة‪.‬‬

‫الأركيولوجي الذي �أغراه اجلن‬

‫�شينت�شي فوجيمورا�س‬ ‫كان ي�سمى «يد اهلل» لأنه متتع مبوهبة هائلة يف‬ ‫العثور على الآثار القدمية من تاريخ اليابان يف‬ ‫�أماكن مل تخطر ببال �أح��د‪ .‬يف ب�ضعة �سنوات‬ ‫ارتفعت مكانته من اركيولوجي هاوي �إىل بطل‬

‫‪Shinichi Fujimuras‬‬

‫مجموعة من المراهقين‬ ‫خدعوا العلماء بمجموعة‬ ‫أحجار عليها بصمات‬ ‫اآللهة أطلق عليها فيما‬ ‫بعد «أحجار الكذب»‬ ‫قومي‪.‬‬ ‫االكت�شاف االول قام به عام ‪ 1981‬عندما عرث‬ ‫على �أحجار م�صنوعة عمرها ‪� 40‬ألف �سنة وهي‬ ‫الأقدم يف اليابان‪ .‬يف ال�سنوات الالحقة �شارك‬ ‫يف العديد من التنقيبات يف �أماكن متفرقة من‬ ‫ال �ب�لاد‪ .‬وبغ�ض النظر ع��ن امل�ك��ان كانت على‬ ‫الدوام م�شاركاته تعني العثور احلتمي على �آثار‬ ‫مهمة‪ .‬يف �أكتوبر من عام ‪ 2000‬و�صل الأمر �إىل‬ ‫ذروته عندما �أعلن عن العثور على موقع �سكنه‬ ‫الب�شر القدماء قبل ‪� 600‬ألف �سنة ومت العثور فيها‬ ‫على �أدوات حجرية و�آثار م�ساكن‪ .‬هذا االكت�شاف‬ ‫�أيقظ االنتباه جتاهه لأن امل�س�ألة مل تعد يف حدود‬ ‫�آ�سيا و�إمنا �أ�صبحت تهم الب�شرية‪ ،‬فاملكان �أ�صبح‬ ‫�أق��دم مكان ل�سكن الب�شر يف العامل‪ .‬ولكن هذه‬

‫النجاحات مل ت�ستمر طوي ًال‪� ،‬إذ بتاريخ ‪ 5‬نوفمرب‬ ‫متكنت جريدة ماينيت�شي �شيمبون من ت�صويره‬ ‫�سر ًا وهو ي�ضع الأحجار يف موقع ليدعي اكت�شافها‬ ‫الحق ًا ون�شرت ال�صور على ال�صفحة الأوىل‪.‬‬ ‫يف امل�ؤمتر ال�صحفي الذي عقد يف اليوم نف�سه‬ ‫اع�ترف فيوجي م��وره بجرميته ولكنه �أ�ضاف‬ ‫�إنها امل��رة الأوىل‪ .‬غري �أن ال�شكوك حوله قد‬ ‫ن�ش�أت ويف خريف ع��ام ‪� 2001‬أعلنت جلنة‬ ‫التحقيق �أن هوجي موره قام بعملية اخلداع يف‬ ‫‪ 159‬حالة من جمموع ‪ 178‬حالة من حاالت‬ ‫التنقيب التي ��ش��ارك فيها‪ .‬بعد ذل��ك ف�سر‬ ‫فيوجي م��وره الأم��ر ب ��أن "اجلان �أوقعتني يف‬ ‫�إغراء و�سو�ستها"‪ .‬ومل ينته الأمر عند ف�ضيحته‬ ‫بل تعداه لي�شمل دور الن�شر التي ا�ضطرت �إىل‬ ‫�سحب جميع الكتب التي ذكرت اكت�شافاته يف‬ ‫�صفحاتها‪.‬‬

‫ب�صمة من ال�سماء‬

‫قبل ‪� 280‬سنة ج��اءت ب�ضعة مراهقني �إىل‬ ‫الربوفي�سور ‪ Johann Beringer‬و�أخ�بروه‬ ‫�أنهم ع�ثروا على �شيء مميز‪ .‬يف مكان على‬


‫جبل قريب من مدينة ووزب��ورغ جمعوا كمية‬ ‫كبرية من الأح�ج��ار التي ت�شبه امل�ستحاثات‬ ‫وعليها �أ��ش�ك��ال كالب�صمات ت�ع��ود لكائنات‬ ‫خمتلفة‪� :‬سحلية‪� ،‬ضفادع وهي تتالقح‪ ،‬طيور‪،‬‬ ‫نيازك لها ذنب‪� ،‬شم�س ولها وجه يف و�سطها‪،‬‬ ‫والأغرب من كل ذلك �أحرف بالعربية «يهفه»‬ ‫مبعنى «ياهوفه» �أو الرب‪.‬‬ ‫برينغري مل ي�صدق ما ي��راه‪ ،‬فقد اعتقد �أن‬ ‫الر�سومات هي م�ستحاثات " طبيعية" لقوى‬ ‫خفية يف « ال�ع��امل غ�ير املنظم» مبعنى �آخ��ر‬ ‫كانت نوع من �أنواع ب�صمات الآلهة‪.‬‬ ‫بناء على ه��ذه املعطيات ق��ام الربوفي�سور‬ ‫ب �ك �ت��اب��ة �إجن� � ��ازه ل �ت �ف �� �س�يره يف �أط ��روح ��ة‬ ‫‪ .Lithogrphiae Wirceburgensis‬يف عام‬ ‫‪ 1726‬وعندما كانت الأطروحة يف الطبع‪،‬‬ ‫ولكن قبل خروجها للن�شر ك�شف زم�لاء له‬ ‫�أن الق�ضية برمتها كانت مزحة‪ ،‬ولكنه رف�ض‬ ‫ت�صديق �أنه �ضحية كذبة ممجوجة‪ .‬بعد �أيام‬ ‫قدموا له "م�ستحاثة" مماثلة وعليها ا�سمه‪،‬‬ ‫عندها �صدق ولكن بعد ف��وات الأوان �إذ �أن‬ ‫الأطروحة �صدرت للن�شر مما ا�ضطره ل�شراء‬ ‫جميع الن�سخ لي�صبح م��دي��ون� ًا‪ .‬بعد ب�ضعة‬ ‫�سنوات مات من القهر ولكن امل�ستحاثات بقية‬ ‫حية با�سم "�أحجار الكذب"‪.‬‬

‫املغناطي�سية احليوانية‬

‫ال �ط �ب �ي��ب ال �ن �م �� �س��اوي ‪Frans‬‬ ‫‪Mesmer ، 1815‬ط��ور نظرية تقول‬‫�إن الإن���س��ان ت��ؤث��ر عليه ق��وة مغناطي�سية‬ ‫قادمة من ال�شم�س والقمر وعند النق�ص‬ ‫بهذه الطاقة التي �سماها «املغناطي�سية‬ ‫احل� �ي ��وان� �ي ��ة» مب �ع �ن��ى »امل �غ �ن��اط �ي �� �س �ي��ة‬ ‫الفطرية»ي�ؤدي ذلك �إىل ال�ضعف والإ�صابة‬ ‫بالأمرا�ض‪ .‬وحل�سن احلظ كان الطبيب‬ ‫النم�ساوي نف�سه ميلك فائ�ض ًا كبري ًا من‬ ‫املغناطي�سية احليوانية الأمر الذي �أعطاه‬ ‫امل �ق��درة النبوئية على �شفاء الآخ��ري��ن‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من �أن البع�ض ر�سم العديد‬ ‫من ال�صور الكاريكاتورية ال�ساخرة من‬ ‫الطبيب وم�ق��درت��ه املغناطي�سية �إال �أن��ه‬ ‫حظي ب�شهرة وا�سعة بني الأو�ساط الغنية‬

‫‪1734‬‬

‫ف�ي�ج��ي‪ .‬ال�ه�ي�ك��ل ك ��ان ع �ب��ارة ع��ن ج�سد‬ ‫وعلى الأخ�ص الن�ساء‪.‬‬ ‫ن�صفه الأ�سفل ي�شبه الأ�سماك والن�صف‬ ‫الأعلى هيكل �صدر ورقبة وجمجمة ت�شبه‬ ‫عرو�س البحر‬ ‫يف ع��ام ‪ 1842‬ان��ده����ش �سكان نيويورك الإن�سان‪ .‬الهيكل جرى عر�ضه يف املتحف‬ ‫ع�ن��دم��ا ق��ام اجل�ن�ت�ل�م��ان ال�بري �ط��اين ‪ dr‬وبقي هناك ملدة ع�شرين عام ًا‪ ،‬لي�صبح‬ ‫‪ J Griffin‬بعر�ض ج�سد جمفف لبقايا م�غ�ن��اط�ي���س� ًا جل �ل��ب ط��واب�ي�ر ط��وي �ل��ة من‬ ‫ع��رو� �س��ة ال�ب�ح��ر وال� ��ذي ج�ل�ب��ه م��ن ج��زر ال��زوار‪ .‬ا�ستمر ذل��ك �إىل �أن انك�شف �أن‬ ‫جريفني كان مواطن ًا �أمريكي ًا وكان يعمل‬ ‫ل��دى م�ؤ�س�س ال�سريك ب��ارن��وم‪ .‬التحقيق‬ ‫عالم أركيولوجي يخدع‬ ‫ك�شف اجل�سد عبارة عن قطعتني ال�سفلى‬ ‫العالم بأحجار مزيفة ألكثر‬ ‫تعود ل�سمكة والعليا لقرد‬

‫من ‪ 20‬عام ًا ثم يدعي أن‬ ‫الجن أغرته لفعل ذلك‬


‫استطالع‬ ‫‪128‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫الطربوش‪..‬‬

‫‪ 150‬عام ًا فوق رؤوس األفندية‬ ‫القاهرة ‪ -‬نعمة عزالدين‬ ‫حينما قرر «حممد علي با�شا‪-1805‬ـ‪1849‬م» خلع عمامته احلريرية التي كانت لبا�س الر�أ�س‬ ‫املتعارف عليه عند الأعيان يف ذلك الع�صر وا�ستبدالها بلبا�س للر�أ�س قيل له �إنه «مغربي» وي�شبه‬ ‫كثرياً لبا�س الر�أ�س عند م�شايخ الأعراب ولو �أنه �أ�ضخم منه و�أثقل وزناً من دون �أن تكون له‬ ‫«خو�صة» بل كان مكانها طاقية من احلرير‪.‬‬


‫بد�أت رحلة « الطربو�ش» الأحمر القاين بزره‬ ‫الأ�سود ـ وهذا هو ا�سمه الذي عرف به عند‬ ‫امل�صريني ـ ‪ 150‬عام ًا ‪ -‬يرتديه الأفندية‬ ‫من املوظفني وط�لاب املدار�س واجلامعات‬ ‫والع�ساكر ويغالون يف مظاهر االهتمام به‬ ‫ونظافته كدليل علي الأناقة والذوق الرفيع ‪.‬‬ ‫تقلب «الطربو�ش» يف �أ�شكال و�أحجام �شتى‪،‬‬ ‫فمن �أن��واع الطرابي�ش التي عرفتها م�صر‪:‬‬ ‫«ال �ط��رب��و���ش امل �غ��رب��ي» ال ��ذي ب ��د�أ ق�صري ًا‬ ‫يف حجم الطاقية و�أخ��ذ يكرب �إىل �أن كاد‬ ‫يغطي الر�أ�س حتى الأذن�ين‪ ،‬ثم «الطربو�ش‬ ‫العزيزي» ن�سبة �إىل ال�سلطان «عبد العزيز‬ ‫» ال��ذي جعله �شعار ًا ر�سمي ًا للدولة ثم �أخذ‬ ‫يتطور يف عهده فيت�سع قر�صه حين ًا وي�ضيق‬ ‫حين ًا �آخ��ر كما ك��ان يق�صر ويطول �إىل �أن‬ ‫ا�ستقر يف النهاية على ال�شكل ال��ذي كان‬ ‫يرتديه �أغلبية امل�صريني يف الع�صر الأخري‬ ‫«للطرابي�ش»‪.‬‬ ‫وق ��د ا��ش�ت�ه��ر �أف � ��راد ال �ع��ائ�لات امل���ص��ري��ة‬ ‫العريقة بارتدائهم «الطربو�ش» مثل‪ :‬عائلة‬ ‫«�سعد زغ �ل��ول» ال��زع�ي��م ال��وط�ن��ي و«حبيب‬ ‫با�شا ال�سعد»‪ ،‬و«فكري �أباظة» رئي�س حترير‬ ‫امل�صور‪ ،‬وعميد الأدب العربي «طه ح�سني»‪،‬‬ ‫و«م�صطفى لطفي املنفلوطي»‪ ،‬والكاتب‬ ‫الكبري «العقاد» و«عبد القادر املازين»‪.‬‬ ‫فقبل ارتداء حممد علي با�شا الطربو�ش كان‬ ‫امل�صريون �إما معممني وهم الذين يلتزمون‬ ‫بالزي الأزه��ري‪� ،‬أو يرتدون الطاقية ك�أهل‬ ‫الأرياف �أو العمامة يف ال�صعيد‪.‬‬ ‫قبل الولوج �إىل حكايات «الطربو�ش» يف بر‬ ‫املحرو�سة البد �أن نعرف حكايته هو‪ ،‬وكيف‬ ‫ي�صنع ويبدو على هيئته النهائية؟‬ ‫ولكي نعرف الإج��اب��ة ك��ان الب��د م��ن القيام‬ ‫برحلة يف قلب القاهرة الإ�سالمية ب��د�أت‬ ‫ب�شارع الأزه��ر العريق ودكاكينه ال�صغرية‬ ‫امل�صطفة على اجلانني تتحدى الزمن يف‬ ‫��ش�م��وخ وحت �ك��ي يف �صمت مهيب ح�ضارة‬ ‫�إ�سالمية مزدهرة عا�شت قرون ًا‪.‬‬ ‫حي «الغورية » يقع على اليمني من �شارع‬ ‫الأزهر �إذا كنت قا�صد ًا �إليه عن طريق «و�سط‬ ‫البلد» �أي �شارع عبد اخلالق ث��روت‪� ،‬أول ما‬

‫قبل محمد علي باشا‬ ‫كان المصريون إما‬ ‫معممين بالزي األزهري‬ ‫أو يرتدون الطاقية كأهل‬ ‫األرياف أو العمامة في‬ ‫الصعيد‬ ‫متتلئ به عيناك يف حي الغورية العريق هذا‬ ‫اجلامع ال�ضخم والوكالة املن�سوبة ل�صاحبها‬ ‫«قن�صوه ال �غ��وري» �سلطان املماليك قبيل‬ ‫دخول العثمانيني م�صر عام ‪1517‬م‪ ،‬والذي‬ ‫اتخذ احلي ا�سمه وعرف به‪.‬‬

‫كان الطربوش طرف‬ ‫صراع سياسي وفكري‬ ‫يبحث عن هوية مصر ‪..‬‬ ‫فرعونية أم إسالمية أم‬ ‫من دول البحر األبيض‬ ‫المتوسط‬

‫ال�ت�ج��ول يف احل��ي ق�ب��ل ال��و� �ص��ول �إىل �آخ��ر‬ ‫حملني يف م�صر ي�صنعان «الطرابي�ش» هو‬ ‫متعة يف حد ذاته‪ ،‬فالبيوت القدمية والأزقة‬ ‫واجلوامع جتعلك ت�شعر �أن الزمن رجع بك‬ ‫مئات ال�سنني‪.‬‬ ‫احل��اج حممد �أح�م��د الطرابي�شي‪ ،‬واحل��اج‬ ‫م�صطفى �أح�م��د ح���س��ن‪ ،‬هما احل��ار��س��ان‬ ‫املتبقيان على قيد احل �ي��اة للحفاظ على‬ ‫�صناعة «ال�ط��راب�ي����ش» ال�ت��ي ك��ادت تندثر‪،‬‬ ‫حمل احلاج حممد �أحمد الطرابي�شي يقع يف‬ ‫منت�صف �شارع الغورية‪ ،‬حمل طويل من دون‬ ‫ات�ساع يف عر�ضه‪ ،‬متوا�ضع يف �أثاثه‪.‬‬ ‫يبدو �أن الأح��داث ال�سيا�سية التي مرت بها‬ ‫م�صر �أث��رت �إىل ح��د كبري يف عمل احل��اج‬ ‫حم�م��د �أح �م��د ال�ط��راب�ي���ش��ي ف�ب�م�ج��رد �أن‬ ‫�س�ألت عنه لكي يحكي يل عن حكايته مع‬ ‫�صناعة الطرابي�ش والتي �أعرف من ال�شبكة‬ ‫العنكبوتية معلومات كثرية عنه منها �أن��ه‬ ‫ورث املهنة �أب� � ًا ع��ن ج��د‪ ،‬ب ��ادرين رج��ل يف‬ ‫ال�ستينيات من العمر‪� :‬إن احل��اج «حممد»‬


‫استطالع‬ ‫‪130‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫ال يتواجد يف املحل ب�صفة م�ستمرة نظر ًا‬ ‫ل�سنوات عمره الثمانني‪ ،‬فقلت له �إنه ي�ستطيع‬ ‫�أن يفيدين يف هذا التحقيق وينوب عن احلاج‬ ‫«حممد» ودعيت له بطول العمر وال�صحة‪،‬‬ ‫ولكنه فاج�أين بقوله‪� :‬إن احلاج حممد �أحمد‬ ‫الطرابي�شي يرف�ض احلديث عن مهنته‪ ،‬كما‬ ‫�أمر عماله ‪-‬وهو منهم‪� -‬أن ال يتحدث �أحد‬ ‫منهم �إىل ال�صحافة‪ ،‬و�إذا مت ذل��ك فيكون‬ ‫مبقابل م ��ادي ق ��دره �أل ��ف جنيه! �صدمني‬ ‫ما�سمعت وطلبت فقط �أن ي�سمح يل �أن �أ�صور‬ ‫الدكان وماكينة كب�س الطربو�ش النحا�سية‬ ‫والتي حفر عليها التاج امللكي لأ�سرة حممد‬ ‫علي با�شا‪ .‬وخ��رج��ت و�أن��ا �أ�شعر بغ�صة يف‬ ‫حلقي فاحلاج حممد �أحمد الطرابي�شي يف‬ ‫ت�صوري مل يطلب ه��ذا الطلب الغريب �إال‬ ‫لتدهور حال ال�صنعة و�ضيق ذات اليد‪ ،‬ثم‬ ‫ابتعدت عدة خطوات لأدلف �إىل �شارع �ضيق‬ ‫ي�شبه ال��زق��اق �إىل دك��ان احل��اج م�صطفى‬ ‫�أحمد ح�سن فوجدت ابنه عمرو م�صطفى‬ ‫الذي اعتذر عن عدم وجود والده لكرب �سنه‬ ‫وعدم قدرته علي احل�ضور �إىل الدكان ب�شكل‬ ‫يومي ورحب بي قائ ًال‪ :‬هذه املهنة ورثها �أبي‬ ‫عن �أبيه وج��ده وه��ي مهنة مربحة �إىل حد‬ ‫ما وتكفي غوائل الزمن‪ ،‬ولقد اختلف زبون‬ ‫«الطربو�ش» الآن عن املا�ضي ف�أبي يحكي‬ ‫يل �أن زبائن الدكان كانوا ال ينقطعون من‬ ‫موظفني و�أفندية وحتى الفنانني كانوا ي�أتون‬ ‫�إىل �أب��ي يف طلب الطربو�ش‪ ،‬ويذكر بفخر‬ ‫�شديد �أن املمثل الكبري «عبد ال��وارث ع�سر»‬ ‫رحمه اهلل كان من زبائنه ويعامله ك�صديق‪.‬‬ ‫وي�ضيف ابن احلاج م�صطفى �أحمد ح�سن‪،‬‬ ‫ع�م��رو‪ ،‬ق��ائ� ً‬ ‫لا‪ :‬ون�ح��ن الآن ن�ق��وم ب�صناعة‬ ‫نوع من الطرابي�ش يرتديه طالب املدار�س‬ ‫الأزهرية و�أئمة امل�ساجد وامل�شايخ واملقرئني‬ ‫ال��ذي��ن ي��رت��دون طربو�ش العمامة ال�شهري‪،‬‬ ‫وم ��ن �أ� �ش �ه��ر زب��ائ �ن��ا ��ش�ي��خ الأزه� ��ر ال�شيخ‬ ‫الدكتور«�أحمد الطيب» ومفتي اجلمهورية‬ ‫ال�شيخ الدكتور «علي جمعة» وه�ؤالء ال ي�أتون‬ ‫ب�أنف�سهم بل ي�أتي مندوبون عنهم لل�شراء‪،‬‬ ‫وق��د زارن��ا منذ ف�ترة مندوب مفتي القد�س‬ ‫قبل ال�شيخ «عكرمة» مفتي القد�س احلايل‪،‬‬

‫امللك فاروق‬

‫كان الملك فاروق‬ ‫آخر حاكم مصري‬ ‫يظهر بالطربوش‬ ‫حيث تخلى عنه‬ ‫محمد نجيب ليظهر‬ ‫بالـ«بيريه» العسكري‬ ‫وا�شرتى له عدة عمائم‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل ه�ؤالء‬ ‫هناك الطرابي�ش التي ن�صنعها لريتديها‬ ‫بع�ض عمال الفنادق الكربى كزي فلكلوري‬ ‫لتن�شيط ال�سياحة يبعث �إىل البهجة والت�سلية‪.‬‬

‫مراحل �صناعة الطربو�ش‬

‫وعن املراحل التي متر بها �صناعة الطربو�ش‬ ‫لكي ي�أخذ �شكله النهائي يقول «عمرو» ابن‬ ‫احلاج «م�صطفى»‪ :‬نقوم �أو ًال بتح�ضري قوالب‬ ‫من اخلو�ص يتم و�ضعها حول قالب نحا�سي‪،‬‬ ‫ث��م يو�ضع فوقها خامة ت�سمى اجل��وخ ليتم‬

‫تربع الطربوش على‬ ‫عرش أزياء الرجال في‬ ‫مصر أكثر من مئة عام‬

‫تثبيتها حتت مكب�س خا�ص‪ ،‬ثم ت�أتي بعد ذلك‬ ‫مرحلة الكي‪ ،‬وه��ي املرحلة النهائية ليكون‬ ‫الطربو�ش معد ًا للو�ضع فوق الر�أ�س‪.‬‬ ‫والطربو�ش يتكون من �صوف وخو�ص نخيل‬ ‫وجلدة وزر حرير‪ ،‬وباملنا�سبة ه��ذا ال��زر ال‬ ‫يو�ضع ب�شكل ع�شوائي ومن دون داللة‪ ،‬بل على‬ ‫العك�س متام ًا فلقد كان هذا ال��زر يتكون من‬ ‫ثالثة �ألوان خمتلفة هي‪ :‬الكحلي والأ�سود ويرمز‬ ‫للأ�ساتذة والأفندية و�أئمة امل�ساجد‪� ،‬أما الزر‬ ‫البني الفاحت فيدل على املقرئ يف اجلنازات‪.‬‬ ‫والطربو�ش امل�صري ك��ان �أق�صر من باقي‬ ‫الطرابي�ش ال�سورية واللبنانية‪ ،‬وكان طربو�ش‬ ‫ك �ب��ار ال���س��ن ل��ون��ه �أح �م��ر داك ��ن وط��رب��و���ش‬ ‫ال�شباب �أح �م��ر‪ ،‬وي�ت�راوح �سعر الطربو�ش‬ ‫الآن من ع�شرين جنيه ًا �إىل ثمانني جنيه ًا‬ ‫وهم يطلبونه يف احتاد الإذاع��ة والتليفزيون‬ ‫للم�سل�سالت الدينية‪� ،‬أما عمامة الدعاة فهي‬ ‫تباع �أغلى من الطربو�ش وت�صنع من درجات‬ ‫متفاوتة من ال�صوف الفاخر وي�صل �سعرها‬ ‫�إىل ‪ 120‬جنيه ًا �إذا كانت من ال�صوف درجة‬ ‫�أوىل ثم يقل �سعرها تدريجي ًا ح�سب جودة‬ ‫ال�صوف لي�صل �إىل ‪ 30‬جنيه ًا‪ .‬وتوجد حالي ًا‬ ‫ور�شتان ل�صناعة الطرابي�ش �إحداهما يف‬ ‫منطقة الدويقة والثانية يف منطقة من�ش�أة‬ ‫نا�صر‪ ،‬ولكن ال ي�صنعان الطرابي�ش بنف�س‬ ‫اجل ��ودة وال ي��وج��د لديهما ماكينة الكب�س‬ ‫النحا�سية التي ال يوجد لها مثيل يف م�صر‬ ‫الآن ومنتلك منها واحدة واحلاج حممد �أحمد‬ ‫الطرابي�شي ميتلك واح��دة �أي�ض ًا‪ ،‬وهي من‬ ‫النحا�س اخلال�ص وعمرها يتجاوز املئة عام‪.‬‬ ‫و�أث �ن��اء حديثي م��ع اب��ن احل��اج «م�صطفى»‬ ‫دخ��ل ��ش��اب ي�ب��دو م��ن هيئته �أن��ه يف �أواخ��ر‬ ‫الع�شرينيات جاء لكي ي�ضبط عمامته فعرفت‬ ‫منه �أنه يدعى «�أحمد �سيد �أحمد» خريج كلية‬ ‫الدرا�سات الإ�سالمية بجامعة الأزهر‪ ،‬ويعمل‬ ‫�أمام م�سجد مبدينة «بنها»‪� ،‬س�ألته عن مدى‬ ‫قبوله للب�س العمامة وهل يجد غ�ضا�ضة يف‬ ‫ارتدائها فابت�سم قائ ًال‪� :‬إنني فخور بالزي‬ ‫الأزهري وعمامة الر�أ�س التي �أرتديها‪ ،‬فهي‬ ‫ت�شي بانت�سابي للم�ؤ�س�سة الأزهرية العريقة‬ ‫فهي رمز للإ�سالم لي�س يف م�صر فقط بل‬


‫ياواد انت يابلديات‪.‬‬

‫يف العامل كله‪ ،‬و�أمتنى �أن العمامة تعمم على‬ ‫كل �أزه��ري فالآن هي غري ملزمة واليلب�سها‬ ‫�إال الدعاة‪� ،‬أما الطربو�ش فكان له زمانه و�إن‬ ‫كنت اقرتح �أن يعود ويلب�سه �أ�صحاب املنا�صب‬ ‫العليا يف البلد‪ ،‬فهو يعطي من يرتديه م�سحة‬ ‫من الوقار حمببة‪.‬‬

‫�أهل مدينة «فا�س» املغربية يغطون ر�ؤو�سهم‬ ‫بطاقية حمراء‪ .‬وبعد املقد�سي ب�ستة قرون‬ ‫ج��اء «ح�سن ال��وزان» املعروف با�سم «ليون‬ ‫الأف��ري �ق��ي» وه��و م��ن �أه��ل ال�ق��رن ال�ساد�س‬ ‫ع�شر امليالدي فقال‪� :‬إن �أهل «فا�س» يغطون‬ ‫ر�ؤو�سهم بطاقية م�صنوعة من اللباد الأحمر‪.‬‬

‫حكايات الطربو�ش‬

‫فلكلور الطربو�ش‬

‫احلكايات عن «الطربو�ش» ال تنتهي‪ ،‬فاملعروف‬ ‫�أن املادة اخلام التي ت�صنع منها الطرابي�ش‬ ‫كانت ت�ستورد من �أوروبا وب�صفة خا�صة من‬ ‫«النم�سا»‪ ،‬وكذلك اخليوط احلريرية ال�سوداء‬ ‫ك��ان��ت ت�ستورد م��ن «ن�ي��وزي�ل�ن��دا» مم��ا جعل‬ ‫ال��وايل «�سعيد با�شا» ي�صدر فرمان ًا بخ�صم‬ ‫قر�ش �صاغ من كل موظف حكومي يخ�ص�ص‬ ‫لإن�شاء م�صنع �أهلي ل�صناعة خام الطرابي�ش‪،‬‬ ‫وبالفعل مت �إن�شاء امل�صنع الذي �أنتج �أنواع ًا‬ ‫خمتلفة من الطرابي�ش �أطلق عليها �أ�سماء‪:‬‬ ‫ال ��وادي‪ ،‬والنيل‪ ،‬واجلمهورية‪ ،‬وكانت هذه‬ ‫النوعية ت�ضاهي امل�ستورد يف ذلك الوقت‪ .‬ومن‬ ‫�أقدم احلكايات التي و�صلت عن «الطربو�ش»‬ ‫رواية «املقد�سي» ذلك اجلغرايف العربي الذي‬ ‫عا�ش يف القرن العا�شر امليالدي‪ ،‬فقد روى �أن‬

‫يتغلغل «الطربو�ش» كزي على ر�ؤو�س امل�صريني‬ ‫لفرتة طويلة يف الوجدان ال�شعبي وتراثه وتغنت‬ ‫به ال�صبايا دلي ًال على اعتداد الأفندي الذي‬ ‫يرتديه بنف�سه وجمال مظهره ومدى �سعة رزقه‬ ‫فريددن يف دالل هذه الأغنية ال�شعبية‪:‬‬ ‫عوج الطربو�ش على جنبه‬ ‫واد بلدي ويعرف واجبه‬ ‫دا حمد�ش �أبداً عاجبه‪ ..‬ماحد�ش عاجبه‬ ‫�سالمات‪� ..‬سالمات‪� ..‬سالمات‬

‫رأى جمال عبد الناصر أن‬ ‫الطربوش رمز للرجعية‬ ‫واالقطاع فتم االستغناء‬ ‫عنه رسمي ًا عام ‪1954‬‬ ‫لتتدهور بعد ذلك مكانة‬ ‫الطربوش في الشام‬

‫وهناك �أمثلة كثرية عن «الطربو�ش» تدل‬ ‫على قيمته كرمز للرجولة وحتمل امل�س�ؤولية‬ ‫مبجرد �أن يرتديه الرجل فريدد امل�صريون‬ ‫بتلقائية هذا املثل الفريد‪« :‬حرمه من غري‬ ‫راجل زي الطربو�ش من غري زر»‪� ،‬أي ر�سخ يف‬ ‫العقلية اجلماعية ال�شعبية �أن املر�أة ال ميكن‬ ‫�أن ت�ستغني عن الرجل‪ ،‬ولكي يقربوا هذه‬ ‫احلقيقة احلياتية لأذهانهم �شبه امل�صريون‬ ‫ف �ق��دان امل� ��ر�أة ل��رج��ل يف حياتها بفقدان‬ ‫الطربو�ش لأهم قطعة فيه متيزه وال ميكن �أن‬ ‫ي�ستقيم الطربو�ش بدونها وهي الزر‪.‬‬ ‫ويورد الكاتب وال�شاعر «يا�سر قطام�ش» يف‬ ‫كتابه املمتع «ع�شرة طاولة مع امللك فاروق»‬ ‫�أن الطربو�ش بلغ �أوج �شهرته وذروة جمده يف‬ ‫الربع الأول من القرن الع�شرين‪ ،‬وكان من‬ ‫امل�ألوف �أن جتد �آنذاك بع�ض الن�سوة يعاك�سن‬ ‫ال�شباب والرجال بقول‪:‬‬ ‫تعااليل بقي واقعد عندي‬ ‫طربو�شك حلو يا�أفندي‪.‬‬ ‫وقد ظل « الطربو�ش » مرتبع ًا على عر�ش �أزياء‬ ‫الرجال يف م�صر �أكرث من مئة عام‪ ،‬فكان امللك‬ ‫« فاروق» �آخر حاكم م�صري يظهر بالطربو�ش‬ ‫وكان «حممد جنيب» �أول حاكم م�صري يظهر‬ ‫بالـ«برييه» الع�سكري �أي بدون طربو�ش‪.‬‬

‫�سقوط الطربو�ش‬

‫رجالن هما من ا�ستطاعا ا�سقاط «الطربو�ش»‬ ‫من على عر�شه وجعاله تاريخ ًا يحكى‪ ،‬بعد‬ ‫�أن ك��ان الي�ج��ر�ؤ �أف�ن��دي من امل�ستوظفني �أن‬ ‫يدخل على رئي�سه من دون ارتداء الطربو�ش‬ ‫�أو يتعر�ض الطالب يف املدر�سة �إىل الطرد �إذا‬ ‫مل يرتده‪ ،‬وكانت تخ�ص�ص له �أماكن ب�شماعة‬ ‫املالب�س التي توجد بجوار �أبواب امل�ساكن حتى‬ ‫ي�ضعه رب املنزل فور عودته من عمله ال�ساعة‬ ‫الثانية ظ�ه��ر ًا ب��أدب�ي��ات ذل��ك ال��زم��ان ليجد‬ ‫طعامه جاهز ًا وحو�ض الفخار ال�صغري مملوء ًا‬ ‫باملاء وامللح لرتطيب قدميه من العمل!!‬ ‫�أما هذان الرجالن ف�أولهما «كمال �أتاتورك»‬


‫استطالع‬ ‫‪132‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫م�ؤ�س�س تركيا احلديثة‪ ،‬والذي ق�ضى على �آخر‬ ‫ال�سالطني العثمانيني وه��و ال�سلطان «عبد‬ ‫احلميد الثاين»‪ ،‬حيث منع ارتداء «الطربو�ش»‬ ‫يف تركيا ع��ام ‪1926‬م مبوجب قانون ُعرف‬ ‫وقتها با�سم قانون القيافة‪.‬‬ ‫وه��ن��اك ح��ادث��ة ت��اري �خ �ي��ة � �ش �ه�يرة متعلقة‬ ‫«بالطربو�ش» و«كمال أ�ت��ات��ورك»‪ ،‬حينما قرر‬ ‫االحتفال ب�إعالن اجلمهورية الرتكية والتي‬ ‫�شاركت فيه م�صر باعتبارها دولة كبرية‪ ،‬وكان‬ ‫الوزير املفو�ض امل�صري يرتدي «الطربو�ش»‬ ‫فطلب «�أتاتورك» من الوزير املفو�ض امل�صري‬ ‫خلع «الطربو�ش» فرف�ض الأخري ب�شدة واعترب‬ ‫�أن «الطربو�ش» الذي يرتديه فوق ر�أ�سه جزء ًا‬ ‫من زيه الر�سمي‪ ،‬ولكن «�أتاتورك» �أمر واحد ًا‬ ‫من عمال الق�صر بخلعه من فوق ر�أ�س الوزير‬ ‫املفو�ض امل�صري‪ ،‬فغ�ضب الوزير وبعث �إىل‬ ‫امللك «ف�ؤاد» وانت�شر اخلرب بني النا�س‪ ،‬ورف�ض‬ ‫امللك «ف ��ؤاد» �أي �سبل للتفاو�ض �سوى �إ�صدار‬ ‫تركيا اع �ت��ذار ًا ر�سمي ًا‪ ،‬وت�شكلت جمعيات‬ ‫كثرية للدفاع عن هيبة «الطربو�ش» �أهمها‬ ‫«جمعية ال��رف��ق ب��ال�ط��رب��و���ش»‪ ،‬مم��ا ا�ضطر‬ ‫«�أت ��ات ��ورك» ل�لاع�ت��ذار الر�سمي ع��ن غلطته‬ ‫الدبلوما�سية‪ ،‬واحتفل امل�صريون واعتربوا عام‬ ‫‪1932‬م هو عام «الطربو�ش»‪ ،‬وقد كان لهذه‬ ‫احلادثة �أثر كبري بعد ذلك فتكونت جمعيات‬ ‫وطنية تطالب باال�ستقالل االقت�صادي مل�صر‬ ‫واعتربوا �أن ا�سترياد امل�صريني للبا�س ر�أ�سهم‬ ‫الوطني من اخل��ارج هو عار اقت�صادي يجب‬ ‫تداركه‪ ،‬فتبنى اجلميع «م�شروع القر�ش» من‬ ‫�أج��ل اال�ستقالل االقت�صادي‪ ،‬وكانت الفكرة‬ ‫تقوم على �أن كل مواطن يتربع بقر�ش �صاغ‬ ‫لبناء م�صنع للطرابي�ش‪ ،‬وقد عار�ض الزعيم‬ ‫«م�صطفى النحا�س» امل�شروع على خلفية �أن‬ ‫هذا امل�شروع �سي�صرف امل�صريني عن هدفهم‬ ‫الأكرب وهو الكفاح الوطني من �أجل اال�ستقالل‬ ‫ع��ن امل�ستعمر ال�بري�ط��اين‪ ،‬و�أي ��ده يف ال��ر�أي‬ ‫ع��دد كبري م��ن املثقفني علي ر�أ��س�ه��م عميد‬ ‫الأدب العربي الدكتور «طه ح�سني» وا�ستغلت‬ ‫حكومة «�إ�سماعيل �صدقي با�شا»‪ ،‬هذا اجلدل‬ ‫ال�سيا�سي وال�شعبي يف �صرف الأن�ظ��ار عن‬ ‫الد�ستور واحلريات واال�ستقالل‪ ،‬و�سخرت فرق‬

‫الدولة الع�سكرية لتقدمي العرو�ض واحلفالت الطربو�ش وال�صراع ال�سيا�سي‬

‫الفنية لدعم م�شروع القر�ش حتى بني م�صنع‬ ‫الطرابي�ش بالعبا�سية عام ‪1933‬م‪.‬‬ ‫�أما الرجل الثاين الذي �أ�سقط «الطربو�ش» من‬ ‫على عر�شه فهو الرئي�س «جمال عبد النا�صر»‬ ‫الذي وجد �أن الطربو�ش ميثل رم��ز ًا للرجعية‬ ‫واالق �ط��اع‪ ،‬فتم اال�ستغناء عنه ر�سمي ًا عام‬ ‫‪1954‬م لتتدهور بعد ذلك مكانة «الطربو�ش»‬ ‫يف ال���ش��ام‪ ،‬ال�ت��ي دخلها الطربو�ش على يد‬ ‫«ابراهيم با�شا» االبن الأكرب ملحمد علي با�شا‬ ‫عام ‪1831‬م‪.‬‬

‫منع أتاتورك ارتداء‬ ‫الطربوش في تركيا‬ ‫عام ‪ 1926‬بموجب قانون‬ ‫عرف وقتها باسم قانون‬ ‫القيافة‬

‫رمبا لن ي�صدق البع�ض �أن «الطربو�ش» دخل‬ ‫ك�ط��رف يف � �ص��راع �سيا�سي وف �ك��ري يبحث‬ ‫عن هوية «م�صر»‪ ،‬ولكن هذه هي احلقيقة‬ ‫امل�ؤكدة‪ ،‬فقد ا�شتعلت معركة «الطربو�ش» على‬ ‫خلفية معركة �أخرى �أعم و�أ�شمل تت�ساءل‪:‬هل‬ ‫م�صر فرعونية؟ �أم �أ�سالمية؟ �أم �أنها تتبع‬ ‫دول البحر الأبي�ض املتو�سط؟‬ ‫فدخل «الطربو�ش» املعركة باعتباره رم��ز ًا‬ ‫قومي ًا يف مواجهة قبعة الأوروب �ي�ين الغزاة‬ ‫وت�سابق املفكر الكبري �سالمة مو�سى على‬ ‫�صفحات «امل�ج�ل��ة اجل��دي��دة» يف �إث �ب��ات �أن‬ ‫الطربو�ش من بقايا تبعية م�صر للحكم الرتكي‪،‬‬ ‫بينما انربى غريه يف الدفاع عن «الطربو�ش»‬ ‫ولعن القبعة الأوروبية ومن يرتديها‪ ،‬وقد ذكر‬ ‫امل� ��ؤرخ امل�صري حبيب ج��ام��ات��ي‪ ،‬يف �إح��دى‬ ‫مقاالته التي ن�شرتها جملة امل�صور امل�صرية‪،‬‬


‫عمله يف وزارة الأوق��اف كان مير �أمام مقهى‬ ‫اللواء يف ميدان الظوغلي وك��ان يجل�س عليه‬ ‫ال�شاعر الكبري كامل ال�شناوي‪ ،‬وكان ال�شناوي‬ ‫يعرفه ويعلق‪ :‬فنان ايه ده اللي ما�شي الب�س‬ ‫طربو�ش وكارفته ومزرر اجلاكيت بهذا ال�شكل‪،‬‬ ‫ازاي يبقى كاتب ومتمرد‪ ،»!.‬طبع ًا «حمفوظ»‬ ‫ح�سبما يقول الناقد حممد احلما�صي لديه‬ ‫مترد داخلي ولكن كان يخ�ضعه واليخرج �إال يف‬ ‫الكتابة‪ .‬كما يذكر عامل النف�س الكبري الدكتور‬ ‫يحيى الرخاوي يف �إح��دى كتاباته �أن جنيب‬ ‫حمفوظ ذكر له �أغنية �شعبية تدل على حد�س‬ ‫ال�شارع امل�صري حني يتغنى النا�س‪« :‬الفاحتة‬ ‫للع�سكري‪ ،‬قلع الطربو�ش وعمل ويل»‪ ،‬وهي �أغنية‬ ‫تدل على وعي النا�س ال�ساخر‪ ،‬وهي تك�شف �أن‬ ‫احلاكم الديني املت�شدد لي�س �إال حاكم ًا ع�سكري ًا‬ ‫ديكتاتوري ًا يلب�س عمامة‪ ،‬بعد حماولة تخفيه‬ ‫بخلع الرمز الع�سكري «الطربو�ش» هذا احلد�س‬ ‫ال�شعبي هو ال��ذي �سيزيح الع�سكر وه��و الذي‬ ‫ي�ستطيع �أن يزيح مدعي الوالية حتت �أي ا�سم‬ ‫�سلطة الواحد تلو الآخر‪.‬‬

‫�شارع الطرابي�شي‬

‫�أن «الطربو�ش» زي عربي قومي و�أن �ألوانه‬ ‫ترمز �إىل الدم والنار قا�صد ًا من ر�أيه هذا �إىل‬ ‫ح�سم خالفات و�سجاالت دارت لفرتة طويلة‬ ‫بني العرب وا ألت��راك حول �أ�صل «الطربو�ش»‬ ‫وهويته الرتاثية‪.‬‬

‫طربو�ش جنيب حمفوظ‬

‫ا�ستقر «الطربو�ش» على �صفحات رواي��ات‬ ‫الكاتب الكبري «جنيب حمفوظ » خا�صة يف‬ ‫ثالثيته ال�شهرية‪« :‬ب�ين الق�صرين‪ ،‬وق�صر‬ ‫ال�شوق‪ ،‬وال�سكرية» فكان �أوالد �سي ال�سيد �أحمد‬ ‫عبد اجلواد يرتدون الطربو�ش رمبا مقلدين‬ ‫وال��ده��م �سي ال�سيد ال ��ذي يحتفظ ب��وق��اره‬ ‫وهيبته داخل منزله و�أمام �أوالده وزوجته �أمينة‬ ‫التي كان من �ضمن مهامها‪ ،‬التي تقوم بها‬ ‫يف تقدي�س كامل لرجلها �سي ال�سيد‪ ،‬تنظيف‬ ‫طربو�شه وتلميعه بطريقة معينة ب�إ�ستخدام‬

‫لون زر الطربوش له‬ ‫دالالته فالكحلي‬ ‫واألسود يرمزان لألساتذة‬ ‫واألفندية وأئمة المساجد‬ ‫أما البني الفاتح فيرتديه‬ ‫المقرئ في الجنازات‬ ‫قطعة من قما�ش ال�صوف االجنليزي الفاخر‪،‬‬ ‫كما �ألب�سه �شيخنا الروائي «جنيب حمفوظ »‬ ‫فوق ر�ؤو���س كل الدار�سني بالأزهر ال�شريف‬ ‫وطلبة املدار�س الثانوية كاخلديوية وال�سعدية‪.‬‬ ‫يكتب الناقد حممد احلما�صي ع��ن جنيب‬ ‫حمفوظ واقعة طريفة مرتبطة بالطربو�ش‬ ‫كرمز الن�ضباطه فيقول‪�« :‬شخ�صية كاتبنا‬ ‫الكبري جنيب حمفوظ �شخ�صية حمافظة‪،‬‬ ‫متزن يف كالمه‪ ،‬ولقد ذكر يل أ�ن��ه يف �أثناء‬

‫هل فرغ الزمن من احلديث عن «الطربو�ش»‬ ‫ال��ذي قبع على ر�ؤو���س امل�صريني ‪ 150‬عام ًا‬ ‫كاملة؟ يف ت�صوري �أن الإجابة بالنفي‪ ،‬فهناك‬ ‫يف حي العبا�سية �شارع �صغري ينتهي عند �إحدى‬ ‫طرفيه مبيدان اجلي�ش‪ ،‬وعند الطرف الآخر‬ ‫مبيدان احللبي‪ ،‬ن�سبة �إىل �أقدم مكتبة ومطبعة‬ ‫يف م�صر ل�صاحبها م�صطفي احللبي و�أوالده‪،‬‬ ‫ه��ذا ال�شارع حتمل لوحته املعدنية الزرقاء‬ ‫عنوان ًا مكتوب ًا باللغة العربية فقط ‪�«:‬شارع‬ ‫الطرابي�شي» �سيظل يذكر امل�صريني بجزء‬ ‫عزيز م��ن تاريخهم االجتماعي وعاداتهم‬ ‫وتقاليدهم ونظرتهم للأناقة والرجولة وحب‬ ‫ال�صبايا للأفندية املطرب�شني‪ ،‬فكلما قر�أ ا�سم‬ ‫«��ش��ارع الطرابي�شي»‪� ،‬سوف ي�س�أل عابر ما‬ ‫عن �أ�صل اال�سم و�أ�صل «الطربو�ش»‪ ،‬فتُحكى‬ ‫حكاية «ال �ط��رب��و���ش» الأح �م��ر ال �ق��اين ب��زره‬ ‫الأ�سود احلريري مرة �أخرى ليرتبع يف ذاكرة‬ ‫امل�صريني بعد �أن عا�ش طوي ًال فوق ر�ؤ�سهم‬


‫سينما‬ ‫‪134‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫ّ‬ ‫د�شنها «�سبارتكو�س»‬ ‫بتحرير العبيد‬

‫الثورة‬

‫في السينما ‪..‬‬

‫بين التوثيق والتخييل‬ ‫�سليمان احلقيوي‬ ‫ن�صادف كثريا ًكلمة الثورة‪ ،‬بل نتداولها مطمئنني _فيما ي�شبه االتفاق_ �إىل‬ ‫تلك املعاين التي تتبادر �إىل الذهن عند ا�ستخدامها‪ ،‬وقد ال تختلف ت�صوراتنا‬ ‫ملفهوم الثورة كثرياً‪ ،‬ولكن مع ذلك وجب الوقوف عند هذا املفهوم‪ ،‬ملعرفة داللته‬ ‫ال�صحيحة‪ ،‬والتمييز بني الثورة وبني مفاهيم �أخرى قد ت�شاطرها حدودها‬ ‫الداللية‪ ،‬ومن �ش�أن هذا التدقيق م�ساعدتنا على فهم موا�ضيع الأفالم التي‬ ‫عاجلت ق�ضايا الثورة‪.‬‬ ‫�إن الركون �إىل ا�ستخدام مفهوم الثورة من‬ ‫دون متحي�ص �سيقود �إىل التبا�سه داللي ًا مع‬ ‫معاين من قبيل االنتفا�ضة‪ ،‬التغيري‪ ،‬االنقالب‪،‬‬ ‫وه��ي مفاهيم قد ت�شرتك مع مفهوم الثورة‬ ‫يف �سماته الأ�سا�سية‪ ،‬لكنها �ستختلف عنه يف‬ ‫بع�ض ال�سمات الأخ ��رى‪ ،‬فالثورة كما يتفق‬ ‫على تعريفها علماء االجتماع هي «عبارة عن‬ ‫تغيري �شامل وج��ذري يف توزيع م�صادر القوة‬ ‫وعمليات الإنتاج يف املجتمع»‪ ،‬وهي بتعريف‬ ‫الكاتب �سليم ن�صر الرقعي «ظاهرة اجتماعية‬ ‫و�سيا�سية‪ ،‬وه��ي انتفا�ضة ال�شعب والفطرة‬ ‫وال�ضمري �ضد الظلم ال��ذي جت��اوز كل حدود‬ ‫حتمل الطاقة الب�شرية»‪ ،‬كما ُت�ع� ّرف �أي�ض ًا‬ ‫بكونها «التغيري املفاجئ ال�سريع بعيد الأثر يف‬

‫الكيان االجتماعي لتحطيم ا�ستمرار الأحوال‬ ‫القائمة يف املجتمع وذلك ب�إعادة تنظيم وبناء‬ ‫النظام االجتماعي بنا ًء جذري ًا»‪ ،‬هو التغيري‬ ‫الذي يحدثه ال�شعب من خالل �أدواته‪ ،‬كالقوات‬ ‫امل�سلحة‪� ،‬أو من خ�لال �شخ�صيات تاريخية‬ ‫لتحقيق ط�م��وح��ات��ه‪ ،‬لتغيري ن �ظ��ام احلكم‬ ‫العاجز عن تلبية ه��ذه الطموحات ولتنفيذ‬ ‫برنامج من املنجزات الثورية غري االعتيادية‪،‬‬ ‫وهناك تعاريف عديدة �أخرى ال ي�سع املقام‬ ‫لذكرها‪� ،‬إال �أن املالحظ من خ�لال هذه‬ ‫التعاريف �أنها حتيط باملفهوم من جوانبه‬ ‫االجتماعية والنف�سية وال�سيا�سية‪ ،‬وتتفق‬ ‫على حتمية قيام ال�ث��ورة يف ظل وجود‬ ‫الظلم واال�ستبداد‪ .‬لقد توقف التاريخ‬


‫فيلم «سبارتكوس» من‬ ‫أول األعمال السينمائية‬ ‫�شاهد ًا على جمموعة من الثورات الكربى التي التي تناولت موضوع‬ ‫�أ�سهمت ب�شكل كبري يف ر�سم م�ستقبل الأوطان الثورة وشكل إلهام ًا‬ ‫التي قامت داخلها على جميع امل�ستويات‪ ،‬ألعمال أخرى جاءت بعده‬

‫كما امتد ت�أثريها �إىل بلدان العامل من خالل‬ ‫ت�صدير مبادئ هذه الثورات‪ ،‬وجعلها حمط‬ ‫�أنظار الأمم و�إعجابها‪ ،‬ومن املعلوم �أن بواعث‬ ‫ال�ث��ورات الكربى كانت خمتلفة لكنها حتم ًا‬ ‫مل تخرج عن املقولة ال�شهرية لعميد الأدب‬ ‫الفرن�سي فكتور هوغو «�إذا ح��دث و�أع�ق��تَ‬ ‫جمرى ال��دم يف �شريان ف�ستكون النتيجة �أن‬ ‫ي�صاب الإن�سان باملر�ض‪ ،‬و�إذا �أعقتَ جمرى‬ ‫امل��اء يف نهر فالنتيجة ه��ي الفي�ضان‪ ،‬و�إذا‬ ‫�أعقتَ الطريق �أم��ام امل�ستقبل فالنتيجة هي‬ ‫الثورة»‪ ،‬فالثورة �إذن نتيجة حتمية ومنطقية‬ ‫حينما ي�شتد الظلم واال�ستبداد‪.‬‬

‫الثورة بني الأدب والفن‬

‫�إن احلديث عن الثورة ي�ستتبعه دائم ًا احلديث‬ ‫ع��ن عالقتها ب� ��الأدب وال �ف��ن‪ ،‬على اعتبار‬ ‫م��دى م�ساهمتهما يف امل�ضي قدم ًا بالثورة‪،‬‬ ‫وتدوين �أحداثها يف بطون الأوراق والكتب‪،‬‬ ‫ونقل وقائعها وتوثيقها بال�صورة‪ ،‬وهنا يو�ضع‬ ‫املثقفون والفنانون على اختالف ا�شتغاالتههم‬ ‫الفنية‪ ،‬مو�ضع م�ساءلة‪ ،‬من حيث وقوفهم‬ ‫بجانب الثورة �أو �ضدها‪ ،‬ومن حيث وقوفهم‬ ‫مع احلاكم �ضد املحكوم‪ ،‬فتت�صاعد الأ�صوات‬ ‫ب�ضرورة تزعم املثقفني والأدب� ��اء والكتاب‬ ‫�صفوف الثائرين‪ ،‬وي�صل الأمر �إىل اتهامهم‬ ‫يف بع�ض الأحيان بالتق�صري وم�ساندة الأنظمة‬ ‫احلاكمة‪ ،‬لأن العمل الأدبي والفني يتحركان‬ ‫ع�ضوي ًا‪ ،‬حيث ينقالن عن الواقع ويطورانه‪،‬‬ ‫وم��ن هنا �أمكننا احل��دي��ث ع��ن �أدب الثورة‬ ‫و�سينما الثورة‪.‬‬

‫ال�سينما والثورة‬

‫كان الفن ال�سابع وال يزال نافذة ننظر من‬ ‫خاللها �إىل �أحداث التاريخ الكربى‪ ،‬ووثيقة‬ ‫اجتماعية مهمة‪ ،‬ت�سهم يف ر�سم قوانني‬ ‫ح��رك��ة ودي�ن��ام�ي�ك�ي��ة امل�ج�ت�م��ع‪ ،‬فال�سينما‬ ‫ظلت تعتمد على الإن�سان الذي ظل يحاول‬

‫بناء عالقات خا�صة مع ق�ضاياه الذاتية‬ ‫واملجتمعية من خالل ال�صورة ال�سينمائية‬ ‫ك��و� �س �ي��ط خل �ل��ق ع�ل�اق ��ات م �ب��ا� �ش��رة م��ع‬ ‫اجلمهور‪ ،‬ومل تكن الآل��ة �إال و�سيلة خللق‬ ‫ون�ق��ل الأف �ك��ار‪ ،‬فهي ال تنعزل ع��ن �إرادة‬ ‫ال�شعوب و�آمالها‪ .‬واملتتبع للمنجز الأدب��ي‬ ‫يف خمتلف بقاع العامل ‪-‬بغ�ض النظر عن‬ ‫اللغة التي ينطق بها‪� ،‬سيالحظ من دون‬ ‫كبري عناء ذلك الكم الوفري الذي اتخذ من‬ ‫الثورة مو�ضوع ًا ل��ه؛ تلون بلونها‪ ،‬وحتدث‬ ‫بلغتها‪ .‬وكحال الأدب فال�سينما ما فتئت‬ ‫تقدم �أع�م��ا ًال خالدة عن ال�ث��ورة ورموزها‬ ‫وب��واع��ث ق�ي��ام�ه��ا‪ ،‬ول �ن��ا �أم�ث�ل��ة ع��دي��دة يف‬ ‫ال�سينما ال�ع��امل�ي��ة؛ �أع �م��ال خ��ال��دة قدمت‬ ‫للجمهور حتف ًا �سينمائية ت��ذ ِّك��ره ب�أعظم‬ ‫�إجنازات الإن�سان‪ ،‬فاحتفظت بها الذاكرة‬ ‫ال�سينمائية‪ ،‬كروائع لن يطالها الن�سيان‪،‬‬ ‫لكن احلديث عن ال�ث��ورة يف ال�سينما «�أي‬ ‫الأف�لام التي اتخذت من الثورة مو�ضوع ًا»‬ ‫قد يطرح بع�ض الإ�شكاالت الت�صنيفية التي‬ ‫مت�س بالأ�سا�س موا�ضيع الأف�لام من حيث‬ ‫تناولها للثورة‪ ،‬و�أحداثها‪ ،‬ومن حيث مدى‬ ‫ارتباطها بوقائع التاريخ‪ ،‬وابتعادها عنها‪،‬‬ ‫وعلى هذا االعتبار فنحن منيز بني الأفالم‬ ‫التي اتخذت الثورة مو�ضوع ًا �صريح ًا لها‪،‬‬ ‫كتناول �إح��دى ال �ث��ورات العاملية املعروفة‬ ‫حت��دي��د ًا‪ ،‬و�أف �ل�ام �أخ ��رى ت�ن��اول��ت ال �ث��ورة‬ ‫بطريقة تخيلية‪.‬‬

‫كان الفن السابع وال‬ ‫يزال نافذة ننظر من‬ ‫خاللها إلى أحداث‬ ‫التاريخ الكبرى ووثيقة‬ ‫اجتماعية مهمة تسهم‬ ‫في رسم قوانين حركة‬ ‫وديناميكية المجتمع‬

‫الثورات التاريخية‬

‫ميكننا �أن نتناول حتت ه��ذا العنوان الأول‬ ‫تلك الأعمال ال�سينمائية التي تناولت الثورات‬ ‫ال �ك�برى؛ك��ال �ث��ورة الفرن�سية واالجن�ل�ي��زي��ة‬ ‫وال��رو� �س �ي��ة‪..‬ال��خ‪ ،‬فهناك ن�صيب جيد من‬ ‫الإنتاجات ال�سينمائية التي تابعت بالتوثيق‬ ‫�أو بالدراما ه��ذه ال�ث��ورات املهمة يف التاريخ‬ ‫الب�شري‪ ،‬وميدنا امل�ؤرخ الفرن�سي«روجيه ايكار»‬ ‫يف كتابه «الثورة الفرن�سية يف ال�سينما» بجرد‬ ‫دقيق للأفالم التي تناولت الثورة الفرن�سية‪:‬‬ ‫فقد �أُنتج �أكرث من ‪ 90‬فيلم ًا يف فرن�سا ونحو‬ ‫‪ 18‬فيلم ًا يف �أمريكا و ‪ 20‬فيلم ًا يف اجنلرتا و‬ ‫‪ 27‬فيلم ًا يف �إيطاليا ونحو ‪� 10‬أفالم يف �أملانيا‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل ثالثة �أفالم يف الدمنارك‪ .‬وكلها‬ ‫تناولت مو�ضوع الثورة الفرن�سية ولعل هذه‬ ‫الأرق��ام تدل مبا ال يدع جم��ا ًال لل�شك حر�ص‬ ‫ال�سينما على التقاط �أحداث هذه الثورة التي‬ ‫تعد من �أبرز ال�صفحات احلا�سمة يف التاريخ‬ ‫الب�شري‪ ،‬وجند من �أبرز الأفالم التي عاجلت‬ ‫الثورة الفرن�سية فيلم «دانتون» عام ‪ 1983‬من‬ ‫�إخراج البولندي «اندريه فايدا» عن �آخر فرتة‬ ‫من حياة ج��ورج دانتون وه��و �أح��د �أه��م قادة‬ ‫الثورة الفرن�سية‪ ،‬ولعب دوره املمثل الفرن�سي‬ ‫«ج�يرار ديبارديو»‪ ،‬والفيلم يحلل كيف حاك‬ ‫روب�سبيري ِّ‬ ‫منظر الثورة الفرن�سية م�ؤامرة �ضد‬ ‫دان�ت��ون وكيف خ��ان روب�سبيري امل�ب��ادئ التي‬ ‫قامت عليها ال�ث��ورة الفرن�سية‪ ،‬والفيلم يف‬ ‫عمقه كذلك هو ر�سالة �أراد من خاللها فايدا‬ ‫�أن يدعو �شعبه بوالندا �إىل نبذ العنف وااللتزام‬ ‫باحلوار كطريقة حلل الأزم��ات الوطنية‪ ،‬من‬ ‫خالل تركيزه على �إدانة �سيا�سة العنف الدموي‬ ‫التي نهجتها جلنة ال�سالمة العامة بقيادة‬ ‫روبي�سبري‪� ،‬ضد من �صنفوا ك�أعداء للثورة‪.‬‬ ‫وقبل الثورة الفرن�سية تاريخي ًا هناك فيلم‬ ‫«�سبارتاكو�س» الذي يعترب من روائع الأفالم‬ ‫الكال�سيكية يف بداية ال�ستينيات‪ ،‬من بطولة‬ ‫«كريك دوغال�س»‪ ،‬ويقوم �سبارتاكو�س بقيادة‬ ‫�شعب خمتلط من العبيد يف ثورة كبرية �ضد‬ ‫روما وقوانينها امل�ستبدة‪ .‬وهذا الفيلم يعترب‬ ‫م��ن �أول الأع �م��ال ال�سينمائية التي تناولت‬


‫سينما‬ ‫‪136‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫من فيلم «�آفاتار»‬

‫مو�ضوع الثورة‪ ،‬و�شكل �إلهام ًا لإعمال �أخرى‬ ‫جاءت بعده‪.‬‬ ‫وهناك �أفالم عديدة تناولت الثورة الرو�سية‬ ‫�سواء كمو�ضوع رئي�س‪� ،‬أو بالإ�شارة �إليه �ضمن‬ ‫�أح��داث �أخ��رى‪ ،‬وميكننا اعتبار فيلم«مقتل‬ ‫تروت�سكي» للمخرج الأمريكي «جوزيف لوزي»‬ ‫على �سبيل الذكر ال احل�صر‪ ،‬منوذج ًا يعرب عن‬ ‫هذه الثورة‪ ،‬ويحكي هذا العمل ال�ضخم عن‬ ‫ق�صة اغتيال املفكر الرو�سي«تروت�سكي»‪ ،‬الذي‬ ‫اختلف مع �ستالني وت��رك االحت��اد ال�سوفيتي‬ ‫عام‪ 1929‬متوجه ًا �إىل املك�سيك‪ ،‬ف�أر�سل‬ ‫«�ستالني» من يقتله هناك‪.‬‬ ‫ومن �أف�لام الثورة التي حتتفظ بها الذاكرة‬ ‫ال�سينمائية جن��د فيلم «الأر�� ��ض واحل��ري��ة»‬ ‫للمخرج الربيطاين «كني لوت�ش» ال��ذي يعترب‬ ‫من حمبي �صنع �أفالم م�ستوحاة من الثورات‪،‬‬ ‫ويحكي الفيلم ع��ن عاطل اجنليزي ينتمي‬ ‫للحركة ال�شيوعية‪ ،‬يذهب لإ�سبانيا وين�ضم‬ ‫�إىل القوى الي�سارية التي ت�ضم جمموعة من‬ ‫املتطوعني واملتطوعات من جن�سيات خمتلفة‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل اجلمهوريني الإ�سبان‪ ،‬ملحاربة‬ ‫فرانكو وم�ؤيديه بعد ا�ستيالئه على احلكم يف‬ ‫ثالثينيات القرن املا�ضي‪ .‬و�أهم ما يف الفيلم‬ ‫هو احلوار الذي ك�شف عن احلاجة �إىل الثورة‬

‫الوفاء ألحداث التاريخ‬ ‫في السينما يبقى‬ ‫هدف ًا صعب التحقق ألن‬ ‫السينمائي ليس مؤرخ ًا‬ ‫كما أن التاريخ نفسه‬ ‫محل خالف من مؤرخ آلخر‬ ‫و�آمال النا�س الب�سطاء ومعاناتهم‪ ،‬كما جند يف‬ ‫هذا الفيلم �إ�سقاط ًا لكل الق�ضايا التي تقابل‬ ‫الثوار مهما اختلف الزمان واملكان‪.‬‬ ‫وي��أخ��ذن��ا فيلم «مايكل كولينز» م��ن �إخ��راج‬ ‫«نيل ج��وردان» وبطولة «ليام ني�سون» و«جوليا‬ ‫روبرت�س» �إىل حترير ايرلندا وحياة الزعيم‬ ‫الإيرلندي الثائر «مايكل كولينز»‪ ،‬وكيف حاول‬ ‫كولينز حترير ايرلندا عام‪ 1920‬من خالل قتل‬ ‫العمالء ال�سريني الربيطانيني وبعدها تر�ضخ‬ ‫بريطانيا وتوافق علي املفاو�ضات معه‪ ،‬وبعد‬ ‫عودته �إىل موطنه بعد �أن ح�صل على وعد‬ ‫ب�إقامة ايرلندا احلرة‪ ،‬يتحول ال�صراع داخلي ًا‬ ‫لرغبة �أعوانه ب�إقامة جمهورية ايرلندا ولي�س‬ ‫اال�ستقالل عن بريطانيا فقط‪.‬‬ ‫وجن ��د ال� �ث ��ورة الأم��ري �ك �ي��ة ح��ا� �ض��رة بقوة‬

‫�سينمائي ًا‪ ،‬فهناك فيلم «ثورة» «لهيبو هيد�سون»‬ ‫وبطولة «�آل بات�شينو» ال��ذي يج�سد دور رجل‬ ‫ي�شرتك يف الثورة مبح�ض امل�صادفة وتنمو لديه‬ ‫الأحا�سي�س الوطنية وتكرب‪ ،‬وعن نف�س احلدث‬ ‫جند فيلم«الوطني» «لرونالد اميريي�ش» وبطولة‬ ‫«ميل جيب�سون» ويحكي عن الثورة الأمريكية‬ ‫�ضد اال�ستعمار الربيطاين وكيف يتحول �إىل‬ ‫بطل عندما ي�شارك يف قيادة الثورة‪ ،‬وي�أتي هذا‬ ‫العمل الرائع لي�ؤكد دور الطبقات االجتماعية‬ ‫املنهوكة يف قيام الثورة وجناحها‪.‬‬ ‫ويعترب فيلم «القلب ال�شجاع» من �أبرز الأعمال‬ ‫ال�سينمائية التي تعر�ضت للثورة اال�سكتلندية‬ ‫وه��و من روائ��ع املمثل وامل�خ��رج الكبري «ميل‬ ‫جيب�سون» املعروف بوقوفه يف �صف الق�ضايا‬ ‫العادلة‪ ،‬وي��دور هذا العمل عن حياة ون�ضال‬ ‫بطل قومي ا�سكتلندي«وليام واال�س» الذي عا�ش‬ ‫يف القرون الو�سطى وحارب حتى املوت من �أجل‬ ‫حترير بالده من ظلم وا�ستعباد االجنليز‪ ،‬لقد‬ ‫متيز هذا العمل عن غري باالتقان �سواء تعلق‬ ‫الأمر ب�أداء املمثلني �أو روعة ال�سيناريو وباقي‬ ‫اجلوانب التقنية الأخرى‪.‬‬ ‫ويج�سد فيلم «حياة غيفارا الثورية» �أحد �أهم‬ ‫الأع�م��ال ال�سينمائية‪ ،‬وه��و من بطولة املمثل‬ ‫«بني�سيو دل ت��ورو» وحتكي ق�صته عن حياة‬ ‫املنا�ضل الثوري «�شي جيفارا» ال��ذي مل ي�سع‬ ‫النت�صارات �شخ�صية بل لتحرير النا�س من‬ ‫الظلم‪ ،‬وق��د ا�ستمد ه��ذا العمل جناحه من‬ ‫نقطتني‪� :‬أواله �م��ا و�أه�م�ه�م��ا‪ ،‬تلك ال�شعبية‬ ‫الكبرية التي حتظى بها �شخ�صية «�شي جيفارا»‬ ‫والثانية تتمثل يف حمل الفيلم مقومات النجاح‬ ‫من حيث حر�صه على نقل حياة هذا املنا�ضل‪.‬‬

‫الثورات التخيلية‬

‫املق�صود هنا تلك الأفالم التي عاجلت الثورة‬ ‫من دون اال�ستناد �إىل وقائع تاريخية‪ ،‬وهذه‬ ‫النوعية من الأف�لام قد ت�شرتك مع الأف�لام‬ ‫امل�ج�م��وع��ة الأوىل يف دائ��رت �ه��ا الت�صنيفية‬ ‫ال �ك�برى‪ ،‬لكنها تختلف م��ن حيث كونها ال‬ ‫متتلك �إرث ًا تاريخي ًا فهي ال تهتم بالتوثيق بقدر‬ ‫ما تهتم بخدمة ق�صة الفيلم‪ ،‬ويدخل يف هذا‬ ‫الإطار جمموعة �ضخمة من الأفالم باختالف‬


‫املوا�ضيع‪ ،‬وميكننا �أن ن�شري يف هذا ال�صدد‬ ‫�إىل جمموعة من الأف�لام كفيلم ال�ساموراي‬ ‫الأخ�ير ال��ذي عالج ن�ضال ال�ساموراي‪ ،‬من‬ ‫�أجل االحتفاظ بهويتهم‪ ،‬وان�ضمام اجلرنال‬ ‫اجلرين الذي �أدى دوره «توم كروز» �إىل �صف‬ ‫ال�ساموراي بعد اقتناعه بعدالة ق�ضيتهم‪ .‬كما‬ ‫ي�شكل فيلم «نادي القتال» منوذج ًا متميز ًا لهذه‬ ‫النوعية من الأف�لام وهو من �إخ��راج «ديفيد‬ ‫فين�شر» وبطولة «براد بيت» حيث يعالج ق�صة‬ ‫جمموعة من ال�شباب ي�ؤ�س�سون نادي ًا للقتال‬ ‫ويتمردون على جمموعة من الثوابت والقوانني‬ ‫املتعلقة بالر�أ�سمالية‪ ،‬ويتميز ه��ذا املخرج‬ ‫باختيارات جمالية عميقة‪.‬‬ ‫�أم��ا فيلم «�أف��ات��ار» للمخرج «جيم�س كامرون‬ ‫»فهو فيلم فنتازيا وميكننا �أن ن�صنفه بقليل‬ ‫من التجاوز �ضمن تلك الأف�ل�ام التي تدعو‬ ‫�إىل الثورة واملقاومة من �أجل الوطن‪ ،‬وتعترب‬ ‫خملوقات «النايف» يف هذا العمل ترميز ًا للهنود‬ ‫احلمر ومعاناتهم �أثناء احتالل الأوروب�ي�ين‬ ‫ملوطنهم‪ .‬وعلى الرغم من اجلانب الفرجوي‬ ‫الذي مييز هذا النمط من الأفالم فهي تبقى‬ ‫ذات ت�أثري كبري على املتلقي‪ ،‬تتثري عواطفه‬ ‫وت�شحنها‪ ،‬وتلفت انتباهه بطريقة غري مبا�شرة‬ ‫�إىل �أحداث مهمة‪ ،‬ففيلم �أفاتار مث ًال هو من‬ ‫الأع�م��ال الداعية �إىل املقاومة وال��دف��اع عن‬ ‫الوطن وال�ث��ورة �ضد كل �سلطة حترمنا من‬ ‫احلرية‪ ،‬وكل من �شاهد هذا العمل �سيفهم‬ ‫ه��ذه الر�سالة ب�سهولة‪ ،‬وفيلم «ال�ساموراي‬ ‫الأخري» هو انتقاد ل�سلب املجتمعات هوياتها‪،‬‬ ‫وانتقاد لتدخل �أمريكا يف �سيا�سات البلدان‪،‬‬ ‫وال��دع��وة �إىل ال �ث��ورة على ك��ل ذل ��ك‪ .‬وه��ذه‬ ‫الطريقة يف التعبري مطروقة منذ القدم‪،‬‬ ‫وهي تعرف بالإ�سقاط التاريخي‪ ،‬حيث يتوارى‬ ‫امل��ؤل��ف خلف �أح ��داث �أو �شخ�صيات معينة‬ ‫ليكتب عن موا�ضيع �سيا�سية حمرمة لأ�سباب‬ ‫رقابية‪� ،‬أو فنية �أو فكرية‪ ،‬وهذا النهج حا�ضر‬ ‫بقوة يف ال�سينما وحتديد ًا يف داخ��ل الأف�لام‬ ‫التي تعالج ق�ضايا مثل الثورة �أو ق�ضايا �سيا�سية‬ ‫حمرمة‪ ،‬فتبقى ه��ذا الأع�م��ال يف من�أى عن‬ ‫كل نقد فهي ال ترتبط بالواقع يف �شيء‪ ،‬وهذا‬ ‫كاف لك�سر �سهام النقد املوجهة �إليها‪ ،‬وهي‬

‫تتميز بالوظيفة الإغرائية من حيث مداعبتها‬ ‫لأذواق اجلمهور املتعط�ش لالنعتاق‪ ،‬واملنت�صر‬ ‫للق�ضايا العادلة‪.‬‬ ‫مل يكن لل�سينما �أن تتجاهل ه��ذه الأح��داث‬ ‫امل�ضيئة يف تاريخ الإن�سانية‪ ،‬لأن الفن كان‬ ‫دائ �م � ًا م���ر�آة للمجتمع‪ ،‬فكم ه��ي ال �ث��ورات‬ ‫والأح��داث التي مر عليها الزمن لكننا نظل‬ ‫نتذكرها انطالق ًا من �أعمال �سينمائية‪ ،‬ومن‬ ‫هنا ت�أتي راهنية الأفالم التي تتعر�ض لأحداث‬ ‫التاريخ والثورة‪� ،‬إنها ت�أتي من م�س�ألة قد تهمنا‬ ‫نحن‪� ،‬أال وهي ا�ستح�ضار تاريخنا‪ ،‬والأهم من‬ ‫ذلك تذكريها الدائم لنا مبعاين احلرية‪.‬‬

‫�أفالم الثورة بني الفن والتوثيق‬

‫هكذا نالحظ �أن ال�صورة ن��وع من الت�أريخ‬ ‫لل�سريورة الإن�سانية‪ ،‬والتاريخ االجتماعي‬ ‫ي�سجل من خاللها‪ ،‬و�أب��رز حلظاته‬ ‫لل�شعوب َّ‬ ‫تبقى خ��ال��دة ب�ه��ا‪ ،‬وه��ذا م��ا ي ��ؤك��ده الكاتب‬ ‫املغربي حممد ا�شويكة بقوله «فميكانيزمات‬ ‫الهوية االجتماعية قد �أ�صبحت تتحدد ب�شكل‬ ‫مت�سرع‪ :‬وكل عالمة �أو �أي عن�صر يدخل يف‬ ‫ت�شكيل ال�صورة‪ ،‬يحمل معه قوة م�ؤملة وحقيقية‬ ‫للحقيقة الراهنة»‪ .‬فالتوثيق �صار م�صاحب ًا‬ ‫لل�صورة‪ ،‬ولهذا �سنجد �أن كل الأعمال التي‬ ‫تناولت هذه الثورات‪ ،‬قد �صاحبها جدل كبري‬ ‫على م�ستوى التلقي‪ ،‬من حيث وفائها لهذه‬ ‫الأحداث التاريخية املهمة‪ ،‬ومل ي�سلم �أحد‬ ‫ه��ذه الأع �م��ال م��ن النقد ال�ل�اذع‪ ،‬لأن‬ ‫الوفاء لأح��داث التاريخ يبقى هدف ًا‬ ‫�صعب التحقق فال�سينمائي لي�س‬ ‫م��ؤرخ� ًا‪ ،‬بل حتى احل��دث التاريخي‪،‬‬ ‫يت�سم باالختالف على م�ستوى نقله من م�ؤرخ‬ ‫لآخر‪ ،‬كما �أن ال�سينمائيني انطلقوا من �أحداث‬

‫فيلم «أفاتار» فنتازيا تدعو‬ ‫إلى الثورة والمقاومة‬ ‫من أجل الوطن ‪..‬‬ ‫ومخلوقات «النافي»‬ ‫ترمز للهنود الحمر‬ ‫ومعاناتهم أثناء احتالل‬ ‫األوروبيين لموطنهم‬

‫هذه الثورات لكنهما �سرعان ما اعتمدوا على‬ ‫اخليال باال�ستفادة من �أحداث هذه الثورات‬ ‫و�شخ�صياتها‪ ،‬وال ميكننا اجلزم بعدم وجود‬ ‫ال �ه��دف امل ��ادي وراء �صناعة ه��ذه �أف�ل�ام‪،‬‬ ‫ويلخ�ص لنا روجيه �إي�ك��ار م��دى �صدق هذه‬ ‫الأعمال يف نقل الثورة الفرن�سية بت�صديره‬ ‫لكتابه «الثورة الفرن�سية يف ال�سينما» كل �شيء‬ ‫حمتمل‪ ،‬وكل �شيء ميكن �أن يكون من �صنع‬ ‫اخل�ي��ال يف ال�ث��ورة الفرن�سية» وه��ذا احلكم‬ ‫ميكن تعميمه على كل الأعمال التي تناولت‬ ‫الثورات العاملية الأخرى‬


‫تشكيل‬ ‫‪138‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬


‫حياة بني الظل والنور‬

‫رامبرانت ‪..‬‬ ‫رائد دراما المشهد‬ ‫رنده العقباين‬ ‫بينما مل ُيقبل الهولنديون على اقتناء لوحاته الدينية لأنهم كانوا يف�ضلون املو�ضوعات‬ ‫امل�ستمدة من واقع حياتهم كاملناظر الطبيعية والطبيعة ال�صامتة واحلياة اليومية الأ�سرية ‪.‬‬ ‫�إال �أنه يعد الآن �إرثاً فنياً غنياً للفن الت�شكيلي الهولندي والعاملي يف القرن ال�سابع ع�شر حيث‬ ‫ولد رامربانت هارمنزون فاين رين ‪1669 - 1606‬م‪.‬‬

‫ما بني الظل والنور‬

‫�إن كانت بدايات «رامربانت» قد ولدت‬ ‫من انبثاق ال�ضوء والنور وم��ن جتاور‬ ‫الظالل لها‪ ،‬ف��إن هذا التبادل اللوين‬ ‫مل يقت�صرعلى لوحاته الفنية فقط‪،‬‬ ‫بل جن��ده �أي�ض ًا قد ت�سرب �إىل حياته‬ ‫ال�شخ�صية �ضمن حالة م��ن التفاوت‬ ‫امل��ادي خالل مراحل حياته املختلفة‪،‬‬ ‫حيث ب��د�أت بالغناء وال�ثراء الفاح�ش‬ ‫لتنتهي به �إىل فقر مدقع الزم��ه حتى‬ ‫نهاية حياته منتهي ًا �إىل �إح��دى مقابر‬ ‫املت�سولني يف هولندا حيث دفن‪.‬‬ ‫ويف ذات الوقت الذي ر�سم به الت�ضاد‬ ‫القوي ما بني ال�ضوء املنبعث من قلب‬ ‫عمله‪ ،‬وال��ظ��ل امل���وزع على امل�ساحات‬ ‫امل���ج���اورة ‪ ،‬ف��ق��د ك���ان ي��ر���س��م م�سرية‬ ‫حياته بيديه‪ ،‬فكان هذا الت�ضاد ال�سبب‬ ‫الأك�بر يف و�صوله �إىل قلب الإن�سانية‬ ‫م��ن خ�لال املحا�سبة الداخلية للخري‬ ‫وال�شر وللو�ضوح والغمو�ض واملعلوم و‬

‫في لوحة درس التشريح‬ ‫استطاع رامبرانت أن‬ ‫ينقل لنا اإلحساس بأن‬ ‫هذه العضالت حقيقية‬ ‫ألنه نقلها من رسومات حياته الفنية‬ ‫توضيحية في كتاب‬ ‫و�إذا رجعنا �إىل م�سرية رامربانت يف‬ ‫طبي عن جسم اإلنسان ال��ف��ن‪ ،‬ف��ق��د جن��د �أم��ام��ن��ا وم��ن داخ��ل‬ ‫ما دفع الكثريمنهم لال�ستخفاف بعمله‬ ‫والتنديد به و�صو ًال �إىل التدخل يف حياته‬ ‫اخلا�صة والتي �آل��ت �إىل ت��ردي �أحواله‬ ‫املادية واجل�سدية ومن ثم �إىل نهايته‪.‬‬

‫قدر للوحاته يف كثري من‬ ‫املجهول‪ .‬وقد ّ‬ ‫الأحيان �أن ت�صبح �سبب ًا لكل امل�أ�ساة‬ ‫ال��ت��ي ط��غ��ت ع��ل��ى ن��ه��اي��ت��ه وم��ث��ل ذل��ك‬ ‫م��ا ن�شاهده يف لوحته «دوري���ة الليل»‬ ‫امل��وج��ودة الآن يف متحف �أم�����س�تردام‪،‬‬ ‫وال���ت���ي ي��ب��ل��غ ط��ول��ه��ا ث��م��ان��ي��ة �أم���ت���ار‬ ‫وعر�ضها �ستة �أم��ت��ار‪ ،‬وك��ان ق��د �صور‬ ‫فيها جمموعة من ال�ضباط واجلنود‪،‬‬ ‫وبدت وك��أن الإ�ضاءة قد �سلطت على‬ ‫وج��ه ع��دد قليل م��ن��ه��م بينما �أخ��ف��ت‬ ‫العتمة وجوه و �أج�سام الآخرين‪ ،‬وهذا‬

‫مر�سم الفنان «جاكوب فان �سوانربغ»‬ ‫يف م��دي��ن��ة الي����دن ‪ ،‬ط��ف� ً‬ ‫لا ه��ول��ن��دي � ًا‬ ‫يف ال��راب��ع��ة ع�����ش��رة م��ن ع��م��ره مفعم ًا‬ ‫ب��احل��ي��وي��ة وم��ق��ب� ً‬ ‫لا ع��ل��ى ال��ف��ن ب�شغف‬ ‫كبري‪ ،‬يرافقه يف هذه املرحلة �صديق‬ ‫له يدعى «جان ليفز»‪ ،‬ومن ثم ويف عمر‬ ‫ال�سابعة ع�شرة قرر رامربانت �أن ي�شقَّ‬ ‫طريقه �إىل �أم�سرتدام‪ ،‬ليتتلمذ على‬ ‫يد الفنان الهولندي امل�شهور بر�سومه‬ ‫التاريخية «بيرت ال�ستمان» وهناك تعلم‬ ‫اللغة الإيطالية‪ ،‬وتعرف على �أعمال‬ ‫الفنان الإي��ط��ايل «ك��اراف��اج��ي��و» فت�أثر‬


‫تشكيل‬ ‫‪140‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫لوحة در�س الت�رشيح‬

‫بر�سومه الباروكية املزينة واملزخرفة فحقق �شهر ًة وا�سع ًة وثرا ًء كبري ًا‪.‬‬ ‫«���س��ا���س��ك��ي��ا» ال��ت��ي ك��ان��ت ج�����زء ًا من‬ ‫ويف ا�ستخدامه لل�ضوء‪ ،‬و�أدرك �أهمية يف ع��ام ‪1634‬م ت��زوج رام�بران��ت من هواج�سه و�إب��داع��ات��ه‪ ،‬وال��ت��ي ك��ان قد‬ ‫ت��ف��رد بر�سمها يف كثري م��ن �أع��م��ال��ه‪،‬‬ ‫النور املنبعث من اللوحة ومدى ت�أثريه‬ ‫ولكن ه��ذه العالقة احلميمة مل يكتب‬ ‫النف�سي على امل�شاهد‪ ،‬فتلقت �أعماله في لوحة شمشمون‬ ‫لها �أن ت�ستمر �سوى يف لوحاته‪ ،‬بعد �أن‬ ‫ق��ب��و ًال ق��وي � ًا م��ن �أه����ايل �أم�����س�تردام‪ ،‬تأتي رسالة رامبرنت‬ ‫فارقته «�سا�سكيا» تارك ًة له مولودهما‬ ‫وب����د�أت م�����س�يرت��ه ال��ف��ن��ي��ة يف ال��ظ��ه��ور‬ ‫وما‬ ‫الضوء‬ ‫من‬ ‫نابعة‬ ‫امل��ن��ت��ظ��ر ب��ع��د ث�ل�اث حم���اوالت فا�شلة‬ ‫فر�سم الكثريمن البورتريهات وال�صور‬ ‫من‬ ‫ألوان‬ ‫من‬ ‫يحمله‬ ‫قدر لرامربانت‬ ‫ال�شخ�صية واللوحات امل�ستوحاة من‬ ‫للإجناب‪ ،‬وهكذا وكما ّ‬ ‫�أن يتحقق حلمه بطفله ال�صغري‪ ،‬و�أن‬ ‫الأ���س��اط�ير وامل��و���ض��وع��ات ال��ت��اري��خ��ي��ة مركز اللوحة ومع‬ ‫يفقد حلمه الآخ��ر وملهمته �سا�سكيا‪،‬‬ ‫وال��دي��ن��ي��ة ال��ت��ي اقتب�سها م��ن الكتب التعابير الواقعية‬ ‫فقد ك��ان احل��ال بالن�سبة �إىل لوحاته‬ ‫ال�سماويه كالإجنيل والتوراة واملناظر والوحشية المرعبة‬ ‫التي تراجع الإق��ب��ال عليها بعد حالة‬ ‫الطبيعية وم�شاهد احل��ي��اة اليومية‪،‬‬

‫التي جعلت من اللوحة‬ ‫ً‬ ‫قوة وإحكام ًا‬ ‫أكثر‬


‫احل�����زن واالن�����ط�����واء ال���ت���ي راف��ق��ت��ه‪،‬‬ ‫وخ��ا���ص� ًة بعد ر���س��م لوحته «دوري���ة يف‬ ‫ال��ل��ي��ل»‪ ،‬غ�ير �أن���ه مل يتوقف �أب���د ًا عن‬ ‫الر�سم‪ ،‬فكرثت �أعماله الفنية وتنوعت‬ ‫م��وا���ض��ي��ع��ه‪ ،‬ب��الإ���ض��اف��ة �إىل التعابري‬ ‫احل�سية واحلالة الدرامية املنبعثة ما‬ ‫بني ال�ضوء والعتمة يف حركية ت�ضفي‬ ‫على امل�شهد نوع ًا من التوا�صل والتوحد‬ ‫التفاعلي ما بني امل�شاهد والعمل الفني‬ ‫والفكرة‪.‬‬ ‫اخلطوط من حيث الأ�شكال الهند�سية «حلزوين»‬

‫توزيع اللون احلار يف اللوحة‬

‫توزيع اللون الأ�سود يف اللوحة‬

‫در�س الت�شريح للدكتور تولب‬

‫ل��وح��ة زي��ت��ي��ة ‪ ،‬ق��ي��ا���س ‪،86 2/1 - 65‬‬ ‫ر���س��م��ت ع���ام ‪ 1632‬م‪ ،‬وت��ع��ت�بر �أول‬ ‫البورتريهات اجلماعية التي �أجنزها‬ ‫يف �أم�������س�ت�ردام ورمب����ا ك��ان��ت ال�سبب‬ ‫الرئي�سي يف ان��ت��ق��ال��ه �إىل ه��ن��اك‪ .‬يف‬ ‫هذه اللوحة وحول ال�ضوء امل�سلط على‬ ‫اجلثة ال�شاحبة وق��ف الدكتور تولب‪،‬‬ ‫وع��ل��ى مي��ي��ن��ه ���س��ب��ع��ة �أط���ب���اء �آخ����رون‪،‬‬ ‫وم��ن امتداد ه��ذا ال�ضوء على الوجوه‬ ‫تبني لنا وك�أنهم ي�ستمعون ويرتقبون‬ ‫بعيونهم الفاح�صة تلك الع�ضلة التي‬ ‫ق���ام ال��دك��ت��ور ت��ول��ب ب��رف��ع��ه��ا مبب�ضع‬ ‫مي�سكه بيده اليمنى‪ ،‬بينما تقوم اليد‬ ‫الي�سرى بحركات تعبريية وتف�سريية‬ ‫ل��ل��م��و���ض��وع ال����ذي ي�����ش��رح��ه م�ستعين ًا‬ ‫بالكتاب امل�شهور لـ «في�سليا�س» والذي‬ ‫ن��راه �أ�سفل قدمي اجلثة‪ ،‬ويبدو ذلك‬ ‫وا���ض��ح � ًا م��ن خ�ل�ال ال�����ض��وء امل�سلط‬ ‫على يديه‪ ،‬وكذلك من خالل الظالل‬ ‫يف اخللف والعتمة القابعة يف الزوايا‬ ‫ومن حولهم‪ ،‬جند نف�سنا وك�أننا نقف‬ ‫متام ًا �أم��ام م�شهد درام��ي رائ��ع لذلك‬ ‫احل�ضور‪ ،‬ويف املقدمة �أم��ام الدكتور‬ ‫تولب‪.‬‬ ‫لقد ا�ستطاع رام�بران��ت �أن ينقل لنا‬ ‫الإح�سا�س ب�أن هذه الع�ضالت حقيقية‪،‬‬ ‫وذلك لأنه مل ينقلها من الواقع مبا�شرة‬ ‫ب��ل م��ن ر���س��وم��ات تو�ضيحية يف كتاب‬ ‫ط��ب��ي ع��ن ج�سم الإن�����س��ان ل���ـ«�أدري���ان‬


‫تشكيل‬ ‫‪142‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫ف��ان ا�سجبل»‪ ،‬و�إن اللون الأح��م��ر من‬ ‫الع�ضالت ويف مركز اللوحة مع حركة‬ ‫املب�ضع يف يد الدكتور تولب تبني لنا‬ ‫وك�أنها ب��داي��ة خلطوط لولبية تقودنا‬ ‫مت���ام��� ًا حل��ق��ي��ق��ة امل�����ش��ه��د‪ ،‬وت�ت�راب���ط‬ ‫ال��ع��ن��ا���ص��ر م��ن خ�ل�ال ال�����ض��وء ال��ق��وي‬ ‫والإمي���اءات املثرية للتعابري الب�شرية‬ ‫التي قدمها لنا رامربانت بح�سا�سية‬ ‫عالية ل��ت��ؤك��د على ه��ذه ال��درام��ي��ة يف‬ ‫لوحاته‪.‬‬

‫خداع �شم�شون‬

‫ل��وح��ة زيتية ‪،‬ق��ي��ا���س ‪،114 2/1 - 95‬‬ ‫ر�سمت هذه اللوحة عام ‪ 1636‬م وهي‬ ‫موجودة مبتحف �ستادل بفرانكفورت‪،‬‬ ‫بت�أملنا يف العتمة القابعة يف زواي��ا‬ ‫اخليمة‪ ،‬والظالل الباهتة يف الو�سط‬ ‫وال�����ش��خ��و���ص ال��ت��ي ت��ت��ح��رك ب��داخ��ل��ه��ا‬ ‫ك�أ�شباح عنيفة‪ ،‬وال�ضوء القوي امل�سلط‬ ‫على �شخ�ص يتخبط يف الأم��ام ويفقد‬ ‫الكثري م��ن ال��ق��وة ال��ت��ي ميلكها‪ ،‬ومن‬ ‫ث��م ام��ت��داد ال�����ض��وء لي�صل �إىل وج��وه‬ ‫الأ�شخا�ص من حوله لينتهي عند وجه‬ ‫ام����ر�أةٍ ب��دت وك��أن��ه��ا ق��د ظ��ف��رت بفوزٍ‬ ‫ع��ظ��ي��م‪ ،‬ن���رى ت�����س��ل�����س� ً‬ ‫لا يف الأح����داث‬ ‫يجعلنا نقف �أمام عملٍ يعترب من �أكرث‬ ‫الأعمال روع ًة و�أهمها يف �إبراز امل�شهد‬ ‫ال��درام��ي عند رام�بران��ت‪ ،‬وك�أنه �أراد‬ ‫�أن يخربنا كيف حيكت هذه اخلديعة‬ ‫داخل اخليمة املظلمة‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫ال�����ض��وء ال��ق��ادم م��ن امل��دخ��ل وامل�سلط‬ ‫ع��ل��ى �شم�شون امل��ق��ي��د وامل��ع�����ص��وب �إن‬ ‫ك��ان م��ن ح��ي��ث احل��رك��ي��ة يف امل��و���ض��وع‬ ‫�أو م��ن خ�ل�ال ال��ت��درج ال��ل��وين‪ ،‬وه��ذه‬ ‫الأ�ضواء التي ت�أخذنا �إىل داخل النف�س‬ ‫ال��ب�����ش��ري��ة وال��ت��ي �أراد ل��ن��ا رام�بران��ت‬ ‫�أن ن�ستدرك من خاللها ال��دور الذي‬ ‫ي��ؤدي��ه ك��ل �شخ�ص يف لوحته‪ ،‬وتظهر‬ ‫هذه اللوحة البطل �شم�شون وقد بدت‬ ‫عليه حالة مم��زوج��ة ب���الأمل والغ�ضب‬ ‫وال�����ص��دم��ة م��ن خ��داع دليله ل��ه والتي‬

‫اخلطوط من حيث الأ�شكال الهند�سية «هرمي»‬

‫توزيع اللون احلار يف اللوحة‬

‫توزيع اللون الأ�سود يف اللوحة‬


‫لوحة خداع �شم�شون‬

‫حققت فوز ًا عظيم ًا ويبدو ذلك وا�ضح ًا وا�ضح ًا م��ن خ�لال اخل��ط��وط والأل���وان املع�صوب وال���ذي ا�ستقر يف القاعدة‬ ‫يف خ�صلة �شعره التي مت�سكها بيدها وانعكا�سها لت�شكل ذروة مثلث ممتدة وبدا وك�أنه و�ضيع‪ ،‬ولكن الر�سالة ت�أتي‬ ‫ويف ا�ستدارتها ونظرتها اخلاطفة له‪ ،‬م��ن ر�أ���س��ه��ا �إىل املجموعة م��ع البطل يف النهاية مع ال�ضوء وم��ا يحمله من‬ ‫يف الوقت الذي تقوم به بالفرار باجتاه‬ ‫�أل���وان م��ن مركز اللوحة ب�شكل مبهر‬ ‫و�أخاذ ومع التعابري الواقعية والوح�شية‬ ‫ال�����ض��وء امل�����س��ل��ط ب��ع��د �أن متكنت من الحالة الدرامية‬ ‫ا�ستدعاء اجلنود الذين قاموا بتثبيته‬ ‫املرعبة التي جعلت من لوحة رامربانت‬ ‫بكل م��ا ميلكوه م��ن ق���درة‪ ،‬وبحركات المنبعثة ما بين‬ ‫�أكرث قو ًة و�إحكام ًا‪.‬‬ ‫ومما �سبق يف اللوحتني املثال‪ ،‬يتبني‬ ‫معربة عن العنف والق�سوة‪ ،‬وذلك من الضوء والعتمة في‬ ‫لنا �أهمية املفهوم الرتكيبي للم�شهد‬ ‫خالل اجلندي الذي يقوم ب�سمل عينيه أعمال رامبرانت تصنع‬ ‫والآخ��ر املرتدي للون الأحمر وامل�سلط‬ ‫ع��ن��د رام�ب�ران���ت‪ ،‬و�أه��م��ي��ة امل��ب��ال��غ��ة يف‬ ‫التواصل‬ ‫من‬ ‫حالة‬ ‫خ��ن��ج��ره ب��اجت��اه ���ص��دره‪ ،‬بينما يقوم‬ ‫ال��ظ��ل وال���ن���ور يف ل��وح��ات��ه مم���ا �أدى‬ ‫الثالث بال�ضغط على عنقه وبتثبيت والتوحد التفاعلي ما‬ ‫لت�صنيفه من �أه��م الفنانني و�أكرثهم‬ ‫متيز ًا يف القرن ال�سابع ع�شر‬ ‫ك��ت��ف��ي��ه‪ ،‬وه��ك��ذا ي��ب��دو ان��ت�����ص��ار دليلة بين المشاهد والعمل‬

‫الفني والفكرة‬


‫سوق الكتب‬ ‫‪144‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪157‬‬ ‫نوفمبر‬

‫‪2012‬‬

‫غوايةالتراثإرثدائمللعاشقين‬ ‫القاهرة‪ -‬عزة �سلطان‬ ‫ثمة غواية جتذب اجلميع مبختلف ثقافاتهم وخلفياتهم االجتماعية واالقت�صادية‪ ،‬غواية تتعلق بالرتاث‬ ‫والقدمي‪� ،‬أمر عميق يف كل نف�س ورمبا ال يلتفت له كثريون بقدر ما يلحظون تتبعهم لهذه الغواية‪،‬‬ ‫فالأطفال مولعون بالق�ص�ص القدمية واحلكايات التي �إن تتبعناها وجدنا كثرياًَ منها من كتاب �ألف ليلة‬ ‫وليلة‪ ،‬وكبار ال�سن يذوبون مديحاً و�شعراً‪ ،‬ويرتاوح �أثر الغواية والتعلق بالرتاث من جيل �إىل جيل ومن‬ ‫مرحلة عمرية �إىل �أخرى ومن بيئة �إىل �أخرى فقط يبقى الثابت �أننا جميعاً م�أخذون �إىل ع�شق الرتاث‬ ‫ب�أنوعه �شعراً ونرثاً وفناً و�إن مل نر�صد ذلك ب�شكل وا�ضح‪.‬‬ ‫يدرك د‪ .‬جابر ع�صفور هذه الغواية وير�صدها‬ ‫يف نف�سه �أو ًال ثم منطلق ًا لتتبعها وحتليل �أوجه‬ ‫ال�غ��واي��ة و�أب�ع��اده��ا يف كتابه «غ��واي��ة ال�تراث»‬ ‫ال��ذي �صدر عن ال��دار امل�صرية اللبنانية منذ‬ ‫�شهور‪ ،‬والكتاب الذي قدم له امل�ؤلف ب�أنه ي�أتي‬ ‫كطبعة ثانية بعد �أن �صدرت الطبعة الأوىل‬ ‫�ضمن مطبوعات ك�ت��اب ال�ع��رب��ي ع��ام ‪2005‬‬ ‫ي�شري �إىل �أن��ه �ضمن هذه الطبعة جزء جديد‬ ‫منحه عنوان ًا«عن بالغة املقموعني» هذا اجلزء‬ ‫الذي يوازي حجمه ثلث املطبوع‪ ،‬ومن ثم ميكن‬ ‫للقارئ �أن ي��رى يف ه��ذه الطبعة كونها كتاب ًا‬ ‫جديد ًا حيث �إن ما �أ�ضافه امل�ؤلف ي�أتي جزء ًا‬ ‫كبري ًا ولي�س جمرد �إ�ضافات وتنقيحات لطبعة‬ ‫�سابقة‪.‬‬ ‫ويفند ع�صفور يف مقدمته التي ت�صدرت هذه‬ ‫الطبعة �أ��ش�ك��ال ال�ت�راث كما ي��راه��ا فيقول «‬ ‫�أح�سبنى يف حاجة �إىل ت�أكيد �أن �إبداع الرتاث‬ ‫ال ينح�صر يف ال�شعر وحده‪ ،‬فهو �أكرب من ذلك‬ ‫بكثري‪ ،‬والنرث الأدب��ي فى ال�تراث ال يقل فتنة‬ ‫وتنوع ًا عن ال�شعر ابتداء من الرتاث ال�سردي‬ ‫ال��ذي ال يخلو من �سري ذاتية �إبداعية‪� ،‬ضام ًا‬ ‫ر��س��ائ��ل رم��زي��ة تخايل ال�سلطة القمعية يف‬ ‫ع�صورها‪ ،‬وت��راوغ من براثن القمع بالكناية‬ ‫واملجاز‪ ،‬وذلك جنب ًا �إىل جنب الكتابات التي‬ ‫تت�سع بها الر�ؤية �أو الر�ؤيا فت�ضيق بها العبارة»‬

‫ع�صفور يدخل عوامل الرتاث بروح الناقد‪ ،‬لكن‬ ‫الكتاب يتجاوز حدود النقد لنقر�أ ن�ص ًا �إبداعي ًا‬ ‫متما�سك ًا يتنا�ص مع �أ�شعار ومعلقات‪ ،‬بحيث‬ ‫�إن جمله وفقراته ت َّكون لوحات لغوية غاية يف‬ ‫الروعة‪.‬‬ ‫ويق�سم امل ��ؤل��ف كتابه ثالثة �أق���س��ام رئي�سية‬ ‫منح ال�شعر الق�سم الأول منها وجاءت الكتابة‬ ‫بفنونها يف الق�سم ال�ث��اين‪ ،‬يف حني خ�ص�ص‬ ‫الق�سم الثالث لبالغة املقموعني‪.‬‬ ‫حتتفظ ال��ذاك��رة العربية بتفا�صيل ثابتة عن‬ ‫ال�شعر العربي القدمي‪ ،‬يتلخ�ص يف بع�ض �أبيات‬ ‫ومواقف تتعلق ب�سوق عكاظ وتعليق املعلقات‪،‬‬ ‫وبع�ض �أ�سماء من ال�شعراء القدامى‪ ،‬ويدرك‬ ‫امل��ؤل��ف حمتوى ال��ذاك��رة العربية يف عمومها‬ ‫حتى و�إن جاء البع�ض دار�س ًا لهذه الأ�شعار وهذه‬ ‫الفرتة فتبقى عدد لي�س قليل ال يعرف ما حواه‬ ‫تراث ال�شعر العربي‪.‬‬ ‫ي�سعى امل�ؤلف يف ق�سمه الذي خ�ص�صه لل�شعر‬ ‫�أن يتناول بال�شرح والتحليل عدد ًا من املعلقات‬ ‫وبع�ض ًا من ال�شعراء‪ ،‬مبختلف فئاتهم �سواء‬ ‫من جاءت ق�صائدهم غز ًال �أو ال�شعراء الذين‬ ‫�أطلقوا عليهم ال�صعاليك‪ ،‬وكذلك املعلقات‬ ‫وتفا�صيل ع��ن كيف يتم اختيار الق�صيدة‪،‬‬ ‫وحقيقة تعليق الق�صائد على ج��دران الكعبة‪،‬‬ ‫كما ي�شري �إىل التغري ال��ذي ح��دث يف �صنوف‬

‫ال�شعراء وطبيعة ما يكتبون بعد دخول الإ�سالم‪.‬‬ ‫وقد ق�سم ع�صفور ق�سمه الأول عن ال�شعر �إىل‬ ‫ثالثة ع�شر ف�ص ًال را��ص��د ًا خاللها النموذج‬ ‫الأ��ص�ل��ي لل�شاعر وحت��ول ه��ذا ال �ن �م��وذج‪ ،‬ثم‬ ‫تناول املعلقات و�سحرها وقد �أجاب عرب هذين‬ ‫الف�صلني عن ال�س�ؤال الذي ا�ستفهم حول مكانة‬ ‫املعلقات التي �أولتها العرب فيها واخت�صتها‬ ‫من دون �سواها من ق�صائد اجلاهلية‪ ،‬فيذكر‬ ‫ع�صفور يف �إجابته ور�ؤيته حول ال�سبب « �إنها‬ ‫الرتكيبة ال�شعرية الإب��داع �ي��ة ال�ت��ي ج�سدت‬ ‫ح�ضور النموذج الأ�صلي لل�شاعر يف جماليه‬ ‫الديني والدنيوي‪ ،‬وذلك على م�ستوى �صياغة‬ ‫وعي القبيلة وال�صدور عنه وت�صوير ر�ؤيا العامل‬ ‫التي �أنتجتها �سادة القبيلة عرب عنها �شعراء‬ ‫املعلقات‪ ،‬ومتثيل املعتقدات التي جمعت بني‬ ‫ال�سادة وغريهم من �أبناء القبيلة يف ت�صور‬ ‫ال �ك��ون م��ن ناحية وراب �ط��ة ال ��والء القبلي يف‬ ‫ت�صور الع�صبية القبلية من ناحية ثانية‪ ،‬وكما‬ ‫اقت�صرت املعلقات على �إبداع ال�سادة من غري‬ ‫ال�صعاليك والأغربة والعبيد ف�إن الذي انتخبها‬ ‫م��ن دون غريها م��ن الق�صائد‪ ،‬ه��م �أقطاب‬ ‫ال�سادة من امللوك والر�ؤ�ساء»‪.‬‬ ‫ويتطرق امل�ؤلف يف ف�صل �آخر �إىل عامل ال�شعر‬ ‫اجلاهلي وا�صف ًا حدوده ب�أنه «يف عيني ال�شاعر‬ ‫اجل��اه�ل��ي ويف ق�صائده ع��امل ف��اع��ل منفعل‪،‬‬


‫خارجي وداخلي‪ ،‬ذات ومو�ضوع‪ ،‬وعي لل�شاعر‬ ‫وح�ضور لوجوده‪ ،‬مر�آة للأنا وحمط لتطلعها‪،‬‬ ‫�سحر متثيلي و�أداء �سحري‪ ،‬عالقات متجاوبة‬ ‫ال تنف�صل فيها الأ�شياء عن الكائنات �أو يتباعد‬ ‫احليوان عن الإن�سان‪ ،‬فاجلميع يف داخل الكون‬ ‫الذي تنطقه الق�صيدة اجلاهلية وتومئ �إليه‬ ‫ح�ضور متفاعل‪ ،‬ينطق ك��ل عن�صر فيه لغة‬ ‫ت�شارك فيها بقية العنا�صر والكائنات»‪.‬‬ ‫وال يخفي ع�صفور �أن��ه مت�أثر بقراءة �صالح‬ ‫عبد ال�صبور لل�شعر اجل��اه�ل��ي‪ ،‬و�أن ��ه �أح��د‬ ‫تالمذة مدر�سة طه ح�سني يف درا�سة الرتاث‪،‬‬ ‫وي�ست�شهد يف �أكرث من مو�ضع بقراءات و�أراء‬ ‫عبد ال�صبور حول ال�شعر‪ ،‬كما يقدم امل�ؤلف‬ ‫يف �أكرث من مو�ضع وح�سب تق�سيماته للف�صول‬ ‫�شروح وحتليالت لعدد من املعلقات خمتار ًا‬ ‫منها �أب�ي��ات� ًا‪ ،‬كما �أن��ه ي�شري ل�شعراء بعينهم‬ ‫حمل ًال ر�ؤاهم ووجهات نظرهم من خالل ت�أويل‬ ‫ق�صائدهم وداللتها اللغوية وما ت�شري �إليه من‬ ‫ظواهر اجتماعية في�شري �إىل عنرتة وق�صائده‬ ‫عن عبلة خارج ًا يف ت�أويله عن احليز املحدود‬ ‫للغزل ليك�شف عوامل �أخ��رى ت�شري �إىل عالقة‬ ‫عنرتة بالطبيعة من حوله‪ ،‬كما يذكر ع�صفور‬ ‫ر�ؤيته عن معلقة طرفة بن العبد واج��د ًا فيها‬ ‫حالة تك�شف عن لذة للح�س عن نقي�ضها وتبني‬ ‫ال �ع��وامل املتداخلة ملتعة اخل�م��ر والفرو�سية‬ ‫واملر�أة‪.‬‬ ‫كما ير�صد د‪ .‬جابر ع�صفور تلك اللحظة التي‬ ‫بد�أ فيها التحول من �صورة ال�شاعر املفرد الذي‬ ‫يتحد باملجموع من قبيلته هادي ًا �إياها ما يراه‬ ‫�سبيلها القومي �إىل �صورة ال�شاعر الذي يتحد‬ ‫مب�صاحله اخلا�صة وي�سعى وراء ال�ثروة‪ ،‬وقد‬ ‫�أو��ض��ح امل��ؤل��ف ذل��ك م��ن خ�لال تناوله بع�ض‬ ‫ال�شعراء ك�أمثلة تو�ضح ر�ؤيته وجاء بني ه�ؤالء‬ ‫ال�شعراء النابغة والأع�شى‪.‬‬ ‫ويتابع ع�صفور رحلته يف تك�شف الرتاث وغوايته‬ ‫يف منحى �آخر وهو ال�سرد �أو النرث جاع ًال هذا‬ ‫املو�ضوع يف الق�سم الثاين من الكتاب وقد ق�سمه‬ ‫�أي�ض ًا �إىل ثمانية ف�صول �سعى فيها للك�شف عن‬ ‫�أوجه خمتلفة يف الكتابة منها ف�ضائل الكتابة‪،‬‬ ‫ومديح القلم وتراتب الأنواع الأدبية وغريها‪.‬‬ ‫يف ب��داي��ة الق�سم املخ�ص�ص للكتابة وفنونه‬

‫يثري د‪.‬جابر ع�صفور ق�ضية الفارق بني الطبع‬ ‫وال�صنعة ك�أحد مقومات الكتابة والتباينات‬ ‫بينهما كما يراها امل�ؤلف مقدم ًا �أمثلته التي‬ ‫ت��ؤك��د وج�ه��ة النظر وم�ق��دم� ًا تعريفاته لكال‬ ‫املفهومني حيث ي��رى �أن م�صطلح ال�صنعة‬ ‫يف ال�سياق ال��ذي ي�صفه امل��ؤل��ف �إمن��ا داللته‬ ‫تقرتن ببعد �إيجابي‪ ،‬وينطلق ع�صفور منحاز ًا‬ ‫لل�صنعة يف مقابل الطبع حيث يرى �أن املرياث‬ ‫ال��روم��ان���س��ي يف نقد ال�شعر ه��و ال ��ذي غذى‬ ‫النفو�س بالتعاطف وتقبل الطبع بو�صفه عالمة‬ ‫النفو�س الوح�شية ال�ساذجة‪.‬‬ ‫ويو�ضح امل�ؤلف يف مو�ضع �آخر �أن العرب كانوا‬ ‫منحازين �إىل ثقافة التدوين عك�س ما يقال عن‬ ‫ثقافة العرب وو�صفها بكونها ثقافة �شفاهية‪،‬‬ ‫وي�ؤكد امل�ؤلف �صدق وجهة نظر مبا جاء يف مدح‬ ‫القلم وداللة القلم من فعل الكتابة‪.‬‬ ‫ويف ف�صل جاء عنوانه «لك القلم الأعلى» يرد‬ ‫�شرح ًا لعالقة الكاتب وال�شاعر يف ال�تراث‬ ‫العربي �إذ يراهما امل�ؤلف يف مكانة متقابلة ندية‬ ‫ف ��إذا �صعد ل��واء ال�شاعر هبط الكاتب‪ ،‬و�إذا‬ ‫تقرب الكاتب من �أهل ال�سلطة كان ذلك م�ؤ�شر ًا‬ ‫بهبوط مكانة ال�شاعر �إىل درج��ة املداحني‪،‬‬ ‫ويتتبع ع�صفور مكانة ال�شاعر حيث يبدي‬ ‫انحياز ًا وا�ضح ًا لل�شعر يف م�ؤلفه فحتى الق�سم‬ ‫الذي خ�ص�صه لفنون الكتابة جاء ذكر ال�شعر‬ ‫وال�شعراء يف �أكرث من مو�ضع‪ ،‬ورمبا ذلك لكون‬ ‫ال�شعر ديوان العرب‪ ،‬وهو �أكرث ما تركه العرب‬ ‫القدماء كرتاث خا�صة تلك الفرتة التي �سبقت‬

‫ظهور اال�سالم وانت�شاره يف املنطقة العربية‪.‬‬ ‫ويف ف�صل ف�ضائل الكتابة ير�ضح امل�ؤلف �أن‬ ‫مكانة الكاتب قد ت�صاعدت مع ن�شوء فكرة‬ ‫ال��دول��ة البطريكية يف مقابل ه�ب��وط مكانة‬ ‫ال�شاعر التي قد قاربت الأنبياء يف تلك الفرتة‬ ‫التي تبنى العرب فيها الثقافة ال�شفاهية‪ ،‬وي�شري‬ ‫امل�ؤلف �إىل مكانة الكاتب التي و�صلت �إىل مكانة‬ ‫عالية حيث تقلد الكتاب منا�صب الوزراء وي�شري‬ ‫ع�صفور �إىل ع��دد من امل�ؤلفات التي قدمها‬ ‫�أ�صحابها عن عالقة الكتاب بال�سلطة واحلكم‬ ‫مثل كتاب الع�سكري «ال�صناعتني‪ :‬الكتابة‬ ‫وال�شعر» وكتاب ابن الأث�ير » املثل ال�سائر يف‬ ‫�أدب الكاتب وال�شاعر«وكتاب » الوزراء والكتاب‬ ‫للجه�شياري و«�أدب الكاتب» البن قتيبة ب�شروحه‬ ‫املتعددة وغري هذه الكتب التي تناولت العالقة‬ ‫بني ال�شاعر والكاتب من جهة وعالقة الكاتب‬ ‫بال�سلطة من جهة �أخرى‪.‬‬ ‫�أم��ا الق�سم الثالث يف غواية ال�تراث فيك�شف‬ ‫فيه ع�صفور عن بالغة املقموعني‪ ،‬جاع ًال من‬ ‫هذا الق�سم �ستة ف�صول مو�ضح ًا و�شارح ًا فيها‬ ‫�أوجه القمع و�أ�ساليب التقية و�سيا�سة البالغة‪،‬‬ ‫و�سيا�سة البالغة والرتميز للق�ص‪.‬‬ ‫وال ي�أتي احلديث عن القمع بعيد ًا عن الرتاث‬ ‫العربي‪ ،‬فامل�ؤلف ير�صد يف هذا الق�سم �أوقات ًا‬ ‫عرفت قمع ًا فكري ًا‪ ،‬وخالل هذه الفرتات جل�أ‬ ‫ال ُكتاب �إىل الرتميز وو�سائل متعددة للتقية‬ ‫وقد �أورد عدد من هذه الو�سائل داخل املنت‪،‬‬ ‫ويك�شف امل�ؤلف �أن ق�ص�ص احليوان قد ت�شري‬ ‫�إىل نوع من أ�ن��واع ال�شفرة ال�سرية حيث يورد‬ ‫امل�ؤلف على ل�سان احليوانات ما يريده ومن ثم‬ ‫يهرب من بط�ش احلكام‪.‬‬ ‫غ�ير �أن ع�صفور ق��د �أ��ش��ار يف مقدمته التي‬ ‫خ�صها ل �ه��ذه ال�ط�ب�ع��ة �أن م��و� �ض��وع بالغة‬ ‫املقموعني يعتربه بحثه احل��ايل‪ ،‬و�أن��ه عاكف‬ ‫على ا�ستكماله وجعله كتاب ًا م�ستق ًال ير�صد كيف‬ ‫حتايل العربي على �أ�شكال القمع التي واجهها‬ ‫قدمي ًا تارك ًا �إرث ًا ثقافي ًا وتراث ًا يخلب العقول‪،‬‬ ‫برغم كل ما تعر�ض له من منع وجلد و�سجن‬ ‫وقمع متثل يف �أمناط و�أ�شكال متعددة‪ ،‬وهو ما‬ ‫ي�ؤكد �أن الإبداع يدوم والقمع �إىل زوال‪.‬‬


‫كالم أخير‬ ‫لماذا ندرس التراث ؟‬

‫د‪.‬ريا�ض نع�سان �آغا‬

‫بع�ض امل�ستغربني ينكرون علينا توجهنا �إىل‬ ‫الرتاث و�إ�صرارنا على درا�سته‪ ،‬ويجدون يف‬ ‫ذلك توجه ًا نحو املا�ضي وغرق ًا فيه‪ ،‬بدل‬ ‫التوجه نحو امل�ستقبل وا�ست�شرافه‪ ،‬وال يخفي‬ ‫كثري منهم خوفه من �أن تكون درا�سة الرتاث‬ ‫بهدف �إحيائه عودة �إىل القرون الو�سطى‪،‬‬ ‫وهي املرتبطة يف الذهن الأوربي مبراحل‬ ‫اجلهل والتخلف واالنحطاط ال�سيا�سي‬ ‫والفكري‪ ،‬مع �أنها يف الذاكرة العربية‬ ‫والإ�سالمية قرون �إجنازات علمية تفرد بها‬ ‫العرب وامل�سلمون وحفظوا خاللها منجزات‬ ‫الأمم ال�سابقة‪ ،‬و�أ�ضافوا �إليها‪ ،‬وبنوا‬ ‫القاعدة العلمية املتينة التي ا�ستند �إليها‬ ‫ع�صر النه�ضة الأوربية ‪.‬‬ ‫واحلقيقة �أننا ال ندر�س الرتاث من �أجل‬ ‫املا�ضي‪ ،‬وال نعي�ش حالة هو�س بتمجيده‬ ‫هرب ًا �إليه من �شعورنا بال�ضعف والعجز‬ ‫عن مواكبة الع�صر �أو ا�ستباقه‪ ،‬فنحن‬ ‫ندر�س الرتاث وهدفنا �إ�ضاءة اجلوانب‬ ‫الغفل من تاريخنا احل�ضاري‪ ،‬والتعرف‬ ‫�إىل حجم و�أهمية ونوع م�ساهمتنا يف �صنع‬ ‫تراث الإن�سانية‪ ،‬كما �أننا نهدف �إىل فح�ص‬ ‫هذا الرتاث‪ ،‬وبيان ما ينبغي احلفاظ عليه‬ ‫منه‪ ،‬وما ينبغي ك�شف زيفه‪ ،‬فقد ت�سلل‬ ‫�إىل تراثنا من التلفيق و الأكاذيب ما بات‬ ‫عبئ ًا على الأمة وال�سيما حني اختلط بع�ض‬ ‫التاريخي ببع�ض املقد�سات‪ ،‬و�أما الهدف‬ ‫الأكرث �صلة بامل�ستقبل عرب ا�ستكناه جتربة‬ ‫الرتاث‪ ،‬فهو �إثارة روح البحث العلمي عند‬ ‫الأجيال ال�شابة‪ ،‬وا�ستعادة ثقتها بالعقل‬ ‫العربي‪ ،‬وبقدرته على الإبداع والك�شف‬ ‫واالخرتاع‪ ،‬وتوعية الأجيال ب�أن مهمة البحث‬

‫العلمي عند العرب هي من جوهر ر�سالتهم‬ ‫الإن�سانية‪ ،‬وقد خا�ضوا �أعظم جتربة‬ ‫عقلية ا�ستوعبت احل�ضارة الكونية التي‬ ‫�سبقتهم من علوم الأولني من الهند وال�صني‬ ‫وم�صر وبالد ال�شام والرافدين �إىل اليونان‬ ‫والرومان والبلقان‪ ،‬فتمكنوا من بناء �صرح‬ ‫ح�ضارة ما تزال حية �إىل الآن و�ستبقى يف‬ ‫كل الأزمان‪ ،‬لأنها ح�ضارة تدعو �إىل التجدد‬ ‫والتنوع‪ ،‬وهي التي �أطلقت التنوع الثقايف‬ ‫وحافظت على التعددية و�أثرتها قبل قرون‬ ‫من انتباه الب�شرية �إىل �أهمية �صياغة عهد‬ ‫�أممي عرب منظمة اليون�سكو للحفاظ على‬ ‫التنوع‪.‬‬ ‫درا�ستنا للرتاث هي �صعود نحو امل�ستقبل‪،‬‬ ‫ي�ستند �إىل جذور عميقة متدنا بن�سغ‬ ‫احلياة الذي يتجدد وال ينقطع‪ ،‬ولقد‬ ‫�أخفقت دعوات من فهموا احلداثة قطيعة‬ ‫معرفية مع املا�ضي‪ ،‬وها هي ذي �أوربا‬ ‫نف�سها ت�ستعيد جذور ثقافاتها الإغريقية‬ ‫والرومانية وامل�سيحية‪ ،‬وت�ستنري بفكر‬ ‫�أر�سطو الذي قدمه لها ابن باجة وابن‬ ‫ر�شد و�سبينوزا و�أمثالهم من فال�سفة العقل‬ ‫بهدف ر�ؤية �أو�سع للم�ستقبل ‪.‬‬ ‫ونحن ال ندعي ملكية خا�صة حل�ضارتنا‬ ‫العربية‪ ،‬فقد حر�ص �أجدادنا على ت�سميتها‬ ‫ح�ضارة �إ�سالمية‪ ،‬وهي يف احلقيقة ح�ضارة‬ ‫�إن�سانية لأن جوهر الر�سالة احل�ضارية‬ ‫الإ�سالمية ذاتها �إن�ساين بامتياز‪ ،‬فقد جاء‬ ‫الإ�سالم للنا�س كافة‪ ،‬و�أممية هذه احل�ضارة‬ ‫هي �سر جناحها التاريخي‪ ،‬فلي�س للعلم عرق‬ ‫�أو قومية �أو جن�سية‪� ،‬إنه �إرث الب�شرية‪ ،‬وهو‬ ‫�إجناز تراكمي‪ ،‬ولئن كانت الأمم تتباهى‬



‫يصدر كل شهر ويوزع مجاناً مع مجلة تراث‬

‫هــ‬

‫ديــــة‬

‫مع‬

‫جملة‬

‫تراث‬

‫(‪)7‬‬

‫در كـل‬

‫يـ�شـــ‬ ‫ويوزع‬

‫جمانـ ًا مع‬

‫ال ِغي‬ ‫بَ‬ ‫تَّو ِجي ُه ال ُ رآنِي َّ ْة‬ ‫ال‬ ‫ت الق ْ‬ ‫ءا ِ‬ ‫ل ِقرَا َ‬ ‫لِ‬

‫�شــهر‬

‫جمـلة‬

‫تراث‬

‫ذا الك‬

‫تاب‬

‫(‪)6‬‬

‫ه‬ ‫الكرمي‬ ‫نه‬ ‫�سبحانه يف قراآ ك �ره يف‬ ‫ذ‬ ‫ت حكمة اهلل ءات�ه؛ لتي�سري ستيعاب‬ ‫وا�‬ ‫را‬ ‫�س‬ ‫اقت غاير اأوج��ه ق� �س�ير معانيه كب ًة من‬ ‫بها ك�‬ ‫يجاز يف ت‬ ‫تت‬ ‫رواياتها‪،‬‬ ‫اهتمام‬ ‫اأن ة‪ ،‬والإ‬ ‫التاو ه‪ ،‬وق َّي�س ل والتثبُّت من ها كلٌّ‬ ‫لها اأو ب‬ ‫اأحكام‬ ‫بنقلها‬ ‫اج‬ ‫اللغ�ي‬ ‫اء ُعن�ا‬ ‫والحتج‬ ‫ها‬ ‫العلم ن�ا بت�جيهها ه؛ فاتخذ من اعت�سد‬ ‫زع‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫كما ُ ُمتَّجهه ومن حجة ملذهبه‪ ،‬ترجيح‬ ‫ب‬ ‫اأو‬ ‫يف‬ ‫بح�س على قاعدته ط الأحكام اأو وج�هها‬ ‫مد �سعد‬ ‫دًا‬ ‫ببع�س‬ ‫نبا‬ ‫عد حم‬ ‫�ساه فقيه يف ا�ست املتكلم‬ ‫وكانت‬ ‫ريه‪،‬‬ ‫ل‬ ‫حمد �س‬ ‫ال‬ ‫�ص يف‬ ‫بها لى اآخر‪ ،‬وت��سَّ رد مذهب غ اللغ�ي‬ ‫د‪� .‬أ‬ ‫ع‬ ‫التحليل‬ ‫�ي متخ�ص يعمل‬ ‫يف‬ ‫حكم ت مذهبه اأو ذلك هي‬ ‫��ث �أك��ادمي� ��د الأدب � �ي‪ ً ،‬بق�سم‬ ‫يف اإثبا ميعًا اإىل‬ ‫ب��اح �اغ��ة وال�ن�ق ًا م���س��اع��دا �� �س� �ات‬ ‫الت�جيه‬ ‫ج‬ ‫يلتهم‬ ‫ها‪.‬‬ ‫ال�ب� ل�ي� ًا اأ� �س �ت �اذ ي��ة وال� �درا جامعة‬ ‫يف‬ ‫و�س �ي لعنا�سر الجتاهات معانيها‪،‬‬ ‫ح��ا ال �ع��رب � رتبية‪،‬‬ ‫لية ال‬ ‫�ل �غ��ة‬ ‫نح‬ ‫ذه‬ ‫جم� �ال‬ ‫وال من خال ه ني بالبحث يف ��ة على‬ ‫ال امية‪ ،‬ك �سر‪.‬‬ ‫ت �ب‬ ‫الإ�س �سم�س‪ ،‬م � �ف� �ات يف � �س� ��ل‬ ‫وبزغ اآخ��ر ك�ان يُع �اغ�ي��ة امل �رت جلزري‬ ‫عني ع� � �دة م� ��ؤل �ن �ه��ا (الأ� اأثرها‬ ‫ل�ب‬ ‫ا‬ ‫�اهٌ‬ ‫اجت� ��س الأوج � ��ه ا تى جعلها ابن �) وجهًا‬ ‫ل� ��ه � �س �� �س��ه‪ ،‬ماب �سيب�يه والتطبيق‬ ‫ح‬ ‫م��‬ ‫ه‬ ‫ت �خ �باغية يف كت باغي)‪�� ( ،‬ا���س‬ ‫وت�ل� ُّ ها واختافها‪ ،‬طي (ت ‪ 911‬الكرمي‪.‬‬ ‫�‬ ‫خ‬ ‫ال‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ين‬ ‫حث‬ ‫باغي‬ ‫� �ع ��ا‬ ‫آن‬ ‫ير‬ ‫الب‬ ‫تغا ‪83‬ه�) وال�سي� اغي يف القرا تي بثَّها‬ ‫يف �اغ��ي ‪ -‬امل التطبيق الالتطبيق‬ ‫ال‬ ‫‪2‬‬ ‫الب‬ ‫ال �ب�رتاكيب)‪�� ( ،‬ان�ي��ة)‪ ،‬عية)‪،‬‬ ‫(ت �ه الإعجاز ظ�اهر الباغية لقراءات‬ ‫ال � �س ��ر ال�ب�ي ��س��ر البدي درا�سة‬ ‫وج‬ ‫ل‬ ‫من كتاب يتتبع ال �س ت�جيههم ف على‬ ‫ال � �اغ��ي ‪-‬ال� غة العربية‪ :‬مدخل‬‫ق�‬ ‫ال‬ ‫)‪ ،‬و(‬ ‫عر‬ ‫�‬ ‫ال�بنظرية البا املعرفية‬ ‫هذا ال�سلف يف م سدها؛ ثم ال� ها‪ ،‬وبيان‬ ‫(‬ ‫�ل‬ ‫ر�‬ ‫)‪.‬‬ ‫ء‬ ‫يف الأ�س العربية‬ ‫علما ُ رة وغريها‪ ،‬و إليها اأو حتليل تاأثرها‬ ‫الباغة‬ ‫رة ا‬ ‫اأو‬ ‫�ات‬ ‫اإىل‬ ‫املت هم يف الإ�سا غي اخلال�س يف حركة‬ ‫رائق‬ ‫البا‬ ‫ملنا�سب‬ ‫ط يف البحث م�قعها ا‬ ‫ثرها‬ ‫ك‬ ‫اأ حتى تقع بذل جتديدها‪.‬‬ ‫به؛ الباغة و‬ ‫تاأ�سيل‬

‫ويل‬

‫ة التأ‬

‫تيجي‬

‫سترا‬

‫ا‬

‫العدد المقبل‬

‫الـد‬ ‫اللي‬ ‫هيثم �‬

‫مد �سع‬

‫د حمم‬

‫سرحان‬

‫د‪� .‬أح‬ ‫دارات‬

‫اإ�ش‬

‫‪2‬‬

‫‪201‬‬

‫د �سعد‬

‫النَّظموالتأويل‬ ‫في الفكر البالغي العربي‬ ‫د‪.‬حممد �شعد �شحاته‬

‫صدر ضمن سلسلة كتاب تراث‪:‬‬

‫اليمن ‪ ،1929‬انطباعات ومشاهدات البعثة السوفيتية‬ ‫األملانية السينامئية‪ ،‬ترجمة د‪ .‬سعيد دبعي‬ ‫تعدد الرواية يف الشعر الجاهيل‪ ،‬د‪ .‬أمين بكر‬ ‫ذاكرة الطني‪ ،‬شواهد من الرتاث املعامري والعسكري‬ ‫يف مدينة العني‪ ،‬د‪ .‬محمد فاتح صالح زعل‬ ‫حكمة األجداد يف تراث مجتمع اإلمارات‬ ‫دراسة سوسيولوجية يف األمثال الشعبية‪ ،‬د‪ .‬أحمد محمود الخليل‬ ‫تأريخ القدامى للشعر إىل نهاية القرن الرابع‬ ‫مدونة املرزباين أمنوذجاً ‪ ،‬د‪ .‬محمد حبيبي‬ ‫اسرتاتيجية التأويل الداليل عند املعتزلة‪ ,‬الدكتور هيثم رسحان‬ ‫التوجيه البالغي للقراءات القرآنية‪ ،‬د‪ .‬أحمد سعد محمد سعد‬ ‫رسائل البرشى يف السياحة بأملانيا وسويرسا عام ‪ ،1889‬حسن توفيق العدل‬ ‫مثرات ناضجات من جنان الشعر العريب‪ ،‬د‪ .‬عايدي عيل جمعة‬ ‫الفكر الرتبوي الرتايث الخطيب البغدادي أمنوذجاً ‪ ،‬للدكتور بوزيد الغىل‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.