الإبل.. �سفائن البدو ومهور احلرائر تراثية ثقافية منوعة ت�صدر عن نادي تــــــــــــــــراث الإمـارات العـدد 157نوفمرب 2012
ارتياد اآلفاق..
م�ساهدات يف حم�ص وحماة وحلب 1910م
المحكي شعر ًا
قراءة يف مدار�ص ال�سعر النبطي يف الإمارات
ألسنة عربية
اأول قامو�ص للمفردات الدخيلة على اللهجة املحلية
جميلة فالّح:
تدوين الرتاث رهان ح�ساري
مع العدد كتاب الشهري
?
باعة كتب .. أم عشاق
صوت من المستقبل هناك من يرى أن األديان تنزع بطبعها إىل السياسة ،من منطلق انطوائها على تصور متكامل للحياة ،لكن خربة التفاعل بني معطيات الواقع ونصوص األديان معًا جتعل من الضروري التفرقة بني أمرين يف هذا املضمار ،األول هو «تديني السياسة» ،والثاين هو «تسييس الدين». فاألول يبدو مقبوالً ،إذ أن وضع إطار قيمي أخالقي ينبع من الدين أو حتى من التقاليد أو األعراف احلميدة السائدة ،من أجل تهذيب حركة السياسة ،وإبعادها عن التوسل بالتالعب واخملاتلة واخلديعة ،كان ،وال يزال ،مطلبًا ،جتاهد الفلسفة السياسية يف سبيل بلوغه. أما الثاين «تسييس الدين» فيجب رفضه على اإلطالق ،فإضفاء صفة الدين على ممارسات سياسية ،يضر بالدين والسياسة معًا ،ألنه ينتج يف نهاية املطاف ألوانًا سياسية متعددة من التالعب امللفوظ مبصالح الناس وعقولهم ،وتأويالت دينية ملفقة تضر بفقه الواقع ،ألنها تقدم مصالح فئة بعينها على أنها رؤية الدين الوحيدة التي تنطوي على صواب مطلق. د .عمار علي حسن
محتويات العدد تراثية ثقافية منوعة ت�صدر عن مركز زايد للدرا�سات والبحوث بنادي تراث الإمارات
اال�سـتـ�شـارة العـلـمـيــة
�أ .د .ح�سـن حمـمـد النابـودة �أ.د .يحيى حممد حممـود �أ .حنفي جايل مدير التحرير
وليد عالء الدين �سكرتري التحرير
حممــد �سعد النمـــر هيئة التحرير
�شـم�سـة حـمـد الظاهـري فاطمة نايع املـنـ�صـوري املـراجـعـة والـتـدقـيـق
د .حمـمـد فـاتــح زغـل املديـر الفنـي
فــواز نـاظــم ر�س ــوم
حـ�سـن �إدلـبـي حممد بريم �أدهم العك�ش الإخراج والت�صميم
�إيـنـا�س درويـ�ش هـاتف00971 2 2223000 : فـاك�س00971 2 6651115 : �ص.ب� :أبو ظبي 27765 Email: turathmag1@gmail.com
مدير التحرير
waleedalaa@hotmail.com
�أبوظبي للإعالم -توزيع الرقم املجاين8002220 :
لالت�صال من اخلارج 00971 2 4145000 : فاك�س 00971 2 4145050 : distribution@admedia.ae
املر�صد :احت�ضنت والية �صور العمانية ال�شهر الفائت ،وعلى مدار يومني فعاليات مهرجان 14 الفنون ال�شعبية العمانية الثاين .ت�ضمنت الفعاليات ندوة بحثية �شارك فيها عدد من اخلرباء واملخت�صني ح��ذروا من �ضياع الهوية الرتاثية للفنون ال�شعبية وطالبوا بتكثيف اجلهود من �أجل �إنقاذها خا�صة املو�سيقى ال�شفهية التي يفقد ممار�سوها القدرة تدريجي ًا على نقلها �إىل الأجيال اجلديدة بالو�سائل املعتادة. ملف العدد :تعر�ض باعة الكتب القدمية «الكتبية» يف �شارع النبي دانيال بالإ�سكندرية ،م�صر، 24 حلملة �إزال��ة قام بها موظفو البلدية بدعاوى التنظيم والنظافة ،انربت جماعات املثقفني والكتاب للدفاع عن �شارع النبي دانيال م�ؤكدين �أنه �أحد معامل امل�شهد الثقايف امل�صري ،مذكرين باخلط�أ نف�سه الذي قامت به احلكومة مع �سور الأزبكية التاريخي الذي ال يناف�سه يف تفرده الثقايف �إال ُ �ضفاف نهر ال�سني مبدينة باري�س يف فرن�سا. الكتاب امل�ستع َمل �أو ما ي�سميه باولو كويلهو «الكتاب امل�سافر» الذي ينتقل من يد �إىل �أخرى ومن قارئ �إىل �آخر ،هو حمور ملف العدد ،نتعقبه ون�سافر معه يف الف�ضاءات التي حتت�ضنه يف العوا�صم واملدن العربية الكربى ،القاهرة ،الإ�سكندرية ،بغداد ،ويف دول اخلليج العربي ،الإمارات والكويت والبحرين وعمان ،وكذلك دول املغرب العربي من الدار البي�ضاء �إىل اجلزائر فتون�س وطرابل�س. �ساحة احل��وار :ت�صف الباحثة اجلزائرية جميلة ف ّالح ال�تراث ال�شفهي اجلزائري بالرثاء 50 والتنوع ،وت�ؤكد �أن �سر غناه يكمن يف تعدد م�صادره وت�آلفها ،وهي �إذ تروي يف حوارنا معها مالمح تفرد هذا الرتاث وت�سرد تفا�صيل جتربتها يف التنقيب عنه وحماوالت جمعه وتدوينه ،تعلن خ�شيتها من املخاطر الناجتة عن عدم التعجيل يف جمعه نظر ًا لأن الرواة الذين يرحلون عن عاملنا ال ميكن تعوي�ضهم .وتعرب فلاّ ح عن �أملها يف تخ�صي�ص موقع �إلكرتوين متكامل لتوثيق ورعاية كنوز الرتاث الالمادي ي�شمل كل منطقة من مناطق اجلزائر ،مع و�ضع اخلطط الكفيلة بتفعيل اال�ستفادة من هذا الرتاث .معربة عن �أ�سفها لكون الرتاث ال�شفهي اجلزائري العريق ما زال بال توثيق ،مما ي�سمح للعابثني بالتالعب به وت�شويهه. ارتياد الآف��اق :ظل الأمري حممد علي با�شا يحلم بزيارة بالد ال�شام منذ �أن تفتح وعيه على 64 احلياة وحدّثه التاريخ عن حملة جده �إبراهيم با�شا �إىل �سوريا ،وتقهقر الإمرباطورية العثمانية العجوز �أمام جي�شه العربي الذي تخطى حدود تركيا وهدد عا�صمة الإمرباطورية بال�سقوط لوال تدخل الدول الأوروبية .يف ارتياد الآفاق هذا العدد نقتطف من رحلة الأمري بع�ض ما �أورده قبل �أكرث من 100عام يف و�صف املدن ال�سورية الثالث التي يتعر�ض تراثها الآن للتخريب والدمار :حم�ص وحماة وحلب. 108قال الراوي :املطوع �سعيد �سليمان املطلعي من �أوائل املطوعني الذين عا�شوا يف املنطقة ال�شرقية التابعة لإمارة ال�شارقة ،ن�ش�أ وترعرع بني جبال خورفكان وخورها املعطاء .ونقل العلم لكثريين من �أبناء تلك املنطقة حتى �أ�صبحوا حفظة للكتاب الكرمي ،تعلموه و�أتقنوا تالوته وحفظوا �أحكامه على يديه .هنا لقاء مع املطوع املطلعي ،رحمه اهلل ،يعود تاريخه �إىل ثمانينيات القرن الفائت ،قامت الباحثة ناجية الكتبي بتفريغه من �أر�شيف م�شروع جمع الرتاث ال�شفهي ،الذي يرعاه مركز زايد للدرا�سات والبحوث ،وعززته مبعلومات من ابنه ،يو�سف بن �سليمان املطلعي ،ومعلومات �أخرى من عدد من املراجع. 116
عمران :منذ القرن التا�سع ع�شر ،عند نهايات الدولة العثمانية ،ومع حركة دخول اال�ستعمار للعامل العربي دخل طراز جديد من العمارة �سمي بالعمارة الكولونيالية �أو اال�ست�شراقية �أو امل�ستعربة، خا�صة يف مدن مثل القاهرة والإ�سكندرية واجلزائر وتون�س العا�صمة و�صفاق�س واليمن وبريوت والدار البي�ضاء ودم�شق وحلب والرباط والقد�س� .إنها تغرتف عنا�صرها الأ�سا�سية من العمارة الأوروبية احلديثة لكن تط ِّعمها بعنا�صر من العمارة الإ�سالمية واملحلية� ،أو متنحها مظهر ًا حملي ًا .الباحث �شاكر لعيبي ير�صد امل�شرتك بني الطرز العثمانية والكولونيالية واملحلية يف بغداد.
24
يا هال
ي ا ه ال
حلب الشهباء
58
108
138
سعر النسخة
الإمارات العربية املتحدة 10دراهم -اململكة العربية ال�سعودية 10ري��االت -الكويت دينار واح��د � -سلطنة عمان 800بي�سة - قطر 10ري��االت -مملكة البحرين دينار واح��د -اليمن 200 ري��ال -م�صر 5جنيهات -ال�سودان 250جنيهاً -لبنان 5000 لرية � -سورية 100لرية -اململكة الإردنية الها�شمية ديناران العراق 2500 :دينار -فل�سطني ديناران -اململكة املغربية 20االشتراكات
ل�ل�أف��راد داخ���ل ال��دول��ة »100« :دره���م /ل�ل�أف��راد م��ن خ��ارج ال��دول��ة »150« :دره��م��اً /للم�ؤ�س�سات داخ��ل ال��دول��ة»150« : درهماً /للم�ؤ�س�سات من خارج الدولة »200« :درهم.
قبل �أك�ثر م��ن مائة ع��ام و�صف الأم�ي�ر حممد علي با�شا ،يف رحلته ال�شامية ال�شهرية ،مدينة حلب ،قائ ًال ...« :وهي مبا ح��وت م��ن جمال اجل � ّو وح�سن البقعة وج��ودة ال�ه��واء جديرة بالذكر والإطراء». وي�سرد حممد علي با�شا يف كتابه عدد ًا من امل�صائب والنوازل ال�ت��ي �أ��ص��اب��ت مدينة ح�ل��ب�� ،س��واء �أك��ان��ت طبيعية ك��ال��زالزل واحل��رائ��ق امل��دم��رة� ،أو اع��ت��داءات غا�شمة �أ��ش�ه��ره��ا غ��زوة تيمورلنك ال��ذي خرب املدينة عام 1400م� .إال �أن��ه ي�ؤكد بعد ذل��ك �أن حلب ا�ستطاعت ،على الرغم من ك� ّل ه��ذه احل��وادث املتك ّررة وامل�صائب املتتابعة� ،أن تقوم من وهدتها ال ّمة �شعثها رافعة ر�أ�سها حافظة لكيانها ومكانها. يف معر�ض تعليقه على ما تتعر�ض له �آثار مدينة حلب من دمار وتخريب ،حتدث أ�ح��د املعنيني الأوربيني بالرتاث العاملي �إىل و�سائل الإع�لام ،م��ردد ًا« :ل��و كانت �أورب��ا متتلك مدينة بربع م��ؤه�لات «ح�ل��ب» ال�سورية ،جلعلت منها املدينة الأوىل على قائمة ال�سياحة والثقافة والفنون يف العامل ،وحل ّولتها –لي�س فقط� -إىل مركز ثقايف وتراثي عاملي ي�ضم �شواهد من �شتى ح�ضارات العامل ،بل جلعلت منها – باملعنى االقت�صادي� -أهم و�أكرب م�صادر الدخل يف ميزانيتها». تعد حلب �إح��دى �أق��دم امل��دن امل�أهولة يف العامل ،فهي م�أهولة منذ ما ال يقل عن �أربعة �آالف عام ،كانت حينها عا�صمة ململكة ميحا�ض الأمورية ،وتعاقبت عليها بعد ذلك ح�ضاراتٌ عدة مثل احلثية والآرامية والآ�شورية والفار�سية والهيلينية والرومانية والبيزنطية ثم الإ�سالمية .ويف الع�صر العبا�سي برزت حلب كعا�صمة للدولة احلمدانية. يف الع�صر العثماين تنامت �أهمية حلب حتى �صارت ثالث �أهم مدينة يف الإمرباطورية العثمانية بعد الأ�ستانة والقاهرة .لكن مكانتها ب��د�أت بالرتاجع بعد انهيار الدولة العثمانية ،ب�سبب انف�صال حلب عن الأنا�ضول الذي كان يعتمد اقت�صادها على التجارة مع مدنه ،خا�صة املدن التي كانت تابعة لوالية حلب تاريخي ًا كعينتاب ومرع�ش و�أ�ضنة ومر�سني ،والتي �ضمها كمال �أتاتورك �إىل تركيا يف مطلع الع�شرينيات من القرن الفائت، و�أدت هذه القطيعة �إىل ك�ساد وتدهور كبري يف اقت�صاد حلب. كما �أن انف�صال �سوريا عن العراق بفعل اتفاقية �سايك�س بيكو �أ�ساء �أي�ض ًا �إىل جتارة حلب .وتفاقم تدهور االقت�صاد احللبي �أك�ثر بعد ا�ستيالء �أت��ات��ورك على ميناء حلب الأ�سا�سي ،لواء الإ�سكندرون يف �أواخر الثالثينيات .وعلى الرغم من كل تلك الأحداث ظلت حلب والريف املحيط بها م�صدر ًا ملعظم الناجت
«تراث»
6
الشهر
الـعــــدد 157 نوفمرب 2012
تضمنت أنشطة ثقافية وفنية ورياضية
القافلة الرتاثية تن�شر الوعي الثقايف املحلي يف جزيرة يا�س جزيرة يا�س - تراث
ا�ست�ضافت ق��اع��ة «دو» بجزيرة يا�س ب�أبوظبي ال�شهر الفائت فعاليات» القافلة الرتاثية» ،التي ت�ضمنت �أن�شطة تراثية وثقافية وفنية وريا�ضية نفذتها طالبات مركز �أبوظبي الن�سائي ،مب�شاركة مركز ال��وث�ب��ة ،وامل���ش�غ��ل الن�سائي بال�سمحة التابعة لنادي تراث الإم��ارات ،بح�ضور فاطمة التميمي رئي�سة ق�سم الأن�شطة الن�سائية ،ومنى غريب القمزي مديرة م��رك��ز �أب��وظ�ب��ي ال�ن���س��ائ��ي ،وم�شرفات
وم�شرفني من املراكز امل�شاركة. وقالت فاطمة التميمي :ي�أتي انطالق ف �ع��ال �ي��ة» ال �ق��اف �ل��ة ال�تراث �ي��ة» ب�ج��زي��رة ي��ا���س ويف الأم��اك��ن ال�ع��ام��ة ب�شكل عام وامل�ت�ن��زه��ات ب�شكل خ��ا���ص ،ان�سجام ًا مع ر�سالة النادي وجهوده التي حتظى بدعم مو�صول ورع��اي��ة دائمة من لدن �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان مم�ث��ل ��ص��اح��ب ال���س�م��و رئ�ي����س ال��دول��ة رئ�ي����س ن ��ادي ت ��راث الإم � ��ارات� ،ضمن
�إ�سرتاتيجية النادي للو�صول �إىل كافة �شرائح املجتمع ،بهدف املحافظة على الرتاث الوطني ون�شره بني اجلميع. م ��ن ج��ان �ب �ه��ا �أ�� �ش���ارت م �ن��ى غ��ري��ب القمزي �إىل �أن انطالق ّ برنامج القافلة الرتاثية يف �سوق جممعات الدار بجزيرة ي��ا���س ،ي�ه��دف �إىل ن�شر �أه ��داف ن��ادي تراث اﻻمارات الرامية للتعريف برتاث ال��دول��ة ،وال�ستمرارية امل��وروث الرتاثي لآبائنا و�أج��دادن��ا ،وك��ذل��ك ا�ستقطاب
ال�ط��ال�ب��ات امل��واط �ن��ات لأن���ش�ط��ة مركز �أبوظبي الن�سائي ،ولتعزيز امل�س�ؤولية اﻻجتماعية ،وال�ت�ع��اون وامل���ش��ارك��ة مع اجلهات وامل�ؤ�س�سات الأخ��رى مبا يفيد وي �ن �ف��ع املجتمع املحلي وي �ب�رز ت��راث الإمارات لل�س ّياح ولزوار الدولة. و�أ�ضافت القمزي� :إنّ برنامج» القافلة ال�تراث �ي��ة» ال��ذي ن�ف��ذن��اه ت�ضمن ع��دد ًا م��ن ال�ف�ع��ال�ي��ات ذات ال�ط��اب��ع ال�تراث��ي املحلي للدولة� ،إذ ا�شتمل على اخليمة ال�تراث �ي��ة ،وتقدمي ال�ضيافة العربية، وتنظيم معر�ض جم�سمات حول احلياة قدمي ًا يف الإم ��ارات ،ف�ض ًال عن عر�ض ح � ّ�ي ل�ل�م���ش�غ��والت ال�ن���س��ائ�ي��ة ال�ق��دمي��ة مثل« :التلي ،اخلو�ص واملغزل» ،ونق�ش حي لل�صقارة� ،إ�ضافة احلناء ،وعر�ض ّ �إىل ت �ن �ظ �ي��م ور�� �ش ��ة خ��ا� �ص��ة ل�ت�ل��وي��ن ال��ر��س��وم��ات ال�تراث�ي��ة ،و�إق��ام��ة معر�ض �صور لإدارة الأن�شطة ،وركن للم�شغوالت والأك �� �س �� �س��وارت احل��دي �ث��ة با�ستخدام اخل��و���ص وال��ت��ل��ي ،وف �ع��ال �ي��ة الأل��ع��اب ال�شعبية الرتاثية للبنات ،والت�صوير �زي الإم��ارات��ي ،و�صاحب ذل��ك كله ب��ال� ّ �إع���داد ع�� ّدة �أرك���ان منها :رك��ن للبيع وال���ش��راء ،ول�ل�أل�ع��اب والأط �ف��ال ،ولبيع الأكالت ،وللعرو�ض ال�سياحية.
الكبرية. وق��د كانت فعاليات» القافلة الرتاثية» ب� � � ��د�أت م� ��ع ت� �ق���دمي ع� ��رو�� ��ض ل �ع��دد من املج�سمات نفذتها موزة العبيديل، م�شرفة الأ�شغال اليدوية ،حيث عر�ضت للجمهور جم�سمات مل �ف��ردات اال�ع�لاج ب��ال�ط��ب ال�شعبي ،وال �ط �ب��خ ،وال�سقي، و�أداة ّ خل�ض احلليب ،و�أخرى للمك�سار، وع��ر���ض ل��زه�ب��ة ال �ع��رو���س يف امل��ا��ض��ي، �ضمت الطا�سة ،ال�شيلة ،العطور ،ا ُ حل ّلي والزينة ،واملالب�س ،ف�ض ًال عن جم�سمات ل�ل�أل �ع��اب ال�شعبية للبنني وال �ب �ن��ات، ولأدوات �صيد ال�سمك ،ولطحن احلبوب «ال� � َر َح ��ى» ،وط �ح��ن ال�ق�ه��وة باملنحاز، واخلياطة على «الكرخانة» املكينة ،للتلي واخلو�ص. ك� �م ��ا ا���ش��ت��م��ل��ت ال��ف��ع��ال��ي��ات ع �ل��ى ركن للح ّناء ،ن�ف��ذت��ه حليمة ع��و���ض، ومنى جا�سم املال ،حيث �أقبلت الن�ساء والأط�ف��ال من خمتلف اجلن�سيات على نق�ش احل� ّن��اء على �أي��دي�ه��ن ،كما �أف��رد ركن �آخر للت�صوير �أ�شرفت عليه �سارة ال�سعيدي ومنى احلو�سني اللتان �أ�شرفتا على م�ساعدة وت�صوير الزوار الأجانب الزي من الرجال والن�ساء على ارت��داء ّ الإماراتي اللتقاط ال�صور التذكارية.
خيمة تراثية فعاليات متنوعة نقطة للنادي الرتاثية و�شكلت اخليمة كما خ�ص�ص جناح للجمهور لتعريفهم جذب للجمهور و�سط القاعة املخ�ص�صة بن�شاطات وبرامج و�إ� �ص��دارات النادي للقافلة الرتاثية ولبقية امل�شاركني يف و�إدارة الأن �� �ش �ط��ة ع�ل��ى م ��دار ال �ع��ام، ��س��وق جم�م�ع��ات ال ��دار ب�ج��زي��رة ي��ا���س، حيث �ضمت املجل�س ،و�أم�ه��ات امل�شغل الن�سائي وهُ ��نّ ي�صنعن ب�أيديهن التلي استراتيجية نادي وال� �غ ��زل� ،إ� �ض��اف��ة �إىل ت �ق��دمي واج��ب تراث اإلمارات تتضمن ال���ض�ي��اف��ة م��ن ال�ل�ق�ي�م��ات ،وال�ل��وب�ي��اء ،الوصول إلى كافة واحللويات والفواكه وال�شاي والقهوة شرائح المجتمع بهدف العربية للجمهور الذي توافد بكثافة على المحافظة على التراث جناح النادي و�سط القاعة ومعرو�ضاتها
الوطني ونشره بين الجميع
�أ�شرفت عليه جميلة امل��زروع��ي ،بينما ك��ان جلناح رك��ن الأط�ف��ال �إقبال وا�سع من الأط�ف��ال ،ملزاولة الألعاب البيئية، والر�سم والتلوين والنق�ش باحل ّناء� .أما فقرة الأل�ع��اب ال�شعبية ،فقدمت فيها ط��ال �ب��ات م��رك��ز �أب� ��و ظ �ب��ي ال�ن���س��ائ��ي جم�م��وع��ة �أل �ع��اب م �ث��ل :اجل �ي ����س ،ن� ّ�ط احلبل ،واملريحانة ،و�أم العيال ،وحلقة ب�ن��ت ال���ش�ي��خ ،ال �ت��ي ن��ال��ت ا�ستح�سان احل�ضور. وكان مل�شاركة مركز الوثبة من خالل املُدربني حم ّمد علي املن�صوري و�سامل �سويد امل�ن���ص��وري �أث ��ره يف ا�ستقطاب اجلمهور �إىل جناح النادي ،حيث توافد الكبار وال�صغار للتعرف على ال�صقر، مما والتقاط ال�صور التذكارية معهّ ، �أ��ض�ف��ى ع�ل��ى اجل�م�ي��ع ج ��و ًا م��ن الأل �ف��ة والتقرب من هذا الطري اجلارح. ويف اختتام فعاليات القافلة الرتاثية الناجحة بكل املقايي�س ،ق��ال��ت مرمي م�شاركة :تعرفت يف نا�صر -طالبة ُ ور�شة «التلي» �إىل الأدوات امل�ستخدمة فيها وه��ي �أدوات ب�سيطة تعتمد على «ال�ك��اج��وج��ة» وت�ستند عليها الو�سادة املح�شوة بالقطن ،وتثبت بالدبابي�س اخل �ي��وط ال�ق�ط�ن�ي��ة ال�ب�ي���ض��اء وخ�ي��وط من الف�ضة ل ُن ِحيك ِ�سوار ًا ملون ًا لأكمام الثوب .فيما قالت �ضحى وغال حم ّمد - �شقيقتان م�شاركتان� :أ�سعدتنا امل�شاركة يف القافلة الرتاثية ،حيث مار�سنا عدة �أن�شطة ت��راث�ي��ة ،ومنها ف�ق��رة الأل�ع��اب ال�شعبية ّ ونق�ش احل ّناء. وق � � ��د مت ع� ��ر�� ��ض جم� �م���وع���ة م��ن �إبداع الطالبات يعك�س ما تعلمنه من جم�م��وع��ة ال��ور���ش املخ�ص�صة ل�ه��ن يف جماالت تراثية جميلة تعيد �إىل نفو�سهنّ احلنني �صوب املا�ضي اجلميل
8
الشهر
الـعــــدد 157 نوفمرب 2012
ضمن فعاليات األسبوع العالمي للمدرسة البريطانية
مركز الوثبة بنادي تراث الإمارات ُيع ّرف برتاث الدولة ال�سامرائي الوثبة -حم ّمد رجب ّ
نهيان «طيب اهلل ثراه» ،وفيلم �آخر عن �صيد ال�صقور من ن��ادي تراث الإم��ارات ،كما تخلل العر�ض تقدمي عدد من الأغاين والأهازيج ال�شعبية املختلفة.
���ش��ارك مركز الوثبة للبنني التابع ل���ن���ادي ت�����راث الإم��������ارات ال�����ش��ه��ر الفائت يف فعاليات الأ�سبوع العاملي ال��ذي نظمته امل��در���س��ة الربيطانية اخلا�صة ب�أبوظبي ،وذل��ك لتعريف الطالب والهيئات التعليمية برتاث دولة الإمارات العربية املتحدة. هدفت المشاركة إلى بد�أت الفعاليات يف قاعة الإمارات تعريف الطالب وأسرهم بعر�ض فيلم ع��ن امل��غ��ف��ور ل��ه ب ��إذن من مختلف الجنسيات اهلل ال�����ش��ي��خ زاي���د ب��ن ���س��ل��ط��ان �آل
والثقافات بمفردات التراث الوطني العريقة
وا�شتملت الفعاليات على العديد م��ن الأن�����ش��ط��ة منها رك��ن املقنا�ص ال��ذي قدمه �سامل �سند املن�صوري م��ن م��رك��ز ال��وث��ب��ة ب��ال��ن��ادي ال��ذي ع ّرف الطالب والهيئات التدري�سية بطريقة م�سك ال�صقر على اليد، والتعريف ب ��أدوات��ه كاملخالة ،وهي ال��ك��ي�����س امل�������ص���ن���وع م���ن ال��ق��ط��ن، وال����ذي ي��ح��ت��ف��ظ ال�����ص � ّق��ار ب��داخ��ل��ه مب��ا يقتن�صه م��ن �صيد ،و«ال�برق��ع»
جانب من �أن�شطة املركز
ل��ل��ن�����س��اء وال���ب���ن���ات ،ول�ل��أط���ف���ال، وق��ام��وا بارتدائها ،و ّ مت توزيع عدد م��ن امل��ط��ب��وع��ات التعريفية ب����إدارة الأن�شطة يف نادي تراث الإمارات. وقد �أ�شرف على تنظيم هذا املعر�ض عدد كبري من املواطنات من �أمهات الطلبة الدار�سني يف هذه املدر�سة، من �أجل تعريف الطلبة من خمتلف اجل��ن�����س��ي��ات وال��ث��ق��اف��ات ب��ال�تراث الوطني ،وه� ّ�ن « �أم��ل املعمري ،والء ���س��ل��م��ان ،م��ن��ال احل���م���ادي ،وه��ن��د خليفة . وقالت �أمل املعمريّ � :إن م�شاركتنا يف هذا الأ�سبوع هو لتعريف الطالب
وه��و غ��ط��اء م��ن اجل��ل��د ي��و���ض��ع على وجه ال�صقر ،و«املنقلة» وهي الدرع الواقي لل�صقّار من خمالب ال�صقر، والذي به يحمله على يده. كما عرف ّهم املن�صوري بـ«ال�سبوق» وهو اخليط الذي تربط ِرجل ال�صقر ب�أحد طرفيه ،ويثبت الطرف الآخر باملر�سل الذي يكون مربوط ًا يف الوكر �أو يف املنقلة ،وع ّرفهم باملر�سل وهو اجلزء الثاين املكمل لإحكام القب�ض على ال�صقر من الوثوب �أو الهرب. ك��ذل��ك ت��ع � ّرف ال��ط��ل��ب��ة وال��ه��ي��ئ��ات التدري�سية يف املدر�سة على العديد من املفردات الرتاثية املحلية حيث �شاهدوا «امل�شب» امل��روح��ة اليدوية من اخلو�ص ،و»املكب» الذي يغطون تخلل العرض عدد به الطعام ،ودل��ة القهوة ،والزبيل ،من األغاني واألهازيج ً وال�سرود ،و�آل��ة الربابة ،ف�ضال عن الشعبية المختلفة عر�ض مناذج من الألب�سة الن�سائية
التي أثارت إعجاب الحضور وتفاعلهم
ومدر�سيهم بالرتاث املحلي النابع م��ن �أ���ص��ال��ة دول����ة الإم�������ارات ،من �أجل �أن يكونوا على �إملام مبا ت�ضمه الإم��ارات من خمزون تراثي غني ال ين�ضب . من جانبها قالت املعلمة» ال�سيدة �آ���ش��ف��ي م��ن « ب��ري��ط��ان��ي��ا»� :أعجبت ب��ف��ك��رة ه���ذا امل��ع��ر���ض ال���ذي نقلنا �إىل �أج������واء ال��ت��راث الإم����ارات����ي، و�أعجبت �أي�ض ًا بعر�ض ال�صقور وكل املعرو�ضات يف قاعة الإمارات .بينما عبرّ ت» را�ضية ب�شري من « بريطانيا» عن اعتزازها وطالبها مبا �شاهدته م��ن م��ع��رو���ض��ات وم���ا ت��ع��رف��ت عليه خا�صة و�أن ه��ذه التجربة للنادي تراها جتربة فريدة وجميلة عرفتها واجل��م��ي��ع ب��ت�راث دول����ة الإم�����ارات العربية املتحدة
10
الشهر
الـعــــدد 157 نوفمرب 2012
مهرجان الوقن يختتم فعالياته بالعين
م�شاركة متميزة للقوافل الرتاثية لنادي تراث الإمارات ال�سامرائي العني -حم ّمد رجب ّ
ال�تراث��ي يف الأم��اك��ن ال��ع��ام��ة ب�شكل عام واملتنزهات ب�شكل خا�ص ي�أتي ان�سجام ًا مع ر�سالة النادي وجهوده يف امل��ح��اف��ظ��ة ع��ل��ى ت����راث ال��دول��ة ون�شره ،التي حتظى بدعم ورعاية دائ��م��ة م��ن �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئ��ي�����س ال��دول��ة رئ��ي�����س ن���ادي ت��راث الإمارات �ضمن �إ�سرتاتيجية النادي م��ن �أج���ل ال��و���ص��ول �إىل ك��اف��ة �أب��ن��اء املجتمع.
اختتم نادي تراث الإمارات م�شاركته بالقافلة ال�تراث��ي��ة �ضمن مهرجان ال��وق��ن ال�تراث��ي الأول مبدينة العني الذي انطلقت فعالياته يف الثامن من ال�شهر الفائت وا�ستمرت ملدة ثالثة �أيام ،ونظمه قطاع خدمات املناطق- القطاع اجلنوبي لبلدية مدينة العني مب�شاركة ع��دد م��ن امل�ؤ�س�سات� ،إذ مثل النادي يف املهرجان مركز العني التابع له ،من خالل تقدمي فعاليات وع��رو���ض تراثية وثقافية نابعة من الرتاث املحلي للدولة. وق����ال ���س��ع��ي��د ع��ل��ي امل��ن��اع��ي م��دي��ر النعيمي :ركزنا على �إدارة الأن�شطة بالإنابة يف النادي الوقن تعريف الجمهور برياضة � ّإن م�شاركتنا يف م��ه��رج��ان
الصقارة وتراثها حيث أننا في موسم الصقور
و�أ�ضاف املناعي �إن م�شاركة القافلة الرتاثية يف مهرجان الوقن تهدف �إىل خ���دم���ة �أه������داف ن����ادي ت���راث الإم���ارات الرامية للتعريف ب�تراث الدولة وال�ستمرارية املوروث لآبائنا و�أج��دادن��ا ،والتعاون وامل�شاركة مع اجل��ه��ات وامل��ؤ���س�����س��ات الأخ����رى مبا يفيد وينفع املجتمع املحلي وي�برز ت����راث الإم������ارات ل��ل�����س� ّي��اح ول����زوار الدولة. من جهته �أ�شار علي حممد النعيمي مدير مركز العني التابع للنادي �إىل �أن م�شاركة املركز يف هذا املهرجان متثلت يف تنظيم فعاليات للقافلة ال�تراث��ي��ة ال��ت��ي ح��ط��ت رح��ال��ه��ا يف
منطقة الوقن ،وقال :قدمنا للجمهور ال��ع��دي��د م���ن ال�ب�رام���ج والأن�����ش��ط��ة ذات الطابع الرتاثي الثقايف ،حيث �أع��ددن��ا ب��ي��ت� ًا لل�شَ َعر ���ض��م املجل�س مع تقدمي واج��ب ال�ضيافة العربية للزوار كافة ،كما قدم طالب املركز �أل��ع��اب � ًا �شعبية حم��ل��ي��ة ،ف�����ض� ً لا عن ف��ق��رات م��ن احل��رب��ي��ة� ،إىل ج��ان��ب �إق���ام���ة م��ع��ر���ض ����ص���ور ي��ح��ك��ي عن فعاليات ومهرجانات �إدارة الأن�شطة ومراكزها للبنني والبنات ،ومطويات خمتلفة تو�ضح �أبرز تلك الفعاليات التعريفية بالنادي و�أن�شطته الرتاثية والثقافية املختلفة.
ع��ل��ى ال���ي���د ،ح��ي��ث �أن���ن���ا يف م��و���س��م ال�����ص��ق��ور ،وق���ام ط�لاب امل��رك��ز من خ�ل�ال ف��ع��ال��ي��ات ال��ق��اف��ل��ة ال�تراث��ي��ة ب��ت��وزي��ع ه��داي��ا عينية وم��ط��ب��وع��ات ع���دي���دة ع��ل��ى احل�����ض��ور ،ك��م��ا متت دعوة �أبناء منطقة الوقن للم�شاركة يف �أن�شطة مركزنا من خالل تنظيم زي������ارات �إىل ج���زي���رة ال�����س��م��ال��ي��ة ل�ل��إط�ل�اع ع��ل��ى م��ع��امل��ه��ا كمحمية طبيعية وبيئية �ساحرة ت�ضم العديد من الفعاليات والأن�شطة الرتاثية، وكذلك زيارة القرية الرتاثية التابعة ل��ل��ن��ادي يف منطقة ك��ا���س��ر الأم���واج ب�أبوظبي للتعرف على �أرجائها التي حت��ك��ي ل��ل��زائ��ري��ن تفا�صيل احل��ي��اة
ا�ستعرا�ض ال�صقارة و�أ�ضاف النعيمي :و�شملت م�شاركتنا المناعي :مشاركتنا في املتميزة يف مهرجان الوقن الرتاثي مهرجان الوقن التراثي ا�ستعرا�ض طالبنا لل�صقارة وتعريف تأتي ضمن جهود اجلمهور بال�صقور و�إمكانية حملها
النادي في المحافظة على تراث الدولة ونشره
اليومية للإن�سان الإماراتي قدمي ًا، ولزيارة قرية بوذيب العاملية للقدرة ل�ل��إط�ل�اع ع��ل��ي��ه��ا وال���ت���دري���ب على ريا�ضة الفرو�سية. واختتم النعيمي ت�صريحه قائالً: � ّإن م�شاركتنا يف القافلة الرتاثية ل��ل��ن��ادي ال��ي��وم يف م��ه��رج��ان ال��وق��ن ال�تراث��ي ،ي ��أت��ي ا���س��ت��م��رار ًا لتنظيم النادي لها ،ولتحقيق م�شاركة فاعلة خل��دم��ة ���ش��رائ��ح املجتمع املحلي يف الدولة ونقله من مراكز النادي �إىل خ��ارج��ه��ا لتعريف ال��ن��ا���س بالكنوز الرتاثية التي يجب علينا املحافظة عليها خ�شية االن���دث���ار وال�����ض��ي��اع، علم ًا ب� ّأن النادي كان قد �أطلق �أوىل رحالت م�شروع القوافل الرتاثية يف العام املا�ضي لن�شر ال�تراث املحلي بني كافة �أبناء �إمارات الدولة ،ونالت ا�ستح�سان املواطنني واملقيمني التي عرفتهم بالرتاث اخلالد للدولة
12 الـعــــدد 157 نو فمرب 2012
عبق عبق
الفتى الحلبي يغتال الجنرال
يقولون
واهلل �أعلم :ب�أن �أبي الأن �ب �ي��اء �إب��راه �ي��م ع�ل�ي��ه ال �� �س�لام ق��د خ �ي��م يف م��و��ض��ع احل�صن ،و�سط مدينة حلب ،وذلك قبل الزمان بزمان ،وكان عنده بقرة م �ب��ارك��ة�� ،ش�ه�ب��اء ال �ل��ون ،ك��ان كلما حلبها ،ودر لبنها الوفري ،وزعه على الفقراء ،فكانوا يت�صايحون فرحني: حلب «ال�شهباء» ،من هنا كان اال�سم املبارك. م��دي �ن��ة ق ��دمي ��ة ،ق �ب��ل ع���اد وث��م��ود، ت���س�ك��ن يف ال��زم��ن وال ��ذاك ��رة ،ول�ه��ا من احلكايات ما يفي�ض وتزدحم به ليايل الرواية والق�ص. �ألقى بها الوقت يف طريق الأجنا�س والأمم :فر�س ويونان ورومان وعرب �أجاويد ،و�آثارها ت�شهد عليها� :أطلقوا عليها :ال�شهباء ،والفيحاء ،وذكرها الكثريون بالرواية �أحيان ًا ،وبال�شعر �أحيان ًا . قال عنها البحرتي: �أر�ض اذا ا�ستوح�شتكم بتذكر ح�����ش��دت ع��ل��ي ف����أك�ث�رت �إي��ن��ا���س��ي
م��دي�ن��ة للمقاومني ع�بر ال�ع���ص��ور .. تدفع برجالها لل�ساحة ،ولها يف ذلك ت��واري��خ ووق��ائ��ع ال ت�ن���س��ى ...زم��ن ح��رب ال���ص�ل�ي��ب ح�ي��ث م��دت �صالح �سعيد الكفراوي الدين بالأجناد املدافعني ،والرجال �أ�صحاب العقل الراجح !! حلب الآن تتوج بال�شهادة ،والدفاع عن الوطن جمللة بالدم واملوت!! ه��ي ح �ل��ب ال �ت��ي خ ��رج م�ن�ه��ا الفتى احللبي ...الفتى الذي ترك يف تاريخ
الن�ضال ال�ع��رب��ي ع�لام��ة ال تنمحي، وذكرى للعاملني !! ا�سمه �سليمان ون�س احللبي ...ولد يف العام ،بنواحي البيا�ضية من املدينة ...تعلم القراءة والكتابة ،وبع�ضا من علوم الدين ،وارتبط مبكان ولد فيه، و�أم��ة ينتمي �إليها ،وك��ان يبحث منذ �إدراك��ه عن جمال�س العلم والعلماء، وي�صاحبهم. ك ��ان ي �ع��رف ت ��اري ��خ ح �ل��ب ،وي �ع��رف ان �ه��ا ت �� �ص��دت حل �م�لات ال�صليبني ت �ل��ك احل��م�ل�ات ال �ت��ي ك��ان��ت ت�سعي لال�ستغالل وال�سيطرة بحجة الدفاع عن الأر�ض املقد�سة ،ودين امل�سيح. ظل �سليمان احللبي منذ اول �شبابه ي�صغي ل�صوت بداخله كانه النذير، �صوت ي�أتيه يف ال�صحو ،ويف املنام، ك ��ان ال �� �ص��وت ي�ن�ب�ه��ه ل���ش��ئ غام�ض ينبع م��ن ه�ن��اك ،م��ن �ساحة الأزه��ر ال�����ش��ري��ف ،ح �ي��ث رواق ال�����ش��وام، والدار�سني وكان ينتظر العائدين من م�صر ،ي�س�ألهم ع��ن الأح ��وال ،وعن مظامل الفرن�سي�س بالنا�س ،وعندما كانوا يجيبونه ،ويطلعونه على دفرت �أح � ��وال ال ��وط ��ن ،ك ��ان ي �ل��وذ بحلمه وفكره ،وانتظار الفر�ص !! ظ ��ل ي �� �س��اع��د وال � ��ده ت��اج��ر ال���س�م��ن والزيت ،الذي تعر�ض لظلم الراعي الرتكي ،وا�ضطهاد �أجنادهم ،ه�ؤالء احل�ك��ام ال��ذي��ن ف��ر��ض��وا على ال��وال��د ال�ضرائب ،و أ�ن��ذروه �إن مل ي�سدد ما عليه �سوف يزجون به يف ال�سجن. ظ� �ل ��وا ي��ب��ت��زون � �س �ل �ي �م��ان ووال� � ��ده، ويحا�صرونهما بالتهديد والوعيد .
�سعى �سليمان ملقابلة الراعي الرتكي طالب ًا الر�أفة بوالده ،و�إ�صدار العفو عنه � ...ساومه الرتكي ،ووعده بالعفو ع��ن �أب �ي��ه ،م��ن ال�سجن وال���ض��رائ��ب، ووع ��ده ب ��أن يكرمه ويهيئ ل��ه فر�ص احل��ي��اة ل��و �أن ��س�ل�ي�م��ان واف���ق على اغ �ت �ي��ال � �س��اري ع�سكر الفرن�سي�س كليرب ...فوجئ �سليمان بطلب احلاكم الرتكي ،وان�شغل بالأمر ،مت طلب مهلة يراجع نف�سه . اح�ت��ار �سليمان ،وجت��اوز الأم��ر عنده الهاج�س �إىل فكرة ثابتة ت�شغله ... ما طلبه الرتكي يلتقي وقناعاته ... ال�ترك��ي يطلب ال�ق�ت��ل رغ�ب��ة يف ال��رد على هزميتهم من الفرن�سيني ...وهو يطلب القتل انتقام ًا لتجاوز اجلرنال يف املظامل ،وتعاطفا مع نا�س قريبني من قبله. ك��ان نابليون ق��د ر ح��ل يف ا ل �ع��ام 1799 بعد �أن مني بف�شل فتح عكا الع�صية ...وك��ان كليرب ق��د ت��وىل حكم م�صر، ومار�س ا�ستبداده امتداد ًا لتاريخه يف القمع و�سفك الدماء. ج��اء �سليمان �إىل ال �ق��اه��رة ،وكانت يف ذل ��ك احل�ي�ن مت ��وج ب �ك��ل ت �ي��ارات الفكر ،واملذاهب الإ�سالمية تتجاور، و�ساحة الأزهر يف ذلك الوقت �ساحة ل �ل �م �ق��اوم��ة ،ت �ت �ج �م��ع ف �ي �ه��ا �أج �ن��ا���س امل �� �س �ل �م�ين ،واجل� �م ��اع ��ات ال �� �س��ري��ة، ي�ن��اق���ش��ون ،وي�ف�ت�ح��ون ال�ط��ري��ق �أم��ام اال� �س �ت �ق�لال واخل�ل�ا���ص م��ن احلملة الفرن�سيه. �سار يف امل�ساحة ب�ين القبلة ،ورواق ال�شوام ،ال ي�ستطيع �أن يقاوم ال�صوت
ال �ق��دمي ال��ذي ينبع م��ن ه�ن��اك حيث رغبته يف االنتقام واخلال�ص. ك��ان يت�ساءل :ه��ل على ذل��ك احللبي ال �ق��ادم م��ن ال�ب�لاد ال�ع�ي��دة �أن يكون طرف ًا يف هذا ال�صراع؟ هل هو جزء منه؟ يرتك بالده النائية وي�أتي خلف هدف غ��ام����ض ،و��ص��وت ي�ستدعيه ،وي�شعل بداخله االنتقام. ينخرط يف الأح��داث التى تقع يف بر م�صر ،وي�صادق ال�سوريني وال يطلعهم عما يف �ضمريه من �أ�سرار!! كان مي�شي بالليل يف �صحراء املماليك، يحيطه الف�ضاء وال يرى على البعد �إال النجوم ..ميعن يف فكره ،متوحد ًا، من�شغ ًال ب�أ�سئلته .فج�أة �صرخ وحده: ه��ي ال�ع��دال��ة ...حتقيق ال�ع��دل بقتل الظاملني والطغاة .يف اللحظة توقف عند هذه القناعة ،وب��د�أ يعيد ترتيب اه �ت �م��ام��ات��ه ،ف �ك��ر� ،أن ��ت ق ��ادم على فعل خطري ��ش��يء خطري يهز البالد ويزلزل العباد ،و�سوف ي�أتون ب�أهلك و�أ�صحابك ،و�سوف يهدر الدم عالمة على ال�شهادة. ه��ي ال�ع��دال��ة ،تطلب الثمن ال�ف��ادح، ول �� �س��وف ي�ن�ه����ش حل �م��ك اجل �ل�اد !! ت�أكد �أن ما اختاره هو �سعي لتحقيق العدالة ،و�أدرك أ�خ�ير ًا �أن��ه طرف يف ��ص��راع يخ�صه ه��و� ،سليمان احللبي ال�سوري. كان يف �آخر �أيامه يحب امل�شي وحيداً، وي ��دور يف م��دي�ن��ة ي�سكنها ال �ظ�لام، و�ضربات حوافز جياد الغازي ،و�شعب ينام وي�ستيقظ على الثورة واملقاومة.
انتهى �أمره باختالط �أحواله ب�أحوال امل���ص��ري�ين ف�لا ف��رق ب�ين م�ظ�ل��وم يف املحرو�سة ومظلوم يف حلب. ك��ان ق��د و� �ص��ل �إىل يقينه يف الفعل واالنتقام ،وكان ال�صوت ي�أتيه �صارخ ًا ومزلز ًال كيانه ،وكان قد اتخذ قراره. ي �ق��ول ��س�ي��دي امل � ��ؤرخ ع�ب��د ال��رح�م��ن اجل�برت��ي يف ك�ت��اب��ه ال�ك�ب�ير «عجائب الآثار يف الرتاجم والأخبار». «ك ��ان � �س��اري ع�سكر كليرب م��ع كبري املهند�سني ي�سريان بداخل الب�ستان ال ��ذى ب ��داره ب��الأزب�ك�ي��ة ف��دخ��ل عليه �شخ�ص حلبي ق���ص��ده ف ��أ� �ش��ار عليه بالرجوع وق��ال له «مافي�ش» وكررها فلم يرجع و�أوهمه ب�أن له حاجة فلما دنا منه مد له يده الي�سار يريد تقبيلها ل�ك��ن �سليمان قب�ض عليها و�ضربه بخنجر ك��ان قد �أع��ده يف ي��ده اليمنى �أرب���ع � �ض��رب��ات م�ت��وال�ي��ة ف���ش��ق بطنه وهوى على الأر�ض وهرب احللبي». روع���ت امل��دي �ن��ة ،و�أح � ��دث االغ �ت �ي��ال �صخب ًا ،وجتمع النا�س وهللوا ،وبحثوا ع ��ن ال �ف �ت��ى احل �ل �ب��ي ح �ت��ى وج� ��دوه خمتفيا يف الب�ستان عذبوه �إىل �أبعد ح��دود الأمل ،ق�ط�ع��وا ر�أ� �س��ه ال�ت��ى ما ت��زال معرو�ضة حتى اليوم يف متحف ب �ب��اري ����س .ح �ق��ق احل �ل �ب��ي ح �ك �م��ه يف العدل ،و�أثبت �أن روح العدل تنطلق م ��ن م �ع �ن��ى ال �� �س��ن ب��ال �� �س��ن ،وال �ع�ين بالعني ،ولكم يف «الق�صا�ص حياة »
المرصد 14 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
�ضمن فعاليات مهرجان ا�ست�ضافته والية «�صور»
باحثون يحذرون من ضياع الهوية التراثية للفنون الشعبية ُعمان -خمي�س ال�سلطي
احت�ضنت والية �صور العمانية ال�شهر الفائت ،وعلى مدار يومني فعاليات مهرجان الفنون ال�شعبية العمانية الثاين. �أقيم على هام�ش الفعاليات ندوة بحثية �شارك فيها عدد من اخلرباء واملخت�صني ،هم الدكتور �سعيد بن حممد الها�شمي ،والدكتورة عائ�شة بنت حمد الدرمكي ،والباحث م�سلم بن �أحمد الكثريي.
قدم الدكتور �سعيد بن حممد الها�شمي ورقة عمل حتت عنوان «الت�أثري والت�أثر احل�ضاري يف الفنون ال�شعبية العمانية» تطرق خاللها �إىل مدى ت�أثر �أمناط الفنون ال�شعبية العمانية بالواقع احل�ضاري املعا�صر ،من خالل ثالثة جوانب هي الإيقاع املو�سيقي ،وال�شعر االرجتايل «املقا�صب» ،والأداء احلركي «الرق�ص». وتتبع الها�شمي خ�لال ورقته البحثية خيوط �أ�صالة ه��ذه الفنون و�أدوات �ه��ا وممار�ساتها، معرج ًا على الت�أثري احل�ضاري ،وت�أثري «علمنة الثقافة» التي من �ضمن �أهدافها انتزاع الهوية الوطنية التاريخية وجت��ري��ده��ا م��ن �أ��ص��ول تكوينها وتوجيهها �إىل م�سار عاملي يفقدها معظم قيمها ،لتكون من دون هوية. وح��ذر الها�شمي من �أن يطال فقدان الهوية ع��دد ًا كبري ًا من الفنون ال�شعبية ،م��ؤك��د ًا �أن �أول مظاهر هذا الفقدان هو �ضياع الكلمات الرتاثية املغناة يف الفنون ال�شعبية لتحل حملها كلمات ذات طابع حديث تفتقر �إىل الرتاكيب احل�سية ال�ت��ي ت�ط��رب امل�ستمع ،م�شري ًا �إىل �أن ه��ذه الكلمات امل�ستحدثة ال ت ��ؤدي املعاين احلقيقية ملتذوق ال�شعر كما ال تلتزم ب�إيقاعاته. وخل�ص الها�شمي يف ورقته �إىل عدد من النتائج �أبرزها �أن الت�أثري والت�أثر احل�ضاري يف الفنون ال�شعبية م�صدره الأ�سا�سي تغري منط احلياة االجتماعية واالقت�صادية والثقافية ،الأمر الذي انعك�س يف �ضعف الأداء وتردي �صياغة مفردات ال�شعر ،م�ؤكد ًا �أن هذا الأثر كان وا�ضح ًا على بع�ض الفنون �إىل احل��د ال��ذي �أخرجها من عباءتها الأ�صيلة. �أما التو�صيات ،فقد خل�ص الها�شمي �أهمها يف �ضرورة املحافظة بالتوثيق والو�صف على امل��وروث ال�شعبي يف الفنون ال�شعبية وتكثيف العمل يف امل�سابقات وامل�شاركات يف املهرجانات الداخلية واخلارجية لفرق الفنون ال�شعبية، ودعمها مادي ًا ومعنويا ،على �أن تتم املحافظة على هذه الفنون وفق معايري و�أ�س�س متينة قوية م�صدرها ما�ض ق��وي يف ج��وه��ره ومكوناته، م�ؤكد ًا �أن ذلك لن يت�أتى �إىل مب�شاركة امل�صدر الذي هو �أبناء الوطن. وطالب الها�شمي وزارة الإعالم ووزارة الرتاث
من فن العيالة
والثقافة ببذل املزيد من اجلهد يف املحافظة على مكونات الفنون ال�شعبية ،وقال �إن الفرق عليها �أن تبذل جهدها يف الأداء وا إلب��داع يف مكونات الفنون ال�شعبية ليلقى قبوال لدي املتلقي بحيث ال يخرج عن مكونات الهوية الوطنية العمانية. و�أكد الها�شمي يف ورقته �أن امل�س�ؤولية م�شرتكة بني امل�ؤ�س�سات الراعية لهذه الفنون والفرق
الكثيري :الموسيقى العمانية تنتظر ُ الدارسين للكشف عن خصائصها الفنية والثقافية والصيغ اللحنية واإليقاعية
الوطنية ال�شعبية للفنون ،كما �أن امل�صري م�شرتك ،وق��ال �إن مواجهة إ�غ��راء الثقافات امل�ستوردة بوا�سطة القنوات الف�ضائية واجب وطني ،حم��ذر ًا من تراجع البنية االجتماعية والثقافية �أمام النزعة االقت�صادية ،بحيث بات املجتمع مييل �إىل االنعزالية ،وطالب الها�شمي املجتمع بالعودة �إىل التما�سك والتخلي عن النزعة اال�ستهالكية التي �أثرت ب�شكل كبري على الفنون ال�شعبية.
�أزياء الفنون ال�شعبية
يف ورق� ��ة ع �م��ل ح�م�ل��ت ع��ن��وان «ال �ع�لام��ات الرتميزية لأزي��اء الفنون ال�شعبية يف عمان» قالت الدكتورة عائ�شة بنت حمد الدرمكي �إن
المرصد 16 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
من فن العيالة
مظاهر ال��وج��ود اليومي للإن�سان عبارة عن عالمات ت�شكل انعكا�س ًا للثقافة املجتمعية التي تخرب عنها وتك�شف عن هُ ويتها؛ فالطقو�س االجتماعية واللبا�س والأداء الفني والأدبي ،وكل مظاهر احلياة االجتماعية ،كلها عالمات ن�ستند �إليها يف التوا�صل مع الآخر «الإن�سان والف�ضاء الذي يحيط بنا» ،فكل لغة من هذه اللغات حتتاج �إىل الك�شف عن القواعد التي حتكم طريقتها يف �إنتاج معانيها ،م�ستندة يف ذلك ويف الكثري
من احلاالت �إىل ما تقرتحه العلوم الأخرى من مفاهيم ور�ؤى وت�صورات ،ولذلك ف�إن كل �شيء يف اللغة يحوي قيمة داللية وتوا�صلية. و�أ�ضافت الدرمكي �أن التوا�صل غري اللغوي عرب ال�سيميائيات �أخذ قيمته يف القنوات التوا�صلية املجتمعية� ،إذ مت االعتماد على درا�سة �أن�ساق توا�صلية متعددة ك�إ�شارات امل��رور وا إلمي��اءات وا�ستعماالت اجل�سد اال�ستعارية والرموز ،م�ؤكدة �أنه ال ميكن تفكيك وحتليل مو�ضوعات املالب�س
م�أزق الثقافة ال�شفهية تبدو الثقافة املو�سيقية ال�شفهية اليوم ،يف و�ضع �صعب للغاية ،خا�صة و�أن ممار�سيها يفقدون القدرة تدريجياً على نقلها �إىل الأجيال اجلديدة بالو�سائل املعتادة ،والفنان التقليدي يعي�ش خارج اهتمام امل�ؤ�س�سات الثقافية والإعالمية، فبعد �أن كان ه�ؤالء املبدعني يوجهون خياراتنا الفنية ،وي�شكلون عرب قرون ذائقتنا الفنية ،ف�إنهم ي�أخذون �أ�سماءهم وفنونهم وين�صرفون عن احلا�ضر وامل�ستقبل واحداً بعد الآخر ،بينما النخبة الثقافية وال�سيا�سية يزداد تعلقها باملو�سيقى الغربية وتتخذ ال��ق��رارات التي من �ش�أنها تر�سيخها يف املجتمع م�سلم بن �أحمد الكثريي ال ُعماين املعا�صر.
�إ َّال �إذا ُف ِهمت باعتبارها مو�ضوعات توا�ضعية وا�صطناعية ،توا�ضع عليها جمتمع ما يف حقبة تاريخية معينة ثم �أ�صبحت متكررة عرب حقب الحقة حتى بات ال ُيعرف لها ُمن�شئ �أول .ومع الت�أكيد ب�أنها عالمات توا�ضعية و�أن�ه��ا تقوم على �سنن اجتماعية متاثلية �إ َّال �أنها �إىل حد بعيد غري معللة ،فال ميكن تف�سري �شكل الكثري من املالب�س �إ َّال ب�إرجاعها �إىل �أ�سباب دينية �أو اجتماعية عامة� ،أما التفا�صيل فقد ال نتمكن من تعليلها �أو تف�سريها غري �أننا ميكن �أن ن�ؤولها �إىل دالالت متعددة .وعلى ذلك ميكن عقد عالقة دائرية بني التماثلي والالمعلل «االعتباطي»؛ بحيث يكون هناك اجتاه مزدوج ومتكامل �إىل تطبيع الالمعلل ،وتثقيف املعلل .ولذلك ف�إن هذا البحث يطلع على ر�صد تلك العالمات التثقيفية بني اللبا�س والفنون ال�شعبية يف �سلطنة عمان بو�صفها رموز ًا ب�صرية ذات �أبعاد داللية وثقافية متنوعة. و�أ�ضافت الدرمكي �إن الفن بو�صفه عالمة يحمل داالت يطلق عليها الل�سانيون الداالت «املتحركة» كونها متغرية بتغري الذوات التي ت�ؤديها ،ليمثل الرتميز امللب�سي �شك ًال تعبريي ًا ذات�ي� ًا يحيل �إىل دالالت منفتحة من حيث كونها اجتماعية واقت�صادية؛ فب�صرف النظر ع��ن ك��ون تلك العالمات امللب�سية اعتيادية �أو يومية من حيث االرت��داء �إ َّال �أنها من حيث خ�صائ�صها «اللون ونوع اخلام والنقو�ش وامللم�س» حتيل �إىل زمان ومكان الفن ،ثم الو�ضع االجتماعي لل�شخو�ص امل�ؤدية ،بالإ�ضافة �إىل الو�ضع االقت�صادي لها؛ كل ذلك يف�سر حاجة العالمة «الفن» �إىل تلك الرتميزات وارتباطها بها من الناحية الداللية .وخل�صت الدرمكي �إىل �أنه ال ميكن للعالمات امللب�سية �أن ت�شتغل لوحدها داخ��ل اخلطاب الب�صري� ،إذ �أن ارتباطاتها اللونية وخطوطها وق�صاتها و�أدوات�ه��ا التكميلية ت�شكل ونقو�شها ّ عالقة داللية مع اجل�سد والف�ضاء الكوين الذي يحويها ،لذلك ف ��إن فاعلية العالقة هي التي حت��دد مكانة الأزي ��اء الداللية داخ��ل �سياقها الب�صري ،فهي التي متنحها �سمة الديناميكية وت��ؤط��ره��ا ف�ك��ري� ًا� ،أم��ا اجل�سد امل��رت��دي فهو املحدد لنمطية ونوعية ما يرتديه وفق حركته
من فن امليدان
وم�ستوياته الفكرية املختلفة من ناحية ،ودوره يف �صناعة الن�ص من ناحية �أخرى.
الإيقاعات املو�سيقية ال ُعمانية
وقدم الباحث م�سلم بن �أحمد الكثريي ورقة عمل حملت عنوان حملت عنوان «الإيقاعات املو�سيقية ال� ُع�م��ان�ي��ة» ،ت �ط��رق خ�لال�ه��ا �إىل خ�صو�صية الإي��ق��اع وم�ك��ان�ت��ه يف املو�سيقى ال ُعمانية مف�ص ًال احلديث عن الآالت الإيقاعية ال ُعمانية الوترية والطبول وغريها ،مع طرق �صياغة الإيقاع الفني ال ُعماين ،معتمد ًا �إيقاع فن الربعة منوذج ًا للدرا�سة. وق��ال الكثريي �إن هناك جم��االت عديدة يف املو�سيقى ال ُعمانية تنتظر الدار�سني للك�شف عن خ�صائ�صها الفنية والثقافية ومنها ال�صيغ اللحنية والإيقاعية ،م�ؤكد َا على م�س�ألة فنية غاية يف الأهمية وه��ي متابعة ه��ذه الدرا�سة بهدف و�ضع �إط��ار نظري للإيقاع املو�سيقي ال� ُع�م��اين وت�صنيفه ت�صنيف ًا علمي ًا يحقق احل��اج��ات املعرفية التوثيقية والبيداغوجية والفنية لل�شباب املو�سيقي ال ُعماين ،خا�صة يف هذا الوقت الذي نحن فيه �أمام ظروف ثقافية جديدة و�ضعتنا يف مواجهة املو�سيقى الغربية بكل �إمكانيات �أدواتها احل�ضارية ال�ضخمة. و�أك��د الكثريي �إن الثقافة املو�سيقية ال�شفهية اليوم تبدو يف و�ضع �صعب للغاية خا�صة و�أن ممار�سيها يفقدون القدرة تدريجي ًا على نقلها �إىل الأج �ي��ال اجل��دي��دة بالو�سائل املعتادة،
توصية بوضع إطار نظري لإليقاع العماني الموسيقي ُ وتصنيفه علمي ًا بما يحقق الحاجات التوثيقية والمعرفية والبيداغوجية والفنية والفنان التقليدي يعي�ش خارج اهتمام امل�ؤ�س�سات الثقافية والإع�لام �ي��ة ،فبعد �أن ك��ان ه ��ؤالء املبدعني يوجهون خياراتنا الفنية ،و�شكلوا عرب قرون ذائقتنا الفنية ،ف�إنهم ي�أخذون �أ�سماءهم وفنونهم وين�صرفون عن احلا�ضر وامل�ستقبل واحد ًا بعد الآخر ،والنخبة الثقافية وال�سيا�سية يزدادتعلقهاباملو�سيقىالغربيةوتتخذالقرارات التي من �ش�أنها تر�سيخها يف املجتمع ال ُعماين املعا�صر .ويف اط��ار اث��راء فعاليات املهرجان وحتقيق الفائدة يف جماالت البحوث اخلا�صة بالفنون ال�شعبية وتن�سيق جهود ال�سلطنة يف ادراج الفنون ال�شعبية العمانية يف القائمة
الهاشمي :تغير نمط الحياة انعكس في تردي مفردات الشعر وضعف أداء الفنون الشعبية إلى حد الخروج عن عباءتها
التمثيلية للرتاث الثقايف غري املادي باليون�سكو ا�ست�ضاف مهرجان الفنون ال�شعبية ك ًال من الدكتور نا�صر احلمريي من دول��ة االم��ارات العربية املتحدة ،والدكتور علي عبداهلل خليفة من مملكة البحرين ،والدكتور مـحمـد البيايل من اململكة العربية ال�سعودية.
�سباقات العيالة وامليدان والربعة
جدير بالذكر �أن عدد الفرق التي �شاركت يف املهرجان ت�سع ف��رق �شعبية يف فنون "العيالة وامليدان والربعة" ،وجاءت نتائج املهرجان كالتايل ،يف فن العيالة ح�صلت فرقة �صقور اخل��اب��ورة للفنون ال�شعبية على امل��رك��ز الأول ،بينما ح�صلت فرقة ق�صبية �آل بريك للفنون ال�شعبية على امل��رك��ز ال�ث��اين ،وح�صلت فرقة ال�سيلف ل�ل�ف�ن��ون ال�شعبية ع�ل��ى امل��رك��ز ال�ث��ال��ث. ويف ف��ن امل �ي��دان ح�صلت ف��رق��ة الأج�ي��ال للفنون ال�شعبية على املركز الأول ،فيما ح�صلت فرقة االختيار للفنون ال�شعبية على املركز الثاين ،وح�صلت فرقة الطيبة للفنون ال�شعبية على املركز الثالث ،ويف فن الربعة ح�صلت فرقة املجد للفنون ال�شعبية على املركز الأول ،فيما ح�صلت فرقة �شباب الأ��ش�خ��رة للفنون ال�شعبية على املركز الثاين ،وح�صلت فرقة املثالية للفنون ال�شعبية على املركز الثالث
المرصد 18 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
بني دعم تعلم العربية ومقاومة «الإ�سالموفوبيا»
«اإلسيسكو»
تدعو إلى الحوار للتعايش السلمي وا�شنطن -خا�ص
نظمت املنظمة الإ�سالمية للرتبية والعلوم والثقافة «�إ�سي�سكو» ،وم�ؤ�س�سة غرناطة للن�شر واخلدمات الرتبوية ،بالتعاون مع مركز املعلومات وامل�صادر العربي ،ال�شهر الفائت ملتقى تكوينياً حول توظيف امل�ستجدات الرتبوية والتكنولوجية لتطوير تعليم اللغة العربية يف البيئات الثقافية الغربية.
جاء هذا امللتقى ال��ذي ا�ست�ضافته وا�شنطن خالل الفرتة من � 20إىل � 23سبتمرب املا�ضي، يف �إطار التعاون بني م�ؤ�س�سة غرناطة للن�شر واخلدمات الرتبوية العاملة يف جمال �إعداد الو�سائل التعليمية والكتب املدر�سية لتعليم اللغة العربية يف ال�غ��رب ،ومركز املعلومات وامل�صادر العربي ال��ذي يعمل انطالق ًا من مق ّره يف وا�شنطن ،على التعريف بالثقافتني العربية والإ��س�لام�ي��ة يف ال��والي��ات املتحدة الأمريكية ،وان��درج تنظيم الن�شاط يف �سياق اجلهود التي تبذلها الإ�سي�سكو لتن�سيق العمل الرتبوي الإ�سالمي يف الغرب بني امل�ؤ�س�سات املتخ�ص�صة واملهتمة� ،سعي ًا واملراكز والهيئات ّ �إىل تطوير طرق تعليم اللغة العربية للناطقني بغريها ،والتعريف بالو�سائل التكنولوجية والإ� �ص��دارات املدر�سية احلديثة واملنا�سبة لتعليم العربية يف البيئات الثقافية الغربية.
عدد من امل�شاركني يف امللتقى
�آليات جديدة
� �ش��ارك يف �أع �م��ال امللتقى ث�لاث��ون م��د ّر��س� ًا وم�س�ؤو ًال تربوي ًا من م� ّؤ�س�سات تعليمية وتربوية يف الواليات املتحدة الأمريكية ،حيث ناق�ش ع ��دد ًا م��ن امل��و��ض��وع��ات ال�ترب��وي��ة م��ن بينها امل�شروع الرتبوي العربي الإ�سالمي يف الغرب «�أ�س�سه و�آف��اق ال ّنهو�ض ب��ه» ،وخ�صو�ص ّيات الكتاب املدر�سي لتعليم العربية للناطقني بغريها ومرجع ّيات ّت�أليفه ،ومناهج �إع��داد ال��دّرو���س على ��ض��وء ال�ن�ظ��ري��ات التعليمية احلديثة ،وا�ستثمار ال�س ّبورة الإلكرتونية الذكية يف تدري�س اللغة العربية للناطقني بغريها، وتقومي الطالب «�أنواعه ووظائفه و�أهدافه»، املتخ�ص�صني لتعليم وت�أهيل املد ّر�سني غري ّ العربية يف امل�ؤ�س�سات التعليمية يف الواليات املتحدة الأمريكية ،كما �أتاح امللتقى للم�شاركني فيه جم��ال ال �ت��د ّري��ب على �إع� ��داد ال��درو���س وتقدميها يف خمتلف موا ّد اللغة العربية. و�أ���ش��رف ع�ل��ى �أع �م��ال امللتقى خ�ب�ير دويل متخ�ص�ص يف جمال تعليم العربية للناطقني ّ بغريها ،ومثل الإ�سي�سكو فيه �أخ�صائي برامج يف مديرية الرتبية عادل بوراوي. من جانب آ�خ��ر ،دعا اخل�براء امل�شاركون يف
جانب من احل�ضور
الندوة الدولية ح��ول «الإ�سي�سكو وامل�سلمون يف الغرب» التي اختتمت �أعمالها يف مدنية �شف�شاون «�شمال اململكة املغربية»� ،إىل العمل على �صون املقومات الثقافية للم�سلمني خارج ال�ع��امل الإ� �س�لام��ي ،ع��ن ط��ري��ق تعزيز وعي الأجيال اجلديدة بثقافتها الإ�سالمية وتعليمها اللغة العربية من خالل ا�سرتاتيجيات حمكمة،
ضرورة التواصل بين اإلسيسكو والمنظمات اإلسالمية لمواجهة اإلسالموفوبيا
وب��رام��ج م�ستمرة ب��ال�ت�ع��اون م��ع املنظمات وامل�ؤ�س�سات العاملة يف هذا املجال. و�أك ��دوا على �أهمية م� ِّ�د ج�سور التوا�صل مع ال�ك�ف��اءات امل�سلمة خ��ارج ال�ع��امل الإ�سالمي و�إ�شراكها يف بنائه بخرباتها وا�ست�شاراتها، وا� �س �ت �ك �م��ال ق��واع��د ال �ب �ي��ان��ات ال��را� �ص��دة لتخ�ص�صات ه� ��ؤالء اخل�ب�راء وعناوينهم. كما دع��وا �إىل موا�صلة الت�صدي للحمالت الإع�لام�ي��ة املنظمة واملتوا�صلة يف الغرب للتخويف م��ن الإ� �س�لام «الإ�سالموفوبيا»، الهادفة �إىل تهييج الر�أي العامل العاملي �ضد
المرصد 20 الـعــــدد 157 نوفمبر
ال���ص��ور النمطية ع��ن الإ� �س�لام يف و�سائل الإعالم الدولية. و�أ� �ش��ار اخل�ب�راء �إىل �أن احل��اج��ة �أ�صبحت ما�سة لل�شروع يف مرحلة جديدة من التوعية ب�أهمية دور التقريب بني امل�سلمني ومذاهبهم وم�ؤ�س�ساتهم يف عمل م�شرتك على خمتلف الأ�صعدة للتعريف بثوابت الإ�سالم وثقافته و�أثرها يف �إ�سعاد الب�شرية ،و�إب��راز النموذج احل�ضاري الإ�سالمي للعامل من خالل ا�ستعادة الأم��ة لذاتيتها الثقافية ال��واح��دة .و�أ��ش��ادوا باجلهود الكبرية التي قامت بها الإ�سي�سكو يف هذه املجاالت ،مطالبني بتعزيزها وتكثيفها، ملا لها من �آثار �إيجابية يف التعريف بالإ�سالم واحل �� �ض��ارة الإ� �س�لام �ي��ة ،وت�ع��زي��ز التوا�صل والتعاون بني امل�ؤ�س�سات والهيئات الإ�سالمية يف الدول الغربية.
2012
�ضد التحري�ض
الإ� �س�لام وامل�سلمني ،وردع �ه��ا ع��ن حتقيق �أه��داف �ه��ا ال �ه��دام��ة ،وحت��ذي��ر ال �ع��امل من تفاقم خطرها على امل�صالح العامة جلميع الأط ��راف ،وذل��ك من خ�لال عمل �إعالمي حمكم.
�ضرورة التوا�صل
و�أو�� �ص ��ى اخل�ب��راء ب�ت�ع��زي��ز ال �ت��وا� �ص��ل بني الإ�سي�سكو واملراكز واجلمعيات الإ�سالمية يف الغرب ،من �أجل العمل على تنفيذ الأن�شطة الثقافية والرتبوية لتدعيم العمل الثقايف الإ��س�لام��ي وف��ق اال�سرتاتيجيات وال�برام��ج والأن�شطة املقررة يف هذا املجال داعني �إىل تعزيز االت�صال بو�سائل الإع�ل�ام املختلفة
الهجوم على الرموز الدينية يهدد السلم واألمن العالميين للتعريف بالثقافة الإ��س�لام�ي��ة ودوره���ا يف البناء احل�ضاري والتعاي�ش الإن�ساين واحلوار الثقايف ،و�أثر ذلك على ال�سلم العاملي ومقاومة العن�صرية وثقافة الكراهية والإق�صاء. ووجهوا دعوة �إىل الإ�سي�سكو لتكثيف تنظيم ال� ��دورات التدريبية لفائدة ال�صحافيني، ا�ستناد ًا �إىل منهاجها الدرا�سي حول معاجلة
يجب مواجهة تشويه الغرب لإلسالم بأسلوب حضاري منظم
�أي���ض� ًا ك��ان ثمة ت�أكيد على � �ض��رورة اتخاذ ا إلج��راءات القانونية الالزمة يف حق و�سائل الإع�ل�ام ال�سمعية والب�صرية والإلكرتونية وامل�ط�ب��وع��ة امل�ح��ر��ض��ة ع�ل��ى �أع �م��ال العنف والكراهية للم�سلمني ،والتع�صب والتمييز �ضد الدين الإ�سالمي ،وا�ستهداف القر�آن ال �ك��رمي وال��ر� �س��ول حممد «�صلى اهلل عليه و��س�ل��م» وان�ت�ه��اك ح��رم��ة امل���س��اج��د ،تنفيذا ل �ل �ق��رار الأمم� ��ي رق ��م « ،»224/65ب���ش��أن مناه�ضة ت�شويه �صورة الأديان. ودع ��ا اخل�ب�راء امل�ن�ظ�م��ات احل�ك��وم�ي��ة وغ�ير احلكومية وج�ه��ات االخت�صا�ص الق�ضائية يف العامل الإ�سالمي �إىل رفع دع��وى �ضد كل �شخ�ص �أو م�ؤ�س�سة ت�سيء �إىل الإ�سالم ورموزه ل��دى املحاكم ال��دول�ي��ة املخت�صة ،مذكرين ب�سوابق يف �إ�صدار قوانني �ضد من ي�سيء �إىل جماعات خا�صة مثل ق��ان��ون جت��رمي معاداة ال�سامية ،حيث مل يغب عن مائدة احلوار دعوة القائمني باالحتجاجات يف العامل الإ�سالمي على الفيلم امل�سيء للر�سول الكرمي وغريه من الأعمال� ،إىل الهدوء و�ضبط النف�س ،وعدم اللجوء �إىل العنف والتخريب ،ونهج �أ�سلوب احلكمة والتب�صر يف �إدانة الأعمال التي مت�س
لقطة تذكارية جتمع امل�شاركني يف امللتقى
الدين الإ�سالمي ورموزه ب�أ�سلوب ح�ضاري ال
ي�سيء �إىل امل�سلمني وال ير�سخ ال�صورة النمطية على المسلمين تبني عنهم لدى �أعدائهم ،واللجوء بد ًال من ذلك آليات واضحة لتحسين �إىل رفع ق�ضايا قانونية �ضد من ي�سيء �إىل صورتهم لدى العالم
الإ�سالم و�إىل قيمه. �إذ �شددوا على �ضرورة �أن يعمل امل�سلمون ب�شكل مت�ضامن ومتكامل على التعريف بالإ�سالم ور��س��ول��ه «�صلى اهلل عليه و�سلم» يف حملة �إيجابية ملقاومة الإ�ساءة للإ�سالم ،ومواجهة
ظ��اه��رة الإ��س�لام��وف��وب�ي��ا ،ت�ت�ج��اوز حمالت اال�ستنكار وال�شجب و�أعمال العنف وال�شغب. واقرتح اخلرباء على منظمة الإ�سي�سكو عقد ندوة دولية حول «جتديد اخلطاب الإ�سالمي
عن الإ�سي�سكو تبلورت فكرة املنظمة يف تو�صية من امل�ؤمتر الإ�سالمي التا�سع ل��وزراء اخلارجية «دك��ار ـ ال�سنغال � 24 - 28 :أبريل 1978م» ،وردت يف القـرار رقم 9/9ـ ث ،ب�ش�أن تو�صيات امل�ؤمتر العاملي الأول للتعليم الإ�سالمي .ثم كان القرار الأعلى ال�صادر عن م�ؤمتر القمة الإ�سالمي الثالث «مكة املكرمة ـ اململكة العربية ال�سعودية : 25 - 28يناير 1981م» ،ت�أكيداً لإن�شاء جهاز �إ�سالمي دويل جديد �ضمن �أجهزة العمل الإ�سالمي امل�شرتك يف �إطار منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي ،حمل ا�سم« :املنظمة الإ�سالمية للرتبية والعلوم والثقافة» .وج��اء يف ق��رار م�ؤمتر القمة الإ�سالمي الثالث حتت رقم 6/3ث «ق �أ» حول املنظمة الإ�سالمية للرتبية والعلوم والثقافة. ون�ص ميثاق املنظمة الإ�سالمية للرتبية والعلوم والثقافة على �أن ك َّل دولة ع�ضو ّ ً ً يف منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي ،ت�صبح ع�ضوا يف الإ�سي�سكو بعد توقيعها ر�سميا على امليثاق ،وبعد ا�ستكمال الإج��راءات القانونية والت�شريعية لقرار االن�ضمام و�إ�شعار الإدارة العامة للإ�سي�سكو بذلك خطياً ،وال يحق لأي دولة غري ع�ضو �أو غري مراقب يف منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي� ،أن تكون ع�ضواً بالإ�سي�سكو .وبلغ عدد الدول الأع�ضاء يف املنظمة الإ�سالمية حتى الآن « »50دولة ،من جمموع الدول الأع�ضاء يف منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي البالغ عددها « »57دولة.
يف الغرب» ،وكذلك تنظيم ور�ش تكوينية يف جم��ال احل ��وار ،و«�آل �ي��ات ت�صحيح ال�صورة النمطية عن الإ��س�لام وامل�سلمني يف الكتب واملناهج الدرا�سية الغربية ». و�شهدت اجلل�سة اخلتامية للحدث ،كلمة رئي�س جمعية الدعوة الإ�سالمية يف �شف�شاون علي الري�سوين ،الذي �أ�شاد بجهود الإ�سي�سكو على امل�ستويات املحلية والإ�سالمية والدولية، ودوره� ��ا يف ت�ع��زي��ز احل���وار ب�ين ال�ث�ق��اف��ات، والرد على حمالت الت�شويه الإعالمي ل�صورة الإ�سالم وامل�سلمني يف الغرب. و�أكد املدير العام للإ�سي�سكو يف كلمة له على ال��دور احل�ضاري والثقايف ملدينة �شف�شاون وعراقتها و�أ�صالة �سكانها ،حيث رك��ز على �أهمية عقد ن��دوة ح��ول مو�ضوع «الإ�سي�سكو وامل�سلمون يف ال�غ��رب» يف ال�ظ��روف الدولية ال�صعبة التي يعي�شها العامل الإ�سالمي اليوم، وال�ت��ي ت�شهد هجمة �إع�لام�ي��ة �شر�سة على الإ�سالم ور�سوله الكرمي ،مما ي�شكل خطر ًا على ال�سلم والأم��ن العامليني ،والتعاي�ش بني ال�شعوب ،وي�ه��دد بن�سف جهود العقالء يف العاملني الإ��س�لام��ي وال�غ��رب��ي ال�ساعية �إىل ن�شر قيم الإخاء والت�سامح والعي�ش امل�شرتك، وتفعيل احل��وار بني الثقافات والتحالف بني احل�ضارات والتعاي�ش بني الأديان
22 الـعــــدد 157 نوفمرب 2012
اآلفاق ارتياد مدارات
مدارات اآلخر والمفارقة �س�ؤال
ال� �ب� �ح ��ث ال� �ع ��رب ��ي ع��ن ال � � � ��ذات ،يف ال �ع �� �ص��ر احل��دي��ث ،مل ي �ط��رح �إال يف ت���س��اوق م��ع اكت�شاف الآخ ��ر ،وق��د ��ص��ار غري الآخ� ��ر ال���ذي ت���ش�ك�ل��ت ل ��دى ال �ع��رب ع�ن��ه � �ص��ور وم�ت�خ�ي�لات ق��دمي��ة .ك��ان الآخ ��ر ،ال �غ��رب ،يف املتخيل العربي م�ت�خ�ل�ف� ًا وق� ��ذر ًا ،وب���س�ي��ط التفكري، ي ��ؤم��ن ب��اخل��راف��ات ويخ�ضع ل�سلطة رجال الدين الذين يبيعون له �صكوك الغفران ،لكن ال�صدمة اال�ستعمارية جعلتهم يكت�شفون غ��رب� ًا �آخ��ر ،قطع �أ� �ش��واط � ًا بعيدة يف امل��دن�ي��ة والتطور احل�ضاري والتقدم العلمي والتنظيم العك�سري. بالرغم من تغري النظرة بعد االحتكاك املبا�شر ،ظل �آخر وخمتلف ًا� .إنه ،قبل الآن ،غ��از يحتل ال �ب�لاد وال�ث�روات، ع�ك����س م��ا ك ��ان ع�ل�ي��ه الأم� ��ر ق��دمي��ا، ح�ي��ث ب ��اءت ك��ل حم��اوالت��ه بالف�شل. ل �ك �ن��ه الآن ،ال ي �ك �ت �ف��ي ب��االح �ت�لال واال�ستيطان ،و�إح��داث تغريات على ال�ب�ن�ي��ات ال�ت�ح�ت�ي��ة ف �ق��ط� .إن ��ه ي��روم �أي�ضا الت�أثري على الذهنيات وحتويل
املعتقدات وتبديل التقاليد والعادات. وبذلك مل ينظر �إىل اال�ستعمار على �أنه اقت�صاد فقط ،ولكنه �أي�ضا فكر وثقافة. ومن هنا انربت املقاومة للآخر .كانت ال�سلفية �إيذانا ل�صراع ال هوادة فيه مع الغرب واحل�ضارة الغربية منذ نهايات القرن التا�سع ع�شر وحتى نهاية احلرب الثانية .ثم تلتها اال�شرتاكية لتميز بني غرب ر�أ�سمايل وغرب حترري و�إن�ساين ون�صري. م��ع ان �ه �ي��ار امل�ن�ظ��وم��ة اال� �ش�تراك �ي��ة، واحتالل �أمريكا موقع �صدارة متثيل الغرب كانت احلركات الإ�سالمية قد ا�ستعادت ب��دوره��ا موقع ال���ص��دارة. وب��ع��د �أح� � ��داث احل � ��ادي ع �� �ش��ر من ��ش�ت�ن�بر ،ت�ب��دل��ت ال �ع�لاق��ة م��ع الآخ��ر و�� �ص ��ارت �أك �ث�ر ع �ن �ف��ا وت �ط��رف��ا من ال �ط��رف�ين م �ع��ا .ل �ق��د ح �ل��ت م��واج�ه��ة الإ�سالم حمل ال�شيوعية . ل �ق��د ات �خ��ذت �أم��ري �ك��ا يف ��ص��راع�ه��ا م��ع امل �ن �ظ��وم��ة اال� �ش�تراك �ي��ة م�ف�ه��وم «ال�شيوعية» ،ر�أ���س حربة للمواجهة ،لأن ��ه ي�ج���س��د م��ا ك ��ان ي�ط�م��ح �إل �ي��ه اال�� �ش�ت�راك� �ي ��ون :ب� �ن ��اء «امل �ج �ت �م��ع
الالطبقي» حت��ت �سلطة «دكتاتورية الربوليتاريا» .ولذلك مل تكن تتحدث عن اال�شرتاكية� .سارت �أمريكا على ال�ن�ه��ج ن�ف���س��ه يف ت�سمية احل��رك��ات الإ�سالمية املتطرفة .لقد اختزلتها يف «الإره ��اب» ما دام �أ�صحاب هذه احل ��رك ��ات ي �ن �� �ش��دون ال �ق �ط �ي �ع��ة مع الغرب وبناء «الدولة ـ اخلالفة» التي تطبق فيها «ال�شريعة الإ��س�لام�ي��ة»، ومل تكن تتحدث عن الإ�سالم ب�شكل مبا�شر ،و�إن ك��ان��ت الإ���ش��ارات ،بني الفينة والأخرى ،دالة وبينة. ال ي��زال هذا ال�صراع متمركزا حول الإ��س�لام وق��د �صار ردي��ف الإره��اب، �أو جم�سدا من خ�لال حركات ت�ؤمن بالعنف لتحقيق الدولة الإ�سالمية. ما ميكن ت�سجيله يف هذه ال�صريورة هو �أن الآخ��ر� ،سواء ل��دى املتطرفني �أو املعتدلني معا ،وجهان متناق�ضان: �سيا�سة وثقافة .وب�إزائهما معا نحن �أمام مفارقة مزدوجة :يكون التحالف الر�سمي ،على امل�ستوى ال�سيا�سي مع الآخ��ر ،ما دام التحالف موجها �ضد احل��رك��ات امل �ن��اوئ��ة داخ �ل �ي��ا ،و� �س��واء
�سعيد يقطني
ك��ان��ت ه��ذه احل��رك��ات ا��ش�تراك�ي��ة �أو �إ�سالمية .ويف الوقت نف�سه يتم رف�ض « فكر» الآخ��ر و«ثقافته » ما دام ذلك يتعار�ض مع « الفكر» الر�سمي ال�سائد. وباملقابل ،جند لدى احلركات املعار�ضة رف�ضا ل�سيا�سة الآخر حني تكون موجهة �ضدها ،وقبوال لها حني تكون لفائدتها «حقوق الإن�سان والدميوقراطية» ،وجند ال�شيء نف�سه حني يتعلق بقبول عنا�صر م��ن ف�ك��ر الآخ���ر وث�ق��اف�ت��ه ��ض��د الفكر الر�سمي ال�سائد. �إن�ه��ا االنتقائية يف التعامل م��ع الآخ��ر وفكره و�إنتاجه تبعا ملقت�ضيات م�صلحة خا�صة .وما دامت الذات تظل تبحث عن ذاتها دون �أن جتدها ،ف�إنها ت�سرت�شد بالآخر كلما ا�ستدعت ال�ضرورة ذلك، حتى و�إن كانت تدعي العك�س. غ�ي�ر �أن ال ��وج ��ه الأك �ب��ر ل�ل�م�ف��ارق��ة يكمن يف التعامل م��ع منتوج الآخ��ر ال�صناعي والتكنولوجي ومع خربات علمائه ومهند�سيه ورج ��ال �أعماله وم�ستثمريه بال عقد وال م�شاكل .يتم ا�ستهالك كل ما ينتجه ه��ذا الآخ��ر، وا�سترياد كل منتجاته من الورود �إىل
الطائرات النفاثة بل وحتى الأ�سلحة امل�ه�ترئ��ة ،م ��رورا بالعطور وخمتلف مواد الزينة والتجميل وكل الب�ضائع م��ن �أب���س�ط�ه��ا �إىل �أك�ثره��ا تعقيدا. لذلك ن��رى احلياة اليومية العربية، يف ج��زء م�ن�ه��ا ،ن�ت��اج م�ن�ت��وج الآخ��ر، وحتى نظام املبادالت مع هذا الآخر ال يتوقف �أبدا حيث �أن الواردات �أكرث من ال�صادرات. ل�ك��ن ح�ين يتعلق الأم ��ر بالنظريات وال �ع �ل��وم املختلفة يف جم��ال الآداب وال � �ف � �ن� ��ون وال � �ع � �ل� ��وم الإن� ��� �س ��ان� �ي ��ة واالجتماعية وال�ف�ك��ر جن��د احلديث ع��ن «ا��س�ت�يراد» النظريات والعلوم، وي �ت��م ات��ه��ام ب�ع����ض امل �ث �ق �ف�ين ،تبعا لذلك ،ب�أنهم «عمالء» الغرب والآخر، و�أن��ه��م ي �ق��وم��ون ب �ـ«ا� �س �ت�ي�راد» ه��ذه النظريات واملناهج يف حتليل الأدب واملجتمع والتاريخ� .إمنا يعملون على الق�ضاء على الثقافة العربية وعلى اللغة العربية ؟ �إىل م �ت��ى ن �ظ��ل ن�ت�ع��ام��ل م��ع الآخ���ر، ه��ذا التعامل امل���زدوج ،ف ُنقبل على «ا� �س �ت�يراد» ك��ل خم��زون��ات م�صانع
الآخ � � ��ر ب� �ه���دف اال�� �س� �ت� �ه�ل�اك ،يف ح�ين ن��رف����ض «ال�ت�ف��اع��ل» م��ع ،ولي�س «ا�سترياد» املجهود الفكري والثقايف والعلمي ال��ذي ي�صدر عن خمتربات ال �ب �ح��ث ال �ع �ل �م��ي ،ب��ه��دف ال�ت�ف�ك�ير والبحث والإنتاج؟ تلك هي املفارقة. يف جم��ال العلوم وامل�ع��ارف ال ميكننا �أن نتحدث عن «اال�سترياد» ،ولكن عن «التفاعل» .قد يكون التفاعل �إيجابيا ح�ين ن�ع��ي ج�ي��دا ال �� �ش��روط والآل �ي��ات التي تتحكم يف �إنتاج املعرفة ،ون�ؤمن بن�سبيتها ،فنعمل من �أجل تطويرها. وقد يكون التفاعل �سلبيا حني نتعامل مع املعرفة «الأخرى» على �أنها نتائج نهائية .وهذا هو ال�سائد عندنا ،لأنه نتاج «رد الفعل» �ضد الذين يناوئون «ثقافة الآخر» ويرف�ضونها. املفارقة مزدوجة :رف�ض لفكر الآخر، با�سم «الأ���ص��ال��ة» .وق��ب��ول ل��ه با�سم «احل��داث��ة» .وباال�سمني نظل ن��راوح «رد ال��ف��ع��ل» و«ال��ت��ف��اع��ل ال�سلبي». ف��أن��ى لتفاعلنا �أن ي��ك��ون �إيجابيا؟ ���س��ؤال م��ع��ريف؟ فمتى �سنطرح هذا ال�س�ؤال؟
الملف 24 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
هل هي �أ�ضيق مما ت�ستحقه الثقافة؟
فضاءات الكتب المستعملة في العالم العربي جتول امللف يف املدن العربية التالية :
�أبوظبي ،ال�شارقة ,القاهرة ،اال�سكندرية ،بغداد ،الدار البي�ضاء ،تون�س ،اجلزائر ،طرابل�س ،بنغازي ، ،املنامة، الكويت ،م�سقط ،الريا�ض.
�شارك يف �إعداد امللف : عبد اجلليل ال�سعد -حممد ال�سقا �صفاء البيلي -عبد الرحيم اخل�صار �إدري�س ع ّلو�ش
عادة ما يخرج القارئ من بيته باحثاً عن املعرفة فيلج�أ �إىل املكتبات واملعار�ض التي ت�ضع �أمامه الكثري من العناوين اجلديدة ،لكنه �أحياناً يغري الوجهة فيع ّرج �صوب كتاب تناولته يد �أو �أيا ٍد �أخرى قبله ،و �سهرتْ معه عني �أو عيون �أخرى ال يعرف عنها �أي �شيء. الكتاب امل�ستع َمل �أو ما ي�سميه باولو كويلهو «الكتاب امل�سافر» الذي ينتقل من يد �إىل �أخرى ومن قارئ �إىل �آخر ،نتعقبه بالعامل العربي ون�سافر معه يف الف�ضاءات التي حتت�ضنه يف العوا�صم واملدن الكربى.
الملف 26 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
«كتبية» القاهرة يحلمون بالعودة �إليه
سور األزبكية..
مستودع الذاكرة الثقافية المصرية يف العقود املت�أخرة ،رمبا تكون القاهرة قد تنازلت ل�شقيقتها بريوت عن لقبها ك�أكرب قوة طباعة ون�شر للكتب ،لكن يبقى بيع و�شراء الكتب يف القاهرة يف تزايد ،ون�سبة تداول الكتب فيها هي الأعلى عربياً. زيارة لبائعي الكتب يف الأزبكية املعروفة بـ «�سور الأزبكية» تقدم للقارئ واملثقف العربي ملحات م�ستمرة عن ما�ضي القاهرة الثقايف والأدبي .وال �أكون مبالغاً �إذا قلت �أن �سوق الكتب يف الأزبكية ال يناف�سه ُ �ضفاف نهر ال�سني مبدينة باري�س يف فرن�سا ،فكالهما يحت�ضن الثقافة وي�سعى يف تفرده الثقايف �إال لتقدميها للنا�س مببال َغ زهيدة .واحلقيقة �أن �سور الأزبكية لي�س جمرد مكان لبيع الكتب القدمية بل هو ذاكرة جمعية للثقافة ..ومكتباته م�ستودعات لت�شكيل العقل اجلمعي امل�صري .ورفوفه املكتظة هي قبلة الباحثني والكتاب واجلمهور املثقفني بل والقارئ العادي.
ف�إن كنت �شغوف ًا بالقراءة �أو باحث ُا �أكادميي ًا �أو طالب ًا باجلامعة �أو مهتم ًا بالثقافة �أو حتى طف ًال �صغري ًا يبحث عن «حكايات ميكي» �أو كنت مغرم ًا بال�صحف واملجالت القدمية ف�أنت مدعو لتبلغ حاجتك وحت�صل على غايتك بني رفوف الكتب هناك وبثمن بخ�س لن يتجاوز جنيهات معدودة. قبل ربع قرن من الزمان كان الإذاع��ي والأديب
الكبري �سليمان فيا�ض يبث برنامج �إذاعي يحمل عام ازدحام ًا �شديد ًا ورواج ًا يف حركة البيع رغم ا�سم «�سور الأزبكية» و�إليه يرجع �إط�لاق لقب افتقاره �إىل نوع من التنظيم. «جامعة الفقراء» على �سور الأزبكية و�سوقه� .أما الهيئة امل�صرية العامة للكتاب فقد حفظت ماء دكتوراه من �سور الأزبكية! وجهها بتخ�صي�ص مكان بنف�س اال��س��م� :سور الأزبكية ،يف معر�ض القاهرة ال��دويل للكتاب ،جاء من �أ�سوان قبل �أربعني �سنة لي�ستقر مع �أخوته واملفاج�أة كانت �أن هذا الق�سم هو الذي ي�شهد كل يف القاهرة ويرث املهنة من والده احلاج الركابي
بائع الكتب القدمية ..كان يبيع الكتب يف منطقة الإ�سعاف ثم يف الأزه��ر ثم ا�ستقر به املقام يف �سوق الأزبكية ،وال��ده كان على ال�سور منذ عام 1940م ،يتحدث �أحمد الركابي الر�شيدي الذي ح�صل على املاج�ستري ثم الدكتوراه من كلية الآداب عن �إهانة ال�سور حتت عني و�سمع وزارة الثقافة يف العهود ال�سابقة ،يتحدث عن بائعي الكتب مب�صطلح «الكتبية» وي�شرحه يل ب�أنه يوازي ا�سم «الوراقني» قدمي ًا. املربع اجلغرايف للأزبكية يتكون من الأوب��را، وامل�سرح القومي ،وم�سرح العرائ�س و�سور حديقة الأزبكية الذي ا�ست�ضاف بائعي الكتب «ال ُكتبية» من 1930م حتى 1970م ومن بعدها بد�أت فرتة التيه وال�شتات لأك�شاك الكتب ب�سبب عمليات التطوير يف العا�صمة وليدفع بائعي الكتب الثمن يف كل مرة .ك�أنه خمطط لدفن عا�صمة الثقافة يف القاهرة «�سور الأزب�ك�ي��ة» منبع الثقافة يف م�صر ،هكذا يرى �أحمد الركابي امل�شهد. بح�سرة يتحدث الركابي عن فرتة ازدهار ال�سور بزواره الأجانب قبل العرب ،فحيث �أقف �أنا الآن وقفت «�آنا جو» رئي�سة املركز الثقايف الفرن�سي، و«ج��ي م��ارت��ن» رئي�س امللحق امل�صري مبتحف لندن ،وغريهم. ً �أم��ا عن نوعية الكتب الأك�ث�ر طلبا يقول �أحد البائعني :يف كل �صباح كنا نبيع رواي��ات �أني�س من�صور وجنيب حمفوظ وم�صطفى حممود ،الآن كتب التنمية الب�شرية والإ�سالم ال�سيا�سي والكتب التي تتحدث عن القانون �أو املجتمع �أو الثورات �أو املذاهب الفكرية كالليربالية �أ�صبحت الأعلى مبيع ًا .ويف النهاية تبقى القاعدة «�إذا مات امل�ؤلف زاد الطلب على كتبه» ...معادلة عجيبة يفهمها الكتبية جيد ًا .ويح�سنون ا�ستغاللها لك�سب قرو�ش �أكرث يف ثمن الكتاب الذي مات م�ؤلفه حديث ًا.
موت النوادر
الكتب املهمة م�صطلح متغري ،ف��ال��ذي يجعل الكتاب مهم ًا هو القارئ نف�سه ،فمتى كان العقل اجلمعي للقراء يقظ ًا وعلى م�ستوى ع� ٍ�ال منح الكتاب العميق �أهمية خا�صة ،ميكنك القول �إن الكتاب النادر ميوت مبوت من ي�س�أل عنه ،و�إن الكتاب املهم يفقد �أهميته مبوت املثقف الواعي
سور األزبكية ليس مجرد مكان لبيع الكتب القديمة بل هو ذاكرة جمعية للثقافة ومكتباته أسهمت في تشكيل العقل الجمعي المصري
حماولة باءت بالف�شل لإبعادهم عن �سور الأزبكية قبل ثمانني �سنة من الآن.
بعتها وندمت
يحكي �أحد الباعة بالأزبكية عن ن�سخة خمطوط لديوان ابن الفار�ض تعود �إىل الع�صر العبا�سي، وا�ستطرد يذكرين ب�أبيات من �إح��دى ق�صائده وك�أنه يعرفني بابن الفار�ض :
فا�سلَ ْم با َ حل�شا ما الهوى َ�س ْه ُل ُّ هواحلب ْ ف��م��ا اخ��ت��ـ��ـ��ـ��ـ��ا َر ُه مُ�����ض��ن ً��ى ب��� ِه ول��ـ�� ُه عَ�� ْق�� ُل حلـ ُّـب راحت ـ ُ ُه َعنـَاً الذي يفت�ش عنه .هذه خال�صة حواري مع �أحد وعِ ـ ْـ�ش َخـاليـاً فا ُ الباعة «احلكماء» يف �سور الأزبكية .و�أظنهم و�أول���ـُ���ـ���ـ���ـ��� ُه � ُ��س��ق��ـْ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� ٌم و�آخ���ـ���ـ���ـ���ـ��� ُره َق��ـ��ت��ـ��ـْ��ـ�� ُل جميع ًا قد وهبوا احلكمة من طول جماورة الكتب.
حلم الكتبية
يتفق جميع كتبية الأزبكية على حلم واحد يعرب عنه عم حربي – � 62سنة -بقوله« :بحلم �إن الدولة تهتم بال�سور كمنارة ثقافية ويتم ف�صل بائعي الكتب عن بائعي الإك�س�سوارات ال�صينية و�أدوات التجميل الذين احتلوا ال�شارع» �إنهم يف انتظار قرار تاريخي يعيدهم �إىل مكانهم القدمي حول �سور حديقة الأزبكية التي كان املهند�س الربيطاين «امل�س�ؤول عن رعاية حديقة الأزبكية» �إبان االحتالل الربيطاين ،ي�أمر بر�شهم باملاء يف
قطع ا�ستمتاعي بكلمات اب��ن الفار�ض تنهيدة بائع الكتب الذي ا�ضطر لبيع الن�سخة القدمية حلاجته �إىل املال ،ويكمل«:وما ندمت يف حياتي على �شيء كندمي على التفريط يف هذا املخطوط وال �أعلم �أين ذهب»�ص ،رمبا مت بيعه �إىل الأجانب ومنهم �إىل متاحف ومكتبات �أوروب��ا كما حدث مع مئات الكتب النادرة على حني غرة من �أهل الثقافة وال�سيا�سة يف بالدنا.
مكتبة القاهرة بدون كتاب عربي
الأ��س�ت��اذ �أح�م��د – كما يحب �أن يعرف نف�سه
الملف 28 الـعــــدد 157 نوفمبر
عن بع�ضها ب�شكل وا�ضح ،يف ك�شك منهم� ،أحد بائعي الكتب تراه يق ّلب يف كتاب �صور للأطفال وحوله عدد من الأطفال مع ذويهم وكتب الأطفال ب�ألوانها ال��زاه�ي��ة كفرا�شات متال�صقة ،وفى الك�شك املجاور جل�س رجل عجوز يرتدي جلباب ًا ي�شغل وقته ب�ق��راءة ال �ق��ر�آن ،ويف مقابله �شاب يدير مكتبتني يتنقل بينهما بخفة مرتدي ًا بنطلون جينز �ضيق وعلى مكتبه «الب ت��وب» و�سماعات ت�صدر عنها مو�سيقى الراب .وبقربه ك�شك فيه رجل و�أوالده يعاونونه يف ت�صنيف الكتب ،بينما جل�س عم �صربي كنبيل �أورب��ي و�سط كنوز كتبه املرتا�صة يف ك�شكه ال�ضيق� ،إنها م�صر جتتمع �أو تكاد مبختلف مكوناتها الثقافية واالجتماعية.
2012
�سور الأزبكية مدر�سة
بدون الإف�صاح عن بقية ا�سمه حتى �أنه كتب على بطاقة التعريف اخلا�صة به «الأ�ستاذ �أحمد» دون �أن يزيد على ذلك �شيء! با�ستثناء رقم الهاتف وا�سم مكتبته «مكتبة القاهرة» .تخ�ص�ص يف بيع كتب التاريخ باللغة الأجنبية ..لي�س لديه �أي كتاب باللغة العربية� ،إال �أن مكتبته التي مل تتجاوز م�ساحتها مرتين مربعني حوت بداخلها كنوز ًا ال تقدر بثمن ،كتاب ثمني لـ جا�ستون ما�سبريو 1916 – 1846يتحدث عن تاريخ احل�ضارات القدمية باللغة الفرن�سية وجمموعة هائلة من «رح�لات يف �آ�سيا و�أفريقيا» بعدة لغات ر�أيتها نائمة يف جمال �أجهده الزمن فوق رفوف املكتبة العتيقة.
حكاية ال�سور
العم عبد اهلل حممد – �62سنة -يحكي تاريخ والده مع ال�سور ومعاناتهم مع املهند�س الإجنليزي الذي كان ي�أمر ع�ساكره بر�شهم باملياه لإبعادهم عن �سور حديقة الأزبكية – املقر القدمي لبائعي الكتب -حتى ج��اءت ث��ورة 52م فكان ق��رار عبد النا�صر مبنحهم تراخي�ص للعمل ب�شكل م�ستقر، ويف العقود املت�أخرة وب�سبب عملية �إن�شاء مرتو ال�ق��اه��رة مت نقل البائعة بعد ه��دم الأك�شاك بالبلدوزر ب�إهانة �شديدة �إىل منطقة الدرا�سة
�إىل جوار اجلامع الأزه��ر ،ثم عادوا بعد انتهاء املرحلة الأوىل من امل�شروع ليدخلوا يف فرتة من التيه والبهدلة – ح�سب تعبريه� -إىل �أن �أمر عبد الرحيم �شحاته حمافظ القاهرة قبل �سبع �سنوات ببناء �سوق الأزبكية يف مكانه احلايل «على بعد خم�سني مرت ًا من �سور جنينة – حديقة -الأزبكية املكان القدمي لهم». �إنها مبثابة �أف�ضل �أر�شيف عتيق لع�شاق الكتب امل�ستعملة يف القاهرة منت�شرة يف ما يزيد عن 132 ك�شك موزعة يف �صفوف �ضيقة على �أربع حارات متوازية .بنيت بطراز معماري مميز ،ا�ستخدمت الأخ�شاب املطلية باللون البني القدمي لإ�ضفاء طابع تراثي عليها حتى �أن الذي يراه يظن �أنها من عهد املماليك! ..فالزخارف اخل�شبية هاللية ال�شكل تعلو جميع الأك�شاك يف تنا�سق ال يخلو من �إهمال غري خمل� .أما الباعة فعلى عك�س الأك�شاك املت�شابهة تالحظ �شخ�صياتهم م�ستقلة وخمتلفة
يحلم كتبية األزبكية بفصلهم عن بائعي اإلكسسوارات الصينية وأدوات التجميل وأن تنظر الدولة إلى السور كمنارة ثقافية
كل امل�شاهري يف عامل ال�صحافة والفن والأدب والثقافة هم يف احلقيقة تالميذ جنباء تخرجوا من مدر�سة �سور الأزبكية ..ال تكاد جتد �أح��د ًا ممن ملعت �أ�سما�ؤهم يف �سماء م�صر �إال ومر على �سوق الأزبكية كقارئ وباحث عن الكتب ،كان م�صطفى حممود ي�شرتي الكتب القدمية من «عم عبد اهلل» ،ال�سادات كان هنا ..عبد النا�صر مر من هنا ..الكاتب وال�سينار�سيت الراحل �أ�سامة �أنور عكا�شة كان يزو ال�سوق ب�شكل منتظم� ،سور الأزبكية كما يقول عم عبداهلل هو املكان الذي ي�أتيه امل�شاهري ..قبل �أن ي�شتهروا ..لكن بعد �أن ي�شتهر �أحدهم فهو ال ي�أتي �إال ن��ادر ًا ..لكن يكفي �أن يذكرنا يف مذكراته كما فعل ال�سادات يف كتابه «البحث عن الذات» ..ولكن يبقى الكتاب هو �صاحب اجلاللة على حد و�صف عم عبد اهلل ..ال �أخفيكم �سر ًا �سرت يف ج�سدي ق�شعريرة من قوة تعبريه التي �أ�ضافت �إليها جتاعيد الزمن املحفورة على ب�شرته ال�سمراء عمق ًا ال يو�صف. مل يفت عم عبد اهلل �أن ي�شري �إىل ظاهرة املر�أة ك�ق��ارئ وب��اح��ث ع��ن الكتب يف �سوق الأزبكية، بد�أت املر�أة تركب قطار القراء يف �سور الأزبكية ..وي�سرت�سل دومنا �س�ؤال "وابني حممد يعاونني يف املهنة واحلمد هلل رزقه وا�سع وفاحت بيته من ال�شغل معايا يف بيع الكتب ..و�سيبقى ال�سور مدر�سة تخرج امل�شاهري ..و�ستبقى ال�شهرة حتجبهم عنا و�ستبقى مذكراتهم مكان منا�سب
لرد اجلميل ..رمبا ...لكن الأكيد �أن الكتاب �سيبقى هو �صاحب اجلاللة الذي ال يعزل. �أحمد الد�سوقي – بائع كتب -ال��ذي اختفى ن�صف وجهه حتت نظارته العجيبة ..والن�صف الآخر مدفون يف �صفحات كتاب يقر�أه م�ستثمر ًا وقته �أثناء جلو�سه يف مكتبته يف القراءة ،منتظر ًا رزق��ه ال��ذي الب��د و�أن ي�أتي� ،أحمد تفاعل معي عندما حتدثنا عن م�صطفى حممود وكتاباته التي �أث��ارت ج��د ًال ..وطريقته يف الكتابة التي تعنى بطرح الأ�سئلة �أكرث من البحث عن الإجابة لتفتح للقارئ باب ًا �أو�سع للتفكري ..ميتلك �أحمد يف مكتبته جمموعة عالية القيمة من كتب قدمية �أ�صابتها ال�صفرة بفعل الزمن ..يلتقطها �أحمد ب�أنامله ..كجوهرة ثمينة ..ينف�ض عنها بع�ض الغبار ..يحملها بعناية �شديدة ..عمرها يزيد عن مائة �سنة ..هي يف احلقيقة كنوز ال تقدر بثمن .....لكن الزبائن م�ضطرون للبحث و�سط �أك��وام من الكتب واملجلدات بع�ضها يرجع �إىل ع�صور ال�سالالت اخلم�س! .البحث و�سط الكتب �سي�ستهلك من وقتك �ساعات ،لكن من العا�شرة �صباح ًا وحتى العا�شرة م�سا ًء يومي ًا عدا اجلمعة الأك�شاك يف ا�ستقبالك.
بائع كتب وحملل �سيا�سي
�أثناء جتويل يف احلارات ،لفت نظري رجل يرتدي قمي�ص ًا ر�سمي ًا بلون �أزرق ،و�سامته باقية حتى بعد �أن عاجلها الزمن ..طريقة جل�سته كنبيل �أو ثري خ�سر ممتلكاته لكنه احتفظ بالعظمة والأبهة ك�أنه خديوي �سابق� ،شعرت �أنه �أعمق مما يبدو ،قادين ف�ضويل للحديث معه ،ي�س�أله يف كل دقيقة �شابان �أو �أكرث عن كتب ومراجع �أجنبية يجيب بكال�سيكية و�شموخ ،يختال يف م�شيته كطاوو�س ،يح�ضر الكتاب املطلوب يف خفة حاوي �شعبي ،يجيد قراءة عدة لغات ،يحفظ ن�صو�ص ًا كاملة من الكتب ،تال على م�سامعي فقرة كاملة يحفظها من كتاب «البحث عن ال��ذات» الذي دون فيه الرئي�س امل�صري الراحل �أنور ال�سادات مذكراته« :كنت �أنزل �إىل �سور الأزبكية و�أنحني على ركبتي لأب �ح��ث ع��ن ك �ت��اب»..ال��خ ،تالها م��ن حمفوظاته وك��أن��ه مر�شد �سياحي يحفظ ذاك��رة املكان� ،أو موظف عموم يحفظ �أر�شيف
أنور السادات في مذكراته« :كنت أنزل إلى سور األزبكية وأنحني على ركبتي ألبحث عن كتاب» عمله ب�شكل جيد ،كان �أدا�ؤه �سينمائي ًا �إىل �أبعد حد ،تطرق �إىل احلديث عن عالقة ال�سور مع ال�سيا�سة ،فاملندوب الإجنليزي ك��ان ير�شهم باملاء لإبعادهم عن ال�سور ،وعبد النا�صر �أ�صدر �أوامره برتخي�ص الأك�شاك ليمنحهم حق احلياة، وال�سادات خلد ا�سم ال�سوق يف مذكراته ،وال�شتات واملطاردة كانتا �سمة التعامل يف النظام ال�سابق، �أما احلا�ضر فعم �صربي ال�سرجاين يراه �ضبابي ًا والر�ؤية غري وا�ضحة. قطع حتليله ال�سيا�سي ونه�ض من مكانه ودخل �إىل ممر �أ�ضيق داخل ك�شكه و�أخرج يل من بني خمب�أه كتاب «القاهرة يف �ألف عام» يوثق تاريخ القاهرة بال�صور من 969م �إىل 1969م ليطلعنا عم �صربي -على توثيق �صورة منطقة �سورالأزبكية يف هذا الكتاب يف ال�ستينيات ،لي�ؤكد �أن مكانهم الطبيعي حول ال�سور ويعمق جذور احلكاية التي امتدت عرب ال�سنوات.
�أقدم رجاالت ال�سور
�أما احلاج حممود حممد ال�صعيدي – � 72سنة
�أق��دم رج��االت ال�سور ،لديه �أحمد وحممدوكالهما يعمل يف مهنة بيع الكتب ،فمالحمه ال حتتاج �إىل �أ�سئلة ..خم�سون عام ًا ق�ضاها على �سور الأزبكية ..وال زال يف موقعه ..يعمل كابن الع�شرين ،جلبابه الب�سيط ..وحتته «ال�صديري الفالحي ال�شهري» وطاقية ككتبه القدمية كالتاج على ر�أ��س��ه ،جتاعيد وجهه حتكي حكايته مع الزمن ،يتجرع �أمل��ه الذي يخفيه حتت خفة دم��ه� ،س�ألته�« :إن��ت قدمي هنا؟» فقال يل :ال� ،أنا هنا من �أكرث من �أ�سبوع فقط ،وتركني وم�ضى يف �إكمال ترتيب كتبه املتناثرة ،درت حوله واعتذرت له عن �صيغة ال�س�ؤال التي مل تعجبه ،فتب�سم �ضاحك ًا ،وقال �صدقني �أنا ل�سه ب�أتعلم مهنة الكتب ،ثم جل�س على كر�سيه املك�سور يت�أمل ،وجل�ست �أنا بني يديه كتلميذ ،فطلب يل كوب ًا من ال�شاي ،وبد�أ حديثه ين�سال كال�سكني القاطع ،يتحدث عن �إهمال وتغييب و�ضيق حال و�صراع يومي مع م�ستجدات احلياة ،و�أكرث ما ي�ؤمل يف امل�شهد را�ض برزقه ،والأ�شد �أمل ًا ما�ض يف مهمتهٍ ، �أنه ِ �أنه ال يزال يحلم ب�أن يعود ال�سوق �إىل مكانه اال�صلي حول ال�سور على ال�شارع الرئي�سي ليعود القارئ يتجول بحريته و�سط الكتب بعيد ًا عن احتالل بائعي الإك�س�سوار و�أدوات التجميل الذين ي�شوهون �صورة املكان� ،إن��ه الأم��ل يف غدٍ جديد يحمل معه م�ستقب ًال �أف�ضل للثقافة ومعذبيها
الملف 30 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
ع المتن ِبي ببغداد شار ُ
ِق ْبل َ ُ م َّ العرَا ِقي ة ال َ ياة لل ُ ف ِ ثق ِ ح ِ على الرغم من التفجريات التي كثرياً ما كانت تق�ض م�ضاجع العراقيني بني حلظة و�أخرى وت�سرق الأمان من قلوبهم� ،إال �أنهم ما يزالون يحلمون اال�ستقرار ،وي�ؤمنون �أن الثقافة مهما ّ قل االهتمام بها يف جو �صار فيه القب�ض على رغيف خبز غري ملطخ بالدماء �أطيب ما يف احلياة! بني هم�سات املارة و�ضجيج �أ�صحاب املحالت و�أ�صوات الأغاين املتداخلة التي ت�شعر بكدها و�إنهاكها ال مكب ً وهي تخرج من املذياع ك�أنها �سارت طريقاً طوي ً ال بال�صخور ال�صلدة لت�سرتيح يف �آذان الواقفني على عتبات الدكاكني يقلبون ها هنا مرة وهناك �أخرى ..كامنا ُ كل يبحث عن ذاته يف كتاب!
�سابح... ورمبا لأن "�أعز مكان يف الدنا �سرج ُ كتاب" كما �صدح املتنبي جلي�س يف الزمان ُ وخري ٍ ذات يوم ليظل هو املتنف�س احلقيقي للمثقفني العراقيني كما هم�س بذلك �أحد املثقفني بذلك ذات ي��وم ،فمتى ذهبت وج��دت ال�شارع ميوج باحلركة ال يغيبه ال�سكون وال تخيفه طلقات الر�صا�ص و�أ�صوات القنابل. ً يقع ��ش��ارع املتنبي جغرافيا و�سط العا�صمة العراقية "بغداد" بالقرب من منطقة امليدان و�شارع الر�شيد ،وتاريخي ًا يعود �إىل �أواخر الع�صر العبا�سي ،مبنطقة يطلقون عليها "الق�شلة". و�شارع املتنبي الذي حتيطه املباين البغدادية العتيقة والتي ك��ان معظمها مقر ًا حلكم بني العبا�س ،ك��ان مثله مثل الكثري م��ن ال�شوارع العربية ال�ت��ي تهتم ب�ت�ج��ارة ال�ك�ت��اب بنوعيه اجلديد وامل�ستعمل ،وقد �أخذ �صيته و�سمعته التي �سرت هنا وهناك من الدور اجلليل الذي يقوم به يف تنوير وتثري الوعي عن طريق الكتاب الذي ما يزال يجد ع�شاقه رغم وح�ش التكنولوجيا والإنرتنت الطاغي ،ب إ�لإ�ضافة �إىل ذلك فهي حتوي مطبعة تعود �إىل القرن التا�سع ع�شر. كما يعترب امل�صدر الرئي�س لثقافة الأهايل ،تكون فيه حركة البيع وال�شراء ن�شطة لكنها ت�صبح �أكرث ن�شاط ًا وحركة يوم اجلمعة. ويف عهد امللك في�صل مت �إطالق ا�سم �شاعر العربية الأول «املتنبي» عام 1932تيمن ًا به ملا ا�شتهر عنه من �آيات ال�شجاعة والإقدام. يف �أوائ��ل الت�سعينيات من القرن املا�ضي ويف ظل احلظر الدويل الذي مت فر�ضه على العراق �صار هذا ال�شارع ،بخا�صة يوم اجلمعة ملتقى للمثقفني وحمبي الكتب حيث يقوم البائعون بعر�ض ما لديهم من الكتب من كل �صنف ولون، كما تنت�شر فيه مكتبات الر�صيف هنا وهناك. وال�شارع ُيقدّر طوله بحوايل كيلومرت ،وي�ستقبله متثال للمتنبي واقف ًا يف �إباء مي ِّمم ًا وجهه �شطر اجلانب ال�شرقي لنهر دجلة العظيم ،منتهي ًا بقو�س ارتفاعه يقرتب من الع�شرة �أمتار ،مزين ببيت ال�شعر املعروف بالبيت الذي قتل �صاحبه: «اخليل والليل والبيداء تعرفني /وال�سيف والرمح والقرطا�س والقلم» .وال��ذي ا�ست�شف منه النقاد مدى �شجاعة الرجل و�إقدامه.
ه��ا هنا يف �أروق ��ة ال���ش��ارع يجد ك � ٌل بغيته، حتى ع�شاق التكنولوجيا والكمبيوتر �صاروا يجدون مبتغاهم من الكتب الإلكرتونية «�سي دي» واخل��رائ��ط ،كذلك توجد عدة مكتبات تعر�ض اخلرائط والر�سائل الأثرية ،عالوة على كل �أنواع الكتب بجميع اجتاهاتها خا�صة ال�سيا�سية واالجتماعية والتاريخية ،وال�سعر ب�سيط يف متناول اجلميع ال يتعدى مبلغ الـ 250دينار ًا.
الشارع طوله حوالي كيلومتر يستقبله تمثال المتنبي واقف ًا في إباء وجهه شطر الجانب الشرقي لنهر دجلة العظيم
على الرغم من �أن ال�شارع مت افتتاحه ر�سمي ًا عام � 2008إال �أنه ما يزال �شاهد ًا هو ومن فيه من �أ�صحاب الدكاكني على عنف الأمريكان �أو «�أحفاد هوالكو» كما ي�سميهم البغداديون، حيث �أدم��ى ف� ��ؤاده العديد م��ن التفجريات املتتابعة والتي كان من نتائجها �أن التهمت ال�ن�يران مكتباتها العريقة وحتولت الكتب �إىل رم��اد .كما ُق ِت َل و�أ�صيب الكثريون ممن ما تزال دما�ؤهم �شاهدة على ه�ؤالء الذئاب وتلعنهم� .شارع املتنبي العريق ..رمبا ي�شبهه بع�ضهم ممن اعتادوا على ارتياده مبتحف للوجوه �إمعان ًا يف �أن�سنته حيث تعتاد الوجوه بع�ضها بل وتت�صادق يف كثري من احل��االت لت�صنع الثقافة ما ال ي�صنعه البارود واملال، قلب ي�شعر بدبيب �أما �أنا ..ف�أراه وقد نبت له ٌ �أقدام مواطنيه فيجمعهم بني جناحيه واهب ًا لهم دفء احلب و�شبع املعرفة!
الملف 32 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
باعة كتب ..أم عشاق؟ شارع النبي دانيال باإلسكندرية و�صلت �إىل الإ�سكندرية وكلي لهفة للقاء هذا ال�شارع من جديد ،حكايات كثرية ،ومواقف �إن�سانية وعظمة متوا�ضعة كانت يف انتظاري ..درا�ستي يف القاهرة مل ت�سمح يل ب�أن �أكون من زواره الدائمني ،بعد �أن ر�أيته اليوم �أكرر ما �أقوله دوماً :ال�شارع تاريخي بامتياز.. عليك �أن ت�ستقل �سيارة «املن�شية» وترتجل �إىل من مهنة �إىل ع�شق
الكورني�ش ،وبعد �أن تعطي ظهرك للبحر ،تتوجه �سري ًا على الأق��دام ملدة خم�س دقائق لت�صل �إىل �شارع النبي دانيال ال��ذي يكتظ يف ج��زءه الأول مب�ح�لات تبيع ب�ضائع �إل�ك�ترون�ي��ة� ،أم��ا اجل��زء الثاين فيبد�أ مع تقاطع �شارع �سعد زغلول ..تبدو الأك�شاك ال�صغرية هنا كموجات بحر هادئ على ي�سار ال�شارع ،رائحة الورق القدمي ت�شري وبقوة �أن التاريخ يباع هنا..
ع��م خمتار فهمي – �سنة ،يظهر حيوية ا�ستثنائية �أثناء بيعه للكتب، ك��ان ف�ضويل ي�سبقني ملعرفة كيف و�صل هذا الو�سيم �إىل مهنة بيع الكتب القدمية ،ق�صته مع الكتب بد�أت مع مكتبة بجوار بيتهم القدمي ،بد�أ يف تعاطي الكتب كقارئ نهم منذ طفولته ..وكانت �صداقته بابن �صاحب املكتبة ت�سمح له بالقراءة دون حتمل تكاليف �شراءها ..مع الأي��ام ارتبط بالكتب وكانت احلاجه لتوفري بع�ض املال كافية
�صاحب ك�شك كتب52 -
لأن يبد�أ عم خمتار يف جت��ارة الكتب ال�صغرية بيع ًا و�شرا ًء يف يوم اجلمعة �أمام امل�ساجد الكربى م�ستغ ًال وجود عدد كبري من النا�س ،وكانت مكتبته هي عربة يد خ�شبية ،يقول عم خمتار :وكنت �أقر�أ �أكرث مما �أبيع فتحولت �إىل عا�شق للكتب ،يف بداية ال�سبعينيات كان امتالك مو�ضع قدم يف النبي دانيال حلم لبائعي الكتب. بد�أ عم خمتار يبيع كتبه على عربة اليد العتيقة، جتمعت العربات يف ال�شارع ،وبعد �صوالت وجوالت م��ع رج��ال الإزال ��ة والبلدية ا�ست�سلم الر�صيف
ملغازلة الكتب وفتح ال�شارع ذراعيه ومت فر�ش الكتب على الر�صيف وبيع الكتاب بقر�ش �صاغ و بــ «ن�صف فرنك». يحكي �أح��د املرتددين على ال�شارع وهو نا�شط حقوقي �أن��ه ك��ان ي�شرتي نف�س كتبه م��ن هذا ال���ش��ارع ،حيث ك��ان معار�ض ًا وك��ان��ت الأج�ه��زة ال�سيادية تداهم بيته وت�صادر كتبه «م��ن باب النكاية والإ� �ض��رار ب��ه» ،وك��ان ينزل �إىل �شارع النبي دانيال بعدها ب�أ�سبوع ليجد كتبه قد عرفت طريقها �إىل رفوف الأك�شاك ال�صغرية يف ال�شارع وك�أنها طيور احلمام ا�ستطاعت الإف�ل�ات من خمتطفيها وجنحت يف الو�صول �إىل �أع�شا�شها مرة �أخرى بقدرة عجيبة!! الكتب ت�صل �إىل �شارع النبي دانيال من عدة ط��رق� ،أ�شهرها جامعي الروبابيكيا وهي مهنة معروفة ي�شرتي �صاحبها الأ��ش�ي��اء القدمية، مالب�س وكتب و�أث��اث وحت��ف ،ويقوم بف�صل كل نوع على حدة لت�ستقر الكتب القدمية يف �شوارع الكتب. �أما امل�صدر الثاين فهو ذلك النوع من الأجيال التي ال تعرف قيمة املكتبات املنزلية العتيقة التي خلفها �أجدادهم فباعوها من �أج��ل «عمل ديكورات حديثة» ملنازلهم �أو طلب ًا لتو�سعة املكان والتخل�ص من الـ «روبابيكيا». �أم ��ا امل���ص��در ال�ث��ال��ث فقد اع �ت�بره ع��م خمتار «�سري للغاية» ،عرفت بعد ذلك �أن هناك �شبكة كربى من التجار تدير عملية بيع الكتب القدمية والهامة ،و�أن ه�ؤالء هم �أ�شبه مبافيا تبيع التاريخ مقابل املال.
�أي كتاب بـ 3جنيه!
جت��ارة الكتب التي مل تعد ت��در ربح ًا يف زماننا ه��ذا ،اختار �أ�صحابها اال�ستمرار فيها حب ًا يف الثقافة ،وتوريث ًا للمهنة ،و�إدراكا لقيمة كتب من بينها نوادر -ترا�صت يف �أك�شاك �أو علي الأر�ض نظر ًا ل�ضيق ذات اليد .الفتة و�ضعها البائع على كومة كبرية من الكتب كتب عليها � :أي كتاب بـ 3 جنيه كفيلة ب�إي�صال الر�سالة وقادرة على التعبري عن �إميان ه�ؤالء مبا يفعلون. يحكي لنا ال�ع��م فهمي ع��زازي – بائع الكتب ب�شارع النبي دانيال -كيف كانت �سعادته عندما
ح�صل على ن�سخة من تف�سري اب��ن كثري ُكتبت بخط اليد ،وباعها مببلغ جمزي ،وكذلك ن�سخة عتيقة من كتاب الأغاين ،ختم عزازي كالمه ب�أن مهنته علمته �أن الكتاب كابنتك مهما �أحببتها �أو احتفظت بها فهي يف النهاية �ستجد حبيب �أو عا�شق ي�ستطيع خطفها من بني يديك تارك ًا لك حفنة من املال كمهر للعرو�س.
«الكتاب عمره ماهيموت» ..
حتول �إىل خطيب ثائر ب�شكل درامي عندما �س�ألته هل تعتقد �أن مهنة بيع الكتب �ست�ستمر؟؟ ي�صر عم جمدي على توريث املهنة البنه ال�صغري،
مهنة بيع الكتب القديمة تستلزم مهارات متعددة ولها أباطرة وتحكمها منظومة قوية وبها أسرار يعتبرها أصحابها مقدسة
�شديد« :الكتاب عمره ماهيموت»، وي�ؤكد يف حزم ٍ يقول :ب��د�أت �أن��ا و�أخ��ي منذ �أربعني �سنة يف بيع الكتب بجوار املركز الفرن�سي «على ميني ال�شارع» ثم انتقلنا �إىل ي�سار ال�شارع بعد �أن ح�صلت على ك�شك مرخ�ص� ،إن�سانية الق�صة ير�سمها عم جمدي ب�إ�صراره على توريث املهنة البنه الذي مل يتجاوز عامه الثاين ع�شر. �أع��ود �إىل ال�شارع املحمل بهموم ال��زم��ن التي ر�سمت تقا�سيم م�لاحم��ه ،فمن خ�لال �شرفة مبني الأهرام العريق ميكن للناظر �أن يري معبد وكني�سة وم�سجد يعود تاريخ بنائه �إيل القرن الثاين ع�شر الهجري ،ي�ضم �ضريح ال�شيخ حممد دانيال املو�صلي الذي جاء للإ�سكندرية يف نهاية القرن الثامن الهجري ،وق��ام بتدري�س �أ�صول الدين وعلم الفرائ�ض علي النهج ال�شافعي. النبي دانيال – ال�شارع� -أ�صبح مبرور ال�سنوات م��زار ًا �سياحي ًا وقبلة للباحثني وع�شاق املعرفة وهواة اقتناء الكتب القدمية النادرة التي مل تعد تطبع ،وللراغبني يف �شراء الكتب بثمن زهيد �أو بيعهاوا�ستبدالها.
الملف 34 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
جنيب حمفوظ كان الأعلى مبيع ًا
الحظت تنوع الكتب التي يتم بيعها يف �شارع النبي دانيال ،لكني كنت بحاجة ملعلومة دقيقة عن �أكرث الكتب مبيع ًا ،يتحدث عم بخيت بح�سرة ال ي�ستطيع �إخفاءها عن تلك الأيام اجلميلة التي كانت كتب الأدب هي الأعلى مبيع ًا ،ولكن اجليل تغري ،يقول عم بخيت :كان الزم نبيع كل يوم للعقاد وجنيب حمفوظ وخالد حممد خالد واملنفلوطي ،لكن مل يكن �أحد يتفوق على مبيعات جنيب حمفوظ حتى نهاية الت�سعينات� ،أما بعدها فال �أدري ماذا حدث للجيل ...يبدو �أن اجليل تغري .هكذا يتحدث بائع الكتب القدمية وال �أظنه �إال حكيم �أخفاه الزمن بني تالل الكتب.
�سر ال�صنعة
يخطئ من يظن �أن مهنة بيع الكتب القدمية مهنة ب�سيطة �أو �سطحية ،واحلقيقة �أنها ت�ستلزم مهارات متعددة ،كما �أن لها �أباطرة وحتكمها منظومة قوية وبها �أ�سرار يعتربها �أ�صاحبها مقد�سة ،يقول عم جمدي �إن الذي تربى يف املهنة وهو �صغري على يد �أخوته �أو والده وجده هو فقط من يعرف �سر ال�صنعة لأن «الغريب» لن يعلمك �إال ما ميكنه من ا�ستغاللك والإف��ادة منك فقط ،فهو يعلم �أوالده
كتبية النبي دانيال: لم يكن أحد يتفوق على مبيعات نجيب محفوظ حتى نهاية التسعينيات كيف يختار وينتقي الكتب وما هو الكتاب الذي ال يفرط به ب�سهولة وكيف يعرف عمر الكتاب من �شكله وكيف يقدر قيمة الكتاب ،بل وكيف يتمكن من �إخفاء حر�صه على �شراء كتاب قيم من زبون يبيعه ،ليظهر �أمام �صاحب الكتاب القيم مبظهر غري احلري�ص على ال�شراء حتى ال يزيد ال�سعر، يجيد الكثري من الباعة قراءة مفردات بعدة لغات «الإجنليزية والفرن�سية والإيطالية». يف ه��ذا ال�شارع ر�أي��ت ن�سخة قدمية م��ن جملة االذاع� ��ة والتليفزيون وه��ي م��ن �أق ��دم و�أع ��رق املجالت امل�صرية ت�صدر �أ�سبوعي ًا عن احتاد الإذاع��ة والتلفزيون امل�صري� ،صدر العدد الأول منها يف 21م��ار���س ع��ام 1935با�سم ال��رادي��و امل���ص��ري وفيها كتب جنيب حم�ف��وظ وتوفيق احلكيم و�سكينة ف�ؤاد و�سامي ال�سالموين و�أحمد بهجت. وكنت �سعيد ًا عندما �أم�سكت عند �أح��د الباعة
مبجلة «اجل �ي��ل اجل��دي��د» ال�ت��ي �أ� �ص��دره��ا ت��و�أم ال�صحافة امل�صرية علي �أم�ين وم�صطفى �أمني عن م�ؤ�س�سة �أخبار اليوم عام ١٩٥١م ،م�ستغرق ًا يف �أحالم اليقظة �أن �أكون على طريقهما يوم ًا ما. �ضربة مبنفعة تطرق ع��م �إب��راه�ي��م �سويلم وع��م زك��ي واحل��اج ح�سن و�أخ ��وه خمي�س وع��م نبيل باحلديث �إىل حملة الإزال ��ة الع�شوائية التي �شهدها ال�شارع يف ال�شهور الأخ�ي�رة ،و�أف�صحوا عن مراراتهم ومعاناتهم اليومية يف الأك�شاك التي طالتها اليد العابثة� ،إال �أنهم ي�ؤكدون �أنه رب �ضارة نافعة فلقد حتولت املحنة التي طالت ال�شارع يف حملة الإزالة �إىل فر�صة ليعرف بائعو الكتب مدى �أهميتهم وت�صبح ال�ضربة التي مل تفلح يف ق�صم ظهورهم هي نف�سها التي متنحهم القوة والعزمية على اال�ستمرار يف تغذية م�صابيح املعرفة وامل�ساهمة يف تدوير �ساقية الثقافة من خالل �أكرب و�أهم رافد �شعبي لإمداد املثقفني بالكتب يف عامل حتا�صره الأوهام والأ�سئلة التي تبقى �إجاباتها �أو على الأقل مفاتيح �إجابتها عالقة بني �سطور الكتب ..ال�سيما تلك التي �صبغها الزمن بال�شيب ،لكنه مل ينجح يف �إخماد جذوة �شبابها امل�شتعل بزيت احلاجة �إىل املعرفة
الملف 36 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
�أ�شهرها «املقا�صي�ص» و«مطرح»
الكتاب القديم في أسواق الخليج العربي للكتاب طعم كال�سكر وروح كالن�سمة املعبقة باملعرفة واملتعة ،وهي ظاهرة �أو �سمة خا�صة بد�أ تك�شفها من زمن التدوين والوراقني والكتاب الذي يحتاج لزمنا طويل لكتابته كامال و�إعطائه ل�صاحبه ،لذا كان الكتاب ذو قيمة فنية ومعرفية ومادية ،وقد كان الوراقون واخلطاطون مق�صد الأمراء وامللوك والوجهاء لقيمة ما يقدمونه يف هذا الباب وهذه املتعة وهي اقتناء كتاب� ،أما اليوم فالكتاب يطبع ب�آالف الن�سخ وماليينها �أحيانا « �إن كان ناجحاً ومقروءا» ويج ّلد بكل ما يخطر علي البال من جلود ومواد تغليف ال يت�صورها عقل� ،أما الكتاب القدمي والنادر واملخطوط �أحياناً فهو عملة نادرة وله �أ�سواقه و�أ�صحابه ومتابعو تنقله بني �أيدي املهتمني والقراء واملقتنني، كما له مكتبات وبيوت ودور ومزادات حول العامل ،كما له رابطات ومزادات تتناقل �أخبارها الر�سائل والأخبار. ال�ك�ت��اب ال �ق��دمي وال �ن��ادر وج��د يف املكتبات للإعارة �أو الإه��داء ،ويحتفي البيت بالكثري من املتخ�ص�صة وع �ن��د اجل��ام �ع�ين وامل � ��زادات الزوار يومي ًا وب�أعداد كبرية . وال��دوائ��ر احلكومية الثقافية الر�سمية وغري �زارات الر�سمية ،كما وجد يف �أحياء و�شبه م� املكتبة الع�صرية يف البحرين خا�صة يف الوطن العربي مثل �سوق الأزبكية الفقيد عبد اهلل �أحمد اجل��ودر �صاحب املكتبة يف م�صر ومثيالته يف باقي ال��دول العربية الع�صرية « امل�ؤ�س�سة يف اخلم�سينيات من القرن ولكن ب�أحجام ومقتنيات خمتلفة وتخ�ص�صات امل��ا��ض��ي» و�صاحب �أول مكتبة لبيع الكتب يف تختلف من منطقة �إىل �أخ��رى ،وتعترب الهند البحرين ،له ذكريات طويلة معي �شخ�صي ًا ومع « بومباي ودلهي وبع�ض مناطقها » من �أهم كل مثقفي البحرين ،والفقيد را�صد جيد مل�ستوي مناطق تواجد املخطوط والكتاب الإ�سالمي الثقافة ومدي تطورها �أو تدنيها مبا يتلم�سه من وغري الإ�سالمي القدمي ،وبها بع�ض الأ�سواق طلبات القراء من الكتب ،واجل��ودر من القراء واملحالت اخلا�صة يعرفها املهتمون. اخلليج العربي يف عامل الكتاب القدمي والنادر مل اجل�ي��دي��ن واملتابعني للو�ضع ال�ث�ق��ايف والأدب ��ي يختلف عن باقي العامل ويف هذا توجد �أمثلة كثرية يف البحرين ،ول��ه جت��ارب �سيا�سية ك ��أول نائب حية وقائمة وم�ستمرة يف تقدمي فاكهة املخطوطة للمجل�س ،و�أت��ذك��ر �أن اخل��ط البياين لقراءات والكتاب القدمي ومنها بيت القر�آن يف البحرين النا�س هناك ارت�ب��ط ب�شكل ق��وي مب��ا يح�ضره وال��ذي جمع فيه الباحث والوجيه ورجل الدولة جمموعة �ضخمة ون��ادرة جدا من ن�سخ القر�آن المقاصيص تعني ال�ك��رمي يف مبني �ضخم كمتحف �سمي «بيت المفلسين والفقراء.. القر�آن» مت افتتاحه عام 1990وي�ضم جمموعة وفي هذا السوق تجد كبرية م��ن املقتنيات والن�سخ ال �ن��ادرة والآث امللكية� �أو�ار كل شيء قديم والنوادر من التحف والكتب �إما بحق
ومستعمل حتى الكتب بالعربية واإلنجليزية
اجل���ودر ،فكنا ن�ق��ر�أ ار��س�ين ل��وب�ين ث��م انتقلنا لروايات الهالل ثم �سالمة مو�سى ونوال ال�سعداوي ثم يو�سف ال�سباعي وبقية كتاب الرواية والق�صة، كما �شهدنا مرحلة كتب فو�ستا والكونت دميونت كر�ستو وباردليان ،وكان باملكتبة الع�صرية كتب قدمية ون��ادرة ي�شرتيها ك�صاحب مكتبة ولي�س كمهتم بالأقتناء والبيت ،واليوم فالكتب القدمية كلها مع ابنه الذي يحتفظ بها.
�سوق املقا�صي�ص يف البحرين
جتربة �آخ��ري يف الكتب القدمية وال�ن��ادرة هي «�سوق املقا�صي�ص» ،واملقا�صي�ص تعني املفل�سني وال �ف �ق��راء ،ويف ه��ذا ال�سوق ال��ذي يعد ذاك��رة بحرينية مهمة ،جتد كل �شيء قدمي وم�ستعمل، وم��ؤخ��ر ًا تخ�ص�ص بع�ض الباعة يف بيع الكتب القدمية بالعربية والإجنليزية ،رمبا �أ�شهرهم «مكتبة �صالح ال�شعبية» التي باتت اليوم حمطة يق�صدها �أكادمييون و�شعراء ومثقفون وكتاب و�أ�ساتذة وطالب جامعة و�صحافيون يف قلب هذه ال�سوق ،ولكنك ب�شكل عام حتتاج �إىل جمموعة زيارات �إىل �سوق املقا�صي�ص حتي جتد ما تبحث
عنه ،لأن الكتب قد تكون �ضمن ب�ضاعة �أخرى كثرية ،لذلك قد جتد بال�صدفة كتاب ًا نادر ًا وقيم ًا ب�سعر ب�سيط ،و�أذك��ر انني ا�شرتيت طبعة �أويل ون��ادرة لأ�شعار بابلو ن�يرودا بالعربية من �سوق املقا�صي�ص. الإم ��ارات امتلكت جتربتها اخلا�صة ،فالكثري من امل�ؤ�س�سات الثقافية متتلك مقتنياتها من امل�خ�ط��وط��ات وال�ك�ت��ب ال �ن��ادر ،ومنها املجمع الثقايف «هيئة �أبوظبي لل�سياحة والثقافة» ،مركز زايد للرتاث والتاريخ يف العني ،ومركز الوثائق واملخطوطات التابع لديوان الرئا�سة وكلها يف �أبوظبي ،بقية الإم��ارات لها مراكزها للتوثيق واجلمع مثل جمعة املاجد يف دبي ومركزه امل�شهور عاملي ًا بكمية ونوعية املخطوطات وحركة الرتميم الكبرية التي ميار�سها املركز ،حتي �أ�صبح مركز ا�ست�شارة وتدريب يف هذا املجال ،وبقية الإمارات لها جتربتها يف اجلمع واالقتناء.
مزاد للكتاب يف ال�شارقة
قد قامت ال�شارقة م�ؤخر ًا وخالل �أيام ال�شارقة الرتاثية بت�شجيع من �صاحب ال�سمو حاكم ال�شارقة « وه��و مثقف ومقتني كبري للكتب واملخطوطات والوثائق ب�شكل �شخ�صي وعام، وله باع كبرية وخربة يف هذا املجال » ب�إقامة املزاد العاملي . امل��زاد خطوة جديدة لأي��ام ال�شارقة الرتاثية وجمال االحتفاليات الرتاثية علي م�ستوي املنطقة العربية ،وكان املزاد لفتة ال ميكن �إنكار �أهميتها والت�شويق الذي حظيت به من جمهور الزائرين وامل�ه�ت�م�ين ،وف�ي��ه اجتمع ه ��واة اق�ت�ن��اء القطع الرتاثية والأث��ري��ة والطوابع والعمالت النادرة واملخطوطات والأدوات ،فجعلت امل��زاد والأي��ام حدث ًا ال ميكن �إن�ك��ار �أهميته ،فيما ي�ستحدث فيه من ن�شاطات� ،أوج��دت له جمهور ًا وزوار ًا يرتقبونه يف �شهر �أبريل من كل عام ،كما قدمت ال�شارقة جتربة بيع الكتاب امل�ستعمل وفيها مت بيع جمموعة كبرية من الكتب امل�ستعملة ب�أ�سعار جيدة ،واحتوي املعر�ض علي جمموعة من الكتب الغري موجودة يف املكتبات منذ مدة طويلة . ب��اق��ي منطقة اخلليج بها الكثري م��ن املقنني والقراء ،التقيت وزرت البع�ض منهم و�سمعت
�سوق املقا�صي�ص
عن الأخ��ري��ن مثل نا�صر املطوع من الريا�ض باململكة العربية ال�سعودية ،كما توجد جمموعة مقتنني من عدة مناطق خليجية وعربية يزورون امل�ؤ�س�سات الثقافية ويعر�ضون عليها مقتنياتهم وهي كثرية �أحيانا وحمدودة �أحيانا �أخرى.
�سوق مطرح
�سلطنة ع�م��ان ل�ه��ا جت��رب��ة م�ث�يرة يف الكتب القدمية �شاهدتها �شخ�صي ًا يف �سوق مطرح القدمي� ،أو كما ي�سمونه «�سوق الظالم»� ،أغلب تلك الكتب خمطوطات ،والكثري منها متعلق بالطال�سم والتعاويذ وكتب ال�سحر ،ويوجد يف عمان جمموعة خمطوطات وكتب ودواوين ق��دمي��ة ومكتوبة ب��ال�ي��د ،وه��ي حمفوظة عند امل�شايخ والباحثني الكبار وبع�ض املعمرين ،و�إن مل تعر�ض يف مزاد �أو مكتبة �أو معر�ض .
جتربة امل�سباح يف الكويت
�صالح امل�سباح من الكويت جتربة نادرة وفريدة يف اخلليج العربي ورمبا العامل العربي كتجربة �شخ�صية لعا�شق ومهوو�س بالكتب واملخطوطات
مكتبة المسباح في «أرض البحار» بالكويت مركز نادر لتداول الكتب القديمة وهي مقصد لعشاق الكتاب في الخليج العربي
والإ�صدارات النادرة ،وقد بد�أت هذه التجربة من �سبعينيات وثمانينيات القرن املا�ضي عندما كان يعمل يف وزارة الأوقاف بدولة الكويت ،وتطورت ه��ذه الرغبة بعد ن�صيحة �أح��د الربيطانني له بجمع الأع ��داد الأويل من املجالت واجلرائد العربية ،ثم تخ�ص�ص يف الكتاب فافتتح مكتبة �صالح امل�سباح يف �شارع اخلليج العربي «�أر�ض البحار» عدا �آالف الكتب القدمية واملخزنة يف بيته ،وامل�سباح يتعامل يف الكتب مع الكثري من املقتنني ،ويح�ضر مزادات كتب مبعدل �أ�سبوعي، كما رتب �أكرث من 100معر�ض لعر�ض وبيع هذه الكتب يف �أنحاء خمتلفة ،ي�شرتي امل�سباح من كل �أنحاء العامل ،وقريب ًا ا�شرتى �أطال�س من �أملانيا يعود ت��اري��خ طباعتها لعام ،1890وللم�سباح اليوم � 10آالف كتاب يحتفظ بهم �شخ�صي ًا� ،أما ما يعر�ضه يف مكتبته �شبه املتخ�ص�صة فهو 40 �ألف كتاب قدمي .امل�سباح كاتب وباحث وم�سرحي وي�شغل الآن من�صب الأمني العام لرابطة الأدباء الكويتني وله عدة �إ�صدارات والكثري من اللقاءات وال�برام��ج التلفزيونية والإذاع �ي��ة يف الكويت تخت�ص بالكويت خ�صو�ص ًا واخلليج العربي عموم ًا ،حتي �أطلق عليه لقب « ذاكرة الكويت ». ال زال للكتاب القدمي قيمته العلمية والنف�سيه ورائ �ح��ة احل�بر فيه �أزك ��ى للعا�شق م��ن عطر املحبوبة احلقيقية
الملف 38 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
تعامل مع �شوقي والعقاد والكيالين
أقدم «كتبية» سور األزبكية: القراءة كانت زمان ..والكتب اآلن زينة في المنازل طغت متعة احلديث معه و�سرده لذكرياته الطفولية احلميمة على الزحام ال�شديد وال�ضو�ضاء التي ت�صم الآذان وت�سبب ال�صداع الذي يجعل الواحد منا يق�سم ب�أغلظ الأيمْ ان �أنه لن يعود ملثلها ولن ي�أتي هذا املكان ثانية .تتداخل نداءات الباعة اجلائلني من كل �صنف ولون جوارب �أكواب ،مالب�س، و�أم�شاط ..عالوة على كل منتجات ال�صني من كل �صنفٍ ْ ولون!
عم حممد ر�ضوان عبد اهلل ،يعرفه كل الباعة يف ال�سور ،ويرتاد ك�شكه ال�صغري الع�شرات من ع�شاق القراءة وحمبي الكتب ،تراه وقد تناثرت ذرات الغبار املتطايرة من خبطاته الودودة على �أغلفة الكتب بني اللحظة والأخرى ملمع ًا �إياها، يتعامل معها بحب وع�شق �شديدين ك�أنها �أوالده الذين ال يناف�سهم يف قلبه �سوى تلك املهنة التي يراها ر�سالة والتي ورثها �أب ًا عن جد ،كما يحب �أن يقول� .شعره الأبي�ض و�سنوات عمره التي تعدت االثنني وال�سبعني التي ما يزال يعمل ليثبت �أنه ي�ستطيع حملها على كتفيه ،واالبت�سامة التي يلقى بها زبائنه تغريهم مبزيد من البحث والتقليب و�أح�ي��ان� ًا ال���ش��راء ،ك�شكه مكتظ باملتناق�ضات تراها متجاورة يف �سالم ي�شبه �سالمه النف�سي الذي ميلأ روحه .يباغتني �شرح املعلقات ال�سبع للزوزين بجوار مذكرات ت�شر�شل وكفاحي لهتلر و�أح�لام��ي ال تعرف ح ��دود ًا ل�ـ «ه �ـ � .أ .رو���س» وال�صارم امل�سلول البن تيمية بجوار مفهوم الن�ص لن�صر حاد �أبو زيد ،و�سر �أ�صل اجلرة ل�سيم�سون نايوفت�ش بجوار امل�سيخ الدجال و�ألف ليلة وليلة بجوار الذكاء االجتماعي جلون �أليك�س. عناوين كثرية مل �أ�ستطع �إح�صاءها فتوجهت �إليه ب�أ�سئلتي فكان هذا احلوار: م��ن ع���ام 1952ال���ذي ي�����ؤرخ ل��ث��ورة يوليو وعمرك حينها 12عاماً وحتى 2012الذي ي�شهد تبعات ثورة 25يناير تاريخ طويل ..من �أين حتب �أن حتكي؟ �أجمل �شيء يف الدنيا البداية ،فعلى الرغم من �أنها كانت �أيام ًا �صعبة �إال �أنها كانت من �أجمل الأي��ام فقد كنت يف مراهقتي ،و�أتذكر �أنني كنت �أرى امللك فاروق وهو ذاهب ل�صالة اجلمعة اليتيمة يف جامع عمرو بن العا�ص حيث �أ�سكن مبنطقة م�صر القدمية العريقة ،كل ذلك و�أنا غر �أخرج يف ال�صباح لأذهب لعملي كـ «�صبي» يف مطبعة «اال�ستقامة» والتي ما تزال موجودة حتى الآن.
سور األزبكية عريق ..منذ نهاية القرن التاسع عشر وبدأ نشاطه الفعلي مع بداية القرن العشرين وكان بائعو الكتب يحملونها فوق أيديهم ويمرون بها على الزبائن في الحديقة والكامل يف التاريخ البن الأث�ير ع�لاوة على تاريخ وتف�سري الطربي. �أمل يكن هناك اهتمام بكتب ال�شعر وامل�سرح؟ كنا نهتم به طبع ًا ونطبع دواوين �أمري ال�شعراء وم�سرحياتهال�شعرية. هل تعرف �أ�سماء م�سرحياته؟ طبع ًا �أع� ��رف؛ «ع�ل��ي ب��ك الكبري»و«قمبيز» و«جمنون ليلى». وم��ن غ�ير �شوقي كنتم تهتمون بطباعة �أعماله؟ املنفلوطي وم�صطفى �صادق الرافعي. ت���ت���ذك���ر ك����ل ه�����ذا وع����م����رك مل ي��ت��ج��اوز 12عاماً؟ نعم ..ثم �إنني ا�شتغلت يف املكتبة التجارية ال��ك�ب�رى ،وك ��ان ل�ه��ا ف ��روع يف الإ��س�ك�ن��دري��ة والقاهرة وكانت متخ�ص�صة يف ن�شر الرتاث و�أ�شعار املتنبي والبحرتي و�أبي متام ،كما كانت املكتبة غنية ومتنوعة و�شاملة ،وكانت توزع ما تقوم بطباعته للبالد العربية ،فم�صر كانت يف هذا الوقت م�صدر ًا ال غنى عنه للكتاب العربي، لذا فقد كنا ن�صدر الكتاب امل�صري لبريوت و�سورية وغريهما من البالد العربية. متى انتقلتَ للعمل يف �سور الأزبكية؟ مل انتقل ل�سور الأزبكية مبا�شرة ،فبعد �أن ظللت
كاد اإلنترنت يقضي م���ا �أن�������واع ال��ك��ت��ب ال���ت���ي ك���ان���ت تطبعها على كل شيء ،فكل اال�ستقامة؟ الكتب الثمينة صارت كتب الرتاث مثل البداية والنهاية البن كثري موجودة على مواقع اإلنترنت
�أك�ثر من ع�شر �سنوات يف املطبعة ..تركتها للعمل ببيع الكتب م��ن خ�لال ��س��ور الأزه ��ر، وهناك تعرفت على امل�شايخ الكبار و�أ�ساتذة الأزهر وعمداء الكليات. ب�صراحة هل بيع الكتب القدمية مربح؟ «يبت�سم خج ًال» لي�ست مربحة ..ولكن كل ما ي�أتي منها «بركة» ،فقد ربيت �أوالدي ال�سبعة م��ن خ�يره��ا ،تخرجوا دك��ات��رة ومهند�سني، واحلقيقة لو عملت يف جت��ارة �أي��ة �سلعة غري الكتب لكنت �س�أك�سب �أك�ثر ،لكن بيع الكتب عندي كان ر�سالة عظيمة. م��ن �أ���ش��ه��ر ال�شخ�صيات الأزه����ري����ة التي تعاملت معها يف تلك الفرتة؟ ك�ث�يرون منهم ..ال�شيخ على جمعة ،مفتي اجلمهورية ،كان دائم ًا ما ي�شرتي مني الكتب فقد كان قارئ ًا من الدرجة الأوىل ،كما �أتذكر طالب ًا من طالب الأزه��ر ،كان يعاين من �شلل برجليه ،لدرجة �أن��ه كان يزحف على الأر���ض وكان بع�ض زمالئه يحملونه فوق �أكتافهم �أثناء ذهابهم و�إيابهم من الأزه��ر ،وكانوا ي�شرتون مني الكتب امل�ستعملة ،وكان هذا الطالب يجل�س عندي �أحيان ًا كثرية منتظر ًا �أ�صدقاءه ،فكان يطلب مني �أن �أقر�أ له عناوين بع�ض الكتب التي �أبيعها ،وكثري ًا ما كنت �أعطيه الكتب و�أح�صل على ثمنها م�ؤج ًال ،هذا الطالب جنح جناح ًا باهر ًا ،لكن الأزهر رف�ض تعيينه كمعيد لظروف �إعاقته ،لكنه كافح وح�صل حتى على الدكتوراه وحينها �أرغمهم على تعيينه. ً ً هذا الطالب الذي كان مكفوفا معاقا هو الأ�ستاذ الدكتور زك��ي حممد عثمان وه��و الآن رئي�س ق�سم بكلية الدعوة بجامعة الأزهر ،كما �أنه هو املتحدث الر�سمي للجامعة باللغة الإجنليزية، وكثري ًا ما �أقابله يف معر�ض الكتاب ،فيلتفت ملن معه ،ومن يجر كر�سيه املتحرك ليحكي حكايته معي ،وكيف �أن يل دور ًا يف حياته .كما �أود �أن �أقول �إن وزير الأوقاف احلايل الدكتور طلعت حممد عفيفي كان زميل الطالب املكفوف الذي �صار ملء ال�سمع والب�صر عند الأزاهرة. علي جيئة ورواح � ًا �أم��ا من �شاهدتهم وم��روا ّ
الملف 40 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
عشنا فترة ذهبية التقينا خاللها باألساتذة مبكتبة الأزهر ومل �أتعامل معهم للأ�سف فكثري والمثقفين ثم بعدها من فطاحل الأزهر وجهابذته ،مثل ال�شيخ عبد وحتى اآلن نعيش احلليم حممود ودكتور البي�صار. مهملين كـ«عمال حدثني متى بد�أت عالقتك ب�سور الأزبكية التراحيل» وما حكايتك معه؟ عالقتي به متتد لأكرث منذ اثنني وثالثني عام ًا، فقد ظللنا نبيع الكتب يف �سوق الأزه��ر حتى قامت الدولة ب�إزالة �أك�شاكنا بعد زلزال 1992م وو�ضعونا يف الدرا�سة ،التي ظللنا فيها ملدة �أربع �سنوات كاملة.
وكيف �سارت الأمور هناك؟ لقد كانت تلك ال�سنوات بائ�سة ،فقد انتقلنا من براح الأزهر ل�سجن الدرا�سة! �ألهذه الدرجة؟ و�أك �ث��ر ...ف�ف��ي ال��درا� �س��ة ك�ن��ا ننقطع عن ال �ع��امل ،ف�ق��د ك�ن��ا يف ح�ضن اجل �ب��ل �أم��ام م�ست�شفى احل�سني اجلامعي ،بال مبالغة، كنا يف منطقة مقطوعة وقريبني ج��د ًا من حي الباطنية ال�شهري ،مما جعلنا نعي�ش يف رعب دائم. وماذا عن البيع وال�شراء؟ البيع وال�شراء كان معط ًال فال �أحد ي�أتي وال �أحد يذهب �إال فيما ندر. وماذا كنتم تفعلون طوال النهار؟ «ي�ضحك �ضارب ًا كفيه ببع�ضهما» كنا نق�ضي النهار يف لعب الطاولة وكثري ًا ما كنا نق�سم البائعني �إىل فريقني ونلعب كرة القدم! ع�شت رحالت عديدة «من الأزبكية للأزهر رايح جاي»احك يل؟ بعدما ظللنا ثالث �سنوات ثقيلة الظل على قلوبنا و�أرزاقنا يف الدرا�سة� ،أ�صدر حمافظ القاهرة حينها دكتور عبد الرحيم �شحاته وو��ض�ع�ن��ا م��رة �أخ� ��رى يف �أك �� �ش��اك جم ّمعة ب��الأزه��ر والأزبكية خلم�س �سنوات ثم جاء قرار �إزالتنا.
الثمينة �صارت موجودة على مواقع الإنرتنت.
هل تغريت ع��ادات ال��ق��راءة و���ش��راء الكتب القدمية الآن عما قبل؟ مل تعد القراءة مثل «�أيام زمان» «م��زاج» ،كان النا�س قدمي ًا مدمنني للقراءة ،ف�أحد زبائني ملاذا هذه املرة؟ مث ًال كان يحكي يل �أنه كان يدخل بيته خمبئ ًا ب�سبب م�ت�رو الأن��ف��اق وك ��ان ذل��ك يف ب��داي��ة الكتب من زوجته التي يقتلها ال�ضيق من تراكم الثمانينيات ،وو�ضعونا كلنا هنا بالعتبة وطالبونا الكتب هنا وهناك. ب ��إزال��ة الأك���ش��اك القدمية لي�أتوا لنا ب�أخرى جديدة على نفقتهم اخلا�صة ،ومر وقت طويل ،لكن ما ي��زال الكثريون يقر�أون وي�شرتون ونحن بال عمل وال بيع وال �شراء ،حتى انتهوا من الكتب�..ألي�س كذلك؟ �صنع الأك�شاك للمرة الرابعة وو�ضعونا فيها. لك امل�س�ألة ترجع للرتبية والتعود ،لكنني �س�أقول ِ ما �آملني و�أده�شني يف نف�س الوقت من النا�س احلمد هلل � ..أن��ت��م الآن أ�ك�ثر ا�ستقراراً ..هذه الأيام بالن�سبة للقراءة والكتب. �ألي�س كذلك؟ تف�ضل. ً «يبت�سم ابت�سامة �أمل» ،منذ فرتة قليلة �أخربونا كثريا ما ي�أتيني بع�ضهم بغر�ض ت�أ�سي�س مكتبة �أنهم يفكرون يف �إزالتنا للمرة العا�شرة ب�سبب يف منازلهم اجلديدة ويجمعون بع�ض الكتب اخلط اجلديد للمرتو. ذات الأغلفة امللونة اجلميلة ،غري عابئني مبا فيها وال عما تتحدث ،لكن االختيار يكون فقط كيف كان ال�سور من قبل؟ لأن الكتب «�شكلها حلو»!! �سور الأزبكية عريق ..فهو موجود منذ نهاية القرن التا�سع ع�شر ،وبد�أ ن�شاطه الفعلي مع بداية رمبا هذا �سيئ لكن يغفر لهم تفكريهم يف القرن الع�شرين ،وكان بائعو الكتب يحملونها �شراء الكتب نف�سها حتى لو للزينة! فوق �أيديهم ومي��رون بها على الزبائن فمنهم «يرد بحزن» الألعن من ذلك �أن بع�ضهم �صار ي�شرتي ومنهم من ُي ْع ِر�ض ،ويف وقت الع�صر يعمل يف �شقته �أو بيته « ديكور للكتب» بالر�سم يجل�سون بجوار �سور حديقة الأزبكية بالقرب وهي لي�ست كتب ًا ..القراءة �صارت عزيزة!! من مبنى الأوبرا القدمية ،وم�سرح الأزبكية التي �شهدت روائع �أم كلثوم ،ويف �أوقات الراحة كان َمنْ َ من الكتاب �أو املثقفني امل�شهورين كانوا النا�س ميرون على البائعني الواقفني وي�شرتون يتعاملون معك؟ منهم ..وم��رت ا ألي��ام ولأن املكان كان ملتقى �شاهدت وتعاملت مع بع�ضهم وتعاملت مع ورثة للمثقفني «الأوبرا وامل�سرح» فقد اعتادوا ال�شراء بع�ضهم الآخ��ر ،فممن تعاملت معهم مبا�شرة منهم لإدمانهم القراءة «..متح�سر ًا » �أما الآن؟ حممود عبا�س العقاد حيث كان ي�أتي �إىل املطبعة ونقوم نحن بطباعةعبقرياته. الآن ماذا؟ كاد الإنرتنت يق�ضي على كل �شيء ،فكل الكتب �صفه يل؟ كان متو�سط القامة ويرتدي كوفية دائم ًا ،كما ك��ان رج� ً لا ع�صامي ًا دقيق ًا ي��راج��ع ك��ل �شيء القراءة كانت زمان.. بنف�سه قبل الطباعة ..كنت �أح��ب مراقبته واآلن االختيار يكون خا�صة �إنني طاملا كنت �أمتنى ر�ؤية هذا الرجل فقط ألن الكتب العمالق ال�شهري الذي كنت �أ�سمع عن مناو�شاته
«شكلها حلو» وتصلح لديكورات البيوت
وخالفاته الثقافية مع الرافعي .كذلك كاتب الأط �ف��ال « ك��ام��ل ك �ي�لاين» ،كنت �أراه �أث�ن��اء ح�ضوره ال��دائ��م لدينا باملطبعة وق��ت طباعة كتبه التي كانت مطلوبة جد ًا وكان �أهم ميزة لديه توا�ضعه خلق ًا و�شك ًال ،عالوة على �أنه كان رج ًال طيب ًا مبعنى الكلمة� ،أما من تقابلت مع ورثتهم فاملنفلوطي والرافعي فكالهما كانت م�ؤلفاته مطلوبة ،وكان لزام ًا علينا يف املطبعة �أن نح�صل على توقيعهم على امللزمة الأوىل، وهو ما يحدد عدد الن�سخ التي �سيطبعها النا�شر وال يزيد عليها �شيئ ُا. ومَن من الأدباء واملثقفني املعا�صرين؟ ك��ث�يرون منهم ج��م��ال الغيطاين ال���ذي كان رئي�س حترير « �أخبار الأدب». وملاذا تتذكر الغيطاين بالذات؟ لأنه كثري ًا ما كان يرتدد وما زال ثم �إنه كتب كثري ًا عن ال�سور و�أهله وم�شاكله.
مرا�سلة «تراث» خالل احلوار
هل تتذكر متى �شاركت يف �أول معر�ض كتاب دويل؟ ع��ام 1963وك��ان مكانه يف �أر� ��ض املعار�ض باجلزيرة حينئذ ،ويف ذاك الوقت طلب وزير الإر�شاد القومي �إقامة «�أ�سبوع الكتاب العربي» ف�صرنا نذهب بالكتب امل�ستعملة �إىل جميع املحافظات ،و�أتذكر �أنهم كانوا يبنون ال�سد العايل حينها و�إنني طفت اجلمهورية بكتبي امل�ستعملة من �أ�سوان للفيوم ثم ال�سواحل فالوجه البحري .تعرفنا على مدن وقرى وب�شر ..كانت �أيام ًا جميلة.
�أعلم �أن �أك�ث�ر الكتب طلباً �أث��ن��اء ال��ث��ورة كان «كتاب طبائع اال�ستبداد» لعبد الرحمن ال��ك��واك��ب��ي ح��ت��ى �إن����ه مت���ت ط��ب��اع��ت��ه طباعة حديثة عدة مرات ..هل هذا حقيقي؟ �أريد �أن �أو�ضح لك �شيئ ًا. ك �ث�ير ًا م��ا ي�ك��ون ل�ل�إع�لام دوره العظيم يف ال�تروي��ج لكتاب م��ا �أو �سلعة بعينها، وكثري ًا ما يجيء النا�س لي�سالوا عن الكتب التي ر ِّوج لها ونوق�شت يف تلك القنوات الف�ضائية.
تق�صد �أيام عبد النا�صر؟ نعم ،كانت �أيامه كلها ثقافة وم�سرح و�سينما حتى املطربني العظماء كانوا �أيامه.
ما �أكرث �شيء تعلمته من بيع الكتب؟ فلنعك�س ال�س�ؤال ..ما الذي تعلمته من م�شرتي ال�ك�ت��ب؟ وه �ن��ا �أج�ي�ب��ك �أن ه �ن��اك م�شرتين عرفوين قيمة الكتب ،ف�أحيان ًا يكون لديّ كتاب ثمني وال �أعرف قدره.
هل ت�أثر عملك ب�سبب ثورة 25يناير؟ ط�ب�ع� ًا ك ��ان ه �ن��اك ت ��أث�ير حينها ط�ل��ب مني جرياين يف ال�سور العمل يف بيع الكتاب املدر�سي امل�ستعمل ،لكنني رف�ضت على الرغم من �ضعف املردود املادي.
كانت أيام عبد الناصر كلها ثقافة ومسرح وسينما حتى المطربين العظماء كانوا أيامه
ه��ل وق��ع حت��ت ي��دي��ك كتب م��و َّق��ع��ة من �أدباء كبار؟ كثري ًا ما كنت �أجد مثل هذه الكتب املوقعة وكنت �أتعجب لكنني �أرد ذلك �إىل حال الدنيا. م��ا �أط����رف امل���واق���ف ال��ت��ي قابلتك ط��وال رحلتك يف ال�سور؟ ً طرائف كثرية فمث ًال« :مي�سك �أحدهم كتابا ثم يفتحه ويظل يقر�أ ويقر�أ ومي�شي ب�ضع خطوات.. وي�ضع ي��ده يف جيبه ومل��ا ينتبه لوجودي ي�ضع الكتاب خج ًال ومي�ضي»!! وكثري ًا ما كنت �أخف�ض من ثمن الكتب ملثل ه�ؤالء. ما الفرتة الذهبية لعملك يف هذه املهنة؟ كانت من 1970لعام 1992م ملاذا؟ لأنني كنت �أحتك فيها بالأ�ساتذة واملثقفني ثم بعد هذه الفرتة حتى الآن ع�شنا مهملني كعمال الرتاحيل!
الملف 42 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
ع�شاقها ال يحتاجون �إىل دليل
مزارات الكتاب القديم في المغرب العربي ال يوجد يف املغرب العربي �شارع بحجم ومقام �شارع املتنبي يف بغداد وال �سوق كربى ب�شهرة �سوق الأزبكية يف القاهرة ،الف�ضاءات �صغرية لكنها منت�شرة هنا و هناك ،وروادها ال يحتاجون �إىل دليل. حني ت�صل �إىل الدار البي�ضاء عرب حمطة القطار القريبة من امليناء �ستجد الف�ضاء ال�شا�سع الذي يقام فيه �سنويا املعر�ض الدويل للكتاب ،وهو �أحد �أهم املعار�ض العربية .املدينة التي حتت�ضن هذا املعر�ض حتت�ضن باملقابل �أمكنة �صغرية هي يف الغالب عبارة عن دكاكني و�أ�سواق تقرتح على من يرتادها �آالف العناوين يف الأدب والتاريخ والعلوم وخمتلف املعارف وبعدد من اللغات ،لعل العربية �أولها.
وغري بعيد عن املكان �ستقودك �أقدامك �إىل « َل ْب َحرية» �إن كنت طبع ًا من مدمني البحث عن الكتب القدمية ،البحرية ف�ضاء �شهري على �أع �ت��اب امل��دي�ن��ة ال�ق��دمي��ة ،يف «درب االجن�ل�ي��ز» حت��دي��د ًا وغ�ير بعيد ع��ن حافة املحيط الأطل�سي تبدو الدكاكني مرتا�صة، مل يكن هنا مطلع ال�سبعينيات �سوى حملني فقط ،ويف العقود الالحقة جت��اوز العدد الع�شرة ،لكنه يف نهاية املطاف �ضئيل جد َا �سيما ح�ين يتعلق الأم ��ر مبدينة ي�سكنها املاليني.
�أدوني�س يف �سوق اخلردة
لي�ست البحرية املكان الوحيد ،هناك «درب غ�ل��ف» ه��و الآخ ��ر ي�ضم �أك�ث�ر م��ن ع�شرة حمالت لبيع الكتب امل�ستعملة �أو ما ي�سميها املغاربة حتديدا «الكتب القدمية» ،كانت هنا «جوطية» �أي �سوق اخل��ردة يف �شارع واط��و على مقربة م��ن ملتقى �ستاندال،
وب�ع��د احل��ري��ق ال ��ذي تعر�ضت ل��ه �أواخ ��ر ال�سبعينيات انتقلت ال���س��وق �إىل ��ش��ارع �أن ��وال -فيليك�س ف��ور �سابقا -ق��رب دوار مبريكو ،حيث يجد الزائر �أكرث من ع�شر حمالت لبيع الكتب امل�ستعملة. التقينا هنا الكاتب املغربي حممد كويندي الذي تربطه عالقة وطيدة منذ �أربعة عقود م��ع ه��ذا امل�ك��ان وم��ع الأمكنة التي ت�شبهه يف خمتلف �أحياء ال��دار البي�ضاء ،حدثنا
ال يوجد في المغرب العربي شارع بحجم ومقام شارع المتنبي في بغداد وال سوق كبرى بشهرة سوق األزبكية في القاهرة الفضاءات صغيرة لكنها منتشرة هنا وهناك وروادها ال يحتاجون إلى دليل
كويندي ع��ن ت��اري��خ درب غلف والبحرية وع ��ن � �س��وق الأرب� �ع���اء ب��ال �� �س��امل �ي��ة ،وع��ن املكتبات التي انقر�ضت يف حي املعاريف حيث �أن�شئ الحقا وعلى مقربة من مكانها املركب الثقايف ال��ذي يحمل ا�سم الكاتب الكبري حممد زفزاف ،كما حدثنا عن حمل �آخ��ر يوجد مبعرب التازي تركته �صاحبته الفرن�سية ملغربي ليتدبر �أمره بعدما عادت هي لبالدها. يف ال�ب�ح�يرة كما يف درب غلف ثمة كتب يبدو �أثر الزمن عليها وا�ضحا ،و رمبا لأنها حتمل قيمة معرفية �أو جمالية كربى فقد تقلبت بني �أيد كثرية ،وبع�ضها �صادر عن دور ن�شر مل يعد لها من وجود ،بينما هناك كتب الزال��ت حتافظ على ن�ضارتها رغم �صدورها بعقد �أو عقدين ،وهذا يعني �أنها كانت يف خزانة �آمنة� ،أو �أنها من مرجوعات �إحدى دور الن�شر ،بل �إن بع�ض النا�شرين املغاربة حني تتقادم الكتب لديهم يف �أماكن
التخزين يدفعون بها من تلقاء �أنف�سهم �إىل مبدعون :الكتاب دائم ًا �سوق الكتب امل�ستعملة راغبني على الأقل يف جديد ..ال تنظر للغالف ا�ستعادة تكلفة الورق و الطبع. واألوراق والحبر وتأمل يحكي كويندي عن ذكرياته مع الكتب أثره في قلبك دائما
امل�ستعملة ،فقد ا�شرتى مرة مكتبة كاملة لكاتب مغربي ووج��د يف �أح��د الكتب �شيك ًا با�سمه و�أعاده �إليه ،كما �أنه عرث على كتاب وقعه �أدوني�س لأح��د املثقفني املغاربة ،وال يعرف كيف ي�صل كتاب بتوقيع كاتب كبري ل�سوق اخل ��ردة ه��و الآخ ��ر .م��ن هنا ومن ف�ضاءات �شبيهة ا�شرتى كتبا نادرة كر�سالة املالئكة ألب��ي العالء املعري و«االع�ت�راف بالق�صة الق�صرية» ل�سوزان لوهافو.
رحيل الكتبيني القدامى
�سيرتاءى لك هنا �شيء غريب ،فبع�ض باعة الكتب امل�ستعملة يف البحرية يبيعون الطيور �أي �� �ض � ًا ،ل��ذل��ك جت��د ال�ك�ث�ير م��ن �أق�ف��ا���ص ال�ك�ن��اري على عتبات الأب���واب ،ال �أع��رف ما العالقة بني الكتب و الطيور ،كويندي ي�ق��ول« :ال�ك�ت��اب ط��ائ��ر رم ��زي» ،لقد كتب
ن�ص ًا ج��دي��د ًا عنوانه «الأل�ع��وب��ان» واملكان ال�سردي فيه هو ف�ضاء الكتب امل�ستعملة، ا�سم الوردة لأمربتو �إيكو يدور حول كتاب م�ستعمل وج ��ده ب�ط��ل ال��رواي��ة يف دهليز ق��دمي ،ي�ضيف كويندي ،و�إح��دى ق�ص�ص بورخي�س يحركها كتاب قدمي مير من يد �إىل يد .ما الذي يجعل كاتب ًا �أو قارئ ًا يرتدد على هذا املكان با�ستمرار؟ يجيب حممد كويندي «لي�س ال�سبب دائما هو انخفا�ض الثمن ،ثمة كتب ل��ن جتدها يف املكتبات ال �ت��ي ت�ع��ر���ض اجل��دي��د .ث��م �إن ال��ذه��اب �إىل هناك ي�شبه الإدم ��ان وال��ول��ع ،هناك حكايات و �أ�سرار ،بع�ض الكتب وجدت فيها ملخ�صات وهوام�ش وت�سطريات وتعقيبات تعطيك فكرة عن الطريقة التي ق��ر�أه بها ��ص��اح�ب��ه� ،صاحبه ال ��ذي ظ��ل يف الغالب
جمهو ًال بالن�سبة يل». ب ��ودرار بلعيد رج��ل يبيع الكتب القدمية وامل�ستعملة منذ �أكرث من �أربعني عاما� ،إنه ال�ق�ي��دوم ه�ن��ا ،حمله يف «�شطيبة» يحمل ال�ك�ث�ير م��ن الأ�� �س ��رار� ،أخ �ب�رين �أن عبد اهلل اب��راه�ي��م الرئي�س الأ��س�ب��ق للحكومة امل �غ��رب �ي��ة ك ��ان ي�ت�ردد ع �ل��ى حم �ل��ه ،لي�س ه��ذا ال�سيا�سي فح�سب ،ب��ل كبار الكتاب واملثقفني والإع�لام �ي�ين� .إن��ه يتح�سر لأن الزمن قد تغري ،وكبار باعة هاته الكتب قد رحلوا وحتولت مكتباتهم �إىل حمالت لبيع �سلع �أخ��رى ال عالقة لها بالثقافة.يجل�س ال��رج��ل و� �س��ط رك ��ام ال�ك�ت��ب ال �ت��ي تنتمي حلقول خمتلفة ،يقول« :هنا �أجد راحتي، الكتاب خري �أني�س يل �أنا �أي�ضا» ،بودرار ال يبيع الكتب فح�سب ،بل هو م�ستعد لتقدمي ال�شروحات ح��ول كل كتاب يبيعه ،الكثري من الطلبة والباحثني والقراء يقبلون عليه والكثري من الأطاريح اجلامعية بنيت على كتب قدمية كانت يوما ما يف حمله.
الملف 44 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
�ساحة الربيد املركزي -اجلزائر
�سوق �شعبية للكتب امل�ستعملة -املغرب
نهج الدباغني -تون�س
اجلزائر وحلم الكتب امل�ستعملة
يف اجل ��زائ ��ر ال�ع��ا��ص�م��ة � �س��اح��ة ال�بري��د املركزي هي درب غلف �أو البحرية يف الدار البي�ضاء ،هناك حم�لات قليلة يف �شارع «ديدو�ش مراد» و ف�ضاءات �صغرية و عتيقة بـ«الق�صبة» و يف «�شوفايل» مكتبة حتمل ا�سما جميال «املولع باملطالعة» ،لكن �ساحة الربيد هي �أهم نقطة للباحث عن الكتاب امل�ستعمل ،والكتبيون هنا �صاروا يطالبون بتنظيم معر�ض �سنوي قار. الكاتب اجل��زائ��ري عبد ال ��رزاق بوكبة ا�شتغل على هذا الف�ضاء يف روايته «ندبة الهاليل» ،لذلك �س�ألته عن املكان ف�أخربين �أنه حني دخل اجلزائر العا�صمة عام 2002 م قادم ًا �إليها من قريته �أوالد جحي�ش كان خائفا من الفراغ وم��ن �أم��ور �أخ��رى ،غري �أن �ساحة الربيد املركزي الف�ضاء الذي يتوفر على ع�شرات ال�ط��اوالت التي تبيع ال�ك�ت��اب ال �ق��دمي وامل�ستعمل ��س��اع��دت��ه يف البداية على التخل�ص من تلك الهواج�س: «ك �ن��ت ك��ل ��ص�ب��اح �أق �� �ص��ده��ا ع�ل�ن��ي �أج��د وجبة �أدب�ي��ة وفكرية �أتنا�سى بها و�ضعي كبطال يف مدينة ال ترحم البطالني ،كنت �أحيانا �أتخلى عن وجبة الطعام لأ�شرتي ك�ت��اب� ًا ،وم��ع م��رور ال��زم��ن ب��ات��ت تربطني عالقة وطيدة بال�شباب الباعة حيث باتوا ي�سمحون يل ب��أن �أق��ر�أ كتبهم من غري �أن �أدفع لهم». عبد ال��رزاق �سيقرتح يف مرحلة الحقة ت�أ�سي�س حركة مع بع�ض الأ�صدقاء املثقفني ت��دع��و �إىل ت�خ���ص�ي����ص ���ش��ارع ك��ام��ل يف اجلزائر العا�صمة يخ�ص�ص لبيع الكتب القدمية ،كما هو ال�ش�أن يف بغداد مع �شارع املتنبي� .إنه يرى �أن مدن ًا ال حتتفي بالكتاب
م ُ ل ُ الكتاب المستع َ ّ درجات كائن يتمتع بكل ِ الضوء والحرارة المتصلة مالكه األ ّول بجسد ِ وهواجسه بأنامله ِ
هي مدن ملحقة بالكهوف واملغارات ،وما زال امل�شروع على قيد االنتظار« :نحلم يف اجلزائر العا�صمة ب�أن ننجز هذا امل�شروع حتى ت�صبح املدينة معروفة به مثلما هي معروفة ب�شارع بيع الع�صافري ،و�شارع بيع الذهب».
تون�س و�أر�صفتها امل�شغولة
يف تون�س العا�صمة لي�س هناك �أي�ضا ما ي�شبه ��ش��ارع املتنبي وال ��س��وق الأزب�ك�ي��ة، هناك �أر�صفة م�شغولة مبئات العناوين، �أك���ش��اك حم�شوة م��ن ال �ق��اع �إىل ال�سقف باملعاجم والقوامي�س القدمية واحلديثة : كتب يف ال�تراث والأدب فهار�س ومعاج ٌمُ ، ٌ ال�ق��دمي ،جمموعات �شعرية ورواي ��ات من �إ�صدارات دور ن�شر فرن�سيةedition ... : Gallimard,Seuil
ال�شاعر التون�سي زياد عبد القادر ي�صف تعج بالزائرين، لنا امل�ك��ان« :الأك���ش��اك ّ جلبة املكان و�شقلبة الأوراق امل�ستم ّرة منذ �ساعات ال�صباح �إىل املغيب يجعلني �أنظر �إىل الر�صيف امل�شغول ب ��الأوراق القدمية الكتب من زاوية �أقرب �إىل وهم ال�شاعريةُ : القدمية �أ�شبه بر�سائل الع�شاق ،تنتظر جوابا عليها .ك�أن يدً ا عا�شقة رمت ر�سالتها واختفت « .الزاوية التي �أنظر منها متنح م�شهد ًا ي�ك��ا ُد يكون مطابق ًا لذلك ال��ذي تنقله كامريا �سينمائية تتحرك ب�سرعة فائقة ذها ًبا و�إيا ًبا بطريقة عك�سية ،حيث ينتفي االح�سا�س بانفالت الزمن ل�صالح اح�سا�س بال�سباحة يف امل�ط�ل��ق ،للمطلق عالقة باال�ستعادة ال بالتكرار .جوه ُر ما �س ّماه فريدريك نيت�شه ال�ع��ود َة الدائم َة. ني ب�إغراء هذا االكت�شاف ،يتح ّول مم�سو�س َ ع�شاق العودة الدائمة �إىل نهج الدباغني و�ساحة العمل ِة حيثُ الأر��ص�ف��ة امل�شغولة بالكتب القدمي ِة». ي�ضيف زي��اد« :بع�ض الكتب ال تزال طرية م�ن� ّع�م��ة ك��أن�ه��ا �أخ��رج��ت ل�ت� ّوه��ا م��ن ف��رن املطبعة ،رغ��م م��رور عقود على تك ّد�سها الر�صيف .ب�إمكانك فوق الرفوف �أو على ِ
عبد الرزاق بوكبة
زياد عبد القادر
�أن ت���ش� ّ�م رائ �ح��ة احل�ب�ر و� �ش��ذى اخل�شب املفروم يف معامل الورق ،حتى �أنه بو�سعك تهج�س �أ�سماء الن�ساء والرجال الذين �أن َ الغابات خل�ض الأغ�صان خ ّو�ضوا يف �أعماق ِ وملء ال�سالل مبا ت�ساقط. ما ت�ساقط مل يذهب ُ�سدى .ما ت�ساقط �صار ُبعد ًا من �أبعاد املخيل ِة .ذل��ك ما تكت�شفه و�أنت تق ّلب خمطوط ًا قدمي ًا �أو جم ّلد ًا ّ تق�شر الفائح برائحة الزئبق يف عتم ِة مكتب ٍة جلده ُ قدمية يف نهج �أجنلرتا �أو نهج اجلزير ِة". �اب امل�ستع َم ُل -ح�سب زي ��اد -كائن ال�ك�ت� ُ ّ درجات ال�ضوء واحلرارة املت�صلة يتمتع بكل ِ بج�سد مالك ِه الأ ّول :ب�أنامله وهواج�س ِه .ال ت�صف ّر ال�صفحاتُ مبفعول ال��زم��ن� ،إمن��ا بفعل ُ�شعاع احلرية املت�س ّرب من الذهن �إىل خريفي. النظرات كخيط �ضوءٍ ِ ّ تنبثق من الكتاب امل�ستع َمل قوة جمهولة ،ق ّو ُة العود ِة الدائم ِة� ،إغ��را ُء الأقوا�س املفتوحة على احتماالت الإعادة واال�ستعاد ِة. �س�ألت زي��اد �إن ك��ان ال��زم��ن ق��د تغري و�إن ك��ان رواد ال�ك�ت��اب امل�ستعمل ق��د خ��ذل��وا ندميهم ف�أجاب« :منذ ما يقرب من عقدٍ خفّت ال�ضو�ضاء و�شقلبة الأوراق يف نهج أك�شاك �شارع لندرا ونهج جامع الدباغني و� ِ الزيتونة». ُ الكتاب امل�ستعمل �صار يف الأم � ُر ب�سيط. ُ املكتبات الباذخ ِة. غالء الكتب املعرو�ضة يف ِ الأم � � ُر ب�سيط م��رة �أخ� ��رى :ب��اع��ة الكتب القدمية يحلمون بتعوي�ض خ�ساراتهم وق ّلة مداخيله برفع �أ�سعار الكتب امل�ستعملة �إىل �سقفها الأعلى .الق ّراء �صاروا ق ّلة .احلاملون وامل�ؤمنون بالعودة الدائمة �صاروا ق ّلة».
حممد الأ�صفر
في الجزائر يطالبون بشارع للكتب المستعملة مثل شارع بيع العصافير الكتاب وفي تونس ُ ُ المستعمل يرتفع ثمنه والرواد يقلون بالتدريج ليبيا ..مكتبة �شارع الوادي
يف ليبيا تن�شط حركة الكتب القدمية يف مدينتي طرابل�س وب�ن�غ��ازي ويقبل عليها ع�شاق القراءة والأدب��اء نظرا للت�سهيالت من ناحية ال�سعر وكذلك وف��رة الطبعات العتيقة القدمية خا�صة للكتب املرتجمة للعربية من قبل مرتجمني كبار رحلوا ،يف طرابل�س توجد مكتبة عتيقة ب�شارع الوادي �صاحبها �شيخ كبري ي�شرتي الكتب القدمية ويبيعها ب�أ�سعار معقولة وقد يعريك �إياها �إن كان يعرفك ،هذا ما يرويه لنا الروائي الليبي حممد الأ�صفر ،كذلك من املمكن جد ًا �أن ت�ستفيد من اخلرب�شات التي دونها ق��ارئ جمهول �سابق وقد جتد على غالف الكتاب الداخلي �إه��دا ًء طريف ًا بالإ�ضافة �إىل �أن ه��ذه الكتب تكون طباعتها جيدة وخالية من الأخ�ط��اء الإمالئية والنحوية حيث �أن الن�شر يف ال�سنوات املا�ضية كان
عقد منذ ما يقرب من ٍ ّ خفت الضوضاء وشقلبة األوراق في نهج وأكشاك شارع الدباغين ِ لندرا ونهج جامع الزيتونة
حممد كويندي
مير عرب طريق �صارم ومل يكن متاح ًا �إال للكتاب احلقيقيني املالكني ل�ل��أدوات من موهبة ولغة ودرا�سة وغريها. يف بنغازي يوجد �شارع عمر املختار ،لكنه لي�س للكتب فح�سب ،ب��ل �إن �أمكنة قليلة فيه هي التي تعر�ض الكتاب امل�ستعمل مثل مكتبة رابح ل�صاحبها �صالح الربع�صي .و مكتبة بن غزي ومكتبة �سعد الأوجلي. و ت��وج��د مكتبة �صابر يف ال���ش��ارع ذات��ه، و�صاحب املكتبة مهوو�س بالكتب واملجالت وال�صحف وي�شرتي �أي �شيء قدمي ب�سخاء و�أي�ضا يبيع ب�أ�سعار معقولة وعلى عالقة طيبة بكل الكتاب يف بنغازي وغ��ال�ب� ًا ما جتد لديه حتى �إ�صدارات حديثة فهو على ات�صال مب�صر ولبنان ويجلب لزبائنه كل ج��دي��د ن ��ادر ،ي�ضيف اال� �ص �ف��ر« :عموما رب الكتاب القدمي امل�ستعمل �أف�ضل من �أعت ُ اجل��دي��د ال��ذي يعج برائحة الكيماويات، ف���الأوراق ال�صفراء القدمية �أ�شعر �أنها �أكرث حميمية وتقاوم الزمن ،و�أتخيل دائما الأ�صابع اجلميلة واخل�شنة التي ت�صفحتها والعيون العا�شقة للحرف التي طالعتها، وبالطبع القلوب التي تعلقت بها وعا�شت معها حرف ًا حرف ًا كلمة كلمة .و�أن��ا �سعيد دائما ب��أن �أن�ضم للقراء ال�سابقني الذين ق ��ر�ؤوا ال�ك�ت��اب ودائ �م��ا ال �أح��ب �أن يكون قرب �أي كتاب �أنتقيه هو مكتبتي ،فدائم ًا �أعريه للأ�صدقاء وال �أطالبهم به ،و�أعرف �أن ال�ك�ت��اب مثل امل ��ال �إن خ��رج ل��ن يعود من جديد و�إن عاد ف�س�أ�شعر �أين ال �أحبه و�أطرده لأول مكتبة يف طريقي تهتم بالكتب القدمية ،ويف النهاية ال �أوافق على ت�سمية «كتب ق��دمي��ة» فالكتاب دائ�م� ًا ج��دي��د ..ال
الملف 46 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
يرف�ض باعته هجر الكتب لب�ضاعة �أخرى
«درب غلف» .. سوق الكتاب المفتوح «درب غلف» منتجع جتاري �شا�سع يقع يف مدينة الدار البي�ضاء كربى املدن املغربية التي يتجاوز عدد �سكانها 7ماليني ن�سمة ،مدينة �صناعية وعمالية بامتياز ،تعرف على مدار الف�صول حراكاً اقت�صادياً �صناعياً وجتارياً منقطع النظري ،ومبعنى �أدق فهي القلب الناب�ض للمغرب االقت�صادي . �ص«درب غلف» يقع بالتحديد يف �أحد �أحياء الدار البي�ضاء ال�شعبية املكتظة بال�ساكنة� ،سوق مفتوح على تعدد وتنوع الب�ضائع املعرو�ضة للبيع ،ب�ضائع ت�أتي من كل الأ�صقاع توفرها املالحة البحرية التي يعرفها ميناء ال��دار البي�ضاء الواقع على بحر املحيط الأطل�سي .ب�ضائع م�ستوردة من كل اجلغرافيات التي تنتج ال�صناعات اال�ستهالكية اخلفيفة وال� ��ذي ت���س�ت��أث��ر ب��ه ال���ص�ين يف ظل ا�سرتاتيجيات االقت�صاد «املُع ْولمَ » وحترير ال�سوق من ال�ضوابط اجلمركية. ما مييز هذا املنتجع التجاري املفتوح على �سبل الرزق و�أ�سباب العي�ش للعديد من الفئات ال�شعبية التي تنتع�ش يف ردهاته هو توفر �سوق الكتاب امل�ستعمل ،فيه العديد من الأك�شاك الداخلية ميتلكها باعة احرتفوا هذه املهنة و�أدمنوا عليها و�آخرون يفرت�شون جوانب ال�سوق و�ضفافه وجلهم ُيجمع �أن متعتهم تكمن يف التما�س املبا�شر مع الكتاب وم��ع الزبناء من ق��راء ومثقفني ي�أتون القتناء كتب حم��ددة تهمهم وتهم م�ساراتهم الثقافية واملهنية ،و�أنهم ال يرغبون�-أي حمرتيف هذه املهنة -يف تغيري مهنة بيع الكتب امل�ستعملة رغ��م �أن ربحها حم���دود ،ب��ال�ك��اد يكفي ل�سد رمق عي�شهم ،ويف االمكان بحكم توفرهم على �أك�شاك يف ال�سوق ،يف حالة تغيري جتارتهم� ،أن
يكون ربحهم �أف�ضل ور�أ�سمالهم �سيكرب يف حالة مزاولتهم لأي ن�شاط جتاري �آخر بديل. وحتى نقرتب من ال�صورة احلية لهذا الن�شاط التجاري املرتبط ب�سوق الكتاب امل�ستعمل كان لنا لقاءات مبا�شرة مع العديد من ن�شطاء �سوق «درب غلف»: ال�سيد حممد ك��رم وه��و م��ن ق��دم��اء الكتبيني ممتهني جتارة الكتب امل�ستعملة والتي بد�أها يف �سنة 1970م بحيث ق�ضى ما يزيد على �أربعة عقود يف هذه التجارة ،يحكي �أنهم يف البداية كانوا ثالثة واح��ده��م ت��ويف وال�ث��اين �أورث-م��ن التوريث املهني -البنه هذه املهنة ،هم �أول من جا�ؤوا ل�سوق «درب غلف» الذي كان يف «اجلوطية» القدمية ح�سب ذك��ره قبل �أن ي�ستقروا داخ��ل ال�سوق ،والآن �أ�صبحوا �ستة �أ�شخا�ص لديهم حمالت ق��ارة والباقي يفرت�ش الأر���ض ،ي�ضيف
ال�سيد حممد كرم �أن املو�سم الدرا�سي من كل �سنة يعرف ال�سوق رواج ًا ا�ستثنائي ًا وحراك ًا كبري ًا لأن �أغلب الأ�سر الفقرية ال ت�ستطيع �شراء املقررات اجل��دي��دة وتكتفي بكتب امل �ق��ررات الدرا�سية امل�ستعملة لأن �أثمانها رمزية ويف متناولهم� .أما كتب الثقافة العامة كتب التاريخ والأدب والفكر وال�تراث فيظل الإقبال عليها على م��دار ال�سنة وج��ل ف�صولها .ال�سيد حممد ك��رم ي�ق��ول �إن��ه يح�صل على الكتب من �شرائها من النا�س الذين ي�ستغنون عنها ،ومنهم بع�ض الأجانب املقيمني يف املغرب ،ويحدث �أن يعر�ض �أحد الأ�شخا�ص مكتبته كاملة للبيع ،وهي املت�ضمنة للكتب املتعددة االهتمامات واالخت�صا�صات ،و�أحيانا يحدث �أن يح�صل على كتب قيمة ون��ادرة ،وتغطي ف�ضاء ك�شك ال�سيد حممد ك��رم كتب بلغات متعددة بالعربية والفرن�سية واال�سبانية واالجنليزية و�أحيانا باللغة االملانية.
يعرف سوق «درب غلف» باعة ومثقفون رواج ًا خالل الدراسة ألن ال�سيد عبد الرحمن الفا�ضل وه��و م��ن اجليل اجلديد الذي ورث املهنة عن �أبيه وانخرط فيها األسر الفقيرة تكتفي عمليا منذ �سنة 2000م يقول �إن هذه املهنة حتتاج بكتب بالمقررات للبلورة والتطوير حتى تظل م�صدر ًا للرزق ،و�إال الدراسية المستعملة �ستتعر�ض للتلف واالندثار و�سيطالها الن�سيان، ألن أثمانها رمزية وفي متناولهم
عبد الرحمن فا�ضل
ويقول �إن الكتاب املدر�سي امل�ستعمل خ�صو�ص ًا مع بداية الدخول املدر�سي هو الأ�سا�س يف احلراك التجاري ل�سوق الكتاب امل�ستعمل بالإ�ضافة �إىل اهتمامات �أخ��رى ت�ن��درج يف احل��رك��ة الدائمة املرتبطة باقتناء كتب العلم واالقت�صاد والأدب وحت��دي��د ًا ال��رواي��ات و�أي���ض� ًا للمو�سوعات التي لها ح��ظ يف الإق �ب��ال ،وفيما يتعلق باملجالت فالأكرث مبيع ًا ورواج ًا هي املجالت املتخ�ص�صة يف اخلياطة والديكور والطبخ ،و�أك�ثر زبنائه من ال�شباب باعتبارهم ق��راء نهمني للروايات والن�صو�ص ال�سردية. فنيد �سعيد ال�شاب ال��ذي ا�ستهوته ه��ذه املهنة التي يتحدث عنها بحب و�شغب والتي اختارها مبح�ض �إرادته منذ نهاية الت�سعينيات من القرن امل��ا��ض��ي ،يحكي ع��ن �شرف ه��ذه املهنة و�أنها حتتاج ل�صرب خ�صو�ص ًا �أن العمل فيها متوا�صل وب�شكل يومي عدا يوم اجلمعة الذي اختاره يوم عطلته ،وي�ضيف �أن��ه يتاجر يف كل الكتب عدا كتب «ال�شعوذة» لأنها ال تعنيه ولن تفيد القارئ يف �شيء ،وبالن�سبة �إليه فالكتب الأكرث مبيع ًا يف ك�شكه هي كتب ال�سرد الق�ص�صي وال��رواي��ات والكتب الرتاثية وكتب التاريخ وحت��دي��د ًا كتب تاريخ املغرب التي يطالبه الزبناء بتوفريها وحجزها لهم عندما تقع يف يده. كما ي ��ؤك��د فنيد �سعيد �أن ��ه بحكم املمار�سة االح�تراف �ي��ة �أ��ض�ح��ى ل��ه الآن �شبكة �أ�سا�سية ومهمة من النا�س توفر له الكتب التي يقتنيها منهم ويعيد فيها البيع ،و�أ�ضحت جتمعه به�ؤالء �صداقات متينة مبنية على االحرتام واالحرتام املتبادل وه��و ب��دوره يوفر لهم حاجتهم لكتب حمددة يحر�صون على اقتنائها مادامت تدخل
فنيد �سعيد
يف �صلب اهتماماتهم الثقافية. ويختم فنيد �سعيد ب ��أن ه��ذه املهنة ال�شريفة ت�شكل م�صدر �سعادته ال�شخ�صية ،و�أن رزقها م�ضمون واحل�م��د هلل ،ه��ذا دون �أن ين�سى �أن �سعادة ا�ستثنائية تغمره لأن ك�شكه يتوفر على كتب ،وبلغات متعددة منها العربية والفرن�سية واالجنليزية والأملانية والرو�سية. يو�سف بورة الكتبي ال�شهري رئي�س جمعية الكتبيني يف الدار البي�ضاء ،والذي توجد مكتبته يف «�سوق لقريعة» وهذه اجلمعية هي التي تنظم معر�ض ًا �سنوي ًا للكتاب امل�ستعمل يف«�ساحة ال�سراعنة» بالدار البي�ضاء والذي يعرف م�شاركة وح�ضور وم���س��اه�م��ة ال �ع��دي��د م��ن ال �ك �ت��اب وامل�ب��دع�ين واملثقفني ،يوازيه العديد من الفعاليات الثقافية التي تتدرا�س و�ضع و��ش��أن الكتاب و�سبل رفع م�ستوى القراءة واملقروئية يف املغرب ،والذي خ�ص�ص حمور الربيع العربي لدورته الرابعة ،2012فيما ت�ستعد الآن جمعية الكتبيني بالدار البي�ضاء لإطالق ال��دورة اخلام�سة يف منت�صف ال�سنة القادمة 2013م .يقول الكتبي يو�سف بورة �إن عدد الكتبيني يف املغرب املهتمني ب�ش�أن الكتاب
مكتبة الفالح هي أول مكتبة للكتاب المستعمل في المغرب شنت سنة 1947م في ُد ِ منطقة «البحيرة» أحد الفضاءات التاريخية المهتمة بتسويق الكتاب المستعمل في مدينة الدار البيضاء
حممد كارم
امل�ستعمل يزيد عن 120كتبي ًا وجلهم موجود يف الأحياء الهام�شية ،ويف الدار البي�ضاء ما يزيد عن 30منهم والباقي يتوزعون على املدن الكربى يف املغرب مثل فا�س ومكنا�س وال��رب��اط و�سال ومراك�ش وتطوان وطنجة. وعن املهنة يقول يو�سف بورة �إنها مهنة ال تعد بالرفاهية وال�ثراء وال�ترف لكنها مهنة �شريفة املهم فيها هو التما�س الدائم واملبا�شر مع ال ِكتاب وال ُكتاب ولي�س الربح امل��ادي ال�صرف ،ويحكي �أن الكاتب وال�شاعر ح�سن جنمي �أل��ف روايته «ج�يرت��رود» �إنطالقا م��ن ح�صوله على كتاب مهم عن الفن الت�شكيلي ح�صل عليه بال�صدفة يف �سوق الكتاب امل�ستعمل �أثناء جوالته يف هذه ال�سوق ،يو�سف بورة العارف ب�أ�سرار هذه املهنة والذي مار�سها لأزيد من � 20سنة يقول �إن �أول مكتبة وه��ي مكتبة الفالح التي ال ت��زال قائمة �إىل الآن د ُِ�شنت �سنة 1947م وه��ي توجد يف منطقة «ال�ب�ح�يرة»�أح��د الف�ضاءات التاريخية املهتمة بت�سويق الكتاب امل�ستعمل يف مدينة الدار البي�ضاء.
قرية مفتوحة للكتاب امل�ستعمل
ويحلم يو�سف بورة ،وهو ال�شغوف بهذه املهنة ،ب�أن تكون يف املغرب قرية مفتوحة للكتاب امل�ستعمل، منظمة وجم�ه��زة بطريقة حديثة ت�سمح مبد ج�سور التوا�صل اليومي بالفئات املهتمة ب�سوق الكتاب فيها كل امل��راف��ق احليوية من مطاعم وم�ق��اه��ي وا� �س�تراح��ات وق��اع��ات للمح�ضرات واللقاءات االدبية والفكرية واملعرفية ،تتوج �سنويا مبهرجان وطني و�أخر عربي يعيد االعتبار لكل املن�شغلني بهذا القطاع ومرديه
48 الـعــــدد 157 نوفمرب 2012
الكالم المباح
الكالم المباح
سلسلة الغباء حنفي جايل
يف
«الكالم املباح» املن�شور يف العدد الفائت ،وحتت عنوان «�سل�سلة احلكمة املمتدة» عر�ضنا ملخطوطة ك�شفت عن �أن �أب��ا الطيب املتنبي ترجم �أق��وال �أر�سطاطالي�س بعد �أن ت�أثر مبا فيها من حكمة، ور�أينا كيف امتدت �سل�سلة احلكمة ،وطالت م�سبحة الفل�سفة ،وكيف �أنتج التوا�صل بني الأجيال مبادئ طيبة �أنارت دروب �سالكيها .وانتهينا �إىل �أن التاريخ مليء بنماذج من احلكماء اهتدت فهدت ،وعرفت فلزمت ،متام ًا كما هو مليء بنماذج �أخرى ،للأ�سف� ،ضلت و�أ�ضلت. و�أ�شرنا �إىل �أن �صراع العلم واجلهل ،و�صراع احلق والباطل ،كان، و�سيكون منذ الأزل و�إىل نهايته� ،إىل �أن يرث اهلل الأر�ض ومن عليها، وعندها فقط �سيكون القول الف�صل ،قو ًال واحد ًاَ ، كم واحد« .ملن حل ٍ امللك اليوم ،هلل الواحد القهار». وقبل �أن يجف مداد تلك الكلمات طالعتنا الأنباء بخربين غريبني عن حادثني مت�شابهني وقع �أحدهما يف مدينة الإ�سكندرية يف م�صر ،والآخر يف العا�صمة العراقية بغداد ،ومو�ضوع احلادثني واحد ن�ستطيع و�صفه بعملية اغتيال مدبرة ومق�صودة للثقافة وال�تراث ،واملجني عليه يف احلادثني واحد �أي�ض ًا ،هو الكتاب .قد تابعنا واقعة قيام قوات الأمن يف الإ�سكندرية بـ«اقتحام» �شارع النبي دانيال ،و«تدمري» �أك�شاك بيع الكتب القدمية وامل�ستعملة ،و«تطهري» ال�شارع من الباعة اجلائلني ،الذين «احتلوه» .وبعد �أ�سبوع واحد بال�ضبط تكررت الهجمة العنرتية على �شارع املتنبي يف و�سط العا�صمة العراقية بغداد وفق ال�سيناريو نف�سه الذي مت يف الإ�سكندرية. ولن �أثقل على القارئ الكرمي ب�سرد تفا�صيل احلادثني ،ولكن �س�أذهب مبا�شرة �إىل حماولة فهم دالالت احلادثني والرابط بينهما بعيد ًا عن نظرية امل�ؤامرة ،ومن دون الدفاع عن وجهتي نظر الأمن من جهة وباعة الكتب من جهة �أخرى .فمن املعروف �إن الكتب متثل واحد ًا من �أهم �أوعية الثقافة، و�إن عائالت ب�أكملها توارثت بيع القدمي من هذه الكتب ،وحمل كثري ًا منها لقب «الكتبي» ،وا�شتهرت به لدرجة طغت على �أ�صلها �أو قبيلتها ،ما ي�شري �إىل االع�ت��زاز باملهنة وباللقب يف �آن ،وم��ن املعروف كذلك �إن تبادل �أو جتارة الكتب القدمية وامل�ستعملة �أ�سهمت ،وال تزال يف تثقيف وت�شكيل وعي كثريين من �أبرز و�أهم �أدباء ومثقفي الأمة العربية ،وبخا�صة يف الدولتني اللتني �شهدتا واقعة تدمري �أك�شاك بائعيها ،و�إن من بني هذه الكتب القدمية وامل�ستعملة نفائ�س وكنوز ًا حقيقية ولي�ست جمازية ،و�إن بائعي هذه الكتب �أ�سهموا وب�شكل كبري يف حفظ هذه النفائ�س من ال�ضياع وحماية تلك الكنوز من الفناء ،وكثري ًا ما وجد الباحثون �ضالتهم من كتب وخمطوطات يف ما حتويه هذه الأك�شاك ،و�إن هذه التجارة من الأهمية مبكان لطالبي العلم يف دولتني تقبع ن�سبة ال ب�أ�س بها من �سكانهما حتت خط الفقر ،ما يعني �صعوبة تدبري احتياجاتها املعي�شية الأ�سا�سية ف�ض ًال عن اقتنائها للكتب ،و�إن �أماكن بيع تلك الكتب �أنتجت العديد من ال�صداقات التي جمعت ما بني روادها وبني التجار من جهة ،وبني الرواد �أنف�سهم من جهة �أخرى ،ما �ساعد يف �إنتاج مزيد من الكتابات ،وتوليد الكثري من الأفكار ومو�ضوعات البحث ،و�أثرى حقول املعرفة الإن�سانية ،والنتيجة ،وجود «�سوق موازية» لتجارة الكتب� ،إىل جانب ال�سوق الرئي�سة التي تعاين ،منذ فرتة من ركود وك�ساد كنتيجة طبيعية لرتدي الأو�ضاع االقت�صادية ،وظهور الكتاب الإلكرتوين ،وزيادة عمليات القر�صنة الإلكرتونية على حمتويات املكتبات اخلا�صة والعامة على حد �سواء ،ثم النتيجة الأهم ،وهي التي خل�صنا �إليها يف «الكالم املباح» املن�شور يف العدد املا�ضي وهي «امتداد �سل�سلة احلكمة» ،وا�ستطالة م�سبحة الفل�سفة.
ثم جاء احلادثان اللذان وقعا ال�شهر املا�ضي لي�ؤكدا وجود ال�صراع بني العلم واجلهل ،وبني احلكمة والغباء ،فالأمن املهاب يف الدولتني �صاحبتي التاريخ ا ألق��دم واحل�ضارة الأع��رق ،ي�صحو يف القرن الواحد والع�شرين وينتبه فج�أة �إىل وجود «ب�ؤرتني» �أو «مركزين» لبيع الكتب القدمية وامل�ستعملة يف �شارعني من �أهم �شوارع حا�ضرتني من حوا�ضرهما ،وبد ًال من الفخر بهما كحا�ضنتني للثقافة ووعاءين للرتاث ،يقرر اقتحامهما وتطهريهما وتدمري ما فيهما من �أك�شاك ،ويا للغباء!. وبفر�ض �إن ما حدث كان نتيجة قرارين فرديني ،و�إن الذي يقف وراءهما م�س�ؤولني �أمنيني ،ف�إنه يجب التوقف لل�س�ؤال عن هذين امل�س�ؤولني اللذين يجهالن �أهمية الكتاب ،حتى و�إن كان قدمي ًا �أو م�ستعم ًال ،ناهيك عن اجلهل ب�أهمية الثقافة و�أهمية ال�تراث ،و�أحقية كل من امل�س�ؤولني مبن�صبه ،ثم ال�س�ؤال عن الفكر الذي يعتنقه كل منهما ،والذي تطل منه رائحة التطرف بالفعل ،باعتبار �أن التطرف من�ش�ؤه الفكر ،وكما يطل التطرف من ر�ؤو�س و�أفكار بع�ض م�ؤلفي الكتب ،ف�إنه يطل من ر�ؤو�س وت�صرفات �أمثال رجلي الأمن �صاحبي القرارين بتدمري �شارعي النبي دانيا و�أبي الطيب املتنبي. يحدث هذا يا �سادة ياكرام يف الوقت الذي يغ�ض فيه الأمن املهاب الطرف عن كثري من الأمور املعروفة للجميع ،ويهُب للق�ضاء على ب�ؤرتني من �أخطر ب�ؤر الثقافة والتنوير ،ما يعك�س نظرته لهما ،و�إح�سا�سه مبدى خطورتهما على املجتمع ،تلك النظرة التي ت�ستند �إىل فكرة �إن املجتمع اجلاهل ت�سهل قيادته وال�سيطرة عليه ،وهي نظرة قا�صرة ،ونظرية �أثبت التاريخ ف�شلها، كما �أثبت �إن ال�سيطرة على فكر الب�شر ومنعه من التحليق والإبداع �أمر يعادل يف ا�ستحالته ال�سيطرة على �أ�شعة ال�شم�س ومنعها من الإ�ضاءة ،و�إن ذلك لو حدث لفرتة ،فمن امل�ستحيل �أن ي�ستمر لفرتات طويلة ،فالأ�شعة موجودة، و�إن حجبتها �سحب �أو �أخفتها �ستائر ،ومع �أول انق�شاع لل�سحب ،و�أ�صغر فتحة لل�ستائر تغمر ال�شم�س الأمكنة كلها ،فت�ضيء ما ت�شاء وتل�سع وحترق ما ت�شاء. وللعلم ف�إن هذين احلادثني لي�سا الأولني ،ولن يكونا الأخريين ،فقد �سبق �أن هجم امل�ستفيدون الذين �أثروا جراء االنفتاح الذي فر�ض على م�صر �أواخر ال�سبعينيات و�أوائل الثمانينيات من القرن املا�ضي على واحد من �أهم �شوارع القاهرة ،وهو �شارع "الفجالة" ليحولوا حمالته بقدرة املال جمهول امل�صدر« ،وهذا و�صف رقيق وخمفف وغري جم َرم للمال احلرام يف جميع �صوره» من حمالت لبيع الكتب والقرطا�سية والأدوات املكتبية �إىل حمال لبيع ال�سرياميك والأدوات ال�صحية ،ولكن الفارق بني احلالتني �أن االعتداء الأول مت ببطء وبالرتا�ضي وا�ستغالل حاجة النا�س للمال لأغرا�ض ا�ستهالكية ومظهرية� ،أما الآخ��ر فقد حدث بغتة ،ويف �أول النهار ،وبا�ستخدام العنف �ضد �أنا�س يف حاجة �أي�ض ًا للمال ،ولكن للعي�ش باحلد الأدنى من الكرامة ،و�إقامة الأود و�إعفاف اليد والنف�س، وبد ًال من التجارة يف "املمنوعات" وما �أ�سهلها وما �أكرث دروبها امللتوية. و�أخري ًا ن�صل �إىل الرابط بني احلادثني ،وهو وجود قوى ظالمية مت�شابهة الفكر و�إن اختلفت �أ�شكالها ،ووج��ود م�ساع للتجهيل مقابل م�ساعي التنوير ،و�أن هذه القوى ترى يف الثقافة والفكر والعلم خطورة تهدد م�صاحلها وتهز �أركانها ،وبالتايل فهي حتاول ب�أق�صى ما ت�ستطيع وبكل ما متلك الق�ضاء على م�صادرها ومن بينها الكتب ،ولكن الثقة دائم ًا يف �أن العلم �أخري ًا ينت�صر ،و�أن احلق �أخري ًا ي�سطع ،و�أن الزبد يذهب جفا ًء و�أما ينفع النا�س فيمكث يف الأر�ض ،بالرغم من امتداد �سل�سلة الغباء وا�ستفحال قوى اجلهل
ساحة الحوار 50 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
تدعو مل�شروع حلفظ الأدب ال�شعبي اجلزائري
الباحثة جميلة فالّح:
التنقيب عن التراث الشفوي وتدوينه رهان حضاري
حوار -نور الدين برقادي ف�ضل الباحثة اجلزائرية جميلة ف ّ ُت ّ طيني الح طهي اخلبز التقليدي «الرخ�سي�س» يف موقد ّ خالل �سهرات والية «خن�شلة» ،ال�شمال ال�شرقي للجزائر ،بح�ضور �أفراد الأ�سرة ،وترى �أن فاكهة هذه ال�سهرات هي الأمثال والق�ص�ص امل�ستمدة من الرتاث ال�شفهي اجلزائري الرثي، الذي تهتم به وت�سعى �إىل التنقيب عنه وتدوينه وحفظه م�ؤكدة �أن �سر تفرده وغناه يكمن يف تعدد م�صادره وت�آلفها. يف حورانا التايل معها ،حتدثت ف�ّل�اّ ح عن جتربتها يف التنقيب عن ال�تراث ال�شفهي وحم��اوالت جمعه وتدوينه ،والعقبات التي حت��ول دون جن��اح ذل��ك واملخاطر الناجتة عن عدم التعجيل يف جمعه نظر ًا لأن الرواة الذين يرحلون عن عاملنا ال ميكن تعوي�ضهم. وتعرب فلاّ ح عن �أملها يف تخ�صي�ص موقع �إل �ك�ت�روين متكامل لتوثيق ورع��اي��ة كنوز ال�ت�راث ال�لام��ادي ي�شمل ك��ل منطقة من مناطق اجلزائر ،مع و�ضع اخلطط الكفيلة بتفعيل اال�ستفادة من هذا الرتاث .معربة عن ا�سفها لكون الرتاث ال�شفهي اجلزائري ال �ع��ري��ق م��ا زال ب�لا ت��وث �ي��ق ،مم��ا ي�سمح للعابثني بالتالعب به وت�شويهه ،وفيما يلي ن�ص احلوار: على الرغم من مرور �أكرث من خم�سة �آالف ���س��ن��ة ع��ل��ى ظ��ه��ور ال��ك��ت��اب��ة ،م���ا زال ال�ت�راث ال�شفهي �أك�ث�ر غنى وح�����ض��وراً يف الثقافة املغاربية ،كيف تف�سرين ذلك؟ ع��ان��ت خم �ت �ل��ف ل �ه �ج��ات ال�ب�رب ��ر ،ط ��وال ع�صورها ،من االنتقال من لغة �شفوية �إىل لغة مكتوبة ،ومن لغة القبيلة �إىل لغة الدولة، ومن لغة البداوة �إىل لغة احل�ضارة ،وذلك لالنغالق الثقايف والتطور البطيء للمجتمع الرببري ،هذا املجتمع الريفي القبلي الذي ويتح�صن كان من دون كيان �سيا�سي ،يركن ّ بالقرى اجلبلية بعيد ًا عن الت�أثر ب�أية ثقافة متح�ضرة ،حم�صور ًا يف ثقافة قبلية. و�أت���س��اءل معك :هل كانت لنا ح�ضارة �أو
م��ا ي�شبه احل �� �ض��ارة امل�ك�ت��وب��ة؟ وينتابني الأ�سف حني تقودين الإج��اب��ة �إىل �أننا بال ذاكرة ،بال توثيق ،بقينا ندور حول جتارب الآخرين ،والواقع �أن ذلك اخلط أ� التاريخي الفادح لل�سيا�سات املرتدّية التي مل تعتمد على ثقافة الأر�ض ،مبا لها وما عليها ،نلوم ال��دول��ة التي مل ت�ضع على عاتقها تطوير منابع الثقافات املحلية .الكتابة على الكتابة ات �� �س��اع� ،إن �ه��ا امل �ح��ور الأ� �ص��ل يف حتريك جت��ارب ال��ذه��ن وامل�خ� ّي�ل��ة ،يف ر�ؤي ��ة جميع الأبعاد خالل تعاقب الأزمنة واحلقب ،تظ ّل الكتابة يف هذا امل�ضمار هي الباقية. ت��ك��ت�����س��ب ال��ث��ق��اف��ة امل��غ��ارب��ي��ة �أه��م��ي��ت��ه��ا وغناها من تعدد م�شاربها ،كيف جتدين العالقة بني الرتاثني الأمازيغي والعربي بالتطبيق على املثل ال�شعبي اجلزائري؟ يعترب املثل ال�شعبي �أحد �أكرث فروع الثقافة ال�شعبية ث ��راء يف ال�ل�غ��ة .وامل �ث��ل ال�شعبي الأم��ازي�غ��ي ال يختلف عن املثل العربي يف البناء ،ويف �أداء الوظيفة البالغية والبيانية التي يتوخاها املتك ّلم من �ضرب الأمثال. ف��امل �ث��ل ت�ع�ب�ير ب�لاغ��ي ب��ال��درج��ة الأوىل، يتّ�صف بال�شمول وال�ع�م��وم بالقيا�س �إىل
المرأة الريفية في الجزائر لديها قدرات لو تهيأت لها الظروف المناسبة لحققت الكثير
باقي �أ�ساليب التعبري البيانية ،الأم�ث��ال بالأمازيغية �أو بالعربية «العامية» تعرب عن جتربة �سابقة ُتتّخذ منوذج ًا للتعبري عما يختلج يف �صدور �أفراد املجتمع ،غري �أنهما «�أي املثل الأمازيغي واملثل العربي» متباينان يف �شيء واحد وهو اللغة. وم�����اذا ت��ق�ترح�ين ل����ر ّد االع���ت���ب���ار ل��ه��ذا امل�����وروث احل�����ض��اري ال��وط��ن��ي امل��ت��م��ث��ل يف الثقافة ال�شفوية والتي تو�صف عادة ب�أنها تعاين من التهمي�ش وعدم االهتمام؟ لرد االعتبار ملوروثنا من الأدب ال�شعبي، علينا باملبادرة ال�سريعة والفاعلة من �أجل �أر�شفة تراثنا ،حفاظا على وجه ب��ارز من التاريخ الثقايف للجزائر .كل ما جمعناه ال ي�ف��ي ب��ال �غ��ر���ض� ،أق �ت�رح �إن �� �ش��اء م��واق��ع �إلكرتونية خا�صة بكل منطقة من مناطق اجلزائر؛ فلكل منطقة كنوزها من الرتاث ال� ّ لام��ادي ،بهذه الطريقة نقدم للآخرين تراثنا ب�أنف�سنا وال نرتكه يف متناول العابثني به وبالتايل احلفاظ عليه من ال�ضياع. التكنولوجيا احلديثة تهدد ك ّل ثقافة غري مكتوبة بالذوبان ،والعوملة ال تعرتف بالثقافات املحلية ،كيف ميكن حماية هذه الثقافات من االندثار واملوت؟ هذا الرتاث ال�شعبي الذي تتوارثه الأجيال م���ش��اف�ه��ة ي��واج��ه ال �ع��دي��د م��ن الأخ��ط��ار؛ �أخطار املحو من الذاكرة ال�شعبية للأجيال
ساحة الحوار 52 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
زينة املر�أة الأمازيغية
ال���ص��اع��دة ،ب�سبب ع��وام��ل ع��دي��دة �أه ّمها التغيرّ ات احلا�صلة يف البنية االجتماعية ويف ط��رائ��ق احل �ي��اة وال �ت �ف �ك�ير امل��رت�ب�ط��ة ب�ضرورات الع�صر وما تفر�ضه من حتميات، �إذن الإج��اب��ة عند الباحثني والأك��ادمي�ي�ين امل�شتغلني يف حقول الرتاث ال�شعبي .لنفر�ض �أن اله ّمة توفرت والإرادة انعقدت وم�ضى العزم حتى ّمت لنا تدوين هذا ال�تراث ،هل �سن�ستح�ضره يف املنا�سبات واملعار�ض ،ثم نقربه يف م�ستودعات الأر�شيف؟ هل ن�ؤ�س�س مكتبات خا�صة به؟ �إذن ال�س�ؤال املهم الذي ن�ط��رح��ه :م��اه��ي القيمة احلقيقية ل�تراث �شعبي �شفوي ند ّونه؟
التنقيب عن التراث الشفوي وتدوينه رهان حضاري يحتاج إلى إصرار وإرادة وثبات من الباحثين ت��واج��ه ال��ب��اح��ث يف الأدب ال�شعبي عدة ����ص���ع���وب���ات ،م����ن خ��ل��ال جت���رب���ت���ك م��اه��ي ال�����ص��ع��وب��ات ال��ت��ي واج��ه��ت��ك ع��ن��د �إجن���ازك لأبحاثك؟ ك �ن��ت م �ن��ذ ط �ف��ول �ت��ي �أم� �ي ��ل �إىل ال�ك�ت��اب��ة الإب��داع �ي��ة؛ ��س��واء �شعر ًا �أم ن�ث�ر ًا ،وكانت
الأمثال ال�شعبية الأم��ث��ال ال�شعبية م��ن �أب���رز عنا�صر ثقافة املجتمع فهي م���ر�آة عاك�سة لطبيعة النا�س ومعتقداتهم نظراً لتغلغلها يف معظم جوانب حياتهم وت�صويرها للمواقف املختلفة ،ب��ل ت��ت��ج��اوز ذل��ك ل��ت��ق��دّم لهم من��وذج��اً يقتدى به يف مواقف عديدة ،كما �أنها ت�ساهم يف ت�شكيل �أمناط اجتاهات وق ّيم املجتمع.
كتاباتي ت�ش ّد اهتمام �أ��س��ات��ذت��ي ـ خا�صة امل�شارقة منهم ـ ث��م م��ع الأي��ام ��ص��ارت يل م�ساهمات يف اجلرائد واملجالت والإذاع��ة ال��وط�ن�ي��ة ،بعدها غ��رق��تُ يف بحر ال�تراث ال�شفوي ملنطقتي «الأورا� � ��س»؛ فاكت�شفت ك�ن��وزا غالية ،ك��ان ال ب � ّد م��ن نف�ض الغبار عنها ،وك ّلما �أحاول اخلروج من هذا البحر والعودة للكتابة الإبداعية ال �أ�ستطيع ،لأنني يف ك��ل م��رة اكت�شف �أ��ش�ي��اء ت�ش ّدين �أك�ثر. الكتابة �أو تدوين الرتاث ال�شفوي والتنقيب عنه يحتاج �إىل �إ��ص��رار و�إرادة وثبات من الباحث .وك��ام��ر�أة تعي�ش يف و�سط �صعب امل��را���س� ،أج��د �صعوبات ج ّمة يف �أبحاثي، �أهمها ع��دم تف ّهم حميطي للعمل ال�شاق الذي �أقوم به ،كما �أن التقاليد تقف حائال دون مت ّكني م��ن التنقل �إىل عمق الريف الأورا���س��ي واالح�ت�ك��اك ب ��أه��ايل الأورا����س، خا�صة كبار ال�سنّ منهم. هناك من النا�س من مل يتع ّود على مثل هذا
ال�ن��وع م��ن ال��درا� �س��ة ،مم��ا جعل االت�صال بهم �أم��ر ًا �صعب ًا ـ خا�صة يف بداية التعامل ـ لكن م��ع الأي ��ام تع ّلمتُ طريقة التعامل والتوا�صل مع كبار ال�سن ،وبالذات الن�سوة امل�س ّنات اللواتي عملت معهن على توثيق ال�صلة ،وذل��ك للحديث معي بطريقة غري م�ب��ا��ش��رة يف ط��رح الأ� �س �ئ �ل��ة وحم��اورت �ه��ن ال��س�ت�ق��اء امل �ع �ل��وم��ات وت�سجيل امل� ��ادة ثم غربلتها وت�صنيفها .والذي يح ّز يف نف�سي وي�ؤملني؛ �أنه بعد تط ّور �أوا�صر املحبة بيني وب�ي�ن ��س�ي��دة م�سنة ل �ف�ترة ط��وي �ل��ة ،ي�صل �أجلها ملفارقة احلياة ،وهي حتت�ضر تطلب ح�ضوري لتزويدي مبعلومات جديدة. البع�ض ي�سبغ نوعاً من القدا�سة على املثل ال�شعبي ،هل املثل ال�شعبي �صالح لك ّل زمان ومكان؟ يقال باللهجة ال�شاوية�« :أوردجني �إمزويرا متى �أذينني �إن ّقورا» ،ويقابله املثل ال�شعبي بالعربية ال�ع��ام�ي��ة« :م��ا خ�لاو ال� ّل��ول�ين ما يقولوا ال ّلخرين» .تعترب الأم�ث��ال ال�شعبية م��ن �أب���رز ع�ن��ا��ص��ر ث�ق��اف��ة امل�ج�ت�م��ع ،فهي م��ر�آة عاك�سة لطبيعة النا�س ومعتقداتهم نظرا لتغلغلها يف معظم ج��وان��ب حياتهم وت�صويرها للمواقف املختلفة ،بل تتجاوز ذل��ك ل�ت�ق� ّدم ل�ه��م من��وذج��ا ي�ق�ت��دى ب��ه يف مواقف عديدة ،كما �أنها ت�ساهم يف ت�شكيل �أمناط اجتاهات وق ّيم املجتمع� .إذن ،فهي م��ن م�ستلزمات احل�ي��اة االجتماعية التي ي�صنعها الإن���س��ان بتفاعل ،لكونها تعي�ش معنا يف يومياتنا وت�ش ّكل �سالحا للأفراد وما يجب �أن يفعلوه. هناك م��ن ي��رى �أن املجتمع اجل��زائ��ري ينتق�ص من قيمة وحق املر�أة ،كيف و�صف املثل ال�شعبي اجلزائري املر�أة؟ حت�ت��ل امل���ر�أة يف الأم �ث��ال ال�شعبية جم��ا ًال كبري ًا ،باعتبارها حمور احلياة االجتماعية داخ��ل البيت وخ��ارج��ه ،وذل��ك م��ن خالل الدور الذي تلعبه كزوجة و�أم وابنة وحماة، واملت�أمل ل�صورة امل��ر�أة يف احلياة اليومية،
من �آثار مدينة خن�شلة اجلزائرية
لكل منطقة من مناطق الجزائر كنوزها من التراث الالّمادي وأقترح إنشاء مواقع إلكترونية خاصة بكل منها من خالل الأمثال ال�شعبية ،يجد لها �صور ًا عديدة متقابلة ،تعك�س ك ّل �صورة مالحمها املتنوعة؛ فتتداخل معا لتك ّون يف النهاية ��ش�ك� ً لا ع��ام � ًا ل �ل �م��ر�أة امل�ت�م�ي��زة ب��الأ��ص��ال��ة والن�شاط وخ ّفة الروح� ،إذ ال حتاول الأمثال تقدمي �صورة عامة للمر�أة ككائن جمايل حت� � ّدد خ�صائ�صه ومت �ت��دح ��ص�ف��ات��ه ،بل
ت�سعى �إىل �سرب �أغ��وار ه��ذا الكائن الذي ي�ش ّكل حم��ور ًا �أ�سا�سي ًا من حم��اور احلياة االجتماعية؛ حيث �أ ّنها حتر�ص على تقدمي ر�ؤي��ة وا�ضحة لطبيعة ال�سلوك الإن�ساين متّخذة من املر�أة رمز ًا لهذا ال�سلوك ،ي�شري �إىل �شكل العالقة االجتماعية القائمة بني امل��ر�أة واملجتمع .وم��ن �أ�شهر الأم�ث��ال التي قيلت عن املر�أة: «م��ا يعجبك ن� � ّوار ال��دف�ل��ة يف ال ��واد عامل ظ�لاي��ل» ،و«م��ا يعجبك زي��ن الطفلة حتى ت�شوف لفعايل»« .بنت ال�س ّد وامل�� ّد وبنت الق�صعة وامل�ثرد»« ،ق ّلب الربمة على فمها ت�خ��رج الأن �ث��ى لأم �ه��ا»�« ،أدّي لبنات على الأمهات و�أدّي اخليل على ال�سادات»« ،اللي
ساحة الحوار 54 الـعــــدد 157 نوفمبر
وتنا�سق جمله وجتان�س �أحرفه ،نف�س ال�شيء مع الأحاجي التي ت�ستعمل عادة لل�سمر وملأ الفراغ والت�سلية ،فغالب ًا ما تلتزم بال�سجع، كما تدفع ب�سامعها لتحريك الفكر واختبار العقل ال�ستنباط املغزى. �أم��ا الق�صة الأمازيغية ،فتم ّثل ق�سما هاما من امل�أثورات ال�شفوية اجلزائرية تنتقل من الكبري �إىل ال�صغري ،فيها �شيء من طفولة الب�شر وك��ذا مالمح وفية لطبيعة الريف، ت �ب��دو ذات طبيعة خ�ي��ال�ي��ة ،ت ��روى بغر�ض الت�سلية والرتفيه عن النف�س بعد عناء اجلهد والتعب ،فيها مل�سات للأ�صالة مبختلف �ألوانها و�أ�شكالها ،ت�ص ّور لنا حياة الإن�سان الأمازيغي يف مواجهته لذاته وحميطه.
2012
بورتريه امر�أة �شاوية للفنان لزهر هادف
�صربت دارها عمرت». �شعبي ،تعليمي و�شكل �أدبي مكتمل ،كما �أنها �سهلة احلفظ والتناقل على الأل�سنة ،وهذا ب��اع��ت��ب��ارك مهتمة بالبحث يف الثقافة راجع �إىل بالغتها ،مثال نقول «الربد يع ّلم ال�����ش��ع��ب��ي��ة الأم���ازي���غ���ي���ة ،م��اه��ي خ�صائ�ص خلياطة واجل��وع يع ّلم ال�سقاطة»� ،أو نقول والهم يك ّم�ش»؛ هنا جند املثل امل��ث��ل ال�شعبي ،الأح��ج��ي��ة ،ال��ل��غ��ز والق�صة «اخلري يل ّل�ش ّ الأمازيغية؟ فيه جر�س مو�سيقى نظر ًا لتناغم �ألفاظه �إذا كانت الأمثال ال�شعبية عبارة عن �أقوال �شفوية ،جمهولة القائل ووا�سعة االنت�شار بني العامة واخلا�صة ،ف�إنّ �سر ذيوعها يعود تحتل المرأة في �إىل جملة م��ن اخل�صائ�ص ال�ت��ي ام�ت��ازت األمثال الشعبية بها و�أجمع عليها الدار�سون؛ وه��ي� :إيجاز الجزائرية مجا ً ال كبير ًا اللفظ ،و�إ��ص��اب��ة املعنى ،وح�سن الت�شبيه باعتبارها محور الحياة وجودة الكناية� ،إ�ضافة �إىل �أنها ذات طابع
االجتماعية داخل البيت وخارجه
جند يف الأدب ال�شفوي العربة ،واحلكمة، وال��ب��ط��ول��ة ،واحل���ب ،واخل��راف��ة ،مب تتميز اخلرافة يف الأدب ال�شعبي اجلزائري؟ ع��دد الأم �ث��ال ال�شعبية والأح��اج��ي ي�ق� ّدر ب� ��الآالف ،بينما ع��دد الق�ص�ص ال�شعبية حم� ��دود .تنق�سم ال�ق���ص��ة ال���ش�ع�ب�ي��ة �إىل �أ�صناف :الق�صة العجائبية ،الأ�سطورة، احل �ك��ي ع�ل��ى ل���س��ان احل� �ي ��وان ،واخل��راف��ة ت��دخ��ل يف ه��ذا امل�ضمار .ت�ه��دف اخل��راف��ة �إىل الت�سلية ،كما تهدف �إىل تقدمي املوعظة وال �ع�ب�رة ،ت���ص� ّور ل�ن��ا اخل��راف��ة ال�ع�لاق��ات االجتماعية وال�سيا�سية ال���س��ائ��دة ،تقدم اخلربة الإن�سانية وطبائع الب�شر ،ومتثل �أداة فعالة يف الرتبية وتو�صيل القيم اخللقية و�إبراز الفروق الفردية بني الب�شر .خذ مثال حكايات «الأغ� ��وال»؛ تلك احل�ك��اي��ات التي ترويها لنا اجلدات لي ًال ،والتي ن�ستنتج منها ال�صراع الدائر بني احلق والباطل ،القوي وال�ضعيف ،اخلري وال�شر. الأدب ال�شعبي �إب��داع جمعي ،وهو دليل على عبقرية �شعب من ال�شعوب ،مقارنة ب��الآداب ال�شعبية العاملية ،مب ميتاز الأدب ال�شعبي اجلزائري؟ �أهم ما مي ّيز الأدب ال�شعبي اجلزائري �أنه ال ي�ع�ّب�رّ ع��ن وج ��دان ف ��ردي ،وه��و ب�ه��ذا؛ ال
مناذج من حلي املر�أة اجلزائرية
يعبرّ عن فكرة الفرد ولكن فكرة اجلماعة، وذل��ك القرتانه بالق�ضايا االجتماعية من خ�لال ت���ص��وي��ره لأح��ا��س�ي����س� ،آالم و�آم ��ال �أفراد ال�شعب ،كما �أنه يعتمد على الرواية واحلفظ يف انتقاله من جيل لآخر؛ �إذ كانت هذه الرواية �سبب ًا يف تغيرّ بع�ض عنا�صره وفق ًا لطبيعة اجلمهور املتلقي .وه��و �أدب ع��ام��ي ،تقليدي� ،شفاهي متعدد اللغات، جمهول امل�ؤلف ومتوارث عرب الأجيال. �إىل جانب اهتمامك بالبحث يف الأدب ال�����ش��ع��ب��ي ،ت��ن��ا���ض��ل�ين يف ���ص��ف��وف احل��رك��ة الن�سوية ،م��اذا عن واق��ع امل��ر�أة الريفية يف اجلزائر؟
األدب الشعبي الجزائري يصور أحاسيس وآالم وآمال أفراد الشعب ويعبّر عن فكرة الجماعة متجاوز ًا اإلحساس الفردي املر�أة الريفية ـ خا�صة يف منطقة الأورا�س ـ ال ت��زال مه ّم�شة على ال��رغ��م م��ن ال��دور الكبري ال��ذي تلعبه �إىل جانب ال��رج��ل ،ال تزال املر�أة الريفية تعاين من م�شاق احلياة
املر�أة الرمز ال حت��اول الأم��ث��ال تقدمي ���ص��ورة عامة للمر�أة ككائن جمايل حت�� ّدد خ�صائ�صه ومت��ت��دح �صفاته ،ب��ل ت�سعى �إىل �سرب �أغ���وار ه��ذا الكائن الذي ي�ش ّكل حموراً �أ�سا�سياً من حماور احلياة االجتماعية؛ حيث �أنّها حتر�ص على تقدمي ر�ؤية وا�ضحة لطبيعة ال�سلوك الإن�ساين متّخذة من امل��ر�أة رم��زاً لهذا ال�سلوك ،ي�شري �إىل �شكل العالقة االجتماعية القائمة بني املر�أة واملجتمع.
املعي�شية ،حتى يف ظ��ل وج��ود جم�ه��ودات لإنعا�ش الريف ،املر�أة الريفية لديها قدرات ل��و تهي�أت لها ال�ظ��روف املنا�سبة حلققت الكثري .هنا ي�أتي دور اجلمعيات الن�سوية التي تهدف �إىل تدريب وت�أهيل امل��ر�أة على حرف يدوية مع ّينة ت�سهم يف حت�سني م�ستوى معي�شة �أ�سرتها ،و�أي�ضا توعيتها وتثقيفها م ��ن ال��ن��واح��ي ال �� �ص �ح �ي��ة واالج �ت �م��اع �ي��ة والثقافية ،بالإ�ضافة �إىل مكافحة الأمية بتعليم الن�ساء الأميات وتدريبهن وت�أهيلهن للعمل ع�ل��ى التخفيف م��ن ع��بء الفقر، ت�ع��ري��ف امل���ر�أة بحقوقها امل �ع�ترف ب�ه��ا يف قانون الأ�سرة ،توعيتها للحفاظ على تراثها ال�شعبي .و�أريد �أن �أقول هنا؛ هذه م�شاريع و�آفاق �أمتنى جت�سيدها يف �إطار انخراطي م��ع اجلمعية الوطنية «جمعية امل���ر�أة يف ات�صال ،» FECرمبا �أمتكن من م�ساعدة امل��ر�أة الريفية الأورا��س�ي��ة يف اخل��روج من القوقعة التي توجد فيها
56 الـعــــدد 157 نو فمرب 2012
هنا ..وهناك
المرأة ..الهيكل العظمي �إنها
حكاية قدمية ج��دا حتكيها اجل��دات يف ب�لاد الإ�سكيمو الباردة ،واحلكاية تف�سر �أزمات عالقات احلب يف زماننا هذا .هل هذا ممكن؟ هذا ما ت�ؤكده م�ؤلفة كتاب «ن�ساء يرك�ضن مع ال��ذئ��اب� :أ�ساطري وحكايات النموذج الأويل للمر�أة الربية». لقد �سمعت «كالري�سا بنكوال �إي�ست�س» احلكاية من �إح��دى ن�ساء الإ�سكيمو وكتبتها لنا ،ثم قدمت حتليال نف�سيا للحكاية يغو�ص يف �أعماق نفو�سنا ويخرج لنا بحقائق ثمينة رمبا لو فهمناها لأنقذنا عالقات حب عديدة من الف�شل. تقول احلكاية �أن �شابة قد غ�ضب عليها �أباها ،ل�سبب مل يعد يذكره النا�س ،فقذف بها �إىل البحر .وهناك �أك��ل ال�سمك حلمها وفق�أ عينيها والتفت �أع�شاب البحر والطحالب حول هيكلها العظمي الذي �أخذ التيار يتقاذفه مينة وي�سرة .ويف يوم من ا ألي��ام ذهب �أحد ال�صيادين مبركبه ال�صغرية �إىل املكان الذي ترقد يف �أعماقه امل��ر�أة كي ي�صطاد .رم��ى ال�صياد �سنارته ،ويف التو �شعر بثقل ال�صيد الآتي من عمق البحر .فرح ال�صياد وزغرد قلبه وهو يرفع ال�سمكة ال�سمينة .وما �إن ظهر له ال�صيد حتى ر�أى هيكال عظميا. ارتعب ال�صياد وقذف بالهيكل �إىل املاء مرة �أخرى و�أخذ يجدف عائدا �إىل ال�شاطئ وقلبه يدق فزعا .مل ي��درك الرجل �أن خيط ال�سنارة قد التفت حول عظام امل��ر�أة فكان كلما نظر وراءه وجد الهيكل يطارده .وعندما نزل �إىل ال�شاطئ �أطلق �ساقيه للريح وهو ي�صرخ .و�صل �إىل كوخه وهو يلهث ،دخل و�أغلق الباب وراءه كمن جنا من املوت مبعجزة .وما �أن التفت وراءه حتى ر�أى هيكل املر�أة العظمي وقد ا�شتبكت عظامه مع بع�ضها البع�ض ومع خيط ال�سنارة فانهار �إىل الأر�ض باكيا .وعندما هد�أت �أنفا�سه� ،ألقى عليها نظرة �أخرى ف�أدرك �أنها بال حول ،و�أن لي�س ب�إمكانها �إيذائه .وكان التعب والفزع قد ناال منه فقرر �أن يرتكها مكانها .ال ..بل �إن حلظة �شفقة
غريبة قد مرت بقلبه فقرر تخلي�صها من التفاف اخليط وت�شابك عظام �ساقيها مع قف�صها ال�صدري .كان كل هذا يحدث واملر�أة مل تتحرك �أو تبدي رد فعل خوفا من �أن يلقي بها ال�صياد خارج الكوخ ومن فوق ال�صخرة العالية فتتحطم عظامها �إىل الأب��د .و�أخ�يرا �سحب ال�صياد البطانية الثقيلة فوق ج�سده ون��ام .وب��د�أت امل��ر�أة الهيكل العظمي تت�أمله .الحظت انفالت دمعة من عينيه وهو نائم، وهو �أمر متكرر احلدوث مع الب�شر� .شعرت املر�أة حلظتها بعط�ش �شديد .اقرتبت بهدوء و�أخذت ت�شرب من تلك الدمعة �أنهارا من املاء �أ�شبعت عط�ش ال�سنني الطويلة .ثم �أخرجت بهدوء قلبه من بني ال�ضلوع وب��د�أت تدق عليه مثل الطبلة وهي تغني من �أجل �أن يعود �إىل ج�سمها اللحم .غنت من �أجل �شعر طويل وعينني جميلتني وبطن م�ستديرة .وكلما غنت املر�أة كلما اكت�ست عظامها باللحم وعاد �إليها �شعرها والعينني .و�صحا ال�صياد يف ال�صباح على امر�أة جميلة تنام بجانبه وتنظر �إليه بحب .يقول النا�س �أن ال�صياد وحبيبته قد تركا تلك القرية ورحال �إىل مكان جديد. كيف تك�شف حكاية الإ�سكيمو هذه �أزم��ة احلب يف �أيامنا؟ تقوله املحللة النف�سية «كالري�سا بنكوال �إي�ست�س» �أن �أحد الأزم��ات التي ت�صيب عالقات احلب تنبع من خوفنا من دورة «احلياة /املوت/ احلياة» .فنحن� ،أبناء وبنات الثقافة احلديثة ،نريد «احلياة» فقط، ونظن �أن امل��وت يعني النهاية� .أي �أننا نتوقع �أن ت�أتي لنا عالقة احلب بكل ما هو وردي وجميل وم�شرق ،ويف هذا التجاهل للجانب املعتم من احل��ب جهل كبري بطبيعته .فاحلب لي�س وجها واح��دا جميال وما دونه �سيء وغري مرغوب به .احلب موجات �أولها �سعادة وانبهار �أننا قد وجدنا كنزا عظيما ،و�أن �سنارة �صيدنا قد التقطت ما مل يلتقطه �صياد من قبل .نفرح بخفقات القلب واللقاءات الأوىل واالهتمام ونظرات الإعجاب والتمني والرجاء .وبعد �أن متر
د�.سحر املوجي
مرحلة االفتتان الأوىل /فرحة ال�صيد الثمني ،نقابل الوجه الآخر ملن نحب� ،أو نتعرف على الوجه الآخر للحب وهو الهيكل العظمي/ املوت .ما الذي ميوت؟ متوت �أوهام وتذوي توقعات ،ميوت طمعنا يف احل�صول على كل �شيء .متوت اخلفقة الأوىل وجند �أنف�سنا، وجها لوجه� ،أمام بع�ض ال�شوائب يف ال�صورة ،فرمبا احلبيب لي�س كما ت�صورناه بعيون احلب الأوىل ،رمبا لن متنحنا العالقة كل ما توقعناه� .إن مواجهة الهيكل العظمي /مرحلة املوت يف العالقة لهو �أمر يتطلب قوة داخلية وقدرة على موا�صلة احلب رغم موت بع�ض الأ�شياء .فرمبا من هذا امل��وت تنبعث حياة جديدة .احل��ب ،كما تقول «�إي�ست�س» ،هو �أن تقف مكانك بينما كل ذرة يف كيانك ت�صرخ «اهرب»! فلننظر مثال �إىل ال�صياد الذي فرح يف البداية بال�صيد الثمني، وعندما ر�أى الهيكل العظمي ركبه الفزع وفر هاربا ،وعندما قرر يف كوخه �أن ي�ترك الهيكل وح��ال��ه� ،أن يقبل وج��وده ،و�أن يتوقف عن الهروب ،بد�أ يجد يف الأمور �أمور .يف حلظة تعب �أو ي�أ�س من الهروب ،ترك ال�صياد هيكل املر�أة يف الكوخ .بل �إنه فك ا�شتباك عظامها و�أع��اده��ا �إىل مكانها� .إن م��ا فعله ي��وازي تلك العملية النف�سية التي يجب �أن نقوم بها جميعا كي نفهم �أنف�سنا ،ون�س�أل: ما هي الأ�شياء التي يجب �أن �أقبل موتها الآن؟ رمبا هو �شعوري باخلوف .البد للخوف �أن ميوت .رمبا هو رغبتي يف اال�ستحواذ على كل ما هو جميل ولفظي ملا هو خارج توقعاتي؟ رمبا هي التوقعات غري الواقعية التي البد �أن �أتركها متوت؟ ما هو ال�شيء الذي البد �أن ميوت ّ يف كي يتدفق نهر احلياة داخلي مرة �أخرى؟ ويف �أمان البيت ال�صغري ودفئه �شعرت املر�أة مبا ينق�صها .ينق�صها �أن ت��روي عط�شها م��ن دم�ع��ة �أفلتت م��ن ع�ين ال�ن��ائ��م� .إن حزنه الدفني هو �إن�سانيته ،ومنطقة �ضعفه اخلفية عن كل العيون ،وهي
ت�شعر بعط�ش حارق لالرتواء من نبع احلزن هذا .هل لأن لديها هي الأخ��رى �أح��زان مطوية؟ كما �شعرت �أنها تريد �أن تدق على قلبه كالطبلة وتغني طلبا ملا ينق�صها .القلب هو نبع احلياة ،ومن نب�ضات قلب الرجل عادت احلياة للهيكل العظمي و�أ�صبحت امر�أة م��رة �أخ��رى .لقد قامت امل��ر�أة ب�شفاء نف�سها عندما �أدرك��ت ما ينق�صها و�سعت �إليه .واحلقيقة �أننا كثريا ما نرتكب خط�أ فادحا عندما ال نواجه جراحنا :ميوت �أح��د الأحبة فن�ستمر يف م�سرية حياتنا ونحن ندعي �أن كل �شيء على ما يرام ،نفقد حلما فنهون من الأمر ،لكننا ال نبحث عن حلم جديد .لكن ما يحدث يف حقيقة الأمر هو �أننا ن�صب ملحا يف تلك اجلراح عندما نغم�سها كل يوم يف املرارة والغ�ضب من احلياة وال�شفقة على الذات .ونادرا ما نفهم �أن هناك جراحا البد �أن نواجهها ب�أنف�سنا ،و�أن ال �أحد مبكانه �أن ي�شفي تلك اجلراح �إال نحن .فعلينا �أن نواجه حزننا ونغفر لنف�سنا الأخطاء بعد �أن نفهمها ،و�أن نتعلم من كل جرح در�سا .اجلرح نوع من �أنواع املوت ،وعلينا �أن منتلك �شجاعة مواجهة هذا املوت كي ُنبعث �إىل حياة جديدة ن�صبح فيها �أك�ثر رحابة و�أك�ثر طيبة وت�ساحما مع �أنف�سنا. تف�شل عالقات احلب لأن كال الطرفني يدخل �إىل العالقة حممال ب�إرث قدمي من اجلروح وبحقيبة ثقيلة من التوقعات وب�إ�سقاطات من ما�ضينا على اللحظة احلا�ضرة .وتنجح تلك العالقات عندما يقوم كل من الرجل وامل��ر�أة بالواجب النف�سي الأ�سا�سي :حماولة فهم ال��ذات ،تطهري اجل��روح ،مواجهة اخل��وف وان�ع��دام ا ألم��ان، وتعلم الثقة يف الآخ��ر وم�شاركته حزننا ال��دف�ين .تعلمنا امل��ر�أة الهيكل العظمي �أن احلياة يتلوها موت وكل موت يفتح الباب حلياة جديدة
هنا ..وهناك
وجه في المرآة 58 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
ن�صبه طه ح�سني �أمري ًا لل�شعر بعد �شوقي ّ
عباس العقاد .. شاعر األدباء
القاهرة � -أحمـد �أبو زيد يظل �أديب م�صر العمالق عبا�س حممود العقاد ،رغم مرور �أكرث من �أربعني عاماَ على رحيله ،حا�ضراً يف �ساحة الأدب والفكر يف م�صر ،م�ؤثراً فيها بكتاباته الفكرية والأدبية ومو�سوعاته ،وعبقرياته التي تفرد بكتابتها عن الر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم -وعن كبار ال�صحابة واخللفاء الرا�شدين . فقد اجتمع للعقاد ما مل يجتمع لغريه من املواهب وامل َل َكات ،فهو كاتب كبري ،و�شاعر المع ،وناقد ب�صري ،وم�ؤرخ ح�صيف ،ولغوي ب�صري ،و�سيا�سي حاذق ،و�صحفي نابه ،مل ينل منزلته الرفيعة يف عامل الأدب والفكر والثقافة بجاه �أو �سلطان، �أو بدرجات و�شهادات علمية ،بل نالها مبواهبه املتعددة ،وهمته العالية ،ود�أبه املتوا�صل ،عا�ش من قلمه وكتبه ،وترفع عن الوظائف واملنا�صب ال كره ًا فيها ،بل �صو ًنا حلريته واعتزا ًزا بها، وخو ًفا من �أن تنازعه الوظائف ع�شقه للمعرفة.
�أحد كبار املو�سوعيني
وهو �أح��د كبار املو�سوعيني ،حيث كان م�ؤ�س�س ًا حقيقي ًا يف ال�شعر ونقده ،والأدب وتاريخه ،والفكر الإ�سالمي والفل�سفة ،والفكر العاملي والرتاجم، ومل يكن جامع معلومات بل كان يف كل ما يدر�سه ويقدمه ويبدعه يتجاوز حدود املعرفة التقليدية التي ا�ستقرت قبله لينفذ فيها ب�سهمه ال�شخ�صي، وقد انفتح علي ح�ضارات العامل وثقافته ،واكت�شف ذاته العربية و�أدرك �أبعاد �شخ�صيته القومية، لي�سرتد وعيه العربي والإ�سالمي ويعرف كيف يقر�أ تراثه قراءة جيدة ،وميكنه اكت�شاف املكنون يف طبيعة هذا الرتاث. ومتتد رحلته املديدة وكفاحه يف حمراب الفكر والعلم والأدب حتى يرحل يف 13مار�س 1964 عن خم�سة و�سبعني عام ًا .بعد �أن ترك وراءه ثروة فكرية تتمثل يف �أكرث من مائة كتاب ،عدا �آالف من البحوث واملقاالت. ولقد عُ رف العقاد منذ �صغره بنهمه ال�شديد �إىل ال�ق��راءة ،و�إنفاقه ال�ساعات الطوال يف البحث والدر�س ،وقدرته الفائقة على الفهم واال�ستيعاب، و�شملت قراءاته الأدب العربي والآداب العاملية، فلم ينقطع يو ًما عن االت�صال بهما ،ال يحوله
مانع عن قراءة عيونهما ومتابعة اجلديد الذي ي�صدر منهما ،وبلغ من �شغفه بالقراءة �أنه كان يطالع كت ًبا كثرية ال ينوي الكتابة يف مو�ضوعاتها، حتى �إن �أدي ًبا زاره يو ًما ،فوجد على مكتبه بع�ض املجلدات يف غرائز احل�شرات و�سلوكها ،ف�س�أله عنها ،ف�أجابه ب�أنه يقر�أ ذل��ك تو�سي ًعا لنهمه و�إدراكه ،حتى ينفذ �إىل بواطن الطبائع و�أ�صولها الأوىل ،ويقي�س عليها دنيا النا�س وال�سيا�سة. وقد كتب العقاد ع�شرات الكتب يف مو�ضوعات خمتلفة ،فكتب يف الأدب والتاريخ واالجتماع مثل :مطالعات يف الكتب واحلياة ،ومراجعات يف الأدب والفنون ،و�أ�شتات جمتمعة يف اللغة والأدب، و�ساعات بني الكتب ،وعقائد املفكرين يف القرن الع�شرين ،وجحا ال�ضاحك امل�ضحك ،وبني الكتب والنا�س ،والف�صول ،واليد القوية يف م�صر.
مكانته ال�شعرية
و�أعا�صري مغرب ،وبعد الأعا�صري ،و�أ�شجان الليل ،ووحي الأربعني ،وهدية الكروان ،وعابر �سبيل ،ودي��وان من دواوي��ن ،وهذه الدواوين عاما الع�شرة هي ثمرة ما يزيد على خم�سني ً من التجربة ال�شعرية.
يقظة ال�صباح
ولقد كان لل�شعر مكانة كبرية يف فكر العقاد، حيث بد�أ �إنتاجه ال�شعري قبل احلرب العاملية الأوىل ،و�أ�صدر �أول دواوينه عام 1916م ،وهو «يقظة ال�صباح» ،وتوالت بعد ذلك جمموعاته ال�شعرية بعناوين خمتلفة ،و�أ�شعاره تتميز ب�أ�صالة ال�شعور والفكر حتى حني كان ينظم يف املنا�سبات ،وي��رى �أن العناية بال�صياغة وحدها ال تنتج �شعر ًا له قيمة. وقد ارتاد لل�شعر العربي �آفاق ًا جديدة ،فلم يكتف بال�شعر الق�ص�صي ،بل اتخذ من البيئة امل�صرية وم�شاهد احلياة العادية م�صادر للإلهام ،ولت�أكيد هذا املذهب خا�ض العقاد الناقد معارك �شديدة مع �أن�صار القدمي، تتمثل حدتها الأوىل يف كتاب ا�شرتك فيه املازين ،و�صدر با�سم «الديوان» �سنة 1921م.
ومل يكن العقاد كات ًبا فذا وباح ًثا د�ؤو ًبا ومفك ًرا عمي ًقا ،وم� ً ؤرخا دقي ًقا فح�سب ،بل كان �شاع ًرا جم��ددًا ،ففي �سنة1934م قال عنه الدكتور ط��ه ح�سني: «�إين ال �أوم ��ن ب�شاعر يف هذا الع�صر �إمياين بالعقاد» ،ون�صبه �أمري ًا لل�شعر بعد رحيل �شوقي وحافظ ،و�شبه الدكتور زكي �صالون العقاد جنيب حممود �شعر العقاد بفن العمارة. وللعقاد ع�شرة دواوي��ن �شعرية ،ه��ي :يقظة ْا�شتُهر العقاد ب�صالونه الأدبي الذي كان يعقد ال�صباح ،ووهج الظهرية ،و�أ�شباح الأ�صيل ،يف �صباح كل جمعة ،ي�ؤمه تالمذته وحمبوه، يلتقون حول �أ�ساتذتهم ،ويعر�ضون مل�سائل من العلم والأدب والتاريخ دون �إعداد لها �أو ترتيب، اجتمع للعقاد ما لم و�إمنا كانت ُت ْطرح بينهم و ُيديل كل منهم بدلوه، يجتمع لغيره من وع��ن ه��ذه اجلل�سات ال�شهرية �أخ��رج الأ�ستاذ المواهب والمل َ َ �أني�س من�صور كتابه البديع «يف �صالون العقاد». كات فكان كاتب ًا وأديب ًا كبير ًا وقد احتوى ديوانه الأول «يقظة ال�صباح» على ق�صائد عديدة منها «ال�شاعر الأعمى» و«العقاب
وشاعر ًا المع ًا ومؤرخ ًا وسياسي ًا حاذق ًا
وجه في المرآة 60 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
الهرم» و«خمارويه وحار�سه» و«رثاء �أخ». و�إذا كان اجلميع متفق على مكانة العقاد يف النرث والنقد ،ف�إن �شاعريته كانت مثار خالف، بني النقاد والأدب��اء ،فمنهم من يرى �أن ل�شعر العقاد مكانة عالية ومن �أولئك د .طه ح�سني و�إبراهيم عبد القادر امل��ازين وعبد الرحمن �شكري وعبد الرحمن �صدقي وعلي �أدهم و�سيد قطب .ومنهم من ر�أى �أن الرجل متو�سط القامة يف ال�شعر من �أمثال م��ارون عبود وحممد مندور. وتعترب ق�صيدة «احل��ب الأول» يف دي��وان «يقظة ال�صباح» من �أعظم ق�صائد الديوان وه ��ي ق���ص�ي��دة ط��وي �ل��ة ي �ع��ار���ض ب �ه��ا اب��ن ال��روم��ي ،وق��د �أعجب بها كثري من النقاد بينما يرى �آخرون �أنه �سطا فيها على كثري من �شعراء الت�صوف الإ�سالمي يقول فيها العقاد:
ي��ا م��ن ي���راين غ��ري��ق��اً يف حمبته وج�����دا وي�����س���أل��ن��ي ه���ل �أن�����ت غ�����ص��ان وا�صنيعة احل���ب �أب��دي��ه و�أك��ت��م��ه وم�����ن ع��ن��ي��ت ب����ه ع����ن ذاك غ��ف�لان يل يف حم��ي��اك �أ���ش��ع��ار �أ���ض��ن بها ع��ل��ى �أم�����رئ ف���خ���ره ع���ر����ش و�إي�����وان ع��ل��ى حم��ي��اك م���ن و���ش��ى ال�صبا روع ول��ل��م��ح��ب�ين �أح�������داق و�أع���ي���ان �إن اجل�������س���وم م���ث���ن���اه ج���وارح���ه���ا �إال ال��ق��ل��وب ف�صيغت وه���ي �أح����دان ل���ك���ل ق���ل���ب ق����ري����ن ي�����س��ت��ت��ب ب��ه َخ��ل��ق ُ وخ��ل��ق فهل ير�ضيك نق�صان
طه ح�سني
�أحمد �شوقي
ويتجه الأ�ستاذ العقاد �إىل الت�أمل والتعمق و�أن ي��ح��م��ي اب���ن �آدم م���ن �أخ��ي��ه �����س����ب����اع ج������ل �أن ي�����دع�����ي �أخ�����اه�����ا يف اجلمال الذي يقف عليه ويراه من حوله، فيخاطبه قائال: وث��ق��ت ب��ذي ح��ف��اظ لي�س ير�شي
وال ي���ن�������س���ي احل�����ق�����وق مل�����ن ح��ب��اه��ا وه���م ق��ت��ل��وك ح�ين وث��ق��ت منهم وك����م ح��ف��ظ ال��ع��ه��ود ف��م��ا اع��ت��داه��ا ول����و ���ش��ه��د اغ��ت��ي��ال��ك يف دم�����ش��ق ل���������ض����رج ب����اجل����ن����اي����ة م������ن ج���ن���اه���ا ويت�ساءل عن احلقيقة ،ثم يجيب يف نف�س الديوان قائ ًال:
�أي���������ن احل����ق����ي����ق����ة؟ ال ح��ق��ي��ق��ة ك����������������ل م����������������ا زع����������������م����������������وا ك�����ل�����ام �إن احل��������ق��������ي��������ق��������ة غ��������������ادة ك�����ال�����غ�����ي�����د ي�����������ض�����م�����ره�����ا ال�����ل�����ث�����ام ك�������������ل ي��������ه��������ي��������م ب���������ه���������ا ف��������������إن الح����������ت ل�����ه�����م ��������ص�������دوا وه������ام������وا ك������م �أ��������ش�������رف احل�������ق ال���������ص����راح ف���������أع��������ر���������ض��������ت ع�������ن�������ه الأن������������������ام وال����ن����ا�����س ل����و ت������دري خ��ف��اف��ي�����ش ي����������ط����������ي����������ب ل�����������ه�����������ا ال�����������ظ�����ل�����ام خمارويه وحار�سه ال ح��������������������ق �إال �أن��������������������ه يغافل �ذي � ل ا إن�ساين ل ويت�أمل العقاد لل�ضعف ا الح����������������ق يف ال����������دي����������ن����������ا ي������������رام
ال�ضمري احل ي ،فين�سى العهود ويجحد اجلميل .. وتتعمق خطوط ال�صورة هذه يف مقطوعتهح»:،« اكتشف ذاته العربية خمارويه وحار�سه» ،من ديوان«يقظة ال�صبا م�شري ًا �إيل ق�صة الأ��س��د ال��ذي ك��ان يحر�س وأدرك أبعاد شخصيته خمارويه ،ويقارن بني الأ�سد والإن�سان ،فيقو ل :القومية ليسترد وعيه
�أل���ي�������س م���ن ال��ع��ج��ائ��ب �أن ليثا العربي واإلسالمي ي���������������ذود رع��������ي��������ة ع������م������ن رع������اه������ا ويعرف كيف يقرأ تراثه قراءة جيدة
�أوتيت من ح�سن ال�شمائل نعمة واحل�������س���ن يف ال���دن���ي���ا م����ن الآف������ات هو جوهر يجني عليك ومي�ضه ع��������������دوان ��������س�������راق وح������ق������د ع����ف����اة واحل�����س��ن يع�شقه ال��ك��رمي ورمب��ا �أ�����ض����ري ل��ئ��ي��م ال��ن��ف�����س ب��ال��ن��زع��ات ك���ال���ب���در ي��������أمت ال���������س����راة ب���ن���وره ول����ق����د ي�������ض���ئ م�����واق�����ع ال�������ش���ب���ه���ات
تقوى امل�شيب
وي�سخر العقاد من ذلك الرجل كبري ال�سن ال��ذي يعي�ش �أطيب حياته الهي ًا �ساهي ًا عن اهلل ،ثم هو يلج�أ اىل تقوى امل�شيب ،فيقول يف ديوان« يقظة ال�صباح»:
�أب��ع��د ال�شيب ت��رغ��ب يف ال�صالح وت�������زه�������د يف امل��������دام��������ة وامل����ل����اح ف��رغ��ت م��ن احل��ي��اة ف���أن��ت ترجو ح�����ي�����اة يف ال�����ف�����رادي�����������س ال���ف�������س���اح رج��ع��ت ع��ن احل���رام ف���أن��ت عندي ع������ج������زت ع��������ن امل��������ح��������رم وامل������ب������اح فما تقوى ال�شيوخ �سوي ا�ضطرار ك������ت������ق������وى ال������ل�������������ص ب����ل���ا �����س��ل�اح
عابر �سبيل
وم��ن �أط��رف دواوي ��ن العقاد دي��وان��ه «عابر �سبيل» ،ال��ذي �أراد به �أن يبتدع طريقة يف
ال�شعر العربي ،وال يجعل ال�شعر مق�صو ًرا على غر�ض دون غر�ض ،ف�أمور احلياة كلها �وع��ا لل�شعر؛ ول ��ذا جعل هذا ت�صلح م��و��ض� ً ال��دي��وان مبو�ضوعات م�ستمدة من احلياة، ومن املو�ضوعات التي �ضمها الديوان ق�صيدة عن «ع�سكري املرور» جاء فيها:
م�����ت�����ح�����ك�����م يف ال�����راك�����ب�����ـ�����ـ�����ـ��ي��ن وم�������������ا ل�����ـ�����ـ�����ـ�����ـ�����ه �أب����������������������دًا رك�������وب�������ة ل�����ه�����م امل�����ث�����وب�����ة م�������ن ب���ن���ـ���ـ���ان���ك ح�����ي����ن ت�����������أم����������ر وال�����ع�����ق�����ـ�����ـ�����ـ�����وب�����ة مُ������ر م����ا ب������دا ل����ك يف ال��ط��ـ��ري��ق ور���������������ض ع������ل������ى م������ه������ل �����ش����ع����وب����ه �أن����������ا ث�����ائ�����ر �أب��������������دًا وم��������ا ف��ـ��ـ��ـ��ي ث����������ورت����������ي �أب����������������������دًا �����ص����ع����ـ����ـ����ـ����وب����ة �أن��������������ا راك��������������ب رج�������ل�������ي ف���ـ���ـ���ـ�ل�ا ��������ي وال �����ض����ري����ب����ة � ْأم���������������������� ٌر ع��������ل َّ
رثاء احلب
ويف عام 1926م ،وقع العقاد يف حب �سارة، وهو حب عاثر ،وقد �سجلها العقاد بعد ذلك يف ق�صته «�� �س ��ارة» ،و�أم���ا � �س��ارة ف�ق��د ذك��ر ا�سمها احلقيقي الأ�ستاذ علي �أدهم يف مقاله مبجلة الهالل ،وكذلك عامر العقاد يف كتابه عن عمه ،و�أح��ب العقاد يف نف�س الوقت مي زيادة التي كان يرتدد على �صالونها ،وانتهت الق�صتان ب�أمل مرير عا�شه العقاد طوال حياته. وق��د رث��ى حبه م��ع م��ي بعد �أن علم بهيامها مبعا�صرها اللبناين ج�بران خليل ج�بران، فقال:
ول��������د احل��������ب ل����ن����ا وام�����زح�����ت�����اه وق�����������ض�����ى يف م������ه������ده وا�أ�������س������ف������اه م����ات مل ي�����درج ومل ي��ل��ع��ب ومل ي�����ش��ه��د ال���ب���ل���وى ومل ي���ع���رف �أب�����اه ل��ي��ت��ه ع���ا����ش ف�����أم����ا �إذ ..ق�����ض��ى ف��ل��ي��ك��ن ب�������رداً ع���ل���ى ال���ق���ل���ب ج����واه �أ�����ش����ك����ر امل��������وت و�أ������ش�����ك�����وه م���ع���اً غ�������ال ح����ب����ي ق���ب���ل���م���ا ت���ن���م���و ق������واه غ������ال������ه وه���������و �����ص����غ��ي�ر ق���ب���ل���م���ا ت�����ك��ب��ر ال�����ب�����ل�����وى ب�������ه ي���������وم ن�������واه
�أني�س من�صور
املازين
أول من ّ ل ّ لم يكن العقاد جامع فك اخلطى من قيودها �أوائ����������ل خ����ط����وي ي������وم ال ي��ت��ق��ي�� ُد معلومات بل كان و�أعظم بها من حرية زيد قدرها يتجاوز حدود المعرفة لدن فقدت �أو قيل يف ال�سجن تفق ُد التقليدية التي استقرت ُ عرفت لها احلبني يف النف�س واحلمى قبله لينفذ فيها بسهمه �����ب و�إن ج����� ّل م���ف���ر ُد وك������ان ل���ه���ا ح ّ الشخصي ففي كل يوم يولد املر ُء ذو احلجى ويف ك����ل ي�����وم ذو اجل���ه���ال���ة ي��ل��ح�� ُد ك����ن����ت �أرج��������������وه ل���ل���ي���ل���ى ك��ل��م��ا وما�أفقدتيلظلمةال�سجنعزمة جل������ت احل�����ي����رة ب������ي حت������ت دج������اه ف��م��ا ك���ل ل��ي��لٍ ح�ي�ن ي��غ�����ش��اك م��رق�� ُد ك����ن����ت �أرج�������������وه ل����ي����وم����ي ك��ل��م��ا �سنى وما غ ّيبتني ظلمة ال�سجن عن ً ع�����زين يف م��ط��ل��ع ال�����ش��م�����س ه����داه م��ن ال���ر�أي يتلو ف��رق��دا منه فرق ُد عداتي و�صحبي ال اختالف عليه ــم �شهور يف ال�سجن �سيعهدين كل كما كـ ــان يعهـ ـ ُد ! ً ويف عام 1929م كتب العقاد مقاال يدافع عن د�ستور م�صر ،ويع ّر�ض بامللك ف ��ؤاد قائال:
«�إن الأمة على ا�ستعداد لأن ت�سحق �أكرب ر�أ�س فكاهة العقاد يخون الد�ستور �أو يعتدي عليه !!» ،وقد ُقدِّ م �إىل املحاكمة ليعا َقب بت�سعة �شهور يف �سجن م�صر العمومي «ق ��ري م �ي��دان» ،ث��م خرج من ال�سجن فكان �أول ما �صنع �أن زار قرب �سعد زغلول لي�ؤكد بقاءه على العهد وت�أييده لق�ضايا احلرية وخ�صامه لأع��داء ال�شعب، ومن ق�صيدته التي �ألقاها على قرب �سعد هذه الأبيات ال�شاخمة:
وال يخلو �شعر العقاد من عن�صر الفكاهة، فقد �أف�ضى �إليه �صديق له ب�أن كلبته ولدت جرو ًا ،فقال �ساخر ًا:
�أع��ل��ن��ي ي���ا ف��ل��ـ��ـ��ـ��ـ��ورة الأف��راح��ـ��ـ��ـ��ـ��ا و�أم����ل����ئ الأر��������ض وال�������س���م���اء ن��ب��اح��ا ما حبي الدهر بنت كلب ب�أعلى م�����ن ذراري�����������ك ع���ن�������ص���را ول���ق���اح���ا �أب�������ش���ري دول������ة ال����ك��ل�اب ب��ج��رو �إىل الذاهب الباقي ذهاب جمدد ����س���وف ي��ن��ف��ي ع���ن ج��ي��ل��ه الأت���راح���ا وع��ن��د ث����رى ���س��ع��د م��ث��اب وم�سجد �سوف يدعى علي الكالب �أمريا وكنتُ جنني ال�سجن ت�سعة �أ�شهر ي�����ف�����زع الأ�������س������د وث�����ب�����ة و����ص���ي���اح���ا ُ ف��ه��ا �أن������ذا يف ���س��اح��ة اخل���ل���د �أول������ ُد ي��ل��ب�����س ال���ط���وق م���ن ن�����ض��ار ودر خرجتُ له �أ�سعى ويف كل خطوة وي����ح����ول اخل������ز ال���ث���م�ي�ن و����ش���اح���ا دع��������اء ُي��������������ؤدّى �أو والء ي�����ؤك���� ُد
نافذة على التراث 62 الـعــــدد 157 نوفمرب 2012
�أن ام��ر�أة طلبت من اجلاحظ �أن يتبعها ،حتى و�صال �إىل حمل �صائغ ،فقالت امل��ر�أة م�شرية �إىل اجلاحظ: «مثل هذا» وان�صرفت� .س�أل اجلاحظ متعجبا عن املق�صود ،ف�أخربه ال�صائغ �أن املر�أة كانت ق��د طلبت منه �أن ير�سم ��ص��ورة ال�شيطان على ف�ص خ��امت لها ،فلما مل يتمكن� ،أت��ت باجلاحظ ك�أقرب منوذج لتلك ال�صورة. �إىل ه��ذا احل��د و�صف عمرو بن بحر «160 255هـ» امللقب باجلاحظ جلحوظ عينيهبدمامة ال�شكل ،وهو �أم��ر كان من �ش�أنه �أن يق�ضي على م�ستقبله قبل �أن يبد�أ ،خا�صة وقد ن�ش�أ لأبوين فقريين يف الب�صرة ،وا�ضطر للعمل يف مهن ب�سيطة ومرهقة كبيع ال�سمك ليك�سب عي�شه ،لكنه مع هذا تتلمذ على يد كبار علماء ع�صره يف الكوفة كالأخف�ش و�أبي عبيدة ّ والنظام .وال �أظننا نبتعد كثريا �إذا ا�ستنتجنا �أن ما امتلأ به عقل اجلاحظ من معرفة وما تولد فيه من �إبداع فكري قد �أبر�أ روح��ه من �أمل ال�شكل القبيح ،بل �إن��ه حتول بالنوادر التي كانت حتكى عن قبح �شكله �إىل �أن ت�صبح مدعاة للإعجاب بهذا العامل ،حيث ك��ان ي��روى بنف�سه كثريا من الق�ص�ص عن دمامته وما �سببته له من حرج .ولأن اجلمال ن�سبي ،فقد حت��دث ك�ث�يرون يف املقابل عن جمال اجلاحظ ،الذي يتبدى حني يتحدث؛ حيث ي�ضفي عليه علمه وذك��ا�ؤه وخفة روحه جماال حقيقيا جعل ن��دم��ا�ؤه يتوقون لإدام��ة النظر يف وجهه بعد �أن �أذهبت ال�شخ�صية واملعرفة عنه مالمح القبح. للجاحظ كتب كثرية �ضاع معظمها ،بع�ضها م��و��س��وع��ي ك�ك�ت��اب��ي «احل� �ي ��وان» و «ال�ب�ي��ان والتبيني» ،وبع�ضها حم��دد املو�ضوع ككتابه عن «الرب�صان والعميان والعرجان واحلوالن» وكذلك كتاب "البخالء" الذي نقف عنده.
ُيحكى
الجاحظ والبخالء
�أمين بكر
البخل بني ال�سيا�سة واملجتمع والأدب
اختلفت التحليالت حول �سبب الت�أليف عن البخالء قبل اجل��اح��ظ ،وميكن اال�ستعانة
مبا ذكره الأ�ستاذ طه احلاجري ،يف تقدميه ل �ب �خ�لاء اجل ��اح ��ظ ،م��ن �أن احل��دي��ث عن البخالء كان حم�صورا قبل اجلاحظ �ضمن ح��رب �سيا�سية م��زدوج��ة ،حدها الأول بني ال�شعوبية وال�ع��رب ،حيث ح��اول ال�شعوبيون �أن ينكروا على العرب �صفة هي من �أ�شهر ما عرف عنهم قبل الإ�سالم �أال وهي الكرم، و�أخ ��ذوا ي �ع��ددون م��ا يف ع��ادات ال�ع��رب من حر�ص وما يف م�أكلهم من رقة فر�ضتها عليهم الظروف �ساعتها ،م�ستعينني بالأهاجي التي دارت بني �شعراء القبائل يف هذا امل�ضمار. واحل ��د ال �ث��اين ب�ين العبا�سيني و�أ�سالفهم الأم��وي�ين؛ حيث ح��اول العبا�سيون �أ�صحاب الدولة اجلديدة �أن ي�شنعوا الأمويني بذكر نواق�صهم ،وما ي�ؤخذ على �أمرائهم وعمالهم وم��ن �ضمنه البخل «البخالء ،حتقيق :طه احل��اج��ري ،دار امل �ع��ارف ،ال�ق��اه��رة ،ط/9 � ،2009ص �ص .»29 - 28 �أم ��ا العن�صر الأدب� ��ي ال �ف �ك��ري اخلال�ص فيمتاز به م�ؤلف اجلاحظ عن البخالء� ،إذ تظهر فيه نزعة حتليلية تهدف لفهم منطق البخل وحتليل نف�سية ال�ب�خ�لاء ،كما �أن بعد التحليل االجتماعي يف كتاب اجلاحظ وا� �ض��ح ج�ل��ي ل���ش��ري�ح��ة مت �ي��زت ب�سلوكها اخلا�ص وطرائق عي�شها املده�شة ،وهو ما فعله اجلاحظ مع فئات �أخ��رى؛ كتعر�ضه لفئة الل�صو�ص وتف�صيله حليل ل�صو�ص النهار و��س��راق الليل كما ي�شري ه��و نف�سه يف مقدمة كتاب البخالء .ويغلب الظن �أن هذا املنحى التحليلي قد غاب فيما كتب عن البخالء قبل اجلاحظ. من زاوية �أخرى ين�ضم كتاب البخالء �إىل منظومة اجلاحظ الأدبية ،فهو جمال يفتح الباب لإظهار متيز �أ�سلوبه الأدبي يف تناول املو�ضوع عمن �سبقه �إليه كالأ�صمعي و�أبي عبيدة .كما �أن اختيارات اجلاحظ للنوادر التي يرويها تظهر خفة روح ت�ضم للقارئ املتعة �إىل الإفادة .وهو ما يظهر جليا فيما رواه عن �أهل خرا�سان وما ا�شتهروا به من بخل ،خا�صة من كان منهم مروزيا �أي من �سكان مرو.
من نوادر بخالء اجلاحظ: قال �أ�صحابنا :يقول امل��روزي للزائر �إذا �أتاه ،وللجلي�س �إذا طال جلو�سه :تغديتَ اليوم؟ ف�إن قال :نعم ،قال :لوال �أنك تغديت لغديتك بغداء طيب ،و�إن قال :ال ،قال :لو كنت تغديت ل�سقيتك خم�سة �أقداح .فال ي�صري يف يده على الوجهني قليل وال كثري. وقال ثمامة :مل �أر الديك يف بلدة قط �إال وهو الفظ ،ي�أخذ احلب مبنقاره ،ثم يلفظها ق��دام الدجاجة� ،إال ديكة م��رو ،ف ��إين ر�أي��ت ديكة مرو ت�سلب الدجاج ما يف مناقريها من احلب .قال :فعلمت �أن بخلهم �شيء يف طبع البالد ويف جواهر امل��اء ،فمن ثم عم جميع حيوانهم. وزعم ا�صحابنا �أن خرا�سانية ترافقوا يف م�ن��زل ،و��ص�بروا ع��ن االرت �ف��اق بامل�صباح ما �أمكن ال�صرب .ثم �إنهم تناهدوا وتخارجوا «�أي تعاونوا و�أخرج كل منهم �شيئا من املال ل�شراء م�صباح» و�أب��ى واح��د منهم �أن يعينهم ،و�أن يدخل يف الغرم معهم ،فكانوا �إذا جاء امل�صباح ��ش��دوا عينيه مبنديل ،وال ي��زال وال يزالون كذلك� ،إىل �أن يناموا ويطفئوا امل�صباح ،ف�إذا �أطف�ؤوه �أطلقوا عينيه. وحدثني �إبراهيم بن ال�سندي قال :كان على رب�ض ال�شاذروان �شيخ لنا من �أهل خرا�سان. الر�شا وك��ان م�صحا بعيدا من الف�ساد وم��ن ِ ومن احلكم بالهوى ،وكان حفيا جدا ،وكذلك كان يف �إم�ساكه ويف بخله وتدنيقه يف نفقاته، وكان ال ي�أكل �إال ما البد منه وال ي�شرب �إال ما ال بد له منه ...قال �إبراهيم :فبينا هو يوما من �أيامه ي�أكل يف بع�ض املوا�ضع� ،إذ مر به رجل ف�سلم عليه ،فرد ال�سالم ثم ق��ال :هلم عافاك اهلل «�أي تف�ضل للأكل معي» .فلما نظر �إىل الرجل قد انثنى راجعا يريد �أن يطفر اجل��دول �أو يعرب النهر ق��ال ل��ه :مكانك ف�إن العجلة م��ن عمل ال�شيطان .فوقف الرجل، ف�أقبل عليه اخلرا�ساين وقال :تريد ماذا؟ قال: �أريد �أن �أتغدى .قال :ومل ذاك؟ وكيف طمعت يف ه��ذا؟ وم��ن �أب��اح لك م��ايل؟ ق��ال الرجل: �أ َولي�س قد دعوتني؟ قال :ويلك ،لو ظننت �أنك هكذا �أحمق ما رددت عليك ال�سالم .الآيني
«العرف» فيما نحن فيه �أن تكون� ،إذا كنت �أنا اجلال�س و�أنت املار �أن تبد�أ �أنت فت�سلم، ف�أقول �أنا جميبا لك :وعليكم ال�سالم .ف�إن كنت ال �آك�لا �شيئا �سكت �أن��ا و�سكت �أن��ت، وم�ضيت �أنت وقعدت �أنا على حايل .و�إن كنت �آكل فها هنا �آيني �آخر ،وهو �أن �أبد�أ �أنا ف�أقول: هلم ،وجتيب �أنت فتقول :هنيئا .فيكون كالم بكالم ،ف�أما ك�لام بفعال وق��ول ب�أكل فهذا لي�س من الإن�صاف ،وهذا يخرج علينا ف�ضال كبريا .قال :فورد على الرجل �شيء مل يكن يف ح�سابه« .البخالء للجاحظ /حتقيق طه احلاجري»
من القامو�س:
اجل �ح��اظ ،ك� ِ�ك�ت��اب :حم�ج� ُر ال �ع�ين ،وح��رف ِ ال� َك� َم� َرة ،وجحظت عينه كمنع :خرجت من
مقلتها� ،أو عظمت .وجحظ �إليه عمله :نظر يف عمله ،فر�أى �سوء ما �صنع .والتجحيظ :حتديد النظر .واجلاحظ :لقب عمرو بن بحر. وكج َبل ونجَ ْ ��م البخل والبخول ،ب�ضمهماَ ، وع ُنق «�أي ال َب َخل ،وال َبخْ ل ،وال ُب ُخل»� :ضد ُ الكرم ،بخل ،كفرح وك��رم ،بخال ،بال�ضم وال�ت�ح��ري��ك ،فهو ب��اخ��ل م��ن ُب� َّ�خ��ل ،ك� ُر َّك��ع، وبخيل م��ن ب �خ�لاء .ورج��ل َب� َ�خ � ٌل حمركة: و�صف بامل�صدر ،وبخال ،ك�سحاب و�شداد وم �ع �ظ��م .و�أب �خ �ل��ه :وج ��ده ب�خ�ي�لا .وبخله تبخيال :رم��اه ب��ه .وك َم ْر َحلة «�أي َم ْب َخلة»: ما يحملك عليه وي��دع��وك �إليه «القامو�س امل�ح�ي��ط ل�ل�ف�يروز �آب� ��ادي» وال�ت��و��ض�ي��ح بني الأقوا�س لكاتب املقال
ارتياد اآلفاق 64 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
م�شاهدات يف حم�ص وحماة وحلب
الرحلة الشامية 1910م األمير ..محمد علي باشا
اللبا�س ال�شعبي يف حمافظة حم�ص
قلعة حلب 1920
علي كنعان بد�أ حممد علي با�شا رحلته من ال�سوي�س يوم اجلمعة يف 21ربيع الأول 1328هجرية ،املوافق الأول من �أبريل/ني�سان 1910ميالدية .وهذه الفرتة من �أخطر املراحل التي �شهدتها بالد ال�شام ،وهي تتهي�أ �س َّراً خلو�ض معركة اال�ستقالل ،كما كانت ال�سلطنة العثمانية متر مبرحلة احت�ضارها ،وخا�صة بعد الإطاحة بال�سلطان الأحمر عبد احلميد الثاين على �أيدي قادة جمعية االحتاد والرتقي .وكانت دول اال�ستعمار الأوربي تطلق على تلك الإمرباطورية لقب «الرجل املري�ض» وت�سن �أنيابها ا�ستعدادا لتمزيقه واقت�سام �أو�صاله ،وهي ت�ستعد يف الوقت ذاته خلو�ض احلرب العاملية الأوىل التي انتهت وباال على �أمتنا العربية� ،إذ �صدر وعد بلفور امل�ش�ؤوم الذى و�ضع الأ�سا�س اال�ستعماري الغت�صاب فل�سطني ،كما �أبرمت م�شاريع اقت�سام تركة العثماين املري�ض باتفاقية �سايك�س -بيكو وتنفيذ بنودها على �أر�ض الواقع. خ�لال ه��ذه الرحلة ،ن�شارك الأم�ي�ر �سروره وابتهاجه وه��و يتابع طريقه من ب�يروت �إىل دم�شق ،ويت�أمل املناظر الطبيعية اخلالبة عرب نافذة القطار ال�سياحي البطيء� ،صاعدا جبال لبنان وهابط ًا منها ليمر يف وادي بردى ويتوقف بني حني و�آخر يف حمطاتها اجلميلة املنع�شة باعتدال جو ربيعها وعذوبة �أن�سامها الندية .كما نعاين يف الوقت ذاته ذلك الو�ضع املرتدي الذي بلغته احلالة ال�سيا�سية وه�شا�شة ال�سلطة العثمانية يف بالد ال�شام ،و�إن كانت ال�صورة يف حلب وبريوت خمتلفة متام ًا .وهذا التناق�ض العميق يف املواقف بني مدينة و�أخرى ي�شكل عالمة بارزة من عالمات احت�ضار تلك ال�سلطنة ،وب��ادرة �أك�ي��دة من ب��وادر انحالل
دولتها وتهافت �أطرافها واقرتاب موعد زوالها.
�أنيقة وزروع بهيجة تنع�ش الروح وت�س ّر اخلاطر وقد �صادفنا �أثناء �سرينا قرية ت�س ّمى الياعات.
ال�سفر �إىل حم�ص نزلنا من القطر وم��ا هي �إال ملحة عني وقد مدينة حم�ص حت ّرك متّجه ًا مع �سالمة اهلل �إىل حم�ص وكان طريق �سريه بالقرب من نهر هناك يعرف بنهر العا�صي ،وك��ان على جانبي الطريق ب�ساتني
وجدنا قلعة حمص خربة قد د ّمرتها يد الخطوب ّ والحوادث وحطمها كر ّ العشي حتّى ّ الغداة ومر ّ لم َ يبق من معالمها األثريّة إال باب أو بابان
حم�ص مدينة يقال �إنها قدمية ج ّد ًا و�إن ا ّلذي بناها رجل يقال له حم�ص بن املهرب بن جان بن مكنف ،وقيل حم�ص بن مكنف العمليقي، وقيل بناها اليونانيون .وفيها �آثار كثرية وم�شاهد وم��زارات وم�ساجد �شهرية منها م�شهد على بن �أبي طالب ،ك ّرم اهلل وجهه ،ودار الفاحت الكبري خالد بن الوليد. �أ ّما املدينة فقائمة على م�ستوى من الأر�ض ،وهي ح�صينة مق�صودة م��ن �سائر اجل�ه��ات جميلة الهواء والرتبة ،كثرية املياه والأ�شجار و�أهلها من
ارتياد اآلفاق 66 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
باب الفرج � -ساحة رئي�سية مبدينة حلب 1908 -
ذلك يف خ�صب ورغد من العي�ش .ويقال �أنها يف قدمي الزمان كانت �أكرب البالد و�أح�سنها ،وكانت بيد ملوك ال��روم �إىل �أن ملكها ك�سرى يف جملة ما ملك من البالد الرومية .وملّ��ا ِانهزم ال��روم بعد وقعة الريموك ،كان هرقل بحم�ص ففارقها وجعلها بينه وبني امل�سلمني ،و�أ ّم��ر عليها �أم�ير ًا. وملّا ح�صر امل�سلمون دم�شق ،كان بها ع�سكر من �أهل حم�ص �أتوا جندة .وملّا فتحت دم�شق� ،سار �أبو عبيدة بن اجلراح وخالد بن الوليد قا�صدين حم�ص بجيو�ش كافية ،وذلك �سنة 15للهجرة، فنازلوها وجعلوا يقاتلونها �صباح ًا وم�سا ًء .وكان الربد قد �آذى امل�سلمني وطال احل�صار ف�صربوا، وكتب هرقل �إىل �أهل اجلزيرة �أن ي�أتوا مدد ًا �إىل حم�ص ،فاعرت�ضهم امل�سلمون وفرقوهم فلم ي�أتوها .فل ّما ِان�صرم ال�شتاء ،كان قد �ضاق احلال ب�أهل حم�ص فخرجوا يطلبون ال�صلح ف�صاحلهم �أبو عبيدة على �صلح دم�شقّ ،ثم ا�ستخلف عليها عبادة بن ال�صامت ورحل �إىل حماة .وقد ح�صل فيها بعد الفتح جملة حوادث مه ّمة ال يتّ�سع املقام لتف�صيلها� .أ ّم��ا �س ّكانها فيبلغون نحو � 8آالف ن�سمة ،منهم �ألفان من الروم الأرتدك�س و�ألف من الالتني والباقي من طوائف خمتلفة. نزلنا يف حمطة حم�ص ،وك��ان ي�ستقبلنا على
�إفريزها عدد كبري من رجال احلكومة و�أعيان املدينة ووجهائها امل�ح�ترم�ين ،ويف مقدمتهم �صاحب ال�سعادة قائمقام حم�ص .وكان �سعادة عبد احلميد با�شا ال��دروب��ي يع ّرفنا ب��ال��ذوات والعظماء ويقدّمهم �إلينا واحد ًا واحد ًا.
نرى ونحن فوقها من �أبنية املدينة ،خ�صو�ص ًا جوامعها وكنائ�سها وما يحيط بها ويتخ ّللها من الأ�شجار والأنهار ،مثل تلك املناظر اجلميلة ا ّلتي ك ّنا نطل عليها حتت اجلبال واحل�صون العالية يف كثري من بالد ال�شام.
قلعة حم�ص
كلمة عامة عن املدينة
وبعد ذلك ذهبنا �إىل زيارة قلعة حم�ص ،وك ّنا نح�سب �أ ّنها من الأهم ّية باملكان ا ّلذي ي�ستدعي ق�صد ال�سياح �إليها .ولك ّنا وجدناها خربة قد د ّمرتها يد اخلطوب واحل��وادث ّ وحطمها ك ّر الع�شي ،حتّى مل يبقَ من معاملها الغداة وم� ّر ّ الأثر ّية �إال باب �أو بابان ،ال �أذكر متام ًا .ويقال �إن جدّنا املرحوم �إبراهيم با�شا هدم من ذلك احل�صن ج ��زء ًا ك�ب�ير ًا عندما ح��ارب ال�شام وخرج عليه �أهل حم�ص وع�صوا �أوام��ره .وك ّنا
فدخلت هذا المسجد ورأيت فيه محراب ًا ..وكان في دوائره وزرة من خشب عليها نقوش ما نظرت عيني إلى اليوم أجمل منها
نزلنا من القلعة قا�صدين �إىل زيارة ما كان يه ّمنا زي��ارت��ه يف ه��ذا البلد ،فق�صدنا �أ ّو ًال �إىل زي ��ارة ج��ام��ع خ��ال��د ب��ن ال��ول�ي��د ،ر�ضي اهلل عنه ،فمررنا م��ن �سوق كبري م�سقوف باخل�شب ك�أ�سواق دم�شق وبع�ض الأ�سواق يف بالد ال�شرق .والحظنا �أثناء مرورنا �أن �أغلب ال�ب��اع��ة يف ح��وان�ي��ت ه��ذا ال���س��وق ك��ان��وا من احلم�ص ّيني� ،أ ّم��ا امل�شرتون ف�إنهم يختلفون بني ه��ؤالء وبني �أع��راب البادية وال�شراك�سة املهاجرين ا ّلذين ي�سكنون �ضواحي حم�ص وما يجاورها من البالد .كما الحظنا ،من الأز ّقة والطرق و�شكل البيوت يف ك ّل اجلهات ا ّلتي مررنا عليها� ،أن مدينة حم�ص ك�سائر بالد ال�شام ،على معنى �أ ّنها ال تزال �إىل اليوم حافظة لكيانها ال�شرقي و�شكلها الأ�صلي.
جامع خالد بن الوليد
بعدئذ ذهبنا من خارج البلد لنزور جامع خالد بن الوليد ذلك ا ّلذي له الف�ضل الأكرب يف فتوح ال�شام .وعندما �أو�شكنا �أن ن�صل �إليه ،وقد كان على �أقرب امل�سافات من املدينة ،قال لنا �سعادة عبد احلميد با�شا الدروبي� :أمل يكن �شكل هذا اجلامع ليلفت خاطركم �إىل امل�سجد الكبري ا ّلذي � ّأ�س�سه يف قلعة م�صر جدّكم الأكرب� ،ساكن اجلنان ،حم ّمد علي با�شا؟ فقلت له :بلى ،لك�أنيّ به وهو جامع القلعة بعينه .وحقيقة ،كان هذا امل�سجد العظيم ال يختلف عن جامع القلعة �شيئ ًا يف ر�سمه ونظره� ،سواء يف ذل��ك �شكله من الظاهر والباطن .وقال �سعادة البا�شا� :إننا ا�ست�صدرنا �أمر جاللة موالنا ال�سلطان ب�إ�صالح هذا امل�سجد وتعمريه ،ور�أينا حينئذ �أن ن�شيده على طراز م�سجد القلعةّ .ثم دخلناه و ّاطلعنا على ما كان فيه ،وقد �سررنا كثري ًا من زخرفه وزينته .و ِاتجّ هنا بعد ذلك �إىل زيارة ذلك البطل الكبري وال �ف��احت ال�شهري خالد ب��ن الوليد يف تي�سر �ضريحه ،وقر�أنا على روحه الطاهرة ما ّ لنا من القر�آن الكرمي.
زيارة املدر�سة الإ�سرائيلية
توجهنا �إىل زيارة املدر�سة الإ�سرائيلية ملنا�سبة ّ �أنّ م� ّؤ�س�سيها كانوا قد طلبوا �إلينا زيارتها. وقد وجدنا يف ِا�ستقبالنا عدد ًا كبري ًا من ّ جتار احلم�ص ّيني يف مدينة طنطا .. .وبعدما فرغوا من ذكر �أ�شعارهم ومقاالتهم� ،أخذنا نتحدّث يف مو�ضوع التجارة املحل ّية .و�س�ألتهم يف ماذا يتّجر �أهل حم�ص و�أيّ الأ�شياء �أكرث �شهرة يف متاجرهم فذكروا يل �أنّ جت��ارة احلم�ص ّيني قائمة يف الغالب على ما ال ميكن اال�ستغناء عنه من حما�صيلهم وم�صنوعاتهم التي �أ�شهرها و�أه ّمها املن�سوجات احلريرية والق�صبية ّثم �إن حم�ص هي البلدة الوحيدة ا ّلتي ِا�شتهرت يف جميع بالد �سورية بحل احلرير و�إح�سان �صنعته ون�سيجه.
ال�سفر من حم�ص
ويف �صبيحة ال�ي��وم ال�ث��اين ك ّنا ت�أهّ بنا لل�سفر
حلب � ..أيام اخلالفة العثمانية
الحظنا ،من األز ّقة والطرق وشكل البيوت في ّ كل الجهات الّتي مررنا عليها ،أن مدينة حمص كسائر بالد الشام ،ال تزال حافظة لكيانها الشرقي وشكلها األصلي فتوجهنا م��ن م�ن��زل ��س�ع��ادة عبد �إىل ح�ل��بّ ، احلميد با�شا �إىل ّ املحطة يف رك��اب حافل من مظاهر القوم و�أع�ي��ان املدينة ا ّل��ذي��ن رافقونا حتّى ودّعناهم ونزلنا يف القطار ،و�سار القطار على ب��رك��ة اهلل متّجه ًا �إىل ح�ل��ب ،وم��ا ِان�ف� ّ�ك يوا�صل بنا ال�سري والأر���ض على مييننا وي�سارنا �إىل م�سافات وا�سعة كانت ك ّلها خ�صبة ج ّيدة مفرو�شة بب�ساط من املزارع اخل�ضراء حيث كان الزمن ربيع ًا ،وكنت �أعجب كثري ًا مبا �أ�شاهده على تلك ال���زروع م��ن �أل���وان ال��زه��ر املختلفة ب�ين احل�م��راء والبي�ضاء وال��زرق��اء ا ّل�ت��ي ت�شبه املر�صعة ،وج ّل جمموعتها البديعة باقة الزهور ّ
هذه امل��زارع الن�ضرة والأع�شاب اجلميلة �إنمّ ا نبتت يف تلك الأر���ض بوا�سطة الأمطار وعندئذ مل �أ�ستغرب ومل �أنده�ش ممّ ا كنت �سمعته من �أن قبائل العرب والرعاة يق�صدون �إىل اجلهات قبل ف�صل ال�صيف بخيلهم وموا�شيهم لرعي تلك احل�شائ�ش ،وما �أح�سنها من مرعي و�أجملها من ربيع خ�صو�ص ًا و�أن املياه يف تلك البقعة غاية يف الكفاية وال�صفاء ،حتّى بلغ �إىل ّ حمطة حماة وهي على م�سافة 55كيلومرت ًا من حم�ص وقد قطعها القطار يف نحو �ساعة و 45دقيقة« .امل�سافة بني حم�ص وحماة 40كيلومرتا فقط»
حماة
هذه البلدة واقعة يف حدود والية �سورية وكانت �أ ّو ًال تابعة لأيالة ال�شام� ،أ ّما الآن فقد انف�صلت عنها وجعلت مت�صرف ّية م�ستقلة وه��ي مدينة قدمية التاريخ ،ويظنّ كثري من ال ّنا�س �أنّ بانيها �صح ذلك فيكون قد هو حمت بن كنعان .ف��إذا ّ م�ضى عليها الآن �أكرث من � 4آالف �سنة .ويقال �إن حماة كانت يف وقت خروج الإ�سرائيليني من م�صر مملكة م�ستق ّلة تتاخم �أر�ض امليعاد ا ّلتي ِاحت ّلها الإ�سرائيليون .وكانت اململكة التي ت�س ّمى با�سمها متت ّد من منبع العا�صي حتّى م�ص ّبه
ارتياد اآلفاق 68 الـعــــدد 157 نوفمبر
وغريها .وجتارتها دائرة على تلك امل�صنوعات وهذه املحا�صيل.
2012
ال�سفر �إىل حلب
�صحن جامع النبي زكريا
مع ك ّل ال�سهل ال�شرقي منه ،وكان يتاخمها من اجلنوب مدينة دم�شق ومن الغرب بلدا فينيقية وممّ ا ّ يدل على �أن هذه البلدة قدمية جاهلية ما جاء يف �شعر ِام��رئ القي�س من بع�ض ق�صائده حيث قال:
ت��ق ّ��ط��ع �أَ����س���ب���اب ال��ل��ب��ان��ة وَال���ه���وى عَ�������ش��� ّي���ة ُرح����ن����ا مِ ������ن حَ ����م����اة و�����ش��ي�رزا
ّثم �إ ّنها �أو�سع من مدينة حم�ص م�ساحة و�أكرب منها عمارة و�سكانها يبلغون نحو �9آالف نف�س. ويقال �إن امل�سلمني من ه�ؤالء ال�س ّكان متم�س ّكون بدينهم مت�س ّك ًا � �ش��دي��د ًا بلغ بهم �إىل درج��ة التع�صبّ ،ثم �إ ّنهم غاية يف ال�شهامة وال�شجاعة. ّ ويقال �إن امللك امل�ؤيد عندما فتح ب�لاد ال�شام جعل هذه املدينة قاعدة ملكه ،وت�س ّمى ب�سلطان ح�م��اة .وين�سب �إليها بع�ض العلماء وامل�ل��وك، و�أ��ش�ه��ره��م امل � ��ؤ ّرخ �أب ��و ال �ف��داء احل �م��وي �أح��د ملوكها من الأ ّيوب ّيني ،واجلغرايف الكبري ياقوت حجة ال�شاعر �صاحب املعجم ،وتقي الدين ابن ّ املعروف .ومن �أ�شهر بيوتها ا ّلتي يفتخر بها �أهل حماة ويذكرونها بالف�ضل وال�سيادة بيت ال�شيخ عبد القادر الكيالين� ،شيخ الطريقة الكيالنية املعروفة� .أ ّما �صناعتها فمنح�صرة يف ِا�صطناع
في سنة 611بعد المسيح ُدهمت مدينة حلب بحريق عظيم ويقال أن إحراقها في ذلك العهد كان بأمر من كسرى الثاني ملك العجم الأ��ش�ي��اء العمومية ا ّل�ت��ي ال ي�ستغنى عنها من املن�سوجات احلريرية والقطنية والأحذية وما �أ�شبه ذلك .ومن حما�صيلها احلنطة وال�شعري وال ��ذرة وغ�يره��ا م��ن احل�ب��وب وال�ف��واك��ه ا ّلتي ي�صدر كثري منها �إىل طرابل�س ،وير�سل �أي�ض ًا كثري من �سمنها وجبنها �إىل �أ�سواق ال�شام وزحلة
الحظت أن مسجد خالد بن الوليد في حمص ال يختلف عن جامع القلعة في مصر شيئ ًا في رسمه ونظره سواء في ذلك شكله من الظاهر والباطن
ويف �صبيحة اليوم الثاين ك ّنا ت�أهّ بنا لل�سفر �إىل حلب ،ومررنا ببلدة تعرف مبع ّرة نعمان ،ن�سبة فيما يقال �إىل نعمان بن ب�شري .وهي من القرى ا ّلتي ا�شتهرت باحلروب ال�صليبية ،ويوجد فيها خربة مهدّمة يقال �إ ّنها كانت قلعة نعمان .و�س�ألت �أ�صحابنا عن ع��دد �س ّكانها الآن فقالوا �إنهم يبلغون � 7آالف نف�س .و�شاهدنا حول هذه القرية مروج ًا و�أحرا�ش ًا وا�سعة ،يقال �إن �أكرث غر�سها من بعدئذ ببلدة ت�س ّمى �شجر التني والف�ستق .ومررنا ٍ ال�سرمني ،وهي م�شهورة بالينابيع والعيون الكثرية تتفجر من خالل ال�صخور .ويقال �إن يف هذه التي ّ ً ً القرية عددا كبريا من املغارات والكهوف حيث كان النا�س يف �سابق الزمان ي�سكنونها وي��أوون �إليها و�إىل بطون اجلبال� .أ ّما �أر�ضها فكان منها اخل�صب امل��زروع ،ومنها القحل الأج��رد ب�سبب تغلب امللوحة يف تربته� .أ ّما تلك الأرا�ضي اململحة فكانت ترى للم�سافر على م�سافة بعيدة من البلد. ّثم مررنا ببلد يدعى بخان تومان ،ويزعمون �أنّ ه��ذا اال�سم م��أخ��وذ من ا�سم �أح��د ال�سالطني، وعند هذه القرية ي�شاهد امل�سافر م�آذن حلب من بعيدّ .ثم ما برحنا �سائرين ننتقل من بلد �إىل �آخر واملزارع من جمالها الطبيعي على ما و�صفنا حتّى مررنا بنهر ي�س ّمى قويق ،وهو من الأنهار امل�شهورة يف تلك اجلهات� .أ ّم��ا امل�سافة من تلك النقطة �إىل مدينة حلب فكانت تقرب من ن�صف ال�ساعة ب�سري القطار وقد ك ّنا يف غ�ضونها نط ّل من نافذة العربة فن�شاهد �أمامنا على بعد هيكل مدينة حلب ج�سيم ًا �ضخم ًا تعلوه م�آذنها ال�شاهقة ا ّلتي هي �أ ّول ما يظهر للناظرين.
م�سجد �سيدنا زكريا
ق�صدنا �إىل جامع �س ّيدنا زكريا نبي اهلل عليه ال �� �س�لام .وه ��و م�سجد ج�م�ي��ل ال���ش�ك��ل متقن ال�صناعة والبنيان ،تعتمد �سقوفه املتينة على �أقبية وعمد يف طول امل�سجد وعر�ضه .ويقال �إنّ مو�ضع هذا امل�سجد كان يف الأ�صل كني�سة من
عهد الإمرباطورة هيالنة من قيا�صرة الرومان، وي�س ّمى اجلامع الأموي لأ ّنه من �آثار بني �أم ّية. وي � ّدع��ي �أه ��ل ه��ذه اجل �ه��ات �أ ّن���ه ك��ان �شبيه ًا باجلامع الأموي يف دم�شق ،وقد �أحرقته طائفة الإ�سماعيلية �سنة 1169ميالديةّ ،ثم �أعاد بناءه املرحوم ال�سلطان نور الدين ال�شهيدّ ،ثم هدمه املغول حتت ريا�سة هوالكو .وميتاز هذا امل�سجد مبئذنته ال�شاهقة ا ّلتي يبلغ ارتفاعها نحو 54 م�تر ًا ،ومل ن�شاهد م�أذنة يف م�ساجد امل�سلمني ا ّلتي ر�أيناها بلغت من العلو هذا املبلغ �إال تلك امل�أذنة العجيبة ،وهي قائمة يف الزاوية ال�شمالية الغربية من جهة ال�صحن الكبري ا ّلذي حتيط به الأعمدة من الثالث جهات .ويقال �إن هذه امل�أذنة بنيت يف �سنة 1290ميالدية� .أ ّما امل�سجد ا ّلذي تقام فيه ال�صالة ف�إ ّنه واقع يف اجلهة اجلنوبية من ال�صحن املذكور ،وفيه حجاز من اخل�شب «دراب��زي��ن» يق�سمه �إىل ق�سمني لك ّنهما غري خ�ص�ص الق�سم الأ�صغر منهما مت�ساويني؛ وقد ّ خا�ص ًا بال�صلوات اخلم�س ،وجعل الق�سم الأكرب ّ ب�صالة اجلمعة .وفيه يوجد قرب النبي زكرياء، وال��د النبي يحيى املدفون بجامع بني �أمية يف دم�شق ،وي�س ّمى يوح ّنا املعمدان .وهذا القرب مل يكن هو القرب الوحيد املجمع عليه من �أهل املدن والطوائف ،ف�إنّ مدينة �سام ّرا وبع�ض مدن �أخرى من ال�شام تزعم �أنّ فيها قربه عليه ال�سالم ،وقد ر�أيناه حماط ًا مبق�صورة مذهّ بة بديعة ال�شكل. دخلنا امل�سجد �أ ّو ًال و�ص ّلينا فيه حت ّيته ركعتني، ّثم ذهبنا �إىل ذلك املقام ال�شريف وقر�أنا يف تي�سر لنا من كتاب اهلل بن ّية ح�صول داخله ما ّ ال�برك��ة و�إ� �ص�لاح احل��ال .وه�ن��اك �س�ألنا اهلل تعاىل �أن يتق ّبل م ّنا هذه الزيارة ا ّلتي ن�شكره، ج� ّل �ش�أنه ،على هدايتنا لها وتوفيقنا �إليها. وخرجنا بعد ذلك عامدين على زي��ارة القلعة احللبية ،وك��ان طريق �سرينا �إليها من داخل البلد .وال ب ّد لنا من ذكر كلمة عن هذه القلعة تت�ض ّمن نبذة من تاريخها ،وو�صفها على حالتها احلا�ضرة بقدر الإمكان.
لقطة قدمية للجامع الأموي وتبدو خلفه قلعة حلب
اجلامع من الزاوية نف�سها يف فرتة الحقة
�صناعي .ويقول م�ؤرخو العرب �أنه كان على هذا التل مدينة قدمية من مدن ال�شام ،قائمة على ثمانية �آالف عمود ،وهي بالطلع مدينة حلب. ويقال �إنّ ا ّلذي بنى هذه القلعة هو �سلوق�س الذي ّ اختط حلب وبناها ،فهي على هذا عتيقة ّ متوغلة يف القدم .وبع�ض امل�ؤرخني يزعم �أنّ ك�سرى زاد يف حت�صينها ومنعتها .ول�ست �أدري من هو ك�سرى
فإن وعلى الجملةّ ، حلب هذه هي أحسن قلعة حلب نقطة في ّ كل الوالية.. مرتفع تل على املدينة و�سط يف واقعة هذه القلعة مر�صوف باحلجارة ،وه��و من ذل��ك يظهر �أ ّن��ه ولذلك اتّخذها أكثر الملوك الفاتحين عاصمة ملكهم
ه��ذا من ملوك فار�س ،ولع ّله ك��ان غري ك�سرى الثاين ،لأنّ ذلك هو ا ّلذي �أحرقت مدينة حلب ب�أمره �سنة 611بعد امل�سيح .ومن �أبعد ما يت�ص ّور �أن يعمر القلعة ويزيد يف حت�صينها من يخرب املدينة وي�أمر ب�إحراقها .ث� ّ�م �إنها حماطة من جميع جهاتها بخندق عميق ميكن غمره باملاء، ويقال �إ ّنه بلغ من العمق بحيث ي�ستغرق امل�سافر �إىل ق��راره م�سافة تقرب من ن�صف ال�ساعة. ويوجد على هذا اخلندق قنطرة جميلة م�صنوعة من اخل�شب تو�صل �إىل القلعة ،ولي�س الدخول فيها مباح ًا مطلق ًا ،بل هو حمظور عادة �إال ملن ح�صل على �إذن احلرب ّية ا ّلتي ال تزال �صاحبة ال�سلطة وال�سيطرة عليها �إىل اليوم ،على الرغم من �أنّ
ارتياد اآلفاق 70 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
حريف حم�صي بداية القرن الع�رشين
�صورة لبع�ض قاطني مدينة حلب تُظهر تنوع الأزياء 1873 -
هذه القلعة �صارت خربة مهدّمة .ولهذه املنا�سبة كنت ما�شي ًا يف ذلك ال�صحن �أ ّنه الب ّد �أن يوجد وجدنا ِاثنني من �ض ّباط اجلي�ش يف ِانتظارنا حتت احلجارة وال��ردوم �شيء عظيم من الآثار هناك .وقد و�صلنا من هذا املعبرّ اخل�شبي �إىل التاريخيةالعجيبة. برج خارجي ،دخلناه من باب حديد مزخرف ب�أبدع حلية و�أجمل نق�ش ،وقد �أخذ م ّني الإعجاب م�سجد بديع وبعدئذ ذهبت مني ِالتفاتة على باب خمفي بع�ضه مبنظر ذلك الباب م�أخذ ًا بلغ منه �أنيّ �ص ّممت ٍ على تقليد �شيء من �شكله يف بيتي ا ّلذي �أ�سكنه حتت �أطباق ال�تراب ،ف�س�ألت عنه بع�ض امللمني يف منيل الرو�ضةّ .ثم دخلنا يف بهو يالحظ املا ّر به بذلك الأثر العتيق ،فقال يل� :إن من ذلك الباب �أنّ يف �أعلى الباب احلديد من اجلهة اليمنى من يدخل الإن�سان �إىل م�سجد �صغري ،كان ي�ص ّلي الداخل نقو�ش ًا على اجلدار ومر�سومات حفر ّية فيه بع�ض الع�سكر املتمر�ضني ،فمالت نف�سي بديعة من �شجر الريحان ،وكتابات ينتهي تاريخها لالطالع عليه �ش�أن ال�سائح ا ّلذي يريد �أن ي�ستطلع �إىل �سنة 605هجرية املوافقة �سنة 1209ميالدية ك� ّل �شيء غريب يقع حتت نظره .فدخلت هذا على عهد امللك الظاهر«غازي :ابن �صالح الدين الأيوبي» .ويالحظ �أي�ض ًا على ميني وي�سار الباب يقول مؤرخو العرب أن الثاين ر�سومات حفرية �أخرى مت ّثل ر�ؤو�س الفهود مدينة حلب القديمة متثي ًال متقن ًا .ومن ذلك الباب خرجنا �إىل �صحن كانت مبنية على التل متّ�سع ّ مغطى بكومات من الأت��رب��ة وال أنقا�ض ،الذي يحوي قلعتها اآلن وفيه �آثار جملة طرق .وقد دار يف نف�سي وقت ما
وكانت قائمة على ثمانية آالف عمود
امل�سجد ور أ�ي��ت فيه حمراب ًا ،وك��ان يف دوائ��ره وزرة من خ�شب عليها نقو�ش ما نظرت عيني �إىل اليوم �أجمل منها .ولقد ر�أيت من الر�سوم الناتئة واحلفرية والنقو�ش العربية ما ل�ست �أح�صيه عدد ًا ،خ�صو�ص ًا ما �شاهدته من ذلك فيما يوجد عادة يف �أوائل الكتب الأثرية .ومع ذلك ،مل �أذكر يف م ّرة من املرات �أنيّ ّاطلعت على �أعجب و�أتقن من تلك النقو�ش املحكمة وال��رق��و���ش الدقيقة .وه��ذا م��ا اقت�ضاين� ،إذ ذاك� ،أن �أت� ّأ�سف كثري ًا من �إهمال ذلك امل�سجد اجلليل وت��رك��ه ب��دون �أق��ل م��راق�ب��ة .والب�� ّد �أنّ �شيئ ًا عظيم ًا من �صناعاته البديعة وزخارفه املده�شة قد �ضاع وحمي �أثره ،لأن يف وجود مثل الآثار التي �شاهدناها على اجلدران وغريها ما ّ ي�ستدل منه على �أن امل�سجد كان قبل �أن تفتك به عاديات الزمان حاف ًال بامل�صنوعات العربية ا ّلتي من هذا القبيل .ول�سنا نعرف لعفاء هذه الأ�شياء النفي�سة �سبب ًا �سوى عدم العناية يف
ال�سوق القدمي يف حلب -الذي تعر�ض للدمار م�ؤخرا ً
مبد�أ الأم��ر بحفظ �آث��ار املتقدّمني و�أعمالهم التاريخية النبيلة. وبعد ذلك مررنا بالآبار ،وقال مر�شدونا يف ذلك املكان �إ ّنها عميقة �إىل قرار بعيد ،وال يبعد �أ ّنها تكون يف عمق اخلندقّ .ثم �إنّ يف �صحن القلعة ا ّلذي �أ�سلفنا ذكره عدد ًا كبري ًا من الأقبية ،ويف و�سطه ق ّبة فخمة قائمة على ّ وي�ستدل من �شكلها �أربعة �أعمدة من البناء. على �أ ّنها كانت يف �أ ّول عهدها فوق بئر حمفورة يف نف�س ال�صخر ،وهناك ر�أينا منارة جميلة ال�شكل بهيجة املنظر .ويف اجلهة ال�شمالية ال�غ��رب�ي��ة ي��وج��د م��دف�ع��ان ق��دمي��ان� ،صنعت فوهتهما من احلديد املمزوج بالر�صا�ص. أهم ما ت�شتمل عليه تلك وبعدما ّاطلعنا على � ّ القلعة م��ن ال��داخ��ل واخل ��ارج� ،صعدنا �إىل �أعلى نقطة فيها و�أ�شرفنا منها على املدينة و�ضواحيها ،فر�أينا بني الأ�شجار واملزارع وما يتخ ّللها من العيون والأنهار منظر ًا �ساحر ًا
فتّان ًا ال ندري ،وقد �أخذتنا من ح�سنه روعة، �أهو �أبهج �أم ذلك املنظر ا ّلذي ك ّنا �شاهدناه على دم�شق من فوق ال�صاحلية.
حلب
ه��ذه امل��دي�ن��ة واق �ع��ة على ال��درج��ة 36و11
دقيقة و 32ثانية من العر�ض ال�شمايل ويبلغ ارتفاعها عن �سطح البحر نحو 320مرت ًا، وه��ي قائمة يف �سهل منخف�ض على ح��دود
يقال إن صادرات حلب بلغت نحو مليون ونصف من الجنيهات أن أكثر ما وقد علمنا ّ يصنع من األنسجة الحريرية والصوفية وغيرها يص ّدر معظمه إلى جهة األناضول
ال���ص�ح��راء حت�ي��ط ب�ه��ا ت�ل��ول ك �ث�يرة ،وي��رى حواليها �آث��ار �أبنية قدمية ّ تدل على �أنّ هذه البلد كان حماط ًا ب�سور كبري �ضخم ،بل �إن �أثر ال�سور نف�سه ال يزال قائم ًا يف بع�ض نواحيها �إىل الآن ،ول��ه �أب ��واب ع �دّة ت�س ّمى ب�أ�سماء خمتلفة ،فمنها باب الن�صر وباب ال َف َرج وباب اجلنني وباب �أنطاكية ،لأ ّنه قائم على طريق �أنطاكية ا ّلتي هي على م�سافة نحو �ستّني مي ًال من مدينة حلب ،وباب قن�سرين وباب املقام وباب الرتاب وباب الأحمر وباب احلديد ،ويف اجلهة ال�شمالية الغربية يجري نهر قويق، وهو نهر جميل كثري ال�سمك ،ويكرث فيه على اخل�صو�ص ن��وع من ه��ذا ي�س ّمى بالثعابني. وهناك يجري نهر �آخر ي�س ّمى �شالو�س وهو ينبع على بعد ب�ضعة �أيام من اجلهة ال�شمالية وي�صب يف م�ستنقع يبعد عن جنوب املدينة بنحو خم�س �ساعات ون�صف تقريب ًا.
ارتياد اآلفاق 72 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
�ساحة البازار بحم�ص
تاريخ املدينة
�أ ّم��ا املدينة فقدمية ج � ّد ًا واختلف يف بانيها على جملة �آراء ،منها �أنّ حلب بن املهر �أحد بني احل��ان بن مكنف من العماليق هو ا ّلذي ّ اختط هذه املدينة و�س ّميت با�سمه �سنة 3990 لآدم ،وذل��ك بعد ورود �إبراهيم �إىل الدّيار ال�شامية مب �دّة � 549سنة ه��ارب� ًا من رامي�س ملك �أ�سور«�أ�شور» ،و�أن العمالقة كانوا جعلوها ح�صن ًا لأنف�سهم و�أموالهم ،بعد �أن فتح ي�شوع بالدهم ومل يزالوا عليها �إىل �أن �أخذها منهم داود ،وكرث ذكرها يف تاريخ العرب و�شعرهم. وهي مبا حوت من جمال اجل ّو وح�سن البقعة وجودة الهواء جديرة بذلك الذكر والإط��راء، ّثم �إ ّنه يحيط بها يف �ضواحيها املبا�شرة حدائق غ ّناء وب�ساتني بهيجة� ،أكرث غر�سها من �شجر الدلب ،و�شجر �آخ��ر ي�س ّمى ل�سان الع�صفور، و�شجر احلور الأبي�ض ،و�شجر ال َغ َرب ،وكذلك النبق واجلوز وال�سفرجل والف�ستق والزيتون. وهذه اخل�ضرة املتجاوزة ح ّد اجلمال تبتدئ على ب�ضع �ساعات من اجلهة ال�شمالية. ث� ّ�م �إن حلب ه��ي مركز ال��والي��ة ا ّل�ت��ي ت�شمل ال�شام ال�شمالية ك ّلها ،وحدودها ت�صل �إىل نهر الفرات .ويقدّر عدد �س ّكانها الآن بنحو 200 �ألف نف�س ،والثلثان من هذا العدد م�سلمون،
والثلث الباقي م��ن ط��وائ��ف خمتلفة ،فمنه: �12ألف ًا من الروم ومثلهم من اليهود و � 4آالف من الأرمن ،والباقي بعد ذلك خليط من الأرمن املتحدين واملارونيني والكاثوليك .ويوجد فيها جمعية بروت�ستانتية للإجنليز وفيها ع�دّة م��دار���س ِابتدائية وث��ان��وي��ة ،بع�ضها لطائفة الفرن�سي�سكان ،وفيها �أي�ض ًا مدر�سة للبنات تديرها راهبات القدّي�س يو�سف .وعلى م�سافة �أرب�ع�ين كيلومرت ًا من �شمال املدينة ،يبتدئ ّ خط االنف�صال بني اللغتني العربية والرتكية. ّثم �إن �أهل املدينة يتكلمون بالعربية ،وهم مع ذلك يجيدون اللغة الرتكية نطق ًا وفهم ًا �أكرث من �أهل دم�شق ،ولع ّل ذلك لأ ّنهم قريبون من جهة الأنا�ضول .وقد يالحظ �أنّ اللهجة العربية
الدخول إلى قلعة حلب ليس مباح ًا مطلق ًا بل هو محظور عادة إال لمن حصل على إذن الحربيّة الّتي ال تزال صاحبة السلطة والسيطرة عليها على الرغم من كونها صارت خربة مه ّدمة
يف حلب ال تفرتق كثري ًا عن لهجات �سائر مدن ال�شام .وعدد الإفرجن فيها �أكرث من عددهم يف مدينة دم�شق ،ولع ّل ال�سبب يف ذلك هو �أن حلب مبثابة م�ستودع لكثري من متاجر الأوربيني بحكم مركزها اجل �غ��رايف� ،إذ ه��ي واق�ع��ة ب�ين جملة طرق .وقد �أخذت هذه املدينة تتح ّول قلي ًال عن �شكلها ال�شرقي ،و�صناعتها الوطنية تكاد تتال�شى يف جانب ال�صناعة الأورب �ي��ة .وال �سبب لهذا، فيما يغلب على الظنّ � ،إال تلك العالقات ا ّلتي كانت وال تزال بني هذه املدينة وبني الغرب منذ الع�صور القدمية .وهي ،يف مقابل ما ت�ستورده من م�صنوعات �أوربا وت�ستجلبه من ب�ضاعتها ،ت�صدّر �إليها الأ�شياء الأ ّولية الآتية :وهي الغالل وال�صوف والقطن «ا ّل��ذي ال تزال ت��زداد زراعته �سنة بعد أ�خ��رى» والع�صف«ورق ال��زرع ،التنب» وال�صمغ وال�سم�سم واجللد على ِاختالف �أ�صنافه .ويقال �إن �صادرات هذا البلد بلغت �إىل نحو مليون ون�صف من اجلنيهات .وقد علمنا �أنّ �أكرث ما ي�صنع من الأن�سجة احلريرية وال�صوفية وغريها ي�صدّر معظمه �إىل جهة الأنا�ضول .ومن تاريخ حلب �أي�ض ًا �أ ّنه جاء ذكرها يف الآثار امل�صرية منذ � 2000سنة قبل امليالد .وقد ذكرها �سلمنذار ملك �آ�شوريا، وهو ا ّلذي فتح مدينة �سامرا«ال�سامرة» وفر�ض اجلزية على بني �إ�سرائيلّ ،ثم حما ملكهم حيث
�أخذهم وملكهم �أ�سرى يف �سنة 854قبل امليالد وق��د ق � ّرب فيها قربان ًا �إىل الإل��ه ح��داد«ح��دد» وزاد يف ا ّت�ساعها بعده امللك �سيلوكو�س نيكاتور. حكم هذا امللك على بابل بعد وف��اة الإ�سكندر وجمع حتت لوائه ال�شام و�أرمينيا والعراق وق�سم ًا من �آ�سيا الو�سطى ،وهو م� ّؤ�س�س الأ�سرة امللوكية ا ّلتي حكمت ال�شام زمان ًا وكانت تل ّقب با�سمه « نيكاتور» ،وهو �أي�ض ًا ا ّلذي �أطلق على حلب ا�سم ب�يرواه .ويف �سنة 611بعد امل�سيح دهمت هذه املدينة بحريق عظيم .ويقال �أن �إحراقها يف ذلك العهد كان ب�أمر من ك�سرى الثاين «ك�سرى الثاين: ك�سرى �أبرويز « »590-628ابن هرمزد الرابع» ملك العجمّ .ثم وقعت يف �أيدي العرب حتت قيادة �أبي عبيدة بن اجلراح بدون �أدنى مقاومة يف �سنة 145للهجرة .وذل��ك �أن أ�ب��ا عبيدة ،ر�ضي اهلل عنه ،ملّا فرغ من قن�سرين� ،سار �إىل حلب فبلغه �أنّ �أهل قن�سرين نق�ضوا وغ��دروا ،ف�أر�سل �إليها جماعة و�سار هو حتّى و�صل �إىل ظاهر حلب ،وهو قريب منها فجمع �أ�صناف ًا من العرب و�صاحلهم على اجلزية ّثم �أ�سلموا بعد ذلك .و�أت��ى حلب، فتح�صن وعلى مقدّمته عيا�ض بن غنم الفهريّ ، �أهلها وحا�صرهم امل�سلمون ،فلم يلبثوا �أن طلبوا ال�صلح والأمان على �أنف�سهم و�أوالدهم ومدينتهم وكنائ�سهم وح�صنهم ف�أعطوا ذل��ك ،وا�ستثنى عليهم مو�ضع امل�سجد .ومن هذا احلني �أخذت البلد تتقدّم وت��زداد �أهم ّيتها .وكانت عا�صمة ملك �سيف ال��دول��ة ب��ن ح�م��دان م��ن �سنة 936 �إىل �سنة 967ميالدية .ويف �سنة 961ا�ستوىل عليها البيزانطيون حتت ريا�سة نقفور ولكن مل ي�ستطيعوا اال�ستيالء على ح�صنهاّ ،ثم جاءت بعد ذلك احلروب ال�صليبية .ويف �سنة 1114هدمتها الزالزل .ويف �سنة 1124حا�صرها امللك بيدوين، �أح��د ملوك ال�صليبيني ،ولك ّنه مل يتم ّكن من اال�ستيالء عليها .ويف �سنة 1139عاودتها الزالزل ثانيةّ ،ثم رجعت ثالثة وكانت يف الأخ�يرة �أ�ش ّد منها يف الأوليني ،وذلك يف �سنة ،1170فجدّد عمارتها و�أعاد �إليها �سريتها املرحوم ال�سلطان نور الدين ال�شهيد .كما �أ ّنه بنى القلعةّ ،ثم هدمها املغول حتت ريا�سة هوالكو يف �سنة ّ ، 1260ثم �أعادوا الك ّرة عليها يف �سنة .1280 ويف عهد �سالطني املماليك مب�صر ،كانت حلب
موزاييك من الآثار املجاورة ملدينة حلب
ي ّدعي أهل هذه الجهات أن جامع سيدنا زكريا كان ّ شبيه ًا بالجامع األموي في دمشق وقد أحرقته ثم طائفة اإلسماعيلية ّ أعاد بناءه السلطان نور ثم هدمه الدين الشهيد ّ المغول تحت رياسة هوالكو
عا�صمة ال�شام ال�شمالية .ويف �سنة 1400خرب املدينة تيمورلنك ،بعد واقعة هائلة على الأبواب هزم فيها ال�سوريون �ش ّر هزمية .ويف �سنة 1516 افتتحها ال�سلطان �سليم وحما �آثار �سلطة املماليك منها .ومنذ ذلك العهد وهي قاعدة والية .و�إذا كانت حلب قد ا�ستطاعت ،على الرغم من ك ّل هذه احل��وادث املتك ّررة وامل�صائب املتتابعة� ،أن تقوم من وهدتها ال ّمة �شعثها رافعة ر�أ�سها حافظة لكيانها ومكانها ،فذلك �إنمّ ا هو بف�ضل مركزها اجلغرايف والتجاري� .أ ّم��ا مركزها اجلغرايف، فلأ ّنها قائمة على طريق العجم والهند .و�أ ّم��ا مركزها التجاري ،فلأنّ جتارة احلرير والأقم�شة والأجواخ والأحجار الكرمية ،ك ّل هذه التجارات
يف ذلك البلد نامية زاهرة .وعلى اجلملة ،ف�إنّ حلب هذه هي �أح�سن نقطة يف ك ّل الوالية .ولذلك ا ّتخذها �أكرث امللوك الفاحتني عا�صمة ملكهم. ويقال �إنّ جدّنا املرحوم �إبراهيم با�شا كان قد ا ّتخذها مركز ًا للجنود والع�ساكر.
بيوت املدينة
وقد ك ّنا ن�شاهد �أثناء مرورنا يف طرق املدينة و�شوارعها �أنّ البيوتات يف معظم اجلهات مبن ّية من حجارة منقو�شة مزخرفة ال فرق يف ذلك بني طبقاتها العليا و�أدواره��ا ال�سفلى، وقد �أعجبني كثري ًا ما ر�أيته من تلك النقو�ش البديعة املحفورة يف نف�س الأحجار بغاية الد ّقة والإتقان .ومن ذلك عرفت �أنّ لأهل هذا البلد مهارة فائقة وحذق ًا عجيب ًا يف �صنعة النق�ش احلفري ا ّل��ذي يظهر ف�ضل ال�صانع فيه على الأحجار �أك�ثر مما يظهر على غريها ،فكان ذلك م�صدّق ًا ملا ا�شتهر عنهم منذ زمان بعيد. ّثم ر�أينا يف بع�ض �أحياء البلد �أبنية حديثة العهد على النمط الأورب��ي ،ومل ن�ستغرب �أن من ّر من �شوارع البلد يف بيوت على الطراز اجلديد و�أنّ �سكانها �أكرثهم من ثراة امل�سيحيني ،وهناك حي �آخر ي�سكنه جماعة اليهود
أوراق تراثية 74 الـعــــدد 157 نوفمرب 2012
نبشر بالتراث بعين قوية على المستقبل!! عندما نطالع امل�سرية الب�شرية وتاريخها ونتعمق يف جوانبها املختلفة، ن�صاب بحالة من الذهول لكل هذا الإرث العظيم الذي خلفته الأجيال املتتالية حتى وقتنا الراهن� .إال �أن البع�ض من الدار�سني يف هذا املجال ي�ؤكدون �أنه رغم هذا الكم الهائل من املخرتعات واملبتكرات والعلوم املتنوعة واملعارف املكت�سبة ،والتي الكثري منها نتاج تراكمات من التجارب والتطوير املتتايل حتى و�صولها للكمال يف خدمة النا�س ،ف�إن الإن�سان مل يوفق يف حفظ الكثري من �أرثه و�إجنازاته ،وهناك اعتقاد على نطاق وا�سع �أن الذي و�صلنا وبات بني يدينا اليوم من كل هذا الكم الإنتاجي �سواء يف جمال العلوم واملخرتعات �أو حتى االكت�شافات وغريها �شحيح مقارنة مبا �أنتجه الإن�سان منذ ع�صور �سحيقة مروراً بالتجمعات الأوىل ثم و�صو ًال للمدن فقيام احل�ضارات والأمم. فاطمة املزروعي وهذه احلالة – عدم و�صول الإنتاج الإن�ساين ك��ام� ً لا -لها �أ�سباب ع��دي��دة بع�ضها �أ�سهم الإن�سان فيها ب�شكل مبا�شر ومتعمد وهدم هذه املنجزات ب�سبب ال�صراعات واحل��روب وال�ت�ق��ات��ل وم��ن ث��م حم��اول��ة املنت�صر �إل�غ��اء و�إخفاء معامل �أي متيز وتقدم ملن حلقت به الهزمية� ،أو ب�شكل غري مبا�شر كجهلة ب�أهمية �أن يحافظ على ه��ذه املكت�سبات الإن�سانية ومن ثم نقلها �إىل الأجيال التالية� ،أو ب�أ�سباب طبيعية كالفي�ضانات وال�براك�ين ونحوها، وهناك �أ�سباب عديدة �أخ��رى .عمر الب�شرية على الأر�ض كبري جد ًا حيث تتفاوت تقديرات العلماء فهناك م��ن يقول �إن�ه��ا �ستة ماليني �سنة و�آخرين ي�ؤكدون �أنها �أقل ،ولكنه – �أي الإن�سان – مل يتمكن من التقدم والتعلم �إال منذ نحو � 300سنة ،وهذا ما �أ�شار له العامل
الدكتور برتراند را�سل ،يف كتابة� :أثر العلم يف املجتمع ،حيث ق��ال« :ي�ع��ود وج��ود الب�شر �إىل نحو مليون �سنة ،وتعود معرفتهم بالكتابة �إىل نحو �ستة الآف �سنة ،بينما تعود معرفتهم بالزراعة حلقبة �أق��دم قلي ًال� ،أما العلم فقد ت��واج��د كعامل مهيمن يف تقرير معتقدات املثقفني من الب�شر لنحو � 300سنة ،يف حني �أنه �أ�صبح م�صدر ًا للتقنية االقت�صادية منذ 150 �سنة وح�سب». وهذا يعطي داللة كبرية على ت�أخر الإن�سانية بل وبطء �شديد يف تطورها وتقدمها ،وهناك ج��ان��ب �آخ��ر م��ن املع�ضلة حيث ال ميكن �أن
األمة التي تهدم ذاكرتها ..أمة أنانية تحرم أجيالها المقبلة من ضوء ماضيهم
يفهم كيف متكنت �أمم من التميز والتقدم يف ع��دة جم��االت كالبناء والت�شييد ب��ل ويف بع�ض اجل��وان��ب الطبية ،ف�ض ًال عن اخ�تراع و�سائل لل�صيد البحري �أو مطاردة الفرائ�س يف الغابات ،ومن ثم انهيار هذه الأمة واختفاء م�صادر قوتها والأدوات التي ا�ستخدمتها، وجميعنا يعلم على �سبيل املثال الأهرامات يف احل�ضارة الفرعونية حيث توجد عدة نظريات يف الكيفية التي مت بنا�ؤها ،وال �شيء م�ؤكد يف ه��ذا الإط ��ار� ،أي�ض ًا ح�ضارات كالإغريق وال �ي��ون��ان وغ�يره�م��ا ،حيث ك��ان��ت ت�ستخدم �إع�شاب وم�شروبات يتم ت�صنيعها من �أوراق �أ�شجار معروفة لديهم ملعاجلة �آالم البطن والتخفيف م��ن ال�صداع ومعاجلة الك�سور، ول�سعات الزواحف ،وغريها كثري ،وجميعها و�سائل عالجية مل تنقل �إلينا كاملة ،وم�ضى
كل فكرة عظيمة خدمت البشرية كانت عمر طويل حتى عرفنا الكيفية التي تعد فيها في األساس حلم ًا هذه الأدوية ،مبعنى كنا نقر�أ يف تاريخ �أمة من حققه العمل الأمم فنجد �أن املعالج الفالين قدم م�شروب ًا
لأحد املر�ضى فتم �شفا�ؤه� ،أو ق�صة تقول �إن جمذوم ًا كان على و�شك الوفاة و�صف له �أحد املعاجلني بع�ض الأع�شاب ،وبعد �أن ا�ستخدمها لفرتة من الزمن بد�أت �صحته تتح�سن ،لكننا ال جند و�صف ًا لهذه الأدوي��ة والأع�شاب ،فهل هي خرافات �أو �أ�ساطري يتم ن�سجها لإبالغ الأمم الأخ ��رى �أن�ه��م �أك�ث�ر تفوق ًا وتقدم ًا؟ ال �أح��د يعلم .لكن من امل�ؤكد �أن اخلرافات والأ�ساطري كانت مهيمنة على تفكري وخيال وحياة الإن�سان الأول بل وحتى �إن�سان اليوم يف بع�ض الأرجاء ،وجميعنا يعلم �أن اخلرافة تتعار�ض مت��ام � ًا م��ع العلم فاملجتمع ال��ذي تنت�شر فيه العلوم تنهزم فيه مبا�شرة اخلرافة وت�ضمحل� ،أما املجتمعات اجلاهلة فهي تغذي ق�صورها وتوا�ضع معرفتها باخلرافات التي ال ميكن �أن تبنى بوا�سطتها ح�ضارة �أو تقدم .يف كتابة ،الإن�سان احلائر بني العلم واخلرافة، حتدث الدكتور عبداملح�سن �صالح ،عن هذا اجلانب ،فقال� ":إن الدار�س لن�ش�أة املجتمعات الب�شرية ،و�أمناط �سلوكها ،و�ضروب �أفكارها، ��س��وف ي�ضع ي��دي��ه على ح�صيلة هائلة من الأفكار الغريبة ،والتقاليد املثرية ،ومعظمها – بال �شك – قد نبع من تفاعل الإن�سان مع البيئة الطبيعية التي يعي�ش فيها ...فلقد ر�أى الإن�سان القدمي مث ًال من ظواهر الطبيعة �أمور ًا حريته �أ�شد حرية ،ف�أثارت خماوفه ،و�شحذت خياله ،ومن ثم فقد بد�أ يف ا�ستنباط تف�سريات تتالءم و�إدراك ��ه البدائي �أو الب�سيط ،ومن هذه التف�سريات اخلاطئة للظواهر الكائنة، نبتت اخل��راف��ات ،وترعرعت اخلزعبالت، وانت�شرت الأ�ساطري يف كل املجتمعات! ومن �أج��ل ه��ذا ال يرتاح رج��ل العلم كثري ًا لأم��ور الكرامات واملعجزات التي ينادي بها عامة النا�س� .إن الرا�سخني يف العلم يدركون متام ًا �أن كل �شيء يف الأر�ض ويف ال�سماء ي�سري على هدى �شرائع ال ا�ستثناءات فيها وال فو�ضى، ولو حدث اال�ستثناء لف�سد كل ما يف الأر�ض وال�سماء لكننا – واحلق يقال – ال نلحظ �إال
كل ما هو بديع ومنظم ومتقن وجميل ،ولو جاءت املعجزات التي يتحدث بها النا�س يف هذا الزمان لت�ستثني من القوانني الطبيعية ب�شر ًا �أو خلق ًا �أو �أديان ًا �أو �شعوب ًا �أو �أجرام ًا، لكان معنى ذلك �أنها لي�ست قوانني �صامدة، وال �شرائع ج ��ادة ،وه��ي – قطع ًا – لي�ست كذلك� ،إذ لي�س �أدل على �صحة ما نرمي هنا �إليه مما جاءت به هذه الآي��ة الكرمية «�سنة اهلل التي قد خلت من قبل ،ولن جتد ل�سنة اهلل تبديال» .والذي �أرمي له يف هذا ال�سياق ،هو �أن املخطوطات واملدونات القدمية واملحفوظة حتى اليوم والتي نقر�ؤها ونعجب من كل ما حملته من �أن�ب��اء عن عالجات �أو مبتكرات ب�شرية يف ح�ضارة م��ا ،من دون �شرح ونقل لهذه العالجات �أو ك�شف للطريقة والو�سيلة، ف�إن هذه قد تعد من ن�سج خيال الإن�سان ،الذي يحاول �أن يبتكر ويقدم �شيئ ًا خمتلف ًا لواقعه القا�سي امل�ؤمل الذي يعي�شه مبزيد من الآمال والأح�لام ،والإن�سان هو الكائن الوحيد كما ي�ؤكد العلماء يتمتع بعقل ميكنه اخليال� ،إال �أن �إجنازات هذه الأحالم كانت دوم ًا عظيمة، فكل فكرة خالقة وعظيمة خدمة الب�شرية كانت بدايتها حلم ،ولعل �أهم �أحالم الإن�سان والتي حتققت ،بل و�صارع لتحقيقها منذ مئات ال�سنني حتى اليوم هو حلمه بالطريان� ،أمل يحلم وه��و ي�شاهد الطيور حتلق يف ال�سماء �أن يكون مثلها وي�ستطيع التنقل ب�سهولة بد ًال من م�شقة �صعود اجلبال ونزول ال�سهول؟ �أمل يكن يحلم الإن�سان مبعانقة ال�سحب وال�سباحة يف الف�ضاء وهو يف كل ليلة يجل�س ال�ساعات الطويلة ينظر للنجوم وال�شهب؟ بل �إن �أحالم وذكاء الإن�سان جعلته متحرر ًا من قيود البيئة وحدود املكان ،حر ًا �سيد ًا على هذا الكوكب، وهو اجلانب الذي حتدث عنه مطو ًال العامل الدكتور جاكوب برونوف�سكي ،يف كتابه املفيد والرثي التطور احل�ضاري للإن�سان حيث قال: متتلئ كل املناظر اخللوية يف العامل بالتكيفات
امل�ضبوطة اجلميلة ،التي ين�سجم بها احليوان م��ع بيئته فالقنفذ يظل نائم ًا ينتظر حلول الربيع ليتفجر ن�شاطه وميلأ احلياة ،والطائر الطنان يظل ي�ضرب ال�ه��واء بجناحيه وهو �صوب منقاره الدقيق كابرة داخ��ل الأزه��ار امل��دالة ،والفرا�شات حتاكي �أوراق النباتات، ب��ل وحت��اك��ي بع�ض احل �ي��وان��ات امل ��ؤذي��ة ،كي تخدع املفرت�سات ،ولكن الطبيعة – نق�صد التطور البيولوجي – مل ت�شكل الإن�سان ليتوافق مع بيئة بذاتها ،حيث �إن جهازه ميكنه من التوافق داخل كل البيئات ومن بني هذه الوفرة من احليوانات التي تعدو ،وتطري ،وحتفر، وتعوم من حولنا� ،سنجد الإن�سان هو الكائن الوحيد الذي مل يحب�س داخل بيئته ،فخياله ومنطقة وح��دة ذكائه وخ�شونته ،كلها جتعله قادر ًا على �أال يقبل بيئته ،و�أن يغريها .وهذه ال�سل�سلة من االبتكارات التي �أعاد بها الإن�سان �صياغة بيئته على مر الع�صور هي ن��وع من التطور خمتلف ،تطور لي�س بيولوجي ًا و�إمنا هو تطور ح�ضاري� .إن الإن�سان يتميز على غريه من احليوانات مبواهبه التخيلية� .أنه ير�سم اخلطط واالبتكارات واالكت�شافات اجلديدة ع��ن طريق جتميع ملكات خمتلفة ،وت��زداد اكت�شافاته حذق ًا وذكاء وهو يتدرب على جتميع ملكاته بطريقة �أك�ثر تعقيد ًا وع�م�ق� ًا .ول��ذا ف��إن االكت�شافات العظيمة للع�صور املختلفة واحل�ضارات املختلفة كلها تعرب يف تعاقبها عن اقرتان �أكرث ثراء وتعقيد ًا بني امللكات الب�شرية، عن ت�شابك مت�صاعد ملواهبه .انتهى� .إننا ل�سنا بحاجة للخرافات لتغذي �أي نق�ص نعاين منه ،ولنجعل �أحالمنا فعالة مفيدة ،ولنبني بوا�سطتها ج�سر ًا للم�ستقبل ونكون مفيدين منتجني ملجتمعاتنا ،وغني عن القول �إن �أي �أمة تخفي وتدمر �إجنازاتها وتلغي ذاكرتها وتهدم �إرث�ه��ا �أم��ة �أنانية ال تتمتع باحل�س الإن�ساين والب�صرية لترتك للأجيال التالية �ضوء ًا حقيقي ًا من املا�ضي لعله ير�شد وينري دروب احلا�ضر وامل�ستقبل ،وي�ساعد يف البناء ورخاء الإن�سان، لذا نحن �أمة حتب املا�ضي وتراثها وتب�شر به، ولكن بعني حادة على امل�ستقبل وقلب مطمئن حمب للحا�ضر
المحكي شعر ًا 76 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
املحكي�شعرا ً ملف ال�شعر ال�شعبي
تتغري مالحمها لتنا�سب البيئة واملجتمع
قراءة في مدارس الشعر النبطي في اإلمارات حممد نور الدين ال يتفاعل ال�شاعر مع ق�صيدته كطرف مبعزل عن �أطراف �أخرى ،وهي عادة املتلقي والناقد جمتمعني �أو منف�صلني .وتختلف طريقة تفاعل ال�شاعر مع هذه الأطراف الثالثة ،وعلى �أ�سا�سها تو�ضع لبنة الق�صيدة الأوىل .ويعد ال�شاعر الطرف الأهم يف ت�شكيل الق�صيدة؛ فهو امل�ؤثر يو�سع من دائرة الأول واملت�أ ّثر الأول ،بينما باقي الأطراف ال ت�ستطيع �أن ت�ؤثر بطريقة مبا�شرة يف الق�صيدة ،لذلك يجب على ال�شاعر �أن ّ وال�شعر فن كباقي الفنون ،ال ن�ستطيع �أن ن�ضع له قوانني وقواعد علمية ال تتغري مبرور الزمان، بل هي قواعد تتغري وتت�أقلم ح�سب الق�صيدة والظروف املحيطة بها -يتعامل بع�ض النقاد مع هذه القواعد كقواعد علمية ثابتة وين�ش�أ من ذلك مواجهة مبكرة مع �إبداع ال�شعراء. ت�أ�سي�س ًا على هذه الفكرة� ،سوف نعر�ض هنا يف باب املحكي �شعر ًا ،على حلقات متتابعة� ،شرح ًا للمدار�س ال�شعرية املختلفة التي ن�ش�أت بفعل هذه امل�ؤثرات وتلك الظروف يف جمتمع دولة الإم��ارات العربية املتحدة ،ن�ستهلها باملدر�سة التقليدية ،تليها املدر�سة ال�شعورية ،انتهاء باملدر�سة الواقعية. وق��د اعتمدنا يف ه��ذا الت�صنيف على حتليل قمنا ب��ه للن�صو�ص وال�ظ��واه��ر املختلفة منذ
بداية ال�شعر النبطي يف ا إلم ��ارات مع ق��راءة امل�شرتك بني تلك التجارب يف �إطارها التاريخي واملجتمعي ،دون ادعاء حلتمية التم�سك بذلك الت�صنيف �إال يف ح��دود ما ر�أيناه الزم � ًا لهذا اجلهد التنظريي.
املدر�سة التقليدية
املدر�سة التقليدية هي املدر�سة الأدبية الأوىل التي ي�ش ّكل فيها ال�شاعر رابط َا قوي ًا مع املتلقني، وهذا ال يعني �أن ال�شاعر ال يهتم بالق�صيدة �أو النقاد ،ولكنه ال يرتبط مع هذه الأطراف برابط يف قوة الرابط الأول ،لذا ف�إن فعل الكتابة لدى ال�شاعر التقليدي يكون بهدف �إر�ضاء اجلمهور �أكرث من �إر�ضاء الذات �أو �إبداع ن�ص فني. الق�صيدة التقليدية هي الق�صيدة التي تهتم لإر�سال ق�صائدكم ،م�شاركاتكم ومالحظاتكم:
الربيد الإلكرتوينturathmag1@gmail.com : الفاك�س009712 6582282 :
ب��ذوق املتلقي ،لذا ف��إن ذوق وفل�سفة ال�شاعر احلقيقية ال تظهر �أغلب الأحيان يف الق�صيدة، فال�شاعر �إم��ا �إن��ه يتق ّم�ص دور ال�شخ�صية املقبولة يف جمتمعه مبا يعر�ض يف الق�صيدة من قيم و�أخالق وعادات وتقاليد �أو �إن دوره ال يتعدّى دور ال�شاهد واملب ّلغ يف �سياق الق�صيدة. فظهور املدر�سة التقليدية كان ب�سبب املجتمعات الب�سيطة التي ن�ش�أ ال�شعراء بها ،فال�شاعر النبطي كان مبثابة قناة �إعالمية يف جمتمعه يقدّم نف�سه يف املجتمع املحيط به مبا�شرة وذلك يف اللقاءات االجتماعية كزيارة جمال�س كبار القوم �أو الأ�صدقاء �أو حتى يف دائرة عائلته ال�صغرية ويف املنا�سبات االجتماعية املختلفة كموا�سم الأف� ��راح و�أوق� ��ات العمل املختلفة. وهذا ما جعل ال�شاعر التقليدي مهتما بذائقة
المحكي شعر ًا 78 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
متلقيه كون ا�ستمرار هذه القناة الإعالمية � -أي ال�شاعر -مرهون بقبول الآخرين.
الناقد يف املدر�سة التقليدية
البدء مبا ي�شري �إىل �أن الق�صيدة قد ب��د�أت ،وك��ذل��ك ال���ش��اع��ر ي�ع�ق��وب احل��امت��ي� ,سريته ومن �أ�شهر هذه الإ�شارات عبارة «يقول»التي ال و�أ�شعاره ،ت�أليف �سلطان العميمي� ،ص :41 يزال ال�شعراء ي�ستخدمونها ال �إرادي ًا قبل �إلقاء يقول ْيعقوب احلامتي و ْلد يو�سف ق�صيدتهم ،ولكنها كانت ت�ستخدم �سابقا يف �أب���ي���ات ���ش��ع��ر ٍ م ال���ّ��ض��م�ير امتثالها بداية الق�صيدة ولي�س قبل �إلقاء الق�صيدة، و�أغلب الظن �أن �سبب ذلك هو �أن ال�شاعر كان ون���ش��أة ه��ذه ال�ظ��اه��رة رمب��ا ت�ك��ون ب�سبب علو يبد�أ ق�صيدته مبقدمة �أو حوار مع املتلقني قبل �ش�أن ال�شاعر يف جمتمعه و�إ�صرار مريديه على البدء بالق�صيدة ،ويريد �أن يف�صل بهذه الإ�شارة اال�ستماع �إليه �أو ًال ،وندرة وجود ال�شعراء �أو تدنيّ ب�ين الق�صيدة وم��ا �سبقها ،وق��د ا�ستخدمت م�ستواهم ال�شعري ثاني ًا ،ومن ال�صعب التحقق �أ�ساليب عديدة يف هذا ال�صدد منها حني يبد�أ من هذه الت�أويالت لندرة الأخبار ال��واردة �إلينا ال�شاعر بتقدمي ق�صيدته م��ن خ�لال تقدمي عن تفا�صيل جمتمع الإمارات يف الفرتة الزمنية نف�سه يف البيت الأول كما درج ال�شاعر املاجدي التي عا�ش فيها ال�شاعران ال�سابقان ،ولكن البيت بن ظاهر -تراثنا من ال�شعر ال�شعبي ،جمع التايل لل�شاعر يعقوب احلامتي ا�ستدالل منا�سب وحتقيق حمد بو�شهاب� ،ص :16 يو�ضح �أن ال�شاعر الكبري مل يكن ليلقي ق�صيدته ي����ق����ول امل������اي������دي �أب������ي������ات ���ش��ع��ر قبل �أن يلحظ اهتمام م�ستمعيه –املرجع ال�سابق:
و�أما الناقد فكانت ذائقته الفنية غري مكتملة يف تلك الفرتة وكانت حتاكي ذائقة املتلقي لذا ف�إنه من ال�صعب �أن نقول �أن هناك رابط ًا قوي ًا بني ال�شاعر والناقد يف من�ش�أ املدر�سة التقليدية، ويكفي القول �إن املتلقي كان ي�أخذ دور الناقد يف تقييم الق�صيدة ،وال�شاعر الأقل معرفة من املتلقني ال يرتقي �إىل م�ستوى �شاعر يف املجتمع، ف��ال���ش��اع��ر يف املجتمع ال�ت�ق�ل�ي��دي �شخ�صية حمرتمة يقدره جميع النا�س وله مكانة حمفوظة عند كبار قومه وال يحظى بهذه امل�ي��زات �إال بعد �إب��رازه موهبته احلقيقية وتقدميه الأدب الر�صني املالئم لطبيعة املجتمع املحافظ على ي�����������داد اجل������ي������ل ع�����������دالت امل�����ب�����اين الثوابت االجتماعية املتوارثة .وملا كان ال�شعراء التقليديون ينطلقون من نف�س الر�ؤية ،نالحظ �أن الق�صيدة التقليدية لها �سمات م�شابهة الشاعر النبطي و�سنحاول هنا �أن نعر�ض باخت�صار بع�ض مالمح التقليدي كان قناة هذه املدر�سة.
إعالمية في مجتمعه واستمراره كان مرهون ًا الإ�شارة �إىل البداية من الأ�ساليب التي انتهجها ال�شعراء الأقدمون بقبول اآلخرين لما ينتجه وتماشيه مع نموذج قيمهم
جاوبت من ي�صغي جليل ْمعنايه وال حلد م النا�س �أنبي وال ا�صطاخ
ورمب��ا تكون البداية بذكر ال�شاعر افتخار ًا باملقدرة ال�شعرية ،كما �أ��ش��ار ع��دد كبري من الباحثني ،واختفت ه��ذه الظاهرة ومل يهتم ال�شعراء بعد ذل��ك بافتتاح ق�صائدهم بهذا الأ�سلوب كثري ًا ،رمبا لعدم تق ّبل اجلمهور هذا الأ�سلوب منهم ،ون�ستطيع �أن ن�ستثني بع�ض
ال�شعراء الكبار الذين �أتوا الحق ًا ومنهم مبارك العقيلي حني بد�أ ق�صيدته نا�صح ًا بهذا الأ�سلوب تراثنا من ال�شعر ال�شعبي ،جمع وحتقيق حمدبو�شهاب� ،ص :16
قال العقيلي يف تراكيب االب��داع �أم���ث���ال ت���ط���رب يف امل��ل�ا ك���� ّل واع���ي من �ضامر من �صلو نار جوى ماع وي����ا وي����ل ق���ل���بٍ ح���ل ف��ي��ه ال��ت��ي��اع��ي وكما �أ�شرنا �سابقا �سوا ًء كان ذلك لبيان علو �ش�أن ال�شاعر �أو افتخاره مبقدرته ال�شعرية ف�إن ال�شاعر ال يذكر ا�سمه يف بداية الق�صيدة �إال بعد معرفة عميقة مب�ستمعيه ،وال�شاعر مبارك العقيلي �شاعر كبري ويكفي م�ستواه العلمي الرفيع؛ فهو معلم ومطوع معروف ،كي يخاطب املجتمع بفل�سفته اخلا�صة كما يف الق�صيدة ال�سابقة ،وي�ضمن تق ّبل من ي�ستمع �إليه. ومن �أ�ساليب ال�شعراء يف املدر�سة التقليدية يف الإ��ش��ارة �إىل بدء ق�صائدهم جند ا�ستخدام �أ� �س �ل��وب ال �ن��داء يف مطلع الق�صائد وذك��ر �وج��ه من املخاطب �أي���ض� ًا ،وه�ن��ا اخل�ط��اب م� ّ ال�شاعر جويهر بن عبود �إىل �إن�سان �آخر وقد ��ص��رح با�سمه _وه��و �سيده ب��الأح��رى_ وع��ادة ما يكون ذك��ر املخاطب ل�شد انتباهه وهذا ما يريده ال�شاعر من مطلع ق�صيدته كي يبد�أ رحلة املو�ضوع مع امل�ستمعني كما بد�أه مع خماطبه � -أعذب الألفاظ من ذاكرة احلفاظ، جمع وحتقيق حماد اخلاطري� ،ص :202
القصيدة التقليدية تهتم بذوق المتلقي أكثر من ذوق وفلسفة الشاعر الحقيقية والشاعر التقليدي يتقمص دور الشخصية ّ المقبولة في مجتمعه ل��������و ب����ي����ح���������ص����ل يف �أي���������������ام ق����ف����ال ي������ا خ����ال����ق����ي ل������و جت���ع���ل���ه ����ص���وخ ري�������������ض������ه ي������ل���ي��ن ْي��������ه�������� ّل ال������ه���ل��ال ����ص���ادوك ���ص��ي��دة ط�ي�ر يف ْف��خ��وخ ي�������ا احل�������امت�������ي غ�����������زالن االط����ل����ال ���س��ي��ف ال���ه���وى ي���ا ن���ا����س م�����ش��روخ ح��������������������دّه ول�������ل�������ع���������������ش�������اق ق�������� ّت��������ال م����ن م���وج���ن���ات ٍ م��ث��ل م����ا اجل����وخ ح������ل������و امل�������ق������� ّف�������ى زي�����������ن االق�������ب�������ال نالحظ كيف ح��اول ال�شاعر خماطبة اجلمع بدل املفرد بالإ�ضافة �إىل �شكواه �إىل اخلالق يف �سبيل جلب انتباه املتلقي �إىل مو�ضوع الق�صيدة، وهكذا د�أب ال�شعراء على بدء ق�صائد كثرية بالنداء �سواء كان املخاطب �إن�سان ًا �أو عن�صر ًا من عنا�صر الطبيعة كما يف املثال التايل لل�شيخ خليفة بن �شخبوط �آل نهيان حني يخاطب هبوب الكو�س �-أع��ذب الألفاظ من ذاكرة احلفاظ، جمع وحتقيق حماد اخلاطري� ،ص :145
ي�������������ا ك�����������و������������س ي�������������ا دعّ�����������اب�����������ي ي���������ا ب���������ن ح������م������د ي���������ا � ْ������س������ن������ادي �������������ص������������ ّل������������ب ه����������������������������واك ون�����������������اح رخ���������������������ص����������ه ق���������������ل يل م��������ب��������اح
وال�ن��داء �أداة ل�شد انتباه املتلقني ،ف ��إذا كان امل��و��ض��وع ع��ام � ًا ف ��إن��ه ي�ستوجب �أن يخاطب جميع النا�س ،ولكن ال�شاعر يعقوب احلامتي يف املطلع التايل يريد جذب انتباه �أكرث عدد من املتلقني با�ستخدام هذا الأ�سلوب ،و�إن كان ي�ستطيع �إيراد املعنى مبخاطب مفرد -يعقوب احل��امت��ي �سريته و�أ� �ش �ع��اره ،ت��أل�ي��ف �سلطان العميمي� ،ص :142
ي������ا ن�����ا������س ه��������ذا ولمْ �����ش����م����روخ
�أو خماطبة املحبوب ب�أحد رم��وز الطبيعة كما يخاطب ال�شيخ خليفة بن �شخبوط �آل نهيان يف املثال التايل حمبوبه با�ستعارة
في المدرسة التقليدية يكون فعل الكتابة لدى الشاعر مرتبط ًا بهدف إرضاء الجمهور أكثر من إرضاء الذات أو إبداع نص فني
ت�صريحية وي�شري �إىل كرب �سن املحبوب – ال�سابق �ص :137
ي������������ا ع����������������ود ري����������ت����������ك ه������اي������ف وم���������ن���������ك � ْ�������س�������م�������ط�������ت الوراق ب����������ون����������ك م����������ظ���������� ّل ون��������اي��������ف وك���������������ل ق��������ل��������ب ل������������ك م�����������ش�����ت�����اق ت��������زه��������و ْب����������ف����������رع و������ص�����ن�����اي�����ف وم�������������ق�������������ي�������������ل ل���������ل���������ع���������� ّ���������ش���������اق دامي م�������������������زار ال ّ ��������ط��������اي��������ف وامل����������ن����������ت����������ه����������ى الأ�������������������ش������������������واق خ��������������ذ م����������ن����������ي ب��������احل����ل���اي��������ف وف�����������������������وق ال���������ع���������ه���������د م������ي������ث������اق م���������ا �أرم���������������������س ب���������ك خ��ل��اي�����ف ل����������������و ي���������������������س����������ت����������وي ل�����������ف�����������راق
المحكي شعر ًا 80 الـعــــدد 157 نوفمبر
البداية بالرتحيب
2012
وال تقت�صر الإ�شارة �إىل بدء املو�ضوع با�ستخدام �أ�سلوب النداء والدعاء فهناك �أي�ضا الرتحيب، وه��ي ع ��ادة دارج���ة ب�ين ال���ش�ع��راء وك�ث�ر هذا اخلطاب املبا�شر يف ق�صائد امل�شاكاة واملردة �أو حني يكون �صلة املخاطب وثيقة مبو�ضوع الق�صيدة كما يف الرد التايل لل�شيخ �صقر بن خالد القا�سمي على ق�صيدة حمد بن �سرحان –ال�سابق �ص :263 ال�شيخ بطي بن �سهيل
ال�شيخ �سلطان بن �صقر
ي���������ا ل����ي����ن حت���������ط ال���������ص����ق����اي����ف ع���������������ش�������ر ٍ ع��������ل��������ى الأط������������ب������������اق ي������������������وم ْرك����������������اب����������������ي زالي��������������ف واغ���������������وي���������������ت يف ال�������ت�������ح�������ق�������اق م�����������ا ع������ي������ن������ي يف اخل������ف������اي������ف وال ا����������ص���������اح���������ب اال���������ص��������ف��������اق
رب ي���ا م���ن ك��� ّل خ��ل��ق��ه ت�ساله ي���ا ّ
ونالحظ �أن ال�شاعر حني يعود يف الأبيات الثاين والثالث والرابع �إىل عهد ال�شباب ي�ستمر يف ا�ستعاراته الت�صريحية امل�أخوذة من الطبيعة لي�ضمن بذلك ا�ستمرار تفاعل املتلقي.
االبتهال �إىل اهلل
��ل�ا و���س��ه ً �أه ً �لا ع��� ّد م��ا ���س��اي��لٍ �سال �أو ع����� ّد م����ا ب�����رق ٍ ل���ظ���ى يف خم��اي��ل��ه
يا كا�شف الأك���راب يا مف ّرج ال�ضيج �أو الرتحيب بالق�صيدة القادمة �إليه و�شاعرها كما يف املثال التايل لل�شاعر حمني ال�شام�سي – وال��دع��اء يف املجتمع الإ�سالمي لفظ دارج ال�سابق �ص :116 يف احل��وار اليومي ويعد ا�ستذكار ًا لوجود ي���اين ال��ك��ت��اب وح���ي ذاك الكتابي ح����ي ال���ك���ت���اب وح�����ي م����ن ه����و ك��ت��اب��ه اخل ��ال ��ق ال� �ق ��ادر ع �ل��ى ك ��ل � �ش��ي يف �أك�ث�ر احل��االت ،و أ�م��ا ال��دع��اء يف ال�صالة وباقي فكيت ختمه وانتظرت اجلوابي الفرائ�ض الدينية فيعد حوار ًا مبا�شر ًا بني ن��ع��م اجل�����واب ون��ع��م م���ن ه���و ج��واب��ه امل�خ�ل��وق وخ��ال�ق��ه يطلب ال�ع�ف��و وال�سالمة م��� ّ ��س��ط��ر ٍ م���ن م���دم ٍ���ي ل��ل��ح��راب��ي والتوفيق ،و�أما الدعاء يف مطلع الق�صيدة �����ش����ي ٍ����خ �أب����و�����ش����اه��ي�ن ج�����ي�����دوم الب����ه ف�إنه ي�ضفي على الق�صيدة جو ًا من ال�سكينة وي���ش��د ان�ت�ب��اه املتلقي وه ��ذا بال�ضبط ما �شد ال�ضعن يرجوه ال�شاعر من مطلع ق�صيدته ويحقق ومن �أ�شهر الإ�شارات ببدء الق�صيدة هي البدء له الهدف الذي ين�شده دائما كما �أ�شرنا يف مبو�ضوع �شد ال�ضعن ،وهي �إ�شارة م�ؤثرة �أكرث الفقرات ال�سابقة حني كان ي�شري �إىل بدء م��ن �سابقتها ك��ون��ه ي�شري �إىل احل��رك��ة وه��ذه الق�صيدة ،وهنا مثال �آخر لل�شيخ �صقر بن الإث��ارة احلركية ت�ضيف �إىل الق�صيدة �أج��واء خالد القا�سمي�-ص :270 �أك�ثر جاذبية ،ل��ذا ف ��إن امل�ستمع ي�ستقر على اهلل يا م�شكاي يف ك ّل مطلوب اال�ستماع �إىل الق�صيدة كما ي�ستقر الراكب ي�����ا واح���������دٍ ك�����ل اخل��ل��اي�����ج ت�����س��ال��ه على الإبل للتنقل واملثال التايل ل�شاعرنا ال�شيخ يامنتهىالراجيومنفيهمرغوب خليفة بن �شخبوط �آل نهيان � -أعذب الألفاظ ّ يا ذا اجلالل اللي تعال جالله م��ن ذاك� ��رة احل��ف��اظ ،ج�م��ع وحت�ق�ي��ق حماد اخلاطري� ،ص :143
مل ي�ترك ال�شعراء يف امل��در��س��ة التقليدية الإ�� �ش ��ارة �إىل ب��دء ال�ق���ص�ي��دة وان�ت�ه�ج��وا �أ�ساليب �أخ��رى تر�سخت يف الأذه��ان حتى �صارت ت�شري �إىل بداية الق�صيدة كاالبتهال �إىل اهلل �سبحانه وتعاىل يف الأمثلة التالية التي ي�ستعني فيها ال�شاعر ب�أ�سلوب النداء ال���ذي ورد ��س��اب�ق��ا ك�م��ا يف امل �ث��ال ال�ت��ايل لل�شاعر حمني ال�شام�سي -تراثنا من ال�شعر ال�شعبي ،جمع وحتقيق حمد بو�شهاب� ،ص ذائقة الناقد الفنية :164
لم تكن مكتملة في رب ي��ا ع���امل خ��ف�� ّي��ات ال���س��رار ي��ا ّ جتعل لنا �سمك ال�����س��م��اوات م��درار المرحلة التقليدية وكانت تحاكي ذائقة ومثال �آخر لل�شيخ بطي بن �سهيل –ال�سابق المتلقي الذي كان �ص :234 يلعب دور الناقد في تلك المرحلة
ق�������������م ر ّد يل ي�������������ا ��������ش�������امي �������������ش������������ق������������را ط������������وي������������ل������������ة ب������������اع ������������ب ْت��������������������زامي يل ب������������امل������������خ ّ ت����������دع����������ي اجل������������دي������������ل �أق����������ط����������اع ل����������و م����������ا اح����������ات����������ي ال���������ل���������وامي و ادراي م ال��������� ّ��������ض��������ي��������اع
����������ش��������� ّع ال���������ب��������رق و��������س�������ن�������ا ب����ي ب���������ي��������ن عْ ��������������ت��������������ب��������������ات ال������������ب������������اب ��������ش�������ور ال������ع������ج������وز �أ������س�����ب�����اب�����ي ّ ال ج����������������ز َي����������������ت ب������������ال������������ث������������واب خ����������� ّل�����������ت زي�����������������ن احل�������ج�������اب�������ي ع�����������ن�����������ي ال�����������ت�����������ج�����������ى م�������ت�������ه�������اب
خليفة الكتبي
مبارك العقيلي
الشاعر في المجتمع التقليدي شخصية محترمة يقدره الناس ومكانته عند قومه مرهونة بإبرازه موهبته وتقديمه ما يالئم طبيعة المجتمع وموروثاته
ال اخ��������ل��������ي��������ه��������ن ق���������������س�������امي ه���������ج���������ن���������ي ع����������ل����������ى امل�������������ف�������������زاع ل��������ي�������ن ْت�������������ب������ي������ن ال�����������ع�����ل�����امي وي����������ق����������اب����������ل����������ن����������ي ال���������������� ّرف����������������اع وان���������������ص�������ى ن���������ا� ٍ���������س ح���������ش����امي م�������������ا خ��������������� ّرب���������������وا الأ�����������س����������ن����������اع يف ْم�����������������ش��������اه��������ده��������م ن������ع������امي ويف ب�����������ع�����������ده�����������م الوج���������������������اع ح����������ذري����������ن ْم�������������ن ال������� ّت�������ه�������امي البدايات حجاب للم�شاعر وم�����������������ت�����������������ورث��������ي��������ن اط�������������ب�������������اع ورمب��ا تكون ه��ذه البدايات التقليدية ،كما فاختيار الهجن الأ�صيلة والتوجه �إىل املخاطب دليل على علو قدر املخاطب وعزمية ال�شاعر وبيان حتمله امل�شقة �أو ا�ستعداده لبذل اجلهد والبدء بهذا الأ�سلوب عادة يكون جللب انتباه خماطب ال�شاعر �أو حمبوبه.
البدء بطلب �أدوات الكتابة
وك�ثر ا�ستخدام البدء بطلب �أدوات الكتابة كذلك من قبل �شعراء املدر�سة التقليدية وهو عادة ما يكون دليال على االهتمام وبيان م�شاعر و�أحا�سي�س ال�شاعر كما يف املثال التايل لل�شاعر يعقوب احل��امت��ي -يعقوب احل��امت��ي �سريته و�أ�شعاره ،ت�أليف �سلطان العميمي� ،ص :106
اب���ري يل را����س القلم وان��ه��ي بعد ي����ا ن���دي���ب���ي ه�����ات ب�����س��ج��ل م����ع م����داد �أه���ج���ي ك��ي��ف ه��ي��ج��ن��ي��ه وا���س��ت��م��د يف ب�����ح�����ور ٍ ج�����ان�����ي�����اتٍ ب����ال����� ّ����س����واد
�أ�سلفنا� ،إ��ش��ارات ل�شد انتباه املتلقي ،كون ال�ق���ص��ائ��د ك��ان��ت ت�ل�ق��ى م �ب��ا� �ش��رة وحت�ق��ق االن�ط�ب��اع الإي�ج��اب��ي ال��ذي ين�شده ال�شاعر قبل خو�ضه غمار املو�ضوع من ناحية ،ومن ناحية �أخ ��رى تعد ه��ذه ال�ب��داي��ات حجاب ًا يخفي خلفه ال�شاعر امل��و��ض��وع الرئي�سي ك��ون املجتمع املحافظ يلتزم ال�شاعر فيه ب��ال�ت���ص��ري��ح غ�ير امل�ب��ا��ش��ر ع��ن م���ش��اع��ره الداخلية وب��ال��ذات يف املوا�ضيع العاطفية مراعاة جلميع فئات املتلقني ال�س ّن ّية حيث ي��أخ��ذ ال�صغري ظاهر ال�ق��ول بينما ي�صل الكبار �إىل مق�صد ال�شاعر بعد عبورهم املعنى الظاهري ،ون�ستطيع �أن ن�أخذ مطلع ق�صيدة«ياعود ريتك هايف» املذكورة �آنفا كدليل على ذل��ك وه�ن��ا �أي���ض��ا م�ث��ال �آخ��ر لل�شاعر جويهر بن عبود � -أعذب الألفاظ م��ن ذاك��رة احل�ف��اظ ،جمع وحتقيق حماد اخلاطري� ،ص :143
ومل يق�صد ال�شاعر هنا نور ًا غري نور حمبوبه حني فتح الباب له ولكن ال�شاعر �أتى باملعنى يف قالب ا�ستعارة ت�صريحية «ملحبوبه» يف البيت الأول ومل ي�ستمر با�ستعارة ت�صريحية �أخرى «للعجوز» يف البيت الثاين كي يف�صح عن املعنى ومل يتوغل يف ترميز الق�صيدة �أكرث من ذلك.
�أ�سلوب الألفيات
وهناك �أ�ساليب �أخرى �أبدعها الأقدمون وباتت ت�شري �إىل �أن الق�صيدة قد بد�أت ومنها الق�صائد املبنية على �أ�سلوب الألفيات بذكر �أول حروف الهجاء ،و�إذا كان البدء بركوب الهجن �إ�شارة �إىل احلركة ف�إن الألفيات ت�شري �إىل االنتظام والتتايل كما يف املثال التايل لل�شاعر �أحمد بو�سنيدة � -أحمد بو�سنيده حياته و�أ�شعاره، ت�أليف �سلطان العميمي� ،ص :206
�أل����ف ٍ �أول�����ف يف ه���وا دار ِم ال��ي��اه يف ����ش ّ���ف غ���� ٍّر ب�ي�ن اال����ض�ل�اع م��ل��ي��اه يف �شف غر ٍّ بني الأ�ضالع ملياه م���اين ب��ت��ارك م��ن ب��غ��ى ال��ق��ل��ب ملياه البا ب��داين الهم والقلب م�سلوب ل��ف��راق غ�� ٍّر �ضامر اخل�صر م�سلوب ثرمنيلومالليمنالعقلم�سلوب الع�شق �صعب ويلحق القلب ماذاه
وهذا النظام املتّبع يف الألفيات ي�ضمن معرفة املتلقي بداية الق�صيدة وكذلك قرب نهايتها، �إال �أنه ال ي�ضمن تفاعل املتلقي طوال الق�صيدة بالرغم �أن �شاعرها �أراد بهذا الأ�سلوب �أن ي�ضمن ذلك .فحروف الهجاء التي تربوا على الع�شرين حرف ًا حتتاج �إىل �شاعر متمكن من �أدوات��ه يتناول حرف ًا بعد �آخر ب�صورة ال تبعث على امللل ل��ذا ف ��إن االل�ف�ي��ات ع��ادة م��ا تكون لإظهار املقدرة ال�شعرية.
المحكي شعر ًا 82 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
البدء بدوران عجلة ال�شعر
البدء بدوران عجلة ال�شعر كناية عن بداية رحلة الق�صيدة هو �أ�سلوب �أي�ضا من �أ�ساليب �إ�ضفاء احلركة على الق�صيدة لزيادة عن�صر الإثارة جللب انتباه املتلقي كما يف الهجائية التالية لل�شاعر �أحمد بو�سنيدة � -ص :206
دار دوالب ال�����ش��ع��ر م��ن عا�صفات ق���م���ت ادي�������ره وا����س���ت���دي���ره ب ْ���ح���رك���ات
ويف ه��ذه الق�صيدة مل يتوقف بو�سنيدة عن الهجاء حتى بعد انتهاء الق�صيدة كما ت�شري الأب �ي��ات الأخ�ي�رة حيث انتهى بال�صالة على الر�سول الكرمي ولكنه عاد �إىل مطلع الق�صيدة مرة �أخ��رى �إ�شارة �إىل نف�سه ال�شعري الطويل وا� �س �ت �ع��داده امل�ت��وا��ص��ل ب�ت��وا��ص��ل احل��رك��ة يف الق�صيدة وعدم توقف الق�صيدة يف «مت» بالرغم من انتهائها:
مت قويل والف �ص ّلي على الر�سول ����ي ٍ وال���ب���ت���ول و�آت�����ر� ّ�����ض�����ى ع�����ن ع����ل ّ واحل�����س��ي��ن�ين ٍ ع����دد ح����اد ٍ ي��ق��ول دار دوالب ال�����ش��ع��ر م����ن ع��ا���ص��ف��ات
الإ�شارة �إىل نهاية الق�صيدة
درج ر ّواد املدر�سة التقليدية على الإ�شارة �إىل انتهاء الق�صيدة بال�صالة على خامت الأنبياء حممد عليه �أف�ضل ال�صالة يف �أغلب الأحيان
فكما نالحظ ف�إن ال�شاعر قد �أنهى مو�ضوعه قبل البيت الأخ�ير ولكنه و�ضع البيت الأخ�ير كعالمة لنهاية الق�صيدة ،ويعود �سبب ذلك �إىل �أهمية الدين يف املجتمع �أكرث من �أهميته لدى ال�شاعر ،فال�شاعر يف املدر�سة التقليدية يختم ق�صيدته بهذا الأ�سلوب ل�سببني مهمني �إما �أن يكون ت�أكيد ًا على التزامه بالثوابت االجتماعية كي يقنع املتلقي �أن��ه مل يخرج من �سياق هذه الثوابت �أو �أن يكون مبثابة �إبراز ح�سن نيته يف املعاين الواردة يف �سياق الق�صيدة كي ال ت�ؤخذ مبعنى خارج عن الثوابت االجتماعية. ولهذه الأ�سباب �أي�ض ًا وردت نهايات �أخرى يطلب ال�شاعر فيها ال�سماح من خماطبه كظاهرة �شاعت يف ق�صائد كثرية وبالذات يف املدر�سة الرومان�سية التي �أت��ت بعد املدر�سة التقليدية ولكنها ال تعد نقطة ت�شري �إىل نهاية للمو�ضوع بل قد تكون نهاية املو�ضوع واملثال التايل لل�شاعر علي بن قنرب منوذج لذلك ،علي بن قنرب ،حياته و�شعره ،جمع و�إعداد �سلطان العميمي� ،ص :251
دأب الشعراء على بدء قصائدهم بالنداء سواء كان المخاطب إنسان ًا أو عنصر ًا من عناصر الطبيعة في ي�����ا زي�������ن �����س����ام����ح واك�����ت�����م ال�����س��د سبيل جلب انتباه وال�������ل�������ي �����س����ل����ف ه������������ذاك م�����ذخ�����ور المتلقي إلى موضوع القصيدة الإ�شارة �إىل املا�ضي وهي �إ�شارة �إىل �أن ال�شاعر قد قطع �شوط ًا كبريا من نقطة البداية �إىل نقطة النهاية والأمثلة على ذلك كثرية ومنها للماجدي بن ظاهر ،تراثنا من ال�شعر ال�شعبي ،جمع وحتقيق حمد خليفة بو�شهاب ،ج� ،1ص :22
وط�����اب ال���ن���وم م���ن ع��ق��ب ال��ه��م��وم وج�����اب�����وا ����ص���اح���ب���ي م ال���ب���ع���د داين ح�سني ال��� ّ��ص��ور جم��ل��ود اخل�صور ل����ك���� ّن����ه م�����ن ظ����ب����ي ����س���ي���ح ال���ي���م���اين ع���ي���ن ل���ك���ن���ه���ا ع���ي��ن رمي ������س�����وى ٍ وع�������ن�������قٍ م���ث���ل���م���ا ع�����ن�����ق ال������� ّدم�������اين �������������س ا�����س����م����ر ج�������اين ���س��ب��ي��ب ورا� ٍ ك���م���ا ال���غ���رب���ي���ب واج����ن����ا م���ن���ه ج���اين و���ص�� ّل��و ي���ا ح�����ض��ور ع��ل��ى ال��ر���س��ول ع����������دد م�������ا الح ب��������������� ّراق ال����ي����م����اين
كما بد�أنا الق�سم الأول بالق�صائد التي تبد�أ بـ «يقول» ف�إن ق�صائد تقليدية كثرية تبد�أ بذكر الأ�شجان ومدخلها «البارحة» �أي �أن نقطة ال�صفر �أو بداية املو�ضوع كانت قبل فرتة زمنية من �إن�شاد الق�صيدة كما يف الق�صيدة التالية لل�شيخ خليفة بن �شخبوط �آل نهيان، �أع��ذب الأل�ف��اظ من ذاك��رة احل�ف��اظ ،جمع وحتقيق حماد اخلاطري:
ال��������������ب��������������ارح��������������ه ي���������������ا زاي���������������د ب�������������������ات ال����������ق����������ل����������ب ْب������ح�������������ش������ي������د م�����������ن ب�����������ه ن��������ح��������ن ب�����ن�����ع�����اي�����د م���������������ص�������ب�������ح ع�������ل�������ي�������ن�������ا ال������ع������ي������د و اب�������������و خ���������������ص�������ور ٍ ق��ل��اي�����د ع������������ن������������ا اح������������������ت������������������از ْب��������ع��������ي��������د
�أو كما يقول جويهر بن عبود ،امل�صدر ال�سابق:
ال�������������ب�������������ارح�������������ه م�������������ش������غ������وب������ي و�آر� ّ �������������������������ض�������������������������ف ال�����������������و ّن�����������������ات ������ي اجل������ن������وب������ي ي�����������ا �������س������ه������ي������ل ّ ���������������س�������������� ّوي��������������ت يل ط������������������������ورات ول�ي����س ب��ال���ض��رورة �أن ي ��أت��ي ال���ش��اع��ر بذكر «البارحة» ولكن كون املدر�سة التقليدية ال تعيب إ�ي��راد املعاين املطروقة ف��إن ال�شعراء درج��وا على ا�ستخدام «البارحة» لبيان خروجهم عن احلالة العاطفية التي يتحدثون عنها قبل البدء بالق�صيدة ،وهنا مثال �آخر جلويهر بن عبود ي�ستخدم «غب�شة» بدال من «البارحة» ،امل�صدر ال�سابق:
غ������ب�������������ش������ه ت�����ل����اي����������ا ْرق�������������������ادي ْب��������������������ط��������������������ارق��������������������ي و ّن���������������ي���������������ت ع�����������ل�����������ى زم��������������������������������انٍ غ����������������ادي ب������������ان�������������������������س������������اه وال ق���������وي���������ت ويف ذا ال����������زم����������ان ال���������������رادي م����������ث����������ل �أ ّول م���������������ا ل�����ق�����ي�����ت وق��د جت ��اوز بع�ض ال���ش�ع��راء ذك��ر الأ��ش�ج��ان املا�ضية و�أن�شدوا ق�صائدهم يف حال ال�شجن �أي �أن نقطة ال�صفر بد�أت ببدء الق�صيدة كما يف ق�صيدة يعقوب احلامتي ،يعقوب احلامتي �سريته و�أ�شعاره ،ت�أليف �سلطان العميمي� ،ص :54
حال الكرى عني وملت م�ضاجعي وان��ه��ل دم��ع��ي م��ن ع��ي��اين �سواكبه مي و�صابني �إىل من دعاين له غر ٍ خ���ل ٍ دع�����اه ال���ب���ال وال���ق���ل���ب ه����اج به
وهناك �أ�ساليب كثرية �أخ��رى يف البدء بذكر الأ�شجان ومنها الأن�ين كما يف البيت التايل لل�شاعر يعقوب احلامتي ،ال�سابق �ص :65
و ّن�����ي�����ت ون�������ه م�����ن ف����������وا ٍد ع����وي ِ����ج �������ض م����ن ���س��ن�ين ٍ ع��ت��اي��ج ون�����ة م���ري ٍ كما الحظنا يف الأمثلة ال�سابقة ف��إن ال�شاعر يف�صل الق�صيدة عن الإ�شجان �أي �أن الق�صيدة مل ت� ��أت يف ذروة ت ��أث��ر ال�شاعر بهمومه بل
�أت��ت الق�صيدة ك��ردة فعل على ما جرى عليه بعد م�ضي ليلته ال�سابقة �أو بعد ه��دوء ونينه و�أ�شجانه .وهذا ال يعني بال�ضرورة �أن ال�شاعر ين�شد الق�صيدة بعد �أن تخمد �أ�شجانه ولكن ب�ه��ذا الأ� �س �ل��وب ي �ح��اول ال�شاعر �أن ي�ص ّرح بعواطفه وه��و خ��ارج م��ن ت ��أث��ره املبا�شر بها لأن ت�أثري الهموم والأ�شجان ت�ستوجب الرقة واخل�ضوع وهذا ما ال ي�ستطيع ال�شاعر �إبرازه �أمام العامة بغتة من دون مقدمات يف جمتمع حمافظ يتعامل مع �إبراز امل�شاعر غري ال�شرعية بح�سا�سية لذا يحاول ال�شعراء عدم الإف�صاح عن التفا�صيل الدقيقة لق�ص�صهم يف الق�صائد مراعاة للقيم املجتمع املحافظ �إ�ضافة على حفظ وقارهم وهيبتهم. وح� ��اول ال���ش�ع��راء وم�ن�ه��م ج��وي�ه��ر ب��ن عبود جتاوز هذه املرحلة مبواجهة املجتمع املحافظ
سواء كان ذلك لبيان ً علو شأن الشاعر أو افتخاره بمقدرته الشعرية فإن الشاعر التقليدي لم يكن يذكر اسمه في بداية القصيدة إال بعد معرفة عميقة بمستمعيه
وا إلع�ل�ان عن م�شاعره وحت ّمل ل��وم الآخرين وهذا من خ�صائ�ص املدر�سة الرومان�سية التي �سنتطرق �إليها الحقا كما يف الق�صيدة التالية، �أع ��ذب الأل �ف��اظ م��ن ذاك ��رة احل �ف��اظ ،جمع وحتقيق حماد اخلاطري:
ل������������������و مل����������ت����������ن����������ي ي������������������ا المي ل����������������������وم ٍ ب��������ل�������ا م�������������������ص���������روف ق���������������اع���������������د وم������������������������������ ٍّر ق������������امي �������������ب ْي���������ط���������وف وارج�������������������������و امل�������������ح ّ
وهنا �أي�ضا ال�شاعر م�ب��ارك العقيلي يواجه مالمة النا�س بنف�س الأ�سلوب �أي بذكر م�شقته يف احل��ب ،تراثنا م��ن ال�شعر ال�شعبي ،جمع وحتقيق حمد بو�شهاب� ،ص :329
ع����ل����ى م���������اذا ت����ل����وم����وين دوام�������ي و�أن����������ا عْ �����ي�����وين م����دام����ع����ه����ا دوام�������ي ع���رف���ت احل����ب ط���ف���لٍ واخ��ت�برت��ه ف���خ���ذ ل����ه و�����ص����ف م���ن���ي ب��ال��ت��م��ام��ي ت������راين ب��خ��ت�����ص��ر م���ع���ن���اه ف��اف��ه��م ل�����رم�����زي ف����ي����ه ع�����ن �أه��������ل امل��ل�ام����ي وكذلك هي احلال مع ال�شاعر �أحمد بو�سنيدة، �أح �م��د بو�سنيده ح�ي��ات��ه و�أ��ش�ع��اره��،س�ل�ط��ان العميمي� ،ص :140
على َم ان���ا اه��ل��ي ل�� ّوم��وين مالما يف ���ص��اح��بٍ يل يف خ���دي���ده ع�لام��ا
المحكي شعر ًا 84 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
الدعاء في مطلع القصيدة يضفي واللوم متعب يا هلي كان تدرون عليها جو ًا من واح�������س���ن ت���ك��� ّف���ون احل���ك���ي وامل�ل�ام���ا السكينة ويشد انتباه ع�لام ي��ا هلي يف حب ّيبي ْتعذلون المتلقي وهذا ما ح���ل���و امل���ح���ي���ا ����ص���ايف اخل�����د وال���ل���ون يرجوه الشاعر من مب���ا �أن����ا ف��ي��ه ت���درون ل��و ي��ا ه��ل��ي ّ م�������ن ك���������ان زدت�������������وا ع����ل���� ّي����ه م�ل�ام���ا مطلع قصيدته ف�ه�ي�ب��ة ال��رج��ل يف امل �ج �ت �م �ع��ات امل�ح��اف�ظ��ة م�س�ؤولية �شخ�صية لأج��ل احلفاظ على قيم وث��واب��ت املجتمع امل �ت��وارث��ة ،ل��ذا ف ��إن �إي��راد املعاين املحظورة ومنها �إيراد تفا�صيل عالقة ال��رج��ل ب��امل��ر�أة �أم��ر غ�ير مقبول ل��دى عامة النا�س وهذه العالقة عالقة مقد�سة ال تخرج م��ن نطاق امل�ن��زل ،وحتى ل��و مل تكن عالقة �شرعية ف�إنها ال تخرج �إىل نطاق املجتمع وال تتعدى احلب العفيف ال��ذي يحاول ال�شاعر نف�سه حفظ حمبوبه .ولكن لأن الق�صيدة متنف�س ال�شاعر ي�شكو �إليها خبايا نف�سه ف�إنه يلج�أ �إليها وي�شكو �إليها ومن ال�صعب جدا �أن ت�ضع حاجزا بني ال�شاعر وق�صيدته ،وحني تقف القيم والثوابت االجتماعية بني ال�شاعر وق�صيدته ف ��إن ال�شاعر �إم��ا �أن يعلن ثورته على القيم وال�ث��واب��ت �أو يبحث ع��ن طريقة لتطويع ق�صيدته .ويف جمتمعات كمجتمع الإم� ��ارات ال��ذي ي�ستلهم ثوابته م��ن الدين الإ�سالمي ومعتقداته املتينة ف�إن احلل الثاين هو احلل ال�شعراء الأمثل ،لذا ف�إننا ال جند ثورة ملدر�سة جديدة �ضد مدر�سة قدمية بل تتناغم امل��دار���س وتتغري ب�صورة تدريجية كما �سن�شاهد يف �سياق ه��ذا املبحث ،فمن جويهر �إىل ابو�سنيدة ومن ثم العقيلي مراحل متتابعة و�سنني طويلة ب��رزت فيها مالمح املدر�سة ال�شعورية الرومان�سية. وبالعودة �إىل مو�ضوع البدء بذكر الأ�شجان جن��د ال�شاعر ي��وج��ه خطابه �إىل نف�سه يف �أحيان كثرية بدال من �أن يوجه اخلطاب �إىل �إن�سان �آخر كي يربر للمجتمع عن ما يعانيه من هموم كما يف املثال التايل جلويهر بن عبود ،أ�ع��ذب الألفاظ من ذاك��رة احلفاظ، جمع وحتقيق حماد اخلاطري:
ي������������ا ن�������ف���������������س ي������������ا ���������ص�������� ّب��������اره داري مل�����������ع�����������ا������������ش�����������ره خ����������� ّل�����������ك ع���������ل���������ى م���������������س�������ي�������اره �������������������������������������ن ي���������������ذك���������������ره ل����������������������ك زي ٍ واحل������������ا�������������س������������د ب��������ان��������ت��������ك��������اره ع��������������������� ّن���������������������ك م�������������������������ا غ������������ّي������������رّ ه والج��������ل��������ك ح����ف����ظ����ت ا���������س��������راره وام���������������������������������ش����������������ي ب�������������امل�������������ع�������������ذره وي��������������������وم ْت����������ب����������اع����������د م����������������زاره ْت������������������������������و ّزم������������������������������ت ْخ���������������ط���������������ره �������ش������م������ي������ت حت������������ت � ْ��������س��������ط��������اره ري��������������ح ٍ م َ �أح�����������ل�����������ى عْ �������ط�������ره يل ت�����������������ش��������رب��������ه احل����������������������راره ال���������������������������ش�������������ام�������������ي ّ ْخ�������������م�������������ره ال ي���������ع���������ل���������م���������ون ْك�������������ب�������������اره �أخ���������������������������ف���������������������������ي مل��������������������������������������������زاوره نالحظ تطويع الفكرة لإيراد معاين ال ترد عادة يف الق�صائد التقليدية وهي�أ ال�شاعر لإيرادها مطلع الق�صيدة مبخاطبة نف�سه ب��دال من �أن ي�شرك �شخ�صا لتدار الق�صيدة بني ال�شاعر ونف�سه ،وع��ادة ما يدخل �شخ�ص احل�سود بني ال�شاعر ونف�سه يف ق�صائد عديدة كما الحظنا
شد الظعن إشارة مؤثرة لبدء القصيدة كونها تشير إلى الحركة وتجعل المستمع يستقر على االستماع إلى القصيدة كما يستقر الراكب على اإلبل
يف الق�صيدة ال�سابقة وهنا مثال �آخر لل�شاعر جويهر بن عبود �أي�ضا ويالحظ يف الق�صيدة دخول �شخ�ص والإ�شارة �إىل احلا�سد ،امل�صدر ال�سابق:
ي��������ا � ْ�����س�����ع�����ي�����د خ ّ �����������ف ال������� ّ������س������دي وال ت�����������������خ����������������� ّرب امل����������ي����������ع����������اد يل ع��������������دت ت���������ه���������وى ح�����������دّي وهْ ��������������������������������������وه غ�������������������������ايل ه����������ب����������اد ان�����������������ص��������ه ب��������غ����ي���ر مجْ����������������دّي ي������������������������وم ْت������������ه������������ج������������ع ل��������ع��������ب��������اد ي�������������وم ال����������� ّدج�����������ى م���������������س�������ودّي وال�����������������������������ش��������������وف م���������������ا ي�������ن�������ح�������اد وان ري�������������ت ع��������ن��������ده ح����������دّي خ����������������ل ْم�������������������������س������ي�����رك ق���������������ص�������اد م��������ي��������ح ع��������ن��������ه وان�������������������ض���������دّي وال مت�������������������ش���������ي ب��������اع��������ت��������ن��������اد و يل م��������ن زق��������������رك ْت��������������ردّي رج�������������������������ع وق�������������������������ل ل�������������������ه ك�������������اد وم���������������ض�������دّي ع���������ن ح������ا�������س������د ٍ ْ ن������������ا�������������س ٍ ع��������ل��������ي��������ك اوغ�������������������اد ي�����������اخ�����������ذ م���������ن���������ك وي���������������������ودّي امل�����������������و������������������ش�����������������ي احل���������������������������س�������������اد ل����������ك ب������ال������ل�������������س������ان ْم�����������������ودّي وال������������ق������������ل������������ب ف����������ي����������ه اح����������ق����������اد
و�أما العاذل يف هذا ال�سياق فهو �صنو احلا�سد لنالحظ هذه الأبيات لل�شاعر �أحمد بو�سنيدة وجن��د الوا�شي وال�ساعي يف املعنى نف�سه، �أح �م��د بو�سنيده حياته و�أ�شعاره�،سلطان العميمي� ،ص :140
���س���اع�ي�ن م��وا���ش�ين ب��ي��ن��ي وب���ي���ن���ه � ٍ ه��م ف�� ّرق��وا بيني وب�ي�ن اري�����ش العني ن��ق��ال��ة ال��ب��ه��ت��ان وال������زور وال�����ش�ين يل م��ن وداده ط��اح قلبي ه��وى التيه و�شخ�صية احل��ا��س��د �أو ال �ع��اذل ال� ��واردة يف الق�صائد التقليدية �أ��ص�ب�ح��ت ع ��ادة يلج�أ �إليها ال�شعراء لبيان اعرتا�ضهم على عدم ا�ستطاعتهم �إظهار قيمهم الداخلية النبيلة
إذا كان البدء بركوب الهجن إشارة إلى الحركة فإن البدء باأللفيات أو حروف الهجاء يشير إلى االنتظام والتتالي
�أمام قيم املجتمع اخلارجية النبيلة �أي�ض ًا ،وهذا الت�ضارب احلا�صل دف��ع ال�شاعر �إىل �إدخ��ال احلا�سد يف الق�صيدة .و�شخ�صية احلا�سد �أو ال�ع��اذل لي�ست بال�ضرورة �أن تكون كذلك كما الحظنا يف املثال الأخري بل هي �شخ�صية تقليدية يعرب ال�شاعر بها عن الأ�شخا�ص الذين ال ي�شعرون به من عامة النا�س �أو عن �أ�شخا�ص راف�ضني العالقة الوجدانية االفرتا�ضية بني ب�������ي������ن ال��������������ب��������������زم وج��������ن��������ان��������ه ال�شاعر وحمبوبه.
�أما اجلزء الثاين من هذا الق�سم فننتقل فيه �إىل اخلطاب الداخلي وهو �أي�ضا لي�س ح��وار ًا مونولوجي ًا ب��ل ه��و �أ��س�ل��وب متبع يف املدر�سة التقليدية يخاطب فيه خماطب ًا تقليدي ًا كالنف�س للن�صيحة وال�شكاوي العاطفية يف املثال التايل ذاكرة احلفاظ ،جمع وحتقيق حماد اخلاطري ،لل�شيخ �سعيد بن طحنون بن �شخبوط �آل نهيان، �أعذب الألفاظ من ذاكرة احلفاظ� ،ص :139 �ص :182
ي�������������ا ن�������ف���������������س م�������������ا �����س����ل����ي����ت����ي ح������ي�����رت������������ن������������ي ي�������������������ا ك���������و����������س ك��������������ل م��������������ا ب��������غ��������ي��������ت �أ�������������س������ل�����اه ع�����������ى ال�����������������ص��������اح��������ب ع����ت����ي����ت����ي اخلطاب حمام خماطبا �ود � ب � ع �ن � ب جويهر �ر � ع �ا � ش � � � ل وا جنزئ هذا الق�سم �إىل جزءين ،جزء نتحدث و������������������ش ل�������������ك ب���������ه���������ا امل�������ع���������������ص�������اه
فيه عن اخلطاب الداخلي وقبل ذلك �سنتطرق الراعبي� ،أعذب الألفاظ من ذاكرة احلفاظ، �إىل اخلطاب اخلارجي ،فعادة ال جند ح��وار ًا جمع وحتقيق حماد اخلاطري� ،ص :124 ب�ين ال�شاعر والعن�صر اخل��ارج��ي ب��ل يكتفي ي�����������ا ال����������راع����������ب����������ي م������رف������وق������ي ع��������ي��������ن��������ك ح�����������������ش��������م ع����������رب����������ان ال�شاعر ب�أخذ دور املخاطب وال ي�ضيف رد ًا من املخاطب يف الق�صيدة ،وقد درج ر ّواد ال�شعر التقليدي على خماطبة �أ�شخا�ص كاملندوب وكما �أ�سلفنا ف�إن ال�شاعر ال ينقل اخلطاب �إىل والندمي وحادي الإبل وعنا�صر الطبيعة كالن�سيم م�ستوى احلوار �أي �أنه ال يدرج �إجابات َ املخاطب والطائر املثري لل�شجون �أو عنا�صر �أخ��رى من يف الق�صيدة �إال نادر ًا كما يف الق�صيدة التالية �صنع الإن�سان كالبيت والق�صر وح�ضور هذا لل�شيخ خليفة بن �شخبوط حني يخاطب الن�سيم �اط��ب التقليدي كثري ج��د ًا يف الق�صائد يف الأبيات الثالثة الأويل ويكمل باقي الأبيات امل�خ� َ التقليدية فقلما جتد �شاعر ًا من �شعراء القرن على ل�سان الن�سيم وهذه من اال�ستثناءات التي الـ 19يف الإمارات مل يتبع هذا الأ�سلوب يف عدد قلما جت��ده��ا عند رواد امل��در��س��ة التقليدية، كبري من ق�صائده وهنا بع�ض الأمثلة التي تدل ال�سابق �ص :185 على ذلك ونبد�أ باملثال التايل لل�شاعر حمني ي�����������ا ع�������� ّري�����������������ض ال����ن���������س����ي����م����ي ال�شام�سي وهو يخاطب ندميه� ،أعذب الألفاظ يل م������������ن م����������ع����������ايل ال������� ّ������ض������ي������ت م��ن ذاك� ��رة احل��ف��اظ ،ج�م��ع وحت�ق�ي��ق حماد خ�������������ّب�������������رّ ين ع�����������������ن ن��������دمي��������ي اخلاطري� ،ص :124 ك������������������������ان ْوط������������������ن������������������ه م������������ ّري������������ت
خ���� ّل����ن����ي ي������ا ن�����دمي�����ي ال ت�������س���ال ال ت�����واخ�����ذين مب�����ا ت����ب����دي ال���ل���ي���ال
وال�شاعر �أحمد بن عبداهلل بن �صالح خماطبا �أهل الهجن ،تراثنا من ال�شعر ال�شعبي ،جمع وحتقيق حمد بو�شهاب� ،ص :177
يا االهل الهجن �شدّوا خيار املكاليف ن��ف��ي امل���راف���ج م���ن ه��ج��اه��ي��ج الن��ي��اق وال�شاعر ال�شيخ �سعيد بن طحنون �آل نهيان خماطبا ن�سيم الكو�س� ،أع��ذب الأل �ف��اظ من
ه���������������������واه ع�����������ن�����������دي ْم���������دمي���������ي ي�������������������������وم اذك�������������������������������������ره و ّن�������������ي�������������ت ق���������������ال اب�����������������ش��������ر ب������ال������ل������زمي������ي ب�������������ال�������������ع�������������رف وال��������ت��������ث��������ب��������ي��������ت ن����������اق����������ل ل������������ك ال�����ت�����������س�����ل�����ي�����م�����ي ع��������������ن م��������������ن ع���������ن���������ه خ������� ّ������ص������ي������ت ق������اب�������������ض ������س�����ك�����ي�����ك اجل����ي����م����ي وي�����������������������ا ح������������������ي م������������������ن الق���������ي���������ت يف اجل�������ي�������م�������ي م���������س����ت����ق����ي����م����ي ويف امل�����������ع�����ت�����ر������������ض ل��������������ه ب�����ي�����ت
وعادة ما يكون هذا اخلطاب خمت�صر ًا ال يتعدى �أبيات ًا حمدودة و�سرعان ما يلتفت ال�شاعر ويغري من وجهة خطابه ،ولكننا نالحظ الإ�سهاب يف خماطبة النف�س يف ق�صائد ن��ادرة ومنها الق�صيدة ال�شيخ خليفة �شخبوط �آل نهيان يف الن�صيحة حني يبد�أ مبخاطبة نف�سه من البيت الثاين �إىل نهاية الق�صيدة ،ال�سابق �ص :139
م������ت�����رى ال������ع������ي������ل م���������ن ح���ي���ن���ه ك�����������������ل ْم������������ع������������ن������������ى َي�������خ�������ط�������ي�������ه ن�������ف���������������س�������ي ك������������������وين رزي���������ن���������ه درب اخل����������������ط����������������ا داري�������������������������ه واق���������������������ري ����������س��������� ّر ال����ب����ط����ي����ن����ه و مبّ����������������������������ا ب�����������غ�����������ى خ�������� ّف��������ي��������ه ال�������������������غ�������������������ايل ت���������������ش���ت���ري�������ن�������ه م����������������ا م����������������ن خ�������������������������س������������ارة ف�����ي�����ه ال�������������ع�������������وف ال ْت��������خ��������اوي��������ن��������ه ب���������������ادن���������������ى ثِ��������������� َم���������������ن ب�����ي�����ع�����ي�����ه خ������������� ّل�������������ي������������� ْه ال ت������ت������ل������ي������ن������ه و�������������س������������ط ال����������ب����������ح����������ر ت�������وح�������ي�������ه وي��������ل��������ا ب������خ�������������ص������ت������ي ع�����ي�����ن�����ه ب������������ي������������ب������ي�����ن ل���������������������ك خ���������اف���������ي���������ه ال�����������ل�����������ي ْم�����������������ض�������� ِّي��������ع دي������ن������ه ك�����������ي�����������ف ال�����������ع�����������ه�����������د ي��������وف��������ي��������ه
86 الـعــــدد 157 نوفمرب 2012
شحفانالقطو لدينا
ألفبائية
مريه القا�سم
ال� �ك� �ث�ي�ر م� ��ن امل� �ب ��دع�ي�ن .. مم��ن ن�ع�ت�ق��د �أن��ه��م ق � ّدم��وا ما يجعلهم ي�ستحقون م ّنا كل التقدير وااله�ت�م��ام واملتابعة ،م��ا ّد ّي��ا و معنو ّيا، لي�س على م�ستوى الأف��راد فح�سب ،بل وامل�ؤ�س�سات كذلك ،وهو ما ن�سعى دائم ًا �إىل ت�أكيده ب�شتى الو�سائل والطرق متى ما ت�س ّنى لنا الوقت لذلك� ،أو متى ما �ساعد الظرف على ��ض��رورة ق��ول ذلك �أو فعله. من بني ه�ؤالء الرواد ،يف دولة الإمارات حتديد ًا ،برز الفنان الإماراتي ال�شامل �سلطان ال�شاعر ،املعروف بـ « �شحفان ال �ق �ط��و» ،رح �م��ه اهلل ،رائ ��د م��ن رواد امل�سرح وال��درام��ا يف الإم� ��اراتُ ،ع��رف ب �� �ص��داق �ت��ه ل �ل��رائ��د ال ��راح ��ل ال �ف �ن��ان الكويتي �صقر الر�شود ،وع��رف بر�ؤيته الف ّنية الواقعية التي تعتمد منهج النقد االج �ت �م��اع��ي ح��راك � ًا يف ع��امل ال��درام��ا الإم��ارات �ي��ة ،ب��ل و��ص��ار ذل��ك ج��زء ًا من النهج ل�ل��درام��ا اخلليجية ال�ت��ي تعتمد الكوميديا م�سلكا فن ّي ًا. مل يعتمد �سلطان ال�شاعر على اجلانب ال�ت�راج� �ي ��دي يف م �ن��اق �� �ش��ة اجل ��وان ��ب االجتماعية وق�ضايا النا�س ،بل اعتمد ال�ك��وم�ي��دي��ا ،وه��و م��ا ج�ع�ل��ه ي���ص��ل �إىل م��رح �ل��ة ي �ك��اد ال ي �ق��در ع �ل��ى ت �ك��راره��ا �أح��د ،على الرغم من ظهور الكثري من امل�سل�سالت ذات ال�ن�ه��ج ذات ��ه�� ،س��واء على م�ستوى الإم��ارات �أو اخلليج ،فهو ك��ان ذا نكهة �أدائ �ي��ة خ��ا��ص��ة ،وه��و ما جعله متف ّردا حتى اللحظة ،والدليل هو عر�ض م�سل�سله اليتيم (�شحفان القطو)
على الرغم من بدائية الت�صوير ،وعلى الرغم من م��رور 30عام ًا على ظهوره كعر�ض �أول يف الإمارات. �سلطان ال�شاعر قبل وفاته م ّر مبرحلة مر�ض ّية جعلته ي�شعر �أنه م�ستبعد ،وزاد لديه احل�س بالعزلة والتهمي�ش ،وقد بدا انفعاله بالو�ضع الذي هو عليه من خالل و�سائل الإع�ل�ام املح ّل ّية� ،إال �أن دائ��رة ال���ص�ح��ة واخل ��دم ��ات ال�ط�ب�ي��ة يف دب��ي نقلته �إىل مرحلة جديدة من التفا�ؤل، خ�صو�ص ًا و�أن �ه��ا ت�ب� ّن��ت متابعة حالته ال�صح ّية التي مي ّر بها ،وحت ّول من حالة ّ «الي�أ�س» �إىل حالة «الر�ضا» التام عن ما مت تقدميه �إليه ،وهذا هو ما ك ّنا ن�أمله م��ن م�ؤ�س�ساتنا املح ّلية حينما تتعامل مع ر ّواد ه��ذا البلد املعطاء ،من خالل االهتمام برموزه التي �أحدثت حت ّوالت يف بنيته اجلوهرية يف املجاالت املختلفة، ومن بينهم – بطبيعة احلال – �سلطان ال�شاعر. ً نحن ك�ث�يرا م��ا ن�ق��ول :ال��رم��وز ال ينبغي �أن نهمل دوره��ا احلقيقي يف املجتمع، ب��ل ينبغي ال�ت��وا��ص��ل معها بطريقة �أو ب ��أخ��رى ،وه��و الأم ��ر ال��ذي يفرت�ض يف اجل�ه��ات الر�سمية العمل ،فهل تنتظر م�ؤ�س�ساتنا املختلفة �أن تكتب رموزنا عن ك�آباتهم وحزنهم وي�أ�سهم عرب و�سائل الإع�ل�ام لكي يعلموا �أن ث� ّم��ة رواد ًا يف �ساحتنا املح ّلية ؟ هذا الأمر لي�س ه ّينا ،فلدينا الكثري من ال��رواد ،ولكن ال يوجد من يبحث عنهم لري ّد لهم بع�ض ًا مما ق ّدموه للنا�س ،وما �أ�ضافوه �إىل جمتمعهم.
ألسنة عربية 88 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
تهديد �صارخ لـ «رم�سة» الآباء والأجداد
معجم بالكلمات األجنبية الدخيلة �رسور الكعبي كانت اللغة العربية وال تزال ال�شرنقة التي خرجت منها لهجاتنا املحلية يف الوطن العربي ،والتي و�إن بطابع خا�ص لكل بلد� ،إال ا�صطبغت ٍ �أن العرب يجمعهم �شرف حملهم للغة التي �شرفهم اهلل بها ،ف�أنزل بل�سانهم قر�آنه الكرمي .فاللغة العربية هي لغة ال�ضاد التي حفظها القر�آن الكرمي من ال�ضياع والتغيري، لي�صبح الل�سان القومي لأمة العرب وامل�سلمني.
و�إنطالقا من اخل�صو�صية التي متتاز بها كل لهجة عربية يف �أي قطرعربي ،و�أحيانا يوجد عدد من اللهجات يف البلد العربي ال��واح��د ،ك�ح��ال دول��ة الإم� ��ارات العربية امل�ت�ح��دة ال �ت��ي تنت�شر فيها ال�ع��دي��د من اللهجات والتي و�إن ا�شرتكت يف العديد من مفرداتها� ،إال �أنها تطبع �أ�صحابها بطابع خا�ص مييزهم عن غريهم. ويف العهد القدمي من تاريخ ه��ذه البقعة العربية ،يكاد القاطن فيها يعرف �إىل �أي��ة قبيلة ينتمي املتحدث ،ومن �أي فخذ منها ويف �أي منطقة �سكنية يعي�ش ،ملا للطابع ال�صوتي والإيقاع املو�سيقي اخلا�ص باللهجات املحلية م��ن مم�ي��زات ومتايز باتت متثل ب�صمة خا�صة لكل مكون ب�شري من الرتكيبة االجتماعية يف املنطقة .وتكاد هذه امليزة تزول متام ًا من جمتمع الإمارات ملا خالط هذه اللهجات من مفردات كثرية �أدت يف �أغلب الأح�ي��ان �إىل ت�شويه �أ�صل اللهجة ،خا�صة البدوية التي تكاد تكون حم��دودة متام ًا ويقت�صر انت�شارها على مناطق جغرافية �ضيقة. واللهجة الإماراتية بالإ�ضافة �إىل تعددها، ف�إنها ترتبط �إرت �ب��اط � ًا مبا�شر ًا بالبيئة املحيطة .فلهجات البدو تختلف عن لهجات احل�ضر .وكذلك احلال بالن�سبة للهجات البيئات البحرية على ال�ساحل ،ولهجات احل�ضر يف ال��واح��ات ال��زراع �ي��ة خا�صة يف م��دن العني وحتا واملناطق ال�شمالية املتاخمة ل�سلطنة عمان. وبالرغم من هذه الإختالفات ف�إن اللهجة املحلية يف الإمارات ب�شكل عام ت�شرتك يف معظم املحددات اخلا�صة للهجة ،كطريقة نطق احلروف ،واملخارج ال�صوتية والرتقيق والتب�سيط وحذف بع�ض احلروف كالهمزة يف احلديث ،و التخل�ص من هذه الهمزة يف الكلمات التي تقع يف �أولها كما هو احلال يف كلمتي «�أحمر� ،أخ�ضر» فتنطق «حمر، خ�ضر» .وعلى �أن ذلك ال ي�شكل قاعدة ثابتة يف اللهجة ،حيث ال يزال الإماراتيون يبقون على الهمزة االبتدائية فيقولون �أبو �أحمد و
من �أعمال الت�شكيلي الإماراتي -ح�سن ال�رشيف
خالط لهجات اإلمارات مفردات كثيرة أدت في أغلب األحيان إلى تشويه أصل اللهجة خاصة البدوية التي تكاد تكون محدودة تمام ًا ويقتصر انتشارها على مناطق جغرافية ضيقة
عميقة ،فعندما يريد �أن يذهب مع �أبنائه ال يقول «نهينا» �أي ذهبنا ولكنه يقول «بهو» �أي «هيا» ،وذل��ك من دون التطرق للهجة التي تتحدث بها قبائل حمددة كالعوامر واملنا�صري ،وم��ا ت�ستخدمه من مفردات ومو�سيقى ودالالت خا�صة .فاملنا�صري مث ًال يقلبون امليم يف اجلمع �إىل �ألف �أو يحذفونها متام ًا ،ويتبني ذلك من خالل هذه الأبيات لل�شاعر عي�سى ب��ن �سعيد ب��ن قطامي املطيوعي املن�صوري ،حيث يالحظ ذلك يف كلمات «ودهم» و«عيدهم» و«عزهم»:
رفع ال�صوت �أو خف�ضه .فالبدوي ال يقول «ناقتي» ولكنه يقول «ناقتيه» و«كندورتيه»، �إ�ضافة �إىل ا�ستخدامه م�ف��ردات جميلة الإيقاعات وذات دالالت �إيحائية ومعانٍ
ويف نف�س الق�صيدة :
تختلف لهجات البدو عن لهجات الحضر ولهجات الساحل والواحات الزراعية خاصة في مدن العين وحتا والمناطق الشمالية المتاخمة لسلطنة عمان
كذلك ف�إن الإماراتيني يف لهجتهم املحلية، كما هو احلال يف معظم الدول اخلليجية، يقلبون اجليم يا ًء كقولهم يار بد ًال من جار، و يابر بد ًال من جابر ،وي�سر بد ًال من ج�سر،
�أبو �سامل وهكذا. �أ�شــرق بذكر الغ�ض ــي �ش ــرق ــا ومت �ت��از ال�ل�ه�ج��ة الإم ��ارات� �ي ��ة مبو�سيقى ل ــي جمـ ــاله ب ــاهـ ــي بـ ــزي ـ ـنـ ــا جميلة و�إيقاعات ودرج��ات �صوتية تختلف �س ــارقـ ـنــي وده��ـ��ـ��ـ��وا �سـ ــرق ــا ب�إختالف اال�ستخدام واملنا�سبات و�ضرورة �سـ ــاهــرن وال ـن ــا�س مـم ــ�س ـيـ ـن ــا
كــل ن��ـ��ـ��ـ��ا� ٍ��س غ ــربــن و�شـ ــرقــا عـي ـ ــده ــوا ع ـنـ ــد الل ــه ايـ ــزي ـنـا ع ــزهــوا ل ـمـك ــون ال ـبــرق ــا �س ـ ـ ـ ــاه ـ ــرٍ مــا يغــ�ض ــي ابـعـيـنـا
ألسنة عربية 90 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
ارتبطت اللهجة بالبيئة واحلرف ال�سائدة فيها
وينطقون الكاف امل�شن�شنة ،فيقولون «جيف احلال» �أي « َكيف احلال ،و«جلب» �أي « َكلب»، ويقلبون القاف جيم ًا كقولهم �سارج وي�صفج يف كلمتي �سارق وي�صفق� ،إ�ضافة �إىل �أنهم يقلبون حرف القاف �إىل اجليم امل�صرية املعجمة. ّ ومم��ا دفعني للكتابة يف ه��ذا امل�ج��ال ،هو م��ا ط��ر�أ على اللهجة العامية الإم��ارات�ي��ة من تغيري وا�ستخدام الإماراتيني لألفاظ �أجنبية و�أحيان ًا عربية ولكنها لي�ست حملية وا�ستبدالهم للكلمات املحلية بهذه الكلمات الدخيلة على العامية الإماراتية ما �أفقد
اللهجة رون�ق�ه��ا وخ�صو�صيتها .و�أ�صبح الن�شء اجل��دي��د ال يتحدث بهذه اللهجة اخلا�صة بل بخليط عجيب من اللهجات العربية املختلطة ببع�ض املفردات الأجنبية �أو حتى باللغة الإجنليزية ال�صرفة ،لتفقد بذلك اللهجة الإماراتية رونقها اخلا�ص.
كلمات دخيلة
وال يقت�صر التغيري يف ا�ستخدام الكلمات الدخيلة يف اللهجة الإماراتية على الكلمات الأجنبية فقط ،بل �إن اللهجة الإماراتية ت��أث��رت ب�شكل كبري باللهجات وامل�ف��ردات
مو�سيقى و�إيقاعات متتاز اللهجة الإماراتية مبو�سيقى جميلة و�إيقاعات ودرجات �صوتية تختلف باختالف اال�ستخدام واملنا�سبات و�ضرورة رفع ال�صوت �أو خف�ضه .فالبدوي ال يقول «ناقتي» ولكنه يقول «ناقتيه» و«كندورتيه»� ،إ�ضافة �إىل ا�ستخدامه مفردات جميلة الإيقاعات وذات دالالت �إيحائية ومعانٍ عميقة ،فعندما يريد �أن يذهب مع �أبنائه ال يقول «نهينا» �أي ذهبنا ولكنه يقول «بهو» �أي «هيا»، وذل��ك من دون التطرق للهجة التي تتحدث بها قبائل حم��ددة كالعوامر واملنا�صري ،وما ت�ستخدمه من مفردات ومو�سيقى ودالالت خا�صة .فاملنا�صري مث ً ال يقلبون امليم يف اجلمع �إىل �ألف �أو يحذفونها متاماً.
العربية الدخيلة على اللهجة ،كالكلمات امل�صرية وال�شامية و اخلليجية التي ت�سمى هنا باللغة الغربية �أو لغة �أه��ل الغرب، ف�أ�صبح الإم��ارات��ي ي�ق��ول «ل�ي��ه» ب��د ًال من «لي�ش» ،و«بيه» بدال من «�أبويه» و«�أبغا» بد ًال من «�أبغي » و«طوفة» بد ًال من «يدار» ،ناهيك عن ا�ستخدام املفردات الأجنبية البحتة يف احلديث اليومي االعتيادي بني النا�س ،ما يفقد القوة ال�شخ�صية للهجة املحلية. ولي�س املق�صود مما نقول ون�شرح الدعوة لال�ستقاللية والع�صبية اللغوية ،ب��ل هو دعوة للحفاظ على اللهجة اخلا�صة بهذه الأر�ض التي ن�ش�أنا عليها ودرج عليها �آبا�ؤنا و�أجدادنا .فلماذا ال يتحدث الغري بلهجتنا؟ وهل يعود ذلك لأن لهجتنا �ضعيفة �أو غري حمببه ولي�س لها �إيقاعها ال�ع��ذب ال��ذي ي�شجع الغري على تقليدها �أو التحدث بها ؟ وملاذا نلهج بل�سان الغري رغم �أن هذا الغري هو �إبن العم ولي�س البعيد الغريب .وحتى �أبناء العم من �أخواننا اخلليجيني والعرب، لديهم يف دي��اره��م العديد م��ن اللهجات
املحلية التي يعرفون عن طريقها �أن�ساب وانتماءات املتحدثني بها ،وق ّلما جند من يغري لهجته املحلية لأي �سبب كان. وبالرغم من �أننا نطمح �إىل �أن يتحدث العرب لغة ال�ضاد ال�صرفة النق ّية� ،إال �أن االن���زالق ن�ح��و ا��س�ت�خ��دام امل �ف��ردات الأجنبية زاد من �ضعف اللغة العربية ب�شكل ع��ام وال�ل�ه�ج��ات امل�ح�ل�ي��ة ب�شكل خ��ا���ص حتى ب��ات��ت املجتمعات العربية تفتقد لهويتها اللغوية اخلا�صة. وال ري��ب يف �أن الن�شء اجلديد يف دولة الإم���ارات العربية املتحدة بحاجة لأن يلتفت �إىل هذه اللهجة املحلية التي ت�شكل �شخ�صيته الثقافية ،و�أن ال ي�ضيع «رم�سة» الآب��اء والأج���داد .و�إن مل��ن امل�ح��زن حق ًا �أن ي�صبح ال�شاب الإم��ارات��ي غريب ًا عن لهجته املحلية. ول �ع��ل م��ن امل �ح��زن �أي �� �ض � ًا م��ا ن ��راه من م�سل�سالت تلفزية حملية تو�صف ب�أنها �إم��ارات��ي��ة وت �ت �ن��اول ف �ت�رات م�ه�م��ة من تاريخ الإم��ارات وال ُيعنى فيها باللهجة ومب �ف��ردات �ه��ا ،ف �ج��اءت �أغ �ل��ب الأع �م��ال غريبة ع��ن جمتمعنا ولهجته الأ�صيلة بالرغم من قيام مدققني لغويني مبراجعة املادة .وهذا ميثل ت�شويه ًا حقيقي ًا للهجة يعتز �أهلها بها �أيمّ ا اعتزاز .وال يفوتني �أي�ضا التطرق �إىل قيام العديد من الأ�سر الإماراتية بتعليم �أبنائها اللغات الأجنبية وح ّثهم على جتنّب احلديث بلغتهم الأم وه��ي ال�ع��رب�ي��ة ،فين�ش�أوا ه�ك��ذا وه��م ال يفقهون العربية مطلق ًا فما بالك باللهجة املحلية .وكان من ثالثة الأثايف �أن يت�أثر الأط� �ف ��ال الإم ��ارات� �ي ��ون ب�ل�غ��ة امل��رب�ي��ات و�أ�سلوب حديثهن باللغة العربية الركيكة م��ا يجعل م��ن الع�سري ع�ل��ى ال�ط�ف��ل �أن يواجه ال�صعوبات الكبرية يف فهم و�إتقان اللغة العربية الأ�صيلة ناهيك عن اللهجة املحلية .وتكون الطامة الكربى عندما يتحدر الطفل من والدة لي�ست �إماراتية ّ اجلذور.
اجليل اجلديد ..هل يفقد لهجة �أجداده ؟
ألسنة عربية 92 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
تنتقل اللهجة من الآباء �إىل الأبناء عرب املمار�سة
معجم الكلمات الأجنبية الدخيلة
ولقد �آث��رت �أن �أق��وم ب ��إع��داد معجم ي�ضم الكلمات الأج�ن�ب�ي��ة ال�ت��ي دخ�ل��ت �إىل اللغة املحلية الإماراتية والتي �أ�صبحت جزء ًا منها عرب ال�سنني والأعوام ،حتى انطبعت بالطابع اخلا�ص للهجة الإماراتية التي �أ�صبحت يف حاجة �إىل �إعادة �إحياء عرب برامج ومراجع وجهود لتنقيتها من ال�شوائب وتنظيف املعجم املحلي م��ن اال��س�ت�خ��دام اخل��اط��ئ للكلمات الأج�ن�ب�ي��ة وال��دخ�ي�ل��ة ع�ل��ى اللهجة املحلية الإماراتية .و�أدرجت تلك الكلمات مرتبة على حروف املعجم ب��دء ًا بالألف وانتهاء بالياء. و�سنكتفي هنا ب�شرح �أمثلة عنها.
حرف الألف
حماية اللهجة جزء من مهمة التعليم
�أب��ل��ة :مدر�سة الف�صل ،وه��ي م��ن الكلمات احل��دي�ث��ة ن��وع��ا م��ا ،فلم تكن يف الإم���ارات مدار�س للفتيات �أو الفتيان �إال بعد منت�صف القرن املا�ضي ،وه��ذه الكملة تركية Abla
ولها نف�س املعنى.
�أورتيم «وارتيم» :وقت العمل الإ�ضايف وهي من اللغة الإجنليزية over timeوقد دخلت اللهج mاملحلية بعد انخراط النا�س بالعمل يف �شركات ال �ب�ترول التي ب��د�أت بالتنقيب عن النفط يف خم�سينيات القرن الع�شرين. �أورك�����وت «وارك�����وت» :املعطف وي�سمى �أي�ضا «ك��وت» ،وهي من اللغة الإجنليزية .coat �أرب�����اب :كلمة فار�سية و�أوردي � ��ة وتعني �صاحب العمل �أو امل�س�ؤول .وبالرغم من وج ��ود كلمة �أرب� ��اب يف العربية كالقول «�أرباب العمل» مبعني �أ�صحاب الأعمال� ،إال �أن اللفظة ومعناها م�أخوذان من الأوردية حيث دخلت يف اللهجة بنف�س املعنى ك�أن ي�س�أل �سائل :وين �أرباب �أو كيف �أرباب؟. �أن���ك���ر «�أجن������ر» :ه��ي م��ر��س��اة ال�سفينة وم�شتقة من كلمة anchorالإجنليزية. �إن�ك��ري��زي و�إن �ق��ري��زي :ه��و و�صف الرجل الأجنليزي ،جمعها �إجنريز �أو �أنكريز. �إنكيج «�إنقيج» :وتعني حمجوز.
حرف الباء بارجيل «ب��ارك��ي��ل» :وه��و ب��رج للتهوية
يبنى يف امل��دن ال�ساحلية ويبنى ع��ادة من الطني �أو مادة ال�صاروج ،وله �أربع جهات جموفة ويرتفع فوق املنزل ليعرت�ض جمرى الهواء الذي ي�سري يف جتويفاته الأربعة �إىل داخل املنزل لي�شبعه بالهواء البارد ،وميكن بناء الباركيل �أي���ض� ًا م��ن �سعف النخيل والأخ�شاب ،والكلمة دخيلة من الفار�سية «باد كري» �أو «باد قري». برتي :بطارية ال�سيارة ،وهي البطاريات امل�ستخدمة يف امل�صابيح اليدوية وكذلك �أج �ه��زة ال��رادي��و وغ�يره��ا م��ن الأج �ه��زة الكهربائية وال�ساعات. ب��ال��دي :ال�سطل ،وه��ي كلمة دخيلة من الأوردية
الآثار ميكن ترميمها ..فماذا عن اللغة ؟
بارهوز :حمطة توليد الطاقة الكهربائية وهي دخيلة من اللغة الإجنليزية « power .» house بخت :حظ وح�سن طالع ،ويقال باللهجة الإم��ارات �ي��ة :ي��ا بختك للرجل ،ويابختج للمر�أة ،وه��ي كلمة فار�سية مبعنى حظ. يقول ال�شاعر �سامل اجلمري:
المعجم ليس دعوة للعصبية اللغوية بل للحفاظ على اللهجة الخاصة بهذه األرض التي نشأنا عليها ودرج عليها آباؤنا وأجدادنا
�س ـع ــد اللـيــايل �صـارت �أت��ـ��راح واتـبـدلـت عـقب الطـرب نــوح من عـقـب مـانـا �صـرت مرتـاح بـايل وبــاب ال�صــد مـف ـت ــوح
ك��ـ��ـ��ن ال��ـ��ب��ـ��خ��ـ��ت ي��ـ��ـ��ـ�� ّذاب��ـ��ـ��ي وط��ـ��ـ��ـ��اح و�آزم���������ت ع��ـ��ق��ـ��ب ال���ـ���ق���ـ���رب م���ن���ـ���زوح ي��ـ��ام��ـ��ـ��ـ��ا ���س��ـ��ق��ـ��ان��ـ��ـ��ـ��ي خ��ـ��ـ��ل��ـ��ي ب��ـ��ـ��ـ��راح ك��ـ��ـ��ا���س احل���ـ���ي���ـ���اة و����ص���ـ���رت مم��ـ��ن��وح بر�ستي :كوخ م�صنوع من ال�سعف مغطى بالق�صدير �أو الزنك ،وهي لفظة ا�سبانية «بركيا» وتعنى ال�صومعة . ب�شت :هو ما يلب�سة ال�شيوخ وعلية النا�س يف الإمارات فوق الثوب والذي ي�سمى
ألسنة عربية 94 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
بالف�صحى م�شلح ،وهي كلمة من �أ�صل فار�سي بنف�س املعنى واللفظ. برغي :امل�سمار الد ّوار ،وهي كلمة تركية .burgu بروانه :مروحة ال�سفينة �أو القارب وهي دخيلة من الفار�سية والرتكية. برو�ش :وهي الفر�شاة �سواء امل�ستخدمة لتنظيف الأ�سنان �أو تنظيف املنزل ،وهي كلمة دخيلة من اللغة الأجنليزية. brush ب�س :تعنى كفى ،ك�أن تقول لأحد ما :ب�س خلك من ها الرم�سة. ب�شكار :العامل الذي يف املنزل كخادم، وهي من اللغة الفار�سية.
بتوجيه ومراقبة عن �إجن��از العمل ،وهي من حرف التاء ()1 اللغة الأوردية بنف�س املعني وللفظ . تاوة :املقالة ،وهي كلمة تركية ت��ي��م :ال��وق��ت �أو ال�ت��وق�ي��ت ،ويف الإم� ��ارات تنت :ال�سجائر ،وهي التبغ وهي من اللغة م�سابقات الإبل لك�سر الوقت ،ويقال بالفكاهة الرتكية بنف�س املعنى واللفظ يف و�صف الفتاه اجلميلة �أنها «ك�سر تيم » دليال ت��ري��ب :اجل��زء من النقلة ك ��أن نقول هذا عن جمالها البارع ،وهي من اللغة الإجنليزية تريب واح��د من نقلة الب�ضاعة ،وجمعها « »Timeويف ذل��ك يقول ال�شاعر بن مهيلة تريبات ،وهي من اللغة الإجنليزية «Trip ال�شام�سي : » ،وي�ستخدمها ال�سائقني بقولهم :كم تدفع يف الرتيب ال��واح��د؟ وال���س��ؤال :كم تريد �أب�ش ــر ب�شــوفة �صاحـبـك من قــبل رم�ضـان فلــو ك ــان مــبعــد والب ــحر دار من دونه بالرتيب ؟ تريك :ويلفظ تريج ،وهو امل�صباح الذي الزم ن ــزوره ويــن يطـري لـنــا �سـ ـ ـكــان والزم و�ص ــول ــه لــو بعي ــدٍ ي ــذك ــرونه يعمل بالكاز « القاز » ،وهي كلمة التينية فــي خ ــن �صــارو ٍخ جـديــدٍ ورد ف ـ ـنــان تعني امل�صباح . تي ـ ـمــه ربــع �س ــاعة والزم تـو�صـلونه تنديل :م�س�ؤول العمال ،وه��و ال��ذي يقوم
�ضياع اللهجة ما دفعني للكتابة يف هذا املجال ،هو ما طر�أ على اللهجة العامية الإماراتية من تغيري وا�ستخدام الإماراتيني لألفاظ �أجنبية و�أحياناً عربية ولكنها لي�ست حملية وا�ستبدالهم للكلمات املحلية بهذه الكلمات الدخيلة على العامية الإماراتية ما �أفقد اللهجة رونقها وخ�صو�صيتها .و�أ�صبح الن�شء اجلديد ال يتحدث بهذه اللهجة اخلا�صة بل بخليط عجيب من اللهجات العربية املختلطة ببع�ض امل��ف��ردات الأجنبية �أو حتى باللغة الإجنليزية ال�صرفة ،لتفقد بذلك اللهجة الإماراتية رونقها اخلا�ص.
ت��� َّي���ت�:أي �شد ال�برغ��ي �إىل �أق�صى حد، وه��ي �شدة و�إح�ك��ام الغلق ،وه��ي من اللغة الإجنليزية « » Tight
حرف اجليم جو�ش :الع�صري واي م�شروب معلب ،وهي من اللغة الإجنليزية « » Jose
جيب :الالندروفر� ،سيارة �صناعة بريطانيا وهي من �أوائل ال�سيارات التي و�صلت الإمارات واعتمد عليها ال�سكان لفرتات طويلة من تاريخ الدولة ،وال تزال هذه ال�سيارة لها مكانة خا�صة يف نفو�س الأماراتيني والكثري منهم يحتفظ مبوديالت قدمية منها على �سبيل التذكار، وقد تغنى الكثري من ال�شعراء بهذه ال�سيارة ،وفيها قال ال�شاعر عبيد بن مع�ضد النعيمي :
ي��ا �س ـعــيد( ) �إن ك���ان تــره ـيـله ث��ـ��ـ��ي��ـ��ـ��ـ��ب��ـ��ـ��ن��ـ��ـ��ي ي��ـ��ا ن��ـ��ـ�����س��ـ��ـ��ـ��ل ل��ـ��ـ��ي��ـ��ـ��وادي ب��اع��ط��ـ��ي��ـ��ك و����ص���وف و ادل��ـ��ي��ـ��ـ��ل��ه ك���ـ���ان ���ص��ـ��ـ��وب��ـ��ـ��ه رح���ـ���ـ���ت ق��ـ��ـ�����ص��ـ��ـ��ـ��ادي ف���ـ���وق يل ي��ـ��ـ��ق��ـ��ـ��ـ��ط��ـ��ع مــ�سـاهيله ذب ل��ـ��ـ��ي م��ـ��ـ��ـ��ن ي��ـ��ـ��ـ��اه م��ـ��ـ�����س��ـ��ـ��ـ��ن��ـ��ـ��ادي ج��ـ��ـ��ي��ـ��ـ��ب م��ـ��ا ت��ـ��ـ�����س��ـ��م��ع ت��ـ��ب��ـ��ادي��ـ��ل��ه ف��ـ��ـ��ـ��ي ال��ـ��ـ��ث��ـ�لاث��ـ��ـ��ة و�أالرب���ع���ـ���ه ع��ـ��ـ��ـ��ادي وف���ـ���ي ال��ـ��ث��ـ��ـ��ـ��ن��ـ��ي��ـ��ـ��ن��ـ��ة ال ت��ـ��وزي��ـ��ل��ه ( )يف ال��ن��ـ��ـ��ـ��زول وك��ـ��ـ��ل م��ـ�����ص��ـ��ع��ـ��ـ��ادي 2
3
ج�ي�ر :وت�ل�ف��ظ ق�ي�ر ،وه��ي ع�م��ود تغيري ال �� �س��رع��ة يف ال �� �س �ي��ارة وه ��ي م��ن اللغة الإجنليزية «»gear ج�� ّي��م �:أي توقف ع��ن ال���دوران وتعذرت �إدارت� � ��ه ،وه ��ي م��ن ال�ل�غ��ة الإجن �ل �ي��زي��ة « »Jammed
حرف الزاي زام :املناوبة يف العمل ،وهي الرتتيب يف
ال�صف �أو الطابور ،حيث يقال :اوقف يف زام��ك� ،أي قف يف ال�صف وفقا ل��دورك، وال��زام ع��ادة ما يكون للع�سكريني الذين يتولون مناوبات ليلية �أو لفرتة زمنية يف املخيمات الع�سكري ،فلما ي�س�أل �أين فالن ؟ يقال :عليه زام� ،أو ما�سك زام� ،أو مم�سوك زام� ،أم��ا عند ال���س��ؤال فيقال :زام منو احلني ؟ �أو من عليه الزام اليوم ؟ وهي من ()4 اللغة الفار�سية
اللهجات المحلية في اإلمارات تشترك في معظم المحددات الخاصة للهجة كطريقة نطق الحروف والمخارج الصوتية والترقيق والتبسيط وحذف بعض الحروف كالهمزة في الحديث زربول :جورب عادة ما يكون من ال�صوف لل�شتاء ،ويلب�سه الرجال والن�ساء، جمعها زرابيل ،ويعتقد �أنها كلمة رمانية و�صلت الإمارات عرب ال�شام زري :خيوط ذهبية يف العادة تزين بها �ألب�سة الن�ساء والفتيات ،حتاك على الثياب ب�أ�شكال خمتلفة وهي عاد ما تكون ملاعة، وهي من اللغة الفار�سية « زر » وتعني الذهب زطي :لفظ يطلق على البخيل من النا�س �أو قليل امل� ��روءة ،جمعها زط��وط وه��م كرث و�أ�شبه بالغجر املتنقلني وهم جيل ال يعرف ل�ه��م ن�سب ح�ي��ث �أن �ه��م خليط م��ن امل��وايل والعجم ،وقيل عنهم �أنهم من �أتباع العائلة ال�سا�سانية يف �إي��ران وي��وال��وه��م ،ويقال �أن ت�سميتهم جاءت ن�سبة �إىل جبل « زط » وهو جبل يف الهند ،والزطاط يف املغرب هو حار�س الليل ،ي��ؤخ��ذ عليهم �أن�ه��م ك�ث�يروا الن�سل ال يعريون للقوانني االجتماعية �أية �أهمية ،ولهم عاداتهم وقوانينهم اخلا�صة وال ينتمون الي بلد لذا ف�إنهم يف الإمارات غالبا جمهولوا الن�سب واجلن�سية والإن�ت�م��اء وال يحملون �أي �أوراق ثبوتيه ويعي�شون يف جممعات مغلقة ،االمر الذي ي�شكل عبئا �أمنيا على ال��دول التي يتواجدون فيها ويدعون �أنهم من املن�سيني يف املجتمعات زنكار :ال�صد�أ ،وهي من اللغة الفار�سية بنف�س اللفظ واملعنى وم��ا ه��ذه �إال �أمثلة قليلة عن ع��دد �ضخم من املفردات التي ن�سعى لتبويبها وفرزها ون���ش��ره��ا يف ك�ت� ّي��ب ب �ه��دف تنقية اللغة الإم��ارات��ي��ة الأ��ص�ي�ل��ة مم��ا ع�ل��ق ب�ه��ا من �شوائب ،فلترتاث الإم��ارات��ي الأ�صيل حق علينا ت�أديته
هوام�ش املعجم - 1يــا بنتنا يـا حلــوة املجــدول م��ـ��رف��وق ع���ن ت��ن��دي��ل وع���ن ك��ويل يا غري ياللي يركبون احلويل ول���ه���ـ���م م��ق��ـ��ـ��ر و����س���ـ���ط ب��ـ��ـ��ر امل����ويل - 2ال�شاعر �سعيد بن كلفوت بن �سرور بن مهيلة ال�شام�سي ،املعروف بابن مهيله ،وهو من كبار �شعراء االم��ارات املعروفني ،ولد عام 1939م وانتقل اىل رحمة اهلل 1998م يف مدينة العني . - 3ويف اجليب تغنى العديد من ال�شعراء ملا كان له من ت�أثري يف تقريب البعيد وال�سري �إىل احلبيب وقطع امل�سافات البعيدة ،ويف اجليب كتب �شاعر الإمارات الكبري �أحمد بن علي الكندي املرر فقال :
قم يا نديبي فوق ملموع لطراف جيبٍ م ــن الط ـ ــرز اجلــديد اخلياره طرز اجلـديد اللي على ال�سري هـزاف مكتم ــل التم ــرين مــا بــه غيـ ـ ــاره تواي ــره مــن «لطل�سيات» لـخـف ـ ــاف تــوطى الرم ــال الراخــية واحلجــاره ومفــ�صلٍ لــه ف ــوق ل�صياخ رفـراف وم ــورد الرفـ ــراف فـ ــوق الغمــاره عجل ايال اقفا مثل عـا�صوف ل�صياف ما تخـ ــ�ص منــه كـ ــود حـاثي غباره يك�سر على العطفــه كما طري خطـاف
ويــزرق كمــا زرق احلن�ش م اخلواره منوتـك لــي ب ـدّت مـ ــالزمي وا�شفـاف يقــرب ــك م الل ــي معب ـ ــداتٍ دي ــاره عليه قــر ٍم م املنـ ــاع ــري ل�شـ ـ ــراف فهي ــم م ــا ي ــزداد ع ــرف و�شطـاره ي�ســري و لــو باقـي مـن الليل لن�صاف و ي ــدل فــي لـيــله كـمـا فـي نه ــاره خــال علــى مين ــاه بـال�سي ــر ل�سـيــاف واخ�ش ــوم بـر البـاديــه عــن ي�ســاره - 4ق�صيدة فتاة العرب «تختال عيني»
كـم ليلـ ٍة هـا�ض الفـكـر مابـعـد نــام وعيني عـن العـاذل تعمـدت �صدتهـا كني علـى بـاب ال�شقـا ما�سـك الـزام عقبك �ضياع الظنـون وفـي متاهتهـا
إرهاصة 96 الـعــــدد 157 نو فمرب 2012
أوراق الماء لـ«منىمطر» منذ
�أي��ام أ�ع��دت ق��راءة جمموعة «�أوراق امل��اء» لل�شاعرة الإماراتية منى مطر ،وا�ستعدت بع�ض خواطر كنت قد دونتها حولها. حتاول منى مطر يف جمموعتها ترتيب بع�ض �أمورها اخلا�صة� ،أهمها عالقة ما �شائكة بالوطن ،وعالقة �أخرى مرتبكة بالرجل ،وهي من �أجل ذلك ت�ستح�ضر �أمن���وذج الت�صوف ال ��ذي ُت��ر ِّق��ع خرقته البالية يف الأ�سا�س ،عن عمد رمبا ،بعنا�صر موحية لها دالالت وليد عالء الدين خارجة عن �سياق الت�صوف ،بخيوط من ن�سيج �آخر له عالقة باجل�سد والأر�ض والرجل ،وهي �أمور بعيدة عن مائدة ال�صويف العامرة بالفوقي واملتعايل .هذا املزج و�إن �شابه قليل من االرتباك هو حماولة لتو�ضيح �أنها ارتدت عباءة الت�صوف -النقي�ض ملا تريده -فقط من �أجل التعبري عن م�شكالت لها عالقة باملادي ،ورمبا يكون ت�أكيدها اللفظي بتكرار كلمة اجل�سد يف �أكرث من مقطع املثال الأو�ضح على ذلك� ،إال �أن ع��دد ًا ال ب�أ�س به من مقاطع املجموعة ميكن بقليل من اخليال عرب -فهمنا لهذه الداللة � -أن يتحول �إىل حديث عن هذا اجل�سد الأنثوي املقموع يف حاالته كلها ،والذي يعاين من العط�ش ،فت�صبح «كهرباء اجل�سد البارد» ،وت���أوه الغمام عند اال��ص�ط��دام ،و�أن�ف��ا���س الأح�ب��ة، وال�شحنة الكهربائية ال�صغرية ،وال�سحابة التي تعرف كيف يقاد املاء �إىل مداه ،وغريها يف لوحة «برق» – �إحدى �أطول لوحات املجموعة -عنا�صر ت�أكيد لتلك ال�صورة. داخل هذا الإط��ار ت�سعى ال�شاعرة �إىل الت�أكيد على
�أن ذات الأنوثة كل ال ينف�صل وال يتجز�أ ،فال ميكن للمجتمع �أن يحظى بامر�أة �صاحلة دون �أن تكون �أنثى كاملة ،وال ميكن له �أن يتحدث عن �أم مثالية بينما يقمع يف امل��ر�أة عنا�صرها الطبيعية ،وال ميكن �أن يحظى ب�أخت حقيقية دون �أن ي�سمح لها ب��أن تكون ن��د ًا و�صديق ًا ،وهي تخت�صر م�صري العالقة املختلة بني الذات الأنثوية وجمتمعها يف عبارة موجزة تبني حجم الكذبة التي يعي�ش فيها املجتمع وهو يعتقد �أنه قد جنح يف كبت تلك الذات وتقليم �أظافرها « :ذلك اخلتم الذي مهرمت به القمقم /و�أنتم تلقونني يف اليم مكتوف ًا /كان خامتي..انظروا!» امل���ش�ك�ل��ة ال �ت��ي مي�ك��ن احل��دي��ث ع�ن�ه��ا يف م�ث��ل ه��ذه الرتكيبات الفكرية البالغية التي اجن��ذب��ت �إليها منى مطر يف جمموعتها� ،أن م�صدر جمالها هو مكمن خطورتها ،مبعنى �أن املقطع /الرتكيب ميوت ف��ور ًا «مبعنى ع��دم حتقق ال��دالل��ة» �إن مل ينجح يف �أن ي��أخ��ذك للوهلة الأوىل ويفر�ض عليك منطقه، لأن خ��روج��ك م��ن قب�ضته با�ستح�ضار منطق �آخ��ر يعني قراءة خارجية له ال تذهب بك �إىل حيث �أراد ال�شاعر� ،أي �أن ه��ذا النوع من الكتابة يحتاج �إىل احرتاف عال ودربة كبرية ت�شبه الفطرة جتعله قادر ًا على فر�ض منطقه معه للوهلة الأوىل ،لأن ا�ستقامته اجلمالية والداللية مرتبطتان بحيث تف�شل �إحداهما دون الأخرى ،فتتحول �إىل �أحجية يعاب عليها غياب احلجة واجلمال� ،أو �إىل عبارة جميلة ال دالل��ة لها، كما �أن ه��ذا ال�ن��وع م��ن التهوميات ال�شعرية يحيل
القارئ �إىل منابعه الأوىل عند املت�صوفة احلقيقيني ،وهو �أمر يف حد ذاته كفيل ب�أن ي�ضعها على حمك ال طاقة لها باحل�ضور �أمامه« :من �ضاق عن مدي فجزا�ؤه جزري»، «عندما تتكور الأر���ض على نف�سها كحلقة حرف امليم، يفي�ض املاء» ولنخرت عبارة من عبارات منى مطر ونحاورها قلي ًال: «�سقط خلخايل /فج�أة /رنت الأر�ض» العبارة مكونة من جملتني حموريتني تقطعهما وت�صلهما يف ال��وق��ت نف�سه كلمة تفيد ع��ن احل��ال ،وه��و الفج�أة، واملق�صود من ترتيب اجلملتني :جملة ال�سقوط� :سقط خلخايل ،وجملة الرنني :رنت الأر�ض� ،أن الأخرية نتيجة للأوىل ،و�أن الأوىل �سبب للأخرية. ه�ن��اك بع�ض الأ� �س �ب��اب ال�ت��ي مت�ن��ح ال �ع �ب��ارة �شعريتها امل�ف�تر��ض��ة ،منها ال�غ�م��و���ض امل�ح�ي��ط باملتكلم �صاحب اخللخال ،و�صاحب العبارة ،فياء املتكلم يف خلخايل هي الدال الوحيد الذي ي�شعرنا بوجوده ،كما �أن عدم �إقحام فاء ال�سببية �أو الرتتيب بني اجلملتني «�سقط خلخايل أف�سح املجالَ ملزيدٍ من عمل املخيلة وهو فرنت الأر�ض» � َ �أمر �شعري ،كما �أن املنطق اخلا�ص الرابط يف العالقة بني املكونني الرئي�سني للعبارة «اخللخال ،والأر�ض» لعب دور ًا كبري ًا يف �إك�ساب الأمر مزيد ًا من ال�شعرية ،لأنه فتح العبارة على الإيحاء ،تبقى كلمة «فج�أة» التي ميكن �أن تثري بع�ض اجل��دل ،هل يعد وجودها نوع ًا من الإقحام �أ�ضاع على القارئ فر�صة املفاج�أة نف�سها� ،أي �أنه مهد ب�شكل رت�ي��ب مل��ا ينبغي �أال يتم التمهيد ل��ه ،وك��ان من الأف�ضل �أن يرتك �سر الرنني لعالقة اخللخال بالأر�ض
ولي�س للمفاج�أة� ،أم �أن الكلمة لعبت دور ًا يف �إك�ساب العبارة بع�ض ال�شعرية. هذه الطريقة يف التفكري تعود بنا �إىل احلديث عن منطق املقاطع الذي �أ�شرت �إليه منذ قليل ،هنا رمبا �أ�صابت هذه املفردة «فج�أة» حالة التلقي باخللل ،لأنها �أحدثت وقف ًة طرح خاللها املتلقي منطقه اخلا�ص اخلارجي ،فاعتور َ املقطع �شعو ٌر بالعادية وك��أن ام��ر�أة �سقط خلخالها من قدمها ف�أحدث �صوت ًا على الأر�ض ،وك�أن املطربة ال�شعبية ميه» ،هل ي�صلح الآن �أن �أردد املقطع تغني «رنة خلخايل ّ هكذا�« :سقط خلخايل ..رنت الأر�ض»!! يف املقابل تعالوا ن�ستمع مع ًا �إىل ه��ذا « :كانوا يثقبون اجل��دار ،يثقبون قلبي ،وكنا نتابع الأزم�ي��ل ،هو يحفر، وقلبي يت�سع لثقوب الفراغ» هذا التعدد ال�ثري داخ��ل املقطع خلق حالة �أ�شبه بتيار مت�صل مل تفق منه �إال و�أنت متلب�س بجماله الذي فر�ضه عليك منطقه ،وهو ال يعني �أن املقطع �صار مقد�س ًا ،ف�أنت يحق لك �أن تعبث معه كيفما �شئت� ،إال �أنك لن ت�ستطيع �إال �أن ت�سرتجع حالوة االنطباع الأول الذي خلفه لديك. هذه الـ «كانوا» والـ «كنا» والـ «هو» و«الأنا» -املت�ضمنة يف «قلبي» – تنويعات جميلة ،ثمة وحدة حال بني ال�شاعرة و�آخرين ت�شري �إليهم يف غمو�ض لذيذ ،ثمة انتقال يدوخك �أثناء متابعة فعل الثقب يف اجل��دار ،الثقب يف القلب، ويده�شك و�أنت ترى القلب يت�سع لثقوب الفراغ .هنا يكتمل ال�شعري باكتمال املنطق ،ف�أ�سمي هذا املقطع باملنطقي، مبعنى �أنه جنح يف فر�ض منطقه اخلا�ص الداخلي ،ومل ي�سمح ملنطق خارجي �أن يفر�ض نف�سه عليه
في حضرة الشعر 98 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
و�صفها املتنبي بحبال احلياة وطيور ال�صحراء
اإلبل في الشعر العربي
سفائن البدو ومهور الحرائر
�صالح ال�شهاوي احتلت الإبل من نفو�س العرب مكانة مرموقة ال تكاد تعدلها �أو تدانيها منزلة �أي �شيء �آخر� ،إذا نحن ا�ستثنينا اخليل .ولي�س �أدل على ذلك من �أنها كانت ت�سمى باملال ،فكلمة املال �إذا �أطلقت يف كالم العرب �أريد بها الإبل «جمل -ناقة -بعري».
وكيف ال حتتل الإبل هذه املكانة ،وال تتبو�أ هذه املنزلة ،وحتى وقت قريب كانوا يقي�سون عز القبيلة وقوتها بعدد الإبل التي متتلكها ،فكلما كرث عددها �أ�صبح للقبيلة �ش�أن كبري .وكانت يف الوقت نف�سه ثمن ًا للأفراح والأتراح ،فمهر العرو�س من النياق ،وكلما زاد عدد النوق زاد قدر العرو�س ،وق�صة عبلة م�شهورة ومعروفة للجميع ،حني ا�شرتط والدها على عنرتة مئة من النوق املغاتري. كانت الإب��ل يف الأت��راح ثمن ًا لوقوف ال��دم. وت��دف��ع دي��ة للقتل اخل �ط ��أ غ�ير املق�صود، ح�سبما يقرره عقالء القوم� ،أو ح�سبما اتفق عليه اجلميع وقتها. والإب��ل رفيقة للإن�سان العربي منذ القدم، فهي �سفينته عربال�صحراء ،وقد طوى على ظهرها الفيايف وال�ق�ف��ار ،و�أدل ��ج الأ�صقاع والأم�صار ،وهي �شريان حياته الناب�ض يف موا�صالته وتنقالته ،فنجدها ط��وع �أم��ره، يوجهها ب�صوته كيف ي�شاء ،ويطربها بغنائه �إن غنى ،ويجذبها ب�صوت حدائه ،ت�ستجيب لندائه فرحة م�سرورة� ،إذا �صاح راعي الإبل جتمعت حوله من �أقا�صي مرعاها ،وك�أنه
ي�ن��ادي ج �ن��ود ًا طيعني ،وحت�ي��ط ب��ه �إح��اط��ة ال�سوار باملع�صم فتنتظر �أوامره وتوجيهاته. يقول الدمريي يف كتابه احليوان« :ما خلق اهلل �شيئ ًا م��ن ال ��دواب خ�ير ًا م��ن الإب��ل �إن أبعدت .و�إن ُحلبت ُحملت �أثقلت .و�إن �سارت � ْ �أروت ،و�إن ُنحرت �أ�شبعت .وملا �أراد اهلل �أن تكون الإبل �سفائن البرَ �صبرّ ها على احتمال العط�ش .وجعلها ترعى كل �شيء نابت يف الرباري واملغاور مما ال يرعاه �سائر البهائم. والإب���ل م��ن احل �ي��وان��ات العجيبة و�إن كان عجبها �سقط من �أعني النا�س لكرثة ر�ؤيتهم لها وذاك �أن��ه حيوان عظيم اجل�سم �سريع االنقياد ،ينه�ض باحلمل الثقيل وي�برك به ب�صوت واحد .وي�أخذ زمامه �صبي فيذهب به حيث �شاء .و ُيتخذ على ظهره بيت فيجعل فيه
ّ قل أن تجد شاعر ًا جاهلي ًا لم يتحدث عن عالقته بناقته وقد أعطانا القدماء من شعراء العرب أجمل الصور الشعرية التي تتحدث عن تلك العالقة
الإن�سان م�أكوله وم�شربه وملبو�سه وظروفه وو�سائده كما يف بيته .ويتخذ للبيت �سقف ًا وهو مي�شي بكل ذلك». ً وك���ان اجل �م��ل ل�ل�أع��راب��ي ق��دمي��ا .مو�ضع بج َلده و�صربه ي�ضرب الق�صيدة واحلكايةَ . املثل ،وك��ان ملهم ًا لل�شعراء يف القدرة على احلركة و�سط الظروف ال�صعبة ،وال�صرب على اجل��وع والعط�ش ،لقد كان �أي�ض ًا رفيق الدروب ال�صعبة ،وم�شوار احلياة القا�سية، وك��ان الأني�س واجللي�س ،وم�صدر ال��رزق، وو�سيلة املوا�صالت ،وعتاد احلرب. واجلمل يف املعنى اللغوي يعني الذكر من الإبل ،و�أنثاه «الناقة» �أما «البعري» فيقع على الذكر والأنثى ودليل ذلك قول ال�شاعر:
ال ن�شتهي ل�بن ال��ب��ع�ير وع��ن��دن��ا ع�����رق ال����زج����اج����ة واك�������ف امل��ع�����ص��ار
مكانة الإبل يف تراث العرب
تزخر الثقافة العربية بالكثري من الأدبيات امل��رت�ب�ط��ة ب��الإب��ل م��ن م ��ؤل �ف��ات وق�ص�ص و�أ�شعار ،ذلك �أن الإبل ارتبطت -كما ارتبطت اخليل -ب�إن�سان اجلزيرة العربية ارتباط ًا
في حضرة الشعر 100 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
ع�ضوي ًا حتتمه طبيعة البيئة التي يعي�ش بها هذا الإن�سان ،فكان للإبل كما للخيل مكانة خا�صة لديهم ،فالإبل ترتبط مبناحي حياتهم ارت �ب��اط � ًا وث�ي�ق� ًا فعليها ي��رك�ب��ون وي��رح�ل��ون وينقلون متاعهم ،ومن حليبها يتغذون وعلى حلومها يقتاتون ،ومن وبرها يلب�سون.
الإبل يف ال�شعر العربي
ك��ان��ت الإب���ل وم��ازال��ت ذات �أث ��ر ك�ب�ير يف الأدب العربي ،فقد تناول ال��رواة �أخبارها يف �أ�شعارهم و�أقوالهم و�أمثالهم ف�إذا كان ال�شعر العربي هو ديوان العرب ،ف�إن الإبل عمود مهم م��ن �أع�م��دة ه��ذا ال��دي��وان منذ ع�صر اجلاهلية حتى الإ��س�لام وم��ا بعده، ولعلنا عندما ننتقي من اهتمامات فحول �شعراء العربية ماتعلق بالإبل ف�إننا بذلك نكون قد �أرجعنا ال�سيف �إىل غمده ،والفرع �إىل �أ�صله ،ال �س ّيما و�أن الإب��ل كانت حمط عناية الطبقة الأوىل من ال�شعراء العرب. ويف ال��و��ص��ف ل�ع��ل �أج ��ود م��اق�ي��ل يف و�صف الإبل ،قول ال�شاعر العربي طرفة بن العبد يف معلقته امل�شهورة:
لم يحظ الجمل في الشعر الجاهلي بما حظيت به الناقة فقد ورد ذكره في قصائد معدودة أضفيت عليه فيها صفات الناقة وخصائصها وقال امر�ؤ القي�س:
ف��دع ذا و�سل الهم عنك بح�سر ِة ذم ٌ �������ول �إذا ����ص���ام ال���ن���ه���ار وه���ج���را ت���ق���ط���ع غ���ي���ط���ان���ا ك��������أن م��ت��ون��ه��ا �إذا �أظ���ه���رت ت��ك�����س��ي م��ل�اء م��ن�����ش��را ب��ع��ي��دة ب�ين املنكبني ك���أن��ه��ا ت��رى عند جم��رى ال�ضفر ه��راً ّ م�شجرا ً. وقال عبيد بن الأبر�ص:
وقال ح�سان بن ثابت:
ط��وى �أب��رق ال�� ُع��زاّ ِف يرع ُد مت َن ُه ح��ن�ين امل��ت��ايل ن ْ��ح�� َو ���ص��وتِ امل�����ش��ا ِي�� ِع
ومي�ضي ال�شاعر املر ّق�ش الأكرب بناقته تارك ًا خلفه الليل الطويل وموقد النار ،وينتهي به �إىل و�صف املكان يف هد�أة الليل:
�لا ط��وي ً ت��رك��تُ ب��ه��ا ل��ي ً �لا وم��ن��زال وم���وق��� ُد ن����ا ٍر ْ مل ت��� ُر ْم��� ُه ال��ق��واب��ي��� ُ��س وت�سم ُع ت��زق��ا ًء م��ن ال��ب��و ِم ح ْولنا النواقي�س كما ُ�ضربتْ بع َد ال��ه��دو ِء ُ
ناقة طرفة بن العبد
ُيذكر �أن ال�شاعر طرفة بن العبد من �أكرث ال�شعراء �صحب ًة للناقة حتى �أن م�شكلته مع �أهله �صغري ًا و�إ�سرافه يف اللهو �شاب ًا دفعه �إىل التغرب يف البلدان هائم ًا على وجهه متن ّق ًال بني �أحياء العرب �أو قا�صد ًا امللوك ،وال �أني�س له �إال ناقته ،وهو القائل:
ك�������أن ف���ي���ه ع���������ش����اراً ج���ل��� ٌة ���ش��رف��ا ���ش��ع��ث��اً ل��ه��ا م��ي��م ق��� ْد ه�� ّم��ت ب���أر���ش��ا ِح ك���������أن ح��������دوج امل����ال����ك����ي����ة غ�������دو ًة �ين ب��ال��ن��وا���ص��فِ م���ن د ِد خ�لاي��ا ���س��ف ٍ ب��ح��ا ح��ن��اج��ره��ا ه���د ًال م�شافرها يامن ت�����س��ي��م �أوالده��������ا يف ق���رق���ر ���ض��اح��ي عدولي ًة �أو من �سفني اب��ن ٍ و�إين لأم�ضي الهم عند احت�ضاره ي���ج���و ُز ب��ه��ا امل��ل��اح ط������� ْوراً وي��ه��ت��دي ي�����ش��ق ع��ب��اب امل����اء ح��ي��زوم��ه��ا بها ب���ع���وج���اء م����رق����الٍ ت�������رو ُح وت��غ��ت��دي للناقة مكانة عالية في ال���ت���رب امل���ف���اي���ل ب��ال��ي ِ��د ك���م���ا ق�����س��م �أم������ون ك�����أل����واح الآران ن�����ص��ات��ه��ا ُ نفوس العرب الجاهليين ع���ل���ى الح������ب ظ����ه����رٍ ك������أ ّن�����ه ب���رج���د
وقد جعلها الشعراء مدار وصفهم تارة ومدار فخرهم تارة أخرى
النوا�صف :املكان الرحب الوا�سع ،دد :ا�سم
مو�ضوع ،و«اب��ن يامن» م�لاح عربي من �سكان البحرين مهر يف �صناعة ال�سفن قبل الإ�سالم، والعدوليه� :سفينة من�سوبة �إىل �شخ�ص �أ�سمه ع��دويل �أو ه��ي قرية يف البحرين كما ورد يف معجم البلدان لياقوت احلموي. ثم ي�صف طرفة مقدم ال�سفينة – حيزومها – وهو ي�شق البحر ب�سهولة وي�سر كما يق�سم الالعبون ال�صغار الرتاب اىل ق�سمني بحث ًا عن خبيئة د�سوها يف ال�تراب ويقول الالعب منهم وي�سمى «املفايل» واللعبة املفايله :يف �أي ق�سمني خب�أت؟ وم��ن امل��أث��ور ال�شائع �أن اجلمل �سفينة ال�صحراء ،لهذا جند ال�شاعر اجلاهلي يوحد يف و�صفه الفني بني �سفينة ال�صحراء «الناقة» و�سفينة البحر ،فهذه ت�شق الرمال يف �سريها وتلك ت�شق البحر يف جريها. ولقد �أعطانا القدماء من �شعراء العرب �أجمل ال�صور ال�شعرية التي تتحدث عن عالقة العربي بناقته ،وقل �أن جتد �شاعر ًا جاهلي ًا مل يتناول هذا الغر�ض باحلديث ،فكم طال بهم احلديث عن ال�ضعائن وحداة القوافل ،ولو �أردنا �سرد بع�ض ما ج��ادت به قرائح ال�شعراء لطال بنا الأم��ر، ولكن انتقاء بع�ض هذه الأبيات فيه ما يغني ،فقد ورد و�صف الإبل ب�صور �شعرية رائعة يف معلقات ال�شعراء اجلاهليني؛ يقول عمرو بن كلثوم:
ذراع�����������ي ع����ي����ط����لٍ �أدم������������اء ب��ك��ر ه����ج����ان ال����ل����ون مل ت����ق����ر�أ ج��ن��ي��ن��ا ويقول عنرتة:
ف���وق���ف���ت ف��ي��ه��ا ن���اق���ت���ي وك����أن���ه���ا ف ٌ ���������دن لأق���������ض����ي ح�����اج�����ة امل����ت����ل����و ِم
وم��ن �أق ��دم الن�صو�ص ال�ت��ي ت�ضمنت ذكر ال�ن��اق��ة معلقة ال�شاعر اجل��اه�ل��ي لبيد بن ربيعة� ،إذ جاء فيها:
وج������زور �أي�������س���ار دع�����وت حلتفها مب����غ����ال����ق م���ت�������ش���اب���ه �أج�������س���ام���ه���ا �أدع�������و ب���ه���ن ل���ع���اق���ر �أو م��ط��ف��ل ب���ذل���ت جل���ي��ران اجل���م���ي���ع حل��ام��ه��ا اجل������زور :ه��ي ال �ن��اق��ة ت �� �ش�ترى ل�ل��ذب��ح،
والأي �� �س��ار ج�م��ع ي�سر وه��و ال ��ذي ي�ضرب بالقداح ،وهي �أع��واد ت�سوى وتو�ضع عليها ع�لام��ات ال�ك���س��ب واخل �� �س��ارة يف ال�ق�م��ار، واملغالق من نعوت قداح املي�سر التي يكون لها الفوز ،واللحام جمع حلم. ويف الأبيات يقول لبيد :ورب جزور مقامرين، دعوت من �أجل نحرها �سواء �أكانت عاقر ًا �أم مطفال «ذات طفل -وهي الأغلى ثمن ًا» بقداح
اتخذ العربي ناقته صاحب ًا ورفيق ًا وخلع عليها من مشاعره وأحاسيسه ما جعلها تتصف بالصفات اإلنسانية فتشكو وتتألم وتشعر بالحنين إلى الوطن وتناجي صاحبها وتحاوره
مت�شابه العالمات فائزة عند اللعب بها ،تُبذل حلومها جلريان اجلميع. ومل يحظ اجلمل يف ال�شعر اجلاهلي مبا حظيت ب��ه الناقة ،فقلما ت�ن��اول ال�شعراء اجل�م��ل يف �أ��ش�ع��اره��م ومل ي��ؤث��ر لنا عنهم �سوى ق�صائد م�ع��دودة تناولوه فيها ،وقد ي�ضفون عليه فيها �صفات الناقة ويخلعون عليه �سماتها وخ�صائ�صها ،مثل ال�صيعرية التي هي �سمة يف عنق الناقة خا�صة مثل قول امل�سيب بن عل�س:
وقد �أتنا�سى الهم عند احت�ضاره ب����ن����اج ع���ل���ي���ه ال�������ص���ي���ع���ري���ة م���ك���رم
مما دع��ا طرفه �إىل �أن يتندر عليه بقوله: «ا�ستنوق اجلمل». وال عجب �أن العرب يف اجلاهلية ف�ضلوا الناقة ع�ل��ى اجل�م��ل ف�ف��ي ت�ل��ك ال���ص�ح��ارى امل�ترام�ي��ة ا ألط��راف يف اجلزيرة العربية والتي ال توجد
في حضرة الشعر 102 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
المتنبي حين يذكر صفات اإلبل وأسماءها و�سيلة الخرتاقها والتنقل عربها �إال الناقة ،ف�ضال يذكر صورة غير مسبوقة عما ي�ستفيده العربي من حلمها ولبنها ووبرها ،فهو يشبهها بحبال ومل��ا ك��ان للناقة مكانة عالية يف نفو�س العرب الحياة وطيور الصحراء
اجلاهليني فقد جعلها ال�شعراء م��دار و�صفهم تارة ومدار فخرهم تارة �أخرى ولعل خري �شاهد ي�ستطيع التعبري عن همومه و�أحزانه ي�صور لنا ذلك املثقب العبدي بقوله: جنده على ذلك قول �أبى ر�ؤاد الإيادى:
�إب����ل����ي الإب�������ل ال ي���ح���وزه���ا ال����را ع������ون م�����ج ال�����ن�����دى ع���ل���ي���ه���ا امل������دام �سمنت فا�ستح�ش �أكرعها ال الني ين وال ال�����������������س��������ن��������ام �������س������ن������ام ف������������إذا �أق�����ب�����ل�����ت ت������ق������ول� :إك��������ام م�����������ش�����رف�����ات :ب���ي��ن الإك�������������ام �إك��������ام و�إذا �أع���ر����ض���ت ت���ق���ول ق�����ص��ور م�������ن �����س����م����اه����ي����ج ف�����وق�����ه�����ا �آط���������ام و�إذا م����ا ف��ج��ئ��ت��ه��ا ب���ط���ن غ��ي��ب ق��ل��ت :ن��خ��ل ق���د ح����ان م��ن��ه��ا ���ص��رام
غ�����دت ق��������وداء م���ن�������ش��� ِّق���اً ن�����س��اه��ا جت�����ا������س�����ر ب�����ال�����ن�����خ�����اع وال�������وت���ي���ن �إذا م������ا ق����ل����ت �أرح�����ل�����ه�����ا ب��ل��ي��ل ت�������������أوه �آه����������ة ال������رج������ل احل����زي����ن ت����ق����ول �إذا در�أت ل���ه���ا و���ض��ب��ى �أه���������������ذا دي�������ن�������ه �أب���������������دا ودي�������ن�������ي؟ �أك����������ل ال������ده������ر ح������ل وارحت����������ال �أم��������ا ي���ب���ق���ى ع���ل���ى وم������ا ي��ب��ق��ي��ن��ي؟ ف�����أب����ق����ى ب���اط���ل���ي واحل�������د م��ن��ه��ا ك���������دك���������ان ال���������دراب���������ن���������ة امل�����ط��ي��ن ث��ن��ي��ت زم��ام��ه��ا وو���ض��ع��ت رح��ل��ي ومن��������رق��������ة رف������������دت ب�����ه�����ا مي���ي���ن���ي ف���رح���ت ب��ه��ا ت��ع��ار���ض م�����س��ي��ط��را ع�����ل�����ى �����ص����ح����اح����ه وع������ل������ى امل�����ت�����ون
الليل وتربك كعادتها وقت ال�صبح تت�أوه وك�أنها رجل م�سلوب اللب يت�أوه من �شدة احلزن ،بعد �أن �أ�ضر بها طول ال�سرى و�أ�ضناها. ً لقد اتخذ العربي ناقته �صاحب ًا ورفيقا وخلع عليها من م�شاعره و�أحا�سي�سه ما يجعلها تت�صف بال�صفات الإن�سانية فت�شكو وتت�أمل وت�شعر بالغربة واحلنني �إىل الوطن وتناجي �صاحبها وحتاوره وقد �صور ال�شعر اجلاهلي ه��ذه ال�صلة الإن�سانية ب�ين العربي وناقته �أ�صدق ت�صوير مما يرفعه �إىل �أن يكون يف منزلة ال�شعر الإن�ساين اخلالد. وغ�ير ه��ذه الأب �ي��ات كثرية يف ه��ذا ال�ش�أنْ ، فالإبل ْمل تكن فقط ر�أ���س م��ال يتفاخر به، ولكن كانت �إ ْلهام ًا َي�شكي �إليه ال�شاعر ه ّمه، بالو�صف الدقيق. وي�صفه بعدَ امل�شاكاة ْ
ناقة �أبي نوا�س جامعة ال�صفات
�إذا ك��ان ام���ر�ؤ القي�س م�ؤ�س�س الق�صيدة فهو ي��رى �إبله ن��ادرة ال��وج��ود ،ن��ادرة املثال الكال�سيكية يف منت ال�شعر العربي و�أيقونته الأ�سا�سية و�سيد املعلقات والطلل ّيات ،ف�إن يح�سبها حين ًا ت�لا ًال مرتفعة وحين ًا ق�صور �أب��ون��وا���س ال يق�صر ع��ن ه��ذا التو�صيف يف جزيرة� -سماهيج -امل�شتهرة بكرب حجمها امل�ستوى و�إن اختلف يف النوع ،فهو الوجه الآخر وحين ًا �أ�شجار نخيل قد ناءت بثقل �أثمارها. واملت�صفح لديوان ال�شعر العربي اجلاهلي يقول ال�شاعر �أن ناقته وهي تظل �سائرة طول من تلك الأيقونة ،وهو م�ؤ�س�س امللهاة يف ال�شعر العربي بامتياز ،وقد ق��ارب النقاد القدامى قلما يجد ق�صيدة تخلو من ذكر الناقة �سواء �أ�صل هذه الفكرة؛ �إذ كثري ًا ما تنقل امل�صادر ك��ان و�صفا مبا�شرا �أم ت�شبيها حليوانات �أخ��رى بها �أو حمادثة بني الناقة و�صاحبها اإلبل ْ لم تكن فقط رأس ع��ن �أب ��ي ع�ب�ي��دة ق��ول��ه« :ذه �ب��ت ال�ي�م��ن بجد مال يتفاخر به العربي ال�شعر وهزله ،فامر�ؤ القي�س بجده و�أبو نوا�س لبث ال�شكوى �أو املناجاة. بهزله» ،فقد نقل �أبو نوا�س ال�شعر العربي من فهذه هي ناقة املثقب العبدي يرتفع رغا�ؤها ولكن كانت إ ْلهام ًا همه �صورة البطل امل�أ�سوي الوحيد يف �صحراء �أيامه ويعلو �أنينها وتتجه �إل�ي��ه بال�شكوى فت�صل يَشكي إليه الشاعر ّ والوحيد �إزاء م�صريه� ،إيل م�شهد اجلماعة يف الآهات �إىل �أعماق نف�سه وتتالقى م�شاعرهما ويصفه بع َد المشاكاة املدينة وجوقة الفرح وهي تتحرك يف وتزول احلواجز بينهما فتغدو الناقة �إن�سان ًا بالوصف الدقيق ْ جغرافيا م�أهولة ،ذلك �أن امللهاة ابنة املرح وطقو�س اخل�صب وليل العتمة .و�إذا كانت تراجيديا امللك ال�ضليل «�إمر�ؤ القي�س»
�شخ�صية ،ف ��إن كوميديا اليمني الآخ��ر «�أب��و نوا�س» كانت جماعية بغدادية بامتياز ،فهو �شاعر هذه املدينة بال منازع ،و�أبرز رموزها حتى �أك�ثر من «ه��ارون الر�شيد»الذي حملت املدينة ا�سمه يف واحدة من ت�سمياتها املتعددة، ول��و ك��ان لتلك احلقبة م��ن ت��اري��خ ب�غ��داد �أن تلخ�ص با�سم فهي حقبة �أبي نوا�س حق ًا؛ ف�أبو نوا�س هو �شاعر العربية يف املائة الثانية بعد ب�شار بن ب��رد ،وه��و ميثل �صفحة م�ضيئة يف كتاب ال�شعر العربي ،جاء فملأ الأ�سماع وبهر الأنظار ،وا�ستوي يف الإعجاب ب�شعره اجلادون والهازلون ،لأن��ه دار بني اجلد والهزل ،وقد خلط النا�س يف �أمره قدمي ًا وحديث ًا .ومع هذه املكانة لأبي نوا�س يف ال�شعر ومقدرته القولية فكيف و�صف لنا الناقة؟ .لقد ت��رك لنا �أبو نوا�س ق�صيدة يف و�صف الناقة تدل على قدرته الت�صويرية الفريدة �إذ يقول:
ول����ق����د جت������وب ب����ي ال����ف��ل�اة �إذا ������ص�����ام ال�����ن�����ه�����ار وق������ال������ت ال����ع����ف���� ُر ����ش���ذن���ي���ة رع������ت احل����م����ى ف����أت���ت م����������لء احل�������ب�������ال ك�������أن������ه������ا ق�������ص���ر ت��ث��ن��ي ع��ل��ى احل���اذي���ن ذا خ�صل ت����ع����م����ال����ه ال���������������ش�������زران واخل�����ط�����ر �أم������������ا �إذا رف�����ع�����ت�����ه �����ش����ام����ذة ف�����ت�����ق�����ول رن����������ق ف�����وق�����ه�����ا ن�������س���ر �أم����������ا �إذا و�����ض����ع����ت����ه ع����ار�����ض����ة ف�����ت�����ق�����ول �أرخ�������������ى ف�����وق�����ه�����ا ����س�ت�ر وت���������س����ف �أح�����ي�����ان�����اً ف��ت��ح�����س��ب��ه��ا م���ت���ر��������س�������م�������ا ي���������ق���������ت���������اده �أث������������ر ف������إذا ق�����ص��رت ل��ه��ا ال���زم���ام �سما ف�������������وق امل������������ق������������ادم م������ل������ط������م ح����ر ي�صف �أبو نوا�س ناقته بالقوة وال�صرب حتى �أنها لتجوب به ال�صحراء يف الوقت الذي ينت�صف فيه النهار ،وتقيل الظباء فرار ًا من �شدة احلر ،وهي من بنات ال�صحراء ،وقد كانت هذه الناقة مرهفة مدللة ت�صيب يف املرعى ما ميتنع على غريها ،فقويت و�سمنت حتى �أ�صبحت كالق�صر ،وهي حترك ذنبها ميين ًا وي�سار ًا ،ف�إذا رفعته �أ�شبهت ن�سر ًا يخفق
من أقدم النصوص الشعرية التي تضمنت ذكر الناقة معلقة الشاعر الجاهلي لبيد بن ربيعة بجناحيه ويرفرف فوقها� ،أما �إذا خف�ضته وهي ت�سري بن�شاط فك�أمنا �أرخى فوقها �سرت، و�إذا مرت على وجه الأر�ض بر�أ�سها ح�سبتها ق�صا�ص �أث��ر ،وت�شبه �أعاليها الأمامية �إذا ق�صرت لها الزمام خد ًا �أ�سيال.
�إبل املتنبي ..طري ال�صحراء
املتنبي ال�شاعر الأ�شهر ال��ذي جت�سدت يف �شخ�صيته �صفات العرب ويف �شعره جت�سدت مزايا ال�شعر الأ�صيل– �أحمد بن ح�سني بن احل�سن ب��ن عبد ال�صمد اجلعفي الكويف
ال �ك �ن��دي «354 - 303هـ 915-965/م» ال�شاعر احلكيم و�أحد مفاخر الأدب العربي. له الأمثال ال�سائرة واحلكم البالغة واملعاين املبتكرة ،وه��و �شاعر العربية الأك�ب�ر ،يف �أ�صالته واعتزازه بح�ضارته ،يف حبه للطموح وغنائه للفرو�سية وال�شجاعة .يف حثه علي مقاومة الظلم ورفع يد الطغيان .يف مدائحه وهجائياته ،يف فخره واعتداده. فلأبي الطيب املتنبي مكانة �سامية مل تتح مثلها لغريه من �شعراء العربية ،فقد كان نادرة زمانه ،و�أعجوبة ع�صره ،وظل �شعره �إىل ال �ي��وم م�صدر �إل �ه��ام ووح��ي لل�شعراء والأدب� � ��اء ي �ج��دون ف�ي��ه ال��ق��وة ،وال �ت��دف��ق، وال�شاعرية املرتكزة على احل�س والتجربة ال�صادقة� .أطلق املتنبي ال�شعر من قيوده التي قيده بها �أبو متام وخرج عن �أ�ساليب العرب املخ�صو�صة ،فهو �إم��ام الطريقة الإبداعية
في حضرة الشعر 104 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
يف ال�شعر العربي .واملتنبي حني يذكر �صفات الإبل حبال احلياة
الإب��ل و�أ�سمائها ،يذكر �صورة غري م�سبوقة من املعروف �أن الإبل واخليل كانا الو�سيلة فهو ي�شبهها بطري ال�صحراء يف قوله: الأك�ثر فاعلية للتنقل يف ال�صحراء �إال �أن ن��ح��ن رك���ب ك��اجل��ن يف زي ن��ا���س ارتباط ا إلب��ل بالأ�سفار �أوث��ق من ارتباط ف����وق ط�ي�ر ل��ه��ا ���ش��خ��و���ص اجل���م���الِ اخل �ي��ل ب �ه��ا؛ ف��اخل�ي��ل ل�ه��ا � �ش ��أن م�ه��م يف م��ن ب��ن��ات اجل��دي��ل مت�شي بنا يف ميادين �أخري غري ال�سفر كالفرو�سية مثال ال���ب���ي���د م�������ش���ي الأي����������ام يف الآج�������ال �أو لنقل كان لها �ش�أن مهم يف فنون احلرب ك�����ل ه�����وج�����اء ل���ل���دي���ام���ي���م ف��ي��ه��ا ويف امل �غ��ام��رات علي �أن��واع �ه��ا� .أم��ا الإب��ل
�أث���������ر ال������ن������ار يف ����س���ل���ي���ط ال�����ذب�����ال
يقول املتنبي �إنهم كاجلن يف �إلفة املجاهل وال �ف �ل��وات ورك��ائ�ب�ه��م ك��ال�ط�ير يف �سرعة قطع امل�سافات ،وه��ذه اجل�م��ال م��ن بنات فحل ك��رمي تقطع بنا امل�ف��اوز قطع الأي��ام ل�ل�آج��ال حتى تفنيها ،وق��د �أفناها ال�سري كما تفني النار دهن الفتيلة� ،أو �أن املفاوز قد �ألهبتها بالظم�أ واحلر ف�أثرت فيها �أثر النار يف دهن الفتيلة.
المتصفح لديوان الشعر العربي الجاهلي قلما يجد قصيدة تخلو من ذكر الناقة سواء كان وصف ًا مباشر ًا أم تشبيه ًا لحيوانات أخرى بها أو محادثة بين الناقة وصاحبها لبث الشكوى أو المناجاة
فالعربي ق��د ر�أي فيها -حبال احلياة- «احل�ب��ال يف املعجم لها معني الأع�صاب والعروق من ذلك حبل الوريد» معرب ًا عن حاجته الق�صوى �إليها وهو ين�شد النجاة هاربا ومطاردا ،يقول املتنبي يف ق�صيدة نظمها علي �أثر هروبه من م�صر متحدثا عن الإبل:
�أال ك�������ل م����ا�����ش����ي����ة اخل�����ي�����زيل ف����������دا ك�������ل م����ا�����ش����ي����ة ال����ه����ي����دب����ى وك���������������ل ن��������اج��������ي��������ه ب�������ج�������اوي�������ة خ�����ن�����وف وم��������ا ب������ي ح�������س���ن امل�������ش���ى ول������ك������ن������ه������م ح��������ب��������ال احل�������ي�������اة وك�����ي�����د ال�������ع�������داة وم�����ي�����ط الأذى
اخل��ي��زيل� � :ض��رب م��ن م���ش��ي ال�ن���س��اء. وال �ه �ي��دب��ي� � :ض��رب م��ن م���ش��ي اخل �ي��ل. والناجية :هي الناقة ال�سريعة .وبجاوية: ن�سبة �إيل بجاوة وهي �أر�ض بالنوبة تعرف نوقها بال�سرعة .واخلنوف من الإبل :هي
اللينة اليدين يف ال�سري. ي��ري��د ال�شاعر �أن يجعل الن�ساء ف��داء للخيل والإب��ل ملا يريد الإيحاء ب�أنه لي�س من �أه��ل الع�شق والتغزل بالن�ساء و�إمنا هو من �أهل ال�سفر وهو ي�ستدرك يف نهاية البيت الثاين -وكذلك يف البيت الثالث الذي يجعل الإبل حبال احلياة -بالقول �إنه يف تقدميه الإبل �أو اخليل علي الن�ساء ال يق�صد ح�سن امل�شي و�إمن��ا يق�صد ما للإبل من ف�ضل يف نيل الرغبات وحتقيق الغايات ،فاملتنبي مل يكن يقت�صر علي �إظهار �أهمية الإبل التي بها ي�سعي املرء �إيل ال���رزق ي �خ��رج م��ن امل�ه��ال��ك ويكيد الأعداء ويدفع الأذى و�إمنا ينطوي �أي�ضا علي ��ش��يء م��ن ال�ت�غ��زل ب��الإب��ل وجعلها «حبال احلياة». ومن جميل قول ال�شعراء يف و�صف الناقة ما نظمه ال�شاعر ب�شامة بن الغدير:
ور الشعر الجاهلي �إذا �أق����ب����ل����ت ق����ل����ت م�������ش���ح���ون��� ًة ص ّ ً �أط����اع����ت ل��ه��ا ال���ري���ح ق��ل��ع��ا ج��ف��وال الصلة اإلنسانية بين و�إذا �أدب�����������رت ق���ل���ت م�����ذع�����ور ًة العربي وناقته أصدق م�����ن ال�����رب�����د ت���ت���ب���ع ه����ي����ق����اً ذم�����وال تصوير مما يرفعه إلى أن وقول ال�شاعر �أبي مت ّام الطائي: يكون في منزلة الشعر وب�����دل�����ه�����ا ال�����������س�����رى ب���اجل���ه���ل اإلنساني الخالد مي ح���ل���م���ا وق������د �أدمي�����ه�����ا ق����د الأد ِ ب������دت ك����ال����ب����در يف ل����ي����لٍ ب��ه��ي ٍ��م ك�������� ّأن ي���دي���ه���ا �إذا �أرق��������دت وق���� ْد مي و�آب��������������ت م�����ث�����ل ع��������رج��������ونٍ ق�������د ِ ح�������رن ث������� ّم اه�����ت�����دي�����ن ال�������س���ب���ي�ل�ا ي����دا ����س���اب ٍ���ح خ���� ّر يف غ���م���ر ٍة وق��د تلك كانت وقفات ق�صرية مع �سفائن البدو ُ ������������������وت �إ ّال ق���ل���ي�ل�ا ����������ش���������ارف امل
إذا كان الشعر هو ديوان العرب فإن اإلبل عمود مهم من أعمدة هذا الديوان منذ عصر الجاهلية حتى اإلسالم وما بعده
ومهور احلرائر ،الإبل يف ال�شعر العربي ،التي و�صفها العرب بقولهم�« :إذا حملت ثقلت ،و�إذا م�شت �أبعدت ،و�إذا نحرت �أ�شبعت ،و�إذا حلبت روت» ،و�صدق الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم �إذ يقول« :الإبل عز لأهلها ،والغنم بركة ،واخلري معقود يف نوا�صي اخليل �إىل يوم القيامة»
106 الـعــــدد 157 نو فمرب 2012
سيمياء
اللهجات بوصفها لسان مجتمع شعري
عائ�شة الدرمكي aishaaldarmaki@hotmail.com
كان الل�سان بح�سب فرديناند دو� � �س� ��و� � �س �ي�ر ه � ��و «اجل� � ��زء املجتمعي من اللغة ، »..ف��إن امل��رء هنا ي�ك��ون غ�ير ق��ادر على اب�ت�ك��اره وال على تغيريه منفرد ًا ؛ ذل��ك لأن الل�سان هنا ال يوجد بني �أع�ضاء اجلماعة �إ َّال على نوع من االتفاق الذي يقول عنه �سو�سري ب�أنه «عقد معقود بينها ،ومن جهة ثانية يحتاج الفرد �إىل التعلم ليعرف كيفية الت�صرف فيه». ل�ق��د ت��و��ص��ل �سو�سري �إىل ذل��ك ب�ع��د ما ظ��ل ال�ت�ع��ام��ل م��ع ال�ل�غ��ة ل �ق��رون ع��دي��دة ح��ول مبنى اللغة «الأ� �ص��وات وال�صرف والنحو» ،واعتربت اللغة نظام ًا مغلق ًا �أي �أن ال�سياق االجتماعي مل يكن ذا ب��ال يف درا�ستها ،على ال��رغ��م م��ن �أن اب��ن جني يف كتابه اخل�صائ�ص ع� َّرف اللغة ب�أنها «�أ��ص��وات يعرب بها كل قوم عن �أغرا�ضهم» ،فهي �إذن ال تخرج عن ال�سياق االجتماعي لال�ستعمال ،ويف اخلم�سني �أو ال�ستني �سنة الأخ�ي�رة مت الرتكيز على هذا املعنى للغة مع قدوم علم اللغة االجتماعي وبلورته ،و�إدراك اللغة على �أنها نظام ًا مفتوح ًا ت�ؤثر فيما حولها وت�ت��أث��ر ب��ه .ووف��ق ه��ذا املفهوم �أ�صبح ال�سياق االجتماعي جوهري ًا يف ف�ه��م ودرا���س��ة ال�ل�غ��ة و�أ َّث� ��ر الح �ق � ًا على العلوم التطبيقية للغة. �إن �ن��ا ه�ن��ا ن�ت�ح��دث ع��ن ج��ان��ب م�ه��م من اللغة وه��و «الل�سان» ال��ذي ُيطلق عليه «ال�ل�ه�ج��ة» ،وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن �أن ه��ذا امل�صطلح ح��دي��ث ن�سبي ًا � ،إذ مل تكن هناك لهجات يف الع�صور املا�ضية بل ُيطلق على الأل�سنة لغات «لغة قري�ش ، ولغة متيم ،ولغة هذيل � ،»...إ َّال �أنه يف الع�صر احلديث �أ�صبح لدينا علم قائم ب��ذات��ه ي��در���س تلك اللهجات ه��و «علم اللغة اجلغرايف» ال��ذي ي�صف اللهجات
�إذا
كما يقول �إبراهيم �أني�س يف كتابه «يف اللهجات العربية» ب�أنها «جمموعة من ال�صفات اللغوية تنتمي �إىل بيئة خا�صة ،وي�شرتك يف هذه ال�صفات جميع �أفراد البيئة ،»...على �أن بيئة اللهجة الواحدة هي ج��زء من بيئة �أو��س��ع و�أ�شمل ت�ضم لهجات ع��دة ،لكل منها خ�صائ�صها املميزة ،غ�ير �أن�ه��ا ت�شرتك جميع ًا يف ال �ظ��واه��ر ال�ل�غ��وي��ة ال�ت��ي تي�سر توا�صل �أفراد هذه البيئات بع�ضهم ببع�ض ،وهو ما ي�سمى بـ «اللغة» – اللغة العربية � ،أو اللغة الإجنيزية مث ًال .- ولأن اللغة �أحد امل�ؤ�شرات املهمة لل ُهوية التي ت�سهم يف ت�شكيلها وتعزيزها بني جم �م��وع��ة م��ن ال��ع��وامل يف ه ��ذا ال �ك��ون الذي مييز بني لغات الأق��وام بني الأ�سر اللغوية ،ف ��إن اللهجات لها طابع �أك�ثر خ�صو�صية من حيث هي خا�صة مبجتمع معني � ،إذ يكت�سب هذا املجتمع �أو ذاك ُه��وي��ة جمتمعية مت �ي��زه ع��ن ج ��اره من املجتمعات ،هذه الهوية تعترب البو�صلة للمجموعات وللمجتمعات عامة. ال�ه��وي��ة املجتمعية �إذن ت�شكل انتماء الفرد �إىل جمموعة اجتماعية حمددة ومعينة� ،إ��ض��اف��ة �إىل القيمة وال��دالل��ة العاطفية املن�سوبتني �إىل هذا االنتماء. خ�ل�ال ه��ذه العملية ف ��إن �ن��ا ن�ع�م��ل على ت�صنيف �أنف�سنا وت�صنيف الآخ��ري��ن. وهذه العملية هي عملية ذهنية حم�ضة نقوم من خاللها بتق�سيم وت�صنيف وتنظيم حميطنا االجتماعي واجل�غ��رايف ،فهناك ُهويات �صغرية تربط �إن�سان ال�ساحل و�إن�سان الداخل �أو ال�شرق �أو الغرب من الدولة نف�سها التي متثل البقعة اجلغرافية التي حتمل يف النهاية ُهوية جمتمعية واح��دة ت�ضم تلك ال ُهويات جميع ًا . وه��ذه ال � ُه��وي��ات املجتمعية ال تظهر يف �أ�صوات اللهجة فقط �أو لكنتها �أو حتى
سيمياء
يف ا�ستخدامها للدالالت بل �أي�ض ًا يف الإنتاج الثقايف لذلك املجتمع ؛ فهي لي�ست ناقلة للثقافة فح�سب ،بل جزء من ماهية تلك الثقافة ،والأ�سا�س الذي متر من خالله قيم وثقافة وح�ضارة تلك املجتمعات ال�صغرية التي ت�شكل ح�ضارة املجتمع الوطني املعني. ولعل قول ريكور ب�أن « ...اللغات ال تتكلم بل يتكلم النا�س»، يجعلنا نفكر ملي ًا ملاذا يعتقد البع�ض ب�أن بع�ض اللهجات ال ت�ستوعب الإنتاج الأدبي ل�شاعر �أو كاتب ما ؟! فيلج�أ �إىل ا�ستعارة مفردات من لهجات جماورة ل�سبك ال�شعر ،كما هو احل��ال يف ا�ستعارة كلمات من اللغة الإجنليزية على اعتبار �أننا ال منلك مقابل لها يف اللغة العربية .هل هذا يعني �أن اللغة هي العاجزة عن التفاعل مع معطيات الع�صر �أو الفن �أو الفكر ؟ �إننا �أمام مفارقة فكيف ميكن �أن تكون اللغة �أو اللهجة قد ُوجدت �ضمن اتفاق معني من لدن جمموعة لغوية معينة ،ثم عجزت هذه اللغة نف�سها عن التما�شي مع املعطيات احلالية وب��ات��ت غ�ير ق��ادرة على العطاء .واحل��ق �أن��ه ال ميكن �أن تكون �أية لغة �أو لهجة بهذا العجز �إ َّال �إذا عجز من�ش�ؤها عن ابتكار جديد و�إ�ضافة ما ميكن �أن يجعلها ح�ي��ة م�ستمرة .و��ض�م��ن ه��ذا ال���س�ي��اق مي�ك��ن ال �ق��ول �إن �إ�ضافة مفردات من العربية الف�صحى على �سبيل املثال يف من�ضومة ال�شعر ال�شعبي ال تفقده ُهويته العامة �إذا ما متت �إ�ضافة م�ف��ردات من لهجات جم��اورة .واحل��ال �أن هذه الأخ�يرة �ستجعله – �أي ال�شعر – ال ن�سب له لغوي ًا �أو جغرافي ًا �إذا ما �أردن��ا حتديد ُهويته ،و�إمن��ا �سيكون حالة من املحاكاة التي ال ترتكك �أث��ر ًا .ولأن اللغة ال تتكلم – على حد تعبري ريكور – ف�إنها لن تخلق منفردة مفردات تالئم احلياة احلديثة مامل يفعل ذلك املن�شيء «ا لإن�سان»اجتماعي ًا . حتدث ميخائيل باختني يف كتابه «اخلطاب الروائي» عن اخلطاب ال�شعري ولغته وف َّرق بينه وبني اخلطاب الروائي يف �أن اخلطاب ال�شعري خطاب �أح��ادي مبا�شر من قِبل ال�شاعر و�أن اللغة تتحقق « ...ك�أنها لغة �أكيدة ،حا�سمة ،حا�ضنة ك��ل ��ش��يء ،وبوا�سطتها ع��ن ط��ري��ق �أ�شكالها الداخلية ُيب�صر ال�شاعر ،يفهم ويت�أمل .وعندما يعرب عن نف�سه ،ال �شيء ي�ستثري فيه احلاجة �إىل اال�ستعانة بلغة «�أخرى» و«�أجنبية» ،»...ولذلك نقول ب�أن لغة /لهجة ال�شعر هي لغة املبدع ب�صورة �أحادية وهي تلك اللغة التي
اكت�سبها اكت�ساب ًا معرفي ًا وفكري ًا ال تقليد ًا وال ا�ستعارة من لغات �أخرى . ولعلنا حتدثنا يف مقال �سابق بعنوان «تعددية اخلطاب املجتمعي ال�ث�ق��ايف» ع��ن تلك امل�ف��ارق��ة ب�ين لغة م��ا يكتبه ال�شاعر ولغة ال�شاعر بو�صفه ذات ًا متكلمة ،و�أق�صد هنا «ال�شعر ال�شعبي خا�صة» ،ذلك لأن��ه ي�ستعري من لهجات �أخرى كلمات قد يعتقد �أنها غري متوفرة يف لهجته ،وهو بذلك ُيفقد لهجته �سمتني �أ�سا�سيتني هما؛ �سمة القدرة ، و�سمة اخل�صو�صية ،بينما يفقد ذاته �سمة املعرفة بتلك اللغة التي يتحدثها وبالتايل القدرة على التعبري بها. وعلى �أن اللهجات ناب�ضة باحلياة اجتماعي ًا �إ َّال �أنه البد من الت�أكيد ب�أنها تتطور وت�ستمر مع النتاج املعريف والثقايف ، كما هو احلال يف جمتمعات كثرية عندما ت�سمع �أو تقر�أ ما كتبوا بلهجاتهم ف�إنك �ستعرف ب�أنهم جمتمع م�ستمر �ام وب��اقٍ بو�صفه ن�ص ًا حتى و�إن اندثر املجتمع نف�سه ، ون� ٍ كما هو احلال يف املجتمع اجلاهلي �أو العربي القدمي الذي اندثر وبقيت �آثاره التي كتبها بلغته فهناك �شعر ونرث ُكتِب بلغة �أقوامه وبقي حتى اليوم – هذا مع الت�أكيد �أن الأدب اجلاهلي برمته ه��و �أدب �شعبي ، -لي�س ذل��ك فح�سب بل �إن النحاة �أنف�سهم ا�ست�شهدوا به يف قواعدهم التي ن�ستعملها �إىل اليوم � .إنها �إذن لغة املجتمعات ال�صغرية الباقية �ضمن لغة قومية كبرية ت�ضمها فكري ًا وثقافيا
قال الراوي 108 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
«المطوع» سعيد المطلعي شخصية شعبية محفورةفي ذاكرة أهل خورفكان
�أبوظبي –ناجية الكتبي حلافظ القر�آن الكرمي منزلة رفيعة و�أجر كبري ،وقد فطن �آبا�ؤنا يف املا�ضي لهذا الأجر ،لذا ف�إنهم كانوا ير�سلون �أبناءهم �إىل «املطوع» ليعلمهم القر�آن والنحو واحل�ساب ،لينالوا بذلك الأجر الكبري يف الدنيا والآخرة. املطوع �سعيد �سليمان املطلعي من �أوائل املطوعني الذين عا�شوا يف املنطقة ال�شرقية التابعة لإمارة ال�شارقة، فقد ُولد – رحمه اهلل -وترعرع بني جبال خورفكان وخورها املعطاء .ونقل العلم لكثريين من �أبناء تلك املنطقة حتى �أ�صبحوا حفظة للكتاب الكرمي ،تعلموه و�أتقنوا تالوته وحفظوا �أحكامه على يديه.
هنا لقاء مع املطوع املطلعي ،يعود تاريخه �إىل ث�م��ان�ي�ن�ي��ات ال��ق��رن ال �ف��ائ��ت ،قمنا بتفريغه من �أر�شيف م�شروع جمع الرتاث ال�شفهي ،الذي يرعاه مركز زايد للدرا�سات وال�ب�ح��وث ،وع��ززن��اه مبعلومات م��ن ابنه، يو�سف ب��ن �سليمان املطلعي ،ومعلومات �أخرى ا�ستقيناها من عدد من املراجع:
كيف كانت البدايات
يحدثنا يو�سف بن �سليمان املطلعي ،ابن املطوع �سليمان املطلعي ،عن بدايات والده يف �سلك هذا الطريق الديني ،يقول« :كان �إمام امل�سجد -حينما يكون ذاهب ًا �إىل مكان ما -يوكل مهمة �إمامة النا�س يف ال�صالة �إىل وال� ��دي» ،وي���ض�ي��ف «:ك���ان ال��وال��د يف البداية يرتدد ،حيث مل يعهد بهذا العمل يف حياته من قبل� ،إال �أنه بت�شجيع من الإمام عمل على حفظ �سور من القر�آن ب�شكل �شبه يومي ،حتى يت�سنى له قراءتها للنا�س يف ال�صالة ،وبتلك الطريقة ا�ستطاع �أن يحفظ القر�آن الكرمي يف �سن مبكرة». وي�ستطرد االب ��ن يف احل��دي��ث وي �ق��ول من امل��واق��ف املهمة التي ك��ان وال��دي يرددها دائ�م� ًا م��ا ح��دث ل��ه م��ع ذل��ك ا إلم ��ام ال��ذي �أ�صبح معلمه الأول� ،إذا طلب منه يف يوم
الحياة في الماضي كانت أفضل بكثير من اآلن والنفوس كانت نظيفة ونقيه ال حسد فيها وال نميمة من الأيام �أن يحل حمله يف خطبة اجلمعة ب�سبب �سفره �إىل بلده جم��اورة ،يف بداية الأمر تردد والده ولكن حتت ا�صرار الإمام ال�شديد واف��ق يف الأخ�ي�ر ،ف��أع�ط��اه كتاب «خطب اب��ن نباته» وطلب منه �أن يحفظ خطبة من الكتاب ،وهذا ما اعتاد على فعله بع�ض اخلطباء يف تلك الفرتة ملا يحتويه الكتاب من العرب والعظات ،اجتهد والده يف املو�ضوع من �أجل �أن ينجح يف ذلك االختبار ال�صعب الذي و�ضعه معلمه فيه ،فعكف على حفظ اخلطبة وترديدها �أكرث من مرة حتى متكن من �أدائها ب�شكل ممتاز ،كانت كلمات معلمه ترن يف �أذنه وهي التي �شجعته على
حفظ القرآن الكريم بحاجة إلى مذاكرة فهو كغيره من العلوم إن لم تتعهده بالكتابة والمذاكرة فسرعان ما ستنساه
اال�ستمرار ،ويف اليوم املوعود وقبل �صعوده على املنرب بدقائق �إذا به يرى معلمه يدخل من ب��اب امل�سجد فتهللت �أ�ساريره وذهب لل�سالم عليه فطلب منه �أن يعتلي املنرب ولكنه رف�ض وب�شدة و�أجابه � :إذا ح�ضر املاء بطل التيمم. ويحكي لنا يو�سف ابن ال�شيخ �سعيد املطلعي ق�صة م�شابهة حدثت مع والده� ،إذ بعد مرور �سنوات ذهب هو ووالده �إىل �أحد امل�ساجد لت�أدية �صالة اجلمعة ف ��إذا باخلطيب هو �أحد التالميذ الذين تتلمذوا على يد ال�شيخ �سعيد ،فلما ر�أى ال�شيخ �سلم عليه وطلب منه �أن يحل مكانه ،ا�ستغرب ال�شيخ هذا الطلب من تلميذه فكانت �إجابة التلميذ : �أ�ستاذي �إذا ح�ضر املاء بطل التيمم ،وهذا امل�شهد ال��ذي يتكرر يف ك��ل م��رة ي��ؤك��د لنا مدى االحرتام واملنزلة الرفيعة التي يكنها الطالب لأ�ساتذتهم يف ذلك الوقت. ال تقت�صر وظيفة املطوع �سليمان املطلعي يف ال�سابق على تدري�س ال�ق��ر�آن بل تعدته �إىل الوعظ والإر�شاد و�إلقاء خطب اجلمعة، فقد حفظ خطب ابن نباته ،وهو ال�شيخ عبد الرحيم بن حممد بن �إ�سماعيل امللقب بابن نباته� ،صاحب كتاب ديوان خطب ابن نباته يف اخلطب املنربية ،وخ�ص�ص لكل جمعة
قال الراوي 110 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
خطبة معينة بعدد �أي��ام ال�سنة كما وردت مت�سل�سلة يف كتاب «خطب ابن نباته» ،لقد ك��ان لهذه ا ُ خلطب الأث��ر العميق يف نفو�س املتلقني .بالإ�ضافة �إىل تلك اخلطب كان املطوع �سليمان املطلعي يف�ضل قراءة الكتب التي حتكي ع��ن الأن�ب�ي��اء وال�صحابة مثل
كتاب «ريا�ض ال�صاحلني» ،وكتب �أخرى عن �أحكام الإ�سالم والأم��ور التي تعنى بالدين والدنيا وعن ق�ص�ص الأولني لال�ستفادة من املواقف التي مروا بها. ب��الإ� �ض��اف��ة �إىل ذل ��ك ي�ع�م��ل «امل� �ط ��وع» يف م���س��اع��دة ال�شيخ يف ف����ض امل �ن��ازع��ات بني
ذوبان احلجر ينقل ابن املطوع �سليمان موقفاً طريفاً كان ي�سمعه من وال��ده كثرياً حيث يقول :كان عندي طالب بليد ا�ستعملت معه كل الطرق من �أجل �أن يحفظ ولكن بال فائدة ،قررت �أن �أعطيه فر�صة �أخ�يره فطلبت منه �أن يذهب �إىل ال�شاطىء وي�ضع حجراً يف املاء وينتظر حتى يذوب ،بعد �ساعات ذهبت لأتفقده فوجدته جال�ساً ينظر �إىل احلجر ف�س�ألته :ماذا تفعل ؟ قال� :أنتظر ذوبان احلجر كما �أمرتني ،هنا نف�ضت يدي منه و�أيقنت �أن ال فائدة ترجى منه.
املتخا�صمني والإ� �ص�لاح بينهم ،وق��د يقوم البع�ض منهم ب��إج��راءات ال��زواج مثل عقد القران وي�سمى حينها «مليك ًا» .ومل يكتف املطلعي بالعمل ال��دع��وي و�إمن��ا امتهن يف حياته مهنة �أخرى ت�ساعده على توفري املال ل��ه ولأ��س��رت��ه ،فقد عمل يف حرفة �صناعة القوارب وبالتحديد قارب ي�سمى «ال�شا�شة»، وال�شا�شة عبارة عن قارب �صغري يخ�ص�ص لل�صيد يف امل �ي��اه ال�ق��ري�ب��ة م��ن ال�شاطئ وي�صنع ع ��ادة م��ن ج��ري��د النخيل ويت�سع لأربعة �أ�شخا�ص تقريب ًا ،وما يذكره ابنه �أن وال��ده بعد االنتهاء من �صالة الفجر كان يتجه �إىل مزاولة مهنته حتى �صالة الظهر،
وه �ك��ذا رح�م��ه اهلل ح�ت��ى ت�أ�سي�س مكتب الأوقاف يف خورفكان يف بداية ال�سبعينيات حيث �أ�صبح املطلعي موظف ًا يف ذلك املكتب.
كتاتيب املنطقة ال�شرقية
ي��ذك��ر لنا الأ� �س �ت��اذ عبد اهلل ال�ط��اب��ور يف كتابه التعليم التقليدي يف الإم��ارات بداية ظ �ه��ور ال �ك �ت��ات �ي��ب يف امل�ن�ط�ق��ة ال���ش��رق�ي��ة «ك�ل�ب��اء وخ��ورف �ك��ان» ،ف�ي�ق��ول� :إن التعليم يف ال�ساحل ال�شرقي ق��دمي و�أول م��ن ب��د�أ التعليم يف الكتاتيب ه��و امل�ط��وع عبد اهلل البديع �سنة 1932م ،يف عهد ال�شيخ �سعيد بن حمد القا�سمي وال��ذي كان حاكم ًا لكل م��ن خ��ورف�ك��ان وكلباء ب�ين ع��ام��ي - 1903 ،1937وينقل عن املطوع البديع �أن الكتب وامل�صاحف كانت ت�صل �إىل املنطقة من الإح �� �س��اء �أو م��ن مكة امل�ك��رم��ة يف مو�سم احلج �إذا كان يو�صي من يذهب لأداء احلج ب�إح�ضار امل�صاحف وكتب التوحيد.
الت�أديب �أو ًال ثم التعليم
�أم ��ا ع��ن ط��ري�ق��ة ال �ق �ب��ول وال �ت��دري ����س يف الكتاتيب فيذكر املطوع �سليمان املطلعي ذل ��ك ب�ق��ول��ه ع ��ادة م��ا ن�ق�ب��ل ال �ط�لاب يف �سن ال�سابعة فما ف��وق ،حيث يح�ضر �أحد ال��وال��دي��ن اب �ن��ه �أو اب�ن�ت��ه �إىل «ال � ُك � َت��اب» والكتاتيب يف املا�ضي� ،إما يف بيت املطوع �أو مكان ملحق بامل�سجد ،فيو�صي املطوع بتعليمه وت�أديبه ،فدور املطوع كما �أ�سلفنا ال يقت�صر على التدري�س فقط بل يتعداه �إىل تن�شئة الأوالد وتربيتهم على الأخالق احلميدة. وتبد�أ الدرا�سة من ال�ساعة ال�سابعة �صباح ًا وحتى ما قبل �صالة الظهر ،وهناك بع�ض من املطاوعة من يتابع التدري�س من بعد �صالة الع�صر وحتى ما قبل �صالة املغرب. ب��الإ��ض��اف��ة �إىل اجل�ه��د ال ��ذي ك��ان يبذله املطوع �سليمان يف التدري�س �إال �أن زوجته كان لها دور كبري يف م�ساعدته خا�صة يف الت�صرف م��ع الأط �ف��ال الأ��ش�ق�ي��اء الذين
المطوعسعيدسليمان المطلعي من أوائل المطوعينالذينعاشوا فيالمنطقةالشرقية التابعة إلمارة الشارقة، فقد ُولد « رحمه اهلل» وترعرع بين جبال خورفكان وخورهاالمعطاء ي�سببون الفو�ضى خالل فرتة الدر�س .وهنا يربز دور امل��ر�أة الرتبوي يف ال�سابق حيث كانت مت��ار���س �أدوار ًا ع��دي��دة يف املجتمع جنب ًا �إىل جنب مع الرجل.
طريقة التدري�س
يذكر املطوع طريقة التدري�س فيقول نبد�أ بتدري�س الأوالد ح��روف ال�ه�ج��اء «�أب�ج��د هوز» ،فنبد أ� بالألف ،فحرف الألف ال �شي له ونق�صد بذلك ب�أنه خ��ال من النقاط. �أما الباء فتحته نقطة والتاء فوقه نقطتان ..الخ حتى ننتهي من احلروف ثم نبد�أ بعد ذلك بتعليمهم القر�آن جزء عم ،بالإ�ضافة �إىل النحو فاتقان اللغة العربية �شرط من �شروط تعلم جتويد القر�آن وتالوته.
العلم �صيد والكتابة قيده
حفظ القر�آن الكرمي بحاجة �إىل مذاكرة فهو كغريه من العلوم �إن مل تتعهده بالكتابة وامل��ذاك��رة ف�سرعان ما �ستن�ساه ،وقد قال �سبحانه وتعاىل يف ذلك " َو َمنْ �أَ ْع َر َ�ض َعنْ ِذ ْك� ِ�ري َف� ِ�إنَّ َل ُه َم ِع َ ي�ش ًة َ�ض ْنك ًا َو َن ْح ُ�ش ُر ُه َي ْو َم َ ا ْل ِق َي َام ِة �أَ ْع َمىَ .ق َال َر ِّب لمِ َ َح َ�ش ْر َت ِني �أ ْع َمى
لم تقتصر وظيفة «المطلعي» على تدريس القرآن بل تعدته إلى الوعظ واإلرشاد وإلقاء خطب الجمعة وقد حفظ خطب ابن نباته وخصص لكل جمعة خطبة معينة بعدد أيام السنة
َو َق ْد ُك ْنتُ َب ِ�صري ًاَ .ق َال َك َذ ِل َك �أَ َتت َْك �آ َيا ُت َنا َف َن ِ�سي َت َها َو َك� َ�ذ ِل� َ�ك ا ْل� َي� ْو َم ُت ْن َ�سى �سورة طه: الآيات من .126 - 124 وكما قال �أحد ال�شعراء:
ال���ع���ل���م ���ص��ي��د وال���ك���ت���اب���ة ق��ي��ده ق���ي���د ����ص���ي���ودك ب���ال���ق���ي���ود ال���واث���ق���ة
وقد يتميز عندي بع�ض الطالب يف احلفظ ف��أوك��ل �إليهم مهمة تدري�س غريهم من ال �ط�لاب ال�ضعفاء .وي��ذك��ر اب��ن املطوع �سليمان موقف ًا طريف ًا ك��ان ي�سمعه من والده كثري ًا حيث يقول :كان عندي طالب بليد ا�ستعملت معه كل الطرق من �أجل �أن يحفظ ولكن بال فائدة ،قررت �أن �أعطيه فر�صة �أخ�يره فطلبت منه �أن يذهب �إىل ال�شاطىء وي�ضع حجر ًا يف امل��اء وينتظر حتى ي��ذوب ،بعد �ساعات ذهبت لأتفقده فوجدته جال�س ًا ينظر �إىل احلجر ف�س�ألته: ماذا تفعل ؟ قال� :أنتظر ذوبان احلجر كما �أمرتني..هنالك نف�ضت يدي منه و�أيقنت �أن ال فائدة ترجى منه ،وهنا تربز حكمة املطوع �سليمان املطلعي.
اخلط للغني جمال وللفقري مال قال �أحد ال�شعراء:
تعلـّم قِ����وام اخل���ط ي��ا ذا ال��ت���أدب ف����م����ا اخل�������ط �إال زي�����ن�����ة امل������ت�������أدب ف����إن ك��ن��ت ذا م���ال فخطك زينة و�إن كنت حمتاجاً ف�أف�ضل مك�سب املغزى من هذا البيت �إن ال�شاعر يحث كل من ميلك موهبة اخلط اجلميل ب�أن ي�ستغله يف ك�سب ق��وت يومه وذل��ك من خ�لال عمله كخطاط ،ف ��إذا ك��ان غني ًا فاخلط اجلميل زينة ومنفعة له.
ف������ل������و�������س اخل����م����ي���������س����ي����ة غ�ي�ر وف�����������ل�����������و������������س اخل���������ت���������م���������ه غ��ي��ر اخلمي�سية �سميت بذلك لأنها عبارة عن مبلغ ب�سيط روبية �أو �آنة «عملة ت�ستخدم قدمي ًا يف
قال الراوي 112 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
ا إلم��ارات» �أو قد يكون قليل طحني �أو متر �أو �أي حم�صول من املزرعة يعطى للمطوع كل خمي�س� ،أما فلو�س اخلتمة وهي املبلغ الذي يت�سلمه املطوع بعد �أن يتم ال��دار���س ختمه للقر�آن الكرمي ويرتاوح بني 100 - 60روبية.
التومينة ..االحتفال الكبري
بعد االن�ت�ه��اء م��ن حفظ وجت��وي��د ال �ق��ر�آن ال �ك��رمي ك��ام� ً لا ك��ان ال ب��د م��ن ال�ت�ك��رمي، وي�سمى هذا االحتفال باخلتمة بالتومينة �أو ال�ت�ح�م�ي��دة ،وال�ت��وم�ي�ن��ة م� ��أخ ��وذة من كلمة �آمني وتلفظ يف اللهجة «�إوم�ين» وهي الت�أمني على الدعاء �أو الرتاتيل والأنا�شيد الدينية خلف املطوع �أو املطوعة الذي يقود احلفل� ،أما التحميدة فم�أخوذة من كلمة احلمد هلل ،فهنا يحمد النا�س اهلل على توفيقه البنهم يف حفظ القر�آن ،وذلك وفقا للباحث عبد اهلل الطابور يف كتابه التعليم التقليدي يف الإمارات. يبد�أ االحتفال ب��إع�لان «امل �ط � ّوع» �أن �أحد ت�لام �ي��ذه ق��د ت ��أه��ل ل�ل�ت�خ��رج م��ن حلقته التعليمية ،فيتم �إبالغ �أهل التلميذ اخلامت ال �ق��ر�آن ب��ذل��ك ،ف� ��إذا ك��ان �صبي ًا �ألب�سوه ال�ب���ش��ت� ،أم ��ا �إذا ك��ان��ت ف �ت��اة ا��س�ت�ع��اروا لها الذهب وخ�ضبوها باحلناء ،ويطوف ال�صبية على احل ��ارة يتقدمهم اخل��امت واملطوع ين�شدون �أنا�شيد التومينه فيقوم الأه� � ��ايل ب �ت �ق��دمي احل��ل��وي��ات وال �ط �ح�ين والقهوة لهم ،ثم يتوقف املوكب عند منزل املطوع ويجمع ما ح�صله ال�صبية ،وت�ستمر االحتفاالت ثالثة �أيام متتالية يف بيته.
بعد االنتهاء من حفظ وتجويد القرآن الكريم كام ً ال كان ال بد من التكريم ويسمى هذا االحتفال بالختمة بـ«التومينة» أو «التحميدة» هواكي وراق��ب��ي الرحمن� ،آمييني ،يا نف�س واج��ت��ن��ب��ي ال��ذن��وب ف���إن��ه��ا� ،آم��ي��ي�ين ،تخزي الوجوه وتف�ضح الإن�سان� ،آمييني ،يا نف�س ق��د وىل ال�شباب وق��د م�ضى� ،آمييني ،هذا دل���ي���ل امل�����وت ق���د واف����ان����ا� ،آم���ي���ي�ي�ن��� ،ش��رب��وا ك�ؤو�س املوت من بعد احليا� ،آمييني� ،أم�سوا �سكارى كلهم جمعانا� ،آم��ي��ي�ين ،ولن�شربن بك�أ�سهم من بعدهم� ،آمييني� ،سكنوا القبور وفارقوا الولدان� ،آمييني ،يا طالب الدنيا �أم��ل��ك دن���ا� ،آم��ي��ي�ين� ،أ���ص��ب��ح��ت م���غ���روراً بها �سكرانا� ،آمييني ،لواله مل تكن نار وال جنة، �آمييني ،وال حما�سبة �إلهي كفانا� ،آمييني، م��ايل �أراك على ال��ذن��وب مواظباً� ،آمييني، فهل اتخذت من الإله �أمانا� ،آمييني ،والآل والأ�صحاب جميعاً كلهم � ،آمييني ،والأنبياء جميعهم �إخ��وان��ا� ،آمييني ،ثم ال�صالة على النبي حممدا� ،آمييني ،ما غرد الطري على الأغ�صان� ،آمييني.
الن�شيد الثاين
وم�ضى ال�شباب بح�سنه مت�صرما �...آمييني �أن����ت امل�����ش��ي��ب �أراه ���ش��ي��ب��اً داب�����را �...آم��ي��ي�ين ث��م ال�صالة على النبي حممدا �...آمييني يا ها�شمي يا خري من وط�أ الرثى �...آمييني ي��ا م��ن ل��ه و�سط القلوب م��ن��از َل �...آم��ي��ي�ين وعلى ل�ساين غري مدحك ما جرى �...آمييني والأر�ض ترجف وال�سموات العال �...آميني وال�شم�س وال��ق��م��ر امل��ن�ير ت��غ�يرا �...آم��ي��ي�ين �إن اجل���ن���ان م��ف��ت��ح��ة �أب���واب���ه���ا �...آم���ي���ي�ي�ن واحل����ور فيها م�����ش��رف��ات ت��ن��ظ��را �...آم��ي��ي�ين لقدوم روح��ك لينظرون لقاءها �...آمييني يف جنة الفردو�س روحك �سائره �...آمييني �سمعوا جميع اخللق و�ضجوا بالبكاء�..آمييني �أ�سفا على الهادي النبي وما جرى �...آمييني والطري يف جو ال�سماء بجالله �...آمييني يبكيعلىاحلبيبمعالنجومالزهرا�...آمييني ي���وم ال��ث�لاث��اء ث��م ي���وم الأرب���ع���اء �...آم��ي��ي�ين ي���وم اخل��م��ي�����س ك���ان ي��وم��ا �آخ����� َر �...آم��ي��ي�ين ل��ع�����ش��ي��ة دف����ن ال��ن��ب��ي حم���م���دا �...آم���ي���ي�ي�ن يف ل��ي��ل��ة غ�����راء �أم�������س���ى م���ق�ب�را �...آم���ي���ي�ي�ن ث��م ال�����ص�لاة على النبي حم��م��دا�...آم��ي��ي�ين م��ا الح جن��م يف ال�سماء و�أزه����را �...آم��ي��ي�ين
ب�سم اهلل الرحمن الرحيم
الح امل�����ش��ي��ب ب��ع��ار���ض��ي ف����أك�ث�را �...آم��ي��ي�ين الن�شيد الثالث:
وم�ضى ال�شباب ل��ل��وداع ف���أدب��را �...آم��ي��ي�ين ي���ا راح���ل�ي�ن �إل���ـ���ى م��ن��ـ��ى ب��ق��ي��ـ��ادي ه��ي��ج��ت��م��وا ي�����وم ال���رح���ي���ـ���ل ف����ـ�����ؤادي ���س��رمت و���س��ار دليلكم ي��ا وح�شتـي التعليم في الساحل ال�������ش���وق �أق��ل��ق��ن��ي و����ص���وت احل���ـ���ادي الشرقي قديم وأول وحرمتموا جفني املنام ببعدكـم من بدأ التعليم في من �أنا�شيد التومينة ي�����ا ����س���اك���ن�ي�ن امل���ن���ح���ن���ـ���ى وال�����ـ�����وادي الكتاتيب هو المطوع الن�شيد الأول: وي��ل��وح يل م��اب�ين زم���زم وال�صفـا ب�سم اهلل الرحمن الرحيم� ،سبحان خالق عبد اهلل البديع سنة ع��ن��د امل���ق���ام ���س��م��ع��ت ���ص��وت م��ن��ادي ط�يره��ا ووح��و���ش��ه��ا� ،آم��ي��ي�ين ،حتى ال���دواب 1932م ،في عهد ال�سـرى وي��ق��ول يل يانائما جـد ُ و���ص��ور الإن�����س��ان� ،آم��ي��ي�ين� ،سبحان خالقنا الشيخ سعيد بن حمد ع�����رف�����ات جت���ل���و ك�����ل ق���ل���ب ����ص���ـ���ادي لف�صل ق�ضائه� ،آم��ي��ي�ين ،ل��ي��وم ت�شيب من القاسمي والذي من نال من عرفات نظرة �ساعة �أه��وال��ه ال��ول��دان� ،آم��ي��ي�ين ،ي��ا نف�س ويحك كان حاكم ً من لكل ا ن������ال ال���������س����رور ون�������ال ك����ل م����ـ����رادي ف��ات��رك��ي ق�����ص��د ال���ه���وى� ،آم��ي��ي�ين ،و�أع�����ص��ي
خورفكان وكلباء بين عامي 1937 - 1903
�صلى عليك اهلل يا علـم الهـدى ت��اهلل م��ا �أح��ل��ى املبيت على منـى يف ل���ي���ل ع���ي���د �أب�����ـ�����رك الأع����ي����ـ����ادي م����ا ����س���ار رك�����ب �أو ت���رن���ـ���م ح���ـ���ادي �ضحوا �ضحاياهم ثم �سال دما�ؤها و�أن��������ا امل���ت���ي���م ق����د ن���ح���ـ���رت ف����ـ�����ؤادي احل�سود ال ي�سود يتذكر ال�شيخ �سعيد املطلعي احل�ي��اة يف لب�سوا ثياب البي�ض �شارات اللقاء و�أن�������ا امل����ل����وع ق����د ل��ب�����س��ـ��ت ����س���ـ���وادي امل��ا��ض��ي مب��ا فيها م��ن ال���ص�ف��اء وال�ن�ق��اء فيقول «احل�ي��اة يف املا�ضي كانت �أف�ضل ي��ارب �أن��ت و�صلتهم �صلني بهـم بكثري م��ن الآن وال�ن�ف��و���س ك��ان��ت نظيفة ُ ف��ب��ح��ق��ه��ـ��م ي���ـ���ا رب ف����ـ����ك ق���ي���ـ���ادي ونقيه ال ح�سد فيها وال منيمة ،حتى �أنهم ف������إذا و���ص��ل��ت��ـ��م ���س��امل��ي��ـ��ن فبلغـوا كانوا يثقون ببع�ضهم واجلار يحافظ على ُ م��ن��ي ال�����س�لام �أه��ي��ـ��ل ذاك ال���ـ���وادي �سمعة ج��اره و�أه�ل��ه كخوفه على �أ�سرته، ق��ول��وا لهم عبـد الرحيـم متيـم وكانوا يهتمون ب�إقامة ال�صالة والفرائ�ض وم����ف����ـ����ارق الأح����ـ����ب����ـ����اب والأوالد وب��الأع �م��ال احل�سنة ويجتنبون احل�سد،
وق��د ق��ال ر��س��ول�ن��ا ال �ك��رمي – �صلى اهلل عليه و�سلم حتذير ًا من احل�سد�« :إياكم واحل�سد ف�إن احل�سد ي�أكل احل�سنات كما ت�أكل النار احلطب �أو قال الع�شب» ،رواه �أب��و داوود واملثل العربي امل�شهور يف ذلك يقول «احل�سود ال ي�سود». وي�خ�ت��م ال�شيخ �سعيد �سليمان املطلعي حديثة بهذا الدعاء «اللهم ارفع عنا الغالء والبالء وال��زالزل واملحن و�سوء الفنت ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خا�صة و�سائر ب�لاد امل�سلمني عامة ،واحلمد هلل رب العاملني» .رحم اهلل هذا ال�شيخ اجلليل و�أ�سكنه ف�سيح جناته
حكايات من الذاكرة 114 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
«السندريال»
تراجيديا الحياة والموت! القاهرة -ه�شام علي مل تع�شق الكامريا جنمة كما ع�شقت �سعاد ح�سني ،ومل تغدر الكامريا بنجمة كما غدرت ب�سعاد ح�سني ،منحتها «الكامريا» املجد الفني وحب اجلماهري ،والنجومية الطاغية ،ويف حلظة �سحبت منها كل هذا ،و�أبرزت التجاعيد واخلطوط ال�سوداء والرتهل ،رفعتها �إىل ال�سماء ودفعتها �إىل الأر�ض� ،شدتها بق�سوة من دفء �أح�ضان اجلماهري �إىل بالد ال تعرف ال�شم�س ،كتبت نهاية فيلم «ال�سندريال» على �أر�ض باردة ال تعرف الرحمة! رغ��م م�ساحة البهجة ال�ت��ي ك��ان��ت تفر�شها ابت�سامة �سعاد ح�سني على جمهورها �سواء يف دور العر�ض ال�سينمائي �أو �أمام التليفزيون� ،إال �إنها كانت تخفي يف داخلها �شخ�صية حزينة، رمبا ب�سبب املعاناة القا�سية التي عا�شتها يف طفولتها ،والتي �أفردت لها �صحافة ال�ستينيات القاهرية ،بعد �أن فوجئ اجلميع ،بق�ضية ت�تردد يف كوالي�س املحاكم ،طرفاها �سعاد ح�سني و�شقيقتها املطربة جن��اة ال�صغرية، يف مواجهة والدهما ال��ذي قام برفع دعوى ق�ضائية يطالبهما فيها بالإنفاق عليه ،لكن �سعاد وجناة رف�ضن وك�شفن كيف كان هذا الأب قا�سي ًا معهما ي�ستغلهما يف احلفالت وهما طفلتان ا�ستغال ًال ب�شع ًا ،لدرجة �أنه كان يتقا�ضى ما يح�صال عليه من �أجر ويرتكهما بال طعام بالأيام. وقد حدث هذا �أكرث مع جناة ،يف املقابل كانت �سعاد �ضحية زوجة الأب القا�سية التي كانت تتفنن يف تعذيبها ،ومل ينقذ �سعاد من هذا امل�صري �إال مكت�شف النجوم يف اخلم�سينيات وال�ستينيات الكاتب عبد الرحمن اخلمي�سي الذي قدمها يف فيلم «ح�سن ونعيمة» مع املطرب حمرم ف ��ؤاد ،هذا الفيلم ال��ذي �أح��دث �ضجة يف الو�سط ال�سينمائي و�أعلن عن ميالد جنمة جديدة وع�صر جديد يف ال�سينما امل�صرية بطلته
�سعاد ح�سني التي كان وجود ا�سمها على «�أفي�ش» �أي فيلم يكفل له النجاح اجلماهريي الكبري، بعد �أن �أ�صبحت «ال�سندريال» هي فتاة �أحالم ال�شباب ،ومن��وذج البنت امل�صرية الع�صرية، والفنانة ال�شاملة وهذا ما كانت تفتقده النجمات الالتي �سبقوها على ال�شا�شة من �أمثال مديحة ي�سري ،وفاتن حمامة ،ومرمي فخر الدين. وعلى الرغم من كل هذا النجاح الفني �إال �أن �أنها �صادفت ف�ش ًال على امل�ستوى العاطفي �سواء يف زيجاتها التي انتهت جميعها بالطالق، لأ�سباب خمتلفة� ،أو ق�صة حبها مثار اجلدل م��ع العندليب الأ�سمر عبد احلليم حافظ، �سواء تزوجها عرفي ًا �أم مل يتزوجها ،يف النهاية كتب لهذا احلب �أن يف�شل وال يرى النور ويبقى وجبة �صحفية د�سمة للنميمة ،كما حدث بعد طالقها من املخرج علي بدرخان ،البع�ض �أكد �أن عدم قدرة �سعاد على الإجناب دفع والدته �إىل الإ�صرار على طالق ابنها منها ،والبع�ض �شهر بزوجها علي بدرخان وقال� :إنها هي التي طلبت الطالق بعد �أن علمت بخيانته لها ،وهذا ما نفاه بدرخان كثري ًا ،خ�صو�ص ًا بعد �أن تعر�ض م�سل�سل «ال�سندريال» لواقعة اخليانة ،و�إذا كان طالقها من بدرخان ترك �أثار ًا نف�سية دفعتها �إىل طريق االكتئاب. وال ميكن �أن نتجاهل طالقها من املخرج ال�شاب
زكي فطني عبد الوهاب ابن الفنانة ليلى مراد، التي رف�ضت هذا الزواج من البداية ،على الأقل ب�سبب ف��ارق ال�سن الكبري بني �سعاد وابنها الذي مل يتحمل �ضغوط �أمه ور�ضخ يف النهاية ومل ي�ستمر ال ��زواج ،بعد ه��ذا الطالق الذي مت يف �صمت كبري بعيد ًا عن ال�صحافة� ،أخذ م�سارها الفني ي�أخذ منحنى �آخر من الرتاجع، وال�سقوط املدوي الذي مل تتحمله ال�سندريال، خ�صو�ص ًا بعد �سقوط فيلمها «الدرجة الثالثة» مع النجم �أحمد زكي يف مواجهة فيلم «حالة تلب�س» بطولة �سماح �أنور. فقد رف��ع ال��درج��ة الثالثة م��ن دور العر�ض ال�سينمائي بعد �أ�سبوع واحد من عر�ضه ،وقتها �شعرت بالإهانة الكبرية واهتزاز الأر���ض من حتتها وتخلى جمهورها عنها ،وتكرر معها املوقف نف�سه يف فيلم «الراعي والن�ساء» فلم يرحمها جمهورها ومل مينحها فر�صة �أخرى للعودة ل�ل�أ��ض��واء والنجومية ،ان�سحبت يف هدوء �إىل لندن جتر هزميتها الفنية و�أحزانها العاطفية و�سل�سلة الأمرا�ض التي هاجمتها، وعبثت بجمالها وبريقها ،كل هذه الأحزان يف حياة ال�سندريال تف�سر �سر �صداقتها العميقة مع ال�شاعر الرائع �صالح جاهني ،حزنهما الداخلي دفعهما نحو ال�صداقة النبيلة واال��ش�تراك يف االكتئاب القاتل ،ثنائي فني مده�ش �صالح
و�سعاد ،قدما لل�سينما امل�صرية �أهم �أفالمها اال�ستعرا�ضية «خللي بالك من زوزو» و�أجمل م�سل�سل ا�ستعرا�ضي غنائي «هو وهي». وعلى الرغم من �أن خللي بالك من زوزو ا�ستمر عر�ضه يف ال�سينما �أكرث من � 22أ�سبوع ًا ،مل ي�سلم هو الآخر من هجوم النقاد عليه وعلى خمرجه ح�سن الإمام ،وم�ؤلفه �صالح جاهني ال��ذي ا�ستوحى فكرة الفيلم من ق�صة حياة ال�صحفية الكبرية بهرية خمتار التي كانت تتوىل رئا�سة ق�سم التحقيقات ب��الأه��رام، وو�صلت �إىل منا�صب �صحفية راقية ،وهي ابنة الراق�صة نبوية م�صطفي والريا�ضي العظيم خم �ت��ار ح�سني احل��ا� �ص��ل ع�ل��ى امل�ي��دال�ي��ات الذهبية يف الأومل �ب �ي��اد� ،صحيح �أن نبوية م�صطفي مبجرد زواجها اعتزلت الرق�ص وتفرغت لرتبية �أبنائها ورعاية زوجها البطل، وهذا ما مل يظهر يف الفيلم الذي اعتمد على فكرة عمل عليها الكاتب وهي ابنة الراق�صة التي تربت يف �شارع «حممد علي» يف الوقت الذي كانت تدر�س فيه يف كلية الإعالم ،وحتى ال يخطفنا بريق خللي بالك م��ن زوزو من �سعاد ح�سني ،البد �أن نتوقف عند ملاذا رحلت �سعاد ح�سني وهي �شبه مفل�سة؟! الإج��اب��ة �سمعتها م��ن ك��ات��ب �صحفي كانت ت��رب�ط��ه ب�ه��ا � �ص��داق��ة ك �ب�يرة ،ل�ك�ن��ه رف�ض �أن ي �� �ش��ارك يف م��ول��د احل � ��وارات عنها يف الف�ضائيات والرتبح من ورائها بكتابة املقاالت لدرجة �أنه ا�ستحلفني �أال �أ�ستغل ا�سمه يف �أي مو�ضع �أكتب فيه عن �سعاد ح�سني� ،صديقي ال�صحفي ق��ال يل� :سعاد ك��ان��ت �شخ�صية جماملة ف��وق احل� ��دود ،كثري م��ن الأع �م��ال التي �شاركت فيها مل تتقا�ض عنها �أج��ر ًا ت�شجيع ًا ملنتج يف بداية حياته� ،أو جماملة لزميل يخو�ض جتربة الإن �ت��اج ،لكن يبقى لعب «ال��ورق» �أهم عيوبها ،والذي دمر كثري ًا من ر�صيدها املادي ،حتى �أن املنتجني عندما كانوا يتفاو�ضون معها على فيلم جديد وكانت ترفع �أجرها كانوا ال يغ�ضبون منها ويوافقونها على طلباتها و�شروطها ،لأنهم على علم �أن ما �أخذته منهم يف املكتب �سوف يح�صلون عليه لي ًال على مائدة «الكوت�شينة».
يف املقابل مل تتعر�ض جنمة يف تاريخ الفن امل�صري لالبتزاز ،كما حدث مع �سعاد ح�سني، ابتزوها يف حياتها بال�شائعات التي �أطلقوها عليها لي ًال ون �ه��ار ًا ،وبعد رحيلها باملتاجرة بتاريخها وحياتها و�أ�سرارها ،الذي �صافحته مرة يف افتتاح فيلم علي �سبيل املجاملة منح نف�سه حق ت�أليف كتاب عن �أ�سرار �سعاد ح�سني والذي قابلها على �سبيل امل�صادفة يف م�صعد بيتها ظهر يف الربامج الف�ضائية ،يحكي عن م�شواره مع �سعاد ح�سني ،مل يرحموا هذه النجمة الرقيقة حية ومل يرتكوها يف حالها ميتة ،اغتالوها معنوي ًَا ورق�صوا على جثتها. �صحفية كبرية يف م�ؤ�س�سة �صحفية حمرتمة، وج�ه��ت لها طعنة غ ��ادرة وه��ي يف ل�ن��دن يف مقال� ،أدق و�صف له �أنه كان خنجر ًا م�سموم ًا كتبت ال�صحفية�« :أنها تت�سول يف لندن ،ومل يكفها هذا التلفيق ال�صحفي �أخذت تعايرها بجمالها الذي ذهب ،وزيادة وزنها الذي تعانيه ب�سبب ت�ن��اول الأدوي ��ة وحقن الكورتيزون». وبع�ض امل��واق��ع روج��ت �أن �سعاد يف �أيامها الأخرية ،قامت بتغري ديانتها من الإ�سالم �إىل امل�سيحية بعد �أن احت�ضنتها طائفة تب�شريية ا�ستغلت احلاجة التي كانت تعي�ش فيها و�آالم املر�ض املزمن التي كانت تالزمها ،والوحدة التي عا�شتها يف �آخر م�شوار حياتها. حتى طريقة رحيلها �صنعوا منها «فيلماً ب��ول �ي �� �س �ي � ًا» وروج� � ��وا �أن� �ه ��ا ��ض�ح�ي��ة عملية خمابراتية ،كما يحدث يف الأفالم الأمريكية، عندما تريد الأجهزة �أن تتخل�ص من عمالئها ال�سابقني ،و�أكد هذا الكالم ما �صرح به اللواء ف�ؤاد ن�صار املدير الأ�سبق جلهاز املخابرات العامة يف ع�صر الرئي�س ال�سادات يف �أكرث من و�سيلة �إعالمية�« :سعاد ح�سني كانت جمندة للمخابرات امل�صرية هي وغريها ،وهذا كان �أ�سلوب ًا من الأ�ساليب التي تتبعها املخابرات للح�صول على املعلومات من ال�شخ�صيات التي متيل جتاه ال�سيدات ،فكانت املخابرات ت�أتي بهن وتعرفهن على هذه ال�شخ�صيات ليجل�سن معهم ويدخلن غرفهم وي�سجلن لهم ،وبهذا يكون معنا �سالح �ضد هذه ال�شخ�صيات». وبعيد ًا عن ما تردد عن طريقة جتنيد �سعاد
ح�سني ،التي �أف ��ردت لها اعتماد خور�شيد �صفحات يف كتابها «مذكرات اعتماد خور�شيد» الذي �أثار �ضجة يف القاهرة ـ بعد ت�صريحات ال�ل��واء ف���ؤاد ن�صارـ ن�ستطيع �أن نقف على �أ�سباب م�ساحة ال�صدق الذي قدمت به �سعاد ح�سني �شخ�صية «زينب» يف فيلم «الكرنك» طالبة اجلامعة التي مت �إجبارها على كتابة التقارير �ضد زمالئها ،وك�أنها يف هذا الفيلم �أرادت �أن تنتقم من الذين ا�ستغلوها لأداء �أدوار ترف�ضها ولكنها �أجربت على تقدميها. وه��ذا امللف بالكامل -ا�ستغالل الن�ساء يف املخابرات -تناولته ال�سينما امل�صرية يف فيلم «ك�شف امل�ستور» للكاتب وحيد حامد واملخرج الراحل عاطف الطيب ،ورغم ما يت�ضمنه الفيلم من �إ�شارات وا�ضحة ع��ن طبيعة العمليات التي كانت تكلف بها العميالت من نوعية �سعاد وغريها، مل يتعر�ض الفيلم لأزم��ات رقابية ،ومل يتدخل «مق�ص الرقيب» يف حذف �أي من م�شاهده
عمران 116 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
بغداد -مقر اجلي�ش العثماين -ال�رساي 1918 -
عمارة الشعب ..
المشترك بين الطرز العثمانية والكولونيالية والمحلية في بغداد
�شاكر لعيبي
الكلية الطبية ،بغداد ،1932مكتبة الكونغر�س.
منذ القرن التا�سع ع�شر ،عند نهايات الدولة العثمانية ،ومع حركة دخول اال�ستعمار للعامل العربي دخل طراز جديد من العمارة �سمي بالعمارة الكولونيالية �أو اال�ست�شراقية �أو امل�ستعربة ،خا�صة يف مدن مثل القاهرة والإ�سكندرية واجلزائر وتون�س العا�صمة و�صفاق�س واليمن وبريوت والدار البي�ضاء ودم�شق وحلب والرباط والقد�س� .إنها تغرتف عنا�صرها الأ�سا�سية من العمارة الأوروبية احلديثة لكن تط ِّعمها بعنا�صر من العمارة الإ�سالمية واملحلية� ،أو متنحها مظهراً حملياً. الكمي الأوف��ر من لعل للقاهرة الن�صيب ّ مبان هذه العمارة لأ�سباب معروفة ،فكانت ِ مثل بنك م�صر يف القاهرة «ال�شياك »1929 ومعهد املو�سيقى العربية «فريو�ش »1923 دلي ًال على امتزاج العنا�صر. يف دم�شق ت�ق��دم �أب�ن�ي��ة امل�شفى الإي�ط��ايل واملدر�سة االيطالية مثالني وا�ضحني لها .يف بريوت نراها اليوم ،ح�سب رهيف فيا�ض، يف ��ش��ارع ف��و���ش ،و��ش��ارع املعر�ض ،و�شارع اللنبي ،و��ش��ارع وي�غ��ان ،كما ن��راه��ا يف كل ال�شوارع ال�ضيقة واملتعامدة �شمال مبنى ب�ل��دي��ة ب�ي�روت .م��ن الأم�ث�ل��ة الأخ���رى على العمارة الكولونيالية يف بريوت بناية جامعة هايكازيان يف منطقة القنطاري يف بريوت التي ت�ستخدم ت�ك��رار القو�س ال�ق��وط� ّ�ي مع املحافظة على مر�أي «م�شرقي» خمادع بهيج. يف عدن ميكن الإ�شارة �إىل بناية �شركة باردي « La maison Bardeyمنزل رامبو» واملتحف احلربي ،والكثري من البنايات غري ذلك.
بل �إن العمارة الكولونيالية وجدت �أن�صار ًا اليمني «رائ��د حمليني لها ،مثل املعماري ّ ال �ع �م��ارة ال�ط�ي�ن�ي��ة يف ح �� �ض��رم��وت ،قبل امل�صري اجلليل ح�سن فتحي» علوي �أب��و ب�ك��ر ال �ك��اف ،م�ص ّمم َق ��ْ��ص � َر ْي ب��ن داع��ر ب�سي�ؤن «�سنة 1935م» وق�صر ع�شة برتمي الذي بناه البناء املعلم يعمر باحري�ش قبل الق�صر الأول. م��ن ال �ن��ادر �أن ي�ق��ع احل��دي��ث ع��ن ع�م��ارة كولونيالية يف عمارة بغداد احلديثة .ميكن احلديث عن هذا الأ�سلوب على �سبيل املثال يف مبنى «� �س��راي احل�ك��وم��ة» �أو «الق�شلة»
نصب الجندي المجهول الذي صممه الجادرجي الذي يُنظر إليه على أنه عمل تجريدي مستلهم من شكل الضريح الشعبي في العراق ّ
ال��ذي يعود تاريخه �إىل زم��ن وايل بغداد «نامق با�شا» عام 1861م ومن ثم «مدحت با�شا» الذي ا�ستكمل امل�شروع م�ضيف ًا طابق ًا ثاني ًا وب��رج ال�ساعة امليكانيكية ال�شهرية. من اجلدير بالذكر �أن وايل بغداد مدحت با�شا ك��ان قد �أم��ر بهدم �سور بغداد �سنة 1870م ال�ستعمال طابوقه يف بناء دي��وان �سراي احلكومة .لكن ما هي اخل�صائ�ص تقرب غالبية عمارة ال�سراي الأ�سلوبية التي ِّ من العمارة الكولونيالية؟.
خ�صائ�ص �أ�سلوبية
منذ وق��ت مبكر ،ك��ان ب��إم�ك��ان بناية مقر �اين ال �ق��دمي ،يف «ال���س��راي» اجلي�ش ال�ع�ث�م� ٍ �أن جت��اري من��ط العمارة الكولونيالية� .إن الأع�م��دة الأ�سطوانية اليونانية-الرومانية امل�ك� ّررة ذات التيجان املز ّينة من �أعالها بطريقة قليلة الإثارة ،ذات امل�ستويني� :أربعة منها ع�ن��د امل��دخ��ل ال��رئ�ي����س ،وه��ي الأك�ث�ر
عمران 118 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
�سينما الزوراء ،بغداد عام .1944
ع �ل��و ًا م��ن الأخ ��ري ��ات يف امل���س�ت��وى ال �ث��اين، حت��اول االن�سجام ،ب�شكل ملفق مع الأقوا�س الإ�سالمية ،خا�صة و�أن �أ�سلوبها قليل احل�ضور يف قو�س العمارة العبا�سية -البغدادية .هنا حماولة للتال�ؤم بني �أ�سلوبني مع الإبقاء على »روح« معماري مربوط ،بطريقة ما مع �إرث العمارة الإ�سالمي. وهذا الأمر كانت قد حاولته العمارة العثمانية منذ وقت �أبكر من ذلك يف �إ�سطنبول وغريها من املدن ،لي�س فقط لأ�سباب جغرافية وبيئية، ولكن لأنها كانت حتاول التق ّرب من العمارة الأوربية ال�سائدة ،املعا�صرة يومها ،مع البقاء، بوعي م�سبق ،يف تخوم عمارة تليق ب�إمرباطورية �إ�سالمية تلم م�يراث البلدان الواقعة حتت �سيطرتها ومتثلها وتر ّوج جلوهر عماراتها. كانت العمارة العثمانية ت�ق� ِ�دّم يف الهام�ش العراقي على ا�ستحياء ،وقبلها بج�سارة يف
�إ�سطنبول املركز� ،أمثلة مواظبة للأ�سلوب والوعي النظري والأيديولوجي الذي يح ّرك يف احلقيقة ما �سي�س ّمى بالعمارة الكولونيالية، قبل عمارة اال�ستعمار الربيطاين للعراق. �إن مثال املدر�سة امل�أمونية ب��ارز �أي�ض ًا يف هذا ال�سياق .العمارة الكولونيالية مرتبطة
قدمت العمارة العثمانية في الهامش العراقي وفي إسطنبول المركز أمثلة مواظبة لألسلوب والوعي النظري واأليديولوجي سيسمى الذي حرّك ما ّ بالعمارة الكولونيالية قبل عمارة االستعمار البريطاني للعراق
ج��وه��ري� ًا باال�ستعمار .وجت��د �أه��م �أمثلتها يف مدينة ب �غ��داد ،منذ ع�شرينيات القرن الع�شرين .ولعل بناية املتحف العراقي عام 1926وكلية الطب مثاالن بارزان هنا� ،أ�ضف لهما ،قبل ذلك ،مبنى القن�صلية الربيطانية الذي كان يقع يف �شارع النهر. يف الوعي العثماين اخلجول لتحديث العمارة، ع�بر م��زج ال�ع�ن��ا��ص��ر الإ� �س�لام �ي��ة بغريها، و�سيا�سي� ،سنجده ثمة هاج�س �أيديولوجي ّ يف كل ممار�سة ثقافية �أخ��رى ،ويقع �أ�صله يف زع��م ال��دول��ة العثمانية �أنها تتابع �أي�ضا هواج�س ع�صرها و�أنها ال تق ّل »ح�ضاري ًة« عن الإمرباطوريات اال�ستعمارية التي كانت تناف�سها .كانت تزعم وت�سعى كذلك �إىل الإم�ساك بجوهر احلداث ٍة املهيمنة حينها، بالرتافق مع ارتباطها الإيديولوجي املحتم بالثقافة الإ�سالمية التي ك��ان العثمانيون يعتربون �أنف�سهم مرجع ًا لها ولعنا�صرها املعمارية .من هنا يخرج �أي�ضا هذا الأ�سلوب املعماري الهجني .واملفردة الأخ�يرة ال تريد بحال �أن تكون حكم قيمة. على م�ستوى ف��ن ال�ب�ن��اء هجر املعماريون امل �ج �ه��ول��ون «ق �ب��ل ظ �ه��ور م�ع�م��اري��ي حركة العمارة احلديثة املعروفني» �سريع ًا ،ورمبا عفوي ًا ،الأ�سلوب الكولونيايل ل�صالح �أ�سلوب يت�ضمن القليل والكثري من الالر ديكو والالر نوفو l'Art Nouveauا َمل � ِ�رح ال��ذي ُي ْحرج بالأحرى ويزعج نزوع العمارة اال�ستعمارية ال�صارم قلي ًال واملفربك�» .سنظل ن�ستخدم املفردة »ارت ديكو« كما هي من دون ترجمتها = فنون الديكور ،التزيني ،التزويق kالتي تفقدها معناها الأ�صلي متام ًا«.
الفن اجلديد
يف ذلك الن�صف الثاين من القرن التا�سع ع�شر انتع�شت اجت��اه��ات جم ��ددة مثل ما ي�سمى « jugendstilميكن ترجمتها بالفن اجل��دي��د» يف �أمل��ان �ي��ا وال �ف��ن اجل��دي��د Art Nouveauيف فرن�سا والأ��س�ل��وب احلديث Moderne Styleيف �إنكلرتا و�أمريكا ،وكانت تظهر خا�صة يف الفنون التطبيقية :الديكور
الداخلي والعمارة والطوبوغرافيا والفنون الغرافيكية. ميكن اللقاء بهذا الأ�سلوب -بطريقة �أولية- لدى العديد من الفنانني ممن يعتربون من املب�شرين وال��رواد للفن احل��دي��ث� .إن فان كوخ ومونخ و�سورا وتولوز لوتريك قد ا�شتغلوا بخ�صائ�صهم اجلمالية الفردية بني 1880 و 1900وه��م يختلفون ال��واح��د ع��ن الآخ��ر لكن بينهم ،على ما يقول هربرت ريد� ،أمر ًا واحد ًا م�شرتك ًا �أال وهو �أنهم كانوا يتقا�سمون ذلك الأ�سلوب بطريقة ال واعية. كان �سيزان يرف�ض ب�شدة العن�صر الزخريف: l’élément decorativeالذي �ساد يومها. وقد قال مرة عن ماتي�س بنربة فيها �شيء من االحتقار�» :إن��ه �صانع �صور �صينية un « fabricant d’images chinoisesوهي جملة تخفي رف�ض ًا لتلك الرمزية امل�صطنعة ت�س ُم كل الفن التي كانت ب�شكل �أو ب�آخر ِ الغربي يف ال�سنوات الع�شرين الأخ�يرة من القرن التا�سع ع�شر. م��ن ال�صعب ال �ق��ول �إن ف��ان ك��وخ وت��ول��وز لوتريك كانا م��ن �صناع ال�صور ال�صينية التي مل يكن �سيزان يحبذها .كان ثمة -يف تقربهم من مونخ الأقل -وجهة يف �أعمالهم ِّ وغوغان ،واحلديث دائم ًا لهربرت ريد .هذا الأ�سلوب كان ي�أتي من منطقتني اثنتني غري متوقعتني� :إنكلرتا واليابان .من �إنكلرتا و�صل ت�أثري قوي ،وظهر خا�صة يف العمارة والفنون التطبيقية ،لكنه مار�س ت�أثريه الأ�سلوبي على الت�صوير والنحت .يتعلق الأمر باحلركة التي �أ�س�سها وليام موري�س» William Morris »1834 - 1896نحو العام 1880التي ت�سمى »فن وحرفة« التي �أثرت على الفن الإنكليزي يف القرن الع�شرين� .إ�ضافة �إىل ظهورها يف �أ�شغال املوبيليا وال�سجاد وورق املر�سوم «ورق احليطان» والكتب املزينة بالر�سوم ف �ق��د ظ �ه��رت يف ع� �م ��ارة ت �� �ش��ارل��ز ري�ن��ي ماكنتو�ش Charles Rennie Macintosh وت�شارلز فواي�سي Charles Voyseyيف �إنكلرتا .ثم غ��دت حركة عاملية ،مزدهرة يف جميع �أوروب� ��ا ،يف ال�ع�م��ارة البلجيكية
رفعت اجلادرجي -ن�صب اجلندي املجهول
كان الشرق يبدو يوم ذاك واحد ًا ومتشابه ًا بسبب سهو معرفي ما زالت بعض آثاره قائمة حتى اليوم حيث ال يميز البعض بين العربي والتركي والفارسي والهندي ألنهم من المسلمين فحسب والهولندية والفرن�سية والأمريكية ،لكن �أي�ض ًا يف الفنون الغرافيكية والتزويقية يف العامل �أجمع .وم��ن امل��ؤك��د ،ي�ؤكد ري��د� ،أن القا�سم امل�شرتك ال��ذي يوجد ل��دى جميع �أولئك املعماريني واملز ّوقني موجود كذلك يف
�أعمال مونخ وهودلري ال�سوي�سري والرمزي بوفي�س دو �شافان Puvis de Chavannes وت��ول��وز ل��وت��ري��ك و�آخ��ري��ن ك�ث�يري��ن .لي�س التوهم القول �إن بع�ض العنا�صر �ضرب ًا من ُّ التزويقية املوجودة يف �أعمال غوغان وفان كوخ وخا�صة وبالت�أكيد يف الأعمال الأخرية لفويار Vuillardوب��ون��ار Bonnardقد جاءت ال �شعوري ًا من هذا الأ�سلوب. يع ّدد هربرت ريد �أ�ساطني الفن احلديث منت�صف ونهاية القرن التا�سع ع�شر الذين ظهروا يف �إنكلرتا وال بد �أنهم تعرفوا على التزويقي .وبطبيعة احلال ال �أ�سلوب موري�س ّ يتعلق الأمر بتلقف مبا�شر و�آين و�إمنا مثل كل م�ؤثر ف�إنه قد تغلغل رويد ًا رويد ًا لفرتة طويلة و�أح �ي��ان � ًا م��ن دون ال�شعور بكيفية تغلغله و�صريورته بداهة.
عمران 120 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
مناذج من بغداد القدمية
مدر�سة الر ديكو ثمة هاجس أيديولوجي �أم ��ا م��در��س��ة الر دي �ك��و L'Art décoفقد في الوعي العثماني ظهرت ،من الهواج�س نف�سها ،يف فرن�سا بعد العام 1910وانت�شرت يف �أوروب��ا عام 1920للعمارة عبر مزج العناصر قبل انطفائها �سنوات الثالثينيات .وكانت اإلسالمية بغيرها فاعلة بالفنون الزخرفية والعمارة والت�صميم واملو�ضة وجميع الفنون البال�ستيكية .وقد اجتهت نحو اخلطوط الب�سيطة والت�شكيالت الكال�سيكية واال�ستخدام املخت�صر للديكور وبالرغبة بالعودة �إىل التنظيم وال�سيمتريية «التماثلية» و�إىل الر�صانة. �إن هربرت ريد ،وغريه من م�ؤرخي الفن ال ين�سون الأم��ر الثاين ال��ذي �أ�سهم يف ت�شكيل �أ�سلوب الفن احلديث ،وهذا يتعلق ،مداورة إ�سالمي ،وهو م�ؤثر جذري �أ�سهم بالعامل ال ّ يف التطور الأ�سلوبي يف الن�صف الثاين من القرن التا�سع ع�شر نف�سه ،ومل يكن �سوى
الفن الياباين .جلب الت�أثري الياباين لأوروبا واح ��دة م��ن جتديداتها التقنية ال�ت��ي تبدو للوهلة الأوىل من دون كبري �أهمية ،لكنها يف حقيقة الأم��ر غ�يرت م�سرية الفن الأوروب��ي برمته .كان الف�ضول �إزاء اليابان يغزو ال�سوق الأوروب��ي منذ �أوا�سط ذلك القرن عرب �ألف و�سيلة وو�سيلة .ومار�ست الدمغات Estampes �شرقي مبعنى اليابانية ،وهي فن منمنماتي ّ من املعاين ،ولها قرابة يف معاجلة ال�سطوح اللونية مع الفن الإ�سالمي ،ت��أث�ير ًا طاغي ًا على الذائقة الفنية .لقد اخ�ت��ار الفنانون
الأوروب �ي��ون ،على ا�ستحياء ب��ادئ الأم��ر ثم بو�ضوح ،فن اليابان القدمي من �أجل تطوير املوحدة وتغييب املنظور قلي ًال ال�سطوح املل َّونة َّ وهجر دقة التفا�صيل ،بينما اختار ماتي�س بعد �سنوات قليلة ال�شرق الإ�سالمي وفنه خللق �أ�سلوب جديد انطالق ًا من املبادئ نف�سها. لقد انفجرت موهبته ب�سبب عالقته املبا�شرة ببي�سارو كما نعلم .وبي�سارو �سيعلمه عظمة فن �سيزان ،و�سيتعلم من �سيزان مبد�أ �أ�سا�سي ًا �أال وهو �أن اللون يف فن الر�سم يجب �أن ميتلك بنية و�أن اللوحة تُعمل انطالق ًا من العالقة بني الألوان و�أنها ،الألوان هذه بال�ضبط ،من مينح اللوحة بنيتها .لكن ماتي�س �سي�شهر فكرة �أن «التعبري» �أ�سا�سي يف العمل الفني. وك���ان ي �ع��رف ال �ف��ن امل �� �ص��ري والإغ��ري �ق��ي وال�شرقي .وقد ذهب لفن الإ�سالم من �أجل ذل��ك كله� .إن التلوين ال�صارخ للوح�شيني كان قد ُم ّهد له عرب فنانني �آخرين :فان كوخ و�سورا وغوغان خا�صة الذين ا�ستلهموا الفن الياباين من دون �شك .كان ال�شرق يبدو يوم ذاك واحد ًا ومت�شابه ًا ب�سبب �سهو معريف ما زال��ت بع�ض �آث��اره قائمة حتى اليوم حيث ال مييز البع�ض بني العربي والرتكي والفار�سي والهندي لأنهم من امل�سلمني فح�سب. ه ��ذه � �ص��ورة �إج �م��ال �ي��ة حت �ت��اج �إىل رت��و���ش وهوام�ش ال جمال لها� .أما يف حقل العمارة فقد و�صلت نزعة ال�لار ديكو �إىل العمارة العثمانية �أي�ض ًا ،علم ًا �أن بع�ض الآثار املعمارية يف الدولة العثمانية وتوابعها مثل م�صر كانت تعلن نوع ًا من �أرت ديكو يف عمائرها قبل ظهوره الر�سمي ،خا�صة يف عمائر الأ�سبلة العثمانية والقاهرية التي ترقى لل�سنوات بني � 1860-1870أي قبل ظهور ذلك الأ�سلوب. �إن التم ّعن ب��ال��وث��ائ��ق ال�ف��وت��وغ��راف�ي��ة لهذه ال�سنوات يقرتح فر�ضيتنا ب�أن تكون العمارة العثمانية قد �أثرت بر ّواد الرت ديكو .مل تعد الواجهات معنية فقط بالوظيفة �إمنا ان�شغلت بتزيني ق��وي منظم ،و�إىل مفهوم جنيني للديكور كما نعرفه ال�ي��وم ،وه��و م��ا يحتاج ّ مدر�سي و�سيدل �أي دليل �إىل درا�سة �أخرى. ّ يتعلق بعمارة �إ�سطنبول بداية القرن الع�شرين
منوذج �أر يكو من �سوق مدينة ال�سليمانية العتيق
على ت�أثر املدينة العميق �أي�ض ًا بالالرت ديكو ح�سبما تبلورت وانت�شرت يف �أوروبا� .إن بيوت اخل��وا�� ّ�ص البغداديني يف الأح �ي��اء العريقة �ستنغمر بزينة خارجية تتطابق الكثري من عنا�صرها «ال�شرفات والأف��اري��ز والزينة بالطابوق ..ال��خ» م��ع ه��ذا الأ��س�ل��وب الفني اخلارج من القرن التا�سع ع�شر ،بالتزامن مع اال�ستيهامات امل�ألوفة من العمارة العراقية التقليدية .ومن هذه البيوت عينها �سي�ستلهم ب���الأح���رى ب�ع����ض امل �ع �م��اري�ين ال �ع��راق �ي�ين احلديثني بع�ض ت�صاميمهم وعنا�صرهم املعمارية� .إن خوا�ص البناء العراقي القائم على الآجر واخل�شب ي�سمح باللعب التزييني وال�صرامة والتنظيم واالقرتاب بالتايل من الالر ديكو�،أكرث من املواد ال�صلبة ال�ضرورية للمناخات الباردة. ويف ت �ق��دي��ري ف� ��إن ا��س�ت�ل�ه��ام ال�ب�غ��دادي�ين امل��و� �س��وري��ن ل �ه��ذا ال �ط��راز ال�ت��زي�ي�ن� ّ�ي ج��اء م �ت ��أث��ر ًا ب��الأ��ص��ل ب��ال�ت�ج��دي��دات الزخرفية الواقعة على العمارة العثمانية ،بدليل �أن هذا الطراز عينه موجود يف بريوت ودم�شق على �سبيل املثال «منزل �سيدي حميد عام 1860وال�شارع امل�ستقيم يف دم�شق القدمية عام »1900التي توائم -مثل عمارة بغداد الرتاثية -بني �إرثها املحلي والنزعة ال�شاملة
عاملي ًا بتزيني العمائر التي انطلقت منذ القرنني التا�سع ع�شر وبداية الع�شرين يف �أوروب���ا وام �ت��دت �إىل ك��ل م�ك��ان .يف دم�شق وقعت للأ�سباب ذاتها تقريب ًا املزاوجة بني النمط ال�سوري التاريخي ،امل�سمى �أبلق، امل �ب �ن� ّ�ي ب��احل �ج��ر ،وت� ��راث امل���ش��رب�ي��ات مع ح�ضور ت�أثريات تزويقية عثمانية جلية .ويف ب�يروت ي�صري الت�أثري العثماين والفرن�سي بارز ًا ،ويقع ا�ستخدام احلجر للتزيني جوار العنا�صر التزيينية اخلارجية مبواد احلديد وال��زج��اج املع�شق م��ن تلك ال�ت��ي ن��راه��ا يف ب��غ��داد ،وي�ح���ض��ر ال �ق��و���س ال �ق��وط� ّ�ي ج��وار ال�ق��و���س الإ� �س�لام��ي املتنحي ق�ل�ي� ً لا .لكن امل�شربيات تختفي تقريب ًا لعدم احلاجة �إليها ،ونكاد نقول �إن خ�شب الأبواب املرئي خمت�صر ًا من ال�شرفات اللبنانية ي�صري َ مل�شربي ٍة �ضامر ٍة ،مرتاجع ٍة �إىل م�ستوى
في مبنى مركز االتصاالت في شارع الرشيد الذي صممه الجادرجي عودة إلى جميع العناصر البغدادية من دون أن يكون محض استعادة للماضي
�سطح البناء ،وه��ي ت ��ؤدي يف طق�س رائق وظيفة مناخية وجمالية من طينة وظائف امل�شربيات الكاملة يف الطق�س القائظ. ث��م �أن ه��ذه ال�شرفات ال�صغرية الناتئة وا ألف��اري��ز البريوتية احلديدية اخلارجية تت�شابه �إىل حد بعيد ب�أحجامها و�أ�شكالها، من جهة �أخ��رى ،مع الكثري من النماذج العراقية مث ًال «ق��ارن بنايات و�سط البلد واجلميزة يف بريوت مع النماذج البغدادية املن�شورة هنا».
تاريخ امل�شربيات
علينا التذكري يف هذا ال�سياق ب�أن امل�شربيات �أو ال�شنا�شيل هي عن�صر معماري عراقي َب ْ�ص ِر ّي قدمي ،ويرد ذكر لها يف حكاية يرويها امل��ؤرخ اجلاد الطربي عن وايل الب�صرة يف عهد اخلليفة عمر بن اخلطاب .وكان للوايل املغرية بن �شعبة جار ا�سمه �أبو بكرة «ينافره عند كل ما يكون منه ،وكانا بالب�صرة ،وكانا متجاورين بينهما طريق .وكانا يف م�شربيتني متقابلتني لهما يف داري�ه�م��ا يف ك��ل واح��دة منهما ك ّوة مقابلة الأخرى .فاجتمع �إىل �أبي بكرة نفر يتحدثون يف م�شربته ،فهبت ريح، ففتحت باب الك ّوة فـقام �أبو بكرة لي�صفقه، فب�صر باملغرية –الوايل -وقد فتحت الريح
عمران 122 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
مبنى القن�صلية الربيطانية� ،شارع النهر ،بغداد 1909
–�أي�ض ًا -باب كوة م�شربته ،وهو بني رجلي عمارة ال�شعب
املعمارية الباقية اليوم يف الأحياء العراقية ال�شعبية ترقى �إىل �سنوات الثالثينيات ،ف�إنها ميكن �أن تكون م�صدر �إل �ه��ام للمعماريني احل��دي�ث�ين امل �ع��روف�ين ال �ب��ارع�ين ال�ق��ادم�ين يف ف�ترة زمنية الح�ق��ة .ه��ذه احلجة لي�ست �شكالنية وحم ����ض منطقية ،وق ��د تربهن عليها االن�شغاالت النظرية والتطبيقية رفيعة امل�ستوى لبع�ض �أه��م املعماريني احلديثني يف ال�ب�ل��د .وب �ع �ب��ارة وا��ض�ح��ة �أخ���رى كانت التجديدات التزيينية الواقعة على عمارة بغداد من طرف «�أ�سطوات» البناء �أقدم من حماوالت ر ّواد التحديث.
امر�أة .فقال للنفر :قوموا فانظروا ،فقاموا ا�ستلهم رواد العمارة العربية احلديثة ،ح�سبما �أ�سطوات» بغداد
فنظروا ،ثم قال ا�شهدوا .قالوا :من هذه؟. قال � :أم جميل ابنة الأفقم ،وكانت �أم جميل �إحدى بني عامر بن �صع�صعة ،وكانت غا�شية للمغرية ،وتغ�شى الأم ��راء والأ� �ش��راف وكان بع�ض الن�ساء يفعلن ذل��ك يف زمانها… » «الطربي ج � 4ص.»69-72 هذه الرواية تعني �أن الق�صة دارت يف طابق �صحت ف�إنها وقعت أر�ضي .و�إذا ّ ثانٍ ولي�س ال ّ يف زمن عمر الذي عا�ش بني 584م – 644م، الأمر الذي يعني �أن امل�شربيات كانت �سائدة يف الب�صرة يف القرن ال�سابع امليالدي ،وهذا وق��ت مبكر .ال نعرف �إ��ش��ارة �أق��دم من ذلك للم�شربيات يف امل�صادر التاريخية ،وه��و ما يجعل من ح�ضورها بداهة يف العمارة العراقية التي انتقلت منها يف الغالب �إىل بقية البلدان الإ�سالمية واملجاورة. ً ن��ود �أن ن�شري َع� َر��ض�ا �أن حتليلنا ي�شدّد يف �سياقه ال�ضيق احل��ايل على امل�شرتك بني الطرز العثمانية والكولونيالية واملحلية يف معني القرن التا�سع ع�شر والع�شرين ،غري ّ بتحليل مدقق للعنا�صر املعمارية الل�صيقة ب �ه��ذه ال�ب�ي�ئ��ة �أو ذاك ال �ب �ل��د ،املمنوحة يف ب �ل��دان ال �ع��امل ال �ع��رب��ي ،م�ن��ذ �سنوات اال� �س �ت �ق�لال�� ،س�م��ات ع��ال�ي��ة واف�ترا��ض�ي��ة الت�ضخم ال��ذي ُيخْ رجها عن �سياقها من ّ البديهي يف املنطقة. التاريخي ّ ّ
ت� ��ؤدي ال���ش��واه��د واال��س�ت�ن�ت��اج��ات املنطقية وال�ت��واري��خ ،بع�ض ًا م��ن م�سعاهم التحديثي املن�سلخ بل الراف�ض للعمارة الكولونيالية ،من «عمارة ال�شعب» الرتاثية التي كان معماريوها جمهويل الهوية قد ت�أثروا بال�ضرورة ،يف تلك اللحظة ،بالقطب الثقايف املهيمن يومها: الدولة العثمانية. م��ن �أج ��ل ه��ذا امل�سعى و�ضعت درا�ساتهم احلديثة للعمارة ن�صب عينها الإرث املعماري املحلي ،لكي ترفعه �إىل م�ستوى �آخر عرب �إدماج ّ عنا�صره مبنجزاتهم التحديثية� .سنظل عند املثال العراقي ب�صفته برناجم ًا للت�شخي�ص، خا�صة و�أن مغزى ونية العودة �إىل ال�تراث املحلي ال��ذي وق��ع الإحل��اح عليه يف مدر�سة ب �غ��داد للفن احل��دي��ث ،الت�شكيلية �سنوات اخلم�سينيات� ،أكرث من �أي مدر�سة ت�شكيلية عربية �أخ ��رى ،لي�س مب�ن��أى ع��ن اال�شتغال بالر�سامني امل �ع �م��اري ال ��ذي ت��رب��ط ر ّواده ّ والنحاتني العراقيني الطليعيني الكثري الوثيق من الروابط الثقافية وال�شخ�صية احلميمة. �إذا ك��ان �صحيح ًا �أن الكثري م��ن ال�شواهد
استلهم رواد العمارة العربية الحديثة بعض ًا من مسعاهم التحديثي الرافض للعمارة الكولونيالية
�إن �أوائل املعماريني احلديثني يعا�صرون ظهور النزعة الزخرفية القوية يف ع�م��ارة بغداد ال�شعبية «يقال عادة الرتاثية ل�سبب غام�ض». �أحمد خمتار �إبراهيم �أول املعماريني احلديثني معروف �سنة « 1936ك ��أول مهند�س معماري حمرتف وم�ؤهل �أكادميي ًا» على ما يقول خالد ال�سلطاين ال��ذي ي�ضيف قبل ذل��ك معلومة مفيدة يف �سياقنا ،هي �أن «العقد الثالثيني �أف��رز ظ��اه��رة ج��دي��دة م�ألوفة يف ال�سياقات الت�صميمية ،وهي ظاهرة البناء وفق ما يعرف بالبيانات امل���ص��ورة «�أو ال��دف��ات��ر امل�صورة» �أي «الكاتالوغات .»CATALOGUEفقد انت�شرت مو�ضة املكاتب التي تعنى بتقدمي �أنواع خمتلفة من الت�صاميم املعمارية املن�شورة يف هذا «الكاتالوغات» ويرتك للزبون حرية اختيار الت�صميم الذي ينا�سبه ويتكفل املكتب املحلي يف جت�سيد «احللم» الت�صميمي �إىل الواقع .و�أكرث ت�صاميم هذه «الدفاتر امل�صورة» هي ت�صاميم �شائعة يف ب�لاد ال�شام وفل�سطني وكذلك يف بلدان حو�ض البحر املتو�سط الأخرى ،كرتكيا وال �ي��ون��ان و�إي�ط��ال�ي��ا وح�ت��ى فرن�سا .وتت�سم ت�صاميم هذه امل�شاريع التي كانت تتبع الأ�سلوب «التوليفي »ECLECTICISMبكثافة فائقة من العنا�صر الزخرفية وا�ستخدام مفردات معمارية ه��ي �أ� �ص� ً لا دخيلة وغ�ير متداخلة وغريبة عن تراث وتقاليد املنطقة العمرانية». �أم��ا ح��ازم نامق فهو من جيل الثالثينيات
تف�صيل من بناية م�رصف الرافدين
�أي�ض ًا ،وهو من �ص ّمم منزل ال�شاعرة مليعة عبا�س عمارة ،وكان قد «تخرج يف جامعة ويلز وهو من �أ�صحاب مدر�سة معمارية �صغرية يف العراق عرفت بتخطيط مبان للدولة تتميز باجلر�أة يف الر�ؤية والت�صميم» على ما يقول جربا �إبراهيم جربا. ثم حممد مكية «ول��د ع��ام 1914ح��از على الدكتوراه من كامربج 1946وو�صل العراق نهاية الأربعينيات» وه�شام منري «من مواليد ،1930مهند�س مقر نقابة املهند�سني يف املن�صور ،و«ق�صر ال�سالم» �سنة 1964ومبنى «وزارة التجارة» يف منت�صف ال�سبعينيات ،يف �ساحة اخل�لاين ببغداد» ورفعت اجلادرجي «ولد يف »1926وجعفر عالوي «ولد يف »1915 وعبد اهلل �إح�سان كامل «ولد ،»1919ومدحت علي مظلوم « »1973 - 1913وقحطان عوين « 1926ــ »1972وكان ع�ضو ًا يف جماعة بغداد للفن احلديث. اال�سمان الأ�سا�سيان الكبريان املعروفان بعودتهما �إىل الرتاث املعماري البغدادي هما حممد مكية ورفعت اجلادرجي .تبدو مادة الآجر -الطابوق حا�ضرة يف ن�سيج الأع �م��ال الت�صميمية التي نفذها مكية يف نهاية الأربعينيات واخلم�سينيات، ويطلق �أحيان ًا على �أعماله وجمايليه ا�سم املدر�سة املعمارية البغدادية� .أما اجلادرجي الذي ت�أثر بفالرت كروبيو�س « »1883-1969وفرانك لويد رايت « 1869ــ ،»1959فقد �شرع بعد العام 1962 يف التعامل مع املواد املحلية «كالآجر» من �أجل تكري�س نوع من اخل�صو�صية املحلية� .إن عالقاته
أقدم إشارة للمشربيات في المصادر التاريخية تفيد بحضورها في العمارة العراقية التي انتقلت منها في الغالب إلى بقية البلدان اإلسالمية والمجاورة مع الفنانني الت�شكيليني يف «جماعة بغداد للفن احلديث» ،وخا�صة مع �صديقه الر�سام والنحات ج��واد �سليم « 1920ـ�ـ »1961ذات مغزى .كان بع�ض م�سعاه ال��و� �ص��ول ب��ال�ع�م��ارة التقليدية «التحدارية» �إىل م�ستوى جتريدي رفيع. هذان اال�سمان الكبريان اللذان ميتلكان ثقافة كبرية يخرجان �أي�ض ًا ،م��داورة وبرباعة ورمبا ع�بر ال وع��ي ظ��ل يعتمل فيهما منذ الطفولة، من هواج�س املعماريني ال�شعبيني البغداديني، ل�ك��ن ب� � ��أدوات ع��ال�ي��ة امل���س�ت��وى ووع���ي نظري متميز ،ودرا�سة �أكادميية رفيعة .لقد انطف�أت يف �أعمالهما العنا�صر التزويقية الرباقة التي ��ش��اه��دوه��ا يف �أع �م��ال «�أ� �س �ط��وات» مدينتهم ومعماريي الكاتالوغات امل�شار �إليهم ،ل�صالح �إدم� ��اج العنا�صر نف�سها يف ه��اج����س جمايل حم��اي��د� ،أك�ث�ر ب ��رودة وب��وع��ي ج�م��ايل يتجاوز بالطبع اال�ستخدامات املبهرة احلارة لأ�سالفهم ليهم القريبني .مل يعد الالرديكو يف العمارة ّ �أح ��د ًا يف ال�ع��امل منذ تخ ُّرجهما يف اجلامعة، لكن �شيئ ًا منه يظل رغم ذلك حا�ضر ًا بطريقة
مراوغة وذكية يف �أعمالهما .ففي مبنى مركز االت �� �ص��االت يف � �ش��ارع الر�شيد ال ��ذي �صممه اجلادرجي عودة �إىل جميع العنا�صر البغدادية من دون �أن يكون ،كما ت�شري �سي�سيليا بيريي، حم�ض ا�ستعادة للما�ضي ،خا�صة لأقوا�س العمارة الإ�سالمية .يف العمل الهامات من عمارة بغداد ال�شعبية ال�ت��ي يعرفها اجل��ادرج��ي ،م��ن دون �شك ،وملفهوم الأقوا�س الذي ي�صري �شارة على خ�صو�صية «تراثية» بغدادية ،طاملا �أل��ح عليها ج��واد �سليم كثري ًا ،حتى لك�أن ت�صميمه لوح ًة ثالثية الأبعاد �أو منحوتة من �أعمال �سليم� .أما ن�صب اجلندي املجهول الذي �صممه اجلادرجي والذي ال ُي�شار عادة ملرجعياته ال�شكلية ،و ُينظر �إليه على �أنه عمل جتريدي ،ف�أرى �أنه م�ستلهم ال�شعبي يف العراق ،وال �أرى �أنه من �شكل ال�ضريح ّ من الأعمال املبهرة املربهن عليها يف الأعمال الالحقة للمعماري. يف �أعمال حممد مكية العودة امللحة عينها ،كما يف ت�صميمه مل�صرف الرافدين يف بغداد 1968م، م��ع الإ���ص��رار على ا��س�ت�خ��دام م ��ادة الطابوق و�إمكاناتها التزيينية التي عرفها �أ�سطوات بغداد يقين ًا ،وعرفتها قبلهم العمارة العبا�سية. اليوم �أي�ضا ي�سعى املعماريون املحرتفون الأقل ��ش��أن� ًا� ،إىل �أم��ر م�شابه وي �ع��اودون االغ�ت�راف من املعني الرتاثي نف�سه ،لي�س بنف�س الرباعة واحلذاقة والبحث اجلمايل .وهو ما ميكن �أن ن��راه يف العديد من ت�صاميم املنازل يف بغداد احل��ال �ي��ة .ل�ق��د غ��دت ه��ذه ال �ع��ودة �إىل ت��راث الأ�سالف كلي�شة وا�ست�سها ًال
مجلس العلوم 124 الـعــــدد 157 نوفمرب 2012
أشهر عمليات التلفيق العلمي د�.سمري عالء الدين ن�شرت جملة الأهرام العلمية تقريراً حول �أ�شهر عمليات التلفيق العلمي وثقها الدكتور طريف �سرد�ست ،م�شريا ً �إىل �أن ال�ساحة العلمية –�ش�أنها �ش�أن كل الن�شاطات الب�شرية -مل تخل من �أفراد جل�أوا اىل الغ�ش والتزوير للو�صول �إىل �أهدافهم ،بع�ضهم كان ب�سبب املال والبع�ض الآخر �سعياً وراء املجد وال�شهرة .مطمئناً القراء ب�أن امل�ؤ�س�سة العلمية يف جميع االحوال متكنت من ك�شف عمليات التزوير و�إعادة الأمور �إىل ن�صابها ،ومن �أبرز عمليات التلفيق العلمي التي �أوردها التقرير: �شعب بدائي
جمموعة من العلماء املحايدين مل ي�سمح لهم العثور على �سكان القمر
باحل�صول على ت�صريح للو�صول �إىل املنطقة. بعد �سقوط نظام ماركو�س عام 1986رفع احلظر عن املنطقة ومتكن �صحفيان اثنان من العثور على املنطقة .غري �أن املغارات كانت فارغة ،ومع ذلك متكن ال�صحفيان من العثور على «املجموعة البدائية» .لقد كانوا يعي�شون يف بيوت �صغرية يف قرية جم��اورة ويلب�سون اجلينز .ب�سرعة جرى الك�شف �أن ه�ؤالء القوم كان يدفع لهم ليمثلوا دور �أهل الكهف وج��رى تعليمهم طريقة احلياة .يف ذلك الوقت كان ال�سيا�سي الفلبيني هارب ًا بعد �أن اختل�س 35مليون دوالر جمعهم بف�ضل �صندوق دعم ال�شعب الفطري.
يف ع��ام h 1971علن ال�سيا�سي الفيليبيني مانويل ايليزالده « »Manuel Elizaldeعن اكت�شافه ل�شعب تا�سادا الذي يعي�ش يف الغابات اال�ستوائية منعزال على جزيرة ميندانو ومل يلتق �أبد ًا مع ب�شر من خارج جمتمعه .عدد هذه املجموعة مل يزد عن � 26شخ�ص ًا جرى و�صفهم ب�أنهم الأك�ثر بدائية على �سطح الأر���ض .لقد كانوا يعي�شون يف املغارات وي�ستخدمون �أدوات حجرية ب�سيطة ومالب�سهم من �أوراق ال�شجر ومل يكونوا يعرفون ال�صيد �أو الزراعة. ال�ت��ا��س��ادا ك��ان��وا ي��أك�ل��ون فقط ال�ط�ع��ام ال��ذي يلتقطونه يف الغابات اال�ستوائية وعا�شوا يف �سالم �إىل درجة �أن لغتهم املنطوقة ال يوجد فيها كلمات تعرب عن احلرب �أو ال�سالح �أو العدو. ه��ذا اخل�بر انت�شر مثل النار يف اله�شيم يف العلم يكتشف خدعة �أن�ح��اء العامل ع��ام 1972وج��رى ت�صويرهم «المغناطيسيةالفطرية» يف ب��رن��ام��ج خ��ا���ص عر�ضته �أغ�ل��ب حمطات التي تربط اإلنسان بقوة التلفزيون وتدفق ال��زوار على املنطقة ،ولكن
قادمة من الشمس والقمر تصيبه بالضعف واألمراض
يف يوم � 25أغ�سط�س من عام 1835ن�شر خرب على ال�صفحة االوىل يف جريدة نيويورك �صون يقول« :اكت�شاف فلكي كبري من قبل ال�سري جون هريت�شيل» »Sir John Herschel« .يف �إحدى املقاالت كتب ال�صحفي ريت�شارد �آدامز لوك �أن الفلكي الربيطاين ال�شهري متكن خالل زيارته جلنوب �إفريقيا من اكت�شاف كواكب يف جمموعات �شم�سية �أخرى. يف عمق املقال جاء اخلرب الأكرث �أهمية :هري�شيل عرث على حياة على القمر .القارئ كان يفهم �أن هناك قطعان من حيوان البيزون يف �سهوب القمر و�أن وحيد القرن الأزرق يعي�ش على قمم اجلبال .والأك�ثر �إث��ارة للده�شة �أن��ه متكن من مالحظة وجود قناد�س بال ذيل تعي�ش يف خيام وت�ستخدم النار. يف � 28أغ�سط�س متكنت جريدة النيويورك �صن من الو�صول �إىل رقم قيا�سي يف مبيعات ن�سخة �إ�ضافية و�صل عددها �إىل 19360ن�سخة .يف
ذلك اليوم كان بالإمكان القراءة �أن هري�شيل ر�أى م�ستعمرة لب�شر على �شكل ال��وط��واط وج�ل��ده��م �أ��ص�ف��ر و��ش�ع��ره��م ب�ل��ون النحا�س يعي�شون بان�سجام قرب معبد عظيم .على الفور بد�أت اجلمعيات التب�شريية يف مناق�شة كيفية ن�شر الديانة امل�سيحية بني م�ستعمرات الإن�سان ال��وط��واط ،عندها اع�ترف ل��وك ان املو�ضوع ب�أكمله كذبة .كان الأمر برمته حماولة لإنقاذ اجلريدة من الك�ساد .وعلى الرغم من النجاح يف �إنقاذ اجلريدة ،حيث �أن اجلريدة ال زالت حتى اليوم� ،إال �أن لوك جرى طرده من وظيفته على الفور.
التمارين حت�سن اجلينات
هل ميكن للخ�صائ�ص املح�سنة بالتمرين �أن تورث للأطفال؟ على هذا ال�س�ؤال �أجاب الباحث الطبيعي الم ��ارك بنعم .ح�سب تف�سريه كان ب�إمكان الأه��ل حت�سني خ�صائ�ص الأطفال من خالل �أن يقوم الأه��ل مثال بالتمرن على كمال الأج�سام فيكونوا واثقني �أن �أطفالهم �سيكون لهم ع�ضالت �صلبة ومنتفخة. اليوم متلك هذه النظرية �أتباع قليلون ولكن يف بداية القرن الع�شرين كانت �شعبية للغاية� .أحد �أك�ثر امل�ؤيدين لها ك��ان البيولوجي النم�ساوي ب��اول كامريير ،Paul Kammererو�أراد يف الع�شرينيات تقدمي الربهان النهائي. يف �إحدى التجارب ا�ستخدم نوع ًا من ال�ضفادع يو�صف باحل�ضانة وعلى عك�س بقية ال�ضفادع يقوم بالتزاوج على الياب�سة .لهذا ال�سبب ال متلك هذه ال�ضفدعة ما ي�شبه امل�صا�صات على رجلها اخللفية والتي ت�ستخدمها بقية ال�ضفادع «وال�سالحف» من �أجل تثبيت نف�سها على الأنثى عند عملية اجلماع. كامريير و�ضع �ضفادع التجربة يف حو�ض زجاجي به م��اء ،مما يجرب ال�ضفدعة على التالقح يف املاء على عك�س طبيعتها ،وانتظر ب�ضعة �أجيال من �صغارها .عام � 1926أعلن عن والدة �ضفادع لها م�صا�صات �سوداء ،وهو اكت�شاف �أدى اىل ه��زة بني علماء ال�ع��امل .غري �أن خمت�ص ًا قام بفح�ص امل�صا�صات ليجدها عبارة عن بقع جرى حقنها حتت جلد ال�ضفدعة .غري �أن كامريير
�أنكر معرفته بالأمر وادع��ى �أن الفاعل البد �أن يكون �أحد م�ساعديه .غري �أن �سمعته �أ�صبحت يف احل�ضي�ض وبعد ب�ضعة �أيام اطلق النار على نف�سه وانتحر.
الدينا�صور الطائر
يف نوفمرب م��ن ع��ام 1999متكنت املجلة العلمية نا�شيونال جيوغرايف من احل�صول على �سبق �صحفي بن�شر مقال علمي �أثار الإعجاب: يف ال�صني متكنوا من العثور على م�ستحاثة ل�ط�ير ول ��ه رق �ب��ة دي �ن��ا� �ص��ور .ح�سب امل�ق��ال كانت ه��ذه امل�ستحاثة هي حلقة بني الطيور
الفالحون الصينيون خدعوا العلماء بهيكل الديناصور الطائر للحصول على مكافأة مجزية
والدينا�صورات .ولكون امل�ستحاثة جرى العثور عليها يف منطقة Liaoningوه��ي منطقة م�شهورة �إذ جرى العثور فيها على م�ستحاثات هامة يف ال�سابق ولذلك اعتربت امل�ستحاثة اجلديدة موثوقة. ح�سب الباليونتالوجيني كان هذا الكائن الذي ج��رى ت�سميته ،Archaeoraptorمرحلة �سابقة للطيور احلالية ،بالذات من املرحلة ال�ت��ي ك��ان ي�ج��ري فيها جت��رب��ة ال �ق��درة على الطريان .غري �أن ال�سنة التالية على ن�شر املقال ظهر �أنه لي�س التطور الذي �أنتج هذا الكائن و�إمنا ال�صمغ الذي �أل�صق بقايا الطيور ببقايا الدينا�صورات. الت�صوير اال�شعاعي للم�ستحاثة ك�شف �أن ارت�شيورابتور هو موزاييك من نوعني خمتلفني على الأق ��ل وع�ل��ى الأغ �ل��ب م��ن خم�سة .لقد
مجلس العلوم 126 الـعــــدد 157 نوفمرب 2012
ظهر �أن ال��ذي��ل ج��رى ل�صقه ق��رب اجل�سم ويف ع��ام � 2002أظ�ه��ر التحليل �أن اجل�سم لطائر ق��دمي غ�ير م�ع��روف لنا Yasnornis ،martiniوكان بحجم الغراب .الذيل كان من mikrorapotorوهو دينا�صور �صغري يغطيه الري�ش .ال �أحد يعلم من الذي قام بالتزييف، ولكن الهدف كان ك�سب الأموال. الق�صة �أن امل�ستحاثات ُيدفع ثمنها ،والفالحني ال�صينيني تعلموا �أنه كلما كانت امل�ستحاثة كاملة وبحالة طيبة كلما ح�صلوا على مبالغ �أك�بر. لهذا ال�سبب البد �أن بع�ضهم تعلم فن حت�سني امل�ستحاثة �إىل درج��ة تخدع حتى عني اخلبري. ولكن ،وحل�سن احلظ الزال لي�س بالإمكان خداع الأجهزة املعقدة واحل�سا�سة.
الأركيولوجي الذي �أغراه اجلن
�شينت�شي فوجيمورا�س كان ي�سمى «يد اهلل» لأنه متتع مبوهبة هائلة يف العثور على الآثار القدمية من تاريخ اليابان يف �أماكن مل تخطر ببال �أح��د .يف ب�ضعة �سنوات ارتفعت مكانته من اركيولوجي هاوي �إىل بطل
Shinichi Fujimuras
مجموعة من المراهقين خدعوا العلماء بمجموعة أحجار عليها بصمات اآللهة أطلق عليها فيما بعد «أحجار الكذب» قومي. االكت�شاف االول قام به عام 1981عندما عرث على �أحجار م�صنوعة عمرها � 40ألف �سنة وهي الأقدم يف اليابان .يف ال�سنوات الالحقة �شارك يف العديد من التنقيبات يف �أماكن متفرقة من ال �ب�لاد .وبغ�ض النظر ع��ن امل�ك��ان كانت على الدوام م�شاركاته تعني العثور احلتمي على �آثار مهمة .يف �أكتوبر من عام 2000و�صل الأمر �إىل ذروته عندما �أعلن عن العثور على موقع �سكنه الب�شر القدماء قبل � 600ألف �سنة ومت العثور فيها على �أدوات حجرية و�آثار م�ساكن .هذا االكت�شاف �أيقظ االنتباه جتاهه لأن امل�س�ألة مل تعد يف حدود �آ�سيا و�إمنا �أ�صبحت تهم الب�شرية ،فاملكان �أ�صبح �أق��دم مكان ل�سكن الب�شر يف العامل .ولكن هذه
النجاحات مل ت�ستمر طوي ًال� ،إذ بتاريخ 5نوفمرب متكنت جريدة ماينيت�شي �شيمبون من ت�صويره �سر ًا وهو ي�ضع الأحجار يف موقع ليدعي اكت�شافها الحق ًا ون�شرت ال�صور على ال�صفحة الأوىل. يف امل�ؤمتر ال�صحفي الذي عقد يف اليوم نف�سه اع�ترف فيوجي م��وره بجرميته ولكنه �أ�ضاف �إنها امل��رة الأوىل .غري �أن ال�شكوك حوله قد ن�ش�أت ويف خريف ع��ام � 2001أعلنت جلنة التحقيق �أن هوجي موره قام بعملية اخلداع يف 159حالة من جمموع 178حالة من حاالت التنقيب التي ��ش��ارك فيها .بعد ذل��ك ف�سر فيوجي م��وره الأم��ر ب ��أن "اجلان �أوقعتني يف �إغراء و�سو�ستها" .ومل ينته الأمر عند ف�ضيحته بل تعداه لي�شمل دور الن�شر التي ا�ضطرت �إىل �سحب جميع الكتب التي ذكرت اكت�شافاته يف �صفحاتها.
ب�صمة من ال�سماء
قبل � 280سنة ج��اءت ب�ضعة مراهقني �إىل الربوفي�سور Johann Beringerو�أخ�بروه �أنهم ع�ثروا على �شيء مميز .يف مكان على
جبل قريب من مدينة ووزب��ورغ جمعوا كمية كبرية من الأح�ج��ار التي ت�شبه امل�ستحاثات وعليها �أ��ش�ك��ال كالب�صمات ت�ع��ود لكائنات خمتلفة� :سحلية� ،ضفادع وهي تتالقح ،طيور، نيازك لها ذنب� ،شم�س ولها وجه يف و�سطها، والأغرب من كل ذلك �أحرف بالعربية «يهفه» مبعنى «ياهوفه» �أو الرب. برينغري مل ي�صدق ما ي��راه ،فقد اعتقد �أن الر�سومات هي م�ستحاثات " طبيعية" لقوى خفية يف « ال�ع��امل غ�ير املنظم» مبعنى �آخ��ر كانت نوع من �أنواع ب�صمات الآلهة. بناء على ه��ذه املعطيات ق��ام الربوفي�سور ب �ك �ت��اب��ة �إجن� � ��ازه ل �ت �ف �� �س�يره يف �أط ��روح ��ة .Lithogrphiae Wirceburgensisيف عام 1726وعندما كانت الأطروحة يف الطبع، ولكن قبل خروجها للن�شر ك�شف زم�لاء له �أن الق�ضية برمتها كانت مزحة ،ولكنه رف�ض ت�صديق �أنه �ضحية كذبة ممجوجة .بعد �أيام قدموا له "م�ستحاثة" مماثلة وعليها ا�سمه، عندها �صدق ولكن بعد ف��وات الأوان �إذ �أن الأطروحة �صدرت للن�شر مما ا�ضطره ل�شراء جميع الن�سخ لي�صبح م��دي��ون� ًا .بعد ب�ضعة �سنوات مات من القهر ولكن امل�ستحاثات بقية حية با�سم "�أحجار الكذب".
املغناطي�سية احليوانية
ال �ط �ب �ي��ب ال �ن �م �� �س��اوي Frans Mesmer ، 1815ط��ور نظرية تقول�إن الإن���س��ان ت��ؤث��ر عليه ق��وة مغناطي�سية قادمة من ال�شم�س والقمر وعند النق�ص بهذه الطاقة التي �سماها «املغناطي�سية احل� �ي ��وان� �ي ��ة» مب �ع �ن��ى »امل �غ �ن��اط �ي �� �س �ي��ة الفطرية»ي�ؤدي ذلك �إىل ال�ضعف والإ�صابة بالأمرا�ض .وحل�سن احلظ كان الطبيب النم�ساوي نف�سه ميلك فائ�ض ًا كبري ًا من املغناطي�سية احليوانية الأمر الذي �أعطاه امل �ق��درة النبوئية على �شفاء الآخ��ري��ن. وعلى الرغم من �أن البع�ض ر�سم العديد من ال�صور الكاريكاتورية ال�ساخرة من الطبيب وم�ق��درت��ه املغناطي�سية �إال �أن��ه حظي ب�شهرة وا�سعة بني الأو�ساط الغنية
1734
ف�ي�ج��ي .ال�ه�ي�ك��ل ك ��ان ع �ب��ارة ع��ن ج�سد وعلى الأخ�ص الن�ساء. ن�صفه الأ�سفل ي�شبه الأ�سماك والن�صف الأعلى هيكل �صدر ورقبة وجمجمة ت�شبه عرو�س البحر يف ع��ام 1842ان��ده����ش �سكان نيويورك الإن�سان .الهيكل جرى عر�ضه يف املتحف ع�ن��دم��ا ق��ام اجل�ن�ت�ل�م��ان ال�بري �ط��اين drوبقي هناك ملدة ع�شرين عام ًا ،لي�صبح J Griffinبعر�ض ج�سد جمفف لبقايا م�غ�ن��اط�ي���س� ًا جل �ل��ب ط��واب�ي�ر ط��وي �ل��ة من ع��رو� �س��ة ال�ب�ح��ر وال� ��ذي ج�ل�ب��ه م��ن ج��زر ال��زوار .ا�ستمر ذل��ك �إىل �أن انك�شف �أن جريفني كان مواطن ًا �أمريكي ًا وكان يعمل ل��دى م�ؤ�س�س ال�سريك ب��ارن��وم .التحقيق عالم أركيولوجي يخدع ك�شف اجل�سد عبارة عن قطعتني ال�سفلى العالم بأحجار مزيفة ألكثر تعود ل�سمكة والعليا لقرد
من 20عام ًا ثم يدعي أن الجن أغرته لفعل ذلك
استطالع 128 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
الطربوش..
150عام ًا فوق رؤوس األفندية القاهرة -نعمة عزالدين حينما قرر «حممد علي با�شا-1805ـ1849م» خلع عمامته احلريرية التي كانت لبا�س الر�أ�س املتعارف عليه عند الأعيان يف ذلك الع�صر وا�ستبدالها بلبا�س للر�أ�س قيل له �إنه «مغربي» وي�شبه كثرياً لبا�س الر�أ�س عند م�شايخ الأعراب ولو �أنه �أ�ضخم منه و�أثقل وزناً من دون �أن تكون له «خو�صة» بل كان مكانها طاقية من احلرير.
بد�أت رحلة « الطربو�ش» الأحمر القاين بزره الأ�سود ـ وهذا هو ا�سمه الذي عرف به عند امل�صريني ـ 150عام ًا -يرتديه الأفندية من املوظفني وط�لاب املدار�س واجلامعات والع�ساكر ويغالون يف مظاهر االهتمام به ونظافته كدليل علي الأناقة والذوق الرفيع . تقلب «الطربو�ش» يف �أ�شكال و�أحجام �شتى، فمن �أن��واع الطرابي�ش التي عرفتها م�صر: «ال �ط��رب��و���ش امل �غ��رب��ي» ال ��ذي ب ��د�أ ق�صري ًا يف حجم الطاقية و�أخ��ذ يكرب �إىل �أن كاد يغطي الر�أ�س حتى الأذن�ين ،ثم «الطربو�ش العزيزي» ن�سبة �إىل ال�سلطان «عبد العزيز » ال��ذي جعله �شعار ًا ر�سمي ًا للدولة ثم �أخذ يتطور يف عهده فيت�سع قر�صه حين ًا وي�ضيق حين ًا �آخ��ر كما ك��ان يق�صر ويطول �إىل �أن ا�ستقر يف النهاية على ال�شكل ال��ذي كان يرتديه �أغلبية امل�صريني يف الع�صر الأخري «للطرابي�ش». وق ��د ا��ش�ت�ه��ر �أف � ��راد ال �ع��ائ�لات امل���ص��ري��ة العريقة بارتدائهم «الطربو�ش» مثل :عائلة «�سعد زغ �ل��ول» ال��زع�ي��م ال��وط�ن��ي و«حبيب با�شا ال�سعد» ،و«فكري �أباظة» رئي�س حترير امل�صور ،وعميد الأدب العربي «طه ح�سني»، و«م�صطفى لطفي املنفلوطي» ،والكاتب الكبري «العقاد» و«عبد القادر املازين». فقبل ارتداء حممد علي با�شا الطربو�ش كان امل�صريون �إما معممني وهم الذين يلتزمون بالزي الأزه��ري� ،أو يرتدون الطاقية ك�أهل الأرياف �أو العمامة يف ال�صعيد. قبل الولوج �إىل حكايات «الطربو�ش» يف بر املحرو�سة البد �أن نعرف حكايته هو ،وكيف ي�صنع ويبدو على هيئته النهائية؟ ولكي نعرف الإج��اب��ة ك��ان الب��د م��ن القيام برحلة يف قلب القاهرة الإ�سالمية ب��د�أت ب�شارع الأزه��ر العريق ودكاكينه ال�صغرية امل�صطفة على اجلانني تتحدى الزمن يف ��ش�م��وخ وحت �ك��ي يف �صمت مهيب ح�ضارة �إ�سالمية مزدهرة عا�شت قرون ًا. حي «الغورية » يقع على اليمني من �شارع الأزهر �إذا كنت قا�صد ًا �إليه عن طريق «و�سط البلد» �أي �شارع عبد اخلالق ث��روت� ،أول ما
قبل محمد علي باشا كان المصريون إما معممين بالزي األزهري أو يرتدون الطاقية كأهل األرياف أو العمامة في الصعيد متتلئ به عيناك يف حي الغورية العريق هذا اجلامع ال�ضخم والوكالة املن�سوبة ل�صاحبها «قن�صوه ال �غ��وري» �سلطان املماليك قبيل دخول العثمانيني م�صر عام 1517م ،والذي اتخذ احلي ا�سمه وعرف به.
كان الطربوش طرف صراع سياسي وفكري يبحث عن هوية مصر .. فرعونية أم إسالمية أم من دول البحر األبيض المتوسط
ال�ت�ج��ول يف احل��ي ق�ب��ل ال��و� �ص��ول �إىل �آخ��ر حملني يف م�صر ي�صنعان «الطرابي�ش» هو متعة يف حد ذاته ،فالبيوت القدمية والأزقة واجلوامع جتعلك ت�شعر �أن الزمن رجع بك مئات ال�سنني. احل��اج حممد �أح�م��د الطرابي�شي ،واحل��اج م�صطفى �أح�م��د ح���س��ن ،هما احل��ار��س��ان املتبقيان على قيد احل �ي��اة للحفاظ على �صناعة «ال�ط��راب�ي����ش» ال�ت��ي ك��ادت تندثر، حمل احلاج حممد �أحمد الطرابي�شي يقع يف منت�صف �شارع الغورية ،حمل طويل من دون ات�ساع يف عر�ضه ،متوا�ضع يف �أثاثه. يبدو �أن الأح��داث ال�سيا�سية التي مرت بها م�صر �أث��رت �إىل ح��د كبري يف عمل احل��اج حم�م��د �أح �م��د ال�ط��راب�ي���ش��ي ف�ب�م�ج��رد �أن �س�ألت عنه لكي يحكي يل عن حكايته مع �صناعة الطرابي�ش والتي �أعرف من ال�شبكة العنكبوتية معلومات كثرية عنه منها �أن��ه ورث املهنة �أب� � ًا ع��ن ج��د ،ب ��ادرين رج��ل يف ال�ستينيات من العمر� :إن احل��اج «حممد»
استطالع 130 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
ال يتواجد يف املحل ب�صفة م�ستمرة نظر ًا ل�سنوات عمره الثمانني ،فقلت له �إنه ي�ستطيع �أن يفيدين يف هذا التحقيق وينوب عن احلاج «حممد» ودعيت له بطول العمر وال�صحة، ولكنه فاج�أين بقوله� :إن احلاج حممد �أحمد الطرابي�شي يرف�ض احلديث عن مهنته ،كما �أمر عماله -وهو منهم� -أن ال يتحدث �أحد منهم �إىل ال�صحافة ،و�إذا مت ذل��ك فيكون مبقابل م ��ادي ق ��دره �أل ��ف جنيه! �صدمني ما�سمعت وطلبت فقط �أن ي�سمح يل �أن �أ�صور الدكان وماكينة كب�س الطربو�ش النحا�سية والتي حفر عليها التاج امللكي لأ�سرة حممد علي با�شا .وخ��رج��ت و�أن��ا �أ�شعر بغ�صة يف حلقي فاحلاج حممد �أحمد الطرابي�شي يف ت�صوري مل يطلب ه��ذا الطلب الغريب �إال لتدهور حال ال�صنعة و�ضيق ذات اليد ،ثم ابتعدت عدة خطوات لأدلف �إىل �شارع �ضيق ي�شبه ال��زق��اق �إىل دك��ان احل��اج م�صطفى �أحمد ح�سن فوجدت ابنه عمرو م�صطفى الذي اعتذر عن عدم وجود والده لكرب �سنه وعدم قدرته علي احل�ضور �إىل الدكان ب�شكل يومي ورحب بي قائ ًال :هذه املهنة ورثها �أبي عن �أبيه وج��ده وه��ي مهنة مربحة �إىل حد ما وتكفي غوائل الزمن ،ولقد اختلف زبون «الطربو�ش» الآن عن املا�ضي ف�أبي يحكي يل �أن زبائن الدكان كانوا ال ينقطعون من موظفني و�أفندية وحتى الفنانني كانوا ي�أتون �إىل �أب��ي يف طلب الطربو�ش ،ويذكر بفخر �شديد �أن املمثل الكبري «عبد ال��وارث ع�سر» رحمه اهلل كان من زبائنه ويعامله ك�صديق. وي�ضيف ابن احلاج م�صطفى �أحمد ح�سن، ع�م��رو ،ق��ائ� ً لا :ون�ح��ن الآن ن�ق��وم ب�صناعة نوع من الطرابي�ش يرتديه طالب املدار�س الأزهرية و�أئمة امل�ساجد وامل�شايخ واملقرئني ال��ذي��ن ي��رت��دون طربو�ش العمامة ال�شهري، وم ��ن �أ� �ش �ه��ر زب��ائ �ن��ا ��ش�ي��خ الأزه� ��ر ال�شيخ الدكتور«�أحمد الطيب» ومفتي اجلمهورية ال�شيخ الدكتور «علي جمعة» وه�ؤالء ال ي�أتون ب�أنف�سهم بل ي�أتي مندوبون عنهم لل�شراء، وق��د زارن��ا منذ ف�ترة مندوب مفتي القد�س قبل ال�شيخ «عكرمة» مفتي القد�س احلايل،
امللك فاروق
كان الملك فاروق آخر حاكم مصري يظهر بالطربوش حيث تخلى عنه محمد نجيب ليظهر بالـ«بيريه» العسكري وا�شرتى له عدة عمائم ،بالإ�ضافة �إىل ه�ؤالء هناك الطرابي�ش التي ن�صنعها لريتديها بع�ض عمال الفنادق الكربى كزي فلكلوري لتن�شيط ال�سياحة يبعث �إىل البهجة والت�سلية.
مراحل �صناعة الطربو�ش
وعن املراحل التي متر بها �صناعة الطربو�ش لكي ي�أخذ �شكله النهائي يقول «عمرو» ابن احلاج «م�صطفى» :نقوم �أو ًال بتح�ضري قوالب من اخلو�ص يتم و�ضعها حول قالب نحا�سي، ث��م يو�ضع فوقها خامة ت�سمى اجل��وخ ليتم
تربع الطربوش على عرش أزياء الرجال في مصر أكثر من مئة عام
تثبيتها حتت مكب�س خا�ص ،ثم ت�أتي بعد ذلك مرحلة الكي ،وه��ي املرحلة النهائية ليكون الطربو�ش معد ًا للو�ضع فوق الر�أ�س. والطربو�ش يتكون من �صوف وخو�ص نخيل وجلدة وزر حرير ،وباملنا�سبة ه��ذا ال��زر ال يو�ضع ب�شكل ع�شوائي ومن دون داللة ،بل على العك�س متام ًا فلقد كان هذا ال��زر يتكون من ثالثة �ألوان خمتلفة هي :الكحلي والأ�سود ويرمز للأ�ساتذة والأفندية و�أئمة امل�ساجد� ،أما الزر البني الفاحت فيدل على املقرئ يف اجلنازات. والطربو�ش امل�صري ك��ان �أق�صر من باقي الطرابي�ش ال�سورية واللبنانية ،وكان طربو�ش ك �ب��ار ال���س��ن ل��ون��ه �أح �م��ر داك ��ن وط��رب��و���ش ال�شباب �أح �م��ر ،وي�ت�راوح �سعر الطربو�ش الآن من ع�شرين جنيه ًا �إىل ثمانني جنيه ًا وهم يطلبونه يف احتاد الإذاع��ة والتليفزيون للم�سل�سالت الدينية� ،أما عمامة الدعاة فهي تباع �أغلى من الطربو�ش وت�صنع من درجات متفاوتة من ال�صوف الفاخر وي�صل �سعرها �إىل 120جنيه ًا �إذا كانت من ال�صوف درجة �أوىل ثم يقل �سعرها تدريجي ًا ح�سب جودة ال�صوف لي�صل �إىل 30جنيه ًا .وتوجد حالي ًا ور�شتان ل�صناعة الطرابي�ش �إحداهما يف منطقة الدويقة والثانية يف منطقة من�ش�أة نا�صر ،ولكن ال ي�صنعان الطرابي�ش بنف�س اجل ��ودة وال ي��وج��د لديهما ماكينة الكب�س النحا�سية التي ال يوجد لها مثيل يف م�صر الآن ومنتلك منها واحدة واحلاج حممد �أحمد الطرابي�شي ميتلك واح��دة �أي�ض ًا ،وهي من النحا�س اخلال�ص وعمرها يتجاوز املئة عام. و�أث �ن��اء حديثي م��ع اب��ن احل��اج «م�صطفى» دخ��ل ��ش��اب ي�ب��دو م��ن هيئته �أن��ه يف �أواخ��ر الع�شرينيات جاء لكي ي�ضبط عمامته فعرفت منه �أنه يدعى «�أحمد �سيد �أحمد» خريج كلية الدرا�سات الإ�سالمية بجامعة الأزهر ،ويعمل �أمام م�سجد مبدينة «بنها»� ،س�ألته عن مدى قبوله للب�س العمامة وهل يجد غ�ضا�ضة يف ارتدائها فابت�سم قائ ًال� :إنني فخور بالزي الأزهري وعمامة الر�أ�س التي �أرتديها ،فهي ت�شي بانت�سابي للم�ؤ�س�سة الأزهرية العريقة فهي رمز للإ�سالم لي�س يف م�صر فقط بل
ياواد انت يابلديات.
يف العامل كله ،و�أمتنى �أن العمامة تعمم على كل �أزه��ري فالآن هي غري ملزمة واليلب�سها �إال الدعاة� ،أما الطربو�ش فكان له زمانه و�إن كنت اقرتح �أن يعود ويلب�سه �أ�صحاب املنا�صب العليا يف البلد ،فهو يعطي من يرتديه م�سحة من الوقار حمببة.
�أهل مدينة «فا�س» املغربية يغطون ر�ؤو�سهم بطاقية حمراء .وبعد املقد�سي ب�ستة قرون ج��اء «ح�سن ال��وزان» املعروف با�سم «ليون الأف��ري �ق��ي» وه��و م��ن �أه��ل ال�ق��رن ال�ساد�س ع�شر امليالدي فقال� :إن �أهل «فا�س» يغطون ر�ؤو�سهم بطاقية م�صنوعة من اللباد الأحمر.
حكايات الطربو�ش
فلكلور الطربو�ش
احلكايات عن «الطربو�ش» ال تنتهي ،فاملعروف �أن املادة اخلام التي ت�صنع منها الطرابي�ش كانت ت�ستورد من �أوروبا وب�صفة خا�صة من «النم�سا» ،وكذلك اخليوط احلريرية ال�سوداء ك��ان��ت ت�ستورد م��ن «ن�ي��وزي�ل�ن��دا» مم��ا جعل ال��وايل «�سعيد با�شا» ي�صدر فرمان ًا بخ�صم قر�ش �صاغ من كل موظف حكومي يخ�ص�ص لإن�شاء م�صنع �أهلي ل�صناعة خام الطرابي�ش، وبالفعل مت �إن�شاء امل�صنع الذي �أنتج �أنواع ًا خمتلفة من الطرابي�ش �أطلق عليها �أ�سماء: ال ��وادي ،والنيل ،واجلمهورية ،وكانت هذه النوعية ت�ضاهي امل�ستورد يف ذلك الوقت .ومن �أقدم احلكايات التي و�صلت عن «الطربو�ش» رواية «املقد�سي» ذلك اجلغرايف العربي الذي عا�ش يف القرن العا�شر امليالدي ،فقد روى �أن
يتغلغل «الطربو�ش» كزي على ر�ؤو�س امل�صريني لفرتة طويلة يف الوجدان ال�شعبي وتراثه وتغنت به ال�صبايا دلي ًال على اعتداد الأفندي الذي يرتديه بنف�سه وجمال مظهره ومدى �سعة رزقه فريددن يف دالل هذه الأغنية ال�شعبية: عوج الطربو�ش على جنبه واد بلدي ويعرف واجبه دا حمد�ش �أبداً عاجبه ..ماحد�ش عاجبه �سالمات� ..سالمات� ..سالمات
رأى جمال عبد الناصر أن الطربوش رمز للرجعية واالقطاع فتم االستغناء عنه رسمي ًا عام 1954 لتتدهور بعد ذلك مكانة الطربوش في الشام
وهناك �أمثلة كثرية عن «الطربو�ش» تدل على قيمته كرمز للرجولة وحتمل امل�س�ؤولية مبجرد �أن يرتديه الرجل فريدد امل�صريون بتلقائية هذا املثل الفريد« :حرمه من غري راجل زي الطربو�ش من غري زر»� ،أي ر�سخ يف العقلية اجلماعية ال�شعبية �أن املر�أة ال ميكن �أن ت�ستغني عن الرجل ،ولكي يقربوا هذه احلقيقة احلياتية لأذهانهم �شبه امل�صريون ف �ق��دان امل� ��ر�أة ل��رج��ل يف حياتها بفقدان الطربو�ش لأهم قطعة فيه متيزه وال ميكن �أن ي�ستقيم الطربو�ش بدونها وهي الزر. ويورد الكاتب وال�شاعر «يا�سر قطام�ش» يف كتابه املمتع «ع�شرة طاولة مع امللك فاروق» �أن الطربو�ش بلغ �أوج �شهرته وذروة جمده يف الربع الأول من القرن الع�شرين ،وكان من امل�ألوف �أن جتد �آنذاك بع�ض الن�سوة يعاك�سن ال�شباب والرجال بقول: تعااليل بقي واقعد عندي طربو�شك حلو يا�أفندي. وقد ظل « الطربو�ش » مرتبع ًا على عر�ش �أزياء الرجال يف م�صر �أكرث من مئة عام ،فكان امللك « فاروق» �آخر حاكم م�صري يظهر بالطربو�ش وكان «حممد جنيب» �أول حاكم م�صري يظهر بالـ«برييه» الع�سكري �أي بدون طربو�ش.
�سقوط الطربو�ش
رجالن هما من ا�ستطاعا ا�سقاط «الطربو�ش» من على عر�شه وجعاله تاريخ ًا يحكى ،بعد �أن ك��ان الي�ج��ر�ؤ �أف�ن��دي من امل�ستوظفني �أن يدخل على رئي�سه من دون ارتداء الطربو�ش �أو يتعر�ض الطالب يف املدر�سة �إىل الطرد �إذا مل يرتده ،وكانت تخ�ص�ص له �أماكن ب�شماعة املالب�س التي توجد بجوار �أبواب امل�ساكن حتى ي�ضعه رب املنزل فور عودته من عمله ال�ساعة الثانية ظ�ه��ر ًا ب��أدب�ي��ات ذل��ك ال��زم��ان ليجد طعامه جاهز ًا وحو�ض الفخار ال�صغري مملوء ًا باملاء وامللح لرتطيب قدميه من العمل!! �أما هذان الرجالن ف�أولهما «كمال �أتاتورك»
استطالع 132 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
م�ؤ�س�س تركيا احلديثة ،والذي ق�ضى على �آخر ال�سالطني العثمانيني وه��و ال�سلطان «عبد احلميد الثاين» ،حيث منع ارتداء «الطربو�ش» يف تركيا ع��ام 1926م مبوجب قانون ُعرف وقتها با�سم قانون القيافة. وه��ن��اك ح��ادث��ة ت��اري �خ �ي��ة � �ش �ه�يرة متعلقة «بالطربو�ش» و«كمال أ�ت��ات��ورك» ،حينما قرر االحتفال ب�إعالن اجلمهورية الرتكية والتي �شاركت فيه م�صر باعتبارها دولة كبرية ،وكان الوزير املفو�ض امل�صري يرتدي «الطربو�ش» فطلب «�أتاتورك» من الوزير املفو�ض امل�صري خلع «الطربو�ش» فرف�ض الأخري ب�شدة واعترب �أن «الطربو�ش» الذي يرتديه فوق ر�أ�سه جزء ًا من زيه الر�سمي ،ولكن «�أتاتورك» �أمر واحد ًا من عمال الق�صر بخلعه من فوق ر�أ�س الوزير املفو�ض امل�صري ،فغ�ضب الوزير وبعث �إىل امللك «ف�ؤاد» وانت�شر اخلرب بني النا�س ،ورف�ض امللك «ف ��ؤاد» �أي �سبل للتفاو�ض �سوى �إ�صدار تركيا اع �ت��ذار ًا ر�سمي ًا ،وت�شكلت جمعيات كثرية للدفاع عن هيبة «الطربو�ش» �أهمها «جمعية ال��رف��ق ب��ال�ط��رب��و���ش» ،مم��ا ا�ضطر «�أت ��ات ��ورك» ل�لاع�ت��ذار الر�سمي ع��ن غلطته الدبلوما�سية ،واحتفل امل�صريون واعتربوا عام 1932م هو عام «الطربو�ش» ،وقد كان لهذه احلادثة �أثر كبري بعد ذلك فتكونت جمعيات وطنية تطالب باال�ستقالل االقت�صادي مل�صر واعتربوا �أن ا�سترياد امل�صريني للبا�س ر�أ�سهم الوطني من اخل��ارج هو عار اقت�صادي يجب تداركه ،فتبنى اجلميع «م�شروع القر�ش» من �أج��ل اال�ستقالل االقت�صادي ،وكانت الفكرة تقوم على �أن كل مواطن يتربع بقر�ش �صاغ لبناء م�صنع للطرابي�ش ،وقد عار�ض الزعيم «م�صطفى النحا�س» امل�شروع على خلفية �أن هذا امل�شروع �سي�صرف امل�صريني عن هدفهم الأكرب وهو الكفاح الوطني من �أجل اال�ستقالل ع��ن امل�ستعمر ال�بري�ط��اين ،و�أي ��ده يف ال��ر�أي ع��دد كبري م��ن املثقفني علي ر�أ��س�ه��م عميد الأدب العربي الدكتور «طه ح�سني» وا�ستغلت حكومة «�إ�سماعيل �صدقي با�شا» ،هذا اجلدل ال�سيا�سي وال�شعبي يف �صرف الأن�ظ��ار عن الد�ستور واحلريات واال�ستقالل ،و�سخرت فرق
الدولة الع�سكرية لتقدمي العرو�ض واحلفالت الطربو�ش وال�صراع ال�سيا�سي
الفنية لدعم م�شروع القر�ش حتى بني م�صنع الطرابي�ش بالعبا�سية عام 1933م. �أما الرجل الثاين الذي �أ�سقط «الطربو�ش» من على عر�شه فهو الرئي�س «جمال عبد النا�صر» الذي وجد �أن الطربو�ش ميثل رم��ز ًا للرجعية واالق �ط��اع ،فتم اال�ستغناء عنه ر�سمي ًا عام 1954م لتتدهور بعد ذلك مكانة «الطربو�ش» يف ال���ش��ام ،ال�ت��ي دخلها الطربو�ش على يد «ابراهيم با�شا» االبن الأكرب ملحمد علي با�شا عام 1831م.
منع أتاتورك ارتداء الطربوش في تركيا عام 1926بموجب قانون عرف وقتها باسم قانون القيافة
رمبا لن ي�صدق البع�ض �أن «الطربو�ش» دخل ك�ط��رف يف � �ص��راع �سيا�سي وف �ك��ري يبحث عن هوية «م�صر» ،ولكن هذه هي احلقيقة امل�ؤكدة ،فقد ا�شتعلت معركة «الطربو�ش» على خلفية معركة �أخرى �أعم و�أ�شمل تت�ساءل:هل م�صر فرعونية؟ �أم �أ�سالمية؟ �أم �أنها تتبع دول البحر الأبي�ض املتو�سط؟ فدخل «الطربو�ش» املعركة باعتباره رم��ز ًا قومي ًا يف مواجهة قبعة الأوروب �ي�ين الغزاة وت�سابق املفكر الكبري �سالمة مو�سى على �صفحات «امل�ج�ل��ة اجل��دي��دة» يف �إث �ب��ات �أن الطربو�ش من بقايا تبعية م�صر للحكم الرتكي، بينما انربى غريه يف الدفاع عن «الطربو�ش» ولعن القبعة الأوروبية ومن يرتديها ،وقد ذكر امل� ��ؤرخ امل�صري حبيب ج��ام��ات��ي ،يف �إح��دى مقاالته التي ن�شرتها جملة امل�صور امل�صرية،
عمله يف وزارة الأوق��اف كان مير �أمام مقهى اللواء يف ميدان الظوغلي وك��ان يجل�س عليه ال�شاعر الكبري كامل ال�شناوي ،وكان ال�شناوي يعرفه ويعلق :فنان ايه ده اللي ما�شي الب�س طربو�ش وكارفته ومزرر اجلاكيت بهذا ال�شكل، ازاي يبقى كاتب ومتمرد ،»!.طبع ًا «حمفوظ» ح�سبما يقول الناقد حممد احلما�صي لديه مترد داخلي ولكن كان يخ�ضعه واليخرج �إال يف الكتابة .كما يذكر عامل النف�س الكبري الدكتور يحيى الرخاوي يف �إح��دى كتاباته �أن جنيب حمفوظ ذكر له �أغنية �شعبية تدل على حد�س ال�شارع امل�صري حني يتغنى النا�س« :الفاحتة للع�سكري ،قلع الطربو�ش وعمل ويل» ،وهي �أغنية تدل على وعي النا�س ال�ساخر ،وهي تك�شف �أن احلاكم الديني املت�شدد لي�س �إال حاكم ًا ع�سكري ًا ديكتاتوري ًا يلب�س عمامة ،بعد حماولة تخفيه بخلع الرمز الع�سكري «الطربو�ش» هذا احلد�س ال�شعبي هو ال��ذي �سيزيح الع�سكر وه��و الذي ي�ستطيع �أن يزيح مدعي الوالية حتت �أي ا�سم �سلطة الواحد تلو الآخر.
�شارع الطرابي�شي
�أن «الطربو�ش» زي عربي قومي و�أن �ألوانه ترمز �إىل الدم والنار قا�صد ًا من ر�أيه هذا �إىل ح�سم خالفات و�سجاالت دارت لفرتة طويلة بني العرب وا ألت��راك حول �أ�صل «الطربو�ش» وهويته الرتاثية.
طربو�ش جنيب حمفوظ
ا�ستقر «الطربو�ش» على �صفحات رواي��ات الكاتب الكبري «جنيب حمفوظ » خا�صة يف ثالثيته ال�شهرية« :ب�ين الق�صرين ،وق�صر ال�شوق ،وال�سكرية» فكان �أوالد �سي ال�سيد �أحمد عبد اجلواد يرتدون الطربو�ش رمبا مقلدين وال��ده��م �سي ال�سيد ال ��ذي يحتفظ ب��وق��اره وهيبته داخل منزله و�أمام �أوالده وزوجته �أمينة التي كان من �ضمن مهامها ،التي تقوم بها يف تقدي�س كامل لرجلها �سي ال�سيد ،تنظيف طربو�شه وتلميعه بطريقة معينة ب�إ�ستخدام
لون زر الطربوش له دالالته فالكحلي واألسود يرمزان لألساتذة واألفندية وأئمة المساجد أما البني الفاتح فيرتديه المقرئ في الجنازات قطعة من قما�ش ال�صوف االجنليزي الفاخر، كما �ألب�سه �شيخنا الروائي «جنيب حمفوظ » فوق ر�ؤو���س كل الدار�سني بالأزهر ال�شريف وطلبة املدار�س الثانوية كاخلديوية وال�سعدية. يكتب الناقد حممد احلما�صي ع��ن جنيب حمفوظ واقعة طريفة مرتبطة بالطربو�ش كرمز الن�ضباطه فيقول�« :شخ�صية كاتبنا الكبري جنيب حمفوظ �شخ�صية حمافظة، متزن يف كالمه ،ولقد ذكر يل أ�ن��ه يف �أثناء
هل فرغ الزمن من احلديث عن «الطربو�ش» ال��ذي قبع على ر�ؤو���س امل�صريني 150عام ًا كاملة؟ يف ت�صوري �أن الإجابة بالنفي ،فهناك يف حي العبا�سية �شارع �صغري ينتهي عند �إحدى طرفيه مبيدان اجلي�ش ،وعند الطرف الآخر مبيدان احللبي ،ن�سبة �إىل �أقدم مكتبة ومطبعة يف م�صر ل�صاحبها م�صطفي احللبي و�أوالده، ه��ذا ال�شارع حتمل لوحته املعدنية الزرقاء عنوان ًا مكتوب ًا باللغة العربية فقط �«:شارع الطرابي�شي» �سيظل يذكر امل�صريني بجزء عزيز م��ن تاريخهم االجتماعي وعاداتهم وتقاليدهم ونظرتهم للأناقة والرجولة وحب ال�صبايا للأفندية املطرب�شني ،فكلما قر�أ ا�سم «��ش��ارع الطرابي�شي»� ،سوف ي�س�أل عابر ما عن �أ�صل اال�سم و�أ�صل «الطربو�ش» ،فتُحكى حكاية «ال �ط��رب��و���ش» الأح �م��ر ال �ق��اين ب��زره الأ�سود احلريري مرة �أخرى ليرتبع يف ذاكرة امل�صريني بعد �أن عا�ش طوي ًال فوق ر�ؤ�سهم
سينما 134 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
ّ د�شنها «�سبارتكو�س» بتحرير العبيد
الثورة
في السينما ..
بين التوثيق والتخييل �سليمان احلقيوي ن�صادف كثريا ًكلمة الثورة ،بل نتداولها مطمئنني _فيما ي�شبه االتفاق_ �إىل تلك املعاين التي تتبادر �إىل الذهن عند ا�ستخدامها ،وقد ال تختلف ت�صوراتنا ملفهوم الثورة كثرياً ،ولكن مع ذلك وجب الوقوف عند هذا املفهوم ،ملعرفة داللته ال�صحيحة ،والتمييز بني الثورة وبني مفاهيم �أخرى قد ت�شاطرها حدودها الداللية ،ومن �ش�أن هذا التدقيق م�ساعدتنا على فهم موا�ضيع الأفالم التي عاجلت ق�ضايا الثورة. �إن الركون �إىل ا�ستخدام مفهوم الثورة من دون متحي�ص �سيقود �إىل التبا�سه داللي ًا مع معاين من قبيل االنتفا�ضة ،التغيري ،االنقالب، وه��ي مفاهيم قد ت�شرتك مع مفهوم الثورة يف �سماته الأ�سا�سية ،لكنها �ستختلف عنه يف بع�ض ال�سمات الأخ ��رى ،فالثورة كما يتفق على تعريفها علماء االجتماع هي «عبارة عن تغيري �شامل وج��ذري يف توزيع م�صادر القوة وعمليات الإنتاج يف املجتمع» ،وهي بتعريف الكاتب �سليم ن�صر الرقعي «ظاهرة اجتماعية و�سيا�سية ،وه��ي انتفا�ضة ال�شعب والفطرة وال�ضمري �ضد الظلم ال��ذي جت��اوز كل حدود حتمل الطاقة الب�شرية» ،كما ُت�ع� ّرف �أي�ض ًا بكونها «التغيري املفاجئ ال�سريع بعيد الأثر يف
الكيان االجتماعي لتحطيم ا�ستمرار الأحوال القائمة يف املجتمع وذلك ب�إعادة تنظيم وبناء النظام االجتماعي بنا ًء جذري ًا» ،هو التغيري الذي يحدثه ال�شعب من خالل �أدواته ،كالقوات امل�سلحة� ،أو من خ�لال �شخ�صيات تاريخية لتحقيق ط�م��وح��ات��ه ،لتغيري ن �ظ��ام احلكم العاجز عن تلبية ه��ذه الطموحات ولتنفيذ برنامج من املنجزات الثورية غري االعتيادية، وهناك تعاريف عديدة �أخرى ال ي�سع املقام لذكرها� ،إال �أن املالحظ من خ�لال هذه التعاريف �أنها حتيط باملفهوم من جوانبه االجتماعية والنف�سية وال�سيا�سية ،وتتفق على حتمية قيام ال�ث��ورة يف ظل وجود الظلم واال�ستبداد .لقد توقف التاريخ
فيلم «سبارتكوس» من أول األعمال السينمائية �شاهد ًا على جمموعة من الثورات الكربى التي التي تناولت موضوع �أ�سهمت ب�شكل كبري يف ر�سم م�ستقبل الأوطان الثورة وشكل إلهام ًا التي قامت داخلها على جميع امل�ستويات ،ألعمال أخرى جاءت بعده
كما امتد ت�أثريها �إىل بلدان العامل من خالل ت�صدير مبادئ هذه الثورات ،وجعلها حمط �أنظار الأمم و�إعجابها ،ومن املعلوم �أن بواعث ال�ث��ورات الكربى كانت خمتلفة لكنها حتم ًا مل تخرج عن املقولة ال�شهرية لعميد الأدب الفرن�سي فكتور هوغو «�إذا ح��دث و�أع�ق��تَ جمرى ال��دم يف �شريان ف�ستكون النتيجة �أن ي�صاب الإن�سان باملر�ض ،و�إذا �أعقتَ جمرى امل��اء يف نهر فالنتيجة ه��ي الفي�ضان ،و�إذا �أعقتَ الطريق �أم��ام امل�ستقبل فالنتيجة هي الثورة» ،فالثورة �إذن نتيجة حتمية ومنطقية حينما ي�شتد الظلم واال�ستبداد.
الثورة بني الأدب والفن
�إن احلديث عن الثورة ي�ستتبعه دائم ًا احلديث ع��ن عالقتها ب� ��الأدب وال �ف��ن ،على اعتبار م��دى م�ساهمتهما يف امل�ضي قدم ًا بالثورة، وتدوين �أحداثها يف بطون الأوراق والكتب، ونقل وقائعها وتوثيقها بال�صورة ،وهنا يو�ضع املثقفون والفنانون على اختالف ا�شتغاالتههم الفنية ،مو�ضع م�ساءلة ،من حيث وقوفهم بجانب الثورة �أو �ضدها ،ومن حيث وقوفهم مع احلاكم �ضد املحكوم ،فتت�صاعد الأ�صوات ب�ضرورة تزعم املثقفني والأدب� ��اء والكتاب �صفوف الثائرين ،وي�صل الأمر �إىل اتهامهم يف بع�ض الأحيان بالتق�صري وم�ساندة الأنظمة احلاكمة ،لأن العمل الأدبي والفني يتحركان ع�ضوي ًا ،حيث ينقالن عن الواقع ويطورانه، وم��ن هنا �أمكننا احل��دي��ث ع��ن �أدب الثورة و�سينما الثورة.
ال�سينما والثورة
كان الفن ال�سابع وال يزال نافذة ننظر من خاللها �إىل �أحداث التاريخ الكربى ،ووثيقة اجتماعية مهمة ،ت�سهم يف ر�سم قوانني ح��رك��ة ودي�ن��ام�ي�ك�ي��ة امل�ج�ت�م��ع ،فال�سينما ظلت تعتمد على الإن�سان الذي ظل يحاول
بناء عالقات خا�صة مع ق�ضاياه الذاتية واملجتمعية من خالل ال�صورة ال�سينمائية ك��و� �س �ي��ط خل �ل��ق ع�ل�اق ��ات م �ب��ا� �ش��رة م��ع اجلمهور ،ومل تكن الآل��ة �إال و�سيلة خللق ون�ق��ل الأف �ك��ار ،فهي ال تنعزل ع��ن �إرادة ال�شعوب و�آمالها .واملتتبع للمنجز الأدب��ي يف خمتلف بقاع العامل -بغ�ض النظر عن اللغة التي ينطق بها� ،سيالحظ من دون كبري عناء ذلك الكم الوفري الذي اتخذ من الثورة مو�ضوع ًا ل��ه؛ تلون بلونها ،وحتدث بلغتها .وكحال الأدب فال�سينما ما فتئت تقدم �أع�م��ا ًال خالدة عن ال�ث��ورة ورموزها وب��واع��ث ق�ي��ام�ه��ا ،ول �ن��ا �أم�ث�ل��ة ع��دي��دة يف ال�سينما ال�ع��امل�ي��ة؛ �أع �م��ال خ��ال��دة قدمت للجمهور حتف ًا �سينمائية ت��ذ ِّك��ره ب�أعظم �إجنازات الإن�سان ،فاحتفظت بها الذاكرة ال�سينمائية ،كروائع لن يطالها الن�سيان، لكن احلديث عن ال�ث��ورة يف ال�سينما «�أي الأف�لام التي اتخذت من الثورة مو�ضوع ًا» قد يطرح بع�ض الإ�شكاالت الت�صنيفية التي مت�س بالأ�سا�س موا�ضيع الأف�لام من حيث تناولها للثورة ،و�أحداثها ،ومن حيث مدى ارتباطها بوقائع التاريخ ،وابتعادها عنها، وعلى هذا االعتبار فنحن منيز بني الأفالم التي اتخذت الثورة مو�ضوع ًا �صريح ًا لها، كتناول �إح��دى ال �ث��ورات العاملية املعروفة حت��دي��د ًا ،و�أف �ل�ام �أخ ��رى ت�ن��اول��ت ال �ث��ورة بطريقة تخيلية.
كان الفن السابع وال يزال نافذة ننظر من خاللها إلى أحداث التاريخ الكبرى ووثيقة اجتماعية مهمة تسهم في رسم قوانين حركة وديناميكية المجتمع
الثورات التاريخية
ميكننا �أن نتناول حتت ه��ذا العنوان الأول تلك الأعمال ال�سينمائية التي تناولت الثورات ال �ك�برى؛ك��ال �ث��ورة الفرن�سية واالجن�ل�ي��زي��ة وال��رو� �س �ي��ة..ال��خ ،فهناك ن�صيب جيد من الإنتاجات ال�سينمائية التي تابعت بالتوثيق �أو بالدراما ه��ذه ال�ث��ورات املهمة يف التاريخ الب�شري ،وميدنا امل�ؤرخ الفرن�سي«روجيه ايكار» يف كتابه «الثورة الفرن�سية يف ال�سينما» بجرد دقيق للأفالم التي تناولت الثورة الفرن�سية: فقد �أُنتج �أكرث من 90فيلم ًا يف فرن�سا ونحو 18فيلم ًا يف �أمريكا و 20فيلم ًا يف اجنلرتا و 27فيلم ًا يف �إيطاليا ونحو � 10أفالم يف �أملانيا، �إ�ضافة �إىل ثالثة �أفالم يف الدمنارك .وكلها تناولت مو�ضوع الثورة الفرن�سية ولعل هذه الأرق��ام تدل مبا ال يدع جم��ا ًال لل�شك حر�ص ال�سينما على التقاط �أحداث هذه الثورة التي تعد من �أبرز ال�صفحات احلا�سمة يف التاريخ الب�شري ،وجند من �أبرز الأفالم التي عاجلت الثورة الفرن�سية فيلم «دانتون» عام 1983من �إخراج البولندي «اندريه فايدا» عن �آخر فرتة من حياة ج��ورج دانتون وه��و �أح��د �أه��م قادة الثورة الفرن�سية ،ولعب دوره املمثل الفرن�سي «ج�يرار ديبارديو» ،والفيلم يحلل كيف حاك روب�سبيري ِّ منظر الثورة الفرن�سية م�ؤامرة �ضد دان�ت��ون وكيف خ��ان روب�سبيري امل�ب��ادئ التي قامت عليها ال�ث��ورة الفرن�سية ،والفيلم يف عمقه كذلك هو ر�سالة �أراد من خاللها فايدا �أن يدعو �شعبه بوالندا �إىل نبذ العنف وااللتزام باحلوار كطريقة حلل الأزم��ات الوطنية ،من خالل تركيزه على �إدانة �سيا�سة العنف الدموي التي نهجتها جلنة ال�سالمة العامة بقيادة روبي�سبري� ،ضد من �صنفوا ك�أعداء للثورة. وقبل الثورة الفرن�سية تاريخي ًا هناك فيلم «�سبارتاكو�س» الذي يعترب من روائع الأفالم الكال�سيكية يف بداية ال�ستينيات ،من بطولة «كريك دوغال�س» ،ويقوم �سبارتاكو�س بقيادة �شعب خمتلط من العبيد يف ثورة كبرية �ضد روما وقوانينها امل�ستبدة .وهذا الفيلم يعترب م��ن �أول الأع �م��ال ال�سينمائية التي تناولت
سينما 136 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
من فيلم «�آفاتار»
مو�ضوع الثورة ،و�شكل �إلهام ًا لإعمال �أخرى جاءت بعده. وهناك �أفالم عديدة تناولت الثورة الرو�سية �سواء كمو�ضوع رئي�س� ،أو بالإ�شارة �إليه �ضمن �أح��داث �أخ��رى ،وميكننا اعتبار فيلم«مقتل تروت�سكي» للمخرج الأمريكي «جوزيف لوزي» على �سبيل الذكر ال احل�صر ،منوذج ًا يعرب عن هذه الثورة ،ويحكي هذا العمل ال�ضخم عن ق�صة اغتيال املفكر الرو�سي«تروت�سكي» ،الذي اختلف مع �ستالني وت��رك االحت��اد ال�سوفيتي عام 1929متوجه ًا �إىل املك�سيك ،ف�أر�سل «�ستالني» من يقتله هناك. ومن �أف�لام الثورة التي حتتفظ بها الذاكرة ال�سينمائية جن��د فيلم «الأر�� ��ض واحل��ري��ة» للمخرج الربيطاين «كني لوت�ش» ال��ذي يعترب من حمبي �صنع �أفالم م�ستوحاة من الثورات، ويحكي الفيلم ع��ن عاطل اجنليزي ينتمي للحركة ال�شيوعية ،يذهب لإ�سبانيا وين�ضم �إىل القوى الي�سارية التي ت�ضم جمموعة من املتطوعني واملتطوعات من جن�سيات خمتلفة، بالإ�ضافة �إىل اجلمهوريني الإ�سبان ،ملحاربة فرانكو وم�ؤيديه بعد ا�ستيالئه على احلكم يف ثالثينيات القرن املا�ضي .و�أهم ما يف الفيلم هو احلوار الذي ك�شف عن احلاجة �إىل الثورة
الوفاء ألحداث التاريخ في السينما يبقى هدف ًا صعب التحقق ألن السينمائي ليس مؤرخ ًا كما أن التاريخ نفسه محل خالف من مؤرخ آلخر و�آمال النا�س الب�سطاء ومعاناتهم ،كما جند يف هذا الفيلم �إ�سقاط ًا لكل الق�ضايا التي تقابل الثوار مهما اختلف الزمان واملكان. وي��أخ��ذن��ا فيلم «مايكل كولينز» م��ن �إخ��راج «نيل ج��وردان» وبطولة «ليام ني�سون» و«جوليا روبرت�س» �إىل حترير ايرلندا وحياة الزعيم الإيرلندي الثائر «مايكل كولينز» ،وكيف حاول كولينز حترير ايرلندا عام 1920من خالل قتل العمالء ال�سريني الربيطانيني وبعدها تر�ضخ بريطانيا وتوافق علي املفاو�ضات معه ،وبعد عودته �إىل موطنه بعد �أن ح�صل على وعد ب�إقامة ايرلندا احلرة ،يتحول ال�صراع داخلي ًا لرغبة �أعوانه ب�إقامة جمهورية ايرلندا ولي�س اال�ستقالل عن بريطانيا فقط. وجن ��د ال� �ث ��ورة الأم��ري �ك �ي��ة ح��ا� �ض��رة بقوة
�سينمائي ًا ،فهناك فيلم «ثورة» «لهيبو هيد�سون» وبطولة «�آل بات�شينو» ال��ذي يج�سد دور رجل ي�شرتك يف الثورة مبح�ض امل�صادفة وتنمو لديه الأحا�سي�س الوطنية وتكرب ،وعن نف�س احلدث جند فيلم«الوطني» «لرونالد اميريي�ش» وبطولة «ميل جيب�سون» ويحكي عن الثورة الأمريكية �ضد اال�ستعمار الربيطاين وكيف يتحول �إىل بطل عندما ي�شارك يف قيادة الثورة ،وي�أتي هذا العمل الرائع لي�ؤكد دور الطبقات االجتماعية املنهوكة يف قيام الثورة وجناحها. ويعترب فيلم «القلب ال�شجاع» من �أبرز الأعمال ال�سينمائية التي تعر�ضت للثورة اال�سكتلندية وه��و من روائ��ع املمثل وامل�خ��رج الكبري «ميل جيب�سون» املعروف بوقوفه يف �صف الق�ضايا العادلة ،وي��دور هذا العمل عن حياة ون�ضال بطل قومي ا�سكتلندي«وليام واال�س» الذي عا�ش يف القرون الو�سطى وحارب حتى املوت من �أجل حترير بالده من ظلم وا�ستعباد االجنليز ،لقد متيز هذا العمل عن غري باالتقان �سواء تعلق الأمر ب�أداء املمثلني �أو روعة ال�سيناريو وباقي اجلوانب التقنية الأخرى. ويج�سد فيلم «حياة غيفارا الثورية» �أحد �أهم الأع�م��ال ال�سينمائية ،وه��و من بطولة املمثل «بني�سيو دل ت��ورو» وحتكي ق�صته عن حياة املنا�ضل الثوري «�شي جيفارا» ال��ذي مل ي�سع النت�صارات �شخ�صية بل لتحرير النا�س من الظلم ،وق��د ا�ستمد ه��ذا العمل جناحه من نقطتني� :أواله �م��ا و�أه�م�ه�م��ا ،تلك ال�شعبية الكبرية التي حتظى بها �شخ�صية «�شي جيفارا» والثانية تتمثل يف حمل الفيلم مقومات النجاح من حيث حر�صه على نقل حياة هذا املنا�ضل.
الثورات التخيلية
املق�صود هنا تلك الأفالم التي عاجلت الثورة من دون اال�ستناد �إىل وقائع تاريخية ،وهذه النوعية من الأف�لام قد ت�شرتك مع الأف�لام امل�ج�م��وع��ة الأوىل يف دائ��رت �ه��ا الت�صنيفية ال �ك�برى ،لكنها تختلف م��ن حيث كونها ال متتلك �إرث ًا تاريخي ًا فهي ال تهتم بالتوثيق بقدر ما تهتم بخدمة ق�صة الفيلم ،ويدخل يف هذا الإطار جمموعة �ضخمة من الأفالم باختالف
املوا�ضيع ،وميكننا �أن ن�شري يف هذا ال�صدد �إىل جمموعة من الأف�لام كفيلم ال�ساموراي الأخ�ير ال��ذي عالج ن�ضال ال�ساموراي ،من �أجل االحتفاظ بهويتهم ،وان�ضمام اجلرنال اجلرين الذي �أدى دوره «توم كروز» �إىل �صف ال�ساموراي بعد اقتناعه بعدالة ق�ضيتهم .كما ي�شكل فيلم «نادي القتال» منوذج ًا متميز ًا لهذه النوعية من الأف�لام وهو من �إخ��راج «ديفيد فين�شر» وبطولة «براد بيت» حيث يعالج ق�صة جمموعة من ال�شباب ي�ؤ�س�سون نادي ًا للقتال ويتمردون على جمموعة من الثوابت والقوانني املتعلقة بالر�أ�سمالية ،ويتميز ه��ذا املخرج باختيارات جمالية عميقة. �أم��ا فيلم «�أف��ات��ار» للمخرج «جيم�س كامرون »فهو فيلم فنتازيا وميكننا �أن ن�صنفه بقليل من التجاوز �ضمن تلك الأف�ل�ام التي تدعو �إىل الثورة واملقاومة من �أجل الوطن ،وتعترب خملوقات «النايف» يف هذا العمل ترميز ًا للهنود احلمر ومعاناتهم �أثناء احتالل الأوروب�ي�ين ملوطنهم .وعلى الرغم من اجلانب الفرجوي الذي مييز هذا النمط من الأفالم فهي تبقى ذات ت�أثري كبري على املتلقي ،تتثري عواطفه وت�شحنها ،وتلفت انتباهه بطريقة غري مبا�شرة �إىل �أحداث مهمة ،ففيلم �أفاتار مث ًال هو من الأع�م��ال الداعية �إىل املقاومة وال��دف��اع عن الوطن وال�ث��ورة �ضد كل �سلطة حترمنا من احلرية ،وكل من �شاهد هذا العمل �سيفهم ه��ذه الر�سالة ب�سهولة ،وفيلم «ال�ساموراي الأخري» هو انتقاد ل�سلب املجتمعات هوياتها، وانتقاد لتدخل �أمريكا يف �سيا�سات البلدان، وال��دع��وة �إىل ال �ث��ورة على ك��ل ذل ��ك .وه��ذه الطريقة يف التعبري مطروقة منذ القدم، وهي تعرف بالإ�سقاط التاريخي ،حيث يتوارى امل��ؤل��ف خلف �أح ��داث �أو �شخ�صيات معينة ليكتب عن موا�ضيع �سيا�سية حمرمة لأ�سباب رقابية� ،أو فنية �أو فكرية ،وهذا النهج حا�ضر بقوة يف ال�سينما وحتديد ًا يف داخ��ل الأف�لام التي تعالج ق�ضايا مثل الثورة �أو ق�ضايا �سيا�سية حمرمة ،فتبقى ه��ذا الأع�م��ال يف من�أى عن كل نقد فهي ال ترتبط بالواقع يف �شيء ،وهذا كاف لك�سر �سهام النقد املوجهة �إليها ،وهي
تتميز بالوظيفة الإغرائية من حيث مداعبتها لأذواق اجلمهور املتعط�ش لالنعتاق ،واملنت�صر للق�ضايا العادلة. مل يكن لل�سينما �أن تتجاهل ه��ذه الأح��داث امل�ضيئة يف تاريخ الإن�سانية ،لأن الفن كان دائ �م � ًا م���ر�آة للمجتمع ،فكم ه��ي ال �ث��ورات والأح��داث التي مر عليها الزمن لكننا نظل نتذكرها انطالق ًا من �أعمال �سينمائية ،ومن هنا ت�أتي راهنية الأفالم التي تتعر�ض لأحداث التاريخ والثورة� ،إنها ت�أتي من م�س�ألة قد تهمنا نحن� ،أال وهي ا�ستح�ضار تاريخنا ،والأهم من ذلك تذكريها الدائم لنا مبعاين احلرية.
�أفالم الثورة بني الفن والتوثيق
هكذا نالحظ �أن ال�صورة ن��وع من الت�أريخ لل�سريورة الإن�سانية ،والتاريخ االجتماعي ي�سجل من خاللها ،و�أب��رز حلظاته لل�شعوب َّ تبقى خ��ال��دة ب�ه��ا ،وه��ذا م��ا ي ��ؤك��ده الكاتب املغربي حممد ا�شويكة بقوله «فميكانيزمات الهوية االجتماعية قد �أ�صبحت تتحدد ب�شكل مت�سرع :وكل عالمة �أو �أي عن�صر يدخل يف ت�شكيل ال�صورة ،يحمل معه قوة م�ؤملة وحقيقية للحقيقة الراهنة» .فالتوثيق �صار م�صاحب ًا لل�صورة ،ولهذا �سنجد �أن كل الأعمال التي تناولت هذه الثورات ،قد �صاحبها جدل كبري على م�ستوى التلقي ،من حيث وفائها لهذه الأحداث التاريخية املهمة ،ومل ي�سلم �أحد ه��ذه الأع �م��ال م��ن النقد ال�ل�اذع ،لأن الوفاء لأح��داث التاريخ يبقى هدف ًا �صعب التحقق فال�سينمائي لي�س م��ؤرخ� ًا ،بل حتى احل��دث التاريخي، يت�سم باالختالف على م�ستوى نقله من م�ؤرخ لآخر ،كما �أن ال�سينمائيني انطلقوا من �أحداث
فيلم «أفاتار» فنتازيا تدعو إلى الثورة والمقاومة من أجل الوطن .. ومخلوقات «النافي» ترمز للهنود الحمر ومعاناتهم أثناء احتالل األوروبيين لموطنهم
هذه الثورات لكنهما �سرعان ما اعتمدوا على اخليال باال�ستفادة من �أحداث هذه الثورات و�شخ�صياتها ،وال ميكننا اجلزم بعدم وجود ال �ه��دف امل ��ادي وراء �صناعة ه��ذه �أف�ل�ام، ويلخ�ص لنا روجيه �إي�ك��ار م��دى �صدق هذه الأعمال يف نقل الثورة الفرن�سية بت�صديره لكتابه «الثورة الفرن�سية يف ال�سينما» كل �شيء حمتمل ،وكل �شيء ميكن �أن يكون من �صنع اخل�ي��ال يف ال�ث��ورة الفرن�سية» وه��ذا احلكم ميكن تعميمه على كل الأعمال التي تناولت الثورات العاملية الأخرى
تشكيل 138 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
حياة بني الظل والنور
رامبرانت .. رائد دراما المشهد رنده العقباين بينما مل ُيقبل الهولنديون على اقتناء لوحاته الدينية لأنهم كانوا يف�ضلون املو�ضوعات امل�ستمدة من واقع حياتهم كاملناظر الطبيعية والطبيعة ال�صامتة واحلياة اليومية الأ�سرية . �إال �أنه يعد الآن �إرثاً فنياً غنياً للفن الت�شكيلي الهولندي والعاملي يف القرن ال�سابع ع�شر حيث ولد رامربانت هارمنزون فاين رين 1669 - 1606م.
ما بني الظل والنور
�إن كانت بدايات «رامربانت» قد ولدت من انبثاق ال�ضوء والنور وم��ن جتاور الظالل لها ،ف��إن هذا التبادل اللوين مل يقت�صرعلى لوحاته الفنية فقط، بل جن��ده �أي�ض ًا قد ت�سرب �إىل حياته ال�شخ�صية �ضمن حالة م��ن التفاوت امل��ادي خالل مراحل حياته املختلفة، حيث ب��د�أت بالغناء وال�ثراء الفاح�ش لتنتهي به �إىل فقر مدقع الزم��ه حتى نهاية حياته منتهي ًا �إىل �إح��دى مقابر املت�سولني يف هولندا حيث دفن. ويف ذات الوقت الذي ر�سم به الت�ضاد القوي ما بني ال�ضوء املنبعث من قلب عمله ،وال��ظ��ل امل���وزع على امل�ساحات امل���ج���اورة ،ف��ق��د ك���ان ي��ر���س��م م�سرية حياته بيديه ،فكان هذا الت�ضاد ال�سبب الأك�بر يف و�صوله �إىل قلب الإن�سانية م��ن خ�لال املحا�سبة الداخلية للخري وال�شر وللو�ضوح والغمو�ض واملعلوم و
في لوحة درس التشريح استطاع رامبرانت أن ينقل لنا اإلحساس بأن هذه العضالت حقيقية ألنه نقلها من رسومات حياته الفنية توضيحية في كتاب و�إذا رجعنا �إىل م�سرية رامربانت يف طبي عن جسم اإلنسان ال��ف��ن ،ف��ق��د جن��د �أم��ام��ن��ا وم��ن داخ��ل ما دفع الكثريمنهم لال�ستخفاف بعمله والتنديد به و�صو ًال �إىل التدخل يف حياته اخلا�صة والتي �آل��ت �إىل ت��ردي �أحواله املادية واجل�سدية ومن ثم �إىل نهايته.
قدر للوحاته يف كثري من املجهول .وقد ّ الأحيان �أن ت�صبح �سبب ًا لكل امل�أ�ساة ال��ت��ي ط��غ��ت ع��ل��ى ن��ه��اي��ت��ه وم��ث��ل ذل��ك م��ا ن�شاهده يف لوحته «دوري���ة الليل» امل��وج��ودة الآن يف متحف �أم�����س�تردام، وال���ت���ي ي��ب��ل��غ ط��ول��ه��ا ث��م��ان��ي��ة �أم���ت���ار وعر�ضها �ستة �أم��ت��ار ،وك��ان ق��د �صور فيها جمموعة من ال�ضباط واجلنود، وبدت وك��أن الإ�ضاءة قد �سلطت على وج��ه ع��دد قليل م��ن��ه��م بينما �أخ��ف��ت العتمة وجوه و �أج�سام الآخرين ،وهذا
مر�سم الفنان «جاكوب فان �سوانربغ» يف م��دي��ن��ة الي����دن ،ط��ف� ً لا ه��ول��ن��دي � ًا يف ال��راب��ع��ة ع�����ش��رة م��ن ع��م��ره مفعم ًا ب��احل��ي��وي��ة وم��ق��ب� ً لا ع��ل��ى ال��ف��ن ب�شغف كبري ،يرافقه يف هذه املرحلة �صديق له يدعى «جان ليفز» ،ومن ثم ويف عمر ال�سابعة ع�شرة قرر رامربانت �أن ي�شقَّ طريقه �إىل �أم�سرتدام ،ليتتلمذ على يد الفنان الهولندي امل�شهور بر�سومه التاريخية «بيرت ال�ستمان» وهناك تعلم اللغة الإيطالية ،وتعرف على �أعمال الفنان الإي��ط��ايل «ك��اراف��اج��ي��و» فت�أثر
تشكيل 140 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
لوحة در�س الت�رشيح
بر�سومه الباروكية املزينة واملزخرفة فحقق �شهر ًة وا�سع ًة وثرا ًء كبري ًا. «���س��ا���س��ك��ي��ا» ال��ت��ي ك��ان��ت ج�����زء ًا من ويف ا�ستخدامه لل�ضوء ،و�أدرك �أهمية يف ع��ام 1634م ت��زوج رام�بران��ت من هواج�سه و�إب��داع��ات��ه ،وال��ت��ي ك��ان قد ت��ف��رد بر�سمها يف كثري م��ن �أع��م��ال��ه، النور املنبعث من اللوحة ومدى ت�أثريه ولكن ه��ذه العالقة احلميمة مل يكتب النف�سي على امل�شاهد ،فتلقت �أعماله في لوحة شمشمون لها �أن ت�ستمر �سوى يف لوحاته ،بعد �أن ق��ب��و ًال ق��وي � ًا م��ن �أه����ايل �أم�����س�تردام ،تأتي رسالة رامبرنت فارقته «�سا�سكيا» تارك ًة له مولودهما وب����د�أت م�����س�يرت��ه ال��ف��ن��ي��ة يف ال��ظ��ه��ور وما الضوء من نابعة امل��ن��ت��ظ��ر ب��ع��د ث�ل�اث حم���اوالت فا�شلة فر�سم الكثريمن البورتريهات وال�صور من ألوان من يحمله قدر لرامربانت ال�شخ�صية واللوحات امل�ستوحاة من للإجناب ،وهكذا وكما ّ �أن يتحقق حلمه بطفله ال�صغري ،و�أن الأ���س��اط�ير وامل��و���ض��وع��ات ال��ت��اري��خ��ي��ة مركز اللوحة ومع يفقد حلمه الآخ��ر وملهمته �سا�سكيا، وال��دي��ن��ي��ة ال��ت��ي اقتب�سها م��ن الكتب التعابير الواقعية فقد ك��ان احل��ال بالن�سبة �إىل لوحاته ال�سماويه كالإجنيل والتوراة واملناظر والوحشية المرعبة التي تراجع الإق��ب��ال عليها بعد حالة الطبيعية وم�شاهد احل��ي��اة اليومية،
التي جعلت من اللوحة ً قوة وإحكام ًا أكثر
احل�����زن واالن�����ط�����واء ال���ت���ي راف��ق��ت��ه، وخ��ا���ص� ًة بعد ر���س��م لوحته «دوري���ة يف ال��ل��ي��ل» ،غ�ير �أن���ه مل يتوقف �أب���د ًا عن الر�سم ،فكرثت �أعماله الفنية وتنوعت م��وا���ض��ي��ع��ه ،ب��الإ���ض��اف��ة �إىل التعابري احل�سية واحلالة الدرامية املنبعثة ما بني ال�ضوء والعتمة يف حركية ت�ضفي على امل�شهد نوع ًا من التوا�صل والتوحد التفاعلي ما بني امل�شاهد والعمل الفني والفكرة. اخلطوط من حيث الأ�شكال الهند�سية «حلزوين»
توزيع اللون احلار يف اللوحة
توزيع اللون الأ�سود يف اللوحة
در�س الت�شريح للدكتور تولب
ل��وح��ة زي��ت��ي��ة ،ق��ي��ا���س ،86 2/1 - 65 ر���س��م��ت ع���ام 1632م ،وت��ع��ت�بر �أول البورتريهات اجلماعية التي �أجنزها يف �أم�������س�ت�ردام ورمب����ا ك��ان��ت ال�سبب الرئي�سي يف ان��ت��ق��ال��ه �إىل ه��ن��اك .يف هذه اللوحة وحول ال�ضوء امل�سلط على اجلثة ال�شاحبة وق��ف الدكتور تولب، وع��ل��ى مي��ي��ن��ه ���س��ب��ع��ة �أط���ب���اء �آخ����رون، وم��ن امتداد ه��ذا ال�ضوء على الوجوه تبني لنا وك�أنهم ي�ستمعون ويرتقبون بعيونهم الفاح�صة تلك الع�ضلة التي ق���ام ال��دك��ت��ور ت��ول��ب ب��رف��ع��ه��ا مبب�ضع مي�سكه بيده اليمنى ،بينما تقوم اليد الي�سرى بحركات تعبريية وتف�سريية ل��ل��م��و���ض��وع ال����ذي ي�����ش��رح��ه م�ستعين ًا بالكتاب امل�شهور لـ «في�سليا�س» والذي ن��راه �أ�سفل قدمي اجلثة ،ويبدو ذلك وا���ض��ح � ًا م��ن خ�ل�ال ال�����ض��وء امل�سلط على يديه ،وكذلك من خالل الظالل يف اخللف والعتمة القابعة يف الزوايا ومن حولهم ،جند نف�سنا وك�أننا نقف متام ًا �أم��ام م�شهد درام��ي رائ��ع لذلك احل�ضور ،ويف املقدمة �أم��ام الدكتور تولب. لقد ا�ستطاع رام�بران��ت �أن ينقل لنا الإح�سا�س ب�أن هذه الع�ضالت حقيقية، وذلك لأنه مل ينقلها من الواقع مبا�شرة ب��ل م��ن ر���س��وم��ات تو�ضيحية يف كتاب ط��ب��ي ع��ن ج�سم الإن�����س��ان ل���ـ«�أدري���ان
تشكيل 142 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
ف��ان ا�سجبل» ،و�إن اللون الأح��م��ر من الع�ضالت ويف مركز اللوحة مع حركة املب�ضع يف يد الدكتور تولب تبني لنا وك�أنها ب��داي��ة خلطوط لولبية تقودنا مت���ام��� ًا حل��ق��ي��ق��ة امل�����ش��ه��د ،وت�ت�راب���ط ال��ع��ن��ا���ص��ر م��ن خ�ل�ال ال�����ض��وء ال��ق��وي والإمي���اءات املثرية للتعابري الب�شرية التي قدمها لنا رامربانت بح�سا�سية عالية ل��ت��ؤك��د على ه��ذه ال��درام��ي��ة يف لوحاته.
خداع �شم�شون
ل��وح��ة زيتية ،ق��ي��ا���س ،114 2/1 - 95 ر�سمت هذه اللوحة عام 1636م وهي موجودة مبتحف �ستادل بفرانكفورت، بت�أملنا يف العتمة القابعة يف زواي��ا اخليمة ،والظالل الباهتة يف الو�سط وال�����ش��خ��و���ص ال��ت��ي ت��ت��ح��رك ب��داخ��ل��ه��ا ك�أ�شباح عنيفة ،وال�ضوء القوي امل�سلط على �شخ�ص يتخبط يف الأم��ام ويفقد الكثري م��ن ال��ق��وة ال��ت��ي ميلكها ،ومن ث��م ام��ت��داد ال�����ض��وء لي�صل �إىل وج��وه الأ�شخا�ص من حوله لينتهي عند وجه ام����ر�أةٍ ب��دت وك��أن��ه��ا ق��د ظ��ف��رت بفوزٍ ع��ظ��ي��م ،ن���رى ت�����س��ل�����س� ً لا يف الأح����داث يجعلنا نقف �أمام عملٍ يعترب من �أكرث الأعمال روع ًة و�أهمها يف �إبراز امل�شهد ال��درام��ي عند رام�بران��ت ،وك�أنه �أراد �أن يخربنا كيف حيكت هذه اخلديعة داخل اخليمة املظلمة ،وذلك من خالل ال�����ض��وء ال��ق��ادم م��ن امل��دخ��ل وامل�سلط ع��ل��ى �شم�شون امل��ق��ي��د وامل��ع�����ص��وب �إن ك��ان م��ن ح��ي��ث احل��رك��ي��ة يف امل��و���ض��وع �أو م��ن خ�ل�ال ال��ت��درج ال��ل��وين ،وه��ذه الأ�ضواء التي ت�أخذنا �إىل داخل النف�س ال��ب�����ش��ري��ة وال��ت��ي �أراد ل��ن��ا رام�بران��ت �أن ن�ستدرك من خاللها ال��دور الذي ي��ؤدي��ه ك��ل �شخ�ص يف لوحته ،وتظهر هذه اللوحة البطل �شم�شون وقد بدت عليه حالة مم��زوج��ة ب���الأمل والغ�ضب وال�����ص��دم��ة م��ن خ��داع دليله ل��ه والتي
اخلطوط من حيث الأ�شكال الهند�سية «هرمي»
توزيع اللون احلار يف اللوحة
توزيع اللون الأ�سود يف اللوحة
لوحة خداع �شم�شون
حققت فوز ًا عظيم ًا ويبدو ذلك وا�ضح ًا وا�ضح ًا م��ن خ�لال اخل��ط��وط والأل���وان املع�صوب وال���ذي ا�ستقر يف القاعدة يف خ�صلة �شعره التي مت�سكها بيدها وانعكا�سها لت�شكل ذروة مثلث ممتدة وبدا وك�أنه و�ضيع ،ولكن الر�سالة ت�أتي ويف ا�ستدارتها ونظرتها اخلاطفة له ،م��ن ر�أ���س��ه��ا �إىل املجموعة م��ع البطل يف النهاية مع ال�ضوء وم��ا يحمله من يف الوقت الذي تقوم به بالفرار باجتاه �أل���وان م��ن مركز اللوحة ب�شكل مبهر و�أخاذ ومع التعابري الواقعية والوح�شية ال�����ض��وء امل�����س��ل��ط ب��ع��د �أن متكنت من الحالة الدرامية ا�ستدعاء اجلنود الذين قاموا بتثبيته املرعبة التي جعلت من لوحة رامربانت بكل م��ا ميلكوه م��ن ق���درة ،وبحركات المنبعثة ما بين �أكرث قو ًة و�إحكام ًا. ومما �سبق يف اللوحتني املثال ،يتبني معربة عن العنف والق�سوة ،وذلك من الضوء والعتمة في لنا �أهمية املفهوم الرتكيبي للم�شهد خالل اجلندي الذي يقوم ب�سمل عينيه أعمال رامبرانت تصنع والآخ��ر املرتدي للون الأحمر وامل�سلط ع��ن��د رام�ب�ران���ت ،و�أه��م��ي��ة امل��ب��ال��غ��ة يف التواصل من حالة خ��ن��ج��ره ب��اجت��اه ���ص��دره ،بينما يقوم ال��ظ��ل وال���ن���ور يف ل��وح��ات��ه مم���ا �أدى الثالث بال�ضغط على عنقه وبتثبيت والتوحد التفاعلي ما لت�صنيفه من �أه��م الفنانني و�أكرثهم متيز ًا يف القرن ال�سابع ع�شر ك��ت��ف��ي��ه ،وه��ك��ذا ي��ب��دو ان��ت�����ص��ار دليلة بين المشاهد والعمل
الفني والفكرة
سوق الكتب 144 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
غوايةالتراثإرثدائمللعاشقين القاهرة -عزة �سلطان ثمة غواية جتذب اجلميع مبختلف ثقافاتهم وخلفياتهم االجتماعية واالقت�صادية ،غواية تتعلق بالرتاث والقدمي� ،أمر عميق يف كل نف�س ورمبا ال يلتفت له كثريون بقدر ما يلحظون تتبعهم لهذه الغواية، فالأطفال مولعون بالق�ص�ص القدمية واحلكايات التي �إن تتبعناها وجدنا كثرياًَ منها من كتاب �ألف ليلة وليلة ،وكبار ال�سن يذوبون مديحاً و�شعراً ،ويرتاوح �أثر الغواية والتعلق بالرتاث من جيل �إىل جيل ومن مرحلة عمرية �إىل �أخرى ومن بيئة �إىل �أخرى فقط يبقى الثابت �أننا جميعاً م�أخذون �إىل ع�شق الرتاث ب�أنوعه �شعراً ونرثاً وفناً و�إن مل نر�صد ذلك ب�شكل وا�ضح. يدرك د .جابر ع�صفور هذه الغواية وير�صدها يف نف�سه �أو ًال ثم منطلق ًا لتتبعها وحتليل �أوجه ال�غ��واي��ة و�أب�ع��اده��ا يف كتابه «غ��واي��ة ال�تراث» ال��ذي �صدر عن ال��دار امل�صرية اللبنانية منذ �شهور ،والكتاب الذي قدم له امل�ؤلف ب�أنه ي�أتي كطبعة ثانية بعد �أن �صدرت الطبعة الأوىل �ضمن مطبوعات ك�ت��اب ال�ع��رب��ي ع��ام 2005 ي�شري �إىل �أن��ه �ضمن هذه الطبعة جزء جديد منحه عنوان ًا«عن بالغة املقموعني» هذا اجلزء الذي يوازي حجمه ثلث املطبوع ،ومن ثم ميكن للقارئ �أن ي��رى يف ه��ذه الطبعة كونها كتاب ًا جديد ًا حيث �إن ما �أ�ضافه امل�ؤلف ي�أتي جزء ًا كبري ًا ولي�س جمرد �إ�ضافات وتنقيحات لطبعة �سابقة. ويفند ع�صفور يف مقدمته التي ت�صدرت هذه الطبعة �أ��ش�ك��ال ال�ت�راث كما ي��راه��ا فيقول « �أح�سبنى يف حاجة �إىل ت�أكيد �أن �إبداع الرتاث ال ينح�صر يف ال�شعر وحده ،فهو �أكرب من ذلك بكثري ،والنرث الأدب��ي فى ال�تراث ال يقل فتنة وتنوع ًا عن ال�شعر ابتداء من الرتاث ال�سردي ال��ذي ال يخلو من �سري ذاتية �إبداعية� ،ضام ًا ر��س��ائ��ل رم��زي��ة تخايل ال�سلطة القمعية يف ع�صورها ،وت��راوغ من براثن القمع بالكناية واملجاز ،وذلك جنب ًا �إىل جنب الكتابات التي تت�سع بها الر�ؤية �أو الر�ؤيا فت�ضيق بها العبارة»
ع�صفور يدخل عوامل الرتاث بروح الناقد ،لكن الكتاب يتجاوز حدود النقد لنقر�أ ن�ص ًا �إبداعي ًا متما�سك ًا يتنا�ص مع �أ�شعار ومعلقات ،بحيث �إن جمله وفقراته ت َّكون لوحات لغوية غاية يف الروعة. ويق�سم امل ��ؤل��ف كتابه ثالثة �أق���س��ام رئي�سية منح ال�شعر الق�سم الأول منها وجاءت الكتابة بفنونها يف الق�سم ال�ث��اين ،يف حني خ�ص�ص الق�سم الثالث لبالغة املقموعني. حتتفظ ال��ذاك��رة العربية بتفا�صيل ثابتة عن ال�شعر العربي القدمي ،يتلخ�ص يف بع�ض �أبيات ومواقف تتعلق ب�سوق عكاظ وتعليق املعلقات، وبع�ض �أ�سماء من ال�شعراء القدامى ،ويدرك امل��ؤل��ف حمتوى ال��ذاك��رة العربية يف عمومها حتى و�إن جاء البع�ض دار�س ًا لهذه الأ�شعار وهذه الفرتة فتبقى عدد لي�س قليل ال يعرف ما حواه تراث ال�شعر العربي. ي�سعى امل�ؤلف يف ق�سمه الذي خ�ص�صه لل�شعر �أن يتناول بال�شرح والتحليل عدد ًا من املعلقات وبع�ض ًا من ال�شعراء ،مبختلف فئاتهم �سواء من جاءت ق�صائدهم غز ًال �أو ال�شعراء الذين �أطلقوا عليهم ال�صعاليك ،وكذلك املعلقات وتفا�صيل ع��ن كيف يتم اختيار الق�صيدة، وحقيقة تعليق الق�صائد على ج��دران الكعبة، كما ي�شري �إىل التغري ال��ذي ح��دث يف �صنوف
ال�شعراء وطبيعة ما يكتبون بعد دخول الإ�سالم. وقد ق�سم ع�صفور ق�سمه الأول عن ال�شعر �إىل ثالثة ع�شر ف�ص ًال را��ص��د ًا خاللها النموذج الأ��ص�ل��ي لل�شاعر وحت��ول ه��ذا ال �ن �م��وذج ،ثم تناول املعلقات و�سحرها وقد �أجاب عرب هذين الف�صلني عن ال�س�ؤال الذي ا�ستفهم حول مكانة املعلقات التي �أولتها العرب فيها واخت�صتها من دون �سواها من ق�صائد اجلاهلية ،فيذكر ع�صفور يف �إجابته ور�ؤيته حول ال�سبب « �إنها الرتكيبة ال�شعرية الإب��داع �ي��ة ال�ت��ي ج�سدت ح�ضور النموذج الأ�صلي لل�شاعر يف جماليه الديني والدنيوي ،وذلك على م�ستوى �صياغة وعي القبيلة وال�صدور عنه وت�صوير ر�ؤيا العامل التي �أنتجتها �سادة القبيلة عرب عنها �شعراء املعلقات ،ومتثيل املعتقدات التي جمعت بني ال�سادة وغريهم من �أبناء القبيلة يف ت�صور ال �ك��ون م��ن ناحية وراب �ط��ة ال ��والء القبلي يف ت�صور الع�صبية القبلية من ناحية ثانية ،وكما اقت�صرت املعلقات على �إبداع ال�سادة من غري ال�صعاليك والأغربة والعبيد ف�إن الذي انتخبها م��ن دون غريها م��ن الق�صائد ،ه��م �أقطاب ال�سادة من امللوك والر�ؤ�ساء». ويتطرق امل�ؤلف يف ف�صل �آخر �إىل عامل ال�شعر اجلاهلي وا�صف ًا حدوده ب�أنه «يف عيني ال�شاعر اجل��اه�ل��ي ويف ق�صائده ع��امل ف��اع��ل منفعل،
خارجي وداخلي ،ذات ومو�ضوع ،وعي لل�شاعر وح�ضور لوجوده ،مر�آة للأنا وحمط لتطلعها، �سحر متثيلي و�أداء �سحري ،عالقات متجاوبة ال تنف�صل فيها الأ�شياء عن الكائنات �أو يتباعد احليوان عن الإن�سان ،فاجلميع يف داخل الكون الذي تنطقه الق�صيدة اجلاهلية وتومئ �إليه ح�ضور متفاعل ،ينطق ك��ل عن�صر فيه لغة ت�شارك فيها بقية العنا�صر والكائنات». وال يخفي ع�صفور �أن��ه مت�أثر بقراءة �صالح عبد ال�صبور لل�شعر اجل��اه�ل��ي ،و�أن ��ه �أح��د تالمذة مدر�سة طه ح�سني يف درا�سة الرتاث، وي�ست�شهد يف �أكرث من مو�ضع بقراءات و�أراء عبد ال�صبور حول ال�شعر ،كما يقدم امل�ؤلف يف �أكرث من مو�ضع وح�سب تق�سيماته للف�صول �شروح وحتليالت لعدد من املعلقات خمتار ًا منها �أب�ي��ات� ًا ،كما �أن��ه ي�شري ل�شعراء بعينهم حمل ًال ر�ؤاهم ووجهات نظرهم من خالل ت�أويل ق�صائدهم وداللتها اللغوية وما ت�شري �إليه من ظواهر اجتماعية في�شري �إىل عنرتة وق�صائده عن عبلة خارج ًا يف ت�أويله عن احليز املحدود للغزل ليك�شف عوامل �أخ��رى ت�شري �إىل عالقة عنرتة بالطبيعة من حوله ،كما يذكر ع�صفور ر�ؤيته عن معلقة طرفة بن العبد واج��د ًا فيها حالة تك�شف عن لذة للح�س عن نقي�ضها وتبني ال �ع��وامل املتداخلة ملتعة اخل�م��ر والفرو�سية واملر�أة. كما ير�صد د .جابر ع�صفور تلك اللحظة التي بد�أ فيها التحول من �صورة ال�شاعر املفرد الذي يتحد باملجموع من قبيلته هادي ًا �إياها ما يراه �سبيلها القومي �إىل �صورة ال�شاعر الذي يتحد مب�صاحله اخلا�صة وي�سعى وراء ال�ثروة ،وقد �أو��ض��ح امل��ؤل��ف ذل��ك م��ن خ�لال تناوله بع�ض ال�شعراء ك�أمثلة تو�ضح ر�ؤيته وجاء بني ه�ؤالء ال�شعراء النابغة والأع�شى. ويتابع ع�صفور رحلته يف تك�شف الرتاث وغوايته يف منحى �آخر وهو ال�سرد �أو النرث جاع ًال هذا املو�ضوع يف الق�سم الثاين من الكتاب وقد ق�سمه �أي�ض ًا �إىل ثمانية ف�صول �سعى فيها للك�شف عن �أوجه خمتلفة يف الكتابة منها ف�ضائل الكتابة، ومديح القلم وتراتب الأنواع الأدبية وغريها. يف ب��داي��ة الق�سم املخ�ص�ص للكتابة وفنونه
يثري د.جابر ع�صفور ق�ضية الفارق بني الطبع وال�صنعة ك�أحد مقومات الكتابة والتباينات بينهما كما يراها امل�ؤلف مقدم ًا �أمثلته التي ت��ؤك��د وج�ه��ة النظر وم�ق��دم� ًا تعريفاته لكال املفهومني حيث ي��رى �أن م�صطلح ال�صنعة يف ال�سياق ال��ذي ي�صفه امل��ؤل��ف �إمن��ا داللته تقرتن ببعد �إيجابي ،وينطلق ع�صفور منحاز ًا لل�صنعة يف مقابل الطبع حيث يرى �أن املرياث ال��روم��ان���س��ي يف نقد ال�شعر ه��و ال ��ذي غذى النفو�س بالتعاطف وتقبل الطبع بو�صفه عالمة النفو�س الوح�شية ال�ساذجة. ويو�ضح امل�ؤلف يف مو�ضع �آخر �أن العرب كانوا منحازين �إىل ثقافة التدوين عك�س ما يقال عن ثقافة العرب وو�صفها بكونها ثقافة �شفاهية، وي�ؤكد امل�ؤلف �صدق وجهة نظر مبا جاء يف مدح القلم وداللة القلم من فعل الكتابة. ويف ف�صل جاء عنوانه «لك القلم الأعلى» يرد �شرح ًا لعالقة الكاتب وال�شاعر يف ال�تراث العربي �إذ يراهما امل�ؤلف يف مكانة متقابلة ندية ف ��إذا �صعد ل��واء ال�شاعر هبط الكاتب ،و�إذا تقرب الكاتب من �أهل ال�سلطة كان ذلك م�ؤ�شر ًا بهبوط مكانة ال�شاعر �إىل درج��ة املداحني، ويتتبع ع�صفور مكانة ال�شاعر حيث يبدي انحياز ًا وا�ضح ًا لل�شعر يف م�ؤلفه فحتى الق�سم الذي خ�ص�صه لفنون الكتابة جاء ذكر ال�شعر وال�شعراء يف �أكرث من مو�ضع ،ورمبا ذلك لكون ال�شعر ديوان العرب ،وهو �أكرث ما تركه العرب القدماء كرتاث خا�صة تلك الفرتة التي �سبقت
ظهور اال�سالم وانت�شاره يف املنطقة العربية. ويف ف�صل ف�ضائل الكتابة ير�ضح امل�ؤلف �أن مكانة الكاتب قد ت�صاعدت مع ن�شوء فكرة ال��دول��ة البطريكية يف مقابل ه�ب��وط مكانة ال�شاعر التي قد قاربت الأنبياء يف تلك الفرتة التي تبنى العرب فيها الثقافة ال�شفاهية ،وي�شري امل�ؤلف �إىل مكانة الكاتب التي و�صلت �إىل مكانة عالية حيث تقلد الكتاب منا�صب الوزراء وي�شري ع�صفور �إىل ع��دد من امل�ؤلفات التي قدمها �أ�صحابها عن عالقة الكتاب بال�سلطة واحلكم مثل كتاب الع�سكري «ال�صناعتني :الكتابة وال�شعر» وكتاب ابن الأث�ير » املثل ال�سائر يف �أدب الكاتب وال�شاعر«وكتاب » الوزراء والكتاب للجه�شياري و«�أدب الكاتب» البن قتيبة ب�شروحه املتعددة وغري هذه الكتب التي تناولت العالقة بني ال�شاعر والكاتب من جهة وعالقة الكاتب بال�سلطة من جهة �أخرى. �أم��ا الق�سم الثالث يف غواية ال�تراث فيك�شف فيه ع�صفور عن بالغة املقموعني ،جاع ًال من هذا الق�سم �ستة ف�صول مو�ضح ًا و�شارح ًا فيها �أوجه القمع و�أ�ساليب التقية و�سيا�سة البالغة، و�سيا�سة البالغة والرتميز للق�ص. وال ي�أتي احلديث عن القمع بعيد ًا عن الرتاث العربي ،فامل�ؤلف ير�صد يف هذا الق�سم �أوقات ًا عرفت قمع ًا فكري ًا ،وخالل هذه الفرتات جل�أ ال ُكتاب �إىل الرتميز وو�سائل متعددة للتقية وقد �أورد عدد من هذه الو�سائل داخل املنت، ويك�شف امل�ؤلف �أن ق�ص�ص احليوان قد ت�شري �إىل نوع من أ�ن��واع ال�شفرة ال�سرية حيث يورد امل�ؤلف على ل�سان احليوانات ما يريده ومن ثم يهرب من بط�ش احلكام. غ�ير �أن ع�صفور ق��د �أ��ش��ار يف مقدمته التي خ�صها ل �ه��ذه ال�ط�ب�ع��ة �أن م��و� �ض��وع بالغة املقموعني يعتربه بحثه احل��ايل ،و�أن��ه عاكف على ا�ستكماله وجعله كتاب ًا م�ستق ًال ير�صد كيف حتايل العربي على �أ�شكال القمع التي واجهها قدمي ًا تارك ًا �إرث ًا ثقافي ًا وتراث ًا يخلب العقول، برغم كل ما تعر�ض له من منع وجلد و�سجن وقمع متثل يف �أمناط و�أ�شكال متعددة ،وهو ما ي�ؤكد �أن الإبداع يدوم والقمع �إىل زوال.
كالم أخير لماذا ندرس التراث ؟
د.ريا�ض نع�سان �آغا
بع�ض امل�ستغربني ينكرون علينا توجهنا �إىل الرتاث و�إ�صرارنا على درا�سته ،ويجدون يف ذلك توجه ًا نحو املا�ضي وغرق ًا فيه ،بدل التوجه نحو امل�ستقبل وا�ست�شرافه ،وال يخفي كثري منهم خوفه من �أن تكون درا�سة الرتاث بهدف �إحيائه عودة �إىل القرون الو�سطى، وهي املرتبطة يف الذهن الأوربي مبراحل اجلهل والتخلف واالنحطاط ال�سيا�سي والفكري ،مع �أنها يف الذاكرة العربية والإ�سالمية قرون �إجنازات علمية تفرد بها العرب وامل�سلمون وحفظوا خاللها منجزات الأمم ال�سابقة ،و�أ�ضافوا �إليها ،وبنوا القاعدة العلمية املتينة التي ا�ستند �إليها ع�صر النه�ضة الأوربية . واحلقيقة �أننا ال ندر�س الرتاث من �أجل املا�ضي ،وال نعي�ش حالة هو�س بتمجيده هرب ًا �إليه من �شعورنا بال�ضعف والعجز عن مواكبة الع�صر �أو ا�ستباقه ،فنحن ندر�س الرتاث وهدفنا �إ�ضاءة اجلوانب الغفل من تاريخنا احل�ضاري ،والتعرف �إىل حجم و�أهمية ونوع م�ساهمتنا يف �صنع تراث الإن�سانية ،كما �أننا نهدف �إىل فح�ص هذا الرتاث ،وبيان ما ينبغي احلفاظ عليه منه ،وما ينبغي ك�شف زيفه ،فقد ت�سلل �إىل تراثنا من التلفيق و الأكاذيب ما بات عبئ ًا على الأمة وال�سيما حني اختلط بع�ض التاريخي ببع�ض املقد�سات ،و�أما الهدف الأكرث �صلة بامل�ستقبل عرب ا�ستكناه جتربة الرتاث ،فهو �إثارة روح البحث العلمي عند الأجيال ال�شابة ،وا�ستعادة ثقتها بالعقل العربي ،وبقدرته على الإبداع والك�شف واالخرتاع ،وتوعية الأجيال ب�أن مهمة البحث
العلمي عند العرب هي من جوهر ر�سالتهم الإن�سانية ،وقد خا�ضوا �أعظم جتربة عقلية ا�ستوعبت احل�ضارة الكونية التي �سبقتهم من علوم الأولني من الهند وال�صني وم�صر وبالد ال�شام والرافدين �إىل اليونان والرومان والبلقان ،فتمكنوا من بناء �صرح ح�ضارة ما تزال حية �إىل الآن و�ستبقى يف كل الأزمان ،لأنها ح�ضارة تدعو �إىل التجدد والتنوع ،وهي التي �أطلقت التنوع الثقايف وحافظت على التعددية و�أثرتها قبل قرون من انتباه الب�شرية �إىل �أهمية �صياغة عهد �أممي عرب منظمة اليون�سكو للحفاظ على التنوع. درا�ستنا للرتاث هي �صعود نحو امل�ستقبل، ي�ستند �إىل جذور عميقة متدنا بن�سغ احلياة الذي يتجدد وال ينقطع ،ولقد �أخفقت دعوات من فهموا احلداثة قطيعة معرفية مع املا�ضي ،وها هي ذي �أوربا نف�سها ت�ستعيد جذور ثقافاتها الإغريقية والرومانية وامل�سيحية ،وت�ستنري بفكر �أر�سطو الذي قدمه لها ابن باجة وابن ر�شد و�سبينوزا و�أمثالهم من فال�سفة العقل بهدف ر�ؤية �أو�سع للم�ستقبل . ونحن ال ندعي ملكية خا�صة حل�ضارتنا العربية ،فقد حر�ص �أجدادنا على ت�سميتها ح�ضارة �إ�سالمية ،وهي يف احلقيقة ح�ضارة �إن�سانية لأن جوهر الر�سالة احل�ضارية الإ�سالمية ذاتها �إن�ساين بامتياز ،فقد جاء الإ�سالم للنا�س كافة ،و�أممية هذه احل�ضارة هي �سر جناحها التاريخي ،فلي�س للعلم عرق �أو قومية �أو جن�سية� ،إنه �إرث الب�شرية ،وهو �إجناز تراكمي ،ولئن كانت الأمم تتباهى
يصدر كل شهر ويوزع مجاناً مع مجلة تراث
هــ
ديــــة
مع
جملة
تراث
()7
در كـل
يـ�شـــ ويوزع
جمانـ ًا مع
ال ِغي بَ تَّو ِجي ُه ال ُ رآنِي َّ ْة ال ت الق ْ ءا ِ ل ِقرَا َ لِ
�شــهر
جمـلة
تراث
ذا الك
تاب
()6
ه الكرمي نه �سبحانه يف قراآ ك �ره يف ذ ت حكمة اهلل ءات�ه؛ لتي�سري ستيعاب وا� را �س اقت غاير اأوج��ه ق� �س�ير معانيه كب ًة من بها ك� يجاز يف ت تت رواياتها، اهتمام اأن ة ،والإ التاو ه ،وق َّي�س ل والتثبُّت من ها كلٌّ لها اأو ب اأحكام بنقلها اج اللغ�ي اء ُعن�ا والحتج ها العلم ن�ا بت�جيهها ه؛ فاتخذ من اعت�سد زع و ع كما ُ ُمتَّجهه ومن حجة ملذهبه ،ترجيح ب اأو يف بح�س على قاعدته ط الأحكام اأو وج�هها مد �سعد دًا ببع�س نبا عد حم �ساه فقيه يف ا�ست املتكلم وكانت ريه، ل حمد �س ال �ص يف بها لى اآخر ،وت��سَّ رد مذهب غ اللغ�ي د� .أ ع التحليل �ي متخ�ص يعمل يف حكم ت مذهبه اأو ذلك هي ��ث �أك��ادمي� ��د الأدب � �ي ً ،بق�سم يف اإثبا ميعًا اإىل ب��اح �اغ��ة وال�ن�ق ًا م���س��اع��دا �� �س� �ات الت�جيه ج يلتهم ها. ال�ب� ل�ي� ًا اأ� �س �ت �اذ ي��ة وال� �درا جامعة يف و�س �ي لعنا�سر الجتاهات معانيها، ح��ا ال �ع��رب � رتبية، لية ال �ل �غ��ة نح ذه جم� �ال وال من خال ه ني بالبحث يف ��ة على ال امية ،ك �سر. ت �ب الإ�س �سم�س ،م � �ف� �ات يف � �س� ��ل وبزغ اآخ��ر ك�ان يُع �اغ�ي��ة امل �رت جلزري عني ع� � �دة م� ��ؤل �ن �ه��ا (الأ� اأثرها ل�ب ا �اهٌ اجت� ��س الأوج � ��ه ا تى جعلها ابن �) وجهًا ل� ��ه � �س �� �س��ه ،ماب �سيب�يه والتطبيق ح م�� ه ت �خ �باغية يف كت باغي)�� ( ،ا���س وت�ل� ُّ ها واختافها ،طي (ت 911الكرمي. � خ ال ال و ين حث باغي � �ع ��ا آن ير الب تغا 83ه�) وال�سي� اغي يف القرا تي بثَّها يف �اغ��ي -امل التطبيق الالتطبيق ال 2 الب ال �ب�رتاكيب)�� ( ،ان�ي��ة) ،عية)، (ت �ه الإعجاز ظ�اهر الباغية لقراءات ال � �س ��ر ال�ب�ي ��س��ر البدي درا�سة وج ل من كتاب يتتبع ال �س ت�جيههم ف على ال � �اغ��ي -ال� غة العربية :مدخلق� ال ) ،و( عر � ال�بنظرية البا املعرفية هذا ال�سلف يف م سدها؛ ثم ال� ها ،وبيان ( �ل ر� ). ء يف الأ�س العربية علما ُ رة وغريها ،و إليها اأو حتليل تاأثرها الباغة رة ا اأو �ات اإىل املت هم يف الإ�سا غي اخلال�س يف حركة رائق البا ملنا�سب ط يف البحث م�قعها ا ثرها ك اأ حتى تقع بذل جتديدها. به؛ الباغة و تاأ�سيل
ويل
ة التأ
تيجي
سترا
ا
العدد المقبل
الـد اللي هيثم �
مد �سع
د حمم
سرحان
د� .أح دارات
اإ�ش
2
201
د �سعد
النَّظموالتأويل في الفكر البالغي العربي د.حممد �شعد �شحاته
صدر ضمن سلسلة كتاب تراث:
اليمن ،1929انطباعات ومشاهدات البعثة السوفيتية األملانية السينامئية ،ترجمة د .سعيد دبعي تعدد الرواية يف الشعر الجاهيل ،د .أمين بكر ذاكرة الطني ،شواهد من الرتاث املعامري والعسكري يف مدينة العني ،د .محمد فاتح صالح زعل حكمة األجداد يف تراث مجتمع اإلمارات دراسة سوسيولوجية يف األمثال الشعبية ،د .أحمد محمود الخليل تأريخ القدامى للشعر إىل نهاية القرن الرابع مدونة املرزباين أمنوذجاً ،د .محمد حبيبي اسرتاتيجية التأويل الداليل عند املعتزلة ,الدكتور هيثم رسحان التوجيه البالغي للقراءات القرآنية ،د .أحمد سعد محمد سعد رسائل البرشى يف السياحة بأملانيا وسويرسا عام ،1889حسن توفيق العدل مثرات ناضجات من جنان الشعر العريب ،د .عايدي عيل جمعة الفكر الرتبوي الرتايث الخطيب البغدادي أمنوذجاً ،للدكتور بوزيد الغىل