مالمح ال�شهود احل�ضاري للغة العربية تراثية ثقافية منوعة ت�صدر عن نادي تــــــــــــــــراث الإمـارات العـدد 158دي�سمرب 2012
اتحاداإلمارات.. أنساب العرب..
جتربة وحدوية نادرة املثال
من ال�شفاهية �إىل التدوين
إشكاليةالمصطلح.. يف الرتاث النقدي العربي
ارتياد اآلفاق
مذكرات امر�أة �شرقية يف اجنلرتا 1927م
ألسنة عربية..
حكاية الزجل الأندل�سي
مع العدد كتاب الشهري «داخل العدد ملف وثائق االتحاد»
صوت من المستقبل نور س ّلط عليه ُ ما أشبه نفوس الناس يف هذه احلياة بالزجاج ُ الشمس ،فما كان من طبعه رديئًا غري مصقول ،أو مهمالً قد شاع وتضرم يف ذات أحلت عليه وقدة اجلو حمي فيه الصدأ ،فذلك متى ّ َّ نفسه ،وما كان من طبعه صايف املاء بادي الرونق نقي الصفحة، ميج من شعاع الشمس لهبًا يتطاير. رأيته يف توقده واضطرامه كأمنا ُّ وصنعت على الوجه الذي فإن كانت الزجاجة قد أخلصت يف سبكها ُ يجمع الضوء ويعكس منه وأُحكمت من هذه الناحية ،فهناك تبلغ من دقة احلس مبلغ األنفس الرقيقة املهذبة ،فال تكاد ترسل عليها الشمس من نورها ،حتى يرجع فيها نار َّ تلظى. مصطفى صادق الرافعي
محتويات العدد تراثية ثقافية منوعة ت�صدر عن مركز زايد للدرا�سات والبحوث بنادي تراث الإمارات
اال�سـتـ�شـارة العـلـمـيــة
�أ .د .ح�سـن حمـمـد النابـودة �أ.د .يحيى حممد حممـود �أ .حنفي جايل مدير التحرير
وليد عالء الدين �سكرتري التحرير
حممــد �سعد النمـــر هيئة التحرير
�شـم�سـة حـمـد الظاهـري فاطمة نايع املـنـ�صـوري املـراجـعـة والـتـدقـيـق
د .حمـمـد فـاتــح زغـل املديـر الفنـي
فــواز نـاظــم ر�س ــوم
حـ�سـن �إدلـبـي حممد بريم �أدهم العك�ش الإخراج والت�صميم
�إيـنـا�س درويـ�ش هـاتف00971 2 2223000 : فـاك�س00971 2 6651115 : �ص.ب� :أبو ظبي 27765
Email: turathmag1@gmail.com
مدير التحرير
waleedalaa@hotmail.com
�أبوظبي للإعالم -توزيع
الرقم املجاين8002220 : لالت�صال من اخلارج 00971 2 4145000 : فاك�س 00971 2 4145050 : distribution@admedia.ae
املر�صد :اختتمت يف �أبوظبي ال�شهر الفائت فعاليات معر�ض «فن �أبوظبي ،»2012الذي 14 احت�ضنته منارة ال�سعديات الثقافية ملدة � 4أيام ،حتت رعاية الفريق �أول �سمو ال�شيخ حممد بن زايد �آل نهيان ويل عهد �أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات امل�سلحة. �ضم املعر�ض �أكرث من 50م�شاركة لأهم �صاالت العر�ض الفنية يف العامل ،متثلت يف �أعمال نحو 400فنان ،وحظي املعر�ض بح�ضور نخبة من كبار الفنانني العامليني الذين �شاركوا يف الأن�شطة املرافقة للحدث. 41عاماً من التميز :حتتفل دولة الإمارات العربية املتحدة هذا العام بالذكرى الواحدة 24 والأربعني لقيام احتاد دولة الإمارات ،تلك التجربة التي تعد �أول جتربة عربية وحدوية كتب لها النجاح واال�ستمرار .فقد ا�ستطاع املغفور له ب�إذن اهلل القائد امل�ؤ�س�س ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان و�إخوانه حكام الإمارات� ،أن يقدموا للعامل جتربة من �أرقى و�أجنح التجارب الوحدوية املعا�صرة .وقد حفلت م�سرية االحتاد ب�أ�سماء رجال خمل�صني كانت لهم �إ�سهاماتهم الفاعلة يف دعم م�ساعي االحتاد وتثبيت دعائمه .الباحثة فاطمة املن�صوري ت�سلط ال�ضوء على نخبة من رجاالت �أبوظبي ممن �أ�سهموا بجهودهم يف جناح جتربة «دولة الإمارات العربية املتحدة». �ساحة احلوار :قال الناقد املغربي يحيى بن الوليد �إن الرتاث ال يجب �أن يكون حكر ًا على 40 قراءات �أحادية ،لأن ذلك يفقده طابعه التعددي الذي كان �أ�سا�س ازدهار احل�ضارة العربية يف فرتة �سابقة ،وعلى النحو الذي جعل من زمن بغداد زمن ًا عاملي ًا .و�أ�ضاف يف احلوار الذي �أجراه معه �إدري�س علو�ش� ،أن �أهمية الرتاث تت�ضح من خالل امتداداته �إىل ع�صرنا ،م�ؤكد ًا �أهمية التقييم كا�سرتاتيجية يف قراءة الرتاث ،على �أن يكون التقييم م�سبوق ًا بالتحليل والت�شخي�ص املبني على العلم ،لإنقاذ م�ستقبل الرتاث من ال�ضياع الذي يهدده يف ظل الفكر القائم على التوليف واال�ستن�ساخ واالجتزاء والنقل والعكازات النظرية. ارتياد الآفاق :عنربة �سالم اخلالدي « »1986 - 1897واحدة من ال�شخ�صيات التي لعبت 52 دور ًا بارز ًا يف احلركة الن�سائية العربية .وهي �إ�ضافة �إىل ذلك ،من �أوائل ال�شابات العربيات اللواتي زرن بالد ًا �أجنبية ،وتعد مذكراتها التي �سجلت فيها انطباعاتها عما �شاهدته خالل �إقامتها يف بريطانيا خالل الفرتة من 1925م وحتى 1927م واحدة من �أقدم ما �سجلته �أنامل الن�ساء العربيات يف هذا ال�صدد .و تعرب اخلالدي يف مذكراتها ،التي نقتطف �أجزاء منها ،برباعة �شديدة عن رحلة التحوالت التي اعرتتها منذ �أن و�صلت ميناء «الإ�سكندرية» مرور ًا بـ «مر�سيليا» حيث تلتقط بعني فاح�صة �أحوال «الن�ساء» هناك� ،إىل �أن عربت بحر املان�ش و�صو ًال �إىل «دوفر» ومنها �إىل «لندن» لت�ستقر عامني من املراقبة والتعلم. �أل�سنة عربية� :شهد العرب امل�سلمون يف الأندل�س ظروف ًا فريدة من املتغريات احل�ضارية ،منذ 76 تلت ،متثلت �أن َّمت لهم فتح الأندل�س يف العام 92للهجرة النبوية املباركة وحتى ثمانية قرون ْ يف الطبيعة اجلديدة اخلالبة ،ويف الأجنا�س الب�شرية املختلفة ،ويف الأ�شكال والألوان ،ويف العادات والتقاليد ،ويف ال�شعائر الدينية والعقائدية ،ويف اللغات واللهجات. وكان من الطبيعي �أن ين�ش�أ يف �أح�ضان هذه الفئة العري�ضة من العرب الفاحتني فئة �شعبية يت�سع مداها عرب الع�صور واالجيال و�أن يكون لها �أدب عري�ض يوفر لها حاجاتها للتعبري عن خلجاتها، وتف�صيالت حياتها ،بالأ�سلوب الفني املتميز الذي يتجاوب مع تطور احلياة اليومية ،فكان للعرب يف الأندل�س �أدبهم ال�شعبي الراقي املعرب عن �أ�صالتهم وقدراتهم على الإبداع ،من هذا الرتاث العريق يختار لنا الدكتور مقداد رحيم «فن الزجل» م�سلط ًا ال�ضوء على ن�ش�أته ورحلة تطوره. 114تاريخ :مل تهتم �أمة من الأمم بالأن�ساب كما اهتم العرب ب�أن�سابهم ،فقد �صار الن�سب لديهم علم ًا له قواعده و�أ�صوله وفوائده ،وكانت الأن�ساب يف اجلاهلية و�سيلة جتمع العرب بع�ضهم �إىل بع�ض ،وت�ضم �شملهم وت�شد �أزرهم ،كما كانت رداء يدفعون به كثري ًا من الأخطار عنهم .ويف ظل الإ�سالم احتل هذا اللون من العلوم واملعارف مكانة خا�صة عند العرب ،وبخا�صة يف فجر النه�ضة الإ�سالمية ،نظر ًا لطبيعة الفكر القبلي ،الذي جعل كل قبيلة حتر�ص على كيانها وتعتز ب�أ�صولها. الباحث �أحمـد �أبو زيد يقدم لنا قراءة يف تراث هذا العلم وتاريخه وتطوره.
66
يا هال
ي ا ه ال
درس في الوحدة
46
124
102
سعر النسخة
الإمارات العربية املتحدة 10دراهم -اململكة العربية ال�سعودية 10رياالت الكويت دينار واحد � -سلطنة عمان 800بي�سة -قطر 10رياالت -مملكة البحرين دينار واحد -اليمن 200ريال -م�صر 5جنيهات - ال�سودان 250جنيهاً -لبنان 5000لرية � -سورية 100لرية -اململكة الإردنية الها�شمية ديناران -العراق 2500 :دينار -فل�سطني ديناران - اململكة املغربية 20درهماً -اجلماهريية الليبية 4دنانري -اجلمهورية التون�سية ديناران -بريطانيا 3جنيهات � -سوي�سرا 7فرنكات -دول االحتاد الأوروبي 4يورو -الواليات املتحدة الأمريكية وكندا 5دوالرات. االشتراكات
للأفراد داخل الدولة »100« :درهم /للأفراد من خارج الدولة»150« : درهماً /للم�ؤ�س�سات داخل الدولة »150« :درهماً /للم�ؤ�س�سات من خارج الدولة »200« :درهم.
ل�شهر دي�سمرب نكهة خا�صة عند �أهل الإمارات ،فقد �شهد هذا ال�شهر ميالد حلم الوحدة الذي نبت يف عقول رجال �آمنوا به و�صربوا وثابروا حتى بات حقيقة واقعة ،حقيقة �ساطعة كنور ال�شم�س ،ي�ستمد منها كل �إماراتي �أ�سباب ًا للفخر والعزة. ل�شهر دي�سمرب طعم الفرح بقدرة الإن�سان على حتديد م�صريه و�إدارة مقدراته لتحقيق �أهدافه ،وله طعم االنت�شاء بجني ح�صاد جهوده التي راحت تكرب وتت�ضح معاملها �سنة بعد �سنة لتكون خري زاد ملزيد من النجاح. ويف �شهر دي�سمرب عظة ،لكل من �أراد �أن يخرج من التاريخ املعا�صر مبثال حي ينب�ض بالنجاح على �صدق ما حتفل به امل�أثورات العربية والإن�سانية ب�شكل عام ،من �أن يد اهلل مع اجلماعة ،و�أن يف االحتاد قوة ويف التفرق �ضعف ،و�أن اليد الواحدة ال ت�صفق. وهلل د ّر الراحل الكبري ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان ،رحمه اهلل ،حني قال�« :إن جتربتنا الوحدوية يف دولة الإمارات هي الربهان ال�ساطع على �أن الوحدة والت�آزر هما م�صدر كل قوة ورفعة وفخر». واملدقق يف مقوالت القائد امل�ؤ�س�س ال�شيخ زايد ،رحمه اهلل ،حول جتربة االحتاد يدرك �أن هذه التجربة �إمنا قامت على وعي عميق بالفكرة و�إميان عميق بقدرة الإن�سان العربي� ،إذ بينما ي�ؤكد رحمه اهلل �أن �سبب النجاح الأول يكمن يف «تالقي �إرادتنا جميع ًا على دعم االحتاد»، ف�إنه ي�ضع الفكرة يف بعدها العربي قائ ًال � «:إن االحتاد يزداد قوة بقوة العرب ..كما �أنه ي�ستمد وجوده من وجود الأمة العربية وعزميتها» ،فقد كان ،رحمه اهلل ،يرى يف جتربة االحتاد نواة لوحدة عربية م�أمولة� ،إذ يقول ،طيب اهلل ثراه � «:إن الوحدة العربية التي تعترب دولة الإمارات نواتها لي�ست حلم ًا �أو �ضرب ًا من اخليال بل واقع ميكن حتقيقه �إذا �صدقت النوايا وتفاعلت الأماين والطموحات بامل�ساعي والعمل». تعد جتربة احتاد دولة الإمارات العربية املتحدة ،التي متر هذا ال�شهر ذكراها احلادية والأربعون ،التجربة الوحدوية العربية الوحيدة التي ُكتب لها النجاح .وال �شك يف �أن �أف�ضل احتفال بهذه التجربة الفريدة هو جعلها مو�ضع الدر�س والبحث العميقني ،للتدقيق يف تفا�صيلها وا�ستلهام الدرو�س والعرب .على �أن يكون هذا البحث �ضمن جهد علمي ر�صني ومنظم ،تت�ضافر فيه جهود الأكادمييني من املخت�صني يف كافة العلوم املطلوبة من علوم ال�سيا�سة واالقت�صاد حتى علوم التاريخ واجلغرافيا.. وغريها ،للوقوف على الكيفية التي جنح بها �صانعوا وحدة الإمارات يف جتاوز العديد من العوائق التاريخية واجلغرافية وال�سيا�سية ،بل وحتويل ما قد يعتربه البع�ض مع�ضالت� ،إىل دعائم را�سخة للنجاح والتفوق� .إنه در�س معا�صر يف كيفية �صناعة وحدة ،وتذليل كافة العقبات �أمامها. �إن جتربة احتاد الإمارات العربية ،در�س �شهد له العامل كله بالنجاح، وفا�ض خريه لي�شمل العامل كله .وحري بهذا الدر�س �أن يكون حمل اهتمام العرب جميع ًا ،و�أن يتحولوا بهدي من تلك التجربة من مرحلة الأماين والطموحات �إىل مرحلة امل�ساعي والعمل.
«تراث»
6
الشهر
الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
تحت رعاية الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان
تتويج الفائزين يف �سباق اليوم الوطني للقوارب ال�شراعية � أبوظبي -حممد رجب ال�سامرائي حت��ت رع��اي��ة �سمو ال�شيخ �سلطان بن زاي��د �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئ��ي�����س ال��دول��ة رئ �ي ����س ن � ��ادي ت ��راث الإم� � ��ارات ،اخ�ت�ت�م��ت ال���ش�ه��ر ال�ف��ائ��ت فعاليات �سباق اليوم الوطني للقوارب ال�شراعية احلديثة الذي نظمته مدر�سة الإم� � ��ارات ل�ل���ش��راع ال�ت��اب�ع��ة ل�ل�ن��ادي، وا�ستمرت فعالياته ليومني يف منطقة
مياه كا�سر الأمواج يف �أبو ظبي مب�شاركة العليا املنظمة لل�سباق ع�ل��ى م�سرح احت��ادات و�أندية وجلان حملية �إ�ضاف ًة �أبوظبي يف ح�ضور جماهريي و�إعالمي. �إىل م�شاركة من دولة قطر. توج مدير مدر�سة الإم ��ارات لل�شراع املراكز الأوىل عبداهلل العبيديل ،الفائزين يف ال�سباق ت���ص��درت ف�ئ��ة الأوب�ت�م���س��ت »مبتدئني« و�أع� ��� �ض ��اء جل �ن��ة ال �ت �ح �ك �ي��م و� �ض �ب��اط �إبراهيم �سيف اهلل الرفاعي ،من نادي ال�سباق يف كل فئة من فئات املناف�سة احلمرية الريا�ضي ،وفاز هاري بون نيل يف حفل اخل�ت��ام ال��ذي نظمته اللجنة من ن��ادي زوارق �شواطئ دبي باملرتبة
عبد الله العبيديل �أثناء تكرمية �أحد الفائزين بال�سباق
الأوىل يف فئة الأوبتم�ست» املعدل العام«، بينما ح�صل حمود �سامل الزيدي من نادي ت��راث الإم� ��ارات على املركز الأول لفئة الليزر » ،«7.4ونال �سعيد �سامل الزيدي من ن��ادي ت��راث الإم� ��ارات امل��رك��ز الأول يف فئة الليزر »ريديال« ،فيما حقق الي�سرت تيت من ن��ادي زوارق �شواطئ دبي الفوز باملركز الأول يف فئة الليزر «�ستاندارد»، وح�صل بيرت تونكني م��ن ن��ادي �أبوظبي لل�شراع على املركز الأول يف فئة الزوجي. ونال عبدالعزيز عبداهلل حممد من نادي �أبوظبي للريا�ضات ال�شراعية واليخوت امل��رك��ز الأول يف فئة« ال��ك��امت��اران»، فيما ح�صل قارب «�آن ويند» من جمعية �أبوظبي للكروزر يف �أبوظبي على املركز الأول يف فئة الكروزر.
وكانت فعاليات حفل تكرمي الفائزين ل�سباق اليوم الوطني للقوارب ال�شراعية احلديثة ،بد�أت بعزف ال�سالم الوطني وت�ل�اوة ع�ط��رة م��ن �آي ال��ذك��ر احلكيم ل�ل�ط��ال��ب ع�ب��دال�ل�ط�ي��ف ع��دن��ان ،تلتها كلمة �إدارة نادي تراث الإمارات� ألقاها مدير مدر�سة الإمارات لل�شراع عبداهلل العبيديل ،حيث نقل فيها حتيات �سم ّو رئي�س ال�ن��ادي و�أع���ض��اء جمل�س الإدارة للم�شاركني وال�ضيوف وه�ن��أ الفائزين بجوائز ال�سباق بعد مناف�سات متميزة يف� أج� ��واء احتفالية تليق ب�سباق اليوم الوطني ،ما عك�س �صورة طيبة وم�شرقة عن تطور ريا�ضة ال�شراع احلديث التي يتبناها النادي بنجاح منذ �سنوات طويلة. و�أ� �ش��ار ال �ع �ب �ي��ديل يف ك�ل�م�ت��ه �إىل �أنّ
تنظيم ال�ن��ادي لهذه البطولة وغريها م��ن ال�سباقات وال��ري��ا��ض��ات البحرية ي�أتي تنفيذ ًا لتوجيهات� صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان رئي�س ال ��دول ��ة «ح �ف �ظ��ه اهلل» ال� ��ذي يحر�ص على تنمية ق��درات ال�شباب وا�ستغالل ط��اق��ات �ه��م و�أوق ��ات� �ه ��م مب ��ا ف �ي��ه خري وطنهم ومنفعتهم ،وهو �أي�ض ًا ثمرة من ثمار املتابعة ال�شخ�صية ل�سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان لكل ما يتعلق بالريا�ضات البحرية يف الدولة والعمل ع �ل��ى ت �ط��وي��ره��ا وال ��و�� �ص ��ول ب �ه��ا �إىل العاملية� ،إذ �أن متابعة �سموه ودعمه املتوا�صل للرتاث بعامة وللريا�ضيات البحرية بخا�صة �أ�سهم يف تطور هذه الريا�ضات وو�صولها �إىل العاملية
8
الشهر
الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
نادي تراث الإمارات يختتم �سباق العني للقدرة يف «بوذيب»
العني – تراث
اختتم نادي تراث الإم��ارات ال�شهر الفائت فعاليات ال�سباق الت�أهيلي الدويل مل�سافة 80 كم «جنمة واحدة» ،وال�سباق الت�أهيلي املحلي مل�سافة 80كم ،اللذين نظمهما النادي يف �إط��ار �سباق العني للقدرة ،باكورة مو�سمه اجلديد للقدرة ،بتوجيهات ورعاية كرمية من �سمو ال�شيخ �سلطان بن زاي��د �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س ال��دول��ة رئي�س نادي تراث الإم��ارات ،وبالتعاون والتن�سيق مع احتاد الإمارات للفرو�سية. ح�ضر ف�ع��ال�ي��ات ال���س�ب��اق ال�ن��ائ��ب ال�ث��اين لرئي�س جمل�س الإدارة امل��دي��ر التنفيذي للأن�شطة علي عبد اهلل الرميثي ،و�أم�ين ال�سر ال�ع��ام الحت��اد الإم� ��ارات للفرو�سية طالب ظاهر املهريي. وكان ال�سباق الت�أهيلي الدويل الذي �شارك فيه « »223فار�س ًا وفار�سة قد انطلق يف قرية بوذيب العاملية للقدرة يف مدينة اخلتم يف
ال�ساعة ال�ساد�سة �صباح ًا باملرحلة الأوىل مل�سافة 30كم ،مع ا�سرتاحة �إجبارية مل�سافة 30دق�ي�ق��ة ،وال�ث��ان�ي��ة مل�سافة 30ك��م ،مع ا�سرتاحة 30دقيقة ،والثالثة مل�سافة 20كم. وخ�ص�ص هذا ال�سباق للخيول من �أعمار �� 5س�ن��وات فما ف��وق بحد �أع�ل��ى لل�سرعة 16كم يف ال�ساعة ،وح��د �أدن��ى 12كم يف ال�ساعة م��ع حتديد نب�ضات القلب ب�ـ 56 نب�ضة .ومت بنجاح ت�أهيل 202من الفر�سان والفار�سات الذين مثلوا معظم �إ�سطبالت الدولة العامة واخلا�صة وع��دد من �أندية الفرو�سية يف الدولة. وات�سمت م��راح��ل ال�سباقات بالقوة وروح املناف�سة والتحمل لتحقيق الت�أهل املطلوب مل�سافات �أكرب ،و�ساعد كل من �أحوال الطق�س املالئمة حلركة اخليول ،وامل�سارات املمهدة جيد ًا ،التي قام بالإ�شراف على ت�صميمها ب��در الكعبي و�شفيع ن��ا��ص��ر ،على اختتام
اجلوالت والو�صول �إىل بوابات خط النهاية يف وقت قيا�سي ،كما مت اجتياز فرتات عر�ض اخليول على اختبارات الفح�ص البيطري يف وقت قيا�سي نظر ًا حل�سن التنظيم والإعداد و��س��رع��ة عمل اللجنة البيطرية برئا�سة ال��دك�ت��ور علي الطوي�سي ،م��ا م� ّك��ن معظم امل�شاركني من موا�صلة م�شوارهم مع حلم الت�أهل ب�سهولة وي�سر. وكان الفت ًا م�شاركة عدد كبري من الفار�سات يف ال�سباقات الت�أهيلية ،ما ي�ؤ�شر �إىل �أهمية ت�شجيع الريا�ضة الن�سائية يف جمال القدرة وبداية قوية طموحة للمو�سم وج��ذب عدد ممتاز من الفار�سات للم�شاركة يف ال�سباقات والبطوالت القادمة. ومن ناحية �أخرى انطلق ال�سباق الت�أهيلي املحلي مل�سافة 80كم يف ال�ساعة ال�ساد�سة والن�صف �صباحا ،مب�شاركة نحو 91فار�س ًا وفار�سة ،على ثالثة مراحل ،وت�أهل نحو 85
جانب من مناف�سات �سباق العني للقدرة يف «بوذيب»
فار�س ًا وفار�سة ،وو�صل ع��دد املت�أهلني يف ال�سباقني �إىل نحو 285فار�س ًا وفار�سة، وجه وذلك يف �إط��ار امل�شروع الوطني الذي ّ ب��ه �سمو رئي�س ال�ن��ادي لإع ��داد امل��زي��د من الفر�سان والفار�سات من �صغار ال�سن وطلبة املدار�س واجلامعات والهواة ليكونوا فر�سان امل�ستقبل� ،إذ يجدون يف قرية بوذيب خري مكان لتدريبهم وت�أهيلهم واملحافظة على لياقة خيولهم بعد انتهاء جوالت ال�سباقات، نظر ًا ملا تتمتع به القرية من مرافق وميادين على م�ستوى عاملي من املوا�صفات ومدربني متخ�ص�صني ،وتوجيهات وخ�ط��ط علمية تتوجه نحو �إع ��داد ال �ك �ف��اءات وامل �ه��ارات امل �م �ي��زة يف جم��ال ف��رو��س�ي��ة ال��ق��درة ،ما ي�ساعد حمبي هذه الريا�ضة على الو�صول �إىل �أه ��داف� �ه ��م يف امل �� �ش��ارك��ة يف �أك�ب�ر املهرجانات والبطوالت وال�سباقات التي
يتم تنظيمها على مدار العام . جدير بالذكر �أن جلنة التحكيم التي �أ�شرفت على تقييم ومتابعة امل�شاركني يف ال�سباقات ال�ث�لاث��ة ت�شكلت م��ن حم�م��د احل�ضرمي، وحممد خلفان اليماحي ،ونيل �أبراهامز، ومفتاح احلرا�صي .من جانبه �أعرب املدير التنفيذي للأن�شطة النائب الثاين لرئي�س جمل�س الإدارة علي عبد اهلل الرميثي ،يف ختام هذه التظاهرة ال�شبابية للقدرة التي ت�ضمنت ال�سباق الت�أهيلي مل�سافة 40كم بت�أهيل عدد كبري من الفر�سان والفار�سات، عن �سعادته البالغة بحجم امل�شاركة الكبري من جانب كافة ا�سطبالت ال��دول��ة العامة واخل��ا��ص��ة وع��دد م��ن �أن��دي��ة الفرو�سية يف ال��دول��ة ،م��ؤك��د ًا على �أن��ه �أم��ر غري م�سبوق وبخا�صة يف جمال ال�سباقات الت�أهيلية ،ما يدلل على ب��داي��ة م�شجعة وق��وي��ة للمو�سم.
ت�شجيع الريا�ضة الن�سائية �شارك يف ال�سباقات الت�أهيلية الثالثة ع �ل��ى م � ��دار ي ��وم�ي�ن �أك �ث��ر م ��ن 40 فار�سة من خمتلف الأعمار ،متيزت منهن دان��ا حممد املطوع ،وجميلة
�أح �م��د ،وع�ل�ي��اء جا�سم امل ��ري ،ون��ورا ع �ب��د اهلل �أح �م ��د حم �م��د ،وف��اط�م��ة جا�سم املري ،و�آنا جوروفيك ،وموزة �سليمان ال�صيعري .
وع�بر الرميثي عن ارتياحه مل�شاركة عدد كبري من الفار�سات يف ال�سباقات الثالثة ،يف �إطار دعم ريا�ضة القدرة الن�سائية ،والت�أكيد على �أهمية �إعداد جيل جديد من الفار�سات. وقال الرميثي �أن كل هذا النجاح النوعي ما كان ليتحقق بهذه ال�صورة امل�شرفة والقوية لوال دعم ورعاية واهتمام وتوجيهات �سمو ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي��د �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س ال��دول��ة رئي�س نادي تراث الإمارات ،احلري�ص دوم ًا على تطوير فرو�سية الإم��ارات مبا ين�سجم مع توجهات الدولة بتحقيق الريادة لهذه الريا�ضة على امل�ستوى الدويل. ويف ختام هذه التظاهرة ال�شبابية للقدرة �أعربت جمموعة من الفار�سات عن �سعادتهن ب��امل���ش��ارك��ة وت�ق��دي��ره��ن للت�سهيالت التي قدمتها �إدارة ن��ادي ت��راث الإم��ارات وقرية ب��وذي��ب ،م��ا �أ�سهم يف حتقيق طموحاتهن بالت�أهل وفتح جمال جديد يف ريا�ضة القدرة الن�سائية ،ورفعن ال�شكر والتقدير �إىل �سمو رئي�س النادي على رعايته وتوجيهاته بدعم وتطوير فرو�سية الإمارات
10
الشهر
الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
�صورة تذكارية ملنتخب جماعة الإمام حممد بن �سعود �أمام القرية الرتاثية
وفد طالبي �سعودي يزور القرية الرتاثية بنادي تراث الإمارات �أبوظبي -تراث زار وف��د منتخب جامعة الإم��ام حممد بن �سعود الإ�سالمية يف الريا�ض باململكة العربية ال�سعودية ال�شهر الفائت ،القرية الرتاثية التابعة لنادي تراث الإمارات يف منطقة كا�سر الأمواج يف العا�صمة الإماراتية �أبوظبي . ا�ستقبل رئي�س ق�سم الأن�شطة ال�شبابية يف ال � �ن� ��ادي �أح� �م���د احل��و���س��ن��ي ال��وف��د الطالبي برئا�سة م�شرف وم��درب منتخب اجل��ام �ع��ة حم�م��د ال�ق�ح�ط��اين ،ح�ي��ث ق��دم احلو�سني لهم �شرح ًا تف�صيلي ًا عن معامل
القرية الرتاثية و�أهدافها و�أه��م ن�شاطاتها وبراجمها ومهرجاناتها ال�سنوية. ثم ق��ام الطالب بجولة �شملت كافة �أروق��ة وم��راف��ق ال�ق��ري��ة ،اطلعوا خاللها على ما �ان ومقتنيات �أث��ري��ة تعك�س حتتويه م��ن م�ب� ٍ روح وح�ضارة الإمارات ،كما ا�ستمعوا خالل جولتهم �إىل نبذة تعريفية �شملت تاريخ �إن�شاء القرية و�أهدافها يف �ضوء اهتمام القيادة احلكيمة بدولة الإمارات العربية املتحدة ،يف املحافظة على مفردات الرتاث املحلي.
ويف ختام ال��زي��ارة تبادلت �إدارة القرية الرتاثية وال��وف��د ال ��دروع التذكارية ،وعبرّ حم ّمد القحطاين م�شرف وم��درب الفريق ال�ضيف عن �إعجابه ال�شديد باجلهود الكبرية ملا �شاهده و�أع�ضاء فريق اجلامعة ،حيث �أعادتهم معامل القرية الرتاثية �إىل املا�ضي اجلميل،وبينت لهم مدى التم�سك باملحافظة على تراث الآباء والأجداد ،رغم التطور الذي ح�صل يف كل مفا�صل الدولة بهدف احلفاظ على الرتاث الوطني الأ�صيل
أثناء رحلتهما سير ًا على األقدام للحج
�سعيد املناعي �أثناء تكرميه للرحالتني
رحالتان من طاجيك�ستان يزوران نادي تراث الإمارات �أبوظبي – حممود بدر
بالتعاون والتن�سيق مع حملة الفاروق للحج والعمرة يف العا�صمة الإماراتية �أبوظبي، ا�ست�ضاف ن��ادي ت��راث الإم��ارات ال�شهر ال �ف��ائ��ت ال��رح��ال �ت�ين ال�ط��اج�ي�ك�ي�ين عبد الرحيم حبيبوف « 65عام ًا» ،ويعمل موجه ًا تربوي ًا ،وعبد العزيز راجابوف « 64عام ًا» ويعمل تاجر ًا ،يف �إطار الرحلة التي قاما بها عرب ح��دود الإم ��ارات لأداء منا�سك احلج �سري ًا على الأقدام ،بعدما عربا من طاجيك�ستان �إىل �أفغان�ستان ثم باك�ستان و�إيران ،ومن ثم بحرا �إىل دولة الإمارات. وكان يف ا�ستقبال الرحالتني مدير �إدارة الأن�شطة يف نادي تراث الإمارات بالإنابة �سعيد ع�ل��ي امل �ن��اع��ي ،ح�ي��ث ق� � ّدم لهما
ومرافقهما عبد الرحيم هزاع احلمادي م��ن حملة ال� �ف ��اروق�� ،ش��رح� ًا واف �ي � ًا عن م�شاريع وبرامج وخطط النادي املوجهة خلدمة قطاع ال�شباب يف املجاالت الرتاثية والثقافية والريا�ضية وغريها ،كما تابع ال�ضيفان فيلم ًا وثائقي ًا عن ال�ن��ادي ،ثم ق��ام��ا بجولة يف م��راف��ق �إدارة الأن�شطة ا�ضطلعا خاللها على حمتويات مكتبة امل�صادر واملعلومات وال�صاالت الريا�ضية املخ�ص�صة ملمار�سة الريا�ضات املختلفة. ويف كلمته الرتحيبية� ،أ�شاد املناعي مببادرة الرحالتني بالو�صول �إىل مكة املكرمة عرب الإم� ��ارات ��س�ير ًا على الأق� ��دام ،م��ؤك��دا �أن النادي حري�ص على دعم وت�شجيع مثل هذه
املبادرات ،خا�ص ًة �إذا كانت مقرتنة ب�أهداف �إن�سانية �سامية .فيما وجه ال�ضيفان ال�شكر والتقدير �إىل �إدارة ن��ادي ت��راث الإم��ارات على ح�سن ال�ضيافة واال�ستقبال ،وتعريفهما بجوانب خمتلفة من ت��راث الإم ��ارات� ،إىل جانب دع��م الن�شاطات الريا�ضية وقطاع ال���ش�ب��اب و�أك � ��دا �أن �ه �م��ا ل�ق�ي��ا ك��ل ال��دع��م والرتحيب من �شعب الإمارات امل�ضياف مما كان له �أثر بالغ على جناح رحلتهما. ويف ختام الزيارة �أهدى املناعي للرحالتني الطاجيكيني كتاب «زاي��د رحلة يف �صور»، ك�م��ا ق ��دم لهما درع ��ا ت��ذك��اري��ة تعبري ًا وتقدير ًا لرحلتهما �إىل الأرا�ضي املقد�سة عرب الإمارات
12 الـعــــدد 158 دي�سمرب 2012
عبق عبق
ألف رحمة على سيف الدين قطز
تنتهي
ب � � �ط� � ��والت وم �ل�اح� ��م الأف ��ا�� �ض ��ل م ��ن خ �ي��ار ال�سالطني ،وامل�ل��وك� ،إىل امل�أ�ساة ،وكلما طافوا ،وخايلوا القرون ،ذكر النا�س �سريهم بحزن ،وترحموا عليهم بالدعوات ،وفي�ض من حنني ،ورفعوا �أياديهم حيث رحمة اهلل، ودعوا لهم باملغفرة. اخل��وارزم��ي الفا�ضل ال��ذي ج��اء من بالد ف��ار���س ،وارث� � ًا امل�ل��ك ،خ��ارج � ًا م��ن عظمة �سلطنة� ،إىل رق العبودية .بيع �صبي ًا ،وا�ستقر به احل��ال يف رق اب��ن الزعيم ال��ذي لطمه لطمة يوم ًا على وجهه ،فبكى بكاء مر ًا ،كمن ي�شكو زمانه ،و�أحواله ،قيل له يومها «من لطمة واح��دة ،تبكي ه��ذا البكاء»؟! فقال «�إمنا �أبكي من لعنة �أبي وجدي وهما �أف�ضل منه» فقل ل��ه« :وم��ن أ�ب��وك وج��دك ،وهما من الن�صارى» قال «بلى� ،إمنا �أنا م�سلم بن م�سلم ،كان ا�سمي حممود بن ممدود ابن �أخت خوارزم �شاه ،من �أوالد ملوك ال�شرق، و�أمن��ا �أخ��ذوين من جملة �سبايا الترت ،ملا وقعت الك�سرة عليهم». بيع للرق والعبودية طف ًال ،عا�ش منذ طفولته ال ير�ضى الدنية ،ا�سمه حممود بن ممدود ب��ن خ���وارزم � �ش��اه ،ول�ق��ب ب�سيف ال��دي��ن. �أ�شقر ،كث اللحية ،وكان بيا�ض وجهه مثل �أهله .بط ًال� ،شجاع ًا ،عف ًا عن املحارم، مرتفع ًا عن ال�صغائر. �سعيد الكفراوي �أمر قطز �أن يكون واحد ًا من مماليك جنم الدين �أيوب ،هو و�صديقه الظاهر بيرب�س، وه �م��ا م��ن ج��اب��ه ال�صليبيني يف معركة املن�صورة حيث �أ�سر ملك ال�صليبيني و�سجن يف بيت لقمان .وكانت موقعة ذات �ش�أن، وعالمة يف تاريخ امل�سلمني. ً حينما كان عز الدين �أيبك نائبا لل�سلطانة
��ش�ج��رة ال ��در وزوج��ه��ا ،ع�ين ق�ط��ز نائب ًا لل�سلطنة .وبعد مقتل �أيبك و�شجرة الدر توىل ولده الطفل املن�صور نور الدين علي، و�أ�سندت و�صايته لقطز حتى يبلغ ال�سلطان ال�صغري عمر15عام ًا. ك��ان يف احلقيقة قطز هو من يدير حكم البالد .وهو الذي ت�صدى جلموح الأمراء، وط �م��وح �ه��م ،و�سعيهم ل�لا��س�ت�ي�لاء على ال�سلطة ،وانتزاعها من ال�سلطان الطفل، وواجههم عندما �شجعوا الأيوبيني على غزو م�صر� ،أولئك الذين دحرهم ،وردهم على �أعقابهم. تنتظم الأم��ور على �أر���ض الكنانة ،ويرتب �سيف الدين قطز �ش�ؤون البالد فيما امللك الطفل ميار�س هواياته :مناقرة الديوك، تارك ًا لأم��ه ال�سلطانة حتريك الأم��ور من خلف ال�ستار .مع الوقت ،وتطور الأح��وال، ومداومته عبث الغالم ب�أفعاله املتناق�ضة، ر�أى قطز والأمراء �أن حكم طفل يجل�س على العر�ش ي�ضعف هيبة الدولة ،ويزعزع ثقة النا�س ،ويقوي من عزمية الأعداء. كانت �أح ��وال ال�ب�لاد الإ�سالمية ال ت�سر، واالنهيارات يف تتابع ،و�سقوط بغداد على يد التتار ،واختالل الأمن يف الدولة على مدى ث�لاث �سنوات ،جعلت قطز يختار القرار اجلريء ،وهو عزل ال�سلطان نور الدين علي واعتالئه عر�ش م�صر ،يف عام 657هـ� ،أي قبل و�صول هوالكو الترتي �إىل حلب ب�أيام. كانت الأيام �صعبة حني توىل قطز احلكم، وكانت ت�أتيه مناو�شات التتار ،و�إ�شاراتهم ذات املعنى .و�أزم��ة اقت�صادية تعم البالد وال �ع �ب��اد .وط�م��ع ال�ع��دي��د م��ن الأم� ��راء يف احلكم .و�سوء الأح��وال يف الداخل ،ب�سبب احلروب ال�صليبية التي مل تنقطع فلولها.
بد�أ قطز معاجلة الأزمة االقت�صادية بفر�ض ال�ضرائب ل��دع��م اجلي�ش وجت�ه�ي��زه عدة وعتاد ًا ،ت�صالح مع املماليك البحرية .مد اجل�سور مع �أهل ال�شام ،ومن ثم حيدهم. يف ال��وق��ت ال��ذي ك��ان فيه ال�سلطان يبني جي�شه ،ج��اءت �أخ �ب��ار ب �غ��داد ،بالهزمية، وامل�ح��و ،و�إح ��راق عا�صمة اخل�لاف��ة ،وغزو التتار للعراق خرب ًا مداهم ًا .يف نف�س الوقت ح�ضر �إىل �أب ��واب م�صر ،يف ي��وم ال�سبت خام�س �صفر �سنة ثمان وخم�سني و�ستمائة قا�صد ه��والك��و كتبغا م��ع وف��د م��ن التتار، حام ًال كتاب هوالكو �إىل �سلطان م�صر. ك��ان الكتاب دع��وة للحرب ،واال�ست�سالم، متهيد ًا لغزو ال �ب�لاد ،وك��ان م�ت�ج��اوز ًا كل احلدود ،ال يقبل به �إال العبيد. جاء اخلطاب هكذا :من ملك امللوك �شرقاً وغ��رب�� ًا .تعلم �أم�ي�ر ال ��ذي ه��و م��ن جن�س املماليك الذين هربوا من �سيوفنا. ثم يعدد اخلطاب طلباته امل�ستحيلة� :أن ي�سلم �سلطان م�صر و�أمرا�ؤها �أمرهم للتتار، و�أن��ه اذا فتحت البالد فعلى �أهلها الهرب فلي�س لهم من �سيوفهم خال�ص .ثم توا�صل الر�سالة غرورها ،وغطر�ستها فتقول :لقد ثبت �أنا نحن الكفرة ،و�أنتم الفجرة ،ولقد �سلطنا عليكم من بيده الأمور فا�سرعوا برد اجلواب قبل �أن تقرتب احلرب نارها. جمع قطز القادة والأم��راء ،و�أطلعهم على الر�سالة ،فتخاذل بع�ض الأمراء ،وكان من ر�أيهم اال�ست�سالم للتتار. واجه قطز الأمر بال�شدة والعنف ،وقال وهو يبكي «من للإ�سالم �إن مل نكن نحن». ثم نه�ض ،وجز �أعناق ر�سل التتار الأربعة والع�شرين ،و�أبقى على اخلام�س والع�شرين ليحمل �أج�ساد ر�سل ال�شيطان هوالكو.
وعلى �شاطئ النيل ت�ضاء الفواني�س ،والوطن ال مفر من املواجهة جحافل ق��ادم��ة ،منت�صرة� ،سافكة للدم ،يرتدي ثوب فرحة يوم االنت�صار العظيم. يدفعها انت�صارها للغزو والفتوح. بغداد وقد احرتقت .و�صوت ال�سيوف ،ورمح للقدر �أحكامه ،وللغيب �سرت �أبوابه اجلياد يف وعي �سلطان امل�سلمني مثل دعوة وال�سلطان املنت�صر يحب ال�صيد وميار�سه... للموت ،و�إح�سا�سه بامل�س�ؤولية يقوي من يتيه بجواده عرب �صحراء بلبي�س قريب ًا من عزميته .جياد مطهمة ،و�سيوف م�شرعة« ،ال�صاحلية» عائد ًا �إىل وطنه ،على هامته و�أج�ن��اد ال تعرف الرحمة .جي�ش م�صر ال ال�شعر: ميلك �إال �إميانه بالدفاع عن وطنه ،واملوت غلب التتار على البالد فجاءهم م� ��ن م �� �ص��ر ت ��رك ��ي ي� �ج ��ود ب�ن�ف���س��ه للدفاع عن الدين والوطن �شهادة هلل ،واملوت آ�خ��ر املطاف الطريق �إىل اجلنة .وكانت ب��ال �� �ش��ام �أه �ل �ك �ه��م وب � ��دد �شملهم ول� � �ك � ��ل �� � �ش � ��يء �آف� � � � ��ة م� � ��ن ج �ن �� �س��ه «ع�ين ج��ال��وت» ،مثل «ح �ط�ين» ،معركتني تو�أمتني يف تاريخ �أم��ة اال��س�لام ،متوجتني بالن�صر وال�شهادة .كان الفار�س �سيف الدين بد�أ بيرب�س يتغري ،ويحل بعد الوالء الكراهية، قطز ي��راق��ب امل�ع��رك��ة ،ويخطط جل�ن��وده ،طلب والية حلب ،ف�أجل ال�سلطان الأمر ،كان ويدعم �أجنحة اجلي�ش ،و�شيوخ الأزه��ر يف يخفي عن بيرب�س �أنه �سوف ي�سرتيح ويهبه �سلطنة م�صر ،توغل �أم ��راء املماليك يف دعوة قائمة هلل عند كل �أذان. نزل قطز بنف�سه ،راحم ًا بجواده �إىل ميدان كراهيتهم لقطز. املعركة ،ي�صول ويجول حتى ا�صطاد جواده انتهز اجلميع فر�صة مطاردته ل�صيده، �سهم م��ن ��س�ه��ام ال �ع��دو ،ف�ق��ات��ل راج�ل ً�ا ورحموا ناحيته .بدا بيرب�س كانه يود تقبيل فانزعج الأمراء ،والموه خوف ًا عليه ،وعلى يد ال�سلطان� ،شاكر ًا له عطيته ،جارية من بنات الترت .مد قطز ي��ده فجذبه بيرب�س م�صري دولة تقاتل. �أجابهم ،و�سيفه م�شرع يقطر دم ًا�« :أما �إن و�ضربه بال�سيف ،وتتابعت �ضربات الأمراء. كنت �أروح فللجنة ،و�أما الإ�سالم فله رب ال وحني �أجهزوا عليه عادوا �إىل الوطاق وجل�س ي�ضيعه» .انك�سر التتار ،وهزموا �أكرب هزمية بيرب�س على مرتبة ال�سلطنة التي قال عنها يف تاريخهم ،وول��غ امل�سلمون يف دمائهم� ،شيخ امل�ؤرخني ابن �إيا�س «�إن بيرب�س �أخذها قتلى ،و�أ�سرى ،ومغامن .كانت معركة حمت باليد». ال�شرق و�أوروبا من همجية الغازي ،الطامع .وعلى رمل ال�صحراء رقد ج�سد رجل �شريف جلل جهاد قطز باالنت�صار ،وانتهى من – له املجد -ي�شرب الرمل دمه ،وهناك يف قلب البالد ،يف م�صر املحرو�سة ،وقد علم التتار ،وحرر ال�شام ،وقفل راجع ًا مل�صر. �أه��ل الكنانة ه�ن��اك ،وق��د علموا بالن�صر �أهلها ما جرى ل�سلطان امل�سلمني من غدر، امل ��ؤزر ،يرفعون الرايات ،ويدقون الطبول ،ودن ��اءة ،وخيانة ،فقد �أط�ف��أوا امل�صابيح، فيما تلعلع امل��زام�ير ب�أغنيات الن�صر يف و�صمتت املو�سيقى ،وانزلت الزينات ،حزن ًا انتظار عودة املنت�صر .يف امليادين وال�ساحات على قطز اجلليل
المرصد 14 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
ال�شيخ هزاع بن زايد �آل نهيان يتفقد امل�شغوالت اليدوية
400فنان يبهرون العامل ب�إبداعاتهم
السعديات تحتضن «فن أبوظبي» 2012 �أبوظبي -فاطمة عطفة
اختتمت يف �أبوظبي ال�شهر الفائت فعاليات معر�ض «فن �أبوظبي ،»2012الذي احت�ضنته منارة ال�سعديات الثقافية ملدة � 4أيام ،حتت رعاية الفريق �أول �سمو ال�شيخ حممد بن زايد �آل نهيان ويل عهد �أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات امل�سلحة.
ال�شيخ نهيان وهدى كانو والفنانة عزة القبي�سي
وكان قد افتتح املعر�ض يف دورته لهذا العام، وهي الدورة الرابعة� ،سمو ال�شيخ هزاع بن زايد �آل نهيان م�ست�شار الأمن الوطني نائب رئي�س املجل�س التنفيذي لإم��ارة �أبوظبي ،يف ح�ضور رئي�س املجل�س الوطني االحتادي حممد �أحمد املر ،وال�شيخ �سلطان بن طحنون �آل نهيان رئي�س جمل�س �إدارة هيئة �أبوظبي لل�سياحة والثقافة، وم�ع��ايل ال��دك�ت��ور �أن ��ور حممد قرقا�ش وزي��ر الدولة لل�ش�ؤون اخلارجية ،ومدير هيئة �أبوظبي لل�سياحة والثقافة مبارك حمد املهريي. �ضم امل�ع��ر���ض �أك�ث�ر م��ن 50م�شاركة لأه��م �صاالت العر�ض الفنية يف العامل ،متثلت يف �أعمال نحو 400فنان ،وحظي املعر�ض بح�ضور نخبة من كبار الفنانني العامليني الذين �شاركوا يف الأن�شطة املرافقة للحدث. ً ا�ستقطبت ال��دورة �أي�ض ًا �أع��دادا متزايدة من مقتني الأعمال الفنية وممثلي املتاحف ،ما ي�شري �إىل املكانة املرموقة والأهمية البالغة التي باتت حتتلها �أبوظبي كمنارة ثقافية و�إبداعية يف املنطقة.
عمالقة الإبداع
ام�ت��ازت م�شاركة ال�صاالت الفنية احلديثة واملعا�صرة بعر�ض �أعمال مهمة ملبدعني من كبار فناين ال�ق��رن الع�شرين يف ال�ع��امل من �أمثال بابلو بيكا�سو ،و�ألك�سندر كالدر ،و�سام فران�سي�س ،وخوان مريو ،ول�ؤي كيايل ،و�شفيق
عبود� ،إ�ضاف ًة �إىل �أعمال لفنانني �آخرين من �أم �ث��ال روب ��رت رو��ش�ن�ب�يرغ ،وح�سن �شريف، و�إيتيل عدنان ،وجيف كونز ،وفرهد مو�شريي، وريت�شارد ��س�يرا ،وي��اي��وي كو�ساما ،ور�شيد قري�شي ،و�سلوى رو�ضة �شقري ،ووائ��ل �شوقي. ومن الفنانني الذين عر�ضت �أعمالهم وكانوا من ال�ضيوف احلا�ضرين كل من غادة عامر، و�أني�ش كابور ،و�سوبود جوبتا ،وبهارتي خري، وتيموثي نوبل و�سو ويب�سرت ،وعبدالنا�صر غارم، وحممد كاظم� .ضم املعر�ض خيمة الكرا�سي وه��و عمل تركيبي «كرا�سي �أب��و ظبي» للفنان الياباين تادا�شي كاوماتا ،والقى �إعجاب العديد من ال��زوار الذين جل�سوا يف داخلها و�أخ��ذوا �صور تذكارية مع العمل الرتكيبي الذي امتاز بالدقة واملتانة ،وهو ي�شبه من اخل��ارج �شكل قبة ،ويف داخلة ميكن �أن يكون غرفة �صاحلة للجلو�س ،وق��د ا�ستقبلت اخليمة العديد من الزائرين كما �شهدت ندوات تعليمية للأطفال.
مهارات تقليدية
ت�ضمن الربنامج العام املرافق لهذا املو�سم ق�سم ًا مو�سع ًا للت�صميم ،حيث ج��رى تقدمي
الصاالت الفنية الحديثة والمعاصرة عرضت أهم أعمال كبار فناني القرن العشرين في العالم
وعر�ض باقة متنوعة من الأن�شطة اجلديدة والت�صاميم الع�صرية املبتكرة والتقنيات احلرفية ،وذل��ك احتفاء باملهارات التقليدية والتفكري املتطلع �إىل ال�ت�ج��دي��د .كما �ضم الق�سم �أع �م��ال ت�صميم م�ستوحاة م��ن فن «اخل ��و� ��ص» �سعف ال�ن�خ�ي��ل وال �ت �ط��ري��ز ،ومت ت�صميم و�صنع هذه الأعمال الفنية مب�شاركة ع��دد م��ن احل��رف�ي��ات الإم��ارات �ي��ات ،وان�ضم الفنان يوبيك املقيم يف دولة الإمارات لإجناز بع�ض الت�صاميم اخلا�صة وتنظيم العديد من الور�شات الإبداعية املتنوعة لتدريب حمبي هذه الفنون التقليدية ،وتناول كل من الفنان دي ��ان ��س��ودج�ي��ك ،م��دي��ر متحف الت�صميم بالعا�صمة الربيطانية لندن ،وامل��ؤل��ف غلني �آدام�سن باحلديث عن دور احلرف املبدعة يف الفن والت�صميم ،و�ساهم امل�صمم �ستيوارت هايغارث كذلك ب�أعمال فنية �أخرى.
ندوات وعرو�ض
وحوى املعر�ض العديد من الفعاليات الفكرية والثقافية ،وجاءت جل�سات احلوار التي �شارك فيها م��ا ال يقل ع��ن ع�شرين حم ��اور ًا ،حيث �ضمت نخبة م��ن �أه��م الفنانني واملعماريني وامل�صممني و�أ��ص�ح��اب ��ص��االت ال�ع��ر���ض يف ال�ع��امل ،قاموا بتقدمي ملحات من جتاربهم، ومنهم اثنان من �أ�شهر الفنانني املعا�صرين هما ب��ارت��ي ك�ير و��س��وب��ود جوبتا ،وث�لاث��ة من
المرصد 16 الـعــــدد 158 ديسمبر
من حيث جغرافيتها وطبيعتها وكنوزها الدفينة وحيواناتها وما فيها من �أ�شجار و�أزهار ،حيث �أعاد الفنانون متثيلها ب�أعمال تركيبية �شكلت مزيج ًا رمزي ًا جمي ًال من �إبداع اخليال والواقع، وم��ن ه� ��ؤالء الفنانني �أني�ش ك��اب��ور ،وعبا�س �أخ��اف��ان ،وكاميلي هيرنوت ،وفابري�س هايري وكميل زخريا.
2012
طاقة روحانية
لوحة الع�شاء للفنانة اليازية �آل نهيان
�أب��رز املعماريني املعروفني على م�ستوى العامل واحلا�صلني على «جائزة بريتزكر املعمارية» مبن يف ذل��ك فرانك ج�يري وج��ان نوفيل ونورمان فو�سرت الذين �شاركوا يف جل�سة نقا�ش بعنوان «عمالقة الفن املعماري» ،و�أدار اجلل�سة �سعيد الهاجري� ،إ�ضاف ًة �إىل م�شاركة رائدة العرو�ض الأدائية مارينا �أبراموفيت�ش التي تزور الإمارات واملنطقة للمرة الأوىل ،وكان لعرو�ضها الفنية يف ال�صوت واحلركات الإميائية ت�أثري ممتع وخا�ص ًة يف �أبعادها ال�صوفية والروحانية التي �أ�شارت فيها �إىل ت�أثرها ب�أ�شعار جالل الدين الرومي.
الشيخة اليازية بنت نهيان بن مبارك آل نهيان شاركت ألول مرة بلوحتين تجريديتين حملتا عنوان «الظهر» و«العشاء» وهما تعبران عن الطاقة الروحانية النابعة من أثر السجود في الصالة
اجلزيرة ..لعبة احلياة
يف لعبة ت�شتمل على جمموعة من االختيارات التي �أتاحت لهم ا�ستك�شاف �أ�شكال خمتلفة من اخل�برات احلياتية واال�ستمتاع بالعرو�ض والأعمال الفنية التفاعلية والتجهيزات التي قام ب�أدائها فنانون معا�صرون �شاركوا جميع ًا يف ت�شكيل م�شهد رمزي جميل جلزيرة �أبو ظبي
«اجلزيرة»
�شهدت تلك ال��دورة افتتاح جناح ب�إ�شراف املن�سق الفني فابري�س بو�ستو ،وهي منطقة تخيلية تقع و�سط منارة ال�سعديات وت�شكل عامل ًا غريب ًا ت�سوده �أج��واء من البهجة والفرح،حيثجريدعوةزواراملعر�ضللم�شاركة
جاءت م�شارك ال�شيخة اليازية بنت نهيان ب��ن م �ب��ارك �آل نهيان لأول م��رة بلوحتني جتريديتني بعنوان «الظهر» و«الع�شاء» وهما تعربان عن الطاقة الروحانية النابعة من �أث��ر ال�سجود يف ال���ص�لاة .وج��اء التعبري الفني ع��ن ذل��ك ح��اف� ً لا ب ��أل��وان وتفا�صيل معربة عن مكنونات ه��ذه الطاقة وتركت للمتلقي احل��ري��ة يف ق��راءت �ه��ا وحتليلها، وت�ع��د ه��ذه الأع �م��ال ج ��زء ًا م��ن املجموعة اجل��دي��دة التي �أجنزتها ال�شيخة اليازية م�ؤخر ًا ،وتعك�س مفاهيم فل�سفية عن الفن واحل �ي��اة .وعر�ضت اللوحتان يف جالريي �آرت �سبي�س ،دار الفنون املعا�صرة ،التي �ضمت �أي�ض ًا جمموعة من الأعمال املختارة ج� ��اءت حت��ت ع��ن��وان «ال� �ب ��داي ��ة» .وم�ن�ه��ا �أعمال للفنان املعروف عمر النجدي من جمموعتيه الفريدتني «الأ ِل ��ف» و«الكعبة»، �إىل ج��ان��ب �أع��م��ال مل �ب��دع اخل ��ط ال �ك��ويف اخل�ط��اط امل�ح�ترف منري ال�شعراين .كما �ضمت املجموعة �أعما ًال فريدة لفنانني مثل �سمرية علي خانزاده ولولوه احلمود و�أوزان وديفرمي �إربيل. تتميز جمموعة «ال �ب��داي��ة» بتنوعها حيث ع��ر��ض��ت �أع��م��ا ًال ل�ف��ن اخل��ط والتج�سيم والت�صاميم املتناغمة والأ�شكال الهند�سية الإ��س�لام�ي��ة .ه��ذه املجموعة املنتقاة هي م��زي��ج ب�ي�ن روح ال �ف��ن امل �ع��ا� �ص��ر وج ��ذور التقاليد الإ�سالمية والعربية مع نفحات معربة من الأبجدية العربية ،حيث ركزت الأع�م��ال على الكلمات واحل��روف العربية مبا فيها �أ�سماء اهلل احل�سنى الـ 99و�آيات من القر�آن الكرمي.
فن للنا�شئني
�أقيم كذلك حتت رعاية �سمو ال�شيخة �سالمة بنت حمدان بن حممد �آل نهيان حرم الفريق �أول �سمو ال�شيخ حممد بن زايد �آل نهيان ويل عهد �أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات امل�سلحة ركن ا�ست�ضاف �أعمال الفنانني النا�شئني يف «ح��وار ال�ف��ن» ،وذل��ك كجزء من معر�ض «فن �أبوظبي» ،وهذه اال�ست�ضافة جاءت بعد جناح املعر�ض املتجول ل �ه ��ؤالء الفنانني اخلم�سة بعنوان «بني اخلا�ص والعام» يف مراكز الت�سوق يف جميع �أنحاء �إم��ارة �أبوظبي ،و�أطلقت هذا املعر�ض م�ؤ�س�سة ال�شيخة �سالمة بنت حمدان �آل نهيان �ضمن مبادرة «الفن للجميع» التي تهدف �إىل ت�أ�سي�س من�صة متكاملة للتوا�صل والتفاعل مع اجلمهور �سعي ًا لت�شجيع الفنون و�أ�صحاب املواهب يف الدولة وحثهم على تطوير مهاراتهم وكفاءاتهم .والفنانون امل�شاركون هم عليا لوتاه ،دانة �سيف املزروعي ،حمدان بطي ال�شام�سي ،ميثاء دمييثان ،و�شم�سة العمرية. وا�ستعر�ض ه�ؤالء الفنانون خربتهم من خالل عر�ض �أعمالهم يف املعر�ض.
رواق الفن الإماراتي
و�ضمن امل�شاركات الفنية عر�ضت جمموعة �أبوظبي للثقافة والفنون من�صة متميزة لأعمال متنوعة من الفن احلديث واملعا�صر والت�صميم، جمعت �أرقى �صاالت العر�ض الفنية من جميع دول العامل ،كما جاءت هذه امل�شاركة احتفاء باملواهب الفنية يف ال��دول��ة من خ�لال تفعيل برنامج مبادراتها وفعالياتها التي ت�ضمنت «رواق ال�ف��ن الإم ��ارات ��ي» وج��ائ��زة «كري�ستو وجان كلود» التي انطلقت م�ؤخر ًا بالتعاون بني جمموعة �أبوظبي للثقافة والفنون وجامعة نيويورك �أبوظبي والفنان كري�ستو ،بهدف �إبراز �أهمية الفنون يف التنمية املجتمعية �ضمن فعاليات املجموعة التي تنظمه املجموعة �سنوي ًا، و�سوف يحتفل العام القادم بالذكرى العا�شرة لت�أ�سي�سه. ا�ستعر�ضت املجموعة بالتعاون م��ع الفنان العاملي كري�ستو م�شروع ًا خا�ص ًا ب�إمارة �أبوظبي
لوحة الكرا�سي للفنان الياباين «كاواماتا»
هو م�شروع «امل�صطبة» ،وهو عبارة عن جم�سم عالمات فارقة
تركيبي فني بارتفاع 150م�تر ًا ،عمل كل من الفنان كري�ستو وزوجته الراحلة جان كلود على إ�جن ��ازه منذ زيارتهما الأوىل لأبوظبي عام ،1977حيث �أقيمت يف املعر�ض «م�صطبة» �ضخمة ب�شكل هرمي كان ي�ستخدم يف الع�صر الفرعوين من قبل قدماء امل�صريني ،كما مت عر�ض كتاب امل�صطبة يف اجلناح ،وهو كتاب توثيقي ي�سلط ال�ضوء على تفا�صيل وجماليات هذا امل�شروع املعماري املبتكر ويربز الأعمال اخلا�صة للفنان كري�ستو ذات العالقة بالإمارات العربية املتحدة .وا�ستقطب هذا ال��رواق منذ ت�أ�سي�سه �أكرث من 80فنان ًا ت�شكيلي ًا من الإمارات ال�سبع و�شارك به يف عامه الأول بع�ض رواد الفن الت�شكيلي الإماراتي داعمني وم�شاركني فاعلني يف برناجمه وفعالياته ،وان�ضم �إىل املبادرة ع��دد م��ن املبدعني يف ال��دول��ة م��ن م�صورين فوتوغرافيني ور�سامني �إىل نحاتني وخطاطني وفناين كوالج ،وقد �شاركهم يف جل�سات النقا�ش عدد من الفنانني الكبار واملخت�صني ،ت�ضمنت عر�ض بع�ض جتاربهم وتو�ضيح �أف�ضل و�سائل العمل الفني لديهم ب�ه��دف ت�شجيع �إن�ت��اج �إبداعات فنية جديدة لدى �شباب الإمارات.
كان املعر�ض ب�أيامه الأربعة منا�سبة جميلة وحافلة بالت�أمل والفائدة الثقافية ،وكان ه�ن��اك ل��وح��ات و�أع �م��ال فنية ا�ستوقفت ال� ��زوار وح�ظ�ي��ت ب��امل��زي��د م��ن �إعجابهم وت�ق��دي��ره��م مل��ا فيها م��ن اب �ت �ك��ارات فنية متزج بني الواقع واخليال بلم�سات جمالية م�ؤثرة ،ومن هذه الأعمال جدارية الفنان �أحمد معال املعرو�ضة يف �صالة «الأتا�سي» وهي تعرب عن ثورة ال�شباب العربي ،وعلى مقربة منها يف اجل �ن��اح مت ع��ر���ض عدد من لوحات الفنانني ال��رواد يف الإم��ارات ومنهم عبد ال�ق��ادر الري�س ،جن��اة مكي، ح�سن �شريف ،وامتازت �أعمالهم مبالمح خا�صة بروح الإمارات وما فيها من مزايا الطبيعة التي جتمع بني البحر وال�صحراء املمزوجة بلم�سات فنية من جمال احلداثة املعا�صرة. و�ضم املعر�ض جم�سم فني �أبدعه الفنان الياباين العاملي تادا�شي كاواماتا حتت ع�ن��وان «كرا�سي يف �أب��وظ�ب��ي»�� ،ش��ارك يف ن�صبها الفنان الكبري كاظم ال�ساهر الذي ميار�س هوايته يف فن النحت
المرصد 18 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
خالل افتتاحه معر�ض ال�شارقة الـ31
سلطان القاسمي:
الثقافة وسيلة العرب لفهم اآلخر والتواصل معه ال�شارقة -حنان �شافعي بح�ضور �أكرث من 900دار ن�شر عربية و�أجنبية انطلقت الدورة احلادية والثالثني من معر�ض ال�شارقة الدويل للكتاب ،الذي يعد من �أكرب الفعاليات الثقافية يف املنطقة .وكان �صاحب ال�سمو ال�شيخ الدكتور �سلطان بن حممد القا�سمي ع�ضو املجل�س الأعلى حاكم ال�شارقة ،قد افتتح فعاليات املعر�ض بق�صيدة ،ت�سرد م�سرية العطاء الثقايف يف ال�شارقة ،م�ؤكدا على �أن الثقافة هي و�سيلة ال�شعوب العربية لفهم الآخر والتوا�صل معه.
وتف�ضل �سموه بتوزيع اجلوائز والتوقيع على الن�سخة الأوىل من كتاب «ح�صاد ال�سنني». ت�ضمن املعر�ض هذا العام تو�سعات ملحوظة بني م�شاركة �إماراتية ودولية بلغت 62دولة، منها 24دولة ت�شارك للمرة الأوىل ،كما �ضمت قائمة الدول امل�شاركة 22دولة عربية ،و 40دولة �أجنبية ،و 924دار ًا للن�شر ،وزادت م�ساحة امل�شاركة العربية لدور الن�شر ،حيث ارتفعت من �7600إىل 9613مرت مربع ،واحلال نف�سها مع م�ساحة امل�شاركات الأجنبية من �1600إىل 2100مرت مربع ،ورافق ذلك زيادات �أخرى �شملت م�شاركات دور الن�شر الهندية التى ارت�ف�ع��ت بن�سبة و�صلت �إىل نحو ،% 500 وكذلك ان�ضمام نحو 20نا�شر ًا باك�ستاني ًا فى فعاليات املعر�ض من الذين ي�شاركون يف املعر�ض للمرة الأوىل. �أما �ضيف ال�شرف الذي ت�صدر امل�شهد فكان من قبل جمهورية م�صر العربية التي تنوع ح�ضورها ب�ين �أن�شطة فنية لفرقة الفنون ال�شعبية ،حيث عر�ضت يومي ًا على خ�شبة امل�سرح وبني �أروق��ة املعر�ض يف التفاف ملفت م��ن جمهور امل�شاهدين للرق�ص الفلكلوري امل�صري ،ثم جاء احل�ضور الإبداعي من خالل ندوات و�شهادات لكتاب و�شعراء م�صريني من �أجيال خمتلفة من بينهم جمال الغيطاين، وحممد �إبراهيم �أبو �سنة ،وحممد جربيل ،ومن ال�شباب هيدرا جرج�س ،ومي �أبويد.
مقتنيات
من جانبه �أع��رب �أحمد بن ركا�ض العامري، م��دي��ر م�ع��ر���ض ال �� �ش��ارق��ة ال� ��دويل للكتاب، عن ��س��روره من النتائج التي حتققت خالل ال� ��دورة احل��ادي��ة وال �ث�لاث�ين ال �ت��ي اختتمت �أعمالها يوم ال�سابع ع�شر من ال�شهر الفائت، م�شري ًا �إىل �أن �أجنحة دور الن�شر ،والندوات واللقاءات الثقافية والفكرية و�أن�شطة برنامج الأطفال وبرنامج الطهي ،ح��ازت ا�ستح�سان رواد املعر�ض م��ن خمتلف الفئات العمرية واجل�ن���س�ي��ات امل �ت �ع��ددة .و�أ���ض��اف ال�ع��ام��ري �أن معر�ض ال�شارقة ال��دويل للكتاب ي�شكل وبتوجيهات من �صاحب ال�سمو ال�شيخ الدكتور
�سلطان ب��ن حممد القا�سمي ع�ضو املجل�س الأعلى حاكم ال�شارقة ،منارة ثقافية ت�شع من دولة الإم��ارات واملنطقة ،حيث �ضم املعر�ض بني جنباته �أحدث �إ�صدارات الكتب ،ومتازجت فيه ح��وارات ولقاءات ون��دوات ثقافية وفكرية مب�شاركة من �أملع ال�شخ�صيات الثقافية وقادة الفكر ،بهدف مد ج�سور التوا�صل احل�ضاري والثقايف مبا يحقق التقارب الثقايف وتر�سيخ ثقافة التعاي�ش.
ضم المعرض نحو 100من أندر الكتب والمنشورات من مقتنيات صاحب السمو حاكم الشارقة والتي تبرع بها سموه، ضمن نحو 4000كتاب نادر، لصالح المجمع العلمي المصري الذي طالته يد التخريب
وت��اب��ع ال�ع��ام��ري �أن �أجنحة املعر�ض �ضمت جناح ًا خا�ص ًا �ضم نحو 100من �أندر الكتب وامل �ن �� �ش��ورات م��ن مقتنيات �صاحب ال�سمو حاكم ال�شارقة والتي تربع بها �سموه� ،ضمن نحو 4000كتاب نادر ،ل�صالح املجمع العلمي امل�صري ال��ذي طالته يد التخريب .و�شهد املعر�ض �إط�لاق وتوقيع �أك�ثر من 90كتاب ًا و�إ� �ص��دار ًا ج��دي��د ًا لكتاب �إم��ارات�ي�ين وع��رب و�أجانب� ،أ�ضافوا للمكتبة العربية �إ�ضافات نوعية يف جم��االت الرواية وال�شعر والق�صة وق�ص�ص الأطفال وال�سري الذاتية وغريها. و�أوىل معر�ض ال�شارقة الدويل للكتاب عناية خ��ا��ص��ة ب��ال�برام��ج وال�ف�ع��ال�ي��ات والأن���ش�ط��ة املوجهة للطفل حيث حظيت بح�ضور الفت من طالب وطالبات املدار�س. وقال العامري �إن �إدارة املعر�ض قامت ب�إعداد ب��رن��ام��ج ث�ق��ايف متميز ل�ل�أط�ف��ال «برنامج الطفل» ال��ذي �شمل �أك�ثر من 200فعالية
المرصد 20 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
�أع��ده��ا خ�ب�راء ومتخ�ص�صون يف � �ش ��ؤون الطفل ليجمع بني الثقافة واملعرفة من جهة والرتفيه من جهة �أخرى.
مقهى ري�ش امل�صري
على �صعيد احل�ضور امل�صري اخلا�ص� ،ضم املعر�ض جناح ًا م�صري ًا م�ستق ًال كان �أبرز ما فيه مقهى ري�ش امل�ستوحى من نظريه يف منطقة و�سط البلد بقلب العا�صمة امل�صرية القاهرة ال��ذي لعب دور ًا تاريخي ًا يف م�سرية الثقافة امل�صرية على مر الأجيال .وتنوعت امل�ساهمات الثقافية يف ن��دوات املقهي بني لقاءات لأهل ال�سينما حت��دث فيها ال�ن��اق��د ال��دك�ت��ور على �أبو�شادي والدكتورة درية �شرف الدين ،فيما مل يح�ضر املخرج خالد يو�سف والفنان عادل �إمام رغم الإعالن عن ندوات لهم� .أي�ض ًا ح�ضر �شعر العامية امل�صري من خالل لقاء ال�شاعر الكبري �سيد حجاب وال�شاعرة �إميان بكري� .أما الرواية فتجلى ح�ضورها ب�شهادة الأديب الكبري بهاء طاهر ثم �سعيد الكفراوي وف�ؤاد قنديل، حيث مل تخل الندوات من قراءة لأدب جنيب حمفوظ من وجهة نظر خليجية. و�شهد اجلناح امل�صري �إقبا ًال جيد ًا على �شراء الكتب التي تنوعت منابع �إ�صدارها بني هيئة الكتاب وهيئة ق�صور الثقافة واملركز القومي للرتجمة ومكتبة الإ�سكندرية ،ف�ض ًال عن دور الن�شر اخلا�صة التي تنوعت عناوينها بني الأدب والفكر والدين وال�سيا�سة وكتب الأطفال حتى الكتب القدمية وال�صحف الأر�شيفية. كذلك عقدت الهيئة امل�صرية العامة للكتاب، �ضمن فعاليات ال ��دورة ال��واح��دة والثالثني مل�ع��ر���ض ال���ش��ارق��ة ال���دوىل ل�ل�ك�ت��اب ،بقاعة االحتفاالت �أم�سية غنائية للفرقة العربية للمو�سيقى التابعة ل��دار الأوب��را املو�سيقية، للفنانة م��روة ن��اج��ى .و��ش�ه��دت االحتفالية ح�ضور ًا كب ًريا من جمهور املعر�ض� ،إذ قدمت ناجى جمموعة م��ن ال��روائ��ع الغنائية منها �أغنيتني «الأطالل و�أنت عمرى» ل�سيدة الغناء العربى �أم كلثوم ،كما قدمت �أغنيات يا �ساعة بالوقت �أج��رى� ،أنا قلبى �إليك ميال ،يا لعبة الأيام ،وذلك بح�ضور وزير الثقافة امل�صرى
الدكتور حممد �صابر عرب ،والدكتور �أحمد جماهد رئي�س هيئه الكتاب امل�صرية ،وعدد من �أفراد الأ�سرة احلاكمة فى ال�شارقة.
زيارة خا�صة
ومن �أكرث امل�شاهد الالفتة للأنظار كان خالل زي��ارة �صاحب ال�سمو ال�شيخ حممد بن را�شد �آل مكتوم ،نائب رئي�س الدولة ،رئي�س جمل�س الوزراء حاكم دبى «رعاه اهلل» ،املعر�ض ،ورافقه ال�شيخ مكتوم بن حممد بن را�شد �آل مكتوم نائب حاكم دبى ،وحممد عبد اهلل القرقاوى وزير �شئون جمل�س الوزراء ،والدكتور عبد اهلل عمران ترمي رئي�س جمل�س �إدارة دار اخلليج لل�صحافة والن�شر ،والفريق م�صبح را�شد الفتان مدير مكتب �صاحب ال�سمو نائب رئي�س
الدولة ،حيث كان يف ا�ستقبال �سموه ومرافقيه لدى و�صوله مقر «الإك�سبو» ال�شيخة بدور بنت �سلطان بن حممد القا�سمى رئي�سة «جمعية نا�شرى الإمارات» ،و�أحمد حممد املدفع رئي�س جمل�س �إدارة غرفة جتارة و�صناعة ال�شارقة، وعدد من امل�س�ؤولني فى املعر�ض. جتول �صاحب ال�سمو ال�شيخ حممد بن را�شد �آل مكتوم ،نائب رئي�س الدولة ،رئي�س جمل�س ال� ��وزراء حاكم دب��ى «رع ��اه اهلل» ،يف رده��ات املعر�ض وبني �أروقته يت�صفح بع�ض ًا من �أمهات الكتب واملراجع قدميها وحديثها ،وتوقف عند عدد من �أجنحة الدول امل�شاركة ودور الن�شر كما ا�ستمع خالل جولته �إىل �شرح قدمه �أحمد بن ركا�ض العامرى مدير معر�ض اك�سبو ال�شارقة ح��ول املعر�ض وتاريخه وحجم امل�شاركة فيه
وعدد زواره .و�أكد �سموه خالل توقفه عند بع�ض املحطات فى اجلولة �أهمية تعويد �أبناء وبنات الوطن خا�صة فى امل��دار���س واجلامعات على م�صاحبة الكتاب والبحث فى �أمهات الكتب واملراجع الثقافية والتاريخية والأدبية والعلمية وغ�يره��ا حتى يتمكنوا م��ن �صقل مواهبهم و�إثراء علومهم ومعارفهم والتعرف �إىل ثقافتنا العربية وجذورنا التاريخية الأ�صيلة ،من خالل اال�ضطالع على م�ؤلفات ومراجع كتابنا و�أدبائنا وفى الوقت نف�سه ميدون �أنظارهم �إىل الثقافات الأخرى للتعرف على ح�ضارات العامل.
ال�صغار والثقافة
وفيما تنوعت الأن�شطة الثقافية للكبار� ،ضم برنامج املعر�ض ل�ل�أط�ف��ال ع��دد �ضخم من الفعاليات والأن�شطة و�صلت مبجموعها الكلى �إىل نحو 200فعالية خمتلفة تنا�سب خمتلف الفئات العمرية للأطفال� ،سواء فى املدار�س �أو ريا�ض الأطفال ،وتعترب تلك الفعاليات حمطة زي��ارة �أ�سا�سية لكافة طلبة املدار�س ح�ضروا فيها الور�ش التعليمية الهادفة �إىل تنمية الوعى لدى الطفل .ومن بني الأن�شطة ما قدمته �إدارة ال�ف�ن��ون ف��ى دائ ��رة ال�ث�ق��اف��ة والإع�ل��ام فى ال�شارقة بعنوان «ور�شة �أ�سالك و�أف�لاك»، ق��ام��ت على ا��س�ت�خ��دام �أدوات ج��دي��دة فى الت�شكيل غ�ير ال��ر� �س��م ب ��الأل ��وان وتعتمد
ا� �س �ت �خ��دام الأ���س�ل�اك امل �ل��ون��ة ،ح�ي��ث �أخ��ذ الأطفال امل�شاركون فى ا�ستنباط ت�شكيالت فنية ب�ألوان وت�صاميم فنية خمتلفة. وع��ن ه��ذا ق��ال با�سم ال�ساير امل�شرف على الور�شة� :إن الأطفال ي�أخذون الأ�سالك امللونة ويطوعونها فى ت�شكيالت تفتح �أفق ًا جديد ًا لإبداعاتهم و�أفكارهم ،لتتحول الأ�سالك �إىل حيوانات و�أ�شجار و�أ�شكال �أخرى كثرية. كذلك ك��ان من بني ه��ذه الفعاليات القراءة التفاعلية التى قدمتها التون�سية وفاء املزغنى، وفيها يقر�أ الطلبة احلا�ضرون ق�صة ق�صرية ب�شكل ت�شاركي وتفاعلي ،مو�ضح ًة �أن الهدف من هذه القراءة التفاعلية هو امل�ساهمة فى ت�شجيع الطلبة اخلجولني على القراءة بجر�أة وجتاوز حالة اخلجل ،وتعلم القراءة اجلماعية التى
ضم المعرض جناح ًا مصري ًا مستق ً ال كان أبرز ما فيه مقهى ريش المستوحى من نظيره في منطقة وسط البلد بقلب العاصمة المصرية القاهرة الذي لعب دور ًا تاريخي ًا في مسيرة الثقافة المصرية على مر األجيال
حت�سن �أداء ال�صوت وتقوى �شخ�صية الطفل، �إ�ضاف ًة �إىل تنمية اخليال عنده ،خ�صو�ص ًا �أننا نقر�أ ق�صة غري تقليدية. فى ال�سياق ذاته ،دعا العامري مدير معر�ض ال�شارقة ،الأهاىل و�أولياء �أمور الطلبة ا�ستغالل �أيام العطلة با�صطحاب �أطفالهم للم�شاركة فى فعاليات وور���ش العمل املتنوعة �ضمن برنامج الطفل امل�صاحب للمعر�ض ،التى �شملت العديد من الفقرات املتنوعة مثل الفنون ،والأل��وان، و�صندوق الأفالم ،وقراءات ق�ص�صية ،وم�سرح الدمى ،ولغة الإ��ش��ارة ،وم�سرح الظل ،وعامل الت�صميم ،وور� �ش��ة اخل �ي��ول ،وط��ى ال ��ورق، وم�سرح الطفل ،و�أط�ي��اف «�أنا�شيد قرائية»، وور�ش تفاعلية ،و�ألعاب �سحرية ،واحلكواتى، والر�سم بـ«البا�ستيل» ،وور�شة الطني ،وعرو�ض مرئية ،وم�سابقة القراءة ال�سريعة ،وعرو�ض حية خمتلفة �أخ��رى .وت�ضمن برنامج الطفل �أي�ض ًا عدة فعاليات ،منها دنيا الفرح وامللتقى الرتفيهى الذى يقدمه امل�ستك�شفون ال�صغار من الإم��ارات� ،إ�ضافة �إىل فعالية «�أوريغامي» طي الورق .وفى زاوية �ألوان ،قدم متحف ال�شارقة للفنون ور�ش فنية متنوعة ،كما قدم جمموعة من الطالب لغة الإ�شارة بتنظيم مدينة ال�شارقة للخدمات الإن�سانية .ف�ض ًال عن عرو�ض م�سرح الدمى والألعاب ال�سحرية وور�ش فنية �ضمن زاوية �أفكار متحركة
22 الـعــــدد 158 دي�سمرب 2012
مدارات اآلفاق ارتياد مدارات
األنا واألنا ـ اآلخر
حوار األديان ،صراع المذاهب؟
كان
ل �ل��ر�ؤي��ة ال�ت��ي حتكمت يف تعاملنا م��ع ال�ت�راث ،منذ ع�صر النه�ضة �إىل الآن� ،أثرها الكبري يف ال�صريورة التي �أدت �إىل الو�ضع الذي نعي�شه ال �ي��وم .ف��االن�ت�ق��اء والتجزيئية وتغليب البعد الإي��دي��ول��وج��ي ،ك��ل ذلك �أ�سهم يف تعميق الفجوات بني الذات وقد �صارت متمف�صلة �إىل ذوات. مل يبق التمايز مقت�صر ًا على الأنا والآخر ك�م��ا ك��ان ع�ل�ي��ه الأم���ر �إب���ان االح�ت�ك��اك بالغرب. بل امتد ،مع ال��زم��ن ،لي�صبح بني الأن��ا والأن��ا ـ الآخ��ر ،وب�صورة تتعدى ما كان عليه التناق�ض مع الآخ��ر .هذا التمايز كان يغذيه اال�ستعمار ولعب اال�ست�شراق دور ًا يف ا�ست�شرائه. كان عملهما مع ًا من�صب ًا على كل ما ينمي ال �ف��رق��ة ب�ين م �ك��ون��ات امل�ج�ت�م��ع ال�ع��رب��ي الإ��س�لام��ي .لقد اعتمد اال�ست�شراق يف ا�شتغاله بالرتاث «التاريخ» ركيزة لذلك. بينما جل�أ اال�ستعمار �إىل تق�سيم الأر�ض ال�ع��رب�ي��ة «اجل �غ��راف �ي��ا» �إىل دول بينها حدود الرتجمة العملية لذلك �أي�ض ًا.
وح �ت��ى داخ� ��ل ح� ��دود ك ��ل ال � ��دول ال�ت��ي ا� �ص �ط �ن �ع �ه��ا اال� �س �ت �ع �م��ار ظ ��ل ال �ب �ح��ث متوا� ً صال عما يعمق الفروق والتمايزات ب�ي�ن م �ك��ون��ات ه� ��ذا ال �ف �� �ض��اء ال �ع��رب��ي الإ�سالمي :عرب ـ �أمازيغ ـ �أكراد ،،،من جهة .م�سلمون ويهود وم�سيحيون ،من جهة ثانية. و��س�ن��ة و��ش�ي�ع��ة وم�ت���ص��وف��ة ...م��ن جهة ث��ال �ث��ة .ه ��ذا ب��الإ� �ض��اف��ة �إىل الأل��غ��ام احلدودية «ال�سيا�سية» التي �أبقاها ،بعد ا�ستقالل هذه الدول ،قابلة لالنفجار يف �أي حلظة ي�ضغط فيها على زر ال�صراع والتفرقة ،ما دام يرى �أن م�صاحله يف املنطقة �شبه مهددة �أو ك�أنها م�ستهدفة. ك��ان م��ن ن�ت��ائ��ج ا��س�ت�ت�ب��اب احل���دود �أن �صارت ال��ذات ذوات ،و�أم�ست كل دولة تفكر يف «التاريخ القدمي» لت�صبغه على «جغرافيتها احل��دي�ث��ة» ،فباتت تتحدث ع��ن «ت��راث��ه��ا»ال��ذي ت �ف��اخ��ر ب��ه الأمم وال�شعوب؟ ث��م �أ�صبح املتنبي عراقي ًا، واملعري �سوري ًا ،وابن خلدون تون�سي ًا... وغدت دائرة املعارف الإيرانية ت�ستوعب ال �ع��دي��د م��ن امل�ف�ك��ري��ن امل���س�ل�م�ين «اب��ن
�سينا ،اجلرجاين »...وتقدمهم على �أنهم «�إيرانيون»؟ �صار الرتاث «�إرث ًا» خا�ص ًا يدعي كل من «الورثة» ملكية ما يتالءم مع هويته «الوطنية» وحدوده اجلغرافية. جنم عن هذا الو�ضع ،مع اال�ستقالالت، �أن وقعت تناق�ضات بني ال��دول العربية وا� �ص �ط �ف��اف��ات مت�ل�ي�ه��ا امل �� �ص��ال��ح وق��د ت �� �ض��ارب��ت ح ��ول ال �ت��اري��خ واجل �غ��راف �ي��ة وامل�ستقبل. �صرنا ،طيلة ال�ستينيات وال�سبعينيات، �أم ��ام مم�ل�ك��ات يف م�ق��اب��ل ج�م�ه��وري��ات، ودول رج �ع �ي��ة ت �ن �ح��از ل�ل��آخ ��ر ،ال �غ��رب الر�أ�سمايل ،و�أخ��رى تقدمية متيل نحو الآخ��ر ،ال�شرق اال��ش�تراك��ي .وم��ع جناح ال�ث��ورة الإي��ران�ي��ة ،و�سقوط ج��دار برلني بعد ذل��ك ،وب��روز حت��ول �أو طموح بع�ض اجل�م�ه��وري��ات للتحول �إىل «مم�ل�ك��ات»، وم��ع ��س�ق��وط ن �ظ��ام ال�ب�ع��ث يف ال �ع��راق، وظهور الربيع العربي الذي �أودى مب�صري �أنظمة ج�م�ه��وري��ة ...ك��ل ذل��ك �أدى ،يف ظ��ل م �ت �غ�يرات ج��دي��دة ،مت�ت��د �أ��ص��ول�ه��ا �إىل احل ��رب ��ض��د ال �ن �ظ��ام ال�سوفياتي يف �أفغان�ستان وم��ع م��ا تولد عنها على
�سعيد يقطني
ال�صعيد العربي الإ�سالمي والدويل� ،أن ظهرت تناق�ضات جديدة وا�صطفافات خمتلفة يف املنطقة :ال�ت�ط��رف الديني يف مقابل االعتدال ،وال�سنة يف مواجهة ال �� �ش �ي �ع��ة .ه ��ذا ع �ل��ى امل �� �س �ت��وى ال �ع��ام. �أم ��ا ع�ل��ى امل���س�ت��وى اخل��ا���ص ،ف�ق��د ب��ات ب�ين ال �ع��رب والأك� ��راد والأم ��ازي ��غ ،وب�ين امل�سلمني والأقباط ،وحتى يف الدول غري العربية� ،صار بني امل�سيحيني وامل�سلمني يف �إفريقيا ،وبني امل�سلمني والبوذيني �أو ب�ين امل�سلمني وبع�ض ط��وائ��ف الهند يف �آ��س�ي��ا ...وميكن ق��ول ال�شيء نف�سه عن املهاجر العربية والإ�سالمية يف العامل، ناهيك ع��ن التناق�ض ب�ين الإ�سالميني والعلمانيني. ك�م��ا وق �ع��ت االن�ت�ق��ائ�ي��ة وال�ت�ج��زي�ئ�ي��ة يف التعامل م��ع ال�تراث العربي الإ�سالمي يف احلقبة الأوىل حيث اعترب مبقت�ضاها مثالي ًا رجعي ًا� ،أو مادي ًا تقدمي ًا ،وقعتا يف احلقبة ال�ث��ان�ي��ة ،وق��د ��ص��ار ال�تراث خمتز ًال يف ال�سنة �أو ال�شيعة ،من جهة، �أو يف ال��دع��وة �إىل اجل�ه��اد «العنف» �أو االعتدال .وكل طرف يجد من امل�سوغات
ال �ت��ي ي�ستمدها م��ن ال�ت�راث م��ا يدعم ت��وج �ه��ه وت �ط �ل �ع��ات��ه وي� �خ ��دم م�ق��ا��ص��ده ومراميه .مل يقت�صر الأمر على االختزال �أو االخ �ت�لاف يف ال�ت�ع��ام��ل م��ع ال�ت�راث، ولكن ذلك �صار مو�ضوع ًا لإثارة ال�صراع و�إدارت ��ه �ضد ك��ل خمالف �أو معرت�ض، �سواء من لدن هذه اجلهة �أو تلك. بل �إن هذا ال�صراع بلغ حد تكفري الآخر وال�ع�م��ل ع�ل��ى �إق���ص��ائ��ه و�إل �غ��ائ��ه ب�شتى الطرق والو�سائل. ي �ك �ف��ي �أن ي �ت��اب��ع امل� ��رء خم �ت �ل��ف كتب ه� ��ؤالء و�أول��ئ��ك ،م�سلمني وم�سيحيني، ويواكب قنواتهم التلفزيونية ومواقعهم وم�ن�ت��دي��ات�ه��م وم��دون��ات �ه��م ليجد نف�سه �أم ��ام � �ص��راع��ات م�ستعرة ب�ين خمتلف الطوائف. فال�شيعة ي�ت�ه�م��ون .وال���س�ن��ة ي �ت�بر�ؤون. وك���ل ذل���ك ب �ل �غ��ات ال ت �خ �ل��و م ��ن عنف و�إق�صاء .وميكن قول ال�شيء نف�سه عن بقية التمايزات داخ��ل اجل�سم العربي الإ�سالمي .ومل يبق تو�سيع هذا التمييز وذاك ال �ت �م��اي��ز ،ب�ي�ن ال� ��ذات وال� ��ذات الأخ ��رى متوقف ًا على امل�ستوى الثقايف
والإعالمي ،بل امتد �إىل ال�سيا�سة التي ميكن اعتبارها �سبب ًا ونتيجة يف �آن. لو �أن اخلطاب ال�سيا�سي ظل مقت�صر ًا ع �ل��ى م �ع �ط �ي��ات مت�ل�ي�ه��ا اال� �ص �ط �ف��اف��ات االق �ت �� �ص��ادي��ة وال���س�ي��ا��س�ي��ة وامل���ص��ال��ح اخلا�صة خل��رج امل��رء بخال�صة مفادها �أن هذا طبيعي يف �أي �صراع. ولكن �أن يتم ت�سخري ال�تراث امل�شرتك، وهو يف جمموعه ذو حمولة دينية وثقافية وتاريخية �أ�سهم اجلميع يف ت�شكيلها على م��ر ال��زم��ن ،فهذا ال يعني �سوى تعميق ال�ف�ج��وة الثقافية ب�ين م�ك��ون��ات ب�شرية ذات جذور م�شرتكة. تتعاىل اليوم �صيحات احلوار بني الأديان على امل�ستوى العاملي. كان الأح��رى ،ومب��وازاة معها� ،أن ترتفع بني املذاهب والطوائف والأع��راق ذات ال �ت�راث ال ��واح ��د وامل �� �ش�ترك لأن ذل��ك يجنبها ال��وق��وع ،ب��ال�ت�ن��اوب ،يف براثني من لهم امل�صلحة يف تغذية التناق�ضات وا�ست�شرائها لإدام��ة جعل الأمة العربية الإ�سالمية خارج الع�صر
41عام ًا من التميز 24 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
41عام ًا من التميز
اتحاد اإلمارات .. جتربة وحدوية نادرة املثال
أضواء على رجاالت أبوظبي ودورهم في نشأة االتحاد فاطمة املن�صوري حتتفل دولة الإمارات العربية املتحدة هذا العام بالذكرى الواحدة والأربعني لقيام احتاد دولة الإمارات ،تلك التجربة التي تعد يف الواقع �أول جتربة عربية وحدوية كتب لها النجاح واال�ستمرار ،يف وقت �شهدت فيه العديد من الدول عدم جناح جتاربها الوحدوية.
ال�شيخ زايد ،رحمه الله ،يوقع وثائق �إنهاء اتفاقية العالقات اخلا�صة بني �أبوظبي وبريطانيا
املفارقة يف ذلك الأمر �أن تلك الدول قد �سبقت دول��ة الإم� ��ارات ق��رون � ًا طويلة يف جم��ال العلم فورثت العلوم والنظريات ال�سيا�سية والفكرية يف ح�ين ك��ان��ت دول��ة الإم� ��ارات قبل �أن ت�شهد ذلك االحتاد امليمون ،جمرد م�شيخات متفرقة ترزح حتت ظروف اقت�صادية و�سيا�سية �صعبة، ف��إم��ارة �أبوظبي على وج��ه اخل�صو�ص ،والتي كتب لها �أن تكون عا�صمة لأقوى احتاد فدرايل على م�ستوى الوطن العربي ،تعترب �آخ��ر �إم��ارة يف �إم� ��ارات ال�ساحل �شهدت نه�ضة تعليمية واقت�صادية واجتماعية� ،إال �أنه بف�ضل احلنكة ال�سيا�سية العظيمة التي متتع بها املغفور له ب�إذن اهلل ال�شيخ زاي��د بن �سلطان �آل نهيان م�ؤ�س�س دولة الإم��ارات العربية املتحدة ،ا�ستطاع رحمه اهلل ب�إرادته التي ال يعرف لها حدود �أن ي�ؤ�س�س احتاد دولة الإمارات حتى يثبت للعامل �أجمع مدى قدرة حكام الإمارات و�شعبها الكرمي على حتدي وتخطي ال�صعاب ومدى �إميانهم ب�أهمية الوحدة كخيار وطني ال بديل له.
رجال خمل�صون
وقد وقف بجانب ال�شيخ زايد وخا�صة على م�ستوى
�إم��ارة �أبوظبي جمموعة خمل�صة من الرجال، كان لهم الف�ضل الكبري يف دعم م�ساعي املغفور له ب�إذن اهلل تعاىل ال�شيخ زايد بن �سلطان �أثناء مباحثات االحت��اد وبعد قيامه ،فبف�ضل ه�ؤالء الرجال ا�ستطاعت �إمارة �أبوظبي -عا�صمة دولة الإم��ارات� -أن تثبت للمنطقة مدى قدرتها على قيادة ركب االحتاد ودعمه بكل م�ؤثرات القوة، ومن ه�ؤالء الرجال على �سبيل املثال ال احل�صر، �أح �م��د خليفة ال �� �س��وي��دي ،وحم �م��د ح�برو���ش ال�سويدي ،والدكتور مانع �سعيد العتيبه ،وال�شيخ �أحمد بن حامد .وقد �سلطت ال�صحافة العربية �آنذاك ال�ضوء على الكيفية التي جنح بها املغفور له ب�إذن اهلل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان،
«إن طريق المصلحة المشتركة قادنا في النهاية إلى قيام دولة اإلمارات العربية المتحدة» زايد بن سلطان آل نهيان
يف �إعداد ه�ؤالء ال�شباب لي�صبحوا ركيزة اجليل ال�شاب ال�صاعد الذي يتوىل م�س�ؤولية �إدارة �إمارة �أبوظبي ،الفتة ب�إعجاب �إىل �إميان الراحل الكبري ال�شيخ زايد بالطاقات ال�شابة و�ضرورة �إعدادها وت�سليحها بالعلم والثقافة لتتوىل مقاليد �أمور االحتاد والأم��ور الإداري��ة يف �إم��ارة نا�شئة كانت بحاجة �إىل طاقات �أهلها وبخا�صة فئة ال�شباب. وق��د �أ� �ش��ارت جملة «�آخ ��ر �ساعة» امل�صرية يف ع��دده��ا ال�صادر يف 1969 – 12 - 24م �إىل البعثات التي �أوفدتها �إمارة �أبوظبي يف �ستينيات القرن املا�ضي ،يف �أعقاب توىل املغفور له ب�إذن اهلل ال�شيخ زايد بن �سلطان مقاليد حكم الإمارة عام ،1966حيث بلغ عدد البعثات حوايل 280 مبعوث ًا ،منهم 120مبعوث ًا �إىل القاهرة ،و130 مبعوث ًا �إىل بريطانيا ،و�أكرث من 30مبعوث ًا �إىل العراق والأردن وباك�ستان ولبنان والكويت ،الفتة �إىل �أن �أبوظبي بد�أت جتني ثمار تلك البعثات يف �شتى املجاالت. من بني طليعة �أولئك ال�شباب� ،أحمد خليفة ال�سويدي ال��ذي �أك�م��ل درا��س�ت��ه العليا يف جامعة ال�ق��اه��رة ،و�شغل منا�صب مهمة منها رئي�س الديوان الأمريي يف
41عام ًا من التميز 26 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
ال�شيخ خليفة ،ويل العهد يف تلك الفرتة ،يرت�أ�س �إحدى جل�سات �أولياء العهود والنواب
�أبوظبي ،وكان �أول وزير للخارجية لدولة الإمارات بعد قيام االحت ��اد ،كما لعب �أدور ًا مميزة يف مباحثات االحتاد. وك��ذل��ك حممد ح�برو���ش ال�سويدي ال��ذي �شغل منا�صب ع��دة منها من�صب م �ع��اون لرئي�س الديوان ،ووزير �ش�ؤون املجل�س الأعلى بعد قيام االحتاد ،والدكتور مانع �سعيد العتيبة الذي توىل من�صب مدير دائ��رة البرتول وال�صناعة ،وكان �أول وزير للبرتول بعد قيام االحتاد .وقد ح�صل كل منهما على درجة البكالوريو�س يف االقت�صاد والإدارة من جامعة بغداد.
م�ست�شارون عرب
بالإ�ضافة �إىل ه�ؤالء الرواد الأفا�ضل ،برزت جمموعة م��ن الأ� �س �م��اء العربية �أ�سهموا بخرباتهم ال�سيا�سية والإداري � ��ة يف دفع م�سرية االحتاد �إىل الأم��ام ،من ه�ؤالء برز ا�سم عبد اهلل حممد الطائي ،ال��ذي عمل خ�لال ال �ف�ترة م��ن ع��ام 1970 – 1968م م�ست�شار ًا يف الديوان الأم�يري للمغفور له
ب�إذن اهلل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان ،االقت�صادي للمغفور له ب ��إذن اهلل ال�شيخ وم�س�ؤو ًال عن العالقات اخلارجية للإمارة ،زايد بن �سلطان �آل نهيان. ونائب ًا لرئا�سة الإع�ل�ام ،ف�ضال عن كونه م�ست�شار ًا للرتبية والتعليم ،و�ساهم ب�إن�شاء دورهم يف ن�ش�أة االحتاد اجل�ه��از الإع�لام��ي يف دول��ة الإم� ��ارات من لعب ه� ��ؤالء ال��رج��ال دور ًا ك�ب�ير ًا وحم��وري � ًا يف �إذاع ��ة و تلفزيون ب��الإ��ض��اف��ة �إىل جريدة اللقاءات التمهيدية التي �سبقت قيام االحتاد، االحت ��اد .وجن��م ال��دي��ن عبد اهلل حمودي� ،سواء يف مباحثات االحتاد الت�ساعي التي ا�ستمرت وهو من الرعيل الأول الذي عمل مع �أحمد قرابة الثالثة �أعوام والتي بد�أت منذ عام 1968 خليفة ال�سويدي خالل فرتة رئا�سته للديوان �أو يف املباحثات التمهيدية بني الإمارات الأع�ضاء الأمريي من عام 1971 1968-م ،وبعد قيام التي �سبقت قيام دولة الإمارات العربية املتحدة االحتاد كان من م�ؤ�س�سي وزارة اخلارجية ،يف الثاين من دي�سمرب عام 1971م. حيث �أوكلت �إليه مهام الدائرة القن�صلية يف يف هذا الإطار مل تخرج دبلوما�سية ه�ؤالء الرجال �أيام ت�أ�سي�س الوزارة. عن فكر الوالد امل�ؤ�س�س ال�شيخ زايد بن �سلطان وك��ذل��ك ع��دن��ان ال �ب��اج��ه ج��ي ال ��ذي عمل �آل نهيان – رحمه اهلل -ال��ذي كان بالفعل �أباً يف وزارة اخل��ارج �ي��ة م ��ع �أح �م��د خليفة ل�لاحت��اد ،وامل�ح��رك اخل�لاق ال��ذي ك��ان يبث يف ال�سويدي ،وم ّثل دول��ة الإم��ارات يف العديد امل�شروع روح احلياة ،ولوال جهوده و�آرا�ؤه العظيمة م��ن االجتماعات ال��دول�ي��ة ،وه��و م��ن �أعلن ملا كان لالحتاد �أن ي�ستمر يف بداياته الأوىل التي ع��ن ان���ض�م��ام دول ��ة الإم�� ��ارات �إىل هيئة �صادفها الكثري من العراقيل الداخلية والإقليمية، الأمم املتحدة يف التا�سع من دي�سمرب عام فال عجب �إذ َا �أن يحمل ه��ؤالء الرجال يف تلك 1971م ،كذلك ح�سن عبا�س زكي امل�ست�شار ال�ف�ترة ل��واء الإحت ��اد وي��رون��ه اخل�ي��ار املنا�سب
للخروج من نفق الفرقة والت�شرذم التي مل جتلب للمنطقة �إال املزيد من الأطماع واملخاطر.
اتفاقية دبي و االحتاد الت�ساعي
عندما �أعلنت بريطانيا قرارها باالن�سحاب من منطقة اخلليج يف 16يناير عام 1986م ظهرت فكرة االحتاد بني �إمارات اخلليج الت�سع «وهي م�شيخات ال�ساحل املت�صالح بالإ�ضافة �إىل كل من قطر والبحرين» كبديل وحل �أمثل للفراغ الذي �سيخلفه االن�سحاب الربيطاين من املنطقة ،ورغم �أن اخلالفات القبلية والعائلية على احل��دود كانت م�شتعلة� ،إال �أن البداية جاءت �سريعة بني �أبوظبي ودبي عندما �أ�صدرتا يف 18فرباير عام 1968م بيان ًا م�شرتك ًا موقع ًا من حاكم �أبوظبي وحاكم دبي �أعلنا فيه عن ق�ي��ام احت��اد ف �ي��درايل ب�ين �إمارتيهما ،وك��ان �أبرز ماجاء فيه مادته الرابعة التي تن�ص على دع��وة حكام الإم��ارات املت�صاحلة لال�شرتاك فيه بالإ�ضافة �إىل دعوة كل من حاكمي قطر والبحرين لالن�ضمام �إليهم «عائ�شة ال�سيار، التاريخ ال�سيا�سي لدولة الإم��ارات» .لبى جميع احلكام نداء الإحتاد واجتمعوا يف دبي يف 25- 27فرباير عام 1968م ،و�أ�سفر اجتماعهم عن �صدور ما يعرف بـ«اتفاقية دبي» ،التي �أ�صبحت حم��ور ًا لكل الن�شاط ال�سيا�سي واجتماعات االحتاد الت�ساعي الالحقة ملدة ثالث �سنوات. وقد �أقرت اتفاقية دبي ،التي كانت تعد ميثاق ًا م�ؤقت ًا لإم��ارات االحت��اد� ،إن�شاء جمل�س �أعلى ل�لاحت��اد يت�شكل م��ن حكام الإم� ��ارات الت�سع «عائ�شة ال���س�ي��ار ،ال�ت��اري��خ ال�سيا�سي لدولة الإمارات».
االجتماع الأول للمجل�س الأعلى للحكام يف �أبوظبي
ب��رز دور �أح�م��د خليفة ال�سويدي، ب� �ح� �ك ��م م��ن�����ص��ب��ه ك��رئ �ي ����س ل �ل��دي��وان الأم� �ي��ري ،وم�ع��اون�ي��ه وامل�ست�شارين العرب يف املباحثات الأوىل لقيام االحت��اد الت�ساعي، وخا�صة عندما انبثقت جمموعة
الأمني العام للأمم املتحدة يف تلك الفرتة يرحب بان�ضمام دولة الإمارات للمنظمة الدولية
من اخل�لاف��ات يف وجهات النظر بني �إمارتي �أبوظبي والبحرين من جهة ،وقطر من جهة �أخ��رى ،فالطرف الأول ر�أى �أن يتم االكتفاء يف االجتماع الأول مبناق�شة و�ضع امليثاق الكامل والدائم لالحتاد� ،أما وفد قطر ف��ر�أى �ضرورة تعيني رئي�س االحت���اد وحت��دي��د امل�ق��ر ال��دائ��م لالحتاد وا�ستكمال تنظيمات الدولة «�أحمد زكريا ال�شلق ،قطر واحتاد الإمارات العربية الت�سع». ونتيجة لهذا اخل�لاف ،انف�ض االجتماع الأول من دون حتقيق �أية مكا�سب �سيا�سية تخدم قيام
«لوال أن تجربة االتحادية قد برهنت بوضوح على فائدتها ونفعها لشعبنا لما كنا قد تمسكنا بها كما نتمسك اليوم بهذه الدولة» زايد بن سلطان آل نهيان
االحت��اد ،وقد جنحت بعد ذلك كل من الكويت وال�سعودية كو�سيطني بني �أع�ضاء االحت��اد يف تقريب وجهات النظر. وبعد الو�ساطة ،تقرر يف هذا االجتماع االتفاق مع خبري عربي يف القانون العام وهو الأ�ستاذ الدكتور عبد الرزاق ال�سنهوري ،على و�ضع م�شروع امليثاق الكامل الدائم لالحتاد «وحيد ر�أف��ت ،درا�سة ووثائق حول احتاد الإمارات العربية املتحدة».
�أول د�ستور لالحتاد
برزت �أدوار �أحمد خليفة ال�سويدي وم�ست�شاريه يف هذه املرحلة من خالل ال��زي��ارات واملهمات التي �أوكلها �إليهم املغفور له ب ��إذن اهلل ال�شيخ زاي��د بن �سلطان �آل نهيان ،حيث مت ابتعاثهم �إىل �أمري الكويت بر�سالة مت�ضمنة �شكر �سموه، و�إخ��وان��ه حكام و�شيوخ الإم ��ارات الت�سع ،على تلك الو�ساطة ،كما بعثهم �إىل م�صر لالتفاق مع الأ�ستاذ الدكتور عبد الرزاق ال�سنهوري ،رحمه اهلل ،على و�ضع امليثاق الكامل الدائم لالحتاد� ،أو بعبارة �أخرى د�ستور االحتاد «وحيد ر�أفت ،درا�سة
41عام ًا من التميز 28 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
ووثائق حول احتاد الإمارات العربية املتحدة».
اجتماع الدوحة 14 - 10مايو1969 -
�سبق ه��ذا االج�ت�م��اع جمموعة م��ن ال��زي��ارات املكوكية التي قام بها املغفور له ب�إذن اهلل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان وم�ساعدوه يف ال�ش�ؤون اخلارجية ،والذي كان على ر�أ�سهم �أحمد خليفة ال���س��وي��دي ،و حممد ح�برو���ش ال���س��وي��دي� ،إىل م�شيخات ال�ساحل املت�صالح وقطر والبحرين، بهدف االنتهاء من بع�ض امل�سائل العالقة التي تعيق تطور االحت��اد ،وحم��اول��ة تقريب وجهات النظر املختلفة ،وكان من �أهم تلك املو�ضوعات مو�ضوع رئا�سة االحتاد وتعيني مقره الدائم ومقره امل�ؤقت� ،إىل جانب اقرتاح بت�شكيل جمل�س �شورى �أو ا�ست�شاري وطني ميثل �شعب الإم��ارات وفق ًا لطريقة يتم التفاهم حولها «وحيد ر�أفت ،درا�سة ووثائق حول احتاد الإمارات العربية املتحدة». وال يخفى على املطلع على �ش�ؤون االحتاد حجم ال��دور الذي لعبه الوالد القائد والراحل الكبري ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان وم�ست�شاروه يف ال�ش�ؤون اخلارجية يف اجتماع الدوحة ،يف الو�صول �إىل اتفاق جماعي ح��ول �أك�بر ع��دد ممكن من البنود املدرجة على جدول �أعمال الدورة ،خا�صة بعد �أن اختلفت وجهات النظر ب�شكل ملحوظ حول بع�ض الق�ضايا كمو�ضوع التمثيل ال�شعبي، حيث ر�أت البحرين -لكونها الأك�ثر �سكان ًا بني �إم��ارات اخلليج -الأخذ مببد�أ التمثيل الن�سبي، بينما ر�أت الإمارات الأخرى �ضرورة تطبيق مبد أ� امل�ساواة التامة يف التمثيل ب�صرف النظر عن عدد ال�سكان.
اجتماع �أبوظبي � 25 - 21أكتوبر 1969
يعد اجتماع �أبوظبي من �أهم االجتماعات التي عقدها املجل�س الأعلى حلكام الإمارات يف �إطار م�شاورات االحتاد الت�ساعي ،لأنه كان من املنتظر �أن ينظر يف العديد من الق�ضايا املهمة والأمور اجل�سيمة التي يتقرر بها م�صري االحتاد ب�صورة
جل�سات عديدة ح�رضها ال�شيخ زايد،رحمه الله، وجهود كثرية بذلها برفقة رجاله وم�ست�شاريه من �أجل �إجناح قيام االحتاد
حا�سمة ما ُيح ّمل �إمارة �أبوظبي م�س�ؤولية تاريخية فريدة عليها �أن ت�ؤديها بكل حزم ويحتم عليها كذلك امل�ب��ادرة يف اتخاذ الإج� ��راءات الكفيلة بنجاح هذا االجتماع قبل موعد انعقاده .لذلك ق��ام ال��راح��ل الكبري ال�شيخ زاي��د ،رحمه اهلل، ب�إيفاد �أحمد بن خليفة ال�سويدي للقيام بجولة جديدة يف «الإمارات» واالت�صال بحكامها لدرا�سة �آخر التطورات يف مواقفهم حيال بع�ض الق�ضايا املعلقة ،كق�ضية حتديد العا�صمة والتمثيل يف املجل�س ال��وط�ن��ي ،وحم��اول��ة ر�أب ال�صدع بني �إمارتي قطر والبحرين « جنم الدين حمودي، قيام دولة الإم��ارات العربية املتحدة ،مذكرات ودرا�سات» .ومت عقد االجتماع يف موعده� ،إال �أنه مل يكتب له النجاح ،ون�شطت دبلوما�سية �أبوظبي مرة �أخرى بقيادة الراحل الكبري ال�شيخ زايد، رحمه اهلل ،ورئي�س دي��وان��ه �أحمد بن خليفة ال�سويدي ،وعدنان الباجه جه ،يف ا�ستمالة ر�ضا الوفود التي ان�سحبت من االجتماع ،ويف هذا الإط��ار �أدىل �أحمد خليفة ال�سويدي �إىل جملة «�آخر �ساعة» امل�صرية بت�صريح مفاده �أنه «يحاول هو وجميع امل�س�ؤولني يف الإم��ارة جتنيد جميع اجلهود الآن لتحقيق رغبة احلاكم ال�شيخ زايد يف بذل اجلهود املمكنة لإزال��ة جميع العقبات التي وقفت �أمام ا�ستمرار عقد جمل�س االحتاد ال �� �س��اب��ق« ،»..ح �م��دان ال��درع��ي ،زاي ��د �سرية الأجماد وفخر االحتاد» .
مباحثات االحتاد ال�سباعي
لقد لعبت �إم��ارة �أبوظبي ،ممثلة يف الراحل ال�ك�ب�ير ال���ش�ي��خ زاي� ��د ،رح �م��ه اهلل ،ال ��دور الرئي�س يف مباحثات االحتاد ال�سباعي ،بعد �أن ف�شلت حم��اوالت قيام االحت��اد الت�ساعي وخ ��روج قطر وال�ب�ح��ري��ن ،على ال��رغ��م من اجل �ه��ود امل�ضنية ال�ت��ي لعبتها دبلوما�سية �أبوظبي يف حماولة التوفيق بني الآراء� ،إال �أن القدر مل ي�ش�أ جن��اح االحت��اد الت�ساعي، وحتولت جهود الدبلوما�سية الإماراتية فيما بعد �إىل مباحثات االحتاد ال�سباعي. وقد �أوك��ل الراحل الكبري ال�شيخ زاي��د رحمه اهلل ،العديد من املهام الدبلوما�سية يف هذه املحادثات �إىل رئي�س ديوانه �أحمد بن خليفة
ال�سويدي ،و حممد حربو�ش ال�سويدي ،وظهرت ك��ذل��ك يف ه��ذا ال�صدد ج�ه��ود امل�ست�شارين ال�ع��رب ،ومنهم جنم الدين ح�م��ودي ،وعبد اهلل الطائي ،وع��دن��ان الباجه ج��ي ،وعبا�س زكي ،وغريهم .وقد برزت تلك املحادثات من خالل :قيادة املباحثات التمهيدية التي قامت بني �أبوظبي ودبي ،والتي بد�أت يف �أوا�سط �شهر يونيو من عام 1971م وكانت تهدف �إىل تقريب وجهات النظر بني �أبوظبي ودبي بحيث ي�صبح االتفاق بينهما هو الأ�سا�س الذي ي�ستند عليه قيام االحتاد ال�سباعي ،ومن هنا تنبع �أهمية ه��ذه املباحثات والتي كانت عبارة عن عدة ل�ق��اءات متثلت يف ع��دة ل�ق��اءات بني �أبوظبي ودبي مت فيها مناق�شة عدة ق�ضايا مهمة مثل اختيار العا�صمة و�صالحيات الرئي�س وحكومة االحت��اد وتوزيع ال��وزارات بني الأع�ضاء ،وقد �شارك امل�ست�شارون العرب بخرباتهم الإدارية وال�سيا�سية يف �سل�سلة االج�ت�م��اع��ات تلك، وق��دم��وا تقارير ووج�ه��ات نظر كانت تهدف �إىل م�ساعدة احل��اك��م على تبني ال�ق��رارات ال�ت��ي ت�خ��دم االحت ��اد و�شعبه « جن��م الدين حمودي ،قيام دولة الإمارات العربية املتحدة، مذكرات ودرا�سات» .م�شاركتهم يف اجتماعات اللجان االحتادية املنبثقة من جمل�س التطوير ال��ذي ت�أ�س�س ع��ام 1965م وظ��ل يعمل ب�شكل منتظم ،وقد حاول ال�شيخ زايد �أن يف�صل بني مو�ضوعات االحتاد ال�سباعي التي كانت حمل تفاو�ض ونقا�ش بني الأع�ضاء وما بني خط �سري عمل اللجان ،وذلك حتى ال تتعطل م�شروعات جمل�س التطوير ال�ت��ي ك��ان �شعب الإم ��ارات ب�أ�شد احلاجة �إليها ،وق��د �سجل دبلوما�سيو �أبوظبي ن�شاط ًا ملحوظ ًا يف الكثري من تلك اللجان وخا�صة فيما يتعلق مبو�ضوعات منح اجلن�سية وجواز ال�سفر والتنقل بني االمارات « جنم الدين حمودي ،مرجع �سابق» .دورهم
«إن التجربة االتحادية ليست وليدة وقتها بل هي عصارة قرون» زايد بن سلطان آل نهيان
يف املباحثات التي �سبقت قيام االحت��اد ،فقد ��ش��ارك دبلوما�سيو �أب��وظ�ب��ي ،ال��راح��ل الكبري ال�شيخ زايد رحمه اهلل ،يف املباحثات الأخرية التي �سبقت قيام االحتاد والتي بد�أت منذ �شهر يوليو 1971م وكانت عبارة عن زيارات ولقاءات بني حكام االمارات ،و�إن كان من �أهمها وثيقة االحتاد التي وقعت يف 18يوليو 1971م ،حيث �شهدت الفرتة التي �أعقبت هذه االتفاقية حترك ًا �سيا�سي ًا ن�شط ًا متثل يف �إيفاد الوفود �إىل عدد من العوا�صم العربية والأجنبية بهدف التعريف ب��أه��داف االحت��اد وتطلعاته وتقوية ال�صالت مع باقي ال��دول ،وت�شري الوثائق �إىل الزيارات التي قام بها �أحمد خليفة ال�سويدي ومعاونوه، وال�سيد مهدي التاجر� ،إىل عدد من عوا�صم اخلليج والعامل العربي وذلك ل�شرح القرارات الأخ�ي��رة ال �ت��ي مت ات �خ��اذه��ا م��ن ق�ب��ل حكام الإم��ارات املوقعة على ميثاق االحتاد « حمدان الدرعي ،مرجع �سابق».
�إعالن قيام دولة الإمارات
وه �ك��ذا ج��اء �إع�ل�ان ق �ي��ام دول ��ة الإم� ��ارات العربية املتحدة يف الثاين من دي�سمرب عام 1971م حيث اجتمع حكام الإمارات يف قاعة االجتماعات يف ق�صر ال�ضيافة يف منطقة جمريا يف دبي ،ومت الإعالن ر�سمي ًا عن قيام دولة الإم��ارات ،وق��ر�أ �إع�لان قيامها �أحمد خليفة ال�سويدي. ي�ت�ب�ين م��ن خ�ل�ال ال �ع��ر���ض ال �� �س��اب��ق م��دى امل�ساهمات احل�ضارية القيمة التي بذلها رج��االت �أبوظبي لنجاح االحت��اد وقيام دولة الإم� ��ارات ال�ع��رب�ي��ة امل �ت �ح��دة ،وذل ��ك بدعم ال ن�ظ�ير ل��ه م��ن ق�ب��ل امل�غ�ف��ور ل��ه ب� ��إذن اهلل ال�شيخ زاي��د ب��ن �سلطان �آل نهيان ،فزايد ودبلوما�سيوه ال�ك��رام مل يهد�أ لهم ب��ال ومل يطمئن لهم حال �إال عندما ر�أوا علم الإمارات خفاق ًا يعلن ع��ن م�ي�لاد دول��ة ج��دي��دة ُكتب لها �أن تكون يف الوقت احل��ايل من الدول املتقدمة و�أول جت��رب��ة عربية وح��دوي��ة يكتب لها اال�ستمرار وي�شار لها بالبنان من قبل العامل �أجمع
41عام ًا من التميز
ملف وثائق االتحاد
بيان م�شرتك بني �إماراتي �أبوظبي ودبي
اتفاقية االحتاد ()1
اتفاقية االحتاد ()2
«إن االتحاد يزداد قوة بقوة العرب ..كما أنه يستمد وجوده من وجود األمة العربية وعزيمتها» زايد بن سلطان آل نهيان
اتفاقية االحتاد ()3
41عام ًا من التميز
«لقد تحققت هذه اإلنجازات لتالقي إرادتنا جميع ًا على دعم االتحاد» زايد بن سلطان آل نهيان
اتفاقية االحتاد ()4
اتفاقية احتاد �إمارتي �أبوظبي وعجمان
اتفاقية احتاد �إماراتي �أبوظبي و�أم القيوين
قرار احتادي ب�ش�أن االتفاق مع القانوين ال�سنهوري لو�ضع م�رشوع ميثاق االحتاد
41عام ًا من التميز
«نحن الذين رسمنا خطة االتحاد ..لم يكن ذلك عن خبرة وإنما عن إيمان بأمتنا ،إيمان بالوطن ،إيمان بضرورة الوحدة، ورغبة في تحقيق المصلحة، التي ال تدرك إال باالتحاد» زايد بن سلطان آل نهيان
بيان م�شرتك عن املجل�س الأعلى
قرار احتادي ب�إن�شاء جلنة االت�صال
قرار احتادي ب�شان رئا�سة جل�سات املجل�س الأعلى لالحتاد
قرار بت�شكيل جلنة لدرا�سة توحيد النقد والربيد والعلم وال�شعار و�إ�صدار �صحف
41عام ًا من التميز
«إن تجربتنا الوحدوية في دولة اإلمارات هي البرهان الساطع على أن الوحدة والتآزر هما مصدر كل قوة ورفعة وفخر» زايد بن سلطان آل نهيان
قرار ب�ش�أن مكان اجتماع املجل�س الأعلى لالحتاد
38 الـعــــدد 158 دي�سمرب 2012
الكالم المباح
الكالم المباح
وثائق الخليج الفرنسية حنفي جايل
الوثائق الربيطانية ،وال تزال ،امل�صدر الرئي�س للباحثني وامل�ؤرخني املخت�صني بتاريخ �شبه اجلزيرة العربية ومنطقة اخلليج ،وتكاد هذه الوثائق �أن تكون امل�صدر الوحيد لكتابة ذلك التاريخ ،وهذا راجع لظروف تاريخية معروفة ،ومعروف �أي�ض ًا �أن جميع الكتابات العمدة واملعتمدة يف هذا املجال اعتمدت ،وال تزال تعتمد ب�صفة كاملة على هذه الوثائق ،والتي هي على درجة عالية من الدقة ،واملحفوظة �أ�صولها واملنظمة بحرفية يف الأر�شيف الوطني الربيطاين ،واملحتفظ بن�سخ منها يف �أكرث من �أر�شيف من �أر�شيفات الدول اخلليجية والعربية .وهناك فهار�س كثرية و�ضعت لها بالعربية والفار�سية والأوردية وغريها ،ما �سهل احل�صول على املطلوب منها ،وزاد من االعتماد عليها كم�صادر للبحث .وقد �أدى ذلك الأمر �إىل خروج معظم الكتابات والأبحاث التاريخية عن املنطقة وهي حتمل وجهة نظر الربيطانيني فقط حول الوقائع والأحداث حمل الت�أريخ �أو البحث ،اللهم ما قد يحمله بع�ضها ـ لأغرا�ض الدر�س والنقد والتحليل ـ لوجهة نظر الباحث �أو الكاتب حيالها ،والتي تدور يف فلكها وال تبتعد عنها .ومنذ فرتة طرحت �أفكار عن �ضرورة البحث عن وثائق �أخرى يف بع�ض الأر�شيفات الأخرى ذات العالقة باملنطقة ،وبرز حتديد ًا ا�سم الأر�شيف الوطني الفرن�سي ليكون �أحد امل�صادر التي ميكن �أن يوجه �إليها االهتمام للوقوف على ما ميكن �أن يكون متوافر ًا فيه من وثائق تتعلق بتاريخ املنطقة ،لأن هذا الأمر �سي�ساعد ،يف �إتاحة معلومات جديدة عن املنطقة رمبا �ساعدت على تعديل �أو تفنيد �أو ت�أييد وجهات نظر الباحثني وامل�ؤرخني ال�سابقني حولها .وقبل عدة �سنوات بد�أت الأمانة العامة ملراكز الوثائق والدرا�سات يف دول جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية م�شروع ًا يهدف �إىل التعرف على حمتوى الأر�شيف الوطني الفرن�سي من وثائق تخ�ص املنطقة ،و�أذكر �أن هذا املو�ضوع �أثري لأول مرة يف اجتماع ملراكز الوثائق والبحوث يف دول جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية عقد يف مدينة العني يف دولة الإمارات العربية املتحدة ،وا�ست�ضافه مركز زايد للرتاث والتاريخ �سابق ًا« ،مركز زايد للدرا�سات والبحوث حالي ًا» التابع لنادي تراث الإمارات ،وخالله �أبدى كل من معايل الدكتور فهد بن عبد اهلل ال�سماري، الأمني العام ملراكز الوثائق والدرا�سات يف دول املجل�س ،الأمني العام لدارة امللك عبد العزيز يف ال�سعودية والأ�ستاذ الدكتور ح�سن حممد النابودة، مدير املركز املذكور ،وبقية ر�ؤ�ساء و�أع�ضاء الوفود امل�شاركة يف االجتماع حما�سة �شديدة لهذا الأمر ،كما عقد اجتماع م�صغر مع �شخ�صيات فرن�سية وخمت�صني بتاريخ املنطقة للغر�ض نف�سه على هام�ش ذلك االجتماع الذي حل الدكتور �صابر عرب ،وزير الثقافة امل�صري احلايل� ،ضيف �شرف عليه، ب�صفته رئي�س الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق امل�صرية وقتها. وقبل �أيام ا�ست�ضافت جامعة الإمارات العربية املتحدة اجتماعات الدورة العادية ال�سابعة والع�شرين للأمانة العامة ملراكز الوثائق والبحوث ،على هام�ش ندوة مهمة نظمتها عمادة �ش�ؤون املكتبات يف اجلامعة عن م�ستقبل الكتاب الإلكرتوين يف دول جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية ،وكان يل �شرف امل�شاركة فيها ،و�سرين �أن �أعرف �أن امل�شروع الآن يف مرحلته الثالثة ،و�أنه ينفذ بالتعاون مع الأر�شيف الوطني الفرن�سي ،و�أن ال�سيد با�سكال �إيفني نائب مدير الأر�شيف ل�ش�ؤون الرتاث والعالقات بامل�ؤ�س�سات، هو ممثل اجلانب الفرن�سي يف امل�شروع نائب ًا عن ال�سيد هرييف ليموين مدير الأر�شيف ،و�أن لديهم جمموعة من التقارير القن�صلية والتلغرافات
�شكلت
ال�صحفية عن دول اخلليج العربي يف القرنني ال�سابع والثامن ع�شر مت تبادلها بني وزارة اخلارجية الفرن�سية والقن�صليات الفرن�سية التي �أن�شئت يف املنطقة وميكن للم�ؤرخني االعتماد عليها بالإ�ضافة �إىل امل�صادر املكملة ،ومنها ق�ص�ص امل�سافرين وامل�ستك�شفني والتجار والعلماء ،وخ�صو�ص ًا امل�صادر املحفوظة يف امل�ؤ�س�سات الكربى للرتاث الباري�سي واملحافظات والأكرث ندرة يف �أق�سام الأر�شيفات ،مثل تاريخ عمان الذي يعد �أمنوذج ًا لهذه الوثائق حول تاريخ العالقات بني البلدين منذ القرن الثامن ع�شر ،كما يوجد م�صدر �آخر غري معروف بالقدر الكايف ،وغري م�ستغل �أي�ض ًا ويحوي وثائق حول اخلليج العربي وعالقاته مع فرن�سا وهو �أر�شيف �سفارة فرن�سا يف الق�سطنطينية ،واملحفوظ يف مراكز الأر�شيفات الدبلوما�سية يف «نانت». وقد ت�أكد يل من خالل مقابالت �سريعة مع عدد من �أع�ضاء الوفود العربية امل�شاركة يف االجتماع مع ال�سيد �إيفني �أن �سيطرة الوثائق الربيطانية على حقل الكتابة التاريخية ،يعد تق�صري ًا من النظرة العلمية ،لأن التو�صل �إىل �أي نتائج �سيكون وفق ًا للر�ؤية الأحادية للجانب الربيطاين ،ما يفقدنا التوازن العلمي يف حقل الدرا�سات التاريخية ،و�أن وجود امل�صادر الوثائقية الفرن�سية �سيتيح معرفة �أكرب ويعالج النق�ص العلمي يف �أحيان كثرية ،و�أن التعاون مع اجلانب الفرن�سي �سي�سهم يف معرفة املزيد من تاريخ اخلليج وتطوره .فعلى �سبيل املثال ومن املعلوم �أن هذا التاريخ وذلك التطور ارتبطا يف فرتة مهمة وطويلة مبهنة الغو�ص بحث ًا عن الل�ؤل�ؤ ،وقد ال يعرف بع�ضنا �أن معظم� ،إن مل يكن كل التجار الرئي�سيني يف جتارة الل�ؤل�ؤ امل�ستخرج من مغا�صات اخلليج كانوا يف الهند ،وكانوا من الفرن�سيني ،وبعد ظهور الل�ؤل�ؤ ال�صناعي «امل�ستزرع» بد�أ جتار اخلليج يف الذهاب �إىل فرن�سا للبحث عن �أ�سواق جديدة لبيع الل�ؤل�ؤ ،وهذه املعلومة الأخرية ا�ستقيتها من مندوب دولة الكويت يف االجتماع الذي �أكد وجود بع�ض الر�سائل التي �أر�سلها جتار من الكويت عام 1924م لفرن�سا لهذا الغر�ض .ومن الوثائق الفرن�سية املتعلقة باخلليج ولها �أهمية كبرية مرا�سالت نابليون بونابرت ،و�أغلبها موجود يف م�صر وبالت�أكيد �ستفيد يف �إ�ضافة �أو �إ�ضاءة مالمح جديدة عن تاريخ املنطقة ،خا�صة �إذا علمنا �أن بونابرت �أقام عالقات دبلوما�سية مع م�سقط يف القرن الـ 18و�أبدى رغبته يف فتح طريق �إىل فار�س وفتح قن�صلية يف بو�شهر يف �إيران ،وهو ما حدث بعد ذلك ،وا�ستمرت هذه القن�صلية يف العمل عدة �شهور ،كما �أبدى اهتمام ًا باخلليج املوجود يف طريقه �إىل الهند ،ومل يرتدد يف االت�صال ب�شكل م�ستمر مع الإمام «�سلطان بن �أحمد» وتعيني le Seiur Beauchampقن�صال فرن�سي ًا يف م�سقط ،ما �أدى لردود فعل �إجنليزية غا�ضبة و�ضغوط مور�ست على الإمام مع التهديد ب�إغالق املوانئ الهندية �أمام ال�سفن العمانية ،ومل تهد�أ هذه ال�ضغوط �إال بعد طرد الإمام لطبيب فرن�سي كان ي�ؤمن احلماية للم�صالح الفرن�سية التجارية يف ميناء م�سقط يف حواىل 1800ميالدية. ثمة كلمة �أخرية يف املو�ضوع ،وهي �أن التاريخ له �أكرث من م�صدر، واحلقيقة لها �أكرث من وجه ،و�أن الإن�سان عليه �أن ي�سعى يف حت�صيل املعرفة من �أكرث من م�صدر ،وتقليب الأمر الواحد على �أكرث من وجه، و�أنه كلما ازداد علم ًا اكت�شف مدى حاجته �إىل مزيد من هذا العلم ،ومن هنا قال العلماء� :إن اهلل �سبحانه وتعاىل مل ي�أمر نبيه حممد ًا �صلى اهلل عليه ويلم باال�ستزادة �إال من العلم ،فقال تعاىل« ،وقل رب زدين علم ًا»
ساحة الحوار 40 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
�أكد حاجته �إىل قراءة مبنية على العلم
يحيى بن الوليد:
بقامات غاية في األهمية المعرفية تراثنا حافل ٍ
حاوره� -إدري�س علو�ش قال الناقد املغربي يحيى بن الوليد �إن الرتاث ال يجب �أن يكون حكراً على قراءات �أحادية ،لأن ذلك يفقده طابعه التعددي الذي كان �أ�سا�س ازدهار احل�ضارة العربية يف فرتة �سابقة ،وعلى النحو الذي جعل من زمن بغداد زمناً عاملياً. و�أ���ض��اف يف حوارنا معه� ،أن �أهمية ال�تراث ال تت�ضح دالالت��ه��ا �إال م��ن خ�لال امتداداته �إىل ع�صرنا ،ومن خالل «القراءة» مبعناها الفل�سفي اال�صطالحي ،ومن خالل «التقييم» كا�سرتاتيجية يف القراءة ،م�ؤكد ًا �أن التقييم ال بد �أن يكون م�سبوق ًا بالتحليل والت�شخي�ص �أي�ض ًا حتى ال ن�سقط يف �أحكام ع�شوائية غري ِم�ؤ�سـّ�سة ومبنية على «العلم» ،وحمذر ًا من �أن م�ستقبل الرتاث مهدد ،يف ظل الفكر القائم على التوليف واال�ستن�ساخ واالجتزاء والنقل والعكازات النظرية ،وقال« :ما �أحوجنا �إىل اب��ن ر�شد م��ن ن��وع �آخ���ر ،وم��ا �أح��وج��ن��ا �إىل بالغي وناثر �ساخر يف حجم اجلاحظ ،وما �أحوجنا �إىل ق���راءات للن�ص الديني التي تدعم �أ�صوله ،لكن يف امل��دار ذات��ه ال��ذي ال يفارق اجلمال والأخالق والوجود والذوق»... وفيما يلي ن�ص احلوار: على م�ستوى اال�صطالح ،ما الذي نعنيه بالرتاث النقدي؟ امل�ؤكد �أن �س�ؤا ًال يف هذا احلجم ال يخلو من كبري �أهمية ،غري �أنه ،ويف الوقت ذاته� ،س�ؤال مركـّب و�إ�شكايل ،و�سواء على م�ستوى مفهوم الرتاث يف حد ذاته �أو مفهوم النقد الذي ال يعدو �أن يكون جم��رد «من��ط» �ضمن �أمن��اط معرفية �أخرى م�شكـِّلة للرتاث .ومن ّثم من�ش�أ ما ي�سميه بع�ض دار�سي ال�تراث بـ«الوحدة ال�سياقية الكربى» للرتاث. و�إجما ًال فالرتاث موجود هناك �أو �أن الرتاث تف�صلنا عنه م�سافة تاريخية وثقافية ،غري �أن �أهميته ال تت�ضح دالالت��ه��ا �إال من خالل امتداداته �إىل ع�صرنا هذا .ويف هذا ال�صدد
�إدوارد �سعيد
تتبدى �أه��م��ي��ة ال��ق��راءة مبعناها الفل�سفي اال�صطالحي الذي ت�سهم يف �صياغته تيارات الت�أويل والدرا�سات الهرمينوطيقية .ويف هذا ال�صدد �أي�ضا تت�أكد داللة ما ينعت بـ«الرتاث املعا�صر» �أي الرتاث الذي نتفاعل معه مقدار ما نت�أثر به يف ع�صرنا ه��ذا .وفيما يخ�ص النقد فرتاثنا النقدي والبالغي يحفل بقامات غاية يف الأهمية املعرفية ،ويبقى امل�شكل فقط �-أو �أ�سا�س ًا -يف طبيعة ال��ق��راءة التي ميكن �أن ن�ستند �إليها يف تدبر هذه القامات وا�ستخال�ص �أفكارها وت�صوراتها بخ�صو�ص الأعمال الأدبية وبخ�صو�ص العمل النقدي
ما يحصل في حقل النظرية المعاصرة بإمكانه أن يكشف عن وجه آخر في التراث النقدي ،وخصوص ًا من ناحية النقد الثقافي
طه ح�سني
ذاته ،باعتبارها «ن�شاطا ت�صوريا» �أي�ض ًا كما يقول جابر ع�صفور .فمن اجللي �أن الرتاث ال وجود له مبعزل عن القراءة ،و�أن الرتاث ال ميكن لدالالته �أن تتجدد �إال من خالل جتدد الفكر القرائي وحتوالت الأمناط القرائية.
يف املعرفة العربية والإ��س�لام�ي��ة �سيظل دوم�اً ال�تراث اخللفية الأ�سا�س للمعرفتني م�ع�اً ،م��ن موقعكم ال�ن�ق��دي ،كيف تنظرون لهذه امل�س�ألة؟ �إذا �سمحتم ال ينبغي �أن جنعل من الرتاث ق�ضية ال تعلو عليها ق�ضية �أخرى �أو �أن جنعل من الرتاث الق�ضية ومن الق�ضية الرتاث كما ي�سعى �إىل ذلك البع�ض وخ�صو�صا يف املنظور ال��ذي يجعلنا مبعزل عن الع�صر ب�إ�شكاالته املغايرة وبتياراته اجلديدة وب�إيديولوجياته املتنابذة .غري �أن هذا ال يحول ،وكما قلتم، دون الرتكيز على ال�تراث و�إعطائه �أهمية
ساحة الحوار 42 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
بالغة بالنظر لطبيعة الفكر العربي وبالنظر لطبيعة الثقافة العربية ب�ألغامها املتعلقة بطبيعة الهوية ومبفهوم الأم���ة وم�شكالت اللغة� ...إل��خ .فطبيعة الثقافة العربية ،ومن حيث هي ثقافة مغلوبة وال �سيما جتاه الغرب، ما يجعل الرتاث يرقى �إىل اخللفية الأ�سا�س للمعرفة العربية والإ�سالمية .ومن هنا من�ش�أ «العالقة الدرامية» مع الرتاث كما عبـّر عن ذلك الراحل حممد عابد اجلابري� .أت�صور �أن��ه ال ج��دوى من دع��اوى «الت�سييج الثقايف» واالن�سالخ عن الثقافة العربية الكال�سيكية، مما يحرمنا من االنفتاح على تيارات الفل�سفة املعا�صرة والنظريات املعا�صرة ...وغري ذلك م��ن �أ�شكال املعرفة املعا�صرة التي جتعلنا ن�ستوعب تراثنا �أكرث.
الرتاث النقدي والبالغي
النقد العربي احلديث� ،إىل �أي حد ال يزال يتقاطع جد ًال مع الرتاث البالغي ،والرتاث النقدي عامة؟ �أن��ت تطرح ،هنا��� ،س���ؤا ًال يتعلق بنقد النقد. وهذا الأخري ال يزال ،ومن ناحية الإ�سهامات �أو الأعمال الإ�شكالية� ،ضئيل احل�ضور يف النقد العربي املعا�صر ،و���س��واء من ناحية درا�سة مفهوم نقدي حم��وري �أو من ناحية درا�سة
عبد الفتاح كيليطو
ال وجود للتراث بمعزل عن القراءة ،وال يمكن لدالالته أن تتجدد إال من خالل تجدد الفكر القرائي وتحوالت األنماط القرائية
مو�ضوع �إ�شكايل مت�شابك �أو من ناحية درا�سة جتربة حمددة لناقد �أو بالغي �أو درا�سة تيار نقدي �أو بالغي ب�أكمله ...وكل ذلك يف املدار الذي ال يفارق حماوالت ا�ستخال�ص «الأن�ساق ت�صب يف «الأن�ساق الكربى» ال�صغرى» التي ّ التي جتعل من ال�تراث جملى لها .الأعمال التي ميكن �أن نحيل عليها ،هنا ،معدودة جد ًا.
�سرية علمية يحيى بن الوليد ،ناقد ثقايف وباحث �أكادميي ،و�أ�ستاذ التعليم العايل باجلامعة املغربية ،وهو من مواليد مدينة وجدة ،املغرب العام ،1967 وحا�صل على دبلوم الدرا�سات العليا « »1998والدكتوراه « »2002يف كلية الآداب والعلوم الإن�سانية بالرباط ،و�شارك يف العديد من الندوات وامل�ؤمترات داخل املغرب وخارجه. من �إ�صداراته« :الرتاث والقراءة ــ درا�سة يف اخلطاب النقدي عند جابر ع�صفور» القاهرة ،1999 ،و«اخلطاب النقدي املعا�صر باملغرب» القاهرة، ،2003و«�شعر الر�ؤية» الرباط ،2005 ،و«الكتابة والهويات القاتلة» الرباط، 2007والأردن« ،2008 ،الوعي املحلق ــ �إدوارد �سعيد وحال العرب» طبعتان، القاهرة�« ،2010 ،سلطان الرتاث وفتنة القراءة» الأردن ،2010 ،و«هد�أة العقل النقدي» ليبيا ،2010 ،و«قراءة الرتاث يف اخلطاب النقدي املعا�صر باملغرب» املغرب ،2011 ،و«تدمري الن�سق الكولونيايل» املغرب ،2012 ،و«�صور املثقف» املغرب ،2012 ،وله قيد الن�شر «عمل امل�ؤرخ ــ عبد اهلل العروي والتحليل الثقايف» و«نقاد حممد عابد اجلابري».
وهذا يرتبط بطبيعة ت�صور نقد النقد الذي ال ميكنه �أن يرقى �إىل النقد ذاته �إال من خالل م�ستندات ت�صورية ومقوالت نظرية متما�سكة. يف احلق �إن النقد العربي املعا�صر يبدو غري من�شغل بالت�شابك مع مثل هذه الإ�شكاالت التي تتطلب تكوين ًا تراثي ًا متين ًا ورجوع ًا مبا�شر ًا �إىل ما كتبه الرواد ،ولكن من منظور ع�صرنا هذا كما �أوم�أت قبل قبيل� .أت�صور �أن ما يح�صل يف حقل النظرية املعا�صرة ب�إمكانه �أن يك�شف عن وجه �آخر يف الرتاث النقدي ،وخ�صو�صا من ناحية النقد الثقايف. �أي��ة عالقة جتمع النقد الثقايف بالرتاث النقدي العربي..؟ �أ ّوال ال ينبغي �أن ن�سقط يف طبيعة الت�صور الذي يجعل من النقد الثقايف مو�ضة قد ن�ضطر �إىل تغيريها مبو�ضة �أخ��رى كما يح�صل يف عامل اللبا�س ودنيا املو�ضة نف�سها. �أت�صور �أن النقد الثقايف جدير بالك�شف عن جوانب أ�خ��رى يف تراثنا النقدي البالغي، وال ميكن لذلك �أن يت�ضح �إال من خالل تلك النظرة التي جتعل النقد والبالغة يف «تنا�ص موجب» مع الأمناط الأخرى امل�شكلة للرتاث. فالرتاث النقدي «وحدة �سياقية �صغرى» داخل «وحدة �سياقية كربى» هي �سياق الرتاث عامة. وللحق ف�إن عميد الأدب العربي طه ح�سني كان قد �أ�شار �إىل الفكرة ذاتها منذ ع�شرينيات القرن املن�صرم عندما حت��دث عن احلاجة �إىل الفل�سفة وف��روع��ه��ا لفهم املتنبي و�أب��ي العالء املعري ،بل تطلب الأم��ر علوم الدين والن�صرانية واليهودية ومذاهب الهند لفهم �شعر �أبي العالء املعري؛ و�أ�ضاف �أن «همزية» �أبي نوا�س ال ميكن �أن تفهم دون االطالع على املعتزلة عامة والنظام خا�صة. وهذا ما يدخل يف نطاق ما عرب عنه العميد نف�سه بـ«ثقافة الناقد» .وق��د ع��ادت تلميذة العميد الناقدة �سهري القلماوي لت�ؤكد على الفكرة ذات��ه��ا حت��ت ت�سمية «ال��ع��رف» ال��ذي يفر�ض ذات��ه على دار���س الأدب .ف��الآم��دي، مثال ،مل يكن ،يف موقفه من ال�شاعر العربي الكبري �أبي متام ،ي�ستجيب ملوقف نقدي يخ�صه
على حدة يف القرن الرابع من الهجرة ،و�إمنا كان ي�ستجيب ملوقف نقدي �سبقه و�آخ��ر يليه يف خ��ط ط��وي��ل ي�صل �إىل امل��رزوق��ي �شارح احلما�سة� ،أي �أنه كان «م�ؤ�س�سة» متثل وجهة النظر املحافظة وال�سائدة يف القرن امل�شار �إليه .ويف الوقت نف�سه مل ي�صدم �شعر �أبي متام احل�سا�سية النقدية للآمدي على ح��دة ،بل �صدم البنية الثقافية ال�سائدة ع�صر ذاك؛ ولعل هذا ما يربر طابع الدفاع عن الرتاث يف خطاب حممد عابد اجلابري الآمدي .وكما ال ينبغي �أن نتغافل عن اجلاحظ ك�ي��ف ت�ق�ي�م��ون ال �ت��راث� ،أي � �ص��ورة ه��ذا الذي ال ُتفهم «ر�ؤيته البيانية» من خارج دائرة االعتزال .وال�شيء ذاته يقال عن عبد القاهر الرتاث وح�ضورها يف الثقافة العربية ..؟ اجلرجاين البالغي الفريد الذي متازجت يف �أت��ف��ق معك ح��ول التقييم كا�سرتاتيجية يف خطابه �صورة الأديب النحوي واملتكلم الأ�شعري ال��ق��راءة ،لأن الثقافة العربية تفتقد �إىل والفقيه ال�شافعي .وكما ال يفهم خطاب حازم التقييم ،غ�ير �أن التقييم ال ب��د �أن يكون القرطاجني يف معزل عن �أبحاث الفال�سفة م�سبوق ًا بالتحليل والت�شخي�ص �أي�ض ًا حتى امل�سلمني ،وخا�صة مبحث علم النف�س.ال ميكن ال ن�سقط يف �أحكام ع�شوائية غري ِم�ؤ�سـّ�سة لعالقة النقد بغريه من الأمناط الأخرى �إال �أن ومبنية على «العلم»� .أت�صور �أنه ما �أحوجنا يزداد تقديرها عند دار�سي الرتاث ،ملا لتقدير �إىل ابن ر�شد من نوع �آخر وما �أحوجنا �إىل من هذا النوع من نتائج معرفية مت�س ما ينعته بالغي وناثر �ساخر يف حجم اجل��اح��ظ.... مي�شال فوكو بـ«الإب�ستيمي» »Epistémè« ،الذي وما �أحوجنا �إىل قراءات للن�ص الديني التي تدعم �أ�صوله لكن يف امل���دار ذات��ه ال��ذي ال هو قرين «النظام املعريف» للمرحلة. غري �أن��ه جتب الإ���ش��ارة ،وبعد الت�أكيد ،على يفارق اجلمال والأخالق والوجود والذوق... القامات ال�سابقة� ،أن ما �سبق يندرج يف �إطار فالرتاث ال ميكنه �أن يكون حكر ًا على قراءات ما يعرب عنه ب��ـ«ال��ق��راءة البينية» التي تغاير �أحادية فقط ،لأن ذلك يفقده طابعه التعددي النقد الثقايف الذي يقوم على ما ي�شبه «كرنفاال الذي كان يف �أ�سا�س ازدهار احل�ضارة العربية �أكادميي ًا» ،وهذا مو�ضوع �آخر ال ي�سمح احلوار يف فرتة �سابقة وعلى النحو ال��ذي جعل من بالتف�صيل فيه .ويبقى �أن �أ�ؤك��د �أنه ثمة نقاد زمن بغداد زمن ًا عاملي ًا. مار�سوا النقد الثقايف ،وعلى �صعيد ق��راءة يف ظل تعدد املناهج النقدية� ،إىل �أي حد ال�تراث ،دون وعي منه �أو دون �أن يعلنوا على ذلك مثل جابر ع�صفور وعبد الفتاح كيليطو ...ال يزال الرتاث النقدي العربي يفتح �شهية وهذا يف مقابل من �صدروا عن هذا النقد على الباحثني والدار�سني اجلدد..؟ نحو ما فعل نادر كاظم يف كتابه «متثيل الآخر» يف هذا ال�صدد �أحيل على كتاب �إدوارد �سعيد املتمثلني بال�سود وب�صورتهم يف اخلطاب العربي «العامل الن�ص الناقد» الذي ت�ضمن �إحاالت الكال�سيكي ،وهذا لكي ال تفوتني الإ�شارة �إىل الفتة على ال�تراث العربي ،ه��ذا و�إن كانت ع��ب��داهلل الغذامي يف كتابه «النقد الثقايف» �إحاالته قابلة للنظر ،و�أي�ض ًا �إحاالت تزفتان الذي بدا يل فيه مل يخرج عن «التفكيكية» �أو «التقوي�ضية» التي ا�ستهوته من قبل .ويف هذا عبارة أمين الخولي ال�صدد �أحيل على كتابي «�سلطان ال�تراث الشهيرة حول «قتل وفتنة القراءة» الذي عاجلت فيه جانب ً من ا القديم فهم ًا» ال تزال هذا الإ�شكال.
قابلة للترهين في حياتنا الفكرية المعاصرة
عبد الله الغذامي
ت����ودوروف يف كتابه «نظرية ال��رم��ز» ال��ذي ت�ضمن �إ�شارات �إىل البالغي العربي الكبري عبد القاهر اجلرجاين .فالرتاث ال ميكنه �إال �أن يفتح �شهية الدار�سني والباحثني اجلدد، لكن �شريطة التمكن م��ن الأداة النقدية ومن املناهج اجلديدة يف �أبعادها الفل�سفية والإب�ستيمولوجية� .إن عبارة �أم�ين اخلويل ال�شهرية حول «قتل القدمي فهما» ال تزال قابلة للرتهني يف حياتنا الفكرية املعا�صرة. من موقعكم النقدي كناقد مهتم بالرتاث وق�ضاياه ،وبالنقد الثقايف ،كيف ت�ست�شرفون م�ستقبل الرتاث العربي والإ�سالمي ومدى قوتهما يف خدمة الثقافة واملعرفة العربية والإ�سالمية..؟ الظاهر �أن الرتاث ال م�ستقبل له يف ظل الفكر القائم على التوليف واال�ستن�ساخ واالجتزاء والنقل والعكازات النظرية ...م�ستقبله ال يت�ضح من خ��ارج دائ��رة ال��ق��راءة الت�أ�صيلية املنظورية ولي�س الربانية الأح��ادي��ة .ودومنا تغافل عما �أخذ يتهدد هذا امل�ستقبل بالنظر �إىل «االن��ف��ج��ار ال��ث��ق��ايف» ال���ذي راح يف�سح للهويات الفردية واللهجات املحلية ...وهذا بالإ�ضافة �إىل الآل��ي��ات التفكيكية للع�صر العوملي الذي مل ت�سلم منه ثقافة من الثقافات. لقد ح�صل حتول يف الطرح الثقايف ذاته ،وهو حت ّ��ول �آخ��ذ يف التزايد اجل���ارف ،وال ميكن التغافل عن مثل ه��ذا التحول �أو التحوالت التي ال تخلو من ت�أثري على م�ستوى النظر �إىل الرتاث وقبل ذلك على م�ستوى التعلق به
ث
44 الـعــــدد 158 دي�سمرب 2012
جماليات
صنعاء.. تراث حي ومتحف مفتوح
معجب الزهراين
�سنوات زرت اليمن ،ولأول مرة ،طبع ًا� ،سمعت من قبل ،وقراأت الكثري عن م��دى غنى وتنوع الثقافات العريقة يف ه��ذا اجل��زء ال�سعيد من اجلزيرة العربية .لكن زيارة كهذه مل تطرح علي باإحلاح من قبل .والتوهم ال�سخ�سي هو العلة ،كاملعتاد .كنت اأح�سب اأن من ينتمي اإىل جنوب غربي اململكة العربية ال�سعودية ،ويعرف جيد ًا ع�سري وجنران وجيزان ف�سال عن ديرته «الباحة» ،لن يجد تلك الختالفات التي تثري الده�سة وت�سمن املتعة ل�سخ�ص مثلي .زرت ،من قبل م�سر وتون�ص واملغرب وبالد ال�سام وكل دول اخلليج ،هذا ف�س ًال عن رحالت ت�سريق وتغريب مل تنقطع منذ ثالثة عقود ونيف .وحني �سنحت الفر�سة ،وبف�سل ال�سديق الويف د. عمر عبدالعزيز ،قلت �ساأذهب ولو من اأجل روؤية �سخ�سيتني قريبتني اإىل القلب والعقل :عبدالعزيز املقالح الذي مل األتق به من قبل اإل عرب كتبه التي كر�سته اأ�ستاذ ًا جليلي ،وعبدالكرمي الرازحي الذي كتبت عنه قبل اأن اأراه واأ�ست�سيفه يف اإحدى املنا�سبات الثقافية مبدينة الريا�ص .ولقد ذهلت مما راأيت ،ومنذ اللحظات الأوىل. فعال �سنعاء مدينة ل ت�سبه غريها .مدينة ت�سع جما ًل مل تعبث به حداثة العمران احلديث الذي فتك حتى مبكة واملدينة ،قلب الإ�سالم ومركز ح�سارته. كنت اأغتنم كل فر�سة لأحترر من التزاماتي �سبه الر�سمية لأنطلق يف جولت �سباحية وظهرية وع�سرية وم�سائية يف املدينة القدمية .دخلتها من غري جهة ف �اإذا بها ت�ستقبلني كل مرة بوجه جديد .األقيت بع�ص املحا�سرات وح�سرت جممل الفعاليات التي نظمت مبنا�سبة اختيار �سنعاء عا�سمة للثقافة العربية عام .قابلت ع�سرات الأ�سماء املعروفة ،وقابلت من الوجوه اجلديدة اأ�سعافها .تذوقت اأ�سهى الأطباق احلديثة وال�سعبية يف املطاعم وعند الأ�سدقاء الكرماء .جتولت� ،سريع ًا ،فيما بني كوكبان واملحويت وحراز وتعز واإب وعدن ،التي كانت نافذة جتارية وبوابة ح�سارية للحجاز كله ذات يوم غري بعيد� .سهرت وطاهر ريا�ص لأول مرة فتيقنت اأننا من الف�سيلة ذاتها واإن اختلفت املراتب الجتماعية واملواقع املكانية والن�سغالت املهنية. لكن اأحد ًا اأو �سيئ ًا مل يناف�ص �سنعاء على الفتنة .واأ�ستخدم كلمة الفتنة مفهوم ًا روحي ًا وفكري ًا وجمالي ًا ل ينوب عنه غريه .فهذه مدينة فريدة من نوعها .ومن يراها لأول وهلة �سيخالها قد �سممت و�سنعت يف ال�سماء ثم اأنزلت كما هي عليه ،اآية للنا�ص. لكن الواقع �سريع ًا ما يعيدنا اإىل منطقه .فاخلربة اجلمالية ال�سعبية هي التي تتجلى اأمامنا .واأ�سكال املنازل واألوانها لي�ست �سوى متظهرات لذائقة ح�سارية متتد من الأزياء اإىل الرق�سات و�سو ًل اإىل هذه الأ�سواق التي متتلئ مبنتوجات الطبيعة ال�سخية من حولها .ومما زاد من جمال املدينة اأنها موزعة يف �سكل حارات يخت�ص كل منها بب�ستان مليء باخل�سرة .اإنه تزاوج خ�سيب بني الثقافة الفالحية التي تنه�ص على التعلق بالأر�ص ،والثقافة احل�سرية التي تنه�ص اأ�سا�س ًا على العمل احلريف والتجاري. قلت لأكرث من �سديق اإن هذه املدينة ت�سلح عا�سمة دائمة للفنون ال�سعبية العربية الأ�سيلة ،خا�سة واأن يد اليون�سكو �سملتها باحلماية الدائمة من احلداثة املتوح�سة. بعد عودتي للريا�ص بقيت ثالثة اأ�سابيع اأنام واأ�سحو على �سورها التي ا�ستحوذت علي .كتبت عديد الن�سو�ص من وحيها .وحينما اأر�سلتها ل�سديقي الطيب الو ّيف علي املقري ،ولالطالع فقط� ،سربها اإىل عبدالعزيز املقالح فن�سرها كاملة يف العدد الثاين من جملته الأنيقة الرثية «غيمان» .ويل عودة اإىل التفا�سيل لأن كل �سفر ل يعيدك اإىل �سنعاء ل يعد ك�سف ًا واإن طالت الطريق وتنوعت املحطات
قبل
وجه في المرآة 46 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
غا�ص يف �أعماق الرتاث و�أعاد تقدميه
هناء عبد الفتاح .. رحيل راهب المسرح
القاهرة � -أحمد ال�سيد عيد رحل هناء عبد الفتاح راهب امل�سرح امل�صري يف �شهر �أكتوبر املا�ضي ،بعد معاناة غري ق�صرية مع املر�ض .رحل يف هدوء غري متوقع ،حيث كان يعي�ش حتي �آخر حلظات حياته يف �صخب فني ال يهد�أ، وحني كان يذكر ا�سمه يف جمل�س فال يلبث �أن يو�صف بعدة �ألقاب«:الربوف�سور/ الدكتور /العم /الرفيق».
م�شهد من م�رسحية «ليايل احل�صاد»
كان ،رحمة اهلل عليه ،من �أهم الأ�ساتذة الذين وملا كان هناء �شغوف ًا بالتمثيل ،فقد توج هذا امل�سرح الفقري
عرفهم وطننا ،وكان همزة و�صل بني الثقافة العربية والثقافة البولندية. در���س هناء عبد الفتاح يف معهد اال�ست�شراق البولندي ق�سم الدرا�سات العربية والإ�سالمية، ويف امل�ق��اب��ل ك��ان ينقل لنا �أ� �ش �ك��ال الثقافة البولندية التي تبهر العامل ،وينقل معها من ال�ع�ل��وم الإن�سانية وع �ل��وم امل���س��رح م��ا ينع�ش واقعنا امل�سرحي ،ولعل توثيق حياته و�إجنازاته، خ�صو�ص ًا يف جمال امل�سرح امل�صري ،وامل�سرح العربي املرتبط بالرتاث من الواجبات التي يجب �أن يقوم بها تالميذه وحمبوه ،لي�ستفيد بها كل مهتم بامل�سرح يف وطننا العربي. ول��د حممد هناء عبد الفتاح متويل غ�بن ،يف 13دي�سمرب عام ،1944وعا�ش حياة فنية منذ نعومة �أظافره ،وترعرع يف بيت فني يف عمارة «عمر �أفندي» بال�سيدة زينب بالقاهرة ،وكان والده عبد الفتاح غنب من �أهم موثقي الفرتة الفنية يف ذاك الوقت ،حيث كان يرتبط والده بعالقات مع �أهم فناين هذا الزمن ،من �أمثال �أم كلثوم .ف�لا ن�ستغرب عندما ي�ب��د�أ هناء م�شواره الفني وهو يف الثامنة من عمره فنجده م�شارك ًا كطفل وممثل يف بع�ض �أه��م �أف�لام ظل مهموم ًا بتقديم الأبي�ض والأ�سود ،مثل «الفتوة» و«باب احلديد» الشخصيات واألشكال ومل يتوقف عند ه��ذا ف�شارك يف العديد من الفلكلورية المصرية الأعمال الإذاعية.
ال�شغف بالدرا�سة الأك��ادمي�ي��ة ،حيث التحق ب��أك��ادمي�ي��ة ال�ف�ن��ون –املعهد ال �ع��ايل للفنون امل�سرحية ،وتخرج فيه عام 1966ق�سم متثيل و�إخراج .وكان متفوق ًا يتناف�س دائم ًا مع �أوائل الدفعة ،ومل يكتف بهذا فالتحق باملعهد العايل لل�سينما ليح�صل منه علي البكالوريو�س ثم الدبلوم يف ال�سيناريو والإخراج ال�سينمائي ،ثم �سافر لاللتحاق ب�أكادميية امل�سرح يف وار�سو «عا�صمة بولندا» ،ومن اجلدير بالذكر �أن تلك الأكادميية تعد من أ�ه��م و أ�ع��رق الأكادمييات امل�سرحية يف �أوروب��ا ،لكنه ووج��ه ب�صعوبة �أن تلك الأك��ادمي�ي��ة ال تقبل ال�ط�لاب الأج��ان��ب، فعمل هناك يف املجال الفني واهتم بتقوية اللغة البولندية ،حتى �أن الأكادمييني �سمحوا له بالتقدم لدخول امتحان الإجازة عندما وجدوا به هذه ال�شعلة من احلما�س رغم �أنه ال يحمل اجلن�سية ،ف�أمت امتحان الإجازة وكان من �ضمن �أربعة طالب فقط ممن ُ�سمح لهم بالدرا�سة يف ذاك العام.
والعربية المعبرة عن الهوية المتميزة
مكث د .ه�ن��اء يف ه��ذا البلد يتعلم على يد �أه��م املخرجني م��ن �أم�ث��ال «يوزيـف �شـاينا»، ويبحر يف املدار�س الفنية مثل «امل�سرح الفقري» جلروتوف�سكي ،ويحاول �أن يجد �صيغة جتمع بني هذه الفنون وبني �أ�شكال الفرجة ال�شعبية امل�صرية والعربية ،والتي كانت �شغله ال�شاغل. مكث هناء يف بولندا ما يقرب من �سبعة ع�شر ع��ام� ًا ،تعرف فيها علي رفيقة حياته «دروت��ا متويل» ،وعاد �إىل م�صر وهو يحمل فن ًا جديد ًا، وعلم ًا متميز ًا ،وب�ضعة �آالف من �أمهات كتب الثقافة الأوروبية ،ودرجتي ماج�ستري ،ودرجة دك �ت��وراه .وق��د أ�خ ��رج ه�ن��اء أ�ث �ن��اء وج ��وده يف بولندا العديد م��ن الأع �م��ال امل�سرحية التي ح�صدت �أهم اجلوائز البولندية ،ومنها جائزة اجلمهور البولندي مبدينة «بياوي �ستوك» عن �أف�ضل عر�ض م�سرحي لعام 1985عن �إخراجه مل�سرحية «خ ��ادم �سيـدين» للكاتب الإي�ط��ايل «جولدونـي». ح�صل الفنان الراحل على عدة جوائز م�صرية ودولية بعد عودته �إيل وطنه ،منها جائزة الهيئة الدولية للم�سرح عن دوره املهم يف ن�شر الثـقافة البولندية يف م�صر وال�ع��امل العربي،1994 ، وجائزة ال�صحفيـني عن �أف�ضل عر�ض م�سرحي لعام 1996وهو«م�شاحنات» ت�أليف الكاتبة امل�سرحية الإجنلـيزية «كـاترين هيـ�س» .وجائزة
وجه في المرآة 48 الـعــــدد 158 ديسمبر
ال�شوارع .وهو تعريف يذكرنا بكالم �أنتونني �أرتو يف كتابه «امل�سرح وقرينه» ،وي�ضع �أيدينا على مفهوم هناء عبد الفتاح غري التقليدي للم�سرح.
2012
الفلكلور والفرجة ال�شعبية
م�شهد من م�رسحية «حالق بغداد»
الدولة الت�شجيعية -وزارة الثقافة امل�صرية عن �أف�ضل �إخ��راج مل�سرحية «حفل مانيكان» للكاتب امل�سرحي برونو يا�شين�سكي .عام ،1998وجائزة احتاد الأدب��اء البولندي عن �إجنازاته املهمة يف جم��ال الرتجمة من اللغة البولندية �إيل اللغة العربية عام ،2000وجائزة من وزارة اخلارجية البولندية عن النهو�ض ببولندا دولي ًا عام ،2010 وجائزة الدولة التقديرية يف الفنون – م�صر عام ،2011وجائزة جلوريا من احلكومة البولندية ،الأر���ض ،وم��ن الطريف �أن اجلمهور تفاعل مع وه��ي ج��ائ��زة متنح جلميع التخ�ص�صات ،كما العر�ض ،وامتزج التمثيل بالواقع ،وبذلك خرج ح�صل على جن�سية �شرفية لإجنازاته عام .2012 العمل الفني بعيد ًا عن القولبة حتى يف �شكل املتفرجني الذين هم يف العادة من البورجوازيني حتوالت الفرجة كان هناء عبد الفتاح قبل �أن ي�سافر اىل بولندا الذين ي�شرتون التذاكر. �شديد االهتمام بالتجريب امل�سرحي ،وقد ظهر �شغف هناء بتلك التجربة فبد�أ ي�صوغ �شك ًال ه��ذا االهتمام �أث�ن��اء عمله يف م�سارح الثقافة م�سرحي ًا خا�ص ًا ب��ه� ،سماه «حت��والت الفرجة». اجل �م��اه�يري��ة ،ح�ي��ث ك ��ان ي �ج��وب حم��اف�ظ��ات وي�ع��رف ه�ن��اء عبد ال�ف�ت��اح امل���س��رح ب ��أن��ه« :كل وجن��وع م�صر ،ويقدم �أعماله ب�أقل القليل من الأ��ش�ك��ال التي يجتمع حولها اجلمهور يف �أي الإمكانات املتاحة ،ويذكر فنانو امل�سرح امل�صري م�ك��ان»�� ،س��واء ك��ان عم ًال فني ًا ت�شخي�صي ًا� ،أو جيد ًا جتربته ال�شهرية يف قرية دن�شواي ،حني هتاف ًا جماهريي ًا على وزن و�إيقاع ،حتى لو كان قدم م�سرحية «ملك القطن» للكاتب امل�سرحي هتاف ًا ثوريا �أو ر�سم ًا جرافيتي ًا على احلوائط يف «يو�سف ادري�س» مبمثلني من عامة �أه��ل القرية «حالق – تاجر موا�شي – بائعة الفول ال�سوداين» شغف هناء عبد الفتاح وكان مكان العر�ض غري تقليدي ،فلم يكن هناك بتجربة «تحوالت الفرجة» خ�شبة م�سرح ،وال �صالة جللو�س اجلمهور ،بل قدم عر�ضه يف الأر�ض الزراعية وافرت�ش جمهوره بعيد ًا عن القولبة وأشرك
غاص عبد الفتاح في أعماق التراث وأعاد تقديمه بشكل جديد وكان ميا ًال ألعمال الفريد فرج وسعد اهلل ونوس ومحمود دياب
المتفرجين في العمل ليمزج التمثيل بالواقع
�أخ��رج العالمة هناء عبد الفتاح ثالث ًا و�أربعني م�سرحية يف كل من« :م�صر – رو�سيا – بولندا – الكويت» لأهم امل�ؤلفني يف م�صر والوطن العربي والعامل .وكان مهموم ًا دائم ًا بتقدمي ال�شخ�صيات امل�صرية والعربيه يف �أعماله ،وتقدمي الأ�شكال الفلكلوريه املعربة عن الهوية املتميزة ،ولذا نراه يقدم �شكل «�صندوق الدنيا» يف �إحدى جتاربه التي قدمها مرتني ،الأوىل يف بولندا والثانية يف م�سرح ال�سالم ،وعر�ضت باملمثلني البولنديني .و�أهم ما يف تلك التجربه �أنها تعتمد على تقدمي �أ�شكال الفرجة ال�شعبية ،مثل خيال الظل واحلواديت ال�شعبيه ،ومت �ت��زج فيها ال��زغ��روط��ه البلدي باملو�سيقي العربيه ب�آالتها ال�شرقيه من ناي وعود و«رق» ،من اجلدير بالذكر �أنه �شارك زوجته يف �صنع �أكرث من �سيناريو للعرو�ض امل�سرحية. ومن �أهم الأعمال التي قدمها هناء عبد الفتاح معتمد ًا على فنون الفرجة ال�شعبيية :مغامرات البحار �سندباد� ،سيناريو دوروتا متويل ،و�صندوق الدنيا� ،سيناريو دوروتا متويل وهناء عبد الفتاح. وال�سيناريو –كما �أراده هناء عبد الفتاح -لي�س ن�ص ًا م�سرحي ًا تقليدي ًا ،وال يعتمد علي املفهوم التقليدي للحدث وال�شخ�صيه ،لكنه ر�ؤية فنية، حول مو�ضوع ما ،تقوم على م�شاهد متعددة تبلور هذه الر�ؤية ،با�ستخدام كل و�سائل التعبري املتاحه، مثل :التمثيل ،التعبري احلركي ،املو�سيقى ،الغناء، امل�ؤثرات ال�صوتيه ،الإ�ضاءة� ....إلخ .وهي بعيدة كل البعد عن امل�سرح التقليدي فتجد مث ًال املمثل يجل�س بجانبك باعتباره �أح��د �أف��راد اجلمهور وف�ج��أة يدخل اللعبة امل�سرحية �أو يطلب منك الدخول معه وم�شاركته.
الرتاث مبفهومه الوا�سع
وبوجه ع��ام ميكن القول ب ��أن ال�تراث مبفهومه الوا�سع احتل مكان ًا ب��ارز ًا يف �أعمال هناء عبد الفتاح ،حيث قدم امل�سرحيات التالية التي تعتمد
م�شهد من م�رسحية «م�شاحنات»
علي مو�ضوعات و�شخ�صيات ت��راث�ي��ة :حالق بغداد ،ر�سائل قا�ضي �أ�شبيليه ،بقبق الك�سالن، وكل هذه امل�سرحيات للكاتب الكبري�ألفريد فرج. والبد �أن ن�شري �إىل �أن هناء �شغف بن�صو�ص بعينها وقدم ك ًال منها �أكرث من مرة ،مثل :حالق بغداد التي قدمها مرتني ،الأوىل �سنة ،1965والأخرى �سنة ، 2002ويح�سب له �أنه قدمها يف كل مرة بر�ؤية خمتلفة .ومن امل�سرحيات الرتاثية التي قدمها هناء عبد الفتاح �أي�ض ًا :رق�صة �سالومي الأخرية ملحمد �سلماوي ،وقد �أتيح يل العمل يف ه��ذا العر�ض امل�سرحي ،م�ساعد ًا لهذا الفنان الكبري ،ولفت انتباهي �أنه كان يقول يف هذا العمل �إن الثورة قادمة ،و�إن الظلم نهايته ثوره تطيح باجلميع ،ولكن ال�س�ؤال هنا :ملاذا اختار خمرجنا ن�ص ًا ذا طابع تراثي لي�سقط عليه الواقع؟ لقد ق��دم ن�ص ًا يتناول ف�ترة �ساد فيها الف�ساد والظلم تت�شابه مع الفرتة الآنية ،ف�ألب�س ر�ؤيته �شك ًال تراثي ًا ليبعدها عن �أعني املراقبني ،كما ا�ستغل الفراغ امل�سرحي فحرك جماميع الثوار من خلف اجلمهور وجعلهم يدخلون من ممرات ال�صالة ،ومي�شون يف �صفوف امل�شاهدين مرة، ومن ال�شرفات «اللوجات» مرة �أخرى ،وجعل رقبة املتفرج تتحرك ميين ًا وي�سار ًا لي�شارك باهتمام يف تتبع احلدث ،وي�شعر كل متفرج �أنه من الثوار. �إن خمرجنا يغو�ص يف �أع�م��اق ال�ت�راث ليعيد تقدميه ب�شكل جديد ،فيميل ت��ارة �إىل �أعمال
ظل البحث عن أشكال جديدة تتحقق بالتجريب في المسرح الشغل الشاغل لهناء عبد الفتاح في كل أعماله المسرحية وكتاباته النقدية وترجماته الفريد ف��رج و�أخ��رى ل�سعد اهلل ونو�س ،وثالثة ملحمود دياب .ومل يتوقف �إنتاج هذا الفنان عند الإخ��راج ،فقد اهتم بالرتجمه عن البولنديه، فرناه يرتجم امل�سرحيات والق�صائد ال�شعرية والق�ص�ص الق�صرية ،كما ن��رى ب�ين �أعماله ترجمات لل�شاعرة البولنديه احلا�صلة على جائزة نوبل «في�سوافا �شيمبور�سكا». ترجم هناء عبد الفتاح �أي�ض ًا جمموعة من �أهم كتب الدرا�سات امل�سرحية والنقديه منها :م�سرح كانتور ليان كوو�سوفيت ،امل�سرح الفـقري -درو�س من م�سـرح جروتوف�سكي ،وييجي جروتوف�سكي،
كان شغله الشاغل أن يبحر في المدارس الفنية ليجد صيغة تجمع بين الفنون وبين أشكال الفرجة الشعبية المصرية والعربية
جمـاليات فنون الإخ ��راج لزيجمونت هيبنري. وم�سرح جاردينت�سي – م�سرح ما بعد احلداثة - ف�ضاءات�شاينـاامل�سرحية.زبيجنييفتارانيينكو، امل�سرح التجريـبي بني النظرية والتطبيـق لباربارا ال�سوت�سكاب�شونياك. كما كتب هناء عبد الفتاح العديد من الدرا�سات وامل� �ق ��االت يف امل �ج�لات امل���ص��ري��ه وال�ع��رب�ي��ه، بالإ�ضافة مل�شاركته يف ع�شرات الندوات الدولية يف «بنجالدي�ش ،امل�غ��رب ،بولندا ،الإم���ارات، الأردن وم�صر» ،وكان ال�شغل ال�شاغل لأ�ستاذنا اجلليل يف ك��ل �أع�م��ال��ه امل�سرحية ،وكتاباته النقدية ،وترجماته ،ه��و البحث ع��ن �أ�شكال ج��دي��ده تتحقق بالتجريب�� .ش��ارك هناء عبد الفتاح �أي�ض ًا يف ور�شتني م�سرحيتني يف مركز الهناجر للفنون الأوىل عام 1994باال�شرتاك مع �أ�ستاذه يوزيـف �شـاينا ،وتوجت ب�إخراج م�سرحية لفريق العمل امل�سرحي حتت عنوان «بقـايا ذاكرة» والثانية مع يـانو�ش �سـو�سـنوف�سكي �سنة 1995 حول ال�سـينوغرافيا ،وقد واكبت هذه الور�شة �إخراجه مل�سرحية «حفل مانـيكان». رحمة اهلل على العزيز الغائب احلا�ضر ،طيب الذكر ،ال��ذي قدم عمره كله للم�سرح امل�صري والعربي ،وت��رك لنا علم ًا ينتفع ب��ه ،وك��ان اهلل يف عون رفيقته دوروت��ا وبناته كاميال ويا�سمينا واتي ،وعوين ،فقد عرفته ان�سان ًا وعما و�أ�ستاذ ًا وخمرج ًا .رحمه اهلل
50
سراديب
الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
أن ترحـــــل .. للموت
حممد النمر nemr200876@gmail.com
وجهان ،وجه يطل علينا يف كوابي�س من �أحالم اليقظة والنومُ ،يدخل يف قلوبنا الرعب واخلوف من جمهول قادم جاء ليفرق الأحبة ،ووجه �آخر ي�ؤكد �أن احلياة لي�ست ج�سد ًا ُيفنى ،و�إمنا روح متتد حتى بعد رحيل اجل�سد. �أع��ود بحنني �إىل املا�ضي ..حني ك��ان ي�شدو يف منزلنا وديع ال�صايف ب�أغنيته «دار يا دار» ف�أ�سمع دندنتها مع الأغنية ،تتنهد وحتكي عن طفولتها يف منطقة «بوالق �أبو العال» ،تلك املنطقة التي تت�صل بحي الزمالك يف قاهرة املعز ب�شريان حديدي، �أ�سموه كوبري �أب��و العال� ،أ�ستمع حلكاياها ويظل �صوت وديع ال�صايف �صوت اجلبل كما يطلقون عليه ميلأ �أذين. تنتقل بحكاياتها من حي بوالق �إىل طفولتها الطازجة حتى بعد �أن كربنا ،تنتقل �إىل �آل البيت ،فتهيم ع�شق ًا يف �آل بيت الر�سول �صلوات اهلل و�سالمه عليهم ،خا�ص ًة ال�سيدة نفي�سة ب�ضريحها، الذي حتيطه منطقة مت�سعة ت�سمح ب�صنع هواء برائحة عطرة. تده�شني ..تلك امل��ر�أة التي مل تتعلم القراءة والكتابة ،بينما متيل روحها مع التوا�شيح الدينية ،وتطرب لكل حلن جميل، �أت�أملها يف تفا�صيلها ،حنوها علينا ،فهل كنا �أبناءها فقط �أم �أن العالقة جتاوزت تلك الفكرة �إىل ال�صداقة والرفقة؟ حني تقرتب من كل منا ت�ستمع �إليه ،وميدها ذهنها احلا�ضر بالأمثال ال�شعبية واحلكم امل�ستوحاة من جتارب ال�سلف ال�صالح ،و�أحيان ًا قد يحتاج الأمر لرواية ق�صة من ق�ص�ص الأنبياء� ،أو التابعني، �أو حتى من الرتاث ال�شعبي. ل�سبب م��ا �أجهله ،ولكني �أ�شعر ب��ه ،ج��اءت �شقيقتي الكربى م�شابهة لها يف حنوها علينا ،كنا بينهما ،ك�أننا نعي�ش بني �أختني �أو وال��دت�ين ،وكنت دائ��م الت�سا�ؤل هل هو ق��در �أن ت��رث االبنة الكربى حنان الأم وم�س�ؤوليتها؟ و�إن كنت مل �أت�أكد من هذه الرتكة �إال بعد ذلك بعدة �أعوام.
و يبقـــى تراثهـــــا احل�ك��اي��ات ،التناوب يف �إل�ق��اء الأم�ث��ال ال�شعبية واحلكايات الرتاثية. حني بدا �صوت نهلة عميق ًا قادم ًا من منطقة بعيدة جد ًا �شعرت فيها بنربة �أم��ي .وقتها فقط �أدرك��ت �أن �أمي قد رحلت ،فهل رحلت ف�ع� ً لا؟ .كيف ميكن ل�تراث �أن ميد احلياة يف �أج�ساد رحلت؟ .يف �شخو�ص نفتقدهم لأ�سباب خمتلفة للبعد ،ت�صبح احلكايات والأقوال املنقولة عنهم امتداد ًا للحياة. ج�سدت نهلة �شخ�ص �أمي منذ حلظة وفاتها ،و�أول ما ورثت منها «حقيبة عالجها» ،ثم توالت �أح��داث احلياة لتثبت كل حلظة �أن �أم��ي مل ت��رح��ل ،ومل تندثر ع��ادات�ه��ا وتقاليدها، فمازالت نهلة متار�س كل الطقو�س التي زرعتها �أمي يف نفو�سنا، ومازلنا متم�سكني برتاثها وتفا�صيلها املتمثلة يف جتميع كل �أف��راد الأ�سرة على مائدة �إفطار يوم اجلمعة من كل �أ�سبوع، واال�ستعداد لوالئم املنا�سبات الدينية على الطريقة امل�صرية. متكنت �أمي بحكاياتها و�أمثالها ال�شعبية ،واالبتهاالت الدينية التي كانت ت�ستمع �إليها قبل �صالة الفجر ،وزي��ارة �آل البيت م��رة كل �شهر على الأق��ل� ،أن ت�ترك لنا تراثها متج�سد ًا يف �شخ�ص ابنتها الكربى ،فلم �أعد �أرى املوت يفرقنا ،على الرغم من �أننا يف الغربة ميتون� ،إال من �صوت يت�سرب عرب الهاتف، �أو ب�صمة قلم يف ر�سالة� ،إمنا هو الرتاث الذي يحيي الذكرى، ويدمي احلياة .مل يتوقف تراثها عند حكاياتها و�أمثالها ،بل ان�سحب ليمتد يف �أرواحنا ،بينما تذكرنا نهلة يوم ًا بعد يوم بطيبة �أمي التي متار�سها من دون �أن ت�شعر ،فطفالها يعبثان بها كما كنا نعبث ب�أمي ،وميار�سان عليها نف�س التفا�صيل التي كنا منار�سها قبل ع�شرين عام ًا م�ضت.
�أدركت بفعل تقدم العمر �أن الثقافة والوعي لي�ستا بال�ضرورة �صنيعة التعلم باملعنى املدر�سي ،فقد كانت نظرتي قا�صرة، �إذ متكنت �أمي ب�أميتها للقراءة والكتابة �أن تغر�س فينا قيم ًا متعددة� ،ساهمت يف تكوين �شخ�صيات متنوعة لكل منها متيزها. �أمي تذكرين بالأر�ض التي تلتقط كل �أنواع البذور وحتت�ضنها، لتخرج ثمار ًا خمتلفة �أ�شكالها .فاج�أنا مر�ض ال�سكر و�سكن دمها ،ورغ��م ق�سوة ال�صدمة علينا ،كانت تتعامل معه بروح فكهة ،فرتاه نتيجة طبيعية المر�أة «دمها �شربات» ،كنا ن�ضحك وال ن��درك خطورة الأم��ر ،فقد حر�صت �أم��ي �أن حتافظ عليه بداخلها فقط .هل كانت و�صيتها ب�أن تقام �صالة جنازتها يف رحاب �آل البيت وحتديد ًا مب�سجد ال�سيدة نفي�سة ،هو ملحبتها لرتاث ع�شقته و�أورثتنا �إياه؟. هي �أمي ..امر�أة م�صرية ب�سيطة عا�شت خم�سة عقود ال حتلم �إال ب�أب�سط الأ�شياء ،ثم تركت لنا �شقيقتنا «نهلة» التي تكربين ب�سنوات �أربع ،لتحمل ر�سالتها وك�أمنا هي امتداد لروحها يف كل �أمور احلياه ،تَعلمت من �أمي فنون عدة ،ت�أتي يف مقدمتها الروح الطيبة و�صدق م�شاعر الأمومة ،لي�س لطفليها فح�سب، بل حتى لنا نحن �أ�شقا�ؤها. غافلتنا �أمي ورحلت يف حلظة مل ندرك فيها �أن املوت قريب هكذا ،تقدم امل��وت بخطى واثقة بينما قدرتنا على ت�صديق اقرتابه منعدمة ،فيما ا�ستحوذت نهلة على جينات احلنان والأمومة ،تتبادل مع �أمي �أدوار الأمومة جتاهنا ،ننعم نحن ال�صبية بقلبني ،تغازلنا رقتهما. عمدت نهلة �أن ت�ستبقي كل تفا�صيل �أمي� ،إفطارها الأ�سبوعي فى بيت العائلة ،ماء الورد والبخور الذي تفوح رائحتهما يف كل �أرجاء البيت� .س�ؤالها الدائم عنا ،رحابة �صدرها يف �سماع رحمك اهلل يا �أمي ..و�أطال عمرك يا �أبي
ارتياد اآلفاق 52 الـعــــدد 158 دي�سمرب 2012
ين�شر هذا الباب بالتعاون مع املركز العربي للأدب اجلغرايف «ارتياد الآفاق» �أبوظبي -لندن ،الذي يرعاهال�شاعر والباحث الإماراتي حممد �أحمد ال�سويدي .
لندن 1925
من �أوائل امل�سلمات امل�سافرات �إىل �أوروبا
عنبرة سالم الخالدي
انطباعات شرقية في إنجلترا 1927م عنربة �سالم اخلالدي « »1897-1986واحدة من ال�شخ�صيات التي لعبت دوراً بارزاً يف احلركة الن�سائية العربية .وهي �إ�ضافة �إىل ذلك، من �أوائل ال�شابات العربيات اللواتي زرن بالداً �أجنبية ،وتعد مذكراتها التي �سجلت فيها انطباعاتها عما �شاهدته خالل �إقامتها يف بريطانيا خالل الفرتة من 1925م وحتى 1927م واحدة من �أقدم ما �سجلته �أنامل الن�ساء عربيات يف هذا ال�صدد.
يف مثل هذا ال�شهر «�أغ�سط�س» من عام 1925
غادرت اخلالدي لبنان قا�صدة �إجنلرتا حيث يعي�ش والدها ،وهي يف مذكراتها التي نقتطف تعب برباعة �شديدة عن رحلة �أج��زاء منها ،رّ التحوالت التي اعرتتها منذ �أن و�صلت ميناء «الإ�سكندرية» حيث ق�ضت يومني ب�صحبة �أ�سرة من �أ�صدقاء العائلة ،توجهت بعدها �إىل مر�سيليا لتلتقط بعني فاح�صة �أحوال «الن�ساء» هناك ،ومنها عربت بحر املان�ش و�صو ًال �إىل «دوفر» ومنها �إىل «لندن» لت�ستقر عامني من املراقبة والتعلم.
من بريوت �إىل دوفر
تركت بريوت ،وكنت �شديدة ال�شوق للذهاب �إىل �إجن�ل�ترا وتعلم الإجنليزية ،كما كنت �شديدة ال�شوق �إىل وال��دي ال��ذي بقي مثلي الأع �ل��ى ل�ل��رج��ال طيلة ح�ي��ات��ي ،ول�ع��ل ذلك يف�سر املثل القائل «ك� ُّل فتاة ب�أبيها معجبة» ولكنني كنت �أ�شعر �أن بيني وب�ين �أب��ي �صلة تفاهم وتعاطف تفوق املحبة والإعجاب ،بل هي �أ�شبه بعالقة الفتاة ب�أمها� ،إذ كثري ًا ما كنت �أ�شكو �إليه متاعبي و�أُ�س ُّر �إليه ما مي ُّر بي من حوادث ،وعلى الأخ�ص م�سائل التحرر وال�سفور واحلجاب ،التي كانت �أمي على �شيء من التعنت جتاهها .وملا علم ب�أنني �أ�صبت مبر�ض طرحني يف الفرا�ش �أكرث من �شهرين، ا�ستدعاين �إليه ف�أ�سرعت مع «�صائب �سالم» ومعنا «ر�شا» وهي يف الثالثة من عمرها ،وكان �سفري �إىل �إجنلرتا يف ذلك احلني من �أوائل ال�سفرات التي قامت بها ن�ساء م�سلمات يف بريوت �إىل �أوروبا.
يف الباخرة �إىل الإ�سكندرية
تركنا ب�يروت يف �أواخ��ر �آب «�أغ�سط�س» �سنة 1925وق��د �صعدت �إىل ال�ب��اخ��رة بحجابي الكامل ،ولكن ما �أن بد�أت الباخرة �سريها حتى رفعت النقاب عن وجهي وبقيت �أرتدي املالءة �إىل �أن و�صلنا الإ�سكندرية .وهناك قابلنا �أ�صدقا�ؤنا من �آل الهنديلي و�أ�صروا على بقائنا معهم م��دة وق��وف الباخرة يف الإ�سكندرية
عنربة اخلالدي
ليومني كاملني ،ف�سعدت جد ًا بلقائهم بعد ما �شعرت به من وح�شة يف تركي لبريوت. يف الإ�سكندرية خلعت امل�لاءة جملة وبقيت � ُّ ألف ر�أ�سي ب�شيء من بقايا احلجاب وك�أنني �أ�سري نحو ال�سفور خطوة خطوة �إىل �أن و�صلنا مر�سيليا فا�ستبدلت بقايا حجابي بقبعة، �سري ًا وراء الزي املعروف يف �أوروبا يومذاك، وقد �شعرت يف �أثناء اخلم�سة �أيام على ظهر ال�ب��اخ��رة ب�شيء م��ن ال�ت�ح��رر يلجمه ته ُّيب ويدفعه ا�ستق�صاء لكل ما حويل ،ف�أنا لأول مرة �أحتدث �إىل رجال غرباء �سافرة الوجه ،ولأول مرة �أجال�سهم على مائدة واح��دة ،وال �أزال �أذكر ما لقيته من ارتياح يف م�صاحبة رفيق
الرحلة املرحوم توفيق مفرج وقد كان دائم النكتة كثري احلديث عن نف�سه وعن م�شاريعه، كما كان هناك الكثريون من �أ�صحاب والدي مثل ح�سني بك الأحدب وحرمه ،التي �شملتني برعايتها و�أبعدت عني وح�شة الغربة كل مدة ال�سفر ،كما �أعجبت برقتها ودماثتها وثقافتها الوا�سعة ،ونخلة بك التويني وال�سيد �سيويف وغ�يره��م ،الذين �أظ �ه��روا لنا ونحن �شابان �صغريان ،بنظرهم ،الكثري من املودة والرعاية مما جعل ال�سفرة لذيذة وم�شرقة ،وال تزال انطباعاتها يف ذاكرتي جل ّية وا�ضحةَّ ، ولعل ذلك يعود �إىل تعريف على الدنيا دون �أن يكون ذلك من خالل احلجاب.
الفتاة اإلنجليزية رشيقة دون ارتخاء منتصبة دون توتر تحمل جسمها خفيف ًا وال تجره جرَّ العياء
الو�صول �إىل مر�سيليا
و�صلنا مر�سيليا يف �صباح يوم باكر من �أواخر �آب «�أغ�سط�س» �سنة 1925وق�صدنا �أح��د
ارتياد اآلفاق 54 الـعــــدد 158 دي�سمرب 2012
منارة بريوت -اللقطة عام 1928
املطاعم لتناول الإف �ط��ار ،ثم �أح��د املتاحف انتظار ًا ملوعد القطار الذاهب �إىل كاليه .و�أول ما ا�سرتعى نظري يف فرن�سا هو ر�ؤي��ة ر َّبات البيوت الإفرن�سيات يذهنب �إىل م�شرتياتهن يف ال�صباح الباكر وهن يحملن �ساللهن ويحملن �شعورهن امللفوفة بالورق وال تزال كما �أعددنها لي ًال ،وعجبت مل�شيتهن ولي�س فيها �شيء من الأناقة التي ا�شتهرت عن الإفرن�سيات .وهكذا �أخذنا القطار يقطع فرن�سا من جنوبها �إىل �شمالها ،وقد �أخذت بجمال البالد التي مررنا بها ،وفيها امل��دن والأري ��اف ،وفيها اخل�ضرة والأنهار ،وفيها الق�صور التي تبدو من بعيد كالقالع ،والقرى الأنيقة التن�سيقَّ ، اجلذابة املظهر .ولطاملا حلمت بزيارة فرن�سا ور�ؤي��ة الأماكن التي كنا نقر�أ عنها ،و�شاءت الأقدار �أن �أم َّر بالبلد مرور الكرام و�أن �أحرم �إىل الآن من حتقيق رغبتي ال�شديدة يف ذلك �إذ كانت الظروف دائم ًا حتول دونها.
بريطانيا العظمى
حملتنا الباخرة ال�صغرية تعرب املان�ش يف بحر هائج دائم الهيجان� ،إىل �أن و�صلنا بعد �ساعة �إىل دوفر وقد ُع َّد ذلك رقم ًا قيا�سي ًا تقريب ًا، وبد�أت معامل النظام الإنكليزي تظهر جلية،
لم أعجب بشيء في إنجلترا عجبي بالحرية الشخصية التي تحس أنك تتنفسها مع الهواء وت�ستدعي منا �شديد الإعجاب .فقد �أخذت بهذه ال�سرعة ،وهذا الت�سهيل باملعامالت وك�أنه نظام ترابط مت�سل�سل قائم على خدمتك، ومل جند �أنف�سنا �إال وقد انتقلنا �إىل القطار ال��ذاه��ب �إىل لندن .و�أمتمنا ك� َّل ما يخت�ص باجلمرك وجوازات ال�سفر ،من غري �أن ن�شعر بثقلها على النف�س مما يجابه كل من يدخل �إىل بلد غريب عادة. وقفت بنافذة القطار قبل و�صوله بن�صف �ساعة �أو �أك�ثر ترقب ًا ل��ر�ؤي��ة ال��وال��د احلبيب الذي مل �أره منذ �سنوات ثالث .وال �أدري �أي
بلغ عدد الذين نقلتهم عربات «األمنيبوس» فقط يوم عيد الفصح الماضي بين لندن وضواحيها 4ماليين نسمة
�شعور كان يحملني و�أية عواطف كانت جتي�ش يف �صدري لتملأ قلبي .ولكن بقية من طبيعتي الهادئة ت�سلحت بها وقدرت معها على اجتياز هذا املوقف العاطفي. ومب��ا �أن زيارتي لإجنلرتا كانت يف �أي��ام ِعزِّ بريطانيا العظمى �أي �سنة 1925ف�إنني �أخذت بهذه العظمة التي كانت تتبدى يف كل نواحي احلياة .فمنذ وط ��أت قدماي الأر���ض الإجنليزية �أعجبت بهذا النظام الدقيق الذي كان ي�سود �أعمال النا�س فيها ،فر�أيت �أن الدنيا قد تب َّدلت ،و�أح��وال الب�شر تغيرَّ ت ،وده�شت بهذه احلركة �شبه الآلية التي نقلتنا من دوائر الأمن العام واجلمارك واجلوازات بدقة ولني دون �أن نتعثرَّ بعائق �أو ت�صادفنا خ�شونة يف املعاملة .بل مل جند �أنف�سنا �إال وقد بلغنا هدفنا وودع�ن��ا بكلمات ال�شكر قبل �أن نقوم نحن بتوجيهها ،كما ده�شت لهذا البولي�س املنت�صب يف كل مكان يحافظ على الأمن والنظام ،حتى ك�أنه ينبثق من الأر���ض يف الأماكن اخلالية، ويحافظ على راح��ة �سكان بلده كمحافظته على راح��ة ز َّواره��ا ،ويقدم خدماته لكل من يح�س ب���أن ب��ه ح��اج��ة �إل�ي�ه��ا .وال�ن�ظ��ام عند الإن�ك�ل�ي��ز ق��ان��ون غ�ير مكتوب ي�ق��وم��ون على اتباعه ب�إخال�ص لكي يقوم هو على خدمتهم
بل على خدمة كل �شخ�ص ت�ضمه هذه البقعة من الأر�ض ،فال جتد نف�سك �إال و�أنت تتبع ما يفر�ضه عليك �أ�سلوب احلياة وك�أنك �أ�صبحت ج��زء ًا منها .و�أعتقد �أن دقة النظام هذه قد اعتورها م�ؤخر ًا �شيء كثري من عدم املباالة، ف�أ�صبحت تختلف اختالف ًا كبري ًا عما عرفته منها يف فرتة ما بني احلربني العظميني .وهم ميتثلون لقرارات الدولة امتثا ًال ظهر ب�أجلى مظاهره حينما �أعلن الإ��ض��راب العام �سنة 1926و�ش َّل احلركة يف جميع �أنحاء البالد، وتعطلت املوا�صالت على �أنواعها ،فوقفت الأمة ب�أجمعها ت�ساند احلكومة ،وت�صغي �إىل كل توجيه ي�صدر عنها .وتطوع �شبان اجلامعات خلدمة البولي�س وقيادة القطارات وال�سيارات، وا�ستلمت الفتيات وال�سيدات النبيالت �إدارة توزيع الإعا�شة ،وامتنع النا�س عن ا�ستعمال الهاتف وغ�يره من املوا�صالت �إال لل�ضرورة الق�صوى ا�ستجابة لطلب احلكومة .فكان كل فرد من الأمة خادم ًا وخمدوم ًا و�آمر ًا وم�أمور ًا.
ال�صحافة احلرة
ومن الأم��ور التي �أعجبت بها هذه ال�صحافة احل��رة التي ر�أي�ت�ه��ا ُمهابة اجل��ان��ب عزيزة الكلمة قوية ال�سلطان ،وقد �ساعدين احلظ �أن زرت منها ج��ري��دة «ال��داي�ل��ي اك�سرب�س» وتنقلت بني �أق�سامها ف�شعرت وك�أنني �أزور دولة م�ستقلة ذات قانون و�سيادة ،وهي كغريها من ال�صحف الإجنليزية التي تطبع الواحدة منها عدة طبعات يف اليوم يقر�أها الإنكليزي فيجد كل �شخ�ص منهم ما يهمه من خمتلف املوا�ضيع ال�سيا�سية واالجتماعية والريا�ضية، وتكون و�سيلته يف �إي�صال ر�أي��ه �إىل احلكومة وذوي ال�سلطة.كما �أعجبت لتمتعهم باحلرية ال�شخ�صية يف القول والعمل مع �ضابط قوي من �سلطة القانون ال يفلت منه �شاذ مهما بلغ من علو املقام.
الرتفيه عن النف�س
و�أعجبت ملا يكر�سونه من �أوق��ات للم�سرات والرتفيه عن النف�س ،و�أوق��ات لتثقيف العقل
ميناء مر�سيليا - 1925اللوحة للفنان او�سكار كوكو�شكا
والذوق ف�أمامهم التمثيليات الرائعة ،واملعار�ض الفنية ،واملتاحف املتنوعة .ولكل منهم عطلته ال�سنوية ونزهته الأ�سبوعية .و�أع�ج�ب��ت ملا يهيئونه للأطفال من مباهج يتفننون بها على خمتلف الأ�شكال ولرعايتهم للمحتاجني منهم، كما عجبت مل�سارعتهم بالتربع ملختلف �أنواع الإح�سان .هذا �شيء مما �أثار �إعجابي حينما وبد�أت �أتعرف على احلياة يف �إجنلرتا وبد�أت عيناي تتفتحان على كل �شيء ،وفيهما �سذاجة اال�ستطالع تارة ،والده�شة تارة �أخرى ،و�أكرث ما لفت نظري هو ه��ذه احلرية التي تتمتع بها الفتاة الإجنليزية ،والتي حرمت �أنا من �أي �شكل من �أ�شكالها .و�شعرت ب�شيء من االنطالق احلر ،الذي طاملا �صبوت �إليه حينما بد�أت �أذهب لأخذ درو�سي الإجنليزية يف لندن وكانت �إقامتنا يف ريت�شموند وبينهما نحو �ساعة يف القطار ال�سريع وامل�ترو ،فكنت �أول الأمر �أ�س�أل نف�سي �أ�صحيح �أنه �أ�صبح با�ستطاعتي �أن �أرك�ض �إىل املحطة لأحلق بالقطار لوحدي ،ثم �أتنقل يف منت�صف الطريق �إىل املرتو ،ثم �أعدو �إىل ال�شارع الذي �ألقى فيه �أ�ستاذتي ،ثم �أعود �أدراج��ي من حيث �أتيت كما تفعل الأل��وف واملاليني من الفتيات الإنكليزيات؟ و�أت�أمل ملا �أراه من متتع الفتاة الإجنليزية بنعم
احلياة و�أ�شكو يف نف�سي هذا الإجحاف من علي ه��ذه الأي��ام التي الدنيا التي حت�سب َّ �أحياها من العمر حياة!! و�أقبلت على تعلم الإجنليزية برغبة و�شغف، وال �شك يف �أن �أية لغة �أجنبية ي�سهل تعلمها كثري ًا �إذا تعلمها الطالب يف بلدها .و�أذكر ه�ن��ا ك�م�ث��ال ع�ل��ى ال�ت�ه��ذي��ب الإن�ك�ل�ي��زي يف تلك الأي��ام� ،إن �أول كلمة كانت ترتدد علي م�سمعي �أينما ��س��رت ه��ي كلمة «»lovely و��س��أل��ت ع��ن معناها فف�سر يل ،و�أك�ب�رت ر�ؤيتهم للجمال فيما ي�شاهدون ،و�إهمالهم ملا يرونه من مظاهر القبح ،كما �أكربت هذا التهذيب الذي يدفعهم �إىل املبادرة ال�سريعة لالعتذار عن �أقل هفوة تظهر منهم وقد ال يلحظها املعتذر �إليه.
مفا�ضلة بني منوذجني
وبعد �أن �أقمت يف �إجنلرتا �سنتني وخالطت النا�س يف الكثري من طرق معا�شهم ،لأنني �أقمت ،كما قلت �سابق ًا ،مع والدي و�إخوتي يف ريت�شموند ،وهي �ضاحية من �ضواحي لندن م�شهورة بجمال موقعها ،وكان بيتنا يف �أجمل نقاطها ن�شرف منه على النهر ،وبالقرب منه ب��ارك�ه��ا العظيم ال��ذي تبلغ م�ساحته
ارتياد اآلفاق 56 الـعــــدد 158 دي�سمرب 2012
ميناء دوفر
2400فدان ،ت�سرح فيه الغزالن ويق�صده و�أقابلها مب��ا عندنا يف �أح ��وال م�شابهة ،نقائ�ص وح�سنات
املتنزهون من كل الأنحاء وخ�صو�ص ًا �أيام الآحاد ،وكان املنزل الذي �أقمنا فيه عبارة عن فندق �صغري �أنيق خم�ص�ص لإقامة ال �ع��ائ�لات ،وه �ك��ذا �أت�ي�ح��ت يل الفر�صة للتع ُّرف على الطبائع والعادات الإجنليزية يف �أهون ال�سبل ،عدا عما كان لوالدي من ع�لاق��ات ببع�ض ال �ن � َّواب وغ�يره��م الذين كنا ندعى �إىل بيوتهم �أح�ي��ان� ًا ،ف�أعكف على مراقبة �سلوكهم و�آدابهم ال�شخ�صية،
و�أف��ا� �ض��ل فيما بينها ،وال �أع�ت�ق��د �أن�ن��ي ب�إعجابي بهم كنت يف نف�سي �أنكر ما عندنا من ف�ضائل �أو �أندفع لتغطية ما لديهم من �سيئات ،ف�إنني كنت مع كل لهفتي �إىل حرية الفتاة وانطالقها �أ�شمئز من ر�ؤيتها مبتذلة �أو خليعة �أو �سكرى ،و�أعتقد �أن هذا يرجع �إىل مزاجي املتح ِّفظ ال��ذي يظل مت�سلط ًا علي مع كل نظرياتي التحررية. َّ
كما �أنني حينما �أ�صف مزايا الإنكليز الراقية ال �أعني �أنهم ُخ ُل ٌّو من النقائ�ص ،و�إذا تكلمت عن النظام عندهم والتهذيب الراقي ،ف�إنني ال �أن�سى كيف يهجم ال�سارقون بقحة عجيبة على واجهات املخازن ،ويف رابعة النهار �أحيان ًا، وع�ل��ى م ��ر�أى م��ن �آالف الأن �ظ��ار ِّ فيحطمون وي�سرقون ويختفون كال�شياطني ،وكيف يعتدي جمرموهم على النظم االجتماعية بفظاعة ال ي�أتي مبثلها �أح� ُّ�ط املخلوقات �أدب � ًا .وال متر
عنربة اخلالدي يف كتابه «�أعالم الأدب والفن» يقول �أدهم �آل جندي ،عن عنربة اخلالدي« :ال�سيدة عنربة �سليم علي �سالم زعيمة النه�ضة الأدبية يف ن�ساء الإ�سالم ،ت�سنمت املنابر على حجاب و�سفور ،فكان للعروبة والثقافة من ف�ضل موقفها نور على نور .ولدت يف بريوت ون�ش�أت يف �أ�سرة عريقة يف جمدها وطيب منبتها .وبعد �أن �أنهت تعليمها االبتدائي يف مدار�س بريوت تتلمذت على ال�سيدة جوليا طعمة دم�شقية وهي من رائدات النه�ضة الن�سائية الأوىل يف البالد العربية ،وقد كان لها يف توجيهها وتربيتها �ش�أن عظيم و�أثر كبري ،وملا وقعت احلرب العاملية الأوىل �أ�صبحت كل �أنواع درا�ستها يف املنزل ،و�سعى والدها يف �إيجاد الأ�ساتذة لتعليمها ،فتلقت درا�ستها على اللغوي الكبري ال�شيخ عبد اهلل الب�ستاين واثنتني من املعلمات االفرن�سيات ،ثم على الأديبة املعروفة �سلمى �صائغ وغريهم. ولقد ا�شتغلت منذ كانت على مقاعد الدرا�سة يف اجلمعيات اخلريية واالجتماعية ،وتر�أ�ست نادي الفتيات امل�سلمات الذي كان �أول ناد ن�سائي عربي وكان ي�ضم فري ًقا من �أرقى فتيات بريوت وكن يقمن فيه احلفالت ،فيح�ضرها الرجال والن�ساء ويحا�ضر فيها الأدباء والأديبات و�أحلقت بالنادي مدر�سة تطوع فيها فتيات النادي لتعليم �أبناء وبنات العائالت التي ق�سى عليها الدهر والتكفل ب�إطعامهم والقيام على ت�أمني راحتهم .قامت «عنربة» برحلة �إىل انكلرتا مل�شاهدة معاملها العمرانية والثقافية ،وظلت مدة �سنتني عكفت خاللهما على درا�سة اللغة االنكليزية درا�سة خا�صة كان لها �أبلغ الأثر يف ن�ضوج ثقافتها ،ثم عادت �إىل وطنها لتقود النه�ضة الأدبية الن�سائية» .
دون �أمل عميق يف نف�سي ذكرى نكث �سيا�ستهم لعهود العرب بعد �أن وثق ه�ؤالء بهم .ولكنهم ك�شعب خربت ما فيه من النقائ�ص واحل�سنات ال �أقدر �إال �أن �أحفظ لهم ما وجدته عندهم من رقي ومدنية. ٍّ
مع امللك في�صل الأول
وقد ب��د�أت تتفاعل يف نف�سي عوامل �شتى من الفرح الذي �أ�شعره بحريتي يف التحرك مثل غريي من الب�شر ،ثم الأ�سى على ما يحيط بي وبابنة بالدي من كبت و�أ�سر ،حتى �أنني يف اجتماعي مرة بامللك في�صل الأول ،ملك ال �ع��راق ،وق��د ك��ان ي�ست�شفي يف لندن ،وكنا كثري ًا ما نزوره �أو يزورنا� ،س�ألني« :ما هو ر�أيك بالفتاة الإجنليزية؟» ف�أجبت«:احلق �أنه �أول ما يتبادر �إىل ذهني هو �أن �أ�س�أل نف�سي و�أنا �أتطلع �إليها تتمتع بكل م�س َّرات احلياة ،ماذا فعلت هذه الفتاة عند ربها حتى حتوز كل هذا االنطالق ،وماذا �أذنبت �أنا ،الفتاة العربية، عند رب��ي حتى يعاقبني بحياة كلها كبت وحرمان؟» فالتفت عندئذ ،رحمه اهلل� ،إىل �أبي قائال« :خذ بالك من ابنتك يا �أبا علي� ،إنها حتمل الثورة يف نف�سها». وال ب��د ه�ن��ا م��ن كلمة ع��ن امل�ل��ك في�صل. ف�ق��د ع��رف�ت��ه م � ��رار ًا ،ف �ك��ان دائ �م � ًا م�ث��ا ًال لعظمة امللوك ووداع��ة الأط�ف��ال .كما كان ال�سا�سة يجمع بني بطولة القادة ،ومرونة َّ احلكماء .فقد ر�أيته للمرة الأوىل حينما جاء �إىل بريوت �إثر انتهاء احلرب الكربى، فلم متنعه مهام عمله من �أن يختل�س من وقته الثمني الق�صري �ساعات ي��زور فيها امل�ؤ�س�سات اخل�يري��ة والن�سائية م�شجع ًا، م ��ا َّد ًا لها ي��د ًا بي�ضاء ،وق��د ك��ان لنا ُّ حظ ا�ستقباله يف ن��ادي�ن��ا ي��وم��ذاك .ث��م ر�أي�ت��ه للمرة الثانية حينما ذهبت مع وفد ن�سائي �إىل دم�شق لتهنئته بعد انتخابه ملك ًا على �سوريا .ولكنه مل يرين بغري حجاب �إال يف لندن ،ولهذا فقد غابت عنه معرفتي عندما قدمني والدي �إليه ،وكنا ذهبنا لعيادته وقد جاء لندن م�ست�شفي ًا ،بعد �أن �أ�صبح ملك ًا على ال �ع��راق .فر�أيته �ساجي ًا على �سرير
امللك في�صل الأول مع ملكة بريطانيا
املر�ض يقا�سي الآالم ،وقد ظهرت �ش َّدتُها على وجهه النبيل ،ولكن ما هي �إال ثوان حتى ر�أي �ت��ه يقبل على ال�ترح�ي��ب بطالقة ور َّق��ة ،ومي��ازح بعذوبة ودع��اب��ة بعيدة عن املر�ض والأوج ��اع .وكانت �أختي ال�صغرية برفقتنا ،ف�أ�شار �إليها وق َّربها منه يداعبها وي�سر يف �أذنها كلمات ي�شاركها يف ال�ضحك منها ،وك ��أن��ه ي�سعى �إىل ت�سلية م��ن �أت��وا لت�سليته واالطمئنان عليه. وحينما �أب َّل من مر�ضه كنا ن�صاحبه �أحيان ًا يف ن��زه��ات م�شي ًا على الأق� ��دام ،ف�أعجب للأنظار تتجه �إليه وك�أنها تت�ساءل عن هذه ال�شخ�صية العظيمة .فقد كان طويل القامة وقورها ،ر�شيق امل�شية رزينها ،جميل الوجه �أ�سمره ،ملكيا يف ت�صرفاته ،وهو مع ذلك ال ي�شعر حمدثه ب�أنه يختلف عنه مقام ًا� ،أو يحاول �أن يفر�ض عليه ر�أي� ًا مهما اختلفت الآراء .وكان �شديد الأمل ملا يراه من ت�أخر الأمة العربية ،متطلع ًا �إىل كل ما يجري يف
يقدم اإلنجليزي على العمل بهمة ثابتة معتدلة ال تستنفد قواه فتطرحه منهوك ًا في منتصف الطريق
الأمم الأخرى اجتماعي ًا وثقافي ًا و�سيا�سي ًا، ي��زور م�ؤ�س�ساتها املختلفة ،ويعكف على درا�ستها باحث ًا منقب ًا ،ل�ل�أخ��ذ منها مبا يتنا�سب مع �أح��وال قومه وا�ستعداد بيئته. وكان يردد دائم ًا بعد ا�ستعرا�ض ملا و�صلت ق�صر �إليه حالة الأمة العربية قائ ًال�« :إذا َّ �أ�سالفنا بالعمل اجل��دي للتطور فلي�س لنا عذر بالتخلي عن م�س�ؤوليتنا للعمل من �أجل الأجيال القادمة».
خطاب لإح�سان اجلابري
كنا ن�ستقبل يف بيتنا الكثريين من �أ�صدقاء �أب ��ي ال��ذي��ن ك��ان��وا ي �ف��دون �إىل �إجن �ل�ترا من جميع الأقطار العربية ،وحت�ضرين هنا حادثة طريفة جرت يل مع ال�سيد �إح�سان اجلابري الزعيم ال�سوري الذي كان يقيم حينذاك يف �سوي�سرا مع املرحومني ريا�ض ال�صلح و�شكيب �أر�سالن ،وجميعهم م�ضطهدون من ال�سلطات الإفرن�سية ،وقد مر بنا يف طريقه �إىل �أمريكا حل�ضور م�ؤمتر تناق�ش فيه الق�ضية العربية، ف�أ�سر �إىل �أخ��ي حممد ب�أنه طلب منه �إلقاء خطاب يف امل ��ؤمت��ر ،وحيث �أن لغته العربية لي�ست بامل�ستوى املطلوب ف�إنه ي�أمل من حممد بع�ض امل�ساعدة .ف�أجابه �أخ��ي« :احلقيقة �أن
ارتياد اآلفاق 58 الـعــــدد 158 دي�سمرب 2012
الإ�رضاب الكبري الذي �شهدته �إجنلرتا عام 1926وح�رضته �صاحبة الرحلة
التي ميكن �أن ت��ؤدي لك هكذا عمل بالإتقان املرغوب هي �أختي عنربة» .وملا فاحتني بالأمر اجتمعت ب�إح�سان بك وطلبت منه �أن يزودين بالأفكار التي يريد �أن يطرحها يف امل�ؤمتر، وق��د �أعطاين ما طلبت ،وحينما دفعت �إليه باخلطاب يف �صباح اليوم التايل وقر�أه �أعاده �إ َّ يل وهو يقول« :ال ال ال �أقدر �أن �ألقي خطاب ًا كهذا» .وق��د �أ�صبت بخجل وخيبة �أم��ل ،و�أن��ا �أطلب منه التف�سري ف�ق��ال�«:إن��ه خطاب فوق م�ستواي ،ومن �أين �آتي بك �إذا طلب �إ َّ يل �أن �أقف موقف ًا كهذا مرة �أخرى؟».
ٌ حياة �إجنليزية مل يعد لزيارة �أوربا ذلك الت�أثري ال�سحري الذي كان لها منذ خم�سني �سنة مث ًال ،حينما كانت طرق املوا�صالت �صعبة ،واختالطنا بالغرب قلي ًال ،وفهمنا ملدنيته غام�ض ًا �ضعيفاً، حينما كان يرجع الزائر ويف جعبته من النوادر والأخبار ما يده�ش ال�سامع ،وقد ي�ستغل هذه الده�شة ويخلط ال�صحيح باملختلق حتى يبلبل عليه ت�صوراته ،ويرتكه واهلل يعلم ما يف نف�سه نحو تلك البالد البعيدة ،بالد الغرائب والعجائب ،ورمبا بالغ الب�سطاء وقالوا بالد «ال�سحر وال�شياطني».
�أم��ا الآن ،وقد ك�شفت كتب الأ�سفار الكثرية ك��ل ��س� ٍّر ،وع َّرفتنا ال��زي��ارات املتوا�صلة �إىل كل جمهول ،ونقلت �إلينا ال�صحف ال�س َّيارة �أخبار العامل يوميا ف�إن الرجل العادي �أ�صبح يعلم عن بلدان الغرب ال�شيء الكثري .على �أن ذلك الت�أثري ال�سحري ال ميكن �أن يزول بتات ًا �شرقي ي�سري من نف�س فتاة �شرقية يف حميط ٍّ عليها فيه كل ما لل�شرق من ع��ادات و�أخ�لاق وحجاب .ولهذا فقد كنت �أ�ستقبل هذه الرحلة بدافع من �شوق �شديد ووازع من خوف عميق يتنازعاين يف كل حني� .أما وقد عزمت وتوكلت، فقد وقفت �أمامي عقبة �أخرى� ،إذ كان كل من يعرف ب�سفري يقول�« :إىل �إجنلرتا تق�صدين؟ وم��اذا تفعل فتاة مثلك هناك؟» وك��ان بع�ض
أول ما استرعى نظري في فرنسا رؤية ربَّات البيوت اإلفرنسيات يذهبن إلى مشترياتهن في الصباح الباكر وهن يحملن ساللهن ويحملن شعورهن الملفوفة بالورق وال تزال كما أعددنها لي ً ال
علي القول ب�أن احلياة رفقاء ال�سفر يكررون َّ يف تلك البالد قامتة �سوداء ت�ض ِّيق ال�صدر وال ي�شعر الغريب �إال �أن��ه يف �سجن مقفل. فكنت �أعزَّي نف�سي ب�أنني ال �أعب�أ بحياة ت�شبه ال�سجن و�أنا قد اعتدتها منذ ال�صغر� .أما وقد بلغتها فقد ر�أيت ،برغم اغربارها �أحيان ًا� ،أن الأخ�ضر اجلميل هو اللون الغالب على تلك الأر� ��ض ال�سعيدة و�أح�س�ست ب��روح احلرية الطلقة متلأ الأرجاء. �شعرت منذ وط�أتها قدماي �أن الأر�ض تبدلت غري الأر���ض ،و أ�خ��ذت بهذه احلركة الآل َّية يف كل عمل .فاحل َّمال وموظف اجلمرك والعامل يف القطار ي�سرعون �إليك يف غري خ�شونة، ويرتاك�ضون يف غري مزاحمة ،ويتقاذفونك من الواحد �إىل الآخر برفق ولني ،فما هي �إال كلمح الب�صر حتى تكون بلغت مناك وقد و َّدعك كل منهم بكلمة �شكر رقيقة �أديبة ،وما هي �إال �أن ت�سري بني اجلماهري وتخرتق ال�شوارع حتى حت�س بهيبة املكان من نف�سك� ،أج��ل �إن �أول �شعور امتلكني حني نزلت البالد الإجنليزية هو �شعور الهيبة والإعجاب ،وقد ِخ ْل ُت ُه لأول وهلة قائم ًا بدقة انتظام ال�سري ،وانفراج الطرقات وح�سن ر�صفها و�ضخامة املباين وات�ساع نوافذ املخازن ات�ساع ًا هائ ًال ،وباالزدحام ال�صامت الرزين ثم بهذا البولي�س املنت�صب عند مفارق
القطارات يف ريت�شموند 1925
الطرق وقد لب�س خوذة تكمل له هيئة اجلبابرة ال�صناديد .ولكنني كنت كلما طالت �إقامتي وازددت فهم ًا لروح ال�شعب ولأ�ساليب حياته، ات�ضحت الأمور �أمام ناظري وفهمت �سر هذه الهيبة التي نح�سها لأول وهلة ت�شمل الف�ضاء.
ليس أحب إلى قلب اإلنجليزي من النظام تجده جليّ ًا في معيشته في البيت وخارجه في أعماله الخاصة وفي احلرية ال�شخ�صية مل �أعجب ب�شيء يف �إجنلرتا عجبي باحلرية عالقاته مع اآلخرين
ال�شخ�صية التي حت�س �أنك تتنف�سها مع الهواء واملمنوحة ب�أو�سع معانيها لكل �إن�سان ما دام ال يخ ُّل بالنظام وال بالآداب العامة وال بالأمن العام ،هذه احلرية التي جتعل منهم �أ�سياد ًا طليقي الر�أي والقول والعمل ،لكل منهم مبد�أ خا�ص ال يخ�شى �إعالنه و�شخ�صية حمرتمة ال ت�ستعبدها القيود .ولكم كنت �أط��رب �إذ �أراهم ي�سريون يف حياتهم ب�صراحة ال ت�شوبها مواربات لأنها ت�أبى لهم الإتيان ب�صغائر قد يلجئهم �إليها ال�سري يف اخلفاء. انطلق كما ت�شاء ،وحت � َّدث مبا ت�شاء ف�أنت متمتع بنعم البالد ،واحلرية معبودة اجلميع ولكنها ح��ري��ة تهذبها امل��دن�ي��ة ف�لا تظهر خ�شنة وال طائ�شة. ً ر�أيت هذه احلرية مرارا تتمثل يف «هايد بارك» حيث ي�أتي اخلطباء يف �أيام الآحاد دائم ًا ويف غريها من �أي��ام الأ�سبوع �أحيان ًا .والبولي�س
ي��روح ويجيء �أمامهم ك��أن مل يك �شيء ،وال يتدخل �إال �إذا ا�ضطرته ال�ضرورة الق�صوى وعندئذ ف��إن حت ُّفزه بالإ�شارة يكفي لتنفيذ �أمره و�إرادته اجلازمة .ور�أيت من ت�صرفات ال�ق��وم م��ا ق��د �أدع ��وه �أن��ا غ�ير الئ��ق ولكنهم يدعونه حرية �شخ�صية يت�ساحمون بها وال يعرت�ضون عليها �إال �إذا ر�أت عني البولي�س �أنها جتاوزت ح َّد الأدب بعرفهم.
العمل َّ املنظم
لي�س �أح��ب �إىل قلب الإنكليزي من النظام. جتده جل ّي ًا يف معي�شته يف البيت وخارجه يف �أعماله اخلا�صة ويف عالقاته مع الآخرين .فهو ينظم يومه �ساع ًة ب�ساعة ،ويجد وقت ًا لكل �شيء. وهو يزاحم �سواه ولكن روح النظام حتفظه
من التعدي عليه .تدخل حمطة القطار فتجد النا�س يرتاك�ضون �إىل �شباك التذاكر حتى �إذا �أرب��وا على اثنني �أو ثالثة �أ َّلفوا �ص ّف ًا يقف يف م�ؤخره دائم ًا القادم اجلديد .وال يخطرنَّ يف باله �أن يحاول التقدم على �سابقه مهما كان باعثه �شديد ًا ،وال جتد ازدحام ًا على �أمر مهما يكن تافه ًا �إالّ �أ َّلف ال�صف حا ًال ك�أنه ب�إ�شارة مدر�سية خف َّية. ويف مفارق الطرق يرفع البولي�س يده فتقف حركة ال�سري ،مهما كانت ثقيلة ،برتتيب بديع، �أو ينزلها فتعاوده بنظام دقيق .ورغم االزدحام ال�شديد واحلركة الهائلة ف�إنك ال ت�شعر يف لندن بتلك ال�ضجة القوية �أو مبا ي�سمونه اختالط احلابل بالنابل ،و�إين لأعزو جناح الإنكليزي كله �إىل انتظام معي�شته ومعرفته واجباته ،لأن ذلك يوفر عليه كثري ًا من اجلهود التي تبذل عبث ًا بالعمل امل�ضطرب ،وه��ذا ي�أتيه بنتيجة �سريعة �صاحلة قد نده�ش لها نحن ال�شرقيني الذين اعتدنا �أن تكون �أعمالنا �إما بطيئة لدرجة اخلمول و�إما �سريعة لدرجة الت�شوي�ش .ادخل �إىل �إحدى دوائر الربيد فيكرب وهمك حينما جتد النا�س �أفواج ًا والرزم �أكدا�س ًا ولكن النظام الدقيق يخفف هذه الأكدا�س ب�سرعة مده�شة، وي�سيرِّ ك �إىل الأمام حيث تق�ضي حاجتك و�أنت ال ت�صدق بانق�ضائها .وادخل �أحد امل�صارف
ارتياد اآلفاق 60 الـعــــدد 158 دي�سمرب 2012
�أ�رسة �إجنليزية بدايات القرن الع�رشين
فتتناولك الأيدي بنظام ميكانيكي �إىل �أن ت�صل ال�ع��ام��ة القائمة يف ك��ل م�ك��ان على �إجن��از �إىل املكان املق�صود وتخدم ب�سرعة ت�شعرك �أعمالك وترتيبها. خم�ص�ص باالهتمام .وكم كان يل ّذ يل ك�أنك َّ �أن �أدخل �إىل �أحد املخازن الكربى و�أراقب ،عن القطارات املت�شابكة كثب ،دوالب حركتها البديع ،و�إذا قلت خمزن ًا وال يده�شك مثل القطارات امل�شتبكة فوق فيجب �أن �أقول �إن الإح�صاء الأخري يدل على الأر�ض وحتتها كا�شتباك الأوردة وال�شرايني �أن ع��دد امل�شرتين يف اليوم ال��واح��د قد بلغ يف ج�سم الإن�سان وبكل ما للأوردة وال�شرايني يف �أح��د امل�خ��ازن – �أي��ام املوا�سم -مائتي م��ن دق��ة العمل .ه��ي ت�سري حاملة اجلموع �ألف م�شرت� ،أ�ضف �إليه �ضعفه من املتفرجني املتدفقة �إىل جميع الأن�ح��اء .وجتد خرائط �أو م��ن ال��ذي��ن ي��راف�ق��ون امل�شرتين ،فيكون اخل���ط ال� ��ذي ت �� �س�ير ع �ل �ي��ه يف ك ��ل ع��رب��ة، جمموع الذين دخلوا �أحد املخازن �أربعمائة والكتابات والإ�شارات املتكررة يف املحطات �ألف ن�سمة يف اليوم الواحد .تدخل �إىل هذه تر�شدك �إىل جهة ال�صواب ،هذا �إذا ترك امل�خ��ازن م��ن �أح��د الأب ��واب فتجد اللوحات ل��ك امل ��أم��ورون وق�ت� ًا ل�ق��راءة الإ� �ش��ارات ومل الدالة على خمتلف اجلهات ،ثم يف كل جهة ير�شدوك �إىل طريقك املق�صود. تدلك على خمتلف الأق�سام ،يف كل ق�سم على الفروع العديدة ف�أنت �إذ ًا �أمام ما تريد وقد همة ثابتة بلغته ب�سهولة ال تنق�ص عن ال�سهولة التي والإنكليزي يقدم على العمل بهمة ثابتة لأنها جتدها ب�شرائك من �أب�سط الدكاكني وقد ال معتدلة ال ت�ستنفد ق��واه فتطرحه منهوك ًا يف يدعك املوظفون تنهمك يف ق��راءة اللوحات منت�صف ال �ط��ري��ق .ون �ظ��ام العمل عندهم بل يقدمون على خدمتك بلطف واح�ترام ،يجعلهم ي ��أخ��ذون م��ن ال��راح��ة ال�ق��در الكايف وت�ستقبلك العامالت بابت�سامات فاتنة وخلق حل�ف��ظ ال �ن �� �ش��اط ،ف��امل��دار���س ،م��ن حديقة ر�ضي يجذبانك طائع ًا �إىل ال�شراء .تطلب الأطفال �إىل �أكرب اجلامعات ،ال تبد�أ درو�سها منرة ما على التلفون ف�أنت بانتظام �سريع قبل التا�سعة �صباح ًا ،وحمالت العمل جمربة مت�صل مبن ت�شاء ،وت�ساعدك هذه التلفونات قانون ًا �أن توقف العمل نهار الأحد ون�صف نهار
�آخر من الأ�سبوع ،والنا�س يف كل الطبقات ال بد لهم من عطلة �سنوية يق�ضونها كما ي�شا�ؤون، يت�ساوى يف ذل��ك امل��أم��ور والآم ��ر ،ر َّب��ة البيت واخلادمة .و�إين �أعرف �سيدة لها زوج وطفل �صغري كان عليها �أن تعتني ب�أموره دون م�ساعدة �أحد .لهذا ع َّينت لنف�سها يوم فر�صة كل �أ�سبوع فت�ست�أجر البنها �سيدة تثق بها وتكون هي حرة تفعل ما ت�شاء فتجدد ن�شاطها ملعاودة عملها اليومي .قد يعد البع�ض ذلك بالدة ،ولكنني مل �أرهم ذاهبني �إىل �أعمالهم �صباح ًا �إال ح�سبتهم يرتاك�ضون ،ومل �أره��م يف حم� ِّ �ال عملهم �إال ر�أي ��ت القابلية للعمل ظ��اه��رة يف حركاتهم اخلفيفة ،على �أن بالدة دائبة خري من حت ُّم�س �شديد ينفجر انفجار ًا ويذهب هبا ًء.
الريا�ضة
ل �ع � َّل �أو�� �ض ��ح م�ظ�ه��ر م ��ن م �ظ��اه��ر احل �ي��اة الإجنليزية هو هذا الولع ال�شديد بالريا�ضة، فكل �إنكليزي – رج ًال كان �أو امر�أة – يح�سن نوعا �أو �أكرث من �أنواعها ،فهي عنده من �أ�س�س احلياة ومن الأم��ور التي يعينَّ لها �أوقات ًا كما يعني للأكل وال�شرب والعمل ،وكل منهم ع�ضو عامل يف ن��اد �أو ع��دة �أن��دي��ة ريا�ضية تراها منت�شرة يف كل ناحية ،واملر�أة ت�شارك الرجل يف
كل نوع حتى يف �أ�شدها ق�ساوة ،وال �أن�سى زيارة لكلية «�سانت بول» للبنات وهي تعد يف م�صاف �أرق��ى كليات �إجنلرتا -فقد ر�أي��ت فيها من �أنواع الريا�ضة ما مل �أ�سمع به وما مل يخطر يل ببال ،ور�أيت من ا�ستعداد املدر�سة لهذا الأمر املده�شات ،حتى ال�سباحة خ�ص�ص لها حو�ض ماء عظيم لتمرين التلميذات ،و�إنك لرتى �آثار الريا�ضة ظاهرة يف الفتاة الإجنليزية ب�أجلى مظهر فهي ر�شيقة دون ارتخاء ،وهي منت�صبة دون توتر ،حتمل ج�سمها خفيف ًا وال جتره ج َّر العياء.
التمتع بامل�س َّرات
�إذا كان اهلل حبا بالدهم جما ًال فاتن ًا ،فك�ساها ح َّلة خ�ضراء ،هادئة تفنت اللُّب ،يف برية �ساحرة ت�سبي النظر ،ف�إنهم – وال �شك -حقيقون بهذه النعمة ،لأنهم ي�ستمتعون بها وبكل ما بني �أيديهم من م�س ّرات ،ويخ�ص�صون من هذه البقاع اجلميلة �أرا�ضي وا�سعة ،عظيمة االت�ساع لنزهاتهم وم�س َّراتهم .ففي لندن نف�سها – البلد ال��ذي هو �أك�ثر بلدان العامل �سكان ًا – يوجد ال �ب��ارك العظيم ال��ذي تبلغ م�ساحته 2400فدان ،وحذاءه جنة غ َّناء ،وبقربها �أر�ض م�شاع ،ثم يتبعها ب��ارك� ،إىل �آخ��ر ما هنالك م��ن متنزَّهات يف ك��ل م�ك��ان ي�سمونها بحق «رئة لندن» التي تتنف�س بها .وبلحظة واحدة ميكنك �أن تنتقل من و�سط االزدح��ام املدين الهائل �إىل قلب الطبيعة وما فيها من جمال: �سهول ف�سيحة ترعى بها القطعان ،و�أزه��ار تطبع كل ف�صل بطابعه اخلا�ص ،و�أ�شجار تتل َّون بكل ل��ون بهيج ،وب�ح�يرات ي�سبح فيها البط وت�سري القوارب بالنا�س �أفواج ًا ،وطيور ت�أن�س بالإن�سان حتى لت�أخذ ُف َتاتَ طعامها من بني �أنامله ،هذا عدا ما حباهم به الفن من �آيات. وهم ال يهدرون نعم احلياة هدر ًا بل يق�ضون واجباتهم وي�أخذون من امل�سرات بكل ن�صيب، و�إذا ر�أي�ت�ه��م مي �ل ��ؤون ال�ب�راري ووج��ه النهر و�سطح البحريات وخمتلف املعار�ض وميادين اللعب ،حت�سب �أن لهم ول�ع� ًا خا�ص ًا ب��ذاك، ولكنك جتدهم من جهة �أخرى يتوافدون �إىل دور ال�سينما حتى ال جتد مقعد ًا خالي ًا ،وكلهم
يعلم عن املمثلني والأبطال ،والق�ص�ص ونقدها ال�شيء الكثري ،وقد �أح�صي عدد الذين يدخلون دور ال�سينما يف �إجنلرتا فبلغ خم�سة وع�شرين مليون نف�س يف الأ��س�ب��وع .وال يق ُّل ع��ن ذلك ولعهم بالتمثيل ،ف�إن لكل من املمثلني واملمثالت م��ري��دي��ن وحم�ب��ذي��ن ومنتقدين م��ن جميع طبقات ال�شعب .وق��د تذهب �إىل إ�ح��دى دور التمثيل فت�ضطر �إىل �أخذ تذكرة لبعد �أ�سبوع كي جتد مكان ًا ،وقد يكون مع ذلك عمر الرواية ع َّدة �سنني ،مت ِّثل كل يوم ،بل مرتني يف اليوم. وللرق�ص عندهم �ش�أن و�أي �ش�أن ،فهم ي�أخذون بكل رق�صة جديدة وجتد قاعات الرق�ص متوج َّ وحمال الغناء ت�ضيق بامل�ستمعني بالراق�صني، و�أندية اللهو تعج عجيج ًا باملتوافدين .و�إذا ق�� ُّروا يف دوره��م ف ��إن الال�سلكي امل��وج��ود يف �أغلب البيوت ينقل �إليهم من �أنواع امل�سرات ما يغنيهم عن كثري منها خارج ًا ،فهم ي�ستمعون لأجمل املقاطع املو�سيقية والتمثيلية واخلطب والأخبار ،ومع ا�ستمتاعهم بكل هذا يف بالدهم ف�إن ك َّال منهم يوفر من دراهمه ما ميكنه من اخلروج �سائح ًا يف بالد اهلل ،والعاملة الب�سيطة قد تق�ضي عطلتها يف فرن�سا �أو بلجيكا� .إنهم يحبون املنزل واحل�ي��اة العائلية الهنيئة كل احلب ،ولكن هذا ال يت�ضارب مع ولعهم ال�شديد باحلياة خارج ًا ،حتى �إنهم ليذكرون هذا الولع يف معر�ض الثناء ،وال ميكن �أن يدعوا النهار امل�شم�س مير دون اال�ستمتاع به ال �سيما �إذا كان ذلك اليوم يف �أيام الأعياد .وقد بلغ عدد الذين نقلتهم عربات «االمنيبو�س» فقط يوم عيد الف�صح املا�ضي ب�ين لندن و�ضواحيها �أربعة ماليني ن�سمة ،عدا الذين نقلتهم �سكك احلديد والرتاموايات وال�سيارات اخلا�صة، وبلغ من ازدحام النا�س لل�سفر يف �أحد الأعياد
نالت اإلنجليزية من الحقوق العامة ما ِّ يمكنها من أن ترفع رأسها به تيه ًا أمام األمم حتى نالت مؤخر ًا حق االنتخاب على إطالقه بعد سن الـ 21
فتاة �إجنليزية 1910م
فتاة �إجنليزية 1912م
فتاة �إجنليزية 1918م
ارتياد اآلفاق 62 الـعــــدد 158 دي�سمرب 2012
لوحة فتاة �إجنليزية تقر�أ ر�سالة
خ��ارج حمطة وات��رل��و وح��ده��ا ،تلك املحطة العظيمة التي فيها 24ر�صيف ًا ت�سافر منها القطارات �إىل خمتلف اجلهات� ،أن ا�ضطروا �إىل الوقوف يف �صف بلغ طوله ميلني كان كلما نق�ص من املقدمة يزداد يف امل�ؤخرة وظل طول ال�صف ميلني مقدار � 24ساعة.
الوطنية ال�صامتة
لقد �شهدت من امل�شاهد الوطنية يف �إجنلرتا ما ترك يف نف�سي �أثر ًا بليغ ًا ولكنها م�شاهد كانت متر �صامتة دون �ضو�ضاء .وهل �أدل على هذه الوطنية من ي��وم االعت�صام العظيم حينما ُ�ش َّل ْت احلركة يف جميع �أنحاء البالد ووقف كل عامل عن العمل وتعطلت حركة ال�سري فتعذرت امل��وا� �ص�لات ،فوقفت الأم ��ة ب�أجمعها ت�سند احلكومة بذراع متينة وخرج �أبناء اجلامعات وت�سلموا قيادة القطارات «واملنيبو�س» وتط َّوع
املدر�سة ،ف�أرادت االطمئنان عليها تلفوني ًا يف هذه الأزمة ،ثم ق َّدرت �أن لي�س من حاجة ما�سة �إىل ذلك ف�أجلت املخاطبة �إىل ال�سهرة حينما تنتهي حاجة �أ�صحاب الأ�شغال� .إين ال �أملك نف�سي عن التوقف ب�إجالل �أمام هذه العاطفة الوطنية ال�سامية وال �أ�ستغرب بعدها خروج احلكومة من هذه املعركة ظافرة قوية منيعة. وهل �أدل على هذه الوطنية ال�صامتة من تلك التربعات الدائمة ب�أرقام �ضخمة للخزينة دون �أن تُذكر معها �أ�سماء؟ و�أم�س فقط قر�أت يف اجلرائد الإجنليزية عن ت�برع رج��ل جمهول بثالثة �آالف لرية للخزينة لتغطي ق�سم ًا من ديون احلرب. وهل �أدل على هذه الوطنية من �أن ال�ضرائب جتبى – وك��ل �إن�سان يتململ م��ن ال�ضريبة فيتلقى وزي��ر املالية كل يوم مبالغ عظيمةوطفيفة من جمهولني يعتقدون �أن هنالك خط�أ يف احل�ساب الواجب عليهم فهم ي�سدِّون ما بذممهم من دين مفرو�ض. هكذا يع�ضدون احلكومات ب�أمانة و�إخال�ص، وه �ك��ذا تخدمهم حكوماتهم ب�سواعدهم القوية ومي �ج��دون وطنهم بتمجيد �أبطاله ال�شهداء ،ففي كل ناحية لهم ن�صب هو قبلة الز َّوار ميجدونه مب�ساعدة اجلنود امل�شوهني الذين تقام لهم البنايات ال�شاخمة ويعني خلدمتهم املمر�ضات واخل��دم وال�سيارات والعربات .وهل �أدل على وطنيتهم ال�صامتة من �أن تر�سل زوجة رئي�س بلدية «لندن» نداء ت�ستنجد به الأكف مل�ساعدة البائ�سني بهدايا �صاحلة لعيد امليالد ،في�أتيها يف خم�سة ع�شر يوم ًا � 30ألف هدية عدا ما جاءها من �أموال. كنت �أ�شهد ه��ذه امل�شاهد كل ي��وم فتنتابني رجفة �أ��س��ى على ب�لاد تع�سة �أنتمي �إليها، ال نفقه فيها للوطنية معنى ،وال �أدري �إذا كنا نقدر �أن ن�سمي هذه البقعة العزيزة من الأر�ض املتفرقة الأجزاء ،املبتورة الأع�ضاء، وطن ًا.
ال�شبان خلدمة البولي�س ،وو�ضع كل �صاحب �سيارة نف�سه و�سيارته حتت �إ��ش��ارة ال�شعب، وت�سلمت الفتيات �إدارة توزيع الإعا�شة فكان كل فرد منهم خمدوم ًا خادم ًا وم�أمور ًا �آمر ًا وكنت جت��د احلجة دام�غ��ة على �أن �إجنلرتا �أبعد املمالك عن الثورات الفو�ضوية و�أ�شدها تعلقا بامللكية �أو على الأقل بهذه العائلة التي ت�ستهوي قلوب ال�شعب بدميقراطيتها ،وكنت جتد الدميقراطية والإخاء ميثالن �أجمل متثل، فهناك �أتومبيل فخم فر�ش ب�أفخر الريا�ش يوقفه عامل رثُّ الثياب وي�سخره �إىل حيث ي�شاء .وك��ان ال�شعب يع�ضد احلكومة يف كل �أمر ي�س ِّهل عليها �أعمالها .وال �أزال �أذك��ر �أن ما�سة احلكومة رجت الذين لي�ست بهم حاجة َّ �إىل ا�ستعمال التلفون �أن يقللوا من ا�ستعماله الفتاة الإجنليزية وي�ترك��وا اخلطوط ح � َّرة لأ�صحاب الأ�شغال� .أول م��ا ي�ستلفت نظرك منها قامة ر�شيقة وزي حديث يالئم الزمان واملكان، و�أذكر �أن �صديقة لنا كانت ابنتها الوحيدة يف متنا�سبةٌّ ،
ولكنه على كل حال تقل�ص �إىل حدود الركبة ورمب��ا �إىل فوقها وظ�ه��رت م��ن حتته �ساقان مم�شوقتان تكمالن جمال قامتها .وحينما ال ي�ستلفت وجهها نظرك بجماله الفائق ي�ستلفته بن�ضارة حية .تلب�س دائ�م� ًا �أح��دث القبعات وي�ستحيل �أن ال تتنا�سب قبعتها مع لون الرداء �أو لون «التخريج» وجتدها دائم ًا تتدفق حياة ك�أنها على ا�ستعداد لأمر تفعله. هذا ما ت��راه من مظهرها اخلارجي� .أم��ا يف ما عدا ذلك فقد عرفتها تت�أبط حقيبة عملها �صباح ًا ن�شيطة �سريعة ،وعرفتها يف مكان العمل خفيفة زاهية كفرا�شة الربيع ،وعرفتها على مقاعد الدر�س والتدري�س جم َّدة هادئة، ويف الإدارات الكربى تدير دفة العمل مبهارة و�إتقان ،ويف م�سارح التمثيل مت�شي بالفن �إىل درجات الكمال ،ويف جمل�س النواب حمرتمة ال�صوت رفيعة امل�ق��ام ،وعرفتها �سيدة بيت كاملة تهيئ بنف�سها راح��ة ال ��زوج والأوالد وال�ضيوف ،ور�أيتها يف ميادين اللعب جتول جولة الأبطال ،وعلى �صهوات اجلياد تتف َّوق - ب�شهادة العارفني -على الفر�سان من الرجال، ويف النهر ت�سيرِّ قارب ًا �صغري ًا جت� ِّ�ذف بهمة ون�شاط ،ويف الرب جتل�س �إىل �سيارة وقد يكون معها �صحب من الرجال فتقودها دونهم بلباقة تقل فيها املخاطرات ،ور�أيتها حتلق يف الف�ضاء ه��ازئ��ة ب��امل�ج��ازف��ات ،ور�أي�ت�ه��ا – يف �شخ�ص «م�سز كورت تريت» ت�ضرب يف جماهيل الأر�ض وتتعر�ض لل�صعوبات لت�ساعد يف اكت�شاف طريق جديد لل�سيارات من ر�أ�س الرجاء �إىل القاهرة و�أذك��ر تلك اللذة التي حدثتنا بها عما القته من �ضروب العذاب وتلك ال�صور التي �أرتنا بها كيف تقدر املر�أة على م�صادمة الأخطار. ور�أيتها على ال�شواطئ البحرية مرمتية على الرمال تع ِّر�ض ج�سمها حل��رارة ال�شم�س بعد �سباحة طويلة ،مفاخرة ب ��آث��ار لذعاتها يف ج�سمها ،ور�أيتها يف ال�سهرات وقد ارتدت �أجمل الأثواب تتمايل يف حلقات الراق�صني ،ور�أيتها وطنية �س َّباقة �إىل اخلدمة العامة تهتم بامل�سائل ال�سيا�سية ،داخلية وخارجية .و�أعرف �صديقتني لنا هما «م�سز برود هر�ست وم�سز فاركر�سون» رئي�سة و�سكرترية «الع�صبة ال�سيا�سية الوطنية»
النظام عند اإلنجليز قانون غير مكتوب يقومون على اتباعه بإخالص لكي يقوم هو على خدمتهم بل على خدمة كل شخص تضمه هذه البقعة من األرض ولع�صبتهما �أع�ضاء عديدون ينتمون �إىل �أرفع الطبقات .ولهما اهتمام عجيب بامل�سائل ال�سيا�سية العربية على �إطالقها وت�شتغالن ب�إخال�ص ت�شكران عليه ،وقد جندت ع�صبتهما وحدها �أيام احلرب � 30ألف فتاة و�ضعتهن يف ت�صرف احلكومة .ور�أيتها ت�سري بالنه�ضات الن�سائية �إىل هدف �أعلى حتى تزعمت احلركة الن�سائية يف العامل. ر�أيتها يف كل مركز ويف كل عمل �إذ يندر �أن جتد يف �إنكلرتة امر�أة دون مركز ت�شغله �أو ي�شغلها، ومل �أرها يف كل ذلك �إال جذابة حمبوبة ،ح َّرة حمرتمة ،رغ��م ما يتهمها به الرجعيون من فقدانها جاذبية الأن��وث��ة لأنها دخلت ميدان العمل ،الأمر الذي يرتمنون به يف كل الأمم. على �أنني �أذكر ر َّد ًا بديع ًا لأحد اللوردات وهو
الولد والدولفني -الك�سندر مونرو -الهايد بارك
رجل عجوز قال�« :إن ابنة اليوم هي �أ�صلح مثال لع�صرها ،خلقت ملجاراته ال ملجاراة ميولنا ال�ق��دمي��ة ،وك �ث�يرات م��ن الفتيات تنق�صهن اجلاذبية طبيعة دون �أن ي�شتغلن ،ومهما كانت فتاة الأم�س َّ جذابة يف نظرنا ف�إنها ال جتاري فتاة اليوم التي نرى من افتتان �شبان الع�صر بها ما يكفي للداللة على �أن نق�صان جاذبية الأنوثة من الأوهام». �أم��ا تعليمها فهو متنا�سب مع تعليم الرجل �إذ �أن ��ه ،على ال�ع�م��وم ،ث��ان��وي �إال �إذا �أري��د التخ�ص�ص ،ولكنك جتد الطبقات العليا تر�سل بناتها ،بعد �إكمال درو�سهن� ،إىل عوا�صم �أوربا وعلى الأخ�ص �إىل «باري�س» يدر�سن لغة البالد �أو يتخرجن يف �أحد الفنون اجلميلة .وقد نالت الإجنليزية من احلقوق العامة ما مي ِّكنها من �أن ترفع ر�أ�سها به تيه ًا �أمام الأمم ،حتى نالت م��ؤخ��ر ًا حق االنتخاب على �إطالقه بعد �سن ،21ويبلغ ع��دد اللواتي لهن حق الت�صويت ح�سب الإح�صاء الأخ�ير 14.832.922امر�أة يف مقابل 12.697.799رج ًال وال يخ�شى على ال��رج��ال منهن لأن�ه��ن ،على الغالب ،م�ساملات ي�سعني �إىل حقوقهن بقوة -واحلق ال ينال بغري القوة طبعا -لكنها قوة ال�سعي املتوا�صل والكفاءة الثابتة .وق��د اجتمعت م��رة بـ«م�سز فيلب�سون» �إحدى النائبات يف املجل�س الربيطاين و�س�ألتها عن عملها ومبادئها فقالت يف حديث« :لي�س من مبدئي �إظهار التظلم كثري ًا من الرجل .وال جمابهته يف طلب احلقوق ،بل �إين �أ�سامله و�أفتح له قلبي و�أقدم دائم ًا �أذن ًا �صاغية ل�سماع �شكواه، ول��و ك��ان��ت م��ن الن�ساء .ل�ه��ذا جت��دي��ن زمالئي النواب يطلعونني على �أمورهم وقد ي�شكو �إ َّ يل بع�ضهم بع�ض ًا .وهذا ال يخفاك ق َّل �أن ت�سمح به كربياء الرجل المر�أة» .و�أح�سب �أن هذا يعرب عن ر�أي الأغلبية العظمى من الإنكليزيات .كنت كلما ر�أيت الفتاة الإجنليزية تتمتع بنعم احلياة وافرة، �أمتثل اجلهود التي بذلتها يف �أجيال متطاولة لبلوغ هذه املرتبة الرفيعة ،ولكن ر�ؤيتها كانت دائم ًا تثري يف نف�سي عاطفتني :كنت �أعجب بها و�أغبطها اللب بهذه القدوة احل�سنة ،ثم كنت �أت�أمل م�أخوذة ِّ علي هذه الأيام حت�سب دنيا يف إجحاف و�أ�شكو ال َّ التي �أحياها من العمر ،حياة !
64 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
هنا ..وهناك
الذات سجان ًا ومسجون ًا يعتقد
البع�ض �أن «الذات» هي املو�ضوع الذي مُيار�س عليه القهر ،من الأ�سرة �أو املجتمع �أو ال�سلطة �أو الثقافة ال�سائدة �أو كل ه ��ؤالء .ولكن هل من املمكن �أن تكون تلك الذات قاهرا مثلما هي مو�ضوع للقهر؟ �إن الذات مثلما تقع �سجينة القهر، بوعي �أو يف الأغلب بدون وعي ،فهي �أي�ضا تقوم بتلك املهمة نيابة عن أ�ط��راف عدة ،فتتحول ذاتنا يف حلظات� ،أو رمبا مراحل من حياتنا� ،إىل �سجان قا�سي القلب ال يفكر للحظة قبل �أن يغلق على امل�سجون باب الزنزانة� .إنه يقوم بعمله ب�ضمري ،هذا هو كل ما يف الأمر� .أخذت �أت�أمل تلك الفكرة فعادت إ� ّ يل حكاية �إحدى اجلدات التي �ألهمتني و�ألهمت �أجياال من الن�ساء ،وفتحت لنا �أبوابا كانت مو�صدة .ابت�سمت بامتنان و�أن��ا �أفكر كم هو جميل �أن يقوم �أحد املنا�ضلني من �أجل عامل �أكرث �إن�سانية ورحابة بعمل يغري من حياة من ي�أتي بعده من النا�س .وكم هو جميل �أي�ضا �أن يفكر بع�ض ه�ؤالء النا�س �أن عليهم �أن ي�ستكملوا فتح الأب��واب املغلقة من �أج��ل من �سي�أتي بعدهم. زارتني ذك��رى لطيفة الزيات « »1996 - 1923لأن فكرة ال��ذات �سجانا وم�سجونا ترددت يف �أعمالها .لقد تناولت كتابات الزيات الأدبية «الذات» يف عالقتها بنف�سها وبالآخر ،كما تناولت الوطن واحلرية ك�أ�ضواء كا�شفة على الذات الفردية� ،أ�ضواء تقود رحلتها نحو املزيد من الفهم واالكتمال .كتبت لطيفة الزيات عن عالقة ال��ذات بنف�سها� ،سطرت جتربتها ك��ام��ر�أة من الطبقة املتو�سطة تعي�ش تناق�ضات جمتمعها ال��ذك��وري ،وتنجح على م��دار �سنوات احلياة والكتابة �أن تقاوم القهر بالفكر وبالكتابة. يف �شهادة كتابة خطتها يف خريف ع��ام 1992ون�شرت يف جملة «ف���ص��ول» ،كتبت ال��زي��ات مفهومها ع��ن احل��ري��ة .كانت تلك هي املرة الأوىل التي حتاول فيها �صياغة املفهوم ب�شكل نظري ،رمبا
لأن املمار�سة قد �أغنتها عن التنظري .قالت �أن املفهوم الوجودي ي�صلح مدخال لتعريف مفهومها ع��ن احل��ري��ة و�إن اختلفت مع النتائج املرتتبة وجوديا على ه��ذا املدخل .فهي ت�ؤكد �أن الفعل واحلرية �صنوان ال ينف�صالن بالت�أكيد ،ولكن يف �سياق يختلف عن ال�سياق الوجودي .تقول «�أنا حني �أفعل ال �أفعل يف فراغ ،وال �أ�صدر عن ف��راغ� ،أن��ا �أفعل يف واق��ع اجتماعي تاريخي ،حمكوم بجدلية الوحدة وال�صراع ،بني ثنائية ال�ضرورة من جانب ،واحلرية من جانب �آخ��ر ،وه��ذا الواقع االجتماعي ال��ذي �أفعل يف ظله حمكوم ب�آالف ال�ضروريات االقت�صادية وال�سيا�سية وال�سلوكية والأخالقية والعادات والتقاليد». �إن هذا الواقع االجتماعي التاريخي ب�إمكانه �أن ي�سلبنا القدرة على الفعل احلر ،تارة بالوعد والوعيد وتارة �أخرى بال�سجن والت�شريد وباحلرمان من العمل /لقمة العي�ش .هناك طرق ال ح�صر لها حتد من قدرتنا على الفعل احل��ر �أو ت ��ؤدي بنا يف النهاية �إىل فقدان حريتنا .ولكن لطيفة الزيات ،يف نف�س الوقت ،تلفت االنتباه �إىل �أن ذواتنا مثلما تت�أثر بالواقع فهي �أي�ضا ت�ؤثر فيه عندما تقاومه وحت��اول تغيريه .ه��ذا الواقع ال��ذي لي�س من اختيارنا ،هل نبقى �سجنائه طوال حياتنا� ،أم �أن هناك يف الأفق اختيارات �أخرى؟ و�أنا �أتفق معها متاما عندما تقول �أن هذا هو �أحد االختيارات الواعية التي ميار�سها الإن�سان .فال�شخ�صية لي�ست كيانا جامدا ال يقبل التحوالت ،بل هي كيان ينمو ويتغري ويتطور �إىل الأف�ضل .ال�شخ�صية هي كيان نعيد ت�شكيله طوال الوقت مع كل فعل حر ي�صدر عنا مثلما نعيد ت�شكيل الواقع املحيط بنا مع كل فعل حر. تتناول لطيفة ال��زي��ات ثنائية ال���ض��رورة واحل��ري��ة ،وتو�ضح �أن هذه ال�ضرورات يف �أغلبها موروثة بحكم الرتبية القامعة �إذ �أن «ما من �أحد منا �إال وتربيته مقموعة وقامعة للتوا�ؤم مع الأ�سرة
د�.سحر املوجي
والأب ،والطبقة والبنيان االجتماعي ،واملعلم واحل��اك��م» .حتيط بنا وترتاكم حولنا منذ الطفولة طبقات القمع املتعددة ل�ضرورات اجتماعية و�سيا�سية وثقافية حتددها الثقافة ال�سائدة يف جمتمع ما يف حلظة بعينها� .أما يف حالة الن�ساء فهذه ال�ضرورات تت�ضاعف ب�شكل تلقائي .فالرتبية التي تتلقاها الأنثى يف جمتمعاتنا «تتلخ�ص يف �إلغاء الذات ل�صالح الآخر ،وهو الرجل ،و�إفناء هذه الذات يف الآخر ،بحيث يغيب �صوت الأنثى اخلا�ص ،و�إرادتها احلرة ،وفعلها الإيجابي ،ويغيب باخت�صار كيانها احلر املفرت�ض �أن يقف يف ندية مع كيان الرجل». كثريا ما يتزامن القهر الآتي من خارجنا مع قهر ي�أتي من الداخل. تتحول الذات وقتها �إىل �سجان الذات .يحدث هذا عندما تنزلق �أقدامنا يف ال�شرك القدمي املن�صوب دوما .لقد متثلنا الت�صورات القامعة وقمنا مبهمة القهر جتاه �أنف�سنا .فلو �أنني �صدقت �أنني �أنثى �ضعيفة بحاجة دائمة �إىل حماية رج��ل /جمتمع� /سلطة �أق��وى ،فمن البديهي �أن تتقل�ص قدرتي على الفعل ،ومن ثم لن �أختار �إال القليل ولن �أحلم �إال بالفتات ،وبدال من الفعل �س�أكتفي باالنتظار .عن القهر تقول لطيفة «�أمي ،الأنثى املقهورة ،قهرتني لكي �أتواءم مع جمتمع قاهر ال يتقبل �سوى امر�أة مقهورة .علمتني �أمي �أال �أفعل ،و�أال �أق��ول ،و�أال �أ�صرح ،و�صادرت كل مرة �صوتي قبل �أن يرتفع .باركت �سلبيتي ،وادرج��ت �إيجابيتي يف ن��وع من العدوانية ،علمتني كيف �أبت�سم ،وكيف �أنحني ،وحا�صرت كل مرة غ�ضبي بو�صفه فعال منكرا». �أدرك��ت لطيفة عن طريق الوعي من �أي��ن ي�أتي القهر ،وقاومته. لكن الأم مل تكن لتقاوم قهرا لأنها ال تدرك �أنها مقهورة .ملاذا؟ لأنها ت�صدق �أنها �ضعيفة .وهنا مثل وا�ضح على كون الذات �سجانا للذات .ورحلة املقاومة ال تتبع �أبدا اخلط امل�ستقيم ،الرحلة دوائر
توقعنا يف امل��وروث فنقاوم ونقوم من عرثتنا وق��د اكت�سبنا وعيا جديدا ،ثم نقع مرة �أخرى يف براثن املوروث ونعود للمقاومة. حتكي لطيفة ال��زي��ات عن جتربتي ال�سجن التي تعر�ضت لهما. فقد �سجنت مرة يف العهد امللكي عام 1949حتت ذمة الق�ضية ال�شيوعية ،و�سجنت امل��رة الثانية يف 1981عندما �أ��ص��در �أن��ور ال�سادات قائمة اعتقال �ضمت � 1536سيا�سيا ومفكرا وفنانا ورجال دين وغريهم وكانت التهمة «قلب نظام احلكم» .يف جتربة ال�سجن الأوىل عرفت لطيفة ق�سوة ال�سجن يف زنزانة انفرادية ،كما عرفت �أي�ضا ق�سوة التهمة اجلائرة واملخزية يف املرة الثانية .غري �أنها، بعد جتربتي ال�سجن الفعلي ،ت�ؤكد �أن «�سجن ال��ذات للذات هو �أق�سى �أنواع ال�سجن» .وت�ضيف �أن حلظة ت�صالح يف حرية مع الذات متحي �أثر كل �سنوات املطاردة من ال�سلطة والعقوبات املح�سو�سة وغري املح�سو�سة. �إن احلرية هي �أحد الأهداف ال�سامية التي يجعل ال�سعي نحوها من الإن�سان «�إن�سانا» .وينا�ضل �أ�صحاب الوعي من �أجل هذا الهدف ،ال �شخ�ص فيه حتيد �أعينهم عن احللم بعامل رحب و�إن�ساين ال يقهر ٌ �شخ�ص �آخر ،وال تقهر �سلطة �أو منظومة فكرية بالية جموع الب�شر حتت �أقدامها .رمبا الهدف الأ�سمى �أن ن�صل �إىل ذلك الإدراك الرائع الذي حتكي عنه لطيفة الزيات�« :إن �أحدا مل يعد ميلك �أن ي�سجنني� ،أوق��ل و�أن��ا يف الثامنة واخلم�سني ،و�أن��ا يف طريقي �إىل ال�سجن �أملح حريتي مكتملة يف �آخر الطريق وت�صاحلي مع الذات بعد م�شوار طويل .ولكن مل تكن هذه باحلرية املبذولة وال باحلرية علي وقد طعنت يف ال�سن� ،أن �أعاود بالفعل احلر النهائية .يت�أتي ّ والهادف توكيد حريتي املرة بعد املرة ،بفعل حر بعد فعل� ،سواء متثل هذا الفعل يف موقف �أو كلمة .و�أفقد حريتي يف كل مرة �أقول فيها لنف�سي :طال امل�سار و�آن يل �أن �أ�ستكني»
هنا ..وهناك
المحكي شعر ًا 66 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
املحكي�شعرا ً ملف ال�شعر ال�شعبي
فتحت �آفاق ًا جديدة للق�صيدة النبطية
قراءة في مالمح المدرسة الشعورية في اإلمارات حممد عبد اهلل نور الدين
�شاعر وباحث �إماراتي
ن�ش�أت املدر�سة ال�شعورية �أو الرومان�سية من ذائقة ال�شعراء وجر�أتهم على طرح عواطفهم و�أفكارهم يف الق�صائد بغ�ض النظر عن قبول املتلقي �أو الناقد بذلك. و�سميت املدر�سة بال�شعورية لظهور عواطف ال�شاعر يف ق�صائده �أكرث من �أفكاره ،لذا ن�ستطيع �أن نعرب عن املدر�سة ال�شعورية باملدر�سة الأدبية التي ي�ش ّكل فيها ال�شاعر رابط ًا قوي ًا مع نف�سه وروابط �أقل قوة مع املتلقني والنقاد والق�صيدة.معرفته كي يحتوي �أكرب قدر من العلم باملتلقني والنقاد وطريقة كتابة
ك�سر حواجز املحظور
مل ت � ��أت امل��در� �س��ة ال �� �ش �ع��وري��ة ب��ال �غ��زل يف الق�صيدة ،فهذا الغر�ض ك��ان مطروق ًا يف ال�سابق ،ولكن ج��اءت امل��در��س��ة ال�شعورية بالتجديد يف الغزل و�إبراز جوانب مل يعهدها املجتمع امل �ح��اف��ظ ،وك��ذل��ك ك��ان��ت احل��ال يف الأغ��را���ض الأخ��رى حيث كانت املدر�سة ال�شعورية تك�سر حواجز املحظور با�ستحياء �شديد .فالق�صيدة ال�شعورية يف البدء كانت ت�شبه الق�صائد التقليدية ،ولكن مع مرور الوقت خلعت املدر�سة ال�شعورية كثري ًا من ثيابها التقليدية لتظهر كمدر�سة جديدة يف الق�صائد النبطية. مل ي�ت�م� ّرد ال���ش�ع��راء ال�شعوريون على قيم
وعادات املجتمع لإبراز ق�صائدهم ،كما هي احلال يف �آداب ال�شعوب الأخرى ،وذلك نظر ًا لر�سوخ امل�ب��ادئ والقيم الأ�صيلة يف باطن ال�شعراء �أو ًال ،وعدم وجود القنوات الإعالمية ك�أداة تنقل الق�صيدة �إىل املتلقني ثاني ًا ،حيث كان ال�شعراء وح ّفاظ ق�صائدهم هم الو�سيلة الوحيدة لنقل الق�صائد ،لذا جل�أ ال�شعراء �إىل جتميل ق�صائدهم لك�سب املجتمع بد ًال م��ن ال�ت�م� ّرد وامل��واج�ه��ة املبا�شرة متجنبني الإق�صاء الفوري. �أ�صبحت الق�صيدة عند ال�شعراء ال�شعوريني منفذ ًا �إىل راحتهم النف�سية والتعبري عن الإح�سا�س وامل�شاعر ،ومن الطبيعي �أن جتد ال�شاعر ال�شعوري �أو الرومان�سي متحدث ًا لبق ًا
يف ق�صيدته وهو يخاطب حمبوبه �إن مل يكن كذلك يف واقع الأمر. وقد ظهرت �أوىل مالمح املدر�سة ال�شعورية يف الق�صائد التقليدية لبع�ض ال�شعراء، كال�شاعر �أحمد بو �سنيدة ال��ذي ميكن �أن نعده من �ضمن �شعراء مرحلة االنتقال من املدر�سة التقليدية �إىل املدر�سة ال�شعورية، وهذه ق�صيدة تدل على ذلك «�أحمد بو�سنيدة حياته و�أ�شعاره� ،سلطان العميمي� ،ص :»121
ي� � ��ا ح� �ب� �ي� �ب ��ي ك � �ي� ��ف مم �� �س��اك��م ي� � �ع� � �ل� � �ك � ��م يف خ � �ي � ��ر مت � �� � �س� ��ون� ��ا و� � � ��ش خ� �ل ��ف ي � ��ا زي � � ��ن الم ��اك ��م � � ��ش ال� ��� �س� �ب ��ب يل ب � ��ه ه �ج ��رت ��ون ��ا
المحكي شعر ًا 68 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
ت�صنيف الق�صائد ولي�س ال�شعراء من األساليب التي أبدعها �سقى اهلل ع�صرٍ فات يف غرة ال�صبا �سحابٍ من الغفران بالعفو هطايل نالحظ �أن بو�سنيدة يخاطب املحبوب ب�صورة المدرسة في الشعراء زمان الت�صايف بالت�صايف مع الهوى مبا�شرة ،وهو ما مل يكن متبع ًا عند ال�شعراء الذين �سبقوه ،ول��و �أمعنا النظر يف ق�صائده الشعورية المبالغة في وحكمي على حكم الدهر يا �سعد طايل
لوجدنا مالمح تقليدية كثرية وبع�ض املالمح ال�شعورية امل�ستجدة ،وكذلك احلال مع �شعراء �آخرين يف هذه املرحلة االنتقالية؛ فقد ظهرت يف ق�صائدهم مالمح �شعورية .ولكن كيف ن�ستطيع �أن ن�صف �شاعر ًا بال�شاعر الرومان�سي �أو ال�شاعر التقليدي �إذا كان هذا ال�شاعر ال يزال ي�ستخدم �أ�ساليب املدر�ستني؟ ومن الأف�ضل درا�سة كل ق�صيدة من ق�صائد ال�شاعر على ح��دة ،وت�صنيف الق�صيدة ب��د ًال من ت�صنيف ال�شاعر ب�سبب تطور جتربة ال�شاعر من مرحلة �إىل �أخ��رى .واحلد الفا�صل بني املدر�ستني هو طريقة ت�ن��اول ال�شاعر الق�صيدة ،فال�شاعر التقليدي ي�أخذ دور ال��راوي يف الق�صيدة ،و�إن كان يتحدث عن نف�سه �إال �أنه ُيدخل �شخو�ص ًا �آخ��ري��ن يف ال�ق���ص�ي��دة وي �ت �ح��دث م��ع ال�ع��امل اخل��ارج��ي ،كما الحظنا يف الف�صل ال�سابق، و�أما ال�شاعر ال�شعوري ف�إنه ي�أخذ دور املمثل يف الق�صيدة ويحاور الآخر مبا�شرة من دون �إدخال �شخو�ص �آخرين وب��د ًال من التحدث مع العامل اخلارجي ف�إنه يتوجه �إىل جوارحه وتفاعله مع العامل اخلارجي يكون ب�إ�سقاط م�شاعره على الطبيعة كما �سنالحظ الحق ًا يف هذا الف�صل. و�إن كان ال�شاعر �أحمد بو�سنيدة قد جتاوز دور الراوي ،كما �أ�شرنا يف املثال ال�سابق ،لكنه �أبقى
التأثير على الجوارح لبيان عظمة المحنة التي يعاني منها الشاعر
على كثري من �أ�ساليب التقليديني ،بينما جند ال�شاعر مبارك العقيلي تارة يتقم�ص دور الراوي وتارة �أخرى يدخل �شخ�ص ًا يف ال�سياق ،وهي من �أ�ساليب التقليديني ،ولكنه برز يف ا�ستخدام �أ�ساليب كثرية من �أ�ساليب ال�شعوريني ،وهذا التباين يعود �إىل �شخ�صية ال�شاعر ورغبته يف إ�ح��داث التغيري ومقدرته ،فال�شاعر الأول كان ميلك رغبة قوية يف التغيري ،بينما ال�شاعر الثاين امتلك مقدرة �أكرب ،وا�ستطاع من خالل ا�ستخدام بع�ض �أ�ساليب املدر�سة التقليدية �إدخال �أ�ساليب كثرية من املدر�سة ال�شعورية يف �سياق الق�صيدة ذاتها ،ولنالحظ ذلك يف مقطع من ق�صيدة لل�شاعر الثاين مبارك العقيلي «تراثنا من ال�شعر ال�شعبي ،جمع وحتقيق حمد بو�شهاب� ،ص :»16
�أول بيتني يف هذا املقطع وردا ب�أ�سلوب املدر�سة ال�شعورية من حيث ا�ستعطاف املحبوب ور�سم ال�صورة الفنية داخل اجل��وارح ،بينما يزيد ال�شاعر ق�صيدته بيتني �آخ��ري��ن ب�أ�سلوب املدر�سة التقليدية ،والرجوع �إىل ا�ستخدام الأ�ساليب التقليدية لي�س بظاهرة غريبة ك��ون امل��در� �س��ة ال���ش�ع��وري��ة يف �أدب �ن��ا لي�ست م��در��س��ة ث��وري��ة ت �ه��دم امل��در� �س��ة التقليدية وتبني مدر�سة ج��دي��دة على �أنقا�ضها ،بل هي مدر�سة ن�ش�أت من التطور االجتماعي لبيئة ال�شعراء وم�ستواهم الفكري ،لذا ف�إن امل��دار���س ال�شعرية اجلديدة ال تتخل�ص من �أ�ساليب املدار�س القدمية بل تعود وت�ستخدم هذه الأ�ساليب مرة �أخرى يف �سياق الق�صائد بكل �سال�سة .و�سوف نبد�أ يف عر�ضنا املدر�سة ال�شعورية ب ��إي��راد ال�شواهد م��ن ر ّواد هذه املدر�سة وتابعيها.
ال�صورة الداخلية
على فقدهم �أبكي وال ا�شكي لغريهم توجه تركيز �شعراء املدر�سة ال�شعورية �إىل ّ ع�سى يرحموين وي�سعدوين بالآمايل ر�سم ال�صورة ال�شعرية با�ستخدام ما بني ويل مهجة ٍمهجورة ٍهاجها الأ�سى جوانحهم بعد �أن كانت هذه ال�صور الداخلية وق� �ل ��بٍ ي �ق � ّل��ب ق ��ال ��ب ل ��ه ب ��ول ��وايل نادرة يف املدر�سة التقليدية ،وكانت �أغلب هذه
ال�صور التقليدية تت�شكل من ا�ستعارات ميتة درج النا�س على ا�ستخدامها ،ولكن �شعراء املدر�سة التقليدية و�ضعوها يف قالب �شعري لتجميل ق�صائدهم ،وامل�ث��ال التايل لل�شيخ �صقر ب��ن خالد القا�سمي م��ن ه��ذا القبيل «تراثنا من ال�شعر ال�شعبي ،جمع وحتقيق حمد بو�شهاب� ،ص :»238
هذا الزفري �إىل «اجلمر» يف ال�صورة الثانية ا�شتعا ًال �أك�ثر .ويف املثال التايل لل�شاعر بن عتيق الهاملي نرى ال�شاعر ير�سم �صورة داخلية نابعة من م�شاعره «ديوان بن عتيج� ،ص :»80
ب � � � � � ��اي� � � � � � �ل � � � � � ��ده � � � � � ��ا ي� � �ل� ��اي� � � � ��د ال � � � � � ّن � � � � �ف � � � � ��� � � � ��س ل � � � � � � ��و ت � � � � �ه� � � � ��واك
فال�شاعر ّ ي�شخ�ص النف�س ويهددها باجللد لو ع�صت ال�شاعر لتهوى املحبوب مرة �أخ��رى، واجللد لتهذيب النف�س �صورة رائعة يف التعبري مرتبطة بال�شعور ،وهنا مثال �آخ��ر من �شعر عبيد بن نييال «تراثنا من ال�شعر ال�شعبي ،جمع وحتقيق حمد بو�شهاب� ،ص :»310
املدر�سة ال�شعورية ال تهتم بال�صور اخلارجية و�إمن ��ا يختلف �أ��س�ل��وب امل��در��س��ة ال�شعورية يف طريقة ت�ن��اول العنا�صر اخلارجية كما �سيت�ضح الح��ق�� ًا ،ح�ي��ث اه�ت�م��ت امل��در��س��ة ال�شعورية بال�صورة الداخلية اهتمام ًا خا�ص ًا ح�ت��ى �أ��ص�ب�ح��ت ج��دي��دة مرتبطة بعاطفة ال�شاعر ارتباط ًا وثيق ًا ،لنالحظ هذه ال�صورة لل�شاعر �سعيد بن عتيق الهاملي حني ي�شبه عينه بقربة املاء القدمية «دي��وان بن عتيق، �ص :»123
النف�س يا خالد تناهت همومها وال �ع�ين ع� ّي��ت ع��ن مطاييب نومها والقلبهاجهالعجالوجدوالأ�سى ي � � � � � ��ا ع � � �ي� � ��ن ه� � � � � � ّل � � � � ��ي ه� � � � ّل � � ��ي وال �ك �ب��د م��ا زال� ��ت ت �ك��اب��د غ�م��وم�ه��ا ه � � � � � � ��ل ال� � � � ��� � � � �س� � � � �ع � � � ��ن اجل � � � � � � ��دمي والروح فيها ح�سر ٍة لي�س تنق�ضي ع � � �ل � � ��ى ف� � � ��رق� � � ��ا ْع � � � � � � � ��رب ٍ يل ك��ل م��ا م�ضى ي ��و ٍم جت� �دّد همومها ب �� �س �ت��ان ق �ل �ب��ي � �ص ��اب ��ه ال �ه �ي��ف وم � � � � � �� � � � � � �ص� � � � � ��اف� � � � � ��ات ال � � � � � � ّن� � � � � ��دمي ْ وال�صرب �صدّه �صادع البني وان�صرف ح ��ت ْورق� � ��ه م ��ن رو� � ��س الأغ �� �ص��ان وابقى اجلزع للنف�س دامي ي�سومها نالحظ �أن �شاعرنا برع يف ر�سم �صور خمتلفة لأع�ضائه الداخلية كالنف�س والقلب والكبد وال��روح ،ولكنه مل يخرج من ال�سياق العام لهذه اجلوارح ،فجميع املعاين التي جاءت يف هذا ال�سياق كانت نتيجة لت�أثري �شعوره بالأمل لفقد ابن عمه ال�شيخ حميد بن عبد اهلل بن �سلطان القا�سمي ،و�إن كانت ال�صور مليئة باال�ستعارات الت�شخي�صية والتج�سيمية ف�إن امل�ستمع ال يخرج �إال باملفهوم العام من هذه الأبيات وال�شعور املرهف الذي تخلفه براعة ال�شاعر يف �صياغة جملته ال�شعرية. �أما ال�صور الداخلية يف املدر�سة ال�شعورية ف�إنها تختلف عن ذلك ،كونها تهتم باجلانب الت�صويري بالإ�ضافة �إىل اجلانب ال�شعوري من ال�صورة ،واملثال التايل لل�شاعر مبارك العقيلي �أو�ضح دليل على هذا املعنى «تراثنا م��ن ال�شعر ال�شعبي ،جمع وحتقيق حمد بو�شهاب ،ج� ،2ص :»62
�أردّد زفريي يف �ضمريي ولوعتي وجمر اجلوى والوجد يف القلب وقادي
ف�تردي��د ال��زف�ير يف ال�ضمري ��ص��ورة جديدة ممزوجة بعاطفة ال�شاعر و�شعوره ،حيث يعرب «الزفري» عن ت�أوهات ال�شاعر ولوعته ،وي�ضيف
ولو عقدنا مقارنة بني هذا البيت وبيت لل�شيخ خليفة بن �شخبوط �آل نهيان من املدر�سة التقليدية ،ح�ين ي�شبه حمبوبه با�ستعارة ت�صريحية ،وي�شري �إىل ك�بر �سن املحبوب «�أع��ذب الألفاظ من ذاك��رة احلفاظ ،جمع وحتقيق حماد اخلاطري� ،ص :»137
ي � � � � ��ا ع� � � � � � ��ود ري� � � � �ت � � � ��ك ه � ��اي � ��ف وم� � � � �ن � � � ��ك �� � ْ��س � � �م � � �ط� � ��ت الوراق جند ال�صورة الثانية �صورة خارجية حيث ي�شبه ال�شاعر حمبوبه – عن�صر خارجي - بالعود اخل��ايل من الأوراق ،بينما ال�صورة الأوىل �صورة داخلية حيث ي�شبه ال�شاعر قلبه – عن�صر داخلي -بالب�ستان الذي �سقطت �أوراق �أ�شجاره ،وهذا االختالف الب�سيط ال يبدو مهم ًا للوهلة الأوىل ،لكن مع قليل من التق�صي ،جن��ده ظاهرة مهمة يف التفريق بني املدر�ستني ال�شعريتني ،وال �أعني بهذا �أن
يأخذ الشاعر التقليدي دور الراوي ويُدخل شخوص ًا آخرين في القصيدة ،أما الشاعر الشعوري فيأخذ دور الممثل ويحاور اآلخر مباشرة
فالقربة القدمية «ال�سعن اجلدمي» هنا توحي ب��ال�ع�لاق��ة ال �ق��دمي��ة ب�ين ال���ش��اع��ر وال �ع��رب املرحتلني بالرغم من عدم ورود هذا املعنى يف �سياق الق�صيدة ،و�أي�ضا توحي بالعط�ش يف مو�سم ال�صيف ،مع �أن الت�شبيه ورد لبيان غزارة مدامع ال�شاعر ،وتكرار «ه ّلي» قبل ورود ال�صورة �أ�ضاف �إىل انهراق املاء من القربة، وكلها �إي�ح��اءات ترتبط ب�شكل من الأ�شكال باملو�ضوع ولي�ست �صور ًا فنية مقحمة .لكن درج كثري من ال�شعراء ال�شعوريني على تكرار بع�ض ال�صور الداخلية لقلة مقدرتهم يف ا�ستح�ضار �صور جديدة لر�سم م�شاعرهم اجل�ي��ا��ش��ة ،فل�صعوبة ا�ستح�ضار ال�صور اجلديدة ذهب ال�شعراء �إىل جتديد ال�صور ب�إدخال �صور �أخرى يف ال�سياق ،كما يف املثال التايل لل�شاعر علي بن قنرب «علي بن قنرب حياته و�شعره� ،ص :»127
دواليب فكري �أ�ضرمت بارد �أنفا�سي و�صربي على الأ�صبار �أق�سا احلجر قا�سي
فلو �أمعنا النظر يف هذا املطلع لوجدنا �أن جميع ال�صور مطروقة �سابق ًا ،ولكن ال�شاعر برع يف دمج �صورته التقليدية «دواليب فكري» با�ستعارة �صفة النار لها يف «�أ�ضرمت» لت�شتعل يف «بارد �أنفا�سي» ،وهذا التوليفة اجلديدة غريت مالمح
المحكي شعر ًا 70 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
ال�صورة التقليدية لت�صبح �صورة �أكرث ارتباط ًا بعواطف ال�شاعر بد ًال من االرتباط بفكر املتلقي.
الت�أثري على اجلوارح
جددت المدرسة الشعورية في الغزل وأبرزت جوانب لم يعهدها المجتمع المحافظ في الكثير من األغراض األخرى
م��ن الأ��س��ال�ي��ب ال�ت��ي �أب��دع �ه��ا ال���ش�ع��راء يف املدر�سة ال�شعورية املبالغة يف الت�أثري على اجل ��وارح ،لبيان عظمة املحنة التي يعاين منها ال�شاعر ،كما يف املثال التايل لل�شاعر علي بن قنرب «تراثنا من ال�شعر ال�شعبي ،جمع ع � �ط � �ي� ��ت ك � �� � �س� ��ر ال � �ع � �� � �ض� ��اي� ��د وحتقيق حمد بو�شهاب� ،ص :»127 ري� � � � � � � � � ��ل ٍ مت � � � �� � � � �ش� � � ��ي ج � � � � � � ��داك
ويل مقلة ٍ حمرا �إذا �سال موقها كما النار يح�شيها غ�لا ٍم مبندا�سي وه��ذا املعنى ال ي�صل �إليه ال�شاعر �إال ب�سبب غ�ضبه ،كما هو احلال مع بن عتيق يف البيت فال املاي يطفيها وال بارد الرثى �إذا كان يزغاها �صليبٍ م ِ االكوا�سي ال�سابق بعد �أن قرر ترك حمبوبه ،ولكن ت�أثريات
وهذه املبالغة يف الو�صف ن�ش�أت ب�سبب زيادة حدة تفاعل ال�شاعر مع نف�سه كون الق�صيدة يف املدر�سة ال�شعورية لإر�ضاء ذات ال�شاعر، ورمب��ا يتفاعل ال�شاعر مع نف�سه كي يحقق هذه املبالغة يف ق�صائده ،كما نالحظ ال�شاعر �أحمد بو�سنيدة يف املثال التايل:
ف�صل عظامي وال ابقى قلت الهوى ّ يل مف�صل ٍ �صاحي �إىل من �أد ّري��ت
العلل النف�سية ال تكون ع�ضوية بال�ضرورة، فرمبا تتطور العلل النف�سية التي يت�أثر ال�شاعر بها نف�سي ًا بالتوهّ م والتوتر واجلنون كما يح�صل مع ّ الع�شاق ،ولكن هذه النتائج ال تظهر ب�صورة دائمة على ال�شاعر بل هي م�ؤقتة يف ق�صيدته �أو قبل الق�صيدة ،كما حدث مع بن عتيق حني �صاحت �أذن��ه ،وهي �إ�شارة �إىل �أن هناك من يذكره عند عامة النا�س «تراثنا من ال�شعر ال�شعبي ،ج� ، ،2ص :»41
التفاعل يف النوم واليقظة ،كما يقول ال�شاعر بن عتيق �أي�ض ًا يف ق�صيدة �أخرى «ديوان ابن عتيج� ،ص:»68
ف � � � � � � � ��ز ّي � � � � � � � ��ت ف � � � � � � � � � � ��زة غ� � � � � ��ايف يل يف ن� � � � � � � � ��وم� � � � � � � � ��ه ده� � � � � � ��م � � � � �ص� � � ��اب ال � � �ق � � �ل� � ��ب اخ � � �ت �ل ��ايف �أم � � � � � � � � � � � � � � ��ر ٍ م � � � � � � � � ��ا ي � � �ن � � �ك � � �ت� � ��م � � � � �س� � � ��رت ان � � �� � � �ش � � ��د ال � � � � �ع � � � � � ّرايف ع � � � � � � � � ��ن م� � � � � � � ��وف� � � �ي� � � ��ن ال � � � � � � � � ��ذمم
الحظنا كيف يفز ال�شاعر من نومه وي�س�أل عن حمبوبه ،بينما يذهب ال�شاعر جويهر �إىل �أب �ع��د م��ن ذل ��ك ب�ع��د �أن ج�ث�م��ت على �صدره الكوابي�س «�أعذب الألفاظ من ذاكرة احلفاظ� ،ص :»231
ع � � �ي � � �ن� � ��ي ْت � � � � � �غ � � �ّي � ��رّ ن� � �ظ � ��ره � ��ا وح � � � � � �ل � � � � � �م� � � � � ��ت �إين ك� � �ف� � �ي � ��ف ْ ف� � � � � � ّزي � � � � ��ت �أب� � � � � �غ � � � � ��ي خ� �ب��ره� � ��ا ْم� � � � � � � � � � � ��ن امل � � � � � � � � �ن� � � � � � � � ��ام خْم� � � � �ي � � � ��ف و� � � � �ص� � � ��رت ات � � �ث � � ��اق � � ��ل وزره � � � � ��ا ت � � � � �� � � � � �ش� � � � ��وف يل م � � � � � � ��ا �� � �ش� � �ي � ��ف
وي�صل �أثر هذه ال�ضغوط النف�سية �إىل م�ستوى �� � �ص� � �ح� � �ت � ��ي وان� � � � � � � ��ا مم� � �ح � ��وين ال�ه��ذي��ان واجل �ن��ون املفتعل ،كما حت��دث يف م � � � � � ��ن ر ّي � � � � � � � � � � � ��ان ال � � �� � � �ش � � �ب� � ��اب �إ�سقاطات كثرية حني يخاطب ال�شاعر غري فال�شاعر بو �سنيدة ال ي�شتكي هنا من علة ع�ضوية يف الأ�صل ،فعلته بد�أت نف�سية �إىل �أن ط � � � � � � ��رى اهلل يل ط � � � � ��روين عاقل كالطري يف املثال التايل: ّ ب� � � ��احل � � � �� � � � �س � � � �ن� � � ��ه وال� � � � � � � � � ّث � � � � � � � ��واب ي � � ��ا ط� �ي ��ر � � �س � �ل � ��م ع احل� �ب� �ي ��ب ت�أثرت �أع�ضا�ؤه بها ،وهذه العلل النف�سية هي التي �أدت �إىل ظهور تلك العلل الع�ضوية التي ق� � � ��ل ل� � � ��ه ت� � � � � � ��راين م� ��� �س� �ت� ��� �ص� �ي ��ب حتدّث عنها ،ويف املثال التايل جند ال�شاعر ولكن يبقى هذا التوهّ م من ت�أثريات العلل بن عتيق الهاملي يذهب �أبعد من ذلك ويرجو النف�سية وزيادة حدة التوتر التي يعاين منها وح�ت��ى ح�ين يفتعل ذل��ك م��ع خم��اط��ب عاقل ال�شاعر حتى ت�صل به �إىل �أق�صى درج��ات كاملحبوب يف املثال التايل لل�شاعر �سعيد بن لنف�سه ال�ضرر «ديوان بن عتيج� ،ص :»80
في المدرسة الشعورية ّ شكل الشاعر رابط ًا قوي ًا عتيق حني �سمع حمبوبته وه��ي تنادي ابنها مع نفسه وروابط أقل �سعيد داخ��ل املنزل وهو مير من خ��ارج �سور قوة مع المتلقين والنقاد املنزل لين�شد قائ ًال «ديوان بن عتيج� ،ص :»243 والقصيدة ي� � � � � ��ا ع� � � � � � � ��ون م� � � � � ��ن ن� � � � � � � ��ادايل
املدر�سة ال�شعورية يف ال�شعر النبطي مل يكن دخو ًال ثوري ًا يهدم الأ�ساليب القدمية ،بل كان الدخول �إىل ميدان ال�شعر ال�شعبي تدريجي ًا، لنالحظ مثا ًال �آخر لل�شاعر بن عتيق الهاملي «ديوان بن عتيج� ،ص :»243
ب� � � ��ا� � � � �س � � � �م� � � ��ي ول� � � � � � � � ��و غ � � �ل � � �ط� � ��ان وذ ّك � � � ��رين ه � � ��واي وزاد م� ��ا ب��ي ح � �م ��ام ٍ ن� � ��اح يف رو� � � ��س ال� � � ّرواب � ��ي �أ� � � �ص � � �ب � � �ح� � ��ت ي � � � ��ا �� � �ش� � �ق � ��راي � ��ه غ� � �ل� � �ط � ��ة م � � � ��ع ال� � � �ل � � ��ي � � �س� ��ايل ع � � � � � �ي� � � � � ��لٍ ع � � � � �ل� � � � ��ى امل � � � � �� � � � � �س� � � � ��راح و�إال م � � � � � �ع � � � � ��ي وق � � � � � �ظ � � � � ��ان ح� �م ��ام ٍ ف �ي��ه خم �ت �ل��ف ال �ل �ح��ون ح� ��زي� ��ن ٍ م �� �س �ت �ل �ي��ع و �� �ش ��ي راب� ��ي وي � � � �ل� � � ��اك ه� � � � ��ب ع ال � � �غ � ��اي � ��ه وال�شاعر �سعيد بن عتيق بردة فعله الال�إرادي م� � � � � ��ا م� � � � � ��ن ع � � � � �ظ� � � � ��ام �� ْ� ��ص � � �ح� � ��اح �أو املفتعل ه��ذه يحقق درج��ة م��ن درج��ات ويف مواقف �أخرى ،كما الحظنا �سابق ًا ،ي�أخذ �� � � �ص � � ��اب � � ��ك وزا �� � � �ش � � ��رواي � � ��ه ()2 م � � � � ��ن ب � � � � ��و ه� � � � � � ��دب ن� � � � �� � � ّ� ��ش � � � ��اح التفاعل العالية مع املخاطب العاقل ،وميتد ال�شاعر التقليدي دور املبادر ويطلب القلم كي هذا التفاعل �أي�ض ًا لي�شمل عنا�صر الطبيعة احلية واجل��ام��دة ،كما �أ�شرنا �سابق ًا وكما �سن�شري �إليها يف الفقرات التالية حني ن�أخذ املو�ضوع من زاوية جديدة.
الإ�سقاط
حني ي�سقط ال�شاعر م�شاعره على الطبيعة املحيطة ب��ه ف ��إن ه��ذا الإ��س�ق��اط يعد تفاع ًال خ��ارج�ي� ًا ي �ح��اول ال�شاعر م��ن خ�لال��ه �إف ��راغ ال�شحنات الداخيلة التي يعاين منها .وهذا الإفراغ يكون ب�إ�شراك الآخر غري العاقل �سواء كان بالتحدث معه �أو ب�إظهاره مت�أثر ًا باحلالة العاطفية التي ر�سمها ال�شاعر يف الق�صيدة� ،أما ال�شعراء يف املدر�سة التقليدية يت�أثرون بعوامل خارجية كهبوب الرياح مث ًال ويح ّرك م�شاعرهم هذا الت�أثر ،كما يف املثال التايل لل�شاعر بن عتيق الهاملي وهو يخاطب ن�سيم الكو�س بعد �أن �أح�س بحرارتها «ديوان بن عتيج� ،ص :»103
ي � � � ��ا ال� � � �ك � � ��و� � � ��س امل � �� � �س � �ت � �ط � � ّل� ��ي ح� � � � � � � � � � � � � � ّرك � � � � � � � � �س � � � � � � � � ّوى ك � � � �ت� � � ��ام
�أو يت�أثر ب�ـ«ن��وح احل�م��ام» بعد ت��أث��ره بهبوب الرياح ،كما يف املثال التايل لل�شاعر املاجدي بن ظاهر رائد املدر�سة التقليدية «تراثنا من ال�شعر ال�شعبي ،ج� ،1ص :»41
يبد�أ بالكتابة �أو يطلب من الراحلني التو ّقف كي ير�سل معهم ر�سالته ،بينما ال�شاعر يف املدر�سة ال�شعورية ال ينتظر عوامل خارجية كي يت�أثر بل يركز على نقل ت�أثريه �إىل عنا�صر خارجية ،كما يف املثال التايل لل�شاعر �سعيد بن عتيق حني يقف منتظر ًا هبوب الرياح الغربية بد ًال من �أن يخاطبها بعد �أن ت�صل «ديوان بن عتيج� ،ص:»105
ففي هذا املثال ي�س�أل ال�شاعر ناقته عن �سبب عجلتها ،ويجيب بالنيابة عنها ويقول :ك�أنك �أ�صبت مبا �أ�صبت من ذات الرمو�ش الطويلة �أو «بو هدب ن�شاح» بتعبري �أدق ،وبالت�أكيد ال حتمل ناقة ال�شاعر كل هذه امل�شاعر ،ولكن ال�شاعر ي�سقط م�شاعره على هذا املخاطب، ويف مثال �آخر جند ال�شاعر جويهر ال�صايغ يذهب �أبعد من ذلك وي�سقط م�شاعره على خماطب جامد كالق�صر:
ي��ا غ��رب��ي الهبايب ..خ��ذك اهلل و� � � � � � � ��ش ف � � � �ي� � � ��ك م� � � � � ��ا ه � �ب � �ي� ��ت ي � � ��ا ق � �� � �ص� ��ر ا� � � �ش� � ��وف� � ��ك ك� ��اب� ��ي �أرق � ��ت ج �ف��ن ٍ ذاي� ��ب ..ع� � ّز اهلل ال ن � � � � � � � � � � � � ��ور وال �� � � �س� � � �ف � � ��ر م� � � � � � ��ا ب� � � � � ��ال � � � � � � ّن� � � � � ��وم اه � � �ت � � �ن � � �ي� � ��ت وال ل� � � � ��ك ن � � � � � ��دمي ْم � � �ن � ��اب � ��ي ي� � � � � � ��ا � � � � � � �ص � � �ب � ��رك ع ال � � �ه � � �ج� � ��ر ن�لاح��ظ اخ �ت�لاف � ًا يف ال�ت�ع��اط��ي م��ع ال�ع��امل اخل ��ارج ��ي م ��ن ال �� �ش��اع��ر وب ��أ� �س �ل��وب�ين يف ت � � �ل � � �ع� � ��ب ف� � � �ي � � ��ك ال� � � �غ � � ��راب � � ��ي ح� � � � � � � �ت � � � � � � ��ى ح � � � � � � � � ��ال � � � � � � � � ��ك ع � �ب ��ر مدر�ستني خمتلفتني ،حيث ك��ان يف املثال الأول مت�أثر ًا بت�أثري هبوب ن�سيم الكو�س ،و ْذك � � � � � � � � � � � ��رت ق� � � �ل � � ��ب ٍ ذاب � � � � ��ي ويف املثال الثاين مت�أثر ًا قبل هبوب الرياح م � � � � � �ت � � � � � �ع � � � � � � ّل� � � � � ��ل م� � � � � � � � � ��ن ده � � � � � ��ر الغربية �أي �أنه �أ�سقط م�شاعره على الرياح وج� � � � � � � ��اوب ب� � ��� � �ص � ��وت ٍ غ� ��اب� ��ي الغربية كونها مل ت�أت �إىل ال�شاعر كي ت�ؤثر ك � � � � � �� � � � � � �س� � � � � ��ري م� � � � � � � � ��ا ي � � �ن � � �ج �ب ��ر عليه ،وا�ستخدام ال�شاعر ال�شعوري لأ�ساليب وت � � �ن � � �� � � �ش� � ��دين و�� � � � � ��ش ت � �ب� ��اب� ��ي املدر�سة التقليدية �أمر غري غريب ،فدخول وان � � � � � � � � �ت � � � � � � � ��ه م � � � � � �ع� � � � � ��ك اخل � � �ب � ��ر روح �� � � �ش� � � �ي � � ��خ اجل� � � �ن � � ��اب � � ��ي اهتمت المدرسة ()3 خ� � � � � � ��ذ م� � � � � � ��ا ب � � � � � �غ � � � � ��اه وزر
ي� � ��ذ ّك� � ��رين �إىل م � � ّن� ��ي ط �ل �ع��ت الشعورية بالصورة ع� �ل ��ى درب ٍ رف � �ي� ��ع ال� �ب� �ن ��ي ن��اب��ي الداخلية اهتمام ًا خاص ًا ت �ل �ي��ب ال� � ّري ��ح م ��ن ك ��ل ال �ف �ي��وي حتى أصبحت جديدة ت �ن ��� ّ�س �ف �ه��ا ال� ��� �ش ��راج ��ي وال� �غ ��راب ��ي مرتبطة بعاطفة الشاعر ارتباط ًا وثيق ًا
نالحظ �أن ال�شاعر يخاطب عن�صر ًا جامد ًا من عنا�صر الطبيعة وهو الق�صر ،وي�س�أله عن �سبب حتمله الهجر والوحدة ك�أن للق�صر �شعور ًا
المحكي شعر ًا 72 الـعــــدد 158 ديسمبر
ال � � ��روح ل� � � �ـ � � ��ه ول� � � �ـ� � � �ـ� � � �ه � � ��ان � � ��ه ووق� � � �ـ� � � �ـ� � � �ت� � � �ـ� � � �ـ � � ��ي دون� � � �ـ � � ��ه ق� � � �ـ � � ��زر ب� �ـ� �ـ� �ت� ��� �ص ��ح ل� �ـ ��و ت� �ـ� �ع� �ـ� �ب� �ـ� �ـ ��ان� �ـ� �ـ ��ه �أن� � �� ش� � �ـ� � �ـ � ��اف� � �ـ� � �ـ� � �ت � ��ه م� � �ـ� � �ـ� � ��� � �س �ت��ر
2012
ن�لاح��ظ «ال �ن��وق احل �ن��ان��ه» ال �ت��ي ت�ع�بر عن عواطف ال�شاعر يف البيت الرابع مع ورود �أ�سباب ذلك ،لذا ف�إن هذا الإ�سقاط حدث ب�إرادة ال�شاعر. بينما الق�صيدة التالية وهي لل�شاعر جويهر �أي�ض ًا ال يبحث فيها ال�شاعر عن �إجابة ،كما كان يبد�أ ق�صائده ال�سابقة ،وال ي�أتي بتربير لل�سحب التي بللت �أرا�ضيه ،لذا ف�إننا ن�ستطيع التعبري عنه بالإ�سقاط الال �إرادي:
و�أحا�سي�س ،وهذا الت�شخي�ص كان ل�سبب مهم وهو اختيار الق�صر كمخاطب ي�شارك ال�شاعر الهموم ،لذا ن�شاهد ال�شاعر وهو يرى الق�صر وحيد ًا يتحمل الهجر ،بينما يرى نف�سه وحيد ًا ال يقوى على الهجر ،وهذا التفاعل ال�شعوري مع العامل اخلارجي لهو دليل على تفاعل املدر�سة ال�شعورية مع الآخر مب�شاعرها ،بالإ�ضافة �إىل فكرها ،ففي الق�صيدة ال�سابقة وجدنا ال�شاعر يكمل احلوار حني يجيب على ل�سان الق�صر وقلبه مع ًا يف مت��ازج فني جميل ليربر لهما ب�إي�ضاح الأ�سباب التي كانت وراء الك�آبة التي يعانينها. يعد الإ�سقاط يف منظور علم النف�س حيلة دفاعية ال �إرادية و�أ�سلوب ًا لتخفيف العنا�صر النف�سية امل��ؤمل��ة وامل ��ؤث��رة على ال�شعور ،كما يقول �سيجموند فرويد ،ولكن �أغلب �إ�سقاطات ال�شعراء �إرادي��ة .ومن منظوري النقدي �أرى �أن ال�شاعر حني ي�سقط م�شاعره على عامله اخلارجي وي�أتي بتربير معني ف�إنه ينطلق من
منطلق �إرادي ،بينما حني ال ي�أتي بتربير ف�إن املنطلق ال�ل�ا�إرادي ك��ان هو احلاكم .لنقر�أ الق�صيدة التالية لل�شاعر جويهر ال�صايغ ون�شري �إىل املعنى املق�صود يف الفقرة ال�سابقة مرة �أخرى:
ي � � � � ��ا ن � � � � ��وق ي � � � � ��ا ح� � � � � �ن � � � � ��ان � � � � ��ه م � � ��ا ب� � � �ـ� � � ��� � � �س � � ��ك م ال� � � �ه� � � �ـ� � � �ج� � � �ـ � � ��ر ح� �ـ� �ن� �ـ� �ـ� �ي� �ـ� �ن ��ك م� �ـ ��ن م� �ـ� �ـ� �ه ��ان ��ه ل � � ��و ب � � ��ك ف � � ��رق� � � �ـ � � ��ا� � � �� ش� � � �ج� � � �ـ � � ��ر ق � �ـ� ��ال � �ـ � �ـ� ��ت ذك� ��رت� أوط � �ـ � �ـ� ��ان � �ـ � �ـ� ��ه ب � � � � �ـ� � � � ��و زاف � � � � �ـ � � � � �ـ� � � � ��ات� � � � � � س � � � � �م� � � � ��ر ل� �ـ� �ـ ��ي م� �ـ� �ـ ��ا واق ��ع ج� �ـ� �ي� �ـ ��ران� �ـ ��ه وال ح � � �ـ � � �ـ � � �� � � �س � � �ـ � � �ـ� � ��ه ن � � �ـ � � �ـ � � �ه � � �ـ � � �ـ� � ��ر راع � ��ي وف � ��ا و�� � �ض� � �ـ� � �ـ� � �م� � �ـ� � �ـ � ��ان � ��ه وي� � � �ـ� � � �ـ� � � ��� � � �س � � ��وي ل� � � �ـ � � ��ي ق� � � �ـ� � � �ـ � � ��در ا ن جــا ا لـو عــد ميـحـا نـه م � � � �ـ� � � ��ا يل ع � � � �ن � � � �ـ� � � ��ه� � � � � ص � � � �ب � � � �ـ� � � ��ر
�آفاق جديدة للق�صيدة النبطية يعد الإ�سقاط من �أهم �أ�ساليب املدر�سة ال�شعورية ،فبعد �أن كان ال�شعراء يف املدر�سة التقليدية يت�أثرون بالعوامل اخلارجية كـ «هبوب الرياح» و«�سجع احل�م��ام» و«ه�ط��ول الأم�ط��ار» ابتدع �شعراء املدر�سة ال�شعورية �أ�سلوباً جديداً بالبحث عن هذه العوامل وعوامل �أخرى ي�ؤثرون فيها مب�شاعرهم بد ًال من الت�أثر بها ،وهذا الأ�سلوب اجلديد فتح �أفقاً جديداً للق�صيدة النبطية.
يـا � سحـب يـا منهـلـه . .مبتـلـه ق � �ب � �ـ � �ل � �ـ� ��ك الأرا�� ��ض ب � �ـ � �ي � �ـ� ��وم جال�س� أحم�س الدله..يف الظله ع� � ��ن ح� � ��رات ال � � �� � � �س � � �م� � ��وم حكي الدليه� أفطن له..وابخن له واخ � � �ف � ��ي ع � � �ن � ��ه ل � � �ع � � �ل � ��وم و ا للي � شكا متو له . .و به خله ك� �ي ��ف ي� ��� �ص� �ط� �ـ ��اب وي� �ق� �ـ ��وم ر و حي تنو ح م�ضله . .معتله م ��ن ب� �ـ ��و خ� ��� �ص� �ـ ��ر م� �ه� ��� �ض� �ـ ��وم ويعد الإ��س�ق��اط م��ن �أه��م �أ�ساليب املدر�سة ال�شعورية ،فبعد �أن كان ال�شعراء يف املدر�سة التقليدية يت�أثرون بالعوامل اخلارجية كـ«هبوب الرياح» و«�سجع احلمام» و«هطول الأمطار» نرى �أن �شعراء املدر�سة ال�شعورية ابتدعوا �أ�سلوب ًا جديد ًا بالبحث عن هذه العوامل وعوامل �أخرى ي�ؤثرون فيها مب�شاعرهم بد ًال من �أن يت�أثروا بها ،وهذا الأ�سلوب اجلديد فتح �أفق ًا جديد ًا للق�صيدةالنبطية.
اال�ستعطاف واخل�ضوع
�أ�شرنا �سابق ًا �إىل زيادة درجة التفاعل ال�شاعر مع مو�ضوعه حتى ت�ؤثر على �أع�ضائه الداخلية واخلارجية ،وعندما ي�صل الت�أثري �إىل درجة
نف�س ان�ت��ه وليها عالية جد ًا جند ال�شاعر ي�ست�سلم يف بع�ض �إرح ��م حبيبي ٍ الأحيان ل�ل�أمل ،وال يتحمله ويلج�أ �إىل طلب ع � ��زي � ��زة ٍ ذ ّل� �ل � �ت � �ه ��ا وا�� �س� �ت ��ذ ّل� �ي ��ت اهتم �شعراء امل��در��س��ة التقليدية باملنطق
املنطق ال�شعوري
العطف كما يف الق�صيدة التالية لل�شاعر علي بن قنرب حني جنده يخاطب طائر ًا ويقول له �أن يبلغ املحبوب با�سرتحامه «علي بن قنرب حياته و�شعره �ص :»234
و�أي�ض ًا فالت�أثري على املخاطب وطلب العطف لي�س دائم ًا الهدف من هذه املبالغة ،فال�شاعر يرى يف بع�ض الأحيان نف�سه ،كما يف املثال التايل لل�شاعر �أحمد بو �سنيدة فداء ملحبوبه «�أح�م��د بو�سنيدة حياته و�أ��ش�ع��اره� ،سلطان العميمي� ،ص :»132
ت��راين منك م�صطاب وعويجي �رح ��م ب ��ي ف��دي �ت��ك ي ��ا ��ص��دي�ج��ي ت� ّ ن�سل الج��واد ب��و خ�صرٍ دجيجي مك�سر يل عظامي تك�سري � �ص �غ�ي�ر ال� ��� �س ��ن ع � ��ود اخل � �ي� ��زراين هريه ّ م�ضنون عيني يل ب��روح��ي �أف��ادي��ه �إىل �أن ي�صل يف الأبيات التالية �إىل الهدف احلقيقي الكامن وراء ه��ذا اال�سرتحام �أو اال�ستعطاف «علي بن قنرب حياته و�شعره �ص :»234
ع �� �س��اه ْي� �ل�ي�ن ق �ل �ب��ه ل ��ك ي� ��ردّي ي �ل��ي م ��ن ي �ي��ت � �ص��وب��ه م �� �س�ت�ردّي ت ��رى االن �� �س��ان يل � �ص��ايف ي ��ردّي �إىل �� �ص ��اف ��اك �� �ص ��اف ��اك ال ��زم ��اين فكما الحظنا ف��إن جلب انتباه املخاطب �أو �إي�صال امل�شاعر لي�س هدف ال�شاعر فقط، بل يذهب �إىل �أبعد و�أع�م��ق من ذل��ك ،وهو بناء �أو �إ�صالح عالقته الوجدانية مع حمبوبه لي�ستقر نف�سي ًا .ويرى ال�شاعر هذا نوع ًا من اخل�ضوع ولي�س مذلة ،كما يقول ال�شاعر علي بن قنرب �أي�ض ًا يف هذا املعنى «علي بن قنرب حياته و�شعره �ص :»234
�سمعت ال�ق��ول افهم ل��ه و�سر له �إىل م� ��ن ج �ي ��ت ن ��ا� �ص ��ي ل �ل �م �ح � ّل��ه ترى االن�سان يخ�ضع هب مذ ّله الج� � ��ل ي � �ه� ��واه م � �ف� ��رود ال� � ّث� �م ��اين
ولكن �شاعر ًا �آخ��ر ي��رى يف جت��ايف حمبوبه وك�ثرة خ�ضوعه م��ذ ّل��ة ،ولعلو ق��در حمبوبه ي�ط�ل��ب ع�ط�ف��ه وي���ش�ك��و م��ن ه ��ذا ال �ت��ذ ّل��ل، وال�شاعر هو �أحمد بو �سنيدة «�أحمد بو�سنيدة حياته و�أ�شعاره� ،سلطان العميمي� ،ص :»121
خ � ّل �ي �ت �ن��ي ج� � ّث ��ه ب�ل�ا روح ف�ي�ه��ا وان � � ��ا ب � �ع� ��دين احل � �ي� ��اه ا� �ش �ت �ه �ي �ه��ا
وهنا �إظهار الت�ضحية والفداء نوع من الت�أثري على املخاطب ،ولكن ال�شاعر يريد الو�صول هنا �إىل �أق�صى درجة من درج��ات التفاعل بفناء الذات لأجل املحبوب. وباخت�صار ف�إن طلب العطف واال�سرتحام من املحبوب مل يكن �أ�سلوب ًا يف املدر�سة التقليدية، ولكن �شعراء املدر�سة ال�شعورية فتحوا حوار ًا مبا�شر ًا مع املحبوب يف ق�صائدهم ،وهذا احل��وار مل يكن املجتمع املحافظ ليقبل به ل��وال براعة ال�شعراء يف الت�صوير الداخلي واملبالغة والتفاعل يف �إظهار م�شاعرهم وبيان م��دى ت�أثري كل ذل��ك على جوارحهم ،حتى �أ�صبح طلب العطف من املحبوب من املحاور التي ي�سمح بالإف�صاح عنها يف الق�صيدة، بعد �أن ك��ان ه��ذا الأ�سلوب غري مقبول من �شعراء املدر�سة التقليدية ،ويعد ركاكة يف املعنى ب�سبب عدم تنا�سقه مع طبيعة عر�ضه �أم ��ام ال�ع��ام��ة ،وه��ذا ك��ان املحك الأه ��م يف تقييم الق�صيدة يف املدر�سة التقليدية.
فتح شعراء المدرسة الشعورية حوار ًا مباشر ًا مع المحبوب في قصائدهم وهو أمر لم يكن المجتمع المحافظ ليقبل به لوال براعة الشعراء في التصوير الداخلي
العقلي لعباراتهم ،كما هي احلال يف اخلطابة وال�ن�ثر� ،أي �أن ال�شعراء رك��زوا على توافق معانيهم يف امليزان العقلي ،فلكل �سبب نتيجة وال�شواهد دالئل �إثبات وت�أكيد للمو�ضوع وه ّلم جرا مع باقي الأ�س�س املنطقية ،فالق�صيدة التقليدية ال تخرج من �سياق املنطق العقلي. �أم��ا ال�شعراء يف امل��در��س��ة ال�شعورية فقد خرجوا يف حاالت كثرية من املنطق العقلي وباتوا ي�ستخدمون �أ�ساليب كثرية ال ت�ستقيم �أمام العقل ،بل �أمام �شعورهم وعاطفتهم، ويف ه��ذا املعنى ي�ق��ول ال�شاعر خلفان بن يدعوه املهريي يف ق�صيدة م�شهورة «خم�سون �شاعر ًا من الإمارات� ،ص :»108
المحكي شعر ًا 74 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
�أدع� � � � � ��ي ع� �ل� �ي� �ك ��م م� � ��ن غ�ل�اك ��م الشاعر في المدرسة و�إال ع � � �ل � � � ّي� � ��ه م� � � � ��ا ت� � �ه � ��ون � ��ون الشعورية ال ينتظر ي � �ع� ��ل ال � � �ع� � ��دو ي � ��دف � ��ع ب�ل�اك ��م ي � � �غ � � �ي � � ��ب وان � � � � � �ت� � � � � ��و يل مت� � � ��ون عوامل خارجية كي يتأثر بل يركز على نقل تأثيره ح�صل طبيب ٍ مداوي حمزون ما ّ ل ��و ع ��اجل ��وه ازداد وج� ��د وب�ل��اوي إلى عناصر خارجية
ي�صبح ومي�سي بالقوا دوم طاوي ال ي�ه�ت�ن��ي ب��اك �ل��ه وال ع��وق��ه ي�ه��ون حتى يظهر على �أع�ضاء ال�شاعر يف الأبيات
ففي امليزان العقلي ال ن�ستطيع �أن ن�أخذ ه ��ذا امل�ع�ن��ى ب �ج��دي��ة ،ف��امل�ح��ب ال يتمنى ال �� �س��وء مل�ح�ب��وب��ه وي �� �ض��ع حم�ب�ت��ه ت�بري��ر ًا لهذا الفعل ،كما فعل �شاعرنا يف مطلع ق�صيدته ال�سابقة ،وهذا الأ�سلوب اجلديد يف املدر�سة ال�شعورية اعتمد عليه عدد كبري من ال�شعراء حني عجزوا عن �إقناع نزعاتهم النف�سية باملنطق العقلي ،وهذا املنطق ال�شعوري اجلديد ن�ش�أ من طبيعة ال�ن�ف����س ال�ب���ش��ري��ة وم���ش��اك�ل�ه��ا النف�سية املعروفة التي متتد وت�صل �إىل �أع��را���ض ج�سدية ،كما ي�شري ال�شاعر علي بن قنرب «علي بن قنرب حياته و�شعره� ،ص :»243 فكما نالحظ ف ��إن احل��زن وه��و حالة من احلاالت النف�سية العادية يتفاقم ت�أثريه
ال�سابقة ،وال يكتفي ال�شاعر بهذا الت�أثري بل ي�ضيف �إىل املعنى منطق ًا �شعوري ًا يف «لو عاجلوه ازداد وج��د وب�ل�اوي» فمن منظور املنطق العقلي ف ��إن العالج يزيل املر�ض، ولكن يف ه��ذا ال�سياق جند العالج ي�سبب �أمرا�ض ًا �أك�ثر خطورة ناهيك عن التهيئة اجلميلة التي و�ضعها ال�شاعر قبل ذلك يف ح�صل طبيب ٍ م ��داوي» ك��أن «حم��زون م��ا ّ للحزن �أطباء مل ي�ستطع «املحزون» الو�صول �إىل �أح ��ده ��م .ف�ف��ي امل��در� �س��ة ال�شعورية جند ال�شعراء يفقدون �سيطرتهم حينما ينجرفون وراء املنطق ال���ش�ع��وري ،حتى ي�صبح من ال�صعب جد ًا النزوح من املعاين املتتالية التي ت�أتي معهم يف ال�سياق ،كما يف املثال التايل لل�شاعر جويهر بن عبود «�أعذب
الألفاظ من ذاكرة احلفاظ� ،ص :»228
وال � � � � � � �ل� � � � � � ��ي ودّه ق� � �ل� ��اين ق � � � � � �ل� � � � � ��ي ال� � � � � �ب� � � � � ��ن احل� � � � � ��ري� � � � � ��ق ل� � � � ��و ب � � � ��ال� � � � � ّرم � � � ��ل ي � �غ � �� � �ش� ��اين غ� � � � ��� � � � �ض� � � � �ي � � � ��ت ب � � � ��ال� � � � �ت � �ب� ��ري � � � ��ق ول � � � � ��و ب� ��احل � �ن � �� � �ض� ��ل � � �س � �ق� ��اين ق � � � �ل � � ��ت ال � � �ع � � �� � � �س � � ��ل ع ال � � ��ري � � ��ق ول� � � � � ��و ب � ��ال� � �غ� � ��� � �ض � ��ب ن � � � � � ��اداين ب � � � � � � ��آل � � � � � � � ّب� � � � � � ��ي م� � ��� � �س� � �ت� � ��� � �ش� � �ي � ��ق ول � � � � � ��و ب � � ��ال � � � ّن � � �ع � � ��ل ي � � ��وط � � ��اين وط � � � � � � ��ي ال � � � �� � � � �ص � � ��اح � � ��ب ح � �ق � �ي� ��ق فكما الحظنا ف ��إن غطاء فل�سفة ال�شاعر ي�سمح له بالتحدث مبنطق �شعوره وفل�سفة اللذة بالرغم من العذاب يف �سبيل املحبوب، ويف هذا املثال فتح �أمام ال�شاعر �أفق �إيراد هذه املعاين العك�سية واال�ستمرار عليها حتى �أ�صبح من ال�صعب اخلروج من هذا املنطق ال�شعوري .فاملنطق ال�شعوري ال يعني �إيراد معان عك�سية ال ت�ستقيم �أمام املنطق العقلي بل يكفي �أن ي�ضيف ال�شاعر معنى يوافق �شعوره وانفعاالته.
يمثل الشاعر أحمد بوسنيدة أبرز شعراء مرحلة االنتقال من احلوار يتوجه خطاب ال�شاعر الرومان�سي �إىل داخله المدرسة التقليدية إلى ً وخارجه كما الحظنا �سابقا ،ولكن هذا اخلطاب المدرسة الشعورية
لي�س من طرف واحد كما هي احلال يف املدر�سة التقليدية بل خطاب يرتقي �إىل م�ستوى احلوار بني ال�شاعر وخماطبه ،كما يف ق�صيدة ال�شاعر علي بن قنرب التي يخاطب فيها «طائر الورقى»: ولي�ست ك��ل احل ��وارات يف املدر�سة ال�شعورية تخاطب العنا�صر التقليدية .فال�شاعر يف املدر�سة ال�شعورية �أ�صبح يخاطب املحبوب مبا�شرة ،كما يف م�شهورة علي بن �شم�سة التي مطلعها:
�أما على م�ستوى اخلطاب الداخلي واحلوار املونولوجي ف�إن املدر�سة ال�شعورية ،كما �أ�شرنا بتف�صيل �سابق ،مت ّيزت بالت�صوير الداخلي للأ�شجان ،بل يذهب �أبعد من ذلك ويخاطب �أك�ث�ر م��ن اخل �ط��اب واحل� ��وار ،حتى �أ�صبح �أ�شياء جديدة ،كما يف ق�صيدة جويهر بن عبود �أ�سلوب ًا من �أ�ساليبه املعروفة ،و�إن كانت هذه حني يخاطب «الكندورة» قائ ًال «�أعذب الألفاظ ال�صور الفنية ال تخلو من اخلطاب ،كما يف �أمثلة كثرية منها املثال التايل لل�شاعر جويهر من ذاكرة احلفاظ»: بن عبود «�أعذب الألفاظ من ذاكرة احلفاظ:
ب� � �ن� � ��� � �ش � ��دك ي� � � ��ا ال � � �ك � � �ن� � ��دوره ع� � � � � � � ��ن م� � � � � � � ��ن خ � � � � � � � � � ��اط ودرز الوحدة الع�ضوية
ي � ��ا زي� � ��ن م � ��ا �� �س ��وي ��ت ب � ��ي زي ��ن ل � �ك� ��ن م � � ��ا ب� ��� �ش� �ك ��ي ب � � ��ك ان � �� � �س� ��ان
وه��ذا املخاطب غري التقليدي �أعطى �إ�ضافة لل�شعر النبطي با�ستنطاقه �أ�شياء جديدة ،وعادة ما ي�ستنطق ال�شاعر الأ�شياء التي يتعامل معها حني يعجز عن حل م�شكلته �أو �أن يجد خماطبه احلقيقي لذا يلج�أ �إىل خماطب� ،آخر كما كان يح�صل يف ق�صائد امل�شاكاة ،و�أما املثال ال�سابق ف�إن ال�شاعر توجه �إىل خماطبة عن�صر جامد، وهذا دليل وا�ضح على حر�ص ال�شاعر على كتمان �سر حمبوبه ،رغم رغبته يف التحدث �إليه ،ولكن مل يكن هذا الأ�سلوب مطروق ًا ب�شكل مكثف من �شعراء املدر�سة ال�شعورية �إال يف مواقف كان حل�ضور هذا املخاطب اجلامد �أثر كبري يف �إن�شاد الق�صيدة ،ولكن هذا اخلطاب �أ�صبح الحق ًا من �أ�ساليب املدر�سة الواقعية.
غ � � � ��زالٍ � �س �ل �ب �ن��ي و�أن � � � ��ا م �ق �ب �ل��ي رم� � � � ��اين ب� ��� �س� �ه� �م ��ه ع � �ل� ��ى م �ق �ت �ل��ي رم � � �ق � � �ن � � ��ي ب� � �ع� � �ي� � �ن � ��ه وق � � � � � ��ال ن � �ع � ��زم � ��ك ي� � � �ه � � ��اذا ع � �ل � ��ى م� �ن ��زيل
ب� � � � ��اي� � � � ��ت ح� � � � � � � ��ايل ج� � �ه� � �ي � ��دي ذاب احل � � � � �� � � � � �ش� � � � ��ا وان � � � �� � � � �س� � � ��م م� � � � ��ن ع � � � � � ��وق ٍ ي � �� � �س � �ت � ��زي � ��دي م � � � � � � ��ن ك � � � � � � ��ل � � � � � � �ص � � � � � ��وب ال � � � �ت � � ��م ل� � � ��و ه� � � ��و �� � � �ص � � ��اب احل � � ��دي � � ��دي ذاب � � � � � � � � � � � � � ��ه وب � � � � � � � � � � � � � ��رح اق � � � �� � � � �س� � � ��م
ولي�ست كل احل��وارات يف املدر�سة ال�شعورية ب �ه��ذه ال �ط��ري �ق��ة� ،إمن� ��ا م�ع�ظ��م احل� ��وارات خمت�صرة تنا�سب �أح ��داث املو�ضوع ورمب��ا يتنقل ال�شاعر من خماطب عاقل �إىل �آخر غري عاقل �أو العك�س .وي�صل هذا احلوار �إىل م�ستوى الق�صة كما يف ق�صائد ال�شاعر علي بن قنرب التي ي�سجل فيها �أح��داث� ًا ،كحادثة ق�ضم الف�أر �إ�صبع �أحد راكبي �سفينة الغو�ص. ولي�س بال�ضرورة �أن تكون الق�صة واقعية ،فقد تكون من ن�سج اخليال غري ال�شعري ،كما ط ّوره ال�شعراء الحق ًا� ،إىل �أن �أ�صبحت الق�صيدة عر�ض ًا �سينمائي ًا ل�سيناريو الأح��داث كما يف ال� � � � �ب � � � ��ارح � � � ��ه ي� � � � ��ا � � ْ��س� � �ع� � �ي � ��دي املربوعة التالية «ديوان اجلمري� ،ص :»465 ب � � � � � � � � � ��ت ْب � � � � � � � � ��وق � � � � � � � � ��اي � � � � � � � � ��د ه � � ��م
ورمبا يكون جلوء ال�شاعر �إىل قالب املربوعة هو زيادة خيارات القافية لإيراد الأحداث الذي يود ال�شاعر ذكرها ،و�إح�سا�سه ب�أهمية �سرد الق�صة كاملة مع �أن الفن ال�شعري ال يعري لهذا اجلانب �أهمية كما تقوم الرواية. ومن ناحية �أخ��رى �أ�صبح ال�شاعر يف املدر�سة ال�شعورية ال يخاطب العنا�صر التقليدية التي عر�ضناها �سابق ًا فقط كالن�سيم والطائر املثري
لجأ شعراء المدرسة الشعورية إلى تجميل قصائدهم لكسب المجتمع بد ًال من التمرّد والمواجهة المباشرة متجنبين اإلقصاء الفوري
اع �ت �م��دت ب�ن�ي��ة ال�ق���ص�ي��دة ال���ش�ع��وري��ة على اال� �س �ت �م��رار ،ل ��ذا جت��د اه �ت �م��ام ��ش�ع��رائ�ه��ا بالوحدة الع�ضوية ك�ب�ير ًا ،ف��الأب�ي��ات تتواىل وت�ستمر بيت ًا بعد �آخر يف قالب املو�ضوع ،وهذا االه�ت�م��ام بالتما�سك ب�ين الأب �ي��ات ال جتده يف امل��دار���س ال�شعرية الأخ ��رى .فالق�صيدة ال�شعورية تنق�سم �إىل حم ��اور ،وك��ل حمور يت�ش ّكل من �أبيات ،وال�شاعر الرومان�سي كان يبدع بربط الأب�ي��ات يف داخ��ل املحور و�أي�ض ًا بربط املحاور �أو توقف و�إكمال املحور ،وكلما ب��رع ال�شاعر يف رب��ط املحاور ورب��ط الأبيات التي تندرج حتت حمور واح��د ف��إن ق�صيدته كانت تلقى �أك�ثر قبو ًال عند املتلقني .ورمبا يبدو الت�سل�سل وت��راب��ط الأب�ي��ات يف �سياق الوحدة الع�ضوية �أم��ور ًا ال ت�ش ّكل �أهمية يف ب��ادئ الأم ��ر ،ولكننا �سنالحظ الح �ق � ًا �أن �شعراء املدر�سة الواقعية تخلوا عن االهتمام بالوحدة الع�ضوية ليعطوا للبيت حرية �أكرث، واكتفوا بالوحدة املو�ضوعية لتما�سك ن�سيج الق�صيدة ،لذا ف�إن �إيراد هذه الظاهرة مهم ج��د ًا يف املدر�سة ال�شعورية ،وه��ذا ال يعني �أن ق�صائد املدر�سة التقليدية ال يوجد بها وحدة ع�ضوية ،بل هناك وحدة ع�ضوية بني الأبيات ولكن هذه الوحدة ال تربط بني �أبيات الق�صيدة جميعها ،كون �أن هناك ق�صائد ت�ق�ل�ي��دي��ة ك �ث�يرة ت �خ��رج م��ن ن �ط��اق عر�ض املو�ضوع الواحد وتعر�ض �أكرث من مو�ضوع، �أو �إنها تتطرق �إىل �أكرث من غر�ض ،لذا ف�إن ح�سن التخل�ص من مو�ضوع كان بدي ًال عن الوحدة الع�ضوية يف هذه احلاالت
ألسنة عربية 76 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
بلغ ذروته مع ابن عربي وال�ش�شرتي
حكاية الزجل األندلسي
د.مقداد رحيم �شهد العرب امل�سلمون يف الأندل�س ظروفاً فريدة من املتغريات احل�ضارية ،منذ �أن َّ مت لهم فتح الأندل�س يف عام 92للهجرة النبوية املباركة وحتى ثمانية قرون تلتْ ، متثلت بالطبيعة اجلديدة اخلالبة، ويف الأجنا�س الب�شرية املختلفة، ويف الأ�شكال والألوان ،ويف العادات والتقاليد ،ويف ال�شعائر الدينية والعقائدية ،ويف اللغات واللهجات.
ا�شبيلية ..حيث ان�صهر العرب الفاحتون منتجني ثقافة �آخرى
ول��ذل��ك ك��ان م��ن الطبيعي املحتمل �أن تتولد م��ن ال�ع��رب الفاحتني فئة �شعبية ت�أخذ على عاتقها حتقيق مبد�أ الت�ساهل يف جمال الأ�صالة والرتاث ،ويت�سع مداها ع�بر الع�صور والأج� �ي ��ال ،كما ك��ان من الطبيعي �أن ين�ش�أ يف �أح�ضان هذه الفئة العري�ضة �أدب عري�ض يوفر لها حاجاتها للتعبري عن خلجاتها ،وتف�صيالت حياتها، بالأ�سلوب الفني املتميز ال��ذي يحمل يف طياته �سمات من ذلك الت�ساهل ،ويتجاوب مع تطور احلياة اليومية ،فكان للعرب يف الأندل�س �أدبهم ال�شعبي الراقي املعرب عن �أ�صالتهم وقدراتهم على الإب��داع الذي ي�شكل ف��ن ال��زج��ل ال��ذي نحن ب�صدده، جزء ًا �أ�صي ًال منه.
املوقف من الأدب ال�شعبي يف الأندل�س
لقيت بع�ض فنون الأدب الأندل�سي التي ُطبعت ْ ً ب�شيء من «ال�شعبية»� ،أو ت�ضمنت �شيئا من «العامية» عنت ًا �شديد ًا ِمن لدن الفئة املحافظة من النقاد والكتاب وامل�ؤلفنيِ ،من �أمثال ابن ب�سام ال�شنرتيني «ت 542هـ» وعبد الواحد املراك�شي «ت 647هـ» اللذين امتنعا من ذكر و�ص َّرحا بذلك �شيء من ن�صو�ص تلك الفنون َ االمتناع ،وفعل مثلهما الفتح بن خاقان «ت 529ه» يف كتابيه «قالئد العقيان» و«مطمح الأنف�س» ،وقد ر�أى ه�ؤالء �أن �إيرادههم �شيئ ًا
م��ن ن�صو�ص تلك الفنون ُيعد ت�شجيع ًا له، و�إغ�ضا�ض ًا للأدب الف�صيح. وكان هذا املوقف املتزمت �سبب ًا رئي�س ًا كبري الأثر يف �ضياع الكثري من ن�صو�ص هذا الأدب الذي ي�شكل جانب ًا مهم ًا من ال�تراث ال�شعبي يف الأندل�س ،والذي مل َ يحظ بالعناية الكافية م��ن قبل الرعيل الأول م��ن النقاد والأدب ��اء الأندل�سيني وب�أيديهم زمام الأدب وف ْر�ض هيمنتهم عليه ،قبل �أن مي�ضي وقت لي�س بالق�صري ،لت�صبح ه��ذه ال�ف�ن��ون �شك ًال من �أ�شكال الإب��داع الأ�سا�سية يف املجتمع، وتتغلب على �أف �ئ��دة الفئة العري�ضة من ال�شعب ،وقبل �أن تتعلق ب�شغاف قلوبها، وتخف حدة املحافظة تلك. و�إذا جت��اوزن��ا الكتّاب والنقاد �إىل الأدب��اء وال�شعراء وجدنا �أن كثري ًا من الرعيل الأول منهم مل يدخلوا يف م�ضمار ال�شعر العامي ،ومل يجربوا حظهم فيه ،بل التزموا جانب ال�شعر الف�صيح ،حر�ص ًا منهم على �أ�صالة الرتاث، وحفاظ ًا على ر�صانة فن ال�شعر العربي القدمي،
انتقل الزجل األندلسي إلى المشرق مع وفود األندلسيين لحج البيت الحرام وزيارة العتبات المقدسة فض ً ال عن طلب العلم والتجارة وحب الترحال
وخوف ًا منهم على نزول طبقته ،ف�أم�سكوا عن كل جديد يف الأدب عامة ويف ال�شعر ب�شكل خا�ص ،فلم حتت ِو دواوينهم و�آثارهم الإبداعية على �شيء منه ،ومن �أولئك ال�شعراء :ابن هانئ الأندل�سي «ت362هـ» ،واب��ن دراج الق�سطلي «ت421هـ» ،واب��ن زي��دون «ت463هـ» ،وابن احلداد الوادي �آ�شي «ت480هــ» ،وابن خفاجة «ت533هـ» ،وه���ؤالء ميثلون التيار املحافظ يف الأدب� ،أي��ام كانت الأندل�س ت�شهد ثورتها اكتملت مالحمها التجديدية اخللاَّ قة ،وقد ْ وتر�سخت �أ�س�سها. ْ ً غري �أن الزمن كان كفيال ب�أنْ يجعل الزجل يجري على �أل�سنة كبار �شعراء الف�صحى الأن��دل���س�ي�ين م��ن �أم �ث��ال حم�ي��ي ال��دي��ن بن عربي «ت638هـ» و�أب��ي احل�سن ال�ش�شرتي «ت668هـ» ول �� �س��ان ال��دي��ن ب��ن اخلطيب «ت776هـ» ،فيدخل ف��ن ال��زج��ل يف جمال الأدب من �أو�سع الأبواب.
ن�ش�أة فن الزجل الأندل�سي ورواده
اخت َ ُلف يف زمان ن�ش�أة فن الزجل الأندل�سي الزجالني، ور َّواده ،و�أول من نظم فيه من َّ زج��ا ًال� ،إال �أن �أنظار وناظم الزجل ي�س َّمى َّ �أغ �ل��ب ال �ب��اح �ث�ين ت�ت�ج��ه �إىل اب ��ن ق��زم��ان «ت555هـ» بو�صفه م�ب�ت�ك��ر ًا ل�ف��ن ال��زج��ل الأندل�سي .ورمب��ا عولوا يف ذل��ك على قول اب��ن خلدون «ت808هـ» يف مقدمته« :و�أول من �أبدع هذه الطريقة الزجلية �أبو بكر بن
ألسنة عربية 78 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
قزمان» ،وقوله عنه« :وهو �إمام الزجالني على الإط�لاق» ،غري �أن �صفة الإمام التي �أطلقها ابن خلدون على ابن قزمان ال تعني الريادة املطلقة ،فقد �أطلقها �أي���ض� ًا على الزجال حممد بن عبد العظيم ال��وادي �آ�شي خالل حديثه عن �أزجاله. وكان ابن �سعيد الأندل�سي «ت685هـ» قد �سبق ابن خلدون يف احلديث عن الزجل الأندل�سي يف كتابه «الـ ُمغرب يف ُحلى الـمـَغرب» عندما قيلت يف الأندل�س قبل ابن قال« :الأزج��الْ ... ان�سكبت قزمان ،ولكن مل تظهر حالها ،وال ْ ُهرت ر�شاقتها �إال يف زمانه»، معانيها ،وال ا�شت ْ وق��د �سار على ه��ذا ال ��ر�أي �أغ�ل��ب الباحثني قدماء وحمدثني ،غري �أن ابن قزمان نف�سه يعرتف يف مقدمته لديوانه ب�أنَّ الزجال �أخطل بن من��ارة قد �سبقه �إىل فن الزجل عندما قال عنه�« :إنه نهج الطريق ،وط َّر َق ف�أح�سنَ التطريق ،وج��اء باملعنى امل�ضيء والغر�ض ال�شريق ،وطبع �سيال ،ومعانٍ ال ي�صحبه بها جهل اجل ّهال ،ويت�صرف ب�أق�سامه وقوافيه، َ ت�صرف البازي بخوافيه ،ويتخل�ص من الغزل �إىل املديح ،بغر�ض �سهل وكالم مديح».
ومهما يكن ِمن �أم��ر ،ف�إن الوقوف على مبتكر بعينه لأي فن من الفنون من الأمور التي طاملا قام عليها خالف على مدى الع�صور ،وتعدد الفنون ،ب�سبب �ضعف البدايات ،وتوايل مراحل التعديل والتجريب ،حتى ي��أخ��ذ الفن �شكله النهائي عرب حقب تاريخية و�أجيال من املبدعني واملتلقني ،وهكذا كان فن الزجل الأندل�سي.
�شكل الزجل وبنا�ؤه
متثال �أبو احل�سن ال�ش�شرتي
ق��د ب�سط �صفي ال��دي��ن احل�ل��ي «ت750هـ» الكالم على اخلالف فيمن �سبق �إىل فن الزجل يف كتابه «العاطل احلايل» فقال« :اختلفوا فيمن اخرتع الزجل ،فقيل �إن خمرتعه ابن غرله.. ا�ستخرجه م��ن املو�شح ،وق�ي��ل :ب��ل يخلف بن را�شد .. ،وكان هو �إمام الزجل قبل �أبي بكر بن قزمان ،وكان ينظم الزجل القوي من الكالم، فلما ظهر ابن قزمان ونظم ال�سهل الرقيق ،مال النا�س �إليه ،و�صار هو الإمام بعده».
اللهجة الأندل�سية-اال�سكندرانية عندما و َ يل احلـ َ َك ُم بن ه�شام بن عبد الرحمن بن معاوية خالفة الأندل�س بعد �أبيه يف عام 180هـ حدثتْ فتنة �شعبية يف �آخر �أيامه ،بعد �أن حكم �أكرث من ع�شرين عاماً، يف منطقة الرب�ض القبلي بقرطبة ،فق�ضى على الفتنة و�أمر بهدم الرب�ض ،وتهجري �أهله �إىل حيث ي�شا�ؤون ،فف َّر منهم طائفة عظيمة �إىل اال�سكندرية عرب البحر ،و�إليها نقلوا �أ�ساليب حياتهم اليومية وتعامالتهم وثقافتهم وكذلك –بالطبع -لهجتهم التي يتكلمون بها. ومن �أ�سرار لهجتهم �أن املتكلم املفرد ي�ستخدم النون يف �أول الفعل امل�ضارع بد ًال من «لي�س» ،ويف عبارة «�أي �شيء» وتنوين الهمزة ،وحذف الياء يف حرف اجلر «يف» ،ويف َ الأ�سماء بالن�صب يف كل حال ،وكذلك م ّد الكلمات وخطفها ،ف�ض ً ال عن الت�سكني الذي هو عامل م�شرتك يف اللهجات العربية ب�شكل عام .ويف الن�صو�ص التي ذكرناها بع�ض هذه اخل�صائ�ص .وبعد �أن ترك الأندل�سيون الإ�سكندرية بعد ح��دوث فتنة �أخرى هناك ،اجتهوا نحو جزيرة كريت لي�ستوطنوها ،تاركني بع�ض خ�صائ�ص لهجتهم التي مازالت ت�شكل �أهم مالمح اللهجة الإ�سكندرانية ،كما تركوا مراقد �شيوخهم ورجال الدين منهم واملت�صوفة عامرة يتربك بها �أهل الإ�سكندرية الذين ما زالوا يق�سمون باملر�سي �أبي العبا�س ،وهو �أحد املت�صوفة الأندل�سيني من �أ�صحاب الكرامات ،انتقل �إىل الإ�سكندرية وتويف ودفن فيها يف عام 686هـ ،وا�سمه �أبو العبا�س �أحمد بن ح�سن بن علي اخلزرجي من �أه��ل مدينة مر�سية الأندل�سية ،و�إليها ينت�سب ،ولكن هذه الن�سبة غلبتْ على ا�سمه و�صار �أهل الإ�سكندرية ي�سمون �أوالدهم بها ،حتى الآن تربكاً به ،ولكنهم يحذفون �أداة التعريف منه هكذا :مُر�سي
وال��زج��ل ي�شبه امل��و� �ش��ح م��ن ح�ي��ث ال�شكل اخل��ارج��ي املتمثل بتعدد ال �ق��وايف ،وت�ألفه من �أقفال و�أدوار متعددة ،ومن حيث البناء الداخلي املتمثل بتعدد الأوزان ،يف الغالب، ويختلف عن املو�شح ب�أنه ملحون� ،أي مت�ألف من ك�لام العامة ،وه��ذا ما جعل كثري ًا من الباحثني يذهبون �إىل �أنهما فن �شعري واحد، لوال االختالف يف هذه ال�صفة. ولعلهم التفتوا يف ذلك �إىل كالم ابن خلدون يف مقدمته « :وملا �شاع فن التو�شيح يف �أهل الأندل�س و�أخذ به اجلمهور ل�سال�سته وتنميق كالمه وتر�صيع �أجزائه ،ن�سجت العامة من �أهل الأم�صار على منواله ونظموا يف طريقته بلغتهم احل�ضرية من غري �أن يلتزموا فيه �إع��راب � ًا ،وا�ستحدثوا فن ًا �س َّموه بالزجل»، ووا�ضح من كالمه �أن املو�شح �سبق الزجل، و�أن الثاين قام على نهج الأول.
مناذج من الزجل الأندل�سي
مل �أعرث للزجال �أخطل بن منارة على �أزجال كاملة ،غري ما �أورده ابن �سعيد الأندل�سي من مقطعات من بع�ض �أزجاله ،منها قوله: ك�سر ْ رجل كل ْ اهلل ْ ثقيل ْ ْ ِالقنديل طاق يف خ ـَـدُّ وبفْ ف إليك ْ ْ مقابل وجدتْ � ْ �سبيل ع ْم ْ َّا�س قدَّر اهلل و�ساق اخلـ ـ ـ ـن ْ النا�س �إىل داري على عيون ْ بالكا�س ولعبنا طول النها ْر ْ الليل وامت ْد مثل القتيلْ وجا ْ ومما ذكره البن قزمان قوله: ل ِْ�س عندي قوا ْم واله ْو فال ْح
ال�شراب وع�شق املال ْح �شرب ْ �إال ْ ْ العقوق إبلي�س �إىل متى ذا � نِر�ضي ْ علي ح ـ ْ ـقوق فه ْو �شيخي و ُل ْه َّ ال�شريب ْه مفتا ْح ْ ُّ ْ ف�سوق لكل ْ َ ِف ــل�ساين نربط ذكِ املفتا ْح �أيها النا�س و�صيتي للجمي ْع من خالع ْه ف�إن اليو ْم خلي ْع بكا�س وقطي ْع وال من�شو �إال ْ و�سكارى �أ َّي ْك ال مت�شو �صحا ْح ا�سكتْ ا�سكتْ هذا احلديث مي�ض ْغ فِقالد ْة ُع ـ ـ ُنـ ــقْ من بـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْغ �إنْ دارها حممد بن �أ�صب ْغ ْ يح�س للربا ْح خُ ـ ْم�س مِ تْ �سوط ِّ �إمنا ِب ْع لِ الــمِ ري بالنها ْر ف�إذا كنتْ وقت رقا ْد يف دا ْر ارخ ُ�ش ـ َّف ْه وار�ض ْع يف هذا العقا ْر ال تق ْع ْ لك قطاع ْه يف ا�صطبا ْح دمااغك ثقلْ ْ ف�إنْ �أ�صبحتْ ويف را�سك ْ حج للدا ْر �إنْ يف ْ عقل ْ ويكون الغذا حلمِ ْه ِبـ ـ ْ ـبقل واهلل ْ ْ اهلل ال ت�ستجيب �إذ ُت�صا ْح ت�صبح و�إذا كنتْ �صا ْح �إذ ْ ْ اغ�سل � َّأجـ ْـك وه ِّلـ ْـل �أو �س ِّب ْح �شرط �إنْ فال اح ْد ْ ِ اعمل يل �آ ْح ْ اعمل اتَّ �آ ْح وزيدو ف ْ ِل�ساق حا ْح واذا كنتْ مع فِقي �أو �إما ْم لك �شربتْ ّ ويق ُْل ْ فقط مدا ْم ْ قل ُل ْه ا�ش ُن ْه يا فقي ذا الكال ْم ْ واهلل ما ذقتْ ّ قط َ�ش َر ْب تفا ْح ً ْ أجمعك بي ْه زمانا نبـ ـ ـي ـ ْـل ف�إنْ � ري قليلْ رب غ ْ وع�سى ل ِْ�س ذا ال�ص ْ ْ ْ ال�سبيل قل ُل ْه ال�سا وجدتْ �إليك جِ ْي ِنق ُْل ْ لك بال َّر ْ�س َل �أو بال�صيا ْح تِدري �إذا قلت يل �شربت العقا ْر �آ ْه حقاً َكنْ نبتلعها كبا ْر ذاب َنح�سوها ليل ونها ْر وانا َ ْ ـ�شرابك ورمبا �أق ـ ــدا ْح بـ ْ �سايقل ْ ِ لك ال حتفظ ا�سماها ْ ُق ْل ُل ْه خ ْذ نمِ ال منها �أذنيك َمال هي القهو ْه واملدا ْم ِّ والطـال هي َّ َّ واخلندري�س والرا ْح ـا ـ ي ـ م ـح ـ ل وا ُ َّ ْ
ر�سم تخيلي البن عربي
كان �أبو احل�سن بن �أبي ن�صر الدباغ �أحد �أئمة الزجل امل�شهورين كذلك يف الأندل�س ،وقد توفر ابن �سعيد الأندل�سي على ذكره والوقوف على جملة من �أزجاله ومنها: ال ملي ْح �إال مها ِودْ ...ال �شرابْ �إال مرو َّْق زمانك ...باخلالعا وامل ُ َ ا ِّتكي وارب ْح ْ عي�ش ْق ال �شرابْ �إال يف ْ ب�ستان ...والربيع قد فا ْح نوا ْر ْ وي�ضحك�...أقحـ ـ ـ ْ ـوانم ْعبـ ـ ـ ـه ـ ــا ْر يبكيالغما ْم ْ ْ وامليا ْه مثل الثعاب ـ ـ ـ ـ ْ نيِ ...فـ ــذاك ال�سـ ـوَّاق دا ْر االنفا�س ...قد نح ْل ج�سمو وقد رقْ والن�سي ْم عذريّ ْ وع�شي ًةمليحاف ـ ـ ـ ِـ ـ ـ ـتـ ـ ْ َن...ع ـ ــنهاال ـ ْ ـم�سكي ـنـ�شـ ـ ْـق الطيو ْرتـحكياملثان ــي...وت�سُ ـ ـ ْقـ ــها�أح�س ْـن�سي ــاقـ ــا يفثـ ـ ـ ـ ـ ـم ــارايله ـمــو َن...ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزمانالع�ش ـ ـ ْـقطـ ـ ــاق ــا ْ فغ�صنلآخ ْريق ـ ـ ِّب ـ ْل...وف�ضيبْ لآخ ـ ـ ـ ْريــعنـ ـ ـ ـ ـّ ْـق و�شعاع ال�شم�س قد غابْ ...وبقا يف اجل ْو نو ْر ْ وال�شفق يف الغربْ ممدودْ ...قد كتبْ بزجنفو ْر �أحرفاً ُتـقرى وتـ ُـ ــف َه ـ ـمْ ...فرتاه ْم يف �سطو ْر ْ ال�سِّ ْ والهالل نوناً مع َّر ْق ـماك ميماً مد َّورْ... َ جلو�س و�آخ ْر ميي ْل ونحن يف طيبْ مدامْ ...قو ْم ْ وندمي ي�سقي ندي ـمْ ...وخليل يهوى خليلْ وعذار الليل قد �شابْ ...ملا � ْأن دنا رحي ْل ودليل ال�صب ْح قدامْ ...قد ركبْ جواداً ْ ابلق ومن �أزجال �أبي بكر الدباغ قوله: ِع�شق مليحْ ...والذي نِ�شربْ ْ الذي ن ْ عتيق
نسج لسان الدين بن الخطيب أزجا ً ال على طريقة الششتري الصوفية بعد أكثر من قرن من الزمان على رحيله
املليح ْ ني ...وال�شرابْ ا�صف ْر ْ ابي�ض �سم ْ رقيق ال �شرابْ اّال قدميْ ...ال ملي ْح اّال و ْ َ�صول نقول ْ يخالف ما ْ �إ ْذ ْ ل�س ما ْ نقول روحك نِريدْْ ... َلول وال بخيلْ والزيار ْه ك ّل ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومْ ...ال م ْ من زيارتو بعدو قدْ ...رجع ْ ْ �صديق بحال ومن �أزجال �أبي بكر بن �صارم الأ�شبيلي: حقاً نحبّ العقارْ ...فِالدي ْر طول النهارُْ ..نر َته َْن ْ ل�س َق َّداً ْ فالن عن خلع �أنا ْ ن�شربْ ب�شقف القد ْح ك ِْف ماكانْ ْ عيان للدي ْر ُم ْر وتراين قد التويتْ فِالغبار ...وما ْع ْ كانون بنا ْر ...فِالد َك ْن مي ومذهبي يف ال�شرابْ قد ْ و�س ْكرا مِ ْن ُه ْو املنى والنعي ْم َ مي ند يل وال �صاحب يل ول�س ْ ْ ْ ْ فقدت اع��ي ْ��ان ك��ب��ا ْر ...واخلَ ْطن م�� ْع ذا العيا ْر... ْ الزمن ال ت�ستم ْع مَن ْ كان وكانْ يقول ْ ْ والعيان رب وانظ ْر حقيقق اخل ْ ْ ْ الزمان بحال خيايل رِجِ ْع ذا ف�أحلى ما يور ْ ِّيك دي��ا ْر ...غ ِّي ْبها واخ��ر ْج ج��وا ْر... ْ اليمن
�أغرا�ض الزجل
ُي ُ تطرق يف الزجل ومن خالله �إىل الأغرا�ض املختلفة ،حتى ما َج َّل منها كاملديح والرثاء، منذ عهد مبكر على يد ابن قزمان ،وغريه من الزجالني ،بل لقد �صار فن الزجل وعا ًء للأغرا�ض الدينية والت�صوف ،بلغ ذروته يف ذلك على يد املت�صوف ال�شيخ الأكرب حميي الدين بن عربي ،ومن بعده ال�شيخ �أبي احل�سن ال�ش�شرتي الذي ا�ستطاع �أن ينقل الزجل �إىل مكانة رفيعة يف الو�سط الأدب��ي ،منذ القرن ال�سابع الهجري ،وجعله فن ًا مي�س طبقات املجتمع وفئاته كاف ًة ،ويعي�ش بينهم جميع ًا، عندما �أدخ�ل��ه يف حلقات ال��ذك��ر ،و�أنا�شيد ال�صوفية ،كما �ضمنه جانب ًا مهم ًا من الوعظ والإر� �ش��اد وب�ي��ان احلكمة ،ون�سجه م��ن لغة ب�سيطة �شعبية ت�صلح للتغني ،وتتفق وطبيعة الإن�شاد ال�صويف ،وهي مالمح جعلته قريب ًا ج��د ًا م��ن الغناء ال�شعبي على م��ر الع�صور وحتى الوقت احلا�ضر.
ألسنة عربية 80 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
ويت�أكد لنا ذلك عندما نقر�ؤ يف ديوانه زجله امل�شهور الذي الزمته: ْ �شو ِّي ْخ مِ ْن � ْ اال�سواق ي ـغـ ـنـ ـِّي و�سط مكنا�سْ ... أر�ض ْ ْ ْ النا�س مـ ـنـ ـِّي النا�س ...وا�ش على ْ ا�ش عليا انا مِ ن ْ وب�ل�غ� ْ�ت �شهرتــُه ال��زم��نَ احل��ا� �ض��ر ،حيث �سمعتـــُه ُيغنـــَّى يف �إح��دى ق�ن��وات الكويت املرئية قبل عدة �سنوات ،وعرفت فيما بعد �أن الفنان البحريني �أحمد اجلمريي هو الذي قام بتلحينه ،و�صار �أغنية �شعبية م�شهورة على يديه ،ولعله قام بت�سجيلها يف الكويت ،ثم �شاعت يف اخلليج العربي كله .ومتام الزجل ْ املغنـَّى: ْ و�سط �شويخ مِ ��ن �أر�ض«مكنا�س» مكنا�سْ ... ْ ْ اال�سواق يغني النا�س مني النا�س ...وا�ش على ْ علي انا مِ ن ْ � ْإ�ش َّ ْ اخلاليق �صاحب ....مِ ن جميع علي يا ْ � ْإ�ش َّ ْ احلقايق ري تنجو ....واتبع اهل اخل افعل ْ ال ْ ْ �صادق تقول يا ابني كلمهْ� ....إال �إنْ كنت قرطا�س ...واكتبه حر ْز عني خذ كالمي يف ْ ثـ َّم ٌ قول ُم ــب ٌ ني ....وال يحتا ْج عبار ْه � ْإ�ش على ح ّد مِ ن ح ْد افهموا ذي الإ�شار ْه وانظروا كرب �سني ....والع�صا والغرار ْه فا�س ...وكذاك �آنا هوين هكذا ع�شت يف «فا�س» ْ ْ اال�سواق وما اح�سن كالمهْ� ....إذا يخط ْر يف وترى �أهل احلوانيتْ ...يلفتوا لو باالعناقْ ْ ورقراق بغرار ْه يف عنقهْ ....وعكيك ْز �سا�س ...كما ان �شاء اهلل مَبني ُ�شـو ِّيخْ مبني على ْ لو ترى ذا ال�شو َّيخْ ...ما �أرق ـُّو مبعنى التفتْ يل وقلي� ...أ�ش نراك تـتـَّـب ْعـنا نن�صب يل ْ زنبيل ...يرحموا من رحمنا �أنا ْ اجنا�س ...ويقول دعني دعني و�أقاموا بني ْ مَن ْ طيب طيب ...ما ي�صيب �إال ْ ْ عمل يا ابني ْ لعيوبوا �سينظ ـ ْر ...وفعالوا يع ـي ـ ِّ ْب واملقارب بحايل ...يبقى برا م�س ّي ْب ْ انفا�س يدري عذر املغني مَن معو طيبة ْ وكذاك ا�شتغالو ...بال�صال ْه على حمم ْد والر�ضا عن وزيرو�...أبي بكر املمج ْد وعم ْر قائل ْ احلق ...و�شهي ْد كل م�شه ْد أرجا�س� ...إذا ي�ضربْ ما يثنـِّى وعلي مفتي ال ْ ْ رجوتك ...جـ ْد علينا بتوب ْه يا �إلهي بالنبي قد �س� ْ ألتك ....والكرام الأحب ْه
من �آثار العرب الراقية يف الأندل�س
ق�صورهم ميتعهم وي�ؤن�سهم ب�أزجاله ،فيت�سع بذلك نطاقه ،وتتعدد �أغرا�ضه ،لي�شمل و�صف الق�صور واحلياة فيها.
الرجي ْم قد �شغلني ...وانا م ْع ُه يف ن�شب ْه و�سوا�س ...من ماهو يبغي مني قد مال قلبي ْ مت َّ و�صف ال�شوي ْخ ...يف معاين نظامي خوا�ص ونقري ...لأهل فني �سالمي و�إين ْ و�إذا جوزوين ....ن ـقـ ُ ْل � ْ أول كالمي رحلة الزجل �إىل امل�شرق و�سط ال ْ ُ�شويـ ِّ ْخ مِ ن � ْ أر�ض مكنا�سْ ... ْ أ�سواق يغني جت��اوز فن الزجل الأندل�سي الأث��ر املو�ضعي علي انا من النا�س ...وا�ش على ْ النا�س مني اخلا�ص �إىل الأثر العام الأو�سع ،عندما انتقل � ْإ�ش َّ ولقي رواج�� ًا وانت�شار ًا �إىل امل�شرق العربي َ وي��ب��دو �أن ط��ري �ق��ة ال �� �ش �ي��خ �أب� ��ي احل���س��ن منقط َعي النظري ه �ن��اك ،ف ��أخ��ذ امل�شارقة ال�ش�شرتي هذه كان لها �أثر بعيد يف احلياة ينظمون على غراره بلهجاتهم. الدينية عند العرب امل�سلمني فيما بعد ،حتى ق��ال �صفي ال��دي��ن احل�ل��ي يف كتابه «العاطل جند لل�سان الدين بن اخلطيب ،بعد �أكرث من احلايل»« :ولأهل بغداد خا�ص ًة من دون امل�شارقة قرن من الزمان� ،أزجا ًال �صوفية على طريقة �أزج��ال رقيقة ب�ألفاظ لطيفة ،على ا�صطالح ال�ش�شرتي ،كما يف قوله من حد �أزجاله: وج� � ْري �أل�سنتهم ،على ق��اع��دة اللحن لغتهمَ ، ْ بني طلو ْع ون ـ ـ ْ الغزول ـزول ...اختلطتْ املخت�ص بهم ،كالإمالة والإدغام وتبديل حرف مل ْ وم�ضى منْ مل يكنْ ...وبقا من ْ يزول ب�آخر للتح�سني ،وغ�ير ذل��ك ال ي�شاركهم فيها م�شارك ،متم�سكني فيها ق��ول الإم��ام �أب��ي بكر وهكذا �أ�صبح فن الزجل فن ًا �شعبي ًا ال غناء ب��ن ق��زم��ان رح �م��ه اهلل ت �ع��اىل يف ال��زج��ل يف عنه يف جماالت احلياة املختلفة يف الأندل�س ،خطبة ديوانه «و�أح�سنه ما كان اللغة العامية»، لعوامهم لغة لطيفة رقيقة خمت�صة بهم، و�صار يعرب عن م�شاعر �أعر�ض الفئات ال�شعبية ف��إن ِّ و�أو�سعها ع�بر �أجيالها املتتابعة ،و�أزمنتها وظ��راف��ات ر�شيقة هي �أحلى موقع ًا من اللفظ �زج��ال مل يكن يحاول املغربي ،يعني الأندل�سي ،كحالوة �ألفاظ املغاربة املتباعدة ،على �أن ال� َّ �إر�ضاء الفئة املثقفة فح�سب ،و�إمنا كان يحاول وامل�صريني عند �أهل بالدهم». �إر�ضاء احل َّكام وامللوك والأم��راء ،ي�سعى �إىل �أما �سبيل انتقال الزجل الأندل�سي �إىل امل�شرق، فقد كان وفود الأندل�سيني على امل�شرق لأ�سباب متعددة �أهمها حج البيت احلرام ،وزيارة العتبات كان للعرب في املقد�سة ،ف�ض ًال عن طلب العلم ،والتجارة ،وحب األندلس أدبهم الرتحال ،وكان منهم ال�شعراء ف�صحاء وعاميني، الشعبي الراقي المعبر وكانوا يتنقلون يف بالد امل�شرق بحرية كافيةْ � ،إذ مل تكنْ تف�صل بينها فوا�صل �سيا�سية �أو جغرافية عن أصالتهم وقدراتهم منذ �أقدم الع�صور على اإلبداع الذي
يشكل فن الزجل جزء ًا أصي ً ال منه
اجلمال املده�ش بب�ساطته كان �سمة احل�ضارة الأندل�سية
82
روزنة
روزنة
الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
التراث..ذاكرة المستقبل ين�ضح
�سرور خليفة الكعبي
ال�ت��راث الإم� ��ارات� ��ي بكل ما�ض تليد تفا�صيله بعبق ٍ الزال ين�شر � �ش��ذاه يف ك��ل م�ك��ان من �أر�ضنا الطيبة املباركة .وما زلت �أحيا دقائق ذكرياته يف كل ه ّبة من نفحات ن�سيم ال�صبا� ،أو مع كل لفحة من عليل ال���ش��رت��ا «� �ش��راج��ي �أو غ�يره��ا» وال�ت��ي حت��رك ك��ل ك�ي��اين لتدفعني �إىل ذلك املا�ضي اجلميل و�أهله الأطياب الذين ع�شت يف كنفهم. وعلى �أن الرتاث لي�س فخاريات وجدت يف حفريات� ،أو حل ّي ًا عرث عليها �أ�سفل ك�ث�ي��ب م�ه�ي��ل .وال ه��و مت��اث�ي��ل ُنحتت و� ُ��ص � ّف��ت يف امل�ت��اح��ف وامل �ي��ادي��ن لكي ت�صف �أ�سلوب حياة عا�شها الأولون ،بل هو جممل املوروث احل�ضاري والفكري لهذا ال��وط��ن ،وجملة ع��ادات وتقاليد �سكانه يف �سالف الع�صر وال��زم��ان. و�أ�صبح الآن نربا�س ًا ُيقتدى به للتمتع بالعي�ش يف ظ��ل امل �ت �غ�يرات احلياتية وال �ت �ح��والت امل��ادي��ة ال�ت��ي ط ��ر�أت على �أ�سلوب حياة الب�شر والتي تُعرف الآن ب�ح���ض��ارة امل ��دن �أو «ال �ت �م��دن» .وك��ان ل �ه��ذه ال �ث �ق��اف��ة اجل ��دي ��دة �أن ت�ق��ذف بقيمنا الرتاثية �إىل زاوي��ة بعيدة حتى
�أ�صبحنا ال نتذكرها �إال يف امل�سل�سالت البدوية والرتاثية-والتي ت�سمى كذلك ظلم ًا واف �ت�را ًء� -أو يف املتاحف التي خ�ل��ت م��ن زواره� ��ا امل�ح�ل�ي�ين واكتفت بالأجانب املتعط�شني ملعرفة كنه احلياة البدوية القا�سية التي عا�شها ه ��ؤالء ال�ن��ا���س ع�ل��ى �أر� �ض �ن��ا ،وت�ك�ف��ل بنقلها �إىل العامل م�ست�شرقون ورحالة �أوائ��ل ق��دم��وا �إىل ه��ذه ال�ب�ق��اع مثل ويلفرد ثي�سيجر امل �ع��روف با�سم م �ب��ارك بن لندن ،وف��راوك��ه هريد–باي ،و�إدوارد هندر�سون ،وباركلي رونكيري ،ولوي�س مزيل ،وماك�س �أوبنهامي واجلا�سو�س الأ�شهر توما�س �إدوارد لورن�س ال�شهري ب��ا��س��م ل��ورن ����س ال �ع��رب وغ�يره��م من الرحالة. ولطاملا �أح�س�ست �أن الرتاث الإماراتي ي�ستحق الكثري من اجلهود املخل�صة التي تهدف لي�س فقط املحافظة عليه من االندثار ،بل حمايته �أي�ض ًا من تلك الأي ��دي والأق�ل�ام وامل �ح��اوالت العابثة لت�شويهه �أو ّ احلط من قيمته يف الذاكرة العربية عامة واملحلية خا�صة ،و�ضرورة و� �ض��ع ت �� �ش��ري �ع��ات وق ��وان�ي�ن وا��ض�ح��ة و��ص��ارم��ة حلمايته .والب � ّ�د م��ن �إي�ج��اد
جهات متخ�ص�صة حتمل على عاتقها هذا العبء ،فلي�ست هناك من و�سيلة لتدمري �أمة من الأمم �أقوى من ف�صلها ع��ن ما�ضيها ك�خ�ط��وة �أوىل لت�شويه واقعها .فتقع يف دائ��رة �ضياع الهوية ال�شخ�صية ،وت�ضيع مالحمها املميزة لت�صبح �سراب ًا و�سط الزحام. أ�شد الإيالم ما �أجده و �إن مما ي�ؤملني � ّ من «�أعمال فنية» من �ش�أنها �أن حتطّ من قيمة ال�تراث املحلي ،و«معاجلات درامية وفنية» ت�سهم يف ت�شويه ال�صورة احلقيقية للرتاث املحلي ،وتر�سم يف خميلة املتلقي ��ص��ورة قامتة م�ش ّو�شة عن حقيقة تراثنا الغني الذي نعتز به. ولي�س ذلك فقط ،و�إمنا ي�ستلزم الأمر �إ� �ص�لاح م��ا تف�سده ه��ذه امل�شاهدات وامل�سجالت يف عقول النا�س ،ال �سيما الأط� �ف ��ال وال �� �ش �ب��اب م �ن �ه��م ،ج �ه��ودا م�ضنية وج���ادة وحقيقية ت��و��ض��ح ما التب�س عليهم من فهم مغلوط ب�سبب تلك الأع �م��ال التي �أل�صقت بالرتاث والتاريخ الإماراتي. وبالرغم من �أين لن �أتطرق يف هذا املقال لهذه الأعمال� ،إال �أنني �سوف �أفرد لها م�ساحة خا�صة ت�ستلزم ال�سرد بالتف�صيل للأخطاء الدرامية واملعاجلات اللغوية وال �ع��ادات وامل�م��ار��س��ات اخلاطئة التي �أل�صقها منفذوا تلك الأعمال مبا�ضينا ال�ت�ل�ي��د ون���س�ب��وه��ا ظ�ل�م��ا وب �ه �ت��ان � ًا اىل املوروث ال�شعبي الذي مل يجد من يدافع عنه حتى الآن� ،أم�لا يف �أن جت��د هذه امل�ق��االت م��ن ي��أخ��ذ بها ليوقف �أولئك
الذين يعبثون بتاريخنا وعاداتنا وتراثنا املحلي واخلليجي والعربي دومنا رادع. ولقد اخ�ترت لزاويتي التي �أمتنى �أن �أطل عليكم من خاللها ا�سم «الروزنة»، وه��ي كلمة ذات وق��ع تراثي خا�ص لكل �أولئك الذين كتب لهم العي�ش يف زمن ما قبل النفط والطفرة ،ففيها حتفظ الأ� �ش �ي��اء ال�ق� ّي�م��ة يف ال�غ��رف��ة «ال�ي�ن��ز» املبنية م��ن ال �ط�ين واجل ����ص �أح�ي��ان��ا، والتي فقدت مكانها �أمام «الت�سريحة» �أو « الكوميدينو» �أو خزانة الكتب .وهي عبارة عن جتويف �أو «ك� ّوة» يف اجلدار تط ّل على ال��داخ��ل فقط وتحُ فظ فيها الأ�شياء القيمة ذات اال�ستخدام اليومي كعلبة الكحل و الأدوي��ة و «ك��روة امل��اء» وغ�يره��ا م��ن الأ� �ش �ي��اء ب�ه��دف ت�سهيل الو�صول �إليها مع االحتفاظ بها بعيد ًا عن متناول الأطفال �أو ما قد ي�صيبها من بلل على الأر�ض. ومن «روزنتي» التي �أ�ضع فيها �أوراق��ي اخلا�صة� ،س�أطل لأقر�أ عليكم ما كتبته عن ع�شقي للرتاث ،وما �أجده من جتنٍّ عليه من قبل البع�ض ،كما �س�أقر�أ عليكم �أخ �ب��ار ًا ع��ن �أول �ئ��ك ال��رج��ال والن�ساء الذين ي�شكلون يف وقتنا احل��ايل رموز ال�ت�راث ال��ذي نعي�ش عبقة بكثري من النهم وال�شوق و�أحيانا احل�سرة عليه، ع�سى �أن ي�ج��د م��ا �أك �ت��ب � �ص��دى ل��دى الكثري ممن يع�شقون ال�تراث وال�تراب ال ��ذي نعي�ش عليه مثلي وال ير�ضون بت�شويه املا�ضي الذي نبكي عليه ،واهلل من وراء الق�صد
في حضرة الشعر 84 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
للعرب باع طويل فيها
األلغاز واألحاجي والمسائلالرياضية في الشعر العربي �صالح ال�شهاوي مع �أن الأدب ،خ�صو�صاً ال�شعري منه ،هو �صياغة جمالية رائقة� ،إ ّال �أن امل�ؤثر منه� ،إ�ضافة �إىل ا�ستناده �إىل العاطفة اجليا�شة ،هو ذلك الذي يحوي جتربة وجدانية �أو عقالنية وت�صويراً بالغياً كثرياً ما ي�ستند �إىل ال�صور واملفاهيم ال�شائعة يف احلياة .ومن هنا ت�س ّرب �إىل بع�ض ال�شعراء عن طريق �إطالعهم االجتماعي والثقايف معرفة ما للريا�ضيات من ح�ضور ومتيز ،فوظفوا �شعرهم توظيفاً بديعاً لبع�ض ال�صور واملفاهيم الريا�ضية ،وقد انت�شرت هذه الأ�شعار ب�صورة ي�صعب �إغفالها ،لأن هناك �أمثلة متعددة لهذا التوظيف يف �إنتاج ال�شعراء العرب الكبار. فمن يقر�أ ال�شعر العربي القدمي يجد �أنه قد تطرق على نحو ما و�إن مل يكن هذا املنحى بال�شائع امل�شهور �إىل تلك العلوم امل�سماة بالعلوم العقلية ،كعلوم الفلك ،والطب، والكيمياء ،والريا�ضيات واجليولوجيا. ومل يفطن -للأ�سف ال�شديد� -إىل هذا اجلانب اخلفي من جوانب ال�شعر العربي القدمي الباحثون يف تراث العرب العلمي، فخال ت��اري��خ العلوم عند ال�ع��رب م��ن � ّأي �إ��ش��ارة �إىل ذل��ك .ونعني بال�شعر العربي هنا ،ال�شعر الغنائي ال��ذي مي�ل�أ �أ�سفار ال�تراث العربي .بعيد ًا عن ال�شعر العلمي ال��ذي ه��و ط��راز م��ن ال�شعر ق��د ُق ِ�ص َد به العلم لذاته وال��ذي تع ّمده ال�شاعر ،فمن املعروف �أنّ بع�ض العلماء العرب قد �أّ ْو َدعوا معارفهم و�إبداعهم العلمي �شعر ًا .كابن �سينا و�أراجيزه يف الطب وابن ماجد املالح و�أراج�ي��زه وق�صائده يف الفلك واملالحة، والطغرائي يف ديوانه يف الكيمياء املو�سوم
بـ «املقاطيع» ..الخ. وحديث ًا قيل لأحد �أ�ساتذة الريا�ضيات يف �إح��دى اجلامعات الأمريكية عندما �س�أل عن �أحد تالمذته الذي ي�شرف علي درا�سته لنيل درجة الدكتوراه يف الريا�ضيات� :إنه قرر �أن ي�صبح �شاعر ًا .ف�أجاب :خري ًا فعل، وهذا ما توقعته م�سبق ًا ،حيث �إنه ال ميلك عاطفة قوية حتى ي�صبح عامل ريا�ضيات.
الريا�ضيات يف ال�شعر
للريا�ضيات ح�ضور يف ك��ل مكان تقريب ًا �سواء عند بناء منزل �أو زرع �شجرة .وقد
بعض العلماء العرب أ ّ ْو َدعوا معارفهم شعر ًا كابن سينا في الطب وابن ماجد في الفلك والمالحة والطغرائي في الكيمياء
ي�ستغرب البع�ض ،ف�إن للريا�ضيات ح�ضور ًا �أي �� �ض � ًا يف ال�شعر ال �ع��رب��ي .ف�ب�ين العلوم والآداب و�شائج قربى كالتي بني النا�س من ن�سب وم�صاهرة تقريب ًا .والريا�ضيات �أو الريا�ضة �أو العلم الريا�ضي تُعرف يف ال�ت�راث العربي ب��أن�ه��ا« :علم ب ��أح��وال ما يفتقر يف الوجود اخلارجي من دون التعقل �إىل امل ��ادة كالرتبيع والتثليث وال�ت��دوي��ر والكروية واملخروطية والعدد وخوا�صه». وت�سمى �أي�ض ًا« :بالعلم التعليمي وبالعلم الأو� �س��ط وباحلكمة الو�سطى» .وق��د ورد يف ر�سائل �إخ��وان ال�صفا�« :أن علم العدد ج ��ذر ال �ع �ل��وم وع�ن���ص��ر احل �ك �م��ة وم �ب��د�أ امل �ع��ارف و�أ�سطق�س امل �ع��اين» .و�إىل علم العدد ين�ضاف علم الهند�سة وعلم النجوم واملو�سيقى والن�سب العددية وغريها .لقد خ ّلفت الريا�ضيات منذ القدم علوم ًا ذكور ًا و�إناث ًا كثرية� .إنها بالتعبري العربي القدمي- ٌ �ضانئ ناتق� .أي :كثرية الأوالد. �أم
في حضرة الشعر 86 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
ول �ل �ع��رب ب ��اع ط��وي��ل يف ��ص�ن��اع��ة الأل �غ��از بال�ضرورة �أن يكون من واقع احلياة العملية م�سائل �شعرية ح�سابية بحتة
والأح ��اج ��ي وامل �� �س��ائ��ل� ،صناعة �شعرية، �شملت كثري ًا من معارفهم كاللغة والفقه والنحو واحل�ساب .يت�ضح ذلك من خالل م�ؤلفاتهم يف هذا امل�ضمار ،وك��ان ازده��ار ه��ذا ال�صنف م��ن املعرفة ،يعود لأ�سباب خمتلفة ،منها �أ�سباب ذاتية ترجع للأدباء وال�شعراء والعلماء ،ل�شدة ميلهم وولعهم يف ال�ب�لاغ��ة والف�صاحة والتناف�س فيما بينهم .و�أخ��رى تعود للوظيفة الرتبوية والتعليمية والرتفيهية للألغاز وامل�سائل. و�إذا كانت ه��ذه امل�سائل منظومة نظم ًا �شعري ًا ف ��إن ذل��ك بالت�أكيد �سيزيد من فاعليتها ومتعتها وت�أثرياتها لتكون �أ�سرع و�أ�سهل للحفظ و�أبقى يف الذهن.واللغز �أو امل�س�ألة كالم نظري �أخفي املراد منه على ال�سامع و�أ�ضمر معناه .فهو بحاجة جلهد عقلي للو�صول �إىل مبتغاه والق�صد منه اختبار ق��درة هذا ال�سامع على حل هذا الإ�شكال ذهني ًا. �إن هذا ال�صنف من الألغاز وامل�سائل ميثل حتدي ًا فكري ًا وميكن �أن يكون مبعث اهتمام و�إث���ارة لبع�ض الأ��ش�خ��ا���ص غ�ير �أن��ه لي�س
لكنه بالت�أكيد يتطلب �إملام ًا باملبادئ الأولية للريا�ضيات وذاكرة ومهارات قوية ،يطلق عليها �أحيان ًا «ريا�ضيات الت�سلية» ولكنها ت�سلية فكرية .فالريا�ضيات فن تعبريي ال يختلف عبقرية عن بقية الفنون التعبريية كاللغة �أو الت�صوير �أو املو�سيقي ،ودي��وان ال�شعر العربي حوى بني �أبوابه و�أغرا�ضه التي نظم ال�شعراء فيها ق�صائدهم باب ًا لعلم احل�ساب والأرق��ام التي قد ال حتمل �أي معني جمايل يلهم �أو يوحي ،والغريب �أن �شعراء كبار ًا تلمع �أ�سما�ؤهم يف ديوان ال�شعر العربي طرقوا هذا الباب ،وتركوا لنا �أ�شعار ًا حتتاج بالفعل �إىل �إحكام العقل وكد الذهن بعيد ًا عن جماالت ور�ؤى الإلهام واخليال التي يحفل بها ال�شعر العربي.
للرياضيات حضور في الشعر العربي فبين العلوم واآلداب وشائج قربى كالتي بين الناس من نسب ومصاهرة تقريب ًا
تك�شف لنا هذه امل�سائل بو�ضوح عن مدى متكن قائليها م��ن اجل�م��ع ب�ين العمليات احل�سابية وع��ذوب��ة ال�شعر .و�أول من قال �شعر ًا ُ�ض ّمنَ م�س�ألة ح�سابية معقدة كانت – زرق��اء اليمامة -ومن البديهي القول �إنها مل تكن تود �أن ت�ضع مع�ضلة ريا�ضيه يف قالب �شعري� .إمنا كل ما يف الأمر �أنها كانت حادة الب�صر وقد نظرت يوم ًا فر�أت حمام ًا وارد ًا ماء فقالت ببديهة حا�ضرة:
ل� � � � � �ي � � � � ��ت احل � � � � � � � �م� � � � � � � ��ام ل� � �ي � ��ه ون � � � � � � � �� � � � � � � � �ص � � � � � � � �ف� � � � � � � ��ه ق � � � � � ��دي � � � � � ��ة �إل� � � � � � � � � �ـ � � � � � � � � ��ى ح � � � �م� � � ��ام � � � �ت � � � �ي� � � ��ه � � � � � � � �ص� � � � � � ��ار احل� � � � � � � � �م � � � � � � � ��ام م � � �ي� � ��ة واملعني – �إذا �أ�ضيف �إىل �سرب احلمام ن�صفه وح �م��ام��ة واح� ��دة ل �ك��ان حا�صل اجلمع مائة -وكان – �إذ ذاك – �صياد واق�ف� ًا فا�صطاد احلمام جميعه فوجده ك�م��ا ذك ��رت «66حمامة» ف ��أع �ج��ب بها ال�ع��رب لأن ا�ستخراج ال�ع��دد م��ن هذين البيتني يحتاج �إيل عمليه ح�سابيه قد يعجز عنها الكثريون.
أول من قال شعر ًا ن مسألة حسابية تضم َ ّ وح��ل م���س��أل��ة زرق ��اء ال�ي�م��ام��ة بالرمزية معقدة الشاعرة زرقاء ح � �ب � �ي � �ب� ��ي ق � � � ��د غ� � � � � ��زا ق� �ل� �ب ��ي الريا�ضية علي النحو التايل: ب � � � � � � � � � ��أحل� � � � � � � � � ��اظ و�أح � � � � � � � � � � � � � � � � ��داق اليمامة وعلق عليها �س � +س100 =+1 2/ النابغة الذبياني بأبيات ل � � � ��ه ال � � �ث � � �ل � � �ث� � ��ان م � � � ��ن ق� �ل� �ب ��ي �2س�+س 200 =+2 وث� � � � �ل� � � � �ث � � � ��ا ث� � � �ل� � � �ث � � ��ه ال� � � �ب � � ��اق � � ��ي إلعجابه بها �3س=198 وث � � �ل � � �ث� � ��ا ث � � �ل� � ��ث م � � � ��ا ي� �ب� �ق ��ى �س= 66 وب� � � � ��اق� � � � ��ي ال � � �ث � � �ل� � ��ث ل � �ل � �� � �س� ��اق� ��ي ف�ح���س�ب��وه ف ��أل �ف��وه ك �م��ا ذك��رت ت�سعا وت�سعني مل تنق�ص ومل تزد وت � � � �ب � � � �ق� � � ��ي �أ�� � � � �س� � � � �ه � � � ��م � � �س� ��ت ول�ق��د �أع�ج��ب النابغة ال��ذب�ي��اين ب��امل��درك ت � � � �ق � � � �� � � � �س� � � ��م ب � � � �ي� � � ��ن ع � � � �� � � � �ش � � ��اق اال�ستقرائي ���س� +س 100=+1 2/فع ّلق ف�ك�م�ل��ت م��ائ��ه ف�ي�ه��ا ح�م��ام�ت�ه��ا و�أ��س��رع��ت ح�سبة يف ذل��ك ال�ع��دد!. علي �أبيات زرقاء اليمامة -ويظهر �أنه كان وتف�سري ذلك �أن الأ�صل واحد وثمانون والثلثان يعرف عدد الطيور -فقال خماطب ًا امللك – النعمان بن املنذر – ملك احلرية:
واحكم كحكم فتاة احلي �إذ نظرت �إيل ح� �م ��ام � � �س� ��راع وارد ال �ث �م��د قالت� :أال ليتما هذا احلمام لنا �إىل ح �م��ام �ت �ن��ا م ��ع ن �� �ص �ف��ه ف�ق��د
�أحجية �أبونوا�س
وبعد النابغة الذبياين جاء �أبو نوا�س مب�س�ألة �شعرية عوي�صة �شغلت العلماء لفرتة طويلة، مم��ا جعلها يف ع ��داد الأح��اج��ي والأل �غ��از والأبيات هي:
منها �أربعة وخم�سون وثلثا ثلثه :ثمانية ع�شرة وثلث ثلث ما يبقي جزءان ،وثلث الثلث جزء فذلك خم�سة و�سبعون ويبقى �ستة �أجزاء وهي التي جتز�أ بني ع�شاق .وحل امل�س�ألة ال�شعرية بالرمزية الع�صرية: 54=2×27=2/3×81وه��و ال�ث�ل�ث��ان من قلبي 18=1/3×2/3×81ثلثا ثلثه 72=54+18لها 9=81-72الباقي =2=18/9 2/3×9/3=1/3×2/3×9 وهو ثلثا ثلث الباقي 1= 9/9=3×9/3 =1/3×1/3×9وهو ثلث ثلث الباقي 3=2+1لل�ساقي 72لها +3لل�ساقي= 75 الأ�صل 6=81-75جتز�أ بني ع�شاق. وجاء على هام�ش �أحد املخطوطات امل�س�ألة املنظومة الآتية وجوابها وهي مذيلة با�سم بدر الدين الزرك�شي:
َع� ��جِ � �ب� ��تُ مل � � ��الٍ ُث � � ُل � �ث� ��ان ُث� �ل� � ِث� � ِه و َث �ل �ث��ا ث �ل��ثِ ال �ث �ل��ثِ ث �ل��ث ودره ��م �أيا مع�شر ا ُ حل�ساب هذي ف�ضيلة فكم ك��ان ه��ذا امل��ال قبل الق�سامة واجلواب: قل املال قبل ال َق ْ�سم دا ًال وقد �أتي ج� ��واب� ��ك يف رم � ��ز ف �ك ��ن م�ت�ف�ه�م��ا و�ضابطه َب ْ�س ُط َغدا منه مقامه ك �ن �� �س �ب��ة ل� � ��ذي اجل � �ه� ��ل وال� �ع� �م ��ا
في حضرة الشعر 88 الـعــــدد 158 ديسمبر
63/64جملة البيوت� ،أي �أن ما تبقي ملقدم الهدية ميثل 1/64فح�سب ما عنده وهذا ي�ساوي 21بيت ًا .وبالتايل ف�إن الدار تتكون من 1344 = 21 ×64بيت ًا. ه��ذا وميكن التحقق من ذل��ك بتطبيق ما جاء بن�ص النظم .حيث 1/3+1/4+1/6+1/8ال�ب�ي��وت × 7/8 1178 =1344بيت ًا ي�ضاف �إىل ذلك ن�صف ربع هذا العدد� .أي 147بيت ًا ،ف�إن نحن احت�سبنا ما تبقي وهو ع�شرون بيت ًا حلاجة ال��واه��ب وبيت واحد لل�ضيوف� .صار �أ�صل عدد البيوت: 1344 =147+21 1176+بيت ًا.
2012
تاريخ يف لغز �شعري
جمموع هذا املال تن�صيف ت�سعة وه ��ذا ج ��واب ال���ش�ي��خ واهلل �أع�ل�م��ا
واحلل بالرمزية الع�صرية:
و�ألغز �-أبوعبداهلل القوري القا�ضي -لغزً ا يبني فيه ت��اري��خ االن�ت�ه��اء م��ن �أرج���وزة له قائ ًال:
فقلت له والثمن خذه فلم ُيجب ف���ض�ف��ت �إل �ي��ه ن���ص��ف رب ��ع ه��دي�ت��ي ّ مت وق ��د � �س �ن��ح يف ف �ك��ري وع��ن و�أبقيت يل ع�شرين بيتاً حلاجتي �أن �أل �غ��ز ال �ت��اري��خ � �س�ب ً�را للفطن وب� �ي� �ت� �اً لأ�� �ض� �ي ��ايف و�أه � � ��ل م��ودت��ي �سطر �إذا ع��ن الأ� �س��و���س ج��ردا فقل يل كم يف الدار بيت وق�سم ف �م �ن �ت �ه ��اه ك� �ع ��ب ن� ��� �ص ��ف م �ب �ت��دا البيوت على ت�أ�صيل �أ�صل ق�ضيتي وال�ف���ض��ل ب�ين ح���ش��وة واملنتهى واحلل بالرمزية الع�صرية: ن� ��� �ص ��ف جل � � ��ذر �� � �ص � ��دره ب � ��ه زه ��ا الهدية املقرتحة « »1/6 1/3+1/4+عدد وامل �ن �ت �ه��ى م ��ع ف���ض�ل��ه ذو ج��ذر البيوت زد عليها 1/8العدد ح�سب ال�شطر وج� � � ��ذره ب�ي��ن احل� ��� �ش ��ا وال� ��� �ص ��د ِر الأول من البيت الثاين .ويذلك تكون جملة البيوت املقرتحة « »1/3+1/4+1/6+1/8و�أن ت ��ؤ� �س �� �س��ه ي ��واف ��ق ع ��ددا ن �ف �� �س��ي م ��ع ق ��وم ��ي لأح� �م ��د ف��دا �أى 7/8مما ميلك ف ��إذا �أ�ضيف �إىل هذه
َيبني من ال�شطر الأول للبيت الأول �أن احلد الأول م��ن املعادلة ال ��واردة يحوي الك�سر 1/3× 2/3املال الأ�صلي «قبل انق�سامه» فلنفر�ضه ت�سعة حتى يكون الناجت ع��دد ًا ��ص�ح�ي�ح� ًا .وب��ذل��ك ف ��إن��ه ح���س��ب منطوق امل�س�ألة: ثلثا ثلث امل��ال = « 9× 1/3×2/3املال املفرو�ض» = 2 ثلثا ثلث ثلث امل��ال = 1/3× 1/3×2/3 × « 9املال املفرو�ض» = 2/3 ال �ه��دي��ة ن���ص��ف رب�ع�ه��ا – ط�ب�ق� ًا مل��ا ج��اء فيكون املجموع ،2 2/3 :وملا كان املجموع بال�شطر الثاين من البيت الثاين – ت�صبح ح�سب منطوق امل���س��أل��ة ه��و 1 1/3فقط ال�ه��دي��ة 9/8×7/8جم�م��وع ال�ب�ي��وت �أي ف��إن امل��ال ال بد و�أن ي�ساوي 9/2كما جاء باجلواب املنظوم.
حوى ديوان الشعر العربي بين أبوابه لغز الهدية ال�شعري وع �ل��ي ه��ام ����ش م�ت�ن ك �ت��اب اب���ن ال �ه��ائ��م وأغراضه التي امل���ص��ري « :مر�شدة الطالب �إىل ا�سمي نظم الشعراء فيها املطالب» جاءت امل�س�ألة الآتية: قصائدهم باب ًا لعلم دف �ع��ت �إل �ي��ه ُث �ل� َ�ث داري ه��دي��ة الحساب واألرقام التي ورب �ع �اً و��س��د��س�اً فا�ستقل عطيتي قد ال تحمل أي معنى جمالي يلهم أو يوحي
الأ�سو�س :وتعني القيم املكانية للأرقام، كعب :مكعب. وح��ل ه��ذا اللغز و�ضعه بطريقتني :الأوىل بالطريقة احل�سابية ال �ع��ادي��ة ،والثانية بطريقة ح�ساب اجلمل .ف ��إذا جردنا هذا ال�ع��دد م��ن قيمته املكانية و�أخ��ذن��ا �أرق��ام��ه ك��أن�ه��ا �آح���اد ف�ي�ك��ون ال���ص��در «الأول» هو �أربعة ،واحل�شو «الو�سط» هو �سبعة ،واملنتهى «الأخري» هو ثمانية ،لذا نح�صل على ثالث ع�لاق��ات الأوىل �أن الثمانية ه��ي مكعب ن�صف الأربعة ،والف�ضل «الفرق» بني ال�سبعة
للعرب باع طويل في صناعة األلغاز واألحاجي والمسائل صناعة شعرية شملت كثير ًا من معارفهم كاللغة والفقه والنحو والحساب
والثمانية هو ن�صف جذر الأربعة .ثم حا�صل جمع الثمانية والفرق ال�سابق الذي هو واحد ي�ساوي عدد ًا هو ت�سعة له جذر م�ضبوط هو الفرق بني ال�سبعة والأرب�ع��ة �أي ثالثة� .أما �إذا �أرجعنا الأرق��ام �إىل قيمتها املكانية �أي �أربعة و�سبعني وثمان مئة ،ف�إن هذا العدد هو حا�صل جمع القيم العددية بحروف العبارة «نف�سي مع قومي لأحمد فدا» حيث �إن النون وث �ل � ًث��ا و ُث �م � ًن��ا ك��ام �ل�ين ك�لاه�م��ا تعادل خم�سني ،والفاء ثمانني ،وال�سني ثالث و� �س �ب �ع��ة �أق �� �س ��ام � �ص �ف��ت ل �ل �ت �� �ص �دّقِ مئة ،والياء ع�شرة ،وامليم �أرب�ع�ين ،والعني �سبعني ،والقاف مئة ،وال��واو �ستة ،وال�لام فقل يل كم املوهوب واحلا�صل الذي �صفا ب�ع��ده حت��ت احل���س��اب امل��دق��ق؟ ثالثني ،والألف واحد ،واحلاء ثمانية ،والدال �أربعة ،وعلى هذا يكون تاريخ الفراغ من هذا فيكون �أ��ص��ل امل��ال ه��و خم�س مئة و�أرب �ع��ة، النظم �سنة �أربع و�سبعني وثمان مئة. وجملة املوهوب �أربع مئة و�سبع وت�سعون.
وي��درك يف ت�سع وخم�س �شبابه وي� � �ه � ��رم يف �� �س� �ب ��ع م � � ًع� ��ا وث� �م ��ان «وي��درك يف ت�سع وخم�س �شبابه» :يريد �أن يتناهى مت��ام��ه �إىل �أرب ��ع ع�شرة ليلة من ال�شهر ،ثم يتناق�ص من وقت متامه �إىل �آخر ال�شهر.و لغز �أحدهم يف ا�سم «�أحمد» قائ ًال:
�أول � � � � � � � � � � ��ه ث� � � � ��ال� � � � ��ث ت� � �ف � ��اح � ��ة و�آخ � � � � � � � � � � ��ر ال� � � � �ت� � � � �ف � � � ��اح ث � ��ان� � �ي � ��ه وراب � � � � � ��ع اخل� � �م � ��ر ل� � ��ه ث ��ال ��ث و�آخ� � � � � � � � � ��ر ال� � � � � � � � � ��ورد ل� � �ب � ��اق� � �ي � ��ه. ولغز �أحدهم يف العقرب:
وم��ا ح�ي��وان حت��ذر النا�س �شره على �أنه واهي القوى واهن البط�ش م�س�ألة ابن البنّاء ووردت ه��ذه امل���س��أل��ة ع�ل��ى ل �� �س��ان -اب��ن م�سائل ح�سابية لغوية �إذا �ض ّعفوا ن�صف ا�سمه كان طائراً هذا النوع من امل�سائل ال�شعرية هو مزيج من و�إن �ضعفوا باقيه كان من الوح�ش؟ البناء -يف �أحد كتبه: احل�ساب واللغة .و�إجابتها تتطلب ا�ستخدام ًا ي��ا م�ع���ش��ر ا ُ حل �� �س��اب ه��ل فيكم م� ��ن ع � �ن ��ده ع� �ل ��م ب � �ه ��ذا ال � �� � �س � �� ْؤال لعمليات ح�سابية ذهنية ب�سيطة ،غ�ير �أن وحله منظوم ًا �أي�ضاً: النتيجة لي�ست عددية ،و�إمنا كلمات لغوية ،كما ��ض�ع�ف��ت ن���ص�ف��ه ف �ج��اء ع�ق�ع� ًق��ا �إن قيل يف الع�شرين من خم�سة الدني�سري الدين عماد ذكر التالية: أمثلة ل ا يف ون� ��� �ص� �ف ��ه ال � �ث� ��اين ت � �ب� ��دى رب� ��رب ب � ��أن � �ه� ��ا ن� ��� �ص ��ف ب � �ف� ��ر�� ��ض امل � �ح� ��ال �شعر ًا يت�ضمن لغز ًا يف ا�سم «عثمان» قائ ًال: � �س �م �ي��ه ي �ل �م��ع يف �أوج ال �� �س �م��ا ف �ت �� �س �ع��ة م ��ن � �س �ت��ة م ��ا ا��س�م�ه��ا �س�ألت جميع النا�س ظ ًنا ب�أنني وف ��وق ��س�ط��ح الأر�� ��ض ه ��ذا ع�ق��رب ب � ��ذاك ال �ف��ر���ض ال � ��ذي يف امل� �ث ��ال؟ �أرى فيهم من يعرف احلق وال�صدقا عن ا�سم م�سماه تناهى جماله و«ال �ع �ق �ع��ق» ج �ن ����س ط�ي�ر م ��ن الف�صيلة وجواب ذلك كما و�ضعه �شعر ًا: ي�شقى أعرا�ضه � و قلبي هجره ومن الغرابية ورتبة اجلواثم ،وهي �صخّ ابة ،لها �أم��ا ا�سمها فالثمن م��ع ن�صفه �رف � ح � أ خم�سة �شك ال �ه � ف �ر � ح � أ و �أذن��اب طوال ومناقري قوية ،تع�شع�ش على ه� � ��ذا وح� �ق� �ك ��م ج� � � ��واب ال � �� � �س � ��ؤال
وك��ل �صحيح ال��ذه��ن ي�ع��رف��ه حقا وبيان ذلك �أنه �إذا فر�ضنا هذه امل�س�ألة املحالية �إذا زال عنه اخلم�س واخلم�س واحد تبقى ثمان وهي �أعجب ما يبقى!. �أن الع�شرين من خم�سة ن�صف ،مع �أنها �أربعة
�أمثالها فقد �أ�صبح �أربعة �أمثال ال�شيء ن�صفه، ف�إذا كانت �أربعة �أمثال ال�شيء ن�صفه لزم من ونف�س اللغز يف كتاب «تاج العرو�س» ب�صيغة ذلك �أن املثل من مثله ثمن .ومعلوم �أن الت�سعة �أخرى هي: من ال�سنة مث ٌل ون�صف فهي �إذن بهذه الن�سبة �أي ا� �س��م ذي خ�م���س��ة ف� � ��إذا ما ح� ��ذف� ��ت واح � � ��د ف �ي �ب �ق��ى ث� �م ��ان؟ املحالية ُثمن ون�صف الثمن. وج ��اء يف ك�ت��اب «ك�شف احل �ج��اب ع��ن علم وهذا اللغز عن «القمر»: احل�ساب» هذه امل�س�ألة عن تق�سيم هبة:
وما �شامة �سوداء يف حر وجهه وهبتُ �صبياً ن�صف ما قد ملك ُته جم �ل �ل��ة ال ت �ن �ج �ل��ي ل ��زم ��ان جميعاً وثلثي ثلث رب��ع ال��ذي بقي
في حضرة الشعر 90 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
ر�ؤو���س ال�شجر ،وتتغذى باحلبوب والأثمار واحل�شرات وبي�ض الطيور و�صغار الطري .وهي ذكية �شر�سة تُعد من �أ�ضر الطيور وتدافع عن فراخها دفاع امل�ستميت� .أما «الربرب» ،فهو القطيع من بقر الوح�ش �أو الظباء ،وجمعه «ربارب» .ويف«ن�سرين» لغ ّز �أحدهم:
ك� � �ف � ��اك مل ت� �خ� �ل� �ق ��ا ل� �ل� �ن ��دى ومل ي � � � ��ك ل � � ��ؤم � � �ه � � �م� � ��ا ب � ��دع � ��ة ف� �ك ��ف ع� ��ن اخل �ي��ر م �ق �ب��و� �ض��ة ك � �م� ��ا ح � � ��ط ع � � ��ن م � ��ائ � ��ة � �س �ب �ع��ة و�أخ � � � � � � � ��رى ت � �� � �س � �ع� ��ة �آالف � � �ه� � ��ا وث� �ل��اث � � �م � � �ي � � �ه� � ��ا ل � � �ه� � ��ا � � �ش� ��رع� ��ة
وهذا املعنى يوافق متاما �شكل ال�صفر – احللقة – « » 0يف الأرقام العربية التي ي�ستعملها الغرب واملغرب العربي حاليا.
�أهم املنظومات
وم � �� � �ش � �م� ��وم ل� � ��ه ع� � � ��رف ذك� � � ٌّ�ي ويف ت �� �ص �ح �ي �ف��ه ب �ع ����ض ال �� �ش �ه��ور واملعنى «حط عن مائة �سبعة »�أي 100- �إذا �أ� �س �ق �ط��ت ُخ �م �� �س �ي��ه جت��ده - 1الأرجوزة اليا�سمينية 93=7والداللة عن الرقم 93يكون �را يف ا ل �� �س �م��اء ويف ال �ط �ي��ور بقب�ض جميع �أ�صابع اليد اليمنى « ،ت�سعة وه��ي �أرج ��وزة يف اجل�بر واملقابلة تقع يف ك� �ب�ي ً 54بيت ًا وهي من نظم – �أب��ي حممد عبد و�أول� � � � � � � � � ��ه و�آخ� � � � � � � � � ��ره � � � �س� � ��واء �آالفها و ثالثميها » �أي = 300 + 9000 اهلل بن احلجاج – امللقب بابن اليا�سمني و�أو�� �س� �ط ��ه ي �� �ض �ي��ق ب ��ه � �ض �م�يري! 9300وللداللة عن الرقم 9300يكون بقب�ض جميع �أ�صابع اليد الي�سرى وقب�ض «الن�سرين» نبات له زهر �أبي�ض ع�صري ،اليدين معا بهذه الطريقة كناية عن قوي الرائحة البخل ال�شديد. بع�ض ال�شهور« :ت�شرين» ،ف ��إذا �صحفته وجدته «ن�سرين». ال�شعر يثبت ال�صفر للعرب والت�صحيف �أن ي��ؤت��ى بلفظني يف �صورة واذا ك��ان الغرب مل يعرف ال�صفر قبل الأحرف ويختلفان يف النقط.. القرن الثاين ع�شر امليالدي ف�إن ال�شاعر ال�ع��رب��ي ع��رف��ه قبل ذل��ك ب�ق��رون طويلة م�س�ألة اخلليل بن �أحمد حيث ا�ستخدم ال�صفر يف ال�شعر اجلاهلي وهذه امل�س�ألة ال�شعرية للخليل بن �أحمد – للتعبري عن معنى – خال ،وذلك ما �سجله والتي �أتت يف �سياق �أبيات ذم فيها بخي ًال حامت الطائي يف ق�صيدته التي مطلعها: – يقول فيها: �أ�ساوي قد طال التجنب والهجر
وق ��د ع��ذرت �ن��ي يف ط�لاب�ك��م ال�ع��ذر
وبيته ال�شاهد هو:
ترى �إن ما �أهلكت مل يك �ضرين وان ي� ��دي مم ��ا ب �خ �ل��ت ب ��ه �ِ��ص � ْف � ُر
وهنا بيان ب�أهم املنظومات التي كتبت يف جمال الريا�ضيات �شعر ًا:
«املتوفى601 :هـ 1204 -م» وتبد�أ الأرجوزة بالبيت الآتي:
احل � �م � � ُد هلل ع� �ل ��ى م� ��ا �أل �ه �م��ا َ و َم� � � � ��نّ مِ � � � ��نْ ت �ع �ل �ي �م ��ه َوف� � � َّه� � � َم � ��ا
ولأهمية ه��ذه الأرج ��وزة ق��ام ب�شرحها عدد ك�ب�ير م��ن ال�ع�ل�م��اء ك��اب��ن ال�ه��ائ��م امل�صري املقد�س«815هـ» ول��ول��ع اب��ن ال�ه��ائ��م بهذه الأرج � ��وزة ق��دم ل�ه��ا ث�لاث��ة � �ش��روح �أخ ��رى، و�أب���و زراع���ة العراقي«826هـ» ،وع �ل��ي بن حم �م��د ال �ق��ر� �ش��ي ال �� �ش �ه�ير ب��ال�ق�ل���ص��ادي الأندل�سي«891هـ» ،وب��در الدين حممد بن �سبط املارديني«912هـ». كما �أن هناك �شروح ًا �أخرى مل ُتع ّلم �أ�سماء وا�ضعيها ،هذا ف� ً حوا�ش على ضال عن عدة ٍ الأرج ��وزة وعلى �شرحها.من ذل��ك -القول امل�ب��دع يف �شرح املقنع -ل�سبط امل��اردي�ن��ي، و -ف�ت��ح امل �ب��دع يف � �ش��رح امل �ق �ن��ع -ل��زك��ري��ا الأن�صاري،و � -شرح املقنع يف اجلرب واملقابلة- لقا�سم بن �صالح اخلاين احللبي«1109هـ».
وك��ان العرب ير�سمون ال�صفر حلقة ي����ؤك���د ه���ذا ب��ي��ت��ان ق��ال��ه��م��ا الأ����س���ود ب��ن ب�لال �أمل��ح��ارب��ي مل��ا �أغ���زاه الوليد � - 2أرجوزة يف احل�ساب وامل�ساحة: ب��ن ي��زي��د ال��ب��ح��ر .وفيهما ي�شري �إىل م��ن نظم �شهاب ال��دي��ن �أح �م��د ب��ن حمي ا�ستخدام احللقة للداللة على عدم الدين يحيى ال�شافعي ال�شهري بال�ضمريي، ي�صفعا م�ؤلفها بقوله: وجوده:
ق ��ال اب ��ن ي�ح�ي��ي �أح �م��د �أرج� ��وزة لتعرت�ض ا�سمي لدى العر�ض حلقة ه � � �ي � � �ن� � ��ة يف ب � � ��اب� � � �ه � � ��ا ع � � ��زي � � ��زة وذل � � ��ك ان ك� � ��ان الإي� � � � ��اب ي �� �س�ير �أب � �ي ��ات � �ه ��ا عِ � � � ��د َّة �أي � � � ��ام ال �� �س �ن��ة وقد كان يف حول ال�ش َر ّبة مقعد وك � � ��ل ب� �ي ��ت ف� �ي ��ه �أ ْل� � � �ف� � � �اّ َح� �� � َ�س� �ن� � َة ل ��ذي ��ذ وع �ي ����ش ب ��احل ��دي ��ث غ��زي��ر
919هـ» « 1513 - 1456م»
� - 8أرجوزة نخبة التفاحة حاوية قواعد امل�ساحة:
نظم عبد اللطيف بن على الدم�شقي.
- 9منظومة اللباب يف �أ�صول احل�ساب:
�أرجوزة من ت�أليف جمال الدين حممد بن عمر ال�شهري ببحرق احل�ضرمي ،املتوفى �سنة «930هـ1523/م» و�أولها:
احل� �م ��د هلل ال � �ق� ��دمي الأب � � ��دي ح� �م ��داً ي �ح �ي � ُل ع ��ن ت �ن��اه��ي ال �ع��دد
ح� ��از ع �ل��ى وزنٍ م ��ن ال�ف���ص��اح��ة ب � �ع � �ل � ��م احل � � �� � � �س� � ��اب وامل� � ��� � �س � ��اح � ��ة
- 3منظومة املُقنع يف علم اجلرب واملقابلة:
� - 10أجنحة الرغاب يف معرفة الفرائ�ض واحل�ساب ،لأبي �سامل �إبراهيم بن �أبي القا�سم ال�سماليل:
«املتوفى 750 :هـ 1346 -م» ومطلعها: ويف هذا الباب الكثري مما يعجز املقال احل � �م� ��د هلل ع � �ل ��ى �أن ي �� �س��را م��ن ُم �ه��ج ال�ت�ك���س�ير م��ا ق��د ع�سرا عن ذكرها هنا. ويف اخل�ت��ام ن��ورد بع�ض الأب �ي��ات يف بيان ف�ضل احل�ساب: - 5منظومة البقاعي يف احل�ساب قال الفقيه �أبو احلجاج الطرطو�شي: وامل�ساحة: لربهان الدين �إبراهيم بن الرباط البقاعي �إن ع �ل��م احل �� �س��اب ع �ل��م رف �ي��ع ف �ي��ه ع � ��ون �إذ ت �� �ش�ت�ري �أو ت�ب�ي��ع ال�شافعي ،املتوفى �سنة « 885هـ 1480م» و�أولها: مل ي �� �ض��ع ق ��ط دره � ��م ب�ح���س��اب
�أن�ش�أها �شهاب الدين �أبو العبا�س ،املعروف ب��اب��ن الهائم امل�صري املقد�سي « 753- 815هـ» « 1412 1352-م» وت�شتمل املنظومة على 59بيت ًا من بحر الطويل ،وي�شري ابن الهائم �إىل الغر�ض م��ن الق�صيدة حيث احل� �م ��د هلل احل �� �س �ي��ب ال� �ف ��رد يقول: ح� � �م � ��داً ك� � �ث �ي �راً م� ��ال� ��ه م � ��ن َع� � � ّد
وب�ع��د َفعِلم احل�بر على ُمعظم مي �ي��ل �إل� �ي ��ه امل �ت �ق �ن��ون الأف��ا� �ض��ل - 6منظومة يف علم الفراي�ض و�إين حل � ��او ل� �ب ��ه يف ق �� �ص �ي��دة واجلرب واملقابلة وم�سايل نافعة: ب �ه��ا ي �ك �ت �ف��ي ذو ف �ط �ن��ة و ُي � �ط � ُ �اول �أرجوزة ت�ضم �ألف بيت �أن�ش�أها �إبراهيم بن
و�أل� � � � � � ��وف ب �ل ��ا ح � �� � �س� ��اب ت �� �ض �ي��ع
وقال بع�ضهم:
�إن احل�ساب م��ن العلوم جليل وع � �ل� ��ى دق � �ي � �ق ��ات ال � �ع � �ل ��وم دل� �ي� � ُل فاحر�ص على علم احل�ساب ف�إنه نا�صر النواوي. ب ��ري ��ا�� �ض ��ة امل �� �س �ت �� �ص �ع �ب�ين ك �ف �ي � ُل - 4منظومة الأك�سري املُبتغي من احل�ساب لعلم لك فري�ضة لوال ُ �صنعة التك�سري: - 7منظومة منية احل�ساب: مي وال �ت �ح �ل �ي �لُ مل ُي� �ع� �ل � ِ�م ال� �ت� �ح ��ر ُ هي �أرج��وزة يف م�ساحات الأ�شكال وت�شمل وهى ُمزدوجة يف احل�ساب ،من نظم حممد 203بيت ًا وهي من نظم ابن ليون التجيبي ب��ن غ��ازي العثماين املكنا�سي- 858 « ،
قال الراوي 92 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
حكاية �شعبية من �أوزبك�ستان
القدح السحري تقدمي وترجمة -عبد الرحمن اخلمي�سي متثل احلكايات ال�شعبية الأوزبكية نتاج ًا فني ًا رائع ًا للإبداع ال�شعبي .فقد ت�شكلت تلك احلكايات عرب قرون طويلة من الزمن ،ون�سجت ق�ص�صها املتنوعة على �أل�سنة الرواة واحلكاة الذين نقلوها من جيل �إىل �آخر .وتعك�س احلكايات ال�شعبية يف جوهرها الواقع املادي الذي تعي�شه ال�شعوب. وهي مر�آة �صادقة لعادات تلك ال�شعوب ومعتقداتها الروحية والدينية.
ول��ه��ذا ف����إن احل��ك��اي��ات ال�شعبية ك��ث�ير ًا ما ت�صبح خري معني لدرا�سة الظواهر ال��ت��اري��خ��ي��ة االج��ت��م��اع��ي��ة واحل�����ض��ارات ال��ق��دمي��ة .ون��ح��ن ه��ن��ا ن��ع��ر���ض ل��ن��م��اذج خم�����ت�����ارة م�����ن ت���ل���ك احل����ك����اي����ات يف �أوزبك�ستان ،البلد الذي خرج منه الإمام البخاري وابن �سينا والبريوين وع�شرات غريهم من علماء احل�ضارة الإ�سالمية ومبدعيها.
القدح ال�سحري
يف �أح��د الأزم��ن��ة البعيدة عا�ش ملك له �أرب��ع��ون زوج���ة .وعلى ال��رغ��م م��ن العدد الكثري لزوجاته �إال �أنه مل يرزق بولد وال ببنت. ً ً كان امللك دائما عكر املزاج مهموما .حتى �إن��ه ك��ان يجل�س على عر�شه بالكاد وبال
رغبة يف احلكم �أو �إدارة ال��ب�لاد .وكان يردد دائم ًا: ـ ال حاجة بي �إىل �شيء يف هذا العامل. وذات مرة �س�أله �أكرب الوزراء قائ ًال: ـ م��والي امللك ،ملا ال تريد اجللو�س على عر�شك؟. لدي رد امللك وق��ال� :آه يا وزي��ري ،لي�س ّ ول��د وال بنت .فمن يخلفني على عر�شي بعد موتي؟ ومن يدير �ش�ؤون البالد بعد
عندما حل اليوم الموعود للوالدة وضعت الزوجة الصغيرة توأم ًا :ولد ًا وبنت ًا ،وحملت القابلة في الخفاء الوليدين ووضعت بد ً ال منهما جروين
رحيلي عن الدنيا؟ لهذا ال�سبب مل تعد لدي رغبة يف اجللو�س على العر�ش. ّ قال الوزير :ما قولك يا موالي املعظم لو �أن��ك تزوجت م��رة �أخ��رى؟ فرمبا تنجب لك الزوجة اجلديدة ولد ًا .و�إذا عاندتك الأقدار �أي�ض ًا يف هذه املرة فافعل ما يحلو لك. وكان بالفعل �أن �أخذ امللك مب�شورة وزيره. وم��رت الأي��ام يوم ًا بعد ي��وم و�شهر ًا بعد الآخ����ر ح��ت��ى ج���اءت ال��زوج��ة ال�صغرية للوزير و�أخ�برت��ه ب�أنها تنتظر م��ول��ود ًا. ف��ف��رح امل��ل��ك ف��رح�� ًا ك��ب�ير ًا وخ����رج �إىل ال�صيد. كانت زوجات امللك العاقرات يتل�ص�صن ع��ل��ى ال����زوج����ة اجل����دي����دة وي��ت�����ص��ي��دن �أخ���ب���اره���ا .ومل���ا ع��رف��ن ب��ال��ن��ب���أ جل�سن يتحدثن بالنميمة وقلن فيما بينهن:
قال الراوي 94 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
ـ ل��و �أن ال��زوج��ة ال�صغرية �أجن��ب��ت ول��د ًا للمك فلن يطرف بب�صره نحونا بعد الآن. �أح�ضرت الزوجات امر�أة قابلة و�أعطينها �صرة مملوءة بالذهب وقلن لها: ـ �إننا نعتمد عليك �أيتها القابلة كى تدبرى �شيئ ًا لإنقاذنا من هذا الأمر. ـ ال جتزعنّ وكنّ مطمئنات .ف�سوف �أتدبر الأمر. وعندما حل اليوم املوعود للوالدة و�ضعت الزوجة ال�صغرية تو�أم ًا :ولد ًا وبنت ًا. وح��م��ل��ت ال��ق��اب��ل��ة يف اخل��ف��اء ال��ول��ي��دي��ن وو�ضعت بد ًال منهما جروين. وبعد عودة امللك من رحلة ال�صيد �أ�سرعت �إليه الزوجات تعلمنه باخلرب وقلن له: ـ م��والن��ا امل��ل��ك ،لقد و�ضعت ل��ك الزوجة ال�صغرية جروين. �صرخ امللك يف �صوت غا�ضب وقال: ـ ل��و �أن��ه��ا ول���دت يل ج��روي��ن ح��ق�� ًا ف�إننى �آمر بحفر حفرة عميقة يف �أر�ض الوادي البعيد و�إلقائها يف هذه احلفرة. �أخذ وزراء امللك الزوجة ال�صغرية وذهبوا بها �إىل الوادي املقفر ،حيث �ألقوا بها يف ح��ف��رة عميقة ب���الأر����ض ،ودف��ن��وه��ا حتى ر�أ�سها يف هذه احلفرة .وبعد ذلك رموا اجلروين خارج الق�صر. �أما التو�أمان البنت والولد فقد حملتهما القابلة �إىل الغابة ،وتركتهما بها نهب ًا لل�ضواري والوحو�ش املفرت�سة. �أخ��ذ اجل��روان يت�سكعان ب���أرج��اء املدينة وي��ج��م��ع��ان ف��ت��ات ال��ط��ع��ام م��ن ال�����ش��وارع والطرقات ،ثم يحمالن هذه الفتات �إىل ال��زوج��ة ال�صغرية يف حفرتها ويقومان ب�إطعامها. وك���ان���ت الأق�������دار رح��ي��م��ة ب��امل��ول��ودي��ن ال�صغريين الراقدين بال حول وال قوة بني �أح��را���ش الغابة املوح�شة .فقد �أخذتهما �إحدى الدببة وقامت بنقلهما �إىل كهفها بالغابة ،حيث �صارت تطعمهما وتربيهما. وهكذا ،م�ضت الأيام حتى �صارت �أعواماً متر �سريع ًا وكرب الطفالن .فكان الفتى ي��خ��رج وق��ت ال��ظ��ه�يرة لل�صيد ،وجتل�س
قال الفتى :حسن ًا سوف أطلعك على المحنة التي وقعت على رأسي، فأنا أسعى للحصول على المرآة السحرية التي بحوزة أحد الملوك الفتاة تغزل اخليط عند مدخل الكهف. ويف �أحد الأيام خرج امللك لل�صيد ،وم�ضى يف الغابة ي�سعى خلف الفرائ�س .وفج�أة ر�أى الفتاة جال�سة �أم��ام مدخل الكهف. فما �إن �شاهدته ال��ف��ت��اة حتى �أ�سرعت باالختباء داخ��ل الكهف .وعندما ابتعد امل��ل��ك قلي ًال ع���ادت ال��ف��ت��اة �إىل اخل��روج واجل��ل��و���س ث��ان��ي��ة .ال��ت��ف��ت امل��ل��ك ع��ائ��د ًا بفر�سه نحو الكهف ،لكن الفتاة �سرعان ما اختفت عن الأنظار مرة �أخ��رى .فكر امللك يف نف�سه قائ ًال�« :إنى �أ�شعر ب�سر يف �أمر هذه الفتاة» .وعاد �إىل ق�صره ،و�صار يحكي ل��وزرائ��ه عما �شاهده .ومل��ا و�صلت ه��ذه الأخ��ب��ار �إىل م�سامع زوج��ات امللك �أح�ضرن القابلة وقلن لها: ـ �ألي�س من اجلائز �أن هذه الفتاة ما هي �إال ابنة امللك وقد �أنقذتها الأقدار؟ عليك �أيتها القابلة �أن تفكري يف و�سيلة للتخل�ص منها. و�أعطوها �صرة كبرية مملوءة بالذهب كي تدبر �أمرها. فرحت القابلة بالذهب و�أ�سرعت لتوها نحو الغابة .وعندما و�صلت �إىل الكهف ���ش��اه��دت ال��ف��ت��اة ج��ال�����س��ة ع��ن��د مدخله، فاقرتبت منها قائلة: ـ �أيتها الفتاة امل�سكينة� ،أجتل�سني هنا وح��ي��دة مب��ف��ردك؟ ال ب��د �أن���ك ت�شعرين
أخذ الجروان يتسكعان بأرجاء المدينة ويجمعان فتات الطعام من الشوارع والطرقات ،ثم يحمالن هذه الفتات إلى الزوجة الصغيرة في حفرتها ويقومان بإطعامها.
بالوح�شة .اطلبي من �شقيقك �أن يح�ضر ل ِ��ك �شيئ ًا ي�سليك وي�سري عنك .هناك قدح �سحري مده�ش رائع اجلمال موجود يف مكان ما على الأر�ض .فاطلبى منه �أن ي�أتيك به كي تنظري �إليه وتت�سلي به ،ولو رف�ض تنفيذ مطلبك فانخرطي يف البكاء بال توقف. ان��ت��ه��ت ال��ع��ج��وز م��ن حديثها م��ع الفتاة ورحلت عن املكان. وما �إن عاد الفتى من ال�صيد حتى �أخذت �أخته تلح وتطلب قائلة: ـ �أري�����دك �أن ت���أت��ن��ي ب��ال��ق��دح ال�سحري املده�ش. رد الأخ قائ ًال :من الذي �أخربك عن هذا القدح يا �أختي العزيزة؟ ال �أحد ي�ستطيع ال��و���ص��ول �إىل م��ك��ان ال���ق���دح ال�����س��ح��ري املده�ش ،ول��و و�صل �إليه �أح��د فال ميكنه العودة حي ًا. انخرطت الأخت يف بكاء حار .وحاول الأخ �أن يطيب خاطرها و�أن يثنيها عن طلبها بال جدوى ،بل �إنها ا�ستمرت يف ال�صراخ بال توقف حتى قال لها �أخوها: ـ ح�سن ًا� ،إليك هذه الإوزة ،فحمريها كي �آكلها و�أرحل يف طريقي لأح�صل لك على القدح. �أكل الفتى حتى امتلأت معدته ،ثم جمع لوازمه مت�أهب ًا للرحيل ،وانطلق يف طريقه البعيد .وم�ضى طوي ًال يف �سريه حتى خرج �أخ�ي�ر ًا �إىل ال���وادي ،ونظر ف��ر�أى عجوز ًا ي�سري بالقرب منه .ومل��ا �شاهد العجوز الفتى �س�أله قائ ًال: ـ �إىل �أين تق�صد يا بني؟. ـ �آه �أيها الوالد� ،إين �أ�سري بغري هدى وال مق�صد �أعلمه ،فقد �سمعت بوجود قدح �سحري يف مكان ما بالعامل ،وها �أنا �أ�سعى للبحث عنه. قال العجوز� :أ�سفي عليك يا بني� ،إنك ما زلت �شاب ًا يافع ًا ،فلماذا ت�سعى �إىل موتك بال طائل؟ من الأف�ضل لك �أن ترتك هذا الأم��ر .فكم من امللوك والأم��راء خ�سروا حياتهم يف �سبيل احل�صول على القدح
ال�سحري .و�سوف ت�شاركهم �أن��ت الآخ��ر امل�صري املحتوم �إن مل تعد �أدراجك. لكن الفتى هتف معرت�ض ًا: ـ كال �أيها الوالد لن �أعود �أدراج��ى .ف�إما �أن �أح�صل على القدح ال�سحري و�أعود به �إىل البيت� ،أو �أموت دونه. قال العجوز :ح�سن ًا يا بني ح�سن ًا ،مادمت قد عزمت �أمرك على هذا النحو فجرب ح��ظ��ك .و���س��وف �أط��ل��ع��ك ع��ل��ى الو�سيلة الوحيدة للح�صول على القدح .فبعد �أن مت�ضي يف طريقك لبع�ض الوقت �سوف ترى �شجرة كبرية مربوط �إليها فر�س �أ�شهب. وعليك �أن متتطي ه��ذا الفر�س ومت�ضي به �صاعد ًا هذا اجلبل الواقع هناك ،ثم ترجل من على الفر�س واحفر عدة حفر يف �أماكن متفرقة باجلبل .واركب فر�سك ثانية وا�شرع بالنداء ب�صوت عال�« :أيها القدح الفخاري امل�سحور� ..أنت �صديقي و�أن��ا بك م�سرور� ...أظهر وب��ان من دون غ�ضب وال ���ش��رور» .عندئذ �سوف يندفع القدح ب�سرعة �شديدة نحوك مثل �صخرة ت��ق��ذف��ه��ا ال��ري��اح م��ن ع���ل ،و���س��وف يثور غ�ضبه عليك فينطلق خلفك مثل ال�سهم. وعليك الرك�ض �سريع ًا بفر�سك الأ�شهب وال��ع��ودة �أ�سفل اجلبل .و�سوف يالحقك القدح و�أن��ت تهرب منه حتى ت�صل �إىل �سفح اجلبل .وحينئذ �سوف ي�سقط القدح �إىل �أ�سفل مع �سيل من ال�صخور .فاحمله
أخذت إحدى الدببة المولودين الصغيرين الراقدين بال حول وال قوة بين أحراش الغابة الموحشة وقامت بنقلهما إلى كهفها بالغابة حيث صارت تطعمهما وتربيهما وا�صعد ب��ه �إىل ه��ن��اك وام�ل��أه م��ن امل��اء ال��ذي �سيتجمع يف احلفر التي حفرتها �سابق ًا .لكن ينبغي عليك تذكر �أن القدح لو �أدرك��ك ف�سوف ميزق ج�سمك �أ�شال ًء مثل ال�سكني يف الزبد ومتوت �شر ميتة. واخ��ت��ف��ي ال��ع��ج��وز ب��ع��د �أن ���ش��رح للفتى الو�سيلة الوحيدة للح�صول على القدح. فعل الفتى مثلما لقنه العجوز .وعندما و���ص��ل �إىل ال�شجرة ال��ك��ب�يرة ح��ل رب��اط الفر�س الأ�شهب و�صعد عليه �إىل اجلبل، وق����ام ب��ح��ف��ر ب��ع�����ض احل��ف��ر يف �أم��اك��ن خمتلفة ،ث��م ارت��ق��ى قمة اجل��ب��ل و�صار ينادي ب�صوت عال قائ ًال: ـ �أيها القدح الفخاري امل�سحور � ..أنت �صديقي و�أن��ا بك م�سرور ...اظهر وبان من دون غ�ضب وال �شرور. وف��ج���أة ،ظهر م��ن خلف ال�صخور �شيء
المع ،واندفع خلف الفتى يالحقه .وانطلق ال��ف��ت��ى ب��ف��ر���س��ه ي��ه��ب��ط اجل��ب��ل وال��ق��دح كال�سهم م��ن ورائ���ه ،ث��م انهمر ب�سرعة �سيل من ال�صخور �إىل �أ�سفل ومعه القدح. و�أ���س��رع الفتى هارب ًا من ال�سيل املندفع خلفه حتى و�صل �سامل ًا �إىل ال�سفح ،ثم حمل القدح و�صعد به ثانية �إىل اجلبل، وم��ل��أه ح��ت��ى احل��اف��ة ب��امل��اء املتجمع يف احلفر .وبعد ذلك قام بتغطيته وربطه، وعاد به �إىل البيت. ق�ص الفتى على �أخته كل ما جرى له ويف نهاية حديثه �أ�ضاف قائ ًال لها: ـ وق����د �أو����ش���ك���ت ع��ل��ى امل����وت يف �سبيل احل�صول على القدح. ب��ع��د االن��ت��ه��اء م��ن حكايته و���ض��ع الفتى ال���ق���دح امل��ده�����ش ال��ب�راق �أم����ام �أخ��ت��ه. فحملت الهدية الثمينة و���ص��ارت تنظر �إليه ب�إعجاب و�سعادة.
قال الراوي 96 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
يف نف�س هذا اليوم خرج امللك �إىل ال�صيد مرة �أخرى وفكر قائ ًال يف نف�سه« :هل يا ترى مازالت الفتاة التي ر�أيتها يف املرة ال�سابقة جتل�س يف الغابة؟». وانطلق نحو الكهف ،فر�أى الفتاة جال�سة �أم���ام الكهف م��ع الفتى .وم��ا �إن اق�ترب منهما حتى هرب االثنان واختفيا �سريع ًا عن الأنظار .وابتعد امللك عن املكان فعادا مرة �أخرى يجل�سان �أمام الكهف .وتكرر هذا الأمر مع امللك ب�ضع مرات. فكر امللك وهو يف ده�شة« :ما ال�سر يف هذا الأمر؟ وملاذا يختبئ االثنان؟». رجع امللك �إىل ق�صره وهو يفكر يف هذا الأم��ر ط��وال الطريق .ون��ادى على وزي��ره وق�ص عليه ما جرى. و�صل اخل�بر �إىل م�سامع زوج��ات امللك، ف�أح�ضرن القابلة و�أعطينها �صرة من الذهب مرة ثالثة قائالت لها: ـ ينبغي التخل�ص من هذين الطفلني ،و�إن مل تنجحي يف ذل��ك ف�سوف يعرف امللك ب�أمرهما وت�صبح العاقبة وخيمة ،و�سوف ي�أمر امللك بقتلك على الفور. ذه��ب��ت ال��ق��اب��ل��ة ال��ع��ج��وز م�����س��رع��ة �إىل الكهف ،و�س�ألت الفتاة: ـ كيف احل���ال؟ ه��ل �أح�ضر ل��ك �شقيقك القدح ال�سحري؟. ردت الأخت :نعم ،لقد طلبته منه يف نف�س اليوم وا�ستطاع �أن يح�ضره يل ،وقد خرج الآن للبحث عن الطعام. قالت القابلة العجوز :لقد �أح�سن �صنعاً ب���إح�����ض��اره �إل��ي��ك ،لكنني �أري���د �إخ��ب��ارك �أن هناك م��ر�آة �سحرية يف �أح��د البالد، فاطلبي من �شقيقك �أن يح�ضرها لك، و���س��وف �أر����ش���دك �إىل ال��و���س��ي��ل��ة ل��ذل��ك. فعندما يرجع عليك بالبكاء من دون كالم، وعندما ي�س�ألك عن �سبب بكائك قويل له: «�أريدك �أن ت�أتني باملر�آة ال�سحرية». وان�صرفت العجوز بعد �أن لقنت الفتاة ما تقوله. ع���اد الأخ م��ن ال�����ص��ي��د ح��ام ً �لا �أرن��ب�ين. وعندما �شاهد �أخته تبكي بحرارة �س�ألها
قائ ًال: ـ ماذا بك يا �أختاه؟ وملاذا تبكني هكذا؟. رجته الأخت قائلة: ـ �أخي العزيز� ،أريدك �أن حت�ضر يل املر�آة ال�سحرية. قال الفتى :يا �أختاه� ،أرى �أنك ال تفكرين �سوى يف طريقة للتخل�ص مني .ولو كان الأمر �سيان بالن�سبة لك �أن �أموت �أو �أظل على قيد احلياة ،ف�سوف �أخ��رج و�أح�ضر لك املر�آة ال�سحرية ،حتى لو دفعت حياتي يف �سبيل تلبية رغبتك ،لكن دعينا نتناول الطعام قبل رحيلي. قامت الأخت بتحمري الأرنبني ف�أكل الفتى حتى �شبع وقال: ً ـ لن �أعود �إليك قريبا يا �أختاه ،فانتظريني �شهر ًا ،و�إن مل �أرجع بعده فاعلمي ب�أنىي مت. وان��ط��ل��ق ال��ف��ت��ى م���رة �أخ����رى يف طريقه املجهول. وم�ضى يقطع الدروب والوديان وال�سهول املقفرة ،ويعرب اجلبال العالية حتى �شاهد على البعد بع�ض الأ�شجار .كانت ال�شم�س ق��د غ��رب��ت يف ه��ذا ال��وق��ت وه��ب��ط ظالم حالك على املكان عندما دخل الفتى �إىل الب�ستان امل�شجر .فاختار �إحدى الأ�شجار ال��ك��ب�يرة و���س��وى لنف�سه جمل�س ًا مريح ًا �أ�سفلها .ورقد حتى راح يف نوم عميق .ومع طلوع الفجر �صحا على �صو�صوة عدد من الزغاليل .رفع الفتى ر�أ�سه ي�ستطلع الأمر
خرج الملك إلى الصيد مرة أخرى ،ودنا من الكهف فرأى الفتاة تجلس عند مدخله بجوار الفتى ،غير أنهما في هذه المرة لم يختبئا منه بل ركعا أمامه تحية له وقاما بدعوته للدخول إلى كهفهما
فر�أى تنين ًا خميف ًا كبري ًا يزحف على جذع ال�شجرة .وم��ا �أن �شاهد الوح�ش الفتى حتى زحف نحوه فاغر ًا فاه الكبري و�أم�سك به ليبتلعه ،اال �أن الفتى جنح يف �إخراج �سيفه من غمده ب�سرعة ،ورفعه �أمام فاه التنني وه���وى ب��ه عليه ف�شطره ن�صفني من ر�أ�سه �إىل ذيله ،ثم �سلخ جلده و�صنع لنف�سه منه زن��ار ًا لفه حول خ�صره .ويف هذه اللحظة حلق طائر الرخ الأ�سطوري فوق ال�شجرة ،و�شاهد �أفرخه �سليمة مل مي�س�سها �سوء .ف�أخذ يغرد قائ ًال لها: ـ ك��م �أن���ا �سعيد ل�سالمتك ي��ا زغاليلي ال�����ص��غ��ار ،فقد �سمعت �أن ه��ن��اك تنين ًا باجلوار ،قد هاجم ع�شك .ولذا �أ�سرعت �إليك لنجدتك. قال ال�صغار :يا �أماه ،لقد جاء يف امل�ساء فتى ق�ضى ليلته نائم ًا �أ�سفل ال�شجرة ،وهو الذي �أنقذنا من التنني. هبط طائر الرخ �إىل �أ�سفل ال�شجرة و�س�أل الفتى: ـ �أخ�برين �أيها ال�صديق العزيز� ،أي ريح طيبة �أتت بك �إىل هذا املكان؟. ـ ال داع ل�س�ؤالك يا طائر الرخ فال �أريد �أن �أ�شاركك همي ،وال ت�شغل ر�أ�سك باملحنة التي �أملت بي. لكن الرخ قال: ـ �أف�������ص���ح يل ع���ن ه��م��ك �أي��ه��ا ال�������ص���دي���ق ،ف���ق���د ق����دم����ت يل علي رد �صنيعا�ص كبري ًا وينبغي ّ ال�صنيع الذي قمت به. ق��ال الفتى :ح�سن ًا �سوف �أطلعك على املحنة التي وقعت على ر�أ�سي. ف���أن��ا �أ���س��ع��ى للح�صول ع��ل��ى امل���ر�آة ال�سحرية التي بحوزة �أحد امللوك. قال طائر ال��رخ� :سوف �أعاونك يف ه��ذا الأم���ر �أي��ه��ا الفتى الطيب، و�أدل���ك على الو�سيلة لتحقيق غ���اي���ت���ك .ع��ل��ي��ك ب��ا���ص��ط��ي��اد غ���زال�ي�ن و���ص��ن��ع ق��رب��ت�ين من فرائهما ،و�ضع يف �إحداهما اللحم واملأ الأخرى باملاء،
قال الراوي 98 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
وعلق القربتني على جانبي ج�سمي ،ثم اركب فوق ظهري واترك يل القيام ببقية الأمر ،كما عليك �إطعامي �أثناء الطريق، وعندما ن�صل �إىل املوقع املطلوب �سوف �أخربك مبا تفعله للح�صول على املر�آة. خرج الفتى �إىل الغابة وا�صطاد غزالني. ثم �سلخ فراءهما و�صنع منهما قربتني. م�ل�أ �إح��داه��م��ا باللحم والأخ���رى باملاء، وعلقهما على جانبي ال��رخ و�صعد راكب ًا فوق ظهره .فحلق طائر الرخ يف الف�ضاء وحام فوق ال�شجرة ،ثم طار بعيد ًا عنها نحو البلد املن�شود. و���ص��ل ال���رخ �إىل ق�����ص��ر امل��ل��ك وح���ط يف رو�ضة خ�ضراء ،ثم وقف و�سط الب�ستان ي�شرح للفتى ما ينبغي القيام به: ـ انتف ري�شة من ري�شي واذه��ب بها �إىل الق�صر .فامللك ه��ن��اك ي��ع��اين م��ن �آالم مربحة يف يده بعد �أن انغر�ست بها �شوكة، ومل ينجح �أحد يف �إخراجها .وقد جاء �إليه العديد من الأطباء واحلكماء ومل ي�ستطع �أحد منهم تخلي�صه من الآالم .وعندما ت��دخ��ل ال��ق�����ص��ر �أخ�ب�ره���م ب���أن��ك طبيب جئت لعالج امللك ،ثم �أم�سك بيده وانظر �إىل امل��ك��ان ال���ذي انغر�ست ب��ه ال�شوكة وانتزعها مب�ساعدة ري�شتي .حينئذ �سوف يقول لك امللك« :اطلب مني ما �شئت» .فاطلب منه �أن مينحك املر�آة ال�سحرية .كما �أن امللك لديه �سجل بكل الأح��داث التي ر�آه��ا يف امل��ر�آة ال�سحرية. فقد كتب بنف�سه تلك الأح���داث وختمها
صعد الفتى على ظهر طائر الرخ الذي حلق به في طريق العودة ،وطار الرخ حتى وصل إلى الشجرة الكبيرة التي تضم عشه فهبط إليها وقام الفتى بوداعه شاكر ًا له بخامته امللكى .فاطلب منه �أن يعطيك �أي�ض ًا هذا ال�سجل مع املر�آة ال�سحرية .وما �إن حت�صل على املر�آة ال�سحرية وال�سجل عليك العودة �سريع ًا �إىل الب�ستان. �سمع الفتى كالم طائر الرخ وذهب �إىل الق�صر وقال للوزراء: ـ �إن��ى �أعمل طبيب ًا ،وق��د جئت كي �أنتزع ال�شوكة من يد امللك. نظر ال��وزراء �إىل الفتى يتفح�صونه من ر�أ�سه �إىل �أخم�ص قدميه وقالوا: ـ م��ازل��ت ���ص��غ�ير ًا �أي��ه��ا ال��ف��ت��ى ،فكم من الأطباء الكبار �أتوا �إىل هنا قبل ح�ضورك
ومل ينجح �أحد منهم يف �إخراج ال�شوكة. غري �أن الفتى �أ�صر يف عناد على ال�سماح له باملحاولة .ف�أخرب ال��وزراء امللك عنه قائلني: ـ موالنا ملك العامل ،لقد و�صل فتى �صغري ي��دع��ي الإمل�����ام ب��ال��ط��ب ،وي��ط��ل��ب الإذن بالدخول �إليك النتزاع ال�شوكة من يدك، ومل ن�أذن له بذلك فظل واقف ًا عند البوابة يلح يف طلبه. قال امللك :ا�سمحوا له بالدخول �إىل هنا. �سجد الفتى عند �أع��ت��اب العر�ش ،وق َبل الأر�ض �أمام امللك قائ ًال: ـ لقد جئت ي��ا م���والي ك��ي �أخل�صك من الآالم و�أعيد ال�سكينة �إىل روحك. بعد ذلك �أم�سك الفتى بيد امللك باحث ًا عن مو�ضع الأمل ،ثم �أخ��رج ري�شة الرخ م��ن جيبه ون��زع بها على ال��ف��ور ال�شوكة امل��غ��رو���س��ة يف ي��د امل��ل��ك .ويف نف�س هذه اللحظة انفرجت �أ�سارير امللك من الفرح وت��ن��ه��د ب��ارت��ي��اح ب��ع��د زوال الأمل ،وق��ال للفتى: ـ �أطلب مني كل ما �شئت �أيها الفتى و�أنا �ألبيه لك على الفور. ���دي ط��ل��ب واح���د ي��ا م��والي رد ال��ف��ت��ى :ل ّ امل��ع��ظ��م� ،أري���د امل����ر�آة ال�سحرية ومعها ال�سجل املختوم بخامتكم امللكي. ـ وما حاجتك �إىل املر�آة و�سجل الأحداث؟ �أل��ي�����س م��ن الأف�����ض��ل ل��ك �أن تطلب مني ثروة �أو ذهب ًا �أو �أحجار ًا كرمية؟ فبماذا تفيدك هذه املر�آة؟. �أج���اب الفتى� :إين ال �أري���د ���س��وى امل��ر�آة وال�����س��ج��ل ،فهما ع��ن��دي �أغ��ل��ى م��ن كنوز العامل. ـ ح�سنا� ،سوف �ألبي لك رغبتك. و�أعطى امللك للفتى املر�آة وال�سجل. �صعد الفتى على ظهر طائر ال��رخ الذي حلق به يف طريق العودة .وطار الرخ طوي ًال حتى و���ص��ل �إىل ال�شجرة ال��ك��ب�يرة التي ت�ضم ع�شه فهبط �إليها .وقام الفتى بوداع طائر ال��رخ �شاكر ًا له .وع��اد �سعيد ًا �إىل �أخته .وكانت الفتاة تعاين اجلوع ،فرقدت
داخل الكهف ال تقوى على احلراك .ف�أخذ �شقيقها يطعمها وي�سقيها ،وقال لها: ـ لقد عدت �إليك �سليم ًا معافى يا �أختي العزيزة ومل �أمت ،وقد جنحت يف �إح�ضار املر�آة ال�سحرية لك. اغتبطت الأخ��ت كثري ًا ،وظلت تنظر �إىل املر�آة ب�إعجاب وفرح. خرج امللك �إىل ال�صيد مرة �أخ��رى .ودنا م��ن ال��ك��ه��ف ف����ر�أى ال��ف��ت��اة جت��ل�����س عند مدخله بجوار الفتى .غري �أنهما يف هذه املرة مل يختبئا منه ،بل ركعا �أمامه حتية له ،وقاما بدعوته للدخول �إىل كهفهما. وق�ص الفتى على امللك عن حياتهما داخل الكهف .فقال له امللك: ـ �إين مل �أرزق بولد وال بنت ،فلتذهبا معي ولت�صبحا ابن ًا وبنت ًا يل. ويف الطريق �إىل الق�صر �أع��ط��ى الفتى ال�سجل �إىل امللك. بعد ذل��ك جمع امل��ل��ك ال����وزراء و�أم��ره��م بقراءة �أحداث ال�سجل يف ح�ضور اجلميع. وه��ك��ذا ،ع��رف اجلميع بجرائم زوج��ات امللك و�أعمالهن ال�شريرة .ف���أم��ر امللك ب�إلقائهن يف غياهب ال��زن��ازي��ن ومعهن القابلة العجوز. كما �أمر امللك بالبحث عن زوجته ال�صغرية و�إح�����ض��اره��ا .ف��ذه��ب ال����وزراء �إىل ال���وادي الذي تركوها به منذ �سنوات ،حيث دفنوها باحلفرة حتى ر�أ�سها .وبحثوا عنها يف �أرجاء ال��وادي حتى �شاهدوها جال�سة فوق قمة تل رملي وعلى جانبيها يرب�ض كلبان �ضخمان. اق�ت�رب ال����وزراء م��ن امل���ر�أة ورك��ع��وا �أمامها قائلني: ـ �أيتها ال�سيدة الفا�ضلة� ،إن امللك يدعوك للمثول �أمامه. لكن الزوجة ال�صغرية ردت قائلة: ـ عودوا �إىل ملككم و�أخربوه �أن زوجته لن تذهب �إليه ،ولو �أتى منكم �أحد �إىل هنا مرة �أخ��رى ف�سوف �أجعل الكالب تنه�ش ج�سمه .ف�أبلغوه مبا قلت. وط��ردت امل��ر�أة ال��وزراء الذين ذهبوا �إىل امللك و�أخربوه مبا ر�أوه و�سمعوه.
غري �أن امللك طلب منهم الذهاب �إليها مرة �أخرى قائ ًال: ـ اذهبوا �إليها ثانية واقنعوها بح�سن الكالم �أو حتى بالكذب ك��ى حت�ضر �إ ّ يل ،و�إن مل تفعلوا ف�سوف �أقتلكم جميع ًا. خاف ال��وزراء من تهديد امللك وهرعوا �إىل ال���وادي ثانية ،وم��ا �إن �شاهدتهم الزوجة ال�صغرية حتى �صاحت يف غ�ضب وثورة: ـ م��ا ال���ذي ج��اء بكم ثانية �إىل ه��ن��ا؟ �أمل �أحذركم من قبل؟. وفكت ال�سال�سل التي كانت تربط الكلبني ال�ضخمني. وان��ق�����ض الكلبان يهجمان على ال���وزراء و�أخذا يف عقرهم وع�ضهم. ا�ستطاع ال����وزراء بعد م�شقة �أن ينجوا بحياتهم ويهربوا من الكالب. ر�أى امللك وزراءه وق��د متزقت مالب�سهم وام��ت�ل�أت �أج�سامهم باجلروح من هجوم الكالب ،ففكر حائر ًا يف الو�سيلة التي ميكن بها �إقناع زوجته بالعودة �إىل الق�صر .وقال البنه الفتى: ـ يا ول��دي العزيز� ،إن �أم��ك تقيم يف ال��وادي وترف�ض العودة �إىل الق�صر ،وال �أجد الو�سيلة لإقناعها بالعدول عن ذلك. رد الفتى :ا�سمح يل ي��ا وال��دي �أن �أق��وم بهذا الأمر. �سمح له امللك ،فذهب الفتى �إىل الوادي. وعندما ر�أى �أمه على التل توقف منادي ًا عليها: ـ ا�سمعيني يا �أماه� ،أنا ابنك ،وقد ح�ضرت كي �آخذك معي. وم��ا �إن نطق عبارته حتى انق�ض الكلبان
وفجأة ،ظهر من خلف الصخور شيء المع، واندفع خلف الفتى يالحقه .وانطلق الفتى بفرسه يهبط الجبل والقدح كالسهم من ورائه ،ثم انهمر بسرعة سيل من الصخور إلى أسفل ومعه القدح.
ع��ل��ى ق��دم��ي��ه ف��وق��ع ع��ل��ى الأر�����ض و���ص��ارا يع�ضانه ب�شرا�سة .ف�صرخ الفتى ب�صوت عال من الأمل. �سمعت الأم �صراخ الفتى ف�أ�شفقت عليه ونادت كلبيها. نه�ض الأمري من على الأر�ض وراح يتو�سل راجي ًا: ـ ال تغ�ضبي مني يا �أم��ي ،ف�أنا ابنك من حلمك ودمك .فلماذا ال تذهبني معي؟ هل تريدين �أن نظل �أيتام ًا طوال حياتنا؟. رق قلب الأم واعت�صر الأمل ف�ؤادها ،ومل ترغب يف �أن يظل طفالها �أيتام ًا فقالت: ـ عد �إىل �أبيك و�أخربه �أن ير�سل �إ ّ يل عربة ع��ل��ى ع��ج�لات م��ن ال��ذه��ب وب��ه��ا مالب�س جديدة تليق بي ،وليفر�ش الأر�ض بالأب�سطة احل��ري��ري��ة م��ن ه��ن��ا ح��ت��ى ب���اب الق�صر، وليخرج يف ا�ستقباىل الوزراء عندما �أ�صل �إىل مدخل الق�صر وي��ن�ثروا ال��ذه��ب من فوقي ،ولي�أمر ب�إقامة احتفاالت الزفاف من جديد يف �أرجاء البالد .وعندئذ فقط �سوف �أعود �إىل الق�صر. عاد الأمري �إىل والده و�أخربه مبا قالته الأم. نادى امللك على وزرائه و�أمرهم بتنفيذ كل ما طلبته الزوجة ال�صغرية. خرج ال��وزراء �إىل ال��وادي .وقامت الن�ساء من علية القوم بتزيني الزوجة و�ألب�سنها من قمة ر�أ�سها �إىل �أخم�ص قدميها بفاخر الثياب و�أفخمها ،ثم �أجل�سنها على عربة جترها عجالت من الذهب ،ورافقنها �إىل �شوارع املدينة معززة مكرمة .و�أع��د امللك لزوجته ا�ستقبا ًال حاف ًال. ف��م��ا �إن و���ص��ل��ت �إىل املدينة وهبطت من عربتها الذهبية، ح���ت���ى �����س����ارت ف�����وق الأب�����س��ط��ة احلريرية التي ك�ست الأر�ض حتى الق�صر. �أقام امللك االحتفاالت يف البالد. وا���س��ت��م��رت الأف�����راح وال��ل��ي��ايل املالح لأربعني يوم ًا وليلة بالتمام والكمال
100 الـعــــدد 158 دي�سمرب 2012
سيمياء
التاريخ المروي وسيرورة الزمن
عائ�شة الدرمكي aishaaldarmaki@hotmail.com
�إن
ا� �س �ت �م��راري��ة ال �ث �ق��اف��ة مع تغريها وتطورها ا�ستمرارية عائدة �إىل املجال والزمن الذي ن�ش�أت فيه �أ�ص ًال ،وب�سبب ق��وة ت�أثريها يف العقل اجلمعي ف ��إن ك��ل م��ا نقوله �أو نت�صوره �أو ن�سلكه �إمن��ا ه��و ام�ت��داد وج ��زء م��ن �إرث ق��د ي�ك��ون مت�شابها �أو خم�ت�ل�ف� ًا ن��وع � ًا م��ا ع��ن امل���ض�م��ون �أوال�شكل ال�سابق تبع ًا ملراحل التطور وقوته من زمن �إىل �آخ��ر .وعليه ف�إن هذه الثقافة ت�صل الأفراد مبا�ضيهم، وتعترب منطلقات وموجهات للحياة يف احلا�ضر كونه منتج ًا عام ًا ولي�س خا�ص ًا بفرد ما ؛ فالثقافة هنا كما ي�ق��ول ح�سني م��ؤن����س« :ه��ي ث�م��رة كل ن�شاط �إن�ساين حملي نابع عن البيئة ومعرب عنها �أو موا�صل لتقاليدها يف هذا امليدان �أو ذاك ...وهي جمموع امل �ع �ل��وم��ات وامل� �ع ��ارف وامل �م��ار� �س��ات وال�ق�ي��م اخل��ا��ص��ة ب�شعب م��ا ،والتي يعي�ش مبقت�ضاها» ،و�إىل عهد قريب ك ��ان ال �ن��ا���س ي �ع �ت �ق��دون �أن ال �ت��اري��خ هو علم املا�ضي ،و�أن مو�ضوعه هو درا�سة مام�ضى وفات من الأحداث ؛ ولأنه كذلك فقد كتبه ال ُكتَّاب ودونوه للت�سلية والإمتاع وامل�ؤان�سة �أو للعربة؛ فنجده �ضمن كتب الأم��ايل والآداب هنا وه�ن��اك ،بل �أنهم كتبوه بو�صفه �أ� �س��اط�ير ت ��روى ع��ن امل��ا��ض��ي امل�غ��رق يف ال�ق��دم� ،إىل �أن ف � َّرق �أب��و التاريخ «ه �ي�رودوت» بينه وب�ين الأ� �س��اط�ير ، وهي املرحلة التي بد�أ التاريخ بعدها يظهر م�ستق ًال ع��ن ��ض��روب املعرفة الثقافية الأخرى.ولعل هذا الفرق بني
الأ��س��اط�ير وال�ت��اري��خ ظ��ل غ�ير وا�ضح �إىل عهد قريب كما جن��ده يف كتاب «�أخبار الزمان ومن �أدب��اه احلدثان» للم�سعودي الذي جمع فيه بني �أخبار املمالك وامل�ل��وك والأن�ب�ي��اء ،و�أخ�ب��ار اجلن و�أ�ساطريهم وعجائب الأر���ض والبحر ،وهو يختلف كثري ًا عن كتابه «م��روج الذهب» ال��ذي يعد �أح��د �أهم كتب التاريخ القومي. �إننا �إذن نتحدث عن مرحلة اجلمع التدويني للتاريخ امل��روي ال��ذي ب��د�أه امل �� �س �ل �م��ون ب�ج�م��ع ال �� �س�يرة ال�ن�ب��وي��ة واحل ��دي ��ث ال �� �ش��ري��ف ،وو���ض��ع��وا له ق��واع��د و�آل� �ي ��ات ب�غ�ي��ة ال��و� �ص��ول �إىل ال�صدق الذي يجعل الأمة الإ�سالمية ت�ت�ب�ع��ه وت �ع �ت �م��د ع�ل�ي��ه ،وق ��د ال �ت��زم الأخ��ب��اري��ون الأوائ � ��ل – ك �م��ا ي�ق��ول م�ؤن�س -ممن مهدوا لكتابة ال�سرية م��ن �أم�ث��ال �أب��ان ب��ن عثمان ،وعبيد بن �شرية ،وعروة بن الزبري الأ�صول التي اعتمدها املحدثون فيما رووا من �أخبار .وكذلك فعل �أ�صحاب املغازي من �أمثال مو�سى بن عقبة والواقدي ث��م ج��اء حممد ب��ن ا��س�ح��اق املطلبي فكتب ��س�يرة ال�ن�ب��ي �صلى اهلل عليه و�سلم ملتزم ًا الدقة والأمانة قدر ما ا�ستطاع. ولقد تطورت درا�سة التاريخ وات�سع جماله ف�أ�صبح يتناول اليوم درا�سة ال �ت �ج��رب��ة الإن �� �س��ان �ي��ة ع �ل��ى الأر�� ��ض درا�سة �شاملة عامة ومل يعد خا�ص ًا باملا�ضي ؛ ذلك لأن امل ��ؤرخ ال يدر�س الأحداث لذاتها بل يدر�سها بو�صفها جتارب لها �آثارها يف �سري اجلماعات
سيمياء
ونتائجها ،فعندما يدر�س امل�ؤرخ املا�ضي ف�إنه يدر�سه من �أج��ل فهم احلا�ضر وامل�ستقبل ،لأنهما نتيجة له وعليه يتم التخطيط للم�ستقبل ،ومن هنا ف�إن التاريخ ال يف�صل ب�ين ال��وح��دة الزمانية م��ن حيث ت�سل�سلها وات�صالها وترابطها .وهكذا ات�سع علم التاريخ حتى غدا اليوم ي�شمل التجربة الإن�سانية كلها ،فلم يقت�صر التاريخ على تلك الأح��داث ال�سيا�سية �أو الع�سكرية فح�سب بل �شمل التطورات االجتماعية واالقت�صادية والعلمية والفنية جميع ًا ،حتى �أ�صبح دور امل ��ؤرخ موجه ًا �إىل درا�سة �أحوال الب�شر عامة وتطور اجلماعة الإن�سانية يف جمموعها. وع�ل��ى ذل��ك ف ��إن ال�ت��اري��خ حا�ضر وف��اع��ل يف �سل�سلة زمنية مت�صلة ،وهو ي�ستمد هذا احل�ضور والفعل من ا�ستمرار اجل��وه��ر يف جتلياته ،و�أن ال��زم��ان م��ا هو �إ َّال عن�صر خارجي – على حد تعبري عزيز العظمة يف كتابه «ال�ت�راث ب�ين ال�سلطان وال�ت��اري��خ» -ي�شهد وي�سجل حلظات ال كيفية فيها ويف تتابعها لكينونة هذا اجلوهر؛ التاريخ بهذا املعنى مرور الزمان على ذات م�ستمرة �صاحبة هوية ت�ستنتج نف�سها دهر ًا بعد دهر ،ولذلك ف�إن «الربط بني التاريخ وفل�سفة الع�صر» ي�ك� ِّون �شك ًال م��ن �أ��ش�ك��ال ال��رب��ط ب�ين ت��راث�ن��ا والفكر احل��دي��ث ،ب�ين الأ��ص��ال��ة واملعا�صرة ؛ فاال�ستمرارية الزمنية بني احلا�ضر واملا�ضي �أمر واقع حا�صل ،و�أن لهذا اال�ستمرار حم ًّال بعبارة املتكلمني والفال�سفة، هو«الذات احل�ضارية» التي يقع فيها الزمان ويرتطم بها الآخر الغازي الثقايف ،و�أن التوا�صل الع�ضوي هو ال�شكل الطبيعي لكينونة املجتمع والثقافة يف الزمان. ول�ك��ي نح�صل على الع�ضوانية التاريخية القائمة على البحث عن �أ�صول �أوىل م�ستمرة� ،أ�سطورية يف فعلها وا�ستمرارها ،والنحو مب�س�ألة الرتاث يف اجتاه واقعي يف نظرته للتاريخ وواع ب�شروط احلا�ضر منفتح عليها ،وحت��رري يف دعوته للم�ستقبل ،ف�إنه البد �أن يرى هذا االجتاه �أن الأ�صول لي�ست يف �أح��داث �أبوية الأثر ومرجعية ثابتة ،بل يف �شروط متجددة ومتحولة
ومنقطعة ،ولن يتم ذلك �إ َّال بالنظر الواقعي للتاريخ ول�ع�لاق��ة امل��ا��ض��ي ب��احل��ا��ض��ر ع�لاق��ة الإن �� �س��ان االب��ن ب��الإن���س��ان الأب ؛ ول��ذل��ك ف���إن ال�ت��اري��خ ك�م��ا ي�صفه العروي �أنه «هو تاريخ الب�شر للب�شر وبالب�شر » يذكر لوغوف يف كتابه «التاريخ اجلديد» �أهمية هذا النوع من التاريخ من حيث ا�ستدالالته وا�ستخدامه لعلم اخل��رائ��ط وا�ستفادته م��ن العلوم احلديثة من �أجل تدوين ودرا�سة تاريخ الإن�سانية فيما يعتقده �أن «التاريخ اجلديد» « ...حماولة لإن�شاء تاريخ كلي »...؛ ويذكر لوغوف �أن م��ارك بلوخ يبني من خ�لال كتاب «اخل�صائ�ص املميزة للتاريخ الريفي الفرن�سي» دور التاريخ يف نحت امل�شهد الطبيعي و�أنظمة الزراعة، فاملزارع املغرو�سة بالأ�شجار وامل�سيجة لي�ست من �إنتاج الرتبة ،و إ�من��ا من �إب��داع الإن�سان؛ ذل��ك لأن التاريخ يعرب عن وعي الإن�سان بالكون الذي ينتمي �إليه ،فهو – �أي التاريخ – «كوين يف م�ضمونه وب�شري يف حفظه وذكره »... وعلى ذلك ف�إن �أهمية التاريخ املروي تتجلى يف حفظ ال��ذاك��رة املجتمعية وم��ن ث��م احل�ف��اظ على ال��رواب��ط االجتماعية التقليدية .وحيث �أن هذه الذاكرة ت�شكل �إط��ارا معياريا لل�سلوكيات وللممار�سات؛ �أي مرجعا ذهنيا بالن�سبة لل�سكان يف حياتهم اليومية ف�إن هذا يجعل �ضبط املجتمع مير �أي�ضا عرب �ضبط تطور هذه ال��ذاك��رة ،التي تتوحد من خاللها الأف�ك��ار واجلهود ويجتمع �أف��راد املجتمع على تاريخ واح��د ،نحن �إذن ندر�س التاريخ لذاته يف املرتبة الأوىل لأننا يف حاجة لأن نعرف عن املا�ضي وم��ا م��رت به جمتمعاتنا من جت��ارب وم�ع��ارف ،فن�ستطيع بعد ذل��ك �أن نبني على �إثرها معارف جديدة للحا�ضر ونخطط للم�ستقبل ، ثم �إننا ال ندر�سه للع�ضة فقط بل لكي يزداد �إح�سا�سنا اجلمعي مع الآخر ال�سابق لنا زمني ًا �أو الالحق �ضمن ال�سريورة الزمنية التاريخية فينمو لدى املجتمعات ال�شعور اجلمعي القومي املنبثق من مبادئها وقيمها الدينية واملجتمعية
دراسة 102 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
اللغة العربية..
مالمح الشهود الحضاري
د .بليغ حمدي �إ�سماعيل
مدر�س اللغة العربية وعلومها بجامعة الأزهر ،م�رص
تدل اللغة العربية على احلياة العقلية من ناحية �إن لغة كل �أمة يف كل ع�صر مظهر من مظاهر عقلها وتفكريها ،ومل تخلق اللغة دفعة واحدة ،ومل ي�أخذها اخللف من ال�سلف ال�صالح كاملة� ،إمنا تخلق �أو يخلق النا�س يف �أول �أمرهم �ألفاظاً على قدر حاجاتهم، ف�إذا ظهرت �أ�شياء جديدة خلقوا لها �ألفاظاً جديدة ،و�إذا اندثرت �أ�شياء قد تندثر �ألفاظها معها ،وهكذا نرى اللغة يف حياة وموت م�ستمرين. وه��ذا م��ا �أ� �ش��ار �إل�ي��ه «�أول �ي�ري» يف كتابه» ال�ع��رب�ي��ة ق�ب��ل حم�م��د »Mohammedمن حيث �إن اال�شتقاقات والتعبريات اللغوية �أي�ض ًا تنمو وترقى تبع ًا لرقي ا ألم��ة ،ويقول �أول�يري« :وملا كان هذا �أمكننا �إذا �أح�ضرنا معجم اللغة ال��ذي ت�ستعمله الأم��ة يف ع�صر من الع�صور �أن نعرف الأ�شياء املادية التي كانت تعرفها والتي ال تعرفها».
«Arabia before
تعريفات اللغة
وقد اهتم ال ُقدَ َماء واملحدثون من ال ُل َغويني بتقدمي تعريف للُّ َغ ِة يو�ضح معناها ،ويبني ْ�صود بها ،وقد نال التَّعريف الذي قال ا َملق ُ ُ ِّ وا�س َعة لدى املحدثني من به ابن ِجني �شهرة ِ َ رحه �ش ب الكثريون واهتم اللُّغويني ال َع َر ِب، ِ ِ وبيان َمق َْ�ص ِده ،وي��رى العامل اللُّغوي ابن جني اللغة على �أنها «�أ�صوات يعرب بها كل َقوم عن � ْأغرا�ضهم» .وهذا التَّعريف دقي ٌق َعريف اللُّغة عند يف َج��وهَ ��ره مع َعنا�صر ت ِ ال َباحثني املعا�صرين ،فهو ي�ؤكد على جانب الطبيعة ال�صوتية للرموز اللغوية ،ويبني االج ِتماع َّية هي التعبري �أي�ضا ً �أن وظيفتها ْ و َنقل الأ ْفكار يف �إطار ال ِبيئة اللغو َّية. وقد تعددت تعريفات اللغة بتعدد املذاهب واالجتاهات املختلفة التي تنظر �إىل اللغة
�سواء باعتبارها �أداة يتبادل �أفراد املجتمع الواحد بوا�سطتها الأف�ك��ار ،وامل�ع��ارف� ،أو باعتبارها و�سيط ًا ي�سهل عملية االت�صال ب�ي�ن �أف�� ��راد امل �ج �ت �م��ع ،ويف � �ض��وء ه��ذي��ن االجت��اه�ين ت �ع��ددت التعريفات واختلفت فيما بينها .ويرى ميللر Millerاللغة على �أنها «ا�ستعمال رموز �صوت ّية مقطع ّية يعرب مبقت�ضاها عن الفكر» ،ويعرفها جون كارول َ املت�ش ِّكل John Carrollب��أن�ه��ا ال� ِّن�ظ��ام من ال ْأ�صوات ال َّلفظية االتفاقية وتتابعات ه��ذه الأ��ص��وات التي ت�ستخدم �أو ميكن �أن ت�ستخدم يف االت�صال املتبادل بني جماعة َ ب�شكل ت�صف من ال َّنا�س ،والتي ميكن �أن ٍ عام الأ�شياء والأحداث والعمل َّيات يف البيئة الإن�سانية .بينما يرى موري�س MORRIS اللغة ب�أنها «جمموعة م��ن ع�لام��ات ذات دالل��ة جمعية م�شرتكة ممكنة النطق بني �أفراد املجتمع املتكلم بها كافة» ،وهي ذات ثبات ن�سبي يف كل موقف تظهر فيه ،ويكون لها نظام حمدد تت�آلف مبوجبه ح�سب �أ�صول معينة وذلك لرتكيب عالمات �أكرث تعقيد ًا.
تعددت تعريفات اللغة بتعدد المذاهب واالتجاهات التي تنظر إليها باعتبارها أداة تبادل أفكار أو وسيط اتصال
�ارف الأم��ري�ك� َّي��ة اللُّغة وت�ع��رف دائ ��رة ا َمل �ع� ِ �ات ال���ص��وت� ّي��ة ب ��أن �ه��ا «ن��ظ��ا ٌم م��ن ال �ع�لام� ِ اال� �ص �ط�لاح �ي��ة» .وي�ع��رف�ه��ا ��س��اب�ير ب��أن�ه��ا «و�سيلة تفاهم خا�صة بالإن�سان متكنه من تبادل الأفكار والعواطف والرغبات بوا�سطة رموز �صوتية ا�صطالحية على وجه التغليب والتعميم ي�صدرها �أع�ضاء النطق �إرادي ًا». وت�ع��رف املو�سوعة الفرن�سية اللغة ب�أنها
دراسة 104 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
«عالمات مركبة تولد يف ال�شعور �إح�سا�سات متباينة� ،إما م�ستثارة �أو مبا�شرة� ،أو خممنة عن طريق االرتباط» .ويعرف ماك�س موللر اللغة ب�أنها « ت�ستعمل رموز ًا �صوتية مقطعية، يعرب مبقت�ضاها عن الفكر». وع� � ّرف علماء النف�س ال�ل�غ��ة ،ف ��ر�أوا �أنها جمموعة �إ�شارات ت�صلح للتعبري عن حاالت ال�شعور� ،أي عن ح��االت الإن�سان الفكرية والعاطفية والإرادي��ة� ،أو �أنها الو�سيلة التي ميكن بوا�سطتها حتليل �أية �صورة ٍ �أو فكر ٍة ذهني ٍة �إىل �أجزائها �أو خ�صائ�صها ،والتي بها ميكن تركيب هذه ال�صورة م ّرة �أخرى ب�أذهاننا و �أذه��ان غ�يرن��ا ،وذل��ك بت�أليف خا�ص. ٍ كلمات وو�ضعها يف ٍ ترتيب ٍ وهناك تعريفات عديدة �أخرى ،تتفق حيناً وتختلف حين ًا �آخ��ر .ولع ّل م�صدر التباين يف ه��ذه التعريفات ن��ا��ش� ٌ�ئ ع��ن منطلقات �أ�صحابها الفكرية .فمن تعريف و�صفي نف�سي داخ�ل� ٍ�ي� ،إىل ٍ خ��ارج��ي� ،إىل تعريف ٍ �آخ ��ر مي�ث��ل ن �ظ��رة فل�سفي ًة م�ع�ي�ن� ًة ل��واق��ع الإن�سان ووج��وده ون�ش�أته .علم ًا �أن الناظر �إىل واقع اللغة الإن�سانية – و�صف ًا وتقرير ًا – يجد �أن �ه��ا �أ� �ص��وات و�أل �ف��اظ وتركيب دالالت خا�ص بها ،لها نظام ٍ ٌ من�سقة يف ٍ قوم عن وم�ضامني معينة ،يعبرّ بها كل ٍ حاجاتهم اجل�سدية وحاالتهم النف�سية ون�شاطاتهم الفكرية.
� �ص��ورة �أو ف�ك��رة ذه�ن�ي��ة �إىل �أج��زائ �ه��ا �أو خ�صائ�صه املميزة ،والتي ميكن بها تركيب ه ��ذه ال �� �ص��ورة م ��رة �أخ� ��رى يف �أذه��ان �ن��ا، و�أذه��ان غرينا من �أف��راد املجتمع الواحد، وذلك بو�ضعها يف ترتيب وتنظيم خا�ص. كما �أن اللغة قدرة ذهنية تتكون من جمموع م��ن امل �ع��رف ال �ل �غ��وي��ة ،مب��ا ف�ي�ه��ا امل �ع��اين وامل� �ف ��ردات والأ�� �ص���وات وال �ق��واع��د ال�ت��ي تنظمها جميع ًا .كما �أنها نظام من الرموز ال�صوتية ي�ت��أل��ف م��ن �أ� �ص��وات تنجم عن جهاز النطق الب�شري ،و�إن�ساين فهو نتاج للجهد اجلماعي الب�شري ،ونظامي لأن��ه يخ�ضع لقواعد تقرر تركيبه.
ق�ضية اكت�ساب اللغة
وال��ش��ك �أن��ه يف �ضوء املوا�ضعات ال�سابقة للغة �أنها جمموعة �إ�شارات ت�صلح للتعبري عن حاالت ال�شعور املختلفة� ،أي عن حاالت الإن�سان الفكرية والعاطفية والإرادية،وهي الو�سيلة التي ميكن بوا�سطتها حتليل �أية
للفظة الواحدة صورة ذهنية ثابتة نسبي ًا إذا عالجناها من المنظور المعجمي وصور ذهنية متعددة إذا خرجت إلى آفاق أرحب وأوسع
ولقد ت�ن��اول علماء اللغة ،وعلماء النف�س ق�ضية اكت�ساب اللُّغة ،يف حماولة ـ قد تَكون ج��ادةـ لتف�سري كيفية اكت�ساب الفرد للغة. وق��د اختلفت الآراء ب���ش��أن تلك الق�ضية �أو الظاهرة ،بح�سب فل�سفتهم و�إط��اره��م امل��رج�ع��ي .ومل تعد اه�ت�م��ام��ات علم اللغة احلديث مقت�صرة على اجلوانب النظرية والتحليلية يف درا�سة اللغة فقط ،بل �أ�ضيفت ومهام جديدة – بخا�صة �إليها اهتماماتَ ، بعد ظهور علم اللُّغة التطبيقي -تهدف �إىل خدمة املجتمع ،ومن هذه املهام :االهتمام بدرا�سة عيوب النطق وم�شكالت التخاطب
والكالم ،وعالجها �إن �أمكن ،ومنها �أي�ض ًا االهتمام بدرا�سة منو الطفل اللغوي ،ومنها �أي�ض ًا االهتمام بدرا�سة ظاهرة اكت�ساب ال �ل �غ��ة ،ب��الإ� �ض��اف��ة �إىل درا���س��ة م �ه��ارات االت�صال اللُّغوي ،وغري ذلك من املو�ضوعات التي لها عالقة وثيقة باللُّغة واملجتَمع.
ال�صور الذهنية للفظ
ولقد درج النحاة واللغويون القدماء على ا�ستعمال كلمة «لفظ» ا�ستعما ًال غري حمدد ،وهذا ما �أ�شار �إليه املفكر اللغوي الدكتور متام ح�سان ،حيث �إن كلمة «لفظ» العربية ت�شري ت��ارة �إىل الكلمة ،وت��ارة �أخ��رى �إىل الكالم ،رغ��م الفارق البينِّ بني كليهما يف الإف���راد وال�ترك�ي��ب ،ول�ك��ن ه��ذا يعك�س ما للفظة العربية ال��واح��دة على التعبري عن معانٍ وتعابري طويلة بكلمة واحدة ق�صرية. وم��ا ي ��ؤك��د ك�لام�ن��ا ه��ذا ق��ول اب��ن م��ال��ك: « ك�لام�ن��ا ل�ف��ظ م�ف�ي��د» .وق ��ول اجل ��زويل: «الكالم هو اللفظ املركب املفيد بالو�ضع»، �إذا نحا كالهما باللفظ منحى الرتكيب يف مقابل ما �شاع من جعل اللفظ مرادف ًا للكلمة على �أل�سنة الدار�سني .وهذا يجعلنا نقر بامتالك اللفظة الواحدة �صورة ذهنية ث��اب�ت��ة ن�سبي ًا �إذا ع��اجل�ن��اه��ا م��ن املنظور املعجمي ،وب�صور ذهنية متعددة �إذا خرجت هذه اللفظة من �ضيق املعنى املعجمي �إىل �آفاق �أرحب و�أو�سع.
امل�شهد احل�ضاري للغة
وحينما نقرتب لر�صد امل�شهد احل�ضاري لأل �ف��اظ اللغة العربية ن�ستبني �أن هناك �ألفاظ ًا تغريت معانيها يف الإ��س�لام ،حيث كان املعنى لها يف اجلاهلية عام ًا وخ�ص�ص يف الإ�سالم ،مثل ال�صالة ،والزكاة ،واحلج، والبيع ،واملزارعة ،بل �إن اللفظ الواحد قد تغري مدلوله يف عقل ال�سامع بانتقاله من ط��ور ال�ب��داوة �إىل امل�شهد احل�ضاري ،مثل لذلك لفظة الكر�سي التي كانت تعني لدى البدوي املقعد اخل�شبي �أو احلجري فقط
ال��ذي يجل�س عليه امل��رء ،ولكن بعد ن��زول القر�آن ا�ستطاعت اللغة العربية �أن تخلق لها م�شهد ًا ح�ضاري ًا ليعادل هذه املعجزة اللغوية ال�سماوية ،فانتقل مدلول الكر�سي من معناه ال�ضيق لي�شري مرة �إىل العر�ش، وم���رة �إىل امل �ن �� �ص��ب ،وم���رة �إىل امل�ن��زل��ة
ثمة عوامل جعلت اللغة وألفاظها تخرج من كونها مجرد وسيلة اتصال ووسيط للتواصل اإلنساني إلى اعتبارها مشهد ًا من مشاهد الحضارة اإلنسانية
وهكذا .وا إلم��ام جالل الدين ال�سيوطي يف كتابه املزهر يقول�« :إن لفظ اجلاهلية ا�سم ح��دث يف الإ� �س�لام للزمن ال��ذي ك��ان قبل البعثة ،واملنافق ا�سم �إ�سالمي مل ُيعرف يف اجلاهلية». و�أو� �ض��ح علماء اللغة امل�ت�ق��دم��ون �أن �أه��ل التحقيق �أ��ش��اروا �إىل �أن الأل�ف��اظ العربية تابعة للمعاين ،كون املعاين �أ� ً صال للألفاظ، حيث �إن املعاين منها ما يكون معنى واحد ًا، ثم تو�ضع له �ألفاظ كثرية تدل عليه وت�شعر به ،ولو كانت املعاين تابعة للألفاظ لكان يلزم �إذا كانت الأل�ف��اظ خمتلفة �أن تكون املعاين خمتلفة �أي�ض ًا .وي�ؤكد قولنا هذا ما �أ��ش��ار �إليه البالغي العربي يحيى العلوي يف كتابه الطراز ،حيث يقول �إن املعاين لو كانت تابعة للألفاظ للزم يف كل معنى �أن
دراسة 106 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
عملية النحت اللغوي تمنح اللفظ العربي القدرة على الشهود الحضاري والقدرة على التكيف المناسب لكافة المتغيرات المعاصرة والتعبير عن حاالت اجتماعية متباينة يكون له لفظ يدل عليه ،ف�إن املعاين ال نهاية لها ،والألفاظ متناهية ،وما يكون بغري نهاية ال يكون تابع ًا ملا له نهاية ،ويقول البالغي يحيى العلوي ما ن�صه« :و�إمنا كانت الألفاظ متناهية ،لأن �ه��ا داخ �ل��ة يف ال��وج��ود ،وك��ل م��ا دخ�ل��ه ال��وج��ود م��ن امل�ك��ون��ات فله نهاية ال�ستحالة وج��ود م��ا النهاية ل��ه ،ومو�ضعه الكتب العقلية» . وثمة عوامل جعلت اللغة و�ألفاظها تخرج م��ن كونها جم��رد و�سيلة ات�صال وو�سيط للتوا�صل الإن�ساين �إىل اعتبارها م�شهد ًا من م�شاهد احل�ضارة الإن�سانية ،منها عوامل ت�ط��ور ال��وظ�ي�ف��ة ال�ل�غ��وي��ة ،وت �ن��وع اخل�ط��اب اللغوي من خطاب ال يخرج عن املرا�سالت الإخوانية �أو الر�سمية �إىل خطاب �إبداعي مثل ال�شعر والق�صة وال��رواي��ة ،وخطاب �سيا�سي ،وعوامل وافدة مثل نظريات علوم اللغة التي �أطلقت على اللفظ اللغوي مفهوم ال��دال وعلى ما يت�ضمنه اللفظ من معنى وم�ضمون مفهوم املدلول.
اللغة وحق احلياة
واللغة العربية التي نحر�ص �أن يلتزم بها متحدثو ال�ضاد نطق ًا وكتاب ًة ب�صورة وظيفية
أوليري :من خالل معجم اللغة الذي تستعمله األمة في عصر من العصور يمكننا أن نعرف األشياء المادية التي كانت تعرفها والتي ال تعرفها
�أو �إب��داع �ي��ة ،ه��ي ل�غ��ة ك�ت��ب ل�ه��ا ال�شهود احل�ضاري منذ �أن نزل القر�آن الكرمي بها، ف�أعطى لها ح��ق احل �ي��اة ،ومنحها جت��دد ًا م�ستدام ًا ال ينقطع .وال ينكر ج��اح��د �أن ال �ق��ر�آن ال �ك��رمي د��س�ت��ور امل�سلمني يف �شتى بقاع الأر�ض قد َح َقنَ اللفظة العربية بعقار منحه الن�شاط الزائد ،وخري دليل على ن�شاط امل �ف��ردة العربية �أن حركة التقدم العلمي امل�ستمرة كل يوم قد �صحبها جتديد البحث يف الن�شاط اللغوي ومن خالل تقعيد مفردات لغوية جديدة تنا�سب هذا التقدم العلمي. ب��ل �إن ال�ل�غ��ة ال�ع��رب�ي��ة ذات �ه��ا �أ��ص�ب�ح��ت يف ال�سنوات الأخرية من �إحدى و�سائل ال�شحذ احل�ضاري ،عن طريق دور الرتجمة اللغوية ال�صائبة لكل امل�ؤلفات العلمية ،وه��ذا ما �أ�شرنا �إليه ونحن نتحدث عن تغري وظيفة ال�ل�غ��ة م��ن ك��ون�ه��ا و�سيلة ات���ص��ال وو�سيط توا�صل �إىل و�سيلة �ضرورية لتنمية الفكر الب�شري عن طريق الرتجمة. وال�شك �أن اللغة ا�ستطاعت �أن تلعب دور ًا �سيا�سي ًا بالغ اخلطورة والأهمية على ال�سواء يف امل�شهد ال�سيا�سي يف الدول التي �شهدت رب�ي��ع ال �ث��ورات يف ال �ع��ام امل��ا� �ض��ي ،فاللغة الإ� �ش��اري��ة ال�ت��ي ك��ان ال���ش�ب��اب ي�صر على �إقحامها يف توا�صلهم االجتماعي اختفت وان��دث��رت ب�ف�ع��ل ال�ت�م��ا���س ال �ث��ائ��ري��ن للغة ومفرداتها الن�شطة للتعبري عن مطالبهم ومطاحمهم ،وه��ذا ملمح �آخ��ر جديد على ال�شهود احل�ضاري املعا�صر لألفاظ اللغة العربية التي مل تكن غائبة ع��ن احل��راك ال�سيا�سي. ورغ��م �أن اللغة العربية وبالغتها املميزة لطبيعتها تتعر�ض ملحاوالت ت�شويه مق�صودة وم�ستمرة من قبل بع�ض الأ�شخا�ص الذين يطلقون على �أنف�سهم لفظ مبدعني وكذلك بع�ض املنظمات الأجنبية التي تعمل جاهدة ليل ن�ه��ار على تقوي�ض دع��ائ��م اللغة عن طريق املناداة بدعاوى م�شبوهة لغوي ًا مثل التخلي التدريجي عن اخلا�صية الإعرابية ل�ل�غ��ة ،وع��ن ط��ري��ق تهمي�ش دور ال�ق��واع��د العرو�ضية التي متثل طق�س ال�شعر و�شرائطه
ال�ضابطة ،و�أخري ًا �ضرورة الدمج بني اللغة الف�صيحة واللهجات العامية حتت ظن �أن الأخ�يرة �أق��رب يف التوا�صل بني املتحدثني باللغة ذاتها ،وهذا لغط �شديد وخط�أ بينِّ ، لأن الألفاظ العربية الف�صيحة متتلك قدرة هائلة بف�ضل اللفظ ال �ق��ر�آين على ال�ثراء واالمتالء اللغوي مبعنى القدرة على التعبري التام عن جميع امل�شاعر واملظان واحلقائق، بالإ�ضافة �إىل متتع اللفظة العربية باحل�ضور عن طريق تنوع املعنى ودقة التو�صيف.
ميزات فريدة
وتتميز اللغة العربية مبزية فريدة ال ت�شرتك معها فيها لغات �أخرى وهي مزية االنفراد اللغوي� ،أي �أن هناك كلمات تعد ن�شيطة، �أي قابليتها لال�شتقاق والنحت اللغوي من مفردة واحدة مع احلفاظ على قدر مقبول من التمايز ،مثل م�شتقات كلمة َع ِل َم ،والتي ميكن ا�شتقاق ونحت عدة كلمات منها مثل: ِعلم «بك�سر العني وت�سكني ال�ل�ام» ومعلم وم ْعلم «بفتح العني وت�سكني العني» وعليم، وع�ل َّام ،و�إع�لام ،وتعليم ،وا�ستعالم .وهذه الزوائد وال�سوابق واللواحق والدواخل التي ت�ضاف �إىل الكلمة تعد مورفيمات «�أ�صغر وحدة لغوية ذات معنى» ،لأن هذه الزوائد مورفيمات لها معانيها ولأنها وحدات يكرث تواجدها يف كلمات اللغة. وعملية النحت ال�ل�غ��وي تلك متنح اللفظ العربي ال �ق��درة على ال�شهود احل�ضاري، وال �ق��درة على التكيف امل�ق�ب��ول واملنا�سب لكافة امل�ت�غ�يرات املعا�صرة ،والتعبري عن حاالت اجتماعية متباينة. ثمة ظاهرة �أخرى تتمتع بها الألفاظ العربية لتحقق ال�شهود احل�ضاري للغة ذاتها ،وهي ظاهرة احل��وار بني الكلمات ،وهو ما اتفق على ت�سميته بني املنظرين اللغويني بال�سياق اللغوي ،حيث �إن املفردة اللغوية ال تتمتع ب�ن��وع م��ن التمايز امل�ستقل �أو اال�ستعالء اللغوي ع��ن بقية الكلمات ال ��واردة بن�ص لغوي معني ،ومفاد هذا �أن اللفظة الواحدة مت �ث��ل ال �� �ش �ك��ل ال��ظ��اه��ري امل� �ج ��رد لن�ص
معني ،وبرتا�ص الألفاظ ب�صورة متنا�سبة ومرتابطة حتت مو�ضوع حمدد متنح للن�ص نف�سه �شك ًال باطني ًا �آخر بغري خلل.
كلمات ن�شيطة و�أخرى خاملة
ملمح �آخ��ر ي��ؤك��د على ال�شهود احل�ضاري لألفاظ اللغة العربية ،وهو تق�سيم الكلمات العربية �إىل كلمات ن�شيطة ،وكلمات خاملة،
خير دليل على نشاط المفردة العربية تقعيد مفردات لغوية جديدة تناسب حركة التقدم العلمي المستمرة كل يوم
ويق�صد بالكلمات الن�شيطة تلك الكلمات ال �ت��ي ت�ع�ل��م لي�ستخدمها امل ��رء يف كالمه وكتابته� ،أما الكلمات اخلاملة فيق�صد بها تلك الكلمات التي يتوقع من الإن�سان �أن يفهمها �إذا �سمعها �أو قر�أها ،ولكن ال يتوقع منه �أن ي�ستخدمها �إذا تكلم �أو كتب .ورغم هذا التق�سيم �إال �أن��ه لي�س ثابت ًا ،فاحلدود بني هذين النوعني ح��دود مرنة متحركة ، فالكلمات اخلاملة يف ن�شاط لغوي «خطاب لغوي» معني قد تكون ن�شطة يف خطاب لغوي �آخر � ،أي �أن الكلمات والألفاظ العربية يف انتقال م�ستدام من دائرة اخلمول �إىل دائرة الن�شاط ،ذلك لأن لكل حقل وميدان لغوي من ميادين املعرفة مفرداته ومو�ضوعاته اللغوية املحددة
نقد 108 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
تعريف ال�شعر لدى القلق�شندي �أمنوذج ًا
إشكالية المصطلح في التراث النقدي العربي د .الب�شري التهايل
جامعة موالي �إ�سماعيل ،املغرب
�إن الق�ضية امل�صطلحية جزء �ضروري و�أ�سا�سي يف موقف كل باحث؛ ولذلك ينظر �إليها عاد ًة من زاوية ال�صحة الفكرية والعلمية الفردية .فهي ال تخ�ضع لقرار جماعي يحل تعقيداتها ،ويعيد تركيب عنا�صرها على نحو عملي من�سجم ،ولكن الأمر موكول �إىل التدبري العلمي لكل باحث على حدة. يفيد هذا ال��ر�أي امل�سند �إىل ع� مِ�ال اال�صطالح G. Mouninن�ه��و���ض امل�صطلحات ب�سمة تخ�صي�صية م�ضاعفة� .إن�ه��ا خا�صة لكونها نابتة يف حقل معريف معني ،ويف حدوده ي�ؤ�س�س الباحثون �أن�ساق ًا م�صطلحية متزايلة متيز كل واح��د منهم عن الآخ ��ر .ونتيجة ذل��ك �أن التعريفات امل�صطلحية بدورها قرينة التعدد ملا كانت تنت�سب �إىل �أ�صحابها ،يلب�سونها من املعاين ما يفي ب�أغرا�ضهم النظرية ،ويت�أدى �إىل �إدراك غاياتهم ومقا�صدهم .وعلى ذلك يتم تقومي هذه التعريفات ب�إعمال معيار الو�ضوح وال�صحة وامل�لاءم��ة ،على عك�س التعريفات اللغوية «املعجمية» التي يحكم عليها بال�صدق والكذب تبع ًا ملقدار ُمعا َقبة الألفاظ ملعانيها. ميكن �إجمال قواعد هذه املالءمة فيما يلي: - 1ت�ع��ري��ف امل�صطلحات على نحو �صارم و�إج��رائ��ي ،وتعيني مدلولها املرجعي ال��ذي ينبغي االرت� ��داد �إل�ي��ه حتم ًا يف ح��ال��ة تعدد ا�ستعماالتها ،ف�إنه من العبث النظر �إىل كل م�صطلح ك�أنه ميثل يف ذاته تعريف ًا للمو�ضوع
ال��ذي يحتمله .والأج��در �أن نعرف احلقيقة التي نعنيها باللفظ تعريف ًا اتفاقي ًا وا�ضح ًا. - 2اجتناب تغيري معاين امل�صطلحات يف عمل واح��د� ،أو الإ�شارة �إىل االنعطافات الداللية التي ميكن �أن ت�صيبها يف �سياق خمالف. و�أح �ي��ان � ًا يقت�ضي الأم ��ر ت��زوي��د امل�صطلح بقرينة حتيل على التعريف املق�صود من بني تعريفات �أخ��رى واردة .وال�شاهد على ذل��ك ق��ول «م��ارت �ي �ن��ي»« :ينبغي �أن جنهد لتفادي توظيف امل�صطلحات التي تتنازعها مذاهب متعددة من دون تعريفها ،واالحتجاج ال�ستعمالها على هذا الوجه �أو ذاك» .والأمر
على التعريف أن يضطلع بوظيفتين متزامنتين تتضمن األولى عرض السمات الخاصة بالمصطلح والثانية تتحقق بها مكونات المفهوم
كما يزعم ،Mouninال يعك�س نزوع ًا �صفائي ًا �أو توجه ًا وثوقي ًا ،ولكنه يربز �أهمية جمافاة �أ�سلوب اخللط بني مرتكزات نظرية خمتلفة؛ يعب عن لأن اجلمع بينها بدون �إ�شعار �سابق رِّ التبا�س م�صطلحي على م�ستوى املفاهيم الأ�سا�سية ،حتى ول��و كانت �صو ُرها الدالة موحدَ ة. َّ - 3وينبغي �أن يكون تعريف امل�صطلحات م�ؤ�شر ًا دا ًال على ت�شاكلها مع اجلهاز النظري املعتمد ،حيث يظهر االن�سجام على �سطح املنهج بكل معامله ومقوماته. �إنها قواعد مو�ضوعة �أ�سا�س ًا حل�صر �إ�شكاالت ال�ت�ع��ري��ف ال �ت��ي ت �ع��ود �إىل ال�سمة اخلالفية وال�سياقية للم�صطلحات .و�ش�أن التعريف يف ظل هذه احلقيقة الإب�ستيمولوجية �أن يخ�ضع للمقامات النظرية املتحولة� ،إال �أن �أه��م ما إحلاحها على عامل تنطق به قواعد ُ � Mounin الإجرائية يف التعريف بقدر ما ت�سمح بت�شغيل �آلية املرونة واالنفتاح� .إنها ت�شرتط �أن يكون التعريف عملي ًا وداعي ًا �إىل متا�سك اخلطاب
العلمي .فحقَّ القول �إنها متثل ثوابت تعريفية ميكن �أن ت�ستعري �صور ًا متزايلة احت�ساب ًا لتعدد مناحي الر�ؤية وزوايا النظر. وق��د تناول الباحث امل�صطلحي Alain Rey نظري هذه الإ�شكاالت وحاول مقاربة التعريف امل�صطلحي يف حدودها ،و�أر�سى لذلك م�ستويني اثنني ي�برزان ُب ْعدَ الق�ضية التعريفية يف علم اال�صطالح عن الدقة والو�ضوح. ففي امل�ستوى الت�صوري ،يكون على التعريف �أن ي�ضطلع بوظيفتني متزامنتني؛ تت�ضمن الأوىل عر�ض ال�سمات اخلا�صة بامل�صطلح ،والثانية تتحقق بها مكونات املفهوم .Conceptوهذا يعني �أن للتعريف جم��ا ًال واح ��د ًا ه��و الن�سق اال�صطالحي ال��ذي يحمل �صفات االن�سجام والتما�سك حيث ميثل ك��ل م�صطلح لفظ ًا خال�ص ًا قاب ًال للرتجمة �إىل جميع اللغات ،وحيث ينبني كل مفهوم على نحو اتفاقي �صارم وقابل للتف�سري والبيان. ولعل الك�شوف اال�صطالحية يف البناء النظري �أو املنطقي �أو يف نظام امل�صطلحات العلمية ذات ال �ن��زوع الن�سقي �أف���ض��ل م��ا ميثل هذا الربنامج على وجه االفرتا�ض ال اليقني .لكن َ Reyي ُع ُّد الأم � َر -على النحو ال�سابق -مي ًال �إىل التب�سيط الذي ال يعي بتفاقم �أ�سئلة نظرية ملحة من الف�صيلة التالية: هل ُن ْل ِغي جميع �أ�شكال الإبهام الت�صوري،و ُنب ِع ُد عن اعتبارنا احلال َة التزامنية للأن�ساق؟ وهل ب�إمكاننا �أن نغ�ض الط ْرف عن الطبيعةالكالمية «الفردية» لأ�سماء امل�صطلحات؟ ولعلها �أ�سئلة حتيلنا �إىل امتناع امل�صطلحات مب��ا هي لغة خمتارة -عن ال�ضبط ال��داليلالذي يتمح�ض مبوجبه ملعنى قار؛ حتى �إن Rey يعترب جميع املحاوالت «التحديدية» اجلارية على امل�صطلحات عنوان ًا على ال�صعوبات املنيعة التي ت�صاحب الربنامج التعريفي للم�صطلحية، ب��دء ًا من حم��اوالت ،Rymon Lullم��رور ًا بـ ،Leibnizوانتهاء �إىل قواعد املنطق احلديث. ويف امل�ستوى التجريبـي ي�ضع Reyالتعريف امل�صطلحي بني منزلتي التعريف املعجمي، والو�صف املو�سوعي؛ فالتعريف امل�صطلحي يتجه نحو تطوير ا�ستعمال الأ�سماء ليتاح
يتأسس التعريف المصطلحي على التصورات والمفاهيم التي يتم تعريفها، ثم تلحق بأشكالها المناسبة أي ما يسميه «سوسير» باإلجراء المدلولي لها العمل بهيئتها املكت�سبة كم�صطلحات مبنينة� .إن��ه �إج��راء ترتيبـي ي�ستوحي منط ت�صنيف الكائنات ،كما ي�ستدعي طرائق ا�شتغال الإدراكات الت�صورية «.»Ibid, p. 43 وبعد ذلك يقف Reyعلى �أهم دواعي القلق ال��داليل ال��ذي يلف التعريف اال�صطالحي؛ ذل��ك �أن��ه ال يخرج عن كونه �إج��راء يت�شكل داخ��ل لغة طبيعية ت�شهد وحداتها اللفظية ان�ت�ق��االت كامنة تتعاورها يف �أدوار لغوية متواترة. والنتيجة �أن جميع �أ�شكال الإبهام واال�شرتاك املعنوي والدالالت الإميائية غري املبا�شرة لهذه الوحدات تنتقل �إىل التعريف فتوقعه على �سنة التعدد ف�ض ًال ع��ن االلتبا�س .وملعاجلة هذا ال�ش�أن يتم توظيف جميع �أن��واع التعريف التي تخ�ضع لها الوحدات اللغوية العامة ،ونق�صد التعريف املنطقي باحلد� ،أو التعريف اال�شتمايل
ال��ذي يت�ضمن املا�صدق بتمامه ،والتعريف اللفظي بذكر املرادف� ،أو ب�سط املدلول ب�سط ًا خمت�صر ًا تق ُّيد ًا بال�سياق ال��ذي ا�ستُعمل فيه امل�صطلح. ولعل هذا التنزُّل ال ي�ضري كما يقول ل�سان الدين بن اخلطيب« :ف��إن من يتعرف �شرح اال��س��م يح�صل ل��ه غر�ضه ،ك��ان عامي ًا �أو خا�صي ًا� ،أو عجمي ًا �أو عربي ًا» -ل�سان الدين ب��ن اخل �ط �ي��ب ،م� �ف ��ردات اب ��ن اخل�ط�ي��ب، حتقيق :عبد العلي ال��ودغ�يري ،من�شورات عكاظ ،ط��� ،1988 ،1.ص .24 .وه��و �أي�ض ًا �سبيل الأدباء يف تعريف ا�صطالحاتهم مثلما يخربنا التهانوي يف "الك�شاف"« :لي�س من غر�ض الأدب ��اء من احل��د �إال التمييز التام « ،»...فاحلد عند الأدباء هو املعرف اجلامع امل��ان��ع ،وه�ك��ذا ذك��ر امل��ول��وي ع�صام الدين حيث قال :معنى احلد عند الأدباء هو املعرف اجلامع املانع» -ك�شاف ا�صطالحات الفنون للتهانوي ،حتقيق :رفيق العجم ،مكتبة لبنان، بريوت ،ط .1/624 :1996 ،1 .ومنه ُيع َلم �أن دالل��ة احلد ال تربو على متييز املحدود من غريه بقول جامع مانع؛ لأن املاهية التي يلح املناطقة على �إدراك �ه��ا ب�ألفاظ احل��د �أم��ر ن�سبـي ال �إط�لاق فيه؛ ذل��ك «�أنّ ك��ونَ احلد دا ًال على املاهية مفيد ًا لت�صور الذات� ،إمنا هو بالقيا�س �إىل من يعلم وجود ال�شيء� .أما من ال يعلم ذلك فهو يف حقه دال على معنى اال�سم �شارح ملفهومه» -الب�صائر الن�صريية
نقد 110 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
يف علم املنطق ،لعمر بن �سهالن ال�ساوي، �ضبط :رفيق العجم ،دار الفكر اللبناين، بريوت ،لبنان ،ط� ،1993 ،1 .ص.85 . واحلق -كما يو�ضح � -Reyأن ما يتحكم يف طبيعة التعريف هو نوع الأن�ساق املق�صودة و�أ�صناف الأ�شياء املعنية ،وهو ما يتيح لها ال ُّد ُن َّو من النموذج النظري .ورغم ذلك ،ف�إن الأمر يتطلب جما ًال حمدد ًا ومتجان�س ًا ،و�إال تعذر التعريف ب�صفة مطلقة Alain Rey, - op. cit., p. 43
واخلال�صة �أن التعريفات اال�صطالحية تكون مب �ق��دار ان�شغالها ع��ن امل��دل��ول ب�صورتهاال�سمية� -أب �ع��دَ ع��ن ال��دق��ة مثلما يالحظ "�سو�سري" يف قوله« :كل تعريف م�صطلحي ينطلق م��ن اال��س��م لتعريف ال�شيء ،ي�صري عبثي ًا يمُ ْ ليه منهج م�ضطرب وغري من�سجم» - .George Mounin, op. cit., p. 60
على �أن اعتماد مقيا�س ال��دق��ة �إمن��ا ي�ضع التعريف امل�صطلحي يف مقابل التعريف اللغوي «املعجمي» ،ال��ذي ي�ستند �إىل اللفظ �أثناء و�صفه التعاقبـي والتزامني للمدلوالت املتنوعة واملتوالية ،والعادمة لالن�سجام .و�إذا كان هذا ميثل �إجرا ًء دا ِّليا sémasiologique ذا مرجع ا�سمي ،ف�إن التعريف امل�صطلحي، على العك�س من ذلك ،يت�أ�س�س على الت�صورات واملفاهيم التي يتم تعريفها �أ ّو ًال ،ثم تلحق ب�أ�شكالها املنا�سبة� ،أي ما ي�سميه �سو�سري ب��الإج��راء امل��دل��ويل onomasiologique- .George Mounin, op. cit, p. 61
خ�صائ�ص التعريف الأدبي
�أوم ��أن��ا يف ال�سابق �إىل م��ذه��ب الأدب� ��اء يف التعريف ،وذكرنا �أنهم ال يلتزمون بتطبيق املاهية ،واحتجان احلقيقة الذاتية للمعرف؛ �إذ ال يخفى �أن هذا ال�سبيل كما ر�آه الإم��ام الغزايل يف قوله« :و�أكرث ما ترى يف الكتب من ع�سرة جد ًا ،وقد احلدود ر�سمية� ،إذ احلقيقة ِ ي�سهل درك بع�ض الذاتيات ،ويع�سر بع�ضها، ف�إن درك جميع الذاتيات حتى ال ي�شذ منها واح��د ع�سري ،والتمييز بني الذاتي وال�لازم ع�س ٌر ،ورعاية الرتتيب حتى ال يبتد�أ بالأخ�ص ِ
اإللحاح في تعريف المفاهيم والمصطلحات ِمن المطالب العصية إن تجاوزنا عن كونها مرادفة لإلحالة قبل الأع ��م َع�� ِ��س��ر ،وط�ل��ب اجلن�س الأق��رب َع ِ�سر» -امل�ست�صفى من علم الأ�صول ،لأبي حامد الغزايل� ،ضبط :حممد عبد ال�سالم عبد ال�شايف ،دار الكتب العلمية ،ب�يروت، لبنان ،ط� ،1993 ،1 .ص.14 . ً هذا مع كون املناطقة �أنف�سهم كثريا ما ُي ِخلُّون، يف ما يحررونه من التعريفات ،ب�شرط الإحاطة التامة باملا�صدق ،وق��د يقعون يف املحرتزات التي يتنكبونها يف �شكل احلد� ،أو يف عنا�صره املفهومية .والنتيجة التي ينتهي �إليها املرء من جملة ما �أدرن��ا حوله ال�ك�لام� ،أن الإحل��اح يف تعريف املفاهيم وامل�صطلحات ،على �إفادة املنع املطلق ،والف�صل الذي ال يقبل اال�شرتاكِ ،من املطالب الع�صية� ،إن جتاوزنا عن كونها مرادفة ل�ل�إح��ال��ة .والأ� �س �ل��م يف ه��ذا ال �ب��اب حماباة م�سالك الأدب ��اء التي �أجملها التهانوي يف الن�ص ال�سابق ،ففيها يلحظ املرء وجه ًا من االقت�صاد ينا�سب �سائر املقامات املفهومية الباعثة على التعريف ،ف�ض ًال عن طاعتها ملبد�أ معريف �شامل ميكن االعتداد به بدي ًال ع��ن م �ب��د�أ احلقيقة ال��ذات�ي��ة امل�ق�ي��دة؛ وهو مبد�أ احلقيقة ال�سياقية امل�شيدة ،ويف ذلك يقول الدكتور حممد مفتاح�« :إنه من املمكن االتفاق على �أن التحديد اجلامع املانع ع�سري الوجود ،و�أن ما هو م َت َي ِّ�سر هو التحديد القائم ع�ل��ى ال�ع�لائ��ق وال��وظ��ائ��ف؛ ه��ذا ال �ن��وع من التحديد هو ما ي�سمى بالتحديدات اال�سمية �أو الت�شييدية؛ وهذه التحديدات ال ت�ستند �إىل اجلن�س والف�صل �أو اخلا�صة ،و�إمنا تتكئ �إىل طبيعة ال�شيء الذي يراد حتديده ،و�إىل الذات املحددة التي ت�ستبطن ذلك ال�شيء ،وتت�أمله وتنفعل معه ،ثم ت�صوغ ا�ستبطاناتها وت�أ ُّمالتها وانفعاالتها يف حمموالت» -املفاهيم معامل، ملحمد مفتاح ،املركز الثقايف العربي ،الدار البي�ضاء ،ط� ،1999 ،1 .ص.7 .
يفيد هذا الكالم خ�ضوع التعريف جلملة من املتغريات� ،أه ُّمها طبيعة الكائن املع َّرف وح ِّيزه املفهومي؛ وعلى ذلك كانت املفاهيم اجلمالية �أك�ثر ما َي� ِن� ُّد عن التقيد وينزع �إىل الت�شييد ل ِع َّلتني� :أوالهما �أنها «كائنات» مفهومية ،والثانية �أنها مفهومات جمالية. تقت�ضي ال�ع�ل��ة الأوىل ،ك�م��ا ي��و��ض��ح «جيل ديلوز» �«:أن املفهوم غائم ومبهم ،ولكن لي�س ذلك لأنه ال ميتلك �إط��ار ًا؛ بل لأنه م�ش ّرد ،ال خطابي ا�ستداليل «»...؛ �إنه ق�صدي �إحايل � ،intentionelأو تعديلي ،لي�س لأن له �شروط ًا مرجعية؛ بل لأنه مركب من تغريات غري قابلة لالنف�صال ،مت ُّر يف مناطق من الالمتايزية، وتغري دائم ًا من حدودها .فاملفهوم لي�س له مرجع �أبد ًا «»...؛ بل له تكثف حمدد مبركباته ال��داخ�ل�ي��ة ،فلي�س امل�ف�ه��وم ت ��أ� �ش�ير ًا حلالة الأ��ش�ي��اء ،وال دالل��ة للمعا�ش ،لكنه احل��دث ب��اع�ت�ب��اره معنى خال�ص ًا يجتاز املركبات ب�صورة فورية» -ماهي الفل�سفة ،جيل دولوز وفليك�س غ �ت��اري ،ترجمة :م�ط��اع �صفدي، املركز الثقايف العربي ،الدار البي�ضاء ،ط،1 . � ،1997ص.153 . ويف ال�ع�ب��ارة رف�ض ل��دع��ام��ات املناطقة التي ي��زع�م��ون بها ع��دم التناق�ض ،ون�ف��ي الثالث املرفوع؛ ف�إن املفاهيم ال يبعد �أن تن�ش�أ يف هذين احليزين �أي�ض ًا. �أم��ا العلة الثانية ،فمقت�ضاها م��ا يقوم به «ال�شعر» عند «لوران�س»« :النا�س ال ينفكون عن �صنع مظلة حتميهم ،ير�سمون حتتها قبة �سماوية ،ويكتبون م�صطلحاتهم و�آراءه��م، ولكن ال�شاعر ،ب��ل الفنان يحدث �ش ّق ًا يف املظلة ،حتى �إنه قد ميزق ال�سماء ليمرر قلي ًال من ال�سدمي احلر واملنطلق ،وي�ؤطر �ضمن نور فجائي الر�ؤية التي تظهر من خالل ال�شق» - ماهي الفل�سفة� ،ص.209 . وم �ف��اد ال �ع �ب��ارة ،كما ت� ��أدى �إل �ي��ه �إدراك �ن��ا، �أن مفاهيم الأدب ،وال�شعر قط ُبها ،بقدر ما ميعن الناظر يف التما�سها ب ��أي �آل��ة من الآالت الو�صولية ،تزداد هذه املفاهيم ُب ْعد ًا وامتناع ًا .فوجب بذلك التما�س �سبيل �آخر يتخلى عن نية التحديد ،ق�صد متثل املفهوم
�صفحات من خمطوطة «�صبح الأع�شى»
بنا ًء على ر�سومه الإح��ال�ي��ة؛ وتت�أكد �صحة ذلك مبالحظة ما انتهى �إليه بع�ض من حاول �إحكام القواعد املنطقية يف تعريف املفاهيم الأدب �ي��ة ،ك� ُق��دام��ة ب��ن جعفر ،عند تعريفه ال�شعر بقوله« :ال�شعر كالم موزون مقفى» - نقد ال�شعر ،لقدامة بن جعفر ،حتقيق :كمال م�صطفى ،مكتبة اخلاجني ،القاهرة ،ط،3 . � ،1978ص ،17 .واملعري يف قوله« :ال�شعر كالم موزون تقبله الغريزة على �شرائط� ،إن زاد �أو نق�ص �أبانه احل�س ،وكان �أهل العاجلة يتقربون به �إىل امللوك وال�سادات» -ر�سالة الغفران ،لأبي العالء املعري ،حتقيق :عائ�شة عبد الرحمن ،دار املعارف ،القاهرة ،م�صر، ط� ،1977 ،6 .ص .251 .وكالهما ال َي ْب ُعد �أن َي � ِ�ر َد عليه م��ا يقدح يف زعمه الإح��اط��ة بتفا�صيل امل �ح��دود .و�إن كنا نعترب نظري مق�صود ب��ه الإمل��ام ه��ذي��ن التعريفني غ�ير ٍ النهائي واملطلق باملفهوم امل�ع� َّرف ،و َن� ُع�دُّه، يف املقابل ،من الإج��راءات االختبارية يبغي بها املع ِّرف بنا َء املفهوم ،و�إر�ساء دعاماته متهيد ًا لال�ستدالل عليه يف تفا�صيل الحقة تت�ضمن عنا�صر تعريفية �أخرى� ،أو قل ،على �سبيل االخت�صار� ،إن تعريف املفهوم الأدبي �إمنا يت�أ�س�س على اجلمع بني مرحلتي البناء والتف�سري يف خطاب نقدي معلوم ،من دون �أن يعني ذل��ك الإق��رار ب�إمكان الوقوع على احلقيقة ال��ذات�ي��ة؛ �إذ ال ُن �خ� ِ�ر ُج املرحلتني امل��ذك��ورت�ين م��ن املحيط الت�شييدي املومئ �إل �ي��ه ،حيث ي� ��ؤدي التعريف وظيفة متييز
رأى القلقشندي أن الكذب يذهب بفضل الشعر بينما الراجح أنه آلة من آالت التخييل الشعري التي ال يقصد بها إبدال الحق بالباطل على وجه الخديعة واإلصرار على اإلثم املقولة �أكرث من حتديدها. ولعل �أك�ثر امل�ن��ازع �إف��ادة لهذا املعنىَ ،منزَ ُع التعريف باملقابلة ال��ذي نخ َتبرِ ه فيما يلي، اعتماد ًا على �أح��د ف�صول «�صبح الأع�شى يف �صناعة الإن�شا» ،عقده القلق�شندي للمفا�ضلة بني ال�شعر والنرث.
تعريف ال�شعر يف «�صبح الأع�شى» للقلق�شندي
ذكرنا �أن تعريف املقابلة �أ��ص��دق ما ميثل �سبيل الأدب��اء يف ترتيب احل��دود ،من جهة االحتبا�س على العنا�صر املميزة للمقولة،
تتعدى المقابلة عند القلقشندي جنس النثر إلى أحد أنواعه الخاصة، لالستدالل على صحة ترجيحه ،دافع ًا بالشعر درجة إلى مجال السلب
ون�ضيف �إىل ذلك �أن��ه �ضارب ب�سهمني� ،إذ يقع به متييز ال�شعر متزامن ًا مع متييز النرث ب���آالت م�شرتكة ه��ي جماع املقابلة ،وم��واد الرتجيح .وم��ن �أوىل تطبيقاته م��ا ورد يف كتاب ال�صناعتني ،قال �أبو هالل يف حديثه ع��ن ال�شعر« :فمن مراتبه العالية التي ال النظم الذي به يلحقه فيها �شيء من الكالم، ُ ِز َن ُة الألفاظ ،ومتام ُح�س ِنها ...وطول بقائه على �أف��واه ال��رواة ،وا�ستفا�ضته يف النا�س، وب �ع � ُد ��س�يره يف الآف � ��اق ...ولي�س ي ��ؤث��ر يف الأعرا�ض والأن�ساب ت�أثري ال�شعر يف احلمد والذم �شيء من الكالم ...ولي�س �شيء يقوم مقامه يف املجال�س احلافلة ...و�أن الأحلان التي هي �أه�ن��أ ال�ل��ذات� -إذا �سمعها ذووالقرائح ال�صافية ،والأنف�س اللطيفة ،ال تتهي�أ �صنعتها �إال على كل منظوم من ال�شعر... و�أن �ألفاظ اللغة �إمنا ي�ؤخذ جزلها وف�صيحها، وفحلهاوغريبهامنال�شعر...و�أنال�شواهدتنزع من ال�شعر» - .كتاب ال�صناعتني لأب��ي هالل الع�سكري ،حتقيق :حممد �أبو الف�ضل �إبراهيم، وعليحممدالبجاوي،املكتبةالع�صرية�،صيدا- بريوت ،لبنان� ،1986 ،ص.138 . و يقول يف ر�سالة «املفاخرة بني العلوم على ل�سان علم ال�شعر»�« :أرا ُكم قد ن�سيتُم ف�ضلي ال ��ذي ب��ه ف�ضلتم ،و��ص��رم�ت��م حبلي ال��ذي من �أجله و�صلتم؛ �أن��ا حجة الأدب ،ودي��وان علي ت��ردون ،وعني ت�صدرون ،و�إيل العربَّ ، تُن�سبون ،وبي ت�شتهرون ،مع ما ا�شتملت عليه من املدح الذي كم رفع و�ضع ًا ،وجلب نفع ًا،
نقد 112 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
وو�صل ْ وج�َبررَ َ َ�ص ْدع ًا ،والهجو الذي قطع ًاَ ، َ حط ق��در ًا ،و�أخمل ذك��ر ًا ،وجعل بني الرفيع والو�ضيع يف حطيطة القدر ن�سب ًا و�صهر ًا، �إىل غري ذلك من �أنواعي ال�شعرية التي �شاع ذكرها ،و�أ�ضواعي العطر ّية التي فاح ن�شرها؛ بل ال يكاد علم من العلوم الأدبية ي�ستغني عن �شواهدي ،وال يخرج يف �أ�صوله عن قوانيني وقواعدي ،حتى علم النرث الذي هو �شقيقي يف الن�سب ،وعديلي يف ل�سان العرب ،مل يزل علي يف بيت ُي ِحلُّو َنه ،ويقفون �أه ُله يتطفلون َّ من بديع حما�سني عند ح��دٍّ ال يتعدّونه» - احلياة الأدب�ي��ة يف م�صر؛ الع�صر اململوكي وال�ع�ث�م��اين ،لعبد امل�ن�ع��م خ�ف��اج��ي ،مكتبة الكليات الأزهرية� ،1984 ،ص.50 . ففي هذه املقالة التي يقع بها ترجيح ال�شعر ن�ستطيع �أن نتبني جممل ر�سومه التي ال ترتفع �إىل م�ستوى احلقيقة ال��ذات�ي��ة كما �أ�سلفنا، وهي :انت�صابه لالحتجاج ،وقدرته على الرفع والو�ضع ،والو�صل والقطع ،وا�شتماله على املدح والهجو .وهي العنا�صر التي يف�ضي ت�أملها �إىل نفي اخت�صا�ص ال�شعر بها من دون غريه ،و�أنّ مبلغ ال�شعر منها �أن تكون مهيمنة عليه يف العادة �صح �أن ن�سميها عنا�صر متييز والإجمال؛ ولذلك ّ ال حتديد ،ناجم ًة عن �إدراك م�ضمر العتيا�ص احلد ،و�صعوبة تعقب احلقيقة الذاتية .ونظري هذه الر�سوم حا�ضر يف الف�صل الثالث الذي �أ�شرنا �إليه ،مع زيادات �صاحلة ،ويف الإمكان
�أن ن�ضم ه��ذه العنا�صر َ بع�ضها �إىل بع�ض لرنتب لل�شعر تعريف ًا مم ِّيز ًا ،ال مينعه من م�شاكلة بع�ض �أ�صناف القول يف وج��ه من وج��وه��ه .فالقلق�شندي ي�ق��رر ت�ف��رد ال�شعر مبا يلي :اعتدال الأق�سام؛ ت��وازن الأج��زاء؛ ت �� �س��اوي ال� �ق ��وايف؛ ط ��ول ال �ب �ق��اء ع�ل��ى ممر الدهور وتعاقب الأزم��ان؛ تداوله على �أل�سنة ال��رواة والنقلة لقوة احلافظة منه بارتباط �أجزائه ،وتعلق بع�ضها ببع�ض؛ ت�أثريه بالرفعة وال�ضعة باعتبار املدح والهجاء؛ به يح�صل ال�شاعر املجيد على احلباء وامل�ن��ح؛ قبوله ملا يرد عليه من الأحل��ان املطربة امل�ؤثرة يف النفو�س؛ ي�شتمل على �شواهد اللغة والنحو، وغريهما من العلوم الأدب�ي��ة؛ ي�ستدل به يف تف�سري القر�آن الكرمي ،وحديث الر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم؛ ميثل ديوان العرب وجمتمع متكنها ،واملحيط ب�ت��واري��خ �أي��ام�ه��ا و�سائر �أحوالها�« .صبح الأع�شى يف �صناعة الإن�شا،
يتم تقويم المصطلحات بإعمال معيار الوضوح والصحة والمالءمة على عكس التعريفات اللغوية «المعجمية» التي يحكم عليها بالصدق والكذب
لأحمد بن علي القلق�شندي� ،شرحه حممد ح�سني �شم�سن الدين ،دار الكتب العلمية، بريوت ،لبنان ،ط.»1/89 :1 . وجميع هذه الر�سوم ميثل جهات الإيجاب يف ال�شعر ،وبالإمكان �أن ن�صطنع لها ت�صنيف ًا ُي َ�سهِّل امتحانها يف مجَ ْ لى التعار�ض بينها وبني جهات ال�سلب التي يت�ضمنها الق�سم الثاين من املقابلة: وه��ي جهة ال�ب�ن��اء :اع �ت��دال الأق���س��ام وت��وازن الأجزاء؛ وجهة التداول :طول البقاء واالنتقال على الأل���س�ن��ة؛ جهة الأث� ��ر :ال��رف��ع والو�ضع والإط ��راب؛ ثم جهة الوظيفة :اال�ست�شهاد يف اللغة والنحو ،واال�ستدالل يف القر�آن واحلديث، وحفظ الأيام ،وذكر الوقائع. وامل�ل�اح��ظ �أن ا��س�ت�ث�ن��اء ج�ه��ة ال �ب �ن��اء ُي� �دْيل بال�شعر يف اال���ش�ت�راك م��ع غ�ي�ره م��ن �سائر اجلهات افرتا�ض ًا واحتما ًال؛ ولذلك كان ابتداء القلق�شندي بهذه اجلهة اقت�ضا ًء نوعي ًا رئي�س ًا، بو�صفها �شرط ًا الزم ًا لل�شعر من حيث هو بناء فني ،ال من حيث هو كالم. �أم��ا جهات ال�سلب التي �أوجبت تقدم النرث على ال�شعر فبيانها �أن ال�شعر حم�صور يف وزن وقافية يحتاج معها ال�شاعر �إىل زيادة الألفاظ والتقدمي والت�أخري ،وق�صر املمدود، وم��د امل�ق���ص��ور ،و� �ص��رف م��ا ال ين�صرف، ومنع ما ين�صرف من ال�صرف ،وا�ستعمال الكلمة املرفو�ضة ،وتبديل اللفظة الف�صيحة بغريها ،وغري ذلك مما تُلجئ �إليه �ضرورة ال�شعر؛ كذلك تبعية املعاين للفظ فيه؛ ثم �أن مقا�صد ال�شعر ال تخلو من الكذب ،والتحويل على الأم��ور امل�ستحيلة ،وال�صفات املجاوزة للحد ،والنعوت اخلارجة عن العادة�« .صبح الأع�شى».1/91 : ومن ذلك نتبني �أن اجلهة التي كانت يف الق�سم الأول من املقابلة �شرط ًا بنائي ًا لتحقق ال�شعر، �أ�صبحت يف هذا الق�سم مدعا ًة للنق�ص؛ حني ُت ْك ِر ُه ال�شاعر على ارتكاب ال�ضرورة .و�إذ يعترب القلق�شندي هذا الأم��ر ذريع ًة لرتجيح النرث، فهو يف احلني نف�سه يرتفع بالعن�صر �إىل درجة املقوم النوعي لل�شعر ،م��ادام��ت ال�ضرورة ال ت ََّط ِرد �إال فيه .على �أن املقابلة ،ومنا�سبتها «ت�أكيد �أف�ضلية الكتابة ال�ن�ثري��ة» ،اقت�ضت
الشعر في مقابلة النثر عامة يتحدد بالوزن م��ن القلق�شندي االن���ص��راف ع��ن ال��دالالت والقافية ،وفي مقابلة اجلمالية لل�ضرورة من حيث ترتتب عليها القرآن خاصة يتحدد ت �غ �ي�يرات جت ��ري ع�ل��ى ال �ع �ب��ارة ال�شعرية ،بالقصد وقابلية اإلنشاد فت�ضيف �إليها قيمة فنية زائدة على قيمتها الداللية املتحققة ،م��ع �أن �أك�ثر م��ن خا�ض يف ال�ضرورة من العلماء مل َي��ر فيها �سوى �أنها خمر ٌج لتجنب الإخالل بالوزنَ ، ومدخ ٌل للتوفيق بني اللفظ واملعنى وال��وزن الناظم لهما ،من ذل��ك ق��ول �أب��ي �سعيد ال�سريايف: «اعلم �أن ال�شعر ملا كان كالم ًا موزون ًا ،تكون الزيادة فيه والنق�ص منه ،يخرجه عن �صحة الوزن ،حتى يحيله عن طريق ال�شعر املق�صود مع �صحة معناه ،ا�ستجيز فيه لتقومي وزنه، من زيادة ونق�صان ،وغري ذلك ما ال ي�ستجاز يف الكالم مثله» � -ضرورة ال�شعر ،لأبي �سعيد ال�سريايف ،حتقيق :رم�ضان عبد التواب ،دار النه�ضة العربية ،القاهرة ،م�صر ،ط،1 . � ،1985ص.34 . و�أما اجلهة الثانية التي نظر فيها القلق�شندي �إىل تعلق املعنى باللفظ على وجه التبعية ،ففي الأمر َن َظ ٌر محُ ْ ِو ٌج �إىل تطويل ،وغاية ما يح�ضرنا يف هذا املقام �أن ال�ش�أن عام ،ومناطه على ح�سن تهي�ؤ املتكلم� ،سواء �أكان ناظم ًا �أم ناثر ًا ،وجودة اقتداره على املنا�سبة بني الألفاظ ومعانيها. ويف �ش�أن الكذب ال��ذي اعتربه القلق�شندي ذاهب ًا بف�ضل ال�شعر ،فالراجح �أن��ه �آل��ة من �آالت التخييل ال�شعري التي ال يق�صد بها �إبدال احلق بالباطل على وجه اخلديعة ،والإ�صرار على الإث ��م ،و�إمن ��ا ذل��ك كما ق��ال اب��ن �أب��ي احلديد« :والذي يريدونه بال�شعر ي�أتي يف كل قيا�س َ خم ِّيل يعلم العاقل كذبه ،ولكنه يحدث له مع ذلك نوع قب�ض �أو ب�سط� ،أو �إق��دام �أو �إحجام .كما يقال :ال ت�أكلوا الع�سل ف�إنه ثمرة َم ِقي َئ ٌة� ،أو يقال للحلواء الرطبة املزعفرة :ال واحل�س يكذبان ت�أكلها ف�إنها غائط ،فالعقل ّ هذا الكالم الذي هو يف قوة قيا�س� ،صورته هكذا :كل غائط فهو غري م�أكلة ،ومع علمه بكذبه ينقب�ض عن الأكل ،و�أكرث �إقدام النا�س و�إحجامهم ب�سبب هذه التخيالت والأوهام، وهي الأقي�سة ال�شعرية التي يذكرونها ،و�إمنا �سميت �شعرية مل�شابهتها مقا�صد ال�شعراء
يف تخيالتهم وتزويقاتهم» -الفلك الدائر على املثل ال�سائر ،البن �أبي احلديد ،حتقيق: �أحمد احل��ويف وب��دوي طبانة ،مطبعة نه�ضة م�صر ،القاهرة� ،ص.192 . ت�ت�ع��دى امل�ق��اب�ل��ة ع�ن��د القلق�شندي جن�س النرث �إىل �أح��د �أن��واع��ه اخلا�صة ،ي�ستدعيه لال�ستدالل على �صحة ترجيحه ،دافع ًا بال�شعر درجة �إىل جمال ال�سلب ،والنوع املق�صود هو القر�آن الكرمي ،يقول يف «ال�صبح»« :وناهيك بالنرث ف�ضيلة �أن اهلل تعاىل �أن��زل به كتابه العزيز ،ون��وره املبني ال��ذي ال ي�أتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه ،ومل ينزله على �صفة نظم ال�شعر؛ بل نزّهه عنه بقوله{ :وما هو ب َق ْول �شاعر ،قلي ًال ما ُت�ؤمنون} ،وحرم نظمه على نبيه حممد �صلى اهلل عليه و�سلم، ت�شريف ًا ملحله ،وتنزيه ًا ملقامه ،منبه ًا على ذلك بقوله{ :وما ع َّلمناه ال�شع َر وما ينبغي له} �صبح الأع�شى.1/90 : ويف الن�ص ُيف�صح القلق�شندي عن خا�صية �أخرى مت ِّي ُز ال�شعر يف مقابلة القر�آن الكرمي بو�صفه جن�س ًا م��ن ال �ن�ثر ،ذل��ك �أن نظمه يختلف ع��ن نظم ال �ق��ر�آن ال�ك��رمي ،على �أن �صورة ه��ذا النظم ال تزايل ما �أملعنا به يف جهات الإيجاب من تعريف ال�شعر؛ واملق�صود ت�ساوي الأق�سام ،وانتظام الأجزاء .وعن هذه املقابلة يتح�صل الإق��رار باختالف املق�صد بني ال�شعر والقر�آن؛ وبيان ذلك �أن الق�صد �إىل قول ال�شعر هو يف الوقت نف�سه ق�صد �إىل ال�ك��ذب ،وعلى ه��ذا فكل �شعر ك��ذب بالقوة �إن مل يكن بالفعل والإجناز ،ومنع ًا اللتبا�سه ب�ك�لام النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ال��ذي ي�ستحيل يف حقه الكذب ،ا�شرتط غري واحد من النقاد ،يف حد ال�شعر -ف�ض ًال عن النظم املخ�صو�ص -الق�صد والنية مما يفيده قول ابن ر�شيق« :ال�شِّ ْع ُر يقوم من بعد النية من �أربعة �أ�شياء ،وه��ي :اللفظ واملعنى ،وال��وزن والقافية؛ فهذا هو حد ال�شعر؛ لأن من الكالم
م��وزون � ًا مقفى ،ولي�س ب�شِ عر لعدم الق�صد والنية ،ك�أ�شياء اتَّزَ َنت من القر�آن ومن كالم النبي �صلى اهلل عليه و�سلم ،وغري ذلك مما مل ُيطلق عليه ب�أنه �شعر» -العمدة يف حما�سن ال�شعر و�آدابه ،البن ر�شيق القريواين ،حتقيق: حممد قرقزان ،دار املعرفة ،بريوت ،لبنان، ط .1/245 :1988 ،1 .ويف حا�شية عبد القادر بن عمر البغدادي على �شرح «بانت �سعاد» البن ه�شام ،ف�صل طويل ُي ِل ُّم بعن�صر الق�صد ُمق ِّوم ًا لل�شعر يف معر�ض املقابلة بينه وبني القر�آن الكرمي ،قال يف التعليق على قوله يوم حنني: �صلى اهلل عليه و�سلم َ
�أَ َن� � � � � � � � � ��ا ال � � � �ن � � � � ِب � � � ُّ�ي َال َك� � � � � � ��ذِ ْب �أ َن� � � � � � � ��ا ا ْب� � � � � � � � ُ�ن ع � � � � ْب� � � ��دِ امل� � � َّ�ط � � � ِل� � � ْ�ب
«تنبيه :مثل ه��ذا لي�س ب�شعر ،لأن ح� َّ�ده ك�ل�ام م���وزون مقفى ق �� �ص��د ًا ،وال ي�صح ق�صد نظم ال�شعر للنبي �صلى اهلل عليه و�سلم «»....؛ ولهذا كان النبي �صلى اهلل عليه و�سلم �إذا �أن�شد �شعر ًا غيرَّ ه من غري ق�صد لعدم معرفته ب�أو�ضاعه ووزْنه «.»... وق��ال العلماء :ه��ذا وق��ع اتفاق ًا م��ن غري ق�صد ل��وزن �شعر؛ ب��ل ج��رى على ل�سانه كما �سمعه ،فلي�س فيه �إن�شاد ،و�إمن��ا هو ح�ك��اي��ة ك�ل�ام ال �غ�ير م��ع ا� �ش�تراط �ه��م يف ماهية ال�شعر الق�صد « .»...فاحلا�صل �أن ق�صده ،و�إنّ َمن �أتى بالكالم �شرط ال�شعر ُ املوزون املقفى ومل يق�صده ال ي�سمى �شعر ًا» حا�شية على �شرح «بانت �سعاد» البنه�شام ،لعبد القادر بن عمر البغدادي، حتقيق :نظيف حمرم خواجة ،دار فرانز �شتايز� ،شتوتغارت� ،أملانيا ،ط:1990 ،1 . .2/658-660 وم��ن ذل��ك ُي �ع � َل��م �أن ال���ش�ع��ر يف مقابلة النرث عامة ،يتحدد بالوزن والقافية ،ويف مقابلة ال �ق��ر�آن خا�صة يتحدد بالق�صد وقابلية الإن�شاد ،وهي كما ترى حمددات تف�ضي �إىل متييزه عن غ�يره ،وال جتزي يف تق�صي حقيقته الذاتية التي يبعد �أن تن�صاع لطالبها �إن رامها جم��رد ًة َعر َّي ًة عن �سياقها التداويل
تاريخ 114 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
تطور من الرواية ال�شفوية �إىل التدوين التاريخي
أنساب العرب تراث أصيل يبحث في أصول القبائل وفروعها �أحمـد �أبو زيد يعترب علم الأن�ساب من �أقدم املعارف التاريخية التي اهتم بها امل�ؤرخون والعلماء والباحثون عرب الع�صور املختلفة ،ملا له من �أهمية خا�صة يف الدرا�سات التاريخية ،وملا يقوم به من دور مهم يف حفظ �أخبار الرجال وذكر �أعمالهم و�أقوالهم ،والبحث يف �أ�صول العائالت والقبائل وفروعها.
كانت األنساب في الجاهلية وسيلة تجمع والأن�ساب علم تعرف به �أن�ساب النا�س ،ويعرف العرب وتضم شملهم به تفرع القبائل والبطون والأ�سر وتنا�سلها فرع ًا وتشد أزرهم
من �أ�صل ،وابن ًا عن �أب ،و�أب ًا عن جد مهما عال، وذلك بر�صد �سال�سل الن�سب و�شجراته وتفريعاته العرقية .والن�سب يف اللغة هو القرابة وال�صلة، والإن�سان ين�سب يف الأ�صل �إىل �أبيه ،وقد ين�سب �إىل بلده �أو �صناعته وحرفته.
اهتمام العرب بالأن�ساب
ومل تهتم �أم��ة من الأمم بالأن�ساب كما اهتم العرب ب�أن�سابهم ،فقد �صار الن�سب لديهم علم ًا له قواعده و�أ�صوله وفوائده ،وكانت الأن�ساب يف اجلاهلية و�سيلة جتمع العرب بع�ضهم �إىل بع�ض، وت�ضم �شملهم وت�شد �أزره ��م ،كما كانت رداء يدفعون به كثري ًا من الأخطار عنهم. ويف ظل الإ��س�لام احتل ه��ذا اللون من العلوم واملعارف مكانة خا�صة عند العرب ،وبخا�صة يف فجر النه�ضة الإ�سالمية ،نظر ًا لطبيعة الفكر القبلي ،الذي جعل كل قبيلة حتر�ص على كيانها وتعتز ب�أ�صولها.
الن�سب يف القر�آن
وكلمة «ن�سب» وردت يف ال�ق��ر�آن الكرمي جمع ًا وم �ف��رد ًا يف قوله تعاىل «ف� ��إذا نفخ يف ال�صور ف�ل�ا �أن �� �س��اب بينهم ي��وم �ئ��ذ وال ي�ت���س��اءل��ون» امل�ؤمنون ،101/وق��ول��ه ت �ع��اىل« :وه ��و ال��ذي خ�ل��ق م��ن امل ��اء ب���ش��ر ًا فجعله ن�سب ًا و��ص�ه��را» الفرقان ،54/وقوله« :وجعلوا بينه وبني اجلنة ن�سبا» ال�صافات ،158/و�أ�شار القر�آن الكرمي �إىل �أهمية الأن�ساب يف قوله تعاىل« :يا �أيها النا�س �إنا خلقناكم من ذكر و�أنثي وجعلناكم �شعوب ًا وقبائل لتعارفوا» احلجرات.13/ كما وردت الأن�ساب يف ال�سنة النبوية املطهرة، يف قول الر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم�« :أربع يف �أمتي من �أمر اجلاهلية ال يرتكونهن :الفخر يف الأح�ساب والطعن يف الأن�ساب واال�ست�سقاء بالنجوم والنياحة» رواه م�سلم يف �صحيحه .وقوله «يحرم من الر�ضاع ما يحرم من الن�سب» رواه البخاري. وحث احلديث ال�شريف على تعلم الأن�ساب يف
قوله – �صلى اهلل عليه و��س�ل��م« :تعلموا من �أن�سابكم ما ت�صلون به �أرحامكم» رواه �أحمد يف م�سنده.
الرواية ال�شفوية
وقد مر هذا العلم – �ش�أنه �ش�أن معظم العلوم العربية – مبرحلتني رئي�ستني: الأوىل :مرحلة الرواية ال�شفوية و�شملت ع�صر اجلاهلية وفرتة من �صدر الإ�سالم ،وكان الهدف منها يف اجلاهلية التفاخر بالآباء والتنا�صر على الأعداء ،وكانت �أهمية «الن�سابني» يف القبيلة ال تقل عن �أهمية ال�شعراء� ،إذ بهم ت�ستطيع القبيلة �أن تفخر مب�آثر الآباء ،و�أن حتط من �ش�أن القبائل املعادية لها ،بذكر مثالب تلك القبائل ومعايبها. وا�ستمر االهتمام بهذا العلم يف �صدر الإ�سالم، وظهر يف العرب من له خ�برة وا�سعة فيه من �أمثال �أبو بكر ال�صديق ،ر�ضي اهلل عنه ،الذي بن�سابة العرب ،و�أب��ي اجلهم بن حذيفة عرف ّ العدوي ،وجبري بن مطعم ،كما كان عمر وعثمان وعلي علماء بالأن�ساب وكذا �أمية بن �أبي ال�صلت. �أما املرحلة الثانية من علم الأن�ساب فهي مرحلة التدوين والكتابة ،وق��د ب��د�أت ه��ذه املرحلة يف عهد �أمري امل�ؤمنني عمر بن اخلطاب – ر�ضي اهلل عنه – عندما ا�ست�شار �أ�صحابه يف و�ضع «ديوان اجلند» ،لتنظيم العطاء لكل من �شارك يف الغزوات والفتوح الإ�سالمية ابتداء من غزوة بدر ،ف�شكل جلنة ثالثية من �أبي عدي بن جبري بن مطعم �أحد م�شاهري علماء الن�سب ،وخمرمة بن نوفل ،وعقيل بن �أبي طالب ،وكلفهم بو�ضع فهر�س للأن�ساب يقوم على �أ�سا�سه الديوان، وطلب منهم �أن ي�سجلوا �أ�سماء اجلند الذين �شاركوا يف الغزوات والفتوح ،على �أن يبد�أوا ببني
لم تهتم أمة من األمم باألنساب كما اهتم العرب حيث صار لديهم علم له قواعده وأصوله وفوائده
ها�شم ثم الأق��رب ف��الأق��رب من ر�سول اهلل – �صلى اهلل عليه و�سلم – ف�إذا ا�ستووا يف القرابة قدم �أهل ال�سابقة �إىل الإ�سالم ،فكان هذا �أول توثيق لأن�ساب العرب بعد الإ�سالم.
الت�أليف يف علم الأن�ساب
وخطا علم الأن�ساب خطوة �أخ��رى عندما �أخذ بع�ض ذوي العلم من العرب ي�ؤلفون فيه يف فرتة مبكرة من الع�صر الأموي ،و�أول من قام بذلك عبيد بن �شرية اجلرهمي ،الذي �ألف كتاب ًا يف �أخبار اليمن و�أ�شعارها و�أن�سابها ،و�أي�ضا دغفل بن حنظلة ال�سدو�سي البكري ،وهو من م�شاهري علماء الن�سب منذ �أواخر الع�صر اجلاهلي .ثم ظهر يف الع�صر الأم��وي من جمع بني الن�سب والتاريخ والأخبار مثل حممد بن ال�سائب الكلبي. بالن�سابني و�أ�صحاب ومل يكن علم الأن�ساب خا�ص ًا ّ التاريخ ،بل اهتم به نفر من الفقهاء مثل �سعيد ب��ن امل�سيب وال��زه��ري وال�شافعي والقرطبي وال�سيوطي و�أبو عبيد القا�سم بن �سالم. وا�ستمر الت�أليف يف علم الأن�ساب يف الع�صر العبا�سي ،وك��ان رائ��د امل�ؤلفني فيه «ه�شام بن حممد بن ال�سائب الكلبي» ،الذي اقتفى خطوات �أبيه يف االهتمام بالن�سب ،لكنه �أ�ضاف �إىل ذلك مزيد ًا من ال�ضبط والت�أليف املنهجي ،وتعد كتبه البداية احلقيقية للت�أليف يف علم الأن�ساب، وله كتاب �سماه «الن�سب الكبري» �أو «اجلمهرة يف الن�سب» ،وهو من �أعظم م�ؤلفات ابن الكلبي و�أ�شهرها ،وي�ضم �أن�ساب العدنانيني ،و�أول ن�سب الأزد من قحطان ،وينتهي ببني �أو�س بن حارثة، وقد عا�صر«ابن الكلبي» �آخ��رون كتبوا يف هذا العلم مثل «الهيثم بن عدي» «واملدائني».
�أن�ساب الأ�شراف
وم��ن الكتب التي ظهرت يف ه��ذه الفرتة كتاب «�أن �� �س��اب الأ�� �ش ��راف» ل�ل�ب�لاذري امل�ت��وف��ى �سنة 279هـ 892 -م ،وال��ذي يعد �سج ًال لأن�ساب العرب وتاريخهم يف اجلاهلية والإ�سالم حتى ال�ق��رن الثالث الهجري ،وال �ب�لاذري ه��و �أح��د كبار امل�ؤرخني يف القرن الثالث الهجري ،وكان من رج��ال البالط العبا�سي منذ عهد اخلليفة
تاريخ 116 الـعــــدد 158 ديسمبر
مكانته يف البالد الإ�سالمية الأخرى ،ولعل ذلك يرجع �إىل تعقد املجتمع الأندل�سي وكرثة الأجنا�س الب�شرية فيه ،كالعرب والربير واملولدين ،مما ترتب عليه وج��ود الطوائف العرقية التي تقوم على ع�صبة اجلن�س وال �ع��رق ،وق��د وج��د ذلك مادة خ�صبة لعلم الأن�ساب ،فو�ضعت الكتب يف �أن�ساب العرب والرببر ،ومن �أ�شهرها «�أن�ساب م�شاهري �أهل الأندل�س» لأحمد بن حممد الرازي، و«جوهرة �أن�ساب العرب» البن حزم القرطبي.
2012
«املتوكل» حتى عهد «املعتز» ،و�أل��ف ع��دد ًا من اجل�لادي بالرباط توجد ن�سخة خطية تقع يف علم الأن�ساب واحلديث النبوي
الكتب منها «فتوح ال�ب�ل��دان» ،وكتاب «البلدان الكبري» .وكتابه «�أن�ساب الأ�شراف» يقع يف اثني ع�شر جملد ًا ال يزال معظمها خمطوط ًا ،ويبد�أ بذكر ن�سب ن��وح عليه ال���س�لام ،ث��م يتكلم عن العرب ،وينزل �إىل عدنان الذي هو ر�أ�س عمود ن�سب الر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم – ،وظل ينزل �إىل �أجداد النبي واحد ًا بعد واحد ،ذاكر ًا م��ا يت�صل بكل ج��د على ح��دة ،متناو ًال �أب�ن��اءه باخت�صار حتى و�صل �إىل مولد الر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم – وقد ا�ستغرقت �سريته ما يزيد على مائتي �صفحة ،ثم تكلم عن �أمر «ال�سقيفة» وبد�أ بعد ذلك ي�صعد يف ن�سب الر�سول – �صلى اهلل عليه و�سلم – مرة �أخرى فتناول �أبناء اجلد الأول عبد املطلب واحد ًا ..واحد ًا ،ثم تناول �أبناء اجلد الثاين «ها�شم» ،وتناول «بني عبد �شم�س بن عبد مناف» وظل هكذا متتبع ًا عمود الن�سب حتى و�صل �إىل «الن�ضر» الذي ي�سمى «قري�شا». وعقد «البالذري» يف كتابه تراجم مطولة لبع�ض الأعالم الذين ا�شتهروا من حكام وعلماء و�أدباء ف�أفرد لأب��ي بكر ال�صديق نحو ع�شرين �صفحة ولعمر بن اخلطاب �72صفحة. وكتاب «�أن�ساب الأ�شراف» هذا لي�س م�ؤلف ًا تاريخياً مت�صل احل�ل�ق��ات ي�سوق احل���وادث على تتابع الأعوام� ،أو يتتبع ت�سل�سل احلكام ،ولكنه جمموعة رواي��ات يف �إط��ار الأن�ساب تو�سعت حتى احتوت على الأخبار والأ�شعار والرتاجم ،وقد جعل امل�ؤلف لكل مو�ضوع عنوان ًا فرعي ًا خا�ص ًا به ك�أنه وحدة م�ستقلة. ول�ل�ك�ت��اب ع ��دة ن�سخ خم �ط��وط��ة ،ف�ف��ي مكتبة
� 934صفحة ،وهي املعروفة بالن�سخة الدم�شقية، لأن �ه��ا كتبت يف دم���ش��ق ،ويف اخل��زان��ة امللكية املغربية توجد ن�سخة يف �أربعة جملدات منقولة عن الن�سخة الدم�شقية ،ويف مكتبة عا�شر �أفندي با�ستانبول ت��وج��د خمطوطة تقع يف جملدين �ضخمني م��ن القطع الكبري ،نقلت �أي���ض� ًا عن الن�سخة الدم�شقية ،وعن هذه الن�سخة اخلطية ن�سخة م�صورة يف «دار الكتب امل�صرية» وجمز�أة �إىل اثني ع�شر جزء ًا.
الأن�ساب يف الأندل�س
ومع نهاية القرن الثالث الهجري «التا�سع امليالدي»
ا�ستقرت الأن�ساب فلم تعد هناك حاجة �إىل مزيد من اخلو�ض فيها ،و�إمنا �شاعت ع�صبية املدن على �إثر املناف�سات التي ظهرت بني حوا�ضر الدولة الإ�سالمية كالب�صرة والكوفة وبغداد وال�شام، فاجته العلماء �إىل ت�أليف الكتب اخلا�صة ب�أحوال املدن والأمم بدل �أحوال القبائل والع�شائر ،ودخل علم الأن�ساب يف ن�سيج هذه امل�ؤلفات بعد �أن كانت تفرد له الكتب امل�ستقلة. وق��د وج ��دت ال�ك�ت��اب��ة يف الأن �� �س��اب يف امل�غ��رب الإ�سالمي والأندل�س �أر�ض ًا خ�صبة ،و�شغلت يف ب�لاد الأن��دل����س بوجه خا�ص مكانة رمب��ا فاقت
الكتابة في األنساب وجدت في المغرب اإلسالمي واألندلس ّ لتعقد أرض ًا خصبة المجتمع األندلسي وكثرة األجناس البشرية
وق��د خطا علم الأن �� �س��اب يف ال �ق��رن ال�ساد�س الهجري خطوة �أخ��رى لنجوم احلديث النبوي ال�شريف ،حيث قام الإمام ال�سمعاين املتوفى �سنة 562هـ 1167 -م بت�أليف كتاب «الأن�ساب» وهو يف معظمه تراجم لرجال احلديث� ،سواء املتقدمني منهم �أو املت�أخرين. ً ً ً وال�سمعاين كان فقيها �شافعيا وم�ؤرخا ورحالة، رح��ل يف طلب العلم واحلديث �إىل ب�لاد العامل املعروفة حينئذ ،و�أخذ عن علمائها حتى بلغ عدد �أ�ساتذته �أكرث من �أربعة �آالف �شيخ ،وله م�ؤلفات عديدة �أغلبها يف تاريخ وجغرافية البلدان مثل «تذييل تاريخ بغداد» و«معجم البلدان». وكتابه «الأن �� �س��اب» يعد مرجع ًا مهم ًا يف علم «اجل ��رح وال �ت �ع��دي��ل» ،وه��و م��ن ع�ل��وم احلديث ال�شريف ،ويتميز عن نظائره امل�ؤلفة يف هذا ال�ش�أن برتجمته للمت�أخرين من رواة احلديث ،مما ي�سد فراغ ًا كبري ًا يف مكتبة احلديث ال�شريف. فمن ترجموا ل��رواة احلديث قبله مثل البخاري املتوفى �سنة 256هـ ،و�أبن �أبي حامت املتوفى �سنة 327هـ ،اهتموا برواة احلديث حتى �آخر القرن الثالث الهجري� ،أي فرتة الرواية ال�شفوية قبل حركة التدوين العامة للحديث وظهور املدونات احلديثية ،ك�صحيحي البخاري وم�سلم وم�سند �أح �م��د و��س�نن الن�سائي وال�ترم��ذي و�أب ��ي داود واب��ن ماجة ،ف��زاد ال�سمعاين يف كتابه ترجمة الرواة املت�أخرين ممن ظهروا بعد القرن الثالث الهجري .وق��د ب��ذل ال�سمعاين جهد ًا كبري ًا يف كتابه ،حيث ق��ام بجمع كم هائل من الرتاجم وحفظه وهو ح�صيلة رحالته الطويلة التي طاف خاللها مبعظم بلدان العامل الإ�سالمي حينذاك.
ولذا نال هذا الكتاب اهتمام العلماء من قدمي، مل��ا يحتويه م��ن م��ادة علمية غ��زي��رة ومتكاملة فاخت�صره «�أب��ن الأث�ير اجل��زري» املتوفى �سنة 630هـ يف كتابه «اللباب» ،و�أح�سن اخت�صاره، و�أ��س�ت��درك علي ال�سمعاين ا�ستدراكات كثرية وكبرية الفائدة ،حتى �أ�شتهر كتاب «اللباب» وفاقت �شهرته الكتاب الأ�صلي.
كتب الأن�ساب
و�إذا نظرنا �إىل بع�ض الكتب الأخرى التي ظهرت يف علم الأن�ساب ،جند منها: - 1اجلوهرة يف ن�سب النبي و�أ�صحابه الع�شرة، ملحمد بن �أبي بكر التلم�ساين ،وهو م�ؤرخ و�أديب وع��امل �أندل�سي �أل��ف ه��ذا الكتاب يف جزيرة منورقة الإ�سبانية عندما كانت خا�ضعة للحكم الإ� �س�لام��ي ،وه��و �إح� ��دى ن� ��وادر املخطوطات العربية يف �أن�ساب العرب وتاريخ �صدر الإ�سالم ،ويعد مو�سوعة تراثية �ضمت الرواية والأن�ساب والأع�لام والآداب والنقد واللغة والأخبار .وقد �ضم ن�سب النبي� ،صلى اهلل عليه و�سلم ،و�سريته وترجمة الع�شرة املب�شرين باجلنة من �أ�صحابه، ر�ضي اهلل عنهم ،و�أوالده��م وبناتهم وزوجاتهم و�أحفادهم. - 2نهاية الأرب يف معرفة �أن�ساب العرب ،لأحمد بن علي القلق�شندي ،وهو من الكتب امل�شهورة يف الأن�ساب ،وي�ستعر�ض فيه امل�ؤلف ف�ضل علم الأن�ساب و�أهمية درا�سته ،وطبقات هذا العلم ،ثم يعرج �إىل درا�سة ن�سب القبائل العربية ،في�صدره بذكر ن�سب قبيلة النبي� ،صلى اهلل عليه و�سلم، ثم يختمه بذكر �أحوال العرب الدينية وال�سيا�سة واالقت�صادية قبل وبعد الإ�سالم. - 3التعريف بالأن�ساب والتنويه بذوي الأح�ساب، للقرطبي ،وهو كتاب يبد�أ بذكر ن�سب النبي، �صلى اهلل عليه و�سلم ،كما جرت عادة الن�ساب، ثم يتعر�ض لن�سب قبائل م�ضر ،ون�سب قري�ش ،ثم قبائل ربيعة والأزد وكهالن وحمري. - 4املنتخب يف ذك ��ر ن�سب ق�ب��ائ��ل ال �ع��رب، للمغريي ،وهو كتاب ا�شتمل على نبذة يف الن�سب �ضمت �أ�صول العرب ،وقد انتخب امل�ؤلف كتابه من كتب الن�سب والتاريخ ،مثل قالئد اجلمان للقرطبي ،و�سبائك الذهب لل�سويدي ،وو�صايا
اهتم فقهاء كثر بعلم األنساب منهم سعيد بن المسيب والشافعي والقرطبي ولعب دور ًا مهم ًا في التاريخ اإلسالمي امللوك ،والعقد الفريد ،وتاريخ ابن الأثري .و�سماه: "املنتخب يف ذكر ن�سب قبائل العرب" ،و�أخذ �أي�ض ًا من الرجال الثقات من البادية واحلا�ضرة املوجودين يف زمانه. - 5الإينا�س بعلم الأن�ساب للوزير املغربي ،وهو �أح�سن م�ؤلفات الوزير املغربي حظ ًا و�أروجها، كما قال حمد اجلا�سر يف مقدمته لن�شر الكتاب، ومو�ضوع الكتاب ال يفهم من عنوانه ،فهو و�إن تعلق بالأن�ساب ،من حيث تفريعها من �أ�صولها، �إال �أنه يعني ب�ضبط الأ�سماء �ضبط ًا مي ّكن من نطقها �صحيحة ،وتلك هي الغاية من ت�أليفه. ويذكر الوزير يف مقدمته �أنه اطلع على كتاب ابن حبيب «امل�ؤتلف واملختلف» ،وهو �أول من �ألف يف هذا املو�ضوع ،ف�أراد �إكمال خطواته و�إي�ضاحها بت�أليف هذا الكتاب ،وجعل كتاب ابن حبيب �أ�ص ًال لكتابه ،وتدارك جفاف �أ�سلوب ابن حبيب بتعليق النوادر امل�ستح�سنة ،والأخبار املت�صلة بالأ�سماء. وزاد عليه « »57ا�سم ًا ،وكان ابن حبيب قد جمع يف كتابه «� »305أ�سماء. - 6عجالة املبتدي وف�ضالة املنتهي يف الن�سب، لأب ��ي ب�ك��ر حم� َّم��د ب��ن �أب ��ي ع�ث�م��ان ب��ن مو�سى احلازمي ،وهو كتاب جمع فيه امل�ؤلف الأن�ساب املتداولة بني �أهل احلديث ،ور َّتبها على حروف املعجم .وربمَّ ا ذكر من كل قبيلة ن�سب ًا ُمتّ�ص ًال �أو رج ًال �أو رجلني تنبيه ًا للمبتدئ ،ومل يذكر من االختالف واال�شتقاق �إ َّال الي�سري. - 7الإكليل من �أن�ساب اليمن و�أخ�ب��ار حمري، للح�سن بن �أحمد بن يعقوب الهمداين ،فقد كان االهتمام ب�أهل اليمن وطبائعهم و�أن�سابهم له حظ وافر يف الت�صنيف؛ ويف هذا الكتاب جمع امل�ؤلف �أن�ساب �أهل اليمن وفروعها ،ون�سب كل مولود �إىل �أ�صله الن�سبي ،وذكر ما لكل قبيلة من �أن�ساب ومواليد. 8معجم قبائل ال�ع��رب القدمية واحلديثة،للدكتور عمر ر�ضا كحالة ،ويبحث هذا املعجم
يف القبائل العربية و�أف�خ��اذه��ا ،قبل الإ�سالم وب �ع��ده �إىل ع�صرنا ه ��ذا ،يف جن��د واحل�ج��از واليمن وح�ضرموت وع�م��ان وال �ع��راق وم�صر و� �س��وري��ة ول�ب�ن��ان وفل�سطني و��ش��رق��ي الأردن و�إفريقية ال�شمالية ،وغريها من البلدان العربية والإ�سالمية. وقد �ضم هذا املعجم ع��دد ًا كبري ًا من الع�شائر وبطونها ،ف��ذك��ر �أ�صولها وف��روع�ه��ا وجبالها و�أوديتها ومياهها وتاريخها وعبادتها. وهناك كتب �أخرى ا�شتهرت يف الأن�ساب ،مثل: «جمهرة �أن�ساب العرب» البن حزم الأندل�سي، وك��ت��اب«ل��ب ال �ل �ب��اب يف حت��ري��ر الأن�����س��اب»، لل�سيوطي ،و«قالئد اجلمان يف التعريف بقبائل ع��رب ال��زم��ان» للقلق�شندي ،و«ك�ن��ز الأن�ساب وجممع الآداب» للحقيل ،و«ال ��درر املفاخر يف �أخبار العرب الأواخر» ،ملحمد الب�سام التميمي، و«خمت�صر الأن�ساب احل�ضرمية» ،لأبي فار�س باكرموم ،و«�إدراك الفوت يف ذكر قبائل تاريخ ح�ضرموت» ،لعلي بن حممد �آل بابطني ،وهو معجم لقبائل ال�ب��ادي��ة و�سكان احل��ا��ض��رة يف تاريخ ح�ضرموت ،و«ن�سب عدنان وقحطان»، لأبي العبا�س بن امل�برد ،و«الأع�ل�ام» ،للزركلي، و«معجم قبائل اململكة العربية ال�سعودية» ،حلمد اجلا�سر
أوراق تراثية 118 الـعــــدد 158 دي�سمرب 2012
«الراوي»يبحثعنمكانةعلمية
فاطمة املزروعي و�أي�ض ًا ميكن �أن ن�ضيف �أنه رغم هذا العمر الق�صري يف تاريخ الإن�سانية ف�إن املراجع التي نعتمد عليها فيها بع�ض ال�ضبابية والغمو�ض، وب��ال�ت��ايل ف���إن م��ا يطلق عليه العهد الثاين التاريخي لي�ست احلقبة التاريخية الوا�ضحة بكل تفا�صيلها ،وال�غ��ري��ب يف ه��ذا ال�سياق �أن كثري ًا من الأح ��داث التاريخية نقلت لنا بوا�سطة امل�شافهة «احلكي» �أي من خالل ما يعرف بالراوي «القا�ص» ،حيث يروي الأجداد يق�صون الأحداث على للآباء الذين بدورهم ُّ الأبناء ثم تنتقل �إىل الأحفاد وهكذا ت�ستمر ال�سل�سلة جي ًال بعد جيل ،مما يعطي داللة على قدم مهنة ال��راوي �إذا �صح ت�سميتها باملهنة. �صحيح �أن��ه يتم يف بع�ض الق�ص�ص الزيادة واملبالغة ،فتتحول تلك املواقف �إىل ما ي�شبه الأ�ساطري والأحداث اخلارقة للمعقول .وبرغم
كتب التاريخ حتفل بالأحداث واملواقف على مر الأزمان ،وبرغم هذا يجد الإن�سان �أن هناك فجوات زمنية طويلة يف عمر الإن�سانية من دون تدوين بل من دون ذكر ،ويعترب بع�ض العلماء �أن اجلزء الأكرب والأطول من عمر الإن�سانية بقي جمهو ًال ومل يتم فيه تدوين �أي �أحداث وق�ص�ص ،وهم ي�شريون �إىل احلقبة التي عا�ش فيها الإن�سان من دون الكتابة واحلديث «املخاطبة» ،وهو ما �أ�شار �إليه الدكتور حممد ماهر حمادة ،يف م�ؤلفه البحثي القيم :الكتاب يف العامل ،عندما قال« :يعترب اخرتاع الكتابة احلد الفا�صل بني عهدين ،عهد ما قبل التاريخ ،والعهد التاريخي ،مبعنى ميز العلماء وامل�ؤرخون يف تاريخ الإن�سانية املد َّون بني عهدين العهد الذي مل ت�صلنا �سجالت مكتوبة عنه ،وهو ع�صر طويل موغل يف القدم ،وت�صلنا املعلومات عنه من البقايا املادية ل�شعوب تلك الفرتة ،والعهد التاريخي الذي يبد�أ كما هو متعارف عليه ن�سبياً يف �أوائل الألف الثالثة قبل امليالد ،الذي بد�أت ت�صلنا �سجالت مكتوبة ا�ستطعنا التعرف بوا�سطتها على حياة تلك ال�شعوب». ه��ذا ال�ع�ي��ب اخل�ط�ير ف ��إن��ه مت اال�ستئنا�س ببع�ض تلك احلكايات لفهم بع�ض املواقف �أو العادات لدى بع�ض ال�شعوب املنعزلة �أو البعيدة عن وهج احل�ضارة. لذا ف�إن الراوي ،وما يعرف بالتاريخ ال�شفاهي بد�أ مع بداية الإن�سان وا�ستمر حتى يومنا هذا، فبمجرد �أن تعلم الإن�سان الكالم ف�إنه يتعلم �سرد امل��واق��ف والأح ��داث وينقلها للآخرين لت�ستمر خالدة يف الذاكرة املحكية. البع�ض من امل�ؤرخني يرجع بداية ظهور التاريخ ال�شفاهي يف الغرب خ�لال منت�صف القرن املا�ضي� ،إال �أنه كما �سيت�ضح معنا ،ف�إن التاريخ ال�شفاهي ��ض��ارب العمق يف ت��اري��خ االن�سان كما �أنه يعترب حبكة وو�صفة عربية بامتياز ال مثيل لها يف �أي �أمة من �أمم الأر���ض ،ويكفي �أن نلقي نظرة على م�سرية ال�شعوب العربية
�سواء يف ما كان يعرف بالع�صر اجلاهلي حتى ع�صر الإ� �س�لام ،وم��ا ج��اء بعد تلك احلقبة من قيام دول متتابعة مثل الأموية والعبا�سية وغريهما ،فالعربي اعتمد كلي ًا على امل�شافهة يف كل �ش�ؤون حياته ،بل كان يعرف �أن الذين يقر�ؤون ويكتبون كانوا يعدون على �أ�صابع اليد الواحدة ،وكان العرب يعتمدون على الذاكرة يف حفظ الق�صائد العربية ويكفي �أن ن�شري �إىل �أن املعلقات مل حتفظ على الورق �إمنا يف الذاكرة ،وبالتايل ف��إن الق�ص�ص �أو و�صف احل��روب وامل �ع��ارك �أو حتى و�صف البلدان وال��دي��ار ،مت نقلها لنا وف��ق ما يعرف اليوم ب��ال�ت��اري��خ ال�شفاهي – ال� ��راوي -وق��د قال امل ��ؤرخ ثاد�سيتون يف �سياق تعريفه للتاريخ ال���ش�ف��وي�« :إن ��ه ذك��ري��ات وت��ذك��رات �أن��ا���س �أحياء حول ما�ضيهم» .وهذا التعريف رغم
اخت�صاره �إال �أنه مبا�شر ووا�ضح. البع�ض يرى �أن هناك م�آخذ على رواة التاريخ ال�شفاهي ،من هذه امل�آخذ �أن ال��راوي الذي ي�سرد احلدث دائم ًا ي�ضيف �آرا�ؤه اخلا�صة، ووج��ه��ات ن �ظ��ره يف احل ��دث الأ� �س��ا� �س��ي بل يذهب البع�ض بتعظيم �أنف�سهم �أو املقربني منهم ،وحتى اليوم هناك معركة بني التاريخ ال�شفاهي والتاريخ املتعارف عليه علمي ًا – التقليدي – و�إن كان التاريخ ال�شفاهي ومنذ �سنوات يحقق �إجن��ازات وم�ساحات �أكرب من القبول والرتحيب ،ه��ذه املعركة �أو الرف�ض �صح امل�ستمر م��ن ال�ت��اري��خ «التقليدي �إذا َّ التعبري» له ما يربره ،فكما �سبق وذكرنا �آنفاً املخاوف من عدم �صحة ودقة املعلومات التي يتم نقلها لنا بوا�سطة التاريخ ال�شفاهي ،لكننا �أي�ض ًا ال ميكن �أن نغفل الدور الكبري واخلطري ال��ذي ق��ام به ه��ذا العلم يف نقل الكثري من �إرثنا احل�ضاري واملعريف على الأق��ل منذ ما يقارب �ألف وخم�س مائة عام ،لذا ف�إن رف�ض هذا النوع من التاريخ هو رف�ض لإرث غني باملعلومات والأف �ك��ار والأح ��داث والق�ص�ص العظيمة ،يجب �أن ن�ك��ون ح��ذري��ن يف هذا ال�سياق متام ًا ،والذي �أريد �أن �أ�صل له �أن هذا النوع من التاريخ «امل�شافهة» �أخذ به كث ٌري من علماء التاريخ منذ زمن طويل جد ًا ولعل من �أهمهم امل ��ؤرخ اليوناين ه�يرودوت «عا�ش يف القرن اخلام�س قبل امليالد» والذي �أطلق عليه �أبو التاريخ ،حر�ص على جمع الق�ص�ص حول وتفح�ص الآثار يف جوالته ورحالته، املا�ضي َّ ح�ين ك��ان يقابل ال�ن��ا���س وي���د ّون ق�ص�صهم وذكرياتهم عن بع�ض الأحداث التي وقعت. لقد نقل لنا هذا العامل زخم ًا �إن�ساني ًا عظيماً بف�ضل اتباعه لهذه الطريقة يف التدوين، رغ��م �أن هناك من يقول �إن كتاباته تفتقر �إىل امل�صداقية لأنه كان يد ِّون من دون حت ِّري الدقة ،وعند النظر ملجلداته يف كتابة التاريخ وحمتوياتها ن��درك مت��ام� ًا مل��اذا �أط�ل��ق عليه م�سمى �أبو التاريخ ،وهو لقب ا�ستحقه بجدارة. �إن التاريخ ال�شفاهي ب��ات ثقافة وعلم ًا له �أ�س�س وطرق وبات يدر�س تخ�ص�ص ًا م�ستق ًال يف اجل��ام�ع��ات ال�ع��ري�ق��ة ،الأم ��ر ال ��ذي جعل
اهتمامنا ك�ب�ير ًا ب��ه يف الإم� ��ارات .وبدعمه والعمل على تطويره� ،سنحقق املزيد ،و�شواهد هذا االهتمام وجود قطاعات حكومية �أخذت على عاتقها العمل ليكون هذا املجال م� َّؤ�س�سي ًا. التاريخ ال�شفاهي ،ي�صح �أن نقول عنه �إننا نقوم بتجديده و�إع ��ادة خلقه وبعثه يف ثوب جديد ليتواكب مع روح الع�صر وتطوره ،وكم هو جميل �أن يكون الإن�سان العادي هو امل�ؤرخ وهو الذي ينقل الق�ص�ص للأجيال القادمة ومن دون �شك �إنه تاريخ من الإن�سان للإن�سان. وبف�ضل عنايتنا واهتمامنا بهذا العلم يتم توثيقه بحفظه بالو�سائط املتعددة ال�صوتية واملرئية ،فالذاكرة ال�شعبية متوهِّ جة وحتوي كثري ًا من تفا�صيل ال�شعوب ولها جوانب كثرية تزيح العتمة عن �أي زمن ،لأنها ت�أتي من �أنا�س �أحياء ي�سردون ما عا�صروه من �شخ�صيات �أو �أحداث� .إننا يف �سبيل دعم هذا الراوي ،قمنا بافتتاح املعار�ض وعمل اللوحات الت�شكيلية ال�تراث�ي��ة وعر�ضنا الأدوات القدمية التي ا�ستخدمت يف الزراعة وغريها ،بل و�سلطنا ال���ض��وء على �أط �ب��اء الأح �ي��اء ال�شعبيني – ف���ض� ً لا ع��ن ال �ع��رو���ض ال���ش�ع�ب�ي��ة ،وت��راث�ن��ا ب�ح�م��داهلل ،متنوع ت�ن��وع بيئتنا حيث جند �صناعة ال�سفن ،خا�صة �صناعة �سفن ال�صيد والغو�ص والأ�سفار وكانت ت�شكل �أهم جوانب امل� ��ردود امل� ��ادي ،وم��ن خ�ل�ال ه��ذه املهنة عرفنا الكثري من الرواة �سواء �أولئك الذين نقلوا لنا مراحل الغو�ص و�أهازيج الغو�ص وغ�يره� ،أو ال��رواة الذين نقلوا لنا معارك الآب ��اء والأج���داد م��ع ال�صحراء ،واجلمل �صديق الإن�سان الويف ،والت�صاق الإن�سان يف تلك احلقبة بهذا احليوان الغريب ،وهذه امل�سرية من املنافع املتبادلة بني الإن�سان الذي �سكن ال�صحراء واجلمل ،الذي وهبه اهلل ال �ق��درة على حتمل العط�ش وامل�سري لأ�شهر يف جماهل ال�صحراء القا�سية. يف الإم��ارات جتد �أي��ام ال��راوي التي انطلقت منذ اثني ع�شر عام ًا ،ور َّكزت على االهتمام ب��اجل��ان��ب العلمي وال�ب�ح�ث��ي ل�ه��ذا ال�ع�ل��م – التاريخ ال�شفهي – بل وحدث تطوير ملناهج البحث العلمي ،وهناك حر�ص على جعل هذا
العلم ذا منهجية علمية معرتف ًا بها ،كما بينته الدكتورة ن�سيمة بو�صالح ،عندما قالت« :جل ما يفعله امل�شتغلون يف الرتاث مبختلف البلدان العربية هو تهيئة الأر�ضية املنا�سبة للدخول �إىل عامل البحث الرتاثي العلمي القائم على �أ�س�س منهجية وا��ض�ح��ة ،فالبع�ض يرف�ض التعامل مع مناهج البحث الغربية على اعتبار �أنها غريبة وال تت�سق وواقع الثقافة العربية». لذا ف�إن جناح م�شروع الراوي ،هو يف احلقيقة جناح لت�أ�سي�س مثل هذا التوجه العلمي ،فبعد �أك�ثر م��ن عقد م��ن ال��زم��ن مت ت�أ�سي�س جيل من ال��رواة يتم تدوين رواياتهم من ق�ص�ص وح�ك��اي��ا و�أح� ��داث ،ومت ت�شجيع الكثري من ال��رواة كبار ال�سن للحديث وحفظ مدونات لكل ما قالوه يف رواياتهم ،وه��ذا نهج علمي وا�ضح يف احلفظ والتدوين ،وحفظ امل�صدر وكافة املعلومات التي تبني مرجع املعلومة. وهذه املنا�سبة -يوم الراوي – �أتت هذا العام، وقد حملت يف طياتها جملة من الق�ضايا واملوا�ضيع اجلديرة باملناق�شة والبحث ،لعل �أولها و�أكرثها �أهمية هي ريادة الإم��ارات يف االحتفاء بهذا املجال الإن�ساين ،ومنحه ك��ل ه��ذه العناية وااله�ت�م��ام .فهذا العام هو الثاين ع�شر منذ �أن �أعلن عن انطالق فعاليات ي��وم ال���راوي ،وخ�لال ال�سنوات ال �ث �م��اين يف ذاك� ��رة االن �� �س��ان ح�ق��ق ه��ذا اليوم الكثري من الفوائد ،يف جمال حفظ تاريخ بالدنا العزيزة ،و�صون تراثنا من االندثار وال�ضياع يف �أتون الزمن .لعل من �أو�ضح معامل هذا النجاح هو نهج دول يف املنطقة ،وخارج املنطقة لنف�س هذا اخلط، و�أخ��ذ التجربة الإماراتية والبناء عليها، بل �إن بع�ض ال��دول قامت بن�سخ التجربة الإم��ارات �ي��ة بالكامل م��ع تغيري طفيف يف بع�ض اجلزئيات اجلانبية ،وكما ذك��رت ف ��إن يف ذل��ك دالل��ة على جناحنا يف هذا املجال ،و�سالمة الطريق الذي ن�سلكه .من الفوائد اجلميلة والرائعة لهذه املنا�سبة �أنها تكرمي ووف��اء للرواة والإخباريني بل واحل��رف �ي�ين ،وحلملة ال�ت��اري��خ ال�شفاهي ولكل من دعم و�ساند
مجلس العلوم 120 الـعــــدد 158 دي�سمرب 2012
علماء الفلك يكتشفون األصول القديمة للضوء
�إعداد -حنان �شافعي يعود ال�ضوء الذي ميلأ الكون �إىل النجوم القدمية هذا ما �أكده علماء الفلك .ورغم بعد م�سافاتها ت�ستمد املجرات �شديدة الإ�ضاءة وهجها من �أ�شعة جاما املنبعثة عن الفوتونات املحرتقة .وال يقت�صر ذلك على على الفوتونات القدمية فقط بل ينطبق على فوتونات �أي جنم قد يظهر يف مدار تلك املجرات بحيث يتم اال�ستفادة من �ضوءه. و��س��وف ت�سهم درا� �س��ة �آث ��ار تلك النجوم يف الك�شف عن مزيد من املعلومات حول ال�سنوات الأوىل من عمر الكون وكذلك �سكانه الأوائل حيث يواجه علماء الفلك �صعوبات �شديدة التعقيد يف جمع املعلومات ب�ه��ذا ال�صدد. ويعتقد العلماء الآن �أن هذه النجوم قد بد�أت إ���ض��اءة الكون منذ ح��وايل 13.7بليون �سنة �أي بعد ما يقرب من 400مليون �سنة ،بعد الإن�ف�ج��ار ال�ك��وين الأ��ض�خ��م .ولعله م��ن غري
ال�صحيح �أن ي�ت��م الف�صل ب�ين �أي جنم ي�ضئ يف الكون وحزمة الأ��ض��واء املنبعثة من �أج�سام �أخرى .فالغبار و�أ�ضواء النجوم املرئية وكل املواد املتوهجة يف الكون ت�أتي من ثقوب �سوداء �ضخمة تدور يف النهاية ح��ول بع�ضها البع�ض وتندرج �أ�سا�س ًا من جنوم بدائية. وي�ستخدم علماء الفلك �آل��ة ك�سر ال�ضوء (ب�لازر) لتحويل ال�ضوء �إىل �إليكرتونات
ميكن قيا�سها ومعرفة م�ستوياتها املختلفة وب��ال �ت��ايل ال�ك���ش��ف ع��ن ن���س�ب��ة م�ساهمة النجوم القدمية فيها .يقول العلماء �أنهم ا�ستخدموا 150ب�لازر ملتابعة الفوتونات الأوىل واكت�شاف �ضوءها من بني الأ�ضواء الكونية احلالية ،وال يزال العلماء يتابعون تكوينات ال�ضوء باجلهاز ذات��ه لكن على م���س��اف��ات �أب �ع��د وم��ن ث��م ميكنهم �إرج ��اع م�صدر ال�ضوء �إىل ع�صور �أقدم
الشفرات الحجرية .. أسلحة اإلنسان في الماضي
يف درا��س��ة حديثة ق��ال الباحث بجامعة كيب تاون يف جنوب �إفريقيا كيل براون، �إنه مت العثور على �شفرات حجرية قدمية يف كهف يف جبل بوينت بقارة �إفريقيا، يتوقع �أنها كانت ت�ستخدم مبثابة �أ�سلحة يدافع بها ال�سكان الأوائ��ل للمنطقة عن �أنف�سهم .وقد ذهب ب��راون وفريقه �إىل تلك النتيجة انطالقا من �شكل ال�شفرات امل �ع��دة مب �ث��اب��ة �أ� �س �ه��م رم��اي��ة منمقة،
ح�ي��ث ع��رف الإن �� �س��ان م �ه��ارة ال��رم��اي��ة منذ � 71أل��ف ع��ام على الأق ��ل .وتتكون تلك ال�شفرات ال�صغرية من �أح��د �أن��واع احلجارة الطفلية ،التي يتوقع العلماء �أنها تعر�ضت �إىل احلرارة كي ي�سهل ت�شكيلها كما ي�شاء امل�ح��ارب ،خ�صو�ص ًا احل��واف احلادة ،فيما ظهرت �آثار ملقاب�ض خ�شبية ت�ستخدم كنبلة �أو قو�س لإط�لاق ال�سهم �أو ال �� �ش �ف��رة .ووج ��د ال �ب��اح �ث��ون �أم��اك��ن
االحتفاظ بالأ�سهم داخل الكهف والتي يرجع تاريخها �إىل � 11ألف عام .وفيما ي�شري ذل��ك �إىل ن�ضوج وع��ي الب�شر يف ه��ذه امل��رح�ل��ة ال��ذي �أه�ل�ه��م ل�صنع مثل تلك الأ�سلحة ،ي�ؤكد العلماء �أن الأمر مل يتم عرب مرحلة زمنية واح��دة بل امتد عرب ع�صور و�أجيال خمتلفة مما يعك�س م�ستوى العمق ال��ذي ك��ان عليه تفكري الب�شر يف �أزمنة بعيدة
مجلس العلوم 122 الـعــــدد 158 دي�سمرب 2012
فاق كل التوقعات ارتفاع منسوب البحر ينذر بالخطر !! ق����ال �أ����س���ت���اذ اجل��ي��ول��وج��ي��ا ب��ج��ام��ع��ة ك��ل��ورادو ويليام ه��اي� ،إن��ه م��ن املتوقع �أن ي��رت��ف��ع م��ن�����س��وب ال��ب��ح��ار مب��ع��دالت �أعلى مما م�ضى ،وذلك ب�سبب ان�صهار الثلوج امل��ت��واج��دة يف ق��ارة انتاركتيكا وج��ري��ن�لان��د (وه���ي ج���زء م��ن مملكة الدمنارك) .وي�شري هاي �إىل �أنه ينبغي �أن ي�أخذ املتخ�ص�صون هذه النتائج يف الإع��ت��ب��ار ن��ظ��ر ًا لأهميتها وخ��ط��ورة ما ميكن �أن يرتتب عليها. وي��ت��وق��ع ال��ع��ل��م��اء �أن ي�ترف��ع من�سوب البحار عاملي ًا مبعدل � 15سم �أعلى من القرن املا�ضي وتو�ضح البيانات املتاحة �أنه �سيوا�صل ارتفاعه حتى عام 2100 لي�صل �إىل 1مرت ،بل رمبا يذهب بع�ض العلماء ملن�سوب �أعلى من ذل��ك ،فيما
ر�أي العلماء بنا ًء على التقارير املناخية لعام � 2007أن االرتفاع �سي�صل � 0.2إىل 0.6من املرت يف الفرتة عينها .ويعلق الباحث يف جامعة بن�سلفانيا بينيامني ه���ورت���ون ع��ل��ى ذل���ك ق���ائ� ً ل�ا :ال ميكن التعويل على تقارير ع��ام 2007لأنها مل ت�أخذ يف احل�سبان ان�صهار القارة الثلجية ومنطقة جرينالند� ،إذ مل تكن املعلومات اخلا�صة بهم متوفرة �آنذاك، وب��ال��ت��ايل ف����إن���ه ي��ت��ف��ق م���ع ال��ت��وق��ع��ات احلديثة للعلماء ،الفت ًا �إىل �أن ال�س�ؤال الأ���ص��ع��ب ح��ال��ي � ًا ه���و :م��ت��ى �سيحدث ذلك؟. ول�ل�إج��اب��ة ع��ل��ى ه���ذا ال�����س ��ؤال يجمع ال��ع��ل��م��اء ع��ل��ى ����ض���رورة الإ���س��ت��ع��داد للتوقعات اجل��دي��دة ويف ال��وق��ت نف�سه
ال��ت��ع��ام��ل م��ع��ه��ا ب��واق��ع��ي��ة ،ح��ي��ث تكرث االح��ت��م��االت ال��ت��ي ت�����س�ير م��ن خاللها النتائج .فمث ً ال قد تعمل املياه الناجمة ع��ن ان�صهار الثلوج على �إزاح���ة مياه املحيطات الباردة و�إح�لال مياه دافئة حم��ل��ه��ا وه���و م��ا ال ي��ن��ج��م ع��ن��ه زي���ادة من�سوب البحار كما يتوقع .ومن ناحية �أخ����رى ع��ن��دم��ا ت��ن�����ص��ه��ر ال��ث��ل��وج ف ��إن املناطق املظلمة �سوف تتعر�ض لأ�شعة ال�شم�س ،وبالتايل تتبخر وتعمل على تدفئة اجل��و ب���د ًال مم��ا تنعك�س وتعود مرة �أخرى كما يحدث من قبل اجلليد. وبنا ًء على تلك التوقعات ميكن التقليل م��ن خم���اوف ارت��ف��اع من�سوب البحار بح�سب عامل اجليولوجيا الأمريكي
المطر.. وحضارة المايا ه��ذا م��ا ك�شفته درا��س��ة حديثة ع��ن ح�ضارة امل��اي��ا وه ��ي ح �� �ض��ارة ملجتمع �ضخم ع��رف ب�أهراماته ال�ضخمة وتراثه الأدبي من الكتابة الهريوغليفية ،حيث ن���ش��أت يف زم��ن �شهد هطوال كثيف ًا وغري اعتيادي ًا للمطر ،ثم �أخذت يف ال�سقوط تدريجي ًا بجفاف ال�سماء .جاء ذل��ك يف تقرير مناخي لـ 2000ع��ام م�ضت، اعتمد فيه على ال�صواعد الناتئة يف كهف (بليز) وهو ما يك�شف دور التغري املناخي يف حتديد م�صائر احل�ضارات القدمية بح�سب عامل الأنرثوبولوجي دوجال�س كينيت املنتمي �إىل جامعة بني �ستيت يف الواليات املتحدة. ي�ؤكد كينيت وفريقه العلمي �أن هطول الأمطار القوي كان العامل الأهم يف اذدهار الزراعة
وم��ن ثم بناء الدولة يف الفرتة الزمنية من � 440إىل 660ومنذ هذا العام بد�أت الأمطار يف اجلفاف ،وتالي ًا حما�صيل احلبوب وهو ما �أثر على الرخاء الإقت�صادي الذي عم الواليات يف م��دن امل��اي��ا ،وكذلك مراكز �صنع القرار ال�سيا�سي .و�أخذ النظام ال�سيا�سي للمايا ينهار يف الفرتة من � 800إىل 1000فيما و�صل هذا االنهيار ي�صاحبه اجلفاف ال�شديد �إىل جنوبي بيلز يف الفرتة � 1020إىل ،1100ما دفع ما تبقى من �شعب املايا �إىل هجر املنطقة. ويقول كينيت يبدو �أن �شعب املايا ركن للو�ضع القائم بهطول املطر وتخيلوا �أن احلال �سوف ي�ستمر كذلك �إىل الأب��د وه��و م��ا مل يحدث بالطبع ،م�شري ًا �إىل التحليالت والأب�ح��اث
التي قام بها فريقه على ال�صواعد الناتئة يف كهف ب�لاوم منذ ع��ام 40قبل امليالد وحتى عام 2006بعد امليالد ،حيث مت قيا�س كمية املطر التي �سقطت عرب التكوينات ال�صخرية امل�تراك �م��ة وك�م�ي��ة الأك���س�ج�ين امل��وج��ودة يف الكهف. ويقع كهف بالوم بالقرب من املواقع الرئي�سة ل�شعوب امل��اي��ا ،حيث ك��ان��ت ت�ستقر امل��واق��ع ال�سيا�سية وم�ؤ�س�سات الدولة �آن��ذاك وهو ما تو�صل �إليه العلماء من خالل مقارنة بيانات امل�ن��اخ املتوفرة تاريخي ًا ،ف� ً ضال ع��ن حتليل الرتاكمات ال�صخرية املوجودة والباقية من ح�ضارة �شعب املايا التي كانت مذدهرة يف املكان نف�سه يوما ما
املخ ..واحلب من �أول نظرة �إذا وقعت يف احلب من �أول نظرة فاعلم �أن املوقف ال يتعلق فقط بامل�شاعر .ه��ذا ما ي��ؤك��ده العلماء يف درا��س��ة حديثة تو�ضح �أن مخ الإن�سان يقوم بعدة عمليات معقدة و�سريعة، يف الوقت ذاته مبجرد �أن ي�شعر الإن�سان باجنذاب ما نحو الطرف ا ألخ��ر .وت�ؤكد الدرا�سة �أنه بح�سب قوة الإ�شارات التي ت�أتي من املخ يف مثل هذه املواقف يكون رد الفعل �أو بالأحرى تكون �سرعة �أو بطء معدالت االجن��ذاب «احلب من �أول نظرة» .وت�شري الدرا�سة �إىل حقيقة الكيفية التي يتم من خاللها تقييم النا�س بع�ضهم البع�ض وهي «عملية تتم ب�سرعة ال�ضوء» كما تقول دانييال �شيلر �أ�ستاذ علم الأع�صاب بكلية طب نيويورك .ويف �إط��ار الأب�ح��اث حول املو�ضوع ذاته قام فريق من العلماء على ر�أ�سهم رجيفري كوبر ،بعمل م�سح �ضوئي ملخ �أحد املتطوعني بينما كان ينظر يف �صورة حبيب حمتمل .ورمبا يكون من ال�صعب حتديد
�أب�ع��اد البحث اعتمادا على ال�صورة فقط ،لكن الباحثني حاولوا ا�ستقطاب مزيد من املتطوعني فكانت النتيجة �أن 1 من بني كل 4وقعوا يف حب الطرف الآخر من خالل ال�صورة الفوتوغرافية .و�شمل البحث اجلانبني العملي والنظري، حيث مت فح�ص عدد من املتطوعني بعد مرورهم مبوقف الإعجاب �أو احلب ال�سريع يف الواقع ،وذلك ملعرفة طريقة عمل املخ الب�شري يف عملية �صنع �أو اتخاذ القرار يف احلب. النتيجة بعد �إجراء الت�صوير ال�ضوئي للمخ عك�ست نتيجة رمب��ا �أك�ث�ر دق��ة ح��ول الأج ��زاء امل���س��ؤول��ة يف امل��خ ع��ن ق��رار احلب �أو التوا�صل الغرامي .فمث ً ال تعمل املنطقة الأمامية «اجلبهة من املخ» والتي تعلو العينني ،على �إر�سال �إ�شارات حول ما �إذا كان هذا ال�شخ�ص ميكن �أن تكون بينك وبينه عالقة طويلة �أم ق�صرية الأمد وذلك بح�سب قوة الإ�شارات ال�صادرة عن املخ .
حكايات من الذاكرة 124 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
�إح�سان عبد القدو�س
بين االغتيال السياسي والشغب الجنسي!! القاهرة -ه�شام علي مل يحريين كاتب يف حياتي كما حريين �إح�سان عبد القدو�س ،ب�سببه كانت حتدث يف بيتنا م�شاجرة �أ�سبوعية ،فوالدي كان ي�صر على االحتفاظ مبجلة «روز اليو�سف» معه من �أجل �أن يقر�أ مقال �إح�سان الأ�سبوعي «على مقهى يف ال�شارع ال�سيا�سي» يف حني تريد �أمي ا�ستكمال ف�صول �إحدى رواياته التي كان ين�شرها م�سل�سلة على �صفحات املجلة ،ويف امل�ساء يجتمعا �سوياً �إىل جوار «الراديو» لي�ستمعان �إىل برناجمه الإذاعي وهو يختمه بعبارته ال�شهرية «ت�صبحوا على خري ..ت�صبحوا على حب». ل�ق��د خ�ل��ط ال�ك�ث�ير م��ن ق���راء �إح �� �س��ان عبد القدو�س بني ما يقدمه يف رواياته وبني حياته ال�شخ�صية ،لدرجة �أن بع�ضهم متادى يف خياله وتخيل �إح�سان يف حياته اخلا�صة ،هو خليط من �أبطال رواياته� :سك ً ريا ،عربيد ًا ،م�ستهرت ًا، مت�سيب ًا يف بيته ،لكن املفاج�أة التي كانت يف انتظارنا القراء واملعجبني واملهتمني مب�سرية هذا الكاتب الكبري� ،أن �إح�سان عبد القدو�س، ك��ان يف بيته حم��اف�ظ� ًا ،فلم ي�سمح لزوجته «لوال املهيلمي» ،بالظهور يف برامج تلفزيونية، �أو �إج ��راء م�ق��اب�لات �صحفية� ،أو م�شاركته احل �ف�لات ال�ت��ي ك��ان ي�ضطر �إىل ح�ضورها بحكم منا�صبه العديدة� ،سواء رئا�سة التحرير لكربيات ال�صحف واملجالت� ،أو حفالت افتتاح �أفالمه. يكفي ما حدث بينه وبني ابنه املهند�س �أحمد عبد ال�ق��دو���س ،ال��ذي ت��زوج ��س��ر ًا م��ن جنمة �سينمائية �شهرية ،وعندما علم �إح�سان بهذا الزواج ،تدخل بقوة حتى متكن من �إنهاء هذه الزيجة ،وف��ور ًا �أر�سل �أحمد �إىل �أمريكا من �أجل ا�ستكمال درا�سة الهند�سة ،رغم �أن موقفه م��ن زواج ابنه م��ن املمثلة ،و�ضعه يف م ��أزق
حقيقي �أمام قرائه والو�سط ال�سينمائي الذي يتعاون معه عن طريق �شراء ق�ص�صه وروايته وحتويلها �إىل �أعمال �سينمائية .وبد�أت ُتطرح حوله الأ�سئلة ال�ساخنة يف جل�سات النميمة اخلا�صة ،من نوعية االزدواج الذي يعانيه يف �شخ�صيته ،يكتب رواية «�أنا حرة» ومينع زوجته من الظهور يف �أجهزة الإعالم!! يتفاخر بعمل والدته «روز اليو�سف» يف الفن، ويرف�ض زواج ابنه من ممثلة! مفتاح فك �شفرات و�ألغاز �إح�سان �سنح�صل عليه م��ن �إح���س��ان نف�سه ،حيث �سنجده يف جمموعة حواراته الرائعة مع الأ�ستاذ حممود ف��وزي التي �ضمها يف كتاب بعنوان «�إح�سان عبد القدو�س بني االغتيال ال�سيا�سي وال�شغب اجلن�سي» يقول الأ�ستاذ �إح�سان�« :أعترب �أن �أ�سا�س م�س�ؤولية �أي امر�أة هو البيت والأوالد، وه��ذا ينطبق ب��ال��درج��ة الأوىل على حياتي، فلوال زوجتي ما كنت �أ�ستطيع حتقيق الأ�سرة واال��س�ت�ق��رار وال�ن�ج��اح لأن�ه��ا متفرغة للبيت وتربية الأوالد ،وه��ذا ما جعلني ال �أمتنى يف حياتي �أن �أت��زوج من �أي ام��ر�أة تعمل! ..من البداية �أدرك��ت �أن م�س�ؤولية امل��ر�أة عن البيت
هي م�س�ؤولية خطرية». وي�ستكمل �إح�سان �إجاباته ونتوقف هنا �أمام مل��اذا رف�ض زواج ابنه م��ن املمثلة؟ ..يقول: «مل يكن الرف�ض متعلق ًا ب�شخ�صية املمثلة على العك�س ف�أنا �أُكنُّ لها كل االحرتام ،لكن مل يكن من املمكن �أن �أواف��ق على زواج �أبنائي قبل ح�صولهم على �شهاداتهم اجلامعية ،كان ر�أيي وا�ضح ًا وحمدد ًا و�أنا �أعار�ض هذا الزواج ،لي�س قدم على �أي خطوة �إال بعد من حق �أحمد �أن ُي ِ ً االنتهاء من درا�سته ،يتوجب عليه �أوال حتديد �شخ�صيته ومن ثم ي�صبح حر ًا فيما ي��راه� ،أو يختاره». وكثري مم��ن لفقوا احل�ك��اي��ات الوهمية حول �إح���س��ان يف حياته اخل��ا��ص��ة ،تنا�سوا ت�أثري ن�ش�أته الأوىل يف بيت ج��ده يف �أح��د �أح�ي��اء القاهرة العريقة املحكومة بالعادات والتقاليد ال�صارمة ،وهو حي العبا�سية. ولأن �إح�سان ال ميكن اخت�صاره يف الروائي �أو القا�ص �أو اب��ن «ال�ست» الب��د �أن نقرتب �أكرث من �شخ�صية �إح�سان ال�سيا�سي ،عندما ذهب ال��رئ�ي����س ال �� �س��ادات �إىل �صديقه ال�صحفي �إح�سان عبد القدو�س بعد �أن تعر�ض للف�صل
من اجلي�ش امل�صري ب�سبب تورطه يف العمل ال�سيا�سي ،طالب ًا منه التو�سط عند والدته ال�سيدة فاطمة اليو�سف حتى تقبل �أن تعينه �صحفي ًا يف «روز اليو�سف» ،لكنها رف�ضت من منطلق ح�ساباتها ال�سيا�سية يف عدم ا�ستفزاز الق�صر امللكي الذي كان غا�ضب ًا على ال�سادات ب�سبب ا�شرتاكه يف ق�ضية اغتيال �أمني با�شا عثمان. لكن �إح�سان مل يتخل عن �صديقه ال�سادات يف هذا املوقف الع�صيب وذهب معه �إىل �إميل زيدان� ،صاحب دار الهالل ،متو�سط ًا عنده �أن يعني ال�سادات ،لكن زيدان اعتذر له هو الآخر ب�سبب ال�ضائقة املالية التي مت��ر بها ال��دار يف ه��ذا ال��وق��ت ،وك��ان �إح�سان يكتب يف دار الهالل نظري �أجر 80جنيه ًا يف ال�شهر ،و�أمام الظروف املادية التي مير بها ال�سادات مل يجد �إح�سان بدي ًال �أمامه �إال عقد اتفاق �سري مع �صاحب دار الهالل ،ب�أن يقبل بتعيني ال�سادات يف املجلة حمرر ًا ومينحه ن�صف راتبه ،ب�شرط �أال يعلم ال���س��ادات حتى ال ي�شعر ب��الإه��ان��ة، ومت�ضي الأيام على ال�صديقني ،واحد ي�صبح ريا و�شه ً كاتب ًا كب ً ريا ،والآخ��ر ي�صري رئي�س اجل �م �ه��وري��ة ،ولأن ال���س�ي��ا��س��ة يف ك�ث�ير من الأحيان ال تعرتف بال�صداقة والعي�ش وامللح، �أ�صدر الرئي�س ال�سادات قرار ًا باعتقال حممد عبد ال �ق��دو���س ،جن��ل �صديقه �إح���س��ان عبد القدو�س ،ب�سبب معار�ضته لل�سادات .وح�سب كالم �إح�سان مع ال�صحفي حممود فوزي :كنت �أعلم �أن مكاملة تليفون واح��دة مني لل�سادات كفيلة ب��الإف��راج ع��ن اب�ن��ي ،ولكنني رف�ضت احرتام ًا لكربيائي ،كنت �أعلم �أنه ينتظر مني هذه املكاملة ،و�أذك��ر �أنه يف �أحد االجتماعات التي كان يخطب فيه ال�سادات وكنت مدعو ًا فيه بحكم من�صبي رئي�س حترير ،رف�ضت �أن �أجل�س يف مكاين يف مواجهته حتى ال يدور بيننا حوار يف هذا املو�ضوع ،لكن ال�سادات تعمد بعد انتهائه من خطبته �أن يالحقني من الباب اخللفي حتي نلتقي وجه ًا لوجه ،ويقول يل: «حممد طالع ثوري زي �أبوه يا �إح�سان» � ..أجبته و�أنا �أ�ضحك« :وليه م�ش زي عمه! م�ش �أنت عمه بر�ضه؟» وتركته يتكلم دون �أن �أحقق
له رغبته يف �أن ي�سمعني �أرجوه يف الإفراج عن ابني» .كنت �أح��اول �أن �أب��دوا متما�سك ًا �أمام زوجتي ،مدافع ًا عن اختيارات ابني ال�سيا�سية، حتى لو كانت متعار�ضة مع قناعاتي وتوجهاتي، ورغم هذا ،الأبوة كانت تهزمني يف حجرتي، فخلف الأبواب كنت �أبكي على ابني املوجود يف معتقالت �صديقي ال�سادات. �إذا كانت هذه حكاية �إح�سان مع ال�سادات ،فما حدث بينه وبني الرئي�س عبد النا�صر يدعوا �إىل الت�أمل ويعطي درو�س ًا مبا�شرة يف حتديد م�ستوى العالقة بني ال�صحفي والرئي�س حتى لو كان الرئي�س هو �صديق الأم�س ال��ذي كان يذهب يومي ًا �إىل ال�صحفي النجم �إح�سان عبد القدو�س يف مكتبه ليجل�س �إىل جواره ،وي�ستمع �إىل ن�صائحه يف الثورية والوطنية� ،أو مينحه كتب ًا من مكتبته اخلا�صة من �أج��ل �أن يقر�أه ويثقف نف�سه. ورغم هذا مت اعتقاله يف بداية الثورة مرتني، وم��ن املفارقات امل�ضحكة واملبكية يف الوقت نف�سه �أنه يف املرة الأويل خرج من ال�سجن �إىل منزل جمال عبد النا�صر مدعو ًا على الع�شاء.. وهنا �أت��رك الأ�ستاذ �إح�سان ي��روي تفا�صيل اللقاء بنف�سه ..يقول«:حني خرجت من ال�سجن دعاين عبد النا�صر �إىل زيارته يف منزله و�أثناء دخويل حجرة ال�سفرة للع�شاء قال يل على باب احلجرة قبل الدخول ،اتف�ضل يا �إح�سان فقلت ل��ه :العفو يا فندم اتف�ضل �سيادتك .فنظر �إ ّ يل عبد النا�صر منده�ش ًا ،قبل ال�سجن كنت
اناديه يا «جيمي» ف��إذا به يقول :جرى �إيه يا �إح�سان ..انت اتغريت نف�سي ًا ..قلت له :جرى يل كثري ق��وي! وم��ن يومها ظ��ل ي��دع��وين �إىل الع�شاء يف بيته ثم ن�شاهد �أفالم ًا �سينمائية كانت تعر�ض يف ملعب التن�س يف منزله من �أجل �أن ين�سيني ما حدث يل ..لكن مل �أ�ستطع �أن �أع��ود �إىل طبيعتي معه ،فقد �أ�صبح عبد النا�صر بالن�سبة يل حاكم ًا ولي�س �صديق ًا .. فمن يوم �أن دخلت الزنزانة فقدت الإح�سا�س بال�صداقة بيني وبني عبد النا�صر» .وبعيد ًا عن �إح�سان ال�سيا�سي وال��روائ��ي ..ظل �أكرث ما ك��ان يده�شني يف �إح�سان عبد القدو�س، رئي�س التحرير ،كيف كان يتعامل مع املارك�سي لطفي اخل��ويل ،وامل�شاغب حممود ال�سعدين، وال �ف �ن��ان ف�ت�ح��ي غ���امن ،وامل �ل �ح��د م�صطفى حم�م��ود ،والإ��س�لام��ي �سيد قطب ،وال�ساخر �صالح جاهني ،واملفكر �أحمد بهاء الدين، وال��روم��ان���س��ي �أح�م��د عبد املعطي ح�ج��ازي، والثوري �صالح حافظ. الإج��اب��ة �أتركها لأ�ستاذي ال�صحفي الكبري ل��وي����س ج��ري����س ال ��ذي ع�م��ل م�ع��ه ��س�ك��رت�ير ًا للتحرير واقرتب منه حلظة بلحظة وعا�ش �إىل جواره تفا�صيل �إدارة املجلة ..يقول جري�س: «�إح���س��ان ك��ان مثل قائد الأورك���س�ترا لفرقة مو�سيقية ك�برى ،يعلم قيمة ودور كل عازف يف فرقته ،عندما كنت �أدخ��ل عليه مكتبه، مبو�ضوعات املجلة ،كنت �أنده�ش من طريقته يف التعامل مع امل��ادة ال�صحفية ،فقد كان ال يهتم يف البداية بقراءة ا�سم كاتب املو�ضوع، فقط يركز ُجل اهتمامه باملو�ضوع ،ف�إذا القى ا�ستح�سانه ي�أمر بن�شره فور ًا ،فقط كان يتعامل مع الورق وال يعري �أهمية با�سم كاتب املو�ضوع، ف�ق��د ك��ان يعترب نف�سه وك �ي�ل ًا ع��ن ال �ق��راء، مفو�ض ًا منهم يف اختيار املادة ال�صاحلة للن�شر حتى لو كان خمتلف ًا يف ال��ر�أي مع كاتبها� ،أو خمتلف ًا مع م�ضمونها ،يكفي �أن��ه ك��ان يرتك كتابة االفتتاحية لل�شيخ �سيد قطب الإخواين، ويف �أ�سابيع �أخ��رى تذهب �إىل لطفي اخلويل املارك�سي ،واالث�ن��ان يعتنقان مذاهب فكرية هو نف�سه خمتلف عليها كلي ًا ،لكنه كان ال يقبل فكرة م�صادرة الر�أي الآخر»
موسيقا 126 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
تعددت الأ�سماء وال�سحر واحد
الصوت الشعبي في الخليج ال�شارقة -عبد اجلليل ال�سعد مل يحظ فن ب�أهمية خا�صة مثلما حظي ال�صوت ال�شعبي ،كما مل يغب فن كما حدث لل�صوت الذي �أ�صبح تراثاً حمفوظاً يف املكتبات املو�سيقية وت�سجيالت املهتمني ،بالرغم من �أهميته التاريخية وتنوع جذوره املو�سيقية و�أنواعه ورواده ومبدعيه. وقد غنى ال�صوت كل مطربي اخلليج العربي ،من دون ا�ستثناء ،وبنف�س الأحلان ونف�س الكلمات والأ�صوات التي غناها رواده مثل حممد بن فار�س و�ضاحي بن وليد كم�ؤ�س�سني ومبدعني ورواد لهذا الفن /ال�سحر يف تاريخ املو�سيقي العربية ،والذي ال زال ي�ؤدى كداللة لرقي الفن ورزانته و�أ�صوله الغارقة يف الإبداع والتنوع. تاريخ ال�صوت
ُعزف ال�صوت كما يقول التاريخ يف �صدر الإ�سالم ،و�أهم رواده �أبو�سعيد �إبراهيم، وال�ب�ردان ال��ذي �أخ��ذ ال�صوت من جميلة م��والة الأن���ص��ار ،والتي �أخ��ذ منها كذلك معبد واب��ن عائ�شة وحبابة وغريهم ،ثم حنني احل�ي�ري� ،سائب خ��اث��ر� ،سعيد بن م�سجح ،طوي�س ،عزة امليالء وابن حمرز. �أما الع�صر الأموي فقد ظهرت فيه حبابة، و�سالمة ،و�سياط ،وهو من قيل يف غنائه: ما �سمعت الغناء �إال �شجاين ،من �سياط وزاد يف و�سوا�سي .وك��ذل��ك اب��ن �سريح، ومعبد وغريهم الكثري. �أما الع�صر العبا�سي فخرج فيه �إبراهيم امل��و��ص�ل��ي� ،إب��راه �ي��م امل �ه��دي� ،أح �م��د بن
خالفات وح�سد بينه وبني ا�سحاق املو�صلي ال��ذي ه��دده مبغادرة بغداد حتى ال يكيد ل��ه ويقتله ،نقل معه �إىل ال �ق�يروان -ثم الأندل�س� -آالف الأ�صوات التي ا�ستقرت وانت�شرت بعدها يف الأندل�س.
يحي املكي ،ا�سحاق املو�صلي ،بذل ،حكم ال� ��وادي ،دن��ان�ير ،ذات اخل ��ال وغ�يره��م ال �ك �ث�ير مم��ن زخ� ��رت ب �ه��م �أي � ��ام ط��رب العبا�سيني بتاريخهم ال��زاخ��ر بالفنون والآداب. ويقال �إن علية بنت املهدي �أخ��ت ه��ارون الر�شيد حلنت �أك�ثر من � 73صوت ًا ،و�إن تعريف ال�صوت زرياب ،الذي زاد وتر ًا خام�س ًا للعود ،بعد يعرف ال�صوت ب�أنه لي�س �صوت الإن�سان �أو الآلة� ،إمنا هو حلن �أطلقت عليه الت�سمية حافظ الصوت في «ميلودي» ،ويقال �إن �أبو الفرج الأ�صفهاين جمع يف كتابه «الأغ��اين» كل أ�ن��واع الغناء الخليج على حضور ومنها ال�صوت. صارم وتقاليد ثابتة ال يختلف فيها مؤد عن آخر �أما من ذكر ال�صوت ب�إيقاعاته املو�سيقية ٍ املدونة ،فهو �صفي الدين الأرموي املتويف إال في صوت المطرب 1294م يف كتابه «الأدوار».
نفسهواستهالالته وعزفه
موسيقا 128 الـعــــدد 157 نوفمبر
2012
حممد فار�س
حممد زويد
ال�صوت الهندي
الأ�صفهاين �أن��واع ال�صوت مثل ال�صوت ال�ع��رب��ي وال���ص��وت ال��روم��اين «وال ��ذي مت حتريفه وحتويله اىل الرودماين» وال�صوت املاخوري «ال�صوت اخليايل»� ،أما بعد عبد اهلل ال�ف��رج وحممد ب��ن ف��ار���س فال�صوت ه��و ال�صوت العربي وال�صوت ال�شامي، و�أدخل حممد بن فار�س «1947 – 1895م» ال�صوت ال�شحري ،وهناك �صوت عربي ح �ج��ازي ،و� �ص��وت ع��رب��ي مي��اين ،و�صوت �صنعاين ،و�صوت حجازي رخيم ،و�صوت بحريني وغريها ،ويعترب ال�صوت العربي عو�ض الدوخي �أك�ثر الأ��ص��وات انت�شار ًا وقبو ًال لدى �أكرث مطربي اخلليج. ً اعتمد فن الصوت في ويف تف�صيليات �أكرث تعريفا ميكن القول �إن ال�صوت «املروبع» معتدل ال�سرعة ثماين أدائه على مجموعة أدوات موسيقية أشهرها الإيقاع ،ويقال ن�ش�أ يف الكويت ،وال�صوت «ال�شامي» مروبع �سريع ،وت�أتي ت�سميته من العود والمرواس وعادة �سوريا «ال�شام»� ،أما ال�صوت «ال�شحري» ما يكون أكثر من مرواس فبطيء الإيقاع �أو �سريع باعتدال ،وايقاعه يكون واحد منهم �سدا�سي �أو ثماين وم�صدر �أ�شعاره مدينة «مشربك» ليخرج من ��ش�ح��ر ب �ح �� �ض��رم��وت ال �ي �م��ن ،وال �� �ص��وت «ال�صنعاين» �سريع م�سرت�سل ذو ايقاعات رتابةاللحن ثمانية وتوا�شيحه كال�سيكية ف�صيحة بال�شرح ،وهو ال�صوت اخلليجي باختالف وتعتمد ق�صائده نظام الأب�ي��ات الثالثة، طفيف ال مي�س جوهر اللحن واللون. ويعترب ال�صوت «احلجازي» �أقلها �شيوع ًا وتداو ًال وهو ذو نغمة ثمانية �سريعة.
على بالروغة
وق��د انت�شر ف��ن ال�صوت يف ب�غ��داد حتى ه �ج��وم ال�ت�ت��ار يف ال �ق��رن ال���س��اب��ع حيث اختفى ومل يظهر بعدها �إال على يد عبد اهلل ال �ف��رج ،ال�ف�ن��ان وال�شاعر الكويتي املعروف «1901 – 1836م» ال��ذي عا�ش ودر���س املو�سيقى يف الهند ،وك��ان الفرج مثابر ًا على درا�سة املو�سيقى واال�ستماع ملناظرات الفنانني واملهاجرين اليمنيني يف الهند ،وق��د خ��رج ال�صوت اخلليجي م��ن ه��ذه ال��درا��س��ة واخل�ب�رة وال�ل�ق��اءات والبحوث املتعمقة. ال �� �س ��ؤال ال���ذي ي �ح �ت��اج �إىل م��زي��د من البحث ،هو هل يختلف �صوت عبد اهلل الفرج عن ال�صوت كما ذكره �أبو الفرج الأ� �ص �ف �ه��اين� ،أم ه�م��ا ن�ف����س ال���ص��وت، وه��ل �صوت الفرج ميني لت�أثره بال�شيخ علي بن هرهد� ،أم �أن ذل��ك ك��ان نتيجة للرحالت اليمنية �إىل ال�ك��وي��ت ،ون��زوح و�سكن الفنانني اليمنيني يف الكويت ،و�إىل �أي مدى ت�أثر ال�صوت اخلليجي باللحن الهندي ،يف بع�ض �أحلانه و�أ�صواته «مثل عبد اهلل ف�ضالة وحممود الكويتي» ،و�إن كان اللحن الهندي نادر ًا ومل يذكر �سوى يف �صوت «ملك الغرام عنانيا» من �شعر البهاء زهري. يذكر �أن ال�صوت اعتمد يف كلماته على �أنواع ال�صوت ال�شعر العربي والق�صائد احلمينية ،وهو يق�سم ال�صوت ملجموعة م��ن الأ� �ص��وات� ،آالت ال�صوت ما يف�سر ت�سمية فن ال�صوت يف اليمن منها ال�صوت اليماين وال�شامي ،وقد ذكر اعتمد فن ال�صوت يف �أدائه على جمموعة
�أدوات مو�سيقية هي �آل��ة العود واملروا�س وع��ادة ما يكون �أك�ثر من م��روا���س يكونواح� ��د ًا منهم «م���ش��رب��ك» �أي ي�خ��رج من رتابة اللحن ويتبعه الآخ��رون «املرو�سون» يف القفلة و�آل��ة الكمان -وع��ادة ما يكون عازف ًا واحد ًا قدمي ًا «يعترب �صالح الكويتي �أهم عازيف الكمان امل�صاحب لل�صوت يف اخلليج وه��و من �أ�صل عراقي كما يقال» والآن ميكن اال�ستعانة ب��أك�ثر م��ن واح��د، ثم ال�صفقة �أو امل�صفقون ،كما مت م�ؤخر ًا �إدخ��ال �آل��ة القانون لقرب وقعها و�صوتها من �آل��ة العود ،والزفان هي رق�صة تعرب عن الكر والفر ،وي�ؤديها �أكرث من راق�ص، وتعترب جزء ًا حيوي ًا من فن ال�صوت وي�سمي م��ؤدي�ه��ا ،وع��ادة م��ا يكونون اث�ن�ين ،زف��ان للمفرد وزفانة للجمع ،والزفانة ع��ادة ما يحيون فن ال�صوت بالكر والفر وحتريك الرقبة كالزمة �أداء مهمة لفن ال�صوت. خ��رج ال�صوت م��ن ع�ب��اءة الفنان حممد بن فار�س و�ضاحي بن وليد يف البحرين والذين �سار على نهجهم وحافظ على فن
ال�صوت حممد زويد،عبد العزيز بورقبه، يو�سف ف��وين ،علي خالد ،عبد اهلل �سامل بو�شيخة م��ن ال�ب�ح��ري��ن وع �ب��د اللطيف وحممود الكويتي ،عو�ض ال��دوخ��ي ،عبد اهلل ف�ضالة م��ن الكويت وم��ن الإم ��ارات علي بن روغ��ه ،جابر جا�سم ،حممد عبد
لحنت علية بنت المهدي أخت هارون الرشيد أكثر من 73صوت ًا ونقل زرياب معه حين فر من بغداد آالف األصوات التي انتشرت بعدها في األندلس
ال�سالم وجا�سم عبيد ،ومن قطر خريي ادري� �� ��س ،ورا�� �ش ��د ال �� �ص��وري م��ن ع�م��ان وحممد عبده من ال�سعودية والكثري من مطربي اخلليج على ال��رق�ع��ة اخلليجية من دون ا�ستثناء وبح�ضور �صارم وتقليد ثابت لل�صوت و�أحلانه الأ�صلية ال يختلف فيها �صوت عن �آخ��ر غري �صوت املطرب وا�ستهالالته وعزفه. ال�صوت عامل من الفن واملو�سيقي واحلركة وال �ت��اري��خ امل��و��س�ي�ق��ي ملنطقة اخل�ل�ي��ج يف ق�صائد واحلان ملأت تاريخ الفن بتعابري واحل��ان �أخ��ذت مداها ل�سنوات طويلة وال زالت م�ستمرة
فنون 130 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
�سر ال�صنعة مرياث تتناقله الأجيال
األيدي الماهرة..
حارسة التراث ومج ّددته د .حممود �شاهني ُت�ش ّكل احلِرف وال�صناعات اليدوية التقليدية ال�شعبية الأ�صلية ،وعلى امتداد ال�ساحة العاملية ،امتيازاً رفيعاً ،حتمله يف العادة �أ�سر معينة، �أو م�ؤ�س�سات معروفة ،يتناقله بالوراثة «ومبا ي�شبه النذر»�أفراد هذه الأ�سر �أو امل�ؤ�س�سات من دون غريها ،وبقدر ما ي�ضرب هذا الإرث يف املا�ضي الأبعد والأقرب لل�شعوب ،ميتد يف احلا�ضر ،وي�ست�شرف امل�ستقبل ،ما مل يتعر�ض لعملية اجتثاث �أو تخريب ي�ؤدي ملوته. م��ن ه�ن��ا ،ت ��أت��ي �أه�م�ي��ة العاملني يف جمال احل��رف وال�صناعات وامل�شغوالت اليدوية ِ الرتاثية و�ضرورة رعايتهم واملحافظة على �أيديهم التي يجب �أن تُ�صان وتُلف باحلرير، لتتابع مهمتها النبيلة يف �صون وا�ستمرار هذا املوروث ال�شعبي املهم. �إن تراكم اخلربات الفنية العملية والنظرية لدى احلرفيني وال�صناع امل�شتغلني يف حقول امل�شغوالت ال�شعبية املتعددة املهام والوظائف، تُعترب كنز ًا من كنوز الأمم والأوطان ،لي�س من املفرو�ض املحافظة عليها وحمايتها وتطويرها فح�سب ،بل و�صون ه��ذه اخل�ب�رات ،و�إيجاد �شتى ال�سبل ال�ستمرارها وانتقالها من جيل �إىل �آخر ،ذلك لأن هذه «الأيدي املاهرة» قد ال تتكرر �أو تُع ّو�ض بنف�س اخل�صو�صية والنكهة، �إذا ما غابت واندثرت� .إن املخ�ضرمني من ال�صناع واحل��رف�ي�ين وال�ف�ن��ان�ين ال�شعبيني املاهرين الذين �أم�ضوا العمر يف تكوين هذه اخل�ب�رات وتكري�سها وجتميعها باملمار�سة
العملية� ،أ�شبه بالذهب ال��ذي ي��زداد قيم ًة و�أهمي ًة وفراد ًة كلما تعاقبت عليه ال�سنون. لقد فطنت العديد م��ن ال ��دول �إىل �أهمية احل��رف�ي�ين ال�شعبيني امل��اه��ري��ن ،ف�أولتهم العناية والرعاية الالزمتني وال�ضروريتني، عرب اتخاذها جلملة من الإج ��راءات منها: �إن���ش��اء ور���ش �أو معاهد �صغرية للمربزين املتميزين من معلمي احل��رف وال�صناعات وامل�شغوالت والفنون التطبيقية التقليدية ال�شعبية ،وال �ق �ي��ام ب ��إحل��اق جم�م��وع��ة من ال�شباب الذين �أب��دوا ا�ستعداد ًا بين ًا لأخذ ه ��ذه اخل�ب��رات وال�ت �م�ك��ن م��ن �أ� �س��راره��ا، و�إتقان التعامل معها ،وامل�ضي بها قدم ًا نحو
نتيجة الطلب المتزايد على المشغوالت الشعبية ،دخلتها الميكنة التي تهدد جانب ًا من أصالتها وقيمها وخصائصها
امل�ستقبل ،حمققني بذلك ،عملية توا�صل مهمة و�ضرورية مع هذا الرتاث ،من �أجل �صونه من ال�ضياع املتمثل برحيل امل�شتغلني املربزين فيه ،وبالتايل القيام بتطويره والإ�ضافة �إليه مبا يتالءم وخوا�صه التي جت�سد قيم الأمة، وتعك�س �أفكارها ومعتقداتها وعاداتها الأ�صيلة والنبيلة ،واال�ستفادة يف نف�س ال��وق��ت ،من املعطيات العلمية والتكنولوجية اجلديدة� ،إمنا من دون �أن ي�ؤثر ذلك ،على خوا�صها الأ�صيلة، وقيمها الرفيعة امل�ستمرة فيها والتي ولدت مع الأ�صابع الأوىل التي ابتكرتها ،وتكر�ست فيها بتعاقب الأجيال املتالحقة التي ا�شتغلت عليها وتابعت �إنتاجها ،من دون امل�سا�س ب�أ�صولها وقيمها املادية والداللية.
مق�صد وعنوان
ف �ه��ذه امل �� �ش �غ��والت واحل� ��رف وال���ص�ن��اع��ات اليدوية التقليدية ،تُ�ش ّكل ال�ي��وم ،املق�صد الأب��رز للعديد من �أب�ن��اء البلد الذين باتوا
فنون 132 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
يهتمون بها ،ويحر�صون على اقتنائها ،يف بيوتهم لأ�سباب عديدة ،وهي ما يبحث عنه ب�إحلاح ال��زوار وال�سياح ،التخاذه ذكرى من البالد التي زاروها و�أم�ضوا فيها ب�ضعة �أيام �أو �شهور �أو �سنوات ،لذلك يحر�صون على البحث عن الأ�صيل املتميز القتنائه وحمله، باعتزاز �إىل �أوطانهم ،لت�أخذ مكانها الالئق ب �ه��ا ،يف م�ن��ازل�ه��م وم�ك��ات�ب�ه��م� ،أو يقومون ب�إهدائها �إىل معارفهم و�أ�صدقائهم .على ه��ذا الأ� �س��ا���س ،جن��د يف ك��ل مدينة وب�ل��دة، حمالت و�أ�سواق ًا مكر�سة بكاملها ،ملثل هذه ال�صناعات واحلرف ال�شعبية ،ي�ؤمها الغرباء و�أبناء البلد يف الوقت نف�سه .فهذه امل�شغوالت ُ حتيلهم �إىل الأيام التي �أم�ضوها يف هذا البلد ال��ذي حملوا منه ه��ذا التذكار ،كلما وقعت �أعينهم عليها ،وهي تُ�ش ّكل البن البلد ،رمز ًا تراثي ًا ،و�إ�شارة �إىل الزمن اجلميل الذي عا�شه �آبا�ؤهم و�أجدادهم ،وافتقدوه هم ،لكرثة ما ُيحيط بحياتهم من م�شاكل وهموم وتعقيدات، وقد �ش ّكل ،اهتمام الأجانب بهذه امل�شغوالت، وحر�صهم على اقتنائها يف بيوتهم خالل مكوثهم يف بلداننا العربية ،بحكم ا�شتغالهم يف ال�سفارات �أو املعاهد واملراكز وال�شركات العائدة لبلدانهم� ،أح��د العوامل التي دفعت باملواطن العربي ،لالهتمام بها ونقلها �إىل بيته ،خا�صة ال�شريحة التي تتعامل مع ه�ؤالء
حطمت مدرسة «الباوهاوس» األلمانية الجدران بين الفن والحرفة ،ودعت ِ إلى وحدة الفنون التشكيلية والعمارة. ال�ضيوف املقيمني يف بلدانهم. والأم��ر نف�سه يتكرر مع العربي ال��ذي يزور ال�ب�ل��دان الأجنبية ،وميكث فيها ردح� � ًا من الزمن� ،إذ يحر�ص هو الآخر ،على البحث عن امل�شغوالت التي متثل روح هذا البلد ،وتعك�س تراث �شعبه ،من �أجل اقتنائها وحملها معه �إىل بلده ،لنف�س الغاية والهدف.
خطر امليكنة
احلرف نتيجة للطلب املتزايد ،على مثل هذه ِ وامل�صنوعات والفنون التقليدية ،تلج�أ بع�ض اجلهات املنتجة لها يف بالدنا العربية اليوم، �إىل ميكنتها ،ب�ه��دف تلبية ح��اج��ة ال�سوق امل�ت���ص��اع��دة �إل �ي �ه��ا ،الأم���ر ال ��ذي �أ ّث���ر على نوعيتها ،و�أعطب جانب ًا من �أ�صالتها وقيمها وخ�صائ�صها التي جتذب النا�س �إليها ،ذلك لأن الأ�صابع الفوالذية التي حتل حمل الأ�صابع
الإن�سانية ،غالب ًا ما تق�ضم احل�س التعبريي فيها ،وتُق�صي عفويتها ،وتلغي جوانب من جمالياتها املعجونة ب�أنفا�س �صانعها ،وتو ّقد �أ�صابعه و�أحا�سي�سه املفعمة باحلياة املتلو ّنة واملرتبطة بحالته ال�شعورية �أث�ن��اء �إجن��ازه ملنتجه .ث��م �إن امليكنة ،تفرز ن�سخ ًا ب��اردة وم �ك��رورة ،من املنتج ،ي�شبه �إىل حد بعيد، ال�صورة ال�ضوئية التي ت��ؤخ��ذ للوحة زيتية �أو مائية� ،أو ملنظر طبيعي� ،أو ملزهرية� ،أو �صحن ف��واك��ه ،ث��م تُعمم ع�بر �آالف «ورمب��ا ماليني» الن�سخ ،بو�ساطة �آلة الطبع املتطورة التي باتت لدقتها ،وتطور و�سائطها تُعطي ن�سخ ًا �أكرث جما ًال و�أناقة و�إدها�ش ًا ،من امل�شهد ال��ذي ر�صدته هذه ال�صورة يف الواقع ،لكن كونها م�ستن�سخة ،تفقد �أهميتها وقيمتها امل��ادي��ة والتعبريية ،ذل��ك لأن العمل الفني الوحيد الن�سخة ،واملنجز ب�أنامل فنان �أو حريف� ،أ�شبه ما يكون بر�صيد مادي وتعبريي �ضخم ،تتنامى قيمه وت��زداد ،كلما �أوغ��ل يف العتاقة وال ِقدم ،وب�إمكان �صاحبه �أن ي�صرفه متى ي�شاء ،ب�أ�ضعاف الثمن الذي ا�شرتاه به، والأمثلة على ذل��ك� ،أك�ثر من �أن تحُ �صى يف حياتنا املعا�صرة ،بدليل الأ�سعار اخليالية التي حتققها الأع�م��ال الفنية واحلرفية الأ�صيلة واملتميزة ،يف املزادات العاملية ،هذه الأيام.
الأمية الب�صرية
نتيجة ل�سطوة الأم�ي��ة الب�صرية على عيون ن�سبة كبرية من العرب «مب��ا فيهم املتعلم، واملثقف ،وحتى بع�ض امل�شتغلني يف حقول الفنون الب�صرية نف�سها» ف��إن قدرتهم على التعاطي مع هذا اللون من الثقافة الراقية واجل��دي��دة عليهم ن�سبي ًا ،ي �ب��دو حم ��دود ًا و�ضئي ًال ،بدليل غياب الأثر الفني الت�شكيلي، �أو الأثر احلريف املتميز والراقي ،من بيوتهم ومكاتبهم و�أماكن عملهم املختلفة ،ل�صالح العمل الفني التجاري املن�سوخ ،واحلا�ضن جلماليات عادية ومبا�شرة «املناظر الطبيعية اخل�ل�اب��ة ،ال�ط�ب�ي�ع��ة ال���ص��ام�ت��ة ،ال��زه��ور، ال��وج��وه» علم ًا �أن م��ا ي�صرفونه م��ن �أم��وال على هذه الأعمال التي تفقد قيمتها املادية ف��ور �شرائها ،حيث تتحول �إىل جم��رد ورق «�أو قما�ش مطبوع» و�إطار ،يكفي ل�شراء عمل فني �أ�صيل ووحيد الن�سخة ،يتحول �إىل ر�صيد مادي وفني وجمايل ،متعاظم القيمة ،كلما م�ضى به الزمن بعيد ًا ،وب�إمكان مالك هذا الر�صيد �صرفه متى ي�شاء ،ب�أ�ضعاف ثمنه الذي ا�شرتاه فيه!!
الفن واحلِرفة
تعترب مدر�سة «الباوهاو�س» �أي «بيت البناء» التي �أ�س�سها املهند�س الأمل��اين «غروبيو�س» 1919يف مدينة «فاميار» بالقرب من مدينة «اليبزيغ» الأملانية� ،أول اجتاه فني �أكادميي زاوج بني «الفن» و«احل��رف��ة» حمطم ًا بذلك اجل��دران التي نه�ضت بني املبدعني الذين احلجج والأ�سباب التي �ساقها ه�ؤالء ،لتربير ي�شتغلون على اللغات التعبريية التقليدية دون�ي��ة احل��رف��ة وال���ص��ورة ال�ضوئية مقارن ًة الرفيعة ،كالفنانني الت�شكيليني ،واملو�سيقيني ،بالفنون التي يجرتحونها ،تتلخ�ص ب ��أن ما وال�شعراء ،والأدب ��اء ،وبني احلرفيني ،ومثل ينتجونه يت�سم باالبتكار والتجديد ،بينما هذا املوقف الإق�صائي املتزمت واال�ستخفايف احلرفة ثابتة ،وجامدة ،وم�ك��رورة ،وتتوجه باحلرف وامل�شغوالت اليدوية ،كان امل�شتغلون لإر�ضاء حاجة مادية بحتة ،لدى الإن�سان� ،أما ِ على مثل ه��ذه اللغات قد وقفوه جت��اه الفن اجلديد الذي ولد مع اخ�تراع الكامريا عام الحرف والمشغوالت ِ 1839وهو «الت�صوير ال�ضوئي» ال��ذي نعتوه الشعبية األصيلة بالفن الآيل أبوللو».والبارد ،وعملوا على �إبعاده عن تتناقلها أسر معينة «معبد �
بالوراثة وبما يشبه النذر المرصود على أفرادها
فنونهم فتتوجه لروحه و�أحا�سي�سه وعقله.
حرا�س الرتاث
ما هو م�ؤكد� ،أن الفنون الإبداعية الرفيعة كالت�شكيل واملو�سيقا وال�شعر ،ال تزال نخبوية يف عاملنا العربي ،ومتلقوها قلة مقارنة مبتلقي احلرف والفنون وال�صناعات اليد ّوية الذين ِ ي�ش ّكلون قاعدة �شعبية وا�سعة� ،إىل جانب املتلقني الأجانب الزائرين لبلداننا والعا�شقني احلرف التي متثل تراث الأمة احلقيقي لهذه ِ املعي�ش يف احلياة ال�شعبية التي ت�شكل رحم
فنون 134 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
ال�تراث احلنون ،واملتمثل يف �سلوك الإن�سان ال�شعبي وعاداته وتقاليده و�أف�ك��اره وعمارته ولبا�سه وغريه .من هنا حتديد ًا ،ت�أتي �أهمية احلرفيني املنتجني لهذا ال�ت�راث ،ال �سيما عند غالبية النا�س املتحدرين من البيئات ال�شعبية الذين وع��وا على الدنيا ،ومثل هذه احل��رف والفنون �أم��ام �أعينهم :يف بيوتهم ِ وبيوت جريانهم ،حيث كانت تُناط بها وظائف ا�ستعمالية وجمالية تزيينية عديدة. �إن احلياة ال�شعبية العربية«حتى تاريخه» مل ت�ضح بالرتاث ،بل هي التي احت�ضنته ،وكانت ِ رحم ا�ستمراره وتطوره ،وكان امل�شتغلون فيه حرا�سه ون�سغ جتدده ،والقيمة الرئي�سة لهذه امل�شغوالت ت�أتي من كونها ،نتاج ًا حر ًا وعفوي ًا
لأرواحهم وبيئاتهم ،واختزا ًال �صادق ًا جلوانب مهمة من ت��راث �شعوبهم وقيمها وتقاليدها وتاريخها ،وه��ي يف خال�صتها ،ف��ن حقيقي متما ٍه باحلرفة ،تقوده احلاجة �أحيان ًا ،ويقود هو احلاجة� ،أحيان ًا �أخرى.
فنان بالوراثة
الفنان ال�شعبي ،ويف جانب كبري من �شخ�صيته الفنية ،حريف ت��وارث حرفته عن �أبيه ،و�أبوه
صارت بعض المشغوالت الشعبيةتذكار ًاتراثي ًا، وإشارة إلى الزمن الجميل الذي يفتقده الناس ،ويحنون إليه
عن ج��ده .على ه��ذا الأ�سا�س ،ف ��إن معلميته وخربته وامل��واد املتوافرة بني يديه ،عوامل حتدد الأ�سلوبية التي يعمل عليها .ف��إذا كان الواقع حوله ثري ًا وغني ًا بالعنا�صر واملوتيفات، انعك�س ذلك يف منجزه ال��ذي ال بد �أن ي�أتي مليئ ًا بالتفا�صيل .و�إذا ك��ان املحيط حوله، ب�سيط ًا وخم�ت��ز ًال وح��اف� ً لا بالرموز ،انعك�س ذلك يف ر�سومه ،ي�ضاف �إىل ذلك طبيعة هذا املنجز و�صيغة معاجلته و�أ�سلوبه ،كذلك نوعية احل��ريف ،ومدى املوهبة التي يتمتع بها ه��ذا ِ اال�ستعداد ال��ذي ميلكه ،للإ�ضافة والتطوير واخل��روج عما �ألفه �أو تعلمه �أو تعود عليه، ذلك لأن املوهبة ،تلح على �صاحبها ب�ضرورة �إظهار الرباعة واالبتكار والتجديد يف اللغة
الفنية التي يتعامل معها ،وه��ذا م��ا ُيف�سر احلرفيني ال�شعبيني من اجتاه �إىل تنقل بع�ض ِ �آخر ،ووجود �أكرث من انعطافة يف منجزاتهم الفنية ،و�إدخالهم طرز ًا جديدة عليها احل ��ريف على ثمة ع��وام��ل �أخ� ��رى ،ت�ساعد ِ التجديد والإ�ضافة واالبتكار �شك ًال وم�ضمون ًا، منها امل ��واد واخل��ام��ات ال�ت��ي ي�ستعملها يف �أعماله .فطبيعة هذه الو�سائل واملواد ،ومدى متكنه منها ،وخربته يف التعامل معها ،تلعب دور ًا رئي�س ًا على ه��ذا ال�صعيد ،كما حتدد مدى �إمكانية التجديد والإ�ضافة عليها.
ق�ضية الرتاث
بات الرتاث ال�شغل ال�شاغل للمفكرين والأدباء وال �ف �ن��ان�ين واحل��رف �ي�ين ،ك��ل ي��دع��و لتمثله واال�ستفادة منه ،وتوظيف معطياته وقيمه الأ�صيلة ،يف الثقافة املعا�صرة ،فهل ميكن اال�ستفادة من موروثنا ال�شعبي ،وه��و غني و�أ�صيل وحي ومتفرد؟. لقد �أخ��ذ مو�ضوع ال�ت�راث و� �ض��رورة ربطه ب��امل�ع��ا��ص��رة ،ج ��د ًال وا� �س �ع � ًا ومت�شعب ًا ،بني املفكرين والفنانني العرب ،وال زال هذا الأمر قائم ًا حتى تاريخه ،بحيث ميكن القول بوجود �إ�شكالية حقيقية هي :كيفية التوفيق واملواءمة، بني تراثنا املتعدد الأ�شكال والألوان ،والقادم
الحرفيون الماهرون كالذهب العتيق، ً قيمة وأهمي ّة يزدادون كلما أوغلوا في الزمن والخبرة ،لذلك يجب المحافظة عليهم ورعايتهم م��ن م��راح��ل زمنية م�ت�ع��ددة ،وب�ين ع�صرنا املحكوم بتطور تقاين متوا�صل ومده�ش؟!!. والإ�شكالية هذه ،تتفرع عنها �إ�شكاليات �أخرى كثرية ،منها حتديد معنى «ال�تراث» و«نوعه» و«تاريخه» و«�شكله» و«جن�سه» وما الذي يجب �أخذه منه ...الخ. ب�غ����ض ال�ن�ظ��ر ع��ن ح�ي�ث�ي��ات ه ��ذا اجل ��دل، وتداعياته الكثرية يف حياتنا املعا�صرة ،يبقى ال�ت�راث كائن ًا حي ًا ال مي��وت ،وال ي�شيخ ،وال يتجمد ،بل ي�ستمر متوهج ًا وحي ًا يف الإن�سان وبيئته ال�شعبية :يف �أفكاره ومعتقداته وعاداته وتقاليده وعمارته وثقافته وفنونه وحرفه وم�شغوالته التقليدية عموم ًا. والرتاث احلقيقي ،هو خال�صة لتاريخ طويل وبعيد .قد يتلون وتتعدد �أ�شكاله ،لكنه يف
اجلوهر يبقى واح��د ًا ،من �أج��ل ه��ذا ،يجب �أن تنطلق عملية اال�ستفادة منه ،من هذه احلقائق .فاملتحف مبفهومه الكال�سيكي، يقدم جانب ًا من الرتاث ،لكن احلياة ال�شعبية ال�ق��ائ�م��ة يف �أر����ض ال��واق��ع ،ه��ي احلا�ضنة احلقيقية للرتاث احل��ي ،ولال�ستفادة منه، ي �ج��ب ال �ت��وج��ه �إىل م�ف��ا��ص��ل ه ��ذه احل �ي��اة ومظاهرها ونا�سها ،حيث ميكن للباحث «فنان ًا كان �أم �أديب ًا �أم مفكر ًا» �إيجاده بكامل عافيته و�أ�صالته و�سحره ،جم�سد ًا يف لوحة، �أو قطعة �أثاث� ،أو حرفة تقليدية� ،أو �صناعة يدوية� ،أو كتاب� ،أو رمز� ،أو عمارة� ،أو حكاية �شفاهية� ،أو �سلوك� ،أو عمارة �أثرية� ،أو يف منط حياة معني� ،أو يف ثياب ...الخ. ك��ل ه��ذه العنا�صر وامل��ف��ردات والإ� �ش��ارات وامل�ظ��اه��ر ،التي ت�ضمها احل�ي��اة ال�شعبية، ويكتنزها �إن�سانها يف فكره و�سلوكه ،حتت�ضن جاني َا مهم ًا و�أ�سا�سي ًا ،من الرتاث ،وما علينا �سوى تلم�س الدرب �إليه ،وا�ستنها�ضه ،بهذه اللغة التعبريية �أو تلك ،متماهي ًا بالآن الذي كوننا وتك ّونا فيه ،وهذه بدهية ال حتتاج �إىل مناق�شة ،وال تقبل اجلدل ،وتتم ب�شكل عفوي وتلقائي� ،إذا ما �أح�سنا ق��راءة هذا الرتاث، ومتثلناه ب�شكل جيد ،وحافظنا على منتجيه: حرا�سه الأمناء ،وخط الدفاع الأول عنه
استطالع 136 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
يع�شقون ال�صيد ويت�سلون باملواويل
الصيادون في عزبة البرج دمياط -عبده الزرّاع معظم �أهاىل عزبة الربج مبحافظة دمياط ،م�صر «�شمايل الدلتا و�شرقي فرع النيل الذي يحمل ا�سمها :دمياط» ،يعملون مبهنة ال�صيد ،وقد تعلموا هذه املهنة يف ال�صغر ،وورثوها �أباً عن جد ،حيث يعملون يف املراكب ال�صغرية التي جتوب البحر ،وي�ستخدمون ال�شباك وال�سنانري يف عملية ال�صيد ،وتلك املراكب تعمل داخل املياه الإقليمية� ،أما املراكب الكبرية فهي التي تعمل خارج املياه الإقليمية ،ويتم تعليم هذه احلرفة ب�إر�سال ال�صبي ال�صغري مع والده �أو �أخيه الأكرب �إىل البحر لي�ساعد يف الأعمال الب�سيطة على املركب ،ويرى بعيني ر�أ�سه ما يحدث �أمامه �إىل �أن ي�شتد عوده ويكون قادراً على كل الأعمال ال�صعبة والتي حتتاج �إىل قوة ع�ضلية ،و�أثناء تعليمه ،عليه – ال�صبي � -إطاعة الأوامر فقط ،وعندما يتقن جميع الأعمال التي على ظهر املركب ي�صبح رئي�ساً.
مكان العمل
يعمل معظم �أه ��ايل عزبة ال�ب�رج بال�صيد يف النيل باملراكب ال�صغرية التي تعمل مبجاديف، بعد �أن انقر�ضت املراكب ال�شراعية ،وقدمي ًا كان ال�صيادون يرتكون النيل ملدة �أربعة �شهور بدون �صيد ،وهذه ال�شهور كانت �شهور الفي�ضان، يرتكون املياه حتى تروق من �آثار هذا الفي�ضان، وت�أتي الأ�سماك ب�أنواعها املختلفة من �سردين، و�شيالن ،وب��وري ،وجمربي ،ومو�سى ،وقارو�س، وغيطان ،كانت هذه الأ�سماك ت�أتي من املالح، وبعد بناء ال�سد ال�ع��ايل ،ق ّلت ه��ذه الأ�سماك و�أ�صبحت ن ��ادرة ،ومل يعد متوفر ًا �إال الأن��واع العادية مثل البلطي ،وال�سردين ،والقرموط وغ�يره� ،أم��ا املراكب الكبرية ،فيعملون بها يف البحر خارج املياه الإقليمية ،وكثري ًا ما يتعر�ض �أب�ن��ا�ؤن��ا ملخاطر القر�صنة كما ح��دث م��ؤخ��ر ًا لأبنائنا فى ال�صومال.
دوالب العمل
يتكون دوالب العمل يف امل��راك��ب ال�صغرية «القوارب» التي تعمل باملجاديف من عاملني �أحدهما يقود املركب �أي يعمل على املجاديف، والآخر يرمي ال�شبك يف النهر� ،أو يرمي ال�سنار ح�سب نوع ال�صيد ،وي�صرب عليه حتى ي�صطاد ويقوم ب�إخراجه من املياه ويخرج ماعلق به من �أ�سماك ،وغالب ًا مايكون دوالب العمل مكون ًا من الرجل و�أحد �أبنائه� ،أو �صاحب املركب وعامل �آخر يعاونه.
تطور احلرفة
مل يحدث تطور ملحوظ فى مهنة ال�صيد بالن�سبة للمراكب ال�صغرية «القوارب» التي تعمل يف النيل، واقت�صرت احلرفة على طريقتني فقط من طرق ال�صيد وهما :طريقة ال�سنار ،وطريقة الغزل. وطريقة ال�سنار ت�سمى «حداف بال�سنار» ،وهذه الطريقة خم�ص�صة ل�صيد الأ�سماك الكبرية فقط ،وق��د ي�صل وزن ال�سمكة بال�صيد يف هذه الطريقة �إىل �أك�ثر من ع�شرين �أو خم�سة وع�شرين كيلوجرام ًا � .أما طريقة ال�شبك فت�سمى «غزل علق» ،لأن الغزل يكون به فلني بر�صا�ص
«فنار» عزبة الربج
وعند رمي الغزل يف مياه النهر ي�صل عن طريق الر�صا�ص الثقيل �إىل الأر�ض ،هذا بالن�سبة للجزء الأ�سفل من الغزل� ،أم��ا اجل��زء العلوي فريفعه الفلني لأعلى لأن��ه خ� ٍ�ال من الر�صا�ص ،ويرتك ال�صياد ال�شبكة ملدة ن�صف �ساعة تقريب ًا يف املاء ثم يقوم بجذبها لأعلى املركب ثم يف�ض ماعلق بها من �أ�سماك وي�ضعه يف قلب املركب ،وال�سمك الكبري يحتاج �إىل غزل عيونه وا�سعة� ،أما ال�سمك ال�صغري فيحتاج �إىل غزل عيونه �ضيقة. ويف املراكب الكبرية توجد طريقة واحدة لل�صيد
العديد من المعتقدات والممارسات في عزبة البرج ارتبطت بمهنة الصيد ومنها جواري الجن وأفراحه و«العون» أو المارد ،وطقوس استحمام العوانس والمربوطين
وه��ي طريقة «اجل��ر» :وي�ستخدم فيها ال�شبك الكبري ،وكلها تعمل �إلكرتوني ًا عن طريق الأجهزة وامل�ع��دات احلديثة ،وع��ن طريق ه��ذه الأجهزة يتعرفون على مناطق جتمع الأ�سماك ،ويعرفون عمق املياه ،ويوجد طاقم كبري من العاملني على هذه املراكب .ومل يحدث �أي تطور ملحوظ يف املراكب ال�صغرية �سوى ا�ست�صدار كارنيهات للعاملني بحرفة ال�صيد من هيئة الرثوة ال�سمكية، ودف�تر يومية ي�سجل فيه بيانات العاملني على املركب و�أرق��ام بطاقاتهم ال�شخ�صية ،وكل ما يخ�صهم من بيانات خمتلفة.
يعتزون مبهنة ال�صيد
ال�صيادون يف عزبة ال�برج اليعملون يف مهن �أخرى غري مهنة ال�صيد التي ورثوها عن �آبائهم و�أجدادهم ،ويعتزون بها رغم �أنها �أ�صبحت ال تدر على �أ�صحابها �أموا ًال كثرية ،نظر ًا لندرة الأ�سماك باملنطقة التي ي�صطادون فيها ،ولكن الأجيال
استطالع 138 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
املواويل
اجلديدة من �أبناء ال�صيادين يرف�ضون العمل بهذه احلرفة ،ويعملون يف حرف �أخرى تدر عليهم ربح ًا وفري ًا مثل حرفة الأثاث واملوبيليا والتي ت�شتهر دمياط �أي�ض ًا بها ،وهذا �سي�ؤدي بعد فرتة لي�ست بالكبرية �إىل انقرا�ض هذه احلرفة ،ورغم ذلك ي�صر الرجل الدمياطي على تعليم �أبنائه يف امل��دار���س واجلامعات بجانب تعليمه احلرفة.
يوجد بع�ض املواويل التي يرددها �أهل املهنة يف عزبة الربج بدمياط ،ومنها: زي �صربي ياعني و�أنا بالعني �شايفكم ياللي طحنتوا احلالوة مابني �شفايفكم خايف يطول البعاد ياجميل قال وغريي يولفكم و�أنا اللي باملال مكلفكم
«رزق يف م ّيه»
يعترب امل�ستوى االق�ت���ص��ادي للعامل يف مهنة ال�صيد م�ستوى متو�سط ًا ،لأن دخله لي�س ثابت ًا بل هو ح�سب الرزق الذي ي�سوقه اهلل له يف املاء وكما يقولون «رزق يف م ّيه» ،و�أي�ض ًا ب�سبب قلة الأ�سماك عن ال�سابق ،ويرجع بع�ض ال�صيادين ن��درة الأ�سماك ب�شكل ملحوظ �إىل تلوث املياه، فالأ�سماك ت�سافر بحث ًا عن مياه نظيفة لكى تكون ق��ادرة على التعاي�ش يف البيئة ،ويتحكم �أي�ض ًا اجتاه الرياح يف عملية ال�صيد ،فال�صياد عندما يخرج من بيته �صباح ًا يف اجتاه النهر ،وي�شعر باجتاه الرياح يعرف �إذا كان �سيح�صل على �صيد وفري �أم �سيعود بدون �أ�سماك ،وح�سب رواية �أحد ال�صيادين بعزبة ال�برج بدمياط «ل��و خرجت ال�صبح ولقيت الريح قبلي �أعرف �إن فيه �سمك، لو الريح �شرقي يبقى فيه �سمك ،وبر�ضه لو الريح غربي �أعرف �إن فيه �سمك� ،أما لو الريح عماي�ش يبقى مافي�ش �سمك واحنا ورزقنا».
و�أغنية: ياحلو يللي الهوا هفهف على توبك �أنا ب�أغري م الهوا و�أح�سد عليك توبك /ياليل
�أغاين العمل
الأمثال والتعابري
«فنار» ر�أ�س الرب
بقت حالوة احللواين راح �أ�سيوط ..احللواين لب�س يا �أخويا كمان زعبوط ..احللواين زعبوط حالوة
ويقول �أي�ض ًا: يابو احللق �سد جنب اخلد دير بالك احنا اتن�سينا ياجميل ومعدنا�ش على بالك بالك مع مني ياجميل ومني معاه بالك نار الغرام �شعللت ف القلب يارب عقبالك وعملت رمال وب�أ�ضرب رمل عل�شانك وجدتك �سعيد وال�سعد ده خدامك مانتا�ش جميل يف احل�سن ولكن حلو يف كالمك ويقول يف هذا املوال: ملا ر�سيت ع ال�شط ومقام �أبو املعاطي قالوا احلليوه منني �أنا قلت دمياطي �س�ألوين ع ال�شيخ علي �أنا قلت وال�صياد دا راجل كرمي والنبي وظهرلنا الربكات
ه�ن��اك ال�ع��دي��د م��ن الأغ� ��اين ال�ت��ي ي��ردده��ا هناك بع�ض الأمثال ت��دور حول حرفة ال�صيد، ال�صيادون بعزبة الربج �أثناء عملهم ،ومنها :مثل« :البحر غ��دار»« ،زي البحر مالو�ش قرار»، حالوته حلوه ..احللواين «�سمك يف م � ّي��ه»« ،غ��وي��ط زي ال�ب�ح��ر»« ،قالوا َك َب ْ�ش وعطاين ..احللواين جلحا عد موج البحر ،ق��ال :اجلايات أ�ك�تر من �إداين ف �سناين ..احللواين الرايحات»« ،املركب اللي برا�سني تغرق»« ،دا راح دمياط عمل عركه مع اخلياط عايل زي ال�صاري». اداله علقه ملا مات علقه حالوه بعد أن انقرضت احللواين راح املن�صورة ..احللواين المراكب الشراعية املعتقدات واملمار�سات عمل يا�أخويا كابنت كوره ..احللواين إلى الصيادون تحول ت��وج��د ال �ع��دي��د م��ن امل �ع �ت �ق��دات وامل �م��ار� �س��ات جيت له كوره يف عينه العوره
المراكب الصغيرة التي تعمل بمجاديف
ا�ستعداد املراكب لرحلة ال�صيد
ال��دائ��رة ح��ول ال�صيد يف عزبة ال�برج ،ومنها جواري اجلن ،والنار املخادعة ،و�أفراح اجلن، والعون �أو امل��ارد ،وطقو�س ا�ستحمام العوان�س واملربوطني ،وهنا مقتطفات من رواي��ات �أهل الربج ال�شفوية حول ذلك: «»1 �أي��ام زم��ان يعني �أي��ام ما كان بييجي الفي�ضان ك��ان فيه ج��واري تبقى قاعده بت�سرح �شعرها وبتتزين وعينيها ق��اي��ده زي ال�ك�ل��وب��ات ،ولو �شافت حد كانت تخنقه ،و�أهل زمان قالوا �إنها اجتوزت نا�س كتري «»2 كنا زمان قبل الكهربا كنا ن�شوف نار على بعد ال�شوف وملا تروح عندها ماتلقي�ش نار والحاجة وب��ر��ض��ه ك�ن��ا زم ��ان ن���ش��وف ع�ل��ى ب�ع��د ال�شوف فرح من�صوب ومزيكا بتدق وملا كنا نروح عنده مانلقي�ش حاجة «»3 العون :كان بيطول قوي زي املارد ،بيبقى �صغري ويف�ضل يطول يطول حلد ملا يبقى طول عمود النور ،وكان بيطلع يف العتمة «»4 ليلة ال�سبت :ك��ان زم��ان مل��ا كانت ال��واح��ده مابتتخطب�ش والتتزوج�ش بيقولوا يعني ع �ن��ده��ا ك��اب �� �س��ة �أو ت �ع �ب��ان��ة ،ك��ان��ت ت ��روح ت�ستحمى يف را���س ال�بر ب��دري قبل النا�س
يمثل المركب بالنسبة لصيادي البرج «حرمة» كبيرة ،وعلى الصياد قبل أن ينزل إلى المركب أن يصلي الصبح في المسجد
موجات املتتاليات وبعد ذلك تخرج من البحر وترتدي مالب�سك وتذهب من فورك �إىل البيت ويكون احلمام قد ا�ستوى فت�أكل احلمامة الأنثى وزوج�ت��ك ت�أكل احلمامة ال��ذك��ر ،وبالفعل فعل مثل ماطلب منه وبعد االنتهاء من �أكل احلمامة انق�ضت حاجته التي �أرادها.
مات�صحى من النوم ليلة ال�سبت باليل ،وده طقو�س العمل
طق�س فرعوين �إ�سالمي قبطي
حكاية املوجات ال�سبع
ويحكي �أحد �صيادي عزبة الربج قائال� :إنه بعد �أن تزوج و�أجنب ثالثة �أوالد ،ويف �إحدى الليايل �أكت�شف �إنه على غري طبيعته مع زوجته ،وتكرر معه هذا املوقف عدة مرات ،فحكى البن خالته ف�ق��ال ل��ه اذه��ب اىل زوج خالتك� ،أي وال��ده، وبالفعل ذهب �إىل زوج خالته الذي قال له �أنت م��رب��وط ون�صحه ب ��أن ي�أتي ب��زوج من احلمام �أحدهما ذكر والآخر �أنثى ،ويقوم ب�سلق االثنني يف حلة واح��دة ،الذكر وحوائجه ي�ضع يف خيط واح��د والأنثى وحوائجها ت�ضع يف خيط واحد، وبعد �أن ت�ستحم يف املالح «البالج» يف ال�صباح الباكر ،وقال له ال تتحدث مع �أحد �أثناء ذهابك �إىل املالح ولو حدث وقابلك �أحد وكلمك الترد عليه ،وعندما تنزل البحر �أول موجة تقابلك اغط�س حتتها والثانية والثالثة حتى ال�سبع
هناك بع�ض الطقو�س التي يتبعها ال�صيادون �أثناء عملية ال�صيد ،وميثل املركب بالن�سبة لهم حرمة كبرية ،فال�صياد قبل �أن ينزل �إىل املركب يذهب لي�صلي ال�صبح يف امل�سجد ،ويكون معه طعامه و�شرابه و�سجائره ،ويبد�أ يومه من ال�ساعة ال�ساد�سة �صباح ًا ،يجهز ال�شبك ويقول توكلنا على اهلل ويرمي ال�شبك يف املاء ،وبعدها يتناول فطوره ويحت�سي ال�شاي ويدخن �سيجارة ،وبعد مرور مايقرب من ال�ساعة والن�صف ،يقوم بجذب ال�شبك من املاء ،وهو وحظه من الرزق يف بع�ض الأي��ام ي�أتي ال�شبك باخلري الوفري ويف بع�ضها الآخ��ر يكون ال��رزق قلي ًال ح�سب اجت��اه الريح وي�صلي الظهر والع�صر يف املركب فهو يعرف اجتاه القبلة باخلربة من اجتاه ال�شم�س ،ويظل يف املركب حتى ال�ساعة ال�ساد�سة م�ساء ،ومن املمكن �أن يخرج ال�صياد يف �أي وقت من املركب �إىل الرب لكي يبيع ال�سمك لتاجر الأ�سماك ثم يعود مرة �أخرى ليكمل عمله ،حتى غروب ال�شم�س
إرهاصة 140 الـعــــدد 158 دي�سمرب 2012
حول اللحظة الشعرية المصرية الراهنة على يقني ب��أن ما �أكتبه هنا ال ي�شبه �شيئ ًا �سوى ما قد يقوله رجل لآخر يجل�س قبالته على ال�ضفة الأخرى لبحرية ،يحكي كل منهما جلاره عن بحرية يجل�س على �ضفتها رجل ،بينما يرى العابرون البحري َة ذاتها وقد جل�س على �ضفتيها رجالن ال يكفان عن احلديث والإ�شارة. يف حوار خا�ص مع ال�صديق الناقد �أمين بكر حول ما نقر�أ من ق�صائد ل�شعراء م�صريني معا�صرين ،قلت له�« :أ�شعر �أنني لو �أزلت �أ�سماء ال�شعراء عن ج ّل الق�صائد التي قر�أتها، وليد عالء الدين ون�سبتها جميعها �إىل �أي واحد منهم ملا ا�ستطاع �أحد �أن ي��رد تلك الق�صائد ،ول��و ب�شكل تقريبي� ،إىل �أ�صحابها»، وط��ال بنا احلديث ح��ول ه��ذه النقطة ،و�أدرن��ا الأم��ر على احتماالته العديدة ،واحلقيقة �أن ما �أث��ار اهتمامنا بهذه املالحظة التي قد تبدو عابرة �أنها من ناحية بدت طريفة �إىل حد كبري ،ومن ناحية �أخرى �أنها تك�شف عند حماولة تف�سريها جمموعة مثرية من الأفكار ت�صلح كمداخل لعدد من الدرا�سات يف تخ�ص�صات �شتى ،فمث ًال ميكن قراءة تلك املالحظة – باال�ستعانة بقليل من روح املرح والدعابة- باعتبارها دلي ًال على «وحدة روح» جتمع ذلك العدد الكبري من ال�شعراء امل�صريني املعا�صرين� ،إىل حد ي�صعب معه التفريق بني منتجهم ال�شعري دون اال�ستعانة بخبري!. وباال�ستغناء عن روح الدعابة ميكن النظر �إليها ب�صورة م�أ�ساوية باعتبارها دلي ًال على ندرة وم�ضات التفرد التي ت�شي مبوهبة حقيقية يف امل�شهد ال�شعري املعا�صر ،فاملتطلع �إىل امل�شهد يف قراءاته الأوىل يخرج ب�شعور وك ��أن هناك و�صفة جاهزة يلج�أ �إليها ال�شعراء لإن�ت��اج ن�ص �شعري، م�ستغلني تلك الروح احلما�سية التي جتعل كل ن�ص يطلق على نف�سه ا�سم ق�صيدة النرث يحظى بالتبني والدفاع ،لي�س
�أنا
احرتام ًا وتقدير ًا للن�ص �أو للموهبة الكامنة وراءه �أو ما يت�ضمنه من �إبداع ،بل باعتباره وقود ًا جديد ًا يغذي مركبة القتال امل�سلح يف معركة ال�شكل وامل�ضمون الدائرة حول ق�صيدة النرث وال�شعر. من زاوي��ة نظر �أخ��رى -ال تخلو �أي�ض ًا من طرافة -ميكن اعتبار تلك «الروح اجلماعية» التي تنتج ن�صو�ص ًا مت�شابهة داللة على جناح ماكينة العوملة يف تنميط الكائن الب�شري و�ضبط ب��راجم��ه وم��دخ�لات��ه ب�ه��دف تقريب موا�صفات منتجاته وخمرجاته متهيد ًا لتوحيدها. بعيد ًا عن الإغراق يف فانتازيا قراءة ما وراء تلك املالحظة العابرة ،و�إن كنت �أرى �أنها �صحيحة على الأقل من وجهة ن �ظ��ري� ،أع�ت�ق��د �أن ��ه م��ن ال �� �ض��روري عند ق ��راءة امل�شهد ال�شعري امل�صري املعا�صر النظر �إىل ال�شعر باعتباره منتج ًا جمتمعي ًا ،مبعنى �أنه يت�أثر �سلب ًا و�إيجاب ًا بكل تغري يطر�أ على بنية وتركيبة هذا املجتمع ،وعلى هذا الأ�سا�س ف�إن قراءة جيدة لل�شعر قد تكون م�ساهمة يف ق��راءة التحوالت التي �أ�صابت املجتمع املعا�صر ،وبالعك�س ميكن فهم ما يحدث يف امل�شهد ال�شعري امل�صري املعا�صر من خالل قراءة التحوالت احلادثة على املجتمع امل�صري باعتبار الأول منتج ًا من منتجات الأخري. وفق هذه الر�ؤية ف�إنني بداية �أفرت�ض �أن ال�شعر امل�صري املعا�صر �أ�صابه ما �أ�صاب املجتمع امل�صري من «توح�ش» نتيجة غياب املعايري ،ذل��ك الغياب الناجت عن تقل�ص الفر�ص وزي��ادة املتناف�سني عليها ،مما �أدى �إىل تراجع وا��ض��ح يف منظومة الأخ�ل�اق وامل �ب��ادئ ل�صالح «ثقافة الزحام« التي يزداد حتكمها يف احلياة يوم ًا بعد يوم ،وما ي�صحب ذلك من رف�ض للآخر �-أي ًا كانت طبيعة العالقة
معه -باعتباره دائم ًا مناف�س ًا مر�شح ًا على فر�ص يقل عددها ب�شكل وا�ضح ،وتزايد اال�ستعداد ل�شغل فر�صة �أو�سع �أو �أ�ضيق من قدرات ال�شخ�ص �إىل �أن تظهر فر�صته احلقيقية �إذا ُقدِّ ر لها �أن تظهر ،وفق منطق «�إىل �أن ي�أتي الفرج» ،وما يعنيه ذلك من تراجع يف درجات اجلودة والكفاءة و�أ�صول املهنة مقابل ارتفاع قيمة الفهلوة وال�شطارة ومت�شية احلال. ما �أقوله �إذن هو �أن ال�شعر امل�صري ،كواحد من منتجات ه��ذا املجتمع ،قد ت�أثر بال �شك ب�تردي �أح��وال ال�شخ�صية امل�صرية وتراجع �صفاتها الإيجابية خالل العقود الأخرية، و�أن الق�صيدة امل�صرية املعا�صرة م�صابة ب�أعرا�ض و�أمرا�ض جمتمعها .الأم��ر الذي يدفعنا �إىل �أن ن�أمل يف ظهور منتج �شعري خمتلف متام ًا ،يف �أعقاب �إع�لان امل�صريني الثورة على واقعهم املري�ض ،والتي تعد �إع�لان� ًا كذلك عن رغبة يف التعايف من كل ما �أ�صابهم من �أم��را���ض خ�لال العقود املا�ضية .تبقى هذه الأطروحة جمرد مالحظات انطباعية، يف انتظار �أن تقوم درا�سة �شاملة لل�شعر امل�صري املعا�صر ب�صفته منتج ًا جمتمعي ًا ،ي���ش��ارك فيها ع��دد م��ن علماء
االجتماع واللغويني و�أ�ساتذة الأدب وال�شعر والنقد وال�شعراء �أنف�سهم للوقوف على تفا�صيل الأمر بدقة ومو�ضوعية ،وفرز عدد من املالحظات املبدئية التي ميكن ا�ستخراجها مبجرد القراءة الإح�صائية ،والتي ي�أتي يف مقدمتها ما ميكن ت�سميته بـ«الو�صفة اجلاهزة» الذي �أراه مرتبط ًا بظواهر اال�ست�سهال والفهلوة ال�شائعة يف املجتمع املعا�صر ،وتراجع الرغبة يف بذل اجلهد من �أجل تطوير الذات حتت وط�أة �شعور وهمي بتفوقها رغم انتكا�ساتها املتكررة ،وهو �أمر وا�ضح يف اخلواء امل�ع��ريف ال��ذي ب��ات �سمة م�شرتكة يف الق�صيدة امل�صرية املعا�صرة التي تكتفي عادة بف�ضف�ضة وا�سعة الطيف حول الهم اليومي و�سرد مالحظات عابرة مكررة دون اجتهاد لو�ضعها يف �صياغة ونحت جديدين ،كذلك لن يغفل قارئ الق�صيدة امل�صرية املعا�صرة ع��ن مالحظة كمية اجلهل بالآخر �أو جتاهله ،لذلك لي�س من الغريب �أن تبد�أ الكثري من الن�صو�ص من حيث بد�أ �آخرون ،بينما يغيب تيار يجتهد نحو ا�ستكمال اجلهد ال�سابق ،لأن وهم تفوق الذات يجعل «ال �أحد خارج م�صر»
سوق الكتب 142 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
أسطورية الشرق وفتنة متخيّل الغربي ال ُ د .هيثم �رسحان
باحث و�أ�ستاذ جامعي ،ق�سم اللغة العربية ـ جامعة قطر
ُيقدّم الأ�ستاذ الباحث واملرتجم �إبراهيم �أبو ه�شه�ش ،يف هذه الرتجمة الباذخة، للمكتبة العربية كتاباً ُمتميزاً من جهة ور�صيناً من جهة �أخرى هو كتاب �أ�سطورة ال�شرق «� .»Mythos Orientأندريا�س بفلت�ش� ،أ�سطورة ال�شرق :رحلة ا�ستك�شاف، ترجمة :د� .إبراهيم �أبو ه�شه�ش ،ط ،1هيئة �أبو ظبي للثقافة والرتاث «كلمة».»2011« ، ف�أ ّما وجه مت ّيز هذا الكتاب فيتم ّث ُل يف كونه والغرب ..مواجهات و�سوء فهم ،و�صور ال متوت، ُيعاين حق ًال معرفي ًا مهم ًا هو حقل اال�ست�شراق و�صراع الثقافات ..ال�شرق والغرب والعوملة. الذي �أنتجته امل�ؤ�س�سة اال�ست�شراقية الغربية ع�ب�ر ق� ��رون ع ��دي ��دة و� �ص��اغ��ت م�ف��اه�ي�م��ه االفتتان بال�شرق و�أوهام املركزية و��ش� ّك�ل��ت �أدوات � ��ه .و�أ ّم� ��ا وج��ه ر��ص��ان��ة ه��ذا يقدّم الكاتب يف الق�سم الأول «مدخل» ُمقاربة الكتاب فتتج�سد يف كونه �أثر ًا علمي ًا يحتكم نقدية ت�سعى �إىل تعيني ال�شرق يف املُتخ ّيل �إىل م�صادر وم��راج��ع ومو�سوعات ب��ارزة .الغربي ،والربهنة على �أنّ هذا املُتخ ّيل يحتفظ ولهذين الوجهني يكت�سب هذا الكتاب �أهمية لل�شرق ب�صور ُمتناق�ضة؛ �إذ يح�ضر ال�شرق، ا�ستثنائية من �ش�أنها معاودة النظر يف �إنتاج يف املُتخ ّيل الغربي والت�ص ّور الأوروبي حتديد ًا اال�ست�شراق وتلقيه. بو�صفه �شرق ًا ُخراف ّي ًا يتج�سد يف بالد �سحرية �اين � مل ل أ ا الباحث الكتاب يعمل م��ؤ ّل��ف ه��ذا ُ �صوفية �أ�سطورية ت�ؤثثها م�شاه ُد احلكماء �أن��دري��ا���س بفلت�ش Andereas Pflitschذوي اللحى الطويلة وال�ع�م��ائ��م الطويلة حُما�ضر ًا للأدب العربي يف معهد الدرا�سات وال �ن �ظ��رات ال �� �ص��ارم��ة ،و� �ص��ور امل�ساجد ّ ال�سامية والعربية يف جامعة برلني احلرة ،والق�صور الفاتنة ،وجماعات املت�صوفة ً مو�سكو يف والعربي املقارن أدب ل ل ا ومدر�س والباحثني عن اهلل والدراوي�ش الراق�صني، وبون ودم�شق .وقد �صدر له يف جمال الأدب وامل �� �ص��اب �ي��ح ال �� �س �ح��ري��ة .ويف امل �ق��اب��ل نف�سه ب�صور مت� ّث��ل وجه ًا العربي كتاب عنوانه« :الأدب العربي ما بعد يحفل املُ�ت�خ� ّي� ُل ُ احلداثي» بالتعاون مع �أجنليكا نويفرت. خُمتلف ًا يتم ّثل يف الأ�صوليات الإ�سالمية، ّ أربعة � على أ�سا�سي ل ا بنائه يف الكتاب يقوم ُ واجلماعات الإرهابية املتطرفة ،والتطرف �أق�سام و�أبواب مرتابطة هي :مدخل ،وال�شرق ال�سيا�سي ،واال�ستبداد.
وزي� ��اد ًة على ذل��ك ،ف� ��إنّ ال�لاوع��ي الغربي يحتفظ لل�شرق ب�صور �أكرث غرائبية وتناق�ض ًا؛ ف�ف��ي ال���ش��رق يح�ض ُر ع��امل امل�ت�ع��ة بو�صفه ف�ضا ًء ح ّر ًا للفتنة والغرائز واحلوا�س حاف ًال مبجتمع اجلواري وعامل احلرمي ّ والنخا�سني واملُقينني ،ويف ال��وق��ت نف�سه حت�ض ُر �صور واحلجابني تحجبة وعامل احلجاب ّ امل��ر�أة املُ ّ الذي يج�سده ت�صور الإ�سالم املُعادي للمتعة. ومن جهة �أخرى حت�ض ُر �صو ُر البطولة املتم ّثلة فيما احتفظ به الغرب الأوروب��ي للإ�سالم؛ فيح�ضر ،يف ه��ذا امل �ق��ام ،البطل الفار�س ��ص�لاح ال��دي��ن الأي��وب��ي ال ��ذي �سطع جنمه يف زم��ن احل��روب ال�صليبية .ومبقابل هذه ال�صور ال�ساطعة حت�ضر �صور �أفول البطولة املتج�سدة يف �صور الف�ساد والديكتاتورية ّ املتمثلة يف �شخ�صيات �صدام ح�سني ،ومعمر القذايف ،وزين العابدين بن علي وغريهم. وح�سب �إندريا�س بفلت�ش ف�إنّ ما يهدد ال�شرق، يف املتخيل الغربي ،هو ال�صور املُتناق�ضة التي جتعل من وجهي ال�شرق املُ�شرق واملُعتم
ين�سربان �إىل ه��ذا ال��وع��ي وي��ؤث�ث��ان الوعيه اجلمعي ت�أثيث ًا ُمتناق�ض ًا يربهن على ا�ستحالة تعاي�ش الوجهني ومكوناتهما مع ًا. كما تتم ّثل �إ�شكالية ال�شرق يف تعيني موقعه؛ ذل��ك �أنّ ال�ث�ق��اف��ات والأدي � ��ان كلها ع �دّت نف�سها م��رك��ز ًا وجعلت م��ا �سواها هام�ش ًا وامتداد ًا لها .لقد وقع ذلك مع اجلغرافيني وال�لاه��وت �ي�ين وال�ف�لا��س�ف��ة ال��ذي��ن ح��اول��وا تع�سف ًا على ت�أ�سي�س ح�ضاراتهم ت�أ�سي�س ًا ُم ّ جهة ال�شرق بو�صفه «كيان ًا ثقاف ّي ًا �أو تعبري ًا ��ش��ام� ً لا ع��ن ك � ّل الثقافات ال�ت��ي تقع �شرق الغرب» .و�ضمن هذا الت�صور ف�إنّ ال�شرق ظ ّل ذا حدود ُمتغيرّ ة؛ ف�أر�سطو ،مث ًال ،مل يلحق اليونان ب�أوروبا بل عدّها و�سط ًا بني �أوروب��ا و�آ�سيا .وكذلك ظ � ّل ال�شرق ،يف امل ��أث��ورات التوراتية ،مرتبط ًا باجلغرافيا الواقعة �شرقي الأرا�ضي املقد�سة .كما �أنّ «اليونان و�أجزاء واقعة من البلقان» كانت ج��زء ًا من الدولة العثمانية التي متثل ج��زء ًا م��ن ال�شرق يف الإدراك الأوروبي «ال�شمايل الغربي». بيد �أنّ الغرب امل�ستند �إىل مركزية ُمتعالية يتحدد بو�صفه «عالمة �سيا�سية وثقافية ميت ّد من �أمريكا ال�شمالية عرب اجلزر الربيطان ّية وق��ارة �أوروب��ا»� ،أي �أن��ه غدا �شما ًال ،يف حني �أنّ «ال�شرق» ميتد �إىل اجلنوب ابتداء من غرب �إفريقيا مرور ًا ب�شبه اجلزيرة العربية، و�إي���ران ،وو��س��ط �آ�سيا ،والهند ،وال�صني، و�أندوني�سيا ،حتى اليابان». �إنّ �أ�سطورية ال�شرق تتمثل يف كون ال�شرق يت�ضمن حالة ملتب�سة من اخلطورة والإغراء، فالغرب ك� ّون �صوره عن ال�شرق عرب مئات ال���س�ن�ين ب �ت ��أث�ير م��ن ال �ع��وام��ل ال�سيا�سية والدينية وتاريخ العقل ومقوالت احلداثة. كما �أنّ الغرب �أنتج هذه ال�صور ليمنح ال�شرق فر�صة �أنْ يحيا ويك ّون هوية متمايزة ثقافي ًا و�سيا�سي ًا وديني ًا واقت�صادي ًا وهو ما مينحه م�سوغات ت�شكيل �صور م�ضادة تعزز مت ّيزه وتفوقه ال�شاملني. �أ ّما يف الواقع والتمثيالت ف�إنّ ال�شرق القائم من �ش�أنه تعطيل ال�شرق املُتخ ّيل؛ فالأوروبيون والغربيون عموم ًا يبحثون يف ال�شرق عن
ال�صور التي �أنتجها املُتخ ّيل الغربي املُتمثلة يف غرائبيته وعجائبيته يف حني �أنهم يجدون يف �أر�ض ال�شرق عامل ًا ال يكاد يق ّل عن الغرب واقع ّية وحداثة �شكلية الأمر الذي يعمل على �إرجاء ال�شرق املُتخيل وموا�صلة البحث عن ال�صور التي �أُنتجت له.
الإ�سالم والغرب
مي���ض��ي امل� ��ؤل ��ف ،يف ال�ق���س��م ال��ث��اين� ،إىل مالحقة العالمات والتحوالت التاريخية التي �أ�سهمت يف �صناعة �أ�سطورة ال�شرق ليقرر �أنّ الغرب عمد �إىل �إنتاج ت�أويالت تاريخية تطابق فر�ضيات احل��داث��ة ال�ت��ي �أنتجها، وذلك عندما حتدث عن ال�صراع الديني بني الغرب والإ�سالم بعد فتح �صقلية و�إ�سبانيا. ولنفي هذه الر�ؤية مي�ضي بفلت�ش �إىل البحث يف طبيعة عالقة ال�شرق بالغرب وا�ستخراج قيم العي�ش امل�شرتك املتمثلة ّ مو�ضح ًا �أنّ امل��ؤرخ�ين �أ�سهموا يف �إن�ت��اج �صورة عدائية للإ�سالم بت�أثري من الأ�صولية امل�سيحية التي قادت احلروب ال�صليبية التي ا�ستغ ّلت قيم الفرو�سية لدى النبالء العاطلني عن العمل. و�ضمن هذا ال�سياق يرى بفلت�ش �أنّ ال�صور العدائية التي �أنتجها الغرب حول الإ�سالم مل تتكون م��ن ��ش�ه��ادات واقعية لأ�شخا�ص
وجماعات و�إمن��ا �صنعها �أ�شخا�ص يجل�سون على منا�ضد الكتابة كانوا يحر�ضون على الإ� �س�لام وي���س� ّوغ��ون انت�شاره ب�ك��ون النبي حممد كان يخاطب غرائز النا�س الدنيا. وي�ت��اب��ع بفلت�ش ت�شكيل ��ص��ور ال���ش��رق عند الرحالة الذين بالغوا ولفقوا امل�شاهد حول ّ ال�شرق ملنح رحالتهم �أهمية وكتبهم انت�شار ًا ف�ض ًال عن معرفتهم بحنني ال�شعوب الأوروبية �إىل الت�ش ّبع ب�صور غرائبية و�أ�سطورية ،من الرحالة �ضمنوا رحالتهم م�شاهد ذلك �أنّ ّ ادع��وا ر�ؤيتها تتمثل يف �أ�شخا�ص ن�صفهم �إناث ون�صفهم الآخر ذكور ،و�آدميني بر�ؤو�س كالب ،ورجال ب�أذناب. هكذا يح�ضر ال�شرق يف املتخيل الغربي ���ش��رق�� ًا روح ��ان� � ّي� � ًا غ�ي�ر ع� �ق�ل�ا ّ ين ميتلئ باخلرافات والعجائبية والغرائز والعنف واملفا�سد� .أ ّما الكتاب املقد�س فيعاظم من �صور ال�شرق وب��داوت��ه ورعويته وه��ي �صور كفيلة بتفعيل املتخيل الغربي و��ش� ّده �إىل ال�شرق وت�أجيج حنينه �إليه. وي� �ن ��درج يف م��وق��ف ال� �غ ��رب م ��ن ال �� �ش��رق مالحظات الدار�سني والنقاد والباحثني من ن�ص مم ّل القر�آن الكرمي ،فقد ذهبوا �إىل �أنه ّ ذو لغة ممطوطة ،يكرث فيه التكرار واحل�شو واملبالغات املجازية .وباجلملة ف ��إنّ ال ّن�ص ن�ص لل�سماع والتالوة القر�آين ،ح�سب الغربّ ، ن�ص ًا للقراءة واملعرفة� .أ ّم��ا الت�ص ّوف ولي�س ّ الإ�سالمي فيمثل ،عند الغربيني ،هياج ال�شرق الديني ووح�شيته وهو�سه وهياجنه وال عقالنيته وتوقه �إىل اخليال واملجهول .ولذلك كله ،ف�إنّ ال�شرقيني ،وبت�أثري هذه امل�ؤثرات والفواعل، يت�صرفون بطبيعة غرائزية ،وه��و يعي�شون احلياة ا�ستناد ًا �إىل خياالتهم ال حقائقهم. وباجلملة ف�إنّ امل�ؤلف يرى �أنّ �صور الغرب عن ال�شرق هي التي �أدت �إىل احلكم على الإ�سالم بالعنف والف�ساد والغرائزية والالعقالنية، ولذلك ف�إنّ على الغرب� ،إذا ما �أراد �إعادة بناء عالقة متوازنة مع العامل الإ�سالمي، �أنْ ي�سهم يف ح ّل م�شكالته املتمثلة يف غياب العدالة االجتماعية ،والب�ؤ�س االقت�صادي، واال�ضطهاد ال�سيا�سي
همزة وصل 144 الـعــــدد 158 ديسمبر
2012
إثراء للبحث ولي�س انتقا�ص ًا منه � ً
تصويبات ومراجعات في «األمثال الحسانية» احل�سني ولد حميد يف العددين يونيو 152و�أغ�سط�س 154من جملة «تراث» قدم الباحث املغربي د� .أبو زيد الغلى درا�ستني عن الأمثال احل�سانية ،الأوىل بعنوان «منظومة القيم يف الأمثال احل�سانية» والثانية بعنوان «الإبل يف الثقافة ال�شعبية ،الأمثال احل�سانية منوذجاً».
وم��ع �أن الباحث ك��ان موفق ًا يف ط��رق هذا اجلانب من الرتاث املجهول بالن�سبة للبع�ض واملن�سي بالن�سبة للبع�ض الآخر ،وبالرغم من احرتافية وجودة العمل الذي قدمه ف�إن هذا المينعني من تقدمي بع�ض املالحظات على العمل الرائع ال��ذي قدمه ،هذه املالحظات ال �أعتربها نقد ًا بقدر ما اعتربها تكملة و
�إ�ضافة ال يخلو �أي عمل من احلاجة �إليها. �أو ً ال :ق��دم ال�ب��اح��ث الكثري م��ن الأم �ث��ال احل�سانية الرائعة الدالة على العالقة الأبدية والتفاعلية بني الإن�سان وبيئته ،لكنه مل يقدم تعريف ًا للهجة احل�سانية ومل يقم بتحديد الأقاليم وال�شعوب الناطقة بها لكي يكون القارئ على دراية باحليز اجلغرايف والب�شري
للعمل الذي يقوم بقراءته خا�صة �أن اللهجة احل�سانية ال تعطي من خالل اال�سم عالقة وا�ضحة بينها وبني من يتكلمونها ،فنحن مث ًال عندما نقول اللهجة امل���ص��ري��ة �أو اجل��زائ��ري��ة �سيفهم ال �ق��ارئ ب��ال�ب��داه��ة �أن �ن��ا نعني اللهجة املنطوقة يف م�صر واجلزائر بينما احلال ال ينطبق على
اللهجة احل�سانية .فكان من ال�لازم القول ب�أن اللهجة احل�سانية هي اللهجة املنطوقة على طول احليز اجلغرايف املمتد من جنوب املغرب م��رور ًا مبوريتانيا �إىل بع�ض �أج��زاء مايل �أي اللهجة التي يتكلم بها «البيظان» وهي خليط بني اللغة العربية يف �أغلبه وبني الأمازيغية والآزيرية،التي هي بدورها خليط من الأمازيغية ولهجة ال�ساراقوال الزجنية. ث��ان�ي�اً :يف املثل ال��ذي قدمه الباحث «كله يرجع لأ�صلو» حيث كتب «تف�صيحه �أن الفرد يرجع لأ�صله وال مراء يف �أن للن�سب �أهمية بالغة يف الثقافة احل�سانية ال تقل عن مركزه يف الثقافة العربية الإ�سالمية التي �أ�س�ست قواعد عديدة مرتبطة بالن�سب تت�صل بقانون الأ�سرة بناء ومتلك ًا ،ويفهم من منطوق املثل الآنف تبعية الفرع للأ�صل تبعية ين�ش�أعنها �أن الولد يف الثقافة احل�سانية ينت�سب للأب ويتخذ منه ا�سمه العائلي خ�لاف� ًا لبع�ض ال�ث�ق��اف��ات ال�ت��ي يتم فيها االن�ت���س��اب ل�ل�أم ك�صنهاجة مث ًال ،وحتى �إذا تنكر الولد لأبيه ف�إنه ي�ستنكف عن االنت�ساب لأمه ،وقد قيل �إن �أحد �أبناء �أم��راء بني ح�سان غ�ضب من والده فان�شد:
اىل ري ��ت اظ �ل �ي��م ب� ��ارك وي ��زمي ذاك ب � ��راه� � �ي � ��م ول � � � ��د ب� ��راه � �ي� ��م تف�صيحه �إذا ر�أيتم ظليم ًا �أي ذك��ر النعام وق��د برك �أو وج��م ف��ذال��ك براهيم ول��د ب��راه �ي��م� ،أي �أن��ه ن �� �س��ب ن �ف �� �س��ه لنف�سه حتى الينت�سب لأبيه �أو يعري بانت�سابه لأم��ه». واحلقيقة �أن هذا امل�ث��ل «ك�ل��ه يرجع لأ�� �ص� �ل ��و» الي�ع�ن��ي ت�ب�ع�ي��ة الإن �� �س��ان من حيث االنت�ساب لأبيه لأن ه��ذا ال يحتاج �إىل �أمثلة ،كما �أن
انت�ساب بع�ض �آح��اد �صنهاجة لأمهاتهم لي�س قاعدة و�إمنا لتمييزهم عن بع�ض بني عمومتهم الذين يحملون نف�س اال�سم ونف�س ا�سم الأب ،وال عالقة له بتات ًا باالنت�ساب �إىل الأخ��وال�.أم��ا البيت �أو «ال�ق��اف» الذي �أورده للداللة فقائله هو براهيم ولد بكار ولد ا�سويد �أحمد ابن �أمري ادوعي�ش وهي �إمارة �صنهاجية موريتانية معروفة ولي�س من بني ح�سان ولكن يف ما يبدو �أن الباحث ال يفرق بني احل�سانية كلهجة ينطق بها احل�ساين ن�سب ًا وغري احل�ساين وبني بني ح�سان الذين هم قبائل بعينها. �أم��ا املثل «كله يرجع ل�صلو» فال يعني كما �أ�سلفنا انت�ساب الإن�سان لأبيه ،بل يعني �أن الإن�سان البد و�أن ي�سلك نف�س م�سلك �أ�سالفه وحتى �إن مل يفعل يف بداية حياته فال بد له من العودة �إليها. ث��ال�ث�اً :يف املثل «اللي خلف م��ام��ات» حيث يقول «�أي من ترك خلف ًا له مل ميت وعطف ًا على ذال��ك ميكن �أن نتفهم عمق املعاناة واجل��زع ال��ذي يتكبده العقيم �أو العاقر �إذ �أنه ي�شعر ب�ضيق الدنيا رغم �سعتها وبالغربة وال��وح��دة رغ��م ك�ثرة م��ن فيها م��ن الب�شر، فهذا داوود عليه ال�سالم يدعو ربه �أن اليذره وحيد ًا من غري ن�سل الحق به «رب التذرين فرد ًا و�أنت خري الوارثني» ،ولعل هذا ال�شعور بالوحدة هو الذي �أنتج �أمثا ًال تطفح مب�شاعر اخليبة وا�ست�شعار ال�سلبية من قبيل «لوحيد ما عند ما يريد» �أي �أن الوحيد فاقد الإرادة بل �إن ال�شعور باالمتداد بوجود الولد وال�شعور بالوحدة عند انعدامه ال يبقى حبي�س الف�ؤاد بل ينعك�س على مر�آة واقع الأ�سرة». الواقع �أن ال��ذي دعا ربه يف الآي��ة الكرمية ال�سابقة هو النبي زكريا عليه ال�سالم ولي�س داوود عليه ال�سالم ،كما �أن املثل «لوحيد ما عند ما يريد». ً لي�س م �ث� ً لا ح���س��ان�ي�ا وح �ت��ى �إذا جت��اوزن��ا عباراته غري احل�سانية ف�إن داللته ال تبدو متنا�سقة ،فما هو الرابط بني كون الإن�سان وحيد ًا وعدم ح�صوله على ما يريد.
رابعاً :يف املثل «حلوار ما يتبع لغروز» حيث ي�ق��ول �إن احل ��وار ل��ن يتبع �إال ن��اق��ة حلوب ًا وي�ستحيل �أن يلتم�س اللنب يف �ضرع قد جف. واحل��وار هو �صغري الناقة ال��ذي �إذا فرق بينها وبينه بكت وحنت للقائه وفق امل�شهد ال��ذي ي�صفه �أح��د ال�شعراء احل�سانني �إذ ي�ق��ول :بكاين ح�س حنينها فلبل م��ارات حوارها والواقع �أن املثل هنا و�إن كانت رم��وزه من ال ��دواب فهو ي�ضرب ال�ستحالة �أن يكون للبخيل �أت �ب��اع �أي �أن الإن �� �س��ان اليتبع �أو ي�صادق �إال من كان ذا نفع. لكن وم��ع ه��ذه املالحظات ال�سابقة يبقى ال�ع�م��ل ال ��ذي ق��دم��ه ال�ب��اح��ث ع�م� ً لا رائ�ع� ًا �سواء من حيث املو�ضوع الذي اختاره �أو من حيث طريقة التناول ،وورود بع�ض الأخطاء فيه الينق�ص من جودته وقيمته و�إن كان الباحث قد قدم هذا العمل خدمة للثقافة احل�سانية –م�شكور ًا -فلي�ست مالحظاتي �أنا الآخر �إال تكملة ملجهوده الطيب و�إ�ضافة ر�أيت �أنها �ضرورية
كلمات مضيئة يف الذكرى احلادية والأربعني لقيام احتاد دولة الإمارات العربية املتحدة ،ن�ستح�ضر هنا باقة من �أقوال املغفور له ب�إذن اهلل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان ،التي حتدد مالمح الر�ؤية التي ت�أ�س�ست عليها التجربة الوحدوية العربية الأهم يف التاريخ احلديث: « �إن طريق امل�صلحة امل�شرتكة قادنا يف النهاية �إىل قيام دولة الإمارات العربية املتحدة » . «�إن االحتاد كدولة وكيان �أمر تخطى الأحداث واملواقف مهما كربت فاالحتاد باق �إىل يوم احل�شر». «�إن جتربتنا الوحدوية يف دولة الإمارات هي الربهان ال�ساطع على �أن الوحدة والت�آزر هما م�صدر كل قوة ورفعة وفخر». «�إن االحتاد ما قام �إال جت�سيداً عملياً لرغبات و�أماين وتطلعات �شعب الإمارات الواحد يف بناء جمتمع حر كرمي يتمتع باملنعة والعزة ،وبناء م�ستقبل م�شرق و�ضاح ترفرف فوقه راية العدالة واحلق ،وليكون رائداً ونواة لوحدة عربية �شاملة ». «�إن الوحدة العربية التي تعترب دولة الإمارات نواتها لي�ست حلماً �أو �ضرباً من اخليال بل واقع وقدر هذه الأمة ميكن حتقيقه �إذا �صدقت النوايا وتفاعلت الأماين والطموحات بامل�ساعي والعمل ». «�إن االحتاد هو ال�سبيل الوحيد لتحقيق الأمن واال�ستقرار ل�شعبنا وحماية مقدراتنا وتوفري احلياة الأف�ضل ملواطنينا مبا يكفل مواجهة الأطماع التي حتيط بنا من كل القوى املت�صارعة». «�إن االحتاد يزداد قوة بقوة العرب ،كما �أنه ي�ستمد وجوده من وجود الأمة العربية وعزميتها ». «�إن جتربتنا الوحدوية التي متت بعون اهلل وم�شيئته والتي مازالت مت�ضي قدماً �إىل الأمام جت�سد جناحاً يدح�ض مواقف املت�شككني يف �إمكانية قيام �إي احتاد بني �أجزاء الوطن العربي». «�إن تر�سيخ دعائم االحتاد وتوطيد �أركانه وتعزيز
«ونحن الذين رسمنا خطة االحتاد ،مل يكن ذلك عن خربة وإمنا عن إميان بأمتنا :إميان بالوطن ،إميان بضرورة الوحدة، ورغبة يف حتقيق املصلحة ،التي ال تدرك إال باالحتاد» . زايد بن سلطان آل نهيان
ا�ستقراره وحتقيق تقدميه يف جميع امليادين �ضرورة وطنية وقومية ،ت�ؤكدها الروابط الوطنية وامل�صري امل�شرتك ومتليها الظروف والأو�ضاع الدولية املحيطة بنا والتحديات التي نواجهها ،مما يفر�ض علينا جميعاً قادة وحكومة و�شعباً �أن نكون على م�ستوى هذه امل�س�ؤولية». «�إنني على ا�ستعداد لأن �أعطي �أكرث مما �أعطيت؛ �أعطي لأحافظ على مكا�سب املواطنني� ،أعطي الوطن الذي كرب ومنا� .أعطي لأحافظ على ا�ستقالل كيان االحتاد من �أجل هذا اجليل والأجيال القادمة� .س�أعطي كل ما �أملك وما �أقدر عليه من �أجل هذه الأر�ض وهذا ال�شعب ..ال �شيء عندي غال بالن�سبة للوطن واملواطن و�س�أكافح من �أجل هذا» . «لقد خرجت طالئع �شعبنا الويف تتقدمه قياداته الوطنية متمثلة يف حكامه و�أبنائه املخل�صني ليغر�سوا نبتاً طيباً طاهراً يف �أر�ض طيبة طاهرة وليعلنوا على امللأ �أن هنا �شعباً وفياً واحداً التقت �إرادته و�صح عزمه و�سلك طريقه لتحقيق �أمنية غالية طاملا طافت ب�أحالمنا وا�ستقرت يف �ضمائرنا وها نحن الآن جميعاً �أبناء بلد واحد تظلنا املحبة والإخاء ،وترعانا وت�شملنا عناية اهلل عز وجل». « �إن التجربة االحتادية لي�ست وليدة وقتها بل هي ع�صارة قرون». « االحتاد هو م�صلحة الأمة بكاملها �سواء يف �أمنها �أو اقت�صادها». « �إن �أهم �إجنازات االحتاد يف نظري هي �إ�سعاد املجتمع عن طريق توفري جميع �سبل الرفاهية والتقدم لهذا ال�شعب » . « لقد حتققت هذه الإجنازات لتالقي �إرادتنا جميعاً على دعم االحتاد ».
صدر مع مجلة تراث خالل عام 2012م اليمن ،1929انطباعات ومشاهدات البعثة السوفيتية األملانية السينامئية ،ترجمة د .سعيد دبعي تعدد الرواية يف الشعر الجاهيل ،د .أمين بكر ذاكرة الطني ،شواهد من الرتاث املعامري والعسكري يف مدينة العني ،د .محمد فاتح صالح زعل حكمة األجداد يف تراث مجتمع اإلمارات دراسة سوسيولوجية يف األمثال الشعبية ،د .أحمد محمود الخليل تأريخ القدامى للشعر إىل نهاية القرن الرابع مدونة املرزباين أمنوذجاً ،د .محمد حبيبي اسرتاتيجية التأويل الداليل عند املعتزلة ,الدكتور هيثم رسحان التوجيه البالغي للقراءات القرآنية ،د .أحمد سعد محمد سعد رسائل البرشى يف السياحة بأملانيا وسويرسا عام ،1889حسن توفيق العدل مثرات ناضجات من جنان الشعر العريب ،د .عايدي عيل جمعة الفكر الرتبوي الرتايث الخطيب البغدادي أمنوذجاً ،للدكتور بوزيد الغىل النظم والتأويل يف الفكر البالغي العريب ،للدكتور محمد سعد شحاته
يـ�شـــدر كـل �شــهر
()7
ويوزع جمانـ ًا مع جمـلة تراث
هذا الكتاب
()6
هيثم �سرحان
ب��اح��ث �أك��ادمي��ي متخ�ص�ص يف ال�ب��اغ��ة وال�ن�ق��د الأدب� ��ي ،يعمل ح��ال�ي� ًا اأ� �س �ت��اذ ًا م���س��اع��د ًا بق�سم ال �ل �غ��ة ال �ع��رب �ي��ة وال ��درا�� �س ��ات الإ�سامية ،كلية الرتبية ،جامعة عني �سم�س ،م�سر. ل� ��ه ع � ��دة م� ��ؤل� �ف���ات يف جم ��ال ت �خ �� �س �� �س��ه ،م �ن �ه��ا (الأ�� �س����ل الباغية يف كتاب �سيب�يه واأثرها يف البحث الباغي)( ،التطبيق ال��ب��اغ��ي -امل� �ع ��اين وخ���ا���س الرتاكيب)( ،التطبيق الباغي ال �� �س���ر ال�ب�ي��ان�ي��ة) ،التطبيقال�ب��اغ��ي -ال���س���ر البديعية)، (نظرية الباغة العربية :درا�سة يف الأ�س�ل املعرفية) ،و(مدخل اإىل الباغة العربية).
استراتيجية التأويل الـداللي
د� .أحمد �سعد حممد �سعد
اقت�ست حكمة اهلل �سبحانه يف قراآنه الكرمي اأن تتغاير اأوج��ه ق��راءات��ه؛ لتي�سري ذك��ره يف التاوة ،والإيجاز يف ت�س�ير معانيه وا�ستيعاب اأحكامه ،وقيَّ�س لاهتمام بها ك�كب ًة من العلماء عُ ن�ا بنقلها والتثبُّت من رواياتها، كما عُ ن�ا بت�جيهها والحتجاج لها اأو بها ك ٌّل بح�سب ُمتَّجهه ومنزعه؛ فاتخذ منها اللغ�ي �ساهدًا على قاعدته اأو حجة ملذهبه ،واعت�سد بها الفقيه يف ا�ستنباط الأحكام اأو يف ترجيح حكم على اآخر ،وت��سَّ ل املتكلم ببع�س وج�هها يف اإثبات مذهبه اأو يف رد مذهب غريه ،وكانت و�سيلتهم جميعًا اإىل ذلك هي التحليل اللغ�ي والنح�ي لعنا�سرها. وبزغ من خال هذه الجتاهات يف الت�جيه اجت��ا ٌه اآخ��ر ك��ان يُعني بالبحث يف معانيها، وت�ل� ُّم����س الأوج � ��ه ال�ب��اغ�ي��ة امل��رتت �ب��ة على تغايرها واختافها ،حتى جعلها ابن اجلزري (ت832ه�) وال�سي�طي (ت 911ه�) وجهًا من وج�ه الإعجاز الباغي يف القراآن الكرمي. هذا الكتاب يتتبع الظ�اهر الباغية التي بثَّها علما ُء ال�سلف يف معر�س ت�جيههم للقراءات املت�اترة وغريها ،ور�سدها؛ ثم ال�ق�ف على طرائقهم يف الإ�سارة اإليها اأو حتليلها ،وبيان اأثرها يف البحث الباغي اخلال�س اأو تاأثرها به؛ حتى تقع بذلك م�قعها املنا�سب يف حركة تاأ�سيل الباغة وجتديدها.
الغي وجي ُه الب َ ِ التَّ ِ ق ْرآ ِنيَّةْ ات ال ُ لقرَا َء ِ ِل ِ
اإ�شدارات
2012
د� .أحمد �سعد حممد �سعد
هــديــــة مع جملة تراث