turath_159

Page 1

‫انطالق م�شروع‬ ‫«خليفةبلغات العامل»‬ ‫تراثية ثقافية منوعة ت�صدر عن نادي تــــــــــــــــراث الإمـارات العـدد ‪ 159‬يناير ‪2013‬‬

‫شيء جديم‬ ‫بس واااايد حلو‬ ‫إبل العزبة الذهبية‬ ‫حت�صد النوامي�س‬

‫السنافي‪..‬‬

‫رمز الت�صحية و�صمو الأخالق‬

‫النخلة ‪..‬‬

‫ملكة جمال ال�شجر‬ ‫يف ال�صعر العربي‬

‫وح ‪..‬‬ ‫ل َ ْبل ُ ْ‬

‫عادة ت�شمني ن�شاء ال�شحراء‬

‫د‪ .‬الطاهر مكي‪:‬‬

‫نظريات العوملة واحلداثة‬ ‫موجودة يف تراثنا‬

‫مع العدد‬ ‫كتاب‬ ‫الشهري‬

‫الرتاث فـي عيون النا�س‬


‫مهرجان سمو الشيخ‬

‫سلطان بن زايد آل نهيان‬ ‫لإلبل بسويحان‬

‫المسابقة الشعرية‬ ‫يرس بيت الشعر بأبوظبي اإلعالن عن املسابقة الشعرية املصاحبة ملهرجان سمو الشيخ‬ ‫سلطان بن زايد الرتايث لإلبل بسويحان يف الفرتة من ‪2013/2/15 - 2/1‬‬

‫رشوط املسابقة‪:‬‬

‫‪ -1‬املشاركة بقصيدة ال تقل عن ‪ 15‬بيتاً وال تزيد عن ‪ 20‬بيتاً‪.‬‬ ‫‪ -2‬موضوع القصيدة يتكون من جزئني‪ :‬األول افتتاحية عن املهرجان والثاين وصف املحليات‬ ‫األصايل وجاملها ويفضل أن تكون القصيدة عىل البحور اآلتية (الونّة ‪ -‬الردحة ‪-‬التغرودة)‪.‬‬ ‫‪ -3‬املسابقة مفتوحة للشعراء والشاعرات من كافة األعامر‪.‬‬ ‫‪ -4‬املسابقة حرصاً ملواطني دولة اإلمارات العربية املتحدة‪.‬‬ ‫‪ -5‬أن تكون القصيدة جديدة من إبداع الشاعر نفسه ومل يسبق له االشرتاك بها يف أي مسابقة‬ ‫أخرى ومل تنرش يف أي وسيلة أو جهة إعالمية‪.‬‬ ‫‪ -6‬سيتم دعوة الفائزين إللقاء قصائدهم أمام اللجنة املرشفة عىل املسابقة‪.‬‬ ‫‪ -7‬سيتم منح الفائزين الخمسة األوائل جوائز قيمة‪.‬‬ ‫‪ -8‬ستنرش القصائد الفائزة يف كتيب سيوزع خالل املهرجان‪.‬‬ ‫للتواصل‪050 2365805 :‬‬

‫تسلم القصائد باليد يف موعد أقصاه يوم األحد ‪ 2013/1/13‬مبقر مركز زايد للدراسات والبحوث‪،‬‬ ‫(بيت الشعر) يف البطني‪ ،‬خلف مرصف أبوظبي اإلسالمي‪ .‬خالل الدوام الرسمي للمركز من الساعة‬ ‫‪ 8:00‬صباحا ‪ 3:00 -‬عرصاً أو عن طريق الربيد اإللكرتوين‪ .‬التايل‪house.of.p2012@gmail.com :‬‬


‫صوت من المستقبل‬ ‫ال أحب الكتب ألنني زاهد يف احلياة‪ ،‬ولكنني أحب الكتب ألن حياة‬ ‫واحدة ال تكفيني‪ ،‬ومهما يأكل اإلنسان فإنه لن يأكل بأكرث‬ ‫من معدة واحدة‪ ،‬ومهما يلبس فإنه لن يلبس على غري جسد‬ ‫واحد‪ ،‬ومهما ينتقل يف البالد فإنه لن يستطيع أن يحل يف‬ ‫مكانني‪ .‬ولكنه بزاد الفكر والشعور واخليال يستطيع أن يجمع‬ ‫احليوات يف عمر واحد‪ ،‬ويستطيع أن يضاعف فكره وشعوره‬ ‫وخياله‪ ،‬كما يتضاعف الشعور باحلب املتبادل‪،‬‬ ‫وتتضاعف الصورة بني مرآتني ‪.‬‬

‫عباس حممود العقاد‬


‫محتويات العدد‬ ‫تراثية ثقافية منوعة‬ ‫ت�صدر عن‬ ‫مركز زايد للدرا�سات والبحوث‬ ‫بنادي تراث الإمارات‬

‫امل�شرف العام‬

‫د‪ .‬را�شد �أحمد املزروعي‬ ‫مدير التحرير‬

‫وليد عالء الدين‬ ‫�سكرتري التحرير‬

‫حممــد �سعد النمـــر‬ ‫هيئة التحرير‬

‫�شـم�سـة حـمـد الظاهـري‬ ‫فاطمة نايع املـنـ�صـوري‬ ‫موزة عوي�ص الدرعي‬ ‫ناجية الكتبي‬ ‫املديـر الفنـي‬

‫فــواز نـاظــم‬ ‫ر�س ــوم‬

‫حـ�سـن �إدلـبـي‬ ‫حممد بريم‬ ‫�أدهم العك�ش‬ ‫الإخراج والت�صميم‬

‫�إيـنـا�س درويـ�ش‬ ‫هـاتف‪00971 2 2223000 :‬‬ ‫فـاك�س‪00971 2 6651115 :‬‬ ‫�ص‪.‬ب‪� :‬أبو ظبي ‪27765‬‬

‫‪Email: turathmag1@gmail.com‬‬

‫مدير التحرير‬

‫‪waleedalaa@hotmail.com‬‬

‫�أبوظبي للإعالم ‪ -‬توزيع‬

‫الرقم املجاين‪8002220 :‬‬ ‫لالت�صال من اخلارج ‪00971 2 4145000 :‬‬ ‫فاك�س ‪00971 2 4145050 :‬‬ ‫‪distribution@admedia.ae‬‬

‫تراث ال�شهر‪ :‬ت�ألقت العزبة الذهبية لإبل �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو‬ ‫‪14‬‬ ‫رئي�س الدولة رئي�س نادي تراث الإمارات و�أجناله‪ ،‬يف فعاليات الدورة ال�ساد�سة ملهرجان الظفرة ملزاينة‬ ‫الإبل الذي نظمته ال�شهر الفائت هيئة �أبوظبي للثقافة والرتاث يف مدينة زايد يف املنطقة الغربية‪ .‬وحتى مثول‬ ‫املجلة للطباعة‪ ،‬ت�صدرت �إبل العزبة الذهبية عدد ًا كبري ًا من م�سابقات املزاينة وح�صدت النوامي�س وحظيت‬ ‫بن�صيب وافر من تر�شيحات اجلمهور وخرباء املزاينات الذين ر�أوا �أن ا�شرتاك العزبة الذهبية اململوكة ل�سمو‬ ‫ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان يف حد ذاته نامو�س وت�شجيع من القيادة احلكيمة التي تدعم تراث الأجداد‬ ‫وهوايات الأحفاد ا�ستمرار ًا لنهج املغفور له ب�إذن اهلل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان طيب اهلل ثراه ‪.‬‬ ‫الغالف ‪ :‬ال خالف على �أن مهمة غر�س الرتاث يف نفو�س الأوالد والبنات ت�أتي �ضمن �أولويات العديد‬ ‫‪34‬‬ ‫من اجلهات الر�سمية والأهلية‪ ،‬لكن هل ا�ستطاع م�صطلح الرتاث �أن يتخذ مكانة وا�ضحة بني �أفراد‬ ‫املجتمعات العربية‪ ،‬و�أن يكت�سب ذلك احل�ضور املنظم الذي ينعك�س على �أدائهم يف حياتهم اليومية؟‪.‬‬ ‫الزميل حممد النمر اخترب هذه الفر�ضية عرب توجيه �س�ؤال (ماذا تعني لك كلمة تراث؟) لعينة ع�شوائية‬ ‫�ضمت خمتلف فئات وطبقات املجتمع يف الإمارات على اختالف �أعمارهم وانتماءاتهم وخلفياتهم الثقافية‬ ‫والفكرية‪ .‬مكتفي ًا باالنطباع الأول لكل �شخ�ص لأنه الوحيد الذي يلم�س ال�صورة الذهنية املطبوعة يف عقله‬ ‫عن الرتاث‪ .‬وكانت النتيجة مثرية للده�شة والت�سا�ؤل �إىل حد كبري‪.‬‬ ‫�ساحة احلوار‪ :‬قال الباحث واملحقق ال�شهري الدكتور الطاهر مكي �إن تراثنا العربي زاخر ب�آالف‬ ‫‪44‬‬ ‫املخطوطات العلمية يف الطب وال�صيدلة والفلك والكيمياء والزراعة‪ ،‬مما قد يت�ضمن نواة الكت�شاف‬ ‫علمي جديد �أو فتح الطريق �أمام اخرتاع ما‪ ،‬وا�ضاف �أننا للأ�سف ال نقر�أه وال نن�شره وال تعرف كليات الطب‬ ‫عندنا �شيئ ًا عنه‪ ،‬بينما يفعل الغرب ذلك ويفوز بالأ�سبقية والأولوية يف الو�صل �إىل تلك املكت�شفات‪ ،‬وا�ضاف‬ ‫يف حواره مع ال�صحايف خالد بيومي من القاهرة �إن املخطوطات العربية ما زالت موزعة يف العامل ومل يحاول‬ ‫�أحد �أن يح�صيها‪ ،‬ملقي ًا اللوم على امل�ؤ�س�سات العربية التي و�صفها بامل�ؤ�س�سات الورقية‪ ،‬وقال �إن هناك من‬ ‫يحاول �أن يهيل الرتاب على دور العرب وامل�سلمني يف تقدم احل�ضارة العاملية‪ ،‬الفت ًا �إىل دور امل�ست�شرقني يف‬ ‫هذا ال�صدد م�صنف ًا توجهاتهم وانتماءاتهم‪.‬‬ ‫ارتياد الآفاق ‪« :‬لقد �سنحت يل الفر�صة �أن �أزور دولة الإمارات العربية املتحدة‪ ،‬هذه الدولة العربية‬ ‫‪60‬‬ ‫الإ�سالمية التي �سمعت و�شاهدت عنها الكثري من الأ�شياء املميزة يف ن�شرات الأخبار‪ ،‬لكن الواقع كان‬ ‫�أجمل و�أرقى بكثري مما تقدمه قنوات التلفزيون‪ ،‬لقد وجدت دولة عاملية بكل املقايي�س‪ ،‬و�أنا�سا يف �أعلى‬ ‫درجات الإن�سانية والرقي‪ ،‬فكان �إح�سا�سي نحو هذه الدولة وحكامها ومواطنيها ومعمارها وكل �شيء فيها‬ ‫تلخ�صه كلمة واحدة‪� ،‬إنها ‪:‬االنبهار»‪ .‬هكذا ا�ستهل الباحث الأكادميي املغربي موالي حممد ا�سماعيلي كتابته‬ ‫حول رحلته املعا�صرة التي قام بها �إىل دولة الإمارات‪ ،‬م�سج ًال م�شاهداته ومالحظاته على هذه الدولة‬ ‫العربية التي جنحت يف �أن تقدم نف�سها �أمنوذج ًا ح�ضاري ًا مثري ًا للإعجاب‪.‬‬ ‫املحكي �شعراً ‪ :‬يعد ال�شاعر حممد بن �صقر بن جمعه‪ ،‬ال�شهري بابن �صنقور‪ ،‬من كبار �شعراء النبط يف‬ ‫‪72‬‬ ‫الإمارات وهو �أكربهم �سن ًا‪ ،‬عا�صر حتوالت احلياة يف الدولة منذ الع�شرينيات وكان �شاهد ًا على مراحل‬ ‫نه�ضتها‪ ،‬وقد طرق ابن �صنقور معظم �أبواب ال�شعر النبطي كالغزل واملديح وال�شكاوى واالجتماعيات و�أجاد‬ ‫الردح والونة وا�شتهر بالق�صائد املربوعة واملثلوثة‪ ،‬الباحث الدكتور را�شد �أحمد املزروعي يعرفنا بابن �صنقور‬ ‫الذين ي�صفه بالذاكرة الثقافية الرتاثية احلية‪ ،‬ويختار مناذج من �أ�شعاره يف زاوية املحكي �شعر ًا‪.‬‬ ‫قال الراوي‪ :‬ال�سنايف‪ ،‬منزلة رفيعة ال تقل عن ال�سهى �أو الرثيا يف نف�س العربي البدوي‪ .‬فمن هو‬ ‫‪98‬‬ ‫ال�سنايف؟ وما هي �صفاته؟ وهل هو حقيقة �أم خيال؟ �أم جمرد ق�صة تتداولها املجال�س حتى �أ�صبحت‬ ‫كاخلرافات التي تعج بها الثقافة العربية؟ ت�سا�ؤالت يجيب عليها الباحث �سرور خليفة الكعبي يف زاوية قال‬ ‫الراوي‪.‬‬ ‫‪ 110‬مدن ‪� :‬شهدت جزيرة �أبوظبي – امل�ستوطنة اجلديدة على ال�ساحل‪ -‬يف القرن الثامن ع�شر ‪ -‬ومنذ‬ ‫اكت�شاف املاء فيها عام ‪ - 1761‬منو ًا مت�سارع ًا يف جوانب متعددة منها ما كان �سيا�سي ًا و�آخر اقت�صادي ًا‬ ‫واجتماعي ًا‪ ،‬رحلة �شائقة من الندرة �إىل الوفرة مرت بها �إمارة �أبوظبي منذ بداية ظهور حياة �شبه م�ستقرة‬ ‫فيها و�صو ًال �إىل النموذج الراهن الذي ما كان لهذه الإمارة �أن ت�صل �إليه �إال بف�ضل ال�سيا�سة احلكيمة التي‬ ‫انتهجها �شيوخ �آل نهيان يف �إدارتهم ل�ش�ؤون �إمارتهم‪ ،‬قراءة تاريخية للحياة االقت�صادية لإمارة �أبوظبي‬ ‫تقدمها لنا الباحثة موزة عوي�ص الدرعي‪.‬‬


‫‪60‬‬

‫يا هال‬

‫ي‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ال‬

‫التراث الحي‬

‫‪72‬‬

‫‪52‬‬

‫‪138‬‬

‫سعر النسخة‬

‫الإمارات العربية املتحدة ‪ 10‬دراهم ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية ‪ 10‬رياالت‬ ‫ الكويت دينار واحد ‪� -‬سلطنة عمان ‪ 800‬بي�سة ‪ -‬قطر ‪ 10‬رياالت ‪-‬‬‫مملكة البحرين دينار واحد ‪ -‬اليمن ‪ 200‬ريال ‪ -‬م�صر ‪ 5‬جنيهات ‪-‬‬ ‫ال�سودان ‪ 250‬جنيهاً ‪ -‬لبنان ‪ 5000‬لرية ‪� -‬سورية ‪ 100‬لرية ‪ -‬اململكة‬ ‫الإردنية الها�شمية ديناران ‪ -‬العراق‪ 2500 :‬دينار ‪ -‬فل�سطني ديناران ‪-‬‬ ‫اململكة املغربية ‪ 20‬درهماً ‪ -‬اجلماهريية الليبية ‪ 4‬دنانري ‪ -‬اجلمهورية‬ ‫التون�سية ديناران ‪ -‬بريطانيا ‪ 3‬جنيهات ‪� -‬سوي�سرا ‪ 7‬فرنكات ‪ -‬دول‬ ‫االحتاد الأوروبي ‪ 4‬يورو ‪ -‬الواليات املتحدة الأمريكية وكندا ‪ 5‬دوالرات‪.‬‬ ‫االشتراكات‬

‫للأفراد داخل الدولة‪ »100« :‬درهم ‪ /‬للأفراد من خارج الدولة‪»150« :‬‬ ‫درهماً ‪ /‬للم�ؤ�س�سات داخل الدولة‪ »150« :‬درهماً ‪ /‬للم�ؤ�س�سات من‬ ‫خارج الدولة‪ »200« :‬درهم‪.‬‬

‫املراجع حل�صاد العام املا�ضي‪ ،‬على حمور الرتاث يف دولة الإمارات‪ ،‬البد و�أن ي�شعر‬ ‫مبزيج من ال�سعادة والر�ضا‪ ،‬فقد حفلت �أجندة فعاليات عام ‪ 2012‬بقدر كبري من‬ ‫الأن�شطة املنوعة التي ا�ستهدفت �إحياء دور الرتاث يف احلياة و�إخراجه من حيز االحتفاء‬ ‫�إىل حيز االنتفاع‪ ،‬باعتباره حمتوى فكري وثقايف و�أخالقي وقيمي حي‪ ،‬كفيل باحلفاظ‬ ‫على الهوية الأ�صيلة لهذا البلد‪ ،‬وتزويد �أبنائه –خا�صة الأجيال اجلديدة‪ -‬بالعديد من‬ ‫�أ�سباب االعتزاز والفخر بكينونتهم والتم�سك مبالمح هويتهم بينما هم ما�ضني ‪-‬بعزمية‬ ‫�شهد لها العامل‪ -‬نحو التفاعل مع احل�ضارة احلديثة والأخذ ب�أ�سباب تقدم العامل املعا�صر‬ ‫�سواء يف العلوم �أوالآداب ‪ .‬وكعادته‪ ،‬كان نادي تراث الإمارات يف �أبوظبي �صاحب �سبق‬ ‫يف تقدمي باقة منوعة من الن�شاطات والفعاليات ذات ال�صبغة العملية‪ ،‬التي تفتح الباب‬ ‫وا�سع ًا �أمام الأجيال اجلديدة ملعاي�شة هذا الرتاث والتفاعل معه ب�صورة �إيجابية‪ ،‬بعيد ًا‬ ‫عن الأ�ساليب التقليدية التي جتاوزتها عقليات تلك الأجيال اجلديدة من ال�شباب‪ ،‬ومن‬ ‫�أبرز الأمثلة على ذلك تلك الفعاليات امليدانية التي تتحول معها الريا�ضات الرتاثية‬ ‫والألعاب ال�شعبية من جمرد ذكريات من ما�ضي الأجداد �إىل ميادين �سباق حقيقية‬ ‫يتدافع ال�شباب من �أجل �إثبات جدارتهم و�إحراز ق�صب ال�سبق فيها‪ ،‬خذ مثا ًال �سباقات‬ ‫الفرو�سية ب�أنواعها‪ ،‬و�سباقات الهجن ب�ألوانها العديدة‪ ،‬و�سباقات القن�ص بال�صقور‪،‬‬ ‫وال�صيد بالكالب ال�سلوقية الأ�صيلة‪ ،‬والكثري من ال�سباقات البحرية التي ت�ستخدم‬ ‫املراكب الرتاثية التي ا�شتهرت بها �أر�ض الإمارات ودول اخلليج العربي‪ ،‬وغريها الكثري‬ ‫من الألعاب ال�شعبية التي انتظمت يف �سباقات احرتافية‪ ،‬وغري ذلك من ن�شاطات كانت‬ ‫يف املا�ضي جزء ًا ال يتجز�أ من مهارات الأجداد ومتطلبات وجودهم على �أر�ض الإمارات‪،‬‬ ‫ثم حتولت ‪-‬بجهود نادي تراث الإمارات وغريه من امل�ؤ�س�سات‪� -‬إىل ريا�ضات نظامية‬ ‫لها احتادات ر�سمية وم�سابقات م�شهودة ومعجبون وم�شجعون ومراقبون و�شعبية حتولت‬ ‫معها تلك الن�شاطات من جمرد ذكريات �إىل جزء حي من ن�سيج احلياة يف الإمارات‬ ‫يتطور معه و ُي�سهم يف تعميق ال�شخ�صية املحلية وتر�سيخ ح�ضورها‪� .‬ضمن تلك الباقة من‬ ‫الفعاليات جنح النادي يف توفري بيئة جاذبة لفئات حيوية من املجتمع‪ ،‬نعني بها الطالب‪،‬‬ ‫لاللتقاء باملا�ضي والتعرف على �أجماده والنهل من معني تراث الآباء والأجداد ب�صور‬ ‫تفاعلية جذابة ور�شيقة‪ ،‬ولعل �أبرز الأمثلة على ذلك ملتقى (ال�سمالية) الذي ي�ستقطب‬ ‫�سنوي ًا �آالف الطالب والطالبات من كافة �أنحاء الدولة ليوفر لهم فر�صة امل�شاركة‬ ‫الفعلية يف العديد من الن�شاطات والفعاليات الرتاثية الثقافية والفكرية والريا�ضية ‪،‬عرب‬ ‫برامج مدرو�سة وموجهة لتلك الفئات العمرية‪ ،‬بحيث ي�صبح الرتاث جزء ًا من ثقافتهم‬ ‫العملية لي�س عرب التلقني والدر�س النظري و�إمنا عرب امل�شاركة والتدريب العملي‪ .‬يف تلك‬ ‫الفعاليات ال يقف احلد عند الن�شاطات البدنية بل تعمل الن�شاطات الفكرية والثقافية‬ ‫والأدبية على �إحياء املوروث ال�شعبي املت�ضمن يف منظومة القيم والأخالق والعادات‬ ‫والتقاليد ال�ضابطة حلركة �سري املجتمع‪ ،‬بحيث تت�سرب �إىل �أرواح و�أذهان امل�شاركني‬ ‫ب�صورة طبيعية عرب املمار�سة والتفاعل‪ ،‬فيجد الن�شء الإماراتي متنف�س ًا للتعبري عن‬ ‫ذواتهم وتطوير �شخ�صياتهم و�صقل جتاربهم واختبار قدراتهم على الإبداع والإ�ضافة‬ ‫�إىل موروث الآباء والأجداد‪ ،‬بحيث ال يعود جمرد خمزون يتم ا�ستدعائه لإثبات عظمة‬ ‫الأجداد‪ ،‬و�إمنا �أ�سا�س يتم البناء عليه بعد ا�ستيعابه وا�ستلهامه ودجمه �ضمن مفردات‬ ‫احلياة من فنون وريا�ضات و�أدب‪ ،‬وهكذا تنمو قيمة الرتاث‪ .‬يف توديع عام م�ضى وا�ستقبال‬ ‫عام جديد‪ ،‬كان لزام ًا علينا �أن نقدم تلك التحية املتوا�ضعة �إىل جتربة دولة الإمارات يف‬ ‫�إحياء تراثها‪ ،‬ولي�س جمرد االحتفاء به‪� ،‬أي حتويله �إىل مفردات حية يف م�سرية �أبنائها‬ ‫نحو امل�ستقبل‪ ،‬وهي ال�صيغة التي تفتقدها جتارب العديد من دولنا العربية‪ ،‬فيا ليت يتم‬ ‫االنتباه �إىل ذلك قبل فوات الأوان‪.‬‬

‫«تراث»‬


‫‪6‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬

‫يناير‬

‫‪2013‬‬

‫تحت شعار « َوآل ُؤنا ِخل َ ِي َ‬ ‫فة »‬

‫هزاع بن �سلطان �آل نهيان ُيد�شن‬ ‫م�شروع «خليفة بلغات العامل»‬ ‫‪� ‬أبوظبي ‪ -‬تراث‬ ‫حتت رعاية �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل‬ ‫نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة‬ ‫رئي�س م��رك��ز �سلطان ب��ن زاي��د للثقافة‬ ‫والإعالم‪ ،‬ح�ضر �سمو ال�شيخ الدكتور هزاع‬ ‫بن �سلطان بن زايد �آل نهيان النائب الأول‬

‫لرئي�س نادي تراث الإمارات املدير العام‬ ‫احلفل الر�سمي لفعاليات امل�شروع الوطني‬ ‫ملركز �سلطان بن زاي��د للثقافة والإع�لام‬ ‫«خليفة بلغات العامل» حتت �شعار «وال�ؤنا‬ ‫خليفة» بح�ضور عدد من كبار امل�س�ؤولني‬

‫وال�سفراء والفنانني وال��رع��اة واملنظمني‬ ‫والإع�لام �ي�ين وح���ش��د م��ن �أب �ن��اء ال��وط��ن‬ ‫واملقيمني‪.‬‬ ‫ان�ط�ل��ق احل�ف��ل ال ��ذي احت�ضنته ال�شهر‬ ‫الفائت منطقة كا�سر الأم��واج يف �أبوظبي‬


‫الدكتور هزاع بن �سلطان بن زايد �آل نهيان يفتتح امل�رشوع‬

‫بك�شف ال�شيخ الدكتور ه��زاع بن �سلطان‬ ‫�آل نهيان عن جم�سم لأك�بر بوابة تراثية‬ ‫يف العامل حتمل ا�سم �صاحب ال�سمو ال�شيخ‬ ‫خليفة ب��ن زاي��د ال نهيان رئي�س الدولة‬ ‫بنحو ‪ 200‬لغة عاملية‪.‬‬

‫معر�ض للخط العربي و�أوبريت‬

‫عقب ذل��ك انتقل �سموه واحل���ض��ور �إىل‬ ‫فندق ق�صر الإم��ارات حيث د�شن �سموه‬ ‫يف القاعة الرئي�سة �أك�بر بطاقة هوية يف‬ ‫العامل واملو�سوعتني املطبوعة والإلكرتونية‪،‬‬ ‫وافتتح معر�ض اخلط العربي الذي يعر�ض‬ ‫ا�سم �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة‪ ،‬حفظه‬

‫تضمن المشروع‬ ‫إطالق أكبر بوابة تراثية‬ ‫تحمل اسم رئيس‬ ‫الدولة بنحو ‪ 200‬لغة‬ ‫عالمية‬ ‫اهلل‪ ،‬مكتوب ًا ب��أك�ثر م��ن ‪ 100‬ط��راز من‬ ‫طرز اخلط العربي‪ ،‬لبيان اجلمال والرثاء‬ ‫والتنوع يف واحد من �أهم مفردات تراثنا‬ ‫وثقافاتنا م��ن ج�ه��ة‪ ،‬وليلتقي م��ع بقية‬ ‫الفعاليات الأخرى يف بيان احلب والتعبري‬ ‫عن ال�شكر لقائد م�سريتنا وراعي نه�ضتنا‪.‬‬

‫وقد �أثنى �سمو ال�شيخ الدكتور ه��زاع بن‬ ‫�سلطان �آل نهيان على م��ا ��ش��اه��ده من‬ ‫فعاليات امل�شروع و�شكر القائمني عليه ‪.‬‬ ‫عقب ذلك �شهد ال�شيخ الدكتور هزاع بن‬ ‫�سلطان �آل نهيان يف م�سرح ق�صر الإمارات‬ ‫احل �ف��ل ال��ر��س�م��ي للفعاليات ال ��ذي ب��د�أ‬ ‫بال�سالم الوطني لدولة االمارات ثم كلمة‬ ‫مركز �سلطان بن زايد للثقافة واالعالم‬ ‫�أل �ق��اه��ا ��س�ع��ادة �أح �م��د �سعيد الرميثي‬ ‫نائب املدير العام حيث رحب يف بدايتها‬ ‫بت�شريف ال�شيخ الدكتور هزاع بن �سلطان‬ ‫�آل نهيان للحفل‪ ،‬كما نقل حتيات �سمو‬ ‫ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان‪ ،‬ممثل‬


‫‪8‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬

‫يناير‬

‫‪2013‬‬

‫الإعالن عن �أكرب بطاقة هوية �ضمن امل�رشوع‬

‫�صاحب ال�سمو رئي�س الدولة‪ ،‬رئي�س مركز‬ ‫�سلطان بن زايد للثقافة والإعالم‪ ،‬معرب ًا‬ ‫عن �سروره البالغ بتبني هذا احلدث الذي‬ ‫يج�سد احلب‪ ،‬وي�ؤكد الوالء‪ ،‬ويعظم الوفاء‬ ‫ل�صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل‬ ‫نهيان‪ ،‬رئي�س الدولة‪ ،‬حفظه اهلل‪.‬‬ ‫وقال �سعادة نائب املدير العام‪� :‬إن هذه‬ ‫املبادرة ت�سعى للتعبري عن وافر االمتنان‬ ‫وب��ال��غ التقدير ل�سيدي �صاحب ال�سمو‬ ‫رئي�س الدولة‪ ،‬حفظه اهلل‪ ،‬الذي فاق كل‬ ‫التوقعات وحاز على تقدير العامل �أجمع ‪.‬‬ ‫و�أكد الرميثي �أن م�شاركة مركز �سلطان‬ ‫بن زايد للثقافة والإعالم يف هذه املبادرة‬

‫تنطلق م��ن ر�ؤي �ت��ه ال�ت��ي اعتمدها �سمو‬ ‫ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان‪ ،‬ممثل‬ ‫��ص��اح��ب ال�سمو رئ�ي����س ال��دول��ة‪ ،‬رئي�س‬ ‫املركز‪ ،‬يحفظه اهلل‪ ،‬وتن�سجم مع �أهدافه‬

‫يف �إبراز التنوع الثقايف واحل�ضاري الذي‬ ‫تتميز به دولة الإمارات العربية املتحدة‪،‬‬ ‫وتقدم �سموه بال�شكر لكل من �أ�سهم يف‬ ‫هذا العمل ويف هذا احلفل‪.‬‬

‫مشروع خليفة بلغات‬ ‫العالم يسعى إلى‬ ‫التعبير عن الحب والوفاء‬ ‫لقائد المسيرة الوالد‬ ‫صاحب السمو الشيخ‬ ‫خليفة بن زايد آل نهيان‪،‬‬ ‫وتخليد اسم سموه‬ ‫«خليفة»بكتابتهوترجمته‬ ‫بكل لغات العالم‬

‫م�شروع رائد ومبادرات وطنية‬

‫عقب ذلك �ألقى �سعادة الدكتور املهند�س‬ ‫ع�ل��ي حم�م��د اخل� ��وري م��دي��ر ع ��ام هيئة‬ ‫الإم ��ارات للهوية كلمة ق��ال فيها «يطيب‬ ‫يل يف هذه املنا�سبة‪� ،‬أن �أرفع �إىل قيادتنا‬ ‫الر�شيدة برئا�سة �صاحب ال�سمو ال�شيخ‬ ‫خليفة بن زاي��د �آل نهيان رئي�س الدولة‬ ‫«ح �ف �ظ��ه اهلل»‪� ،‬أ� �س �م��ى �آي� ��ات ال�ت�ه��اين‬


‫لقطة جماعية خالل احلفل بح�ضور الدكتور هزاع بن �سلطان بن زايد �آل نهيان‬

‫والتربيكات مبنا�سبة اليوم الوطني احلادي‬ ‫والأربعني الحتاد �إماراتنا احلبيبة‪ ،‬الذي‬ ‫نحتفل به ه��ذه الأي��ام‪ ،‬داع�ين امل��وىل عز‬ ‫وج��ل �أن يعيد ه��ذه املنا�سبة على وطننا‬ ‫و�شعبنا باخلري والأمن والرفاه‪.‬‬ ‫و�أع ��رب ع��ن فخر �أ��س��رة هيئة الإم ��ارات‬ ‫ل�ل�ه��وي��ة ب��امل���ش��ارك��ة ك��راع��ي رئ�ي���س��ي يف‬ ‫امل�شروع الوطني ال��رائ��د «خليفة بلغات‬ ‫ال�ع��امل» ال��ذي ينظمه مركز �سلطان بن‬ ‫زاي��د للثقافة والإع�ل�ام‪ ،‬كتعبري م�شرتك‬ ‫عن احلب والوالء لـ«خليفة العطاء»‪ ،‬وحتت‬ ‫�شعار «وال�ؤنا خلليفة»‪.‬‬ ‫و�أ�شار �إىل �أن دعم هيئة الإم��ارات للهوية‬

‫لهذا امل�شروع الرائد مببادراته الوطنية‪،‬‬ ‫التي حتاكي املكانة العاملية املرموقة التي‬ ‫بلغتها دولتنا وتعك�س والءن��ا الالحمدود‬ ‫لقيادتنا احلكيمة واملعطاءة‪ ،‬جاء لن�ؤكد‬

‫أوبريت «خليفة بلغات‬ ‫العالم» تحية فنية شارك‬ ‫فيها أكثر من ‪ 25‬فنان ًا‬ ‫وشارك فيه عدد من أبناء‬ ‫الجاليات التي تعيش‬ ‫على أرض الوطن وترغب‬ ‫في أن تعبر عن حبها‬ ‫للشيخخليفةولشعب‬ ‫اإلماراتبلغاتها‬

‫حر�ص الهيئة على امل�شاركة يف خمتلف‬ ‫الأن���ش�ط��ة وال�ف�ع��ال�ي��ات وامل �� �ش��اري��ع التي‬ ‫ت�ستهدف تعزيز الهوية الوطنية ورفع راية‬ ‫الوالء لقيادتنا الر�شيدة‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف «�إن تعاون هيئة الإم��ارات للهوية‬ ‫مع مركز �سلطان بن زايد يف هذا امل�شروع‬ ‫الوطني الرائد‪ ،‬ي�أتي مبثابة منا�سبة �سامية‬ ‫لتجديد العهد على موا�صلة العمل نحو‬ ‫حتقيق ر�ؤي��ة قيادتنا احلكيمة‪ ،‬ال�ساهرة‬ ‫على راحة �أبنائها واحلري�صة على توفري‬ ‫�سبل احل �ي��اة ال�ك��رمي��ة ل�ه��م‪ ،‬وال���س��ائ��رة‬ ‫بدولتنا نحو ال� ُع�لا وال�ت�ق��دم وال��رق��ي يف‬ ‫م�سرية احتاد اخلري والعطاء»‪.‬‬


‫‪10‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬

‫يناير‬

‫‪2013‬‬

‫الدكتور هزاع بن �سلطان �آل نهيان و�ضيوفه خالل االفتتاح‬

‫م��ن ج��ان�ب��ه ق��ال ال���س�ي��د ع�ب��د احلكيم‬ ‫يو�سف امل�شتغل‪ ،‬ممثل الرئي�س واملدير‬ ‫التنفيذي ل�شركة «�إميال» نائب الرئي�س‬ ‫– املوارد الب�شرية والكفاءة التنظمية‬ ‫يف كلمة باملنا�سبة �أ��ش��ار فيها �إىل �أن‬ ‫االمارات تعي�ش هذه الأيام عبق منا�سب ٍة‬ ‫غالي ٍة على قلوبنا‪ ،‬هي «احتاد �إماراتنا»‬ ‫البيت‬ ‫الغالية‪ .‬ت ِلك الأم املِعطاء‪ ،‬وذلك ُ‬ ‫الف�سيح ال ��ذي ي�ق��ف ��ش��اخم� ًا وف��احت � ًا‬ ‫ِذراع�ي��ه الحت�ضان كل من ي�س ُكن فوق‬ ‫ب�سالم و�أمانٍ و�سعادة‪.‬‬ ‫تُرابه‬ ‫ٍ‬

‫وا�ضاف « هنيئ ًا لكل من كانت «الإمارات»‬ ‫بيتهُ‪ ،‬و�ش ّكل «االحت� ��ادُ» � ِ��ش�ع��ار ُه‪ ،‬وكانت‬ ‫ِحكمة «زايد» ُر�ؤيته‪ ،‬وراية «خليفة» �سماءه‪.‬‬ ‫ولكم نحن حمظوظون بالقيادة الر�شيدة‬ ‫لدولتنا‪ ،‬التي باتت �سيا�ستها احلكيمة‬

‫الرميثي‪ :‬مشاركة مركز‬ ‫سلطان بن زايد للثقافة‬ ‫واإلعالم في هذه المبادرة‬ ‫تنطلق من رؤيته التي‬ ‫اعتمدها سمو الشيخ‬ ‫سلطان بن زايد آل نهيان‪،‬‬ ‫حفظه اهلل‪.‬‬

‫ُعنوان ًا للرخاء‪ ،‬و ُر�ؤي� � ًة للتم ّيز جعلت‬ ‫من دولة الإمارات ا�سم ًا عاملي ًا ُي�شار له‬ ‫م�صاف الدول‬ ‫بالبنان‪ ،‬ودول ًة رائد ًة يف‬ ‫ِ‬ ‫املتقدمة‪.‬‬ ‫و�أك��د‪ :‬وها نحن اليوم من�ضي خلف راية‬ ‫ق��ائ� ٍ�د ُم�ل�ه� ٍ�م ف��ذ‪ ،‬ق��ائ� ٍ�د ا�ستمد عزميت ُه‬ ‫وا�صرار ُه من �صميم ُر�ؤية «زايد» طيب اهلل‬ ‫ثراه‪� .‬إننا من�ضي خلف راية «خليفة»‪ ،‬فعلى‬ ‫يد �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد‬ ‫�آل نهيان «حفظه اهلل»‪ ،‬عاهدنا �أنف�سنا‬ ‫على الوالء‪ ،‬والبذل والعطاء يف �سبيل هذا‬


‫الشحي‪ :‬المشروع‬ ‫ترجمة صادقة للحب‬ ‫الذي يحظى به صاحب‬ ‫السمو رئيس الدولة لدى‬ ‫شعبهوالشعوبالعربية‬ ‫واإلسالميةوشعوب‬ ‫العالم أجمع وتتويج‬ ‫لمسيرةعظيمةلقائد‬ ‫عظيم‬ ‫لتج�سيد م�شاعر احلب والوفاء رد اجلميل‬ ‫ل�صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل‬ ‫نهيان حفظه اهلل‪ ،‬من خالل امل�ساهمة يف‬ ‫تخليد ا�سم �سموه بكل لغات العامل‪.‬‬ ‫وقال ‪:‬نحن فخورون ب�أن نكون اليوم ُجز ًء‬ ‫من �إط�لاق �أك�بر بوابة تراثية يف العامل‪،‬‬ ‫تُخ ّلد ا�سم قائدنا «خليفة» ب�أكرث من لغة‬ ‫عاملية‪� .‬إن هذه املبادرة الفريدة‪ ،‬تعك�س‬ ‫بو�ضوح ُح��ب وتقدير ال�شعب الإم��ارات��ي‬ ‫ال ��ويف لقيادته ال��ر��ش�ي��دة‪ ،‬وحت�ف��ر ا�سم‬ ‫اثي بطابع‬ ‫معلم ت ُر ٍ‬ ‫«خليفة» يف القلوب‪ ،‬ويف ٍ‬ ‫عاملي‪ ،‬لتكون هذه البوابة ال�شاخمة‪ ،‬رمز ًا‬ ‫لأ�صالة �أب�ن��اء الإم� ��ارات‪ ،‬وق�ص ًة عاملي ًة‬ ‫وتقدير بال ُحدود‬ ‫حب عميق‬ ‫تروي عالقة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وقائد ا�ستحق كل معاين‬ ‫�شعب مخُ ل�ص ٍ‬ ‫بني ٍ‬ ‫الوطن ُحكوم ًة و�شعب ًا‪ .‬و�أن نظل ُمواطنني الوالء والعرفان‪.‬‬ ‫�أوف �ي��اء لقائد م�سريتنا وراع��ي نه�ضتنا وتقدم بال�شكر لكل من وقف خلف تنفيذ‬ ‫و�إجن��اح ه��ذه امل�ب��ادرة الوطنية املميزة‪،‬‬ ‫«خليفة»‪.‬‬

‫رمز لأ�صالة �أبناء الإمارات‬

‫و�أ��ش��ار ممثل الرئي�س وامل��دي��ر التنفيذي‬ ‫ل�شركة «�إمي��ال» �إىل �أن م�شاركة ورعاية‬ ‫«�إمي ��ال» لهذه الفعالية الوطنية «خليفة‬ ‫ري ُمتوا�ضع و�صادق‬ ‫بلغات العامل»‪ ،‬لهو تعب ٌ‬ ‫�رد يف عائلة «�شركة‬ ‫نابع م��ن قلب ُك��ل ف� ٍ‬ ‫الإم���ارات ل�ل�أمل�ن�ي��وم»‪� ،‬إدار ًة وموظفني‪،‬‬

‫الخوري‪ :‬إن تعاون هيئة‬ ‫اإلمارات للهوية مع مركز‬ ‫سلطان بن زايد في هذا‬ ‫المشروع الوطني الرائد‪،‬‬ ‫يأتيبمثابةمناسبة‬ ‫ساميةلتجديدالعهد‬ ‫على مواصلة العمل‬ ‫نحو تحقيق رؤية قيادتنا‬ ‫الحكيمة‬

‫ال�ت��ي ت ��ؤُك��د و ُت���س� ّ�ط��ر حمبة «خليفة» يف‬ ‫القلوب‪ ،‬وجتعل من �شعار «وال�ؤنا خليفة»‪،‬‬ ‫فرد منا ومن كل‬ ‫و�سمة �شرف يف جبني كل ٍ‬ ‫ُر�سخ‬ ‫مواطني و�سكان دولتنا احلبيبة‪ .‬كما ت ّ‬ ‫ا�سم ق��ائ� ٍ�د عظيم يف �سجالت التاريخ‪،‬‬ ‫ومتنحه‬ ‫ويف ن�ف��و���س �أج �ي��ال امل�ستقبل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫قلي ًال من عظيم ما �أعطى وطنه‪ ،‬ليكون‬ ‫«خليفة» بحق مفخر ًة لكل �إماراتي وجلميع‬ ‫العا�شقني لرتاب هذه الدولة الغالية‪.‬‬

‫م�شروع �إماراتي يخدم الوطن‬

‫عقب ذلك �ألقى ال�سيد عي�سى امليل مدير‬ ‫ق �ن��اة �أب��وظ �ب��ي الإم� � ��ارات كلمة �شركة‬ ‫�أبوظبي �أعرب فيها عن �سعادة ال�شركة يف‬ ‫رعاية م�شروع » خليفة بلغات العامل‪ .‬وهذا‬ ‫احلفل ال��ذي ي�شكل االنطالقة الر�سمية‬ ‫مل�شروع وطني ا�ستثنائي‪ ,‬م�شري ًا �إىل �أن‬ ‫امل���ش��روع ه��و مبثابة رد اجلميل للوطن‬ ‫وقائده �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن‬ ‫زايد �آل نهيان حفظه اهلل ورعاه‪ ،‬وكذلك‬ ‫لإخ��وان��ه �أ�صحاب ال�سمو ال�شيوخ حكام‬ ‫دولة الإم��ارات‪ ،‬ولعموم �شعب الإم��ارات‪،‬‬ ‫ولكل من عا�ش على هذه الأر�ض الطيبة‪.‬‬ ‫و�أك��د �أن �أبوظبي ل�ل�إع�لام‪ ،‬ت�ضع خدمة‬ ‫املجتمع يف قائمة �أول��وي��ات�ن��ا‪ ،‬ويف �إط��ار‬ ‫دورن��ا يف دعم مبادرات حكومة �أبوظبي‬ ‫والإم��ارات عامة‪ ،‬وتفخر اليوم ب�أن تكون‬ ‫قنواتها الإعالمية يف مقدمة الداعمني‬ ‫لهذا احلدث ولتعريف اجلمهور مب�شروع‬ ‫«خليفة بلغات ال �ع��امل» وب�ك��اف��ة جوانبه‬ ‫و�أن�شطته الثقافية‪.‬‬ ‫و�أكد �أن دعم �أبو ظبي للإعالم للم�شروع‬ ‫والتزامها به ي�أتيان انطالق ًا من احلر�ص‬ ‫على م�ساندة كل م�شروع �إم��ارات��ي يخدم‬ ‫الوطن وي�سلط ال�ضوء على �إجنازات دولة‬ ‫الإم��ارات وم�شاريعها املتعددة على كافة‬


‫‪12‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬

‫يناير‬

‫‪2013‬‬

‫ال�صعد الثقافية والعمرانية‪.‬‬ ‫وت�ق��دم بال�شكر مل��رك��ز �سلطان ب��ن زاي��د‬ ‫للثقافة والإع�لام و�إدارة م�شروع «خليفة‬ ‫بلغات العامل» على تعاونهم مع �أبوظبي‬ ‫للإعالم‪ ،‬ون�أمل �أن ي�ستمر هذا التعاون‬ ‫ون�ساهم جميع ًا يف رفعة الوطن وعلو �ش�أنه‪.‬‬

‫�أوبريت �ضخم‬

‫وق��د تابع �سمو ال�شيخ الدكتور ه��زاع بن‬ ‫�سلطان �آل نهيان واحل�ضور �أوبريت بعنوان‬ ‫«خليفة بلغات ال�ع��امل» ال��ذي �شارك فيه‬ ‫�أك�ثر م��ن ‪ 25‬فنان ًا يقدم �إه ��دا ًء للوالد‬ ‫�صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة ب��ن زاي��د‬ ‫�آل نهيان حب ًا ووف��ا ًء من �أبناء الإم��ارات‬ ‫ل�ق��ائ��ده��ا‪ ،‬ي���ش��ارك ف�ي��ه ع��دد م��ن �أب�ن��اء‬ ‫اجلاليات التي تعي�ش على �أر���ض الوطن‬ ‫وترغب يف �أن تعرب عن حبها لل�شيخ خليفة‬ ‫ول�شعب الإمارات بلغتها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫�شارك يف العمل �أكرث من ‪ 25‬فنانا‪ ،‬وهو من‬ ‫كلمات ال�شاعر «علي اخل ّوار» ومن �أحلان‬ ‫ال�سعيد وقام بالإ�شراف على‬ ‫الفنان فايز ّ‬ ‫ال�سعيد‬ ‫هذا العمل ال�ضخم الفنان را�شد ّ‬ ‫ال�سعيد‪،‬‬ ‫م��دي��ر ع��ام ا�ستديوهات ف��اي��ز ّ‬ ‫و�إخ � ��راج امل�ب��دع��ة الإم��ارات �ي��ة املخرجة‬ ‫نهلة الفهد وفريق عملها املتميز‪ .‬وكذلك‬ ‫بالتعاون مع ا�ستديوهات فنون الإم��ارات‬ ‫للنجم ح�سني اجل�سمي ب�إ�شراف املهند�س‬ ‫ح�سني بركات‪.‬‬ ‫و� �ش��ارك يف ه��ذا العمل ال�ضخم ع��دد من‬ ‫رم��وز الفن منهم ح�سني اجل�سمي‪ ،‬حم ّمد‬ ‫ال�سعيد‪ ،‬مع�ضد الكعبي‪� ،‬أحمد‬ ‫امل��ازم‪ ،‬فايز ّ‬ ‫ال�سامل‪� ،‬أريام‪ ،‬فاطمة زهرة‬ ‫الهرمي‪� ،‬سعيد ّ‬ ‫العني‪ ،‬بلقي�س‪ ،‬جا�سم حم ّمد‪ ،‬عريب‪ ،‬رويدا‬ ‫املحروقي‪ ،‬هزّاع ال ّرئي�سي‪ ،‬في�صل اجلا�سم‪،‬‬ ‫ف� ��ؤاد ع �ب��دال��واح��د‪�� ،‬ش� ّم��ا ح �م��دان‪ ،‬حبيب‬ ‫اليا�سي‪ ،‬فا�ضل املزروعي‪ ،‬حممد املنهايل‪،‬‬ ‫ف�ؤاد عبدالواحد‪ ،‬خالد حممد‪� ،‬سعيد ال�سامل‪.‬‬

‫المشتغل‪ :‬هنيئ ًا لكل من‬ ‫كانت «اإلمارات» بيتهُ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫شعار ُه‪،‬‬ ‫وشكل «االتحا ُد» ِ‬ ‫وكانت ِحكمة «زايد»‬ ‫رُؤيته‪ ،‬وراية «خليفة»‬ ‫سماءه‬ ‫م�سرية عظيمة لقائد عظيم‬

‫من جانبها قالت هناء �شبانة مدير عام‬ ‫�شركة خطوات النجاح �إن م�شاركة ال�شركة‬ ‫يف امل�شروع الوطني ملركز �سلطان بن زايد‬ ‫للثقافة والإع�ل�ام «خليفة بلغات العامل»‬ ‫حتت �شعار «والءن��ا خليفة» ي�أتي يف اطار‬ ‫امل�سئولية املجتمعية لإب��راز �أهمية الهوية‬ ‫الوطنية وال���روح الإم��ارات �ي��ة م��ن خالل‬ ‫امل���ش��ارك��ة ال�ف�ع��ال��ة يف دع��م الن�شاطات‬ ‫والق�ضايا الوطنية وتتويج مل�سرية عظيمة‬ ‫لقائد عظيم‪� ،‬أحب وطنه و�شعبة ‪.‬‬ ‫ويف خ �ت��ام احل �ف��ل تف�ضل �سمو ال�شيخ‬ ‫الدكتور هزاع بن �سلطان �آل نهيان بتكرمي‬ ‫الرعاة واملنظمني والفانيني امل�شاركني يف‬ ‫�أوب��ري��ت خليفة واخلطاطني وامل�شرفون‬ ‫على امل�شروع‪ .‬عقب ذلك التقطت �صورة‬ ‫جماعية ل�سموه مع الفانيني‬ ‫و�صرحت ال�سيدة خديجة ال�شحي امل�شرفة‬

‫الميل‪« :‬خليفة بلغات‬ ‫العالم» مشروع وطني‬ ‫يرد الجميل للوطن‬ ‫وقائده صاحب السمو‬ ‫الشيخ خليفة بن زايد آل‬ ‫نهيان حفظه اهلل ورعاه‪،‬‬ ‫وكذلك إلخوانه أصحاب‬ ‫السمو الشيوخ حكام‬ ‫دولة اإلمارات‪ ،‬ولعموم‬ ‫شعب اإلمارات‪ ،‬ولكل من‬ ‫عاش على هذه األرض‬ ‫الطيبة‬

‫على امل���ش��روع �إىل ج��ان��ب ال�سيد �صالح‬ ‫النعيمي �أن م�شروع «خليفة بلغات العامل »‬ ‫امل�شروع الوطني الرائد الذي �أطلقه مركز‬ ‫ال�شيخ �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم‬ ‫بالتعاون مع م�ؤ�س�سة زايد العليا للرعاية‬ ‫الإن�سانية وذوي االح�ت�ي��اج��ات اخلا�صة‬ ‫وجامعة الإم��ارات و�صندوق ال�شيخ خليفة‬ ‫لدعم م�شاريع ال�شباب وم�شروع خليفة‬ ‫بلغات العامل �إمن��ا هو رد اجلميل للوطن‬ ‫وقائده الوالد القائد ال�شيخ خليفة بن زايد‬ ‫�آل نهيان و �إخوانه �سمو ال�شيوخ حكام دولة‬ ‫الإم��ارات العربية املتحدة ولكل �إماراتي‬ ‫ومقيم يحب ويع�شق هذه الأر���ض الطيبة‬ ‫وترجمة �صادقة للحب ال��ذي يحظى به‬ ‫�صاحب ال�سمو رئي�س الدولة ‪ ،‬لدى �شعبه‬ ‫وال�شعوب العربية والإ�سالمية و�شعوب‬ ‫العامل اجمع وتتويج مل�سرية عظيمة لقائد‬ ‫ع�ظ�ي��م‪� ،‬أح ��ب وط �ن��ه و�شعبة يف ال��وق��ت‬ ‫الذي يعد تتويج ًا مل�سرية قائد عاملي امتد‬ ‫عطا�ؤه �إىل جميع دول العامل ‪ ،‬خا�صة يف‬ ‫وقت ال�شدائد‪ ،‬فك�سب احرتام العامل كله‪،‬‬ ‫ورفع ا�سم الإمارات عالي ًا كرمز للإن�سانية‬ ‫والعطاء والتطور غري املحدود ‪.‬‬ ‫وذك��رت �أن م�شروع خليفة بلغات العامل‬ ‫ي�سعى �إىل التعبري ع��ن احل��ب وال��وف��اء‬ ‫ل�ق��ائ��د امل���س�يرة ال��وال��د ��ص��اح��ب ال�سمو‬ ‫ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان‪ ،‬وذلك من‬ ‫خالل تخليد ا�سم �سموه «خليفة» بكتابته‬ ‫وترجمته بكل لغات العامل‪ .‬وت�أكيد الوالء‬ ‫ل�سموه وتقدير جهوده التي بذلها لرفع‬ ‫�ش�أن الوطن‪ .‬وتثمني ال�سيا�سة احلكيمة‬ ‫ال �ت��ي خ�ط�ت�ه��ا دول� ��ة الإم� � ��ارات وجعلت‬ ‫مكانتها يف م���ص��اف ال���دول امل�ت�ق��دم��ة‪.‬‬ ‫و�إبراز الثقافة الوطنية للدولة من خالل‬ ‫تقديرها للقيادة‪ ،‬والت�أكيد على الهوية‬ ‫الوطنية الإم��ارات�ي��ة وتفاعلها م��ع جميع‬ ‫ثقافات دول و�شعوب العامل‪ .‬والت�أكيد على‬


‫الدكتور هزاع بن �سلطان بن زايد �آل نهيان ي�سلم الرميثي منوذج �أ�ضخم بوابة تراثية يف العامل‬

‫تقدير واحرتام دولة الإمارات للح�ضارات‬ ‫وال �� �ش �ع��وب‪ ،‬واجل �ن �� �س �ي��ات ال �ت��ي تعي�ش‬ ‫على �أر�ضها با�ستخدام لغاتها املختلفة‬ ‫وامل��ت��ع��ددة‪ ،‬و�إ� �ش��راك �ه��م يف اح �ت �ف��االت‬ ‫ال��دول��ة‪ .‬ورد اجلميل للوطن وق��ائ��ده من‬ ‫خالل امل�ساهمة وامل�شاركة الفعالة يف دعم‬ ‫الن�شاطات والق�ضايا الوطنية‪.‬‬ ‫ح���ض��ر احل �ف��ل � �س �ف��راء ك��ل م��ن مملكة‬ ‫البحرين و�سلطنة عمان وجمهورية م�صر‬ ‫العربية وعبد اهلل فا�ضل املحريبي وكيل‬ ‫ديوان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة‬ ‫و�أح�م��د �سعيد الرميثي نائب مدير عام‬ ‫مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإع�لام‬ ‫وحممد �سعيد املهريي وكيل دائرة �أعمال‬

‫دشن الحفل بطاقة‬ ‫الهوية األكبر في العالم‬ ‫وموسوعتينمطبوعة‬ ‫وإلكترونية‬ ‫�سمو ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي ��د‪ ،‬وحممد‬ ‫�سعيد الهاملي الوكيل امل�ساعد لقطاع‬ ‫اخلدمات امل�ؤ�س�سية وامل�ساندة ‪ ،‬وعبد اهلل‬ ‫حممد را�شد احلمريي الوكيل امل�ساعد‬ ‫لقطاع االت�صال احلكومي وال��درا��س��ات‬ ‫واملرا�سم‪ ،‬والدكتور املهند�س علي حممد‬ ‫اخلوري مدير عام هيئة الإمارات للهوية‬ ‫و م�صبح امل�سماري مدير قطاع اخلدمات‬ ‫امل�ؤ�س�سية وامل�ساندة وعائ�شة الري�سي مدير‬

‫قطاع العمليات املركزية‪ .‬ومن�صور �سعيد‬ ‫املن�صوري مدير �إدارة الثقافة مبركز‬ ‫�سلطان بن زايد للثقافة والإعالم وم�صبح‬ ‫عبيد امل�سماري م��دي��ر ق�ط��اع اخل��دم��ات‬ ‫امل��ؤ��س���س�ي��ة وامل���س��ان��دة بهيئة الإم� ��ارات‬ ‫للهوية وع�ب��د احلكيم يو�سف امل�شتغل‪،‬‬ ‫ممثل الرئي�س واملدير التنفيذي ل�شركة‬ ‫«�إمي��ال» «نائب الرئي�س امل��وارد الب�شرية‬ ‫والكفائة التنظمية» وعي�سى امليل مدير‬ ‫قناة �أبوظبي الإم��ارات و�سمرية النعيمي‬ ‫رئي�سة ق�سم � �ش ��ؤون الطلبة والتطوير‬ ‫بالكلية واملنظمني والرعاة وعدد من كبار‬ ‫امل�سئولني والإعالميني وجمهور كبري‬


‫‪14‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬

‫يناير‬

‫‪2013‬‬

‫�إبل العزبة الذهبية خالل امل�سرية‬

‫حصدت النواميس وحظيت بترشيحات الخبراء‬

‫العزبة الذهبية لإبل �سلطان بن زايد �آل نهيان تت�ألق‬ ‫يف مهرجان الظفرة ملزاينة الإبل‬ ‫املنطقة الغربية – تراث‬ ‫ت�صوير‪ -‬جنيب حممد‬ ‫ت�ألقت العزبة الذهبية لإبل �سمو ال�شيخ‬ ‫�سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب‬ ‫ال�سمو رئي�س الدولة رئي�س ن��ادي تراث‬ ‫الإم��ارات و�أجن��ال��ه‪ ،‬يف فعاليات ال��دورة‬ ‫ال�ساد�سة ملهرجان الظفرة ملزاينة الإبل‬ ‫الذي نظمته ال�شهر الفائت هيئة �أبوظبي‬ ‫ل�ل�ث�ق��اف��ة وال �ت��راث يف م��دي �ن��ة زاي���د يف‬ ‫املنطقة الغربية‪.‬‬ ‫وتعد ه��ذه امل�شاركة ه��ي الثالثة للعزبة‬ ‫الذهبية يف مزاينة الظفرة‪ ،‬وقد حققت‬ ‫ب�يرق «اال��ص��اي��ل» ال�ع��ام املا�ضي وكذلك‬ ‫���ش��وط ال� �ت�ل�اد وال��ع��دي��د م ��ن �أ�� �ش ��واط‬

‫الفرديات‪ ،‬حيث متلك العزبة العديد من‬ ‫�أقوى الإبل الفردية‪.‬‬ ‫وحتى مثول املجلة للطباعة‪ ،‬ت�صدرت �إبل‬ ‫العزبة الذهبية عدد ًا كبري ًا من م�سابقات‬ ‫امل��زاي�ن��ة وح���ص��دت النوامي�س وحظيت‬ ‫بن�صيب واف��ر م��ن تر�شيحات اجلمهور‬ ‫وخرباء املزاينات الذين ر�أوا �أن ا�شرتاك‬ ‫العزبة الذهبية اململوكة ل�سمو ال�شيخ‬ ‫�سلطان ب��ن زاي��د �آل نهيان يف ح��د ذات��ه‬ ‫نامو�س وت�شجيع من القيادة احلكيمة التي‬ ‫تدعم ت��راث الأج ��داد وه��واي��ات الأحفاد‬ ‫ا�ستمرار ًا لنهج املغفور له ب�إذن اهلل ال�شيخ‬

‫زايد بن �سلطان �آل نهيان طيب اهلل ثراه ‪.‬‬ ‫ف ��ازت ال�ع��زب��ة ال��ذه�ب�ي��ة امل�م�ل��وك��ة ل�سمو‬ ‫ال�شيخ �سلطان بن زاي��د �آل نهيان ممثل‬ ‫�صاحب ال�سمو رئي�س ال��دول��ة و�أجناله‬ ‫ب��امل��رك��ز الأول يف � �ش��وط اجل �م��ل ت�لاد‬ ‫‪ ،20‬وعقب الفوز عمت البهجة �أج��واء‬ ‫املهرجان و�سط ح�ضور �إعالمي كبري‪،‬‬ ‫و� �س��ارت االب ��ل يف م���س�يرة �ضخمة من‬ ‫�شبوك التحكيم ملفوفة بعلم الإم��ارات‬ ‫وعلم املهرجان ترافقها اجلماهري التي‬ ‫ح���ض��رت لت�شجيع ال �ع��زب��ة م �ع�برة عن‬ ‫فرحتها بالفوز وحتقيق النامو�س‪.‬‬


‫�أجمل �أ�صايل الإم��ارات واخلليج‬ ‫العربي‬

‫كما حققت العزبة فوز ًا جديد ًا بح�صولها‬ ‫على املركز الأول يف «�شوط بينونة اجلمل‬ ‫‪ 20‬عام مفتوح» وهو �شوط جديد �أ�ضيف‬ ‫�إىل مناف�سات مزاين الظفرة لأول مرة‬ ‫منذ �إطالقه قبل �ست �سنوات‪ ،‬و�شاركت‬ ‫العزبة يف هذا ال�شوط الذي �شمل �أف�ضل‬ ‫و�أج �م��ل االب ��ل «اال� �ص��اي��ل» يف الإم� ��ارات‬ ‫واخلليج العربي ب�أف�ضل و�أجود الإبل التي‬ ‫متلكها ومنها «�أفعال‪ ،‬وال�شبلة‪ ،‬ومكيدة‪،‬‬ ‫والظبي‪ ،‬ومن�صورة‪ ،‬وميا�سة» وغريها‬ ‫من �إب��ل العزبة القوية‪ ،‬وه��ي الإب��ل التي‬ ‫ح�صدت ال�ن��ام��و���س وامل��راك��ز الأوىل يف‬ ‫املناف�سات الفردية ‪.‬‬ ‫ور�أى العديد من خ�براء امل��زاي��ن �أن �شوط‬ ‫بينونة ه��و يف حقيقة الأم ��ر اخ�ت�ب��ار قوي‬ ‫للم�شاركة الأق� ��وى يف ب�ي�رق «اال� �ص��اي��ل»‬ ‫وال��وق��وف على م��دى ج��اه��زي��ة الإب ��ل لهذا‬ ‫ال�شوط‪ .‬وقد عرب جمهور وم�شجعي العزبة‬ ‫الذهبية من الإم��ارات ودول جمل�س التعاون‬ ‫اخلليجي عن فرحتهم بفوز �إبل �سمو ال�شيخ‬ ‫�سلطان بن زايد �آل نهيان حفظه اهلل‪ ،‬ب�شوط‬ ‫بينونة‪ ،‬و�شهدت منطقة ال�سباق م�سرية‬ ‫�ضخمة و�صو ًال �إىل خميم العزبة يف �أر�ض‬ ‫املهرجان و�سط ح�ضور �إعالمي كبري‪.‬‬

‫سمو الشيخ سلطان‬ ‫بن زايد آل نهيان يولي‬ ‫أهمية خاصة لإلنتاج‬ ‫في المحليات األصايل‬ ‫المعروفة والمذكورة‬ ‫في الموروث الشعبي‬ ‫ويشجعها ألنها متوارثة‬ ‫من األجيال واآلباء واألجداد‬ ‫كما فازت «منحاف» اململوكة ل�سمو ال�شيخ‬ ‫�سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب‬ ‫ال�سمو رئي�س الدولة‪ ،‬يف ال�شوط املفتوح‬ ‫«حول» لل�شيوخ ومن يرغب‪ ،‬حيث ح�صلت‬ ‫على املركز الأول بن�سبة ‪.% 99‬‬ ‫وق��د �سبق ملنحاف �أن ق ��ادت �إب ��ل البريق‬ ‫و�شوطي التالد عامني متتاليني‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫ح�صولها علي بريق التحدي يف «�سن احليل»‬ ‫يف مهرجان �سويحان وقطر‪ ،‬كما �أن «منحاف»‬ ‫ه��ي «ت�ل�اد» م��ن العزبة الذهبية‪ ،‬وتنحدر‬ ‫من �سالله عريقة حيث �أن �أباها «منيحيف‬ ‫م�صيحان» الذي كان ميلكها املغفور له ب�إذن‬ ‫اهلل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان رحمه‬ ‫اهلل ‪ ،‬و�أمها من بنات «غثيوان»‪.‬‬

‫جناحات الظبي وغزالن وميا�سة‬

‫املهرجان الإب��ل اململوكة لل�شيخ الدكتور‬ ‫هزاع بن �سلطان بن زايد �آل نهيان‪ ،‬حيث‬ ‫�سجلت «ال�ظ�ب��ي» ف ��وز ًا م�ستحق ًا وحلت‬ ‫يف املركز الأول بن�سبة ‪ ،% 97‬يف �سباق‬ ‫«�سن احلقايق الأ�صايل» لأ�صحاب ال�سمو‬ ‫ال�شيوخ وم��ن يرغب من �أب�ن��اء القبائل‪،‬‬ ‫وتنحدر الظبي من ال�ساللة ال�صوغانية‪،‬‬ ‫حيث �إن �أب��اه��ا ول��د �صوغان امل�سافري‬ ‫و�أمها بنت هملول‪.‬‬ ‫كما حلت «غزالن» لل�شيخ الدكتور هزاع بن‬ ‫�سلطان بن زايد �آل نهيان باملركز الثالث يف‬ ‫ذات ال�شوط‪ ،‬وهي من �ساللة جبار و�أمها‬ ‫بنت �ضبيان‪ .‬كما حلت الثنية «ميا�سة»‬ ‫اململوكة لل�شيخ الدكتور هزاع بن �سلطان بن‬ ‫زاي��د �آل نهيان يف املركز الأول يف ال�شوط‬ ‫املفتوح لأ�صحاب ال�سمو ال�شيوخ ومن يرغب‪،‬‬ ‫وتو�شحت ميا�سة بو�شاح الظفرة ‪.‬‬ ‫كما ح�صلت «�أفعال» اململوكة لل�شيخ الدكتور‬ ‫ه��زاع ب��ن �سلطان ب��ن زاي��د �آل نهيان على‬ ‫امل��رك��ز ال�ث��اين بن�سبة ‪ % 98,5‬يف ال�شوط‬ ‫املفتوح «حول» لل�شيوخ ومن يرغب‪.‬‬

‫من�صورة ملكة �شبوك التحدي‬

‫ك�م��ا ت��أل�ق��ت يف دورة ه��ذا ال �ع��ام الإب��ل‬ ‫و�أفعال ومكيدة‬ ‫اململوكة لل�شيخ خالد بن �سلطان بن زايد‬ ‫وق ��د ت ��أل �ق��ت يف دورة ه ��ذا ال��ع��ام من �آل نهيان‪ ،‬حيث فازت اللقية «من�صورة» يف‬ ‫�شوط املحليات اال�صايل لتحقق النامو�س‬ ‫اشتراك العزبة الذهبية‬ ‫بن�سبة ‪ % 98‬درجة من جمموع الدرجات‬ ‫ت�ألق ال�شبلة ومنحاف‬ ‫ويف �سن اجلذاع فازت ال�شبلة اململوكة ل�سمو المملوكة لسمو الشيخ التي ح�صلت عليها من جلان التحكيم‪.‬‬ ‫ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي��د �آل نهيان ممثل سلطان بن زايد آل نهيان وت�ع��ود �ساللة من�صورة م��ن ناحية الأب‬ ‫�شاهني و�أمها من بنات �صوغان وقد �أثبتت‬ ‫�صاحب ال�سمو رئي�س الدولة‪ ،‬ب�شوط املحليات في المهرجان تشجيع‬ ‫من�صورة �أنها الأجمل يف �شبوك التحدي‬ ‫املفتوح لأ�صحاب ال�سمو ال�شيوخ ومن يرغب‪ ،‬من القيادة الحكيمة‬ ‫و�أطلق عليها ع�شاقها لقب «ملكة �شبوك‬ ‫وه��و ال�شوط الأق ��وى يف �أ� �ش��واط املزاينة‪ ،‬التي تدعم تراث األجداد‬ ‫وال�شبلة جذعة جتمعت فيها �صفات جمال وهوايات األحفاد استمرار ًا ال �ت �ح��دي» لتحقيقها ال�ل�ق��ب ال��راب��ع على‬ ‫التوايل حيث مل تذق طعم الهزمية ‪.‬‬ ‫مزاين الإبل وتنحدر من �ساللة الأ�سد‪ ،‬و�أمها‬ ‫بإذن‬ ‫له‬ ‫المغفور‬ ‫لنهج‬ ‫وقد �سبق �أن ح�صلت من�صورة على �شوط‬ ‫من بنات م�صيحان‪.‬‬

‫اهلل الشيخ زايد بن‬ ‫سلطان آل نهيان‬


‫‪16‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬

‫يناير‬

‫‪2013‬‬

‫�إبل العزبة الذهبية احلا�صلة على �شوط التالد ‪ 20‬تعر�ض �أمام اجلمهور‬

‫ويف ال�شوط املفتوح «ح ��ول» لل�شيوخ ومن‬ ‫يرغب‪ ،‬حلت باملركز الثالث «مكيدة» ملك‬ ‫ال�شيخ خالد بن �سلطان بن زاي��د �آل نهيان‬ ‫بن�سبة ‪.% 98‬‬

‫التحدي يف احلقايق يف ك��ل م��ن مهرجان‬ ‫�سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان للإبل‬ ‫يف �سويحان العام املا�ضي‪ ،‬كما ح�صلت على‬ ‫�شوط التحدي يف مزاينة الظفرة اخلام�س يف‬ ‫دولة االمارات وح�صلت على �شوط التحدي‬ ‫الفوز انت�صار للرتاث ال�شعبي‬ ‫يف مهرجان قطر ال�سابع لال�صايل‪.‬‬ ‫ويف هذه املنا�سبة‪ ،‬رفع حممد قحيد العميمي‬ ‫جناحات م�سرية واليافل ومكيدة وكيل �إب��ل �سمو ال�شيخ �سلطان بن زاي��د �آل‬ ‫كما حققت العزبة الذهبية نامو�س �شوط نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة‪،‬‬ ‫التالد لأ�صحاب ال�سمو ال�شيوخ ومن يرغب‪� ،‬أ�سمى التهاين ل�سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد‬ ‫وحلت يف امل��رك��ز الأول اجل��ذع��ه «م�سرية» �آل نهيان ولل�شيخ الدكتور هزاع بن �سلطان‬ ‫اململوكة لل�شيخ خالد بن �سلطان بن زايد �آل بن زايد �آل نهيان‪ ،‬ولل�شيخ خالد بن �سلطان‬ ‫نهيان و«م�سرية» احلا�صلة على النامو�س من بن زايد �آل نهيان‪ ،‬مبنا�سبة فوز �إبل العزبة‬ ‫الذهبية بالنوامي�س‪ ،‬م�ؤكد ًا �أن متابعة �سموه‬ ‫بنات �سراب �أمها من بنات ظبيان‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كما فازت «اليافل» اململوكة لل�شيخ خالد بن و�أجن��ال��ه ه��ي ال�سبب يف ال �ف��وز‪ ،‬الف�ت�ا �إىل‬ ‫�سلطان بن زايد �آل نهيان على املركز الثالث حر�ص �سموه على �أن ت�ضم العزبة �أف�ضل‬ ‫يف ال�شوط املفتوح لأ�صحاب ال�سمو ال�شيوخ ال�سالالت املحلية الأ�صيلة‪.‬‬ ‫وعن قوة العزبة الذهبية وح�صدها العديد‬ ‫ومن يرغب‪ ،‬وتو�شحت بو�شاح الظفرة‪.‬‬

‫من املراكز الأوىل قال العميمي �إن الفوز يعود‬ ‫�إىل الدعم واملتابعة والتوجيهات ال�سديدة من‬ ‫�سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان حفظه‬ ‫اهلل‪ ،‬م�ؤكد ًا �أن املهرجان يحظى مب�شاركة‬ ‫�أه ��م و�أق� ��وى ال���س�لاالت اجل �ي��دة الأ�صيلة‬ ‫املعروفة واملذكورة يف املوروث ال�شعبي‪ ،‬الفت ًا‬ ‫�إىل �أن مزاينة الظفرة تعد من املهرجانات‬ ‫ال�ك�برى يف املنطقة‪ ،‬وه��و �أح��د الفعاليات‬ ‫الناجحة يف حتقيق التوا�صل بني مالك الإبل‬ ‫من دول جمل�س التعاون اخلليجي‪.‬‬ ‫وق��ال �إن �سمو ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي��د‬ ‫�آل نهيان ي��ويل �أه�م�ي��ة خا�صة للإنتاج‬ ‫يف املحليات اال��ص��اي��ل وي�شجعها لأنها‬ ‫متوارثة من الأجيال والآباء والأجداد‪ ،‬و�أن‬ ‫االجنازات التي حتققها العزبة الذهبية ما‬ ‫كانت لتتم لوال رعاية واهتمام وتوجيهات‬ ‫�سموه ومتابعه ال�شيخ الدكتور ه��زاع بن‬ ‫�سلطان بن زايد �آل نهيان‪ ،‬وال�شيخ خالد‬


‫«منحاف» احلا�صلة على املركز الأول يف �شوط احليل املفتوح لل�شيوخ ومن يرغب م�ضمخة بالزعفران‬

‫«من�صورة» حلظة �إعالن النتيجة‬


‫‪18‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬

‫يناير‬

‫‪2013‬‬

‫�أثناء امل�سرية بعد الفوز ب�شوط بينونة اجلمل ‪20‬‬


‫«ميا�سة» عقب ح�صولها على املركز الأول‬

‫«الظبي» بعد فوزها باملركز الأول‬


‫‪20‬‬

‫جماليات‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫من قبل عن احل��وار اخلالق الذي ي�صل ما بني الفنون ال�شعبية‬ ‫والفنون العارفة �أو «النخبوية» ‪ .‬و�أع��ود اليوم �إىل املو�ضوع ذاته‬ ‫لأبني دور الفكر اجلمايل يف �إبراز �أو تغطية هذه العالقة احلوارية احلميمة ‪ .‬فال�شيء‬ ‫اجلميل كان و�سيظل جذابا فاتنا ‪ .‬وفتنته هذه هي التي جعلت كثريين يتوهمون‬ ‫وي�صدقون �أن م�صدر اجلمال ال ميكن �أن يكون ب�شريا دنيويا فح�سب ‪ .‬هكذا ن�سب مرة‬ ‫�إىل الآلهة ومرة �إىل ال�شياطني واجلن وغريها من الكائنات امليتافيزيقة التي ت�سكن‬ ‫الأعايل لتتدخل يف �شئون احلياة اليومية من وراء احلجب ‪ .‬ومل يقف الأمر عند هذه‬ ‫ال�شطحات الفكرية التي تتكرر يف الوعي واملخيال ال�شعبيني كلما وقف الإن�سان �أمام‬ ‫ظواهر احلياة الغام�ضة املحرية ‪ .‬فالفكر اجلمايل ذاته مل يلبث �أن تورط يف اللغة‬ ‫املعتمة ذاتها ‪ ,‬وذلك منذ �إفالطون مد�شن الكتابة الفل�سفية املتعقلة �إىل هيجل الذي‬ ‫يعد فيل�سوف الوعي والتاريخ بامتياز !‪ .‬من هنا متيزت �أطروحات املنطقي والرتبوي‬ ‫الأمريكي ال�شهري جون ديوي عن الفن و�أحدثت ما ي�شبه القطيعة اجلدية مع جممل‬ ‫الفل�سفات اجلمالية القدمية وال�سائدة ‪ .‬فالفنون عنده جمرد خربات ثقافية عادية‬ ‫مل تكن قط منف�صلة عن خربات احلياة اليومية الأخرى ‪ .‬ومفهوم اخلربة هنا يعني‬ ‫�أن الفعل الإبداعي ‪� ,‬أو الن�شاط الفني ال ميكن تفهمه وحتويل منتوجاته �إىل مو�ضوع‬ ‫للبحث من دون ربطه بدوافع حمددة وغايات �أكرث و�ضوحا وحتديدا ‪ .‬وكل مقاربة ال‬ ‫تتنبه �إىل هذه احلقيقة املعا�شة املختربة تتنكب طريق املعرفة وتغطي العمل الفني‬ ‫باملزيد من احلجب املعتمة ‪ .‬من هنا ن�صل �إىل نتيجة مفادها �أن كل ما �أدى �إىل‬ ‫تعميق الهوة فيما بني الفنون ال�شعبية احلرفية والفنون النخبوية التي ت�سمى عارفة‬ ‫�أو راقية �أو جمردة‪ ..‬هو عنده �أمر طارئ و�شاذ مبعنى ما ‪ .‬وال �أدل على ذلك من‬ ‫املتحف الذي �أ�صبح امل�ؤ�س�سة االعتبارية الأه��م بالن�سبة للمنتوجات اجلمالية �أو‬ ‫«الفنون » حيث عادة ما ي�ضم ويحفظ الأعمال الفنية املتميزة يف هذا ع�صر معني �أو‬ ‫يف ع�صور متعاقبة ‪ .‬فهذه امل�ؤ�س�سة التي تتباهى بها حوا�ضر العامل الكربى ومدنه ‪,‬‬ ‫وحتى بلداته وقراه �أحيانا ‪ ,‬لي�ست بتلك الرباءة التي تظفى عليها ‪ .‬فلقد ن�ش�أت مع منو‬ ‫املدن احلديثة والطبقات االجتماعية اجلديدة يف �أوروبا ‪ ,‬وجاءت لتحل مكان ق�صور‬ ‫النبالء وكنائ�س رجال الدين ومعابدهم ‪ .‬نعم لقد �أخرجت الفن من جمال امللكية‬ ‫اخلا�صة وحررته من حتكم فئة اجتماعية حمددة ‪ ,‬لكنها تظل �شاهدة على عزلة‬ ‫العمل الفني وا�ستالبه وقد �أ�صبح حما�صرا بني اجلدران كما يقول ‪ .‬من هنا جاءت‬ ‫�أفكار جون ديوي يف كتابه «الفن خربة» حماول جدية جديدة لنزع هالة القدا�سة عن‬ ‫الفن النخبوي من جهة والعودة بالفكر اجلمايل �إىل �أ�صوله الأوىل من جهة ثانية ‪.‬‬ ‫من قبله حاول الفيل�سوف الأملاين �إميانويل كانط الك�شف عن منطق الفن ومنطلقه‬ ‫الأول باعتباره نوعا من اللعب احلر املمتع املق�صود لذاته ‪ .‬وتنبه مواطنه هيجل �أي�ضا‬ ‫�إىل عالقة الفنون القدمية بالطقو�س وال�شعائر الدينية ال�شعبية ‪ .‬لكن �أحدا مل ي�ؤ�س�س‬ ‫لنظرية متكاملة عن ماهية الفن ووظائفه بو�صفه خربة عملية نفعية مثلما فعل جون‬ ‫ديوي ‪ ,‬وهي نظرية جديدة متاما على الفكر اجلمايل كما يالحظ ‪ .‬ومما يزيد من‬ ‫�أهمية الفكر النظري هنا �أن اللغة التي ي�ستعملها امل�ؤلف تبدو تداولية متاما ل�شدة‬ ‫حر�صها على الو�ضوح من جهة وعلى العبارة املوجزة الدقيقة من جهة ثانية ‪ .‬الكتاب‬ ‫ترجم منذ ن�صف قرن تقريبا �إىل العربية ‪ ,‬ومع ذلك ال يبدو له �أثر يف الكتابات‬ ‫العربية يف هذا املجال �إال ما ندر ‪ .‬نحن هنا �أمام مفارقة و�إ�شكال يخ�صان الثقافة‬ ‫العربية الراهنة التي تو�شك �أن تتحول �إىل ثقافة طاردة للفكر اجلمايل مثلما هي‬ ‫طاردة للفكر العلمي‬

‫كتبت‬

‫فنون‬

‫معجب الزهراين‬


‫جماليات‬


‫المرصد‬ ‫‪22‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫احتفا ًال بالذكرى ال�سنوية العا�شرة لت�أ�سي�سه‬

‫مهرجان أبوظبي ‪2013‬‬ ‫يقدم روائع الباليه والموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية‬ ‫�أبوظبي ‪ -‬تراث‬ ‫ك�شفت جمموعة �أبوظبي للثقافة والفنون عن الفعاليات والأن�شطة املم ّيزة ملهرجان �أبوظبي‬ ‫‪ 2013‬الذي يحتفل بالذكرى ال�سنوية العا�شرة لت�أ�سي�سه‪ ،‬ويقام حتت رعاية معايل ال�شيخ‬ ‫نهيان مبارك �آل نهيان‪ ،‬وزير التعليم العايل والبحث العلمي‪ ،‬وذلك خالل امل�ؤمتر ال�صحفي‬ ‫الذي انعقد ال�شهر الفائت بح�ضور هدى اخلمي�س كانو‪ُ ،‬م�ؤ�س�س جمموعة �أبوظبي للثقافة‬ ‫والفنون‪ ،‬امل� ِّؤ�س�س واملدير الفني ملهرجان �أبوظبي‪ ،‬يف فندق ق�صر الإمارات بالعا�صمة �أبوظبي‪،‬‬ ‫وعدد من ال�شخ�صيات الثقافية والفنية واملجتمعية الرائدة �ضمت منى خازندار‪ ،‬املدير العام‬ ‫ملعهد العامل العربي يف باري�س‪ ،‬والدكتور حبيب غلوم العطار‪ ،‬مدير �إدارة الأن�شطة الثقافية‬ ‫بوزارة الثقافة وال�شباب وتنمية املجتمع‪ ،‬و�أمينة طاهر‪ ،‬مدير االت�صال للمجموعة يف �شركة‬ ‫مبادلة للتنمية واملو�سيقار اللبناين املعروف �أ�سامة الرحباين‪ ،‬وعددا كبري من املهتمني‬ ‫بالفنون والثقافة وح�شد من ممثلي و�سائل الإعالم‪.‬‬


‫يقدم املهرجان يف دورته اجلديدة جمموعة من‬ ‫الربامج الفنية والثقافية على مدى ثالثة �أ�سابيع‬ ‫مب�شاركة كوكبة المعة من الفنانني العامليني‬ ‫واملو�سيقيني املبدعني يف جمموعة ا�ستثنائية‬ ‫من العرو�ض الفنية الراقية و�أم�سيات الباليه‬ ‫واجلاز‪ ،‬ومعار�ض الفنون الت�شكيلية وغريها من‬ ‫الفعاليات التي يحفل بها برنامج املهرجان‪ ،‬ما‬ ‫ي�ؤكد مكانته املميزة ك�سيمفونية عاملية للثقافات‬ ‫من عا�صمة الفنون ومنارة الإبداع �أبوظبي‪.‬‬ ‫ا�ستهلت هدى اخلمي�س كانو‪ُ ،‬م�ؤ�س�س جمموعة‬ ‫�أبوظبي للثقافة والفنون‪ ،‬امل� ِّؤ�س�س واملدير الفني‬ ‫ملهرجان �أبوظبي‪ ،‬كلمتها بتوجيه ال�شكر لقيادة‬ ‫الإمارات الر�شيدة‪ ،‬ممثل ًة ب�صاحب ال�سمو ال�شيخ‬ ‫خليفة بن زايد �آل نهيان‪ ،‬رئي�س الدولة حفظه‬ ‫وخ�صت بال�شكر الفريق �أول �سمو ال�شيخ‬ ‫اهلل‪ّ ،‬‬ ‫حممد بن زاي��د �آل نهيان‪ ،‬ويل عهد �أبوظبي‪،‬‬ ‫نائب القائد الأع �ل��ى للقوات امل�سلحة‪ ،‬راع��ي‬ ‫الفكر‪ ،‬راعي املهرجان‬ ‫التعليم والداعي لتجديد ِ‬ ‫يف ا ألع��وام من ‪ 2007‬لغاية ‪ ،2011‬كما �شكرت‬ ‫�سمو ال�شيخ عبد اهلل بن زاي��د �آل نهيان‪ ،‬وزير‬ ‫اخلارجية‪ ،‬راع��ي مهرجان �أبوظبي يف بدايات‬ ‫ت�أ�سي�سه قبل ع�شر �سنوات‪ ،‬ومعايل ال�شيخ نهيان‬ ‫مبارك �آل نهيان‪ ،‬وزير التعليم العايل والبحث‬ ‫العلمي‪ ،‬راعي ورئي�س جمموعة �أبوظبي للثقافة‬ ‫وتوجهت بال�شكر ل�شركاء املهرجان‬ ‫والفنون‪ّ ،‬‬ ‫املحليني والعامليني ويف مقدّمهم �شركة مبادلة‬ ‫للتنمية‪ ،‬الراعي الرئي�سي ملهرجان �أبوظبي‪.‬‬ ‫وق��ال��ت‪« :‬ه��ا نحن جن��دد ال �ي��وم تلك ال��ر�ؤي��ة‬ ‫الرا�سخة ملهرجان �أبوظبي‪ ،‬بدعم جوهر التن ّوع‬ ‫الثقايف ملدينة �أبوظبي مبا يتما�شى مع الر�ؤية‬ ‫املتميزة للعا�صمة‪ ،‬ول�ق��د �أ�سهم املهرجان‬ ‫طيلة م�سريته املبهرة خالل ال�سنوات الع�شر‬ ‫امل��ا��ض�ي��ة‪ ،‬يف تعزيز موقعه كفعالية رائ��دة‬ ‫تدعم الهوية املتفردة لإمارة �أبوظبي كمن�صة‬ ‫عاملية للإبداع والتم ّيز»‪.‬‬ ‫ور�أت كانو «�أنّ مهرجان �أبوظبي �أ�سهم وال يزال يف‬ ‫�إثراء الر�ؤية الثقافية للعا�صمة‪ ،‬ملتزم ًا الواجب‬ ‫حا�ضن ًا الآمال‬ ‫وامل�س�ؤولية جتاه الإمارات و�أهلها‪ِ ،‬‬ ‫والأحالم واملواهب‪ ،‬ت�شجيع ًا ِّ‬ ‫إبداع‬ ‫لكل ابتكا ٍر و� ٍ‬ ‫�إماراتي ِني‪ ،‬وها هو يع ُد باملزيد من الفعاليات‬ ‫املجتمعية الفنية‪ ،‬الرتاثية والتعليمية‪ ،‬م�ستثمر ًا‬

‫من فعاليات دورة ‪2012‬‬

‫يف الإن�سان‪ ،‬وداعم ًا للفنون‪ ،‬وحمافظ ًا على‬ ‫الرتاث‪ ،‬عرب فعاليات» «يوم املواهب ال�شابة»‪،‬‬ ‫«�إكت�شف الإم��ارات مع دار زاي��د»‪« ،‬دار الرب‬ ‫والفنون»‪« ،‬حكايات من ا إلم��ارات»‪�« ،‬صناعة‬ ‫الن�سيج م��ع م �� �ش��روع ال �غ��دي��ر»‪« ،‬ب��ال�ع��رب��ي»‬ ‫وغريها الكثري‪.‬‬ ‫و�أ� �ض��اف��ت‪�« :‬س ُت�ش ّكل دورة ع��ام ‪ 2013‬حدثاً‬ ‫ا��س�ت�ث�ن��ائ�ي� ًا ل�لاح�ت�ف��ال ب��امل��ا��ض��ي واحل��ا��ض��ر‬ ‫وامل�ستقبل للإبداع الفني‪ ،‬حيث يوا�صل املهرجان‬ ‫دوره العاملي املبدع يف بناء ج�سور التوا�صل بني‬ ‫خمتلف ثقافات العامل‪ ،‬عرب ت�أ�سي�س �شراكات‬ ‫ا�سرتاتيجية م�ستمرة م��ع �أب ��رز املهرجانات‬ ‫وامل�ؤ�س�سات الثقافية الدولية»‪.‬‬ ‫وختمت بالت�أكيد على �أن املهرجان ي�سعى عرب‬

‫يكرم المهرجان في‬ ‫دورته الجديدة الثقافة‬ ‫العربية والتراث الشعري‬ ‫العربي عبر فعالية‬ ‫«بالعربي» التي تق ّدم‬ ‫مختارات من روائع‬ ‫ً‬ ‫مصحوبة‬ ‫الشعر العربي‬ ‫بالموسيقى في عرض‬ ‫تفاعلي‬

‫اال�ستثمار يف جم��االت الإب��داع الفني والثقايف‬ ‫املختلفة‪ ،‬لغر�س وت�شجيع قيم احلوار والتفاهم‬ ‫ال�ث�ق��ايف امل�ت�ب��ادل ب�ين ال�شعوب واملجتمعات‬ ‫يف كل مكان‪ ،‬قائل ًة «�إنّ الثقاف َة �أم � ٌر جلي ٌل ال‬ ‫ُي�ستهانُ به‪ ،‬مهرجانُ �أبوظبي مهرجانُ الثقافة‪،‬‬ ‫مهرجا ُنكم‪ ،‬فلنحتفل به»‪.‬‬

‫مو�سيقيون عامليون‬

‫ي�شمل برنامج املهرجان ه��ذا العام ع��دد ًا من‬ ‫�أبرز ال�شخ�صيات املو�سيقية والفنية العاملية مثل‪،‬‬ ‫عازف الكمان العاملي جو�شوا بيل‪ ،‬وعازف البيانو‬ ‫امل�ب��دع ي��ون��دي احل��ائ��ز على ع��دد م��ن اجلوائز‬ ‫العاملية املرموقة‪ ،‬كما يقدم املهرجان يف دورته‬ ‫العا�شرة جمموعة من العرو�ض العاملية املبهرة‬ ‫والأكرث متيز ًا على ال�صعيد الفني والثقايف مثل‬ ‫معر�ض الفنون الت�شكيلية «‪ 25‬عام ًا من الإبداع‬ ‫العربي» بالتعاون مع معهد العامل العربي يف‬ ‫باري�س‪ ،‬وع��ر���ض امل�سرحية العاملية ال�شهرية‬ ‫«روم �ي��و وج��ول�ي�ي��ت» م��ن غ�ل��وب �إديوكي�شن يف‬ ‫�شك�سبري غلوب‪.‬‬ ‫ويوا�صل الربنامج التعليمي واملجتمعي للمهرجان‬ ‫�إبهار متابعيه مبجموعة جديدة من الفعاليات‬ ‫الفنية والثقافية التعليمية والرتاثية املفتوحة‬


‫المرصد‬ ‫‪24‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫�أورك�سرتا الإمارات ال�سيمفونية للنا�شئة «من فعاليات العام املا�ضي»‬

‫للعائالت وال�شباب عرب الإم ��ارات ال�سبع مثل‬ ‫فعاليات «ي��وم املواهب ال�شابة»‪« ،‬حكايات من‬ ‫ا إلم ��ارات»‪ ،‬و«�إكت�شف الإم��ارات مع دار زاي��د»‪،‬‬ ‫وغريها الكثري‪ ،‬حيث ي ِعد املهرجان جمهوره‬ ‫بااللتزام بدوره كتظاهرة فنية مميزة يف املنطقة‬ ‫والعامل‪ ،‬بالإ�ضافة لرت�سيخ هوية ومكانة �أبوظبي‬ ‫كمركز رائد للإبداع الفني‪ .‬ي�ست�ضيف املهرجان‬ ‫مملكة �إ�سبانيا ك�ضيف �شرف لدورته العا�شرة‪،‬‬ ‫ملا للثقافة الإ�سبانية من جذور وعالقات مت�أ�صلة‬ ‫وطويلة مع دول��ة الإم ��ارات‪ ،‬بالإ�ضافة للروابط‬ ‫االقت�صادية امل��زده��رة بني الدولتني‪ ،‬و�سيكون‬ ‫جمهور امل�ه��رج��ان على م��وع��د مميز م��ع �أروع‬ ‫العرو�ض والفعاليات املو�سيقية العاملية يف �أم�سية‬ ‫مغني الأوبرا العاملي بال�سيدو دومينغو‪.‬‬

‫�أم�سيات فنية مميزة للجمهور‬

‫ي�شكل ف��ن الأوب� ��را �أح��د �أب ��رز جم��االت تركيز‬ ‫فعاليات مهرجان �أبوظبي ‪ ،2013‬بتقدمي �أم�سية‬ ‫غنائية للباريتون العاملي ملك الأوب��را بال�سيدو‬ ‫دومينغو‪� ،‬أحد �أب��رز الأ�ساطري املعا�صرة يف فن‬ ‫الأوب��را‪ ،‬وت�شاركه ال�سوبرانو الأيقونة �آنا ماريا‬ ‫مارتنيز احلائزة على جائزة غرامي املو�سيقية‪،‬‬ ‫ويعد الثنائي العاملي املبدع حمبي الأوبرا بواحد ٍة‬ ‫من �أروع الأم�سيات الفنية ال�ساحرة ب�صحبة‬ ‫الأورك�سرتا الت�شيكية الفلهارمونية‪ ،‬واملاي�سرتو‬ ‫املبدع يوجني كون‪.‬‬

‫و�ستقدّم الأم�سية للمرة الأوىل عاملي ًا‪ ،‬العمل‬ ‫الفني املنجز بتكليف ح�صري من املهرجان‬ ‫«الق�صيدة ال�شرقية»‪ ،‬للمو�سيقار الفرن�سي‬ ‫اللبناين املبدع ب�شارة اخلوري‪.‬‬

‫املو�سيقىالكال�سيكية‬

‫ومن الأوبرا للمو�سيقى الكال�سيكية‪ ،‬ف�إن جمهور‬ ‫املهرجان من الذين يرتقبون �إبداعات ال��دورة‬ ‫اجلديدة من املهرجان يف املو�سيقى الكال�سيكية‬ ‫�سيكونون على م��وع��د خ��ا���ص حل�ضور �أم�سية‬ ‫املو�سيقى الكال�سيكية املبهرة هذا العام‪ ،‬والتي‬ ‫يحييها ال �ع��ازف العاملي جو�شوا بيل ب�صحبة‬ ‫الأورك �� �س�ترا الت�شيكية الفلهارمونية بقيادة‬ ‫املاي�سرتو العاملي جريي بيلهوفيك‪ ،‬و ُيع ُّد املو�سيقار‬ ‫بيل واحد ًا من �أبرز �أيقونات الفن املعا�صرين يف‬ ‫املو�سيقى الكال�سيكية‪ ،‬و�أحد �أ�شهر و�أبرز عازيف‬

‫فعالية «حكايات من‬ ‫اإلمارات» تستهدف‬ ‫إحياء فن رواية القصة‬ ‫التراثية اإلماراتية‪،‬‬ ‫بمشاركة أكثر من‬ ‫‪ 100‬طالب في جامعة‬ ‫زايد بإشراف الباحث‬ ‫اإلماراتي عبد العزيز‬ ‫المسلّم‬

‫الكمان يف العامل‪ ،‬و�سي�شتمل �أداء املبدع جو�شوا‬ ‫بيل مقطوعة بروك القطعة رقم ‪.1‬‬ ‫ويتوا�صل �سحر العرو�ض املو�سيقية يف برنامج‬ ‫مهرجان �أبوظبي ‪ 2013‬مع �أم�سية الباليه املميزة‪،‬‬ ‫والتي تقدم للجمهور �أكرث العرو�ض �إبهار ًا وروعة‬ ‫لباليه مارين�سكي يف �أم�سية «حتية �إىل فوكني»‬ ‫ب�صحبة فرقة �أورك���س�ترا م�سرح مارين�سكي‪،‬‬ ‫وي�شتمل احلفل على تقدمي �أرب��ع لوحات باليه‬ ‫�ساحرة مت ت�صميم رق�صاتها من قبل م�صمم‬ ‫الرق�ص الأ�سطوري «مايكل فوكني»‪ ،‬و ُيعد باليه‬ ‫مارين�سكي �أحد �أ�شهر م�سارح الباليه الكال�سيكي‬ ‫يف العامل‪ ،‬وقد ت�أ�س�س يف مدينة �سانبطر�سبريغ‬ ‫الرو�سية عام ‪1740‬م‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ن�صيب مميز �ضمن الروائع‬ ‫و�سيكون لآلة البيانو‬ ‫ٌ‬ ‫املو�سيقية التي يقدمها املهرجان احتفا ًال بالذكرى‬ ‫العا�شرة لت�أ�سي�سه‪ ،‬حيث ي�ست�ضيف حفل «�شغف‬ ‫البيانو» ل�ع��ازف البيانو العاملي ي��ون��دي‪ ،‬ال��ذي‬ ‫�سيح ّلق باجلمهور يف �آف��اق مو�سيقية �ساحرة‬ ‫عرب عزف مقطوعات �شوبان وبيتهوفن الهادئة‬ ‫واملميزة‪ ،‬ويعرف املبدع يوندي ب�أ�سلوبه الفني‬ ‫املرهف‪ ،‬ويعد �أف�ضل من يعزف وي�ؤدي م�ؤ ّلفات‬ ‫�شوبان املو�سيقية عاملي ًا‪.‬‬

‫فنون ت�شكيلية‬

‫وعلى �صعيد الفنون الت�شكيلية‪ ،‬يقدم املهرجان‬ ‫يف دورت � ��ه اجل ��دي ��دة ب��ال �ت �ع��اون م��ع �شريكه‬ ‫اال�سرتاتيجي معهد العامل العربي يف باري�س‪،‬‬ ‫معر�ض «‪ 25‬عام ًا من الإب��داع العربي» يف �أول‬ ‫عر�ض ل��ه يف ال��وط��ن ال�ع��رب��ي‪ ،‬وللمرة الأوىل‬ ‫خارج فرن�سا‪ ،‬بتن�سيق �إيهاب اللبان‪.‬‬ ‫ويقدم املعر�ض �أع�م��ا ًال فنية مبهرة من روائ��ع‬ ‫الأع�م��ال الت�شكيلية لأك�ثر من ‪ 30‬فنان ًا مبدع ًا‬ ‫م��ن ‪ 13‬دول��ة عربية‪ ،‬منهم ع��دد م��ن الفنانني‬ ‫الإماراتيني املبدعني‪ ،‬حيث ي�أتي املعر�ض احتفا ًال‬ ‫ب��ال��ذك��رى ‪ 25‬لت�أ�سي�س معهد العاملي العربي‬ ‫والذكرى العا�شرة للمهرجان‪.‬‬

‫مو�سيقى اجلاز‬

‫كما �سيكون لأم�سية اجل��از ح�ضورها املبهر يف‬ ‫برنامج املهرجان بعودة الفنان الربازيلي املبدع‬


‫جيلبريتو جيل حام ًال معه �إرث ًا متجدد ًا من �أروع‬ ‫الأحل ��ان وامل�ع��زوف��ات الرائعة ملو�سيقى اجل��از‬ ‫يف حفل �سيده�ش ب�لا �شك متابعي وجمهور‬ ‫املهرجان‪ ،‬ومتزج املو�سيقى املميزة للمو�سيقار‬ ‫ج�ي��ل ب�ين مو�سيقى ال�سامبا وال�ب��و��س��ا ن��وف��ا‪،‬‬ ‫واملو�سيقى الأفريقية‪ ،‬ومو�سيقى الروك والريغي‪،‬‬ ‫و ُيعرف عن املبدع جيل قدرته املبهرة على تنويع‬ ‫�أدائ ��ه املو�سيقي‪ ،‬كونه �سفري ًا عاملي ًا للإبداع‬ ‫املو�سيقي بخربة متتد لأك�ثر من ‪ 46‬عام ًا من‬ ‫التم ّيز يف عامل املو�سيقى والفن‪.‬‬

‫املو�سيقى العربية‬

‫و�سيكون للمو�سيقى وال�ف��ن العربي الأ�صيل‬ ‫ح�ضو ٌر مميز هذا العام‪ ،‬عندما يبهر املو�سيقار‬ ‫اللبناين �أ�سامة الرحباين جمهور املهرجان‬ ‫بتقدمي �أم�سية مميزة حام ًال يف ُجعبته الإرث‬ ‫الرحباين العريق عرب عر�ض بتكليف ح�صري‬ ‫م��ن امل �ه��رج��ان‪ ،‬ي �ق��دم حت�ي��ة خ��ا��ص��ة ل�ل��إرث‬ ‫الغنائي واملو�سيقي للأخوين الرحباين‪ ،‬من�صور‬ ‫وعا�صي‪ ،‬ولتكرمي م��ا ق��دم��اه م��ن م�ساهمات‬ ‫مميزة للمو�سيقى العربية‪ ،‬وللأعمال امل�سرحية‬ ‫وال�شعر العربي خالل القرن الع�شرين‪.‬‬

‫مبادرات ثقافية رائدة‬

‫ي�ق��دم امل�ه��رج��ان يف دورت���ه ال�ع��ا��ش��رة و�ضمن‬ ‫التزامه املجتمعي بتعليم الفنون واحلفاظ على‬ ‫الرتاث املحلي‪ ،‬جمموعة من الفعاليات والربامج‬ ‫الثقافية والتعليمية الرائدة‪ ،‬فبعد النجاح املميز‬ ‫لعرو�ض روائ��ع �شك�سبري «ماكبث»‪ ،‬و«حلم ليلة‬ ‫يف منت�صف ال�صيف» م��ن غ�ل��وب �إديوكي�شن‬ ‫يف �شك�سبري غلوب‪ ،‬يعود املهرجان هذا العام‬ ‫بعر�ض مبهر جديد للعمل ال�شك�سبريي الرائع‬ ‫«روميو وجولييت»‪ ،‬وال��ذي يتيح لطلبة املدار�س‬ ‫وال�شباب التعرف على روائ��ع �أع�م��ال الروائي‬ ‫العاملي �شك�سبري‪ ،‬عرب عمل م�سرحي كال�سيكي‬ ‫مينح م�شاهديه معاي�شة جتربة م�سرحية غنية‬ ‫ومنا�سبة جلميع الأعمار‪ ،‬لعمل كال�سيكي ولكن‬ ‫ب�أداء حداثي وتقنيات معا�صرة‪.‬‬ ‫كما يعود �ضمن فعاليات املهرجان ككل عام حفل‬ ‫«يوم املواهب ال�شابة» ملوا�صلة غر�س روح التم ّيز‬

‫كانو‪ :‬مهرجان أبوظبي‬ ‫أسهم في إثراء الرؤية‬ ‫الثقافية للعاصمة‪،‬‬ ‫ملتزم ًا المسؤولية‬ ‫تجاه اإلمارات وأهلها‪،‬‬ ‫حاضن ًا اآلمال واألحالم‬ ‫ِ‬ ‫والمواهب‪ ،‬تشجيع ًا‬ ‫ِّ‬ ‫وإبداع‬ ‫لكل ابتكا ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫اإلماراتيين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫والتناف�س املبدع بني الطلبة‪ ،‬و�إلهام اجليل القادم‬ ‫من املو�سيقيني والفنانني ال�شباب يف الإمارات‪،‬‬ ‫ح�ي��ث �سيقوم امل���ش��ارك��ون ب�ع��زف مقطوعات‬ ‫خمتارة من كارنيغي هول‪.‬‬ ‫وجهة‬ ‫ولأن الفعاليات التعليمية للمهرجان ُم ّ‬ ‫جلميع الأعمار‪ ،‬ف�إن املهرجان �سيقدم يف دورته‬ ‫العا�شرة عم ًال فني ًا جديد ًا للأوبرا اال�سكتلندية‬ ‫بعد جوالتها الناجحة يف عام ‪ 2012‬بعملها املميز‬ ‫«بيبي �أو»‪ ،‬حيث تقدم للجمهور هذا العام العمل‬ ‫املميز «�سين�سوري �أو» خ�لال عر�ض مو�سيقي‬ ‫تفاعلي مبهر لل�صغار والأطفال‪.‬‬ ‫وتقدم مبادرة «رواق الفكر» وفعالية «العودة‬ ‫للمدار�س مع مبادلة» �سل�سلة ح��وارات فكرية‬ ‫ت�سلط ال�ضوء على ُق��وى التحويل امل��ؤث��رة التي‬ ‫متتلكها الفنون واملو�سيقى على التنمية الفكرية‬ ‫للأطفال وال�شباب والكبار‪ ،‬بهدف �إتاحة تقدمي‬ ‫الفنون لطلبة املدار�س واجلامعات ب�شكل مم ّيز‪.‬‬

‫الربنامج املجتمعي «بالد اخلري»‬

‫تتناول ب��رام��ج وفعاليات الربنامج املجتمعي‬ ‫مل�ه��رج��ان �أب��وظ�ب��ي «ب�ل�اد اخل�ي�ر» ال�ع��دي��د من‬ ‫الأن �� �ش �ط��ة وال �ف �ع��ال �ي��ات ال �ت��ي ت�سعى لتقدمي‬ ‫مبادرات وبرامج رائدة يف جماالت تعليم الفنون‬ ‫واملو�سيقى ملختلف �شرائح املجتمع يف جميع‬

‫«‪ 25‬عام ًا من اإلبداع‬ ‫العربي» عنوان‬ ‫المعرض الذي‬ ‫يستضيفه المهرجان‬ ‫ضمن فعالياته بالتعاون‬ ‫مع معهد العالم‬ ‫العربي في باريس‬

‫الإمارات ال�سبع‪ ،‬بهدف �إلهام وت�شجيع املبدعني‬ ‫على معاي�شة جتربة التن ّوع الثقايف‪ ،‬حيث ي�أتي‬ ‫برنامج «بالد اخلري» م�ستوحي ًا من الإرث العريق‬ ‫للمغفور له ب�إذن اهلل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل‬ ‫نهيان طيب اهلل ث��راه‪ ،‬وم��ن حر�ص املهرجان‬ ‫على لعب دور حيوي يف �إحياء الفنون التقليدية‬ ‫وتقدميها ل�شرائح وا�سعة من اجلمهور يف الدولة‪.‬‬

‫تكرمي الرتاث ال�شعري العربي‬

‫و�سيقدم املهرجان ه��ذا العام تكرمي ًا خا�ص ًا‬ ‫للثقافة العربية وال�تراث ال�شعري العربي عرب‬ ‫ت�ق��دمي فعالية «ب��ال�ع��رب��ي»‪ ،‬ال�ت��ي ت �ق �دّم روائ��ع‬ ‫امل�خ�ت��ارات ال�شعرية م�صحوب ًة باملو�سيقى يف‬ ‫عر�ض تفاعلي مبدع‪ ،‬يقدمه الفنان الإماراتي‬ ‫ال��دك�ت��ور حبيب غ�ل��وم ال�ع�ط��ار‪ ،‬م��دي��ر �إدارة‬ ‫الأن�شطة الثقافية ب��وزارة الثقافة وال�شباب‬ ‫وتنمية املجتمع‪ ،‬حيث �سيتم تقدمي العر�ض يف‬ ‫�أبوظبي‪ ،‬العني‪ ،‬ور�أ�س اخليمة‪ ،‬مب�شاركة عازف‬ ‫ال�ع��ود ال�ع��راق��ي املميز خ��ال��د ��ص��ال‪ ،‬وع��ازف��ة‬ ‫الكمان ال�سورية �سمر نا�صر‪.‬‬

‫حكايات من الإمارات‬

‫ومن املبادرات املميزة واجلديدة �ضمن الربنامج‬ ‫املجتمعي للمهرجان يف الدورة اجلديدة‪ ،‬والتي‬ ‫ت�سهم يف �إح �ي��اء ف��ن رواي ��ة الق�صة الرتاثية‬ ‫الإم��ارات �ي��ة‪ ،‬فعالية «حكايات م��ن الإم���ارات»‪،‬‬ ‫والتي جت�سد م�شاركة مميزة جلهود �أك�ثر من‬ ‫‪ 100‬طالب يف جامعة زايد ب�إ�شراف الباحث يف‬ ‫الرتاث الإماراتي عبد العزيز امل�س ّلم‪ ،‬من الذين‬ ‫�سيت�شاركون الق�ص�ص التي ينجزونها كتاب ًة‬ ‫خالل �سل�سلة ور�ش عمل متنوعة‪ ،‬تت ّوج مبعر�ض‬ ‫يقام خالل فرتة انعقاد مهرجان �أبوظبي من‬ ‫‪ 10‬مار�س وحتى ‪ 29‬مار�س ‪ .2013‬كما �سي�شهد‬ ‫الربنامج املجتمعي للمهرجان تقدمي جمموعة‬ ‫ع��رو���ض مو�سيقية وور� ��ش عمل يف م�ؤ�س�سات‬ ‫رع��اي��ة الأي �ت��ام‪ ،‬وامل�ست�شفيات‪ ،‬ودور العجزة‬ ‫واملتقاعدين‪ ،‬ومراكز ذوي االحتياجات اخلا�صة‬ ‫يف دولة الإمارات‪ ،‬وذلك بهدف ت�شجيع وحتفيز‬ ‫جميع فئات و�شرائح املجتمع من خمتلف الأعمار‬ ‫على اال�ستمتاع بتجربة فنية تفاعلية رائعة‬


‫المرصد‬ ‫‪26‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫بح�ضور �سامل بن كبينة �أ�شهر مرافقي «بن لندن»‬

‫محاضرة في جامعة الحصن حول‬ ‫كتاب «عابرو الربع الخالي»‬ ‫�أبوظبي – تراث‬ ‫يف �إطار احتفاالتها بالذكرى احلادية والأربعني الحتاد دولة الإم��ارات العربية املتحدة‪،‬‬ ‫احت�ضنت جامعة احل�صن يف �أبوظبي ال�شهر الفائت‪ ،‬حما�ضرة للكاتبة ال�صحفية وال�شاعرة‬ ‫هويدا عطا قدمت خاللها عر�ض ًا لكتابها «عابرو الربع اخل��ايل‪ ،‬رج��ال مبارك بن لندن‬ ‫يتحدثون»‪ ،‬وذلك بح�ضور �أحد �أبرز مرافقي الرحالة الإجنليزي ال�شهري مبارك بن لندن‬ ‫يف رحلته عرب الربع اخلايل‪ ،‬وهو ال�شيخ �سامل بن كبينة‪� ،‬إىل جانب لفيف من الأكادمييني‬ ‫والباحثني واملهتمني ب�ش�ؤون الرتاث والثقافة وتاريخ الإمارات‪.‬‬ ‫ات�سمت املحا�ضرة بتبادل الذكريات ما بني‬ ‫امل�ؤلفة وال�شيخ �سامل ب��ن كبينة ال��ذى كان‬ ‫�سعيد ًا بدعوته حل�ضور االحتفالية‪ ،‬وب��دا‬ ‫م�ت��أل�ق� ًا وه��و ي�سرد على م�سامع احل�ضور‬ ‫منتخبات من تفا�صيل الرحلة‪ ،‬معلق ًا على‬ ‫ال�صور التي كانت تتواىل على �شا�شة العر�ض‬ ‫مو�ضح ًا بع�ض التفا�صيل الهامة التي عا�شها‬ ‫وك ��أمن��ا �ساعدته ال���ص��ور على ا�ستعادتها‬ ‫وك�أنه يعي�شها للمرة الثانية‪ ،‬وقال يف معر�ض‬

‫توا�صله مع احل�ضور‪ «:‬فرحتنا اليوم فرحتان‬ ‫باليوم الوطني وبا�ستعادة ذكريات رحلتي‬ ‫مع �صديقي الغايل مبارك بن لندن وباقي‬ ‫الرفقاء الأعزاء وم�ؤلفة كتاب رحلتنا»‪.‬‬ ‫ت�ضمن كتاب «عابروا الربع اخل��ايل‪ ،‬رجال‬ ‫م� �ب ��ارك ب ��ن ل �ن��دن ي �ت �ح��دث��ون»‪ ،‬ت�سجي ًال‬ ‫للمقابالت التي قامت بها ال�صحافية هويدا‬ ‫عطا مع �أرب�ع��ة من ال��رج��ال الذين �شاركوا‬ ‫الرحالة الإجنليزي ولفرد ثي�سجر «مبارك‬

‫بن لندن» يف رحلته التي قام بها قبل �أكرث من‬ ‫�ستني عام ًا ال�ستك�شاف �صحراء الربع اخلايل‬ ‫وعبورها‪ ،‬حيث قامت الكاتبة بتتبع تفا�صيل‬ ‫الرحلة عرب حكاياتهم و�شهاداتهم‪ ،‬م�سلطة‬ ‫ال�ضوء على العديد من الظروف التي �أحاطت‬ ‫بالرحلة التي �أفلح خاللها ثي�سجر ورفاقه يف‬ ‫قهر ال�صعاب واالنت�صار على �أخطر منطقة‬ ‫من «الرمال العربية»‪ ،‬وهو اال�سم الذي حمله‬ ‫كتاب ثي�سجر الذي �سجل فيه يوميات رحلته·‬


‫م�ؤلفة الكتاب تتو�سط رفاق مبارك «بن لندن»‬

‫دور ال�شيخ زايد رحمه اهلل‬

‫وا�ستعر�ضت الكاتبة خالل حما�ضرتها دور‬ ‫املغفور له ب�إذن اهلل ال�شيخ زايد بن �سلطان‬ ‫�آل نهيان‪ ،‬يف �إجناح الرحلة مبا قدمه للرحالة‬ ‫ورفاقه من �أموال وعتاد وغريه‪ ،‬قالت‪« :‬عندما‬ ‫و�صل الرحالة والرفاق �إىل مدينة العني‪ ،‬كانو‬ ‫يف غاية التعب والإنهاك‪ ،‬فا�ستقبلهم �سمو‬ ‫ال�شيخ زاي��د‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬بكل حفاوة وكرم‬ ‫و�أقاموا عنده �شهور ًا يف ظل �ضيافة عربية‬ ‫�أ�صيلة من ال�شيوخ‪ ،‬ويف مقدمتهم املغفور له‬ ‫ال�شيخ زايد‪ ،‬الذي دعمهم بالأموال وال�سالح‬ ‫والرجال والركاب والكرامة «الطعام وغريه»»‪،‬‬ ‫و�أ�ضافت‪« :‬لقد كان للراحل الكبري دور ًا بارز ًا‬ ‫يف جناح الرحلة‪ ،‬وقد �أحبه مبارك بن لندن‬ ‫و�أكرب فيه مواقفه الكرمية و�سيا�سته احلكيمة‬ ‫و�شجاعته» واع �ت�بره يف كتابه م�ث��ا ًال لكرم‬ ‫الأخالق والطيبة‪.‬‬ ‫وذكرت الكاتبة �أن رحالت كثرية �سبقت ابن‬ ‫لندن ح��اول��ت عبور ال��رب��ع اخل��ايل‪ ،‬ولكنها‬ ‫ف�شلت‪ ،‬فقد ف�شل قبله الرحالة «توما�س»‬ ‫ومل يتمكن من ا�ستكمال م�سافة ولو ب�سيطة‬ ‫من �صحراء الربع اخل��ايل‪ ،‬حيث كانت يف‬ ‫ذلك الوقت رحلة �صعبة وقا�سية وحمفوفة‬ ‫باملخاطر �سواء لق�سوة املناخ �أو الحتماالت‬ ‫التعر�ض لل�سرقة والنهب و�أحيان ًا القتل‪.‬‬ ‫وقالت‪ :‬يفتخر رفاق ابن لندن برحلتهم �إىل‬ ‫اليوم‪ ،‬بل ويفتخر �أبنا�ؤهم و�أحفادهم بتلك‬

‫الربع اخلايل» قيمته من كونه يعيد �إىل ال�ضوء‬ ‫بعد ف�ترة طويلة‪ -‬ه���ؤالء الفتيان الذين‬‫راف �ق��وا اب��ن لندن يف رحلته‪ ،‬وه��م يف �سن‬ ‫ال�شيخوخة ليدلوا ب�شهاداتهم وهم حماطون‬ ‫بالأبناء والأحفاد‪ ،‬وي�سردوا لأول مرة وقائع‬ ‫حية ويومية من جتارب هذه الرحلة الرائدة‬ ‫وهم «ابن كبينة» و«ابن غبي�شة»‪ ،‬و«ابن عمر»‬ ‫و«ابن كلوت»‪ ،‬وت�ضمن الكتاب �أربعة ف�صول‪،‬‬ ‫ُخ�ص�ص كل منها ل�شهادة ورواية كل منهم‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل ملحق لل�صور �ضم �صور ًا بعد�سة‬ ‫مبارك بن لندن نف�سه �أثناء الرحلة‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إىل �صور حديثة للرجال الأربعة‪.‬‬

‫موقع الكرتوين البن كبينة‬

‫غالف الكتاب‬

‫الرحلة ويدميون احلديث عنها �أمام �أبنائهم‬ ‫و�أح�ف��اده��م ويعتربونها �إجن���از ًا ك�ب�ير ًا لهم‬ ‫يفتخرون به بني القبائل‪ ،‬لدرجة �أن بع�ضهم–‬ ‫والكالم لعطا‪ -‬يحلمون با�ستكمال الرحلة �أو‬ ‫تكرارها‪.‬‬ ‫وح���ول م �ب��ارك ب��ن ل �ن��دن‪ ،‬ق��ال��ت ع�ط��ا يف‬ ‫حما�ضرتها‪ :‬يعترب كتاب م�ب��ارك ب��ن لندن‬ ‫مرجع ًا تاريخي ًا هام ًا للمنطقة يف تلك الفرتة‪،‬‬ ‫كما �أنه قام خالل رحلته بتوثيق العديد من‬ ‫الذكريات النادرة عرب ال�صور الفوتوغرافية‪.‬‬ ‫يكت�سب كتاب ال�صحافية هويدا عطا «عابرو‬

‫يف نهاية املحا�ضر‪ ،‬قام رئي�س اجلامعة الدكتور‬ ‫عبد الرحيم ال�صابونى بتقدمي درع اجلامعة‬ ‫مل�ؤلفة الكتاب تقديرا جل�ه��وده��ا‪ ،‬كما قام‬ ‫بتكرمي ال�شيخ �سامل بن كبينة �أح��د مرافقي‬ ‫بن لندن الذين حتدثوا يف الكتاب‪ ،‬والذى كان‬ ‫�صاحب �أحد الأدوار الهامة يف جناح الرحلة‬ ‫تقدير ًا ل�شخ�صه ومكانته التاريخية‪.‬‬ ‫كما �أعلن رئي�س اجلامعة يف نهاية االحتفالية‬ ‫عن نية اجلامعة تد�شني موقع �إلكرتوين خا�ص‬ ‫للتعريف بال�شيخ �سامل بن كبينة ودوره يف‬ ‫رحلة عبور �صحراء الربع اخلايل حفظ ًا لهذه‬ ‫ال��ذاك��رة احلية و�ضمان و�صولها للأجيال‬ ‫املعا�صرة واملقبلة‬


‫المرصد‬ ‫‪28‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫يعيد قراءة جهود املتقدمني من علماء العربية‬ ‫مؤتمر «نحو رؤية معاصرة للعربية وآدابها»‬

‫في ضوء المناهج الحديثة‬ ‫م�سقط ‪ -‬زاهر بن بدر الغ�سيني‬

‫َّ‬ ‫نظم ق�سم اللغة العربية و�آدابها يف كلية الآداب والعلوم االجتماعية بجامعة ال�سلطان قابو�س ومب�شاركة‬ ‫اجلمعية العمانية للكتاب والأدباء م�ؤمتراً عاملياً حتت عنوان «اللغة العربية و�آدابها ‪-‬ر�ؤية معا�صرة» خالل‬ ‫الفرتة من ‪ / 3 – 2‬دي�سمرب‪ .2012/‬مب�شاركة عدد من النقاد والأدباء الكبار من خمتلف الدول العربية‪.‬‬ ‫ا�شتمل امل�ؤمتر على خم�س جل�سات يف حمور‬ ‫ال��دالل��ة وال �ن ����ص‪ ،‬وحم ��ور الأدب‪ ،‬وحم��ور‬ ‫النحو وال�صرف‪ ،‬وحمور املعجم والأ�صوات‪،‬‬ ‫يف حم��اول��ة لإع ��ادة ق��راءة اجل�ه��ود العلمية‬ ‫التي بذلها املتقدمون من علماء العربية يف‬ ‫�ضوء املناهج احل��دي�ث��ة‪ ,‬ليت�سنى للباحثني‬ ‫املعا�صرين الإفادة مما يف تلكم اجلهود من‬ ‫جوانب م�ضيئة‪� .‬إ�ضافة �إىل الوقوف على �أهم‬ ‫املالمح املنهجية التي ميكن تبنيها يف جهود‬

‫علماء العربية املتقدمني‪ ,‬يف حماولة الو�صول‬ ‫�إىل �أه��م ما ميكن اال�ستفادة منه يف و�ضع‬ ‫ت�صور منهجي عربي ي�ستفيد م��ن اجلهود‬ ‫القدمية يف �ضوء املعطيات البحثية احلديثة‪.‬‬ ‫�أقيم حفل االفتتاح حتت رعاية الدكتور‬ ‫عبداهلل بن نا�صر احلرا�صي‪ ،‬رئي�س الهيئة‬ ‫العامة للإذاعة والتلفزيون‪ ،‬بح�ضور �سعادة‬ ‫الدكتور علي بن �سعود البيماين رئي�س جامعة‬ ‫ال�سلطان قابو�س‪ .‬وتناول الباحثون يف امل�ؤمتر‬

‫مو�ضوعات حول جتليات احلداثة ودالالتها‬ ‫يف النقد العربي احلديث‪ ،‬ونظرية الت�أويل‬ ‫بني املعا�صرة وال�ت�راث‪ ،‬وال�سيميائيات بني‬ ‫العالمة واخلطاب‪ ،‬وق�ضية اللغة يف الأدب‬ ‫الأفريقي‪ .‬كما ناق�ش امل�ؤمتر مو�ضوعات حول‬ ‫حمور النحو وال�صرف والوحدات املركبة يف‬ ‫اللغة العربية بني الآنية والتعاقبية الزمنية‬ ‫وال�صرف العربي طبيعته و�إ�شكاالته‪.‬‬ ‫يف حفل افتتاح امل�ؤمتر �ألقى الدكتور هالل‬


‫�إحدى جل�سات النقا�ش بامل�ؤمتر‬

‫بن �سعيد احلجري‪ ،‬رئي�س ق�سم اللغة العربية‬ ‫و�آدابها‪ ،‬رئي�س اللجنة املنظمة للم�ؤمتر كلمة‬ ‫�أ�شار فيها �إىل تزامن امل�ؤمتر مع االقرتاب‬ ‫من الـ ‪ 18‬من دي�سمرب‪ ،‬اليوم ال��ذي جعلته‬ ‫اجلمعية العامة للأمم املتحدة يوم ًا عاملي ًا‬ ‫للغة العربية‪ ,‬ب�صفتها من اللغات الر�سمية‪،‬‬ ‫ول �غ��ات العمل يف الأمم امل�ت�ح��دة‪ .‬وحت��دث‬ ‫الدكتور احلجري يف كلمته عن فكرة تداخل‬ ‫احلقول املعرفية‪ ،‬و�أهمية �أن جتد طريقها‬ ‫يف ال��درا� �س��ات ال�ل�غ��وي��ة وال �ن �ق��دي��ة‪ ،‬وك��ذا‬ ‫�أهمية حقول ال�سيا�سة‪ ،‬واالجتماع‪ ،‬والآثار‪،‬‬ ‫والإع �ل��ام‪ ،‬ودرا�� �س ��ات ال�ترج �م��ة‪ ،‬والأدب‬ ‫املقارن‪ ،‬باعتبارها منابع ال غنى عنها‪.‬‬ ‫كما �ألقى الدكتور حممد بن مبارك العرميي‪،‬‬ ‫رئي�س اجلمعية العمانية للكتاب والأدب��اء كلمة‬ ‫�أ�شار فيها �إىل �أهمية ال�شراكة املجتمعية مع‬ ‫ج��ام�ع��ة ال�سلطان ق��اب��و���س‪ ،‬ودور م�ؤ�س�سات‬ ‫املجتمع امل��دين والعمل الثقايف يف دع��م مثل‬ ‫هذه التظاهرات العلمية والثقافية ذات املردود‬ ‫العميق والأثر البالغ على الفرد واملجتمع والأمة‪.‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل �أهمية اللغة العربية التي كرمها اهلل‬ ‫ب�أن �أنزل بها كتابه العزيز‪ ،‬وحفظها من ال�ضعف‬ ‫جم‬ ‫واالندثار‪ ،‬وجعل منها �سبيل التوا�صل بني ٍّ‬ ‫الب�شر‪ ،‬ممتد يف م�سارب احلياة‪،‬‬ ‫غف ٍري م��ن‬ ‫ِ‬ ‫منذ ع�صور �سحيقة وحتى ي��رث اهلل الأر���ض‬

‫دعا المؤتمرون إلى‬ ‫اهتمام المختصين‬ ‫بتحليل النصوص األدبية‬ ‫قديمها وحديثها تحلي ً‬ ‫ال‬ ‫كاشف ًا عن جمال العربية‬ ‫وثراء فكرها‬ ‫ومن عليها‪ .‬كما �ألقى الدكتور حممد بن �سعيد‬ ‫الغامدي من جامعة امللك عبدالعزيز كلمة‬ ‫وج��ه من خاللها حتية‬ ‫امل�شاركني يف امل�ؤمتر‪َّ ،‬‬ ‫�صادقة لل�شعب العماين وجلامعة ال�سلطان‬ ‫قابو�س‪ ،‬و�أ�شار يف كلمته �إىل �أن املعرفة ال تعي�ش‬ ‫يف الكتب �أو يف قاعات الدر�س بل تعي�ش بني‬ ‫النا�س‪ ،‬هذا �إذا كنا ن�ؤمن ب�أن املعرفة لي�ست‬ ‫املعلومة بل هي الر�ؤية‪ .‬ونوه الغامدي �إىل �أهمية‬ ‫�إقامة هذه امل�ؤمترات العلمية ب�شكل �سنوي‪.‬‬

‫تضمنت توصيات‬ ‫المؤتمر التعاون مع أجهزة‬ ‫اإلعالم المختلفة على‬ ‫أن تكون اللغة العربية‬ ‫الصحيحة هي لغة اإلعالم‬ ‫في الوطن العربي‬

‫التغريد بالعربية‬

‫حتدث يف اجلل�سة الأوىل للم�ؤمتر املتحدث‬ ‫الرئي�س للم�ؤمتر الدكتور عبداهلل بن حممد‬ ‫الغذامي من اململكة العربية ال�سعودية الذي‬ ‫ق��ال‪« :‬الب��د يل قبل �أن �أحت��دث م��ن توجيه‬ ‫التحية �إىل جيل ال�شباب وال���ش��اب��ات لأن‬ ‫حديثي متولد منهم‪ ،‬فقد راقبت لغة الفتيات‬ ‫والفتيان لوقت طويل �إىل �أن جاء «تويرت»‪،‬‬ ‫و�ساعدتني ‪�-‬أي تويرت‪ -‬كثري ًا منذ دخويل‬ ‫�إليها منذ �أكرث من عام يف مراقبة حال اللغة‬ ‫العربية‪ ,‬لذلك ورقتي حتمل عنوان «كيف‬ ‫تعمل اللغة ‪� /‬س�ؤال يف ثقافة اللغة»‪ .‬وقال‬ ‫الغذامي‪�« :‬إن ح��ال العربية يف زمننا هذا‬ ‫ت�شري بو�ضوح �إىل منو وتقدم مطرد ملقام‬ ‫اللغة بني النا�س‪ ،‬و��ص��ورة الطباق الثقايف‬ ‫ت�شري �إىل وج�ه�ين ب��ارزي��ن‪� ،‬أح��ده�م��ا وجه‬ ‫نحوي يقوم يف �صفه نخب ثقافية ت�شعر بغرية‬ ‫عميقة على حالة اللغة من حيث الإع��راب‪،‬‬ ‫وي�شعرها ه��ذا بخطر ت�ق��ول ب��ه وت�شعر به‬ ‫بعمق‪ ،‬وي�ع��م خطابها العقلي وال��وج��داين‬ ‫مع ًا‪ ،‬وال �شك �أين �أق��ف مع ه��ذه الفئة ويف‬ ‫�صفها وعندي من الأ�سباب مثل ما عندهم‬ ‫مم��ا ي�صنع حالة قلق م�شرتكة بيننا تبلغ‬ ‫ح��د ال��وق��وع يف ح�صار نف�سي وذوق ��ي حني‬


‫المرصد‬ ‫‪30‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫أكدت فعاليات المؤتمر‬ ‫ضرورة دعم جهود مجامع‬ ‫وقوع اللحن على �أ�سماعنا‪ ،‬ولكني ـ مع هذا اللغة العربية في عملها‬ ‫ـ �أ�ستطيع ر�ؤية ال�صف الثاين املكمل ل�صيغة في وضع معجم تاريخي‬ ‫الطباق اللغوي وذل��ك حينما �أتبني ازده��ار للغة العربية‬

‫اللغة العربية وتناميها امل�ط��رد واملت�صل‪،‬‬ ‫وال�شواهد ت�ؤكد ذلك بالإح�صاء والأرق��ام‪،‬‬ ‫وقد �أظهرت تقارير علمية عن ن�سب مذهلة‬ ‫يف موقع تويرت – م�ث� ً‬ ‫لا‪ -‬بلغت معه �أع��داد‬ ‫التغريدات اليومية ما يقارب �ستة ماليني‬ ‫تغريدة يومي ًا‪ ،‬وحتديد ًا هي‪»5.750.386« :‬‬ ‫ت�غ��ري��دة ي��وم�ي� ًا باللغة العربية يف املنطقة‬ ‫العربية‪ ،‬وهي لي�ست رقم ًا كبري ًا فح�سب‪ ،‬بل‬ ‫هي تك�شف �أي�ض ًا عن تنامي يف الأ�سلوب ويف‬ ‫حت�سني م�ستوى ال�صياغة بني امل�ستخدمني مع‬ ‫توا�صل تفاعلهم اللغوي‪ ،‬وممار�ستهم للكتابة‬ ‫وتثقيف �أنف�سهم لغوي ًا عرب جتريب قدراتهم‬ ‫واحتكاكهم مع الآخرين‪ ,‬مما جعل املهارات‬ ‫تنمو والأداء يتح�سن‪ ،‬وهو م�شهد حي يك�شف‬ ‫ع��ن ت�ط��ور �أ��س��ال�ي��ب ال �ق��ول م��ع تعلم القول‬ ‫البليغ واملوجز والتعبري عن الفكرة باحرتاف‬ ‫يتنامى مع كل تغريدة‪.‬‬ ‫وقال �أي�ض ًا‪ :‬فن التغريد �صار فن ًا قولي ًا و�إن�شائياً‬ ‫وفكري ًا ع�صري ًا يت�ضافر مع فنني �آخرين هما‬ ‫ال��رواي��ة وامل �ق��ال��ة‪ ،‬ويف ال�ف�ن��ون ال�ث�لاث��ة ن�شهد‬ ‫ح��االت ت��وال��د ل�غ��وي ع�صري لها خ�صائ�صها‬ ‫الأ�سلوبية واجلمالية وت�شكل �إ�ضافات نوعية �إىل‬ ‫اللغة العربية‪ .‬ولكننا نظل نقول �إن هذا التطور‬ ‫الأ�سلوبي ي�صحبه تراجع بارز يف النحو‪ ،‬خا�صة‬ ‫ما مي�س �إعراب الكلمات‪� ،‬أي �أنه مر�ض ع�ضال‬ ‫ي�صيب �أواخر الكلمات‪ ،‬ويجعلها على مفارقة مع‬ ‫�سائر عنا�صر اللغة‪� ،‬إذ تتطور اللغة بكل وجوهها‬ ‫وت��زده��ر ب�صيغة �سريعة وعميقة ولكن �أواخ��ر‬ ‫الكلمات تظل يف و�ضع خمتلف‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف‪ :‬ال يبدو احلل ممكن ًا �إذا تفكرنا بحال‬ ‫االجتهادات النحوية وبحال امل�ؤ�س�سات التعليمية‬

‫التي مل حتقق �أي جناح يذكر على مدى �أكرث من‬ ‫قرن يف حل مع�ضلة النحو مع جمهرة م�ستخدمي‬ ‫اللغة‪ ،‬وه��ذا ما متخ�ض عنه ح�س عمومي ب�أن‬ ‫اللغة ت�سري دون هذا ال�شرط‪ .‬ويتعزز هذا احل�س‬ ‫مع ن�شوء ال�صيغ التعبريية الع�صرية «الرواية‬ ‫واملقالة والتغريدة»‪ ،‬وهي �صيغ ظل �أهلها ينتجون‬ ‫خطابات لغوية متطورة �أ�سلوب ًّيا ولكنها قا�صرة‬ ‫نحوي ًا‪ ،‬وتظل احلال على هذا الأمر‪ ،‬ولكن اللغة‬ ‫بعامة تظل يف �أعياد مت�صلة‪ ،‬و�إن كانت مناحة‬ ‫النحو قائمة‪ .‬ويف الأخري ف�سيظل الطباق الثقايف‬ ‫هذا قائم ًا وب�صورتيه املحددتني‪ ،‬وال خمرج حلل‬ ‫م�شكلة النحو عند جمهرة العرب املعا�صرين ما مل‬ ‫نتمكن من �إقناعهم �أوال ب�أن النحو �ضرورة لغوية‬ ‫لهم‪ ،‬و�أولها �أن نثبت لهم �أن النا�س لن يفهموا‬ ‫منهم قولهم �إال بال�شرط النحوي‪ ،‬و�أن النحو‬ ‫هو العقد الداليل بني املر�سل واملر�سل �إليه‪ ،‬ف�إن‬ ‫غاب غاب معه فهم الر�سالة‪ ،‬وهذا مطلب يبدو‬ ‫�أنه غري واقعي لأن النا�س ظلت تنتج اللغة العربية‬ ‫الف�صحى الع�صرية �إر�سا ًال وا�ستقبا ًال‪ ،‬و�إفهام ًا‬ ‫عم ال�شعور‬ ‫وفهم ًا‪ ،‬دون و�سيط نحوي‪ ،‬وبالتايل ّ‬ ‫«غري امل�صرح به» ب�أن النحو لي�س �شرط ًا للفهم‬

‫عبد الملك مرتاض‪:‬‬ ‫التقاليد الجامعية المبالغ‬ ‫فيها تتحدث عن اللغة‬ ‫بعيدة عن األدب والنقد‬ ‫والعكس‪ ،‬فكأنما يريدون‬ ‫فصل الروح عن الجسد!!‬

‫ر�ؤية امل�ؤمتر‬ ‫امل��ؤمت��ر حماولة لإع��ادة ق��راءة اجلهود العلمية التي بذلها املتقدمون من‬ ‫علماء العربية يف �ضوء املناهج احلديثة‪ ,‬ليت�سنى للباحثني املعا�صرين الإفادة‬ ‫مما يف تلك اجلهود من جوانب م�ضيئة‪� .‬إ�ضافة �إىل الوقوف على �أهم املالمح‬ ‫املنهجية التي ميكن تبنيها يف جهود علماء العربية املتقدمني‪ ,‬يف حماولة‬ ‫الو�صول �إىل �أه��م ما ميكن اال�ستفادة منه يف و�ضع ت�صور منهجي عربي‬ ‫ي�ستفيد من اجلهود القدمية يف �ضوء املعطيات البحثية احلديثة‪.‬‬

‫والإفهام‪ .‬مما يفقده وظيفيته يف ال�شعور العام‪،‬‬ ‫وه��ذا ما يجعلنا يف حالة م�ستمرة من الطباق‬ ‫الثقايف‪ .‬وه��ي ح��ال يك�شف عنها ال�س�ؤال الذي‬ ‫ا�ستفتحنا به ورقتنا هذه‪« :‬كيف تعمل اللغة؟!!»‬ ‫بو�صفه �س�ؤا ًال يف الثقافة ويف البيئة اللغوية‪ ،‬وهو‬ ‫ما يو�ضح لنا وجهي الطباق الثقايف بني ازدهار يف‬ ‫�أ�ساليب اللغة يقابله ان�صراف عن �س�ؤال النحو‪.‬‬ ‫كما حت��دث يف جل�سة امل ��ؤمت��ر الأوىل ك��ل من‬ ‫الدكتور �أحمد املغي�ض من جامعة الكويت حول‬ ‫جتليات احل��داث��ة ودالالت �ه��ا يف النقد العربي‬ ‫احلديث‪ ،‬والدكتور عبدالغني ب��ارة من جامعة‬ ‫�سطيف ب��اجل��زائ��ر ح��ول نظرية ال �ت ��أوي��ل بني‬ ‫املعا�صرة وال�تراث‪ ،‬والدكتور �أحمد يو�سف بن‬ ‫قدور من جامعة ال�سلطان قابو�س الذي �ألقى ورقة‬ ‫حول ال�سيميائيات بني العالمة واخلطاب‪ ،‬واختتم‬ ‫اجلل�سة الدكتور حمزة �أ�شوال عبد الرحيم من‬ ‫جامعة والية كوارا إ�ل��ورن بنيجرييا‪ ،‬بورقة حول‬ ‫ق�ضية اللغة يف الأدب الأفريقي‪ :‬الأدب النيجريي‬ ‫يف اللغة العربية منوذج ًا‪.‬‬

‫حمور النحو وال�صرف‬

‫�أم ��ا اجلل�سة ال�ث��ان�ي��ة فناق�شت حم��ور النحو‬ ‫وال�صرف‪ ،‬حتدث فيها املتحدث الرئي�س الدكتور‬ ‫حممد حما�سة عبد اللطيف من جمهورية م�صر‬ ‫العربية‪ ،‬و�شاركه الدكتور احلوا�س م�سعودي من‬ ‫جامعة اجلزائر‪ ،‬الذي قدم ورقة حول الوحدات‬ ‫املركبة يف اللغة العربية بني الآنية والتعاقبية‬ ‫الزمنية ‪ -‬مقاربة وظيفية‪ ،‬والدكتور حممد �سعيد‬ ‫الغامدي م��ن جامعة امللك عبد العزيز ال��ذي‬ ‫حتدث عن ال�صريف العربي‪ :‬طبيعته و�إ�شكاالته‪،‬‬ ‫والورقة الأخ�يرة قدمها الدكتور �سعيد جرب �أبو‬ ‫خ�ضر من جامعة ال�سلطان قابو�س حول عالقة‬ ‫اجلزء بالكل و�أثرها يف تقعيد نحو العربية‪.‬‬ ‫ويف اجلل�سة اخلتامية قدم الدكتور عبد احلق‬ ‫بلعابد �أ�ستاذ نظرية الأدب والأدب املقارن‬ ‫امل�شارك من جامعة امللك �سعود‪ ،‬ورقة حول‬ ‫خطاب العتبات يف ال�تراث العربي «ق��راءة‬ ‫جديدة لدر�س نقدي قدمي»‪ ،‬هدفت �إىل درا�سة‬ ‫�أح��د عنا�صر ه��ذه العتبات‪ ,‬وه��ي الفاحتة‬ ‫الن�صية واخل��امت��ة الن�صية ال�ت��ي عرفتها‬ ‫البالغات القدمية منذ �أر�سطو حتى الآن‬


‫معجم تاريخي للغة العربية‪ ،‬ودع��وة ال��دول‬ ‫العربية التي لي�س فيها جمامع للغة العربية �إىل‬ ‫ت�أ�سي�س جمامع لغوية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل الدعوة‬ ‫�إىل الإف� ��ادة م��ن العلوم البينية يف تطوير‬ ‫جماالت اللغة العربية‪.‬‬

‫ف�صل اللغة عن الأدب‬ ‫و�إلغاء النحو‬

‫الدكتور عبد الله الغذامي خالل امل�ؤمتر‬

‫بت�سميات خمتلفة‪� ،‬أبرزها البداية والنهاية‪.‬‬ ‫وناق�شت الدكتورة ح�سناء بوزويتة الطرابل�سي يف‬ ‫ورقتها مو�ضوع �إ�شكال ّيات ال�شخ�ص ّية الأندل�س ّية‬ ‫من خالل �أدب القرن اخلام�س للهجرة‪ ،‬وذلك‬ ‫يف �إط��ار العالقة الثقافية بني امل�شرق والغرب‬ ‫الإ� �س�لام��ي‪ ،‬م�ب�رزة �إح���س��ا���س �أدب� ��اء ال�غ��رب‬ ‫الإ�سالمي عموم ًا بتف ّوق امل�شارقة‪ ،‬ممّ ��ا �ش ّكل‬ ‫لديهم نوع ًا من العقدة �إزاء ك ّل ما هو م�شرقي‪.‬‬ ‫وق��دم ال��دك�ت��ور ع �ب��داهلل ب��ن م�سلم الها�شمي‬ ‫الأ��س�ت��اذ امل�ساعد يف املناهج وت��دري����س اللغة‬ ‫العربية ورق��ة حول «املعجم املدر�سي العربي‪..‬‬ ‫واقعه و�أ�س�س بنائه»‪ ،‬قائ ًال‪� :‬إن املعجم املدر�سي‬ ‫يعد ن��وع� ًا م��ن املعاجم اللغوية ت� ��ؤدي �أه��داف� ًا‬ ‫تعليمية �صرفة‪ .‬وهدفت الورقة �إىل �إلقاء ال�ضوء‬ ‫على املعجم املدر�سي العربي وجهود الت�أليف فيه‪،‬‬ ‫وتقدمي ر�ؤية نقدية لها يف �ضوء �آراء الباحثني‪.‬‬ ‫وتناول الدكتور عبد العزيز ال�صيغ من جامعة‬ ‫ال�سلطان قابو�س‪ ،‬كلية الآداب والعلوم االجتماعية‬ ‫ق�سم اللغة ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬ال�ظ��واه��ر ال�صوتية يف‬ ‫اللهجات العمانية‪ ،‬بو�صفها جزء ًا من الظواهر‬ ‫ال�صوتية يف العامية العربية‪ ،‬املتمثلة يف العاميات‬ ‫واللهجات العربية املمتدة يف الوطن العربي‪،‬‬ ‫والعاميات العربية تعد فروع ًا للعربية الف�صحى‪.‬‬

‫تو�صيات امل�ؤمتر‬

‫عبد اهلل الغذامي ‪ :‬حال‬ ‫العربية في زمننا تشير‬ ‫بوضوح إلى نمو وتقدم‬ ‫مطرد لمقام اللغة بين‬ ‫الناس‬ ‫يف �سبع جل�سات احتوت على �أبحاث �ألقاها‬ ‫امل�شاركون يف خمتلف جماالت اللغة والأدب‪.‬‬ ‫وبعد اال�ستماع �إىل هذه الأبحاث ومناق�شتها‬ ‫خل�ص امل�ؤمتر �إىل التو�صيات الآتية‪� :‬أن يكون‬ ‫هذا امل�ؤمتر دوري ًا مو�سع ًا على �أن يعقد يف كل‬ ‫عام يف �إحدى دول اخلليج‪ ،‬و�أن تهتم اجلامعات‬ ‫العربية بتعليم اللغة العربية للناطقني بغريها‪،‬‬ ‫وتن�شئ امل��راك��ز اخلا�صة ب��ذل��ك‪ ،‬والتن�سيق‬ ‫بني اجلامعة واملجتمع لتنمية اللغة العربية‪،‬‬ ‫والتعاون مع �أجهزة الإعالم املختلفة على �أن‬ ‫تكون اللغة العربية ال�صحيحة هي لغة الإعالم‬ ‫يف الوطن العربي‪ ،‬و�أن تُعطى اللغة العربية‬ ‫مكانتها الالئقة يف مراحل التعليم املختلفة‪،‬‬ ‫وال��دع��وة �إىل اه�ت�م��ام املخت�صني بتحليل‬ ‫الن�صو�ص الأدب�ي��ة قدميها وحديثها حتلي ًال‬ ‫كا�شف ًا عن جمال العربية وثراء فكرها‪ ،‬ودعم‬ ‫جهود جمامع اللغة العربية يف عملها يف و�ضع‬

‫يف ختام فعالياته‪ ،‬خ��رج امل��ؤمت��ر بعدد من مرتاض‪ :‬إذا ألغينا النحو‬ ‫التو�صيات‪ ،‬ج��اءت يف ن�ص البيان اخلتامي فكأنما ألغينا أنفسنا‬ ‫للم�ؤمتر يوم االثنني ‪3‬‬ ‫دي�سمرب‪:‬يومني متوا�صلني وألغينا اللغة العربية‪..‬‬ ‫اجتمع امل�ؤمترون على مدى‬ ‫لكن ال بد من التفكير في‬ ‫سبيل لإلصالح‬

‫تعليق ًا على �أح��داث امل�ؤمتر قال الدكتور عبد‬ ‫امللك مرتا�ض من اجلزائر ملرا�سل «ت��راث»‪:‬‬ ‫«جرت التقاليد اجلامعية املبالغ فيها �أحيان ًا‬ ‫�أن �ه��ا تتحدث ع��ن اللغة بعيدة ع��ن الأدب‬ ‫والنقد والعك�س‪ ،‬ولكن هذا امل�ؤمتر خالف هذه‬ ‫القاعدة �إذ ال ميكن ف�صل الأدب عن اللغة وال‬ ‫اللغة عن الأدب‪ ،‬ومن �أراد �أن يف�صل بينهما‬ ‫فك�أمنا يريد �أن يف�صل بني الروح واجل�سد»‪.‬‬ ‫و�أ��ض��اف‪« :‬هناك جمموعة كبرية من خرية‬ ‫الأ�ساتذة واملخت�صني والباحثني واملهتمني من‬ ‫خمتلف �أنحاء العامل‪ ،‬كما �أن الق�ضايا التي‬ ‫طرحت على ق��در كبري م��ن الأهمية ومنها‬ ‫النحو و�صعوبة النحو‪ ،‬كما طرحت ق�ضية‬ ‫�إلغاء النحو وهذا بر�أيي من امل�ستحيالت لأننا‬ ‫�إذا �ألغينا النحو فك�أمنا �ألغينا �أنف�سنا و�ألغينا‬ ‫اللغة العربية لكن ال بد من التفكري يف �سبيل‬ ‫الإ�صالح»‪.‬‬ ‫وم��ن جانبها ق��ال��ت ال��دك �ت��ورة ��س�لام دي��اب‬ ‫دورانتون من جامعة باري�س الثامنة بفرن�سا‪:‬‬ ‫«�أري ��د �أن �أ�شكر جامعة ال�سلطان قابو�س‬ ‫لتكري�سها م��ؤمت��ر ًا دول�ي� ًا للغة العربية‪ ،‬ويف‬ ‫احلقيقة اللغة العربية حتتاج �إىل �أك�ثر من‬ ‫م�ؤمتر وندوة‪ ،‬وجامعة ال�سلطان قابو�س انتبهت‬ ‫�إىل �أهمية اللغة العربية‪ ,‬لذلك جاء انعقاد هذا‬ ‫امل�ؤمتر املهم‪ ،‬والذي �أتاح الفر�صة لعدد كبري‬ ‫من الباحثني والأ��س��ات��ذة للم�شاركة يف هذا‬ ‫امل�ؤمتر وخا�صة من الدول غري العربية‪ ،‬وتعد‬ ‫هذه خطوة وبادرة ت�شكر عليها اجلامعة‪ ,‬لأنها‬ ‫�أتاحت املجال للباحثني الأوروبيني ومن الدول‬ ‫الأخرى للم�شاركة ب�أبحاثهم الأخرية يف اللغة‬ ‫العربية‪ ،‬وامل�ساهمة يف تدويل اللغة العربية‬ ‫و�إعطائها الأهمية التي ت�ستحقها»‬


‫‪32‬‬

‫اآلفاق‬ ‫ارتياد‬ ‫مدارات‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬

‫يناير‬

‫‪2013‬‬

‫التراث والهوية‬ ‫كان‬

‫تغييب النظرة ال�شمولية‬ ‫ل�� � � �ل� �ت� ��راث ال� � �ع � ��رب � ��ي‬ ‫الإ���س�ل�ام��ي‪ ،‬ومم��ار� �س��ة ال �ت �م��اي��ز بني‬ ‫الأن���ا والأن� ��ا الآخ� ��ر‪ ،‬ك�م��ا اعتمدهما‬ ‫ال��دار� �س��ون ال �ع��رب‪ ،‬ب�شكل �أو ب��آخ��ر‪،‬‬ ‫وبوعي �أو بغري وعي‪ ،‬ا�ستجابة لدواع‬ ‫�إيديولوجية‪ ،‬ال علمية وال عملية‪ .‬هذه‬ ‫اخللفية الإي��دي��ول��وج �ي��ة ك��ان��ت ع�ن��وان‬ ‫�سيا�سة ال��دول��ة القطرية ال�شمولية‪.‬‬ ‫�إنها با�سم وحدة «الوطن» كانت تلغي‬ ‫كل املكونات التي ت�شكل منها ال�تراث‬ ‫العربي يف �صريورته التاريخية‪ ،‬وكانت‬ ‫تنتقي منه ما تراه �صاحل ًا لت�أكيد تلك‬ ‫«ال��وح��دة» وت�سويغها‪ ،‬مع �إلغاء كل ما‬ ‫يدل على التعدد والتنوع اللذين طبعا‬ ‫ك��ل ال�ت��اري��خ واجل�غ��راف�ي��ا‪ .‬بذلك �صار‬ ‫ت�صور حم��دد ل�ل�تراث يحتل الواجهة‬ ‫وامل��رك��ز‪ ،‬بينما تقبع جتليات تراثية‬ ‫�أخرى يف اخللفية والهام�ش‪.‬‬ ‫�إذا ك��ان ه��ذا هو ال��واق��ع الفعلي الذي‬ ‫ف��ر� �ض �ت��ه اال� �س �ت �ق�لاالت واالن �ق�لاب��ات‬ ‫منذ �أوا� �س��ط ال �ق��رن الع�شرين‪ ،‬ف�إنه‬ ‫م �ن��ذ ال �ت �� �س �ع �ي �ن �ي��ات وب ��داي ��ة الأل �ف �ي��ة‬

‫ال�ث��ال�ث��ة‪ ،‬ب ��د�أت �أم��ري �ك��ا‪ ،‬وه��ي ت��واج��ه‬ ‫ال��وط��ن ال �ع��رب��ي ل �ف��ر���ض ��س�ي��ا��س��ات�ه��ا‬ ‫ع�ل�ي��ه‪ ،‬ت �ل � ِّوح ب��ال��دمي��وق��راط�ي��ة وح�ق��وق‬ ‫الإن���س��ان والأق�ل�ي��ات‪ .‬وك��ان��ت الرتجمة‬ ‫العملية لذلك �إب��ان احتاللها العراق‬ ‫�أن فر�ضت دميوقراطيتها‪ ،‬فتهاوى‬ ‫�صرح «الوحدة» الوطنية‪ ،‬و�صرنا �أمام‬ ‫متايزات تتعدد بتعدد مكونات الرتاث‬ ‫وال �ل �غ��ات وال �ث �ق��اف��ات‪ .‬وب �ع��د ع�ق��د من‬ ‫ال��زم��ان ال��ذي �أع�ق��ب أ�ح��داث احل��ادي‬ ‫ع�شر من �سبتمرب‪ ،‬جاء الربيع العربي‪،‬‬ ‫ليعلن نهاية الدولة القطرية ال�شمولية‬ ‫يف ت��ون����س وم���ص��ر ول�ي�ب�ي��ا‪ ،‬وب��ذل��ك مت‬ ‫ا�ستح�ضار املكونات الرتاثية التي كانت‬ ‫يف اخللفية والهام�ش‪ ،‬فربزت الهويات‬ ‫املختلفة‪ ،‬وه��ي تت�أ�س�س‪� ،‬أي���ض� ًا‪ ،‬على‬ ‫قاعدة التاريخ والرتاث‪.‬‬ ‫ان �ت �ه��ز ال �� �س �ل �ف �ي��ون يف ك ��ل الأق� �ط ��ار‬ ‫العربية التي عرفت احلراك ال�سيا�سي‬ ‫واالج��ت��م��اع��ي ه���ذا ال��رب �ي��ع ف �ق��دم��وا‬ ‫�أنف�سهم ب��دي�ل ًا ع��ن ال��دول��ة القطرية‬ ‫ال�شمولية ال�ت��ي هم�شت ال��دي��ن با�سم‬ ‫اال�شرتاكية ت��ارة والليبريالية ط��ور ًا‪.‬‬

‫كما ا�ستثمره الأمازيغ يف املغرب وليبيا‬ ‫فطالبوا بحقوقهم اللغوية والثقافية‪.‬‬ ‫وع���زز الأك � ��راد وج��وده��م ال���س�ي��ا��س��ي‬ ‫يف ال � �ع� ��راق‪ ،‬وي��ط��ال��ب��ون يف � �س��وري��ا‬ ‫باالعرتاف بهم‪ .‬كما طالب ال�شيعة يف‬ ‫البحرين و�شمال اجلزيرة بحقهم يف‬ ‫الوجود‪ ،‬واحتفل ال�شيعيون يف اليمن‬ ‫لأول م ��رة‪ ،‬ك�م��ا ي �ق��ول��ون‪ ،‬ه��ذا ال�ع��ام‬ ‫بذكرى ا�ست�شهاد احل�سني‪،‬‬ ‫ل �ق��د ب� ��رزت ق���ض�ي��ة ال �ه��وي��ات داخ��ل‬ ‫ال�ك�ي��ان ال�ع��رب��ي حم�م��ول��ة ع�ل��ى ر�ؤو���س‬ ‫ح���راب ال �� �س �ي��ا� �س��ة‪ ،‬و� �ض��د التهمي�ش‬ ‫والإلغاء الذي مار�سته الدولة القطرية‬ ‫عدة عقود حتت �شعار الوحدة الوطنية‬ ‫وبا�سم ال�سيا�سة �أي� ًضا‪.‬‬ ‫�إن ال�ت�ع��ام��ل م��ع ال �ت�راث ��س�ي��ا��س�ي� ًا ال‬ ‫ميكن �أن يو ِّلد غري الإق�صاء والإق�صاء‬ ‫امل�ضاد‪ .‬وم��ن �أق�صي‪ ،‬بالأم�س‪ ،‬يفكر‬ ‫يف ممار�سة �إق�صاء الآخر اليوم‪ .‬ولكل‬ ‫مربراته ال�سيا�سية والإيديولوجية التي‬ ‫ت�سوغ له اتخاذ ال�ق��رارات «ال�صائبة»‬ ‫� �ض��د م��ا ي �ت �ه��دد امل���ص�ل�ح��ة ال�ع�ل�ي��ا �أو‬ ‫ال��وج��ود � �س��واء ك��ان ذل��ك م��ن خ�صوم‬


‫مدارات‬ ‫�سعيد يقطني‬

‫الداخل �أو �أعداء اخلارج‪.‬‬ ‫ومب ��ا �أن ال �ت �ط��رف ال مي �ك��ن �أن ي��ول��د‬ ‫غ�ير ال �ت �ط��رف‪ ،‬جن��د الآن يف ال��واق��ع‬ ‫ال �ع��رب��ي‪ ،‬هيمنة ه��ذا اخل �ط��اب‪ ،‬وه��و‬ ‫ي�ت�خ��ذ ���ص��ور ًا و�أ� �ش �ك��ا ًال م �ت �ع��ددة‪� .‬إن‬ ‫ع��دة ع�ق��ود م��ن الإق �� �ص��اء والتهمي�ش‬ ‫ول��دت الكراهية وال�ن�ف��ور‪ ،‬لي�س فقط‬ ‫م��ن ال��واق��ع احل��ايل‪ ،‬ب��ل وم��ن التاريخ‬ ‫وال�ت�راث ك�ك��ل‪ ،‬فبتنا ن�سمع خطابات‬ ‫حت��اول حم��و ك��ل ال�ت��اري��خ‪ ،‬وم��ن التنكر‬ ‫ل�ك��ل الإجن� ��ازات ال �ت��ي حتققت ع�بره‪،‬‬ ‫والتي �أ�سهم فيها اجلميع‪� .‬صحيح جند‬ ‫ه��ذا ال�ن��وع م��ن اخل�ط��اب��ات ل��دى فئات‬ ‫قليلة من املتطرفني من كل الأطراف‪،‬‬ ‫م�سلمني «��س�ن��ة و��ش�ي�ع��ة» وم�سيحيني‬ ‫و�أكراد و�أمازيغ‪ ،،،‬وبات الت�شديد على‬ ‫اخل�صو�صية اخلا�صة‪ ،‬والهوية املنغلقة‬ ‫ديدن ه��ؤالء‪ .‬ويكفي �أن يتابع املرء ما‬ ‫تقدمه بع�ض ق�ن��وات الإع�ل�ام‪ ،‬وي�ق��ر�أ‬ ‫بع�ض التعليقات التي تكتب يف ال�شبكات‬ ‫االجتماعية الرقمية‪ ،‬ليجد نف�سه �أمام‬ ‫بداية ت�ضخم خطابات الهوية التي ال‬ ‫تت�أ�س�س على ركيزة تاريخية �أو معرفية‬

‫�أو ثقافية‪ ،‬لأنها باتت موجهة �سيا�سي ًا‬ ‫لأغرا�ض تخدم هذه الفئات‪.‬‬ ‫�إن القا�سم امل�شرتك ال��ذي عانى منه‬ ‫ال�شعب العربي الإ�سالمي بكل مكوناته‬ ‫العرقية والدينية واملذهبية يف الع�صر‬ ‫احل��دي��ث يتمثل ب���ص��ورة �أ��س��ا��س�ي��ة يف‬ ‫ال �ف �� �س��اد ال���س�ي��ا��س��ي والإي��دي��ول��وج��ي؛‬ ‫وك��ان��ت ل��ذل��ك �آث � ��اره ع �ل��ى الإن �� �س��ان‬ ‫اقت�صادي ًا واجتماعي ًا بغ�ض النظر عن‬ ‫هويته اخلا�صة �أو �أ�صوله العرقية �أو‬ ‫الثقافية �أو املذهبية‪ .‬لقد ا�ستفاد من‬ ‫نظام البعث يف العراق مث ًال عنا�صر من‬ ‫ال�سنة وال�شيعة والكرد والرتكمان‪،،،‬‬ ‫لأن�ه��م ك��ان��وا م��وال�ين ل��ه‪ ،‬ويف خدمته‬ ‫وم��ن �سدنته‪ .‬فلماذا ينظر اليوم �إىل‬ ‫نظام البعث على �أن��ه ك��ان �سني ًا؟ ما‬ ‫ال���ذي مي�ن�ح��ه ه ��ذه ال �� �ص �ف��ة؟ ومي�ك��ن‬ ‫قول ال�شيء نف�سه عن نظام البعث يف‬ ‫�سوريا‪ .‬لقد �صار �سني ًا وعلوي ًا ب�ضربة‬ ‫الزب‪ ،‬وه��و ال��ذي ت�ضرر منه ال�سنة‪،‬‬ ‫كما ت�ضرر منه غريهم من معار�ضيه‬ ‫و�أع��دائ��ه ال�سوريني بغ�ض النظر عن‬ ‫هوياتهم �أو �إثنياتهم‪ ،‬وتكفي الإ�شارة‬

‫�إىل ما وقع يف حماه لت�أكيد ذلك؟‬ ‫ت�شكل ال�تراث العربي الإ�سالمي عرب‬ ‫عدة ق��رون‪ ،‬و�أ�سهمت فيه قبائل و�أمم‬ ‫و�شعوب من �أع��راق وثقافات عديدة‪.‬‬ ‫ك �م��ا �أن���ه ت �ف��اع��ل‪ ،‬يف ���ص�ي�رورت��ه‪ ،‬مع‬ ‫ت��راث �أمم �أخ ��رى مل تخ�ضع للوجود‬ ‫العربي الإ� �س�لام��ي‪ .‬ل��ذل��ك ك��ان ت��راث� ًا‬ ‫يقوم على التعدد والتنوع‪ ،‬وك��ان ذلك‬ ‫م�صدر غناه الذي جعله يج�سد الهوية‬ ‫الإن�سانية املنفتحة‪.‬‬ ‫ه��ذه الهوية الإن�سانية ال تتعار�ض مع‬ ‫ال �ه��وي��ات ذات اخل���ص��و��ص�ي��ة ال �ت��ي ال‬ ‫مي�ك��ن حت��دي��د ج��زء م�ه��م م�ن�ه��ا ب��دون‬ ‫رب�ط�ه��ا ب�ت�ل��ك ال �ه��وي��ة ال �ع��ام��ة‪ .‬فكيف‬ ‫ميكن ا�ستثمار ه��ذا التفاعل من �أجل‬ ‫ج �ع��ل ك��ل ال �ه��وي��ات ت�ت�ع��اي����ش وت�ت�ط��ور‬ ‫بدون �إق�صاء �أو �إلغاء؟ يكمن اجلواب‬ ‫ع ��ن ذل� ��ك يف �إع� � ��ادة ت �ق �ي �ي��م ع�لاق��ة‬ ‫الرتاث بالهويات بعيد ًا عن الظرفيات‬ ‫واملالب�سات الطارئة والعابرة‪ ،‬وبعيد ًا‬ ‫عن كل �أ�شكال التطرف وردود الفعل‬ ‫القائمة على الأهواء‬


‫الغالف‬ ‫‪34‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬


‫�شيء «جدمي» ب�س «وااااايد» حلو‪..‬‬

‫التراث في عيون الناس‬ ‫استطالع شمل ‪ 100‬طفل ورجل وامرأة‬ ‫�أبوظبي – حممد النمر‬ ‫ال خالف على �أن للرتاث ح�ضوراً يف املجتمعات‪ ،‬وال خالف على �أن مهمة‬ ‫غر�س الرتاث يف نفو�س الأوالد والبنات ت�أتي �ضمن �أولويات العديد من‬ ‫اجلهات الر�سمية والأهلية‪ ،‬فاحلفاظ على الرتاث هو م�س�ؤولية اجلميع‪،‬‬ ‫لكن هل ا�ستطاع م�صطلح الرتاث �أن يتخذ مكانة وا�ضحة بني �أفراد‬ ‫املجتمعات العربية‪ ،‬و�أن يكت�سب ذلك احل�ضور املنظم الذي ينعك�س على‬ ‫�أدائهم يف حياتهم اليومية؟‪.‬‬ ‫ه���ذه ه ��ي ال �ف��ر� �ض �ي��ة ال��ت��ي �أردن� � ��ا �أن‬ ‫نختربها بتوجيه ال�س�ؤال لعينة ع�شوائية‬ ‫ت���ض��م خم�ت�ل��ف ف �ئ��ات وط �ب �ق��ات الب�شر‬ ‫ع�ل��ى اخ �ت�لاف �أع �م��اره��م وان�ت�م��اءات�ه��م‬ ‫وخلفياتهم الثقافية والفكرية‪.‬‬ ‫وجهنا للعينة امل�خ�ت��ارة‪��،‬س��ؤا ًال مبا�شراً‬ ‫و�صريح ًا‪ :‬م��اذا تعني لك كلمة ت��راث؟‬ ‫وق��ررن��ا �أن ي �ك��ون االن �ط �ب��اع الأول لكل‬ ‫�شخ�ص هو �ضالتنا‪ ،‬لأن��ه الوحيد الذي‬ ‫يلم�س ال �� �ص��ورة ال��ذه�ن�ي��ة ع��ن ال�ت�راث‬ ‫املطبوعة يف عقل هذا ال�شخ�ص‪.‬‬ ‫�أ��س�ف��ر اال�ستطالع ع��ن حقيقة م��ؤداه��ا‬ ‫�أن م�ف�ه��وم ال�ت�راث ال ي ��زال اح�ت�ف��ال�ي� ًا‬ ‫ومو�سمي ًا وغري منهجي لدى الكثري ممن‬

‫التقينا بهم‪ ،‬والذين اقرتب عددهم من‬ ‫املائة �شخ�ص من خمتلف فئات املجتمع‬ ‫العمرية‪ ،‬ومن جن�سيات عدة‪.‬‬ ‫ال �شك يف �أن ه��ذا اال�ستطالع ال ميكن‬ ‫�أن يتم تعميم نتائجه‪� ،‬إال �أن��ه بال �شك‬ ‫�أي���ض� ًا ي�صلح �أن يكون م��دخ�ل ًا حلديث‬ ‫جمتمعي ج��اد ع��ن الكيفية ال�ت��ي ميكن‬

‫لطيفة هالل‬ ‫القبيسي‪ :‬كلمة‬ ‫تراث تعني األشياء‬ ‫القديمة التي تمثل‬ ‫األجداد ورائحة األهل‬ ‫القدماء‬

‫من خاللها جعل الرتاث م�صطلح ًا حي ًا‬ ‫عند اجلميع‪ ،‬ميتلك القدرة على الت�أثري‬ ‫وي�سهم يف م�سرية التنمية والنمو‪.‬‬

‫الرتاث والتعليم‬

‫�شريين الد�سوقي‪ ،‬معلمة لغة �إجنليزية‪،‬‬ ‫قالت‪�« :‬إن ال�تراث هو كل �شيء مرتبط‬ ‫ب��ال��زم��ن امل��ا� �ض��ي‪� ،‬أ� �س �ه��م يف ت�شكيل‬ ‫الهوية‪ ،‬وارتبط بنا ارتباط ًا عاطفي ًا �أو‬ ‫ح�سي ًا �أو مادي ًا»‪.‬‬ ‫م��در���س��ة ال�ت�رب��ي��ة ال��ري��ا� �ض �ي��ة‪ ،‬ل�ي�ل��ى‬ ‫احل��و��س�ن��ي ك��ان ل�ه��ا ر�أي م�شابه حيث‬ ‫ق ��ال ��ت‪� «:‬إن ال �ت��راث ي �ع �ن��ي ال� �ع ��ادات‬ ‫والتقاليد»‪ ،‬الفت ًة �إىل �أن التقاليد ت�شمل‬


‫الغالف‬ ‫‪36‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫مريم البلوشي‪:‬‬ ‫التراث يعني الماضي‬ ‫«اللي احنا اتربينا‬ ‫عليه» مثل عاداتنا‬ ‫وتقاليدنا وأصول آبائنا‬

‫حممد ال�شحي‬

‫جا�سم البوعنني‬

‫كل �شيء‪.‬‬ ‫�أم��ا م��در���س ال�ترب�ي��ة الإ��س�لام�ي��ة حممد‬ ‫غ��ازي فقد ع � ّرف ال�تراث ب�أنه «م��وروث‬ ‫�أي �أمة متناقل عرب الأجيال‪ ،‬ويعرب عن‬ ‫امل��ا��ض��ي الأ� �ص �ي��ل»‪ ،‬م ��ؤك��د ًا ع�ل��ى �أهمية‬ ‫مت�سك الأجيال احلديثة به‪.‬‬ ‫وقالت معلمة اللغة العربية حنان مندور‪:‬‬ ‫«�إن الرتاث يحقق معنى الهوية الوطنية‬ ‫يف �إط ��ار ح���ض��اري و�إن �� �س��اين م�شرتك‪،‬‬ ‫ويعمل على دع��م وتعزيز معنى ال�تراث‬ ‫والرتبية»‪.‬‬ ‫و�أيدها معلم الريا�ضيات حممد ال�شحي‬ ‫ق��ائ�ل ًا‪�« :‬إن ال�ت�راث ج��زء ال ي�ت�ج��ز�أ من‬

‫الشحي‪ :‬التراث جزء ال‬ ‫يتجزأ من ثقافة ووجود‬ ‫المواطنين‬

‫ثقافة ووجود املواطنني»‪.‬‬ ‫ول�ف��ت ال�شحي �إىل �أن ت��راث الإم ��ارات‬ ‫ميثل ج��زء ًا مهم ًا م��ن الهوية الوطنية‪،‬‬ ‫و� �ش��اه��د ًا ع�ل��ى ح�ق�ب��ة م�ه�م��ة م��ن ت��اري��خ‬ ‫الدولة‪� ،‬إذ يتيح لأجيالنا اجلديدة فر�صة‬ ‫التعرف �إىل جانب من الإب��داع ال�سائد‬ ‫يف الثقافة ال�شعبية يف تلك احلقبة التي‬ ‫عا�شها الأجداد ب�صعوباتها‪.‬‬ ‫ب��دوره��ا ع��رف��ت م�ع�ل�م��ة ال�ل�غ��ة ال�ع��رب�ي��ة‬ ‫حكيمة بوعمر الرتاث ب�أنه‪« :‬ما تركه لنا‬ ‫الأ�سالف ويحق لنا �أن نفخر به ونحافظ‬ ‫عليه ليكون ذخر ًا لهذا الوطن وللأجيال‬ ‫القادمة»‪.‬‬ ‫وع��رف معلم ال��درا��س��ات م��ؤم��ن �شكري‬ ‫ال �ت��راث ب� ��أن ��ه ‪« :‬رك� �ي ��زة رئ �ي �� �س��ة م��ن‬ ‫ركائز الهوية‪ ،‬كونه ميثل جممل احلياة‬ ‫ال�سابقة‪ ،‬والهوية الوطنية للإماراتيني‬ ‫وال��ع��رب‪ ،‬م��ن خ�ل�ال ال�ث�ق��اف��ة ال�شعبية‬ ‫واملعارف التقليدية‪ ،‬وبقية �أمناط احلياة‬ ‫االجتماعية»‪.‬‬ ‫وق��ال��ت معلمة اللغة الإجن�ل�ي��زي��ة ب�سمة‬ ‫ح�سان يف تعريفها للرتاث‪« :‬الرتاث يعني‬ ‫ك��ل «ح��اج��ة» ق��دمي��ة ممكن نتعلمها من‬


‫النا�س القدامى»‪.‬‬ ‫وع ّرف الرتاث معلم الرتبية الإ�سالمية‬ ‫زي��اد حافظ ق��ائ�ل ًا‪�« :‬إن ال�تراث ه��و كل‬ ‫الأ� �ش �ي��اء ال�ق��دمي��ة ال�ت��ي حت�ي��ط ب�ن��ا من‬ ‫خمتلف الع�صور املا�ضية»‪ ،‬م�ؤكد ًا على‬ ‫�ضرورة تعريف الن�شء برتاث �أجدادهم‪.‬‬ ‫من جانبه قال معلم الدرا�سات حمودة‬ ‫ال���ش�ه��اوي‪« :‬ال�ت�راث «ده ح��اج��ة» مهمة‬ ‫جد ًا لكل النا�س و�ضروري نعلمه لأوالدنا‬ ‫«ع�شان» ينفعهم يف م�ستقبلهم»‪.‬‬ ‫وق��ال��ت معلمة ال�ترب�ي��ة الريا�ضية والء‬ ‫عبدالفتاح‪�« :‬إن ال�ت�راث يعني ما�ضي‬ ‫الإن�سان من قبل»‪.‬‬ ‫وع � ّرف معلم الريا�ضيات منري الأك��رم‬ ‫ال�ت�راث ب ��أن��ه‪ « :‬ك��ل م��ا يخلفه ال��رج��ل‬ ‫لورثته‬ ‫�أي �أبنائه و�أهله من بعده‪ ،‬ويكون متوارثاً‬ ‫وقاب ًال للتوريث من بعده بحكم التقادم‬ ‫واالن�ت�ق��ال»‪ .‬وقالت معلمة العلوم �سناء‬ ‫م�صطفى‪�:‬إن ال�ت�راث ه��و «ك��ل م��ا �سنه‬ ‫الآباء‪ ،‬وهو عبارة عن �إطار من الأحكام‬ ‫وال���ش��رائ��ع وم�ع�ل��وم��ات علمية جتريبية‬ ‫�شعبية‪ ،‬وجمموعات �أدبية فكرية علمية‬ ‫مكتوبة»‪.‬‬

‫�أحمد عبد الله‬

‫حمودة ال�شهاوي‬

‫جاسم البوعينين‪:‬‬ ‫كل شيء قديم‬ ‫وله اتصال بعاداتنا‬ ‫وتقاليدنا ومرتبط‬ ‫بالزمن الحالي‬ ‫الأردن��ي��ة للن�شر وال �ت��وزي��ع �أ� �س��ام��ة �أب��و‬ ‫ط��اع��ة « ‪��� 27‬س��ن��ة»‪ ،‬وحم��م��د امل��ن��دور‬ ‫« ‪� 32‬سنة»‪ ،‬على �أن كلمة ت��راث توحي‬ ‫بالأ�شياء القدمية الرتاثية‪ ،‬الفتني �إىل‬ ‫�أن الإقبال على كتب الرتاث متزايد‪ ،‬و�أن‬ ‫من هم فوق �سن الأربعني ي�شرتون الكتب‬ ‫الرتاثية ويبحثون عنها‪.‬‬

‫حممد جمال اجلابري‬

‫الرتاث �أ�شياء من املا�ضي‬ ‫علي ف ��ؤاد موظف يف دار القلم للن�شر �س�ؤال �صعب‬ ‫وال �ت��وزي��ع « ‪�� 27‬س�ن��ة»‪ ،‬ق��ال �إن «مفهوم‬ ‫ال �ت�راث ه��و ك��ل الأ� �ش �ي��اء ال �ق��دمي��ة �أو‬ ‫البيوت القدمية والبدو‪ ،»...‬م�شري ًا �إىل‬ ‫�أن رواد م�ع��ر���ض ال�ك�ت��اب يبحثون عن‬ ‫الكتب الرتاثية اخلا�صة بتعليم الرتاث‬ ‫للأطفال‪.‬‬ ‫�سلطان الزعابي موظف و�صاحب �شركة‬ ‫« ‪� � 33‬س �ن��ة»‪ ،‬وج ��د ��ص�ع��وب��ة يف ت�ع��ري��ف‬ ‫ال�ت��راث‪ ،‬واك �ت �ف��ى ب��ال �ق��ول �إن ال�ت�راث‬ ‫ما�ض»‪.‬‬ ‫«�شيء ٍ‬ ‫�أم��ا املوظف يف هيئة �أبوظبي لل�سياحة‬ ‫والثقافة حمد �آل علي « ‪� 28‬سنة»‪ ،‬فقال‬ ‫بب�ساطة �إنه ال يعرف معنى كلمة تراث‪.‬‬ ‫ب�ي�ن�م��ا ات �ف��ق امل��وظ �ف��ان يف دار �أزم �ن��ة‬

‫�أ�صر املوظف يف وزارة الثقافة والفنون‬ ‫والرتاث يف دولة قطر جا�سم البوعينني‬ ‫« ‪� 24‬سنة» على �أن ي�ع��رف مل��اذا نتوجه‬ ‫�إليه مبثل هذه «الأ�سئلة ال�صعبة»‪ ،‬قبل‬ ‫�أن يع ّرف الرتاث من وجهة نظره قائ ًال‪:‬‬ ‫�إنه «كل �شيء قدمي وله ات�صال بعاداتنا‬ ‫وتقاليدنا ومرتبط بالزمن احلايل»‪ ،‬ومل‬ ‫ين�س البوعينني �أن يلفت �إىل �أن الإقبال‬ ‫على �شراء الكتب الرتاثية يف املعار�ض‬ ‫كبري‪ ،‬و�أن عمر امل�شرتين يبد�أ من ‪20‬‬

‫ليلى الحوسني‪:‬‬ ‫التراث يعني العادات‬ ‫والتقاليد التي تشمل‬ ‫كل شيء‬

‫�سلطان الزعابي‬

‫عام ًا ‪.‬‬

‫الرتاث هو امل�شاركة بالعامل‬

‫م��دي��ر �إدارة امل�ك�ت�ب��ات ال�ع��ام��ة يف رك��ن‬ ‫الر�سامني يف معر�ض �أب��وظ�ب��ي ال��دويل‬ ‫للكتاب نبيل املحريي « ‪� 47‬سنة»‪ ،‬قال‪:‬‬


‫الغالف‬ ‫‪38‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫علي العبيديل‬

‫طارق الدرعي‬

‫حكيمة بوعمر ‪ :‬كل‬ ‫ما تركه لنا األسالف‬ ‫ويحق لنا أن نفخر به‬ ‫ونحافظ عليه‬

‫هبة مهيار‬

‫موظفة م�ؤقتة يف ق�سم املكتبات وطالبة‬ ‫مب �ع �ه��د اجل ��زي ��رة وال �ت �ط��وي��ر امل �ه �ن��ي‪،‬‬ ‫متالكت نف�سها بعد �أن �أب��دت «فزعها»‬ ‫من ال�س�ؤال املباغت ثم قالت‪�« :‬إن كلمة‬ ‫ت��راث تعني الأ�شياء القدمية التي متثل‬ ‫الأج��داد‪ ،‬ومنها رائحة الأهل القدماء»‪.‬‬ ‫وا�ستكملت زميلتها مرمي البلو�شي « ‪24‬‬ ‫�سنة» قائلة‪�« :‬إن ال�تراث يعني املا�ضي‬ ‫«اللي احنا اتربينا عليه»‪ ،‬مثل عاداتنا‬ ‫وتقاليدنا و�أ� �ص��ول �آب��ائ�ن��ا‪ ،‬وه��و امتداد‬ ‫املا�ضي مع احلا�ضر»‪.‬‬ ‫وقال املوظف مهند علي كويتان « ‪� 24‬سنة»‬ ‫�إن ال�ت�راث يعني «احل �� �ض��ارة والثقافة‬ ‫وال �ع��ادات وال�ت�ق��ال�ي��د وت��اري��خ وح���ض��ارة‬ ‫البالد»‪.‬‬

‫ال�س�ؤال يف �صيغة عامية ‬ ‫�أما طارق الدرعي « ‪� 24‬سنة» فقد طلب �أن‬ ‫ح�سن مهيار‬ ‫�أعيد �صياغة ال�س�ؤال باللهجة العامية‪،‬‬ ‫«�إن الرتاث هو امل�شاركة بالعامل» م�ؤكد ًا ومل��ا فعلت ذل��ك‪� ،‬س�ألني �إن ك��ان ل��ه �أن‬ ‫�أن��ه ال يخ�ص الديانة �أو اجلن�سية‪ ،‬وهو‬ ‫نبيل المحيري ‪ :‬التراث‬ ‫مينح القدرة على م�شاركة العامل كله‪.‬‬ ‫هو المشاركة بالعالم‬ ‫لطيفة هالل القبي�سي « ‪� 27‬سنة»‪ ،‬وهي‬

‫وال يخص الديانة أو‬ ‫الجنسية‬

‫يجيب بالعامية كذلك‪ ،‬وحينما �أكدت له‬ ‫حقه يف ذلك قال �إن الرتاث هو الأ�شياء‬ ‫«اللي عملوها الأجداد»‪.‬‬ ‫وا�ستغرب مدير دار جم��دالوي الأردنية‬ ‫للطباعة والن�شر‪ ،‬ال�سيد جم��دالوي « ‪35‬‬ ‫�سنة» من ال�س�ؤال قائ ًال «ترااااااااااث!!»‪،‬‬ ‫ثم ما لبث �أن قال يف ثقة‪�:« :‬إن الرتاث‬ ‫ه��و الإرث ال�ث�ق��ايف املطلق على منطقة‬ ‫معينة خالل مدة زمنية» م�شري ًا �إىل �أنه‬ ‫ال يوجد �إقبال على �شراء الكتب الرتاثية‬ ‫يف معر�ض �أبوظبي الدويل للكتاب‪ ،‬على‬ ‫عك�س احلال يف معر�ض ال�شارقة للكتاب‬ ‫حيث ي�ك��ون الإق �ب��ال على � �ش��راء الكتب‬ ‫الرتاثية �أكرب بكثري‪.‬‬

‫الرتاث يف عيون الطالب‬

‫غالبت الطالبة بكليات التقنية �شيخة‬ ‫الها�شمي « ‪� 22‬سنة» ابت�سامتها طوي ًال‪،‬‬ ‫ث��م ك��ررت ال���س��ؤال �أك�ثر م��ن م��رة ك�أمنا‬ ‫تت�أكد من �صحة ما �سمعته‪� ،‬إىل �أن قالت‬ ‫ب�ه��دوء‪�« :‬إن ال�تراث هو كل �شيء �أورث��ه‬ ‫لنا الأج��داد من ع��ادات وتقاليد و�أفعال‬ ‫ومعتقدات وم��ن املجتمع ال�سابق‪ ،‬ولكل‬ ‫دولة تراثها كطريقة امل�أكل وامللب�س»‪.‬‬ ‫بينما راق لأح�م��د ع�ب��داهلل ‪ -‬ط��ال��ب يف‬ ‫ال�صف التا�سع – �أن ي�ك��رر الكلمة مع‬ ‫مت��دي��د ��ص��وت��ي ل�ه��ا «ت � ��راااااث»‪ ،‬بعدها‬ ‫�صمت قلي ًال‪ ،‬ثم قال �إن الرتاث «ت�شخي�ص‬ ‫املا�ضي‪ ،‬وما تركه لنا الأجداد»‪.‬‬ ‫فيما ع ّرف الطالب يف ال�صف العا�شر يف‬ ‫مدر�سة ال��رواد النموذجية حممد جمال‬ ‫اجل��اب��ري ال�ت�راث ب ��أن��ه «الأ� �ش �ي��اء التي‬ ‫فعلها الأج��داد ومت�ضي معنا‪ ،‬كما �أنها‬ ‫عاداتنا وتقاليدنا»‪.‬‬ ‫و�أج��اب��ت زه ��رة �إب��راه �ي��م « ‪�� 22‬س�ن��ة» ‪-‬‬ ‫طالبة يف جامعة ال���س��ودان وموظفة يف‬ ‫م�ؤ�س�سة �سلطان بن على العوي�س الثقافية‬ ‫– عن ال�س�ؤال بعد تفكري طويل بكلمات‬ ‫ث�لاث ال�تراث ه��و «تقاليد – ع��ادات –‬ ‫�أ�سلوب حياة قدمي»‪.‬‬ ‫واخت�صر الطالب يف كلية تقنية �أبوظبي‬


‫�صورة �أر�شيفية حللقات حتفيظ القر�آن الكرمي يف الإمارات‬

‫ع �ل��ي ال �ع �ب �ي��ديل ت �ع��ري��ف ال�ت��راث ب ��أن��ه‬ ‫«الأ�شياء القدمية»‪.‬‬ ‫فيما قال الطالب يف ال�صف الثامن يف‬ ‫مدر�سة عبداجلليل فهمي �أحمد حممد‬ ‫�سيف « ‪� 13‬سنة» �إن ال�تراث «ه��و �شيء‬ ‫من املا�ضي يعرب عن الأ�شياء التي فعلها‬ ‫الأجداد»‪.‬‬ ‫�أما الطالب يف ال�صف التا�سع يف مدر�سة‬ ‫عبداهلل بن عتيبة معاذ خالد « ‪�14‬سنة»‬ ‫ف�ق��د ك��رر ال �� �س ��ؤال �أو ًال ك ��أمن��ا ي�ستعيد‬ ‫معلومة حفظها من قبل ون�سيها‪ ،‬بعدها‬

‫قال‪�« :‬إن الرتاث يعني العادات والتقاليد‬ ‫و�أجدادنا»‪ ،‬ثم انقطع عن الكالم راف�ض ًا‬ ‫اال�ستمرار يف احلديث‪.‬‬ ‫وع ��رف ال �ط��ال��ب يف ال���ص��ف ال���س��اد���س‬ ‫ح�سن م�ه�ي��ار « ‪�� 11‬س�ن��ة» ال�ت�راث ب��أن��ه‬

‫شيرين الدسوقي‪:‬‬ ‫التراث هو كل‬ ‫شيء مرتبط بالزمن‬ ‫الماضي وأسهم في‬ ‫تشكيل الهوية‬

‫الأ�شياء التي تركها لنا الأج ��داد‪ ،‬مثل‬ ‫الأ�شياء القدمية والتقاليد‪.‬‬ ‫وا�ستكملت �شقيقته الطالبة يف ال�صف‬ ‫احل� ��ادي ع���ش��ر ه�ب��ة م�ه�ي��ار ق��ائ �ل � ًة‪� :‬إن‬ ‫«الرتاث هو التاريخ والآثار»‪.‬‬ ‫وقالت الطالبة يف ال�صف احلادي ع�شر‬ ‫هدير الأ��ش�ق��ر‪� :‬إن «ال�ت�راث ه��و حا�ضر‬ ‫فينا �أو معنا من املا�ضي‪ ،‬ما�ضينا نحن‬ ‫�أم ما�ضي غرينا‪ ،‬القريب منه �أو البعيد»‪.‬‬ ‫وق��ال الطالب يف ال�صف التا�سع وائ��ل‬ ‫عبد املعز‪� :‬إن «الرتاث هو كل ما ورثناه‬


‫الغالف‬ ‫‪40‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫تاريخي ًا من الأجداد‪ ،‬وهو وعي التاريخ»‪.‬‬

‫املوروث ال�شعبي‬

‫وخالل رحلتنا داخل معر�ض الكتاب ال�ستكمال‬ ‫اال�ستطالع ع��ن م��ا ه��و معنى كلمة ت��راث؟‪،‬‬ ‫وجهنا ال�س�ؤال �إىل �أحد الأ�شخا�ص الذي اتخذ‬ ‫من �أحد �أركان املعر�ض مكان ًا للراحة ومراجعة‬ ‫ما ا�شرتاه من كتب‪ .‬فقال من�صور ال�سعدي‬ ‫عن الرتاث ‪�«:‬إن��ه امل��وروث ال�شعبي‪ ،‬وهو جزء‬ ‫ال يتجز�أ م��ن ثقافة املجتمع‪ ،‬فهو الركيزة‬ ‫الأ�سا�سية التي تبنى على �أ�سا�سها ال�شعوب‬ ‫والأمم‪ ،‬وم�صدر �إلهام وقوة ومتا�سك �أفراده»‪.‬‬ ‫من جانبه ع��رف �أح��د رواد املعر�ض ‪-‬رف�ض‬ ‫ن�شر ا�سمه‪ -‬الرتاث ب�أنه املا�ضي ويعد �إحدى‬ ‫ركائز ال�شخ�صية الوطنية‪ ،‬كما �أنه ي�ساعد على‬ ‫ربط وتوا�صل الأجيال اجلديدة مع ما�ضيهم‬ ‫ما يعزز انتماءهم‪ ،‬وي�شكل دافع ًا �أ�سا�سي ًا لهم‬ ‫للعطاء املميز‪.‬‬ ‫وق��ال حممد ح�سن يف تعريف ال�تراث ‪�«:‬إن��ه‬ ‫االه�ت�م��ام مبا�ضي الآب ��اء والأج� ��داد و�إح�ي��اء‬ ‫العادات والتقاليد العربية الأ�صيلة وحتقيق‬ ‫توا�صل املوروثات ال�شعبية بني الأجيال»‪.‬‬ ‫فيما رف�ض �أح��د رواد املعر�ض �أحمد �شكري‬ ‫الرد على ال�س�ؤال‪ ،‬معل ًال رف�ضه ب�أن لديه �أمنية‬ ‫خا�صة ب��ال�تراث يريد ن�شرها‪ .‬وق��ال �شكري‬ ‫�أريد التم�سك برتاثنا وثقافتنا‪ ،‬و�أريد للرتاث‬ ‫وال�ع��ادات والتقاليد �أن تبقى حية يف نفو�س‬ ‫ال�صغار ليكربوا وتكرب معهم هذه املعاين‪.‬‬

‫�أمناط ثقافية مميزة‬

‫وقال املوظف عبداهلل اخليلي‪� «:‬إن العادات‬ ‫والتقاليد والقيم والفنون واحلرف واملهارات‬ ‫و�شتى املعارف ال�شعبية التي �أبدعها و�صاغها‬ ‫املجتمع عرب جتاربه الطويلة والتي يتداولها‬ ‫�أفراده ويتعلمونها بطريقة عفوية هي الرتاث‬ ‫بعينه»‪.‬‬ ‫وع��رف املوظف ح�سني عبد الكرمي املوظف‬ ‫يف بلدية �أبوظبي الرتاث ب�أنه «كل ما يلتزم به‬ ‫ال�شخ�ص يف �سلوكه وتعامله‪ ،‬حيث �إن الرتاث‬ ‫عبارة عن �أمناط ثقافية مميزة تربط الفرد‬


‫ال�سيد جمدالوي‬

‫علي ف�ؤاد‬

‫باجلماعة وت�صل احلا�ضر باملا�ضي»‪.‬‬ ‫فيما عرفه زميله عالء اجلمل قائ ًال‪� :‬إن‬ ‫«ال�تراث ال�شعبي ث��روة كبرية من الآداب‬ ‫وال�ق�ي��م وال��ع��ادات وال�ت�ق��ال�ي��د وامل �ع��ارف‬ ‫ال���ش�ع�ب�ي��ة وال �ث �ق��اف��ة امل ��ادي ��ة وال �ف �ن��ون‬ ‫الت�شكيلية واملو�سيقية»‪.‬‬ ‫وكان لزميلهم الثالث حم�سن ح�سام الدين‬ ‫تعريف �آخ��ر ل�ل�تراث ف�ق��ال‪� :‬إن «ال�تراث‬ ‫هو كل ما و�صل �إلينا من املا�ضي داخل‬ ‫احل�ضارة ال�سائدة »‪.‬‬

‫ردود فعل غريبة‬

‫�أم��ا �سلطان علي الها�شمي « ‪� 38‬سنة»‪،‬‬ ‫فرغم �أن��ه ب��دا متحم�س ًا لال�شرتاك يف‬ ‫اال�ستطالع‪� ،‬إال �أنه فور �أن �سمع ال�س�ؤال‬ ‫تعذر ب�ضيق وقته وان�صرف م�سرع ًا‪.‬‬ ‫فيما ق��ال امل��وظ��ف من�صور حماد «�شو‬ ‫ترااااااااااااااث ؟»‪.‬‬

‫وا�ستغربت فاطمة ب�سميط من ال�س�ؤال‪،‬‬ ‫وان�ت�ظ��رت ط��وي�ل ًا ث��م انتهت ب ��أن قالت‬ ‫«�إنا ما بعرف �شو هو الرتاث هذا»‪.‬‬ ‫وق� ��ال ال �ت��اج��ر حم �م��د ال �� �ش��ام��ي‪« :‬ك��ل‬ ‫الأ�شياء القدمية تراث» �إال �أنه مل يجد‬ ‫مثا ًال ملا قاله �سوى «كرة القدم»!!‪.‬‬ ‫وت��وج��ه �صاحب حم��ال جت��اري��ة مم��دوح‬ ‫حجوا بال�شكر للمجلة على اال�ستطالع‬ ‫من دون الإجابة على ال�س�ؤال املطروح‬ ‫ق ��ائ�ل ً�ا‪« :‬م �� �ش �ك��ور �أخ � ��وي ع��امل��و� �ض��وع‬ ‫و�أح �ب �ب��ت ب��ك مت�سكك ب�ت�ع��ري��ف ت��راث‬ ‫�أجدادنا»‪.‬‬

‫مندور‪ :‬التراث يحقق‬ ‫معنى الهوية‬ ‫الوطنية في إطار‬ ‫حضاري وإنساني‬ ‫مشترك‬

‫معاذ خالد‬

‫وعرف معنى كلمة تراث املوظف حمودة‬ ‫م �ب��ارك ق��ائ�ل ًا‪« :‬ال�ت�راث ه��و ك��ل �شيء‬ ‫ق ��دمي ح� �ل���وووووو»‪ .‬وق��ال��ت رب ��ة م�ن��زل‬ ‫رف�ضت ن�شر ا�سمها �إن ال�تراث «�شيء‬ ‫جدمي ب�س واااااااايد حلو»‬


‫‪42‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ي��ن��اي��ر‬ ‫‪2013‬‬

‫الكالم المباح‬

‫الكالم المباح‬

‫ابن كبينة‪..‬‬ ‫وابن لندن‬ ‫حنفي جايل‬


‫بالت�أكيد فريدة‪ ،‬وهي من دون �شك بهيجة‪ ،‬عندما‬ ‫ت�ستطيع ا�ستعادة �صورة و ًثقت حلظة من حياتك بعد �ستني‬ ‫عام ًا م�ضت‪ ،‬لت�ستعيد معها كل التفا�صيل وكل امل�شاعر‪ ،‬والأهم من كل ذلك‬ ‫�أن ت�ستعيد �أبطال ال�صورة‪� ،‬أعني �أبطال احلكاية‪ .‬وكالمنا املباح اليوم عن‬ ‫حكايتني ولي�ست واحدة‪.‬‬ ‫احلكاية الأوىل حدثت منذ �أيام‪ ،‬وكان بطلها احلقيقي ال�شيخ �سامل بن‬ ‫كبينة‪ ،‬الرفيق الأهم‪ ،‬والرجل الأقرب �إىل عقل وقلب الرحالة الإجنليزي‬ ‫ال�شهري ال�سري ويلفرد ثي�سجر‪ ،‬املعروف با�سم «مبارك بن لندن»‪ ،‬الذي قاد‬ ‫قبل �ستني عام ًا مغامرة اكت�شاف �صحراء الربع اخلايل‪ ،‬م�ستعينا ب�أربعة من‬ ‫�شباب الإمارات هم �إ�ضافة البن كبينة كل من ابن غبي�شة‪ ،‬وابن عمر وابن‬ ‫كلوت‪ .‬واملنا�سبة �أن الإعالمية والأديبة هويدا عطا‪ ،‬ا�ستطاعت بعد جمهود‬ ‫يحمد لها ا�ستعادة الأ�صدقاء الأربعة بعد �ستني عام ًا من لقائهم بالرحالة‬ ‫ال�شهري‪ ،‬لي�ستعيدوا بالتايل كل التفا�صيل وكل امل�شاعر‪ ،‬التي مرت بهم خالل‬ ‫الرحلة املغامرة‪ ،‬ثم ليقفوا من جدبد‪ ،‬وبالرتتيب نف�سه‪ ،‬لتلتقط لهم �صورة‬ ‫تذكارية بالألوان الطبيعية‪.‬‬ ‫وقد �سبق لل�سيدة هويدا �أن �سجلت ذكرياتهم و�أقوالهم عن تلك الرحلة يف‬ ‫كتابها املو�سوم «عابرو الربع اخلايل» والذي �صدرت عنه طبعتان بالعربية‬ ‫حتى الآن‪ ،‬وت�ستعد لإطالق طبعته الثالة ولكن باللغة الإجنليزية خالل الأيام‬ ‫املقبلة‪ ،‬لكنها �أبت �إال ا�ستعادة حلظات خا�صة ونادرة مع �أحد ه�ؤالء الأربعة‪،‬‬ ‫وهو ابن كبينة‪ ،‬عندما ا�ست�ضافه‪ ،‬والكاتبة‪ ،‬ونحن معهما‪ ،‬الأ�ستاذ الدكتور‬ ‫عبد الرحيم ال�صابوين‪ ،‬مدير جامعة احل�صن يف �أبوظبي‪ ،‬ودعا الرجل‬ ‫للقاء يف حرم اجلامعة �ضمن احتفاالتها بالعيد الوطني احلادي والأربعني‬ ‫لدولة الإمارات العربية املتحدة‪ ،‬لتبادل الذكريات واحلديث عن مغامرتهم‬ ‫الأ�شهر �أمام جمهور غفري من الفتيات وال�شباب والن�ساء والرجال غ�صت‬ ‫بهم القاعة الكبرية يف اجلامعة‪ ،‬ليظهر �شغف الأجيال بالرتاث وتت�أكد‬ ‫�أهمية التاريخ ال�شفاهي و�ضرورة توثيقه من م�صادره‪.‬‬ ‫وكالعادة يف كل املنا�سبات املهمة وال�سعيدة‪ ،‬فقد كان القائد امل�ؤ�س�س ال�شيخ‬ ‫زايد بن �سلطان �آل نهيان‪ ،‬طيب اهلل ثراه هو الغائب احلا�ضر‪ ،‬فقد حتدث‬ ‫ابن كبينة عن ف�ضل الرجل يف �إمتام الرحلة حيث ا�ستقبل ال�سري ويلفرد‬ ‫ثي�سجر يف مدينة العني‪ ،‬و�أمده ورفاقه باملال وال�سالح والعتاد‪ ،‬وبالت�أكيد‬ ‫�أمده بالن�صائح والإر�شادات لعبور هذا اجلزء ال�صعب من اجلزيرة العربية‬ ‫وخ�صو�ص ًا يف ظل ظروف مناخية �صعبة وقا�سية‪ ،‬يزيد من �صعوبتها‬ ‫الظروف االقت�صادية‪ .‬وقد قال ابن لندن �إنه مل ير يف حياته كلها مثل زايد‬ ‫يف كرمه و�أخالقه الطيبة‪ ،‬و�إنه ما من مرة ح�ضر فيها �إىل الإمارات �إال‬ ‫ووجد كل احلفاوة والتكرمي من زايد طيب اهلل ثراه‪ .‬كما �شمل الف�ضل ابن‬ ‫فن�صبه �شيخ ًا لقبيلة الروا�شد‬ ‫كبينة نف�سه‪ ،‬عندما �أكرمه زايد‪ ،‬غفر اهلل له‪ً ،‬‬ ‫ومعرف ًا لأبنائها‪ ،‬كما مل يق�صر معه فى �أي �شئ‪ ،‬و�أجزل له العطاء ومنحه‬ ‫بيت ًا خا�ص ًا‪.‬‬ ‫بد�أ اللقاء بحميمية وا�ضحة بني ابن كبينة‪ ،‬وامل�ؤلفة وقد ظهرت على كل‬ ‫منهما عالمات ال�سرور وال�سعادة‪ ،‬والتي �سرعان ما نتقلت �إىل احل�ضور‬ ‫جميع ًا‪ ،‬ويف مقدمهم بع�ض �أوالد و�أحفاد الرجل الذي راح ي�سرد يف �سال�سة‬ ‫وب�ساطة بع�ض املواقف التي ات�سع لها الوقت‪ ،‬و�أكد فيها على �أنه هو من �أطلق‬ ‫على ال�سري ويلفرد ثي�سجر كنيته التي عرف بها‪ ،‬وهي «مبارك بن لندن»‪،‬‬ ‫وا�ستعاد ذاكرة الأيام‪ ،‬حيث اتفق معه ابن لندن على �صحبته يف رحلته‬

‫جتربة‬

‫ال�شهرية على �أن تكون له ن�صف �أجرة رجل من رجاالته‪ ،‬وعندما ظهرت‬ ‫له جنابة الفتى وجده وزكاءة �أعطاه �أجرة كاملة‪� ،‬سرعان ما زادها �إىل‬ ‫�أجرة رجلني‪ ،‬بالرغم مما عرف عن ابن لندن من �إم�ساك وتقتري‪ ،‬على حد‬ ‫و�صف رفاق رحلته‪.‬‬ ‫ومن جانبي‪ ،‬فقد حر�صت على �أن �أ�سمع‪ ،‬ومعي احلا�ضرون من ال�شيخ ابن‬ ‫كبينة ما �سبق �أن �أوردته امل�ؤلفة من حادثة وفاة «ابن لندن» الوهمية‪ ،‬ال‬ ‫لعدم ت�صديقي ما جاء يف الكتاب‪ ،‬ولكن لأكرث من هدف‪ ،‬منها �أن ي�سمع‬ ‫احلا�ضرون هذه احلكاية من بطلها‪ ،‬وفيهم من مل يطالع الكتاب‪ ،‬وال �سمع‬ ‫بالرجل‪ ،‬ومنها كذلك الوقوف عند دالالتها املتعددة‪ ،‬و�صو ًال �إىل درو�س‬ ‫م�ستفادة‪ ،‬وهنا تبد�أ احلكاية الأخرى ويرويها ابن كبينة‪.‬‬ ‫قال الراوي‪ :‬كنت م�شغو ًال ب�إعداد الطعام للرفاق‪ ،‬وكان ابن لندن «�سادحا»ً‬ ‫�أي م�ستلقي ًا على فرا�شه‪ ،‬وبدا «لل�شباب» �أنه راح يف النوم‪ ،‬ف�آثرت �أال �أزعجه‪،‬‬ ‫وتركته نائم ًا �إىل �أن «ذهَ ْبت» �أي �أعددت الطعام‪ ،‬وعمدت �إىل �إيقاظه‪ ،‬غري‬ ‫�أنه مل ي�ستجب‪ ،‬ومل يتحرك‪ ،‬و�أكرث من ذلك �أخذت بيده �أرفعها �إىل �أعلى‬ ‫لت�سقط من فورها‪ ،‬ما �أوحى يل وللجماعة �أن الرجل مات‪ .‬فحزنا عليه‪،‬‬ ‫وتركنا الطعام‪ ،‬و�أخذنا نفكر يف ما علينا فعله‪ .‬واتفقت �آراء �أخالئي على‬ ‫دفنه يف مكانه ‪،‬و�أن نعود �أدراجنا �إلأى حيث �أتينا‪ ،‬لكن اهلل �ألهمني ر�أي ًا‬ ‫مغاير ًا‪ ،‬فاقرتحت عليهم �أن نحمل «اجلثة» ومن�ضي �إىل �أن نلقى «�سيارة»‪،‬‬ ‫قافلة �أو بع�ض الراجلني فن�شهدهم على �أن الرجل مات ميتة طبيعية‪،‬‬ ‫و�أننا مل نقتله‪ ،‬و�أن جثته ال توجد بها �آثار لطعنات �أو لطلقات‪ ،‬ثم ندفنه‬ ‫يف ذلك املكان‪ ،‬حتى ن�أمن ما قد يثور حولنا من �شكوك �أو يظن بنا من‬ ‫�سوء‪ .‬وبالرغم من �أين كنت �أ�صغرهم �سن ًا «الكالم البن كبينة» �إال �أنهم‬ ‫ا�ستح�سنوا الر�أي‪ ،‬وقبلوا الفكرة‪ ،‬وعندها تهي�أنا لتناول الطعام‪ ،‬ف�إذا بامليت‬ ‫ينتف�ض واقف ًا و�ضاحك ًا!‪ ،‬ففرحنا وهللنا و�أقبلنا عليه نقبله‪.‬‬ ‫�إذن ما الذي حدث؟ �س�أل الرجال العائد من املوت؟ قال بب�ساطة‪ :‬ال�شئ‪،‬‬ ‫ها �أنا كما ترون حي ًا‪ ،‬مل �أمت‪ ،‬لكني تظاهرت باملوت لأنظر ماذا تفعلون‪،‬‬ ‫ولأخترب �صدقكم و�أمانتكم‪ ،‬واحلقيقة فقد كنتم عند ح�سن الظن بكم‪ ،‬و�إين‬ ‫مل �أتفاج�أ مبا اتفقتم عليه‪ ،‬ولكني فوجئت برجاحة عقل هذا الفتى‪ ،‬وح�سن‬ ‫ر�أيه‪ ،‬وح�سن تفكريه‪ ،‬وح�سن تدبريه‪« ،‬يق�صد ابن كبينة» فقد كنت �أ�سمع‬ ‫حتاوركم ونقا�شكم‪« .‬من يومها اتخذ ابن لندن ابن كبينه حار�سه‪ ،‬وخازنه‪،‬‬ ‫و�صديقه‪ ،‬ودليله وم�ست�شاره»‪.‬‬ ‫�أعود ف�أٌقول �إين عمدت �إىل ا�ستعادة هذا املوقف و�سماعه من �صاحبه‬ ‫و�إ�سماع احلا�ضرين تفا�صيله‪ ،‬لن�ستبني مع ًا ماذا يفعل ال�صدق ب�صاحبه‪،‬‬ ‫و�أعني �صدق ال�سريرة قبل �صدق الل�سان والكالم‪ ،‬وبخا�صة �إذا امتزج‬ ‫ال�صدق بالتقوى‪ ،‬لأن «من يتق اهلل يجعل له خمرج ًا»‪ ،‬ولرنى كذلك كيف‬ ‫متتع نفر من �أبناء الإمارات بذكاء فطري‪ ،‬ورجاحة عقل جعلتهم يقلبون‬ ‫الأمر على �أكرث من وجه ليختاروا �أح�سنها‪ ،‬ثم ما جبلوا عليه من حب‬ ‫«ال�شور» �أي ال�شورى �أو امل�شورة‪ ،‬وكيف �أن امل�شورة ال ت�أتي �إال بخري‪ ،‬ف�إنه‬ ‫«ال خاب من ا�ست�شار»‪ ،‬ثم كيف مل يكن �صغر �سن الفتى مانع ًا �أقرانه من‬ ‫اتباعه‪ ،‬بعد �أن تخلى كل منهم عن عناده و�إ�صراره على ر�أيه‪ ،‬ظن ًا منهم �أنه‬ ‫ال�صواب‪ ،‬و�أخري ًا فقد كان �أولئك الرجال ممن مل يتلقوا تعليم ًا يف �أوروبا‬ ‫وال يف �أمريكا‪ ،‬ومل ي�أتوا بدرجات علمية و�ألقاب مهنية وبالرغم من كل ذلك‬ ‫فقد �أعطوا درو�س ًا ت�سنحق �أن تدر�س و�أن ن�ستفيد نحن‪ ،‬املتعلمني‪ ،‬منها‬


‫ساحة الحوار‬ ‫‪44‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫الزهو وحده ال يقيم ح�ضارة وال ي�صنع تقدم ًا‬

‫الدكتور الطاهر مكي‪:‬‬ ‫هناك من يحاول أن يهيل التراب على دور العرب‬ ‫والمسلمين في تقدم الحضارة العالمية‬


‫حاوره ‪ -‬خالد بيومي‬ ‫الدكتور الطاهر مكي �أ�ستاذ الدرا�سات الأدبية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة‪� ،‬أكادميي مرموق‪،‬‬ ‫ن�سيج وحده ومنوذج فريد للأ�ستاذ اجلامعي‪ ،‬وي�شهد على ذلك تعدد اهتماماته و�أن�شطته‬ ‫الأدبية والثقافية والفكرية‪ ،‬فهو مفكر و�أديب وناقد ومرتجم وم�ؤرخ للأدب �أثرى املكتبة‬ ‫العربية بع�شرات امل�ؤلفات حيث قدم يف حقل الدرا�سات الأدبية‪ :‬امر�ؤ القي�س‪ ،‬حياته و�شعره‪،‬‬ ‫درا�سة يف م�صادر الأدب‪ ،‬ملحمة ال�سيد‪ :‬درا�سة مقارنة‪ ،‬درا�سات عن ابن حزم وكتابه طوق‬ ‫احلمامة‪ ،‬درا�سات �أندل�سية يف الأدب والتاريخ والفل�سفة‪ ،‬مقدمة يف الأدب الإ�سالمي املقارن‪.‬‬ ‫الأدب املقارن‪� :‬أ�صوله وتطوره ومناهجه‪.‬‬ ‫ويف جمال حتقيق الرتاث قدّم‪ :‬طوق احلمامة‬ ‫يف الأل �ف��ة والأالف الب ��ن ح ��زم‪ ،‬الأخ�ل�اق‬ ‫وال�سري يف مداواة النفو�س البن حزم‪ ،‬حتفة‬ ‫الأنف�س و�شعار �سكان �أه��ل الأن��دل����س البن‬ ‫هذيل «ر�سالة يف اجلهاد ونظم احل��رب يف‬ ‫الإ�سالم»‪ ،‬فن ال�شعر‪ :‬الوايف يف علم القوايف‬ ‫لأب��ي البقاء ال��رن��دي‪ ،‬املحا�ضرة واملذاكرة‬ ‫ملو�سى بن عذرا‪.‬‬ ‫ويف حقل الرتجمة نقل عن الفرن�سية �إىل‬ ‫اللغة العربية‪ :‬احل�ضارة العربية يف �إ�سبانيا‪،‬‬ ‫ت�أليف ليفي بروفن�سال‪ ،‬وال�شعر الأندل�سي‬ ‫يف ع�صر الطوائف ت�أليف ه�نري بريي�س‪.‬‬ ‫وت��رج��م ع��ن الإ��س�ب��ان�ي��ة‪ :‬ال�ف��ن ال�ع��رب��ي يف‬ ‫�إ�سبانيا و�صقلية‪ ،‬ت�أليف فون �شاك‪ .‬الرتبية‬ ‫الإ�سالمية يف الأندل�س ت�أليف خوليان ريبريا‪.‬‬ ‫ب��اب�ل�ي��و ن�ي��رودا‪�� :‬ش��اع��ر احل ��ب وال�ن���ض��ال‪،‬‬ ‫ال�سلطان ي�ستفتي �شعبه وحكايات �أخ��رى‪.‬‬ ‫كما �أنه ع�ضو جممع اللغة العربية «اخلالدين»‬ ‫بالقاهرة‪ ،‬هنا حوار معه‪:‬‬ ‫كيف ومتى بد�أت رحلتك مع الرتاث؟‬ ‫ب��د�أت رحلتي م��ع ال�ت�راث يف �إ�سبانيا عام‬ ‫‪1957‬م عندما ذه�ب��ت ملقابلة امل�ست�شرق‬ ‫الإ� �س �ب��اين الكبري امييليو ج��ارث�ي��ا جومز‪،‬‬ ‫لكي �أع��ر���ض عليه مو�ضوعات يختار منها‬ ‫واحد ًا �أعد فيه ر�سالتي للدكتوراه‪ ،‬ف�س�ألني‬ ‫عما در�سته يف م�صر م��ن م�صادر تت�صل‬ ‫بالأندل�س‪ ،‬ورغم �أنني �أعددت نف�سي لهذا‪،‬‬ ‫مل �أ�ستطع �أن �أجاوبه‪ ،‬لأنني يف احلقيقة مل‬ ‫�أقر�أ كتاب ًا من الكتب التي �س�ألني عنها‪ ،‬وكان‬

‫احلمامة»‬

‫من بني ه��ذه الكتب كتاب «ط��وق‬ ‫البن حزم‪ ،‬ومل �أكن قد �سمعت با�سمه �إال يف‬ ‫�إ�سبانيا‪ ،‬فقال يل اذهب واق��ر�أ هذه الكتب‬ ‫وعد �إ ّ‬ ‫يل بعد عام‪� ،‬ساعتها بد�أت يف البحث‬ ‫ً‬ ‫عن هذه امل�صادر ووقفت طويال عند «طوق‬ ‫احلمامة»‪ ،‬وكانت الطبعة غري املحققة مليئة‬ ‫بالأخطاء املطبعية والتاريخية‪� ،‬إىل جانب‬ ‫�أن الطبعات باللغات الأوروب �ي��ة املرتجمة‬ ‫كانت مليئة بالهوام�ش وال�ضبط‪� ،‬ساعتها‬ ‫�أ�سفت �أننا مل نقر�أ هذا الكتاب‪ ،‬وحني قمنا‬ ‫بطباعته‪ ،‬مل نبذل �أي جهد ل�ضبط الن�ص‬ ‫ون�شره م�صحح ًا‪ .‬و�أملت �إذا ما قدر يل يوم ًا‬ ‫�أن �أعود �إىل القاهرة �أن �أقدمه �إىل القارئ‬ ‫العربي يف �صورة �أف�ضل من كل الطبعات‬ ‫ال�سابقة‪ ،‬وهذا ما �صنعته فع ًال عندما عدت‬ ‫�إىل ال�ق��اه��رة ع��ام ‪1964‬م وك��ان �أول �أم��ر‬ ‫فكرت فيه هو حتقيق كتاب ط��وق احلمامة‬ ‫البن حزم‪.‬‬ ‫ومل يكن للكتاب خم�ط��وط��ات ك �ث�يرة‪ ،‬لقد‬ ‫و�صلنا يف خمطوطة واحدة‪ ،‬ويف هذه احلالة‬ ‫ي�صبح التحقيق م�ضني ًا لأن�ن��ا نعتمد على‬ ‫كتب التاريخ املوزعة وعلى امل�صادر املماثلة‬

‫معظم المستشرقين‬ ‫تعامل مع تراثنا‬ ‫بموضوعية ولكن‬ ‫في أحيان لم يكونوا‬ ‫يفهمونه فهم ًا كام ً‬ ‫ال‬ ‫فكانوا يخطئون في‬ ‫الحكم وأحيان ًا كان‬ ‫الخطأ يجيئ شنيع ًا‬

‫وعلى الكتب التي نقلت عن ابن حزم‪ ،‬وفع ًال‬ ‫خرجت الطبعة كما متنيت لها‪ ،‬ون�شرتها دار‬ ‫املعارف‪ ،‬ووجدت رواج ًا طيب ًا‪ ،‬وبعد ذلك بد�أ‬ ‫النا�س ين�سخون طبعتي املحققة من دون �أن‬ ‫ي�شريوا �إليها‪ ،‬لكن هذا لي�س بالأمر اجلديد‬ ‫يف حياتنا الثقافية‪.‬‬ ‫ث��م حققت ك�ت��اب� ًا �آخ ��ر الب��ن ح��زم بعنوان‬ ‫«الأخ�لاق وال�سري يف م��داواة النفو�س»‪ ،‬وبلغ‬ ‫م��ن اهتمام ال �ق��ارئ العربي ب��ه �أن نا�شر ًا‬ ‫يف ال�سعودية ا�ست�أذنني يف ن�شره هناك‪،‬‬ ‫و�أعرتف �أن الرجل كان �أمين ًا ودفع يل حقوق‬ ‫الكتاب كاملة‪ .‬ثم �شغلت مبا ين�شغل به �أ�ستاذ‬ ‫اجلامعة م��ن درا� �س��ات وم��ن كتب تتطلبها‬ ‫طبيعة ع�م�ل��ي‪ .‬ول�ك��ن يف ال�ط��ري��ق التقيت‬ ‫مبخطوطتني ت�ت��وف��ر ن�سخ م�ت�ع��ددة منهما‬ ‫الأوىل‪« :‬حتفة الأنف�س و�شعار �سكان الأندل�س»‬ ‫وهي درا�سة علمية عن اجلهاد يف الإ�سالم‪،‬‬ ‫نظمه وقوانينه وطرائقه‪ ،‬وم��ا يت�صل بكل‬ ‫قواعد احلرب والأ�سلحة التي ت�ستخدم فيها‪،‬‬ ‫وما يجوز وما هو حمرم‪.‬‬ ‫�أما الكتاب الثاين وهو الأ�صعب فهو «الوايف‬ ‫يف علم القوايف» لأبي البقاء الرندي‪ ،‬والكتاب‬ ‫يوهم عنوانه ب�أنه يف علم العرو�ض‪ ،‬ولكن‬ ‫الأمر خمتلف جد ًا‪ ،‬فالعرو�ض بع�ض الكتاب‬ ‫ولي�س كله وال �أغلبه‪ ،‬و�إذا �أردن��ا �أن نعطي‬ ‫ال�ق��ارئ مث ًال قلنا �إن��ه ن�سخة �أندل�سية من‬ ‫كتاب «العمدة» يف �صناعة ال�شعر ونقده البن‬ ‫ر�شيق ال �ق�يرواين ويحتذي منهجه‪ ،‬ولكنه‬ ‫من منظور �أندل�سي والكتاب كبري و�ضخم‬ ‫وقد بذلت فيه جهد ًا م�ضني ًا‪ ،‬فهناك الكثري‬ ‫من ق�صائد ال�شعر الأندل�سية واملغربية التي‬


‫ساحة الحوار‬ ‫‪46‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫نقر�أه وال نن�شره وال تعرف كليات الطب عندنا‬ ‫�شيئ ًا ا�سمه املخطوطات العلمية‪.‬‬ ‫�أما اجلانب الثاين فيتعلق بالعلوم الإن�سانية‪،‬‬ ‫بع�ضها جتاوزه الزمن‪ ،‬والبع�ض الآخر ي�ضيف‬ ‫�إىل معلوماتنا اجلديد يف التاريخ والأن�ساب‬ ‫والفل�سفة وحتى يف الفقه‪ ..‬وهذا هو الق�سم‬ ‫ال��ذي �أه�ت��م ب��ه و�أمت�ن��ى �أن تعود م�صر �إىل‬ ‫مكانتها يف حتقيقه لأن التحقيق يف م�صر‬ ‫انتهى ومل يعد هناك حمققون‪.‬‬

‫يوردها من دون �أن ين�سبها �إىل �أ�صحابها‪،‬‬ ‫وتقت�ضي قواعد الن�شر العلمي �أن ترد هذه‬ ‫الأبيات �إىل قائليها‪.‬‬ ‫بر�أيك‪..‬هلكتاب«طوقاحلمامة» ي�صلح‬ ‫د�ستور ًا للع�شاق واملحبني يف هذا الزمان؟‬ ‫كتاب «طوق احلمامة» يحلل العاطفة الإن�سانية‬ ‫حتلي ًال علمي ًا‪ ،‬ولي�س من منظور فقهي‪ ،‬مبعنى‬ ‫�أن��ه يراها �ضرورة و�أن الإن�سان ال حيلة له‬ ‫فيها‪ ،‬ويتناول ما ي�شعر به الإن�سان والو�سائل‬ ‫التي تدعم هذه العالقة بني املحبني وتبادل‬ ‫الر�سائل والهدايا بينهما‪ ،‬وم��ا هو حمبوب‬ ‫من امل��ر�أة‪ ،‬ويتحدث ‪ -‬حتى ‪ -‬عن العالقة‬ ‫اجلن�سية حديث ًا علمي ًا و�ضرورتها للرجل‬ ‫واملر�أة و�أ�صولها �أي�ض ًا‪ .‬ويف الوقت نف�سه يقدم‬ ‫منوذج ًا لألوان من احلب و�أ�شهرها النموذج‬ ‫ال��ذي حدث مع ابن حزم نف�سه حينما كان‬ ‫�شاب ًا مراهق ًا و�أول حب �صادفه‪ ،‬ويتكلم عن‬ ‫ذلك بكل �صراحة‪ ،‬لكن الرجل وهو ‪ -‬فقيه‬ ‫ يدرك �ضيق �أفق بع�ض النا�س يختم الكتاب‬‫بقوله‪�« :‬إنه لي�س منح ًال‪ ،‬ومل يرتكب حرام ًا‬ ‫قط يف حياته» ويتكلم عن ف�ضيلة العفة‪.‬‬

‫لم نعرف بداية‬ ‫المخطوطات إال مع‬ ‫إنشاء دار الكتب‬ ‫المصرية على يد علي‬ ‫مبارك قبل مائة وأربعين‬ ‫عام ًا‪ ..‬قبلها كانت‬ ‫المخطوطات موزعة‬ ‫على المساجد والزوايا‬

‫هذا الرثاء‪ ،‬لكن لي�ست كل هذه الكتب ذات‬ ‫قيمة ؛ لأن بع�ضها ال يعدو �أن يكون مذكرات‬ ‫ك��ان يكتبها الطالب يف الفقه والنحو حني‬ ‫يتلقون ال��در���س على �شيخهم‪ ،‬فهي مكررة‬ ‫وال ت�ضيف �شيئ ًا جديد ًا‪ .‬لكن هناك نوعني‬ ‫من املخطوطات‪ :‬الأول لي�س من اخت�صا�صي‬ ‫وم ��ع الأ���س��ف ن�ح��ن ن�ه�م�ل��ه‪ ،‬يف ح�ين يقوم‬ ‫الأوروب�ي��ون برتجمته لأنهم ي�ستفيدون منه‪،‬‬ ‫�أق�صد املخطوطات العلمية‪ ،‬فهناك �آالف‬ ‫املخطوطات يف الطب وال�صيدلة والفلك‬ ‫والكيمياء والزراعة‪ ،‬وجانب كبري منها يدخل‬ ‫يف باب اخلرافة والأ�سطورة‪ ،‬لكن جانب ًا كبري ًا‬ ‫ما هي معايري اختيارك للكتاب الذي منها ي�صلح ن��واة الكت�شاف علمي جديد �أو‬ ‫فتح الطريق �أمام اخرتاع ما‪ ،‬وهو ما تقوم به‬ ‫ت�شرع يف حتقيقه؟‬ ‫اللغة العربية متلك �أكرب قدر من املخطوطات‪ ،‬امل�ؤ�س�سات العربية وخا�صة يف �أمريكا فتقوم‬ ‫وال توجد لغة على م�ستوى العامل ت�ضاهيها يف برتجمته �إىل اللغة العربية‪ ،‬وللأ�سف نحن ال‬

‫ملاذا؟‬ ‫مع الأ�سف ال�شديد‪ ،‬لأن الأ�ساتذة العظام‬ ‫الذين كانوا يقومون على هذه املهمة توقفوا‬ ‫ع��ن تكوين الأ��س��ات��ذة‪ ،‬وبع�ضهم ذه��ب �إىل‬ ‫البالد العربية ك�أ�ستاذنا عبدال�سالم هارون‪،‬‬ ‫وال�شيخ حممود �شاكر الذي طوف يف البالد‬ ‫العربية زمن ًا طوي ًال واملرحوم الدكتور حممود‬ ‫الطناحي‪ ،‬فجفت م�صادر املحققني‪ ،‬هذا من‬ ‫ناحية‪ .‬وم��ن ناحية �أخ��رى مل يعد التحقيق‬ ‫جمزي ًا من الناحية امل��ادي��ة‪ ،‬فلو �أن��ك كتبت‬ ‫م�سرحية �أو فكرة فيلم �سينمائي رمبا يدر‬ ‫عليك رزق ًا وفري ًا‪� ،‬أما لو حققت كتاب ًا وعانيت‬ ‫فيه ما عانيت فقد ال جتد نا�شر ًا‪� ،‬أ�ضف �إىل‬ ‫ذل��ك �أن ق�سم حتقيق ال�ت�راث ب��دار الكتب‬ ‫امل�صرية �أفل�س متام ًا ومل يعد ين�شر �شيئ ًا‪،‬‬ ‫وال �أدري ملاذا! علما ب�أن حتقيق كتب الرتاث‬ ‫كان يدر على دار الكتب دخ ًال وفري ًا‪ ،‬وكانت‬ ‫الكتب املحققة التي ت�صدرها دار الكتب هي‬ ‫الوحيدة يف معار�ض الكتب التي ال ي�صيبها‬ ‫التخفي�ض يف الأ�سعار‪.‬‬ ‫ما هي موا�صفات املحقق الكفء؟‬ ‫�أن يكون متمكن ًا من اللغة العربية يف جميع‬ ‫ف��روع�ه��ا‪ :‬ن �ح��و ًا و��ص��رف� ًا وب�لاغ��ة وع��رو��ض� ًا‬ ‫وقافية ومدار�س ال�شعر املختلفة‪ ،‬وم�ستوعب ًا‬ ‫للتاريخ كله؛ لأن الن�ص العربي يجيء خمتلط ًا‬ ‫وح��اوي� ًا لكل ه��ذه ال�ف��روع‪� ..‬أي كتاب عربي‬ ‫�ستجد فيه ن�صو�ص ًا نرثية و�أ�شعار ًا ومعلومات‬ ‫تاريخية‪ ،‬فال يوجد ن�ص عربي يقت�صر على‬ ‫علم واحد‪.‬‬


‫ما الذي ميكن �أن ي�ضيفه لنا الرتاث‬ ‫يف زمن احلداثة والعوملة؟‬ ‫لعلك تده�ش �إذا م��ا علمت �أن العوملة‬ ‫واحلداثة موجودتان يف تاريخنا ولي�ست‬ ‫ج��دي��دة ع �ل �ي �ن��ا‪ ،‬وك ��ل م��ا ه �ن��ال��ك �أن �ن��ا‬ ‫ترجمناها عن الغربيني يف كلمات غري‬ ‫مفهومه‪ ،‬مث ًال يف احلداثة يتحدثون عن‬ ‫نظرية «موت امل�ؤلف»‪ ،‬ومفادها �أننا حني‬ ‫نفهم الن�ص ال نفكر يف ماذا يريد �أن يقول‬ ‫م�ؤلفه �أو مبدعه‪ ،‬و�إمنا نفهمه نحن كما لو‬ ‫كان املبدع قد مات ولي�س م�س�ؤو ًال عنه‪..‬‬ ‫هذه الفكرة موجودة يف تراثنا‪ ،‬وهي �أننا‬ ‫حني نتناول �أحد الن�صو�ص بالنقد نحن‬ ‫�أح��رار يف فهمه‪ ،‬لأن لكل حلظة بالغتها‬ ‫و�أ�سلوبها‪.‬‬ ‫�أي�ض ًا لدينا كل االجتاهات‪ ،‬االجتاه الذي‬ ‫يدعو �إىل اللغة ال�سهلة واملر�سلة التي ال‬ ‫�صعوبة فيها‪ ،‬يف املقابل لدينا من يرى �أن‬ ‫الإبداع الأدبي له لغته ومعجمه و�أنه يجب‬ ‫�أن يعلو وي�سمو على لغة العامة‪.‬‬ ‫�أنت �أحد رواد الأندل�سيات يف العامل‬ ‫العربي‪ ..‬ما القوا�سم امل�شرتكة بني‬ ‫الأدب العربي والأدب الأندل�سي؟‬ ‫ابتداء من القرن احلادي ع�شر امليالدي‬ ‫كان هناك �أخذ وعطاء بال حدود‪ ،‬ولكن‬ ‫مب��ا �أن ال�ث�ق��اف��ة ال�ع��رب�ي��ة والإ� �س�لام �ي��ة‬ ‫كانت هي الأرقى فهي التي �أعطت �أكرث‪،‬‬ ‫و�أعطيناهم يف الأدب ف��ن املو�شحات‪،‬‬ ‫وال�شعر الغنائي «ال��ذات��ي» وف��ن املقامة‪،‬‬ ‫وف��ن ال�ق���ص��ة‪ ،‬ول�ك�ن�ه��م �أع �ط��ون��ا بع�ض‬ ‫ال�ك�ل�م��ات الإ� �س �ب��ان �ي��ة‪ ،‬وه��م �أم��دون��ا يف‬ ‫احلقيقة ببع�ض العلماء الأك�ثر انفتاح ًا‬ ‫وال��ذي��ن ينحدرون من �أ��ص��ول �إ�سبانية‪،‬‬ ‫فيجب �أال نن�سى �أن ابن حزم ينحدر من‬ ‫�أ��ص��ول �إ�سبانية‪ ،‬و�أن الأ� �ص��ول البعيدة‬ ‫الب��ن ر� �ش��د �أ� �ص��ول �إ��س�ب��ان�ي��ة‪ ،‬ومل تكن‬ ‫لديهم ح�ضارة قوية ت�ستطيع �أن ت�ؤثر‬ ‫فينا كثري ًا ؛لأن ح�ضارتهم انطلقت بعدنا‬ ‫بزمن طويل‪.‬‬

‫متثال ابن حزم الأندل�سي‬

‫بر�أيك‪ ..‬ملاذا يحتفي الغرب بابن‬ ‫ر�شد‪ ،‬يف حني يهمله العرب؟‬ ‫لأن اب��ن ر�شد ‪ -‬يف احلقيقة ‪ -‬هو �أول من‬ ‫قدم لهم الفل�سفة اليونانية‪ ،‬وهي الأ�سا�س‬ ‫الذي قام عليه ع�صر النه�ضة الأوروبية‪ ،‬وهم‬ ‫كانوا يجهلون قبل العرب الفكر الإغريقي‬ ‫متام ًا‪ ،‬وكان العرب قد احتفظوا به مرتجم ًا‬ ‫يف ال�شرق وانتقل �إىل الأندل�س‪ ،‬وهناك توفر‬ ‫عليه اب��ن ر�شد و�أوق��ف عليه حياته �شرح ًا‬ ‫وت�ف���س� ً‬ ‫يرا وت��رج�م��ة‪ ،‬وه��م بعد ذل��ك نقلوا‬ ‫عن ابن ر�شد مرتجم ًا �إىل اللغة الالتينية‪،‬‬ ‫وبدورها انتقلت �إىل اللغات املنحدرة منها‬ ‫و�أبرزها الإجنليزية والفرن�سية‪.‬‬ ‫هل تعتقد �أن امل�ست�شرقني قد‬ ‫�أن�صفوا الرتاث العربي؟‬ ‫معظم امل�ست�شرقني ت�ع��ام�ل��وا م��ع ال�ت�راث‬ ‫العربي تعام ًال مو�ضوعي ًا‪ ،‬و�أقول مو�ضوعي ًا‬

‫العولمة والحداثة‬ ‫والعديد من النظريات‬ ‫المعاصرة موجودة في‬ ‫تاريخنا وتراثنا وليست‬ ‫جديدة علينا‪ ..‬كل ما‬ ‫هنالك أننا ترجمناها عن‬ ‫الغربيين في كلمات غير‬ ‫مفهومه‬

‫لأننا كنا نت�صور منهم �أن يكتبوا فيه خطب ًا‬ ‫وث �ن��ا ًء وم��دح � ًا‪ ،‬و�إمن ��ا ك��ان��وا ح�ين يفهمونه‬ ‫يعطونه ح�ق��ه‪ ،‬ول�ك��ن يف �أح �ي��ان مل يكونوا‬ ‫يفهمونه �أي�ض ًا فهم ًا كام ًال‪ ،‬فكانوا يخط�ؤون‬ ‫يف احلكم‪ ،‬و�أحيان ًا كان اخلط�أ يجيئ �شنيع ًا‪،‬‬ ‫و�س�أ�ضرب لك مث ًال‪ :‬عندما و�صف �أحد كتب‬ ‫الرتاث لدينا الكعبة امل�شرفة فقال باحلرف‬ ‫الواحد‪« :‬كانت الكعبة ال �سقف عليها» ولكن‬ ‫الكاتب �أخط�أ وكتب فوق الألف همزة وقر�أها‬ ‫امل�ست�شرق‪« :‬فكانت الكعبة لأ�سقف عليها»‬ ‫وا�ستنتج من هذا �أن مكة كانت م�سيحية‪ ،‬و�أن‬ ‫الكعبة كانت مركز ًا لها‪ ،‬وكان ير�أ�سها ا�سقف‬ ‫م�سيحي‪ ..‬و�أخطاء كثرية من هذا النوع‪.‬‬ ‫لكن �إذا ا�ستثنينا طائفة حمددة من رجال‬ ‫الدين املتع�صبني الذين تعلموا اللغة العربية‬ ‫ملهاجمتنا‪ ،‬ومن ثم ف�إنها تفرتي علينا وتكذب‬ ‫وت�ضلل‪ ،‬واملثل الذي عندي يتمثل يف الن�سخة‬ ‫ال�ق��ر�آن�ي��ة امل�ترج�م��ة �إىل الإ��س�ب��ان�ي��ة والتي‬ ‫القت رواج � ًا كبري ًا‪� ،‬أجد يف امل�صحف الآية‬ ‫الكرمية «وجادلهم بالتي �أح�سن» ترجمت �إىل‬ ‫الإ�سبانية على النحو الآتي‪« :‬واقتلهم بالتي‬ ‫هي �أح�سن»‪ ،‬وعندما راجعت �أح��د العلماء‬ ‫هناك قال يل‪ ،‬والرجل مل يفهم «وجادلهم»‬ ‫فعاد �إىل املادة الثالثية يف املعجم‪ ،‬فوجد من‬ ‫م�شتقاتها «جندل» �أي‪ :‬قتل بال�سيف‪ ،‬ولأنه‬ ‫متع�صب ترك كل امل�شتقات الأخرى واختار‬ ‫«جندل» بال�سيف‪ ،‬وه�ؤالء قلة‪� ،‬أعرتف ب�أنهم‬


‫ساحة الحوار‬ ‫‪48‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫ورقية‪ ،‬تد�شن ليعني فيها موظفون يتقا�ضون‬ ‫مرتبات طائلة ويقومون بجهد حمدود جد ًا‪.‬‬ ‫كيف تف�سر غ��زارة علوم الأوائ��ل‪،‬‬ ‫فالطربي كان يعتزم تف�سري القر�آن يف‬ ‫ثالثني �ألف ورقة اخت�صره �إىل ثالثة‬ ‫�آالف فقط‪ ،‬لق�صر العمر‪ ،‬وال�سيوطي‬ ‫قدم خم�سمائة كتاب‪ ،‬مقارنة بعلماء‬ ‫اليوم رغم توافر �سبل احلياة؟‬ ‫العامل القدمي كان لديه الوقت وحياته مي�سرة‬ ‫تلتزم بها الدولة بطريقة غري ر�سمية‪ ،‬ويلتزم‬ ‫بها القادرون‪ ،‬فلم يكن العامل يهتم برزقه‪،‬‬ ‫وال مب��اذا ي��أك��ل‪ ،‬وك��ان��ت �أرزاق �ه��م مكفولة‪،‬‬ ‫ويقال �إن احلكم الثاين يف الأندل�س اتفق مع‬ ‫�أبو الفرج الأ�صفهاين على �أن تكون الن�سخة‬ ‫الأوىل من كتاب الأغاين‪ ،‬مقابل ع�شرة �آالف‬ ‫دينار ذهب ًا‪ ،‬وكانت الأوقاف على العلم كثرية‪،‬‬ ‫واليوم مل يعد النا�س يوقفون على العلم �شيئ ًا‪،‬‬ ‫و�إذا �أوقفوا قلما ت�صل �إيرادات هذه الأوقاف‬ ‫ال�صفحة الأوىل من خمطوطة كتاب الألفة والآالف‬ ‫�إىل �أ�صحابها‪ ،‬حيث يغتالها املوظفون يف‬ ‫قلة منحدرة من ع�صر احل��روب ال�صليبية‪ ،‬امل�ساجد والزوايا‪ ،‬كذلك ال نعرف �شيئ ًا عن الطريق‪.‬‬ ‫وقد انقر�ضت هذه الفئة ل�سبب ب�سيط‪ ،‬فهم املخطوطات امل��وج��ودة يف «متبكتو» يف مايل‬ ‫عندما يدر�سوننا ال يكتبون لنا‪ ،‬و�إمنا يكتبون وهو ما يتجاوز �آالف الن�سخ‪ ،‬وعندما كانت‬ ‫ما الذي تعكف على �إجنازه الآن يف‬ ‫لقومهم‪ ،‬فلو كذبوا عليهم ي�ضللونهم‪ ،‬وهم اجلامعة العربية تر�سل بعثة �إىل هناك‪ ،‬كانت جمال حتقيق الرتاث؟‬ ‫يريدون �أن يقدموا لهم م��ادة حقيقية حتى تقنع بت�صوير ع��دد حم��دد من املخطوطات حالي ًا‪� ،‬أعمل على �ضبط ع��دد من الوثائق‬ ‫يتعاملوا معنا على �أ�سا�سها‪.‬‬ ‫وتعود‪� .‬أي�ض ًا ال نعرف �شيئ ًا عن املخطوطات العربية ال�ت��ي مل تن�شر م��ن قبل يف العامل‬ ‫العربية املوجودة يف �آ�سيا الو�سطى ورو�سيا‪ ،‬ال�ع��رب��ي‪ ،‬ولعله ال �أح��د يعرف عنها �شيئ ًا‪،‬‬ ‫ك���م ع����دد امل�����ص��ن��ف��ات ال��ع��رب��ي��ة فاملخطوطات العربية موزعة يف هذه الأمكنة وكنت قد اكت�شفتها يف دار الوثائق مبملكة‬ ‫املخطوطة التي و�صلت �إلينا كاملة ومل حت�ص بعد‪ ،‬ومل يحاول �أحد �أن يح�صيها �آراج��ون يف مدينة بر�شلونة الإ�سبانية‪ ،‬ومل‬ ‫قبل الفنت واحلروب؟‬ ‫؛ لأن ال�ه�م��وم العربية ف��وق ط��اق��ة الب�شر‪ ،‬يكن الت�صوير متاح ًا فن�سختها بخط يدي‬ ‫ال �أع��رف‪ ،‬ل�سبب ب�سيط وهو �أننا مل نعرف وامل�ؤ�س�سات العربية غري احلكومية م�ؤ�س�سات على مدار �أي��ام طويلة ق�ضيتها هناك‪ ،‬وهي‬ ‫بداية املخطوطات �إال مع �إن�شاء دار الكتب‬ ‫تت�صل بر�سائل �سيا�سية متبادلة بني ملوك‬ ‫امل�صرية‬ ‫�آراج��ون و�سالطني املماليك يف م�صر حول‬ ‫على ي��د على م �ب��ارك‪ ،‬قبل مائة المخطوطات العربية‬ ‫ً‬ ‫و�أربعني عاما «‪ »1872‬وقبلها كانت املخطوطات‬ ‫بع�ض الق�ضايا ال�سيا�سية والتجارية‪ ،‬وبع�ضها‬ ‫في‬ ‫موزعة‬ ‫زالت‬ ‫ما‬ ‫موزعة على امل�ساجد والزوايا‪ ،‬بع�ضها �سرق‪،‬‬ ‫يحتوي على ن�صو�ص معاهدات معقودة بني‬ ‫أن‬ ‫أحد‬ ‫يحاول‬ ‫ولم‬ ‫العالم‬ ‫والبع�ض الآخ��ر ا�شرتاه امل�ست�شرقون برتاب‬ ‫الطرفني‪ ،‬كما �أن الق�سم الآخر يت�صل ب�ش�أن‬ ‫الفلو�س‪ ،‬وكان امل�ست�شرقون يطوفون يف بع�ض يحصيها ألن المؤسسات ر�سائل متبادلة بني ه ��ؤالء امللوك �أنف�سهم‬ ‫وبني ملوك مملكة غرناطة‪� ،‬أو بينهم وبني‬ ‫ال �ب�لاد العربية وخ��ا��ص��ة ال �ق��رى‪ ،‬ي�شرتون العربية مؤسسات ورقية‬ ‫ملوك بني مرين يف املغرب‪� ،‬أو احلف�صيني‬ ‫املخطوطات مقاي�ضة باخلرز امللون يعطونه تدشن ليعين فيها‬ ‫للن�ساء مقابل ح�صولهم على الكتب‪ ،‬وال نزال‬ ‫يف تون�س‪ ،‬خالل م�سافة زمنية ت�شمل القرن‬ ‫يتقاضون‬ ‫موظفون‬ ‫الثالث ع�شر والرابع ع�شر امليالدي ويتجاوز‬ ‫حتى ال�ي��وم نكت�شف العديد م��ن الكتب يف‬

‫مرتبات طائلة ويقومون‬ ‫بجهد محدود جد ًا‬


‫عدد هذه الوثائق املائة و�ستني وثيقة وهي‬ ‫م�ضنية لأنها كتبت بلغة عربية �صعبة �أحيان ًا‪،‬‬ ‫وذات خ�صائ�ص �أندل�سية يف الإمالء‪.‬‬ ‫ما الكتاب الذي كنت تتمنى حتقيقه‬ ‫وتقدميه �إىل القارئ العربي ولكن مل‬ ‫ي�سعفك الزمن واجلهد؟‬ ‫كنت �أمتنى حتقيق كتابني البن حزم الأول‬ ‫بعنوان «الف�صل يف امللل والأه ��واء والنحل»‬ ‫وهو يف علم الأديان املقارن‪ ،‬والكتاب الثاين‬ ‫بعنوان «امل�ح�ل��ى» وه��و يف فقه الظاهرية‪..‬‬ ‫�صحيح �أن الأ�ستاذ حممد �شاكر ‪� -‬إذا مل‬ ‫تخني ال��ذاك��رة ‪ -‬ق��د حققه ولكنه �أجن��ز‬ ‫ذل��ك يف �أواخ� ��ر �أي���ام ح�ي��ات��ه ومب �ع��زل عن‬ ‫كتاب «الف�صل يف امللل والأه� ��واء والنحل»‬ ‫وعن املعرفة بحياة ابن حزم نف�سه‪ ،‬ف�أ�صبح‬ ‫الكتاب يف حاجة �إىل �إع��ادة حتقيق‪ ،‬هذان‬ ‫كتابان ما كان ي�صح �أن يظال حتى اليوم من‬ ‫دون حتقيق علمي جيد‪ ،‬وبهذه املنا�سبة نذكر‬ ‫�أن كتاب الفتوحات املكية البن عربي‪ ،‬والذي‬ ‫�أعيد حتقيقه منذ �سنوات‪ ،‬وكان ينفق على‬ ‫حتقيقه مركز الأبحاث العلمية الفرن�سي ومع‬ ‫الأ�سف ال�شديد توقف ا�ستكمال التحقيق لأن‬ ‫املحقق رحل عن دنيانا وهو �سوري اجلن�سية‪.‬‬ ‫واملحزن �أن دار الكتب امل�صرية احتفلت بابن‬ ‫حزم منذ �سنوات وبد ًال من �أن تعيد ن�شر ما‬ ‫طبع حمقق ًا‪ -‬وه��ذا الكتاب يتكون من ‪28‬‬ ‫جملد ًا نفد معظمها‪� -‬أو �أن تكمل ما مل يحقق‬ ‫من بقية الكتاب‪� ،‬أع��دت طبع الن�سخ وهي‬ ‫�أربعة جملدات غري املحققة التي طبعت يف‬ ‫�أواخر القرن التا�سع ع�شر ولكن ال يوجد من‬ ‫ي�س�أل �أو يحا�سب‪.‬‬ ‫م��ا دور الأدب امل���ق���ارن يف ح��وار‬ ‫احل�ضارات؟‬ ‫منذ زمن �شغلت بدورنا وما �أ�سهمنا به‪ ،‬يف‬ ‫تقدم احل���ض��ارة العاملية ع��رب� ًا وم�سلمني‪،‬‬ ‫وكلما تنوعت قراءاتي‪ ،‬وات�سعت معاريف بدا‬ ‫هذا الدور �أمامي وا�سع ًا وعميق ًا ومت�ألق ًا‪ ،‬و�إن‬ ‫هناك من يحاول �أن يهيل عليه الرتاب ح�سد ًا‬ ‫وج�ح��ود ًا‪ ،‬ف ��إذا ا�ستع�صى عليه ذل��ك م�سه‬

‫فن المالحم اإلسبانية‬ ‫ثمرة تأثير عربي‬ ‫ونصوصه تحمل تأثيرات‬ ‫عربية واضحة في البناء‬ ‫واللغة مفردات وأسلوب ًا‬ ‫وكذلك في األفكار‬ ‫والشخوص‬ ‫من بعيد م�س ًا رفيق ًا‪� ،‬أو �أملح �إليه على عجل‬ ‫من دون �أن يتوقف �أمامه حمل ًال ومو�ضح ًا‪،‬‬ ‫لأن احلديث عن دور امل�سلمني الإيجابي يف‬ ‫ت�ق��دم احل���ض��ارة العاملية يتطلب �شجاعة‬ ‫عقلية من�صفة ال تعرف احلقد وترتفع عن‬ ‫التع�صب‪.‬‬ ‫ومنذ ب��د�أت �أدر���س الأدب املقارن و�أد ّر��س��ه‬ ‫حاولت �أن �أخ��رج من دائ��رة م��اذا �أعطتنا‬ ‫�أوروب��ا‪ ،‬وما ال��ذي تعلمناه منها‪� ،‬إىل دائرة‬ ‫ماذا �أعطيناها نحن وماذا علمناها‪ ،‬فكان‬ ‫كتابي الأول عن «ملحمة ال�سيد»‪� :‬أول ملحمة‬ ‫�أندل�سية كتبت يف اللغة الق�شتالية و�صدرت‬ ‫طبعته الأوىل عن دار املعارف �سنة ‪،1970‬‬ ‫وفيه �أو�ضحت بالدليل �إىل جانب اعرتاف‬ ‫املن�صفني م��ن ال�ع�ل�م��اء الإ� �س �ب��ان‪� ،‬أن فن‬ ‫امل�لاح��م الإ�سبانية ج��اء �إىل احل�ي��اة ثمرة‬ ‫ت�أثري عربي‪ ،‬و�أن الن�ص نف�سه يحمل ت�أثريات‬ ‫عربية وا�ضحة يف البناء واللغة مفردات‬ ‫و�أ��س�ل��وب� ًا‪ ،‬والأف �ك��ار وال�شخو�ص‪ ،‬وترجمت‬ ‫الن�ص كام ًال مع الدرا�سة‪ ،‬و�أح�سب �أنها املرة‬ ‫الأوىل التي يرتجم فيها �إىل العربية‪.‬‬ ‫ثم كان كتابي املو�سوعي يف جمال التنظري‬ ‫وه ��و «الأدب امل� �ق ��ارن‪� :‬أ� �ص��ول��ه ومناهجه‬ ‫وتطوره‪ ،‬حاولت تقدمي ت�صور جديد ومتكامل‬ ‫لعلم الأدب امل��ق��ارن يف � �ض��وء امل�ت�غ�يرات‬ ‫اجل��دي��دة ال�ت��ي �أ��ص��اب��ت ع�صرنا والإف ��ادة‬ ‫من تفجر املعرفة حولنا‪ ،‬و�أن نلحق بالركب‬ ‫العاملي يف ه��ذا املجال‪ ،‬وم��ن غري �أن �أزك��ي‬

‫الحديث عن دور‬ ‫المسلمين اإليجابي في‬ ‫تقدم الحضارة العالمية‬ ‫يتطلب شجاعة عقلية‬ ‫منصفة ال تعرف الحقد‬ ‫وتترفع عن التعصب‬

‫نف�سي �أح�سب �أنه �أول كتاب يف مناهج الأدب‬ ‫املقارن ع ّرف الدار�سني له بالأدب املقارن‪،‬‬ ‫وع ّرف الدار�سني له باللغة العربية باملدر�سة‬ ‫الأمريكية ومناهجها‪ ،‬ومبدار�س �أخرى �أقل‬ ‫قيمة كالإيطالية والأمل��ان�ي��ة والإجنليزية‪،‬‬ ‫�إىل جانب املدر�سة الفرن�سية‪ ،‬وكانت هي‬ ‫ال�سائدة وحدها يف الدر�س قبله‪ .‬كما قدمت‬ ‫كتاب «�أ� �ص��داء عربية و�إ�سالمية يف الفكر‬ ‫الأوروب ��ي الو�سيط» ويجيء ه��ذا الكتاب يف‬ ‫الإطار نف�سه الذي ر�سمته لأبحاثي ودفعني‬ ‫�إل �ي��ه ب �ق��وة اجل ��دل ال���ص��اخ��ب ال ��ذي ي��دور‬ ‫حولنا ويجيء حتت عناوين خمتلفة‪ :‬حوار‬ ‫احل�ضارات �أو �صراعها �أو تالقيها‪ ،‬ويف كل‬ ‫احلاالت يلمحون �إىل �أننا �أ�صحاب احل�ضارة‬ ‫الأ�ضعف‪ ،‬والأدنى مرتبة والأقل تقدم ًا والأمر‬ ‫لي�س بذاك‪.‬‬ ‫ن�ع��م‪ ،‬رمب��ا ال ن�ساويهم ن�ح��ن‪ ،‬يف حلظتنا‬ ‫الراهنة‪ ،‬ولكن هذا الواقع لي�س قدرنا‪ ،‬وال‬ ‫نحن عرايا من املواهب فمنذ خم�سة قرون‪،‬‬ ‫وهي لي�ست بالزمن الطويل يف عمر ال�شعوب‪،‬‬ ‫كنا املنار الهادي يف جماالت العلم والفل�سفة‬ ‫والريا�ضيات والفلك والأدب‪ ،‬وكانت العربية‬ ‫اللغة التي تدر�س فيها كل هذه العلوم وعن‬ ‫طريقها‪ ،‬و�إبداعاتها تعلموا ونه�ضوا وتقدموا‬ ‫و�سبقوا‪.‬ال �أعود �إىل هذا التاريخ لأزهو به‪� ،‬أو‬ ‫�أذكر �ساهي ًا‪ ،‬فالزهو وحده ال يقيم ح�ضارة وال‬ ‫ي�صنع تقدم ًا‪ ،‬وامنا لنت�أمل‪ ،‬ولنعاود الت�أمل‬ ‫دائم ًا‪ :‬ما الذي جعلنا الأق��وى �إذ ذاك ؟ وما‬ ‫الذي �أخ��ذوه منا فتقدموا به‪ ،‬وتركناه نحن‪،‬‬ ‫فكان هذا حالنا ؟ هما �أمران‪ :‬احرتام العقل‪،‬‬ ‫واح�ت�رام كرامة الإن���س��ان‪ ،‬حافظنا عليهما‬ ‫فانت�صرنا يف م�ع��ارك احل �ي��اة‪ ،‬ون�سيناهما‬ ‫فتقهقرنا‪ ،‬و�أخذوهما عنا فانت�صروا وتقدموا‪،‬‬ ‫و�إذن فطريقنا �إىل النه�ضة ال�شاملة يف‬ ‫حا�ضرنا مي��ر بالطريق نف�سه ال��ذي م��ر به‬ ‫ما�ضينا‪ :‬احرتام العقل‪ ،‬وطريقة حرية الفكر‬ ‫بال حدود‪ ،‬واحرتام كرامة الإن�سان ومظهرها‬ ‫و�أداتها الدميقراطية الكاملة بال قيود‪ ،‬وكلما‬ ‫�أخل�صنا لهذين املبد�أين كلما كان �إجنازنا‬ ‫لأهدافنا كام ًال و�سريع ًا‬


‫أوراق تراثية‬ ‫‪50‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫المعرفة هدف‬ ‫اإلنسان األزلي‬

‫فاطمة املزروعي‬

‫اهتم الإن�سان منذ ع�صور �ضاربة العمق يف‬ ‫التاريخ‪ ،‬باالت�صال‪ ،‬حتى و�إن كان كمفهوم‬ ‫وعلم مل يظهر �إال يف الع�صر احلديث‪� ،‬إال‬ ‫�أنه كان موجوداً يف مفا�صل حياتية وا�ضحة‬ ‫املعامل‪ .‬لكن ما الأهمية التي جتعل لالت�صال‬ ‫كل هذا االحتفاء طوال ع�صور متتالية من‬ ‫عمر الب�شرية؟ عامل االت�صال ولرب �شرام‪،‬‬ ‫و�ضع يف عام ‪1977‬م تعريفاً دقيقاً لالت�صال‬ ‫قد يكون مالئماً لت�سليط ال�ضوء على �أهميته‬ ‫للإن�سان حيث قال‪« :‬االت�صال هو امل�شاركة‬ ‫يف املعرفة عن طريق ا�ستخدام رموز حتمل‬ ‫دالالت»‪.‬ولنتوقف ملياً عند جانبني يف هذا‬ ‫التعريف‪ ،‬الأول يتعلق مب�شاركة املعرفة‪،‬‬ ‫والثاين ا�ستخدام الرموز التي لها دالالت‪.‬‬

‫فاملعرفة هي الهدف الأزيل الذي �سعى �إليها الإن�سان منذ �أن‬ ‫كان يعي�ش يف الع�صور احلجرية حتى يومنا‪ ،‬فمعرفة الإن�سان‬ ‫الأول كيفية حتريك ال�صخور بوا�سطة العجلة كانت نقلة‬ ‫هائلة يف التفكري الب�شري‪ ،‬ومعرفة الزراعة جعلته ي�ستقر‪،‬‬ ‫ويبني امل�ن��ازل‪ ،‬وباملعرفة متكن من التغلب على احليوانات‬ ‫التي كان ي�صطادها مرة وت�صطاده مرة‪ ،‬بل متكن باملعرفة‬ ‫م��ن ا�ستئنا�س ال�ك�ث�ير م��ن احل �ي��وان��ات وت�سخريها خلدمته‬ ‫كالكالب واخليول واحلمري وغريها‪ ،‬وا�ستخدم فع ًال رم��وز ًا‬ ‫فهو ينق�ش ويوثق كل معرفة يح�صل عليها داخل كهوفه حتى‬ ‫اكت�شافه للكتابة‪ ،‬وهذه املعارف تنقل من جيل للجيل التايل‬ ‫الذي يطورها ويبني عليها املزيد من اخلربات واملعارف‪ ،‬لوال‬ ‫التوثيق وحفظ املعارف ملا تطورت الب�شرية‪ .‬ومن خالل هذا‬ ‫الزخم املعريف امل�ت��وارث منذ القدم وحتى يومنا ه��ذا كانت‬ ‫تقوم احل�ضارات املتتالية وتتطور وتتقدم ثم تتال�شى وتقوم‬ ‫�أخ��رى مكانها لتكمل امل�سرية الإن�سانية‪ ،‬لكن ك��ل ح�ضارة‬ ‫ك��ان��ت ت�ق��وم على �أف �ك��ار ومت�ي��ز �أف��راده��ا‪ ،‬وم��دى م��ا ميلكونه‬ ‫من املعارف والعلوم‪ .‬الفيل�سوف الأمل��اين ج��ورج ‪ .‬ف هيجل‪،‬‬ ‫قال‪« :‬املجتمعات كالأفراد الذين ينقلون �شعلة احل�ضارة من‬ ‫واحد �إىل الآخر»‪ .‬بل ذهب العامل �أوزوالد �سبنجلر‪ ،‬يف كتابه‬ ‫انحدار الغرب‪� ،‬إىل �أن احل�ضارة مثلها مثل الكائنات احلية‬ ‫«الإن�سان» تولد وتن�ضج وتزدهر ثم متوت‪ .‬وقد �أكد على هذا‬ ‫اجلانب �أي�ض ًا امل�ؤرخ الربيطاين �أرنولد توينبي‪ ،‬الذي قال يف‬ ‫كتابه درا�سة التاريخ‪�« :‬إن احل�ضارات تقوم فقط حيث تتحدى‬ ‫البيئة النا�س‪ ،‬وحينما يكون النا�س على ا�ستعداد لال�ستجابة‬ ‫للتحدي‪ .‬على �سبيل امل�ث��ال‪ ،‬ف ��إن اجل��و احل��ار اجل��اف يجعل‬ ‫الأر� ��ض غ�ير منا�سبة ل�ل��زراع��ة ومي�ث��ل حت��د ًي��ا للنا�س الذين‬ ‫يعي�شون هناك‪ .‬وميكن �أن ي�ستجيب النا�س لهذا التحدي ببناء‬ ‫�أنظمة ري لتح�سني الأر�ض»‪.‬‬ ‫واذا ك��ان هناك من العلماء من يقول �إن احل�ضارة‬ ‫تتكون من االقت�صاد وم��وارده‪ ،‬وال�سيا�سة و�أنظمتها‪،‬‬ ‫وال�ت�ق��ال�ي��د الأخ�لاق �ي��ة وامل��ب��ادئ ال �ق��ومي��ة‪ ،‬ث��م العلوم‬ ‫والفنون‪ ،‬فماهي هذه املكونات �إذا مل تكن من لب املعرفة‬ ‫الناجتة عن االت�صال‪ .‬يف الع�صر احلديث �أخ��ذ مفهوم‬


‫االت�صال بعد ًا كبري ًا‪ ،‬وب��ات علم ًا يدر�س ب�شكل منف�صل عن‬ ‫باقي العلوم املعرفية وال�سبب �أنه عامل مهم يف حياة النا�س منذ‬ ‫القدم‪ ،‬وي�ؤكد الدار�سون �أن االت�صال �ضرورة يف بناء احل�ضارات‬ ‫وقيامها‪ ،‬بل و�إنه �أ�سهم يف التنوع الثقايف الإن�ساين وغزارته‪ ،‬هذا‬ ‫على امل�ستوى االجتماعي والب�شري ب�صفة عامة‪� ،‬أما على م�ستوى‬ ‫ال�ف��رد ف�إننا من��ار���س االت�صال يومي ًا بطرق خمتلفة وو�سائل‬ ‫متنوعة‪ ،‬فو�سائل التكنولوجيا احلديثة جميعها و�سيلة من و�سائل‬ ‫االت�صال‪ ،‬والأج�ه��زة الإعالمية على خمتلف توجهاتها �أي�ض ًا‬ ‫و�سيلة ات�صال‪ ،‬بل �إن احلوار بني �شخ�صني ات�صال‪ ،‬فبوا�سطته‬ ‫يتم بناء التعاون وامل�شاركة يف احلياة بني النا�س‪ .‬وغني عن‬ ‫القول �إن االت�صال ي�ستقطع م�ساحة كبرية من وقت كل فرد منا‬ ‫من دون �أن ي�شعر‪ ،‬وذلك �إما خالل �أعمالنا اليومية �أو حتى يف‬ ‫منازلنا مع �أ�سرنا �أو غريهم‪ ،‬والبع�ض من الدار�سني يف هذا‬ ‫املجال يقدرها بن�سبة قد ت�صل �إىل ‪ 90%‬من وقت كل واحد منا‬ ‫مي�ضي يف عملية االت�صال‪ .‬ولالت�صال وظائف‪ ،‬حددها و�أطرها‬ ‫الدار�سون يف هذا املجال ولكن من �أهمها‪ ،‬الوظيفة الثقافية‬ ‫والتي خاللها يتم نقل الإرث الثقايف من جيل �إىل الأجيال التالية‬ ‫بهدف املحافظة على الثقافة والهوية او املحافظة على املنجزات‬ ‫واملبتكرات التي حتققت‪ ،‬وه��ذه العملية تتم بوا�سطة الكتابة‬ ‫والتاليف وال��و��ص��ف‪ ،‬وتو�ضع يف الكتب وامل�ج�ل��دات‪ ،‬ويف هذا‬ ‫الع�صر �أ�ضيفت و�سيلة جديدة للحفظ من الأر�شفة الإلكرتونية‬ ‫�إىل ال�سي دي والفال�ش وغريهما الكثري‪ ،‬وهناك الوظيفة التي‬ ‫ت�ستهدف املحافظة على الرتاث الإن�ساين القدمي وتطوير ثقافة‬ ‫النا�س ب�أهميته و�أهمية �صونه للأجيال التالية‪ .‬ويبقى الت�أكيد‬ ‫على �أنه بالرغم من حداثة العلوم التي تبحث يف جمال االت�صال‬ ‫وتفرعه وت�شعبه و�أنه بات مادة علمية د�سمة يف ال�صروح العلمية‬ ‫�إلإ �أنه قدمي كقدم الإن�سان على الأر�ض‪.‬‬ ‫ومن �أن��واع االت�صال‪ ،‬االت�صال اجلماهريي‪ ،‬ومن دون الدخول‬ ‫يف تفرعاته والتعريفات املتخ�ص�صة‪� ،‬أ�شري �إىل �أقدم و�سيلة من‬ ‫و�سائل االت�صال اجلماهريي وهو الكتاب‪ .‬نعم الكتاب‪ ،‬الذي يعد‬ ‫من �أكرث الوا�سائل ت�أثري وو�ص ًال للجمهور‪ ،‬و�إن كان يف هذا الع�صر‬ ‫�شهد انزياح ًا �أو تراجع ًا ن�سبي ًا‪ ،‬فقد ظل هو الأك�ثر م�صداقية‬ ‫ووق ��ار ًا من بني جميع م�صادر الت�أثري اجلماهريي كال�صحف‬

‫�أو الإذاع��ات والتلفاز‪ ،‬ويف هذا الع�صر الهواتف الذكية ومواقع‬ ‫التوا�صل االجتماعي‪.‬‬ ‫االت���ص��ال‪ ،‬عملية خطرية وم ��ؤث��رة يف الب�شرية ��س��واء يف تاريخ‬ ‫الإن�سانية القدمي �أو احلديث و�صو ًال �إىل الع�صر احلا�ضر‪ .‬وخري‬ ‫دالل��ة على عمق و�أث��ر ه��ذا الت�أثري‪ ،‬هو وق��وع ح��روب وقتال راح‬ ‫�ضحيتها الآالف وال�سبب �سوء االت�صال �أو ت�أخره‪ ،‬وخري مثال يف‬ ‫هذا ال�سياق احلرب التي اندلعت بني الواليات املتحدة الأمريكية‬ ‫وبريطانيا يف ع��ام ‪ 1812‬حيث �أعلنت بريطانيا �أنها �ستعرقل‬ ‫املالحة البحرية الأمريكية‪ ،‬ف�أعلنت �أمريكا احلرب يف ‪ 18‬يونيو‬ ‫‪ ،1812‬لكن قبل هذا الإع�لان بيومني كانت بريطانيا قد �أعلنت‬ ‫مرة �أخرى �أنها �ستوقف عرقلة املالحة البحرية‪ ،‬ونظر ًا لعدم وجود‬ ‫ال�برق �أو الهاتف يف ذلك الزمن‪ ،‬ب��د�أت احل��رب وراح �ضحيتها‬ ‫املئات‪ ،‬بل حتى احلرب التي وقعت يف عام ‪ 1815‬يف �أمريكا �ضد‬ ‫الربيطانيني وت�سمى معركة «نيو �أورل�ي��ان��ز»‪ ،‬وقتل خاللها ‪315‬‬ ‫�شخ�ص ًا وج��رح ‪ 1290‬ج��اءت بعد خم�سة ع�شر يوم ًا من توقيع‬ ‫معاهدة ال�سالم يف �أوروبا‪ .‬لكن الأطراف املتقاتلة مل تعلم‪ ،‬ب�سبب‬ ‫االت�صاالت البدائية‪ .‬لكن لي�س االت�صال دوم ًا يقوم بواجبه على‬ ‫�أكمل وجه‪ ،‬ولعل مثال ما حدث يف احلرب العاملية الثانية هو الأكرث‬ ‫�أمل � ًا يف عمر الإن�سانية‪ ،‬حيث تقول الق�صة �إن الواليات املتحدة‬ ‫�أر�سلت ر�سائل يف عام ‪1945‬م‪ ،‬با�ستخدام الراديو �إىل اليابان‪،‬‬ ‫ريا �شام ًال وعليهم‬ ‫حذرت خاللها اليابانيني ب�أنهم �سيواجهون تدم ً‬ ‫�أن ي�ست�سلموا‪ .‬يف هذه الأثناء قرر اليابانيون ب�أنهم �سوف ي�ؤجلون‬ ‫التعليق لأنهم يحتاجون لبع�ض الوقت لدرا�سة الر�سالة‪ .‬وبد ًال من‬ ‫�إر�سال هذا‪� .‬أر�سلوا ب�أنهم يتجاهلون التحذير – خط�أ يف التعبري‬ ‫ وغني عن القول �إنه ب�سبب هذا الرد‪� ،‬ألقت �أمريكا قنابل ذرية‬‫على املدينتني اليابانيتني هريو�شيما ون��اج��ازاك��ي‪ .‬و�سبب ذلك‬ ‫دم��ار ًا كلي ًا للمدينتني ووف��اة نحو ‪ 132,000‬رجل وام��ر�أة وطفل‬ ‫بعد االنفجارين‪ .‬واليوم يعترب هذا ب�سبب �سوء االت�صال‪ ،‬فلو كان‬ ‫االت�صال جيد ًا وعلى درجة من الو�ضوح و�إمكانية ال�شرح لأمكن‬ ‫تاليف هذا الدمار وكل ه�ؤالء ال�ضحايا‪..‬‬ ‫فلنقوي ات�صالنا ببع�ض من �أجل مزيد من التفاهم لتقوى ح�ضارتنا‬ ‫وتنت�شر معارفنا‪ ،‬وليكن ات�صالنا مفتوح ًا ومن دون حدود �أو عوائق‪،‬‬ ‫فالإن�سانية حتتاج �أن نفهم بع�ضنا البع�ض ب�شكل وا�ضح و�سليم‬


‫وجه في المرآة‬ ‫‪52‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫ر�أى �أن التحرر والتطور ثمرة للتعليم واال�ستنارة‬

‫الشيخ محمد عبده ‪..‬‬ ‫رائد التجديد واإلصالح في العصر الحديث‬ ‫القاهرة ‪ -‬تراث‬ ‫�ضم الع�صر احلديث جمموعة من رواد الفكر والأدب الذين قادوا حركة التحرر‬ ‫الفكري يف ال�شرق الإ�سالمي‪ ،‬ومازال فكرهم ومنهجهم و�آثارهم يف حاجة �إىل جهد‬ ‫الباحثني وامل�ؤرخني لكي ينقبوا عنها‪ ،‬ويخ�ضعوها للبحـث العلمي ال�صحي ــح‪.‬‬


‫لقطات فوتوغرافية للإمام حممد عبده‬

‫وال�شيخ حممد عبده واحد من رواد الإ�صالح �شارك يف �إيقاظ وعي الأمة نحو التحرر‪ ،‬وبعث املولد والن�ش�أة‬

‫والتجديد يف ال�شرق الإ�سالمي‪ ،‬وقائد من قادة‬ ‫الفكر العربي‪ ،‬وعلم من �أعالم النه�ضة العربية‬ ‫الإ�سالمية احلديثة‪ ،‬وممن دعوا �إىل التجديد‬ ‫والإ�� �ص�ل�اح يف ال �ع��امل الإ� �س�لام��ي مبفهومه‬ ‫ال�شامل االجتماعي وال�سيا�سي والديني ‪ ،‬فقد‬ ‫كان �أول �صوت فى الع�صر احلديث يدعو �إىل‬ ‫ن�شر العدالة االجتماعية والإ�صالح ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫و�إعالء �ش�أن الدين‪ ،‬وكانت غايته رفع م�ستوى‬ ‫الأم��ة‪ ،‬وتقومي �أخالقها‪ ،‬والنهو�ض بها نه�ضة‬ ‫ثقافية اجتماعية‪.‬‬ ‫وتزعم هذا الفيل�سوف املجدد‪ ،‬حركة النه�ضة‬ ‫ّ‬ ‫احلديثة‪ ،‬و�سعى لإيقاظ الوعي الإن�ساين يف‬ ‫النفو�س‪ ،‬وتنبيه النا�س �إىل الأخطار املحدقة‬ ‫بهم يف ال��داخ��ل واخل ��ارج ‪ ،‬وعمل على ن�شر‬ ‫الثقافة بني الفقراء‪ ،‬وكان يرى �أن الرتبية هي‬ ‫ال�سبيل القومي للإ�صالح ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫كما ُيع ّد واح �دًا من �أب��رز املجددين يف الفقه‬ ‫الإ��س�لام��ي يف الع�صر احل��دي��ث‪ ،‬فقد �ساهم‬ ‫بعلمه ووعيه واجتهاده يف حترير العقل العربي‬ ‫م��ن اجل�م��ود ال��ذي �أ��ص��اب��ه ل�ع��دة ق ��رون‪ ،‬كما‬

‫الوطنية‪ ،‬و�إح �ي��اء االج�ت�ه��اد الفقهي ملواكبة‬ ‫التطورات ال�سريعة يف العلم‪ ،‬وم�سايرة حركة‬ ‫املجتمع وتطوره يف خمتلف النواحي ال�سيا�سية‬ ‫واالقت�صاديةوالثقافية‪.‬‬ ‫واملبادئ التي دعا �إليها ال�شيخ حممد عبده هي‬ ‫نف�سها املبادئ ال�ضرورية لقيام وعي الإن�سان‬ ‫مبا هو �إن�سان‪ ،‬وهي مبادئ جتمع بني الأ�صالة‬ ‫واملعا�صرة‪ ،‬وتعمل على �إحياء ال�شرق الإ�سالمي‪،‬‬ ‫فقد دعا �إىل حترير الفكر من قيد التقليد‪ ،‬وكان‬ ‫لهذه الدعوة الأث��ر يف حياة الفكر وال�سيا�سة‬ ‫والقومية العربية جميعا‪.‬‬

‫عين مفتي ًا للديار‬ ‫المصرية سنة ‪1899‬م‬ ‫وامتازت فتاواه بالميل‬ ‫إلى التسامح واستقالل‬ ‫الرأي والبعد عن‬ ‫التقليد والمالءمة بين‬ ‫روح اإلسالم ومطالب‬ ‫المدنية الحديثة‬

‫ول��د ال�شيخ حم�م��د ع�ب��ده ع��ام ‪1849‬م لأب‬ ‫تركماين الأ�صل‪ ،‬و�أم م�صرية تنتمي �إىل قبيلة‬ ‫«بني عدي» العربية‪ ،‬ون�ش�أ يف قرية �صغرية من‬ ‫ريف م�صر هي قرية «حملة ن�صر» مبحافظة‬ ‫البحرية‪ ،‬و�أر�سله �أبوه ‪ -‬ك�سائر �أبناء قريته ‪-‬‬ ‫�إىل ال ُكتّاب‪ ،‬حيث تلقى درو�سه الأوىل على يد‬ ‫�شب االبن �أر�سله �أبوه �إىل‬ ‫�شيخ القرية‪ ،‬وعندما َّ‬ ‫«اجلامع الأحمدي» بطنطا‪ ،‬لقربه من بلدته؛‬ ‫ليج ّود القر�آن بعد �أن حفظه ‪ ،‬ويدر�س �شي ًئا من‬ ‫علوم الفقه واللغة العربية‪.‬‬ ‫وبد�أت م�سريته الثقافية والفكرية عندما التحق‬ ‫ب��الأزه��ر ع��ام ‪1866‬م ‪ ،‬ك�أهم مركز للثقافة‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬وتتلمذ على نخبة من علمائه الذين‬ ‫نحوا نحو الت�صوف‪ ،‬واجته �إىل درا�سة العلوم‬ ‫الطبيعية والتاريخية �إىل جانب الدرا�سات‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬حتى تخرج من الأزهر عام ‪1877‬م‬ ‫ونال درجة العاملية‪ ،‬و�أ�صبح من حقه �أن يقوم‬ ‫بالتعليم يف الأزه���ر‪ ،‬ف��أخ��ذ يلقي درو� �س � ًا يف‬ ‫التوحيد واملنطق والأخ�ل�اق‪ .‬ثم عني مدر�س ًا‬ ‫للتاريخ يف مدر�سة دار العلوم‪ ،‬ومدر�س ًا للغة‬


‫وجه في المرآة‬ ‫‪54‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫العربية يف مدر�سة الأل�سن‪ .‬و�أخ��ذ ين�شر �آراءه‬ ‫احلرة احلديثة مما �أثار عليه حقد املحافظني‪،‬‬ ‫فعزل عن وظيفته و�أر�سل �إىل قريته يف �أول عهد‬ ‫اخلديوي توفيق‪ ،‬لكنه ما لبث �أن دعي �إىل رئا�سة‬ ‫حترير الوقائع امل�صرية التي كانت ت�صدرها‬ ‫احلكومة ف�صارت يف عهده �صحيفة الر�أي احلر‬ ‫و�صارت منربه للدعوة �إىل الإ�صالح ‪.‬‬ ‫وا� �ش�ترك حم�م��د ع�ب��ده يف ال �ث��ورة العرابية‬ ‫عندما �أ�صبحت حقيقة قائمة‪ ،‬وحينما �أخمدت‬ ‫وانهزم الثوار‪� ،‬سجن حممد عبده ونفي من‬ ‫م�صر و�أقام يف بريوت عام ‪1883‬م ‪ ،‬ثم رحل‬ ‫�إىل باري�س ‪ ،‬حيث التقى ب�أ�ستاذه جمال الدين‬ ‫الأف �غ��اين ال��ذي �سبقه �إىل ه�ن��اك‪ ،‬فت�أثر به‬ ‫وب�أفكاره التجديدية ‪ ،‬وقاما معا بن�شر جملة‬ ‫العروة الوثقى ملحاربة اال�ستعمار والطغيان يف‬ ‫البالد الإ�سالمية‪ ،‬التي كان لها �أثرها الطيب‬ ‫يف تغذية ال��روح الوطنية يف هذه البالد‪ .‬كما‬ ‫عمل نائب ًا يف قيادة تنظيمها ال�سري‪ .‬وبعدها‬ ‫اجتهت حياة ال�شاب الأزهري اجتاه ًا جديد ًا‪،‬‬ ‫و�أخذ يبذل جهوده للتحرر من �سلطان العرف‬ ‫ال�سائد والتقاليد املوروثة‪ ،‬وبد�أ يقر�أ ما ينقل‬ ‫�إىل العربية من ثمرات الثقافة الغربية‪.‬‬ ‫عاد حممد عبده �إىل بريوت عام ‪1885‬م ‪ ،‬بعد‬ ‫�أن تهاوى كل �شيء من حوله‪ ،‬فقد ف�شلت الثورة‬ ‫العرابية‪ ،‬و�أغلقت جريدة «العروة الوثقى»‪،‬‬ ‫وابتعد عن �أ�ستاذه الأفغاين الذي رحل بدوره‬ ‫�إىل «فار�س»‪ .‬وق�ضى يف بريوت ب�ضع �سنوات‬ ‫منقطع ًا ل�ش�ؤون الإ�صالح الديني واللغوي حيث‬ ‫عمل مربي ًا ومعلم ًا‪ ،‬حتى �أذن له بالعودة �إىل‬ ‫م�صر عام ‪1889‬م فا�شتغل بالق�ضاء ال�شرعي‪،‬‬ ‫ثم عني مفتي ًا للديار امل�صرية �سنة ‪1899‬م‪،‬‬ ‫وامتازت فتاواه بامليل �إىل الت�سامح وا�ستقالل‬ ‫ال��ر�أي والبعد عن التقليد‪ ،‬واملالءمة بني روح‬ ‫الإ��س�لام ومطالب املدنية احلديثة ‪ ،‬وا�ستمر‬ ‫ي�شغل هذا املن�صب حتى وفاته يف عام ‪1905‬م‪.‬‬

‫الأفغاين والعروة الوثقى‬

‫تعترب �صلة ال�شيخ حممد عبده ب�أ�ستاذه جمال‬ ‫الدين الأفغاين من �أه��م حمطات حياته على‬ ‫الإطالق‪ ،‬فقد ت�أثر به وب�أفكاره التجديدية‪ ،‬وبني‬ ‫فكره اجلديد على املبادئ التي بثها الأفغاين‬

‫كانتالحكومةالمصرية‬ ‫تغرّم كل من توجد لديه‬ ‫نسخة من مجلة العروة‬ ‫الوثقى بغرامة تبدأ من‬ ‫خمسة جنيهات إلى‬ ‫خمسةوعشرينجنيه ًا‬ ‫يف عقله ووج��دان��ه‪ ،‬وق��د ب��د�أت �صلته ب��ه عام‬ ‫‪1871‬م عندما التقى به لأول مرة يف القاهرة‪،‬‬ ‫فتتلمذ عليه والزمه و�أ�صبح �أقرب تالميذه اليه‬ ‫و�أل�صقهم به‪ ،‬وكان ين�شر با�سمه �أمايل الأفغاين‬ ‫ويعيد يف الأزهر الدرو�س التي يلقيها الأفغاين‬

‫مبنزله وكان ات�صاله به ات�صا ًال وثيقا ت�أثر به‬ ‫كثري ًا‪� ،‬إذ فتح �أمامه �آفاق العامل الإ�سالمي بعد‬ ‫�أن انتقل به من ت�صوف النا�سك �إىل ت�صوف‬ ‫الفال�سفة‪ ،‬ووجهه نحو ال�صحافة التي تعلق بها‬ ‫طوال حياته‪.‬‬ ‫وعندما احتل الإجنليز م�صر ونفي الإم��ام‬ ‫حممد عبده – وهو �أح��د �أقطاب الثورة على‬ ‫اال�ستبداد ‪� -‬إىل ب�يروت‪ ،‬ك��ان ال�سيد جمال‬ ‫الدين الأفغاين يف باري�س‪ ،‬ف�أر�سل ي�ستدعيه‬ ‫�إل �ي��ه‪ ،‬ولبى التلميذ ن��داء �أ��س�ت��اذه‪ ،‬ومبجرد‬ ‫و�صوله �إىل باري�س كونا معا «جمعية العروة‬ ‫الوثقى» التي كان من �أه��م �أن�شطتها �إ�صدار‬ ‫«جملة العروة الوثقى» ‪ ،‬يقول عبد الرحمن‬


‫منزل الإمام حممد عبده حيث ن�ش�أ وتربى‬

‫ال��راف �ع��ي ع��ن ت�ل��ك اجل�م�ع�ي��ة‪« :‬ك��ان��ت ت�ضم‬ ‫جماعة من �أقطاب العامل الإ�سالمي وكربائه‪،‬‬ ‫وك��ان��ت ال��دع��وة �إىل احت��اد ال�شرقيني ت�تردد‬ ‫وتتواىل يف معظم مداوالتها‪� ،‬إذ ر�أى احلكيمان‬ ‫�أن تف ّرق الكلمة هو الثغرة الأوىل التي ينفذ‬ ‫منها اال�ستعمار لتحقيق �أه��داف��ه يف البالد‬ ‫ال�شرقية»‪ .‬وقد ارتبط �أع�ضاء اجلمعية بعهد‬ ‫وثيق و�ضع �صيغته الإمام حممد عبده‪ ،‬وهذا‬ ‫ن�صه‪�« :‬أق�سم ب��اهلل العامل بالكلي واجلزئي‬ ‫واجل �ل��ي واخل �ف��ي ال�ق��ائ��م على ك��ل نف�س مبا‬ ‫ك�سبت‪ ،‬الآخ ��ذ لكل ج��ارح��ة مب��ا اج�ترح��ت‪،‬‬ ‫لأحكمن بكتاب اهلل يف �أعمايل و�أخالقي بال‬ ‫ت�أويل وال ت�ضليل‪ ..‬ولأجينب داعيه فيما دعا‬ ‫�إليه‪ ،‬وال �أتقاعد عن تلبيته يف �أم��ر وال نهي‪،‬‬ ‫ولأدعون لن�صرته‪ ،‬ولأقومن بها ما دمت حي ًا‪،‬‬ ‫ال �أف�ضل على الفوز بها ما ًال وال ولد ًا‪.‬‬ ‫�أق���س��م ب��اهلل م��ال��ك روح��ي وم ��ايل‪ ،‬القاب�ض‬ ‫على نا�صيتي‪ ،‬امل�صرف لإح�سا�سي ووجداين‪،‬‬ ‫النا�صر ملن ن�صره‪ ،‬اخلاذل ملن خذله‪ ،‬لأبذلن‬ ‫م��ا يف و��س�ع��ي لإح �ي��اء الأخ� ��وة الإ��س�لام�ي��ة‪،‬‬ ‫ولأنزلنها منزلة الأبوة والبنوة ال�صحيحتني‪،‬‬ ‫ولأع� ّرف�ن�ه��ا ك��ذل��ك لكل م��ن ارت�ب��ط برابطة‬ ‫العروة الوثقى‪ ،‬وانتظم يف عقد من عقودها‪،‬‬ ‫ولأراعينها يف غريهم من امل�سلمني‪� ،‬إال �أن‬ ‫ي�صدر عن �أحد ما ي�ضر ب�شوكة الإ�سالم‪ ،‬ف�إين‬ ‫�أب��ذل جهدي يف �إبطال عمله امل�ضر بالدين‪،‬‬ ‫و�آخ ��ذ على نف�سي يف �أث ��ره مثل م��ا �آخ��ذ يف‬ ‫املدافعة عن �شخ�صي»‪.‬‬

‫اشترك محمد عبده في‬ ‫الثورةالعرابيةعندما‬ ‫أصبحتحقيقةقائمة‬ ‫وحينما أخمدت وانهزم‬ ‫سجن ونفي من‬ ‫الثوار ُ‬ ‫مصر وأقام في بيروت ثم‬ ‫رحل إلى باريس‬ ‫لأمم ال متوت‬

‫وكانت جملة العروة الوثقى التي �صدرت عن‬ ‫اجلمعية‪ ،‬مث ًال حيا للتدليل على �أن الأمم ال‬ ‫مت��وت حتى وه��ى يف �أحلك حلظات تاريخها‪،‬‬ ‫فقد ك��ان ��ص��دوره��ا رد ًا واع �ي � ًا وف��ور ًّي��ا على‬ ‫احتالل �إجنلرتا مل�صر‪ ..‬لذلك فلم يكن غريب ًا‬ ‫�أن ُتقلق تلك املجلة ‪-‬ال�صغرية ق�صرية العمر‪-‬‬ ‫الإمرباطورية التي ال تغيب عنها ال�شم�س وهى‬ ‫يف �أوج قوتها وازدهارها‪.‬‬ ‫وقد �صدر العدد الأول من املجلة يوم اخلمي�س‬ ‫‪ 15‬جمادى الأوىل �سنة ‪ 1301‬هـ املوافق ‪13‬‬ ‫مار�س �سنة ‪1884‬م ‪ ،‬وكان مقر املجلة «حجرة‬

‫تأثرباألفغانيوبأفكاره‬ ‫التجديدية وقاما معا بنشر‬ ‫مجلة العروة الوثقى‬ ‫لمحاربةاالستعمار‬ ‫والطغيان في البالد‬ ‫اإلسالمية‬

‫�ضيقة على �سطح منزل من املنازل القائمة على‬ ‫مقربة من ميدان املادلني بباري�س‪ ،‬وتر�سل �سر ًا‬ ‫�إىل الأقطار ال�شرقية‪ ،‬خ�شية �أن ترمقها العيون‬ ‫وك�أنها �إحدى املحرمات �أو املهربات!»‪.‬‬ ‫�أم��ا عن طريقة حترير املجلة ف�يروي الأم�ير‬ ‫«�شكيب �أر�سالن» �أنه �سمع ال�شيخ حممد عبده‬ ‫يقول‪�« :‬إن الأفكار يف العروة الوثقى كلها لل�سيد‬ ‫«الأفغاين» لي�س يل فيها فكرة واحدة‪ ،‬والعبارة‬ ‫كلها يل‪ ،‬لي�س لل�سيد فيها كلمة واحدة‪ ،‬وي�صف‬ ‫عبد الرحمن الرافعي �أ�سلوب الكتابة يف املجلة‬ ‫ب�أنه «�آيات بينات يف �سمو املعاين‪ ،‬وقوة الروح‪،‬‬ ‫وبالغة العبارة‪ ،‬وهي �أ�شبه باخلطب النارية‪،‬‬ ‫ت�ستثري ال�شجاعة يف نفو�س قارئيها‪ ،‬وت��داين‬ ‫يف روحها وقوة ت�أثريها �أ�سلوب الإمام علي بن‬ ‫�أبي طالب كرم اهلل وجهه يف خطبه احلما�سية‬ ‫املن�شورة يف نهج البالغة »‪.‬‬

‫�أهداف املجلة‬

‫وق��د خل�ص ال�شيخ حممد عبده �أه��م �أه��داف‬ ‫املجلة يف خطاب �أر�سله �إىل �صديقه ال�شاعر‬ ‫الإجنليزي «ولفرد بلنت»‪ ،‬وهى‪�« :‬صون ا�ستقالل‬ ‫ال�شعوب ال�شرقية من ع��دوان ال��دول الغربية‪،‬‬ ‫و�إق�لاق بال احلكومة الإجنليزية؛ حتى ترجع‬ ‫عن �أعمالها املثرية خلواطر امل�سلمني»‪ .‬كذلك‬ ‫كان من الأهداف التي عربت عنها املجلة والتي‬ ‫ميكن ا�ستخال�صها من املادة التحريرية الواردة‬ ‫فيها‪ :‬الدعوة �إىل االحتاد والت�ضامن‪ ،‬والأخذ‬ ‫ب�أ�سباب النه�ضة‪ ،‬وحترير م�صر وال�سودان من‬


‫وجه في المرآة‬ ‫‪56‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫اال�ستعمار الربيطاين‪.‬‬ ‫وكانت أ�ه��م املو�ضوعات والأف�ك��ار التي وردت‬ ‫باملجلة ومت الرتكيز والت�أكيد عليها �أفكار الوحدة‬ ‫والت�ضامن‪ ،‬و�إيقاظ الوعي ملقاومة اال�ستعمار‪،‬‬ ‫والتنديد مبن يوالون الأجنبي‪ ،‬والدعوة للدفاع‬ ‫عن الأوطان‪ ،‬وحماربة التواكل لدى ال�شرقيني‪،‬‬ ‫والت�أكيد على قيم الأمانة وال�شرف والواجب‪،‬‬ ‫و�إبراز �أهمية الأمة يف مواجهة ا�ستبداد احلاكم‪،‬‬ ‫وال��دع��وة �إىل الإ� �ص�لاح بالرجوع �إىل حقيقة‬ ‫الدين‪ ،‬والدعوة �إىل وحدة الأمم ال�شرقية‪.‬‬

‫الأفغاين‬

‫ثمانية ع�شر عدد ًا‬ ‫ً اال�ستنارة والتحرر الفكري‬ ‫ومل ي�صدر من املجلة �سوى ثمانية ع�شر عددا‬

‫خالل �سنة واحدة‪ ،‬ثم ا�ضطر الأفغاين وحممد‬ ‫عبده �إىل حجبها عن ال�صدور‪ ،‬وذلك ب�سبب ما‬ ‫اتخذته احلكومة الربيطانية من تدابري �شديدة‬ ‫لعرقلة �أعمالها‪ .‬وي�ضيف «العقاد» �إىل �أ�سباب‬ ‫توقفها �أنها �صودرت يف جميع البالد الإ�سالمية‬ ‫«وات�ف�ق��ت على م�صادرتها ح�ك��وم��ات ال��دول‬ ‫الأجنبية وحكومات امللوك والأمراء ال�شرقيني‪،‬‬ ‫لأن�ه��ا ك��ان��ت حت��ارب احل�ك��م الأج�ن�ب��ي بجميع‬ ‫م�ساوئه كما كانت حت��ارب ا�ستبداد احلاكم‬ ‫الوطني وف�ساد �أعوانه ورجاله »‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ب��الإ��ض��اف��ة �إىل �أن�ه��ا ك��ان��ت ُتتخذ دل�ي�لا على‬ ‫االنتماء �إىل جمعية ال�ع��روة الوثقى‪ ،‬وم��ن ثم‬ ‫اال�ضطهاد وم�صادرة الأموال وغري ذلك‪ .‬فقد‬ ‫كانت احلكومة امل�صرية ‪-‬مث ًال‪ -‬تغ ّرم كل من‬ ‫توجد لديه ن�سخة من املجلة بغرامة تبد�أ من‬ ‫خم�سة جنيهات �إىل خم�سة وع�شرين جنيه ًا‪.‬‬ ‫ورغم العمر الق�صري الذي عا�شته املجلة‪ ،‬ف�إن‬ ‫�آثارها يف حياة ال�شرق العربي والإ�سالمي كانت‬ ‫عميقة وبعيدة امل��دى‪ ،‬فقد امتد ت�أثريها وما‬ ‫حملته من �أف�ك��ار الأف�غ��اين وحممد عبده‪ ،‬يف‬ ‫�أغلب املجددين والزعماء وامل�صلحني واحلركات‬ ‫الفكرية وال�سيا�سية واالجتماعية التي عرفتها‬ ‫�أمم ال�شرق بعد ذلك‪ ،‬وما زال املجلد الذي ي�ضم‬ ‫�أع��داد املجلة ُيقر�أ ويد ّر�س كعالمة على يقظة‬ ‫فكر هذه الأمة‪ ،‬ودليل على قدرتها على النهو�ض‬ ‫رغم الكبوات‪ ،‬والثبات رغم ال�ضربات‪.‬‬

‫ت�صور ال�شيخ حممد عبده العقيدة الإ�سالمية‬ ‫ت�صور ًا �سليم ًا فالتف حوله نخبة من املثقفني‬ ‫واملفكرين الذين كانوا ميثلون مدر�سة الفكر‬ ‫امل�صري والعربي والإ�سالمي ‪ ،‬التي ترى التحرر‬ ‫والتطور ثمرة للرتبية والتعليم واال�ستنارة ‪ ،‬وتعلق‬ ‫الآم��ال على ال�صفوة املختارة يف ميدان الفكر‬ ‫ولي�س على حترك العامة واجت��اه اجلماهري‪،‬‬ ‫و�أن�ش�أ بذلك جي ًال من العلماء الذين حذوا‬ ‫ح ��ذوه‪ .‬وك ��ان ر�أي حممد ع�ب��ده �أن الرتبية‬ ‫امل�ستندة �إىل ال��دي��ن بعد جت��دي��ده بوا�سطة‬ ‫امل�ؤ�س�سات الرتبوية اجلديدة �آنذاك ‪ -‬مثل كلية‬ ‫دار العلوم ‪ -‬وامل�ؤ�س�سات العتيقة ‪-‬مثل الأزهر‬ ‫والأوق ��اف والق�ضاء ال�شرعي ‪ -‬هي ال�سبيل‬ ‫الوحيدة لبلوغ غاية ال�شرق يف التحرر الفكري‬ ‫والتحرير ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫وقد ظهر التمايز بني الفكر «الثوري» للأفغاين‪،‬‬ ‫والفكر «الإ�صالحي» لتلميذه حممد عبده منذ‬ ‫غياب الأفغاين عن ال�ساحة امل�صرية وا�ستقالل‬ ‫حممد عبده بالعمل فيها وانفراده بتب ُّوء مو�ضع‬ ‫الأ� �س �ت��اذي��ة م��ن امل�ف�ك��ري��ن و�أ� �ص �ح��اب ال ��ر�أي‬ ‫والزعماء وال�سا�سة؛ وتبلورت �آرا�ؤه الإ�صالحية‬

‫تولى رئاسة تحرير الوقائع‬ ‫المصرية التي كانت‬ ‫تصدرهاالحكومةفصارت‬ ‫في عهده صحيفة الرأي‬ ‫الحر وصارت منبره‬ ‫للدعوة إلى اإلصالح ‪.‬‬

‫يف مقاالته بجريدة «الوقائع امل�صرية»‪.‬‬ ‫وك��ان��ت �أع�م��ال��ه وف�ي�رة وم�ن��وع��ة‪ ،‬فكان يطالع‬ ‫ويتعلم‪ ،‬ويحرر الوقائع امل�صرية‪ ،‬ويلهم الثورة‬ ‫العرابية‪ ،‬وين�شر دعوة «العروة الوثقى»‪ ،‬وي�شتغل‬ ‫بالق�ضاء يف املحاكم‪ ،‬ويعلم يف الأزهر‪ ،‬وي�صدر‬ ‫ال�ف�ت��اوى يف ال�شئون الدينية واالجتماعية‪،‬‬ ‫وي�شرتك يف جل�سات جمل�س �شورى القوانني‪ ،‬ويف‬ ‫جمل�س الأوقاف الأعلى‪ ،‬وي�شرف على اجلمعية‬ ‫اخلريية الإ�سالمية‪ ،‬وي�ضع م�شروعات لإ�صالح‬ ‫الأزه��ر واملحاكم ال�شرعية‪ ،‬وي��ؤل��ف الر�سائل‬ ‫الدينية‪ ،‬ويف�سر القر�آن الكرمي‪.‬‬

‫�أ�س�س الإ�صالح‬

‫وك��ان يرى �أن موطن ال��داء هو �ضعف النفو�س‬ ‫وجمود الأذه��ان‪ ،‬و�أ�سا�س الإ�صالح هو حترير‬ ‫العقول من �سيطرة اخلرافات‪ ،‬و�إطالق النفو�س‬ ‫من �أ�سر ال�شهوات‪ ،‬ومن هنا �شرع يف بناء جيل‬ ‫جديد يدرك قيمة العلم يف خو�ض معركة احلياة‪،‬‬ ‫ويفهم ر�سالة الدين يف العمل على �إ�سعاد املجتمع‪.‬‬ ‫ويف �أوائل القرن الع�شرين انتهت زعامة الفكر‬ ‫يف ال���ش��رق ال�ع��رب��ي �إىل الإم� ��ام حممد عبده‬ ‫فا�شتغل بالتجديد الديني‪ ،‬ودعا �إىل الإ�صالح‬ ‫االجتماعي‪ ،‬فكان بحق رجل علم وعمل‪ ،‬ورجل‬ ‫دنيا ودين‪ ،‬وراح يهاجم ما يخالف ال�صواب من‬ ‫�أفكار و�أخالق وعادات �شائعة �سواء بني علماء‬ ‫الع�صر �أو عامة النا�س ‪.‬‬ ‫و�أه��م ما ك��ان مييز فكر ال�شيخ حممد عبده‪،‬‬ ‫دعوته �إىل الإ�صالح الذي بناه على �أ�س�س ثالثة‬ ‫هي‪ :‬العودة بالإ�سالم �إىل ما كان عليه يف ال�صدر‬ ‫الأول م��ن حت��رر واج�ت�ه��اد‪ .‬والنهو�ض باللغة‬ ‫العربية و�إح�ي��ا�ؤه��ا‪ .‬واح�ت�رام حقوق ال�شعوب‬ ‫وتخلي�صها من طغيان احلكام‪.‬‬ ‫ومن هذه الأ�س�س واملباديء الإ�صالحية انطلق‬ ‫حممد عبده يحارب اجلمود ويحاول �أن يالئم‬ ‫بني تعاليم الإ�سالم والثقافة الغربية املعا�صرة‪،‬‬ ‫مع مت�سكه باملبادىء الإ�سالمية الأ�صيلة‪ ،‬ورد على‬ ‫الغربيني الذين مل يفهموا الإ�سالم على �أ�صوله‬ ‫ال�صحيحة ‪ ،‬ورفع راية حرية البحث واالجتهاد‬ ‫يف الدين ‪ ،‬وا�ستنكر تفريعات الفقهاء اخليالية‪،‬‬ ‫وح ��ارب ال �ب��دع واخل ��راف ��ات‪ ،‬ووف ��ق ب�ين العقل‬ ‫والدين‪ ،‬كما نادى بالت�سامح الديني والتقارب بني‬


‫امل�شاعر مما ي�ستق�صي بحث امل�سائل العلمية‪،‬‬ ‫فهو يتجه �إىل القلب �أكرث مما يتجه �إىل العلم‬ ‫والعقل مت�أثر ًا يف ذلك بالفل�سفة الإ�سالمية‪ ،‬ثم‬ ‫ات�صاله بالثقافة الغربية وقراءته بع�ض �أ�صولها‬ ‫ورحالته �إىل �أوروبا ومالب�سته حلياتها ومقابلته‬ ‫لبع�ض فال�سفتها و�سماعه لبع�ض حما�ضراتهم‪.‬‬

‫ال�شيخ حممد عبده مفتي ًا‬

‫ال�شعوب‪ ،‬ودعا �إىل �إ�صالح املحاكم ال�شرعية‪،‬‬ ‫و�إىل �إن�شاء مدر�سة الق�ضاء ال�شرعي لتخريج‬ ‫الفقيه والقا�ضي ال�صالح‪.‬‬ ‫وكان �أ�سلوبه وقلمه مث ًال يحتذى به يف النهو�ض‬ ‫بالعربية فيما ن�شر يف ال�صحف �أو �ألف من كتب‪،‬‬ ‫فبعث حركة �أدبية مثمرة‪ ،‬وكان يرى �أن ال�سبيل‬ ‫احل��ق لتحرير ال�شعوب هو التعليم والرتبية ال‬ ‫االنقالب والثورة على نحو ما كان ينادي به غريه‪.‬‬

‫�إنتاجه العلمي‬

‫وقد �ألف ال�شيخ حممد عبده العديد من الكتب‬ ‫�أهمها «ر�سالة التوحيد» ال��ذي ج��اءت وليدة‬ ‫درا�ساته يف ب�يروت‪ ،‬وه��ي تنحو منحى عقلي ًا‬ ‫وا�ضح ًا‪ ،‬وكتابه «الإ�سالم والن�صرانية مع العلم‬ ‫واملدنية» ال��ذي رد به على ف��رح انطوين �سنة‬ ‫‪1902‬م ‪ ،‬وداف��ع فيه عن الإ�سالم مبين ًا مدى‬ ‫تقبله للعلم واحل�ضارة‪.‬‬ ‫ه ��ذا �إىل ج��ان��ب حتقيق و� �ش��رح «الب�صائر‬ ‫الق�صريية للطو�سي»‪ ،‬وحتقيق و�شرح «دالئ��ل‬ ‫الإعجاز» و«�أ�سرار البالغة» للجرجاين‪ ،‬وكتابه‬ ‫«الرد على هانوتو الفرن�سي »‪ ،‬وتقرير �إ�صالح‬ ‫املحاكم ال�شرعية �سنة ‪1899‬م‪ ،‬والف�صول التي‬ ‫��ش��ارك بها يف كتاب «حت��ري��ر امل���ر�أة» لقا�سم‬ ‫�أمني �سنة ‪1899‬م‪ .‬كما قام ال�شيخ حممد عبده‬ ‫بتف�سري القر�آن الكرمي الذي بد�أه ومل يتمه‪ ،‬وهذا‬ ‫التف�سري كان يقوم به تدري�س ًا‪ ،‬وك��ان تف�سري ًا‬ ‫يحاول التوفيق بني الإ�سالم ونظريات املدنية‬ ‫احلديثة‪ ،‬ويتبع طرق ًا من الت�أويل للتوفيق بني‬ ‫الدين ونظريات العلم‪ .‬وقيل عنه �إنه كان يحرك‬

‫ويعترب توليه من�صب الإفتاء يف م�صر حمطة‬ ‫�أخ� ��رى ه��ام��ة م��ن حم �ط��ات ح�ي��ات��ه امل�ث�م��رة‪،‬‬ ‫فلأول مرة يتم ا�ستقالل من�صب الإفتاء‪ ،‬ويقع‬ ‫االختيار على هذا العبقري املجدد ليكون �أول‬ ‫مفتي يتوىل ه��ذا املن�صب‪ ،‬ففي ‪ 3‬يونيو �سنة‬ ‫‪1899‬م ‪ -24‬حمرم ‪1317‬هـ – �صدر مر�سوم‬ ‫خديوي‪ ،‬وقعه اخلديوي عبا�س حلمي بتعيني‬ ‫ال�شيخ حممد عبده مفتي ًا للديار امل�صرية وهذا‬ ‫ن�صه‪« :‬ف�ضيلتلو ح�ضرة ال�شيخ حممد عبده‪،‬‬ ‫مفتي الديار امل�صرية‪ :‬بناء على ما هو معهود‬ ‫يف ح�ضرتكم من العالمية وكمال الدراية‪ ،‬قد‬ ‫وجهنا لعهدكم وظيفة �إفتاء الديار امل�صرية‪،‬‬ ‫و�أ��ص��درن��ا �أم��رن��ا ه��ذا لف�ضيلتكم للمعلومية‪،‬‬ ‫والقيام مبهام هذه الوظيفة وقد �أخطرنا البا�شا‬ ‫رئي�س جمل�س النظار بذلك»‬ ‫كان من�صب الإفتاء ي�ضاف ملن ي�شغل وظيفة‬ ‫م�شيخة اجلامع الأزهر يف ال�سابق وبهذا املر�سوم‬ ‫ا�ستقل من�صب الإف�ت��اء عن من�صب م�شيخة‬ ‫اجلامع الأزهر‪ ،‬و�صار ال�شيخ حممد عبده �أول‬ ‫مفتي م�ستقل مل�صر معني من قبل اخلديوي‪.‬‬ ‫وقد بلغ عدد الفتاوى التي �أ�صدرها ‪ 944‬فتوى‬ ‫ا�ستغرقت املجلد الثاين من �سجالت م�ضبطة‬ ‫دار الإفتاء ب�أكمله و�صفحاته ‪� 198‬صفحة‪ ،‬كما‬ ‫ا�ستغرقت ‪� 159‬صفحة م��ن �صفحات املجلد‬ ‫الثالث‪ ،‬ويالحظ �أن ‪ % 80‬من الفتاوي تتعلق‬

‫قال عبده إن موطن‬ ‫الداء هو ضعف النفوس‬ ‫وجمود األذهان‪ ،‬وأساس‬ ‫اإلصالح هو تحرير العقول‬ ‫من سيطرة الخرافات‬ ‫وإطالق النفوس من أسر‬ ‫الشهوات‬

‫مب�شكالت خا�صة باحلياة املالية واالقت�صادية‬ ‫وق�ضاياها‪ ،‬وهي ق�ضايا كانت حتتاج �إىل اجتهاد‬ ‫جديد لكي يواكب الفقه الإ�سالمي هذه الق�ضايا‬ ‫وامل�شكالتامل�ستحدثة‪.‬‬

‫رثاء بعد الرحيل‬

‫وظل ال�شيخ حممد عبده مفتي ًا للديار امل�صرية‬ ‫�ست �سنوات كاملة‪ ،‬وا�ستمر يف العطاء على كافة‬ ‫امل�ستويات ‪ ،‬حتى وفاته يف ‪ 11‬يوليو عام ‪1905‬‬ ‫م‪ ،‬عن عمر يناهز ال�سابعة واخلم�سني عام ًا‪.‬‬ ‫وق��د رث��اه �أم�ير ال�شعراء �أحمد �شوقي ب�أبيات‬ ‫رائعة قال فيها ‪:‬‬

‫مف�سر �آي اهلل بالأم ـ ـ ــ�س بيننا‬ ‫ق���م ال���ي���وم ف�����س��ر ل���ل���ورى �آي������ة امل���وت‬ ‫رح��م��ت م�صري ال��ع��امل�ين كما ترى‬ ‫وك��������ل ه�����ن�����اء �أو ع����������زاء �إىل ف����وت‬ ‫ه��و ال��ده��ر ميالد ف�شـ ـ ــغل فم�أمت‬ ‫فذكر كما �أبقى ال�صدى ذاهب ال�صوت‬

‫ونعاه ال�شاعر حافظ �إبراهيم يف �أبيات قال فيها‪:‬‬

‫�س ـ ــالم على الإ�سالم بعد حممـ ــد‬ ‫������س��ل��ام ع����ل����ى �أي�������ام�������ه ال����ن���������ض����رات‬ ‫على الدين والدنيا على العلم واحلجى‬ ‫على ال�بر والتقوى على احل�سنات‬ ‫لقد كنت �أخ�شى ع��ادي امل��وت قبله‬ ‫ف�أ�صبحت �أخ�����ش��ى �أن ت��ط��ول حياتي‬ ‫�أب��ن��ت ل��ن��ا ال��ت��ن��زي��ل حكما وحكمة‬ ‫وف�����رق�����ت ب��ي��ن ال�����ن�����ور وال���ظ���ل���م���ات‬ ‫ووفقت بني الدين والعلم واحلجى‬ ‫ف����أط���ل���ع���ت ن�������ورا م����ن ث���ل��اث ج��ه��ات‬ ‫وخ���ف���ت م���ق���ام اهلل يف ك���ل م��وق��ف‬ ‫ف���خ���اف���ك �أه�������ل ال�������ش���ك وال����ن����زع����ات‬ ‫بكى ال�شرق فارجتت له الأر�ض رجة‬ ‫وف���ا����ض���ت ع���ي���ون ال����ك����ون ب���ال���ع�ب�رات‬ ‫ففي الهند حمزون وفى ال�صني جازع‬ ‫وف�����ى م�����ص��ر ب�����اك دائ�������م احل�������س���رات‬ ‫وفى ال�شام مفجوع وفى الفر�س نادب‬ ‫وف�����ى ت���ون�������س م����ا ���ش��ئ��ت م����ن زف�����رات‬


‫نافذة على التراث‬ ‫‪58‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫ابن المقفع والمثقف‬ ‫يف‬

‫العام ‪ 142‬للهجرة ت�سلم عبد اهلل بن املقفع «‪ 142 - 106‬هـ»‬ ‫دعوة من وايل الب�صرة �سفيان بن معاوية لالجتماع به يف داره‪.‬‬ ‫وحني لبى ابن املقفع الدعوة‪ ،‬مل يدر ببال �أنه لن يخرج من دار الوايل‬ ‫حيا‪ .‬لكن هذا ما حدث‪�.‬أ�صل الق�صة �أن عبد اهلل بن علي‪ ،‬عم اخلليفة‬ ‫املن�صور وواليه على ال�شام‪ ،‬كان قد خرج على اخلليفة و�أظهر الع�صيان‪،‬‬ ‫فطارده املن�صور حتى و�صل عبد اهلل �إىل الب�صرة حمتميا ب�أخويه‬ ‫�سليمان وعي�سى‪ .‬رف�ض الأخوان �أن ي�سلما �أخاهما للمن�صور �إال بعد كتابة‬ ‫عهد �أمان يحفظ دمه‪ .‬هنا يظهر ابن املقفع الأديب امل�شهور يف ال�صورة؛‬ ‫حيث طلب �إليه �أعمام اخلليفة �أن يكتب عهد �أمان ملزم للمن�صور‪ .‬ومن‬ ‫الوا�ضح �أن ابن املقفع قد ّ‬ ‫�سخر قدراته العقلية والأدبية يف كتابة عهد‬ ‫�أمان �شديد الإحكام والإلزام للخليفة املن�صور‪ ،‬لدرجة �أنه ا�شرتط فيه‬ ‫�أن تكون زوجات املن�صور جميعا طوالق منه‪ ،‬و�أن يكون عبيده �أحرارا‪،‬‬ ‫وال تكون له والية وال بيعة على النا�س �إن هو �أخ ّل بعهد الأمان هذا‪ .‬لكن‬ ‫ال�سلطة املطلقة التي متتع بها اخللفاء العبا�سيون كانت فوق هذا الت�شديد‬ ‫وفوق العهد‪ ،‬فعزل املن�صور �سليمان عن الب�صرة ويقال �إنه كان وراء‬ ‫مقتل كل من ابن املقفع عمه الذي كتب له العهد‪ .‬عبد اهلل ابن املقفع‬ ‫فار�سي الأ�صل عا�ش ن�صف حياته يف الع�صر الأموي ون�صفها الثاين يف‬ ‫دولة بني العبا�س‪ .‬يقول �صاحب القامو�س املحيط �إن ا�سمه الفار�سي هو‬ ‫داذج ْ�ش ِن�ش» «القامو�س املحيط‪�/‬ص ‪ ،»974‬فلما‬ ‫«روزبه» �أو «داذويه بن ِ‬ ‫�أ�سلم �سمى عبد اهلل‪ .‬و�سبب تلقيبه بابن املقفع �أن �أباه كان م�سئوال عن‬ ‫جمع خراج بالد فار�س �أيام احلجاج‪ ،‬وقيل �إنه �أخذ بع�ضا مما جمعه‬ ‫من �أموال‪ ،‬ف�ضربه احلجاج على يديه حتى « َت َق َّف َعتَا» فلقب بابن املقفع‪.‬‬ ‫كان عبد اهلل بن املقفع مو�سوعي الثقافة ملعرفته �أكرث من لغة‪ .‬لكن هذه‬ ‫املو�سوعية �صب نتاجها الأخري يف �صالح الثقافة العربية التي �ألف فيها‬ ‫وترجم �إليها‪ .‬البن املقفع كتابان م�شهوران �أولهما «كليلة ودمنة» الذي‬ ‫ترجمه عن الفهلوية م�ضيفا �إليه ف�صوال من ت�أليفه‪ .‬وثانيهما كتاب بعنوان‬ ‫«ر�سالة ال�صحابة»‪ .‬وله كذلك عدد كبري من الر�سائل الأدبية يف مو�ضوعات‬ ‫�شتى‪ .‬من �أ�شهر ما و�صلنا منها ر�سالة «الأدب ال�صغري» ور�سالة «الأدب‬ ‫الكبري»‪ .‬وقد جمعت الر�سالتان يف كتاب واحد حمل ا�سم «الأدب ال�صغري‬ ‫والأدب الكبري»‪.‬‬ ‫ر�سالتا الأدب ال�صغري والأدب الكبري ت�ضمان خم�ت��ارات من ا ألق��وال‬

‫امل�أثورة‪ ،‬والن�صائح احلكيمة‪ ،‬والآراء الفل�سفية املخت�صرة مما �أثر عن‬ ‫العرب‪ ،‬ومما ترجم ومت تداوله يف الثقافة العربية يف ذلك الوقت عن‬ ‫ثقافات �أخرى‪ ،‬على ر�أ�سها الهندية والفار�سية واليونانية‪ .‬وقد حدد ابن‬ ‫املقفع الغاية من ر�سالتيه باخت�صار يف قوله‪ :‬وقد و�ضعت يف هذا الكتاب‬ ‫من كالم النا�س املحفوظ حروفا فيها عون على عمارة القلوب و�صقالها‬ ‫وجتلية �أب�صارها‪ ،‬و�إحياء للتفكري و�إقامة للتدبري‪ .‬ودليل على حمامد‬ ‫الأمور ومكارم الأخالق �إن �شاء اهلل «الأدب ال�صغري والأدب الكبري‪/‬دار‬ ‫بريوت للطباعة والن�شر‪.»1980/‬‬ ‫يتناول ابن املقفع مو�ضوعات كثرية يف الر�سالتني منها ما يت�صل بال�سلطان‬ ‫وكيفية معاملته‪ ،‬وال�صديق وما يح�سن �أن تعامله به‪ .‬لكنه يركز يف ر�سالتيه‬ ‫ب�صورة ال فتة على قيمة العقل ودور «ذوي الألباب»‪ ،‬ويف�صل القول يف‬ ‫�صفاتهم‪ ،‬و�أح�سب �أن ت�سمية العاقل يف كتاباته مكافئة لت�سمية «املثقف» يف‬ ‫ع�صرنا احلايل‪ .‬انظر لقوله حمددا �أ�صحاب العقل ومفرقا بينهم وبني‬ ‫�سائر النا�س‪:‬‬ ‫َوج ٍب �أن ي�سمى يف ذوي الألباب‪،‬‬ ‫ولي�س ك ُّل ذي ن�صيب من ِّ‬ ‫اللب مِ ُب�ست ِ‬ ‫وال يو�صف ب�صفاتهم‪ .‬فمن رام �أن يجعل نف�سه لذلك اال�سم والو�صف‬ ‫�أهال‪ ،‬فلي�أخذ له عتاده‪ ،‬وليعد له طول �أيامه‪ ،‬ولي�ؤثره على �أهوائه‪ .‬ف�إنه‬ ‫قد رام �أمرا ج�سيما ال ي�صلح على الغفلة‪ ،‬وال ُيدرك با َمل ْع َجزَة‪ ،‬وال ي�صري‬ ‫على الأَ َث� َرة‪ .‬ولي�س ك�سائر �أمور الدنيا و�سلطانها ومالها وزينتها التي قد‬ ‫ي��درك منها املتواين ما يفوت املثابر‪ ،‬وي�صيب منها العاجز ما يخطئ‬ ‫احلازم‪ .‬وليعلم �أن على العاقل �أمورا �إذا �ضيعها حكم عليه عقله مبقارنة‬ ‫اجلهال«الأدب ال�صغري‪� /‬ص ‪»16‬‬ ‫هكذا ن�شرتك جميعا يف وج��ود العقل‪ ،‬لكننا ل�سنا �سواء يف توزيع �صفة‬ ‫«العاقل» التي حتتاج مل�شقة يف حت�صيل العلم وتثقيف العقل‪ ،‬وهو �أمر �شاق‬ ‫لي�س ك�سائر �أمور الدنيا التي رمبا يعطي احلظ فيها من ال ي�ستحق‪ .‬يتو�سع‬ ‫ابن املقفع يف حتديد ما يجب على «العاقل‪ /‬املثقف» كي يكون م�ستحقا‬ ‫لذلك اال�سم‪ ،‬مربزا عددا من ال�صفات التي ت�ؤكد الظن ب�أنه �إمنا كان يحدد‬ ‫موا�صفات «املثقف»‪ .‬من ذلك �أن «العاقل» قادر على مراجعة نف�سه‪ ،‬ملزم‬ ‫بتلك املراجعة‪ .‬وهو ما ميكن ت�سميته بلغتنا املعا�صرة �ضرورة االنعكا�س على‬ ‫الذات‪ .‬يقول ابن املقفع‪ :‬وعلى العاقل خما�صمة نف�سه وحما�سبتها والق�ضاء‬ ‫عليها «مبعنى حماكمتها فيما جتنيه من �شر وخري» والإثابة والتنكيل بها‬


‫�أمين بكر‬

‫‪ ...‬وعلى العاقل �أن يح�صي على نف�سه م�ساويها‬ ‫يف الدين ويف الأخالق ويف الآداب‪ ،‬فيجمع ذلك‬ ‫كله يف �صدره �أو يف كتاب‪ ،‬ثم يكرث عر�ضه على‬ ‫نف�سه‪ ،‬ويكلفها �إ�صالحه ‪ ...‬حق على العاقل �أن‬

‫يتخذ مر�آتني؛ فينظر من �إحداهما يف م�ساوئ‬ ‫نف�سه فيت�صاغر بها‪ ،‬وي�صلح ما ا�ستطاع منها‪،‬‬ ‫وينظر من الأخرى يف حما�سن النا�س فيحليهم‬ ‫بها وي�أخذ ما ا�ستطاع منها«‬

‫«�ص‪»43/ 20 /18 :‬‬

‫ولعلنا ال نبالغ ح�ين ن��دع��ي �أن ��ه يتحدث عن‬ ‫�ضرورة بقاء الوعي املنفتح منعك�سا على ذاته‪،‬‬ ‫كي يحافظ على مرونته وانفتاحه‪ ،‬كما ال يفوتنا‬ ‫�أنه يف الن�صو�ص ال�سابقة وغريها يدعو لقيم‬ ‫العدالة يف احلكم على الآخ��ري��ن مبا يناق�ض‬ ‫الأحكام املت�سرعة املحملة بوجهة نظر م�سبقة‪.‬‬ ‫غ�ير �أن العاقل لي�س وح��ده م��ن يتوجب عليه‬ ‫املعرفة والتثقف و�إدراك ما يجهل‪� ،‬إذ يت�ضح‬ ‫دوم��ا يف اختيارات اب��ن املقفع �أن املعرفة هي‬ ‫الأ�صل يف مكارم الأخالق‪ ،‬و�أن اجلهل هو �أ�صل‬ ‫كل بالء‪ .‬يقول‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ليكن ا َمل��رء ��َ�س ��ؤوال‪ ،‬وليكن ف ُ�صوال ب�ين احلق‬ ‫والباطل‪ ،‬وليكن َ�صدُوقا ل ُي َ�ؤ َّمنَ على ما قال‪،‬‬ ‫وليكن ذا عهد ل ُي َو َّفى له بعهده ‪ ...‬حياة ال�شيطان‬ ‫ترك العلم‪ ،‬وروحه وج�سده اجلهل‪ ،‬ومعدنه يف‬ ‫�أهل احلقد والق�ساوة‪ ،‬ومثواه يف �أهل الغ�ضب‪،‬‬ ‫وعي�شه يف امل�صارمة «�ص‪»39‬‬ ‫هذا ملمح واحد من كتاب الأدب ال�صغري والأدب‬ ‫الكبري لعبد اهلل بن املقفع‪ ،‬الذي ميتلئ بالأفكار‬ ‫الداعية للت�أمل يف النف�س ويف العامل‪.‬‬ ‫من القامو�س‪:‬‬ ‫ال َق ْف َع ُة‪ :‬كالزبيل من خو�ص بال عروة‪� ،‬أو جلة‬ ‫التمر‪� ،‬أو م�ستديرة يجتنى فيها الرطب ونحوه‪،‬‬ ‫وال��دوارة التي يجعل الدهانون فيها ال�سم�سم‬ ‫املطحون‪ ،‬ثم يو�ضع بع�ضها على بع�ض حتى‬ ‫ي�سيل منها الدهن ‪ ...‬والأذن ال َق ْف َعاء‪ :‬التي‬ ‫ك�أنها �أ�صابتها نار فتزوت من �أعالها �إىل �أ�سفلها‬ ‫‪ ...‬ورجل ُم َق َّف ُع اليدين ك ُم َع َّظم‪ :‬مت�شنجهما ‪...‬‬ ‫و َت َق َّف َع‪َ :‬ت َق َّب َ�ض‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪60‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫روعة �شعب وعظمة قائد‬

‫دولة اإلمارات التي أبهرتني‬ ‫يوميات رحالة معاصر‬


‫موالي حممد ا�سماعيلي‬ ‫�أكادميي و�إعالمي مغربي‬

‫لقد �سنحت يل الفر�صة �أن �أزور دولة الإمارات العربية املتحدة‪ ،‬هذه الدولة العربية‬ ‫الإ�سالمية التي �سمعت و�شاهدت عنها الكثري من الأ�شياء املميزة يف ن�شرات الأخبار‪ ،‬لكن‬ ‫الواقع كان �أجمل و�أرقى بكثري مما تقدمه قنوات التلفزيون‪ ،‬لقد وجدت دولة عاملية‬ ‫بكل املقايي�س‪ ،‬و�أنا�سا يف �أعلى درجات الإن�سانية والرقي‪ ،‬فكان �إح�سا�سي نحو هذه الدولة‬ ‫وحكامها ومواطنيها ومعمارها وكل �شيء فيها تلخ�صه كلمة واحدة‪� ،‬إنها «االنبهار»‪.‬‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪62‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫ح�سن اال�ستقبال‬

‫�أول ما �أث��ار انتباهي و�أن��ا �أن��زل مبطار �أبو‬ ‫ظبي ال��دويل‪ ،‬هي الرحابة التي ي�ستقبلك‬ ‫بها املكان‪ ،‬والب�شا�شة التي تراها يف وجوه كل‬ ‫العاملني باملطار‪ ،‬فرغم االزدح��ام ال�شديد‬ ‫ال��ذي ي�شهده مطار �أب��و ظبي «ي��زوره �أكرث‬ ‫من ‪ 40‬مليون م�سافر كل �سنة» ف��إن جميع‬ ‫املوظفني يقومون بعملهم على �أح�سن وجه‪،‬‬ ‫وقد كان لنا ن�صيب وافر من هذا اال�ستقبال‬ ‫اجلميل‪ ،‬فبعد �أن اطلع موظفو املطار على‬ ‫ت�أ�شرياتنا‪ ،‬وت�أكدوا �أننا باحثون �أكادمييون‬ ‫مغاربة و�صحافيون‪ ،‬حينها ب��د�أت كلمات‬ ‫الرتحيب تنهال علينا وتي�سرت الإجراءات‪،‬‬ ‫وا�صطحبونا �إىل طريق اخلروج من املطار‬ ‫بكل ال�سرعة وال�سهولة املطلوبتني‪ ،‬حيث‬ ‫وجدنا �أ�صدقاءنا يف ا�ستقبالنا يف �صالة‬ ‫اال�ستقبال‪ ،‬ه��ذه الت�صرفات كانت تنبئ‬ ‫ببداية جيدة لرحلة �ستدوم �شهرا كامال يف‬ ‫دولة الإمارات العربية‪.‬‬

‫�أبوظبي‪..‬املدينة التحفة‬

‫�إم��ارة �أبو ظبي‪� ،‬أو املدينة التحفة‪ ،‬مل �أكن‬ ‫�أت��وق��ع �أن �أج��د ك��ل ه��ذا اجل�م��ال وك��ل هذا‬ ‫الإت�ق��ان فيها‪ ،‬وك��ل ه��ذه الفنية العالية يف‬ ‫معمار ه��ذه امل��دي�ن��ة‪ ،‬فقد كنت �أعتقد �أن‬ ‫اال�سمنت امل�سلح ه��و �سيد امل��وق��ف هناك‬ ‫يف اخلليج عموما‪ ،‬و�أن ال م�ك��ان ل�ل�إب��داع‬ ‫واالب��ت��ك��ار‪ ،‬ل�ك��ن ك ��ان اع �ت �ق��ادي خ��اط�ئ��ا‪،‬‬ ‫ووجدت مدينة �أبو ظبي كلها حتف معمارية‬ ‫متميزة‪ ،‬ال تكاد ت�ستوعب �شكال حتى ينجلي‬ ‫�أم��ام��ك �شكل ج��دي��د ين�سيك الأول‪� ،‬أم��ا‬ ‫البنيات التحتية ف�ح��دث وال ح��رج‪ ،‬طرق‬ ‫هائلة‪ ،‬وقناطر عمالقة‪ ،‬وبنايات وعمارات‬ ‫�شاهقة‪ ،‬البع�ض يقول ب��أن هذا طبيعي ما‬ ‫دام �أن هناك �أمواال ت�شيد بها هذه البنيات‬ ‫التحتية‪� ،‬أقول نعم‪،‬ولكن هناك عقل �ضخم‬ ‫وتخطيط كبري وراء كل ه��ذه الإجن ��ازات‪،‬‬ ‫واحل��دي��ث عن الإجن ��ازات ال ميكن �أن مير‬ ‫دون احلديث عن باقي الإم��ارات وم�ؤ�س�س‬ ‫الدولة‪ ،‬املرحوم ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل‬


‫جامع ال�شيخ زايد يف �أبوظبي عالمة ح�ضارية كربى‬

‫ق�رص الإمارات يف �أبوظبي‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪64‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫المسؤولون في‬ ‫أبوظبي يعرفون ماذا‬ ‫يفعلون‪ ،‬ويعملون‬ ‫بصدق من أجل رد االعتبار‬ ‫للتراث العربي الفني‬ ‫اإلبداعي بشكل عام‬

‫�آل نهيان‪ ،‬ال��ذي مل تفتنا الفر�صة وتلونا‬ ‫�سورة الفاحتة على الروح الطاهرة لإن�سان‬ ‫ا�ستثنائي �ستظل قلوب الإم��ارات�ي�ين وغري‬ ‫الإماراتيني خ�صو�ص ًا املغاربة‪ ،‬حتبه حتى‬ ‫تنتهي هذه الدنيا‪.‬‬

‫نهيان رحمه اهلل‪� ،‬أو «بابا زاي��د» كما يحلو جامعات ومراكز درا�سات‬

‫للإماراتني مناداته‪ ،‬فهو رحمه اهلل �صاحب‬ ‫عقل متميز‪ ،‬ونظرة ثاقبة للم�ستقبل‪ ،‬الرجل‬ ‫�سبق زمانه‪ ،‬وف ّكر للم�ستقبل‪ ،‬وب��د�أ العمل‬ ‫بيديه‪ ،‬وب�سواعد �أب�ن��اء ال��دول��ة جميعهم‪،‬‬ ‫ح�ت��ى و� �ض��ع الإم � ��ارات يف م���ص��اف ال��دول‬ ‫العاملية التي �أ�ضحت م��ؤث��رة يف ال�سيا�سة‬ ‫واالقت�صاد العامليني‪.‬‬

‫جامع ال�شيخ زايد‬

‫معلمة �أخ� ��رى ت�خ�ل��د ذك ��رى ه ��ذا ال��رج��ل‬ ‫العظيم‪� ،‬إنها جامع ال�شيخ زايد مبدينة �أبو‬ ‫ظبي‪ ،‬املعلمة املعمارية اجلميلة‪ ،‬فعندما‬ ‫مت��ر ب��ال �ق��رب م��ن ه ��ذا امل���س�ج��د ت�ب�ه��رك‬ ‫قبابه الكثرية واملرتا�صة بكثري من الإبداع‬ ‫والفنية‪ ،‬وت�خ��ال نف�سك �أن��ك يف ت��اج حمل‬ ‫لتقارب هند�سة امل�سجد مع هند�سة �إحدى‬ ‫عجائب الدنيا ال�سبع‪� ،‬أما عندما تدخل �إىل‬ ‫ه��ذا امل�سجد التحفة ف�إنك ال ت�ستطيع �أن‬ ‫تقاوم رغبة جاحمة يف البقاء يف �أح�ضانه‬ ‫لأطول وقت ممكن‪ ،‬الزخارف الفار�سية يف‬ ‫اجلدران‪ ،‬وال�سجاد املمتد على ر�أي العني‪،‬‬ ‫ومرافق اجلامع التي جتعلك ت�ستمتع و�أنت‬ ‫تتجول فيه‪ ،‬حقا �إن جامع ال�شيخ زايد معلمة‬ ‫عظيمة ال متل العني من الإطالع �إليها‪.‬‬ ‫غري بعيد من ه��ذا اجلامع العظيم يرقد‬ ‫اجلثمان الطاهر لل�شيخ زاي��د بن �سلطان‬

‫برج خليفة يف دبي‬ ‫�أطول بناء يف العامل‬

‫�إم��ارة �أبو ظبي هي عا�صمة العلم واملعرفة‬ ‫بامتياز‪ ،‬فقد �أدرك امل�س�ؤولون فيها‪� ،‬أن بناء‬ ‫�أي �أمة لي�س فقط بتوفري البنيات التحتية‬ ‫فح�سب‪ ،‬ولكن بناء العقول وت�شييد الأدمغة‬ ‫املبدعة‪ ،‬هو ال�ضامن الأكرب ال�ستمرار هذه‬ ‫الأم��ة يف العطاء‪ ،‬ف�أبوظبي هي مهد عدد‬ ‫من اجلامعات وال�صروح العلمية املتميزة‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل م��راك��ز للدرا�سات والبحوث‪،‬‬ ‫والتي تتوزع على �أماكن كثرية يف الإم��ارة‪،‬‬ ‫وقد عملت حكومة هذه الإم��ارة على جلب‬ ‫ج��ام�ع��ات عاملية لكي تفتح لها ف��روع��ا يف‬ ‫�أبو ظبي‪ ،‬كما هو حال اجلامعة الفرن�سية‬ ‫ال�ع��ري�ق��ة‪ ،‬جامعة ال���س��ورب��ون ال�ت��ي فتحت‬ ‫لها ف��رع��ا يف مدينة �أب��و ظ�ب��ي‪ ،‬واجلامعة‬ ‫املغربية العريقة جامعة حممد اخلام�س‪،‬‬ ‫هذا �إ�ضافة �إىل رعاية الإم��ارة للعديد من‬ ‫التظاهرات العاملية‪ ،‬يف الثقافة والفنون‬ ‫واملو�سيقى وال�ت�راث‪ ،‬دون �أن نن�سى الكم‬ ‫الهائل م��ن امل�سابقات الثقافية والأدب �ي��ة‬ ‫والفنية التي تزخر بها الإمارة‪ ،‬وخري مثال‬ ‫على ذلك م�سابقتي ال�شعر �شاعر املليون‪،‬‬ ‫و�أم�ي�ر ال���ش�ع��راء‪ ،‬وم�سابقة ال�شيخ زاي��د‬ ‫للكتاب‪ ،‬وغ�يره��ا م��ن امل�سابقات العربية‬ ‫وال�ع��امل�ي��ة‪ ،‬ك��ل ه��ذا وغ�ي�ره دف��ع باملطربة‬ ‫املغربية ك��رمي��ة ال�صقلي للقول يف ح��وار‬ ‫�أجريته معها يف وقت �سابق‪�« ،‬إن امل�س�ؤولني‬ ‫يف �أبو ظبي يعرفون ماذا يفعلون‪ ،‬ويعملون‬ ‫ب�صدق من �أجل رد االعتبار للرتاث العربي‬ ‫الفني املو�سيقي والإب��داع��ي ب�شكل ع��ام»‪،‬‬ ‫وه��ي ��ص��ادق��ة فيما ذه�ب��ت �إل �ي��ه‪ ،‬لأن �أي‬ ‫مثقف �أو مبدع �أو مطرب‪ ،‬ال ميكن �أن يح�س‬ ‫بالغربة يف عا�صمة دولة الإمارات �أبو ظبي‪.‬‬

‫أبوظبي مهد لعدد من‬ ‫الجامعات والصروح‬ ‫العلمية المتميزة‬ ‫إضافة إلى مراكز‬ ‫للدراسات والبحوث‬ ‫الطاقة املتجددة‬ ‫التي تتوزع على أماكن‬ ‫كثيرة في اإلمارة‬


‫واح ��دة يف ه��ذه امل��دي�ن��ة ت�شعرك ب��أن��ك يف‬ ‫نيويورك �أو بو�سطن �أو وا�شنطن‪ ،‬ول�ست يف‬ ‫قلب اجلزيرة العربية‪� ،‬شيء واحد يرجعك‬ ‫�إىل الإح�سا�س ب�أنك يف دب��ي‪ ،‬هو احل��رارة‬ ‫املفرطة التي ت�شعر بها عندما ترتجل من‬ ‫ال�سيارة‪ ،‬ه��ذه املدينة التي ارتبطت عند‬ ‫النا�س ب�أنها مدينة البنايات ال�شاهقة‬ ‫فقط‪ ،‬هي عك�س ذل��ك‪ ،‬فقد زرت املدينة‬ ‫الأثرية يف دبي امل�سماة جمريا‪ ،‬وهي مدينة‬ ‫�صغرية مبنية وفق معاير تقليدية و�إماراتية‬ ‫�أ�صيلة‪ ،‬معمارها يح�س�سك ب�أنك يف فرتة‬ ‫ال�ستينات من القرن املا�ضي‪ ،‬هذه التحفة‬ ‫حتت�ضن داخلها جمموعة من امل�صنوعات‬ ‫التقليدية الإماراتية وغري الإماراتية وقد‬ ‫�صادفت و�أن��ا �أجت��ول فيها رواق��ا مغربيا‪،‬‬ ‫يتوفر على منتوجات تقليدية مغربية غاية‬ ‫يف ال��روع��ة واجل �م��ال‪ ،‬وك��م ي�ب��دو امل�شهد‬ ‫رائعا عندما ت�شاهد برج العرب وهو يطل‬ ‫على هذه املدينة الأثرية‪ ،‬يف تناغم تام بني‬ ‫املعا�صرة والأ�صالة‪.‬‬

‫�أثناء تواجدي بدولة الإمارات‪ ،‬فازت �إمارة‬ ‫�أب��وظ�ب��ي ب�شرف احت�ضان امل�ق��ر ال��دويل‪،‬‬ ‫للمنظمة العاملية للطاقة املتجددة‪ ،‬وهو ما‬ ‫�سيمكن الإم��ارات من ا�ستقطاب عدد كبري‬ ‫من ال�شركات واملنظمات املهتمة بالطاقات‬ ‫امل �ت �ج��ددة‪ ،‬و�أي �� �ض��ا م��ا �سيجعل �أب ��و ظبي‬ ‫عا�صمة عاملية للطاقة املتجددة‪ ،‬والتفكري‬ ‫يف م�ستقبل الطاقة يف اخلليج حتقق فيه‬ ‫الإم� ��ارات تقدما ك�ب�يرا‪ ،‬لأن�ه��ا ت��ؤم��ن ب��أن‬ ‫ال�ن�ف��ط وال �غ��از الطبيعي م�صريهما �إىل‬ ‫النفاذ‪ ،‬رغم املخزون املحرتم الذي تتوفر‬ ‫عليه ال��دول��ة‪ ،‬لذلك وج��ب التفكري ب�شكل‬ ‫ج��دي وح��ا��س��م يف م�ستقبل ال��دول��ة ب��دون‬ ‫نفط‪ ،‬و�أح�سن طريق ل�ضمان الأمن الطاقي‬ ‫للبالد‪ ،‬هو اللجوء �إىل الطاقات املتجددة‬ ‫التي قطعت فيها دول��ة الإم ��ارات �أ�شواطا‬ ‫ك�ب�يرة ج��دا‪ ،‬حتى �أن��ه يف ال�سنني القليلة‬ ‫املقبلة �ستكون يف الإم� ��ارات م��دن تعتمد‬ ‫على الطاقة امل�ت�ج��ددة ب�شكل ك��ام��ل‪ ،‬دون‬ ‫حاجة �إىل طاقات غري متجددة‪ ،‬وهنا يربز‬ ‫تفكري م�ستقبلي متميز يح�سب ل�ل�إم��ارات‬ ‫ال�شارقة‪ ..‬مدينة املتاحف‬ ‫وللم�س�ؤولني فيها‪.‬‬

‫دبي‪ ..‬تطور هائل و�أ�صالة‬ ‫متجذرة‬

‫املبهرة‬

‫غري بعيد عن دب��ي توجد �إم��ارة ال�شارقة‪،‬‬ ‫فعال فهي ا�سم على م�سمى فهي م�شرقة‬ ‫على ال��دوام ب�أنا�سها الطيبني وت�ساحمها‬ ‫الكبري‪ ،‬ما �أب�ه��رين فيها هو العدد الهائل‬ ‫م��ن املتاحف التي ت�ت��وزع يف امل��دي�ن��ة‪ ،‬ففي‬ ‫ال�شارقة �أك�ثر م��ن ع�شرين متحفا‪ ،‬كلما‬ ‫دخلت �إىل �أحدها �إال وجتد التاريخ �أمامك‬ ‫يتكلم بلغات ك�ث�يرة‪ ،‬وجت��ده��ا تتحدث عن‬ ‫حقب تاريخية متعددة بال�صورة وال�صوت‬ ‫والتحف املو�ضوعة ب�إتقان داخ��ل �صناديق‬ ‫زجاجية غاية يف اجل�م��ال وال��روع��ة‪ ،‬وهي‬ ‫متاحف ال تتحدث فقط ع��ن ت��اري��خ دول��ة‬

‫دب��ي‪ ،‬الأخ��ت ال�صغرى لأب��وظ�ب��ي‪ ،‬املدينة‬ ‫العاملية ال�ت��ي ا�شتهرت يف وق��ت قيا�سي‪،‬‬ ‫و�أ�صبحت م��ن �أك�بر العوا�صم العاملية يف‬ ‫جمال الأعمال واملال‪ ،‬و�أنت تقبل على دبي‪،‬‬ ‫ت�ستقبلك �أبراجها ال�شاهقة املالم�سة لعنان‬ ‫ال�سماء‪ ،‬وعلى ر�أ�سها طبعا ب��رج خليفة‪،‬‬ ‫ال�برج ال��ذي �أب��ى ال�شيخ حممد ب��ن را�شد‬ ‫�آل مكتوم حاكم دب��ي‪� ،‬إال �أن يطلق عليه‬ ‫ا��س��م رج��ل فا�ضل ت�سلم ق�ي��ادة الإم ��ارات‬ ‫م��ن وال��ده العظيم ال�شيخ زاي��د‪� ،‬إن��ه �سمو‬ ‫ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان رئي�س دولة‬ ‫الإمارات العربية املتحدة‪ ،‬لقد �أبهرت دبي جولة واحدة في دبي‬ ‫العامل حلظة افتتاح برج خليفة‪ ،‬دبي التي تشعرك بأنك في‬ ‫حتت�ضن مقرات كربيات ال�شركات العاملية‪ ،‬نيويورك أو بوسطن أو‬ ‫من �إعالم و�أعمال وخدمات وغريها‪ ،‬جولة‬

‫واشنطن ولست في‬ ‫قلب الجزيرة العربية‬

‫برج العرب يف دبي‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪66‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫متحف ال�شارقة للح�ضارة العربية‬

‫الإمارات العربية املتحدة‪ ،‬ولكن تتجاوزه �إىل‬ ‫احلديث عن تاريخ ال�شرق الأو�سط‪ ،‬والدول‬ ‫ال�ضاربة جذورها يف التاريخ‪ ،‬بل �إن بع�ض‬ ‫املتاحف ت��ؤرخ للتاريخ الب�شري منذ ن�ش�أته‬ ‫�إىل الآن‪ ،‬وذلك بال�صور البيانية‪ ،‬والتماثيل‬ ‫والتحف والوثائق التاريخية املهمة‪ ،‬بل �إن‬ ‫متحفا من بني هذه املتاحف‪� ،‬أثار �إعجابي‬ ‫ب�شكل كبري‪ ،‬ي ��ؤرخ لوجود الأر���ض حتى ما‬ ‫قبل التاريخ‪ ،‬والع�صور الغابرة التي عا�شت‬ ‫فيها خم�ل��وق��ات ان�ق��ر��ض��ت الآن‪ ،‬فعندما‬

‫تقوم بجولة يف هذا املتحف العظيم حت�س‬ ‫وك�أنك تعي�ش هذه احلقبة ب�شكل حقيقي‪،‬‬ ‫لأن��ك تدخل يف متاهات وم�غ��ارات عديدة‪،‬‬ ‫وت�سمع �أ�صوات الدينا�صورات وغريها من‬ ‫احليوانات الأخرى‪.‬‬ ‫حدائق احليوانات يف �إم��ارة ال�شارقة لها‬ ‫ح�ك��اي��ة �أخ� ��رى‪ ،‬ف�ق��د ا��س�ت�ط��اع��ت ال��دول��ة‬ ‫والإم � ��ارة احل �ف��اظ ع�ل��ى �أن� ��واع ن ��ادرة من‬ ‫ح �ي��وان��ات اخل�ل�ي��ج ال �ع��رب��ي‪ ،‬ك��ان��ت تعي�ش‬ ‫يف املنطقة قبل ال��زح��ف الكبري للبنايات‬

‫روعة �شعب وعظمة قائد‬ ‫لقد �شاهدت روعة ال�شعب الإم��ارات��ي‪ ،‬وع�شتها واكت�شفت نوعاً من النا�س غري‬ ‫الذي كان يف خميلتي عن �شعوب اخلليج عامة‪ ،‬وقفت على عظمة عقل رجل خارق‬ ‫ا�سمه ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان‪ ،‬وت�أكدت �أن خليفته ال�شيخ خليفة �أخذ‬ ‫امل�شعل من �أبيه‪ ،‬وعقد العزم على اال�ستمرار يف �صناعة ق�صة جميلة ا�سمها دولة‬ ‫الإم��ارات العربية املتحدة‪ ،‬لقد �شاهدنا بنيات حتتية غاية يف الإتقان والروعة‪،‬‬ ‫ور�أينا كيف ت�سود العقالنية والتدبري كل مناحي احلياة يف هذه الدولة‪ ،‬زرنا دبي‬ ‫وال�شارقة وا�ستمتعنا كثرياً بجولة ا�ستثنائية يف هاتني الإمارتني‪ ،‬وكم هي جميلة‬ ‫الوحدة‪ ،‬فقد توحدت الإم��ارات يف دول��ة واح��دة‪ ،‬وحتت راي��ة واح��دة‪ ،‬فبد�أت يف‬ ‫�صناعة التاريخ منذ اللحظة الأوىل لإعالن قيام دولة الإمارات العربية املتحدة‪.‬‬

‫واملعامل‪ ،‬مع ظهور ثورة النفط يف املنطقة‪،‬‬ ‫ف�ل�م��دة �ساعتني ون�ح��ن ن�ت�ج��ول يف حديقة‬ ‫ل�ل�ح�ي��وان��ات‪ ،‬فيها الكثري م��ن احل�ي��وان��ات‬ ‫الفريدة يف �أنواعها‪ ،‬مع تعريف واف ومف�صل‬ ‫عن كل ن��وع‪ ،‬فرغم احل��رارة املفرطة التي‬ ‫تعرفها املنطقة‪� ،‬إال �أن الكثري من احليوانات‬ ‫كالغزالن وال�سباع وغريها‪ ،‬ا�ستطاعت �أن‬ ‫تتكيف م��ع ح��رارة اجل��و‪ ،‬وتبقى على قيد‬ ‫احلياة مل��دد طويلة من ال��زم��ن‪ ،‬لقد كانت‬ ‫جولة املتاحف يف �إمارة ال�شارقة بحق رحلة‬ ‫يف �أعماق التاريخ‪ ،‬تعرفنا فيها على العديد‬ ‫من احلقائق التاريخية التي كنا جنهلها‪،‬‬ ‫وهنا ال بد من الإ�شارة �إىل �أن �أمواال طائلة‬ ‫خ�ص�صت لت�شييد هذه املعامل التاريخية‪،‬‬ ‫وما �أعجبني كثريا و�أدخل ال�سرور �إىل قلبي‪،‬‬ ‫هو �أنني وج��دت يف �أح��د متاحف ال�شارقة‬ ‫�صورة عمالقة ل�صومعة الكتبية يف مراك�ش‪،‬‬ ‫و�إىل جانبها تعريف مف�صل عن ال�صومعة‪،‬‬ ‫والدولة التي بنتها‪ ،‬و�صدق ًا و�أقولها بدون‬ ‫خجل‪ ،‬قر�أت معلومات يف ذلك املتحف عن‬


‫الكتبية ودولة املرابطني لأول مرة �أ�سمع بها‬ ‫يف حياتي‪ ،‬فكانت ده�شتي كبرية للغاية‪.‬‬

‫نفحة من الأ�صالة والرتاث‬

‫رغم �أن البنايات ال�شاهقة يف دولة الإمارات‬ ‫تعطي انطباعا على �أن الدولة ق�ضت على‬ ‫كل ما هو تقليدي‪� ،‬إال �أنه ال ميكن �إنكار �أن‬ ‫نفحة من الأ�صالة والرتاث ت�صادفك �أينما‬ ‫حللت وارحتلت‪ ،‬ففي ال�شارقة مثال متر على‬ ‫ميناء �صغري يطغي عليه الطابع التقليدي‪،‬‬ ‫وي�ع�ط��ي ل �ل��زائ��ر �إح���س��ا��س��ا ب ��أن��ه يف ف�ترة‬ ‫ال�ستينات من القرن املا�ضي‪ ،‬باخت�صار‬ ‫فدولة الإم��ارات والقائمني عليها يدركون‬ ‫ب�أن احلفاظ على الهوية �أمر �أ�سا�سي‪ ،‬لذلك‬ ‫مل ت�ستهوهم الآل��ة املعا�صرة التي حت�صد‬ ‫الأخ�ضر والياب�س‪ ،‬وتعاملوا بعقالنية مع‬ ‫كثري من املجاالت املتعلقة بالبناء والت�شييد‬ ‫وتعليم الإن�سان‪ ،‬وعلى ذكر تعليم الإن�سان‪،‬‬ ‫فدولة الإم��ارات تتوفر على عدد غري قليل‬ ‫م��ن اجل��ام �ع��ات ال�ت��ي �أث�ب�ت��ت ق��وت�ه��ا‪ ،‬ففي‬

‫في الشارقة أكثر من‬ ‫عشرين متحفا‪ ،‬كلما‬ ‫دخلت إلى أحدها‬ ‫تجد التاريخ أمامك‬ ‫يتكلم بلغات كثيرة‪،‬‬ ‫وتجدها تتحدث عن‬ ‫حقب تاريخية متعددة‬ ‫بالصورة والصوت‬ ‫�إم��ارة ال�شارقة‪ ،‬عندما تدخل �إىل املدينة‬ ‫اجلامعية‪ ،‬ت�خ��ال نف�سك �أن��ك داخ��ل �إىل‬ ‫مدينة لإ�سكان النا�س‪ ،‬فلمدة ‪ 20‬دقيقة‬ ‫نتجول بال�سيارة‪ ،‬ونحن منر قرب الكليات‬ ‫التي تت�شكل منها اجلامعة‪ ،‬فهناك اجلامعة‬ ‫الأمريكية وكلية الفنون اجلميلة‪ ،‬والطب‪،‬‬ ‫والآداب‪ ،‬وغ�يره��ا م��ن الكليات املتميزة‪،‬‬ ‫وكم هي �أنيقة هذه املدينة اجلامعية‪ ،‬وكم‬ ‫هي كبرية و�شا�سعة الأط��راف‪ ،‬فال غرابة‬ ‫فحاكم الإمارة دكتور كبري ورجل مثقف من‬ ‫امل�ستوى العاملي‪.‬‬

‫الرباجيل ‪ ..‬رمز تراثي معماري يف الإمارات‬

‫فنادق �ألف ليلة وليلة‬

‫اهلل اهلل على فنادق الإمارات‪ ،‬تلك البنايات‬ ‫اخليالية‪ ،‬تُعرف دولة الإمارات بفندق برج‬ ‫العرب املوجود يف دبي‪ ،‬لكنها مليئة بعدد‬ ‫كبري من الفنادق الفخمة وامل�صنفة والتي‬ ‫تتجاوز الت�صنيف‪ ،‬ففي �أب��و ظبي يوجد‬ ‫ق�صر الإم��ارات ال��ذي يلزمك للمبيت فيه‬ ‫م�ب��ال��غ خيالية �أو رات ��ب مل��وظ��ف متو�سط‬ ‫ل�سنني‪ ،‬وبحق فهو �أيقونة �أب��وظ�ب��ي‪ ،‬هذه‬ ‫الفنادق هي حتف معمارية ت�ؤكد مرة �أخرى‬ ‫ق��وة ه��ذه ال��دول��ة‪ ،‬رغ��م �صغر م�ساحتها‪،‬‬ ‫حتفة �أخ��رى ه��ي فندق ب��رج ال�ع��رب ال��ذي‬ ‫يعرفه �أغلب النا�س‪ ،‬وفندق فجرية الذي‬ ‫ي�صنف م��ن �أج�م��ل و�أف�خ��م ف�ن��ادق العامل‪،‬‬

‫هذه النماذج هي غي�ض من في�ض‪ ،‬فدولة‬ ‫الإمارات حتت�ضن يف مدنها‬ ‫و�إمارتها �أع��دادا هائلة من‬ ‫الفنادق التي يفوق و�صفها‬ ‫اخليال‪ ،‬و�آخ��ر التحف التي‬ ‫ج � ��اءت ب �ه��ا ه� ��ذه ال��دول��ة‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪68‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫�سوق ال�شارقة املركزي ‪ -‬طراز معماري ي�ستلهم روح احل�ضارة الإ�سالمية‬

‫العظيمة‪ ،‬ه��ي ب��رج خليفة ال��ذي يعد الآن‬ ‫�أط ��ول ب��رج يف ال �ع��امل‪ ،‬وه��و معلمة �أخ��رى‬ ‫ٌت �ع��رف ب��دول��ة الإم� ��ارات يف جميع �أرج ��اء‬ ‫الم��ارات‬ ‫الدنيا‪ ،‬و�سيثبت دائما �أن دول��ة إ‬ ‫ت�شق طريقها بثبات من �أجل �أن تكون �أعظم‬ ‫مما هي عليه الآن‪.‬‬

‫كم يبدو المشهد رائع ًا‬ ‫عندما تشاهد البنايات‬ ‫الحديثة وهي تطل‬ ‫على المدن األثرية‪،‬‬ ‫في تناغم تام بين‬ ‫المعاصرة واألصالة‬

‫دول ��ة الإم�� ��ارات ال�ع��رب�ي��ة امل �ت �ح��دة‪ ،‬ع��امل‬ ‫م���ص�غ��ر‪ ،‬ف �ه��ي ت���ض��م �أغ��ل��ب اجل�ن���س�ي��ات‬ ‫املوجودة يف العامل‪ ،‬ف��إىل جانب املواطنني‬ ‫الإماراتيني‪ ،‬هناك جن�سيات عديدة‪ ،‬فمن‬ ‫العمال الآ�سيويني جتد الباك�ستاين والأفغاين‬ ‫والفلبيني والهندي‪ ،‬وغريها من جن�سيات‬

‫جنوب وو�سط �آ�سيا‪� ،‬أما اجلن�سيات العربية‬ ‫الم��ارات��ي بدون‬ ‫فهي تتواجد على ال�تراب إ‬ ‫ا�ستثناء‪ ،‬ويكفي �أن تقوم بجولة �صغرية يف‬ ‫�إحدى الأ�سواق الكربى هناك‪ ،‬حتى ت�سمع‬ ‫امل�صريني يتحدثون بلغتهم التي اكت�شفناها‬

‫جن�سيات خمتلفة‪ .‬لكن م�ؤتلفة‬

‫يف امل�سل�سالت وتعرفنا عليها عن طريقها‪،‬‬ ‫�أم� ��ا ال �� �س��ودان �ي��ون ف �م �م �ي��زون بلبا�سهم‬ ‫املعروف‪� ،‬أما �إخواننا املغاربة فهم معروفون‬ ‫بكالمهم ب���ص��وت ع ��ال‪ ،‬وقهقهاتهم هنا‬ ‫وهناك‪ ،‬املهم كل اجلن�سيات ممثلة هناك‪،‬‬ ‫وحتى اجلن�سيات الأوروبية تكاد جتد �أغلبها‬ ‫الم��ارات‪ ،‬هذه الأخرية ا�ستطاعت‬ ‫يف دولة إ‬ ‫�أن ت�ستقطب �أدمغة مميزة و�ضخمة �إليها‬ ‫لت�ساعدها على تطوير العديد من املجاالت‬ ‫التي �أثبتت �أوروبا علو كعبها فيها‪ ،‬واجلميل‬ ‫يف هذه الف�سيف�ساء الب�شرية املتنوعة �أنها‬ ‫تعي�ش يف ت�سامح تام وتوا�صل دائم‪ ،‬يف ظل‬ ‫قانون �إماراتي يخ�ضع له اجلميع دون متييز‬ ‫بني ه ��ؤالء و�أول�ئ��ك‪ ،‬وكم هي رائعة طريقة‬


‫تعامل ال�شرطة الإماراتية مع النا�س‪ ،‬فلم‬ ‫�أرى يف حياتي هذا النوع من ال�شرطة‪ ،‬التي‬ ‫تكون حقا يف خدمة امل��واط�ن�ين واملقيمني‬ ‫على حد ال�سواء‪ ،‬ما يعني ا�ستتباب الأمن‬ ‫وال�سالم يف هذا البلد الرائع‪.‬‬

‫�شعب عظيم وقائد خارق‬

‫ل�ق��د ��ش��اه��دت روع ��ة ال�شعب الإم ��ارات ��ي‪،‬‬ ‫وع�شتها واكت�شفت نوعا م��ن النا�س غري‬ ‫ال��ذي ك��ان يف خميلتي عن �شعوب اخلليج‬ ‫عامة‪ ،‬وقفت على عظمة عقل رجل خارق‬ ‫ا�سمه ال�شيخ زاي��د بن �سلطان �آل نهيان‪،‬‬ ‫وت�أكدت �أن خليفته ال�شيخ خليفة �أخذ امل�شعل‬ ‫من �أبيه‪ ،‬وعقد العزم على اال�ستمرار يف‬

‫�صناعة ق�صة جميلة ا�سمها دولة الإمارات‬ ‫ال�ع��رب�ي��ة امل �ت �ح��دة‪ ،‬ل�ق��د ��ش��اه��دن��ا بنيات‬ ‫حتتية غاية يف الإت �ق��ان وال��روع��ة‪ ،‬ور�أي�ن��ا‬ ‫كيف ت�سود العقالنية والتدبري كل مناحي‬ ‫احلياة يف هذه الدولة‪ ،‬زرنا دبي وال�شارقة‬ ‫وا�ستمتعنا كثريا بجولة ا�ستثنائية يف هاتني‬ ‫الإم��ارت�ين‪ ،‬وك��م هي جميلة ال��وح��دة‪ ،‬فقد‬

‫في السنين القليلة‬ ‫المقبلة ستكون في‬ ‫اإلمارات مدن تعتمد على‬ ‫الطاقة المتجددة بشكل‬ ‫كامل‪ ،‬دون حاجة إلى‬ ‫طاقات غير متجددة‬

‫توحدت الإم ��ارات يف دول��ة واح��دة‪ ،‬وحتت‬ ‫راية واحدة‪ ،‬فبد�أت يف �صناعة التاريخ منذ‬ ‫اللحظة الأوىل لإعالن قيام دولة الإمارات‬ ‫العربية املتحدة‪ .‬قيل يل �إنك �شاهدت جزءا‬ ‫فقط من ق�صة ناجحة ا�سمها الإم��ارات‪،‬‬ ‫وفع ًال فقط هو جزء ي�سري‪ ،‬لأنني مل �أمتكن‬ ‫من زيارة مدينة العني التي حكوا يل عنها‬ ‫الكثري‪ ،‬ومل ت�صل رحلتي �إىل �أم القيوين‬ ‫والفجرية ور�أ���س اخليمة‪ ،‬اللواتي �أمتنى‬ ‫�أن تكون يل زي��ارة �إليها يف زم��ن جميل‪.‬‬ ‫لقد �أبهرتني بحق ه��ذه ال��دول��ة العظيمة‪،‬‬ ‫التي �أح�س�ست منذ عودتي منها �أنها �أقرب‬ ‫البلدان العربية �إىل قلبي بعد وطني ومهد‬ ‫ن�ش�أتي‪ ،‬اململكة املغربية‬


‫‪70‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫هنا ‪ ..‬وهناك‬

‫الدهاليز السرية للكتابة‬ ‫ي�شعر‬

‫الكثريون بالف�ضول نحو حرفة الكتابة‪ ،‬ويتجلى هذا‬ ‫الف�ضول بو�ضوح يف الأ�سئلة املوجهة للكتاب والتي‬ ‫حت��اول ا�ستك�شاف تلك اللحظة الغام�ضة ال�ت��ي تتدفق منها‬ ‫الكتابة‪ :‬ما هي الأج��واء التي يحيط بها الكاتب نف�سه حينما‬ ‫يكتب؟ وما �إذا كان هناك طقو�س بعينها يلج�أ من �أجل التهي�ؤ‬ ‫للكتابة؟ وهناك متعة حقيقية يف ق��راءة �شهادات الكتاب عن‬ ‫الكتابة‪ ،‬لأنها جتعل من التل�ص�ص على الدهاليز ال�سرية لعقول‬ ‫املبدعني فع ًال م�شروع ًا‪ .‬كما �أن�ه��ا تك�شف ��س��ر ًا‪� :‬إن الإن�سان‬ ‫ال�سعيد هو من ميتلك طاقة ع�شق و�شغف‪ ،‬و�أن من ميتلك ال�شغف‬ ‫ال يفت�أ يعرث على الو�سيلة‪ .‬فوراء كل حكاية من حكايات الكتاب‬ ‫ع�شق للكتابة وت�سخري ل�ساعات اليوم ومفرداته من �أج��ل هذا‬ ‫الع�شق‪ .‬ا�سمحوا يل �أن �أ�صطحبكم يف جولة منتقاة يف بع�ض هذه‬ ‫العقول‪.‬‬ ‫�أتوقف �أو ًال عند جوان ديديون‪ ،‬الكاتبة الأمريكية «‪».... - 1934‬‬ ‫ّ‬ ‫«احل�ضانة»‪� .‬إنها‬ ‫التي حتدثت يف حوار ن�شر عام ‪1968‬عن فرتة‬ ‫الفرتة التي تختمر فيها احلكاية داخلها ومن بعدها تتدفق على‬ ‫ال��ورق‪� .‬ساعة ما قبل الع�شاء لها �أهمية خا�صة‪ .‬جتل�س جوان‬ ‫مع ما كتبته يف ال�صباح‪ .‬الليل �أف�ضل جد ًا حيث يكون قد مرت‬ ‫ب�ضع �ساعات على الكتابة مما �سي�سمح لها بر�ؤية �أف�ضل‪ّ .‬‬ ‫حت�ضر‬ ‫م�شروبها وت �ق��ر�أ‪ ،‬تكتب ملحوظات وحت��ذف مقاطع وتفكر يف‬ ‫بدائل‪ .‬ويف ال�صباح تبد�أ تنفيذ التعديالت‪ .‬تقول جوان «عندما‬ ‫�أكتب ال �أح��ب �أن �أ�ست�ضيف �أ�شخا�ص ًا على الع�شاء �إذ �أن هذا‬ ‫الأمر يفقدين تلك ال�ساعة الثمينة‪ .‬لو �أنني بد�أت اليوم بب�ضع‬ ‫�صفحات ردي�ئ��ة مكتوبة ب��الأم����س وط��ري��ق غ��ائ��م‪ ،‬ت�سوء حالتي‬ ‫النف�سية»‪ .‬كما حتكي �أي�ض ًا �إنه عند اقرتابها من االنتهاء من‬ ‫رواية فهي ت�صطحب معها الن�ص يف غرفة نومها‪ .‬تقول «عندما‬

‫تكتب ال ترتك كتابك بعيد ًا عنك‪� ،‬ساعتها لن يرتكك هو �أي�ض ًا»‪.‬‬ ‫�أما الكاتب الأمريكي جاك كريواك «‪ »1969 - 1922‬فقد حتدث‬ ‫يف حوار ن�شر عام واحد قبل وفاته عن طقو�س خا�صة به‪ .‬يقول‬ ‫�إن��ه قد اعتاد �أن يوقد �شمعة ويكتب م�ستنري ًا ب�ضوئها‪ ،‬وعند‬ ‫االنتهاء من الكتابة يطفئ ال�شمعة‪ .‬كما �أنه يركع وي�صلي قبل‬ ‫الكتابة‪ ،‬وقد اقتب�س هذا الطق�س من �أح��د الأف�لام الفرن�سية‬ ‫للمخرج جورج فردريك هاندل‪ .‬وال �أعتقد هنا �أن كرواك يق�صد‬ ‫�صالة �سريعة ت ��ؤدى من منطلق ال��واج��ب �أو االعتياد‪ ،‬بل �إنها‬ ‫ال�صالة التي تفتح منطقة الرتكيز وتطرد من العقل �شوائب‬ ‫احلياة اليومية‪ .‬هنا ي�ستخدم الكاتب ال�صالة كعتبة �أوىل نحو‬ ‫منطقة هادئة داخله‪ ،‬ومن ثم تبد�أ الكتابة‪.‬‬ ‫وكان معروف ًا عن الروائي الأمريكي �إرن�ست هيمنجواي «‪- 1899‬‬ ‫‪� »1961‬أنه يكتب واقف ًا وقد ارتدى خف ًا منزلي ًا �شتوي ًا �أو�سع من‬ ‫مقا�س قدمه‪ ،‬و�أمامه‪ -‬على م�ستوى ال�صدر‪ -‬تقف الآلة الكاتبة‬ ‫وبجانبها لوحة القراءة‪ .‬ي�صف هيمنجواي احلالة التي يكون‬ ‫عليها وقت الكتابة فيقول‪�" :‬إنه عند ا�شتغاله على كتاب جديد‬ ‫ي�صحو مبكر ًا‪ ،‬مع �أول �شق�شقة ل�ضوء ال�صباح"‪ .‬املكان هادئ‬ ‫ج��د ًا‪ ،‬لن يزعجه �أو يقاطعه �إن�سان‪ ،‬واجل��و ب��ارد �أو مييل �إىل‬ ‫ال�برودة‪ ،‬ومع الكتابة يدف أ� اجل�سد‪ .‬يبد�أ بقراءة ما مت �إجنازه‬ ‫من كتابة‪ ،‬يكتب ويتوقف عند نقطة يعرف جيد ًا ما �سيحدث‬ ‫بعدها‪� .‬إن��ه يعتقد �أن عليه التوقف قبل �أن ين�ضب نبع �أفكاره‬ ‫مت��ام� ًا‪ ،‬ي�ترك القلم وه��و يعلم اخلطوة التالية‪ ،‬ويق�ضي يومه‬ ‫كيفما يت�أتي حتى يحني موعد الكتابة يف اليوم التايل‪ .‬فلو كان‬ ‫قد بد�أ الكتابة يف ال�ساد�سة �صباح ًا‪ ،‬من املمكن �أن ي�ستمر يف‬ ‫الكتابة حتى الظهرية �أو ما قبلها‪ .‬وعندما يتوقف يكون قد �أفرغ‬ ‫ما بداخله فوق الأوراق‪ ،‬لكنه لن ي�صبح فارغ ًا متام ًا لأن الأفكار‬


‫د‪�.‬سحر املوجي‬

‫�ستبد�أ يف الت�سرب �إىل وع��اء عقله ببطء فيمتلئ م��رة �أخ��رى‪.‬‬ ‫وي�ش ّبه هيمنجواي تلك احلالة من الفراغ واالمتالء مبمار�سة‬ ‫احلب مع �شخ�ص نع�شقه‪ .‬ال �شيء ب�إمكانه �أن ي�ؤملك‪ ،‬ال �شيء‬ ‫يحدث‪ ،‬ال �أهمية لأي �شيء حتى �صباح اليوم التايل حني يجل�س‬ ‫�إىل مكتبه‪.‬‬ ‫�إن ما ي�صفه هيمنجواي هنا هو حالة عميقة من اال�ستغراق فيما‬ ‫يكتب‪ .‬البداية دائم ًا هي التخل�ص من �أنواع املقاطعات‪ .‬وال يلبث‬ ‫�أن يدخل يف حالة �أ�شبه ما تكون بعالقات احلب املتوهجة حيث‬ ‫ال�شوق متجدد وال مكان للملل �أو الالمباالة‪ .‬احلبيب دوم� ًا يف‬ ‫حالة �شغف‪ ،‬وتلك احلالة تت�أكد مع م�ساحات ال�شوق‪ ،‬ال يريد‬ ‫الكاتب هنا �أن يحرق احلب كله دفقة واحدة‪� .‬إنه يقنن الوقت‪،‬‬ ‫ويبتعد عن احلبيبة‪ /‬الن�ص كي يفكر فيها‪ /‬فيه‪ .‬ويف ملعب‬ ‫اخليال ي�صبح فعل احلب‪ /‬الكتابة �أكرث جما ًال و�أكرث جنون ًا‪.‬‬ ‫وحل��ال��ة اال�ستغراق ا�سم �آخ��ر ل��دى الكاتب ال�ي��اب��اين هاروكي‬ ‫م��وراك��ام��ي «‪ ،»....- 1949‬فهو يطلق عليها «ال�ت�ن��ومي»‪ .‬يحكي‬ ‫عن تلك احلالة فيقول‪« :‬عندما �أكتب رواية جديدة �أ�ستيقظ يف‬ ‫الرابعة �صباح ًا و�أكتب ملدة خم�س �أو �ست �ساعات‪ .‬بعد الظهر‬ ‫�أذهب للرك�ض «ع�شرة كيلومرتات» �أو العوم «‪ 1500‬مرت» و�أحيان ًا‬ ‫�أجمع بني الريا�ضتني‪� .‬أعود للقراءة واملو�سيقى و�أنام يف التا�سعة‬ ‫م�ساء‪� .‬أنا �أطبق هذا النظام يومي ًا وبدقة‪� .‬إن التكرار نف�سه هو‬ ‫الأمر املهم‪� ،‬إنه نوع من التنومي املغناطي�سي‪� .‬أنا �أنوم نف�سي كي‬ ‫�أ�صل �إىل حالة ذهنية �أعمق»‪.‬‬ ‫واحلقيقة �أن املتتبع ل�شهادات العديد من الكتاب ي�ستطيع �أن‬ ‫يتبني حر�صهم على روتني يومي منظم‪ ،‬وهو �أمر ال يفهمه من‬ ‫يعتقدون يف �أولوية الإل�ه��ام‪ ،‬تلك اللحظة ال�سحرية التي ت�أتي‬ ‫من تلقاء نف�سها يف �أي وقت‪ ،‬ومن ثم يت�ساءل ه��ؤالء‪ :‬هل ت�أتي‬

‫الكتابة لأن الكاتب يجل�س على مكتبه كل ي��وم؟ الإج��اب��ة ت�أتي‬ ‫بالإيجاب‪ .‬رمبا ال ي�ضمن الكاتب �أفكار ًا المعة ت�أتيه كل يوم يف‬ ‫نف�س املوعد‪ ،‬لكنه يف نف�س الوقت ميهد لها الطريق‪ ،‬يحاورها‬ ‫ويحاول ا�ستدراجها‪ .‬الكاتب هنا يلعب �أالعيب ويخلق طقو�س ًا‪-‬‬ ‫ي�صلي ويوقد ال�شموع وينتظر �شروق ال�شم�س ويحدث الأ�شجار‬ ‫والع�صافري‪� -‬آمال �أن ينجح يف ا�ستدراج الإلهام‪ .‬واحلقيقة �أنه‬ ‫كثري ًا ما ينجح‪ .‬كيف ه��ذا؟ يقول الكاتب الأمريكي‪ /‬الكندي‬ ‫ويليام جيب�سون «�إن جمرد اجللو�س �إىل املكتب وحماولتي �أن‬ ‫�أبد ًا كفيل ب�أن �أبد�أ كتابة بالفعل»‪.‬‬ ‫ورمب��ا يت�ساءل البع�ض عن م��دى ج��ودة تلك الكتابة التي ت�أتي‬ ‫نتيجة اجللو�س �إىل املكتب‪ .‬بالطبع لي�س كل هذه الأوراق املكتوبة‬ ‫�ستدخل �إىل املطبعة‪ ،‬فالكاتب اجليد هو الذي يحذف �أكرث مما‬ ‫ي�ستبقي‪ .‬ه��ذا م��ا ت�شري �إل�ي��ه ال�شاعرة الأمريكية مايا �أجنلو‬ ‫« ‪� .»... 1928-‬إنها تكتب يف ال�صباح يف مكتب خارج بيتها‪ ،‬ثم‬ ‫تعود �إىل البيت ظهر ًا لتمار�س كل مهامها اليومية وهي تدعي‬ ‫�أنها «طبيعية»‪ .‬ترد التحيات وتهاتف الأ�صدقاء وتعد الع�شاء‪،‬‬ ‫لكنها طوال الوقت تفكر فيما تكتب‪ .‬وعندما يخلو لها البيت يف‬ ‫امل�ساء تقر�أ ما كتبته يف ال�صباح‪ .‬لو �أنها قد كتبت ت�سع �صفحات‬ ‫فاملتبقي بعد ال�شطب واحل��ذف لن يتعدى ال�صفحتني ون�صف‬ ‫ال�صفحة �أو الثالث �صفحات على الأك�ث�ر‪ .‬تقول مايا �أجنلو‪:‬‬ ‫«وتلك هي اللحظة الأ�صعب‪� ،‬أن �أعرتف لنف�سي �أن هذه الكتابة‬ ‫وعلي �أن �أتخل�ص منها»‪.‬‬ ‫ال ت�صلح ّ‬ ‫�أقر�أ ما قاله الكتاب عن الكتابة و�أفكر كم تختلف الطقو�س وكم تتعدد‬ ‫امل�سارات‪ ،‬ويبقى ال�شغف هو الطاقة التي تدفع الكاتب دوم ًا �إىل حيث‬ ‫يلتقي مع الأوراق البي�ضاء‪ .‬ال�شغف يليه متعة اخللق اجلديد‪ ،‬ومن �أجل‬ ‫اكتمال الرحلة بني ال�شغف واخللق يحفر كل منا طريق ًا يخ�صه‪.‬‬

‫هنا ‪..‬وهناك‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪72‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫املحكي�شعرا ً‬ ‫ملف ال�شعر ال�شعبي‬

‫ينتقي لشعره‬ ‫زبد َة الكالم‬

‫الشاعر‬ ‫«بن صنقور » ‪..‬‬ ‫ذاكرة ثقافية تراثية‬ ‫ألحداث اإلمارات‬ ‫لثمانين عام ًا‬ ‫د‪ .‬را�شد �أحمد املزروعي‬ ‫ولد ال�شاعر حممد بن �صقر بن جمعة يف منطقة «لي َم َحه» الواقعة يف بر �أم القيوين من‬ ‫الناحية ال�شمالية ال�شرقية‪ ،‬يف حوايل عام ‪1920‬م تقريباً‪ ،‬لأبٍ يدعى �صقر بن جمعة �أو‬ ‫«�صنقور»‪ ،‬وهو اال�سم الذي ا�شتهر به والذي ن�سب �إليه ابنه �أي�ضاً وهو �شاعرنا ف�صار يك ّنى با�سم‬ ‫«بن �صنقور»‪ ،‬عا�ش �شاعرنا يف بادية �إمارة �أم القيوين وذلك يف بداية حياته‪ ،‬ومت ّر�س يف حياة‬ ‫البداوة وركوب الإبل والقن�ص ومرافقة الرجال‪ ،‬حتى كرب فان�ضم �إىل مرافقي املرحوم ال�شيخ‬ ‫�أحمد بن را�شد املعال حاكم �أم القيوين الأ�سبق‪ .‬وقد ما َر َ�س �شاعرنا نقل «الچريات» �أول الأمر‪،‬‬ ‫�أي نقل امل�صطافني على ظهور الإبل �إىل مناطق الواحات الزراعية كفلج املعال والباطنة بعمان‬ ‫وغريها‪ .‬ثم ان�ضم بعد ذلك �إىل عمليات الغو�ص على الل�ؤل�ؤ ملو�سم �أو مو�سمني‪ ،‬وكان ذلك يف‬ ‫الأربعينيات من القرن املا�ضي كبقية �أبناء الإمارات الآخرين يومذاك‪.‬‬


‫عا�ش �شاعرنا �أي��ام � ًا �صعبة يف بداية‬ ‫حياته‪� ،‬إال �أن��ه ومب��ا ك��ان يتمتع به من‬ ‫�صفات رجولية بارزة و�شخ�صي ٍة ّ‬ ‫جذاب ٍة‬ ‫وط�ي�ب� ٍة و�أخ�ل�اقٍ ع��ال�ي� ٍة‪ ،‬فقد اكت�سب‬ ‫احرتام اجلميع‪ ،‬وقد تع ّلق بال�سفر منذ‬ ‫�صباه‪ ،‬كما �أ�صبح �شاعر ًا مفوه ًا ي�شار‬ ‫�إليه بالبنان‪ ،‬وكان يومذاك ما يزال يف‬ ‫�أول �شبابه‪ ،‬خا�صة و�أنه كان يعي�ش يف‬ ‫�إم��ارة �أم القيوين التي كانت حتت�ضن‬ ‫معظم ال�شعراء يف ذلك الوقت‪� ،‬أمثال‬ ‫ال�شاعر را�شد بن مكتوم‪ ،‬وال�شاعرة‬ ‫�آمنة بنت ح�سن‪ ،‬وه��ي وال��دة ال�شاعر‬ ‫�أح �م��د ب��ن دري ����س‪ ،‬وال���ش��اع��ر ه��دوب‪،‬‬ ‫وال�شاعر ال�ش ّمام‪ ،‬وال�شاعر عبد اهلل‬ ‫باملر‪ ،‬وال�شاعر حممد بن علي الكو�س‪،‬‬ ‫وال�شاعر عي�سى بن �شقوي‪ ،‬وال�شاعر‬ ‫خليفة بو عويا‪ ،‬وال�شاعر �شبري وال�شاعر‬ ‫عبد اهلل بن عمري بن ح�ضروم الغفلي‪،‬‬ ‫ووال� ��ده ال���ش��اع��ر ع�م�ير ب��ن ح���ض��روم‪.‬‬ ‫وقد ت�شاكى مع معظم �أولئك ال�شعراء‪،‬‬ ‫مم��ا زاد م��ن �صقل موهبته ال�شعرية‬ ‫و�أ�صبحت ق�صائده على كل ل�سان يف‬ ‫ذلك الوقت‪ .‬ويف منت�صف الأربعينيات‪،‬‬ ‫انتقل �شاعرنا من �أم القيوين �إىل دبي‬ ‫وان�ضم �إىل مرافقي امل��رح��وم ال�شيخ‬ ‫�سعيد بن مكتوم حاكم دب��ي الأ�سبق‪،‬‬ ‫ثم عمل مع املرحوم ال�شيخ را�شد بن‬ ‫�سعيد‪ .‬وق��د ت��زوج ه�ن��اك وا�ستقر يف‬ ‫جمريا و�أجنب عدد ًا من البنني والبنات‬ ‫�أطال اهلل يف �أعمارهم‪.‬‬ ‫ُي�� َع��د � �ش��اع � ُرن��ا حم �م��د ب��ن ��ص�ق��ر من‬ ‫كبار �شعراء النبط يف الإم��ارات‪ ،‬وهو‬ ‫�أي���ض� ًا �أك�بره��م �سن ًا‪� ،‬إذ ي�ق� ّدر عمره‬ ‫بت�سعني عام ًا‪ ،‬لذا فقد عا�صر ‪�-‬أطال‬ ‫اهلل يف ع �م��ره‪ -‬احل �ي��اة يف الإم� ��ارات‬ ‫منذ الع�شرينيات عندما كانت حتت‬ ‫طي الن�سيان‪ ،‬م��رور ًا ب�سنوات الغو�ص‬ ‫و�سنوات انهيار الل�ؤل�ؤ وما �أعقبهما من‬

‫يعد‬ ‫ابن صنقور من‬ ‫كبار شعراء النبط في‬ ‫اإلمارات وهو أكبرهم سن ًا‬ ‫عاصر تحوالت الحياة في‬ ‫الدولةمنذالعشرينيات‬ ‫وكان شاهد ًا على‬ ‫مراحلنهضتها‬

‫فقر وفاقة عمت الإم��ارات‪ ،‬ثم احلياة‬ ‫حت��ت اال�ستعمار ال�بري�ط��اين‪� ،‬إىل �أن‬ ‫ابتد�أت الإم��ارات تتط ّور �شيئ ًا ف�شيئ ًا‪،‬‬ ‫ثم قيام دولة الإمارات العربية املتحدة‬ ‫يف نهاية عام ‪1971‬م‪ ،‬لذا ُيع ّد �شاعرنا‬ ‫خمزون ًا ثقافي ًا وتراثي ًا وتاريخي ًا جلميع‬ ‫الأحداث التي م ّرت على الإمارات منذ‬ ‫ثمانني عام ًا تقريب ًا‪.‬‬ ‫كان �شاعرنا ع�ضو ًا يف جمل�س �شعراء‬ ‫ت �ل �ف��زي��ون دب� ��ي‪ ،‬م ��ع ك �ب��ار ال �� �ش �ع��راء‬ ‫�أمثال اجلمري والهاملي وبن �سوقات‬ ‫وغريهم‪ ،‬وقد ظل هناك حتى بدايات‬ ‫الت�سعينيات م��ن ال�ق��رن امل��ا��ض��ي‪ ،‬وملا‬

‫طرق‬ ‫ابن صنقور‬ ‫معظم أبواب‬ ‫الشعر النبطي كالغزل‬ ‫والمديح والشكاوى‬ ‫واالجتماعيات وأجاد‬ ‫الردح والونة واشتهر‬ ‫بالقصائد المربوعة‬ ‫والمثلوثة‬

‫��س��أل�ت��ه ع��ن �سبب ت��رك��ه املجل�س ق��ال‬ ‫يل باحلرف الواحد‪�« :‬إن��ه لي�س هناك‬ ‫حالوة لل�شعر بعد اجلمري والهاملي»‪،‬‬ ‫وامل�ق���ص��ود امل��رح��وم �أح�م��د ب��ن خليفة‬ ‫الهاملي من دبي‪.‬‬ ‫ت�شاكى �شاعرنا حممد ب��ن �صقر مع‬ ‫م�ع�ظ��م � �ش �ع��راء الإم � ��ارات ال �ق��دام��ى‪،‬‬ ‫وكذلك مع �صاحب ال�سمو ال�شيخ حممد‬ ‫ب��ن را��ش��د �آل مكتوم‪ ،‬كما ت�شاكى مع‬ ‫امل��رح��وم ال�شاعر عبد اهلل ب��ن عامر‬ ‫ال�ف�لا��س��ي وذل ��ك خ�ل�ال ال�سبعينيات‬ ‫املا�ضية‪.‬‬ ‫ويتميز �أ�سلوب �شاعرنا حممد بن �صقر‬ ‫باجلزالة وح�سن ال�صياغة‪ ،‬فهو يختار‬ ‫الكلمات اجلميلة يف �شعره‪ ،‬بل وينتقي‬ ‫زبدة التعابري والكلمات‪ ،‬فيخرجها على‬ ‫هيئة ق�صائد عذبة جميلة‪ .‬واملتم ّعن يف‬ ‫يح�س بذلك ح�ين قراءتها‪.‬‬ ‫ق�صائده‬ ‫ّ‬ ‫وقد طرق �شاعرنا معظم �أبواب ال�شعر‬ ‫النبطي‪ ،‬مثل الغزل واملديح وال�شكاوى‬ ‫واالجتماعيات‪ .‬ومعظم ق�صائده �أتت‬ ‫ب�أ�سلوب ال ��ردح‪ ،‬وال��و ّن��ه‪ ،‬وقليل منها‬ ‫ب�أ�سلوب املقاالت‪ .‬كما ا�شتهر بالق�صائد‬ ‫املربوعة واملثلوثة وهي الأ�ساليب املم ّيزة‬ ‫لديه‪ .‬يعي�ش �شاعرنا حالي ًا مع �أبنائه يف‬ ‫منطقة جمريا بدبي‪ ،‬وقد طعن يف ال�سن‬ ‫كثري ًا‪ ،‬ويق�ضي وقته بني عزبة جماله يف‬ ‫«ند ال�شبا» بدبي‪ ،‬وبني منزله يف جمريا‪،‬‬ ‫وهو ما زال ير ّدد �أ�شعاره القدمية التي‬ ‫ي�ت��ذ ّك��ر معظمها‪ ،‬كما ي��ردد يف بع�ض‬ ‫الأحيان بع�ض الأ�شعار اجلديدة‪ ،‬مثل‬ ‫الق�صيدة التي قالها حديث ًا يف �صاحب‬ ‫ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان‬ ‫رئي�س الدولة «حفظه اهلل»‪� ،‬أطال اهلل يف‬ ‫عمر �شاعرنا‪ ،‬وه ّيا بنا جميع ًا ن�ستمتع‬ ‫مبختارات م��ن ق�صائده التي �صدرت‬ ‫�أخ�يرا يف دي��وان �ضمن �إ��ص��دارات بيت‬ ‫ال�شعر يف �أبوظبي ‪.‬‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪74‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫عاشت اإلمارات‬ ‫هذه الق�صيدة قالها �شاعرنا يف وطنه الإمارات بقيادة �صاحب ال�سمو ال�شيخ‬ ‫خليفة بن زايد �آل نهيان رئي�س الدولة حفظه اهلل ‪:‬‬

‫ع ��ا�� �ش ��ت الإم� � � � � � ��ارات وي� ��� �س� �ل ��م ر ّي� � �� � ��س ال� ��دول� ��ه‬ ‫وع � � � ��ا� � � � ��ش احت � � � � � � ��اد ان � � � � �ع � � � � �دّه ع � � � � � � ّد ْ‬ ‫جل � � �ي� � ��ايل‬ ‫اهلل ي � ��رح � � �م � ��ه م� � � ��ن ذا �� � � �ص � � ��ار م� �ف� �ع ��ول ��ه‬ ‫يل ّ‬ ‫مل � � �ش � �م� ��ل �إحت � � � � � � ��اد وخ� � � � ّل � � ��ف ا ْرج� � � � � ��ايل‬ ‫ت � � �ع � � ��اه � � ��د ْوا ع � �ه� ��د ع� � � � � ّد ا� � ْ��س� � �ن �ي��ن م � � ْدب� ��ول� ��ه‬ ‫زاي� � � � � � ��د ورا� � � � � �ش� � � � ��د رح � � �م � � �ه � ��م رب � � � � ��ي ال � � �ع � ��ايل‬ ‫�إ ْل� � � �ه � � ��م ك � �ل � ��ا ٍم �� �َ�س � � ْم � �ع � � َت� ��ه م� � ��اح � � � ّد ا ْي � �ق� ��ول� ��ه‬ ‫رف � � � � ��رف ع� �ل� �م� �ه ��م وع� � �ل� � � ّ‬ ‫ا يف ال � �� � �س � �م� ��ا ع� ��ايل‬ ‫خ � � � ّل� � ��وا الإم � � � � � � � � ��ارات ت � �ب � �ق ��ى دوم م ��ا�� �س ��ول ��ه‬ ‫ي � � ��ا دي � � � � � � ��ر ٍة ك � � ��د ب � � ��داه � � ��ا اخل � � �ط� � ��ف زل� � � � ��زايل‬ ‫ر زاد حم� ��� �ص ��ول ��ه‬ ‫�� � �س � ��اق � ��وا ل � �ه� ��ا م � � ��ن ك� � �ث �ي � ٍ‬ ‫وا�� � � �س � � ��م الإم � � � � � � � � � ��ارات خ� � � � ّل � � ��وا رم � � � ��ز ل � � ْه �ل��ايل‬ ‫م � � � ّن � ��ي ر�� � �س � ��ال � ��ه ل � �ب � ��و � � �س � �ل � �ط� ��ان م ��ر�� �س ��ول ��ه‬ ‫دام � � � � ��ت ح � �ي� ��ات� ��ه وي � �ب � �ق� ��ى ال� � ��ر ّي � � ��� � ��س ال � �غ� ��ايل‬ ‫وال� � �ن � ��اي � ��ب ال � � � ّل � ��ي ع� ��� �ض� �ي ��ده ق � ��رب � ��ه وح� ��ول� ��ه‬ ‫حم � �م� ��د ح� �م� �ي ��د ال � � � � ��راي يل م � ��ا ل � ��ه �أم � �ث � ��ايل‬ ‫ي � �ع ��ل احل � �� � �س� ��ود �إيل ح� ��� �ض ��ر ر ّب � � � ��ي ا ْي � ��زول � ��ه‬ ‫وت� ��� �س� �ل ��م الإم� � � � � � � � ��ارات م� � ��ن ع � ��وف �ي��ن ل� � ْف� �ع ��ايل‬ ‫و�أه � � �ل � � � ً‬ ‫ا ب� �ع� �ي ��د ال � ��وط � ��ن ي � ��اح � � ّ�ي ب� � ْو�� �ص ��ول ��ه‬ ‫ع � � � ّم� � ��ت الإم� � � � � � � � � ��ارات ف� � ��رح� � ��ة وال � � � �ك� � � ��در زايل‬ ‫ْ‬ ‫واخ � � �ت � � �م� � ��ت ج � �ي � �ل ��ي ع � � � ��دد م � � ��ا مت م� �ف� �ع ��ول ��ه‬ ‫و�أل � � � � � � ٍ�ف �أ�� � �ص� � � ّل � ��ي ع � �ل� ��ى ط� � ��ه ال � �ن � �ب� ��ي ال� � � ��وايل‬



‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪76‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫قصيدة البعير‬ ‫هذه الق�صيدة من نوع املربوعة وهي من ق�صائده القدمية جداً وقد قالها يف عام ‪ 1945‬تقريباً‪ ،‬عندما‬ ‫كان يف الباطنه بعمان يق�ضي �شهور ال�صيف‪ ،‬وقد عزم على الرجوع �إىل بالده �أم القيوين على ظهر‬ ‫ذلك البعري‪ .‬وقد و�صف �سريه على جمله بالتف�صيل فمدح جمله وم ّر به على طريق القوافل القدمي‬ ‫من الباطنه �إىل املناطق الو�سطى يف الإمارات‪ .‬ويذكر ا�سم جمله يف الق�صيدة وهو «م�صيحان»‪ .‬كما‬ ‫خ�صه بالتحية‪:‬‬ ‫يذكر يف الق�صيدة ال�شيخ علي بن را�شد املعال �شقيق احلاكم الذي ّ‬

‫ه � � � � � � � � � � � � � � ّ�ب يل ذع � � � � � � � � � � � � � ��ذاع‬

‫م � � � � � � ��ن ط � � � � � � � � � � � ��روف ال � � � � �ف� � � � ��اع‬

‫ذ ّك � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر امل� � � � � ��� � � � � �ش� � � � � �ت � � � � ��اق‬

‫يل ي � � � � � � �خ � � �ب � � ��ر ول� � � � � �ي � � � � ��ف‬

‫ذك� � � � � � � � � � � � � � � ��ر امل � � � � � �� � � � � � �ش � � � � � �ت� � � � � ��اق‬

‫يل ع� � � � � � � �ن � � � � � � ��ده اوث � � � � � � � � � � � ��اق‬

‫ا ْي� � � � � � � �ت� � � � � � � �ل � � � � � � ��ت ل � � � � � � � � ْع� � � � � � � ��واق‬

‫وه� � � � � � � �م � � � � � � ��وم � � � � � � ��ي ت � � �ه � � �ي � � ��ف‬

‫خ � � � � � � � � ّف� � � � � � � ��اق‬

‫يل �� � � � � � �س � � �ي� � ��ره ا�� � � � �ش� � � � �ف � � � ��اق‬

‫ان خ � � � � �ط� � � � ��ا «راف � � � � � � � � � � � � � ��اق»‬

‫ع � � � � � � � ّي� � � � � � ��ل ب � � ��ال � � �� � � �ص � � �ف � � �ي � � ��ف‬

‫ان �� � � � � � �ض � � � � � ��رب ْ‬ ‫حل � � � � � � � � � ��زوم‬

‫يف �� � � � � � � � �س � � � �ي� � � ��ره ه � � � � �م� � � � ��وم‬

‫وان ن� � � � � �ظ � � � � ��رت � � � � ��ه ق� � �ل � ��ت‬

‫ج� � � � � � � � � � � � � ��ازي م � � � � � � � ��ن ن � � �ك � � �ي� � ��ف‬

‫م� � � � � ْن� � � � �ح� � � � �ن � � � ��ي م ال� � � � � � � � � ��زور‬

‫م � � � � � � � ��ا �� � � � � � � � �س� � � � � � � � � ّوى غ � � � � � � � ��دور‬

‫وان خ � � �ط� � ��ف ع «ال � � � �ق � � � ��ور»‬

‫ك � � � � � � � � ّن� � � � � � � ��ه م � � �� � � �س � � �ت � � �خ � � �ي� � ��ف‬

‫ع � � � � � � � � � ّي� � � � � � � � ��ل امل � � � � � � �� � � � � � � �س� � � � � � ��راح‬

‫وف � � � � �ي � � � ��ه � � � � � �س � �ي� ��ره ان � � �� � � �س� � ��اح‬

‫� � � � �ش � � � ��ا امل � � � � �ط � � � � ��ل وان الح‬

‫� � � � �ش � � � � ّي� � � ��ب ه� � � � � ��ل «غ� � � � ��ري� � � � ��ف»‬

‫وان غ� � � � � ��دف ع «و�� � � � �ش � � � ��اح»‬

‫ب � � � � � � � � � � ْي � � � � �ّب � � � ��رّ ب � � � � � ْن � � � � �� � � � � �ص� � � � ��اح‬

‫امل� � � � � � � � � � � � � � �غ� � � � � � � � � � � � � � � ّرد � � � � � � �ص � � � � � ��اح‬

‫وي � � � � � � � � � ��زاغ � � � � � � � � � ��ي ال� � � � � ��ري� � � � � ��ف‬

‫ر ّد‬

‫يل‬


‫ان ع � � � � ��رف� � � � � �ه � � � � ��ا ال � � � � � � � � � ��دار‬

‫ب � � � � � � � � � ْي� � � � � � � � ��زي� � � � � � � � ��د امل � � � � � � � �غ� � � � � � � ��ار‬

‫وق� � � � ��ال� � � � ��وا �أه � � � � � � ��ل «ال � � � ��ذي � � � ��د»‬

‫ذا م � � � � � � ��ال � � � � � � ��ه و� � � � �ص � � � �ي� � � ��ف‬

‫� � � � � � �ش� � � � � ��ا ح � � � � � � � � � � � � ّر ل� � � � � � � � ْوك � � � � � � ��ار‬

‫وان ي � � � � � � � � � � ��اه ال � � � � �ن � � � � �ه� � � � ��ار‬

‫ي � � � � �ط � � � � �ل � � � ��ع ال � � � � �� � � � � �ص � � � � �ي� � � � ��دات‬

‫ي � � � � � � � ّل � � � � � � ��ي يف ال� � � �چ� � � �ف� � � �ي � � ��ف‬

‫� � � � � � �ش � � � � ��وف � � � � ��ه م � � � � � � � ��ن ب � � �ع � � �ي� � ��د‬

‫ي � � � � � � � � � � � � �ف � � � � � � � � � � � � � ّرح � � � � �س � � � �ع � � � �ي � � � ��د‬

‫وان رك� � � � � � �ب � � � � � ��ت �إي � � � � �ل� � � � ��اه‬

‫يف ال � � � � � � � � � �ث � � � � � � � � ��وره خ � � �ف � � �ي � ��ف‬

‫ب� � � � �� � � ْ� ��ش� � � � �ه � � � ��د م � � �� � � �ص � � �ي � � �ح� � ��ان‬

‫يل غ � � � � � � � � � � � � � ��ايل اث � � � � � � �م� � � � � � ��ان‬

‫� ْأخ � � � � � � � � � �َي� � � � � � � � � ��رَ ال � � � � � �ع� � � � � ��رب� � � � � ��ان‬

‫ت� � � � ��رم � � � � ��� � � � ��س ب� � ��ال � � �ن � � �� � � �ص � � �ي� � ��ف‬

‫ح � � � � � � � � � � � ْ�ي ذاك ال � � � � � �ط � � � � ��ور‬

‫م� � � � � � � � � � ��ا ظ � � � � � � � � � ّن� � � � � � � � ��ي ي� � � � � �ب � � � � ��ور‬

‫� � � � �ش� � � ��ا امل � � � � �ط� � � � ��ل يف ال � � � �ك� � � ��ور‬

‫ع � � � � � � � ��ن غ� � � � � �� � � �ّ � ��ش � � � � ��ه ن � � �ظ � � �ي� � ��ف‬

‫وان ط � � � � � � � ��اح امل � � �� � � �س � � �ح � � ��اب‬

‫زاغ � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��اه ال � � � � �� � � � � �ش � � � � �ب� � � � ��اب‬

‫م ال � � � � �ع � � � � �� � � � � �ص � � � ��ا ي� � � �ه� � � �ت � � ��اب‬

‫ل� � � � � � � � � ��و ف � � � � � � � ��وق � � � � � � � ��ه ردي� � � � � � � � � ��ف‬

‫ي � � � �� � � � �ش � � � �ب� � � ��ه ال � � � � �� � � � � �س� � � � � ّ�ح� � � � ��اب‬

‫ي� � � � � � � � � ّل � � � � � � � ��ي يف احل � � � � � � �ي � � � � � ��اب‬

‫ال � � � � � � � � �لَ � � � � � � � � � َي � � � � � � � � � ْد ن � � � � ��� � � ّ� ��ش� � � � ��اب‬

‫وت � � � � � � � � �� � � � � � � � � �س � � � � � � � � � ّوي وح � � � � �ي� � � � ��ف‬

‫ع� � � � � � � � � � ّي � � � � � � � � ��ل ب � � � � ��امل � � � � � �� � � � � � �ش � � � � ��ام‬

‫وان� � � � � ��� � � � � �ص � � � � ��ى ل� �ل ��اح� � � ��� � � �ش � � ��ام‬

‫ب � � � � � � � � � � ّل� � � � � � � � � ��غ يل � � � � � � �س� � �ل� � ��ام‬

‫ع � � � � � � � �ش � � � � � � �ي� � � � � � � ٍ�خ ع� � � �ف� � � �ي � � ��ف‬

‫ان � � � � � �� � � � � � �ص� � � � � ��ى ب � � � � � � � ��و ح � � �� � � �س� � ��ن‬

‫وارم � � � � � � � � � ��� � � � � � � � � ��س ب � � � ��ال � � � ��ذه � � � ��ن‬

‫وازن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ه ب � � � � � � ��امل � � � � � � ��ن‬

‫واحل � � � � � � � � �ك� � � � � � � � ��ي ال� � � �ن� � � �ظ� � � �ي � � ��ف‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪78‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫س‬ ‫دار ال َ‬ ‫ه َو ْ‬ ‫دار ال � � � َه � � � َو�� � � ْ�س يف خ � ��اط � ��ري وا ْب� ��دي � �ت� ��ه‬ ‫وا ْب � � � � � � ��دع م � �ث� ��اي� ��ل يف ال � � � � ��ذي خ �� ّ��ص �ي �ت ��ه‬ ‫�� �ش� �ف� �ت ��ه و َب� � � �� � � �ّ�ش ال � �ق � �ل� ��ب م� � ��ن ت��رح �ي �ب��ه‬ ‫� � � �س� � ��اع� � ��ة ل � �ف � �ي � �ن� ��ا ي � � � ��ا ع � � �ل� � ��ي يف ب� �ي� �ت ��ه‬ ‫محَ ْ � � � �ل � � ��ا م� � � �ع � � ��اين م� � �ل� � �ت� � �ق � ��اه وط � �ي � �ب� ��ه‬ ‫وال � � �� � � �س � � � ْم � � ��تْ وامل� � � � ��اي� � � � ��وب ي � � � ّل � � ��ي ري � �ت� ��ه‬ ‫ي � � ْع � �� � �ش � �ي� ��ك يف ل� � �ي � ��ل ال � � ��دج � � ��ا ب� � � � ْن � � ��واره‬ ‫واخل � � � � � � � � � � � ّد ب � � � � � � � � � � � � � ّراقٍ ي � �ل� ��ام � � � ��ع ل � �ي � �ت� ��ه‬ ‫وال � � �ع � � �ن � ��ق ع� � �ن � ��ق ال � �� � �س� ��ول � �ع� ��ي يف داره‬ ‫�إن َخ � � � � � ْز ف � �ي� ��ك ب � �ع�ي��ن ع � �ق� ��ب ْام� �ب� �ي� �ت ��ه‬ ‫م � � ��ا ب � � � ّي� � ��ح ب� � � �� � � َ��س� � � �دّه وال ب � � � ��أ�� � ْ� ��س � � � � َراره‬ ‫وال � � � � ّل � � � ��ي ع� � �ل � ��ى � � �ش � �ك � �ل� ��ه �أن� � � � � ��ا م� ��اري � �ت� ��ه‬ ‫امل � � � � ��دح يف «ع� � �ل� � �ي � ��ا» م � � ��اه � � ��وب خ � �� � �س� ��اره‬ ‫وامل� � � � � � � � � ��دح ف � � �ي � � �ه � ��ا وامل � � � � � � َث� � � � � ��ل ع � � � ّدي � � �ت � ��ه‬ ‫و ّدي �أل� � � � � ��و َف� � � � � ��ه ك � � � ��ل ي� � � � � ��وم ْزي � � � � � � ��اره‬ ‫جم� � �ل� � ��� � �س � ��ه و إ� ّال زي� � � � � � � � ��ارة ب� �ي� �ت ��ه‬ ‫يف ْ‬


‫يا طير يوم ْتنادي‬ ‫هذه و ّنة من نوع املثلوثة وقد غ ّنى بها «�ش ّله» امام ال�شيخ زايد رحمه اهلل يف ق�صره باملغرب كما يذكر‪ ،‬يقول فيها‪:‬‬

‫ي � ��ا ط �ي��ر ي� � � ��وم ْت � �ن� ��ادي‬

‫و ْت � � � � �غ � � � � � ّن� � � � ��ي‬

‫ع� � �ل � ��ى ط � � � � ��رف ل � � ْف � �ن � ��ون‬

‫� �ص��وت��ك ف �ج��ع ل� � ْف ��وادي‬

‫وامحْ � � � � � ّن� � � � ��ي‬

‫وا ْدع� � � � ��ا ِن � � � � � َي� � � � ��ه مم � �ح� ��ون‬

‫غ� � ّث� �ي� �ت� �ن ��ي يف ا ْرق � � � � ��ادي‬

‫خ � � � � � � ْز ع� � � ّن � ��ي‬

‫م � ��اغ� � � ّم� � ��� � �ض � ��ت ل � � ْع � �ي� ��ون‬

‫ال � �ل � �ي � ��ل ط� � ��ول� � ��ه زادي‬

‫م � � � � ��ا ظ � � � ّن� � ��ي‬

‫ع � � ��وق امل� ��ري � ��� ��ض ا ْي � �ه� ��ون‬

‫ط� ��اي� ��ح ع� �ل ��ى ل � � ْو� � �س ��ادي‬

‫وا ون � � � �ـ�ّ � � ��ي‬

‫وال � � �ن� � ��ا�� � ��س م � � ��ا ي � � � ��درون‬

‫واخْ � �ف ��ي ع ��ن احل ��� ّ�س��ادي‬

‫ب � � ��ال� � � �ف� � � � ّن � � ��ي‬

‫م � � � � ��ا ب� � � � � ّي � � � ��ح امل � � �ك � � �ن� � ��ون‬

‫وادرى م� ��ن ل� ��ه ودادي‬

‫واث� � � � � � � � ّن � � � � � � ��ي‬

‫وا ْراع� � � � � � � � � � ��ي امل � �� � �ض � �م� ��ون‬

‫يل يف ال�ضمري ا ْي���س��ادي‬

‫م� � � � ْل� � � �ه� � � � ّن � � ��ي‬

‫ب� � � � ��و ي � � � � � � � � ��ادلٍ م � � ��ده � � ��ون‬

‫م� ��ا ت��رخ �� �ص��ه ل � � ْزه� ��ادي‬

‫خ� � � � � ��ذْ م � � ّن� ��ي‬

‫ل � � ��ه ب� ��ال � �ع � �ه� ��د م � ��اخ � ��ون‬

‫ي � � ��ا ك� � ��ات� � ��ب ب � � ��امل � � ��دادي‬

‫ك � � � � ��ن ع� � � ّن � ��ي‬

‫خ � � ��ط ال� � �ق� � �ل � ��م ب� � ��ذْ ه� � ��ون‬

‫ب � ��ي م � ��ن ع� �ن ��ه ن� �� � ّ�ش ��ادي‬

‫ل� � � � � �ك� � � � � � ّن � � � � ��ي‬

‫م� � ��ا� � � �ش� � ��وف دون� � � � � ��ه دون‬

‫ل� � ��و ح� � ��ازت� � ��ه ل � � ْب � �ع� ��ادي‬

‫ب� � � � ��اع � � � � � ّن� � � � ��ي‬

‫ل� � � ��ه ط � � � ��ار� � � � ٍ��ش م � ��ام � ��ون‬

‫� � � �س �ل ��ام ي � � ��ا ق� � �� �ّ ��ص � ��ادي‬

‫ل� � � � � ��ه م � � � ّن� � ��ي‬

‫ف � �ي� ��ه ال � � �ه� � ��زر م �� �ض �م��ون‬

‫ّ‬ ‫مت� � � ��ت ع� � � ��دد ل� � ْن� ��� �ش ��ادي‬

‫ب� � ��ال � � �ظ � � � ّن� � ��ي‬

‫ف� ��ر�� ��ض و� � �ص�ل��اة ا ْت � �ك� ��ون‬


‫‪80‬‬

‫روزنة‬

‫روزنة‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫التراث في فكر المؤسس الباني‬ ‫�أطل‬

‫�سرور خليفة الكعبي‬

‫عليكم اليوم لأق��ر�أ لكم وريقات‬ ‫م��ن روزن �ت��ي وال�ت��ي حت��وي �شيئا‬ ‫نزرا من فكر امل�ؤ�س�س الباين املغفور له ب�إذن اهلل‬ ‫تعاىل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان طيب اهلل‬ ‫ثراه‪ ،‬وما �شكله الرتاث له ك�أ�سلوب حياة بلورت‬ ‫مرتكزات فكره رحمه اهلل‪ ،‬والتي بنى بها دولة‬ ‫ناف�ست كربيات الدول التي �سبقتها مبئات ال�سنني‬ ‫بعد �أن كادت تختفي حتت كثبان الرمال التي ما‬ ‫فت�أت تزحف عليها من كل اجتاه‪.‬‬ ‫ال�ت�راث يف فكر امل��ؤ��س����س ال �ب��اين ك��ان ركيزة‬ ‫�أ�سا�سية منبعها الإمي��ان العميق ب�أن املا�ضي هو‬ ‫ا�سا�س احلا�ضر ال��ذي ي�ستمد منه ق��وة البقاء‬ ‫والإ�ستمرار‪،‬فلوال املا�ضي ال ميكن �أن يقدر الإن�سان‬ ‫قيمة احلا�ضر الأف�ضل‪،‬فلم تكن مقولته اخلالدة‬ ‫« من لي�س له ما�ض لي�س له حا�ضر �أو م�ستقبل»‬ ‫جمرد حديث �سيا�سي من رجل ال�سيا�سة الأول‬ ‫يف الدولة‪،‬ولكنها املرتكزات الأ�سا�سية التي يحيا‬ ‫وففها وي�ؤمن بها‪،‬فكان املا�ضي الذي عا�شة رحمه‬ ‫اهلل بكامل تفا�صيله وخرب جميع ال�صعوبات التي‬ ‫واجهها �شعبه على مر الأيام‪،‬املدر�سة الكربى‬ ‫التي تعلم منها رحمه اهلل علوما ال ت�ستطيع �أرقى‬ ‫جامعات العامل يف وقتنا احل��ايل �أن تزرعه يف‬ ‫نفو�س طلبتها �أو تقدمه كمادة علمية تدر�س‪،‬فكان‬ ‫�أن ن�ش�أ التقدير الكبري للمروث ال�شعبي الذي‬ ‫�أجله القائد امل�ؤ�س�س و�أفرد له م�ساحة وا�سعة من‬ ‫الإهتمامال�شخ�صيوالر�سمي‪.‬‬ ‫ومل يقت�صر الإهتمام باملوروث يف فكر امل�ؤ�س�س‬ ‫الباين رحمة اهلل تعاىل على اجلانب البدوي‬

‫فقط �أو احل�ضري وال��زراع��ة �أو البحري دون‬ ‫غريه‪،‬ولكنه �شمل كل هذه النواحي احلياتية من‬ ‫تاريخ دولة الإمارات العربية املتحدة‪،‬فحر�ص على‬ ‫املحافظة عليها من الإندثار والعمل على غر�سها‬ ‫قيما ومثال عليا يف نفو�س الأبناء لكي ال ين�سوا ما‬ ‫كان عليه الآباء‪،‬ومبا يخدم واقعهم وحا�ضرهم‬ ‫الذي حتا�صره املادية والتقنيات احلديثة‪،‬والتي‬ ‫�أكد رحمه اهلل �أنها لي�ست بال�ضرورة �سببا لن�سان‬ ‫املا�ضي �أو التربي منه‪.‬‬ ‫ومنذ ن�ش�أته الأوىل عرف عنه رحمه اهلل بنظرته‬ ‫الثاقبه �أن ذلك الوقت وما يكتنفه من مظاهر‬ ‫ل�شتى �أن��واع احلياة �سائر �إىل تغيري ج��ذري ال‬ ‫ميكن �إيقافه مبا حتمله بدايات احل�ضارة التي‬ ‫�شهدها تتقدم بثبات نحو ب�لاده‪،‬يف حني كانت‬ ‫نف�سه الطموحة �إىل تقدمي كل ما �شاهده يف بلدان‬ ‫العامل كالهند وبريطانيا و�أمريكا يف الأربعينات‬ ‫واخلم�سينات م��ن ال�ق��رن املا�ضي‪،‬لبالده لكي‬ ‫ينعم �أهله بالرخاء والنعم التي وجدها يف تلك‬ ‫الدول‪،‬ولكنه ر�أي �أن هذا التقدم وتلك احل�ضارة‬ ‫الآت �ي��ه �سيكون لها ال��وق��ع ال�سيء على ال�تراث‬ ‫وامل��وروث �إن مل يتم الإنتباه �إليه يف وقت مبكر‬ ‫جدا‪،‬فحر�ص على �أن يدعمه باحلفاظ علية يف‬ ‫�شتىالنواحي‪.‬‬ ‫والزائر اليوم �إىل ق�صر العني‪،‬وهو منزله رحمه‬ ‫اهلل والذي حتول �إىل متحف يحكى ع�شق القائد‬ ‫اخلالد ل�ل�تراث‪،‬وال��ذي حر�ص على الإحتفاظ‬ ‫بكل مقتنيات منزله يف تلك الفرتة ال�ضاربة يف‬ ‫الأ�صالة‪،‬من �أثاث وحتف وفر�ش ليقول لأوالده �أوال‬


‫ثم لل�شعب �أن هذا ما كنا عليه ليقدروا ما �أ�صبحنا‬ ‫عليه الآن‪.‬‬ ‫�إن ع�شق الرتاث يف نف�س امل�ؤ�س�س الباين رحمه اهلل‬ ‫�شعور �أكدته ممار�ساته احلياتية العادية‪،‬فعرف‬ ‫عنه �أن��ه ك��ان رج�لا ب��دوي��ا مل تغريه احل�ضاره‬ ‫واملدنية ومل تنل من مرتكزاته الثقافيه‪،‬فلم يزل‬ ‫كعادته ي�ستتقبل �ضيوفه ويودعهم ويعامل النا�س‬ ‫مبا فيهم ال�سا�سه والقادة بنف�س الروح والعادات‬ ‫والتقاليد البدوية الأ�صيلة‪،‬فلم يكن يحتاج لوثيقه‬ ‫لكي يرب بوعد ققطعة كما مل يكن ليوارب احلقائق‬ ‫كما يفعل ال�سا�سه‪،‬يف حني �شهد العامل �سجيته‬ ‫وطبيعته الغري متكلفة يف مقابالته امل�سجله‬ ‫مع ال�سا�سة والقادة الذي كان يعتمد عليهم يف‬ ‫تنفيذ خطط التطوير يف بالده والذي ما يفت�أ �أن‬ ‫يذكرهم بالتم�سك بالعادات وعدم ن�سيان الأ�صول‬ ‫التي ارتكزت عليها دولة الإمارات العربية املتحدة‬ ‫و��ض��رورة �إح�ت�رام ال�ت�راث وال �ع��ادات والتقاليد‬ ‫اخلا�صة التي ال ميكن امل�سا�س بها �أو �إهمالها‪.‬‬ ‫وم��ن ه��ذا املنطلق ك��ان��ت امل�سابقات الرتاثية‬ ‫واملهرجانات التي رعاها بنف�سه وب��ذل عليها‬ ‫ال�ك�ث�ير م��ن اجل �ه��د وامل� ��ال ل��دف��ع ال �ن��ا���س �إىل‬ ‫الإهتمام بالرتاث املحلي‪،‬كما �ساهم يف حتمل‬ ‫التكلفة امل��ادي��ة امل�صاحبه لذلك فوجه بقيام‬ ‫دوائ ��ر ال��زراع��ة بتقدمي ال��دع��م ملربي املا�شية‬ ‫وكذلك للمزارعني‪،‬و�إن�شاء م�ست�شفيات البيطرة‬ ‫يف كل مكان للمحافظة على ال�سالالت ومعاجلة‬ ‫الأم��را���ض التي قد تتف�شى يف القطعان‪،‬ويذلك‬ ‫�أ�صبحت املناف�سات وال�سباقات اخلا�صة بالهجن‬ ‫واخليل من �أكرث ما ي�شد املواطننب على ممار�ستها‬ ‫وذلكبف�ضلجهودالقائدامل�ؤ�س�سونظرتهالثاقبه‬ ‫وحكمته يف املحافظة على الرتاث‪.‬‬ ‫ولقد تعدى حر�ص زايد بن �سلطان �آل نهيان –‬ ‫رحمه اهلل حر�صه على ال�تراث ذلك كله‪،‬فنقل‬ ‫الإهتمام بالرتاث �إىل امل�ستوى العاملي‪،‬فبالإ�ضافة‬

‫�إىل تقدمي امل�سابقات الرتاثية �إىل العامل عرب‬ ‫برامج �إعالمية مدرو�سة ودعوة ممثلى الهيئات‬ ‫الدبلوما�سية وال� ��زوار الإج��ان��ب حل�ضور تلك‬ ‫املناف�سات‪�،‬إ�ضافة �إىل تقدمي اجلوائز املادية‬ ‫للجماهري‪،‬فقد حر�ص زاي��د على نقل ال�تراث‬ ‫الإم��ارات��ي �إىل ال��دول اخلارجية‪،‬وكان �أكرثها‬ ‫�إقامة �سباق الهجن الرتاثي والذي حمل �إ�سمه يف‬ ‫�إ�سرتاليا والذي يقام �سنوبا وتقدم الدوله جوائز‬ ‫م�سابقاته‪.‬‬ ‫�إن تعداد م�آثر امل�ؤ�س�س الباين يف جمال الرتاث‬ ‫ال ميكن �أن حت�صى يف مقال واحد‪،‬ولكن �إرجاع‬ ‫الف�ضل لأهله هو �أقل ما ميكن �أن نقدمه ك�شكر‬ ‫لهم على ما �سهروا وبذلوا الغايل والنفي�س من‬ ‫�أجل املحافظة عليه‪،‬يف وقت كان اجلميع ممن‬ ‫حولهم ي�شككون يف �أهمية ذلك �أو ما قد ي�سهم‬ ‫فيه‪،‬و يف �أحيان كثرية كان الإنتقاد بتبديد الرثوة‬ ‫على ما ال طائل فيه‪،‬لكي تثبت الأيام جمددا �إتقاد‬ ‫فكر القائد امل�ؤ�س�س الباين رحمه اهلل وحكمته‪.‬‬ ‫ففي ك��ل �سباق يقام على �أر� ��ض الإم� ��ارات �أو‬ ‫خارجها‪�،‬سواء يف الرب �أو الرب �أو اجلو‪ ،‬البد و�أن‬ ‫حتمل ب�صمة القائد امل�ؤ�س�س رحمه اهلل‪،‬يف الوقت‬ ‫ال��ذي ت�شهد ال��دول التي حر�ص �صاحب ال�سمو‬ ‫ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان تقدمي الدعم‬ ‫املادي واملعنوي والتقني لها للمحافظة على �أماكن‬ ‫تكاثر ال�صقور وطيور احلبارى فيها لكي ت�ستمر يف‬ ‫الهجرة �إىل الإمارات وغريها من الدول املجاورة‬ ‫مما يحافظ على �أحد �أهم املمار�سات الرتاثية من‬ ‫الإندثار وهي ال�صقارة‪.‬‬ ‫وال �أملك يف النهاية �إال �أن �أقول‪ ،‬رحم اهلل زايد بن‬ ‫�سلطان �آل نهيان – امل�ؤ�س�س الباين وا�سكنه ف�سيح‬ ‫اجلنة و�أثابه خري اجلزاء‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪82‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫«ا َ‬ ‫‪�..‬سرها الأهم‬ ‫خلرجة»‬ ‫ّ‬

‫الموشحات األندلسية‪..‬‬

‫عروض العربي‬ ‫أكبر ثورة في تاريخ ال َ‬ ‫د‪ .‬مقداد رحيم‬

‫رئي�س ق�سم اللغة‪ ،‬كلية الآداب‪ ،‬جامعة الب�صرة‪ ،‬العراق‬

‫قام خالف بني الباحثني يف �ش�ؤون فن التو�شيح الأندل�سي قدمياً وحديثاً‪ ،‬وال�سيما �أ�سباب الن�ش�أة‪ ،‬وطبيعة‬ ‫الفن‪ ،‬وطريقة النظم‪ ،‬فوقع الكثري منهم على �صواب‪ ،‬وغابت عن الباقني حقيقته بجميع وجوهها‪ ،‬ومل ي�سلم‬ ‫الفن من عدم الدقة يف �إطالق الأحكام‪ ،‬لأن م�ؤرخيه الأندل�سيني مل يعتنوا بالت�أريخ له‪ ،‬وتو�صيفه تو�صيفاً فيه‬ ‫الكفاية‪ ،‬بينما �أعجب به امل�شارقة �أميا �إعجاب ووقفوا على كثري من �أ�سراره‪.‬‬


‫ون�سج ال���ش�ع��راء منهم على م�ن��وال��ه ف�صاروا‬ ‫و�� ّ�ش��اح�ين‪ ،‬ف��وق�ع�ن��ا ع�ل��ى م��و��ش�ح��ات م�صرية‬ ‫ومو�شحات �شامية ومو�شحات عراقية‪ ،‬ف�ض ًال عما‬ ‫�صدر عن �أهل املغرب العربي‪ ،‬غري �أنَّ �أهل الأندل�س‬ ‫�أدرى ب�شعابه‪ ،‬و�أ�صدق قو ًال فيه‪ ،‬كما ينبغي‪.‬وي�شيع‬ ‫الرتجيح والتخمني يف احلقائق الأدبية عاد ًة‪ ،‬وما‬ ‫ناله فن التو�شيح منهما يجعل الباب م�شرع ًا �أمام‬ ‫املزيد من البحث والنظر والتثبت‪ ،‬وقد بدا يل �أنَّ‬ ‫احلقيقة النا�صعة للمو�شحات الأندل�سية ما زالت‬ ‫خفية غائبة عن عدد من الباحثني وعن اجلمهور‬ ‫العري�ض من القراء‪.‬‬

‫فنالتو�شيح‬

‫َ‬ ‫حتدث القدماء عن املو�شحات‪ ،‬وكانوا يعدونها فن ًا‬ ‫قائم ًا بذاته �أطلقوا عليه «فن التو�شيح»‪ ،‬وي�سمون‬ ‫الن�ص «مو�شح ًا» وناظمه «و��ّ�ش��اح� ًا»‪ ،‬ذك��ر ابن‬ ‫خلدون يف مقدمته «�ص‪�« »817-818‬أن جماعة من‬ ‫الو�شاحني اجتمعوا يف جمل�س ب�أ�شبيلية وكان واحد‬ ‫منهم ا�صطنع مو�شحة وت�أنق فيها فتقدم الأعمى‬ ‫التطيلي للإن�شاد فلما افتتح مو�شحته امل�شهورة‬ ‫بقوله‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫�ضاحك عن جُ مان ‪� ..‬سافـ ٌر عن بد ِر‬ ‫�ضاق عنه الزمـان ‪ ..‬وحواه �صدري‬ ‫َ‬ ‫خرق ابن بقي مو�شحته وتبعه الباقون»‪.‬‬ ‫�شاعر و�شاح ًا‪ ،‬ويف الوقت‬ ‫وطبع ًا‪،‬مل يكن كل ٍ‬ ‫نف�سه ال ي�سع الو�شاح �إال �أنْ يكون �شاعر ًا‪ ،‬لأن‬ ‫فن التو�شيح قائم على �إيقاع الكالم وااللتزام به‬ ‫على مدى املو�شحة‪ ،‬واملعرفة بالقول على �أ�سا�س‬ ‫العرو�ض العربي‪� ،‬سواء �أخالفه �أحيان ًا �أم اتفق معه‬ ‫ُجمل ًة‪ ،‬ثم البناء على �أوزان املو�شحة املخ�صو�صة‪.‬‬ ‫وكل من تكلم على �أوزان املو�شحات ب�شكل خا�ص‬ ‫�أ��ش��ار �إىل �أنها خ��ر ٌق للم�ألوف يف نظم ال�شعر‬ ‫العربي‪ ،‬وا�ستحداث لأوزان جديدة ال عالقة لها‬ ‫ببحور اخلليل بن �أحمد الفراهيدي‪ ،‬بينما َمل‬ ‫يتوانَ بع�ض املحدثني عن القول ب�أنها �أكرب ثورة يف‬ ‫تاريخ ال َعرو�ض العربي‪.‬‬

‫جديدة ميكن احلذو حذوها على الإطالق‪ ،‬ب�إرادة‬ ‫منهم‪� ،‬إال ما جاء عن طرق املعار�ضات‪� ،‬إمنا كانت‬ ‫�إرادتهم مبنية على اخرتاع طريقة جديدة للنظم‪،‬‬ ‫وتقوم هذه الإرادة على و�ضع ال َّذ َنب قبل الر�أ�س‬ ‫يف ن�ص املو�شح‪ ،‬ف�إذا كان ال�شاعر يبد�أ ق�صيدته‬ ‫باملطلع‪ ،‬وهذا �شيء يتفق واملنطق‪ ،‬ف�إنَّ الو�شاح‬ ‫يبد�أ مو�شحته باخلامتة التي �أطلق عليها �أ�صحاب‬ ‫هذا الفن «اخلـَـرجة»‪ ،‬وهي �آخر قفل من �أقفال‬ ‫املو�شحة‪ ،‬وبها تنتهي‪.‬‬ ‫و�إىل ه��ذا �أ�شار اب��ن �سناء امللك يف كتابه «دار‬ ‫ال �ط��راز» «�ص‪ »43‬بقوله‪« :‬وق��د تكون اخلرجة‬ ‫عجمية اللفظ ب�شرط �أن يكون لفظها �أي�ض ًا يف‬ ‫العجمي �سف�ساف ًا َنفطي ًا‪ ،‬ورمادي ًا ُزطي ًا‪ .‬واخلرجة‬ ‫هي �أبزار املو�شح وملحه و�سكره وم�سكه وعنربه‪،‬‬ ‫وهي العاقبة وينبغي �أن تكون حميدة واخلامتة‬ ‫بل ال�سابقة و�إنْ كانت الأخ�يرة‪ ،‬وقويل ال�سابقة‬ ‫لأنها التي ينبغي �أن ي�سبق اخلاطر �إليها‪ ،‬ويعملها‬ ‫من ينظم املو�شح يف الأول‪ ،‬وقبل �أن يتقيد بوزن‬ ‫�أو قافية‪ ،‬وحني يكون م�سيب ًا م�س َّرح ًا ومتبحبح ًا‬ ‫ُمنف�سح ًا‪ ،‬فكيف ما جاء ُ‬ ‫اللفظ والوزن خفيف ًا على‬ ‫القلب �أنيق ًا يف ال�سمع مطبوع ًا عند النف�س حلو ًا‬ ‫عند ال��ذوق تناول ُه وتن َّوله‪ ،‬وعامل ُه وعمل ُه وبنى‬ ‫عليه املو�شح لأنه قد وجدَ الأ�سا�س و�أم�سك ال َّذ َنب‬ ‫ون�صب عليه الر�أ�س»‪.‬‬ ‫فـ�س ُّر اخلرجة يف املو�شحة الأندل�سية –�إذ ًا‪ -‬قائم‬ ‫على اختيار كالم عامي �أو �أعجمي مما يرطن به‬ ‫�أهل الأندل�س �آنذاك‪ ،‬ويطر�أ على �أل�سنة ال�صبيان‬ ‫�أو الن�سوان �أو مما يرد يف �أمثال العامة �أو �أغانيهم‬ ‫ال�شعبية‪ ،‬ثم يجعله �آخ��ر �أقفال املو�شحة ويبني‬ ‫عليه باقي �أقفالها حتى يختتمها به‪ ،‬وي�شرتط �أن‬ ‫ي�شتمل هذا الكالم على �إ�سفاف و�إحما�ض وطنـز‪،‬‬ ‫بينما تنبني باقي �أج ��زاء املو�شحة من �أقفال‬ ‫و�أدوار من �أعذب �ألفاظ الكالم العربي الف�صيح‬

‫فن التوشيح قائم على‬ ‫إيقاع الكالم وااللتزام‬ ‫به على مدى الموشحة‪،‬‬ ‫�سر اخلرجة يف املو�شحة الأندل�سية والمعرفة بالقول على‬ ‫واحلق �أن الو�شاحني الأندل�سيني‪ ،‬منذ �‬ ‫أ�ستاذهم أساس العروض العربي‪،‬‬ ‫الأول الذي علمهم الفن‪،‬مل يكونوا مبتكرين لأوزان‬ ‫سواء أخالفه أحيان ًا أم‬ ‫اتفق معه ُج ً‬ ‫ملة‬

‫منذ املطلع‪ ،‬فيحدث هذا االنقالب والتحول من‬ ‫الكالم الف�صيح الراقي �إىل �سف�ساف الكالم‬ ‫و�ساقطه عن�صر املفاج�أة لدى ال�سامع‪ ،‬ثم القارئ‬ ‫فيما بعد‪.‬‬ ‫ولذلك كله ف�إن اخلرجة هي روح املو�شح وغايته‬ ‫الآ� �س��رة‪ ،‬وال ميكن �أن نفهم فن التو�شيح على‬ ‫حقيقته من دون �أن نفهم ه��ذه ال��روح ونقرتب‬ ‫منها‪ ،‬وجميع املو�شحات مما مل تت�ضمن خرجة‬ ‫عامية �أو �أعجمية ال ُيعد مو�شح ًا باملوا�صفات‬ ‫الكاملة‪ ،‬وما مل يكن كذلك �سماه �أ�صحاب هذا‬ ‫الفن «املو�شح ال�شعري»‪ ،‬وهو املو�شح الذي ينتهي‬ ‫مبثل ما ابتد�أ به من كالم ف�صيح وقور‪ ،‬ويبد�أ فيه‬ ‫الو�شاح باملطلع مبا�شر ًة من دون اختيار ُم�س َّبق‬ ‫للخرجة‪� .‬إنَّ �إهمالنا لعن�صر اخلرجة يف فهم‬ ‫املو�شح الأندل�سي يجعلها تابع ًا خمل�ص ًا ملا ي�س َّمى‬ ‫يف ال�شعر العربي بالـ«مخُ َّم�سات» وما �إليها حتى‬ ‫املع�شرات!‪.‬‬

‫�أثر اخلرجة يف بناء املو�شحة‬

‫وللخرجة �أث��ر كبري يف بناء املو�شحة الأندل�سية‬ ‫من حيث �شكلها العام ومو�سيقاها اخلارجية‬ ‫والداخلية‪ ،‬لأن ذل��ك كله يتوقف على �شكلها‬ ‫و�إيقاعها‪ ،‬حركات و�سكنات‪ ،‬بح�سب ما يقت�ضيه‬ ‫اللفظ على ل�سان العامة‪ ،‬فيلتزم الو�شاح ب�أوزانها‬ ‫وقوافيها يف باقي �أقفال املو�شحة‪ ،‬ثم يحاول �أن‬ ‫يجعل �أوزان الأدوار من�سجمة مع �أوزان الأقفال‪،‬‬ ‫�أو مقاربة لها‪ ،‬قدر ما ت�سمح به �أوزان اخلليل بن‬ ‫�أحمد الفراهيدي‪ ،‬وطبع ًا ال ينبغي لنا �أن ن�شرتط‬ ‫يف ك�لام العامة �أن ي�أتي من�ضبط ًا على �إيقاع‬ ‫اخلليل‪� ،‬إال ن��ادر ًا وم�صادف ًة‪ ،‬ف�ض ًال عن افتقار‬ ‫كالم العامة حلركات الإع��راب وهو مما يف�ضي‬ ‫�إىل �شيوع ظاهرة الت�سكني يف �أواخ��ر الكلمات‪،‬‬ ‫والتقاء احلروف ال�ساكنة يف �أو�ساط الكالم‪ ،‬ومن‬ ‫هنا ت�أتي خمالفات املو�شحة لعرو�ض اخلليل‪.‬‬ ‫وغ�ير الأوزان‪ ،‬تعتمد املو�شحة على امل��راوح��ة‬ ‫بني الأقفال والأدوار يف القوايف‪ ،‬فتختلف قوايف‬ ‫الأقفال عن قوايف الأدوار‪ ،‬وتتفق يف عدد الأق�سمة‬ ‫«الأ�شطر» يف كليهما ويف قوايف الأق�سمة املتكررة‪،‬‬ ‫كما تتفق يف الأوزان‪ ،‬ب�سبب ما ذكرناه من تتبع‬ ‫جميع �أجزاء الأقفال لـ «اخلرجة» وزن ًا وقافية‪.‬‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪84‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫�شئت ال ما ُ‬ ‫ح�سبي حبي ‪ ..‬ما َ‬ ‫�شئت‬

‫«دور»‬

‫�أنا و�أنـ َتا ‪� ..‬إ�سوة هذا الـهجـ ِر‬ ‫بال�صرب ِبنتا ‪ ..‬مع ان�صداع الفـجـ ِر‬ ‫و ُم ْذ رحلتا ‪ ..‬غ َّنى اجلوى يف �صدري‬

‫«قفل = خرجة»‬

‫�ساف ْر حبيبي ‪�َ ..‬سحَ ْر وماودعتو‬ ‫وح�ش قلبي ‪ ..‬يف ْ‬ ‫يا ْ‬ ‫الليل �إذا افتكرتو‬

‫مناذج من املو�شحة الأندل�سية‬

‫«قفل»‬

‫طيب ‪ ..‬له اجلمال َن ُ‬ ‫عت‬ ‫�أراد الو�شاح الأندل�سي ابن بقي �أن ينظم مو�شحة‪ ،‬يا كل ِ‬ ‫ففكر باخلرجة‪ ،‬فاختارها عربي ًة مما يرد على ما بال ذنبي ‪ ..‬يف حب مَن � ُ‬ ‫أحببت‬ ‫�أل�سنة العامة‪ ،‬وكانت مت�ألفة من �أربعة �أ�شطر «دور»‬ ‫وقافيتنيهكذا‪:‬‬ ‫يا مَن جَت َّنى ‪ ..‬ال َ‬ ‫ذقت ما �أذو ُق‬ ‫�ساف ْر حبيبي ‪�َ ..‬سحَ ْر وماودعتو‬ ‫قلبٌ ُمعـ َّنى ‪ ..‬ومَدم ٌع طـَلي ُق‬ ‫وح�ش قلبي ‪ ..‬يف ْ‬ ‫يا ْ‬ ‫� َ‬ ‫أفديك ُغ�صنا ‪ ..‬وجدي ب ِه خليقُ‬ ‫الليل �إذا افتكرتو‬

‫«قفل»‬

‫فبنى جميع �أقفال مو�شحته ‪ -‬منذ املطلع‪ -‬عليها‬ ‫ُ‬ ‫كثيب ‪..‬لد ُن التثني َ�ش ْخ ُت‬ ‫غ�صن ِ‬ ‫وزن ًا وقافية ثم ختم بها‪ ،‬واختار لها �أدوار ًا يتنا�سب‬ ‫ق�ضيت َنـحبي ‪ُ ..‬م ْذ با َن �أو ُم ْذ ِب ُ‬ ‫ُ‬ ‫نت‬ ‫وزنها مع وزن الأقفال‪ ،‬وي�ستقل كل دور بقافيته من «دور»‬ ‫دون قوايف الأقفال‪ ،‬هكذا‪:‬‬ ‫احل�سن �أعل ْم ‪َ � ..‬‬ ‫ُ‬ ‫أنك مِ ـن ُه � ْ‬ ‫أح�سن‬ ‫«قفل= مطلع»‬ ‫أنت �أكر ْم ‪ُ ..‬‬ ‫واملوت فيك � ْ‬ ‫و� َ‬ ‫أهون‬ ‫يطغى وجيبي ‪ ..‬وجَ لَدي ينبتُّ‬ ‫َ‬ ‫يفديك مُغ َر ْم ‪� ..‬أ�س َّر حتى �أعل ْـن‬ ‫ُ‬ ‫�سرحت‬ ‫�سرح حبي ‪ ..‬لو �أنني‬ ‫«قفل»‬ ‫«دور»‬ ‫ُ‬ ‫� َ‬ ‫اقرتحت‬ ‫أنت ن�صيبي ‪ ..‬من كل ما‬ ‫مَن يل ب� ْ‬ ‫أهيف ‪ ..‬يلعبُ بالعقـولِ‬ ‫رنا بـ� ْ‬ ‫أوطف ‪ ..‬كال�صارم ال�صقيلِ‬ ‫أوزان الموشحات‬ ‫وه َّز معط ْـف ‪..‬‬ ‫كالغ�صن املطولِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬

‫«قفل»‬

‫اجلنوب ‪� ..‬إ ْذ تث َّنى ُ‬ ‫قلت‬ ‫غب‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫بعت قلبي ‪ ..‬يف حبـ ِه ُ‬ ‫لو ُ‬ ‫ربحت‬

‫«دور»‬

‫�س ِّر ْح جفوين ‪ ..‬يف رو�ض وجنتيكا‬ ‫هذي ديوين ‪ ..‬قد ُ‬ ‫بليت لديكـا‬ ‫ح�سبي مَنوين ‪ْ � ..‬إن كان مِ ن يديكا‬

‫خرق للمألوف في‬ ‫نظم الشعر العربي‪،‬‬ ‫واستحداث ألوزان جديدة‬ ‫ال عالقة لها ببحور‬ ‫الفراهيدي‪ ،‬ووصفها‬ ‫البعض بأنها أكبر ثورة‬ ‫عروض‬ ‫في تاريخ ال َ‬ ‫العربي‬

‫وعندما ف َّكر الأعمى التطيلي �أن ي�ستخدم خرجة‬ ‫�أعجمية لبناء مو�شح طريف يفاجئ ب��ه توقع‬ ‫ال�سامع‪ ،‬اختار خرج ًة باللغة الإ�سبانية القدمية‪،‬‬ ‫وكانت �شائعة اال�ستخدام‪ ،‬فكانتْ مت�ألفة من ثالثة‬ ‫�أجزاء بقافية واحدة‪ ،‬هكذا‪:‬‬ ‫احلبيب دموا �صا ْر ‪ ..‬مادر �شنا ْر‬ ‫ماو‬ ‫ْ‬ ‫بنفي�س ْ‬ ‫رام�ش ‪ ..‬كف دمو عا ْر‬ ‫فبنى على �أ�سا�سها باقي �أقفال املو�شحة منذ املطلع‬ ‫وزن � ًا وقافية حتى ينتهي بها‪ ،‬كما جعل الأدوار‬ ‫على وزنها‪ ،‬وطبع ًا مع اختالف القوايف يف الأدوار‬ ‫جميع ًا‪،‬هكذا‪:‬‬

‫«قفل= املطلع»‬

‫دم ٌع �سفو ٌح ‪ ..‬و�ضلو ٌع حرا ْر‬ ‫ُ‬ ‫ما ٌء ونا ْر ‪ ..‬ما اجتمعا �إال لأم ٍر كـبا ْر‬

‫«دور»‬

‫ْ‬ ‫العذول‬ ‫بئ�س لعمري ما �أراد‬ ‫ري وعنا ٌد طويـلْ‬ ‫عم ٌر ق�ص ٌ‬ ‫زفرات نطقتْ عن ْ‬ ‫يا ٌ‬ ‫غليل‬ ‫ويا دمو ٌع قد �أعانت ْ‬ ‫م�سيل‬

‫«قفل»‬

‫امتن َع النو ُم َّ‬ ‫و�شط املزا ْر‪ ..‬وال قرا ْر‬ ‫ُ‬ ‫طرت ْ‬ ‫ولكن ‪ ..‬مل �أعد ُه مطا ْر‬

‫«دور»‬

‫القلوب‬ ‫حجتْ �إليها‬ ‫ْ‬ ‫يا كعب ًة َّ‬ ‫يب‬ ‫بني هوىً دا ٍع و�شوقٍ جُم ْ‬ ‫ـيب‬ ‫حَ ـنـَّة �أ َّوا ٍه �إليهـا ُمن ْ‬ ‫لب َ‬ ‫للرقيب‬ ‫ـيك ال �ألهو وقـ ْـل‬ ‫ْ‬

‫«قفل»‬

‫مُرين بح ٍّج عندها واعتما ْر ‪ ..‬وال اعتذا ْر قلب َي‬ ‫َهدْيٌ ‪ ..‬ودموعي جِ ما ْر‬


‫«دور»‬

‫�أه ً‬ ‫ال و� ْإن ع َّ‬ ‫ْ‬ ‫َر�ض بي لل َم ْ‬ ‫اجلفون‬ ‫نون ‪..‬‬ ‫يا ق�سو ًة يح�سبها ال�صَّ ُّب ِل ْ‬ ‫ني‬ ‫ْ‬ ‫الظنون‬ ‫ع َّلمتِني كيف �أُ�سي ُء‬

‫«قفل»‬

‫ُم ْذ با َن عن تلك الليايل الق�صا ْر ‪ ..‬نومي غِ را ْر ‪..‬‬ ‫ك�أنـما بني جفونـي غِ را ْر‬

‫«دور»‬

‫مت مو ً‬ ‫ح َّك ُ‬ ‫ىل جار يف حُ كم ِه‬ ‫ً‬ ‫ُف�صحا با�سم ِه‬ ‫�أكني بـه ال م ِ‬ ‫فاعجب لإن�صايف على ظلم ِه‬ ‫ْ‬ ‫وا�س�أله عن و�صلي وعن حرمِ ِه‬

‫«قفل»‬

‫�ألوَى بح ِّقي عن هوى واختيا ْر‬ ‫أن�س بَعد ُه باخليا ْر‬ ‫طوع النفا ْر ‪ ..‬فكل � ٍ‬

‫«دور»‬

‫الب َّد يل من ُه على كل ْ‬ ‫حال‬ ‫ْ‬ ‫وا�ستطال‬ ‫موىل جت َّنى وجفا‬ ‫رهن �أ�سى واعتاللْ‬ ‫غادرين َ‬ ‫ْ‬ ‫والدالل‪:‬‬ ‫ثم �شدا بني الهوى‬

‫«قفل=خرجة�أعجمية»‬

‫يبدأ الشاعر قصيدته‬ ‫بالمطلع بينما يبدأ‬ ‫ّ‬ ‫الوشاح موشحته‬ ‫بالخاتمة التي أطلق‬ ‫عليها أصحاب هذا الفن‬ ‫«الخـَرجة»‬ ‫واللهجات‪ ،‬ومن حيث عدد الأ�شطر و�أطوالها‬ ‫ومن حيث تنوع قوافيها �أو عدمه‪ ،‬فجا�ؤوا بكل‬ ‫ج��دي��د ط��ري��ف‪ ،‬وذه �ب��وا يف االع�ت�ن��اء ب�شكلها‬ ‫ومو�سيقاها �إىل �أبعد غاية‪ ،‬فجاءت مو�شحاتهم‬ ‫متو�شحة برقة الألفاظ وعذوبة املعاين وطرافة‬ ‫الأ�ساليب‪ ،‬وميكن الإ��ش��ارة �إىل ما ذه��ب �إليه‬ ‫الو�شاح الأندل�سي ابن ُزهر الأ�شبيلي من العزف‬ ‫على مو�سيقى الكلمات من خالل طرافة التجني�س‬ ‫يف مو�شحته التي اختار لها هذه اخلرجة العامية‬ ‫على ل�سان امر�أة‪:‬‬ ‫واح ْد ُه ْو يا امِّي مِ ْن جرياين‪ ....‬راين‬ ‫ف�أن�ش�أ على �أ�سا�سها باقي مو�شحته التي مل يجعل‬ ‫لها مطلع ًا وابتد�أ بالدور‪ ،‬و�سيجعلها �آخر قفل يف‬ ‫املو�شحة الحق ًا‪ ،‬هكذا‪:‬‬

‫«دور»‬

‫احلبيب دموا �صا ْر‬ ‫ماو‬ ‫ْ‬ ‫بنفي�س ْ‬ ‫رام�ش ْ‬ ‫كف دمو عا ْر‬ ‫ماد ْر �شنا ْر ‪ْ ..‬‬

‫قلبي من احلب غري �صا ِح ‪� ..‬صا ِح‬ ‫و� ْإن لحَاين على املال ِح ‪ ..‬لـا ِح‬ ‫و�إنـما بقية ُ اقرتاحي ‪ ..‬راحي‬

‫الأندل�سية الكثري من احلرية للو�شاحني يف اختيار‬ ‫اخلرجات على اختالف �ألفاظها من حيث اللغات‬

‫و� ْإن درى ق�صتي و�شاين ‪� ..‬شانـي‬

‫وق��د �أت��اح ه��ذا النظام احل��ر يف بناء املو�شحة «قفل»‬

‫«دور»‬

‫ْ‬ ‫ت�سل�سل ‪�َ ..‬س ْل َ�س ْل‬ ‫وبـي من احلب قد‬ ‫فـي �صورة احلب بعدما ْ‬ ‫انهل ‪َ ..‬م ْنـه َْل‬ ‫والعَو ُد عندي لِـ َم ْن ت�أ ّو ْل ‪� ..‬أ ّو ْل‬

‫«قفل»‬

‫فا ُ‬ ‫حل ُ‬ ‫�سن فيه على املثانـي ‪ ..‬ثـاين‬

‫«دور»‬

‫يا �أم �سعدٍ با�سم ال�سعو ِد ‪ ..‬عُودي‬ ‫ني من الهجو ِد ‪ ..‬جُ ودي‬ ‫وبع َد ح ٍ‬ ‫على مليك ٍ حتت البنو ِد ‪ُ ..‬نودي‬

‫«قفل»‬

‫فقا َل �إنـي مِب َْن دعاين ‪ ..‬عانـي‬

‫«دور»‬

‫وناطق بالذي كفاها ‪ ..‬فـاهـا‬ ‫وبعدما راغباً �أتاها ‪ ..‬تـاهـا‬ ‫وباجلمال الذي َ�سباها ‪ ..‬بـاهَى‬

‫«قفل»‬

‫قالت‪« :‬على ا ُ‬ ‫�سن مَن �سباين ‪ ..‬باين»‬ ‫حل ِ‬

‫«دور»‬

‫وناظري ناظـ ُر الـ ُمح َّيا ‪ ..‬حَ ـ َّيـى‬ ‫� َ‬ ‫أراك مِ ـن َقـولـ ِه �إل َّيـا ‪َ ..‬لـ َّيـا‬ ‫ف�أن�شـد ْتـ ُه لِـ َم ْن َتهـ َّيـا ‪ ..‬هَـ َّيا‬

‫«قفل = خرجة»‬

‫واح ْد ُه ْو يا امِّي مِ ْن جرياين ‪ ..‬راين‬

‫ومبا �أن الو�شاح ي�ستعري اخلرجة من �أل�سنة العامة‪،‬‬ ‫�أو من عنا�صر اجلماد �أحيان ًا على �سبيل املجاز‪،‬‬ ‫ف�إنه ميهد لها بكلمة «قال» �أو «قالتْ » �أو «غنى» �أو‬ ‫و«�شدا» َ‬ ‫«غنتْ » �أو «�أن�شد» �أو «�أن�شدتْ » َ‬ ‫و«�شدتْ »‬ ‫ما �أ�شبه ذلك مما ي�صلح توطئة للكالم �أو التغني‬ ‫باخلرجة‪ ،‬وي�أتي ذلك غالب ًا يف �آخر دور من �أودار‬ ‫املو�شحة وهو الدور الذي ي�سبق اخلرجة مبا�شرة‪،‬‬ ‫كما ر�أينا يف الأمثلة‪.‬‬ ‫ووا�ضح من خالل ما تقدَّم �أن فن التو�شيح مفتوح‬ ‫على م�صراعيه لكل جديد يف ال�شكل والبناء‪ ،‬و�أنَّ‬ ‫للو�شاح احلرية يف اختيار عدد الأ�شطر والقوايف‪.‬‬

‫املو�شحاتالأندل�سيةوالغناء‬

‫�إن فن التو�شيح مل يقم على �أ�سا�س الغناء وال‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪86‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫فن املالوف امتداد للمو�شحات الأندل�سية‬

‫يقف الغناء وراء ن�ش�أته‪ ،‬كما هو �شائع ذائ��ع‪ ،‬بل‬ ‫فن من فنون القول ن�ش�أ على �أ�سا�س حاجة �شعبية‬ ‫فر�ضتها احلياة اجلديدة يف بالد الأندل�س وما‬ ‫ا�ستحدث فيها من �أمن��اط و�أ�ساليب‪ ،‬وم��ا �شاع‬ ‫فيها من ا�ستخدام اللغات الأجنبية �إىل جانب‬ ‫العربية‪ ،‬ومعرفة املجتمع الأندل�سي لهذه اللغات‬ ‫جميع ًا‪ ،‬ف�ض ًال عن ميل الأندل�سيني �إىل جتريب كل‬ ‫جديد مما يتنا�سب وطبيعة الأندل�س �أر�ض ًا و�سما ًء‬ ‫وعادات وتقاليد‪.‬‬ ‫و� ْإذ نحن يف غنى ع��ن اال�سرت�سال يف �أ�سباب‬ ‫ن�ش�أة املو�شحات الأندل�سية جمل ًة‪ ،‬ف�إنَّ علينا �أن‬ ‫نلمع �إىل �أنها مل تكن‪� ،‬أول ن�ش�أتها‪ ،‬بهذا التعقيد‪،‬‬ ‫فقد كان �شكلها الأول بال �أقفال وال �أدوار‪ ،‬وال‬ ‫اختالف يف القوايف والأوزان‪ ،‬بل كانت تت�ألف‬ ‫من �أ�شطر متتالية وبقافية واحدة فح�سب‪ ،‬ولكنها‬ ‫ن�ش�أتْ بالروح التي ذكرناها‪ ،‬و�أعني مبد�أ اختيار‬ ‫اخلرجة العامية �أو الأعجمية �أو ًال وقبل املطلع‬ ‫وبناء باقي املو�شحة عليها‪ ،‬ثم تطور حالها و�صار‬ ‫�أكرث تعقيد ًا كما و�صفناه‪ ،‬وهي يف هذا التطور‬ ‫التدريجي مثل باقي الفنون‪.‬‬ ‫وا�ستناد ًا �إىل ما قدمنا ف�أن املو�شحات الأندل�سية‬ ‫مل تن�ش�أ ب�سبب احلاجة �إىل الغناء‪ ،‬و�إمنا ارتبطت‬

‫بالغناء فيما بعد‪ ،‬و�ساعدت عدة عوامل على هذا‬ ‫االرتباط منها ما وج��ده امللحنون واملغنون فيها‬ ‫من رقة الكالم وعذوبة الألفاظ كالذي وجدوه‬ ‫يف الق�صائد من قبل ومن بعد فاختاروا ما ي�صلح‬ ‫للغناء منها‪ ،‬وعافوا ما عداه‪ ،‬ومنها بنا�ؤها على‬ ‫�أق�ف��ال و�أدوار على الغناء اجلماعي �أو الغناء‬ ‫بالدور‪ ،‬حيث يقوم كل ُمغنّ من املغنني �أو امل�ؤدين‬ ‫ب�أداء دور من �أدوار املو�شحة واملطلع الذي يليه‬ ‫على انفراد‪ ،‬ويرتك الأداء ل�سواه‪ ،‬وال ب�أ�س �إذا‬ ‫قادنا اخليال �إىل �أنْ يفرغ كل ُمغنٍّ من �أداء‬ ‫ال��دور فيتبعه جماعة املن�شدين ب���أداء القفل‬ ‫الذي يليه وهكذا دواليك حتى بلوغ الدور الأخري‬ ‫ف��اخل��رج��ة‪ ،‬ف�ض ًال ع��ن ا�ستظرافهم لعن�صر‬ ‫املفاج�أة يف اخلرجة كم قدمنا‪.‬‬ ‫وقد انتقل فن التو�شيح �إىل امل�شرق يف وقت مبكر‬ ‫عن �سقوط غرناطة �آخر معاقل الأندل�س‪ ،‬بو�صفها‬ ‫ن�صو�ص ًا وح�سب‪ ،‬عن طريق الوافدين عليه من‬ ‫الأندل�س ب�سبب التجارة �أو احلج وزيارة العتبات‬ ‫املقد�سة �أو طلب العلم �أو ُحب الرحلة‪ ،‬غري �أن‬ ‫مو�سيقاها ت�أخرتْ يف الرحلة �إىل ال�شرق‪ ،‬حتى‬ ‫ا�صطحبها الأندل�سيون و�إياهم �إىل �أقطار املغرب‬ ‫العربي‪ ،‬يف رحلتهم الأخرية‪ ،‬بعد �سقوط الأندل�س‪،‬‬

‫وقد وجدتُ املو�شحات ُتن�شد ب�شكل جماعي يف ليبيا‬ ‫ولها فرقة كان ير�أ�سها املرحوم ح�سن العجمي‪،‬‬ ‫وي�سمون فنَّ التو�شيح «امل��أل��وف»‪ ،‬وكذلك الأمر‬ ‫يف تون�س حيث ُتن�شد املو�شحات ب�شكل جماعي‪،‬‬ ‫وهناك فرقة ت�ؤدي املو�شحات من جملة ما ت�ؤديه‬ ‫من معزوفات و�أغان‪ ،‬وت�سمى «فرقة املن�شدات»‪،‬‬ ‫ويف اجلزائر واملغرب يقع املرء على كثري من تراث‬ ‫الأندل�س املو�سيقي وال�سيما املو�شحات‪ ،‬وو�ضعوا‬ ‫فيها امل�ؤلفات الر�صينة‪.‬‬ ‫وق��د اعتنى امل�شرق العربي ب� ��أداء املو�شحات‬ ‫الأندل�سية‪� ،‬أو ما ي�سمونه كذلك‪ ،‬وكانت يف العراق‬ ‫فرقة للإن�شاد اجلماعي ت�سمى «فرقة الإن�شاد»‬ ‫ت ��ؤدي ما ت�سميه املو�شحات الأندل�سية‪ ،‬بقيادة‬ ‫املرحوم روحي اخلما�ش‪ ،‬ومثلها فرقة �إن�شاد يف‬ ‫م�صر �سميت فيما بعد بفرقة �أم كلثوم‪ ،‬ويف �سوريا‬ ‫ك��ان الأ�ستاذ �أب��و خليل القباين �أول من اعتنى‬ ‫مبو�سيقى املو�شحات الأندل�سية و�أدائها و�أ�س�س‬ ‫فرقة من �أجلها وانتقل بها �إىل م�صر‪ ،‬وقدم من‬ ‫�أجلها �أعظم جمهود‪ ،‬وبلغ الغاية‪ ،‬ولعلها اختلطتْ‬ ‫فيما بعد بالقدود احللبية على طريقة �صباح‬ ‫فخري‪ ،‬ويف لبنان �صدحت فرقة ر�ضا ب�أعذب‬ ‫الأحل� ��ان مم��ا ع��رف حت��ت م�س َّمى املو�شحات‬ ‫الأندل�سية‪ ،‬ثم كان لفريوز باقة منها‪.‬‬

‫امل�شارقةواملو�شحات‬

‫غري �أن مو�سيقى املو�شحات الأندل�سية مل يعرفها‬ ‫امل�شارقة‪ ،‬وما قدموه على �أنه مو�شحات �أندل�سية‬ ‫مغناة ال عالقة له باملو�شحات الأندل�سية على‬ ‫الإط �ل�اق‪ ،‬لأن موازينها وطبوعها بعيدة عن‬ ‫املوازين والطبوع امل�ستعملة يف الأندل�س وعن الذوق‬ ‫ال�سائد هناك‪ ،‬والغناء اجلماعي ال يعني بال�ضرورة‬ ‫�أن القطعة املغناة هي مو�شحة �أندل�سية‪ ،‬هذا ف�ض ًال‬ ‫عن �أن الن�صو�ص املغناة لي�ست مو�شحات �أندل�سية‬ ‫�أو حتى م�شرقية‪ ،‬بل هي –يف �أغلب الأحيان‪-‬‬ ‫ق�صائد �شعرية وح�سب‪ ،‬مثل ق�صيدة «يا من لعبتْ‬ ‫به �شمول» لل�شاعر امل�صري البهاء زه�ير التي‬ ‫غناها ناظم الغزايل على �أنها مو�شحة‪ ،‬وكذلك‬ ‫ق�صائد العبا�س بن الأحنف و�أبي بوا�س واحل�صري‬ ‫ال�ق�يرواين وعنرتة بن �شداد التي غنتها فريوز‬ ‫حتت م�سمى «�أندل�سيات»‪ ،‬ومل يكنْ بني ه�ؤالء من‬ ‫هو ّ‬ ‫و�شاح‪ ،‬وكثري من الق�صائد واملقطعات ال�شعرية‬


‫مت �أدا�ؤها بال�شكلني املنفرد �أو اجلماعي على �أنها‬ ‫مو�شحات �أندل�سية‪ ،‬ولع َّل من املفارقات �أنْ ُتغ ِّنـي‬ ‫العراقية �سليمة م��راد مو�شحة «�أيها ال�ساقي»‬ ‫للو�شاح الأندل�سي ابن زهر الأ�شبيلي على طريقة‬ ‫الأغنية العادية التي ي�ؤديها مغن منفرد على �شكل‬ ‫ما ي�سميه املو�سيقيون بـ «الكوبليهات» ي�شتمل كل‬ ‫كوبليه منها على الدور والقفل الذي يليه‪ .‬ومو�شحة‬ ‫«�أيها ال�ساقي» نف�سها خرجتها عامية وهي‪:‬‬ ‫قد منا حبك عندي وزكا‪ ....‬ال ْ‬ ‫تقل �أين يف حبكْ‬ ‫مُ�� َّدع��ي وق��د �سمعتها ب�صوت املطربة اللبنانية‬ ‫فادية طنب احل��اج ُم ْعـ َرب ًة‪ ،‬فقد و�ضعتْ حركة‬ ‫الفتح على كاف «حبك» يف ال�شطر الثاين ليكون‬ ‫الكالم ف�صيح ًا فاخت َّل الوزن‪ ،‬ظن ًا منها �أن ن�ص‬ ‫املو�شحة كله ُمع َرب ف�صيح حتى القفل الأخري‪،‬‬ ‫فاخت َّل ال��وزن‪ ،‬وفقد الن�ص روح الفنِّ وخا�صيته‬ ‫الكربى‪ ،‬وللمطربة احل��ق‪ ،‬فطاملا وردتْ خرجة‬ ‫هذه املو�شجة مبثل ما �أدتْـ ُه ونطقتْ به‪ ،‬يف كثري‬ ‫من كتب الأدب الأندل�سي‪ ،‬بل �إن جماعة من‬ ‫امل�ؤلفني حاول تغيري �ألفاظها لتن�ضبط مع قواعد‬ ‫ال َعرو�ض ووزن املو�شحة ال�شعري«!»‪ ،‬ظن ًا منهم �أن‬ ‫نا�سخ املو�شحة الأول قد وهم يف نقل الن�ص كما هو‬ ‫«!»‪ ،‬فورد هكذا‪:‬‬ ‫قد منا َ‬ ‫حبك عندي وزك‬ ‫ال ْ‬ ‫احلب �إين مدعي‬ ‫تقل يف ّ‬ ‫ومع هذا كله فقد �صدر عن ه�ؤالء امل�شارقة بحر‬ ‫من �أعذب الأحلان وهم يتعاملون مع الن�صو�ص‬ ‫على �أنها مو�شحات �أندل�سية‪ ،‬كما �صدحوا ب�أجمل‬ ‫الأ�صوات و�أكرث الأداء �إحكام ًا‪ ،‬وما ذاك �إال لأنّ‬ ‫املو�شحات الأندل�سية من فنون ال�تراث العربي‬ ‫الأ�صيلة الطريفة‪ ،‬وق��د ح��اول��وا خمل�صني �أن‬ ‫يتنف�سوه‪،‬و�أنيعملواعلى�إحيائه�أفراد ًاوجماعات‪.‬‬

‫تعريفنالفنالتو�شيح‬

‫حاولتُ �أن �أ�ضع تعريف ًا �أظنه جامع ًا مانع ًا لفن‬ ‫التو�شيح بعد �أن وقفت على كل ما يتعلق به من‬ ‫حقائق و�أ� �س��رار‪ ،‬كما حاولتُ �أن �أ�صحح كثري ًا‬ ‫مما �شابه من وهم وعدم فهم‪ ،‬و�أن �أ�صوغ له‬ ‫�صورة هي الأقرب �إىل طبيعته‪ ،‬و�أرى �ضرورة �أن‬ ‫يتف�شى هذا التعريف يف الأو�ساط ذات العالقة‪،‬‬ ‫و�أن ي�صري �إليه املنتهى‪ ،‬بد ًال من اال�ستمرار يف‬

‫الت�شبث مبقوالت القدماء واملحدثني مما ال‬ ‫ميكن الأخ��ذ به جملة واح��دة‪ ،‬ف�أقول‪ :‬هو فن‬ ‫�شعري معرب‪ ،‬ا�ستحدثه العرب يف الأندل�س‪،‬‬ ‫قبل نهاية القرن الثالث الهجري‪ ،‬بنوه على‬ ‫�أبيات يغلب �أن تكون خم�سة‪ ،‬وق��د تزيد على‬ ‫الع�شرة‪ ،‬و�أقل ما يرد فيه‪� :‬أربعة‪.‬‬ ‫و�أما البيت فيتكون من دور وقفل يليه‪ ،‬و�أما القفل‬ ‫من املو�شح التام في�سمى «املطلع»‪ ،‬ف ��إذا خال‬ ‫املو�شح منه و ُب��دئ بالدور �سمي املو�شح « أ�ق��رع»‬ ‫و«التام» ما ابتدئ بالقفل‪.‬‬ ‫و�أم��ا عدد �أق�سمة الأدوار والأقفال يف املو�شح‬ ‫الواحد‪ ،‬ف�شيء موكول ّ‬ ‫بالو�شاح‪ ،‬يختار ما يراه‬ ‫منا�سب ًا‪ ،‬على �أنْ ال يقل عن اثنني يف كل منهما‪،‬‬ ‫وقد يزيد يف القفل على ت�سعة �أق�سمة‪ ،‬ويف الدور‬

‫لم يعرف المشارقة‬ ‫موسيقى الموشحات‬ ‫األندلسية‪ ،‬وما قدموه‬ ‫بعيد عن الموازين‬ ‫والطبوع المستعملة‬ ‫في األندلس وعن الذوق‬ ‫السائد هناك‬

‫على اثني ع�شر ق�سيم ًا يف املو�شحات الأندل�سية‪.‬‬ ‫�أم��ا نظام التقفية فيه‪ ،‬فيعتمد على املراوحة‬ ‫بني قوايف كل من الأدوار والأقفال‪ ،‬على �أنها يف‬ ‫الأقفال الزمة تتكرر‪ ،‬ويف الأدوار تتغري من دور �إىل‬ ‫�آخر‪ .‬وقد تتحكم «اخلرجة» وهي القفل الأخري يف‬ ‫املو�شح‪ ،‬بوزن الأقفال‪ ،‬ورمبا الأدوار �أحيان ًا‪ ،‬لعلة‬ ‫التنا�سق الإيقاعي بينها وبني الأج��زاء الأخرى‪،‬‬ ‫فيخرج املو�شح �إىل وزن قد ال ميت �إىل �أوزان‬ ‫ال�شعر العربي ب�صلة‪ ،‬وال تربطه قاعدة عرو�ضية‬ ‫حم��ددة‪ ،‬ورمب��ا جمع املو�شح الواحد بني وزنني‬ ‫خمتلفني �أو �أكرث من هذا النوع لل�سبب نف�سه‪.‬‬ ‫ورمب ��ا � �س��اع��د‪� ،‬أي �� �ض � ًا‪ ،‬دخ ��ول امل��و��ش�ح��ات‬ ‫الأندل�سية يف �ضروب الغناء والأحلان املحدثة‬ ‫يف الأن��دل ����س‪ ،‬فيما ب�ع��د‪ ،‬على ك�ثرة �أوزان �ه��ا‬ ‫وق��واف�ي�ه��ا و�أ��ش�ك��ال�ه��ا ال�ع��رو��ض�ي��ة وتنوعها‪،‬‬ ‫وخروجها عن امل�ألوف يف ال�شعر العربي‪ ،‬ف�إذا‬ ‫جاء املو�شح على وفق ما هو م�ألوف من �أوزان‬ ‫ال�شعر العربي ُ�س ِّم َي «مو�شح ًا �شعري ًا»‪.‬‬ ‫وهكذا يتبدى لنا �أن فن التو�شيح الأندل�سي ينفرد‬ ‫عن باقي الفنون ال�شعرية بخ�صائ�ص فريدة مل‬ ‫ُي�س َبقْ �إليها وال جاء َبعده مثله يف تراث العرب‬ ‫ال�شعري‬


‫سراديب‬ ‫‪88‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫رحــلة نجــــــــ‬ ‫قبل‬

‫حممد النمر‬ ‫‪nemr200876@gmail.com‬‬

‫�أرب��ع �سنوات كنت �أ�ستعد ال�ستقبال عيد الفطر‬ ‫املبارك‪ ،‬عندما رن هاتفي وطلب مني �صديقي الذي‬ ‫يعمل ب�إحدى الدول اخلليجية �أن �أجهز حقيبتي لأكون عنده‬ ‫بعد �أقل من ع�شرة �أيام‪.‬‬ ‫قبل هذا الهاتف‪ ،‬كنت قد رف�ضت عدة عرو�ض للعمل يف دول‬ ‫عربية‪ ،‬مقتنع ًا بتفا�صيل �صورة ذهنية �سائدة عن �أجواء العمل‬ ‫هناك‪ ،‬والتي كانت يف معظمها �سلبية وغري مغرية خ�صو�ص ًا‬ ‫بالن�سبة ل�صحفي مدمن ملهنته وملا تنطوي عليه من تنوع و�إثارة‬ ‫وانفتاح‪ .‬لكنني هذه املرة مل �أملك �سوى �أن �أنزل على رغبة‬ ‫هذا ال�صديق الذي نقل يل على مدار �سنني انطباعات غاية‬ ‫يف الإيجابية عن دولة الإمارات جعلتني �أقرر خو�ض التجربة‪.‬‬ ‫خالل الأيام القليلة املتبقية على ال�سفر‪� ،‬شاهدت الكثري من‬ ‫الأفالم الوثائقية التي حتكي عن دولة الإمارات وم�شروعاتها‬ ‫احل�ضارية ال�ضخمة‪ ،‬ولفت انتباهي تلك القدرة العالية على‬ ‫التخطيط لهذه امل�شروعات‪ ،‬لدرجة جعلتني �أت�ساءل منبهر ًا‪:‬‬ ‫ه��ل حق ًا بيننا نحن ال�ع��رب م��ن يفكرون يف امل�ستقبل بهذه‬ ‫الطريقة!؟ جتهزت لل�سفر ول�سان حايل يقول‪� :‬إن �صح ن�صف‬ ‫ما ت�ضمنته هذه الأف�لام ومل تكن دعائية‪ ،‬ف�إنني مقبل على‬ ‫العي�ش يف واحدة من �أرقى دول العامل‪.‬‬ ‫يف زياراته ال�سابقة للقاهرة‪ ،‬حكى يل �صديقي عن روعة هذا‬ ‫البلد‪ ،‬عن دفئها‪ ،‬وع��ن قدرتها على اجلمع بني تكنولوجيا‬ ‫الغرب املتقدمة وروح العرب احلميمية‪ ،‬بطريقة ال تدع لإن�سان‬ ‫املجال لكي ي�شعر بالغربة عربي ًا كان �أم �أجنبي ًا‪.‬‬ ‫عندما و�صلت �إىل �أبوظبي‪ ،‬ويف �سيارة �صديقي‪ ،‬كنت �أ�شعر‬ ‫�أنني داخل لعبة من �ألعاب الكمبيوتر‪ ،‬ل�شدة االنتظام والرتتيب‬


‫ـــــــــاح عربيــــة‬ ‫واالن�ضباط‪ ،‬ال�سيارات ت�سري يف حاراتها املحددة‪ ،‬ملتزمة‬ ‫ب�سرعاتها املقررة‪ ،‬كل �سيارة تعرب من حارة �إىل حارة بدقة‬ ‫�شديدة ومن دون �إرباك لل�سيارات الأخرى‪ ،‬انده�شت جد ًا من‬ ‫دقة املرور وانتظامه‪ ،‬رغم �أنني زرت العديد من بلدان �أوربا‪،‬‬ ‫و�شاهدت ب�أم عيني ما تتمتع به من انتظام‪ ،‬وكنت يف �أعقاب‬ ‫زي��ارت��ي لليابان �أظ��ن �أن��ه ال توجد دول��ة عربية ق��ادرة على‬ ‫حتقيق ربع ما عاينته من ان�ضباط‪� ،‬إىل �أن زرت �أبوظبي التي‬ ‫�أده�شتني ب�سعة �شوارعها وانتظامها‪ ،‬وع��دم وج��ود �شرطي‬ ‫مرور واحد طوال الطريق‪ ،‬الكل يعرف ما ينبغي عليه فعله‪،‬‬ ‫الفتات على طول الطريق تر�شد قائد ال�سيارة ‪ ..‬كنت يف غاية‬ ‫الده�شة والإعجاب‪ ،‬نحن يف بلد عربي!؟ ت�ساءلت مب�شاعر‬ ‫خليطة بني الده�شة والفخر‪.‬‬ ‫كنت على بدايات ال��دفء و�أن��ا �أدخ��ل �إىل �أبوظبي‪� ،‬شوارع‬ ‫تت�سع لكل �أحالمي‪ ،‬بنايات مرتا�صة يف لوحة جمالية وك�أن‬ ‫هناك من خطط لبناء املدينة كلها يف ذات الوقت‪ ،‬التنا�سق‬ ‫املعماري بني البنايات‪ ،‬ال يجعلنا نراها وك�أنها بنيت يف فرتات‬ ‫متباينة‪ ،‬الأ�شجار الوارفة على اجلانبني تعدين باخ�ضرار‬ ‫الأفق يف عيني‪ ،‬وخليج‪ ،‬يداعب �أمنيات امل�صايف والراحة يف‬ ‫عقلي املنهك من لقاءات العمل‪.‬‬ ‫وا�صلت الرحلة من املطار �إىل العامل اجلديد الذي �أدخله‪،‬‬ ‫راح �صديقي يحكي يل عن ال�شيخ زايد‪ ،‬ومواقفه وحكاياته‬ ‫مع املواطنني‪ ،‬ال يتوقف‪ ،‬وال �أقاطعه‪ ،‬ذهبنا لتناول وجبة‬ ‫خفيفة يف �إحدى املطاعم امل�صرية‪ ،‬وعندما طال بحثه عن‬ ‫موقف ل�سيارته‪ ،‬ملحت مكان ًا خالي ًا ف�أ�شرت له عليه‪ ،‬وحني‬ ‫اقرتب �أجاب �إنه مكان خم�ص�ص للمعاقني‪ ،‬ثم داوم البحث‬

‫لدقائق �أخرى �إىل �أن خال له مكان ف�صف �سيارته فيه بهدوء‪،‬‬ ‫و�أنا �سعيد كل ال�سعادة بهذا النظام‪ ،‬مل يغر املكان اخلايل‬ ‫املخ�ص�ص للمعاقني �أي ًا من الباحثني عن مواقف ال�ستخدامه‪،‬‬ ‫اجلميع يلتزم بالقانون‪ ،‬والكل ي�ؤكد �أن القانون يف �أبوظبي‬ ‫فوق اجلميع‪ ،‬ال يهادن وال يحابي �أحد ًا‪.‬‬ ‫دخلنا لتناول الطعام‪ ،‬يف املطعم التدخني ممنوع‪ ،‬وال �أحد‬ ‫يدخن بالفعل‪ ،‬ال �أحد فع ًال يخالف القانون‪.‬‬ ‫لفت انتباهي بعدها حال توجهنا ملقهى ب�شارع خليفة‪ ،‬كل‬ ‫الأماكن بها �صورة لل�شيخ زاي��د رحمه اهلل‪ ،‬وال�شيخ خليفة‬ ‫رئي�س الدولة‪ ،‬ي�سرت�سل ال�صديق يف حكاياته عن ال�شيخ زايد‬ ‫ووعيه ب�أهمية املواطن و�أمنه و�سالمته و�سعادته‪ ،‬الفت ًا �إىل‬ ‫�أن �صور القادة هنا دليل حب واحرتام وتقدير كبري‪ ،‬مثلما‬ ‫تقوم �أنت بتعليق �صورة والدك يف �صدر غرفة ال�صالون معتز ًا‬ ‫و�سعيد ًا بظله الوارف عليك وعلى �أبنائك‪.‬‬ ‫تعودت التجول وحدي يف �شوارع �أبوظبي لأزداد �إعجاب ًا بها‬ ‫يوم ًا بعد يوم‪ ،‬و�أزداد تقدير ًا بوعي ال�شيخ زايد رحمه اهلل‪،‬‬ ‫الذي كان يخطط مل�ستقبل بالده يف كل �شيء‪ ،‬فرتك جما ًال‬ ‫للم�ستقبل يف كل �شيء لي�صنع دولة ت�ضاهي الأمم املتقدمة‬ ‫كما ن�سميها‪ ،‬مباين راقية‪� ،‬شوارع نظيفة‪ ،‬قانون يحرتمه‬ ‫اجلميع ويلتزم به اجلميع‪.‬‬ ‫م�شاعر الغرية والغبطة تنتابني‪� ،‬أمتنى �أن ت�صبح م�صر مثل‬ ‫الإم��ارات‪ ،‬والقاهرة مثل �أبوظبي‪ ،‬و أ�غ��ار من وعي حكامها‬ ‫واهتمامهم بتطور ب�لاده��م‪� ،‬أمت �ن��ى �أن ت�صري ك��ل ال��دول‬ ‫العربية �إم ��ارات عربية‪� ،‬أن ي�صبغ امل�شهد الإم��ارات��ي كل‬ ‫البلدان العربية‪ ،‬لكي ن�صنع مكانة متميزة بني الأمم‬


‫في حضرة الشعر‬ ‫‪90‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫املم�شوقة املع�شوقة‬

‫النخلة‪..‬‬

‫ملكة جمال الشجر‬ ‫في الشعر العربي‬ ‫�صالح ال�شهاوي‬

‫�إنها �شجرة العرب املباركة‪ ،‬جريدها عرائ�ش‬ ‫و�سقوف‪ ،‬وجذوعها �أعمدة وخو�صها ب�سط‬ ‫ومكاحل و�أثاث‪ ،‬وليفها حبال وح�شو للو�سائد‬ ‫وللمكاءات‪ ،‬والنوى غذاء الإبل والدواب‪ ،‬ناهيك‬ ‫عن التمر‪ ،‬وعن التمر ال ت�سل‪.‬‬ ‫ال تطالع �شجرة �إن�ساناً كما تطالعه النخلة‪.‬‬ ‫مرتفعة �شاخمة فاردة �أجنحتها بتن�سيق بديع‬ ‫يف كل اجتاه‪� ،‬إنها ال�شجرة الوحيدة التي ترتفع‬ ‫فيها كتلة �أغ�صانها مع كل ارتفاع للجذع‪.‬‬ ‫وي�صبح اجلذع �أ�شبه بيد قاب�ضة على جمموعة‬ ‫الأغ�صان ترفعها عالياً يف الف�ضاء ثابتة يف‬ ‫مركزها متمايلة مع ن�سمات الريح كلماّ هبت‬ ‫وك�أنها تلوح ل�صديق �آتٍ من بعيد‪.‬‬


‫من �أعجب ما يف النخلة حت ّول �ألوانها وتالعب‬ ‫اجتاه الظل مع انحناءات ال�سعف‪ .‬ف�أنت تارة‬ ‫تراها خ�ضراء ن�ضرة‪ ،‬وتارة خ�ضراء قامتة‬ ‫تتخللها ظ�لال حمراء غري حم��ددة وك�أنها‬ ‫انعكا�س للون اجلذع البني �أو �إناء رطب لذيذ‬ ‫�سوف حتمر وجناته باقرتاب موعد القطاف‪.‬‬ ‫يا للنخلة! فارعة ال�ط��ول‪ ،‬ممتدة القامة‪،‬‬ ‫يعلوها فرع جملل ب�سعفات كثيفة ت�أخذ �شكل‬ ‫الأقوا�س‪ ،‬بع�ضها فوق بع�ض‪� ،‬صانعة �إح�سا�س ًا‬ ‫مفعم ًا باملهابة‪ .‬تلك هي املالمح الأ�سا�سية‬ ‫التي تنطبق على نخلة التمر‪ ،‬وع�شرات �أنواع‬ ‫النخيل املنت�شرة يف بالد العامل‪.‬‬ ‫ومثلما كان العرب ال يقبلون و�صف ب�ستان‬ ‫ب �ـ«اجل �ن��ة» م��ا مل ي �ك��ن ال �ن �خ��ل �أح���د �أه��م‬ ‫مزروعاته‪ ،‬ف�إن الواحة ال تكون واحة ما مل‬ ‫ُ‬ ‫يعل النخل �أفقها!‪ .‬تلك هي ال�صورة التي‬ ‫ت�صنعها �شجرة النخيل ال�سامقة‪ ،‬فالواحة‬ ‫�أر����ض خ�صبة ح�ي��ة م�ع�ط��اء وه��ى يف قلب‬ ‫ال�صحراء‪.‬‬ ‫ويف ال �ب�لاد ال�ع��رب�ي��ة ال ��واح ��ات ه��ي م�لاذ‬ ‫التائهني يف الرمال‪� ،‬إنها الأمل يف �إح�سا�س‬ ‫�أي م�غ��ام��ر تلفظه امل �خ��اط��رة �إىل ف�ضاء‬ ‫اجلفاف‪ ،‬وك�أن تناثر الواحات يف ال�صحراء‬ ‫كان �أ�شبه مبحطات �سفر طبيعية غنية باملاء‬ ‫والتمر واحلياة‪.‬‬ ‫وال �ن �خ �ل��ة م��ن �أج��م��ل ال �ن �ب��ات��ات‪ ،‬فقمتها‬ ‫بخطوطها وبلونها الأخ�ضر وهيئتها ت�شبه‬ ‫ذي��ل الطاوو�س يف هيئته وجماله من حيث‬ ‫اخل�ط��وط وال�ل��ون وطريقة انت�شار ال�سعف‬ ‫والري�ش من م�صدر واحد‪.‬‬ ‫ولي�س اجل�م��ال حم���ص��ور ًا يف �شكل النخلة‬ ‫فقط‪ ،‬بل يف جميع �أجزائها‪� ،‬سواء القمة �أو‬ ‫ال�سعف �أو الثمر �أو اجلذع‪� ،‬أو الليف‪.‬‬ ‫ون �خ �ل��ة ال �ت �م��ر ن ��وع ف��ري��د ب�ي�ن الأج �ن��ا���س‬ ‫وال�ف���ص��ائ��ل النخلية امل �ع��روف��ة ع�ل��ى وج��ه‬ ‫الأر���ض‪ .‬ذل��ك �أن �أنثاها ال تنتج الثمار �إال‬ ‫بوا�سطة التلقيح‪ ،‬وتتخلق منها ف�سائل �أخرى‬ ‫يف عملية ت�شبه ال���والدة‪ ،‬وتتعدد �أ�صناف‬ ‫ثمارها حتى تقرتب من اخلم�سمائة‪ ،‬وميتد‬ ‫عمرها �إىل ‪ 150‬عام ًا �أو �أك�ثر‪ ،‬وق��د ي�صل‬ ‫طول الواحدة منها �إيل ‪25‬مرت ًا‪ ،‬وف�ض ًال عن‬

‫ذلك ال يت�ساقط ورقها حتى عند موت النخلة‬ ‫نف�سها!‪ .‬مثل هذه ال�سمات �ألهمت عامل ًا عربي ًا‬ ‫مبالغة و�صفية فو�ضع النخلة والإن�سان يف‬ ‫�سلة واح ��دة‪ ،‬حيث ر�صد �صفات م�شرتكة‬ ‫فالنخلة‪« :‬ذات جذع منت�صب‪ ،‬ومنها الذكر‬ ‫والأنثى‪ ،‬وال تُثمر �إال �إذا ُلقحت‪ ،‬و�إذا ُقطع‬ ‫ر�أ�سها ماتت‪ ،‬و�إذا قطع �سعفها ال ت�ستطيع‬ ‫تعوي�ضه من حمله كما ال ي�ستطيع الإن�سان‬ ‫تعوي�ض مفا�صله‪ ،‬والنخلة ّ‬ ‫مغ�شاة بالليف‬ ‫ال�شبيه ب�شعر اجل�سم يف الإن�سان»‪.‬‬

‫النخل واللغة‬

‫النخل‪ :‬واحدته نخلة قيل �إن��ه م�شتق من‬ ‫انتقاء ال�شيء واخ �ت �ي��اره‪ ،‬والنخيلة هي‬ ‫الن�صيحة اخلا�صة يقال‪" :‬ال يقبل اهلل �إال‬ ‫نخائل القلوب" �أي النيات اخلا�صة ونخل‬ ‫ال���ش��يء‪� :‬صفاه واخ �ت��اره والنخيل م�ؤنثة‬ ‫و�أم��ا النخل فيذكر وي��ؤن��ث ففي ال�ق��ر�آن‬ ‫الكرمي "�أعجاز نخل منقعر" «القمر‪،»20 :‬‬ ‫و "�أعجاز نخل خاوية " «احلاقة‪ »7 :‬ويف‬ ‫معجم �ألفاظ القر�آن الكرمي النخل �شجر‬ ‫الرطب والتمر واحدتها نخله وجمع النخل‬ ‫نخيل كعبد وعبيد والنخيل من العرب‬ ‫من ي�ؤنثه ومنهم من يذكره نقول النخل‬ ‫البا�سق والنخل البا�سقة وج��اء الكتاب‬

‫باللغتني ف�أما النخيل فم�ؤنث عند اجلمع‪.‬‬

‫�شجر اجلنة‬

‫وم��ن ال �ط��رائ��ف يف ك�ت��ب ال �ت�راث م��ا رواه‬ ‫ال�شعبي من �أن قي�صر ملك الروم كتب �إىل‬ ‫عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه‪�« :‬أم��ا بعد‬ ‫ف ��إن ر�سلي خربتني �أن قبلكم �شجرة مثل‬ ‫�أذان الفيلة ثم تن�شق عن مثل الدر الأبي�ض‬ ‫ثم تخ�ضر فتكون كالزمرد �ألأخ�ضر ثم حتمر‬ ‫فتكون كالياقوت ثم تن�ضج فتكون ك�أطيب‬ ‫فالوذج �أك��ل ثم تينع وتيب�س فتكون ع�صمة‬ ‫للقيم وزاد للم�سافر ف�إن تكن ر�سلي �صدقتني‬ ‫ف�إنها من �شجر اجلنة »‪ .‬فكتب �إليه عمر‪« :‬‬ ‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم من عبد اهلل عمر‬ ‫�أمري امل�ؤمنني �إىل قي�صر ملك الروم‪ .‬ال�سالم‬ ‫على م��ن اتبع ال�ه��دى �أم��ا بعد ف ��إن ر�سلك‬ ‫�صدقتك و�إنها ال�شجرة التي �أنبتها اهلل عز‬ ‫وجل على مرمي حني نف�ست بعي�سى فاتق اهلل‬ ‫وال تتخذ عي�سى �إلها من دون اهلل»‪.‬‬

‫يعطيك عمر النخيل‬

‫والنخل �أف�ضل ث��روة وق��د �أث��ر ع��ن ه��ارون‬ ‫ال��ر��ش�ي��د ق��ول��ه‪ « :‬ن�ظ��رن��ا ف � ��إذا ك��ل ذه��ب‬ ‫وف�ضة على وجه الأر���ض ال تبلغان ثمن نخل‬ ‫الب�صرة»‪ .‬ويقولون يف م�صر‪« :‬عنده مال‬


‫في حضرة الشعر‬ ‫‪92‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫وف� ��رع َي��زي��ن امل�ت�ن �أ� �س ��ود ف��اح��م‬ ‫�أث� � �ي � ��ث ك �ق �ن ��و ال� �ن� �خ� �ل ��ة امل �ت �ع �ث �ك��ل‬ ‫ويقول زهري بن �أبي �سلمي‪:‬‬

‫وه��ل ينبت اخل�ط��ي �إال و�شيجه‬ ‫وت� �غ ��ر� ��س �إال يف م �ن��اب �ت �ه��ا ال �ن �خ��ل‬

‫وك�م��ا حفظ لنا ال�شعر �سري امل�شاهري من‬ ‫النا�س حمل �إلينا �سري ال�شهريات من النخل‪،‬‬ ‫و�أ�شهر نخل العرب نخلتا حلوان كانتا من‬ ‫غر�س الأكا�سرة و�ضرب بهما املثل يف طول‬ ‫العمر‪ ،‬قيل فيهما �شعر كثري نختار من قول‬ ‫حماد عجرد‪:‬‬

‫والنخل حمال»‪ .‬ويقولون يف العراق‪« :‬املال‬ ‫مال النخيل واخليل لو �أقبلن»‪ .‬والنخل طويل‬ ‫العمر ول�ه��ذا يدعو النا�س لبع�ضهم بطول‬ ‫العمر فيقال‪« :‬يعطيك عمر النخيل»‪ .‬وقد‬ ‫غر�س معاوية غر�س ًا يف �أواخر خالفته وقال‪:‬‬ ‫«ما �أغر�سها طمع ًا يف �إدراكها ولكن ذكرت‬ ‫قول الأ�سدي‪:‬‬

‫ل�ي����س ال�ف�ت��ى ب�ن�ب��ي ي�ست�ضاء به‬ ‫وال ت � �ك� ��ون ل � ��ه يف الأر� � � � � ��ض �آث� � ��ار‬

‫حكاية النخلة عند العرب‬

‫وحكاية النخلة عند العرب مثل حكاية ال�سيف‬ ‫�أو البعري �أو اخل�ي��ل‪ ،‬فانت�شار ال�ع��رب فوق‬ ‫رقعة وا�سعة من الأر�ض باعد بني اجلماعات‬ ‫ال�سكانية فنمت اللغة العربية م�ستقلة يف‬ ‫جانبها ال�شعبي اليومي‪ ،‬الأم��ر ال��ذي �أوجد‬ ‫�أ�سما ًء متعددة وخمتلفة للأ�شياء نف�سها‪.‬‬ ‫وال�صلة ب�ين العربي والنخلة �صلة حميمة‬ ‫م�ؤكدة حتى لك�أن العربي يح�س �أن بينه وبينها‬ ‫و�شائج قربى‪ ،‬كذلك يعرف عن العربي �أن�سه‬ ‫للنخلة وحبه لها‪ ،‬فهذا ه��و عبد الرحمن‬ ‫ال��داخ��ل ر�أى فيها �أني�س ًا ل��ه يف غربته يف‬ ‫الأندل�س و�أنها غريبة هناك عن �أر�ضها مثله‬ ‫فقال‪:‬‬

‫أشهر نخل العرب نخلتا‬ ‫حلوان كانتا من غرس‬ ‫األكاسرة ُ‬ ‫وضرب بهما‬ ‫المثل في طول العمر‬ ‫وقيل فيهما شعر كثير‬

‫ج� � �ع � ��ل اهلل �� � �س � ��درت � ��ي ق �� �ص��ر‬ ‫� �ش�ي�رع ��ن ف � � ��داء ل �ن �خ �ل �ت��ي ح �ل ��وان‬ ‫ج�ئ��ت م�ست�سعد ف�ل��م ت�سعداين‬ ‫وم � �ط � �ي� ��ع ب � �ك� ��ت ل � � ��ه ال� �ن� �خ� �ل� �ت ��ان‬ ‫وقال مطيع بن �إيا�س فيهما‪:‬‬

‫�أ� � �س � �ع� ��داين ي� ��ا ن �خ �ل �ت��ي ح �ل ��وان‬ ‫واب �ك �ي��ا يل م ��ن ري ��ب ه ��ذا ال��زم��ان‬ ‫واعلما – �إن علمتما – �إن نح�سا‬ ‫فقلت �شبيهي يف التغريب والنوى‬ ‫� � � �س� � ��وف ي � �ل � �ق� ��اك � �م� ��ا م � �ت � �ف ��رق ��ان‬ ‫وط��ول اكتئابي عن بني وع��ن �أهلي‬ ‫ن���ش��أت ب ��أر���ض �أن ��ت فيها غريبة‬ ‫فمثلك يف الإق�صاء واملنتائي مثلي وق��د ك ��ان‪ ،‬واف�ترق��ا ب��ال�ف�ع��ل‪ ،‬ح�ي��ث اح�ت��اج‬ ‫الر�شيد يف م�سرية له �إىل اجلمار حل��رارة‬ ‫�شقتك غ ��وادي امل��زن يف املنتائي‬ ‫الذيي�صحوي�ستمرىامل�ساكنيبالوبل ث��ارت به ف�أخذ جمارة �أحدهما فجفت فلم‬

‫تلبث �صاحبتها �أن تبعتها‪.‬‬ ‫وال�شعر العربي مملكة النخلة التي ال تطاولها قال �أحد ال�شعراء ي�صف النخيل‪:‬‬ ‫فيها قامة حيث مل تعامل النخلة يف ال�شعر ك�أن النخيل البا�سقات وقد بدت‬ ‫ل �ن ��اظ ��ره ��ا ح �� �س �ن��ا ق� �ب ��اب زب ��رج ��د‬ ‫العربي ب�أقل مما عومل الب�شر‪ .‬ولأن هناك‬ ‫تاريخ ًا م�شرتك ًا بني العربي والنخل‪ ،‬تغني وق��د علقت م��ن حولها زينة لها‬ ‫ق �ن��ادي��ل ي ��اق ��وت ب ��أم ��را� ��س ع�سجد‬ ‫بنخله ونخيله تغني بها طلع ًا وهو �أول التمر‪،‬‬ ‫ثم غناها وهي خالل وهو ما اخ�ضر من التمر‬ ‫ثم �شدا بها ب�سر ثم رطب ثم متر‪ .‬فال يكاد ويف و�صف النخيل يقول ال�سري الرفاء‪:‬‬ ‫ال�شعر العربي‪ ،‬القدمي �أو احلديث‪ ،‬يخلو من فالنخل م��ن با�سق فيه وبا�سقة‬ ‫ي�ضاحك الطلع يف قنواته الرطبا‬ ‫ذكر النخيل‪،‬لأن النخيل يف احلقيقة كانت‬ ‫امل�صدر الرئي�سي للغذاء لدى العرب‪ .‬يقول �أ�ضحت�شماريخهيفالنحرمطلعة‬ ‫تبدت لنا و�سط الر�صافه نخلة‬ ‫�أم � ��ا ث ��ري ��ا‪ ،‬و�إم� � ��ا م�ع���ص�م��ا خ�ضبا‬ ‫تناعت ب�أر�ض الغرب عن بلد النخل امر�ؤ القي�س وا�صف ًا �شعر املر�أة‪:‬‬


‫الصلة بين العربي والنخلة‬ ‫صلة حميمة مؤكدة حتى‬ ‫لكأن العربي يحس أن بينه‬ ‫تريك يف الظل عقيانا ف�إن نظرت‬ ‫��ش�م����س ال �ن �ه��ار �إل �ي �ه��ا خ�ل�ت�ه��ا لهبا وبينها وشائج قربى‬

‫ط �ع��ام ال �ف �ق�ير وح� �ل ��وى ال�غ�ن��ي‬ ‫وزاد امل � � �� � � �س� � ��اف� � ��ر وامل � � � �غ � �ت ��رب‬ ‫ف �ي��ا ن �خ �ل��ة ال ��رم ��ل مل ت�ب�خ�ل��ي‬ ‫وال ق � �� � �ص � ��رت ن � � �خ� �ل��ات ال� �ت ��رب‬

‫�أم��ا ت��رى النخل قد ن�ثرت بلحا‬ ‫ويقول �أي�ض ًا‪:‬‬ ‫ج� � � ��اء ب � �� � �ش�ي��را ب� � ��دول� � ��ة ال� ��رط� ��ب‬ ‫وك� � � � ��أن ال� �ن� �خ ��ل ح� � ��ول ق �ب��اب �ه��ا‬ ‫ظ ��ل ال �غ �م ��ام �إذا ال �ه �ج�ي�ر ت��وق��دا م� �ك ��اح�ل�ا م � ��ن زم� � � ��رد خ��رط��ت‬ ‫وال�شاعر حممود ح�سن �إ�سماعيل �شاعر‬ ‫م� �ق� �م� �ع ��ات ال � � ��ر�ؤو� � � ��س ب ��ال ��ذه ��ب عا�شق النخل فال ترى �إحدى ق�صائده حتى‬ ‫م��ن ك��ل خ�ضراء ال��ذوائ��ب زينت‬ ‫تنت�صب يف وجهك نخله ولعل �أ�شهر ق�صائده‬ ‫ب � �ث � �م� ��اره� ��ا ج� � �ي � ��دا ل � �ه� ��ا م� �ق� �ل ��دا‬ ‫وقال �آخر يف و�صفه‪:‬‬ ‫ النيل ‪ -‬يقول يف مطلعها‪ :‬‬‫خرقت �أ�سافلهن �أع�م��اق ال�ثرى‬ ‫ح �ت��ى ات� �خ ��ذن ال �ب �ح��ر ف �ي��ه م� ��وردا ان� �ظ ��ر �إىل ال �ب �� �س��ر �إذ ت �ب��دى‬ ‫�� �س� �م� �ع ��ت يف �� �ش� �ط ��ك اجل �م �ي��ل‬ ‫ول � � ��ون � � ��ه ق � � ��د ح� � �ك � ��ي ال� ��� �ش� �ق� �ي� �ق ��ا‬ ‫م� � � ��ا ق � � ��ال � � ��ت ال� � � ��ري� � � ��ح ل� �ل� �ن� �خ� �ي ��ل‬ ‫��ش�ج��ر �إذا م��ا ال���ص�ب��ح �أ��س�ف��ر مل‬ ‫ي �ن��ح ل�ل��أم ��ن ط ��ائ ��ره ول �ك��ن غ ��ردا ك� � � � � ��أمن � � � � ��ا خ � � ��و�� � � �ص � � ��ه ع � �ل � �ي� ��ه‬ ‫ي � �� � �س � �ب� ��ح ال � � �ط �ي ��ر �أو ي �غ �ن ��ي‬ ‫زب � � � � � ��رج � � � � � ��د م� � � �ث� � � �م � � ��ر ع � �ق � �ي � �ق� ��ا‬ ‫وي � � � �� � � � �ش� � � ��رح احل � � � � � ��ب ل� �ل� �خ� �م� �ي ��ل‬ ‫و�أغ� � ��� � �ض � ��ن ت � �ل� ��ك �أم � �ص �ب��اي��ا‬ ‫والنخلة عرو�س �أخذت زينتها يقول �أبو نوا�س‪:‬‬ ‫قولهم‪:‬‬ ‫النخل‬ ‫يف‬ ‫العرب‬ ‫�شعر‬ ‫ومن‬ ‫�� � �ش � ��رب � ��ن م � � ��ن خ� � �م � ��ر الأ�� � �ص� � �ي � ��ل‬ ‫ال �أنعت الرو�ض �إال ما ر�أي��ت به‬ ‫ق�صرا منيفا عليه النخل م�شتهل با�سقات النخل يف الطلع الن�ضيد‬ ‫ت � �ت � �ه ��ادى ك � ��ال � �ع � ��ذارى يف احل �ل��ي وقالت ال�شاعرة عاتكة وهبي اخلزرجي‪:‬‬ ‫فهالة من �صفتي �إن كنت خمتربا‬ ‫ت �ب��ارك��ت ي ��ا ن �خ �ل��ة ال���ش��اط �ئ�ين‬ ‫وخم �ب ��را ن� �ف ��را ع �ن ��ى �إذا � �س ��أل ��وا‬ ‫�شوقي‪:‬‬ ‫أحمد‬ ‫�‬ ‫ال�شعراء‬ ‫أمري‬ ‫�‬ ‫فيه‬ ‫ويقول‬ ‫وي� � � ��ا �آي � � � � ��ة الأع � � �� � � �ص � ��ر ال� �ب ��اق� �ي ��ة‬ ‫ن �خ��ل �إذا ج �ل �ي��ت �إب� � ��ان زي�ن�ت�ه��ا‬ ‫الح ��ت ب��أع�ن��اق�ه��ا �أغ��داق �ه��ا ال�ن� ٌّ�خ��ل �أرى �شجرا يف ال�سماء �أحتجب‬ ‫َن �ه �ل��تِ اخل� �ل ��ود م ��ن ال��راف��دي��ن‬ ‫و� � �ش� ��ق ال � �ع � �ن� ��ان مب� � � � ��ر�أى ع �ج��ب‬ ‫ف � � �ب� � ��ورك� � ��ت م � �� � �س � �ق � � ّي� ��ة �� �س ��اق� �ي ��ة‬ ‫م� � � � ��آذن ق� ��ام� ��ت ه� �ن ��ا �أو ه �ن��اك‬ ‫ويقول �أي�ضا‪:‬‬ ‫�أظ � �ل� ��ي �أي� � ��ا ن �خ �ل��ة ال �� �ش��اط �ئ�ين‬ ‫�ذب‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ش‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�ن‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫درج‬ ‫�ا‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ه‬ ‫�ر‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ه‬ ‫�وا‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ظ‬ ‫ك��رائ��م يف ال���س�م��اء زه�ي�ن ط��وال‬ ‫ف � � � � � � � ��ؤادي ب� � ��أف� � �ي � ��ائ � ��ك احل� ��ان � �ي� ��ة‬ ‫ف � �ف� ��ات ث � �م� ��اره� ��ا �أي � � � � ��دي اجل � �ن ��اة �أه ��ذا ه��و النخل ملك الريا�ض‬ ‫�أم� �ي ��ر احل � �ق� ��ول وع� ��ر�� ��س ال� �ع ��زب النخلة يف اجلزيرة العربية‬ ‫قالئ�ص يف ال��ر�ؤو���س لها �ضروع‬ ‫وللنخلة يف اجلزيرة العربية متيز يف �أ�صالتها‬ ‫ت� � � � ��در ع� � �ل � ��ي �أك � � � � � ��ف احل � ��ال� � �ب � ��ات‬ ‫�أم��ا املعري فقد �شرب من م��اء دجلة وزار‬ ‫�أ�شرف ال�شجر فيقول‪:‬‬

‫� �ش��رب �ن��ا م � ��اء دج� �ل ��ة خ �ي�ر م ��اء‬ ‫وزرن� � ��ا �أ� � �ش� ��رف ال �� �ش �ج��ر ال�ن�خ�ي�لا‬ ‫وو�صف �أحد ال�شعراء النخلة قائال‪:‬‬

‫والنخل حول النهر مثل عرائ�س‬ ‫ن �� �ص��ت غ ��دائ ��ره ��ا ع� �ل ��ى غ � � ��درانِ‬ ‫وال�ط�ل��ع م��ن ط ��رب ي���ش��ق ثيابه‬ ‫م� �ن� �ت� ��� �ش ��راً ك ��ان� �ت� ��� �ش ��ار اجل � � � ��ذالنٍ‬ ‫وقال �شاعر �آخر ي�صف البلح‪:‬‬

‫ولأه��ل اجلزيرة ع�شق �أكرث من غريهم لها‬ ‫هذا الع�شق �سكب من خالله ق�صائد غزل‬ ‫ولعل �أح�سن ما قيل يف هذا ال�صدد �أبيات‬ ‫لل�شاعر حممد بن عبد ال�ق��ادر الأح�سائي‬ ‫ي�صف فيها اجتماع ًا له مع بع�ض ندمائه من‬ ‫امل�شايخ وطلبة العلم يف عني �أم �سبعة حيث‬ ‫يقول‪:‬‬

‫كـ�أن جموع النخل يف عر�صاتها‬ ‫��ص�ف��وف ع ��ذارى حملتها الغالئل‬ ‫�إذا روح��ت ري��ح ال�شمال ر�ؤو�سها‬ ‫مت �ي��ل ك �م��ا م� ��ال امل� �ح ��ب امل��وا� �ص��ل‬ ‫ف �ي��ا ح �ب��ذا ب ��رد ال�ن���س�ي��م بظلها‬ ‫وي � ��ا ح� �ب ��ذا ذاك ال� �ن� �ق ��ا وامل � �ن� ��ازل‬


‫في حضرة الشعر‬

‫‪94‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫كان العرب ال يقبلون‬ ‫وصف بستان بـالجنة ما‬ ‫لم يكن النخل أحد أهم‬ ‫و�أما ال�شاعر الأح�سائي �أي�ض ًا حممد اجللواح مزروعاته كذلك فإن‬ ‫فيقول عن النخلة‪:‬‬ ‫الواحة ال تكون واحة ما‬ ‫�شمو ّخ بال زي� ٍ�ف‪ ..‬حتدت جذوره‬ ‫ُ‬ ‫يعل النخل أفقها‬ ‫لم‬

‫ع � ��وادي ال �ل �ي��ايل وال �ف �ن��ا َء امل ُ���س�ه��دا‬ ‫�أال ي��ا نخيل اهلل ال َج � ّذ ج� َذع��كِ‬ ‫م ��ن الأر� � � ��ض ب� � ّت ��ا ُر َي � � �دُك امل ُ��� َ�ش �ي��دا و��ش�ح�ت�ه��ا ب��ال��زه��ر ي�ع�ب��ق ن���ش��ره‬ ‫ح �ت��ى ب� ��دت � �ض��رب �اً م ��ن الأغ �� �ص��ان‬ ‫ويقول ال�شاعر يو�سف �أبو �سعد عن النخلة‪ :‬و�سكبت من ذوب الف�ؤاد م�شاعري‬ ‫م��ن و��ش��و��ش��ات ال�ن�خ��ل لل�شبعان‬ ‫ف�ت�رن� �ح ��ت م� �ث ��ل ال� ��دم� ��ى �أوزاين‬ ‫� �ص �غ��ت ال � �ق� ��وايف‪ ،‬وان �ت ��زع ��ت ب�ي��اين‬ ‫ويقول �أي�ض ًا عنها‪:‬‬

‫�� �س� �ن ��د� ��س ف� ��ات� ��ن وم � � � ��اء ف � ��رات‬ ‫ون � � �خ � � �ي� � ��ل ب � �ط � �ل � �ع � �ه� ��ا زاه� � � �ي � � ��ات‬ ‫ي��اع��رو���س اخلليج ح�سبك فخراً‬ ‫ج � �ن � �ب� ��ات ه � ��ام � ��ت ب � �ه� ��ا اخل� �ل� �ج ��ان‬

‫ون��ت ��أم��ل �إب�����داع ‪ -‬ع��ب��داهلل اجل�����ش��ي‪-‬‬ ‫ووف��ائ��ه للنخلة ه��ذه ال�شجرة املباركة‬ ‫ملا متثله من عطائها الالمنتهي الدائم‬ ‫والوفري م�صداق ًا لقول ر�سول اهلل �صلى‬ ‫اهلل عليه و�آله �سلم ‪ -‬بيت لي�س فيه متر‬ ‫�أهله جياع‪:‬‬

‫ي��ا ن�خ�ل��ة وق �ف��ت ب��ال���ش��ط با�سقة‬ ‫ي �� �ص��ب يف ت��اج �ه��ا �أ� � � �ض � ��واءه زح��ل‬ ‫مدت�إىلال�شم�س�أيديهام�صافحة‬ ‫و�أر�� �س� �ل ��ت ظ�ل�ه��ا يف ال �ن �ه��ر يغت�سل‬ ‫ت�غ�ل�غ��ل امل � ��اء يف �أع ��راق� �ه ��ا ع��ذب �اً‬ ‫ف� ��أمت ��ر ال � ��در وامل� ��رج� ��ان وال �ع �� �س��ل‬ ‫ل �ق��د وه �ب��ت ل �ن��ا ظ�ل� ً‬ ‫ا ت �ف��يء له‬ ‫الخ� �ي� �م ��ة رت� � ��ة يف ال� �ب� �ي ��د ت��رحت��ل‬ ‫�أم��ا ال�شاعر الإم��ارات��ي �سيف حممد املرى‬ ‫فيقول يف ق�صيدته‪ -‬النَّخْ َلة‪ -‬من ديوانه –‬ ‫الأغاريد والعناقيد‪:-‬‬

‫ه��ام��ت ب �ح��ب ال�ن�خ�ل��ة ال���ش�ع��راء‬ ‫ف �ج��رت ع�ل��ى ��س�نن ال �ه��وى الأه� ��وا ُء‬ ‫وت �ت��اب �ع��ت يف و� �ص �ف �ه��ا �أب �ي��ات �ه��م‬ ‫واحل ��ب ع�ن��د ب�ن��ي ال�ق��ري����ض ع�ط��ا ُء‬

‫ذك ��روا ل�ه��ا �أف���ض��ال�ه��ا و��س�خ��اءه��ا‬ ‫ي � ��ا ط� ��امل� ��ا ج � �ل ��ب امل � ��دي � ��ح �� �س� �خ ��ا ُء‬ ‫�سبحان من�شئها الذي من ف�ضله‬ ‫م� � � � ��اال ي� � �ع � ��د وم� � � � ��ن ل � � ��ه الآال ُء‬ ‫كانت علي طول احلياة وعر�ضها‬ ‫م��ن خ�ي�ر م��ا ج� ��ادت ب��ه ال �� �ص �ح��را ُء‬ ‫ك��ان��ت ل�ن��ا ظ�ل ً�ا وك��ان��ت مطعماً‬ ‫� ْإن ق � ��ل زاد �أو �أ�� � �ص � ��اب ق �� �ض ��ا ُء‬ ‫م ��ن مت ��ره ��ا ن �ح �ي��ا زم ��ان � �اً ك�ل�م��ا‬ ‫�� �َ�س � � َن � � ُة ع �ل �ي �ن��ا �أَ ْق � � � َب � � �لَ� � ��تْ � �ش �ه �ب��ا ُء‬ ‫وث �م��اره��ا ال��رط��ب اجل �ن��ي ك ��أن � ُه‬ ‫ع �� �س��ل وط� �ي ��ب م � ��ذا ِق� � � ِه � َ��ص� � ْه� � َب ��ا ُء‬ ‫ن���ض�ج��تْ ب�ل�ا ن� ��ا ٍر ب �ه��ا �أث �م��ا ُره��ا‬ ‫�اب يف �إ ْن � �� � �ض� ��اج � �ه� ��ن امل � � ��ا ُء‬ ‫�إ ْذ ن � � � � َ‬ ‫عجباً من الأ�ضداد كيف ت�شاكلتْ‬ ‫وم � � ��ن ال � �ع � �ج ��ائ ��ب �أن� � �ه � ��ن � � �س� ��وا ُء‬ ‫ه��ي ك�ل�ه��ا خ�ي�ر ف�ل�ي����س لف�ضلها‬ ‫ح � � ��د وال جل� �م� �ي� �ل� �ه ��ا �إح � � �� � � �ص � ��ا ُء‬ ‫�أع �ل �م��ت ع��ن خ�ب�ر امل���س�ي��ح و�أم � � ِه‬ ‫مل � � � �اّ �أت � � ��اه � � ��ا امل � � ��ول� � � � ُد ال � ��و�� � �ض � ��اءُ؟‬ ‫َ‬ ‫وت�ساقط الرطب املبارك عندما‬ ‫ه � � � �زَّتْ ب � �ج� ��ذ ِع ال �ن �خ �ل��ة ال� � �ع � ��ذرا ُء‬ ‫ِن� � ْع� � َم ال �ع �ط �ي � ُة م ��ن �إل � � � ٍه واه� ��بٍ‬ ‫ع� �ظ� �م ��تْ ل � ��ه الآال ُء وال� �ن� �ع� �م ��ا ُء‬ ‫عِ ْ�شنا عليها ح�ين مل ي��ك عندنا‬ ‫ن� � �ف � ��ط وال م� � � � ��ال وال �إث� � � � � � � ��را ُء‬ ‫�شامخ‬ ‫وقفت على الدهنا ِء وقفة‬ ‫ٍ‬ ‫�� �ش� �ه ��دت ل� �ه ��ا ب� ��ال � �ع� ��ز ِة ال� ��ده � �ن� ��ا ُء‬ ‫غ��ر���س ب��ه الآب � ��ا ُء ع��ا� �ش��وا حِ �ق�ب� ًة‬ ‫�أن � � �ع� � ��م مب� � ��ا ق� � ��د خ� � �ل � � َ�ف الآب � � � � � ��ا ُء‬ ‫ع �ه��د ع�ل�ي�ن��ا �أن ن �ظ � َّل ن���ص��ون�ه��ا‬ ‫دوم � � � � �اً ون� � �ح � � ُ�ن ب� �ع� �ه ��دن ��ا �أم� � �ن � ��ا ُء‬ ‫مي �إذا �أَت� �ي ��ت تعين ُه‬ ‫َط �ب��ع ال� �ك ��ر ِ‬ ‫رد اجل � �م � �ي� ��لِ و َه � � �ك� � ��ذا ال � �ك� ��رم� ��ا ُء‬ ‫ف � ��إذا ِب � َق��وم��ي ح�ي َ�ن زاد نعي ُمهم‬ ‫َردوا ال �� �ص �ن �ي � َع ل �ه��ا وذاك وف � ��ا ُء‬ ‫مل ي � ْق �ل �ع��وه��ا ك ��ي ي���ش�ي��د ُف �ن� ُ‬ ‫�دق‬ ‫�أو َي� � ْ�ح � � ِرق� ��وه� ��ا ك � ��ي ي � �ق� ��ام ِب � �ن� ��ا ُء‬


‫ثان‪ -‬فيقول يف ق�صيدة له حتت عنوان‪� :‬أمام‬ ‫اجل � � � � � � � � ��از خ � � �ل � � ��� � ��ص وال� � � �ف� �ن ��ر‬ ‫ب� ْ�ل �أَك � ْر ُم��وه��ا ذا ِك��ري� َ�ن َ�صني َعها‬ ‫م � � � � ��ا ي � � �� � � �ش� � ��ب ب � � � ��دم � � � ��ع ال � � �ع� �ي��ن النخلة‪ ،‬من ديوان الليل وال�ضفاف‪:‬‬ ‫ح��ا��ش��ا ل � ُه � ْم � ْأن �أَ ْح ��� َ�س � َن��تْ و�أَ�� �َ�س� ��ا�ؤُوا‬

‫ب � �ي � �ع� ��وين يف � � � �س � ��وق احل � � � ��راج‬ ‫�أم��ا ال�شاعر جا�سم ال�صحيح فيحكي كيف‬ ‫ب � � ��ارخ� � � �ي� � � �� � � ��ص ول � � � � � ��و ف� �ل� ��� �س�ي�ن‬ ‫�أن ج��ذوره وج��ذور �أهله تت�شابكان مع جذور ب� �ي� �ع ��وين ب� �� ��س ي� �ب� �ق ��ي ال �ن �خ��ل‬ ‫النخيل �إىل احل��د ال ��ذي ال ميكن الف�صل‬ ‫وي� � � �ب� � � �ق � � ��ي ال� � � �ب� � � �ح � � ��ر ب� � �ح � ��ري � ��ن‬ ‫بينهما قائ ًال‪:‬‬

‫� �س�ل�ال � ُت �ن��ا مت �ت ��د يف ك� ��ل ن�خ�ل��ة‬ ‫وي��دع��و ال���ش��اع��ر ‪-‬ع �ب��د ال��رح �م��ن رف �ي��ع‪ -‬يف‬ ‫ف ��إن مل جن��د خ��ا ًال وج��دن��ا بها عما ق�صيدة �أخ��رى �إىل الزراعة و�إىل كون النفط‬ ‫النا�س عزاً وطيبة‬ ‫وما النخ ُل �إال ُ‬ ‫مادة نا�ضبة والبد �أن نتم�سك بنخلنا الغايل‪،‬‬ ‫فثمة نخل يلب�س اللحم والعظما يقول يف ختام ق�صيدة له حتت عنوان زرعوا‬ ‫البحرين‪:‬‬ ‫وختاما ي��رى ال�شاعر ناجي احل��زر النخل م� � ��ا يف �أح � � �ل� � ��ى م� � ��ن ال �ن �خ �ي ��ل‬ ‫نهاية الأمنيات فيقول‪:‬‬ ‫وال �أك� � � � � � ��رم م � �ن � �ه� ��ا � � � �ش� � ��يء ك � ��ان‬

‫ي � � � ��ا ن� � �خ� � �ل � ��ة ف � � � � ��وق ال � �ك � �ث � �ي� ��ب‬ ‫مهجورة الأ�صحاب يحجبها الغروب‬ ‫م � � � � �ع � � � � �ق� � � � ��وف� � � � ��ة ال � � �� � � �س � � �ع � ��ف‬ ‫ت � � � � �ن� � � � ��او� � � � � �ش � � � � �ه� � � � ��ا اخل� � � � � �ط � � � � ��وب‬ ‫ووح� �ي ��دة خ �ل��ف ال ��رم ��ال احل�م��ر‬ ‫ي� � � � � ��دم � � � � � �ي � � � � � �ه� � � � � ��ا ال� � � � � �ه� � � � � �ب � � � � ��وب‬ ‫يف ال �ق �ي��ظ ي �ح��رق �ه��ا ال �� �س �م��وم‬ ‫ويف �صقيع ال�ب�رد يربحها اجلنوب‬ ‫وك� � � � � � � � � ��أن ه� � �م� � �� � ��س ح� �ف� �ي� �ف� �ه ��ا‬ ‫«وي��ح لنف�س ال يطاوعها ال�ه��روب»‬

‫ويقول ال�شاعر ‪ -‬ابن مقرب العيوين‪ -‬متحدث ًا عن‬ ‫�� �س� �ق ��اك اهلل ي� ��ا �أح � �� � �س� ��ا ُء ع�م��ا‬ ‫وال � � �ن � � �خ � � �ل � ��ة ت � �ط � �ل � ��ع وت � � �ق � ��وم‬ ‫كرثة خريات اخلليج لكن �سوء ا�ستغالل الرثوة‬ ‫�� �س� �ق� �ي ��ت ق� �ل ��وب� �ن ��ا ف � �� � �ض �ل� ً‬ ‫ا وم� �ن ��ا‬ ‫وع � � � � ��وده � � � � ��ا دوم ع � � � � � ��ود ري � � � ��ان‬ ‫ت�سبب يف حرمان عامة النا�س من هذه اخلريات‪:‬‬ ‫ف � � ��رب �� �س ��وي� �ع ��ة يف � � �ش ��ط ن �ه��ر‬

‫وخ�ضر النخيل ع��ن ي�سرى ومينى‬ ‫�أن � ��ال � ��ت ك� ��ل ن �ف ����س م� ��ا ت���ش�ه��ت‬ ‫و�أع � � � �ط� � � ��ت ك � � ��ل ق � �ل � ��ب م � � ��ا مت �ن��ى‬

‫النخلة يف ال�شعر ال�شعبي‬

‫للنخلة يف ال�شعر ال�شعبي مكانة كبرية‪ ،‬فقد‬ ‫قال ال�شاعر ال�شعبي‪:‬‬

‫م � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر�آك ي � � � � � � � � � ��ا ن� � � �خ � � ��ل‬ ‫ي � � � �� � � � �ش � � � �ج � � � �ي � � � �ن� � � ��ي ي � � �ع � � ��ذب � � �ن � � ��ي‬

‫ت� �ن� �ب ��ت يف الأر�� � � � � ��ض ال �� �س �ب �خ��ة‬ ‫�أم��ا �سهمنا يف بحرنا امل�ل��ح م��ا�ؤه‬ ‫ويف ال � � ��رم� � � �ل � � ��ة ام ال � �� � �ص � �ب� ��ان‬ ‫ويف نخلها العم ال�ط��وادي جذوعها‬ ‫ويف � �س��اع��ة اجل � ��ود م �ث��ل اخل ��ود‬ ‫ول �ي ����س ل �ن��ا يف ال� ��در �إ ّال حم��اره‬ ‫ت � �ع � �ط � �ي � �ن� ��ا ال� � � �ل � � ��ول � � ��و وال � � � � � � ��دان‬ ‫وال يف ��س�ع��وف ال�ن�خ��ل �إ ّال قموعها‬ ‫�� �س� �ل� �م ��ى وح� � �ل � ��او واخ � �ن � �ي � ��زي‬ ‫�أغ� � � �ل � � ��ى م � � ��ن ال� � � � � ��در وامل � � ��رج � � ��ان‬ ‫�أما املوال ال�شعبي اخلليجي فيقول‪:‬‬ ‫اه � � � ��ي الأم واه� � � � � ��ي ال� � ��وال� � ��د‬ ‫ �أب��ات بافكار وا�صبح فوق عايل نوى «نوى‪:‬‬‫ويف �� �س ��اع ��ة ال � �� � �ش� ��دة والإخ� � � � � ��وان ال�سحاب»‬ ‫وه � � � ��ي امل� ��� �س� �ت� �ق� �ب ��ل ل� �ي ��ن � �ش��ح‬ ‫ وم��ن ال�ه���ض��م م��ا ي�سليني ح �ج��از ون��وي‬‫ال � � � � � � � � � � ��زاد يف ك� � � � � ��ل ال � � � �ب � � � �ل� � � ��دان «ال�ه���ض��م‪ :‬ال�ظ�ل��م‪ ،‬ح �ج��از ون� ��وى‪ :‬مقامان‬ ‫ب� ��اج� ��ر ل �ي��ن �� �ص ��اح ��ت ل �ب �ط��ون‬ ‫مو�سيقيان �شهريان»‬ ‫ي � � �ت� � ��ذك� � ��ر خ � �ي ��ره� � � ��ا ال � � �ي� � ��وع� � ��ان ‪ -‬حتى النخل يف زمانه كان يحمل نوى «نوى‪:‬‬ ‫وان �� �ش ��اء اهلل ت � ��دوم اخل�ي��رات‬ ‫ن��وات التمر‪ ،‬واملعنى هنا ب�أنه حتى النخل‬ ‫وي� � �ع� � �ل � ��ى يف ب� �ل ��ادن � � ��ا ال � �ب � �ن � �ي� ��ان يعمل على عقد النواة داخل الب�سرة»‪.‬‬

‫ولعل من �أجمل ما قيل يف النخل ويف ما عاناه‬ ‫من هجمة الع�صر النفطي واملدنية احلديثة‬ ‫عليه ق��ول ال�شاعر – عبد الرحمن حممد‬ ‫رفيع‪ -‬يف ق�صيدة حتت عنوان‪ :‬مات النخل يا‬ ‫كنكري‪ ،‬ويق�صد طغيان البناء الأ�سمنتي على‬ ‫ ح��ت النخل وان ��درز بكفوف �سلمى ع�سر‬‫آل‬ ‫�‬ ‫�سيف‬ ‫بن‬ ‫مبارك‬ ‫–‬ ‫القطري‬ ‫ال�شاعر‬ ‫أما‬ ‫�‬ ‫مزارع النخل اجلميلة‪ ،‬يقول ال�شاعر‪:‬‬ ‫«ح��ت‪ :‬ت�ساقط‪ ،‬ان ��درز‪ :‬نبت ومن��ا‪� ،‬سلمى‪:‬‬ ‫ح � �ت� ��ى ال � �ن � �خ� ��ل م� � � ��ات ال� �ن� �خ ��ل‬ ‫الدنيا‪ ،‬وقد درج �شعراء امل��وال على ت�سمية‬ ‫وان � � � � � �ق � � � � � �ط � � � � � �ع� � � � � ��ت ع� � � � � ��روق� � � � � ��ه للنخلة في الجزيرة‬ ‫الدنيا بعدة �ألقاب ومنها �سلمى»‪.‬‬ ‫وارط� � � �ب� � � �ن � � ��ا ذل� � � � ��ه ال � �ك � �ن � �ك� ��رى‬ ‫العربية تميز في أصالتها ‪ -‬وا�صبحنا ال �ي��وم ي��رم��ون��ك ب ��دار الع�سر‬ ‫«يرمونك‪ :‬يلقون بك متخلني عنك»‬ ‫وب� � � � �ب � �ل� ��ا� � � � ��ش ط � � � � � � ��اح �� � �س � ��وق � ��ه وألهل الجزيرة عشق‬ ‫ب � � � � ��اج � � � � ��ر اذا مت االم � � � � � ��ر‬ ‫ال�صاحب اللي توده كل �صباح وع�صر‬‫أكثر لها وقد تجلى هذا‬ ‫ يومني والثالث على القطاعة نوى‬‫م� � ��اي � � �ف � � �ي� � ��د �أ� � � � � �س � � � � ��ف ي � � � � ��ا زي � � ��ن‬

‫العشق في الكثير من‬ ‫قصائد الغزل‬


‫‪96‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫سيمياء‬

‫ترميزات‬ ‫النص‬ ‫الحكائي‬

‫عائ�شة الدرمكي‬ ‫‏‪aishaaldarmaki@hotmail.com‬‬

‫�إن‬

‫�إدراك ال�����ش��يء وت��ب�ين معامله‬ ‫الأ���س��ا���س��ي��ة ب��اع��ت��ب��اره ك��ي��ان�� ًا‬ ‫مف�صو ًال عن ال��ذات امل��درك��ة يرتادفان‬ ‫مع عملية الت�سيمة؛ فهو املدخل �إىل نقل‬ ‫العامل اخلارجي من و�ضعه الأ�صلي داخل‬ ‫طبيعة غ�ير حم��ددة امل��ع��امل �إىل دائ��رة‬ ‫املفاهيم امل��ج��ردة ال��ت��ي متنحه موقع ًا‬ ‫داخل الل�سان وداخل الذاكرة الإن�سانية‪،‬‬ ‫وبالتايل ف�إن ال�صيغ التعبريية ودالالتها‬ ‫لي�ست ح�صيلة الت�سنني ف��ق��ط و�إمن���ا‬ ‫هي معطاة �أي�ض ًا من خالل الت�شابه �أو‬ ‫التجاور‪ ،‬وهو ما يق�صيه يف ر�أي �سو�سري‬ ‫من ال�سريورات التدليلية لأن مو�ضوع‬ ‫ال�سيميولوجيا يتكون من جمموع الأن�ساق‬ ‫ذات الطبيعة االعتباطية‪ ،‬وهذا املبد�أ –‬ ‫االعتباطية – يعترب املعيار الرئي�س الذي‬ ‫يتم من خالله ت�صنيف الظواهر املنتجة‬ ‫للقيم الداللية التي ي�ستند �إليها املتكلم‬ ‫يف متثل الوقائع الإبالغية وفهمها‪� ،‬إ َّال‬ ‫�أن هناك جمموعة من العالمات غري‬ ‫الل�سانية ال��ت��ي ال تخ�ضع ل��ه��ذا امل��ب��د�أ؛‬ ‫فالرموز والقرائن والأيقونات عالمات‬ ‫لها و�ضع خا�ص يف اللغات الإن�سانية؛‬ ‫ف��ه��ي لي�ست اعتباطية ولي�ست معللة‬ ‫باملعنى ال��ذي يجعل منها كيان ًا حام ًال‬ ‫لدالالته خارج �سياق املمار�سة الإن�سانية‬ ‫يعرفه‬ ‫و�أ�سننها املتعددة؛ فالرمز مث ًال ِّ‬ ‫ب��ور���س ع��ل��ى �أن����ه ك��ل ع�لام��ة مرتبطة‬ ‫مبو�ضوعها مبقت�ضى ت��وا���ض��ع؛ فبينما‬ ‫يحيل العار�ض على مو�ضوعه مبقت�ضى‬ ‫�سببية مادية وا�ضحة‪ ،‬وحتيل الأيقونة‬ ‫على مو�ضوعها مبقت�ضى �سمات خا�صة‬ ‫تتمثل يف «الت�شابه»‪ ،‬ف�إن الرمز عالمة‬ ‫حت��ي��ل �إىل امل��و���ض��وع ال���ذي ت�شري �إل��ي��ه‬

‫مبقت�ضى قانون‪ ،‬يكون يف العادة يف �شكل‬ ‫تداع لأفكار عامة‪.‬‬ ‫و�إذا كان الرمز ي�ستمد قيمته �أو معناه‬ ‫من ثقافة النا�س الذين ي�ستخدمونه‪،‬‬ ‫ف���إن له دور ًا مهم ًا يف تنظيم التجربة‬ ‫الإن�����س��ان��ي��ة؛ فلكي تُبلغ ه��ذه التجربة‬ ‫وت�صبح ع��ام��ة وك��ون��ي��ة حت��ت��اج �إىل �أن‬ ‫ت�صب يف �أبعاد رمزية معينة‪ .‬ذلك لأن‬ ‫الرمز مي ِّكن الإن�سان من التخل�ص من‬ ‫التجربة الظرفية واملبا�شرة‪ ،‬كما مي ِّكنه‬ ‫من التخل�ص من الكون املغلق للتناظرات‬ ‫ على ر�أي ب��ن��ك��راد‪-‬؛ وعليه ف���إن��ه من‬‫خ�لال ال��رم��ز تت�سرب ذاك���رة الإن�سان‬ ‫�إىل اللغة وعربه يدرج رغبته �ضمن �أفق‬ ‫م�شاريعه اخلا�صة التي �ست�شكل الهوية‬ ‫الثقافية للمجتمعات اللغوية؛ ذلك لأن‬ ‫الثقافة ولدت عندما ا�ستطاع الإن�سان �أن‬ ‫يبلور �أدوات من �أجل ال�سيطرة �أو التوازن‬ ‫مع الطبيعة‪ ،‬وهذه الأدوات توجد بوجود‬ ‫ن�شاط رمزي ي�شكلها‪.‬‬ ‫�إن ال��ك�لام ال��رم��زي ك�لام يكون العامل‬ ‫اخل���ارج���ي م���ن خ�ل�ال���ه رم�����ز ًا ل��ل��ع��امل‬ ‫الداخلي‪ ،‬رمز ًا للنف�س والذهن والفكر‪.‬‬ ‫م��ن هنا ف�إننا �إذا ح َّ��ددن��ا ال��رم��ز ب�أنه‬ ‫«�شيء ميثل �شيئ ًا �آخ��ر» ف���إن ثمة �س�ؤا ًال‬ ‫كبري ًا يطرح عندئذ علينا؛ ما ال�صلة‬ ‫امل��خ�����ص��و���ص��ة ال��ت��ي ت��ق��وم ب�ي�ن ال��رم��ز‬ ‫واملرموز �إليه؟ وللإجابة عن هذا ال�س�ؤال‬ ‫منيز بني ثالثة �أنواع من الرموز؛ الرمز‬ ‫اال�صطالحي والرمز العر�ضي‪ ،‬والرمز‬ ‫اجلامع‪ .‬وهذه الرموز �ستظهر يف طرائق‬ ‫التعبري املتعددة التي ي�ستخدمها الإن�سان‬ ‫�سيما الأدب بو�صفه ت��رم��ي��ز ًا للحياة‬ ‫االجتماعية عامة كونه ن�ص ًا �إبداعي ًا‪،‬‬


‫سيمياء‬

‫ثم برمزيته اللغوية التي يوظفها يف التعبري عن �إ�شكاالت‬ ‫املجتمع ومالب�ساته من خالل جمموعة من التمظهرات‬ ‫الرمزية‪ .‬ولعل احلكاية ال�شعبية تُظهر تلك الإ�شكاالت‬ ‫واملالب�سات االجتماعية �أكرث من غريها من فنون النرث‬ ‫كونها تقوم على «احلبكة» التي متثل الإ�شكال وتُعرب عنه‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل عنا�صره الأخ��رى التي ت�ضفي على الن�ص‬ ‫ترميزات اجتماعية خا�صة؛ فاحلكاية حتمل يف ثناياها‬ ‫التحوالت االجتماعية والقيمية التي ت�شهدها املجتمعات‬ ‫ال�شفاهية‪ ،‬ب�سبب تلك الأه��م��ي��ة ال��ت��ي متثلها احلكاية‬ ‫ال�شعبية التفت البنيويون منذ ال�ستينيات �إىل حتليل‬ ‫ودرا�سة بنيتها و�أ�سلوبها �ضمن ما �أ�سموه بـ«علم احلكاية‬ ‫ال�شعبية»‪ .‬‬ ‫تنتمي احلكاية ال�شفاهية مثل غريها من الأ�شكال التعبريية‬ ‫�إىل الأدب ال�شفاهي الذي ينتج عن ترابط وثيق بني تقاليد‬ ‫�شفاهية حملية و�إقليمية‪ .‬ولقد ارتبطت احلكاية منذ القدم‬ ‫باحلقول الرتميزية للغة‪ ،‬وهي يف هذا مرتبطة بالطبيعة‬ ‫املجتمعية التي �أنتجتها‪ ،‬وهي بو�صفها ن�ص ًا مروي ًا ف�إنها‬ ‫تُ�سهم يف تكوين الذات التي جتدد ترابط املروي وعالقاته‬ ‫املت�شابكة مع املجتمع‪ ،‬معيد ًا بذلك الذات �إىل عامل ما قبل‬ ‫اللغة‪ ،‬عامل التخيل حيث متلك الذات ثبات ًا �أكرب‪ ،‬ومرونة‬ ‫�أقل منها عندما تكون يف عامل اللغة املنطوقة الرمزي –‬ ‫على حد تعبري �شاندلر ‪ -‬فاللغة ت�ؤدي ما �أن تُنقل �إىل عامل‬ ‫الأدب �إىل �إبداع جن�س جديد ي�سعى �إىل ت�أ�س�سي�س �أكرب قدر‬ ‫ممكن من التوافق بني العمل الأدبي والواقع الذي يحاكيه‪.‬‬ ‫�إن البنيات احلكائية تعترب �شك ًال كوني ًا ع��ام�� ًا‪ ،‬تتميز‬ ‫بنوع من اال�ستقالل من حيث التنظيم ومن حيث الوجود‬ ‫عن البنيات اخلطابية‪ ،‬فهي الوعاء ال��ذي ت�صب داخله‬ ‫امل�ضامني اخلا�صة بهذا الن�ص �أو ذاك‪ ،‬ولهذا ف���إن لغة‬ ‫الن�ص تك�شف عن جمموعة من املعاين الق�صدية اخلفية‬ ‫املق�صودة بفعل الت�أويل؛ �إذ يت�أ�س�س هنا الت�أويل كونه طرف ًا‬ ‫يف ك�شف تلك ال��دالالت اخلفية التي ت�ضمرها الرموز يف‬ ‫الن�ص احلكائي؛ فالإن�سان ينظر �إىل الأ�شياء نظرة رمزية‬ ‫باعتبارها مظهر ًا من مظاهر املتخفي‪ ،‬وفعل الك�شف هنا‬ ‫ال يكون �إ َّال عن طريق الت�أويل‪.‬‬

‫واحلكاية ال�شعبية يف عمان ودول اخلليج العربي كله‬ ‫ال تخرج يف مو�ضوعها و�إ�شكاالتها عن تلك الإ�شكاالت‬ ‫واملو�ضوعات التي عاجلتها احلكاية ال�شعبية عامة؛ �إ َّال‬ ‫�أن لكل منها طابعها اخلا�ص يف التناول واخل�صو�صية؛ ملا‬ ‫للحكايات ال�شعبية من �شكل تعبريي خا�ص‪ ،‬ولعل �أول حتد‬ ‫نواجهه يف دول اخلليج العربي عامة عند ُبغية درا�سة هذه‬ ‫احلكايات هو عدم توفر ن�صو�ص حلكايات تعود �إىل عقود‬ ‫�سابقة �إ َّال ما بقي منها‪ ،‬وجل ما ن�ستعني به هي ن�صو�ص‬ ‫حكائية حديثة يف احلكي‪ ،‬وهناك من الن�صو�ص التي‬ ‫مت جمعها يف الثمانينيات �أو الت�سعينيات ومل ن�صل �إىل‬ ‫ن�صو�ص ُحكيت قبل ذلك؛ وما �أ�شد احلاجة �إىل مثل تلك‬ ‫الن�صو�ص لأن لتلك املتون �أبعاد ًا قيمية تختلف باختالف‬ ‫البعد الزمني واملكاين لكل ع�صر‪.‬‬ ‫للحكاية ال�شعبية يف اخلليج ال��ع��رب��ي ع��امل خ��ا���ص من‬ ‫الرموز بدء ًا من احلبكة الرتميزية مرور ًا باحلدث وانتها ًء‬ ‫بال�شخو�ص التي ت�شكل �إحدى ترميزات الن�ص احلكائي؛‬ ‫وعملية توليد الداللة وت�أويلها بو�صفها ا�ستعارة �أو كناية �أو‬ ‫رمز ًا �إمنا يحتاج �إىل قراءة متثيلية �أو ت�أوي ًال رمزي ًا‪ ،‬على‬ ‫الرغم من �أن الولوج �إىل ت�أويل الرموز االجتماعية ميثل‬ ‫خطر ًا �إىل حد ما؛ ذلك لأن هذه الرموز �إمنا هي من �صنع‬ ‫جمتمع معني له فكره وثقافته‪ ،‬غري �أننا يجب �أن نرجئ تلك‬ ‫الت�أويالت �إىل �سياقاتها املقامية واملقالية اخلا�صة جد ًا‪.‬‬ ‫فاحلكاية ال�شعبية هنا بو�صفها ن�ص ًا ترميزي ًا يك�شف عن‬ ‫ثقافة املجتمع يف كل دولة خليجية على حدة – و�إن اجتمعت‬ ‫يف بع�ض ت�شاكالتها ‪ ،-‬كما يك�شف عن �صور حياته وعمق‬ ‫تخيله؛ وعندما منعن النظر يف تلك الن�صو�ص ف�إننا �سنجد‬ ‫ترميزات خا�صة بالطعام «طعام الإن�س �أو طعام اجلان»‪،‬‬ ‫و�أخرى للملب�س وامل�شرب‪ ،‬بل هناك ترميزات خا�صة حتى‬ ‫بال�شخو�ص «�أ�سما�ؤهم و�صفاتهم»‪ ،‬وعالقاتهم االجتماعية‬ ‫واالقت�صادية وال�سيا�سية‪ .‬لذا ف�إنه البد من الولوج �إىل تلك‬ ‫الن�صو�ص احلكائية مبا متثله من ترميزات ثقافية مهمة‪،‬‬ ‫ولأن��ه ال ميكن يف مثل ه��ذا املقال اال�سرت�سال يف �ضرب‬ ‫الأمثلة والتحليل لتلك الرتميزات‪ ،‬لذلك فلرمبا �سنزيد‬ ‫احلديث عنه يف مقاالت �أخرى قادمة‬


‫قال الراوي‬ ‫‪98‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫«�سنع» و«هبة ريح» و«�أخو َ�ش ِّما»‬

‫السنافي ‪..‬‬

‫رمز التضحية وسم ّو األخالق‬


‫�رسور خليفة الكعبي‬ ‫�إن الكثري من املعاين اجلميلة يف وقتنا احلايل قد �آلت �إىل زوال �أو قد تكون يف طريقها �إىل االنقرا�ض‪ ،‬فقد‬ ‫تغلبت املادية على كل �شيء يف املجتمع املحلي يف كل الوطن العربي ولي�س يف منطقة دون �أخرى‪ ،‬ف�أ�صبحت‬ ‫املجتمعات العربية‪ ،‬خا�صة البدوية منها‪ ،‬م�صابة بلوثة ح�ضارية مادية بحتة مل تعد تعرتف بالكثري من املعاين‪.‬‬ ‫ولع ّل من الغريب �أن ي�صبح املوروث ال�شعبي يف‬ ‫�أغلب الأحيان وبني الكثري من النا�س‪ ،‬تعبري ًا‬ ‫مرادف ًا للتخلف والرجعية والتم�سك باملا�ضي‬ ‫ال��ذي ل��ن ي �ع��ود‪ .‬وي�صف ال�ع��دي��د ذل��ك ب�أنه‬ ‫التباكي على زمن بائد ىّول وانتهى‪ ،‬ولن ينتج‬ ‫�إال املزيد من التخلف الذي يعاين منه املجتمع‬ ‫العربي‪ ،‬فينفر منه مدّعو احل�ضارة والتطور‬ ‫ح�ت��ى �إن �ن��ا جن��د ال���ش�ب��اب ي�ن���ص��رف��ون عمن‬ ‫يتم�سك بتلك العادات حتى و�إن كانوا من �أقرب‬ ‫النا�س �إليهم كالوالدين والأقربني واجلريان‪.‬‬ ‫وبهذا‪ ،‬ن�ش�أت املجتمعات ال�شبابية واملتحررة‬ ‫التي تدعو �إىل التجديد والتطور ونبذ املا�ضي‬ ‫ورك��وب موجة التقليد الغربي‪ ،‬فيما يذهب‬ ‫املثقفون �إىل و�صف تلك العادات ب�أنها دعوات‬ ‫جاهلية وحم��اوالت من �أع��داء الأم��ة العربية‬ ‫و�أذنابهم ل�سجننا يف قوقعة املا�ضي وتفويت‬ ‫فر�ص التطور والرقي علينا‪.‬‬ ‫يف ذلك قال اجلمري ‪:‬‬

‫و�شبــابنـا �أ���ص��ب��ح مقلــد غي ــرنا‬ ‫ي��ف��رع ع��ل��ى امل��و���ض��ه ول��ق��ذل��ت��ه �ساحي‬ ‫ومن عقب ما يتجند الأب بندقه‬ ‫م��ع خ��ن��ج��ر ي��ع��ت��اده��ا حت��ت لو�شاحي‬ ‫اب��ن��ـ��ـ��ه جت��ن��ـ��ـ��ـ��د ب��ن��ط��ل��ـ��ـ��ـ��ون م��ـ��ـ��رن��ق‬ ‫وقمي�ص م��ن نوعهاحللق طلواحي‬

‫�إنني بال �شك من �أولئك الدعاة الذين ال يزالون‬ ‫يحنون �إىل املا�ضي وقيمه و�أ�ساليب احلياة‬ ‫ال�سائدة فيه‪ ،‬ال �سيما تلك املثل والأخالق التي‬ ‫�سادت املجتمع حلقب طويلة منذ الأزل وحتى‬ ‫وقت قريب‪ ،‬وكان يل ن�صيب �أن �أحيا جزء ًا من‬ ‫حياتي وفقها‪ ،‬وقدر يل �أن �أن�ش�أ يف جمتمع قد‬ ‫�أج ّلها ف�أ�صبحت القانون الذي يقتدي به‪.‬‬

‫المرأة «السنعة» هي من‬ ‫تشهد لها النساء باألدب‬ ‫واألخالق ومعرفة الحقوق‬ ‫والواجبات التي تترتب‬ ‫عليها في بيت أهلها أو‬ ‫بعد زواجها‬ ‫ويف هذه اللفتة �أ�شارك القارئ الكرمي م�سمى‬ ‫واح��د ًا من تلك امل�سميات التي يتباكى عليها‬ ‫�أمثايل من الدعاة �إىل املا�ضي البائد‪ ،‬والذي‬ ‫انقر�ض حتى من الكتب التعليمية يف جمتمع‬ ‫الثقافة الإلكرتونية‪ ،‬ومل يعد الكثريون يعرفون‬ ‫معنى الكلمة �أو �إىل ماذا ترمز‪ ،‬وما هو حمركها‬ ‫يف نفو�س النا�س يف الزمن اجلميل‪.‬‬

‫منزلة رفيعة‬

‫ال�سنايف‪ ،‬كلمة هلك كثري من النا�س كي ينال‬ ‫�شرفها يف املجتمع اخلليجي واملحلي‪ ،‬و�أفنى‬ ‫�آخ��رون مالهم يف �سبيلها‪ ،‬فهي منزلة رفيعة‬ ‫ال تقل عن ال�سهى �أو الرثيا يف نف�س العربي‬ ‫البدوي‪ .‬تلك املنزلة من الفراقد التي امتدت‬ ‫�إليها الكثري م��ن الأي ��ادي ولكن مل تنلها �إال‬ ‫النفو�س التي ت�شربت باملُثل واملعاين الرفيعة‬

‫«السنافي» كلمة يجتهد‬ ‫الكثيرون لنيل شرفها‬ ‫في المجتمع الخليجي‬ ‫والمحلي فهي منزلة‬ ‫رفيعة ال تقل عن السهى‬ ‫أو الثريا في نفس‬ ‫العربي البدوي‬

‫حتية اخل�شم داللة للمجد وال�شموخ والرفعة‬


‫قال الراوي‬ ‫‪100‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫فهفت �إىل منازل الربوج يف ال�سماء‪ ،‬ومل ت ُفز‬ ‫بها �إال بعد ع�ن��اء و��ش��ق �أن�ف����س وب��ذل الغايل‬ ‫والنفي�س‪ .‬واملثري يف الأمر �أن كل هذا البذل ال‬ ‫ي�سبقه تخطيط �أو �سابق �إ�صرار‪ ،‬ولكنه �أ�سلوب‬ ‫حياة اعتاد معتنقوه الت�شبث به‪.‬‬ ‫فمن هو ال�سنايف؟ وم��ا هي �صفاته؟ وه��ل هو‬ ‫رجل �أم امر�أة؟ وهل ال�سنايف حقيقة �أم خيال؟‬ ‫�أم جمرد ق�صة تتداولها املجال�س حتى �أ�صبحت‬ ‫كاخلرافات التي تعج بها الثقافة العربية؟ و�إن‬ ‫كان حقيقة فكيف هو؟ و�أين يوجد؟ وهل ميكن‬ ‫�أن ُي��رى؟‪ .‬تلك الت�سا�ؤالت وغريها تطر�أ على‬ ‫ذوي املخيلة اخل�صبة‪ ،‬خا�صة �أولئك الذين‬ ‫يطمحون �إىل التميز وي��روم��ون �إىل املعايل‪،‬‬ ‫ف�إن مل تكن من فئة ال�سنايف‪ ،‬فكيف ي�ستطيع‬ ‫الإن���س��ان �أن ي�صل �إىل مرتبه «ال�سنايف» يف‬ ‫جمتمعه؟‪.‬‬ ‫�أ�سئلة كثرية حم�يرة عن تلك املرتبة التي ال‬ ‫ت��ورث وال ت�شرتى وال تعلم‪ ،‬ولكنها مكونات‬

‫«السنافية»مجموعة‬ ‫أفعال متكاملة ومتوافقة‬ ‫مع هوى النفس‪ ،‬تشكل‬ ‫في مجموعها المحرك‬ ‫الرئيس لجميع تصرفات‬ ‫اإلنسان في مختلف‬ ‫المواقف والحاالت‬ ‫باعتبارها الطريقة المثلى‬ ‫مرتاكبة من كل ذلك ت�صوغها نف�س تهفو �إىل‬ ‫العلياء‪ ،‬فهي مو ّرثات «جينات» تتحكم يف كل‬ ‫�شيء‪ ،‬فلمن يريد �أن يكون يف مرتبه ال�سنايف‬ ‫عليه �أن يحوز على هذه املجموعة من الرتكيبات‬ ‫والتفاعالت املعقدة وال�صعبة يف �آن‪.‬‬ ‫�أقول‪� ،‬إن ال�سنافية هي جمموعة �أفعال متكاملة‬ ‫ومتجان�سة ومرتابطة ومتوافقة مع هوى النف�س‪،‬‬ ‫وال�ت��ي ت�شكل يف جمموعها امل�ح��رك الرئي�س‬ ‫جلميع ت�صرفات الإن�سان يف خمتلف املواقف‬ ‫واحل ��االت دون حاجته للتفكري يف الطريقة‬

‫املثلى‪ .‬فهو يت�صرف وف��ق طبيعته التي جبل‬ ‫عليها وت�شكلت منها نف�سيته ونظرته جلميع‬ ‫�أم��ور حياته‪ ،‬وهذه املكونات تتكون يف الذات‪،‬‬ ‫مع الأقربني‪ ،‬ومع اجلار القريب‪ ،‬ومع الغريب‬ ‫املنقطع‪.‬‬

‫املعايري الأخالقية لل�سنايف‬

‫�أم��ا املوا�صفات ال�شخ�صية لل�سنايف‪ ،‬فهو ذو‬ ‫�شخ�صية ق��وي��ة متكنه م��ن ات �خ��اذ ق��رارات��ه‬ ‫ال�شخ�صية بناء على دافع ذاتي يتحمل نتائجه‬ ‫بكل �شجاعة‪ ،‬ولكن ال ي�شرتط �أن يكون ذو بنيه‬ ‫ج�سدية ريا�ضية متكنه من حتمل ال�صعاب‬ ‫وامل���ش�ق��ات يف طلب ال��درج��ة ال�سنافية‪� ،‬إال‬ ‫�إن��ه كرمي بالفطرة‪� ،‬سخي‪ ،‬معطاء ال ي�سعى‬ ‫لل�شهرة‪ ،‬ي�ف��رط يف ل��وم��ه لنف�سه واتهامها‬ ‫بالتق�صري يف حق الغري‪ ،‬ويجد ال�سعادة يف‬ ‫م�ساعدة الآخرين‪.‬‬ ‫و�أم ��ا ال�ن���س��اء‪ ،‬فيمكنهن �أي���ض� ًا �أن يرتقني‬ ‫�إىل درجة ال�سنافية‪ ،‬فهي لي�ست حكر ًا على‬ ‫الرجال و�إن كانوا الأكرث �شهرة ملا يتمتعون به‬ ‫من ات�صال مبا�شر مع املجتمع وب�شكل �أو�ضح‬ ‫من الن�ساء‪ ،‬ولكن ال يخلو ال�تراث اخلليجي‬ ‫والإماراتي من ذكر الن�ساء ال�سنافيات اللواتي‬ ‫رفعن ر�ؤو�س قبائلهن ب�أكملها ولي�س عوائلهن‬ ‫�أو �أ� �س��ره��ن ف �ق��ط‪.‬ول �ط��امل��ا ت �� �س��اءل��ت‪ :‬هل‬ ‫ال�سنافية موروثات جينية تتناقلها الأجيال؟‪.‬‬ ‫ولكن وجود الذرية اخلاملة يف املجتمع لرجال‬ ‫ع��رف��وا بال�سنافية وال�شجاعة تدح�ض هذا‬ ‫االف�ت�را���ض‪ .‬ووج ��ود �أم�ث�ل��ة ل��رج��ال �سطروا‬ ‫�أ�سماءهم يف التاريخ املحلي وهم ال ينحدرون‬ ‫م��ن الطبقات العليا يف املجتمع‪ ،‬ي��ؤك��د �أن‬ ‫ال�سنافية لي�ست حكر ًا على فئة �أو طبقة دون‬ ‫�أخ��رى‪ .‬ولكن مم��ا ال�شك فيه �أن ال�سنافية‬ ‫الب��د و�أن يكون لها �أ�صل جيني يف امل��و ّرث��ات‬ ‫ال�شخ�صية‪ ،‬تدعمها التن�شئة وال�ترب�ي��ة يف‬ ‫�أول ال�صبا ومرافقة الأخيار وال�شجعان من‬ ‫النا�س‪ ،‬ما ي�صقل هذه ال�صفات ويل�صقها يف‬ ‫الالوعي لت�صبح القائد احلقيقي لل�شخ�صية‬ ‫الرتاثية مهما كانت‪ .‬ويقول ال�شاعر �سامل‬ ‫اجلمري‪:‬‬


‫واملـريـلـة ف ـي ـهــا �أم��ـ��ـ��و ٍر ت ـعــزبـهــا‬ ‫مـنهاجـهـا غ ـيـر عـن مـنـهـاج ال�سـفالـي‬ ‫فـيهـا الـتقـى والكرم واجلـود موجبــها‬ ‫والـعـفـو والــ�صفـح عـن بــاقي الأنـذالـي‬

‫ال�سنع‬

‫ويتكون ال�سنع من جمموعة املفاهيم والعادات‬ ‫والتقاليد التي اعتادها �أف��راد املجتمع والتي‬ ‫ي�ستخدمونها يف تعامالتهم اليومية وعالقاتهم‬ ‫الإن�سانية‪ ،‬ويحر�صون على تعليمها وتوريثها من‬ ‫جيل �إىل جيل‪ .‬وال�سنع هو �أ�سلوب حياة متكامل‬ ‫يحكم جميع ت�صرفات الفرد يف جميع �ش�أنه‬ ‫وعالقاته االجتماعية وال�شخ�صية‪ ،‬من النظافة‬ ‫ال�شخ�صية و�أ�سلوب احلديث حتى �أعلى تقييم‬ ‫للت�صرفات لدى املجتمع‪.‬‬ ‫فالرجل ال�سنع لطيف الكالم‪ ،‬خفي�ض ال�صوت‪،‬‬ ‫يغلب املنطق واحلجة يف جميع مناق�شاته‪ .‬يراعي‬ ‫جميع احلقوق الواجبات التي عليه يف املجتمع‬ ‫ابتدا ًء بوالديه وجاره وانتهاء ب�شيخ القبيلة وكبار‬ ‫ال�سن‪ .‬وهو ال يخرج �أب��د ًا عن طوع والديه‪ ،‬وال‬ ‫ي�سري أ�م��ام وال��ده يف النهار وال خلفه يف الليل‪،‬‬ ‫وال يجل�س يف مو�ضع �أعلى من ر�أ���س �أبيه‪ ،‬وال‬ ‫يركب طاملا والده مي�شي‪ ،‬وال ي�شرب �أو ي�أكل �أو‬ ‫يغ�سل يديه قبله‪ ،‬وال ي�سمح لوالده �أن يحمل �شيئا‬ ‫بوجوده‪ ،‬وال يخالفه الر�أي يف العلن‪ .‬ي ّرب بق�سمة‪،‬‬ ‫وينفذ وعده‪ ،‬وي�ؤدي دينه‪ ،‬ويعمل عمله‪ ،‬ويلب�سه‬ ‫نعليه ‪ ،‬وكذلك مع والدته‪.‬‬ ‫�أما مع �أخوته‪ ،‬ف�إن كان كبريهم‪ ،‬كان كالوالد‪،‬‬ ‫و�إن ك��ان �صغريهم ك��ان ك��اخل��ادم‪ .‬وه��و ظ ّل‬ ‫�أخواته الن�ساء وراعيهن‪ .‬ي�صحبهن يف ذهابهن‬ ‫وي�س�أل عنهن ويرعى �ش�ؤونهن ويقوم بجميع‬ ‫واجبات �صلة الرحم ابتداء من الوالد الأكرب‬ ‫«اجلدّ» وحتى ال�صهر الأبعد و�إن كان يف بلدة �أو‬ ‫قرية �أخرى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫والرجل ال�سنع يرعى دائما حرمة ج��اره‪ .‬فال‬ ‫يغ�ضبه‪ ،‬وال ي�ستعديه‪ ،‬وال ي�ستحل حرمته‪ ،‬ويرعى‬ ‫بيته يف غيبته‪ ،‬وي�صلح من �ش�أن �أ�سرته حتى‬ ‫يعود‪ .‬يعينه يف عمله‪ ،‬ويلبي طلبه‪ ،‬ويعوده يف‬ ‫مر�ضه ويتبعه يف جنازته‪.‬‬ ‫و��س�ن��ع ال��رج��ل ي�ت�ب��دى يف معاملته ل�ل��رج��ال‪،‬‬

‫وبطريقة جل�سته الرجولية‪ ،‬وتلبيته للنداء عند واملـريـلة ف ـيـهــا �أم���ـ���و ٍر �صـع ـي ـبــة‬ ‫الطلب‪ ،‬و�سرعته يف قيامه باملهام املطلوبة‬ ‫م��ـ��ا ه��ـ��وب ك���ل م��ـ��ن راده��ـ��ـ��ا يــرهـيـهــا‬

‫منه‪ ،‬وب�أ�سلوب حديثه وحجته‪ .‬فهو دائم ًا حمط‬ ‫الآم��ال والأن�ظ��ار‪ .‬ويتميز �أي�ض ًا ب�سعة اطالعه‬ ‫على جم��ري��ات الأم ��ور يف حميطه‪ ،‬ومراعاته‬ ‫جلميع �آداب املجال�س من حمافظة على مكانه‬ ‫يف ترتيب املجل�س وحتى توقري احلا�ضرين‪� ،‬إىل‬ ‫غري ذلك من الأ�سناع التي يهتم بها الرجال‪.‬‬ ‫و�صدق اجلمري �إذ يقول ‪:‬‬

‫«السنافية» لها أصل‬ ‫في المورّثات الشخصية‬ ‫تدعمها التنشئة والتربية‬ ‫في أول الصبا ومرافقة‬ ‫األخيار والشجعان من‬ ‫الناس ما يصقل هذه‬ ‫الصفات ويلصقها في‬ ‫الالوعي لتصبح القائد‬ ‫الحقيقي للشخصية‬ ‫التراثية مهما كانت‬

‫املر�أة «ال�سنعة»‬

‫�أما امل��ر�أة «ال�سنعة» فهي من ت�شهد لها الن�ساء‬ ‫ب��الأدب والأخ�لاق ومعرفة احلقوق والواجبات‬ ‫التي ترتتب عليها‪ ،‬والتي تعني والدتها يف كل‬ ‫�ش�ؤونها وتقوم بكل �ش�ؤون البيت يف ح�ضور وغياب‬ ‫والدتها‪ .‬وعند زواج�ه��ا ت�صبح راعية املنزل‬ ‫فتقوم على كل �ش�أن من �ش�ؤون بيتها وزوجها‪،‬‬ ‫فال يغلق باب منزله يف غيبته‪ ،‬وال يرد زائره‪ ،‬وال‬ ‫يخيب من التج�أ �إليه‪ .‬وينظر العرب �إىل ال�سنع‬ ‫على �أنه الركيزة الأوىل التي ي�س�أل عنها ملعرفة‬ ‫�ش�ؤونه وتلبية طلبه حتى يف تق ّربه للزواج‪ .‬وهي‬ ‫اخلطوة الأوىل التي على ال�شباب اجتيازها‬ ‫مل�صاهرة الكرمي من العائالت‪ .‬وكذلك تنظر‬ ‫املر�أة عند بحثها عن زوجة البنها بني املر�شحات‬ ‫من الفتيات‪ .‬ويقول �صاحب ال�سمو ال�شيخ زايد‬ ‫بن �سلطان �آل نهيان طيب اهلل ث��راه يف مدح‬ ‫الرجل ال�شهم‪:‬‬


‫قال الراوي‬ ‫‪102‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫ان تتلك�أ �أو ت�شتكي من تعب‪ .‬وهي التي تنهي جميع‬ ‫�أعمالها اليومية قبل غريها �أو دون الطلب �إليها‪،‬‬ ‫وما �أن ي�صل ال�ضيوف �إىل منزلها حتى تكون قد‬ ‫جهزت جميع لوازم واحتياجات ال�ضيافة يف وقت‬ ‫قيا�سي وا�ستقبلت �ضيوفها �أح�سن ا�ستقبال‪.‬‬ ‫ويجل املجتمع هاب وها ّبة الريح أ�مي��ا �إج�لال‪،‬‬ ‫فتطري ال�سمعة الطيبة بني النا�س وي�صبح حامل‬ ‫هذه ال�صفة م�ضرب ًا للأمثال بينهم‪ ،‬وي�ست�شهدون‬ ‫به وميجدونه مبا يجعل �صاحب ال�صفة رج ًال كان‬ ‫�إم امر�أة مفخرة يف املحيط الذي يعي�ش فيه‪.‬‬ ‫وي�ق��ول ال�شاعر حممد ب��ن ي�ع��روف ب��ن مر�شد‬ ‫املن�صوري يف و�صف املر�أة ال�سنعة ‪:‬‬

‫ال�������ش���ه���م و ال���ق���ـ���ـ���ـ���رم ل������ه ����ش���اين‬ ‫ع�������ن�������د يل م������ث������ل������ه وم�������������ن دوره‬ ‫يل ع����م����ل����ه����م يف ال�������ب�������دل ب�����اين‬ ‫ب�����������اح�����ت�����رام وج�����ـ�����ـ�����ـ�����د م�����������ش�����ه�����وره‬ ‫ل���ـ���ـ���ي م�������س���اع���ي���ه���م ب����االح���������س����اين‬ ‫يف ال������ع�������������ش������اي������ر م������ال������ه������ا ج���������وره‬

‫هبة الريح‬

‫�أما «هبة الريح» ف�إنها من �أكرث الأمور التي يجب‬ ‫�أن يتحلى بها ال�سنايف يف جميع �أح��وال��ه‪ .‬فهي‬ ‫تت�صل مبا�شرة بنظرة املجتمع �إىل قدرات الرجل‬ ‫ال�سنايف وبلهفته للقيام ب�أعمال ترفع من �ش�أنه‪.‬‬ ‫وهبة الريح تعني ال�سرعة التي يقوم بها ال�سنايف‬ ‫لأداء الأعمال مع الدقة والكفاءة يف تنفيذ تلك‬ ‫الأعمال‪ .‬وعندما ي�أتي �ضيف مث ًال يكون «هاب‬ ‫الريح» قد قام بالتح�ضري لكل ما يتعلق ب�إكرام‬ ‫ال�ضيف م��ن جتهيزات يف وق��ت قيا�سي‪ ،‬من‬

‫�سالمي على اللي مثل هذي من الن�سوان‬ ‫ح�شيم و رزينة عق ــل مــاهيب مطفوقه‬ ‫�سترية و دين وخلـق ما جابهـا نق�ص ــان‬ ‫وال قــد م�شت يف �سكة الغـ ــي وطروقه‬ ‫خفيفة كـالم و�صوت ما �سمعها اليـيــران‬ ‫واللي مثـلــها عـ ــن كلمة النقد مرفوقه‬ ‫كما اجلوهر اللي دفع به غـ ــايل الأثمان‬ ‫من �أغلى اجلواهر يوم جابوه يف �سوقه‬ ‫اللي من طــرت قلــت ب�س ــم اهلل الرحمن‬ ‫حماها الويل مــن كل حا�ســد و منطوقه‬ ‫الذبائح وجتهيز الطعام والقهوة العربية وغريها‪،‬‬

‫ولقد كان ال�ضيف يف �سابق العهود ي�أتي من دون �أ�سطورة �شما‬

‫�سابق ات�صال وتن�سيق كما هو احلال اليوم‪.‬‬ ‫وعلى ال�سنايف �أن يكون «خماوي �شما» �أي يغيث‬ ‫وتو�صف املر�أة �أي�ضا مب�سمى «ها ّبة ريح» �أي ميكن امللهوف واملحتاج ويقدم امل�ساعدة مهما كانت‬ ‫االعتماد عليها وتقوم بكل واجباتها يف ن�شاط �صعبة ومهما بلغت‪ ،‬ف�إن مل يكن ميلك ما ي�ساعد‬ ‫وهمة متيزها عن غريها ويف وقت قيا�سي دون به‪ ،‬ف�إنه يبذل �أق�صى جهده يف حماولة لأداء‬ ‫املطلوب منه‪ .‬وي�أتي هذا امل�سمى من ق�صة تراثية‬ ‫قدمية مفادها �أنه كانت هناك فتاة تدعى �شما‪،‬‬ ‫«السنع» مجموعة‬ ‫وهي منقطعة لي�ست لديها �أ�سرة �أو عائلة‪ .‬وقد‬ ‫المفاهيم والعادات‬ ‫تزوجها �أحد الأ�شخا�ص وارحتل بها �إىل �أهله يف‬ ‫والتقاليد التي اعتادها‬ ‫بالد بعيدة‪ ،‬ونتيجة وحدتها وعدم وجود �أ�سرة‬ ‫أفراد المجتمع والتي‬ ‫�أو «ع��زوة» لها فقد ا�ضطهدتها �أ��س��رة زوجها‬ ‫يستخدمونها في‬ ‫فعاملوها معاملة اخلادمة �أكرث من زوجة االبن‪،‬‬ ‫وقد د�أبت �شما �أن تذهب �إىل رابية تبكي حظها‬ ‫تعامالتهم اليومية‬ ‫ً‬ ‫العاثر بعيدا عن �أعني النا�س علها جتد �سلوتها‬ ‫وعالقاتهم اإلنسانية‪،‬‬ ‫يف بكاء خلوتها‪.‬‬ ‫ويحرصون على‬ ‫ويف �أحد الأي��ام‪ ،‬وفيما كانت �شما تبكي يف تلك‬

‫تعليمها وتوريثها من‬ ‫جيل إلى جيل‬


‫البقعة البعيدة عن منازلها‪ ،‬مر بها فتيان على‬ ‫�صهوات خيولهم ف�س�ألوها ع��ن �سبب بكائها‬ ‫ف�أخربتهم بق�صتها‪ ،‬فطلبوا منها الرجوع �إىل‬ ‫منزلها و�أن تدعي ب�أن �أخوتها قد ي�أتون لزيارتها‪،‬‬ ‫وترتك الباقي عليهم‪ .‬فعادت وهي فرحة �أميا‬ ‫فرح بهذه امل�ساعدة التي تلقتها دومن��ا موعد‪،‬‬ ‫وجل�ست �أم��ام منزلها‪ ،‬وكلما �س�ألها �أح��د عن‬ ‫�سبب جلو�سها‪ ،‬كانت ترد �أن قلبها يحدثها ب�أن‬ ‫�أخوتها �سوف ي�أتون �إليها وينت�شلونها من الذل‬ ‫ال��ذي تعي�شه‪ ،‬فكانت بنات �أ�سرتها ي�ضحكن‬ ‫عليها مبن فيهم زوجها و�أخ��وت��ه‪ .‬وبينما هم‬ ‫كذلك �أقبل الفتية على خيولهم‪ ،‬فقفزت �شما‬ ‫للرتحيب بهم على �أنهم �أخوتها‪ ،‬و�أخذت ت�صيح‬ ‫وتزغرد فرح ًا‪ ،‬ف�أقبل الفتية على منزلها و�أكدوا‬ ‫�أنهم �أخوتها‪ ،‬و�أنهم كانوا يبحثون عنها وعن‬ ‫�أخبارها التي انقطعت عنهم منذ فرتة طويلة‪.‬‬ ‫وبينما هم كذلك تعر�ضت قبيلة زوج �شما لغارة‬ ‫من �أعدائها‪ ،‬فلم يجد املغريون من يردهم‪،‬‬ ‫ف�ساقوا �أموال النا�س �أمامهم‪ ،‬عند ذلك ا�ستنجد‬ ‫زوج �شما بهم بعد �أن فقد كل �أمواله و�إبله ومل‬ ‫يتمكن من الدفاع عنه‪ ،‬فهب الفتية على �صهوات‬ ‫خيولهم وكل منهم يردد «�أنا اخو �شما» وحلقوا‬ ‫باملغريين فقتلوهم و�أعادوا جميع �أ�سالب القبيلة‬ ‫وكذلك ما غنموه من املغريين و�أهدوه �إىل �شما‬ ‫التي �أ�صبحت بعد ذلك امللكة غري املتوجة يف‬ ‫قبيلتها بعد �أن كانت م�ستعبدة وم�ضطهدة‪،‬‬ ‫و�أ�صبح جميع من يقوم ب�أعمال بطولية ذات �شان‬ ‫يكنى بلقب «�أخو �شما»‪.‬‬ ‫نلم ب�أخبارها‬ ‫�إن ال�سنافية بال �شك �أكرب من �أن ّ‬ ‫و�أو�صافها يف مقال �أو كتاب واحد �أو كتب عدة‪،‬‬ ‫فهي منظومة حياة جت�سدت يف �شخ�صيات كانت‬ ‫ت�أنف وت�أبى على �أنف�سها حياة ال��ذل والهوان‪.‬‬ ‫فكانت حياتهم يف جمملها بذل م�ستمر لبلوغ‬ ‫العال‪ ،‬فالرجل ال ير�ضى �أن يكون �أقل من «قرم»‬ ‫�أو «�شغموم» �أو «خم ��اوي �شما» وغ�يره��ا من‬ ‫امل�سميات اجلميلة التي حتث على الكرم والبذل‬ ‫والعطاء والت�ضحية‪.‬‬

‫من�ش�أ ال�سنايف‬

‫ويبقى ال�س�ؤال املهم‪ :‬من �أين جاءت كلمة �سنايف‬ ‫وما من�ش�ؤها؟‪.‬‬

‫املر�أة «ال�سنعة» حتظى بتقدير املجتمع‬

‫«السنع» أسلوب حياة‬ ‫متكامل يحكم جميع‬ ‫تصرفات الفرد في‬ ‫جميع شأنه وعالقاته‬ ‫االجتماعية والشخصية‪،‬‬ ‫من النظافة الشخصية‬ ‫وأسلوب الحديث حتى‬ ‫أعلى تقييم للتصرفات‬ ‫لدى المجتمع‬ ‫ت�ق��ول الق�صة �إن��ه يف عهد م�ب��ارك الكبري يف‬ ‫الكويت ال�شقيق‪ ،‬عندما تعر�ضت �سوق الل�ؤل�ؤ‬ ‫للم�صاعب‪ ،‬د�أب الكويتيون على الذهاب �إىل‬ ‫الهند للغو�ص ه �ن��اك‪ ،‬ف�ق��ام بع�ض ال�شباب‬ ‫بال�سفر �إىل الهند للغو�ص‪ .‬وعندما و�صلوا‬ ‫وجدوا �أن احلكومة قد منعت الغوا�صني العرب‬ ‫من العمل فتقطعت بهم ال�سبل هناك وك��ادوا‬ ‫�أن يهلكوا م��ن اجل��وع ب�سبب ع��دم توفر امل��ال‬

‫للعودة �أو لبدء عمل يف تلك البالد البعيدة‪ .‬ومع‬ ‫�شعورهم باحلرية من �أمرهم �أ�صر �أحدهم على‬ ‫فكرته التي طلب من �أ�صحابه تنفيذها لتنقذهم‬ ‫من املوقف ال�صعب‪ ،‬ومفادها �أن يقوموا ببيعه‬ ‫كرقيق يف ال�سوق وي�شرتوا بثمنه �أم��اك��ن لهم‬ ‫وله يف �أول �سفينة عائدة �إىل الكويت‪ .‬فخ�شي‬ ‫�أ�صحابه من �أن ال يتمكن من الفرار وي�صري‬ ‫رقيق ًا للأبد يف تلك البالد البعيدة‪ .‬ولكن‪ ،‬ومع‬ ‫�إ�صراره على تنفيذ الفكرة‪ ،‬وحالتهم ال�صعبة‬ ‫التي باتوا عليها‪ ،‬مل يجدوا بد ًا من قبول الفكرة‪.‬‬ ‫فباعوه لتاجر هندي وقاموا ب�شراء تذاكر العودة‬ ‫لهم ول�صديقهم‪ .‬وملا حان موعد ال�سفر‪ ،‬متكن‬ ‫م��ن ال�ه��رب م��ن مالكه الهندي وع��اد اجلميع‬ ‫بف�ضل �شجاعته وت�ضحيته �إىل ب�لاده��م‪ ،‬وملا‬ ‫ع��ادوا �إىل الكويت �أخ�بر ال�شيخ م�ب��ارك عن‬ ‫فعلة ال�شاب ال�شجاع‪ ،‬فقال‪� :‬أين هذا ال�سنايف‬ ‫�أريد �أن �أراه‪ ،‬ف�أطلق لقب ال�سنايف عليه حتى �أن‬ ‫عائلته ال تزال حتمل نف�س اال�سم يف الكويت �إىل‬ ‫يومنا هذا‪ ،‬ف�أ�صبح ال�سنايف يطلق على كل من‬ ‫يقوم ب�أعمال الت�ضحية والبطولة‬


‫حكايات من الذاكرة‬ ‫‪104‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫أوالد أمين‬ ‫القاهرة ‪ -‬ه�شام علي‬

‫«علي» يف بطن �أُمي‪ُ ،‬ولد هو �أ ّو ًال و ُو ُ‬ ‫لدت بعده بخم�س دقائق‪ ،‬وكنت �أداعبه يف طفولتنا‬ ‫ع َرفتُ ًّ‬ ‫و�أقول له «�إنني كنت �أكرث منك �أدبا!»‪ ،‬لقد قلت لك ّ‬ ‫«تف�ضل �أنت �أ ّو ًال» وتركتك تخرج �إىل‬ ‫الدنيا قبلي‪ .‬هما �أ�شهر«تو�أم» يف تاريخ ال�صحافة امل�صرية والعربية م�صطفى وعلي �أمني‪.‬‬ ‫عندما بد�أت خطواتي الأوىل يف ال�صحافة يف بداية الثمانينات‪ ،‬كانت جريدة «الأحرار» التي‬ ‫اتدرب بها يتم تنفيذها وطبعها �أ�سبوعياً يف م�ؤ�س�سة «�أخبار اليوم» بالق�سم التجاري‪ ،‬كنت‬ ‫�أعترب يوم ال�سهرة الأ�سبوعية لتنفيذ اجلريدة �أ�سعد �أيام حياتي على الإطالق‪.‬‬ ‫كان يكفيني احل�صول على هذه الفر�صة الثمينة �أ�سبوعي ًا‪،‬‬ ‫ل ��وج ��ودي يف الأم ��اك ��ن ن�ف���س�ه��ا‪ ،‬وال��ط��رق��ات وامل �ك��ات��ب‬ ‫واملطبعة‪،‬التي �شهدت ميالد �أ�شهر �صحيفة عربية «�أخبار‬ ‫غيت �شكل ال�صحافة‬ ‫اليوم»‪� ،‬أو مدر�سة «�أخبار اليوم» التي رّ‬ ‫امل�صرية‪ ،‬بعد �أن �أ�صبحت اجلريدة ال�شعبية الأوىل التي‬ ‫يتخاطفها القرّاء من �أم��ام �أب��واب املطبعة قبل �أن ت�صل‬ ‫للموزعني‪ ،‬وبائعي اجلرائد‪ ،‬لدرجة �أن �صحافيي «الأهرام»‬ ‫الذين نلقبهم ب�صحافيي «ال ِبدَل ال�شيك» كانوا يقفون �أمام‬ ‫بوابة «�أخبار اليوم» حتى يت�أكدوا ب�أنف�سهم من �أن اجلريدة‬ ‫التي تناف�س جريدتهم يعمل بها �صحافيون وحمررون ولي�سوا‬ ‫«عفاريت» �أو «منجمون» ي�ستعني بهم �أ�صحاب «�أخبار اليوم»‬ ‫يف «ا�صطياد الأخبار» و�صنع «اخلبطات ال�صحافية» التي‬ ‫كانت تهز م�صر يومي ًا‪ ،‬م�صر ال�شعبية‪ ،‬القراء‪،‬والر�سمية‪،‬‬ ‫ال�سلطة وال��وزراء والق�صر «امللكي» ال��ذي كان يعمل �ألف‬ ‫ُ‬ ‫ح�ساب لأ�شهر «تو�أم» عرفته ال�صحافة امل�صرية والعربية‪،‬‬ ‫م�صطفى وعلي �أمني‪� ،‬صاح َب ْي «�أخبار اليوم»‪.‬‬ ‫يف هذه ال�سهرة ال�صحافية الأ�سبوعية كث ً‬ ‫ريا ما كنت انتهز‬ ‫فر�صة الراحة للجلو�س بني «ا�سطوات» تنفيذ ال�صفحات‪،‬‬ ‫وعمال ال�صف‪ ،‬ا�ستمع حلكايتهم عن كبار ال�صحافيني يف‬ ‫امل�ؤ�س�سة عندما كانوا �شباب ًا يف �سني‪ ،‬وكيف �صنعوا جمدهم‬ ‫ال�صحايف‪ ،‬و�شهرتهم‪ ،‬ونوادرهم ال�صحافية‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫�أن كل ا�سم من ه�ؤالء ال�صحافيني‪� ،‬أ�صبح رئي�س ًا لتحرير‬ ‫كربيات ال�صحف واملجالت امل�صرية والعربية �أو �سف ً‬ ‫ريا‬ ‫لـمدر�سة «�أخبار اليوم» يف دول عربية �شقيقة‪ ،‬يقدم خرباته‬

‫وي�شاركهم طموحاتهم يف ت�أ�سي�س �صحف يف بالدهم تليق‬ ‫مبكانتهم وما �شهدته من تطور وتقدم و ُرقي‪.‬‬ ‫يح�ضرين يف ه��ذه اللحظة ثالثي الأ��س��ات��ذة‪ ،‬م�صطفى‬ ‫�شردي‪ ،‬جمال بدوي‪ ،‬عبا�س الطرابيلي‪ ،‬م�ؤ�س�سي جريدة‬ ‫«االحت��اد» الإماراتية‪ ،‬ود‪� .‬صالح قب�ضايا م�ؤ�س�س جريدة‬ ‫«ال�شرق الأو�سط»ال�سعودية‪ ،‬وغريهم‪.‬‬ ‫�أكرث احلكايات التي تعلقت وعا�شت يف ذهني «غ��ذاء يوم‬ ‫اجلمعة»‪ ،‬الذي كان يقام �أ�سبوعي ًا يف �صالة حترير اجلريدة‪،‬‬ ‫وكان يح�ضره ال��وزراء وجنوم املجتمع من فنانني وفنانات‬ ‫ورم��وز الطبقة االر�ستقراطية‪ ،‬يف ح�ضور ُك ّتاب اجلريدة‬ ‫الكبار م��ن �أ��ص�ح��اب الأع �م��دة ال�صحافية‪ ،‬واملحررين‬ ‫وامل �ح��ررات‪ ،‬وعمال املطبعة واملنفذين‪ ،‬وال�سعادة عمال‬ ‫تنظيف املكاتب‪ ،‬ال فرق بني اجلميع �أمام «التو�أم»‪� ،‬صاح َب ْي‬ ‫اجلريدة‪ ،‬الكل «�شريك» يف «�أخبار اليوم» ي��ؤدي دوره عل‬ ‫�أكمل وجه‪.‬‬ ‫يف هذه اال�سرتاحة الأ�سبوعية مع «ا�سطوات» التنفيذ كنت‬ ‫�أ�سجل تاريخ التو�أم «�شفوي ًا»‪،‬حكاية من هنا و�أخ��رى من‬ ‫هناك‪ ،‬خ�صو�ص ًا عالقة «التو�أم» بع�ضهما ببع�ض‪ ،‬وكيف‬ ‫ا�ستغلوا الت�شابه الرهيب بينهما يف ال�شكل وال�صوت‪ ،‬لدرجة‬ ‫�أن كث ً‬ ‫ريا ماكان م�صطفى يعقد اجتماعات املحررين على‬ ‫�أنه علي وعلي ُيعاقب حم��رر ًا على انه م�صطفى‪ ،‬و�أحيان ًا‬ ‫كان م�صطفى يبد�أ كتابة مقال «فكرة» ويرتكها ل�شقيقه يف‬ ‫املنت�صف لي�ستكملها‪ ،‬وال ي�شعر ال ُقرّاء‪ ،‬وهنا ا�ستعني مبا‬ ‫كتبه م�صطفى نف�سه عن حكايته مع «تو�أمه» والتي �أفرد لها‬


‫ف�ص ًال يف كتابه ال�ش ّيق «م�سائل �شخ�صية»‪.‬‬ ‫علي يف بطن �أم��ي‪ُ ،‬ولد هو �أو ًال‬ ‫يقول م�صطفى �أمني «ع َرفت ًّ‬ ‫و ُول��دت بعده بخم�س دقائق‪ ،‬وكنت �أداعبه يف طفولتنا و�أق��ول‬ ‫له »�إنني كنت �أكرث منك �أدب��ا!« لقد قلت لك »تف�ضل �أنت �أو ًّال«‬ ‫وتركتك تخرج �إىل الدنيا قبلي‪.‬‬ ‫وكان ت�شابهنا عجيب ًا وكان من ال�صعب �أن تعرف �أُ ّمنا من هو علي‬ ‫ومن هو م�صطفى؟ وقد و�ضعت يف يدي �شريط ًا �أزرق وو�ضعت‬ ‫يف يد �أخ��ي �شريط ًا �أحمر لتفرق بيننا‪ ،‬وكنا ننام على �سرير‬ ‫واحد‪ ،‬و�أذكر �أننا غافلناها وتبادلنا ال�شريطني وو�ضعتُ يف يدي‬ ‫ال�شريط الأحمر وو�ضع �أخي يف يده ال�شريط الأزرق و�أ�صبحنا‬ ‫نتبادل ال�شريطني عدة مرات حتى �إنني ال �أعرف الآن هل �أنا‬ ‫م�صطفى �أمني �أم علي �أمني!‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كانت �أُ ّمنا حري�صة على �أن نرتدي لونا واحدا من املالب�س‪ ،‬فكان‬ ‫من ال�صعب التمييز بيننا‪ ،‬وقد �ضاق ناظر املدر�سة االبتدائية‬ ‫بت�شابهنا العجيب فو�ضعني يف ف�صل وو�ضع �شقيقي يف �آخر‪،‬‬ ‫وكان �إذا �ضرب املُدر�س علي بكيت �أنا يف الف�صل الآخر وكانت‬ ‫هذه الظاهرة العجيبة تده�ش املدر�سني وعندما كربنا كنت‬ ‫�أذهب وحدي �إىل اخل ّياط اختار قما�ش ًا ل ِبدَيل ويذهب �شقيقي‬ ‫�إىل خ ّياط �آخر ويختار قما�ش ًا نكت�شف بعدها �أننا اخرتنا اللون‬ ‫و القما�ش نف�سيهما!‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وحدث مرة بعد �أن �أ�صبحنا �شبابا كنا ن�سري على �شاطئ �سيدي‬ ‫مغ�شي عليها‬ ‫ب�شر و�إذ بفتاة ت�سري من �أمامنا‪ ،‬ت�سقط على الأر�ض ٌّ‬ ‫فلما �أفاقوها قالت «�إنها ر�أت واحد اثنني!»‪.‬‬ ‫تز ّوج �شقيقي قبلي وكانت زوجته تطلبه يف مكتبه بالتليفون ويبد�أ‬ ‫هو املحادثة‪ ،‬و�إذا كان م�شغو ًال ُيعطيني �س ّماعة الهاتف و�أُ ّمت‬ ‫املحادثة دون �أن تعرف زوجته �أنني ل�ست بزوجها!‬ ‫وعندما تز ّوجتُ للمرة الأوىل �أ�ص ّرت عرو�سي على �أن تقيم فرح ًا‬ ‫يف فندق «�شربد» القدمي وعار�ضت ب�شدة يف هذه البهدلة‪ ،‬ولكن‬ ‫�أ�سرة عرو�سي ا�ضطرتني �أن �أقبل هوان الزفة واجللو�س على‬ ‫«الكو�شة»‪.‬‬ ‫وجل�ست خم�س دقائق و�شعرت ب�أنني اختنق وا�ستنجدت ب�أخي‬ ‫وطلبت منه �أن يفتيني ويجل�س بد ًال مني على «الكو�شة» وق ِبل‬ ‫امل�سكني �أن يقوم بهذه املهمة الثقيلة حتى انتهى الفرح!‬ ‫وقليل من �أ�صدقائي املدعوين اكت�شفوا �أن العري�س لي�س هو �أنا!‬ ‫ويف بع�ض الأحيان �أنظر يف املر�آة و�أرى �صورة �شقيقي يف بادي‬ ‫الأمر ثم �أتبني �أنها �صورتي!‪�.‬س‬ ‫ورغم االتهامات وال�سهام التي يطلقها البع�ض على مدر�سة «�أخبار‬ ‫اليوم» ال�صحافية �إال �أن هذه االتهامات مل ت ُِنكر �أن لـ«التو�أم »‬ ‫دور ًا رئي�س ًا يف رفع م�ستوى مهنة ال�صحافة يف م�صر‪� ،‬سوا ًء على‬ ‫م�ستوى املهنة وفنونها‪� ،‬أو رفع م�ستوى دخول ال�صحافيني‪ ،‬مما‬ ‫�أح��دث انقالب ًا مد ّوي ًا يف «بالط �صاحبة اجلاللة»‪،‬على �سبيل‬

‫املثال‪ ،‬كان توفيق احلكيم يتقا�ضى جنيهني يف الق�صة‪ ،‬ف�أعطوه‬ ‫‪ 400‬جنيه‪ ،‬كامل ال�شناوي كان يتقا�ضى ‪ 12‬جنيه ًا يف الأهرام‬ ‫ف�أعطوه ‪ 100‬جنيه‪� ،‬أحمد ال�صاوي حممد كان يح�صل على ‪6‬‬ ‫جنيهات ف�أعطوه ‪ 100‬جنيه ‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫بد�أوا يف �إر�سال ال�صحافيني �إىل امل�ؤمترات اخلارجية من �أجل‬ ‫�أن يكتب يف املان�شيت «مندوب �أخبار اليوم يكتب من باري�س»‬ ‫�أو وا�شنطن �أو روما‪ ،‬بد�أت «ال�صورة» ال�صحافية ت�أخذ م�ساحة‬ ‫كبرية على �صدر ال�صفحة الأوىل‪ ،‬وتُعامل ب�أهمية اخلرب‬ ‫ين�س املجتمع امل�صري‪� ،‬أزمة ن�شر �صورة‬ ‫ال�صحايف والتقرير‪ ،‬مل َ‬ ‫املمثلة «كامليا» حمرتقة بعد �أن ماتت يف حادث طائرة‪ ،‬انق�سم‬ ‫املجتمع بني م�ؤيد لن�شر ال�صورة على �أ�سا�س �أن ال�صحافة «مهنة‬ ‫بال قلب»‪ ،‬ومعار�ض من منطلق ُحرمت «املوتى»‪.‬‬ ‫ك��ان ه��ذا اجل��دل دائ ��ر ًا يف املجتمع والأو� �س��اط ال�صحافية‪،‬‬ ‫و«ال�ت��و�أم» يف قمة ال�سعادة‪ ،‬منحازون ل�شعارهما ال��ذي رفعاه‬ ‫وتعاقدا به مع القراء «من حق ال�شعب �أن يعلم»‪.‬‬ ‫فر�ضيا عن حم��رري «�أخ�ب��ار اليوم» �أن يح�صلوا على دورات‬ ‫تعلُّم الكتابة على «الآلة الكاتبة»‪ ،‬ومن يجتاز هذه الدورة كانت‬ ‫اجلريدة ت�س ّلمه ماكينة �آل��ة كاتبة �صغرية يف حجم ال�شنطة‪،‬‬ ‫يتحرك بها يف �أي مكان يذهب �إليه‪.‬‬ ‫ال ين�سى منفذو «�أخبار اليوم» عندما �شاهدوا ال�شاب �إبراهيم‬ ‫�سعده‪-‬الذي �أ�صبح رئي�س ًا للتحرير ورئي�س ًا ملجل�س الإدارة‪-‬حزين‬ ‫يف طرقات «�أخبار اليوم» بعد �أن دخل مكتب علي �أمني يخربه‬ ‫ب�أنه يف طريقه لل�سفر لتغطية امل�ؤمتر املكلف به‪ ،‬ويف �أثناء تبادل‬ ‫احلوار بينهما �س�أله علي �أمني عن ماكينة الآلة الكاتبة اخلا�صة‬ ‫به‪ ،‬فر ّد �سعده ب�أنه مل يتجاوز الدورة‪ ،‬يف هذه اللحظة ظهرالوجه‬ ‫الآخر العنيف لعلي �أمني ونهره ب�شدة و�أخذ منه تذكرة ال�سفر‬ ‫ومزّقها وحت ّفظ يف مكتبه على جواز �سفره‪.‬‬ ‫ك��ان «�أوالد �أم�ي�ن» كما نحب �أن نطلق عليهم يف ال�صحافة‬ ‫امل�صرية يرون �أن الكتابة على الآلة الكاتبة اخت�صار للزمن يف‬ ‫العالقة ال�صحافية بني املحرر وال�صفيف‪ ،‬خ�صو�ص ًا �إذا كان‬ ‫املحرر من �أ�صحاب اخلطوط «الرديئة» التي حتتاج �إىل جمهود‬ ‫كبري يف القراءة وفك الطال�سم‪.‬‬ ‫يكفي �أن جتل�س بني اجليل القدمي ت�سمع منه عن «املطعم ال�شيك»‬ ‫الذي كان يف اجلريدة حتى ال يحتاج ال�صحافيني للخروج �إىل‬ ‫خارج «اجلورنال» و «احل�لاّ ق» و«اجلر�س»‪ ،‬اجلر�س الذي كان‬ ‫على باب اجلريدة يف ال�شارع‪ ،‬الذي كان يجري �إليه «التو�أم»‬ ‫مهروالن من الفرحة يت�سابقان فيما بينهما من �سي�شده قبل‬ ‫الآخر حتى ُيجلجل �صوته يف �شارع ال�صحافة ويعرف اجلميع �أن‬ ‫«�أخبار اليوم» حققت يف هذا اليوم انت�صار ًا �صحافي ًا‬


‫مجلس العلوم‬ ‫‪106‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫ت�شوهات وراثية واختالالت جينية‬ ‫تأثيرات جديدة للنفط المتسرب على الحياة البحرية‬ ‫�إعداد ‪ -‬م�صطفى ال�شامي‬ ‫بعد مرور عامني على كارثة انفجار من�صة النفط ديب‬ ‫ووت��ر ه��وري��زون التابعة ل�شركة بي ب��ي‪ ،‬تقدم الدرا�سات‬ ‫املختربية �أخ�يراً دالئ��ل على ت�أثري النفط املت�سرب على‬ ‫احلياة البحرية‪ .‬باخت�صار‪� ،‬أظهرت الدرا�سات اجلديدة �أن‬ ‫م�ستويات التعر�ض املنخف�ضة للغاية للنفط �أدت �إىل قتل‬ ‫العديد من الأجنة و�صغار الأ�سماك‪ ،‬ف�ض ً‬ ‫ال عن �أن الأنواع‬ ‫التي متكنت من البقاء على قيد احلياة غالباً ما تكون‬ ‫عر�ضة للت�شوهات اخلطرية التي قد ت�ضعف من �صحة‬ ‫الأ�سماك‪.‬‬ ‫وتراوحت الأن��واع املت�ضررة فيما بني الأ�سماك‬ ‫كبرية احلجم يف املحيطات مثل ال�ت��ون��ا‪� ،‬إىل‬ ‫الأج�سام املماثلة ل�سمك املنوة ال�ساحلية‪ ،‬و�صو ًال‬ ‫�إىل الأ��س�م��اك ال�صغرية ال�ت��ي ت�شكل وجبات‬ ‫للأ�سماك الأك�بر من كافة الأن��واع‪ .‬وقد تبادل‬ ‫الباحثون مناق�شة النتائج التي تو�صلوا �إليها‬ ‫يف منت�صف نوفمرب خ�لال ن��دوة �أقيمت على‬ ‫هام�ش االجتماع ال�سنوي جلمعية ال�سموم البيئية‬ ‫والكيمياء‪.‬‬ ‫ت�شكل العنا�صر الهيدروكربونية العطرية متعددة‬ ‫احللقات «‪ »PAHs‬العنا�صر النفطية الأك�ثر‬ ‫تهديد ًا للحياة البحرية‪ .‬فمن خالل عملية تعرف‬ ‫با�سم "التجوية"‪ ،‬تت�صاعد مواد كيميائية �أخف‬ ‫وزن ًا من النفط اخلام‪ ،‬تاركة مواد تتحول مبرور‬ ‫الوقت �إىل م��واد �أثقل وم��ن ثم �إىل تر�سيبات‪.‬‬ ‫ويو�ضح التحليل الكيميائي اجلديد الذي �أجراه‬ ‫داميان �شي من جامعة والية نورث كارولينا يف‬ ‫رايل �أن التجوية تخف�ض من العنا�صر النفطية‬ ‫مما يعمل على عزل العنا�صر الهيدروكربونية‬ ‫العطرية متعددة احللقات يف املاء‪ .‬وا�ستنتج يف‬ ‫املرحلة الأخ�يرة �أن التجوية تقلل من ال�سمية‬ ‫النفطية‪.‬‬

‫كميات و�أنواع العنا�صر الهيدروكربونية العطرية‬ ‫متعددة احللقات التي اندجمت مع املاء يف كل‬ ‫دفعة قبل تعري�ض �صغار الأ�سماك للمزيج ملدة‬ ‫ترتاوح ما بني ‪� 48‬إىل ‪� 96‬ساعة‪.‬‬ ‫�أظهرت النتائج نفوق ن�صف �صغار الأ�سماك‬ ‫بعد تعر�ضها للماء الذي يحتوي على ‪� 5‬إىل ‪10‬‬ ‫ميكروجرام لكل لرت من النفط املُ َج َّوى والعنا�صر‬ ‫الهيدروكربونية العطرية متعددة احللقات له‪.‬‬ ‫ولتحقيق نف�س معدل النفوق با�ستخدام مياه‬ ‫حتتوي على النفط اخل��ام الناجت عن كارثة بي‬ ‫بي‪ ،‬ا�ستعان �إي�سباو برتكيزات �أك�بر ب�أربع �إىل‬ ‫ثمان �أ�ضعاف‪.‬‬

‫�أ�ضاف �آن��درو �إي�سباو‪ ،‬اخت�صا�صي ف�سيولوجيا‬ ‫الأ�سماك يف جامعة تك�سا�س يف معهد العلوم‬ ‫البحرية يف �أو�سنت – بعد �أن قام باختبار ت�أثريات‬ ‫النفط املُ� َ�ج � َّوى على الأ�سماك ‪ -‬قائ ًال «ولكن‬ ‫النفط املُ� َ�ج� َّوى �أ�صبح �أك�ثر �سمية بني �أيدينا»‪.‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل ما قام به فريق هائل من الباحثني‬ ‫من جامعات عدة ومن الإدارة الوطنية لدرا�سة‬ ‫املحيطات والغالف اجلوي يف �سياتل‪ ،‬قارن �آندرو‬ ‫ن�سبة ال�سمية للنفط املُ َج َّوى �إىل النفط اخلام بعد‬ ‫كارثة بي بي لدى �صغار �أ�سماك خليج املك�سيك‬ ‫كالكوبيا واملاهي ماهي التي خرجت حديث ًا من‬ ‫بي�ضها بعد تربيتها معملي ًا‪.‬‬ ‫وملحاكاة كيفية عمل املوجات على ت�شتيت العنا�صر‬ ‫النفطية‪ ،‬قام فريقه بو�ضع النفط وماء البحر يف ت�أثريات �ضوء ال�شم�س‬ ‫خالط ومت مزجهما‪ .‬ومن ثم‪ ،‬قام الفريق بقيا�س �أظ�ه��رت �إح��دى ال��درا��س��ات الأخ ��رى �أي�ض ًا �أن‬ ‫�ضوء ال�شم�س عزز الت�أثريات ال�سمية‪� .‬أكد �آرون‬ ‫روبرت�س‪ ،‬من جامعة ن��ورث تك�سا�س يف دينتون‬ ‫العديد من صغار السمك �أي�ض ًا �أن العنا�صر الهيدروكربونية العطرية‬ ‫تعرض الضطرابات قلبية متعددة احللقات تزيد من قدرة الأن�سجة على‬ ‫امت�صا�ص الأ�شعة ف��وق البنف�سجية ال�ضارة‪.‬‬ ‫بعد تعقب مستويات‬ ‫و�أ�ضاف قائ ًال «علينا �أن نفكر �أي�ض ًا ب�أن العنا�صر‬ ‫التعرض للنفط في‬

‫البيض الذي استمر لمدة‬ ‫يوم أو ما يقارب اليوم‬


‫الهيدروكربونية العطرية متعددة احللقات تعمل‬ ‫كم�ضاد ملواد الوقاية من �أ�شعة ال�شم�س» ‪.‬‬ ‫لفح�ص الت�سمم ال�ضوئي احل��ادث �أثناء عملية‬ ‫تخ�صيب البي�ض‪ ،‬قام فريق روبرت�س بجمع بي�ض‬ ‫ال�سمك حديث الإنتاج و�سائل منوي من كائنات‬ ‫بحرية مل تتعر�ض للت�سمم متت تربيتها معملي ًا‬ ‫وم��ن ثم مت م��زج اخلاليا يف م��اء بحر خمتلط‬ ‫بالنفط‪� .‬أظهرت العملية �أنه فيما يتعلق بالأنواع‬ ‫الأك�ث�ر ح�سا�سية‪ ،‬كال�سرطان الأزرق واملاهي‬ ‫ماهي‪ ،‬تطلب الأم��ر من ‪� 2‬إىل ‪ 6‬ميكروجرام‬ ‫فقط م��ن العنا�صر الهيدروكربونية العطرية‬ ‫متعددة احللقات لكل لرت من املاء لتقليل ن�سبة‬ ‫اخل�صوبة املعتادة للبي�ض – على الأقل يف وجود‬ ‫الأ�شعة فوق البنف�سجية ال�شم�سية‪ .‬و�أكد روبرت�س‬ ‫�أي�ض ًا �أنه حتى بعد منع ‪ 90‬باملائة من الأ�شعة فوق‬ ‫البنف�سجية‪� ،‬إال �أن الأ�شعة التي مرت كانت كافية‬ ‫لتقليل جناح اخل�صوبة ناهيك عن ال�ضرر الذي‬ ‫ت�سبب به الزيت مبفرده‪.‬‬ ‫ور�صد �أي�ض ًا مارتن جرو�سل من جامعة ميامي‬ ‫يف فلوريدا مالحظاته قائ ًال �أنه يف هذه الأنواع‬ ‫تف�سر ال�سمية املعززة �ضوئي ًا تزايد‬ ‫«ميكن �أن ِّ‬ ‫احل�سا�سية بع�شرين مرة»‪.‬‬ ‫كما �أظهرت درا�سة �أخرى �أن �صغار �أ�سماك التونا‬ ‫واملاهي ماهي التي مت تربيتها معملي ًا وظلت على‬ ‫قيد احلياة لفرتة ق�صرية بعد تعر�ضها ملاء البحر‬ ‫املُ َج َّوى غالب ًا ما تكون عر�ضة للت�شوهات التي قد‬ ‫تعر�ض بقاءها على قيد احلياة ملدة �أطول للخطر‪.‬‬ ‫على �سبيل املثال‪ ،‬ذكر جرو�سل «�أن العديد من‬ ‫�صغار ال�سمك تعر�ض ال�ضطرابات قلبية بعد‬ ‫تعقب م�ستويات التعر�ض للنفط يف البي�ض الذي‬ ‫ا�ستمر ملدة يوم �أو ما يقارب اليوم»‪ .‬وعقب مرور‬ ‫�شهر‪ ،‬عندما و�ضع فريقه ه���ؤالء ال�صغار يف‬ ‫مكافئ لطاحونة مائية‪ ،‬ا�ستطاع ال�سمك ال�سباحة‬ ‫بن�سبة ‪ 70‬باملائة فقط من �سرعة الأ�سماك التي‬ ‫منت يف ماء مل يتعر�ض لل�ضرر‪.‬‬ ‫�أ� �ش��ار ج��رو��س��ل �إىل «�أن �أداء ال�سباحة هذا‬ ‫منخف�ض للغاية»‪ ،‬مما قد يعر�ض قدرة الأ�سماك‬ ‫املفرت�سة على ا�صطياد كمية كافية من الفرائ�س‪،‬‬ ‫�أو ال�سفر مل�سافات طويلة للغاية كتلك التي‬ ‫تقطعها �أ�سماك التونة املهاجرة �إىل حد كبري‬ ‫كل عام للمخاطر‪ .‬وقد �شجع ذلك فريقه على‬

‫أكد الباحثون وجود تغييرات‬ ‫في نشاط مجموعة هائلة‬ ‫من الجينات في األسماك‬ ‫في المواقع التي تتأثر‬ ‫بالنفط منها عيوب في‬ ‫القلب والعمود الفقري‬ ‫إ�ج��راء ه��ذه االختبارات التي �أظهرت بياناتها‬ ‫�أن العديد من الأن��واع الهامة جتاري ًا يف املياه‬ ‫العميقة‪ ،‬ال�سيما التونة‪ ،‬و�ضعت بي�ضها يف اخلليج‬ ‫�أثناء الأ�شهر التي كان بئر ديب ووتر هوريزون‬ ‫ي�سرب النفط خاللها‪ ،‬مع العلم ب�أنه يف ال�سنوات‬ ‫ال�سابقة غالب ًا ما كان يتم و�ضع البي�ض يف منطقة‬ ‫الت�سرب مبا�شرة‪.‬‬ ‫�أخ�ي�ر ًا‪� ،‬أك��د فريق الباحثني وج��ود تغيريات يف‬ ‫ن�شاط جمموعة هائلة من اجلينات يف �أ�سماك‬ ‫اجليلي في�ش يف اخلليج املك�سيكي التي متاثل‬ ‫�أ�سماك املنوة يف الطول والعائدة من املواقع‬ ‫التي ت�أثرت بالنفط على ال�ساحل اخلليجي‪ .‬ويعد‬ ‫هذا النوع من الأ�سماك �أكرث الفقاريات انت�شار ًا‬ ‫يف مياه امل�ستنقعات يف لويزيانا‪ .‬وقد �أكد �آندرو‬ ‫وايت هيد من جامعة كاليفورنيا بدافي�س �أنه "ال‬ ‫ميكن تعقب م�ستوى العنا�صر الهيدروكربونية‬ ‫العطرية متعددة احللقات من خالل املاء املوجود‬ ‫يف ه��ذه امل��واق��ع �أو �أن�سجة احل�ي��وان��ات‪� ،‬إال �أن‬

‫جينات احليوانات ُتظهر ب�صمة وا�ضحة للتعر�ض‬ ‫للعنا�صر الهيدروكربونية العطرية متعددة‬ ‫احل�ل�ق��ات‪ .‬وا�ستنتج �أن ب�صمة ال�سمية هذه‬ ‫«تو�ضح �أن هذه الأ�سماك قد تعر�ضت لرتكيزات‬ ‫حيوية ذات �صلة» ‪.‬‬ ‫قام فرناندو جالفيز من جامعة والية لويزيانا‬ ‫يف ب��ات��ون روغ‪ ،‬م��ن خ�لال جتربة معملية ذات‬ ‫�صلة‪ ،‬بح�ضانة بي�ض من �أ�سماك جيلي في�ش‬ ‫مل تتعر�ض ل�ضرر يف ماء نظيف مع روا�سب من‬ ‫حواف م�ستنقعات ت�ضررت بالت�سرب‪ .‬مل يفق�س‬ ‫العديد من البي�ض‪ ،‬بيد �أن الأجنة مل تتعر�ض‬ ‫للنفوق‪ .‬كما �أن العديد من �صغار ال�سمك التي‬ ‫نتجت عن فق�س البي�ض تعر�ضت ال�ضطرابات‬ ‫قلبية وعيوب يف العمود الفقري ف� ً‬ ‫ضال عن عيوب‬ ‫�أخرى‪ .‬وجد فريق جالفيز �أن �سرعة القلب لدى‬ ‫�صغار ال�سمك ال��ذي ن�ش�أ يف بيئة بها روا�سب‬ ‫ت�ضررت بالنفط �إىل حد كبري بلغت ‪ 60‬باملائة‬ ‫فقط مقارنة بنظريتها الطبيعية‪ .‬وق��د حذر‬ ‫وايت هيد من التقليل من �أهمية هذه الت�أثريات‬ ‫والقول ب�أنها ت�ؤثر فقط يف �أ�سماك اجليلي في�ش‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف قائ ًال «تعد امل�ستنقعات التي ت�ضررت‬ ‫بالت�سرب النفطي ح�ضانة ملقدار وفري من الأنواع‬ ‫ال�سمكية التجارية»‪«.‬لذا‪ ،‬ف�إن الذي يحدث مع‬ ‫�أ�سماك اجليلي في�ش �سيحدث مع �أن��واع �أخرى‬ ‫من الأ�سماك التي ت�شاركها نف�س بيئة املعي�شة»‬


‫مجلس العلوم‬ ‫‪108‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫�أ�سالف الإن�سان اتبعوا نظام ًا نباتي ًا‬

‫علماء يكتشفون لغز اختيارات‬ ‫األغذية لدى السالالت األولى‬ ‫بارانرثوبو�س بويزي «انظر‪� ،6/4/11 :‬ص ‪.»8‬‬ ‫ويعتقد الباحثون �أن��ه من املرجح �أن��ه كانت‬ ‫لدى القرد اجلنوبي‪ ،‬مثل الأ�سرتالوبيثك�س‬ ‫الباهرالغازاي القدرة على تناول الأطعمة‬ ‫املتوفرة يف الأماكن التي تنت�شر بها ال�سافانا‬ ‫�أو الغابات‪ .‬من املمكن �أي�ض ًا �أن الأنواع التي‬ ‫عا�شت يف �أفريقيا الو�سطى قد بد�أت تطوير‬ ‫الذوق اخلا�ص باحل�شائ�ش ونباتات ال�سعادى‪.‬‬ ‫وقد اكت�شف مايكل برونيت �أحد امل�شاركني يف‬ ‫الدرا�سة من جامعة بويتريز‪ ،‬بفرن�سا البقايا‬ ‫الوحيدة املعروفة من قرد الأ�سرتالوبيثك�س‬ ‫الباهرالغازاي – وهي عبارة عن فك �أ�سفل‬ ‫جزئي يحتوي على �سبعة �أ�سنان والعديد‬ ‫من الأ�سنان الأخ��رى لأف��راد �آخ��ري��ن – يف‬ ‫عام ‪ 1993‬يف كورو تورو‪ ،‬بت�شاد‪ .‬وبنا ًء على‬ ‫تاريخ الرتبة التي حت��وي احلفريات و�أن��واع‬ ‫بقايا احل�ي��وان��ات التي مت العثور عليها يف‬ ‫هذه الروا�سب‪ ،‬تو�صل الباحثون �إىل �أن هذه‬ ‫الف�صيلة عا�شت منذ ‪� 3.6‬إىل ‪ 3‬مليون �سنة‬ ‫ما�ضية‪ .‬ويعتقد بع�ض العلماء �أن هذا الفك‬ ‫يخ�ص �أو�سرتالوبيثيكو�س �أفاريني�سي�س‪،‬‬ ‫�أح��د الف�صائل التي عا�شت �شرق �أفريقيا‬ ‫لأك�ث�ر م��ن ‪ 3‬مليون �سنة ما�ضية وي�شتهر‬ ‫بالهيكل العظمي اجل��زئ��ي امل�سمى لو�سي‪.‬‬ ‫وحتى الآن مل يتم �إجراء التحليل الكيميائي‬ ‫لأ�سنان من نوع لو�سي للح�صول على دالئل‬ ‫بخ�صو�ص احل�م�ي��ة ال�غ��ذائ�ي��ة‪ .‬وق��د �صرح‬ ‫ع��امل الأنرثوبولوجيا �ستانلي �أم�برو���س من‬

‫ي�شري التحليل الكيميائي لأ�سنان �أحد �أفراد‬ ‫العائلة الب�شرية املتطورة التي تت�سم بالغمو�ض‬ ‫ويبلغ عمره ‪ 3‬مليون عام �إىل �أنه كان يتمتع‬ ‫ب ��ذوقٍ م�ستقل جت��اه احل�شائ�ش والنباتات‬ ‫املزهرة التي يطلق عليها "نبات ال�سعادي"‪.‬‬ ‫مل يبد ق��رد الأ�سرتالوبيثك�س باهرالغازاي‬ ‫ال��ذي عا�ش يف �أفريقيا الو�سطى اهتمام ًا‬ ‫ب ��أوراق النباتات والثمار والأطعمة الأخ��رى‬ ‫النموذجية للف�صائل الأول �ي��ة ال�ت��ي ت َّركز‬ ‫وجودها يف مناطق الغابات‪ .‬وقد �أكدت عاملة‬ ‫الآث��ار جوليا يل ثورب وزمالءها من جامعة‬ ‫�أك�سفورد ب�إجنلرتا �أنه «بد ًال من ذلك‪ ،‬كانت‬ ‫تتغذى يف الأ�سا�س على �أج��زاء احل�شائ�ش‬ ‫التي تقع حتت الأر�ض ونباتات ال�سعادى التي‬ ‫كانت تنمو يف مناطق ال�سافانا»‪ .‬ظهرت هذه‬ ‫الدرا�سة عرب الإنرتنت يف الثاين ع�شر من‬ ‫نوفمرب �ضمن فعاليات الأكادميية الوطنية‬ ‫للعلوم‪ .‬وقد �أظهرت نتائج التحليل �أن البقايا التحليل الكيميائي أثبت‬ ‫التي مت اكت�شافها كانت �أكرب مبليون �سنة على أن اإلنسان قبل ‪ 3‬مليون‬ ‫الأقل من النوع الآخر من الف�صائل التي‬ ‫بذوق‬ ‫كانت عام ًا كان يتمتع‬ ‫ٍ‬ ‫تتغذى على احل�شائ�ش ونبات ال�سعادى‪ ،‬وهو‬

‫مستقل تجاه الحشائش‬ ‫والنباتات المزهرة‬

‫جامعة الينوي يف �أوربانا – ت�شامبني قائ ًال‬ ‫«ا�ستطاع قرد �أ�سرتالوبيثك�س احل�صول على‬ ‫قوته من ح�شائ�ش ال�سافانا»‪ .‬و�أ�ضاف «�أنه‬ ‫ال ميكن حتديد م��ا �إذا ك��ان يتناول الكثري‬ ‫من احل�شائ�ش �أو حلوم احليوانات الرعوية‬ ‫من خالل التحليل الكيميائي» ‪ .‬قام فريق‬ ‫يل ث��ورب بقيا�س منوذجني من الكربون يف‬ ‫الأ�سنان من ث�لاث �أف��راد �آخرين ويف عينة‬ ‫�أحفورية من �أ�سنان العديد من احليوانات‬ ‫التي مت اكت�شافها يف كورو تورو‪ .‬انحدر �أحد‬ ‫من��اذج الكربون يف الغالب م��ن احل�شائ�ش‬ ‫ونباتات ال�سعادى‪ ،‬يف حني انحدر النموذج‬ ‫الآخر ب�شكل رئي�سي من ال�شجريات ال�صغرية‬ ‫والأ� �ش �ج��ار ال �ك �ب�يرة‪� .‬أظ �ه��رت ال�ن�ت��ائ��ج �أن‬ ‫هذه الف�صيلة كانت تتغذى على نف�س كمية‬ ‫احل���ش��ائ����ش ون �ب��ات��ات ال���س�ع��ادى ال �ت��ي ك��ان‬ ‫بارانرثوبو�س بويزي يتناولها‪ .‬وثمة اقرتاح‬ ‫تتبناه ث��ورب‪� ،‬أنه من املحتمل �أن يكون قرد‬ ‫الأ�سرتالوبيثك�س الباهرالغازاي كان ي�ستهلك‬ ‫ال ��درن ��ات ال �ت��ي تنمو حت��ت �سطح الأر� ��ض‬ ‫والب�صالت النباتية واجل ��ذور‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال عن‬ ‫ج��ذور نبات ال�سعادى التي تنمو فوق �سطح‬ ‫الأر�ض مثل الربدي‪ .‬وي�ؤكد عامل الأنرثوبولوجيا‬ ‫بيرت �أوجنار من جامعة �أركان�سا�س يف مدينة فيتفل‬ ‫«�أن��ه بالرغم م��ن ��ض��رورة وج��ود عينة �أحفورية‬ ‫من الأ�سنان لتو�ضيح ع��ادات تناول الغذاء لدى‬ ‫الأ�سرتالوبيثك�س الباهرالغازاي‪� ،‬إال �أنه يبدو �أن‬ ‫تناول احل�شائ�ش ونبات ال�سعادى مل يكن حكر ًا على‬ ‫بارانرثوبو�س بويزي» ‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف �أوجنار �أي�ض ًا "�أن لغز اختيارات الأغذية‬ ‫لدى ال�سالالت الأوىل يبدو �أكرث تعقيد ًا كلما �أ�ضفنا‬ ‫ف�صيلة �إليها"‬


‫عرب حماكاة التمثيل ال�ضوئي لدى النبات‬

‫جهود الستخراج غاز الهيدروجين من‬ ‫الماء لتوليد الوقود‬ ‫لقد �أ��ص�ب��ح م��ن ال�سهولة مب�ك��ان ا�ستخراج‬ ‫غاز الهيدروجني من املاء‪ ،‬مع العلم ب�أن هذا‬ ‫االكت�شاف ق��د ي���ؤدي �إىل ظهور و�سائل غري‬ ‫مكلفة وعملية لال�ستفادة من �ضوء ال�شم�س يف‬ ‫�إنتاج الهيدروجني كوقود احرتاق نظيف لتزويد‬ ‫ال�سيارات بالوقود �أو لتوليد الكهرباء‪.‬‬ ‫وي��رغ��ب العلماء يف حم��اك��اة عملية التمثيل‬ ‫ال�ضوئي لدى النبات‪ ،‬التي تعمل على اال�ستفادة‬ ‫من �ضوء ال�شم�س وجتزئة جزيئات املاء لتوليد‬ ‫ال��وق��ود‪ .‬ي�ب��دو الأم ��ر ب�سيط ًا‪� ،‬إال �أن املهمة‬ ‫تتطلب جمموعة من التفاعالت املنظمة للغاية‬ ‫لدى النباتات ذاتها والتي ي�ؤديها العديد من‬ ‫الأع�ضاء يف �أماكن عدة‪ .‬ومن ثم ف�إن الباحثني‬ ‫غالب ًا ما يتعاملون مع ن�صف عملية التمثيل‬ ‫ال�ضوئي يف كل مرة‪.‬‬ ‫وتركز الدرا�سة اجل��دي��دة‪ ،‬التي ن�شرت عرب‬ ‫الإن�ت�رن��ت يف ال�ث��ام��ن م��ن ن��وف�م�بر يف جملة‬ ‫�ساين�س‪ ،‬على جانب اقتنا�ص ال�ضوء الناجت‬ ‫عن هذه املعادلة‪ .‬فقد قام باحثون من جامعة‬ ‫رو�ش�سرت يف نيويورك‪ ،‬بتوليد ج�سيمات دقيقة‬ ‫من عن�صري الكادميوم وال�سيلينيوم والتي‬ ‫تقذف �إل�ك�ترون��ات عند ارتطامها بال�ضوء‪.‬‬ ‫كان الفريق �أي�ض ًا بحاجة �إىل حمفز لتمرير‬ ‫الإل�ك�ترون��ات �إىل �أي��ون��ات الهيدروجني‪ ،‬التي‬ ‫تندمج بدورها لتكون غاز ‪ H2‬املفيد‪.‬‬ ‫و�ضع الباحثون يف بوتقة التجربة خا�صتهم‬ ‫املاء واجل�سيمات النانونية «مع غطاء كيميائي‬ ‫جلعل تلك املواد قابلة للذوبان يف املاء»‪ ،‬وحمفز‬ ‫النيكل وقليل من املكونات الأخ��رى‪ .‬وحينما‬ ‫يرتطم ال�ضوء بالبلورات النانونية ي�صدر �صوت‬ ‫�ضجيج مما يعمل على توليد غاز الهيدروجني‪،‬‬ ‫وال تتوقف هذه العملية‪ .‬وغالب ًا ما يبد�أ اجلزء‬ ‫املمت�ص لل�ضوء من هذا النظام يف االنخفا�ض؛‬

‫وحينما يختفي هذا اجلزء يتوقف كل �شيء‪.‬‬ ‫وقد �صرح تود كراو�س‪ ،‬أ�ح��د �أع�ضاء الفريق‬ ‫قائ ًال «بعد مرور �أ�سبوعني‪ ،‬كانت الأمور ت�سري‬ ‫ببطء للغاية‪ ،‬لذا �أوقفنا العملية حينما نفذ‬ ‫�صربنا» ‪.‬‬ ‫يف عملية التمثيل ال�ضوئي املثالية‪ ،‬قد ين�ش�أ‬ ‫الهيدروجني ال��ذي ي�ستقبل الإلكرتونات عن‬ ‫جتزئة املياه مما ي�ؤدي �إىل توليد الأوك�سجني‪.‬‬

‫االكتشاف الجديد قد‬ ‫يؤدي إلى ظهور وسائل‬ ‫غير مكلفة لالستفادة‬ ‫من ضوء الشمس في‬ ‫إنتاج الهيدروجين كوقود‬ ‫احتراق نظيف لتزويد‬ ‫السيارات بالوقود أو‬ ‫لتوليد الكهرباء‬

‫ولي�س للنظام احلايل ما يجعله يقوم بتجزئة‬ ‫امل�ي��اه‪ ،‬ل��ذا ف��إن��ه ي�ستخدم مركب ًا �آخ��ر؛ وهو‬ ‫حام�ض الأ�سكوربيك للقيام بعمل املاء‪.‬‬ ‫وت�ؤكد هيماماال كارونادا�سا‪ ،‬العاملة الكيميائية‬ ‫من جامعة �ستانفودر‪� ،‬أن النظام اجلديد يتغلب‬ ‫على العديد من العقبات التي ميكن �أن تف�سد‬ ‫جهود التمثيل ال�ضوئي اال�صطناعي‪ .‬فهذا‬ ‫النظام طويل الأم��د كما �أن��ه متوافق مع املاء‬ ‫وامل��واد الكيميائية التي ت�ؤدي �أكرث من وظيفة‬ ‫واحدة على نحو فعال‪.‬‬ ‫لي�س ذلك فح�سب‪� ،‬إذ من املمكن �ضبط جزيئات‬ ‫اقتنا�ص ال�ضوء للح�صول على الطاقة من‬ ‫العديد من الأطوال املوجية لل�ضوء‪ .‬و�أ�ضافت‬ ‫�أي�ض ًا « هذا �أمر جيد! لأن �ضوء ال�شم�س يحتوي‬ ‫على العديد من الأطوال املوجية »‬


‫مدن‬ ‫‪110‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫رحلة �شائقة من الندرة �إىل الوفرة‬

‫الحياة االقتصادية إلمارة أبوظبي‬ ‫قراءة تاريخية لبدايات القرن الـ ‪19‬م‬


‫موزة عوي�ص الدرعي‬

‫باحثة مبركز زايد للدرا�سات والبحوث‬

‫�شهدت ج��زي��رة �أب��وظ�ب��ي – امل�ستوطنة اجل��دي��دة على ال�ساحل يف القرن‬ ‫الثامن ع�شر ومنذ اكت�شاف املاء فيها عام ‪ - 1761‬منواً مت�سارعاً يف جوانب‬ ‫متعددة منها ما كان �سيا�سياً و�آخر اقت�صادياً واجتماعياً‪ .‬وميكن مالحظة‬ ‫هذا النمو من نواح متعددة منها على �سبيل املثال‪ ،‬ازدياد عدد املنازل من‬ ‫ع�شرين م�ن��ز ًال عند ب��داي��ة اكت�شاف امل��اء �إىل �أربعمائة م�ن��زل‪ ،‬وذل��ك بعد‬ ‫عامني فقط من هذا االكت�شاف)‪،(1‬وهذا �إن دل على �شيء ف�إمنا يدل على‬ ‫ازدياد �أعداد �أفراد بني يا�س القادمني من ال�صحراء لال�ستقرار يف جزيرة‬ ‫�أبوظبي‪ ،‬وال �شك �أن هذا االزدي��اد كان له �أ�سبابه ودوافعه من قبل ه�ؤالء‬ ‫القادمني من ال�صحراء‪ ،‬ولعل من �أهمها‪� :‬أو ًال‪ :‬اكت�شاف املاء‪.‬‬


‫مدن‬ ‫‪112‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫ال�صيد والغو�ص �شكال �أهم احلرف لأهل �أبوظبي قدميا ً‬

‫ثاني ًا‪ :‬وجود نوع �آخر من �أنواع الن�شاط‬ ‫االق��ت�����ص��ادي ال���ذي ميكن م��زاول��ت��ه يف‬ ‫ج��زي��رة �أب��وظ��ب��ي‪ .‬ث��ال��ث� ًا‪ :‬ب��داي��ة ظهور‬ ‫حياة �شبه م�ستقرة يف جزيرة �أبوظبي‬ ‫وذل��ك ل��وج��ود ال�سببني الأول وال��ث��اين‬ ‫ب��الإ���ض��اف��ة �إىل ظ��ه��ور امل�لام��ح الأوىل‬ ‫لبدايات الت�شكيل �أو التكوين ال�سيا�سي‬ ‫لإمارة �أبوظبي وذلك من خالل تنبه �آل‬ ‫نهيان �إىل �أهمية اال�ستقرار ال�سيا�سي‬ ‫يف اجل��زي��رة‪ ،‬وال��ذي ب��د�أ ُي�ترج��م على‬ ‫�أر�ض الواقع منذ �أن �أخذ ال�شيخ ذياب‬ ‫بن عي�سى يتنقل بني عا�صمته يف ليوا‬

‫و�أب��وظ��ب��ي‪ ،‬ث��م ك��ان��ت اخل��ط��وة املهمة‬ ‫والفعلية لبداية ذلك اال�ستقرار بنقل‬ ‫ال�����ش��ي��خ ���ش��خ��ب��وط ب��ن ذي���اب «‪- 1793‬‬ ‫‪ »1816‬مقر حكم �آل نهيان من ليوا �إىل‬ ‫�أبوظبي‪.‬‬

‫أسهم االستقرار في‬ ‫أبوظبي في بروزها‬ ‫كميناء رئيسي لصيد‬ ‫اللؤلؤ على ساحل الخليج‬ ‫العربي نتيجة لقربها من‬ ‫واحدة من أثرى مغاصات‬ ‫اللؤلؤ على ساحل الخليج‬

‫ومل ت��ك��ن ه���ذه اخل���ط���وة امل��ه��م��ة ال��ت��ي‬ ‫�أق��دم عليها ال�شيخ �شخبوط بن ذياب‬ ‫«‪ »1793-1816‬يف ن��ق��ل م��ق��ر حكمه‬ ‫ذات ت ��أث�ير ���س��ي��ا���س��ي ف��ق��ط يف ت��اري��خ‬ ‫�إمارة �أبوظبي‪ ,‬و�إمنا كانت ذات ت�أثري‬ ‫اقت�صادي واجتماعي ملمو�س وب�شكل‬ ‫وا���ض��ح ع��ل��ى م��ا ح���دث م��ن م��ت��غ�يرات‬ ‫�شهدتها �إم���ارة �أب��وظ��ب��ي وخ�لال فرتة‬ ‫ق�صرية من ه��ذا االن��ت��ق��ال‪�.‬إذ �أن هذا‬ ‫ال��ت��ح��ول �أو االن��ت��ق��ال م��ن ال�����ص��ح��راء‬ ‫�إىل ���س��اح��ل ال��ب��ح��ر ق��د �أع��ط��ى �أف���راد‬ ‫ب��ن��ي ي��ا���س – ال��ذي��ن ا���س��ت��ط��اع��وا �أن‬


‫يتكيفوا ويت�أقلموا مع الظروف البيئية‬ ‫والطبيعية القا�سية التي ُق� ّ�در لهم �أن‬ ‫يعي�شوها يف طبيعتهم ال��ت��ي حباهم‬ ‫بها اهلل �سبحانه وتعاىل‪ -‬منفذ ًا على‬ ‫البحر �أدى �إىل �إنعا�ش حياتهم نتيجة‬ ‫ا�شتغالهم بال�صيد والتجارة وا�ستخراج‬ ‫الل�ؤل�ؤ)‪ ،(2‬فقد ا�ستطاع ه�ؤالء القادمون‬ ‫م��ن ال�����ص��ح��راء �أن يكت�سبوا وب�شكل‬ ‫تدريجي مهارات فائقة يف بناء ال�سفن‬ ‫وك��ي��ف��ي��ة ���ص��ن��اع��ت��ه��ا وط����رق ال�����ص��ي��د‬ ‫والغو�ص على الل�ؤل�ؤ الذي �أ�صبح ي�شكل‬ ‫املورد الرئي�سي بالن�سبة لهم وملدينتهم‬ ‫النا�شئة على �ساحل البحر‪ ،‬يف وقت مل‬ ‫ت�ستطع البيئة ال�صحراوية �أن متدهم‬ ‫�إال بالقليل م��ن امل��ه��ن امل��ن��ت��ج��ة‪ ،‬ومب��ا‬ ‫يكفيهم ل�سد متطلباتهم ال�ضرورية‬ ‫من احلياة‪.‬‬ ‫كما �أن ه��ذا االنتقال واال���س��ت��ق��رار يف‬ ‫�أبوظبي قد ترافق معه ب��روز �أبوظبي‬ ‫– من الناحية االقت�صادية – كميناء‬ ‫رئ��ي�����س��ي ل�����ص��ي��د ال��ل ��ؤل ��ؤ ع��ل��ى ���س��اح��ل‬ ‫اخلليج العربي وخا�صة منذ البدايات‬ ‫الأوىل للقرن التا�سع ع�شر وحتى مطلع‬ ‫ال��ق��رن الع�شرين وذل��ك نتيجة قربها‬ ‫من واح��دة من �أث��رى مغا�صات الل�ؤل�ؤ‬ ‫على �ساحل اخلليج )‪ .(3‬وه��ذا م��ا عرب‬ ‫عنه �أدوارد هندر�سون حيث قال‪ :‬كانت‬ ‫�أبوظبي يف القرن املا�ضي‪� -‬أي القرن‬ ‫التا�سع ع�شر امل��ي�لادي‪ -‬وحتى مطلع‬ ‫ه��ذا ال��ق��رن‪� -‬أي ال��ق��رن الع�شرين‪-‬‬ ‫واح��دة من �أه��م املراكز الرئي�سية يف‬ ‫جت���ارة ال��ل ��ؤل ��ؤ )‪ (4‬ون��ت��ي��ج��ة ل��ذل��ك فقد‬ ‫انت�شر �أف��راد بني يا�س على جمموعة‬ ‫اجل���زر ال��واق��ع��ة ع��ل��ى ال�ساحل )‪ (5‬ويف‬ ‫مقدمتها جزيرة «دملا» �أهم جزيرة يف‬ ‫الأرخبيل بعد جزيرة �أبوظبي‪.‬‬ ‫وق��د اكت�سبت ه��ذه اجل��زي��رة �أهميتها‬ ‫كميناء لتجارة الل�ؤل�ؤ ملوقعها املتو�سط‬ ‫ب�ين امل��غ��ا���ص��ات‪ ،‬كما �أن ال�سفن التي‬ ‫تق�صدها تكون يف م��أم��ن م��ن الرياح‬ ‫وال��ع��وا���ص��ف‪ ،‬وك��ان��ت ه���ذه اجل��زي��رة‬

‫لقطات من احلياة يف ما�ضي �أبوظبي‬


‫مدن‬ ‫‪114‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫جزيرة دملا‬ ‫تعد جزيرة دملا �أقدم م�ستوطنة ب�شرية �ساحلية يف دولة الإمارات العربية‬ ‫املتحدة‪ ،‬حيث يعود تاريخها �إىل ح��وايل خم�سة �آالف ع��ام قبل امليالد‪،‬‬ ‫�أي �إىل ف�ترة الع�صر احلجري‪ ،‬وه��و �أم��ر �أكدته البعثات اال�ستك�شافية‬ ‫الأثرية التي عملت يف اجلزيرة وخا�صة البعثة الربيطانية التي بذلت‬ ‫جهوداً متميزة يف التنقيب عن الآثار يف اجلزيرة‪ .‬وتعترب هذه اجلزيرة‬ ‫من توابع �إمارة �أبوظبي وتقع على اجلانب الغربي من منطقة اخلليج‬ ‫العربي‪ ،‬وت�ق��در م�ساحة ه��ذه اجل��زي��رة البي�ضاوية ال�شكل ب�ح��وايل ‪45‬‬ ‫كيلومرتاً مربعاً وك��ان��ت للجزيرة ‪� -‬سابقاً‪� -‬شهرة وا�سعة يف الغو�ص‬ ‫على ال�ل��ؤل��ؤ حيث تتو�سط ع��دة م��واق��ع للمغا�صات «ال�ه�ير» يف اخلليج‬ ‫العربي‪� ،‬أما يف الوقت الراهن فتعد حرفة �صيد ال�سمك هي املورد الأول‬ ‫ل�سكان اجلزيرة الذين يقومون ببيع �أ�سماكهم يف مدن الدولة املختلفة‪.‬‬ ‫انظر‪ :‬عبدال�ستار العزاوي‪ ،‬جزيرة دملا املباين الرتاثية وجهود الرتميم‬ ‫وال�صيانة‪ ،‬مركز زايد للرتاث والتاريخ‪ ،‬العني‪ ،‬ط‪� ، 2002 ،1‬ص‪18- ،9‬‬ ‫‪.19‬ج‪ .‬ج‪ .‬لورمير‪ ،‬ال�سجل التاريخي للخليج وعمان و�أوا�سط اجلزيرة‬ ‫العربية‪ ،‬الق�سم اجلغرايف‪ ،‬مج‪ ،2‬جامعة قابو�س‪� ،‬ص‪.90‬‬

‫م�أهولة بال�سكان طيلة ف�صول ال�سنة‪،‬‬ ‫ول��ك��ن ع���دد �سكانها ي��زي��د يف مو�سم‬ ‫ال��غ��و���ص ل��ي�����ص��ل �أح��ي��ان � ًا �إىل ع�����ش��رة‬ ‫�أ���ض��ع��اف‪ .‬وي��ع��ق��د يف اجل���زي���رة ���س��وق‬ ‫�صغرية لبيع اللوازم‪ ،‬كما يح�ضر �إليها‬ ‫جت��ار ال��ل��ؤل��ؤ وامل��م��ول��ون ل�شراء اللآلئ‬ ‫وا���س�ترداد دي��ون��ه��م‪ ،‬ويفد �إليها جتار‬ ‫ل��ن��ج��ة وال�����س��اح��ل ال��ف��ار���س��ي‪ ،‬و�أع����داد‬ ‫ك��ب�يرة م��ن ال��ت��ج��ار ال��ه��ن��ود امل��ع��روف�ين‬ ‫يف ���س��وق ال��ل ��ؤل ��ؤ ال��ع��امل��ي��ة «ب��ب��وم��ب��اي»‬ ‫وامل�����ع�����روف ب���ا����س���م «م����وت����ي ت������ازار»‪،‬‬ ‫و�أ���ص��ب��ح��ت اجل���زي���رة ���س��وق � ًا لأن�شطة‬ ‫جتارية �أخرى‪ ،‬مثل جتارة مياه ال�شرب‬ ‫امل�ستوردة وامل��واد الغذائية والأقم�شة‬ ‫والأ�سلحة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل الداللة حيث‬ ‫تتم فيها �صفقات العر�ض والطلب على‬ ‫الغوا�صيني والبحارة )‪.(6‬‬ ‫وه����ك����ذا ون���ت���ي���ج���ة ل����ه����ذا االن���ت���ق���ال‬ ‫واال�ستقرار يف �أبوظبي ب��د�أت احلياة‬ ‫ت��دب يف �أن��ح��اء ه��ذه امل��دي��ن��ة النا�شئة‬ ‫�شيئ ًا ف�شيئ ًا‪ ،‬وب���د�أت التجارة تن�شط‬ ‫يف م��ي��ن��اء �أب��وظ��ب��ي ب��ال��ت��دري��ج��ي ث��م مل‬ ‫يلبث هذا امليناء �أن �أ�صبح وبعد فرتة‬ ‫وج��ي��زة امل��ي��ن��اء الرئي�سي لأف���راد بني‬ ‫ي��ا���س‪ ،‬ولعلنا جن��د م��ا ي ��ؤك��د ذل��ك ما‬ ‫�أ�شار �إليه عدد من الرحالة الغربيني‬ ‫ال��ذي ق��ام��وا ب��زي��ارة �أب��وظ��ب��ي وق��دم��وا‬ ‫و�صف ًا لها وملينائها احل��دي��ث الن�ش�أة‬ ‫وم��ن��ه��م ج‪����.‬س‪.‬ب���ك���ن���ج���ه���ام – �أق����دم‬ ‫ال��رح��ال��ة ال��غ��رب��ي�ين ال��ذي��ن ك��ت��ب��وا عن‬ ‫�أبوظبي – حيث و�صف �أبوظبي يف عام‬ ‫‪ 1816‬ق��ائ�ل ً‬ ‫ا‪� :‬إن �أبوظبي ج��زي��رة بها‬ ‫مدينة حتمل هذا اال�سم ذاته‪ ،‬تقع يف‬ ‫�أعلى اجلزيرة‪ ،‬ومينا�ؤها عامر ن�سبي ًا‬ ‫بالتجارة )‪،(7‬وبعد خم�س ع�شرة �سنة‬ ‫�أي يف عام ‪ 1831‬كتب املقيم ال�سيا�سي‬ ‫الربيطاين يف و�صفة لأبوظبي «ميناء‬ ‫بني يا�س الرئي�سي» يف �إ�شارة منه �إىل‬ ‫ال��ت��ط��ور ال���ذي �شهدته الإم����ارة خ�لال‬ ‫تلك الفرتة ومقارنته مب�ستوى الو�ضع‬ ‫الذي متتلكه جارتها الإمارة القا�سمية‬


‫كان الغو�ص �أحد �أعمدة احلياة االقت�صادية للإمارة‬

‫من حيث ال�سكان والتجارة وامل��وارد‪،‬‬ ‫بقوله‪� :‬إن �سكان املناطق التابعة لل�شيخ‬ ‫ط��ح��ن��ون ح��اك��م �أب��وظ��ب��ي « ‪- 1818‬‬ ‫‪»1833‬وجتارتها ومواردها‪ ،‬قد ازدادت‬ ‫)‪(8‬‬ ‫بن�سبة �أك�ب�ر م��ن��ه��ا ل���دى القوا�سم‬ ‫‪.‬وهذا �إن دل على �شيء ف�إمنا يدل على‬ ‫التطور �أو التدرج يف النمو االقت�صادي‬ ‫واالجتماعي الذي كانت ت�شهده جزيرة‬ ‫�أبوظبي يف تلك النواحي �آنفة الذكر‪،‬‬ ‫وخا�صة عند مقارنتها بامل�ستوى الذي‬ ‫ك��ان��ت عليه قبل ه��ذه ال��ف�ترة �أي قبل‬ ‫عام ‪.1831‬‬ ‫وجتدر الإ�شارة �إىل �أنه عند القول �إن‬ ‫�أف���راد بني ي��ا���س ق��د انتقلوا م��ن ليوا‬ ‫�إىل �أبوظبي ف�إن هذا ال يعني �أن جميع‬

‫املقيمني يف ل��ي��وا ق��د غ��ادروه��ا و�إمن��ا‬ ‫ظلت �أع��داد كبرية منهم متواجدة يف‬ ‫حما�ضر ليوا معتمدين يف حياتهم على‬ ‫ال��زراع��ة والرعي وقليل من التجارة‪،‬‬ ‫وخ��ا���ص��ة ع��ن��د خ��ط��وط امل��وا���ص�لات‪-‬‬ ‫�إن �صح التعبري‪� -‬أو ط��رق ال��ت��ج��ارة‪،‬‬ ‫وال��ت��ي كانت تربط ب�ين جميع الفروع‬

‫احترف بعض أفراد بني‬ ‫ياسوقبيلةالمناصير‬ ‫مهن ًا مستقرة مثل‬ ‫الغوص والصيد على‬ ‫الساحل وزراعة النخيل‬ ‫في واحة ليوا بينما كان‬ ‫هناك أفراد يعيشون حياة‬ ‫بدوية صرفة أو شبه بدوية‬

‫�أو املناطق التابعة مل�شيخة �أبوظبي‪،‬‬ ‫فكما هو معلوم �أن خطوط املوا�صالت‬ ‫كانت ت�شكل �أحد م�صادر ك�سب العي�ش‬ ‫ل�سكان املنطقة ع�بر ف�ت�رات التاريخ‬ ‫امل��خ��ت��ل��ف��ة‪ .‬ف��ع��ل��ى �سبيل امل��ث��ال كانت‬ ‫تتم عملية مقاي�ضة احلطب من ليوا‬ ‫ب��ال�����س��م��ك وذل����ك م���ن خ�ل�ال ال��ط��رق‬ ‫)‪(9‬‬ ‫التي كانت تربط بني ليوا وال�ساحل‬ ‫‪ ،‬هذا بالإ�ضافة �إىل بع�ض امل�ستلزمات‬ ‫ال�����ض��روري��ة وال��ت��ي ك���ان يجلبها �أه��ل‬ ‫ال�����س��اح��ل م��ع��ه��م‪ ،‬ك��م��ا ك��ان��ت ه��ن��اك‬ ‫ع��م��ل��ي��ات ن��ق��ل م�����س��ت��م��رة ب�ين �أب��وظ��ب��ي‬ ‫وال�ب�رمي���ي )‪ (10‬خ�ل�ال م��و���س��م ال��غ��و���ص‬ ‫ويف �أوق��ات �أخ��رى من ال�سنة‪ ،‬وجتدر‬ ‫الإ�شارة �إىل �أن فروع امل�شيخة املختلفة‬


‫مدن‬ ‫‪116‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫خالل �أعمال �إن�شاء ج�رس املقطع يف �أبوظبي‬

‫كانت تت�صل ببع�ضها البع�ض �إم��ا عن‬ ‫ط��ري��ق ال��ق��واف��ل «الإب����ل» �أو ع��ن طريق‬ ‫البحر )‪.(11‬‬ ‫ويف ظل املوارد البيئية ال�ضئيلة واملتاحة‬ ‫وق���ت ذاك‪ ،‬مل ي��ك��ن ب ��إم��ك��ان ج��زي��رة‬ ‫�أب��وظ��ب��ي وخ�لال تلك ال��ف�ترة �أن توفر‬ ‫�سبل العي�ش واحلياة �إال لعدد حمدود‬ ‫من املقيمني على �أر�ضها على الرغم من‬ ‫انفتاح اجلزيرة على البحر)‪،(12‬كما �أنه‬ ‫مل يكن ب�إمكان �أي منطقة من املناطق‬ ‫ال��ت��اب��ع��ة مل�����ش��ي��خ��ة �أب��وظ��ب��ي �أن تتمتع‬ ‫باكتفاء ذاتي من الناحية االقت�صادية‪،‬‬

‫وم��ن ث��م فقد �أدرك �شيوخ �آل نهيان‬ ‫ وبالتحديد ال�شيخ �شخبوط‪ -‬منذ‬‫بداية االنتقال – ومن منطلق �سيا�سي‬ ‫واقت�صادي ‪� -‬أهمية الربط بني ال�ساحل‬ ‫والداخل �أو بعبارة �أخرى بني «�أبوظبي»‬

‫ما كان ألبوظبي أن تزدهر‬ ‫وأن تصل إلى ما وصلت‬ ‫إليه إال بفضل السياسة‬ ‫الحكيمة التي كان‬ ‫ينتهجها شيوخ آل نهيان‬ ‫في إدارتهم لشؤونها‬

‫«اجلزيرة النا�شئة على �ساحل البحر‬ ‫والعا�صمة البحرية لهم» وب�ين «ليوا»‬ ‫»القابعة و�سط ال�صحراء ‪�،‬إذ �أن هذا‬ ‫الربط بني الداخل وال�ساحل قد �شكل‬ ‫�أو �أ�س�س منط ًا اقت�صادي ًا متوازن ًا بني‬ ‫�أبوظبي وجميع فروعها التابعة لها‪،‬‬ ‫حيث �إن امل���وارد املختلفة التي يتوفر‬ ‫بع�ضها يف ال�ساحل واجل��زر والبع�ض‬ ‫الآخ��ر يف املناطق ال�صحراوية وواح��ة‬ ‫ل��ي��وا وك��ذل��ك ال��ع�ين وال�برمي��ي جعلت‬ ‫�سكان �أبوظبي يتبادلون املنافع لتلبية‬ ‫حاجاتهم اليومية املتعددة‪ ،‬فليوا التي‬


‫مل تكن تنتج ما يكفي ل�سد متطلبات‬ ‫وحاجات �سكانها قد بد�أت يف االعتماد‬ ‫على �أبوظبي واجلزر الأخرى للح�صول‬ ‫على امل��واد الأ�سا�سية والعك�س �صحيح‬ ‫حيث �إن �أبوظبي كذلك ب��د�أت تعتمد‬ ‫على ليوا والعني وكذلك الربميي ل�سد‬ ‫متطلباتها )‪ ،(13‬حيث �إن �أبوظبي كانت‬ ‫تعتمد على الربميي يف ا�سترياد الفاكهة‬ ‫واخل�����ض��راوات واحل��ب��وب والتمور التي‬ ‫كانت جتلب �إليها مبقادير كبرية )‪.(14‬‬ ‫وبذلك ميكن القول �إن البقعة ال�ساحلية‬ ‫ال��ت��ي ت�ضم ج��زي��رة �أب��وظ��ب��ي واجل���زر‬ ‫امل����ج����اورة والأرا�����ض����ي ال�����ص��ح��راوي��ة‬ ‫الداخلية التي ت�شمل واحتي الربميي‬ ‫»ال����ع��ي�ن« ول����ي����وا‪ ،‬ت�����ش��ك��ل م���ع��� ًا وح����د ًة‬ ‫اق��ت�����ص��ادي� ًة واح�����دةً‪ ،‬ح��ي��ث تعتمد يف‬ ‫من��وه��ا ال��ك��ل��ي ع��ل��ى الأج�����زاء امل��ك��ون��ة‬ ‫لها‪ ،‬ويبقى كل جزء منها ناق�ص ًا �إذا‬ ‫ف�صلناه عن البقية )‪.(15‬‬ ‫وهذا بدوره يقودنا �إىل معرفة حقيقة‬ ‫�أو طبيعة احل��ي��اة ال��ت��ي ك��ان يعي�شها‬ ‫�أفراد بني يا�س وحلفائهم من القبائل‬ ‫الأخ���رى ف��ك��ث�ير ًا م��ا ك��ان يو�صف �أه��ل‬ ‫�أب��وظ��ب��ي ب ��أن��ه��م م���ن ذوي الأن�����ش��ط��ة‬ ‫املتعددة )‪ (16‬وكان ذلك ا�ستجابة طبيعية‬ ‫ملا منحتهم �إياه بيئتهم من موارد �ضئيلة‬ ‫و�شحيحة يف نف�س الوقت �إال �أن �أفراد‬ ‫بني يا�س قد ا�ستطاعوا �أن يتكيفوا مع‬ ‫تلك الظروف البيئية القا�سية‪ ،‬ولذلك‬ ‫جتد �ضمن هذه البيئة ك ً‬ ‫ال من الرعاة‬ ‫�أو البدو الرحل وال�سكان امل�ستقرين‪،‬‬ ‫مبعنى �أن بع�ض �أفراد بني يا�س وقبيلة‬ ‫امل��ن��ا���ص�ير ق��د اح�ترف��ا م��ه��ن� ًا م�ستقرة‬ ‫مثل الغو�ص ال�ستخراج الل�ؤل�ؤ و�صيد‬ ‫الأ�سماك على ال�ساحل وزراعة النخيل‬ ‫يف واحة ليوا‪ ،‬وباملثل كان هناك �أفراد‬ ‫يعي�شون ح��ي��اة ب��دوي��ة �صرفة �أو �شبه‬ ‫ب��دوي��ة‪�،‬أي �إن��ه��م ك��ان��وا مي�ضون ج��زء ًا‬ ‫من ال�سنة يف مزارع النخيل �أو العي�ش‬ ‫على ال�سواحل يف موا�سم الل�ؤل�ؤ و�صيد‬ ‫الأ�سماك‪ ،‬بينما يق�ضون اجلزء الآخر‬

‫�صياد يُ�صلح �شباكه على رمال �أبوظبي‬

‫�أحد غوا�صي الل�ؤل�ؤ عقب خروجه من املاء‬


‫مدن‬ ‫‪118‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫لقطة جوية ملدينة �أبوظبي يف ال�ستينات من القرن املا�ضي‬

‫من ال�سنة يف رعى الأبل يف ال�صحاري)‪.(17‬‬ ‫وبعيد ًا عن تلك احلياة ال�شاقة‪ ،‬ميكن‬ ‫القول كذلك ب��أن ال�شيخ �شخبوط بن‬ ‫ذي���اب ق��د �أدرك �أي�����ض � ًا وم��ن منطلق‬ ‫���س��ي��ا���س��ي واق��ت�����ص��ادي �أه��م��ي��ة �إق��ام��ة‬ ‫ع�لاق��ات ���ص��داق��ة م��ع ع��م��ان وم���ن ثم‬ ‫فقد �أ�صبحت �أبوظبي ومنذ عام ‪1816‬‬ ‫م��ك��ان � ًا مت��ار���س ف��ي��ه ال��ت��ج��ارة‪ ،‬ن��ظ��ر ًا‬ ‫لوجود عالقة �صداقة مع �إمام م�سقط‪،‬‬ ‫وك����ان م��ي��ن��ا�ؤه��ا ي�����س��ت��ق��ب��ل ال��ب��واخ��ر‬ ‫وامل���ؤون��ة ل��ل��ت��ج��ارة ول��ت��وف�ير احل��اج��ات‬

‫املختلفة من ذل��ك ال�سوق )‪،(18‬ومن ثم‬ ‫ف��ق��د �أخ���ذ م��ي��ن��اء �أب��وظ��ب��ي و�أ���س��واق��ه��ا‬ ‫الب�سيطة ‪ -‬ال��ت��ي �أخ����ذت ت��ت��ط��ور مع‬ ‫م���رور ال��وق��ت‪ -‬وج��زي��رة دمل���ا تتحول‬

‫أدرك شيوخ آل نهيان‬ ‫أهمية الربط بين الساحل‬ ‫وأسس هذا الربط‬ ‫والداخل ّ‬ ‫نمط ًا اقتصادي ًا متوازن ًا بين‬ ‫أبوظبيوجميعفروعها‬ ‫التابعةلها‬

‫تدريجي ًا �إىل منافذ طبيعية للتجارة‬ ‫قامت ب�سد حاجات ال�سكان ال�ضرورية‬ ‫وبالتايل �أخذت ثروة م�شيخة �أبوظبي‬ ‫االقت�صادية تت�أثر نتيجة ه��ذا النمو‬ ‫وخا�صة فيما يتعلق ب�صناعة الل�ؤل�ؤ‬ ‫– امل���ورد الرئي�سي ل�ل�إم��ارة واملهنة‬ ‫الرئي�سية لغالبية �سكان �أبوظبي ‪ -‬مما‬ ‫ك��ان له الأث��ر يف زي��ادة �أهمية جزيرة‬ ‫�أبوظبي املتواجدة على ال�ساحل وزيادة‬ ‫ع��دد �سكانها وك��ذل��ك يف زي��ادة حجم‬ ‫الإمارة نف�سها )‪.(19‬‬


‫وجتدر الإ�شارة �إىل �أن الزيادة ال�سكانية‬ ‫التي كانت ت�شهدها م�شيخة �أبوظبي‬ ‫وعلى فرتات خمتلفة مل تكن مقت�صرة‬ ‫على ال�سكان املحليني ‪� -‬أف���راد بني‬ ‫يا�س والقبائل البدوية الأخ��رى فقط‬ ‫ و�إمن��ا ت�شمل �أي�ض ًا زي��ادة يف �أع��داد‬‫التجار املهاجرين من املوانئ العربية‬ ‫امل��ه��م��ة ع��ل��ى ���ش��اط��ئ اخل��ل��ي��ج امل��ق��اب��ل‬ ‫لإمارة �أبوظبي مثل لنجة وبندر عبا�س‬ ‫وم��ن��اط��ق �أخ���رى م��ن اخل��ل��ي��ج‪ ،‬وكذلك‬ ‫زي��ادة يف �أع��داد التجار القادمني من‬ ‫الهند وف��ار���س وال��ذي��ن ك��ان��وا يعملون‬ ‫يف ت�صدير الل�ؤل�ؤ وا�سترياد الأقم�شة‬ ‫والأرز والنب‪ ،‬وكذلك يعملون يف جتارة‬ ‫املفرق �أو التجزئة يف ال�سوق )‪.(20‬‬ ‫وال ���ش��ك �أن ه���ذه ال���زي���ادة يف �أع����داد‬ ‫ال�سكان املقيمني يف �أبوظبي لدليل �آخر‬ ‫على �أن ن�ش�أة �أبوظبي التدريجية كميناء‬ ‫رئي�سي ل�صيد الل�ؤل�ؤ على �ساحل اخلليج‬ ‫قد ب�شرت بقرب االزده��ار االقت�صادي‪،‬‬ ‫وبالتايل فقد �أدى هذا �إىل تزايد م�ستمر‬ ‫يف �أعداد ال�سكان املتواجدين على �أر�ضها‬ ‫من فرتة �إىل �أخ��رى‪ ،‬وال��ذي �أدى بدوره‬ ‫�إىل �إح��داث تغري كبري يف بناء م�شيخة‬ ‫�أبوظبي اقت�صادي ًا واجتماعي ًا‪.‬‬ ‫�إذن ق��د ت��ك��ون ت��ل��ك ���ص��ورة �أول ملحة‬ ‫خمت�صرة لطبيعة احلياة االقت�صادية‬ ‫ال��ت��ي ك��ان��ت تعي�شها �أب��وظ��ب��ي واملناطق‬ ‫ال��ت��اب��ع��ة ب�شكل ع���ام‪ ،‬وال��ت��ي يتبني من‬ ‫خاللها �أن املوارد االقت�صادية التي كانت‬ ‫تعتمد عليها �أبوظبي كانت موارد ب�سيطة‬ ‫وحمدودة يف حد ذاتها‪ ،‬وهي نف�س املوارد‬ ‫التي كانت تعتمد عليها جاراتها على‬ ‫ال�ساحل املت�صالح‪ .‬كما �أن لتلك املوارد‬ ‫االقت�صادية واالنتقال �إىل جزيرة �أبوظبي‬ ‫انعكا�ساته ال�سيا�سية واالجتماعية على‬ ‫الإم��ارة النا�شئة على ال�ساحل‪ .‬ولكن ما‬ ‫كان لهذه الإم��ارة �أن تزدهر و�أن ت�صل‬ ‫�إىل ما و�صلت �إليه �إال بف�ضل ال�سيا�سة‬ ‫احلكيمة التي ك��ان ينتهجها �شيوخ �آل‬ ‫نهيان يف �إدارتهم ل�ش�ؤون �إمارتهم‬

‫الهوام�ش‬

‫‪1-Penelop Tuson,Records‬‬ ‫‪of The Emirates , Primary‬‬ ‫‪Documents 1820-1958,Archive‬‬ ‫‪Editions,1990,vol.1,p.303‬‬

‫‪ - 2‬املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم‪ ،‬معهد‬ ‫الدرا�سات العربية‪ ،‬دولة الإمارات العربية املتحدة‬ ‫درا�سة م�سحية �شاملة‪ ،‬ط‪ ،1‬ال�شركة امل�صرية‬ ‫للطباعة و الن�شر‪ ،‬القاهرة ‪�،1978،‬ص‪.30‬‬ ‫‪ - 3‬جوينتي م��اي�ترا‪ ،‬ع �ف��راء احل �ج��ي‪ ،‬ق�صر‬ ‫احل�صن تاريخ حكام �أبوظبي ‪،1793-1966‬ط‪،3‬‬ ‫مركز الوثائق والبحوث‪� ،‬أبوظبي‪�،2004،‬ص‪.11‬‬ ‫ول�ق��د ك��ان��ت �سفن �صيد ال �ل ��ؤل ��ؤ تتجمع ب�صفة‬ ‫�أ�سا�سية ب�ين ج��زي��رة �صري بني يا�س املواجهة‬ ‫ل�سواحل �أب��وظ�ب��ي ومغا�ص �إ�شتيه القريب من‬ ‫البحرين حيث توجد �أ�شهر و�أغ�ن��ى املغا�صات‪.‬‬ ‫انظر‪ :‬حممد فار�س الفار�س‪ ،‬الأو�ضاع االقت�صادية‬ ‫يف �إم� ��ارات ال���س��اح��ل(دول��ة الإم � ��ارات العربية‬ ‫املتحدة حالي ًا)‪ ،1862-1965‬مركز ا إلم��ارات‬ ‫للدرا�سات والبحوث اال�سرتاتيجية‪� ،‬أبوظبي‪،‬ط‪،1‬‬ ‫‪�،2000‬ص‪.51‬‬ ‫‪ - 4‬ادورد هندر�سون‪ ،‬ذكريات عن الأيام الأوىل‬ ‫يف دولة الإمارات وعمان‪ ،‬مويتيف ايت للن�شر‪،‬دبي‪،‬‬ ‫‪� ،1991‬ص‪.31‬‬ ‫‪ - 5‬حم� �م���د م���ر�� �س���ي ع � � �ب� � ��داهلل‪ ،‬دول � ��ة‬ ‫الإم � � ��ارات ال �ع��رب �ي��ة امل �ت �ح��دة وج�ي�ران��ه��ا‪ ،‬دار‬ ‫القلم‪،‬الكويت‪�،1981،‬ص‪.127‬‬ ‫‪- 6‬الفار�س‪ ،‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.59‬‬ ‫‪- 7‬عبد العزيز عبدالغني �إبراهيم‪� ،‬أبوظبي توحيد‬ ‫الإماره وقيام االحتاد‪ ،‬ط‪1‬مركز الوثائق والبحوث‪،‬‬ ‫�أبوظبي‪�،2004،‬ص‪.48‬‬ ‫‪- 8‬مايرتا‪ ،‬احلجي‪ ،‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.56‬‬ ‫‪ - 9‬ملعرفة تفا�صيل �أكرث عن الطرق التي تربط بني‬ ‫ليوا وال�ساحل‪ ،‬انظر‪:‬لورمير‪ ،‬الق�سم اجلغرايف‪،‬‬ ‫مج‪� ،6‬ص‪.160‬‬ ‫‪- 10‬ملعرفة تفا�صيل �أكرث عن خط �سري الطريق‬ ‫الذي يربط بني �أبوظبي والربميي‪ ،‬انظر‪ :‬لورمير‪،‬‬ ‫الق�سم اجلغرايف‪ ،‬مج‪�، 6‬ص‪.71‬‬ ‫‪ - 11‬مايرتا‪ ،‬احلجي‪ ،‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.20‬‬ ‫‪ - 12‬م��رك��ز الإم�� ��ارات ل �ل��درا� �س��ات وال�ب�ح��وث‬ ‫اال�سرتاتيجية‪ ،‬بقوة االحتاد �صاحب ال�سمو ال�شيخ‬ ‫زاي��د بن �سلطان �آل نهيان القائد والدولة‪،‬ط‪،1‬‬ ‫�أبوظبي‪�،2004 ،‬ص‪.58‬ونظر ًا ملوقع �أبوظبي املنعزل‬ ‫وافتقارها �إىل املوارد كانت جزيرة �أبوظبي تعتمد‬

‫على م�صادر خارجية لتوفري م�ؤونتها واحتياجاتها‪،‬‬ ‫مما يعني وقوعها يف حالة من الفقر والعوز يف حال‬ ‫تعر�ضها �إىل ح�صار كبري‪.‬انظر‪ :‬ماتريا‪ ،‬احلجي‪،‬‬ ‫املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪.22‬‬ ‫‪- 13‬مايرتا‪ ،‬احلجي‪ ،‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪,20،18‬‬ ‫جي‪.‬بي‪.‬كيلي‪ ،‬احل��دود ال�شرقية ل�شبه اجلزيرة‬ ‫العربية‪ ،‬تعريب وتعليق‪ :‬خ�يري حماد‪ ،‬ب�يروت‪،‬‬ ‫لبنان‪� ،1971،‬ص‪.56‬‬ ‫‪���- 14‬ش��رك��ة ال ��زي ��ت ال �ع��رب �ي��ة الإم��ري �ك �ي��ة‪،‬‬ ‫ع�� �م� ��ان وال � �� � �س� ��اح� ��ل اجل � �ن� ��وب� ��ي ل �ل �خ �ل �ي��ج‬ ‫ال �ف��ار� �س��ي‪� ،‬إدارة ال �ع�لاق��ات‪� ،‬شعبة البحث‪،‬‬ ‫املرجع‬ ‫القاهرة‪�،1952،‬ص‪.,214،233‬كيلي‪،‬‬ ‫ال�سابق‪�،‬ص‪�.54،56‬سيد نوفل‪،‬الأو�ضاع ال�سيا�سية‬ ‫لإم�� ��ارات اخل�ل�ي��ج ال �ع��رب��ي وج �ن��وب اجل��زي��رة‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬جامعة ال��دول العربية املنظمة العربية‬ ‫للرتبية والثقافة والعلوم‪ ،‬معهد البحوث والدرا�سات‬ ‫العربية‪ ،‬ط‪�،1972، 1‬ص ‪.36‬‬ ‫‪- 15‬بقوة االحتاد �صاحب ال�سمو ال�شيخ زايد بن‬ ‫�سلطان �آل نهيان القائد والدولة‪ ،‬املرجع ال�سابق‬ ‫‪�،‬ص‪.35‬‬ ‫‪ - 16‬يرى بيلي �أنه لي�س هناك منط واحد«للقبيلة»‬ ‫يف �شبه اجلزيرة العربية‪ ،‬فكل قبيلة عربية يف‬ ‫ال�صحراء تكيفت مع ال�ظ��روف التي واجهتها‪.‬‬ ‫وتنق�سم القبائل ب�شكل عام �إىل ق�سمني رئي�سني‪:‬‬ ‫�أو ًال ال�ق�ب��ائ��ل ال �ت��ي ع��ا��ش��ت ع�ل��ى م��ا جت ��ود به‬ ‫ال�صحراء‪ ،‬فهي تربي املا�شية وتزرع الأرا�ضي يف‬ ‫الواحات‪ .‬ثاني ًا‪،‬القبائل التي تعي�ش على البحر‪،‬‬ ‫�سواء باالعتماد على �صيد الأ�سماك �أو الغو�ص‬ ‫وا�ستخراج الل�ؤل�ؤ �أو التجارة البحرية‪� .‬أما الذي‬ ‫مييز قبيلة بني يا�س يف �أبوظبي عن غريها فهو �أن‬ ‫�أهلها ينحدرون من الفئتني مع ًا‪ .‬ولذلك يو�صفون‬ ‫ب�أنهم من «ذوو الأن�شطة املتعددة»‪ .‬انظر‪ :‬بقوة‬ ‫االحتاد �صاحب ال�سمو ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل‬ ‫نهيان القائد والدولة‪،‬املرجع ال�سابق‪�،‬ص‪.32‬‬ ‫‪ - 17‬بقوة االحت��اد �صاحب ال�سمو ال�شيخ زايد‬ ‫ب��ن �سلطان �آل نهيان القائد وال��دول��ة‪ ،‬املرجع‬ ‫ال�سابق‪�،‬ص‪.42-43‬‬ ‫‪ - 18‬مايرتا‪ ،‬احلجي‪ ،‬املرجع ال�سابق‪�،‬ص ‪.22-23‬‬ ‫‪ - 19‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص‪,20‬عائ�شة علي ال�سيار‪،‬‬ ‫التاريخ ال�سيا�سي لدولة الإمارات العربية املتحدة‪،‬‬ ‫�أبوظبي‪ ،‬مكتبة اجلامعة‪،‬ط‪�،1996، 1‬ص‪.157‬‬ ‫‪ - 20‬مايرتا‪ ،‬احلجي‪ ،‬املرجع ال�سابق‪�،‬ص‪.22‬‬


‫فنون‬ ‫‪120‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫تتعامل معه‬ ‫كما ت�صوغ الذهب‬

‫تشكالت‬ ‫النخيل ‪..‬‬

‫في أعمال الفنانة‬ ‫عزة القبيسي‬ ‫�أبوظبي ‪ -‬فاطمة عطفة‬ ‫«عمتي النخلة» �أجمل عبارة �سمعتها يف الإم��ارات‬ ‫ع��ن ه ��ذه ال �� �ش �ج��رة ال�ت�راث �ي��ة امل �ب��ارك��ة‪ .‬و�أ� �ش �ج��ار‬ ‫النخيل لي�ست ث��روة وطنية وقيمة غذائية فقط‪،‬‬ ‫ل�ك��ن امل�ه�ن��د��س�ين ا��س�ت�ف��ادوا م��ن ج��ذوع�ه��ا و�سعفها‬ ‫يف ال �ب �ن��اء‪ ،‬ك�م��ا �أن ال�ف�ن��ان�ين امل �ب��دع�ين ا��س�ت�ل�ه�م��وا‬ ‫جمالها يف �أعمالهم الت�شكيلية‪ ،‬ويف طليعة ه��ؤالء‬ ‫ال�ف�ن��ان��ة ع��زة القبي�سي ال�ت��ي �أط�ل�ق��ت يف اح�ت�ف��االت‬ ‫دو ل ��ة ا لإ م� ��ارات ا ل�ع��ر ب�ي��ة ا مل �ت �ح��دة ب��ا ل��ذ ك��رى ا ل �ـ ‪41‬‬ ‫لقيام االحتاد مبادرة فنية لتحتفي على طريقتها‬ ‫اخلا�صة ب�ه��ذه املنا�سبة م��ن خ�لال ع��رو���ض العمل‬ ‫الفني التفاعلي «احتاد ‪.»41‬‬


‫وج��اء هذا العمل امتداد ًا متطور ًا عن �سابقه‬ ‫يف العام املا�ضي «�أجيال ‪ ،»40‬حيث اقت�صرت‬ ‫التجربة يومئذ على ت�شكيل �أغ�صان «جرييد»‬ ‫النخلة وجذوعها اجلافة بعد �إزالة الأوراق عنها‬ ‫يف ‪ 40‬عم ًال فني ًا جم�سم ًا‪� ،‬شاركت فيه جمموعة‬ ‫من هواة الفنون وحمبي التجديد يعربون عن‬ ‫م�شاعرهم و�أفراحهم بالعيد الوطني عن طريق‬ ‫التلوين والكتابة على تلك املج�سمات اخل�شبية‪.‬‬ ‫ومتثلت جتربة الفنانة عزة هذا العام يف العمل‬ ‫الفني «احتاد ‪ »41‬حام ًال مل�سات �إبداعية متيزت‬ ‫بخ�صو�صية وج� ��ر�أة �أك�ث�ر‪ ،‬ظ�ه��رت يف حرية‬ ‫امل�شاركني يف تزيني غ�صن واحد من «اجلريد»‬ ‫ح�سب رغبة كل واحد منهم ليعطي ال�شكل الذي‬ ‫يعرب فيه عن الفكرة �أو املو�ضوع الذي يختاره‪.‬‬ ‫وجتدر الإ�شارة �إىل �أن هذا العمل قد ا�ستقطب‬ ‫�شريحة وا�سعة ومتفاوتة ال ��ر�ؤى والتطلعات‬ ‫م��ن امل �� �ش��ارك�ين‪� ،‬شملت ف�ن��ان�ين �إم��ارات �ي�ين‬ ‫ومقيمني‪ ،‬واجتذب كذلك �أف ��راد ًا من العامة‬ ‫مفعمني بال�شغف لو�ضع ب�صمتهم وخو�ض هذه‬ ‫التجربة الفنية اجلميلة وتوثيقها عرب و�سائل‬ ‫التوا�صل االجتماعي بكافة �أطيافه حتت عنوان‬ ‫«‪ .»Etihad41‬ك��ان ملجلة «ت��راث» لقاء خا�ص‬ ‫مع الفنانة عزة القبي�سي لتحدثنا عن �شجرة‬ ‫النخيل ومكانتها يف تاريخ الإمارات وحا�ضرها‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل جتليات هذه ال�شجرة يف �أعمالها‬ ‫الفنية‪ ،‬تقول‪� :‬أهدف من خالل ا�ستخدام غ�صن‬ ‫«اجلريد»‪ ،‬يف هذا العمل ك�أ�سا�س فني‪� ،‬إىل �إعادة‬ ‫�إحياء القيمة الثمينة للمواد الطبيعية التي كانت‬ ‫جزء ًا مهم ًا من ن�سيج احلياة قبل خم�سة عقود‬ ‫م�ضت‪ .‬ورغبتي �أن يكون لهذا العمل الأثر الكبري‬ ‫يف تعزيز توا�صلنا احلقيقي‪ ،‬بعيد ًا عن و�سائل‬ ‫التكنولوجيا احلديثة حيث يقوم كل م�شارك‬ ‫بحمل قطعته لتثبيتها �أمام بيته �أو يف حديقته‬ ‫على القاعدة الأ�سا�سية امل�صممة خ�صي�ص ًا‬ ‫لتتنا�سب مع فكرة العمل الفني «احت��اد ‪،»41‬‬ ‫وي�ستمر هذا العمل يف التطور وتلقي امل�شاركات‬ ‫حتى العام القادم يف �أماكن خمتلفة‪.‬‬ ‫وتوا�صل عزة حديثها عن هذا العمل الإبداعي‬ ‫وكيف تو�صلت �إىل هذا التوليف الفني اجلميل‬ ‫بني �إبداعها يف ت�صميم املجوهرات والأحجار‬ ‫ال�ك��رمي��ة وب�ي�ن ��ش�ج��رة ال�ن�خ�ي��ل‪ ،‬ه��ذا ال��رم��ز‬

‫عزة القبي�سي مع �إحدى ت�شكيالتها الفنية‬

‫الرتاثي‪ ،‬تبني ذلك قائلة‪« :‬كثري من الأ�شخا�ص بيت الأهل‬

‫ي��رون بعد ًا ما بني �أعمايل الفنية يف ت�صميم‬ ‫املجوهرات والتحف الذهبية وما بني الأعمال‬ ‫الهند�سية التي �أعمل بها اليوم‪ ،‬وهي م�صنوعة‬ ‫من خ�شب النخلة‪ ،‬و�أنا �أعترب �أهمية هذه النخلة‬ ‫ب�أهمية معدن الذهب لأنها من مواد خام متميزة‬ ‫فع ًال‪ ،‬وهي ثروة وطنية موجودة بوفرة يف بالدنا‬ ‫مثلها مثل البرتول‪ ،‬ونحن حتى اليوم مل ن�ستثمر‬ ‫بها‪ ،‬ومن املمكن �أن ن�شكل منها فنون ًا عديدة من‬ ‫�أثاث وحتف وقطع نادرة‪ ،‬وميكن �أي�ض ًا �أن تدخل‬ ‫يف �أمور كثرية يف �إن�شاء البيوت‪ ،‬وهناك بحوث‬ ‫كثرية ت�أتي من اخل��ارج كي ي�ستثمروا يف مادة‬ ‫�أخ�شاب النخيل هذه»‪.‬‬

‫ليس معنى أن لديك‬ ‫نخلة في منزلك وأنك‬ ‫تراها كل يوم أنك‬ ‫متواصل معها‪ ..‬ال‬ ‫تتعرف على النخلة إال‬ ‫عندما تلمسها‬

‫ولأن الفنانة عزة القبي�سي من �أر�ض متتد فيها‬ ‫غابات النخيل على مدى النظر‪ ،‬فهي منغم�سة‬ ‫يف حب هذه ال�شجرة وحتكي لنا كيف ن�ش�أ هذا‬ ‫التعلق بحب الرتاث وتطور حتى ظهر يف �أعمالها‬ ‫بت�صميم قطع الذهب‪ ،‬ثم جتلى الآن يف ت�صميم‬ ‫قطع من جريد النخلة‪ ،‬عائدة بالذاكرة �إىل بيت‬ ‫الأهل قائلة‪« :‬طبعا �أنا حبي للنخلة من طفولتي‪،‬‬ ‫ربينا معها و�أحببناها وكانت يف منزلنا‪ ،‬لكن‬ ‫تعبريي بهذه املادة اليوم يرجع لعدة فرتات يف‬ ‫حياتي‪ .‬النخلة ر�أيتها ومل�ستها و�شممت رائحتها‪،‬‬ ‫والق�صة الأهم كانت و�شعرت بها بفرتة معينة‬ ‫عندما راح��وا ينقلون النخيل من مكان ملكان‬ ‫لدينا يف املنزل‪ ،‬وفوجئنا ب�أن واحدة من النخيل‬ ‫م��ات��ت فانتزعوها‪ .‬يف ذل��ك ال��وق��ت م��ا كانوا‬ ‫ينظفون النخيل‪ ،‬وقتها وهم ينتزعون النخلة‬ ‫امليتة �أم�سكت املادة نف�سها و�أح�س�ست بها‪ ،‬كان‬ ‫عليها مياه متعفنة وقطع متك�سرة وه�شة‪ ،‬فبد�أت‬ ‫الأفكار لديّ منذ ذاك الوقت‪ ،‬كيف تنبت النخلة‬ ‫وحتتمل �أن تكون يف ال�صحراء وتكون قوية ونحن‬ ‫هنا لدينا يف املنازل تكون ه�شة ومتك�سرة‪ .‬ومع‬


‫فنون‬ ‫‪122‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫وتعلمت �شيئ ًا عن النخيل مل �أكن �أعرفه من قبل‪،‬‬ ‫وبد�أ بحثي بها يكرب‪ .‬ورمبا ال�سبب يف عدم جناح‬ ‫التجربة الأوىل �أنه مل يكن لديّ املكان �أو امل�ساحة‬ ‫الكافية‪ .‬ثم تعمقت ف�صنعت منها قطع ًا ب�أ�شكال‬ ‫فنية‪ ،‬لكن كتجارب‪ .‬فتجاربي بد�أت من ‪2006‬‬ ‫تقريب ًا ويف ‪ 2011‬ظهرت �أول �أعمال يل باجلريد‬ ‫ك�أعمال بارتفاع خم�سة �أو �ستة �أمتار»‪.‬‬

‫مناذج فنية‬

‫عزة القبي�سي مع من�صة من فنها من �شجر النخيل‬

‫البحث امل�ستمر خالل ال�سنوات الع�شرين التي‬ ‫مرت من حياتي‪ ،‬اكت�شفت الفرق ما بني النخيل‬ ‫املوجود يف مزارعنا واملوجود يف منازلنا‪ .‬يف ليوا‬ ‫لي�س هناك رطوبة واملياه دوم ًا بعيدة عن جذع‬ ‫النخلة الأ�سا�سي فال يكون عليها �ضرر من تعفن‬ ‫�أو �أي �ضرر ي�صيب جمالها فالغطاء املوجود‬ ‫على النخلة فيه مث ًال‪ :‬مادة �شمعية على الكربة‬ ‫نف�سها‪� ،‬أما النخيل يف البيوت يف �أبوظبي وب�سبب‬ ‫الرطوبة‪ ،‬وب�سبب ر���ش اجل��ذع وتنظيفه باملاء‬ ‫ب�شكل يومي‪ ،‬فيبد�أ يتعفن لأن��ه ال يحب املياه‪،‬‬ ‫بل يحب املياه على ج��ذوره فقط‪ .‬هنا اكت�شفت‬ ‫الفرق عندما ب��د�أت �أعمل يف هذه امل��ادة حيث‬ ‫تختلف ال�صالبة من نوع �إىل نوع �آخر‪ .‬وهناك‬ ‫نخيل يختلف يف كثافة اجلريدة نف�سها ووزنها‪،‬‬ ‫وهذه �أمور على ما �أظن حتتاج لعامل �أو باحث يجب‬ ‫�أن يبحث بها‪ ،‬لكن �أنا من حبي لهذه املادة ر�أيت‬ ‫موا�صفات و�أم��ور ًا بها مل �أك��ن �أعلم عنها �شيئ ًا‪.‬‬ ‫فالنخيل بنظري كان ي�شبه بع�ضه والرطب يختلف‬ ‫ب�ألوانه وحجمه هذا ال��ذي نعرفه‪ ،‬لكن حتى يف‬ ‫�أ�سا�س النخلة وارتفاع اجلريدة وحجمها وكثافتها‬ ‫نرى الفرق طبع ًا‪ ،‬عندما �أبد�أ �أعمل بها‪ ،‬كنت �أ�س�أل‬ ‫و�ألتقي ب�أ�شخا�ص لهم خربة يف جمال الزرع»‪.‬‬

‫تجاربي مع النخلة‬ ‫بدأت من ‪ 2006‬ولكن‬ ‫أول أعمال لي بالجريد‬ ‫بارتفاع خمسة أو ستة‬ ‫أمتار ظهرت في عام‬ ‫‪2011‬‬

‫قائلة‪�« :‬أول مرة عرفت عن هذا اجلزء من النخلة‬ ‫�أن ا�سمه «كرب»‪ ،‬وهذا �شيء مل �أكن �أعرفه‪ .‬كل‬ ‫جزء يف النخلة له ا�سم و«الرييد» ا�ستخدامه يف‬ ‫العمل الفني جاء بعد عملي يف الكرب‪ ،‬فالكرب‬ ‫عملت به �أول �شيء قطع ًا بحجم �صغري‪ ،‬وذلك يف‬ ‫جتربتي الأوىل كنت �أرغب �أن �أعمل حتفة منه‬ ‫تعطيني �ألوان ًا خمتلفة للنخلة نف�سها‪ .‬لكن القطع‬ ‫ال�صغرية مل تكن جتربة ناجحة‪ .‬ومع عدم جناح‬ ‫التجربة التي قطعت فيها اخل�شب لقطع �صغرية‬ ‫ومل �أجنح كما كنت �أفكر‪ ،‬مع ذلك ا�ستفدت جد ًا‬

‫كل جزء في النخلة‬ ‫له اسم و له مميزات‬ ‫تناسب العمل الفني‬ ‫مزايا النخلة‬ ‫وجاء استخدامي‬ ‫وعن �شجرة النخيل ت�شرح لنا الفنانة القبي�سي‬ ‫لـ«اليريد» بعد عملي‬ ‫مع «الكرب»‬

‫وعن الأ�شكال التي �صممتها الفنانة من النخلة‬ ‫كتحف هند�سية‪� ،‬سواء للبيت �أو للمكاتب‪ ..‬تو�ضح‬ ‫ذلك قائلة‪« :‬بدون �شك �آخر �شيء كان من املمكن‬ ‫�أن �أفكر به هو �أن �أ�صنع قطع ًا للمنزل‪ ،‬لكنها �أتت‬ ‫حت�صيل حا�صل لتجاربي التي كنت �أجريها يف‬ ‫ت�صنيع القطع الفنية التي كنت �أعملها‪ ،‬وهذه‬ ‫ج��اءت الحق ًا‪ .‬لكن مل �أعمل يف بداية جتربتي‬ ‫بهذه املادة‪ ،‬مل �أعمل بها مادة كخ�شب وكنجارة‪،‬‬ ‫ب��ل عملت بها مثل عملي ب��امل�ج��وه��رات‪ ،‬حيث‬ ‫فكرت بها ك�أحجار كرمية وكمقا�سات خمتلفة‪،‬‬ ‫وحاولت �أن �أج��د ح ًال كحل ت�صنيع مل��ادة لي�س‬ ‫فيها انتظام‪ ،‬لكن النجارة حتل املو�ضوع ب�أن كل‬ ‫�شيء له مقايي�س يق�ص ويل�صق وي�صقل‪ .‬مل �أكن‬ ‫�أريد �أن �أخ�سر اجلمال الطبيعي املوجود يف هذه‬ ‫اخلامة‪ ،‬كنت �أريد �أن �أحافظ عليها‪ ،‬فكما نعمل‬ ‫يف الأحجار الكرمية نحدد الأهم‪ ،‬ثم نعمل على‬ ‫ايجاد احلل‪ .‬وقد وجدت �أن احلل كان ب�سيط ًا‬ ‫ج��د ًا عندما �أخ��ذت قيا�س ًا واح��د ًا �أ�ستطيع �أن‬ ‫�أحتكم به‪ ،‬فتحكمت بارتفاع ق�ص القطعة مهما‬ ‫كان العر�ض ومهما كان ال�شكل‪ ،‬لأن �شكل قطعة‬ ‫يختلف من واحدة �إىل �أخرى‪ .‬وقد تركت جمالية‬ ‫ال�شكل وحريته وتركت مو�ضوع الأل��وان وتركت‬ ‫مو�ضوع العر�ض واهتممت ب ��أن �أبقي االرتفاع‬ ‫واحد ًا كي �أ�سيطر على تنفيذ فكرتي ولي�س فكرة‬ ‫امل��ادة‪ ،‬وه��ذا كان �شيئ ًا مهم ًا ج��د ًا بالن�سبة يل‬ ‫عندما بد�أت �أعمل بها‪ .‬زوجي وعمي مهند�سان‬ ‫كانا يقوالن يل‪ :‬ال تعملي‪ ،‬ان�سي املو�ضوع‪ ،‬فهذه‬ ‫مادة ملفلفة �أطرافها ووجهها وظهرها‪ ،‬فكيف‬ ‫�أنت �ست�سيطرين عليها وتعطينها �أي �شكل؟ فقلت‬ ‫لهم �أنا �س�أعمل بها و�س�أجد احلل فتجربة وراء‬ ‫جتربة‪ ،‬والتجارب ح�سب الوقت ال��ذي و�ضعته‬ ‫فبد�أ ينجح معي‪ .‬وكما قلت لك‪� ،‬أو ًال ق�ص�صت‬


‫بني املا�ضي واحلا�ضر‬

‫�إحدى ت�شكيالت «الرييد» للقبي�سي‬

‫االرت�ف��اع ب�شكل موحد وب��د�أت �أح��اول �أن �أجد‬ ‫الطريقة لرتكيبها وجتميعها وجربت ال�صمغ‬ ‫وامل�سامري و�أ�شياء �أخرى‪ .‬املو�ضوع كان مرهق ًا‬ ‫لي�س به امل�ستوى الذي �أريده عندما �أجمع القطع‬ ‫مع بع�ضها كعمل‪ ،‬وعملت �أ�شكا ًال وجتارب متعددة‬ ‫لأعمال فنية واقعية موجودة لديّ ‪� .‬أما جتربتي‬ ‫باجلريد والذي هو اجلزء الأطول يف ال�شجرة‪،‬‬ ‫فمنذ ر�أيتها عرفت كيف �س�أعمل عليها‪� .‬أنا‬ ‫�أرى جمال امل��ادة واخلامة‪ ،‬ومن هذه ال�صفات‬ ‫واجلماليات �أب��د�أ �أرى الطرق التي �أ�ستطيع �أن‬ ‫�أنفذ الأ�شكال التي �أريدها‪ ،‬وقد عملت �شك ًال ميثل‬ ‫�شموخ النخلة‪ ،‬كما يعطي مظهر ًا طبيعي ًا‪ ،‬ولي�س‬ ‫من �صنع اليد‪ ،‬فعملت نف�س ارتفاع اجلريدة حيث‬ ‫ظهرت النخلة ب�شكل طبيعي»‪.‬‬

‫مراحل العمل‬

‫وع��ن ه��ذه الأع �م��ال الفنية ال�ت��ي متثل �شكل‬ ‫النخلة الطبيعي ت�ضيف القبي�سي تقول‪�« :‬أول‬ ‫واحدة عملتها جانب مدخل بيتي حيث حفرت‬ ‫و�أدخلت بها الأ�سالك وا�شتغلت عليها لغاية ما‬ ‫لففتها بال�شكل الذي �أري��ده‪ ،‬ثم قمت بالعمل‬ ‫احلقيقي الذي قدمته للنا�س يف معر�ض ال�صيد‬ ‫والفرو�سية حيث جهزت «الرييد» واحدة وراء‬ ‫الأخ ��رى‪ ،‬وت ��أك��دت �أن ه��ذا ه��و ال�شكل ال��ذي‬ ‫�أريده‪ .‬فقد جلبت من املزرعة �سيارة كاملة من‬

‫�شجر النخل ثم نظفناها وق�سمنا العمل‪ ،‬ومل‬ ‫�أكن لوحدي‪ ،‬كان معي عائلتي وجمموعة �أخرى‬ ‫نعمل مع ًا‪ ،‬هناك من يق�ص ومن ينظف ومن‬ ‫يقطع الأط��راف‪ .‬وبعد �أن جمعت �أول خم�سة‬ ‫ع�شر جريد ًا وحفرتها وركبتها بنف�س التجربة‬ ‫الأوىل‪ .‬كان �صيف ًا حار ًا‪ ،‬وقد ا�ستحملت لأين‬ ‫كنت �أري��د �أن �أنتهي فعملت طيلة اليوم‪ .‬ومن‬ ‫عادتي عندما �أبد�أ بعمل فني ال �أحب �أن �أتوقف‬ ‫بل �أريد �أن �أتابع للنهاية‪ .‬لذلك‪ ،‬نقلت العمل‬ ‫�إىل داخل املنزل ويف تلك اللحظة اكت�شفت �أن‬ ‫جريد النخلة ممكن �أن يتعدى الأربعة �أمتار‪،‬‬ ‫ومل �أ�ستطع �أن �أع�م��ل داخ��ل البيت ب��ه‪ ،‬لأن‬ ‫معظم بيوتنا ال يتعدى ارتفاعها ثالثة �أمتار‪،‬‬ ‫ف�صدمت وقلت‪ :‬معقولة �أن ن�صف النخلة‬ ‫يتعدى الأربعة �أمتار! وهذا معناه �أن ارتفاعها‬ ‫الإج �م��ايل ثمانية �أم �ت��ار‪ ،‬ونحن يف ك��ل يوم‬ ‫نراها يف ال�شارع وال نعطيها �أكرث من ثالثة �أو‬ ‫�أربعة �أمتار فقط‪.‬‬

‫النخلة في أهمية معدن‬ ‫الذهب ألنها مواد خام‬ ‫متميزة فع ً‬ ‫ال‪ ،‬وهي ثروة‬ ‫وطنية موجودة بوفرة‬ ‫في بالدنا ونحن حتى‬ ‫اليوم لم نستثمر ها‬

‫توا�صل ع��زة احل��دي��ث ع��ن اكت�شافها �أهمية‬ ‫التجربة العملية قائلة‪« :‬يف تلك اللحظة �شعرت‬ ‫مبعنى البعد م��ن املا�ضي �إىل احلا�ضر ال��ذي‬ ‫نعي�شه‪ ،‬لي�س معنى �أنه لديك نخلة ف�أنت متوا�صل‬ ‫يف تفا�صليها لأنك تراها كل يوم‪ ،‬لكنك ال تتعرف‬ ‫عليها �إال عندما مت�سكها‪ .‬هنا ت�أتي الفكرة‪،‬‬ ‫مل��اذا �أن��ا بعد �أن عملت هذا العمل‪ ،‬ق��ررت �أن‬ ‫�أجنز �أربعني قطعة من هذه التحف و�أدع النا�س‬ ‫يلونونها وير�سمون ما يريدون ويعملون معي عليها‬ ‫مبنا�سبة يوم االحتاد‪ .‬وقتها �شعرت انني �إماراتية‬ ‫لديّ مزرعة و�أن��ا مهتمة مبزرعة الأه��ل يف هذا‬ ‫العمر‪� ،‬أول الثالثينيات‪ ،‬حتى اكت�شفت �أن جريدة‬ ‫النخلة الواحدة ممكن �أن يكون ارتفاعها �أكرث من‬ ‫�أربعة �أمتار‪ ،‬وهذا طبع ًا ح�سب نوع النخل فيمكن‬ ‫�أن يكون �أقل‪ .‬وقد �شعرت �أن هذا ال�شيء يجب‬ ‫على اجلميع معرفته‪ ،‬وكيف �أجعل النا�س يعرفون‬ ‫هذا الإح�سا�س ويبد�أون منذ �صغرهم بالتعرف‬ ‫�إىل هذه اجلزئية‪ ،‬فعملت الأربعني عم ًال‪ .‬وكانت‬ ‫هذه �أول جتربة يل يتفاعل معها اجلمهور‪.‬‬

‫م�شاركون بالعمل‬

‫مل �أكن �أرغب �أن �أكون وحدي‪ ،‬بل كنت �أريد �أن‬ ‫�أتعامل عن طريق النا�س الذين يحبون امل�شاركة‬ ‫يف مواقع التوا�صل االجتماعي على التويرت‬ ‫والفي�سبوك‪ ،‬ف�أخذوا يكتبون يل �أن هذا عمل‬ ‫رائع فيه ثقافة �إماراتية‪ ،‬فقلت لهم �أريد منكم‬ ‫�أن ت�شاركوين بالعمل والذي يرغب �أن يتفاعل‬ ‫مع العمل‪ ،‬ف�أنا م�ستعدة �أن �أو�صل العمل ملنزله‬ ‫وللم�شاركة يف حفل االحتاد‪ .‬وكان هناك كثري‬ ‫من النا�س الذين رغبوا بالعمل وقاموا بتلوينه‬ ‫والكتابة عليه‪ .‬تفاعل النا�س معي كانت جتربة‬ ‫ج��د ًا ناجحة‪ ،‬و�أن��ا وزع��ت �أع�م��ايل يف جامعة‬ ‫زايد ويف املحافل التي �شاركت بها وبقي لديّ‬ ‫خمزن قمت بتوزيعه على الراغبني بامل�شاركة‬ ‫يف �أعمال الزينة يف يوم االحت��اد هذا العام‪.‬‬ ‫وبهذه الطريقة �أ�شركت معي ‪� 41‬شخ�ص ًا ميكن‬ ‫�أن يكونوا �سفراء لهذه امل��ادة ولهذه الفكرة‪.‬‬ ‫ويف الأي��ام الوطنية القادمة ميكن �أن ت�ضم‬ ‫امل�شاركات �أعداد ًا �أكرب»‬


‫تاريخ‬ ‫‪124‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬


‫ا�ستهدفت رعايتها و�إطعامها وعالجها‬

‫أوقاف الحيوانات‬ ‫في الحضارة اإلسالمية‬ ‫�أحمـد �أبو زيد‬ ‫انفردت احل�ضارة الإ�سالمية بنوع خا�ص من الأوقاف اخلريية‪ ،‬مل تعرفه �أي ح�ضارة �أخرى‬ ‫عرب التاريخ‪ ،‬وهو تلك الأوقاف التي كانت تخ�ص�ص ب�أكملها لرعاية احليوانات و�إطعامها‬ ‫و�إيوائها وعالجها من الأمرا�ض‪ ،‬وكان مبثابة تطبيق عملي للرفق باحليوان ب�أ�شكاله املختلفة‪.‬‬ ‫ف�أوقاف امل�سلمني تعدت حاجة الإن�سان لتفي الوقف اخرتاع �إ�سالمي‬

‫بحاجة احل �ي��وان‪ ،‬حيث �أوق �ف��ت يف العهود‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬العديد من الأوقاف الذي خ�ص�ص‬ ‫ريعها خلدمة احليوانات والرفق بهم‪ ،‬فخالد‬ ‫بن الوليد املقاتل والقائد احلربي �أوقف �إيراد‬ ‫قطعة م��ن الأر����ض ل�ل�إن�ف��اق على ح�صانه‪،‬‬ ‫ووجدنا �أوقاف ًا خ�ص�صت للخيول املُ ِّ�سنة التي‬ ‫هرمت بعد �أن قدمت خدماتها اجلليلة يف‬ ‫اجلهاد والفتوح‪ ،‬و�أوقاف ًا للطيور خا�صة طيور‬ ‫احل��رم‪ ،‬و�أوق��اف � ًا للكالب والقطط ال�ضالة‪،‬‬ ‫و�أوق��اف� ًا لأحوا�ض ال��دواب التي ت�شرب منها‬ ‫احليوانات على قارعة الطرق‪ ،‬وهي الأحوا�ض‬ ‫التي كانت ت�شبه �أ�سبلة املياه التي ي�شرب منها‬ ‫النا�س يف املدن والطرق العامة‪ ،‬ووجدنا �أوقاف ًا‬ ‫خا�صة لتطبيب احليوانات املري�ضة‪ ،‬و�أوقاف ًا‬ ‫لرعي احليوانات امل�سنة العاجزة‪ ،‬وا�شتهر‬ ‫�إىل عهد قريب يف م�صر‪ ،‬وبل ظهور املركبات‬ ‫احل��دي�ث��ة‪ ،‬وق��ف خا�ص ملركب �شيخ الأزه��ر‬ ‫ع��رف مب�سمى‪« :‬وق��ف بغلة �شيخ الأزه ��ر»‪،‬‬ ‫كان ي�ستهدف توفري الدابة التي يركبها �شيخ‬ ‫الأزهر ونفقاتها وعلفها ورعايتها‪.‬‬

‫الوقف اخرتاع �إ�سالمي خال�ص‪ ،‬مل يعرف قبل‬ ‫امل�سلمني يف �أي ح�ضارة �أو بقعة من العامل‪،‬‬ ‫ومعنى ال��وق��ف‪ :‬حب�س الأ� �ص��ول م��ن �أرا���ض‬ ‫و�ضياع وب�ساتني ودور و�أموال وممتلكات �أخرى‪،‬‬ ‫لي�صرف من ريعها على باب �أو �أكرث من �أبواب‬ ‫اخلري‪ ،‬التي يحددها �صاحب الوقف‪ .‬وهو من‬ ‫ال�صدقات املندوبة‪ ،‬ج��اءت م�شروعيته من‬ ‫القر�آن وال�سنة والإج�م��اع والقيا�س‪ ،‬و�أ�شهر‬ ‫مثال للوقف يف العهد النبوي هو بئر رومة‬ ‫الذي ا�شرتاه عثمان بن عفان‪ ،‬ر�ضي اهلل عنه‪،‬‬ ‫وجعله �صدقة ووقف ًا للم�سلمني‪ ،‬ي�شربون من‬ ‫مائه لوجه اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫ولقد تتابعت الأوق��اف منذ عهد النبي‪� ،‬صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وا�ستمر القادرون على الوقف‪،‬‬ ‫على مدى التاريخ الإ�سالمي‪ ،‬يوقفون �أموالهم‬ ‫على وجوه اخلري املختلفة‪ ،‬حتى وجدنا �أوقاف ًا‬ ‫تت�سم بال�ضخامة والتنوع‪ ،‬و�صارت من مفاخر‬

‫أوقاف خصصت للطيور‬ ‫وخاصة طيور الحرم‬ ‫وأخرى للكالب والقطط‬ ‫الضالة‬

‫امل�سلمني‪ ،‬اذ مل يدعوا جانب ًا من جوانب اخلري‬ ‫واملنفعة العامة �إال �أوقفوا فيه من �أموالهم‪،‬‬ ‫حتى �شملت هذه الأوقاف الإن�سان واحليوان‪،‬‬ ‫وبلغت ما ال يخطر على بال �إن�سان يف �شرق وال‬ ‫غرب‪.‬‬

‫امل�سلمون �أمة معطاء‬

‫واجلوانب الإن�سانية يف �أوقافنا بلغت الآفاق‪،‬‬ ‫و�أثبتت �أن الأمة الإ�سالمية �أمة معطاء‪ ،‬فقد‬ ‫�أ�سهمت الأوقاف يف حل م�شكلة الفقر‪ ،‬والعديد‬ ‫من امل�شاكل االجتماعية وال�صحية والنف�سية‬ ‫والعلمية والبيئية والإمنائية‪ ،‬كما �أ�سهمت يف‬ ‫بث قيم الرتاحم والتكافل االجتماعي و�إ�شاعة‬ ‫مفاهيم الت�آلف والتعاون بني النا�س‪.‬‬ ‫ومل تقت�صر جم��االت الأوق��اف على امل�ساجد‬ ‫وامل��دار���س وامل�ست�شفيات‪� ،‬إمن��ا �شملت‪ :‬بناء‬ ‫اخل��ان��ات وال �ف �ن��ادق للم�سافرين ال�ف�ق��راء‬ ‫املنقطعني‪ ،‬وبناء بيوت ي�سكنها من ال يجد ما‬ ‫ي�شرتي به بيت ًا �أو ي�ست�أجر دار ًا‪ ،‬وكذلك بيوت‬ ‫احلجاج يف مكة ينزلون بها يف مو�سم احلج‪،‬‬ ‫و�أج��راء وبناء ال�سقايات يف الطرق العامة‪،‬‬ ‫وح�ف��ر الآب� ��ار ل�سقي املا�شية وامل�سافرين‪،‬‬


‫تاريخ‬ ‫‪126‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫�أحد �أحوا�ض املياه املخ�ص�صة للدواب كما �صورها الفنان الفرن�سي «جريوم»‬

‫املثال‪ ،‬جند �أن الأوقاف يف مدنها قد تعددت‬ ‫رواف��ده��ا وات�سعت‪ ،‬فوجدت �أوق��اف للقيام‬ ‫بخدمات من ّوعة ع��دي��دة‪ ،‬ك��إق��ام��ة �أنابيب‬ ‫املياه‪ ،‬والينابيع‪ ،‬والآب ��ار‪ ،‬وت�شييد الطرق‪،‬‬ ‫والأر� �ص �ف��ة‪ ،‬واجل���س��ور و�صيانتها‪ ،‬و�إن�شاء‬ ‫املجانية‪ ،‬وبناء‬ ‫املطابخ لتوزيع وجبات الطعام ّ‬ ‫بيوت لل�ضيوف‪ ،‬ودور ل�ل�أرام��ل‪ ،‬وم��دار���س‪،‬‬ ‫وخزائن للكتب‪ ،‬وم�ساجد وتكايا‪ ،‬ومقابر‪،‬‬ ‫و��س��اح��ات لإق��ام��ة ال���ص�لاة‪ ،‬وخ��ان��ات ملبيت‬ ‫القوافل‪ ،‬و�أب��راج لل�ساعات‪ ،‬وخمابز لتوزيع‬ ‫اخلبز والكعك على الفقراء‪ ،‬وم�ستو�صفات‪،‬‬ ‫وم�ست�شفيات‪ ،‬وح � ّم��ام��ات ع��ا ّم��ة‪ ،‬و�أم��اك��ن‬

‫وبناء املطاعم التي ي��وزع فيها الطعام بكل‬ ‫�أ�صنافه على الفقراء واملحتاجني‪ ،‬وبناء �أمكنة‬ ‫املرابطني على الثغور‪ ،‬ي�ج��دون فيها ك��ل ما‬ ‫يحتاجونه من �سالح وذخرية وطعام‪.‬‬ ‫وهناك �أوق��اف يعطى ريعها ملن يريد اجلهاد‬ ‫يف �سبيل اهلل ت �ع��اىل‪ ،‬وي��دف��ع منها للجي�ش‬ ‫املحارب حني تعجز الدولة عن الإنفاق على‬ ‫إ�ف ��راده‪ ،‬و�أوق ��اف لإ�صالح الطرق والقناطر‬ ‫واجل�سور‪ ،‬و�أوقاف لبناء املقابر وتوفري �أكفان‬ ‫املوتى وجتهيزهم‪ ،‬و�أوقاف مل�ؤ�س�سات اللقطاء‬ ‫واليتامى واملقعدين والعجزة والعميان‪ ،‬و�أوقاف‬ ‫لتح�سني �أح ��وال امل�ساجني‪ ،‬و�أخ ��رى لتزويج‬ ‫ال�شباب والفتيات العازبات وم�ساعدتهن على‬ ‫نفقات الزواج‪.‬‬ ‫في دمشق اشتهر وقف‬

‫للكالب الشاردة يؤويها‬ ‫تنوع الأوقاف‬ ‫و�إذا �أخ��ذن��ا ال��دول��ة العثمانية‪ ،‬على �سبيل ويداويها وآخر للقطط‬ ‫ّ‬ ‫الضالة يطعمها‬ ‫ويسقيها‬

‫مظللة على جوانب الطرق‪.‬‬ ‫كما وجدت �أوق��اف لتزويد البنات اليتيمات‬ ‫ب�أجهزة العر�س‪ ،‬ودفع الديون عن ال�سجناء‪،‬‬ ‫�أو املفل�سني م��ن رج��ال الأع �م��ال‪ ،‬و�إك���س��اء‬ ‫الكهول‪ ،‬و�إعانة القرى وال�ضواحي على دفع‬ ‫ما يرتتب عليها من �ضرائب‪ ،‬وم�ساعدة رجال‬ ‫اجلي�ش والبحر ّية‪ ،‬وتقدمي الأرا�ضي للأ�سواق‬ ‫العا ّمة‪ ،‬و�إقامة املنائر والفنارات‪ ،‬وم� ّد يد‬ ‫العون للأيتام والأرام ��ل واملحتاجني‪ ،‬و�س ّد‬ ‫حاجات �أطفال املدار�س الفقراء واملعوزين‪،‬‬ ‫وتهيئة املقاعد لهم‪ ،‬وتغطية نفقات جنائز‬ ‫الفقراء‪ ،‬وتقدمي هدايا الأع �ي��اد للعائالت‬ ‫الفقرية‪ ،‬وت�شييد الأكواخ على �شاطئ البحر‬ ‫ليق�ضي النا�س فيها �أيام عطالتهم‪ ،‬وتوزيع‬ ‫املياه املث ّلجة �أي��ام ال�صيف‪ ،‬و�إقامة مالعب‬ ‫عامة‪ ،‬ون�ثر احلبوب على الطيور‪ ،‬وتقدمي‬ ‫العلف واملاء للحيوانات‪.‬‬


‫وقف للقطط والكالب‬

‫وع �ن��دم��ا ن �ن �ظ��ر �إىل الأوق � � ��اف اخل��ا� �ص��ة‬ ‫باحليوانات يف احل�ضارة الإ�سالمية‪ ،‬والتي‬ ‫ا�ستهدفت رعاية احليوان والرفق ب��ه‪ ،‬جند‬ ‫�أنها مل تقت�صر على الدواب �أو احليوانات التي‬ ‫كانت مملوك ًة للنا�س وينتفع بها‪ ،‬ولكنها تعدت‬ ‫ذلك �إىل احليوانات ال�ضالة‪ ،‬وهذا معنى من‬ ‫املعاين العظيمة يف احل�ضارة الإ�سالمية‪ ،‬التي‬ ‫قامت على الرحمة بكل املخلوقات‪.‬‬ ‫فقد كان للحيوان ن�صيب كبري يف امل� َّؤ�س�سات‬ ‫االجتماع َّية الإ�سالم َّية‪� ،‬إذ َع َر َفت احل�ضارة‬ ‫الإ�سالم َّية منذ ابن البيطار‪ ،‬وهو من �أطباء‬ ‫خا�صة لتطبيب‬ ‫القرن ال�سابع الهجري‪� ،‬أوقاف ًا َّ‬ ‫احليوانات ا َمل ِر َ‬ ‫ي�ضة‪ ،‬و�أوقاف ًا لرعي احليوانات‬ ‫املُ ِ�س َّنة‪� ،‬إ�ضافة �إىل الأوق��اف التي ا�ستهدفت‬ ‫�إطعام احليوانات و�سقايتها‪.‬‬ ‫ولعل �أ�شهر الأوق���اف التي و�صلتنا يف هذا‬ ‫ال�صدد هو «وقف» الأمري عبد الرحمن كتخدا‪،‬‬ ‫�أحد �أمراء الدولة العثمانية يف م�صر‪ ،‬والذي‬ ‫ني عناي ًة عظيم ًة باحليوانات ال�ضالة‪ ،‬فقد‬ ‫ُع َ‬ ‫ورد بكتاب الوقف‪ ،‬بالن�سبة للوقف على القطط‬ ‫مث ًال‪� ،‬أنه فر�ض مبلغ ‪ 3600‬ن�صف ف�ضة يف‬ ‫ال�سنة‪ ،‬بواقع ‪ 300‬ن�صف ف�ضة يف كل �شهر‪،‬‬ ‫وكل يوم ع�شرة �أن�صاف ف�ضة‪ ،‬وذلك ل�شراء‬ ‫حلم يفرق على القطط كل يوم بعد الع�صر‪،‬‬ ‫وقد �أمر ِب�صرف مبلغ ‪ 720‬ن�صف ف�ضة ك�أجر‬ ‫للقائم على �شراء اللحم وتوزيعه‪.‬‬ ‫ورغ��م �أن ال�ك�لاب‪ ،‬وخا�ص ًة ال�ضالة‪ ،‬كانت‬ ‫مكروهة لنجا�ستها‪� ،‬إال �أنها ال َق��ت اهتمام‬ ‫الأمري عبد الرحمن كتخدا‪ ،‬فقرر مبلغ ‪1800‬‬ ‫وق�سمه على كل يوم‪،‬‬ ‫ن�صف ف�ضة يف ال�سنة‪َّ ،‬‬ ‫بواقع خم�سة �أن�صاف ف�ضة‪ ،‬وذلك ل�شراء ‪25‬‬ ‫َ‬ ‫رغيف خبز تُف َّرق على الكالب‪.‬‬ ‫�أما ال�شيخ حممد �أبو الأنوار ال�سادات‪ ،‬فقد قرر‬ ‫يف كتاب وقفه امل�ؤرخ يف �سنة ‪1209‬هـ ‪1794‬م‪،‬‬ ‫�أن ُي�صرف يف ثمن اخلبز الذي ت�أكله الكالب‬ ‫خارج زاويته التي بناها ب�سفح جبل َّ‬ ‫املقطم‪،‬‬ ‫مبلغ ‪ ، 10800‬بواقع ‪ 30‬ن�صف ف�ضة يوم ّي ًا‪.‬‬ ‫ويف ال�شام وجدنا وقف ًا للقطط ال�ضالة يطعمها‬ ‫وي�سقيها‪� ،‬سميت مبدر�سة القطاط ‪ ،‬وهي يف‬

‫القيمرية‪ ،‬املعروف بحي التجار يف دم�شق‪،‬‬ ‫وك��ان يجتمع يف داره��ا املخ�ص�صة لها مئات‬ ‫القطط ال�سمينة التي ُيق َّدم لها الطعام كل‬ ‫يوم‪ ،‬وكان هناك وقف للكالب ال�شاردة ي�ؤويها‬ ‫ويداويها‪ ،‬وهو يف حي «العمارة»‪.‬‬

‫دار �إطعام احليوانات‬

‫ويف مدينة فا�س خ�ص�ص وقف على نوع من‬ ‫الطري ي�أتي يف مو�سم معينَّ ‪ ،‬فوقف له بع�ض‬ ‫اخل�ِّي�رِّ ي��ن م��ا يعينه على البقاء‪ ،‬وي�س ِّهل له‬ ‫العي�ش يف تلك امل � َّدة من الزمن‪ ،‬وك ��أن هذا‬ ‫الطري املهاجر الغريب له على �أهل البلد حقَّ‬ ‫ال�ضيافة والإيواء‪.‬‬ ‫وقد جاء يف ترجمة حممد بن مو�سى احللفاوي‬ ‫الإ�شبيلي نزيل فا�س‪ ،‬واملتوفى بها عام ‪758‬‬ ‫هـ ‪� ،‬أن��ه دف��ع به الرفق باحليوانات املتخذة‬ ‫والأليفة �إىل �أن يعد دار ًا يجمعهم فيها وي�سهر‬ ‫على �إطعامهم بيده‪ ،‬وكان يف حوز مدينة فا�س‪:‬‬ ‫ب�لاد موقوفة على ��ش��راء احل�ب��وب للطيور‪،‬‬ ‫حتى تلتقطها كل يوم من املرتفع املعروف‬ ‫بكدية الرباطيل عند باب احلمراء داخل‬ ‫باب الفتوح‪ ،‬و�أي�ض ًا‪ ،‬عند «كدية الرباطيل»‪،‬‬ ‫خارج باب اجلي�سة‪.‬‬

‫�أوقاف لتطبيب احليوانات‬

‫وقد وجدنا �أوقاف ًا خا�صة لتطبيب احليوانات‬ ‫املري�ضة‪ ،‬و�أوق��اف� ًا �أخ��رى لرعاية احليوانات‬ ‫امل�سنة العاجزة‪ ،‬كوقف �أر�ض املرج الأخ�ضر‬ ‫بدم�شق‪ ،‬ال�ت��ي وق�ف��ت ل�ترع��ى فيها اخليول‬ ‫ال�ع��اج��زة واحل �ي��وان��ات ال�سائبة ال�ت��ي ي�أبى‬ ‫�أ�صحابها الإنفاق عليها لعدم االنتفاع بها‪،‬‬ ‫فرتعى يف هذه الأر�ض حتى متوت‪.‬‬ ‫وكان هذا الوقف على �ضفاف فرع نهر بردى‬ ‫يف املنطقة التي احتلتها م�ؤ�س�سة معر�ض دم�شق‬ ‫ال��دويل‪ ،‬حيث كانت ه��ذه الأر���ض وقف ًا على‬

‫اإلسالم اهتم‬ ‫بالحيوانات ونظم لها‬ ‫حقوق ًا قبل أن تعرفها‬ ‫الحضارات األخرى‬ ‫بقرون‬

‫احليوانات التي تعجز عن تقدمي اخلدمات‬ ‫املطلوبة ب�سبب كرب ال�سنّ ‪� ،‬أو ب�سبب الإ�صابات‬ ‫ال�ت��ي ك��ان��ت تتع ّر�ض لها خ�ي��ول املجاهدين‬ ‫وغ�ي�ره ��ا‪ ،‬ول��ذل��ك ّمت وق ��ف ت �ل��ك املنطقة‬ ‫اخل�صبة امل��روي��ة ل�ت��أم�ين امل ��أك��ل وامل�شرب‬ ‫لتلك احل�ي��وان��ات ك��ي تعي�ش حياتها كامل ًة‪،‬‬ ‫حتى تالقي حتفها املحتوم يف �شكل طبيعي‪،‬‬ ‫من دون ُّ‬ ‫ق�سري‪ ،‬وذل��ك من‬ ‫خارجي‬ ‫تدخل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫باب الرفق باحليوان‪ ،‬كي ال تتعر�ض للنحر‬ ‫اغتيا ًال بح�سب م��ا ُي�س ّمى بالقتل الرحيم‬ ‫يف املجتمعات الغربية ال�ت��ي �أب��اح��ت ذلك‬ ‫بع�ض العجزة‪ ،‬من بني الإن�سان‬ ‫للتخلُّ�ص من ِ‬ ‫واحليوان‪.‬‬

‫من�ش�آت معمارية للدواب‬

‫وجند يف الع�صر اململوكي الكثري من املن�ش�آت‬ ‫ال َو ْق ِف َّية التي خ�ص�صت لرعاية احليوانات‪،‬‬ ‫فهناك من�ش�آت معمارية كاملة خ�ص�صت‬ ‫�دواب ال��ذي �أوق�ف��ه‬ ‫ل �ل��دواب‪ ،‬مثل ح��و���ض ال� � ِّ‬ ‫ال�سلطان قايتباي يف ��ص�ح��راء املماليك‪،‬‬ ‫لت�شرب الدواب �أثناء �سريها من هذه الأماكن‪،‬‬ ‫وت�سرتيح من ال�سري يف �أماكن ظليلة بعيدة عن‬ ‫ال�شم�س‪ ،‬وتعالج �إذا كانت م�صابة �أو مري�ضة‬ ‫يف العيادة امللحقة باحلو�ض‪� ،‬أو �إ�سطبالت‬ ‫لينام فيها احليوان‪ ،‬وكانت الوقفية تن�ص على‬ ‫�أن يح�صل �أرب��اب الوظائف من البيطاريني‬ ‫واملدربني وامل�س�ؤولني عن �إطعام احليوانات‬ ‫ورعايتهم على رواتب من ريع �أرا���ض زراعية‬ ‫موقوفة على ذل��ك‪ ،‬وك��ان��ت ه�ن��اك م��دار���س‬ ‫خا�صة لتدريب اخليول على الفرو�سية‪.‬‬ ‫وه �ك��ذا ع�م��ل اخل �ي�رون مم��ن �أن �� �ش ��أوا ه��ذه‬ ‫الأحوا�ض وحب�سوا الأوقاف اخلريية لها‪ ،‬على‬ ‫تعيني خادم للحو�ض �أو قيم �أو فرا�ش‪ ،‬لتمكني‬ ‫الدواب من ال�شرب ب�سهولة‪ ،‬وم�ساعدة النا�س‬ ‫لال�ستفادة من ماء احلو�ض‪ ،‬كما �أوك��ل �إليه‬ ‫تنظيف احلو�ض وكن�سه وغ�سله‪ ،‬وجتفيف‬ ‫�أر�ضيته‪ ،‬والر�ش �أمامه‪ ،‬والعمل على ملء‬ ‫احلو�ض باملاء ب�صفة دائمة‪ ،‬وكان العمل‬ ‫يبد�أ من م�شرق ال�شم�س �إىل �آخر النهار‬ ‫�أو �أذان الع�شاء‪.‬‬ ‫وك��ان ي��راع��ى يف �أح��وا���ض ال ��دواب �أن تكون‬


‫تاريخ‬ ‫‪128‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫ق��رب �أط ��راف امل��دن و�أب��واب �ه��ا‪ ،‬حيث تكرث‬ ‫حركة اخلارجني والداخلني من امل�سافرين‬ ‫والتجار‪ .‬وعرفت ه��ذه الأح��وا���ض بطرزها‬ ‫املختلفة يف م�صر وبالد ال�شام‪ ،‬ويف م�شرق‬ ‫العامل الإ�سالمي ومغربه‪ ،‬وحتتفظ بع�ض‬ ‫امل��دن الأن��ا��ض��ول�ي��ة بنماذج م��ن الأح��وا���ض‬ ‫ال�سلجوقية‪ ،‬التي مازالت قائمة حتى اليوم‪.‬‬ ‫ويف املغرب كانت الأحوا�ض تلحق بامل�ساجد‪،‬‬ ‫وتكون منف�صلة عنها‪ ،‬وكان ي�صل �إليها املاء‬ ‫الذي يفور من �أحوا�ض الأ�سبلة �أو ال�سقايات‬ ‫عن طريق �أق�صاب من الفخار‪ ،‬حيث ي�صب‬ ‫يف �أح��وا���ض �سقاية ال ��دواب‪ ،‬التي ت�شكلت‬ ‫معماري ًا من دخالت عميقة �صغرية تقع يف‬ ‫�أ�سفل �صدر حائط ال�سقاية‪ ،‬ويف �أ�سفل تلك‬ ‫ال��دخ�لات تقع �أح��وا���ض عميقة يف �أر�ضية‬ ‫ال�سقاية لي�سهل ال�شرب منها‪.‬‬

‫وقف األمير عبد الرحمن يف ال��رف��ق ب��احل�ي��وان‪ ،‬باعتبار ذل��ك تعبد ًا‬ ‫هلل‪ ،‬فالرحمة باحليوان قد تدخل �صاحبها‬ ‫كتخدا اختص بشراء‬ ‫اجلنة‪ ,‬والق�سوة عليه قد تدخله النار‪ ،‬والنبي‬ ‫لحم يفرق على‬ ‫حممد‪� ،‬صلى اهلل عليه و�سلم‪ُ � ،‬‬ ‫أول من دعا‬ ‫القطط كل يوم وخبز‬ ‫�إىل ال�شفقة باحليوان والرفق به وم�ساعدته‬ ‫للكالب الضالة‬ ‫يف مطعمه وم�شربه ويف �صحته ومر�ضه‪ ،‬بل‬ ‫و�أثناء ذبحه‪.‬‬ ‫الإ�سالم والرفق باحليوان‬ ‫ف��الإ��س�لام �ضرب املثل الأع�ل��ى يف الرحمة‬ ‫وال � �ش��ك �أن ان �ت �� �ش��ار الأوق� � ��اف اخل��ا��ص��ة وال��رف��ق ب��احل �ي��وان‪ ،‬ف �ح��رم ال�ق���س��وة عليه‬ ‫باحليوانات يف الع�صور الإ��س�لام�ي��ة‪ ،‬يدل و�إرهاقه بالأثقال والأعمال ال�شاقة‪ ،‬وح ّرم‬ ‫التلهي بقتل احل�ي��وان‪ ،‬كال�صيد للت�سلية ال‬ ‫داللة وا�ضحة على �سبق احل�ضارة الإ�سالمية للمنفعة‪ ،‬ونهى ع��ن ك��ي احل�ي��وان��ات بالنار‬ ‫يف وجوهها للو�شم‪� ،‬أو حتري�ش بع�ضها على‬ ‫وقف السلطان قايتباي البع�ض بق�صد اللهو �أو الرت ّبح املايل‪ ،‬و�أنكر‬ ‫بالقاهرة شمل حوض ًا‬ ‫العبث ب�أع�شا�ش الطيور و�إحراق قرى النمل‪.‬‬ ‫وما قرره علماء الأمة وفقها�ؤها من �أحكام‬ ‫لشرب الدواب وأماكن‬ ‫كفيلة برعاية احليوان‪ ,‬تبني وجوه الرحمة‬ ‫الستراحتها وعيادة‬

‫لعالج المصاب منها‬


‫ب��ذل��ك امل�خ�ل��وق‪ ،‬ب ��دء ًا م��ن ح��رم��ة �إجاعته‬ ‫وتعري�ضه للهزال وال�ضعف‪ ،‬والتلهي به يف‬ ‫لل�صيد‪ ،‬وطول املكوث على ظهره‪ ،‬وحتميله‬ ‫�أك�ثر من طاقته‪� ،‬إىل رحمته قبل ذبحه �إن‬ ‫كان مما ي�ؤكل حلمه‪.‬‬

‫حقوق احليوان‬

‫فالإ�سالم اهتم باحليوانات ونظم لها حقوق ًا‬ ‫قبل �أن تقرها �أو تعرفها ال�شعوب الأخ��رى‪،‬‬ ‫وقرر علماء امل�سلمني �أن النفقة على احليوان‬ ‫واجبة على مالكه‪ ،‬ف�إن امتنع �أُجرب على بيعه‪،‬‬ ‫�أو الإنفاق عليه‪� ،‬أو تركه �إىل مكان يجد فيه‬ ‫رزقه وم�أمنه‪� ،‬أو ذبحه �إن كان مما ي�ؤكل‪.‬‬ ‫وقرر بع�ض الفقهاء �أنه �إذا جل�أت هرة عمياء‬ ‫�إىل بيت �شخ�ص وجبت نفقتها عليه‪ ،‬حيث‬ ‫مل تقدر على االن�صراف‪ ،‬بل كانت الدولة‬ ‫الإ�سالمية ترى �أن من واجبها متابعة رفق‬

‫النا�س باحليوانات‪ ،‬فقد ورد عن ف�ضائل‬ ‫عمر بن عبد العزيز‪ ،‬ر�ضي اهلل عنه‪� ،‬أنه‬ ‫ك�ت��ب �إىل ��ص��اح��ب ال�سكك «�أي رئ�ي����س �أو‬ ‫مدير �إدارة امل��رور وال���س�ير»‪� ،‬أ ّال ي�سمحوا‬ ‫لأحد ب�إجلام دابته بلجام ثقيل‪ ،‬وال بنخ�سها‬ ‫مبقرعة يف �أ�سفلها حديدة‪ ،‬وكتب �أي�ض ًا �إىل‬ ‫عامله مب�صر‪«:‬بلغني �أن مب�صر �إب ًال ن ّقاالت‬ ‫ُيحمل على البعري منها �ألف رطل‪ ،‬ف�إذا �أتاك‬ ‫كتابي هذا‪ ،‬فال �أعرفن �أنه ُيحمل على البعري‬ ‫�أك�ث�ر م��ن �ستمائة رط ��ل»‪ ،‬و�أم ��ر املحت�سب‬ ‫«ال�شرطي» �أن مينع حتميل ال��دواب فوق ما‬ ‫تطيق‪� ،‬أو تعذيبها و�ضربها �أث�ن��اء ال�سري‪،‬‬ ‫ولديه ال�صالحية لت�أديب ومعاقبة من يراه‬

‫وقف بغلة شيخ األزهر‬ ‫استهدف توفير الدابة‬ ‫التي يركبها الشيخ‬ ‫ونفقاتها وعلفها‬

‫يفعل ذلك‪ .‬ويف جمال الطب مل يتف ّوق علماء‬ ‫امل�سلمني يف ميدان الطب الب�شري فح�سب‪،‬‬ ‫بل �شمل تف ّوقهم ميدان الطب البيطري‪ ،‬من‬ ‫باب االهتمام باحليوانات ورعايتها ال�صحية‬ ‫وتطبيبها‪ ،‬و�أ ّلفوا يف ذلك الكتب‪ ،‬وو�صفوا يف‬ ‫كتبهم احليوانات الرب ّية والبحر ّية‪ ،‬ودر�سوا‬ ‫ظواهر �سلوكها و�أمرا�ضها وبيئتها وعيوبها‬ ‫و�سالالتها وهجرتها‪ ،‬وتكاثرها وطبائعها‬ ‫ومنافعها‪ ،‬و�أل��وان�ه��ا وطعامها‪ ،‬وغرائبها‪،‬‬ ‫وما ي�ستح�سن منها‪ ،‬وحت ّدثوا عن التهجني‬ ‫وال��وراث��ة‪ ،‬وعالقة ال�صفات الع�ضو ّية بنوع‬ ‫ال�ن�ب��ات ال��ذي تتغذى عليه‪ ،‬وحت � ّدث��وا عن‬ ‫اجلغرافيا احليوان ّية‪ ،‬وقام امل�سلمون بتح�سني‬ ‫ن�سل احليوان‪ ،‬والعناية با�صطفاء ال�سالالت‬ ‫اجليدة القو ّية‪ ،‬مل�صلحة الإن�سان واحليوان‬ ‫مع ًا‪ ،‬وط ّبقوا ذلك على اخليول العرب ّية التي‬ ‫ال تزال حتتفظ ب�شهرتها و�أ�صالتها‬


‫إرهاصة‬ ‫‪130‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫الحضارة والوجود‬ ‫�أثناء‬

‫ت�صفحي لواحد من الكتب –ال �أذك��ره الآن‬ ‫ل�ل�أ��س��ف‪ -‬ورمب ��ا �أك ��ون م�ضطر ًا ملراجعة‬ ‫مكتبتي كلها من �أجل الو�صول �إليه‪ ،‬قر�أت تعريف ًا للح�ضارة‬ ‫على �أنها «التح�سن العميق يف �أحوال النا�س»‪ ،‬ا�ستوقفني‬ ‫هذا التعريف كثري ًا رغم �أن��ه على حد و�صف �أ�صدقائنا‬ ‫الأكادمييني ملثل هذه النوعية من التعريفات‪ ،‬لي�س جامع ًا‬ ‫وال مانع ًا‪ ،‬وبرغم ذلك فقد ا�ستوقفني و�أثار بداخلي رغبة‬ ‫�شديدة يف النب�ش يف تاريخ ذلك امل�صطلح الذي بات من‬ ‫كرثة ما رددناه �أو ا�ستمعنا �إليه خالي ًا من الروح‪ ،‬كالبيت‬ ‫الذي هجره �سكانه‪.‬‬ ‫وليد عالء الدين اعتدت‪ ،‬عندما ي�ستع�صي على ذائقتي م�صطلح عربي‪،‬‬ ‫�أن �أجل�أ �إىل �أ�صل الكلمة حماو ًال ا�ستعادة �أرواح �سكانها‬ ‫الأوائل‪ ،‬ه�ؤالء الذين نفخوا فيها الروح الأوىل التي �أك�سبتها‬ ‫معناها‪ ،‬ذلك املعنى الذي �سكن الكلمة وظل م�سافر ًا معها‬ ‫منذ �أن نحتها الأجداد �إىل �أن ا�ستقرت على �أل�سنتنا اليوم‪،‬‬ ‫وكلي ثقة يف �أن روح الكلمة الأ�صلية هي التي تنت�صر دائم ًا‪،‬‬ ‫و�إن مل تنت�صر وتتطابق مع املعنى امل�صطلحي الذي �أريد‬ ‫له �أن ي�سكنها‪ ،‬ف�إنني – غري �آ��س��ف‪� -‬أعترب امل�صطلح‬ ‫«ملبو�س ًا»‪ ،‬وامللبو�س من النا�س هو من تلب�سته اجلن فاختل‬ ‫نظامه‪ ،‬وامللبو�س من امل�صطلحات هو ما تلب�سته روح غري‬ ‫روحه ف�صار مائع ًا ال ي��ؤدي دور ًا ‪�-‬إال ب�شق الأنف�س‪ -‬يف‬ ‫�إي�صال الغر�ض منه‪.‬‬ ‫ارت�ب�ط��ت كلمة احل���ض��ر يف ال��ذائ �ق��ة ال�ع��رب�ي��ة بطريقة‬ ‫العي�ش‪ ،‬فكانت احلا�ضرة عك�س البادية‪ ،‬والبدوي عك�س‬ ‫احل�ضري‪ ،‬ولكن تلك جمرد حمطة مت�أخرة من حمطات‬ ‫الكلمة التاريخية‪ ،‬وال �شك يف �أن احل�ضور لغ ًة ي�سبق كثري ًا‬ ‫ا�شتقاق ذلك امل�صطلح‪ .‬ف�إذا كان احل�ضور �ضد الغيبة‪،‬‬ ‫فهل ميكن �أن نقول �إن البداوة مرادفة للغياب! يف احلقيقة‬ ‫ال ميكن �أن نقول ذلك‪ ،‬و�إن كان من املمكن قول العك�س‪،‬‬

‫�أي �أن احل�ضارة ت�ستلزم احل�ضور بينما البداوة ال ت�ستلزم‬ ‫الغياب‪ .‬ولكن عن �أي ح�ضور نتحدث؟‪.‬‬ ‫يف حماولة لتقدمي �إجابة �شافية لذلك الت�سا�ؤل ا�ستعر�ض‬ ‫الباحث ن�صر حممد ع��ارف جميع ا�شتقاقات مفردة‬ ‫«احل�ضارة» وخل�ص من ذلك �إىل �أنها ‪-‬كلها‪ -‬تدور يف‬ ‫فلك معنى «احل�ضور» و«ال�شهادة»‪ ،‬و�أن الإقامة يف احل�ضر‬ ‫لي�ست �إال واحدة من تلك الدالالت‪.‬‬ ‫هنا ينتقل ال�س�ؤال بنا خ��ارج اللفظة �إىل �شكل احل�ضور‬ ‫املق�صود‪ ،‬فما هو احل�ضور ال��ذي بتحققه ينطبق و�صف‬ ‫احل�ضارة؟ وهو �س�ؤال حظي ب�آالف االجتهادات يف حماولة‬ ‫للرد عليه‪ ،‬وتلخ�ص الدكتورة بتول جندية �أبرز �إجاباته يف‬ ‫عبارة بليغة‪« :‬احل�ضارة و�صف زائد على الوجود الثقايف‬ ‫للجماعة‪ ،‬يت�ضمن معنى التقدم‪ ،‬والتفوق النوعي والكمي‪،‬‬ ‫والإجناز على م�ستوى الواقع‪ ،‬ودرجة ملحوظة من الت�أثري‬ ‫يف املحيط التاريخي‪ ،‬وفعالية يف �صنع �أحداثه وتوجيهها؛‬ ‫فعالية قد ت�صل حد ت�شكيل منعطف ومف�صل م�شع فيه؛‬ ‫زمان ًيا ومكان ًيا»‪.‬‬ ‫فالعالمة الفارقة يف الفعل احل�ضاري �إذن هي «ح�ضور»‬ ‫امل�شهد التاريخي‪ ،‬مبعنى �شهوده وع��دم الغياب عنه بل‬ ‫ولعب دور فيه‪.‬‬ ‫وفق ًا لهذا املعنى ميكن تف�سري كيف �أن الكثري من املجتمعات‬ ‫الإن�سانية مرت يف تاريخ الب�شرية دون �أن يرتبط ا�سمها‬ ‫بح�ضارة تخ�صها‪ ،‬ذلك �أنها – على الرغم من �أنها كانت‬ ‫موجودة يف هذه الفرتة �أو تلك من التاريخ‪� -‬إال �أنها مل تكن‬ ‫«حا�ضرة»‪� ،‬أي �أنها اكتفت مبجرد «الوجود» دون احل�ضور‪،‬‬ ‫وعليه ف�إنه مهما كان نتاجها الذهني واملادي‪ ،‬فهو مل يرق‬ ‫�إىل �أن يكون «ح�ضارة» لأنه‪ ،‬بب�ساطة حادة ومرهفة‪ ،‬ثمة‬ ‫قانون ال ميكن اخرتاقه‪« :‬ال ح�ضارة لأمة اكتفت من احلياة‬ ‫مبجرد الوجود»‪.‬‬


‫على �ضوء هذه احلقيقة نا�صعة الو�ضوح �سوف يبدو جلي ًا ملن‬ ‫يراجع التاريخ �أن م�صطلح احل�ضارة ارتبط ب�أمم دون غريها‪،‬‬ ‫و�إذا كان ثمة ما ميكن مالحظته من قوا�سم م�شرتكة بني تلك‬ ‫الأمم ذوات احل�ضارات‪ ،‬فهو �أن كل �أم��ة امتلكت ح�ضارة‪،‬‬ ‫امتلكت قبلها فكرة مف�سرة للحياة‪ .‬فكرة حية خالقة‪ ،‬جامعة‪،‬‬ ‫تتكفل �أو ًال بتجويل ذلك املجتمع �إىل �أمة‪ ،‬ثم تدمغ كل منتج‬ ‫لتلك الأمة بدامغ يحمل خ�صو�صيتها الثقافية التي تنت�شر يف‬ ‫كافة خالياها فاعلة فعل الروح يف �أو�صال اجل�سد احل�ضاري‪.‬‬ ‫تبدو اخل�صو�صية الثقافية يف تواريخ الأمم ذوات احل�ضارات‪،‬‬ ‫املجمعة‪ ،‬القادرة على �ضبط �إيقاع ما يدور يف‬ ‫�أ�شبه بالنواة ِّ‬ ‫فلكها من �أ�شياء‪ ،‬ال مت�سخه‪ ،‬وال تن�سخه‪ ،‬ولكن تعيد ت�صنيفه‬ ‫وترتيبه و�ضبط �إيقاعه وتوجيهه بحيث ي��ؤدي دوره يف �إطار‬ ‫قوتها احلاكمة امل�سيطرة على الأداء الكلي‪ ،‬قوتها التي تر ُّق �إىل‬ ‫حد �أنها ال تبني‪ ،‬كي ال تخد�ش احلرية الفردية‪ ،‬حرية الأفراد‬ ‫يف الإبداع والتجلي‪ ،‬وحني يكتمل در الفرد يف �إبداعه اخلا�ص‬ ‫ي�أتي دوره��ا يف �صياغة هذا التجلي الفردي �ضمن الت�صور‬

‫الكلي للمنظومة التي ت��دي��ره��ا‪ ،‬منظومة العمل‪ ،‬منظومة‬ ‫الأخ�لاق‪ ،‬منظومة العادات والتقاليد‪ ،‬منظومة املثل العليا‪،‬‬ ‫منظومة القيم‪... ،‬وغريها من منظومات حاكمة‪ ،‬لي�س حكم‬ ‫البط�ش والتهديد و�إمنا حكم الإميان الناجت عن منطقية الطرح‬ ‫وموافقته للمنطق‪ ،‬وحكم االقتناع الناجت عن معاينة الأثر الذي‬ ‫يدفع اجلميع �إىل ا�ستكمال العمل والإبداع والإ�ضافة‪.‬‬ ‫هذه اخل�صو�صية هي بب�ساطة «فكرة»‪ ،‬وتاريخ احل�ضارات �إمنا‬ ‫هو تاريخ تلك الأفكار احلية التي جنحت يف مللمة �شتات الكون‬ ‫وتقدميه للإن�سان فيما ي�شبه اخلريطة التي ميكنه العمل على‬ ‫هديها ليتجلى عمله يف كافة تفا�صيل احلياة‪.‬‬ ‫عندما تخلو الأمة من فكرة جتمع �شتاتها‪ ،‬ف�إن كل جهودها‬ ‫تذهب هبا ًء‪ ،‬لغياب النواة امل�ستقطبة التي متنح العن�صر الفرد‬ ‫ماهيته الفارقة بانتظامه ال�صحيح �ضمن منظومة العنا�صر‬ ‫الأخ��رى‪ ،‬عندما تخلو الأم��ة من فكرة ت�صبح �أم��ة موجودة‬ ‫وح�سب‪ ،‬ولي�ست �أمة حا�ضرة‪ ،‬بينما �سجل التاريخ لي�س �سجل‬ ‫وجود وعدم وجود‪� ،‬إمنا هو �سجل ح�ضور وعدم ح�ضور‬


‫أنثروبولوجيا‬ ‫‪132‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫بني الإباحة والإدانة‬

‫وح‪..‬‬ ‫ل َ ْبل ُ ْ‬

‫عادة تسمين‬ ‫نساء الصحراء‬


‫ابراهيم احل َ ْي�سن‬

‫باحث يف الرتاث الثقايف ال�صحراوي «املغرب»‬

‫وفقاً للطقو�س الأنرثوبولوجية عند بدو ال�صحراء بجنوب املغرب‬ ‫وموريتانيا وال�صحراء الغربية‪ ،‬تعد فرتة ما قبل الزواج يف حياة الفتاة‬ ‫�أ�سا�سية ومليئة بالعديد من اخل�صو�صيات التي يحكمها نظام الرتبية‬ ‫و�سلطة الأ�سرة ودور الأم يف التوجيه وتعلم �ش�ؤون البيت‪ ،‬من طبخ وغ�سيل‬ ‫«ا�س ْر َح» وجلب املاء وجمع احلطب‪..‬‬ ‫واالعتناء بالإخوة ال�صغار‪ ،‬ف�ضال عن امل�ساعدة يف الرعي َّ‬ ‫وغري ذلك من الأ�شغال التي يقت�ضيها العي�ش ببادية ال�صحراء‪.‬‬ ‫خ�ل�ال ب��داي��ة ه��ذه ال �ف�ترة‪ ،‬ت�ك��ون الفتاة‬ ‫�صغرية تق�ضي �أوقاتها يف اللعب‪ ،‬لكنها حني‬ ‫تكرب تبد�أ يف لفت �أنظار الرجال الأمر الذي‬ ‫ي�ستدعي �أخذ املزيد من احل��ذر‪ ،‬وال�سيما‬ ‫من قبل الأم التي تراقب كل �سلوكياتها‬ ‫وحتركاتها‪ ،‬يف حني يرافق الولد �أب��اه يف‬ ‫خمتلف �أ�شغاله خارج البيت «اخليمة»‪.‬‬ ‫كما حتظى الفتاة ‪-‬خ�لال نف�س الفرتة‪-‬‬ ‫ب�ع�ن��اي��ة خ��ا� �ص��ة‪ ،‬بحيث ي�ت��م ال�ت�ف�ك�ير يف‬ ‫�إع ��داده ��ا ل �ل��زواج بتزيينها وت�سمينها‬ ‫وتوجيهها و�شحنها بالن�صائح و�إخ�ضاع كل‬ ‫حتركاتها للمراقبة‪ .‬تت ّزين الفتاة ب�أ�ساليب‬ ‫ت �ت�لاءم م��ع ع�م��ره��ا‪ ،‬في�صفف �شعرها‬ ‫بال ّزكرار(‪ )1‬ولفريزي وال َك َّ�صة املعروفة‬ ‫ب��ـ«��َ�س��انَ َم�� ��انَ »‪ ،‬وه ��ي ��ض�ف��ائ��ر خا�صة‬ ‫بالفتيات‪ ،‬لكن يف نف�س ال��وق��ت يحظر‬ ‫عليها و�ضع الكحلة(‪ )2‬وال���س��واك «زينة‬ ‫العني والفم»‪ ،‬مثلما مينع عليها التعطر‬ ‫ب�سبب االعتقاد ال�شعبي ال�شائع بجلب‬ ‫ال�شياطني‪ .‬وي�سمح لها بو�ضع احلناء على‬ ‫اليدين فقط‪.‬‬ ‫وك�ث�ير ًا ما يرتبط ه��ذا النوع من التز ّين‬ ‫مبنا�سبات الأعياد والأعرا�س‪ ،‬وهو طق�س‬ ‫�شعبي يتم يف �إطار جماعي ي�س ّمى «�أ ْب َرازْ»‬ ‫ي�سوده التناف�س الختيار الفتاة الأجمل‬ ‫ال�ت��ي يطلق عليها ال���ص�ح��راوي��ون تعبري‬ ‫َ‬ ‫ا�س ال ْن َع َامة»‪.‬‬ ‫«�شا ْي َلة َر ْ‬

‫ع ُّد السمنة بالصحراء‬ ‫تُ َ‬ ‫تعبير ًا عن الرفاه وعن‬ ‫المكانة االقتصادية‬ ‫للنساء ويعبّرون عن‬ ‫ذلك بقولهم الشعبي‪:‬‬ ‫ك ْد َ‬ ‫ت ل َ ْمر َ َ‬ ‫َ‬ ‫ها»‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫ك ْع َد ْت َ‬ ‫«ك ْل َ‬ ‫أي أن كلمة المرأة تظل‬ ‫مسموعة بقدر سمنتها‬ ‫و ُت َع ُّد ال�سمنة بال�صحراء تعبري ًا عن الرفاه‬ ‫وع��ن املكانة االقت�صادية للن�ساء‪ ،‬حيث‬ ‫يعبرّ ون عن ذلك بقولهم ال�شعبي‪َ «:‬ك ْل َم ْت‬ ‫لمَ ْ � َر َك� ْ�د َك ْع َد ْت َها»‪� ،‬أي �أن كلمة امل��ر�أة تظل‬ ‫م�سموعة بقدر �سمنتها‪ .‬و�أي�ضا‪َ « :‬ت ْك َب ْظ َمنْ‬ ‫لخَ ْ ْ‬ ‫الك �أَ ْل َت ْك َب ْظ َمنْ َل ْف َر ْ‬ ‫ا�ش»‪ ،‬وهو تقدير‬ ‫ني َك ْل َم ْت َه‬ ‫«ا�سمِ َ‬ ‫متالزم مع حجم بدنها‪ .‬ثم‪ْ :‬‬ ‫ْام ِتنيَ» «�سمينة وكلمتها متينة»‪� ،‬أن للمر�أة‬ ‫ال�ب��دي�ن��ة وامل�ك�ت�ن��زة وزن داخ ��ل املجتمع‬ ‫وك�لام �ه��ا م���س�م��وع وم� ��أخ ��وذ ب��ه داخ��ل‬ ‫العالقات االجتماعية‪.‬‬ ‫وقد ُعرف عن بدو‬ ‫ال���ص�ح��راء حبهم‬ ‫ل�ل�غ�ل��ظ وال���س�م�ن��ة‬ ‫واالم��ت�ل�اء والثقل‬ ‫يف �أع� ��� �ض ��اء ج���س��د‬ ‫امل��ر�أة‪ ،‬وكانوا ينظرون‬

‫�إىل ن�سوانهم من خالل دنيا البعري واخليل‬ ‫ت���ش� ُّب�ه� ًا وا� �س �ت �ع��ارةً‪ ،‬وال �أدل ع�ل��ى ذل��ك‬ ‫ا�ستعمالهم لبع�ض الأو��ص��اف والكنايات‬ ‫و�إطالقها على املواليد الإن��اث ك�أو�صاف‬ ‫عيون اخليل‪ :‬جنالء وكحالء وت�صغريهما‬ ‫نجْ َ ْي َلة و َل ْك َح ْي َلة‪�...‬إلخ‪ .‬يقال‪ :‬عني‪ :‬جنل‬ ‫العيون‪ ،‬جمع عيناء‪ ،‬والنجل �سعة العني‪،‬‬ ‫ي�شبهن بي�ض النعام امل�صون من الغبار‬ ‫ونحوه يف ال�صفاء والبيا�ض املخلوط ب�أدنى‬ ‫�صفرة‪ ،‬ف�إن ذلك �أح�سن �ألوان الأبدان(‪.)3‬‬ ‫م��ن ث ��م‪ ،‬ت�ظ��ل امل� ��ر�أة ال�ن�ح�ي�ف��ة م�ن�ب��وذة‬ ‫ومدعاة للم�س من كرامة زوجها‪ ،‬وتنعت‬ ‫بتعبريات و�أمثلة �شعبية ُّ‬ ‫حتط من مكانتها‬ ‫م��ن قبيل «ا ْن � َو ْي � َك� ْ�ظ» ْك�ل َا ْم � َه َم َي ْن ْ�س َم ْع‪،‬‬ ‫وه��و تعبري ي�ستطرد دلي ًال على ا�ستهانة‬ ‫املجتمع للفتاة العجفاء‪ ،‬بحيث ال مكانة‬


‫أنثروبولوجيا‬ ‫‪134‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫منذ �سن مبك ّرِة يتم تدريب الفتيات يف ال�صحراء على �إعداد الأ�رشبة والأطعمة‬

‫لها يف ن�ظ��رت��ه‪ .‬ف�ه��ذا امل�ث��ل ُي�ق��ال مبالغة‬ ‫«�أَ ْن َك ْط ُه ْم»‪ ،‬مبعنى �أ�ش ُّدهم ه��زا ًال‪ ،‬كما يف‬ ‫قول ال�شاعر(‪:)4‬‬

‫اح� � � ْ�ل‬ ‫َذا َن َم��ا�� ِ�ش �ـ��ي َع � ْن �ـ �ـ �ـ � ُك � ْم َر َ‬ ‫َب ْن َو ْي َكــاتْ (‪ )5‬حِ � �ـ� �ـ� �ـ� � ِّي � ْ�ل مِ � � ِّي � ْ�ل‬ ‫�اح� ْ�ل‬ ‫َي��خْ � َي��ا ْر اخْ � � َي ��ا ْر �أَهْ � � ْ�ل ال ��� َّ�س� َ‬ ‫َوا ْن � � َك � ْ�ط � � ُه � �ـ � � ْم حِ � � �ي� � � َ�رانْ (‪ْ )6‬وعِ � � ِّي� � ْ�ل‬

‫لذلك‪ ،‬وخالل مرحلة مهمة من البلوغ متتد‬ ‫ما بني ال�سابعة والرابعة ع�شر من العمر‪،‬‬ ‫ت�ستفيد الفتيات ال�صحراويات من عملية‬ ‫لوح ‪ ،Gavage‬وهو عملية تهيئة و�إعداد‬ ‫َل ْب ْ‬ ‫الفتاة للزواج من طرف �أمها �ضمن �شعائر‬ ‫جت�س امتثال ج�سد‬ ‫وطقو�س غذائية حملية ِّ‬ ‫الأنثى لقيم وعادات القبيلة(‪.)7‬‬

‫ُيفر�ض على الفتاة امل�ؤهلة للزواج ا�ستهالك‬ ‫كميات كبرية مقدرة من الأل�ب��ان الطرية‬ ‫غري املمزوجة باملاء كما هو احلال بالن�سبة‬ ‫ـ«ا�ش ِننيْ»(‪� ، )8‬أو«ا ْزر ْ‬ ‫ل ْ‬ ‫ِيك»(‪ ، )9‬ف�ض ًال عن‬ ‫الدهون ال�صافية على امتداد ليال معينة‬ ‫و�أك� ��ل ق ��در ك�ب�ير م��ن ال �ل �ح��وم والأط �ع �م��ة‬ ‫املح�ضرة ن�ه��ار ًا‪ ،‬و ُت�ع��رف عملية الإرغ��ام‬ ‫ه��ذه ب�ـ«ال� ّل� ْي� ِل�ي��ة»‪ .‬ويف ح��االت الرف�ض �أو‬ ‫االمتناع‪ ،‬تتع َّر�ض الفتاة لل�ضرب والعنف‬ ‫من طرف و�صيفة ت�سند �إليها هذه املهمة‪.‬‬

‫يستمر غذاء الفتاة‬ ‫وح» القسري لفترة‬ ‫«ل َ ْبل ُ ْ‬ ‫تزيد عن األربعين يوم ًا‬ ‫حتى يكتنز جسدها‬ ‫ويمتلئ لدرجة تظهر‬ ‫�صرامة النظام الغذائي‬ ‫من خ�صو�صيات هذا الطق�س « َلبلوح» �أن عليه عالمات تسمى‬ ‫ْ ْ‬ ‫ط َ‬ ‫بالحسانية «ل َ ْب َ‬ ‫ط» أو‬ ‫ّ‬ ‫التَّ ْب َ‬ ‫ط ْ‬ ‫اط والتّجراح‬

‫وتُ�ستعمل يف ذل��ك ع��دة �أ��س��ال�ي��ب عنيفة‬ ‫لإرغام الفتاة على ال�شرب والأكل من بينها‬ ‫�آلة ت�س ّمى «ا َز َّي��ا ْر» م�صنوعة من ق�ضيبني‬ ‫خ�شبيني يحزم ر�أ�ساهما بجلد رقيق وي�ش ّد‬ ‫بهما �أ�صبع الفتاة كلما امتنعت عن الأكل‬ ‫�أو ال�شرب‪� ،‬أو تكا�سلت �أو اختلقت الأعذار‬ ‫لذلك‪ ،‬ومن �أ�ساليبهم يف الإكراه والإرغام‬ ‫ا�ص َبع» «تك�سري الأ�صبع»‪،‬‬ ‫�أي�ضا «ا ْك ِ�ص ْري ْ‬ ‫و«ا ْن� ِت�ي� ْ�ف ال� َغ� َّ�ظ��ا َب��ة» «نتف �شعر الرقبة»‪،‬‬ ‫و«لمَ ْ َد َّكة»‪ ،‬وهي جعل مدق على �ساق الفتاة‬ ‫وال�ضغط عليه لإ�صابتها بالأمل‪..‬ف�ضال عن‬ ‫وح‬ ‫تهديدها ب�شرب ما قد تتق َّي�أه‪ .‬وخالل َل ْب ُل ْ‬ ‫متنع ملْ َب ْل َحة من امل�شي حتى يتب ّلد حلمها‬ ‫ويتعاظم �شحمها ويزداد وزنها‪.‬‬ ‫وح‪ ،‬تظهر تدريجيا عدة‬ ‫�أثناء التعاطي ل َل ْب ُل ْ‬ ‫ع�لام��ات و�أو� �ص��اف ت��دل على �أن ملْ َب ْل َحة‬ ‫�شرعت بالفعل يف االكتناز �أول�ه��ا مرحلة‬ ‫تعرف فيها ملْ َب ْل َحة با�سم «امحْ َ برَ ْ َطة» وفيها‬ ‫تكون ال�سمنة يف بدايتها خ�صو�ص ًا على‬


‫م�ستوى �سحنات الوجه‪ ،‬ويف املرحلة الثانية‬ ‫يدعونها «نادية» بعد بروز �سمنة متفرقة‬ ‫على �أنحاء اجل�سد‪ .‬بينما ت�س ّمى ملْ َب ْل َحة‬ ‫ـ«مت َْحا ْو ِ�صي ْن َها‬ ‫خ�لال املرحلة الثالثة ب َ‬ ‫َل ْع َظ ْام»‪� ،‬أي بعد ظهور طبقات من ال�شحم‬ ‫واللحم يف البنية اجل�سمانية لها وعلى‬ ‫الأخ����ص ناحية الأط ��راف وال��ورك�ين‪� ،‬أما‬ ‫ـ«ام � َغ�ْبررْ َ ة»‪� ،‬أي‬ ‫املرحلة الرابعة فت�س ّمى ب � ْ‬ ‫منتفخة ومكتنزة بالكامل‪ .‬وختاما مرحلة‬ ‫خام�سة تُع َرف فيها ملْ َب ْل َحة بـ«لمْ َ ْفتُو َلة» دليل‬ ‫على بلوغ الهدف املن�شود‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وق��د يذبح الأه��ل ج��دي� ًا �سمينا يو�ضع يف‬ ‫املاء حتى يطبخ ت�أكله لمَ ْ َب ْل َحة على فرتات‬ ‫متقاربة وت�شرب مرقه على التو‪ ،‬وي�س ّمون‬ ‫ـ«�س ْم َب ْل َوه»‪ .‬ثم ت�ضاف عليه‬ ‫هذه العملية ب َ‬ ‫زب��دة الغنم �أو املاعز «الد�سم‪ -‬الدهن»‬ ‫وجترب الفتاة على تناول �أك�بر كمية منه‪.‬‬

‫نص بعض العلماء‬ ‫على حرمة هذا الشكل‬ ‫من أشكال التجميل لما‬ ‫يترتب عليه من فساد‬ ‫للطعام وإهانة النفس‬ ‫بينما رأى البعض اآلخر‬ ‫جوازه بل ضرورته‬ ‫ف�م��ن ع��ادات �ه��ن ال � َّت �ب�لاح «ال�ت���س�م�ين» يف‬ ‫�سن ال�صبوية حتى يتفتق ج�سدها و�شي ًا‬ ‫وي�ستح�سن عندهم �إظ �ه��ار امل�ح� ّب��ة لهن‬ ‫والرغبة فيهن ويقولون يف ذلك مثال‪« :‬هُ نَّ‬ ‫عمائم الأجواد ونعائل الأنذال»(‪ .)10‬وهذا‬ ‫يج�سد قيمة امل��ر�أة داخ��ل املجتمع‪،‬‬ ‫املثل ِّ‬ ‫ال��س�ي�م��ا يف ع�لاق�ت�ه��ا ب��ال��رج��ل‪ ،‬ذل��ك �أن‬ ‫معاملة الرجل احل�سنة لها هي التي جتعله‬ ‫من الأج ��واد واملحمودين‪� .‬أم��ا �إذا كانت‬ ‫معاملته لها �سيئة‪ ،‬فذاك ّ‬ ‫يحط من قيمته‬ ‫ويجعله يف م��رت�ب��ة ال� ��دواب واحل �ي��وان��ات‬

‫وح �شعرية الإن�ضاج اجل�سماين والت�أهيل للزواج‬ ‫ل َ ْبل ُ ْ‬

‫البهيمة‪.‬‬

‫وح املعا�صر‬ ‫َل ْب ُل ْ‬

‫وح‬ ‫يف الوقت احل��ايل‪� ،‬أ�صبحت عملية َل ْب ُل ْ‬ ‫تتم عن طريق تناول املعجون‪ ،‬وهو عبارة‬ ‫عن خليط من التمر و ُل�� ْو َد ْك «�سنم الإبل‬ ‫م��ذاب��ا»و َك� ْر َت��ه‪ /‬ك��اوك��او و َت��ا ْر َي��ا َل� ْ�ت‪ /‬نبات‬ ‫بلون �أبي�ض ي�صري �أ�سود بعد طهيه‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إىل نبتة لبثينة‪ .‬وقد ي�ستعمل لذات الغاية‬ ‫�وح» ال َب ْل ْغ َمانْ (‪ )11‬امل��دع��م بال�سكر‬ ‫« َل � ْب � ُل� ْ‬ ‫والدهن وم�شروب ا ْزر ْ‬ ‫ِيك‪� ،‬إىل جانب تناول‬ ‫َ‬ ‫نوع من الك�سك�س ي�س ّمى « َك ْ�سك ْ�س ال َغ َّبة»‪،‬‬ ‫وه��و عبارة عن ك�سك�س طبيعي خ��ال من‬ ‫املرقة‪ /‬ال�صل�صة ويدهن « ُي� � َر َّو ْح» بزيت‬ ‫الزيتون «زيت العود»‪ ،‬والأف�ضل �أن يدهن‬ ‫بال�سمن ويطبخ هذا الك�سك�س على ثالث‬


‫أنثروبولوجيا‬ ‫‪136‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫ال�شاي م�رشوب يومي ترافقه الكثري من الطقو�س االحتفالية بح�ضور الن�ساء‬

‫م��راح��ل‪� ،‬أي ُي � َف � َّو ْر ثلث ط�ل�ع��ات‪ .‬ي�ستمر‬ ‫�وح» على ه��ذه ال��وت�يرة‬ ‫غ��ذاء ال�ف�ت��اة « َل � ْب � ُل� ْ‬ ‫لفرتة طويلة‪ -‬تزيد ع��ن الأرب �ع�ين يوما‪-‬‬ ‫حتى يكتنز ج�سدها وميتلئ لدرجة تظهر‬ ‫باحل�سانية «اللهجة‬ ‫عليه عالمات ت�سمى‬ ‫ّ‬ ‫ال��رئ�ي���س��ة ل�ل���ص�ح��راوي�ين» « َل� � ْب � َ�ط � َ�ط»‪� ،‬أو‬ ‫ال َّت ْب َط ْ‬ ‫اط والتّجراح‪ ،‬وهي ت�شققات �صغرية‬ ‫ت�صيب اجل�سد ناحية ال��رج�ل�ين‪� .‬آن��ذاك‬ ‫تكتمل �سمنة ال�ف�ت��اة وت�ت�ح��ول �إىل مركز‬ ‫عندما تكتنز الفتاة‬ ‫اهتمام و�إغراء الرجال‪.‬‬

‫بع�ض العلماء على حرمة ه��ذا ال�شكل من‬ ‫�أ�شكال التجميل ملا يرتتب عليه من ف�ساد‬ ‫للطعام و�إهانة النف�س حتى �أن بع�ض علماء‬ ‫ال�صحراء �أفتوا مبنعه مثل ب��اب بن حممد‬ ‫بن حمدي «ت‪1316 .‬هـ‪� .».‬أما ال�شيخ حممد‬ ‫املامي بن البخاري‪ ،‬فقال بجوازه معترب ًا �إياه‬ ‫�ضروري ًا لإ�صالح بدن الفتاة وتهيئتها للزواج‪،‬‬

‫ويقول‪ :‬ال َّت ْب َال ْح الذي فيه دفق اللنب فيلحق‬ ‫باحلاجي مكمله يف هذه وقيا�س ًا على ا�ستعمال‬ ‫ِّ‬ ‫الطعام يف العادات كبل خمر بالن�شاء و�إ�صالح‬ ‫اجللود باللنب للحاجة ف�إ�صالح الأبدان ب�ضياع‬ ‫بع�ض اللنب �أَ ْولىَ ‪ ،‬لأن الأمور مبقا�صدها‪ ،‬وهذه‬ ‫من العادة القدمية ف�ست�صحب ا�ست�صحاب ًا‬ ‫مقلوب ًا �إىل الزمن املعترب يف �شرعنا �أو �شرع‬ ‫من قبلنا وكالهما كاف‪ .‬ودليل �أنها من العادة‬ ‫القدمية قول ال�شاعر(‪:)12‬‬

‫ح��وراء باكرها النعيم ف�صاغها‬ ‫ب �ل �ب �ـ �ـ �ـ �ـ��ان��ه ف ��أدق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ه��ا و�أج �ل �ـ �ـ �ه��ا‬

‫وتكتمل أنوثتها‬ ‫بني الإباحة والإدانة‬ ‫وح»‪ ،‬يطلق‬ ‫بفعل «ل َ ْبل ُ ْ‬ ‫الفتاة‬ ‫ت�سمني‬ ‫هو‬ ‫تقدم‪،‬‬ ‫وعندما تكتنز الفتاة وتكتمل �أنوثتها‬ ‫وح‪ ،‬ف�ض ًال عن ما َّ‬ ‫َل ْب ُل ْ‬ ‫الصحراويون عليها‬ ‫�وح»‪ ،‬يطلق ال���ص�ح��راوي��ون‬ ‫املعروف عند �شعوب ال�صحراء‪ ،‬وذلك لتظهر أوصاف ًا كثيرة ويعتبرونها بفعل « َل�� ْب�� ُل� ْ‬ ‫عليها ت�سميات و�أو�صاف كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫بج�سم الئق تكون به حمل احرتام‪ .‬وقد ن�ص‬ ‫آنذاك مركز اهتمام‬ ‫وإغراء الرجال‬


‫�ان‪،‬‬ ‫�ادت غليظة‪ ،‬ما�شية ْو َت��زْ ي� ْ‬ ‫ْم َب َّط‪ ،‬ع� ْ‬ ‫ظام‬ ‫ْز َي��ا َن� ْ�ت‪ ،‬ع��ا َد ْت ْف� َق��د ْر‬ ‫ْ‬ ‫لعليات‪َ ،‬ل ْع ْ‬ ‫َمتْحا ْو�صينها‪َ ،‬را ْف� َ�دة اللحم‪ ،‬وا ْكفَة‪،‬‬ ‫�ان‪�..‬إل��خ‪.‬‬ ‫َر�شْ َكتها َز ْي �ن��ة‪ْ ،‬وجهها َن � ْك �ع� ْ‬ ‫لكن ال�صحراويني عك�س ذلك ينبذون‬ ‫كما قلنا‪ -‬الن�ساء املهازل والنحيالت‬‫وي�صفوهن ب�أو�صاف �شعبية قدحية‪ ،‬يف‬ ‫مقابل البع�ض القليل مم��ن يتجنَّبون‬ ‫ال�سمنة‪ ،‬وي�ع�ّب�رّ ون عن ذل��ك بكالمهم‬ ‫ُّ‬ ‫ال�شعبي‪« :‬دي� ْ�ر �أَ ْي � َ�د ْك َف� ْك�ل َا َّت��ك»‪� ،‬أي‪:‬‬ ‫�ضع يدك يف قالدتك‪.‬‬

‫الت�سمني يف الأمثال ال�شعبية‬

‫وح والتّ�سمني يف جمموعة من‬ ‫ح�ضر َل ْب ُل ْ‬ ‫احل�سانية‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫الأمثال ال�شعبية‬ ‫ّ‬ ‫وم ْع َل ا ْكفَا َه‪ :‬تقوم اعتماد ًا على‬ ‫ ا ْت ُك ْ‬‫�أكفافها‪ .‬ي�ضرب مبالغة يف �سمنة املر�أة‬ ‫و�ضخامة حو�ضها وفخذيها‪.‬‬ ‫ َ�س ْح َو ْت لمَ ْ َب ْل َح‪ :‬ا�ستحياء «لمَ ْ َب ْل َح»‪ ،‬وهي‬‫الفتاة ال�ت��ي تتع ّر�ض لعملية ت�سمني‪.‬‬ ‫وامل�ع�ن��ى �أن �ه��ا جتتهد يف ��س�ت ِر وجهها‬ ‫« َت ْتغ َْمبرَ ْ » على ح�ساب بقية �أع�ضائها‪.‬‬ ‫ي�ضرب فيمن يفعل ما ال ينا�سب ق�صده‪.‬‬ ‫ويقال �أي�ض ًا‪َ :‬تغ َْم ُبو َر ْت لمَ ْ َب ْل َح‪ :‬مثل تل ّثم‬ ‫املُ َب َّلحة‪ .‬واملُ َب َّلحة‪ :‬الفتاة ت�س َّمن‪ ،‬وذلك‬ ‫�أنها مل ت�ت��د َّرب على �ضبط مالب�سها‪.‬‬ ‫ف� ��إذا ر�أت م��ن ت�ستحيي م�ن��ه �أخ�ف��ت‬ ‫وج�ه�ه��ا « َت � ْت � َغ� ْ�م�َب�رَ ْ »‪ ،‬فيظهر عجزها‪.‬‬ ‫يتمثل ملن ي�ضع الأمور يف غري حملها‪.‬‬ ‫اج ْل‪ :‬ما ي�سمن‬ ‫ ال ّلي ْي َب َّل ْح ْم َر ْي َع َّي ْ�ش َر َ‬‫ام��ر�أة يغذي رج�ل ًا‪ .‬يعك�س ه��ذا املثل‬ ‫ن�ظ��رة املجتمع للرجل وامل� ��ر�أة وكونه‬ ‫� ّ‬ ‫أخف منها تكلفة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫�سمن كهلة جتد‬ ‫ َ�س َّم ْن َك ْهل ات َْر َ�شا َّبه‪ِّ :‬‬‫�شابة‪ .‬ي�ضرب لأهمية ال�سمنة وكونها‬ ‫حت ّول العجوز �إىل فتاة‪.‬‬ ‫ � ِّأم��ي ْت� َب� َّل� ْ�ح� ِ�ن ْب�� ِ��ش� ْ�ر� ِ��ش� ْ�م‪َ ،‬ت � ْو َك� ْ�ل َح� ُّ�ب‬‫ْو َت ْعطِ ينِي َما ْه‪� :‬أمي ت�س ّمنني بامل�صلوق‬ ‫ت�أكل ح َّبه وت�سقيني م��اءه‪ .‬ي�ضرب ملن‬ ‫يتظاهر ب�أنه يريد لك اخلري وهو يريده‬ ‫لنف�سه‬

‫الهوام�ش‪:‬‬ ‫‪ - 1‬يق�صد ب �ـ«ال � ّزك��رار» ت��رك و�سط ال��ر�أ���س‬ ‫وح�لاق��ة ب��اق��ي امل �ن��اط��ق ف �ي��ه‪ ،‬وب �ـ«ل �ف��ري��زي»‬ ‫ت��رك الأم��ام��ي م��ن ال��ر�أ���س وح�لاق��ة الباقي‪،‬‬ ‫ـ«الك�صة» نق�ص الأمامي وترك اخللفي من‬ ‫وب َّ‬ ‫ال�شعر يف �شكل �ضفائر ت�س ّمى «�سانَ مانَ »‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الكحلة‪ :‬م��ن و��س��ائ��ل ال��زي�ن��ة التقليدية‬ ‫بال�صحراء‪.‬‬ ‫‪ - 3‬بهجة النظر يف بيان م��ا يتعلق بامل�ؤنث‬ ‫واملذكر‪ /‬م‪ .‬م‪�« .‬ص‪.»101 .‬‬ ‫‪ - 4‬حممد بن ُبتَّار بن ُّ‬ ‫الطلبة‪ :‬ال�شعر املوريتاين‬ ‫امل�ل�ح��ون « َل�� ْغ��نَ »‪ -‬خ �ط��وة‪ ..‬نحو االكت�شاف‪،‬‬ ‫من�شورات مركز جنيبويه للمخطوطات وخدمة‬ ‫الترُّ اث‪ /‬القاهرة ‪�« 2010‬ص‪.»39 .‬‬ ‫‪ْ - 5‬ن َو ْي َكاتْ ‪ :‬ت�صغري ناقات «�أو نوق»‪.‬‬ ‫‪ِ - 6‬ح َريانْ ‪ :‬ج‪ْ .‬ح َوا ْر‪ ،‬وهو ولد الناقة‪.‬‬ ‫‪Ahmedou : - 7‬‬

‫‪Ould‬‬

‫‪Ghassem‬‬

‫‪.Eléments pour une symbolique maure‬‬ ‫‪L’Harmattan, Paris, 2001 (p. 144 -‬‬

‫املمزوج باملاء وال�سكر» لي�س ب�سبب اقت�صادهم‬ ‫على م��ادة ال�ل�بن‪ ،‬و�إمن ��ا ظنا منهم �أن هذه‬ ‫الطريقة ت�ساعد على تذويب وتقلي�ص درجة‬ ‫الفيتامينات‪.‬‬ ‫‪ - 10‬املختار بن حامدٌ‪ :‬حياة موريتانيا «احلياة‬ ‫الثقافية»‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪�« 1990 ،‬ص‪.‬‬ ‫‪.»180‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ـ«لوك ْيل لكحل»‬ ‫ب‬ ‫أي�ضا‬ ‫�‬ ‫ى‬ ‫م‬ ‫ي�س‬ ‫‪:‬‬ ‫م‬ ‫غ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ال‬ ‫انْ‬ ‫ِ‬ ‫‪َ َ - 11‬‬ ‫ّ‬ ‫«الأك ��ل الأ� �س��ود» و ُي�ع��رف يف موريتانيا با�سم‬ ‫«ال�سويقْ »‪ ،‬وهو من �أ�شهر الأك�لات و�أي�سرها‬ ‫ْ‬ ‫بال�صحراء �إعدادا وتهييئا‪ ،‬حيث تقوم الن�ساء‬ ‫بتنظيف ال�شعري من ال�شوائب «�إ َن ُّكو ال��زرع»‪،‬‬ ‫وبعد �أن ينتهني من هذه العملية يقمن بطحنه‬ ‫يف الرحي وغربلته ليتح ّول من �شعري �إىل دقيق‬ ‫ي�س ّمى «ملكلي»‪ .‬ومن �أجل �أن يتحول املكلي �إىل‬ ‫بلغمان «الأكلة» يقمن بتح�ضري كمية خمتارة‬ ‫من دقيق ال�شعري وخلطها مع قدر مالئم من‬ ‫املاء املغلي جيدا واملحلى بقليل من ال�سكر‪ ،‬وقد‬ ‫تتم عملية اخللط واملزج بوا�سطة عود �سميك‬ ‫يف �شكل دبو�س َ«م ْ�ص َعا ْد»‪� ،‬سواء ب�إزالة �آو عدم‬ ‫�إزالة املاعون‪�/‬إناء الطبخ من فوق النار‪ .‬وبعد‬ ‫ذلك تو�ضع بو�سطه الزبدة �أو الدهن «وفق ما‬ ‫هو متوفر»‪.‬‬ ‫ون���ش�ير يف ه��ذا ال ��ّ��ص��دد �إىل �أن ه�ن��اك من‬ ‫ال�صحراويني من يكتفي با�ستهالك البلغمان‬ ‫على هذا ال�شكل‪ ،‬ومنهم من ي�ضيف عليه اللنب‬ ‫«باملزج» وهي �أف�ضل طريقة لتناول هذا اللون‬ ‫الغذائي ال�شعبي بال�صحراء‪.‬‬ ‫‪ - 12‬كتاب البادية لل�شيخ حممد املامي بن‬ ‫ال �ب �خ��اري «� ��ص‪ ،»24 .‬وه��و خم �ط��وط مكون‬ ‫من جز�أين‪ ،‬ي�س ّمى الأول منهما التلميات �أو‬ ‫البادية‪ ،‬والثاين جمان كتاب البادية‪ .‬املخطوط‬ ‫موجود مبكتبة يحيى ولد الرباء‪ -‬نواك�شوط‪.‬‬ ‫�وح‬ ‫م��زي��د م ��ن ال �ت��و� �س��ع يف م��و� �ض��وع « َل� � ْب� � ُل � ْ‬ ‫بال�صحراء»‪ُ ،‬يرجى الإطالع على البحث القيم‬ ‫الذي �أجنزته الباحثة املوريتانية �أم كلثوم بنت‬ ‫الغالوي بعنوان‪�«:‬أثاث وزينة املر�أة ال�شنقيطية‬ ‫يف ال �ق��رن ال��راب��ع ع���ش��ر ال �ه �ج��ري»‪ ،‬وذل��ك‬ ‫لنيل امليرتيز يف العلوم ال�شرعية‪ -‬املعهد‬

‫‪145).‬‬ ‫‪ْ -8‬‬ ‫ا�ش ِننيْ‪ :‬عندما تكون ن�سبة املاء �أكرث من‬ ‫اللنب �س ّمي امل�شروب ب ْ‬ ‫ـ«ا�ش ِننيْ»‪ .‬يف ذات ال�سياق‪،‬‬ ‫ال�ض ْي ُح َّ‬ ‫يقال للنب الكثري املاء‪َّ :‬‬ ‫وال�ض َي ُاح‪ ،‬وهو‬ ‫ال�ل�بن اخل��ائ��ر ُر َّق ��ت ب��امل��اء ي�صب عليه‪ .‬وهو‬ ‫�أ�سرع اللنب ر ّيا‪ .‬ي�ضرب ملن ال ي�شتفي موعوده‬ ‫الري احلا�صل من َّ‬ ‫ال�ض ْيح ال‬ ‫ب�شيء‪ ،‬وذلك �أن َّ‬ ‫يكون متينا و�إن كان �سريعا‪ .‬يف حني تو�صف‬ ‫قلة اللنب باملُ َغا َّرة‪ .‬ومن كالمهم «مل حتلب هذه‬ ‫الناقة ومل ُت َغا َّر هي و�أودى اللنب»‪ .‬جاء يف املثل‪:‬‬ ‫«مل حتلب الناقة ومل ُت َغا ُّر»‪ ،‬ي�ضرب ملن �ض ّيع‬ ‫�واق وال� َف� ُ‬ ‫ماله �أو مال غ�يره‪ .‬وال� ُف� ُ‬ ‫�واق‪ :‬قدر ما‬ ‫جتمع الفيقة‪ ،‬وهي اللنب ينتظر اجتماعه بني‬ ‫احللبتني‪ .‬ويف ذلك جاء املثل‪�" :‬أمهلني ُف َو َاق‬ ‫ناقة" الذي ي�ضرب يف �سرعة الوقت‪.‬‬ ‫ِيك‪ :‬يتمثل ا ْزر ْ‬ ‫‪ - 9‬ا ْزر ْ‬ ‫ِيك يف �شراب مك ّون من‬ ‫حليب �أو لنب الإب��ل �أو املاعز «يف الغالب» بعد‬ ‫مزج كل واحد منهما «ح�سب الرغبة �أو ما قد‬ ‫يتوفر» ببع�ض امل��اء وال�سكر وحتريك اجلميع‬ ‫بوا�سطة «خ َّو َاظة» «كثريا ما ت�صنع من فروع‬ ‫ال�شجر» حتى ي�صري ال�شراب جاهزا و�صاحلا‬ ‫لال�ستهالك‪ .‬ويلجا ال�صحراويون �إىل هذه العايل للدرا�سات والبحوث الإ�سالمية‪/‬‬ ‫الطريقة يف �إعدادهم مل�شروب ا ْز ِري� ْ�ك «اللنب نواك�شوط‬


‫احتفاالت شعبية‬ ‫‪138‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫ال تت�ضمن �إلقاء عرو�س يف النيل!‬

‫«جبر البحر» ‪..‬‬

‫من أقدم االحتفاالت‬ ‫في التاريخ‬ ‫القاهرة ‪ -‬حممد ال�سيد �إ�سماعيل‬

‫متيزت م�صر منذ القدم بتعدد �أعيادها واحتفاالتها‪ ،‬فال يكاد مير‬ ‫�شهر من دون عيد �أو احتفال‪ ،‬ما بني احتفال �شعبي �أو احتفال ديني‪،‬‬ ‫بل �إن هناك �أعياداً م�صرية خال�صة متوارثة عن قدماء امل�صريني‪،‬‬ ‫و�أعياداً �أخرى عربت عن تراث م�صر احل�ضاري الذي هو نتاج لتفاعل‬ ‫كامل بني اجلماعات الإن�سانية العديدة التي احتواها املجتمع امل�صري‬ ‫على مر الع�صور‪ ،‬لتعطينا يف النهاية �أعياداً م�صرية خال�صة‪ ،‬ومن‬ ‫�أبرز الأعياد امل�صرية التي اكت�سبت �صفة اال�ستمرارية‪ ،‬وامتد االحتفال‬ ‫بها �إىل الآن‪ ،‬عيد وفاء النيل‪ ،‬وعيد النوروز «�شم الن�سيم»‪.‬‬


‫و�سوف نتعر�ض هنا بالتف�صيل �إىل ق�صة عيد‬ ‫وفاء النيل وما �صاحبه من �أ�ساطري حتتاج �إىل‬ ‫وقفة ناقدة لتخلي�ص تراثه مما علق به من‬ ‫خرافات‪.‬‬

‫وثيقة العهد بالوفاء‬

‫يعترب االحتفال بوفاء النيل من �أقدم الأعياد‬ ‫التي ظلت قائمة عرب �آالف ال�سنني‪ ،‬ولي�س‬ ‫هناك �شكل احتفايل �آخر ا�ستمر قائم ًا مثل هذه‬ ‫املدة الطويلة يف �أي مكان يف العامل وبني �أي‬ ‫�شعب من �شعوب الأر�ض‪.‬‬ ‫ويف م�صر الفرعونية كانت هذه االحتفاالت من‬ ‫الأهمية وال�شمول بحيث كان يح�ضرها امللوك‬ ‫ب�أنف�سهم‪ ،‬وي�شرتكون مع املحتفلني الآخرين من‬ ‫�أع�ضاء الأ�سرة امللكية‪ ،‬ورجال ون�ساء البالط‬ ‫امللكي‪ ،‬ورجال الدين ورجال احلكومة واملثقفني‬ ‫والكتبة والفالحني وال�صناع وجميع طبقات‬ ‫وطوائف ال�شعب الأخرى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وق��د جعلوا لفي�ضان النيل رم��زا مقد�سا هو‬ ‫املعبود املعروف با�سم «خنوم» ويتمثل يف ج�سم‬ ‫�إن�سان له ر�أ�س كب�ش‪ ،‬كما جاء يف �أوراق الربدي‬ ‫�أن�شودة للنيل‪ ،‬تقول‪:‬‬ ‫«�أيها الفي�ضان املبارك‪� ،‬أقيمت لك الأعياد‪،‬‬ ‫وق��دم��ت ل��ك ال �ق��راب�ين‪ ،‬فتقبل م�ن��ا ال�شكر‬ ‫واالعرتاف بف�ضلك»‪.‬‬ ‫وورد يف كتب التاريخ �أن وثيقة كانت تُعد وتُكتب‬ ‫وت�صدر ع��ن دي ��وان ف��رع��ون لتلقى يف النيل‬ ‫فيقبلها‪ ،‬وك�أنها عهد منه ال يتخلف فيه ومينح‬ ‫الأر�ض هباته ويويف بوعده ومن هنا جاءت كلمة‬ ‫«وفاء النيل»‪.‬‬

‫قرابني وطقو�س‬

‫كان امل�صريون القدماء‪ ،‬يف زمن الفي�ضان‪،‬‬ ‫يلقون يف النيل قربان ًا من عجل �أبي�ض وثالث‬ ‫�إوزات‪ ،‬وبع�ض الهدايا الثمينة‪ ،‬وتخرج النا�س‬ ‫جماعات حاملني �سعف النخيل و�أزهار اللوت�س‪،‬‬ ‫يلوحونبهاوهمين�شدون‪،‬وزيادةعلىذلككانوا‬ ‫يقفون يف مواجهة متثال معبود النيل «حابي» �أو‬ ‫«حعبي»‪ ،‬و�أمامه �صفوف فرق املو�سيقى جال�سة‬

‫االحتفال بوفاء النيل‬ ‫أحد أقدم األعياد التي‬ ‫ظلت قائمة عبر آالف‬ ‫السنين‪ ..‬وال مثيل‬ ‫لها في أي مكان في‬ ‫العالم‬ ‫على من�صة مرتفعة يتو�سطها رئي�سها وهو يلوح‬ ‫بيديه للفريق حتي يعزف بانتظام‪� ،‬أما فريق‬ ‫املن�شدين فكانوا يجل�سون بني �أفراد املو�سيقى‬ ‫وبينهم فئة مهمتها الت�صفيق ب��الأي��دي على‬ ‫النغمات‪ ،‬و�أم��ام هذه الفرقة فرقة �أخرى من‬ ‫الراق�صات ي�ؤدين حركاتهن يف ر�شاقة وخفة‬ ‫وهدوء‪ ،‬و�أمام ه�ؤالء وه�ؤالء ف�ضاء يجل�س فيه‬

‫كان الديوان الفرعوني‬ ‫يصدر وثيقة وتلقى في‬ ‫النيل ليقبلها كعهد‬ ‫منه بأن يمنح األرض‬ ‫هباته ويفي بوعده‬ ‫ومن هنا جاءت كلمة‬ ‫«وفاء النيل»‬

‫احلكام والكاهن ويجل�س فرعون يف كر�سي‬ ‫مذهب فوق من�صة مرتفعة يواجه قاعدة متثال‬ ‫حعبي‪ ،‬ثم يلي ذلك مكان مت�سع لأفراد ال�شعب‪.‬‬ ‫�أم��ا على النيل فكانت املراكب ال�شراعية يف‬ ‫�ألوان فاقعة تروح وتغدو فوق �سطحه‪ ،‬والنا�س‬ ‫يف فرح وعلى كل �سفينة عازف‪.‬‬ ‫وهكذا ظل االحتفال بوفاء النيل واح��د ًا من‬ ‫�أه��م التقاليد وال �ع��ادات ال�شعبية امل�صرية‬ ‫التي حر�ص امل�صريون على ممار�ستها منذ‬ ‫الع�صور الفرعونية‪ ،‬ومرور ًا بالع�صور اليونانية‬ ‫فالرومانية‪ ،‬فالقبطية فالإ�سالمية‪ .‬بل �أ�صبح‬ ‫وفاء النيل وفي�ضانه م�ؤ�شر ًا اقت�صادي ًا حلالة‬ ‫ال �ب�لاد‪ ،‬وح��ق احل��اك��م يف جباية ال�ضرائب‬ ‫وخ��راج الأر���ض‪ ،‬فقد كانت هذه ال�ضرائب ال‬ ‫ت�ستحق �إال �إذا ارتفع في�ضان النيل �إىل ‪16‬‬ ‫ذراع ًا لذلك فقد حر�ص امل�صريون على �إقامة‬ ‫املقايي�س النيلية التي تبني لهم م�ستوى الفي�ضان‬ ‫يف كل مو�سم‪.‬‬

‫جرب البحر‬

‫يف الع�صور الالحقة‪ ،‬حمل اليوم الذي يتم فيه‬ ‫قطع ال�سد الرتابي الذي كان يقام قبل ارتفاع‬ ‫النيل �أو بعده‪� ،‬إيذان ًا ببدء االحتفال ال�سنوي‪،‬‬


‫احتفاالت شعبية‬ ‫‪140‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫م�شهد الحتفاالت «جرب البحر»‬

‫ا�سم يوم «جرب البحر» �أو «وفاء النيل» وي�سمى‬ ‫�أي�ض ًا «عيد اخلليج» و«مو�سم اخلليج»‪ ،‬وكان‬ ‫يع ّلق على ال�شباك الكبري يف اجلهة ال�شرقية‬ ‫من دار املقيا�س‪ -‬قبل احلكم العثماين‪� -‬ساتر‬ ‫�أ�صغر عندما يتم النيل ارتفاعه �إىل ‪ 16‬ذراع ًا؛‬ ‫ليعلم النا�س �أن النيل قد �أوف��ى‪ ،‬وتكون هذه‬ ‫الليلة من اللياىل العظيمة مب�صر حيث يوقد‬ ‫فيها الأه��اىل القناديل وال�شموع ويتحول ليل‬ ‫القاهرة �إىل نور من كرثة الأ�ضواء‪ ،‬ويح�ضر‬ ‫كبار الأمراء ومعهم اال�ستادار‪ ،‬ويح�ضر مقرئو‬ ‫القر�آن حيث يتناوبون القراءة طوال الليل‪ ،‬كما‬ ‫يح�ضر املغنون الذين يغنون طوال الليل �أي�ض ًا‪،‬‬ ‫ويف �صباح اليوم التايل يعمل حفل حافل بال�شواء‬ ‫واحللوى والفاكهة يح�ضره ال�سلطان �أو من ينوب‬ ‫عنه من الأم��راء‪ ،‬ويتخطف العامة امل�أكل وال‬ ‫مينع �أحد من ذلك‪ ،‬وبعد االنتهاء من االكل يبد�أ‬ ‫االحتفال وهو مرحلتان املرحلة الأوىل‪ :‬تخليق‬ ‫املقيا�س‪ .‬واملرحلة الثانية‪ :‬هي ك�سر �سد اخلليج‪،‬‬ ‫وكانت املرحلة الثانية تتم يف اليوم الثالث �أو‬ ‫الرابع يف الفرتة الأوىل من �أي��ام الفاطميني‬ ‫ولكن االحتفال مبرحلتني �صار يتم يف يوم واحد‬ ‫�أيام املماليك‪.‬‬ ‫وكان االحتفال بوفاء النيل يبد�أ بنزول ال�سلطان‬ ‫م��ن قلعة اجل�ب��ل‪ ،‬ويف خدمته ق��ادة اجلي�ش‬ ‫والأعيان وخوا�ص دولته‪ ،‬يف احلراريق املزينة‬

‫بالأعالم وال�صناجيق و�سائر �أن��واع الزينات‪،‬‬ ‫وفيها الطبلخانات والنفوط حتى ي�صل املوكب‬ ‫�إىل دار املقيا�س‪ ،‬وبعد الفراغ من الطعام يذاب‬ ‫الزعفران يف م��اء ال��ورد يف �إن��اء من الف�ضة‪،‬‬ ‫يعطي ال�سلطان الإن��اء البن �أب��ي ال��رداد الذي‬ ‫يلقي نف�سه بقما�شه «مبالب�سه» يف الف�سقية‬ ‫ومعه ذلك الإناء الف�ضي فيخلط عمود املقيا�س‬ ‫بالزعفران‪ ،‬ثم يخرج ال�سلطان �أو نائبه فيجل�س‬ ‫بال�شباك الكبري حتت ال�سرت‪ ،‬ورئي�س احلراقة‬ ‫ال�سلطانية «الذهبية» ورئي�س حراريق الأمراء‪،‬‬ ‫وي��ؤت��ى بحراقة ال�سلطان �إىل ذل��ك ال�شباك‬ ‫فينزل �إىلها وي�سبح بها وحوله حراريق الأمراء‬ ‫مزينة بكل �أنواع الزينات‪ ،‬وقد اختفت �صفحة‬ ‫النهر حتت ع�شرات املراكب والقوارب املليئة‬ ‫باملتفرجني حتي يدخل املوكب �إىل فم اخلليج‪،‬‬ ‫وت�سري ح��راق��ة ال�سلطان املعروفة بالذهبية‬ ‫وح��راري��ق الأم���راء يلعب بها وي��رم��ى مبدافع‬ ‫النفوط على مقدمته يف ا�ستعرا�ض كبري‪،‬‬

‫تسمية «عروس النيل»‬ ‫مستوحاة من فكرة أن‬ ‫النيل متى أفاض فإنه‬ ‫يدخل على أرض مصر‬ ‫كما يدخل العريس‬ ‫على عروسه‬

‫وي�ستمر هذا املوكب حتى موقع «�سد اخلليج»‬ ‫حيث يكون نائب ال�سلطنة ومعه بع�ض كبار‬ ‫الأم��راء منتظرين فوق قنطرة ال�سد‪ ،‬وحتمل‬ ‫طبلخانه ال�سلطان على الأك��ادي����ش وينزلون‬ ‫قنطرة ال�سد‪ ،‬وهناك يتوجه ال�سلطان بح�صانه‬ ‫من فم اخلليج �إىل ال�سد الرتابي حيث ينزل‬ ‫من ح�صانه ومي�سك مبعول من الذهب اخلا�ص‬ ‫وي�ضرب ال�سد الثالث �ضربات‪ ،‬ثم يركب ثانية‬ ‫في�أتي جمع غفري من النا�س بف�ؤو�سهم فيحفرون‬ ‫ه��ذا ال�سد حتى ي�ج��ري امل ��اء يف اخلليج ثم‬ ‫ين�صرف ال�سلطان �إىل القلعة‪.‬‬

‫�إ�ضافات الغزاة‬

‫يبدو �أن االحتفال بوفاء النيل يف املا�ضي كان‬ ‫م�ؤثر ًا ورائع ًا وقوي ًا �إىل الدرجة التي �شارك‬ ‫فيها احلكام الغزاة‪ -‬الذين حكموا م�صر –‬ ‫�أه َلها يف احتفالهم به‪ ،‬و�إن �أ�ضافوا �إىل مظاهر‬ ‫احتفال امل�صريني الربيئة به مظاهر خليعة‬ ‫انتقدها اجل�برت��ي يف و�صفه لهذا االحتفال‬ ‫فقال وا�صف ًا الفرن�سيني حيت ا�شرتك معهم‬ ‫نابليون بونابرت يف هذا االحتفال‪ ...« :‬وت�أهبوا‬ ‫للخالعة والق�صف والتفرح واللهو والطرب‪.‬‬ ‫وذهبوا تلك الليلة �إىل ب��والق وم�صر العتيقة‬ ‫وال��رو� �ض��ة‪ .‬و�أك�ث��روا امل��راك��ب ون��زل��وا فيها‪.‬‬ ‫و�صحبتهم ن�سا�ؤهم و�شرابهم‪ ..‬وجت��اه��روا‬


‫بكل قبيح من ال�ضحك وال�سخرية والكفريات‬ ‫وحماكاة امل�سلمني من �أه��ل البلد‪ ..‬وبع�ضهم‬ ‫تزيا بزي �أمراء املماىلك ولب�س �سالح ًا وت�شبه‬ ‫بهم وحاكي �ألفاظهم على �سبيل اال�ستهزاء‬ ‫وال�سخرية‪ ..‬و�أخرج الفرن�ساوية املراكب املزينة‬ ‫وعليها البيارق وفيها �أن��واع الطبول واملزامري‬ ‫‪ ..‬ووق��ع يف تلك الليلة بالبحر و�سواحله من‬ ‫الفواح�ش والتجاهر باملعا�صي والف�سوق ما ال‬ ‫يو�صف ‪ ..‬و�سلك بع�ض غوغاء العامة و�أ�سافل‬ ‫العامل ورعاعهم م�سالك اخلالعة والرذالة‬ ‫والرقاعية بدون �أن ينكر �أحد من احلكام عليهم‬ ‫ذلك‪ ..‬بل كان كل �إن�سان يفعل ما ت�شتهيه نف�سه‬ ‫وما يخطر بباله‪ ..‬و�إذا كان رب البيت بالدف‬ ‫�ضارب ًا‪ ،‬ف�شيمه �أه��ل البيت كلهم الرق�ص‪...‬‬ ‫و�أكرث الفرن�سيون يف تلك الليلة و�صباحها من‬ ‫رمي املدافع وال�صواريخ واملراكب وال�سواحل‪...‬‬ ‫وباتوا ي�ضربون �أنواع الطبول واملزامري»‪.‬‬

‫االحتفال يف القرن التا�سع ع�شر‬

‫يف بداية القرن التا�سع ع�شر كان البا�شا يتقدم‬ ‫احتفال عيد اخلليج ب�صحبته كبار �شخ�صيات‬ ‫احلكومة‪ ،‬مثل �شيخ البلد والقا�ضي والدفرتدار‬ ‫�أو م�ست�شار احلكومة وكخيا اجلاوي�شية‪ ،‬وفرقة‬ ‫االنك�شارية والك�شاف وكل كبار ال�شخ�صيات‪،‬‬ ‫وعند ال�صباح ي�صل البا�شا م��ع �أه��ل بيئته‬ ‫�أي م��ع �ضباطه ورج��ال��ه‪ ،‬وي�صل البكوات‬‫مع مماليكهم‪ ،‬وي�صحبهم جمهور كبري من‬ ‫املو�سيقيني ويحتلون جزء ًا من امليدان ويقيمون‬ ‫يف ال�سرادق الكبري املعد لهم مل�شاهدة قطع‬ ‫ال�سد‪ ،‬بينما تقام للعامة خيم �صغرية لبيع‬ ‫احللوى والفاكهة والقهوة‪ ،‬وتغطي القوارب‬ ‫�سطح ال�ت�رع��ة‪ ،‬ومت �ت��از ق� ��وارب ال���س�ي��دات‬ ‫بفخامتها وبهوادجها التي تغلق عليهن بدافع‬ ‫الغرية‪ ،‬وكان �أ�شهر هذه املراكب مركب ي�سمى‬ ‫«العقبة»‪ ،‬ت�صنع للمنا�سبة ب�شكل زخريف غليظ‪،‬‬ ‫وحتمل مدفعني �صغريين �أو �أك�ثر‪ ،‬وتعلق �إىل‬ ‫حبالها عدة م�صابيح‪ ،‬تكون ر�سوم ًا خمتلفة‪،‬‬ ‫كنجمة كبرية‪ ،‬وبهذا املركب �أي�ض ًا‪ ،‬فوق القمرة‬ ‫خيمة مقفلة كبرية‪ -‬من احلرير وغريه – تزين‬ ‫برايتني الذهبية والف�ضية يت�سابق �إىل الفور بها‬ ‫غوا�صون مهرة‪ ،‬وينق�ضي ما يتبقى من النهار‬


‫احتفاالت شعبية‬ ‫‪142‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫يف �أف��راح وم�سرات ت�ستمر حتى الليلة التالية‪،‬‬ ‫ولهذا اال�ستب�شار واالبتهاج العام ما يربره‪ ،‬حيث‬ ‫�أن الفي�ضان هو �ضمان االزدهار للجميع فعندما‬ ‫يحل الفي�ضان يبد�أ النا�س ي�أملون يف حم�صول‬ ‫وفري بل ميكن القول ب�أنهم قد بد�ؤوا يحلمون مبا‬ ‫يعدهم به من منافع‪.‬‬

‫�أكذوبة عرو�س النيل‬

‫«عرو�س النيل» هي ق�صة �أ�سطورية مكذوبة‬ ‫ومفندة‪ ،‬رواه��ا م��ؤرخ �إ�سالمي �شهري هو ابن‬ ‫احلكم‪ ،‬وتناقلها ال��رواة امل��ؤرخ��ون من بعده‪،‬‬ ‫وتتلخ�ص الق�صة يف �أن �أقباط م�صر جل�ؤوا‬ ‫�إىل عمرو بن العا�ص يطلبون �إليه كعادتهم‬ ‫�إلقاء جارية بكر ي�أخذونها من �أبويها بعد �أن‬ ‫ير�ضيانهما ب��امل��ال‪ ،‬ثم ي�ضعون عليها �أجمل‬ ‫الثياب و�أف�ضل احللي ثم يلقونها يف النيل‪،‬‬ ‫فا�ستنكر عمرو بن العا�ص الفعل �إ�سالمي ًا‪.‬‬ ‫وق�صة «عرو�س النيل» خرافة تهدمها حقيقة‬ ‫قدا�سة و�ضع امل��ر�أة يف الفكر امل�صري القدمي‬ ‫مبا يتعار�ض وفكرة تقدميها قربان ًا للنيل‪ ،‬وهي‬ ‫ت�سمية تعني �أن النيل متى �أفا�ض ف�إنه يدخل على‬ ‫�أر�ض م�صر كما يدخل العري�س على عرو�سه‪.‬‬ ‫لهذا ال�سبب رمبا‪ ،‬كانت تُ�صنع الحق ًا‪ ،‬عرو�س‬

‫أصبح وفاء النيل‬ ‫وفيضانه مؤشر ًا‬ ‫اقتصادي ًا لحالة البالد‪،‬‬ ‫وحق الحاكم في جباية‬ ‫الضرائب وخراج األرض‬ ‫م��ن الطني �أ�شبه بـ«املانيكان»‪ ،‬ويف �أعالها‬ ‫كانت ت��زرع نبتات من ال��ذرة �أو القمح‪ ،‬وعند‬ ‫و�صول الفي�ضان �إىل فم اخلليج تن�ساب املياه‬ ‫ب�شدة فتجرف معها عرو�س الطني تلك ومعها‬ ‫احلبوب‪ ،‬وك��ان يخ�ص�ص �أي�ض ًا عدة منادين‬ ‫كل منهم خمت�ص بق�سم معني يف القرى واملدن‬ ‫وي�صحبهم �صبي �أو �أكرث حاملني رايات �صغرية‬ ‫ملونة وطبول‪ ،‬ويبد�أ الواحد منهم نداءه اليومي‬ ‫بالذكر وال�ث�ن��اء على اهلل ور��س��ول��ه ث��م يذكر‬ ‫رب ال��دار و�أه��ل بيته على طريقة امل�سحر يف‬ ‫رم�ضان‪ ،‬وقد يجود �صاحب الدار عليه ب�شيء‬ ‫قليل‪ ،‬وي�سمى من يقوم بهذه الوظيفة بـ«مبنادي‬ ‫النيل»‪ .‬ومنذ ك�شف �شامبليون �أ��س��رار اللغة‬ ‫امل�صرية القدمية بعد اكت�شاف �ضابط احلملة‬ ‫الفرن�سية بو�شارد حلجر ر�شيد �أثناء احلملة‬ ‫الفرن�سية على م�صر‪ ،‬بد�أ الباحثون درا�سة جادة‬

‫للتاريخ امل�صري القدمي‪ ،‬ومن ه��ؤالء الباحث‬ ‫الفرن�سي بول الجنيه الذي تفرغ لدرا�سة حكاية‬ ‫عرو�س النيل‪.‬‬ ‫وخ��رج الباحث م��ن درا��س�ت��ه ب���أن امل�صريني‬ ‫القدماء كانوا ال يلقون بفتاه يف النيل‪ ،‬ولكنهم‬ ‫كانوا يحتفلون ب�إلقاء �سمكة من نوع الأط��م‪،‬‬ ‫وهذا النوع من ال�سمك قريب ال�شبه بالإن�سان‬ ‫وي�صفه بع�ض العلماء ب�إن�سان البحر تتميز‬ ‫�أنثاه ب��أن لها �شعر ًا كثيف ًا فوق ظهرها‪ ،‬ولها‬ ‫ما ي�شبه �أرداف املر�أة‪� .‬أما وجهها ف�أقرب �إىل‬ ‫كلب البحر وحني ت�سبح فوق املاء تتمايل ك�أنها‬ ‫راق�صة‪ .‬وكان امل�صريون القدماء يزينون �سمكة‬ ‫االطم ب�ألوان زاهية ويتوجون ر�أ�سها بعقود الورد‬ ‫والزهور ثم يزفونها �إىل النيل يف عيد وفائه‪.‬‬ ‫ومنذ �أعوام مت ك�شف �سمكة من هذا النوع يف‬ ‫بحرية قارون بالفيوم‪.‬‬ ‫وي�ق��ال �أي�ضا �أن�ه��م اكت�شفوا يف نهر النيل‬ ‫دميات من الفخار ومعنى هذا �أنهم مل يلقوا‬ ‫بفتيات حقيقية‪� ،‬أما �إلقاء عرو�س حقيقية يف‬ ‫النيل‪ ،‬فلم تعرفه م�صر �إال يف عهد املماليك‬ ‫حيث جاءوا بالفتيات املدربات على ال�سباحة‬ ‫تدريب ًا جيد ًا و�ألقوا بهن يف النهر ثم تركن‬ ‫لي�سبحن حتى ال�شاطئ يف كرنفال االحتفال‪.‬‬


‫�إن �إلقاء عرو�س حية يف النيل لي�س �إال خرافة‬ ‫فجميع من �أرخوا مل�صر قبل ابن عبد احلكم‬ ‫مثل هيكاه وه�ي�رودوت وت �ي��ودور ال�صقلي‬ ‫وبلوتراك وكليمان ال�سكندري الذين كتبوا‬ ‫عن احلياة والعادات الفرعونية والغرائب‬ ‫والتقاليد يف م�صر القدمية مل يتناولوا من‬ ‫قريب �أو بعيد حكاية عرو�س النيل‪.‬‬ ‫كما �أن عبد احلكم كتب هذه احلكاية بعد‬ ‫فتح عمر بن العا�ص مل�صر مبئتني وثالثني‬ ‫عام ًا ومل يكن من معا�صريها ورمبا رويت له‪.‬‬ ‫ووا��ض��ح من منت ال��رواي��ة �أن النيل ا�ستمر‬ ‫ثالثة �شهور مل يجر فيه كثري وال قليل ولو‬ ‫حدث هذا لهلك كل من يف م�صر كما �أنه‬ ‫من امل�ستحيل علمي ًا ارتفاع النيل �ستة ع�شر‬ ‫ذراع ًا يف ليلة واحدة‪.‬‬ ‫وي�ؤكد الباحث خمتار ال�سويفي �أن احل�ضارة‬ ‫امل�صرية ح�ضارة راقية مل تعرف على مر‬ ‫الع�صور ال�ضحايا الب�شرية لأي �إله �أو معبود‬ ‫مهما عال �ش�أنه‪ .‬ويقول ال�سويفي �إذا كان‬ ‫للنيل عرو�س ًا فهي �أر�ض م�صر التي يدخل‬ ‫عليها النيل يف مو�سم الفي�ضان كما يدخل‬ ‫الرجل على عرو�سه يف ليلة زفافهما‪.‬‬ ‫كما �أن نقو�ش املعابد امل�صرية والربديات‬ ‫ال �ت��ي ع���ددت م�ظ��اه��ر احل �ي��اة وال�ت�ق��ال�ي��د‬ ‫وال�ع�ب��ادات مل تذكر حكاية عرو�س النيل‪،‬‬ ‫ول��و كانت ه��ذه حكاية حقيقية ملا �أغفلتها‬ ‫النقو�ش‪.‬‬ ‫وتذكر الدكتورة نعمات �أحمد ف��ؤاد �إحدى‬ ‫ع��ا��ش�ق��ات احل �� �ض��ارة امل���ص��ري��ة يف كتابها‬ ‫«ال �ق��اه��رة يف ح�ي��ات��ي» �أن ح�ك��اي��ة ع��رو���س‬ ‫النيل لي�س لها �أ�سا�س تاريخي‪ ،‬ومل ترد غري‬ ‫الق�صة التي ذكرها بلوتراك والتي تقول �إن‬ ‫ايجيبتو�س ملك م�صر �أراد اتقاء ك��وارث‬ ‫نزلت بالبالد ف�أ�شار �إليه الكهنة ب�إلقاء ابنته‬ ‫يف النيل ففعل ثم �أمل به ندم �شديد ف�ألقى‬ ‫بنف�سه يف النيل فهلك مثل ما هلكت‪.‬‬ ‫وي �ق��ول ع�ب��ا���س حم �م��ود ال �ع �ق��اد يف كتابه‬ ‫«عبقرية عمر»‪�« :‬إن رواية عرو�س النيل على‬ ‫عالتها قابلة لل�شك يف غري مو�ضع فيها عند‬ ‫م�ضاهاتها على التاريخ‪ ،‬وقد يكون الواقع‬ ‫منها دون ما رواه الرواة بكثري»‪.‬‬

‫الحق ًا صنع المصريون‬ ‫عروس ًا من الطين في‬ ‫أعالها ذرة أو قمح وعند‬ ‫وصول الفيضان إلى‬ ‫فم الخليج تجرفها‬ ‫المياه مؤذنة ببدء‬ ‫موسم النماء‬ ‫االحتفاالت املعا�صرة‬

‫ا�ستمر االحتفال بوفاء النيل حتى عهد قريب‬ ‫�إىل ما بعد قيام ث��ورة ‪1952‬م‪ ،‬وق��د كانت‬ ‫«ال �غ��وازي» واملغنيات يجنب القرى لت�سلية‬ ‫النا�س احتفا ًال بوفاء النيل‪ ،‬وي�صحب ه�ؤالء‬ ‫الن�سوة والبنات فرقة مو�سيقية مكونة من‬

‫عازف على الغاب و�ضارب على الدف‪ ،‬و�إىل‬ ‫عهد قريب كنا نراهم يف القاهرة يغنني‪:‬‬

‫ال � � �ب � � �ح� � ��ر زاد‪..‬ع � � � � � � � � � � � ��وف اهلل‬ ‫غ � � � � � ��رق ال � � � � � �ب � � �ل � ��اد‪..‬ع � � � � ��وف اهلل‬

‫�أم��ا على امل�ستوى الر�سمي ف�ك��ان عيد‬ ‫«وف ��اء ال�ن�ي��ل» ع�ي��د ًا ر��س�م�ي� ًا‪ ،‬تعطل فيه‬ ‫دواوين احلكومة وم�صاحلها‪ ،‬ويقام فيه‬ ‫احتفال كبري يت�سلم فيه �أح��د امل�س�ؤولني‬ ‫«ح� �ج ��ة وف � ��اء ال��ن��ي��ل» ال� �ت ��ي حت �ف��ظ يف‬ ‫ال�سجالت يف دار الوثائق‪ ،‬وتطلق املدافع‬ ‫�إح��دى وع�شرين طلقة ابتهاج ًا بذلك‪،‬‬ ‫ث��م ينتقل امل��دع��وون �إىل �سفنية زينت‬ ‫بالأعالم �سميت «بالعقبة» كما يف املا�ضي‬ ‫وجت��ره��ا ق��اط��رة‪ ،‬ث��م ي�ل��ي ذل��ك �إط�ل�اق‬ ‫الألعاب النارية‬


‫سوق الكتب‬ ‫‪144‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪159‬‬ ‫ينا يـر‬ ‫‪2013‬‬

‫املا�ضي يف احلا�ضر �أ�سئلة و�إ�شكاليات‬

‫فهمي جدعان يبحث‬ ‫في تاريخية الفكر اإلسالمي‬ ‫مفيد جنم‬ ‫يطرح الباحث فهمي جدعان يف مقدمة كتابه املا�ضي يف احلا�ضر ق�ضية مهمة‪،‬‬ ‫تتعلق مبو�ضوع تعدد القراءات للن�ص الواحد بتعدد قرائه‪ ،‬باعتبار القارئ منتجاً‬ ‫جديداً له‪ ،‬ما يجعل عالقة الكاتب بن�صه تتخذ منحى مغايراً‪ ،‬ي�ؤكد عليه عندما‬ ‫يعلن �أنه لي�س من ال�ضروري‪� ،‬أن يرى القارئ يف الن�ص الذي ينجزه عني ما يراه‬ ‫هو فيه‪ ،‬الأمر الذي يجعل الكاتب غري متيقن متاماً من �أن املعنى‪ ،‬الذي ي�سعى‬ ‫الن�ص �إىل �إر�ساله �إىل القارئ‪ ،‬هو نف�س املعنى الذي يتمثل به الكاتب ن�صه‪.‬‬ ‫�إن مقاربة القارئ للن�ص كما ي��رى هي‬ ‫مقاربة بكامل الكينونة الإنرثبولوجية‬ ‫والثقافية والروحية واجلمالية‪ ،‬من لدن‬ ‫القارئ‪ ،‬ما يجعل متثل الن�ص وفق ًا لتلك‬ ‫الكينونة‪ ،‬على الرغم من جميع الإ�شارات‬ ‫ال�صريحة �أو ال�ضمنية ال �ت��ي ير�سلها‬ ‫ه��ذا الن�ص‪ ،‬ورغ��م ك��ل التمايزات التي‬ ‫ت�ستدعيها ال�شروط التاريخية امل�شخ�صة‬ ‫ل �ه��ذا ال �ن ����ص‪ .‬ع�ل��ى ه ��ذا الأ� �س��ا���س من‬ ‫العالقة ي�ؤكد الباحث �أن��ه مل ينظر �إىل‬ ‫�أي عمل من �أعماله‪ ،‬مهما ك��ان جن�سه‪،‬‬ ‫بو�صفه جزء ًا من منظومة فكرية �أو علمية‬ ‫�شاملة‪ ،‬بل كان احلافز وراءه هو الدافع‬ ‫النابع من كينونة الذات الروحية‪.‬‬

‫تاريخية الثقافة العربي‬

‫تتوزع درا�سات هذا الكتاب على جمموعة‬

‫من املحاور الأ�سا�سية‪ ،‬التي تهتم بداية‬ ‫بتقدمي �صورة �إجمالية للوجوه الأ�سا�سية‬ ‫للفكر ال �ع��رب��ي يف جت��رب�ت��ه ال�ت��اري�خ�ي��ة‪،‬‬ ‫امل�م�ت��دة م��ن ع�صر التنزيل والتوحيد‪،‬‬ ‫�إىل ع�صر التقنية‪ ،‬الأمر الذي ي�ستدعي‬ ‫من الباحث الوقوف عند وج��وه �أ�سا�سية‬ ‫ومناطق فا�صلة‪ ،‬وق�ضايا جوهرية بارزة‬ ‫فيه‪ .‬يف �ضوء ذلك يخ�ص�ص الق�سم الأول‬ ‫من الكتاب لتقدمي نظرة تاريخية وحتليلية‬ ‫للمراحل الفكرية الأوىل للتجربة الثقافية‬ ‫ال �ع��رب �ي��ة‪ ،‬يف مت�ث�ل�ه��ا ل �ظ��اه��رة ال��وح��ي‬ ‫والن�ص ذات البعد الديني‪ ،‬ال��ذي �شهد‬ ‫غنى وتنامي ًا بالعقل وبالعلم والوجدان‪،‬‬ ‫واخل�ب�رة‪ ،‬حتى و�صل �إىل ال�صورة التي‬ ‫جتلت يف كتابات جمموعة من املفكرين‪،‬‬ ‫ال �ت��ي عملت ع�ل��ى ا�ستح�ضار امل��ا��ض��ي‪،‬‬ ‫وتفعيل دوره حا�ضر ًا‪ ،‬وهو ما دفع الباحث‬

‫�إىل حتديد املنطلقات النظرية املنهجية‬ ‫للتجربة الفكرية العربية‪ ،‬يف اخلطوة‬ ‫احلداثية الكربى التي خطاها الوحي عرب‬ ‫حترير العقلية العربية‪ ،‬والفعل العربي‬ ‫من املثيولوجيا القدمية‪ ،‬و�سلطة اخلرافة‬ ‫و�أ�ساطني الأول�ين‪� ،‬إىل �سلطان الإدراك‬ ‫الإن�ساين لكي تكتمل حكمته‪ ،‬وتوفر له‬ ‫�أ�سباب العلم ال�صحيح والفعل ال�سديد‪.‬‬ ‫ويخ�ص�ص الباحث الف�صل التايل لهذا‬ ‫ال��وج��ه م��ن التجربة وم��ا ط��ر�أ عليها من‬ ‫ت�ب��دالت وتقلبات وم�سالك ج��دي��دة حتى‬ ‫يومنا ه��ذا‪ .‬لقد جل ��أ ال�ب��اح��ث يف �إط��ار‬ ‫التعريف بهذا الواقع �إىل تقدمي عر�ض‬ ‫للوجوه املختلفة من �صريورة هذا امل�سار‬ ‫ال�ع��ام يف �صيغته ال�سلفية امل�ت�ف��ردة ويف‬ ‫�صيغته الرتكيبية التي حت��اول االنفتاح‬ ‫على �آفاق �أخرى‪� ،‬أو يف هواج�سه العملية‬


‫املعا�صرة وامل�ستمدة من مراكز ال�سلطة‬ ‫وال��دول��ة للتكيف م��ع ط��روح��ات التغيري‬ ‫والإ�صالح االجتماعي وال�سيا�سي‪.‬‬

‫التجربة احل�ضارية‬

‫يخ�ص�ص الباحث هذا الف�صل للدرا�سات‬ ‫العربية املن�شورة باللغة الفرن�سية والتي‬ ‫ت�شكل التجربة احل�ضارية الهائلة للفكر‬ ‫العربي والإ�سالمي مع انفتاحه على علوم‬ ‫الأول�ي�ن املختلفة‪ ،‬وال�ت��ي ميكن �أن تكون‬ ‫�أدوات ناجعة يف بناء ال�ع��امل وت�شكيله‪،‬‬ ‫علمي ًا ومادي ًا و�إن�ساني ًا‪ .‬لقد �شكل التفاعل‬ ‫الذي حدث بني الفكر الإ�سالمي والرتاث‬ ‫الإغ��ري�ق��ي ب��داي��ة مرحلة ج��دي��دة‪ ،‬اجته‬ ‫فيها الفكر الإ�سالمي نحو �صياغة وجه‬ ‫جديد له �أكرث و�ضوح ًا وعمق ًا‪ ،‬من خالل‬ ‫ما ا�ستوعبه منه‪ ،‬و�أعاد �إنتاجه وتطويره‬ ‫وال �ت �ق��دم ب��ه‪� � ،‬س��واء ع�ل��ى �صعيد الفكر‬ ‫الفل�سفي �أو العلوم النظرية والتطبيقية‪،‬‬ ‫عرب ما قدمه من ر�ؤية �شاملة يف املعرفة‬ ‫وال ��وج ��ود والإن �� �س��ان وال �ف �ع��ل‪ .‬وي�ع�ترف‬ ‫الباحث ب�أن كثري ًا من تلك النظرات قد‬ ‫�شهد تراجع ًا يف الوقت‪ ،‬الذي حافظت فيه‬ ‫وجوه �أخرى على ا�ستمرارها وتفاعلها مع‬ ‫الرتاث الإ�سالمي الأول‪ ،‬وهي حتمل داللة‬ ‫معا�صرة‪ ،‬كما ح��دث مع ع�صر النه�ضة‬ ‫يف نهاية القرن التا�سع ع�شر‪ ،‬وما يحدث‬ ‫الآن يف حياتنا املعا�صرة‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫الطابع التاريخي‪ ،‬الذي يحمله هذا الوجه‬ ‫احل�ضاري ف�إنه مل يفقد �سمته الراهنة‬ ‫ع�ن��دن��ا‪ ،‬ون�ح��ن نعي�ش حياتنا ال��راه�ن��ة‪،‬‬ ‫ن� �ظ ��ر ًا ل��ك��ون ق �� �س��م م �ن��ه ي �ع �م��ق وع�ي�ن��ا‬ ‫بالت�شكل العقلي والروحي واجلمايل لتلك‬ ‫ال�شخ�صية التاريخية املوغلة يف القدم‪.‬‬ ‫من هنا يرى الباحث �أنه على الرغم من‬ ‫�أن التجربة الروحية والفل�سفية للفارابي‬ ‫هي جتربته اخلا�صة‪� ،‬إال �أنها تقدم لنا‬ ‫راهن ًا در�س ًا عميق ًا يف الطريقة التي ميكن‬ ‫بها �أن نتفاعل مع العامل تفاع ًال عقلي ًا‬ ‫كوني ًا �شام ًال‪ ،‬من خالل خربتنا الذاتية‪،‬‬ ‫وع�ل��وم الطبيعة والإن �� �س��ان واملجتمع يف‬

‫ع�صرنا الراهن الذي نعي�ش فيه‪.‬‬

‫الإ�شكالية الإ�سالمية املعا�صرة‬

‫ت�ت�ب��دى �إ��ش�ك��ال�ي��ة الإ���س�ل�ام امل�ع��ا��ص��ر يف‬ ‫م�س�ألة بالغة التعقيد تتمثل يف احلدين‬ ‫املتباعدين اللذين تتباعد امل�سافة بينهما‬ ‫�إىل حد التناق�ض‪ ،‬وهما حماولة �أ�سلمة‬ ‫الع�صر �أو ع�صرنة الإ�سالم‪ ،‬لكن الباحث‬ ‫رغ��م اع�تراف��ه ب�ه��ذه الإ��ش�ك��ال�ي��ة ي�ح��اول‬ ‫�أن ينطلق م��ن ق�ضية ك�برى ه��ي ق�ضية‬ ‫ال��وع��ي الإ� �س�لام��ي يف ��ش��روط��ه وظ��روف��ه‬ ‫املو�ضوعية‪ .‬ومن �أجل تب�سيط تلك امل�شكلة‬ ‫يحدد �أطرها يف ثالثة �أ�سباب هي معطى‬ ‫الزمان ومعطى املعرفة ومعطى العمل‪ ،‬ثم‬ ‫يعر�ض يف �إطار معطى الزمان �أراء كل من‬ ‫�أ�صحاب التعلق باملا�ضي الذين يقولون ب�أن‬ ‫الع�صر احلديث فيه من ال�شرور �أكرث مما‬ ‫يف املا�ضي‪ ،‬و�أ�صحاب ال��ر�ؤي��ة الع�صرية‬ ‫التي تطالب بع�صرنة الإ�سالم‪ ،‬ثم ي�ؤكد‬ ‫�أن هذه اجلدلية ال�سكونية تظهر التاريخ‬ ‫وك���أن��ه م��و� �ض��وع ب�ين ح��دي��ن متباعدين‬ ‫�أحدهما طارد والآخر جاذب‪ ،‬مما يجعلنا‬ ‫نن�سحب من احلا�ضر ونرتد �إىل تاريخ غري‬ ‫فعلي‪ ،‬ولذلك يطالب ب�أن تقوم �أية حماولة‬ ‫لتحقيق التاريخ على ت�أكيد احلا�ضر‪ ،‬و�أن‬ ‫ن��دع التاريخ يتحرك لأن معه �سيتحرك‬ ‫تيار ال�شعور بال توقف‪ ،‬وهو ما �سيجعل‬

‫احلياة تتدفق بال عائق‪ ،‬وت�سرتد الطاقات‬ ‫احل �ي��وي��ة ل �ك��ام��ل ق ��درات� �ه ��ا‪� .‬أم� ��ا على‬ ‫�صعيد معطى املعرفة ف�إنه يطرح �س�ؤا ًال‬ ‫�أول �ي � ًا يتعلق ب�ح��دود املعرفة و�إمكاناتها‬ ‫و�أمنطها التي ثبتت �أركانها‪ ،‬و�أ�صبح لها‬ ‫منطق ملزم ال ميكن �إن�ك��اره‪� .‬إن م�شكلة‬ ‫املعرفة عند الباحث تكمن يف �أن التاريخ‬ ‫االجتماعي للمعرفة يف الإ�سالم تكمن يف‬ ‫هيمنة النمط الإمي��اين على كل املناطق‬ ‫املعرفية الأخ��رى املمكنة للإن�سان‪ .‬جتاه‬ ‫ذلك �سعى ال�سلفيون املحدثون �إىل تعديل‬ ‫تلك النظرة من دون �أن يقوموا بتحليل‬ ‫ظواهر الإمي��ان والطبيعة والعقل و�إعادة‬ ‫ر�سم احل��دود بينها‪� .‬إن م�شكلة الإ�سالم‬ ‫املعا�صر تتمثل يف وظيفة العلم لأن العلم‬ ‫ب��ذات��ه لي�س ح�ي��ادي� ًا‪ ،‬ب��ل ه��و م �ت��ورط يف‬ ‫�أمور الب�شر ودنياهم‪ .‬وعلى �صعيد معطى‬ ‫العمل ف ��إن الإ�شكالية تكمن م��ن وجهة‬ ‫نظره يف كون الأولوية باتت للفكر واللغة‬ ‫ولي�ست للعمل وال�صنع‪ ،‬كما ي��دل عليه‬ ‫ت�صنيف العرب امل�سلمني للعلوم‪ ،‬حيث‬ ‫و��ض�ع��وا ال�ع�ل��وم الفكرية يف قمتها‪ ،‬ويف‬ ‫الأ�سفل منها املهن اليدوية وال�صناعية‪.‬‬ ‫وي ��رد ال �ب��اح��ث ت�ل��ك ال�ق�ي�م��ة �إىل الفكر‬ ‫اليوناين الذي ت�سرب �إىل الإ�سالم ‪ ،‬لكنه‬ ‫ي��رى �أن امل�شكلة ال�سيا�سية الإ�سالمية‬ ‫التي تعترب م�شكلة امل�شاكل تنبع من كونها‬ ‫لي�ست م�شكلة حكم و�سلطة وح�سب‪ ،‬بل‬ ‫هي ذات وجه اجتماعي قائم يف ت�صورها‬ ‫وعلى �أ�سا�سها تقوم عالقات الب�شر داخل‬ ‫املجتمع‪ .‬يف النهاية ي�ؤكد الباحث على �أن‬ ‫الوجود احلقيقي يف التاريخ هو الوجود‬ ‫ال��ذي ي�ستوعب ال�ت��اري��خ ويتخطاه على‬ ‫ال��دوام با�ستمرار لي�صتع تاريخ ًا جديد ًا‬ ‫و�أن احل�ق�ي�ق��ة الإ� �س�لام �ي��ة م �ت �ج��ذرة يف‬ ‫ال��زم��ان‪ ،‬و�أن ح�ضور الإ��س�لام يف العامل‬ ‫يتطلب بناء �إن�سان جدير ب��االق�ت��داء به‬ ‫وقادر على التحليل والت�شخي�ص والعالج‬ ‫وي ��ؤم��ن ب��احل��ري��ة‪ ،‬وي �ك��ون ج��ل ه��دف��ه هو‬ ‫خدمة الإن�سان لكي ينال ر�ضا اهلل‬


‫كالم أخير‬ ‫تراثناالشعبي‬ ‫د ‪ .‬را�شد املزروعي‬ ‫سطر التاريخ‬ ‫لقد‬ ‫ّ‬ ‫كلمات رائعة خرجت‬ ‫من إنسان يعشق‬ ‫التراث فكانت مقولته‬ ‫الشهيرة‪:‬‬ ‫«البد من الحفاظ‬ ‫على تراثنا القديم ألنه‬ ‫األصل والجذور‪ ،‬وعلينا‬ ‫أن نتمسك بأصولنا‬ ‫وجذورنا العميقة»‪.‬‬ ‫وكذلك‪« :‬إن اإللمام‬ ‫بالتراث ينير األفكار وينير‬ ‫طريق الحياة»‪ ،‬زايد بن‬ ‫سلطان آل نهيان‪.‬‬

‫�صدقت رحمك اهلل‪ ،‬ومن هذا املنطلق �أعود‬ ‫�إليكم من جديد لنكمل م�سريتنا الرتاثية‬ ‫ال�شعبية يف خدمة هذا الوطن املعطاء‪� .‬أعود‬ ‫تر�سخت فينا ظاهرة حب الرتاث‬ ‫�إليكم وقد ّ‬ ‫ال�شعبي يف �شتى جماالته‪ .‬ففي ال�سنوات الأخرية‬ ‫ازداد االهتمام بالرتاث ال�شعبي على م�ستوى‬ ‫وتر�سخ يف �أذهان الن�شء اجلديد من‬ ‫الدولة ّ‬ ‫خالل املهرجانات ال�شعبية التي تقيمها خمتلف‬ ‫الهيئات الثقافية والرتاثية يف الدولة‪ ،‬فهناك‬ ‫املهرجانات الرتاثية ال�شعبية العامة‪ ،‬واملهرجان‬ ‫ال�شعري ال�شعبي‪ ،‬و�شاهدنا مهرجانات �سباقات‬ ‫الهجن املختلفة‪ ،‬وتبعتها مهرجانات مزاينة‬ ‫الإبل التي �أقيمت ال�شهر املا�ضي يف املنطقة‬ ‫الغربية ب�أبوظبي‪ .‬كما �أن هناك مهرجان‬ ‫الرطب ال�سنوي يف املنطقة الغربية �أي�ض ًا‪،‬‬ ‫�إىل جانب هذا وذاك انت�شرت القرى الرتاثية‬ ‫ف�شجعت ال�شباب‬ ‫اخلا�صة على م�ستوى الدولة‪ّ .‬‬ ‫للدخول يف هذا املجال وجتربته‪ ،‬فازدادت‬ ‫�أعداد تلك القرى واملتاحف الرتاثية اخلا�صة‬ ‫التي حتكي تاريخ الوطن وتراثه و�آثاره‪ .‬كما �أن‬ ‫الو�سائل الإعالمية �شاركت �أي�ض ًا وبقوة يف ن�شر‬ ‫ذلك الوعي الرتاثي بني �أبناء اجليل احلديث‪،‬‬ ‫فت� ّأ�س�ست الربامج الرتاثية الإذاعية يف خمتلف‬ ‫مناطق الدولة‪ ،‬تلك الربامج التي حتكي ق�صة‬ ‫تراثنا وتاريخنا االجتماعي وت�صويره و�إخراجه‬ ‫بروح ع�صرية جديدة يفهمها �أبناء هذا اجليل‬ ‫ٍ‬ ‫اجلديد‪ .‬كما �شاركت التكنولوجيا يف هذا‬ ‫املجال بالكثري من الربامج الرتاثية وامل�سابقات‬ ‫املحلية الأ�صيلة التي تبحث يف املوروث ال�شعبي‪،‬‬ ‫وت�شرح مفرداته و�أ�سا�سياته ليطلع عليها اجليل‬ ‫احلا�ضر وي�ستوعبها لترت�سخ يف ذهنه وي�سهم‬ ‫بها يف حياته االجتماعية خا�صة من الأبناء‬ ‫ال�صغار‪.‬‬ ‫خ�ضم هذه التحركات واملجهودات‬ ‫ويف‬ ‫ّ‬ ‫الرتاثية ال�شعبية التي ت�صب كلها يف م�صلحة‬ ‫جمتمع الإمارات وحتافظ على بنيته الرتاثية‬ ‫واالجتماعية وت�ضيء النور لأبنائه ال�شباب‪،‬‬ ‫حتى ينهجوا نهج �آبائهم و�أجدادهم‪ ،‬نعود نحن‬

‫يف جملتكم «تراث» التي متثل منرب الرتاث‬ ‫ال�شعبي يف نادي تراث الإمارات لن�سهم يف‬ ‫�إحياء تراثنا وترقيته وتطويره‪ ،‬نعود وكلنا‬ ‫�أمل يف �أن تكون هذه املجلة الوجه الأ�صيل‬ ‫واملر�آة التي تعك�س تراث الإمارات االجتماعي‬ ‫وال�شعبي‪� .‬سرن ّكز �إن �شاء اهلل يف �أعدادنا املقبلة‬ ‫من جملتكم «تراث» على الكثري من املوا�ضيع‬ ‫والدرا�سات الرتاثية التي حتكي تاريخ وتراث‬ ‫هذا الوطن الغايل‪ ،‬و�سنج ّملها ب�شتى العناوين‬ ‫املحلية ال�شعبية الرتاثية من �أمثال و�ألغاز‬ ‫�شعبية وعادات وتقاليد وفنون وفلكلور �شعبي‬ ‫و�شعر وحكايات‪�....‬إلخ‪ ،‬فدعونا ننه�ض بها‬ ‫�سو ّي ًا ونعيدها �إىل الأ�صل الذي ينبع من بيئتنا‬ ‫املحلية‪ ،‬من واحاتنا ومن قرانا‪ ،‬من رمالنا‬ ‫الذهبية‪ ،‬ومن نخيلنا و�أفالجنا العذبة‪ ،‬لرن�سم‬ ‫لوحات تراثية مقروءة بني طيات �صفحاتها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ون�ضيء من خاللها الدرب لأبنائنا ال�صغار‬ ‫وننهل جميع ًا من نبع الرتاث ال�شعبي الأ�صيل‬ ‫ليكربوا وهم رافعون �شارة الرتاث فوق �أكتافهم‬ ‫معتزّين به‪ ،‬مِ َ‬ ‫ول ال فهو تراث �آبائهم و�أجدادهم‬ ‫الذي �أحيا نبتته قائد م�سريتنا وحميي تراثنا‬ ‫ال�شعبي املغفور له ب�إذنه تعاىل ال�شيخ زايد بن‬ ‫�سلطان �آل نهيان رحمه اهلل‪ ،‬و�سار على نهجه‬ ‫ودربه رئي�س دولتنا �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة‬ ‫بن زايد �آل نهيان حفظه اهلل ورعاه‪ ،‬وبتوا�صل‬ ‫وتوجيهات �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان‬ ‫ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة رئي�س نادي‬ ‫تراث الإمارات وبدعم الفريق �أول �سمو ال�شيخ‬ ‫حممد بن زايد �آل نهيان ويل عهد �أبوظبي‬ ‫نائب القائد الأعلى للقوات امل�سلحة‪ ،‬وهم ال‬ ‫يدّخرون و�سع ًا وجهد ًا يف املحافظة على‬ ‫هذه املجهودات الرتاثية يف �شتى امليادين‬ ‫وخمتلف املواقع واملناطق يف الدولة‪.‬‬ ‫دعوة تراثية نطلقها لقرائنا الكرام من‬ ‫الإخوة والأخوات‪ ،‬بامل�ساهمة يف جملتكم‬ ‫مبا جتود به �أقالمكم خدمة لرتاثنا‬ ‫ال�شعبي لن�سهم جميع ًا يف ن�شر وحفظ هذا‬ ‫الرتاث اخلالد‬



‫صدر مع مجلة تراث خالل عام ‪ 2012‬م‬ ‫اليمن ‪ ،1929‬انطباعات ومشاهدات البعثة السوفيتية‬ ‫األملانية السينامئية‪ ،‬ترجمة د‪ .‬سعيد دبعي‬ ‫تعدد الرواية يف الشعر الجاهيل‪ ،‬د‪ .‬أمين بكر‬ ‫ذاكرة الطني‪ ،‬شواهد من الرتاث املعامري والعسكري‬ ‫يف مدينة العني‪ ،‬د‪ .‬محمد فاتح صالح زعل‬ ‫حكمة األجداد يف تراث مجتمع اإلمارات‬ ‫دراسة سوسيولوجية يف األمثال الشعبية‪ ،‬د‪ .‬أحمد محمود الخليل‬ ‫تأريخ القدامى للشعر إىل نهاية القرن الرابع‬ ‫مدونة املرزباين أمنوذجاً ‪ ،‬د‪ .‬محمد حبيبي‬ ‫اسرتاتيجية التأويل الداليل عند املعتزلة‪ ,‬الدكتور هيثم رسحان‬ ‫التوجيه البالغي للقراءات القرآنية‪ ،‬د‪ .‬أحمد سعد محمد سعد‬ ‫رسائل البرشى يف السياحة بأملانيا وسويرسا عام ‪ ،1889‬حسن توفيق العدل‬ ‫مثرات ناضجات من جنان الشعر العريب‪ ،‬د‪ .‬عايدي عيل جمعة‬ ‫الفكر الرتبوي الرتايث الخطيب البغدادي أمنوذجاً ‪ ،‬للدكتور بوزيد الغىل‬ ‫النظم والتأويل يف الفكر البالغي العريب‪ ،‬للدكتور محمد سعد شحاته‬

‫يـ�شـــدر كـل �شــهر‬

‫(‪)7‬‬

‫ويوزع جمانـ ًا مع جمـلة تراث‬

‫هذا الكتاب‬

‫(‪)6‬‬

‫الغي‬ ‫وجي ُه الب َ ِ‬ ‫التَّ ِ‬ ‫ات ال ُ‬ ‫ق ْرآ ِنيَّ ْة‬ ‫ء‬ ‫لقرَا َ ِ‬ ‫ِل ِ‬

‫هيثم �سرحان‬

‫ب��اح��ث �أك��ادمي��ي متخ�ص�ص يف‬ ‫ال�ب��اغ��ة وال�ن�ق��د الأدب� ��ي‪ ،‬يعمل‬ ‫ح��ال�ي� ًا اأ� �س �ت��اذ ًا م���س��اع��د ًا بق�سم‬ ‫ال �ل �غ��ة ال �ع��رب �ي��ة وال ��درا�� �س ��ات‬ ‫الإ�سامية‪ ،‬كلية الرتبية‪ ،‬جامعة‬ ‫عني �سم�س‪ ،‬م�سر‪.‬‬ ‫ل� ��ه ع � ��دة م� ��ؤل� �ف���ات يف جم ��ال‬ ‫ت �خ �� �س �� �س��ه‪ ،‬م �ن �ه��ا (الأ�� �س����ل‬ ‫الباغية يف كتاب �سيب�يه واأثرها‬ ‫يف البحث الباغي)‪( ،‬التطبيق‬ ‫ال��ب��اغ��ي ‪ -‬امل� �ع ��اين وخ���ا���س‬ ‫الرتاكيب)‪( ،‬التطبيق الباغي‬ ‫ال �� �س���ر ال�ب�ي��ان�ي��ة)‪ ،‬التطبيق‬‫ال�ب��اغ��ي ‪-‬ال���س���ر البديعية)‪،‬‬ ‫(نظرية الباغة العربية‪ :‬درا�سة‬ ‫يف الأ�س�ل املعرفية)‪ ،‬و(مدخل‬ ‫اإىل الباغة العربية)‪.‬‬

‫استراتيجية التأويل الـداللي‬

‫د‪� .‬أحمد �سعد حممد �سعد‬

‫اقت�ست حكمة اهلل �سبحانه يف قراآنه الكرمي‬ ‫اأن تتغاير اأوج��ه ق��راءات��ه؛ لتي�سري ذك��ره يف‬ ‫التاوة‪ ،‬والإيجاز يف ت�س�ير معانيه وا�ستيعاب‬ ‫اأحكامه‪ ،‬وقيَّ�س لاهتمام بها ك�كب ًة من‬ ‫العلماء عُ ن�ا بنقلها والتثبُّت من رواياتها‪،‬‬ ‫كما عُ ن�ا بت�جيهها والحتجاج لها اأو بها ك ٌّل‬ ‫بح�سب ُمتَّجهه ومنزعه؛ فاتخذ منها اللغ�ي‬ ‫�ساهدًا على قاعدته اأو حجة ملذهبه‪ ،‬واعت�سد‬ ‫بها الفقيه يف ا�ستنباط الأحكام اأو يف ترجيح‬ ‫حكم على اآخر‪ ،‬وت��سَّ ل املتكلم ببع�س وج�هها‬ ‫يف اإثبات مذهبه اأو يف رد مذهب غريه‪ ،‬وكانت‬ ‫و�سيلتهم جميعًا اإىل ذلك هي التحليل اللغ�ي‬ ‫والنح�ي لعنا�سرها‪.‬‬ ‫وبزغ من خال هذه الجتاهات يف الت�جيه‬ ‫اجت��ا ٌه اآخ��ر ك��ان يُعني بالبحث يف معانيها‪،‬‬ ‫وت�ل� ُّم����س الأوج � ��ه ال�ب��اغ�ي��ة امل��رتت �ب��ة على‬ ‫تغايرها واختافها‪ ،‬حتى جعلها ابن اجلزري‬ ‫(ت‪832‬ه�) وال�سي�طي (ت ‪911‬ه�) وجهًا‬ ‫من وج�ه الإعجاز الباغي يف القراآن الكرمي‪.‬‬ ‫هذا الكتاب يتتبع الظ�اهر الباغية التي بثَّها‬ ‫علما ُء ال�سلف يف معر�س ت�جيههم للقراءات‬ ‫املت�اترة وغريها‪ ،‬ور�سدها؛ ثم ال�ق�ف على‬ ‫طرائقهم يف الإ�سارة اإليها اأو حتليلها‪ ،‬وبيان‬ ‫اأثرها يف البحث الباغي اخلال�س اأو تاأثرها‬ ‫به؛ حتى تقع بذلك م�قعها املنا�سب يف حركة‬ ‫تاأ�سيل الباغة وجتديدها‪.‬‬

‫اإ�شدارات‬

‫‪2012‬‬

‫د‪� .‬أحمد �سعد حممد �سعد‬

‫هــديــــة‬

‫مع جملة تراث‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.