انطالق م�شروع «خليفةبلغات العامل» تراثية ثقافية منوعة ت�صدر عن نادي تــــــــــــــــراث الإمـارات العـدد 159يناير 2013
شيء جديم بس واااايد حلو إبل العزبة الذهبية حت�صد النوامي�س
السنافي..
رمز الت�صحية و�صمو الأخالق
النخلة ..
ملكة جمال ال�شجر يف ال�صعر العربي
وح .. ل َ ْبل ُ ْ
عادة ت�شمني ن�شاء ال�شحراء
د .الطاهر مكي:
نظريات العوملة واحلداثة موجودة يف تراثنا
مع العدد كتاب الشهري
الرتاث فـي عيون النا�س
مهرجان سمو الشيخ
سلطان بن زايد آل نهيان لإلبل بسويحان
المسابقة الشعرية يرس بيت الشعر بأبوظبي اإلعالن عن املسابقة الشعرية املصاحبة ملهرجان سمو الشيخ سلطان بن زايد الرتايث لإلبل بسويحان يف الفرتة من 2013/2/15 - 2/1
رشوط املسابقة:
-1املشاركة بقصيدة ال تقل عن 15بيتاً وال تزيد عن 20بيتاً. -2موضوع القصيدة يتكون من جزئني :األول افتتاحية عن املهرجان والثاين وصف املحليات األصايل وجاملها ويفضل أن تكون القصيدة عىل البحور اآلتية (الونّة -الردحة -التغرودة). -3املسابقة مفتوحة للشعراء والشاعرات من كافة األعامر. -4املسابقة حرصاً ملواطني دولة اإلمارات العربية املتحدة. -5أن تكون القصيدة جديدة من إبداع الشاعر نفسه ومل يسبق له االشرتاك بها يف أي مسابقة أخرى ومل تنرش يف أي وسيلة أو جهة إعالمية. -6سيتم دعوة الفائزين إللقاء قصائدهم أمام اللجنة املرشفة عىل املسابقة. -7سيتم منح الفائزين الخمسة األوائل جوائز قيمة. -8ستنرش القصائد الفائزة يف كتيب سيوزع خالل املهرجان. للتواصل050 2365805 :
تسلم القصائد باليد يف موعد أقصاه يوم األحد 2013/1/13مبقر مركز زايد للدراسات والبحوث، (بيت الشعر) يف البطني ،خلف مرصف أبوظبي اإلسالمي .خالل الدوام الرسمي للمركز من الساعة 8:00صباحا 3:00 -عرصاً أو عن طريق الربيد اإللكرتوين .التايلhouse.of.p2012@gmail.com :
صوت من المستقبل ال أحب الكتب ألنني زاهد يف احلياة ،ولكنني أحب الكتب ألن حياة واحدة ال تكفيني ،ومهما يأكل اإلنسان فإنه لن يأكل بأكرث من معدة واحدة ،ومهما يلبس فإنه لن يلبس على غري جسد واحد ،ومهما ينتقل يف البالد فإنه لن يستطيع أن يحل يف مكانني .ولكنه بزاد الفكر والشعور واخليال يستطيع أن يجمع احليوات يف عمر واحد ،ويستطيع أن يضاعف فكره وشعوره وخياله ،كما يتضاعف الشعور باحلب املتبادل، وتتضاعف الصورة بني مرآتني .
عباس حممود العقاد
محتويات العدد تراثية ثقافية منوعة ت�صدر عن مركز زايد للدرا�سات والبحوث بنادي تراث الإمارات
امل�شرف العام
د .را�شد �أحمد املزروعي مدير التحرير
وليد عالء الدين �سكرتري التحرير
حممــد �سعد النمـــر هيئة التحرير
�شـم�سـة حـمـد الظاهـري فاطمة نايع املـنـ�صـوري موزة عوي�ص الدرعي ناجية الكتبي املديـر الفنـي
فــواز نـاظــم ر�س ــوم
حـ�سـن �إدلـبـي حممد بريم �أدهم العك�ش الإخراج والت�صميم
�إيـنـا�س درويـ�ش هـاتف00971 2 2223000 : فـاك�س00971 2 6651115 : �ص.ب� :أبو ظبي 27765
Email: turathmag1@gmail.com
مدير التحرير
waleedalaa@hotmail.com
�أبوظبي للإعالم -توزيع
الرقم املجاين8002220 : لالت�صال من اخلارج 00971 2 4145000 : فاك�س 00971 2 4145050 : distribution@admedia.ae
تراث ال�شهر :ت�ألقت العزبة الذهبية لإبل �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو 14 رئي�س الدولة رئي�س نادي تراث الإمارات و�أجناله ،يف فعاليات الدورة ال�ساد�سة ملهرجان الظفرة ملزاينة الإبل الذي نظمته ال�شهر الفائت هيئة �أبوظبي للثقافة والرتاث يف مدينة زايد يف املنطقة الغربية .وحتى مثول املجلة للطباعة ،ت�صدرت �إبل العزبة الذهبية عدد ًا كبري ًا من م�سابقات املزاينة وح�صدت النوامي�س وحظيت بن�صيب وافر من تر�شيحات اجلمهور وخرباء املزاينات الذين ر�أوا �أن ا�شرتاك العزبة الذهبية اململوكة ل�سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان يف حد ذاته نامو�س وت�شجيع من القيادة احلكيمة التي تدعم تراث الأجداد وهوايات الأحفاد ا�ستمرار ًا لنهج املغفور له ب�إذن اهلل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان طيب اهلل ثراه . الغالف :ال خالف على �أن مهمة غر�س الرتاث يف نفو�س الأوالد والبنات ت�أتي �ضمن �أولويات العديد 34 من اجلهات الر�سمية والأهلية ،لكن هل ا�ستطاع م�صطلح الرتاث �أن يتخذ مكانة وا�ضحة بني �أفراد املجتمعات العربية ،و�أن يكت�سب ذلك احل�ضور املنظم الذي ينعك�س على �أدائهم يف حياتهم اليومية؟. الزميل حممد النمر اخترب هذه الفر�ضية عرب توجيه �س�ؤال (ماذا تعني لك كلمة تراث؟) لعينة ع�شوائية �ضمت خمتلف فئات وطبقات املجتمع يف الإمارات على اختالف �أعمارهم وانتماءاتهم وخلفياتهم الثقافية والفكرية .مكتفي ًا باالنطباع الأول لكل �شخ�ص لأنه الوحيد الذي يلم�س ال�صورة الذهنية املطبوعة يف عقله عن الرتاث .وكانت النتيجة مثرية للده�شة والت�سا�ؤل �إىل حد كبري. �ساحة احلوار :قال الباحث واملحقق ال�شهري الدكتور الطاهر مكي �إن تراثنا العربي زاخر ب�آالف 44 املخطوطات العلمية يف الطب وال�صيدلة والفلك والكيمياء والزراعة ،مما قد يت�ضمن نواة الكت�شاف علمي جديد �أو فتح الطريق �أمام اخرتاع ما ،وا�ضاف �أننا للأ�سف ال نقر�أه وال نن�شره وال تعرف كليات الطب عندنا �شيئ ًا عنه ،بينما يفعل الغرب ذلك ويفوز بالأ�سبقية والأولوية يف الو�صل �إىل تلك املكت�شفات ،وا�ضاف يف حواره مع ال�صحايف خالد بيومي من القاهرة �إن املخطوطات العربية ما زالت موزعة يف العامل ومل يحاول �أحد �أن يح�صيها ،ملقي ًا اللوم على امل�ؤ�س�سات العربية التي و�صفها بامل�ؤ�س�سات الورقية ،وقال �إن هناك من يحاول �أن يهيل الرتاب على دور العرب وامل�سلمني يف تقدم احل�ضارة العاملية ،الفت ًا �إىل دور امل�ست�شرقني يف هذا ال�صدد م�صنف ًا توجهاتهم وانتماءاتهم. ارتياد الآفاق « :لقد �سنحت يل الفر�صة �أن �أزور دولة الإمارات العربية املتحدة ،هذه الدولة العربية 60 الإ�سالمية التي �سمعت و�شاهدت عنها الكثري من الأ�شياء املميزة يف ن�شرات الأخبار ،لكن الواقع كان �أجمل و�أرقى بكثري مما تقدمه قنوات التلفزيون ،لقد وجدت دولة عاملية بكل املقايي�س ،و�أنا�سا يف �أعلى درجات الإن�سانية والرقي ،فكان �إح�سا�سي نحو هذه الدولة وحكامها ومواطنيها ومعمارها وكل �شيء فيها تلخ�صه كلمة واحدة� ،إنها :االنبهار» .هكذا ا�ستهل الباحث الأكادميي املغربي موالي حممد ا�سماعيلي كتابته حول رحلته املعا�صرة التي قام بها �إىل دولة الإمارات ،م�سج ًال م�شاهداته ومالحظاته على هذه الدولة العربية التي جنحت يف �أن تقدم نف�سها �أمنوذج ًا ح�ضاري ًا مثري ًا للإعجاب. املحكي �شعراً :يعد ال�شاعر حممد بن �صقر بن جمعه ،ال�شهري بابن �صنقور ،من كبار �شعراء النبط يف 72 الإمارات وهو �أكربهم �سن ًا ،عا�صر حتوالت احلياة يف الدولة منذ الع�شرينيات وكان �شاهد ًا على مراحل نه�ضتها ،وقد طرق ابن �صنقور معظم �أبواب ال�شعر النبطي كالغزل واملديح وال�شكاوى واالجتماعيات و�أجاد الردح والونة وا�شتهر بالق�صائد املربوعة واملثلوثة ،الباحث الدكتور را�شد �أحمد املزروعي يعرفنا بابن �صنقور الذين ي�صفه بالذاكرة الثقافية الرتاثية احلية ،ويختار مناذج من �أ�شعاره يف زاوية املحكي �شعر ًا. قال الراوي :ال�سنايف ،منزلة رفيعة ال تقل عن ال�سهى �أو الرثيا يف نف�س العربي البدوي .فمن هو 98 ال�سنايف؟ وما هي �صفاته؟ وهل هو حقيقة �أم خيال؟ �أم جمرد ق�صة تتداولها املجال�س حتى �أ�صبحت كاخلرافات التي تعج بها الثقافة العربية؟ ت�سا�ؤالت يجيب عليها الباحث �سرور خليفة الكعبي يف زاوية قال الراوي. 110مدن � :شهدت جزيرة �أبوظبي – امل�ستوطنة اجلديدة على ال�ساحل -يف القرن الثامن ع�شر -ومنذ اكت�شاف املاء فيها عام - 1761منو ًا مت�سارع ًا يف جوانب متعددة منها ما كان �سيا�سي ًا و�آخر اقت�صادي ًا واجتماعي ًا ،رحلة �شائقة من الندرة �إىل الوفرة مرت بها �إمارة �أبوظبي منذ بداية ظهور حياة �شبه م�ستقرة فيها و�صو ًال �إىل النموذج الراهن الذي ما كان لهذه الإمارة �أن ت�صل �إليه �إال بف�ضل ال�سيا�سة احلكيمة التي انتهجها �شيوخ �آل نهيان يف �إدارتهم ل�ش�ؤون �إمارتهم ،قراءة تاريخية للحياة االقت�صادية لإمارة �أبوظبي تقدمها لنا الباحثة موزة عوي�ص الدرعي.
60
يا هال
ي ا ه ال
التراث الحي
72
52
138
سعر النسخة
الإمارات العربية املتحدة 10دراهم -اململكة العربية ال�سعودية 10رياالت الكويت دينار واحد � -سلطنة عمان 800بي�سة -قطر 10رياالت -مملكة البحرين دينار واحد -اليمن 200ريال -م�صر 5جنيهات - ال�سودان 250جنيهاً -لبنان 5000لرية � -سورية 100لرية -اململكة الإردنية الها�شمية ديناران -العراق 2500 :دينار -فل�سطني ديناران - اململكة املغربية 20درهماً -اجلماهريية الليبية 4دنانري -اجلمهورية التون�سية ديناران -بريطانيا 3جنيهات � -سوي�سرا 7فرنكات -دول االحتاد الأوروبي 4يورو -الواليات املتحدة الأمريكية وكندا 5دوالرات. االشتراكات
للأفراد داخل الدولة »100« :درهم /للأفراد من خارج الدولة»150« : درهماً /للم�ؤ�س�سات داخل الدولة »150« :درهماً /للم�ؤ�س�سات من خارج الدولة »200« :درهم.
املراجع حل�صاد العام املا�ضي ،على حمور الرتاث يف دولة الإمارات ،البد و�أن ي�شعر مبزيج من ال�سعادة والر�ضا ،فقد حفلت �أجندة فعاليات عام 2012بقدر كبري من الأن�شطة املنوعة التي ا�ستهدفت �إحياء دور الرتاث يف احلياة و�إخراجه من حيز االحتفاء �إىل حيز االنتفاع ،باعتباره حمتوى فكري وثقايف و�أخالقي وقيمي حي ،كفيل باحلفاظ على الهوية الأ�صيلة لهذا البلد ،وتزويد �أبنائه –خا�صة الأجيال اجلديدة -بالعديد من �أ�سباب االعتزاز والفخر بكينونتهم والتم�سك مبالمح هويتهم بينما هم ما�ضني -بعزمية �شهد لها العامل -نحو التفاعل مع احل�ضارة احلديثة والأخذ ب�أ�سباب تقدم العامل املعا�صر �سواء يف العلوم �أوالآداب .وكعادته ،كان نادي تراث الإمارات يف �أبوظبي �صاحب �سبق يف تقدمي باقة منوعة من الن�شاطات والفعاليات ذات ال�صبغة العملية ،التي تفتح الباب وا�سع ًا �أمام الأجيال اجلديدة ملعاي�شة هذا الرتاث والتفاعل معه ب�صورة �إيجابية ،بعيد ًا عن الأ�ساليب التقليدية التي جتاوزتها عقليات تلك الأجيال اجلديدة من ال�شباب ،ومن �أبرز الأمثلة على ذلك تلك الفعاليات امليدانية التي تتحول معها الريا�ضات الرتاثية والألعاب ال�شعبية من جمرد ذكريات من ما�ضي الأجداد �إىل ميادين �سباق حقيقية يتدافع ال�شباب من �أجل �إثبات جدارتهم و�إحراز ق�صب ال�سبق فيها ،خذ مثا ًال �سباقات الفرو�سية ب�أنواعها ،و�سباقات الهجن ب�ألوانها العديدة ،و�سباقات القن�ص بال�صقور، وال�صيد بالكالب ال�سلوقية الأ�صيلة ،والكثري من ال�سباقات البحرية التي ت�ستخدم املراكب الرتاثية التي ا�شتهرت بها �أر�ض الإمارات ودول اخلليج العربي ،وغريها الكثري من الألعاب ال�شعبية التي انتظمت يف �سباقات احرتافية ،وغري ذلك من ن�شاطات كانت يف املا�ضي جزء ًا ال يتجز�أ من مهارات الأجداد ومتطلبات وجودهم على �أر�ض الإمارات، ثم حتولت -بجهود نادي تراث الإمارات وغريه من امل�ؤ�س�سات� -إىل ريا�ضات نظامية لها احتادات ر�سمية وم�سابقات م�شهودة ومعجبون وم�شجعون ومراقبون و�شعبية حتولت معها تلك الن�شاطات من جمرد ذكريات �إىل جزء حي من ن�سيج احلياة يف الإمارات يتطور معه و ُي�سهم يف تعميق ال�شخ�صية املحلية وتر�سيخ ح�ضورها� .ضمن تلك الباقة من الفعاليات جنح النادي يف توفري بيئة جاذبة لفئات حيوية من املجتمع ،نعني بها الطالب، لاللتقاء باملا�ضي والتعرف على �أجماده والنهل من معني تراث الآباء والأجداد ب�صور تفاعلية جذابة ور�شيقة ،ولعل �أبرز الأمثلة على ذلك ملتقى (ال�سمالية) الذي ي�ستقطب �سنوي ًا �آالف الطالب والطالبات من كافة �أنحاء الدولة ليوفر لهم فر�صة امل�شاركة الفعلية يف العديد من الن�شاطات والفعاليات الرتاثية الثقافية والفكرية والريا�ضية ،عرب برامج مدرو�سة وموجهة لتلك الفئات العمرية ،بحيث ي�صبح الرتاث جزء ًا من ثقافتهم العملية لي�س عرب التلقني والدر�س النظري و�إمنا عرب امل�شاركة والتدريب العملي .يف تلك الفعاليات ال يقف احلد عند الن�شاطات البدنية بل تعمل الن�شاطات الفكرية والثقافية والأدبية على �إحياء املوروث ال�شعبي املت�ضمن يف منظومة القيم والأخالق والعادات والتقاليد ال�ضابطة حلركة �سري املجتمع ،بحيث تت�سرب �إىل �أرواح و�أذهان امل�شاركني ب�صورة طبيعية عرب املمار�سة والتفاعل ،فيجد الن�شء الإماراتي متنف�س ًا للتعبري عن ذواتهم وتطوير �شخ�صياتهم و�صقل جتاربهم واختبار قدراتهم على الإبداع والإ�ضافة �إىل موروث الآباء والأجداد ،بحيث ال يعود جمرد خمزون يتم ا�ستدعائه لإثبات عظمة الأجداد ،و�إمنا �أ�سا�س يتم البناء عليه بعد ا�ستيعابه وا�ستلهامه ودجمه �ضمن مفردات احلياة من فنون وريا�ضات و�أدب ،وهكذا تنمو قيمة الرتاث .يف توديع عام م�ضى وا�ستقبال عام جديد ،كان لزام ًا علينا �أن نقدم تلك التحية املتوا�ضعة �إىل جتربة دولة الإمارات يف �إحياء تراثها ،ولي�س جمرد االحتفاء به� ،أي حتويله �إىل مفردات حية يف م�سرية �أبنائها نحو امل�ستقبل ،وهي ال�صيغة التي تفتقدها جتارب العديد من دولنا العربية ،فيا ليت يتم االنتباه �إىل ذلك قبل فوات الأوان.
«تراث»
6
الشهر
الـعــــدد 159
يناير
2013
تحت شعار « َوآل ُؤنا ِخل َ ِي َ فة »
هزاع بن �سلطان �آل نهيان ُيد�شن م�شروع «خليفة بلغات العامل» � أبوظبي -تراث حتت رعاية �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة رئي�س م��رك��ز �سلطان ب��ن زاي��د للثقافة والإعالم ،ح�ضر �سمو ال�شيخ الدكتور هزاع بن �سلطان بن زايد �آل نهيان النائب الأول
لرئي�س نادي تراث الإمارات املدير العام احلفل الر�سمي لفعاليات امل�شروع الوطني ملركز �سلطان بن زاي��د للثقافة والإع�لام «خليفة بلغات العامل» حتت �شعار «وال�ؤنا خليفة» بح�ضور عدد من كبار امل�س�ؤولني
وال�سفراء والفنانني وال��رع��اة واملنظمني والإع�لام �ي�ين وح���ش��د م��ن �أب �ن��اء ال��وط��ن واملقيمني. ان�ط�ل��ق احل�ف��ل ال ��ذي احت�ضنته ال�شهر الفائت منطقة كا�سر الأم��واج يف �أبوظبي
الدكتور هزاع بن �سلطان بن زايد �آل نهيان يفتتح امل�رشوع
بك�شف ال�شيخ الدكتور ه��زاع بن �سلطان �آل نهيان عن جم�سم لأك�بر بوابة تراثية يف العامل حتمل ا�سم �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة ب��ن زاي��د ال نهيان رئي�س الدولة بنحو 200لغة عاملية.
معر�ض للخط العربي و�أوبريت
عقب ذل��ك انتقل �سموه واحل���ض��ور �إىل فندق ق�صر الإم��ارات حيث د�شن �سموه يف القاعة الرئي�سة �أك�بر بطاقة هوية يف العامل واملو�سوعتني املطبوعة والإلكرتونية، وافتتح معر�ض اخلط العربي الذي يعر�ض ا�سم �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة ،حفظه
تضمن المشروع إطالق أكبر بوابة تراثية تحمل اسم رئيس الدولة بنحو 200لغة عالمية اهلل ،مكتوب ًا ب��أك�ثر م��ن 100ط��راز من طرز اخلط العربي ،لبيان اجلمال والرثاء والتنوع يف واحد من �أهم مفردات تراثنا وثقافاتنا م��ن ج�ه��ة ،وليلتقي م��ع بقية الفعاليات الأخرى يف بيان احلب والتعبري عن ال�شكر لقائد م�سريتنا وراعي نه�ضتنا.
وقد �أثنى �سمو ال�شيخ الدكتور ه��زاع بن �سلطان �آل نهيان على م��ا ��ش��اه��ده من فعاليات امل�شروع و�شكر القائمني عليه . عقب ذلك �شهد ال�شيخ الدكتور هزاع بن �سلطان �آل نهيان يف م�سرح ق�صر الإمارات احل �ف��ل ال��ر��س�م��ي للفعاليات ال ��ذي ب��د�أ بال�سالم الوطني لدولة االمارات ثم كلمة مركز �سلطان بن زايد للثقافة واالعالم �أل �ق��اه��ا ��س�ع��ادة �أح �م��د �سعيد الرميثي نائب املدير العام حيث رحب يف بدايتها بت�شريف ال�شيخ الدكتور هزاع بن �سلطان �آل نهيان للحفل ،كما نقل حتيات �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ،ممثل
8
الشهر
الـعــــدد 159
يناير
2013
الإعالن عن �أكرب بطاقة هوية �ضمن امل�رشوع
�صاحب ال�سمو رئي�س الدولة ،رئي�س مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم ،معرب ًا عن �سروره البالغ بتبني هذا احلدث الذي يج�سد احلب ،وي�ؤكد الوالء ،ويعظم الوفاء ل�صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان ،رئي�س الدولة ،حفظه اهلل. وقال �سعادة نائب املدير العام� :إن هذه املبادرة ت�سعى للتعبري عن وافر االمتنان وب��ال��غ التقدير ل�سيدي �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة ،حفظه اهلل ،الذي فاق كل التوقعات وحاز على تقدير العامل �أجمع . و�أكد الرميثي �أن م�شاركة مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم يف هذه املبادرة
تنطلق م��ن ر�ؤي �ت��ه ال�ت��ي اعتمدها �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ،ممثل ��ص��اح��ب ال�سمو رئ�ي����س ال��دول��ة ،رئي�س املركز ،يحفظه اهلل ،وتن�سجم مع �أهدافه
يف �إبراز التنوع الثقايف واحل�ضاري الذي تتميز به دولة الإمارات العربية املتحدة، وتقدم �سموه بال�شكر لكل من �أ�سهم يف هذا العمل ويف هذا احلفل.
مشروع خليفة بلغات العالم يسعى إلى التعبير عن الحب والوفاء لقائد المسيرة الوالد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وتخليد اسم سموه «خليفة»بكتابتهوترجمته بكل لغات العالم
م�شروع رائد ومبادرات وطنية
عقب ذلك �ألقى �سعادة الدكتور املهند�س ع�ل��ي حم�م��د اخل� ��وري م��دي��ر ع ��ام هيئة الإم ��ارات للهوية كلمة ق��ال فيها «يطيب يل يف هذه املنا�سبة� ،أن �أرفع �إىل قيادتنا الر�شيدة برئا�سة �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زاي��د �آل نهيان رئي�س الدولة «ح �ف �ظ��ه اهلل»� ،أ� �س �م��ى �آي� ��ات ال�ت�ه��اين
لقطة جماعية خالل احلفل بح�ضور الدكتور هزاع بن �سلطان بن زايد �آل نهيان
والتربيكات مبنا�سبة اليوم الوطني احلادي والأربعني الحتاد �إماراتنا احلبيبة ،الذي نحتفل به ه��ذه الأي��ام ،داع�ين امل��وىل عز وج��ل �أن يعيد ه��ذه املنا�سبة على وطننا و�شعبنا باخلري والأمن والرفاه. و�أع ��رب ع��ن فخر �أ��س��رة هيئة الإم ��ارات ل�ل�ه��وي��ة ب��امل���ش��ارك��ة ك��راع��ي رئ�ي���س��ي يف امل�شروع الوطني ال��رائ��د «خليفة بلغات ال�ع��امل» ال��ذي ينظمه مركز �سلطان بن زاي��د للثقافة والإع�ل�ام ،كتعبري م�شرتك عن احلب والوالء لـ«خليفة العطاء» ،وحتت �شعار «وال�ؤنا خلليفة». و�أ�شار �إىل �أن دعم هيئة الإم��ارات للهوية
لهذا امل�شروع الرائد مببادراته الوطنية، التي حتاكي املكانة العاملية املرموقة التي بلغتها دولتنا وتعك�س والءن��ا الالحمدود لقيادتنا احلكيمة واملعطاءة ،جاء لن�ؤكد
أوبريت «خليفة بلغات العالم» تحية فنية شارك فيها أكثر من 25فنان ًا وشارك فيه عدد من أبناء الجاليات التي تعيش على أرض الوطن وترغب في أن تعبر عن حبها للشيخخليفةولشعب اإلماراتبلغاتها
حر�ص الهيئة على امل�شاركة يف خمتلف الأن���ش�ط��ة وال�ف�ع��ال�ي��ات وامل �� �ش��اري��ع التي ت�ستهدف تعزيز الهوية الوطنية ورفع راية الوالء لقيادتنا الر�شيدة. و�أ�ضاف «�إن تعاون هيئة الإم��ارات للهوية مع مركز �سلطان بن زايد يف هذا امل�شروع الوطني الرائد ،ي�أتي مبثابة منا�سبة �سامية لتجديد العهد على موا�صلة العمل نحو حتقيق ر�ؤي��ة قيادتنا احلكيمة ،ال�ساهرة على راحة �أبنائها واحلري�صة على توفري �سبل احل �ي��اة ال�ك��رمي��ة ل�ه��م ،وال���س��ائ��رة بدولتنا نحو ال� ُع�لا وال�ت�ق��دم وال��رق��ي يف م�سرية احتاد اخلري والعطاء».
10
الشهر
الـعــــدد 159
يناير
2013
الدكتور هزاع بن �سلطان �آل نهيان و�ضيوفه خالل االفتتاح
م��ن ج��ان�ب��ه ق��ال ال���س�ي��د ع�ب��د احلكيم يو�سف امل�شتغل ،ممثل الرئي�س واملدير التنفيذي ل�شركة «�إميال» نائب الرئي�س – املوارد الب�شرية والكفاءة التنظمية يف كلمة باملنا�سبة �أ��ش��ار فيها �إىل �أن االمارات تعي�ش هذه الأيام عبق منا�سب ٍة غالي ٍة على قلوبنا ،هي «احتاد �إماراتنا» البيت الغالية .ت ِلك الأم املِعطاء ،وذلك ُ الف�سيح ال ��ذي ي�ق��ف ��ش��اخم� ًا وف��احت � ًا ِذراع�ي��ه الحت�ضان كل من ي�س ُكن فوق ب�سالم و�أمانٍ و�سعادة. تُرابه ٍ
وا�ضاف « هنيئ ًا لكل من كانت «الإمارات» بيتهُ ،و�ش ّكل «االحت� ��ادُ» � ِ��ش�ع��ار ُه ،وكانت ِحكمة «زايد» ُر�ؤيته ،وراية «خليفة» �سماءه. ولكم نحن حمظوظون بالقيادة الر�شيدة لدولتنا ،التي باتت �سيا�ستها احلكيمة
الرميثي :مشاركة مركز سلطان بن زايد للثقافة واإلعالم في هذه المبادرة تنطلق من رؤيته التي اعتمدها سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، حفظه اهلل.
ُعنوان ًا للرخاء ،و ُر�ؤي� � ًة للتم ّيز جعلت من دولة الإمارات ا�سم ًا عاملي ًا ُي�شار له م�صاف الدول بالبنان ،ودول ًة رائد ًة يف ِ املتقدمة. و�أك��د :وها نحن اليوم من�ضي خلف راية ق��ائ� ٍ�د ُم�ل�ه� ٍ�م ف��ذ ،ق��ائ� ٍ�د ا�ستمد عزميت ُه وا�صرار ُه من �صميم ُر�ؤية «زايد» طيب اهلل ثراه� .إننا من�ضي خلف راية «خليفة» ،فعلى يد �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان «حفظه اهلل» ،عاهدنا �أنف�سنا على الوالء ،والبذل والعطاء يف �سبيل هذا
الشحي :المشروع ترجمة صادقة للحب الذي يحظى به صاحب السمو رئيس الدولة لدى شعبهوالشعوبالعربية واإلسالميةوشعوب العالم أجمع وتتويج لمسيرةعظيمةلقائد عظيم لتج�سيد م�شاعر احلب والوفاء رد اجلميل ل�صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان حفظه اهلل ،من خالل امل�ساهمة يف تخليد ا�سم �سموه بكل لغات العامل. وقال :نحن فخورون ب�أن نكون اليوم ُجز ًء من �إط�لاق �أك�بر بوابة تراثية يف العامل، تُخ ّلد ا�سم قائدنا «خليفة» ب�أكرث من لغة عاملية� .إن هذه املبادرة الفريدة ،تعك�س بو�ضوح ُح��ب وتقدير ال�شعب الإم��ارات��ي ال ��ويف لقيادته ال��ر��ش�ي��دة ،وحت�ف��ر ا�سم اثي بطابع معلم ت ُر ٍ «خليفة» يف القلوب ،ويف ٍ عاملي ،لتكون هذه البوابة ال�شاخمة ،رمز ًا لأ�صالة �أب�ن��اء الإم� ��ارات ،وق�ص ًة عاملي ًة وتقدير بال ُحدود حب عميق تروي عالقة ٍ ٍ وقائد ا�ستحق كل معاين �شعب مخُ ل�ص ٍ بني ٍ الوطن ُحكوم ًة و�شعب ًا .و�أن نظل ُمواطنني الوالء والعرفان. �أوف �ي��اء لقائد م�سريتنا وراع��ي نه�ضتنا وتقدم بال�شكر لكل من وقف خلف تنفيذ و�إجن��اح ه��ذه امل�ب��ادرة الوطنية املميزة، «خليفة».
رمز لأ�صالة �أبناء الإمارات
و�أ��ش��ار ممثل الرئي�س وامل��دي��ر التنفيذي ل�شركة «�إمي��ال» �إىل �أن م�شاركة ورعاية «�إمي ��ال» لهذه الفعالية الوطنية «خليفة ري ُمتوا�ضع و�صادق بلغات العامل» ،لهو تعب ٌ �رد يف عائلة «�شركة نابع م��ن قلب ُك��ل ف� ٍ الإم���ارات ل�ل�أمل�ن�ي��وم»� ،إدار ًة وموظفني،
الخوري :إن تعاون هيئة اإلمارات للهوية مع مركز سلطان بن زايد في هذا المشروع الوطني الرائد، يأتيبمثابةمناسبة ساميةلتجديدالعهد على مواصلة العمل نحو تحقيق رؤية قيادتنا الحكيمة
ال�ت��ي ت ��ؤُك��د و ُت���س� ّ�ط��ر حمبة «خليفة» يف القلوب ،وجتعل من �شعار «وال�ؤنا خليفة»، فرد منا ومن كل و�سمة �شرف يف جبني كل ٍ ُر�سخ مواطني و�سكان دولتنا احلبيبة .كما ت ّ ا�سم ق��ائ� ٍ�د عظيم يف �سجالت التاريخ، ومتنحه ويف ن�ف��و���س �أج �ي��ال امل�ستقبل، ُ قلي ًال من عظيم ما �أعطى وطنه ،ليكون «خليفة» بحق مفخر ًة لكل �إماراتي وجلميع العا�شقني لرتاب هذه الدولة الغالية.
م�شروع �إماراتي يخدم الوطن
عقب ذلك �ألقى ال�سيد عي�سى امليل مدير ق �ن��اة �أب��وظ �ب��ي الإم� � ��ارات كلمة �شركة �أبوظبي �أعرب فيها عن �سعادة ال�شركة يف رعاية م�شروع » خليفة بلغات العامل .وهذا احلفل ال��ذي ي�شكل االنطالقة الر�سمية مل�شروع وطني ا�ستثنائي ,م�شري ًا �إىل �أن امل���ش��روع ه��و مبثابة رد اجلميل للوطن وقائده �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان حفظه اهلل ورعاه ،وكذلك لإخ��وان��ه �أ�صحاب ال�سمو ال�شيوخ حكام دولة الإم��ارات ،ولعموم �شعب الإم��ارات، ولكل من عا�ش على هذه الأر�ض الطيبة. و�أك��د �أن �أبوظبي ل�ل�إع�لام ،ت�ضع خدمة املجتمع يف قائمة �أول��وي��ات�ن��ا ،ويف �إط��ار دورن��ا يف دعم مبادرات حكومة �أبوظبي والإم��ارات عامة ،وتفخر اليوم ب�أن تكون قنواتها الإعالمية يف مقدمة الداعمني لهذا احلدث ولتعريف اجلمهور مب�شروع «خليفة بلغات ال �ع��امل» وب�ك��اف��ة جوانبه و�أن�شطته الثقافية. و�أكد �أن دعم �أبو ظبي للإعالم للم�شروع والتزامها به ي�أتيان انطالق ًا من احلر�ص على م�ساندة كل م�شروع �إم��ارات��ي يخدم الوطن وي�سلط ال�ضوء على �إجنازات دولة الإم��ارات وم�شاريعها املتعددة على كافة
12
الشهر
الـعــــدد 159
يناير
2013
ال�صعد الثقافية والعمرانية. وت�ق��دم بال�شكر مل��رك��ز �سلطان ب��ن زاي��د للثقافة والإع�لام و�إدارة م�شروع «خليفة بلغات العامل» على تعاونهم مع �أبوظبي للإعالم ،ون�أمل �أن ي�ستمر هذا التعاون ون�ساهم جميع ًا يف رفعة الوطن وعلو �ش�أنه.
�أوبريت �ضخم
وق��د تابع �سمو ال�شيخ الدكتور ه��زاع بن �سلطان �آل نهيان واحل�ضور �أوبريت بعنوان «خليفة بلغات ال�ع��امل» ال��ذي �شارك فيه �أك�ثر م��ن 25فنان ًا يقدم �إه ��دا ًء للوالد �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة ب��ن زاي��د �آل نهيان حب ًا ووف��ا ًء من �أبناء الإم��ارات ل�ق��ائ��ده��ا ،ي���ش��ارك ف�ي��ه ع��دد م��ن �أب�ن��اء اجلاليات التي تعي�ش على �أر���ض الوطن وترغب يف �أن تعرب عن حبها لل�شيخ خليفة ول�شعب الإمارات بلغتها. ً �شارك يف العمل �أكرث من 25فنانا ،وهو من كلمات ال�شاعر «علي اخل ّوار» ومن �أحلان ال�سعيد وقام بالإ�شراف على الفنان فايز ّ ال�سعيد هذا العمل ال�ضخم الفنان را�شد ّ ال�سعيد، م��دي��ر ع��ام ا�ستديوهات ف��اي��ز ّ و�إخ � ��راج امل�ب��دع��ة الإم��ارات �ي��ة املخرجة نهلة الفهد وفريق عملها املتميز .وكذلك بالتعاون مع ا�ستديوهات فنون الإم��ارات للنجم ح�سني اجل�سمي ب�إ�شراف املهند�س ح�سني بركات. و� �ش��ارك يف ه��ذا العمل ال�ضخم ع��دد من رم��وز الفن منهم ح�سني اجل�سمي ،حم ّمد ال�سعيد ،مع�ضد الكعبي� ،أحمد امل��ازم ،فايز ّ ال�سامل� ،أريام ،فاطمة زهرة الهرمي� ،سعيد ّ العني ،بلقي�س ،جا�سم حم ّمد ،عريب ،رويدا املحروقي ،هزّاع ال ّرئي�سي ،في�صل اجلا�سم، ف� ��ؤاد ع �ب��دال��واح��د�� ،ش� ّم��ا ح �م��دان ،حبيب اليا�سي ،فا�ضل املزروعي ،حممد املنهايل، ف�ؤاد عبدالواحد ،خالد حممد� ،سعيد ال�سامل.
المشتغل :هنيئ ًا لكل من كانت «اإلمارات» بيتهُ، ّ شعار ُه، وشكل «االتحا ُد» ِ وكانت ِحكمة «زايد» رُؤيته ،وراية «خليفة» سماءه م�سرية عظيمة لقائد عظيم
من جانبها قالت هناء �شبانة مدير عام �شركة خطوات النجاح �إن م�شاركة ال�شركة يف امل�شروع الوطني ملركز �سلطان بن زايد للثقافة والإع�ل�ام «خليفة بلغات العامل» حتت �شعار «والءن��ا خليفة» ي�أتي يف اطار امل�سئولية املجتمعية لإب��راز �أهمية الهوية الوطنية وال���روح الإم��ارات �ي��ة م��ن خالل امل���ش��ارك��ة ال�ف�ع��ال��ة يف دع��م الن�شاطات والق�ضايا الوطنية وتتويج مل�سرية عظيمة لقائد عظيم� ،أحب وطنه و�شعبة . ويف خ �ت��ام احل �ف��ل تف�ضل �سمو ال�شيخ الدكتور هزاع بن �سلطان �آل نهيان بتكرمي الرعاة واملنظمني والفانيني امل�شاركني يف �أوب��ري��ت خليفة واخلطاطني وامل�شرفون على امل�شروع .عقب ذلك التقطت �صورة جماعية ل�سموه مع الفانيني و�صرحت ال�سيدة خديجة ال�شحي امل�شرفة
الميل« :خليفة بلغات العالم» مشروع وطني يرد الجميل للوطن وقائده صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان حفظه اهلل ورعاه، وكذلك إلخوانه أصحاب السمو الشيوخ حكام دولة اإلمارات ،ولعموم شعب اإلمارات ،ولكل من عاش على هذه األرض الطيبة
على امل���ش��روع �إىل ج��ان��ب ال�سيد �صالح النعيمي �أن م�شروع «خليفة بلغات العامل » امل�شروع الوطني الرائد الذي �أطلقه مركز ال�شيخ �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم بالتعاون مع م�ؤ�س�سة زايد العليا للرعاية الإن�سانية وذوي االح�ت�ي��اج��ات اخلا�صة وجامعة الإم��ارات و�صندوق ال�شيخ خليفة لدعم م�شاريع ال�شباب وم�شروع خليفة بلغات العامل �إمن��ا هو رد اجلميل للوطن وقائده الوالد القائد ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان و �إخوانه �سمو ال�شيوخ حكام دولة الإم��ارات العربية املتحدة ولكل �إماراتي ومقيم يحب ويع�شق هذه الأر���ض الطيبة وترجمة �صادقة للحب ال��ذي يحظى به �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة ،لدى �شعبه وال�شعوب العربية والإ�سالمية و�شعوب العامل اجمع وتتويج مل�سرية عظيمة لقائد ع�ظ�ي��م� ،أح ��ب وط �ن��ه و�شعبة يف ال��وق��ت الذي يعد تتويج ًا مل�سرية قائد عاملي امتد عطا�ؤه �إىل جميع دول العامل ،خا�صة يف وقت ال�شدائد ،فك�سب احرتام العامل كله، ورفع ا�سم الإمارات عالي ًا كرمز للإن�سانية والعطاء والتطور غري املحدود . وذك��رت �أن م�شروع خليفة بلغات العامل ي�سعى �إىل التعبري ع��ن احل��ب وال��وف��اء ل�ق��ائ��د امل���س�يرة ال��وال��د ��ص��اح��ب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان ،وذلك من خالل تخليد ا�سم �سموه «خليفة» بكتابته وترجمته بكل لغات العامل .وت�أكيد الوالء ل�سموه وتقدير جهوده التي بذلها لرفع �ش�أن الوطن .وتثمني ال�سيا�سة احلكيمة ال �ت��ي خ�ط�ت�ه��ا دول� ��ة الإم� � ��ارات وجعلت مكانتها يف م���ص��اف ال���دول امل�ت�ق��دم��ة. و�إبراز الثقافة الوطنية للدولة من خالل تقديرها للقيادة ،والت�أكيد على الهوية الوطنية الإم��ارات�ي��ة وتفاعلها م��ع جميع ثقافات دول و�شعوب العامل .والت�أكيد على
الدكتور هزاع بن �سلطان بن زايد �آل نهيان ي�سلم الرميثي منوذج �أ�ضخم بوابة تراثية يف العامل
تقدير واحرتام دولة الإمارات للح�ضارات وال �� �ش �ع��وب ،واجل �ن �� �س �ي��ات ال �ت��ي تعي�ش على �أر�ضها با�ستخدام لغاتها املختلفة وامل��ت��ع��ددة ،و�إ� �ش��راك �ه��م يف اح �ت �ف��االت ال��دول��ة .ورد اجلميل للوطن وق��ائ��ده من خالل امل�ساهمة وامل�شاركة الفعالة يف دعم الن�شاطات والق�ضايا الوطنية. ح���ض��ر احل �ف��ل � �س �ف��راء ك��ل م��ن مملكة البحرين و�سلطنة عمان وجمهورية م�صر العربية وعبد اهلل فا�ضل املحريبي وكيل ديوان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة و�أح�م��د �سعيد الرميثي نائب مدير عام مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإع�لام وحممد �سعيد املهريي وكيل دائرة �أعمال
دشن الحفل بطاقة الهوية األكبر في العالم وموسوعتينمطبوعة وإلكترونية �سمو ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي ��د ،وحممد �سعيد الهاملي الوكيل امل�ساعد لقطاع اخلدمات امل�ؤ�س�سية وامل�ساندة ،وعبد اهلل حممد را�شد احلمريي الوكيل امل�ساعد لقطاع االت�صال احلكومي وال��درا��س��ات واملرا�سم ،والدكتور املهند�س علي حممد اخلوري مدير عام هيئة الإمارات للهوية و م�صبح امل�سماري مدير قطاع اخلدمات امل�ؤ�س�سية وامل�ساندة وعائ�شة الري�سي مدير
قطاع العمليات املركزية .ومن�صور �سعيد املن�صوري مدير �إدارة الثقافة مبركز �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم وم�صبح عبيد امل�سماري م��دي��ر ق�ط��اع اخل��دم��ات امل��ؤ��س���س�ي��ة وامل���س��ان��دة بهيئة الإم� ��ارات للهوية وع�ب��د احلكيم يو�سف امل�شتغل، ممثل الرئي�س واملدير التنفيذي ل�شركة «�إمي��ال» «نائب الرئي�س امل��وارد الب�شرية والكفائة التنظمية» وعي�سى امليل مدير قناة �أبوظبي الإم��ارات و�سمرية النعيمي رئي�سة ق�سم � �ش ��ؤون الطلبة والتطوير بالكلية واملنظمني والرعاة وعدد من كبار امل�سئولني والإعالميني وجمهور كبري
14
الشهر
الـعــــدد 159
يناير
2013
�إبل العزبة الذهبية خالل امل�سرية
حصدت النواميس وحظيت بترشيحات الخبراء
العزبة الذهبية لإبل �سلطان بن زايد �آل نهيان تت�ألق يف مهرجان الظفرة ملزاينة الإبل املنطقة الغربية – تراث ت�صوير -جنيب حممد ت�ألقت العزبة الذهبية لإبل �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة رئي�س ن��ادي تراث الإم��ارات و�أجن��ال��ه ،يف فعاليات ال��دورة ال�ساد�سة ملهرجان الظفرة ملزاينة الإبل الذي نظمته ال�شهر الفائت هيئة �أبوظبي ل�ل�ث�ق��اف��ة وال �ت��راث يف م��دي �ن��ة زاي���د يف املنطقة الغربية. وتعد ه��ذه امل�شاركة ه��ي الثالثة للعزبة الذهبية يف مزاينة الظفرة ،وقد حققت ب�يرق «اال��ص��اي��ل» ال�ع��ام املا�ضي وكذلك ���ش��وط ال� �ت�ل�اد وال��ع��دي��د م ��ن �أ�� �ش ��واط
الفرديات ،حيث متلك العزبة العديد من �أقوى الإبل الفردية. وحتى مثول املجلة للطباعة ،ت�صدرت �إبل العزبة الذهبية عدد ًا كبري ًا من م�سابقات امل��زاي�ن��ة وح���ص��دت النوامي�س وحظيت بن�صيب واف��ر م��ن تر�شيحات اجلمهور وخرباء املزاينات الذين ر�أوا �أن ا�شرتاك العزبة الذهبية اململوكة ل�سمو ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي��د �آل نهيان يف ح��د ذات��ه نامو�س وت�شجيع من القيادة احلكيمة التي تدعم ت��راث الأج ��داد وه��واي��ات الأحفاد ا�ستمرار ًا لنهج املغفور له ب�إذن اهلل ال�شيخ
زايد بن �سلطان �آل نهيان طيب اهلل ثراه . ف ��ازت ال�ع��زب��ة ال��ذه�ب�ي��ة امل�م�ل��وك��ة ل�سمو ال�شيخ �سلطان بن زاي��د �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س ال��دول��ة و�أجناله ب��امل��رك��ز الأول يف � �ش��وط اجل �م��ل ت�لاد ،20وعقب الفوز عمت البهجة �أج��واء املهرجان و�سط ح�ضور �إعالمي كبري، و� �س��ارت االب ��ل يف م���س�يرة �ضخمة من �شبوك التحكيم ملفوفة بعلم الإم��ارات وعلم املهرجان ترافقها اجلماهري التي ح���ض��رت لت�شجيع ال �ع��زب��ة م �ع�برة عن فرحتها بالفوز وحتقيق النامو�س.
�أجمل �أ�صايل الإم��ارات واخلليج العربي
كما حققت العزبة فوز ًا جديد ًا بح�صولها على املركز الأول يف «�شوط بينونة اجلمل 20عام مفتوح» وهو �شوط جديد �أ�ضيف �إىل مناف�سات مزاين الظفرة لأول مرة منذ �إطالقه قبل �ست �سنوات ،و�شاركت العزبة يف هذا ال�شوط الذي �شمل �أف�ضل و�أج �م��ل االب ��ل «اال� �ص��اي��ل» يف الإم� ��ارات واخلليج العربي ب�أف�ضل و�أجود الإبل التي متلكها ومنها «�أفعال ،وال�شبلة ،ومكيدة، والظبي ،ومن�صورة ،وميا�سة» وغريها من �إب��ل العزبة القوية ،وه��ي الإب��ل التي ح�صدت ال�ن��ام��و���س وامل��راك��ز الأوىل يف املناف�سات الفردية . ور�أى العديد من خ�براء امل��زاي��ن �أن �شوط بينونة ه��و يف حقيقة الأم ��ر اخ�ت�ب��ار قوي للم�شاركة الأق� ��وى يف ب�ي�رق «اال� �ص��اي��ل» وال��وق��وف على م��دى ج��اه��زي��ة الإب ��ل لهذا ال�شوط .وقد عرب جمهور وم�شجعي العزبة الذهبية من الإم��ارات ودول جمل�س التعاون اخلليجي عن فرحتهم بفوز �إبل �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان حفظه اهلل ،ب�شوط بينونة ،و�شهدت منطقة ال�سباق م�سرية �ضخمة و�صو ًال �إىل خميم العزبة يف �أر�ض املهرجان و�سط ح�ضور �إعالمي كبري.
سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان يولي أهمية خاصة لإلنتاج في المحليات األصايل المعروفة والمذكورة في الموروث الشعبي ويشجعها ألنها متوارثة من األجيال واآلباء واألجداد كما فازت «منحاف» اململوكة ل�سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة ،يف ال�شوط املفتوح «حول» لل�شيوخ ومن يرغب ،حيث ح�صلت على املركز الأول بن�سبة .% 99 وق��د �سبق ملنحاف �أن ق ��ادت �إب ��ل البريق و�شوطي التالد عامني متتاليني� ،إ�ضافة �إىل ح�صولها علي بريق التحدي يف «�سن احليل» يف مهرجان �سويحان وقطر ،كما �أن «منحاف» ه��ي «ت�ل�اد» م��ن العزبة الذهبية ،وتنحدر من �سالله عريقة حيث �أن �أباها «منيحيف م�صيحان» الذي كان ميلكها املغفور له ب�إذن اهلل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان رحمه اهلل ،و�أمها من بنات «غثيوان».
جناحات الظبي وغزالن وميا�سة
املهرجان الإب��ل اململوكة لل�شيخ الدكتور هزاع بن �سلطان بن زايد �آل نهيان ،حيث �سجلت «ال�ظ�ب��ي» ف ��وز ًا م�ستحق ًا وحلت يف املركز الأول بن�سبة ،% 97يف �سباق «�سن احلقايق الأ�صايل» لأ�صحاب ال�سمو ال�شيوخ وم��ن يرغب من �أب�ن��اء القبائل، وتنحدر الظبي من ال�ساللة ال�صوغانية، حيث �إن �أب��اه��ا ول��د �صوغان امل�سافري و�أمها بنت هملول. كما حلت «غزالن» لل�شيخ الدكتور هزاع بن �سلطان بن زايد �آل نهيان باملركز الثالث يف ذات ال�شوط ،وهي من �ساللة جبار و�أمها بنت �ضبيان .كما حلت الثنية «ميا�سة» اململوكة لل�شيخ الدكتور هزاع بن �سلطان بن زاي��د �آل نهيان يف املركز الأول يف ال�شوط املفتوح لأ�صحاب ال�سمو ال�شيوخ ومن يرغب، وتو�شحت ميا�سة بو�شاح الظفرة . كما ح�صلت «�أفعال» اململوكة لل�شيخ الدكتور ه��زاع ب��ن �سلطان ب��ن زاي��د �آل نهيان على امل��رك��ز ال�ث��اين بن�سبة % 98,5يف ال�شوط املفتوح «حول» لل�شيوخ ومن يرغب.
من�صورة ملكة �شبوك التحدي
ك�م��ا ت��أل�ق��ت يف دورة ه��ذا ال �ع��ام الإب��ل و�أفعال ومكيدة اململوكة لل�شيخ خالد بن �سلطان بن زايد وق ��د ت ��أل �ق��ت يف دورة ه ��ذا ال��ع��ام من �آل نهيان ،حيث فازت اللقية «من�صورة» يف �شوط املحليات اال�صايل لتحقق النامو�س اشتراك العزبة الذهبية بن�سبة % 98درجة من جمموع الدرجات ت�ألق ال�شبلة ومنحاف ويف �سن اجلذاع فازت ال�شبلة اململوكة ل�سمو المملوكة لسمو الشيخ التي ح�صلت عليها من جلان التحكيم. ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي��د �آل نهيان ممثل سلطان بن زايد آل نهيان وت�ع��ود �ساللة من�صورة م��ن ناحية الأب �شاهني و�أمها من بنات �صوغان وقد �أثبتت �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة ،ب�شوط املحليات في المهرجان تشجيع من�صورة �أنها الأجمل يف �شبوك التحدي املفتوح لأ�صحاب ال�سمو ال�شيوخ ومن يرغب ،من القيادة الحكيمة و�أطلق عليها ع�شاقها لقب «ملكة �شبوك وه��و ال�شوط الأق ��وى يف �أ� �ش��واط املزاينة ،التي تدعم تراث األجداد وال�شبلة جذعة جتمعت فيها �صفات جمال وهوايات األحفاد استمرار ًا ال �ت �ح��دي» لتحقيقها ال�ل�ق��ب ال��راب��ع على التوايل حيث مل تذق طعم الهزمية . مزاين الإبل وتنحدر من �ساللة الأ�سد ،و�أمها بإذن له المغفور لنهج وقد �سبق �أن ح�صلت من�صورة على �شوط من بنات م�صيحان.
اهلل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان
16
الشهر
الـعــــدد 159
يناير
2013
�إبل العزبة الذهبية احلا�صلة على �شوط التالد 20تعر�ض �أمام اجلمهور
ويف ال�شوط املفتوح «ح ��ول» لل�شيوخ ومن يرغب ،حلت باملركز الثالث «مكيدة» ملك ال�شيخ خالد بن �سلطان بن زاي��د �آل نهيان بن�سبة .% 98
التحدي يف احلقايق يف ك��ل م��ن مهرجان �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان للإبل يف �سويحان العام املا�ضي ،كما ح�صلت على �شوط التحدي يف مزاينة الظفرة اخلام�س يف دولة االمارات وح�صلت على �شوط التحدي الفوز انت�صار للرتاث ال�شعبي يف مهرجان قطر ال�سابع لال�صايل. ويف هذه املنا�سبة ،رفع حممد قحيد العميمي جناحات م�سرية واليافل ومكيدة وكيل �إب��ل �سمو ال�شيخ �سلطان بن زاي��د �آل كما حققت العزبة الذهبية نامو�س �شوط نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة، التالد لأ�صحاب ال�سمو ال�شيوخ ومن يرغب� ،أ�سمى التهاين ل�سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد وحلت يف امل��رك��ز الأول اجل��ذع��ه «م�سرية» �آل نهيان ولل�شيخ الدكتور هزاع بن �سلطان اململوكة لل�شيخ خالد بن �سلطان بن زايد �آل بن زايد �آل نهيان ،ولل�شيخ خالد بن �سلطان نهيان و«م�سرية» احلا�صلة على النامو�س من بن زايد �آل نهيان ،مبنا�سبة فوز �إبل العزبة الذهبية بالنوامي�س ،م�ؤكد ًا �أن متابعة �سموه بنات �سراب �أمها من بنات ظبيان. ً كما فازت «اليافل» اململوكة لل�شيخ خالد بن و�أجن��ال��ه ه��ي ال�سبب يف ال �ف��وز ،الف�ت�ا �إىل �سلطان بن زايد �آل نهيان على املركز الثالث حر�ص �سموه على �أن ت�ضم العزبة �أف�ضل يف ال�شوط املفتوح لأ�صحاب ال�سمو ال�شيوخ ال�سالالت املحلية الأ�صيلة. وعن قوة العزبة الذهبية وح�صدها العديد ومن يرغب ،وتو�شحت بو�شاح الظفرة.
من املراكز الأوىل قال العميمي �إن الفوز يعود �إىل الدعم واملتابعة والتوجيهات ال�سديدة من �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان حفظه اهلل ،م�ؤكد ًا �أن املهرجان يحظى مب�شاركة �أه ��م و�أق� ��وى ال���س�لاالت اجل �ي��دة الأ�صيلة املعروفة واملذكورة يف املوروث ال�شعبي ،الفت ًا �إىل �أن مزاينة الظفرة تعد من املهرجانات ال�ك�برى يف املنطقة ،وه��و �أح��د الفعاليات الناجحة يف حتقيق التوا�صل بني مالك الإبل من دول جمل�س التعاون اخلليجي. وق��ال �إن �سمو ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي��د �آل نهيان ي��ويل �أه�م�ي��ة خا�صة للإنتاج يف املحليات اال��ص��اي��ل وي�شجعها لأنها متوارثة من الأجيال والآباء والأجداد ،و�أن االجنازات التي حتققها العزبة الذهبية ما كانت لتتم لوال رعاية واهتمام وتوجيهات �سموه ومتابعه ال�شيخ الدكتور ه��زاع بن �سلطان بن زايد �آل نهيان ،وال�شيخ خالد
«منحاف» احلا�صلة على املركز الأول يف �شوط احليل املفتوح لل�شيوخ ومن يرغب م�ضمخة بالزعفران
«من�صورة» حلظة �إعالن النتيجة
18
الشهر
الـعــــدد 159
يناير
2013
�أثناء امل�سرية بعد الفوز ب�شوط بينونة اجلمل 20
«ميا�سة» عقب ح�صولها على املركز الأول
«الظبي» بعد فوزها باملركز الأول
20
جماليات
الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
من قبل عن احل��وار اخلالق الذي ي�صل ما بني الفنون ال�شعبية والفنون العارفة �أو «النخبوية» .و�أع��ود اليوم �إىل املو�ضوع ذاته لأبني دور الفكر اجلمايل يف �إبراز �أو تغطية هذه العالقة احلوارية احلميمة .فال�شيء اجلميل كان و�سيظل جذابا فاتنا .وفتنته هذه هي التي جعلت كثريين يتوهمون وي�صدقون �أن م�صدر اجلمال ال ميكن �أن يكون ب�شريا دنيويا فح�سب .هكذا ن�سب مرة �إىل الآلهة ومرة �إىل ال�شياطني واجلن وغريها من الكائنات امليتافيزيقة التي ت�سكن الأعايل لتتدخل يف �شئون احلياة اليومية من وراء احلجب .ومل يقف الأمر عند هذه ال�شطحات الفكرية التي تتكرر يف الوعي واملخيال ال�شعبيني كلما وقف الإن�سان �أمام ظواهر احلياة الغام�ضة املحرية .فالفكر اجلمايل ذاته مل يلبث �أن تورط يف اللغة املعتمة ذاتها ,وذلك منذ �إفالطون مد�شن الكتابة الفل�سفية املتعقلة �إىل هيجل الذي يعد فيل�سوف الوعي والتاريخ بامتياز ! .من هنا متيزت �أطروحات املنطقي والرتبوي الأمريكي ال�شهري جون ديوي عن الفن و�أحدثت ما ي�شبه القطيعة اجلدية مع جممل الفل�سفات اجلمالية القدمية وال�سائدة .فالفنون عنده جمرد خربات ثقافية عادية مل تكن قط منف�صلة عن خربات احلياة اليومية الأخرى .ومفهوم اخلربة هنا يعني �أن الفعل الإبداعي � ,أو الن�شاط الفني ال ميكن تفهمه وحتويل منتوجاته �إىل مو�ضوع للبحث من دون ربطه بدوافع حمددة وغايات �أكرث و�ضوحا وحتديدا .وكل مقاربة ال تتنبه �إىل هذه احلقيقة املعا�شة املختربة تتنكب طريق املعرفة وتغطي العمل الفني باملزيد من احلجب املعتمة .من هنا ن�صل �إىل نتيجة مفادها �أن كل ما �أدى �إىل تعميق الهوة فيما بني الفنون ال�شعبية احلرفية والفنون النخبوية التي ت�سمى عارفة �أو راقية �أو جمردة ..هو عنده �أمر طارئ و�شاذ مبعنى ما .وال �أدل على ذلك من املتحف الذي �أ�صبح امل�ؤ�س�سة االعتبارية الأه��م بالن�سبة للمنتوجات اجلمالية �أو «الفنون » حيث عادة ما ي�ضم ويحفظ الأعمال الفنية املتميزة يف هذا ع�صر معني �أو يف ع�صور متعاقبة .فهذه امل�ؤ�س�سة التي تتباهى بها حوا�ضر العامل الكربى ومدنه , وحتى بلداته وقراه �أحيانا ,لي�ست بتلك الرباءة التي تظفى عليها .فلقد ن�ش�أت مع منو املدن احلديثة والطبقات االجتماعية اجلديدة يف �أوروبا ,وجاءت لتحل مكان ق�صور النبالء وكنائ�س رجال الدين ومعابدهم .نعم لقد �أخرجت الفن من جمال امللكية اخلا�صة وحررته من حتكم فئة اجتماعية حمددة ,لكنها تظل �شاهدة على عزلة العمل الفني وا�ستالبه وقد �أ�صبح حما�صرا بني اجلدران كما يقول .من هنا جاءت �أفكار جون ديوي يف كتابه «الفن خربة» حماول جدية جديدة لنزع هالة القدا�سة عن الفن النخبوي من جهة والعودة بالفكر اجلمايل �إىل �أ�صوله الأوىل من جهة ثانية . من قبله حاول الفيل�سوف الأملاين �إميانويل كانط الك�شف عن منطق الفن ومنطلقه الأول باعتباره نوعا من اللعب احلر املمتع املق�صود لذاته .وتنبه مواطنه هيجل �أي�ضا �إىل عالقة الفنون القدمية بالطقو�س وال�شعائر الدينية ال�شعبية .لكن �أحدا مل ي�ؤ�س�س لنظرية متكاملة عن ماهية الفن ووظائفه بو�صفه خربة عملية نفعية مثلما فعل جون ديوي ,وهي نظرية جديدة متاما على الفكر اجلمايل كما يالحظ .ومما يزيد من �أهمية الفكر النظري هنا �أن اللغة التي ي�ستعملها امل�ؤلف تبدو تداولية متاما ل�شدة حر�صها على الو�ضوح من جهة وعلى العبارة املوجزة الدقيقة من جهة ثانية .الكتاب ترجم منذ ن�صف قرن تقريبا �إىل العربية ,ومع ذلك ال يبدو له �أثر يف الكتابات العربية يف هذا املجال �إال ما ندر .نحن هنا �أمام مفارقة و�إ�شكال يخ�صان الثقافة العربية الراهنة التي تو�شك �أن تتحول �إىل ثقافة طاردة للفكر اجلمايل مثلما هي طاردة للفكر العلمي
كتبت
فنون
معجب الزهراين
جماليات
المرصد 22 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
احتفا ًال بالذكرى ال�سنوية العا�شرة لت�أ�سي�سه
مهرجان أبوظبي 2013 يقدم روائع الباليه والموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية �أبوظبي -تراث ك�شفت جمموعة �أبوظبي للثقافة والفنون عن الفعاليات والأن�شطة املم ّيزة ملهرجان �أبوظبي 2013الذي يحتفل بالذكرى ال�سنوية العا�شرة لت�أ�سي�سه ،ويقام حتت رعاية معايل ال�شيخ نهيان مبارك �آل نهيان ،وزير التعليم العايل والبحث العلمي ،وذلك خالل امل�ؤمتر ال�صحفي الذي انعقد ال�شهر الفائت بح�ضور هدى اخلمي�س كانوُ ،م�ؤ�س�س جمموعة �أبوظبي للثقافة والفنون ،امل� ِّؤ�س�س واملدير الفني ملهرجان �أبوظبي ،يف فندق ق�صر الإمارات بالعا�صمة �أبوظبي، وعدد من ال�شخ�صيات الثقافية والفنية واملجتمعية الرائدة �ضمت منى خازندار ،املدير العام ملعهد العامل العربي يف باري�س ،والدكتور حبيب غلوم العطار ،مدير �إدارة الأن�شطة الثقافية بوزارة الثقافة وال�شباب وتنمية املجتمع ،و�أمينة طاهر ،مدير االت�صال للمجموعة يف �شركة مبادلة للتنمية واملو�سيقار اللبناين املعروف �أ�سامة الرحباين ،وعددا كبري من املهتمني بالفنون والثقافة وح�شد من ممثلي و�سائل الإعالم.
يقدم املهرجان يف دورته اجلديدة جمموعة من الربامج الفنية والثقافية على مدى ثالثة �أ�سابيع مب�شاركة كوكبة المعة من الفنانني العامليني واملو�سيقيني املبدعني يف جمموعة ا�ستثنائية من العرو�ض الفنية الراقية و�أم�سيات الباليه واجلاز ،ومعار�ض الفنون الت�شكيلية وغريها من الفعاليات التي يحفل بها برنامج املهرجان ،ما ي�ؤكد مكانته املميزة ك�سيمفونية عاملية للثقافات من عا�صمة الفنون ومنارة الإبداع �أبوظبي. ا�ستهلت هدى اخلمي�س كانوُ ،م�ؤ�س�س جمموعة �أبوظبي للثقافة والفنون ،امل� ِّؤ�س�س واملدير الفني ملهرجان �أبوظبي ،كلمتها بتوجيه ال�شكر لقيادة الإمارات الر�شيدة ،ممثل ًة ب�صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان ،رئي�س الدولة حفظه وخ�صت بال�شكر الفريق �أول �سمو ال�شيخ اهللّ ، حممد بن زاي��د �آل نهيان ،ويل عهد �أبوظبي، نائب القائد الأع �ل��ى للقوات امل�سلحة ،راع��ي الفكر ،راعي املهرجان التعليم والداعي لتجديد ِ يف ا ألع��وام من 2007لغاية ،2011كما �شكرت �سمو ال�شيخ عبد اهلل بن زاي��د �آل نهيان ،وزير اخلارجية ،راع��ي مهرجان �أبوظبي يف بدايات ت�أ�سي�سه قبل ع�شر �سنوات ،ومعايل ال�شيخ نهيان مبارك �آل نهيان ،وزير التعليم العايل والبحث العلمي ،راعي ورئي�س جمموعة �أبوظبي للثقافة وتوجهت بال�شكر ل�شركاء املهرجان والفنونّ ، املحليني والعامليني ويف مقدّمهم �شركة مبادلة للتنمية ،الراعي الرئي�سي ملهرجان �أبوظبي. وق��ال��ت« :ه��ا نحن جن��دد ال �ي��وم تلك ال��ر�ؤي��ة الرا�سخة ملهرجان �أبوظبي ،بدعم جوهر التن ّوع الثقايف ملدينة �أبوظبي مبا يتما�شى مع الر�ؤية املتميزة للعا�صمة ،ول�ق��د �أ�سهم املهرجان طيلة م�سريته املبهرة خالل ال�سنوات الع�شر امل��ا��ض�ي��ة ،يف تعزيز موقعه كفعالية رائ��دة تدعم الهوية املتفردة لإمارة �أبوظبي كمن�صة عاملية للإبداع والتم ّيز». ور�أت كانو «�أنّ مهرجان �أبوظبي �أ�سهم وال يزال يف �إثراء الر�ؤية الثقافية للعا�صمة ،ملتزم ًا الواجب حا�ضن ًا الآمال وامل�س�ؤولية جتاه الإمارات و�أهلهاِ ، والأحالم واملواهب ،ت�شجيع ًا ِّ إبداع لكل ابتكا ٍر و� ٍ �إماراتي ِني ،وها هو يع ُد باملزيد من الفعاليات املجتمعية الفنية ،الرتاثية والتعليمية ،م�ستثمر ًا
من فعاليات دورة 2012
يف الإن�سان ،وداعم ًا للفنون ،وحمافظ ًا على الرتاث ،عرب فعاليات» «يوم املواهب ال�شابة»، «�إكت�شف الإم��ارات مع دار زاي��د»« ،دار الرب والفنون»« ،حكايات من ا إلم��ارات»�« ،صناعة الن�سيج م��ع م �� �ش��روع ال �غ��دي��ر»« ،ب��ال�ع��رب��ي» وغريها الكثري. و�أ� �ض��اف��ت�« :س ُت�ش ّكل دورة ع��ام 2013حدثاً ا��س�ت�ث�ن��ائ�ي� ًا ل�لاح�ت�ف��ال ب��امل��ا��ض��ي واحل��ا��ض��ر وامل�ستقبل للإبداع الفني ،حيث يوا�صل املهرجان دوره العاملي املبدع يف بناء ج�سور التوا�صل بني خمتلف ثقافات العامل ،عرب ت�أ�سي�س �شراكات ا�سرتاتيجية م�ستمرة م��ع �أب ��رز املهرجانات وامل�ؤ�س�سات الثقافية الدولية». وختمت بالت�أكيد على �أن املهرجان ي�سعى عرب
يكرم المهرجان في دورته الجديدة الثقافة العربية والتراث الشعري العربي عبر فعالية «بالعربي» التي تق ّدم مختارات من روائع ً مصحوبة الشعر العربي بالموسيقى في عرض تفاعلي
اال�ستثمار يف جم��االت الإب��داع الفني والثقايف املختلفة ،لغر�س وت�شجيع قيم احلوار والتفاهم ال�ث�ق��ايف امل�ت�ب��ادل ب�ين ال�شعوب واملجتمعات يف كل مكان ،قائل ًة «�إنّ الثقاف َة �أم � ٌر جلي ٌل ال ُي�ستهانُ به ،مهرجانُ �أبوظبي مهرجانُ الثقافة، مهرجا ُنكم ،فلنحتفل به».
مو�سيقيون عامليون
ي�شمل برنامج املهرجان ه��ذا العام ع��دد ًا من �أبرز ال�شخ�صيات املو�سيقية والفنية العاملية مثل، عازف الكمان العاملي جو�شوا بيل ،وعازف البيانو امل�ب��دع ي��ون��دي احل��ائ��ز على ع��دد م��ن اجلوائز العاملية املرموقة ،كما يقدم املهرجان يف دورته العا�شرة جمموعة من العرو�ض العاملية املبهرة والأكرث متيز ًا على ال�صعيد الفني والثقايف مثل معر�ض الفنون الت�شكيلية « 25عام ًا من الإبداع العربي» بالتعاون مع معهد العامل العربي يف باري�س ،وع��ر���ض امل�سرحية العاملية ال�شهرية «روم �ي��و وج��ول�ي�ي��ت» م��ن غ�ل��وب �إديوكي�شن يف �شك�سبري غلوب. ويوا�صل الربنامج التعليمي واملجتمعي للمهرجان �إبهار متابعيه مبجموعة جديدة من الفعاليات الفنية والثقافية التعليمية والرتاثية املفتوحة
المرصد 24 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
�أورك�سرتا الإمارات ال�سيمفونية للنا�شئة «من فعاليات العام املا�ضي»
للعائالت وال�شباب عرب الإم ��ارات ال�سبع مثل فعاليات «ي��وم املواهب ال�شابة»« ،حكايات من ا إلم ��ارات» ،و«�إكت�شف الإم��ارات مع دار زاي��د»، وغريها الكثري ،حيث ي ِعد املهرجان جمهوره بااللتزام بدوره كتظاهرة فنية مميزة يف املنطقة والعامل ،بالإ�ضافة لرت�سيخ هوية ومكانة �أبوظبي كمركز رائد للإبداع الفني .ي�ست�ضيف املهرجان مملكة �إ�سبانيا ك�ضيف �شرف لدورته العا�شرة، ملا للثقافة الإ�سبانية من جذور وعالقات مت�أ�صلة وطويلة مع دول��ة الإم ��ارات ،بالإ�ضافة للروابط االقت�صادية امل��زده��رة بني الدولتني ،و�سيكون جمهور امل�ه��رج��ان على م��وع��د مميز م��ع �أروع العرو�ض والفعاليات املو�سيقية العاملية يف �أم�سية مغني الأوبرا العاملي بال�سيدو دومينغو.
�أم�سيات فنية مميزة للجمهور
ي�شكل ف��ن الأوب� ��را �أح��د �أب ��رز جم��االت تركيز فعاليات مهرجان �أبوظبي ،2013بتقدمي �أم�سية غنائية للباريتون العاملي ملك الأوب��را بال�سيدو دومينغو� ،أحد �أب��رز الأ�ساطري املعا�صرة يف فن الأوب��را ،وت�شاركه ال�سوبرانو الأيقونة �آنا ماريا مارتنيز احلائزة على جائزة غرامي املو�سيقية، ويعد الثنائي العاملي املبدع حمبي الأوبرا بواحد ٍة من �أروع الأم�سيات الفنية ال�ساحرة ب�صحبة الأورك�سرتا الت�شيكية الفلهارمونية ،واملاي�سرتو املبدع يوجني كون.
و�ستقدّم الأم�سية للمرة الأوىل عاملي ًا ،العمل الفني املنجز بتكليف ح�صري من املهرجان «الق�صيدة ال�شرقية» ،للمو�سيقار الفرن�سي اللبناين املبدع ب�شارة اخلوري.
املو�سيقىالكال�سيكية
ومن الأوبرا للمو�سيقى الكال�سيكية ،ف�إن جمهور املهرجان من الذين يرتقبون �إبداعات ال��دورة اجلديدة من املهرجان يف املو�سيقى الكال�سيكية �سيكونون على م��وع��د خ��ا���ص حل�ضور �أم�سية املو�سيقى الكال�سيكية املبهرة هذا العام ،والتي يحييها ال �ع��ازف العاملي جو�شوا بيل ب�صحبة الأورك �� �س�ترا الت�شيكية الفلهارمونية بقيادة املاي�سرتو العاملي جريي بيلهوفيك ،و ُيع ُّد املو�سيقار بيل واحد ًا من �أبرز �أيقونات الفن املعا�صرين يف املو�سيقى الكال�سيكية ،و�أحد �أ�شهر و�أبرز عازيف
فعالية «حكايات من اإلمارات» تستهدف إحياء فن رواية القصة التراثية اإلماراتية، بمشاركة أكثر من 100طالب في جامعة زايد بإشراف الباحث اإلماراتي عبد العزيز المسلّم
الكمان يف العامل ،و�سي�شتمل �أداء املبدع جو�شوا بيل مقطوعة بروك القطعة رقم .1 ويتوا�صل �سحر العرو�ض املو�سيقية يف برنامج مهرجان �أبوظبي 2013مع �أم�سية الباليه املميزة، والتي تقدم للجمهور �أكرث العرو�ض �إبهار ًا وروعة لباليه مارين�سكي يف �أم�سية «حتية �إىل فوكني» ب�صحبة فرقة �أورك���س�ترا م�سرح مارين�سكي، وي�شتمل احلفل على تقدمي �أرب��ع لوحات باليه �ساحرة مت ت�صميم رق�صاتها من قبل م�صمم الرق�ص الأ�سطوري «مايكل فوكني» ،و ُيعد باليه مارين�سكي �أحد �أ�شهر م�سارح الباليه الكال�سيكي يف العامل ،وقد ت�أ�س�س يف مدينة �سانبطر�سبريغ الرو�سية عام 1740م. ٌ ن�صيب مميز �ضمن الروائع و�سيكون لآلة البيانو ٌ املو�سيقية التي يقدمها املهرجان احتفا ًال بالذكرى العا�شرة لت�أ�سي�سه ،حيث ي�ست�ضيف حفل «�شغف البيانو» ل�ع��ازف البيانو العاملي ي��ون��دي ،ال��ذي �سيح ّلق باجلمهور يف �آف��اق مو�سيقية �ساحرة عرب عزف مقطوعات �شوبان وبيتهوفن الهادئة واملميزة ،ويعرف املبدع يوندي ب�أ�سلوبه الفني املرهف ،ويعد �أف�ضل من يعزف وي�ؤدي م�ؤ ّلفات �شوبان املو�سيقية عاملي ًا.
فنون ت�شكيلية
وعلى �صعيد الفنون الت�شكيلية ،يقدم املهرجان يف دورت � ��ه اجل ��دي ��دة ب��ال �ت �ع��اون م��ع �شريكه اال�سرتاتيجي معهد العامل العربي يف باري�س، معر�ض « 25عام ًا من الإب��داع العربي» يف �أول عر�ض ل��ه يف ال��وط��ن ال�ع��رب��ي ،وللمرة الأوىل خارج فرن�سا ،بتن�سيق �إيهاب اللبان. ويقدم املعر�ض �أع�م��ا ًال فنية مبهرة من روائ��ع الأع�م��ال الت�شكيلية لأك�ثر من 30فنان ًا مبدع ًا م��ن 13دول��ة عربية ،منهم ع��دد م��ن الفنانني الإماراتيني املبدعني ،حيث ي�أتي املعر�ض احتفا ًال ب��ال��ذك��رى 25لت�أ�سي�س معهد العاملي العربي والذكرى العا�شرة للمهرجان.
مو�سيقى اجلاز
كما �سيكون لأم�سية اجل��از ح�ضورها املبهر يف برنامج املهرجان بعودة الفنان الربازيلي املبدع
جيلبريتو جيل حام ًال معه �إرث ًا متجدد ًا من �أروع الأحل ��ان وامل�ع��زوف��ات الرائعة ملو�سيقى اجل��از يف حفل �سيده�ش ب�لا �شك متابعي وجمهور املهرجان ،ومتزج املو�سيقى املميزة للمو�سيقار ج�ي��ل ب�ين مو�سيقى ال�سامبا وال�ب��و��س��ا ن��وف��ا، واملو�سيقى الأفريقية ،ومو�سيقى الروك والريغي، و ُيعرف عن املبدع جيل قدرته املبهرة على تنويع �أدائ ��ه املو�سيقي ،كونه �سفري ًا عاملي ًا للإبداع املو�سيقي بخربة متتد لأك�ثر من 46عام ًا من التم ّيز يف عامل املو�سيقى والفن.
املو�سيقى العربية
و�سيكون للمو�سيقى وال�ف��ن العربي الأ�صيل ح�ضو ٌر مميز هذا العام ،عندما يبهر املو�سيقار اللبناين �أ�سامة الرحباين جمهور املهرجان بتقدمي �أم�سية مميزة حام ًال يف ُجعبته الإرث الرحباين العريق عرب عر�ض بتكليف ح�صري م��ن امل �ه��رج��ان ،ي �ق��دم حت�ي��ة خ��ا��ص��ة ل�ل��إرث الغنائي واملو�سيقي للأخوين الرحباين ،من�صور وعا�صي ،ولتكرمي م��ا ق��دم��اه م��ن م�ساهمات مميزة للمو�سيقى العربية ،وللأعمال امل�سرحية وال�شعر العربي خالل القرن الع�شرين.
مبادرات ثقافية رائدة
ي�ق��دم امل�ه��رج��ان يف دورت���ه ال�ع��ا��ش��رة و�ضمن التزامه املجتمعي بتعليم الفنون واحلفاظ على الرتاث املحلي ،جمموعة من الفعاليات والربامج الثقافية والتعليمية الرائدة ،فبعد النجاح املميز لعرو�ض روائ��ع �شك�سبري «ماكبث» ،و«حلم ليلة يف منت�صف ال�صيف» م��ن غ�ل��وب �إديوكي�شن يف �شك�سبري غلوب ،يعود املهرجان هذا العام بعر�ض مبهر جديد للعمل ال�شك�سبريي الرائع «روميو وجولييت» ،وال��ذي يتيح لطلبة املدار�س وال�شباب التعرف على روائ��ع �أع�م��ال الروائي العاملي �شك�سبري ،عرب عمل م�سرحي كال�سيكي مينح م�شاهديه معاي�شة جتربة م�سرحية غنية ومنا�سبة جلميع الأعمار ،لعمل كال�سيكي ولكن ب�أداء حداثي وتقنيات معا�صرة. كما يعود �ضمن فعاليات املهرجان ككل عام حفل «يوم املواهب ال�شابة» ملوا�صلة غر�س روح التم ّيز
كانو :مهرجان أبوظبي أسهم في إثراء الرؤية الثقافية للعاصمة، ملتزم ًا المسؤولية تجاه اإلمارات وأهلها، حاضن ًا اآلمال واألحالم ِ والمواهب ،تشجيع ًا ِّ وإبداع لكل ابتكا ٍر ٍ اإلماراتيين، ِ والتناف�س املبدع بني الطلبة ،و�إلهام اجليل القادم من املو�سيقيني والفنانني ال�شباب يف الإمارات، ح�ي��ث �سيقوم امل���ش��ارك��ون ب�ع��زف مقطوعات خمتارة من كارنيغي هول. وجهة ولأن الفعاليات التعليمية للمهرجان ُم ّ جلميع الأعمار ،ف�إن املهرجان �سيقدم يف دورته العا�شرة عم ًال فني ًا جديد ًا للأوبرا اال�سكتلندية بعد جوالتها الناجحة يف عام 2012بعملها املميز «بيبي �أو» ،حيث تقدم للجمهور هذا العام العمل املميز «�سين�سوري �أو» خ�لال عر�ض مو�سيقي تفاعلي مبهر لل�صغار والأطفال. وتقدم مبادرة «رواق الفكر» وفعالية «العودة للمدار�س مع مبادلة» �سل�سلة ح��وارات فكرية ت�سلط ال�ضوء على ُق��وى التحويل امل��ؤث��رة التي متتلكها الفنون واملو�سيقى على التنمية الفكرية للأطفال وال�شباب والكبار ،بهدف �إتاحة تقدمي الفنون لطلبة املدار�س واجلامعات ب�شكل مم ّيز.
الربنامج املجتمعي «بالد اخلري»
تتناول ب��رام��ج وفعاليات الربنامج املجتمعي مل�ه��رج��ان �أب��وظ�ب��ي «ب�ل�اد اخل�ي�ر» ال�ع��دي��د من الأن �� �ش �ط��ة وال �ف �ع��ال �ي��ات ال �ت��ي ت�سعى لتقدمي مبادرات وبرامج رائدة يف جماالت تعليم الفنون واملو�سيقى ملختلف �شرائح املجتمع يف جميع
« 25عام ًا من اإلبداع العربي» عنوان المعرض الذي يستضيفه المهرجان ضمن فعالياته بالتعاون مع معهد العالم العربي في باريس
الإمارات ال�سبع ،بهدف �إلهام وت�شجيع املبدعني على معاي�شة جتربة التن ّوع الثقايف ،حيث ي�أتي برنامج «بالد اخلري» م�ستوحي ًا من الإرث العريق للمغفور له ب�إذن اهلل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان طيب اهلل ث��راه ،وم��ن حر�ص املهرجان على لعب دور حيوي يف �إحياء الفنون التقليدية وتقدميها ل�شرائح وا�سعة من اجلمهور يف الدولة.
تكرمي الرتاث ال�شعري العربي
و�سيقدم املهرجان ه��ذا العام تكرمي ًا خا�ص ًا للثقافة العربية وال�تراث ال�شعري العربي عرب ت�ق��دمي فعالية «ب��ال�ع��رب��ي» ،ال�ت��ي ت �ق �دّم روائ��ع امل�خ�ت��ارات ال�شعرية م�صحوب ًة باملو�سيقى يف عر�ض تفاعلي مبدع ،يقدمه الفنان الإماراتي ال��دك�ت��ور حبيب غ�ل��وم ال�ع�ط��ار ،م��دي��ر �إدارة الأن�شطة الثقافية ب��وزارة الثقافة وال�شباب وتنمية املجتمع ،حيث �سيتم تقدمي العر�ض يف �أبوظبي ،العني ،ور�أ�س اخليمة ،مب�شاركة عازف ال�ع��ود ال�ع��راق��ي املميز خ��ال��د ��ص��ال ،وع��ازف��ة الكمان ال�سورية �سمر نا�صر.
حكايات من الإمارات
ومن املبادرات املميزة واجلديدة �ضمن الربنامج املجتمعي للمهرجان يف الدورة اجلديدة ،والتي ت�سهم يف �إح �ي��اء ف��ن رواي ��ة الق�صة الرتاثية الإم��ارات �ي��ة ،فعالية «حكايات م��ن الإم���ارات»، والتي جت�سد م�شاركة مميزة جلهود �أك�ثر من 100طالب يف جامعة زايد ب�إ�شراف الباحث يف الرتاث الإماراتي عبد العزيز امل�س ّلم ،من الذين �سيت�شاركون الق�ص�ص التي ينجزونها كتاب ًة خالل �سل�سلة ور�ش عمل متنوعة ،تت ّوج مبعر�ض يقام خالل فرتة انعقاد مهرجان �أبوظبي من 10مار�س وحتى 29مار�س .2013كما �سي�شهد الربنامج املجتمعي للمهرجان تقدمي جمموعة ع��رو���ض مو�سيقية وور� ��ش عمل يف م�ؤ�س�سات رع��اي��ة الأي �ت��ام ،وامل�ست�شفيات ،ودور العجزة واملتقاعدين ،ومراكز ذوي االحتياجات اخلا�صة يف دولة الإمارات ،وذلك بهدف ت�شجيع وحتفيز جميع فئات و�شرائح املجتمع من خمتلف الأعمار على اال�ستمتاع بتجربة فنية تفاعلية رائعة
المرصد 26 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
بح�ضور �سامل بن كبينة �أ�شهر مرافقي «بن لندن»
محاضرة في جامعة الحصن حول كتاب «عابرو الربع الخالي» �أبوظبي – تراث يف �إطار احتفاالتها بالذكرى احلادية والأربعني الحتاد دولة الإم��ارات العربية املتحدة، احت�ضنت جامعة احل�صن يف �أبوظبي ال�شهر الفائت ،حما�ضرة للكاتبة ال�صحفية وال�شاعرة هويدا عطا قدمت خاللها عر�ض ًا لكتابها «عابرو الربع اخل��ايل ،رج��ال مبارك بن لندن يتحدثون» ،وذلك بح�ضور �أحد �أبرز مرافقي الرحالة الإجنليزي ال�شهري مبارك بن لندن يف رحلته عرب الربع اخلايل ،وهو ال�شيخ �سامل بن كبينة� ،إىل جانب لفيف من الأكادمييني والباحثني واملهتمني ب�ش�ؤون الرتاث والثقافة وتاريخ الإمارات. ات�سمت املحا�ضرة بتبادل الذكريات ما بني امل�ؤلفة وال�شيخ �سامل ب��ن كبينة ال��ذى كان �سعيد ًا بدعوته حل�ضور االحتفالية ،وب��دا م�ت��أل�ق� ًا وه��و ي�سرد على م�سامع احل�ضور منتخبات من تفا�صيل الرحلة ،معلق ًا على ال�صور التي كانت تتواىل على �شا�شة العر�ض مو�ضح ًا بع�ض التفا�صيل الهامة التي عا�شها وك ��أمن��ا �ساعدته ال���ص��ور على ا�ستعادتها وك�أنه يعي�شها للمرة الثانية ،وقال يف معر�ض
توا�صله مع احل�ضور «:فرحتنا اليوم فرحتان باليوم الوطني وبا�ستعادة ذكريات رحلتي مع �صديقي الغايل مبارك بن لندن وباقي الرفقاء الأعزاء وم�ؤلفة كتاب رحلتنا». ت�ضمن كتاب «عابروا الربع اخل��ايل ،رجال م� �ب ��ارك ب ��ن ل �ن��دن ي �ت �ح��دث��ون» ،ت�سجي ًال للمقابالت التي قامت بها ال�صحافية هويدا عطا مع �أرب�ع��ة من ال��رج��ال الذين �شاركوا الرحالة الإجنليزي ولفرد ثي�سجر «مبارك
بن لندن» يف رحلته التي قام بها قبل �أكرث من �ستني عام ًا ال�ستك�شاف �صحراء الربع اخلايل وعبورها ،حيث قامت الكاتبة بتتبع تفا�صيل الرحلة عرب حكاياتهم و�شهاداتهم ،م�سلطة ال�ضوء على العديد من الظروف التي �أحاطت بالرحلة التي �أفلح خاللها ثي�سجر ورفاقه يف قهر ال�صعاب واالنت�صار على �أخطر منطقة من «الرمال العربية» ،وهو اال�سم الذي حمله كتاب ثي�سجر الذي �سجل فيه يوميات رحلته·
م�ؤلفة الكتاب تتو�سط رفاق مبارك «بن لندن»
دور ال�شيخ زايد رحمه اهلل
وا�ستعر�ضت الكاتبة خالل حما�ضرتها دور املغفور له ب�إذن اهلل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان ،يف �إجناح الرحلة مبا قدمه للرحالة ورفاقه من �أموال وعتاد وغريه ،قالت« :عندما و�صل الرحالة والرفاق �إىل مدينة العني ،كانو يف غاية التعب والإنهاك ،فا�ستقبلهم �سمو ال�شيخ زاي��د ،رحمه اهلل ،بكل حفاوة وكرم و�أقاموا عنده �شهور ًا يف ظل �ضيافة عربية �أ�صيلة من ال�شيوخ ،ويف مقدمتهم املغفور له ال�شيخ زايد ،الذي دعمهم بالأموال وال�سالح والرجال والركاب والكرامة «الطعام وغريه»»، و�أ�ضافت« :لقد كان للراحل الكبري دور ًا بارز ًا يف جناح الرحلة ،وقد �أحبه مبارك بن لندن و�أكرب فيه مواقفه الكرمية و�سيا�سته احلكيمة و�شجاعته» واع �ت�بره يف كتابه م�ث��ا ًال لكرم الأخالق والطيبة. وذكرت الكاتبة �أن رحالت كثرية �سبقت ابن لندن ح��اول��ت عبور ال��رب��ع اخل��ايل ،ولكنها ف�شلت ،فقد ف�شل قبله الرحالة «توما�س» ومل يتمكن من ا�ستكمال م�سافة ولو ب�سيطة من �صحراء الربع اخل��ايل ،حيث كانت يف ذلك الوقت رحلة �صعبة وقا�سية وحمفوفة باملخاطر �سواء لق�سوة املناخ �أو الحتماالت التعر�ض لل�سرقة والنهب و�أحيان ًا القتل. وقالت :يفتخر رفاق ابن لندن برحلتهم �إىل اليوم ،بل ويفتخر �أبنا�ؤهم و�أحفادهم بتلك
الربع اخلايل» قيمته من كونه يعيد �إىل ال�ضوء بعد ف�ترة طويلة -ه���ؤالء الفتيان الذينراف �ق��وا اب��ن لندن يف رحلته ،وه��م يف �سن ال�شيخوخة ليدلوا ب�شهاداتهم وهم حماطون بالأبناء والأحفاد ،وي�سردوا لأول مرة وقائع حية ويومية من جتارب هذه الرحلة الرائدة وهم «ابن كبينة» و«ابن غبي�شة» ،و«ابن عمر» و«ابن كلوت» ،وت�ضمن الكتاب �أربعة ف�صول، ُخ�ص�ص كل منها ل�شهادة ورواية كل منهم، �إ�ضافة �إىل ملحق لل�صور �ضم �صور ًا بعد�سة مبارك بن لندن نف�سه �أثناء الرحلة� ،إ�ضافة �إىل �صور حديثة للرجال الأربعة.
موقع الكرتوين البن كبينة
غالف الكتاب
الرحلة ويدميون احلديث عنها �أمام �أبنائهم و�أح�ف��اده��م ويعتربونها �إجن���از ًا ك�ب�ير ًا لهم يفتخرون به بني القبائل ،لدرجة �أن بع�ضهم– والكالم لعطا -يحلمون با�ستكمال الرحلة �أو تكرارها. وح���ول م �ب��ارك ب��ن ل �ن��دن ،ق��ال��ت ع�ط��ا يف حما�ضرتها :يعترب كتاب م�ب��ارك ب��ن لندن مرجع ًا تاريخي ًا هام ًا للمنطقة يف تلك الفرتة، كما �أنه قام خالل رحلته بتوثيق العديد من الذكريات النادرة عرب ال�صور الفوتوغرافية. يكت�سب كتاب ال�صحافية هويدا عطا «عابرو
يف نهاية املحا�ضر ،قام رئي�س اجلامعة الدكتور عبد الرحيم ال�صابونى بتقدمي درع اجلامعة مل�ؤلفة الكتاب تقديرا جل�ه��وده��ا ،كما قام بتكرمي ال�شيخ �سامل بن كبينة �أح��د مرافقي بن لندن الذين حتدثوا يف الكتاب ،والذى كان �صاحب �أحد الأدوار الهامة يف جناح الرحلة تقدير ًا ل�شخ�صه ومكانته التاريخية. كما �أعلن رئي�س اجلامعة يف نهاية االحتفالية عن نية اجلامعة تد�شني موقع �إلكرتوين خا�ص للتعريف بال�شيخ �سامل بن كبينة ودوره يف رحلة عبور �صحراء الربع اخلايل حفظ ًا لهذه ال��ذاك��رة احلية و�ضمان و�صولها للأجيال املعا�صرة واملقبلة
المرصد 28 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
يعيد قراءة جهود املتقدمني من علماء العربية مؤتمر «نحو رؤية معاصرة للعربية وآدابها»
في ضوء المناهج الحديثة م�سقط -زاهر بن بدر الغ�سيني
َّ نظم ق�سم اللغة العربية و�آدابها يف كلية الآداب والعلوم االجتماعية بجامعة ال�سلطان قابو�س ومب�شاركة اجلمعية العمانية للكتاب والأدباء م�ؤمتراً عاملياً حتت عنوان «اللغة العربية و�آدابها -ر�ؤية معا�صرة» خالل الفرتة من / 3 – 2دي�سمرب .2012/مب�شاركة عدد من النقاد والأدباء الكبار من خمتلف الدول العربية. ا�شتمل امل�ؤمتر على خم�س جل�سات يف حمور ال��دالل��ة وال �ن ����ص ،وحم ��ور الأدب ،وحم��ور النحو وال�صرف ،وحمور املعجم والأ�صوات، يف حم��اول��ة لإع ��ادة ق��راءة اجل�ه��ود العلمية التي بذلها املتقدمون من علماء العربية يف �ضوء املناهج احل��دي�ث��ة ,ليت�سنى للباحثني املعا�صرين الإفادة مما يف تلكم اجلهود من جوانب م�ضيئة� .إ�ضافة �إىل الوقوف على �أهم املالمح املنهجية التي ميكن تبنيها يف جهود
علماء العربية املتقدمني ,يف حماولة الو�صول �إىل �أه��م ما ميكن اال�ستفادة منه يف و�ضع ت�صور منهجي عربي ي�ستفيد م��ن اجلهود القدمية يف �ضوء املعطيات البحثية احلديثة. �أقيم حفل االفتتاح حتت رعاية الدكتور عبداهلل بن نا�صر احلرا�صي ،رئي�س الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ،بح�ضور �سعادة الدكتور علي بن �سعود البيماين رئي�س جامعة ال�سلطان قابو�س .وتناول الباحثون يف امل�ؤمتر
مو�ضوعات حول جتليات احلداثة ودالالتها يف النقد العربي احلديث ،ونظرية الت�أويل بني املعا�صرة وال�ت�راث ،وال�سيميائيات بني العالمة واخلطاب ،وق�ضية اللغة يف الأدب الأفريقي .كما ناق�ش امل�ؤمتر مو�ضوعات حول حمور النحو وال�صرف والوحدات املركبة يف اللغة العربية بني الآنية والتعاقبية الزمنية وال�صرف العربي طبيعته و�إ�شكاالته. يف حفل افتتاح امل�ؤمتر �ألقى الدكتور هالل
�إحدى جل�سات النقا�ش بامل�ؤمتر
بن �سعيد احلجري ،رئي�س ق�سم اللغة العربية و�آدابها ،رئي�س اللجنة املنظمة للم�ؤمتر كلمة �أ�شار فيها �إىل تزامن امل�ؤمتر مع االقرتاب من الـ 18من دي�سمرب ،اليوم ال��ذي جعلته اجلمعية العامة للأمم املتحدة يوم ًا عاملي ًا للغة العربية ,ب�صفتها من اللغات الر�سمية، ول �غ��ات العمل يف الأمم امل�ت�ح��دة .وحت��دث الدكتور احلجري يف كلمته عن فكرة تداخل احلقول املعرفية ،و�أهمية �أن جتد طريقها يف ال��درا� �س��ات ال�ل�غ��وي��ة وال �ن �ق��دي��ة ،وك��ذا �أهمية حقول ال�سيا�سة ،واالجتماع ،والآثار، والإع �ل��ام ،ودرا�� �س ��ات ال�ترج �م��ة ،والأدب املقارن ،باعتبارها منابع ال غنى عنها. كما �ألقى الدكتور حممد بن مبارك العرميي، رئي�س اجلمعية العمانية للكتاب والأدب��اء كلمة �أ�شار فيها �إىل �أهمية ال�شراكة املجتمعية مع ج��ام�ع��ة ال�سلطان ق��اب��و���س ،ودور م�ؤ�س�سات املجتمع امل��دين والعمل الثقايف يف دع��م مثل هذه التظاهرات العلمية والثقافية ذات املردود العميق والأثر البالغ على الفرد واملجتمع والأمة. �إ�ضافة �إىل �أهمية اللغة العربية التي كرمها اهلل ب�أن �أنزل بها كتابه العزيز ،وحفظها من ال�ضعف جم واالندثار ،وجعل منها �سبيل التوا�صل بني ٍّ الب�شر ،ممتد يف م�سارب احلياة، غف ٍري م��ن ِ منذ ع�صور �سحيقة وحتى ي��رث اهلل الأر���ض
دعا المؤتمرون إلى اهتمام المختصين بتحليل النصوص األدبية قديمها وحديثها تحلي ً ال كاشف ًا عن جمال العربية وثراء فكرها ومن عليها .كما �ألقى الدكتور حممد بن �سعيد الغامدي من جامعة امللك عبدالعزيز كلمة وج��ه من خاللها حتية امل�شاركني يف امل�ؤمترَّ ، �صادقة لل�شعب العماين وجلامعة ال�سلطان قابو�س ،و�أ�شار يف كلمته �إىل �أن املعرفة ال تعي�ش يف الكتب �أو يف قاعات الدر�س بل تعي�ش بني النا�س ،هذا �إذا كنا ن�ؤمن ب�أن املعرفة لي�ست املعلومة بل هي الر�ؤية .ونوه الغامدي �إىل �أهمية �إقامة هذه امل�ؤمترات العلمية ب�شكل �سنوي.
تضمنت توصيات المؤتمر التعاون مع أجهزة اإلعالم المختلفة على أن تكون اللغة العربية الصحيحة هي لغة اإلعالم في الوطن العربي
التغريد بالعربية
حتدث يف اجلل�سة الأوىل للم�ؤمتر املتحدث الرئي�س للم�ؤمتر الدكتور عبداهلل بن حممد الغذامي من اململكة العربية ال�سعودية الذي ق��ال« :الب��د يل قبل �أن �أحت��دث م��ن توجيه التحية �إىل جيل ال�شباب وال���ش��اب��ات لأن حديثي متولد منهم ،فقد راقبت لغة الفتيات والفتيان لوقت طويل �إىل �أن جاء «تويرت»، و�ساعدتني �-أي تويرت -كثري ًا منذ دخويل �إليها منذ �أكرث من عام يف مراقبة حال اللغة العربية ,لذلك ورقتي حتمل عنوان «كيف تعمل اللغة � /س�ؤال يف ثقافة اللغة» .وقال الغذامي�« :إن ح��ال العربية يف زمننا هذا ت�شري بو�ضوح �إىل منو وتقدم مطرد ملقام اللغة بني النا�س ،و��ص��ورة الطباق الثقايف ت�شري �إىل وج�ه�ين ب��ارزي��ن� ،أح��ده�م��ا وجه نحوي يقوم يف �صفه نخب ثقافية ت�شعر بغرية عميقة على حالة اللغة من حيث الإع��راب، وي�شعرها ه��ذا بخطر ت�ق��ول ب��ه وت�شعر به بعمق ،وي�ع��م خطابها العقلي وال��وج��داين مع ًا ،وال �شك �أين �أق��ف مع ه��ذه الفئة ويف �صفها وعندي من الأ�سباب مثل ما عندهم مم��ا ي�صنع حالة قلق م�شرتكة بيننا تبلغ ح��د ال��وق��وع يف ح�صار نف�سي وذوق ��ي حني
المرصد 30 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
أكدت فعاليات المؤتمر ضرورة دعم جهود مجامع وقوع اللحن على �أ�سماعنا ،ولكني ـ مع هذا اللغة العربية في عملها ـ �أ�ستطيع ر�ؤية ال�صف الثاين املكمل ل�صيغة في وضع معجم تاريخي الطباق اللغوي وذل��ك حينما �أتبني ازده��ار للغة العربية
اللغة العربية وتناميها امل�ط��رد واملت�صل، وال�شواهد ت�ؤكد ذلك بالإح�صاء والأرق��ام، وقد �أظهرت تقارير علمية عن ن�سب مذهلة يف موقع تويرت – م�ث� ً لا -بلغت معه �أع��داد التغريدات اليومية ما يقارب �ستة ماليني تغريدة يومي ًا ،وحتديد ًا هي»5.750.386« : ت�غ��ري��دة ي��وم�ي� ًا باللغة العربية يف املنطقة العربية ،وهي لي�ست رقم ًا كبري ًا فح�سب ،بل هي تك�شف �أي�ض ًا عن تنامي يف الأ�سلوب ويف حت�سني م�ستوى ال�صياغة بني امل�ستخدمني مع توا�صل تفاعلهم اللغوي ،وممار�ستهم للكتابة وتثقيف �أنف�سهم لغوي ًا عرب جتريب قدراتهم واحتكاكهم مع الآخرين ,مما جعل املهارات تنمو والأداء يتح�سن ،وهو م�شهد حي يك�شف ع��ن ت�ط��ور �أ��س��ال�ي��ب ال �ق��ول م��ع تعلم القول البليغ واملوجز والتعبري عن الفكرة باحرتاف يتنامى مع كل تغريدة. وقال �أي�ض ًا :فن التغريد �صار فن ًا قولي ًا و�إن�شائياً وفكري ًا ع�صري ًا يت�ضافر مع فنني �آخرين هما ال��رواي��ة وامل �ق��ال��ة ،ويف ال�ف�ن��ون ال�ث�لاث��ة ن�شهد ح��االت ت��وال��د ل�غ��وي ع�صري لها خ�صائ�صها الأ�سلوبية واجلمالية وت�شكل �إ�ضافات نوعية �إىل اللغة العربية .ولكننا نظل نقول �إن هذا التطور الأ�سلوبي ي�صحبه تراجع بارز يف النحو ،خا�صة ما مي�س �إعراب الكلمات� ،أي �أنه مر�ض ع�ضال ي�صيب �أواخر الكلمات ،ويجعلها على مفارقة مع �سائر عنا�صر اللغة� ،إذ تتطور اللغة بكل وجوهها وت��زده��ر ب�صيغة �سريعة وعميقة ولكن �أواخ��ر الكلمات تظل يف و�ضع خمتلف. و�أ�ضاف :ال يبدو احلل ممكن ًا �إذا تفكرنا بحال االجتهادات النحوية وبحال امل�ؤ�س�سات التعليمية
التي مل حتقق �أي جناح يذكر على مدى �أكرث من قرن يف حل مع�ضلة النحو مع جمهرة م�ستخدمي اللغة ،وه��ذا ما متخ�ض عنه ح�س عمومي ب�أن اللغة ت�سري دون هذا ال�شرط .ويتعزز هذا احل�س مع ن�شوء ال�صيغ التعبريية الع�صرية «الرواية واملقالة والتغريدة» ،وهي �صيغ ظل �أهلها ينتجون خطابات لغوية متطورة �أ�سلوب ًّيا ولكنها قا�صرة نحوي ًا ،وتظل احلال على هذا الأمر ،ولكن اللغة بعامة تظل يف �أعياد مت�صلة ،و�إن كانت مناحة النحو قائمة .ويف الأخري ف�سيظل الطباق الثقايف هذا قائم ًا وب�صورتيه املحددتني ،وال خمرج حلل م�شكلة النحو عند جمهرة العرب املعا�صرين ما مل نتمكن من �إقناعهم �أوال ب�أن النحو �ضرورة لغوية لهم ،و�أولها �أن نثبت لهم �أن النا�س لن يفهموا منهم قولهم �إال بال�شرط النحوي ،و�أن النحو هو العقد الداليل بني املر�سل واملر�سل �إليه ،ف�إن غاب غاب معه فهم الر�سالة ،وهذا مطلب يبدو �أنه غري واقعي لأن النا�س ظلت تنتج اللغة العربية الف�صحى الع�صرية �إر�سا ًال وا�ستقبا ًال ،و�إفهام ًا عم ال�شعور وفهم ًا ،دون و�سيط نحوي ،وبالتايل ّ «غري امل�صرح به» ب�أن النحو لي�س �شرط ًا للفهم
عبد الملك مرتاض: التقاليد الجامعية المبالغ فيها تتحدث عن اللغة بعيدة عن األدب والنقد والعكس ،فكأنما يريدون فصل الروح عن الجسد!!
ر�ؤية امل�ؤمتر امل��ؤمت��ر حماولة لإع��ادة ق��راءة اجلهود العلمية التي بذلها املتقدمون من علماء العربية يف �ضوء املناهج احلديثة ,ليت�سنى للباحثني املعا�صرين الإفادة مما يف تلك اجلهود من جوانب م�ضيئة� .إ�ضافة �إىل الوقوف على �أهم املالمح املنهجية التي ميكن تبنيها يف جهود علماء العربية املتقدمني ,يف حماولة الو�صول �إىل �أه��م ما ميكن اال�ستفادة منه يف و�ضع ت�صور منهجي عربي ي�ستفيد من اجلهود القدمية يف �ضوء املعطيات البحثية احلديثة.
والإفهام .مما يفقده وظيفيته يف ال�شعور العام، وه��ذا ما يجعلنا يف حالة م�ستمرة من الطباق الثقايف .وه��ي ح��ال يك�شف عنها ال�س�ؤال الذي ا�ستفتحنا به ورقتنا هذه« :كيف تعمل اللغة؟!!» بو�صفه �س�ؤا ًال يف الثقافة ويف البيئة اللغوية ،وهو ما يو�ضح لنا وجهي الطباق الثقايف بني ازدهار يف �أ�ساليب اللغة يقابله ان�صراف عن �س�ؤال النحو. كما حت��دث يف جل�سة امل ��ؤمت��ر الأوىل ك��ل من الدكتور �أحمد املغي�ض من جامعة الكويت حول جتليات احل��داث��ة ودالالت �ه��ا يف النقد العربي احلديث ،والدكتور عبدالغني ب��ارة من جامعة �سطيف ب��اجل��زائ��ر ح��ول نظرية ال �ت ��أوي��ل بني املعا�صرة وال�تراث ،والدكتور �أحمد يو�سف بن قدور من جامعة ال�سلطان قابو�س الذي �ألقى ورقة حول ال�سيميائيات بني العالمة واخلطاب ،واختتم اجلل�سة الدكتور حمزة �أ�شوال عبد الرحيم من جامعة والية كوارا إ�ل��ورن بنيجرييا ،بورقة حول ق�ضية اللغة يف الأدب الأفريقي :الأدب النيجريي يف اللغة العربية منوذج ًا.
حمور النحو وال�صرف
�أم ��ا اجلل�سة ال�ث��ان�ي��ة فناق�شت حم��ور النحو وال�صرف ،حتدث فيها املتحدث الرئي�س الدكتور حممد حما�سة عبد اللطيف من جمهورية م�صر العربية ،و�شاركه الدكتور احلوا�س م�سعودي من جامعة اجلزائر ،الذي قدم ورقة حول الوحدات املركبة يف اللغة العربية بني الآنية والتعاقبية الزمنية -مقاربة وظيفية ،والدكتور حممد �سعيد الغامدي م��ن جامعة امللك عبد العزيز ال��ذي حتدث عن ال�صريف العربي :طبيعته و�إ�شكاالته، والورقة الأخ�يرة قدمها الدكتور �سعيد جرب �أبو خ�ضر من جامعة ال�سلطان قابو�س حول عالقة اجلزء بالكل و�أثرها يف تقعيد نحو العربية. ويف اجلل�سة اخلتامية قدم الدكتور عبد احلق بلعابد �أ�ستاذ نظرية الأدب والأدب املقارن امل�شارك من جامعة امللك �سعود ،ورقة حول خطاب العتبات يف ال�تراث العربي «ق��راءة جديدة لدر�س نقدي قدمي» ،هدفت �إىل درا�سة �أح��د عنا�صر ه��ذه العتبات ,وه��ي الفاحتة الن�صية واخل��امت��ة الن�صية ال�ت��ي عرفتها البالغات القدمية منذ �أر�سطو حتى الآن
معجم تاريخي للغة العربية ،ودع��وة ال��دول العربية التي لي�س فيها جمامع للغة العربية �إىل ت�أ�سي�س جمامع لغوية ،بالإ�ضافة �إىل الدعوة �إىل الإف� ��ادة م��ن العلوم البينية يف تطوير جماالت اللغة العربية.
ف�صل اللغة عن الأدب و�إلغاء النحو
الدكتور عبد الله الغذامي خالل امل�ؤمتر
بت�سميات خمتلفة� ،أبرزها البداية والنهاية. وناق�شت الدكتورة ح�سناء بوزويتة الطرابل�سي يف ورقتها مو�ضوع �إ�شكال ّيات ال�شخ�ص ّية الأندل�س ّية من خالل �أدب القرن اخلام�س للهجرة ،وذلك يف �إط��ار العالقة الثقافية بني امل�شرق والغرب الإ� �س�لام��ي ،م�ب�رزة �إح���س��ا���س �أدب� ��اء ال�غ��رب الإ�سالمي عموم ًا بتف ّوق امل�شارقة ،ممّ ��ا �ش ّكل لديهم نوع ًا من العقدة �إزاء ك ّل ما هو م�شرقي. وق��دم ال��دك�ت��ور ع �ب��داهلل ب��ن م�سلم الها�شمي الأ��س�ت��اذ امل�ساعد يف املناهج وت��دري����س اللغة العربية ورق��ة حول «املعجم املدر�سي العربي.. واقعه و�أ�س�س بنائه» ،قائ ًال� :إن املعجم املدر�سي يعد ن��وع� ًا م��ن املعاجم اللغوية ت� ��ؤدي �أه��داف� ًا تعليمية �صرفة .وهدفت الورقة �إىل �إلقاء ال�ضوء على املعجم املدر�سي العربي وجهود الت�أليف فيه، وتقدمي ر�ؤية نقدية لها يف �ضوء �آراء الباحثني. وتناول الدكتور عبد العزيز ال�صيغ من جامعة ال�سلطان قابو�س ،كلية الآداب والعلوم االجتماعية ق�سم اللغة ال�ع��رب�ي��ة ،ال�ظ��واه��ر ال�صوتية يف اللهجات العمانية ،بو�صفها جزء ًا من الظواهر ال�صوتية يف العامية العربية ،املتمثلة يف العاميات واللهجات العربية املمتدة يف الوطن العربي، والعاميات العربية تعد فروع ًا للعربية الف�صحى.
تو�صيات امل�ؤمتر
عبد اهلل الغذامي :حال العربية في زمننا تشير بوضوح إلى نمو وتقدم مطرد لمقام اللغة بين الناس يف �سبع جل�سات احتوت على �أبحاث �ألقاها امل�شاركون يف خمتلف جماالت اللغة والأدب. وبعد اال�ستماع �إىل هذه الأبحاث ومناق�شتها خل�ص امل�ؤمتر �إىل التو�صيات الآتية� :أن يكون هذا امل�ؤمتر دوري ًا مو�سع ًا على �أن يعقد يف كل عام يف �إحدى دول اخلليج ،و�أن تهتم اجلامعات العربية بتعليم اللغة العربية للناطقني بغريها، وتن�شئ امل��راك��ز اخلا�صة ب��ذل��ك ،والتن�سيق بني اجلامعة واملجتمع لتنمية اللغة العربية، والتعاون مع �أجهزة الإعالم املختلفة على �أن تكون اللغة العربية ال�صحيحة هي لغة الإعالم يف الوطن العربي ،و�أن تُعطى اللغة العربية مكانتها الالئقة يف مراحل التعليم املختلفة، وال��دع��وة �إىل اه�ت�م��ام املخت�صني بتحليل الن�صو�ص الأدب�ي��ة قدميها وحديثها حتلي ًال كا�شف ًا عن جمال العربية وثراء فكرها ،ودعم جهود جمامع اللغة العربية يف عملها يف و�ضع
يف ختام فعالياته ،خ��رج امل��ؤمت��ر بعدد من مرتاض :إذا ألغينا النحو التو�صيات ،ج��اءت يف ن�ص البيان اخلتامي فكأنما ألغينا أنفسنا للم�ؤمتر يوم االثنني 3 دي�سمرب:يومني متوا�صلني وألغينا اللغة العربية.. اجتمع امل�ؤمترون على مدى لكن ال بد من التفكير في سبيل لإلصالح
تعليق ًا على �أح��داث امل�ؤمتر قال الدكتور عبد امللك مرتا�ض من اجلزائر ملرا�سل «ت��راث»: «جرت التقاليد اجلامعية املبالغ فيها �أحيان ًا �أن �ه��ا تتحدث ع��ن اللغة بعيدة ع��ن الأدب والنقد والعك�س ،ولكن هذا امل�ؤمتر خالف هذه القاعدة �إذ ال ميكن ف�صل الأدب عن اللغة وال اللغة عن الأدب ،ومن �أراد �أن يف�صل بينهما فك�أمنا يريد �أن يف�صل بني الروح واجل�سد». و�أ��ض��اف« :هناك جمموعة كبرية من خرية الأ�ساتذة واملخت�صني والباحثني واملهتمني من خمتلف �أنحاء العامل ،كما �أن الق�ضايا التي طرحت على ق��در كبري م��ن الأهمية ومنها النحو و�صعوبة النحو ،كما طرحت ق�ضية �إلغاء النحو وهذا بر�أيي من امل�ستحيالت لأننا �إذا �ألغينا النحو فك�أمنا �ألغينا �أنف�سنا و�ألغينا اللغة العربية لكن ال بد من التفكري يف �سبيل الإ�صالح». وم��ن جانبها ق��ال��ت ال��دك �ت��ورة ��س�لام دي��اب دورانتون من جامعة باري�س الثامنة بفرن�سا: «�أري ��د �أن �أ�شكر جامعة ال�سلطان قابو�س لتكري�سها م��ؤمت��ر ًا دول�ي� ًا للغة العربية ،ويف احلقيقة اللغة العربية حتتاج �إىل �أك�ثر من م�ؤمتر وندوة ،وجامعة ال�سلطان قابو�س انتبهت �إىل �أهمية اللغة العربية ,لذلك جاء انعقاد هذا امل�ؤمتر املهم ،والذي �أتاح الفر�صة لعدد كبري من الباحثني والأ��س��ات��ذة للم�شاركة يف هذا امل�ؤمتر وخا�صة من الدول غري العربية ،وتعد هذه خطوة وبادرة ت�شكر عليها اجلامعة ,لأنها �أتاحت املجال للباحثني الأوروبيني ومن الدول الأخرى للم�شاركة ب�أبحاثهم الأخرية يف اللغة العربية ،وامل�ساهمة يف تدويل اللغة العربية و�إعطائها الأهمية التي ت�ستحقها»
32
اآلفاق ارتياد مدارات
الـعــــدد 159
يناير
2013
التراث والهوية كان
تغييب النظرة ال�شمولية ل�� � � �ل� �ت� ��راث ال� � �ع � ��رب � ��ي الإ���س�ل�ام��ي ،ومم��ار� �س��ة ال �ت �م��اي��ز بني الأن���ا والأن� ��ا الآخ� ��ر ،ك�م��ا اعتمدهما ال��دار� �س��ون ال �ع��رب ،ب�شكل �أو ب��آخ��ر، وبوعي �أو بغري وعي ،ا�ستجابة لدواع �إيديولوجية ،ال علمية وال عملية .هذه اخللفية الإي��دي��ول��وج �ي��ة ك��ان��ت ع�ن��وان �سيا�سة ال��دول��ة القطرية ال�شمولية. �إنها با�سم وحدة «الوطن» كانت تلغي كل املكونات التي ت�شكل منها ال�تراث العربي يف �صريورته التاريخية ،وكانت تنتقي منه ما تراه �صاحل ًا لت�أكيد تلك «ال��وح��دة» وت�سويغها ،مع �إلغاء كل ما يدل على التعدد والتنوع اللذين طبعا ك��ل ال�ت��اري��خ واجل�غ��راف�ي��ا .بذلك �صار ت�صور حم��دد ل�ل�تراث يحتل الواجهة وامل��رك��ز ،بينما تقبع جتليات تراثية �أخرى يف اخللفية والهام�ش. �إذا ك��ان ه��ذا هو ال��واق��ع الفعلي الذي ف��ر� �ض �ت��ه اال� �س �ت �ق�لاالت واالن �ق�لاب��ات منذ �أوا� �س��ط ال �ق��رن الع�شرين ،ف�إنه م �ن��ذ ال �ت �� �س �ع �ي �ن �ي��ات وب ��داي ��ة الأل �ف �ي��ة
ال�ث��ال�ث��ة ،ب ��د�أت �أم��ري �ك��ا ،وه��ي ت��واج��ه ال��وط��ن ال �ع��رب��ي ل �ف��ر���ض ��س�ي��ا��س��ات�ه��ا ع�ل�ي��ه ،ت �ل � ِّوح ب��ال��دمي��وق��راط�ي��ة وح�ق��وق الإن���س��ان والأق�ل�ي��ات .وك��ان��ت الرتجمة العملية لذلك �إب��ان احتاللها العراق �أن فر�ضت دميوقراطيتها ،فتهاوى �صرح «الوحدة» الوطنية ،و�صرنا �أمام متايزات تتعدد بتعدد مكونات الرتاث وال �ل �غ��ات وال �ث �ق��اف��ات .وب �ع��د ع�ق��د من ال��زم��ان ال��ذي �أع�ق��ب أ�ح��داث احل��ادي ع�شر من �سبتمرب ،جاء الربيع العربي، ليعلن نهاية الدولة القطرية ال�شمولية يف ت��ون����س وم���ص��ر ول�ي�ب�ي��ا ،وب��ذل��ك مت ا�ستح�ضار املكونات الرتاثية التي كانت يف اخللفية والهام�ش ،فربزت الهويات املختلفة ،وه��ي تت�أ�س�س� ،أي���ض� ًا ،على قاعدة التاريخ والرتاث. ان �ت �ه��ز ال �� �س �ل �ف �ي��ون يف ك ��ل الأق� �ط ��ار العربية التي عرفت احلراك ال�سيا�سي واالج��ت��م��اع��ي ه���ذا ال��رب �ي��ع ف �ق��دم��وا �أنف�سهم ب��دي�ل ًا ع��ن ال��دول��ة القطرية ال�شمولية ال�ت��ي هم�شت ال��دي��ن با�سم اال�شرتاكية ت��ارة والليبريالية ط��ور ًا.
كما ا�ستثمره الأمازيغ يف املغرب وليبيا فطالبوا بحقوقهم اللغوية والثقافية. وع���زز الأك � ��راد وج��وده��م ال���س�ي��ا��س��ي يف ال � �ع� ��راق ،وي��ط��ال��ب��ون يف � �س��وري��ا باالعرتاف بهم .كما طالب ال�شيعة يف البحرين و�شمال اجلزيرة بحقهم يف الوجود ،واحتفل ال�شيعيون يف اليمن لأول م ��رة ،ك�م��ا ي �ق��ول��ون ،ه��ذا ال�ع��ام بذكرى ا�ست�شهاد احل�سني، ل �ق��د ب� ��رزت ق���ض�ي��ة ال �ه��وي��ات داخ��ل ال�ك�ي��ان ال�ع��رب��ي حم�م��ول��ة ع�ل��ى ر�ؤو���س ح���راب ال �� �س �ي��ا� �س��ة ،و� �ض��د التهمي�ش والإلغاء الذي مار�سته الدولة القطرية عدة عقود حتت �شعار الوحدة الوطنية وبا�سم ال�سيا�سة �أي� ًضا. �إن ال�ت�ع��ام��ل م��ع ال �ت�راث ��س�ي��ا��س�ي� ًا ال ميكن �أن يو ِّلد غري الإق�صاء والإق�صاء امل�ضاد .وم��ن �أق�صي ،بالأم�س ،يفكر يف ممار�سة �إق�صاء الآخر اليوم .ولكل مربراته ال�سيا�سية والإيديولوجية التي ت�سوغ له اتخاذ ال�ق��رارات «ال�صائبة» � �ض��د م��ا ي �ت �ه��دد امل���ص�ل�ح��ة ال�ع�ل�ي��ا �أو ال��وج��ود � �س��واء ك��ان ذل��ك م��ن خ�صوم
مدارات �سعيد يقطني
الداخل �أو �أعداء اخلارج. ومب ��ا �أن ال �ت �ط��رف ال مي �ك��ن �أن ي��ول��د غ�ير ال �ت �ط��رف ،جن��د الآن يف ال��واق��ع ال �ع��رب��ي ،هيمنة ه��ذا اخل �ط��اب ،وه��و ي�ت�خ��ذ ���ص��ور ًا و�أ� �ش �ك��ا ًال م �ت �ع��ددة� .إن ع��دة ع�ق��ود م��ن الإق �� �ص��اء والتهمي�ش ول��دت الكراهية وال�ن�ف��ور ،لي�س فقط م��ن ال��واق��ع احل��ايل ،ب��ل وم��ن التاريخ وال�ت�راث ك�ك��ل ،فبتنا ن�سمع خطابات حت��اول حم��و ك��ل ال�ت��اري��خ ،وم��ن التنكر ل�ك��ل الإجن� ��ازات ال �ت��ي حتققت ع�بره، والتي �أ�سهم فيها اجلميع� .صحيح جند ه��ذا ال�ن��وع م��ن اخل�ط��اب��ات ل��دى فئات قليلة من املتطرفني من كل الأطراف، م�سلمني «��س�ن��ة و��ش�ي�ع��ة» وم�سيحيني و�أكراد و�أمازيغ ،،،وبات الت�شديد على اخل�صو�صية اخلا�صة ،والهوية املنغلقة ديدن ه��ؤالء .ويكفي �أن يتابع املرء ما تقدمه بع�ض ق�ن��وات الإع�ل�ام ،وي�ق��ر�أ بع�ض التعليقات التي تكتب يف ال�شبكات االجتماعية الرقمية ،ليجد نف�سه �أمام بداية ت�ضخم خطابات الهوية التي ال تت�أ�س�س على ركيزة تاريخية �أو معرفية
�أو ثقافية ،لأنها باتت موجهة �سيا�سي ًا لأغرا�ض تخدم هذه الفئات. �إن القا�سم امل�شرتك ال��ذي عانى منه ال�شعب العربي الإ�سالمي بكل مكوناته العرقية والدينية واملذهبية يف الع�صر احل��دي��ث يتمثل ب���ص��ورة �أ��س��ا��س�ي��ة يف ال �ف �� �س��اد ال���س�ي��ا��س��ي والإي��دي��ول��وج��ي؛ وك��ان��ت ل��ذل��ك �آث � ��اره ع �ل��ى الإن �� �س��ان اقت�صادي ًا واجتماعي ًا بغ�ض النظر عن هويته اخلا�صة �أو �أ�صوله العرقية �أو الثقافية �أو املذهبية .لقد ا�ستفاد من نظام البعث يف العراق مث ًال عنا�صر من ال�سنة وال�شيعة والكرد والرتكمان،،، لأن�ه��م ك��ان��وا م��وال�ين ل��ه ،ويف خدمته وم��ن �سدنته .فلماذا ينظر اليوم �إىل نظام البعث على �أن��ه ك��ان �سني ًا؟ ما ال���ذي مي�ن�ح��ه ه ��ذه ال �� �ص �ف��ة؟ ومي�ك��ن قول ال�شيء نف�سه عن نظام البعث يف �سوريا .لقد �صار �سني ًا وعلوي ًا ب�ضربة الزب ،وه��و ال��ذي ت�ضرر منه ال�سنة، كما ت�ضرر منه غريهم من معار�ضيه و�أع��دائ��ه ال�سوريني بغ�ض النظر عن هوياتهم �أو �إثنياتهم ،وتكفي الإ�شارة
�إىل ما وقع يف حماه لت�أكيد ذلك؟ ت�شكل ال�تراث العربي الإ�سالمي عرب عدة ق��رون ،و�أ�سهمت فيه قبائل و�أمم و�شعوب من �أع��راق وثقافات عديدة. ك �م��ا �أن���ه ت �ف��اع��ل ،يف ���ص�ي�رورت��ه ،مع ت��راث �أمم �أخ ��رى مل تخ�ضع للوجود العربي الإ� �س�لام��ي .ل��ذل��ك ك��ان ت��راث� ًا يقوم على التعدد والتنوع ،وك��ان ذلك م�صدر غناه الذي جعله يج�سد الهوية الإن�سانية املنفتحة. ه��ذه الهوية الإن�سانية ال تتعار�ض مع ال �ه��وي��ات ذات اخل���ص��و��ص�ي��ة ال �ت��ي ال مي�ك��ن حت��دي��د ج��زء م�ه��م م�ن�ه��ا ب��دون رب�ط�ه��ا ب�ت�ل��ك ال �ه��وي��ة ال �ع��ام��ة .فكيف ميكن ا�ستثمار ه��ذا التفاعل من �أجل ج �ع��ل ك��ل ال �ه��وي��ات ت�ت�ع��اي����ش وت�ت�ط��ور بدون �إق�صاء �أو �إلغاء؟ يكمن اجلواب ع ��ن ذل� ��ك يف �إع� � ��ادة ت �ق �ي �ي��م ع�لاق��ة الرتاث بالهويات بعيد ًا عن الظرفيات واملالب�سات الطارئة والعابرة ،وبعيد ًا عن كل �أ�شكال التطرف وردود الفعل القائمة على الأهواء
الغالف 34 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
�شيء «جدمي» ب�س «وااااايد» حلو..
التراث في عيون الناس استطالع شمل 100طفل ورجل وامرأة �أبوظبي – حممد النمر ال خالف على �أن للرتاث ح�ضوراً يف املجتمعات ،وال خالف على �أن مهمة غر�س الرتاث يف نفو�س الأوالد والبنات ت�أتي �ضمن �أولويات العديد من اجلهات الر�سمية والأهلية ،فاحلفاظ على الرتاث هو م�س�ؤولية اجلميع، لكن هل ا�ستطاع م�صطلح الرتاث �أن يتخذ مكانة وا�ضحة بني �أفراد املجتمعات العربية ،و�أن يكت�سب ذلك احل�ضور املنظم الذي ينعك�س على �أدائهم يف حياتهم اليومية؟. ه���ذه ه ��ي ال �ف��ر� �ض �ي��ة ال��ت��ي �أردن� � ��ا �أن نختربها بتوجيه ال�س�ؤال لعينة ع�شوائية ت���ض��م خم�ت�ل��ف ف �ئ��ات وط �ب �ق��ات الب�شر ع�ل��ى اخ �ت�لاف �أع �م��اره��م وان�ت�م��اءات�ه��م وخلفياتهم الثقافية والفكرية. وجهنا للعينة امل�خ�ت��ارة��،س��ؤا ًال مبا�شراً و�صريح ًا :م��اذا تعني لك كلمة ت��راث؟ وق��ررن��ا �أن ي �ك��ون االن �ط �ب��اع الأول لكل �شخ�ص هو �ضالتنا ،لأن��ه الوحيد الذي يلم�س ال �� �ص��ورة ال��ذه�ن�ي��ة ع��ن ال�ت�راث املطبوعة يف عقل هذا ال�شخ�ص. �أ��س�ف��ر اال�ستطالع ع��ن حقيقة م��ؤداه��ا �أن م�ف�ه��وم ال�ت�راث ال ي ��زال اح�ت�ف��ال�ي� ًا ومو�سمي ًا وغري منهجي لدى الكثري ممن
التقينا بهم ،والذين اقرتب عددهم من املائة �شخ�ص من خمتلف فئات املجتمع العمرية ،ومن جن�سيات عدة. ال �شك يف �أن ه��ذا اال�ستطالع ال ميكن �أن يتم تعميم نتائجه� ،إال �أن��ه بال �شك �أي���ض� ًا ي�صلح �أن يكون م��دخ�ل ًا حلديث جمتمعي ج��اد ع��ن الكيفية ال�ت��ي ميكن
لطيفة هالل القبيسي :كلمة تراث تعني األشياء القديمة التي تمثل األجداد ورائحة األهل القدماء
من خاللها جعل الرتاث م�صطلح ًا حي ًا عند اجلميع ،ميتلك القدرة على الت�أثري وي�سهم يف م�سرية التنمية والنمو.
الرتاث والتعليم
�شريين الد�سوقي ،معلمة لغة �إجنليزية، قالت�« :إن ال�تراث هو كل �شيء مرتبط ب��ال��زم��ن امل��ا� �ض��ي� ،أ� �س �ه��م يف ت�شكيل الهوية ،وارتبط بنا ارتباط ًا عاطفي ًا �أو ح�سي ًا �أو مادي ًا». م��در���س��ة ال�ت�رب��ي��ة ال��ري��ا� �ض �ي��ة ،ل�ي�ل��ى احل��و��س�ن��ي ك��ان ل�ه��ا ر�أي م�شابه حيث ق ��ال ��ت� «:إن ال �ت��راث ي �ع �ن��ي ال� �ع ��ادات والتقاليد» ،الفت ًة �إىل �أن التقاليد ت�شمل
الغالف 36 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
مريم البلوشي: التراث يعني الماضي «اللي احنا اتربينا عليه» مثل عاداتنا وتقاليدنا وأصول آبائنا
حممد ال�شحي
جا�سم البوعنني
كل �شيء. �أم��ا م��در���س ال�ترب�ي��ة الإ��س�لام�ي��ة حممد غ��ازي فقد ع � ّرف ال�تراث ب�أنه «م��وروث �أي �أمة متناقل عرب الأجيال ،ويعرب عن امل��ا��ض��ي الأ� �ص �ي��ل» ،م ��ؤك��د ًا ع�ل��ى �أهمية مت�سك الأجيال احلديثة به. وقالت معلمة اللغة العربية حنان مندور: «�إن الرتاث يحقق معنى الهوية الوطنية يف �إط ��ار ح���ض��اري و�إن �� �س��اين م�شرتك، ويعمل على دع��م وتعزيز معنى ال�تراث والرتبية». و�أيدها معلم الريا�ضيات حممد ال�شحي ق��ائ�ل ًا�« :إن ال�ت�راث ج��زء ال ي�ت�ج��ز�أ من
الشحي :التراث جزء ال يتجزأ من ثقافة ووجود المواطنين
ثقافة ووجود املواطنني». ول�ف��ت ال�شحي �إىل �أن ت��راث الإم ��ارات ميثل ج��زء ًا مهم ًا م��ن الهوية الوطنية، و� �ش��اه��د ًا ع�ل��ى ح�ق�ب��ة م�ه�م��ة م��ن ت��اري��خ الدولة� ،إذ يتيح لأجيالنا اجلديدة فر�صة التعرف �إىل جانب من الإب��داع ال�سائد يف الثقافة ال�شعبية يف تلك احلقبة التي عا�شها الأجداد ب�صعوباتها. ب��دوره��ا ع��رف��ت م�ع�ل�م��ة ال�ل�غ��ة ال�ع��رب�ي��ة حكيمة بوعمر الرتاث ب�أنه« :ما تركه لنا الأ�سالف ويحق لنا �أن نفخر به ونحافظ عليه ليكون ذخر ًا لهذا الوطن وللأجيال القادمة». وع��رف معلم ال��درا��س��ات م��ؤم��ن �شكري ال �ت��راث ب� ��أن ��ه « :رك� �ي ��زة رئ �ي �� �س��ة م��ن ركائز الهوية ،كونه ميثل جممل احلياة ال�سابقة ،والهوية الوطنية للإماراتيني وال��ع��رب ،م��ن خ�ل�ال ال�ث�ق��اف��ة ال�شعبية واملعارف التقليدية ،وبقية �أمناط احلياة االجتماعية». وق��ال��ت معلمة اللغة الإجن�ل�ي��زي��ة ب�سمة ح�سان يف تعريفها للرتاث« :الرتاث يعني ك��ل «ح��اج��ة» ق��دمي��ة ممكن نتعلمها من
النا�س القدامى». وع ّرف الرتاث معلم الرتبية الإ�سالمية زي��اد حافظ ق��ائ�ل ًا�« :إن ال�تراث ه��و كل الأ� �ش �ي��اء ال�ق��دمي��ة ال�ت��ي حت�ي��ط ب�ن��ا من خمتلف الع�صور املا�ضية» ،م�ؤكد ًا على �ضرورة تعريف الن�شء برتاث �أجدادهم. من جانبه قال معلم الدرا�سات حمودة ال���ش�ه��اوي« :ال�ت�راث «ده ح��اج��ة» مهمة جد ًا لكل النا�س و�ضروري نعلمه لأوالدنا «ع�شان» ينفعهم يف م�ستقبلهم». وق��ال��ت معلمة ال�ترب�ي��ة الريا�ضية والء عبدالفتاح�« :إن ال�ت�راث يعني ما�ضي الإن�سان من قبل». وع � ّرف معلم الريا�ضيات منري الأك��رم ال�ت�راث ب ��أن��ه « :ك��ل م��ا يخلفه ال��رج��ل لورثته �أي �أبنائه و�أهله من بعده ،ويكون متوارثاً وقاب ًال للتوريث من بعده بحكم التقادم واالن�ت�ق��ال» .وقالت معلمة العلوم �سناء م�صطفى�:إن ال�ت�راث ه��و «ك��ل م��ا �سنه الآباء ،وهو عبارة عن �إطار من الأحكام وال���ش��رائ��ع وم�ع�ل��وم��ات علمية جتريبية �شعبية ،وجمموعات �أدبية فكرية علمية مكتوبة».
�أحمد عبد الله
حمودة ال�شهاوي
جاسم البوعينين: كل شيء قديم وله اتصال بعاداتنا وتقاليدنا ومرتبط بالزمن الحالي الأردن��ي��ة للن�شر وال �ت��وزي��ع �أ� �س��ام��ة �أب��و ط��اع��ة « ��� 27س��ن��ة» ،وحم��م��د امل��ن��دور « � 32سنة» ،على �أن كلمة ت��راث توحي بالأ�شياء القدمية الرتاثية ،الفتني �إىل �أن الإقبال على كتب الرتاث متزايد ،و�أن من هم فوق �سن الأربعني ي�شرتون الكتب الرتاثية ويبحثون عنها.
حممد جمال اجلابري
الرتاث �أ�شياء من املا�ضي علي ف ��ؤاد موظف يف دار القلم للن�شر �س�ؤال �صعب وال �ت��وزي��ع « �� 27س�ن��ة» ،ق��ال �إن «مفهوم ال �ت�راث ه��و ك��ل الأ� �ش �ي��اء ال �ق��دمي��ة �أو البيوت القدمية والبدو ،»...م�شري ًا �إىل �أن رواد م�ع��ر���ض ال�ك�ت��اب يبحثون عن الكتب الرتاثية اخلا�صة بتعليم الرتاث للأطفال. �سلطان الزعابي موظف و�صاحب �شركة « � � 33س �ن��ة» ،وج ��د ��ص�ع��وب��ة يف ت�ع��ري��ف ال�ت��راث ،واك �ت �ف��ى ب��ال �ق��ول �إن ال�ت�راث ما�ض». «�شيء ٍ �أم��ا املوظف يف هيئة �أبوظبي لل�سياحة والثقافة حمد �آل علي « � 28سنة» ،فقال بب�ساطة �إنه ال يعرف معنى كلمة تراث. ب�ي�ن�م��ا ات �ف��ق امل��وظ �ف��ان يف دار �أزم �ن��ة
�أ�صر املوظف يف وزارة الثقافة والفنون والرتاث يف دولة قطر جا�سم البوعينني « � 24سنة» على �أن ي�ع��رف مل��اذا نتوجه �إليه مبثل هذه «الأ�سئلة ال�صعبة» ،قبل �أن يع ّرف الرتاث من وجهة نظره قائ ًال: �إنه «كل �شيء قدمي وله ات�صال بعاداتنا وتقاليدنا ومرتبط بالزمن احلايل» ،ومل ين�س البوعينني �أن يلفت �إىل �أن الإقبال على �شراء الكتب الرتاثية يف املعار�ض كبري ،و�أن عمر امل�شرتين يبد�أ من 20
ليلى الحوسني: التراث يعني العادات والتقاليد التي تشمل كل شيء
�سلطان الزعابي
عام ًا .
الرتاث هو امل�شاركة بالعامل
م��دي��ر �إدارة امل�ك�ت�ب��ات ال�ع��ام��ة يف رك��ن الر�سامني يف معر�ض �أب��وظ�ب��ي ال��دويل للكتاب نبيل املحريي « � 47سنة» ،قال:
الغالف 38 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
علي العبيديل
طارق الدرعي
حكيمة بوعمر :كل ما تركه لنا األسالف ويحق لنا أن نفخر به ونحافظ عليه
هبة مهيار
موظفة م�ؤقتة يف ق�سم املكتبات وطالبة مب �ع �ه��د اجل ��زي ��رة وال �ت �ط��وي��ر امل �ه �ن��ي، متالكت نف�سها بعد �أن �أب��دت «فزعها» من ال�س�ؤال املباغت ثم قالت�« :إن كلمة ت��راث تعني الأ�شياء القدمية التي متثل الأج��داد ،ومنها رائحة الأهل القدماء». وا�ستكملت زميلتها مرمي البلو�شي « 24 �سنة» قائلة�« :إن ال�تراث يعني املا�ضي «اللي احنا اتربينا عليه» ،مثل عاداتنا وتقاليدنا و�أ� �ص��ول �آب��ائ�ن��ا ،وه��و امتداد املا�ضي مع احلا�ضر». وقال املوظف مهند علي كويتان « � 24سنة» �إن ال�ت�راث يعني «احل �� �ض��ارة والثقافة وال �ع��ادات وال�ت�ق��ال�ي��د وت��اري��خ وح���ض��ارة البالد».
ال�س�ؤال يف �صيغة عامية �أما طارق الدرعي « � 24سنة» فقد طلب �أن ح�سن مهيار �أعيد �صياغة ال�س�ؤال باللهجة العامية، «�إن الرتاث هو امل�شاركة بالعامل» م�ؤكد ًا ومل��ا فعلت ذل��ك� ،س�ألني �إن ك��ان ل��ه �أن �أن��ه ال يخ�ص الديانة �أو اجلن�سية ،وهو نبيل المحيري :التراث مينح القدرة على م�شاركة العامل كله. هو المشاركة بالعالم لطيفة هالل القبي�سي « � 27سنة» ،وهي
وال يخص الديانة أو الجنسية
يجيب بالعامية كذلك ،وحينما �أكدت له حقه يف ذلك قال �إن الرتاث هو الأ�شياء «اللي عملوها الأجداد». وا�ستغرب مدير دار جم��دالوي الأردنية للطباعة والن�شر ،ال�سيد جم��دالوي « 35 �سنة» من ال�س�ؤال قائ ًال «ترااااااااااث!!»، ثم ما لبث �أن قال يف ثقة�:« :إن الرتاث ه��و الإرث ال�ث�ق��ايف املطلق على منطقة معينة خالل مدة زمنية» م�شري ًا �إىل �أنه ال يوجد �إقبال على �شراء الكتب الرتاثية يف معر�ض �أبوظبي الدويل للكتاب ،على عك�س احلال يف معر�ض ال�شارقة للكتاب حيث ي�ك��ون الإق �ب��ال على � �ش��راء الكتب الرتاثية �أكرب بكثري.
الرتاث يف عيون الطالب
غالبت الطالبة بكليات التقنية �شيخة الها�شمي « � 22سنة» ابت�سامتها طوي ًال، ث��م ك��ررت ال���س��ؤال �أك�ثر م��ن م��رة ك�أمنا تت�أكد من �صحة ما �سمعته� ،إىل �أن قالت ب�ه��دوء�« :إن ال�تراث هو كل �شيء �أورث��ه لنا الأج��داد من ع��ادات وتقاليد و�أفعال ومعتقدات وم��ن املجتمع ال�سابق ،ولكل دولة تراثها كطريقة امل�أكل وامللب�س». بينما راق لأح�م��د ع�ب��داهلل -ط��ال��ب يف ال�صف التا�سع – �أن ي�ك��رر الكلمة مع مت��دي��د ��ص��وت��ي ل�ه��ا «ت � ��راااااث» ،بعدها �صمت قلي ًال ،ثم قال �إن الرتاث «ت�شخي�ص املا�ضي ،وما تركه لنا الأجداد». فيما ع ّرف الطالب يف ال�صف العا�شر يف مدر�سة ال��رواد النموذجية حممد جمال اجل��اب��ري ال�ت�راث ب ��أن��ه «الأ� �ش �ي��اء التي فعلها الأج��داد ومت�ضي معنا ،كما �أنها عاداتنا وتقاليدنا». و�أج��اب��ت زه ��رة �إب��راه �ي��م « �� 22س�ن��ة» - طالبة يف جامعة ال���س��ودان وموظفة يف م�ؤ�س�سة �سلطان بن على العوي�س الثقافية – عن ال�س�ؤال بعد تفكري طويل بكلمات ث�لاث ال�تراث ه��و «تقاليد – ع��ادات – �أ�سلوب حياة قدمي». واخت�صر الطالب يف كلية تقنية �أبوظبي
�صورة �أر�شيفية حللقات حتفيظ القر�آن الكرمي يف الإمارات
ع �ل��ي ال �ع �ب �ي��ديل ت �ع��ري��ف ال�ت��راث ب ��أن��ه «الأ�شياء القدمية». فيما قال الطالب يف ال�صف الثامن يف مدر�سة عبداجلليل فهمي �أحمد حممد �سيف « � 13سنة» �إن ال�تراث «ه��و �شيء من املا�ضي يعرب عن الأ�شياء التي فعلها الأجداد». �أما الطالب يف ال�صف التا�سع يف مدر�سة عبداهلل بن عتيبة معاذ خالد « �14سنة» ف�ق��د ك��رر ال �� �س ��ؤال �أو ًال ك ��أمن��ا ي�ستعيد معلومة حفظها من قبل ون�سيها ،بعدها
قال�« :إن الرتاث يعني العادات والتقاليد و�أجدادنا» ،ثم انقطع عن الكالم راف�ض ًا اال�ستمرار يف احلديث. وع ��رف ال �ط��ال��ب يف ال���ص��ف ال���س��اد���س ح�سن م�ه�ي��ار « �� 11س�ن��ة» ال�ت�راث ب��أن��ه
شيرين الدسوقي: التراث هو كل شيء مرتبط بالزمن الماضي وأسهم في تشكيل الهوية
الأ�شياء التي تركها لنا الأج ��داد ،مثل الأ�شياء القدمية والتقاليد. وا�ستكملت �شقيقته الطالبة يف ال�صف احل� ��ادي ع���ش��ر ه�ب��ة م�ه�ي��ار ق��ائ �ل � ًة� :إن «الرتاث هو التاريخ والآثار». وقالت الطالبة يف ال�صف احلادي ع�شر هدير الأ��ش�ق��ر� :إن «ال�ت�راث ه��و حا�ضر فينا �أو معنا من املا�ضي ،ما�ضينا نحن �أم ما�ضي غرينا ،القريب منه �أو البعيد». وق��ال الطالب يف ال�صف التا�سع وائ��ل عبد املعز� :إن «الرتاث هو كل ما ورثناه
الغالف 40 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
تاريخي ًا من الأجداد ،وهو وعي التاريخ».
املوروث ال�شعبي
وخالل رحلتنا داخل معر�ض الكتاب ال�ستكمال اال�ستطالع ع��ن م��ا ه��و معنى كلمة ت��راث؟، وجهنا ال�س�ؤال �إىل �أحد الأ�شخا�ص الذي اتخذ من �أحد �أركان املعر�ض مكان ًا للراحة ومراجعة ما ا�شرتاه من كتب .فقال من�صور ال�سعدي عن الرتاث �«:إن��ه امل��وروث ال�شعبي ،وهو جزء ال يتجز�أ م��ن ثقافة املجتمع ،فهو الركيزة الأ�سا�سية التي تبنى على �أ�سا�سها ال�شعوب والأمم ،وم�صدر �إلهام وقوة ومتا�سك �أفراده». من جانبه ع��رف �أح��د رواد املعر�ض -رف�ض ن�شر ا�سمه -الرتاث ب�أنه املا�ضي ويعد �إحدى ركائز ال�شخ�صية الوطنية ،كما �أنه ي�ساعد على ربط وتوا�صل الأجيال اجلديدة مع ما�ضيهم ما يعزز انتماءهم ،وي�شكل دافع ًا �أ�سا�سي ًا لهم للعطاء املميز. وق��ال حممد ح�سن يف تعريف ال�تراث �«:إن��ه االه�ت�م��ام مبا�ضي الآب ��اء والأج� ��داد و�إح�ي��اء العادات والتقاليد العربية الأ�صيلة وحتقيق توا�صل املوروثات ال�شعبية بني الأجيال». فيما رف�ض �أح��د رواد املعر�ض �أحمد �شكري الرد على ال�س�ؤال ،معل ًال رف�ضه ب�أن لديه �أمنية خا�صة ب��ال�تراث يريد ن�شرها .وق��ال �شكري �أريد التم�سك برتاثنا وثقافتنا ،و�أريد للرتاث وال�ع��ادات والتقاليد �أن تبقى حية يف نفو�س ال�صغار ليكربوا وتكرب معهم هذه املعاين.
�أمناط ثقافية مميزة
وقال املوظف عبداهلل اخليلي� «:إن العادات والتقاليد والقيم والفنون واحلرف واملهارات و�شتى املعارف ال�شعبية التي �أبدعها و�صاغها املجتمع عرب جتاربه الطويلة والتي يتداولها �أفراده ويتعلمونها بطريقة عفوية هي الرتاث بعينه». وع��رف املوظف ح�سني عبد الكرمي املوظف يف بلدية �أبوظبي الرتاث ب�أنه «كل ما يلتزم به ال�شخ�ص يف �سلوكه وتعامله ،حيث �إن الرتاث عبارة عن �أمناط ثقافية مميزة تربط الفرد
ال�سيد جمدالوي
علي ف�ؤاد
باجلماعة وت�صل احلا�ضر باملا�ضي». فيما عرفه زميله عالء اجلمل قائ ًال� :إن «ال�تراث ال�شعبي ث��روة كبرية من الآداب وال�ق�ي��م وال��ع��ادات وال�ت�ق��ال�ي��د وامل �ع��ارف ال���ش�ع�ب�ي��ة وال �ث �ق��اف��ة امل ��ادي ��ة وال �ف �ن��ون الت�شكيلية واملو�سيقية». وكان لزميلهم الثالث حم�سن ح�سام الدين تعريف �آخ��ر ل�ل�تراث ف�ق��ال� :إن «ال�تراث هو كل ما و�صل �إلينا من املا�ضي داخل احل�ضارة ال�سائدة ».
ردود فعل غريبة
�أم��ا �سلطان علي الها�شمي « � 38سنة»، فرغم �أن��ه ب��دا متحم�س ًا لال�شرتاك يف اال�ستطالع� ،إال �أنه فور �أن �سمع ال�س�ؤال تعذر ب�ضيق وقته وان�صرف م�سرع ًا. فيما ق��ال امل��وظ��ف من�صور حماد «�شو ترااااااااااااااث ؟».
وا�ستغربت فاطمة ب�سميط من ال�س�ؤال، وان�ت�ظ��رت ط��وي�ل ًا ث��م انتهت ب ��أن قالت «�إنا ما بعرف �شو هو الرتاث هذا». وق� ��ال ال �ت��اج��ر حم �م��د ال �� �ش��ام��ي« :ك��ل الأ�شياء القدمية تراث» �إال �أنه مل يجد مثا ًال ملا قاله �سوى «كرة القدم»!!. وت��وج��ه �صاحب حم��ال جت��اري��ة مم��دوح حجوا بال�شكر للمجلة على اال�ستطالع من دون الإجابة على ال�س�ؤال املطروح ق ��ائ�ل ً�ا« :م �� �ش �ك��ور �أخ � ��وي ع��امل��و� �ض��وع و�أح �ب �ب��ت ب��ك مت�سكك ب�ت�ع��ري��ف ت��راث �أجدادنا».
مندور :التراث يحقق معنى الهوية الوطنية في إطار حضاري وإنساني مشترك
معاذ خالد
وعرف معنى كلمة تراث املوظف حمودة م �ب��ارك ق��ائ�ل ًا« :ال�ت�راث ه��و ك��ل �شيء ق ��دمي ح� �ل���وووووو» .وق��ال��ت رب ��ة م�ن��زل رف�ضت ن�شر ا�سمها �إن ال�تراث «�شيء جدمي ب�س واااااااايد حلو»
42 الـعــــدد 159 ي��ن��اي��ر 2013
الكالم المباح
الكالم المباح
ابن كبينة.. وابن لندن حنفي جايل
بالت�أكيد فريدة ،وهي من دون �شك بهيجة ،عندما ت�ستطيع ا�ستعادة �صورة و ًثقت حلظة من حياتك بعد �ستني عام ًا م�ضت ،لت�ستعيد معها كل التفا�صيل وكل امل�شاعر ،والأهم من كل ذلك �أن ت�ستعيد �أبطال ال�صورة� ،أعني �أبطال احلكاية .وكالمنا املباح اليوم عن حكايتني ولي�ست واحدة. احلكاية الأوىل حدثت منذ �أيام ،وكان بطلها احلقيقي ال�شيخ �سامل بن كبينة ،الرفيق الأهم ،والرجل الأقرب �إىل عقل وقلب الرحالة الإجنليزي ال�شهري ال�سري ويلفرد ثي�سجر ،املعروف با�سم «مبارك بن لندن» ،الذي قاد قبل �ستني عام ًا مغامرة اكت�شاف �صحراء الربع اخلايل ،م�ستعينا ب�أربعة من �شباب الإمارات هم �إ�ضافة البن كبينة كل من ابن غبي�شة ،وابن عمر وابن كلوت .واملنا�سبة �أن الإعالمية والأديبة هويدا عطا ،ا�ستطاعت بعد جمهود يحمد لها ا�ستعادة الأ�صدقاء الأربعة بعد �ستني عام ًا من لقائهم بالرحالة ال�شهري ،لي�ستعيدوا بالتايل كل التفا�صيل وكل امل�شاعر ،التي مرت بهم خالل الرحلة املغامرة ،ثم ليقفوا من جدبد ،وبالرتتيب نف�سه ،لتلتقط لهم �صورة تذكارية بالألوان الطبيعية. وقد �سبق لل�سيدة هويدا �أن �سجلت ذكرياتهم و�أقوالهم عن تلك الرحلة يف كتابها املو�سوم «عابرو الربع اخلايل» والذي �صدرت عنه طبعتان بالعربية حتى الآن ،وت�ستعد لإطالق طبعته الثالة ولكن باللغة الإجنليزية خالل الأيام املقبلة ،لكنها �أبت �إال ا�ستعادة حلظات خا�صة ونادرة مع �أحد ه�ؤالء الأربعة، وهو ابن كبينة ،عندما ا�ست�ضافه ،والكاتبة ،ونحن معهما ،الأ�ستاذ الدكتور عبد الرحيم ال�صابوين ،مدير جامعة احل�صن يف �أبوظبي ،ودعا الرجل للقاء يف حرم اجلامعة �ضمن احتفاالتها بالعيد الوطني احلادي والأربعني لدولة الإمارات العربية املتحدة ،لتبادل الذكريات واحلديث عن مغامرتهم الأ�شهر �أمام جمهور غفري من الفتيات وال�شباب والن�ساء والرجال غ�صت بهم القاعة الكبرية يف اجلامعة ،ليظهر �شغف الأجيال بالرتاث وتت�أكد �أهمية التاريخ ال�شفاهي و�ضرورة توثيقه من م�صادره. وكالعادة يف كل املنا�سبات املهمة وال�سعيدة ،فقد كان القائد امل�ؤ�س�س ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان ،طيب اهلل ثراه هو الغائب احلا�ضر ،فقد حتدث ابن كبينة عن ف�ضل الرجل يف �إمتام الرحلة حيث ا�ستقبل ال�سري ويلفرد ثي�سجر يف مدينة العني ،و�أمده ورفاقه باملال وال�سالح والعتاد ،وبالت�أكيد �أمده بالن�صائح والإر�شادات لعبور هذا اجلزء ال�صعب من اجلزيرة العربية وخ�صو�ص ًا يف ظل ظروف مناخية �صعبة وقا�سية ،يزيد من �صعوبتها الظروف االقت�صادية .وقد قال ابن لندن �إنه مل ير يف حياته كلها مثل زايد يف كرمه و�أخالقه الطيبة ،و�إنه ما من مرة ح�ضر فيها �إىل الإمارات �إال ووجد كل احلفاوة والتكرمي من زايد طيب اهلل ثراه .كما �شمل الف�ضل ابن فن�صبه �شيخ ًا لقبيلة الروا�شد كبينة نف�سه ،عندما �أكرمه زايد ،غفر اهلل لهً ، ومعرف ًا لأبنائها ،كما مل يق�صر معه فى �أي �شئ ،و�أجزل له العطاء ومنحه بيت ًا خا�ص ًا. بد�أ اللقاء بحميمية وا�ضحة بني ابن كبينة ،وامل�ؤلفة وقد ظهرت على كل منهما عالمات ال�سرور وال�سعادة ،والتي �سرعان ما نتقلت �إىل احل�ضور جميع ًا ،ويف مقدمهم بع�ض �أوالد و�أحفاد الرجل الذي راح ي�سرد يف �سال�سة وب�ساطة بع�ض املواقف التي ات�سع لها الوقت ،و�أكد فيها على �أنه هو من �أطلق على ال�سري ويلفرد ثي�سجر كنيته التي عرف بها ،وهي «مبارك بن لندن»، وا�ستعاد ذاكرة الأيام ،حيث اتفق معه ابن لندن على �صحبته يف رحلته
جتربة
ال�شهرية على �أن تكون له ن�صف �أجرة رجل من رجاالته ،وعندما ظهرت له جنابة الفتى وجده وزكاءة �أعطاه �أجرة كاملة� ،سرعان ما زادها �إىل �أجرة رجلني ،بالرغم مما عرف عن ابن لندن من �إم�ساك وتقتري ،على حد و�صف رفاق رحلته. ومن جانبي ،فقد حر�صت على �أن �أ�سمع ،ومعي احلا�ضرون من ال�شيخ ابن كبينة ما �سبق �أن �أوردته امل�ؤلفة من حادثة وفاة «ابن لندن» الوهمية ،ال لعدم ت�صديقي ما جاء يف الكتاب ،ولكن لأكرث من هدف ،منها �أن ي�سمع احلا�ضرون هذه احلكاية من بطلها ،وفيهم من مل يطالع الكتاب ،وال �سمع بالرجل ،ومنها كذلك الوقوف عند دالالتها املتعددة ،و�صو ًال �إىل درو�س م�ستفادة ،وهنا تبد�أ احلكاية الأخرى ويرويها ابن كبينة. قال الراوي :كنت م�شغو ًال ب�إعداد الطعام للرفاق ،وكان ابن لندن «�سادحا»ً �أي م�ستلقي ًا على فرا�شه ،وبدا «لل�شباب» �أنه راح يف النوم ،ف�آثرت �أال �أزعجه، وتركته نائم ًا �إىل �أن «ذهَ ْبت» �أي �أعددت الطعام ،وعمدت �إىل �إيقاظه ،غري �أنه مل ي�ستجب ،ومل يتحرك ،و�أكرث من ذلك �أخذت بيده �أرفعها �إىل �أعلى لت�سقط من فورها ،ما �أوحى يل وللجماعة �أن الرجل مات .فحزنا عليه، وتركنا الطعام ،و�أخذنا نفكر يف ما علينا فعله .واتفقت �آراء �أخالئي على دفنه يف مكانه ،و�أن نعود �أدراجنا �إلأى حيث �أتينا ،لكن اهلل �ألهمني ر�أي ًا مغاير ًا ،فاقرتحت عليهم �أن نحمل «اجلثة» ومن�ضي �إىل �أن نلقى «�سيارة»، قافلة �أو بع�ض الراجلني فن�شهدهم على �أن الرجل مات ميتة طبيعية، و�أننا مل نقتله ،و�أن جثته ال توجد بها �آثار لطعنات �أو لطلقات ،ثم ندفنه يف ذلك املكان ،حتى ن�أمن ما قد يثور حولنا من �شكوك �أو يظن بنا من �سوء .وبالرغم من �أين كنت �أ�صغرهم �سن ًا «الكالم البن كبينة» �إال �أنهم ا�ستح�سنوا الر�أي ،وقبلوا الفكرة ،وعندها تهي�أنا لتناول الطعام ،ف�إذا بامليت ينتف�ض واقف ًا و�ضاحك ًا! ،ففرحنا وهللنا و�أقبلنا عليه نقبله. �إذن ما الذي حدث؟ �س�أل الرجال العائد من املوت؟ قال بب�ساطة :ال�شئ، ها �أنا كما ترون حي ًا ،مل �أمت ،لكني تظاهرت باملوت لأنظر ماذا تفعلون، ولأخترب �صدقكم و�أمانتكم ،واحلقيقة فقد كنتم عند ح�سن الظن بكم ،و�إين مل �أتفاج�أ مبا اتفقتم عليه ،ولكني فوجئت برجاحة عقل هذا الفتى ،وح�سن ر�أيه ،وح�سن تفكريه ،وح�سن تدبريه« ،يق�صد ابن كبينة» فقد كنت �أ�سمع حتاوركم ونقا�شكم« .من يومها اتخذ ابن لندن ابن كبينه حار�سه ،وخازنه، و�صديقه ،ودليله وم�ست�شاره». �أعود ف�أٌقول �إين عمدت �إىل ا�ستعادة هذا املوقف و�سماعه من �صاحبه و�إ�سماع احلا�ضرين تفا�صيله ،لن�ستبني مع ًا ماذا يفعل ال�صدق ب�صاحبه، و�أعني �صدق ال�سريرة قبل �صدق الل�سان والكالم ،وبخا�صة �إذا امتزج ال�صدق بالتقوى ،لأن «من يتق اهلل يجعل له خمرج ًا» ،ولرنى كذلك كيف متتع نفر من �أبناء الإمارات بذكاء فطري ،ورجاحة عقل جعلتهم يقلبون الأمر على �أكرث من وجه ليختاروا �أح�سنها ،ثم ما جبلوا عليه من حب «ال�شور» �أي ال�شورى �أو امل�شورة ،وكيف �أن امل�شورة ال ت�أتي �إال بخري ،ف�إنه «ال خاب من ا�ست�شار» ،ثم كيف مل يكن �صغر �سن الفتى مانع ًا �أقرانه من اتباعه ،بعد �أن تخلى كل منهم عن عناده و�إ�صراره على ر�أيه ،ظن ًا منهم �أنه ال�صواب ،و�أخري ًا فقد كان �أولئك الرجال ممن مل يتلقوا تعليم ًا يف �أوروبا وال يف �أمريكا ،ومل ي�أتوا بدرجات علمية و�ألقاب مهنية وبالرغم من كل ذلك فقد �أعطوا درو�س ًا ت�سنحق �أن تدر�س و�أن ن�ستفيد نحن ،املتعلمني ،منها
ساحة الحوار 44 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
الزهو وحده ال يقيم ح�ضارة وال ي�صنع تقدم ًا
الدكتور الطاهر مكي: هناك من يحاول أن يهيل التراب على دور العرب والمسلمين في تقدم الحضارة العالمية
حاوره -خالد بيومي الدكتور الطاهر مكي �أ�ستاذ الدرا�سات الأدبية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة� ،أكادميي مرموق، ن�سيج وحده ومنوذج فريد للأ�ستاذ اجلامعي ،وي�شهد على ذلك تعدد اهتماماته و�أن�شطته الأدبية والثقافية والفكرية ،فهو مفكر و�أديب وناقد ومرتجم وم�ؤرخ للأدب �أثرى املكتبة العربية بع�شرات امل�ؤلفات حيث قدم يف حقل الدرا�سات الأدبية :امر�ؤ القي�س ،حياته و�شعره، درا�سة يف م�صادر الأدب ،ملحمة ال�سيد :درا�سة مقارنة ،درا�سات عن ابن حزم وكتابه طوق احلمامة ،درا�سات �أندل�سية يف الأدب والتاريخ والفل�سفة ،مقدمة يف الأدب الإ�سالمي املقارن. الأدب املقارن� :أ�صوله وتطوره ومناهجه. ويف جمال حتقيق الرتاث قدّم :طوق احلمامة يف الأل �ف��ة والأالف الب ��ن ح ��زم ،الأخ�ل�اق وال�سري يف مداواة النفو�س البن حزم ،حتفة الأنف�س و�شعار �سكان �أه��ل الأن��دل����س البن هذيل «ر�سالة يف اجلهاد ونظم احل��رب يف الإ�سالم» ،فن ال�شعر :الوايف يف علم القوايف لأب��ي البقاء ال��رن��دي ،املحا�ضرة واملذاكرة ملو�سى بن عذرا. ويف حقل الرتجمة نقل عن الفرن�سية �إىل اللغة العربية :احل�ضارة العربية يف �إ�سبانيا، ت�أليف ليفي بروفن�سال ،وال�شعر الأندل�سي يف ع�صر الطوائف ت�أليف ه�نري بريي�س. وت��رج��م ع��ن الإ��س�ب��ان�ي��ة :ال�ف��ن ال�ع��رب��ي يف �إ�سبانيا و�صقلية ،ت�أليف فون �شاك .الرتبية الإ�سالمية يف الأندل�س ت�أليف خوليان ريبريا. ب��اب�ل�ي��و ن�ي��رودا�� :ش��اع��ر احل ��ب وال�ن���ض��ال، ال�سلطان ي�ستفتي �شعبه وحكايات �أخ��رى. كما �أنه ع�ضو جممع اللغة العربية «اخلالدين» بالقاهرة ،هنا حوار معه: كيف ومتى بد�أت رحلتك مع الرتاث؟ ب��د�أت رحلتي م��ع ال�ت�راث يف �إ�سبانيا عام 1957م عندما ذه�ب��ت ملقابلة امل�ست�شرق الإ� �س �ب��اين الكبري امييليو ج��ارث�ي��ا جومز، لكي �أع��ر���ض عليه مو�ضوعات يختار منها واحد ًا �أعد فيه ر�سالتي للدكتوراه ،ف�س�ألني عما در�سته يف م�صر م��ن م�صادر تت�صل بالأندل�س ،ورغم �أنني �أعددت نف�سي لهذا، مل �أ�ستطع �أن �أجاوبه ،لأنني يف احلقيقة مل �أقر�أ كتاب ًا من الكتب التي �س�ألني عنها ،وكان
احلمامة»
من بني ه��ذه الكتب كتاب «ط��وق البن حزم ،ومل �أكن قد �سمعت با�سمه �إال يف �إ�سبانيا ،فقال يل اذهب واق��ر�أ هذه الكتب وعد �إ ّ يل بعد عام� ،ساعتها بد�أت يف البحث ً عن هذه امل�صادر ووقفت طويال عند «طوق احلمامة» ،وكانت الطبعة غري املحققة مليئة بالأخطاء املطبعية والتاريخية� ،إىل جانب �أن الطبعات باللغات الأوروب �ي��ة املرتجمة كانت مليئة بالهوام�ش وال�ضبط� ،ساعتها �أ�سفت �أننا مل نقر�أ هذا الكتاب ،وحني قمنا بطباعته ،مل نبذل �أي جهد ل�ضبط الن�ص ون�شره م�صحح ًا .و�أملت �إذا ما قدر يل يوم ًا �أن �أعود �إىل القاهرة �أن �أقدمه �إىل القارئ العربي يف �صورة �أف�ضل من كل الطبعات ال�سابقة ،وهذا ما �صنعته فع ًال عندما عدت �إىل ال�ق��اه��رة ع��ام 1964م وك��ان �أول �أم��ر فكرت فيه هو حتقيق كتاب ط��وق احلمامة البن حزم. ومل يكن للكتاب خم�ط��وط��ات ك �ث�يرة ،لقد و�صلنا يف خمطوطة واحدة ،ويف هذه احلالة ي�صبح التحقيق م�ضني ًا لأن�ن��ا نعتمد على كتب التاريخ املوزعة وعلى امل�صادر املماثلة
معظم المستشرقين تعامل مع تراثنا بموضوعية ولكن في أحيان لم يكونوا يفهمونه فهم ًا كام ً ال فكانوا يخطئون في الحكم وأحيان ًا كان الخطأ يجيئ شنيع ًا
وعلى الكتب التي نقلت عن ابن حزم ،وفع ًال خرجت الطبعة كما متنيت لها ،ون�شرتها دار املعارف ،ووجدت رواج ًا طيب ًا ،وبعد ذلك بد�أ النا�س ين�سخون طبعتي املحققة من دون �أن ي�شريوا �إليها ،لكن هذا لي�س بالأمر اجلديد يف حياتنا الثقافية. ث��م حققت ك�ت��اب� ًا �آخ ��ر الب��ن ح��زم بعنوان «الأخ�لاق وال�سري يف م��داواة النفو�س» ،وبلغ م��ن اهتمام ال �ق��ارئ العربي ب��ه �أن نا�شر ًا يف ال�سعودية ا�ست�أذنني يف ن�شره هناك، و�أعرتف �أن الرجل كان �أمين ًا ودفع يل حقوق الكتاب كاملة .ثم �شغلت مبا ين�شغل به �أ�ستاذ اجلامعة م��ن درا� �س��ات وم��ن كتب تتطلبها طبيعة ع�م�ل��ي .ول�ك��ن يف ال�ط��ري��ق التقيت مبخطوطتني ت�ت��وف��ر ن�سخ م�ت�ع��ددة منهما الأوىل« :حتفة الأنف�س و�شعار �سكان الأندل�س» وهي درا�سة علمية عن اجلهاد يف الإ�سالم، نظمه وقوانينه وطرائقه ،وم��ا يت�صل بكل قواعد احلرب والأ�سلحة التي ت�ستخدم فيها، وما يجوز وما هو حمرم. �أما الكتاب الثاين وهو الأ�صعب فهو «الوايف يف علم القوايف» لأبي البقاء الرندي ،والكتاب يوهم عنوانه ب�أنه يف علم العرو�ض ،ولكن الأمر خمتلف جد ًا ،فالعرو�ض بع�ض الكتاب ولي�س كله وال �أغلبه ،و�إذا �أردن��ا �أن نعطي ال�ق��ارئ مث ًال قلنا �إن��ه ن�سخة �أندل�سية من كتاب «العمدة» يف �صناعة ال�شعر ونقده البن ر�شيق ال �ق�يرواين ويحتذي منهجه ،ولكنه من منظور �أندل�سي والكتاب كبري و�ضخم وقد بذلت فيه جهد ًا م�ضني ًا ،فهناك الكثري من ق�صائد ال�شعر الأندل�سية واملغربية التي
ساحة الحوار 46 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
نقر�أه وال نن�شره وال تعرف كليات الطب عندنا �شيئ ًا ا�سمه املخطوطات العلمية. �أما اجلانب الثاين فيتعلق بالعلوم الإن�سانية، بع�ضها جتاوزه الزمن ،والبع�ض الآخر ي�ضيف �إىل معلوماتنا اجلديد يف التاريخ والأن�ساب والفل�سفة وحتى يف الفقه ..وهذا هو الق�سم ال��ذي �أه�ت��م ب��ه و�أمت�ن��ى �أن تعود م�صر �إىل مكانتها يف حتقيقه لأن التحقيق يف م�صر انتهى ومل يعد هناك حمققون.
يوردها من دون �أن ين�سبها �إىل �أ�صحابها، وتقت�ضي قواعد الن�شر العلمي �أن ترد هذه الأبيات �إىل قائليها. بر�أيك..هلكتاب«طوقاحلمامة» ي�صلح د�ستور ًا للع�شاق واملحبني يف هذا الزمان؟ كتاب «طوق احلمامة» يحلل العاطفة الإن�سانية حتلي ًال علمي ًا ،ولي�س من منظور فقهي ،مبعنى �أن��ه يراها �ضرورة و�أن الإن�سان ال حيلة له فيها ،ويتناول ما ي�شعر به الإن�سان والو�سائل التي تدعم هذه العالقة بني املحبني وتبادل الر�سائل والهدايا بينهما ،وم��ا هو حمبوب من امل��ر�أة ،ويتحدث -حتى -عن العالقة اجلن�سية حديث ًا علمي ًا و�ضرورتها للرجل واملر�أة و�أ�صولها �أي�ض ًا .ويف الوقت نف�سه يقدم منوذج ًا لألوان من احلب و�أ�شهرها النموذج ال��ذي حدث مع ابن حزم نف�سه حينما كان �شاب ًا مراهق ًا و�أول حب �صادفه ،ويتكلم عن ذلك بكل �صراحة ،لكن الرجل وهو -فقيه يدرك �ضيق �أفق بع�ض النا�س يختم الكتاببقوله�« :إنه لي�س منح ًال ،ومل يرتكب حرام ًا قط يف حياته» ويتكلم عن ف�ضيلة العفة.
لم نعرف بداية المخطوطات إال مع إنشاء دار الكتب المصرية على يد علي مبارك قبل مائة وأربعين عام ًا ..قبلها كانت المخطوطات موزعة على المساجد والزوايا
هذا الرثاء ،لكن لي�ست كل هذه الكتب ذات قيمة ؛ لأن بع�ضها ال يعدو �أن يكون مذكرات ك��ان يكتبها الطالب يف الفقه والنحو حني يتلقون ال��در���س على �شيخهم ،فهي مكررة وال ت�ضيف �شيئ ًا جديد ًا .لكن هناك نوعني من املخطوطات :الأول لي�س من اخت�صا�صي وم ��ع الأ���س��ف ن�ح��ن ن�ه�م�ل��ه ،يف ح�ين يقوم الأوروب�ي��ون برتجمته لأنهم ي�ستفيدون منه، �أق�صد املخطوطات العلمية ،فهناك �آالف املخطوطات يف الطب وال�صيدلة والفلك والكيمياء والزراعة ،وجانب كبري منها يدخل يف باب اخلرافة والأ�سطورة ،لكن جانب ًا كبري ًا ما هي معايري اختيارك للكتاب الذي منها ي�صلح ن��واة الكت�شاف علمي جديد �أو فتح الطريق �أمام اخرتاع ما ،وهو ما تقوم به ت�شرع يف حتقيقه؟ اللغة العربية متلك �أكرب قدر من املخطوطات ،امل�ؤ�س�سات العربية وخا�صة يف �أمريكا فتقوم وال توجد لغة على م�ستوى العامل ت�ضاهيها يف برتجمته �إىل اللغة العربية ،وللأ�سف نحن ال
ملاذا؟ مع الأ�سف ال�شديد ،لأن الأ�ساتذة العظام الذين كانوا يقومون على هذه املهمة توقفوا ع��ن تكوين الأ��س��ات��ذة ،وبع�ضهم ذه��ب �إىل البالد العربية ك�أ�ستاذنا عبدال�سالم هارون، وال�شيخ حممود �شاكر الذي طوف يف البالد العربية زمن ًا طوي ًال واملرحوم الدكتور حممود الطناحي ،فجفت م�صادر املحققني ،هذا من ناحية .وم��ن ناحية �أخ��رى مل يعد التحقيق جمزي ًا من الناحية امل��ادي��ة ،فلو �أن��ك كتبت م�سرحية �أو فكرة فيلم �سينمائي رمبا يدر عليك رزق ًا وفري ًا� ،أما لو حققت كتاب ًا وعانيت فيه ما عانيت فقد ال جتد نا�شر ًا� ،أ�ضف �إىل ذل��ك �أن ق�سم حتقيق ال�ت�راث ب��دار الكتب امل�صرية �أفل�س متام ًا ومل يعد ين�شر �شيئ ًا، وال �أدري ملاذا! علما ب�أن حتقيق كتب الرتاث كان يدر على دار الكتب دخ ًال وفري ًا ،وكانت الكتب املحققة التي ت�صدرها دار الكتب هي الوحيدة يف معار�ض الكتب التي ال ي�صيبها التخفي�ض يف الأ�سعار. ما هي موا�صفات املحقق الكفء؟ �أن يكون متمكن ًا من اللغة العربية يف جميع ف��روع�ه��ا :ن �ح��و ًا و��ص��رف� ًا وب�لاغ��ة وع��رو��ض� ًا وقافية ومدار�س ال�شعر املختلفة ،وم�ستوعب ًا للتاريخ كله؛ لأن الن�ص العربي يجيء خمتلط ًا وح��اوي� ًا لكل ه��ذه ال�ف��روع� ..أي كتاب عربي �ستجد فيه ن�صو�ص ًا نرثية و�أ�شعار ًا ومعلومات تاريخية ،فال يوجد ن�ص عربي يقت�صر على علم واحد.
ما الذي ميكن �أن ي�ضيفه لنا الرتاث يف زمن احلداثة والعوملة؟ لعلك تده�ش �إذا م��ا علمت �أن العوملة واحلداثة موجودتان يف تاريخنا ولي�ست ج��دي��دة ع �ل �ي �ن��ا ،وك ��ل م��ا ه �ن��ال��ك �أن �ن��ا ترجمناها عن الغربيني يف كلمات غري مفهومه ،مث ًال يف احلداثة يتحدثون عن نظرية «موت امل�ؤلف» ،ومفادها �أننا حني نفهم الن�ص ال نفكر يف ماذا يريد �أن يقول م�ؤلفه �أو مبدعه ،و�إمنا نفهمه نحن كما لو كان املبدع قد مات ولي�س م�س�ؤو ًال عنه.. هذه الفكرة موجودة يف تراثنا ،وهي �أننا حني نتناول �أحد الن�صو�ص بالنقد نحن �أح��رار يف فهمه ،لأن لكل حلظة بالغتها و�أ�سلوبها. �أي�ض ًا لدينا كل االجتاهات ،االجتاه الذي يدعو �إىل اللغة ال�سهلة واملر�سلة التي ال �صعوبة فيها ،يف املقابل لدينا من يرى �أن الإبداع الأدبي له لغته ومعجمه و�أنه يجب �أن يعلو وي�سمو على لغة العامة. �أنت �أحد رواد الأندل�سيات يف العامل العربي ..ما القوا�سم امل�شرتكة بني الأدب العربي والأدب الأندل�سي؟ ابتداء من القرن احلادي ع�شر امليالدي كان هناك �أخذ وعطاء بال حدود ،ولكن مب��ا �أن ال�ث�ق��اف��ة ال�ع��رب�ي��ة والإ� �س�لام �ي��ة كانت هي الأرقى فهي التي �أعطت �أكرث، و�أعطيناهم يف الأدب ف��ن املو�شحات، وال�شعر الغنائي «ال��ذات��ي» وف��ن املقامة، وف��ن ال�ق���ص��ة ،ول�ك�ن�ه��م �أع �ط��ون��ا بع�ض ال�ك�ل�م��ات الإ� �س �ب��ان �ي��ة ،وه��م �أم��دون��ا يف احلقيقة ببع�ض العلماء الأك�ثر انفتاح ًا وال��ذي��ن ينحدرون من �أ��ص��ول �إ�سبانية، فيجب �أال نن�سى �أن ابن حزم ينحدر من �أ��ص��ول �إ�سبانية ،و�أن الأ� �ص��ول البعيدة الب��ن ر� �ش��د �أ� �ص��ول �إ��س�ب��ان�ي��ة ،ومل تكن لديهم ح�ضارة قوية ت�ستطيع �أن ت�ؤثر فينا كثري ًا ؛لأن ح�ضارتهم انطلقت بعدنا بزمن طويل.
متثال ابن حزم الأندل�سي
بر�أيك ..ملاذا يحتفي الغرب بابن ر�شد ،يف حني يهمله العرب؟ لأن اب��ن ر�شد -يف احلقيقة -هو �أول من قدم لهم الفل�سفة اليونانية ،وهي الأ�سا�س الذي قام عليه ع�صر النه�ضة الأوروبية ،وهم كانوا يجهلون قبل العرب الفكر الإغريقي متام ًا ،وكان العرب قد احتفظوا به مرتجم ًا يف ال�شرق وانتقل �إىل الأندل�س ،وهناك توفر عليه اب��ن ر�شد و�أوق��ف عليه حياته �شرح ًا وت�ف���س� ً يرا وت��رج�م��ة ،وه��م بعد ذل��ك نقلوا عن ابن ر�شد مرتجم ًا �إىل اللغة الالتينية، وبدورها انتقلت �إىل اللغات املنحدرة منها و�أبرزها الإجنليزية والفرن�سية. هل تعتقد �أن امل�ست�شرقني قد �أن�صفوا الرتاث العربي؟ معظم امل�ست�شرقني ت�ع��ام�ل��وا م��ع ال�ت�راث العربي تعام ًال مو�ضوعي ًا ،و�أقول مو�ضوعي ًا
العولمة والحداثة والعديد من النظريات المعاصرة موجودة في تاريخنا وتراثنا وليست جديدة علينا ..كل ما هنالك أننا ترجمناها عن الغربيين في كلمات غير مفهومه
لأننا كنا نت�صور منهم �أن يكتبوا فيه خطب ًا وث �ن��ا ًء وم��دح � ًا ،و�إمن ��ا ك��ان��وا ح�ين يفهمونه يعطونه ح�ق��ه ،ول�ك��ن يف �أح �ي��ان مل يكونوا يفهمونه �أي�ض ًا فهم ًا كام ًال ،فكانوا يخط�ؤون يف احلكم ،و�أحيان ًا كان اخلط�أ يجيئ �شنيع ًا، و�س�أ�ضرب لك مث ًال :عندما و�صف �أحد كتب الرتاث لدينا الكعبة امل�شرفة فقال باحلرف الواحد« :كانت الكعبة ال �سقف عليها» ولكن الكاتب �أخط�أ وكتب فوق الألف همزة وقر�أها امل�ست�شرق« :فكانت الكعبة لأ�سقف عليها» وا�ستنتج من هذا �أن مكة كانت م�سيحية ،و�أن الكعبة كانت مركز ًا لها ،وكان ير�أ�سها ا�سقف م�سيحي ..و�أخطاء كثرية من هذا النوع. لكن �إذا ا�ستثنينا طائفة حمددة من رجال الدين املتع�صبني الذين تعلموا اللغة العربية ملهاجمتنا ،ومن ثم ف�إنها تفرتي علينا وتكذب وت�ضلل ،واملثل الذي عندي يتمثل يف الن�سخة ال�ق��ر�آن�ي��ة امل�ترج�م��ة �إىل الإ��س�ب��ان�ي��ة والتي القت رواج � ًا كبري ًا� ،أجد يف امل�صحف الآية الكرمية «وجادلهم بالتي �أح�سن» ترجمت �إىل الإ�سبانية على النحو الآتي« :واقتلهم بالتي هي �أح�سن» ،وعندما راجعت �أح��د العلماء هناك قال يل ،والرجل مل يفهم «وجادلهم» فعاد �إىل املادة الثالثية يف املعجم ،فوجد من م�شتقاتها «جندل» �أي :قتل بال�سيف ،ولأنه متع�صب ترك كل امل�شتقات الأخرى واختار «جندل» بال�سيف ،وه�ؤالء قلة� ،أعرتف ب�أنهم
ساحة الحوار 48 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
ورقية ،تد�شن ليعني فيها موظفون يتقا�ضون مرتبات طائلة ويقومون بجهد حمدود جد ًا. كيف تف�سر غ��زارة علوم الأوائ��ل، فالطربي كان يعتزم تف�سري القر�آن يف ثالثني �ألف ورقة اخت�صره �إىل ثالثة �آالف فقط ،لق�صر العمر ،وال�سيوطي قدم خم�سمائة كتاب ،مقارنة بعلماء اليوم رغم توافر �سبل احلياة؟ العامل القدمي كان لديه الوقت وحياته مي�سرة تلتزم بها الدولة بطريقة غري ر�سمية ،ويلتزم بها القادرون ،فلم يكن العامل يهتم برزقه، وال مب��اذا ي��أك��ل ،وك��ان��ت �أرزاق �ه��م مكفولة، ويقال �إن احلكم الثاين يف الأندل�س اتفق مع �أبو الفرج الأ�صفهاين على �أن تكون الن�سخة الأوىل من كتاب الأغاين ،مقابل ع�شرة �آالف دينار ذهب ًا ،وكانت الأوقاف على العلم كثرية، واليوم مل يعد النا�س يوقفون على العلم �شيئ ًا، و�إذا �أوقفوا قلما ت�صل �إيرادات هذه الأوقاف ال�صفحة الأوىل من خمطوطة كتاب الألفة والآالف �إىل �أ�صحابها ،حيث يغتالها املوظفون يف قلة منحدرة من ع�صر احل��روب ال�صليبية ،امل�ساجد والزوايا ،كذلك ال نعرف �شيئ ًا عن الطريق. وقد انقر�ضت هذه الفئة ل�سبب ب�سيط ،فهم املخطوطات امل��وج��ودة يف «متبكتو» يف مايل عندما يدر�سوننا ال يكتبون لنا ،و�إمنا يكتبون وهو ما يتجاوز �آالف الن�سخ ،وعندما كانت ما الذي تعكف على �إجنازه الآن يف لقومهم ،فلو كذبوا عليهم ي�ضللونهم ،وهم اجلامعة العربية تر�سل بعثة �إىل هناك ،كانت جمال حتقيق الرتاث؟ يريدون �أن يقدموا لهم م��ادة حقيقية حتى تقنع بت�صوير ع��دد حم��دد من املخطوطات حالي ًا� ،أعمل على �ضبط ع��دد من الوثائق يتعاملوا معنا على �أ�سا�سها. وتعود� .أي�ض ًا ال نعرف �شيئ ًا عن املخطوطات العربية ال�ت��ي مل تن�شر م��ن قبل يف العامل العربية املوجودة يف �آ�سيا الو�سطى ورو�سيا ،ال�ع��رب��ي ،ولعله ال �أح��د يعرف عنها �شيئ ًا، ك���م ع����دد امل�����ص��ن��ف��ات ال��ع��رب��ي��ة فاملخطوطات العربية موزعة يف هذه الأمكنة وكنت قد اكت�شفتها يف دار الوثائق مبملكة املخطوطة التي و�صلت �إلينا كاملة ومل حت�ص بعد ،ومل يحاول �أحد �أن يح�صيها �آراج��ون يف مدينة بر�شلونة الإ�سبانية ،ومل قبل الفنت واحلروب؟ ؛ لأن ال�ه�م��وم العربية ف��وق ط��اق��ة الب�شر ،يكن الت�صوير متاح ًا فن�سختها بخط يدي ال �أع��رف ،ل�سبب ب�سيط وهو �أننا مل نعرف وامل�ؤ�س�سات العربية غري احلكومية م�ؤ�س�سات على مدار �أي��ام طويلة ق�ضيتها هناك ،وهي بداية املخطوطات �إال مع �إن�شاء دار الكتب تت�صل بر�سائل �سيا�سية متبادلة بني ملوك امل�صرية �آراج��ون و�سالطني املماليك يف م�صر حول على ي��د على م �ب��ارك ،قبل مائة المخطوطات العربية ً و�أربعني عاما « »1872وقبلها كانت املخطوطات بع�ض الق�ضايا ال�سيا�سية والتجارية ،وبع�ضها في موزعة زالت ما موزعة على امل�ساجد والزوايا ،بع�ضها �سرق، يحتوي على ن�صو�ص معاهدات معقودة بني أن أحد يحاول ولم العالم والبع�ض الآخ��ر ا�شرتاه امل�ست�شرقون برتاب الطرفني ،كما �أن الق�سم الآخر يت�صل ب�ش�أن الفلو�س ،وكان امل�ست�شرقون يطوفون يف بع�ض يحصيها ألن المؤسسات ر�سائل متبادلة بني ه ��ؤالء امللوك �أنف�سهم وبني ملوك مملكة غرناطة� ،أو بينهم وبني ال �ب�لاد العربية وخ��ا��ص��ة ال �ق��رى ،ي�شرتون العربية مؤسسات ورقية ملوك بني مرين يف املغرب� ،أو احلف�صيني املخطوطات مقاي�ضة باخلرز امللون يعطونه تدشن ليعين فيها للن�ساء مقابل ح�صولهم على الكتب ،وال نزال يف تون�س ،خالل م�سافة زمنية ت�شمل القرن يتقاضون موظفون الثالث ع�شر والرابع ع�شر امليالدي ويتجاوز حتى ال�ي��وم نكت�شف العديد م��ن الكتب يف
مرتبات طائلة ويقومون بجهد محدود جد ًا
عدد هذه الوثائق املائة و�ستني وثيقة وهي م�ضنية لأنها كتبت بلغة عربية �صعبة �أحيان ًا، وذات خ�صائ�ص �أندل�سية يف الإمالء. ما الكتاب الذي كنت تتمنى حتقيقه وتقدميه �إىل القارئ العربي ولكن مل ي�سعفك الزمن واجلهد؟ كنت �أمتنى حتقيق كتابني البن حزم الأول بعنوان «الف�صل يف امللل والأه ��واء والنحل» وهو يف علم الأديان املقارن ،والكتاب الثاين بعنوان «امل�ح�ل��ى» وه��و يف فقه الظاهرية.. �صحيح �أن الأ�ستاذ حممد �شاكر � -إذا مل تخني ال��ذاك��رة -ق��د حققه ولكنه �أجن��ز ذل��ك يف �أواخ� ��ر �أي���ام ح�ي��ات��ه ومب �ع��زل عن كتاب «الف�صل يف امللل والأه� ��واء والنحل» وعن املعرفة بحياة ابن حزم نف�سه ،ف�أ�صبح الكتاب يف حاجة �إىل �إع��ادة حتقيق ،هذان كتابان ما كان ي�صح �أن يظال حتى اليوم من دون حتقيق علمي جيد ،وبهذه املنا�سبة نذكر �أن كتاب الفتوحات املكية البن عربي ،والذي �أعيد حتقيقه منذ �سنوات ،وكان ينفق على حتقيقه مركز الأبحاث العلمية الفرن�سي ومع الأ�سف ال�شديد توقف ا�ستكمال التحقيق لأن املحقق رحل عن دنيانا وهو �سوري اجلن�سية. واملحزن �أن دار الكتب امل�صرية احتفلت بابن حزم منذ �سنوات وبد ًال من �أن تعيد ن�شر ما طبع حمقق ًا -وه��ذا الكتاب يتكون من 28 جملد ًا نفد معظمها� -أو �أن تكمل ما مل يحقق من بقية الكتاب� ،أع��دت طبع الن�سخ وهي �أربعة جملدات غري املحققة التي طبعت يف �أواخر القرن التا�سع ع�شر ولكن ال يوجد من ي�س�أل �أو يحا�سب. م��ا دور الأدب امل���ق���ارن يف ح��وار احل�ضارات؟ منذ زمن �شغلت بدورنا وما �أ�سهمنا به ،يف تقدم احل���ض��ارة العاملية ع��رب� ًا وم�سلمني، وكلما تنوعت قراءاتي ،وات�سعت معاريف بدا هذا الدور �أمامي وا�سع ًا وعميق ًا ومت�ألق ًا ،و�إن هناك من يحاول �أن يهيل عليه الرتاب ح�سد ًا وج�ح��ود ًا ،ف ��إذا ا�ستع�صى عليه ذل��ك م�سه
فن المالحم اإلسبانية ثمرة تأثير عربي ونصوصه تحمل تأثيرات عربية واضحة في البناء واللغة مفردات وأسلوب ًا وكذلك في األفكار والشخوص من بعيد م�س ًا رفيق ًا� ،أو �أملح �إليه على عجل من دون �أن يتوقف �أمامه حمل ًال ومو�ضح ًا، لأن احلديث عن دور امل�سلمني الإيجابي يف ت�ق��دم احل���ض��ارة العاملية يتطلب �شجاعة عقلية من�صفة ال تعرف احلقد وترتفع عن التع�صب. ومنذ ب��د�أت �أدر���س الأدب املقارن و�أد ّر��س��ه حاولت �أن �أخ��رج من دائ��رة م��اذا �أعطتنا �أوروب��ا ،وما ال��ذي تعلمناه منها� ،إىل دائرة ماذا �أعطيناها نحن وماذا علمناها ،فكان كتابي الأول عن «ملحمة ال�سيد»� :أول ملحمة �أندل�سية كتبت يف اللغة الق�شتالية و�صدرت طبعته الأوىل عن دار املعارف �سنة ،1970 وفيه �أو�ضحت بالدليل �إىل جانب اعرتاف املن�صفني م��ن ال�ع�ل�م��اء الإ� �س �ب��ان� ،أن فن امل�لاح��م الإ�سبانية ج��اء �إىل احل�ي��اة ثمرة ت�أثري عربي ،و�أن الن�ص نف�سه يحمل ت�أثريات عربية وا�ضحة يف البناء واللغة مفردات و�أ��س�ل��وب� ًا ،والأف �ك��ار وال�شخو�ص ،وترجمت الن�ص كام ًال مع الدرا�سة ،و�أح�سب �أنها املرة الأوىل التي يرتجم فيها �إىل العربية. ثم كان كتابي املو�سوعي يف جمال التنظري وه ��و «الأدب امل� �ق ��ارن� :أ� �ص��ول��ه ومناهجه وتطوره ،حاولت تقدمي ت�صور جديد ومتكامل لعلم الأدب امل��ق��ارن يف � �ض��وء امل�ت�غ�يرات اجل��دي��دة ال�ت��ي �أ��ص��اب��ت ع�صرنا والإف ��ادة من تفجر املعرفة حولنا ،و�أن نلحق بالركب العاملي يف ه��ذا املجال ،وم��ن غري �أن �أزك��ي
الحديث عن دور المسلمين اإليجابي في تقدم الحضارة العالمية يتطلب شجاعة عقلية منصفة ال تعرف الحقد وتترفع عن التعصب
نف�سي �أح�سب �أنه �أول كتاب يف مناهج الأدب املقارن ع ّرف الدار�سني له بالأدب املقارن، وع ّرف الدار�سني له باللغة العربية باملدر�سة الأمريكية ومناهجها ،ومبدار�س �أخرى �أقل قيمة كالإيطالية والأمل��ان�ي��ة والإجنليزية، �إىل جانب املدر�سة الفرن�سية ،وكانت هي ال�سائدة وحدها يف الدر�س قبله .كما قدمت كتاب «�أ� �ص��داء عربية و�إ�سالمية يف الفكر الأوروب ��ي الو�سيط» ويجيء ه��ذا الكتاب يف الإطار نف�سه الذي ر�سمته لأبحاثي ودفعني �إل �ي��ه ب �ق��وة اجل ��دل ال���ص��اخ��ب ال ��ذي ي��دور حولنا ويجيء حتت عناوين خمتلفة :حوار احل�ضارات �أو �صراعها �أو تالقيها ،ويف كل احلاالت يلمحون �إىل �أننا �أ�صحاب احل�ضارة الأ�ضعف ،والأدنى مرتبة والأقل تقدم ًا والأمر لي�س بذاك. ن�ع��م ،رمب��ا ال ن�ساويهم ن�ح��ن ،يف حلظتنا الراهنة ،ولكن هذا الواقع لي�س قدرنا ،وال نحن عرايا من املواهب فمنذ خم�سة قرون، وهي لي�ست بالزمن الطويل يف عمر ال�شعوب، كنا املنار الهادي يف جماالت العلم والفل�سفة والريا�ضيات والفلك والأدب ،وكانت العربية اللغة التي تدر�س فيها كل هذه العلوم وعن طريقها ،و�إبداعاتها تعلموا ونه�ضوا وتقدموا و�سبقوا.ال �أعود �إىل هذا التاريخ لأزهو به� ،أو �أذكر �ساهي ًا ،فالزهو وحده ال يقيم ح�ضارة وال ي�صنع تقدم ًا ،وامنا لنت�أمل ،ولنعاود الت�أمل دائم ًا :ما الذي جعلنا الأق��وى �إذ ذاك ؟ وما الذي �أخ��ذوه منا فتقدموا به ،وتركناه نحن، فكان هذا حالنا ؟ هما �أمران :احرتام العقل، واح�ت�رام كرامة الإن���س��ان ،حافظنا عليهما فانت�صرنا يف م�ع��ارك احل �ي��اة ،ون�سيناهما فتقهقرنا ،و�أخذوهما عنا فانت�صروا وتقدموا، و�إذن فطريقنا �إىل النه�ضة ال�شاملة يف حا�ضرنا مي��ر بالطريق نف�سه ال��ذي م��ر به ما�ضينا :احرتام العقل ،وطريقة حرية الفكر بال حدود ،واحرتام كرامة الإن�سان ومظهرها و�أداتها الدميقراطية الكاملة بال قيود ،وكلما �أخل�صنا لهذين املبد�أين كلما كان �إجنازنا لأهدافنا كام ًال و�سريع ًا
أوراق تراثية 50 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
المعرفة هدف اإلنسان األزلي
فاطمة املزروعي
اهتم الإن�سان منذ ع�صور �ضاربة العمق يف التاريخ ،باالت�صال ،حتى و�إن كان كمفهوم وعلم مل يظهر �إال يف الع�صر احلديث� ،إال �أنه كان موجوداً يف مفا�صل حياتية وا�ضحة املعامل .لكن ما الأهمية التي جتعل لالت�صال كل هذا االحتفاء طوال ع�صور متتالية من عمر الب�شرية؟ عامل االت�صال ولرب �شرام، و�ضع يف عام 1977م تعريفاً دقيقاً لالت�صال قد يكون مالئماً لت�سليط ال�ضوء على �أهميته للإن�سان حيث قال« :االت�صال هو امل�شاركة يف املعرفة عن طريق ا�ستخدام رموز حتمل دالالت».ولنتوقف ملياً عند جانبني يف هذا التعريف ،الأول يتعلق مب�شاركة املعرفة، والثاين ا�ستخدام الرموز التي لها دالالت.
فاملعرفة هي الهدف الأزيل الذي �سعى �إليها الإن�سان منذ �أن كان يعي�ش يف الع�صور احلجرية حتى يومنا ،فمعرفة الإن�سان الأول كيفية حتريك ال�صخور بوا�سطة العجلة كانت نقلة هائلة يف التفكري الب�شري ،ومعرفة الزراعة جعلته ي�ستقر، ويبني امل�ن��ازل ،وباملعرفة متكن من التغلب على احليوانات التي كان ي�صطادها مرة وت�صطاده مرة ،بل متكن باملعرفة م��ن ا�ستئنا�س ال�ك�ث�ير م��ن احل �ي��وان��ات وت�سخريها خلدمته كالكالب واخليول واحلمري وغريها ،وا�ستخدم فع ًال رم��وز ًا فهو ينق�ش ويوثق كل معرفة يح�صل عليها داخل كهوفه حتى اكت�شافه للكتابة ،وهذه املعارف تنقل من جيل للجيل التايل الذي يطورها ويبني عليها املزيد من اخلربات واملعارف ،لوال التوثيق وحفظ املعارف ملا تطورت الب�شرية .ومن خالل هذا الزخم املعريف امل�ت��وارث منذ القدم وحتى يومنا ه��ذا كانت تقوم احل�ضارات املتتالية وتتطور وتتقدم ثم تتال�شى وتقوم �أخ��رى مكانها لتكمل امل�سرية الإن�سانية ،لكن ك��ل ح�ضارة ك��ان��ت ت�ق��وم على �أف �ك��ار ومت�ي��ز �أف��راده��ا ،وم��دى م��ا ميلكونه من املعارف والعلوم .الفيل�سوف الأمل��اين ج��ورج .ف هيجل، قال« :املجتمعات كالأفراد الذين ينقلون �شعلة احل�ضارة من واحد �إىل الآخر» .بل ذهب العامل �أوزوالد �سبنجلر ،يف كتابه انحدار الغرب� ،إىل �أن احل�ضارة مثلها مثل الكائنات احلية «الإن�سان» تولد وتن�ضج وتزدهر ثم متوت .وقد �أكد على هذا اجلانب �أي�ض ًا امل�ؤرخ الربيطاين �أرنولد توينبي ،الذي قال يف كتابه درا�سة التاريخ�« :إن احل�ضارات تقوم فقط حيث تتحدى البيئة النا�س ،وحينما يكون النا�س على ا�ستعداد لال�ستجابة للتحدي .على �سبيل امل�ث��ال ،ف ��إن اجل��و احل��ار اجل��اف يجعل الأر� ��ض غ�ير منا�سبة ل�ل��زراع��ة ومي�ث��ل حت��د ًي��ا للنا�س الذين يعي�شون هناك .وميكن �أن ي�ستجيب النا�س لهذا التحدي ببناء �أنظمة ري لتح�سني الأر�ض». واذا ك��ان هناك من العلماء من يقول �إن احل�ضارة تتكون من االقت�صاد وم��وارده ،وال�سيا�سة و�أنظمتها، وال�ت�ق��ال�ي��د الأخ�لاق �ي��ة وامل��ب��ادئ ال �ق��ومي��ة ،ث��م العلوم والفنون ،فماهي هذه املكونات �إذا مل تكن من لب املعرفة الناجتة عن االت�صال .يف الع�صر احلديث �أخ��ذ مفهوم
االت�صال بعد ًا كبري ًا ،وب��ات علم ًا يدر�س ب�شكل منف�صل عن باقي العلوم املعرفية وال�سبب �أنه عامل مهم يف حياة النا�س منذ القدم ،وي�ؤكد الدار�سون �أن االت�صال �ضرورة يف بناء احل�ضارات وقيامها ،بل و�إنه �أ�سهم يف التنوع الثقايف الإن�ساين وغزارته ،هذا على امل�ستوى االجتماعي والب�شري ب�صفة عامة� ،أما على م�ستوى ال�ف��رد ف�إننا من��ار���س االت�صال يومي ًا بطرق خمتلفة وو�سائل متنوعة ،فو�سائل التكنولوجيا احلديثة جميعها و�سيلة من و�سائل االت�صال ،والأج�ه��زة الإعالمية على خمتلف توجهاتها �أي�ض ًا و�سيلة ات�صال ،بل �إن احلوار بني �شخ�صني ات�صال ،فبوا�سطته يتم بناء التعاون وامل�شاركة يف احلياة بني النا�س .وغني عن القول �إن االت�صال ي�ستقطع م�ساحة كبرية من وقت كل فرد منا من دون �أن ي�شعر ،وذلك �إما خالل �أعمالنا اليومية �أو حتى يف منازلنا مع �أ�سرنا �أو غريهم ،والبع�ض من الدار�سني يف هذا املجال يقدرها بن�سبة قد ت�صل �إىل 90%من وقت كل واحد منا مي�ضي يف عملية االت�صال .ولالت�صال وظائف ،حددها و�أطرها الدار�سون يف هذا املجال ولكن من �أهمها ،الوظيفة الثقافية والتي خاللها يتم نقل الإرث الثقايف من جيل �إىل الأجيال التالية بهدف املحافظة على الثقافة والهوية او املحافظة على املنجزات واملبتكرات التي حتققت ،وه��ذه العملية تتم بوا�سطة الكتابة والتاليف وال��و��ص��ف ،وتو�ضع يف الكتب وامل�ج�ل��دات ،ويف هذا الع�صر �أ�ضيفت و�سيلة جديدة للحفظ من الأر�شفة الإلكرتونية �إىل ال�سي دي والفال�ش وغريهما الكثري ،وهناك الوظيفة التي ت�ستهدف املحافظة على الرتاث الإن�ساين القدمي وتطوير ثقافة النا�س ب�أهميته و�أهمية �صونه للأجيال التالية .ويبقى الت�أكيد على �أنه بالرغم من حداثة العلوم التي تبحث يف جمال االت�صال وتفرعه وت�شعبه و�أنه بات مادة علمية د�سمة يف ال�صروح العلمية �إلإ �أنه قدمي كقدم الإن�سان على الأر�ض. ومن �أن��واع االت�صال ،االت�صال اجلماهريي ،ومن دون الدخول يف تفرعاته والتعريفات املتخ�ص�صة� ،أ�شري �إىل �أقدم و�سيلة من و�سائل االت�صال اجلماهريي وهو الكتاب .نعم الكتاب ،الذي يعد من �أكرث الوا�سائل ت�أثري وو�ص ًال للجمهور ،و�إن كان يف هذا الع�صر �شهد انزياح ًا �أو تراجع ًا ن�سبي ًا ،فقد ظل هو الأك�ثر م�صداقية ووق ��ار ًا من بني جميع م�صادر الت�أثري اجلماهريي كال�صحف
�أو الإذاع��ات والتلفاز ،ويف هذا الع�صر الهواتف الذكية ومواقع التوا�صل االجتماعي. االت���ص��ال ،عملية خطرية وم ��ؤث��رة يف الب�شرية ��س��واء يف تاريخ الإن�سانية القدمي �أو احلديث و�صو ًال �إىل الع�صر احلا�ضر .وخري دالل��ة على عمق و�أث��ر ه��ذا الت�أثري ،هو وق��وع ح��روب وقتال راح �ضحيتها الآالف وال�سبب �سوء االت�صال �أو ت�أخره ،وخري مثال يف هذا ال�سياق احلرب التي اندلعت بني الواليات املتحدة الأمريكية وبريطانيا يف ع��ام 1812حيث �أعلنت بريطانيا �أنها �ستعرقل املالحة البحرية الأمريكية ،ف�أعلنت �أمريكا احلرب يف 18يونيو ،1812لكن قبل هذا الإع�لان بيومني كانت بريطانيا قد �أعلنت مرة �أخرى �أنها �ستوقف عرقلة املالحة البحرية ،ونظر ًا لعدم وجود ال�برق �أو الهاتف يف ذلك الزمن ،ب��د�أت احل��رب وراح �ضحيتها املئات ،بل حتى احلرب التي وقعت يف عام 1815يف �أمريكا �ضد الربيطانيني وت�سمى معركة «نيو �أورل�ي��ان��ز» ،وقتل خاللها 315 �شخ�ص ًا وج��رح 1290ج��اءت بعد خم�سة ع�شر يوم ًا من توقيع معاهدة ال�سالم يف �أوروبا .لكن الأطراف املتقاتلة مل تعلم ،ب�سبب االت�صاالت البدائية .لكن لي�س االت�صال دوم ًا يقوم بواجبه على �أكمل وجه ،ولعل مثال ما حدث يف احلرب العاملية الثانية هو الأكرث �أمل � ًا يف عمر الإن�سانية ،حيث تقول الق�صة �إن الواليات املتحدة �أر�سلت ر�سائل يف عام 1945م ،با�ستخدام الراديو �إىل اليابان، ريا �شام ًال وعليهم حذرت خاللها اليابانيني ب�أنهم �سيواجهون تدم ً �أن ي�ست�سلموا .يف هذه الأثناء قرر اليابانيون ب�أنهم �سوف ي�ؤجلون التعليق لأنهم يحتاجون لبع�ض الوقت لدرا�سة الر�سالة .وبد ًال من �إر�سال هذا� .أر�سلوا ب�أنهم يتجاهلون التحذير – خط�أ يف التعبري وغني عن القول �إنه ب�سبب هذا الرد� ،ألقت �أمريكا قنابل ذريةعلى املدينتني اليابانيتني هريو�شيما ون��اج��ازاك��ي .و�سبب ذلك دم��ار ًا كلي ًا للمدينتني ووف��اة نحو 132,000رجل وام��ر�أة وطفل بعد االنفجارين .واليوم يعترب هذا ب�سبب �سوء االت�صال ،فلو كان االت�صال جيد ًا وعلى درجة من الو�ضوح و�إمكانية ال�شرح لأمكن تاليف هذا الدمار وكل ه�ؤالء ال�ضحايا.. فلنقوي ات�صالنا ببع�ض من �أجل مزيد من التفاهم لتقوى ح�ضارتنا وتنت�شر معارفنا ،وليكن ات�صالنا مفتوح ًا ومن دون حدود �أو عوائق، فالإن�سانية حتتاج �أن نفهم بع�ضنا البع�ض ب�شكل وا�ضح و�سليم
وجه في المرآة 52 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
ر�أى �أن التحرر والتطور ثمرة للتعليم واال�ستنارة
الشيخ محمد عبده .. رائد التجديد واإلصالح في العصر الحديث القاهرة -تراث �ضم الع�صر احلديث جمموعة من رواد الفكر والأدب الذين قادوا حركة التحرر الفكري يف ال�شرق الإ�سالمي ،ومازال فكرهم ومنهجهم و�آثارهم يف حاجة �إىل جهد الباحثني وامل�ؤرخني لكي ينقبوا عنها ،ويخ�ضعوها للبحـث العلمي ال�صحي ــح.
لقطات فوتوغرافية للإمام حممد عبده
وال�شيخ حممد عبده واحد من رواد الإ�صالح �شارك يف �إيقاظ وعي الأمة نحو التحرر ،وبعث املولد والن�ش�أة
والتجديد يف ال�شرق الإ�سالمي ،وقائد من قادة الفكر العربي ،وعلم من �أعالم النه�ضة العربية الإ�سالمية احلديثة ،وممن دعوا �إىل التجديد والإ�� �ص�ل�اح يف ال �ع��امل الإ� �س�لام��ي مبفهومه ال�شامل االجتماعي وال�سيا�سي والديني ،فقد كان �أول �صوت فى الع�صر احلديث يدعو �إىل ن�شر العدالة االجتماعية والإ�صالح ال�سيا�سي، و�إعالء �ش�أن الدين ،وكانت غايته رفع م�ستوى الأم��ة ،وتقومي �أخالقها ،والنهو�ض بها نه�ضة ثقافية اجتماعية. وتزعم هذا الفيل�سوف املجدد ،حركة النه�ضة ّ احلديثة ،و�سعى لإيقاظ الوعي الإن�ساين يف النفو�س ،وتنبيه النا�س �إىل الأخطار املحدقة بهم يف ال��داخ��ل واخل ��ارج ،وعمل على ن�شر الثقافة بني الفقراء ،وكان يرى �أن الرتبية هي ال�سبيل القومي للإ�صالح ال�سيا�سي. كما ُيع ّد واح �دًا من �أب��رز املجددين يف الفقه الإ��س�لام��ي يف الع�صر احل��دي��ث ،فقد �ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده يف حترير العقل العربي م��ن اجل�م��ود ال��ذي �أ��ص��اب��ه ل�ع��دة ق ��رون ،كما
الوطنية ،و�إح �ي��اء االج�ت�ه��اد الفقهي ملواكبة التطورات ال�سريعة يف العلم ،وم�سايرة حركة املجتمع وتطوره يف خمتلف النواحي ال�سيا�سية واالقت�صاديةوالثقافية. واملبادئ التي دعا �إليها ال�شيخ حممد عبده هي نف�سها املبادئ ال�ضرورية لقيام وعي الإن�سان مبا هو �إن�سان ،وهي مبادئ جتمع بني الأ�صالة واملعا�صرة ،وتعمل على �إحياء ال�شرق الإ�سالمي، فقد دعا �إىل حترير الفكر من قيد التقليد ،وكان لهذه الدعوة الأث��ر يف حياة الفكر وال�سيا�سة والقومية العربية جميعا.
عين مفتي ًا للديار المصرية سنة 1899م وامتازت فتاواه بالميل إلى التسامح واستقالل الرأي والبعد عن التقليد والمالءمة بين روح اإلسالم ومطالب المدنية الحديثة
ول��د ال�شيخ حم�م��د ع�ب��ده ع��ام 1849م لأب تركماين الأ�صل ،و�أم م�صرية تنتمي �إىل قبيلة «بني عدي» العربية ،ون�ش�أ يف قرية �صغرية من ريف م�صر هي قرية «حملة ن�صر» مبحافظة البحرية ،و�أر�سله �أبوه -ك�سائر �أبناء قريته - �إىل ال ُكتّاب ،حيث تلقى درو�سه الأوىل على يد �شب االبن �أر�سله �أبوه �إىل �شيخ القرية ،وعندما َّ «اجلامع الأحمدي» بطنطا ،لقربه من بلدته؛ ليج ّود القر�آن بعد �أن حفظه ،ويدر�س �شي ًئا من علوم الفقه واللغة العربية. وبد�أت م�سريته الثقافية والفكرية عندما التحق ب��الأزه��ر ع��ام 1866م ،ك�أهم مركز للثقافة الإ�سالمية ،وتتلمذ على نخبة من علمائه الذين نحوا نحو الت�صوف ،واجته �إىل درا�سة العلوم الطبيعية والتاريخية �إىل جانب الدرا�سات الإ�سالمية ،حتى تخرج من الأزهر عام 1877م ونال درجة العاملية ،و�أ�صبح من حقه �أن يقوم بالتعليم يف الأزه���ر ،ف��أخ��ذ يلقي درو� �س � ًا يف التوحيد واملنطق والأخ�ل�اق .ثم عني مدر�س ًا للتاريخ يف مدر�سة دار العلوم ،ومدر�س ًا للغة
وجه في المرآة 54 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
العربية يف مدر�سة الأل�سن .و�أخ��ذ ين�شر �آراءه احلرة احلديثة مما �أثار عليه حقد املحافظني، فعزل عن وظيفته و�أر�سل �إىل قريته يف �أول عهد اخلديوي توفيق ،لكنه ما لبث �أن دعي �إىل رئا�سة حترير الوقائع امل�صرية التي كانت ت�صدرها احلكومة ف�صارت يف عهده �صحيفة الر�أي احلر و�صارت منربه للدعوة �إىل الإ�صالح . وا� �ش�ترك حم�م��د ع�ب��ده يف ال �ث��ورة العرابية عندما �أ�صبحت حقيقة قائمة ،وحينما �أخمدت وانهزم الثوار� ،سجن حممد عبده ونفي من م�صر و�أقام يف بريوت عام 1883م ،ثم رحل �إىل باري�س ،حيث التقى ب�أ�ستاذه جمال الدين الأف �غ��اين ال��ذي �سبقه �إىل ه�ن��اك ،فت�أثر به وب�أفكاره التجديدية ،وقاما معا بن�شر جملة العروة الوثقى ملحاربة اال�ستعمار والطغيان يف البالد الإ�سالمية ،التي كان لها �أثرها الطيب يف تغذية ال��روح الوطنية يف هذه البالد .كما عمل نائب ًا يف قيادة تنظيمها ال�سري .وبعدها اجتهت حياة ال�شاب الأزهري اجتاه ًا جديد ًا، و�أخذ يبذل جهوده للتحرر من �سلطان العرف ال�سائد والتقاليد املوروثة ،وبد�أ يقر�أ ما ينقل �إىل العربية من ثمرات الثقافة الغربية. عاد حممد عبده �إىل بريوت عام 1885م ،بعد �أن تهاوى كل �شيء من حوله ،فقد ف�شلت الثورة العرابية ،و�أغلقت جريدة «العروة الوثقى»، وابتعد عن �أ�ستاذه الأفغاين الذي رحل بدوره �إىل «فار�س» .وق�ضى يف بريوت ب�ضع �سنوات منقطع ًا ل�ش�ؤون الإ�صالح الديني واللغوي حيث عمل مربي ًا ومعلم ًا ،حتى �أذن له بالعودة �إىل م�صر عام 1889م فا�شتغل بالق�ضاء ال�شرعي، ثم عني مفتي ًا للديار امل�صرية �سنة 1899م، وامتازت فتاواه بامليل �إىل الت�سامح وا�ستقالل ال��ر�أي والبعد عن التقليد ،واملالءمة بني روح الإ��س�لام ومطالب املدنية احلديثة ،وا�ستمر ي�شغل هذا املن�صب حتى وفاته يف عام 1905م.
الأفغاين والعروة الوثقى
تعترب �صلة ال�شيخ حممد عبده ب�أ�ستاذه جمال الدين الأفغاين من �أه��م حمطات حياته على الإطالق ،فقد ت�أثر به وب�أفكاره التجديدية ،وبني فكره اجلديد على املبادئ التي بثها الأفغاين
كانتالحكومةالمصرية تغرّم كل من توجد لديه نسخة من مجلة العروة الوثقى بغرامة تبدأ من خمسة جنيهات إلى خمسةوعشرينجنيه ًا يف عقله ووج��دان��ه ،وق��د ب��د�أت �صلته ب��ه عام 1871م عندما التقى به لأول مرة يف القاهرة، فتتلمذ عليه والزمه و�أ�صبح �أقرب تالميذه اليه و�أل�صقهم به ،وكان ين�شر با�سمه �أمايل الأفغاين ويعيد يف الأزهر الدرو�س التي يلقيها الأفغاين
مبنزله وكان ات�صاله به ات�صا ًال وثيقا ت�أثر به كثري ًا� ،إذ فتح �أمامه �آفاق العامل الإ�سالمي بعد �أن انتقل به من ت�صوف النا�سك �إىل ت�صوف الفال�سفة ،ووجهه نحو ال�صحافة التي تعلق بها طوال حياته. وعندما احتل الإجنليز م�صر ونفي الإم��ام حممد عبده – وهو �أح��د �أقطاب الثورة على اال�ستبداد � -إىل ب�يروت ،ك��ان ال�سيد جمال الدين الأفغاين يف باري�س ،ف�أر�سل ي�ستدعيه �إل �ي��ه ،ولبى التلميذ ن��داء �أ��س�ت��اذه ،ومبجرد و�صوله �إىل باري�س كونا معا «جمعية العروة الوثقى» التي كان من �أه��م �أن�شطتها �إ�صدار «جملة العروة الوثقى» ،يقول عبد الرحمن
منزل الإمام حممد عبده حيث ن�ش�أ وتربى
ال��راف �ع��ي ع��ن ت�ل��ك اجل�م�ع�ي��ة« :ك��ان��ت ت�ضم جماعة من �أقطاب العامل الإ�سالمي وكربائه، وك��ان��ت ال��دع��وة �إىل احت��اد ال�شرقيني ت�تردد وتتواىل يف معظم مداوالتها� ،إذ ر�أى احلكيمان �أن تف ّرق الكلمة هو الثغرة الأوىل التي ينفذ منها اال�ستعمار لتحقيق �أه��داف��ه يف البالد ال�شرقية» .وقد ارتبط �أع�ضاء اجلمعية بعهد وثيق و�ضع �صيغته الإمام حممد عبده ،وهذا ن�صه�« :أق�سم ب��اهلل العامل بالكلي واجلزئي واجل �ل��ي واخل �ف��ي ال�ق��ائ��م على ك��ل نف�س مبا ك�سبت ،الآخ ��ذ لكل ج��ارح��ة مب��ا اج�ترح��ت، لأحكمن بكتاب اهلل يف �أعمايل و�أخالقي بال ت�أويل وال ت�ضليل ..ولأجينب داعيه فيما دعا �إليه ،وال �أتقاعد عن تلبيته يف �أم��ر وال نهي، ولأدعون لن�صرته ،ولأقومن بها ما دمت حي ًا، ال �أف�ضل على الفوز بها ما ًال وال ولد ًا. �أق���س��م ب��اهلل م��ال��ك روح��ي وم ��ايل ،القاب�ض على نا�صيتي ،امل�صرف لإح�سا�سي ووجداين، النا�صر ملن ن�صره ،اخلاذل ملن خذله ،لأبذلن م��ا يف و��س�ع��ي لإح �ي��اء الأخ� ��وة الإ��س�لام�ي��ة، ولأنزلنها منزلة الأبوة والبنوة ال�صحيحتني، ولأع� ّرف�ن�ه��ا ك��ذل��ك لكل م��ن ارت�ب��ط برابطة العروة الوثقى ،وانتظم يف عقد من عقودها، ولأراعينها يف غريهم من امل�سلمني� ،إال �أن ي�صدر عن �أحد ما ي�ضر ب�شوكة الإ�سالم ،ف�إين �أب��ذل جهدي يف �إبطال عمله امل�ضر بالدين، و�آخ ��ذ على نف�سي يف �أث ��ره مثل م��ا �آخ��ذ يف املدافعة عن �شخ�صي».
اشترك محمد عبده في الثورةالعرابيةعندما أصبحتحقيقةقائمة وحينما أخمدت وانهزم سجن ونفي من الثوار ُ مصر وأقام في بيروت ثم رحل إلى باريس لأمم ال متوت
وكانت جملة العروة الوثقى التي �صدرت عن اجلمعية ،مث ًال حيا للتدليل على �أن الأمم ال مت��وت حتى وه��ى يف �أحلك حلظات تاريخها، فقد ك��ان ��ص��دوره��ا رد ًا واع �ي � ًا وف��ور ًّي��ا على احتالل �إجنلرتا مل�صر ..لذلك فلم يكن غريب ًا �أن ُتقلق تلك املجلة -ال�صغرية ق�صرية العمر- الإمرباطورية التي ال تغيب عنها ال�شم�س وهى يف �أوج قوتها وازدهارها. وقد �صدر العدد الأول من املجلة يوم اخلمي�س 15جمادى الأوىل �سنة 1301هـ املوافق 13 مار�س �سنة 1884م ،وكان مقر املجلة «حجرة
تأثرباألفغانيوبأفكاره التجديدية وقاما معا بنشر مجلة العروة الوثقى لمحاربةاالستعمار والطغيان في البالد اإلسالمية
�ضيقة على �سطح منزل من املنازل القائمة على مقربة من ميدان املادلني بباري�س ،وتر�سل �سر ًا �إىل الأقطار ال�شرقية ،خ�شية �أن ترمقها العيون وك�أنها �إحدى املحرمات �أو املهربات!». �أم��ا عن طريقة حترير املجلة ف�يروي الأم�ير «�شكيب �أر�سالن» �أنه �سمع ال�شيخ حممد عبده يقول�« :إن الأفكار يف العروة الوثقى كلها لل�سيد «الأفغاين» لي�س يل فيها فكرة واحدة ،والعبارة كلها يل ،لي�س لل�سيد فيها كلمة واحدة ،وي�صف عبد الرحمن الرافعي �أ�سلوب الكتابة يف املجلة ب�أنه «�آيات بينات يف �سمو املعاين ،وقوة الروح، وبالغة العبارة ،وهي �أ�شبه باخلطب النارية، ت�ستثري ال�شجاعة يف نفو�س قارئيها ،وت��داين يف روحها وقوة ت�أثريها �أ�سلوب الإمام علي بن �أبي طالب كرم اهلل وجهه يف خطبه احلما�سية املن�شورة يف نهج البالغة ».
�أهداف املجلة
وق��د خل�ص ال�شيخ حممد عبده �أه��م �أه��داف املجلة يف خطاب �أر�سله �إىل �صديقه ال�شاعر الإجنليزي «ولفرد بلنت» ،وهى�« :صون ا�ستقالل ال�شعوب ال�شرقية من ع��دوان ال��دول الغربية، و�إق�لاق بال احلكومة الإجنليزية؛ حتى ترجع عن �أعمالها املثرية خلواطر امل�سلمني» .كذلك كان من الأهداف التي عربت عنها املجلة والتي ميكن ا�ستخال�صها من املادة التحريرية الواردة فيها :الدعوة �إىل االحتاد والت�ضامن ،والأخذ ب�أ�سباب النه�ضة ،وحترير م�صر وال�سودان من
وجه في المرآة 56 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
اال�ستعمار الربيطاين. وكانت أ�ه��م املو�ضوعات والأف�ك��ار التي وردت باملجلة ومت الرتكيز والت�أكيد عليها �أفكار الوحدة والت�ضامن ،و�إيقاظ الوعي ملقاومة اال�ستعمار، والتنديد مبن يوالون الأجنبي ،والدعوة للدفاع عن الأوطان ،وحماربة التواكل لدى ال�شرقيني، والت�أكيد على قيم الأمانة وال�شرف والواجب، و�إبراز �أهمية الأمة يف مواجهة ا�ستبداد احلاكم، وال��دع��وة �إىل الإ� �ص�لاح بالرجوع �إىل حقيقة الدين ،والدعوة �إىل وحدة الأمم ال�شرقية.
الأفغاين
ثمانية ع�شر عدد ًا ً اال�ستنارة والتحرر الفكري ومل ي�صدر من املجلة �سوى ثمانية ع�شر عددا
خالل �سنة واحدة ،ثم ا�ضطر الأفغاين وحممد عبده �إىل حجبها عن ال�صدور ،وذلك ب�سبب ما اتخذته احلكومة الربيطانية من تدابري �شديدة لعرقلة �أعمالها .وي�ضيف «العقاد» �إىل �أ�سباب توقفها �أنها �صودرت يف جميع البالد الإ�سالمية «وات�ف�ق��ت على م�صادرتها ح�ك��وم��ات ال��دول الأجنبية وحكومات امللوك والأمراء ال�شرقيني، لأن�ه��ا ك��ان��ت حت��ارب احل�ك��م الأج�ن�ب��ي بجميع م�ساوئه كما كانت حت��ارب ا�ستبداد احلاكم الوطني وف�ساد �أعوانه ورجاله ». ً ب��الإ��ض��اف��ة �إىل �أن�ه��ا ك��ان��ت ُتتخذ دل�ي�لا على االنتماء �إىل جمعية ال�ع��روة الوثقى ،وم��ن ثم اال�ضطهاد وم�صادرة الأموال وغري ذلك .فقد كانت احلكومة امل�صرية -مث ًال -تغ ّرم كل من توجد لديه ن�سخة من املجلة بغرامة تبد�أ من خم�سة جنيهات �إىل خم�سة وع�شرين جنيه ًا. ورغم العمر الق�صري الذي عا�شته املجلة ،ف�إن �آثارها يف حياة ال�شرق العربي والإ�سالمي كانت عميقة وبعيدة امل��دى ،فقد امتد ت�أثريها وما حملته من �أف�ك��ار الأف�غ��اين وحممد عبده ،يف �أغلب املجددين والزعماء وامل�صلحني واحلركات الفكرية وال�سيا�سية واالجتماعية التي عرفتها �أمم ال�شرق بعد ذلك ،وما زال املجلد الذي ي�ضم �أع��داد املجلة ُيقر�أ ويد ّر�س كعالمة على يقظة فكر هذه الأمة ،ودليل على قدرتها على النهو�ض رغم الكبوات ،والثبات رغم ال�ضربات.
ت�صور ال�شيخ حممد عبده العقيدة الإ�سالمية ت�صور ًا �سليم ًا فالتف حوله نخبة من املثقفني واملفكرين الذين كانوا ميثلون مدر�سة الفكر امل�صري والعربي والإ�سالمي ،التي ترى التحرر والتطور ثمرة للرتبية والتعليم واال�ستنارة ،وتعلق الآم��ال على ال�صفوة املختارة يف ميدان الفكر ولي�س على حترك العامة واجت��اه اجلماهري، و�أن�ش�أ بذلك جي ًال من العلماء الذين حذوا ح ��ذوه .وك ��ان ر�أي حممد ع�ب��ده �أن الرتبية امل�ستندة �إىل ال��دي��ن بعد جت��دي��ده بوا�سطة امل�ؤ�س�سات الرتبوية اجلديدة �آنذاك -مثل كلية دار العلوم -وامل�ؤ�س�سات العتيقة -مثل الأزهر والأوق ��اف والق�ضاء ال�شرعي -هي ال�سبيل الوحيدة لبلوغ غاية ال�شرق يف التحرر الفكري والتحرير ال�سيا�سي. وقد ظهر التمايز بني الفكر «الثوري» للأفغاين، والفكر «الإ�صالحي» لتلميذه حممد عبده منذ غياب الأفغاين عن ال�ساحة امل�صرية وا�ستقالل حممد عبده بالعمل فيها وانفراده بتب ُّوء مو�ضع الأ� �س �ت��اذي��ة م��ن امل�ف�ك��ري��ن و�أ� �ص �ح��اب ال ��ر�أي والزعماء وال�سا�سة؛ وتبلورت �آرا�ؤه الإ�صالحية
تولى رئاسة تحرير الوقائع المصرية التي كانت تصدرهاالحكومةفصارت في عهده صحيفة الرأي الحر وصارت منبره للدعوة إلى اإلصالح .
يف مقاالته بجريدة «الوقائع امل�صرية». وك��ان��ت �أع�م��ال��ه وف�ي�رة وم�ن��وع��ة ،فكان يطالع ويتعلم ،ويحرر الوقائع امل�صرية ،ويلهم الثورة العرابية ،وين�شر دعوة «العروة الوثقى» ،وي�شتغل بالق�ضاء يف املحاكم ،ويعلم يف الأزهر ،وي�صدر ال�ف�ت��اوى يف ال�شئون الدينية واالجتماعية، وي�شرتك يف جل�سات جمل�س �شورى القوانني ،ويف جمل�س الأوقاف الأعلى ،وي�شرف على اجلمعية اخلريية الإ�سالمية ،وي�ضع م�شروعات لإ�صالح الأزه��ر واملحاكم ال�شرعية ،وي��ؤل��ف الر�سائل الدينية ،ويف�سر القر�آن الكرمي.
�أ�س�س الإ�صالح
وك��ان يرى �أن موطن ال��داء هو �ضعف النفو�س وجمود الأذه��ان ،و�أ�سا�س الإ�صالح هو حترير العقول من �سيطرة اخلرافات ،و�إطالق النفو�س من �أ�سر ال�شهوات ،ومن هنا �شرع يف بناء جيل جديد يدرك قيمة العلم يف خو�ض معركة احلياة، ويفهم ر�سالة الدين يف العمل على �إ�سعاد املجتمع. ويف �أوائل القرن الع�شرين انتهت زعامة الفكر يف ال���ش��رق ال�ع��رب��ي �إىل الإم� ��ام حممد عبده فا�شتغل بالتجديد الديني ،ودعا �إىل الإ�صالح االجتماعي ،فكان بحق رجل علم وعمل ،ورجل دنيا ودين ،وراح يهاجم ما يخالف ال�صواب من �أفكار و�أخالق وعادات �شائعة �سواء بني علماء الع�صر �أو عامة النا�س . و�أه��م ما ك��ان مييز فكر ال�شيخ حممد عبده، دعوته �إىل الإ�صالح الذي بناه على �أ�س�س ثالثة هي :العودة بالإ�سالم �إىل ما كان عليه يف ال�صدر الأول م��ن حت��رر واج�ت�ه��اد .والنهو�ض باللغة العربية و�إح�ي��ا�ؤه��ا .واح�ت�رام حقوق ال�شعوب وتخلي�صها من طغيان احلكام. ومن هذه الأ�س�س واملباديء الإ�صالحية انطلق حممد عبده يحارب اجلمود ويحاول �أن يالئم بني تعاليم الإ�سالم والثقافة الغربية املعا�صرة، مع مت�سكه باملبادىء الإ�سالمية الأ�صيلة ،ورد على الغربيني الذين مل يفهموا الإ�سالم على �أ�صوله ال�صحيحة ،ورفع راية حرية البحث واالجتهاد يف الدين ،وا�ستنكر تفريعات الفقهاء اخليالية، وح ��ارب ال �ب��دع واخل ��راف ��ات ،ووف ��ق ب�ين العقل والدين ،كما نادى بالت�سامح الديني والتقارب بني
امل�شاعر مما ي�ستق�صي بحث امل�سائل العلمية، فهو يتجه �إىل القلب �أكرث مما يتجه �إىل العلم والعقل مت�أثر ًا يف ذلك بالفل�سفة الإ�سالمية ،ثم ات�صاله بالثقافة الغربية وقراءته بع�ض �أ�صولها ورحالته �إىل �أوروبا ومالب�سته حلياتها ومقابلته لبع�ض فال�سفتها و�سماعه لبع�ض حما�ضراتهم.
ال�شيخ حممد عبده مفتي ًا
ال�شعوب ،ودعا �إىل �إ�صالح املحاكم ال�شرعية، و�إىل �إن�شاء مدر�سة الق�ضاء ال�شرعي لتخريج الفقيه والقا�ضي ال�صالح. وكان �أ�سلوبه وقلمه مث ًال يحتذى به يف النهو�ض بالعربية فيما ن�شر يف ال�صحف �أو �ألف من كتب، فبعث حركة �أدبية مثمرة ،وكان يرى �أن ال�سبيل احل��ق لتحرير ال�شعوب هو التعليم والرتبية ال االنقالب والثورة على نحو ما كان ينادي به غريه.
�إنتاجه العلمي
وقد �ألف ال�شيخ حممد عبده العديد من الكتب �أهمها «ر�سالة التوحيد» ال��ذي ج��اءت وليدة درا�ساته يف ب�يروت ،وه��ي تنحو منحى عقلي ًا وا�ضح ًا ،وكتابه «الإ�سالم والن�صرانية مع العلم واملدنية» ال��ذي رد به على ف��رح انطوين �سنة 1902م ،وداف��ع فيه عن الإ�سالم مبين ًا مدى تقبله للعلم واحل�ضارة. ه ��ذا �إىل ج��ان��ب حتقيق و� �ش��رح «الب�صائر الق�صريية للطو�سي» ،وحتقيق و�شرح «دالئ��ل الإعجاز» و«�أ�سرار البالغة» للجرجاين ،وكتابه «الرد على هانوتو الفرن�سي » ،وتقرير �إ�صالح املحاكم ال�شرعية �سنة 1899م ،والف�صول التي ��ش��ارك بها يف كتاب «حت��ري��ر امل���ر�أة» لقا�سم �أمني �سنة 1899م .كما قام ال�شيخ حممد عبده بتف�سري القر�آن الكرمي الذي بد�أه ومل يتمه ،وهذا التف�سري كان يقوم به تدري�س ًا ،وك��ان تف�سري ًا يحاول التوفيق بني الإ�سالم ونظريات املدنية احلديثة ،ويتبع طرق ًا من الت�أويل للتوفيق بني الدين ونظريات العلم .وقيل عنه �إنه كان يحرك
ويعترب توليه من�صب الإفتاء يف م�صر حمطة �أخ� ��رى ه��ام��ة م��ن حم �ط��ات ح�ي��ات��ه امل�ث�م��رة، فلأول مرة يتم ا�ستقالل من�صب الإفتاء ،ويقع االختيار على هذا العبقري املجدد ليكون �أول مفتي يتوىل ه��ذا املن�صب ،ففي 3يونيو �سنة 1899م -24حمرم 1317هـ – �صدر مر�سوم خديوي ،وقعه اخلديوي عبا�س حلمي بتعيني ال�شيخ حممد عبده مفتي ًا للديار امل�صرية وهذا ن�صه« :ف�ضيلتلو ح�ضرة ال�شيخ حممد عبده، مفتي الديار امل�صرية :بناء على ما هو معهود يف ح�ضرتكم من العالمية وكمال الدراية ،قد وجهنا لعهدكم وظيفة �إفتاء الديار امل�صرية، و�أ��ص��درن��ا �أم��رن��ا ه��ذا لف�ضيلتكم للمعلومية، والقيام مبهام هذه الوظيفة وقد �أخطرنا البا�شا رئي�س جمل�س النظار بذلك» كان من�صب الإفتاء ي�ضاف ملن ي�شغل وظيفة م�شيخة اجلامع الأزهر يف ال�سابق وبهذا املر�سوم ا�ستقل من�صب الإف�ت��اء عن من�صب م�شيخة اجلامع الأزهر ،و�صار ال�شيخ حممد عبده �أول مفتي م�ستقل مل�صر معني من قبل اخلديوي. وقد بلغ عدد الفتاوى التي �أ�صدرها 944فتوى ا�ستغرقت املجلد الثاين من �سجالت م�ضبطة دار الإفتاء ب�أكمله و�صفحاته � 198صفحة ،كما ا�ستغرقت � 159صفحة م��ن �صفحات املجلد الثالث ،ويالحظ �أن % 80من الفتاوي تتعلق
قال عبده إن موطن الداء هو ضعف النفوس وجمود األذهان ،وأساس اإلصالح هو تحرير العقول من سيطرة الخرافات وإطالق النفوس من أسر الشهوات
مب�شكالت خا�صة باحلياة املالية واالقت�صادية وق�ضاياها ،وهي ق�ضايا كانت حتتاج �إىل اجتهاد جديد لكي يواكب الفقه الإ�سالمي هذه الق�ضايا وامل�شكالتامل�ستحدثة.
رثاء بعد الرحيل
وظل ال�شيخ حممد عبده مفتي ًا للديار امل�صرية �ست �سنوات كاملة ،وا�ستمر يف العطاء على كافة امل�ستويات ،حتى وفاته يف 11يوليو عام 1905 م ،عن عمر يناهز ال�سابعة واخلم�سني عام ًا. وق��د رث��اه �أم�ير ال�شعراء �أحمد �شوقي ب�أبيات رائعة قال فيها :
مف�سر �آي اهلل بالأم ـ ـ ــ�س بيننا ق���م ال���ي���وم ف�����س��ر ل���ل���ورى �آي������ة امل���وت رح��م��ت م�صري ال��ع��امل�ين كما ترى وك��������ل ه�����ن�����اء �أو ع����������زاء �إىل ف����وت ه��و ال��ده��ر ميالد ف�شـ ـ ــغل فم�أمت فذكر كما �أبقى ال�صدى ذاهب ال�صوت
ونعاه ال�شاعر حافظ �إبراهيم يف �أبيات قال فيها:
�س ـ ــالم على الإ�سالم بعد حممـ ــد ������س��ل��ام ع����ل����ى �أي�������ام�������ه ال����ن���������ض����رات على الدين والدنيا على العلم واحلجى على ال�بر والتقوى على احل�سنات لقد كنت �أخ�شى ع��ادي امل��وت قبله ف�أ�صبحت �أخ�����ش��ى �أن ت��ط��ول حياتي �أب��ن��ت ل��ن��ا ال��ت��ن��زي��ل حكما وحكمة وف�����رق�����ت ب��ي��ن ال�����ن�����ور وال���ظ���ل���م���ات ووفقت بني الدين والعلم واحلجى ف����أط���ل���ع���ت ن�������ورا م����ن ث���ل��اث ج��ه��ات وخ���ف���ت م���ق���ام اهلل يف ك���ل م��وق��ف ف���خ���اف���ك �أه�������ل ال�������ش���ك وال����ن����زع����ات بكى ال�شرق فارجتت له الأر�ض رجة وف���ا����ض���ت ع���ي���ون ال����ك����ون ب���ال���ع�ب�رات ففي الهند حمزون وفى ال�صني جازع وف�����ى م�����ص��ر ب�����اك دائ�������م احل�������س���رات وفى ال�شام مفجوع وفى الفر�س نادب وف�����ى ت���ون�������س م����ا ���ش��ئ��ت م����ن زف�����رات
نافذة على التراث 58 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
ابن المقفع والمثقف يف
العام 142للهجرة ت�سلم عبد اهلل بن املقفع « 142 - 106هـ» دعوة من وايل الب�صرة �سفيان بن معاوية لالجتماع به يف داره. وحني لبى ابن املقفع الدعوة ،مل يدر ببال �أنه لن يخرج من دار الوايل حيا .لكن هذا ما حدث�.أ�صل الق�صة �أن عبد اهلل بن علي ،عم اخلليفة املن�صور وواليه على ال�شام ،كان قد خرج على اخلليفة و�أظهر الع�صيان، فطارده املن�صور حتى و�صل عبد اهلل �إىل الب�صرة حمتميا ب�أخويه �سليمان وعي�سى .رف�ض الأخوان �أن ي�سلما �أخاهما للمن�صور �إال بعد كتابة عهد �أمان يحفظ دمه .هنا يظهر ابن املقفع الأديب امل�شهور يف ال�صورة؛ حيث طلب �إليه �أعمام اخلليفة �أن يكتب عهد �أمان ملزم للمن�صور .ومن الوا�ضح �أن ابن املقفع قد ّ �سخر قدراته العقلية والأدبية يف كتابة عهد �أمان �شديد الإحكام والإلزام للخليفة املن�صور ،لدرجة �أنه ا�شرتط فيه �أن تكون زوجات املن�صور جميعا طوالق منه ،و�أن يكون عبيده �أحرارا، وال تكون له والية وال بيعة على النا�س �إن هو �أخ ّل بعهد الأمان هذا .لكن ال�سلطة املطلقة التي متتع بها اخللفاء العبا�سيون كانت فوق هذا الت�شديد وفوق العهد ،فعزل املن�صور �سليمان عن الب�صرة ويقال �إنه كان وراء مقتل كل من ابن املقفع عمه الذي كتب له العهد .عبد اهلل ابن املقفع فار�سي الأ�صل عا�ش ن�صف حياته يف الع�صر الأموي ون�صفها الثاين يف دولة بني العبا�س .يقول �صاحب القامو�س املحيط �إن ا�سمه الفار�سي هو داذج ْ�ش ِن�ش» «القامو�س املحيط�/ص ،»974فلما «روزبه» �أو «داذويه بن ِ �أ�سلم �سمى عبد اهلل .و�سبب تلقيبه بابن املقفع �أن �أباه كان م�سئوال عن جمع خراج بالد فار�س �أيام احلجاج ،وقيل �إنه �أخذ بع�ضا مما جمعه من �أموال ،ف�ضربه احلجاج على يديه حتى « َت َق َّف َعتَا» فلقب بابن املقفع. كان عبد اهلل بن املقفع مو�سوعي الثقافة ملعرفته �أكرث من لغة .لكن هذه املو�سوعية �صب نتاجها الأخري يف �صالح الثقافة العربية التي �ألف فيها وترجم �إليها .البن املقفع كتابان م�شهوران �أولهما «كليلة ودمنة» الذي ترجمه عن الفهلوية م�ضيفا �إليه ف�صوال من ت�أليفه .وثانيهما كتاب بعنوان «ر�سالة ال�صحابة» .وله كذلك عدد كبري من الر�سائل الأدبية يف مو�ضوعات �شتى .من �أ�شهر ما و�صلنا منها ر�سالة «الأدب ال�صغري» ور�سالة «الأدب الكبري» .وقد جمعت الر�سالتان يف كتاب واحد حمل ا�سم «الأدب ال�صغري والأدب الكبري». ر�سالتا الأدب ال�صغري والأدب الكبري ت�ضمان خم�ت��ارات من ا ألق��وال
امل�أثورة ،والن�صائح احلكيمة ،والآراء الفل�سفية املخت�صرة مما �أثر عن العرب ،ومما ترجم ومت تداوله يف الثقافة العربية يف ذلك الوقت عن ثقافات �أخرى ،على ر�أ�سها الهندية والفار�سية واليونانية .وقد حدد ابن املقفع الغاية من ر�سالتيه باخت�صار يف قوله :وقد و�ضعت يف هذا الكتاب من كالم النا�س املحفوظ حروفا فيها عون على عمارة القلوب و�صقالها وجتلية �أب�صارها ،و�إحياء للتفكري و�إقامة للتدبري .ودليل على حمامد الأمور ومكارم الأخالق �إن �شاء اهلل «الأدب ال�صغري والأدب الكبري/دار بريوت للطباعة والن�شر.»1980/ يتناول ابن املقفع مو�ضوعات كثرية يف الر�سالتني منها ما يت�صل بال�سلطان وكيفية معاملته ،وال�صديق وما يح�سن �أن تعامله به .لكنه يركز يف ر�سالتيه ب�صورة ال فتة على قيمة العقل ودور «ذوي الألباب» ،ويف�صل القول يف �صفاتهم ،و�أح�سب �أن ت�سمية العاقل يف كتاباته مكافئة لت�سمية «املثقف» يف ع�صرنا احلايل .انظر لقوله حمددا �أ�صحاب العقل ومفرقا بينهم وبني �سائر النا�س: َوج ٍب �أن ي�سمى يف ذوي الألباب، ولي�س ك ُّل ذي ن�صيب من ِّ اللب مِ ُب�ست ِ وال يو�صف ب�صفاتهم .فمن رام �أن يجعل نف�سه لذلك اال�سم والو�صف �أهال ،فلي�أخذ له عتاده ،وليعد له طول �أيامه ،ولي�ؤثره على �أهوائه .ف�إنه قد رام �أمرا ج�سيما ال ي�صلح على الغفلة ،وال ُيدرك با َمل ْع َجزَة ،وال ي�صري على الأَ َث� َرة .ولي�س ك�سائر �أمور الدنيا و�سلطانها ومالها وزينتها التي قد ي��درك منها املتواين ما يفوت املثابر ،وي�صيب منها العاجز ما يخطئ احلازم .وليعلم �أن على العاقل �أمورا �إذا �ضيعها حكم عليه عقله مبقارنة اجلهال«الأدب ال�صغري� /ص »16 هكذا ن�شرتك جميعا يف وج��ود العقل ،لكننا ل�سنا �سواء يف توزيع �صفة «العاقل» التي حتتاج مل�شقة يف حت�صيل العلم وتثقيف العقل ،وهو �أمر �شاق لي�س ك�سائر �أمور الدنيا التي رمبا يعطي احلظ فيها من ال ي�ستحق .يتو�سع ابن املقفع يف حتديد ما يجب على «العاقل /املثقف» كي يكون م�ستحقا لذلك اال�سم ،مربزا عددا من ال�صفات التي ت�ؤكد الظن ب�أنه �إمنا كان يحدد موا�صفات «املثقف» .من ذلك �أن «العاقل» قادر على مراجعة نف�سه ،ملزم بتلك املراجعة .وهو ما ميكن ت�سميته بلغتنا املعا�صرة �ضرورة االنعكا�س على الذات .يقول ابن املقفع :وعلى العاقل خما�صمة نف�سه وحما�سبتها والق�ضاء عليها «مبعنى حماكمتها فيما جتنيه من �شر وخري» والإثابة والتنكيل بها
�أمين بكر
...وعلى العاقل �أن يح�صي على نف�سه م�ساويها يف الدين ويف الأخالق ويف الآداب ،فيجمع ذلك كله يف �صدره �أو يف كتاب ،ثم يكرث عر�ضه على نف�سه ،ويكلفها �إ�صالحه ...حق على العاقل �أن
يتخذ مر�آتني؛ فينظر من �إحداهما يف م�ساوئ نف�سه فيت�صاغر بها ،وي�صلح ما ا�ستطاع منها، وينظر من الأخرى يف حما�سن النا�س فيحليهم بها وي�أخذ ما ا�ستطاع منها«
«�ص»43/ 20 /18 :
ولعلنا ال نبالغ ح�ين ن��دع��ي �أن ��ه يتحدث عن �ضرورة بقاء الوعي املنفتح منعك�سا على ذاته، كي يحافظ على مرونته وانفتاحه ،كما ال يفوتنا �أنه يف الن�صو�ص ال�سابقة وغريها يدعو لقيم العدالة يف احلكم على الآخ��ري��ن مبا يناق�ض الأحكام املت�سرعة املحملة بوجهة نظر م�سبقة. غ�ير �أن العاقل لي�س وح��ده م��ن يتوجب عليه املعرفة والتثقف و�إدراك ما يجهل� ،إذ يت�ضح دوم��ا يف اختيارات اب��ن املقفع �أن املعرفة هي الأ�صل يف مكارم الأخالق ،و�أن اجلهل هو �أ�صل كل بالء .يقول: َ ُ ليكن ا َمل��رء ��َ�س ��ؤوال ،وليكن ف ُ�صوال ب�ين احلق والباطل ،وليكن َ�صدُوقا ل ُي َ�ؤ َّمنَ على ما قال، وليكن ذا عهد ل ُي َو َّفى له بعهده ...حياة ال�شيطان ترك العلم ،وروحه وج�سده اجلهل ،ومعدنه يف �أهل احلقد والق�ساوة ،ومثواه يف �أهل الغ�ضب، وعي�شه يف امل�صارمة «�ص»39 هذا ملمح واحد من كتاب الأدب ال�صغري والأدب الكبري لعبد اهلل بن املقفع ،الذي ميتلئ بالأفكار الداعية للت�أمل يف النف�س ويف العامل. من القامو�س: ال َق ْف َع ُة :كالزبيل من خو�ص بال عروة� ،أو جلة التمر� ،أو م�ستديرة يجتنى فيها الرطب ونحوه، وال��دوارة التي يجعل الدهانون فيها ال�سم�سم املطحون ،ثم يو�ضع بع�ضها على بع�ض حتى ي�سيل منها الدهن ...والأذن ال َق ْف َعاء :التي ك�أنها �أ�صابتها نار فتزوت من �أعالها �إىل �أ�سفلها ...ورجل ُم َق َّف ُع اليدين ك ُم َع َّظم :مت�شنجهما ... و َت َق َّف َعَ :ت َق َّب َ�ض
ارتياد اآلفاق 60 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
روعة �شعب وعظمة قائد
دولة اإلمارات التي أبهرتني يوميات رحالة معاصر
موالي حممد ا�سماعيلي �أكادميي و�إعالمي مغربي
لقد �سنحت يل الفر�صة �أن �أزور دولة الإمارات العربية املتحدة ،هذه الدولة العربية الإ�سالمية التي �سمعت و�شاهدت عنها الكثري من الأ�شياء املميزة يف ن�شرات الأخبار ،لكن الواقع كان �أجمل و�أرقى بكثري مما تقدمه قنوات التلفزيون ،لقد وجدت دولة عاملية بكل املقايي�س ،و�أنا�سا يف �أعلى درجات الإن�سانية والرقي ،فكان �إح�سا�سي نحو هذه الدولة وحكامها ومواطنيها ومعمارها وكل �شيء فيها تلخ�صه كلمة واحدة� ،إنها «االنبهار».
ارتياد اآلفاق 62 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
ح�سن اال�ستقبال
�أول ما �أث��ار انتباهي و�أن��ا �أن��زل مبطار �أبو ظبي ال��دويل ،هي الرحابة التي ي�ستقبلك بها املكان ،والب�شا�شة التي تراها يف وجوه كل العاملني باملطار ،فرغم االزدح��ام ال�شديد ال��ذي ي�شهده مطار �أب��و ظبي «ي��زوره �أكرث من 40مليون م�سافر كل �سنة» ف��إن جميع املوظفني يقومون بعملهم على �أح�سن وجه، وقد كان لنا ن�صيب وافر من هذا اال�ستقبال اجلميل ،فبعد �أن اطلع موظفو املطار على ت�أ�شرياتنا ،وت�أكدوا �أننا باحثون �أكادمييون مغاربة و�صحافيون ،حينها ب��د�أت كلمات الرتحيب تنهال علينا وتي�سرت الإجراءات، وا�صطحبونا �إىل طريق اخلروج من املطار بكل ال�سرعة وال�سهولة املطلوبتني ،حيث وجدنا �أ�صدقاءنا يف ا�ستقبالنا يف �صالة اال�ستقبال ،ه��ذه الت�صرفات كانت تنبئ ببداية جيدة لرحلة �ستدوم �شهرا كامال يف دولة الإمارات العربية.
�أبوظبي..املدينة التحفة
�إم��ارة �أبو ظبي� ،أو املدينة التحفة ،مل �أكن �أت��وق��ع �أن �أج��د ك��ل ه��ذا اجل�م��ال وك��ل هذا الإت�ق��ان فيها ،وك��ل ه��ذه الفنية العالية يف معمار ه��ذه امل��دي�ن��ة ،فقد كنت �أعتقد �أن اال�سمنت امل�سلح ه��و �سيد امل��وق��ف هناك يف اخلليج عموما ،و�أن ال م�ك��ان ل�ل�إب��داع واالب��ت��ك��ار ،ل�ك��ن ك ��ان اع �ت �ق��ادي خ��اط�ئ��ا، ووجدت مدينة �أبو ظبي كلها حتف معمارية متميزة ،ال تكاد ت�ستوعب �شكال حتى ينجلي �أم��ام��ك �شكل ج��دي��د ين�سيك الأول� ،أم��ا البنيات التحتية ف�ح��دث وال ح��رج ،طرق هائلة ،وقناطر عمالقة ،وبنايات وعمارات �شاهقة ،البع�ض يقول ب��أن هذا طبيعي ما دام �أن هناك �أمواال ت�شيد بها هذه البنيات التحتية� ،أقول نعم،ولكن هناك عقل �ضخم وتخطيط كبري وراء كل ه��ذه الإجن ��ازات، واحل��دي��ث عن الإجن ��ازات ال ميكن �أن مير دون احلديث عن باقي الإم��ارات وم�ؤ�س�س الدولة ،املرحوم ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل
جامع ال�شيخ زايد يف �أبوظبي عالمة ح�ضارية كربى
ق�رص الإمارات يف �أبوظبي
ارتياد اآلفاق 64 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
المسؤولون في أبوظبي يعرفون ماذا يفعلون ،ويعملون بصدق من أجل رد االعتبار للتراث العربي الفني اإلبداعي بشكل عام
�آل نهيان ،ال��ذي مل تفتنا الفر�صة وتلونا �سورة الفاحتة على الروح الطاهرة لإن�سان ا�ستثنائي �ستظل قلوب الإم��ارات�ي�ين وغري الإماراتيني خ�صو�ص ًا املغاربة ،حتبه حتى تنتهي هذه الدنيا.
نهيان رحمه اهلل� ،أو «بابا زاي��د» كما يحلو جامعات ومراكز درا�سات
للإماراتني مناداته ،فهو رحمه اهلل �صاحب عقل متميز ،ونظرة ثاقبة للم�ستقبل ،الرجل �سبق زمانه ،وف ّكر للم�ستقبل ،وب��د�أ العمل بيديه ،وب�سواعد �أب�ن��اء ال��دول��ة جميعهم، ح�ت��ى و� �ض��ع الإم � ��ارات يف م���ص��اف ال��دول العاملية التي �أ�ضحت م��ؤث��رة يف ال�سيا�سة واالقت�صاد العامليني.
جامع ال�شيخ زايد
معلمة �أخ� ��رى ت�خ�ل��د ذك ��رى ه ��ذا ال��رج��ل العظيم� ،إنها جامع ال�شيخ زايد مبدينة �أبو ظبي ،املعلمة املعمارية اجلميلة ،فعندما مت��ر ب��ال �ق��رب م��ن ه ��ذا امل���س�ج��د ت�ب�ه��رك قبابه الكثرية واملرتا�صة بكثري من الإبداع والفنية ،وت�خ��ال نف�سك �أن��ك يف ت��اج حمل لتقارب هند�سة امل�سجد مع هند�سة �إحدى عجائب الدنيا ال�سبع� ،أما عندما تدخل �إىل ه��ذا امل�سجد التحفة ف�إنك ال ت�ستطيع �أن تقاوم رغبة جاحمة يف البقاء يف �أح�ضانه لأطول وقت ممكن ،الزخارف الفار�سية يف اجلدران ،وال�سجاد املمتد على ر�أي العني، ومرافق اجلامع التي جتعلك ت�ستمتع و�أنت تتجول فيه ،حقا �إن جامع ال�شيخ زايد معلمة عظيمة ال متل العني من الإطالع �إليها. غري بعيد من ه��ذا اجلامع العظيم يرقد اجلثمان الطاهر لل�شيخ زاي��د بن �سلطان
برج خليفة يف دبي �أطول بناء يف العامل
�إم��ارة �أبو ظبي هي عا�صمة العلم واملعرفة بامتياز ،فقد �أدرك امل�س�ؤولون فيها� ،أن بناء �أي �أمة لي�س فقط بتوفري البنيات التحتية فح�سب ،ولكن بناء العقول وت�شييد الأدمغة املبدعة ،هو ال�ضامن الأكرب ال�ستمرار هذه الأم��ة يف العطاء ،ف�أبوظبي هي مهد عدد من اجلامعات وال�صروح العلمية املتميزة، �إ�ضافة �إىل م��راك��ز للدرا�سات والبحوث، والتي تتوزع على �أماكن كثرية يف الإم��ارة، وقد عملت حكومة هذه الإم��ارة على جلب ج��ام�ع��ات عاملية لكي تفتح لها ف��روع��ا يف �أبو ظبي ،كما هو حال اجلامعة الفرن�سية ال�ع��ري�ق��ة ،جامعة ال���س��ورب��ون ال�ت��ي فتحت لها ف��رع��ا يف مدينة �أب��و ظ�ب��ي ،واجلامعة املغربية العريقة جامعة حممد اخلام�س، هذا �إ�ضافة �إىل رعاية الإم��ارة للعديد من التظاهرات العاملية ،يف الثقافة والفنون واملو�سيقى وال�ت�راث ،دون �أن نن�سى الكم الهائل م��ن امل�سابقات الثقافية والأدب �ي��ة والفنية التي تزخر بها الإمارة ،وخري مثال على ذلك م�سابقتي ال�شعر �شاعر املليون، و�أم�ي�ر ال���ش�ع��راء ،وم�سابقة ال�شيخ زاي��د للكتاب ،وغ�يره��ا م��ن امل�سابقات العربية وال�ع��امل�ي��ة ،ك��ل ه��ذا وغ�ي�ره دف��ع باملطربة املغربية ك��رمي��ة ال�صقلي للقول يف ح��وار �أجريته معها يف وقت �سابق�« ،إن امل�س�ؤولني يف �أبو ظبي يعرفون ماذا يفعلون ،ويعملون ب�صدق من �أجل رد االعتبار للرتاث العربي الفني املو�سيقي والإب��داع��ي ب�شكل ع��ام»، وه��ي ��ص��ادق��ة فيما ذه�ب��ت �إل �ي��ه ،لأن �أي مثقف �أو مبدع �أو مطرب ،ال ميكن �أن يح�س بالغربة يف عا�صمة دولة الإمارات �أبو ظبي.
أبوظبي مهد لعدد من الجامعات والصروح العلمية المتميزة إضافة إلى مراكز للدراسات والبحوث الطاقة املتجددة التي تتوزع على أماكن كثيرة في اإلمارة
واح ��دة يف ه��ذه امل��دي�ن��ة ت�شعرك ب��أن��ك يف نيويورك �أو بو�سطن �أو وا�شنطن ،ول�ست يف قلب اجلزيرة العربية� ،شيء واحد يرجعك �إىل الإح�سا�س ب�أنك يف دب��ي ،هو احل��رارة املفرطة التي ت�شعر بها عندما ترتجل من ال�سيارة ،ه��ذه املدينة التي ارتبطت عند النا�س ب�أنها مدينة البنايات ال�شاهقة فقط ،هي عك�س ذل��ك ،فقد زرت املدينة الأثرية يف دبي امل�سماة جمريا ،وهي مدينة �صغرية مبنية وفق معاير تقليدية و�إماراتية �أ�صيلة ،معمارها يح�س�سك ب�أنك يف فرتة ال�ستينات من القرن املا�ضي ،هذه التحفة حتت�ضن داخلها جمموعة من امل�صنوعات التقليدية الإماراتية وغري الإماراتية وقد �صادفت و�أن��ا �أجت��ول فيها رواق��ا مغربيا، يتوفر على منتوجات تقليدية مغربية غاية يف ال��روع��ة واجل �م��ال ،وك��م ي�ب��دو امل�شهد رائعا عندما ت�شاهد برج العرب وهو يطل على هذه املدينة الأثرية ،يف تناغم تام بني املعا�صرة والأ�صالة.
�أثناء تواجدي بدولة الإمارات ،فازت �إمارة �أب��وظ�ب��ي ب�شرف احت�ضان امل�ق��ر ال��دويل، للمنظمة العاملية للطاقة املتجددة ،وهو ما �سيمكن الإم��ارات من ا�ستقطاب عدد كبري من ال�شركات واملنظمات املهتمة بالطاقات امل �ت �ج��ددة ،و�أي �� �ض��ا م��ا �سيجعل �أب ��و ظبي عا�صمة عاملية للطاقة املتجددة ،والتفكري يف م�ستقبل الطاقة يف اخلليج حتقق فيه الإم� ��ارات تقدما ك�ب�يرا ،لأن�ه��ا ت��ؤم��ن ب��أن ال�ن�ف��ط وال �غ��از الطبيعي م�صريهما �إىل النفاذ ،رغم املخزون املحرتم الذي تتوفر عليه ال��دول��ة ،لذلك وج��ب التفكري ب�شكل ج��دي وح��ا��س��م يف م�ستقبل ال��دول��ة ب��دون نفط ،و�أح�سن طريق ل�ضمان الأمن الطاقي للبالد ،هو اللجوء �إىل الطاقات املتجددة التي قطعت فيها دول��ة الإم ��ارات �أ�شواطا ك�ب�يرة ج��دا ،حتى �أن��ه يف ال�سنني القليلة املقبلة �ستكون يف الإم� ��ارات م��دن تعتمد على الطاقة امل�ت�ج��ددة ب�شكل ك��ام��ل ،دون حاجة �إىل طاقات غري متجددة ،وهنا يربز تفكري م�ستقبلي متميز يح�سب ل�ل�إم��ارات ال�شارقة ..مدينة املتاحف وللم�س�ؤولني فيها.
دبي ..تطور هائل و�أ�صالة متجذرة
املبهرة
غري بعيد عن دب��ي توجد �إم��ارة ال�شارقة، فعال فهي ا�سم على م�سمى فهي م�شرقة على ال��دوام ب�أنا�سها الطيبني وت�ساحمها الكبري ،ما �أب�ه��رين فيها هو العدد الهائل م��ن املتاحف التي ت�ت��وزع يف امل��دي�ن��ة ،ففي ال�شارقة �أك�ثر م��ن ع�شرين متحفا ،كلما دخلت �إىل �أحدها �إال وجتد التاريخ �أمامك يتكلم بلغات ك�ث�يرة ،وجت��ده��ا تتحدث عن حقب تاريخية متعددة بال�صورة وال�صوت والتحف املو�ضوعة ب�إتقان داخ��ل �صناديق زجاجية غاية يف اجل�م��ال وال��روع��ة ،وهي متاحف ال تتحدث فقط ع��ن ت��اري��خ دول��ة
دب��ي ،الأخ��ت ال�صغرى لأب��وظ�ب��ي ،املدينة العاملية ال�ت��ي ا�شتهرت يف وق��ت قيا�سي، و�أ�صبحت م��ن �أك�بر العوا�صم العاملية يف جمال الأعمال واملال ،و�أنت تقبل على دبي، ت�ستقبلك �أبراجها ال�شاهقة املالم�سة لعنان ال�سماء ،وعلى ر�أ�سها طبعا ب��رج خليفة، ال�برج ال��ذي �أب��ى ال�شيخ حممد ب��ن را�شد �آل مكتوم حاكم دب��ي� ،إال �أن يطلق عليه ا��س��م رج��ل فا�ضل ت�سلم ق�ي��ادة الإم ��ارات م��ن وال��ده العظيم ال�شيخ زاي��د� ،إن��ه �سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان رئي�س دولة الإمارات العربية املتحدة ،لقد �أبهرت دبي جولة واحدة في دبي العامل حلظة افتتاح برج خليفة ،دبي التي تشعرك بأنك في حتت�ضن مقرات كربيات ال�شركات العاملية ،نيويورك أو بوسطن أو من �إعالم و�أعمال وخدمات وغريها ،جولة
واشنطن ولست في قلب الجزيرة العربية
برج العرب يف دبي
ارتياد اآلفاق 66 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
متحف ال�شارقة للح�ضارة العربية
الإمارات العربية املتحدة ،ولكن تتجاوزه �إىل احلديث عن تاريخ ال�شرق الأو�سط ،والدول ال�ضاربة جذورها يف التاريخ ،بل �إن بع�ض املتاحف ت��ؤرخ للتاريخ الب�شري منذ ن�ش�أته �إىل الآن ،وذلك بال�صور البيانية ،والتماثيل والتحف والوثائق التاريخية املهمة ،بل �إن متحفا من بني هذه املتاحف� ،أثار �إعجابي ب�شكل كبري ،ي ��ؤرخ لوجود الأر���ض حتى ما قبل التاريخ ،والع�صور الغابرة التي عا�شت فيها خم�ل��وق��ات ان�ق��ر��ض��ت الآن ،فعندما
تقوم بجولة يف هذا املتحف العظيم حت�س وك�أنك تعي�ش هذه احلقبة ب�شكل حقيقي، لأن��ك تدخل يف متاهات وم�غ��ارات عديدة، وت�سمع �أ�صوات الدينا�صورات وغريها من احليوانات الأخرى. حدائق احليوانات يف �إم��ارة ال�شارقة لها ح�ك��اي��ة �أخ� ��رى ،ف�ق��د ا��س�ت�ط��اع��ت ال��دول��ة والإم � ��ارة احل �ف��اظ ع�ل��ى �أن� ��واع ن ��ادرة من ح �ي��وان��ات اخل�ل�ي��ج ال �ع��رب��ي ،ك��ان��ت تعي�ش يف املنطقة قبل ال��زح��ف الكبري للبنايات
روعة �شعب وعظمة قائد لقد �شاهدت روعة ال�شعب الإم��ارات��ي ،وع�شتها واكت�شفت نوعاً من النا�س غري الذي كان يف خميلتي عن �شعوب اخلليج عامة ،وقفت على عظمة عقل رجل خارق ا�سمه ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان ،وت�أكدت �أن خليفته ال�شيخ خليفة �أخذ امل�شعل من �أبيه ،وعقد العزم على اال�ستمرار يف �صناعة ق�صة جميلة ا�سمها دولة الإم��ارات العربية املتحدة ،لقد �شاهدنا بنيات حتتية غاية يف الإتقان والروعة، ور�أينا كيف ت�سود العقالنية والتدبري كل مناحي احلياة يف هذه الدولة ،زرنا دبي وال�شارقة وا�ستمتعنا كثرياً بجولة ا�ستثنائية يف هاتني الإمارتني ،وكم هي جميلة الوحدة ،فقد توحدت الإم��ارات يف دول��ة واح��دة ،وحتت راي��ة واح��دة ،فبد�أت يف �صناعة التاريخ منذ اللحظة الأوىل لإعالن قيام دولة الإمارات العربية املتحدة.
واملعامل ،مع ظهور ثورة النفط يف املنطقة، ف�ل�م��دة �ساعتني ون�ح��ن ن�ت�ج��ول يف حديقة ل�ل�ح�ي��وان��ات ،فيها الكثري م��ن احل�ي��وان��ات الفريدة يف �أنواعها ،مع تعريف واف ومف�صل عن كل ن��وع ،فرغم احل��رارة املفرطة التي تعرفها املنطقة� ،إال �أن الكثري من احليوانات كالغزالن وال�سباع وغريها ،ا�ستطاعت �أن تتكيف م��ع ح��رارة اجل��و ،وتبقى على قيد احلياة مل��دد طويلة من ال��زم��ن ،لقد كانت جولة املتاحف يف �إمارة ال�شارقة بحق رحلة يف �أعماق التاريخ ،تعرفنا فيها على العديد من احلقائق التاريخية التي كنا جنهلها، وهنا ال بد من الإ�شارة �إىل �أن �أمواال طائلة خ�ص�صت لت�شييد هذه املعامل التاريخية، وما �أعجبني كثريا و�أدخل ال�سرور �إىل قلبي، هو �أنني وج��دت يف �أح��د متاحف ال�شارقة �صورة عمالقة ل�صومعة الكتبية يف مراك�ش، و�إىل جانبها تعريف مف�صل عن ال�صومعة، والدولة التي بنتها ،و�صدق ًا و�أقولها بدون خجل ،قر�أت معلومات يف ذلك املتحف عن
الكتبية ودولة املرابطني لأول مرة �أ�سمع بها يف حياتي ،فكانت ده�شتي كبرية للغاية.
نفحة من الأ�صالة والرتاث
رغم �أن البنايات ال�شاهقة يف دولة الإمارات تعطي انطباعا على �أن الدولة ق�ضت على كل ما هو تقليدي� ،إال �أنه ال ميكن �إنكار �أن نفحة من الأ�صالة والرتاث ت�صادفك �أينما حللت وارحتلت ،ففي ال�شارقة مثال متر على ميناء �صغري يطغي عليه الطابع التقليدي، وي�ع�ط��ي ل �ل��زائ��ر �إح���س��ا��س��ا ب ��أن��ه يف ف�ترة ال�ستينات من القرن املا�ضي ،باخت�صار فدولة الإم��ارات والقائمني عليها يدركون ب�أن احلفاظ على الهوية �أمر �أ�سا�سي ،لذلك مل ت�ستهوهم الآل��ة املعا�صرة التي حت�صد الأخ�ضر والياب�س ،وتعاملوا بعقالنية مع كثري من املجاالت املتعلقة بالبناء والت�شييد وتعليم الإن�سان ،وعلى ذكر تعليم الإن�سان، فدولة الإم��ارات تتوفر على عدد غري قليل م��ن اجل��ام �ع��ات ال�ت��ي �أث�ب�ت��ت ق��وت�ه��ا ،ففي
في الشارقة أكثر من عشرين متحفا ،كلما دخلت إلى أحدها تجد التاريخ أمامك يتكلم بلغات كثيرة، وتجدها تتحدث عن حقب تاريخية متعددة بالصورة والصوت �إم��ارة ال�شارقة ،عندما تدخل �إىل املدينة اجلامعية ،ت�خ��ال نف�سك �أن��ك داخ��ل �إىل مدينة لإ�سكان النا�س ،فلمدة 20دقيقة نتجول بال�سيارة ،ونحن منر قرب الكليات التي تت�شكل منها اجلامعة ،فهناك اجلامعة الأمريكية وكلية الفنون اجلميلة ،والطب، والآداب ،وغ�يره��ا م��ن الكليات املتميزة، وكم هي �أنيقة هذه املدينة اجلامعية ،وكم هي كبرية و�شا�سعة الأط��راف ،فال غرابة فحاكم الإمارة دكتور كبري ورجل مثقف من امل�ستوى العاملي.
الرباجيل ..رمز تراثي معماري يف الإمارات
فنادق �ألف ليلة وليلة
اهلل اهلل على فنادق الإمارات ،تلك البنايات اخليالية ،تُعرف دولة الإمارات بفندق برج العرب املوجود يف دبي ،لكنها مليئة بعدد كبري من الفنادق الفخمة وامل�صنفة والتي تتجاوز الت�صنيف ،ففي �أب��و ظبي يوجد ق�صر الإم��ارات ال��ذي يلزمك للمبيت فيه م�ب��ال��غ خيالية �أو رات ��ب مل��وظ��ف متو�سط ل�سنني ،وبحق فهو �أيقونة �أب��وظ�ب��ي ،هذه الفنادق هي حتف معمارية ت�ؤكد مرة �أخرى ق��وة ه��ذه ال��دول��ة ،رغ��م �صغر م�ساحتها، حتفة �أخ��رى ه��ي فندق ب��رج ال�ع��رب ال��ذي يعرفه �أغلب النا�س ،وفندق فجرية الذي ي�صنف م��ن �أج�م��ل و�أف�خ��م ف�ن��ادق العامل،
هذه النماذج هي غي�ض من في�ض ،فدولة الإمارات حتت�ضن يف مدنها و�إمارتها �أع��دادا هائلة من الفنادق التي يفوق و�صفها اخليال ،و�آخ��ر التحف التي ج � ��اءت ب �ه��ا ه� ��ذه ال��دول��ة
ارتياد اآلفاق 68 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
�سوق ال�شارقة املركزي -طراز معماري ي�ستلهم روح احل�ضارة الإ�سالمية
العظيمة ،ه��ي ب��رج خليفة ال��ذي يعد الآن �أط ��ول ب��رج يف ال �ع��امل ،وه��و معلمة �أخ��رى ٌت �ع��رف ب��دول��ة الإم� ��ارات يف جميع �أرج ��اء الم��ارات الدنيا ،و�سيثبت دائما �أن دول��ة إ ت�شق طريقها بثبات من �أجل �أن تكون �أعظم مما هي عليه الآن.
كم يبدو المشهد رائع ًا عندما تشاهد البنايات الحديثة وهي تطل على المدن األثرية، في تناغم تام بين المعاصرة واألصالة
دول ��ة الإم�� ��ارات ال�ع��رب�ي��ة امل �ت �ح��دة ،ع��امل م���ص�غ��ر ،ف �ه��ي ت���ض��م �أغ��ل��ب اجل�ن���س�ي��ات املوجودة يف العامل ،ف��إىل جانب املواطنني الإماراتيني ،هناك جن�سيات عديدة ،فمن العمال الآ�سيويني جتد الباك�ستاين والأفغاين والفلبيني والهندي ،وغريها من جن�سيات
جنوب وو�سط �آ�سيا� ،أما اجلن�سيات العربية الم��ارات��ي بدون فهي تتواجد على ال�تراب إ ا�ستثناء ،ويكفي �أن تقوم بجولة �صغرية يف �إحدى الأ�سواق الكربى هناك ،حتى ت�سمع امل�صريني يتحدثون بلغتهم التي اكت�شفناها
جن�سيات خمتلفة .لكن م�ؤتلفة
يف امل�سل�سالت وتعرفنا عليها عن طريقها، �أم� ��ا ال �� �س��ودان �ي��ون ف �م �م �ي��زون بلبا�سهم املعروف� ،أما �إخواننا املغاربة فهم معروفون بكالمهم ب���ص��وت ع ��ال ،وقهقهاتهم هنا وهناك ،املهم كل اجلن�سيات ممثلة هناك، وحتى اجلن�سيات الأوروبية تكاد جتد �أغلبها الم��ارات ،هذه الأخرية ا�ستطاعت يف دولة إ �أن ت�ستقطب �أدمغة مميزة و�ضخمة �إليها لت�ساعدها على تطوير العديد من املجاالت التي �أثبتت �أوروبا علو كعبها فيها ،واجلميل يف هذه الف�سيف�ساء الب�شرية املتنوعة �أنها تعي�ش يف ت�سامح تام وتوا�صل دائم ،يف ظل قانون �إماراتي يخ�ضع له اجلميع دون متييز بني ه ��ؤالء و�أول�ئ��ك ،وكم هي رائعة طريقة
تعامل ال�شرطة الإماراتية مع النا�س ،فلم �أرى يف حياتي هذا النوع من ال�شرطة ،التي تكون حقا يف خدمة امل��واط�ن�ين واملقيمني على حد ال�سواء ،ما يعني ا�ستتباب الأمن وال�سالم يف هذا البلد الرائع.
�شعب عظيم وقائد خارق
ل�ق��د ��ش��اه��دت روع ��ة ال�شعب الإم ��ارات ��ي، وع�شتها واكت�شفت نوعا م��ن النا�س غري ال��ذي ك��ان يف خميلتي عن �شعوب اخلليج عامة ،وقفت على عظمة عقل رجل خارق ا�سمه ال�شيخ زاي��د بن �سلطان �آل نهيان، وت�أكدت �أن خليفته ال�شيخ خليفة �أخذ امل�شعل من �أبيه ،وعقد العزم على اال�ستمرار يف
�صناعة ق�صة جميلة ا�سمها دولة الإمارات ال�ع��رب�ي��ة امل �ت �ح��دة ،ل�ق��د ��ش��اه��دن��ا بنيات حتتية غاية يف الإت �ق��ان وال��روع��ة ،ور�أي�ن��ا كيف ت�سود العقالنية والتدبري كل مناحي احلياة يف هذه الدولة ،زرنا دبي وال�شارقة وا�ستمتعنا كثريا بجولة ا�ستثنائية يف هاتني الإم��ارت�ين ،وك��م هي جميلة ال��وح��دة ،فقد
في السنين القليلة المقبلة ستكون في اإلمارات مدن تعتمد على الطاقة المتجددة بشكل كامل ،دون حاجة إلى طاقات غير متجددة
توحدت الإم ��ارات يف دول��ة واح��دة ،وحتت راية واحدة ،فبد�أت يف �صناعة التاريخ منذ اللحظة الأوىل لإعالن قيام دولة الإمارات العربية املتحدة .قيل يل �إنك �شاهدت جزءا فقط من ق�صة ناجحة ا�سمها الإم��ارات، وفع ًال فقط هو جزء ي�سري ،لأنني مل �أمتكن من زيارة مدينة العني التي حكوا يل عنها الكثري ،ومل ت�صل رحلتي �إىل �أم القيوين والفجرية ور�أ���س اخليمة ،اللواتي �أمتنى �أن تكون يل زي��ارة �إليها يف زم��ن جميل. لقد �أبهرتني بحق ه��ذه ال��دول��ة العظيمة، التي �أح�س�ست منذ عودتي منها �أنها �أقرب البلدان العربية �إىل قلبي بعد وطني ومهد ن�ش�أتي ،اململكة املغربية
70 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
هنا ..وهناك
الدهاليز السرية للكتابة ي�شعر
الكثريون بالف�ضول نحو حرفة الكتابة ،ويتجلى هذا الف�ضول بو�ضوح يف الأ�سئلة املوجهة للكتاب والتي حت��اول ا�ستك�شاف تلك اللحظة الغام�ضة ال�ت��ي تتدفق منها الكتابة :ما هي الأج��واء التي يحيط بها الكاتب نف�سه حينما يكتب؟ وما �إذا كان هناك طقو�س بعينها يلج�أ من �أجل التهي�ؤ للكتابة؟ وهناك متعة حقيقية يف ق��راءة �شهادات الكتاب عن الكتابة ،لأنها جتعل من التل�ص�ص على الدهاليز ال�سرية لعقول املبدعني فع ًال م�شروع ًا .كما �أن�ه��ا تك�شف ��س��ر ًا� :إن الإن�سان ال�سعيد هو من ميتلك طاقة ع�شق و�شغف ،و�أن من ميتلك ال�شغف ال يفت�أ يعرث على الو�سيلة .فوراء كل حكاية من حكايات الكتاب ع�شق للكتابة وت�سخري ل�ساعات اليوم ومفرداته من �أج��ل هذا الع�شق .ا�سمحوا يل �أن �أ�صطحبكم يف جولة منتقاة يف بع�ض هذه العقول. �أتوقف �أو ًال عند جوان ديديون ،الكاتبة الأمريكية «».... - 1934 ّ «احل�ضانة»� .إنها التي حتدثت يف حوار ن�شر عام 1968عن فرتة الفرتة التي تختمر فيها احلكاية داخلها ومن بعدها تتدفق على ال��ورق� .ساعة ما قبل الع�شاء لها �أهمية خا�صة .جتل�س جوان مع ما كتبته يف ال�صباح .الليل �أف�ضل جد ًا حيث يكون قد مرت ب�ضع �ساعات على الكتابة مما �سي�سمح لها بر�ؤية �أف�ضلّ . حت�ضر م�شروبها وت �ق��ر�أ ،تكتب ملحوظات وحت��ذف مقاطع وتفكر يف بدائل .ويف ال�صباح تبد�أ تنفيذ التعديالت .تقول جوان «عندما �أكتب ال �أح��ب �أن �أ�ست�ضيف �أ�شخا�ص ًا على الع�شاء �إذ �أن هذا الأمر يفقدين تلك ال�ساعة الثمينة .لو �أنني بد�أت اليوم بب�ضع �صفحات ردي�ئ��ة مكتوبة ب��الأم����س وط��ري��ق غ��ائ��م ،ت�سوء حالتي النف�سية» .كما حتكي �أي�ض ًا �إنه عند اقرتابها من االنتهاء من رواية فهي ت�صطحب معها الن�ص يف غرفة نومها .تقول «عندما
تكتب ال ترتك كتابك بعيد ًا عنك� ،ساعتها لن يرتكك هو �أي�ض ًا». �أما الكاتب الأمريكي جاك كريواك « »1969 - 1922فقد حتدث يف حوار ن�شر عام واحد قبل وفاته عن طقو�س خا�صة به .يقول �إن��ه قد اعتاد �أن يوقد �شمعة ويكتب م�ستنري ًا ب�ضوئها ،وعند االنتهاء من الكتابة يطفئ ال�شمعة .كما �أنه يركع وي�صلي قبل الكتابة ،وقد اقتب�س هذا الطق�س من �أح��د الأف�لام الفرن�سية للمخرج جورج فردريك هاندل .وال �أعتقد هنا �أن كرواك يق�صد �صالة �سريعة ت ��ؤدى من منطلق ال��واج��ب �أو االعتياد ،بل �إنها ال�صالة التي تفتح منطقة الرتكيز وتطرد من العقل �شوائب احلياة اليومية .هنا ي�ستخدم الكاتب ال�صالة كعتبة �أوىل نحو منطقة هادئة داخله ،ومن ثم تبد�أ الكتابة. وكان معروف ًا عن الروائي الأمريكي �إرن�ست هيمنجواي «- 1899 � »1961أنه يكتب واقف ًا وقد ارتدى خف ًا منزلي ًا �شتوي ًا �أو�سع من مقا�س قدمه ،و�أمامه -على م�ستوى ال�صدر -تقف الآلة الكاتبة وبجانبها لوحة القراءة .ي�صف هيمنجواي احلالة التي يكون عليها وقت الكتابة فيقول�" :إنه عند ا�شتغاله على كتاب جديد ي�صحو مبكر ًا ،مع �أول �شق�شقة ل�ضوء ال�صباح" .املكان هادئ ج��د ًا ،لن يزعجه �أو يقاطعه �إن�سان ،واجل��و ب��ارد �أو مييل �إىل ال�برودة ،ومع الكتابة يدف أ� اجل�سد .يبد�أ بقراءة ما مت �إجنازه من كتابة ،يكتب ويتوقف عند نقطة يعرف جيد ًا ما �سيحدث بعدها� .إن��ه يعتقد �أن عليه التوقف قبل �أن ين�ضب نبع �أفكاره مت��ام� ًا ،ي�ترك القلم وه��و يعلم اخلطوة التالية ،ويق�ضي يومه كيفما يت�أتي حتى يحني موعد الكتابة يف اليوم التايل .فلو كان قد بد�أ الكتابة يف ال�ساد�سة �صباح ًا ،من املمكن �أن ي�ستمر يف الكتابة حتى الظهرية �أو ما قبلها .وعندما يتوقف يكون قد �أفرغ ما بداخله فوق الأوراق ،لكنه لن ي�صبح فارغ ًا متام ًا لأن الأفكار
د�.سحر املوجي
�ستبد�أ يف الت�سرب �إىل وع��اء عقله ببطء فيمتلئ م��رة �أخ��رى. وي�ش ّبه هيمنجواي تلك احلالة من الفراغ واالمتالء مبمار�سة احلب مع �شخ�ص نع�شقه .ال �شيء ب�إمكانه �أن ي�ؤملك ،ال �شيء يحدث ،ال �أهمية لأي �شيء حتى �صباح اليوم التايل حني يجل�س �إىل مكتبه. �إن ما ي�صفه هيمنجواي هنا هو حالة عميقة من اال�ستغراق فيما يكتب .البداية دائم ًا هي التخل�ص من �أنواع املقاطعات .وال يلبث �أن يدخل يف حالة �أ�شبه ما تكون بعالقات احلب املتوهجة حيث ال�شوق متجدد وال مكان للملل �أو الالمباالة .احلبيب دوم� ًا يف حالة �شغف ،وتلك احلالة تت�أكد مع م�ساحات ال�شوق ،ال يريد الكاتب هنا �أن يحرق احلب كله دفقة واحدة� .إنه يقنن الوقت، ويبتعد عن احلبيبة /الن�ص كي يفكر فيها /فيه .ويف ملعب اخليال ي�صبح فعل احلب /الكتابة �أكرث جما ًال و�أكرث جنون ًا. وحل��ال��ة اال�ستغراق ا�سم �آخ��ر ل��دى الكاتب ال�ي��اب��اين هاروكي م��وراك��ام��ي « ،»....- 1949فهو يطلق عليها «ال�ت�ن��ومي» .يحكي عن تلك احلالة فيقول« :عندما �أكتب رواية جديدة �أ�ستيقظ يف الرابعة �صباح ًا و�أكتب ملدة خم�س �أو �ست �ساعات .بعد الظهر �أذهب للرك�ض «ع�شرة كيلومرتات» �أو العوم « 1500مرت» و�أحيان ًا �أجمع بني الريا�ضتني� .أعود للقراءة واملو�سيقى و�أنام يف التا�سعة م�ساء� .أنا �أطبق هذا النظام يومي ًا وبدقة� .إن التكرار نف�سه هو الأمر املهم� ،إنه نوع من التنومي املغناطي�سي� .أنا �أنوم نف�سي كي �أ�صل �إىل حالة ذهنية �أعمق». واحلقيقة �أن املتتبع ل�شهادات العديد من الكتاب ي�ستطيع �أن يتبني حر�صهم على روتني يومي منظم ،وهو �أمر ال يفهمه من يعتقدون يف �أولوية الإل�ه��ام ،تلك اللحظة ال�سحرية التي ت�أتي من تلقاء نف�سها يف �أي وقت ،ومن ثم يت�ساءل ه��ؤالء :هل ت�أتي
الكتابة لأن الكاتب يجل�س على مكتبه كل ي��وم؟ الإج��اب��ة ت�أتي بالإيجاب .رمبا ال ي�ضمن الكاتب �أفكار ًا المعة ت�أتيه كل يوم يف نف�س املوعد ،لكنه يف نف�س الوقت ميهد لها الطريق ،يحاورها ويحاول ا�ستدراجها .الكاتب هنا يلعب �أالعيب ويخلق طقو�س ًا- ي�صلي ويوقد ال�شموع وينتظر �شروق ال�شم�س ويحدث الأ�شجار والع�صافري� -آمال �أن ينجح يف ا�ستدراج الإلهام .واحلقيقة �أنه كثري ًا ما ينجح .كيف ه��ذا؟ يقول الكاتب الأمريكي /الكندي ويليام جيب�سون «�إن جمرد اجللو�س �إىل املكتب وحماولتي �أن �أبد ًا كفيل ب�أن �أبد�أ كتابة بالفعل». ورمب��ا يت�ساءل البع�ض عن م��دى ج��ودة تلك الكتابة التي ت�أتي نتيجة اجللو�س �إىل املكتب .بالطبع لي�س كل هذه الأوراق املكتوبة �ستدخل �إىل املطبعة ،فالكاتب اجليد هو الذي يحذف �أكرث مما ي�ستبقي .ه��ذا م��ا ت�شري �إل�ي��ه ال�شاعرة الأمريكية مايا �أجنلو « � .»... 1928-إنها تكتب يف ال�صباح يف مكتب خارج بيتها ،ثم تعود �إىل البيت ظهر ًا لتمار�س كل مهامها اليومية وهي تدعي �أنها «طبيعية» .ترد التحيات وتهاتف الأ�صدقاء وتعد الع�شاء، لكنها طوال الوقت تفكر فيما تكتب .وعندما يخلو لها البيت يف امل�ساء تقر�أ ما كتبته يف ال�صباح .لو �أنها قد كتبت ت�سع �صفحات فاملتبقي بعد ال�شطب واحل��ذف لن يتعدى ال�صفحتني ون�صف ال�صفحة �أو الثالث �صفحات على الأك�ث�ر .تقول مايا �أجنلو: «وتلك هي اللحظة الأ�صعب� ،أن �أعرتف لنف�سي �أن هذه الكتابة وعلي �أن �أتخل�ص منها». ال ت�صلح ّ �أقر�أ ما قاله الكتاب عن الكتابة و�أفكر كم تختلف الطقو�س وكم تتعدد امل�سارات ،ويبقى ال�شغف هو الطاقة التي تدفع الكاتب دوم ًا �إىل حيث يلتقي مع الأوراق البي�ضاء .ال�شغف يليه متعة اخللق اجلديد ،ومن �أجل اكتمال الرحلة بني ال�شغف واخللق يحفر كل منا طريق ًا يخ�صه.
هنا ..وهناك
المحكي شعر ًا 72 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
املحكي�شعرا ً ملف ال�شعر ال�شعبي
ينتقي لشعره زبد َة الكالم
الشاعر «بن صنقور » .. ذاكرة ثقافية تراثية ألحداث اإلمارات لثمانين عام ًا د .را�شد �أحمد املزروعي ولد ال�شاعر حممد بن �صقر بن جمعة يف منطقة «لي َم َحه» الواقعة يف بر �أم القيوين من الناحية ال�شمالية ال�شرقية ،يف حوايل عام 1920م تقريباً ،لأبٍ يدعى �صقر بن جمعة �أو «�صنقور» ،وهو اال�سم الذي ا�شتهر به والذي ن�سب �إليه ابنه �أي�ضاً وهو �شاعرنا ف�صار يك ّنى با�سم «بن �صنقور» ،عا�ش �شاعرنا يف بادية �إمارة �أم القيوين وذلك يف بداية حياته ،ومت ّر�س يف حياة البداوة وركوب الإبل والقن�ص ومرافقة الرجال ،حتى كرب فان�ضم �إىل مرافقي املرحوم ال�شيخ �أحمد بن را�شد املعال حاكم �أم القيوين الأ�سبق .وقد ما َر َ�س �شاعرنا نقل «الچريات» �أول الأمر، �أي نقل امل�صطافني على ظهور الإبل �إىل مناطق الواحات الزراعية كفلج املعال والباطنة بعمان وغريها .ثم ان�ضم بعد ذلك �إىل عمليات الغو�ص على الل�ؤل�ؤ ملو�سم �أو مو�سمني ،وكان ذلك يف الأربعينيات من القرن املا�ضي كبقية �أبناء الإمارات الآخرين يومذاك.
عا�ش �شاعرنا �أي��ام � ًا �صعبة يف بداية حياته� ،إال �أن��ه ومب��ا ك��ان يتمتع به من �صفات رجولية بارزة و�شخ�صي ٍة ّ جذاب ٍة وط�ي�ب� ٍة و�أخ�ل�اقٍ ع��ال�ي� ٍة ،فقد اكت�سب احرتام اجلميع ،وقد تع ّلق بال�سفر منذ �صباه ،كما �أ�صبح �شاعر ًا مفوه ًا ي�شار �إليه بالبنان ،وكان يومذاك ما يزال يف �أول �شبابه ،خا�صة و�أنه كان يعي�ش يف �إم��ارة �أم القيوين التي كانت حتت�ضن معظم ال�شعراء يف ذلك الوقت� ،أمثال ال�شاعر را�شد بن مكتوم ،وال�شاعرة �آمنة بنت ح�سن ،وه��ي وال��دة ال�شاعر �أح �م��د ب��ن دري ����س ،وال���ش��اع��ر ه��دوب، وال�شاعر ال�ش ّمام ،وال�شاعر عبد اهلل باملر ،وال�شاعر حممد بن علي الكو�س، وال�شاعر عي�سى بن �شقوي ،وال�شاعر خليفة بو عويا ،وال�شاعر �شبري وال�شاعر عبد اهلل بن عمري بن ح�ضروم الغفلي، ووال� ��ده ال���ش��اع��ر ع�م�ير ب��ن ح���ض��روم. وقد ت�شاكى مع معظم �أولئك ال�شعراء، مم��ا زاد م��ن �صقل موهبته ال�شعرية و�أ�صبحت ق�صائده على كل ل�سان يف ذلك الوقت .ويف منت�صف الأربعينيات، انتقل �شاعرنا من �أم القيوين �إىل دبي وان�ضم �إىل مرافقي امل��رح��وم ال�شيخ �سعيد بن مكتوم حاكم دب��ي الأ�سبق، ثم عمل مع املرحوم ال�شيخ را�شد بن �سعيد .وق��د ت��زوج ه�ن��اك وا�ستقر يف جمريا و�أجنب عدد ًا من البنني والبنات �أطال اهلل يف �أعمارهم. ُي�� َع��د � �ش��اع � ُرن��ا حم �م��د ب��ن ��ص�ق��ر من كبار �شعراء النبط يف الإم��ارات ،وهو �أي���ض� ًا �أك�بره��م �سن ًا� ،إذ ي�ق� ّدر عمره بت�سعني عام ًا ،لذا فقد عا�صر �-أطال اهلل يف ع �م��ره -احل �ي��اة يف الإم� ��ارات منذ الع�شرينيات عندما كانت حتت طي الن�سيان ،م��رور ًا ب�سنوات الغو�ص و�سنوات انهيار الل�ؤل�ؤ وما �أعقبهما من
يعد ابن صنقور من كبار شعراء النبط في اإلمارات وهو أكبرهم سن ًا عاصر تحوالت الحياة في الدولةمنذالعشرينيات وكان شاهد ًا على مراحلنهضتها
فقر وفاقة عمت الإم��ارات ،ثم احلياة حت��ت اال�ستعمار ال�بري�ط��اين� ،إىل �أن ابتد�أت الإم��ارات تتط ّور �شيئ ًا ف�شيئ ًا، ثم قيام دولة الإمارات العربية املتحدة يف نهاية عام 1971م ،لذا ُيع ّد �شاعرنا خمزون ًا ثقافي ًا وتراثي ًا وتاريخي ًا جلميع الأحداث التي م ّرت على الإمارات منذ ثمانني عام ًا تقريب ًا. كان �شاعرنا ع�ضو ًا يف جمل�س �شعراء ت �ل �ف��زي��ون دب� ��ي ،م ��ع ك �ب��ار ال �� �ش �ع��راء �أمثال اجلمري والهاملي وبن �سوقات وغريهم ،وقد ظل هناك حتى بدايات الت�سعينيات م��ن ال�ق��رن امل��ا��ض��ي ،وملا
طرق ابن صنقور معظم أبواب الشعر النبطي كالغزل والمديح والشكاوى واالجتماعيات وأجاد الردح والونة واشتهر بالقصائد المربوعة والمثلوثة
��س��أل�ت��ه ع��ن �سبب ت��رك��ه املجل�س ق��ال يل باحلرف الواحد�« :إن��ه لي�س هناك حالوة لل�شعر بعد اجلمري والهاملي»، وامل�ق���ص��ود امل��رح��وم �أح�م��د ب��ن خليفة الهاملي من دبي. ت�شاكى �شاعرنا حممد ب��ن �صقر مع م�ع�ظ��م � �ش �ع��راء الإم � ��ارات ال �ق��دام��ى، وكذلك مع �صاحب ال�سمو ال�شيخ حممد ب��ن را��ش��د �آل مكتوم ،كما ت�شاكى مع امل��رح��وم ال�شاعر عبد اهلل ب��ن عامر ال�ف�لا��س��ي وذل ��ك خ�ل�ال ال�سبعينيات املا�ضية. ويتميز �أ�سلوب �شاعرنا حممد بن �صقر باجلزالة وح�سن ال�صياغة ،فهو يختار الكلمات اجلميلة يف �شعره ،بل وينتقي زبدة التعابري والكلمات ،فيخرجها على هيئة ق�صائد عذبة جميلة .واملتم ّعن يف يح�س بذلك ح�ين قراءتها. ق�صائده ّ وقد طرق �شاعرنا معظم �أبواب ال�شعر النبطي ،مثل الغزل واملديح وال�شكاوى واالجتماعيات .ومعظم ق�صائده �أتت ب�أ�سلوب ال ��ردح ،وال��و ّن��ه ،وقليل منها ب�أ�سلوب املقاالت .كما ا�شتهر بالق�صائد املربوعة واملثلوثة وهي الأ�ساليب املم ّيزة لديه .يعي�ش �شاعرنا حالي ًا مع �أبنائه يف منطقة جمريا بدبي ،وقد طعن يف ال�سن كثري ًا ،ويق�ضي وقته بني عزبة جماله يف «ند ال�شبا» بدبي ،وبني منزله يف جمريا، وهو ما زال ير ّدد �أ�شعاره القدمية التي ي�ت��ذ ّك��ر معظمها ،كما ي��ردد يف بع�ض الأحيان بع�ض الأ�شعار اجلديدة ،مثل الق�صيدة التي قالها حديث ًا يف �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان رئي�س الدولة «حفظه اهلل»� ،أطال اهلل يف عمر �شاعرنا ،وه ّيا بنا جميع ًا ن�ستمتع مبختارات م��ن ق�صائده التي �صدرت �أخ�يرا يف دي��وان �ضمن �إ��ص��دارات بيت ال�شعر يف �أبوظبي .
المحكي شعر ًا 74 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
عاشت اإلمارات هذه الق�صيدة قالها �شاعرنا يف وطنه الإمارات بقيادة �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان رئي�س الدولة حفظه اهلل :
ع ��ا�� �ش ��ت الإم� � � � � � ��ارات وي� ��� �س� �ل ��م ر ّي� � �� � ��س ال� ��دول� ��ه وع � � � ��ا� � � � ��ش احت � � � � � � ��اد ان � � � � �ع � � � � �دّه ع � � � � � � ّد ْ جل � � �ي� � ��ايل اهلل ي � ��رح � � �م � ��ه م� � � ��ن ذا �� � � �ص � � ��ار م� �ف� �ع ��ول ��ه يل ّ مل � � �ش � �م� ��ل �إحت � � � � � � ��اد وخ� � � � ّل � � ��ف ا ْرج� � � � � ��ايل ت � � �ع � � ��اه � � ��د ْوا ع � �ه� ��د ع� � � � � ّد ا� � ْ��س� � �ن �ي��ن م � � ْدب� ��ول� ��ه زاي� � � � � � ��د ورا� � � � � �ش� � � � ��د رح � � �م � � �ه � ��م رب � � � � ��ي ال � � �ع � ��ايل �إ ْل� � � �ه � � ��م ك � �ل � ��ا ٍم �� �َ�س � � ْم � �ع � � َت� ��ه م� � ��اح � � � ّد ا ْي � �ق� ��ول� ��ه رف � � � � ��رف ع� �ل� �م� �ه ��م وع� � �ل� � � ّ ا يف ال � �� � �س � �م� ��ا ع� ��ايل خ � � � ّل� � ��وا الإم � � � � � � � � ��ارات ت � �ب � �ق ��ى دوم م ��ا�� �س ��ول ��ه ي � � ��ا دي � � � � � � ��ر ٍة ك � � ��د ب � � ��داه � � ��ا اخل � � �ط� � ��ف زل� � � � ��زايل ر زاد حم� ��� �ص ��ول ��ه �� � �س � ��اق � ��وا ل � �ه� ��ا م � � ��ن ك� � �ث �ي � ٍ وا�� � � �س � � ��م الإم � � � � � � � � � ��ارات خ� � � � ّل � � ��وا رم � � � ��ز ل � � ْه �ل��ايل م � � � ّن � ��ي ر�� � �س � ��ال � ��ه ل � �ب � ��و � � �س � �ل � �ط� ��ان م ��ر�� �س ��ول ��ه دام � � � � ��ت ح � �ي� ��ات� ��ه وي � �ب � �ق� ��ى ال� � ��ر ّي � � ��� � ��س ال � �غ� ��ايل وال� � �ن � ��اي � ��ب ال � � � ّل � ��ي ع� ��� �ض� �ي ��ده ق � ��رب � ��ه وح� ��ول� ��ه حم � �م� ��د ح� �م� �ي ��د ال � � � � ��راي يل م � ��ا ل � ��ه �أم � �ث � ��ايل ي � �ع ��ل احل � �� � �س� ��ود �إيل ح� ��� �ض ��ر ر ّب � � � ��ي ا ْي � ��زول � ��ه وت� ��� �س� �ل ��م الإم� � � � � � � � ��ارات م� � ��ن ع � ��وف �ي��ن ل� � ْف� �ع ��ايل و�أه � � �ل � � � ً ا ب� �ع� �ي ��د ال � ��وط � ��ن ي � ��اح � � ّ�ي ب� � ْو�� �ص ��ول ��ه ع � � � ّم� � ��ت الإم� � � � � � � � � ��ارات ف� � ��رح� � ��ة وال � � � �ك� � � ��در زايل ْ واخ � � �ت � � �م� � ��ت ج � �ي � �ل ��ي ع � � � ��دد م � � ��ا مت م� �ف� �ع ��ول ��ه و�أل � � � � � � ٍ�ف �أ�� � �ص� � � ّل � ��ي ع � �ل� ��ى ط� � ��ه ال � �ن � �ب� ��ي ال� � � ��وايل
المحكي شعر ًا 76 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
قصيدة البعير هذه الق�صيدة من نوع املربوعة وهي من ق�صائده القدمية جداً وقد قالها يف عام 1945تقريباً ،عندما كان يف الباطنه بعمان يق�ضي �شهور ال�صيف ،وقد عزم على الرجوع �إىل بالده �أم القيوين على ظهر ذلك البعري .وقد و�صف �سريه على جمله بالتف�صيل فمدح جمله وم ّر به على طريق القوافل القدمي من الباطنه �إىل املناطق الو�سطى يف الإمارات .ويذكر ا�سم جمله يف الق�صيدة وهو «م�صيحان» .كما خ�صه بالتحية: يذكر يف الق�صيدة ال�شيخ علي بن را�شد املعال �شقيق احلاكم الذي ّ
ه � � � � � � � � � � � � � � ّ�ب يل ذع � � � � � � � � � � � � � ��ذاع
م � � � � � � ��ن ط � � � � � � � � � � � ��روف ال � � � � �ف� � � � ��اع
ذ ّك � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر امل� � � � � ��� � � � � �ش� � � � � �ت � � � � ��اق
يل ي � � � � � � �خ � � �ب � � ��ر ول� � � � � �ي � � � � ��ف
ذك� � � � � � � � � � � � � � � ��ر امل � � � � � �� � � � � � �ش � � � � � �ت� � � � � ��اق
يل ع� � � � � � � �ن � � � � � � ��ده اوث � � � � � � � � � � � ��اق
ا ْي� � � � � � � �ت� � � � � � � �ل � � � � � � ��ت ل � � � � � � � � ْع� � � � � � � ��واق
وه� � � � � � � �م � � � � � � ��وم � � � � � � ��ي ت � � �ه � � �ي � � ��ف
خ � � � � � � � � ّف� � � � � � � ��اق
يل �� � � � � � �س � � �ي� � ��ره ا�� � � � �ش� � � � �ف � � � ��اق
ان خ � � � � �ط� � � � ��ا «راف � � � � � � � � � � � � � ��اق»
ع � � � � � � � ّي� � � � � � ��ل ب � � ��ال � � �� � � �ص � � �ف � � �ي � � ��ف
ان �� � � � � � �ض � � � � � ��رب ْ حل � � � � � � � � � ��زوم
يف �� � � � � � � � �س � � � �ي� � � ��ره ه � � � � �م� � � � ��وم
وان ن� � � � � �ظ � � � � ��رت � � � � ��ه ق� � �ل � ��ت
ج� � � � � � � � � � � � � ��ازي م � � � � � � � ��ن ن � � �ك � � �ي� � ��ف
م� � � � � ْن� � � � �ح� � � � �ن � � � ��ي م ال� � � � � � � � � ��زور
م � � � � � � � ��ا �� � � � � � � � �س� � � � � � � � � ّوى غ � � � � � � � ��دور
وان خ � � �ط� � ��ف ع «ال � � � �ق � � � ��ور»
ك � � � � � � � � ّن� � � � � � � ��ه م � � �� � � �س � � �ت � � �خ � � �ي� � ��ف
ع � � � � � � � � � ّي� � � � � � � � ��ل امل � � � � � � �� � � � � � � �س� � � � � � ��راح
وف � � � � �ي � � � ��ه � � � � � �س � �ي� ��ره ان � � �� � � �س� � ��اح
� � � � �ش � � � ��ا امل � � � � �ط � � � � ��ل وان الح
� � � � �ش � � � � ّي� � � ��ب ه� � � � � ��ل «غ� � � � ��ري� � � � ��ف»
وان غ� � � � � ��دف ع «و�� � � � �ش � � � ��اح»
ب � � � � � � � � � � ْي � � � � �ّب � � � ��رّ ب � � � � � ْن � � � � �� � � � � �ص� � � � ��اح
امل� � � � � � � � � � � � � � �غ� � � � � � � � � � � � � � � ّرد � � � � � � �ص � � � � � ��اح
وي � � � � � � � � � ��زاغ � � � � � � � � � ��ي ال� � � � � ��ري� � � � � ��ف
ر ّد
يل
ان ع � � � � ��رف� � � � � �ه � � � � ��ا ال � � � � � � � � � ��دار
ب � � � � � � � � � ْي� � � � � � � � ��زي� � � � � � � � ��د امل � � � � � � � �غ� � � � � � � ��ار
وق� � � � ��ال� � � � ��وا �أه � � � � � � ��ل «ال � � � ��ذي � � � ��د»
ذا م � � � � � � ��ال � � � � � � ��ه و� � � � �ص � � � �ي� � � ��ف
� � � � � � �ش� � � � � ��ا ح � � � � � � � � � � � � ّر ل� � � � � � � � ْوك � � � � � � ��ار
وان ي � � � � � � � � � � ��اه ال � � � � �ن � � � � �ه� � � � ��ار
ي � � � � �ط � � � � �ل � � � ��ع ال � � � � �� � � � � �ص � � � � �ي� � � � ��دات
ي � � � � � � � ّل � � � � � � ��ي يف ال� � � �چ� � � �ف� � � �ي � � ��ف
� � � � � � �ش � � � � ��وف � � � � ��ه م � � � � � � � ��ن ب � � �ع � � �ي� � ��د
ي � � � � � � � � � � � � �ف � � � � � � � � � � � � � ّرح � � � � �س � � � �ع � � � �ي � � � ��د
وان رك� � � � � � �ب � � � � � ��ت �إي � � � � �ل� � � � ��اه
يف ال � � � � � � � � � �ث � � � � � � � � ��وره خ � � �ف � � �ي � ��ف
ب� � � � �� � � ْ� ��ش� � � � �ه � � � ��د م � � �� � � �ص � � �ي � � �ح� � ��ان
يل غ � � � � � � � � � � � � � ��ايل اث � � � � � � �م� � � � � � ��ان
� ْأخ � � � � � � � � � �َي� � � � � � � � � ��رَ ال � � � � � �ع� � � � � ��رب� � � � � ��ان
ت� � � � ��رم � � � � ��� � � � ��س ب� � ��ال � � �ن � � �� � � �ص � � �ي� � ��ف
ح � � � � � � � � � � � ْ�ي ذاك ال � � � � � �ط � � � � ��ور
م� � � � � � � � � � ��ا ظ � � � � � � � � � ّن� � � � � � � � ��ي ي� � � � � �ب � � � � ��ور
� � � � �ش� � � ��ا امل � � � � �ط� � � � ��ل يف ال � � � �ك� � � ��ور
ع � � � � � � � ��ن غ� � � � � �� � � �ّ � ��ش � � � � ��ه ن � � �ظ � � �ي� � ��ف
وان ط � � � � � � � ��اح امل � � �� � � �س � � �ح � � ��اب
زاغ � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��اه ال � � � � �� � � � � �ش � � � � �ب� � � � ��اب
م ال � � � � �ع � � � � �� � � � � �ص � � � ��ا ي� � � �ه� � � �ت � � ��اب
ل� � � � � � � � � ��و ف � � � � � � � ��وق � � � � � � � ��ه ردي� � � � � � � � � ��ف
ي � � � �� � � � �ش � � � �ب� � � ��ه ال � � � � �� � � � � �س� � � � � ّ�ح� � � � ��اب
ي� � � � � � � � � ّل � � � � � � � ��ي يف احل � � � � � � �ي � � � � � ��اب
ال � � � � � � � � �لَ � � � � � � � � � َي � � � � � � � � � ْد ن � � � � ��� � � ّ� ��ش� � � � ��اب
وت � � � � � � � � �� � � � � � � � � �س � � � � � � � � � ّوي وح � � � � �ي� � � � ��ف
ع� � � � � � � � � � ّي � � � � � � � � ��ل ب � � � � ��امل � � � � � �� � � � � � �ش � � � � ��ام
وان� � � � � ��� � � � � �ص � � � � ��ى ل� �ل ��اح� � � ��� � � �ش � � ��ام
ب � � � � � � � � � � ّل� � � � � � � � � ��غ يل � � � � � � �س� � �ل� � ��ام
ع � � � � � � � �ش � � � � � � �ي� � � � � � � ٍ�خ ع� � � �ف� � � �ي � � ��ف
ان � � � � � �� � � � � � �ص� � � � � ��ى ب � � � � � � � ��و ح � � �� � � �س� � ��ن
وارم � � � � � � � � � ��� � � � � � � � � ��س ب � � � ��ال � � � ��ذه � � � ��ن
وازن � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ه ب � � � � � � ��امل � � � � � � ��ن
واحل � � � � � � � � �ك� � � � � � � � ��ي ال� � � �ن� � � �ظ� � � �ي � � ��ف
المحكي شعر ًا 78 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
س دار ال َ ه َو ْ دار ال � � � َه � � � َو�� � � ْ�س يف خ � ��اط � ��ري وا ْب� ��دي � �ت� ��ه وا ْب � � � � � � ��دع م � �ث� ��اي� ��ل يف ال � � � � ��ذي خ �� ّ��ص �ي �ت ��ه �� �ش� �ف� �ت ��ه و َب� � � �� � � �ّ�ش ال � �ق � �ل� ��ب م� � ��ن ت��رح �ي �ب��ه � � � �س� � ��اع� � ��ة ل � �ف � �ي � �ن� ��ا ي � � � ��ا ع � � �ل� � ��ي يف ب� �ي� �ت ��ه محَ ْ � � � �ل � � ��ا م� � � �ع � � ��اين م� � �ل� � �ت� � �ق � ��اه وط � �ي � �ب� ��ه وال � � �� � � �س � � � ْم � � ��تْ وامل� � � � ��اي� � � � ��وب ي � � � ّل � � ��ي ري � �ت� ��ه ي � � ْع � �� � �ش � �ي� ��ك يف ل� � �ي � ��ل ال � � ��دج � � ��ا ب� � � � ْن � � ��واره واخل � � � � � � � � � � � ّد ب � � � � � � � � � � � � � ّراقٍ ي � �ل� ��ام � � � ��ع ل � �ي � �ت� ��ه وال � � �ع � � �ن � ��ق ع� � �ن � ��ق ال � �� � �س� ��ول � �ع� ��ي يف داره �إن َخ � � � � � ْز ف � �ي� ��ك ب � �ع�ي��ن ع � �ق� ��ب ْام� �ب� �ي� �ت ��ه م � � ��ا ب � � � ّي� � ��ح ب� � � �� � � َ��س� � � �دّه وال ب � � � ��أ�� � ْ� ��س � � � � َراره وال � � � � ّل � � � ��ي ع� � �ل � ��ى � � �ش � �ك � �ل� ��ه �أن� � � � � ��ا م� ��اري � �ت� ��ه امل � � � � ��دح يف «ع� � �ل� � �ي � ��ا» م � � ��اه � � ��وب خ � �� � �س� ��اره وامل� � � � � � � � � ��دح ف � � �ي � � �ه � ��ا وامل � � � � � � َث� � � � � ��ل ع � � � ّدي � � �ت � ��ه و ّدي �أل� � � � � ��و َف� � � � � ��ه ك � � � ��ل ي� � � � � ��وم ْزي � � � � � � ��اره جم� � �ل� � ��� � �س � ��ه و إ� ّال زي� � � � � � � � ��ارة ب� �ي� �ت ��ه يف ْ
يا طير يوم ْتنادي هذه و ّنة من نوع املثلوثة وقد غ ّنى بها «�ش ّله» امام ال�شيخ زايد رحمه اهلل يف ق�صره باملغرب كما يذكر ،يقول فيها:
ي � ��ا ط �ي��ر ي� � � ��وم ْت � �ن� ��ادي
و ْت � � � � �غ � � � � � ّن� � � � ��ي
ع� � �ل � ��ى ط � � � � ��رف ل � � ْف � �ن � ��ون
� �ص��وت��ك ف �ج��ع ل� � ْف ��وادي
وامحْ � � � � � ّن� � � � ��ي
وا ْدع� � � � ��ا ِن � � � � � َي� � � � ��ه مم � �ح� ��ون
غ� � ّث� �ي� �ت� �ن ��ي يف ا ْرق � � � � ��ادي
خ � � � � � � ْز ع� � � ّن � ��ي
م � ��اغ� � � ّم� � ��� � �ض � ��ت ل � � ْع � �ي� ��ون
ال � �ل � �ي � ��ل ط� � ��ول� � ��ه زادي
م � � � � ��ا ظ � � � ّن� � ��ي
ع � � ��وق امل� ��ري � ��� ��ض ا ْي � �ه� ��ون
ط� ��اي� ��ح ع� �ل ��ى ل � � ْو� � �س ��ادي
وا ون � � � �ـ�ّ � � ��ي
وال � � �ن� � ��ا�� � ��س م � � ��ا ي � � � ��درون
واخْ � �ف ��ي ع ��ن احل ��� ّ�س��ادي
ب � � ��ال� � � �ف� � � � ّن � � ��ي
م � � � � ��ا ب� � � � � ّي � � � ��ح امل � � �ك � � �ن� � ��ون
وادرى م� ��ن ل� ��ه ودادي
واث� � � � � � � � ّن � � � � � � ��ي
وا ْراع� � � � � � � � � � ��ي امل � �� � �ض � �م� ��ون
يل يف ال�ضمري ا ْي���س��ادي
م� � � � ْل� � � �ه� � � � ّن � � ��ي
ب� � � � ��و ي � � � � � � � � ��ادلٍ م � � ��ده � � ��ون
م� ��ا ت��رخ �� �ص��ه ل � � ْزه� ��ادي
خ� � � � � ��ذْ م � � ّن� ��ي
ل � � ��ه ب� ��ال � �ع � �ه� ��د م � ��اخ � ��ون
ي � � ��ا ك� � ��ات� � ��ب ب � � ��امل � � ��دادي
ك � � � � ��ن ع� � � ّن � ��ي
خ � � ��ط ال� � �ق� � �ل � ��م ب� � ��ذْ ه� � ��ون
ب � ��ي م � ��ن ع� �ن ��ه ن� �� � ّ�ش ��ادي
ل� � � � � �ك� � � � � � ّن � � � � ��ي
م� � ��ا� � � �ش� � ��وف دون� � � � � ��ه دون
ل� � ��و ح� � ��ازت� � ��ه ل � � ْب � �ع� ��ادي
ب� � � � ��اع � � � � � ّن� � � � ��ي
ل� � � ��ه ط � � � ��ار� � � � ٍ��ش م � ��ام � ��ون
� � � �س �ل ��ام ي � � ��ا ق� � �� �ّ ��ص � ��ادي
ل� � � � � ��ه م � � � ّن� � ��ي
ف � �ي� ��ه ال � � �ه� � ��زر م �� �ض �م��ون
ّ مت� � � ��ت ع� � � ��دد ل� � ْن� ��� �ش ��ادي
ب� � ��ال � � �ظ � � � ّن� � ��ي
ف� ��ر�� ��ض و� � �ص�ل��اة ا ْت � �ك� ��ون
80
روزنة
روزنة
الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
التراث في فكر المؤسس الباني �أطل
�سرور خليفة الكعبي
عليكم اليوم لأق��ر�أ لكم وريقات م��ن روزن �ت��ي وال�ت��ي حت��وي �شيئا نزرا من فكر امل�ؤ�س�س الباين املغفور له ب�إذن اهلل تعاىل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان طيب اهلل ثراه ،وما �شكله الرتاث له ك�أ�سلوب حياة بلورت مرتكزات فكره رحمه اهلل ،والتي بنى بها دولة ناف�ست كربيات الدول التي �سبقتها مبئات ال�سنني بعد �أن كادت تختفي حتت كثبان الرمال التي ما فت�أت تزحف عليها من كل اجتاه. ال�ت�راث يف فكر امل��ؤ��س����س ال �ب��اين ك��ان ركيزة �أ�سا�سية منبعها الإمي��ان العميق ب�أن املا�ضي هو ا�سا�س احلا�ضر ال��ذي ي�ستمد منه ق��وة البقاء والإ�ستمرار،فلوال املا�ضي ال ميكن �أن يقدر الإن�سان قيمة احلا�ضر الأف�ضل،فلم تكن مقولته اخلالدة « من لي�س له ما�ض لي�س له حا�ضر �أو م�ستقبل» جمرد حديث �سيا�سي من رجل ال�سيا�سة الأول يف الدولة،ولكنها املرتكزات الأ�سا�سية التي يحيا وففها وي�ؤمن بها،فكان املا�ضي الذي عا�شة رحمه اهلل بكامل تفا�صيله وخرب جميع ال�صعوبات التي واجهها �شعبه على مر الأيام،املدر�سة الكربى التي تعلم منها رحمه اهلل علوما ال ت�ستطيع �أرقى جامعات العامل يف وقتنا احل��ايل �أن تزرعه يف نفو�س طلبتها �أو تقدمه كمادة علمية تدر�س،فكان �أن ن�ش�أ التقدير الكبري للمروث ال�شعبي الذي �أجله القائد امل�ؤ�س�س و�أفرد له م�ساحة وا�سعة من الإهتمامال�شخ�صيوالر�سمي. ومل يقت�صر الإهتمام باملوروث يف فكر امل�ؤ�س�س الباين رحمة اهلل تعاىل على اجلانب البدوي
فقط �أو احل�ضري وال��زراع��ة �أو البحري دون غريه،ولكنه �شمل كل هذه النواحي احلياتية من تاريخ دولة الإمارات العربية املتحدة،فحر�ص على املحافظة عليها من الإندثار والعمل على غر�سها قيما ومثال عليا يف نفو�س الأبناء لكي ال ين�سوا ما كان عليه الآباء،ومبا يخدم واقعهم وحا�ضرهم الذي حتا�صره املادية والتقنيات احلديثة،والتي �أكد رحمه اهلل �أنها لي�ست بال�ضرورة �سببا لن�سان املا�ضي �أو التربي منه. ومنذ ن�ش�أته الأوىل عرف عنه رحمه اهلل بنظرته الثاقبه �أن ذلك الوقت وما يكتنفه من مظاهر ل�شتى �أن��واع احلياة �سائر �إىل تغيري ج��ذري ال ميكن �إيقافه مبا حتمله بدايات احل�ضارة التي �شهدها تتقدم بثبات نحو ب�لاده،يف حني كانت نف�سه الطموحة �إىل تقدمي كل ما �شاهده يف بلدان العامل كالهند وبريطانيا و�أمريكا يف الأربعينات واخلم�سينات م��ن ال�ق��رن املا�ضي،لبالده لكي ينعم �أهله بالرخاء والنعم التي وجدها يف تلك الدول،ولكنه ر�أي �أن هذا التقدم وتلك احل�ضارة الآت �ي��ه �سيكون لها ال��وق��ع ال�سيء على ال�تراث وامل��وروث �إن مل يتم الإنتباه �إليه يف وقت مبكر جدا،فحر�ص على �أن يدعمه باحلفاظ علية يف �شتىالنواحي. والزائر اليوم �إىل ق�صر العني،وهو منزله رحمه اهلل والذي حتول �إىل متحف يحكى ع�شق القائد اخلالد ل�ل�تراث،وال��ذي حر�ص على الإحتفاظ بكل مقتنيات منزله يف تلك الفرتة ال�ضاربة يف الأ�صالة،من �أثاث وحتف وفر�ش ليقول لأوالده �أوال
ثم لل�شعب �أن هذا ما كنا عليه ليقدروا ما �أ�صبحنا عليه الآن. �إن ع�شق الرتاث يف نف�س امل�ؤ�س�س الباين رحمه اهلل �شعور �أكدته ممار�ساته احلياتية العادية،فعرف عنه �أن��ه ك��ان رج�لا ب��دوي��ا مل تغريه احل�ضاره واملدنية ومل تنل من مرتكزاته الثقافيه،فلم يزل كعادته ي�ستتقبل �ضيوفه ويودعهم ويعامل النا�س مبا فيهم ال�سا�سه والقادة بنف�س الروح والعادات والتقاليد البدوية الأ�صيلة،فلم يكن يحتاج لوثيقه لكي يرب بوعد ققطعة كما مل يكن ليوارب احلقائق كما يفعل ال�سا�سه،يف حني �شهد العامل �سجيته وطبيعته الغري متكلفة يف مقابالته امل�سجله مع ال�سا�سة والقادة الذي كان يعتمد عليهم يف تنفيذ خطط التطوير يف بالده والذي ما يفت�أ �أن يذكرهم بالتم�سك بالعادات وعدم ن�سيان الأ�صول التي ارتكزت عليها دولة الإمارات العربية املتحدة و��ض��رورة �إح�ت�رام ال�ت�راث وال �ع��ادات والتقاليد اخلا�صة التي ال ميكن امل�سا�س بها �أو �إهمالها. وم��ن ه��ذا املنطلق ك��ان��ت امل�سابقات الرتاثية واملهرجانات التي رعاها بنف�سه وب��ذل عليها ال�ك�ث�ير م��ن اجل �ه��د وامل� ��ال ل��دف��ع ال �ن��ا���س �إىل الإهتمام بالرتاث املحلي،كما �ساهم يف حتمل التكلفة امل��ادي��ة امل�صاحبه لذلك فوجه بقيام دوائ ��ر ال��زراع��ة بتقدمي ال��دع��م ملربي املا�شية وكذلك للمزارعني،و�إن�شاء م�ست�شفيات البيطرة يف كل مكان للمحافظة على ال�سالالت ومعاجلة الأم��را���ض التي قد تتف�شى يف القطعان،ويذلك �أ�صبحت املناف�سات وال�سباقات اخلا�صة بالهجن واخليل من �أكرث ما ي�شد املواطننب على ممار�ستها وذلكبف�ضلجهودالقائدامل�ؤ�س�سونظرتهالثاقبه وحكمته يف املحافظة على الرتاث. ولقد تعدى حر�ص زايد بن �سلطان �آل نهيان – رحمه اهلل حر�صه على ال�تراث ذلك كله،فنقل الإهتمام بالرتاث �إىل امل�ستوى العاملي،فبالإ�ضافة
�إىل تقدمي امل�سابقات الرتاثية �إىل العامل عرب برامج �إعالمية مدرو�سة ودعوة ممثلى الهيئات الدبلوما�سية وال� ��زوار الإج��ان��ب حل�ضور تلك املناف�سات�،إ�ضافة �إىل تقدمي اجلوائز املادية للجماهري،فقد حر�ص زاي��د على نقل ال�تراث الإم��ارات��ي �إىل ال��دول اخلارجية،وكان �أكرثها �إقامة �سباق الهجن الرتاثي والذي حمل �إ�سمه يف �إ�سرتاليا والذي يقام �سنوبا وتقدم الدوله جوائز م�سابقاته. �إن تعداد م�آثر امل�ؤ�س�س الباين يف جمال الرتاث ال ميكن �أن حت�صى يف مقال واحد،ولكن �إرجاع الف�ضل لأهله هو �أقل ما ميكن �أن نقدمه ك�شكر لهم على ما �سهروا وبذلوا الغايل والنفي�س من �أجل املحافظة عليه،يف وقت كان اجلميع ممن حولهم ي�شككون يف �أهمية ذلك �أو ما قد ي�سهم فيه،و يف �أحيان كثرية كان الإنتقاد بتبديد الرثوة على ما ال طائل فيه،لكي تثبت الأيام جمددا �إتقاد فكر القائد امل�ؤ�س�س الباين رحمه اهلل وحكمته. ففي ك��ل �سباق يقام على �أر� ��ض الإم� ��ارات �أو خارجها�،سواء يف الرب �أو الرب �أو اجلو ،البد و�أن حتمل ب�صمة القائد امل�ؤ�س�س رحمه اهلل،يف الوقت ال��ذي ت�شهد ال��دول التي حر�ص �صاحب ال�سمو ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان تقدمي الدعم املادي واملعنوي والتقني لها للمحافظة على �أماكن تكاثر ال�صقور وطيور احلبارى فيها لكي ت�ستمر يف الهجرة �إىل الإمارات وغريها من الدول املجاورة مما يحافظ على �أحد �أهم املمار�سات الرتاثية من الإندثار وهي ال�صقارة. وال �أملك يف النهاية �إال �أن �أقول ،رحم اهلل زايد بن �سلطان �آل نهيان – امل�ؤ�س�س الباين وا�سكنه ف�سيح اجلنة و�أثابه خري اجلزاء
ألسنة عربية 82 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
«ا َ �..سرها الأهم خلرجة» ّ
الموشحات األندلسية..
عروض العربي أكبر ثورة في تاريخ ال َ د .مقداد رحيم
رئي�س ق�سم اللغة ،كلية الآداب ،جامعة الب�صرة ،العراق
قام خالف بني الباحثني يف �ش�ؤون فن التو�شيح الأندل�سي قدمياً وحديثاً ،وال�سيما �أ�سباب الن�ش�أة ،وطبيعة الفن ،وطريقة النظم ،فوقع الكثري منهم على �صواب ،وغابت عن الباقني حقيقته بجميع وجوهها ،ومل ي�سلم الفن من عدم الدقة يف �إطالق الأحكام ،لأن م�ؤرخيه الأندل�سيني مل يعتنوا بالت�أريخ له ،وتو�صيفه تو�صيفاً فيه الكفاية ،بينما �أعجب به امل�شارقة �أميا �إعجاب ووقفوا على كثري من �أ�سراره.
ون�سج ال���ش�ع��راء منهم على م�ن��وال��ه ف�صاروا و�� ّ�ش��اح�ين ،ف��وق�ع�ن��ا ع�ل��ى م��و��ش�ح��ات م�صرية ومو�شحات �شامية ومو�شحات عراقية ،ف�ض ًال عما �صدر عن �أهل املغرب العربي ،غري �أنَّ �أهل الأندل�س �أدرى ب�شعابه ،و�أ�صدق قو ًال فيه ،كما ينبغي.وي�شيع الرتجيح والتخمني يف احلقائق الأدبية عاد ًة ،وما ناله فن التو�شيح منهما يجعل الباب م�شرع ًا �أمام املزيد من البحث والنظر والتثبت ،وقد بدا يل �أنَّ احلقيقة النا�صعة للمو�شحات الأندل�سية ما زالت خفية غائبة عن عدد من الباحثني وعن اجلمهور العري�ض من القراء.
فنالتو�شيح
َ حتدث القدماء عن املو�شحات ،وكانوا يعدونها فن ًا قائم ًا بذاته �أطلقوا عليه «فن التو�شيح» ،وي�سمون الن�ص «مو�شح ًا» وناظمه «و��ّ�ش��اح� ًا» ،ذك��ر ابن خلدون يف مقدمته «�ص�« »817-818أن جماعة من الو�شاحني اجتمعوا يف جمل�س ب�أ�شبيلية وكان واحد منهم ا�صطنع مو�شحة وت�أنق فيها فتقدم الأعمى التطيلي للإن�شاد فلما افتتح مو�شحته امل�شهورة بقوله: ٌ ْ �ضاحك عن جُ مان � ..سافـ ٌر عن بد ِر �ضاق عنه الزمـان ..وحواه �صدري َ خرق ابن بقي مو�شحته وتبعه الباقون». �شاعر و�شاح ًا ،ويف الوقت وطبع ًا،مل يكن كل ٍ نف�سه ال ي�سع الو�شاح �إال �أنْ يكون �شاعر ًا ،لأن فن التو�شيح قائم على �إيقاع الكالم وااللتزام به على مدى املو�شحة ،واملعرفة بالقول على �أ�سا�س العرو�ض العربي� ،سواء �أخالفه �أحيان ًا �أم اتفق معه ُجمل ًة ،ثم البناء على �أوزان املو�شحة املخ�صو�صة. وكل من تكلم على �أوزان املو�شحات ب�شكل خا�ص �أ��ش��ار �إىل �أنها خ��ر ٌق للم�ألوف يف نظم ال�شعر العربي ،وا�ستحداث لأوزان جديدة ال عالقة لها ببحور اخلليل بن �أحمد الفراهيدي ،بينما َمل يتوانَ بع�ض املحدثني عن القول ب�أنها �أكرب ثورة يف تاريخ ال َعرو�ض العربي.
جديدة ميكن احلذو حذوها على الإطالق ،ب�إرادة منهم� ،إال ما جاء عن طرق املعار�ضات� ،إمنا كانت �إرادتهم مبنية على اخرتاع طريقة جديدة للنظم، وتقوم هذه الإرادة على و�ضع ال َّذ َنب قبل الر�أ�س يف ن�ص املو�شح ،ف�إذا كان ال�شاعر يبد�أ ق�صيدته باملطلع ،وهذا �شيء يتفق واملنطق ،ف�إنَّ الو�شاح يبد�أ مو�شحته باخلامتة التي �أطلق عليها �أ�صحاب هذا الفن «اخلـَـرجة» ،وهي �آخر قفل من �أقفال املو�شحة ،وبها تنتهي. و�إىل ه��ذا �أ�شار اب��ن �سناء امللك يف كتابه «دار ال �ط��راز» «�ص »43بقوله« :وق��د تكون اخلرجة عجمية اللفظ ب�شرط �أن يكون لفظها �أي�ض ًا يف العجمي �سف�ساف ًا َنفطي ًا ،ورمادي ًا ُزطي ًا .واخلرجة هي �أبزار املو�شح وملحه و�سكره وم�سكه وعنربه، وهي العاقبة وينبغي �أن تكون حميدة واخلامتة بل ال�سابقة و�إنْ كانت الأخ�يرة ،وقويل ال�سابقة لأنها التي ينبغي �أن ي�سبق اخلاطر �إليها ،ويعملها من ينظم املو�شح يف الأول ،وقبل �أن يتقيد بوزن �أو قافية ،وحني يكون م�سيب ًا م�س َّرح ًا ومتبحبح ًا ُمنف�سح ًا ،فكيف ما جاء ُ اللفظ والوزن خفيف ًا على القلب �أنيق ًا يف ال�سمع مطبوع ًا عند النف�س حلو ًا عند ال��ذوق تناول ُه وتن َّوله ،وعامل ُه وعمل ُه وبنى عليه املو�شح لأنه قد وجدَ الأ�سا�س و�أم�سك ال َّذ َنب ون�صب عليه الر�أ�س». فـ�س ُّر اخلرجة يف املو�شحة الأندل�سية –�إذ ًا -قائم على اختيار كالم عامي �أو �أعجمي مما يرطن به �أهل الأندل�س �آنذاك ،ويطر�أ على �أل�سنة ال�صبيان �أو الن�سوان �أو مما يرد يف �أمثال العامة �أو �أغانيهم ال�شعبية ،ثم يجعله �آخ��ر �أقفال املو�شحة ويبني عليه باقي �أقفالها حتى يختتمها به ،وي�شرتط �أن ي�شتمل هذا الكالم على �إ�سفاف و�إحما�ض وطنـز، بينما تنبني باقي �أج ��زاء املو�شحة من �أقفال و�أدوار من �أعذب �ألفاظ الكالم العربي الف�صيح
فن التوشيح قائم على إيقاع الكالم وااللتزام به على مدى الموشحة، �سر اخلرجة يف املو�شحة الأندل�سية والمعرفة بالقول على واحلق �أن الو�شاحني الأندل�سيني ،منذ � أ�ستاذهم أساس العروض العربي، الأول الذي علمهم الفن،مل يكونوا مبتكرين لأوزان سواء أخالفه أحيان ًا أم اتفق معه ُج ً ملة
منذ املطلع ،فيحدث هذا االنقالب والتحول من الكالم الف�صيح الراقي �إىل �سف�ساف الكالم و�ساقطه عن�صر املفاج�أة لدى ال�سامع ،ثم القارئ فيما بعد. ولذلك كله ف�إن اخلرجة هي روح املو�شح وغايته الآ� �س��رة ،وال ميكن �أن نفهم فن التو�شيح على حقيقته من دون �أن نفهم ه��ذه ال��روح ونقرتب منها ،وجميع املو�شحات مما مل تت�ضمن خرجة عامية �أو �أعجمية ال ُيعد مو�شح ًا باملوا�صفات الكاملة ،وما مل يكن كذلك �سماه �أ�صحاب هذا الفن «املو�شح ال�شعري» ،وهو املو�شح الذي ينتهي مبثل ما ابتد�أ به من كالم ف�صيح وقور ،ويبد�أ فيه الو�شاح باملطلع مبا�شر ًة من دون اختيار ُم�س َّبق للخرجة� .إنَّ �إهمالنا لعن�صر اخلرجة يف فهم املو�شح الأندل�سي يجعلها تابع ًا خمل�ص ًا ملا ي�س َّمى يف ال�شعر العربي بالـ«مخُ َّم�سات» وما �إليها حتى املع�شرات!.
�أثر اخلرجة يف بناء املو�شحة
وللخرجة �أث��ر كبري يف بناء املو�شحة الأندل�سية من حيث �شكلها العام ومو�سيقاها اخلارجية والداخلية ،لأن ذل��ك كله يتوقف على �شكلها و�إيقاعها ،حركات و�سكنات ،بح�سب ما يقت�ضيه اللفظ على ل�سان العامة ،فيلتزم الو�شاح ب�أوزانها وقوافيها يف باقي �أقفال املو�شحة ،ثم يحاول �أن يجعل �أوزان الأدوار من�سجمة مع �أوزان الأقفال، �أو مقاربة لها ،قدر ما ت�سمح به �أوزان اخلليل بن �أحمد الفراهيدي ،وطبع ًا ال ينبغي لنا �أن ن�شرتط يف ك�لام العامة �أن ي�أتي من�ضبط ًا على �إيقاع اخلليل� ،إال ن��ادر ًا وم�صادف ًة ،ف�ض ًال عن افتقار كالم العامة حلركات الإع��راب وهو مما يف�ضي �إىل �شيوع ظاهرة الت�سكني يف �أواخ��ر الكلمات، والتقاء احلروف ال�ساكنة يف �أو�ساط الكالم ،ومن هنا ت�أتي خمالفات املو�شحة لعرو�ض اخلليل. وغ�ير الأوزان ،تعتمد املو�شحة على امل��راوح��ة بني الأقفال والأدوار يف القوايف ،فتختلف قوايف الأقفال عن قوايف الأدوار ،وتتفق يف عدد الأق�سمة «الأ�شطر» يف كليهما ويف قوايف الأق�سمة املتكررة، كما تتفق يف الأوزان ،ب�سبب ما ذكرناه من تتبع جميع �أجزاء الأقفال لـ «اخلرجة» وزن ًا وقافية.
ألسنة عربية 84 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
�شئت ال ما ُ ح�سبي حبي ..ما َ �شئت
«دور»
�أنا و�أنـ َتا � ..إ�سوة هذا الـهجـ ِر بال�صرب ِبنتا ..مع ان�صداع الفـجـ ِر و ُم ْذ رحلتا ..غ َّنى اجلوى يف �صدري
«قفل = خرجة»
�ساف ْر حبيبي �َ ..سحَ ْر وماودعتو وح�ش قلبي ..يف ْ يا ْ الليل �إذا افتكرتو
مناذج من املو�شحة الأندل�سية
«قفل»
طيب ..له اجلمال َن ُ عت �أراد الو�شاح الأندل�سي ابن بقي �أن ينظم مو�شحة ،يا كل ِ ففكر باخلرجة ،فاختارها عربي ًة مما يرد على ما بال ذنبي ..يف حب مَن � ُ أحببت �أل�سنة العامة ،وكانت مت�ألفة من �أربعة �أ�شطر «دور» وقافيتنيهكذا: يا مَن جَت َّنى ..ال َ ذقت ما �أذو ُق �ساف ْر حبيبي �َ ..سحَ ْر وماودعتو قلبٌ ُمعـ َّنى ..ومَدم ٌع طـَلي ُق وح�ش قلبي ..يف ْ يا ْ � َ أفديك ُغ�صنا ..وجدي ب ِه خليقُ الليل �إذا افتكرتو
«قفل»
فبنى جميع �أقفال مو�شحته -منذ املطلع -عليها ُ كثيب ..لد ُن التثني َ�ش ْخ ُت غ�صن ِ وزن ًا وقافية ثم ختم بها ،واختار لها �أدوار ًا يتنا�سب ق�ضيت َنـحبي ُ ..م ْذ با َن �أو ُم ْذ ِب ُ ُ نت وزنها مع وزن الأقفال ،وي�ستقل كل دور بقافيته من «دور» دون قوايف الأقفال ،هكذا: احل�سن �أعل ْم َ � .. ُ أنك مِ ـن ُه � ْ أح�سن «قفل= مطلع» أنت �أكر ْم ُ .. واملوت فيك � ْ و� َ أهون يطغى وجيبي ..وجَ لَدي ينبتُّ َ يفديك مُغ َر ْم � ..أ�س َّر حتى �أعل ْـن ُ �سرحت �سرح حبي ..لو �أنني «قفل» «دور» ُ � َ اقرتحت أنت ن�صيبي ..من كل ما مَن يل ب� ْ أهيف ..يلعبُ بالعقـولِ رنا بـ� ْ أوطف ..كال�صارم ال�صقيلِ أوزان الموشحات وه َّز معط ْـف .. كالغ�صن املطولِ ِ ٌ
«قفل»
اجلنوب � ..إ ْذ تث َّنى ُ قلت غب ِ َّ بعت قلبي ..يف حبـ ِه ُ لو ُ ربحت
«دور»
�س ِّر ْح جفوين ..يف رو�ض وجنتيكا هذي ديوين ..قد ُ بليت لديكـا ح�سبي مَنوين ْ � ..إن كان مِ ن يديكا
خرق للمألوف في نظم الشعر العربي، واستحداث ألوزان جديدة ال عالقة لها ببحور الفراهيدي ،ووصفها البعض بأنها أكبر ثورة عروض في تاريخ ال َ العربي
وعندما ف َّكر الأعمى التطيلي �أن ي�ستخدم خرجة �أعجمية لبناء مو�شح طريف يفاجئ ب��ه توقع ال�سامع ،اختار خرج ًة باللغة الإ�سبانية القدمية، وكانت �شائعة اال�ستخدام ،فكانتْ مت�ألفة من ثالثة �أجزاء بقافية واحدة ،هكذا: احلبيب دموا �صا ْر ..مادر �شنا ْر ماو ْ بنفي�س ْ رام�ش ..كف دمو عا ْر فبنى على �أ�سا�سها باقي �أقفال املو�شحة منذ املطلع وزن � ًا وقافية حتى ينتهي بها ،كما جعل الأدوار على وزنها ،وطبع ًا مع اختالف القوايف يف الأدوار جميع ًا،هكذا:
«قفل= املطلع»
دم ٌع �سفو ٌح ..و�ضلو ٌع حرا ْر ُ ما ٌء ونا ْر ..ما اجتمعا �إال لأم ٍر كـبا ْر
«دور»
ْ العذول بئ�س لعمري ما �أراد ري وعنا ٌد طويـلْ عم ٌر ق�ص ٌ زفرات نطقتْ عن ْ يا ٌ غليل ويا دمو ٌع قد �أعانت ْ م�سيل
«قفل»
امتن َع النو ُم َّ و�شط املزا ْر ..وال قرا ْر ُ طرت ْ ولكن ..مل �أعد ُه مطا ْر
«دور»
القلوب حجتْ �إليها ْ يا كعب ًة َّ يب بني هوىً دا ٍع و�شوقٍ جُم ْ ـيب حَ ـنـَّة �أ َّوا ٍه �إليهـا ُمن ْ لب َ للرقيب ـيك ال �ألهو وقـ ْـل ْ
«قفل»
مُرين بح ٍّج عندها واعتما ْر ..وال اعتذا ْر قلب َي َهدْيٌ ..ودموعي جِ ما ْر
«دور»
�أه ً ال و� ْإن ع َّ ْ َر�ض بي لل َم ْ اجلفون نون .. يا ق�سو ًة يح�سبها ال�صَّ ُّب ِل ْ ني ْ الظنون ع َّلمتِني كيف �أُ�سي ُء
«قفل»
ُم ْذ با َن عن تلك الليايل الق�صا ْر ..نومي غِ را ْر .. ك�أنـما بني جفونـي غِ را ْر
«دور»
مت مو ً ح َّك ُ ىل جار يف حُ كم ِه ً ُف�صحا با�سم ِه �أكني بـه ال م ِ فاعجب لإن�صايف على ظلم ِه ْ وا�س�أله عن و�صلي وعن حرمِ ِه
«قفل»
�ألوَى بح ِّقي عن هوى واختيا ْر أن�س بَعد ُه باخليا ْر طوع النفا ْر ..فكل � ٍ
«دور»
الب َّد يل من ُه على كل ْ حال ْ وا�ستطال موىل جت َّنى وجفا رهن �أ�سى واعتاللْ غادرين َ ْ والدالل: ثم �شدا بني الهوى
«قفل=خرجة�أعجمية»
يبدأ الشاعر قصيدته بالمطلع بينما يبدأ ّ الوشاح موشحته بالخاتمة التي أطلق عليها أصحاب هذا الفن «الخـَرجة» واللهجات ،ومن حيث عدد الأ�شطر و�أطوالها ومن حيث تنوع قوافيها �أو عدمه ،فجا�ؤوا بكل ج��دي��د ط��ري��ف ،وذه �ب��وا يف االع�ت�ن��اء ب�شكلها ومو�سيقاها �إىل �أبعد غاية ،فجاءت مو�شحاتهم متو�شحة برقة الألفاظ وعذوبة املعاين وطرافة الأ�ساليب ،وميكن الإ��ش��ارة �إىل ما ذه��ب �إليه الو�شاح الأندل�سي ابن ُزهر الأ�شبيلي من العزف على مو�سيقى الكلمات من خالل طرافة التجني�س يف مو�شحته التي اختار لها هذه اخلرجة العامية على ل�سان امر�أة: واح ْد ُه ْو يا امِّي مِ ْن جرياين ....راين ف�أن�ش�أ على �أ�سا�سها باقي مو�شحته التي مل يجعل لها مطلع ًا وابتد�أ بالدور ،و�سيجعلها �آخر قفل يف املو�شحة الحق ًا ،هكذا:
«دور»
احلبيب دموا �صا ْر ماو ْ بنفي�س ْ رام�ش ْ كف دمو عا ْر ماد ْر �شنا ْر ْ ..
قلبي من احلب غري �صا ِح � ..صا ِح و� ْإن لحَاين على املال ِح ..لـا ِح و�إنـما بقية ُ اقرتاحي ..راحي
الأندل�سية الكثري من احلرية للو�شاحني يف اختيار اخلرجات على اختالف �ألفاظها من حيث اللغات
و� ْإن درى ق�صتي و�شاين � ..شانـي
وق��د �أت��اح ه��ذا النظام احل��ر يف بناء املو�شحة «قفل»
«دور»
ْ ت�سل�سل �َ ..س ْل َ�س ْل وبـي من احلب قد فـي �صورة احلب بعدما ْ انهل َ ..م ْنـه َْل والعَو ُد عندي لِـ َم ْن ت�أ ّو ْل � ..أ ّو ْل
«قفل»
فا ُ حل ُ �سن فيه على املثانـي ..ثـاين
«دور»
يا �أم �سعدٍ با�سم ال�سعو ِد ..عُودي ني من الهجو ِد ..جُ ودي وبع َد ح ٍ على مليك ٍ حتت البنو ِد ُ ..نودي
«قفل»
فقا َل �إنـي مِب َْن دعاين ..عانـي
«دور»
وناطق بالذي كفاها ..فـاهـا وبعدما راغباً �أتاها ..تـاهـا وباجلمال الذي َ�سباها ..بـاهَى
«قفل»
قالت« :على ا ُ �سن مَن �سباين ..باين» حل ِ
«دور»
وناظري ناظـ ُر الـ ُمح َّيا ..حَ ـ َّيـى � َ أراك مِ ـن َقـولـ ِه �إل َّيـا َ ..لـ َّيـا ف�أن�شـد ْتـ ُه لِـ َم ْن َتهـ َّيـا ..هَـ َّيا
«قفل = خرجة»
واح ْد ُه ْو يا امِّي مِ ْن جرياين ..راين
ومبا �أن الو�شاح ي�ستعري اخلرجة من �أل�سنة العامة، �أو من عنا�صر اجلماد �أحيان ًا على �سبيل املجاز، ف�إنه ميهد لها بكلمة «قال» �أو «قالتْ » �أو «غنى» �أو و«�شدا» َ «غنتْ » �أو «�أن�شد» �أو «�أن�شدتْ » َ و«�شدتْ » ما �أ�شبه ذلك مما ي�صلح توطئة للكالم �أو التغني باخلرجة ،وي�أتي ذلك غالب ًا يف �آخر دور من �أودار املو�شحة وهو الدور الذي ي�سبق اخلرجة مبا�شرة، كما ر�أينا يف الأمثلة. ووا�ضح من خالل ما تقدَّم �أن فن التو�شيح مفتوح على م�صراعيه لكل جديد يف ال�شكل والبناء ،و�أنَّ للو�شاح احلرية يف اختيار عدد الأ�شطر والقوايف.
املو�شحاتالأندل�سيةوالغناء
�إن فن التو�شيح مل يقم على �أ�سا�س الغناء وال
ألسنة عربية 86 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
فن املالوف امتداد للمو�شحات الأندل�سية
يقف الغناء وراء ن�ش�أته ،كما هو �شائع ذائ��ع ،بل فن من فنون القول ن�ش�أ على �أ�سا�س حاجة �شعبية فر�ضتها احلياة اجلديدة يف بالد الأندل�س وما ا�ستحدث فيها من �أمن��اط و�أ�ساليب ،وم��ا �شاع فيها من ا�ستخدام اللغات الأجنبية �إىل جانب العربية ،ومعرفة املجتمع الأندل�سي لهذه اللغات جميع ًا ،ف�ض ًال عن ميل الأندل�سيني �إىل جتريب كل جديد مما يتنا�سب وطبيعة الأندل�س �أر�ض ًا و�سما ًء وعادات وتقاليد. و� ْإذ نحن يف غنى ع��ن اال�سرت�سال يف �أ�سباب ن�ش�أة املو�شحات الأندل�سية جمل ًة ،ف�إنَّ علينا �أن نلمع �إىل �أنها مل تكن� ،أول ن�ش�أتها ،بهذا التعقيد، فقد كان �شكلها الأول بال �أقفال وال �أدوار ،وال اختالف يف القوايف والأوزان ،بل كانت تت�ألف من �أ�شطر متتالية وبقافية واحدة فح�سب ،ولكنها ن�ش�أتْ بالروح التي ذكرناها ،و�أعني مبد�أ اختيار اخلرجة العامية �أو الأعجمية �أو ًال وقبل املطلع وبناء باقي املو�شحة عليها ،ثم تطور حالها و�صار �أكرث تعقيد ًا كما و�صفناه ،وهي يف هذا التطور التدريجي مثل باقي الفنون. وا�ستناد ًا �إىل ما قدمنا ف�أن املو�شحات الأندل�سية مل تن�ش�أ ب�سبب احلاجة �إىل الغناء ،و�إمنا ارتبطت
بالغناء فيما بعد ،و�ساعدت عدة عوامل على هذا االرتباط منها ما وج��ده امللحنون واملغنون فيها من رقة الكالم وعذوبة الألفاظ كالذي وجدوه يف الق�صائد من قبل ومن بعد فاختاروا ما ي�صلح للغناء منها ،وعافوا ما عداه ،ومنها بنا�ؤها على �أق�ف��ال و�أدوار على الغناء اجلماعي �أو الغناء بالدور ،حيث يقوم كل ُمغنّ من املغنني �أو امل�ؤدين ب�أداء دور من �أدوار املو�شحة واملطلع الذي يليه على انفراد ،ويرتك الأداء ل�سواه ،وال ب�أ�س �إذا قادنا اخليال �إىل �أنْ يفرغ كل ُمغنٍّ من �أداء ال��دور فيتبعه جماعة املن�شدين ب���أداء القفل الذي يليه وهكذا دواليك حتى بلوغ الدور الأخري ف��اخل��رج��ة ،ف�ض ًال ع��ن ا�ستظرافهم لعن�صر املفاج�أة يف اخلرجة كم قدمنا. وقد انتقل فن التو�شيح �إىل امل�شرق يف وقت مبكر عن �سقوط غرناطة �آخر معاقل الأندل�س ،بو�صفها ن�صو�ص ًا وح�سب ،عن طريق الوافدين عليه من الأندل�س ب�سبب التجارة �أو احلج وزيارة العتبات املقد�سة �أو طلب العلم �أو ُحب الرحلة ،غري �أن مو�سيقاها ت�أخرتْ يف الرحلة �إىل ال�شرق ،حتى ا�صطحبها الأندل�سيون و�إياهم �إىل �أقطار املغرب العربي ،يف رحلتهم الأخرية ،بعد �سقوط الأندل�س،
وقد وجدتُ املو�شحات ُتن�شد ب�شكل جماعي يف ليبيا ولها فرقة كان ير�أ�سها املرحوم ح�سن العجمي، وي�سمون فنَّ التو�شيح «امل��أل��وف» ،وكذلك الأمر يف تون�س حيث ُتن�شد املو�شحات ب�شكل جماعي، وهناك فرقة ت�ؤدي املو�شحات من جملة ما ت�ؤديه من معزوفات و�أغان ،وت�سمى «فرقة املن�شدات»، ويف اجلزائر واملغرب يقع املرء على كثري من تراث الأندل�س املو�سيقي وال�سيما املو�شحات ،وو�ضعوا فيها امل�ؤلفات الر�صينة. وق��د اعتنى امل�شرق العربي ب� ��أداء املو�شحات الأندل�سية� ،أو ما ي�سمونه كذلك ،وكانت يف العراق فرقة للإن�شاد اجلماعي ت�سمى «فرقة الإن�شاد» ت ��ؤدي ما ت�سميه املو�شحات الأندل�سية ،بقيادة املرحوم روحي اخلما�ش ،ومثلها فرقة �إن�شاد يف م�صر �سميت فيما بعد بفرقة �أم كلثوم ،ويف �سوريا ك��ان الأ�ستاذ �أب��و خليل القباين �أول من اعتنى مبو�سيقى املو�شحات الأندل�سية و�أدائها و�أ�س�س فرقة من �أجلها وانتقل بها �إىل م�صر ،وقدم من �أجلها �أعظم جمهود ،وبلغ الغاية ،ولعلها اختلطتْ فيما بعد بالقدود احللبية على طريقة �صباح فخري ،ويف لبنان �صدحت فرقة ر�ضا ب�أعذب الأحل� ��ان مم��ا ع��رف حت��ت م�س َّمى املو�شحات الأندل�سية ،ثم كان لفريوز باقة منها.
امل�شارقةواملو�شحات
غري �أن مو�سيقى املو�شحات الأندل�سية مل يعرفها امل�شارقة ،وما قدموه على �أنه مو�شحات �أندل�سية مغناة ال عالقة له باملو�شحات الأندل�سية على الإط �ل�اق ،لأن موازينها وطبوعها بعيدة عن املوازين والطبوع امل�ستعملة يف الأندل�س وعن الذوق ال�سائد هناك ،والغناء اجلماعي ال يعني بال�ضرورة �أن القطعة املغناة هي مو�شحة �أندل�سية ،هذا ف�ض ًال عن �أن الن�صو�ص املغناة لي�ست مو�شحات �أندل�سية �أو حتى م�شرقية ،بل هي –يف �أغلب الأحيان- ق�صائد �شعرية وح�سب ،مثل ق�صيدة «يا من لعبتْ به �شمول» لل�شاعر امل�صري البهاء زه�ير التي غناها ناظم الغزايل على �أنها مو�شحة ،وكذلك ق�صائد العبا�س بن الأحنف و�أبي بوا�س واحل�صري ال�ق�يرواين وعنرتة بن �شداد التي غنتها فريوز حتت م�سمى «�أندل�سيات» ،ومل يكنْ بني ه�ؤالء من هو ّ و�شاح ،وكثري من الق�صائد واملقطعات ال�شعرية
مت �أدا�ؤها بال�شكلني املنفرد �أو اجلماعي على �أنها مو�شحات �أندل�سية ،ولع َّل من املفارقات �أنْ ُتغ ِّنـي العراقية �سليمة م��راد مو�شحة «�أيها ال�ساقي» للو�شاح الأندل�سي ابن زهر الأ�شبيلي على طريقة الأغنية العادية التي ي�ؤديها مغن منفرد على �شكل ما ي�سميه املو�سيقيون بـ «الكوبليهات» ي�شتمل كل كوبليه منها على الدور والقفل الذي يليه .ومو�شحة «�أيها ال�ساقي» نف�سها خرجتها عامية وهي: قد منا حبك عندي وزكا ....ال ْ تقل �أين يف حبكْ مُ�� َّدع��ي وق��د �سمعتها ب�صوت املطربة اللبنانية فادية طنب احل��اج ُم ْعـ َرب ًة ،فقد و�ضعتْ حركة الفتح على كاف «حبك» يف ال�شطر الثاين ليكون الكالم ف�صيح ًا فاخت َّل الوزن ،ظن ًا منها �أن ن�ص املو�شحة كله ُمع َرب ف�صيح حتى القفل الأخري، فاخت َّل ال��وزن ،وفقد الن�ص روح الفنِّ وخا�صيته الكربى ،وللمطربة احل��ق ،فطاملا وردتْ خرجة هذه املو�شجة مبثل ما �أدتْـ ُه ونطقتْ به ،يف كثري من كتب الأدب الأندل�سي ،بل �إن جماعة من امل�ؤلفني حاول تغيري �ألفاظها لتن�ضبط مع قواعد ال َعرو�ض ووزن املو�شحة ال�شعري«!» ،ظن ًا منهم �أن نا�سخ املو�شحة الأول قد وهم يف نقل الن�ص كما هو «!» ،فورد هكذا: قد منا َ حبك عندي وزك ال ْ احلب �إين مدعي تقل يف ّ ومع هذا كله فقد �صدر عن ه�ؤالء امل�شارقة بحر من �أعذب الأحلان وهم يتعاملون مع الن�صو�ص على �أنها مو�شحات �أندل�سية ،كما �صدحوا ب�أجمل الأ�صوات و�أكرث الأداء �إحكام ًا ،وما ذاك �إال لأنّ املو�شحات الأندل�سية من فنون ال�تراث العربي الأ�صيلة الطريفة ،وق��د ح��اول��وا خمل�صني �أن يتنف�سوه،و�أنيعملواعلى�إحيائه�أفراد ًاوجماعات.
تعريفنالفنالتو�شيح
حاولتُ �أن �أ�ضع تعريف ًا �أظنه جامع ًا مانع ًا لفن التو�شيح بعد �أن وقفت على كل ما يتعلق به من حقائق و�أ� �س��رار ،كما حاولتُ �أن �أ�صحح كثري ًا مما �شابه من وهم وعدم فهم ،و�أن �أ�صوغ له �صورة هي الأقرب �إىل طبيعته ،و�أرى �ضرورة �أن يتف�شى هذا التعريف يف الأو�ساط ذات العالقة، و�أن ي�صري �إليه املنتهى ،بد ًال من اال�ستمرار يف
الت�شبث مبقوالت القدماء واملحدثني مما ال ميكن الأخ��ذ به جملة واح��دة ،ف�أقول :هو فن �شعري معرب ،ا�ستحدثه العرب يف الأندل�س، قبل نهاية القرن الثالث الهجري ،بنوه على �أبيات يغلب �أن تكون خم�سة ،وق��د تزيد على الع�شرة ،و�أقل ما يرد فيه� :أربعة. و�أما البيت فيتكون من دور وقفل يليه ،و�أما القفل من املو�شح التام في�سمى «املطلع» ،ف ��إذا خال املو�شح منه و ُب��دئ بالدور �سمي املو�شح « أ�ق��رع» و«التام» ما ابتدئ بالقفل. و�أم��ا عدد �أق�سمة الأدوار والأقفال يف املو�شح الواحد ،ف�شيء موكول ّ بالو�شاح ،يختار ما يراه منا�سب ًا ،على �أنْ ال يقل عن اثنني يف كل منهما، وقد يزيد يف القفل على ت�سعة �أق�سمة ،ويف الدور
لم يعرف المشارقة موسيقى الموشحات األندلسية ،وما قدموه بعيد عن الموازين والطبوع المستعملة في األندلس وعن الذوق السائد هناك
على اثني ع�شر ق�سيم ًا يف املو�شحات الأندل�سية. �أم��ا نظام التقفية فيه ،فيعتمد على املراوحة بني قوايف كل من الأدوار والأقفال ،على �أنها يف الأقفال الزمة تتكرر ،ويف الأدوار تتغري من دور �إىل �آخر .وقد تتحكم «اخلرجة» وهي القفل الأخري يف املو�شح ،بوزن الأقفال ،ورمبا الأدوار �أحيان ًا ،لعلة التنا�سق الإيقاعي بينها وبني الأج��زاء الأخرى، فيخرج املو�شح �إىل وزن قد ال ميت �إىل �أوزان ال�شعر العربي ب�صلة ،وال تربطه قاعدة عرو�ضية حم��ددة ،ورمب��ا جمع املو�شح الواحد بني وزنني خمتلفني �أو �أكرث من هذا النوع لل�سبب نف�سه. ورمب ��ا � �س��اع��د� ،أي �� �ض � ًا ،دخ ��ول امل��و��ش�ح��ات الأندل�سية يف �ضروب الغناء والأحلان املحدثة يف الأن��دل ����س ،فيما ب�ع��د ،على ك�ثرة �أوزان �ه��ا وق��واف�ي�ه��ا و�أ��ش�ك��ال�ه��ا ال�ع��رو��ض�ي��ة وتنوعها، وخروجها عن امل�ألوف يف ال�شعر العربي ،ف�إذا جاء املو�شح على وفق ما هو م�ألوف من �أوزان ال�شعر العربي ُ�س ِّم َي «مو�شح ًا �شعري ًا». وهكذا يتبدى لنا �أن فن التو�شيح الأندل�سي ينفرد عن باقي الفنون ال�شعرية بخ�صائ�ص فريدة مل ُي�س َبقْ �إليها وال جاء َبعده مثله يف تراث العرب ال�شعري
سراديب 88 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
رحــلة نجــــــــ قبل
حممد النمر nemr200876@gmail.com
�أرب��ع �سنوات كنت �أ�ستعد ال�ستقبال عيد الفطر املبارك ،عندما رن هاتفي وطلب مني �صديقي الذي يعمل ب�إحدى الدول اخلليجية �أن �أجهز حقيبتي لأكون عنده بعد �أقل من ع�شرة �أيام. قبل هذا الهاتف ،كنت قد رف�ضت عدة عرو�ض للعمل يف دول عربية ،مقتنع ًا بتفا�صيل �صورة ذهنية �سائدة عن �أجواء العمل هناك ،والتي كانت يف معظمها �سلبية وغري مغرية خ�صو�ص ًا بالن�سبة ل�صحفي مدمن ملهنته وملا تنطوي عليه من تنوع و�إثارة وانفتاح .لكنني هذه املرة مل �أملك �سوى �أن �أنزل على رغبة هذا ال�صديق الذي نقل يل على مدار �سنني انطباعات غاية يف الإيجابية عن دولة الإمارات جعلتني �أقرر خو�ض التجربة. خالل الأيام القليلة املتبقية على ال�سفر� ،شاهدت الكثري من الأفالم الوثائقية التي حتكي عن دولة الإمارات وم�شروعاتها احل�ضارية ال�ضخمة ،ولفت انتباهي تلك القدرة العالية على التخطيط لهذه امل�شروعات ،لدرجة جعلتني �أت�ساءل منبهر ًا: ه��ل حق ًا بيننا نحن ال�ع��رب م��ن يفكرون يف امل�ستقبل بهذه الطريقة!؟ جتهزت لل�سفر ول�سان حايل يقول� :إن �صح ن�صف ما ت�ضمنته هذه الأف�لام ومل تكن دعائية ،ف�إنني مقبل على العي�ش يف واحدة من �أرقى دول العامل. يف زياراته ال�سابقة للقاهرة ،حكى يل �صديقي عن روعة هذا البلد ،عن دفئها ،وع��ن قدرتها على اجلمع بني تكنولوجيا الغرب املتقدمة وروح العرب احلميمية ،بطريقة ال تدع لإن�سان املجال لكي ي�شعر بالغربة عربي ًا كان �أم �أجنبي ًا. عندما و�صلت �إىل �أبوظبي ،ويف �سيارة �صديقي ،كنت �أ�شعر �أنني داخل لعبة من �ألعاب الكمبيوتر ،ل�شدة االنتظام والرتتيب
ـــــــــاح عربيــــة واالن�ضباط ،ال�سيارات ت�سري يف حاراتها املحددة ،ملتزمة ب�سرعاتها املقررة ،كل �سيارة تعرب من حارة �إىل حارة بدقة �شديدة ومن دون �إرباك لل�سيارات الأخرى ،انده�شت جد ًا من دقة املرور وانتظامه ،رغم �أنني زرت العديد من بلدان �أوربا، و�شاهدت ب�أم عيني ما تتمتع به من انتظام ،وكنت يف �أعقاب زي��ارت��ي لليابان �أظ��ن �أن��ه ال توجد دول��ة عربية ق��ادرة على حتقيق ربع ما عاينته من ان�ضباط� ،إىل �أن زرت �أبوظبي التي �أده�شتني ب�سعة �شوارعها وانتظامها ،وع��دم وج��ود �شرطي مرور واحد طوال الطريق ،الكل يعرف ما ينبغي عليه فعله، الفتات على طول الطريق تر�شد قائد ال�سيارة ..كنت يف غاية الده�شة والإعجاب ،نحن يف بلد عربي!؟ ت�ساءلت مب�شاعر خليطة بني الده�شة والفخر. كنت على بدايات ال��دفء و�أن��ا �أدخ��ل �إىل �أبوظبي� ،شوارع تت�سع لكل �أحالمي ،بنايات مرتا�صة يف لوحة جمالية وك�أن هناك من خطط لبناء املدينة كلها يف ذات الوقت ،التنا�سق املعماري بني البنايات ،ال يجعلنا نراها وك�أنها بنيت يف فرتات متباينة ،الأ�شجار الوارفة على اجلانبني تعدين باخ�ضرار الأفق يف عيني ،وخليج ،يداعب �أمنيات امل�صايف والراحة يف عقلي املنهك من لقاءات العمل. وا�صلت الرحلة من املطار �إىل العامل اجلديد الذي �أدخله، راح �صديقي يحكي يل عن ال�شيخ زايد ،ومواقفه وحكاياته مع املواطنني ،ال يتوقف ،وال �أقاطعه ،ذهبنا لتناول وجبة خفيفة يف �إحدى املطاعم امل�صرية ،وعندما طال بحثه عن موقف ل�سيارته ،ملحت مكان ًا خالي ًا ف�أ�شرت له عليه ،وحني اقرتب �أجاب �إنه مكان خم�ص�ص للمعاقني ،ثم داوم البحث
لدقائق �أخرى �إىل �أن خال له مكان ف�صف �سيارته فيه بهدوء، و�أنا �سعيد كل ال�سعادة بهذا النظام ،مل يغر املكان اخلايل املخ�ص�ص للمعاقني �أي ًا من الباحثني عن مواقف ال�ستخدامه، اجلميع يلتزم بالقانون ،والكل ي�ؤكد �أن القانون يف �أبوظبي فوق اجلميع ،ال يهادن وال يحابي �أحد ًا. دخلنا لتناول الطعام ،يف املطعم التدخني ممنوع ،وال �أحد يدخن بالفعل ،ال �أحد فع ًال يخالف القانون. لفت انتباهي بعدها حال توجهنا ملقهى ب�شارع خليفة ،كل الأماكن بها �صورة لل�شيخ زاي��د رحمه اهلل ،وال�شيخ خليفة رئي�س الدولة ،ي�سرت�سل ال�صديق يف حكاياته عن ال�شيخ زايد ووعيه ب�أهمية املواطن و�أمنه و�سالمته و�سعادته ،الفت ًا �إىل �أن �صور القادة هنا دليل حب واحرتام وتقدير كبري ،مثلما تقوم �أنت بتعليق �صورة والدك يف �صدر غرفة ال�صالون معتز ًا و�سعيد ًا بظله الوارف عليك وعلى �أبنائك. تعودت التجول وحدي يف �شوارع �أبوظبي لأزداد �إعجاب ًا بها يوم ًا بعد يوم ،و�أزداد تقدير ًا بوعي ال�شيخ زايد رحمه اهلل، الذي كان يخطط مل�ستقبل بالده يف كل �شيء ،فرتك جما ًال للم�ستقبل يف كل �شيء لي�صنع دولة ت�ضاهي الأمم املتقدمة كما ن�سميها ،مباين راقية� ،شوارع نظيفة ،قانون يحرتمه اجلميع ويلتزم به اجلميع. م�شاعر الغرية والغبطة تنتابني� ،أمتنى �أن ت�صبح م�صر مثل الإم��ارات ،والقاهرة مثل �أبوظبي ،و أ�غ��ار من وعي حكامها واهتمامهم بتطور ب�لاده��م� ،أمت �ن��ى �أن ت�صري ك��ل ال��دول العربية �إم ��ارات عربية� ،أن ي�صبغ امل�شهد الإم��ارات��ي كل البلدان العربية ،لكي ن�صنع مكانة متميزة بني الأمم
في حضرة الشعر 90 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
املم�شوقة املع�شوقة
النخلة..
ملكة جمال الشجر في الشعر العربي �صالح ال�شهاوي
�إنها �شجرة العرب املباركة ،جريدها عرائ�ش و�سقوف ،وجذوعها �أعمدة وخو�صها ب�سط ومكاحل و�أثاث ،وليفها حبال وح�شو للو�سائد وللمكاءات ،والنوى غذاء الإبل والدواب ،ناهيك عن التمر ،وعن التمر ال ت�سل. ال تطالع �شجرة �إن�ساناً كما تطالعه النخلة. مرتفعة �شاخمة فاردة �أجنحتها بتن�سيق بديع يف كل اجتاه� ،إنها ال�شجرة الوحيدة التي ترتفع فيها كتلة �أغ�صانها مع كل ارتفاع للجذع. وي�صبح اجلذع �أ�شبه بيد قاب�ضة على جمموعة الأغ�صان ترفعها عالياً يف الف�ضاء ثابتة يف مركزها متمايلة مع ن�سمات الريح كلماّ هبت وك�أنها تلوح ل�صديق �آتٍ من بعيد.
من �أعجب ما يف النخلة حت ّول �ألوانها وتالعب اجتاه الظل مع انحناءات ال�سعف .ف�أنت تارة تراها خ�ضراء ن�ضرة ،وتارة خ�ضراء قامتة تتخللها ظ�لال حمراء غري حم��ددة وك�أنها انعكا�س للون اجلذع البني �أو �إناء رطب لذيذ �سوف حتمر وجناته باقرتاب موعد القطاف. يا للنخلة! فارعة ال�ط��ول ،ممتدة القامة، يعلوها فرع جملل ب�سعفات كثيفة ت�أخذ �شكل الأقوا�س ،بع�ضها فوق بع�ض� ،صانعة �إح�سا�س ًا مفعم ًا باملهابة .تلك هي املالمح الأ�سا�سية التي تنطبق على نخلة التمر ،وع�شرات �أنواع النخيل املنت�شرة يف بالد العامل. ومثلما كان العرب ال يقبلون و�صف ب�ستان ب �ـ«اجل �ن��ة» م��ا مل ي �ك��ن ال �ن �خ��ل �أح���د �أه��م مزروعاته ،ف�إن الواحة ال تكون واحة ما مل ُ يعل النخل �أفقها! .تلك هي ال�صورة التي ت�صنعها �شجرة النخيل ال�سامقة ،فالواحة �أر����ض خ�صبة ح�ي��ة م�ع�ط��اء وه��ى يف قلب ال�صحراء. ويف ال �ب�لاد ال�ع��رب�ي��ة ال ��واح ��ات ه��ي م�لاذ التائهني يف الرمال� ،إنها الأمل يف �إح�سا�س �أي م�غ��ام��ر تلفظه امل �خ��اط��رة �إىل ف�ضاء اجلفاف ،وك�أن تناثر الواحات يف ال�صحراء كان �أ�شبه مبحطات �سفر طبيعية غنية باملاء والتمر واحلياة. وال �ن �خ �ل��ة م��ن �أج��م��ل ال �ن �ب��ات��ات ،فقمتها بخطوطها وبلونها الأخ�ضر وهيئتها ت�شبه ذي��ل الطاوو�س يف هيئته وجماله من حيث اخل�ط��وط وال�ل��ون وطريقة انت�شار ال�سعف والري�ش من م�صدر واحد. ولي�س اجل�م��ال حم���ص��ور ًا يف �شكل النخلة فقط ،بل يف جميع �أجزائها� ،سواء القمة �أو ال�سعف �أو الثمر �أو اجلذع� ،أو الليف. ون �خ �ل��ة ال �ت �م��ر ن ��وع ف��ري��د ب�ي�ن الأج �ن��ا���س وال�ف���ص��ائ��ل النخلية امل �ع��روف��ة ع�ل��ى وج��ه الأر���ض .ذل��ك �أن �أنثاها ال تنتج الثمار �إال بوا�سطة التلقيح ،وتتخلق منها ف�سائل �أخرى يف عملية ت�شبه ال���والدة ،وتتعدد �أ�صناف ثمارها حتى تقرتب من اخلم�سمائة ،وميتد عمرها �إىل 150عام ًا �أو �أك�ثر ،وق��د ي�صل طول الواحدة منها �إيل 25مرت ًا ،وف�ض ًال عن
ذلك ال يت�ساقط ورقها حتى عند موت النخلة نف�سها! .مثل هذه ال�سمات �ألهمت عامل ًا عربي ًا مبالغة و�صفية فو�ضع النخلة والإن�سان يف �سلة واح ��دة ،حيث ر�صد �صفات م�شرتكة فالنخلة« :ذات جذع منت�صب ،ومنها الذكر والأنثى ،وال تُثمر �إال �إذا ُلقحت ،و�إذا ُقطع ر�أ�سها ماتت ،و�إذا قطع �سعفها ال ت�ستطيع تعوي�ضه من حمله كما ال ي�ستطيع الإن�سان تعوي�ض مفا�صله ،والنخلة ّ مغ�شاة بالليف ال�شبيه ب�شعر اجل�سم يف الإن�سان».
النخل واللغة
النخل :واحدته نخلة قيل �إن��ه م�شتق من انتقاء ال�شيء واخ �ت �ي��اره ،والنخيلة هي الن�صيحة اخلا�صة يقال" :ال يقبل اهلل �إال نخائل القلوب" �أي النيات اخلا�صة ونخل ال���ش��يء� :صفاه واخ �ت��اره والنخيل م�ؤنثة و�أم��ا النخل فيذكر وي��ؤن��ث ففي ال�ق��ر�آن الكرمي "�أعجاز نخل منقعر" «القمر،»20 : و "�أعجاز نخل خاوية " «احلاقة »7 :ويف معجم �ألفاظ القر�آن الكرمي النخل �شجر الرطب والتمر واحدتها نخله وجمع النخل نخيل كعبد وعبيد والنخيل من العرب من ي�ؤنثه ومنهم من يذكره نقول النخل البا�سق والنخل البا�سقة وج��اء الكتاب
باللغتني ف�أما النخيل فم�ؤنث عند اجلمع.
�شجر اجلنة
وم��ن ال �ط��رائ��ف يف ك�ت��ب ال �ت�راث م��ا رواه ال�شعبي من �أن قي�صر ملك الروم كتب �إىل عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه�« :أم��ا بعد ف ��إن ر�سلي خربتني �أن قبلكم �شجرة مثل �أذان الفيلة ثم تن�شق عن مثل الدر الأبي�ض ثم تخ�ضر فتكون كالزمرد �ألأخ�ضر ثم حتمر فتكون كالياقوت ثم تن�ضج فتكون ك�أطيب فالوذج �أك��ل ثم تينع وتيب�س فتكون ع�صمة للقيم وزاد للم�سافر ف�إن تكن ر�سلي �صدقتني ف�إنها من �شجر اجلنة » .فكتب �إليه عمر« : ب�سم اهلل الرحمن الرحيم من عبد اهلل عمر �أمري امل�ؤمنني �إىل قي�صر ملك الروم .ال�سالم على م��ن اتبع ال�ه��دى �أم��ا بعد ف ��إن ر�سلك �صدقتك و�إنها ال�شجرة التي �أنبتها اهلل عز وجل على مرمي حني نف�ست بعي�سى فاتق اهلل وال تتخذ عي�سى �إلها من دون اهلل».
يعطيك عمر النخيل
والنخل �أف�ضل ث��روة وق��د �أث��ر ع��ن ه��ارون ال��ر��ش�ي��د ق��ول��ه « :ن�ظ��رن��ا ف � ��إذا ك��ل ذه��ب وف�ضة على وجه الأر���ض ال تبلغان ثمن نخل الب�صرة» .ويقولون يف م�صر« :عنده مال
في حضرة الشعر 92 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
وف� ��رع َي��زي��ن امل�ت�ن �أ� �س ��ود ف��اح��م �أث� � �ي � ��ث ك �ق �ن ��و ال� �ن� �خ� �ل ��ة امل �ت �ع �ث �ك��ل ويقول زهري بن �أبي �سلمي:
وه��ل ينبت اخل�ط��ي �إال و�شيجه وت� �غ ��ر� ��س �إال يف م �ن��اب �ت �ه��ا ال �ن �خ��ل
وك�م��ا حفظ لنا ال�شعر �سري امل�شاهري من النا�س حمل �إلينا �سري ال�شهريات من النخل، و�أ�شهر نخل العرب نخلتا حلوان كانتا من غر�س الأكا�سرة و�ضرب بهما املثل يف طول العمر ،قيل فيهما �شعر كثري نختار من قول حماد عجرد:
والنخل حمال» .ويقولون يف العراق« :املال مال النخيل واخليل لو �أقبلن» .والنخل طويل العمر ول�ه��ذا يدعو النا�س لبع�ضهم بطول العمر فيقال« :يعطيك عمر النخيل» .وقد غر�س معاوية غر�س ًا يف �أواخر خالفته وقال: «ما �أغر�سها طمع ًا يف �إدراكها ولكن ذكرت قول الأ�سدي:
ل�ي����س ال�ف�ت��ى ب�ن�ب��ي ي�ست�ضاء به وال ت � �ك� ��ون ل � ��ه يف الأر� � � � � ��ض �آث� � ��ار
حكاية النخلة عند العرب
وحكاية النخلة عند العرب مثل حكاية ال�سيف �أو البعري �أو اخل�ي��ل ،فانت�شار ال�ع��رب فوق رقعة وا�سعة من الأر�ض باعد بني اجلماعات ال�سكانية فنمت اللغة العربية م�ستقلة يف جانبها ال�شعبي اليومي ،الأم��ر ال��ذي �أوجد �أ�سما ًء متعددة وخمتلفة للأ�شياء نف�سها. وال�صلة ب�ين العربي والنخلة �صلة حميمة م�ؤكدة حتى لك�أن العربي يح�س �أن بينه وبينها و�شائج قربى ،كذلك يعرف عن العربي �أن�سه للنخلة وحبه لها ،فهذا ه��و عبد الرحمن ال��داخ��ل ر�أى فيها �أني�س ًا ل��ه يف غربته يف الأندل�س و�أنها غريبة هناك عن �أر�ضها مثله فقال:
أشهر نخل العرب نخلتا حلوان كانتا من غرس األكاسرة ُ وضرب بهما المثل في طول العمر وقيل فيهما شعر كثير
ج� � �ع � ��ل اهلل �� � �س � ��درت � ��ي ق �� �ص��ر � �ش�ي�رع ��ن ف � � ��داء ل �ن �خ �ل �ت��ي ح �ل ��وان ج�ئ��ت م�ست�سعد ف�ل��م ت�سعداين وم � �ط � �ي� ��ع ب � �ك� ��ت ل � � ��ه ال� �ن� �خ� �ل� �ت ��ان وقال مطيع بن �إيا�س فيهما:
�أ� � �س � �ع� ��داين ي� ��ا ن �خ �ل �ت��ي ح �ل ��وان واب �ك �ي��ا يل م ��ن ري ��ب ه ��ذا ال��زم��ان واعلما – �إن علمتما – �إن نح�سا فقلت �شبيهي يف التغريب والنوى � � � �س� � ��وف ي � �ل � �ق� ��اك � �م� ��ا م � �ت � �ف ��رق ��ان وط��ول اكتئابي عن بني وع��ن �أهلي ن���ش��أت ب ��أر���ض �أن ��ت فيها غريبة فمثلك يف الإق�صاء واملنتائي مثلي وق��د ك ��ان ،واف�ترق��ا ب��ال�ف�ع��ل ،ح�ي��ث اح�ت��اج الر�شيد يف م�سرية له �إىل اجلمار حل��رارة �شقتك غ ��وادي امل��زن يف املنتائي الذيي�صحوي�ستمرىامل�ساكنيبالوبل ث��ارت به ف�أخذ جمارة �أحدهما فجفت فلم
تلبث �صاحبتها �أن تبعتها. وال�شعر العربي مملكة النخلة التي ال تطاولها قال �أحد ال�شعراء ي�صف النخيل: فيها قامة حيث مل تعامل النخلة يف ال�شعر ك�أن النخيل البا�سقات وقد بدت ل �ن ��اظ ��ره ��ا ح �� �س �ن��ا ق� �ب ��اب زب ��رج ��د العربي ب�أقل مما عومل الب�شر .ولأن هناك تاريخ ًا م�شرتك ًا بني العربي والنخل ،تغني وق��د علقت م��ن حولها زينة لها ق �ن��ادي��ل ي ��اق ��وت ب ��أم ��را� ��س ع�سجد بنخله ونخيله تغني بها طلع ًا وهو �أول التمر، ثم غناها وهي خالل وهو ما اخ�ضر من التمر ثم �شدا بها ب�سر ثم رطب ثم متر .فال يكاد ويف و�صف النخيل يقول ال�سري الرفاء: ال�شعر العربي ،القدمي �أو احلديث ،يخلو من فالنخل م��ن با�سق فيه وبا�سقة ي�ضاحك الطلع يف قنواته الرطبا ذكر النخيل،لأن النخيل يف احلقيقة كانت امل�صدر الرئي�سي للغذاء لدى العرب .يقول �أ�ضحت�شماريخهيفالنحرمطلعة تبدت لنا و�سط الر�صافه نخلة �أم � ��ا ث ��ري ��ا ،و�إم� � ��ا م�ع���ص�م��ا خ�ضبا تناعت ب�أر�ض الغرب عن بلد النخل امر�ؤ القي�س وا�صف ًا �شعر املر�أة:
الصلة بين العربي والنخلة صلة حميمة مؤكدة حتى لكأن العربي يحس أن بينه تريك يف الظل عقيانا ف�إن نظرت ��ش�م����س ال �ن �ه��ار �إل �ي �ه��ا خ�ل�ت�ه��ا لهبا وبينها وشائج قربى
ط �ع��ام ال �ف �ق�ير وح� �ل ��وى ال�غ�ن��ي وزاد امل � � �� � � �س� � ��اف� � ��ر وامل � � � �غ � �ت ��رب ف �ي��ا ن �خ �ل��ة ال ��رم ��ل مل ت�ب�خ�ل��ي وال ق � �� � �ص � ��رت ن � � �خ� �ل��ات ال� �ت ��رب
�أم��ا ت��رى النخل قد ن�ثرت بلحا ويقول �أي�ض ًا: ج� � � ��اء ب � �� � �ش�ي��را ب� � ��دول� � ��ة ال� ��رط� ��ب وك� � � � ��أن ال� �ن� �خ ��ل ح� � ��ول ق �ب��اب �ه��ا ظ ��ل ال �غ �م ��ام �إذا ال �ه �ج�ي�ر ت��وق��دا م� �ك ��اح�ل�ا م � ��ن زم� � � ��رد خ��رط��ت وال�شاعر حممود ح�سن �إ�سماعيل �شاعر م� �ق� �م� �ع ��ات ال � � ��ر�ؤو� � � ��س ب ��ال ��ذه ��ب عا�شق النخل فال ترى �إحدى ق�صائده حتى م��ن ك��ل خ�ضراء ال��ذوائ��ب زينت تنت�صب يف وجهك نخله ولعل �أ�شهر ق�صائده ب � �ث � �م� ��اره� ��ا ج� � �ي � ��دا ل � �ه� ��ا م� �ق� �ل ��دا وقال �آخر يف و�صفه: النيل -يقول يف مطلعها :خرقت �أ�سافلهن �أع�م��اق ال�ثرى ح �ت��ى ات� �خ ��ذن ال �ب �ح��ر ف �ي��ه م� ��وردا ان� �ظ ��ر �إىل ال �ب �� �س��ر �إذ ت �ب��دى �� �س� �م� �ع ��ت يف �� �ش� �ط ��ك اجل �م �ي��ل ول � � ��ون � � ��ه ق � � ��د ح� � �ك � ��ي ال� ��� �ش� �ق� �ي� �ق ��ا م� � � ��ا ق � � ��ال � � ��ت ال� � � ��ري� � � ��ح ل� �ل� �ن� �خ� �ي ��ل ��ش�ج��ر �إذا م��ا ال���ص�ب��ح �أ��س�ف��ر مل ي �ن��ح ل�ل��أم ��ن ط ��ائ ��ره ول �ك��ن غ ��ردا ك� � � � � ��أمن � � � � ��ا خ � � ��و�� � � �ص � � ��ه ع � �ل � �ي� ��ه ي � �� � �س � �ب� ��ح ال � � �ط �ي ��ر �أو ي �غ �ن ��ي زب � � � � � ��رج � � � � � ��د م� � � �ث� � � �م � � ��ر ع � �ق � �ي � �ق� ��ا وي � � � �� � � � �ش� � � ��رح احل � � � � � ��ب ل� �ل� �خ� �م� �ي ��ل و�أغ� � ��� � �ض � ��ن ت � �ل� ��ك �أم � �ص �ب��اي��ا والنخلة عرو�س �أخذت زينتها يقول �أبو نوا�س: قولهم: النخل يف العرب �شعر ومن �� � �ش � ��رب � ��ن م � � ��ن خ� � �م � ��ر الأ�� � �ص� � �ي � ��ل ال �أنعت الرو�ض �إال ما ر�أي��ت به ق�صرا منيفا عليه النخل م�شتهل با�سقات النخل يف الطلع الن�ضيد ت � �ت � �ه ��ادى ك � ��ال � �ع � ��ذارى يف احل �ل��ي وقالت ال�شاعرة عاتكة وهبي اخلزرجي: فهالة من �صفتي �إن كنت خمتربا ت �ب��ارك��ت ي ��ا ن �خ �ل��ة ال���ش��اط �ئ�ين وخم �ب ��را ن� �ف ��را ع �ن ��ى �إذا � �س ��أل ��وا �شوقي: أحمد � ال�شعراء أمري � فيه ويقول وي� � � ��ا �آي � � � � ��ة الأع � � �� � � �ص � ��ر ال� �ب ��اق� �ي ��ة ن �خ��ل �إذا ج �ل �ي��ت �إب� � ��ان زي�ن�ت�ه��ا الح ��ت ب��أع�ن��اق�ه��ا �أغ��داق �ه��ا ال�ن� ٌّ�خ��ل �أرى �شجرا يف ال�سماء �أحتجب َن �ه �ل��تِ اخل� �ل ��ود م ��ن ال��راف��دي��ن و� � �ش� ��ق ال � �ع � �ن� ��ان مب� � � � ��ر�أى ع �ج��ب ف � � �ب� � ��ورك� � ��ت م � �� � �س � �ق � � ّي� ��ة �� �س ��اق� �ي ��ة م� � � � ��آذن ق� ��ام� ��ت ه� �ن ��ا �أو ه �ن��اك ويقول �أي�ضا: �أظ � �ل� ��ي �أي� � ��ا ن �خ �ل��ة ال �� �ش��اط �ئ�ين �ذب � � ش � � � �ن � � � � م درج �ا � � � ه �ر � � � ه �وا � � � ظ ك��رائ��م يف ال���س�م��اء زه�ي�ن ط��وال ف � � � � � � � ��ؤادي ب� � ��أف� � �ي � ��ائ � ��ك احل� ��ان � �ي� ��ة ف � �ف� ��ات ث � �م� ��اره� ��ا �أي � � � � ��دي اجل � �ن ��اة �أه ��ذا ه��و النخل ملك الريا�ض �أم� �ي ��ر احل � �ق� ��ول وع� ��ر�� ��س ال� �ع ��زب النخلة يف اجلزيرة العربية قالئ�ص يف ال��ر�ؤو���س لها �ضروع وللنخلة يف اجلزيرة العربية متيز يف �أ�صالتها ت� � � � ��در ع� � �ل � ��ي �أك � � � � � ��ف احل � ��ال� � �ب � ��ات �أم��ا املعري فقد �شرب من م��اء دجلة وزار �أ�شرف ال�شجر فيقول:
� �ش��رب �ن��ا م � ��اء دج� �ل ��ة خ �ي�ر م ��اء وزرن� � ��ا �أ� � �ش� ��رف ال �� �ش �ج��ر ال�ن�خ�ي�لا وو�صف �أحد ال�شعراء النخلة قائال:
والنخل حول النهر مثل عرائ�س ن �� �ص��ت غ ��دائ ��ره ��ا ع� �ل ��ى غ � � ��درانِ وال�ط�ل��ع م��ن ط ��رب ي���ش��ق ثيابه م� �ن� �ت� ��� �ش ��راً ك ��ان� �ت� ��� �ش ��ار اجل � � � ��ذالنٍ وقال �شاعر �آخر ي�صف البلح:
ولأه��ل اجلزيرة ع�شق �أكرث من غريهم لها هذا الع�شق �سكب من خالله ق�صائد غزل ولعل �أح�سن ما قيل يف هذا ال�صدد �أبيات لل�شاعر حممد بن عبد ال�ق��ادر الأح�سائي ي�صف فيها اجتماع ًا له مع بع�ض ندمائه من امل�شايخ وطلبة العلم يف عني �أم �سبعة حيث يقول:
كـ�أن جموع النخل يف عر�صاتها ��ص�ف��وف ع ��ذارى حملتها الغالئل �إذا روح��ت ري��ح ال�شمال ر�ؤو�سها مت �ي��ل ك �م��ا م� ��ال امل� �ح ��ب امل��وا� �ص��ل ف �ي��ا ح �ب��ذا ب ��رد ال�ن���س�ي��م بظلها وي � ��ا ح� �ب ��ذا ذاك ال� �ن� �ق ��ا وامل � �ن� ��ازل
في حضرة الشعر
94 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
كان العرب ال يقبلون وصف بستان بـالجنة ما لم يكن النخل أحد أهم و�أما ال�شاعر الأح�سائي �أي�ض ًا حممد اجللواح مزروعاته كذلك فإن فيقول عن النخلة: الواحة ال تكون واحة ما �شمو ّخ بال زي� ٍ�ف ..حتدت جذوره ُ يعل النخل أفقها لم
ع � ��وادي ال �ل �ي��ايل وال �ف �ن��ا َء امل ُ���س�ه��دا �أال ي��ا نخيل اهلل ال َج � ّذ ج� َذع��كِ م ��ن الأر� � � ��ض ب� � ّت ��ا ُر َي � � �دُك امل ُ��� َ�ش �ي��دا و��ش�ح�ت�ه��ا ب��ال��زه��ر ي�ع�ب��ق ن���ش��ره ح �ت��ى ب� ��دت � �ض��رب �اً م ��ن الأغ �� �ص��ان ويقول ال�شاعر يو�سف �أبو �سعد عن النخلة :و�سكبت من ذوب الف�ؤاد م�شاعري م��ن و��ش��و��ش��ات ال�ن�خ��ل لل�شبعان ف�ت�رن� �ح ��ت م� �ث ��ل ال� ��دم� ��ى �أوزاين � �ص �غ��ت ال � �ق� ��وايف ،وان �ت ��زع ��ت ب�ي��اين ويقول �أي�ض ًا عنها:
�� �س� �ن ��د� ��س ف� ��ات� ��ن وم � � � ��اء ف � ��رات ون � � �خ � � �ي� � ��ل ب � �ط � �ل � �ع � �ه� ��ا زاه� � � �ي � � ��ات ي��اع��رو���س اخلليج ح�سبك فخراً ج � �ن � �ب� ��ات ه � ��ام � ��ت ب � �ه� ��ا اخل� �ل� �ج ��ان
ون��ت ��أم��ل �إب�����داع -ع��ب��داهلل اجل�����ش��ي- ووف��ائ��ه للنخلة ه��ذه ال�شجرة املباركة ملا متثله من عطائها الالمنتهي الدائم والوفري م�صداق ًا لقول ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�آله �سلم -بيت لي�س فيه متر �أهله جياع:
ي��ا ن�خ�ل��ة وق �ف��ت ب��ال���ش��ط با�سقة ي �� �ص��ب يف ت��اج �ه��ا �أ� � � �ض � ��واءه زح��ل مدت�إىلال�شم�س�أيديهام�صافحة و�أر�� �س� �ل ��ت ظ�ل�ه��ا يف ال �ن �ه��ر يغت�سل ت�غ�ل�غ��ل امل � ��اء يف �أع ��راق� �ه ��ا ع��ذب �اً ف� ��أمت ��ر ال � ��در وامل� ��رج� ��ان وال �ع �� �س��ل ل �ق��د وه �ب��ت ل �ن��ا ظ�ل� ً ا ت �ف��يء له الخ� �ي� �م ��ة رت� � ��ة يف ال� �ب� �ي ��د ت��رحت��ل �أم��ا ال�شاعر الإم��ارات��ي �سيف حممد املرى فيقول يف ق�صيدته -النَّخْ َلة -من ديوانه – الأغاريد والعناقيد:-
ه��ام��ت ب �ح��ب ال�ن�خ�ل��ة ال���ش�ع��راء ف �ج��رت ع�ل��ى ��س�نن ال �ه��وى الأه� ��وا ُء وت �ت��اب �ع��ت يف و� �ص �ف �ه��ا �أب �ي��ات �ه��م واحل ��ب ع�ن��د ب�ن��ي ال�ق��ري����ض ع�ط��ا ُء
ذك ��روا ل�ه��ا �أف���ض��ال�ه��ا و��س�خ��اءه��ا ي � ��ا ط� ��امل� ��ا ج � �ل ��ب امل � ��دي � ��ح �� �س� �خ ��ا ُء �سبحان من�شئها الذي من ف�ضله م� � � � ��اال ي� � �ع � ��د وم� � � � ��ن ل � � ��ه الآال ُء كانت علي طول احلياة وعر�ضها م��ن خ�ي�ر م��ا ج� ��ادت ب��ه ال �� �ص �ح��را ُء ك��ان��ت ل�ن��ا ظ�ل ً�ا وك��ان��ت مطعماً � ْإن ق � ��ل زاد �أو �أ�� � �ص � ��اب ق �� �ض ��ا ُء م ��ن مت ��ره ��ا ن �ح �ي��ا زم ��ان � �اً ك�ل�م��ا �� �َ�س � � َن � � ُة ع �ل �ي �ن��ا �أَ ْق � � � َب � � �لَ� � ��تْ � �ش �ه �ب��ا ُء وث �م��اره��ا ال��رط��ب اجل �ن��ي ك ��أن � ُه ع �� �س��ل وط� �ي ��ب م � ��ذا ِق� � � ِه � َ��ص� � ْه� � َب ��ا ُء ن���ض�ج��تْ ب�ل�ا ن� ��ا ٍر ب �ه��ا �أث �م��ا ُره��ا �اب يف �إ ْن � �� � �ض� ��اج � �ه� ��ن امل � � ��ا ُء �إ ْذ ن � � � � َ عجباً من الأ�ضداد كيف ت�شاكلتْ وم � � ��ن ال � �ع � �ج ��ائ ��ب �أن� � �ه � ��ن � � �س� ��وا ُء ه��ي ك�ل�ه��ا خ�ي�ر ف�ل�ي����س لف�ضلها ح � � ��د وال جل� �م� �ي� �ل� �ه ��ا �إح � � �� � � �ص � ��ا ُء �أع �ل �م��ت ع��ن خ�ب�ر امل���س�ي��ح و�أم � � ِه مل � � � �اّ �أت � � ��اه � � ��ا امل � � ��ول� � � � ُد ال � ��و�� � �ض � ��اءُ؟ َ وت�ساقط الرطب املبارك عندما ه � � � �زَّتْ ب � �ج� ��ذ ِع ال �ن �خ �ل��ة ال� � �ع � ��ذرا ُء ِن� � ْع� � َم ال �ع �ط �ي � ُة م ��ن �إل � � � ٍه واه� ��بٍ ع� �ظ� �م ��تْ ل � ��ه الآال ُء وال� �ن� �ع� �م ��ا ُء عِ ْ�شنا عليها ح�ين مل ي��ك عندنا ن� � �ف � ��ط وال م� � � � ��ال وال �إث� � � � � � � ��را ُء �شامخ وقفت على الدهنا ِء وقفة ٍ �� �ش� �ه ��دت ل� �ه ��ا ب� ��ال � �ع� ��ز ِة ال� ��ده � �ن� ��ا ُء غ��ر���س ب��ه الآب � ��ا ُء ع��ا� �ش��وا حِ �ق�ب� ًة �أن � � �ع� � ��م مب� � ��ا ق� � ��د خ� � �ل � � َ�ف الآب � � � � � ��ا ُء ع �ه��د ع�ل�ي�ن��ا �أن ن �ظ � َّل ن���ص��ون�ه��ا دوم � � � � �اً ون� � �ح � � ُ�ن ب� �ع� �ه ��دن ��ا �أم� � �ن � ��ا ُء مي �إذا �أَت� �ي ��ت تعين ُه َط �ب��ع ال� �ك ��ر ِ رد اجل � �م � �ي� ��لِ و َه � � �ك� � ��ذا ال � �ك� ��رم� ��ا ُء ف � ��إذا ِب � َق��وم��ي ح�ي َ�ن زاد نعي ُمهم َردوا ال �� �ص �ن �ي � َع ل �ه��ا وذاك وف � ��ا ُء مل ي � ْق �ل �ع��وه��ا ك ��ي ي���ش�ي��د ُف �ن� ُ �دق �أو َي� � ْ�ح � � ِرق� ��وه� ��ا ك � ��ي ي � �ق� ��ام ِب � �ن� ��ا ُء
ثان -فيقول يف ق�صيدة له حتت عنوان� :أمام اجل � � � � � � � � ��از خ � � �ل � � ��� � ��ص وال� � � �ف� �ن ��ر ب� ْ�ل �أَك � ْر ُم��وه��ا ذا ِك��ري� َ�ن َ�صني َعها م � � � � ��ا ي � � �� � � �ش� � ��ب ب � � � ��دم � � � ��ع ال � � �ع� �ي��ن النخلة ،من ديوان الليل وال�ضفاف: ح��ا��ش��ا ل � ُه � ْم � ْأن �أَ ْح ��� َ�س � َن��تْ و�أَ�� �َ�س� ��ا�ؤُوا
ب � �ي � �ع� ��وين يف � � � �س � ��وق احل � � � ��راج �أم��ا ال�شاعر جا�سم ال�صحيح فيحكي كيف ب � � ��ارخ� � � �ي� � � �� � � ��ص ول � � � � � ��و ف� �ل� ��� �س�ي�ن �أن ج��ذوره وج��ذور �أهله تت�شابكان مع جذور ب� �ي� �ع ��وين ب� �� ��س ي� �ب� �ق ��ي ال �ن �خ��ل النخيل �إىل احل��د ال ��ذي ال ميكن الف�صل وي� � � �ب� � � �ق � � ��ي ال� � � �ب� � � �ح � � ��ر ب� � �ح � ��ري � ��ن بينهما قائ ًال:
� �س�ل�ال � ُت �ن��ا مت �ت ��د يف ك� ��ل ن�خ�ل��ة وي��دع��و ال���ش��اع��ر -ع �ب��د ال��رح �م��ن رف �ي��ع -يف ف ��إن مل جن��د خ��ا ًال وج��دن��ا بها عما ق�صيدة �أخ��رى �إىل الزراعة و�إىل كون النفط النا�س عزاً وطيبة وما النخ ُل �إال ُ مادة نا�ضبة والبد �أن نتم�سك بنخلنا الغايل، فثمة نخل يلب�س اللحم والعظما يقول يف ختام ق�صيدة له حتت عنوان زرعوا البحرين: وختاما ي��رى ال�شاعر ناجي احل��زر النخل م� � ��ا يف �أح � � �ل� � ��ى م� � ��ن ال �ن �خ �ي ��ل نهاية الأمنيات فيقول: وال �أك� � � � � � ��رم م � �ن � �ه� ��ا � � � �ش� � ��يء ك � ��ان
ي � � � ��ا ن� � �خ� � �ل � ��ة ف � � � � ��وق ال � �ك � �ث � �ي� ��ب مهجورة الأ�صحاب يحجبها الغروب م � � � � �ع � � � � �ق� � � � ��وف� � � � ��ة ال � � �� � � �س � � �ع � ��ف ت � � � � �ن� � � � ��او� � � � � �ش � � � � �ه� � � � ��ا اخل� � � � � �ط � � � � ��وب ووح� �ي ��دة خ �ل��ف ال ��رم ��ال احل�م��ر ي� � � � � ��دم � � � � � �ي � � � � � �ه� � � � � ��ا ال� � � � � �ه� � � � � �ب � � � � ��وب يف ال �ق �ي��ظ ي �ح��رق �ه��ا ال �� �س �م��وم ويف �صقيع ال�ب�رد يربحها اجلنوب وك� � � � � � � � � ��أن ه� � �م� � �� � ��س ح� �ف� �ي� �ف� �ه ��ا «وي��ح لنف�س ال يطاوعها ال�ه��روب»
ويقول ال�شاعر -ابن مقرب العيوين -متحدث ًا عن �� �س� �ق ��اك اهلل ي� ��ا �أح � �� � �س� ��ا ُء ع�م��ا وال � � �ن � � �خ � � �ل � ��ة ت � �ط � �ل � ��ع وت � � �ق � ��وم كرثة خريات اخلليج لكن �سوء ا�ستغالل الرثوة �� �س� �ق� �ي ��ت ق� �ل ��وب� �ن ��ا ف � �� � �ض �ل� ً ا وم� �ن ��ا وع � � � � ��وده � � � � ��ا دوم ع � � � � � ��ود ري � � � ��ان ت�سبب يف حرمان عامة النا�س من هذه اخلريات: ف � � ��رب �� �س ��وي� �ع ��ة يف � � �ش ��ط ن �ه��ر
وخ�ضر النخيل ع��ن ي�سرى ومينى �أن � ��ال � ��ت ك� ��ل ن �ف ����س م� ��ا ت���ش�ه��ت و�أع � � � �ط� � � ��ت ك � � ��ل ق � �ل � ��ب م � � ��ا مت �ن��ى
النخلة يف ال�شعر ال�شعبي
للنخلة يف ال�شعر ال�شعبي مكانة كبرية ،فقد قال ال�شاعر ال�شعبي:
م � � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��ر�آك ي � � � � � � � � � ��ا ن� � � �خ � � ��ل ي � � � �� � � � �ش � � � �ج � � � �ي � � � �ن� � � ��ي ي � � �ع � � ��ذب � � �ن � � ��ي
ت� �ن� �ب ��ت يف الأر�� � � � � ��ض ال �� �س �ب �خ��ة �أم��ا �سهمنا يف بحرنا امل�ل��ح م��ا�ؤه ويف ال � � ��رم� � � �ل � � ��ة ام ال � �� � �ص � �ب� ��ان ويف نخلها العم ال�ط��وادي جذوعها ويف � �س��اع��ة اجل � ��ود م �ث��ل اخل ��ود ول �ي ����س ل �ن��ا يف ال� ��در �إ ّال حم��اره ت � �ع � �ط � �ي � �ن� ��ا ال� � � �ل � � ��ول � � ��و وال � � � � � � ��دان وال يف ��س�ع��وف ال�ن�خ��ل �إ ّال قموعها �� �س� �ل� �م ��ى وح� � �ل � ��او واخ � �ن � �ي � ��زي �أغ� � � �ل � � ��ى م � � ��ن ال� � � � � ��در وامل � � ��رج � � ��ان �أما املوال ال�شعبي اخلليجي فيقول: اه � � � ��ي الأم واه� � � � � ��ي ال� � ��وال� � ��د �أب��ات بافكار وا�صبح فوق عايل نوى «نوى:ويف �� �س ��اع ��ة ال � �� � �ش� ��دة والإخ� � � � � ��وان ال�سحاب» وه � � � ��ي امل� ��� �س� �ت� �ق� �ب ��ل ل� �ي ��ن � �ش��ح وم��ن ال�ه���ض��م م��ا ي�سليني ح �ج��از ون��ويال � � � � � � � � � � ��زاد يف ك� � � � � ��ل ال � � � �ب � � � �ل� � � ��دان «ال�ه���ض��م :ال�ظ�ل��م ،ح �ج��از ون� ��وى :مقامان ب� ��اج� ��ر ل �ي��ن �� �ص ��اح ��ت ل �ب �ط��ون مو�سيقيان �شهريان» ي � � �ت� � ��ذك� � ��ر خ � �ي ��ره� � � ��ا ال � � �ي� � ��وع� � ��ان -حتى النخل يف زمانه كان يحمل نوى «نوى: وان �� �ش ��اء اهلل ت � ��دوم اخل�ي��رات ن��وات التمر ،واملعنى هنا ب�أنه حتى النخل وي� � �ع� � �ل � ��ى يف ب� �ل ��ادن � � ��ا ال � �ب � �ن � �ي� ��ان يعمل على عقد النواة داخل الب�سرة».
ولعل من �أجمل ما قيل يف النخل ويف ما عاناه من هجمة الع�صر النفطي واملدنية احلديثة عليه ق��ول ال�شاعر – عبد الرحمن حممد رفيع -يف ق�صيدة حتت عنوان :مات النخل يا كنكري ،ويق�صد طغيان البناء الأ�سمنتي على ح��ت النخل وان ��درز بكفوف �سلمى ع�سرآل � �سيف بن مبارك – القطري ال�شاعر أما � مزارع النخل اجلميلة ،يقول ال�شاعر: «ح��ت :ت�ساقط ،ان ��درز :نبت ومن��ا� ،سلمى: ح � �ت� ��ى ال � �ن � �خ� ��ل م� � � ��ات ال� �ن� �خ ��ل الدنيا ،وقد درج �شعراء امل��وال على ت�سمية وان � � � � � �ق � � � � � �ط � � � � � �ع� � � � � ��ت ع� � � � � ��روق� � � � � ��ه للنخلة في الجزيرة الدنيا بعدة �ألقاب ومنها �سلمى». وارط� � � �ب� � � �ن � � ��ا ذل� � � � ��ه ال � �ك � �ن � �ك� ��رى العربية تميز في أصالتها -وا�صبحنا ال �ي��وم ي��رم��ون��ك ب ��دار الع�سر «يرمونك :يلقون بك متخلني عنك» وب� � � � �ب � �ل� ��ا� � � � ��ش ط � � � � � � ��اح �� � �س � ��وق � ��ه وألهل الجزيرة عشق ب � � � � ��اج � � � � ��ر اذا مت االم � � � � � ��ر ال�صاحب اللي توده كل �صباح وع�صرأكثر لها وقد تجلى هذا يومني والثالث على القطاعة نوىم� � ��اي � � �ف � � �ي� � ��د �أ� � � � � �س � � � � ��ف ي � � � � ��ا زي � � ��ن
العشق في الكثير من قصائد الغزل
96 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
سيمياء
ترميزات النص الحكائي
عائ�شة الدرمكي aishaaldarmaki@hotmail.com
�إن
�إدراك ال�����ش��يء وت��ب�ين معامله الأ���س��ا���س��ي��ة ب��اع��ت��ب��اره ك��ي��ان�� ًا مف�صو ًال عن ال��ذات امل��درك��ة يرتادفان مع عملية الت�سيمة؛ فهو املدخل �إىل نقل العامل اخلارجي من و�ضعه الأ�صلي داخل طبيعة غ�ير حم��ددة امل��ع��امل �إىل دائ��رة املفاهيم امل��ج��ردة ال��ت��ي متنحه موقع ًا داخل الل�سان وداخل الذاكرة الإن�سانية، وبالتايل ف�إن ال�صيغ التعبريية ودالالتها لي�ست ح�صيلة الت�سنني ف��ق��ط و�إمن���ا هي معطاة �أي�ض ًا من خالل الت�شابه �أو التجاور ،وهو ما يق�صيه يف ر�أي �سو�سري من ال�سريورات التدليلية لأن مو�ضوع ال�سيميولوجيا يتكون من جمموع الأن�ساق ذات الطبيعة االعتباطية ،وهذا املبد�أ – االعتباطية – يعترب املعيار الرئي�س الذي يتم من خالله ت�صنيف الظواهر املنتجة للقيم الداللية التي ي�ستند �إليها املتكلم يف متثل الوقائع الإبالغية وفهمها� ،إ َّال �أن هناك جمموعة من العالمات غري الل�سانية ال��ت��ي ال تخ�ضع ل��ه��ذا امل��ب��د�أ؛ فالرموز والقرائن والأيقونات عالمات لها و�ضع خا�ص يف اللغات الإن�سانية؛ ف��ه��ي لي�ست اعتباطية ولي�ست معللة باملعنى ال��ذي يجعل منها كيان ًا حام ًال لدالالته خارج �سياق املمار�سة الإن�سانية يعرفه و�أ�سننها املتعددة؛ فالرمز مث ًال ِّ ب��ور���س ع��ل��ى �أن����ه ك��ل ع�لام��ة مرتبطة مبو�ضوعها مبقت�ضى ت��وا���ض��ع؛ فبينما يحيل العار�ض على مو�ضوعه مبقت�ضى �سببية مادية وا�ضحة ،وحتيل الأيقونة على مو�ضوعها مبقت�ضى �سمات خا�صة تتمثل يف «الت�شابه» ،ف�إن الرمز عالمة حت��ي��ل �إىل امل��و���ض��وع ال���ذي ت�شري �إل��ي��ه
مبقت�ضى قانون ،يكون يف العادة يف �شكل تداع لأفكار عامة. و�إذا كان الرمز ي�ستمد قيمته �أو معناه من ثقافة النا�س الذين ي�ستخدمونه، ف���إن له دور ًا مهم ًا يف تنظيم التجربة الإن�����س��ان��ي��ة؛ فلكي تُبلغ ه��ذه التجربة وت�صبح ع��ام��ة وك��ون��ي��ة حت��ت��اج �إىل �أن ت�صب يف �أبعاد رمزية معينة .ذلك لأن الرمز مي ِّكن الإن�سان من التخل�ص من التجربة الظرفية واملبا�شرة ،كما مي ِّكنه من التخل�ص من الكون املغلق للتناظرات على ر�أي ب��ن��ك��راد-؛ وعليه ف���إن��ه منخ�لال ال��رم��ز تت�سرب ذاك���رة الإن�سان �إىل اللغة وعربه يدرج رغبته �ضمن �أفق م�شاريعه اخلا�صة التي �ست�شكل الهوية الثقافية للمجتمعات اللغوية؛ ذلك لأن الثقافة ولدت عندما ا�ستطاع الإن�سان �أن يبلور �أدوات من �أجل ال�سيطرة �أو التوازن مع الطبيعة ،وهذه الأدوات توجد بوجود ن�شاط رمزي ي�شكلها. �إن ال��ك�لام ال��رم��زي ك�لام يكون العامل اخل���ارج���ي م���ن خ�ل�ال���ه رم�����ز ًا ل��ل��ع��امل الداخلي ،رمز ًا للنف�س والذهن والفكر. م��ن هنا ف�إننا �إذا ح َّ��ددن��ا ال��رم��ز ب�أنه «�شيء ميثل �شيئ ًا �آخ��ر» ف���إن ثمة �س�ؤا ًال كبري ًا يطرح عندئذ علينا؛ ما ال�صلة امل��خ�����ص��و���ص��ة ال��ت��ي ت��ق��وم ب�ي�ن ال��رم��ز واملرموز �إليه؟ وللإجابة عن هذا ال�س�ؤال منيز بني ثالثة �أنواع من الرموز؛ الرمز اال�صطالحي والرمز العر�ضي ،والرمز اجلامع .وهذه الرموز �ستظهر يف طرائق التعبري املتعددة التي ي�ستخدمها الإن�سان �سيما الأدب بو�صفه ت��رم��ي��ز ًا للحياة االجتماعية عامة كونه ن�ص ًا �إبداعي ًا،
سيمياء
ثم برمزيته اللغوية التي يوظفها يف التعبري عن �إ�شكاالت املجتمع ومالب�ساته من خالل جمموعة من التمظهرات الرمزية .ولعل احلكاية ال�شعبية تُظهر تلك الإ�شكاالت واملالب�سات االجتماعية �أكرث من غريها من فنون النرث كونها تقوم على «احلبكة» التي متثل الإ�شكال وتُعرب عنه، بالإ�ضافة �إىل عنا�صره الأخ��رى التي ت�ضفي على الن�ص ترميزات اجتماعية خا�صة؛ فاحلكاية حتمل يف ثناياها التحوالت االجتماعية والقيمية التي ت�شهدها املجتمعات ال�شفاهية ،ب�سبب تلك الأه��م��ي��ة ال��ت��ي متثلها احلكاية ال�شعبية التفت البنيويون منذ ال�ستينيات �إىل حتليل ودرا�سة بنيتها و�أ�سلوبها �ضمن ما �أ�سموه بـ«علم احلكاية ال�شعبية» . تنتمي احلكاية ال�شفاهية مثل غريها من الأ�شكال التعبريية �إىل الأدب ال�شفاهي الذي ينتج عن ترابط وثيق بني تقاليد �شفاهية حملية و�إقليمية .ولقد ارتبطت احلكاية منذ القدم باحلقول الرتميزية للغة ،وهي يف هذا مرتبطة بالطبيعة املجتمعية التي �أنتجتها ،وهي بو�صفها ن�ص ًا مروي ًا ف�إنها تُ�سهم يف تكوين الذات التي جتدد ترابط املروي وعالقاته املت�شابكة مع املجتمع ،معيد ًا بذلك الذات �إىل عامل ما قبل اللغة ،عامل التخيل حيث متلك الذات ثبات ًا �أكرب ،ومرونة �أقل منها عندما تكون يف عامل اللغة املنطوقة الرمزي – على حد تعبري �شاندلر -فاللغة ت�ؤدي ما �أن تُنقل �إىل عامل الأدب �إىل �إبداع جن�س جديد ي�سعى �إىل ت�أ�س�سي�س �أكرب قدر ممكن من التوافق بني العمل الأدبي والواقع الذي يحاكيه. �إن البنيات احلكائية تعترب �شك ًال كوني ًا ع��ام�� ًا ،تتميز بنوع من اال�ستقالل من حيث التنظيم ومن حيث الوجود عن البنيات اخلطابية ،فهي الوعاء ال��ذي ت�صب داخله امل�ضامني اخلا�صة بهذا الن�ص �أو ذاك ،ولهذا ف���إن لغة الن�ص تك�شف عن جمموعة من املعاين الق�صدية اخلفية املق�صودة بفعل الت�أويل؛ �إذ يت�أ�س�س هنا الت�أويل كونه طرف ًا يف ك�شف تلك ال��دالالت اخلفية التي ت�ضمرها الرموز يف الن�ص احلكائي؛ فالإن�سان ينظر �إىل الأ�شياء نظرة رمزية باعتبارها مظهر ًا من مظاهر املتخفي ،وفعل الك�شف هنا ال يكون �إ َّال عن طريق الت�أويل.
واحلكاية ال�شعبية يف عمان ودول اخلليج العربي كله ال تخرج يف مو�ضوعها و�إ�شكاالتها عن تلك الإ�شكاالت واملو�ضوعات التي عاجلتها احلكاية ال�شعبية عامة؛ �إ َّال �أن لكل منها طابعها اخلا�ص يف التناول واخل�صو�صية؛ ملا للحكايات ال�شعبية من �شكل تعبريي خا�ص ،ولعل �أول حتد نواجهه يف دول اخلليج العربي عامة عند ُبغية درا�سة هذه احلكايات هو عدم توفر ن�صو�ص حلكايات تعود �إىل عقود �سابقة �إ َّال ما بقي منها ،وجل ما ن�ستعني به هي ن�صو�ص حكائية حديثة يف احلكي ،وهناك من الن�صو�ص التي مت جمعها يف الثمانينيات �أو الت�سعينيات ومل ن�صل �إىل ن�صو�ص ُحكيت قبل ذلك؛ وما �أ�شد احلاجة �إىل مثل تلك الن�صو�ص لأن لتلك املتون �أبعاد ًا قيمية تختلف باختالف البعد الزمني واملكاين لكل ع�صر. للحكاية ال�شعبية يف اخلليج ال��ع��رب��ي ع��امل خ��ا���ص من الرموز بدء ًا من احلبكة الرتميزية مرور ًا باحلدث وانتها ًء بال�شخو�ص التي ت�شكل �إحدى ترميزات الن�ص احلكائي؛ وعملية توليد الداللة وت�أويلها بو�صفها ا�ستعارة �أو كناية �أو رمز ًا �إمنا يحتاج �إىل قراءة متثيلية �أو ت�أوي ًال رمزي ًا ،على الرغم من �أن الولوج �إىل ت�أويل الرموز االجتماعية ميثل خطر ًا �إىل حد ما؛ ذلك لأن هذه الرموز �إمنا هي من �صنع جمتمع معني له فكره وثقافته ،غري �أننا يجب �أن نرجئ تلك الت�أويالت �إىل �سياقاتها املقامية واملقالية اخلا�صة جد ًا. فاحلكاية ال�شعبية هنا بو�صفها ن�ص ًا ترميزي ًا يك�شف عن ثقافة املجتمع يف كل دولة خليجية على حدة – و�إن اجتمعت يف بع�ض ت�شاكالتها ،-كما يك�شف عن �صور حياته وعمق تخيله؛ وعندما منعن النظر يف تلك الن�صو�ص ف�إننا �سنجد ترميزات خا�صة بالطعام «طعام الإن�س �أو طعام اجلان»، و�أخرى للملب�س وامل�شرب ،بل هناك ترميزات خا�صة حتى بال�شخو�ص «�أ�سما�ؤهم و�صفاتهم» ،وعالقاتهم االجتماعية واالقت�صادية وال�سيا�سية .لذا ف�إنه البد من الولوج �إىل تلك الن�صو�ص احلكائية مبا متثله من ترميزات ثقافية مهمة، ولأن��ه ال ميكن يف مثل ه��ذا املقال اال�سرت�سال يف �ضرب الأمثلة والتحليل لتلك الرتميزات ،لذلك فلرمبا �سنزيد احلديث عنه يف مقاالت �أخرى قادمة
قال الراوي 98 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
«�سنع» و«هبة ريح» و«�أخو َ�ش ِّما»
السنافي ..
رمز التضحية وسم ّو األخالق
�رسور خليفة الكعبي �إن الكثري من املعاين اجلميلة يف وقتنا احلايل قد �آلت �إىل زوال �أو قد تكون يف طريقها �إىل االنقرا�ض ،فقد تغلبت املادية على كل �شيء يف املجتمع املحلي يف كل الوطن العربي ولي�س يف منطقة دون �أخرى ،ف�أ�صبحت املجتمعات العربية ،خا�صة البدوية منها ،م�صابة بلوثة ح�ضارية مادية بحتة مل تعد تعرتف بالكثري من املعاين. ولع ّل من الغريب �أن ي�صبح املوروث ال�شعبي يف �أغلب الأحيان وبني الكثري من النا�س ،تعبري ًا مرادف ًا للتخلف والرجعية والتم�سك باملا�ضي ال��ذي ل��ن ي �ع��ود .وي�صف ال�ع��دي��د ذل��ك ب�أنه التباكي على زمن بائد ىّول وانتهى ،ولن ينتج �إال املزيد من التخلف الذي يعاين منه املجتمع العربي ،فينفر منه مدّعو احل�ضارة والتطور ح�ت��ى �إن �ن��ا جن��د ال���ش�ب��اب ي�ن���ص��رف��ون عمن يتم�سك بتلك العادات حتى و�إن كانوا من �أقرب النا�س �إليهم كالوالدين والأقربني واجلريان. وبهذا ،ن�ش�أت املجتمعات ال�شبابية واملتحررة التي تدعو �إىل التجديد والتطور ونبذ املا�ضي ورك��وب موجة التقليد الغربي ،فيما يذهب املثقفون �إىل و�صف تلك العادات ب�أنها دعوات جاهلية وحم��اوالت من �أع��داء الأم��ة العربية و�أذنابهم ل�سجننا يف قوقعة املا�ضي وتفويت فر�ص التطور والرقي علينا. يف ذلك قال اجلمري :
و�شبــابنـا �أ���ص��ب��ح مقلــد غي ــرنا ي��ف��رع ع��ل��ى امل��و���ض��ه ول��ق��ذل��ت��ه �ساحي ومن عقب ما يتجند الأب بندقه م��ع خ��ن��ج��ر ي��ع��ت��اده��ا حت��ت لو�شاحي اب��ن��ـ��ـ��ه جت��ن��ـ��ـ��ـ��د ب��ن��ط��ل��ـ��ـ��ـ��ون م��ـ��ـ��رن��ق وقمي�ص م��ن نوعهاحللق طلواحي
�إنني بال �شك من �أولئك الدعاة الذين ال يزالون يحنون �إىل املا�ضي وقيمه و�أ�ساليب احلياة ال�سائدة فيه ،ال �سيما تلك املثل والأخالق التي �سادت املجتمع حلقب طويلة منذ الأزل وحتى وقت قريب ،وكان يل ن�صيب �أن �أحيا جزء ًا من حياتي وفقها ،وقدر يل �أن �أن�ش�أ يف جمتمع قد �أج ّلها ف�أ�صبحت القانون الذي يقتدي به.
المرأة «السنعة» هي من تشهد لها النساء باألدب واألخالق ومعرفة الحقوق والواجبات التي تترتب عليها في بيت أهلها أو بعد زواجها ويف هذه اللفتة �أ�شارك القارئ الكرمي م�سمى واح��د ًا من تلك امل�سميات التي يتباكى عليها �أمثايل من الدعاة �إىل املا�ضي البائد ،والذي انقر�ض حتى من الكتب التعليمية يف جمتمع الثقافة الإلكرتونية ،ومل يعد الكثريون يعرفون معنى الكلمة �أو �إىل ماذا ترمز ،وما هو حمركها يف نفو�س النا�س يف الزمن اجلميل.
منزلة رفيعة
ال�سنايف ،كلمة هلك كثري من النا�س كي ينال �شرفها يف املجتمع اخلليجي واملحلي ،و�أفنى �آخ��رون مالهم يف �سبيلها ،فهي منزلة رفيعة ال تقل عن ال�سهى �أو الرثيا يف نف�س العربي البدوي .تلك املنزلة من الفراقد التي امتدت �إليها الكثري م��ن الأي ��ادي ولكن مل تنلها �إال النفو�س التي ت�شربت باملُثل واملعاين الرفيعة
«السنافي» كلمة يجتهد الكثيرون لنيل شرفها في المجتمع الخليجي والمحلي فهي منزلة رفيعة ال تقل عن السهى أو الثريا في نفس العربي البدوي
حتية اخل�شم داللة للمجد وال�شموخ والرفعة
قال الراوي 100 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
فهفت �إىل منازل الربوج يف ال�سماء ،ومل ت ُفز بها �إال بعد ع�ن��اء و��ش��ق �أن�ف����س وب��ذل الغايل والنفي�س .واملثري يف الأمر �أن كل هذا البذل ال ي�سبقه تخطيط �أو �سابق �إ�صرار ،ولكنه �أ�سلوب حياة اعتاد معتنقوه الت�شبث به. فمن هو ال�سنايف؟ وم��ا هي �صفاته؟ وه��ل هو رجل �أم امر�أة؟ وهل ال�سنايف حقيقة �أم خيال؟ �أم جمرد ق�صة تتداولها املجال�س حتى �أ�صبحت كاخلرافات التي تعج بها الثقافة العربية؟ و�إن كان حقيقة فكيف هو؟ و�أين يوجد؟ وهل ميكن �أن ُي��رى؟ .تلك الت�سا�ؤالت وغريها تطر�أ على ذوي املخيلة اخل�صبة ،خا�صة �أولئك الذين يطمحون �إىل التميز وي��روم��ون �إىل املعايل، ف�إن مل تكن من فئة ال�سنايف ،فكيف ي�ستطيع الإن���س��ان �أن ي�صل �إىل مرتبه «ال�سنايف» يف جمتمعه؟. �أ�سئلة كثرية حم�يرة عن تلك املرتبة التي ال ت��ورث وال ت�شرتى وال تعلم ،ولكنها مكونات
«السنافية»مجموعة أفعال متكاملة ومتوافقة مع هوى النفس ،تشكل في مجموعها المحرك الرئيس لجميع تصرفات اإلنسان في مختلف المواقف والحاالت باعتبارها الطريقة المثلى مرتاكبة من كل ذلك ت�صوغها نف�س تهفو �إىل العلياء ،فهي مو ّرثات «جينات» تتحكم يف كل �شيء ،فلمن يريد �أن يكون يف مرتبه ال�سنايف عليه �أن يحوز على هذه املجموعة من الرتكيبات والتفاعالت املعقدة وال�صعبة يف �آن. �أقول� ،إن ال�سنافية هي جمموعة �أفعال متكاملة ومتجان�سة ومرتابطة ومتوافقة مع هوى النف�س، وال�ت��ي ت�شكل يف جمموعها امل�ح��رك الرئي�س جلميع ت�صرفات الإن�سان يف خمتلف املواقف واحل ��االت دون حاجته للتفكري يف الطريقة
املثلى .فهو يت�صرف وف��ق طبيعته التي جبل عليها وت�شكلت منها نف�سيته ونظرته جلميع �أم��ور حياته ،وهذه املكونات تتكون يف الذات، مع الأقربني ،ومع اجلار القريب ،ومع الغريب املنقطع.
املعايري الأخالقية لل�سنايف
�أم��ا املوا�صفات ال�شخ�صية لل�سنايف ،فهو ذو �شخ�صية ق��وي��ة متكنه م��ن ات �خ��اذ ق��رارات��ه ال�شخ�صية بناء على دافع ذاتي يتحمل نتائجه بكل �شجاعة ،ولكن ال ي�شرتط �أن يكون ذو بنيه ج�سدية ريا�ضية متكنه من حتمل ال�صعاب وامل���ش�ق��ات يف طلب ال��درج��ة ال�سنافية� ،إال �إن��ه كرمي بالفطرة� ،سخي ،معطاء ال ي�سعى لل�شهرة ،ي�ف��رط يف ل��وم��ه لنف�سه واتهامها بالتق�صري يف حق الغري ،ويجد ال�سعادة يف م�ساعدة الآخرين. و�أم ��ا ال�ن���س��اء ،فيمكنهن �أي���ض� ًا �أن يرتقني �إىل درجة ال�سنافية ،فهي لي�ست حكر ًا على الرجال و�إن كانوا الأكرث �شهرة ملا يتمتعون به من ات�صال مبا�شر مع املجتمع وب�شكل �أو�ضح من الن�ساء ،ولكن ال يخلو ال�تراث اخلليجي والإماراتي من ذكر الن�ساء ال�سنافيات اللواتي رفعن ر�ؤو�س قبائلهن ب�أكملها ولي�س عوائلهن �أو �أ� �س��ره��ن ف �ق��ط.ول �ط��امل��ا ت �� �س��اءل��ت :هل ال�سنافية موروثات جينية تتناقلها الأجيال؟. ولكن وجود الذرية اخلاملة يف املجتمع لرجال ع��رف��وا بال�سنافية وال�شجاعة تدح�ض هذا االف�ت�را���ض .ووج ��ود �أم�ث�ل��ة ل��رج��ال �سطروا �أ�سماءهم يف التاريخ املحلي وهم ال ينحدرون م��ن الطبقات العليا يف املجتمع ،ي��ؤك��د �أن ال�سنافية لي�ست حكر ًا على فئة �أو طبقة دون �أخ��رى .ولكن مم��ا ال�شك فيه �أن ال�سنافية الب��د و�أن يكون لها �أ�صل جيني يف امل��و ّرث��ات ال�شخ�صية ،تدعمها التن�شئة وال�ترب�ي��ة يف �أول ال�صبا ومرافقة الأخيار وال�شجعان من النا�س ،ما ي�صقل هذه ال�صفات ويل�صقها يف الالوعي لت�صبح القائد احلقيقي لل�شخ�صية الرتاثية مهما كانت .ويقول ال�شاعر �سامل اجلمري:
واملـريـلـة ف ـي ـهــا �أم��ـ��ـ��و ٍر ت ـعــزبـهــا مـنهاجـهـا غ ـيـر عـن مـنـهـاج ال�سـفالـي فـيهـا الـتقـى والكرم واجلـود موجبــها والـعـفـو والــ�صفـح عـن بــاقي الأنـذالـي
ال�سنع
ويتكون ال�سنع من جمموعة املفاهيم والعادات والتقاليد التي اعتادها �أف��راد املجتمع والتي ي�ستخدمونها يف تعامالتهم اليومية وعالقاتهم الإن�سانية ،ويحر�صون على تعليمها وتوريثها من جيل �إىل جيل .وال�سنع هو �أ�سلوب حياة متكامل يحكم جميع ت�صرفات الفرد يف جميع �ش�أنه وعالقاته االجتماعية وال�شخ�صية ،من النظافة ال�شخ�صية و�أ�سلوب احلديث حتى �أعلى تقييم للت�صرفات لدى املجتمع. فالرجل ال�سنع لطيف الكالم ،خفي�ض ال�صوت، يغلب املنطق واحلجة يف جميع مناق�شاته .يراعي جميع احلقوق الواجبات التي عليه يف املجتمع ابتدا ًء بوالديه وجاره وانتهاء ب�شيخ القبيلة وكبار ال�سن .وهو ال يخرج �أب��د ًا عن طوع والديه ،وال ي�سري أ�م��ام وال��ده يف النهار وال خلفه يف الليل، وال يجل�س يف مو�ضع �أعلى من ر�أ���س �أبيه ،وال يركب طاملا والده مي�شي ،وال ي�شرب �أو ي�أكل �أو يغ�سل يديه قبله ،وال ي�سمح لوالده �أن يحمل �شيئا بوجوده ،وال يخالفه الر�أي يف العلن .ي ّرب بق�سمة، وينفذ وعده ،وي�ؤدي دينه ،ويعمل عمله ،ويلب�سه نعليه ،وكذلك مع والدته. �أما مع �أخوته ،ف�إن كان كبريهم ،كان كالوالد، و�إن ك��ان �صغريهم ك��ان ك��اخل��ادم .وه��و ظ ّل �أخواته الن�ساء وراعيهن .ي�صحبهن يف ذهابهن وي�س�أل عنهن ويرعى �ش�ؤونهن ويقوم بجميع واجبات �صلة الرحم ابتداء من الوالد الأكرب «اجلدّ» وحتى ال�صهر الأبعد و�إن كان يف بلدة �أو قرية �أخرى. ً والرجل ال�سنع يرعى دائما حرمة ج��اره .فال يغ�ضبه ،وال ي�ستعديه ،وال ي�ستحل حرمته ،ويرعى بيته يف غيبته ،وي�صلح من �ش�أن �أ�سرته حتى يعود .يعينه يف عمله ،ويلبي طلبه ،ويعوده يف مر�ضه ويتبعه يف جنازته. و��س�ن��ع ال��رج��ل ي�ت�ب��دى يف معاملته ل�ل��رج��ال،
وبطريقة جل�سته الرجولية ،وتلبيته للنداء عند واملـريـلة ف ـيـهــا �أم���ـ���و ٍر �صـع ـي ـبــة الطلب ،و�سرعته يف قيامه باملهام املطلوبة م��ـ��ا ه��ـ��وب ك���ل م��ـ��ن راده��ـ��ـ��ا يــرهـيـهــا
منه ،وب�أ�سلوب حديثه وحجته .فهو دائم ًا حمط الآم��ال والأن�ظ��ار .ويتميز �أي�ض ًا ب�سعة اطالعه على جم��ري��ات الأم ��ور يف حميطه ،ومراعاته جلميع �آداب املجال�س من حمافظة على مكانه يف ترتيب املجل�س وحتى توقري احلا�ضرين� ،إىل غري ذلك من الأ�سناع التي يهتم بها الرجال. و�صدق اجلمري �إذ يقول :
«السنافية» لها أصل في المورّثات الشخصية تدعمها التنشئة والتربية في أول الصبا ومرافقة األخيار والشجعان من الناس ما يصقل هذه الصفات ويلصقها في الالوعي لتصبح القائد الحقيقي للشخصية التراثية مهما كانت
املر�أة «ال�سنعة»
�أما امل��ر�أة «ال�سنعة» فهي من ت�شهد لها الن�ساء ب��الأدب والأخ�لاق ومعرفة احلقوق والواجبات التي ترتتب عليها ،والتي تعني والدتها يف كل �ش�ؤونها وتقوم بكل �ش�ؤون البيت يف ح�ضور وغياب والدتها .وعند زواج�ه��ا ت�صبح راعية املنزل فتقوم على كل �ش�أن من �ش�ؤون بيتها وزوجها، فال يغلق باب منزله يف غيبته ،وال يرد زائره ،وال يخيب من التج�أ �إليه .وينظر العرب �إىل ال�سنع على �أنه الركيزة الأوىل التي ي�س�أل عنها ملعرفة �ش�ؤونه وتلبية طلبه حتى يف تق ّربه للزواج .وهي اخلطوة الأوىل التي على ال�شباب اجتيازها مل�صاهرة الكرمي من العائالت .وكذلك تنظر املر�أة عند بحثها عن زوجة البنها بني املر�شحات من الفتيات .ويقول �صاحب ال�سمو ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان طيب اهلل ث��راه يف مدح الرجل ال�شهم:
قال الراوي 102 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
ان تتلك�أ �أو ت�شتكي من تعب .وهي التي تنهي جميع �أعمالها اليومية قبل غريها �أو دون الطلب �إليها، وما �أن ي�صل ال�ضيوف �إىل منزلها حتى تكون قد جهزت جميع لوازم واحتياجات ال�ضيافة يف وقت قيا�سي وا�ستقبلت �ضيوفها �أح�سن ا�ستقبال. ويجل املجتمع هاب وها ّبة الريح أ�مي��ا �إج�لال، فتطري ال�سمعة الطيبة بني النا�س وي�صبح حامل هذه ال�صفة م�ضرب ًا للأمثال بينهم ،وي�ست�شهدون به وميجدونه مبا يجعل �صاحب ال�صفة رج ًال كان �إم امر�أة مفخرة يف املحيط الذي يعي�ش فيه. وي�ق��ول ال�شاعر حممد ب��ن ي�ع��روف ب��ن مر�شد املن�صوري يف و�صف املر�أة ال�سنعة :
ال�������ش���ه���م و ال���ق���ـ���ـ���ـ���رم ل������ه ����ش���اين ع�������ن�������د يل م������ث������ل������ه وم�������������ن دوره يل ع����م����ل����ه����م يف ال�������ب�������دل ب�����اين ب�����������اح�����ت�����رام وج�����ـ�����ـ�����ـ�����د م�����������ش�����ه�����وره ل���ـ���ـ���ي م�������س���اع���ي���ه���م ب����االح���������س����اين يف ال������ع�������������ش������اي������ر م������ال������ه������ا ج���������وره
هبة الريح
�أما «هبة الريح» ف�إنها من �أكرث الأمور التي يجب �أن يتحلى بها ال�سنايف يف جميع �أح��وال��ه .فهي تت�صل مبا�شرة بنظرة املجتمع �إىل قدرات الرجل ال�سنايف وبلهفته للقيام ب�أعمال ترفع من �ش�أنه. وهبة الريح تعني ال�سرعة التي يقوم بها ال�سنايف لأداء الأعمال مع الدقة والكفاءة يف تنفيذ تلك الأعمال .وعندما ي�أتي �ضيف مث ًال يكون «هاب الريح» قد قام بالتح�ضري لكل ما يتعلق ب�إكرام ال�ضيف م��ن جتهيزات يف وق��ت قيا�سي ،من
�سالمي على اللي مثل هذي من الن�سوان ح�شيم و رزينة عق ــل مــاهيب مطفوقه �سترية و دين وخلـق ما جابهـا نق�ص ــان وال قــد م�شت يف �سكة الغـ ــي وطروقه خفيفة كـالم و�صوت ما �سمعها اليـيــران واللي مثـلــها عـ ــن كلمة النقد مرفوقه كما اجلوهر اللي دفع به غـ ــايل الأثمان من �أغلى اجلواهر يوم جابوه يف �سوقه اللي من طــرت قلــت ب�س ــم اهلل الرحمن حماها الويل مــن كل حا�ســد و منطوقه الذبائح وجتهيز الطعام والقهوة العربية وغريها،
ولقد كان ال�ضيف يف �سابق العهود ي�أتي من دون �أ�سطورة �شما
�سابق ات�صال وتن�سيق كما هو احلال اليوم. وعلى ال�سنايف �أن يكون «خماوي �شما» �أي يغيث وتو�صف املر�أة �أي�ضا مب�سمى «ها ّبة ريح» �أي ميكن امللهوف واملحتاج ويقدم امل�ساعدة مهما كانت االعتماد عليها وتقوم بكل واجباتها يف ن�شاط �صعبة ومهما بلغت ،ف�إن مل يكن ميلك ما ي�ساعد وهمة متيزها عن غريها ويف وقت قيا�سي دون به ،ف�إنه يبذل �أق�صى جهده يف حماولة لأداء املطلوب منه .وي�أتي هذا امل�سمى من ق�صة تراثية قدمية مفادها �أنه كانت هناك فتاة تدعى �شما، «السنع» مجموعة وهي منقطعة لي�ست لديها �أ�سرة �أو عائلة .وقد المفاهيم والعادات تزوجها �أحد الأ�شخا�ص وارحتل بها �إىل �أهله يف والتقاليد التي اعتادها بالد بعيدة ،ونتيجة وحدتها وعدم وجود �أ�سرة أفراد المجتمع والتي �أو «ع��زوة» لها فقد ا�ضطهدتها �أ��س��رة زوجها يستخدمونها في فعاملوها معاملة اخلادمة �أكرث من زوجة االبن، وقد د�أبت �شما �أن تذهب �إىل رابية تبكي حظها تعامالتهم اليومية ً العاثر بعيدا عن �أعني النا�س علها جتد �سلوتها وعالقاتهم اإلنسانية، يف بكاء خلوتها. ويحرصون على ويف �أحد الأي��ام ،وفيما كانت �شما تبكي يف تلك
تعليمها وتوريثها من جيل إلى جيل
البقعة البعيدة عن منازلها ،مر بها فتيان على �صهوات خيولهم ف�س�ألوها ع��ن �سبب بكائها ف�أخربتهم بق�صتها ،فطلبوا منها الرجوع �إىل منزلها و�أن تدعي ب�أن �أخوتها قد ي�أتون لزيارتها، وترتك الباقي عليهم .فعادت وهي فرحة �أميا فرح بهذه امل�ساعدة التي تلقتها دومن��ا موعد، وجل�ست �أم��ام منزلها ،وكلما �س�ألها �أح��د عن �سبب جلو�سها ،كانت ترد �أن قلبها يحدثها ب�أن �أخوتها �سوف ي�أتون �إليها وينت�شلونها من الذل ال��ذي تعي�شه ،فكانت بنات �أ�سرتها ي�ضحكن عليها مبن فيهم زوجها و�أخ��وت��ه .وبينما هم كذلك �أقبل الفتية على خيولهم ،فقفزت �شما للرتحيب بهم على �أنهم �أخوتها ،و�أخذت ت�صيح وتزغرد فرح ًا ،ف�أقبل الفتية على منزلها و�أكدوا �أنهم �أخوتها ،و�أنهم كانوا يبحثون عنها وعن �أخبارها التي انقطعت عنهم منذ فرتة طويلة. وبينما هم كذلك تعر�ضت قبيلة زوج �شما لغارة من �أعدائها ،فلم يجد املغريون من يردهم، ف�ساقوا �أموال النا�س �أمامهم ،عند ذلك ا�ستنجد زوج �شما بهم بعد �أن فقد كل �أمواله و�إبله ومل يتمكن من الدفاع عنه ،فهب الفتية على �صهوات خيولهم وكل منهم يردد «�أنا اخو �شما» وحلقوا باملغريين فقتلوهم و�أعادوا جميع �أ�سالب القبيلة وكذلك ما غنموه من املغريين و�أهدوه �إىل �شما التي �أ�صبحت بعد ذلك امللكة غري املتوجة يف قبيلتها بعد �أن كانت م�ستعبدة وم�ضطهدة، و�أ�صبح جميع من يقوم ب�أعمال بطولية ذات �شان يكنى بلقب «�أخو �شما». نلم ب�أخبارها �إن ال�سنافية بال �شك �أكرب من �أن ّ و�أو�صافها يف مقال �أو كتاب واحد �أو كتب عدة، فهي منظومة حياة جت�سدت يف �شخ�صيات كانت ت�أنف وت�أبى على �أنف�سها حياة ال��ذل والهوان. فكانت حياتهم يف جمملها بذل م�ستمر لبلوغ العال ،فالرجل ال ير�ضى �أن يكون �أقل من «قرم» �أو «�شغموم» �أو «خم ��اوي �شما» وغ�يره��ا من امل�سميات اجلميلة التي حتث على الكرم والبذل والعطاء والت�ضحية.
من�ش�أ ال�سنايف
ويبقى ال�س�ؤال املهم :من �أين جاءت كلمة �سنايف وما من�ش�ؤها؟.
املر�أة «ال�سنعة» حتظى بتقدير املجتمع
«السنع» أسلوب حياة متكامل يحكم جميع تصرفات الفرد في جميع شأنه وعالقاته االجتماعية والشخصية، من النظافة الشخصية وأسلوب الحديث حتى أعلى تقييم للتصرفات لدى المجتمع ت�ق��ول الق�صة �إن��ه يف عهد م�ب��ارك الكبري يف الكويت ال�شقيق ،عندما تعر�ضت �سوق الل�ؤل�ؤ للم�صاعب ،د�أب الكويتيون على الذهاب �إىل الهند للغو�ص ه �ن��اك ،ف�ق��ام بع�ض ال�شباب بال�سفر �إىل الهند للغو�ص .وعندما و�صلوا وجدوا �أن احلكومة قد منعت الغوا�صني العرب من العمل فتقطعت بهم ال�سبل هناك وك��ادوا �أن يهلكوا م��ن اجل��وع ب�سبب ع��دم توفر امل��ال
للعودة �أو لبدء عمل يف تلك البالد البعيدة .ومع �شعورهم باحلرية من �أمرهم �أ�صر �أحدهم على فكرته التي طلب من �أ�صحابه تنفيذها لتنقذهم من املوقف ال�صعب ،ومفادها �أن يقوموا ببيعه كرقيق يف ال�سوق وي�شرتوا بثمنه �أم��اك��ن لهم وله يف �أول �سفينة عائدة �إىل الكويت .فخ�شي �أ�صحابه من �أن ال يتمكن من الفرار وي�صري رقيق ًا للأبد يف تلك البالد البعيدة .ولكن ،ومع �إ�صراره على تنفيذ الفكرة ،وحالتهم ال�صعبة التي باتوا عليها ،مل يجدوا بد ًا من قبول الفكرة. فباعوه لتاجر هندي وقاموا ب�شراء تذاكر العودة لهم ول�صديقهم .وملا حان موعد ال�سفر ،متكن م��ن ال�ه��رب م��ن مالكه الهندي وع��اد اجلميع بف�ضل �شجاعته وت�ضحيته �إىل ب�لاده��م ،وملا ع��ادوا �إىل الكويت �أخ�بر ال�شيخ م�ب��ارك عن فعلة ال�شاب ال�شجاع ،فقال� :أين هذا ال�سنايف �أريد �أن �أراه ،ف�أطلق لقب ال�سنايف عليه حتى �أن عائلته ال تزال حتمل نف�س اال�سم يف الكويت �إىل يومنا هذا ،ف�أ�صبح ال�سنايف يطلق على كل من يقوم ب�أعمال الت�ضحية والبطولة
حكايات من الذاكرة 104 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
أوالد أمين القاهرة -ه�شام علي
«علي» يف بطن �أُميُ ،ولد هو �أ ّو ًال و ُو ُ لدت بعده بخم�س دقائق ،وكنت �أداعبه يف طفولتنا ع َرفتُ ًّ و�أقول له «�إنني كنت �أكرث منك �أدبا!» ،لقد قلت لك ّ «تف�ضل �أنت �أ ّو ًال» وتركتك تخرج �إىل الدنيا قبلي .هما �أ�شهر«تو�أم» يف تاريخ ال�صحافة امل�صرية والعربية م�صطفى وعلي �أمني. عندما بد�أت خطواتي الأوىل يف ال�صحافة يف بداية الثمانينات ،كانت جريدة «الأحرار» التي اتدرب بها يتم تنفيذها وطبعها �أ�سبوعياً يف م�ؤ�س�سة «�أخبار اليوم» بالق�سم التجاري ،كنت �أعترب يوم ال�سهرة الأ�سبوعية لتنفيذ اجلريدة �أ�سعد �أيام حياتي على الإطالق. كان يكفيني احل�صول على هذه الفر�صة الثمينة �أ�سبوعي ًا، ل ��وج ��ودي يف الأم ��اك ��ن ن�ف���س�ه��ا ،وال��ط��رق��ات وامل �ك��ات��ب واملطبعة،التي �شهدت ميالد �أ�شهر �صحيفة عربية «�أخبار غيت �شكل ال�صحافة اليوم»� ،أو مدر�سة «�أخبار اليوم» التي رّ امل�صرية ،بعد �أن �أ�صبحت اجلريدة ال�شعبية الأوىل التي يتخاطفها القرّاء من �أم��ام �أب��واب املطبعة قبل �أن ت�صل للموزعني ،وبائعي اجلرائد ،لدرجة �أن �صحافيي «الأهرام» الذين نلقبهم ب�صحافيي «ال ِبدَل ال�شيك» كانوا يقفون �أمام بوابة «�أخبار اليوم» حتى يت�أكدوا ب�أنف�سهم من �أن اجلريدة التي تناف�س جريدتهم يعمل بها �صحافيون وحمررون ولي�سوا «عفاريت» �أو «منجمون» ي�ستعني بهم �أ�صحاب «�أخبار اليوم» يف «ا�صطياد الأخبار» و�صنع «اخلبطات ال�صحافية» التي كانت تهز م�صر يومي ًا ،م�صر ال�شعبية ،القراء،والر�سمية، ال�سلطة وال��وزراء والق�صر «امللكي» ال��ذي كان يعمل �ألف ُ ح�ساب لأ�شهر «تو�أم» عرفته ال�صحافة امل�صرية والعربية، م�صطفى وعلي �أمني� ،صاح َب ْي «�أخبار اليوم». يف هذه ال�سهرة ال�صحافية الأ�سبوعية كث ً ريا ما كنت انتهز فر�صة الراحة للجلو�س بني «ا�سطوات» تنفيذ ال�صفحات، وعمال ال�صف ،ا�ستمع حلكايتهم عن كبار ال�صحافيني يف امل�ؤ�س�سة عندما كانوا �شباب ًا يف �سني ،وكيف �صنعوا جمدهم ال�صحايف ،و�شهرتهم ،ونوادرهم ال�صحافية ،خ�صو�ص ًا �أن كل ا�سم من ه�ؤالء ال�صحافيني� ،أ�صبح رئي�س ًا لتحرير كربيات ال�صحف واملجالت امل�صرية والعربية �أو �سف ً ريا لـمدر�سة «�أخبار اليوم» يف دول عربية �شقيقة ،يقدم خرباته
وي�شاركهم طموحاتهم يف ت�أ�سي�س �صحف يف بالدهم تليق مبكانتهم وما �شهدته من تطور وتقدم و ُرقي. يح�ضرين يف ه��ذه اللحظة ثالثي الأ��س��ات��ذة ،م�صطفى �شردي ،جمال بدوي ،عبا�س الطرابيلي ،م�ؤ�س�سي جريدة «االحت��اد» الإماراتية ،ود� .صالح قب�ضايا م�ؤ�س�س جريدة «ال�شرق الأو�سط»ال�سعودية ،وغريهم. �أكرث احلكايات التي تعلقت وعا�شت يف ذهني «غ��ذاء يوم اجلمعة» ،الذي كان يقام �أ�سبوعي ًا يف �صالة حترير اجلريدة، وكان يح�ضره ال��وزراء وجنوم املجتمع من فنانني وفنانات ورم��وز الطبقة االر�ستقراطية ،يف ح�ضور ُك ّتاب اجلريدة الكبار م��ن �أ��ص�ح��اب الأع �م��دة ال�صحافية ،واملحررين وامل �ح��ررات ،وعمال املطبعة واملنفذين ،وال�سعادة عمال تنظيف املكاتب ،ال فرق بني اجلميع �أمام «التو�أم»� ،صاح َب ْي اجلريدة ،الكل «�شريك» يف «�أخبار اليوم» ي��ؤدي دوره عل �أكمل وجه. يف هذه اال�سرتاحة الأ�سبوعية مع «ا�سطوات» التنفيذ كنت �أ�سجل تاريخ التو�أم «�شفوي ًا»،حكاية من هنا و�أخ��رى من هناك ،خ�صو�ص ًا عالقة «التو�أم» بع�ضهما ببع�ض ،وكيف ا�ستغلوا الت�شابه الرهيب بينهما يف ال�شكل وال�صوت ،لدرجة �أن كث ً ريا ماكان م�صطفى يعقد اجتماعات املحررين على �أنه علي وعلي ُيعاقب حم��رر ًا على انه م�صطفى ،و�أحيان ًا كان م�صطفى يبد�أ كتابة مقال «فكرة» ويرتكها ل�شقيقه يف املنت�صف لي�ستكملها ،وال ي�شعر ال ُقرّاء ،وهنا ا�ستعني مبا كتبه م�صطفى نف�سه عن حكايته مع «تو�أمه» والتي �أفرد لها
ف�ص ًال يف كتابه ال�ش ّيق «م�سائل �شخ�صية». علي يف بطن �أم��يُ ،ولد هو �أو ًال يقول م�صطفى �أمني «ع َرفت ًّ و ُول��دت بعده بخم�س دقائق ،وكنت �أداعبه يف طفولتنا و�أق��ول له »�إنني كنت �أكرث منك �أدب��ا!« لقد قلت لك »تف�ضل �أنت �أو ًّال« وتركتك تخرج �إىل الدنيا قبلي. وكان ت�شابهنا عجيب ًا وكان من ال�صعب �أن تعرف �أُ ّمنا من هو علي ومن هو م�صطفى؟ وقد و�ضعت يف يدي �شريط ًا �أزرق وو�ضعت يف يد �أخ��ي �شريط ًا �أحمر لتفرق بيننا ،وكنا ننام على �سرير واحد ،و�أذكر �أننا غافلناها وتبادلنا ال�شريطني وو�ضعتُ يف يدي ال�شريط الأحمر وو�ضع �أخي يف يده ال�شريط الأزرق و�أ�صبحنا نتبادل ال�شريطني عدة مرات حتى �إنني ال �أعرف الآن هل �أنا م�صطفى �أمني �أم علي �أمني!. ً ً كانت �أُ ّمنا حري�صة على �أن نرتدي لونا واحدا من املالب�س ،فكان من ال�صعب التمييز بيننا ،وقد �ضاق ناظر املدر�سة االبتدائية بت�شابهنا العجيب فو�ضعني يف ف�صل وو�ضع �شقيقي يف �آخر، وكان �إذا �ضرب املُدر�س علي بكيت �أنا يف الف�صل الآخر وكانت هذه الظاهرة العجيبة تده�ش املدر�سني وعندما كربنا كنت �أذهب وحدي �إىل اخل ّياط اختار قما�ش ًا ل ِبدَيل ويذهب �شقيقي �إىل خ ّياط �آخر ويختار قما�ش ًا نكت�شف بعدها �أننا اخرتنا اللون و القما�ش نف�سيهما!. ً وحدث مرة بعد �أن �أ�صبحنا �شبابا كنا ن�سري على �شاطئ �سيدي مغ�شي عليها ب�شر و�إذ بفتاة ت�سري من �أمامنا ،ت�سقط على الأر�ض ٌّ فلما �أفاقوها قالت «�إنها ر�أت واحد اثنني!». تز ّوج �شقيقي قبلي وكانت زوجته تطلبه يف مكتبه بالتليفون ويبد�أ هو املحادثة ،و�إذا كان م�شغو ًال ُيعطيني �س ّماعة الهاتف و�أُ ّمت املحادثة دون �أن تعرف زوجته �أنني ل�ست بزوجها! وعندما تز ّوجتُ للمرة الأوىل �أ�ص ّرت عرو�سي على �أن تقيم فرح ًا يف فندق «�شربد» القدمي وعار�ضت ب�شدة يف هذه البهدلة ،ولكن �أ�سرة عرو�سي ا�ضطرتني �أن �أقبل هوان الزفة واجللو�س على «الكو�شة». وجل�ست خم�س دقائق و�شعرت ب�أنني اختنق وا�ستنجدت ب�أخي وطلبت منه �أن يفتيني ويجل�س بد ًال مني على «الكو�شة» وق ِبل امل�سكني �أن يقوم بهذه املهمة الثقيلة حتى انتهى الفرح! وقليل من �أ�صدقائي املدعوين اكت�شفوا �أن العري�س لي�س هو �أنا! ويف بع�ض الأحيان �أنظر يف املر�آة و�أرى �صورة �شقيقي يف بادي الأمر ثم �أتبني �أنها �صورتي!�.س ورغم االتهامات وال�سهام التي يطلقها البع�ض على مدر�سة «�أخبار اليوم» ال�صحافية �إال �أن هذه االتهامات مل ت ُِنكر �أن لـ«التو�أم » دور ًا رئي�س ًا يف رفع م�ستوى مهنة ال�صحافة يف م�صر� ،سوا ًء على م�ستوى املهنة وفنونها� ،أو رفع م�ستوى دخول ال�صحافيني ،مما �أح��دث انقالب ًا مد ّوي ًا يف «بالط �صاحبة اجلاللة»،على �سبيل
املثال ،كان توفيق احلكيم يتقا�ضى جنيهني يف الق�صة ،ف�أعطوه 400جنيه ،كامل ال�شناوي كان يتقا�ضى 12جنيه ًا يف الأهرام ف�أعطوه 100جنيه� ،أحمد ال�صاوي حممد كان يح�صل على 6 جنيهات ف�أعطوه 100جنيه ..الخ. بد�أوا يف �إر�سال ال�صحافيني �إىل امل�ؤمترات اخلارجية من �أجل �أن يكتب يف املان�شيت «مندوب �أخبار اليوم يكتب من باري�س» �أو وا�شنطن �أو روما ،بد�أت «ال�صورة» ال�صحافية ت�أخذ م�ساحة كبرية على �صدر ال�صفحة الأوىل ،وتُعامل ب�أهمية اخلرب ين�س املجتمع امل�صري� ،أزمة ن�شر �صورة ال�صحايف والتقرير ،مل َ املمثلة «كامليا» حمرتقة بعد �أن ماتت يف حادث طائرة ،انق�سم املجتمع بني م�ؤيد لن�شر ال�صورة على �أ�سا�س �أن ال�صحافة «مهنة بال قلب» ،ومعار�ض من منطلق ُحرمت «املوتى». ك��ان ه��ذا اجل��دل دائ ��ر ًا يف املجتمع والأو� �س��اط ال�صحافية، و«ال�ت��و�أم» يف قمة ال�سعادة ،منحازون ل�شعارهما ال��ذي رفعاه وتعاقدا به مع القراء «من حق ال�شعب �أن يعلم». فر�ضيا عن حم��رري «�أخ�ب��ار اليوم» �أن يح�صلوا على دورات تعلُّم الكتابة على «الآلة الكاتبة» ،ومن يجتاز هذه الدورة كانت اجلريدة ت�س ّلمه ماكينة �آل��ة كاتبة �صغرية يف حجم ال�شنطة، يتحرك بها يف �أي مكان يذهب �إليه. ال ين�سى منفذو «�أخبار اليوم» عندما �شاهدوا ال�شاب �إبراهيم �سعده-الذي �أ�صبح رئي�س ًا للتحرير ورئي�س ًا ملجل�س الإدارة-حزين يف طرقات «�أخبار اليوم» بعد �أن دخل مكتب علي �أمني يخربه ب�أنه يف طريقه لل�سفر لتغطية امل�ؤمتر املكلف به ،ويف �أثناء تبادل احلوار بينهما �س�أله علي �أمني عن ماكينة الآلة الكاتبة اخلا�صة به ،فر ّد �سعده ب�أنه مل يتجاوز الدورة ،يف هذه اللحظة ظهرالوجه الآخر العنيف لعلي �أمني ونهره ب�شدة و�أخذ منه تذكرة ال�سفر ومزّقها وحت ّفظ يف مكتبه على جواز �سفره. ك��ان «�أوالد �أم�ي�ن» كما نحب �أن نطلق عليهم يف ال�صحافة امل�صرية يرون �أن الكتابة على الآلة الكاتبة اخت�صار للزمن يف العالقة ال�صحافية بني املحرر وال�صفيف ،خ�صو�ص ًا �إذا كان املحرر من �أ�صحاب اخلطوط «الرديئة» التي حتتاج �إىل جمهود كبري يف القراءة وفك الطال�سم. يكفي �أن جتل�س بني اجليل القدمي ت�سمع منه عن «املطعم ال�شيك» الذي كان يف اجلريدة حتى ال يحتاج ال�صحافيني للخروج �إىل خارج «اجلورنال» و «احل�لاّ ق» و«اجلر�س» ،اجلر�س الذي كان على باب اجلريدة يف ال�شارع ،الذي كان يجري �إليه «التو�أم» مهروالن من الفرحة يت�سابقان فيما بينهما من �سي�شده قبل الآخر حتى ُيجلجل �صوته يف �شارع ال�صحافة ويعرف اجلميع �أن «�أخبار اليوم» حققت يف هذا اليوم انت�صار ًا �صحافي ًا
مجلس العلوم 106 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
ت�شوهات وراثية واختالالت جينية تأثيرات جديدة للنفط المتسرب على الحياة البحرية �إعداد -م�صطفى ال�شامي بعد مرور عامني على كارثة انفجار من�صة النفط ديب ووت��ر ه��وري��زون التابعة ل�شركة بي ب��ي ،تقدم الدرا�سات املختربية �أخ�يراً دالئ��ل على ت�أثري النفط املت�سرب على احلياة البحرية .باخت�صار� ،أظهرت الدرا�سات اجلديدة �أن م�ستويات التعر�ض املنخف�ضة للغاية للنفط �أدت �إىل قتل العديد من الأجنة و�صغار الأ�سماك ،ف�ض ً ال عن �أن الأنواع التي متكنت من البقاء على قيد احلياة غالباً ما تكون عر�ضة للت�شوهات اخلطرية التي قد ت�ضعف من �صحة الأ�سماك. وتراوحت الأن��واع املت�ضررة فيما بني الأ�سماك كبرية احلجم يف املحيطات مثل ال�ت��ون��ا� ،إىل الأج�سام املماثلة ل�سمك املنوة ال�ساحلية ،و�صو ًال �إىل الأ��س�م��اك ال�صغرية ال�ت��ي ت�شكل وجبات للأ�سماك الأك�بر من كافة الأن��واع .وقد تبادل الباحثون مناق�شة النتائج التي تو�صلوا �إليها يف منت�صف نوفمرب خ�لال ن��دوة �أقيمت على هام�ش االجتماع ال�سنوي جلمعية ال�سموم البيئية والكيمياء. ت�شكل العنا�صر الهيدروكربونية العطرية متعددة احللقات « »PAHsالعنا�صر النفطية الأك�ثر تهديد ًا للحياة البحرية .فمن خالل عملية تعرف با�سم "التجوية" ،تت�صاعد مواد كيميائية �أخف وزن ًا من النفط اخلام ،تاركة مواد تتحول مبرور الوقت �إىل م��واد �أثقل وم��ن ثم �إىل تر�سيبات. ويو�ضح التحليل الكيميائي اجلديد الذي �أجراه داميان �شي من جامعة والية نورث كارولينا يف رايل �أن التجوية تخف�ض من العنا�صر النفطية مما يعمل على عزل العنا�صر الهيدروكربونية العطرية متعددة احللقات يف املاء .وا�ستنتج يف املرحلة الأخ�يرة �أن التجوية تقلل من ال�سمية النفطية.
كميات و�أنواع العنا�صر الهيدروكربونية العطرية متعددة احللقات التي اندجمت مع املاء يف كل دفعة قبل تعري�ض �صغار الأ�سماك للمزيج ملدة ترتاوح ما بني � 48إىل � 96ساعة. �أظهرت النتائج نفوق ن�صف �صغار الأ�سماك بعد تعر�ضها للماء الذي يحتوي على � 5إىل 10 ميكروجرام لكل لرت من النفط املُ َج َّوى والعنا�صر الهيدروكربونية العطرية متعددة احللقات له. ولتحقيق نف�س معدل النفوق با�ستخدام مياه حتتوي على النفط اخل��ام الناجت عن كارثة بي بي ،ا�ستعان �إي�سباو برتكيزات �أك�بر ب�أربع �إىل ثمان �أ�ضعاف.
�أ�ضاف �آن��درو �إي�سباو ،اخت�صا�صي ف�سيولوجيا الأ�سماك يف جامعة تك�سا�س يف معهد العلوم البحرية يف �أو�سنت – بعد �أن قام باختبار ت�أثريات النفط املُ� َ�ج � َّوى على الأ�سماك -قائ ًال «ولكن النفط املُ� َ�ج� َّوى �أ�صبح �أك�ثر �سمية بني �أيدينا». بالإ�ضافة �إىل ما قام به فريق هائل من الباحثني من جامعات عدة ومن الإدارة الوطنية لدرا�سة املحيطات والغالف اجلوي يف �سياتل ،قارن �آندرو ن�سبة ال�سمية للنفط املُ َج َّوى �إىل النفط اخلام بعد كارثة بي بي لدى �صغار �أ�سماك خليج املك�سيك كالكوبيا واملاهي ماهي التي خرجت حديث ًا من بي�ضها بعد تربيتها معملي ًا. وملحاكاة كيفية عمل املوجات على ت�شتيت العنا�صر النفطية ،قام فريقه بو�ضع النفط وماء البحر يف ت�أثريات �ضوء ال�شم�س خالط ومت مزجهما .ومن ثم ،قام الفريق بقيا�س �أظ�ه��رت �إح��دى ال��درا��س��ات الأخ ��رى �أي�ض ًا �أن �ضوء ال�شم�س عزز الت�أثريات ال�سمية� .أكد �آرون روبرت�س ،من جامعة ن��ورث تك�سا�س يف دينتون العديد من صغار السمك �أي�ض ًا �أن العنا�صر الهيدروكربونية العطرية تعرض الضطرابات قلبية متعددة احللقات تزيد من قدرة الأن�سجة على امت�صا�ص الأ�شعة ف��وق البنف�سجية ال�ضارة. بعد تعقب مستويات و�أ�ضاف قائ ًال «علينا �أن نفكر �أي�ض ًا ب�أن العنا�صر التعرض للنفط في
البيض الذي استمر لمدة يوم أو ما يقارب اليوم
الهيدروكربونية العطرية متعددة احللقات تعمل كم�ضاد ملواد الوقاية من �أ�شعة ال�شم�س» . لفح�ص الت�سمم ال�ضوئي احل��ادث �أثناء عملية تخ�صيب البي�ض ،قام فريق روبرت�س بجمع بي�ض ال�سمك حديث الإنتاج و�سائل منوي من كائنات بحرية مل تتعر�ض للت�سمم متت تربيتها معملي ًا وم��ن ثم مت م��زج اخلاليا يف م��اء بحر خمتلط بالنفط� .أظهرت العملية �أنه فيما يتعلق بالأنواع الأك�ث�ر ح�سا�سية ،كال�سرطان الأزرق واملاهي ماهي ،تطلب الأم��ر من � 2إىل 6ميكروجرام فقط م��ن العنا�صر الهيدروكربونية العطرية متعددة احللقات لكل لرت من املاء لتقليل ن�سبة اخل�صوبة املعتادة للبي�ض – على الأقل يف وجود الأ�شعة فوق البنف�سجية ال�شم�سية .و�أكد روبرت�س �أي�ض ًا �أنه حتى بعد منع 90باملائة من الأ�شعة فوق البنف�سجية� ،إال �أن الأ�شعة التي مرت كانت كافية لتقليل جناح اخل�صوبة ناهيك عن ال�ضرر الذي ت�سبب به الزيت مبفرده. ور�صد �أي�ض ًا مارتن جرو�سل من جامعة ميامي يف فلوريدا مالحظاته قائ ًال �أنه يف هذه الأنواع تف�سر ال�سمية املعززة �ضوئي ًا تزايد «ميكن �أن ِّ احل�سا�سية بع�شرين مرة». كما �أظهرت درا�سة �أخرى �أن �صغار �أ�سماك التونا واملاهي ماهي التي مت تربيتها معملي ًا وظلت على قيد احلياة لفرتة ق�صرية بعد تعر�ضها ملاء البحر املُ َج َّوى غالب ًا ما تكون عر�ضة للت�شوهات التي قد تعر�ض بقاءها على قيد احلياة ملدة �أطول للخطر. على �سبيل املثال ،ذكر جرو�سل «�أن العديد من �صغار ال�سمك تعر�ض ال�ضطرابات قلبية بعد تعقب م�ستويات التعر�ض للنفط يف البي�ض الذي ا�ستمر ملدة يوم �أو ما يقارب اليوم» .وعقب مرور �شهر ،عندما و�ضع فريقه ه���ؤالء ال�صغار يف مكافئ لطاحونة مائية ،ا�ستطاع ال�سمك ال�سباحة بن�سبة 70باملائة فقط من �سرعة الأ�سماك التي منت يف ماء مل يتعر�ض لل�ضرر. �أ� �ش��ار ج��رو��س��ل �إىل «�أن �أداء ال�سباحة هذا منخف�ض للغاية» ،مما قد يعر�ض قدرة الأ�سماك املفرت�سة على ا�صطياد كمية كافية من الفرائ�س، �أو ال�سفر مل�سافات طويلة للغاية كتلك التي تقطعها �أ�سماك التونة املهاجرة �إىل حد كبري كل عام للمخاطر .وقد �شجع ذلك فريقه على
أكد الباحثون وجود تغييرات في نشاط مجموعة هائلة من الجينات في األسماك في المواقع التي تتأثر بالنفط منها عيوب في القلب والعمود الفقري إ�ج��راء ه��ذه االختبارات التي �أظهرت بياناتها �أن العديد من الأن��واع الهامة جتاري ًا يف املياه العميقة ،ال�سيما التونة ،و�ضعت بي�ضها يف اخلليج �أثناء الأ�شهر التي كان بئر ديب ووتر هوريزون ي�سرب النفط خاللها ،مع العلم ب�أنه يف ال�سنوات ال�سابقة غالب ًا ما كان يتم و�ضع البي�ض يف منطقة الت�سرب مبا�شرة. �أخ�ي�ر ًا� ،أك��د فريق الباحثني وج��ود تغيريات يف ن�شاط جمموعة هائلة من اجلينات يف �أ�سماك اجليلي في�ش يف اخلليج املك�سيكي التي متاثل �أ�سماك املنوة يف الطول والعائدة من املواقع التي ت�أثرت بالنفط على ال�ساحل اخلليجي .ويعد هذا النوع من الأ�سماك �أكرث الفقاريات انت�شار ًا يف مياه امل�ستنقعات يف لويزيانا .وقد �أكد �آندرو وايت هيد من جامعة كاليفورنيا بدافي�س �أنه "ال ميكن تعقب م�ستوى العنا�صر الهيدروكربونية العطرية متعددة احللقات من خالل املاء املوجود يف ه��ذه امل��واق��ع �أو �أن�سجة احل�ي��وان��ات� ،إال �أن
جينات احليوانات ُتظهر ب�صمة وا�ضحة للتعر�ض للعنا�صر الهيدروكربونية العطرية متعددة احل�ل�ق��ات .وا�ستنتج �أن ب�صمة ال�سمية هذه «تو�ضح �أن هذه الأ�سماك قد تعر�ضت لرتكيزات حيوية ذات �صلة» . قام فرناندو جالفيز من جامعة والية لويزيانا يف ب��ات��ون روغ ،م��ن خ�لال جتربة معملية ذات �صلة ،بح�ضانة بي�ض من �أ�سماك جيلي في�ش مل تتعر�ض ل�ضرر يف ماء نظيف مع روا�سب من حواف م�ستنقعات ت�ضررت بالت�سرب .مل يفق�س العديد من البي�ض ،بيد �أن الأجنة مل تتعر�ض للنفوق .كما �أن العديد من �صغار ال�سمك التي نتجت عن فق�س البي�ض تعر�ضت ال�ضطرابات قلبية وعيوب يف العمود الفقري ف� ً ضال عن عيوب �أخرى .وجد فريق جالفيز �أن �سرعة القلب لدى �صغار ال�سمك ال��ذي ن�ش�أ يف بيئة بها روا�سب ت�ضررت بالنفط �إىل حد كبري بلغت 60باملائة فقط مقارنة بنظريتها الطبيعية .وق��د حذر وايت هيد من التقليل من �أهمية هذه الت�أثريات والقول ب�أنها ت�ؤثر فقط يف �أ�سماك اجليلي في�ش. و�أ�ضاف قائ ًال «تعد امل�ستنقعات التي ت�ضررت بالت�سرب النفطي ح�ضانة ملقدار وفري من الأنواع ال�سمكية التجارية»«.لذا ،ف�إن الذي يحدث مع �أ�سماك اجليلي في�ش �سيحدث مع �أن��واع �أخرى من الأ�سماك التي ت�شاركها نف�س بيئة املعي�شة»
مجلس العلوم 108 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
�أ�سالف الإن�سان اتبعوا نظام ًا نباتي ًا
علماء يكتشفون لغز اختيارات األغذية لدى السالالت األولى بارانرثوبو�س بويزي «انظر� ،6/4/11 :ص .»8 ويعتقد الباحثون �أن��ه من املرجح �أن��ه كانت لدى القرد اجلنوبي ،مثل الأ�سرتالوبيثك�س الباهرالغازاي القدرة على تناول الأطعمة املتوفرة يف الأماكن التي تنت�شر بها ال�سافانا �أو الغابات .من املمكن �أي�ض ًا �أن الأنواع التي عا�شت يف �أفريقيا الو�سطى قد بد�أت تطوير الذوق اخلا�ص باحل�شائ�ش ونباتات ال�سعادى. وقد اكت�شف مايكل برونيت �أحد امل�شاركني يف الدرا�سة من جامعة بويتريز ،بفرن�سا البقايا الوحيدة املعروفة من قرد الأ�سرتالوبيثك�س الباهرالغازاي – وهي عبارة عن فك �أ�سفل جزئي يحتوي على �سبعة �أ�سنان والعديد من الأ�سنان الأخ��رى لأف��راد �آخ��ري��ن – يف عام 1993يف كورو تورو ،بت�شاد .وبنا ًء على تاريخ الرتبة التي حت��وي احلفريات و�أن��واع بقايا احل�ي��وان��ات التي مت العثور عليها يف هذه الروا�سب ،تو�صل الباحثون �إىل �أن هذه الف�صيلة عا�شت منذ � 3.6إىل 3مليون �سنة ما�ضية .ويعتقد بع�ض العلماء �أن هذا الفك يخ�ص �أو�سرتالوبيثيكو�س �أفاريني�سي�س، �أح��د الف�صائل التي عا�شت �شرق �أفريقيا لأك�ث�ر م��ن 3مليون �سنة ما�ضية وي�شتهر بالهيكل العظمي اجل��زئ��ي امل�سمى لو�سي. وحتى الآن مل يتم �إجراء التحليل الكيميائي لأ�سنان من نوع لو�سي للح�صول على دالئل بخ�صو�ص احل�م�ي��ة ال�غ��ذائ�ي��ة .وق��د �صرح ع��امل الأنرثوبولوجيا �ستانلي �أم�برو���س من
ي�شري التحليل الكيميائي لأ�سنان �أحد �أفراد العائلة الب�شرية املتطورة التي تت�سم بالغمو�ض ويبلغ عمره 3مليون عام �إىل �أنه كان يتمتع ب ��ذوقٍ م�ستقل جت��اه احل�شائ�ش والنباتات املزهرة التي يطلق عليها "نبات ال�سعادي". مل يبد ق��رد الأ�سرتالوبيثك�س باهرالغازاي ال��ذي عا�ش يف �أفريقيا الو�سطى اهتمام ًا ب ��أوراق النباتات والثمار والأطعمة الأخ��رى النموذجية للف�صائل الأول �ي��ة ال�ت��ي ت َّركز وجودها يف مناطق الغابات .وقد �أكدت عاملة الآث��ار جوليا يل ثورب وزمالءها من جامعة �أك�سفورد ب�إجنلرتا �أنه «بد ًال من ذلك ،كانت تتغذى يف الأ�سا�س على �أج��زاء احل�شائ�ش التي تقع حتت الأر�ض ونباتات ال�سعادى التي كانت تنمو يف مناطق ال�سافانا» .ظهرت هذه الدرا�سة عرب الإنرتنت يف الثاين ع�شر من نوفمرب �ضمن فعاليات الأكادميية الوطنية للعلوم .وقد �أظهرت نتائج التحليل �أن البقايا التحليل الكيميائي أثبت التي مت اكت�شافها كانت �أكرب مبليون �سنة على أن اإلنسان قبل 3مليون الأقل من النوع الآخر من الف�صائل التي بذوق كانت عام ًا كان يتمتع ٍ تتغذى على احل�شائ�ش ونبات ال�سعادى ،وهو
مستقل تجاه الحشائش والنباتات المزهرة
جامعة الينوي يف �أوربانا – ت�شامبني قائ ًال «ا�ستطاع قرد �أ�سرتالوبيثك�س احل�صول على قوته من ح�شائ�ش ال�سافانا» .و�أ�ضاف «�أنه ال ميكن حتديد م��ا �إذا ك��ان يتناول الكثري من احل�شائ�ش �أو حلوم احليوانات الرعوية من خالل التحليل الكيميائي» .قام فريق يل ث��ورب بقيا�س منوذجني من الكربون يف الأ�سنان من ث�لاث �أف��راد �آخرين ويف عينة �أحفورية من �أ�سنان العديد من احليوانات التي مت اكت�شافها يف كورو تورو .انحدر �أحد من��اذج الكربون يف الغالب م��ن احل�شائ�ش ونباتات ال�سعادى ،يف حني انحدر النموذج الآخر ب�شكل رئي�سي من ال�شجريات ال�صغرية والأ� �ش �ج��ار ال �ك �ب�يرة� .أظ �ه��رت ال�ن�ت��ائ��ج �أن هذه الف�صيلة كانت تتغذى على نف�س كمية احل���ش��ائ����ش ون �ب��ات��ات ال���س�ع��ادى ال �ت��ي ك��ان بارانرثوبو�س بويزي يتناولها .وثمة اقرتاح تتبناه ث��ورب� ،أنه من املحتمل �أن يكون قرد الأ�سرتالوبيثك�س الباهرالغازاي كان ي�ستهلك ال ��درن ��ات ال �ت��ي تنمو حت��ت �سطح الأر� ��ض والب�صالت النباتية واجل ��ذور ،ف� ً ضال عن ج��ذور نبات ال�سعادى التي تنمو فوق �سطح الأر�ض مثل الربدي .وي�ؤكد عامل الأنرثوبولوجيا بيرت �أوجنار من جامعة �أركان�سا�س يف مدينة فيتفل «�أن��ه بالرغم م��ن ��ض��رورة وج��ود عينة �أحفورية من الأ�سنان لتو�ضيح ع��ادات تناول الغذاء لدى الأ�سرتالوبيثك�س الباهرالغازاي� ،إال �أنه يبدو �أن تناول احل�شائ�ش ونبات ال�سعادى مل يكن حكر ًا على بارانرثوبو�س بويزي» . و�أ�ضاف �أوجنار �أي�ض ًا "�أن لغز اختيارات الأغذية لدى ال�سالالت الأوىل يبدو �أكرث تعقيد ًا كلما �أ�ضفنا ف�صيلة �إليها"
عرب حماكاة التمثيل ال�ضوئي لدى النبات
جهود الستخراج غاز الهيدروجين من الماء لتوليد الوقود لقد �أ��ص�ب��ح م��ن ال�سهولة مب�ك��ان ا�ستخراج غاز الهيدروجني من املاء ،مع العلم ب�أن هذا االكت�شاف ق��د ي���ؤدي �إىل ظهور و�سائل غري مكلفة وعملية لال�ستفادة من �ضوء ال�شم�س يف �إنتاج الهيدروجني كوقود احرتاق نظيف لتزويد ال�سيارات بالوقود �أو لتوليد الكهرباء. وي��رغ��ب العلماء يف حم��اك��اة عملية التمثيل ال�ضوئي لدى النبات ،التي تعمل على اال�ستفادة من �ضوء ال�شم�س وجتزئة جزيئات املاء لتوليد ال��وق��ود .ي�ب��دو الأم ��ر ب�سيط ًا� ،إال �أن املهمة تتطلب جمموعة من التفاعالت املنظمة للغاية لدى النباتات ذاتها والتي ي�ؤديها العديد من الأع�ضاء يف �أماكن عدة .ومن ثم ف�إن الباحثني غالب ًا ما يتعاملون مع ن�صف عملية التمثيل ال�ضوئي يف كل مرة. وتركز الدرا�سة اجل��دي��دة ،التي ن�شرت عرب الإن�ت�رن��ت يف ال�ث��ام��ن م��ن ن��وف�م�بر يف جملة �ساين�س ،على جانب اقتنا�ص ال�ضوء الناجت عن هذه املعادلة .فقد قام باحثون من جامعة رو�ش�سرت يف نيويورك ،بتوليد ج�سيمات دقيقة من عن�صري الكادميوم وال�سيلينيوم والتي تقذف �إل�ك�ترون��ات عند ارتطامها بال�ضوء. كان الفريق �أي�ض ًا بحاجة �إىل حمفز لتمرير الإل�ك�ترون��ات �إىل �أي��ون��ات الهيدروجني ،التي تندمج بدورها لتكون غاز H2املفيد. و�ضع الباحثون يف بوتقة التجربة خا�صتهم املاء واجل�سيمات النانونية «مع غطاء كيميائي جلعل تلك املواد قابلة للذوبان يف املاء» ،وحمفز النيكل وقليل من املكونات الأخ��رى .وحينما يرتطم ال�ضوء بالبلورات النانونية ي�صدر �صوت �ضجيج مما يعمل على توليد غاز الهيدروجني، وال تتوقف هذه العملية .وغالب ًا ما يبد�أ اجلزء املمت�ص لل�ضوء من هذا النظام يف االنخفا�ض؛
وحينما يختفي هذا اجلزء يتوقف كل �شيء. وقد �صرح تود كراو�س ،أ�ح��د �أع�ضاء الفريق قائ ًال «بعد مرور �أ�سبوعني ،كانت الأمور ت�سري ببطء للغاية ،لذا �أوقفنا العملية حينما نفذ �صربنا» . يف عملية التمثيل ال�ضوئي املثالية ،قد ين�ش�أ الهيدروجني ال��ذي ي�ستقبل الإلكرتونات عن جتزئة املياه مما ي�ؤدي �إىل توليد الأوك�سجني.
االكتشاف الجديد قد يؤدي إلى ظهور وسائل غير مكلفة لالستفادة من ضوء الشمس في إنتاج الهيدروجين كوقود احتراق نظيف لتزويد السيارات بالوقود أو لتوليد الكهرباء
ولي�س للنظام احلايل ما يجعله يقوم بتجزئة امل�ي��اه ،ل��ذا ف��إن��ه ي�ستخدم مركب ًا �آخ��ر؛ وهو حام�ض الأ�سكوربيك للقيام بعمل املاء. وت�ؤكد هيماماال كارونادا�سا ،العاملة الكيميائية من جامعة �ستانفودر� ،أن النظام اجلديد يتغلب على العديد من العقبات التي ميكن �أن تف�سد جهود التمثيل ال�ضوئي اال�صطناعي .فهذا النظام طويل الأم��د كما �أن��ه متوافق مع املاء وامل��واد الكيميائية التي ت�ؤدي �أكرث من وظيفة واحدة على نحو فعال. لي�س ذلك فح�سب� ،إذ من املمكن �ضبط جزيئات اقتنا�ص ال�ضوء للح�صول على الطاقة من العديد من الأطوال املوجية لل�ضوء .و�أ�ضافت �أي�ض ًا « هذا �أمر جيد! لأن �ضوء ال�شم�س يحتوي على العديد من الأطوال املوجية »
مدن 110 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
رحلة �شائقة من الندرة �إىل الوفرة
الحياة االقتصادية إلمارة أبوظبي قراءة تاريخية لبدايات القرن الـ 19م
موزة عوي�ص الدرعي
باحثة مبركز زايد للدرا�سات والبحوث
�شهدت ج��زي��رة �أب��وظ�ب��ي – امل�ستوطنة اجل��دي��دة على ال�ساحل يف القرن الثامن ع�شر ومنذ اكت�شاف املاء فيها عام - 1761منواً مت�سارعاً يف جوانب متعددة منها ما كان �سيا�سياً و�آخر اقت�صادياً واجتماعياً .وميكن مالحظة هذا النمو من نواح متعددة منها على �سبيل املثال ،ازدياد عدد املنازل من ع�شرين م�ن��ز ًال عند ب��داي��ة اكت�شاف امل��اء �إىل �أربعمائة م�ن��زل ،وذل��ك بعد عامني فقط من هذا االكت�شاف)،(1وهذا �إن دل على �شيء ف�إمنا يدل على ازدياد �أعداد �أفراد بني يا�س القادمني من ال�صحراء لال�ستقرار يف جزيرة �أبوظبي ،وال �شك �أن هذا االزدي��اد كان له �أ�سبابه ودوافعه من قبل ه�ؤالء القادمني من ال�صحراء ،ولعل من �أهمها� :أو ًال :اكت�شاف املاء.
مدن 112 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
ال�صيد والغو�ص �شكال �أهم احلرف لأهل �أبوظبي قدميا ً
ثاني ًا :وجود نوع �آخر من �أنواع الن�شاط االق��ت�����ص��ادي ال���ذي ميكن م��زاول��ت��ه يف ج��زي��رة �أب��وظ��ب��ي .ث��ال��ث� ًا :ب��داي��ة ظهور حياة �شبه م�ستقرة يف جزيرة �أبوظبي وذل��ك ل��وج��ود ال�سببني الأول وال��ث��اين ب��الإ���ض��اف��ة �إىل ظ��ه��ور امل�لام��ح الأوىل لبدايات الت�شكيل �أو التكوين ال�سيا�سي لإمارة �أبوظبي وذلك من خالل تنبه �آل نهيان �إىل �أهمية اال�ستقرار ال�سيا�سي يف اجل��زي��رة ،وال��ذي ب��د�أ ُي�ترج��م على �أر�ض الواقع منذ �أن �أخذ ال�شيخ ذياب بن عي�سى يتنقل بني عا�صمته يف ليوا
و�أب��وظ��ب��ي ،ث��م ك��ان��ت اخل��ط��وة املهمة والفعلية لبداية ذلك اال�ستقرار بنقل ال�����ش��ي��خ ���ش��خ��ب��وط ب��ن ذي���اب «- 1793 »1816مقر حكم �آل نهيان من ليوا �إىل �أبوظبي.
أسهم االستقرار في أبوظبي في بروزها كميناء رئيسي لصيد اللؤلؤ على ساحل الخليج العربي نتيجة لقربها من واحدة من أثرى مغاصات اللؤلؤ على ساحل الخليج
ومل ت��ك��ن ه���ذه اخل���ط���وة امل��ه��م��ة ال��ت��ي �أق��دم عليها ال�شيخ �شخبوط بن ذياب « »1793-1816يف ن��ق��ل م��ق��ر حكمه ذات ت ��أث�ير ���س��ي��ا���س��ي ف��ق��ط يف ت��اري��خ �إمارة �أبوظبي ,و�إمنا كانت ذات ت�أثري اقت�صادي واجتماعي ملمو�س وب�شكل وا���ض��ح ع��ل��ى م��ا ح���دث م��ن م��ت��غ�يرات �شهدتها �إم���ارة �أب��وظ��ب��ي وخ�لال فرتة ق�صرية من ه��ذا االن��ت��ق��ال�.إذ �أن هذا ال��ت��ح��ول �أو االن��ت��ق��ال م��ن ال�����ص��ح��راء �إىل ���س��اح��ل ال��ب��ح��ر ق��د �أع��ط��ى �أف���راد ب��ن��ي ي��ا���س – ال��ذي��ن ا���س��ت��ط��اع��وا �أن
يتكيفوا ويت�أقلموا مع الظروف البيئية والطبيعية القا�سية التي ُق� ّ�در لهم �أن يعي�شوها يف طبيعتهم ال��ت��ي حباهم بها اهلل �سبحانه وتعاىل -منفذ ًا على البحر �أدى �إىل �إنعا�ش حياتهم نتيجة ا�شتغالهم بال�صيد والتجارة وا�ستخراج الل�ؤل�ؤ) ،(2فقد ا�ستطاع ه�ؤالء القادمون م��ن ال�����ص��ح��راء �أن يكت�سبوا وب�شكل تدريجي مهارات فائقة يف بناء ال�سفن وك��ي��ف��ي��ة ���ص��ن��اع��ت��ه��ا وط����رق ال�����ص��ي��د والغو�ص على الل�ؤل�ؤ الذي �أ�صبح ي�شكل املورد الرئي�سي بالن�سبة لهم وملدينتهم النا�شئة على �ساحل البحر ،يف وقت مل ت�ستطع البيئة ال�صحراوية �أن متدهم �إال بالقليل م��ن امل��ه��ن امل��ن��ت��ج��ة ،ومب��ا يكفيهم ل�سد متطلباتهم ال�ضرورية من احلياة. كما �أن ه��ذا االنتقال واال���س��ت��ق��رار يف �أبوظبي قد ترافق معه ب��روز �أبوظبي – من الناحية االقت�صادية – كميناء رئ��ي�����س��ي ل�����ص��ي��د ال��ل ��ؤل ��ؤ ع��ل��ى ���س��اح��ل اخلليج العربي وخا�صة منذ البدايات الأوىل للقرن التا�سع ع�شر وحتى مطلع ال��ق��رن الع�شرين وذل��ك نتيجة قربها من واح��دة من �أث��رى مغا�صات الل�ؤل�ؤ على �ساحل اخلليج ) .(3وه��ذا م��ا عرب عنه �أدوارد هندر�سون حيث قال :كانت �أبوظبي يف القرن املا�ضي� -أي القرن التا�سع ع�شر امل��ي�لادي -وحتى مطلع ه��ذا ال��ق��رن� -أي ال��ق��رن الع�شرين- واح��دة من �أه��م املراكز الرئي�سية يف جت���ارة ال��ل ��ؤل ��ؤ ) (4ون��ت��ي��ج��ة ل��ذل��ك فقد انت�شر �أف��راد بني يا�س على جمموعة اجل���زر ال��واق��ع��ة ع��ل��ى ال�ساحل ) (5ويف مقدمتها جزيرة «دملا» �أهم جزيرة يف الأرخبيل بعد جزيرة �أبوظبي. وق��د اكت�سبت ه��ذه اجل��زي��رة �أهميتها كميناء لتجارة الل�ؤل�ؤ ملوقعها املتو�سط ب�ين امل��غ��ا���ص��ات ،كما �أن ال�سفن التي تق�صدها تكون يف م��أم��ن م��ن الرياح وال��ع��وا���ص��ف ،وك��ان��ت ه���ذه اجل��زي��رة
لقطات من احلياة يف ما�ضي �أبوظبي
مدن 114 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
جزيرة دملا تعد جزيرة دملا �أقدم م�ستوطنة ب�شرية �ساحلية يف دولة الإمارات العربية املتحدة ،حيث يعود تاريخها �إىل ح��وايل خم�سة �آالف ع��ام قبل امليالد، �أي �إىل ف�ترة الع�صر احلجري ،وه��و �أم��ر �أكدته البعثات اال�ستك�شافية الأثرية التي عملت يف اجلزيرة وخا�صة البعثة الربيطانية التي بذلت جهوداً متميزة يف التنقيب عن الآثار يف اجلزيرة .وتعترب هذه اجلزيرة من توابع �إمارة �أبوظبي وتقع على اجلانب الغربي من منطقة اخلليج العربي ،وت�ق��در م�ساحة ه��ذه اجل��زي��رة البي�ضاوية ال�شكل ب�ح��وايل 45 كيلومرتاً مربعاً وك��ان��ت للجزيرة � -سابقاً� -شهرة وا�سعة يف الغو�ص على ال�ل��ؤل��ؤ حيث تتو�سط ع��دة م��واق��ع للمغا�صات «ال�ه�ير» يف اخلليج العربي� ،أما يف الوقت الراهن فتعد حرفة �صيد ال�سمك هي املورد الأول ل�سكان اجلزيرة الذين يقومون ببيع �أ�سماكهم يف مدن الدولة املختلفة. انظر :عبدال�ستار العزاوي ،جزيرة دملا املباين الرتاثية وجهود الرتميم وال�صيانة ،مركز زايد للرتاث والتاريخ ،العني ،ط� ، 2002 ،1ص18- ،9 .19ج .ج .لورمير ،ال�سجل التاريخي للخليج وعمان و�أوا�سط اجلزيرة العربية ،الق�سم اجلغرايف ،مج ،2جامعة قابو�س� ،ص.90
م�أهولة بال�سكان طيلة ف�صول ال�سنة، ول��ك��ن ع���دد �سكانها ي��زي��د يف مو�سم ال��غ��و���ص ل��ي�����ص��ل �أح��ي��ان � ًا �إىل ع�����ش��رة �أ���ض��ع��اف .وي��ع��ق��د يف اجل���زي���رة ���س��وق �صغرية لبيع اللوازم ،كما يح�ضر �إليها جت��ار ال��ل��ؤل��ؤ وامل��م��ول��ون ل�شراء اللآلئ وا���س�ترداد دي��ون��ه��م ،ويفد �إليها جتار ل��ن��ج��ة وال�����س��اح��ل ال��ف��ار���س��ي ،و�أع����داد ك��ب�يرة م��ن ال��ت��ج��ار ال��ه��ن��ود امل��ع��روف�ين يف ���س��وق ال��ل ��ؤل ��ؤ ال��ع��امل��ي��ة «ب��ب��وم��ب��اي» وامل�����ع�����روف ب���ا����س���م «م����وت����ي ت������ازار»، و�أ���ص��ب��ح��ت اجل���زي���رة ���س��وق � ًا لأن�شطة جتارية �أخرى ،مثل جتارة مياه ال�شرب امل�ستوردة وامل��واد الغذائية والأقم�شة والأ�سلحة ،بالإ�ضافة �إىل الداللة حيث تتم فيها �صفقات العر�ض والطلب على الغوا�صيني والبحارة ).(6 وه����ك����ذا ون���ت���ي���ج���ة ل����ه����ذا االن���ت���ق���ال واال�ستقرار يف �أبوظبي ب��د�أت احلياة ت��دب يف �أن��ح��اء ه��ذه امل��دي��ن��ة النا�شئة �شيئ ًا ف�شيئ ًا ،وب���د�أت التجارة تن�شط يف م��ي��ن��اء �أب��وظ��ب��ي ب��ال��ت��دري��ج��ي ث��م مل يلبث هذا امليناء �أن �أ�صبح وبعد فرتة وج��ي��زة امل��ي��ن��اء الرئي�سي لأف���راد بني ي��ا���س ،ولعلنا جن��د م��ا ي ��ؤك��د ذل��ك ما �أ�شار �إليه عدد من الرحالة الغربيني ال��ذي ق��ام��وا ب��زي��ارة �أب��وظ��ب��ي وق��دم��وا و�صف ًا لها وملينائها احل��دي��ث الن�ش�أة وم��ن��ه��م ج����.س.ب���ك���ن���ج���ه���ام – �أق����دم ال��رح��ال��ة ال��غ��رب��ي�ين ال��ذي��ن ك��ت��ب��وا عن �أبوظبي – حيث و�صف �أبوظبي يف عام 1816ق��ائ�ل ً ا� :إن �أبوظبي ج��زي��رة بها مدينة حتمل هذا اال�سم ذاته ،تقع يف �أعلى اجلزيرة ،ومينا�ؤها عامر ن�سبي ًا بالتجارة )،(7وبعد خم�س ع�شرة �سنة �أي يف عام 1831كتب املقيم ال�سيا�سي الربيطاين يف و�صفة لأبوظبي «ميناء بني يا�س الرئي�سي» يف �إ�شارة منه �إىل ال��ت��ط��ور ال���ذي �شهدته الإم����ارة خ�لال تلك الفرتة ومقارنته مب�ستوى الو�ضع الذي متتلكه جارتها الإمارة القا�سمية
كان الغو�ص �أحد �أعمدة احلياة االقت�صادية للإمارة
من حيث ال�سكان والتجارة وامل��وارد، بقوله� :إن �سكان املناطق التابعة لل�شيخ ط��ح��ن��ون ح��اك��م �أب��وظ��ب��ي « - 1818 »1833وجتارتها ومواردها ،قد ازدادت )(8 بن�سبة �أك�ب�ر م��ن��ه��ا ل���دى القوا�سم .وهذا �إن دل على �شيء ف�إمنا يدل على التطور �أو التدرج يف النمو االقت�صادي واالجتماعي الذي كانت ت�شهده جزيرة �أبوظبي يف تلك النواحي �آنفة الذكر، وخا�صة عند مقارنتها بامل�ستوى الذي ك��ان��ت عليه قبل ه��ذه ال��ف�ترة �أي قبل عام .1831 وجتدر الإ�شارة �إىل �أنه عند القول �إن �أف���راد بني ي��ا���س ق��د انتقلوا م��ن ليوا �إىل �أبوظبي ف�إن هذا ال يعني �أن جميع
املقيمني يف ل��ي��وا ق��د غ��ادروه��ا و�إمن��ا ظلت �أع��داد كبرية منهم متواجدة يف حما�ضر ليوا معتمدين يف حياتهم على ال��زراع��ة والرعي وقليل من التجارة، وخ��ا���ص��ة ع��ن��د خ��ط��وط امل��وا���ص�لات- �إن �صح التعبري� -أو ط��رق ال��ت��ج��ارة، وال��ت��ي كانت تربط ب�ين جميع الفروع
احترف بعض أفراد بني ياسوقبيلةالمناصير مهن ًا مستقرة مثل الغوص والصيد على الساحل وزراعة النخيل في واحة ليوا بينما كان هناك أفراد يعيشون حياة بدوية صرفة أو شبه بدوية
�أو املناطق التابعة مل�شيخة �أبوظبي، فكما هو معلوم �أن خطوط املوا�صالت كانت ت�شكل �أحد م�صادر ك�سب العي�ش ل�سكان املنطقة ع�بر ف�ت�رات التاريخ امل��خ��ت��ل��ف��ة .ف��ع��ل��ى �سبيل امل��ث��ال كانت تتم عملية مقاي�ضة احلطب من ليوا ب��ال�����س��م��ك وذل����ك م���ن خ�ل�ال ال��ط��رق )(9 التي كانت تربط بني ليوا وال�ساحل ،هذا بالإ�ضافة �إىل بع�ض امل�ستلزمات ال�����ض��روري��ة وال��ت��ي ك���ان يجلبها �أه��ل ال�����س��اح��ل م��ع��ه��م ،ك��م��ا ك��ان��ت ه��ن��اك ع��م��ل��ي��ات ن��ق��ل م�����س��ت��م��رة ب�ين �أب��وظ��ب��ي وال�ب�رمي���ي ) (10خ�ل�ال م��و���س��م ال��غ��و���ص ويف �أوق��ات �أخ��رى من ال�سنة ،وجتدر الإ�شارة �إىل �أن فروع امل�شيخة املختلفة
مدن 116 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
خالل �أعمال �إن�شاء ج�رس املقطع يف �أبوظبي
كانت تت�صل ببع�ضها البع�ض �إم��ا عن ط��ري��ق ال��ق��واف��ل «الإب����ل» �أو ع��ن طريق البحر ).(11 ويف ظل املوارد البيئية ال�ضئيلة واملتاحة وق���ت ذاك ،مل ي��ك��ن ب ��إم��ك��ان ج��زي��رة �أب��وظ��ب��ي وخ�لال تلك ال��ف�ترة �أن توفر �سبل العي�ش واحلياة �إال لعدد حمدود من املقيمني على �أر�ضها على الرغم من انفتاح اجلزيرة على البحر)،(12كما �أنه مل يكن ب�إمكان �أي منطقة من املناطق ال��ت��اب��ع��ة مل�����ش��ي��خ��ة �أب��وظ��ب��ي �أن تتمتع باكتفاء ذاتي من الناحية االقت�صادية،
وم��ن ث��م فقد �أدرك �شيوخ �آل نهيان وبالتحديد ال�شيخ �شخبوط -منذبداية االنتقال – ومن منطلق �سيا�سي واقت�صادي � -أهمية الربط بني ال�ساحل والداخل �أو بعبارة �أخرى بني «�أبوظبي»
ما كان ألبوظبي أن تزدهر وأن تصل إلى ما وصلت إليه إال بفضل السياسة الحكيمة التي كان ينتهجها شيوخ آل نهيان في إدارتهم لشؤونها
«اجلزيرة النا�شئة على �ساحل البحر والعا�صمة البحرية لهم» وب�ين «ليوا» »القابعة و�سط ال�صحراء �،إذ �أن هذا الربط بني الداخل وال�ساحل قد �شكل �أو �أ�س�س منط ًا اقت�صادي ًا متوازن ًا بني �أبوظبي وجميع فروعها التابعة لها، حيث �إن امل���وارد املختلفة التي يتوفر بع�ضها يف ال�ساحل واجل��زر والبع�ض الآخ��ر يف املناطق ال�صحراوية وواح��ة ل��ي��وا وك��ذل��ك ال��ع�ين وال�برمي��ي جعلت �سكان �أبوظبي يتبادلون املنافع لتلبية حاجاتهم اليومية املتعددة ،فليوا التي
مل تكن تنتج ما يكفي ل�سد متطلبات وحاجات �سكانها قد بد�أت يف االعتماد على �أبوظبي واجلزر الأخرى للح�صول على امل��واد الأ�سا�سية والعك�س �صحيح حيث �إن �أبوظبي كذلك ب��د�أت تعتمد على ليوا والعني وكذلك الربميي ل�سد متطلباتها ) ،(13حيث �إن �أبوظبي كانت تعتمد على الربميي يف ا�سترياد الفاكهة واخل�����ض��راوات واحل��ب��وب والتمور التي كانت جتلب �إليها مبقادير كبرية ).(14 وبذلك ميكن القول �إن البقعة ال�ساحلية ال��ت��ي ت�ضم ج��زي��رة �أب��وظ��ب��ي واجل���زر امل����ج����اورة والأرا�����ض����ي ال�����ص��ح��راوي��ة الداخلية التي ت�شمل واحتي الربميي »ال����ع��ي�ن« ول����ي����وا ،ت�����ش��ك��ل م���ع��� ًا وح����د ًة اق��ت�����ص��ادي� ًة واح�����دةً ،ح��ي��ث تعتمد يف من��وه��ا ال��ك��ل��ي ع��ل��ى الأج�����زاء امل��ك��ون��ة لها ،ويبقى كل جزء منها ناق�ص ًا �إذا ف�صلناه عن البقية ).(15 وهذا بدوره يقودنا �إىل معرفة حقيقة �أو طبيعة احل��ي��اة ال��ت��ي ك��ان يعي�شها �أفراد بني يا�س وحلفائهم من القبائل الأخ���رى ف��ك��ث�ير ًا م��ا ك��ان يو�صف �أه��ل �أب��وظ��ب��ي ب ��أن��ه��م م���ن ذوي الأن�����ش��ط��ة املتعددة ) (16وكان ذلك ا�ستجابة طبيعية ملا منحتهم �إياه بيئتهم من موارد �ضئيلة و�شحيحة يف نف�س الوقت �إال �أن �أفراد بني يا�س قد ا�ستطاعوا �أن يتكيفوا مع تلك الظروف البيئية القا�سية ،ولذلك جتد �ضمن هذه البيئة ك ً ال من الرعاة �أو البدو الرحل وال�سكان امل�ستقرين، مبعنى �أن بع�ض �أفراد بني يا�س وقبيلة امل��ن��ا���ص�ير ق��د اح�ترف��ا م��ه��ن� ًا م�ستقرة مثل الغو�ص ال�ستخراج الل�ؤل�ؤ و�صيد الأ�سماك على ال�ساحل وزراعة النخيل يف واحة ليوا ،وباملثل كان هناك �أفراد يعي�شون ح��ي��اة ب��دوي��ة �صرفة �أو �شبه ب��دوي��ة�،أي �إن��ه��م ك��ان��وا مي�ضون ج��زء ًا من ال�سنة يف مزارع النخيل �أو العي�ش على ال�سواحل يف موا�سم الل�ؤل�ؤ و�صيد الأ�سماك ،بينما يق�ضون اجلزء الآخر
�صياد يُ�صلح �شباكه على رمال �أبوظبي
�أحد غوا�صي الل�ؤل�ؤ عقب خروجه من املاء
مدن 118 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
لقطة جوية ملدينة �أبوظبي يف ال�ستينات من القرن املا�ضي
من ال�سنة يف رعى الأبل يف ال�صحاري).(17 وبعيد ًا عن تلك احلياة ال�شاقة ،ميكن القول كذلك ب��أن ال�شيخ �شخبوط بن ذي���اب ق��د �أدرك �أي�����ض � ًا وم��ن منطلق ���س��ي��ا���س��ي واق��ت�����ص��ادي �أه��م��ي��ة �إق��ام��ة ع�لاق��ات ���ص��داق��ة م��ع ع��م��ان وم���ن ثم فقد �أ�صبحت �أبوظبي ومنذ عام 1816 م��ك��ان � ًا مت��ار���س ف��ي��ه ال��ت��ج��ارة ،ن��ظ��ر ًا لوجود عالقة �صداقة مع �إمام م�سقط، وك����ان م��ي��ن��ا�ؤه��ا ي�����س��ت��ق��ب��ل ال��ب��واخ��ر وامل���ؤون��ة ل��ل��ت��ج��ارة ول��ت��وف�ير احل��اج��ات
املختلفة من ذل��ك ال�سوق )،(18ومن ثم ف��ق��د �أخ���ذ م��ي��ن��اء �أب��وظ��ب��ي و�أ���س��واق��ه��ا الب�سيطة -ال��ت��ي �أخ����ذت ت��ت��ط��ور مع م���رور ال��وق��ت -وج��زي��رة دمل���ا تتحول
أدرك شيوخ آل نهيان أهمية الربط بين الساحل وأسس هذا الربط والداخل ّ نمط ًا اقتصادي ًا متوازن ًا بين أبوظبيوجميعفروعها التابعةلها
تدريجي ًا �إىل منافذ طبيعية للتجارة قامت ب�سد حاجات ال�سكان ال�ضرورية وبالتايل �أخذت ثروة م�شيخة �أبوظبي االقت�صادية تت�أثر نتيجة ه��ذا النمو وخا�صة فيما يتعلق ب�صناعة الل�ؤل�ؤ – امل���ورد الرئي�سي ل�ل�إم��ارة واملهنة الرئي�سية لغالبية �سكان �أبوظبي -مما ك��ان له الأث��ر يف زي��ادة �أهمية جزيرة �أبوظبي املتواجدة على ال�ساحل وزيادة ع��دد �سكانها وك��ذل��ك يف زي��ادة حجم الإمارة نف�سها ).(19
وجتدر الإ�شارة �إىل �أن الزيادة ال�سكانية التي كانت ت�شهدها م�شيخة �أبوظبي وعلى فرتات خمتلفة مل تكن مقت�صرة على ال�سكان املحليني � -أف���راد بني يا�س والقبائل البدوية الأخ��رى فقط و�إمن��ا ت�شمل �أي�ض ًا زي��ادة يف �أع��دادالتجار املهاجرين من املوانئ العربية امل��ه��م��ة ع��ل��ى ���ش��اط��ئ اخل��ل��ي��ج امل��ق��اب��ل لإمارة �أبوظبي مثل لنجة وبندر عبا�س وم��ن��اط��ق �أخ���رى م��ن اخل��ل��ي��ج ،وكذلك زي��ادة يف �أع��داد التجار القادمني من الهند وف��ار���س وال��ذي��ن ك��ان��وا يعملون يف ت�صدير الل�ؤل�ؤ وا�سترياد الأقم�شة والأرز والنب ،وكذلك يعملون يف جتارة املفرق �أو التجزئة يف ال�سوق ).(20 وال ���ش��ك �أن ه���ذه ال���زي���ادة يف �أع����داد ال�سكان املقيمني يف �أبوظبي لدليل �آخر على �أن ن�ش�أة �أبوظبي التدريجية كميناء رئي�سي ل�صيد الل�ؤل�ؤ على �ساحل اخلليج قد ب�شرت بقرب االزده��ار االقت�صادي، وبالتايل فقد �أدى هذا �إىل تزايد م�ستمر يف �أعداد ال�سكان املتواجدين على �أر�ضها من فرتة �إىل �أخ��رى ،وال��ذي �أدى بدوره �إىل �إح��داث تغري كبري يف بناء م�شيخة �أبوظبي اقت�صادي ًا واجتماعي ًا. �إذن ق��د ت��ك��ون ت��ل��ك ���ص��ورة �أول ملحة خمت�صرة لطبيعة احلياة االقت�صادية ال��ت��ي ك��ان��ت تعي�شها �أب��وظ��ب��ي واملناطق ال��ت��اب��ع��ة ب�شكل ع���ام ،وال��ت��ي يتبني من خاللها �أن املوارد االقت�صادية التي كانت تعتمد عليها �أبوظبي كانت موارد ب�سيطة وحمدودة يف حد ذاتها ،وهي نف�س املوارد التي كانت تعتمد عليها جاراتها على ال�ساحل املت�صالح .كما �أن لتلك املوارد االقت�صادية واالنتقال �إىل جزيرة �أبوظبي انعكا�ساته ال�سيا�سية واالجتماعية على الإم��ارة النا�شئة على ال�ساحل .ولكن ما كان لهذه الإم��ارة �أن تزدهر و�أن ت�صل �إىل ما و�صلت �إليه �إال بف�ضل ال�سيا�سة احلكيمة التي ك��ان ينتهجها �شيوخ �آل نهيان يف �إدارتهم ل�ش�ؤون �إمارتهم
الهوام�ش
1-Penelop Tuson,Records of The Emirates , Primary Documents 1820-1958,Archive Editions,1990,vol.1,p.303
- 2املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم ،معهد الدرا�سات العربية ،دولة الإمارات العربية املتحدة درا�سة م�سحية �شاملة ،ط ،1ال�شركة امل�صرية للطباعة و الن�شر ،القاهرة �،1978،ص.30 - 3جوينتي م��اي�ترا ،ع �ف��راء احل �ج��ي ،ق�صر احل�صن تاريخ حكام �أبوظبي ،1793-1966ط،3 مركز الوثائق والبحوث� ،أبوظبي�،2004،ص.11 ول�ق��د ك��ان��ت �سفن �صيد ال �ل ��ؤل ��ؤ تتجمع ب�صفة �أ�سا�سية ب�ين ج��زي��رة �صري بني يا�س املواجهة ل�سواحل �أب��وظ�ب��ي ومغا�ص �إ�شتيه القريب من البحرين حيث توجد �أ�شهر و�أغ�ن��ى املغا�صات. انظر :حممد فار�س الفار�س ،الأو�ضاع االقت�صادية يف �إم� ��ارات ال���س��اح��ل(دول��ة الإم � ��ارات العربية املتحدة حالي ًا) ،1862-1965مركز ا إلم��ارات للدرا�سات والبحوث اال�سرتاتيجية� ،أبوظبي،ط،1 �،2000ص.51 - 4ادورد هندر�سون ،ذكريات عن الأيام الأوىل يف دولة الإمارات وعمان ،مويتيف ايت للن�شر،دبي، � ،1991ص.31 - 5حم� �م���د م���ر�� �س���ي ع � � �ب� � ��داهلل ،دول � ��ة الإم � � ��ارات ال �ع��رب �ي��ة امل �ت �ح��دة وج�ي�ران��ه��ا ،دار القلم،الكويت�،1981،ص.127 - 6الفار�س ،املرجع ال�سابق� ،ص.59 - 7عبد العزيز عبدالغني �إبراهيم� ،أبوظبي توحيد الإماره وقيام االحتاد ،ط1مركز الوثائق والبحوث، �أبوظبي�،2004،ص.48 - 8مايرتا ،احلجي ،املرجع ال�سابق� ،ص.56 - 9ملعرفة تفا�صيل �أكرث عن الطرق التي تربط بني ليوا وال�ساحل ،انظر:لورمير ،الق�سم اجلغرايف، مج� ،6ص.160 - 10ملعرفة تفا�صيل �أكرث عن خط �سري الطريق الذي يربط بني �أبوظبي والربميي ،انظر :لورمير، الق�سم اجلغرايف ،مج�، 6ص.71 - 11مايرتا ،احلجي ،املرجع ال�سابق� ،ص.20 - 12م��رك��ز الإم�� ��ارات ل �ل��درا� �س��ات وال�ب�ح��وث اال�سرتاتيجية ،بقوة االحتاد �صاحب ال�سمو ال�شيخ زاي��د بن �سلطان �آل نهيان القائد والدولة،ط،1 �أبوظبي�،2004 ،ص.58ونظر ًا ملوقع �أبوظبي املنعزل وافتقارها �إىل املوارد كانت جزيرة �أبوظبي تعتمد
على م�صادر خارجية لتوفري م�ؤونتها واحتياجاتها، مما يعني وقوعها يف حالة من الفقر والعوز يف حال تعر�ضها �إىل ح�صار كبري.انظر :ماتريا ،احلجي، املرجع ال�سابق� ،ص.22 - 13مايرتا ،احلجي ،املرجع ال�سابق� ،ص,20،18 جي.بي.كيلي ،احل��دود ال�شرقية ل�شبه اجلزيرة العربية ،تعريب وتعليق :خ�يري حماد ،ب�يروت، لبنان� ،1971،ص.56 ���- 14ش��رك��ة ال ��زي ��ت ال �ع��رب �ي��ة الإم��ري �ك �ي��ة، ع�� �م� ��ان وال � �� � �س� ��اح� ��ل اجل � �ن� ��وب� ��ي ل �ل �خ �ل �ي��ج ال �ف��ار� �س��ي� ،إدارة ال �ع�لاق��ات� ،شعبة البحث، املرجع القاهرة�،1952،ص.,214،233كيلي، ال�سابق�،ص�.54،56سيد نوفل،الأو�ضاع ال�سيا�سية لإم�� ��ارات اخل�ل�ي��ج ال �ع��رب��ي وج �ن��وب اجل��زي��رة، القاهرة ،جامعة ال��دول العربية املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم ،معهد البحوث والدرا�سات العربية ،ط�،1972، 1ص .36 - 15بقوة االحتاد �صاحب ال�سمو ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان القائد والدولة ،املرجع ال�سابق �،ص.35 - 16يرى بيلي �أنه لي�س هناك منط واحد«للقبيلة» يف �شبه اجلزيرة العربية ،فكل قبيلة عربية يف ال�صحراء تكيفت مع ال�ظ��روف التي واجهتها. وتنق�سم القبائل ب�شكل عام �إىل ق�سمني رئي�سني: �أو ًال ال�ق�ب��ائ��ل ال �ت��ي ع��ا��ش��ت ع�ل��ى م��ا جت ��ود به ال�صحراء ،فهي تربي املا�شية وتزرع الأرا�ضي يف الواحات .ثاني ًا،القبائل التي تعي�ش على البحر، �سواء باالعتماد على �صيد الأ�سماك �أو الغو�ص وا�ستخراج الل�ؤل�ؤ �أو التجارة البحرية� .أما الذي مييز قبيلة بني يا�س يف �أبوظبي عن غريها فهو �أن �أهلها ينحدرون من الفئتني مع ًا .ولذلك يو�صفون ب�أنهم من «ذوو الأن�شطة املتعددة» .انظر :بقوة االحتاد �صاحب ال�سمو ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان القائد والدولة،املرجع ال�سابق�،ص.32 - 17بقوة االحت��اد �صاحب ال�سمو ال�شيخ زايد ب��ن �سلطان �آل نهيان القائد وال��دول��ة ،املرجع ال�سابق�،ص.42-43 - 18مايرتا ،احلجي ،املرجع ال�سابق�،ص .22-23 - 19املرجع ال�سابق� ،ص,20عائ�شة علي ال�سيار، التاريخ ال�سيا�سي لدولة الإمارات العربية املتحدة، �أبوظبي ،مكتبة اجلامعة،ط�،1996، 1ص.157 - 20مايرتا ،احلجي ،املرجع ال�سابق�،ص.22
فنون 120 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
تتعامل معه كما ت�صوغ الذهب
تشكالت النخيل ..
في أعمال الفنانة عزة القبيسي �أبوظبي -فاطمة عطفة «عمتي النخلة» �أجمل عبارة �سمعتها يف الإم��ارات ع��ن ه ��ذه ال �� �ش �ج��رة ال�ت�راث �ي��ة امل �ب��ارك��ة .و�أ� �ش �ج��ار النخيل لي�ست ث��روة وطنية وقيمة غذائية فقط، ل�ك��ن امل�ه�ن��د��س�ين ا��س�ت�ف��ادوا م��ن ج��ذوع�ه��ا و�سعفها يف ال �ب �ن��اء ،ك�م��ا �أن ال�ف�ن��ان�ين امل �ب��دع�ين ا��س�ت�ل�ه�م��وا جمالها يف �أعمالهم الت�شكيلية ،ويف طليعة ه��ؤالء ال�ف�ن��ان��ة ع��زة القبي�سي ال�ت��ي �أط�ل�ق��ت يف اح�ت�ف��االت دو ل ��ة ا لإ م� ��ارات ا ل�ع��ر ب�ي��ة ا مل �ت �ح��دة ب��ا ل��ذ ك��رى ا ل �ـ 41 لقيام االحتاد مبادرة فنية لتحتفي على طريقتها اخلا�صة ب�ه��ذه املنا�سبة م��ن خ�لال ع��رو���ض العمل الفني التفاعلي «احتاد .»41
وج��اء هذا العمل امتداد ًا متطور ًا عن �سابقه يف العام املا�ضي «�أجيال ،»40حيث اقت�صرت التجربة يومئذ على ت�شكيل �أغ�صان «جرييد» النخلة وجذوعها اجلافة بعد �إزالة الأوراق عنها يف 40عم ًال فني ًا جم�سم ًا� ،شاركت فيه جمموعة من هواة الفنون وحمبي التجديد يعربون عن م�شاعرهم و�أفراحهم بالعيد الوطني عن طريق التلوين والكتابة على تلك املج�سمات اخل�شبية. ومتثلت جتربة الفنانة عزة هذا العام يف العمل الفني «احتاد »41حام ًال مل�سات �إبداعية متيزت بخ�صو�صية وج� ��ر�أة �أك�ث�ر ،ظ�ه��رت يف حرية امل�شاركني يف تزيني غ�صن واحد من «اجلريد» ح�سب رغبة كل واحد منهم ليعطي ال�شكل الذي يعرب فيه عن الفكرة �أو املو�ضوع الذي يختاره. وجتدر الإ�شارة �إىل �أن هذا العمل قد ا�ستقطب �شريحة وا�سعة ومتفاوتة ال ��ر�ؤى والتطلعات م��ن امل �� �ش��ارك�ين� ،شملت ف�ن��ان�ين �إم��ارات �ي�ين ومقيمني ،واجتذب كذلك �أف ��راد ًا من العامة مفعمني بال�شغف لو�ضع ب�صمتهم وخو�ض هذه التجربة الفنية اجلميلة وتوثيقها عرب و�سائل التوا�صل االجتماعي بكافة �أطيافه حتت عنوان « .»Etihad41ك��ان ملجلة «ت��راث» لقاء خا�ص مع الفنانة عزة القبي�سي لتحدثنا عن �شجرة النخيل ومكانتها يف تاريخ الإمارات وحا�ضرها، �إ�ضافة �إىل جتليات هذه ال�شجرة يف �أعمالها الفنية ،تقول� :أهدف من خالل ا�ستخدام غ�صن «اجلريد» ،يف هذا العمل ك�أ�سا�س فني� ،إىل �إعادة �إحياء القيمة الثمينة للمواد الطبيعية التي كانت جزء ًا مهم ًا من ن�سيج احلياة قبل خم�سة عقود م�ضت .ورغبتي �أن يكون لهذا العمل الأثر الكبري يف تعزيز توا�صلنا احلقيقي ،بعيد ًا عن و�سائل التكنولوجيا احلديثة حيث يقوم كل م�شارك بحمل قطعته لتثبيتها �أمام بيته �أو يف حديقته على القاعدة الأ�سا�سية امل�صممة خ�صي�ص ًا لتتنا�سب مع فكرة العمل الفني «احت��اد ،»41 وي�ستمر هذا العمل يف التطور وتلقي امل�شاركات حتى العام القادم يف �أماكن خمتلفة. وتوا�صل عزة حديثها عن هذا العمل الإبداعي وكيف تو�صلت �إىل هذا التوليف الفني اجلميل بني �إبداعها يف ت�صميم املجوهرات والأحجار ال�ك��رمي��ة وب�ي�ن ��ش�ج��رة ال�ن�خ�ي��ل ،ه��ذا ال��رم��ز
عزة القبي�سي مع �إحدى ت�شكيالتها الفنية
الرتاثي ،تبني ذلك قائلة« :كثري من الأ�شخا�ص بيت الأهل
ي��رون بعد ًا ما بني �أعمايل الفنية يف ت�صميم املجوهرات والتحف الذهبية وما بني الأعمال الهند�سية التي �أعمل بها اليوم ،وهي م�صنوعة من خ�شب النخلة ،و�أنا �أعترب �أهمية هذه النخلة ب�أهمية معدن الذهب لأنها من مواد خام متميزة فع ًال ،وهي ثروة وطنية موجودة بوفرة يف بالدنا مثلها مثل البرتول ،ونحن حتى اليوم مل ن�ستثمر بها ،ومن املمكن �أن ن�شكل منها فنون ًا عديدة من �أثاث وحتف وقطع نادرة ،وميكن �أي�ض ًا �أن تدخل يف �أمور كثرية يف �إن�شاء البيوت ،وهناك بحوث كثرية ت�أتي من اخل��ارج كي ي�ستثمروا يف مادة �أخ�شاب النخيل هذه».
ليس معنى أن لديك نخلة في منزلك وأنك تراها كل يوم أنك متواصل معها ..ال تتعرف على النخلة إال عندما تلمسها
ولأن الفنانة عزة القبي�سي من �أر�ض متتد فيها غابات النخيل على مدى النظر ،فهي منغم�سة يف حب هذه ال�شجرة وحتكي لنا كيف ن�ش�أ هذا التعلق بحب الرتاث وتطور حتى ظهر يف �أعمالها بت�صميم قطع الذهب ،ثم جتلى الآن يف ت�صميم قطع من جريد النخلة ،عائدة بالذاكرة �إىل بيت الأهل قائلة« :طبعا �أنا حبي للنخلة من طفولتي، ربينا معها و�أحببناها وكانت يف منزلنا ،لكن تعبريي بهذه املادة اليوم يرجع لعدة فرتات يف حياتي .النخلة ر�أيتها ومل�ستها و�شممت رائحتها، والق�صة الأهم كانت و�شعرت بها بفرتة معينة عندما راح��وا ينقلون النخيل من مكان ملكان لدينا يف املنزل ،وفوجئنا ب�أن واحدة من النخيل م��ات��ت فانتزعوها .يف ذل��ك ال��وق��ت م��ا كانوا ينظفون النخيل ،وقتها وهم ينتزعون النخلة امليتة �أم�سكت املادة نف�سها و�أح�س�ست بها ،كان عليها مياه متعفنة وقطع متك�سرة وه�شة ،فبد�أت الأفكار لديّ منذ ذاك الوقت ،كيف تنبت النخلة وحتتمل �أن تكون يف ال�صحراء وتكون قوية ونحن هنا لدينا يف املنازل تكون ه�شة ومتك�سرة .ومع
فنون 122 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
وتعلمت �شيئ ًا عن النخيل مل �أكن �أعرفه من قبل، وبد�أ بحثي بها يكرب .ورمبا ال�سبب يف عدم جناح التجربة الأوىل �أنه مل يكن لديّ املكان �أو امل�ساحة الكافية .ثم تعمقت ف�صنعت منها قطع ًا ب�أ�شكال فنية ،لكن كتجارب .فتجاربي بد�أت من 2006 تقريب ًا ويف 2011ظهرت �أول �أعمال يل باجلريد ك�أعمال بارتفاع خم�سة �أو �ستة �أمتار».
مناذج فنية
عزة القبي�سي مع من�صة من فنها من �شجر النخيل
البحث امل�ستمر خالل ال�سنوات الع�شرين التي مرت من حياتي ،اكت�شفت الفرق ما بني النخيل املوجود يف مزارعنا واملوجود يف منازلنا .يف ليوا لي�س هناك رطوبة واملياه دوم ًا بعيدة عن جذع النخلة الأ�سا�سي فال يكون عليها �ضرر من تعفن �أو �أي �ضرر ي�صيب جمالها فالغطاء املوجود على النخلة فيه مث ًال :مادة �شمعية على الكربة نف�سها� ،أما النخيل يف البيوت يف �أبوظبي وب�سبب الرطوبة ،وب�سبب ر���ش اجل��ذع وتنظيفه باملاء ب�شكل يومي ،فيبد�أ يتعفن لأن��ه ال يحب املياه، بل يحب املياه على ج��ذوره فقط .هنا اكت�شفت الفرق عندما ب��د�أت �أعمل يف هذه امل��ادة حيث تختلف ال�صالبة من نوع �إىل نوع �آخر .وهناك نخيل يختلف يف كثافة اجلريدة نف�سها ووزنها، وهذه �أمور على ما �أظن حتتاج لعامل �أو باحث يجب �أن يبحث بها ،لكن �أنا من حبي لهذه املادة ر�أيت موا�صفات و�أم��ور ًا بها مل �أك��ن �أعلم عنها �شيئ ًا. فالنخيل بنظري كان ي�شبه بع�ضه والرطب يختلف ب�ألوانه وحجمه هذا ال��ذي نعرفه ،لكن حتى يف �أ�سا�س النخلة وارتفاع اجلريدة وحجمها وكثافتها نرى الفرق طبع ًا ،عندما �أبد�أ �أعمل بها ،كنت �أ�س�أل و�ألتقي ب�أ�شخا�ص لهم خربة يف جمال الزرع».
تجاربي مع النخلة بدأت من 2006ولكن أول أعمال لي بالجريد بارتفاع خمسة أو ستة أمتار ظهرت في عام 2011
قائلة�« :أول مرة عرفت عن هذا اجلزء من النخلة �أن ا�سمه «كرب» ،وهذا �شيء مل �أكن �أعرفه .كل جزء يف النخلة له ا�سم و«الرييد» ا�ستخدامه يف العمل الفني جاء بعد عملي يف الكرب ،فالكرب عملت به �أول �شيء قطع ًا بحجم �صغري ،وذلك يف جتربتي الأوىل كنت �أرغب �أن �أعمل حتفة منه تعطيني �ألوان ًا خمتلفة للنخلة نف�سها .لكن القطع ال�صغرية مل تكن جتربة ناجحة .ومع عدم جناح التجربة التي قطعت فيها اخل�شب لقطع �صغرية ومل �أجنح كما كنت �أفكر ،مع ذلك ا�ستفدت جد ًا
كل جزء في النخلة له اسم و له مميزات تناسب العمل الفني مزايا النخلة وجاء استخدامي وعن �شجرة النخيل ت�شرح لنا الفنانة القبي�سي لـ«اليريد» بعد عملي مع «الكرب»
وعن الأ�شكال التي �صممتها الفنانة من النخلة كتحف هند�سية� ،سواء للبيت �أو للمكاتب ..تو�ضح ذلك قائلة« :بدون �شك �آخر �شيء كان من املمكن �أن �أفكر به هو �أن �أ�صنع قطع ًا للمنزل ،لكنها �أتت حت�صيل حا�صل لتجاربي التي كنت �أجريها يف ت�صنيع القطع الفنية التي كنت �أعملها ،وهذه ج��اءت الحق ًا .لكن مل �أعمل يف بداية جتربتي بهذه املادة ،مل �أعمل بها مادة كخ�شب وكنجارة، ب��ل عملت بها مثل عملي ب��امل�ج��وه��رات ،حيث فكرت بها ك�أحجار كرمية وكمقا�سات خمتلفة، وحاولت �أن �أج��د ح ًال كحل ت�صنيع مل��ادة لي�س فيها انتظام ،لكن النجارة حتل املو�ضوع ب�أن كل �شيء له مقايي�س يق�ص ويل�صق وي�صقل .مل �أكن �أريد �أن �أخ�سر اجلمال الطبيعي املوجود يف هذه اخلامة ،كنت �أريد �أن �أحافظ عليها ،فكما نعمل يف الأحجار الكرمية نحدد الأهم ،ثم نعمل على ايجاد احلل .وقد وجدت �أن احلل كان ب�سيط ًا ج��د ًا عندما �أخ��ذت قيا�س ًا واح��د ًا �أ�ستطيع �أن �أحتكم به ،فتحكمت بارتفاع ق�ص القطعة مهما كان العر�ض ومهما كان ال�شكل ،لأن �شكل قطعة يختلف من واحدة �إىل �أخرى .وقد تركت جمالية ال�شكل وحريته وتركت مو�ضوع الأل��وان وتركت مو�ضوع العر�ض واهتممت ب ��أن �أبقي االرتفاع واحد ًا كي �أ�سيطر على تنفيذ فكرتي ولي�س فكرة امل��ادة ،وه��ذا كان �شيئ ًا مهم ًا ج��د ًا بالن�سبة يل عندما بد�أت �أعمل بها .زوجي وعمي مهند�سان كانا يقوالن يل :ال تعملي ،ان�سي املو�ضوع ،فهذه مادة ملفلفة �أطرافها ووجهها وظهرها ،فكيف �أنت �ست�سيطرين عليها وتعطينها �أي �شكل؟ فقلت لهم �أنا �س�أعمل بها و�س�أجد احلل فتجربة وراء جتربة ،والتجارب ح�سب الوقت ال��ذي و�ضعته فبد�أ ينجح معي .وكما قلت لك� ،أو ًال ق�ص�صت
بني املا�ضي واحلا�ضر
�إحدى ت�شكيالت «الرييد» للقبي�سي
االرت�ف��اع ب�شكل موحد وب��د�أت �أح��اول �أن �أجد الطريقة لرتكيبها وجتميعها وجربت ال�صمغ وامل�سامري و�أ�شياء �أخرى .املو�ضوع كان مرهق ًا لي�س به امل�ستوى الذي �أريده عندما �أجمع القطع مع بع�ضها كعمل ،وعملت �أ�شكا ًال وجتارب متعددة لأعمال فنية واقعية موجودة لديّ � .أما جتربتي باجلريد والذي هو اجلزء الأطول يف ال�شجرة، فمنذ ر�أيتها عرفت كيف �س�أعمل عليها� .أنا �أرى جمال امل��ادة واخلامة ،ومن هذه ال�صفات واجلماليات �أب��د�أ �أرى الطرق التي �أ�ستطيع �أن �أنفذ الأ�شكال التي �أريدها ،وقد عملت �شك ًال ميثل �شموخ النخلة ،كما يعطي مظهر ًا طبيعي ًا ،ولي�س من �صنع اليد ،فعملت نف�س ارتفاع اجلريدة حيث ظهرت النخلة ب�شكل طبيعي».
مراحل العمل
وع��ن ه��ذه الأع �م��ال الفنية ال�ت��ي متثل �شكل النخلة الطبيعي ت�ضيف القبي�سي تقول�« :أول واحدة عملتها جانب مدخل بيتي حيث حفرت و�أدخلت بها الأ�سالك وا�شتغلت عليها لغاية ما لففتها بال�شكل الذي �أري��ده ،ثم قمت بالعمل احلقيقي الذي قدمته للنا�س يف معر�ض ال�صيد والفرو�سية حيث جهزت «الرييد» واحدة وراء الأخ ��رى ،وت ��أك��دت �أن ه��ذا ه��و ال�شكل ال��ذي �أريده .فقد جلبت من املزرعة �سيارة كاملة من
�شجر النخل ثم نظفناها وق�سمنا العمل ،ومل �أكن لوحدي ،كان معي عائلتي وجمموعة �أخرى نعمل مع ًا ،هناك من يق�ص ومن ينظف ومن يقطع الأط��راف .وبعد �أن جمعت �أول خم�سة ع�شر جريد ًا وحفرتها وركبتها بنف�س التجربة الأوىل .كان �صيف ًا حار ًا ،وقد ا�ستحملت لأين كنت �أري��د �أن �أنتهي فعملت طيلة اليوم .ومن عادتي عندما �أبد�أ بعمل فني ال �أحب �أن �أتوقف بل �أريد �أن �أتابع للنهاية .لذلك ،نقلت العمل �إىل داخل املنزل ويف تلك اللحظة اكت�شفت �أن جريد النخلة ممكن �أن يتعدى الأربعة �أمتار، ومل �أ�ستطع �أن �أع�م��ل داخ��ل البيت ب��ه ،لأن معظم بيوتنا ال يتعدى ارتفاعها ثالثة �أمتار، ف�صدمت وقلت :معقولة �أن ن�صف النخلة يتعدى الأربعة �أمتار! وهذا معناه �أن ارتفاعها الإج �م��ايل ثمانية �أم �ت��ار ،ونحن يف ك��ل يوم نراها يف ال�شارع وال نعطيها �أكرث من ثالثة �أو �أربعة �أمتار فقط.
النخلة في أهمية معدن الذهب ألنها مواد خام متميزة فع ً ال ،وهي ثروة وطنية موجودة بوفرة في بالدنا ونحن حتى اليوم لم نستثمر ها
توا�صل ع��زة احل��دي��ث ع��ن اكت�شافها �أهمية التجربة العملية قائلة« :يف تلك اللحظة �شعرت مبعنى البعد م��ن املا�ضي �إىل احلا�ضر ال��ذي نعي�شه ،لي�س معنى �أنه لديك نخلة ف�أنت متوا�صل يف تفا�صليها لأنك تراها كل يوم ،لكنك ال تتعرف عليها �إال عندما مت�سكها .هنا ت�أتي الفكرة، مل��اذا �أن��ا بعد �أن عملت هذا العمل ،ق��ررت �أن �أجنز �أربعني قطعة من هذه التحف و�أدع النا�س يلونونها وير�سمون ما يريدون ويعملون معي عليها مبنا�سبة يوم االحتاد .وقتها �شعرت انني �إماراتية لديّ مزرعة و�أن��ا مهتمة مبزرعة الأه��ل يف هذا العمر� ،أول الثالثينيات ،حتى اكت�شفت �أن جريدة النخلة الواحدة ممكن �أن يكون ارتفاعها �أكرث من �أربعة �أمتار ،وهذا طبع ًا ح�سب نوع النخل فيمكن �أن يكون �أقل .وقد �شعرت �أن هذا ال�شيء يجب على اجلميع معرفته ،وكيف �أجعل النا�س يعرفون هذا الإح�سا�س ويبد�أون منذ �صغرهم بالتعرف �إىل هذه اجلزئية ،فعملت الأربعني عم ًال .وكانت هذه �أول جتربة يل يتفاعل معها اجلمهور.
م�شاركون بالعمل
مل �أكن �أرغب �أن �أكون وحدي ،بل كنت �أريد �أن �أتعامل عن طريق النا�س الذين يحبون امل�شاركة يف مواقع التوا�صل االجتماعي على التويرت والفي�سبوك ،ف�أخذوا يكتبون يل �أن هذا عمل رائع فيه ثقافة �إماراتية ،فقلت لهم �أريد منكم �أن ت�شاركوين بالعمل والذي يرغب �أن يتفاعل مع العمل ،ف�أنا م�ستعدة �أن �أو�صل العمل ملنزله وللم�شاركة يف حفل االحتاد .وكان هناك كثري من النا�س الذين رغبوا بالعمل وقاموا بتلوينه والكتابة عليه .تفاعل النا�س معي كانت جتربة ج��د ًا ناجحة ،و�أن��ا وزع��ت �أع�م��ايل يف جامعة زايد ويف املحافل التي �شاركت بها وبقي لديّ خمزن قمت بتوزيعه على الراغبني بامل�شاركة يف �أعمال الزينة يف يوم االحت��اد هذا العام. وبهذه الطريقة �أ�شركت معي � 41شخ�ص ًا ميكن �أن يكونوا �سفراء لهذه امل��ادة ولهذه الفكرة. ويف الأي��ام الوطنية القادمة ميكن �أن ت�ضم امل�شاركات �أعداد ًا �أكرب»
تاريخ 124 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
ا�ستهدفت رعايتها و�إطعامها وعالجها
أوقاف الحيوانات في الحضارة اإلسالمية �أحمـد �أبو زيد انفردت احل�ضارة الإ�سالمية بنوع خا�ص من الأوقاف اخلريية ،مل تعرفه �أي ح�ضارة �أخرى عرب التاريخ ،وهو تلك الأوقاف التي كانت تخ�ص�ص ب�أكملها لرعاية احليوانات و�إطعامها و�إيوائها وعالجها من الأمرا�ض ،وكان مبثابة تطبيق عملي للرفق باحليوان ب�أ�شكاله املختلفة. ف�أوقاف امل�سلمني تعدت حاجة الإن�سان لتفي الوقف اخرتاع �إ�سالمي
بحاجة احل �ي��وان ،حيث �أوق �ف��ت يف العهود الإ�سالمية ،العديد من الأوقاف الذي خ�ص�ص ريعها خلدمة احليوانات والرفق بهم ،فخالد بن الوليد املقاتل والقائد احلربي �أوقف �إيراد قطعة م��ن الأر����ض ل�ل�إن�ف��اق على ح�صانه، ووجدنا �أوقاف ًا خ�ص�صت للخيول املُ ِّ�سنة التي هرمت بعد �أن قدمت خدماتها اجلليلة يف اجلهاد والفتوح ،و�أوقاف ًا للطيور خا�صة طيور احل��رم ،و�أوق��اف � ًا للكالب والقطط ال�ضالة، و�أوق��اف� ًا لأحوا�ض ال��دواب التي ت�شرب منها احليوانات على قارعة الطرق ،وهي الأحوا�ض التي كانت ت�شبه �أ�سبلة املياه التي ي�شرب منها النا�س يف املدن والطرق العامة ،ووجدنا �أوقاف ًا خا�صة لتطبيب احليوانات املري�ضة ،و�أوقاف ًا لرعي احليوانات امل�سنة العاجزة ،وا�شتهر �إىل عهد قريب يف م�صر ،وبل ظهور املركبات احل��دي�ث��ة ،وق��ف خا�ص ملركب �شيخ الأزه��ر ع��رف مب�سمى« :وق��ف بغلة �شيخ الأزه ��ر»، كان ي�ستهدف توفري الدابة التي يركبها �شيخ الأزهر ونفقاتها وعلفها ورعايتها.
الوقف اخرتاع �إ�سالمي خال�ص ،مل يعرف قبل امل�سلمني يف �أي ح�ضارة �أو بقعة من العامل، ومعنى ال��وق��ف :حب�س الأ� �ص��ول م��ن �أرا���ض و�ضياع وب�ساتني ودور و�أموال وممتلكات �أخرى، لي�صرف من ريعها على باب �أو �أكرث من �أبواب اخلري ،التي يحددها �صاحب الوقف .وهو من ال�صدقات املندوبة ،ج��اءت م�شروعيته من القر�آن وال�سنة والإج�م��اع والقيا�س ،و�أ�شهر مثال للوقف يف العهد النبوي هو بئر رومة الذي ا�شرتاه عثمان بن عفان ،ر�ضي اهلل عنه، وجعله �صدقة ووقف ًا للم�سلمني ،ي�شربون من مائه لوجه اهلل تعاىل. ولقد تتابعت الأوق��اف منذ عهد النبي� ،صلى اهلل عليه و�سلم ،وا�ستمر القادرون على الوقف، على مدى التاريخ الإ�سالمي ،يوقفون �أموالهم على وجوه اخلري املختلفة ،حتى وجدنا �أوقاف ًا تت�سم بال�ضخامة والتنوع ،و�صارت من مفاخر
أوقاف خصصت للطيور وخاصة طيور الحرم وأخرى للكالب والقطط الضالة
امل�سلمني ،اذ مل يدعوا جانب ًا من جوانب اخلري واملنفعة العامة �إال �أوقفوا فيه من �أموالهم، حتى �شملت هذه الأوقاف الإن�سان واحليوان، وبلغت ما ال يخطر على بال �إن�سان يف �شرق وال غرب.
امل�سلمون �أمة معطاء
واجلوانب الإن�سانية يف �أوقافنا بلغت الآفاق، و�أثبتت �أن الأمة الإ�سالمية �أمة معطاء ،فقد �أ�سهمت الأوقاف يف حل م�شكلة الفقر ،والعديد من امل�شاكل االجتماعية وال�صحية والنف�سية والعلمية والبيئية والإمنائية ،كما �أ�سهمت يف بث قيم الرتاحم والتكافل االجتماعي و�إ�شاعة مفاهيم الت�آلف والتعاون بني النا�س. ومل تقت�صر جم��االت الأوق��اف على امل�ساجد وامل��دار���س وامل�ست�شفيات� ،إمن��ا �شملت :بناء اخل��ان��ات وال �ف �ن��ادق للم�سافرين ال�ف�ق��راء املنقطعني ،وبناء بيوت ي�سكنها من ال يجد ما ي�شرتي به بيت ًا �أو ي�ست�أجر دار ًا ،وكذلك بيوت احلجاج يف مكة ينزلون بها يف مو�سم احلج، و�أج��راء وبناء ال�سقايات يف الطرق العامة، وح�ف��ر الآب� ��ار ل�سقي املا�شية وامل�سافرين،
تاريخ 126 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
�أحد �أحوا�ض املياه املخ�ص�صة للدواب كما �صورها الفنان الفرن�سي «جريوم»
املثال ،جند �أن الأوقاف يف مدنها قد تعددت رواف��ده��ا وات�سعت ،فوجدت �أوق��اف للقيام بخدمات من ّوعة ع��دي��دة ،ك��إق��ام��ة �أنابيب املياه ،والينابيع ،والآب ��ار ،وت�شييد الطرق، والأر� �ص �ف��ة ،واجل���س��ور و�صيانتها ،و�إن�شاء املجانية ،وبناء املطابخ لتوزيع وجبات الطعام ّ بيوت لل�ضيوف ،ودور ل�ل�أرام��ل ،وم��دار���س، وخزائن للكتب ،وم�ساجد وتكايا ،ومقابر، و��س��اح��ات لإق��ام��ة ال���ص�لاة ،وخ��ان��ات ملبيت القوافل ،و�أب��راج لل�ساعات ،وخمابز لتوزيع اخلبز والكعك على الفقراء ،وم�ستو�صفات، وم�ست�شفيات ،وح � ّم��ام��ات ع��ا ّم��ة ،و�أم��اك��ن
وبناء املطاعم التي ي��وزع فيها الطعام بكل �أ�صنافه على الفقراء واملحتاجني ،وبناء �أمكنة املرابطني على الثغور ،ي�ج��دون فيها ك��ل ما يحتاجونه من �سالح وذخرية وطعام. وهناك �أوق��اف يعطى ريعها ملن يريد اجلهاد يف �سبيل اهلل ت �ع��اىل ،وي��دف��ع منها للجي�ش املحارب حني تعجز الدولة عن الإنفاق على إ�ف ��راده ،و�أوق ��اف لإ�صالح الطرق والقناطر واجل�سور ،و�أوقاف لبناء املقابر وتوفري �أكفان املوتى وجتهيزهم ،و�أوقاف مل�ؤ�س�سات اللقطاء واليتامى واملقعدين والعجزة والعميان ،و�أوقاف لتح�سني �أح ��وال امل�ساجني ،و�أخ ��رى لتزويج ال�شباب والفتيات العازبات وم�ساعدتهن على نفقات الزواج. في دمشق اشتهر وقف
للكالب الشاردة يؤويها تنوع الأوقاف و�إذا �أخ��ذن��ا ال��دول��ة العثمانية ،على �سبيل ويداويها وآخر للقطط ّ الضالة يطعمها ويسقيها
مظللة على جوانب الطرق. كما وجدت �أوق��اف لتزويد البنات اليتيمات ب�أجهزة العر�س ،ودفع الديون عن ال�سجناء، �أو املفل�سني م��ن رج��ال الأع �م��ال ،و�إك���س��اء الكهول ،و�إعانة القرى وال�ضواحي على دفع ما يرتتب عليها من �ضرائب ،وم�ساعدة رجال اجلي�ش والبحر ّية ،وتقدمي الأرا�ضي للأ�سواق العا ّمة ،و�إقامة املنائر والفنارات ،وم� ّد يد العون للأيتام والأرام ��ل واملحتاجني ،و�س ّد حاجات �أطفال املدار�س الفقراء واملعوزين، وتهيئة املقاعد لهم ،وتغطية نفقات جنائز الفقراء ،وتقدمي هدايا الأع �ي��اد للعائالت الفقرية ،وت�شييد الأكواخ على �شاطئ البحر ليق�ضي النا�س فيها �أيام عطالتهم ،وتوزيع املياه املث ّلجة �أي��ام ال�صيف ،و�إقامة مالعب عامة ،ون�ثر احلبوب على الطيور ،وتقدمي العلف واملاء للحيوانات.
وقف للقطط والكالب
وع �ن��دم��ا ن �ن �ظ��ر �إىل الأوق � � ��اف اخل��ا� �ص��ة باحليوانات يف احل�ضارة الإ�سالمية ،والتي ا�ستهدفت رعاية احليوان والرفق ب��ه ،جند �أنها مل تقت�صر على الدواب �أو احليوانات التي كانت مملوك ًة للنا�س وينتفع بها ،ولكنها تعدت ذلك �إىل احليوانات ال�ضالة ،وهذا معنى من املعاين العظيمة يف احل�ضارة الإ�سالمية ،التي قامت على الرحمة بكل املخلوقات. فقد كان للحيوان ن�صيب كبري يف امل� َّؤ�س�سات االجتماع َّية الإ�سالم َّية� ،إذ َع َر َفت احل�ضارة الإ�سالم َّية منذ ابن البيطار ،وهو من �أطباء خا�صة لتطبيب القرن ال�سابع الهجري� ،أوقاف ًا َّ احليوانات ا َمل ِر َ ي�ضة ،و�أوقاف ًا لرعي احليوانات املُ ِ�س َّنة� ،إ�ضافة �إىل الأوق��اف التي ا�ستهدفت �إطعام احليوانات و�سقايتها. ولعل �أ�شهر الأوق���اف التي و�صلتنا يف هذا ال�صدد هو «وقف» الأمري عبد الرحمن كتخدا، �أحد �أمراء الدولة العثمانية يف م�صر ،والذي ني عناي ًة عظيم ًة باحليوانات ال�ضالة ،فقد ُع َ ورد بكتاب الوقف ،بالن�سبة للوقف على القطط مث ًال� ،أنه فر�ض مبلغ 3600ن�صف ف�ضة يف ال�سنة ،بواقع 300ن�صف ف�ضة يف كل �شهر، وكل يوم ع�شرة �أن�صاف ف�ضة ،وذلك ل�شراء حلم يفرق على القطط كل يوم بعد الع�صر، وقد �أمر ِب�صرف مبلغ 720ن�صف ف�ضة ك�أجر للقائم على �شراء اللحم وتوزيعه. ورغ��م �أن ال�ك�لاب ،وخا�ص ًة ال�ضالة ،كانت مكروهة لنجا�ستها� ،إال �أنها ال َق��ت اهتمام الأمري عبد الرحمن كتخدا ،فقرر مبلغ 1800 وق�سمه على كل يوم، ن�صف ف�ضة يف ال�سنةَّ ، بواقع خم�سة �أن�صاف ف�ضة ،وذلك ل�شراء 25 َ رغيف خبز تُف َّرق على الكالب. �أما ال�شيخ حممد �أبو الأنوار ال�سادات ،فقد قرر يف كتاب وقفه امل�ؤرخ يف �سنة 1209هـ 1794م، �أن ُي�صرف يف ثمن اخلبز الذي ت�أكله الكالب خارج زاويته التي بناها ب�سفح جبل َّ املقطم، مبلغ ، 10800بواقع 30ن�صف ف�ضة يوم ّي ًا. ويف ال�شام وجدنا وقف ًا للقطط ال�ضالة يطعمها وي�سقيها� ،سميت مبدر�سة القطاط ،وهي يف
القيمرية ،املعروف بحي التجار يف دم�شق، وك��ان يجتمع يف داره��ا املخ�ص�صة لها مئات القطط ال�سمينة التي ُيق َّدم لها الطعام كل يوم ،وكان هناك وقف للكالب ال�شاردة ي�ؤويها ويداويها ،وهو يف حي «العمارة».
دار �إطعام احليوانات
ويف مدينة فا�س خ�ص�ص وقف على نوع من الطري ي�أتي يف مو�سم معينَّ ،فوقف له بع�ض اخل�ِّي�رِّ ي��ن م��ا يعينه على البقاء ،وي�س ِّهل له العي�ش يف تلك امل � َّدة من الزمن ،وك ��أن هذا الطري املهاجر الغريب له على �أهل البلد حقَّ ال�ضيافة والإيواء. وقد جاء يف ترجمة حممد بن مو�سى احللفاوي الإ�شبيلي نزيل فا�س ،واملتوفى بها عام 758 هـ � ،أن��ه دف��ع به الرفق باحليوانات املتخذة والأليفة �إىل �أن يعد دار ًا يجمعهم فيها وي�سهر على �إطعامهم بيده ،وكان يف حوز مدينة فا�س: ب�لاد موقوفة على ��ش��راء احل�ب��وب للطيور، حتى تلتقطها كل يوم من املرتفع املعروف بكدية الرباطيل عند باب احلمراء داخل باب الفتوح ،و�أي�ض ًا ،عند «كدية الرباطيل»، خارج باب اجلي�سة.
�أوقاف لتطبيب احليوانات
وقد وجدنا �أوقاف ًا خا�صة لتطبيب احليوانات املري�ضة ،و�أوق��اف� ًا �أخ��رى لرعاية احليوانات امل�سنة العاجزة ،كوقف �أر�ض املرج الأخ�ضر بدم�شق ،ال�ت��ي وق�ف��ت ل�ترع��ى فيها اخليول ال�ع��اج��زة واحل �ي��وان��ات ال�سائبة ال�ت��ي ي�أبى �أ�صحابها الإنفاق عليها لعدم االنتفاع بها، فرتعى يف هذه الأر�ض حتى متوت. وكان هذا الوقف على �ضفاف فرع نهر بردى يف املنطقة التي احتلتها م�ؤ�س�سة معر�ض دم�شق ال��دويل ،حيث كانت ه��ذه الأر���ض وقف ًا على
اإلسالم اهتم بالحيوانات ونظم لها حقوق ًا قبل أن تعرفها الحضارات األخرى بقرون
احليوانات التي تعجز عن تقدمي اخلدمات املطلوبة ب�سبب كرب ال�سنّ � ،أو ب�سبب الإ�صابات ال�ت��ي ك��ان��ت تتع ّر�ض لها خ�ي��ول املجاهدين وغ�ي�ره ��ا ،ول��ذل��ك ّمت وق ��ف ت �ل��ك املنطقة اخل�صبة امل��روي��ة ل�ت��أم�ين امل ��أك��ل وامل�شرب لتلك احل�ي��وان��ات ك��ي تعي�ش حياتها كامل ًة، حتى تالقي حتفها املحتوم يف �شكل طبيعي، من دون ُّ ق�سري ،وذل��ك من خارجي تدخل ّ ّ باب الرفق باحليوان ،كي ال تتعر�ض للنحر اغتيا ًال بح�سب م��ا ُي�س ّمى بالقتل الرحيم يف املجتمعات الغربية ال�ت��ي �أب��اح��ت ذلك بع�ض العجزة ،من بني الإن�سان للتخلُّ�ص من ِ واحليوان.
من�ش�آت معمارية للدواب
وجند يف الع�صر اململوكي الكثري من املن�ش�آت ال َو ْق ِف َّية التي خ�ص�صت لرعاية احليوانات، فهناك من�ش�آت معمارية كاملة خ�ص�صت �دواب ال��ذي �أوق�ف��ه ل �ل��دواب ،مثل ح��و���ض ال� � ِّ ال�سلطان قايتباي يف ��ص�ح��راء املماليك، لت�شرب الدواب �أثناء �سريها من هذه الأماكن، وت�سرتيح من ال�سري يف �أماكن ظليلة بعيدة عن ال�شم�س ،وتعالج �إذا كانت م�صابة �أو مري�ضة يف العيادة امللحقة باحلو�ض� ،أو �إ�سطبالت لينام فيها احليوان ،وكانت الوقفية تن�ص على �أن يح�صل �أرب��اب الوظائف من البيطاريني واملدربني وامل�س�ؤولني عن �إطعام احليوانات ورعايتهم على رواتب من ريع �أرا���ض زراعية موقوفة على ذل��ك ،وك��ان��ت ه�ن��اك م��دار���س خا�صة لتدريب اخليول على الفرو�سية. وه �ك��ذا ع�م��ل اخل �ي�رون مم��ن �أن �� �ش ��أوا ه��ذه الأحوا�ض وحب�سوا الأوقاف اخلريية لها ،على تعيني خادم للحو�ض �أو قيم �أو فرا�ش ،لتمكني الدواب من ال�شرب ب�سهولة ،وم�ساعدة النا�س لال�ستفادة من ماء احلو�ض ،كما �أوك��ل �إليه تنظيف احلو�ض وكن�سه وغ�سله ،وجتفيف �أر�ضيته ،والر�ش �أمامه ،والعمل على ملء احلو�ض باملاء ب�صفة دائمة ،وكان العمل يبد�أ من م�شرق ال�شم�س �إىل �آخر النهار �أو �أذان الع�شاء. وك��ان ي��راع��ى يف �أح��وا���ض ال ��دواب �أن تكون
تاريخ 128 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
ق��رب �أط ��راف امل��دن و�أب��واب �ه��ا ،حيث تكرث حركة اخلارجني والداخلني من امل�سافرين والتجار .وعرفت ه��ذه الأح��وا���ض بطرزها املختلفة يف م�صر وبالد ال�شام ،ويف م�شرق العامل الإ�سالمي ومغربه ،وحتتفظ بع�ض امل��دن الأن��ا��ض��ول�ي��ة بنماذج م��ن الأح��وا���ض ال�سلجوقية ،التي مازالت قائمة حتى اليوم. ويف املغرب كانت الأحوا�ض تلحق بامل�ساجد، وتكون منف�صلة عنها ،وكان ي�صل �إليها املاء الذي يفور من �أحوا�ض الأ�سبلة �أو ال�سقايات عن طريق �أق�صاب من الفخار ،حيث ي�صب يف �أح��وا���ض �سقاية ال ��دواب ،التي ت�شكلت معماري ًا من دخالت عميقة �صغرية تقع يف �أ�سفل �صدر حائط ال�سقاية ،ويف �أ�سفل تلك ال��دخ�لات تقع �أح��وا���ض عميقة يف �أر�ضية ال�سقاية لي�سهل ال�شرب منها.
وقف األمير عبد الرحمن يف ال��رف��ق ب��احل�ي��وان ،باعتبار ذل��ك تعبد ًا هلل ،فالرحمة باحليوان قد تدخل �صاحبها كتخدا اختص بشراء اجلنة ,والق�سوة عليه قد تدخله النار ،والنبي لحم يفرق على حممد� ،صلى اهلل عليه و�سلمُ � ، أول من دعا القطط كل يوم وخبز �إىل ال�شفقة باحليوان والرفق به وم�ساعدته للكالب الضالة يف مطعمه وم�شربه ويف �صحته ومر�ضه ،بل و�أثناء ذبحه. الإ�سالم والرفق باحليوان ف��الإ��س�لام �ضرب املثل الأع�ل��ى يف الرحمة وال � �ش��ك �أن ان �ت �� �ش��ار الأوق� � ��اف اخل��ا��ص��ة وال��رف��ق ب��احل �ي��وان ،ف �ح��رم ال�ق���س��وة عليه باحليوانات يف الع�صور الإ��س�لام�ي��ة ،يدل و�إرهاقه بالأثقال والأعمال ال�شاقة ،وح ّرم التلهي بقتل احل�ي��وان ،كال�صيد للت�سلية ال داللة وا�ضحة على �سبق احل�ضارة الإ�سالمية للمنفعة ،ونهى ع��ن ك��ي احل�ي��وان��ات بالنار يف وجوهها للو�شم� ،أو حتري�ش بع�ضها على وقف السلطان قايتباي البع�ض بق�صد اللهو �أو الرت ّبح املايل ،و�أنكر بالقاهرة شمل حوض ًا العبث ب�أع�شا�ش الطيور و�إحراق قرى النمل. وما قرره علماء الأمة وفقها�ؤها من �أحكام لشرب الدواب وأماكن كفيلة برعاية احليوان ,تبني وجوه الرحمة الستراحتها وعيادة
لعالج المصاب منها
ب��ذل��ك امل�خ�ل��وق ،ب ��دء ًا م��ن ح��رم��ة �إجاعته وتعري�ضه للهزال وال�ضعف ،والتلهي به يف لل�صيد ،وطول املكوث على ظهره ،وحتميله �أك�ثر من طاقته� ،إىل رحمته قبل ذبحه �إن كان مما ي�ؤكل حلمه.
حقوق احليوان
فالإ�سالم اهتم باحليوانات ونظم لها حقوق ًا قبل �أن تقرها �أو تعرفها ال�شعوب الأخ��رى، وقرر علماء امل�سلمني �أن النفقة على احليوان واجبة على مالكه ،ف�إن امتنع �أُجرب على بيعه، �أو الإنفاق عليه� ،أو تركه �إىل مكان يجد فيه رزقه وم�أمنه� ،أو ذبحه �إن كان مما ي�ؤكل. وقرر بع�ض الفقهاء �أنه �إذا جل�أت هرة عمياء �إىل بيت �شخ�ص وجبت نفقتها عليه ،حيث مل تقدر على االن�صراف ،بل كانت الدولة الإ�سالمية ترى �أن من واجبها متابعة رفق
النا�س باحليوانات ،فقد ورد عن ف�ضائل عمر بن عبد العزيز ،ر�ضي اهلل عنه� ،أنه ك�ت��ب �إىل ��ص��اح��ب ال�سكك «�أي رئ�ي����س �أو مدير �إدارة امل��رور وال���س�ير»� ،أ ّال ي�سمحوا لأحد ب�إجلام دابته بلجام ثقيل ،وال بنخ�سها مبقرعة يف �أ�سفلها حديدة ،وكتب �أي�ض ًا �إىل عامله مب�صر«:بلغني �أن مب�صر �إب ًال ن ّقاالت ُيحمل على البعري منها �ألف رطل ،ف�إذا �أتاك كتابي هذا ،فال �أعرفن �أنه ُيحمل على البعري �أك�ث�ر م��ن �ستمائة رط ��ل» ،و�أم ��ر املحت�سب «ال�شرطي» �أن مينع حتميل ال��دواب فوق ما تطيق� ،أو تعذيبها و�ضربها �أث�ن��اء ال�سري، ولديه ال�صالحية لت�أديب ومعاقبة من يراه
وقف بغلة شيخ األزهر استهدف توفير الدابة التي يركبها الشيخ ونفقاتها وعلفها
يفعل ذلك .ويف جمال الطب مل يتف ّوق علماء امل�سلمني يف ميدان الطب الب�شري فح�سب، بل �شمل تف ّوقهم ميدان الطب البيطري ،من باب االهتمام باحليوانات ورعايتها ال�صحية وتطبيبها ،و�أ ّلفوا يف ذلك الكتب ،وو�صفوا يف كتبهم احليوانات الرب ّية والبحر ّية ،ودر�سوا ظواهر �سلوكها و�أمرا�ضها وبيئتها وعيوبها و�سالالتها وهجرتها ،وتكاثرها وطبائعها ومنافعها ،و�أل��وان�ه��ا وطعامها ،وغرائبها، وما ي�ستح�سن منها ،وحت ّدثوا عن التهجني وال��وراث��ة ،وعالقة ال�صفات الع�ضو ّية بنوع ال�ن�ب��ات ال��ذي تتغذى عليه ،وحت � ّدث��وا عن اجلغرافيا احليوان ّية ،وقام امل�سلمون بتح�سني ن�سل احليوان ،والعناية با�صطفاء ال�سالالت اجليدة القو ّية ،مل�صلحة الإن�سان واحليوان مع ًا ،وط ّبقوا ذلك على اخليول العرب ّية التي ال تزال حتتفظ ب�شهرتها و�أ�صالتها
إرهاصة 130 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
الحضارة والوجود �أثناء
ت�صفحي لواحد من الكتب –ال �أذك��ره الآن ل�ل�أ��س��ف -ورمب ��ا �أك ��ون م�ضطر ًا ملراجعة مكتبتي كلها من �أجل الو�صول �إليه ،قر�أت تعريف ًا للح�ضارة على �أنها «التح�سن العميق يف �أحوال النا�س» ،ا�ستوقفني هذا التعريف كثري ًا رغم �أن��ه على حد و�صف �أ�صدقائنا الأكادمييني ملثل هذه النوعية من التعريفات ،لي�س جامع ًا وال مانع ًا ،وبرغم ذلك فقد ا�ستوقفني و�أثار بداخلي رغبة �شديدة يف النب�ش يف تاريخ ذلك امل�صطلح الذي بات من كرثة ما رددناه �أو ا�ستمعنا �إليه خالي ًا من الروح ،كالبيت الذي هجره �سكانه. وليد عالء الدين اعتدت ،عندما ي�ستع�صي على ذائقتي م�صطلح عربي، �أن �أجل�أ �إىل �أ�صل الكلمة حماو ًال ا�ستعادة �أرواح �سكانها الأوائل ،ه�ؤالء الذين نفخوا فيها الروح الأوىل التي �أك�سبتها معناها ،ذلك املعنى الذي �سكن الكلمة وظل م�سافر ًا معها منذ �أن نحتها الأجداد �إىل �أن ا�ستقرت على �أل�سنتنا اليوم، وكلي ثقة يف �أن روح الكلمة الأ�صلية هي التي تنت�صر دائم ًا، و�إن مل تنت�صر وتتطابق مع املعنى امل�صطلحي الذي �أريد له �أن ي�سكنها ،ف�إنني – غري �آ��س��ف� -أعترب امل�صطلح «ملبو�س ًا» ،وامللبو�س من النا�س هو من تلب�سته اجلن فاختل نظامه ،وامللبو�س من امل�صطلحات هو ما تلب�سته روح غري روحه ف�صار مائع ًا ال ي��ؤدي دور ًا �-إال ب�شق الأنف�س -يف �إي�صال الغر�ض منه. ارت�ب�ط��ت كلمة احل���ض��ر يف ال��ذائ �ق��ة ال�ع��رب�ي��ة بطريقة العي�ش ،فكانت احلا�ضرة عك�س البادية ،والبدوي عك�س احل�ضري ،ولكن تلك جمرد حمطة مت�أخرة من حمطات الكلمة التاريخية ،وال �شك يف �أن احل�ضور لغ ًة ي�سبق كثري ًا ا�شتقاق ذلك امل�صطلح .ف�إذا كان احل�ضور �ضد الغيبة، فهل ميكن �أن نقول �إن البداوة مرادفة للغياب! يف احلقيقة ال ميكن �أن نقول ذلك ،و�إن كان من املمكن قول العك�س،
�أي �أن احل�ضارة ت�ستلزم احل�ضور بينما البداوة ال ت�ستلزم الغياب .ولكن عن �أي ح�ضور نتحدث؟. يف حماولة لتقدمي �إجابة �شافية لذلك الت�سا�ؤل ا�ستعر�ض الباحث ن�صر حممد ع��ارف جميع ا�شتقاقات مفردة «احل�ضارة» وخل�ص من ذلك �إىل �أنها -كلها -تدور يف فلك معنى «احل�ضور» و«ال�شهادة» ،و�أن الإقامة يف احل�ضر لي�ست �إال واحدة من تلك الدالالت. هنا ينتقل ال�س�ؤال بنا خ��ارج اللفظة �إىل �شكل احل�ضور املق�صود ،فما هو احل�ضور ال��ذي بتحققه ينطبق و�صف احل�ضارة؟ وهو �س�ؤال حظي ب�آالف االجتهادات يف حماولة للرد عليه ،وتلخ�ص الدكتورة بتول جندية �أبرز �إجاباته يف عبارة بليغة« :احل�ضارة و�صف زائد على الوجود الثقايف للجماعة ،يت�ضمن معنى التقدم ،والتفوق النوعي والكمي، والإجناز على م�ستوى الواقع ،ودرجة ملحوظة من الت�أثري يف املحيط التاريخي ،وفعالية يف �صنع �أحداثه وتوجيهها؛ فعالية قد ت�صل حد ت�شكيل منعطف ومف�صل م�شع فيه؛ زمان ًيا ومكان ًيا». فالعالمة الفارقة يف الفعل احل�ضاري �إذن هي «ح�ضور» امل�شهد التاريخي ،مبعنى �شهوده وع��دم الغياب عنه بل ولعب دور فيه. وفق ًا لهذا املعنى ميكن تف�سري كيف �أن الكثري من املجتمعات الإن�سانية مرت يف تاريخ الب�شرية دون �أن يرتبط ا�سمها بح�ضارة تخ�صها ،ذلك �أنها – على الرغم من �أنها كانت موجودة يف هذه الفرتة �أو تلك من التاريخ� -إال �أنها مل تكن «حا�ضرة»� ،أي �أنها اكتفت مبجرد «الوجود» دون احل�ضور، وعليه ف�إنه مهما كان نتاجها الذهني واملادي ،فهو مل يرق �إىل �أن يكون «ح�ضارة» لأنه ،بب�ساطة حادة ومرهفة ،ثمة قانون ال ميكن اخرتاقه« :ال ح�ضارة لأمة اكتفت من احلياة مبجرد الوجود».
على �ضوء هذه احلقيقة نا�صعة الو�ضوح �سوف يبدو جلي ًا ملن يراجع التاريخ �أن م�صطلح احل�ضارة ارتبط ب�أمم دون غريها، و�إذا كان ثمة ما ميكن مالحظته من قوا�سم م�شرتكة بني تلك الأمم ذوات احل�ضارات ،فهو �أن كل �أم��ة امتلكت ح�ضارة، امتلكت قبلها فكرة مف�سرة للحياة .فكرة حية خالقة ،جامعة، تتكفل �أو ًال بتجويل ذلك املجتمع �إىل �أمة ،ثم تدمغ كل منتج لتلك الأمة بدامغ يحمل خ�صو�صيتها الثقافية التي تنت�شر يف كافة خالياها فاعلة فعل الروح يف �أو�صال اجل�سد احل�ضاري. تبدو اخل�صو�صية الثقافية يف تواريخ الأمم ذوات احل�ضارات، املجمعة ،القادرة على �ضبط �إيقاع ما يدور يف �أ�شبه بالنواة ِّ فلكها من �أ�شياء ،ال مت�سخه ،وال تن�سخه ،ولكن تعيد ت�صنيفه وترتيبه و�ضبط �إيقاعه وتوجيهه بحيث ي��ؤدي دوره يف �إطار قوتها احلاكمة امل�سيطرة على الأداء الكلي ،قوتها التي تر ُّق �إىل حد �أنها ال تبني ،كي ال تخد�ش احلرية الفردية ،حرية الأفراد يف الإبداع والتجلي ،وحني يكتمل در الفرد يف �إبداعه اخلا�ص ي�أتي دوره��ا يف �صياغة هذا التجلي الفردي �ضمن الت�صور
الكلي للمنظومة التي ت��دي��ره��ا ،منظومة العمل ،منظومة الأخ�لاق ،منظومة العادات والتقاليد ،منظومة املثل العليا، منظومة القيم... ،وغريها من منظومات حاكمة ،لي�س حكم البط�ش والتهديد و�إمنا حكم الإميان الناجت عن منطقية الطرح وموافقته للمنطق ،وحكم االقتناع الناجت عن معاينة الأثر الذي يدفع اجلميع �إىل ا�ستكمال العمل والإبداع والإ�ضافة. هذه اخل�صو�صية هي بب�ساطة «فكرة» ،وتاريخ احل�ضارات �إمنا هو تاريخ تلك الأفكار احلية التي جنحت يف مللمة �شتات الكون وتقدميه للإن�سان فيما ي�شبه اخلريطة التي ميكنه العمل على هديها ليتجلى عمله يف كافة تفا�صيل احلياة. عندما تخلو الأمة من فكرة جتمع �شتاتها ،ف�إن كل جهودها تذهب هبا ًء ،لغياب النواة امل�ستقطبة التي متنح العن�صر الفرد ماهيته الفارقة بانتظامه ال�صحيح �ضمن منظومة العنا�صر الأخ��رى ،عندما تخلو الأم��ة من فكرة ت�صبح �أم��ة موجودة وح�سب ،ولي�ست �أمة حا�ضرة ،بينما �سجل التاريخ لي�س �سجل وجود وعدم وجود� ،إمنا هو �سجل ح�ضور وعدم ح�ضور
أنثروبولوجيا 132 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
بني الإباحة والإدانة
وح.. ل َ ْبل ُ ْ
عادة تسمين نساء الصحراء
ابراهيم احل َ ْي�سن
باحث يف الرتاث الثقايف ال�صحراوي «املغرب»
وفقاً للطقو�س الأنرثوبولوجية عند بدو ال�صحراء بجنوب املغرب وموريتانيا وال�صحراء الغربية ،تعد فرتة ما قبل الزواج يف حياة الفتاة �أ�سا�سية ومليئة بالعديد من اخل�صو�صيات التي يحكمها نظام الرتبية و�سلطة الأ�سرة ودور الأم يف التوجيه وتعلم �ش�ؤون البيت ،من طبخ وغ�سيل «ا�س ْر َح» وجلب املاء وجمع احلطب.. واالعتناء بالإخوة ال�صغار ،ف�ضال عن امل�ساعدة يف الرعي َّ وغري ذلك من الأ�شغال التي يقت�ضيها العي�ش ببادية ال�صحراء. خ�ل�ال ب��داي��ة ه��ذه ال �ف�ترة ،ت�ك��ون الفتاة �صغرية تق�ضي �أوقاتها يف اللعب ،لكنها حني تكرب تبد�أ يف لفت �أنظار الرجال الأمر الذي ي�ستدعي �أخذ املزيد من احل��ذر ،وال�سيما من قبل الأم التي تراقب كل �سلوكياتها وحتركاتها ،يف حني يرافق الولد �أب��اه يف خمتلف �أ�شغاله خارج البيت «اخليمة». كما حتظى الفتاة -خ�لال نف�س الفرتة- ب�ع�ن��اي��ة خ��ا� �ص��ة ،بحيث ي�ت��م ال�ت�ف�ك�ير يف �إع ��داده ��ا ل �ل��زواج بتزيينها وت�سمينها وتوجيهها و�شحنها بالن�صائح و�إخ�ضاع كل حتركاتها للمراقبة .تت ّزين الفتاة ب�أ�ساليب ت �ت�لاءم م��ع ع�م��ره��ا ،في�صفف �شعرها بال ّزكرار( )1ولفريزي وال َك َّ�صة املعروفة ب��ـ«��َ�س��انَ َم�� ��انَ » ،وه ��ي ��ض�ف��ائ��ر خا�صة بالفتيات ،لكن يف نف�س ال��وق��ت يحظر عليها و�ضع الكحلة( )2وال���س��واك «زينة العني والفم» ،مثلما مينع عليها التعطر ب�سبب االعتقاد ال�شعبي ال�شائع بجلب ال�شياطني .وي�سمح لها بو�ضع احلناء على اليدين فقط. وك�ث�ير ًا ما يرتبط ه��ذا النوع من التز ّين مبنا�سبات الأعياد والأعرا�س ،وهو طق�س �شعبي يتم يف �إطار جماعي ي�س ّمى «�أ ْب َرازْ» ي�سوده التناف�س الختيار الفتاة الأجمل ال�ت��ي يطلق عليها ال���ص�ح��راوي��ون تعبري َ ا�س ال ْن َع َامة». «�شا ْي َلة َر ْ
ع ُّد السمنة بالصحراء تُ َ تعبير ًا عن الرفاه وعن المكانة االقتصادية للنساء ويعبّرون عن ذلك بقولهم الشعبي: ك ْد َ ت ل َ ْمر َ َ َ ها»، م ْ ك ْع َد ْت َ «ك ْل َ أي أن كلمة المرأة تظل مسموعة بقدر سمنتها و ُت َع ُّد ال�سمنة بال�صحراء تعبري ًا عن الرفاه وع��ن املكانة االقت�صادية للن�ساء ،حيث يعبرّ ون عن ذلك بقولهم ال�شعبيَ «:ك ْل َم ْت لمَ ْ � َر َك� ْ�د َك ْع َد ْت َها»� ،أي �أن كلمة امل��ر�أة تظل م�سموعة بقدر �سمنتها .و�أي�ضاَ « :ت ْك َب ْظ َمنْ لخَ ْ ْ الك �أَ ْل َت ْك َب ْظ َمنْ َل ْف َر ْ ا�ش» ،وهو تقدير ني َك ْل َم ْت َه «ا�سمِ َ متالزم مع حجم بدنها .ثمْ : ْام ِتنيَ» «�سمينة وكلمتها متينة»� ،أن للمر�أة ال�ب��دي�ن��ة وامل�ك�ت�ن��زة وزن داخ ��ل املجتمع وك�لام �ه��ا م���س�م��وع وم� ��أخ ��وذ ب��ه داخ��ل العالقات االجتماعية. وقد ُعرف عن بدو ال���ص�ح��راء حبهم ل�ل�غ�ل��ظ وال���س�م�ن��ة واالم��ت�ل�اء والثقل يف �أع� ��� �ض ��اء ج���س��د امل��ر�أة ،وكانوا ينظرون
�إىل ن�سوانهم من خالل دنيا البعري واخليل ت���ش� ُّب�ه� ًا وا� �س �ت �ع��ارةً ،وال �أدل ع�ل��ى ذل��ك ا�ستعمالهم لبع�ض الأو��ص��اف والكنايات و�إطالقها على املواليد الإن��اث ك�أو�صاف عيون اخليل :جنالء وكحالء وت�صغريهما نجْ َ ْي َلة و َل ْك َح ْي َلة�...إلخ .يقال :عني :جنل العيون ،جمع عيناء ،والنجل �سعة العني، ي�شبهن بي�ض النعام امل�صون من الغبار ونحوه يف ال�صفاء والبيا�ض املخلوط ب�أدنى �صفرة ،ف�إن ذلك �أح�سن �ألوان الأبدان(.)3 م��ن ث ��م ،ت�ظ��ل امل� ��ر�أة ال�ن�ح�ي�ف��ة م�ن�ب��وذة ومدعاة للم�س من كرامة زوجها ،وتنعت بتعبريات و�أمثلة �شعبية ُّ حتط من مكانتها م��ن قبيل «ا ْن � َو ْي � َك� ْ�ظ» ْك�ل َا ْم � َه َم َي ْن ْ�س َم ْع، وه��و تعبري ي�ستطرد دلي ًال على ا�ستهانة املجتمع للفتاة العجفاء ،بحيث ال مكانة
أنثروبولوجيا 134 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
منذ �سن مبك ّرِة يتم تدريب الفتيات يف ال�صحراء على �إعداد الأ�رشبة والأطعمة
لها يف ن�ظ��رت��ه .ف�ه��ذا امل�ث��ل ُي�ق��ال مبالغة «�أَ ْن َك ْط ُه ْم» ،مبعنى �أ�ش ُّدهم ه��زا ًال ،كما يف قول ال�شاعر(:)4
اح� � � ْ�ل َذا َن َم��ا�� ِ�ش �ـ��ي َع � ْن �ـ �ـ �ـ � ُك � ْم َر َ َب ْن َو ْي َكــاتْ ( )5حِ � �ـ� �ـ� �ـ� � ِّي � ْ�ل مِ � � ِّي � ْ�ل �اح� ْ�ل َي��خْ � َي��ا ْر اخْ � � َي ��ا ْر �أَهْ � � ْ�ل ال ��� َّ�س� َ َوا ْن � � َك � ْ�ط � � ُه � �ـ � � ْم حِ � � �ي� � � َ�رانْ (ْ )6وعِ � � ِّي� � ْ�ل
لذلك ،وخالل مرحلة مهمة من البلوغ متتد ما بني ال�سابعة والرابعة ع�شر من العمر، ت�ستفيد الفتيات ال�صحراويات من عملية لوح ،Gavageوهو عملية تهيئة و�إعداد َل ْب ْ الفتاة للزواج من طرف �أمها �ضمن �شعائر جت�س امتثال ج�سد وطقو�س غذائية حملية ِّ الأنثى لقيم وعادات القبيلة(.)7
ُيفر�ض على الفتاة امل�ؤهلة للزواج ا�ستهالك كميات كبرية مقدرة من الأل�ب��ان الطرية غري املمزوجة باملاء كما هو احلال بالن�سبة ـ«ا�ش ِننيْ»(� ، )8أو«ا ْزر ْ ل ْ ِيك»( ، )9ف�ض ًال عن الدهون ال�صافية على امتداد ليال معينة و�أك� ��ل ق ��در ك�ب�ير م��ن ال �ل �ح��وم والأط �ع �م��ة املح�ضرة ن�ه��ار ًا ،و ُت�ع��رف عملية الإرغ��ام ه��ذه ب�ـ«ال� ّل� ْي� ِل�ي��ة» .ويف ح��االت الرف�ض �أو االمتناع ،تتع َّر�ض الفتاة لل�ضرب والعنف من طرف و�صيفة ت�سند �إليها هذه املهمة.
يستمر غذاء الفتاة وح» القسري لفترة «ل َ ْبل ُ ْ تزيد عن األربعين يوم ًا حتى يكتنز جسدها ويمتلئ لدرجة تظهر �صرامة النظام الغذائي من خ�صو�صيات هذا الطق�س « َلبلوح» �أن عليه عالمات تسمى ْ ْ ط َ بالحسانية «ل َ ْب َ ط» أو ّ التَّ ْب َ ط ْ اط والتّجراح
وتُ�ستعمل يف ذل��ك ع��دة �أ��س��ال�ي��ب عنيفة لإرغام الفتاة على ال�شرب والأكل من بينها �آلة ت�س ّمى «ا َز َّي��ا ْر» م�صنوعة من ق�ضيبني خ�شبيني يحزم ر�أ�ساهما بجلد رقيق وي�ش ّد بهما �أ�صبع الفتاة كلما امتنعت عن الأكل �أو ال�شرب� ،أو تكا�سلت �أو اختلقت الأعذار لذلك ،ومن �أ�ساليبهم يف الإكراه والإرغام ا�ص َبع» «تك�سري الأ�صبع»، �أي�ضا «ا ْك ِ�ص ْري ْ و«ا ْن� ِت�ي� ْ�ف ال� َغ� َّ�ظ��ا َب��ة» «نتف �شعر الرقبة»، و«لمَ ْ َد َّكة» ،وهي جعل مدق على �ساق الفتاة وال�ضغط عليه لإ�صابتها بالأمل..ف�ضال عن وح تهديدها ب�شرب ما قد تتق َّي�أه .وخالل َل ْب ُل ْ متنع ملْ َب ْل َحة من امل�شي حتى يتب ّلد حلمها ويتعاظم �شحمها ويزداد وزنها. وح ،تظهر تدريجيا عدة �أثناء التعاطي ل َل ْب ُل ْ ع�لام��ات و�أو� �ص��اف ت��دل على �أن ملْ َب ْل َحة �شرعت بالفعل يف االكتناز �أول�ه��ا مرحلة تعرف فيها ملْ َب ْل َحة با�سم «امحْ َ برَ ْ َطة» وفيها تكون ال�سمنة يف بدايتها خ�صو�ص ًا على
م�ستوى �سحنات الوجه ،ويف املرحلة الثانية يدعونها «نادية» بعد بروز �سمنة متفرقة على �أنحاء اجل�سد .بينما ت�س ّمى ملْ َب ْل َحة ـ«مت َْحا ْو ِ�صي ْن َها خ�لال املرحلة الثالثة ب َ َل ْع َظ ْام»� ،أي بعد ظهور طبقات من ال�شحم واللحم يف البنية اجل�سمانية لها وعلى الأخ����ص ناحية الأط ��راف وال��ورك�ين� ،أما ـ«ام � َغ�ْبررْ َ ة»� ،أي املرحلة الرابعة فت�س ّمى ب � ْ منتفخة ومكتنزة بالكامل .وختاما مرحلة خام�سة تُع َرف فيها ملْ َب ْل َحة بـ«لمْ َ ْفتُو َلة» دليل على بلوغ الهدف املن�شود. ً وق��د يذبح الأه��ل ج��دي� ًا �سمينا يو�ضع يف املاء حتى يطبخ ت�أكله لمَ ْ َب ْل َحة على فرتات متقاربة وت�شرب مرقه على التو ،وي�س ّمون ـ«�س ْم َب ْل َوه» .ثم ت�ضاف عليه هذه العملية ب َ زب��دة الغنم �أو املاعز «الد�سم -الدهن» وجترب الفتاة على تناول �أك�بر كمية منه.
نص بعض العلماء على حرمة هذا الشكل من أشكال التجميل لما يترتب عليه من فساد للطعام وإهانة النفس بينما رأى البعض اآلخر جوازه بل ضرورته ف�م��ن ع��ادات �ه��ن ال � َّت �ب�لاح «ال�ت���س�م�ين» يف �سن ال�صبوية حتى يتفتق ج�سدها و�شي ًا وي�ستح�سن عندهم �إظ �ه��ار امل�ح� ّب��ة لهن والرغبة فيهن ويقولون يف ذلك مثال« :هُ نَّ عمائم الأجواد ونعائل الأنذال»( .)10وهذا يج�سد قيمة امل��ر�أة داخ��ل املجتمع، املثل ِّ ال��س�ي�م��ا يف ع�لاق�ت�ه��ا ب��ال��رج��ل ،ذل��ك �أن معاملة الرجل احل�سنة لها هي التي جتعله من الأج ��واد واملحمودين� .أم��ا �إذا كانت معاملته لها �سيئة ،فذاك ّ يحط من قيمته ويجعله يف م��رت�ب��ة ال� ��دواب واحل �ي��وان��ات
وح �شعرية الإن�ضاج اجل�سماين والت�أهيل للزواج ل َ ْبل ُ ْ
البهيمة.
وح املعا�صر َل ْب ُل ْ
وح يف الوقت احل��ايل� ،أ�صبحت عملية َل ْب ُل ْ تتم عن طريق تناول املعجون ،وهو عبارة عن خليط من التمر و ُل�� ْو َد ْك «�سنم الإبل م��ذاب��ا»و َك� ْر َت��ه /ك��اوك��او و َت��ا ْر َي��ا َل� ْ�ت /نبات بلون �أبي�ض ي�صري �أ�سود بعد طهيه� ،إ�ضافة �إىل نبتة لبثينة .وقد ي�ستعمل لذات الغاية �وح» ال َب ْل ْغ َمانْ ( )11امل��دع��م بال�سكر « َل � ْب � ُل� ْ والدهن وم�شروب ا ْزر ْ ِيك� ،إىل جانب تناول َ نوع من الك�سك�س ي�س ّمى « َك ْ�سك ْ�س ال َغ َّبة»، وه��و عبارة عن ك�سك�س طبيعي خ��ال من املرقة /ال�صل�صة ويدهن « ُي� � َر َّو ْح» بزيت الزيتون «زيت العود» ،والأف�ضل �أن يدهن بال�سمن ويطبخ هذا الك�سك�س على ثالث
أنثروبولوجيا 136 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
ال�شاي م�رشوب يومي ترافقه الكثري من الطقو�س االحتفالية بح�ضور الن�ساء
م��راح��ل� ،أي ُي � َف � َّو ْر ثلث ط�ل�ع��ات .ي�ستمر �وح» على ه��ذه ال��وت�يرة غ��ذاء ال�ف�ت��اة « َل � ْب � ُل� ْ لفرتة طويلة -تزيد ع��ن الأرب �ع�ين يوما- حتى يكتنز ج�سدها وميتلئ لدرجة تظهر باحل�سانية «اللهجة عليه عالمات ت�سمى ّ ال��رئ�ي���س��ة ل�ل���ص�ح��راوي�ين» « َل� � ْب � َ�ط � َ�ط»� ،أو ال َّت ْب َط ْ اط والتّجراح ،وهي ت�شققات �صغرية ت�صيب اجل�سد ناحية ال��رج�ل�ين� .آن��ذاك تكتمل �سمنة ال�ف�ت��اة وت�ت�ح��ول �إىل مركز عندما تكتنز الفتاة اهتمام و�إغراء الرجال.
بع�ض العلماء على حرمة ه��ذا ال�شكل من �أ�شكال التجميل ملا يرتتب عليه من ف�ساد للطعام و�إهانة النف�س حتى �أن بع�ض علماء ال�صحراء �أفتوا مبنعه مثل ب��اب بن حممد بن حمدي «ت1316 .هـ� .».أما ال�شيخ حممد املامي بن البخاري ،فقال بجوازه معترب ًا �إياه �ضروري ًا لإ�صالح بدن الفتاة وتهيئتها للزواج،
ويقول :ال َّت ْب َال ْح الذي فيه دفق اللنب فيلحق باحلاجي مكمله يف هذه وقيا�س ًا على ا�ستعمال ِّ الطعام يف العادات كبل خمر بالن�شاء و�إ�صالح اجللود باللنب للحاجة ف�إ�صالح الأبدان ب�ضياع بع�ض اللنب �أَ ْولىَ ،لأن الأمور مبقا�صدها ،وهذه من العادة القدمية ف�ست�صحب ا�ست�صحاب ًا مقلوب ًا �إىل الزمن املعترب يف �شرعنا �أو �شرع من قبلنا وكالهما كاف .ودليل �أنها من العادة القدمية قول ال�شاعر(:)12
ح��وراء باكرها النعيم ف�صاغها ب �ل �ب �ـ �ـ �ـ �ـ��ان��ه ف ��أدق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ه��ا و�أج �ل �ـ �ـ �ه��ا
وتكتمل أنوثتها بني الإباحة والإدانة وح» ،يطلق بفعل «ل َ ْبل ُ ْ الفتاة ت�سمني هو تقدم، وعندما تكتنز الفتاة وتكتمل �أنوثتها وح ،ف�ض ًال عن ما َّ َل ْب ُل ْ الصحراويون عليها �وح» ،يطلق ال���ص�ح��راوي��ون املعروف عند �شعوب ال�صحراء ،وذلك لتظهر أوصاف ًا كثيرة ويعتبرونها بفعل « َل�� ْب�� ُل� ْ عليها ت�سميات و�أو�صاف كثرية ،منها: بج�سم الئق تكون به حمل احرتام .وقد ن�ص آنذاك مركز اهتمام وإغراء الرجال
�ان، �ادت غليظة ،ما�شية ْو َت��زْ ي� ْ ْم َب َّط ،ع� ْ ظام ْز َي��ا َن� ْ�ت ،ع��ا َد ْت ْف� َق��د ْر ْ لعلياتَ ،ل ْع ْ َمتْحا ْو�صينهاَ ،را ْف� َ�دة اللحم ،وا ْكفَة، �ان�..إل��خ. َر�شْ َكتها َز ْي �ن��ةْ ،وجهها َن � ْك �ع� ْ لكن ال�صحراويني عك�س ذلك ينبذون كما قلنا -الن�ساء املهازل والنحيالتوي�صفوهن ب�أو�صاف �شعبية قدحية ،يف مقابل البع�ض القليل مم��ن يتجنَّبون ال�سمنة ،وي�ع�ّب�رّ ون عن ذل��ك بكالمهم ُّ ال�شعبي« :دي� ْ�ر �أَ ْي � َ�د ْك َف� ْك�ل َا َّت��ك»� ،أي: �ضع يدك يف قالدتك.
الت�سمني يف الأمثال ال�شعبية
وح والتّ�سمني يف جمموعة من ح�ضر َل ْب ُل ْ احل�سانية ،منها: الأمثال ال�شعبية ّ وم ْع َل ا ْكفَا َه :تقوم اعتماد ًا على ا ْت ُك ْ�أكفافها .ي�ضرب مبالغة يف �سمنة املر�أة و�ضخامة حو�ضها وفخذيها. َ�س ْح َو ْت لمَ ْ َب ْل َح :ا�ستحياء «لمَ ْ َب ْل َح» ،وهيالفتاة ال�ت��ي تتع ّر�ض لعملية ت�سمني. وامل�ع�ن��ى �أن �ه��ا جتتهد يف ��س�ت ِر وجهها « َت ْتغ َْمبرَ ْ » على ح�ساب بقية �أع�ضائها. ي�ضرب فيمن يفعل ما ال ينا�سب ق�صده. ويقال �أي�ض ًاَ :تغ َْم ُبو َر ْت لمَ ْ َب ْل َح :مثل تل ّثم املُ َب َّلحة .واملُ َب َّلحة :الفتاة ت�س َّمن ،وذلك �أنها مل ت�ت��د َّرب على �ضبط مالب�سها. ف� ��إذا ر�أت م��ن ت�ستحيي م�ن��ه �أخ�ف��ت وج�ه�ه��ا « َت � ْت � َغ� ْ�م�َب�رَ ْ » ،فيظهر عجزها. يتمثل ملن ي�ضع الأمور يف غري حملها. اج ْل :ما ي�سمن ال ّلي ْي َب َّل ْح ْم َر ْي َع َّي ْ�ش َر َام��ر�أة يغذي رج�ل ًا .يعك�س ه��ذا املثل ن�ظ��رة املجتمع للرجل وامل� ��ر�أة وكونه � ّ أخف منها تكلفة. َ �سمن كهلة جتد َ�س َّم ْن َك ْهل ات َْر َ�شا َّبهِّ :�شابة .ي�ضرب لأهمية ال�سمنة وكونها حت ّول العجوز �إىل فتاة. � ِّأم��ي ْت� َب� َّل� ْ�ح� ِ�ن ْب�� ِ��ش� ْ�ر� ِ��ش� ْ�مَ ،ت � ْو َك� ْ�ل َح� ُّ�بْو َت ْعطِ ينِي َما ْه� :أمي ت�س ّمنني بامل�صلوق ت�أكل ح َّبه وت�سقيني م��اءه .ي�ضرب ملن يتظاهر ب�أنه يريد لك اخلري وهو يريده لنف�سه
الهوام�ش: - 1يق�صد ب �ـ«ال � ّزك��رار» ت��رك و�سط ال��ر�أ���س وح�لاق��ة ب��اق��ي امل �ن��اط��ق ف �ي��ه ،وب �ـ«ل �ف��ري��زي» ت��رك الأم��ام��ي م��ن ال��ر�أ���س وح�لاق��ة الباقي، ـ«الك�صة» نق�ص الأمامي وترك اخللفي من وب َّ ال�شعر يف �شكل �ضفائر ت�س ّمى «�سانَ مانَ ». - 2الكحلة :م��ن و��س��ائ��ل ال��زي�ن��ة التقليدية بال�صحراء. - 3بهجة النظر يف بيان م��ا يتعلق بامل�ؤنث واملذكر /م .م�« .ص.»101 . - 4حممد بن ُبتَّار بن ُّ الطلبة :ال�شعر املوريتاين امل�ل�ح��ون « َل�� ْغ��نَ » -خ �ط��وة ..نحو االكت�شاف، من�شورات مركز جنيبويه للمخطوطات وخدمة الترُّ اث /القاهرة �« 2010ص.»39 . ْ - 5ن َو ْي َكاتْ :ت�صغري ناقات «�أو نوق». ِ - 6ح َريانْ :جْ .ح َوا ْر ،وهو ولد الناقة. Ahmedou : - 7
Ould
Ghassem
.Eléments pour une symbolique maure L’Harmattan, Paris, 2001 (p. 144 -
املمزوج باملاء وال�سكر» لي�س ب�سبب اقت�صادهم على م��ادة ال�ل�بن ،و�إمن ��ا ظنا منهم �أن هذه الطريقة ت�ساعد على تذويب وتقلي�ص درجة الفيتامينات. - 10املختار بن حامدٌ :حياة موريتانيا «احلياة الثقافية» ،الدار العربية للكتاب�« 1990 ،ص. .»180 ْ ْ ـ«لوك ْيل لكحل» ب أي�ضا � ى م ي�س : م غ ل ب ال انْ ِ َ َ - 11 ّ «الأك ��ل الأ� �س��ود» و ُي�ع��رف يف موريتانيا با�سم «ال�سويقْ » ،وهو من �أ�شهر الأك�لات و�أي�سرها ْ بال�صحراء �إعدادا وتهييئا ،حيث تقوم الن�ساء بتنظيف ال�شعري من ال�شوائب «�إ َن ُّكو ال��زرع»، وبعد �أن ينتهني من هذه العملية يقمن بطحنه يف الرحي وغربلته ليتح ّول من �شعري �إىل دقيق ي�س ّمى «ملكلي» .ومن �أجل �أن يتحول املكلي �إىل بلغمان «الأكلة» يقمن بتح�ضري كمية خمتارة من دقيق ال�شعري وخلطها مع قدر مالئم من املاء املغلي جيدا واملحلى بقليل من ال�سكر ،وقد تتم عملية اخللط واملزج بوا�سطة عود �سميك يف �شكل دبو�س َ«م ْ�ص َعا ْد»� ،سواء ب�إزالة �آو عدم �إزالة املاعون�/إناء الطبخ من فوق النار .وبعد ذلك تو�ضع بو�سطه الزبدة �أو الدهن «وفق ما هو متوفر». ون���ش�ير يف ه��ذا ال ��ّ��ص��دد �إىل �أن ه�ن��اك من ال�صحراويني من يكتفي با�ستهالك البلغمان على هذا ال�شكل ،ومنهم من ي�ضيف عليه اللنب «باملزج» وهي �أف�ضل طريقة لتناول هذا اللون الغذائي ال�شعبي بال�صحراء. - 12كتاب البادية لل�شيخ حممد املامي بن ال �ب �خ��اري «� ��ص ،»24 .وه��و خم �ط��وط مكون من جز�أين ،ي�س ّمى الأول منهما التلميات �أو البادية ،والثاين جمان كتاب البادية .املخطوط موجود مبكتبة يحيى ولد الرباء -نواك�شوط. �وح م��زي��د م ��ن ال �ت��و� �س��ع يف م��و� �ض��وع « َل� � ْب� � ُل � ْ بال�صحراء»ُ ،يرجى الإطالع على البحث القيم الذي �أجنزته الباحثة املوريتانية �أم كلثوم بنت الغالوي بعنوان�«:أثاث وزينة املر�أة ال�شنقيطية يف ال �ق��رن ال��راب��ع ع���ش��ر ال �ه �ج��ري» ،وذل��ك لنيل امليرتيز يف العلوم ال�شرعية -املعهد
145). ْ -8 ا�ش ِننيْ :عندما تكون ن�سبة املاء �أكرث من اللنب �س ّمي امل�شروب ب ْ ـ«ا�ش ِننيْ» .يف ذات ال�سياق، ال�ض ْي ُح َّ يقال للنب الكثري املاءَّ : وال�ض َي ُاح ،وهو ال�ل�بن اخل��ائ��ر ُر َّق ��ت ب��امل��اء ي�صب عليه .وهو �أ�سرع اللنب ر ّيا .ي�ضرب ملن ال ي�شتفي موعوده الري احلا�صل من َّ ال�ض ْيح ال ب�شيء ،وذلك �أن َّ يكون متينا و�إن كان �سريعا .يف حني تو�صف قلة اللنب باملُ َغا َّرة .ومن كالمهم «مل حتلب هذه الناقة ومل ُت َغا َّر هي و�أودى اللنب» .جاء يف املثل: «مل حتلب الناقة ومل ُت َغا ُّر» ،ي�ضرب ملن �ض ّيع �واق وال� َف� ُ ماله �أو مال غ�يره .وال� ُف� ُ �واق :قدر ما جتمع الفيقة ،وهي اللنب ينتظر اجتماعه بني احللبتني .ويف ذلك جاء املثل�" :أمهلني ُف َو َاق ناقة" الذي ي�ضرب يف �سرعة الوقت. ِيك :يتمثل ا ْزر ْ - 9ا ْزر ْ ِيك يف �شراب مك ّون من حليب �أو لنب الإب��ل �أو املاعز «يف الغالب» بعد مزج كل واحد منهما «ح�سب الرغبة �أو ما قد يتوفر» ببع�ض امل��اء وال�سكر وحتريك اجلميع بوا�سطة «خ َّو َاظة» «كثريا ما ت�صنع من فروع ال�شجر» حتى ي�صري ال�شراب جاهزا و�صاحلا لال�ستهالك .ويلجا ال�صحراويون �إىل هذه العايل للدرا�سات والبحوث الإ�سالمية/ الطريقة يف �إعدادهم مل�شروب ا ْز ِري� ْ�ك «اللنب نواك�شوط
احتفاالت شعبية 138 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
ال تت�ضمن �إلقاء عرو�س يف النيل!
«جبر البحر» ..
من أقدم االحتفاالت في التاريخ القاهرة -حممد ال�سيد �إ�سماعيل
متيزت م�صر منذ القدم بتعدد �أعيادها واحتفاالتها ،فال يكاد مير �شهر من دون عيد �أو احتفال ،ما بني احتفال �شعبي �أو احتفال ديني، بل �إن هناك �أعياداً م�صرية خال�صة متوارثة عن قدماء امل�صريني، و�أعياداً �أخرى عربت عن تراث م�صر احل�ضاري الذي هو نتاج لتفاعل كامل بني اجلماعات الإن�سانية العديدة التي احتواها املجتمع امل�صري على مر الع�صور ،لتعطينا يف النهاية �أعياداً م�صرية خال�صة ،ومن �أبرز الأعياد امل�صرية التي اكت�سبت �صفة اال�ستمرارية ،وامتد االحتفال بها �إىل الآن ،عيد وفاء النيل ،وعيد النوروز «�شم الن�سيم».
و�سوف نتعر�ض هنا بالتف�صيل �إىل ق�صة عيد وفاء النيل وما �صاحبه من �أ�ساطري حتتاج �إىل وقفة ناقدة لتخلي�ص تراثه مما علق به من خرافات.
وثيقة العهد بالوفاء
يعترب االحتفال بوفاء النيل من �أقدم الأعياد التي ظلت قائمة عرب �آالف ال�سنني ،ولي�س هناك �شكل احتفايل �آخر ا�ستمر قائم ًا مثل هذه املدة الطويلة يف �أي مكان يف العامل وبني �أي �شعب من �شعوب الأر�ض. ويف م�صر الفرعونية كانت هذه االحتفاالت من الأهمية وال�شمول بحيث كان يح�ضرها امللوك ب�أنف�سهم ،وي�شرتكون مع املحتفلني الآخرين من �أع�ضاء الأ�سرة امللكية ،ورجال ون�ساء البالط امللكي ،ورجال الدين ورجال احلكومة واملثقفني والكتبة والفالحني وال�صناع وجميع طبقات وطوائف ال�شعب الأخرى. ً ً وق��د جعلوا لفي�ضان النيل رم��زا مقد�سا هو املعبود املعروف با�سم «خنوم» ويتمثل يف ج�سم �إن�سان له ر�أ�س كب�ش ،كما جاء يف �أوراق الربدي �أن�شودة للنيل ،تقول: «�أيها الفي�ضان املبارك� ،أقيمت لك الأعياد، وق��دم��ت ل��ك ال �ق��راب�ين ،فتقبل م�ن��ا ال�شكر واالعرتاف بف�ضلك». وورد يف كتب التاريخ �أن وثيقة كانت تُعد وتُكتب وت�صدر ع��ن دي ��وان ف��رع��ون لتلقى يف النيل فيقبلها ،وك�أنها عهد منه ال يتخلف فيه ومينح الأر�ض هباته ويويف بوعده ومن هنا جاءت كلمة «وفاء النيل».
قرابني وطقو�س
كان امل�صريون القدماء ،يف زمن الفي�ضان، يلقون يف النيل قربان ًا من عجل �أبي�ض وثالث �إوزات ،وبع�ض الهدايا الثمينة ،وتخرج النا�س جماعات حاملني �سعف النخيل و�أزهار اللوت�س، يلوحونبهاوهمين�شدون،وزيادةعلىذلككانوا يقفون يف مواجهة متثال معبود النيل «حابي» �أو «حعبي» ،و�أمامه �صفوف فرق املو�سيقى جال�سة
االحتفال بوفاء النيل أحد أقدم األعياد التي ظلت قائمة عبر آالف السنين ..وال مثيل لها في أي مكان في العالم على من�صة مرتفعة يتو�سطها رئي�سها وهو يلوح بيديه للفريق حتي يعزف بانتظام� ،أما فريق املن�شدين فكانوا يجل�سون بني �أفراد املو�سيقى وبينهم فئة مهمتها الت�صفيق ب��الأي��دي على النغمات ،و�أم��ام هذه الفرقة فرقة �أخرى من الراق�صات ي�ؤدين حركاتهن يف ر�شاقة وخفة وهدوء ،و�أمام ه�ؤالء وه�ؤالء ف�ضاء يجل�س فيه
كان الديوان الفرعوني يصدر وثيقة وتلقى في النيل ليقبلها كعهد منه بأن يمنح األرض هباته ويفي بوعده ومن هنا جاءت كلمة «وفاء النيل»
احلكام والكاهن ويجل�س فرعون يف كر�سي مذهب فوق من�صة مرتفعة يواجه قاعدة متثال حعبي ،ثم يلي ذلك مكان مت�سع لأفراد ال�شعب. �أم��ا على النيل فكانت املراكب ال�شراعية يف �ألوان فاقعة تروح وتغدو فوق �سطحه ،والنا�س يف فرح وعلى كل �سفينة عازف. وهكذا ظل االحتفال بوفاء النيل واح��د ًا من �أه��م التقاليد وال �ع��ادات ال�شعبية امل�صرية التي حر�ص امل�صريون على ممار�ستها منذ الع�صور الفرعونية ،ومرور ًا بالع�صور اليونانية فالرومانية ،فالقبطية فالإ�سالمية .بل �أ�صبح وفاء النيل وفي�ضانه م�ؤ�شر ًا اقت�صادي ًا حلالة ال �ب�لاد ،وح��ق احل��اك��م يف جباية ال�ضرائب وخ��راج الأر���ض ،فقد كانت هذه ال�ضرائب ال ت�ستحق �إال �إذا ارتفع في�ضان النيل �إىل 16 ذراع ًا لذلك فقد حر�ص امل�صريون على �إقامة املقايي�س النيلية التي تبني لهم م�ستوى الفي�ضان يف كل مو�سم.
جرب البحر
يف الع�صور الالحقة ،حمل اليوم الذي يتم فيه قطع ال�سد الرتابي الذي كان يقام قبل ارتفاع النيل �أو بعده� ،إيذان ًا ببدء االحتفال ال�سنوي،
احتفاالت شعبية 140 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
م�شهد الحتفاالت «جرب البحر»
ا�سم يوم «جرب البحر» �أو «وفاء النيل» وي�سمى �أي�ض ًا «عيد اخلليج» و«مو�سم اخلليج» ،وكان يع ّلق على ال�شباك الكبري يف اجلهة ال�شرقية من دار املقيا�س -قبل احلكم العثماين� -ساتر �أ�صغر عندما يتم النيل ارتفاعه �إىل 16ذراع ًا؛ ليعلم النا�س �أن النيل قد �أوف��ى ،وتكون هذه الليلة من اللياىل العظيمة مب�صر حيث يوقد فيها الأه��اىل القناديل وال�شموع ويتحول ليل القاهرة �إىل نور من كرثة الأ�ضواء ،ويح�ضر كبار الأمراء ومعهم اال�ستادار ،ويح�ضر مقرئو القر�آن حيث يتناوبون القراءة طوال الليل ،كما يح�ضر املغنون الذين يغنون طوال الليل �أي�ض ًا، ويف �صباح اليوم التايل يعمل حفل حافل بال�شواء واحللوى والفاكهة يح�ضره ال�سلطان �أو من ينوب عنه من الأم��راء ،ويتخطف العامة امل�أكل وال مينع �أحد من ذلك ،وبعد االنتهاء من االكل يبد�أ االحتفال وهو مرحلتان املرحلة الأوىل :تخليق املقيا�س .واملرحلة الثانية :هي ك�سر �سد اخلليج، وكانت املرحلة الثانية تتم يف اليوم الثالث �أو الرابع يف الفرتة الأوىل من �أي��ام الفاطميني ولكن االحتفال مبرحلتني �صار يتم يف يوم واحد �أيام املماليك. وكان االحتفال بوفاء النيل يبد�أ بنزول ال�سلطان م��ن قلعة اجل�ب��ل ،ويف خدمته ق��ادة اجلي�ش والأعيان وخوا�ص دولته ،يف احلراريق املزينة
بالأعالم وال�صناجيق و�سائر �أن��واع الزينات، وفيها الطبلخانات والنفوط حتى ي�صل املوكب �إىل دار املقيا�س ،وبعد الفراغ من الطعام يذاب الزعفران يف م��اء ال��ورد يف �إن��اء من الف�ضة، يعطي ال�سلطان الإن��اء البن �أب��ي ال��رداد الذي يلقي نف�سه بقما�شه «مبالب�سه» يف الف�سقية ومعه ذلك الإناء الف�ضي فيخلط عمود املقيا�س بالزعفران ،ثم يخرج ال�سلطان �أو نائبه فيجل�س بال�شباك الكبري حتت ال�سرت ،ورئي�س احلراقة ال�سلطانية «الذهبية» ورئي�س حراريق الأمراء، وي��ؤت��ى بحراقة ال�سلطان �إىل ذل��ك ال�شباك فينزل �إىلها وي�سبح بها وحوله حراريق الأمراء مزينة بكل �أنواع الزينات ،وقد اختفت �صفحة النهر حتت ع�شرات املراكب والقوارب املليئة باملتفرجني حتي يدخل املوكب �إىل فم اخلليج، وت�سري ح��راق��ة ال�سلطان املعروفة بالذهبية وح��راري��ق الأم���راء يلعب بها وي��رم��ى مبدافع النفوط على مقدمته يف ا�ستعرا�ض كبري،
تسمية «عروس النيل» مستوحاة من فكرة أن النيل متى أفاض فإنه يدخل على أرض مصر كما يدخل العريس على عروسه
وي�ستمر هذا املوكب حتى موقع «�سد اخلليج» حيث يكون نائب ال�سلطنة ومعه بع�ض كبار الأم��راء منتظرين فوق قنطرة ال�سد ،وحتمل طبلخانه ال�سلطان على الأك��ادي����ش وينزلون قنطرة ال�سد ،وهناك يتوجه ال�سلطان بح�صانه من فم اخلليج �إىل ال�سد الرتابي حيث ينزل من ح�صانه ومي�سك مبعول من الذهب اخلا�ص وي�ضرب ال�سد الثالث �ضربات ،ثم يركب ثانية في�أتي جمع غفري من النا�س بف�ؤو�سهم فيحفرون ه��ذا ال�سد حتى ي�ج��ري امل ��اء يف اخلليج ثم ين�صرف ال�سلطان �إىل القلعة.
�إ�ضافات الغزاة
يبدو �أن االحتفال بوفاء النيل يف املا�ضي كان م�ؤثر ًا ورائع ًا وقوي ًا �إىل الدرجة التي �شارك فيها احلكام الغزاة -الذين حكموا م�صر – �أه َلها يف احتفالهم به ،و�إن �أ�ضافوا �إىل مظاهر احتفال امل�صريني الربيئة به مظاهر خليعة انتقدها اجل�برت��ي يف و�صفه لهذا االحتفال فقال وا�صف ًا الفرن�سيني حيت ا�شرتك معهم نابليون بونابرت يف هذا االحتفال ...« :وت�أهبوا للخالعة والق�صف والتفرح واللهو والطرب. وذهبوا تلك الليلة �إىل ب��والق وم�صر العتيقة وال��رو� �ض��ة .و�أك�ث��روا امل��راك��ب ون��زل��وا فيها. و�صحبتهم ن�سا�ؤهم و�شرابهم ..وجت��اه��روا
بكل قبيح من ال�ضحك وال�سخرية والكفريات وحماكاة امل�سلمني من �أه��ل البلد ..وبع�ضهم تزيا بزي �أمراء املماىلك ولب�س �سالح ًا وت�شبه بهم وحاكي �ألفاظهم على �سبيل اال�ستهزاء وال�سخرية ..و�أخرج الفرن�ساوية املراكب املزينة وعليها البيارق وفيها �أن��واع الطبول واملزامري ..ووق��ع يف تلك الليلة بالبحر و�سواحله من الفواح�ش والتجاهر باملعا�صي والف�سوق ما ال يو�صف ..و�سلك بع�ض غوغاء العامة و�أ�سافل العامل ورعاعهم م�سالك اخلالعة والرذالة والرقاعية بدون �أن ينكر �أحد من احلكام عليهم ذلك ..بل كان كل �إن�سان يفعل ما ت�شتهيه نف�سه وما يخطر بباله ..و�إذا كان رب البيت بالدف �ضارب ًا ،ف�شيمه �أه��ل البيت كلهم الرق�ص... و�أكرث الفرن�سيون يف تلك الليلة و�صباحها من رمي املدافع وال�صواريخ واملراكب وال�سواحل... وباتوا ي�ضربون �أنواع الطبول واملزامري».
االحتفال يف القرن التا�سع ع�شر
يف بداية القرن التا�سع ع�شر كان البا�شا يتقدم احتفال عيد اخلليج ب�صحبته كبار �شخ�صيات احلكومة ،مثل �شيخ البلد والقا�ضي والدفرتدار �أو م�ست�شار احلكومة وكخيا اجلاوي�شية ،وفرقة االنك�شارية والك�شاف وكل كبار ال�شخ�صيات، وعند ال�صباح ي�صل البا�شا م��ع �أه��ل بيئته �أي م��ع �ضباطه ورج��ال��ه ،وي�صل البكواتمع مماليكهم ،وي�صحبهم جمهور كبري من املو�سيقيني ويحتلون جزء ًا من امليدان ويقيمون يف ال�سرادق الكبري املعد لهم مل�شاهدة قطع ال�سد ،بينما تقام للعامة خيم �صغرية لبيع احللوى والفاكهة والقهوة ،وتغطي القوارب �سطح ال�ت�رع��ة ،ومت �ت��از ق� ��وارب ال���س�ي��دات بفخامتها وبهوادجها التي تغلق عليهن بدافع الغرية ،وكان �أ�شهر هذه املراكب مركب ي�سمى «العقبة» ،ت�صنع للمنا�سبة ب�شكل زخريف غليظ، وحتمل مدفعني �صغريين �أو �أك�ثر ،وتعلق �إىل حبالها عدة م�صابيح ،تكون ر�سوم ًا خمتلفة، كنجمة كبرية ،وبهذا املركب �أي�ض ًا ،فوق القمرة خيمة مقفلة كبرية -من احلرير وغريه – تزين برايتني الذهبية والف�ضية يت�سابق �إىل الفور بها غوا�صون مهرة ،وينق�ضي ما يتبقى من النهار
احتفاالت شعبية 142 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
يف �أف��راح وم�سرات ت�ستمر حتى الليلة التالية، ولهذا اال�ستب�شار واالبتهاج العام ما يربره ،حيث �أن الفي�ضان هو �ضمان االزدهار للجميع فعندما يحل الفي�ضان يبد�أ النا�س ي�أملون يف حم�صول وفري بل ميكن القول ب�أنهم قد بد�ؤوا يحلمون مبا يعدهم به من منافع.
�أكذوبة عرو�س النيل
«عرو�س النيل» هي ق�صة �أ�سطورية مكذوبة ومفندة ،رواه��ا م��ؤرخ �إ�سالمي �شهري هو ابن احلكم ،وتناقلها ال��رواة امل��ؤرخ��ون من بعده، وتتلخ�ص الق�صة يف �أن �أقباط م�صر جل�ؤوا �إىل عمرو بن العا�ص يطلبون �إليه كعادتهم �إلقاء جارية بكر ي�أخذونها من �أبويها بعد �أن ير�ضيانهما ب��امل��ال ،ثم ي�ضعون عليها �أجمل الثياب و�أف�ضل احللي ثم يلقونها يف النيل، فا�ستنكر عمرو بن العا�ص الفعل �إ�سالمي ًا. وق�صة «عرو�س النيل» خرافة تهدمها حقيقة قدا�سة و�ضع امل��ر�أة يف الفكر امل�صري القدمي مبا يتعار�ض وفكرة تقدميها قربان ًا للنيل ،وهي ت�سمية تعني �أن النيل متى �أفا�ض ف�إنه يدخل على �أر�ض م�صر كما يدخل العري�س على عرو�سه. لهذا ال�سبب رمبا ،كانت تُ�صنع الحق ًا ،عرو�س
أصبح وفاء النيل وفيضانه مؤشر ًا اقتصادي ًا لحالة البالد، وحق الحاكم في جباية الضرائب وخراج األرض م��ن الطني �أ�شبه بـ«املانيكان» ،ويف �أعالها كانت ت��زرع نبتات من ال��ذرة �أو القمح ،وعند و�صول الفي�ضان �إىل فم اخلليج تن�ساب املياه ب�شدة فتجرف معها عرو�س الطني تلك ومعها احلبوب ،وك��ان يخ�ص�ص �أي�ض ًا عدة منادين كل منهم خمت�ص بق�سم معني يف القرى واملدن وي�صحبهم �صبي �أو �أكرث حاملني رايات �صغرية ملونة وطبول ،ويبد�أ الواحد منهم نداءه اليومي بالذكر وال�ث�ن��اء على اهلل ور��س��ول��ه ث��م يذكر رب ال��دار و�أه��ل بيته على طريقة امل�سحر يف رم�ضان ،وقد يجود �صاحب الدار عليه ب�شيء قليل ،وي�سمى من يقوم بهذه الوظيفة بـ«مبنادي النيل» .ومنذ ك�شف �شامبليون �أ��س��رار اللغة امل�صرية القدمية بعد اكت�شاف �ضابط احلملة الفرن�سية بو�شارد حلجر ر�شيد �أثناء احلملة الفرن�سية على م�صر ،بد�أ الباحثون درا�سة جادة
للتاريخ امل�صري القدمي ،ومن ه��ؤالء الباحث الفرن�سي بول الجنيه الذي تفرغ لدرا�سة حكاية عرو�س النيل. وخ��رج الباحث م��ن درا��س�ت��ه ب���أن امل�صريني القدماء كانوا ال يلقون بفتاه يف النيل ،ولكنهم كانوا يحتفلون ب�إلقاء �سمكة من نوع الأط��م، وهذا النوع من ال�سمك قريب ال�شبه بالإن�سان وي�صفه بع�ض العلماء ب�إن�سان البحر تتميز �أنثاه ب��أن لها �شعر ًا كثيف ًا فوق ظهرها ،ولها ما ي�شبه �أرداف املر�أة� .أما وجهها ف�أقرب �إىل كلب البحر وحني ت�سبح فوق املاء تتمايل ك�أنها راق�صة .وكان امل�صريون القدماء يزينون �سمكة االطم ب�ألوان زاهية ويتوجون ر�أ�سها بعقود الورد والزهور ثم يزفونها �إىل النيل يف عيد وفائه. ومنذ �أعوام مت ك�شف �سمكة من هذا النوع يف بحرية قارون بالفيوم. وي�ق��ال �أي�ضا �أن�ه��م اكت�شفوا يف نهر النيل دميات من الفخار ومعنى هذا �أنهم مل يلقوا بفتيات حقيقية� ،أما �إلقاء عرو�س حقيقية يف النيل ،فلم تعرفه م�صر �إال يف عهد املماليك حيث جاءوا بالفتيات املدربات على ال�سباحة تدريب ًا جيد ًا و�ألقوا بهن يف النهر ثم تركن لي�سبحن حتى ال�شاطئ يف كرنفال االحتفال.
�إن �إلقاء عرو�س حية يف النيل لي�س �إال خرافة فجميع من �أرخوا مل�صر قبل ابن عبد احلكم مثل هيكاه وه�ي�رودوت وت �ي��ودور ال�صقلي وبلوتراك وكليمان ال�سكندري الذين كتبوا عن احلياة والعادات الفرعونية والغرائب والتقاليد يف م�صر القدمية مل يتناولوا من قريب �أو بعيد حكاية عرو�س النيل. كما �أن عبد احلكم كتب هذه احلكاية بعد فتح عمر بن العا�ص مل�صر مبئتني وثالثني عام ًا ومل يكن من معا�صريها ورمبا رويت له. ووا��ض��ح من منت ال��رواي��ة �أن النيل ا�ستمر ثالثة �شهور مل يجر فيه كثري وال قليل ولو حدث هذا لهلك كل من يف م�صر كما �أنه من امل�ستحيل علمي ًا ارتفاع النيل �ستة ع�شر ذراع ًا يف ليلة واحدة. وي�ؤكد الباحث خمتار ال�سويفي �أن احل�ضارة امل�صرية ح�ضارة راقية مل تعرف على مر الع�صور ال�ضحايا الب�شرية لأي �إله �أو معبود مهما عال �ش�أنه .ويقول ال�سويفي �إذا كان للنيل عرو�س ًا فهي �أر�ض م�صر التي يدخل عليها النيل يف مو�سم الفي�ضان كما يدخل الرجل على عرو�سه يف ليلة زفافهما. كما �أن نقو�ش املعابد امل�صرية والربديات ال �ت��ي ع���ددت م�ظ��اه��ر احل �ي��اة وال�ت�ق��ال�ي��د وال�ع�ب��ادات مل تذكر حكاية عرو�س النيل، ول��و كانت ه��ذه حكاية حقيقية ملا �أغفلتها النقو�ش. وتذكر الدكتورة نعمات �أحمد ف��ؤاد �إحدى ع��ا��ش�ق��ات احل �� �ض��ارة امل���ص��ري��ة يف كتابها «ال �ق��اه��رة يف ح�ي��ات��ي» �أن ح�ك��اي��ة ع��رو���س النيل لي�س لها �أ�سا�س تاريخي ،ومل ترد غري الق�صة التي ذكرها بلوتراك والتي تقول �إن ايجيبتو�س ملك م�صر �أراد اتقاء ك��وارث نزلت بالبالد ف�أ�شار �إليه الكهنة ب�إلقاء ابنته يف النيل ففعل ثم �أمل به ندم �شديد ف�ألقى بنف�سه يف النيل فهلك مثل ما هلكت. وي �ق��ول ع�ب��ا���س حم �م��ود ال �ع �ق��اد يف كتابه «عبقرية عمر»�« :إن رواية عرو�س النيل على عالتها قابلة لل�شك يف غري مو�ضع فيها عند م�ضاهاتها على التاريخ ،وقد يكون الواقع منها دون ما رواه الرواة بكثري».
الحق ًا صنع المصريون عروس ًا من الطين في أعالها ذرة أو قمح وعند وصول الفيضان إلى فم الخليج تجرفها المياه مؤذنة ببدء موسم النماء االحتفاالت املعا�صرة
ا�ستمر االحتفال بوفاء النيل حتى عهد قريب �إىل ما بعد قيام ث��ورة 1952م ،وق��د كانت «ال �غ��وازي» واملغنيات يجنب القرى لت�سلية النا�س احتفا ًال بوفاء النيل ،وي�صحب ه�ؤالء الن�سوة والبنات فرقة مو�سيقية مكونة من
عازف على الغاب و�ضارب على الدف ،و�إىل عهد قريب كنا نراهم يف القاهرة يغنني:
ال � � �ب � � �ح� � ��ر زاد..ع � � � � � � � � � � � ��وف اهلل غ � � � � � ��رق ال � � � � � �ب � � �ل � ��اد..ع � � � � ��وف اهلل
�أم��ا على امل�ستوى الر�سمي ف�ك��ان عيد «وف ��اء ال�ن�ي��ل» ع�ي��د ًا ر��س�م�ي� ًا ،تعطل فيه دواوين احلكومة وم�صاحلها ،ويقام فيه احتفال كبري يت�سلم فيه �أح��د امل�س�ؤولني «ح� �ج ��ة وف � ��اء ال��ن��ي��ل» ال� �ت ��ي حت �ف��ظ يف ال�سجالت يف دار الوثائق ،وتطلق املدافع �إح��دى وع�شرين طلقة ابتهاج ًا بذلك، ث��م ينتقل امل��دع��وون �إىل �سفنية زينت بالأعالم �سميت «بالعقبة» كما يف املا�ضي وجت��ره��ا ق��اط��رة ،ث��م ي�ل��ي ذل��ك �إط�ل�اق الألعاب النارية
سوق الكتب 144 الـعــــدد 159 ينا يـر 2013
املا�ضي يف احلا�ضر �أ�سئلة و�إ�شكاليات
فهمي جدعان يبحث في تاريخية الفكر اإلسالمي مفيد جنم يطرح الباحث فهمي جدعان يف مقدمة كتابه املا�ضي يف احلا�ضر ق�ضية مهمة، تتعلق مبو�ضوع تعدد القراءات للن�ص الواحد بتعدد قرائه ،باعتبار القارئ منتجاً جديداً له ،ما يجعل عالقة الكاتب بن�صه تتخذ منحى مغايراً ،ي�ؤكد عليه عندما يعلن �أنه لي�س من ال�ضروري� ،أن يرى القارئ يف الن�ص الذي ينجزه عني ما يراه هو فيه ،الأمر الذي يجعل الكاتب غري متيقن متاماً من �أن املعنى ،الذي ي�سعى الن�ص �إىل �إر�ساله �إىل القارئ ،هو نف�س املعنى الذي يتمثل به الكاتب ن�صه. �إن مقاربة القارئ للن�ص كما ي��رى هي مقاربة بكامل الكينونة الإنرثبولوجية والثقافية والروحية واجلمالية ،من لدن القارئ ،ما يجعل متثل الن�ص وفق ًا لتلك الكينونة ،على الرغم من جميع الإ�شارات ال�صريحة �أو ال�ضمنية ال �ت��ي ير�سلها ه��ذا الن�ص ،ورغ��م ك��ل التمايزات التي ت�ستدعيها ال�شروط التاريخية امل�شخ�صة ل �ه��ذا ال �ن ����ص .ع�ل��ى ه ��ذا الأ� �س��ا���س من العالقة ي�ؤكد الباحث �أن��ه مل ينظر �إىل �أي عمل من �أعماله ،مهما ك��ان جن�سه، بو�صفه جزء ًا من منظومة فكرية �أو علمية �شاملة ،بل كان احلافز وراءه هو الدافع النابع من كينونة الذات الروحية.
تاريخية الثقافة العربي
تتوزع درا�سات هذا الكتاب على جمموعة
من املحاور الأ�سا�سية ،التي تهتم بداية بتقدمي �صورة �إجمالية للوجوه الأ�سا�سية للفكر ال �ع��رب��ي يف جت��رب�ت��ه ال�ت��اري�خ�ي��ة، امل�م�ت��دة م��ن ع�صر التنزيل والتوحيد، �إىل ع�صر التقنية ،الأمر الذي ي�ستدعي من الباحث الوقوف عند وج��وه �أ�سا�سية ومناطق فا�صلة ،وق�ضايا جوهرية بارزة فيه .يف �ضوء ذلك يخ�ص�ص الق�سم الأول من الكتاب لتقدمي نظرة تاريخية وحتليلية للمراحل الفكرية الأوىل للتجربة الثقافية ال �ع��رب �ي��ة ،يف مت�ث�ل�ه��ا ل �ظ��اه��رة ال��وح��ي والن�ص ذات البعد الديني ،ال��ذي �شهد غنى وتنامي ًا بالعقل وبالعلم والوجدان، واخل�ب�رة ،حتى و�صل �إىل ال�صورة التي جتلت يف كتابات جمموعة من املفكرين، ال �ت��ي عملت ع�ل��ى ا�ستح�ضار امل��ا��ض��ي، وتفعيل دوره حا�ضر ًا ،وهو ما دفع الباحث
�إىل حتديد املنطلقات النظرية املنهجية للتجربة الفكرية العربية ،يف اخلطوة احلداثية الكربى التي خطاها الوحي عرب حترير العقلية العربية ،والفعل العربي من املثيولوجيا القدمية ،و�سلطة اخلرافة و�أ�ساطني الأول�ين� ،إىل �سلطان الإدراك الإن�ساين لكي تكتمل حكمته ،وتوفر له �أ�سباب العلم ال�صحيح والفعل ال�سديد. ويخ�ص�ص الباحث الف�صل التايل لهذا ال��وج��ه م��ن التجربة وم��ا ط��ر�أ عليها من ت�ب��دالت وتقلبات وم�سالك ج��دي��دة حتى يومنا ه��ذا .لقد جل ��أ ال�ب��اح��ث يف �إط��ار التعريف بهذا الواقع �إىل تقدمي عر�ض للوجوه املختلفة من �صريورة هذا امل�سار ال�ع��ام يف �صيغته ال�سلفية امل�ت�ف��ردة ويف �صيغته الرتكيبية التي حت��اول االنفتاح على �آفاق �أخرى� ،أو يف هواج�سه العملية
املعا�صرة وامل�ستمدة من مراكز ال�سلطة وال��دول��ة للتكيف م��ع ط��روح��ات التغيري والإ�صالح االجتماعي وال�سيا�سي.
التجربة احل�ضارية
يخ�ص�ص الباحث هذا الف�صل للدرا�سات العربية املن�شورة باللغة الفرن�سية والتي ت�شكل التجربة احل�ضارية الهائلة للفكر العربي والإ�سالمي مع انفتاحه على علوم الأول�ي�ن املختلفة ،وال�ت��ي ميكن �أن تكون �أدوات ناجعة يف بناء ال�ع��امل وت�شكيله، علمي ًا ومادي ًا و�إن�ساني ًا .لقد �شكل التفاعل الذي حدث بني الفكر الإ�سالمي والرتاث الإغ��ري�ق��ي ب��داي��ة مرحلة ج��دي��دة ،اجته فيها الفكر الإ�سالمي نحو �صياغة وجه جديد له �أكرث و�ضوح ًا وعمق ًا ،من خالل ما ا�ستوعبه منه ،و�أعاد �إنتاجه وتطويره وال �ت �ق��دم ب��ه� � ،س��واء ع�ل��ى �صعيد الفكر الفل�سفي �أو العلوم النظرية والتطبيقية، عرب ما قدمه من ر�ؤية �شاملة يف املعرفة وال ��وج ��ود والإن �� �س��ان وال �ف �ع��ل .وي�ع�ترف الباحث ب�أن كثري ًا من تلك النظرات قد �شهد تراجع ًا يف الوقت ،الذي حافظت فيه وجوه �أخرى على ا�ستمرارها وتفاعلها مع الرتاث الإ�سالمي الأول ،وهي حتمل داللة معا�صرة ،كما ح��دث مع ع�صر النه�ضة يف نهاية القرن التا�سع ع�شر ،وما يحدث الآن يف حياتنا املعا�صرة .وعلى الرغم من الطابع التاريخي ،الذي يحمله هذا الوجه احل�ضاري ف�إنه مل يفقد �سمته الراهنة ع�ن��دن��ا ،ون�ح��ن نعي�ش حياتنا ال��راه�ن��ة، ن� �ظ ��ر ًا ل��ك��ون ق �� �س��م م �ن��ه ي �ع �م��ق وع�ي�ن��ا بالت�شكل العقلي والروحي واجلمايل لتلك ال�شخ�صية التاريخية املوغلة يف القدم. من هنا يرى الباحث �أنه على الرغم من �أن التجربة الروحية والفل�سفية للفارابي هي جتربته اخلا�صة� ،إال �أنها تقدم لنا راهن ًا در�س ًا عميق ًا يف الطريقة التي ميكن بها �أن نتفاعل مع العامل تفاع ًال عقلي ًا كوني ًا �شام ًال ،من خالل خربتنا الذاتية، وع�ل��وم الطبيعة والإن �� �س��ان واملجتمع يف
ع�صرنا الراهن الذي نعي�ش فيه.
الإ�شكالية الإ�سالمية املعا�صرة
ت�ت�ب��دى �إ��ش�ك��ال�ي��ة الإ���س�ل�ام امل�ع��ا��ص��ر يف م�س�ألة بالغة التعقيد تتمثل يف احلدين املتباعدين اللذين تتباعد امل�سافة بينهما �إىل حد التناق�ض ،وهما حماولة �أ�سلمة الع�صر �أو ع�صرنة الإ�سالم ،لكن الباحث رغ��م اع�تراف��ه ب�ه��ذه الإ��ش�ك��ال�ي��ة ي�ح��اول �أن ينطلق م��ن ق�ضية ك�برى ه��ي ق�ضية ال��وع��ي الإ� �س�لام��ي يف ��ش��روط��ه وظ��روف��ه املو�ضوعية .ومن �أجل تب�سيط تلك امل�شكلة يحدد �أطرها يف ثالثة �أ�سباب هي معطى الزمان ومعطى املعرفة ومعطى العمل ،ثم يعر�ض يف �إطار معطى الزمان �أراء كل من �أ�صحاب التعلق باملا�ضي الذين يقولون ب�أن الع�صر احلديث فيه من ال�شرور �أكرث مما يف املا�ضي ،و�أ�صحاب ال��ر�ؤي��ة الع�صرية التي تطالب بع�صرنة الإ�سالم ،ثم ي�ؤكد �أن هذه اجلدلية ال�سكونية تظهر التاريخ وك���أن��ه م��و� �ض��وع ب�ين ح��دي��ن متباعدين �أحدهما طارد والآخر جاذب ،مما يجعلنا نن�سحب من احلا�ضر ونرتد �إىل تاريخ غري فعلي ،ولذلك يطالب ب�أن تقوم �أية حماولة لتحقيق التاريخ على ت�أكيد احلا�ضر ،و�أن ن��دع التاريخ يتحرك لأن معه �سيتحرك تيار ال�شعور بال توقف ،وهو ما �سيجعل
احلياة تتدفق بال عائق ،وت�سرتد الطاقات احل �ي��وي��ة ل �ك��ام��ل ق ��درات� �ه ��ا� .أم� ��ا على �صعيد معطى املعرفة ف�إنه يطرح �س�ؤا ًال �أول �ي � ًا يتعلق ب�ح��دود املعرفة و�إمكاناتها و�أمنطها التي ثبتت �أركانها ،و�أ�صبح لها منطق ملزم ال ميكن �إن�ك��اره� .إن م�شكلة املعرفة عند الباحث تكمن يف �أن التاريخ االجتماعي للمعرفة يف الإ�سالم تكمن يف هيمنة النمط الإمي��اين على كل املناطق املعرفية الأخ��رى املمكنة للإن�سان .جتاه ذلك �سعى ال�سلفيون املحدثون �إىل تعديل تلك النظرة من دون �أن يقوموا بتحليل ظواهر الإمي��ان والطبيعة والعقل و�إعادة ر�سم احل��دود بينها� .إن م�شكلة الإ�سالم املعا�صر تتمثل يف وظيفة العلم لأن العلم ب��ذات��ه لي�س ح�ي��ادي� ًا ،ب��ل ه��و م �ت��ورط يف �أمور الب�شر ودنياهم .وعلى �صعيد معطى العمل ف ��إن الإ�شكالية تكمن م��ن وجهة نظره يف كون الأولوية باتت للفكر واللغة ولي�ست للعمل وال�صنع ،كما ي��دل عليه ت�صنيف العرب امل�سلمني للعلوم ،حيث و��ض�ع��وا ال�ع�ل��وم الفكرية يف قمتها ،ويف الأ�سفل منها املهن اليدوية وال�صناعية. وي ��رد ال �ب��اح��ث ت�ل��ك ال�ق�ي�م��ة �إىل الفكر اليوناين الذي ت�سرب �إىل الإ�سالم ،لكنه ي��رى �أن امل�شكلة ال�سيا�سية الإ�سالمية التي تعترب م�شكلة امل�شاكل تنبع من كونها لي�ست م�شكلة حكم و�سلطة وح�سب ،بل هي ذات وجه اجتماعي قائم يف ت�صورها وعلى �أ�سا�سها تقوم عالقات الب�شر داخل املجتمع .يف النهاية ي�ؤكد الباحث على �أن الوجود احلقيقي يف التاريخ هو الوجود ال��ذي ي�ستوعب ال�ت��اري��خ ويتخطاه على ال��دوام با�ستمرار لي�صتع تاريخ ًا جديد ًا و�أن احل�ق�ي�ق��ة الإ� �س�لام �ي��ة م �ت �ج��ذرة يف ال��زم��ان ،و�أن ح�ضور الإ��س�لام يف العامل يتطلب بناء �إن�سان جدير ب��االق�ت��داء به وقادر على التحليل والت�شخي�ص والعالج وي ��ؤم��ن ب��احل��ري��ة ،وي �ك��ون ج��ل ه��دف��ه هو خدمة الإن�سان لكي ينال ر�ضا اهلل
كالم أخير تراثناالشعبي د .را�شد املزروعي سطر التاريخ لقد ّ كلمات رائعة خرجت من إنسان يعشق التراث فكانت مقولته الشهيرة: «البد من الحفاظ على تراثنا القديم ألنه األصل والجذور ،وعلينا أن نتمسك بأصولنا وجذورنا العميقة». وكذلك« :إن اإللمام بالتراث ينير األفكار وينير طريق الحياة» ،زايد بن سلطان آل نهيان.
�صدقت رحمك اهلل ،ومن هذا املنطلق �أعود �إليكم من جديد لنكمل م�سريتنا الرتاثية ال�شعبية يف خدمة هذا الوطن املعطاء� .أعود تر�سخت فينا ظاهرة حب الرتاث �إليكم وقد ّ ال�شعبي يف �شتى جماالته .ففي ال�سنوات الأخرية ازداد االهتمام بالرتاث ال�شعبي على م�ستوى وتر�سخ يف �أذهان الن�شء اجلديد من الدولة ّ خالل املهرجانات ال�شعبية التي تقيمها خمتلف الهيئات الثقافية والرتاثية يف الدولة ،فهناك املهرجانات الرتاثية ال�شعبية العامة ،واملهرجان ال�شعري ال�شعبي ،و�شاهدنا مهرجانات �سباقات الهجن املختلفة ،وتبعتها مهرجانات مزاينة الإبل التي �أقيمت ال�شهر املا�ضي يف املنطقة الغربية ب�أبوظبي .كما �أن هناك مهرجان الرطب ال�سنوي يف املنطقة الغربية �أي�ض ًا، �إىل جانب هذا وذاك انت�شرت القرى الرتاثية ف�شجعت ال�شباب اخلا�صة على م�ستوى الدولةّ . للدخول يف هذا املجال وجتربته ،فازدادت �أعداد تلك القرى واملتاحف الرتاثية اخلا�صة التي حتكي تاريخ الوطن وتراثه و�آثاره .كما �أن الو�سائل الإعالمية �شاركت �أي�ض ًا وبقوة يف ن�شر ذلك الوعي الرتاثي بني �أبناء اجليل احلديث، فت� ّأ�س�ست الربامج الرتاثية الإذاعية يف خمتلف مناطق الدولة ،تلك الربامج التي حتكي ق�صة تراثنا وتاريخنا االجتماعي وت�صويره و�إخراجه بروح ع�صرية جديدة يفهمها �أبناء هذا اجليل ٍ اجلديد .كما �شاركت التكنولوجيا يف هذا املجال بالكثري من الربامج الرتاثية وامل�سابقات املحلية الأ�صيلة التي تبحث يف املوروث ال�شعبي، وت�شرح مفرداته و�أ�سا�سياته ليطلع عليها اجليل احلا�ضر وي�ستوعبها لترت�سخ يف ذهنه وي�سهم بها يف حياته االجتماعية خا�صة من الأبناء ال�صغار. خ�ضم هذه التحركات واملجهودات ويف ّ الرتاثية ال�شعبية التي ت�صب كلها يف م�صلحة جمتمع الإمارات وحتافظ على بنيته الرتاثية واالجتماعية وت�ضيء النور لأبنائه ال�شباب، حتى ينهجوا نهج �آبائهم و�أجدادهم ،نعود نحن
يف جملتكم «تراث» التي متثل منرب الرتاث ال�شعبي يف نادي تراث الإمارات لن�سهم يف �إحياء تراثنا وترقيته وتطويره ،نعود وكلنا �أمل يف �أن تكون هذه املجلة الوجه الأ�صيل واملر�آة التي تعك�س تراث الإمارات االجتماعي وال�شعبي� .سرن ّكز �إن �شاء اهلل يف �أعدادنا املقبلة من جملتكم «تراث» على الكثري من املوا�ضيع والدرا�سات الرتاثية التي حتكي تاريخ وتراث هذا الوطن الغايل ،و�سنج ّملها ب�شتى العناوين املحلية ال�شعبية الرتاثية من �أمثال و�ألغاز �شعبية وعادات وتقاليد وفنون وفلكلور �شعبي و�شعر وحكايات�....إلخ ،فدعونا ننه�ض بها �سو ّي ًا ونعيدها �إىل الأ�صل الذي ينبع من بيئتنا املحلية ،من واحاتنا ومن قرانا ،من رمالنا الذهبية ،ومن نخيلنا و�أفالجنا العذبة ،لرن�سم لوحات تراثية مقروءة بني طيات �صفحاتها، ٍ ون�ضيء من خاللها الدرب لأبنائنا ال�صغار وننهل جميع ًا من نبع الرتاث ال�شعبي الأ�صيل ليكربوا وهم رافعون �شارة الرتاث فوق �أكتافهم معتزّين به ،مِ َ ول ال فهو تراث �آبائهم و�أجدادهم الذي �أحيا نبتته قائد م�سريتنا وحميي تراثنا ال�شعبي املغفور له ب�إذنه تعاىل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان رحمه اهلل ،و�سار على نهجه ودربه رئي�س دولتنا �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان حفظه اهلل ورعاه ،وبتوا�صل وتوجيهات �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة رئي�س نادي تراث الإمارات وبدعم الفريق �أول �سمو ال�شيخ حممد بن زايد �آل نهيان ويل عهد �أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات امل�سلحة ،وهم ال يدّخرون و�سع ًا وجهد ًا يف املحافظة على هذه املجهودات الرتاثية يف �شتى امليادين وخمتلف املواقع واملناطق يف الدولة. دعوة تراثية نطلقها لقرائنا الكرام من الإخوة والأخوات ،بامل�ساهمة يف جملتكم مبا جتود به �أقالمكم خدمة لرتاثنا ال�شعبي لن�سهم جميع ًا يف ن�شر وحفظ هذا الرتاث اخلالد
صدر مع مجلة تراث خالل عام 2012م اليمن ،1929انطباعات ومشاهدات البعثة السوفيتية األملانية السينامئية ،ترجمة د .سعيد دبعي تعدد الرواية يف الشعر الجاهيل ،د .أمين بكر ذاكرة الطني ،شواهد من الرتاث املعامري والعسكري يف مدينة العني ،د .محمد فاتح صالح زعل حكمة األجداد يف تراث مجتمع اإلمارات دراسة سوسيولوجية يف األمثال الشعبية ،د .أحمد محمود الخليل تأريخ القدامى للشعر إىل نهاية القرن الرابع مدونة املرزباين أمنوذجاً ،د .محمد حبيبي اسرتاتيجية التأويل الداليل عند املعتزلة ,الدكتور هيثم رسحان التوجيه البالغي للقراءات القرآنية ،د .أحمد سعد محمد سعد رسائل البرشى يف السياحة بأملانيا وسويرسا عام ،1889حسن توفيق العدل مثرات ناضجات من جنان الشعر العريب ،د .عايدي عيل جمعة الفكر الرتبوي الرتايث الخطيب البغدادي أمنوذجاً ،للدكتور بوزيد الغىل النظم والتأويل يف الفكر البالغي العريب ،للدكتور محمد سعد شحاته
يـ�شـــدر كـل �شــهر
()7
ويوزع جمانـ ًا مع جمـلة تراث
هذا الكتاب
()6
الغي وجي ُه الب َ ِ التَّ ِ ات ال ُ ق ْرآ ِنيَّ ْة ء لقرَا َ ِ ِل ِ
هيثم �سرحان
ب��اح��ث �أك��ادمي��ي متخ�ص�ص يف ال�ب��اغ��ة وال�ن�ق��د الأدب� ��ي ،يعمل ح��ال�ي� ًا اأ� �س �ت��اذ ًا م���س��اع��د ًا بق�سم ال �ل �غ��ة ال �ع��رب �ي��ة وال ��درا�� �س ��ات الإ�سامية ،كلية الرتبية ،جامعة عني �سم�س ،م�سر. ل� ��ه ع � ��دة م� ��ؤل� �ف���ات يف جم ��ال ت �خ �� �س �� �س��ه ،م �ن �ه��ا (الأ�� �س����ل الباغية يف كتاب �سيب�يه واأثرها يف البحث الباغي)( ،التطبيق ال��ب��اغ��ي -امل� �ع ��اين وخ���ا���س الرتاكيب)( ،التطبيق الباغي ال �� �س���ر ال�ب�ي��ان�ي��ة) ،التطبيقال�ب��اغ��ي -ال���س���ر البديعية)، (نظرية الباغة العربية :درا�سة يف الأ�س�ل املعرفية) ،و(مدخل اإىل الباغة العربية).
استراتيجية التأويل الـداللي
د� .أحمد �سعد حممد �سعد
اقت�ست حكمة اهلل �سبحانه يف قراآنه الكرمي اأن تتغاير اأوج��ه ق��راءات��ه؛ لتي�سري ذك��ره يف التاوة ،والإيجاز يف ت�س�ير معانيه وا�ستيعاب اأحكامه ،وقيَّ�س لاهتمام بها ك�كب ًة من العلماء عُ ن�ا بنقلها والتثبُّت من رواياتها، كما عُ ن�ا بت�جيهها والحتجاج لها اأو بها ك ٌّل بح�سب ُمتَّجهه ومنزعه؛ فاتخذ منها اللغ�ي �ساهدًا على قاعدته اأو حجة ملذهبه ،واعت�سد بها الفقيه يف ا�ستنباط الأحكام اأو يف ترجيح حكم على اآخر ،وت��سَّ ل املتكلم ببع�س وج�هها يف اإثبات مذهبه اأو يف رد مذهب غريه ،وكانت و�سيلتهم جميعًا اإىل ذلك هي التحليل اللغ�ي والنح�ي لعنا�سرها. وبزغ من خال هذه الجتاهات يف الت�جيه اجت��ا ٌه اآخ��ر ك��ان يُعني بالبحث يف معانيها، وت�ل� ُّم����س الأوج � ��ه ال�ب��اغ�ي��ة امل��رتت �ب��ة على تغايرها واختافها ،حتى جعلها ابن اجلزري (ت832ه�) وال�سي�طي (ت 911ه�) وجهًا من وج�ه الإعجاز الباغي يف القراآن الكرمي. هذا الكتاب يتتبع الظ�اهر الباغية التي بثَّها علما ُء ال�سلف يف معر�س ت�جيههم للقراءات املت�اترة وغريها ،ور�سدها؛ ثم ال�ق�ف على طرائقهم يف الإ�سارة اإليها اأو حتليلها ،وبيان اأثرها يف البحث الباغي اخلال�س اأو تاأثرها به؛ حتى تقع بذلك م�قعها املنا�سب يف حركة تاأ�سيل الباغة وجتديدها.
اإ�شدارات
2012
د� .أحمد �سعد حممد �سعد
هــديــــة
مع جملة تراث