turath_160

Page 1

‫را�شد بن عبالن‬ ‫�شاعر غزير الإنتاج‬ ‫رقيق امل�شاعر‬ ‫تراثية ثقافية منوعة ت�صدر عن نادي تــــــــــــــــراث الإمـارات العـدد ‪ 160‬فربايـــر ‪2013‬‬

‫‪ 3‬رحالت تاريخية‬ ‫فـي �أبوظبي‬

‫غزل البنات‪..‬‬

‫ل�سان حال املر�أة العراقية‬

‫سيرة بني هالل‪..‬‬ ‫�شفرات ن�سوية مغلفة بوهم‬ ‫الذكورة‬

‫الحركة الرابعة ‪..‬‬

‫�سر تفوق اخليول العربية‬ ‫الأ�صيلة‬

‫أحمد الخوري‪:‬‬

‫ننتظر قانون ًا لتنظيم اقتناء‬ ‫الآثار يف الإمارات‬

‫مع العدد‬ ‫كتاب‬ ‫الشهري‬



‫صوت من المستقبل‬ ‫الدين إذا مل يكن ارتفاعًا مبستوى اإلنسان فما يكون؟‬ ‫ويف هذه األيام العجاف أرى جماهري من املسلمني‪ ،‬أبعد أهل األرض‬ ‫عن حقيقة اإلحسان! بيوتهم رديئة‪ ،‬وطرقهم رديئة‪ ،‬وسريهم رديء‪،‬‬ ‫وإذا صنعوا سلعة خرجت من بني أيديهم دون غريها مما يصنع‬ ‫الناس‪ ،‬وإذا أداروا عمالً استغرقوا الكثري من األوقات واجلهود‪ ،‬ومل‬ ‫يبلغوا به درجة االكتمال التي يحققها من بذل جهدًا أضعف ووقتًا‬ ‫أقل‪ ،‬كأنهم من طينة غري طينة البشر ُخلقوا!‬ ‫هؤالء الناس يف انتمائهم الديني ريب كبري‪ ،‬ولكي يعودوا إىل اإلسالم‬ ‫يجب أن يُعاد تشكيلهم العقلي واخللقي حتى إذا باشروا عمالً ما‬ ‫أقبلوا عليه بقواهم املادية واألدبية كلها‪ ،‬فخرج سليمًا كرميًا‪ ..‬وال‬ ‫سيما نحن يف حضارة صناعية تقاس يف األبعاد بـ(امللمرت) أو مبا دونه‪،‬‬ ‫وال تقبل فيها اجملازفات واملساهالت واملصادفات العمياء‪.‬‬ ‫حممد الغزايل‬


‫محتويات العدد‬ ‫تراثية ثقافية منوعة‬ ‫ت�صدر عن‬ ‫مركز زايد للدرا�سات والبحوث‬ ‫بنادي تراث الإمارات‬

‫امل�شرف العام‬

‫د‪ .‬را�شد �أحمد املزروعي‬ ‫مدير التحرير‬

‫وليد عالء الدين‬ ‫�سكرتري التحرير‬

‫حممــد �سعد النمـــر‬ ‫هيئة التحرير‬

‫�شـم�سـة حـمـد الظاهـري‬ ‫فاطمة نايع املـنـ�صـوري‬ ‫موزة عوي�ص الدرعي‬ ‫ناجية الكتبي‬ ‫املديـر الفنـي‬

‫فــواز نـاظــم‬ ‫ر�س ــوم‬

‫حـ�سـن �إدلـبـي‬ ‫حممد بريم‬ ‫�أدهم العك�ش‬ ‫الإخراج والت�صميم‬

‫�إيـنـا�س درويـ�ش‬ ‫هـاتف‪00971 2 2223000 :‬‬ ‫فـاك�س‪00971 2 6651115 :‬‬ ‫�ص‪.‬ب‪� :‬أبو ظبي ‪27765‬‬

‫‪Email: turathmag1@gmail.com‬‬

‫مدير التحرير‬

‫‪waleedalaa@hotmail.com‬‬

‫�أبوظبي للإعالم ‪ -‬توزيع‬

‫الرقم املجاين‪8002220 :‬‬ ‫لالت�صال من اخلارج ‪00971 2 4145000 :‬‬ ‫فاك�س ‪00971 2 4145050 :‬‬ ‫‪distribution@admedia.ae‬‬

‫تراث ال�شهر‪ :‬انطلقت بداية �شهر فرباير اجلاري‪ ،‬فعاليات مهرجان �سمو ال�شيخ �سلطان بن‬ ‫‪6‬‬ ‫زايد �آل نهيان للإبل يف دورته اجلديدة التي ت�ستمر حتى اخلام�س ع�شر من ال�شهر نف�سه‪ ،‬يف‬ ‫ميدان الهجن مبنطقة �سويحان‪� ،‬أبوظبي‪ .‬ويعد املهرجان تظاهرة تراثية ثقافية تعك�س م�ستوى‬ ‫االهتمام الذي توليه الدولة لريا�ضة الهجن‪ ،‬ويعد كذلك مدر�سة لتعليم الأجيال اجلديدة قواعد‬ ‫تلك الريا�ضة الرتاثية ومفرداتها‪ ،‬وتر�سيخ املحافظة على ثروة الإبل ودعم جهود املحافظة على‬ ‫ال�سالالت العربية الأ�صيلة‪.‬‬ ‫ق�ضية للنقا�ش‪ :‬ما حقيقة العالقة بني الإن�سان العربي املقيم يف �أمريكا وتراثه بكل ما تعنيه‬ ‫‪22‬‬ ‫الكلمة من فكر وثقافة و�أدب وفن وعادات وطرائق عي�ش؟ ثم هل يقت�ضي الت�شبث بالرتاث‬ ‫انغالق املهاجر العربي على نف�سه وعدم تفتحه على مكونات العامل «الآخر» الذي يعي�ش فيه؟‬ ‫�أ�سئلة كثرية تعددت �صياغاتها لكن توحد منبعها وم�صبها‪ ،‬طرحها ال�شاعر عبد الرحيم اخل�صار‬ ‫على عدد من املقيمني العرب بواليات �أمريكية خمتلفة بدء ًا من ال�سائق والطالب و�صو ًال �إىل‬ ‫املثقف والباحث وال�شاعر ورجل الفل�سفة‪.‬‬ ‫�ساحة احلوار‪ :‬يف حوارنا معه ر�أى الكاتب اجلزائري حممد ال�صالح وني�سي‪� ،‬أحد �أبرز‬ ‫‪36‬‬ ‫الباحثني املعنيني بالبحث والتنقيب يف الثقافة ال�شعبية الأمازيغية‪� ،‬أن �إعادة قراءة وكتابة‬ ‫التاريخ بروح الع�صر هي املخرج الوحيد من «�أزمة الهوية»‪ ،‬الفت ًا �إىل �أن هذه القراءة �أو الكتابة‬ ‫لي�ست ممكنة من دون معرفة اللغة الأم التي و�صفها مبفتاح كل الدرا�سات‪ ،‬وا�صف ًا الواقع اللغوي‬ ‫يف اجلزائر بالرتدي ب�سبب تخبط املنظومة الرتبوية‪ ،‬الأمر الذي ت�سبب يف �إ�صابة اجلزائر مبا‬ ‫�أطلق عليه «نق�ص املناعة اللغوية»‪ ،‬م�ؤكد ًا �أن التاريخ ب�شكل عام مرتبط بالزمن‪ ،‬و�أن م�شكلتنا هي‬ ‫عدم قدرتنا على تثمني الوقت وتقدير الزمن‪.‬‬ ‫ارتياد الآفاق‪ :‬يف �أحد �أيام �صيف عام ‪1955‬م و�صل �إىل �أبوظبي م�ؤرخ وكاتب اجنليزي يدعى‬ ‫‪50‬‬ ‫رودريك �أوين �ضمن جولة له يف �شبه اجلزيرة العربية‪ ،‬ورغم تدوينه لهذه الرحلة ون�شرها من‬ ‫قبل كولينز ‪ Collins‬يف لندن عام ‪1957‬م حتت عنوان «‪ »The Golden Bubble‬لتكون �شاهد ًا‬ ‫على املكان و�أهله والزمان‪� ،‬إال �أنها مل تلق اهتمام ًا كبري ًا‪ ،‬فلم يكن �أحد مهتم ًا وقتها مبعرفة‬ ‫تلك املناطق املجهولة من العامل العربي‪� ،‬إال �أن رحلة �أوين التي تكررت لت�صبح ثالث رحالت‬ ‫�آخرها عام ‪1989‬م �أ�صبحت ذكرى خالدة وذكريات مهمة‪ ،‬ومادة تاريخية قيمة لل ُكتاب وامل�ؤرخني‬ ‫املهتمني بالتاريخ املعا�صر لهذه املنطقة‪ .‬الباحثة �شم�سه حمد الظاهري تتبعت خطى �أوين يف‬ ‫رحالته الثالثة م�سلطة ال�ضوء على �أبرز حماورها‪.‬‬ ‫دانات‪ :‬ورث ال�شاعر الإماراتي الراحل را�شد بن عبالن ال�شعر عن ج ّده الذي كان يلقب‬ ‫‪66‬‬ ‫بـ«ال�شاعر الهالة»‪ ،‬فتدفق ينبوع �شعره �صغري ًا حيث بد�أ بنظم ال�شعر وعمره ال‬ ‫عام ًا‪ ،‬وكان‪ ،‬غزير االنتاج‪ ،‬رقيق امل�شاعر يرت ّكز �أغلب �شعره يف الغزل وامل�شاكيات واملديح‪ ،‬كما‬ ‫مل يغفل الق�صائد االجتماعية التي تن ّوعت يف �شتى امل�ضامني‪ ،‬وظل �شاعرنا مبدع ًا لل�شعر �إىل �أن‬ ‫غيب املوت ج�سده عن عاملنا عام ‪2000‬م‪ ،‬تغمده اهلل برحمته‪.‬‬ ‫يتجاوز‪14‬‬

‫قال الراوي‪ :‬يرى الباحث الدكتور حممد عبد احلافظ‪� ،‬أحد ا�شهر املهتمني بال�سرية‬ ‫‪96‬‬ ‫الهاللية‪� ،‬أن الن�ساء يحتللن بطولة امل�شاهد املركزية يف �سرية بني هالل على نحو فريد ال‬ ‫حرا�سا لل�سرية‬ ‫نظري له يف الرتاث العربي برمته‪� ،‬إال يف «�ألف ليلة وليلة»‪ ،‬بينما م ّثل الرجال‬ ‫ً‬ ‫الهاللية ورواة وم�ؤدين لها على نحو �أتاح لهم حرية �صوغها يف �أ�شكال �شعرية تت�سم بالفحولة‬ ‫كاملربع واملوال والفرادي والق�صيد البدوي التقليدي‪ .‬وهو يقدم لنا مقاربة ت�أويلية جديدة لل�سرية‬ ‫الهاللية يقوم خاللها بتحليل الأدوار االجتماعية والرمزية للن�ساء داخل ن�ص الهاللية وخارجها‪،‬‬ ‫واكتناه �صوتهن الذي قاومن به هيمنة الرجال على اللغة م�ستخل�ص ًا �أن �سرية بني هالل �شفرات‬ ‫ن�سوية منيعة مغلفة بوهم الذكورية‪.‬‬ ‫‪ 108‬جمل�س العلوم‪ :‬ح�سمت �أبحاث علمية حديثة لغز تفوق اخليول العربية الأ�صيلة‪ ،‬بعد �أن‬ ‫ثبت �أن اخليول العربية الأ�صيلة لديها تركيب جيني خا�ص يتيح لها نوع ًا رابع ًا من احلركة ال‬ ‫يتوفر لغريها من �سالالت اخليول‪ ،‬كما �أماط الباحثون اللثام عن لغز جيني �آخر ميكن �أن يعزز‬ ‫من فر�ص فوز اخليول يف امل�سابقات‪ ،‬من خالل فهم العالقة بني اجتاه منو ال�شعر وبني تف�ضيالت‬ ‫اجتاه حركة اخليول الأمر الذي يعد مفتاح ًا مهم ًا قد ي�صنع احلد الفا�صل بني املك�سب واخل�سارة‬ ‫يف ال�سباقات‪.‬‬


‫‪22‬‬

‫يا هال‬

‫ي‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ال‬

‫التراث عبر المكان والزمان‬

‫‪42‬‬

‫‪36‬‬

‫‪108‬‬

‫سعر النسخة‬

‫الإمارات العربية املتحدة ‪ 10‬دراهم ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية ‪ 10‬رياالت‬ ‫ الكويت دينار واحد ‪� -‬سلطنة عمان ‪ 800‬بي�سة ‪ -‬قطر ‪ 10‬رياالت ‪-‬‬‫مملكة البحرين دينار واحد ‪ -‬اليمن ‪ 200‬ريال ‪ -‬م�صر ‪ 5‬جنيهات ‪-‬‬ ‫ال�سودان ‪ 250‬جنيهاً ‪ -‬لبنان ‪ 5000‬لرية ‪� -‬سورية ‪ 100‬لرية ‪ -‬اململكة‬ ‫الإردنية الها�شمية ديناران ‪ -‬العراق‪ 2500 :‬دينار ‪ -‬فل�سطني ديناران ‪-‬‬ ‫اململكة املغربية ‪ 20‬درهماً ‪ -‬اجلماهريية الليبية ‪ 4‬دنانري ‪ -‬اجلمهورية‬ ‫التون�سية ديناران ‪ -‬بريطانيا ‪ 3‬جنيهات ‪� -‬سوي�سرا ‪ 7‬فرنكات ‪ -‬دول‬ ‫االحتاد الأوروبي ‪ 4‬يورو ‪ -‬الواليات املتحدة الأمريكية وكندا ‪ 5‬دوالرات‪.‬‬ ‫االشتراكات‬

‫للأفراد داخل الدولة‪ »100« :‬درهم ‪ /‬للأفراد من خارج الدولة‪»150« :‬‬ ‫درهماً ‪ /‬للم�ؤ�س�سات داخل الدولة‪ »150« :‬درهماً ‪ /‬للم�ؤ�س�سات من‬ ‫خارج الدولة‪ »200« :‬درهم‪.‬‬

‫ند�شن هذا ال�شهر �سل�سلة من التحقيقات ال�صحفية التي حتاول ر�صد جتليات‬ ‫الرتاث العربي لدى العرب يف مهاجرهم املختلفة يف �أرجاء العامل‪ ،‬بهدف‬ ‫الو�صول �إىل فهم دقيق ملعنى الرتاث وبيان �أ�شكال ال�سلطة ‪�-‬إيجابية كانت �أم‬ ‫�سلبية‪ -‬التي ميار�سها الرتاث على الأفراد واجلماعات خارج �أماكنهم‪ ،‬ورمبا‬ ‫هي حماولة للم�ساهمة ب�إجابة على ال�س�ؤال الأكرث عمق ًا‪ :‬ما الذي يبقى من‬ ‫الرتاث عند انتقال الذات عرب الزمان واملكان؟‬ ‫لعل �أب�سط تعريف للرتاث الإيجابي ‪-‬الذي نق�صده يف حالة انتقال الذات‬ ‫�إىل جمتمعات �أخرى‪ -‬هو ذلك الرتاث الذي ال يحول دون تفاعل �أ�صحابه‬ ‫مع املجتمعات اجلديدة والتعاي�ش معهم‪� ،‬إ�ضافة �إىل انفتاحه على احتماالت‬ ‫التعاطي مع مفردات ثقافة تلك املجتمعات �أخذ ًا وعطا ًء مبا ال ُيخ ّل ب�أ�س�سه‬ ‫وقواعده التي يقوم عليها ويحفظ على الذات املنتقلة خ�صو�صيتها وتفردها‪.‬‬ ‫وقد جتلت عالقة العرب يف املهجر برتاثهم ‪-‬وفق ًا للتحقيق الذي �أجراه‬ ‫من الواليات املتحدة الأمريكية ال�شاعر املغربي عبد الرحيم اخل�صار‪ -‬يف‬ ‫عنا�صر ثالثة رئي�سة‪ ،‬جاءت يف مقدمتها منظومة العادات والتقاليد‪ ،‬خا�صة‬ ‫ما ارتبط منها بالعقيدة‪ ،‬فالعرب يف املهجر ‪-‬يف الغالب‪ -‬حري�صون على‬ ‫االحتفال بالأعياد واملنا�سبات الدينية‪ ،‬ثم ي�أتي بعد ذلك عن�صر ًا امل�أكل‬ ‫وامللب�س لي�ستكمال جمموعة العنا�صر التي يتم�سك عرب املهجر بها لت�أكيد‬ ‫هويتهم داخل املجتمع الأمريكي‪.‬‬ ‫و�إذا جاز لنا �أن نقوم بتق�سيم العنا�صر الثالثة ال�سابقة‪ ،‬ف�إن �أبرز ما يرد‬ ‫�إىل الذهن هو تق�سيمها �إىل عنا�صر «فردية» مبعنى �أنها �أمور ميكن للفرد �أن‬ ‫ميار�سها دون �أن ي�ستدعي ذلك م�شاركة الآخرين �سلب ًا �أو �إيجاب ًا‪ ،‬وهي �أمور ال‬ ‫تت�ضمن ر�سالة مق�صودة كانت �أم عفوية‪ ،‬مثل امل�أكل‪ ،‬فارتياحك لطعام بعينه‬ ‫اعتدت عليه وينا�سب ذوقك �أمر ال يت�ضمن ر�سالة �أو �إعالن ًا عن خ�صو�صية‬ ‫من �أي نوع‪ .‬وعنا�صر �أخرى «جماهريية»‪ ،‬وهي تلك التي ‪�-‬شئت �أم �أبيت‪-‬‬ ‫تنطوي على ر�سالة مق�صودة �أو عفوية‪ ،‬فارتدا�ؤك لزي خمتلف هو �إ�شارة‬ ‫�إىل اختالفك عن الآخرين ممن يرتدون الزي ال�سائد‪ ،‬واحتفالك مبنا�سبة‬ ‫ال ي�شيع االحتفال بها يف املجتمع الذي تعي�ش فيه هو �إعالن عن خ�صو�صية‬ ‫املنظومة الثقافية التي جئت منها باحتفالك‪.‬‬ ‫لي�س املق�صود من الت�صنيف ال�سابق �إ�صدار �أحكام قيمية‪ ،‬ولكن حتديد‬ ‫مدخل لقيا�س مدى ت�أثري الرتاث يف عرب املهجر‪ ،‬حيث �أن التزام ال�شخ�ص‬ ‫بعن�صر «فردي» ال يت�ضمن �أية ر�سائل للمجتمع الذي يعي�ش فيه‪ ،‬ال ي�شبه‬ ‫التزامه بعن�صر «جماهريي» ي�ستدعي بال�ضرورة انتباه املجتمع ورمبا تدخله‬ ‫يف بع�ض الأحيان‪.‬‬ ‫فبينما ال يتطلب تناول نوعية الطعام املف�ضلة �سوى �شراء هذا الطعام‬ ‫وجتهيزه‪ ،‬ف�إن االلتزام بالزي التقليدي لبلدك �أو االحتفال مبنا�سبة دينية �أو‬ ‫�شعبية يف جمتمع ال يعرف هذا الزي �أو تلك املنا�سبة‪� ،‬أمور تتطلب جهد ًا �أكرب‬ ‫ملواجهة املجتمع املختلف‪ ،‬وبالتايل تك�شف عن قدر �أعلى من االعتداد بالذات‬ ‫وتقدير مكوناتها الأ�صيلة‪ ،‬وهو م�ؤ�شر قد ي�سهم يف ر�سم �صورة حقيقة للرتاث‬ ‫�أو ما يتبقى منه عندما تنتقل الذات عرب املكان والزمان‪.‬‬ ‫�إنها دعوة للباحثني الجرتاح هذه امل�ساحة و�إثراء البحث فيها‪.‬‬

‫«تراث»‬


‫‪6‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫�سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان خالل فعاليات دورة العام املا�ضي‬

‫انطلقت فعالياته في سويحان ولمدة أسبوعين‬

‫مهرجان �سلطان بن زايد للإبل ‪..‬‬

‫إحياء العادات والتقاليد األصيلة وروح وثقافة مجتمع البادية‬ ‫�أبوظبي‪ -‬حممد رجب ال�سامرائي‬ ‫حتت رعاية كرمية من �سمو ال�شيخ �سلطان اللجنة العليا املنظمة للمهرجان‪ ،‬وعبداهلل احتفالية تراثية راقية‬

‫بن زاي��د �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو‬ ‫رئي�س الدولة رئي�س نادي تراث الإمارات‪،‬‬ ‫انطلقت �صباح يوم اجلمعة‪ ،‬الأول من �شهر‬ ‫فرباير اجل��اري‪ ،‬فعاليات مهرجان �سمو‬ ‫ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان للإبل يف‬ ‫دورته اجلديدة التي ت�ستمر فعالياتها حتى‬ ‫اخلام�س ع�شر من ال�شهر نف�سه‪ ،‬يف ميدان‬ ‫الهجن مبنطقة �سويحان‪� ،‬أبوظبي‪.‬‬ ‫وك��ان ن��ادي ت��راث الإم ��ارات قد �أعلن يف‬ ‫م�ؤمتره �صحفي عقده ال�شهر الفائت‪ ،‬عن الرميثي‪ :‬مهرجان‬ ‫فعاليات الدورة اجلديدة‪ .‬وذلك بح�ضور سلطان بن زايد تظاهرة‬ ‫علي ع�ب��داهلل الرميثي امل��دي��ر التنفيذي تراثية ثقافية تليق‬ ‫للأن�شطة يف نادي تراث الإم��ارات رئي�س‬

‫امل �ح�يرب��ي امل��دي��ر ال�ت�ن�ف�ي��ذي للخدمات‬ ‫امل�ساندة‪ ،‬والدكتور را�شد �أحمد املزروعي‬ ‫مدير عام مركز زايد للدرا�سات والبحوث‬ ‫بالإنابة‪ ،‬وعدنان احلو�سني من�سق عام‬ ‫ال���س�ب��اق��ات يف ن ��ادي ت ��راث الإم � ��ارات‪،‬‬ ‫وحممد عبداهلل بن عا�ضد رئي�س جلنة‬ ‫املحالب‪.‬‬

‫بمستوى رياضة الهجن‬ ‫في الدولة‬

‫وق��ال علي عبداهلل الرميثي خ�لال امل�ؤمتر‪:‬‬ ‫ي�سعدين �أن �أرحب بكم جميعا يف هذا امل�ؤمتر‬ ‫ال�صحفي اخل��ا���ص مبهرجان‪� ‬سمو ال�شيخ‬ ‫�سلطان بن زايد �آل نهيان للإبل ‪ ،2013‬الذي‬ ‫يقام حتت رعاية‪� ‬سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد‬ ‫�آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة‪،‬‬ ‫رئي�س ن��ادي ت��راث الإمارات‪ ،‬وبالتعاون مع‬ ‫ع��دد م��ن اجل �ه��ات احلكومية وامل�ؤ�س�سات‬ ‫وال�شركات وعلى ر�أ�سها قناة الدار الف�ضائية‬ ‫الراعي الإعالمي الرئي�س‪ ،‬وعدد من الرعاة‬ ‫الإعالميني منهم قناة �أبوظبي الإم ��ارات‪،‬‬ ‫وق�ن��اة �أبوظبي الريا�ضية‪ ،‬وق�ن��اة ال�شارقة‬


‫�صورة �أر�شيفية من مهرجان �سلطان بن زايد للإبل العام املا�ضي‬

‫الريا�ضية‪ ،‬وق�ن��اة ت ��وازن الف�ضائية‪ ،‬ودار‬ ‫اخلليج‪ ،‬و�شركة كواليتي للدعاية والإعالن‪.‬‬ ‫‪ ‬و�أ�ضاف الرميثي‪ :‬كما تعلمون‪ ،‬ف ��إن هذا‬ ‫املهرجان هو من �أهم الأن�شطة‪ ‬التي ينظمها‬ ‫النادي يف مو�سمه ال�سنوي‪ ،‬نظر ًا ل�شموليته‬ ‫وات�ساعه‪ ،‬وللأهمية ه��ذه‪ ،‬ينعقد م�ؤمترنا‬ ‫ال�صحفي ه��ذا‪ ،‬وه��و م��ا رت��ب على ال�ن��ادي‬ ‫التزامات خا�صة لإجن��اح اجلهود الإعالمية‬ ‫املتعلقة باملهرجان‪ ،‬و�ضرورة عمل كل ما يلزم‬ ‫نحو ا�ستقبال اجلهات الإعالمية املختلفة‬ ‫املقروءة وامل�سموعة واملرئية املحلية والعربية‬ ‫والأجنبية التي متت دعوتها‪ ،‬وتذليل كافة‬ ‫العقبات لت�سهيل تنفيذ مهامهم للو�صول �إىل‬ ‫تغطية �إعالمية ترتقي �إىل م�ستوى اجلهد‬ ‫وال��دع��م م��ن قبل �أ��ص�ح��اب ال�سمو ال�شيوخ‬ ‫«حفظهم اهلل»‪.‬‬ ‫وق��ال الرميثي‪� :‬إننا يف النادي ُ�سعداء جداً‬ ‫باملظاهر االحتفالية التي ت�شهدها �سويحان‬ ‫طيلة �أي��ام املهرجان ك��ل ع��ام‪ ،‬وبامل�شاركة‬ ‫الوا�سعة من املواطنني و�أب�ن��اء دول جمل�س‬ ‫التعاون اخلليجي يف احلدث‪ ،‬وهذا بف�ضل اهلل‬

‫المهيري‪ :‬مسابقة‬ ‫المحالب لتشجيع‬ ‫ُمالّك اإلبل على شرائها‬ ‫والعناية بها لتدر عليهم‬ ‫بحليبها الوفير‬ ‫�أو ًال ثم بف�ضل جهود �سمو ال�شيخ �سلطان بن‬ ‫زايد �آل نهيان‪ ،‬ومتابعة �سموه احلثيثة جلعل‬ ‫املهرجان تظاهرة تراثية ثقافية تليق مب�ستوى‬ ‫ريا�ضة الهجن يف الدولة‪ .‬واختتم الرميثي‬ ‫حديثه قائ ًال‪� :‬إنّ ن��ادي ت��راث الإم ��ارات قد‬ ‫عمل على توفري مركز �إعالمي جمهز بكافة‬ ‫م�ستلزماته‪ ،‬وتوفري حافالت لنقل الإعالميني‬ ‫يومي ًا وطيلة �أي��ام املهرجان من �أبوظبي �إىل‬ ‫املهرجان وبالعك�س‪ ،‬كما مت ت�شكيل فريق‬ ‫�إع�لام��ي متكامل لتوفري امل ��واد الإعالمية‬

‫الحوسني‪ :‬المهرجان‬ ‫مدرسة لتعليم األجيال‬ ‫الجديدة قواعد رياضة‬ ‫الهجن التراثية ومفرداتها‬

‫والنتائج وال�صور وامل ��واد الفيلمية ملختلف‬ ‫و�سائل الإعالم التي حتتاج ذلك‪.‬‬

‫‪ ‬م�سابقة �شعرية‬

‫من جانبه �أ�شاد الدكتور را�شد �أحمد املزروعي‬ ‫يف كلمته باهتمام �سمو رئي�س النادي بامل�سابقة‬ ‫ال�شعرية التي تقام �ضمن فعاليات املهرجان‪،‬‬ ‫م�شري ًا �إىل �أن ه��ذه امل�سابقة حتيي ال�شعر‬ ‫النبطي الإماراتي وحتث قرائح ال�شعراء على‬ ‫التغني بالإبل وجمالها وكل ما يخ�صها‪ ،‬على‬ ‫نهج الأج��داد‪ .‬وقال �إن اللجنة امل�شرفة على‬ ‫امل�سابقة ا�شرتطت �شروط ًا و�ضوابط جديدة‬ ‫للم�سابقة لتعزيز دورها يف رفد املنتج ال�شعري‬ ‫املحلي‪ ،‬منها �أن تكون امل�شاركة بق�صائد يف‬ ‫َج َمال الإبل املحليات الأ�صايل‪ ،‬على �أن تكون‬ ‫�ضمن ُبحور«الو ّنة والردحة والتغرودة»‪ .‬وكانت‬ ‫امل�سابقة قد �أغلقت باب ا�ستالم الق�صائد‬ ‫امل�شاركة بتاريخ ‪ 20‬من �شهر يناير املا�ضي‪،‬‬ ‫ومن املقرر �أن ُتعلن �أ�سماء الفائزين مبراكزها‬ ‫اخلم�سة الأوىل خ�لال الأ��س�ب��وع الأول من‬ ‫ال�شهر اجل��اري‪ ،‬حيث يح�صل كل منهم‬


‫‪8‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫�صور �أر�شيفية من مهرجان �سلطان بن زايد للإبل العام املا�ضي‬

‫على جائزة قيمة كما �سوف يتم تكرميهم‬ ‫ون�شر ق�صائدهم �ضمن كتيب يوزع خالل‬ ‫�أي ��ام امل �ه��رج��ان‪ ،‬كما �ستتاح للفائزين‬ ‫فر�صة �إلقاء ق�صائدهم �أمام �سم ّو ال�شيخ‬ ‫�سلطان بن زايد �آل نهيان‪.‬‬

‫املهرجان لقاء الأجيال‬

‫و�أ�� �ش���اد ع ��دن ��ان احل��و� �س �ن��ي ب ��إق��ام��ة‬ ‫امل�ه��رج��ان ال�تراث��ي حت��ت رع��اي��ة �سمو‬ ‫ال���ش�ي��خ ��س�ل�ط��ان ب��ن زاي���د �آل نهيان‬ ‫مم�ث��ل ��ص��اح��ب ال�سمو رئ�ي����س ال��دول��ة‬ ‫رئي�س ن��ادي ت��راث الإم ��ارات لرت�سيخ‬ ‫م �ب��د�أ املحافظة على ري��ا��ض��ة الهجن‬ ‫ملواطني الدولة والتم�سك بها وتعليم‬ ‫الأجيال اجلديدة على كيفية التدرب‬ ‫ع�ل��ى ق��واع��ده��ا وم �ف��ردات �ه��ا‪ .‬وو��ص��ف‬ ‫االح�ت�ف��ال�ي��ة‪ -‬امل �ه��رج��ان‪ -‬ب��أن�ه��ا متثل‬ ‫ل �ق��اء الأج��ي��ال ك��ون�ه��ا جتمع‪� ‬أعمار ًا‬ ‫خمتلفة يف املناف�سات‪ ‬وقال �إن مزاينة‬ ‫الإبل تهدف �إىل تر�سيخ املحافظة على‬ ‫ثروة الإبل باعتبارها من �أهم الرثوات‬ ‫احليوانية يف الدولة مبا يحقق امل�شروع‬ ‫الوطني يف املحافظة على ال�سالالت‬ ‫العربية الأ�صيلة‪.‬‬

‫فرسان قرية بوذيب‬ ‫العالمية للقدرة تقدمون‬ ‫لضيوف المهرجان‬ ‫عروضهم الفنية التراثية‬ ‫التي تستعرض مهارات‬ ‫فرسانها التي طبقت‬ ‫شهرتهم اآلفاق‬ ‫فعاليات متنوعة‬

‫و�أ��ش��ار احلو�سني �إىل �أنّ برامج املهرجان‬ ‫ال�سنويّ ‪ ‬يت�ضمن ع� ��دد ًا م��ن امل�سابقات‬ ‫والفعاليات املتمثلة يف م�سابقة َج َمال الإبل‬ ‫الأ�صايل‪ ،‬ومزايدة «م��زاد» الإب��ل الأ�صايل‪،‬‬ ‫و�سباق الإب ��ل ال�تراث��ي الأ��ص�ي��ل‪ ،‬وفعاليات‬

‫مزاينة اإلبل تهدف إلى‬ ‫ترسيخ المحافظة على‬ ‫ثروة اإلبل باعتبارها من‬ ‫أهم الثروات الحيوانية‬ ‫في الدولة بما يحقق‬ ‫المشروع الوطني‬ ‫في المحافظة على‬ ‫السالالت العربية األصيلة‬

‫و�أن�شطة ُم�صاحبة مثل َج َمال و�سباق ال�سلوقي‬ ‫العربي‪ ،‬وم�سابقة املحالب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وق��ال �إنّ فعاليات ال�ي��وم الأول وال �ث��اين مت‬ ‫تخ�صي�صها للت�سجيل على م�سابقات الإبل‬ ‫وال�سلوقي‪ ،‬بينما انطالق فعاليات املهرجان‬ ‫يف اليوم الثالث «الأح��د» حيث تبد�أ يف هذا‬ ‫ال�ي��وم م�سابقة فطمان ال�شيوخ‪ ،‬وفطمان‬ ‫اجلماعة‪ ،‬تليه يف ي��وم االثنني «‪ 4‬من �شهر‬ ‫ف�براي��ر» م�سابقة حقايق ال�شيوخ وحقايق‬ ‫اجلماعة‪ ،‬بينما مت تخ�صي�ص يوم الثالثاء‬ ‫«‪ 5‬من فرباير» ملزاد الإبل‪ ،‬على �أن يكون يوم‬ ‫الأربعاء «‪ 6‬من فرباير» مل�سابقة «يذاع» ال�شيوخ‬ ‫�صباح ًا‪ ،‬وم�سابقة «يذاع» اجلماعة م�سا ًء‪� ،‬أما‬ ‫يوم اخلمي�س «‪ 7‬من فرباير» في�شهد انطالق‬ ‫م�سابقة ع��زف ال�شيوخ‪ ،‬وع��زف اجلماعة‬ ‫�صباح ًا‪ ،‬يليه م�سا ًء م��زاد الإب ��ل‪ ،‬و�إع�ل�ان‬ ‫الت�سجيل مل�سابقة املحالب‪.‬‬

‫م�سابقة املحالب‬

‫فرباير»‬

‫‪ ‬ومت تخ�ص�ص ي��وم اجلمعة «‪ 8‬من‬ ‫للت�سجيل للم�شاركة يف م�سابقة املحالب‬ ‫للفرتتني ال�صباحية وامل�سائية‪ ،‬بينما تنطلق‬ ‫ي��وم ال�سبت «‪ 9‬من فرباير» م�سابقة مداين‬ ‫ال�شيوخ‪ ،‬ومداين اجلماعة �صباح ًا‪ ،‬وم�سابقة‬


‫املحالب‪ ،‬و�شوط ت�أهيلي ك� ّل الفئات خالل‬ ‫الفرتتني ال�صباحية وامل�سائية‪� ،‬أما يوم الأحد‬ ‫‪ 10‬م��ن ف�براي��ر في�شهد �صباح ًا م�سابقتي‬ ‫ع�شار ال�شيوخ وع�شار اجلماعة‪ ،‬وم�سابقة‬ ‫املحالب ‪�-‬شوط ت�أهيلي ك ّل الفئات �صباح ًا‬ ‫وم�سا ًء‪ ،‬يف حني يت�ضمن يوم االثنني «‪ 11‬من‬ ‫فرباير» م�سابقة زمول ال�شيوخ وزمول اجلماعة‬ ‫�صباح ًا‪ ،‬يعقبه مزاد الإبل م�سا ًء‪ ،‬ثم م�سابقة‬ ‫املحالب‪� ،‬شوط ت�أهيلي ك� ّل الفئات �صباح ًا‬ ‫وم�سا ًء‪ ،‬على �أن يكون يوم الثالثاء «‪ 12‬من‬ ‫فرباير» موعد ًا لإطالق م�سابقة ثنايا ال�شوخ‬ ‫وثنايا اجلماعة خالل الفرتة ال�صباحية‪ ،‬كما‬ ‫تنطلق خالل الفرتتني ال�صباحية وامل�سائية‬ ‫لليوم نف�سه م�سابقة املحالب‪ ،‬للت�صفية و�إعالن‬ ‫النتائج‪ ،‬و�سوف ي�شهد يوم الأربعاء «‪ 13‬من‬ ‫فرباير» م�ساء �سباق ال�سلوقي النهائي‪ ،‬على �أن‬ ‫يكون ظهر يوم اخلمي�س «‪ 14‬فرباير» موعد ًا‬ ‫النطالق �سباق الإب��ل الرتاثي ليومه الأول‪،‬‬ ‫وت�ستكمل فعالياته ظهر ي��وم اجلمعة «‪15‬‬ ‫فرباير»‪ ،‬بينما �سيكون م�ساء اليوم ذاته موعد ًا‬ ‫لإقامة حفل التكرمي والتتويج للم�شاركني يف‬ ‫مهرجان �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان‬ ‫للإبل ‪2013‬م‪.‬‬ ‫�أم��ا حممد بن عا�ضد املهريي رئي�س جلنة‬ ‫املحالب يف املهرجان‪ ،‬ف�أ�شار �إىل �أن فئات‬

‫املحالب تت�ألف من «العرب الأ�صايل‪ ،‬العرب‬ ‫الأ� �ص��اي��ل املحليات اخل��واوي��ر‪ ،‬احل��زام��ي‪،‬‬ ‫احلزامي اخلواوير»‪ ،‬وهناك ال�شوط املفتوح‪،‬‬ ‫و�سيكون برنامج امل�سابقة للفرتتني ال�صباحية‬ ‫وامل�سائية ل�ل�أي��ام من ‪ 9-12‬ف�براي��ر‪ ،‬بينما‬ ‫�سيكون يوما اخلمي�س واجلمعة ‪ 8 - 7‬فرباير‪،‬‬ ‫لت�سجيل امل�شاركني يف املحالب‪ ،‬ومن �أهداف‬ ‫امل�سابقة ت�شجيع ُم� ّ‬ ‫لاك الإب��ل على �شرائها‬ ‫والعناية بها لتدر عليهم بحليبها الوفري‪ ،‬حيث‬ ‫�سيتم حتكيم احلليب بامليزان‪.‬‬

‫ا�ستعدادات مكثفة يف �سويحان‬

‫‪ ‬وكانت مدينة �سويحان وميادينها قد ا�ستعدت‬ ‫منذ وق��ت ُم�ب� ِّك��ر ال�ست�ضافة ه��ذا احل��دث‬ ‫الرتاثي ال�ضخم الذي ي�شتمل على فعاليات‬ ‫متنوعة تهدف �إىل �إحياء العادات والتقاليد‬ ‫الأ�صيلة وروح وثقافة جمتمع البادية‪ ،‬ومن‬

‫المزروعي‪ :‬المسابقة‬ ‫الشعرية تحث قرائح‬ ‫الشعراء على التغني‬ ‫باإلبل وجمالها إحياء‬ ‫لنهج األجداد ضمن بُحور‬ ‫تراثية أصيلة كالونّة‬ ‫والردحة والتغرودة‬

‫ذلك تقدمي اللوحات ال�شعبية للفرق الفنية‬ ‫املحلية و�إلقاء الق�صائد والأ�شعار النبطية‬ ‫التي تتغنى بجمال الإب��ل و�إق��ام��ة املجال�س‬ ‫الرتاثية‪ ،‬وبد�أت �أعمال اللجان مبكر ًا لتجهيز‬ ‫منطقة ميدان ال�سباق‪ ‬واملرافق املختلفة يف‬ ‫مدينة �سويحان‪ ،‬حيث جرت يف منطقة ميدان‬ ‫ال�سباق �أعمال التزيني من �أع�لام والفتات‬ ‫و�إج��راءات جتهيز �أماكن ا�ستقبال ال�ضيوف‬ ‫وجتهيز م�ضمار ال�سباق و�إ�ضفاء العديد من‬ ‫اللم�سات اجلمالية على واجهة منطقة ال�سباق‬ ‫ومدخل املدينة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل جتهيز قرية‬ ‫تراثية ت�ضم « ‪ »140‬دكان ًا ت�شتمل على معر�ض‬ ‫ومعر�ض‬ ‫للمنتجات والأ�شغال الرتاثية اليدوية‬ ‫ٍ‬ ‫لل�صور وجل�سات �شعبية خمتلفة وعرو�ض‬ ‫تراثية جلذب ال�ضيوف والزوار وال�سياح‪� .‬أما‬ ‫فعاليات �إدارة الأن�شطة والقرية الرتاثية‬ ‫وفر�سان قرية بوذيب للقدرة‪ ،‬فتقدم للجمهور‬ ‫خالل فعاليات املهرجان يف �سويحان عرو�ض ًا‬ ‫من الألعاب ال�شعبية‪ ،‬وعرو�ض اليولة‪ ،‬والهدد‬ ‫بال�صقور‪ ،‬والطبخ ال�شعبي‪ ،‬وعرو�ض ًا للأ�شغال‬ ‫اليدوية‪ ،‬وعرو�ض ًا للربابة‪ ،‬و�إقامة معر�ض‬ ‫ّ‬ ‫للفخار والتحف اليدوية الرتاثية‪ ،‬وتقدمي‬ ‫عرو�ض لفر�سان قرية بوذيب العاملية للقدرة‪،‬‬ ‫وتنظيم معر�ض لل�صور الرتاثية‬


‫ث‬

‫‪10‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫جماليات‬

‫جماليات‬

‫د‪ .‬معجب الزهراين‬ ‫�أكادميي ومفكر �سعودي‬

‫املالب�س‬

‫ف�ضاءات جمالية ت�شتغل عليها الذائقة حتى تكون �أكرث‬ ‫�إغواء وجاذبية ‪.‬‬ ‫ال �شك �أن تغطية اجل�سد ب�صيغة ما ب��د�أت كحاجة �أولية فر�ضتها عوامل‬ ‫الطبيعة على الب�شر يف غالبيتهم ‪.‬‬ ‫لكن الوعي امل�ت��درج ب��ال��ذات الفردية واجلماعية ظل يت�شكل ويتطور عرب‬ ‫التاريخ حتى ح�صل التغري وتنوعت و�سائل التعبري عن الفروق واالختالفات ‪.‬‬ ‫ومن خالل �آلية الإدماج تداخلت الوظائف العملية والدينية واجلمالية للزي‬ ‫الواحد على الفرد الواحد ‪.‬‬ ‫وتتقدم الوظيفة اجلمالية يف املنا�سبات االحتفالية ‪ ،‬والدنيوي منها ب�شكل‬ ‫خا�ص ‪ .‬فاملقام هنا للفرح و�إ�شباع املتع العاطفية واحل�سية ‪ .‬هكذا تظهر‬ ‫املالب�س لوحات مزرك�شة على ج�سد يراد له �أن يبدو يف ذروة اجلاذبية والفتنة‬ ‫‪ .‬ونظرا لكون املر�أة �أكرث تعلقا باحلياة وقدرة على رعايتها من الرجل ال�صياد‬ ‫�أو املحارب ف�إن مالب�س املر�أة تعك�س الذوق اجلمايل وجت�سده �أكرث من غريها‬ ‫‪ .‬كتبت مرة �أن الن�ساء يف �أريافنا اجلنوبية ي�شبهن الأ�شجار يف ف�صل الربيع‬ ‫‪ .‬وال�سبب �أنك ترى يف مالب�سها خمتلف الأل��وان الزاهية امل�شعة ‪ .‬فالر�أ�س‬ ‫مغطى ب�شيلة �سوداء من فوقها منديل ‪ -‬ب�شكري ‪ -‬مزين ب�أكرث من �شكل ولون‬ ‫‪ ،‬ورمبا ي�أتي فوقها منديل �آخر �أخف و�أزهي ي�سمى «امل�سفع العدين » وعادة‬ ‫ما ي�شد ب�شكل دائري حول الر�أ�س كي ال ينك�شف حتى مع العمل الن�شط يف‬ ‫الهواء الطلق ‪.‬‬ ‫واجل�سد مغطى بثوب طويل ال يخلو هو �أي�ضا من النقو�ش الفاتنة ‪ ,‬خا�صة‬ ‫ف��وق ال�صدر وعلى اجلنبني وعلى ال��ذراع�ين �إىل الكفني ‪ .‬وم��ع تعدد �أل��وان‬ ‫الأقم�شة �إال �أن الأ�سود يظل هو ال�سيد وبعده ي�أتي الأحمر القاين والأخ�ضر‬ ‫الع�شبي ‪ .‬و�أخريا ي�أتي ال�سروال الأ�سود الطويل الذي تنتهي �أطرافه بحزم‬ ‫من التطريزات الدائرية امللونة تعلو القدم وتتناغم مع تقاطيع احلناء التي‬ ‫ال تكاد تبهت حتى تتجدد لأنه من منتوجات املنطقة الوفرية ‪ .‬ومما يزيد‬ ‫يف غنى ال�شكل العام تلك احللي الف�ضية واخلرزية التي تتدىل فوق ال�صدر‬ ‫وت�شد حول املع�صم وبع�ض �أ�صابع اليدين ‪ .‬وحتى مع حر�ص الن�ساء على لب�س‬ ‫قما�شة بي�ضاء تربط فوق الكتف وتتدىل على �أحد اجلنبني زيادة يف الت�سرت‬ ‫�إال �أن اجل�سد ال ي�ضام وهو ج�سد عمل د�ؤوب يف املقام الأول ‪ .‬ف�أنت ترى املر�أة‬ ‫الطويلة واملتو�سطة والق�صرية ‪ ،‬ال�صبية التي تالعب الريح والفتاة املتزنة‬ ‫وامل��ر�أة املتقدمة قليال �أو كثريا يف ال�سن ‪ ,‬كما ترى املر�أة النحيلة �أو القوية‬ ‫البنية �أو املكتنزة بع�ض ال�شيء خا�صة مع احلمل «مل �أر قط يف اجليل الأول‬ ‫ج�سدا ن�سائيا مرتهال �أبدا » ‪.‬‬ ‫ه��ذه امل��ر�أة ‪ -‬ال�شجرة اختفت اليوم من ف�ضاءات احلياة النقرا�ض العمل‬ ‫الفالحي من جهة والنت�شار العباءات ال�سوداء الكئيبة من جهة �أخرى ‪ .‬كلما‬ ‫ر�أيت �صورا فوتوغرافية �أو تلفازية لن�ساء الأرياف ال�شامية واليمنية واملغربية‬ ‫تذكرت �أجمل الكائنات يف قريتنا «قرية الغرباء » وانطويت على حزين ‪ .‬فعو�ضا‬


‫جماليات‬

‫عن تقدم ثقافة احلوا�ضر احلجازية العريقة وثقافة الأرياف العملية‬ ‫الن�شطة لتقود عمليات التطور والتحول ح�صل ما ي�شبه الردة �إىل مزيج‬ ‫متنافر من الأزياء البدوية املتق�شفة والأزياء الدينية املتزمتة املت�شددة‬ ‫والأزي��اء الغربية احلديثة املنمطة امل�سطحة ‪ .‬ومما له داللة قوية يف‬ ‫هذا ال�سياق �أن تلك الأ�شكال ال�سوداء القبيحة هي ما يظهر للعيان يف‬ ‫الطرقات والأ�سواق واملطارات اليوم ما يعني �أنها «الزي الر�سمي »‪.‬‬ ‫وو�صفها بالقبح لي�س حكما فرديا لأنها فعال حتول اجل�سد �شكال �شبحيا‬ ‫ويخجل الذات من ذاتها وقد �أ�صبحت‬ ‫منمطا ميحو الهوية الفردية ّ‬ ‫«كلها عار وعورة » ‪.‬‬ ‫طبعا هناك ن�ضال يومي تبا�شره بع�ض الن�ساء ال�ستعادة كيانها‬

‫الإن�ساين ال�سوي ‪ ،‬وذل��ك من خ�لال الإ��ص��رار على تف�صيل وتلوين‬ ‫العباءة الر�سمية وفق ذوقها هي ذاتها ‪ .‬ونظرا لقوة الظاهرة يف يف‬ ‫بع�ض املدن الغربية وال�شرقية حيث ينمو الوعي الفردي بالذات بني‬ ‫الن�ساء ف�أنت ترى ما ي�شبه ال�صراع ال�صامت على متلك اجل�سد بني‬ ‫املر�أة وال�سلط الر�سمية ‪.‬‬ ‫وال �أظ��ن القبح والت�سلط �سيك�سبان الرهان على امل��دى الطويل ‪.‬‬ ‫فالأنظمة التي تن�شغل مبالب�س الن�ساء �أكرث من ان�شغالها بالتنمية‬ ‫وحماربة الفقر والف�ساد والأمية ال تعمر طويال لأنها ت�شتغل �ضد‬ ‫منطق التاريخ ومنطق احلياة ! ‪ .‬نعم ‪� ,‬ستعود الأ�شجار اجلميلة‬ ‫الكرمية �إىل احلقل ذات يوم‬


‫المرصد‬ ‫‪12‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬


‫يعود تاريخ بنائه �إىل ما قبل ‪ 500‬عام‬

‫الكشف‪..‬‬ ‫عن أقدم مساجد اإلمارات‬ ‫ر�أ�س اخليمة – تراث‬ ‫عرثت فرق التنقيب يف دائرة الآثار واملتاحف ب�إمارة ر�أ�س اخليمة على بقايا م�سجد قدمي يعود‬ ‫تاريخه �إىل ما قبل ‪� 500‬سنة‪ .‬وقدر الآثاريون تاريخ بناء امل�سجد عام ‪1512‬م‪ ،‬ليعد �أقدم م�سجد‬ ‫يف دولة الإمارات العربية املتحدة‪ .‬وك�شفت �أعمال الرتميم وال�صيانة التي تنفذها فرق التنقيب‬ ‫�أ�سفل م�سجد ال�شيخ حممد بن �سامل القا�سمي‪ ،‬الذي يعد �أحد �أقدم و�أكرب امل�ساجد يف مدينة ر�أ�س‬ ‫اخليمة القدمية ويعود تاريخ بنائه �إىل عام ‪ 1820‬ميالدية‪ ،‬عن بقايا �أعمدة وحمرابني مل�سجدين‬ ‫قدميني يتوقع �أن يعود تاريخ الأول �إىل عام ‪ 1770‬والثاين �إىل عام ‪.1512‬‬ ‫وق��د �أخ ��ذت عينات ـ م��ن �أع �م��دة امل�سجدين‬ ‫امل�شيدين من الطني واللذين تبلغ م�ساحة كل‬ ‫منهما‪ ،‬ن�صف م�ساحة م�سجد ال�شيخ حممد بن‬ ‫�سامل القا�سمي امل�سمى باجلامع الكبري لإر�سالها‬ ‫�إىل معهد متخ�ص�ص يف �أملانيا ملعرفة التاريخ‬ ‫احلقيقي للم�سجدين بغية توثيقهما تاريخي ًا‪،‬‬ ‫رغ��م �أن امل��ؤ��ش��رات واملعطيات الأول �ي��ة ت�ؤكد‬ ‫�أن امل�سجد الثاين ال��ذي يعود تاريخ بنائه �إىل‬ ‫‪500‬عام‪ ،‬ميكن �أن يكون �أقدم م�سجد يف الدولة‪.‬‬ ‫ورغ ��م ��ش��ح ال�ب�ح��وث وال��درا� �س��ات ح��ول ه��ذا‬ ‫االكت�شاف ويف هذا املجال احليوي الغني عموم ًا‪،‬‬ ‫�إال �أن كتاب ًا �أ�صدره الدكتور ماركو �سو�سا الأ�ستاذ‬ ‫امل�ساعد بكلية الفنون وال�صناعات الإبداعية‬ ‫بجامعة زاي��د‪ ،‬باللغة الإنكليزية �أك��د �أن �أقدم‬ ‫م�سجد يف االمارات هو «م�سجد البدية»‪.‬‬ ‫وكتاب �سو�سا «م�سجد البدية ‪ :‬مقالة ب�صرية»‬ ‫عبارة عن ورقة علمية قدمها امل�ؤلف �إىل امل�ؤمتر‬ ‫ال��دويل الثالث للحفاظ على ال�تراث العمراين‬ ‫الذي �أقيم يف دبي من ‪ 17‬اىل ‪ 19‬دي�سمرب من‬

‫العام املا�ضي‪ ،‬و�إىل م�ؤمتر علمي متخ�ص�ص‬ ‫يف العا�صمة الفنلندية يف �شهر �أبريل من العام‬ ‫نف�سه‪ .‬والكتاب الذي �سي�صدر قريب ًا بالعربية‬ ‫يت�ضمن ر�ؤي��ة ت�صويرية معمقة مل�ستوى املعمار‬ ‫الوظيفي واجلمايل من داخل هذا الأثر الفريد‪،‬‬ ‫الواقع يف قرية «البدية» يف �إمارة الفجرية‪.‬‬ ‫و�أ�شار كاتبه �إىل االعتقاد ب�أن امل�سجد بني يف‬ ‫القرن العا�شر الهجري «م��ا بني عامي ‪1650‬‬ ‫و‪ 1670‬ميالدية » بينما تقول درا�سة علمية موثقة‬ ‫لإدارة ال�تراث والآث��ار بالفجرية �إن التحاليل‬ ‫الكيمياوية بوا�سطة كربون ‪ 14‬تو�صلت �إىل �إن‬ ‫بناء امل�سجد يعود �إىل القرن ال�سابع الهجري‬ ‫عام ‪1446‬م تقريب ًا»‪.‬‬

‫المؤشرات والمعطيات‬ ‫األولية تؤكد أن المسجد‬ ‫الثاني الذي يعود تاريخ‬ ‫بنائه إلى ‪500‬عام‪،‬‬ ‫يمكن أن يكون أقدم‬ ‫مسجد في الدولة‬

‫وك��ان الدكتور �سامل حميد قد �أ�شار يف كتابه‬ ‫«ماذا تعرف عن دولة الإمارات العربية املتحدة»‬ ‫الذي �صدر عن مركز املزماة باللغة االنكليزية‪،‬‬ ‫على مرور ح�ضارات عريقة ب�أر�ض الإمارات‪.‬‬ ‫و�أ ّك��د على �أن خمتلف احل�ضارات التي �أثبتت‬ ‫ت��واج��د ًا فعا ًال يف ف�ترات ما قبل وبعد امليالد‬ ‫وتوا�صلت مع كربيات احل�ضارات الأخرى التي‬ ‫كانت قائمة يف ذلك العهد‪ ،‬غري �أن الكتابات‬ ‫والبحوث عن تلك احل�ضارات وبف�ضل الفرتة‬ ‫الفا�صلة بني نهاية �آخر ح�ضارة وح�ضارة ع�صر‬ ‫ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان‪� ،‬شهدت فيها‬ ‫الأر� ��ض ت��راخ�ي� ًا وف �ق��ر ًا �أب�ق��اه��ا يف م�ن��أى عن‬ ‫اهتمامات الباحثني الذين اجتهدوا يف تدوين‬ ‫ح�ضارات الدول الأخرى كالفرعونية والآ�شورية‬ ‫واليونانية والبابلية وغريها من احل�ضارات التي‬ ‫عرفها العامل وتناقلتها الأجيال‪ ،‬وعا�شت بف�ضل‬ ‫ما مت عنها من بحوث وتدوين‪ ،‬وهو جانب يحتاج‬ ‫من الباحثني خا�صة الإماراتيني بذل املزيد من‬ ‫اجلهود الكبرية للتعريف بهذا الإرث التاريخي‬


‫المرصد‬ ‫‪14‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫�صورة لأعمال الرتميم يف امل�سجد الكبري بر�أ�س اخليمة‬

‫أعمال التنقيب‬ ‫كشفت عن بقايا‬ ‫أعمدة ومحرابين‬ ‫لمسجدين قديمين‬ ‫يتوقع أن يعود تاريخ‬ ‫األول إلى عام ‪1770‬‬ ‫والثاني إلى عام ‪1512‬‬

‫ودرا�سته مبا ي�سلط ال�ضوء عليه ويفيد احل�ضارة‬ ‫والنه�ضة القائمة‪ .‬ووفق ًا لتقارير متحف ر�أ�س‬ ‫اخليمة الوطني‪ ،‬التي �سوف تخ�ضع للمراجعة‬ ‫فور ت�أكيد نتائج التنقيبات الأخرية‪ ،‬يعود تاريخ‬ ‫ت�شييد م�سجد ال�شيخ حممد بن �سامل القا�سمي‬ ‫الذي يطلق عليه امل�سجد الكبري �إىل عام ‪1820‬م‪،‬‬ ‫وهو يعد �أحد �أقدم و�أكرب امل�ساجد يف مدينة ر�أ�س‬ ‫اخليمة‪� ،‬شيد ه��ذا امل�سجد ال�شيخ �سلطان بن‬ ‫�صقر الأول يف منطقة ر�أ�س اخليمة القدمية‪ ،‬وهو‬ ‫يطل من فوق ربوة مرتفعة على �ساحل اخلليج‬ ‫ملقدمة امل�سجد‪ ،‬مع تغطية جدرانه اخلارجية‬ ‫العربي‪ ،‬ويقع �إىل ال�شمال من فريج �آل علي‪،‬‬ ‫ب�أحجار جبلية كبديل للرخام الذي كان يعترب‬ ‫ميالدية‪.‬‬ ‫املادة الأ�سا�سية يف بناء امل�سجد‪ .‬و�أ�صبح ال�شكل‬ ‫ي�ضم ‪� 3‬أب ��واب كبرية تفتح‬ ‫احل��ايل للم�سجد ّ‬ ‫توثيق تاريخ امل�سجد‬ ‫باجتاه اجلهة ال�شرقية‪ ،‬وي�ضم ‪ 60‬عمود ًا يعلوها‬ ‫يف كتابه الذي �أ�صدره حول امل�سجد والذي يعد �سقف مغطى ب�سعف النخيل‪.‬‬ ‫�أول درا�سة توثيقية من القطع املتو�سط بعنوان‬ ‫«امل�سجد الكبري يف ر أ����س اخليمة تاريخ ورواي�‬ ‫أ�ستاذ�ة خالل أعمال الترميم‬ ‫و�أث ��ر»‪ ،‬يقول الدكتور حمد بن �صراي �‬ ‫ُ‬ ‫شفت ثالث طبقات‬ ‫التاريخ القدمي يف ق�سم التاريخ والآثار بجامعة اكت ِ‬ ‫الإم ��ارات‪� ،‬إن حكومة ر أ����س اخليمة رمم��ت يف ِمن الطين والل ِبن تحت‬ ‫�أوائ��ل الت�سعينات من القرن املا�ضي امل�سجد‪ ،‬الجدران واألعمدة‪ ،‬إضافة‬ ‫و�أ�ضافت ‪ 28‬نافذة مقو�سة على جانبيه‪ ،‬و�ألغت‬ ‫مغطى إلى العثور على عملة‬ ‫غرفة م�صلى الن�ساء‪ ،‬و�إ��ض��اف��ة مم��ر ّ‬

‫عمانية قديمة ُق ّدر عمرها‬ ‫بأكثر ِمن ‪ 150‬عام ًا‬

‫و�أ�شار �إىل �أنه خالل القيام بالرتميم اك ُت ِ�شفت‬ ‫واللب حتت اجلدران‬ ‫ثالث طبقات ِمن الطني نِ‬ ‫والأعمدة‪� ،‬إ�ضافة �إىل العثور على عملة عمانية‬ ‫قدمية ُقدّر عمرها ب�أكرث ِمن ‪ 150‬عام ًا‪ ،‬لقد مت‬ ‫ترميم امل�سجد من ِقبل ال�شيوخ‪ ،‬وكان ك ّل �شخ�ص‬ ‫من �سكان املدينة يدفع قيمة ‪ 3‬روبيات‪ ،‬وامل�سجد‬ ‫هدم �أكرث من مرة‪ ،‬وقد كان يو�ضع اجلريد يف‬ ‫ال�سقف عندما يرمم‪ ،‬وتوجد ح�صاة منحوتة‬ ‫بامل�سجد من ح��وايل ‪� 80‬سنة‪ .‬وك��ان الأه��ايل‬ ‫يذهبون �إىل طنب بال�سفن ويح�ضرون احل�صى‬ ‫لبناء امل�سجد‪ .‬وح�سب بن �صراي‪ ،‬يجمع الرواة‬ ‫�أنّ امل�سجد قدمي ِق ِدم ًا ال يتذ ّكرونه‪ ،‬لأ ّنهم ُو ِلدوا‬ ‫وهو موجود ون�ش�أوا وهو كذلك‪ .‬ويجمعون �أي�ض ًا‬ ‫على �أ ّن ��ه ك��ان امل�سجد اجل��ام��ع ال��وح�ي��د يف‬ ‫البلدة و�أ ّنه مبني يف حي �شيوخ ر�أ�س اخليمة‪،‬‬ ‫حيث ك��ان ي�سكن ال�شيخ حممد ب��ن �سامل‪،‬‬ ‫و�أب��وه ِمن قبله ال�شيخ �سامل بن �سلطان بن‬ ‫�صقر بن را�شد القا�سمي‪ ،‬ويتك ّون امل�سجد‬ ‫م��ن �أع �م��دة ك �ب�يرة‪ ،‬وب�ين ال�ع�م��ود والعمود‬ ‫جندل‪ ،‬وك ّل جندلة ملفوف عليها حبل ي�سمى‬ ‫«ا��س�ت�ع�م��ايل»‪ ،‬وم��ا زال اجل �ن��دل م��وج��ود ًا‪،‬‬ ‫والأعمدة ِمن اجل�ص موجودة �أي�ض ًا‪ .‬جداره‬ ‫هو نف�سه‪ ،‬وم�ساحته هي نف�سها منذ �أن بني‪،‬‬ ‫وقد ُج ِلبت حجارة امل�سجد من جزيرة طنب‬


‫الكربى‪ ،‬وح�صى اجلزيرة �أبي�ض وخفيف‪.‬‬ ‫وتوجد مرازيب يف البداية كانت ِمن الفخار‪،‬‬ ‫والآن ِمن اخل�شب‪ .‬وكانت توجد بالقرب ِمن‬ ‫امل�سجد غرفة ل�صالة الفرو�ض اخلم�سة‪،‬‬ ‫و�صالة اجلمعة يف امل�سجد الكبري‪ ،‬وكانت‬ ‫توجد بامل�سجد ق ّبة ِمن اجل�ص عند املدخل‬ ‫ِمن جهة اليمني‪ ،‬وكان ي�صعد امل�ؤذن عليها‬ ‫لريتفع قلي ًال‪ .‬ومل تكن توجد م�ن��ارة �أب��د ًا‬ ‫يف ه��ذا امل�سجد‪ .‬وك��ان اجلندل يجلب من‬ ‫تنزانيا «من خو�ش �شنبوين»‪ ،‬ويقطع اجلندل‬ ‫الأخ�ضر ال كبري وال �صغري مالئم وطريقة‬ ‫قطعه �ضربة من اليمني و�ضربة من الي�سار‪.‬‬ ‫ويف مكان و�ضوء امل�صلني كانت توجد طوي‬ ‫«خريجة» «�أي ماحلة» بجوار الباب‪ ،‬وفيما‬ ‫بعد �أن�شئت للم�سجد احلمامات يف اجلهة‬ ‫ال���ش�م��ال� ّي��ة‪ .‬وك��ان��ت ه �ن��اك غ��رف��ة ب�ج��وار‬ ‫امل�سجد ي�ص ّلي النا�س فيها �شتاء وكان لها‬ ‫حمراب‪ .‬ومل يخ�ص�ص عند �إن�شاء امل�سجد‬ ‫�أي مكان ل�صالة الن�ساء‪.‬‬ ‫وك�شف ابن �صراي يف كتابه عن عدم وجود‬ ‫�أي �إ�شارة �أو كتابة �أو ن�ص ت�أ�سي�س يدل على‬ ‫تاريخ بنائها‪ ،‬ومل جتر �أي ك�شوف وحتريات‬ ‫�آثارية على مثل هذه املباين القدمية‪ .‬ويبقى‬ ‫ذكرها بني النا�س ب�أنها مبنية منذ القدم‬ ‫دون معرفة �سنة بنائها بالتحديد‪ .‬وعلى‬ ‫ال��رغ��م م��ن ذل��ك �إال �أن ال��رواي��ة ال�شفهية‬ ‫و�أحاديث النا�س عنها حتتفظ لنا مبعلومات‬ ‫قيمة ميكن للباحث يف الرتاث املعماري ويف‬ ‫الك�شف الآث��اري اال�ستفادة منها وتوظيفها‬ ‫يف �سبيل ت��اري��خ امل�ب��اين ال�تراث�ي��ة‪� .‬إ�ضافة‬ ‫�إىل ذل��ك‪ ،‬ف ��إن ال��رواي��ة ال�شفهية ت��زودن��ا‬ ‫مبعلومات معمارية غري موجودة الآن يف تلك‬ ‫املباين‪ ،‬نظر ًا لتعر�ضها للتغيري �أو التخريب‬ ‫�أو الإزال ��ة‪ .‬يف الوقت نف�سه تقدم لنا هذه‬ ‫الرواية تف�سريات معقولة لبع�ض الإ�ضافات‬ ‫البنائية يف العمائر الرتاثية‪ .‬وهذه الورقة‬ ‫تركز على دور ال��رواي��ة ال�شفهية يف تاريخ‬ ‫ال�ع�م��ائ��ر ال �ق��دمي��ة‪ ،‬وات �خ��ذن��ا ل��ذل��ك حالة‬ ‫درا��س�ي��ة خا�صة‪ ،‬وه��ي امل�سجد الكبري يف‬ ‫مدينة ر�أ�س اخليمة القدمية بدولة الإمارات‬ ‫العربية امل�ت�ح��دة‪ ،‬ال��ذي مل جت��ر عليه �أي‬

‫م�سجد ال�شيخ حممد بن �سامل القا�سمي‬

‫وفق ًا لتقارير متحف‬ ‫رأس الخيمة الوطني‬ ‫يعود تاريخ تشييد مسجد‬ ‫الشيخ محمد بن سالم‬ ‫القاسمي الذي يطلق‬ ‫عليه المسجد الكبير‬ ‫إلى عام ‪1820‬م‬ ‫درا�سة علمية ومعمارية تثبت تاريخ ت�أ�سي�سه‬ ‫الأول والتطورات التي جرت عليه خالل مائة‬ ‫وخم�سني عام ًا‪ .‬وهذه الدرا�سة اعتمدت على‬ ‫رواي ��ات �ست م��ن ال ��رواة‪ ،‬كانت لهم �صلة‬ ‫مبا�شرة بامل�سجد‪� .‬إ�ضافة �إىل مقارنة هذه‬ ‫الروايات ال�شفهية ب�آراء علم الآثار وكيفية‬ ‫نظرته �إىل تاريخ امل�سجد وبداية ت�أ�سي�سه‪.‬‬ ‫وكان �إجراء املقابالت مع كبار ال�سن ممتعة‬ ‫و�أفادتنا كثري ًا يف معرفة كيف كان النا�س‬ ‫ينظرون �إىل امل�سجد الكبري وكيف تعاملوا‬ ‫م�ع��ه‪ .‬وق��د ��ش��ارك بع�ض ه� ��ؤالء ال ��رواة يف‬ ‫ترميم امل�سجد قبل خم�سني عام ًا‪ ،‬وذكروا‬ ‫�أن عمارته وهند�سته هي نف�س ما عليه الآن‪.‬‬ ‫ولكن يف ال�سابق كان امل�سجد متفرد ًا وغري‬

‫حماط بالبيوت‪ ،‬وكانت هناك غرفة خارجية‬ ‫ي�صلي فيها النا�س يف �أ�شهر ال�شتاء وهي غري‬ ‫موجودة الآن‪ .‬و�أ�شار الرواة �إىل ا�ستحداث‬ ‫باب �صغري جهة املحراب يف الناحية الغربية‬ ‫للم�سجد‪ ،‬و�أن هذا الباب مل يكن موجود ًا‬ ‫قبل �ستني ع��ام� ًا‪ .‬وح�ين مت ترميم امل�سجد‬ ‫يف امل��رة الأوىل ُجلبت احل �ج��ارة البحرية‬ ‫من اجل��زر القريبة‪ ،‬وك��ان النا�س يذهبون‬ ‫بالقوارب لإح�ضارها‪ .‬وك��ان العمل تعاوني ًا‬ ‫بني الأه ��ايل‪ .‬وخل�صت ه��ذه الدرا�سة �إىل‬ ‫�ضرورة اال�ستفادة من ال��رواي��ات ال�شفهية‬ ‫لأنها تزودنا مبعلومات غري مدونة يف الكتب‬ ‫ح��ول العمائر الرتاثية‪ ،‬و�أك��د �أن��ه ا�ستعان‬ ‫بعدد من ال��رواة املواطنني من كبار ال�سن‬ ‫يف كتابه‪ ،‬كما ا�ستقى معلوماته من �أئمة‬ ‫وخطباء وم���ؤ ّذين امل�سجد خ�لال ال�سنوات‬ ‫املا�ضية‪ .‬وقال الدكتور حمد بن �صراي‪ :‬مل‬ ‫تكن هناك بيوت كثرية مال�صقة للم�سجد‬ ‫�إال منزل املغفور له ال�شيخ حممد بن �سامل‬ ‫القا�سمي حاكم ر�أ�س اخليمة‪ ،‬والذي حت ّول‬ ‫حالي ًا ملقر مركز الدرا�سات والوثائق يف ر�أ�س‬ ‫اخليمة‪ ،‬وبيت ًا واح��د ًا فقط وهو بيت حممد‬ ‫بن عبد العزيز‪ ،‬الذي من ناحية بيته مت فتح‬ ‫باب عند املحراب‬


‫المرصد‬ ‫‪16‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫بهدف توثيق الرتاث غري املادي لل�سلطنة‬

‫تراث وإبداع‪..‬‬

‫ندوة حول الحكاية الشعبية العمانية‬ ‫م�سقط‪ -‬تراث‬ ‫حر�صاً على توثيق ما يتعلق بثقافة الرتاث غري املادي ل�سلطنة عمان احت�ضنت العا�صمة العمانية‬ ‫م�سقط م�ؤخراً ندوة احلكاية ال�شعبية العمانية «تراث و�إب��داع» والتي �أقامها املنتدى الأدبي التابع‬ ‫ل��وزارة ال�تراث والثقافة يف �سلطنة عمان‪ ،‬ه��ذه الندوة ت�ضمنت حمورين �أ�سا�سيني‪ ،‬وهما حمور‬ ‫«احلكاية ال�شعبية العمانية ‪-‬الأهمية والتدوين» ‪ ،‬وحمور «احلكاية ال�شعبية العمانية ن�صاً �أدبياً»‪.‬‬ ‫يف كلمة املنتدى الأدب��ي التي �ألقاها را�شد بن‬ ‫�صالح ال�شيادي مدير املنتدى �أ��ش��ار �إىل �إن‬ ‫املورثات الثقافية والفنية ال�شعبية لل�سلطنة تتميز‬ ‫بالغنى والعمق والتنوع‪ ،‬ومنها احلكاية ال�شعبية‬ ‫التي تعد من امل��وروث��ات ال�شفهية‪ ،‬الأم��ر الذي‬ ‫يحفزنا لل�سعي والعمل على �إحيائها وتطويرها‬

‫لتكون عن�صر ًا �إيجابي ًا يف حياتنا الع�صرية‪،‬‬ ‫ويكت�سب مو�ضوع احلكاية ال�شعبية �أهمية بالغة‬ ‫نظر ًا ملا تتعر�ض له تلك املوروثات من عوامل‬ ‫االندثار والتال�شي ب�شكل عام واحلكاية ال�شعبية‬ ‫ال�شفهية ب�شكل خا�ص م��ن حيث رحيل كبار‬ ‫ال�سن الذين هم الذاكرة احلافظة لهذا الكنز‬

‫ال�شعبي‪ ،‬فهو �إذن قطار الزمن الذي ال ينتظر‪،‬‬ ‫و�أك��د ال�شيادي يف كلمته �أن احلكاية ال�شعبية‬ ‫لي�ست حكاية �سمر حتكيها اجلدة لأحفادها يف‬ ‫ليلة مقمرة‪ ،‬و�إمنا هي �سرد ثقايف ي�ضم خال�صة‬ ‫جتارب احلياة االجتماعية ويقدم نقد ًا اجتماعي ًا‬ ‫ي��دع��و �إىل الف�ضائل‪ ،‬وي�سهم يف تثبيت قيم‬


‫املجتمع الثقافية والأخالقية‪ ،‬مبين ًا يف جممل‬ ‫حديثه �أن توثيق ال�تراث ال�شعبي‪ ،‬واحلكاية‬ ‫ال�شعبية خا�صة‪ ،‬لي�س غاية يف ذاته‪� ،‬إمنا عملية‬ ‫التوثيق مرتبطة بدرا�سة هذا الرتاث‪.‬‬ ‫وهذه الدرا�سات تقدم خدمة مبا�شرة يف عملية‬ ‫التغيري الثقايف من ناحية العوامل وال�سرعة‬ ‫واالجت��اه��ات وه��ي �أم��ور هامة ل��دار���س تاريخ‬ ‫الثقافة‪ ،‬وع��امل االج�ت�م��اع‪ .‬كما �أن احلكاية‬ ‫ال�شعبية متثل مادة غنية للأدباء‪ ،‬من �شعراء‪،‬‬ ‫وق�صا�صني‪ ،‬وروائيني‪ ،‬على وجه التحديد‪ ،‬من‬ ‫خالل مت ّثلها يف نتاجاتهم الإبداعية واال�شتغال‬ ‫عليها‪ ،‬ويف الأدب العماين �شواهد ع��دة على‬ ‫ذلك‪.‬‬

‫الدور الرتبوي للحكاية ال�شعبية‬

‫جاءت الورقة الأوىل يف املحور الأول للندوة حتت‬ ‫عنوان "ف�ضاءات احلكاية ال�شعبية العمانية‬ ‫ثقافيا وتربويا" قدمها الباحث عبدالعزيز بن‬ ‫م�صبح الرا�شدي تطرق خاللها �إىل �أهمية‬ ‫ال�ت�راث ال�شعبي يف ح�ي��اة ال���ش�ع��وب‪ ،‬م��ؤك��د ًا‬ ‫��ض��رورة االهتمام به وا�ستثماره وتوظيفه يف‬ ‫جوانب متعددة وخمتلفة‪ ،‬ثم انتقل للحديث عن‬ ‫�أهمية احلكايات ال�شعبية ثقافيا وتربويا‪ ،‬وذلك‬ ‫من خالل تتبع ف�ضاءاتها و�أفكارها الرتبوية‬ ‫والثقافية يف احلكايات ال�شعبية التي ُجمعت‬ ‫يف ال�سلطنة‪ ،‬وتطرق الرا�شدي �إىل احلكاية‬ ‫ال�شعبية وال�صحة النف�سية للطفل‪ ،‬الفت ًا �إىل‬ ‫دور احلكاية ال�شعبية يف تكوين بع�ض املفاهيم‬ ‫احلياتية ل��دى الطفل وال�ت��أك�ي��د على القيم‬ ‫الأخالقية واالجتماعية وهوية الأمة‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫وظيفتها يف الإمتاع والت�سلية‪ .‬واختتم الباحث‬ ‫ورقته بعدد من التو�صيات من بينها الدعوة‬ ‫�إىل جمع وت�سجيل وتوثيق احلكايات ال�شعبية‬ ‫بلهجاتها املحلية و�ألفاظها و�أ�سلوبها بعيد ًا عن‬ ‫حتريف جوهرها وبنيتها احلكائية قبل �أن‬ ‫تن�سى وتندثر‪ ،‬في�ضيع ب�ضياعها تراث ال ميكن‬ ‫تعوي�ضه‪ ،‬مع �إن�شاء مركز �أو هيئة �أو جمعية �أو �أي‬ ‫م�ؤ�س�سة تهتم بجمع وت�سجيل وتوثيق احلكايات‬ ‫ال�شعبية يف عمان ب�أ�سلوب علمي ممنهج‪ ،‬ودع‬ ‫�إىل توظيف احلكايات ال�شعبية يف الربامج‬ ‫الإذاع �ي��ة والتلفزيونية وال�سينما وال��رواي��ة‬

‫الحكايةالشعبيةليست‬ ‫حكايةسمرتحكيها‬ ‫الجدة ألحفادها في ليلة‬ ‫مقمرة‪ ،‬إنما هي سرد‬ ‫ثقافي يضم خالصة‬ ‫تجاربالحياةاالجتماعية‬ ‫ويقدم نقد ًا اجتماعي ًا‬ ‫يدعو إلى الفضائل‬ ‫والق�صة وامل�سرح وغريها ب�شكل �أو�سع و�أف�ضل‪،‬‬ ‫و�إدخال بع�ض احلكايات ال�شعبية من ال�سلطنة‬ ‫يف املناهج الدرا�سية العمانية لتعريف الطالب‬ ‫بهذا النوع من الأدب ال�شعبي و�أهميته‪.‬‬

‫واق���ع ت��دوي��ن احلكاية ال�شعبية‬ ‫العمانية‬

‫من جانبه قدم ال�شاعر �سماء عي�سى ورقة عمل‬ ‫بعنوان «تدوين احلكاية ال�شعبية يف عمان‪..‬‬ ‫الواقع وامل�أمول» تطرق فيها �إىل �أهمية الرتاث‬ ‫احلكائي العماين و� �ض��رورة تدوينه منهجي ًا‬ ‫وحتت �إ�شراف متخ�ص�صني‪ ،‬مع التعريف بعدد‬ ‫م��ن الكتاب ال��ذي��ن ق��ام��وا بتدوين احلكايات‬ ‫ال�شعبية‪ ،‬ثم ا�ستعر�ض يف ورقة عمله اجلذور‬ ‫التاريخية لتدوين احلكايات ال�شعبية‪ ،‬متطرق ًا‬ ‫�إىل �أثرها على الواقع الثقايف واالجتماعي‪.‬‬ ‫�أما ورقة «احلكاية ال�شعبية العمانية بني وعي‬ ‫الذاكرة و�إع��ادة الإن�ت��اج» فقد قدمها الباحث‬ ‫وال���ش��اع��ر ع��و���ض ب��ن حممد ال�ل��وي�ه��ي‪ ،‬ال��ذي‬ ‫تطرق خاللها �إىل ما الدور الذي لعبته احلكاية‬ ‫ال�شعبية باعتبارها م�صدر ًا مهم ًا من م�صادر‬ ‫الإلهام يف خمتلف حقول الإبداع وخ�صو�ص ًا يف‬ ‫اجلانب الأدبي‪ .‬وقال‪ ...« :‬و�إن كان من طبيعة‬ ‫احلكاية �أن تروى بطرائق خمتلفة ومتنوعة يف‬ ‫�شكلها ال�شفهي‪ ،‬مما ي�ساعد يف تعددها وتنوعها‬ ‫بح�سب البيئة والفرتة الزمنية وطبيعة احل�ضور‪،‬‬ ‫ف�إن انتقال احلكاية ال�شعبية من �شكلها ال�شفهي‬ ‫�إىل القالب الأدب ��ي يخ�ضعها لعمليات حتول‬ ‫وتبدل ب�سبب اال�شرتاطات الفنية لكل جن�س‬ ‫�أدبي‪ ،‬والر�ؤية الفنية للكاتب ومدى وعيه وطبيعة‬ ‫الر�سالة الأدبية وغريها من العمليات والتحوالت‬ ‫التي حتتاج �إىل بحوث ودرا�سات معمقة»‪.‬‬

‫كما ركزت الورقة على درا�سة احلكاية ال�شعبية‬ ‫العمانية وكيف مت اال�ستفادة منها من خالل‬ ‫ن�صو�ص منتقاة من املدونة ال�سردية العمانية‬ ‫«الرواية‪ ،‬الق�صة»‪ .‬مع الأخ��ذ يف االعتبار �أن‬ ‫ت��اري��خ ن�ش�أة ال�سرد العماين ي��ؤك��د االرت�ب��اط‬ ‫الوثيق بني الفن الق�ص�صي النا�شئ واجلديد‬ ‫وبني الفنون القولية املوروثة ومن بينها احلكاية‬ ‫ال�شعبية‪ .‬ويتجلى ه��ذا االرت �ب��اط وا�ضح ًا يف‬ ‫ن�صو�ص عبداهلل الطائي‪ ،‬و�أحمد بالل‪ ،‬وحممود‬ ‫اخل�صيبي‪ ،‬و�سعود املظفر‪.‬‬

‫احلكاية ال�شعبية والأدب العماين‬ ‫املعا�صر‬

‫وق� ��ام ال �ب��اح��ث ع��و���ض ال �ل��وي �ه��ي يف ورق �ت��ه‬ ‫ب��ا��س�ت�ع��را���ض نتيجة م �ق��ارب��ات ن�ق��دي��ة لعدد‬ ‫من الن�صو�ص ال�سردية العمانية «الق�ص�ص‬ ‫الق�صرية والرواية» مظهر ًا كيف ا�ستطاع كتاب‬ ‫تلك الن�صو�ص اال�ستفادة من الإمكانيات الفنية‬ ‫والبنائية للحكاية ال�شعبية‪ ،‬ومثلت الن�صو�ص‬ ‫التي انتقاها الباحث ف�ترات زمنية خمتلفة‬ ‫ومنها ق�صة ال��وري��ث الأع ��رج ل�سعود امل�ضفر‬ ‫‪ ،1988‬القرية التي ال تعرف ال�سحرة خلالد‬ ‫العزري عام ‪ ،1999‬يا حلزن الدودة حني تفقد‬ ‫ذاكرتها ل�سليمان املعمري ‪ ،2000‬دفق لنا�صر‬ ‫املنجي عام ‪ ،2006‬بجانب رواي��ة حفلة املوت‬ ‫لفاطم ال�شيدي عام ‪ .2009‬و�أك��د اللويهي �أن‬ ‫عدم تدوين احلكاية ال�شعبية العمانية وعدم‬ ‫توفر ن�صو�ص احلكايات من�شورة ب�صورة علمية‬ ‫ووفق �أ�س�س منهجية ي�شكل عائق ًا كبري ًا عند عقد‬ ‫املقارنة بني الن�ص ال�شفهي املدون وكيفية متثيله‬ ‫عرب ال�سرد‪ .‬و�أك��د �أن مثل تلك اخلطوة ت�شكل‬ ‫مبحث ًا مهم ًا يف فهم �آلية ا�شتغال الذاكرة والوعي‬ ‫الفني للأديب‪ ،‬ويف ختام ورقته �أكد الباحث على‬ ‫�ضرورة تتبع الظاهرة و�إفراد درا�سة معمقة لها‬ ‫لغر�ض فهمها وحتليلها عرب املراحل التاريخية‬ ‫التي مر بها ال�سرد العماين‪ ،‬ولتقدمي فهم �أكرث‬ ‫عمق ًا للخيارات التي تتاح �أمام القا�ص والروائي‬ ‫العماين يف حلظة ت�شكيله لن�صه وما هي الآليات‬ ‫التي يتعامل بها املبدع مع ن�ص احلكاية ال�شعبية‬ ‫ليحدد ماذا يحذف وماذا يرتك وما هي الر�ؤية‬


‫المرصد‬ ‫‪18‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫جانب من احل�ضور‬

‫ال�ت��ي يعيد طرحها ع�بر الن�ص الوليد ال��ذي‬ ‫تتزاوج فيها احلكاية ال�شعبية مع تقنيات ال�سرد‬ ‫احلديثة‪ .‬يف املحور الثاين للندوة ال��ذي جاء‬ ‫حتت عنوان «احلكاية ال�شعبية العمانية ن�صا‬ ‫�أدبيا»‪� ،‬ألقى الدكتور الأ�ستاذ امل�شارك بجامعة‬ ‫امللك �سعود باململكة العربية ال�سعودية معجب‬ ‫العدواين‪ ،‬ورقة عمل بعنوان «احلكاية ال�شعبية‬ ‫يف عمان‪ :‬بنيات ودالالت»‪ ،‬ا�ستعر�ض خاللها‬ ‫حتليل البناء ال�سردي الذي تقوم عليه احلكاية‬ ‫ال�شعبية العمانية مبين ًا �أمناطه و�أ�شكاله من‬ ‫خالل حتليل من��اذج من تلك احلكايات‪ ،‬وقال‬ ‫�إن �أغ�ل��ب ن�صو�ص احل�ك��اي��ات ال�شعبية التي‬ ‫ت�ستجيب للقراءة النقدية قد �أثبتت تغي ًريا يت�أكد‬ ‫يف عتباتها الأوىل‪ ،‬مثل العناوين واملقدمات‬ ‫«اال�ستهالالت» املتداولة‪� ،‬إىل جانب �أن القراءة‬ ‫الت�أويلية حلكاية واحدة واجتثاثها من �سياقها‬ ‫ال�ضارب يف العتاقة لن ي�ساعد على التمكن من‬ ‫�سرب الأن�ساق املحيطة باحلكاية نف�سها‪ ،‬ويزيد‬ ‫هذا الإ�شكال مب��رور احلكاية نف�سها بلحظتي‬ ‫انتهاك متتاليتني؛ تت�صل الأوىل بلحظة التدوين‬ ‫الأولية‪ ،‬وتت�صل الأخرى بلحظة التلقي النقدي‬ ‫امل�ؤدي أ��صلاً �إىل �إعادة تدوين جديدة وخلق �آفاق‬

‫�أخرى للحكاية‪ ،‬م�ضيف ًا �أن التجربة التي نحاول‬ ‫اللجوء �إليها �ستكون خا�ضعة لالجتهاد والت�أويل‬ ‫بو�صفهما مدخلني منا�سبني لقراءة احلكايات‬ ‫ال�شعبية امل �ت �ع��ددة‪ ،‬و��س�ترت�ه��ن �إىل التنا�ص‬ ‫بو�صفه نظرية‪� ،‬أو لنقل بو�صفه جمموعة من‬ ‫املفاهيم ت�سعى �إىل البحث من خالل ت�شعباتها‬ ‫املختلفة �إىل االرتكان �إىل قراءة الن�صو�ص بها‬ ‫ومن خاللها‪ .‬ف�إن هذا املدخل النقدي للقراءة‬ ‫والتحليل يتجاوز تلك ال��ر�ؤى ويرتهن �إىل ثالثة‬ ‫م�ستويات تنا�صية‪ :‬التنا�ص البنيوي الر�أ�سي‪،‬‬ ‫والتنا�ص احلكائي التناظري‪ ،‬والتنا�ص الداخلى‬ ‫العك�سي‪ .‬كما ح ��اول ال �ع��دواين ال��و��ص��ول اىل‬ ‫تعريف لتلك امل�ستويات التي ر�آها منا�سبة لإنتاج‬ ‫�صورة متكاملة من التحليل النقدي الذي ي�شمل‬ ‫الأبعاد ال�ستة الآتية‪ :‬الر�أ�سي والأفقي‪ ،‬واخلارجي‬ ‫والداخلي‪ ،‬والتناظري واملغاير‪ ،‬ويتميز هذا البناء‬

‫توثيقالحكايةالشعبية‬ ‫ليس غاية بذاته بل مدخل‬ ‫لدراسات تسهم في‬ ‫عمليةالتغييرالثقافي‬ ‫من ناحية العوامل‬ ‫والسرعةواالتجاهات‬

‫النقدي بكونه ي�ضم �آفاق التحليل امل�ستهدفة يف‬ ‫الن�صو�ص احلكائية املدرو�سة‪.‬‬ ‫وانتقل الدكتور العدواين يف ورقته �إىل التنا�ص‬ ‫البنيوي الر�أ�سي يف احلكاية معرف ًا خ�صو�صيته‬ ‫على �أنه ميثل فكرة مطورة عن امل�صطلح ال�شهري‬ ‫مليخائيل باختني «احلوارية»‪ ،‬وتفاعل هذا مع ما‬ ‫اقرتحته جوليا كري�ستيفا «التنا�ص» يف مرحلته‬ ‫البنيوية‪ ،‬وه��و وف ًقا ملفهوم حديث يبدو �أكرث‬ ‫و�ضوحا ودقة «ما ي�شري �إىل ا�ستعادة العالمات‬ ‫ً‬ ‫والقوانني الن�صية بني ن�صني �أو �أك�ث�ر»‪ .‬لكن‬ ‫امل��راد هنا �سيكون مرتك ًنا �إىل بعدين اثنني‪:‬‬ ‫البنيوي‪ ،‬وال��ر�أ��س��ي‪ً � .‬إذا �ستتم حم��اول��ة تتبع‬ ‫الن�صو�ص احلكائية التي تت�صل بها احلكاية‬ ‫احلديثة ب�صورة ر�أ�سية‪ ،‬وتعتمد عليها ممار�سة‬ ‫ه��ذا النوع من �إع��ادة الكتابة وق��ال‪ :‬نلحظ يف‬ ‫كال االجتاهني امل�شار �إليهما �إع��ادة الكتابة �أو‬ ‫قتل الأب‪ ،‬وبه نوع من الإق��رار املبا�شر مببد أ�‬ ‫العنف ال��ذي ينطلق منه التنا�ص‪ ،‬وه��و الذي‬ ‫يتوافق �إىل حد كبري مع مبد�أ تدوين احلكاية‬ ‫ال�شعبية و�إع� ��ادة كتابتها لتبقى ممار�سة ال‬ ‫تتوقف‪ ،‬وحركة ال تنتهي‪ ،‬ال ينهيها �سوى دوائر‬ ‫من الت�أويل املتواتر‪ ،‬و�ستتم مناق�شة هذا يف �إطار‬


‫العالقة البنيوية بني ن�ص احلكاية الواحدة �أو‬ ‫عدد من احلكايات مع بنيات ن�صو�ص حكائية‬ ‫ن�صو�صا م�ؤ�س�سة يف‬ ‫موغلة يف عتاقتها‪ ،‬ومتثل‬ ‫ً‬ ‫الثقافة العربية‪ ،‬وما مياثلها يف الثقافات العاملية‬ ‫الأخ��رى‪ ،‬ومن هذه الن�صو�ص �سنقت�صر على‬ ‫ما ي�أتي‪ :‬القر�آن الكرمي وما يناظره من كتب‬ ‫الأديان الأخرى وحتديدًا يف كتب الق�ص�ص التي‬ ‫تتناول الأنبياء وال�صاحلني وغريهم‪ ،‬كما ت�شكل‬ ‫�أ�سطورة �أوديب حقلاً مه ًما ا�ستلهمته احلكاية‬ ‫ال�شعبية‪� ،‬إىل جانب كتاب �ألف ليلة وليلة‪ .‬ولفت‬ ‫العدواين �إىل �أن التنا�ص التناظري الأفقي هو‬ ‫التنا�ص يف �صورته ال�سابقة ولكنه معتمد على‬ ‫ال�شكل البنيوي من جانب‪ ،‬واالمتداد ب�صورة‬ ‫�أفقية من جانب �آخر‪ ،‬وذلك يتم بالتفاعل بني‬ ‫ن�ص حكائي ون�صو�ص حكائية �أخ��رى‪ ،‬وت�شيع‬ ‫ه��ذه ال �ظ��اه��رة يف معظم ح�ك��اي��ات امل ��وروث‬ ‫ال�شعبي ب�صورة ت�ستحق الإ�شارة �إليها‪ .‬م�ؤكدا �أن‬ ‫التنا�ص الداخلي العك�سي وهو العالقة البنيوية‬ ‫التي تتم داخل الن�ص احلكائي ذاته‪� ،‬إذ تتبدى‬ ‫بني حلقتني تت�ساويان يف بنية الن�ص احلكائي‪،‬‬ ‫لكن ه��ذا الت�ساوي يتج�سد ب�صورة مغايرة‪،‬‬ ‫فت�أتي احللقة البنيوية الأخرية عك�س �سابقتها‪،‬‬ ‫وذلك بو�صفها خامتة ذات بعد داليل‪ ،‬تر ُّد من‬ ‫خالله اعتبار املظلوم �أو امل�ضطهد‪ ،‬وبو�صفها‬ ‫عاقبة جت��ازي الظامل وامل�ستبد‪ ،‬ويتحقق من‬ ‫خالل هذه العالقة ا�ستكمال البنية ال�سردية‬ ‫يف ن�ص احلكاية‪ ،‬فالأوىل ا�ستهالل «الو�ضعية‬ ‫االفتتاحية» والتالية خ��امت��ة لها «الو�ضعية‬ ‫اخلتامية» كما ل��دى عبداحلميد ب��وراي��و‪ ،‬مع‬ ‫�صالحية �أن تكون كل حلقة منهما بنية حلكاية‬

‫ع�م��ان‪ ،‬وزارة ال�ت�راث والثقافة‪2006 ،‬م»‪،‬‬ ‫وغريها من امل�صادر والتفا�صيل‪.‬‬

‫ال��ف��ك��ر ال��غ��رائ��ب��ي يف احل��ك��اي��ة‬ ‫ال�شعبية‬

‫را�شد بن �صالح ال�شيادي‬

‫منف�صلة عن الأخرى‪.‬‬ ‫وح � ��اول ال � �ع� ��دواين �أن ي �ق��ف ع �ل��ى بع�ض‬ ‫التفا�صيل الدقيقة وامل�صادر التي �أقام عليها‬ ‫ه��ذه التحاليل م��ن خ�لال بع�ض امل��دون��ات‬ ‫م�ضيف ًا‪ :‬ث�م��ة �أع �م��ال مكتوبة راوح ��ت بني‬ ‫الف�صحى والعامية العمانية الدارجة‪ ،‬و�سعى‬ ‫بع�ض اجلامعني باجتهاد متميز �إىل تف�سري‬ ‫بع�ض امل�ف��ردات بالف�صحى لي�سهل فهمها‪،‬‬ ‫وتت�ضمن هذه املدونة ما ي�أتي «من ق�ص�صنا‬ ‫ال�شعبية‪ ،‬وزارة ال�تراث والثقافة‪ ،‬ب�سلطنة‬ ‫ع �م��ان» و«ي��و��س��ف ال �� �ش��اروين‪ ،‬ق�ص�ص من‬ ‫ال�ت�راث العماين‪ ،‬ع�م��ان‪ ،‬املطابع العاملية‪،‬‬ ‫‪1987‬م»‪ ،‬و«خ��دي �ج��ة ب�ن��ت ع �ل��وي ال��ذه��ب‪،‬‬ ‫حكايات جدتي‪ :‬حكايات �شعبية من ظفار‪،‬‬ ‫النادي الثقايف واالنت�شار العربي‪2007 ،‬م»‪،‬‬ ‫و«فاطمة بنت قلم بن خمي�س الهنائي‪ ،‬روت‬ ‫يل جدتي‪ :‬من ال�سرد ال�شفاهي بت�صرف‪،‬‬

‫تو�صيات الندوة‬ ‫خل�صت ال�ن��دوة �إىل ع��دة تو�صيات‪ ،‬م��ن بينها ال��دع��وة �إىل جمع وت�سجيل‬ ‫وتوثيق احلكايات ال�شعبية بلهجاتها املحلية و�ألفاظها و�أ�سلوبها بعيداً عن‬ ‫حتريف جوهرها وبنيتها احلكائية قبل �أن تن�سى وتندثر‪ ،‬في�ضيع ب�ضياعها‬ ‫تراث ال ميكن تعوي�ضه‪ .‬و�أو�صى امل�شاركون ب�إن�شاء مركز �أو هيئة �أو جمعية‬ ‫لتهتم بجمع وت�سجيل وتوثيق احلكايات ال�شعبية يف عمان ب�أ�سلوب علمي‬ ‫ممنهج‪ ،‬ووو��ض��ع خطط و�آل �ي��ات لتوظيف احل�ك��اي��ات ال�شعبية يف الربامج‬ ‫الإذاعية والتلفزيونية وال�سينما والرواية والق�صة وامل�سرح وغريها ب�شكل‬ ‫�أو��س��ع و�أف�ضل‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل التو�صية ب��إدخ��ال بع�ض احلكايات ال�شعبية‬ ‫من ال�سلطنة يف املناهج الدرا�سية العمانية لتعريف الطالب بهذا النوع من‬ ‫الأدب ال�شعبي والإ�شعار ب�أهميته‪.‬‬

‫ت�ضمن املحور الثاين كذلك ورقة عمل الدكتور‬ ‫حمود بن خلفان الدغي�شي‪ ،‬ركز خاللها على‬ ‫الفكر الغرائبي مقدم ًا ر�ؤي��ة ح��ول احلكايات‬ ‫ال�شعبية التي يظهر فيها اجلن ك�شخ�صية من‬ ‫�شخ�صيات احلدث احلكائي‪ ،‬ور�أى �أن الغرائبية‬ ‫يف احلكاية ال�شعبية العمانية تربز �أكرث ما تربز‬ ‫يف احلكايات التي تتعلق باجلن‪ ،‬فهي متزج‬ ‫بني الواقعي والفنتازي �أو اخليايل‪ ،‬و�أحداثها‬ ‫جتري على �أر�ض الواقع لكنها ت�ستخدم عنا�صر‬ ‫غري واقعية‪� ،‬إنها ت�صف عامل ًا واقعي ًا �أو �شديد‬ ‫ال�شبه بعامل ال��واق��ع اليومي ال��ذي نعي�ش فيه‬ ‫جميع ًا‪ ،‬حيث التحول �إىل م�شهد ُتخرق فيه‬ ‫قواعد املنطق وقوانني الطبيعة مع الإمكانية‬ ‫لتف�سري ملا يحدث‪ .‬يف ورقتها البحثية «الرمز‬ ‫يف احلكاية ال�شعبية» �أك��دت الدكتورة عائ�شة‬ ‫الدرمكي �أن البنيات احلكائية تعترب �شك ًال كوني ًا‬ ‫عام ًا‪ ،‬م�ؤكدة �أنها تتميز بنوع من اال�ستقالل من‬ ‫حيث التنظيم والوجود عن البنيات اخلطابية‪،‬‬ ‫فهي ال��وع��اء ال ��ذي ت�صب داخ �ل��ه امل�ضامني‬ ‫اخلا�صة بهذا الن�ص �أو ذاك‪ ،‬و�أقرت يف ورقتها‬ ‫�أن لغة الن�ص تك�شف عن جمموعة من املعاين‬ ‫الق�صدية اخلفية املق�صودة بفعل الت�أويل؛‬ ‫ويت�أ�س�س هنا ال�ت��أوي��ل كونه ط��رف� ًا يف ك�شف‬ ‫تلك ال��دالالت اخلفية التي ت�ضمرها الرموز‬ ‫يف الن�ص احلكائي؛ وحاولت الورقة الك�شف‬ ‫عن رمزية «ال��ذوات» يف الن�ص احلكائي‪ ،‬ف�إذا‬ ‫�أردنا الك�شف عن رموز الن�ص احلكائي املتعددة‬ ‫ف�إننا ال ميكننا �إح�صا�ؤها يف مثل هذا املو�ضع‬ ‫من ناحية‪ ،‬وال ميكن �أن نك�شف عن تلك الرموز‬ ‫دون ت�أويل وحتليل رموز الذوات بو�صفها م�ؤثر ًا‬ ‫مبا�شر ًا يف �صنع احلبكة و�شبكة العالقات بينها‬ ‫وبني عنا�صر الن�ص احلكائي من ناحية �أخرى ‪.‬‬ ‫لذا هذا البحث يقوم على حتليل وت�أويل ترميزات‬ ‫الذوات يف الن�ص احلكائي من ناحية عالقاتها‬ ‫باملو�سوعة املجتمعية و�صيغها الرتميزية‬


‫‪20‬‬

‫اآلفاق‬ ‫ارتياد‬ ‫مدارات‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫دوائر التراث ومساراته‬ ‫ال‬

‫ميكننا احلديث عن ال�تراث العربي‬ ‫الإ�سالمي فقط يف ذاته‪� ،‬أي من حيث‬ ‫ت�شكله وتطوره‪ ،‬ب��دون ربط ذلك بعالقاته‬ ‫بالرتاث الإن�ساين‪ ،‬وموقعه �ضمنه‪� ،‬سواء‬ ‫يف املا�ضي �أو احلا�ضر �أو امل�ستقبل‪� .‬إن هذا‬ ‫ال��رب��ط‪ ،‬لي�س فقط وليد ���ض��رورة ميليها‬ ‫التحليل ال��ذي ي��روم ت�شكيل �صورة �شاملة‬ ‫ودقيقة عن موقعه يف الزمان‪ ،‬ولكنه �أي�ضا‬ ‫ت�أكيد على �أن الإن�سان ال��ذي ارتبط بهذا‬ ‫الرتاث هو ابن زمانه‪ ،‬وعليه �أن يكيف وجوده‬ ‫مع الع�صر الذي يعي�ش فيه‪ ،‬ليكون متفاعال‬ ‫معه‪ ،‬وفاعال فيه وم�ؤثرا‪.‬‬ ‫�أمااالنعزالوالتقوقععلىالذات‪،‬واالطمئنان‬ ‫�إىل خ�صو�صيتها‪ ،‬فال ميكن �إال �أن ي�سهم يف‬ ‫العي�ش يف �أح�ضان �سلطة التاريخي حتت‬ ‫ذريعة �أننا �أمة لها تاريخها وتراثها املتميز‬ ‫واملكتفيبذاته‪،‬ور�ؤيتهااخلا�صةمل�ستقبلها‪.‬‬ ‫يولد االن��ع��زال‪ ،‬ل��دى �أي �أم���ة‪ ،‬الإح�سا�س‬ ‫مب��رك��زي��ة خ��ا���ص��ة‪ ،‬لي�ست يف واق���ع الأم��ر‬ ‫�سوى رد فعل على مركزيات �أخ���رى‪ .‬ويف‬

‫�إط��ار املغالبة بني املركزيات يظل ال�صراع‬ ‫واالختالف قائما ب�صور �شتى‪ .‬ولي�س يف هذا‬ ‫النطاق �أي مدلول حقيقي للحوار والت�سامح‬ ‫بني الأمم وال�شعوب لأن احل�سم ملن ميتلك‬ ‫زمام املبادرة على امل�ستويات كافة‪ ،‬ويعمل‬ ‫ب�شتى ال�سبل على فر�ض ت�صوره «الرتاثي»‬ ‫الذي طوره لي�صبح ممثال ملا ميكن ت�سميته‬ ‫بـ«الع�صر امل��ع��ريف» ال��ذي ي�سهم يف �إنتاج‬ ‫املعرفة ولواحقها‪ ،‬لتكون له بذلك الهيمنة‬ ‫وال�سيطرة على الأمم الأخرى‪.‬‬ ‫يقدم لنا تاريخ احل�ضارة‪� ،‬أن الأمم حني‬ ‫تتفاعل فيما بينها هي �إما غالبة �أو مغلوبة‪.‬‬ ‫وميكن لأي منهما �أن ي�ؤثر يف الآخر �أو يت�أثر‬ ‫به ح�سب مقايي�س التطور احل�ضاري لدى‬ ‫كل منها‪ .‬وبذلك تت�شكل �صور عن الآخ��ر‪،‬‬ ‫عند كل �أم��ة‪ ،‬يتم مبقت�ضاها التمايز بني‬ ‫العطاءات والإجن��ازات الرتاثية‪ ،‬تقديرا �أو‬ ‫حتقريا‪ .‬يت�أ�س�س هذا التمايز على قاعدة‬ ‫الفعل يف الع�صر والت�أثري فيه وتوجيهه‪.‬‬ ‫وه��ذا الفعل لي�س بال�ضرورة ع�سكريا �أو‬

‫اقت�صاديا ف��ق��ط‪ ،‬ولكنه ث��ق��ايف ومعريف‬ ‫بالدرجة الأوىل‪.‬‬ ‫هذا احل�ضور الثقايف �أو املعريف له جذور‬ ‫�ضاربة يف التاريخ‪ ،‬وهو الذي يتميز به تراث‬ ‫�أمة عن غريها من الأمم‪.‬‬ ‫�إن الأمم التي �ساهمت يف الرتاث الإن�ساين‬ ‫هي الأمم التي مار�ست القدرة على التفاعل‬ ‫مع ت��راث الآخ��ر‪ ،‬يف التاريخ‪ ،‬وهي توا�صل‬ ‫ذلك يف احلا�ضر وامل�ستقبل‪ .‬وميكن‪ ،‬يف هذا‬ ‫الإط��ار‪ ،‬التمييز بني ثالثة �أن��واع من الأمم‬ ‫بح�سب درجة ح�ضورها تراثها يف الزمان‪،‬‬ ‫وفعله يف التاريخ‪:‬‬ ‫ـ ت���راث غابر وب��ائ��د‪ :‬ويت�صل بح�ضارات‬ ‫قدمية‪ ،‬مثل ال�تراث امل�صري الفرعوين‪،‬‬ ‫وتراث املايا والأ�ستيك‪.‬‬ ‫ـ تراث ثابت و�ساكن‪:‬‬ ‫وه��و ت��راث القبائل وال�شعوب التي عا�شت‬ ‫منعزلة عن املواطن احل�ضارية الكربى‪.‬‬ ‫ـ تراث متحول ومتوا�صل‪ :‬ويبدو لدى الأمم‬ ‫وال�شعوب ظلت على تفاعل تاريخي م�ستمر‬


‫مدارات‬ ‫د‪� .‬سعيد يقطني‬ ‫باحث وناقد من املغرب‬

‫من �أقدم الع�صور �إىل الآن‪ .‬لعبت اجلغرافيا‬ ‫دورا كبريا يف التقارب �أو التباعد بني الإن�سان‬ ‫يف التاريخ‪ .‬وقبل اكت�شاف �أمريكا كان العامل‬ ‫املعروف حمدودا‪ ،‬والتوا�صل متقطعا‪.‬‬ ‫و�إذا كانت ح�ضارات قد انقر�ضت‪ ،‬ف�إن‬ ‫�أخريات ظلت حمدودة و�ساكنة‪.‬‬ ‫بينما جند ح�ضارات �أخرى قاومت الزمن‬ ‫وظلت م�ستمرة �إىل الآن متفاعلة وفاعلة‪.‬‬ ‫لكن منذ الع�صر احلديث �إىل الآن‪ ،‬كان‬ ‫لال�ستعمار وللتطور ال�صناعي والتكنولوجي‬ ‫دور كبري يف التقارب بني الأمم ‪ ،‬وتعرف‬ ‫بع�ضها ع��ن ب��ع�����ض‪ .‬وب����ات م��ن املمكن‪،‬‬ ‫الآن‪،‬التمييز بني احل�ضارات واملقارنة بينها‪،‬‬ ‫والوقوف على موقعها يف الرتاث الإن�ساين‬ ‫ودورها‪ ،‬الفاعل �أو املنفعل‪ ،‬فيه‪.‬‬ ‫ب���ح���ث امل���ف���ك���رون وامل��ت��خ�����ص�����ص��ون يف‬ ‫ح�ضارات الأمم وتراثها وق�سموها ح�سب‬ ‫عوامل ال�صعود واالن��ح��دار «اب��ن خلدون‪،‬‬ ‫�أ‪.‬ت��وي��ن��ب��ي« �أو ح�سب احل��ق��ب التاريخية‬ ‫ال��ك�برى لتطورها «م��ارك�����س‪� ،‬أ‪.‬ك��ون��ت« �أو‬

‫ح�سب تفاعلها مع بع�ضها «ويل ديورانت« �أو‬ ‫�صراعها املمكن واملحتمل يف الوقت الراهن‬ ‫«�ص‪.‬هنتنجتون«‪...‬‬ ‫�إن ال�تراث احلي واملتوا�صل ميكن تق�سيمه‬ ‫ح�سب درج���ات التفاعل واال�ستمرار �إىل‬ ‫ثالث دوائر كربى‪ :‬ال�شرق الأق�صى‪ ،‬وال�شرق‬ ‫الأو�سط والغرب‪.‬‬ ‫ولكل منها قاعدتها الفكرية املركزية‪.‬‬ ‫وقدميا عرب العرب عن التمايز احل�ضاري‬ ‫والرتاثي بني الأمم‪ ،‬عندما كانوا يف الأوج‬ ‫احل�����ض��اري‪ ،‬فقالوا ‪ :‬نزلت احلكمة على‬ ‫�أع�ضاء ثالثة �أقوام ‪� :‬أنامل ال�صني‪ ،‬و�أدمغة‬ ‫اليونان‪ ،‬و�أل�سنة العرب‪ .‬هذه الدوائر الكربى‬ ‫تتوزع جغرافيا �إىل ‪� :‬شرق �آ�سيا‪ ،‬وال�شرق‬ ‫الأو�سط و�شمال �إفريقيا‪ ،‬والغرب «�أورب��ا«‪،‬‬ ‫والغرب الأق�صى «�أمريكا و�أ�سرتاليا«‪.‬‬ ‫ب��ال��ن��ظ��ر �إىل امل�������س���ارات ال��ت��ي اتخذتها‬ ‫احل�ضارات الإن�سانية يف التاريخ‪ ،‬جندها‬ ‫انطلقت من ال�شرق �إىل الغرب يف التاريخ‪،‬‬ ‫ويف الوقت الراهن من الغرب �إىل العامل‪.‬‬

‫وتتحدد وفق الدوائر الكربى التالية‪:‬‬ ‫ـ ت��راث �أق�صى ال�شرق‪ :‬ال�صني واليابان‬ ‫والهند‪ ،‬وقاعدته «الطاو»‪.‬‬ ‫ـ ت��راث ال�شرق الأو�سط‪ :‬اجلزيرة العربية‬ ‫وب�ل�اد ف��ار���س و�شمال �إفريقيا‪ ،‬وقاعدته‬ ‫«الوحي»‪.‬‬ ‫ـ تراث الغرب والغرب الأق�صى‪� :‬أوربا و�أمريكا‬ ‫و�أ�سرتاليا‪،‬وقاعدته«العقل»‪.‬‬ ‫�أم��ا �إفريقيا‪ ،‬با�ستثناء �شمالها وجنوبها‪،‬‬ ‫فباعتبار كون تراثها ظل �ساكنا وثابتا‪ ،‬ف�إنها‬ ‫مل تتفاعل‪ ،‬وظلت تابعة ب�صورة �أو ب�أخرى‪.‬‬ ‫ه����ذه ال����دوائ����ر ال���ث�ل�اث ظ��ل��ت متفاعلة‬ ‫ومتجاذبة‪ ،‬وتتبادل بينها العالقات املبنية‬ ‫على املغالبة‪ ،‬ب�صورة �أو ب�أخرى‪ .‬وهي ما‬ ‫تزال م�ستمرة �إىل الآن‪ .‬فبماذا تتميز كل‬ ‫دائرة عن الأخرى؟ وما هي �أ�شكال التفاعل‬ ‫املمكنة بينها؟ هذا هو ال�س�ؤال املطروح على‬ ‫الرتاث العربي لتجاوز االنعزال واالنغالق‬ ‫على ال��ذات‪ ،‬وملعرفة الآخ��ر والتفاعل معه‬ ‫ب�شكل مالئم‬


‫قضية للنقاش‬ ‫‪22‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫بني االنتماء الفعلي وال�شعور باحلنني‬

‫تجليات التراث العربي‬ ‫لدى عرب أمريكا‬


‫لوحة حمفوظة يف متحف نيويورك تبني ال�شارع العربي باملدينة والذي كان ي�سمى «امل�ستعمرة ال�سورية»‬

‫وا�شنطن – عبد الرحيم اخل�صار‬ ‫يف بداية القرن ال�ساد�س ع�شر و�صل �أول عربي �إىل �أمريكا‪ ،‬ذهب خادماً �أو على الأرجح «عبداً»‬ ‫يف فرتة كانت جتارة الرقيق ال تختلف عن �أية جتارة �أخرى‪ ،‬ا�سمه «الزموري» ا�س ُتقدِ م من‬ ‫املغرب �سنة ‪1528‬م حتديداً‪ ،‬ثم �ستتواىل هجرات العرب ال�شوام وامل�شارقة هاربني من ا�ستبداد‬ ‫العثمانيني الذين كانوا يفر�ضون �سيطرتهم على عدد من البلدان العربية �آنذاك‪.‬‬ ‫هذه احلقيقة ميكن الوقوف عند تفا�صيلها يف‬ ‫املتحف العربي الأمريكي يف ديربورن بوالية‬ ‫مي�شيغن‪ .‬هذا املتحف الذي ت�أ�س�س قبل عامني‬ ‫ي���ؤرخ للهجرات العربية �إىل �أمريكا وي�ضم‬ ‫مناذج خمتلفة من الرتاث العربي‪ ،‬حيث ميكن‬ ‫للزائر �أن يكت�شف ع��دد ًا هائ ًال من اللوحات‬ ‫الفنية التي تعترب جت�سيد ًا للح�ضارة العربية‪،‬‬ ‫فثمة مقاطع من ال�ق��ر�آن والإجن�ي��ل وخرائط‬ ‫قدمية وجم�سمات لأدب��اء وعلماء ومهاجرين‬ ‫ع��رب‪ ،‬ثمة �أي�ضا كتب ج�بران خليل ج�بران‬ ‫والأ��س�ط��وان��ات القدمية لأم كلثوم‪ ،‬ومن��اذج‬ ‫للمعمار والزخرفة يف دول �شمال �إفريقيا‪.‬‬ ‫هذا املتحف الأول من نوعه يف �أمريكا يجعلنا‬ ‫نطرح الكثري من الأ�سئلة ب�صدد الرتاث العربي‬ ‫هناك خ��ارج املتاحف طبع ًا‪ ،‬هل هو حا�ضر‬ ‫بالفعل يف بالد العم �سام؟ �أم �أنه الغائب الذي ال‬

‫يعني �أحد ًا؟ املقيمون العرب هل يحملون معهم‬ ‫تراثهم �أم �أنهم ي�صلون �إىل هناك متخففني‬ ‫منه؟ هل يخجل العربي من لبا�سه التقليدي‬ ‫حني ي�سري يف ال�شوارع الأمريكية؟ �أم �أنه يح�س‬ ‫بتجذير االنتماء؟ �أم �أن �أحا�سي�سه حمايدة يف‬ ‫هذا ال�صدد؟ هل يع ّد طعامه «البلدي» �أم يكتفي‬ ‫بالوجبات ال�سريعة؟ هل يحن لطقو�س ال�شاي‬ ‫والقهوة؟ وه��ل يعدهما هناك على الطريقة‬ ‫العربية الأ�صيلة؟ هل تالزمه املو�سيقى العربية‬ ‫�أم تبدو له ثقيلة وبطيئة يف جمتمع �سريع؟‬

‫المتحف العربي‬ ‫األمريكي بوالية‬ ‫ميشيغن يؤرخ للهجرات‬ ‫العربية إلى أمريكا‬ ‫ويضم نماذج مختلفة‬ ‫من التراث العربي‬

‫ما حقيقة العالقة بني الإن�سان العربي املقيم يف‬ ‫�أمريكا وتراثه بكل ما تعنيه كلمة «ت��راث» من‬ ‫فكر وثقافة و�أدب وفن وعادات وطرائق عي�ش؟‬ ‫ثم هل يقت�ضي الت�شبث بالرتاث انغالق املهاجر‬ ‫العربي على نف�سه وعدم تفتحه على مكونات‬ ‫العامل «الآخر» الذي يعي�ش فيه؟‬ ‫�أ�سئلة كثرية ت�ع��ددت �صياغاتها لكن توحد‬ ‫منبعها وم�صبها‪ ،‬طرحناها على ع��دد من‬ ‫املقيمني العرب هنا بواليات خمتلفة بد ًء من‬ ‫ال�سائق والطالب و�صو ًال �إىل املثقف الباحث‬ ‫وال�شاعر ورجل الفل�سفة‪.‬‬

‫املهاجر العربي قد يفقد كل �شيء‬ ‫حني يهاجر‬

‫الدكتور خالد �سليكي رئي�س املركز املتو�سطي‬ ‫ل�ل��درا��س��ات والأب� �ح ��اث والأ� �س �ت��اذ اجلامعي‬


‫قضية للنقاش‬ ‫‪24‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫فادي �سعد‬

‫ماجد زاهر‬

‫ببو�سطن وم�ؤلف كتاب «اخلطاب‪ ‬النقدي‪ ‬الع‬ ‫ربي‪ ‬بني‪� ‬إدماج‪ ‬الرتاث‪ ‬و�أفق‪ ‬الت�أويل» ي�ستهل‬ ‫كلمته بالت�أ�صيل لبع�ض املفاهيم داخل املجتمع‬ ‫الأمريكي حيث يعود ملفهوم الهجرة التي كان‬ ‫ُينظر �إليها‪ ،‬غالب ًا‪ ،‬على �أنها انتقال للفرد‬ ‫مكاني ًا‪ ،‬ومن ثم ف�إن الزمن و�أبعاده وما ميكن‬ ‫�أن يخلقه من تعقيدات تنعك�س على الفرد يتم‬ ‫تهمي�شه وال يهتم ب��ه‪ .‬واحل ��ال‪� ،‬أن املهاجر‪،‬‬ ‫خ�صو�ص َا يف �أمريكا‪ ،‬ال يتحول مكاني َا‪ ،‬بقدر ما‬ ‫يتحول زماني َا‪ ،‬ويجد نف�سه داخل �سياق ثقايف‪-‬‬ ‫اجتماعي ينعك�س ب�شكل خطري على كل وجوده‪.‬‬ ‫ففي �أمريكا‪ ،‬وهذا عك�س �أوروب��ا‪ ،‬لي�س هناك‬ ‫�أي امتالك للزمن لطرح �س�ؤال الهوية‪� ،‬إال يف‬ ‫�إط��ار حم��دود و�ضيق ومربمج يخ�ضع للعديد‬ ‫من التقنيات التي تفر�ضها الدورة الر�أ�سمالية‬ ‫اجلهنمية‪ ،‬م��ن جهة‪ ،‬والثقافة الربجماتية‬ ‫املتجذرة يف الوعي االجتماعي الأمريكي من‬ ‫جهة ثانية‪ .‬وهذا ناجت – ح�سب د‪ .‬خالد‪ -‬عن‬ ‫�أم��ري��ن‪� ،‬أحدهما له طابع م�ؤ�س�ساتي والآخ��ر‬ ‫اجتماعي‪ .‬فـ«الآخر«‪ ،‬كهوية واختالف‪ ،‬ال يتم‬ ‫التعامل معه‪ ،‬من قبل املنظومة امل�ؤ�س�ساتية‪،‬‬ ‫�إال م��ن خ�لال م��ا ميكنه �أن يقدمه للمجتمع‬ ‫الأمريكي « ُقل احل�ضاري»‪� .‬إنه مادة للدرا�سة‬ ‫«ب �ك��ل ت���ش�ع�ب��ات�ه��ا وت �ع �ق �ي��دات �ه��ا وخلفياتها‬ ‫الإيديولوجية الر�أ�سمالية» الغر�ض منه «ثقافة‬ ‫وهوية»‪ ،‬هو اال�ستفادة مما ميكنه �أن يقدمه‬ ‫للم�شروع املجتمعي الأمريكي‪ ،‬ال من حيث هو‬ ‫هوية خمتلفة‪ ،‬و�إمنا من حيث هو هوية قد تكون‬ ‫مغذية وم�ساهمة يف «ق��وة» البناء الأمريكي‪.‬‬

‫المهاجر العربي في‬ ‫أمريكا ال يتحول مكانياَ‪،‬‬ ‫بقدر ما يتحول زمانياَ‪،‬‬ ‫ويجد نفسه داخل سياق‬ ‫ثقافي‪-‬اجتماعي‬ ‫ينعكس بشكل خطير‬ ‫على كل وجوده‬ ‫وهنا ال ب��د م��ن التنويه �إىل �أن املطلوب من‬ ‫املهاجر هو «الإنتاجية» و«الكفاءة»!‬ ‫�أما من زاوية نظر الأفراد‪/‬املجتمع‪ ،‬فينبغي �أن‬ ‫ننتبه �إىل �أن الفرد الأمريكي مربمج وين�ش�أ على‬ ‫مبادئ فيها احرتام للآخر كيف ما كان‪� ،‬أخ ًا �أو‬ ‫�أخت ًا‪� ،‬أو �صديق ًا‪� ،‬أو جار ًا‪� ،‬أو �أجنبي ًا‪ ...‬ومن ثم‬ ‫فهو غري منفتح على ثقافات الآخرين لأنه لن‬ ‫يحتاج �إليها‪� ،‬إال يف حال كان باحث ًا �أنرثوبولوجي ًا‬ ‫�أو اجتماعي ًا‪ .‬لهذا تبقى عالقة الأفراد حمكومة‬ ‫بالقانون ال بالثقافة والهويات وحب التعرف‬ ‫على الآخرين‪.‬‬ ‫يوا�صل الدكتور �سليكي‪ :‬يف هذا ال�سياق يجد‬ ‫املهاجر نف�سه م�ع��زو ًال‪ُ ،‬م َنا ِق�ض ًا‪ ،‬مرفو�ض ًا‪،‬‬ ‫وحماط ًا ب�صمت مهول يزعجه وي�ضعه يف م�أزق‬ ‫كينونة ووعي‪� .‬إنه �أمام خيارين فقط‪� ،‬إما �أن‬

‫في الهجرة يصبح الفرد‬ ‫أكثر ارتباط ًا بالمكان‬ ‫الذي جاء منه‪ .‬لذلك ال‬ ‫يمكنه أن يفكر ويرى‬ ‫العالم إال من خالل تراثه‬

‫يخ�ضع و�إما �أن ين�سحب‪ .‬فاليومي ي�شتغل وفق‬ ‫منطق ال جمال فيه ل�س�ؤال الهوية الفردية �أو‬ ‫االنتماء الثقايف اخلا�ص‪ .‬هناك هوية جماعية‬ ‫«�أق���ص��د �أم��ري�ك�ي��ة» تهيمن ب�صورة �سلطوية‬ ‫وبدقة ال ترتك جما ًال للتعدد‪ ،‬لأنها تتمكن وفق ًا‬ ‫لآليات ال�ضبط والهيمنة‪ ،‬من ابتالع جمموع‬ ‫اخل�صو�صيات التي قد جتعل من الفرد هوية‬ ‫م�ستقلة داخل ال�سياق العام‪.‬‬ ‫و�إذا كنا ن�صادف بع�ض الأقليات‪ ،‬و�أق�صد هنا‬ ‫العرب‪ ،‬يحاولون التم�سك بعاداتهم وتقاليدهم‪،‬‬ ‫كحاالت فردية �أو جماعات منغلقة ف��إن ذلك‬ ‫يكون ب�صورة هام�شية‪ ،‬داخ��ل امل�ساجد ويف‬ ‫الأعياد واملنا�سبات‪ .‬وي�شكل ذلك ملج�أ وم�أوى‬ ‫وهروب ًا من التهمي�ش الثقايف‪ ،‬ال��ذي ميار�سه‬ ‫الواقع‪ ،‬واجتثاث ًا لذات متعبة ومرهقة ومهددة‬ ‫بفقدان «ذاتها» من حيث هي هوية‪.‬‬ ‫�س�ألنا الدكتور خالد �سليكي عن جتليات الرتاث‬ ‫العربي ب�شكله الب�سيط و امللحوظ يف احلياة‬ ‫الأمريكية‪ ،‬فكان رده‪� :‬إذا توقفنا عند خا�صيتني‬ ‫يعتربهما املهاجر �صورة للهوية‪ ،‬الأكل واللبا�س‪،‬‬ ‫ف�إننا نالحظ ما يلي‪:‬‬ ‫املالحظ �أن هناك حم�لات تعرف «احل�لال»‬ ‫تباع فيها كل املنتوجات من «اللحم احلالل»‬ ‫�إىل الدقيق والبخور والآيات القر�آنية وال�سواك‬ ‫والكحل والكتب العربية واملربى و«الكا�شري»!!‬ ‫وتعرف �إقبا ًال وازدهار ًا منقطعني‪ ،‬و�إذا �س�ألت‬ ‫مهاجر ًا عن ال�سبب ك��ان جوابه‪�« :‬إن موادنا‬ ‫العربية �ألذ و�أح�سن»! يف حني �أن الأمر له �صلة‬ ‫مبا هو نف�سي وداخلي!‬ ‫�أما اللبا�س التقليدي فهو يحمل داللتني اثنتني‪،‬‬ ‫الأوىل ذات طابع فلكلوري؛ والثانية حتمل‬ ‫خليط ًا من الت�شبث بالهوية‪ ،‬التي تعلن «للآخر»‬ ‫ع��ن االخ �ت�لاف وال��رف����ض امل�ضاد واالرت �ب��اط‬ ‫بالهوية‪ .‬وهو ما يحمل حتدي ًا �صريح ًا ي�صرخ‬ ‫بعبارات «�أن��ا هنا ولكنني هناك»‪�« ،‬أن��ا ل�ست‬ ‫م�ستلب ًا وال فاقد هوية‪ ،‬وال متنكر ًا ملرجعيتي التي‬ ‫هي موطن فخري وقوتي»!‬ ‫و�إال فماذا �سيعني ارت��داء جلباب �أو «بلغة» �أو‬ ‫«طاقية» يف �سياق حابل بالتعقيدات االجتماعية‬ ‫واالقت�صادية زمنيا ومكانيا؟‪.‬‬ ‫�إن��ه ال�ضغط املتولد ع��ن االن��دغ��ام الزمني‪/‬‬


‫املكاين‪ -‬كما يراه و يف�سره د‪� .‬سليكي‪ -‬حيث‬ ‫يفقد املرء هويته الإن�سانية‪ ،‬ف�أحرى الهويات‬ ‫الثقافية امل�ه��اج��رة ال�ضيقة‪ .‬ول��ذل��ك كانت‬ ‫ال �ف �� �ض��اءات ال��زم��ان�ي��ة وامل�ك��ان�ي��ة ال �ت��ي ت�برز‬ ‫فيها ه��ذه املظاهر «الهوياتية» ه��ي الأع�ي��اد‬ ‫واملنا�سبات الدينية التي تتجمع فيها اجلاليات‪،‬‬ ‫يف �أف�ضية معزولة‪ ،‬متر دون �أن يعلم بها �أحد‪،‬‬ ‫وال ترتك �أث��ر ًا قد يكون له بعد ثقايف م�ؤثر �أو‬ ‫مثري‪� .‬سليكي يعتقد‪� ،‬أن اجلاليات العربية‪،‬‬ ‫مل ت��درك طبيعة ال�سياق ال��ذي تتواجد فيه‪،‬‬ ‫�أمريكي ًا طبع ًا‪ ،‬وما ت��زال تنظر �إىل الق�ضايا‬ ‫الكربى‪ ،‬وق�ضية الهوية‪ ،‬بالأبي�ض والأ�سود‪ ،‬وهو‬ ‫منطق نو�سطاجلي مثخن بحلم ال�ع��ودة‪ .‬ومل‬ ‫تتمكن‪ ،‬كجماعات‪� ،‬أن ترقى بهذا الإح�سا�س‬ ‫�إىل م�ستوى تعمقه وجتعله جتربة جماعية‬ ‫لترتجمه يف الواقع من خالل الفنون والأ�سئلة‬ ‫التي تنفتح‪ ،‬م��ن خاللها‪ ،‬على الآخ��ر وعلى‬ ‫الثقافات الأخ ��رى التي تتعاي�ش يف ال�سياق‬ ‫الثقايف الأم��ري�ك��ي‪ .‬وه��ذا �أح��د �أ�سباب ف�شل‬ ‫العرب‪ ،‬كجالية‪ ،‬يف �أن يجعلوا من الرتاث مكون ًا‬ ‫فعا ًال وحا�ضر ًا ومتفاع ًال يف ال�سياق العام‪ ،‬ومن‬ ‫ثم كانت النتيجة الإخ�ف��اق يف �صناعة لوبي‬ ‫عربي م�ؤثر على غرار ما جنحت يف حتقيقه‬ ‫اجلاليات الأخرى‪� .‬أق�صد ثقافي ًا‪ ،‬قبل �أن يكون‬ ‫�سيا�سي ًا‪ ،‬لأن ال�سيا�سي تابع‪ ،‬ولي�س العك�س!‬ ‫م��ازال��ت ُتختزل الهوية يف «اللحم احل�لال»‬ ‫و«اجل�ل�ب��اب» وبع�ض الأث��اث املنزلية والتعلق‬ ‫بالهموم اليومية‪� ،‬سيا�سية واقت�صادية للوطن‬ ‫الأم‪ ،‬وهو ما ينعك�س �سلب ًا وي�ساهم يف �صناعة‬ ‫«ت���ش��وه��ات» يف الفهم والإدراك واالن��دم��اج‬ ‫والإنتاج الإيجابي لدى �شريحة وا�سعة من �أبناء‬ ‫اجلالية العربية‪.‬‬ ‫ينبغي �أن نعي جيد ًا‪� ،‬أن الهجرة لي�ست فعال‬ ‫ب�سيط ًا‪ ،‬و�إمن��ا هي حت��ول «ط��ارئ» على كيان‬ ‫الفرد‪ ،‬وغالب ًا‪ ،‬ما يكون �سلبي ًا‪ ،‬خ�صو�ص ًا على‬ ‫�أولئك الذين جعلوا من الهجرة مطية مرحلية‬ ‫لتح�سني �أو�ضاعهم املادية‪� .‬إذ ين�سون‪ ،‬جه ًال �أو‬ ‫جتاه ًال‪� ،‬أن اجلانب االقت�صادي ال ي�شكل �إال‬ ‫نقطة يف نهر �صريورة الفرد وحتوالته‪.‬‬ ‫حني يفقد الفرد ف�ضاءه ف�إنه‪ ،‬حتم ًا‪ ،‬ي�صاب‬ ‫بنوع من الت�شرد‪ ،‬وي�سكنه الإح�سا�س بالفقدان‪:‬‬

‫جمعية ن�سوية �سورية للم�ساعدة ت�أ�س�ست من العرب املقيمني يف �أمريكا‬

‫بطاقة تعريف باملطعم ال�سوري «ابن ال�شيخ» يف وا�شنطن �سرتيت �سنة ‪1940‬م‬

‫ف �ق��دان امل �ك��ان‪ ،‬ال��ذاك��رة‪ ،‬التاريخ‪-‬تاريخه‬ ‫الفردي‪ ،‬و�أ�صوات الآخرين الذين �شكلوا ن�سيج‬ ‫عامله وعالقاته وامتداداته‪.‬‬ ‫اخل��روج من الأر���ض‪/‬امل �ك��ان الأول‪ /‬الوطن‪،‬‬ ‫ي��وازي اخل��روج من حالة اال�ستقرار والثبات‬ ‫واالنتماء �إىل الت�شظي والال�ستقرار‪ ..‬ولي�س‬ ‫�أمامه ‪-‬املهاجر‪� -‬سوى �أن يبحث عن انتمائه‬

‫األكل واللباس‬ ‫خاصيتان رئيستان‬ ‫يعتبرهما المهاجر‬ ‫العربي صورة للهوية‬

‫اجل��دي��د‪ ،‬هويته وذات��ه‪� ،‬أي كيانه ال��ذات��ي يف‬ ‫�سياق يرف�ضه‪ ،‬وغ�ير معني ب��ه ال كاختالف‬ ‫ح�ضاري �أو ثقايف‪ ،‬وال ك�أفراد‪� .‬إن الواقع ُي َ�س ِّوق‬ ‫منط ًا من االحتياجات الثقافية التي ت�شتغل‬ ‫عليها وت�شرف على ت�سويقها هيئت وجهات‬ ‫تعرف جيد ًا ما تريد!‬ ‫يف الهجرة ي�صبح الفرد �أكرث ارتباط ًا باملكان‬ ‫الذي جاء منه‪ .‬لذلك ال ميكنه �أن يفكر ويرى‬ ‫العامل �إال من خالل تراثه‪ ،‬لهذا فهو يبحث‪،‬‬ ‫متحاي ًال على املكان والذاكرة‪ ،‬لإيجاد تقنيات‬ ‫ت�سعفه على و�صل احلا�ضر واليومي املهدد‪،‬‬


‫قضية للنقاش‬ ‫‪26‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫املتحف العربي الأمريكي القومي بوالية ديربورن‪ ،‬ميت�شيغان‬

‫مبا�ض مفتقد �أبد ًا وحا�ضر يبحث له عن معنى‬ ‫لالنتماء‪ .‬هكذا ي�صبح القلق هو الإح�سا�س‬ ‫امل�شرتك‪ .‬قد يكون وا�ضح ًا‪ ،‬ظاهر ًا‪ ،‬متجلي ًا‪،‬‬ ‫وقد يكون متخفي ًا عميق ًا يف الفرد‪ ،‬ومرد ذلك‬ ‫�إىل �أن �س�ؤال الهوية‪ ،‬لدينا نحن العرب‪ ،‬على‬ ‫وجه التحديد‪ ،‬جد ملغوم وملوث وم�ضطرب‪ ،‬بل‬ ‫�إنه يتخذ �أحيان ًا بعد ًا ي�صبح معه تهمة!!‬

‫قلق الهوية‬

‫طلبنا من الدكتور خالد �أن يف�سر لنا ما ي�سميه‬ ‫«قلق الهوية» فكان جوابه‪� :‬إن املهاجر العربي‬ ‫يعي�ش القلق وال يعيه‪ ،‬يعي�ش اال�ضطراب وال‬ ‫يفهمه‪ ..‬ويحيا الت�شظي وال يعي م�صدره‪.‬‬ ‫و�إجما ًال هو معني ب�س�ؤال ملاذا �سيموت‪ ،‬ويبحث‬ ‫عن ج��واب له يف ما متكن من احل�صول عليه‬ ‫من تقنيات و�أدوات حملها معه‪ .‬يف حني ينبغي‬ ‫�أن يهتم ب�س�ؤال كيف �سيموت كي يوجه قلقه‬

‫وا�ضطرابه وت�شظيه يف اجتاه يجعل منه طاقة‬ ‫م�شعة تنقذ الهوية وال ��ذات‪ ،‬وت�ؤ�س�س ل�س�ؤال‬ ‫الهوية الثقافية البناءة يف �سياق يعرفنا وال‬ ‫نعرفه‪ ،‬يفهمنا وال نفهمه‪!...‬؟‬ ‫�إن الرتاث الذي نحمله معنا‪ ،‬كمهاجرين‪ ،‬بقدر‬ ‫ما هو م�أوانا وجغرافيتنا يف حدود ذواتنا‪� ،‬إال‬ ‫�أنه �سرعان ما يتحول �إىل �آلة قاتلة ومدمرة‪،‬‬ ‫تطرح على الفرد �إ�شكاالت م�ؤرقة وخملخلة‬ ‫تخلق يف داخل الكائن كوابي�س امل�آل والتوا�صل‬ ‫مع الآخ��ر‪ .‬و�إن جنح يف هذا‪ ،‬ف�إنه حتم ًا يظل‬ ‫بعيد ًا عن التوفق يف التوا�صل مع ذاته‪.‬‬

‫انتشار المطاعم‬ ‫العربية على اختالف‬ ‫أنواعها ال يدع للعربي‬ ‫فرصة البحث عن‬ ‫البديل من المأكوالت‬ ‫السريعة األخرى‬

‫وثيقة جن�سية �أمريكية ملواطن‬ ‫من �أ�صل عربي عام ‪1921‬م‬

‫اخلال�صة عند الدكتور خالد �سليكي كانت فعال‬ ‫مقلقة‪ ،‬وجتعلنا نطرح �أكرث من �س�ؤال بخ�صو�ص‬ ‫نظرتنا نحن �إىل الرتاث وفهمنا له وحتديدنا‬ ‫ملا نريده من هذا الرتاث‪ .‬فهو يرى �أن �أغلبية‬ ‫املهاجرين العرب مع الأ�سف يفقدون كل �شيء‬ ‫حني يهاجرون‪ .‬فحتى ما كانوا يعتربونه �أ�صي ًال‬ ‫متجذر ًا يف دواخلهم‪ ،‬يكت�شفون‪ ،‬مع الوقت‪،‬‬ ‫�أن��ه العن�صر الأك�ثر �إقالق ًا و�إرب��اك� ًا لكيانهم‪،‬‬ ‫فيفقدون القدرة على الت�صالح الوجودي مع‬ ‫ذوات �ه��م كما يفقدون ال �ق��درة على ا�ستعادة‬ ‫ت��وازن�ه��م ال�ث�ق��ايف مب��ا ي�ضمن لهم التوا�صل‬


‫امل�ستمر و�شبه الطبيعي مع ما كل ما حولهم‪.‬‬

‫احلمولة الرتاثية للإن�سان العربي‬

‫م�صطفى بوركو �شاب يقيم يف �أمريكا‪ ،‬يحمل‬ ‫ت ��أ� �ش�يرة ع�م��ل ج��اء �إىل ن �ي��وي��ورك يف �سياق‬ ‫الهجرة املنظمة التي تهدف من ورائها �أمريكا‬ ‫�إىل �إعمار �أرا�ضيها وتوفري اليد العاملة‪ ،‬لكن‬ ‫م�صطفى �إىل جانب رخ�صة ال�سياقة وت�أ�شرية‬ ‫الإق��ام��ة يحمل ث�ق��اف��ة‪ ،‬ه��و امل��ول��ع باملطالعة‬ ‫والبحث الثقايف ال��ذي ال يرتبط بال�ضرورة‬ ‫بالكليات واملعاهد‪ ،‬فهو يطرح �أ�سئلة ويتعقب‬ ‫�إجاباتها يف احلياة‪� ،‬إنه ي�ستهل كلمته بال�س�ؤال‬ ‫التايل‪ :‬هل ان�صهرت احلمولة الرتاثية للإن�سان‬ ‫العربي يف جمتمع عري�ض البنية العرقية؟‬ ‫ث��م ي��ردف جميب ًا‪ :‬ال يختلف اث�ن��ان على �أن‬ ‫ال�ت�راث العربي ت��راث ��ض��ارب يف ال�ق��دم عرب‬ ‫الع�صور‪ ،‬فالفكر والأدب والثقافة لطاملا نقلت‬ ‫وترجمت لعدة لغات عرب خمتلف الأزمنة لعدة‬ ‫جمتمعات‪ ،‬ل�ه��ذا جن��د �أن م�ق��وم��ات ال�تراث‬ ‫العربي ال تزال حا�ضرة بكل قوة وبكل جتلياتها‬ ‫يف ك��ل الأم���ص��ار العربية رغ��م �أن��ف حركات‬ ‫الع�صرنة احلديثة و�إثارة الثقافات الغربية التي‬ ‫�أ�ضحت جزء ًا من بع�ض الثقافات العربية‪.‬‬ ‫والأبعد من هذا كله �أن ال�تراث العربي يعي�ش‬ ‫�أي�ضا داخل املجتمعات الغربية‪ ،‬ومبا �أين مهاجر‬ ‫مغربي ب�أمريكا‪� ،‬س�أحتدث من منطلق جتربتي‬ ‫عن جتليات هذا الأخري داخل هذا املجتمع‪.‬‬ ‫يح�ضر ال�تراث العربي مبختلف مكوناته ومن‬ ‫خمتلف م�شاربه داخ��ل املجتمع الأمريكي من‬ ‫خ�لال اجلالية املقيمة وت�شبثها بتقاليدها‪،‬‬ ‫و�أي�ض ًا عن طريق جمعيات ال�صداقة وكذلك من‬ ‫خالل املتاحف واملعار�ض التي تلعب دور ًا هام ًا‬ ‫هنا‪ .‬و�س�أبد أ� احلديث من هذا اجلانب‪.‬‬ ‫فمثال م��دي�ن��ة ن �ي��وي��ورك‪-،‬امل��دي �ن��ة امل�ت�ع��ددة‬ ‫الأ� �س �م��اء‪ :‬مدينة ال ت �ن��ام‪ ،‬مدينة الأح�ل�ام‪،‬‬ ‫مدينة املال والأعمال وال�سياحة‪ ،‬مدينة تعاي�ش‬ ‫احل�ضارات والثقافات‪ ...‬يوجد بها عدد كبري‬ ‫من املتاحف‪ ،‬فمثال مبتحف ‪the american‬‬ ‫‪« musem of natural hestory‬املتحف‬ ‫الأمريكي للتاريخ الطبيعي» يربز ب�شكل ملفت‬ ‫لالنتباه اجل�ن��اح اخل��ا���ص ب��ال�تراث والثقافة‬

‫ال�صائغ العربي‪ -‬من معرو�ضات املتحف العربي الأمريكي‬

‫العربيني‪ ،‬ف�أروقة هذا اجلناح ُتع ّرف بتف�صيل‬ ‫دق�ي��ق ك��ل م��ا مي��ت للعرب م��ن �صلة‪ :‬ال�شكل‬ ‫التقريبي للكعبة وامل�صحف الكرمي والأذان‬ ‫الذي يرتدد كل هنيهة‪ ،‬كل هذه �أ�شياء حتيل على‬

‫غياب اللوبي العربي‬ ‫اجلاليات العربية‪ ،‬مل تدرك طبيعة‬ ‫ال�سياق الذي تتواجد فيه‪� ،‬أمريكياً‬ ‫طبعاً‪ ،‬وما تزال تنظر �إىل الق�ضايا‬ ‫الكربى‪ ،‬وق�ضية الهوية‪ ،‬ب�إح�سا�س‬ ‫احلنني الذي مل تنجح يف حتويله‬ ‫�إىل جتربة جماعية جتعل تراثهم‬ ‫مكوناً ف�ع��ا ًال وح��ا��ض��راً ومتفاعال‬ ‫ًيف ال�سياق ال �ع��ام‪ ،‬وم��ن ث��م كانت‬ ‫النتيجة الإخفاق يف �صناعة لوبي‬ ‫عربي م�ؤثر على غرار ما جنحت‬ ‫يف حتقيقه اجل��ال �ي��ات الأخ� ��رى‪.‬‬ ‫ثقافياً‪ ،‬قبل �أن يكون �سيا�سياً‪ ،‬لأن‬ ‫ال�سيا�سي تابع‪ ،‬ولي�س العك�س!‬

‫الدين واملعتقد‪ ،‬وهناك رواق �آخ��ر خم�ص�ص‬ ‫ل�ل�أواين واللبا�س‪ ،‬يوجد �أي�ضا جم�سم لفار�س‬ ‫عربي على جواد �أ�صيل و�سيف وخوذة ودرع واق‪،‬‬ ‫وغري بعيد هناك متثال منحوت للملك العراقي‬ ‫املخلوع في�صل الثاين بلبا�س عربي �أ�صيل‪.‬‬ ‫و�إىل اجلانب ا آلخ��ر من نف�س ال��رواق الزلت‬ ‫�أت��ذك��ر ج �ي��د ًا تلك ال�ل��وح��ة ال�ب��دوي��ة املغربية‬ ‫الثالثية الأبعاد املركبة خلف حائط زجاجي زاد‬ ‫من رونقها‪ ،‬كانت لرجل يلب�س جلباب ًا يبدو �أنه‬ ‫ريفي ويحمل بندقية بني يديه وهو يحدث زوجته‬ ‫ذات اللبا�س املحافظ‪ ،‬لقد �صورتهم اللوحة يف‬ ‫جل�سة عائلية يحت�سون فيها ال�شاي و�إىل جانبهم‬ ‫«ال�صينية» و«ق��ال��ب ال�سكر»‪� .‬أم��ا متحف ‪the‬‬ ‫‪« metropolitan museum of art‬متحف‬ ‫الفنون» فاحتوى على �أعمال �أدباء عرب كرث نالوا‬ ‫�إعجاب الزوار من خمتلف اجلن�سيات‪.‬‬ ‫�س�ألنا م�صطفى عن التقاطعات التي ميكن‬ ‫�أن تقع حول ال�تراث يف �سياق جتاربه اليومية‬


‫قضية للنقاش‬ ‫‪28‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫مدر�سة عربية‪ -‬من معرو�ضات املتحف العربي الأمريكي‬

‫ه�ن��اك‪� ،‬أج��اب�ن��ا ب��أن��ه ق��د �سبق �أن حت��دت له‬ ‫زبون‪-‬باعتباره �سائق �سيارة أ�ج��رة بنيويورك‬ ‫وي�ت���ص��ادف م��ع زب �ن��اء م��ن خمتلف املناطق‬ ‫هناك‪ -‬عن مدى �إعجابه بالأدب العربي وولعه‬ ‫به‪ ،‬و�أراه كتاب ًا عربي ًا ا�شرتاه لتوه من املتحف‪،‬‬ ‫�أخربين �أن الكتاب يهتم بالثقافة العربية و�أنه‬ ‫ي�ستحق �أن يزين خزانته‪ .‬عرب يل م�صطفى‬ ‫عن �إعجابه �أي�ض ًا بلوحات و�أع�م��ال م�شهورة‬ ‫لفنانني عرب مبتحف ‪MOMA»museum Of‬‬ ‫‪ »modern art‬الذي يتواجد بو�سط منهاتن‪.‬‬ ‫�أم��ا فيما يخ�ص املقيمني ال�ع��رب ب�أمريكا‪،‬‬ ‫وخ�صو�ص ًا بنيويورك‪ ،‬ف�أحيان ًا تظن نف�سك‬ ‫يف «ال�ب�ل��د» م��ن ��ش��دة ت��واج��د وت ��أث�ير ال�تراث‬ ‫العربي داخ��ل ه��ذا املجتمع‪ ،‬ه��ذا م��ا يرويه‬ ‫بوركو‪ ،‬فنيويورك معروفة بالتجمعات العرقية‬ ‫يف ب��اق��ي الأح��ي��اء غ�ير م�ن�ه��ات��ن «ح��ي امل��ال‬ ‫والأعمال»‪ .‬غري �أن التجمعات العربية لي�ست‬

‫«المتحف األمريكي‬ ‫للتاريخ الطبيعي» يبرز‬ ‫بشكل الفت لالنتباه‬ ‫التراث والثقافة‬ ‫العربيين ويُعرّف‬ ‫بتفصيل دقيق كل ما‬ ‫يمت للعرب بصلة‬ ‫ح�ك��ر ًا على ح��ي واح��د كباقي اجل��ال�ي��ات‪ ،‬بل‬ ‫حت�س ب��االن�ت�م��اء يف ك��ل الأط� ��راف املرتامية‬ ‫للمدينة‪ ،‬وه��ذا الإح�سا�س ال يولد عن فراغ‪،‬‬ ‫�إمنا يتولد عن �سبق �إدراك وتر�صد‪.‬‬

‫جتليات الرتاث العربي‬

‫فمثال بحي بروكلني حيث يقطن م�صطفى‬ ‫العربي لي�س يف حاجة �إىل بالغة لغوية �أو الإملام‬

‫احلي العربي القدمي‬ ‫�أطلقت جمموعة من النا�شطني حملة لإعادة االعتبار �إىل احلي العربي القدمي يف‬ ‫مدينة نيويورك‪ .‬هذا احلي �شكل منذ �أواخر القرن التا�سع ع�شر ولغاية منت�صف‬ ‫القرن الع�شرين حمط رحال �أوائل ه�ؤالء املهاجرين الذين ا�ضطروا اىل مغادرته‬ ‫جراء هدم معظم �أبنيته ل�صالح بناء ج�سر بروكلن ومركز التجارة العاملي‪ .‬ي�سعى‬ ‫�أ�صحاب هذه احلملة �إىل �إعادة ت�سمية املنطقة بليتيل �سرييا �أي كما كانت ت�سمى‬ ‫حتى ع�شرينيات القرن املا�ضي وحفظ املباين املتبقية من هذا احلي‪.‬‬

‫بعادات الت�سوق الأمريكي‪ ،‬فكل الربتوكوالت‬ ‫ت�ضرب ع��ر���ض احل��ائ��ط‪ ،‬بكل ب�ساطة لأن��ك‬ ‫يف حي عربي خمتلط ي�ضم الإن�سان ال�شرقي‬ ‫وال �غ��رب��ي وغ�يره �م��ا‪ .‬ف��ال�تراث ال�ع��رب��ي هنا‬ ‫حا�ضر بكل ق��وة م��ن خ�لال اللبا�س ال�شرقي‬ ‫واملغربي الذي يتباهى به �أبناء وبنات اجلالية‪،‬‬ ‫م��ن جالبيب رجالية وعمامات وع �ب��اءات‪...‬‬ ‫خالل �سائر �أيام اال�سبوع‪ ،‬وب�شكل يدعو للفخر‬ ‫خالل املنا�سبات الدينية كيوم اجلمعة وعيدي‬ ‫الأ��ض�ح��ى وال�ف�ط��ر‪ ،‬حيث اجل�ح��اف��ل املهيبة‬ ‫بكل ما حتمله الكلمتان من معنى‪-‬وهي ت�ؤدي‬‫�صلواتها و�شعائرها الدينية‪ ،‬يف ا�ستعرا�ض �آخر‬ ‫لقوة جتليات الرتاث العربي‪.‬‬ ‫ي�شرح م�صطفى الأمر قائال‪ :‬ولعل خري دليل‬ ‫على هذا هو �شهر رم�ضان الأعظم حيث تعلو‬ ‫التالوات املباركة �سماء كل الأحياء‪ ،‬ممتزجة‬ ‫ب��روائ��ح �أطيب العطور املو�ضوعة على �أع��رق‬ ‫الألب�سة التقليدية طيلة �شهر كامل وممتدة‬ ‫بكل �صخبها �إىل الأي ��ام الأوىل للعيد حيث‬ ‫يهب الآالف ل�صالة العيد يف جمع رهيب مثري‬ ‫النتباه و�إعجاب باقي ال�سكان‪ .‬و�شخ�صي ًا ع�شت‬ ‫حلظات رم�ضان والعيد جنب ًا �إىل جنب �أنا�س‬ ‫م��ن �أق �ط��ار كثرية تقا�سمنا خاللها مظاهر‬ ‫االنتماء واالعتزاز بعروبتنا‪.‬‬


‫احل�ضور العربي �إذ ًا طا ٍغ هنا‪ :‬متاجر مالب�س‬ ‫�إ�سالمية عربية‪� ،‬صيدليات عربية‪� ،‬أطباء عرب‬ ‫يف خمتلف التخ�ص�صات‪� ،‬شركات نقل‪ ،‬ت�صدير‬ ‫وا�سترياد‪ ،‬حمامون‪ ،‬رجال �أمن و�شرطة‪� ،‬سائقو‬ ‫حافالت‪� ،‬سائقي �سيارات ا ألج��رة‪....‬ك��ل هذه‬ ‫�أ�شياء وغريها كثري جتدها باجلملة والوفرة‬ ‫معا يف ب�لاد العم �سام‪ ،‬ومم��ا ال �شك فيه �أن‬ ‫الوفرة يف العن�صر الب�شري توفر املناخ املنا�سب‬ ‫للحفاظ على التقاليد والعادات وطرق العي�ش‪.‬‬ ‫م� ��اذا ع��ن �أ� �س��ال �ي��ب ال�ع�ي����ش ه �ن��ا؟ يجيبنا‬ ‫م�صطفى‪ :‬ط��رق العي�ش للعربي تبقى عربية‬ ‫حم�ضة‪ ،‬فرغم ال��وف��رة وال�سرعة مع ًا يف كل‬ ‫�شيء ورغ��م �ضغط احلياة و�إيقاعها املرتفع‪،‬‬ ‫فاملغربي مثال يقتني ال���ش��اي وال�ن�ع�ن��اع من‬ ‫البقالة العربية ليح�ضر «براد �شاي» بلدي بكل‬ ‫املقايي�س‪ ،‬ويح�ضر الك�سك�س من حني لآخر‪،‬‬ ‫�أما «الطاجني» و«ال�شاي» فتلك متالزمة يومية‪.‬‬ ‫�أما امل�صري فيجد �ضالته يف املقاهي الأ�صيلة‪،‬‬ ‫وهي متوفرة يف كل مكان‪ .‬الأمر ذاته بالن�سبة‬ ‫للفالفل وال�شوارمة والكفتة‪ ...‬فانت�شار املطاعم‬ ‫العربية على اختالف �أنواعها ال يدع لدى �أي منا‬ ‫فر�صة البحث عن البديل من امل�أكوالت ال�سريعة‬ ‫الأخرى‪.‬‬ ‫هذه الأخ�يرة تربز ب�شكل يدعو للفخر حفاظا‬ ‫على ال�ت�راث ال�ع��رب��ي وع�ل��ى مقوماته داخ��ل‬ ‫املهجر‪� ،‬سواء من خالل دورها الذاتي يف تقدمي‬ ‫الوجبات البلدية مرفوقة مبو�سيقى م�سموعة‬ ‫و�أفالم على �إذاعات عربية تختزل امل�سافة بني‬ ‫املغرتب وبلده ‪�.‬أو من خالل تفاعل الزائرين‬ ‫معها ‪ .‬وهنا يجرين احلديث‪ -‬يقول م�صطفى‪-‬‬ ‫�إىل ذك��ر �أول �ئ��ك ال�شباب امل�صريني الذين‬ ‫يرتادون الزاوية التي يتقاطع فيها ال�شارع رقم‬ ‫‪ ٥‬مع ال�شوارع �أرقام ‪....٥٥-٥٤-٥١-٥٠‬و�شارع‬ ‫املاد�سون‪ ،‬فمرورك من هناك يوفر عليك زيارة‬ ‫القاهرة والعري�ش وال�صعيد امل�صري‪� .‬أغاين‬ ‫�أم كلثوم وعبد احلليم متتزج بكلمات الباعة‬ ‫ال�صائحني التي تهز املكان‪.‬‬ ‫وم��ن خ�لال جتربتي ال�شخ�صية املتوا�ضعة‪،‬‬ ‫كثري ًا ما �أت�شرف بخدمة �أبناء اجلالية العربية‬ ‫الذين �أتعرف عليهم و�سط املئات من خالل‬ ‫اللبا�س والهيئة‪ ،‬فن�ستمتع باحلديث بلغتنا الأم‬

‫كمال �شلبي‬

‫خالد �سليكي‬

‫دون عناء‪ ،‬وخل�صو�صية الزبون �أ�ضع قر�ص‬ ‫أغان عربية‪ ،‬غالبا ما يكون ذلك تلبية لرغبته‬ ‫� ٍ‬ ‫التي تتقاطع ورغبتي‪ ،‬وهذا ما يزيد من جتدر‬ ‫االنتماء بيننا‪.‬‬ ‫ب ��امل ��وازاة م��ع ذل ��ك ث�م��ة احل �� �ض��ور ال�ث�ق��ايف‬ ‫للرتاث العربي‪ ،‬هذا ما يف�سره م�صطفى حني‬ ‫يقول‪ :‬من الأ�شياء الأك�ثر برهان ًا على ت�شبث‬ ‫العربي بهويته وثقافته تلك الثلة من �شعراء‬ ‫و�أدب��اء وكتاب وروائ�ي��ي و�صحافيي و�سيا�سيي‬ ‫املهجر‪ ،‬ه�ؤالء ال يظهرون �أي حتفظ بخ�صو�ص‬ ‫عروبتهم حتى �أنهم ي�سخرون �أوقاتهم خلدمة‬ ‫ال�شباب العربي‪ ،‬ف�أ�س�سوا جمعيات عديدة‬ ‫تهدف �إىل خلق نوع من التوا�صل بني الثقافة‬ ‫ال�ع��رب�ي��ة وث �ق��اف��ات الآخ���ر وه �ن��ا �أذك���ر مث ًال‬ ‫جمعية ال�صداقة املغربية الأمريكية‪ ،‬جمعية‬‫ال�صداقة امل�صرية الأمريكية‪ ،‬واليمنية �أي�ض ًا‪،‬‬ ‫البازار العربي االمريكي‪� .‬أ�س�س املثقفون �أي�ضا‬

‫ج��رائ��د لتقريب ال��وط��ن م��ن امل �غ�ترب‪ :‬غربة‬ ‫نيوز‪� ،‬أراميكا‪ ،‬ع��رب ا�سطوريا‪�-....‬أ�س�سوا‬ ‫رادي��و خا�ص ًا بالعرب ا�سمه �أراميكا رادي��وا‪،‬‬ ‫وهم يتطرقون يف خمتلف هذه الو�سائط لكل‬ ‫ما يالم�س ال�تراث العربي‪ .‬وطبع ًا ال نن�سى‬ ‫العدد املهم من امل�ساجد واملراكز واملدار�س‬ ‫اال�سالمية‪« .‬ه��ذه املعلومات تخ�ص نيويورك‬ ‫ونف�س ال�شيء بالن�سبة لباقي املدن واملقاطعات‬ ‫والواليات الأمريكية بكل ت�أكيد»‪.‬‬ ‫اخلال�صة عند م�صطفى ال��ذي يبدو حديثه‬ ‫�شيق ًا و�ضارب ًا يف الأ�صالة هي �أن عالقة الإن�سان‬ ‫العربي املقيم يف �أمريكا بفكره وثقافته و�أدبه‬ ‫وفنه ظاهرة ومتجلية يف عاداته وطرق عي�شه‬ ‫التي حتكمها روابط متينة ووطيدة ببلده الأم‪،‬‬ ‫وه��ذا ه��و ال�سر يف الت�شبث ب��ال�تراث العربي‬ ‫الأ�صيل بكل ما يحمله من دالالت و�أبعاد‪ .‬وطبع ًا‬ ‫هذا ال يقت�ضي من املهاجر التقوقع على نف�سه‬ ‫والنفر من مكونات العامل املحيط به‪ ،‬فغالب ًا‬ ‫ما يحيط بك ابن جلدتك وحتى �إن مل يتوفر‬ ‫لك ذلك فحتم ًا �ست�صادفهم كثري ًا‪ ،‬ولنفرت�ض‬ ‫�أن ه��ذا مل يح�صل �أي���ض� ًا‪ ،‬فطبيعة املجتمع‬ ‫الأمريكي املتنوع جتعلك حتافظ على انتمائك‬ ‫وبالتايل على ت��راث��ك‪� ،‬آن��ذاك �سوف لن جتد‬ ‫مربر ًا لالنغالق على الذات‪.‬‬ ‫لي�س الرتاث العربي جمرد �أطباق ووجبات‬ ‫فاطمة طالبة مغربية تدر�س بجامعة بو�سطن‬ ‫وت�شتغل ن�صف اليوم يف �أحد املطاعم‪ ،‬دار بيني‬ ‫وبينها احلوار التايل‪:‬‬ ‫حني جئت لأمريكا هل �أح�س�ست �أنك تخليت‬‫عن تراث بلدك �أم هو �أمر مرتبط بك دائما؟‬ ‫‪�-‬أكيد �أن من يحمل الوطن بداخله ي�ستحيل‬

‫جتليات الرتاث العربي‬ ‫الرتاث العربي حا�ضر بقوة يف العديد‬ ‫من الأح�ي��اء‪ ،‬منها حي بروكلني من‬ ‫خ�ل�ال ال �ل �ب��ا���س ال �� �ش��رق��ي وامل �غ��رب��ي‬ ‫الذي يتباهى به �أبناء وبنات اجلالية‪،‬‬ ‫م ��ن ج�ل�اب �ي��ب رج ��ال �ي ��ة وع �م��ام��ات‬ ‫وعباءات‪...‬خالل �سائر �أيام اال�سبوع‪،‬‬ ‫وب�شكل يدعو للفخر خالل املنا�سبات‬ ‫ال��دي �ن �ي��ة ك� �ي ��وم اجل �م �ع��ة وع �ي��دي‬ ‫الأ��ض�ح��ى وال�ف�ط��ر‪ ،‬حيث اجلحافل‬ ‫املهيبة ‪-‬بكل ما حتمله الكلمتان من‬ ‫معنى‪-‬وهي ت�ؤدي �صلواتها و�شعائرها‬ ‫ال��دي�ن�ي��ة‪ ،‬يف ا��س�ت�ع��را���ض �آخ ��ر لقوة‬ ‫جتليات الرتاث العربي‪.‬‬


‫قضية للنقاش‬ ‫‪30‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫ال��ذي��ن تزورينهم م��ن ال�ع��رب ه��ل يح�ضرون‬ ‫طعام ًا عربي ًا؟‬ ‫�أكيد‬‫مث ًال؟‬‫ لي�س هذا فقط يف املطعم الذي �أ�شتغل فيه‪،‬‬‫قائمة املقبالت كلها �أطباق مغربية مع العلم �أن‬ ‫املطعم غري عربي‪.‬‬ ‫الإثيوبيون مثال يعرفون �أن الطعام العربي عليه‬ ‫�إق�ب��ال‪ ،‬لذلك يجعلون طعامهم �ضمن قائمة‬ ‫الطعام العربي‪ ،‬ثم �إن الأك��ل الإثيوبي ي�شبه‬ ‫كثريا الأكل العربي خا�صة م�صر‪.‬‬

‫هل يحافظ العربي على �أ�صالة‬ ‫مطبخه يف �أمريكا؟‬

‫حت�ضري الطعام من الع�سل‪� -‬صفحة من خمطوطة عربية باملتحف العربي الأمريكي‬

‫عليه �أن يتخلى عن ثقافته تقاليده هكذا �أنا‪.‬‬ ‫كيف ذلك؟ مث ًال ما الأ�شياء التي تقومني بها‬‫يف �أمريكا وتدل على �أنك عربية؟‬ ‫�أنا ال �أريد �أن �أخت�صر تراث بلدي يف �أطباق‬‫ووجبات‪� ،‬أو ًال لهجتي التي �أحاول �أن �أتكلم بها‬ ‫مع �أ�صدقائي العرب و�أو�ضح لهم االختالفات‪،‬‬ ‫املو�سيقى �أي�ض ًا‪� .‬آخر مرة كنت يف برن�ستون‬

‫زرت مقهى يقدم جميع �أ�صناف الأطعمة‪،‬‬ ‫��ص��اح��ب امل�ق�ه��ى �أم��ري �ك��ي طلبت م�ن��ه �شاي ًا‬ ‫مغربي ًا‪ ،‬فقدمه يل وقد مت حت�ضريه بطريقة‬ ‫مغربية‪ :‬ال�براد النعناع «�أت��اي»‪ .‬لكن الطعم‬ ‫يختلف‪� ،‬أخربته �أن ال�شاي يف املغرب يتطلب‬ ‫الكثري من التفا�صيل‪.‬‬ ‫‪-‬هل حت�ضرين وجبات مغربية هناك؟ والنا�س‬

‫�آباء و�أبناء‬ ‫�أذك��ر �أين ح�ضرت جتمعاً كبرياً �سنوياً للجالية العربية يف �إح��دى الواليات‬ ‫والحظت بكثري من احلزن كم هي بعيدة امل�سافة بني الآب��اء والأبناء وكم هي‬ ‫مريرة حم��اوالت ردم الهوة بينهما‪ .‬يف هذا التجمع كان ال�تراث العربي بكل‬ ‫تنوعاته حا�ضراً وب�ق��وة‪ :‬الأك��ل والن�شاطات واملو�سيقى‪...‬ومع ك��ل ذل��ك كان‬ ‫التخاطب بني الأب العربي وابنه املولود يف الغرب يتم بلغة غري عربية‪.‬‬

‫ال �أعتقد �أن الإن�سان العربي ي�ستطيع �أن يتخلى‬ ‫ع��ن م��وروث��ه االجتماعي‪� ،‬أعطيك م �ث��ا ًال‪ :‬يف‬ ‫مقهى يف قلب منهاتن �صاحب املقهى وزوجته‬ ‫ع��راق�ي��ان‪ ،‬ح�ين �أذه ��ب لأزوره �م��ا يح�ضران‬ ‫�أطباق ًا عراقية �سواء يف املطعم �أو يف البيت‪.‬‬ ‫م �ث� ً‬ ‫لا يف االح �ت �ف��االت ي�ج�ت�م�ع��ون يتحدثون‬ ‫ويت�صرفون كما لو �أنهم يف العراق وكما لو �أن‬ ‫�أمريكا مل ت�ؤثر فيهم رغم طول الإقامة‪.‬‬ ‫هل هناك مطاعم عربية كثرية يف نيويورك‬‫وهل عليها �إقبال؟‬ ‫نعم كثرية جد ًا ومتنوعة وعليها �إقبال كبري‪.‬‬‫ ماذا عن املالب�س؟ �سبق لك �أن ر�أي��ت مثال‬‫رجال عربي ًا بلبا�س مغربي جلباب وطربو�ش‬ ‫�أحمر �أوخليجي بالعقال وال�شماخ؟‬ ‫ �شخ�صيا �ألب�س جلبابي املغربي وحذائي‬‫املغربي �أي�ض ًا‪ ،‬بالعك�س النا�س هنا حني يرون‬ ‫االختالف ينده�شون‪.‬‬ ‫ يف بيتك كيف يح�ضر الرتاث املغربي؟‬‫الوجبات املغربية واملو�سيقى ب�شكل �أ�سا�سي‪،‬‬‫�أغاين حممد احلياين ونا�س الغيوان ومل�شاهب‬ ‫متلأ البيت‪� .‬صديقتي الأمريكية التي تزورين‬ ‫طلبت مني م��رار ًا �أن �أعلمها اللغة العربية‪،‬‬ ‫ولبا�سي التقليدي يف البيت يجعل �صديقتي جٌتن‬ ‫لتح�صل على مثله‪.‬‬ ‫كيف تنظر هي لرتاثك؟‬‫‪-‬تطلب مني �أن �أح�ضر �أطباق ًا مغربية‪ ،‬تعجبها‬


‫معر�ض الزي الفل�سطيني يف املتحف العربي الأمريكي‬

‫مالب�سي وحتى املو�سيقى �أ�صبحت ت�ستمع �أي�ض ًا‬ ‫جلوليا بطر�س‪.‬‬ ‫ه��ل يعني الت�شبت ب��ال�تراث انغالق العربي‬‫هناك وعدم تفتحه على العامل اخلارجي؟‬ ‫بالعك�س‪ ،‬الإن�سان العربي فقط عليه �أن يثبت‬‫�أن��ه ج��زء من ه��ذا املجتمع وعلى الآخ��ر تقبل‬ ‫ثقافته وتراثه‪� ،‬أنا ال �أق��ول �إن العربي منغلق‪،‬‬ ‫على ا إلط�لاق‪ ،‬لكن ذوبانه يف هذا املجتمع ال‬ ‫ين�سيه ا�ستح�ضاره لرتاثه‪.‬‬ ‫كيف تنظرين للعرب الذين ين�سلخون كلي ًا من‬‫هويتهم؟‬ ‫ال�س�ؤال املطروح هنا �إذا ان�سلخوا من هويتهم‬ ‫�سيجدون �أنف�سهم ب��دون ه��وي��ة �أخ���رى‪ ،‬لأن‬ ‫املجتمع الأمريكي خليط هالمي لن مينحك �أية‬ ‫هوية �إال هويتك الأ�صلية‪� ،‬أمريكا يف حد ذاتها‬ ‫لي�ست لها هوية‪.‬‬

‫المجتمع األمريكي خليط‬ ‫هالمي لن يمنحك أية‬ ‫هوية إال هويتك األصلية‪،‬‬ ‫أمريكا في حد ذاتها‬ ‫ليست لها هوية‬ ‫بها مبنا�سبة الهولوين‪..‬قالت لأختها الأخرى‪:‬‬ ‫�صديقتي العربية �أخربتني �أن هذا االحتفال‬ ‫ال يخ�صنا نحن العرب ويجب �أال ن�شارك فيه‪.‬‬ ‫ك��ان موقفي �صعب ًا عندما �أ��ص��رت ابنتاي �أن‬ ‫تعرفا ر�أي��ي يف ذل��ك‪ :‬هل علينا �أن ن�شارك يف‬ ‫برنامج املدر�سة االحتفايل ون�شرتى املالب�س‬

‫�س�ؤال الهوية العربية‬

‫�س�ألنا الباحث الليبي يف حقل الفل�سفة كمال‬ ‫�شلبي عن جتربته يف �أمريكا وعن مدى ح�ضور‬ ‫الرتاث العرب يف حياته وداخل �أ�سرته‪ ،‬فكان‬ ‫رده‪ :‬طفلتي ال�صغرية ف�أجاتني عندما قررت‬ ‫عدم امل�شاركة يف حفلة املدر�سة املزمع القيام‬

‫عملة �سورية من عام ‪ 1926‬من‬ ‫مقتنيات املتحف العربي الأمريكي‬

‫ذات الأقنعة الغريبة واملختلفة �أم �أن الأمر ال‬ ‫يخ�صنا؟ حاولت �أن �أوف��ق بينهما �إذ قلت �إنه‬ ‫ميكنكما امل�شاركة ولكن ال داع��ي ل�شراء هذا‬ ‫النوع من املالب�س لأنها لي�ست من تقاليدنا‪.‬‬ ‫الإج��اب��ة مل تكن مقنعة لكلتهيما‪ ،‬فاحلفلة‬ ‫ب��دون املالب�س اخلا�صة بها هي كاجلمع بني‬ ‫متناق�ضني‪� ،‬إنه توفيق تلفيقي يعك�س يف �أحيان‬ ‫كثرية حالة التنافر والتقارب‪ ،‬ال�شد واجلذب‪،‬‬ ‫الإيجاب والنفي التي يعي�شها العربي يف املجتمع‬ ‫الغربي‪ ،‬هذا املجتمع الذي بقدر ما يبدو قريب ًا‬ ‫وجاذب ًا بقدر ما يبدو بعيد ًا ونافر ًا‪.‬‬ ‫هذه التجربة احلياتية ال�صغرية جعلت كمال‬ ‫ال�شلبي ي��رى �أن �س�ؤال الهوية العربية ت��زداد‬ ‫حدته وح�ضوره ب�شكل ملفت يف حالة العي�ش‬ ‫يف الغرب‪ .‬ثنائية الأ�صالة واملعا�صرة‪ /‬التقدم‬ ‫والتخلف تفر�ض نف�سها بقوة �أكرث‪ .‬هذا الأمر‬ ‫يبدو متجذر ًا يف اجلاليات العربية املقيمة يف‬ ‫�أمريكا التي حت��اول �أن تتكتل بطريقة ت�ضمن‬ ‫لها ال�شعور بالهوية‪ .‬ميكن القول �إنهم جنحوا‬ ‫يف تكوين دوائر اجتماعية وثقافية خا�صة و�سط‬ ‫دوائ ��ر اجتماعية وثقافية خمتلفة‪ ،‬الأع�ي��اد‬ ‫واملنا�سبات الدينية لها دور كبري يف جتذير‬ ‫االنتماء �إىل الرتاث‪ ،‬كما �أن امل�ساجد مبا تقدمه‬


‫قضية للنقاش‬ ‫‪32‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫كتاب قوانني جمعية الن�ساء ال�سوريات‬ ‫اخلريية يف نيويورك ‪1907‬م‬

‫عدد مار�س ‪ 1915‬من النا�شيونال جيوجرافيك‬ ‫وبه ملف انطباعات عن فل�سطني‬

‫ن�سخة من جملة العامل اجلديد‬ ‫التي �صدرت يف �أمريكا عام‪ 1911‬م‬

‫من خدمات تراثية لها دور مهم يف هذا ال�صدد‪ .‬العربية يف �إح��دى ال��والي��ات والحظت بكثري تراثات عربية عديدة‬

‫لكن العربي يف �أمريكا‪ -‬ح�سب �شلبي‪ -‬يظل‬ ‫ي�شعر �أنه يف حالة حا�سمة وحرجة كي يثبت‬ ‫�أنه كيان م�ستقل له وجوده الثقايف والرتاثي‬ ‫املتميز‪ ،‬الأمر بالن�سبة له �أ�شبه ب�صراع حياة‬ ‫وم��وت‪ .‬الهوية العربية تبدو حماطة بهويات‬ ‫ع��دي��دة وخمتلفة ومتنوعة‪ ،‬خطر االح�ت��واء‬ ‫يبدو دائم ًا حا�ضر ًا‪ ،‬والأمثلة العديدة حلاالت‬ ‫ان�صهار لفرديات عربية فقدت �أي انتماء‬ ‫لرتاثها وثقافتها تبدو دائم ًا جاهزة‪.‬‬ ‫�إزاء حالة اخل��وف هذه ازدادت احلاجة �إىل‬ ‫خلق جتمعات ثقافية تعمل كنوع من احل�صانة‪،‬‬ ‫احل�صانة �ضد الذوبان الذي يهدد م�صري الأنا‬ ‫يف كل حلظة‪ .‬ورغم كل هذه املحاوالت للحد‬ ‫من �سطوة الآخ��ر تبدو م�س�ألة احلفاظ على‬ ‫الهوية يف خطر كبري وخا�صة للأجيال التي‬ ‫ول��دت وترعرعت ودر�ست يف الغرب‪ .‬اللغة‬ ‫العربية بالن�سبة للأجيال اجلديدة هو بال‬ ‫�شك ال�ت�ح��دي الأك �ب�ر‪ ،‬م��ن ال�صعب ج��د ًا‬ ‫للأطفال الذين در�سوا يف مدار�س غربية �أن‬ ‫يتقنوا اللغة العربية‪ ،‬هذا االمر زاد وفاقم‬ ‫من ح��دة املفارقة بني الأب ال��ذي يعني له‬ ‫الرتاث العربي الكثري وبني االبن الذي يفقد‬ ‫�أهم مرتكزات هذا الرتاث واملتمثلة يف اللغة‪.‬‬ ‫يحكي �شلبي عن جتربة �أخرى تف�سر الو�ضع‪:‬‬ ‫�أذكر �أين ح�ضرت جتمع ًا كبري ًا �سنوي ًا للجالية‬

‫من احلزن كم هي بعيدة امل�سافة بني الآباء‬ ‫والأبناء وكم هي مريرة حماوالت ردم الهوة‬ ‫بينهما‪ .‬يف هذا التجمع كان ال�تراث العربي‬ ‫بكل تنوعاته حا�ضر ًا وبقوة‪ :‬الأكل والن�شاطات‬ ‫واملو�سيقى‪...‬ومع كل ذلك كان التخاطب بني‬ ‫الأب العربي وابنه املولود يف الغرب يتم بلغة‬ ‫غري عربية‪.‬‬ ‫ي�ضيف كمال �شلبي‪ :‬ثمة مفارقة �أخرى يعي�شها‬ ‫العربي يف الغرب تتعلق بارتباطه مبا يحدث يف‬ ‫ب�لاده العربية‪ ،‬فلديه �شعور �أن �سرعة التقدم‬ ‫العلمي الباهر الذي يعي�شها الغرب ال تتوافق مع‬ ‫البطء احلا�صل يف عجلة التقدم يف بالده العربية‪،‬‬ ‫وهذا الأمر يزيد من حدة امل�شكلة الرتاثية لديه‪،‬‬ ‫�إذ �أن الأمر ي�شكل لديه نوع ًا من زيادة التوتر بني‬ ‫عامل ي�صر على الذهاب �إىل الأم��ام وبني عامل‬ ‫ي�صر على العودة �إىل الوراء‪ .‬وبني حركة الأمام‬ ‫واخللف‪ ،‬ال�شد واجل��ذب‪ ،‬الأ�صالة واملعا�صرة‬ ‫تعاود �إ�شكالية الرتاث همومها اخلا�صة‪.‬‬

‫عالقة اإلنسان العربي‬ ‫المقيم في أمريكا‬ ‫بفكره وثقافته وأدبه‬ ‫وفنه ظاهرة ومتجلية في‬ ‫عاداته وطرق عيشه التي‬ ‫تحكمها روابط متينة‬ ‫ووطيدة ببلده األم‬

‫حني �س�ألنا ال�شاعر امل�صري املقيم يف �أمريكا‬ ‫ماجد زاهر الذي يكتب باللغة االجنليزية عن‬ ‫مدى تتبعه حل�ضور ال�تراث العربي عموم ًا يف‬ ‫الواليات املتحدة احتار يف تقدمي جواب وا�ضح‪،‬‬ ‫وله احلق فعن �أي تراث ميكننا احلديث‪� ،‬إذ لكل‬ ‫بلد تراثه‪ ،‬بل لكل منطقة داخل البلد الواحد‬ ‫تراثها ونظرتها اخلا�صة لهذا ال�تراث‪ ،‬يقول‬ ‫ماجد زاهر‪« :‬ت�صعب الإجابة على هذا ال�س�ؤال‪،‬‬ ‫م��ن ناحية فانا �أع��رف ع��دد ًا م��ن الأ�صدقاء‬ ‫العرب‪ ،‬ولكنني ال �أعلم �إن كانوا ممثلني لكل‬ ‫العرب‪ .‬ومن ناحية �أخ��رى ي�صعب حتديد ما‬ ‫تعنيه كلمة ت��راث‪ ،‬فعادات وطقو�س وطرائق‬ ‫العي�ش ع�ن��د امل��واط��ن امل���ص��ري تختلف عن‬ ‫اللبناين‪ ،‬واللبناين يختلف يف طبخه ولبا�سه‬ ‫وعاداته عن ال�سعودي مثال‪ ،‬وهكذا»‪.‬‬ ‫�إذن ح�سب ماجد زاهر هناك تراثات عربية‪،‬‬ ‫لأن ه�ن��اك ث�ق��اف��ات ع��رب�ي��ة ل�ه��ا ن�ق��ط كثرية‬ ‫جتمعها مثلما لها نقط اخ�ت�لاف كثرية هي‬ ‫الأخ��رى‪ .‬وهذا االختالف ال يظهر يف البلدان‬ ‫الأ�صلية فح�سب‪ ،‬ب��ل يتجلى �أي�ضا يف ب��دان‬ ‫ال�ه�ج��رة‪ ،‬فالعربي ال��ذي ق��د ي��راه الأمريكي‬ ‫واحد ًا ومت�شابه ًا لي�س يف حقيقة الأمر كذلك‪،‬‬ ‫بل ثمة تباين وا�ضح‪ ،‬املواطن العربي نف�سه هو‬ ‫�أكرث النا�س �إح�سا�س ًا به‪.‬‬ ‫ي�ضيف م��اج��د زاه ��ر‪ :‬يحمل امل�ه��اج��ر ع��ادة‬


‫�إىل �أن التق�سيمات القطرية وال�شللية وحتى‬ ‫الطائفية‪ ،‬ما زال��ت تتح ّكم بكثري من العقول‬ ‫املهاجرة‪ ،‬التي على ما يبدو جلبتْ معها �أي�ض ًا‬ ‫خيامها العربية‪ .‬هذا التمييع يف جتربة االغرتاب‬ ‫الثقافية كحالة ع��ام��ة وحت� ّول�ه��ا �إىل جتربة‬ ‫�شخ�ص ّية ذات ّية لأفراد هنا وهناك‪ ،‬يعود يف ق�سم‬ ‫كبري منه �إىل التقدّم الهائل يف التكنولوجيا‪.‬‬ ‫فالتوا�صل عرب الأثري االلكرتوين �أ�صبح �سه ًال‬ ‫�إىل درجة �أن الأدب العربي يف �أمريكا بات �أدب ًا‬ ‫يتوجب عليه‬ ‫ال ي�ؤمن بالتجمعات املنف ّية‪ .‬وربمّ ا ال ّ‬ ‫�أن ي�ؤمن بها ما دام��ت معطيات الواقع املنفي‬ ‫احلايل خمتلفة كل ّي ًا ع ّما �سبقها‪ .‬الثقافة والأدب‬ ‫لي�سا مبن�أى عن العوملة‪.‬‬ ‫ي�ضيف فادي مو�ضح ًا‪ :‬ال يعني كالمنا ال�سابق‬ ‫�إلغا ًء كل ّي ًا لت�أثريات املكان‪ ،‬بل تو�صيف احلالة‬ ‫املهجرية اجلديدة مبنظور معا�صر بعيد عن‬ ‫الكلي�شيهات اجلاهزة‪ .‬جربان خليل جربان مل‬ ‫يخ ّلف �أحفاد ًا يف القارة الأمريكية‪ .‬لكن تبقى‬ ‫ال�شخ�ص ّية االغرتابية خا�ضعة �إىل درجة كبرية‬ ‫لذبذبات اجلغرافيا التي تعي�ش فيها‪ ،‬وتكت�سب‬ ‫ن�سخة من جملة �أخبار عرب �أمريكا ‪1994‬م‬ ‫مكت�سبة «و�إنْ مم َّيعة» من‬ ‫مع الزمن خ�صو�ص ّية َ‬ ‫بع�ض ًا منه �إىل املكان اجلديد‪ ،‬الأغاين بالذات من تراثه العميق وال�شا�سع �أم يت�أثر باملكان وما خ�صو�ص ّية اجلغرافيا نف�سها‪.‬‬ ‫و�أن��واع الطعام‪ ،‬يحمل لغته �أي�ض ًا‪ .‬الأ�صدقاء فيه؟ فكان جوابه‪ :‬ال ميكن احلديث يف زمننا‬ ‫العرب الذين �أعرفهم يف �أمريكا �إما يعي�شون احل��ا��ض��ر ع��ن �أدب مهجري �أم�يرك��ي‪ .‬فهذا الأدب العربي الأمريكي‬ ‫من الرتاث «مبعني �أنهم ميلكون حمالت لبيع احل��دي��ث يحمل يف ج��ذوره ُع�صاب ًا عربي ًا يف يجب �أن نذكر هنا حالة �أدب�ي��ة فريدة وغنية‬ ‫الأطعمة ال�شرقية وا ألغ ��اين ال��خ» �أو الزال��وا اجرتار إ�جن��ازات املا�ضي الغابر‪ .‬مل يعد �سوى يف القارة الأمريكية‪ُ ،‬تعرف ب��ـ«الأدب العربي‬ ‫ي�ستهلكون هذا الرتاث‪.‬‬ ‫اال�سم ما يجمع بني الأدب املهجري الأمريكي الأم�ي�رك��ي»‪ .‬حالة �أدب �ي��ة هجينة متتزج فيها‬ ‫ماجد زاهر منخرط يف الو�سط الثقايف والفني أ�ي��ام جربان خليل جربان وما ميكن �أن ُي�س ّمى الن�ش�أة الأم�يرك�ي��ة ب��اجل��ذور العربية‪ ،‬واللغة‬ ‫الإنكليزية باحل�سا�سية ال�شرقية‪ .‬ا ّت�سمتْ عالقة‬ ‫الأمريكي وم�شغول بن�صو�صه لذلك يطرح �أ�سئلة بالأدب املهجري الأمريكي يف �أيامنا هذه‪.‬‬ ‫الكم الكبري من ال�صحف هذه املجموعة اخلا�صة من الأدب��اء واملث ّقفني‬ ‫من هذا القبيل‪ :‬هل هناك زي عربي �أ�صيل؟ فمث ًال‪ ،‬عند مقارنة ّ‬ ‫هل هناك طريقه عربية �أ�صيلة ل�صنع ال�شاي العربية املهجرية القدمية يف �أم�يرك��ا بداي َة مع العامل الثقايف والإعالمي العربي بالتجاهل‬ ‫والقهوة؟ �إن كان هناك ف�أنا ال �أعلم عنهم �شيئا‪ .‬القرن الع�شرين وال��دور الثقايف املحوري الذي املتبادل‪ ،‬رمبا ب�سبب اللغة «�إذ يكتب معظم ه�ؤالء‬ ‫رمبا ال�شيء الهام مثل الطعام والأغاين هنا هو لعبته يف تلك الفرتة‪ ،‬مع الواقع ال�صحفي العربي الأدباء باللغة الإنكليزية»‪ .‬لكن يف امل�شهد الأدبي‬ ‫اللغة‪ .‬يرغب املهاجر يف التحدث بلغته الأوىل‪ ،‬املهجري احلايل‪ ،‬ميكن �إدراك احلالة املف ّككة والثقايف الأمريكي‪ ،‬ت�ش ّكل هذه املجموعة الأدبية‬ ‫رمبا لأن هناك بع�ض امل�شاعر ال ميكنه �إح�سا�سها والـ ُممدَّدة للأدب املهجري املعا�صر �أو لأيّ حالة الثقافية فرع ًا متم ّيز ًا ذا خا�ص ّية �إثنية‪ ،‬عربية‬ ‫يف روحها‪ ،‬و�أمريكية التعبري والتل ّقي‪ .‬هذه الهو ّية‬ ‫�إال من خالل احلديث بهذه اللغة‪ .‬هنا ال �أحتدث ثقافية مهجرية‪.‬‬ ‫ع��ن العربية الف�صحي طبع ًا‪ .‬و�إمن ��ا �أق�صد ال��زائ��ر العابر ملدينة نيويورك �أو �شيكاغو �أو العربية الأمريكية‪« ،‬مثلها مثل الهو ّية العربية‬ ‫العامية امل�صرية �أو اللبنانية �أو غريها‪.‬‬ ‫تنج من م�شاعر العداء‬ ‫دي�تروي��ت ل��ن يجد �إال �صحف ًا عربية جمانية يف املهجر الأمريكي» مل ُ‬ ‫�س�ألنا ال�شاعر ال�سوري ف��ادي �سعد املقيم يف متلأ �صفحاتها الإر�شادات الدين ّية واملذهبية‪ ،‬ونظرات الريبة بعد �أحداث ‪� 11‬سبتمرب‪ ،‬ما و�ضع‬ ‫دي�تروي��ت‪ :‬هل يبقى الأدب العربي يف �أمريكا والإعالنات التجارية الرخي�صة «طبع ًا مع حفظ ك ّل ما هو عربي هنا يف حالة دفاعية ملحاولة‬ ‫عربي ًا؟ وهل يحافظ على روحه وعلى ما اكت�سبه احلق لبع�ض اال�ستثناءات القليلة جد ًا»‪� .‬إ�ضافة تفنيد الأحكام امل�سبقة والكلي�شيهات النمط ّية‬


‫‪34‬‬

‫روزنة‬

‫روزنة‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫سالم ومريم‪..‬‬ ‫قصة عشق من التراث‬ ‫يقت�صر ال�تراث على الأح��داث التاريخية‬ ‫وامل�ع��ارك احلربية �أو ال�صراعات اليومية‬ ‫مع متطلبات احلياة ال�صعبة التي عا�شها الآباء‬ ‫والأج � ��داد‪ ،‬كما ال يقت�صر على دورة احلياة‬ ‫اجلامدة يف ظل الزمن ال�صعب‪ ،‬فلتلك احلياة‬ ‫رونقها اخلا�ص الذي اكت�ست به وتلونت ب�ألوانه‬ ‫الزاهية يف ذلك الوقت‪ ،‬كما ا�شتمل على الكثري‬ ‫من الق�ص�ص احلياتية التي �ضرب �أ�صحابها �أروع‬ ‫الأمثله يف الت�ضحية والفداء والإيثار‪ ،‬ويف هذا‬ ‫اللقاء �سا�سرد عليكم ق�صة حقيقية عن �صورة من‬ ‫�صور احلب احلقيقي الذي �صار مث ًال للم�شاعر‬ ‫النبيلة والعواطف الرقيقة التي تكللت بالعفة‬ ‫والطهارةوال�سمو‪.‬‬ ‫تبد�أ الق�صة يف وق��ت ما يف ع�شرينيات القرن‬ ‫املا�ضي عندما تفتحت عينا �سامل وهو طفل �صغري‬ ‫على فتاة متميزة بني �أقرانها من الفتيات‪ ،‬ومل‬ ‫ي�شعر الطفل �إال وهو متعلق بتلك الفتاة منذ الوهلة‬ ‫الأوىل‪ ،‬ومل يكن دافعه �أنها ابنة عمه فقط‪ ،‬ولكنه‬ ‫�شعور مل يعلم كنهه �أبد ًا‪ ،‬لفتت نظره بتميزها عن‬ ‫بقية الفتيات‪ ،‬وهي تلعب معهن فارت�سمت �صورتها‬ ‫يف عينيه الربيئتني‪ ،‬فلم ت�ستطع تلك العيون �أن‬ ‫ترى غريها‪� ،‬أما هي فلفت نظرها ابن عمها الذي‬ ‫ال يكاد يزيح نظره عنها حتى يعيد التحديق فيها‪،‬‬ ‫فبالرغم من �أنها ال تفهم ما �شعرت به ولكنها‬ ‫بال�سجية عرفت �أنه ابن العم الذي له ما للأخ �أو‬ ‫الأب من �سلطة‪ ،‬فكانت عيناها ال تلتقيان بعينيه‬ ‫حتى تزيحهما خج ًال‪ ،‬وما �أن ي�شيح بوجهه حتى‬ ‫تلتهم عيناها حمياه‪ ،‬وك�أن ل�سان احلال يقول‪:‬‬ ‫تع ّلقتليلىوهـيغـــ ٌّر�صغرية‬ ‫ومل يبد للأتراب من ثديها احلجم‬ ‫�صغريين نرعى البهم ياليت �أ ّننا‬

‫ال‬

‫�رسور خليفة الكعبي‬ ‫باحث من الإمارات‬

‫�إىل اليوم مل نكرب ومل تكرب البهم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لقد تعلق �سامل بابنة عمه مرمي �صغريا جدا‪ ،‬ومل‬ ‫ي�ستطع �أن تفارق خميلته يف كل حياته‪ ،‬كرب احلب‬ ‫يف قلبه بتقدم �سني عمره‪ ،‬ولي�صبح عا�شق ًا ال‬ ‫ي�ستطيع �إخفاء حبه البنة عمه‪ ،‬ومما �سهل الأمر‬ ‫عليه �أن العادات والتقادليد متنح ابنة العم له حتى‬ ‫و�إن �أبت‪ ،‬فكيف وهي تبادله �شعور ًا ب�شعور‪ ،‬لقد‬ ‫كان الع�شق الذي ولد يف قلب �سامل منذ بداية عمره‬ ‫البنة عمه عفيف ًا ثابت ًا‪ ،‬ومل يكن ي�صف �شعوره ذلك‬ ‫�إال بيت قي�س ابن امللوح الذي يقول لليلى‪:‬‬

‫لقد ثبتت فـي القلب منك مودة‬ ‫كما ثبتت يف الراحتني الأ�صابع‬

‫وتوافق الأقدار املحبني وجتمعهما برابط الزواج‬ ‫املقد�س لي�شتعل احلب بينهما على غري امل�ألوف‪،‬‬ ‫ف��امل�ح��روم ه��و م��ن ي�ت��أج��ج ب�ن��ار اجل ��وى ولي�س‬ ‫العك�س‪ ،‬ولكن العا�شقني ما �أن يجتمعا مع ًا حتى‬ ‫ت�ضطرم ج��ذوة ال�صرب وت�شتعل ج��ذوة الهيام‬ ‫بينهما‪ ،‬ف�أ�صبحا ال يكادان يفرتقان �أبد ًا ال يف ليل‬ ‫وال يف النهار‪ ،‬بل �إن يديهما ال تكادان تفرتقان‬ ‫�إال يف ت�أدية ال�صلوات‪ ،‬ليعودا متعانقي الأي��دي‬ ‫�أينما يذهبان‪ ،‬فهما يعمالن م�ع� ًا‪ ،‬ويجل�سان‬ ‫مع ًا‪ ،‬ويزوران الأقرباء والأ�صدقاء مع ًا‪ ،‬حتى �أن‬ ‫�صديقات مرمي كن يحاولن ثنيها عن جلب �سامل‬ ‫معها عندما تزورهن‪ ،‬فكان جوابها �إن مل يكن‬ ‫ير�ضني بوجوده معها فهي لن ت�أتي للزيارة‪ ،‬ف�إما‬ ‫�أن يكونا مع ًا �أو ال تكون هناك زيارة بدونه‪.‬‬ ‫ولقد ع��رف عن م��رمي �أنها منذ الطفولة وهي‬ ‫�شديدة التعلق بابن عمها‪ ،‬وهو الذي �أ�صبح زوجها‬ ‫الحق ًا‪ ،‬فكلما غاب عنها حل�ضور جمل�س الرجال‬


‫�أو جماملة يف عر�س ونادر ًا ما يفعل‪ ،‬ف�إنها تفقد‬ ‫الإح�سا�س باملكان والنا�س والأح ��داث‪ ،‬وت�سمر‬ ‫عينيها على الطريق يف ترقب عودته �إليها‪ ،‬يف حني‬ ‫�أن النا�س جميع ًا قد عرفوا �أن �سامل عندما ال يكون‬ ‫مع زوجته ف�إنه ال يكون يف حالته وال ي�ؤخذ منه ما‬ ‫يرجى‪ ،‬فهو كالغائب عن الوعي بدونها‪ ،‬فال�شرود‬ ‫وال�صمت هما كل ما يجيد فعله بدونها‪.‬‬ ‫ومي�ضي العمر بالعا�شقني وهما ي��زدادان تعلق ًا‬ ‫ببع�ضهما‪ ،‬فلم تلته م��رمي ب ��الأوالد عن حبيب‬ ‫قلبها‪ ،‬كما مل ي�أنف هو من تربيته لهم معها‪ ،‬وهما‬ ‫ي�سريان يف دروب احلياة يد ًا بيد‪ ،‬وتلمزهما الأعني‬ ‫ال�ضاحكة من كل جانب وهما ال يكرتثان لأحد‪ ،‬وال‬ ‫ي�سمعان لأحد ومل ي�ستطع �أحد �أن يدخل الغ�ضب‬ ‫بينهما‪،‬فلوا�ستطاع�أحد�أنيفعلذلكملاا�ستطاعا‬ ‫العي�ش يف مكانني خمتلفني‪ ،‬فقد كان �سامل عندما‬ ‫يطلب �شربة ماء من زوجته وتذهب جللبها له‪ ،‬ما‬ ‫�أن تغيب عن ناظريه حتى يبد�أ مبناداتها ب�أحب‬ ‫الأ�سماء وهو ي�ستعجلها‪ ،‬وغالب ًا ما ينادي عليها‬ ‫مري – بت�شديد الياء» وهو يردد‬ ‫با�سم «مرامي �أو مِّ‬ ‫«دهديه مريمّ – �أي ب�سرعه» وهو ال ي�ستعجل املاء‬ ‫بقدر ما ي�ستعجل عودتها �إليه‪ ،‬يف حني تكتفي هي‬ ‫بال�ضحك وترديد «ه ِّيد يايه» �أي انتظر قلي ًال‪.‬‬ ‫وت ��أت��ي احل���ض��ارة اجل��دي��دة يف ال �ب�لاد‪ ،‬وتبنى‬ ‫امل�ساكن اخلر�سانية ب��دل م�ساكن الطني وتلك‬ ‫املبنية من �سعف النخيل‪ ،‬ويبد�أ النا�س بتغيري‬ ‫�أ�ساليب حياتهم مبا يتنا�سب والطفرة اجلديدة‬ ‫التي �أمل��ت بالبالد والعباد‪ ،‬ولكن احلبيبني ال‬ ‫يغريان من �أ�سلوب حياتهما‪ ،‬مما يبعد الأوالد‬ ‫عنهما وي�شغلهما يف حياتهما اجلديدة‪ ،‬والأعمال‬ ‫والفلل والق�صور‪ ،‬متنا�سني �أن الزمن قد فعل‬ ‫فعله بالعا�شقني اللذين مل يفرتقا طوال خم�سني‬ ‫�سنة زواج وال ليوم واح��د‪ ،‬ف�أحنى الظهور وقلل‬ ‫ال�سمع والنظر‪ ،‬ولكنه مل ي�ستطع �أن مي�س احلب‬ ‫تخب جذوته يف القلب‪ ،‬فكانا ال يريان‬ ‫الذي مل ُ‬ ‫�إال مت�شابكي الأي��دي وهما ي�سريان الهوينى يف‬ ‫احلارة يزوران �أ�صدقاء املا�ضي �أو من تبقى منهم‬ ‫على قيد احلياة‪� ،‬أما يف املنزل فكانا ال ينامان يف‬ ‫الغرفة ولكنهما اتخذا �سرير ًا مفرد ًا يف «احلو�ش»‬ ‫�أو ما ي�سمى بالباحة �أو حديقة املنزل ليناما عليه‬

‫ينظران �إىل ال�سماء ويتنف�سان الهواء العليل‪ ،‬ويف‬ ‫الليايل الباردة يدفىء �أحدهما الآخر‪.‬‬ ‫لقد كان من املعروف عنهما �أنهما ال يتكلمان مع‬ ‫�أحد �إال عن ق�صتهما وحبهما لبع�ضهما؟ ومتى؟‬ ‫وكيف؟ وما كانا يفعالن يف طفولتهما ويف جميع‬ ‫م��راح��ل احل�ي��اة التي م��رت عليهما؟ وكيف �أن‬ ‫�أحدهما يرعى الآخر وي�ساعده يف القيام بواجباته‬ ‫ومتطلبات احلياة؟ وت�شاء الأقدار �أن يرحل �سامل‬ ‫يف �سن متقدم من عمره ب��دون مقدمات‪ ،‬وهو‬ ‫نائم بجوار حمبوبة قلبه قاب�ض ًا على يديها‪ ،‬والتي‬ ‫ترف�ض ترك يده �أو يقوم �أحد ب�إيقاظه من نومه‪،‬‬ ‫فهو كما اعتقدت �أو حاولت �أن تعتقد �أن��ه نائم‬ ‫فقط‪ ،‬ولكن هذه �سنة احلياة‪ ،‬ميوت �سامل ويخلفها‬ ‫وراءه وهي حتادثه يف كل �أوقاتها وتنادي عليه‪ ،‬وال‬ ‫ت�ستطيع �أي حماولة �إخراجها من ك�آبتها لفراق‬ ‫رفيق عمرها ووال��د �أبنائها وحبيب قلبها‪ ،‬فما‬ ‫كان �إال �أن حلقت به يف الرفيق الأعلى بعد �أ�سبوع‬ ‫واحد فقط‪ ،‬مل تذق فيه طعم النوم‪ ،‬كما مل تفارق‬ ‫ال�سرير الذي نام عليه حبيبها نومته الأخرية‪ ،‬ومل‬ ‫تفت�أ تنادي عليه وترجوه �أن يعود‪ ،‬لتنام هي �أي�ض ًا‬ ‫بنف�س الطريقة ويف نف�س املكان‪ ،‬ف�إىل جنة اخللد‬ ‫�أيها العا�شقان العفيفان‪ ،‬و�أ�سال اهلل �أن يجمعكما‬ ‫يف جنته كما جمعكما يف دنيته‪.‬ومما ال �شك فيه �أن‬ ‫ترثنا املحلي يحوي الكثري من الق�ص�ص اجلميلة‬ ‫للحب العفيف الطاهر وال�صور اجلميلة للم�شاعر‬ ‫النبيلة التي جتمع بني القلوب‪ ،‬والتي حتوي الكثري‬ ‫من العرب والأمثلة لتنري دروب القلوب املحبة على‬ ‫مر الزمان‪ ،‬وال يت�صور �أحد �أن هذه الق�صة من‬ ‫ن�سج اخليال‪ ،‬ولكنها ق�صة واقعية من حياتنا‪،‬‬ ‫فكان �سامل نربا�س ًا للرجال املحبني‪ ،‬يف حني كانت‬ ‫مرمي �أو مرامي كما كان يحب �أن يناديها مدر�سة‬ ‫لكل الفتيات والن�ساء يف العالقات الزوجية‪ ،‬فلم‬ ‫تر �إال متزينة باحلناء يف يديها ورجليها وبكامل‬ ‫رونقها ورائحتها الزكية وبكامل �أناقتها التي مل‬ ‫تتبدل �أو تقل مع الزمن وامل�س�ؤوليات‪ ،‬فكانت الأم‬ ‫والزوجه واملحبة يف �آن واحد‪ ،‬لذا ف�إن ق�صتهما‬ ‫تلهم �أولئك املحبني وت�ضفي على تراثنا �أنق ًا‬ ‫ورونق ًا وروعة الزمن اجلميل الذي ندعوه اليوم‬ ‫بالرتاث‪.‬‬


‫ساحة الحوار‬ ‫‪36‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫معرفة اللغة الأم مفتاح كل الدرا�سات‬

‫محمد ونيسي‪:‬‬

‫دراسة التاريخ ضرورة لمستقبل الشعوب‬


‫حوار‪ -‬نور الدين برقادي‬ ‫الكاتب اجلزائري حممد ال�صالح وني�سي‪� ،‬أحد �أبرز الباحثني املعنيني بالبحث والتنقيب يف الثقافة‬ ‫ال�شعبية الأمازيغية‪ ،‬يلقبه املثقفون بـ«ال�شيخ وني�سي» ويطلقون عليه «املنا�ضل الثقايف»‪ ،‬تقديراً‬ ‫لد�أبه ال�شديد يف البحث والتدوين و�إ�صدار الكتب التي توثق للثقافة ال�شعبية الأمازيغية يف كافة‬ ‫جتلياتها‪� ،‬إىل جانب تقدميه عدة برامج �إذاعية تخدم الهدف نف�سه‪.‬‬ ‫يف حوارنا التايل معه‪ ،‬يرى وني�سي �أن �إعادة إعادة قراءة وكتابة‬ ‫قراءة وكتابة التاريخ بروح الع�صر هي املخرج تاريخنا بروح العصر‬ ‫الوحيد من «�أزم��ة الهوية»‪ ،‬الفت ًا �إىل �أن هذه مخرجنا من أزمة الهوية‬

‫القراءة �أو الكتابة لي�ست ممكنة دون معرفة‬ ‫اللغة الأم التي و�صفها مبفتاح كل الدرا�سات‪،‬‬ ‫وا�صف ًا ال��واق��ع اللغوي يف اجل��زائ��ر بالرتدي‬ ‫ب�سبب تخبط املنظومة الرتبوية‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫ت�سبب يف �إ�صابة اجل��زائ��ر مب��ا �أط�ل��ق عليه‬ ‫«نق�ص املناعة اللغوية»‪ .‬م�ؤكد ًا �أن التاريخ ب�شكل‬ ‫عام مرتبط بالزمن‪ ،‬و�أن م�شكلتنا هي عدم‬ ‫قدرتنا على تثمني الوقت وتقدير الزمن‪.‬‬

‫ربطت بني �إب��داع امل��ر�أة اجلزائرية الأمية‬ ‫يف غرداية‪ ،‬الأورا�س‪ ،‬لـ«الزربية» ال�شهرية التي‬ ‫تناف�س زربية بالد فار�س يف اجلمال والإتقان‪،‬‬ ‫وبني الثقافة الأمازيغية‪ ،‬فكيف يكون ذلك؟‬ ‫للمر�أة اجلزائرية ما�ض وتاريخ عريق‪ ،‬لي�س‬ ‫فقط يف فنون الن�سيج والعناية بالأطفال‪ ،‬بل �إنها‬ ‫فر�ضت نف�سها يف ميادين عامة مثل ال�سيا�سة‬ ‫والثقافة وت�سيري ال�ش�ؤون العامة‪ ،‬وال � ّ‬ ‫أدل على‬ ‫ذلك من �أن �أغلب �أ�سماء القبائل الأمازيغية‬ ‫القدمية كانت ب�صيغة الت�أنيث وامل�ؤنث‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫زناتة‪� ،‬صنهاجة‪� ،‬أزداج��ة‪ ،‬ملتونة‪ ،‬م�صمودة‪،‬‬ ‫�سدراتة‪ ،‬نفو�سة‪ ،‬هوارة‪.‬‬ ‫ومقاومة «ديهيا» الأورا��س�ي��ة وتنظيمها لدولة‬ ‫�أم��ازي�غ�ي��ة‪ ،‬وقيادتها للجيو�ش معروفة لدى‬ ‫اخلا�ص والعام‪ .‬هذا يف وقت كانت فيه بع�ض‬ ‫ال�شعوب تئد بناتها خوف ًا من العار‪ .‬هذا «العار»‬ ‫هو الذي �أرغم منذ زمن‪ ،‬املر�أة الأمازيغية على‬ ‫االنعزال يف بيتها وحرمانها من امل�شاركة يف‬

‫احلياة العامة‪.‬‬ ‫ومبا �أن الطبيعة الإن�سانية ُجبلت على التحايل‬ ‫على كل �أ�ساليب القهر والكبت‪ ،‬فقد ح ّولت املر�أة‬ ‫هذا احلرمان �إىل �إجناز اقت�صادي وفني مفيد‪:‬‬ ‫الزربية‪ .‬فقد ح ّولت املر�أة طاقاتها الكامنة �إىل‬ ‫تعب عن �شخ�صيتها‪.‬‬ ‫ر�سومات جميلة و�إىل رموز رّ‬ ‫و�أغلب هذه الرموز مل يتم تفكيكها وحتليلها حلد‬ ‫الآن‪ ،‬لغياب الدرا�سات الأنرثوبولوجية �أو لقلتها‪.‬‬ ‫وهناك ق�ص�ص و�أ�ساطري وحكايات عن الزربية‬ ‫الأورا�سية التي ت�سمى بال�شاوية «ثراكنا» والزربية‬ ‫امليزابية وغريها ال ي�سعنا املقام لذكرها‪.‬‬ ‫يحمل الفخار اجلزائري ر�سومات غاية يف‬ ‫الإبداع‪ ،‬من �أين ت�ستمد هذه الر�سومات؟‬ ‫يف احلقيقة‪ ،‬تنتمي ر�سومات الزربية والفخار‬ ‫وك��ذا ر�سومات الو�شم على اجل�سد‪ ،‬ور�سوم‬ ‫احللي الف�ضية �إىل �أ�صل واحد لت�شابهها يف‬ ‫الأ�شكال الهند�سية والرموز‪ :‬مثلثات‪ ،‬خطوط‬ ‫منك�سرة‪ ،‬متوازيات‪ .‬وطبعا ف�إن تاريخها يعود‬ ‫�إىل عهود �سحيقة‪� ،‬إىل ب��داي��ة ب��روز ال��ذوق‬ ‫الفني لدى الإن�سان الأمازيغي‪ ،‬بعد حت ّوله من‬ ‫البداوة �إىل التح�ضر واال�ستقرار‪ .‬متام ًا مثلما‬

‫الواقع اللغوي في‬ ‫الجزائر سييء بسبب‬ ‫تخبط المنظومة‬ ‫التربوية‬

‫هو حا�صل يف جمتمعاتنا احلديثة‪ .‬فالواحد‬ ‫منا يحيط غرفة طعامه مبجموعة من الر�سوم‬ ‫اجلميلة واللوحات الفنية لي�ستمتع بالأكل‪.‬‬ ‫نف�س ال�شيء يقال بالن�سبة للإن�سان القدمي‪.‬‬ ‫فقد كان هو �أي�ض ًا ي�ستمتع بالر�سومات التي‬ ‫ر�سمها على «ثا�سيلت» و «�أطب�سي» و «ثاربوث»‬ ‫و«ثاقبو�شت» مع ا�ستمتاعه مبذاق «�سك�سو» و‬ ‫«�آغي» احلليب يف نف�س الوقت‪.‬‬ ‫ه�ن��اك م��ن ي��رب��ط ب�ين ال��رم��وز ال�برب��ري��ة‬ ‫امل�سجلة على ال��زرب�ي��ة‪ ،‬وال�ل�ب��ا���س‪ ،‬وال�ف�خ��ار‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫واحللي ‪ ...‬وبني ن�ش�أة الكتابة‪ ،‬ما ر�أيك ؟‬ ‫طبع ًا‪ .‬فكل رمز وكل ر�سم هو عبارة عن ر�سالة‪،‬‬ ‫والكتابة بد�أت �أول ما بد�أت بال�صور مثل الكتابة‬ ‫امل�صرية القدمية‪ ،‬فكلمة «طائر» مث ًال كانت‬ ‫تكتب بر�سم �صورة الطائر ذاته‪.‬‬

‫ظروف ن�ش�أة احل�ضارات‬

‫�ساهم الإن�سان املغاربي بر�سومات الطا�سيلي‬ ‫والهقار يف التمهيد لظهور الكتابة‪ ،‬تاريخياً‪،‬‬ ‫م��ا ه��ي ال�ظ��روف التي ت��وف��رت لهذا الإن�سان‬ ‫لإب ��داع ه��ذا ال�ف��ن؟ ومل��اذا مل تتوا�صل عملية‬ ‫جت�سيد ما يف العقل باليد؟‬ ‫هناك ظروف مناخية مالئمة للح�ضارة كانت‬ ‫�سائدة يف منطقة الأهقار والطا�سيلي منذ ‪12‬‬ ‫�ألف �سنة ق‪.‬م‪ .‬فقد كان اجل ّو ممطر ًا واحلرارة‬ ‫معتدلة‪ ،‬وال�ترب��ة خ�صبة زاخ ��رة بالأ�شجار‬ ‫والأع�شاب وخمتلف �أنواع احليوانات‪� .‬إن هذه‬ ‫الأج ��واء البهيجة وه��ذه الطبيعة الغ ّناء التي‬ ‫كانت تعج مبثل هذه املخلوقات من �ش�أنها دفع‬


‫ساحة الحوار‬ ‫‪38‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫�سوق لبيع «الزرابي» بغرداية ‪� -‬شمايل �صحراء اجلزائر‬

‫العقل الب�شري �إىل الإبداع والت�أ ّمل واالبتكار‪ .‬و�إن‬ ‫وجود حيوانات قوية مفرت�سة يف هذه البيئة من‬ ‫�ش�أنها تهديد وجود الإن�سان ذات��ه‪ ،‬مما يدفعه‬ ‫�إىل ا�ستعمال كل الو�سائل للدفاع عن نف�سه‪.‬‬ ‫والأزم��ة تلد اله ّمة‪ .‬ويف غمرة هذه الظروف‪،‬‬ ‫كان الإن�سان الأمازيغي يتوا�صل مع بني جلدته‬ ‫بهذه الر�سوم‪ ،‬مما يدل على تعاونه لدرء هذه‬ ‫الأخطار‪ ،‬والتعاون عالمة التح�ضر‪ ،‬واحلاجة‬ ‫�أم االخرتاع‪ .‬ونف�س ال�شيء يقال عن الفينيقيني‬ ‫الذين اخ�ترع��وا احل��رف الفينيقي‪ ،‬ال��ذي هو‬ ‫�أ�صل احلرف الالتيني العاملي احلايل‪ .‬فقد كان‬ ‫اهتمامهم بال�سفر والتجارة �سبب ًا الخرتاعهم‬ ‫هذا احلرف من �أجل التفاهم مع ال�شعوب التي‬ ‫ال تعرف لغتهم‪.‬‬

‫قتل الذاكرة!‬

‫الذاكرة‪� ،‬آخر ما نهتم به يف اجلزائر‪ ،‬ما هو‬ ‫م�صري الأمة التي ال تهتم بذاكرتها بل حتاول‬ ‫قتل هذه الذاكرة؟‬ ‫هناك حقيقة م � ّرة وم ��ؤمل��ة‪ .‬وه��ي �أن الإن�سان‬

‫ر�سومات «الطا�سيلي» امل�شهورة على ال�صخور‬

‫الأم��ازي �غ��ي م�ن��ذ وج� ��وده‪ ،‬ك��ان ي�ط��رد حمت ًال‬ ‫يف ان�ت�ظ��ار و� �ص��ول حم�ت��ل ج��دي��د‪ .‬ف��ال��ذاك��رة‬ ‫الأمازيغية‪ ،‬و�إن كانت حا�ضرة يف �أهم املحطات‬ ‫التاريخية كر ّد فعل طبيعي وفطري للدفاع عن‬ ‫الأر���ض‪� ،‬إال �أن الإن�سان الأمازيغي مل يوظف‬ ‫هذا اال�ستعداد الفطري الطويل النف�س من �أجل‬ ‫�إقامة دولة مركزية تر�سي �إطار ًا عاما لذاكرته‬ ‫وهويته وقوميته‪ .‬ف�آفة الن�سيان لعنة مالزمة‬ ‫له‪ .‬وال ت�ستيقظ ذاكرته اجلماعية �إال عندما‬ ‫حتدق به الأخطار من كل جانب و�أحيان ًا بعد‬ ‫�أن يكون قد فات الأوان‪ .‬ونحن �إىل الآن نعاين‬ ‫من هذا املرياث �إذ مل نتو�صل �إىل حتديد هويتنا‬ ‫الأ�سا�سية‪� .‬إننا يف مفرتق الطرق‪ ،‬ونحن الآن‬ ‫ندفع ثمن الت�ضحيات العظيمة التي قدّمها‬ ‫�أج��دادن��ا خدمة لهويات �أجنبية‪ .‬ومل��ا مل يجد‬ ‫الغربيون و�سيلة الحتالل اجلزائر على م�شارف‬

‫ح ّولت المرأة الجزائرية‬ ‫طاقاتها إلى رسومات‬ ‫جميلة تعبّر عن‬ ‫شخصيتها‬

‫الألفية الثالثة‪� ،‬أوق��دوه��ا ن��ار ًا بني �أبنائها يف‬ ‫تعب عن‬ ‫الع�شرية ال�سوداء‪ .‬هذه امل�أ�ساة كانت رّ‬ ‫�أزمة هوية عميقة ا�ستغلها الغربيون‪ .‬و�إذا �أردنا‬ ‫�أن نخرج فع ًال من هذه الأزم��ة‪ ،‬فينبغي �إعادة‬ ‫كتابة و�إع��ادة ق��راءة تاريخنا ب��روح الع�صر ال‬ ‫بقراءة الكتب ال�صفراء‪.‬‬

‫واقع اجلزائر اللغوي‬

‫و�أي ��ن ت�صنف م��وق��ع اللغة يف ه��ذا الأم ��ر‪،‬‬ ‫ككاتب وباحث يف الثقافة ال�شعبية‪ ،‬ما تقييمك‬ ‫للواقع اللغوي يف اجلزائر ؟‬ ‫لقد مور�س �ضغط كبري على الهوية اجلزائرية‬ ‫منذ �سنة ‪ 42‬للميالد حتى �سنة ‪1962‬م‪� ،‬سنة‬ ‫اال�ستقالل‪ ،‬ولكي نتمكن من التخل�ص من روا�سب‬ ‫كل هذه ال�ضغوط‪ ،‬ينبغي �إع��ادة االعتبار للغة‬ ‫الأمازيغية وتدري�سها يف اجلامعات واملدار�س‪،‬‬ ‫حتى نت�صالح مع �أنف�سنا لغوي ًا وتاريخي ًا‪ .‬فال‬ ‫ميكن لأي كان كتابة تاريخ جرجرة والأورا���س‬ ‫و�شمال �أفريقيا دون معرفة اللغة الأم‪ .‬فهي‬ ‫الط��ار الذي‬ ‫مفتاح كل الدرا�سات‪ ،‬واللغة هي إ‬


‫عدد ال�ضحايا و�أرقام التخريب ب�صورة مل ي�سبق‬ ‫لها مثيل يف التاريخ الب�شري ولدى جميع الأمم‪.‬‬ ‫ال�سبب يعود �أو ًال و�أخري ًا �إىل ما �سبق و�أن قلته يف‬ ‫الإجابات ال�سابقة‪� :‬أزمة الهوية‪.‬‬

‫اخلالف حول الرموز‬

‫نختلف يف اجلزائر حول الرموز‪ ،‬متى نتفق‬ ‫حول رموزنا الوطنية ؟‬ ‫كل الرموز والأبطال ويف جميع الأمم مل ي�سلموا‬ ‫من النقد‪ .‬ومهما قيل ويقال‪ ،‬ف�إن هذه الرموز‬ ‫تركت ب�صماتها على �صفحات التاريخ‪ .‬وهم‬ ‫ب�شر يف جميع الأح���وال‪ .‬وال ميكننا �أن ننكر‬ ‫الت�ضحيات اجل�سام التي قدموها م��ن �أج��ل‬ ‫الوطن‪� .‬صحيح �أن «الكاهنة» و«ك�سيلة» كرمزين‬ ‫من رموز املقاومة الوطنية مت ّيزا عن غريهما‬ ‫من الرموز الأخ��رى لكونهما بذال نف�سيهما يف‬ ‫�ساحة الوغى ب��دال من اال�ست�سالم‪ ،‬لأن حب‬ ‫ال��وط��ن ك��ان ي�ج��ري يف عروقهما‪ ،‬وبالن�سبة‬ ‫للرموز الأخرى فلكل حالة ظروفها ال�سيا�سية‪.‬‬

‫املر�أة الأمازيغية �صانعة ح�ضارة‬

‫ي�ضم كل عنا�صر الثقافة‪ ،‬وهي للمجتمع مبثابة‬ ‫ال�شرايني التي تو�صل ال��دم والأوك�سجني لكل‬ ‫�أع�ضاء اجل�سم حتى يبقى �سليم ًا متما�سك ًا‪ .‬وهي‬ ‫العملة الأبقى والأنقى املتداولة بني ال�سكان‪.‬‬ ‫والواقع اللغوي يف اجلزائر �سيء ج��د ًا ب�سبب‬ ‫تخبط املنظومة الرتبوية امل�ؤدجلة و�ضبابيتها‪.‬‬ ‫فالطفل يتعلم الدارجة والأمازيغية يف املنزل‬ ‫وال�شارع لي�صطدم بلغة جديدة يف املدر�سة‪،‬‬ ‫وهي لغة حبي�سة جدران اجلامعة والإدارة‪� .‬أما‬ ‫لغة ال�سوق واملقهى وال�شارع‪� ،‬أي لغة التعامل‬ ‫اليومي فهي الدارجة والأمازيغية‪� ،‬إنه تناق�ض‬ ‫ما بعده تناق�ض‪ .‬لقد �أبدينا عدا ًء للغة الفرن�سية‬ ‫ب��داف��ع �أي��دي��ول��وج��ي وت��اري�خ��ي‪ ،‬وه��ي لغة علم‬ ‫وتكنولوجيا �شئنا �أم �أبينا «‪ 60‬باملئة من الألفاظ‬ ‫االجنليزية �ألفاظ فرن�سية» لأن اللغة الفرن�سية‬ ‫كانت �سنة ‪1060‬م اللغة الر�سمية للربملان‬ ‫االجنليزي‪ .‬و�سي�أتي ي��وم تندمج فيه اللغتان‬ ‫متا�شي ًا مع ال�سيا�سة الأوربية احلالية‪ .‬ويف نف�س‬ ‫الوقت �أبدينا نحن ع��دا ًء للغتنا الأم‪ ،‬ف�أ�صبنا‬ ‫بنق�ص املناعة اللغوية‪.‬‬

‫ال يمكن كتابة التاريخ‬ ‫من دون معرفة اللغة‬ ‫األم فهي مفتاح كل‬ ‫الدراسات‬ ‫ه ��ل ي�ح�م��ل اجل ��زائ ��ري �� �ص ��ورة حقيقية‬ ‫وواق �ع �ي��ة ع��ن �أخ �ي��ه اجل ��زائ ��ري‪ ،‬ب �ع �ي��داً عن‬ ‫اخللفيات والأحكام امل�سبقة والتعميم ال�سلبي؟‬ ‫لقد قلبت الع�شرية ال���س��وداء ك��ل النظريات‬ ‫االجتماعية عن عنا�صر التما�سك االجتماعي‬ ‫ر�أ�س ًا على عقب‪ .‬فقد كان الباحثون يعتقدون‬ ‫�أن ال�شعوب املهي�أة لل�شقاق والفو�ضى هي تلك‬ ‫ال�شعوب التي ت�ضم ديانات ومذاهب و�أعراقا‬ ‫متعددة‪ .‬بينما �أثبتت اجل��زائ��ر ذات املذهب‬ ‫وال�ترك�ي��ب ال�سكاين املتجان�سني العك�س يف‬ ‫الع�شرية ال�سوداء‪� .‬إذ �ضربت الرقم القيا�سي يف‬

‫عداء للغتنا‬ ‫أبدينا‬ ‫ً‬ ‫األم فأصبنا بنقص‬ ‫المناعة اللغوية‬

‫ه��ل ح �ل��ول م���ش��اك��ل احل��ا��ض��ر وامل�ستقبل‬ ‫موجودة يف املا�ضي؟‬ ‫لقد �شيدت الدول املتقدمة جمدها ال�صناعي‬ ‫والفكري والع�سكري بف�ضل وعيها ودرا�ستها‬ ‫ل �ت��اري �خ �ه��ا وت��اري �خ �ن��ا‪ .‬وق���د ك � ّن��ا �ضحية‬ ‫ال�ستعمارها ل�سبب ب�سيط‪ ،‬هو �أن هذه القوى‬ ‫�أجرت مقارنة تاريخية بني �أ�سباب انحطاطها‬ ‫وتقدمنا يف الع�صور الو�سطى‪ .‬وتو�صلت �إىل‬ ‫نتيجة مهمة وهي �أن درا�سة التاريخ واال�ستفادة‬ ‫منه �أمر �ضروري وحيوي مل�ستقبل ال�شعوب‪.‬‬ ‫فال ميكن لأي �أحد �أن ي�ش ّيد بناية ما مل يت�أكد‬ ‫من �صالبة �أر�ضيتها‪ .‬ب�شرط �أن تكون قراءة‬ ‫التاريخ تتما�شى ومقت�ضيات الع�صر‪ .‬و�إن‬ ‫العائق الوحيد �أمامنا الآن‪ ،‬هو عدم قدرتنا‬ ‫على تثمني الوقت والزمن‪ .‬والتاريخ مرتبط‬ ‫بالزمن‪ .‬مبعنى �أن من ال يعرف قيمة الوقت‬ ‫ال يعرف قيمة التاريخ‪ .‬وق��د تندر الأورب�ي��ون‬ ‫بالأفارقة فقالوا‪« :‬الأوربي ميلك ال�ساعة – ‪La‬‬ ‫‪ -montre‬ولي�س له وقت‪� .‬أما الإفريقي‪ ،‬فال‬ ‫ميلك ال�ساعة ولكنه ميلك كل الوقت»‬


‫‪40‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫هنا ‪ ..‬وهناك‬

‫اقتفاء جغرافيا الروح‬ ‫كنت‬

‫�أفكر منذ ب�ضعة �أيام يف �أهمية الأماكن املقد�سة لدى‬ ‫الب�شر‪ ،‬وكيف �أنهم على مر الأزمنة والع�صور قد ارحتلوا‬ ‫يف كل االجتاهات �سعي ًا نحو التحقق الروحي‪ :‬تلك الراحة التي تغمرنا‬ ‫حني نتواجد يف مكان نراه مقد�س ًا فن�صبح �أكرث ت�صاحل ًا مع �أنف�سنا‬ ‫ومع العامل ون�شعر بح�ضور اهلل معنا وحولنا‪ ،‬نطمئن‪ ،‬ونبت�سم‪ ،‬ون�شعر‬ ‫باالمتنان‪ .‬يذهب البع�ض �إىل «�ستون هينج» يف �إجنلرتا‪ ،‬كاتدرائية‬ ‫«القدي�س بيرت» يف روما‪ ،‬معبد «دلفي» يف اليونان‪ ،‬امل�سجد الأق�صى‬ ‫والكعبة‪� ،‬إىل �آخره من �أماكن‪ ،‬كل ح�سب معتقده‪.‬‬ ‫ولكن هل تنح�صر القدا�سة يف الأماكن ذات املغزى الديني والروحي‬ ‫فقط؟ يعتقد البع�ض �أن القدا�سة من املمكن �أن متتد لت�شمل �أماكن‬ ‫�أخ��رى‪� :‬شارع طفولتنا وبيت اجلدة وال�شجرة التي لعبنا يف ظلها‪،‬‬ ‫ال�صحراء واجلبال والبحور و�شالالت املاء والينابيع‪ ،‬وحتى طرقات‬ ‫امل�ست�شفيات واجلبانات التي ت�ضم �إىل الأر���ض رفات املوتى‪� .‬إنها‬ ‫�أماكن عادية ال يزورها جموع الب�شر للتربك‪ ،‬لكننا عندما نذهب‬ ‫�إليها ن�شعر بها حتدثنا وتغري يف كيمياء �أرواحنا‪ .‬وقد عرب الكتاب‬ ‫واملفكرون عن هذه الفكرة ب�شكل يجعلنا ندرك �أن لكل منا �أي�ض ًا‬ ‫مكانه اخلا�ص‪.‬‬ ‫يف كتابها «داك��وت��ا» «‪ »1993‬تتحدث كاثلني نوري�س ع��ن �صحراء‬ ‫«داكوتا» وقدرتها على الت�أثري على الب�شر‪ .‬وكانت الكاتبة الأمريكية‬ ‫قد عا�شت مع زوجها لأك�ثر من ع�شرين عاما يف بيت بناه جدها‬ ‫يف «مل��ون»‪ ،‬وهي بلدة �صغرية على ح��دود داكوتا ال�شمالية وداكوتا‬ ‫اجلنوبية يف الواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬تقول‪� :‬إن منطقة «ال�سهول‬ ‫العالية»‪ ،‬بدايات ال�صحراء الغربية‪ ،‬هي «بوتقة»‪ ،‬م�ساحة للتحول‬ ‫للعديد من قاطني هذا املكان‪ ،‬فعلى النا�س ال�صراع مع اجلغرافيا‬ ‫املعقدة قبل �أن متنحهم �شيئ ًا‪ .‬وهذا يعني �إمكانية �أن جتد نف�سك‬ ‫تقود �سيارتك و�سط عا�صفة ثلجية عنيفة‪ ،‬فتفكر للحظة يف �ضرورة‬

‫التوقف بال�سيارة على جانب الطريق والنوم داخلها �إىل حني انق�شاع‬ ‫العا�صفة‪ ،‬ثم جتد نف�سك فج�أة �أم��ام جو �صحو تلمع فيه ماليني‬ ‫النجوم يف �سماء �صافية‪.‬‬ ‫حتكي «نوري�س» عن مكان يتناثر فيه الب�شر على م�سافة �أميال‪،‬‬ ‫وتغلب عليه امل�ساحات ال�شا�سعة املهجورة‪ ،‬والتالل التي ال حتجب‬ ‫�أبد ًا ال�سماء عن الرائي‪ .‬وهناك من قاطني «داكوتا» من وقعوا يف‬ ‫غ��رام م�ساحاتها املقفرة اخلالية من الأ�شجار‪ ،‬و�أح�ب��وا عزلتها‪،‬‬ ‫ك�أنهم �أ�صبحوا رهبان ًا للأر�ض يعرفون جيد ًا �أن وحدة ال�صحراء‬ ‫وعزلتها هي انعكا�س حقيقي حلالة ال��وح��دة املت�أ�صلة يف طبيعة‬ ‫الإن�سان‪ .‬وت�ستخل�ص نوري�س �أن الإن�سان عندما يقدر على احت�ضان‬ ‫ال�صحراء‪ ،‬عندما ينجح يف �أن يحبها ويقبل وحدته فيها‪ ،‬ف�إنه‬ ‫ي�صبح �أكرث واقعية وثبات ًا على �أر�ض التفا�ؤل‪ .‬فعلى عك�س ال�شائع‪،‬‬ ‫ال�صحراء تدعم الأمل‪ .‬من البديهي �أن ترتك ال�صحراء هذا الأثر‬ ‫على الإن�سان‪ ،‬فهي حتمل يف داخلها �أ�سباب العظمة‪ .‬ولكن هل من‬ ‫املعقول �أن ُيحدث �شارع ع��ادي �صغري يف بلدة �صغرية ال مييزها‬ ‫�شيء �أثر ًا م�شابه ًا؟ يحكي الأديب الأمريكي جون �أبدايك يف �سريته‬ ‫الذاتية «الوعي بالذات» «‪ »1989‬عن تلك اللحظة حني ا�ستدار �إىل‬ ‫اخللف ليلقي نظرة على ال�شارع اجلانبي الذي يقع عند نهاية طريق‬ ‫«فيالدلفيا»‪ .‬نظر �إىل ال�شارع ال�صغري يف اجلو الرمادي لوقت ما بعد‬ ‫الظهرية ك�أنه يبحث بعينيه عما ي�سميه العجائز امل�ؤمنني باخلرافة‪:‬‬ ‫«عالمة»‪ .‬توارت يف ال�صمت والظالل بالطات الر�صيف‪ ،‬ومداخل‬ ‫البيوت والأ�شجار املتبقية‪ .‬يقول «�أبدايك»‪« :‬لقد �أحببت هذا ال�شارع‬ ‫الب�سيط‪ ،‬فلقد ق�ضيت فيه ثالثة ع�شر عام ًا ومل يحدث يل فيه �سوء‪.‬‬ ‫لقد �أحببت »�شيلتنجتون« لي�س كما يحب املرء كابري �أو نيويورك‬ ‫«لأنها مدن مميزة»‪ ،‬ولكن لأن «�شيلتنجتون» قد �أ�صبحت مرادف ًا‬ ‫لوجودي‪� .‬إن ح�ضوري �إىل هذا املكان لهو �شيئ رائع‪ .‬فهنا �أ�صبح �أكرث‬


‫د‪� .‬سحر املوجي‬ ‫باحثة وروائية من م�صر‬

‫قرب ًا من معنى وجودي»‪.‬‬ ‫تُع ّرف الأماكن املقد�سة ب�أنها تلك امل�ساحات التي ي�شعر فيها الإن�سان‬ ‫به�شا�شة احليز الفا�صل بني واق��ع حياته وحقيقة ك�برى وراء كل‬ ‫احلياة‪� .‬إنه املكان الذي نقرتب فيه من عامل الأ�سرار ويتاح لنا �أن‬ ‫نلتقط ملحة منه‪ .‬وبناء على هذا التعريف فكل مكان ب�إمكانه �أن‬ ‫يحمل مغزى ل�شخ�ص ما يف حلظة بعينها‪ :‬قد يكون بيت الطفولة من‬ ‫هذه الأماكن‪� ،‬أو �شجرة اليا�سمني التي �شهدت غرامنا الأول‪ ،‬ورمبا‬ ‫هو القرية التي ن�ش�أنا فيها �أواملدر�سة‪ .‬وقد تت�ضمن هذه الأماكن ما‬ ‫هو غري متوقع‪ .‬فعلى �سبيل املثال ترى الكاتبة �سوزان جوتري قدا�سة‬ ‫يف طرقة امل�ست�شفى‪ ،‬فهي بالن�سبة لها مكان غام�ض‪ ،‬عتبة مقد�سة‬ ‫وخميفة على حافة الروح الإن�سانية‪ .‬تقول يف كتابها «نافذة النعم»‬ ‫«‪� »1996‬إن طرقة امل�ست�شفى تعني �إطاللة �أو مواجهة مع ال�ضعف‬ ‫الإن�ساين‪ ،‬مع ه�شا�شة وجودنا‪ .‬طرقة امل�ست�شفى هي الوجه الآخر‬ ‫للوجود‪ :‬املوت‪ .‬طرقة امل�ست�شفى هي در�س يف التوا�ضع ومواجهة مع‬ ‫احلجم احلقيقي للذات يف مواجهة املجهول‪.‬‬ ‫لو �أن �أحدهم قد �س�ألني و�أنا يف الع�شرينيات من عمري عن املكان‬ ‫الذي يالقيني بـ«روحي» ملا عرفت الإجابة‪ ،‬وذلك بب�ساطة لأنني مل‬ ‫�أكن قد بد�أت بعد يف تهجى �أبجدية ذاتي‪ .‬وعندما بد�أت �أق�شر عن‬ ‫نف�سي كل الت�صورات ال�سطحية عمن �أكون‪ ،‬و�أحاول التعرف على ذاتي‬ ‫احلقيقية بدون و�سيط‪ ،‬وجدتني �أجنذب ب�شكل قوي �إىل عدة �أماكن‬ ‫يف القاهرة‪ .‬كنت �ألبي احتياج ًا قوي ًا يدفعني �إىل �شارع املعز لدين‬ ‫اهلل الفاطمي يف القاهرة القدمية‪� ،‬أت�سكع هناك بال هدف وكثري ًا‬ ‫ما كنت �أدخل �إىل م�سجد ال�سلطان برقوق و�أجل�س يف �صمت ال�ساحة‬ ‫الرخامية املفتوحة على ال�سماء‪ .‬وكنت �أذه��ب �إىل ق�صر الأم�ير‬ ‫«حممد علي» باملنيل بحديقته ذات النباتات النادرة‪ ،‬ومتحف ال�صيد‬ ‫ال�صغري على ميني املدخل‪ ،‬والق�صر املزخرف بال�سرياميك والزجاج‬

‫امللون وامل�شربيات التي يت�سلل النور منها �إىل �صالة اال�ستقبال ب�أثاثها‬ ‫العربي‪ .‬مل �أكن �أعرف ال�سبب الذي يدفعني �إىل تلك الأماكن‪ ،‬لكنني‬ ‫كنت �أ�ست�شعر وجاهته‪� .‬سنوات �أخذتني ببطء‪ ،‬خطوة بعد �أخرى‪� ،‬إىل‬ ‫نف�سي‪ ،‬وبد�أت �أتعرف على مالحمي احلقيقية‪ .‬و�ساعتها فهمت �سبب‬ ‫تلك الزيارات التي مل �أكن �أفعل فيها �شيئ ًا �إال ال�سكون وال�سباحة يف‬ ‫روح املكان‪ .‬لقد كنت �أزور اجلغرافيا التي ت�شبهني والأماكن التي‬ ‫�أق�ترب فيها من عامل الأ��س��رار و�أرى وم�ضات �سريعة من غمو�ض‬ ‫الكون‪ .‬كثري ًا ما �أفكر ب�أ�سى فينا‪ ،‬نحن �أبناء وبنات املدن‪� .‬أدرك �أننا‬ ‫ب�ؤ�ساء لأننا قد انف�صلنا عن م�ساحات الطبيعة البكر التي جتعلنا‬ ‫نلتقي ب�أرواحنا‪ .‬و�أدرك �أن ما يحدث لي�س خط�أ �شخ�صي ًا ولكنها ثقافة‬ ‫ال تقدر �أهمية التوا�صل مع م�ساحة مفتوحة على ال�سماء‪� .‬أن تكرب يف‬ ‫مدن الأ�سمنت يعني بال�ضرورة �أن تن�سى النظر �إىل ال�سماء‪ .‬ويف هذا‬ ‫الإطار‪ ،‬نكرب وقد فقدنا االت�صال بحقيقة �أننا جزء من عامل �أكرب‬ ‫و�أو�سع و�أكرث غمو�ض ًا وتعقيد ًا مما نظن‪ .‬يتكلم عامل البيئة الزراعية‬ ‫والكاتب اللبناين‪ /‬الأمريكي جاري نبهان يف «طيور مغردة وعي�ش‬ ‫الغراب وذئاب» «‪ »1994‬عن احتياج الب�شر ملا هو �أكرث من حمميات‬ ‫طبيعية وحدائق كبرية منمقة‪ .‬يقول «نحن بحاجة �إىل م�ساحة من‬ ‫الأر�ض ال ندفع تذاكر كي ندخلها‪ ،‬وال ن�ضطر للخ�ضوع للتفتي�ش عند‬ ‫اخلروج منها‪ .‬على كل منا �أن يت�سلل �إىل براح بعيد مل تده�سه �أقدام‬ ‫الب�شر‪ ،‬حتى لو كان هذا يعني ال�صحو يف اخلام�سة �صباح ًا قبل �أن‬ ‫ي�صحو الباقون»‪� .‬صحيح �أن جاري نبهان يتحدث عن الو�ضع الأمثل‪:‬‬ ‫الذهاب �إىل �أر�ض برية‪� ،‬إال �أنه �أي�ض ًا يحثنا على التحايل على و�ضعية‬ ‫�سكان املدن‪ .‬وي�ؤكد �أنه يف حالة �إخفاقنا يف العثور على املكان الذي‬ ‫يخطف �أنفا�سنا‪ ،‬ف�إن ب�إمكاننا على الأقل �أن نقوي عالقتنا بالأماكن‬ ‫التي تزيد من �سرعة دقات قلوبنا‪.‬‬ ‫الروح تختار ال�سكن يف �أماكن بعينها‪ ،‬فلنذهب لنقابلها �أحياناً‬

‫هنا ‪..‬وهناك‬


‫وجه في المرآة‬ ‫‪42‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫رائد املنهج التجريبي املخربي‬

‫جابر بن حيّان‪..‬‬

‫فيلسوف عربي هدم األساطير والخرافات‬ ‫د‪ .‬هاين حجاج‬ ‫حتى ا�سمه كان حمل خالف‪ ،‬فهو �أحياناً «عبد اهلل جابر بن حيان» ومرة «�أبو عبد اهلل» �أو «�أبو مو�سى جابر بن‬ ‫رب العلم‪ ،‬و�سد ثغراته‪ ،‬و�أقام‬ ‫حيان» ويقال �إن له ولدين بهذين اال�سمني‪ ،‬و�أن جابر هو لقب‪ ،‬لأنه هو من ج َ‬ ‫ك�سوره‪ ،‬و�أعاد تنظيمه‪ .‬كما �أن حمل ميالده غري حمدد‪ ،‬فهناك من يقول �إنه فار�سي مولود يف طو�س بخرا�سان‬ ‫«م�سقط ر�أ�س ال�شاعر الفار�سي املعروف الفردو�سي» ومن يقول �إنه من طر�سو�س و�آخر يجزم �أنه من ح ّران «كما‬ ‫يف مرجع هريبيلوت الذي نقله �إ�سماعيل مظهر يف كتابه تاريخ الفكر العربي»‪ ،‬وثالث ي�ؤكد �أنه يوناين دخل‬ ‫الإ�سالم‪ ،‬ورابع يعلن �أنه هو نف�سه جابر بن الأفلح الذي عا�ش يف �أ�شبيلية ودر�س الفلك‪ ،‬لكنه جاء مو�صوفاً يف‬ ‫روايات كثرية بالكويف‪ .‬وال يعرف �أحد هل هي ت�شري �إىل م�سقط ر�أ�سه �أو �إىل مقامه فيها زمناً‪.‬‬


‫ك��ذل��ك ال ي��ع��رف �أح����د ت���اري���خ م��ي�لاده‬ ‫احلقيقي‪ ،‬لكن �أكرث النا�س �أجمعوا على‬ ‫عالقته بالربامكة يف عهد هارون الر�شيد‬ ‫«وعا�شوا يف ظل عنايته �سبعة ع�شر عام ًا»‬ ‫لكن ذل��ك ينايف ق��ول حاجي اخلليفة يف‬ ‫«ك�شف الظنون»‪ .‬ويقول «ليو الأفريقي»‬ ‫الذي �أ ّرخ لرجال الكيمياء يف �أفريقيا �أن‬ ‫كبريهم هو جابر الإغريقي وكانت حياته‬ ‫بعد زمن بني الإ�سالم بقرن من الزمان!‬ ‫وين�سب «�ألربت الكبري» مولده �إىل القرن‬ ‫احل��ادي ع�شر امليالدي يف الأندل�س؛ و�أق��رب‬ ‫الآراء �إىل ال�صحة هي �أنه عا�ش خالل الن�صف‬ ‫الثاين من القرن الثامن امل��ي�لادي واجل��زء‬ ‫الأول من القرن التا�سع‪ ،‬كما يقول هومليارد يف‬ ‫كتابه «الكيمياء حتى ع�صر دالتون»؛ �إن حياته‬ ‫امتدت خالل ال�شطر الأكرب من القرن الثامن‪.‬‬ ‫وال تنتهي عند هنا موا�ضع اخلالف ب�ش�أن‬ ‫«جابر بن حيان»‪ ،‬فقد زعم �أهل املنطق �أنه‬ ‫كبري الفال�سفة‪ ،‬وقال �أ�صحاب ال�صنائع‬ ‫�أن ريا�سة �صناعة ال��ذه��ب والف�ضة �إىل‬ ‫ع�صره انتهت!‬ ‫وال��واق��ع �أن��ه ك��ان ج��ديل الفل�سفة‪ ،‬كيميائي‬ ‫العلم‪ ،‬لكن الأكيد �أنه كان �صويف املذهب‪ ،‬حتى‬ ‫لقد ل�صقت به ال�صفة‪ ،‬فيدعى كلما ورد ذكره‬ ‫«جابر بن حيان ال�صويف»‪ .‬وهو عامل الكيمياء‬ ‫العربي الأول وعلى يده ا�شتهر هذا العلم‪ ،‬وهو‬ ‫�أول من ا�ستحق لقب «كيموي» بني امل�سلمني‬ ‫وب�سبب ذل��ك �صار �أ�شهر من ن��ار على علم‪،‬‬ ‫فاح�ش ال�ثراء‪ ،‬رفيع املكان واملكانة وو�صفوه‬ ‫ب�أنه امللك على العرب والعجم و�أه��ل الهند‬ ‫وفيما بعد �أ�شاد به «ال��رازي» و«را�سل»‪ ،‬الأول‬ ‫بقوله «�أ�ستاذنا �أب��و مو�سى جابر بن حيان»‬ ‫والثاين ب�أنه «�أ�شهر علماء العرب وفال�سفتهم»‪.‬‬ ‫وبالطبع ما كان يجب �أن مير كل هذا من حتت‬ ‫�أنوف احلا�سدين فقالوا‪« :‬ما �أنت �إال كا�سر‪..‬‬ ‫كذب الذي �س ّماك جابر»‪.‬‬

‫متثال البن حيان فيل�سوف العلماء‬

‫الأك�ب�ر م��ن جم��ه��وده �إىل م���ؤل��ف جمهول‬ ‫وقالو �إنه جمرد مرتجم مل�ؤلفات التينية يف‬ ‫الع�صور الو�سطى‪ ،‬كما جاء امل�ؤرخ «برتلو»‬ ‫لين�سب �أغلب �أعمال «جابر بن حيان» �إىل‬ ‫علماء �أوروبا بدعوى �أن كتابه «اخلال�ص»‬ ‫– مث ًال – �أكرث ن�ضج ًا من �أن يكون عربي‬ ‫امل�صدر!! الكتاب متم ّيز الدرا�سة‪ ،‬بديع‬ ‫املنهج‪ ،‬حمكم ال�سري‪ ،‬ي�ستدل باحلجة‬ ‫والربهان‪ ،‬موحد ال�سياق‪ ،‬حمقق املوارد‪،‬‬ ‫ثري املفردات اللغوية‪ ،‬كل هذه املميزات‬ ‫ت�ؤكد �أن الكتاب الهام ال ميكن �أن ينتمي‬ ‫�إىل �أ�صول عربية ‪ -‬طبع ًا من وجهة نظر‬ ‫« برتلو » احلمقاء‪ .‬ويف�سر ال�سيد « برتلو‬ ‫» �أن التفاوت يف �أ�سلوب ر�سائل «جابر بني‬ ‫حيان» �سببه �أن م�ؤلفها �أكرث من واحد!‬ ‫دون �أن يخطر على باله �أن هذه ال�صفة‬

‫ابن حيان هو أول من‬ ‫استحق لقب «كيموي»‬ ‫عقول م�سمومة‬ ‫بين المسلمين وكان‬ ‫وكانت لهم عقول م�سمومة‪ ،‬فكتبوا تاريخه أشهر من نار على علم‪،‬‬ ‫مزيف ًا‪ ،‬وا�ستكرثوا عليه ريادة‬ ‫النظريات فاحش الثراء‪ ،‬ووصفوه‬ ‫الكيميائية عالية القيمة‪ ،‬فن�سبوا ال�شطر‬ ‫بأنه الملك على العرب‬ ‫والعجم وأهل الهند‬

‫ك��ان��ت م�لازم��ة ل��ل��م���ؤل��ف�ين يف م��ث��ل ه��ذه‬ ‫الع�صور‪� :‬أن ُيظهر الكاتب �أم��ر ًا ويخفي‬ ‫�آخر يف ظل الأجواء غري امل�ستقلة‪.‬‬ ‫وي�����ش�ير ال��ط��غ��رائ��ي يف ك��ت��اب «مفاهيم‬ ‫ال��رح��م��ة» �إىل �أن ج��اب��ر ب��ن ح��ي��ان ك��ان‬ ‫يعقد احلديث يف ظاهر الأمر على �شيء‬ ‫ما‪ ،‬لكنه يجعل باطن احلديث من�صرف ًا‬ ‫�إىل �آخر‪ ،‬فمث ًال يتحدث عن الكيمياء يف‬ ‫مو�ضوع عنوانه «التنا�سخ»‪ ،‬حتى ال يفطن‬ ‫�إىل ه��ذا العلم الكيميائي عنده �إال من‬ ‫يريد لهم �أن يفهموه‪ ،‬وال ن�شك يف �أن��ه‬ ‫�أ�ضل عامل ًا من النا�س مل يعرفوا مغزاه‬ ‫الباطن فحملوه على ظاهر معناه‪ ،‬ولعل‬ ‫«برتلو» �أحد ه�ؤالء ال�ضالني !‬ ‫والب���ن ح��ي��ان منهجه و�سلوكه اخل��ا���ص‪،‬‬ ‫روى اجللدكي يف «���ش��رح املكت�سب» �أن��ه‬ ‫�أراد �أن يتعلم الكيمياء على يديه ف�أخذ‬ ‫يرتدد ويراوغ ويتعلل ب�ضيق الوقت‪ ،‬وبعد‬ ‫�إحلاح �شديد �أجابه « جابر »‪�« :‬إمنا �أردت‬ ‫�أن �أختربك‪ ،‬و�أعلم حقيقة مكان الإدراك‬ ‫منك؛ ولتكن على �أهل العلم يف حذر ممن‬ ‫ي���أخ��ذه ع��ن��ك؛ واع��ل��م �أن���ه م��ن املفرت�ض‬ ‫علينا‪ ،‬نحن رجال الكيمياء‪ ،‬كتمان هذا‬


‫وجه في المرآة‬ ‫‪44‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫العلم وحت��رمي �إذاعته لغري امل�ستحق من‬ ‫بني نوعنا‪ ،‬و�أال نكتمه عن �أهله‪ ،‬لأن و�ضع‬ ‫الأ���ش��ي��اء يف حملها م��ن الأم���ور الواجبة‪،‬‬ ‫ولأن يف �إذاعته خراب العامل‪ ،‬ويف كتمانه‬ ‫عن �أهله ت�ضييع ًا لهم؛ وقد ر�أينا احلكمة‬ ‫�صارت يف زمننا مهددة البنيان‪ ،‬ال �سيما‬ ‫وطلبة ه��ذا الزمان من �أجهل احليوان‪،‬‬ ‫وقد اجتمع ه�ؤالء على املحال‪ ،‬ف�إنهم ما‬ ‫بني �سوقة وباعة و�أ�صحاب دهاء و�شعبذة‪،‬‬ ‫ال يدركون ما يقولون‪ ،‬ف�أخذوا يتذاكرون‬ ‫الفقر ويذكرون الكيمياء غناء الدهر»‪.‬‬ ‫وهو �إذ يعز عليه علمه �إىل حد �إخفائه‪،‬‬ ‫�إال �أنه يعتز به �إىل حد الغرور «‪ ...‬وحق‬ ‫�سيدي‪ ،‬ل��وال ه��ذه الكتب مل��ا و�صلت �إىل‬ ‫حرف من ذلك �إىل �آخر الأبد‪ ،‬ال �أنت وال‬ ‫غريك‪� ،‬إال يف كل برهة عظيمة يف الزمان‬ ‫‪ ...‬لي�س ع��ل��ى وج���ه الأر�����ض ك��ت��اب مثل‬ ‫كتابنا هذا‪ ،‬وال �أ ّلف وال ي�ؤ ّلف �آخر الأبد»‪.‬‬

‫فل�سفة جابر وكانط‬

‫�إجنازات بن حيان‬ ‫ اكت�شف «ال�صودا الكاوية» �أو القطرون ‪»NaOH«.‬‬‫ �أول من ا�ستح�ضر ماء الذهب‪.‬‬‫ �أول من �أدخل طريقة ف�صل الذهب عن الف�ضة باحل ّل بوا�سطة الأحما�ض‪.‬‬‫وهي الطريقة ال�سائدة �إىل يومنا هذا‪.‬‬ ‫ �أول من اكت�شف حم�ض النرتيك‪.‬‬‫ �أول من اكت�شف حم�ض الهيدروكلوريك‪.‬‬‫ حتدث عن التولد الذاتي‪.‬‬‫ �أ�ضاف جوهرين �إىل عنا�صر اليونان الأربعة وهما «الكربيت والزئبق» و�أ�ضاف‬‫العرب جوهراً ثالثاً وهو «امللح»‪.‬‬ ‫ �أول من اكت�شف حم�ض الكربيتيك وقام بت�سميته بزيت الزاج‪.‬‬‫ �أدخل حت�سينات على طرق التبخري والت�صفية واالن�صهار والتبلور والتقطري‪.‬‬‫ ا�ستطاع �إعداد الكثري من املواد الكيميائية ك�سلفيد الزئبق و�أك�سيد االر�سني‬‫«‪.»arsenious oxide‬‬ ‫ جن��ح يف و�ضع �أول طريقة للتقطري يف ال�ع��امل‪ .‬فقد اخ�ت�رع جهاز تقطري‬‫وي�ستخدم فيه جهاز زجاجي له قمع طويل ال يزال يعرف حتى اليوم يف الغرب‬ ‫با�سم «‪ »Alembic‬من «الأمبيق» باللغة العربية‪ .‬وقد متكن جابر بن حيان من‬ ‫حت�سني نوعية زجاج هذه الأداة مبزجه بثاين �أك�سيد املنجنيز‪.‬‬ ‫ �صنع ورق غري قابل لالحرتاق‪.‬‬‫‪� -‬شرح بالتف�صيل كيفية حت�ضري الزرنيخ والأنتيمون‪.‬‬

‫وفيما بعد �سي�ؤكد اميانويل كانط «‬ ‫– ‪ » 1804‬ب�أ�سلوبه ه��و �أي�����ض�� ًا �أن مهمته‬ ‫الفل�سفية مهمة نقدية‪ ،‬بدليل عنوان كتابه‬ ‫«نقد العقل اخلال�ص‪ ،»1781 -‬ويعد �أهم‬ ‫روائ��ع الفكر الغربي الكربى‪ ،‬وي�ؤكد فكرة‬ ‫«كانط» �أنه قبل الت�سا�ؤل حول العامل ينبغي‬ ‫للإن�سان الت�سا�ؤل ب��دء ًا عن ق��درات��ه على‬ ‫املعرفة‪� ،‬إع��ادة املركز هذه التي دل عليها‬ ‫«اب���ن ح��ي��ان»‪��ُ � ،‬ش�� ّب��ه��ت فيما ب��ع��د ب��ال��ث��ورة‬ ‫الكوبرنيكو�سية يف الفل�سفة‪ :‬قبل ت�أمل‬ ‫الواقع ينبغي ت�أمل الفكر؛ ما هي طاقات‬ ‫الفكر الإن�ساين وم��ا هي ح��دوده؟ ه��ذا هو‬ ‫مو�ضع النقد ومو�ضع االنطالق‪ .‬وهنا تلتقي‬ ‫فل�سفة «ج��اب��ر» و«ك��ان��ط»‪ :‬ال نعرف العامل‬ ‫كما ه��و‪ ،‬ب��ل كما ي�ستطيع عقلنا ت�ص ّوره‪.‬‬ ‫ُحك ُمنا حمدود ب�أُطرنا العقلية‪ ،‬ولي�س مفيد ًا‬ ‫يف ���ش��يء ا�ستخال�صه م��ن جم��ال كفاءته‬ ‫املحدودة‪ ،‬ويجب �أال نطلب من العقل �أكرث‬ ‫مما ي�ستطيعه‪ ،‬لي�س �أكرث مما هو ممكن �أن‬ ‫نطلب من الكفيف �أن ُيع ّرف لنا اللون!‬

‫‪1724‬‬


‫حتطيم الأ�صنام الفكرية‬

‫ولي�ست هذه هي النظرية الوحيدة التي‬ ‫ا�ستلهمها الفكر الغربي من الفيل�سوف‬ ‫العربي هادم الأ�ساطري واخلرافات الذي‬ ‫�أ�شار �إىل �أهمية حتطيم الأ�صنام الفكرية‬ ‫وحت��ط��ي��م الأ���س��ط��ورة‪ ،‬وح���ل اليقينيات‬ ‫وتفكيكها‪ ،‬و�أن ن�شري نحن ب�أ�صابعنا �إىل‬ ‫�أوهامنا؛ �إن هذا هو الواجب الأول والأوىل‬ ‫والأ ّويل للفيل�سوف‪ ،‬غ�ير �أن البع�ض ال‬ ‫يجد نف�سه �ضمن ه��ذا امل�شروع‪ ،‬وهكذا‬ ‫ميكن ر�ؤي��ة ال�صورة ب�شكل �أك�ثر عظمة‬ ‫وطموح ًا‪ :‬الفيل�سوف هو �سيد بني �آدم من‬ ‫جهة احلقيقة‪ ،‬وهو الوحيد الذي ي�ستطيع‬ ‫بو�ضعه وم��رك��زه ال��ف��ك��ري ال��و���ص��ول �إىل‬ ‫معرفة كاملة غري ممكنة لأغلب النا�س‪،‬‬ ‫ه��ذه املعرفة التي ميتزج فيها احلقيقي‬ ‫واجلميل واجليد ك�ساحر النهائي الأ�سرار‪.‬‬ ‫ويقول «اجللدكي» يف نهاية الطلب‪� :‬إن من‬ ‫ع��ادة كل حكيم �أن ُيف ّرق العلم كله يف كتبه‬ ‫كلها‪ ،‬ويجعل له من بع�ض كتبه خوا�ص ي�شري‬ ‫�إليها بالتقدمة على بقية الكتب ملا اخت�صوا‬ ‫به من زيادة العلم‪ ،‬كما خ�ص جابر بن حيان‬ ‫من جميع كتبه كتابه امل�سمى بـ«اخلم�سمائة»‪.‬‬ ‫وقال الطغراين يف كتابه «مفاتيح الرحمة» يف‬ ‫و�صف الطريقة التي انتهجها جابر يف ت�أليف‬ ‫كتبه �أنه يعر�ض مذهبه ب�صور خمتلفة يف كتبه‬ ‫املختلفة‪� ،‬أي �أن املادة التي يعر�ضها يف كتاب‬ ‫ما هي نف�سها التي يعر�ضها يف كتاب �آخ��ر‪،‬‬ ‫وال يناق�ض نف�سه �أو يكرر �إمنا يغيرّ الأ�سلوب‪،‬‬ ‫�أو ُي�ص ّرح مرة ويلج�أ �إىل الرمز مرة‪ ،‬ويطيل‬ ‫مرة ويوجز مرة ‪ ..‬هذا العامل الذي يتالعب‬ ‫بالعقول كيف �شاء و ُي��خ��رج ه��ذه ال�صناعة‬ ‫ال�شريفة يف املعار�ض املختلفة ومغزاه واحد‪.‬‬ ‫على �أن��ن��ا يجب �أن ن��درك �أن التفل�سف هو‬ ‫يف البداية والنهاية تع ّلم العي�ش هنا والآن‪،‬‬ ‫ولهذا ينبغي التخلي عن التطلعات التي ت�ضع‬ ‫«الأف�ضل» يف «ما بعد»‪ ،‬والفيل�سوف يف بيته‬ ‫مت�صالح مع �صورته املتوارثة عن �أ�سالفه؛ فهو‬ ‫يحب احلكمة فوق كل �شيء ويطمح �إىل حتديد‬ ‫فن للعي�ش يجعله جدير ًا بها وبه‪ .‬لكن �أ�سئلة‬

‫خمطوطة �أوربية من القرن ال‪ 15‬ت�صور بن حيان‬

‫تظهر فج�أة ما كان يجر�ؤ �أحد على طرحها يف‬ ‫عهد مع ّلمي ال�شك‪ ،‬ت�صيب جمهور ًا يعاين من‬ ‫نق�ص احلقائق وقواعد اال�ستدالل‪.‬‬

‫منهج و�إجراءات ابن حيان‬

‫ل��ق��د ك��ان��ت �أع��م��ال ج��اب��ر ال��ق��ائ��م��ة على‬ ‫ال��ت��ج��رب��ة املعملية �أه���م حم��اول��ة ج��ادة‬ ‫قامت �آن���ذاك لدرا�سة الطبيعة درا�سة‬ ‫علمية دقيقة؛ فهو �أول من َّ‬ ‫ب�شر باملنهج‬ ‫التجريبي امل��خ�بري‪ ،‬وت��ك��اد الإج���راءات‬ ‫ال��ت��ي ك��ان يتبعها يف �أب��ح��اث��ه تطابق ما‬ ‫يقوم به امل�شتغلون باملنهج العلمي اليوم؛‬

‫أدرك ابن حيان خطر‬ ‫تحديد المعاني الواردة‬ ‫في أي بحث علمي مما‬ ‫دفعه إلى وضع كتابه‬ ‫«الحدود» لسرد تعريفات‬ ‫األلفاظ العلمية‬

‫وتتلخ�ص �إجراءاته يف خطوات ثالث‪:‬‬ ‫الأوىل‪� :‬أن ي�أتي الكيميائي بفر�ض يفر�ضه‬ ‫من خالل م�شاهداته‪ ،‬وذلك حتى يف�سر‬ ‫الظاهرة التي يريد تف�سريها‪.‬‬ ‫الثانية‪� :‬أن ي�ستنبط مما افرت�ضه نتائج‬ ‫ترتتب عليه نظر ًيا‪.‬‬ ‫الثالثة‪� :‬أن يعود بهذه النتائج �إىل الطبيعة‬ ‫ليتثبت م��ا �إذا ك��ان��ت ���س��ت�����ص��دق على‬ ‫م�شاهداته اجلديدة �أم ال؛ ف���إن �صدقت‬ ‫حتولت الفر�ضية �إىل قانون علمي ُيع َّول‬ ‫عليه يف التنب�ؤ مب��ا ميكن �أن يحدث يف‬ ‫الطبيعة �إذا توافرت ظروف بعينها‬ ‫�أما منهجه فيتلخ�ص يف ع�شر نقاط هي‪:‬‬ ‫‪ - 1‬على �صاحب التجربة العلمية �أن‬ ‫يعرف علة قيامه بالتجربة التي يجريها‪،‬‬ ‫ف���أن��ت يجب �أن ت���درك ال�سبب وال��داف��ع‬ ‫وراء جتربتك‪.‬‬ ‫‪ - 2‬على �صاحب التجربة العلمية �أن يفهم‬


‫وجه في المرآة‬ ‫‪46‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫�صفحة من كتاب تف�سري املالغم البن حيان‬

‫كان ابن حيان شغوف ًا‬ ‫باختصار المضامين إلى‬ ‫أقصى حد لها بحيث ال‬ ‫بل ينبغي �أن تكون ق��راءت��ك للكتب مرة‬ ‫يذكر حرف ًا واحد ًا ال معنى �أخ���رى‪ ،‬وم��رة ك��ل �شهر‪ ،‬و�أم��ا «احل��دود»‬ ‫فينبغي �أن ينظر ف��ي��ه ك��ل ���س��اع��ة‪ ،‬و�أن‬ ‫له أو زائد ًا عن المساحة‬ ‫وفيثاغور�س فال�سفة وم�صلحني بقدر ما‬ ‫كانوا علماء يف املنطق والريا�ضة وكانت‬ ‫عبارة «ال يدخل �أحد �إن مل يكن هند�سي ًا»‬ ‫مكتوبة على �أبواب املدار�س الفل�سفية‪ .‬يف‬ ‫هذا الزمان كانت كل العلوم �أجزاء حلكمة‬ ‫كلية يطلبها ال��ع��امل الفيل�سوف وفيما‬ ‫بعد ك��ان «جوتفريد اليبنتز» « ‪– 1646‬‬ ‫‪ » 1716‬الفيل�سوف وال�سيا�سي والريا�ضي‬ ‫خمرتع احل�ساب التفا�ضلي الالمتناهي‬ ‫ال�صغر مبفهوم نيوتن‪ .‬و«رينيه ديكارت»‬ ‫ال��ف��ي��ل�����س��وف ال�����ذي اخ��ت��رع ال��ه��ن��د���س��ة‬ ‫التحليلية وو�ضع قوانني انك�سار الأ�شعة‬ ‫ال�ضوئية يف الب�صريات‪ ،‬وبا�سكال الذي‬ ‫ابتكر الآلة احلا�سبة ونظرية االحتماالت‪.‬‬ ‫هذا قبل �أن تتحلل الروابط بني الفل�سفة‬ ‫والعلم ابتداء من القرن ال�سابع ع�شر‪،‬‬ ‫ولعل «كانط» هو �آخر الفال�سفة ‪ /‬العلماء‬ ‫على النحو الذي ذكرناه �آنف ًا‪ .‬واملالحظ‬ ‫لدى «جابر بن حيان» دقته الالمتناهية‬ ‫يف مناق�شة مو�ضوعاته وحتليل جتاربه‬ ‫وا�ستنباطه للنتائج ب�شكل ق��اط��ع يكاد‬ ‫يوحي بتم ُّكنه من �أ�سرار كونية‪ .‬لقد �أدرك‬ ‫ب�شكل وا�ضح خطر حتديد املعاين الواردة‬ ‫يف �أي بحث علمي مم��ا دفعه �إىل و�ضع‬ ‫كتابه «احل��دود» ل�سرد تعريفات الألفاظ‬ ‫العلمية والذي يقول عنه‪« :‬يا ليت �شعري‬ ‫كيف يتم عمل ملن مل يقر�أ كتاب احلدود‬ ‫من كتبنا‪ .‬ف�إذا قر�أته يا �أخي‪ ،‬فال جتعل‬ ‫ق��راءت��ك ل��ه م��ث��ل ق����راءة ���س��ائ��ر الكتب‪،‬‬

‫الإر�شادات فهم ًا جيد ًا‪.‬‬ ‫‪ - 3‬ينبغي اجتناب ما هو م�ستحيل وما هو‬ ‫عقيم‪.‬‬ ‫‪ - 4‬يجب العناية باختيار الزمن املالئم‬ ‫والف�صل املنا�سب من ف�صول ال�سنة‪.‬‬ ‫‪ - 5‬يف�ضل �أن يكون العمل يف مكان معزول‪.‬‬ ‫‪ - 6‬يجب �أن يكون �أ�صدقاء الكيموي ممن‬ ‫يثق بهم جيد ًا‪.‬‬ ‫‪ - 7‬البد �أن يكون لديه من الفراغ ما ي�ؤهله‬ ‫لإجراء جتاربه‪.‬‬ ‫‪ - 8‬يجب �أن يكون �صبور ًا كتوما‪ً.‬‬ ‫‪� - 9‬أن يكون م�ؤدب ًا‪.‬‬ ‫‪� - 10‬أال ينخدع بالظواهر و�أال يقفز �إىل امتاز ابن حيان بدقته‬ ‫ا�ستنتاجات‪.‬‬ ‫الالمتناهية في مناقشة‬

‫موضوعاته وتحليل‬ ‫الفل�سفة والعلم‬ ‫تجاربه واستنباطه‬ ‫وك��ان��ت الفل�سفة وال��ع��ل��م ع��ل��ى ارت��ب‬ ‫��اط للنتائج بشكل قاطع‬ ‫وثيق لعهد بعيد‪ ،‬فكان �أر�سطو وطالي�س‬ ‫ُّ‬ ‫بتمكنه من‬ ‫يكاد يوحي‬ ‫أسرار كونية‬

‫�إعطاء احلد �أعظم ما يف الباب»‪ ،‬ويق�صد‬ ‫بـــ «احل��د» هو الإح��اط��ة بجوهر املحدود‬ ‫على حقيقته‪ ،‬حتى ال يخرج منه ما هو‬ ‫فيه‪ ،‬وال يدخل فيه ما لي�س منه‪ ،‬ف�إذا ما‬ ‫ح ّدد املو�ضوع حتديد ًا تام ًا‪� ،‬صار ال يحتمل‬ ‫زيادة وال نق�صان ًا‪ .‬وكان ابن حيان �شغوف ًا‬ ‫باخت�صار امل�ضامني �إىل �أق�صى حد لها‬ ‫بحيث ال يذكر حرف ًا واحد ًا ال معنى له �أو‬ ‫زائد عن امل�ساحة‪.‬‬ ‫ولعل «ج��اب��ر ب��ن ح��ي��ان» يتل ّم�س املبادئ‬ ‫الأ�سا�سية خلا�صية هامة من خ�صائ�ص‬ ‫ال��ذه��ن وه���ي مت�� ّث��ل �أ���ش��ي��اء لي�ست ذات‬ ‫ح�����ض��ور م����ادي �أو ح��ت��ى غ�ي�ر م��وج��ودة‬ ‫�أ� ً‬ ‫صال‪ .‬هذا املفهوم الذي تدل عليه لفظة‬ ‫«ال��ق�����ص��دي��ة» وه���ي اال���س��ت��ع��م��ال الدقيق‬ ‫جد ًا‪ .‬واملقا�صد هي حاالت ذهنية �ضمن‬ ‫ح���االت �أخ����رى ك��ال��رغ��ب��ات وامل��ع��ت��ق��دات‬ ‫وه��ي ت�شري �إىل ق��درة الإن�سان الع�صبية‬ ‫لبع�ض الأج��ه��زة على متثل مظاهر من‬ ‫املحيط ال��ك��ل��ي‪ .‬لكن مفهوم الق�صدية‬ ‫غام�ض لعدة �أ�سباب منها؛ �أن��ه عندما‬ ‫ت��ك��ون ل��ل��ف��رد ق�����ص��دي��ة فمعنى ه���ذا �أن��ه‬ ‫قادر على التفكري يف �شيء ما بعيد جد ًا‬ ‫عن ال��ذات يف املكان؛ «يف القاهرة �أو يف‬ ‫املغرب» �أو «على القمر �أو باملريخ»‪ ،‬وهي‬ ‫كذلك القدرة على التفكري يف �أ�شياء من‬ ‫املا�ضي مثل هتلر وب��رج بابل‪ .‬كما �أنها‬ ‫التفكري يف �شيء خاطئ‪ ،‬م�ستحيل �أو ال‬ ‫وج��ود ل��ه‪ ،‬مثل االع��ت��ق��اد ب���أن �أك�بر عدد‬ ‫ت��ام على الإط�ل�اق زوج��ي هكذا جت��د �أن‬ ‫هذا املفهوم للق�صدية يو�سع املجال بد ًال‬ ‫م��ن �أن ي��ح�����ص��ره يف �أق����رب م��ع��ن��ى‪ ،‬فال‬ ‫يوجد �أي نظام فيزيائي �أو كيميائي �أو‬ ‫بيولوجي قادر على توليد هذه الأفكار �أو‬ ‫متابعة ت�صنيف كل هذه االحتماالت! حتى‬ ‫الفل�سفة نف�سها �سوف تعجز على �إعطاء‬ ‫القدرة لتمثالت عديدة‪.‬‬


‫العلم والعقل والنور‬

‫رادف ج��اب��ر اب���ن ح��ي��ان ب�ي�ن ال��ك��ل��م��ات‬ ‫الثالث «العلم‪ ،‬والعقل‪ ،‬والنور» يف معنى‬ ‫واح��د‪ ،‬فالنور عنده هو الإ���ش��راق العقلي‬ ‫ال��ذي ميكنه منه فهم العلم فهم ًا دقيق ًا‪،‬‬ ‫وا���س��ت��ع��م��ل دي���ك���ارت ك��ل��م��ة ال��ن��ور مبعنى‬ ‫احلد�س ال�صادق ودليل الإدراك‪ ،‬فالعلم‬ ‫عند جابر بن حيان عملية معرفية تك�شف‬ ‫ع��ن حقائق م��وج��ودة ق��ائ��م��ة‪ ،‬وتخلق وال‬ ‫تبتكر من فراغ‪ ،‬العلم �إدراك للموجودات‬ ‫ال �صنعها وال �إرادة وال رغبة يف فعل عند‬ ‫طلب ال��ع��ل��م‪ ،‬م��ن ث��م فلي�س م��ن املطالب‬ ‫�أن يغري العلم – كمعرفة – �شيئ ًا ولن‬ ‫ت�ضيف املعرفة �إىل العامل املادي جديد ًا‪،‬‬ ‫ف�إذا �أ�شعلت يف احلجرة املظلمة م�صباح ًا‬ ‫ف�سوف تك�شف ب�ضوئه تف�صيالتها و�أثاثها‬ ‫والكتب يف الأرفف واملقعد واملكتب دون �أن‬ ‫ت�ضيف �إليها �شيئ ًا �أو �أن تغري من �أو�ضاعها‬ ‫�شيئ ًا‪ ،‬فكل �شيء يف مكانه‪ ،‬فقط �أن��ت مل‬ ‫تتمكن من الر�ؤية قبل �أن ت�شعل ال�ضوء وقبل‬ ‫�أن تفتح عينيك‪ .‬يقول يف حكمته اجلليلة‬ ‫اجلامعة املانعة ال�شاملة الكاملة‪«" :‬العلم‬ ‫نور‪ ،‬والعقل نور‪ ،‬فالعلم عقل‪ ،‬والنور عقل؛‬ ‫كل واحدة من هذه ميكن �أن تكون مقدمة‪،‬‬ ‫وميكن �أن تكون و�سط ًا‪ ،‬فتقول‪ :‬كل علم‬ ‫ع��ق��ل‪ ،‬وك��ل عقل ن���ور‪ ،‬فالنتيجة ك��ل علم‬ ‫ن��ور؛ وكذلك �إذا ُق��دِّ م العقل وجعل العلم‬ ‫و�سط ًا‪ ،‬كان كذلك‪ ،‬وكذلك �إذا ُقدِّ م النور‬ ‫وجعل العلم و�سط ًا‪ ،‬فكان‪ :‬كل ن��ور علم‪،‬‬ ‫وكل علم عقل‪ ،‬فالنتيجة كل نور عقل»‪ .‬ومل‬ ‫يكتف بعنوان رئي�س بل خا�ض البحر وو�ضع‬ ‫تعريفات العلوم وت�صنيفها من دين ودنيا‬ ‫وعلوم �أر�ضية و�سماوية‪.‬‬

‫ت�صنيف دقيق للعلوم‬

‫قام جابر بن حيان بت�صنيف العلوم مبفهوم‬ ‫�شامل و�إت��ق��ان للدقائق؛ ن��اظ��ر ًا �إىل املعرفة‬ ‫الإن�سانية ب�شكل كلي �شبه متكامل‪ ،‬مت�أ ّم ًال‬ ‫العالقة بني كافة العلوم بع�ضها ببع�ض‪ ،‬مازج ًا‬ ‫بني املنهج العلمي ال�صارم‪ ،‬والنظرة الفل�سفية‬

‫سبق ابن حيان‬ ‫«هيدجر» في اإلجابة‬ ‫على تساؤالت كونية‬ ‫خطيرة‪ ،‬وحاول صنع‬ ‫منهج لالستدالل وتحديد‬ ‫األسس المعرفية للبحث‬ ‫عن الحقيقة‬ ‫الرحيمة الوا�سعة‪ .‬فالعلم يعني باجلزئيات‬ ‫وال��ف��روع والفل�سفة تطمح �إىل حتقيق قاعدة‬ ‫عري�ضة ت�ضم كل �شيء يف مفهوم واحد �أو على‬ ‫الأقل يف �أقل عدد من التعريفات املمكنة‪.‬‬ ‫وه��و ُيعلي الفل�سفة ف��وق �أي �شيء وي��ق��ول يف‬ ‫كتاب �إخراج ما يف القوة �إىل الفعل‪�« :‬إنه لي�س‬ ‫براق من �أغفل �صناعة الفل�سفة‪ ،‬لكنه را�سب‬ ‫م�ضمحل �إىل �أ�سفل دائم ًا‪ ،‬و�إن ال�شرع الأول‬ ‫�إمنا للفال�سفة فقط هو‪� ،‬إذ كان �أكرث الفال�سفة‬ ‫�أنبياء كنوح و�إدري�����س وفيثاغور�س وطالي�س‬ ‫ال��ق��دمي وع��ل��ى م��ث��ال ذل���ك ك���ان اال���س��ك��ن��در»‪،‬‬ ‫ويلخ�ص �أ���ص��ول التفكري الفل�سفي يف عدة‬ ‫م��ب��ادئ �أول��ي��ة وي���ؤك��د �أن��ه ال يكون فكر �سليم‬ ‫�إال ب�إتباعها‪ .‬وجلابر بن حيان ت�صنيف �آخر‬ ‫للعلوم �أورده يف كتاب «�إخراج ما يف القوة �إىل‬ ‫الفعل»‪ ،‬في�صنفها �إىل �سبعة �أ�صنف هي‪:‬‬ ‫علم الطب‪ ،‬وعلم ال�صنعة‪ ،‬وعلم اخلوا�ص‪،‬‬ ‫وعلم الطل�سمات‪ ،‬وعلم ا�ستخدام الكواكب‬ ‫العلوية‪ ،‬وعلم الطبيعة‪ ،‬وعلم ال�صور وتكوين‬ ‫الكائنات‪ ،‬وهو يق�سم علم الطب �إىل ق�سمني‬ ‫�أ�سا�سيني؛ نظري وعملي‪ ،‬ثم يق�سم ك ًال من‬ ‫الق�سمني ق�سمني �أحدهما يعني بالعقل �أو‬ ‫النف�س‪ ،‬والآخر يعني بالبدن‪ ،‬ويحلل اجل�سم‬ ‫�إىل عنا�صره ّ‬ ‫وي�شرحه �إىل �أع�ضاء يف تف�صيل‬ ‫ً‬ ‫وبيان‪ ،‬فيقول مثال �إن الإن�سان مركب من‬ ‫�أرب��ع��ة وثمانني �أل���ف قطعة ك��ب��ار و�صغار‪،‬‬ ‫وجميعها يقال لها �إما عظم و�إما ع�ضل و�إما‬ ‫ع�صب و�إما �شريان و�إما وتر‪ ،‬و�إما ليف و�إما‬

‫كانت كل العلوم أجزاء‬ ‫لحكمة كلية يطلبها‬ ‫العالم الفيلسوف قبل‬ ‫أن تتحلل الروابط بين‬ ‫الفلسفة والعلم ابتداء‬ ‫من القرن السابع عشر‬

‫و�سام علمي وطابع يحمالن �صورة ابن حيان‬

‫غ�ضروف و�إما عظمة �سم�سمانية و�إما ظفر‬ ‫و�إم��ا جلد‪ ،‬و�إن الأع�ضاء الرئي�سة يف ج�سم‬ ‫الإن�سان �أربعة‪ ،‬الدماغ والقلب والكبد والأنثيان‪،‬‬ ‫والأخ��ل�اط يف ب��دن الإن�����س��ان �أرب��ع��ة؛ البلغم‬ ‫ويقابله ال��دم��اغ‪ ،‬وال�صفراء وتقابل الكبد‪،‬‬ ‫والدم ويقابل القلب‪ ،‬وال�سوداء وتقابل الأنثيني‪.‬‬ ‫وهذه العلل تقابل العنا�صر الأربعة الرئي�سة يف‬ ‫الطبيعة؛ املاء والنار والهواء وال�تراب؛ فاملاء‬ ‫للدماغ‪ ،‬والنار للقلب‪ ،‬والهواء للكبد‪ ،‬والرتاب‬ ‫للأنثيني‪ .‬والعنا�صر الأرب��ع��ة ب��دوره��ا تقابل‬ ‫الكيفيات الأرب���ع‪ :‬الرطوبة للماء‪ ،‬واحل��رارة‬ ‫للنار‪ ،‬والربودة للهواء‪ ،‬واليبو�سة للأر�ض؛ على‬ ‫�أن هذه الأرب��ع هي يف احلقيقة مركبات‪ ،‬كل‬ ‫منها مركب من عن�صرين �أ�سا�سيني؛ الربودة‬ ‫‪ +‬الرطوبة = امل��اء‪ ،‬احل���رارة ‪ +‬اليبو�سة =‬ ‫النار‪ ،‬احلرارة ‪ +‬الرطوبة = الهواء‪ ،‬الربودة‬ ‫‪ +‬اليبو�سة = ال�تراب‪ ،‬وباعتدال �أمزجة هذه‬ ‫الطبائع ي�صح اجل�سد‪ .‬ويناق�ش طبائع الب�شر‬ ‫واحل��ظ��وظ وال��ظ��روف ب�شكل عجائبي تبع ًا‬ ‫جلداول احلروف عندما يكون لكل ا�سم وحال‬ ‫وفعل درج��ة وقيا�س وع��دد‪ ،‬عائد ًا من جديد‬ ‫لل�شكل الأبجدي العتيق‪� :‬أبجد هوز‬


‫نافذة على التراث‬ ‫‪48‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫بين السرد والهم الثقافي‬ ‫«�إن الفن للفن هو املدخل الوحيد للفن‬ ‫من �أجل احلياة»‬ ‫«عليك �إذا عزفت على ال�ع��ود �أال ُت�سمع‬ ‫النا�س خبطة ال��ري���ش��ة‪ ..‬و�إذا كتبت �أال‬ ‫ُت�سمع القارئ �صرير القلم»‬

‫يحيى حقي‬

‫ه��ذه ال�ق��راءة �إع��ادة التفكري يف‬ ‫املواقف التنظريية التي �أعلنها‬ ‫يحيى حقي م��رار ًا يف كتاباته حول العالقة بني‬ ‫تقنيات العمل ال�سردي من ناحية‪ ،‬واملحتوى‬ ‫الثقايف ال��ذي يريد الكاتب تو�صيله من ناحية‬ ‫�أخرى؛ �أو بني جماليات الن�ص ال�سردي املميزة له‬ ‫والر�سالة الواعية التي يحاول الن�ص �أن يحملها‬ ‫�أيا كان نوعها‪.‬‬ ‫هناك �س�ؤال حمدد ميكن البدء منه‪ :‬هل ا�ستطاع‬ ‫يحيى حقي �أن يبقى وفي ًا ملقوالته التنظريية‬ ‫املعلنة‪ ،‬تلك التي تبدو مت�صلة باملقوالت ال�سائدة‬ ‫يف هذه الفرتة لكل من النقد اجلديد وال�شكلية‬ ‫الرو�سية‪ ،‬خا�صة املرتبطة ب�أن الن�ص يكتبه تراثه‬ ‫النوعي‪ ،‬و�أن الفن على اختالف توجهاته ال يجب‬ ‫�أن يكون وفي ًا �سوى للفن‪ ،‬و�أن �إبداع الكاتب يقا�س‬ ‫بقدرته على ا�ستخدام �أكرب عدد من التقنيات‬ ‫بتوافق خا�ص يجعلها مده�شة للقارئ بغ�ض‬ ‫النظر عن بعد الر�سالة �أو امل�ضمون‪ ،‬و�أن اللغة‬ ‫الأكرث �إبداع ًا هي التي حتقق انحراف ًا عن اللغة‬ ‫املعيارية جلماعة لغوية معينة مبا ينزع الألفة عن‬ ‫هذه اللغة‪....‬الخ؟‬ ‫�إنّ ت�صور الإجابة ال��ذي أ�ح��اول بلورته يف هذه‬ ‫القراءة هو �أنّ يحيى حقي مل ي�ستطع �أن يفلت من‬ ‫الهم الثقايف التنويري الذي حمله كثري‬ ‫قب�ضة ّ‬

‫حتاول‬

‫من �أبناء جيله‪ ،‬فتحول ال�سرد �إىل ر�سالة ثقافية‬ ‫تلب�س ثوب ًا ق�ص�صي ًا �أكرث من كونها �سرد ًا يحمل‬ ‫ر�سالة تالية يف �أهميتها على جماليات الن�ص‬ ‫ال�سردي وقيم التجديد فيه؛ بعبارة �أخرى حتولت‬ ‫�سرود يحيى حقي معظمها �إىل حماوالت للإجابة‬ ‫عن الأ�سئلة الثقافية ل ّلحظة التاريخية التي‬ ‫عا�صرها م�ستعينا يف ذلك بالقالب ال�سردي‪،‬‬ ‫ال��ذي �سمحت �شروطه �ساعتها با�ستطرادات‬ ‫ال ��راوي كلي امل�ع��رف��ة‪ ،‬وب�سيطرته على وجهة‬ ‫النظر‪ ،‬لتعرب فوقها ر�ؤى الكاتب وحلوله مل�شكالت‬ ‫واقعه الثقايف‪.‬‬ ‫ويبدو يل �أن املقتطفني اللذين �صدّرت بهما‬ ‫هذه املقالة «املقتب�سني من ال�سرية الذاتية‬ ‫التي �صدرت بها طبعة خا�صة حتت عنوان‬ ‫«قنديل �أم ها�شم» وت�ضم بع�ض �أعمال يحيى‬ ‫حقي الأخرى‪ :‬يحيى حقي‪ ،‬قنديل �أم ها�شم‪،‬‬ ‫الهيئة امل�صرية العامة للكتاب‪� ،1994 /‬ص‬ ‫‪ ،46 ،13‬و �سي�شار لهذا املرجع بعد ذلك يف‬ ‫امل�تن كالتايل‪« :‬قنديل �أم ها�شم‪��� /‬ص‪،»..‬‬ ‫يبدو يل �أن هذين املقتطفني يعربان عن وعي‬ ‫حقي النظري بالعالقة بني الطرفني‪ :‬القيمة‬ ‫اجلمالية والر�سالة الأخالقية �أو الفل�سفية‬ ‫�أو االجتماعية للن�ص‪ ،‬غ�ير �أن م��ا ميكن‬ ‫�أن ن�ستنتجه م��ن «قنديل �أم ها�شم» مث ًال‬ ‫يبدو مناق�ض ًا لهذا الوعي‪ ،‬بل �إن الن�صو�ص‬ ‫ال�سردية التي �أق��ر حقي نف�سه يف هوام�شه‬ ‫ب�أنها م�شغولة بالتجديد ال�شكلي مل ت�ستطع‪،‬‬ ‫فيما �أرى‪� ،‬أن تزيح االن�شغال باملحتوى الثقايف‬ ‫للن�ص من مركزيته يف وعي امل�ؤلف كما يظهر‬ ‫يف ق�صة «ال�سلحفاة تطري» على �سبيل املثال‪.‬‬ ‫يخربنا حقي ‪-‬ب��دءا‪ -‬عن حتول حدث يف وعيه‬

‫�أثناء االنتقال من ال�صبا �إىل الن�ضوج وبعده‪،‬‬ ‫�أ�صبح على �إثره �أكرث اقتناع ًا ب�أن الن�ص اجلديد‬ ‫يكتبه تراثه النوعي‪ ،‬و�أن امل�ؤلف الفرد يتحول �إىل‬ ‫حم�ضن يتجلى فيه هذا الرتاث‪ .‬يقول‪:‬‬ ‫«كانت ال��ذات تندلق على املو�ضوع يف مطلع‬ ‫ه��ذا العمر‪ ،‬ه��ذا االن ��دالق �سهل ول��ه فرحة‬ ‫وا�سرت�ضاء للأنانية‪ .‬وكنت �أ�شعر ب�شيء من‬ ‫ال�ضيق دون �أن �أعرف �سببه على وجه اليقني‪،‬‬ ‫�سببه �أنني كنت خا�ضعا لبداية البد منها ‪...‬‬ ‫وب��دا التحول �شيئا ف�شيئا‪ ،‬حتى مت �أواخ��ر‬ ‫عمري‪� ،‬أ�صبحت الآن �أح�س �إح�سا�سا وا�ضحا‬ ‫قويا �أنني ل�ست �إال بوقا ال قيمة له يف ذاتهن‬ ‫ول�ك��ن قيمته �أن �إرادة ال ن��دري �سرها قد‬ ‫اختارته لكي تهم�س منه – على تقطع –‬ ‫�سليقة اللغة وال �ت�راث‪ ،‬خمتلطة ب�أ�شجان‬ ‫الإن�سان منذ �أعز �أجدادي» «قنديل �أم ها�شم‪/‬‬ ‫‪»22-23‬‬ ‫ال�تراث ي�صنع من الفرد املبدع و�سط ًا منا�سباً‬ ‫للتجلي‪ ،‬و�أ�شجان الإن�سان التي ي�شري �إليها املقطع‬ ‫ال�سابق تكت�سب وجودها عرب هذا الرتاث �صاحب‬ ‫الوجود على احلقيقة‪ .‬يتحول الفرد املبدع �إىل‬ ‫كيان مراقب �أك�ثر منه كيانا متداخال وفاعال‬ ‫فيما يبدع؛ �إنه فقط الآلة التي ت�صدر النغم وال‬ ‫دخل لها يف جماله‪� ،‬أو هو الب�ستاين الذي يغر�س‬ ‫ال�ب��ذرة وال ف�ضل ل��ه يف جمال ال��زه��رة وطيب‬ ‫رائحتها‪ .‬يقول حقي مكمال املقطع ال�سابق‪:‬‬ ‫«ورغ� ��م �أن ه ��ذا ال �ب��وق ق��د ع��زل �ن��ي‪ ،‬فقد‬ ‫ا�ستطعت �أن �أعو�ض لذة البوح بلذة املراقبة‪،‬‬ ‫ك�أنني �شاهد واقف على جنب يطل على �شيء‬ ‫عجيب يحدث �أمامه‪ ،‬ويحاول فهم �سره‪ ،‬ثم ال‬ ‫ينق�ضي عجبه منه‪ .‬الفن بهذا املعنى النغمة‬


‫د‪� .‬أمين بكر‬

‫باحث وناقد من م�صر‬

‫ال الوتر‪ ،‬الزهرة ال الب�ستاين‪ ،‬الن�شوة ال قنينة‬ ‫اخلمر»‪« .‬قنديل �أم ها�شم‪»23 /‬‬ ‫تراث الكتابة تت�شظى �أث��اره يف كتابة حقي كما‬ ‫يقول‪ ،‬كما يطل عليه �أ�صحاب املهنة من الكتاب‬ ‫–�أو لنقل حملة الرتاث ال�سابقني له – لتتخلل‬ ‫�أثا ُرهم �أعما َله‪ ،‬وهو �إمنا يكتب لهم‪ ،‬للرتاث‬ ‫ناد خا�ص‬ ‫الذي يحملونه؛ فهم جميعا �أع�ضاء ٍ‬ ‫ال ي�ضم �سوى من م�سه الفن بع�صاه ال�سحرية‬ ‫ف�أ�صبح نتيجة لذلك ج��زءا من تاريخ الفن‪.‬‬ ‫يقول حقي‪:‬‬

‫مطلبي الوحيد‪ .‬ال تخلو ورقة يل من �أثر خاف‬ ‫لب�صماتهم‪� ،‬أو من �إ�شارة م�سترتة لأعمالهم»‪.‬‬ ‫«قنديل �أم ها�شم‪»14/‬‬ ‫و�إىل جانب ما �سبق ف�إن التطور الأدبي «احلقيقي»‬ ‫من وجهة نظر حقي «هو يف املقام الأول تطور‬ ‫�أ�سلوب» بحيث ي�صبح تطوير التقنية واالبتداع‬ ‫يف «�شكل» الق�صة هما �شاغال حلقي وجيله كما‬ ‫يظهر من قوله‪:‬‬ ‫«مل نكتف باالقتداء بالق�صة امل�ستوردة‪ ،‬بل‬ ‫�أ�صبحنا نطمع يف �أن ندخل جت��دي��دا على‬ ‫�شكلها داخل �إطارها الذي عرفناه لها؛ �أي‬ ‫دون �أن نخرج عنه‪ ،‬فكان منا من �سبق �إىل‬ ‫ك�سر الرتتيب الزمني وجل ��أ �إىل «الفال�ش‬ ‫ب��اك»‪� ،‬أو من زعم �أن��ه كتب ق�صة لها �شكل‬ ‫دائ ��ري؛ �أي تنتهي م��ن حيث ب��د�أت‪...‬ال��خ»‬ ‫«قنديل �أم ها�شم‪»23/‬‬ ‫ولي�س معنى ما �سبق �أن حقي ميكن ت�صنيفه‬ ‫بتوافق ب�سيط ك�شكلي �أو كمنتم للنقد اجلديد‬ ‫ب�صورة كاملة‪ ،‬فقد كان حقي –على اجلانب‬ ‫الآخ��ر‪ -‬مدركا مدى تعقد عالقات التفاعل‬ ‫ب�ين ال�ف�ن��ون ع�ل��ى تنوعها وبينها وال�ع�ل��وم‬ ‫الإن�سانية املختلفة‪ .‬كما كان على وعي عميق‬ ‫ب�ضرورة �أن يعرب ال�شكل الفني املعني عن‬ ‫خ�صو�صية ثقافية ما «راجع يف ذلك‪ :‬قنديل‬ ‫�أم ها�شم‪� »21 /‬إن��ه ي�سعى �إىل التفاعل مع‬ ‫تناق�ضات جمتمعه‪ ،‬ويهمه الت�أثر بها‪ ،‬ولكن‬ ‫عرب هيكل فني حم��دد له قوانينه ال�شكلية‬ ‫ذات الأولوية كما �سبق �أن �أعلن‪.‬‬

‫«ول��و بقيت وح��دي لزهقت روح��ي ‪ ...‬البد‬ ‫للنحلة من خلية‪ .‬وجدت ال�صحبة والراحة‬ ‫واالط �م �ئ �ن��ان‪ ،‬ك�م��ا وج���دت امل��در� �س��ة التي‬ ‫�أ�ستكمل فيها تعليمي حني قدمت ما ر�ضيت‬ ‫عنه من �أوراق ��ي �إىل ن� ٍ�اد عجيب‪� .‬إن��ه وقف‬ ‫على م��ن مل�سهم ال�ف��ن بع�صاه ال�سحرية‪،‬‬ ‫�أيا كان ع�صره �أو لغته �أو دينه �أو جن�سه �أو‬ ‫لونه ‪ ...‬عرفت �أنني‪-‬حتى قبل ان�ضمامي من القامو�س‪:‬‬ ‫�إليه‪ -‬كنت �أكتب لهم‪ ،‬هم الذين يطلون من ال�سرد‪ ... :‬ن�سج ال ��درع‪ ،‬وا�سم جامع للدروع‬ ‫وراء كتفي و�أن��ا �أكتب‪� ،‬أ�صبح ر�ضا�ؤهم هو و�سائر احللق‪ ،‬وجودة �سياق احلديث‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪50‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫ين�شر هذا الباب بالتعاون‬ ‫مع املركز العربي للأدب‬ ‫اجلغرايف «ارتياد الآفاق»‬ ‫ �أبوظبي ‪ -‬لندن ‪،‬الذي يرعاه‬‫ال�شاعر والباحث الإماراتي‬ ‫حممد �أحمد ال�سويدي ‪.‬‬

‫رافق ال�شيخ �شخبوط و�شهد اكت�شاف النفط‬

‫المؤرخ اإلنجليزي «رودريك أوين»‬ ‫ثالث رحالت تاريخية في أبوظبي‬


‫�شم�سه حمد الظاهري‬

‫باحثة مبركز زايد للدرا�سات والبحوث ‪ -‬الإمارات‬

‫يف �أحد �أيام �صيف عام ‪1955‬م و�صل �إىل �أبوظبي م�ؤرخ وكاتب اجنليزي يدعى رودريك �أوين ‪Roderic‬‬ ‫‪� ،Owen‬ضمن جولة كانت له يف �شبه اجلزيرة العربية‪ ،‬ويف وقت كان ي�ؤمن حاكمها ال�شيخ �شخبوط‬ ‫بن �سلطان �آل نهيان «‪1966 - 1928‬م» �أنه �سيقف قريباً يرقب حترك قوافل ناقالت �ضخمة حتمل يف‬

‫جوفها الذهب الأ�سود –النفط‪ -‬ومتخر به عباب مياه اخلليج الهادئة بد ًال من قوافل مراكب التوابل‪.‬‬ ‫ورغ��م تدوينه لهذه الرحلة ون�شرها من قبل كولينز ‪ Collins‬يف لندن عام ‪1957‬م حتت عنوان «‪The‬‬ ‫‪ »Golden Bubble‬لتكون �شاهداً على املكان و�أهله والزمان‪� ،‬إال �أنها مل تلق اهتماماً كبرياً‪ ،‬وال �أحد كان‬ ‫يهتم مبعرفة مناطق جمهولة وفقرية يف العامل العربي �إال القلة من النا�س‪ ،‬لكنها �أ�صبحت ذكرى خالدة‬ ‫وذكريات مهمة‪ ،‬ومادة تاريخية قيمة لل ُكتاب وامل�ؤرخني املهتمني بالتاريخ املعا�صر لهذه املنطقة‪.‬‬ ‫ولكن ال�س�ؤال من هو رودري��ك �أوي��ن الذي‬ ‫جاء من اجنلرتا؟ وما الذي جعله يفكر يف‬ ‫زيارة �أبوظبي؟‬ ‫رودريك �أوين ‪Roderic Owen‬‬ ‫ول��د رودري� ��ك �أوي���ن يف ل�ن��دن ع��ام ‪1921‬م‪،‬‬ ‫ون���ش��أ وت��رع��رع ل��دى عائلته ال�ثري��ة يف ريف‬ ‫‪ ،Lincolnshire‬وتخ ّرج من كلية �إيتون وجامعة‬ ‫�أك�سفورد‪ ،‬ويف بداية ع�شرينياته حترر من قيود‬ ‫طبيعة احلياة يف املجتمع االجنليزي متجه ًا �إىل‬ ‫جزيرة تاهيتي ‪ Tahiti‬وتزوج هناك من �أمرية‬ ‫بولينيزية (‪ .)1‬ولكنه تخلى عن عرو�سه ليعود �إىل‬ ‫لندن ال�ستكمال تعليمه‪ .‬وبعد �أن التحق بالقوات‬ ‫اجلوية امللكية الربيطانية‪� ،‬أر�سل خالل احلرب‬ ‫العاملية الثانية �إىل �شمال �أفريقيا‪ ،‬وق�ضى فرتة‬ ‫تواجده هناك يف العمل على تخطيط و�إن�شاء‬ ‫مهابط طائرات يف ال�صحراء الغربية‪ .‬وقد‬ ‫�أ�صدر عدة م�ؤلفات يتحدث فيها عن مغامراته‬ ‫مثل رحلته هذه يف اجلزيرة العربية وم�ؤلف �آخر‬ ‫عن رحلته �إىل باك�ستان و�شرتال ‪ Chitral‬التي‬ ‫تقع على احلدود الباك�ستانية الأفغانية (‪.)2‬‬

‫خدمة الكني�سة االجنليكانية يف املحرق ثم‬ ‫اجته بعدها �إىل جزيرة �أبوظبي(‪ .)3‬وكوا�سطة‬ ‫نقل يتنقل بها يف بحر اخلليج‪ّ ،‬‬ ‫ف�ضل بد ًال‬ ‫م��ن رك ��وب ال�سفن ال�ب�خ��اري��ة ال�ع��ام�ل��ة بني‬ ‫الب�صرة وبومباي‪ ،‬قوارب البوم املحلية‪ ،‬لأن‬ ‫هذه املراكب ال�شراعية ال�صغرية ال�شائعة يف‬ ‫منطقة اخلليج العربي مكنته من االنطالق‬ ‫من موانئ �صغرية �أراد اكت�شافها‪.‬‬ ‫يف �أبوظبي حل رودريك يف منزل �صديقه تيم‬ ‫هيليارد ‪ ،Tim Hillyard‬الأوروب��ي الوحيد‬ ‫الذي كان ي�سكن يف منطقة �ساحل الإمارات‬ ‫م��ع عائلته يف ذل��ك ال��وق��ت‪ ،‬وك��ان��ت مهمة‬ ‫هيليارد متثيل �شركة النفط الربيطانية ‪BP‬‬ ‫والإ�شراف على م�شروع عمليات التنقيب عن‬ ‫النفط يف جزيرة دا�س التابعة لأبوظبي‪ ،‬ولأن‬ ‫ال�صدفة وحدها جمعت رودري��ك بهيليارد‬ ‫يف ل�ن��دن عندما ك��ان الأخ�ي�ر يق�ضي فرتة‬

‫بلغت رحلة رودريك‬ ‫الكويت في بادئ‬ ‫األمر‪ ،‬ثم جزر البحرين‪،‬‬ ‫التي توقف عندها‬ ‫الو�صول �إىل جزيرة �أبوظبي‬ ‫بلغت رحلة رودريك الكويت يف بادئ الأمر‪ ،‬لغرض خدمة الكنيسة‬ ‫ثم جزر البحرين‪ ،‬التي توقف عندها لغر�ض االنجليكانية في المحرق‬ ‫ثم اتجه بعدها إلى جزيرة‬ ‫أبوظبي‬

‫ال�صيف هناك‪ ،‬قدم الأخري دعوة ل�صديقه‬ ‫لزيارة �أبوظبي‪.‬‬ ‫ويف �إط��ار بناء عالقات �شخ�صية وثيقة مع‬ ‫احل�ك��ام وال���س�ك��ان‪ ،‬ول�ترت�ي��ب االحتياجات‬ ‫اليومية ل�شركات النفط‪ ،‬ك��ان على ممثلي‬ ‫هذه ال�شركات الناطقني بالعربية التواجد‬ ‫يف جمال�س احلكام كل يوم تقريب ًا‪ ،‬فاقرتح‬ ‫هيليارد �أن ي�صطحب �ضيفه معه يف �صباح‬ ‫اليوم التايل من و�صوله �إىل جمل�س حاكم‬ ‫�أب��وظ �ب��ي‪ ،‬ال ��ذي ك ��ان ي ��ويل ج��ل اهتمامه‬ ‫لعمليات البحث والتنقيب ع��ن النفط يف‬ ‫�إم��ارت��ه‪ ،‬واق�ت�رح �أي�ض ًا �أن يقدمه ك�شاعر‬ ‫ول�ي����س ك�ك��ات��ب‪ ،‬ول �ك��ن ال �� �س ��ؤال مل ��اذا ه��ذا‬ ‫االقرتاح؟ وما الذي �سينطوي عليه لو قال �إن‬ ‫�سفره �إىل هنا من �أجل املتعة؟‬ ‫ك ��ان ال���ش�ي��خ ��ش�خ�ب��وط ��ش��دي��د احل ��ذر من‬ ‫الأج��ان��ب وخ��ا��ص��ة ال�صحفيني(‪ .)4‬وك��ان‬ ‫هيليارد يرى �أن��ه لو قال �إن �سفره �إىل هنا‬ ‫ملجرد املتعة‪ ،‬على �سبيل املثال‪ ،‬فلن ي�سهل‬ ‫االقتناع ب��ه ك��داف��ع للرتحال‪ ،‬و�سرعان ما‬ ‫�سيكون الأم��ر عر�ضة لال�ستفهام‪ ،‬وحتى‬ ‫اال�ستهجان‪ ،‬لأن��ه ال يخ�ضع نف�سه �إىل �أي‬ ‫غايات �أخرى �سوى املتعة واحلرية الفردية‪،‬‬ ‫وه��ذه دواف��ع تبقى مبهمة‪ ،‬وبذلك �سيبقى‬ ‫زميله مثار ًا لل�شك‪ ،‬فلدى �أبناء هذه املنطقة‬ ‫نظرة للغرب �أنهم ال ي�سافرون �إال لغاية ك�سب‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪52‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫ال�شيخ �شخبوط يرحب بتيم هيليارد‬

‫ال�شيخ �شخبوط وال�سلطان �سعيد ويظهر رودريك يف ي�سار ال�صورة‬

‫املال �أو لأجل التج�س�س‪ ،‬و�ستكون قائمة �أ�سئلتهم �إىل ق�صر احلاكم‬

‫عليه ت�شابه الأ�سئلة املطروحة يف الأحاديث‬ ‫الودية‪ ،‬ما ا�سمك؟ من �أين �أنت؟ ملاذا ت�سافر؟‬ ‫ه��ل تقب�ض م��ا ًال م��ن حكومة ب�ل��دك؟ �ألديك‬ ‫من�صب ر�سمي؟‬ ‫ً‬ ‫ومل يكن رودريك يعرف �شيئا عن حاكم �أبوظبي‬ ‫�إال النزر الي�سري وكتب قائ ًال‪« :‬ميكنك �أن ترى‬ ‫احلاكم يف �أبوظبي كل يوم‪ ،‬وهذا بالطبع غري‬ ‫متوقع يف �أي مكان �آخر‪ ،‬ومل �أكن �أعرف �شيئ ًا‬ ‫ع��ن ال�شيخ �شخبوط غ�ير �أن��ه احل��اك��م‪ ،‬و�أن‬ ‫�سلطة �أبوظبي يف يده‪ ،‬و�أنه رجل ذكي وحذر يف‬ ‫كالمه و�شاعر ويت�صف بروح الدعابة‪ .‬ما هذه‬ ‫ال�صفات غري املتمازجة! بقي �أن نرى ذلك»‪.‬‬

‫اجته رودريك مع م�ضيفه �إىل ق�صر احلاكم‬ ‫مع خيوط ال�شم�س الأوىل من �صباح اليوم‬ ‫ال�ت��ايل‪ ،‬ور�أى فيه حفاوة ا�ستقبال �ضيوف‬ ‫�أبوظبي‪ ،‬كما ر�أى اكتظاظ جمل�س �شخبوط‬ ‫برعاياه الذين وقفوا لتحيتهم لدى دخولهم‪.‬‬ ‫يقول رودري��ك‪«:‬م��د ال��رج��ال يدهم اليمنى‬ ‫للم�صافحة‪ ،‬وب��دورن��ا م��ددن��ا �أي��دي �ن��ا ل��رد‬ ‫التحية‪ ،‬غري �أن ال�شيخ �شخبوط ظل مم�سك ًا‬ ‫بيدي �أث�ن��اء التحية‪ ..‬وق��ال‪ :‬كيف حالك؟‬ ‫�أجبت‪ :‬احلمد هلل»‪.‬‬ ‫جل�س رودري��ك وهيليارد بالقرب من ال�شيخ‬ ‫�شخبوط و�أخ �ي��ه ال�شيخ خ��ال��د‪ ،‬ال��ذي كان‬

‫يالزمه يف �أغلب الأوقات‪ ،‬ورغم �أن رودريك‬ ‫مل يفهم ما كان يدور حوله من حديث‪� ،‬إال �أنه‬ ‫�أح�س بالطم�أنينة والبهجة وال�سرور خالل‬ ‫جل�سته معهم وما تلقاه من ح�سن ال�ضيافة‬ ‫ور�أى كيف ي�ؤثر احلاكم �ضيوفه على نف�سه‪.‬‬ ‫ي �ق��ول رودري ��ك‪� ��«:‬ص ��اح ال���ش�ي��خ ��ش�خ�ب��وط‪:‬‬ ‫القهوة‪ ،‬كرر بعده احلر�س بعمق حناجرهم‪،‬‬ ‫القهوة‪ ،‬القهوة‪ .‬وبعد مدة ق�صرية ظهر �شاب‬ ‫يحمل �إبريق ًا من النحا�س وك�ؤو�س ًا خزفية‬ ‫�صغرية من دون مقب�ض‪ ،‬ثم ُق ّدم �أول فنجان‬ ‫لل�شيخ �شخبوط الذي لوح بيده ليقدمه يل‪،‬‬ ‫اعرت�ضت‪ .‬فعاد ذلك الفنجان �إليه‪ ،‬فوافق‬ ‫(‪)5‬‬ ‫على �أخذه» ‪.‬‬ ‫و�أثناء تلك اجلل�سة �س�أل احلاكم رودري��ك‪،‬‬ ‫ب�ع��د �أن دارت بينهما ع��دة �أح��ادي��ث‪ ،‬عن‬ ‫�سكان الإ�سكيمو ‪ ،Eskimos‬الذين يعي�شون‬ ‫يف املناطق القطبية ال�شمالية واملناطق التي‬ ‫ال ي�ستطيع �أن يقطنها �أي �شعب �آخر قائ ًال‪:‬‬ ‫«ما الذي يجعلهم يف�ضلون العي�ش يف مثل‬ ‫هذا املكان؟»‪.‬‬ ‫�أج��اب رودري��ك‪« :‬قد يت�ساءلون هم ال�س�ؤال‬ ‫نف�سه‪ ،‬مل��اذا تف�ضلون �أن�ت��م العي�ش يف مثل‬ ‫ه��ذا امل �ك��ان»‪ .‬رد ال�شيخ �شخبوط‪�« :‬أعتقد‬ ‫�أن احلياة �سرتوق لهم لو كانوا يف الربميي‬ ‫ يق�صد واحات العني‪ ،‬فجميعنا يف�ضل �أن‬‫يق�ضي ف�ترة ال�صيف هناك‪ ،‬و�أم��ي كذلك‪،‬‬ ‫وهي كعادتها تق�ضي هذه الفرتة هناك»‪.‬‬ ‫ثم طرح احلاكم �س�ؤا ًال �آخر عنهم‪« :‬ما هي‬ ‫ديانة �سكان الإ�سكيمو؟»‪.‬‬ ‫مل يجد رودريك اجلواب لهذا ال�س�ؤال ف�أدرك‬ ‫�أن ال�شيخ �شخبوط كان يريد معرفة النا�س‬ ‫يف �أرج ��اء ال �ع��امل‪ ،‬م��اذا ي�صنعون وم��ا هي‬ ‫معتقداتهم‪ ،‬وما هي طرق معي�شتهم‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫«لي�س جمي ًال �أن تكذب على ال�شيخ �شخبوط‬ ‫ب��أي ج��واب‪ ،‬فهو يتذكر كل كلمة قلتها وقد‬ ‫يطرح عليك ال�س�ؤال ذاته مرة �أخرى»‪.‬‬ ‫قدم ال�شيخ �شخبوط لرودريك وهيليارد دعوة‬ ‫حل�ضور ت�ن��اول وجبة ال�غ��داء معه يف اليوم‬ ‫التايل‪ ،‬وبالطبع �سيتوجب على رودري��ك �أن‬ ‫ُي ّ‬ ‫ح�ضر ق�صيدة �شعرية ليلقيها على احلاكم‬ ‫(‪ .)6‬ف�أم�ضى ذلك اليوم يعد الق�صيد وهو‬


‫ال�شيخ �شخبوط �أمام ق�رص احل�صن‬

‫قلق ب�ش�أن ترجمتها عليهم‪ ،‬فقرر �أن تكون‬ ‫على �أثر رباعيات عمر اخليام‪ ،‬على �أمل �أن‬ ‫(‪)7‬‬ ‫حتمل هذه الق�صيد م�شاعره و�أفكاره‬

‫عن�صر مهم يف الق�صيدة ال�شعرية‪.‬‬ ‫يقول رودري��ك‪�« :‬شغلنا ه��ذا املو�ضوع حتى‬ ‫جاء موعد تناول وجبة الغداء‪ ،‬وبينما كنا‬ ‫ن��أك��ل دخ��ل علينا اب��ن احل��اك��م ال �ق��ادم مع‬

‫يف اليوم التايل‪ ،‬وجد رودريك �أن عدد �ضيوف‬ ‫جمل�س احل��اك��م �أق ��ل و�أن ج��و امل �ك��ان �أك�ثر‬ ‫حميمية‪ ،‬وبعد �أن تبادلوا التحيات دار بينهم‬ ‫مو�ضوع ال�شعر واملطبات التي تواجه ترجمته‬ ‫من لغة �إىل �أخرى‪ .‬و�شرح ال�ضيفان ا�ستحالة‬ ‫ترجمة ال�شعر نظم ًا بنظم‪ ،‬من �شعر موزون‬ ‫ومقفى �إىل �شعر موزون ومقفى‪ ،‬ولكن ميكن‬ ‫�أن ينقل على �شكل نرث‪ ،‬لأن ال�صورة ال�شعرية‬

‫ق�صيدة رودريك على �أثر رباعيات اخليام‬

‫املجل�س و�إ�شكالية ترجمة ال�شعر‬

‫‪Through Abu Dhabi’s golden sands‬‬ ‫‪We walked and talked, until the sea‬‬ ‫‪Crept up and disenchanted me‬‬ ‫‪The creeping loneliness of wit,‬‬ ‫‪A future bleak with waves and grit‬‬ ‫!‪If there is Hell, Oh, this is it‬‬ ‫!‪Oh, this is it! Oh, this is it‬‬ ‫‪Is not all friendship golden sand‬‬ ‫?‪We tread together for a while‬‬ ‫‪Of golden hopes for you and I,‬‬ ‫‪We have so few before we die,‬‬ ‫!‪Khalid, so few before we die‬‬

‫حا�شيته من واح��ة الربميي وك��ان يف زي��ارة‬ ‫يطمئن على �صحة جدته ال�شيخة �سالمة‪،‬‬ ‫وب�ع��د �أن �أن�ه�ي�ن��ا ال��وج�ب��ة جل�سنا نحت�سي‬ ‫ال�ق�ه��وة وج ��اءت حلظة ق ��ررت فيها �إل�ق��اء‬ ‫الق�صيدة‪ ،‬ولكن كان وا�ضح ًا �أن الأب واالبن‬ ‫�أرادا تبادل احلديث‪ ،‬ومل يكن بو�سعنا �أن‬ ‫ن�ست�أذن للخروج؛ لذا وقفت يف زاوية بعيدة‬ ‫من الغرفة وق��ر�أت الق�صيدة بالإجنليزية‪.‬‬ ‫بدا الغالبية وك�أنهم �شاردو الفكر‪ ،‬فال �أحد‬ ‫ب�إمكانه �أن ي�س�أل ع ّما �أق��ول‪ ،‬ال �أح��د غري‬ ‫هيليارد ال��ذي كان يفهم الكلمات‪ ،‬فتوجب‬ ‫على مرتجم املناطق البحرية ‪The marine‬‬ ‫‪- Areas interpreter‬ال��ذي ك��ان معهم‪-‬‬ ‫ن�صف �ساعة لرتجمة الن�صو�ص على ال�شيخ‬ ‫�شخبوط‪ ،‬عبارة عبارة‪ ،‬وهو يومئ بر�أ�سه ثم‬ ‫طلب تو�ضيح الن�ص الأخري‪ .‬وبعد �أن �شربنا‬ ‫القهوة ال�ت��ي دارت علينا – م��رة �أخ��رى‪-‬‬ ‫ا�ست�أذنا باالن�صراف»‪.‬‬ ‫ك ��ان رودري � ��ك ي��ذه��ب �إىل جم�ل����س ال�شيخ‬ ‫�شخبوط كلما �أح ����س �أن��ه �سيق�ضي الوقت‬ ‫وح �ي��د ًا‪ ،‬ويف �إح��دى زي��ارات��ه جل�س يحدثهم‬ ‫ع��ن رحلة ق��ام بها م��ع م�ضيفه �إىل جزيرة‬ ‫�صري بونعري‪ ،‬التي ا�شتهرت بالرثوة ال�سمكية‬ ‫ومتيزت برمال �شديدة احلمرة لغنى �أر�ضها‬ ‫ب�أك�سيد احلديد والكربيت (‪ .)8‬ويف �سياق‬ ‫حديثه عن الرحلة �أ�شار �إىل �أن �شركة بريت�ش‬ ‫برتوليوم ‪ BP‬ح�صلت على حق التنقيب عن‬ ‫النفط يف ه��ذه اجل��زي��رة‪ ،‬وتبادر �إىل ذهنه‬ ‫� �س ��ؤال ه��ل ح�ق� ًا ��س�ي�ج��دون ال�ن�ف��ط يف ه��ذه‬ ‫اجلزيرة؟ وهل �سيوا�صلون البحث عنه؟!‬ ‫يقول رودري��ك‪« :‬ت�ساءل ال�شيخ �شخبوط هو‬ ‫الآخ��ر قائ ًال‪ :‬هل تعتقد �أن ما يف اجلزيرة‬ ‫ي�ساوي الكثري؟‬ ‫�أجبته �إنني غري م�ؤهل للإجابة على مثل هذا‬ ‫ال�س�ؤال‪ ،‬ولكن لرمبا لي�س ما هو على ال�سطح‪،‬‬ ‫�إمنا ما هو موجود حتت �سطح البحر»‪.‬‬ ‫رد ال�شيخ ��ش�خ�ب��وط‪« :‬ان�ت�ظ��رن��ا ط��وي� ً‬ ‫لا‬ ‫لن�سمع �أخبار ًا عن النفط‪ ،‬منذ �أن بد�أت‬ ‫عملية البحث عنه يف �أبوظبي مبا يقارب‬ ‫‪ 18‬عام ًا‪ ،‬وهي فرتة طويلة ج��د ًا»‪� .‬أوم��أ‬ ‫ال�شيخ خالد بن �سلطان وقال‪« :‬منذ وقت‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪54‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫ال�شيخ �شخبوظ وال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان «رحمهما الله»‬

‫طويل ونحن ننتظر(‪»)9‬‬ ‫يقول رودري��ك‪« :‬عك�ست تلك االمي��اءات �أنه‬ ‫ال نهاية لهذا البحث وبدت الوجوه متجهمة‪،‬‬ ‫وكانت هناك عالمة نفاد �صرب بل وغ�ضب‪،‬‬ ‫ول �ك��ن ب�ع��د ب��ره��ة ��ص�م��ت ا�ست�سلم ال�شيخ‬ ‫�شخبوط وبب�ساطة ق��ال ‪� :‬إن�ه��ا �إرادة اهلل‬ ‫تعاىل‪ ،‬ف�س�ألت‪ :‬هل �سيكون من اجليد �إن‬ ‫اكت�شف النفط يف �أبوظبي؟ �أجاب �شخبوط‪:‬‬ ‫عندما يكون النفط موجود ًا يف مكان �آخر من‬ ‫هنا‪ ،‬ف�إننا نرغب بوجوده يف �أبوظبي �أي�ض ًا»‪.‬‬ ‫يقول رودريك ثم نظر �إىل �ساعته وقال‪« :‬حان‬ ‫علي �أن �أتركك قلي ًال‪،‬‬ ‫وقت ال�صالة‪ ،‬يتوجب ّ‬ ‫و�أه ًال و�سه ًال بوجودك معنا»‪ .‬لو بحثنا ب�شيء‬ ‫من العمق عن �أ�سباب عالمات ي�أ�س و�إحباط‬ ‫ال�شيخ �شخبوط من ت�أخر ظهور النفط يف‬ ‫�أب��وظ �ب��ي‪ ،‬وم��ن دون اخل��و���ض يف تفا�صيل‬ ‫تاريخ االمتيازات النفطية يف الإم��ارة‪ ،‬وهي‬

‫الآن موثقة جيد ًا‪ ،‬لوجدنا �أن هناك ت�أثريات‬ ‫كبرية �أحدثتها عمليات احلفر يف �أبوظبي‪،‬‬ ‫منذ �أن ب ��د�أت ب�ين ع��ام��ي ‪ 1949‬و ‪،1952‬‬ ‫ع�ل��ى الأو���ض��اع االج�ت�م��اع�ي��ة واالق�ت���ص��ادي��ة‬ ‫وال�سيا�سية ل�ل�إم��ارة‪ ،‬على الرغم من �أنها‬ ‫القت جناح ًا جزئي ًا يف مواجهة ال�صعوبات‬ ‫الفنية‪ ،‬ولكن الأمور تعقدت وتعطلت ب�سبب‬ ‫م�شكالت العمالة والتموين‪ ،‬ف�سفر العمال‬

‫كانت جزيرة «داس» غير‬ ‫مأهولة بالسكان وكان‬ ‫يزورها فقط صيادون‬ ‫من أهالي أبوظبي‪ ،‬وقد‬ ‫اختيرت من قبل شركة‬ ‫«أدما» كقاعدة للعمليات‬ ‫وبدأ العمل في إنشاء‬ ‫ميناء وتركيب خزانات‬

‫م��ن ال ��واح ��ات ال��داخ �ل �ي��ة ��س�ب��ب م�شكالت‬ ‫اقت�صادية خطرية يف تلك املناطق‪.‬‬ ‫وعندما و ّق��ع ال�شيخ �شخبوط يف عام ‪1950‬‬ ‫امتياز «الر�صيف القاري» مع �شركة برتول‬ ‫�أمريكية م�ستقلة‪ ،‬كان لديه امتيازات برتولية‬ ‫م��ع اثنتني م��ن ��ش��رك��ات ال �ب�ترول بعد فرتة‬ ‫خالية من الأحداث ملدة عقدين من الزمان‪.‬‬ ‫ولكن هذا الت�صرف من احلاكم كان ي�شكل‬ ‫حت��دي � ًا مل�صالح ��ش��رك��ة ال �ب�ترول العاملية‪،‬‬ ‫وك��ذل��ك ال�سلطات ال�بري�ط��ان�ي��ة‪ ،‬مم��ا �أدى‬ ‫ب�شركة التنمية البرتولية لل�ساحل املت�صالح‬ ‫‪� PDTC‬إىل منازعته حقه يف القيام بهذا‬ ‫العمل‪ .‬و�أخذت �أبوظبي �إىل ميدان املنازعات‬ ‫الدولية وامل�صالح البرتولية‪� .‬إ�ضافة �إىل‬ ‫�أن جم��يء ال�ب�ترول ب��رزت ب�سببه م�شكالت‬ ‫احلدود مبجرد التوقيع على امتيازات النفط‬ ‫يف الثالثينيات‪ ،‬الأمر الذي �أدى �إىل �ضرورة‬


‫�إقامة حدود يف املناطق الداخلية للإمارة‪،‬‬ ‫وكذلك �إىل �ضرورة حتديد املياه الإقليمية‬ ‫لأبوظبي(‪.)10‬‬ ‫ثم �إن �إمكانية اكت�شاف ب�ترول حتت رمال‬ ‫�أبوظبي و�ضع املناطق الداخلية ال�شرقية‬ ‫لأبوظبي يف ب ��ؤرة االهتمام‪ ،‬و�أدى هذا �إىل‬ ‫ظهور جبهات مواجهة بني �أبوظبي وعمان‬ ‫م��ن جهة‪ ،‬واململكة العربية ال�سعودية من‬ ‫جهة �أخرى ب�سبب التاريخ ال�سابق مع اململكة‬ ‫لل�سيطرة الوهابية على ه��ذه املنطقة‪ ،‬كما‬ ‫�أدى ذل��ك‪� ،‬أي�ض ًا‪� ،‬إىل التدخل املبا�شر يف‬ ‫ال�ش�ؤون الداخلية للجزيرة العربية من قبل‬ ‫الربيطانيني‪ ،‬وكان هذا مبثابة انتهاك كامل‬ ‫لل�سيا�سة الربيطانية وهي عدم التدخل يف‬ ‫ال���ش��ؤون الداخلية وامل�ن��اط��ق الداخلية من‬ ‫�ساحل الإمارات(‪.)11‬‬

‫رودريك مع �أحد �أبناء �أبوظبي‬

‫جزيرة دا�س وبناء مهبط للطائرات‬

‫بعد عودة رودريك �إىل البحرين من زيارته‬ ‫الأوىل لأبوظبي‪� ،‬أبحر مرة �أخرى يف �أكتوبر‬ ‫من نف�س العام (‪ ،)12‬ولكن باجتاه جزيرة‬ ‫دا���س التابعة لأب��وظ�ب��ي وال �ت��ي ك��ان��ت حتت‬ ‫�أعمال �شاقة و�صعبة لقطع جبالها ال�صخرية‬ ‫التي تقع يف �شمال اجلزيرة لغر�ض حتويلها‬ ‫من جزيرة ج��رداء �إىل �سكنية‪ ،‬فيبنى على‬ ‫�أر� �ض �ه��ا م�ساكن مل��وظ�ف��ي وع �م��ال �شركات‬ ‫النفط وكذلك لبناء ميناء للبواخر ومهبط‬ ‫للطائرات(‪.)13‬‬ ‫وفيما كانت �شركة مناطق �أبوظبي البحرية‬ ‫امل�ح��دودة «�أدم ��ا»‪ ،‬التي ت�أ�س�ست مب�ساهمة‬ ‫من �شركة النفط الربيطانية بن�سبة الثلثني‬ ‫و� �ش��رك��ة ال�ن�ف��ط ال�ف��رن���س�ي��ة بن�سبة الثلث‬ ‫(‪ )14‬تبني ق��اع��دة وتنتظر و� �ص��ول من�صة‬ ‫حفر للمياه العميقة من �أملانيا‪ ،‬وكان مدير‬ ‫ال�شركة الربيطانية ال��ذي ي��دع��ى ‪ Ian‬يف‬ ‫رحلة ع�لاج �إىل البحرين‪ ،‬ا�ستلم رودري��ك‬ ‫عن املدير املهمة وكتب عن اجلزيرة قائ ًال‪:‬‬ ‫«كانت اجلزيرة غري م�أهولة بال�سكان وكان‬ ‫يزورها فقط �صيادون من �أه��ايل �أبوظبي‪،‬‬ ‫وق ��د اخ �ت�يرت م��ن ق�ب��ل ال���ش��رك��ة ك�ق��اع��دة‬ ‫للعمليات‪ .‬ومت تعيني رج ��ال م��ن القبائل‬

‫لقاء ال�شيخ �شخبوط مع ال�سلطان �سعيد تيمور وال�شيخ زايد ‪1955‬م‬

‫من ال�صور التي التقطها رودريك‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪56‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫�أثناء �إعداد وليمة ل�ضيوف ال�شيخ �شخبوط‬

‫ال �ب��دوي��ة م��ن الإم� ��ارة للعمل يف امل���ش��اري��ع‬ ‫امل�ستحدثة يف اجلزيرة مثل �إن�شاء ميناء‪،‬‬ ‫وتركيب خ��زان��ات وغ�يره��ا»‪� .‬أم��ا ع��ن خطة‬ ‫توظيفهم فقد جاءت على حد قول رودريك‬ ‫م�ساعدة من قبل ال�شركة يف �إيجاد فر�ص‬ ‫عمل لرعايا �أبوظبي‪.‬‬ ‫ولكن ال�س�ؤال هل واج��ه رودري��ك �صعوبات‬ ‫منذ ا�ستالمه لهذه املهمة وه��و يفتقر �إىل‬ ‫اخلربة ؟ وهل ا�ستطاع �أن ي�ضيف �شيئ ًا مهم ًا‬ ‫يف اجل��زي��رة ي�ساعد �أب��وظ�ب��ي على حتقيق‬ ‫حلمها يف العثور على النفط؟‬ ‫واجه رودري��ك �صعوبات منذ ا�ستالمه لهذه‬ ‫املهمة ووجد �أن الأم��ر يتطلب منه �أن يبدي‬ ‫اهتمام ًا لنزاعات موظفي �شركة البرتول‬ ‫وال �ت��ي ك��ان��ت تفاجئه ب�ين احل�ي�ن والآخ���ر‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من �أنه كان يفتقر �إىل اخلربة‪،‬‬ ‫ا�ستطاع �أن ي�صرفهم عن ذلك بعد �أن بد�أ‬

‫معهم يف مهمة �إن �� �ش��اء مهبط للطائرات‬ ‫على �أر�ض اجلزيرة‪ ،‬فقد �سمع من هيليارد‬ ‫�ضرورة �إن�شاء مهبط يف دا�س(‪ ،)15‬وا�ستند‬ ‫�إىل خربته التي قام بها يف �شمال �أفريقيا‬ ‫�أثناء احلرب العاملية الثانية يف �إن�شاء مهابط‬ ‫للطائرات‪.‬‬ ‫ي �ق��ول رودري� ��ك‪« :‬ب� ��د�أت �أع ��ي �أن م�س�ألة‬

‫أعجب رودريك بالصفات‬ ‫المتأصلة في شخصية‬ ‫الشيخ زايد وتحدث عن‬ ‫إخالصه ووطنيته الجارفة‬ ‫والتزامه الراسخ باستقالل‬ ‫اإلمارة وسيادتها‬ ‫واهتمامه المبكر في‬ ‫إقامة مساع دبلوماسية‬ ‫في المنطقة‬

‫معاينة مهبط – يف اجلزيرة‪ -‬لي�ست بالأمر‬ ‫ال�سهل‪ ،‬لأن�ه��ا حتتاج �إىل بحث ومناق�شة‬ ‫ر�ؤى وت �ب��ادل وج �ه��ات نظر(‪ ،)16‬وك��ذل��ك‬ ‫�إىل تقدمي مقرتحات لإع��داد مهبط �آخ��ر‬ ‫ا�ضطراري»‪ ،‬ففي البداية‪ ،‬تطلب الأمر منه‬ ‫ملعاينة الأر���ض اال�ستعانة بجميع العاملني‬ ‫يف اجل ��زي ��رة‪ ،‬وك��ذل��ك �إىل رئ�ي����س ع� ّم��ال‬ ‫ومقاول بناء وجن��ار‪ ،‬ومتكن �أن يجعل من‬ ‫املهمة للعاملني معه ممتعة ومثرية‪ ،‬ويقول‬ ‫عن ذلك‪« :‬كان لدى العمال روح الدعابة‪،‬‬ ‫وكان رئي�سهم �شخ�ص ًا يجيد بث احلما�س‬ ‫ل��دي�ه��م‪ ،‬وك ��ان ه �ن��اك مهند�س � �ش��اب من‬ ‫اجلن�سية الباك�ستانية يدعى «�شكور» ولديه‬ ‫تلك النوعية اجليدة من الإدارة بال�سعي يف‬ ‫�إمتام �أي عمل يكلف به»‪.‬‬ ‫وب�شكل عام وجد رودريك �أن �أر�ض اجلزيرة‬ ‫�شديدة الوعورة وفيها تالل �صخرية �ست�سبب‬


‫من �صقور ال�شيخ �شخبوط‬

‫خماطر �أث�ن��اء هبوط ال�ط��ائ��رات‪ ،‬ث��م بحث‬ ‫من خالل طريق م�سار عجلة �سيارة اجليب‪،‬‬ ‫ا��س�ت�ع��ان ب�ه��ا مل�ع��اي�ن��ة الأر� � ��ض‪ ،‬ح�ت��ى وج��د‬ ‫منطقة ميكنها �أن تتحمل الطائرات اخلفيفة‬ ‫وال حتتاج �إىل جهد كبري يف علمية امل�سح‬ ‫والتنظيف‪ ،‬ف�ب��د�أ بعملية الر�صف لإن�شاء‬ ‫م ��درج ‪�� .‬س� ّر رودري� ��ك ب �ع��ودة ‪ Ian‬و�سلمه‬ ‫م�س�ؤولية اجلزيرة وقال عنه‪« :‬هو رائد قوي‬ ‫ي�ستطيع حتمل �صعوبة املهام املكلف بها يف‬ ‫دا���س‪ ،‬وبعد �أن �سلمته م�س�ؤولية اجلزيرة‪،‬‬ ‫ودعت جميع العاملني هناك ثم �أبحرت على‬ ‫قارب �صغري �إىل �أبوظبي»‪.‬‬

‫حفل عيد امليالد‬

‫يف �آخ��ر �شهر دي�سمرب ب ��د�أت ا�ستعدادات‬ ‫الإجن�ل�ي��ز يف �أب��وظ�ب��ي حلفلة عيد امل�ي�لاد‪،‬‬ ‫فطلب هيليارد من رودريك �أن يقوم بدعوة‬ ‫ال�شيخ �شخبوط حل�ضور احلفل الذي �سوف‬ ‫يعده يف منزله‪ .‬وبعد �أن قرع رودري��ك باب‬ ‫ق���ص��ر احل���ص��ن ال���ض�خ��م ق��ائ� ً‬ ‫لا وب���ص��وت‬ ‫عال‪« :‬عاد ال�شاعر مرة �أخرى»‪ .‬كان هناك‬ ‫عدد كبري من الأي��ادي لكي ي�صافحها وهم‬ ‫يقولون ل��ه‪«َ :‬م��ن ال�شاعر‪...‬كيف حالك؟»‬

‫ق�صيدة كتبها بعد �إعالن‬ ‫�شركة �أبوظبي البحرية اكت�شافها البرتول‬ ‫‪So old is that old tiger in the sand‬‬ ‫‪An hundred million years ago, or more‬‬ ‫‪Creeping to its lair beneath the land,‬‬ ‫‪Compound of shells and debris on the shore‬‬ ‫‪Before the hills in order stood‬‬ ‫‪And long before Earth received its name‬‬ ‫‪Oil like an ever-moving flood‬‬ ‫‪Beneath the Desert came‬‬ ‫)‪It rolled (we hope‬‬ ‫)‪It stopped (we think‬‬ ‫‪In Abu Dhabi bay‬‬ ‫‪In quantities to make you blink‬‬ ‫‪That’s why we’re here today‬‬

‫وهو يجيب‪ :‬احلمد اهلل‪� ،‬أما ال�شيخ �شخبوط‬ ‫فقد �أخذ مدة طويلة وهو ي�صافحه مم�سك ًا‬ ‫بيديه‪ .‬يقول رودريك‪« :‬ثم وبخني لطول فرتة‬ ‫انقطاعي عنهم»‪.‬‬ ‫ومل��ا ك��ان ال�شيخ �شخبوط بن �سلطان بدوياً‬ ‫خال�ص ًا يحب ال�صحراء واحلياة الب�سيطة‪،‬‬ ‫وي�ستمتع �إىل �أق�صى درجة مبمار�سة الهوايات‬ ‫ال �ب��دوي��ة ال�ت�ق�ل�ي��دي��ة‪ ،‬كال�صيد بال�صقور‬ ‫ونظم ال�شعر‪ ،‬ظهر �أث��ر الإحباط على وجه‬

‫رودري��ك بعد �أن علم �أن احلاكم وحا�شيته‬ ‫ي�ستعدون لرحلة �صيد يف اليوم التايل‪ ،‬و�أن‬ ‫هذه الرحلة قد ت�ستغرق منهم عدة �أ�سابيع‪،‬‬ ‫فمن غري املمكن �أن يلبي الدعوة‪ ،‬ولكن بعد‬ ‫�أن �شرح له �أن هيليارد ي�ستعد لإقامة حفلة‬ ‫كبرية �إذا ح�ضر حاكم �أبوظبي �إىل منزله؛‬ ‫� ّأج��ل ال�شيخ �شخبوط موعد الرحلة �إىل ما‬ ‫بعد يومني �آخرين‪ ،‬احرتام ًا وتقدير ًا لهم‪.‬‬ ‫يقول رودريك‪« :‬علت وجوه �أتباعه يف املجل�س‬ ‫االم�ت�ع��ا���ض م��ن ت��أج�ي��ل رح�ل��ة ا�ستك�شافية‬ ‫كرحلة ال�صيد‪ ،‬والتي تنطوي على ما يقارب‬ ‫اخلم�سني �شخ�ص ًا وعدد ًا كبري ًا من ال�سيارات‬ ‫وال�شاحنات‪ ،‬فمثل هذه التجهيزات لي�ست‬ ‫ب��الأم��ر ال�سهل»‪ .‬ولقد ق��دم احل��اك��م دع��وة‬ ‫لرودريك لالن�ضمام �إليهم يف هذه الرحلة‬ ‫وقبل �أن يجيب قال �شخبوط‪« :‬يتوجب عليك‬ ‫�أن تعي�ش حياة ال �ب��داوة الب�سيطة‪ ،‬و�أن ال‬ ‫تتوقع �أن يكون هناك �شيء يف الرحلة ميت‬ ‫ب�صلة للحياة احل�ضرية التي تعي�شونها»‪ .‬غري‬ ‫�أن رودريك وافق متحم�س ًا وهو ي�شعر بغبطة‬ ‫م��ن ط��ول امل��دة ال�ت��ي �سيق�ضونها‪ ،‬فو�ضح‬ ‫ل��ه ال�شيخ �شخبوط خ��ط الطريق وبرنامج‬ ‫الرحلة وق��ال ل��ه‪« :‬اعتقد �أن��ك �سوف تكون‬ ‫م�سرور ًا يف الرحلة»‪.‬‬ ‫ولكن ماذا عن حفل عيد امليالد؟ وما �أهمية‬ ‫تلبية ال�شيخ �شخبوط الدعوة التي وجهت‬ ‫ل��ه؟ وه��ل ��ش��ارك الظبيانيون الأج��ان� َ�ب يف‬ ‫�أعيادهم من قبل؟‬ ‫�أ�شار رودري��ك �إىل �أن��ه مل يحدث �أن �شارك‬ ‫�أبناء �أبوظبي الأجانب �أعيادهم من قبل‪� ،‬أما‬ ‫هيليارد فقد ابتهج لت�شريف ال�شيخ �شخبوط‬ ‫يف احل�ضور �إىل منزله‪ ،‬وا�ستعد ب�شكل �أكرب‬ ‫لتوقعه و�صول عدد كبري من املهنئني بالعيد‪.‬‬ ‫وكانت �سوزان زوجة هيليارد املر�أة الوحيدة‬ ‫امل�ضيفة‪ ،‬لديها �صداقات عديدة مع ن�ساء‬ ‫�أبوظبي‪ ،‬وق��د ذهبت لدعوة وال��دة احلاكم‬ ‫ال�شيخة �سالمة بنت بطي حل�ضور احلفل‪،‬‬ ‫ومل يذكر رودريك �إن كانت قد ح�ضرت �أم ال‪.‬‬ ‫كان لدى ال�شيخ �شخبوط بن �سلطان �صفة‬ ‫الت�سامح الديني ال��ذي ه��و مطلب �إن�ساين‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪58‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫هليارد بجانب منزله الذي ا�ست�ضاف فيه رودريك يف �أبوظبي‬

‫نبيل دع��ت �إل �ي��ه الأدي� ��ان ك��اف��ة‪ ،‬ف�ك��ان هو‬ ‫و�أخوه ال�شيخ خالد �أول احل�ضور للحفل‪ ،‬وقد‬ ‫طرح على رودريك �س�ؤا ًال قائ ًال‪« :‬يبدو �أنكم‬ ‫تفتقدون �إىل كني�ستكم اليوم‪ ،‬ون�أ�سف لعدم‬ ‫وجود واحدة يف �أبوظبي(‪.»)17‬‬ ‫�أج� ��اب رودري� � ��ك‪« :‬ن �ع��م ن�ف�ت�ق��ده��ا‪ ،‬ول�ك��ن‬ ‫ه��ل ت��رف����ض وج ��ود واح� ��دة ه �ن��ا؟» ف ��أج��اب‬ ‫ال�شيخ �شخبوط‪�« :‬أرف�ض! بالطبع ال‪ ،‬ف�أنتم‬ ‫حتتاجون �إىل �إميانكم وممار�سة �شعائركم‬ ‫مثل ما نحن نحتاج �إليها‪ ،‬و�أعتقد �أن وجودها‬ ‫هنا من م�صلحة اجلميع»‪.‬‬ ‫يقول رودريك‪« :‬كان ال�شيخ �شخبوط يعرف حقوق‬ ‫الإن�سان يف اعتناق ما ي�شاء من �أفكار دينية‪ ،‬وكان‬ ‫جمي ًال منه �أن يويل اهتمام ًا بحاجتنا �إىل الدين‬ ‫التي من �ش�أنها �أن تغذي �أرواح �ن��ا‪ ،‬وه��ذه من‬ ‫ال�صفات الرائعة التي يتمتع بها هذا احلاكم»‪.‬‬

‫رحلة القن�ص والتوقف يف العني و�صلوا يف رحلتهم؟ ومبن التقوا؟ وهل كانت‬ ‫لنطرح �س�ؤا ًال‪ :‬هل كان لدى رودري��ك خربة اللغة وترجمتها عائقاً �أمام رودريك يف تعامله‬ ‫�سابقة يف عامل القن�ص؟ وم��اذا �سي�صطادون مع رفاق الرحلة؟‬ ‫مع ال�شيخ �شخبوط يف ه��ذه املنطقة؟ و�أي��ن قلق رودريك ب�ش�أن اللغة ومن �سيقوم بالرتجمة‬ ‫لكي يتوا�صل معهم ب�سهولة وي�سر‪ ،‬غري �أنه‬ ‫وج��د الأم��ر م��ع ال�شيخ �شخبوط ال ي�ستدعي‬ ‫ّ‬ ‫فضل رودريك في رحلته‬ ‫التفكري كثري ًا‪ ،‬لأن احلاكم كان يتحدث اللغة‬ ‫استعمال قوارب البوم‬ ‫االجنليزية ب�شكل ب�سيط وقد اهتم بكل �شيء‪.‬‬ ‫المحلية بد ًال من ركوب‬ ‫ومن �أمام بوابة ق�صر احل�صن �أعطى ال�شيخ‬ ‫السفن البخارية العاملة‬ ‫�شخبوط �إ�شارة البدء يف التحرك‪ ،‬حام ًال معه‬ ‫بين البصرة وبومباي‪ ،‬ألن �صقوره املف�ضلة «نهار» وهو من نوع ال�شاهني‪،‬‬ ‫وط��ائ��ر �آخ��ر ثمني ي��دع��ى «ط�ل�ال» ق��ال عنه‬ ‫هذه المراكب الشراعية‬ ‫رودري��ك �إن��ه يقدر مبائة جنية ا�سرتليني �أو‬ ‫الصغيرة الشائعة في‬ ‫�أك�ث�ر‪� .‬أم��ا الطرائد فقد خ�ص�صت الرحلة‬ ‫منطقة الخليج العربي‬ ‫ال�صطياد طائر «احلبارى» الذي كان ي�ستوطن‬ ‫مكنته من االنطالق‬ ‫هذه املنطقة بكرثة عالوة على اعتباره –يف‬

‫من موانئ صغيرة أراد‬ ‫اكتشافها‬


‫ذلك الوقت‪ -‬من الطيور املهاجرة التي تزور‬ ‫ه��ذه املنطقة خ�لال ف�صل ال�شتاء فيتواجد‬ ‫ب�أعداد كبرية‪.‬‬ ‫وعرب �شريط �ساحلي و�صلوا ب�سياراتهم ح�صن‬ ‫املقطع الذي توقفوا عنده‪ ،‬لإلقاء التحية على‬ ‫قائد احل�صن وهو ابن احلاكم ال�شيخ �سعيد‬ ‫بن �شخبوط‪ .‬يقول رودريك‪« :‬يتكون احل�صن‬ ‫م��ن ع��دة غ��رف حماطة ب�ج��دار �سميك‪ ،‬وال‬ ‫يوجد فيها �أي نوع من الأثاث با�ستثناء كر�سي‬ ‫قدمي ذي م�سند جل�س عليه ال�شيخ �شخبوط‬ ‫وطلب مني �أن �أ�شاركه اجللو�س‪ ،‬ويف املبنى جاء‬ ‫�أحد اجلنود بالبخور امل�شتعل يف منقل م�صنوع‬ ‫من الفخار باللون الأحمر‪ ،‬و ُر ّ�ش فوق ر�ؤو�سنا‬ ‫مبر�ش فيه ماء الورد»‪.‬‬ ‫ومن هناك طرح ال�شيخ �شخبوط على رودريك‬ ‫� �س ��ؤا ًال يتعلق بال�سفينة «ك��وي��ن م�يري» وهي‬ ‫من �أ�شهر �سفن املحيطات‪ ،‬بلغت �أوجها يف‬ ‫الثالثينيات من القرن الع�شرين بعد �أن د�شنت‬ ‫مع اثنتني‪ ،‬نورمندي الفرن�سية وكوين �إليزابيث‬ ‫ال�بري�ط��ان�ي��ة‪ ،‬ك��أف�خ��م �سفن بنيت يف ذلك‬ ‫الوقت(‪ )18‬قائ ًال‪« :‬كم يبلغ طول ال�سفينة كوين‬ ‫م�يري؟ �أج��اب رودري��ك‪ :‬ح��وايل ‪ 800‬قدم �أو‬ ‫نحو ذلك»‪ .‬قال �شخبوط‪« :‬هل ميكن لل�سفينة‬ ‫�أن تر�سو يف �شاطئ �أبوظبي؟»‬ ‫ثم �صرح �شخبوط قائ ًال‪�« :‬أعتقد �أنها لن تتمكن‬ ‫من الر�سو‪ ،‬مهما كان حجم مقدار العمل الذي‬ ‫و�ضع من �أجلها»‪.‬‬ ‫هنا متنى رودري ��ك ل��و كانت لديه مو�سوعة‬ ‫بريتانيكا ‪ Brittanica‬التي تعد من �أ�شهر‬ ‫و�أدق املو�سوعات و�أ�شدها �سعة واطالع ًا‪� ،‬أو‬ ‫�إىل مو�سوعة �آرث��ر مي ‪ Arthur Mee‬وهي‬ ‫مو�سوعة �أب�سط من بريتانيكا �أعدت للأطفال‪،‬‬ ‫فقد جعله ال�شيخ �شخبوط �أن يكون �صريح ًا‬ ‫�أكرث معه و�أن ال يعطيه �أي �إجابة مغلوطة(‪.)19‬‬

‫اجتماع الربميي‬

‫و� �ص��ل امل��وك��ب واح���ة ال�برمي��ي و ُن � ِ���ص � َب��ت‬ ‫اخل �ي��ام‪ ،‬وال�ت�ق��ى احل��اك��م ب��أخ�ي��ه ال�شيخ‬ ‫زاي��د بن �سلطان‪ ،‬ممث ًال عنه يف املنطقة‬ ‫ال�شرقية‪ ،‬الذي �أعجب رودريك بال�صفات‬ ‫املت�أ�صلة يف �شخ�صيته‪ ،‬ك�إخال�صه ال��ذي‬

‫من جمل�س ال�شيخ �شخبوط‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪60‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫�أبوظبي يف الن�صف الأول من خم�سينيات القرن املا�ضي‪� -‬صورة لرودريك‬

‫ال ي�ضعف لأخيه ال�شيخ �شخبوط‪ ،‬ووطنيته‬ ‫اجلارفة والتزامه الرا�سخ با�ستقالل الإمارة‬ ‫و�سيادتها وم�شروعه املبكر يف �إقامة م�ساع‬ ‫دبلوما�سية يف املنطقة (‪.)20‬‬ ‫�أم���ا ع��ن ال�برمي��ي ف�ق��د ك��ان��ت ت �ت ��أل��ف من‬ ‫جمموعة م��ن ال�ق��رى تقع و�سط ال�صحراء‬ ‫وت�ع�ت�بر ح���د ًا ف��ا� �ص� ً‬ ‫لا ب�ين �أرا�� �ض ��ي عمان‬ ‫و�أبوظبي‪ ،‬وه��ي على بعد نحو ‪ 90‬مي ًال من‬ ‫مدينة �أبوظبي‪ ،‬وتتكون هذه الواحة من ‪12‬‬ ‫ق��ري��ة‪ ،‬ث�لاث منها تابعة لعمان وه��ي قرية‬ ‫الربميي التي �أ�صبح ا�سمها يطلق على جممل‬ ‫الواحة‪ ،‬و�صعراء وحما�سة‪� ،‬أما القرى الت�سع‬ ‫الأخ ��رى وه��ي ال�ع�ين‪ ،‬املويجعي واملعرت�ض‬ ‫واجل�ي�م��ي وال �ق �ط��ارة وال�ه�ي�ل��ي وامل���س�ع��ودي‬ ‫واجل��اه �ل��ي وم��ري �ج��ب ف �ه��ي ت��اب �ع��ة حل��اك��م‬ ‫�أبوظبي(‪ .)21‬ولقد حظيت ب�أهمية كبرية‬ ‫ل��دى قبائل جنوب �شرق اجل��زي��رة العربية‬ ‫باعتبارها ملتقى كثري من طرق املوا�صالت‬ ‫يف ��ش��رق اجل��زي��رة ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬وحم� ��ور ًا بني‬ ‫�صحارى اجلنوب الكبرية و�سواحل الباطنة‬ ‫ومناطق احلجر الداخلية والظاهرة وعمان‬ ‫الو�سطى وال�شرقية‪ ،‬فكان �أمنها ذا �أهمية‬

‫عظمى لأمن املنطقة كلها‪ .‬و�أوالها �شيوخ �آل‬ ‫بوفالح يف �أبوظبي وعلى الدوام �أهمية خا�صة‬ ‫باعتبارها املدخل �إىل املنطقة الداخلية يف‬ ‫�ساحل الإم��ارات‪ ،‬وحتديد ًا املنطقة املعروفة‬ ‫با�سم ليوا غ��رب الربميي‪ .‬ويف خم�سينيات‬ ‫القرن الع�شرين م��رت بعدة �أزم��ات متثلت‬ ‫باملناف�سات ب�ين القبائل وال �ن��زاع��ات على‬ ‫احل��دود غري امل�ح��ددة‪ ،‬لتوقع وج��ود النفط‬ ‫ف �ي �ه��ا‪ ،‬ول �ك��ن ان �ت �ه��ى ك��ل ذل ��ك ف �ج ��أة بعد‬ ‫مفاو�ضات ومناق�شات و�صدام مل ت��رق فيه‬ ‫الدماء(‪ )22‬يف �شهر �أكتوبر عام ‪.1955‬‬ ‫ويف ال�سيا�سة الداخلية لعمان كانت خربة‬ ‫ال�شيخ زاي��د املبا�شرة بالقبائل ووالءات �ه��ا‬ ‫حت�ظ��ى ب��أه�م�ي��ة ك �ب�يرة‪ ،‬وك��ذل��ك معرفته‬

‫أعطى الشيخ شخبوط‬ ‫إشارة البدء في التحرك‪،‬‬ ‫حام ً‬ ‫ال معه صقوره‬ ‫المفضلة «نهار» وهو من‬ ‫نوع الشاهين‪ ،‬وطائر آخر‬ ‫ثمين يدعى «طالل» قال‬ ‫عنه رودريك إنه يقدر بمائة‬ ‫جنية استرليني أو أكثر‬

‫الدقيقة «باملطالب التقليدية» لآل بوفالح‬ ‫واالم� �ت ��داد اجل �غ��رايف امل �ح��دد لإم��ارت �ه��م‪،‬‬ ‫ل��ذا اقت�ضت ال�سيا�سة العملية وج��وده يف‬ ‫الواحة يف جميع الأحداث‪ .‬وكانت احلكومة‬ ‫الربيطانية مقتنعة ب��أن��ه ال�شخ�ص ال��ذي‬ ‫ال غنى عنه �أب ��د ًا ه�ن��اك‪ .‬ف�ق��ام ب��الإع��داد‬ ‫لعقد اجتماع يجمع �أخيه ال�شيخ �شخبوط‬ ‫بال�سلطان �سعيد بن تيمور �سلطان م�سقط‬ ‫وع �م��ان لإج���راء مباحثات ح��ول امل�صالح‬ ‫امل�شرتكة ب�ين الطرفني بعد تلك الأزم��ة‪،‬‬ ‫وك ��ان ال���س�ل�ط��ان ق��د �أق���ام م�ع���س�ك��ر ًا على‬ ‫م�شارف قرية الربميي‪ ،‬وق��د ذه��ب ال�شيخ‬ ‫�شخبوط لل�سالم عليه والحت�ساء القهوة معه‬ ‫م�صطحب ًا معه رودري ��ك‪ .‬يقول رودري��ك‪:‬‬ ‫«ك��ان ه��ذا اللقاء الأول ال��ذي يجمع حاكم‬ ‫�أبوظبي وال�سلطان يف الربميي‪ ،‬وهذا دليل‬ ‫وا�ضح �أن الواحة حتظى ب�أهمية ب��ارزة يف‬ ‫املنطقة (‪ .»)23‬وقد و�صف رودريك ال�سلطان‬ ‫�سعيد قائ ًال �إن��ه‪« :‬رج��ل مهيب ويلب�س على‬ ‫ر�أ�سه عمامة من الزي العماين التقليدي‪،‬‬ ‫ويغزو ال�شيب �أطراف حليته‪ ،‬وهو رجل ذكي‬ ‫ولطيف ولغته االجنليزية جميلة‪ ،‬وقد دعاين‬


‫لزيارة م�سقط (‪ .»)24‬ويف اليوم التايل من‬ ‫و�صولهم‪ ،‬اجتمع حاكم �أبوظبي وال�سلطان‬ ‫��س�ع�ي��د ب��ن ت �ي �م��ور‪ ،‬و�أح�� ��اط ب �ك��ل منهما‬ ‫م�ست�شارون مدنيون وع�سكريون‪ ،‬ومثل ما‬ ‫كان لل�سلطان م�ست�شارون �أجانب كان لل�شيخ‬ ‫�شخبوط م�ست�شارون �أجانب �أي�ض ًا‪ .‬يقول‬ ‫رودريك عن حا�شية ال�سلطان‪« :‬كان يحيط‬ ‫به رجال منهم وزير �ش�ؤون خارجية م�سقط‬ ‫وقائد من قوات م�سقط امليدانية‪ ،‬وال�سيد‬ ‫–جيم�س موري�س‪ -‬مرا�سل �صحيفة التاميز‬ ‫ال�بري�ط��ان�ي��ة يف ال �� �ش��رق الأو�� �س ��ط وال ��ذي‬ ‫فاج�أين وجوده هنا»‪.‬‬ ‫ولعله من املفيد �أن ن�شري �إىل �أن ال�صحفي‬ ‫جيم�س موري�س ن�شر‪ ،‬الحق ًا‪ ،‬كتاب ًا بعنوان‬ ‫«‪ »Sultan in Oman‬يعر�ض فيه ذكرياته‬ ‫وجت��ارب��ه يف امل�ن�ط�ق��ة و�أ�� �ش ��ار �إىل وج��ود‬ ‫رودريك يف ذلك االجتماع (‪.)25‬‬

‫كان الشيخ شخبوط بن‬ ‫سلطان بدوي ًا خالص ًا‬ ‫يحب الصحراء والحياة‬ ‫البسيطة‪ ،‬ويستمتع إلى‬ ‫أقصى درجة بممارسة‬ ‫الهوايات البدوية‬ ‫التقليدية‪،‬كالصيد‬ ‫بالصقور ونظم الشعر‬ ‫وهو رجل ذكي ويتصف‬ ‫بروح الدعابة‬

‫قبل حاكم �أبوظبي لل�سلطان �سعيد بعد �أن‬ ‫انتهى االج�ت�م��اع‪ ،‬وكيف ب��د�أت حت�ضريات‬ ‫الطباخني واحلا�شية لإع��داد احتفال يليق‬ ‫مب �ق��ام احل �� �ض��ور‪ ،‬وق ��ال ع��ن امل��ائ��دة �إن�ه��ا‬ ‫كانت عامرة مبا لذ وط��اب من حلم للإبل‬ ‫واخل��رف��ان وامل��اع��ز وال��دج��اج وك��ذل��ك حلم‬ ‫الغزال واحل�ب��ارى التي مت ا�صطيادها من‬ ‫قبلهم‪ ،‬وو�ضعت تلك اللحوم على �أطباق‬ ‫م��ن �أرز م�سلوق و�أخ ��رى مقلية وع�ل��ى �أرز‬ ‫و�صف االجتماع‬ ‫كان رودريك يذكر كل �شيء يقع عليه ب�صره بالكاري‪ ،‬وو�ضع على جانب تلك الأطباق‬ ‫بدقة متناهية‪ ،‬فو�صف ما مت �إع��داده من فواكه معلبة من تني وك��رز و�أنانا�س وخوخ‬

‫وكمرثى وحلويات املحلبي مع جوز الطيب‪،‬‬ ‫واخلبي�ص والع�صيد وغريها من الأك�لات‬ ‫ال���ش�ع�ب�ي��ة ال�ت�ق�ل�ي��دي��ة‪ .‬ا��س�ت�م�ت��ع رودري���ك‬ ‫بالرحلة وبنمط احلياة البدوية واع�ترف‬ ‫�أنه مل يكن يعرف الكثري عن عامل القن�ص‪،‬‬ ‫غ�ير �أن��ه تعلم باملمار�سة كيف يتعامل مع‬ ‫ال�صقور من خالل مرافقته لل�شيخ �شخبوط‬ ‫بن �سلطان‪ ،‬وغادر �أبوظبي ويف ذهنه �صورة‬ ‫�أو��ض��ح للبلد‪ ،‬ع��رف �أ�شياء مل يكن يعرف‬ ‫عنها ور�أى �أمكنة مل ي��زر مثلها م��ن قبل‪،‬‬ ‫ووجد حاكمها كرمي ًا ودمث ًا مع �ضيوفه‪ ،‬كما‬ ‫وجده حمدث ًا لطيف ًا‪ .‬وقال‪« :‬مهما قيل عنه‪،‬‬ ‫ال�شيخ �شخبوط ذو �شخ�صية �أ�صيلة‪ .‬و�أنا‬ ‫�أت�شرف �أن �أكون �شاعره‪.»...‬‬ ‫زيارة ثانية �إىل �أبوظبي ‪1957‬‬

‫م�ضى ع��ام��ان ك��ام�لان ع�ل��ى زي ��ارة رودري ��ك‬ ‫الأوىل �إىل �أبوظبي‪ ،‬ظن بعدها �أن��ه اكتفى‪،‬‬ ‫مب��ا ر�أى وال م��زي��د‪ ،‬ول�ك��ن يف دي���س�م�بر ع��ام‬ ‫‪ 1957‬ع� ��اد يف زي � ��ارة �أخ � � ��رى‪ ،‬ف �ك �ي��ف وج��د‬ ‫حاكمها؟ وهل اكت�شف النفط يف �أبوظبي؟‬

‫املن�صة التي مت �سحبها حلقل �أم ال�شيف‬


‫ارتياد اآلفاق‬ 62

‫ق�صيدة كتبها رودريك مادح ًا فيها ال�شيخ زايد‬ »‫بن �سلطان �آل نهيان «طيب اهلل ثراه‬ A thousand grains of Sand whirl in the sky To mark the journey of one passer-by If then a Cavalcade disturbs the scene, Shall such grains sing before they start to fly? What man of Honour and to Honour bred Will fear to go wherever Truth has led? For though a Thousand urge him to retreat He’ll laugh, until such counsellors have fled Stands always One, defiant and alone Against the Many, when all Hope has flown Then comes the Test and only then the time Of reckoning what each can call his own History will not forget: that one small Seed Sufficed to tip the Scales in time of need More than a debt, the Emirates owe to Zayed Their very Souls, from outside influence freed No praise from Roderic can increase his Fame Steadfastness was the Essence of his name The changing years grow Gardens in the Sand And build new Roads to Sand which stays the same But Hearts are not rebuilt, nor Seed resown What was, remains, essentially Alone. Until the Golden Messenger, all-wise, Calls out: “come now, my Friend!” and all is Known

‫وج��د رودري ��ك ال�شيخ �شخبوط �أك�ثر ت�ف��ا�ؤ ًال‬ ،‫بالعثور على النفط يف الإم��ارة من ذي قبل‬ ‫وكان يرى �أن جزيرة دا�س �سوف ت�صبح �أكرث‬ ‫ ولقد راف��ق احلاكم �إىل‬،‫�أهمية من �أبوظبي‬ ‫ وبعد �أن هبطت الطائرة بهم‬،‫جزيرة دا���س‬ ،‫على امل��درج ال��ذي �أن�ش�أه يف زي��ارت��ه الأوىل‬ ‫و�أج ��رى ج��والت يف �صحبة ال�شيخ �شخبوط‬ ‫ الح��ظ ت �ط��ورات ع��دة يف‬،‫وبع�ض املر�شدين‬ ‫اجلزيرة �أهمها جتهيز من�صة حفر فوالذية‬ ‫بحرية �أملانية ال�صنع كانت الأوىل من نوعها‬ ‫ وه��ي م��ن �ضمن م�شاريع ال�شيخ‬،‫يف ال�ع��امل‬ ‫�شخبوط بن �سلطان للتنقيب عن النفط يف‬ ‫ فقد مت االنتهاء من بناء هذه املن�صة‬،‫البحر‬ ‫ وا�ستغرقت‬،1957 ‫ �أغ�سط�س ع��ام‬23 ‫يف‬ .‫ يوم ًا‬92 ‫رحلتها لت�صل �إىل ج��زي��رة دا���س‬ ‫ انتهى العمل من تركيب برج‬1958 ‫ويف يناير‬ ‫ بعد �أن �أح�ضرت‬،‫احلفر والأرجل لهذه املن�صة‬ ‫ال�شركة اثنني وثالثني فني ًا من الكويت ممن‬ ‫ مت تن�صيب‬،‫مار�سوا �أعما ًال ت�شبه هذا العمل‬ ‫هذه املن�صة التي و�صلت فيما بعد �إىل منطقة‬ ‫ وبد�أ حفر �أول بئر‬1958 /1 /12 ‫�أم ال�شيف يف‬

‫الـعــــدد‬ 160 ‫فبراير‬ 2013

‫ق�رص احل�صن‬

‫منظر لإحدى واحات العني يف اخلم�سينيات‬

‫�شاطئ �أبوظبي يف اخلم�سينيات من القرن املا�ضي‬


‫الهوام�ش‬ ‫‏& ‪1-Roderic Fenwick Owen: Writer‬‬ ‫‪adventurer who became court poet to‬‬ ‫‪a Sheikh, The Independent, 8 April‬‬ ‫‪2011.‬‬ ‫‪2-Nigel Hart, The inadvertent poet of‬‏‬ ‫‪the UAE, The National, Dec 2, 2012.‬‬ ‫‪ 3-80Roderic Owen, The Golden‬‏‬ ‫‪Bubble, Collins, London, 1957: .‬‬ ‫‪ - The National‬‏‪4‬‬ ‫‪5-The Golden Bubble: 93.‬‏‬ ‫‪6-The Golden Bubble: 94.‬‏‬ ‫‪7-The National‬‏‬ ‫‪-8‬انظر‪ :‬جزيرة القوا�سم متايز تاريخي‬

‫ال�شيخ �شخبوط وبجانبه جم�سم ملن�صة احلفر‬

‫واقت�صادي وبيئي �أي�ض ًا‪ ،‬جريدة‬ ‫االحتاد‪�،‬أبوظبي‪� 22 ،‬سبتمرب‪.2009 ،‬‬ ‫‪9-The Golden Bubble: 101.‬‏‬ ‫‪-10‬بتو�سع انظر‪ :‬حممد فار�س الفار�س‪،‬‬ ‫الأو�ضاع االقت�صادية يف �إمارات ال�ساحل‪،‬‬ ‫مركز الإمارات للدرا�سات والبحوث‬ ‫اال�سرتاتيجية‪� ،‬أبوظبي‪.225 :2000 ،‬‬ ‫‪-11‬انظر‪ :‬جوينتي مايرتا‪ ،‬ق�صر احل�صن‪:‬‬ ‫تاريخ حكام �أبوظبي ‪ ،1966 - 1793‬مركز‬ ‫الوثائق والبحوث‪� ،‬أبوظبي‪.238 :2001 ،‬‬ ‫‪12-The National.‬‏‬ ‫‪-13‬دولة الإمارات العربية املتحدة يف جملة‬ ‫العربي‪� ،‬إعداد علي حممد را�شد‪ ،‬املجمع‬ ‫الثقايف‪� ،‬أبوظبي‪.114 :1988 ،‬‬ ‫‪ 4-Oil Companies of the Persian Gulf‬‏‪1‬‬ ‫‪States, Records of the Emirates 1961,‬‬ ‫‪681.‬‬ ‫‪The National‬‏‪15-‬‬

‫‪ 6-The Golden Bubble: 146‬‏‪1‬‬ ‫‪17-The Golden Bubble: 171.‬‏‬

‫‪-18‬املو�سوعة العربية العاملية‪ ،‬م�ؤ�س�سة‬ ‫�أعمال املو�سوعة للن�شر والتوزيع‪ ،‬الريا�ض‪،‬‬ ‫‪ :1999‬ال�سفينة‪.317 :12 :‬‬

‫‪ 9-The Golden Bubble: 173‬‏‪1‬‬ ‫‪20-The Golden Bubble: 187.‬‏‬

‫�أحد رجال ال�شيخ �شخبوط بن �سلطان‬

‫حتت مياه �أبوظبي‪ .‬ويف �سبتمرب عام‬ ‫�أعلنت �شركة �أبوظبي البحرية املحدودة عن‬ ‫نب�أ اكت�شافها للبرتول(‪ ،)26‬وق��دم رودري��ك‬ ‫لهذه املنا�سبة ق�صيدة(‪. )27‬‬

‫‪1958‬‬

‫زيارة ثالثة ‪1989‬‬ ‫يف فرباير عام ‪� 1989‬أر�سل رودري��ك تعازيه‬ ‫احلارة لل�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان حاكم‬ ‫دولة الإمارات العربية املتحدة «‪»2004 - 1966‬‬

‫يف وفاة �أخيه ال�شيخ �شخبوط‪ ،‬فتلقى من ال�شيخ‬ ‫زاي��د �أي�ض ًا دع��وة ل��زي��ارة �أبوظبي واتخذت‬ ‫ترتيبات و�صوله يف دي�سمرب من نف�س العام‪،‬‬ ‫وده����ش م��ن ر�ؤي ��ة �أب��وظ�ب��ي وال�ت�ط��ورات التي‬ ‫حدثت يف عهد ال�شيخ زايد يف �شتى املجاالت‪،‬‬ ‫غري �أنه مل تكتب له زيارة �إىل �أبوظبي بعد تلك‬ ‫ال��زي��ارة‪ ،‬وت��ويف يف فرباير ع��ام ‪.)28( 2011‬‬ ‫وقد كتب ق�صيدة مادح ًا فيها ال�شيخ زايد بن‬ ‫(‪)29‬‬ ‫�سلطان «طيب اهلل ثراه »‬

‫‪�-21‬شركة الزيت العربية الأمريكية‪،‬‬ ‫عمان وال�ساحل اجلنوبي للخليج العربي‪،‬‬ ‫القاهرة‪.199 :1952 ،‬‬ ‫‪-22‬ق�صر احل�صن‪.239 :‬‬

‫‪ 3-The Golden Bubble: 184.‬‏‪2‬‬ ‫‪24-The Golden Bubble: 192 .‬‏‬ ‫‪25-James Morris, Sultan in‬‏‬ ‫‪Oman,Faber and Faber, London, 57.‬‬ ‫‪-26‬جملة العربي ‪.123‬‬ ‫‪27-The National‬‏‬ ‫‪28-The Independent.‬‏‬ ‫‪29-The National.‬‏‬


‫سراديب‬ ‫‪64‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫أخبار مصر إيه!!‬ ‫بعد‬

‫حممد النمر‬

‫‪nemr200876@gmail.com‬‬

‫م��رور الأي��ام الأوىل ثم الأ�سابيع الأوىل فال�شهور الأوىل‪،‬‬ ‫كنت قد اعتدت وجع البعد والغربة‪ ،‬هذا ال�صباح �ضبطتني‬ ‫�أت��وق��ف عند �صوت �أح��ده��م ح�ين داه�م��ت �أذين لهجته امل�صرية‬ ‫اخلال�صة‪ ،‬تركت م��ا �أفعله وان�صرفت �أت��اب��ع حتركاته‪ ،‬و�أح��اول‬ ‫االقرتاب منه من دون �إزعاج‪ ،‬ثم حانت الفر�صة حني �سقطت منه‬ ‫اجلريدة‪ ،‬فالتقطتها‪ ،‬و�أ�سرعت �أناديه ب�إجنليزية ت�شوبها اللكنة‬ ‫العربية‪� ،‬أخذ اجلريدة و�شكرنى بلغة عربية‪ ،‬قبل �أن يتدارك �أنني‬ ‫حدثته بالإجنليزية‪� ،‬أ�سرعت ابت�سم يف وجهه و�أقول له‪ :‬م�صري ‪..‬‬ ‫�أه ًال �أه ًال‪� ،‬أخبار م�صر �إيه!!؟‬ ‫كنت �أت�صور �أنني �أدمنت البعد‪ ،‬و�أن وطني هو تلك امل�ساحة اجلديدة‬ ‫التي �أ�شغلها فى العامل‪ ،‬لكن الوطن كان و�شم ًا بالقلب‪ ،‬مهما ان�شغلنا‬ ‫عن ر�ؤيته‪ ،‬ال ينفي ذلك وجوده‪.‬‬ ‫كانت الكلمات التى خرجت متعرثة‪ ،‬ي�شوبها بريق �أثره فى دموع بدت‬ ‫فى عينيه وهو يحدثني‪ ،‬كانت كلماته ك�أنني �أ�ستمع �إىل بث فى �أحد‬ ‫الربامج‪ ،‬دغدغة يف روحي‪ ،‬وح�شة غام�ضة تنتابني‪ ،‬متر الذكريات‬ ‫متالحقة‪ ،‬ف�ألهث يف متابعتها‪ ،‬هذا احلنني الذي تخيلت نف�سي بريئ ًا‬ ‫منه‪ ،‬حني ان�شغلت فى العمل واحلياة هنا‪.‬‬ ‫و�صرت �أ�س�أل نف�سي هل �أحبك يا م�صر بهذا ال�شكل؟‬ ‫حاولت الت�صدي مل�شاعر الوح�شة واحلنني‪ ،‬تذكرت الزحام‪ ،‬واجلو‬ ‫اخلانق‪ ،‬تذكرت التكد�س املروري‪ ،‬حاولت بكل الطرق حما�صرة هذا‬ ‫احلنني اجلارف‪ ،‬لكن مل يكن من فرار!!‬ ‫يوجعني البعد‪ ،‬و�أحزن حلال بالدي‪ ،‬للفقر والزحام‪ ،‬واحلزن املختفي‬ ‫يف مالمح العابرين‪� ،‬أتذكر الوقوف يف طابور الراتب‪ ،‬حتى بعد �أن‬ ‫قرروا ميكنته‪ ،‬كنا نقف �أمام ماكينة ال�صراف الآيل يف طابور‪.‬‬ ‫�أم�شي يف ال�شوارع ذات الر�ؤية ال�ضبابية مت�أثر ًا بعوادم ال�سيارات‪،‬‬ ‫لكن الكورني�ش يفاجئني بابت�سامة �سالكيه‪ ،‬و�سط املدينة بهو�س‬ ‫�أ�ضوائها وواجهات املحال‪ ،‬بحيويتها ورغبة املحيطني حويل يف خلق‬ ‫ابت�سامة من نوع جديد‪� ..‬أتلك�أ يف ال�سري لي�س ب�سبب الزحام و�إمنا‬ ‫للمراقبة واال�ستمتاع ‪ ..‬نعم �أ�شتاق �إىل و�سط املدينة‪.‬‬


‫�أم��ر على كورني�ش ج��اردن �سيتي‪ ،‬ي��وم كنت مولع ًا بكتابة ا�سمي‬ ‫بت�شكيالت خمتلفة‪ ،‬مولع ًا بحروفه‪ ،‬كنا جن��ري على الكورني�ش‬ ‫�صانعني للحظات البهجة اخلا�صة بنا‪ ،‬كنا نخبئ ال�سعادة خلف‬ ‫الأ�شجار املُ�سنة‪ ،‬التي �أنهكها الزمن وجعلها �أكرث �صالبة وجما ًال ‪..‬‬ ‫ال �شك �أ�شتاق �إىل الكورني�ش ‪� ..‬إىل جاردن �سيتي‪.‬‬ ‫متى ان�صرف القادم اجلديد‪ ،‬كيف �أُنهي احلديث بيني وبينه‪ ،‬ال‬ ‫�أتذكر �أي �شيء‪ ،‬فقد غالبتني الذكريات‪ ،‬جتاذبني الوجع واحلنني‪،‬‬ ‫ال ميكنني الفرار منهما‪.‬‬ ‫تذكرت عنوة وقت كنت �أ�ستخرج رخ�صة القيادة‪ ،‬ذلك الطابور‬ ‫املنهك‪ ،‬والوقت ال��ذي �أم�ضيته يف هذا اليوم داخ��ل وح��دة املرور‬ ‫التي �أتبعها‪� ،‬أزعجني احلر والزحام‪ ،‬وتعبت �ساقي من الوقوف‪،‬‬ ‫وقد تنازلت عن مقعدي لأحد كبار ال�سن‪ ،‬بعد �أن اكت�ست مالحمه‬ ‫بالتعب من الوقوف‪ ،‬وعدد املنتظرين يفوق �أعداد مقاعد االنتظار‬ ‫ب�أ�ضعاف‪� ،‬أنهكني الوقوف يف هذا اليوم‪.‬‬ ‫رائ�ح��ة ال�ي��ود تخرتق �أن�ف��ي‪ ،‬وال �أع��رف كيف م��رت ف��ى خاطري‪،‬‬ ‫و�أن��ا البعيد عن الإ�سكندرية �آالف الأم�ي��ال‪ ،‬على الكورني�ش كان‬ ‫والدي يحكي طفولتنا‪ ،‬وذكرياتنا‪ ،‬يحكي عن �أمي و�أ�شقائي حني‬ ‫كنا �صغار ًا‪ ،‬وكان ي�سرد لنا عن مدر�سته الأزهرية‪ ،‬ودار العر�ض‬ ‫التي كان يرتادها بانتظام �أ�سبوعي‪ ،‬يحكي عن م�سابقات الكرة‬ ‫«ال�شراب»‪ ،‬وال��دورات الرم�ضانية‪ ،‬و�صديقه امل�سيحي‪� ،‬أ�ستمع �إىل‬ ‫حكاياته وك�أنه يحكي الآن‪� ،‬أ�شم رائحة اليود وك�أنني‪� ،‬أ�سري بحذاء‬ ‫ال�شاطئ الآن‪� ،‬أحب الإ�سكندرية‪ ،‬نعم �أ�شتاق �إليها‪.‬‬ ‫كانت املرة الأوىل التي �أزور فيها �إحدى مدن القناة‪ ،‬كانت بور�سعيد‬ ‫�أيقونة ال�سوق احل��رة‪ ،‬والب�ضائع امل�ستوردة‪ ،‬والأح�ل�ام البعيدة‬ ‫يف �صابون معطر‪ ،‬وبنطلون جينز ذي عالمة جتارية غربية‪ ،‬كان‬ ‫الطراز املعماري لها رائع ًا‪ ،‬يت�شابه مع الطراز املعماري يف منطقة‬ ‫م�صر اجلديدة‪ ،‬البواكي‪ ،‬واملباين التي ت�شهد على �أزم��ان بعيدة‪،‬‬ ‫تخبئ احلكايات يف �أفاريزها‪ ،‬و�شرفاتها الكبرية‪ ،‬انطلقت نحو‬ ‫ال�شاطئ‪ ،‬لأرى البحر‪ ،‬كان هادئ ًا م�ستكين ًا يت�شابه مع النيل يف‬

‫حركته امل�سترتة‪� ،‬أحببت بور�سعيد‪ ،‬كما مل �أحب مدينة من قبل‪ ،‬نعم‬ ‫�أ�شتاق �إىل بور�سعيد‪.‬‬ ‫ال��وط��ن واحل �ن�ين �إل �ي��ه‪�� ،‬ش�ك��اوى �ضيق احل ��ال‪ ،‬وال��زح��ام‪ ،‬و�أف��ق‬ ‫الطموحات امل�ح��دود‪ ،‬الوجع والغربة‪ ،‬التواط�ؤ مع التن�صت لأي‬ ‫لكنة م�صرية‪ ،‬واختال�س نظرات تتبع لأي م�صري‪ ،‬ميكن �أن تراه‬ ‫يف بالد ال ُبعد‪ ،‬منتظر ًا �أن يحتاج م�ساعدة‪ ،‬فتهرع �إليه‪ ،‬وتغذي‬ ‫م�شاعر احلنني‪ ،‬وتدفع عن روحك وجع الغربة بقليل من الكلمات‬ ‫العربية بلكنة م�صرية‪ ،‬وتنهي احلديث بنكتة تثبت فيها لنف�سك قبل‬ ‫الآخرين �أن خفة الظل طرف يف معادلة ال�شخ�صية امل�صرية‪� ،‬أتذكر‬ ‫حمادثاتي مع الأ�صدقاء والأهل يف م�صر‪ ،‬وقبل �أن ننهي احلديث‬ ‫ينقلون يل �آخر النكات‪� ،‬أ�شتاق �إىل النكتة امل�صرية ‪� ..‬أ�شتاق �إىل‬ ‫م�صر‪.‬‬ ‫�أُكمل الطريق �سري ًا و�أن��ا �أت�ساءل‪ ،‬هل وجع الغربة �أكرب من وجع‬ ‫االحتياج؟ �س�ؤال ُيلح يف ذاكرتي‪ ،‬وروحي‪ ،‬تدغدغني �أكرث م�شاعر‬ ‫احلنني‪ ،‬و�سمرة الوجوه‪ ،‬وابت�سامات متناثرة على الوجوه يف الزحام‪.‬‬ ‫الآن �أفهم مل��اذا ترك �أحدهم ب�لاد ًا تبدو �أك�ثر جما ًال ورخ��اء من‬ ‫م�صر‪ ،‬الآن �أ�شعر حني قال‪« :‬م�ش قادر �أعي�ش بره م�صر»‪� ،‬أفهم �أن‬ ‫ا�ستمرار �أحدنا يف الغربة يرجع ملدى قدرته على مقاومة احلنني‬ ‫ووجع البعد يف الغربة‪ ،‬واال�ستعانة مبكاملات هاتفية‪ ،‬يقتاتون بها‬ ‫احلنني‪ ،‬وحمبة الوطن‪.‬‬ ‫هذى بالدي‪� ،‬أعرفها‪ ،‬رمبا ي�ضيق احلال بي فيها للحظة ‪ ،‬ف�أفكر‬ ‫يف الهروب ‪ ..‬ال�سفر‪ ،‬البحث عن طموحات يف م�ساحات �أخرى‬ ‫من ال�سماء املمتدة‪ ،‬لكنني ت�أكدت �أنها ال تخرج منا و�أن وجع البعد‬ ‫ي�صبح و�شم ًا يف الروح مثل حمبة الوطن‪ ،‬ال ميكن ال�شفاء من البعد‬ ‫�إال بر�ؤيتها وتفا�صيلها ومبانيها‪ ،‬و�شوارعها ونا�سها متلأ العيون‪،‬‬ ‫تخرج من حيز الذكرى �إىل الوقع‪ ،‬اليوم ت�أكدت �أنه مهما بدا يف‬ ‫مالمح �أحدنا �أو لكنته‪� ،‬أو ت�صرفاته �أنه تباعد عن الوطن‪ ،‬ف�إن ذلك‬ ‫حم�ض ادعاء �سيكت�شف زيفه حني يهاجمه حنني الغربة ووجع البعد‪،‬‬ ‫فينطلق ل�سانه‪� :‬أخبار م�صر �إيه!!‬


‫دانات‬ ‫‪66‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬


‫دانات‬ ‫ملف ال�شعر ال�شعبي‬

‫قال أول قصائده وعمره ‪ 14‬عام ًا‬

‫راشد بن عبالن ‪..‬‬

‫شاعر غزير االنتاج ‪ ..‬رقيق المشاعر‬ ‫د‪ .‬را�شد �أحمد املزروعي‬ ‫ولد ال�شاعر را�شد بن حممد بن عبالن الكتبي رحمه اهلل يف منطقة «هيلي» مبدينة العني‬ ‫وذلك يف عام ‪1932‬م من �أبٍ يدعى حممد بن �سعيد بن عبالن الكتبي‪ ،‬و�أم تدعى «ن�شريه» ابنة‬ ‫ال�شاعر حميد بن خلفان النعيمي‪ ،‬امللقب بـ«الهاله» وهو من كبار ال�شعراء يف منطقة الظاهرة‬ ‫بالعني ومن كبار �شعراء قبيلة النعيم وكان �شاعراً مفوهاً‪ ،‬عا�ش يف الفرتة بني ‪1890‬و‪.1977‬‬ ‫فقد �شاعرنا والده مبكر ًا‪ ،‬وتربى يف كنف جده‬ ‫ال�شاعر «الهاله» الذي ا�شتهر بالأ�شعار الغزلية‬ ‫اجلميلة والتغاريد يف �شتى املجاالت‪ .‬ترعرع‬ ‫�شاعرنا يف مدينة العني التي كانت ت�شمل يف‬ ‫ذلك الوقت قرى هيلي والقطارة واجليمي وما‬ ‫حولها‪ ،‬وحفظ القر�آن يف بداية حياته‪ ،‬وبد�أ‬ ‫بنظم ال�شعر مبكر ًا حيث كان عمره ال يتجاوز‬ ‫‪ 14‬عام ًا عندما قال �أول ق�صيدة له‪.‬‬ ‫وبعد �أن و�صل �سن الرجولة عمل برفقة الرجال‬ ‫الذين كانوا ينقلون امل��واد على ظهور �إبلهم‬ ‫�إىل �أبوظبي وغريها من املدن‪ ،‬وما �إن دخلت‬ ‫ال�شركات الأجنبية منذ بدايات اخلم�سينيات‬ ‫وبد�أت جتذب املواطنني من �أبناء البادية للعمل‬ ‫فيها حتى ان�ضم �إىل �إحدى تلك ال�شركات يف‬ ‫�أبوظبي ليعمل يف جزيرة دا�س لفرتة ‪� 3‬سنوات‪.‬‬ ‫وبعد تلك الفرتة ترك العمل هناك ليعود �إىل‬ ‫العني وي�ستقر يف منطقة «م��زي��د»‪ ،‬وذل��ك يف‬ ‫ع��ام ‪ ،1961‬وهناك ت��ز ّوج و أ�جن��ب ع��دد ًا من‬

‫البنني والبنات‪ .‬وظل متنق ًال فيما بني الأرا�ضي‬ ‫العمانية مثل �ضنك وحفيت وال�سنينة ومناطق‬ ‫الإم� ��ارات مثل العني و�أب��وظ�ب��ي وال�ه�ير ودب��ي‬ ‫حتى �سنحت ل��ه الفر�صة ليعمل يف احلر�س‬ ‫اخلا�ص لل�شيخ زايد رحمه اهلل لفرتة ق�صرية‬ ‫يف منت�صف الثمانينيات املا�ضية‪ .‬ثم ان�ضم بعد‬ ‫ذلك ليعمل يف بلدية العني و�أخري ًا يف دائرة املاء‬ ‫والكهرباء حتى تقاعده عن العمل‪.‬‬

‫بن عبالن وال�شعر‬

‫ورث ال�شاعر بن عبالن ال�شعر عن جدّه «ال�شاعر‬ ‫ل�سنوات طويلة عندما‬ ‫الهالة»‪ .‬وقد عا�ش يف كنفه‬ ‫ٍ‬ ‫كان �صغري ًا‪ .‬وعندما كرب ال�شاعر «الهالة»‪ ،‬ر ّد‬ ‫عليه «حفيده» �شاعرنا بن عبالن اجلميل‪ ،‬فعا�ش‬ ‫معه يف بيته ورعاه حتى وافاه الأجل املحتوم يف‬ ‫عام ‪1977‬م‪.‬‬ ‫وق��د ان�ضم �شاعرنا بن عبالن �إىل الربنامج‬ ‫التلفزيوين «�شعراء القبائل» الذي كان يقدّم‬

‫يف تلفزيون �أبوظبي‪ ،‬فكان ع�ضو ًا ن�شط ًا يف‬ ‫جمل�س �شعراء املنطقة ال�شرقية بالعني وذلك يف‬ ‫منت�صف الثمانينيات وظل به حتى توقفه‪.‬‬ ‫ق��ال ال�شاعر ب��ن عبالن مئات الق�صائد يف‬ ‫خمتلف املجاالت‪ ،‬وك��ان غزير االنتاج‪ ،‬رقيق‬ ‫امل�شاعر يرت ّكز �أغلب �شعره يف الغزل وامل�شاكيات‬ ‫واملديح الذي يغلب عليه كثري ًا مدح ال�شيخ زايد‬ ‫بن �سلطان �آل نهيان ط ّيب اهلل ثراه‪ .‬ومل يغفل بن‬ ‫عبالن الق�صائد االجتماعية التي تتن ّوع يف �شتى‬ ‫امل�ضامني مثل الهجن واملنا�سبات االجتماعية‬ ‫والنقد االجتماعي وغريه‪ ،‬وظل �شاعرنا مبدع ًا‬ ‫لل�شعر �إىل �أن غيب املوت ج�سده عن عاملنا عام‬ ‫‪ ،2000‬تغمده اهلل برحمته‪.‬‬ ‫ب��ال�ت�ع��اون م��ع جل�ن��ة ال�شعر يف ن ��ادي ت��راث‬ ‫الإم� ��ارات‪ ،‬نقدم ل�ق��راء ت��راث خم�ت��ارات من‬ ‫ديوان «بن عبالن»الذي ي�صدره النادي قريب ًا‬ ‫تخليد ًا ل��ذك��راه وحفظ ًا ل�تراث��ه ال�شعري من‬ ‫االندثاروالن�سيان‪.‬‬


‫دانات‬ ‫‪68‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫باسير م ْتعنّى على ش ّد نيسان‬ ‫ق�صيدة مهداة �إىل �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان مم ّثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة حفظه اهلل‪.‬‬

‫ب��������ا���������س����ي���ر م�������� ْت��������ع�������� ّن��������ى ع��������ل��������ى ����������ش��������� ّد ن�����ي�����������س�����ان‬ ‫ت����������������������� ّوه ج������������دي������������د ووار ٍد م ال���������وك���������ال���������ه‬ ‫ب������ا�������س���ي��ر ق������ا�������ص������د ري���������������س دورة «�������س������وي������ح������ان»‬ ‫ل�����������ه ج��������� ّم���������ع���������وا م ال���������ه����ي����ن ن�����������ق����������� َوة ������س��ل��ال�����ه‬ ‫م�����������ن ك�����������ل م�������ن�������ق�������اي�������ه وم���������������ن ب���������������ذر ظ�����ب�����ي�����ان‬ ‫ك�������������ل واح��������������������������دٍ ح���������� ّ���������ض���������ر غ���������������������وايل ح���ل���ال�������ه‬ ‫م�����������ن ال���������������س���ل���اج�������ي وال����������������وراي����������������ا و��������ص�������وغ�������ان‬ ‫وك����������������������لٍ ي���������ب���������اه���������ر ب�����������ف�����������وز ْ‬ ‫جل������������������ل ج������م������ال������ه‬ ‫اه���������������������دي ل���������ه���������م م���������ن���������ي حت���������ي���������ة ب�����������س�����ف�����ط�����ان‬ ‫ل���������ري���������ـّ�������������������س ال���������������دول���������������ة وج���������م���������ل���������ة ع������ي������ال������ه‬ ‫ه����������م ��������س�������ن�������اد ال������������را�������������س ي����������ا ن�������������ور الأوط��������������������ان‬ ‫ع�����������������س�������� ّن��������ه��������م يف خ�������ي������ر دوم و��������س�������ه�������ال�������ه‬ ‫ه�����������ذا وق���������������ص�������دي م����ل����ت����ق����ى ال�����������ش�����ي�����خ �����س����ل����ط����ان‬ ‫��������خ ك��������������رمي وي�������ع�������ط�������ي ال�������������ش������ع������ب م�����ال�����ه‬ ‫���������ش��������ي ٍ‬ ‫وي�������ب�������� ّ�������ش يل م���������ن ج�����������وه م ال������ب������ع������د �����ض����ي����ف����ان‬ ‫ي��������ب��������ا���������ش��������ره ب�������ال�������ط�������ي�������ب م�����������ن و�����������س����������ع ب������ال������ه‬ ‫ك�������ل�������ه�������م ���������ش��������ي��������وخ اع������������������������زاز الب����������������ة ْن�������ه�������ي�������ان‬ ‫ع������������ن������������دي ع���������ل���������ى ق������������������ويل ث������������ب������������ات ودالل������������������ه‬ ‫اح�����������ي����������� ْوا ت������������������راثٍ ك������������ان �������س������اب������ق م���������ن ازم������������ان‬ ‫ح������������ق ال��������������رك��������������اب وح����������������ق خ������ي�����ر الأ����������ص���������ال���������ه‬ ‫وح������������ق ال�������ري�������ا��������ض�������ة ع������� ّي�������ن�������وا ن��������ا���������س ������ش�����ب�����ـّ�����ان‬ ‫�أب����������ن�����������أ ال���������وط���������ن يل م���������ن ������ص�����م�����اي�����ل رج������ال������ه‬ ‫و زوارقٍ يف ال������ب������ح������ر ل���������و امل�����������������ايْ ط������وف������ان‬ ‫ي������������ن د ّب�����������������������رن ب�������ال���������������ش�������ل�������ع م��������ث��������ل احل����ل���ال��������ه‬ ‫واخل���������ت���������م ������ص�����ل�����ى اهلل ع������ل������ى ن�����������س�����ل ع������دن������ان‬ ‫ع�������ل�������ى ال�������ن�������ب�������ي حم�������م�������د وه�������������������ديْ ال������ر�������س������ال������ه‬



‫دانات‬ ‫‪70‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫البارحه يوم الخاليق ذهايل‬ ‫ق�صيدة قالها ال�شاعر مبنا�سبة االحتفال بذكرى احتاد دولة الإمارات العربية املتحدة‪:‬‬ ‫ال���������ب���������ارح���������ه ي�������������وم اخل�����ل����اي����������ق ذه�������اي�������ل‬ ‫����س���اه���ر وع���ي���ن���ي م�����ا غ�������ض���ت يل �أن����ظ����اره����ا‬ ‫دارت ع������ل������ى ق�����ل�����ب�����ي ف��������ن��������ون امل�����ث�����اي�����ل‬ ‫�أب�������ي�������ات �����ش����ع����رٍ وان�����ت�����ق�����ى م������ن اخ����ي����اره����ا‬ ‫ول�����و ق�����ال ب��ع�����ض ال���ن���ا����س يف ال�������س���ن ج��اه��ل‬ ‫ع�����اق�����ل وع�����ن�����دي يف ال�������ض���م�ي�ر اع���ت���ب���اره���ا‬ ‫م�����اخ�����ذ م����ث����ل ع����ن����د الأج����������������داد ال���ك���ه���اي���ل‬ ‫يل ح���اف���ظ���ي���ن���ه م������ن ت�������ذاك�������ر �أخ�����ب�����اره�����ا‬ ‫ه����������ات ال�����ق�����ل�����م ب�����ك�����ت�����ب ت�������ه�������اين ج�����زاي�����ل‬ ‫يف خ�����ط وا������ض�����ح ي����ن����ق����ر�أ م�����ن ا����س���ط���اره���ا‬ ‫ل���������ش����ي����وخ����ن����ا �أه�����������ل ال�����������ش�����ب�����ور ال�����ط�����واي�����ل‬ ‫ي����� ّل�����ي وج������دن������ا يف ال���������ص����ح����اي����ف �آث������اره������ا‬ ‫ع�����ي�����د احت������������اد ال������� ّل�������ي ب�������ه ال�����ع�����ن�����و ق����اي����ل‬ ‫يف اث������ن���ي��ن دي�����������س�����م��ب��ر ت��������و ّق��������ع ق������راره������ا‬ ‫وزاي��������������د ح����ك����م����ه����ا ب������ال������ع������دل واجل�����م�����اي�����ل‬ ‫اهلل ي������ج���ي��ره م�������ن ح�������������وادث �أ�������ش������راره������ا‬ ‫اهلل ي���������ا م�����ن�����������ش�����ي امل������������������زون ال�����ث�����ق�����اي�����ل‬ ‫ت�������س���ق���ي ب����ل����دن����ا م������ن خم�����اي�����ل ام����ط����اره����ا‬ ‫غ������رب وج�����ن�����وب و������ش�����رق واق���������ص����ى ���ش��م��اي��ل‬ ‫وي�������ع������� ّم ع ال��������دول��������ه ن�������واح�������ي �أق�����ط�����اره�����ا‬ ‫ي�������ل���ي���ن جت�������ري�������ب�������ه اب����������ط����������اح امل�����������س�����اي�����ل‬ ‫وال��������ب��������دو ت������رع������ى يف م������ف������ايل اق�����ف�����اره�����ا‬ ‫وخ�����ت�����ام�����ه�����ا ������ص����� ّل�����وا ع خ���ي���ر ال����ر�����س����اي����ل‬ ‫ي�������ش���ف���ع ل����ن����ا ي��������وم ال����ل����ق����ا يف اح���ت�������ش���اره���ا‬


‫البارحه ياني على القـلب شاغر‬ ‫وهذه ق�صيدة اجتماعية فيها بع�ض الن�صائح‪:‬‬

‫ال����ب����ارح����ه ي������اين ع���ل���ى ال���ق���ل���ب ���ش��اغ��ر‬

‫ي���ـ���ـ���وم اخل��ل�اي����ق م���ال���ه���م ب���ع���د ����ص��� ّوه‬

‫ه���ا����ض���ت �أ�����ش����ع����اري وان���ت���ق���ي يف امل��ث��اي��ل‬

‫م���ن ك���وك���ب ّ���ي ���ش��ا واب�����ل ال�����س��ي��ـ��ـ��ل ن��� ّوه‬

‫الآدم�������������ي م������ا ي���������س����ت����وي دوم ج���ـ���اه���ل‬

‫يل ذاق م���ـ���ن م������ ّر ال�����زم�����ان وح����ل���� ّوه‬

‫ب�� ْك��ـ��ت��ـ��ب و���ص��ات��ـ��ـ��ي ي���ا ع����رب واف��ه��م��ـ��ـ��ويل‬

‫وال��� ّل���ي �سمعها ط��ـ��ـ��اب ب��ال�����ش��وق ج��ـ��ـ�� ّوه‬

‫ي���ق���ـ���ول «ب�����ن ع���ب���ـ�ل�ان» يف ن���ظ���م ج��ي��ل��ه‬

‫ملْ����ث����ـ����ال ع���� ْق����ب����ه ل���ل�������ص���دي���ق وع���������د ّوه‬

‫ف���ـ��� ْه���م���وا م����ع����اين ق�����ص��ـ��ت��ي ي�����ا ن�����ش��ام��ا‬

‫م���ن خ���اط���رٍ ف��ي��ه ال�����س��خ��ا وال�����ص��ف��ـ��ـ�� ّوه‬

‫و�إىل ت���ب���ا م ال���ن���ا����س ت��ـ��خ��ت��ار ���ص��اح��ب‬

‫���ص��اح��ب ع��زي��ز ال��ن��ف�����س زي����ن االخ���� ّوه‬

‫ال ت�����ص��ـ��اح��ب امل���ع���ث���ـ���ور داين امل���ق���ام���ي‬

‫الب�����د م����ا ي���ـ���ـ���ب�ل�اك م ال���ـ���وق���ت ����س���ـ��� ّوه‬

‫ويل م��ـ��ن ب��دال��ك راي ق�����ص��دك تنا�سب‬

‫ن��ا���س��ب رف��ي��ـ��ع ال��ب��ـ��ي��ـ��ـ��ت ف��ي��ه احل��م��ـ�� ّوه‬

‫ي������ـ������دوم ل������ك ي������ن ب�������� ّد ل������ك ف����ي����ه الزم‬

‫ي�������ش���ت��� ّد ب�����ه ع���������ض����دك وت�����������زداد ق����� ّوه‬

‫ال ت���غ���ـ���ـ��� ّرك ال����دن����ي����ا وك���ث���ـ���ـ���ر امل��ك��ا���س��ب‬

‫ت����رى ال���ن���ذل م���ا ت��ك�����س��ب��ك ن����ار ���ض�� ّوه‬

‫ويل م��ن ي�صاحب �صاحب الأج���ر ماله‬

‫م����ا ن������ال م���� ّن����ه خ��ي��ـ��ـ��ر ب���ع�������ض امل����ـ����ر ّوه‬

‫وم���ن ���ص��اح��ب��ـ��ـ��ه ق�����ص��ده ب��ع��ر���ض��ه يناله‬

‫وت���ـ���ـ���ب���ي���ـ���ن خ����� ّل�����ه ب���ي���ـ���ـ���ن���ه���م ب����امل����غ���� ّوه‬

‫م����ن ����ص���اح���ب الإن���������س����ان يف ط���اع���ة اهلل‬

‫ف��ـ��ـ��ي ال���دي���ن وال���دن���ي���ا ي���ن���ال ال�����س��م�� ّوه‬

‫ي��������و ٍم ي����ك����ون ال����ظ����ـ���� ّل م�����ن حت�����ت ظ��� ّل���ه‬

‫ي���ـ���ـ���وم ال���ق���ي���ام���ه وان����ب����ع����اث ال���ن���ب��� ّوه‬ ‫وا ْف��ـ��ـ��ك�� ْر م��ع��ي يف ذا ال��زم��ـ��ـ��ان امل�����ش�� ّوه‬

‫ه��������ذا ومت اجل�����ي�����ل واخ������ت������م �أم�����ث�����ايل‬


‫دانات‬ ‫‪72‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫الشيبه والمزيونه‬ ‫يف هذه الق�صيدة يتخ ّيل ال�شاعر فتاة جميلة ترد على �شاعر كبري يف ال�سن تغزل فيها حينما ر�آها فقالت‪:‬‬

‫م����������ن رب��������ع��������ة ال�����������ش�����ي�����ب�����ه م����ع����ي����ف����ه‬ ‫ت��������ع��������ب��������ان واحل�������������ال�������������ه �����ض����ع����ي����ف����ه‬ ‫ان ي��������������اين ْم���������������ص������� ّب�������غ �����ص����ن����ي����ف����ه‬ ‫ق�������ل�������ب�������ه ب��������ع��������د زاي��������������������د رج������ي������ف������ه‬ ‫حم�����������ت�����������ايْ و ْي����������دي����������ن����������ه �����ش����ف����ي����ف����ه‬ ‫م������ث������ل اجل�������م�������ل يف وق�����������ت ����ص���ي���ف���ه‬ ‫اب����������غ����������ي �أن�������������������ا راع�������������������ي وظ������ي������ف������ه‬ ‫مي�����������ش�����ي دج������������ر مي�����������ش�����ي ع ك���ي���ف���ه‬

‫ل�����و م�����ن ع�������رب وم�����������س����� ّوي � ْ����ض����رو�����س‬ ‫وم�������ن ال�����ك��ب��ر يف � ْ����ص����ب����وع����ه ْي���ب���و����س‬ ‫م��������������ايل ع�������ل�������ى الم�����������������اه ن������ام������و�������س‬ ‫وي�������راج�������ع ال������دخ������ت������ور «م����اث����ي����و�����س»‬ ‫وت�����ل�����ق�����اه ع����ن����د «ال�����������ش�����ون�����ه» ْي���ك���و����س‬ ‫راب��������������خ وم����������������ازر ب�����ط�����ن�����ه � ْ����س����ب����و�����س‬ ‫ظ�����اب�����ط وع������ن������ده ق���ب�������ض���ة ا ْف����ل����و�����س‬ ‫وال������ ْع������ق������ال ف�������وق ال������را�������س م���ن���ك���و����س‬

‫فرد عليها ال�شاعر قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬

‫ب�������ت�������خ���ّب���رّ ك ي���������ا زي������������ن و�������������ش ي������اك‬ ‫ب������ ّي������ح������ت ع������ن������د ال��������ع��������امل ا ْق�������������ص������اك‬ ‫الب���������������د ل�����������ك يف وق����������ت����������ك ْت���������������راك‬ ‫ن�����ح�����ن�����ا غ�����ل�����ط�����ن�����ا يل م�������د َْح�������ن�������اك‬ ‫�������ص������دف������ة ب����ل����ا م��������وع��������د ل�����ق����� ْف�����ن�����اك‬ ‫وب��������ون��������ك م�����ع�����ي ������ش�����ا جن��������م ل����ف��ل�اك‬ ‫وال�������������ي�������������وم ب�����������ا ن���������ت���������ع���������اذر وي�����������اك‬ ‫ي�������������ع������������� ّل ع��������ي�������ن اهلل ت�����������رع�����������اك‬ ‫خ�������������س������ران يل ب���� ْي����ع����ي���������ش ��������ش�������رواك‬ ‫ت��������ع��������ه��������د م���������ع���������ا ه������������������ذا وه������������������ذاك‬

‫الح�������ق�������ت�������ن�������ا ���������ش����ي���ن وم������ع������ات������ي������ب‬ ‫وع������ ّي������ب������ت������ن������ا ب������ال������ك���ب��ر وال�����������ش�����ي�����ب‬ ‫مي���������ض����ي �����ش����ب����اب����ك ع�����ن�����ك و ْت���������ش����ي����ب‬ ‫ن�����ت�����ح������ ّ�����س�����ب ان امل��������������دح ب���� ْي���������ص����ي����ب‬ ‫وغ�������� ّرت�������� ِن�������� َي��������ه ف������ي������ك ال����ت���������س����ال����ي����ب‬ ‫زاه���������������ر وغ�������ي�������رك جن������م������ه ْي����غ����ي����ب‬ ‫ك ٍّ‬ ‫�����������������ل ع���������ل���������ى ك�������ي�������ف�������ه ب���ت��رت������ي������ب‬ ‫وت���������ن���������ال م���������ن �����������ش����������رواك خ ّ‬ ‫����ط����ي����ب‬ ‫ال دي���������������ن ال دن���������ي���������ا وال ط����ي����ب‬ ‫ع���������زب���������ي والع�������������ن�������������دك م������ع������ازي������ب‬


‫وين البدو ومساعر البر‬ ‫يف يوم من �أيام العيد خرج ال�شاعر لل�سالم على جريانه و�أقاربه ف�أحزنه ما ر�أى من تغيري يف عاداتهم يف تلك‬ ‫املنا�سبات بني احلا�ضر واملا�ضي فقال‪:‬‬

‫وي�������������������ن ال��������������ب��������������دو وم���������������������س����������اع����������ر ال�����ب����ر‬ ‫ي�������������� ّل��������������ي ع�����������ل�����������ى امل�����������ع�����������ن�����������ى م��������دمي����ي���ن‬ ‫يل ي�����������ف�����������رح�����������ون�����������ك ي����������������������وم ت���������دغ���������ر‬ ‫ب�������������ال�������������زم�������������زم������������� ّي�������������ة وال����������ف����������ن����������اج�����ي����ن‬ ‫ْام�������������������� ّب��������������������ون��������������������ا ك���������������� ّن����������������ا ن����������������ت����������������زاور‬ ‫ون�����������������ص��������ب��������ح ن�����������ه�����������ار ال���������ع���������ي���������د ب�������اه���ي���ن‬ ‫وال��������������ي��������������وم ك������������ل واح��������������������د ا������س�����ت�����ح�����������ض�����ر‬ ‫خ�������������������� ّل�������������������� ْوا م��������������ع��������������اين الأول�������������������� ّي����������ي���������ن‬ ‫ّ‬ ‫مت�������������������������ت م����������ع����������ان����������ي����������ه����������م ت��������ق��������ا���������ص��������ر‬ ‫وق��������ب�����������������ض��������وا ���������س��������ل��������وك الأج��������ن��������ب�������� ّي����ي���ن‬ ‫ي���������������������وم ي�����������ي�����������ت ال ب�������������اب�������������ه م���������������س������� ّك�������ر‬ ‫وخ��������������������������اري ت��������ر ّم�����������������س��������ن��������ي «ف���������ل��������� ّب����ي����ن»‬ ‫�أرب��������������������اب��������������������ن��������������������ا ق�����������������ال�����������������ت ت�������������ط������������� ّور‬ ‫��������������س�������������ار احل������������دي������������ق������������ه ل�������ل�������ح�������ي�������اوي�������ن‬ ‫راك�������������������������ب ع����������ل����������ى ب�����������������س��������ط��������ه ْك�������������ل�������������وزر‬ ‫ح������������� ّم�������������ل ع����������ي����������ال����������ه وال���������ن�������������������س���������اوي���������ن‬ ‫ي����������������ا ن��������������ا���������������س ه����������������������ذا ح����������������������ال م������ن������ك������ر‬ ‫�أ����������������ش���������������وف ه�����������������ذا احل���������������������ال ه�������������ب زي���������ن‬ ‫ّ‬ ‫مت���������������������������ت ح������������������وادث������������������ه������������������م ت���������ك���������اث���������ر‬ ‫وك������������ث������ي�����ر يف ال��������������دخ�������ت������ر م�������������ص������اب���ي��ن‬


‫دانات‬ ‫‪74‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫جيت اشترك مع لي يهنّون‬ ‫هذه الق�صيدة قالها يف �سباقات الهجن ‪:‬‬

‫ج������ي������ت ا����������ش����ت����رك م���������ع يل ي�����ه����� ّن�����ـ�����ـ�����ون‬

‫وب��������������اع�������������� ّد م��������ن��������ظ��������وم االب�������ي�������ـ�������ـ�������ات�������ي‬

‫وق�����������ت اح�������ت�������ف�������ال ال�������ه���ي���ن يل ْي�����ك�����ـ�����ون‬

‫ن���������ق��������� ْو ال�����������ذل�����������ل يل ْم���������������ض������� ّم�������رات�������ي‬

‫«ال�������ري���������������س» م�������ن ������س�����اب�����ق وم����������ن �����س����ون‬

‫ي������������������وم ال�������ن�������ـ�������ـ�������ب�������ي مل�������������س������اب������ق������ـ������ات������ي‬

‫وال��������ه����ي���ن ْل�����ه�����ـ�����ـ�����ن ق�����������در م��������ا ْي����ـ����ـ����ه����ون‬

‫ع���������ن���������د ال��������ن�����������������ش��������ام��������ا غ�������ال�������ي�������ـ�������ات�������ي‬

‫م�����ع�����ن�����ا ي���������������س�������ـ�������ـ�������ا َو ْن ن������ظ������ر ل����� ْع�����ي�����ـ�����ون‬

‫ك�������������ان ح������������� ّد ب����������ا ي�����������س�����م�����ع و������ص�����ـ�����ات�����ي‬

‫ب���������� ْه����������دي ج�������������دا يل ي���������س����ت����ـ����ـ����ح����ق����ـّ����ون‬ ‫ي��������ا � ْ�����ش�����ي�����ـ�����وخ�����ن�����ا ع������ ْل������ك������م ت���������س����ـ���� ْل����م����ـ����ون‬

‫�أه���������������������ل ال�������������������ش���������ب���������ور ال��������ط��������اي����ل���ات��������ي‬ ‫ط��������������������ول ال�����������������وق�����������������وت امل��������ق��������ب����ل���ات��������ي‬

‫ب������������� ْوج�������������ود زاي���������ـ���������ـ���������د وا ّت�������ـ���ل���اق�������ـ�������ـ�������ون‬

‫وم���������������ا ب�����ي�����ـ�����ـ�����ن�����ـ�����ـ�����ك�����م ملْ�����������������ش��������ـ��������اورات��������ي‬

‫ل�������ك�������م ���������ش��������رف م����������ن ع�������������ايل ال�����ك�����ـ�����ـ�����ون‬

‫ب������ي������ن ال��������������������������دول يف ك�������������ل ج������ه������ات������ي‬

‫يف ���������ش��������ام��������خ ال�������ع�������ل�������ي�������ا وت�������ـ�������ـ�������رق�������ون‬

‫ول�����������ك�����������م ر�����������س����������ـ����������ـ����������و ٍم ��������س�������اب�������ق�������ات�������ي‬

‫ع������ن������د ال�������������ذي يف ال�����������ص�����ح�����ـ�����ف ي������ق������رون‬

‫ي�����������������وم ال���������ع�������������������ص���������ور امل�������ا��������ض�������ي�������ات�������ي‬

‫ّ‬ ‫مت امل�������ث�������ل وان�����ـ�����ـ�����ت�����ـ�����ـ�����م ْت���������س���� ْم����ـ����ـ����ح����ون‬

‫اط������������ل������������ب ع����������ف����������و وم�����������������س��������احم��������ات��������ي‬

‫م��������ن ق����������ول «ب����������ن ع��������ب����ل���ان» م���������ض����م����ون‬

‫ب��������������������دع امل����������ث����������ـ����������اي����������ل ب�������ال�������ث�������ب�������ات�������ي‬


‫مريت بالشارع على القار‬ ‫م������ ّري������ـ������ـ������ت ب�����ال�����������ش�����ـ�����ـ�����ارع ع������ل������ى ال�����ق�����ـ�����ار‬ ‫�������س������ـ������اع������ة ب������ن������ـ������ـ������ ْوا ْ‬ ‫خل���������ي���������ام ل����� ْك�����ـ�����ـ�����ب�����ار‬ ‫ودارت ان�����������������ا يف ب�����������������ايل �أف�����������ك�����������ار‬ ‫وا ْذك�������������������������رت ذاك ال����������وق����������ت يل ������س�����ار‬ ‫ل��������ـ��������ك��������ن ب������������اق������������ي ر�����������س����������ـ����������م و�آث�����������������������ار‬ ‫وج�����������ـ�����������دار‬ ‫ك��������ـ��������ـ��������لٍ ب��������ن��������ال��������ه ح��������ـ��������و���������ش ْ‬ ‫م���������� ّري����������ت ب�����ـ�����ـ����� ْت�����خ�����ب�����ـّ�����ر ه�������ـ�������ل ال��������ـ��������دار‬ ‫و���������س��������اع��������ة ع��������ر���������ض م امل����������ن����������زل وث����������ار‬ ‫وامل�������������������دح ��������س������� ّن�������ه ح����������ق الأخ�����ـ�����ـ�����ـ�����ي�����ـ�����ـ�����ار‬ ‫ي������ـ������ب������ـ������� ّ������ش يل م�����������ن ج��������������وه خ ّ‬ ‫������ط������ـ������ـ������ار‬ ‫م������������اري������������ت يل ب�������ـ�������ـ������� ْي�������ـ�������ـ�������رد ْ‬ ‫خل�������ـ�������ب�������ار‬ ‫ان ك�������������ان م������ـ������ـ������ا دارت ب����������ه �أ�����������س����������وار‬ ‫م امل�������������������ال ل�������ـ�������ـ�������و ي��������ب��������غ��������ون م�����ل�����ي�����ـ�����ـ�����ار‬ ‫������������ي وع�������ن�������ـ�������دي �أق���������������دار‬ ‫م���������ا دم������ـ������ـ������ت ح ْ‬ ‫ل����������و ك�������ـ�������ـ�������ون م ال�������������ش������ي������ب������ان ل����� ْك�����ـ�����ب�����ار‬ ‫ودرب امل���������������������������و ّده م������������ا ب��������ـ��������ه ان��������ك��������ار‬ ‫ح�����������ـ����������� ٍّد وداده م���������ث���������ل ل������ ْق������ـ������ـ������م������ار‬ ‫ي���������ا غ�����ـ�����ـ��ي��ر يل ي�����ع�����ط�����ي�����ك اال� ْ�������س�������ـ�������ـ�������رار‬ ‫م����������ا ب������� ْت�������ـ�������رك�������ه ل����������و ط�������ي�������ح يف ال�������ن�������ار‬ ‫اط���������ل���������ب ع��������ف��������و يف ع��������������� ّد اال� ْ���������ش���������ع���������ار‬

‫و�������ش������ـ������ـ������وف ال��������ب��������دو ������ش�����وق�����ن�����ـِ����� َي�����ه �����ش����وق‬ ‫ف��������������وق ال�������رم�������ـ�������ـ�������ل يل م�������رت�������ف�������ع ف�������وق‬ ‫وق�������ل�������ب�������ـ�������ـ�������ي ج������������داه������������م �آزم ْي��������ت��������وق‬ ‫وق��������������تٍ م�����������ض�����ى م������ـ������ا ف������ي������ه م����ل����ـ����ـ����ح����ـ����ـ����وق‬ ‫و�������ش������ـ������ـ������وف ال���������ب���������ـ���������داوه م������ال������ه������ا ������س�����وق‬ ‫داخ�������������������ل دخ���������������ل وال�������������ب�������������اب م������ ْغ������ـ������ل������وق‬ ‫اهلل ب�������������خ������ْب������رْ اخل����������ي����������ر م������������� ْوف�������������وق‬ ‫ب�����������امل�����������دح ل�����������ه ع ال�����������������ش��������اع��������ر ْح��������ق��������وق‬ ‫ال������������زي������������ن يل م ال�����������������������ذ ّم م������رف������ـ������ـ������وق‬ ‫وج������ـ������ـ������ي������ت������ه ان��������������ا و ْرك��������������اب��������������ي ْط��������������روق‬ ‫و ْي�������ج�������ي�������ب خ����ب����ر ال�����������ص�����ي�����ت م������� ْ������ص������دوق‬ ‫وام�����������س�����ي�����ـ�����ـ�����ت �أن��������������ا ب����������الأم����������ر م���������س����ب����وق‬ ‫وب�����������������س��������وق ل����������ه م����������ن ن��������� ْق���������ـ��������� َوة ال�������ن�������وق‬ ‫وال��������������������������و ّد ل������ـ������ـ������ه ع�������ا��������ش�������ق وم�����ع�����������ش�����وق‬ ‫وتجْ���������� ّي����������ـ����������م �أع�������������������ص���������اب���������ي ول������������ ْع������������روق‬ ‫م�����������������������ادام ب����������������اب ال���������و����������ص���������ل م������ط������ل������وق‬ ‫������������������ب ال ط������������رب������������ه وال ��������ش�������وق‬ ‫ال ح ّ‬ ‫ب��������ي��������ن��������ك وب��������ي��������ـ��������ن��������ه ع���������ه���������د م���������وث���������وق‬ ‫ورب����������������������ي ْي������������ َغ������������ ْف������������ر ْل�����������ك�����������ل خم�������ل�������وق‬ ‫��������س��������ج��������ل��������ت م������ن������ط������وق‬ ‫�أع�����������������������������داد م�������������ا � ّ‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪76‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫لوحة �آن�سات بابل‬


‫�شعر الدارمي ال�شعبي‬

‫غزل البنات‪..‬‬

‫الناطق بلسان حال المرأة العراقية‬ ‫بغداد‪ -‬تراث‬

‫اللوحات للت�شكيلية العراقية «و�سماء الأغا »‬

‫ينق�سم ال�شعر ال�شعبي العراقي �إىل �ستة �أنواع رئي�سة‪ ،‬العمودي والبدوي والدارمي والزهريي واالبوذية والعتابة‪،‬‬ ‫وهناك �أي�ضا ال�شعر احلر �أو ما ي�سمى بالن�ص املفتوح‪ ،‬والفرق بني ال�شعر العمودي واحلر هو �أن ال�شعر العمودي‬ ‫يتوجب �أن يكون عدد التفعيالت يف ال�صدر م�ساوياً لعدد التفعيالت يف العجز‪ ،‬بينما ال�شعر احلر ال يتوجب فيه ذلك‪،‬‬ ‫و�أي�ضا ال�شعر العمودي ي�أخذ بحراً واحداً من بحور ال�شعر املتعارف عليها بينما ال�شعر احلر ال يتوجب فيه ذلك‪.‬‬ ‫ال�شعرال�شعبيالعمودي‬

‫وه ��و م�ب�ن��ي ع �ل��ى � �ص��در وع �ج��ز وق��اف�ي��ة‬ ‫واحدة �أو �أكرث وت�ستعمل فيه كل اللهجات‬ ‫العراقية املختلفة مثل اللهجة البغدادية �أو‬ ‫املو�صلية �أو لهجة �أهل اجلزيرة �أو لهجة‬ ‫�أه ��ل ال��رم��ادي �أو لهجة �أه ��ل اجل�ن��وب‪،‬‬ ‫ح�سب انتماء ال�شاعر اجلغرايف‪ ،‬وهو من‬ ‫�أكرث �أنواع ال�شعر ال�شعبي �شيوع ًا وانت�شار ًا‬ ‫بالعراق‪.‬‬

‫ال�شعر البدوي‬

‫ه��ذا ال�ن��وع م��ن ال�شعر‪ ،‬وه��و يطرح م�شاكل �أو‬ ‫موا�ضيع ب�أ�سلوب مكثف وجميل ومن الت�سميات‬ ‫الأخرى للدارمي «غزل البنات»‪.‬‬

‫ال�شعر الزهريي‬

‫وهو من �أن��واع ال�شعر العراقي اجلميلة‪ ،‬وفيها ال�شعرالعتابة‬

‫يكون ال�شعر مكون ًا م��ن �سبعة �أب �ي��ات‪ ،‬الثالثة‬ ‫الأوىل تنتهي بكلمة والثالثة الثانية تنتهي بكلمة‬ ‫�أخرى‪ ،‬ليعود البيت ال�سابع ليختم بنف�س الكلمة يف‬ ‫املجموعة الأوىل‪ ،‬ب�شرط �أن تت�شابه كل جمموعة‬ ‫من الكلمات لفظي ًا وتختلف يف املعنى‪.‬‬

‫ينت�شر ه��ذا النوع من ال�شعر يف املناطق‬

‫الغربية من العراق وال يقت�صر نظمه على ال�شعر االبو ذيه‬ ‫�أه��ل ال�ب��ادي��ة ب��ل يتعداه �إىل العديد من‬ ‫ال�شعراء يف املناطق احل�ضرية‪ ،‬بحكم �أن‬ ‫ن�سبة ال ب�أ�س بها من �سكان عراق كانوا من‬ ‫�سكان البادية‪.‬‬

‫الثالثة الأوىل تنتهي بنف�س الكلمة‪ ،‬وال��راب��ع‬ ‫بكلمة تكون نهايتها باملقطع «يه» وهي تعرب عن‬ ‫مو�ضوع معني ب�إيجاز �شديد‪ ،‬وي�شتهر �أهل املناطق‬ ‫اجلنوبية من العراق بهذا النوع من ال�شعر‪.‬‬

‫تتكون الأب ��وذي من �أرب��ع �أبيات فقط‪ ،‬الأبيات‬

‫معظم األغاني‬ ‫العراقية القديمة كانت‬ ‫ال�شعر الدارمي‬ ‫تـتكون من مجموعة‬ ‫هو نوع �آخ��ر من �أن��واع ال�شعر ال�شعبي العراقي من «الدارميات» تغنى‬ ‫ويتكون من بيتني فقط‪ ،‬ويقال �إنه �سمي بـ«دارمي‬ ‫فيها» حسـب لحن وإيقاع‬ ‫ن�سبة �إىل بالد كانت ت�سمى «دار مي» ون�ش�أ‬ ‫معينـين وقد أطلق‬ ‫عليها «البستة»‬

‫وهو ي�شبه االبوذية من ناحية ا�شتمالها على �أربعه‬ ‫�أبيات‪� ،‬إال �أن البيت الأخ�ير ينتهي بكلمة تنتهي‬ ‫باملقطع «اب»‪ ،‬وه��ذا النوع غالبا ما يزدهر يف‬ ‫املناطق الو�سطى وال�شمالية من العراق‪.‬‬

‫حكاية ال�شعر الدارمي‬

‫ال��دارم��ي يف اللغة ه��و ال��ذي ي�ق��ارب اخلطو يف‬ ‫امل�شي‪ ،‬وال��دارم �شجر �شبيه بالغ�ضا ولونه �أ�سود‬ ‫ت�ستاك به الن�ساء‪ ،‬فتحمر لثاتهن و�شفاههن‬ ‫وي�سميه العامة «الديرم»‪ ،‬والدارم حي من �أحياء‬ ‫بني متيم القدمية‪ .‬والدارمي يف ال�شعر ال�شعبي‬ ‫العراقي لون من �أل��وان الغناء املنت�شر يف �أر�ض‬ ‫العراق‪ ،‬وخ�صو�ص ًا يف منطقة الفرات الأو�سط‬ ‫واجلنوب‪ ،‬ولي�س لل�شعر والغناء الدارمي مثيل‬ ‫يف ب�لاد ال �ع��رب‪ ،‬وك��ل بيت م��ن ال��دارم��ي يعد‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪78‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫بالإ�ضافة ل�سهولة حفظه‪ ،‬فكان انت�شاره �سريع ًا‬ ‫ووا�سع ًا‪ ،‬ما حفز �آخرين على قول دارميات‪ .‬وقيل‬ ‫�إن بيت ال�شعر الذي قالته هو بيت هجت به رج ًال‬ ‫كان يقف يف طريقها �إذ قالت‪:‬‬

‫ا�شجاك ابطريجي �إحتول ول يا معزرب‬ ‫طبعك ووج �ه��ك ��ش��وم خاجلهن ال��رب‬

‫وزن الدارمي‬

‫يعترب م��ن �أك�ث�ر الأوزان ا��س�ت�خ��دام� ًا م��ن قبل‬ ‫ال�شعراء‪ ،‬والأكرث حفظ ًا وتداو ًال بني النا�س‪ ،‬ويقال‬ ‫�أنه ل�سهولته على الل�سان العراقي كتبه حتى غري‬ ‫ال�شعراء‪ ،‬ويكتب الدارمي ب�شطرين وقافية واحدة‬ ‫و�إن �أ�صابه بعد ذل��ك بع�ض التطور‪ .‬وللدارمي‬ ‫تفعيلتان‪ ،‬هما‪ « :‬م�ستفعلن فعالن م�ستفعالتان‬ ‫» و«م�ستفعلن فعالن م�سـتفعالتن »‪ .‬ومل يتفق‬ ‫املخت�صون يف جم��ال ع��رو���ض ال�شعر ال�شعبي‬ ‫العراقي على �أ�صل بحر الدارمي بني بحور ال�شعر‬ ‫العربي‪ ،‬لذلك يعترب من الألوان ال�شعرية ال�شعبية‬ ‫ال�شاذة عن القواعد اخلليلية ‪.‬‬

‫�أغرا�ض ال�شعر الدارمي‬

‫تعددت �أغرا�ض ال�شعر الدارمي‪ ،‬فهو ينظم يف‬ ‫جميع الأغرا�ض ال�شعرية‪ ،‬فقد قال �شاعر الدارمي‬ ‫يف احلب‪:‬‬

‫عمده ارد اتيه الروح وبعا�صف الريح‬ ‫بلجي على نزل اهواي من ي�صفن اتطيح‬ ‫لوحة الراديو‬

‫ق�صيدة كاملة ملا يحمله م��ن بالغة يف املعنى �شعري‪.‬‬ ‫وجمال يف ال�صـورة‪ ،‬وال��دارم��ي حينما يقال ال‬ ‫يحتاج �إىل بيت �آخر ليكمل معناه كما يحدث يف �أ�صل الدارمي‬ ‫�أمناط ال�شعر ال�شعبي الأخرى‪ ،‬ومعظم الأغاين �أقرب الروايات ترجع �أ�صل الدارمي �إىل القرن‬ ‫العراقية القدمية كانت تـتكون من جمموعة من التا�سع ع�شر‪� ،‬إىل فتاة م��ن قبيلة «بني دارم‬ ‫«الدارميات» تغنى ح�سـب حلن و�إيقاع معينـني وقد التميمية» يف ري��ف حمافظة مي�سان يف جنوب‬ ‫�أطلق عليها «الب�ستة»‪ ،‬وهذه الدارميات هي التي العراق‪ ،‬يقال �إنها قالت بيت ًا واحد ًا فقط من ال�شعر‬ ‫يغنيها املطرب بعد موال‪ ،‬وغالب ًا ما تكون ذات ال�شعبي‪ ،‬ولكنه بيت ت��ام املعنى وم�ستوف لكل‬ ‫�إيقاع �سريع وراق�ص‪ ،‬ويف بع�ض املناطق �أطلق ال�شروط الفنية دون احلاجة لأن يلحقه بيت �آخر‬ ‫عليها ت�سمية «غزل البنات»‪ ،‬ويت�ألف كل دارمي ليكمله ‪.‬وظل هذا البيت يردده النا�س مع الغرابة‬ ‫من �شطرين «�صدر وعجز» كما هو �ش�أن كل بيت التي رافقته ب�سبب ت �ف��رده‪ ،‬وك��ل غريب مثري‪،‬‬

‫وقال يف الو�شاية‪:‬‬

‫جل�م��ع دم ��وع ال�ع�ين واك �ت��ب ر�سالة‬ ‫وادع � ��ي دع ��ه امل �ظ �ل��وم ع��اال �ل��ي و��ش��ال��ه‬

‫وقال يف الفراق‪:‬‬

‫لو ادري هيجي ي�صري ما عا�شرتهم‬ ‫ج �ل ��د وع� �ظ ��م ظ �ل �ي��ت م� ��ن ف��ارك �ت �ه��م‬ ‫وقال يف الت�أمل‪:‬‬

‫يب�سطني ط��ول الليل باخليزرانه‬ ‫روح ��وا ا��س��أل��وا اجل�ي�ران �شم�سويه انه‬ ‫و�شعر الدارمي يغنى يف كثري من الأغاين العراقية‬


‫لوحة العر�س‬

‫القدمية مثل «د�شدا�شة �صبغ النيل»‪ ،‬و«ع�سنك الدرامي غزل البنات‬

‫يا �شط ع�سنك»‪ ،‬ويغني مع الأغ��اين الريفية‬ ‫�أي�ض ًا‪ .‬ومن �أغاين الدارمي «النا�شد القبطان»‬ ‫ونغمها �سيكاه‪ ،‬و«الهلي ودوين لهلي» ونغمها‬ ‫بيات �صبا‪.‬‬

‫�أ�سماء الدارمي‬

‫لل�شعر الدارمي �أ�سماء متعددة ح�سب املنطقة؛‬ ‫ففي بغداد ي�سمى دارمي‪ ،‬ويف حمافظة احللة‬ ‫ي�سمى مو�شحات فراتية‪ ،‬ويف حمافظة العمارة‬ ‫ي�سمى غ��زل ال�ب�ن��ات‪ ،‬وي�سمونه يف املناطق‬ ‫الغربية �سويحلي‪ ،‬وقد �أطلق عليه بع�ض �شعراء‬ ‫النجف ا�سم الركباين‪ ،‬ويف حمافظة الكوت‬ ‫ي�سمى النرث‪ ،‬وي�سمى الدارمي يف بع�ض مناطق‬ ‫جنوب العراق الغناء لأنه اللون ال�شعري الأقرب‬ ‫�إىل التلحني والغناء مع الب�ستات‪.‬‬

‫يرى الباحث العراقي الدكتور ه�شام العقابي يف‬ ‫درا�سة قيمة له‪� ،‬أن بنات العراق ‪-‬وب�شكل خا�ص‬ ‫يف اجلنوب‪ -‬فتحن �سج ًال �شعري ًا غنائي ًا رائع ًا‬ ‫بابتكارهن «الدارمي» وهو لون من ال�شعر الغنائي‬ ‫�سمي با�سمهن «غزل البنات»‪� .‬إنه �سجل �شعري‬ ‫وثقن به همومهن احلياتية‪ ،‬وخا�صة ذلك الهم‬ ‫العاطفي النابع م��ن جت��ارب احل��ب ال�صافية‬

‫تنسب الروايات‬ ‫«الدارمي» إلى فتاة‬ ‫من قبيلة «بني دارم»‬ ‫التميمية هجت رج ً‬ ‫ال‬ ‫ببيت من الشعر تام‬ ‫المعنى في القرن الـ‪19‬‬ ‫فانتشر بسبب تفرده‬ ‫وسهولة حفظه‬

‫التي ات�سمت بالعذوبة والرقة لتن�سجم مع عفوية‬ ‫الطبيعة و�سحرها حيث �ضفاف دجلة والفرات‬ ‫ومياه الأهوار وظالل النخيل‪.‬‬ ‫وي��رى العقابي �أن��ه‪ ،‬بحكم ال��واق��ع االجتماعي‬ ‫الريفي ال��ذي ن�ش�أن ف�ي��ه‪ ،‬ك��ان��ت جتاربهن يف‬ ‫احلب قا�سية حيث انتهت معظم تلك التجارب‬ ‫العاطفية‪� ،‬إن مل نقل جميعها‪� ،‬إىل خيبات �أمل‬ ‫انعك�ست على �أ�شعارهن فجاءت �أبيات «الدارمي»‬ ‫مليئة باحلزن واللوعة والأ�سى‪ .‬ومن �أق�سى حاالت‬ ‫الأمل حالة �أو «ظاهرة» زواج الإكراه طبق ًا للتقاليد‬ ‫القروية املعروفة‪ .‬ويف �أجواء ال�ضغط االجتماعي‬ ‫ال��ذي أ�ح��اط امل��ر�أة العراقية ب�شكل عام وامل��ر�أة‬ ‫الريفية ب�شكل خا�ص‪ ،‬ما كان �أمام الفتاة العراقية‬ ‫العا�شقة وهي « ُتزف جمربة» �إىل من ال حتب �إال‬ ‫�أن تلج�أ �إىل «الدارمي» كمتنف�س تبث فيه رف�ضها‬ ‫و�أملها املوجعني‪ ،‬ويورد العقابي مناذج من ال�شعر‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪80‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫الدارمي مقرونة بق�ص�ص العذاب التي �أبدعتها‪،‬‬ ‫يقول‪ :‬ي�أخذ رف�ض البنات طابع ًا ي�صل حد تف�ضيل‬ ‫املوت على العي�ش بعيد ًا عن احلبيب‪ ،‬فهذه التي‬ ‫�أح�ست �أن « ّ‬ ‫اخلطابة» يف طريقهم �إىل طلبها من يد‬ ‫الأهل �إىل من ال حتب ت�صرخ‪:‬‬

‫ال والـذي نـاجـــــــاه والبلعتـــه احلــوت‬ ‫�سمعوا يهل مت�شــــــون لو ولفي لو مــوت‬ ‫و�أخ��رى تتمنى العمى‪ ،‬فما نفع العينني حني يقع‬ ‫النظر على مكان خال من احلبيب‪:‬‬

‫في بغداد يسمى‬ ‫دارمي‪ ،‬وفي الحلة‬ ‫يسمى موشحات فراتية‪،‬‬ ‫وفي العمارة يسمى‬ ‫غزل البنات‪ ،‬ويسمونه‬ ‫في المناطق الغربية‬ ‫سويحلي بينما يسمونه‬ ‫في الكوت بـ«النثر»‬

‫�إن هذه الق�سوة �أو هذا الرف�ض – يقول العقابي‪-‬‬ ‫ال ميكن اتخاذه م�ؤ�شر ًا على �أن بنات العراق يف‬ ‫�أ�شعارهن ال ميتلكن العاطفة الرقيقة املليئة بعذوبة‬ ‫احلب وعفويته‪ ،‬لكنها خيبات الأمل القا�سية هي‬ ‫التي فر�ضت تلك ال��روح الراف�ضة للأمر الواقع‬ ‫املفرو�ض عليهن‪ ،‬و�إال فلنقر�أ بع�ض ًا من �أ�شعارهن‬ ‫التي متطر ع�شق ًا وتفوح برائحة الوفاء واملحبة‬ ‫«ال�شيلة» اجلميلة التي دن�سها « ِ‬ ‫املغت�صب»‪ ،‬فها هي ال�صادقة‪ ،‬فهذه تخاطب احلبيب‪:‬‬ ‫ً‬ ‫و�سط عله اغطاك‬ ‫ّتختار �سرا من �أ�سرار جمال بنات الريف �أال وهي جنمة �صبح يهواي ّ‬ ‫«الذلة» خ�صلة ال�شعر املتدلية على اجلبني‪ ،‬التي‬ ‫وب �ح �ج �ـ��ة ال� �ب� �ـ ��ردان ات �ل �ف �ل��ف اوي �ـ �ـ��اك‬ ‫اعتدى عليها الزوج املكروه‪:‬‬

‫كـل ما ميـــــــر الليـل يطرن احزانك‬ ‫عينـي العمــــه اوال �شوف خالـي جمانك ا� �س �ه��ر ّو� �ض��ي ال�ل�ي�ـ�ـ�ـ��ل ع��ن امل��ري��دة‬ ‫و�أخ��رى ترق للحد الذي ترى روحها وقد �أحالها‬ ‫ب��ال�ك�ـ��ذل�ـ�ـ��ه ب� ّي�ـ��ن ��ش�ي��ب م��ن م ��دة اي��ده الع�شق �إىل ن�سمة‪:‬‬ ‫�إنه لقرار قا�س حق ًا‪ ،‬لكنها بعفويتها قدمت لهذا‬ ‫ً عمده ارد اتيه الروح وبعا�صف الريــح‬ ‫ال�ق��رار م��ا ي�ب�رره‪ ،‬حيث اجتماع الليل واحل��زن ويتخذ هذا الرف�ض املوجع بع�ض الأحيان �شكال‬ ‫بلجي اعله نزل اهواي من ي�صفن اتطيــح‬ ‫وغياب احلبيب‪� ،‬إذن فلتذهب العينان اىل حيث من �أ�شكال ال�سخرية احلادة‪ ،‬فهذه تعر�ض زوجها‬

‫العمى‪ .‬و�أخرى مل تكتف بالرف�ض‪ ،‬بل �إنها ر�سمت الذي ال حتبه يف مزاد علني للمقاي�ضة‪:‬‬ ‫�صورة كاريكاتريية �ساخرة لهذا « ِ‬ ‫املغت�صب املكروه» ياهي التبدل اوياي رجلي ابرجلهـــه‬ ‫الذي �أُجربت على الزواج منه فتقول‪:‬‬

‫والأخ��رى ي�أخذها الع�شق حتى للهواء ال��ذي مر‬ ‫بحبيبها‪:‬‬

‫ون � ��وزن � ��ه ب ��امل� �ي ��زان وال � ��زاي � ��د ال�ه�ـ�ـ�ـ�ـ��ه‬ ‫هذا الهوى امن اهواي حيل ارد ا�شمه‬ ‫زف �ـ �ـ��وين ن ����ص ال �ل �ي��ل ل �لب��رد حيـله‬ ‫ب� � ُل ��ت مي ��ر ب �ج �ـ �ـ �ـ��روح ق �ل �ب��ي اوي�ل�م�ـ�ـ�ـ��ه‬ ‫حبني او تر�سني اتفال من وره ال�شيله يا له من بيت �شعري مليء بالتمرد ال�ساخر‪،‬‬ ‫ي�صعب حتى التعليق عليه‪ ،‬و�أخرى جتاريها ممعنة‬ ‫�إن بنات العراق يف غزلهن ال�شعري قد ج�سدن‬ ‫بال�سخريةوالتنكيل‪:‬‬ ‫حالة من الرف�ض حتى اال�ستهانة باملوت‪ ،‬والتمرد‬ ‫ي��ا خيــّه رج�ل��ي اوي � �اُ لل�س ّو اوديــــه‬ ‫ف �ـ �ـ ��ردة مت ��ر ل �ـ ��وج ��اب ب��ال �ـ �ـ��ج ت �ـ��ردي �ـ��ه املليء بالق�سوة حني يجربن على ال��زواج مبن ال‬ ‫يحبنب‪ .‬تقابله رقة تناف�س ن�سمات ال�صبح الندية‬ ‫وتت�صاعد حدة الرف�ض عند هذه العا�شقة اىل حد بعذوبتها حني خماطبة احلبيب‪ ،‬ووفاء �أ�سطوري‬ ‫كره ولدها‪ ،‬لأنه ابن ال��زوج املكروه‪ ،‬وكم تتمني من النادر �أن نرى مثله يف �أ�شعار غريهن‪.‬‬ ‫لوكان ابن ذلك احلبيب‪:‬‬

‫ما �أعنفه من رف�ض لهذا «الربد حيله»‪� ،‬إنه و�صف‬ ‫غري مبا�شر ودقيق لهذ الكبري ال�سن البارد القوى‬ ‫اجلن�سية‪،‬الذيماعاديجيدغرياملداعبةال�شفهية‬ ‫على طريقة «باردي احليل»‪ ،‬ومع هذا جاءت قبلته‬ ‫مثرية لال�شمئزاز و«لعبان النف�س» كما يقولون‪.‬‬ ‫وامللفت للنظر يف هذا البيت هو جناح ا�ستخدام‬ ‫�صاحبته للـ«تفال» غري امل�ست�ساغ �شعر ًا‪ ،‬وذلك من‬ ‫خالل متريره عرب «ال�شيلة» ذلك الرداء‬ ‫الن�سائي ظل ابجي ط��ول الليل اب��داً مهـــزك‬ ‫ال�شفاف اجلميل‪ ،‬مما زاد الرف�ض قوة واحتجاج ً‬ ‫ا‬ ‫ل �ـ��و ان� ��ت اب� ��ن اه� � ��واي ج� ��ان ا��ش�م�ع��زك‬ ‫نالت به ت�ضامن �صاحباتها اللواتي مررن مبثل ما‬ ‫مرت هي به‪ .‬ويف نف�س ال�صدد تقول �أخرى‪:‬‬

‫وي��ن اليفك مظلـوم وي��ن اهلل وينـه‬ ‫ي�ترك��رك اعله اج�لاي ه��ذا احل�ضينــه‬ ‫�إن معنى «ال�ترك��رك» على الكلى ال يخفى على‬ ‫القارئ اللبيب‪ ،‬و�أخرى ت�صف معاناتها ب�شيء من‬ ‫املبالغة املربرة‪ ،‬من �أجل التعبري عن الوجع الكامن‬ ‫يف دواخلها‪ .‬فان كانت �صاحبتها قد ت�أملت على‬

‫في أجواء الضغط‬ ‫االجتماعي الذي‬ ‫أحاط المرأة العراقية‬ ‫ما كان أمام الفتاة‬ ‫العاشقة إال أن تلجأ إلى‬ ‫«الدارمي» كمتنفس‬ ‫تبث فيه رفضها وألمها‬ ‫الموجعين‬

‫املر�أة العراقية رائدة الدارمي‬

‫م��ن جانبه ي��رى الباحث ال�ع��راق��ي عبدالكرمي‬ ‫ه��داد �أن مذكرات ال�شعوب‪ ،‬ميكن قراءتها من‬ ‫خ�لال ت�صفح الأدب ال�شعبي ل�ه��ا‪ .‬فاحلكاية‬ ‫ال�شعبية والأغنية و�آالتها الفلكلورية وم�صنفات‬ ‫الإب��داع الأخ��رى التي يتناقلها النا�س يومي ًا بلغة‬ ‫ب�سيطة وعميقة الو�ضوح‪ ،‬تعطي االنطباع العام‬ ‫خل�صو�صية هذا ال�شعب �أو ذاك‪.‬‬ ‫الأدب ال�شعبي العراقي مازال متوا�ص ًال وزاخراً‬ ‫بالتنوع والتعدد يف الأ�شكال الفنية ال�ضرورية له‪.‬‬ ‫وما نراه وا�ضح ًا يف جتربة ال�شعر ال�شعبي العراقي‬


‫املتنوع الأ�شكال والأغرا�ض كالزهريي‪ ،‬الأبوذية‪،‬‬ ‫امليمر‪ ،‬العتابة‪ ،‬الهو�سة‪ ،‬املربع‪ ،‬امللمع‪ ،‬وكذلك‬ ‫الدارمي‪ ،‬الذي يكنى يف منطقة الفرات الأو�سط‬ ‫من العراق «غزل البنات»‪ ،‬وي�صف هداد الدارمي‬ ‫ب�أنه من �أجمل و�ألذ الأ�شكال ال�شعرية يف ال�شعر‬ ‫ال�شعبي العراقي‪ ،‬وا�سم الدارمي له الكثري من‬ ‫التعليالت عند الباحثني العراقيني‪ ،‬منهم من‬ ‫يرده اىل بني دارم‪� ،‬أو ل�صبغة «الديرم» الداكنة‬ ‫امل�ستعملة من قبل الن�ساء يف العراق وهو حلاء‬ ‫�شجرة اجلوز‪ ،‬ومنهم من يعلل اال�سم لـ «دردمة»‬ ‫وهي ت�سمية �شعبية للمتحدث مع النف�س‪.‬‬ ‫ويرى هداد �أن ت�سمية «غزل البنات» �أطلقت ب�سبب‬ ‫كون امل��ر�أة العراقية رائ��دة يف الإب��داع من خالل‬ ‫هذا النمط وال�شكل ال�شعري ال�شعبي‪ ،‬فقد دجنته‬ ‫وعب�أته ب��دفء م�شاعرها ومكونات �أحا�سي�سها‬ ‫ال�شجية العذبة‪ ،‬كذلك مننمات �أ�شيائها اليومية‪،‬‬ ‫فما بني �شفافيتها كامر�أة وو�ضعها االجتماعي‬ ‫املتوارث الذي يقمع طموحها الإن�ساين‪ ،‬وجدت‬ ‫العراقية يف الدارمي خري ل�سان حال لها‪.‬‬ ‫فتلك الفتاة التي منعها �إخوتها من ترديد – يا‬ ‫علي – وهي عادة مكت�سبة بالفطرة لإغاثة النف�س‪،‬‬ ‫بعد �أن ات�ضح لهم �أنها تع�شق فتى من القرية ا�سمه‬ ‫«علي»‪ ،‬هذه الفتاة هي التي تنهدت بنار حزنها‬ ‫املكتوم قائلة ‪:‬‬

‫حَ ِر َموْا حَ َتى ال�صوت ِب ْ�س َمك َفـال �صيح‬ ‫دمعتي ب َْط ْ‬ ‫رف العني ب َْ�س �أرمِ ْ�ش ا ْتطي ْح‬

‫�شعرالوم�ضة‬

‫و�إىل هذا الأمر يعزو الباحث العراقي عبدالكرمي‬ ‫هداد خ�صائ�ص الدارمي و�شكل بنائه الذي يتكون‬ ‫من �شطرين فقط‪ ،‬فهو �سل�س الوقع ذو مو�سيقى‬ ‫ناعمة تفي�ض بها الكلمات الدارجة العراقية ذات‬ ‫ال�شحنات اجلذابة مبدلوالتها‪ ،‬ومن خ�صائ�ص‬ ‫الدارمي الك�شف عن حالة ما‪ ،‬وبو�ضوح تام‪ ،‬وهنا‬ ‫نتلم�س �إبداعية �شاعرة �أو �شاعر الدارمي لكون‬ ‫امل�ساحة الكتابية �ضيقة وق�صرية ج��د ًا مقارنة‬ ‫مع الأمناط الأخرى يف الكتابة ال�شعرية ال�شعبية‬ ‫العراقية‪ ،‬فيمكننا هنا ت�سميته ب�شعر «الوم�ضة»‪،‬‬ ‫فهو يحمل روح الأق���ص��و��ص��ة امل��رت��وي��ة ب��زواي��ا‬ ‫احلدث‪ ،‬ونظر ًا ل�سهولة معانيه العميقة وما يحمله‬ ‫لوحة االنتظار‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪82‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫لوحة املولود‬

‫َخ� ْ�ل روح��ك ا ْب � ِع � ْز دوم ب��ا َل� ْ�ك ِت� ِذ ْل� َه��ا‬ ‫وال ِت �ط � ِل� ْ�ب احل ��اج ��ات �إال م��ن ا َه�ل� َه��ا‬

‫من طرافة نغمية �أخاذة ذات �صدى �شفاف على‬ ‫النف�س‪ ،‬اعتمدت الكثري من الأغاين العراقية على ال��دن � َي��ا ِل �ل � ِت � ْه��وا ْه ِت��رخ�ي�لَ��ه الحِ ْ �ب��ال‬ ‫�شعر الدارمي وخا�صة الأغ��اين التي ينتهي بها‬ ‫ا ْت � � � َن � � � ِز ْل ال � َ�ط � ْي �ب�ي ْ�ن ِوا ْت � � � َغ �ّي ��رّْ احل ��ال‬ ‫مطربو املقام العراقي‪ ،‬وامل�سماة بـ «الب�سته»‪.‬‬ ‫لو َ�ض ِك َت ْك ِد ْن� ّي��اك ها با َل ْك ا ْت�صي ْح‬

‫�إرچي الرمح لِچالك وا�صرب لمَ َا ا ْتطي ْح‬

‫مِ � ْت� َع� ِ�ج� ْ�ب ا ْب��دِ ْن � ّي��اك َغ� ِث� َت� ْ�ك َف � ْد ي��و ْم‬ ‫و�صف احلال‬ ‫َغ � َث �ت �ن��ي و َْك دن � �ي� ��ايْ َخ �لَ � ْت �ن��ي م� ��او ْم‬ ‫اليومية‬ ‫�ة‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫�‬ ‫ق‬ ‫�را‬ ‫�‬ ‫ع‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫�اة‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫�‬ ‫حل‬ ‫ا‬ ‫أن‬ ‫�‬ ‫وي ��ؤك��د ه ��داد‬ ‫ال ��دن �ي ��ا ي � ��وم وي� � ��وم �إ� � ْ��س � � َح َع �ل �ي � َه��ا‬ ‫الغنية واملتنوعة �أع�ط��ت لأغ��را���ض ال��دارم��ي‬ ‫ل ��و ب��ال �ع �م��ر ِت ��� ْ�ش��ري��ك ال ِت ��� ْ�ش�ِت رِ�ري � َه��ا‬ ‫ومو�ضوعاته املراد التعبري عنها تنوع ًا حتمي ًا‪ ،‬وكم هي جميلة و�صية الأم البنها‪� ،‬أن يكون عزيز‬ ‫وم��ن املو�ضوعات التي ت�شبع بها ه��ذا النمط النف�س يف زمن ردئ‪:‬‬ ‫من ال�شعر ال�شعبي‪ ،‬مو�ضوعة «و�صف احلال»‪،‬‬ ‫وما �أقرب حال الإن�سان العراقي الآن من حالة بنات العراق جسدن في‬ ‫قائلي هذه الدارميات‪:‬‬ ‫غزلهن الشعري حالة‬

‫�أَ ْن � َه ��� ْ�ض َو ْع ِل�ل�ا ْع َو ْت �و ََّچ��ه وَا ْن� َه��� ْ�ض‬ ‫من التمرد القاسي حين‬ ‫َ‬ ‫ماخلَه عَظِ ْم ْا�صحي ْح ر َْ�ضني ال َدهَر ر َْ�ض يجبرن على الزواج بمن‬ ‫ال يحببن‪ ..‬تقابله رقة‬ ‫ِيال ِت ْن�شِ ْد ا ْعلَى احلال حا َل ْت َنه حا َله‬ ‫�سِ م ه و�شِ حيح امل ��ايْ وب� َ�ظ� ْه��ري فا َله تنافس نسمات الصبح‬ ‫ْچَ‬ ‫ِْ‬ ‫ْ‬ ‫الندية حين مخاطبة‬ ‫الحبيب‬

‫املطاردةال�شعرية‬

‫�إن املتتبع ل�شعر ال��دارم��ي‪ ،‬وال�ك�لام لهداد‪،‬‬ ‫ي�ست�شف يف الكثري منه �أ�سلوب املحاكاة‪ ،‬وهو‬ ‫بني على طريقة املطاردة‬ ‫منط �أ�سلوبي جميل ّ‬ ‫ال�شعرية‪ .‬وامل �ط��اردة ال�شعرية يف ال��دارم��ي‬ ‫تختلف ع��ن تلك املتبعة يف ال�شعر العربي‬ ‫الف�صيح‪ ،‬لأنه يركز على املو�ضوعة املتناولة‬ ‫ال على ح��رف ال��روي‪ .‬كما �أن امل �ط��اردات يف‬ ‫ال��دارم��ي ت��أخ��ذ منحى جم ��اراة امل��و��ض��وع �أو‬


‫ً‬ ‫نق�ضه و�أحيانا كثرية املبالغة يف تناول املو�ضوع الواقع االجتماعي‬ ‫املطروح‪:‬‬ ‫الريفي وسم معظم‬ ‫َ‬ ‫َب� ��تْ َب � َع � ْد ِب ��ال ��دالل وات �ع �ك � ْز اعليه‬ ‫ال ِي �ن��طِ � ْع وَا ْب� �ل ��اك ي ��احل ��ادي ِر ْد بيه تجارب الحب بالقسوة‬ ‫فتحولت إلى خيبات أمل‬ ‫انعكست على أشعار‬ ‫َب ��تْ ب� َع��د ِب ��ال� �دَالل ��ش�ع��ره ا ْي� ِت�ل��و َل� ْح‬ ‫ح� � َت ��ى املِ � �چ � � ْ�ان ال �ب �ي��ه ذاب وتمِ � ��و َل � � ْح البنات فجاءت أبيات‬ ‫«الدارمي» مليئة بالحزن‬

‫�ضمن �سال�سة �شعبية لها رجفتها اخلاطفة يف‬ ‫وم�ضها ‪:‬‬

‫ريتْ اهلل ال ينطيك يال�صحتْ با�س َمه‬ ‫َف � � ْر َف � � � ّر ْت ال �ع �� �ص �ف��ور ل �ب��ي � �ش �ي � ِل � ْز َم��ه‬

‫كما اغرتف �شعراء الدارمي من الأمثال ال�شعبية‬ ‫لتدعيم مو�ضوعهم‪ .‬فاملثل ال�شعبي القائل «اذا طاح‬ ‫البعري كرثت ال�سجاجني‪ »!..‬يتعامل معه ال�شاعر‬ ‫ال�شعبي كركيزة يف الإف�صاح عن مبتغاه‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫ب ��تْ ب �ع��د ب ��ال ��دالل ع �ن��دك عجيبَه‬ ‫ه��م ���شِ � ِف��تْ َه � ْم �سِ معيتْ ب��ال��ر َي��ه �شيبَه �أعطى ل�شعراء الدارمي الكثري من مناهل تدعيم طاح اللب وارت��اح كرثوا ال�سچاچني‬ ‫م��ا بعد ِي���ْ�س�وَه ال�ل��وم وال�ع� َت� ْ�ب يَاح�سني‬ ‫بنائية الدارمي‪ ،‬فمنهم من ا�ست�ساغ ال�شعر العربي‬

‫وعلى ه��ذا املنوال ت�ستمر ال��ردود يف املو�ضوعة الف�صيح و�أخذ مو�ضوعاته و�أعاد �صياغتها بوجهة‬ ‫ال��واح��دة لع�شرات الأب �ي��ات م��ن ال��دارم��ي‪ ،‬ويف نظر خمتلفة �ضمن �إطار الدارمي‪ ،‬فقول ال�شاعر وهناك من يعتمد �صيغة ال�س�ؤال واجلواب كوحدة‬ ‫�أ�سا�سية �ضمن �إط��ار ح��دود �شكل ال��دارم��ي مع‬ ‫مو�ضوعات �أخ ��رى خمتلفة ومتنوعة طرحها قي�س بن امللوح ‪:‬‬ ‫الإبقاء على خا�صية هذا النمط ال�شعري �أال وهو‬ ‫ال�شعراء يف مباراتهم‪.‬‬ ‫دع� ��ا ب��ا� �س��م ل �ي �ل��ى غ�ي�ره��ا ف �ك ��أمن��ا‬ ‫�أط � ��ار ب�ل�ي�ل��ى ط ��ائ ��راً ك ��ان يف � �ص��دري �إبراز احلالة بو�ضوح عميق‪:‬‬

‫ْا�شلو َنك ْا�شلون الدار ْ‬ ‫وا�شلون اهَلهَا‬ ‫مناهل كثرية للدارمي‬ ‫حَ ْزنا َنه خويَه اعْليك جا ما تِ�صَ ْلهَا‬ ‫ويقول هداد �إن التنوع الذي يت�سم به �شعر الدارمي يتخذ يف �صياغة �شاعر الدارمي بناء �أكرث و�ضوح ًا‪،‬‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪84‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫ن�ساء من بغداد‬

‫�إ�ضافة لذلك ا�ستخدم �أ�سلوب احلوار حينما‬ ‫يكون هناك مو�ضوع ًا م�شرتك ًا بني اثنني �أو وال��دارم��ي �أدن��اه ير�سم ال�شاعر نف�سه به ب�شكل وعندما يتحول �إىل ال�سويحلي يتخذ ال�شكل التايل‪:‬‬ ‫مي��ه �شيلي ال��زاد‬ ‫�أكرث‪ ،‬ومن هذه احل��وارات احلوار التايل بني كاريكاتريي طريف ذا تعبري يبني روحية �صاحبه ب��ال� َه��م َت َع�شيتْ ي��ا ّ‬ ‫الفكاهية‪:‬‬ ‫عا�شقني‪:‬‬ ‫وبالزبدة َغ�صيتْ جابويل طاري اهْ وايْ‬ ‫وبْجيبي ابو الفل�سني واطرب واغني‬ ‫العا�شق‪:‬‬

‫�اي وادور اعليچ َ‬ ‫واتن�شد النا�س‬ ‫ه� مِ ْ‬ ‫ياحِ لوَه كيف ان�ساچ والف�شخه بالرا�س‬ ‫العا�شقة‪:‬‬

‫تِ�لاين بالب�ستان وي ريحة اليا�س‬ ‫وي ��ه ال �ه��وه احل�ل�م��ان ا� �ص��رخ ياعبا�س‬

‫لو چ��ان اب��و اخلم�سني چ��ان ا�شحملني دارميات خمتارة‬

‫�شبه الدرج دنياك َ�ش ْي اعْلى من َ�ش ْي‬ ‫�أماعنعالقةالدارميبال�سويحلي‪،‬هو�أنال�سويحلي‬ ‫ِي��ال� ِب��� َ�ش�م����س َظ �ل �ي��تْ الزم ِي �ج��ي ال � َف� ْ�ي‬

‫دارمي مقلوب �أي مت زحف القافية اىل البداية يف‬ ‫ال�شطرين ولتو�ضيح ذلك نقر أ� الدارمي التايل‪:‬‬

‫مي��ه �شيلي ال ��زاد ب��ال� َّه��م َت َع�شيتْ‬ ‫ي��ا ّ‬ ‫َ‬ ‫جابويل طاري اهوايْ وبالزبده غ�صيتْ‬

‫وم��ن احل���وارات ذات النكهة املنولوجية‪ ،‬هذا‬ ‫امل�شهد احلا�صل بني �سيدتني‪:‬‬ ‫وثق بنات العراق‬ ‫املر�أة الأوىل ‪:‬‬

‫همومهن الحياتية في‬ ‫دادَه اخذي رجلي ا ْويا ْچ لِل�سو اج ْلبيه‬ ‫ِب� ��وج � � َي � � ْة مت� ��ر ب �ي �ع��ه ب � ��ا ِل� � � ْج ِت � � ِردي� ��ه الدارمي ‪..‬خاصة تجارب‬ ‫املر�أة الثانية ‪:‬‬ ‫حبهن الصافية التي‬ ‫ْجيب الوْج ّيه‬ ‫دادَه انتي رجلج زين اي ْ‬ ‫اتسمت بالعذوبة والرقة‬ ‫ِب �ع � َت��ه ا ْب� � َث� � ِل � ْ�ث مت� ��رات او ردوه َع �لَ� ّي��ه لتنسجم مع عفوية‬ ‫الطبيعة وسحرها‬

‫ي� ��اروح� ��ي ال مت �ل�ي�ن ل �ل �ن��ذل ب��ال��چ‬ ‫راح وب � �ع ��د م� ��اع� ��اد ال�ي��رج� ��ي ح��ال��چ‬ ‫ا�صفج ال ��راح اب ��راح وات�غ�ن��ه ب��ال��راح‬ ‫خ � ��اف م ��ن اول� � ��ن �آه � �ش �م��ات��ي ت��رت��اح‬ ‫ال� ��ويل م�ن�ه��و ذاك لتلهم اه ��واي‬ ‫�شنهو العالمة البيه رف لبي وچالي‬ ‫جنمة �صبح ياهواي وا�سط على اغطاك‬ ‫وب �ح �ج��ة ال � �ب ��ردان ات �ل �ف �ل��ف او ّي � ��اك‬


‫ْ‬ ‫العيون‬ ‫َيالراي ِْح ْاعلَه الدار هاك �إخ ْذ‬ ‫َح ّنتْ ت ْ‬ ‫ِ�شوف هْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِنطرون‬ ‫ناك �أهلي الي‬ ‫ِل �ل��وط��ن‪ ...‬للنا�س م�شتاه ِك� ِّل��� ْ�ش‬ ‫روح ��ي ْب� َ�ح�ن�ين و��ش��و َب��ردا َن��ه ِت��رعِ ��� ْ�ش‬ ‫ويا�س‬ ‫ْبداري ُلـو مَريتْ طِ ْ�شني ندَى ْ‬ ‫الرا�س‬ ‫بو�سة عيد حِ ْبهَا َعلَى‬ ‫ولأم��ي َ‬ ‫ْ‬ ‫َم� ��راتْ �أف� � ْز ف��رح��ان چ� ّن��ي ْب� َوط� َن��ه‬ ‫و ْف� ّي��ايْ نخل البيت ْي ِل ْمني ْو َي��ه اهل َنه‬ ‫فار ِْ�ش جفون العني مَله ْل ِ�ص َو ْر ُك ْم‬ ‫بلچنْ �أ��ص��اد ِْف ْ‬ ‫طيف يحچيلي َع ْن ُك ْم‬ ‫قـالولـــي ولفـــك راح قلتلهــــــم �أبعـَـد‬ ‫ق��ال��و �صعد للغيـــم قلتلهـــم �أ�صعد‬ ‫عفيه قلب مَيليــن من ي�سـمع �إبجــــاي‬ ‫لو من �صخر هم جــان الن وغده مـــاي‬ ‫لو مم�شى ع�شر ا�سنني �أم�شيها واكرث‬ ‫ما�أتعب وما جــوز مــن حــب الأ�ســمــر‬ ‫راح التـــودّه الــــروح ماينفــــع ال ّلــــــوم‬ ‫�أ�صبح �سمريي النوح من بعده وهمــــوم‬ ‫الدنيـــا ب�س ويـــاي �شـَــدّت ع��داوه‬ ‫وال واح��د إ�م��ن النا�س جلروحـي داوه‬ ‫الدنيـا للتهِـواه تِرقــــ�ص �إمفرعــــــه‬ ‫و�آن ��ه جتيني �إمب�ـ�ـ��و���س وت�ق� ّل��ي �إبلعـــه‬ ‫الدنيا للتهــــواه ترق�صـــله جــــــوبي‬ ‫و�آن� ��ه ال�ف� َك�ـ�ـ��ر ي��ا ن��ا���س � �ش � ّق��ايل ثوبــــي‬

‫لوحة ا�ستكان جاي ‪2011‬‬

‫َخ ْـل روحَ ْـك �إبعـــــــــــِـز دوم بالك تذلهــــا‬ ‫�شحجي وتريد النا�س من عندي �أحجي‬ ‫وال ت�ط�ل��ب احل ��اج ��ات �إ ٌال م ��ن �أه�ل�ه��ا‬ ‫دمعتي �إبطرف العني بـ�س �أحجي �أبجي‬ ‫خلـٌـيتك �إب�سرداب فو ًكــــه مرت �صَ ْـب‬ ‫ي�س�ألني البطران حالــك �إ�شلونـــــــــــه‬ ‫�ص ٌبـح ال��وا��ش��ي وي ��اك م��ن ي��اك�تر طـ َ ْب‬ ‫الغا�ضب اهلل �إعليه ه��م ين�شدوونـــــــــه‬ ‫ناقـــه �إ�شكرث للغري د ّرن ثدايــــــــــــاي‬ ‫للق�صــاب و ّدتـــــني دنيـــــــاي‬ ‫تاليهـــا‬ ‫ّ‬

‫الق�صــــــاب من ع ّلــق �إجالي‬ ‫ماهًمني ّ‬ ‫الت�ســ�أل �إعله احلـال خلـّيهـــا �سكتـــه‬ ‫همني ال�صديق القال ع ّيـريل من هاي‬ ‫ت���س��أل ع�ل��ى امل�ق�ت��ول والقــــاتل �إنتــــــه‬

‫عود �آنه مثل النا�س هم عندي بطه‬ ‫ٌ‬ ‫راح � ��ت ت �غ��ط ب ��امل ��اي وال �غ� ٌ�ط �ـ��ه غ��ط��ه‬ ‫الغربه �ساحة خيــل ومزامـط �إرجال‬ ‫واليطب بيها �إب��زود ك��ون �أ�صـله خيـال‬


‫أوراق تراثية‬ ‫‪86‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫النقد ‪..‬‬ ‫في مواجهة النقد‬

‫فاطمة املزروعي‬

‫يف الوطن العربي برمته نعاين من جملة‬ ‫م��ن امل�ع���ض�لات ع�ن��د ال�ك�ت��اب��ة وال�ت��أل�ي��ف‪،‬‬ ‫من �أه��م ه��ذه املعوقات ت�صنيف الأدب –‬ ‫االج�ن��ا���س الأدب �ي��ة ‪ -‬ال��ذي ي��أخ��ذ يف كثري‬ ‫م��ن االح�ي��ان �أب �ع��اداً ع��دي��دة م��ن االهتمام‬ ‫ت�صل ملرحلة التقدي�س وحم��اول��ة حماية‬ ‫ال�شكل الأدب��ي من �أي حماولة للتجديد‬ ‫وال �ت �ط��وي��ر‪ ،‬و�إذا مت��ت حم� ��اوالت يف ه��ذا‬ ‫ال�سياق ف�إنها تو�صف بالعبث والتجديف‬ ‫�ضد الأجنا�س الأدبية املتعارف عليها‪ ،‬بل‬ ‫يذهب بع�ض النقاد �إىل و�صف كل م�ؤلف‬ ‫ُيكتب خ��ارج اجلن�س الأدب ��ي ال�سائد على‬ ‫خمتلف �أنواعه بالف�شل‪� ،‬أو �أنه يحاول �أن‬ ‫يغطي عيوب ن�صه بلفت الأنظار لق�ضية‬ ‫م�صطنعة تك�سبه االهتمام‪.‬‬

‫مثل هذه التهم عديدة‪ ،‬ولعل �أ�شهر املعارك يف هذا ال�سياق ما �شهدته‬ ‫ق�صيدة النرث من مقاومة وتخوين كل من كتبها‪ ،‬بل �إنه يف مرحلة من‬ ‫هذا ال�صراع �شاع زعم ب�أن ق�صيدة النرث جاءت لهدم اللغة العربية‬ ‫ب�أ�سرها‪ ،‬وغني عن القول �إن جميع تلك الأقوال والتهم م�ضت وبقيت‬ ‫ق�صيدة النرث‪ ،‬ومثلها ق�ضايا �أدبية عديدة‪.‬‬ ‫هناك جملة من الإ�شكاليات احلقيقية يف هذا ال�سياق‪ ،‬منها عندما‬ ‫ي�ستخدم النقد ك�سالح وو�سيلة ملحاربة التحديث وتطوير طريقة‬ ‫الكتابة‪ ،‬حيث ي�صف بع�ض النقاد منجزات �أدبية برمتها ب�أنها حمملة‬ ‫بالعيوب من حيث البناء وال�شكل‪ ،‬فقط لأنها ال تراعي موا�صفات‬ ‫وا�شرتاطات الناقد ومدر�سته‪ ،‬وت�صبح حماولة امل��ؤل��ف التجديد‬ ‫والكتابة بطريقة خمتلفة قلي ًال عن ال�سائد �إخفاق ًا‪ ،‬و ُيحكم على‬ ‫منجزه بالتجاهل‪.‬‬ ‫�أح�سب �أن النقد هنا يتجرد عن وظيفته اجلوهرية‪ ،‬وه��ي النظر‬ ‫بتجرد وحيادية‪ ،‬من دون ت�أثر ب�أيديولوجية �أو تيار �أو توجه‪ ،‬فكلما‬ ‫تعاىل النقد عن �صراعات ال�ساحة وتياراتها كلما كانت مهمته �أكرث‬ ‫ت�أثري ًا و�صدقية‪.‬‬ ‫ومن وجهة نظر �شخ�صية‪� ،‬أ�شبه النقد يف بع�ض �أدوات��ه ووظائفه‬ ‫بالق�ضاء‪ ،‬ذلك �أن الق�ضاء يقوم مبهمة �أ�سا�سية يف تطور املجتمعات‪،‬‬ ‫وكلما ازدهر وحافظ على حياديته بني كافة مفا�صل و�أجزاء املجتمع‬ ‫كلما ات�سم احلراك املجتمعي بالتطور والديناميكية احلركية التي‬ ‫ترثي وتدفع للتطور والتقدم‪ ،‬وتبع ًا لذلك ي�أتي النقد كوظيفة �أ�سا�سية‬ ‫وحيوية جلميع الأن�شطة الإبداعية الإن�سانية دون ا�ستثناء‪ ،‬يف الفنون‬ ‫املختلفة والآداب املتنوعة‪ ،‬يف البناء والتعمري والهند�سة والعلوم‪،‬‬ ‫فكلما ك��ان النقد متوهج ًا من�صف ًا وحم��اي��د ًا ال ينحاز �إال للإبداع‬ ‫والتميز والتفوق واالبتكار واالعجاز‪� ،‬أ�صبح معول بناء للرقي‬ ‫والتقدم والتميز‪.‬‬ ‫ويف ظني �أن النقد يف عاملنا العربي مل ي�صل لهذا الفهم‬ ‫العميق احلقيقي لوظيفته‪ ،‬فهو – مع الأ�سف ‪ -‬ي�ستخدم ك�أداة‬ ‫لل�صدام مع الأدب��اء‪ ،‬وهو �أداة لالحتكاك مع وجهات النظر‬ ‫التي يعار�ضها‪ ،‬ومبعنى �أدق �أخ�شى �أن النقد متت م�صادرته‬


‫لتحقيق غاية نف�سية مري�ضة عند فئات بعينها‪ ،‬بل �إنه بات �أداة يف يد‬ ‫املتع�صبني والفئويني‪.‬‬ ‫مثايل هنا‪ ،‬ينطبق على نظرة بع�ض – و�أ�شدد على كلمة بع�ض –‬ ‫النقاد �أو �إذا �صح التعبري مدعي النقد يف نظرتهم �إىل التجربة الأدبية‬ ‫الإماراتية ب�صفة خا�صة واخلليجية ب�صفة عامة‪ ،‬تراهم يقللون من‬ ‫القيمة الأدبية لتلك التجربة ومن بعدها الإن�ساين‪ ،‬و�أثر جتربة �إن�سان‬ ‫ه��ذه البالد وعمقها يف �إنتاج مالحم ورواي��ات وق�صائد وق�ص�ص‬ ‫ق�صرية من عمق وروح هذه البيئة‪ ،‬فيتم ت�سطيح هذه التجربة �أو‬ ‫حماولة التقليل من قيمتها وانتقا�ص �أثرها‪ .‬بل ي�صل احلال ببع�ض من‬ ‫ينتمون �إىل تلك الفئات من النقاد �إىل الت�أكيد على �أن جتربتنا فقرية‬ ‫�أمام جتاربهم العميقه املمتدة منذ مئات ال�سنوات‪ ،‬وهم يجهلون �أو‬ ‫يتجاهلون �أن �أر�ضنا هي العمق وهي م�صدر احل�ضارة العربية �إذا كان‬ ‫هناك مفهوم لهذا امل�صطلح‪ ،‬وهم يتجاوزون عن �سبق �إ�صرار وتر�صد‬ ‫حقائق التاريخ التي ال تقبل اجلدال �أو الت�شكيك عندما ينظرون �إىل‬ ‫�إن�سان هذه الأر�ض فيتجاهلون �أثره ومنجزه‪.‬‬ ‫ونحن يف اخلليج – مع اال�سف – من �أكرث ممن عانى من نظرة بع�ض‬ ‫االدب��اء والنقاد ملنجزاتنا االدبية‪ ،‬معتربين انها جت��ارب من �أنا�س‬ ‫�أثرياء و�أن االدب ينحاز للفقراء‪ ،‬وهم ‪ -‬مع الأ�سف للمرة املليون ‪-‬‬ ‫يلغون وظيفة االدب كما �أنهم بذلك و�ضعوا جميع ال�شعوب اخلليجية‬ ‫حتت مق�صلة الذنب ملجرد �أننا �أوطان غنية بالذهب الأ�سود‪ ،‬وك�أنه‬ ‫ُيفرت�ض بنا �أن نرتك لهم �شيئ ًا مميز ًا يفاخرون به! �ألي�س يف ذلك‬ ‫م�صادرة حلق �إن�ساين‪ ،‬بغ�ض النظر عما ميثله من ت�سطيح! وما هي‬ ‫�أداتهم املثلى لتحقيق ر�ؤيتهم ونظرتهم؟ �إنه النقد الذي ي�ضربون به‬ ‫حتقيق ًا لأغرا�ضهم ولي�س تقييم ًا ملنجز قائم‪.‬‬ ‫�أمار�س من خالل هذه ال�سطور فع ًال نقدي ًا‪� ،‬ضد ممار�سة دونية ‪-‬‬ ‫لي�ست منت�شرة لكنها موجودة‪� -‬ضد التع�صب وتوظيف �أداة رفيعة‬ ‫كالنقد لتحقيق غايات دنئية وظلم جتارب الآخرين عرب ت�صنيفها‬ ‫م�سبق ًا والنظر �إليها بتعال وا�ستخفاف‪.‬‬ ‫تعرث حركة النقد العربي لي�س نتيجة ل�شتاتها وتبعيتها ملدار�س نقدية‬ ‫خمتلفة امل�شارب والتوجهات يف العامل‪ ،‬بل لعجزها عن �إنتاج ر�ؤية‬ ‫نقدية من �صميم الوجدان العربي‪ .‬فالنقد العربي مل ينجح يف تو�صيف‬ ‫احلراك الأدبي يف عاملنا املمتد من املحيط حتى اخلليج‪ ،‬بل هو عاجز‬ ‫عن تتبع م�سالك وطرق الكتابة والت�أليف العربي‪ ،‬كما �أنه عاجز عن‬ ‫و�ضع �إطار عام ميكن من خالله و�ضع معايري و�أ�شكال وعالمات املنتج‬ ‫العربي الأدبي‬

‫النقد العربي من�شغل ب�أمور �شكلية و�سطحية كق�ضية النوع والتجني�س‪،‬‬ ‫رغ��م �أنني �أعتقد �أن ال قيمة حقيقية للإن�شغال بهذا اجلانب‪ ،‬بل‬ ‫�إن التوجه نحو النوع الأدب��ي‪ ،‬واحلما�س املفرط له‪ ،‬ي�سبب خل ًال يف‬ ‫احلكم على املنجز الأدب��ي‪ ،‬وهنا نتحدث عن النقد يف عمومه �سواء يف‬ ‫الأدب �أو الفن واملو�سيقى �أو غريها من جماالت احلياة كما قال كروت�شه‪:‬‬ ‫«من نظرية الأجنا�س الفنية والأدبية تتفرع �أ�ساليب مغلوطة يف احلكم‬ ‫والنقد‪ ،‬تقف بهم �أمام الأثر الفني فيت�ساءلون‪� ،‬أهو منطبق على قواعد‬ ‫�شعر امللحمة �أم قواعد امل�أ�ساة؟ على قوانني الت�صوير اخلارجي �أم ت�صوير‬ ‫امل�شاهد؟ بينما كان عليهم �أن يت�ساءلوا‪� ،‬أهو معرب حق ًا وفع ًال يعرب؟ �أهو‬ ‫يف�صح �أم يتمتم؟ ولطاملا هزئ الفنانون بقوانني الأجنا�س ه��ذه‪ ،‬و�إن‬ ‫تظاهروا بقبولها باللفظ �أو بزائف الطاعة‪ ،‬فكل �أثر فني حق كان جتاوز ًا‬ ‫لقوانني جن�س ما‪� ،‬سفه �آراء النقاد وا�ضطرهم �إىل تو�سيع ميدان هذا‬ ‫اجلن�س‪� ،‬إىل �أن ي�ضيق مرة �أخرى بوالدة �آثار فنية جديدة‪ ،‬ت�ستتبع ف�ضيحة‬ ‫جديدة وتو�سعات جديدة»‪.‬‬ ‫امل�شكلة �أن بع�ض النقاد‪ ،‬ال ينظر �إىل الن�ص �إال وفق �شروط م�سبقة‪ ،‬منها‬ ‫و�ضوح النوع الأدبي‪ ،‬ومدى التزامه ب�شكله التقليدي‪ .‬بل هناك نقاد ينظرون‬ ‫للن�ص الأدبي وفق تزكية من زمالء املقهى‪� ،‬أو وفق طلب ورجاء من �أحد‬ ‫امل�س�ؤولني‪ ،‬فهل هذا هو النقد العفوي الر�صني؟ تبع ًا لهذه الق�ضية ظهر نوع‬ ‫من النقاد‪ ،‬ممن ال ينظر �إال للن�صو�ص احلداثية‪ ،‬وهو �سرعان ما ي�صف‬ ‫الن�صو�ص االعتيادية ب�أنها تقليدية قدمية‪ ،‬مبعنى �أنه يتحم�س لق�صيدة‬ ‫النرث على �سبيل املثال‪ ،‬وي�ضفي عليها املديح‪ ،‬لكنه ي�صف الق�صيدة‬ ‫املعروفة بالقافية والوزن‪ ،‬ب�أنها الق�صيدة القدمية‪ ،‬الق�صيدة التقليدية‪،‬‬ ‫الق�صيدة التاريخية‪ ،‬الق�صيدة اجلامدة‪ ،‬وغريها من الأو�صاف‪.‬‬ ‫ملاذا هذا اجلنوح النقدي؟ وملاذا كل هذا التماثل من املدار�س النقدية‬ ‫العربية‪ ،‬يف ال�ضيق بالتطوير والتحديث‪ ،‬مل��اذا جنحت قلة فقط من‬ ‫النقاد يف امتالك ر�ؤية وا�سعة ملعنى النقد ووظيفته والتحرر من �سطوة‬ ‫ال�سائد ومن التقليدية والتحرر من املدار�س النقدية امل�ستوردة من خارج‬ ‫الوطن العربي؟ نحن يف حاجة ما�سة لنقاد ميار�سون النقد �ضد �أ�شكال‬ ‫النقد ال�سائدة لدينا‪ ،‬ونحن يف حاجة لتحرير النقد و�إطالقه ليكون ذا‬ ‫ا�ستقاللية ومنهجية عربية �أو ًال‪ ،‬ثم يتمتع بالإن�سانية والعدالة والأمانة‪،‬‬ ‫ويف ظني �أنها مفاهيم نفتقر لها يف ع�صر اليوم‪ .‬لكن تبقى احلاجة للنقد‬ ‫ملحة‪ ،‬فبالنقد نتطور ونتالفى الأخطاء ونوا�صل الرقي‪ ،‬ولعلني من خالل‬ ‫هذه ال�سطور �أمار�س هذا الدور الأزيل وهو النقد للبناء ال للهدم‪ ،‬النقد‬ ‫للتطوير ال للتقزمي‪ ،‬النقد للتميز والإبداع ال للتقليدية والتكرار‪� .‬أو هذا‬ ‫–على الأقل ‪ -‬ما �أرجوه‬


‫في حضرة الشعر‬ ‫‪88‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫يبكي ويغني وينوح وي�سجع ويقرقر ويرتمن‬

‫ِّ‬ ‫ي‪..‬‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫الش‬ ‫ام في‬ ‫ا ْل َح َم ُ‬ ‫ْ ِ َ ِ ِّ‬

‫مكانة لم يبلغها طائر‬


‫ناجي العرتي�س‬ ‫حظي طري احلمام باهتمام العلماء وال�شعراء والأدباء وخ ّلدوه يف ت�صانيفهم و�أ�شعارهم ونرثهم‪،‬‬ ‫وعرفه العرب لأنه كان ُيحيط ِبهم من كل جانب يف ال�سهل واجلبل والف�ضاء ويطرب ع�شاق الطبيعة‬ ‫واجلمال ب�سجعه وترجيعه‪ .‬واحلمام يهيج الأ�شجان يف قلوب املحزونني ويحرك لواعج ال�شوق يف‬ ‫جوانح املتيمني‪ ،‬وهو ي�ألف الإن�سان ويقول عنه اجلاحظ‪ « :‬ومن مناقب احلمام حبه للنا�س و�أن�س‬ ‫النا�س به»‪ ،‬و�صوت احلمام يف اللغة العربية يعرف بالهديل وكم من �أنثى �سميت بهذا اال�سم لرقته‬ ‫وعذوبته‪ .‬وقال ابن عبد ربه يف العقد الفريد‪« :‬واحلمامة تبكي وتغني وتنوح وتغرف وت�سجع وتقرقر‬ ‫وترتمن و�إمنا لها �أ�صوات �سجيع ال تفهم فيجعله احلزين بكاء‪ ،‬ويجعله امل�سرور غناء»‪.‬‬ ‫الأيام اخلوايل قائ ًال‪:‬‬

‫�إن ه��ذا الطائر ال��ذي �أ�صبح رم��زً ا لل�سالم �أف ِْق ال َت ُن ْح من غري �شي ٍء ف�إ ّنني‬ ‫ري من ال�شعراء وله ر�صيد �ضخم‬ ‫ب���ك���ي���تُ زم�����ا ًن�����ا وال�������ف��������ؤا ُد ���ص��ح��ي�� ُح �أب��ن��ات ال��ه��دي��لِ � ْأ���س��ـ��عِ�� ْد َن �أ ْو ُع��ـ�� ْد‬ ‫تغ ّنى به كث ٌ‬ ‫يف ال�شعر العربي مل يبلغه طائر �آخر‪.‬‬ ‫ول��و ًع��ا َّ‬ ‫َن ق���ل���ي��� َل ال������� َع�������زا ِء ب���الإ� ْ���س���ـ���ـ���ـ���ـ���ع���ا ِد‬ ‫ف�شطت ُغ�� ْرب�� ًة دا ُر زينبٍ‬ ‫انظر �إىل �أبي فرا�س احلمداين وهو يحاور‬ ‫ف���ه���ا �أن�������ا �أب�����ك�����ي وال�������ف��������ؤاد ق���ري���ـ��� ُح �إي�����ـ�����ـ�����هِ‪ ،‬ل���� ّل����ـ���� ِه د ّرك������ـ������نّ ف����أن��� ُت���ـ���نّ‬ ‫حمامة ر�آها حرة طليقة بينما هو يعي�ش مع‬ ‫ال���ل���وات���ي تحُ�����س��ـ��ـ��نّ حِ ����ف َ‬ ‫����ظ ال�������ودا ِد‬ ‫�آالمه و�آهاته ُمق ّيدً ا يف الأ�سر‪:‬‬ ‫وتثري احلمامة ال�شوق يف نف�س ال�شاعر حميد م��ا َن�����س��ي نُ ّ‬ ‫�ُتن ه��ا ِل��ك��اً يف الأوانِ ال��ـ‬ ‫ٌ‬ ‫�أق��ول وقـد ناحت بقربي َحمـَامة‬ ‫بن ثور كلما �صدحت واهتز ِبها فرع يف �أيكة‬ ‫خ����ال �أ ْودى م���ن ق��ب��ل ه��� ْل���ـ���كِ �إي�����ا ِد‬ ‫�أي����ا ج���ارت���ا‪ ،‬ه���ل ت�����ش��ع��ري��ن ب��ح��ايل؟ فيقول ‪:‬‬ ‫معا َذ الهوى ما ُذقت طارق َة النوى‬ ‫وم��ا ه��اج ب��ي ال�����ش��و َق �إال َحمام ٌة‬ ‫َ‬ ‫ال�شوق‬ ‫نوح احلمام‬ ‫وقال جرير بعدما �أهاج ُ‬ ‫وال َخ َ‬ ‫����ط����رت م���ن���كِ ال���ه���م���و ُم ب��ب��ال‬ ‫دع�����ت �����س����اقِ ُح������ ّر َت���� ْرح����ـ���� ًة وت��� َر مُّن���ـ���ا يف نف�سه‪:‬‬ ‫�أي�ضحك م�أ�سو ٌر‪ ،‬وتبكي طليق ٌة‬ ‫لق ْد ها َج هذا ال�شو َق ع ٌ‬ ‫اَّ‬ ‫ني مري�ض ٌة‬ ‫حمل ُة َطوقٍ مل يكن من مَتيمة‬ ‫وي�������س���ك���تُ حم ٌ‬ ‫���������زون‪ ،‬وي����ن����دب ���س��ال‬ ‫ون��و ُح احلمام ال�صادحاتِ ال�سواج ِع‬ ‫وال � َ����ض����ربِ � َ����ص���� َّواغ ب��ك�� ّف��ي��ه دره��ـ��م��ا‬ ‫لقد كنت �أوىل منكِ بالدمع مُقلة‬ ‫فذ ّك ْر َن ذا الإعوالِ وال�شوقِ ذك َر ُه‬ ‫ع��ج��ب��ت ل��ه��ا �أ َّن�����ى ي��ك��ون غ��ن��ا�ؤه��ا‬ ‫ول����ك����نَّ دم����ع����ي يف احل�����������وادثِ غ���ال‬ ‫فه ّي ْج َن م��ا ب َ‬ ‫�ين الحْ َ �����ش��ا والأ���ض��ـ��ال�� ِع‬ ‫ف�����ص��ي ً��ح��ا ومل َت�� ْف�� َغ��ـ�� ْر ملنطقها فمـا‬ ‫تغ ّنت على ُغ�صن ع�شا ًء فلم تدع‬ ‫م ِّلم فلذات كبده‬ ‫ل���ن���ائ���ح���ـ��� ٍة يف ن���� ْوح����ـ����ه����ا م���ت���ل��� َّوم���ـ���ا وقال �أي�ض ًا‪:‬‬ ‫ويتذكر ال�شاعر نوح بن حُ َ‬ ‫وه��و ب��ال��ري وق��د ��ص��دح��ت ب�ق��رب��ه حمامة‬ ‫� ّإن ّ‬ ‫ال�شـواح َج ّ‬ ‫بال�ضحى هّ ّي ْج َنني‬ ‫ُ‬ ‫�صوت مثلها‬ ‫فلم �أر مثلي �شاقه‬ ‫فيقول‪:‬‬ ‫�����ب‪ ،‬وا َ‬ ‫حل����م����ـ����ا ُم ال���� ُو ّق���� ُع‬ ‫يف دا ِر ز ْي����� َن َ‬ ‫وال ع���رب��� ّي���ا ���ش��اق��ـ��ه � ُ‬ ‫���ص���وت �أع��ج��م��ا‬ ‫و�أرق����ن����ي ب���ال���ري ن������ ْو ُح َح��ـ��ـ��م��ام�� ٍة‬ ‫ف ُنحتُ وذو َّ‬ ‫ال�ش ْج ِو الحْ��زي ِ��ن ينوح‬ ‫ُ ويخاطب �أبو العالء املعري يف داليته ال�شهرية‬ ‫على �أ َّن��ه��ا ن��اح��تْ ومل َت���ذر دمع ًة‬ ‫بنات الهديل مكرب ًا حفظهن الوداد وتذكرهن‬ ‫�����راب ال����دم����و ِع ���س��ف��و ُح‬ ‫و ُن���ح���تُ و�أ� ْ�����س ُ‬ ‫ون��اح��تْ وفرخاها بحيث تراهما‬ ‫تقول ال ُ‬ ‫خرافة إن‬ ‫ومِ ����ن دون �أف����راخِ ����ي م��ه��ام��ه فِ��ي��ـ��ـ�� ُح‬

‫فقدت إل َ‬ ‫فها‬ ‫الحمامة‬ ‫ْ‬ ‫هديل» فبكته‬ ‫مه « َ‬ ‫وق��ال اب��ن حُ َ‬ ‫م� ِّل��م ُمك ّذ ًبا احلمام وم�صدّق ًا واس ُ‬ ‫نف�سه‪:‬‬ ‫بشجن وما زالت تطرب‬ ‫�أال يا َحمام الأي��ك �إ ْل�� ُف َ��ك حا�ضر‬ ‫ب‬ ‫على أطالله حتّى َغل َ َ‬ ‫ُ‬ ‫وغ�������ص���ن���ك مَ���� َّي����ـ����ا ٌد ف���ف���ي��� َم َت���� ُن����و ُح؟‬ ‫مه على صوتها‬ ‫اس ُ‬ ‫فسموه هدي ً‬ ‫ال‬ ‫ّ‬


‫في حضرة الشعر‬ ‫‪90‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫�صوتها ف�س ّموه هدي ًال‪ ،‬و�إىل ذاك احلديث‬ ‫ي�شري �شاع ٌر من بني نه�شل ‪:‬‬

‫في�ض ال�� ّدم��و ِع و�إنني‬ ‫�أال ُم على ِ‬ ‫�����ض ال���دم���و ِع اجل���اري���اتِ َج��دي�� ُر‬ ‫ِب�� َف�� ْي ِ‬ ‫�أيبكي َحما ُم الأ ْي ِك من فقدِ �إل ِف ِه‬ ‫ر ع��ن��ه��ا ؟! �إن���ن���ي َل��� َ��ص��ب��ـ��و ُر‬ ‫و�أ�����ص��ب� ُ‬

‫وهذا النه�شلي �أك��ذب نف�سه و�صدق احلمام‬ ‫كما قال ُن َ�صيب‪:‬‬

‫لقد هتفتْ يف ج ْن ِح َليلٍ حمام ٌة‬ ‫�����َن���� ت���ب���ك���ي و� يَّإن ل���ن���ائ���م‬ ‫ع����ل����ى َف نَ ٍ‬ ‫هلل لو كنتُ عا�ش ًقا‬ ‫كذبتُ وبيت ا ِ‬ ‫لم�����ا ���س��ب��ق��ت��ن��ي ب���ال���ب���ك���اء الحْ���م���ائ���م‬

‫وقال �أعرابي‪:‬‬

‫�أال ق���ا َت��� َل ُ‬ ‫اهلل الحْ��ـ��م��ام�� َة ُغ����دو ًة‬ ‫على ال ُغ�صن ماذا ه ّيجت حني َخ ّنتِ‬ ‫فلو َه َملت ع ٌ‬ ‫�ين دمَ��اً من �صبابة‬ ‫�إذا هَ��م��ل��ت ع��ي��ـ��ن��ي دم���ـ���اً وا���س��ت��ه�� ّل��تِ‬ ‫فما َب�� ِرح��تْ حتى بكيتُ ل َن ْوحها‬ ‫وق��ل��ت ت���رى ه��ـ��ذي الحْ��ـ��م��ام��ة َح�� ّن��ت‬

‫وقال ابن عبد الظاهر‪:‬‬

‫وقال العوام بن عقبة‪:‬‬ ‫ابن عبد ربه‪ :‬الحمامة‬ ‫بطن وا ٍد َحمام ٌة‬ ‫�أ�إن َ�سجعتْ يف ِ‬ ‫تبكي وتغني وتنوح‬ ‫جت����اوب �أخ����رى م���اء عينيك غا�سق وتغرف وتسجع وتقرقر‬ ‫وتترنم ‪..‬ولها أصوات‬ ‫وقال قي�س ُلبنى‪:‬‬ ‫سجيع ال تُفهم فيجعله‬ ‫َفلَ ْو ْ‬ ‫هاجنـي‬ ‫مل َيه ِْجني الظاعنو َن َل َ‬ ‫الحزين بكاء‪ ..‬ويجعله‬ ‫ح���م���ائ��� ُم ُو ٌ‬ ‫رق يف ال��� ّدي���ـ���ـ���ا ِر ُوق����ـ����و ُع‬ ‫المسرور غناء‬ ‫تجَ ا َو ْب َن فا�ستب َكينْ َ َمنْ كا َن ذا هَوىً‬ ‫ن����وائ����ـ���� ُح م����ا ْ‬ ‫جت����ـ����ري َل���� ُه����ـ����نّ ُدم������و ُع حديث خرافة‬

‫فقدت �إل َفها‬ ‫ومن‬ ‫حديث ُخرافة �أن احلمامة ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫وقال املجنون العامري ُمتخ ّي ًال ليلى �أمامه‪ :‬وا�س ُمه «هَ ��دي��ل» فبكته ال ُبكا َء امل � ّر الغزي َر‪،‬‬ ‫�أال ل��ي��ت��ن��ا ك���ن���ا ح���م���ام ّ���ي م���ف���ازة‬ ‫و�ص ّوتت عليه ب�شجون وما زالت تطرب على‬ ‫�ير ون������أوي يف ال��ع�����ش��ا ِء �إىل وك��ر �أطالله وحتيا ذك��راه حتّى َغ َل َب ا�س ُمه على‬ ‫ن��ط ُ‬

‫ين�سب ال��ن��ا� ُ��س ل��ل��ح��م��ام�� ِة ح��ز ًن��ا‬ ‫و�أراه��������ا يف احل������زنِ ل��ي�����س��ت ه��ن��ال��ك‬ ‫َخ��� َّ��ض�� َب��تْ ك�� َّف��ه��ا وط��� َّوق���تْ اجل��ي�� َد‬ ‫و َغ������� َّن�������ت‪ ،‬وم����ـ����ـ����ا احل������زي ُ‬ ‫������ن ك���ذل���ك‬ ‫وق��د يتعاطف ال���ش��اع� ُر م��ع احل�م��ام��ة حني‬ ‫يراها يف �شباك ال�صياد �أو يف قف�ص البائع‬ ‫فيناجيها ورمبا يفتديها مباله ليطلق �سراحها‬ ‫كما فعل عبد اهلل بن طاهر ‪-‬وقيل ال�شاعر‬ ‫اليمان بن اليمان‪ -‬حينما اجتاز مبحلة الطاق‬ ‫ببغداد ف�شد انتباهه نوح حمامة يف قف�ص‬ ‫بائع بال�سوق فا�شرتاها و�أطلقها وقال‪:‬‬

‫ن��اح��ـ��ـ��ـ��ت م��ط��وق�� ٌة ب���ب���ابِ ال��ط��ـ��اقِ‬ ‫ف����ج����رت �����س����واب����ق دم���ع���ـ���ي امل�����ه�����راقِ‬ ‫ك���ـ���ان���تْ ُت��غ��ـ��ـ��ـ��ر ُد ب��������الأراكِ وربمّ����ا‬ ‫ك�����ان�����تْ ت�����غ�����ر ُد يف ف������ـ������رو ِع ال�������س���اقِ‬


‫ُ‬ ‫الفراقبِهاالعراقف�أ�صبحت‬ ‫فرمى‬ ‫ب���ع���د الأراكِ ت����ن����و ُح يف الأ������س�����واقِ‬ ‫ُفجعتْ ب�أفراخِ ــها ف�أ�سبل دمعها‬ ‫�إ َّن ال�������دمُ�������و َع ت����ب����ـ����و ُح ب���المْ�������ش���ت���اقِ‬ ‫�إىل �أن قال‪:‬‬

‫بي مثل ما بِكِ يا َحمامة فا�س�أيل‬ ‫م���ن َف َّ‬ ‫���ح��� َّل وث��اق��ي‬ ‫����ك �أ�����س���� َرك �أن َي ُ‬

‫وقال �شاعر �آخر‪:‬‬

‫ك���������ا َد ي���ب���ك���ي �أو ب����ك����ى َج����� َزع�����ا‬ ‫م�������ن َح�������م�������ام�������اتٍ َب���������� َك�����ْي����نْ َ م���ع���ـ���ا‬ ‫ذ ّك���������ر ْت��������� ُه ع���ي�������ش���ـ���ـ��� ًة � َ����س����لَ���� َف����تْ‬ ‫�������ط������� َع�������تْ �أن�����ف�����ا� َ�����س�����ـ�����ـ����� ُه ق َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ِ����ط����ع����ا‬ ‫ويقول ال�شاعر الطغرائي‪:‬‬

‫و�أيك ٍة َ�صدَحتْ َ�شـ ْـجواً على فَننَ ِ‬ ‫ف���أ���ش��ع��ل��تْ م��ا َخ��ب��ا م��ن ن���ا ِر �أجفانـي‬ ‫ناحتْ وما َفقَدتْ �إ ْلفـاً وال ُفجعتْ‬ ‫َف��� َذ ّك���ر ْت���ن���ي �أوط��������اري و�أوط��ان��ـ��ـ��ـ��ي‬ ‫طليق ٌة م��ن �إ����س���ا ِر ال��ه�� ّم ناعمـ ـ ٌة‬ ‫وج��� َد املُ��و َث��قِ العاين‬ ‫�أ�ْ��ض َ��ح��تْ تجُ��� ّد ُد ْ‬ ‫َت َ�ش ّبهَتْ بي يف َو ْجدي ويف َط َربي‬ ‫َ‬ ‫�ين �سِ ّيانِ‬ ‫هيهات م��ا ن��ح ُ��ن يف احل��ا َل ِ‬ ‫ما يف َح�شاها وال يف َج ْفنِها �أ َث�� ٌر‬ ‫م��ن ن��ا ِر قلبي وال م��ن م��ا ِء � ْأج��ف��اين‬

‫من النوادر‬

‫ومن النوادر �أن الإمام فخر الدين الرازي‬ ‫ك ��ان ج��ال �� �س � ًا ي�ت�ك�ل��م يف ب �ع ����ض جم��ال����س‬ ‫العلماء‪ ،‬و�إذا بازي يتبع حمامة‪ ،‬فلم يزل‬ ‫خلفها ح�ت��ى �أل �ق��ت نف�سها ع�ل��ى الإم ��ام‪،‬‬ ‫ودخ�ل��ت م��ن اخل��وف يف ُك � ّم��ه‪ ،‬فان�صرف‬ ‫البازي عنها‪ .‬وكان ال�شاعر �شرف الدين‬ ‫بن ُع َنينْ حا�ضر ًا فقال‪:‬‬

‫ج���اءتْ �سليما َن ال��زم��انِ حمام ٌة‬ ‫وامل ُ‬ ‫�����وت ي��ل��م�� ُع م���ن ج��ن��اح��ي خ��اط��فِ‬ ‫َم����نْ �أن���ب����أ ال����ورق����ا َء �أ َّن محَ�� َّل�� ُك��م‬ ‫َح�������� َر ٌم و�أن���ـّ���ـ���ـ���ك مَ���ل���ج����أٌ ل��ل��خ��ائ��فِ ؟‬


‫في حضرة الشعر‬

‫الحمام هو الطائر الذي‬ ‫أصبح رم ًزا للسالم‪ ،‬تغنّى‬ ‫به كثيرٌ من الشعراء وله‬ ‫رصيد ضخم في الشعر‬ ‫العربي لم يبلغه طائر آخر‬

‫‪92‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫ين خ��رج اب��نُ �أب��ي ربيع َة من بلده «م ّكة»‬ ‫وح� َ‬ ‫ف�����أج����ازه ال�������رازي ب����أل���ف دي���ن���ار‪.‬‬ ‫�إىل �أخوا ِل ِه يف اليمن ‪ -‬وكان عاهَ دَ �أ ّال َ‬ ‫يقول‬ ‫ِ�ش ْعر ًا – ّ‬ ‫ا�شتط مزا ُر ُه عن فتات ِه‪ ،‬وذ ّكره بها‬ ‫وقال خلف املازين ي�صف حمام ًة‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ري ُيغ ّر ُد على ال ُغ ْ�ص ِن‪ ،‬فبكى حمزوناً‬ ‫م ّر ًة ُق ْم ٌّ‬ ‫م���������ط���������وق��������� ٌة ك���������������س�������اه�������ا اهلل‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َم�شوقا‪ ،‬ومن َد ْيدَ نه التجل ُد والت� ّأ�سي‪ ،‬فهذا ما‬ ‫َط�������������� ْو ًق��������������ا مل ي�������ك�������ن َذ َه�������ـ�������ب�������ا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫اليوم‬ ‫تعرفه عنه �صاحبتهُ‪ ،‬ولكن لو ر�أت حاله َ‬ ‫�����ي����ن م����ب����ك����اه����ا‬ ‫ُج����������م����������ود ال����������ع ِ‬ ‫ي�������زي�������د �أخ�������������ا ال���������ه���������ولِ َن����� َ����ص����ب����ا وامل�ع�ت�م��د ب��ن ع �ب��اد ل��ه م�ق�ط��وع��ة ت��ذوب لأنكرتْها‪:‬‬ ‫رق��ة و�سال�سة وطرافة وفيها ذل��ة الغربة‬ ‫َ‬ ‫هيهات من �أمَ��� ِة ال��وَهّ ��ابِ منز ُلنا‬ ‫م������ف������ج������ع������ة ب��������ك��������ت �������ش������ج������وا‬ ‫ف������ن������ب������ت ل�������������ش������ج������وه������ا و������ص�����ب�����ا وانك�سار احلرمان ووقع الت�شتيت وق�سوة‬ ‫�إذا َحلَ ْلنا بِ�سِ يفِ البح ِر مِ ��نْ َع��ـ��دَنِ‬ ‫فلي�س لنـا‬ ‫الدهر املفرق للأهل والأحباب يقول فيها‪ :‬واح��ت�� ّل �أه�� ُل��كِ �أج��ي��اداً َ‬ ‫ت�����������ـ�����������ـ�����������رف ع���������ل���������ي���������ه �إم����������������ا‬

‫م���������ال م�������ن �������ش������وق �أو ان���ت�������ص���ب���ا‬ ‫وم�����������ا ف��������غ��������رتْ َف��������م��������اً وب����ك����ت‬ ‫ب������ـ������ـ���ل��ا دم��������������ع ل�������ه�������ا ان�����������س�����ك�����ب�����ا‬

‫وبع�ض الع�شاق ت�ستخفه املناجاة واملطارحة‬ ‫فيهتف باحلمائم طالب ًا منها م�ساجلة الدمع على‬ ‫�ساعاتهاخلاليةوذكرياتهمايخفيمنهاومايعلن‬ ‫من �أولئك ال�شاعر �شفيق بن �سليك الذي قال‪:‬‬

‫ومل �أب ِ��ك حتى هيجتني َحــمامة‬ ‫وجدِ ي‬ ‫تغنيحمامالأيكفا�ستخرجت ْ‬ ‫فقلتُ تعايل نبكِ من ذك ِر ما خال‬ ‫ُ‬ ‫ون���ذك��� ُر م��ن��ه م��ا ُن ِ�����س�� ُّر وم��ـ��ـ��ـ��ا ن�� ْب��دِ ي‬ ‫ف���إن ت�سعديني نبكِ دمعتنا مع ـاً‬ ‫وح��ـ��دِ ي‬ ‫و�إال ف����� يِّإن ���س��وف �أ���س��ف ُ��ح��ه��ا ْ‬

‫بكتْ � ْأن ر�أتْ �إلفني �ضمهما َوك�� ُر‬ ‫�إ ّال ال��ت��ذ ّك��ـ�� ُر �أ ْو ح��ـ ٌّ��ظ م��ـ َ��ن الحْ َ ����� َزنِ‬ ‫م�سا ًء ق�� ْد � ْأخ�� َن��ى على �إلفِها ال��دّهْ �� ُر ل�� ْو �أ ّن��ه��ا �أ ْب��� َ��ص�� َرتْ ب��اجل�� ْز ِع َع�ْبترْ َت�� ُه‬ ‫فا�س َ‬ ‫رتاحتْ ب�س ِّرها‬ ‫��َن�‬ ‫م��ـ��نْ � ْأن ُي����غ���� ّر َد ُق���� ْم����ريٌّ ع��ل��ـ��ـ��ى َف نَ ِ‬ ‫وناحتْ وباحتْ ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�ير ما ظ ّنتْ بِ�صاح ِبها‬ ‫وم���ـ���ا ن��ط��ق��تْ ح���رف���ا ب���ب���وح ب���ه ���س�� ُّر �إذا ر�أتْ غ َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫لحَ‬ ‫لي�س مـن َوطني‬ ‫و�أ ْي�� َق�� َن��تْ � ّأن ْ جا َ‬ ‫بكتْ واحدًا مل ي�شجه َف ْقد غـريه‬ ‫و�أب������ك������ي لأالف ع����دي����ده����م ُك���ْث���ررْ ُ‬

‫حظي الحمام باهتمام‬

‫وقال عنرتة بن �شداد عند َفقْد عبلة حينما‬ ‫هرب بها �أبوها �إىل بني �شيبان‪:‬‬

‫ياطائ َر البانِ قد ه َّيجـتَ �أ�شجـاين‬ ‫الشعراء واألدباء وخلّدوه‬ ‫وزِدت�����ن�����ي ط���� َرب����اً ي����ا ط���ـ���ـ���ائ��� َر ال���ب���انِ‬ ‫في أعمالهم وعرفه‬ ‫�إن كنتَ‬ ‫تندب �إلفاً قد ُفـجعتَ ب ِه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫�شجاك ال��ذي بِال َبينْ ِ �أ�شجاين‬ ‫فقد‬ ‫العرب ألنه كان يُحيط‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ِبهم من كل جانب في زدين من الن ْوح وا�سعدين على َحزين‬ ‫حتى َترى عجباً من َف ْي ِ�ض �أجفاين‬

‫السهل والجبل‬


‫و ِقفْ ل َت ْن ُظ َر مــا بي ال َت ُكنْ عَجِ ً‬ ‫ال‬ ‫فا�س نرياين‬ ‫واح�� َذ ْر ِل َن ْف�سِ َك من �أَ ْن ِ‬ ‫وط ْر لعلك يف �أر�ض الحْ جا ِز تـرى‬ ‫ِ����ج �أ ْو دون َن�� ْع��م��انِ‬ ‫َر ْك����ب����اً ع��ل��ى عَ����ال ٍ‬ ‫ي�سري ِب��ج��اري�� ٍة ت�� ْن��ه ُّ��ل �أد ُمع ــها‬ ‫����ش���وق���اً �إىل وط���ـ���ـ���ن ن������ا ٍء وج���ي��رانِ‬ ‫نا�شد ُت َك اهلل يا طيرْ َ الحْ ـما ِم �إذا‬ ‫ر�أي����تَ ي�� ْوم��اً ُح�� ُم��و َل ال��ق�� ْو ِم فانعاين‬ ‫و ُق ْ��ل طريحاً تركنا ُه وقـد َفنِيتْ‬ ‫ُدم����وعُ���� ُه وه���� َو ي��ب��ك��ي ب���ال���دَّم ال��ق��اين‬ ‫وقال يف ق�صيدة من بحر �آخر‪:‬‬

‫وق�� ْد َه َت َفتْ يف ُج ْنح ليلٍ َحمام ٌة‬ ‫ُم�������غ������� ِّر َد ٌة ت�������ش���ك���و � ُ������ص َ‬ ‫������روف زم������انِ‬ ‫فقلتُ لها ل��و كنتِ مِ ثلي حزين ًة‬ ‫�����ع زائ�����ـ�����د ا ْل�����هَ�����م��ل��انِ‬ ‫ب����ك����ي����تِ ب�����دم ٍ‬ ‫ي�س ُغ�صو ُنه‬ ‫وما كنتِ يف َد ْو ٍح مَت ُ‬ ‫وال خ�����ض�� ْب��ت رج��ل��اكِ �أح���م��� َر ق��اين‬ ‫�أي���ا عبل َل��� ْو �أ َّن الخْ��ي��ا َل ي���زو ُرين‬ ‫ع����ل����ى ك������� ِّل �����ش����ه����رٍ مَ������������ َّر ًة ل���ك���ف���اين‬

‫كثري ه��و ال�شعر ال��ذي قيل يف ه��ذا الطائر‬ ‫اجلميل وهيهات �أن نح�صيه يف مو�ضوع واحد‬ ‫لكن ح�سبنا من القالدة ما يحيط العنق‬


‫‪94‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫سيمياء‬

‫خطاب‬ ‫النسوية‬ ‫ُ‬ ‫في األدب‬ ‫الشفاهي‬

‫عائ�شة الدرمكي‬

‫باحثة يف الأل�سنيات ‪� -‬سلطنة عمان‬

‫‏‪aishaaldarmaki@hotmail.com‬‬

‫�إن‬

‫اخل �ط��اب مهما ك��ان حم�ت��واه‬ ‫وج��ن�����س��ه وغ ��اي� �ت ��ه‪ ،‬ي�ت�م�ث��ل‬ ‫�أم ��ام ال�ب��اح��ث يف �شكل واق�ع��ة لغوية‪،‬‬ ‫�إم��ا منطوقة �أو مكتوبة‪ ،‬خ�لال �شبكة‬ ‫ال �ع�لاق��ات ال �ت��ي ت�ن�ظ��م ه��ذا اخل�ط��اب‬ ‫داخل منظومة الن�ص‪ ،‬بيد �أن ما يهمنا‬ ‫يف ه��ذا امل �ق��ال ه��و اخل �ط��اب يف �شكله‬ ‫املنطوق من جهة‪ ،‬ويف جن�سه الأدبي من‬ ‫جهة �أخرى‪ .‬و�سواء حللنا هذا اخلطاب‬ ‫حتلي ًال عمودي ًا �إىل م�ف��ردات وكلمات‬ ‫وح��دود �أم حللناه �أفقي ًا �إىل ملفوظات‬ ‫دالة تتكون منها وحداته‪ ،‬جمله و�أفكاره‬ ‫ور�ؤاه‪ ،‬ف�إننا جند �أنف�سنا يف كل مرة‬ ‫�أم��ام مفاهيم مركبة يتكون ك��ل منها‬ ‫من مفاهيم �أخ��رى ال ن�ستطيع �إدراك‬ ‫دالالتها �إال بالقب�ض على تلك العالقات‬ ‫التي تربطها‪ ،‬وهي عالقات �سيتكون من‬ ‫جمموعها اخلطاب بو�صفه ك ًال ون�سق ًا‬ ‫ون �ظ��ام � ًا‪ ،‬وال �ت��ي تك�شف ج�ل�ي� ًا حقيقة‬ ‫ال � ُه��وي��ة ال���س��ردي��ة م��ن خ�ل�ال �صياغة‬ ‫احلبكة وحركة ال��ذوات وانتقالها من‬ ‫حدث �إىل �آخر يف منظومة احلكي الذي‬ ‫ميثل ال ُهوية الذاتية وال ُهوية املجتمعية‪.‬‬ ‫ول�ك��ي نعيد ب�ن��اء منظومة فكرية ما‬ ‫الب��د م��ن االع�ت�م��اد على خطابات تلك‬ ‫املنظومة م��ن البحث خلف ال�ع�ب��ارات‬ ‫نف�سها على ق�صدية ال ��ذات املتكلمة‬ ‫وعلى ن�شاطها الواعي‪ ،‬وما كانت ترغب‬ ‫يف قوله‪ ،‬وهذا كله يتعلق ب�إعادة �إن�شاء‬ ‫خطاب جديد يهدف �إىل �إعادة الن�ص‬ ‫املقروء بروح جديدة خالل البحث عن‬ ‫املعنى احلقيقي وراء املعنى املجازي‪،‬‬ ‫للك�شف عما يخفيه الن�ص بني حناياه‬ ‫�ان ودالالت‪ .‬غ�ير �أن ذل��ك لن‬ ‫م��ن م �ع� ٍ‬

‫يتم �إ َّال ع��ن ط��ري��ق التو�سم مبجموعة‬ ‫من الو�سائل واملنهجيات املعينة على‬ ‫مثل ه��ذا الك�شف‪ ،‬وذل��ك البحث من‬ ‫ناحية‪ ،‬والتخلي ع��ن ال �ق��راءة العامة‬ ‫للن�ص التي ال ت�ضيف وال تك�شف للقارئ‬ ‫مكامن الن�ص وفكر �أمته؛ ولذلك ف�إن‬ ‫ال�سيميائيات عمدت �إىل ك�سر الألفة‬ ‫امل�ت��وا��ص�ل��ة م��ن خ�ل�ال حت�ل�ي��ل ال�ن����ص‪،‬‬ ‫وذل� ��ك ع �ن��دم��ا ت �خ �ل��ت ع ��ن ال�ت�ق�ل�ي��د‪،‬‬ ‫واعتمدت على اكت�شاف �شفرات كانت‬ ‫قد ت�أ�صلت �إىل حد �أننا مل نعد نراها‬ ‫عند القراءة الأولية للن�ص‪.‬‬ ‫�إن ال �ن ����ص ال �� �ش �ف��اه��ي مي �ث��ل هُ ��وي��ة‬ ‫جمتمعية‪ ،‬لذلك ف�إنه لن يكون بعيد ًا‬ ‫عن ذوات املنظومة الفكرية؛ فخطاب‬ ‫املجتمع �إم��ا �أن ي�ك��ون ع��ام � ًا «ب�صيغة‬ ‫ال��ذك��ر» �أو خ��ا� �ص � ًا «ب�صيغة الأن �ث��ى»‪،‬‬ ‫وهذه العمومية �أو اخل�صو�صية تعك�س‬ ‫خربة املجتمع ومو�سوعيته املعرفية يف‬ ‫�إطار التوا�صل مع ذواته‪ ،‬ولعل الرتاث‬ ‫الثقايف املروي بو�صفه �أن�ساق ًا جمتمعية‬ ‫يقدم يف ذلك خطاب ًا متمايز ًا من حيث‬ ‫العالمات الل�سانية والن�سقية واملقامية‬ ‫التي تعج بها ن�صو�صه‪.‬‬ ‫مل ي�ست�أثر مو�ضوع يف خريطة اجلدل‬ ‫التي و�سمها الفكر الن�سوي‪� ،‬أك�ثر من‬ ‫مو�ضوع ثنائية املذكر وامل�ؤنث‪ ،‬وكل ما‬ ‫يت�صل بعمليات التنميط اجلن�سي التي‬ ‫ك َّر�ستها الثقافة املجتمعية‪ ،‬ويف الن�ص‬ ‫الثقايف احلكائي �شواهد على خطاب‬ ‫الأنثى ال��ذي يربز املو�سوعة املجتمعية‬ ‫التي يعتمد عليها املجتمع‪ .‬فاللغة متثل‬ ‫الفكر وتتمثله من خالل متثيل و�إعادة‬ ‫�صياغة و�إن�ت��اج فكر املجتمع وثقافته‪.‬‬


‫سيمياء‬

‫ولأن املجتمع قائم على تلك الثنائية «املذكر وامل�ؤنث»‪،‬‬ ‫ف�إن الن�ص لن يقوم �إ َّال عليها‪ ،‬ولذلك ف�إننا �سنجد �أن‬ ‫هذه الثنائية تتمثل يف ن�ص ال�تراث الثقايف ناقلة فكر‬ ‫املجتمع ومو�سوعته املعرفية خالل عنا�صر الن�ص ومكونه‬ ‫الرتكيبي �سيميائي ًا‪� .‬إننا �أم��ام خطاب اجتماعي مروي‬ ‫متثل الذوات يف عالقاتها املجتمعية‪.‬‬ ‫�إن ال��ذات ‪ -‬كما ي�ق��ول ��س��ارت��ر ‪ -‬لي�ست ذات�ي��ة فردية‬ ‫و�إمنا هي عبور نحو ذوات الآخرين‪ ،‬ذلك لأن اكت�شاف‬ ‫ه��ذه ال��ذات يجعلنا ن��درك ذات�ن��ا �أم��ام�ه��ا‪ ،‬ول��ذل��ك ف��إن‬ ‫الآخر �أي�ض ًا جوهري لي�س فقط لكينونة الذات‪ ،‬بل لأنه‬ ‫يحمل الأهمية نف�سها لكل ما يتعلق به‪ ،‬فدريدا يرى �أن‬ ‫اجلنو�سة نف�سها قد ت�أتي من الآخ��ر‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬ف�إننا‬ ‫يف هذا املقال لن نتعامل مع املكون الرتكيبي على اعتبار‬ ‫�أنه مكون لبنية اخلطاب فح�سب‪ ،‬بل بو�صفه نظام ًا من‬ ‫التمثيل املعريف يتكون من منظومة من ال�شفرات التمثيلية‬ ‫املعرفية «املفاهيم‪ ،‬وامل �ج��ازات‪ ،‬والأم�ث��ال والأ�ساطري‪،‬‬ ‫واحلكايات»‪ ،‬وهو بهذا املعنى �سيقوم ببناء �صور للواقع‬ ‫يف �إطار املو�ضوع الذي يريده‪ ،‬وهكذا �ستعك�س العالمات‬ ‫التمثيلية املعرفية امل�ب��ادئ الرتابطية التي يقوم على‬ ‫�أ�سا�سها النظام الرمزي اخلا�ص بحقل ذلك اخلطاب‪،‬‬ ‫وه��ذا ما �سيكون عليه احل��ال يف خطاب احلكاية التي‬ ‫تُنتج �ضمن مو�ضوعات جمتمعية من مثل ال�شجاعة �أو‬ ‫الكرم �أو الع�شق �أوالوفاء �أو الغدر �أو اخليانة �أو غريها‬ ‫من املو�ضوعات التي توجه نحو الآخر ‪ .‬ومن هنا �سنجد‬ ‫�أن «ال�سيم» �سيعمل على وظيفة تفارقية �أي �أنه ال يفهم �إ َّال‬ ‫يف داخل بنية لن�ص معني‪.‬‬ ‫�إننا �إذن نتحدث عن خطاب الذات والآخر‪ ،‬الذي يجعل‬ ‫م��ن الن�سوية خ�ط��اب� ًا خ��ا��ص� ًا لتمظهراته وت�شاكالته‪،‬‬ ‫ولكي نك�شف ع��ن ه��ذه الت�شاكالت وتلك التمظهرات‪،‬‬ ‫البد من حتليل الن�صو�ص ال�شفاهية حتلي ًال ي�سمح لنا‬ ‫بالك�شف ع��ن م��دى متايز املجتمعات يف عالقاتها بني‬ ‫الذات والآخر‪� ،‬ضمن املنظومة املجتمعية التي ت�صوغها‬ ‫م�لاب���س��ات اجتماعية واق�ت���ص��ادي��ة ودي �ن �ي��ة‪ ،‬ب��ل وحتى‬ ‫�سيا�سية �أو م�س َّي�سة‪ ،‬حتاول التدخل يف تنظيم �أو �إعادة‬

‫ت�شكيل تلك العالقات‪ .‬بل �ستك�شف لنا تلك الدرا�سات‬ ‫تاريخانية تلك العالقات وتطورها عرب حقبها املتعددة‪.‬‬ ‫فما �أحوجنا �إذن �إىل درا�سة ذلك اخلطاب عرب البدء‬ ‫بجمع تلك الن�صو�ص املمثلة لتلك احلقب التاريخية قبل‬ ‫�أن ينقطع ال�سبيل �إليها‪ ،‬ثم ما �أحوجنا �إىل �إعادة النظر‬ ‫يف النمطية املتوهمة ل�ترم�ي��زات اخل�ط��اب الن�سوي يف‬ ‫الن�ص ال�شفاهي‪ ،‬فلي�ست تلك الرتميزات �ضد الن�سوية‪،‬‬ ‫ولي�ست هي منا�صرة لها؛ ففي احلكايات ال�شعبية على‬ ‫�سبيل املثال‪ ،‬على الأقل ما اطلعت عليه من احلكايات يف‬ ‫دول اخلليج خا�صة‪ ،‬والدول العربية عامة‪ ،‬ميكن القول‬ ‫ب�أن هذا اخلطاب ال ينفلت من ربقة ال�سياقات املجتمعية‬ ‫التي حتكمها ت�شكالت متعددة متباينة ي�صعب معها‬ ‫�إ�صدار حكم على نظرة املجتمع بو�صفه «ذوات» للمر�أة‬ ‫بو�صفها «�آخ��ر»؛ فال ن�ستطيع القول ب��أن املجتمع يعترب‬ ‫املر�أة خائنة متام ًا لأنه يف مقابل هذا ال�سياق ي�ضعنا يف‬ ‫�سياق املر�أة الوفية �أو امل�ساندة للرجل‪ ،‬وال ميكن القول‬ ‫بعد ذلك �أن نظرة املر�أة لذواتها نظرة ي�شوبها ال�ضعف‬ ‫مث ًال؛ لأنها قد تكون يف �سياقات �أخرى تتمثل القوة واملكر‬ ‫واخل��دي�ع��ة‪ .‬وه�ك��ذا ف ��إن الن�صو�ص احلكائية تقدم لنا‬ ‫خطاب ًا �أيديولوجي ًا للآخر الذي ال ينف�صل عن الذوات‬ ‫الأخ ��رى التي ت�شكل ال� ُه��وي��ة املجتمعية‪ ،‬فهي ن�صو�ص‬ ‫متثل حيادية – �إن �صح التعبري – ورمب��ا ق��د يختلف‬ ‫الو�ضع كثري ًا �إذا ما قارناه باخلطاب الن�سوي يف الأمثال‬ ‫ال�شعبية مث ًال‪ ،‬ذلك لأنه خطاب �أكرث �صراحة ومبا�شرة‬ ‫يف الت�صريح‪ ،‬لنجد �أنه قد ي�صل �إىل التخاطب مع الآخر‬ ‫«ال��رج��ل» �صراحة يف حم��اول��ة لإع��ادة تنظيم العالقات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وهو خطاب ال جنده يف الن�صو�ص النرثية‬ ‫�أو ال�شعرية الأخرى‪.‬‬ ‫�إنه �إذن دور الباحثني واملهتمني باخلطاب ال�شفاهي‪،‬‬ ‫يف جمع كل تلك الن�صو�ص ال�شفاهية من �أجل الو�صول‬ ‫�إىل تاريخانية تلك العالقات الإن�سانية التي جتمع‬ ‫بني ال��ذوات والآخرين‪ ،‬ودرا�ستها وحتليلها‪ ،‬للك�شف‬ ‫ع��ن ت�ل��ك الأي��دي��ول��وج �ي��ات االج�ت�م��اع�ي��ة والإن���س��ان�ي��ة‬ ‫للمجتمعات املختلفة‬


‫قال الراوي‬ ‫‪96‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫�شفرات ن�سوية منيعة مغلفة بوهم الذكورية‬

‫سيرة بني هالل‪..‬‬

‫وحس الرجال‬ ‫حس النساء‬ ‫بين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫د‪ .‬حممد ح�سن عبد احلافظ‬

‫مدر�س الأدب ال�شعبي امل�ساعد‪� ،‬أكادميية الفنون‪ ،‬القاهرة‬

‫احلكاية م�ؤنثة‪ ،‬وال�شعر مذكر‪� .‬أجل‪� ،‬إنهما حقيقتان بده َّيتان يف مظهرهما اللفظي‪ .‬لكن‪ ،‬هل بو�سعنا �أن‬ ‫نت�صور �أن بع�ض البدهيات – �إن مل يكن كلها ‪ -‬يخبئ حقائق مطمورة يف الوعي امل�أثور؟ �أال ميثل هذا‬ ‫الوعي �سلطة تعمل على بقاء ت�صوراتنا ثابتة؟ �أال ترى �أن امل�أثور ال�شعبي – �إن ات�سع طرحه على التحليل‬ ‫اجلمايل والت�أويل ‪ -‬مينح الفر�صة لإعادة التفكري يف �ش�أن البدهيات التي حتمل حقائق خبيئة؟ و�أن‬ ‫الغو�ص يف منجزه اجلمايل يعبد الطريق �إىل ت�أويالت خالقة؟ �أل�سنا معنيني ب�إنتاج معرفة جديدة؟‬


‫قال الراوي‬ ‫‪98‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫مثّل الرجال حرا�سا ً لل�سرية الهاللية عرب الإن�شاد‬

‫احلكاية �أنثى وال�شعر ذكر!‬

‫احلكاية �أنثى‪ ،‬وال�شعر ذك��ر‪� .‬أج��ل‪ ،‬كالهما‬ ‫حقيقتان الفتتان �إىل جوهرهما الت�أويلي‪.‬‬ ‫فاحلكي �إب��داع ن�سوي‪ ،‬وال�شعر �إب��داع رجويل‪.‬‬ ‫وحتى ال يتحول مق�صدي‪ ،‬يف وعي احلكائني‬ ‫وال�شاعرات‪� ،‬إىل تف�سري �ضيق‪ ،‬ف��إين مدع ٌو‬ ‫ل�ضرب مثل يف �سياق مركز‪ :‬احلكاية الهاللية‬ ‫�أنثى‪ .‬و�أدا�ؤها ال�شعري ذكر‪ .‬رمبا تنا�سلت هذه‬ ‫الثنائية من ثنائية �أخرى �صارت فيها ال�شفهية‬ ‫ف�ضاء للن�ساء‪ ،‬والكتابة ف�ضاء للرجال‪ ،‬عندما‬ ‫�سعى الرجل �إىل قن�ص اخرتاع الكتابة لنف�سه؛‬ ‫ليقعد �سلطته املطلقة على اللغة‪ ،‬فغلب التذكري‬ ‫على الت�أنيث يف التقاليد والت�شريعات وال�سلطة‬ ‫والفنون‪� ..‬إلخ‪ ،‬ثم �صنع الرجل قواعد ثابتة ال‬ ‫فكاك من االندراج فيها‪ ،‬عرب تقدي�س املكتوب؛‬ ‫من �أجل �ضمان طاعة الن�ساء املطلقة للرجل‪،‬‬ ‫وطاعة الرجال للرجل‪ ،‬وطاعة �سائر الرجال‬ ‫والن�ساء للرجل‪.‬‬ ‫يف امل�أثورات الأدبية ال�شعبية‪ ،‬نعرف – نحن‬ ‫أجنا�سا خم�صو�صة‪،‬‬ ‫الفولكلوريني ‪� -‬أن للن�ساء � ً‬ ‫معظمها يرجع �إىل العادة احلرفية للن�ساء‪� ،‬أو‬ ‫�إىل ال�سياق االجتماعي اخلا�ص الذي يع�شن‬

‫فيه‪ ،‬وهنا نتذكر الأغاين ال�شعبية التي ت�ؤديها‬ ‫الن�ساء �أث�ن��اء العمل على ال��رح��ى‪� ،‬أو «خ�ض‬ ‫اللنب»‪� ،‬أو يف مراحل �صناعة اخلبز‪� ،‬أو �أغاين‬ ‫الف��راح‪� ،‬أو‬ ‫املهد «تهنني الأطفال»‪� ،‬أو �أغاين أ‬ ‫العديد «املراثي ال�شعبية‪ ،‬وهو اجلن�س ال�شعري‬ ‫ال�شفهي الذي ي�ؤكد �أحمد مر�سي �أنه ال ُيروى‬ ‫�إال على ل�سان الن�ساء‪ ،‬و�أن��ه مل يقم الدليل‬ ‫على �أن املجتمع يف م�صر قد عرف بكائيات‬ ‫ومراث تن�سب �إىل الرجال(‪� ،»)1‬أو �أغاين احلج‬ ‫ٍ‬ ‫والزيارة‪� ..‬إلخ‪ .‬كما درج الباحثون على التعامل‬ ‫مع الن�ساء بو�صفهن ينابيع «= م�صادر» غنية‬ ‫للحكايات ال�شعبية واحل��وادي��ت والأم �ث��ال‪...‬‬

‫الخبرات الميدانية تنبئ‬ ‫عن أن رواة السيرة هم‬ ‫من الرجال‪ ،‬وأن متلقيها‬ ‫المباشرينالظاهرين‬ ‫هم من الرجال‪ ،‬وأن‬ ‫الفضاء السردي الهاللي‬ ‫يخلقه الرجال‪ ،‬وتحركه‬ ‫الرجال‪ ،‬ويتحكم فيه‬ ‫الرجال‬

‫وغ�ير ذل��ك من امل ��أث��ورات التي ُع��هِ ��دَ للن�ساء‬ ‫�أدا�ؤه ��ا‪ ،‬تب ًعا لعاداتهن احلرفية ولأدواره��ن‬ ‫العائلية(‪.)2‬‬ ‫يف ال��وق��ت نف�سه‪ ،‬درج الباحثون على ربط‬ ‫ال�سرية ال�شعبية ‪ -‬على �صعيد الرواية والأداء‬ ‫ال�شفهي‪ ،‬ولي�س على �صعيد م�ضمون ال�سرية‬ ‫و�شخو�صها ‪ -‬بعامل الذكور‪ ،‬فاخلربات امليدانية‬ ‫تنبئ عن �أن رواة ال�سرية هم من الرجال‪ ،‬و�أن‬ ‫متلقيها املبا�شرين الظاهرين هم من الرجال‪،‬‬ ‫و�أن الف�ضاء ال�سردي الهاليل يخلقه الرجال‪،‬‬ ‫وحتركه الرجال‪ ،‬ويتحكم فيه الرجال‪.‬‬ ‫يذكر �أحمد �شم�س الدين احلجاجي �أنه ذهب‬ ‫�إىل «حمافظة قنا» ليجمع الق�ص�ص ال�شعبي‬ ‫من �أفواه من يعرفهم من الرجال ومن عجائز‬ ‫الن�ساء‪ ،‬فوجد اجلميع يق�ص عن الهاللية‪،‬‬ ‫ف ��أخ��ذ يبحث عنها(‪ ،)3‬ل�ك��ن احل�ج��اج��ي مل‬ ‫يو�ضح لنا �إذا ك��ان قد التقى بن�ساء راوي��ات‬ ‫لل�سرية �ضمن ه��ذا «اجلميع»‪� ،‬أم �أن ال��رواة‬ ‫ت�سيدوا رواية ال�سرية يف‬ ‫الرجال وحدهم الذين َّ‬ ‫جتربته؟ الإجابة كامنة يف طروحات احلجاجي‬ ‫البحثية ون�شاطه امليداين والفني على ال�سواء‪:‬‬ ‫�إمنا ال�سيادة للرجال‪.‬‬


‫تتبدى هذه ال ُعهدة الأدائية للن�ساء وللرجال‬ ‫يف �صورة قاعدة مطلقة ال فكاك منها‪ ،‬فلم‬ ‫تجُ � َر بعد التجارب امليدانية التي ت�ستهدف‬ ‫التفتي�ش عن ا�ستثناءات فريدة وخفية للقواعد‬ ‫التي تبدو مطلقة بقوة ما «درجنا» عليه «من‬ ‫البديهي �أن يحتل الفعل «درج» من�ص ًبا كب ًريا‬ ‫يف اخلطاب املطلق والثابت وامل�ستقر»‪ .‬ومن‬ ‫ثم‪ ،‬فما ُعهد «يف ‪� /‬إىل ‪ /‬لـلن�ساء‪ ،‬وما ُعهد‬ ‫«يف ‪� /‬إىل ‪ /‬لـلرجال ‪ -‬على �صعيد الأداء ‪-‬‬ ‫ي�سريان بو�صفهما �شريطي قطار يتوازيان وال‬ ‫يلتقيان‪ .‬وقد ُدر َِج على ا�ستعمال هذا املثل يف‬ ‫�سياق الداللة على االختالف النوعي الذي‬ ‫يتعاي�ش طرفاه وال يلتقيان‪ ،‬لكن هذا املثل –‬ ‫غري ال�شعبي بالت�أكيد – هو نتاج ت�صور نخبوي‬

‫يبدو �أن��ه – وما كان ينبغي ذلك ‪ -‬غري وا ِع‬ ‫بخربات ع َّمال القطارات وال�سكك احلديدية‬ ‫واملزلقانات‪ ،‬وبالقيم الرمزية املت�صلة بعملهم‪،‬‬ ‫ال �سيما عامل «التحويلة» الذي ينبني وعيه على‬ ‫قاعدة خمتلفة تتمثل يف اللحظات اال�ستثنائية‬ ‫التي تلتقي فيها �أ�شرطة ال�سكك احلديدية‪،‬‬

‫درج الباحثون على ربط‬ ‫السيرة الشعبية‪ ،‬على‬ ‫صعيد الرواية واألداء‬ ‫الشفهي وليس على‬ ‫صعيد مضمون السيرة‬ ‫وشخوصها‪ ،‬بعالم‬ ‫الذكور‬

‫ويتقاطع توازيها‪ ،‬وعلى مفهوم «التحويلة» من‬ ‫اجتاه �إىل اجتاه‪ ،‬ومن م�سار واحد يبدو مطل ًقا‬ ‫�إىل م�سار خمتلف‪ .‬و�إن تو�سطت النظر بني‬ ‫ق�ضيبني‪ ،‬ف�إنك ترى – على مرمى الب�صر –‬ ‫اقرتابهما والتقاءهما التام‪.‬‬

‫ا�ستبطان الأنثوي يف الذكوري‬

‫ما �أود �أن �أطرحه هنا‪ ،‬دون اخلو�ض يف مزيد‬ ‫م��ن «التفل�سف»‪ ،‬ه��و م �ب��ادرة يف «منهجية‬ ‫التحويلة» التي جتعل – على نحو دائم وف َّعال‬ ‫– من امل�سارات الذكورية املطلقة م�سارات‬ ‫ن���س�ب�ي��ة‪ .‬وذل� ��ك ع�ب�ر اك �ت �� �ش��اف اللحظات‬ ‫اال�ستثنائية التي يكمن – عربها ‪ -‬جوهر‬


‫قال الراوي‬ ‫‪100‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫�أنثوي باطني يف احل�س الذكوري الظاهر‪.‬‬ ‫بينما اعت�صم الرجل بالكتابة و�سلطتها؛ هجر‬ ‫ال�شفهية؛ بل طردها �إىل املجهول‪ .‬هل �أده�شه‬ ‫املنجز اجلمايل ال�شفهي الذي حققته املر�أة‪،‬‬ ‫فقرر ال�ع��ودة للولوج يف ال�شفهية ب�إبداعات‬ ‫�شعبية ال حد لتنوعاتها وحليوية تلقيها؟ وهل‬ ‫ث��ارت على هيمنة الرجل على املكتوب‪ ،‬ويف‬ ‫املكتوب‪ ،‬وباملكتوب‪ ..‬ف�أكدت قدرتها املبهمة‬ ‫على الولوج يف عامل الكتابة؟‬ ‫ت�شبثت امل��ر�أة بال�شفهية‪ ،‬ورافقتها يف رحلتها‬ ‫متاما كرحلة خ�ضرة ال�شريفة‬ ‫�إىل املجهول‪ً ،‬‬ ‫الرتاجيدية بامتياز‪ ،‬بعد �أن قرر رزق بن نايل‬ ‫الإذع���ان ملكائد بع�ض ال��رج��ال الفا�سدين‪،‬‬ ‫فطردها بوليدها الأ�سود‪ .‬وقد �أبدى ال�سلطان‬ ‫ً‬ ‫معار�ضا لقرار رزق‪ .‬لكن «رزق»‬ ‫�سرحان موق ًفا‬ ‫الغا�ضب مل يعب�أ بنتائج غ�ضبه‪ ،‬فالغ�ضب عماء‬ ‫يودي �إىل نتائج كارثية‪� ،‬أ�شبه بقرارات احلرب‬ ‫والإب ��ادة التي تبدو فع ًال ذك��ور ًّي��ا يف التاريخ‬ ‫الإن�ساين القدمي واحلديث على ال�سواء‪ .‬ومل‬ ‫يكن �أم��ام �سرحان‪ ،‬حيال �إ��ص��رار رزق على‬ ‫قراره برحيل خ�ضرة‪� ،‬إال �إقرار �سلطته بو�صفه‬ ‫�سلطا ًنا ع��اد ًال‪ ،‬ويف خمتلف مراحل ال�سرية‬ ‫يتمو�ضع ��س��رح��ان ث��م اب�ن��ه ح�سن يف مقام‬

‫تشبثت المرأة بالشفهية‬ ‫ورافقتها في رحلتها‬ ‫تماما‬ ‫إلى المجهول‬ ‫ً‬ ‫كرحلة خضرة الشريفة‬ ‫التراجيدية بعد أن قرر رزق‬ ‫بن نايل اإلذعان لمكائد‬ ‫بعض الرجال الفاسدين‬ ‫فطردها بوليدها األسود‬ ‫احلاكم العادل املقر باحلقوق الإن�سانية‪ ،‬فهو‬ ‫�ضد احل��رب‪ ،‬و�إجما ًال تكاد ال�سرية ال ت�سرد‬ ‫واقعة حربية دعا �إليها �سرحان �أو ح�سن‪� ،‬أو‬ ‫قادها‪� ،‬أو دعمها‪ .‬ويف الرحلة الكربى للقبائل‬ ‫الأرب �ع��ة �إىل ال�غ��رب «ت��ون����س»‪ ،‬يف م��ا يعرف‬

‫تحتل النساء بطولة‬ ‫المشاهد المركزية في‬ ‫سيرة بني هالل على‬ ‫نحو فريد ال نظير له في‬ ‫التراث العربي برمته‪ ،‬إال‬ ‫في «ألف ليلة وليلة»‬

‫بـ«التغريبة»‪ ،‬مل يكن ح�سن بن �سرحان مق ًّرا‬ ‫با�ستحقاق القبائل لغزو تون�س التي يحميها‬ ‫ال��زن��ات��ي خليفة‪ ،‬وك ��ان م�ع��ار�ً��ض��ا لعمليات‬ ‫التخريب والنهب والقتل التي تورط فيها العرب‬ ‫اجلرارة التي بلغت «�أربع ت�ساعني �ألوف»‪� ،‬أي �إن‬ ‫قوام كل قبيلة من القبائل الأربعة ت�سعون �أل ًفا‪،‬‬ ‫وكان ميثل العقل املدين يف احلكم والنظر �إىل‬ ‫ال�صراع على الغرب‪ ،‬فعندما حطت القبائل‬ ‫يف «جناين تون�س»‪ ،‬نهى القبائل اجلرارة عن‬ ‫التخريب وانتهاك احلقوق‪ .‬بينما يتخذ �أبو زيد‬ ‫الهاليل منظو ًرا ع�سكر ًّيا – ينزع �إىل االقتحام‬ ‫والغزو ‪ -‬يف ال�صراع‪ ،‬ويفر�ض هذا املنظور‬ ‫قراره على املنظور املدين الذي ميثله ح�سن بن‬ ‫�سرحان الدريدي‪.‬‬ ‫ميهد ال�شاعر ال�شعبي مل�شهد ظهور اخل�ضر‬ ‫«�سالم عليك ورحمة اهلل وبركاته(‪ ،»)4‬حيث‬ ‫مل يتوقع رزق – وتتوقع القبائل – �أن خ�ضرة‬ ‫�ستح�صل – بيد اخل�ضر الذي �صوب الدبو�س‬ ‫«الرمح» ‪ -‬على كل ملك رزق‪ ،‬وعلى �شيء من‬ ‫ملك ابن عمه �سرحان �سلطان القبائل الأربعة‪.‬‬ ‫لكن رز ًقا ‪ -‬الرجل ذو ال�شعور بالتفوق الفرو�سي‬ ‫ندما ج ًّما‪ ،‬حيث‬ ‫الع�سكري ‪� -‬سرعان ما يندم ً‬ ‫ان��زوى اب��ن نايل يف جبل ال�ك��روم��ات‪ ،‬عاز ًفا‬


‫عن انتمائه �إىل القبيلة‪ ،‬وعن �شهوة الغ�ضب‬ ‫الذكوري الذي �أودى بزوجه وابنه �إىل املجهول‪،‬‬ ‫تار ًكا حليته و�أظافره تنموان ب�شراهة‪ ،‬فينمو‬ ‫معهما �شعوره بالذنب‪ .‬مل يجر�ؤ على االقرتاب‬ ‫منه خالل �سبع �سنوات �إال ابنته �شيحة التي‬ ‫رمب��ا تركتها خ�ضرة يف �سن احلادية ع�شرة‬ ‫لرتعى �أباها‪ .‬هذا ت�أويل ر�ؤيانا لعزلة ابن نايل‪،‬‬ ‫وال ي�صوغ ال�شاعر ال�شعبي – يف امل�سار ال�سردي‬ ‫للرحلة ‪� -‬شي ًئا ذا ب��ال ع��ن رزق بعد رحيل‬ ‫ح�ضرة‪� ،‬إال يف املحطة الأخ�يرة من الرحلة‪،‬‬ ‫حيث يذكر �شاعر ال�سرية جل��وء بني هالل‬ ‫�إىل قلعة الدفاع الأخ�يرة يف مواجهة الفار�س‬ ‫ال�صغري بركات الذي �أجهز على فر�سان بني‬

‫ليس بوسع شاعر السيرة‬ ‫إال أن يمضي خلف رحلة‬ ‫«خضرة» التي ينبني‬ ‫عليها معمار الهاللية‪..‬‬ ‫فلوال طردها ورحيلها‬ ‫وخلقها لشخصية ابنها‪،‬‬ ‫ما كانت السيرة الهاللية‬

‫ذل��ك لأن �شفرة احلكاية الهاللية تقود �إىل‬ ‫امتالك رحلة خ�ضرة‪ ،‬بعد طردها‪ ،‬لف�ضاء‬ ‫ال�سرد كام ًال‪ ،‬بل متتلك ال�سرد منذ م�شهد‬ ‫«بركة الطري»‪ ،‬ولي�س بو�سع �شاعر ال�سرية �إال‬ ‫�أن مي�ضي خلف خ�ضرة لريبع رحلتها التي‬ ‫تنبني عليها معمار الهاللية‪ ،‬ولوال طرد خ�ضرة‬ ‫ورحيلها وخلقها ل�شخ�صية ابنها‪ ،‬ما كان �شيء‬ ‫مو�سوما بـ‪� :‬سرية بني هالل‪� ،‬أو ال�سرية‬ ‫عقيل ثم فر�سان بني هالل‪ ،‬ومل يبق غري حل الآن‬ ‫ً‬ ‫�أخري �أمام بني هالل و�أحالفهم‪ :‬رزق بن نايل‪ .‬الهاللية‪.‬‬ ‫يكتفي ال�شاعر ال�شعبي عز الدين ن�صر الدين‬ ‫«الذي تعلم فن الرتبيع على جابر �أبو‬ ‫ح�سني» �شفرات ن�سوية منيعة‬ ‫بتنثري معلومة غري تف�صيلية عن رزق ابن نايل‪،‬‬ ‫بعد �أن نكون قد �أدركنا تكون ابن خ�ضرة بط ًال لي�ست الهاللية‪ ،‬يف �أ�سا�سها ال�سردي‪� ،‬سوى‬ ‫ُّ‬ ‫�شفرات ن�سوية منيعة؛ فاخلطاب احلكائي‬ ‫مغوا ًرا‪.‬‬ ‫الن�سوي يقود �شاعر ال�سرية – حت ًما ‪� -‬إىل‬ ‫تربيع رحلة خ�ضرة‪ .‬ويجعلنا ال�شاعر احلاذق‬ ‫�وه��م بدهية الهاللية‬ ‫يف تربيع احل�ك��اي��ة ن�ت� َّ‬ ‫ال��ذك��وري��ة‪ ،‬خل ًقا و�أداء وتلق ًيا‪ ،‬لي�س املربع‬ ‫فح�سب من لدن الأجنا�س ال�شعرية الذي ي�ؤدى‬ ‫به الرجال الهاللية؛ بل الفرادي وامل��وال؛ بل‬ ‫�أك��د يل ال��راوي التون�سي م�صطفى عبيد –‬ ‫عندما طرحت عليه ال�س�ؤال حول م�صادره ‪-‬‬ ‫ب�أنه تلقى ق�ص�ص ال�سرية عن الن�ساء‪ ،‬و�أعاد‬ ‫نظمها بالق�صيد التقليدي ذي احل�س البدوي‪.‬‬ ‫هكذا تتبدى بقوة‪ ،‬يف الأعراف املعرفية ملجال‬ ‫أجنا�سا �شعرية �أبدعها الرجال‬ ‫ال�شعر ال�شعبي‪ً � ،‬‬ ‫و�أداه��ا الرجال‪ ،‬وتناف�س بها �شعراء �شعبيون‬ ‫حمرتفون يف �أداء الهاللية‪ ،‬وتنوعت ‪ -‬عربها‬ ‫ �أداءاتهم املو�سيقية والغنائية؛ �إنها عملية‬‫حمكمة الحتكار رواي��ة الهاللية على ل�سان‬ ‫الرجال‪ ،‬هي نف�سها فر�صة �سانحة الحتكار‬ ‫�أداء ال�سرية يف ل�سان واحد من �شعراء الهاللية‬ ‫«�سيد ال�ضوي»‪ ،‬حيث يروج له ‪ -‬ب�إحكام ‪ -‬ب�أنه‪:‬‬ ‫�آخر �شعراء ال�سرية الهاللية! «هل ترون �صورة‬ ‫للزيف املقنن �أعجب من هذا؟ �أال يدعونا ذلك‬ ‫�إىل الت�شكك يف �ش�ؤون التجارب التي حامت‬ ‫على الهاللية برمتها؟»‪ .‬لكن ال يفوتنا‪ ،‬يف هذا‬ ‫ال�سياق‪ ،‬ما ي�سرده �سيد ال�ضوي حول دور �أمه‬ ‫يف تكوينه �شاع ًرا للهاللية‪ ،‬حيث ي�ضيف عالمة‬ ‫جديدة �إىل عالمات �صالت الهاللية بالن�سوية‬ ‫اخلفية(‪:)5‬‬ ‫«�أمي كانت بتبعتني �أ�سافر مع �أبويا‪ ،‬وملا �أرجع‬


‫قال الراوي‬ ‫‪102‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫تقول يل‪� :‬أبوك قال �إيه النهاردا؟ وتقعد ت�س َّمع‬ ‫يل اللي �أبويا قاله‪ ...‬كانت بت�ضربني لو ما‬ ‫حفظت�ش‪ .‬هي ع��اوزه تن�صحني ع�شان �أبقى‬ ‫�أكرت من �أبويا‪ ...‬وتقول‪� :‬أنا عاوزه العيال دي‬ ‫تطلع نا�صحه‪ .‬كانت �أمي تروح و�سط الن�سوان‬ ‫يف الفرح وت�سمع القول بتاع جابر والقول بتاع‬ ‫�أبويا‪ .‬كانت عارفه ال�سريه كوي�س قوي‪ .‬عارفه‬ ‫كل عتباتها»‪.‬‬

‫ال�شعر مدينة خربانة!‬

‫ثمة رواة يطلقون على اجل��زء م��ن ال�سرية‬ ‫ال�ه�لال�ي��ة «ق �� �ص��ة»‪ ،‬ح�ت��ى يف ح��ال��ة اعتماد‬ ‫ه��ذا اجل��زء على ال�شكل ال�شعري‪ ،‬و�آخ��رون‬ ‫ي�ستخدمون م�صطلح «ق�صيدة»‪ ،‬حتى �إذا مل‬ ‫حتت ِو الرواية على �سطر �شعري واحد‪ ،‬ويقول‬ ‫بع�ضهم �إن ال�سرية الهاللية «مر�سومة على‬ ‫ق�صايد �شعر»‪ ،‬ويقولون � ً‬ ‫أي�ضا‪« :‬ال�شعر مدينه‬ ‫خ��رب��ان��ه» (‪ .)6‬ي�ح��دد عنرت ع��ز ال �ع��رب «ول��د‬ ‫منت�صف ثالثينيات القرن الع�شرين يف قرية‬

‫النخيلة‪ ،‬مركز �أب��وت�ي��ج‪ ،‬حمافظة �أ�سيوط‪.‬‬ ‫ت��ويف ع��ام ‪ ،2002‬م��ن من�ش�أة ه�م��ام مركز‬ ‫ال �ب��داري حمافظة �أ��س�ي��وط» ع��دد الق�صائد‬ ‫بقوله‪«:‬مر�سومة على ت�سعني ق�صيدة»‪ ،‬ويقول‬ ‫� ً‬ ‫أي�ضا‪«:‬كل �إن�سان ليه َل ْهدَه»‪ ،‬بالرغم من �أن‬ ‫عز العرب كان ي�ؤدي الهاللية حك ًيا‪ ،‬رمبا دفع‬ ‫ذلك درا�سات الهاللية �إىل االفرتا�ض ب�أن �أ�صل‬ ‫بناء ال�سرية الهاللية هو ال�شعر‪ ،‬و�أن ال�شعر‬ ‫هو اجلن�س الأدبي الذي وعى ال�سرية قبل �أن‬ ‫يخلع عليه الرواة املتعددون ت�شكيالتهم الفنية‬

‫الهاللية فضاء‬ ‫استراتيجي يتمازج فيه‬ ‫حس النساء الحكائي‬ ‫الخالق للهاللية ولقيمها‬ ‫الرمزية‪ ،‬وحس الرجال‬ ‫الشعري المؤدي لها‪..‬‬ ‫وعبر شفرات حكايات‬ ‫النساء يتنوع أداء الرجال‬

‫اخلا�صة التي امتزج فيها النرث ب�أ�شكال خمتلفة‬ ‫من ال�شعر ال�شعبي‪ .‬لكن �إعادة النظر يف هذا‬ ‫االف�ترا���ض ون�ق��ده ميكننا م��ن ت��أوي��ل مفهوم‬ ‫«الق�صيدة»‪ ،‬يف وعي عز العرب وغريه من رواة‬


‫‪� 3‬أحجار يف جنوب ال�سعودية ي�شاع �أنها كانت لعبة مف�ضلة للهاليل‬

‫الهاللية‪ ،‬على نحو خمتلف يف�سر«الق�صيدة»‬ ‫بو�صفها وحدة �سردية؛ �أي جزء حمدد من منت‬ ‫ال�سرية‪ .‬ويت�صل معنى �أن الهاللية «مر�سومة‬ ‫على ت�سعني ق�صيدة» بتق�سيم امل ��ؤدي لل�سرية‬ ‫�إىل موتيفات تنتظمها يف وحدات حكائية مت ِّكن‬ ‫ذاكرة امل�ؤدي من ا�ستدعائها‪.‬‬ ‫ومثلما يحول ال�شعراء الهاللية عن م�سارات‬ ‫�سردها احلكائي �إىل �أجنا�س �شعرية �شعبية‪،‬‬ ‫تتحول ال �ع��دودة «امل��راث��ي ال�شعبية»‪ ،‬وهي‬ ‫جن�س �شعري ُعرفت الن�ساء ب�إبداعه و�أدائه‪،‬‬ ‫�إىل مربعات �شعرية �أو �أدوار من املوال الذي‬ ‫ُعرف الرجال ب�إبداعه و�أدائه‪ .‬مثل «عديد»‬ ‫دوابة على �أبيها اخلفاجي عامر بن �ضرغام‪،‬‬ ‫وعديد هولة على زوجها راجح و�أوالدها عقل‬ ‫ومعيقل ون�صر الذين قتلهم الزناتي خليفة‪.‬‬ ‫عندما اطلعت – ذات م�ساء من �شهر �أكتوبر‬ ‫‪ - 2012‬على امل��ادة اخل��ام لفيلم ت�سجيلي‬ ‫حول عوامل الهاللية للمخرج تامر عي�سى‪،‬‬ ‫مل �أنده�ش عندما �أخفقت احلكاءة عارفة‬

‫�صورة «رحى» تن�سب للهاليل موجودة يف جنوب ال�سعودية‬

‫أخذ الرجل «الكتابة»‬ ‫واحتكرها لنفسه‪ ،‬وترك‬ ‫للمرأة «الحكي» مما‬ ‫أدى إلى إحكام الرجل‬ ‫السيطرة على الفكر‬ ‫اللغوي والثقافي وعلى‬ ‫كتابة التاريخ من منظوره‬ ‫الذي يرى فيه نفسه‬ ‫صانعاللتاريخ‬ ‫ً‬ ‫عبدالر�سول يف �أداء م�شهد ب��رك��ة الطري‬ ‫باملربع ال�شعري‪ ،‬تقليدً ا لل�شاعر ال�شعبي �سيد‬ ‫ً‬ ‫غام�ضا يف �أدائها‪ .‬يف‬ ‫ال�ضوي‪ .‬يبدو اخللل‬ ‫ت�صوري‪ ،‬ال يكمن اخللل يف �ضمور مهاراتها‬ ‫الأدائية؛ و�إمنا يف انعدام االت�ساق بني ح�سها‬ ‫احلكائي الن�سوي وح�س الرتبيع الرجايل‪.‬‬ ‫حت ًما يختلف الأمر �إن هي اعت�صمت بينابيع‬

‫احلكي يف �أداء ه��ذا امل�شهد‪ .‬بينما ب��رع –‬ ‫يف الفيلم نف�سه ‪ -‬املمثل �سيد رجب يف �أداء‬ ‫م�شهد «مقتل خليفة» باملربعات بامتياز؛ ذلك‬ ‫لأن ح�سه الذكوري ي�ستجيب لإيقاع املربع‬ ‫ال��ذي يبدعه �شعراء الهاللية املحرتفون‪،‬‬ ‫وكلهم ذكور على نحو مطلق‪.‬‬ ‫�إن م �ق��ارب��ات ت ��أوي �ل �ي��ة ج��دي��دة للهاللية‬ ‫متنحنا فر�صة لتحليل الأدوار االجتماعية‬ ‫وال��رم��زي��ة للن�ساء داخ ��ل ن����ص الهاللية‬ ‫وخارجها‪ ،‬واكتناه �صوتهن الذي قاومن به‬ ‫هيمنة الرجال على اللغة‪ .‬هل يقودنا هذا‬ ‫ال�صنف اجلديد من املقاربات �إىل النظر‬ ‫�إىل ف�ضاء ال�سرية بو�صفه ف�ضاء للبطالت‬ ‫وال�شخ�صيات الن�سوية «خ���ض��رة‪� ،‬شمة‪،‬‬ ‫�شيحة‪ ،‬اجل��ازي��ة‪ ،‬الناع�سة‪ ،‬هولة‪ ،‬بازلة‪،‬‬ ‫بثينة‪ ،‬واط �ف��ة‪� ،‬سبيكة‪ ،‬ع��زي��زة‪� ،‬سعدة‪،‬‬ ‫�شمعة‪ ،‬ال�سند�سية‪� ..‬إل��خ»؟ و�إىل افرتا�ض‬ ‫خ�ل��ق امل� ��ر�أة حل �ك��اي��ات ال�ه�لال�ي��ة كخلقها‬ ‫حلكايات �ألف ليلة وليلة «انظرو كم حاول‬


‫قال الراوي‬ ‫‪104‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫رواة ال�سرية على الربابة يف البادية‬

‫حراسا‬ ‫يمثل الرجال‬ ‫ً‬ ‫للسيرة الهاللية ورواة‬ ‫ومؤدين لها على نحو‬ ‫أتاح لهم حرية صوغها‬ ‫في أشكال شعرية‬ ‫تتسمبالفحولة‬ ‫كالمربع والموال‬ ‫والفرادي والقصيد‬ ‫البدويالتقليدي‬ ‫الفكر الديني قمع �ألف ليلة وليلة‪ .‬لي�س الفكر‬ ‫الديني � ً‬ ‫أي�ضا �إال �صنيعة الرجال‪ .‬هكذا دائ ًما‬ ‫نقول‪« :‬رجال الدين»‪ .‬ومل ن ِع ‪ -‬حلظة ‪� -‬أن‬ ‫للدين – يف الأ�صل ‪ -‬ن�سا ْء»؟ �إنني يف‬ ‫احلقيقة �أطرح �س�ؤا ًال مركز ًّيا عليكم‪:‬‬ ‫هل تتذكرون �أمهاتكم؟ وعليكن‪ :‬هل‬ ‫تفعلن جمددًا؟‬

‫مثلما لفت يو�سف «جوزيف» كامبل النظر �إىل‬ ‫�أن الثقافات القدمية عامة «ومنها احل�ضارة‬ ‫امل�صرية القدمية» جعلت الأنثى خالقة للحياة‪،‬‬ ‫وجعلت الذكر خاد ًما للحياة (‪ ،)7‬ف�إننا – باملثل‬ ‫– نق�صد لفت النظر �إىل �أن �سرية بني هالل‬ ‫وبناتها هي حكاية من خلق الن�ساء و�إبداعهن‪،‬‬ ‫كحال «�أل��ف ليلة وليلة»‪ ،‬وحتتل الن�ساء بطولة‬ ‫امل�شاهد املركزية يف �سرية بني هالل على نحو‬ ‫فريد ال نظري له يف الرتاث العربي برمته‪� ،‬إال‬ ‫حرا�سا‬ ‫يف «�ألف ليلة وليلة»‪ ،‬بينما ميثل الرجال ً‬ ‫لل�سرية الهاللية ورواة وم�ؤدين لها‪ ،‬على نحو‬ ‫�أتاح لهم حرية �صوغها يف �أ�شكال �شعرية تت�سم‬ ‫بالفحولة كاملربع وامل��وال والفرادي والق�صيد‬ ‫البدوي التقليدي‪ .‬يذكرنا ذلك بقول عبداحلميد‬ ‫ال�ك��ات��ب‪« :‬خ�ير ال�ك�لام م��ا ك��ان لفظه فح ًال‪،‬‬ ‫ومعناه بك ًرا»‪ ،‬وك�أنه بذلك يعلن – ح�سب تعبري‬ ‫عبداهلل الغذامي ‪ -‬عن ق�سمة ثقافية ي�أخذ فيها‬ ‫الرجل �أخطر ما يف اللغة‪ ،‬وهو «اللفظ»‪ ،‬وللمر�أة‬ ‫«املعنى»‪ ،‬هذه الق�سمة �أف�ضت �إىل ق�سمة �أخرى‬


‫الهوام�ش‬

‫�أخذ فيها الرجل «الكتابة» واحتكرها لنف�سه‪،‬‬ ‫وت��رك للمر�أة «احلكي»‪ ،‬مما �أدى �إىل �إحكام‬ ‫الرجل ال�سيطرة على الفكر اللغوي والثقايف‪،‬‬ ‫وعلى كتابة التاريخ من منظوره الذي يرى فيه‬ ‫نف�سه �صان ًعا للتاريخ (‪.)8‬‬ ‫ل �ق��د � �ص �ي��غ �� �ص ��راع وه �م��ي ب�ي�ن الأ� �ش �ك��ال‬ ‫والأجنا�س ال�شعرية التي �أديت بها الهاللية‪:‬‬ ‫�أيها �أق��دم؟ �أيها �أمكن؟ �أيها �أك�ثر �شرعية‪،‬‬ ‫و�أي �ه��ا �أك �ن��ز ��ش�ع��ري��ة‪ :‬امل��رب��ع �أم امل���وال �أم‬ ‫ال�ف��رادي �أم الق�صيد ال�ب��دوي؟ وف ًقا مل�سار‬ ‫عملي يف الهاللية‪ ،‬ف�إن الإجابة مفارقة لهذه‬ ‫الت�صورات الذهنية امل�صنوعة وامل��روج لها؛‬ ‫حيث �أت�صور الهاللية – يف نهاية املطاف ‪-‬‬ ‫ف�ضاء ا�سرتاتيج ًّيا يتمازج فيه ح�س الن�ساء‬ ‫احلكائي اخلالق للهاللية ولقيمها الرمزية‪،‬‬ ‫وح�س ال��رج��ال ال�شعري امل� ��ؤدي لها‪ .‬وعرب‬ ‫�شفرات حكايات الن�ساء‪ ،‬يتنوع �أداء الرجال‬ ‫ع�ل��ى �أ� �ص �ع��دة رئ�ي���س��ة‪ :‬اجل�ن����س ال�شعري‪،‬‬ ‫املو�سيقى ال�شعبية و�آالتها‪ ،‬املدر�سة الغنائية‪.‬‬

‫إن مقاربات تأويلية‬ ‫جديدة للهاللية تمنحنا‬ ‫فرصة لتحليل األدوار‬ ‫االجتماعيةوالرمزية‬ ‫للنساء داخل نص‬ ‫الهالليةوخارجها‪،‬‬ ‫واكتناه صوتهن الذي‬ ‫قاومن به هيمنة الرجال‬ ‫على اللغة‬ ‫رمبا �سيطر احل�س الذكوري الإن�ساين طوي ًال‬ ‫على مقاليد فنية لي�ست ذك��وري��ة على نحو‬ ‫مطلق‪ ،‬و�آن الأوان ال�ستبطان احل�س الن�سوي‬ ‫العميق يف الإبداع احلكائي وال�شعري ال�شعبي؛‬ ‫لي�ستقيم الكون ب�إيقاع ح�سهما بال متييز‪ .‬وال‬ ‫منا�ص‪ ،‬يف ال�سبيل �إىل ه��ذه الطريق‪ ،‬من‬ ‫�إبداع معارف جديدة‬

‫‪� -1‬أحمد �شم�س الدين احلجاجي‪ ،‬مولد البطل يف‬ ‫ال�سري ال�شعبية‪ ،‬دار الهالل‪ ،‬القاهرة‪� ،1991 ،‬ص ‪.22‬‬ ‫‪� -2‬أحمد مر�سي‪ ،‬مقدمة يف الفولكلور‪ ،‬عني للدرا�سات‬ ‫والبحوث الإن�سانية واالجتماعية‪ ،‬القاهرة‪� ،1995 ،‬ص ‪.211‬‬ ‫‪ -3‬بول زومتور‪ ،‬مدخل �إىل ال�شعر ال�شفاهي‪ ،‬ترجمة‪ :‬وليد‬ ‫اخل�شاب‪ ،‬دار �شرقيات‪ ،‬القاهرة‪� ،1999 ،‬ص ‪.87 ،86‬‬ ‫‪ -4‬يف املعتقد ال�شعبي ذي ال�صلة بالهاللية؛ كلما ُذ ِك َر‬ ‫«اخل�ضر»‪ ،‬ف�إن املُ َذ ِّكر واملذ َّكر �إليه يقوالن‪� :‬سالم ورحمة‬ ‫اهلل وبركاته‪ .‬فاخل�ضر هو املذ َّكر عنه ال��ذي يتجلى يف‬ ‫زمكان الذكر وبني ح�ضوره‪ .‬وقد ظهر قطب الرجال يف‬ ‫م�شهدين من رحلة خ�ضرة‪ .‬الأول يف مرا�سم حتديد ما يقدر‬ ‫خل�ضرة من حق يف املال «= الإبل»‪ ،‬حيث برز اخل�ضر فيها‬ ‫يف بداية ال�سرية ليدافع عن خ�ضرة‪ ،‬فقد قرر «ال�سلطان‬ ‫�سرحان» �أن يعطى خ�ضرة م�ؤخر �صداقها كل ما ت�صل‬ ‫�إليه �ضربة حربة يف املراعى‪ .‬فكان على واحد منهم �أن‬ ‫يرقى باحلربة‪ ،‬فجاء رجل عجوز �أطلق عليه بع�ض �شعراء‬ ‫ال�سرية ا�سم «قطب العمامي»‪ ،‬والبع�ض الآخر ا�سم «قطب‬ ‫الرجال»‪ ،‬وهو �سيد �أو عم‪ ،‬يجيئ يف �صورة رجل عجوز‪� ،‬أو‬ ‫دروي�ش‪� ،‬أو رجل كهل من قبل اهلل‪ .‬طلب �سرحان من جناح‬ ‫عبد رزق ووالد �أبو القم�صان �أن يعطيه الدبو�س «احلربة»‬ ‫لريميها يف الق�ضاء والرحب ف�أعطاه الدبو�س فرماه فق�سم‬ ‫مال رزق ومال ال�سلطان �سرحان‪ .‬وفى طريق خ�ضرة بعيدًا‬ ‫عن �أر�ض هالل قابلها قاطع طريق �أوقفها لي�سرق الأموال‬ ‫ويغت�صبها‪ ،‬فجاءها اخل�ضر يف �صورة �سبع قادم من اخلال‬ ‫�شتت الأعداء و�أم�سك بالطفل ليباركه فالطفل حني خرج‬ ‫مطرودًا من �أهله مل يكن قد �سمى ف�سماه بركات و�أعطاه‬ ‫�سرة و�أخربها �أنه �إذا �أ�صابه �ضيق يف حرب �سينفعه فهو‬ ‫«حمزم من اخل�ضر»‪ .‬ومل يتوقف اخل�ضر عن احل�ضور لأبى‬ ‫زيد لينقذه من مواقف �شتى حتى مطلع التغريبة‪.‬‬ ‫‪ -5‬من ح��وار لـ ع�لاء خالد مع ال�شاعر ال�شعبي �سيد‬ ‫ال�ضوي‪� ،‬أمكنة «القاهرة»‪.‬‬ ‫‪« -6‬ال�شعر مدينة خربانة»‪ .‬ال يت�سع املقام هنا ل�سوق‬ ‫احتماالت ما تنطوي عليه هذه املقولة الرمزية‪ ،‬نحو ًّيا‬ ‫وبالغ ًّيا‪ ،‬من دالالت‪ ،‬يكفينا �أن نركز على داللة واحدة‬ ‫نعرفها‪ ،‬وهي �أن عملية �إعمار مدينة ال�شعر بالبني الفنية‬ ‫تظل فع ًال ال ينقطع‪ ،‬وال نتوقع له حدًّا �أو نهاية‪ .‬وبالقدر‬ ‫نف�سه تكون عملية هدمها‪ ،‬فلي�س ثمة بناء �شعري ال يقبل‬ ‫الهدم‪ ،‬والبناء من جديد‪ ،‬والهدم مرة �أخرى‪� ..‬إلخ؛ ذلك‬ ‫لأن الن�ص ال�شفهي ال يوجد �إال عندما يكون يف طريقه �إىل‬ ‫الزوال‪ .‬ولكي ن�ستطيع ا�ستيعاب هذه الفكرة جيدًا‪ ،‬علينا‬ ‫�أن نت�أمل يف طبيعة ال�صوت ال�شفهي نف�سه‪ ،‬من حيث هو‬ ‫�صوت‪ ،‬حيث �إن لل�صوت عالقة خا�صة بالزمن‪ ،‬تختلف عن‬ ‫تلك التي للحقول الأخرى يف جمال الإح�سا�سات الإن�سانية‪.‬‬ ‫فاللحظة التي يت�شكل فيها ال�صوت‪ ،‬هي نف�سها اللحظة التي‬ ‫يتال�شى فيها ويزول‪ .‬فعندما تنطق كلمة «م�أثور»‪ ،‬ف�إنه يف‬ ‫الوقت الذي ت�صل فيه �إىل نطق املقطع «ثور»‪ ،‬يكون املقطع‬ ‫«م�أ» قد اختفى‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫�أ‪ -‬حممد ح�سن عبد احل��اف��ظ‪ ،‬ال�شعر مدينة خربانة‪،‬‬ ‫ال�سرية ال�شعبية وق�ضايا النوع الأدب��ي ال�شعبي‪ ،‬الفنون‬ ‫ال�شعبية «القاهرة»‪ ،‬العدد ‪ ،63 | 62‬يناير – يونيه ‪.2003‬‬ ‫ب‪ -‬والرت ج‪� .‬أوجن‪ ،‬ال�شفاهية والكتابية‪ ،‬ترجمة‪ :‬ح�سن‬ ‫البنا عز الدين‪ ،‬مراجعة‪ :‬حممد ع�صفور‪ ،‬عامل املعرفة‬ ‫«الكويت»‪ ،‬العدد ‪ ،182‬فرباير «�شباط»‪� ،‬ص ‪.90‬‬ ‫‪ -7‬راج��ع‪ :‬حممد ح�سن عبد احلافظ «حم��ر ًرا»‪ ،‬امل��ر�أة‬ ‫امل�صرية وم�آزق الفعل ال�سيا�سي يف م�صر‪ ،‬مركز ق�ضايا‬ ‫املر�أة امل�صرية‪ ،‬القاهرة‪.1998 ،‬‬ ‫‪ -8‬عبداهلل حممد الغذامي‪ ،‬املر�أة واللغة‪ ،‬املركز الثقايف‬ ‫العربي‪ ،‬الدار البي�ضاء‪ ،‬الطبعة الثالثة‪� ،2006 ،‬ص ‪.7‬‬


‫حكايات من الذاكرة‬ ‫‪106‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫مبّصر‬ ‫عمار الشريعي ‪ ..‬قلب ُ‬ ‫القاهر ‪ -‬ه�شام علي‬ ‫�أول مرة التقيت فيها املو�سيقار الراحل عمار ال�شريعي كان يف مكتب ممدوح الليثي‪ ،‬عندما‬ ‫كان رئي�ساً لقطاع الإنتاج يف التليفزيون امل�صري �آن��ذاك‪ ،‬حتديداً �أي��ام ت�صوير م�سل�سل ر�أفت‬ ‫الهجان‪ ،‬الذي و�ضع له عمار املو�سيقى الت�صويرية‪� ،‬أكرث ما لفت نظري يف هذا اللقاء العابر‬ ‫حر�ص ال�شريعي على االن�صراف باكراً حتى يلحق مب�شاهدة مباراة للأهلي قبل �أن تبد�أ‪ ،‬و�إذا‬ ‫كان عمار �أهالوياً متطرفاً فعلى املقابل كان �سيد مكاوي زملكاوياً متع�صباً‪ ،‬لكن على ما يبدو‬ ‫�أن الزمالك يف �آخر �أيام مكاوي �أحبطه لدرجة �أن �صحفياً �س�أله مرة‪�« ،‬إمتى الزمالك هياخد‬ ‫الدوري يا�شيخ �سيد؟»‪ ،‬رد بعفوية «ملا �أ�شوف» ‪.‬‬ ‫�أعرتف ب�أنني مل �أكن من الدائرة املق ّربة‬ ‫من املو�سيقار عمار ال�شريعي‪ ،‬لكن على‬ ‫املقابل كنت من املحبني ل��ه‪ ،‬من الذين‬ ‫ي�ستمتعون ب ��أحل��ان��ه وي�ت��اب�ع��ون �أخ �ب��اره‬ ‫ويجل�سون �أمام برناجمه «غوا�ص يف بحر‬ ‫النغم»‪ ،‬جل�سة التلميذ �أمام �أ�ستاذ ينهل‬ ‫م��ن علمه وث�ق��اف�ت��ه املو�سيقية بطريقة‬ ‫مب�سطة ال تخلوا من الطرائف والنكتة‬ ‫وال�ع�ب��ارات احل�صرية «ال�شريعية»‪ ،‬من‬ ‫نوعية «يا فتوة»‪ ،‬وهو ميدح مطرب يرتفع‬ ‫بطبقات ��ص��وت��ه �أو ي�ت�لاع��ب باملقامات‬ ‫املو�سيقية‪.‬‬ ‫و�إذا كان احلظ مل مينحنِي فر�صة التقرب‬ ‫علي ب�أن �أكون قريب ًا من‬ ‫منه فهو مل يبخل ّ‬ ‫بع�ض �أ�صدقائه‪ ،‬الذين يحملون حكاياته‬ ‫وطرائفه و�أقواله‪ ،‬التي �أ�صبحت «ماركة‬ ‫م�سجلة» با�سمه يف كتب ظرفاء الع�صر‪،‬‬ ‫ُيحكى �أن �سيدة ذهبت �إليه يف بيته بحث ًا‬ ‫عن فر�صة فنية يف عامل الغناء‪ ،‬بعد �أن‬ ‫�أق�ن�ع��وه��ا �أن حل�ن� ًا واح� ��د ًا م�ن��ه �سيكون‬ ‫اع�تراف � ًا مبوهبتها و«ك ��ارت» دخ��ول �إىل‬ ‫عامل ال�شهرة واملجد الفني‪ ،‬ا�ستقبلها وهو‬

‫ال يعلم �أن زوجها يغري عليها جد ًا‪ ،‬مل متر‬ ‫دقائق �إال وح�ضر الزوج ون�شبت بينه وبني‬ ‫زوج�ت��ه م�شاجرة عنيفة و�صلت �إىل حد‬ ‫الت�شابك بالأيدي ب�سبب ارتدائها ف�ستان ًا‬ ‫متحرر ًا يك�شف بع� ًضا من مفاتنها‪ ،‬و�سط‬ ‫امل�شاجرة �سمع ال��زوج عمار يقول له «يا‬ ‫عم �إذا كنت زعالن على الف�ستان هو �أنا‬ ‫�شايف حاجة»‪� ،‬سقط الزوج من ال�ضحك‬ ‫على الأر�ض وانتهت الأزمة ب�سالم‪.‬‬ ‫ومبنا�سبة «�شايف حاجة دي‪� ،‬أن��ا �أ�شك‬ ‫ك �ث�ير ًا يف �أن ��ه ��ش��اي��ف �أح �� �س��ن م��ن ‪100‬‬ ‫مفتِّح»‪� ،‬أح��د �أ�صدقائي املقربني �أ�سعده‬ ‫احلظ مب�شاهدة مباراة للأهلي والزمالك‬ ‫ب�صحبة ال���ش��ري�ع��ي‪ ،‬ب��داي��ة ال�صدمات‬ ‫ب��د�أت عندما رف�ض �أن يجل�سه على �أحد‬ ‫املقاعد املواجهة للتليفزيون‪ ،‬لأنه ح�سب‬ ‫تعبريه ي�سرتيح فيه �أك�ثر عند م�شاهدة‬ ‫املباريات‪« ،‬ما�شي يجوز العملية مرتبطة‬ ‫بالتفا�ؤل والت�شا�ؤم»‪ ،‬بعد فرتة من �سري‬ ‫امل �ب��اراة وج��د انفعاالته م��ع امل �ب��اراة غري‬ ‫طبيعية ل��درج��ة حت��ري��ك ق��دم��ه ور�أ� �س��ه‬ ‫عند الهجمات اخل�ط��رة لهجوم الأهلي‬

‫ع�ل��ى م��رم��ى ال �ف��ري��ق اخل �� �ص��م‪ ،‬ده غري‬ ‫اعرتا�ضاته على احلكم واتهامه له بعدم‬ ‫احت�ساب �ضربة جزاء �أو تغا�ضيه عن �أن‬ ‫الكرة جت��اوزت اخلط وك��ان الزم يح�سب‬ ‫�ضربة ركنيه‪� ،‬أو نقده لأداء العب معينّ‬ ‫خالل املباراة وانفعاله على املدرب ب�سبب‬ ‫ت�أخري ا�ستبداله بالعب �آخر �أكرث جاهزية‬ ‫للمباراة‪� ،‬صديقي �أق�سم يل ب�أنه خالل‬ ‫امل�ب��اراة ب��د�أ ي�ساوره ال�شك يف �أن عمار‬ ‫لي�س كفيف ًا‪ ،‬وزادت �شكوكه بعد انتهاء‬ ‫امل �ب��اراة ع�ن��دم��ا ت��رك��ه وات���ص��ل ب�صالح‬ ‫ال�سعدين يناق�شه يف �سري املباراة‪ ،‬وميدح‬ ‫له ت�صويبة �أبو تريكة عند �إحرازه الهدف‬ ‫الثاين‪ ،‬وينتقد ميوعة عماد متعب وت�أخره‬ ‫يف �إر�سال الكرة جلدو املنفرد‪.‬‬ ‫��ص�ح�ي��ح ع �ب��د ال ��وه ��اب ق ��ال ع��ن ع�م��ار‬ ‫ال�شريعي‪� :‬إن كل حلن جديد له عبارة عن‬ ‫ر�سالة يقول لنا من خاللها �إنه موجود على‬ ‫ال�ساحة‪ ،‬حتي ننتبه �أن بيننا ملحن ًا كبري ًا‪،‬‬ ‫ل�ك��ن ع�ل��ى امل�ق��اب��ل ك��ان��ت بينهما عالقة‬ ‫�إن�سانية ّ‬ ‫خل�صها عمار يف تو�صيف ب�سيط‪:‬‬ ‫�إن عبد الوهاب «كبرينا يف ال�شغالنة»‪،‬‬


‫ياه على املعني!!‪ .‬عموم ًا �أحد الطموحني‬ ‫للغناء ذهب �إيل عمار حتي يتبناه «فني ًا»‬ ‫ويقدمه للجمهور‪ ،‬مل ي�صده يف البداية‪،‬‬ ‫وطلب منه �أن يغني �أم��ام��ه‪ ،‬مبجرد �أن‬ ‫بد�أ يف الغناء طلب منه �أن ي�صمت فور ًا‪،‬‬ ‫و�س�أله ع��ن درا�سته �أخ�ب�ره ب��أن��ه يدر�س‬ ‫الهند�سة‪ ،‬من دون �أي دبلوما�سية �صارحه‬ ‫باحلقيقة �أن �صوته ال ي�صلح للغناء‪،‬‬ ‫فالأف�ضل له �أن يتفرغ لدرا�سة الهند�سة‬ ‫وي�صبح مهند� ًسا ناجح ًا �أف�ضل كثري ًا من‬ ‫مطرب فا�شل‪ ،‬مل يقتنع ال�شاب بن�صيحته‬ ‫وخرج من عنده منهار ًا‪ ،‬وتتحول الق�صة‬ ‫�إىل م�أ�ساة بعدما حاول ال�شاب االنتحار‪،‬‬ ‫و�أنقذته عائلته يف �آخر حلظة‪.‬‬ ‫ق�صة انتحار ال�شاب دفعت بال�شريعي �إىل‬ ‫دائ��رة اكتئاب مل يخرجه منها �إال عبد‬ ‫الوهاب بعد �أن عرف بق�صة ال�شاب حني‬ ‫ات�صل به وحدد له موعد ًا‪ ،‬والتقاه وطلب‬ ‫منه �أن يغني �أم��ام��ه وظ��ل عبد الوهاب‬ ‫ي�شجعه ويقول ل��ه‪«:‬اهلل ‪ -‬اهلل‪ ،‬كمان يا‬ ‫�سيدي والنبي كمان»‪ ،‬وخرج ال�شاب من‬ ‫بيت عبد ال��وه��اب ط��ائ��ر ًا م��ن الفرحة‪،‬‬ ‫بعدها ات�صل عبد ال��وه��اب بال�شريعي‬ ‫يعاتبه قائ ًال له‪ :‬يعني كنت هتخ�سر �إيه‬ ‫ملا تقوله‪� ،‬صوتك حلو �أهو خرج من عندي‬ ‫�سعيد‪ ،‬وكمان دعا يل دعوتني حلوين‪.‬‬ ‫ال ميكن ان يتم احلكي عن عمار ال�شريعي‬ ‫وخ�ف��ة ظله �إال ب��امل��رور يف الطريق على‬ ‫�شريكه يف املوهبة والعبقرية والب�صرية‬ ‫وخ�ف��ة ال�ظ��ل �سيد م �ك��اوي‪ ،‬ال��ذي وجهه‬ ‫�إىل �آل��ة «الأورج»‪ ،‬بعد �أن ك��ان ع��ازف� ًا‬ ‫ل�ل��أك��وردي��ون‪ ،‬يف ال �ف��رق��ة امل��ا� �س �ي��ة‪ ،‬يف‬ ‫�إحدى احلفالت جل�س عمار و�سيد مكاوي‬ ‫بعيدين عن بع�ض‪� ،‬أحد املتطفلني ذهب‬ ‫�إىل ال�شيخ �سيد ي�س�أله �أنت جال�س بعيد‬ ‫عن عمار ليه يا �شيخ �سيد‪ ،‬رد بتلقائية‪:‬‬ ‫�أ�صلي م�ش عايز �أ�شوف و�شه!‪.‬‬ ‫وتلقائية �سيد مكاوي يف ال�سخرية مل ي�سلم‬ ‫منها �أح��د حتى �أم كلثوم‪ ،‬التي عر�ضت‬ ‫عليه �أن تفرط له عنب ًا بعد الغداء‪ ،‬رد يف‬ ‫حما�س «فرطيللي يف عر�ضك يا�ست!!»‪،‬‬

‫�أحد �أ�صدقائي املقربني من ال�شيخ �سيد‬ ‫وال��ذي �أ��س�ع��ده احل��ظ يف �أن يرافقه يف‬ ‫�سهرة �صهللة فنية‪ ،‬يحكي لنا �أن لل�شيخ‬ ‫�سيد ط�ق��و��س� ًا يف م�ث��ل ه��ذه ال���س�ه��رات‪،‬‬ ‫�أ ّول مرة يريد �أن يذهب �إىل دورة املياه‬ ‫يرافقه �أحد املوجودين حتى يحفظ مكان‬ ‫دورة امل �ي��اه وي��ذه��ب بعدها بنف�سه‪ ،‬يف‬ ‫إ�ح��دى امل��رات وهو عائد قدمه ارتطمت‬ ‫ب�أحد املقاعد فكاد ي�سقط على الأر�ض‪،‬‬ ‫ولكنه متالك نف�سه وقال‪�« :‬إيه يا جدعان‬ ‫هو احنا اتعامينا تاين وال ايه؟»‪ ،‬ي�شرتك‬ ‫ع �م��ار م��ع ال���ش�ي��خ حم���س��ن ال�شخ�صية‬ ‫احلقيقية التي قدمها حممود عبد العزيز‬ ‫يف فيلم «الكيت كات» يف رف�ض االعرتاف‬ ‫ب�أنهم من فاقدي الب�صر‪ ،‬ال�شيخ حم�سن‬ ‫ك ��ان ي �ق��ود ال�ع�ج�ل��ة يف ح� ��واري منطقة‬ ‫«الكيت ك��ات» و�أل�ق��ى ميني الطالق على‬ ‫زوجته لأنها قامت برتكيب ازرار قمي�صه‬ ‫باملقلوب‪ ،‬رف�ض �أن تتعامل معه على �أنه‬ ‫�أعمى‪ ،‬عمار �أي� ًضا ـ رف�ض دائم ًاـ ح�سب‬

‫رواي��ات �أ�صدقائه االع�تراف بحكاية �أنه‬ ‫�أعمى‪ ،‬كان يقود ال�سيارة ويهوى ال�سباحة‪،‬‬ ‫ويلعب الكرة وهو �صغري يف املنيا‪ ،‬ويهرب‬ ‫من املدر�سة للذهاب �إىل ال�سينما‪� ،‬سمعته‬ ‫مرة يحكي �أن بعد �أول عملية قلب مفتوح‬ ‫قام بها تنفيذ ًا لتعليمات الطبيب املعالج‬ ‫بد�أ يف ممار�سة بع�ض التمارين الريا�ضية‬ ‫ومنها ال�سباحة‪.‬‬ ‫ويف �إح��دى امل��رات وه��و يف البحر‪� ،‬سمع‬ ‫�شخ� ًصا ي�صيح ب��أع�ل��ى �صوته عليه ‪..‬‬ ‫ي��ا ا�� �س� �ت ��ااااااذ ع �م��ار‪« ،‬ح �� �س��ب و��ص��ف‬ ‫ع �م��ار»‪� ،‬شعرت بالرعب واخل ��وف وب��د�أ‬ ‫ي���س��اورين ال�شك يف �أن مركب ًا �أو لن�ش ًا‬ ‫�سوف ي�صدمني وقفت يف مكاين انتظر‬ ‫م�صريي‪ ،‬حتى اقرتب مني هذا ال�شخ�ص‬ ‫وفوجئت ب��ه يقول يل‪� :‬أن��ا بكتب �أغ��اين‬ ‫وك��ان نف�سي �أ�سمعك �أ�شعاري‪� ،‬أم�سكت‬ ‫بيه و�أخ ��ذت �أ��ض��رب��ه‪ ،‬بعد �أن �سبب يل‬ ‫حالة من الفزع‬


‫مجلس العلوم‬ ‫‪108‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبر ا ير‬ ‫‪2013‬‬

‫ّ‬ ‫ينظمها جني وراثي‬

‫الحركة الرابعة‪..‬‬ ‫سر ّ تفوق الخيول العربية األصيلة‬

‫�إعداد ‪ -‬جورج فهيم‬ ‫لغز تفوق اخليول العربية الأ�صيلة ح�سمته الأبحاث العلمية التي �أجريت يف عدد من اجلامعات ومراكز‬ ‫الأبحاث‪ ،‬بعد �أن ثبت �أن اخليول العربية الأ�صيلة لديها تركيب جيني خا�ص يتيح لها �أنواعاً من احلركة ال‬ ‫تتوافر لغريها من �سالالت اخليول‪ .‬كل اخليول ت�ستطيع �أن مت�شي وجتري وتعدو وتهرول وت�صهل‪ ،‬ولكن‬ ‫ما الذي يجعل �ساللة متفوقة على �أخرى‪ ،‬وما الذي يجعل جواداً يفوز يف ال�سباق بينما تخ�سر الأخرى‪ ،‬وملاذا‬ ‫تباع بع�ض اجلياد مباليني الدوالرات يف الوقت الذي ال يزيد �سعر البع�ض الآخر عن ب�ضع مئات؟‬


‫من �أج��ل الو�صول �إىل �إجابات مقنعة لهذه‬ ‫الأ�سئلة امل�ح�يرة ق��ام الباحثون يف جامعة‬ ‫«اب �� �س��اال» «‪ »Uppsala‬ب��ال���س��وي��د ب��درا��س��ة‬ ‫خريطة الرتكيب اجليني لنحو ‪ 70‬نوع ًا من‬ ‫اجلياد‪ ،‬واكت�شف العلماء �أن اجلياد املنحدرة‬ ‫من �أ�صول عربية ت�ستطيع ممار�سة �أنواع من‬ ‫احلركة تعجز الأن��واع الأخ��رى املنحدرة من‬ ‫�أ�صول غري عربية عن ممار�ستها لأنها غري‬ ‫م�ؤهلة لها‪.‬‬

‫نوع رابع من احلركة‬

‫وف�ق��ا لنتائج ال��درا��س��ة املن�شورة يف دوري��ة‬ ‫«نات�شر» «‪ »Nature‬ف�إن اخليول ب�صفة عامة‬ ‫ت�ستطيع ممار�سة ثالثة �أنواع من احلركة هي‬ ‫امل�شي «‪ »Walking‬والهرولة «‪»Trotting‬‬ ‫والعدو «‪.»Galloping‬‬ ‫ولكن فريق البحث اكت�شف نوع ًا رابع ًا من‬ ‫احلركة هو الرك�ض «‪ ،»PACING‬ويف هذا‬ ‫النوع من احلركة‪ ،‬الذي ال يتوافر �إال للخيول‬ ‫املنحدرة م��ن �أ��ص��ول عربية‪ ،‬يقوم اجل��واد‬ ‫بتحريك القدم اليمنى الأمامية مع القدم‬ ‫اليمنى اخللفية وال�ق��دم الي�سرى الأمامية‬ ‫مع القدم الي�سرى اخللفية‪� ،‬أو بعبارة �أدق‬ ‫حتريك القدمني على كل جانب يف الوقت‬ ‫نف�سه‪ ،‬وه��و ما يختلف عن العدو التقليدي‬ ‫ال��ذي تتحرك فيه القدم اليمنى الأمامية‬ ‫مع القدم الي�سرى اخللفية‪ ،‬والقدم الي�سرى‬ ‫الأمامية مع القدم اليمنى اخللفية‪.‬‬ ‫وي�ق��ول الربوفي�سور الي��ف �أن��در� �س��ون ال��ذي‬ ‫�أ��ش��رف على ال��درا��س��ة �إن خا�صية احلركة‬ ‫الإ� �ض��اف �ي��ة ت��واف��رت ل�ن�ح��و ‪�� 40‬س�لال��ة من‬ ‫�سالالت اخليول التي �شملتها الدرا�سة‪ ،‬فيما‬ ‫مل يحالف احلظ نحو �أربعني �ساللة �أخرى‪،‬‬ ‫لتحديد اجلني امل�س�ؤول عن ق��درات احلركة‬ ‫مل تتوافر لها هذه اخلا�صية الإ�ضافية‪.‬‬ ‫ويو�ضح الربوفي�سور �أندر�سون �أن خا�صية الإ�ضافية والذي يحمل ا�سم «‪.»DMRT3‬‬ ‫احلركة الإ�ضافية نابعة من حتور جيني واحد وت��و��ض��ح ال�بروف�ي���س��ورة اي�ل�ي��ان��ا او��س�ت��ان��در‬ ‫يتيح للخيول التي حتتوي جيناتها على هذا‬ ‫التحور نطاق ًا وا�سع ًا من �أنواع احلركة‪.‬‬ ‫الخيول العربية األصيلة‬ ‫وي�ؤكد �أندر�سون �أن فريق البحث اعتمد على لديها تركيب جيني خاص‬ ‫قواعد بيانات تف�صيلية للخيول لدى‬ ‫كربيات يتيح لها نوع ًا رابع ًا من‬ ‫الإ�سطبالت العاملية ومربي ومدربي اخليول‬

‫الحركة ال يتوافر لغيرها‬ ‫من سالالت الخيول‬

‫املتخ�ص�صة يف درا�سة اجلينات احليوانية يف‬ ‫املعهد الوطني للأبحاث اجلينية بالواليات‬ ‫امل�ت�ح��دة الأم��ري�ك�ي��ة وع�ضو ف��ري��ق البحث‪،‬‬ ‫�أن العلماء قاموا بدرا�سة العالقة بني هذا‬ ‫التحور اجليني وقدرات احلركة الإ�ضافية يف‬ ‫الفئران �أو ًال‪ ،‬واكت�شفوا �أن الفئران التي لي�س‬ ‫لديها ن�سخة فعالة من هذا اجلني‪ ،‬غري قادرة‬ ‫على تن�سيق حركة �أرجلها الأمامية واخللفية‪.‬‬


‫مجلس العلوم‬ ‫‪110‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبر ا ير‬ ‫‪2013‬‬

‫وتو�ضح ايليانا �أن اجلني امل�س�ؤول عن تن�سيق‬ ‫ح��رك��ة الأرج ��ل الأم��ام�ي��ة واخللفية موجود‬ ‫يف احلبل ال�شوكي‪ ،‬ويتحكم يف الأع�صاب‬ ‫امل�س�ؤولة عن احلركة‪ ،‬مما يفتح �آفاق ًا وا�سعة‬ ‫�أمام تطوير عالجات لأمرا�ض احلركة لدى‬ ‫الإن�سان �أي�ض ًا‪.‬‬ ‫وت�ضيف ايليانا �أن التحور اجليني املذكور‬ ‫ي�ؤدي �إىل �إلغاء عمل نحو ثلث الربوتني امل�شفر‬ ‫يف اجلني‪ ،‬وهو ما يعني �أن تنظيم احلركة مل‬ ‫يعد مقيد ًا‪.‬‬ ‫خ�صالت �شعر اجلياد تك�شف اجتاه احلركة‬ ‫اللغز الذي �أماط الباحثون ال�سويديون اللثام‬ ‫عنه‪ ،‬لي�س بعيد ًا عن لغز جيني �آخ��ر متكن‬ ‫العلماء الإيرلنديون من فك �شفرته‪ ،‬وحتديد‬ ‫�صفات التفوق اجليني يف اخليول‪ ،‬ولكن هذه‬ ‫املرة من خالل خ�صالت �شعر اجلياد‪.‬‬ ‫ويقول الربوفي�سور ج��اك م�يري من جامعة‬ ‫"ليميريك" «‪� »limerick‬إنه تو�صل مب�ساعدة‬ ‫زميله الربوفي�سور �سيان �أرك�ن��ز �إىل وجود‬

‫عالقة ب�ين اجت��اه من��و خ�صالت ال�شعر يف‬ ‫ر�أ� ��س اجل�ي��اد وب�ين اجت��اه احل��رك��ة املف�ضل‬ ‫لديها‪.‬‬ ‫و�أو�ضح جاك الذي قام بت�صنيف ‪ 219‬نوعاً‬ ‫من �أنواع اجلياد �أن خ�صالت ال�شعر يف ر�أ�س‬ ‫اجل�ي��اد التي تنمو يف اجت��اه حركة عقارب‬ ‫ال�ساعة ت�شري �إىل �أن اجلياد تف�ضل اجتاه‬ ‫احل��رك��ة �إىل اليمني‪ ،‬فيما ت�شري خ�صالت‬ ‫ال�شعر يف ر�أ���س اجلياد التي تنمو يف اجتاه‬ ‫عك�سي حلركة عقارب ال�ساعة �إىل �أن اجلياد‬ ‫تف�ضل اجتاه احلركة �إىل الي�سار‪.‬‬ ‫و�أ�شار جاك �إىل �أن عملية الت�صنيف اعتمدت‬ ‫على ا�ستطالع �آراء الفر�سان واالختبارات‬

‫جين «تنسيق الحركة»‬ ‫المكتشف لدى الخيول‬ ‫العربية األصيلة يفتح‬ ‫آفاق ًا أمام تطوير عالجات‬ ‫ألمراض الحركة لدى‬ ‫اإلنسان أيض ًا‬

‫امليدانية‪ ،‬مثل �أي قدم يبد�أ بها اجلواد عندما‬ ‫يهم باحلركة‪ ،‬ويف �أي اجت��اه ي��دور عندما‬ ‫تعرت�ض عقبة طريقه‪.‬‬ ‫ويو�ضح جاك �أن خ�صالت ال�شعر كانت تنمو‬ ‫يف عك�س اجتاه حركة عقارب ال�ساعة لدى‬ ‫‪ 74‬ج��واد ًا من بني ‪ 104‬جياد ي�سارية القدم‬ ‫بن�سبة ‪ ،% 75‬فيما كانت خ�صالت ال�شعر‬ ‫تنمو يف اجتاه عقارب ال�ساعة لدى ‪ 64‬جواد ًا‬ ‫من بني ‪ 95‬جواد ًا ميينية القدم بن�سبة ‪.% 67‬‬ ‫وي�ؤكد جاك �أن فهم العالقة بني اجت��اه منو‬ ‫ال�شعر وبني تف�ضيالت اجتاه احلركة مفتاح‬ ‫مهم لعمل الفر�سان ومربي ومدربي اخليول‪،‬‬ ‫م���ش�ير ًا �إىل �أن حت��دي��د تف�ضيالت اجت��اه‬ ‫احل��رك��ة للجياد ي�صنع احل��د الفا�صل بني‬ ‫املك�سب واخل�سارة يف ال�سباقات‪ ،‬وعلى �سبيل‬ ‫املثال �إذا كان اجل��واد يف�ضل اجتاه احلركة‬ ‫�إىل الي�سار‪ ،‬ف ��إن فر�صته يف الفوز �ستكون‬ ‫�أف�ضل ل��و ك��ان يقف يف �أق�صى الي�سار من‬ ‫م�ضمار �سباق يلتف ي�سار ًا عن فر�صته يف‬


‫دوره��ا ال يتجاوز ن�سبة ‪ ،% 8.5‬فيما ت�شكل‬ ‫عوامل البيئة والتدريب والنظام الغذائي‬ ‫وم �ه��ارات ال�ف��ار���س ن�سبة ‪ 91.5‬م��ن فر�ص‬ ‫الفوز يف ال�سباق‪ ،‬وفق ًا لدرا�سة دور اجلينات‬ ‫يف الفوز يف �سباقات اخليول �أجرتها جامعة‬ ‫"�أدنربة" اال�سكتلندية‪.‬‬ ‫ويقول الربوفي�سور الي�ستار ويل�سون الذي‬ ‫�أ�شرف على الدرا�سة‪� :‬إن ن�سبة ‪ % 8.5‬قد‬ ‫تبدو �ضئيلة ج��د ًا م��ن وجهة نظر البع�ض‪،‬‬ ‫ولكنها يف الواقع العملي ت�صنع احلد الفا�صل‬ ‫بني املك�سب واخل�سارة‪� ،‬أخذ ًا يف االعتبار �أن‬

‫ال�ف��وز �إذا ك��ان يقف يف �أق�صى اليمني من‬ ‫م�ضمار �سباق يلتف ميين ًا‪.‬‬ ‫ويو�ضح ج��اك �أن نتائج التجارب امليدانية‬ ‫التي �أج��راه��ا مع العديد من مربي اخليول‬ ‫�أثبتت �أن ت�أثري و�ضع اجلواد يف م�ضمار �سباق‬ ‫عك�سي الجت��اه تف�ضيل احلركة لديه يعادل‬ ‫يف ت�أثريه ت�أثري زيادة وزن اجلواد مبا يعادل‬ ‫ع�شرة كيلوجرامات‪ ،‬م� ً‬ ‫شريا �إىل �أن منط منو‬ ‫ال�شعر وامليول احلركية للخيول تعك�س تبايناً‬ ‫يف تطور املخ ويتحكم فيها جني واحد‪.‬‬ ‫ويلفت جاك �إىل �أن تف�ضيالت امليول احلركية‬ ‫م��وج��ودة ل��دى جميع ال�ف�ق��اري��ات ب ��دء ًا من‬ ‫ال�سمك ومرور ًا بالطيور وانتهاء بالثدييات‪،‬‬ ‫ولكن �شدة التف�ضيل تختلف من نوع �إىل �آخر‪ .‬فهم العالقة بين‬

‫اتجاه نمو الشعر وبين‬ ‫دور اجلينات يف الفوز‬ ‫تفضيالت اتجاه الحركة‬ ‫يف �سباقات اخليول‬ ‫مفتاح مهم قد يصنع‬ ‫اجلينات‬ ‫تلعبها‬ ‫التي‬ ‫رغم الأهمية ال�شديدة‬ ‫الحد الفاصل بين‬ ‫يف حتديد فر�ص الفوز يف ال�سباقات �إال �أن‬ ‫المكسب والخسارة في‬ ‫السباقات‬

‫الأرقام القيا�سية العاملية تتحطم بفارق جزء‬ ‫من الثانية‪.‬‬ ‫ويو�ضح ويل�سون �أن دور اجلينات يف �ضمان‬ ‫البقاء على قيد احلياة يف البيئات الوعرة ال‬ ‫يتجاوز ‪�%1‬أو ‪ % 2‬على �أح�سن تقدير‪ ،‬ولكن‬ ‫دوره��ا يف بيئات �شديدة الإحكام والتنظيم‬ ‫مثل بيئة ال�سباقات يبدو �أكرب من ذلك بكثري‪.‬‬ ‫و�أ�شار ويل�سون �إىل �أن نتائج الدرا�سة اعتمدت‬ ‫على مقارنة بيانات تف�صيلية جلينات نحو‬ ‫‪ 4476‬جواد ًا موزعة على نحو ‪� 554‬إ�سطب ًال‬ ‫يف خمتلف �أنحاء العامل‪ ،‬وت�ضم خيو ًال عربية‬ ‫و�أوروبية و�آ�سيوية‪.‬‬ ‫و�أ��ض��اف ويل�سون �أن املبالغ ال�ضخمة التي‬ ‫تنفق على �شراء اخليول الأ�صيلة م�ؤ�شر على‬ ‫تفوقها اجليني‪ ،‬ولكنها ال ت�ضمن يف الوقت‬ ‫نف�سه �أن يكون ن�سلها على نف�س امل�ستوى من‬ ‫التفوق‬


‫من تراث الشعوب‬ ‫‪112‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫�أهمية املرويات ال�شفاهية‬

‫في تدوين تاريخ الشعوب‬ ‫علي كنعان‬ ‫ح�ين تغيب الأ��س�م��اء ويغمرها الن�سيان وتطم�س �أح ��داث ال��زم��ن املتالحقة مالمح النا�س‬ ‫و�أطيافهم و�أعمالهم من ذاكرة الأجيال ال�صاعدة‪ ،‬ف�إن حفظ التقاليد الثقافية يتخذ �أهمية‬ ‫بالغة يف ن�سج التاريخ ال�شفاهي لأولئك النا�س ويرتك �أثرا كبريا وحيوية جديدة يف نفو�س‬ ‫الأب�ن��اء ومداركهم‪� .‬إن ما يتعلمه الكاتب من احلكايات التي يرويها كبار ال�سن هو الن�سغ‬ ‫الرتاثي الذي يغني ذاكرته وي�ضع البو�صلة بني يديه ويعطيه وجهة م�ساره يف احلياة‪.‬‬ ‫وهذا الر�صيد ال�سردي الذي يثابر الباحث‬ ‫على حتوي�شه ب�صرب واهتمام هو الذي يحفزه‬ ‫للدخول يف ف�ضاءات �أع�م��ق و�أو� �س��ع ملعرفة‬ ‫ال�شعوب ب�ع��ادات�ه��ا وتقاليدها و�أع��راف �ه��ا‪،‬‬ ‫وب��ذل��ك يحيط بتاريخها‪ .‬ه��ذا م��ا ق��ام به‬ ‫ال�شاعر ڤو�سامازولو كريدو ُمو ْت َوا من جنوب‬ ‫�إفريقيا‪ .‬فمن خالل هذا الفن القدمي يف �سرد‬ ‫احلكايات‪� ،‬أخ��ذ الباحث على نف�سه مهمة‬ ‫االلتزام بتدوين وقائع املا�ضي و�أحداثه كما‬ ‫�سمعها‪ ،‬كلمة كلمة من رواتها الثقة‪ ،‬وبذلك‬ ‫حفظها للتاريخ و�أتاح ن�شرها بني النا�س‪.‬‬

‫موقظ الزولو‬

‫عنوان الكتاب «�إن��داب��ا‪ ،‬يا �أط�ف��ايل»‪ .‬وي�شري‬ ‫ال�ك��ات��ب �إىل �أن «�إن ��داب ��ا» تعني «جمل�س �أو‬ ‫ملتقى»‪ ،‬ما يوحي ب�أهمية اللقاءات وحلقات‬ ‫ال�سمر والأحاديث التي كانت تدور بني الكبار‬ ‫يف جمتمع القبيلة حول مواقد النار يف احلقول‬ ‫والغابات‪ .‬ظهر هذا املجلد يف طبعته الأوىل‬ ‫�سنة ‪ ،1964‬وهو يقع يف ‪� 700‬صفحة ت�شتمل‬ ‫على �أربعة كتب ومقدمة وا�ستهالل‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫ثبت ب�أ�سماء ما يزيد عن ‪ 230‬من ال�شخو�ص‬

‫الذين كان لهم دور ما يف الأح��داث‪ .‬ويحتفي �أجواء الت�آلف واملحبة والتعاي�ش ال�سلمي البناء‪.‬‬ ‫ه��ذا ال�سفر ال�ضخم مبجموعة م��ن الوقائع‬ ‫واحل�ك��اي��ات والأ��س��اط�ير التي تر�سم مالمح م�شاهد حية‬ ‫احلياة القبلية يف �أرجاء القارة ال�سمراء‪ ،‬وقد هناك قوة �سماوية عليا خفية ممثلة بـ «الروح‬ ‫لقي ا�ستقباال جميال وا�سعا‪ ،‬لي�س يف جنوب العظمى» ه��ي خالقة ه��ذا ال �ك��ون وك��ل من‬ ‫�إفريقيا وح�سب‪ ،‬و�إمناعلى م�ستوى العامل‪ .‬فيه وما فيه‪ ،‬ما ي�ؤكد �أن الإمي��ان ب�إله خالق‬ ‫ومن خالل قراءة هذه الق�ص�ص بعمق ي�ستطيع متعال رافق الإن�سان منذ �أن درج على �أدمي‬ ‫الباحث‪ ،‬ورمبا امل�ؤرخ �إىل حد ما‪� ،‬أن يعيد بناء هذه الأر�ض‪ .‬ولعل من �أبرز مالمح احلياة يف‬ ‫ما�ضي تلك ال�شعوب واجلماعات يف �إفريقيا‪ .‬املجتمعات البدائية‪ ،‬وهي تعي�ش يف �أح�ضان‬ ‫و�أه ��م م��ا يف ه��ذه الق�ص�ص �أن�ه��ا احتفظت الطبيعة وجتني منها ما توفره لأفرادها من‬ ‫بخال�صة مكثفة من حياة القبائل وعالقاتها خريات‪� ،‬أن النا�س كانوا يت�صورون �أن احليوان‬ ‫املتبادلة‪� ،‬سلبا و�إيجابا‪ ،‬وتفاعلها معا يف حاالت والنبات يتخذان مظاهر وفعاليات وت�صرفات‬ ‫التفاهم املودة �أو العداوة وال�صراع‪ ،‬وتوارثتها ال تختلف عن بني الب�شر وت�صرفاتهم‪ ،‬وكذلك‬ ‫مبفرداتها الأ�صلية الوا�ضحة حية متوهجة‪ .‬لهم م�شاعرهم و�أفكارهم وتطلعاتهم‪ .‬ونظرا‬ ‫وبذلك عرفت الأجيال اجلديدة‪ ،‬من خاللها‪ ،‬لأهمية النبات يف ت�أمني الغذاء وا�ستمرار‬ ‫م��ن ه��م �أ��س�لاف�ه��م وك�ي��ف ع��ا��ش��وا وم��ن هم ال�ع�ي����ش‪ ،‬جن��د �أن «��ش�ج��رة احل �ي��اة» كانت‬ ‫�أعدا�ؤهم و�أ�صدقا�ؤهم‪ .‬و�إذا كان ا�سم الكاتب مقد�سة �إىل درجة العبادة لدى بع�ض القبائل‪.‬‬ ‫«ڤو�سامازولو» معناه «موقظ الزولو»‪ ،‬ف�إن عمله ويو�ضح الكاتب �أنها ا�سم الرجل الأول الذي‬ ‫هذا ي�ضع حجر الأ�سا�س لبناء تاريخ القبائل انعمت عليه الروح العظمى بقوى خارقة‪.‬‬ ‫واجلماعات التي يتحدث عنها‪ ،‬ويروي وقائع ورمبا كان التقدم يف العمر وحاجة الكائن‪،‬‬ ‫وم�شاهد حية من ت�صرفات �أبطالها وزعمائها �إن�سانا �أو حيوانا‪� ،‬إىل توفري القوت وال�سالمة‬ ‫يف ح��االت الت�صايف والبغ�ضاء‪ ،‬وك��ذل��ك يف وال��رع��اي��ة م��ن �أوىل احل��اج��ات ال�ضرورية‬


‫ال�ستمرار احلياة‪ .‬وهذا ما نراه يف لقطات‬ ‫وم�شاهد وا�ضحة وم��ؤث��رة من حياة الأ�سد‬ ‫العجوز �سيمبا‪ ،‬بعد �أن اق�ترب م��ن �أيامه‬ ‫الأخ�ي�رة وغ��دا هيكال متهالكا �شبه عاجز‬ ‫عن ت�أمني قوته �إال مب�شقة بالغة‪ ،‬باحليلة‬ ‫حينا وب��ا��س�ت�غ�لال ال �ظ��روف امل���س��اع��دة يف‬ ‫�أغلب الأح �ي��ان‪ .‬وم��ن الطريف‪� ،‬إىل جانب‬ ‫الوجه امل�أ�ساوي الفاجع يف ق�صة هذا الوح�ش‬ ‫امل�ف�تر���س‪� ،‬أن ال���ص��راع ب�ين ال�ق��وى اخلفية‬ ‫اخلارقة املتناف�سة يف الطبيعة‪ ،‬ت�ساعده على‬ ‫التقاط �ضحيته من الرجال الأ�شداء‪ .‬وتظهر‬ ‫ه��ذه ال�ق��وى ممثلة ب��ام��ر�أت�ين‪ ،‬وات��ام��اراك��ا‬ ‫ال�شريرة ومارميبا اخل�يرة‪ ،‬وهما تذكران‬ ‫ب��رب��ات اخل�ير وال�شر يف �أ�ساطري ال�شعوب‬ ‫الأخرى يف �سائر القارات‪.‬‬

‫وقائع ال تن�سى‬

‫و�إذا مل يكن من الي�سري الإملام بخال�صة ما يف‬ ‫هذا املجلد ال�ضخم‪ ،‬ف�سوف �أكتفي بتناول ما‬ ‫يف الكتاب الأول‪ ،‬وهو بعنوان‪« :‬الربعم يتفتح‬ ‫ببطء»‪ .‬والكتاب يبد�أ بثبت ي�ضم نحو مئتني‬ ‫وثالثني من �أ�سماء الأعالم‪� :‬آلهة و�شياطني‪،‬‬ ‫رجال ون�ساء و�أطفال‪� ،‬أخيار و�أ�شرار‪ ،‬قادة‬ ‫و�أب �ط��ال ومعلمون و�ضحايا وعبيد‪ ،‬مغنون‬ ‫وق�ضاة وحمامون‪ ،‬كهنة وع�شاق ول�صو�ص‪..‬‬ ‫وعديد من �أ�صحاب املهن واملهام الأخرى‪.‬‬ ‫يبد�أ الكتاب بع�شر ق�صائد ال ميكن الإمل��ام‬ ‫بخال�صة ما تعرب عنه �أو توحي به‪ ،‬و�س�أكتفي‬ ‫ب� ��إي ��راد �إ� �ش��ارت�ين‪ :‬يف ال�ق���ص�ي��دة الأويل‪،‬‬ ‫وعنوانها «ه��ذا ما �أخ�ت��اره»‪ ،‬يتوجه ال�شاعر‬ ‫�إىل ال �غ��رب‪ ،‬الأم�يرك��ي حت��دي��دا‪ ،‬وينعته بـ‬ ‫«ثقافة ال �ق��رود»! ولعلنا نتذكر هنا بع�ض‬ ‫امل�آ�سي يف جت��ارة الرقيق وفجائع الأرق��اء‪.‬‬ ‫ويف ختام الق�صيدة العا�شرة‪ ،‬وهي بعنوان‬ ‫الكتاب الأول «الربعم يتفتح ببطء»‪ ،‬يتوجه‬ ‫�إىل جمهوره من ال�صغار قائال‪ :‬وها �أنتم الآن‬ ‫جميعا يا �أطفايل الأع���زاء‪ /.../‬يف �صميم‬ ‫كل واح��د منكم كائنان خمتلفان‪� /‬أحدهما‬ ‫خري والآخ��ر �شرــ وهما يف �صراع م�ستمر‪.‬‬ ‫وبعد تلك اللمحات ال�شعرية املفعمة بالرموز‬ ‫والإي �ح��اءات‪ ،‬يبد�أ الكاتب برواية الأح��داث‬

‫مهلكة قام بها ثالثة من الأ�شرار بالتواط�ؤ‬ ‫م��ع �إح��دى زوج�ت��ي ابنها‪ ،‬وك��ان دور الكنة‬ ‫تخدير الأم لإبطال قواها اخلارقة‪.‬‬

‫االنتقام النبيل‬

‫غالف الكتاب‬

‫ب�إ�سهاب‪ .‬وميكن �إيجازه ب�أنه ملحمة بطولية‬ ‫بني قوى اخلري وال�شر‪ .‬ومتثل مارميبا رمز‬ ‫اخلري وال�سالم والأم العظمى ل�شعب واكامبي‪،‬‬ ‫وهي يف الوقت ذاته خمرتعة �آالت املو�سيقى‬ ‫من الق�صب وراعية الرق�صات املقد�سة‪ ،‬وابنها‬ ‫«كاهاوا» من زوجها الأول هو زعيم القبيلة‪،‬‬ ‫ولكي يعطي املثل الأعلى لأبناء �شعبه باحرتام‬ ‫والدته يقوم بقطع يده اليمنى لأنها �أ�صابت‬ ‫الأم بلكمة و�أدت بها �إىل فقدان الوعي‪ ،‬مع‬ ‫�أنه كان يحاول �إنقاذها من خطر داهم‪� .‬أما‬ ‫«وات��ام��اراك��ا» فتمثل ق��وى ال�شر‪ ،‬وه��ي الوقت‬ ‫ذاته �أم ال�شياطني والأ�شرار‪ ،‬وهي ال�سبب يف‬ ‫م�صرع �أزواج مارميبا الثالثة‪ ،‬واحدا بعد �آخر‬ ‫يف �صراعهم مع وحو�ش الغابة‪.‬‬ ‫ويفيدنا الكتاب �أن الأر���ض كانت م�سكونة‬ ‫ب�شعب م��ن ع��رق واح ��د ول ��ون واح ��د‪ ،‬وه��و‬ ‫ال�شعب الأول امل �ع��روف با�سم �أم��اري��ري‪.‬‬ ‫ولعل �أطرف ما يف هذه الوقائع ق�صة الفتاة‬ ‫النوبية «رارات� ��ي» ال�ت��ي �أح���ض��رت القطيع‬ ‫املدجن �إىل �شعب مارميبا‪ ،‬امل�سمى واكامبي‬ ‫�أو باتو‪ ،‬وال��ذي ينتمي �إليه الكاتب‪ .‬ولعل‬ ‫�أجمل ما يف هذا الكتاب �أن ينتهي بانت�صار‬ ‫اخلري على ال�شر وحتول «نانغاي» �إىل بطل‬ ‫�صالح‪ ،‬بعد �أن ك��ان زعيم الغزاة املقد�س‬ ‫ورم ��ز ال���ش��ر‪ ،‬وت �ك��ون م�ك��اف��أت��ه يف اخل�ت��ام‬ ‫االق�تران مبارميبا التي �أنقذها من مكيدة‬

‫لعل بع�ضنا �أو عديدا منا قر�أ الكثري عن مظامل‬ ‫اال�ستعمار‪ ،‬وخا�صة يف �إفريقيا‪� ،‬سواء يف جتارة‬ ‫الرقيق �أو يف املجازر العرقية التي كان �ضحيتها‬ ‫ال�سود من �أبناء تلك القارة‪ .‬لكن حديث الكاتب‬ ‫الذي واجه بنف�سه م�شاهد فاجعة من التمييز‬ ‫العن�صري تظل �أبلغ و�أو�ضح يف تبيان ملحات من‬ ‫�أق�سى ما كابدته �شعوب القارة ال�سوداء يف تلك‬ ‫املرحلة التاريخية البغي�ضة‪ .‬وتتخذ هذه املكابدة‬ ‫�أك�ث�ر م��ن �شكل ويف �أك�ث�ر م��ن م�ستوى‪ .‬فمن‬ ‫الناحية الفكرية‪ ،‬مل يفهم الدار�سون الغرييون‬ ‫�إال �أقل القليل من تلك القارة وطبيعة �شعوبها‬ ‫وقبائلها‪ ،‬رغم طول الوقت الذي عا�شوه هناك‪،‬‬ ‫وخا�صة يف اجلنوب‪ .‬وظلت نظرة الأبي�ض �إىل‬ ‫الأ�سود وك�أنه دون م�ستوى الب�شر‪ ،‬وال عالقة‬ ‫له ب�أي منط من �أمن��اط احل�ضارة الإن�سانية‪.‬‬ ‫ويف املقابل كان �أبناء القارة ال�سود ينظرون‬ ‫�إىل الأجانب ال�شقر القادمني من �أوربا وك�أنهم‬ ‫لي�سوا كائنات خال�صة من طينة الب�شر‪ ،‬و�إمنا‬ ‫هم خليط عجيب من الب�شر والنبات‪ ،‬وال �سيما‬ ‫�أن �شعرهم ي�شبه �أهداب �أكواز الذرة ال�صفراء‪.‬‬ ‫ل�ك��ن امل��واج �ه��ة ب�ين ال�ط��رف�ين بلغت �أق�سى‬ ‫فظاعاتها يف ال�صراع العرقي والت�صفيات‬ ‫الدموية التي راح �ضحيتها �آالف الأبرياء من‬ ‫�أبناء القارة‪ .‬وي��ورد الكاتب ق�صة �صبية كان‬ ‫يحبها وي�أمل �أن تكون زوجته و�شريكة حياته‪،‬‬ ‫لكن البولي�س قتلها مع جمع من �أبناء �شعبها‬ ‫يف واح��دة م��ن تلك امل�صادمات العن�صرية‬ ‫اجل��ائ��رة‪ .‬وي ��أخ��ذ الكاتب على نف�سه مهمة‬ ‫االنتقام بطريقة �صارمة معروفة لديهم بـ‬ ‫«مي�ين ال��دم القاطع» �إذ يقطع عرقا يف يده‬ ‫«الي�سرى حتديدا» وي�سكب ع�شر قطرات من‬ ‫دمه يف فتحة الطلقة التي �أودت بحياة احلبيبة‪.‬‬ ‫ورمب��ا ك��ان �إجن��از ه��ذا الكتاب �أجمل انتقام‬ ‫رمزي نبيل‪ ،‬لأنه �سوف يبقى على مر الأجيال‬ ‫كلمة عدل ال متوت و�شاهد �صدق ال يخبو وال‬ ‫يزول‪ ،‬بعيدا عن كل عنف دموي رهيب‬


‫مسرح‬ ‫‪114‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫احلكواتي �أحد �أبرز الأ�شكال الرتاثية التي ا�ستند �إليها امل�رسح العربي‬

‫ثنائية ملغومة ومثرية للت�سا�ؤالت‬

‫التراث والمسرح العربي‬ ‫البحث عن األصول‪ ..‬أم صناعتها!‬


‫د‪ .‬عالء اجلابري‬ ‫«كثري ًا ما ر�أيت ع�صفور ًا يطري وراء ن�سر‪ ..‬ويف اعتقاده �أن الن�سر يفر منه»‬ ‫فولتري‬

‫ال يحتاج الأمر �إىل كبري جدال يف بداهة تبادل الديون بني الب�شر‪ ،‬والأمر على �صعيد‬ ‫الأمم �أو�ضح‪ ،‬ولعل ح�ضارة حديثة كاحل�ضارة الأمريكية املذهلة ‪-‬حالياً–ال ت�ستطيع‬ ‫�إنكار ف�ضل �أنا�س كثريين هاجروا �إليها و�أ�س�سوا لها ما حت�صده الآن‪ ،‬ولي�ست الريادة يف‬ ‫�أي فن من فنون احلياة مدعاة لفخر كبري‪.‬‬ ‫كما �أن النقل عن الأغ�ي��ار لي�س ‪-‬دوم ًا–‬ ‫م��دع��اة ل�ل�إح���س��ا���س ب��ال��دون �ي��ة‪ ،‬مب��ا ه��ي‪-‬‬ ‫الفنون‪-‬نتاج مفيد للعقول والأل�سنة التي‬ ‫ت �ت�لاق��ح وت �ت �ف��احت «ك �م��ا ي �ق��ول �أب� ��و ح�ي��ان‬ ‫ال �ت��وح �ي��دي»‪ ،‬وه��و �أم ��ر يت�سم ب��ال�ت�ب��دل ال‬ ‫ال��دمي��وم��ة‪ ،‬فهو وارد على م��دار ال�ق��رون‬ ‫والأمم مبا ينتج عنه من تزاوج للثقافات‪،‬‬ ‫وتناوب لالرتفاع واالنخفا�ض‪� ،‬أو التبعية‬ ‫والريادة وهى �سنة كونية مقررة‪ ،‬يداولها‬ ‫اهلل بني النا�س‪ ،‬وال ي�صطفي �أحد ًا بق�صرها‬ ‫عليه من دون الآخرين‪ ،‬ونحن‪ -‬يف ذلك‪ -‬ال‬ ‫ندعو بقدرية احلياة‪ ،‬وال ن�ستكني للحياة‬ ‫يوم ًا بيوم‪ ،‬بعيد ًا عن تغريات ال�ك��ون‪ ،‬وال‬ ‫ن��دع��و �إىل االجن ��راف لهيمنة امل��رك��ز من‬ ‫دون غ�يره‪ ،‬وال نفهم حم��اوالت �سواه على‬ ‫�أنها عبثية ال طائل من ورائها‪ ،‬ولكنا نريد‬ ‫ان�ف�ت��اح� ًا ع�ل��ى الآخ��ري��ن‪ ،‬ال يحكمنا فيه‬ ‫ال�شعور بالتبعية‪ ،‬وال ندعو‪ -‬يف الآن نف�سه‬ ‫– �إىل انغالق مرده الت�ضخم يف الذات‪.‬‬ ‫�إن اهتمامنا الكبري بتحديد «الأول» �أثري‬ ‫لدينا‪ ،‬حتى يكاد ي�شبه العقدة‪ ،‬وقد متتد‬ ‫للعالقة بني الأ�شقاء وبع�ضهم‪ ،‬بينما تبدو‬ ‫امل�س�ألة �أ�شد و�ضوح ًا حني نبحث يف ق�ضية‬ ‫ت�ت���ص��ل ب��الآخ��ر ال���ذي ي�ن�ف��ر بع�ضنا من‬ ‫االعرتاف ب�أي ف�ضل بديهي له علينا‪ ،‬فيما‬ ‫يحاول البع�ض الآخر رد كل تقدم �أو �إبداع‬ ‫له وحده من دون اعتبار لوجودنا وتراثنا‪.‬‬ ‫�إن �ن��ا ن �ب��ذل جم �ه��ود ًا ك �ب�ير ًا وحم �م��ود ًا‪،‬‬

‫ون�خ���ص����ص درا�� �س ��ات ك��ام�ل��ة ك��ي نتلم�س‬ ‫بع�ض ظواهر م�سرحية– والو�صف ال يعني‬ ‫الت�سليم بانطباقها عليها جميع ًا–حتى‬ ‫و�صل الأم��ر يف ن�شوة االكت�شافات �إىل �أن‬ ‫ندعي متيز م�سرحنا الوليد‪ .‬وظهر لدينا‬ ‫من يقول �إن االتكاء على املوروث هو ال�سبيل‬ ‫لإي�ج��اد م�سرح عربي متميز‪ .‬و�إذا �سلمنا‬ ‫ ج��د ًال‪ -‬ب�أهمية تلك الظواهر امل�سرحية‬‫– ف�إن من ال�صعب اعتبارها نواة امل�سرح‬ ‫احلديث‪� ،‬أو التعامل معها كورقة التوت التي‬ ‫تخفي عورة ‪ -‬وما هي بعورة ‪ -‬والدة امل�سرح‬ ‫والدة غري �شرعية يف تربتنا الثقافية‪.‬‬

‫درا�سات توفيقية‬

‫�إذا �أخذنا ‪ -‬بر�ؤية بانورامية‪« -‬خيال الظل»‬

‫م �ث��ا ًال لتلك ال �ظ��واه��ر امل���س��رح�ي��ة‪ -‬طبق ًا‬ ‫لو�صفهم‪ -‬جند �أغلب الدرا�سات قد اتخذت‬ ‫منحى توفيقي ًا ي �ح��اول ال��رب��ط ب�ين الفن‬

‫إن هاجس القالب‬ ‫مسألة تحتاج إلى دراسة‬ ‫عن أسباب سطوتها‬ ‫على عقلياتنا‪ ،‬حتى إننا‬ ‫نحفل ببعض األعمال‬ ‫المسرحية لمجرد قالبها‬ ‫التراثي‪ ،‬مع أن أغلبها‬ ‫كانت قوالب لألداء ال‬ ‫للتأليف‬

‫امل�سرحي وخ�ي��ال ال�ظ��ل‪ ،‬فتحاول �إ�سقاط‬ ‫ه��ذا الفن الب�سيط على م�سميات �ضخمة‬ ‫من م�شاركة اجلمهور وتكوين وعيه وبلورة‬ ‫وعي املتلقني‪ ،‬وحتميل هذا الفن الب�سيط‬ ‫لهذه الأمور �أهون من افرتا�ض احتوائه على‬ ‫تيمات م�سرحية �صرفة‪ ،‬من مثل الزعم ب�أن‬ ‫�إغ �ف��ال ب��اب��ة «ال���ش�ح��اذون واحل �م��ام» البن‬ ‫دانيال لعن�صري الزمان واملكان يتماهى‬ ‫مع �أحدث ما تو�صل �إليه امل�سرح احلديث‪.‬‬ ‫�إن هذه املقاي�سات تبث يف نف�س املو�ضوعي‬ ‫ك �ث�ير ًا م��ن الأ���س��ى ول �ع��ل ه ��ذه امل�ب��ال�غ��ات‬ ‫مردها الأ�سا�سي �أن نظرة بع�ض �أ�ساتذتنا‬ ‫لهذه الظواهر ت َّعدي اال�ستكناه �إىل ال�شرح‬ ‫وال�شرح يقول ما ال يقوله العمل(‪.)1‬‬ ‫�إن ه��اج����س ال �ن �ق��اء وال� ��ذي ك ��ان م��دخ�ل ًا‬ ‫�أ�سا�سي ًا للرهان على كون خيال الظل نوا ًة‬ ‫للفن امل�سرحي يرتاجع �أمام حقيقة م�ؤداها‬ ‫�أن ال�صني والهند تتنازعان بدايته! من‬ ‫دون �أن يكون لنا دور حقيقي يف ت�أ�سي�سه‬ ‫وتد�شينه‪ ،‬ولعل املدخل الفرجوي هو الذي‬ ‫�أدى �إىل اعتبار هذا الفن �أ�سا�س ًا للم�سرح‪،‬‬ ‫م��ن دون التفات لكون ات�صاله بال�سينما‬ ‫�أك�ث�ر حميمية وق��رب�� ًا م�ن��ه �إىل ات�صاله‬ ‫بامل�سرح‪ ،‬حتى �إن تربير تواريه واختفائه‬ ‫م��ردود‪ -‬ل��دى الباحثني يف املخايلة‪� -‬إىل‬ ‫ظهور فن ال�سينما‪.‬‬ ‫�أغ �ل��ب ال�ظ��ن �أن ا��س�ت�ق��راء واع �ي � ًا لتاريخ‬ ‫امل�سرح عاملي ًا وعربي ًا كفيل بالرد على حجة‬


‫مسرح‬ ‫‪116‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫عر�ض احلكواتي «على بابا والأربعني حرامي» �ضمن مهرجان �أبوظبي ‪2012‬‬

‫ال�صني تنازع الهند بدايات «خيال الظل»‬

‫من يقولون �إن االتكاء على امل��وروث �سبيل‬ ‫�أوح ��د لإي �ج��اد م�سرح ع��رب��ي‪ ,‬فامل�سرح مل‬ ‫ينف�صل عن الرتاث يف �أي مرحلة من مراحل‬ ‫�إبداعه‪ ،‬كما �أن البدايات(‪)2‬الأوىل للم�سرح‬ ‫العربي مل يكن للرتاث فيها ح�ضور‪ ،‬و�إمنا‬ ‫تخلق حلوله البهي خالل فرتة ال�ستينيات‪،‬‬ ‫وم��ا بعدها‪ ،‬حني زاد اتكاء املبدعني على‬ ‫ال�تراث �صيغة �أو م��ادة و�شخ�صيات‪ ،‬رمبا‬ ‫جماراة لتيار املد القومي الزاخر‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫بعد نك�سة ‪� ،1967‬أو القرتابه من وجدانات‬ ‫املتلقني �أو للهروب م��ن ال��رق��اب��ة‪ ،‬وه��و يف‬ ‫جممله ح�ضور حميد ينبغي التعامل معه‬ ‫على �أنه تغري يف التقنية ال قالب الت�أليف‪.‬‬ ‫لقد عانينا‪ -‬يف فرتة ما‪ -‬عار الهجوم على‬ ‫تراثنا العظيم واعتباره عائق ًا �أم��ام �إبداع‬ ‫العقلية ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬وال ينبغي ال�ت�ط��رف يف‬ ‫ال��دف��اع عن تراثنا �إىل القول ب�أنه �ضمان‬ ‫لعمل متميز‪ ,‬فاملادة التي ي�ستند �إليها العمل‬ ‫ال حت��دد درج��ة �أ��ص��ال�ت��ه‪ ،‬و�إال مل��ا ا�ستهلك‬ ‫�أغ �ل��ب م�ب��دع��ي ال��دن �ي��ا �أ� �س��اط�ير ال�ي��ون��ان‬ ‫والرومان‪ ،‬وال�سري ال�شعبية التي هي مرياث‬ ‫ع��ام للب�شرية‪ ،‬وب��ال�ت��ايل فهي مظنة عدم‬ ‫الرباءة‪ ،‬فقد يتالقى الرتاث امل�سرحي ‪� -‬أو‬ ‫الإن�ساين‪ -‬يف �أ�شد �صوره خ�صو�صية‪ ،‬متام ًا‬ ‫كما حدث مع «فرافري» يو�سف �إدري�س التي‬ ‫كانت خطوته «نحو م�سرح م�صري»‪ ،‬فقد‬ ‫عدها البع�ض م�ستخدمة لل�سامر والأراجوز‬ ‫بينما ذه��ب ال�ب�ع����ض الآخ���ر �إىل ت��أث��ره��ا‬ ‫بامل�سرح الغربي من الكوميديا ديلالرتي‬ ‫والعبث وبرانديللو وبريخت وخا�صة يف ك�سر‬ ‫الإيهام‪.‬‬ ‫�أغلب الظن �أن اال�ستقالل «الإقليمي» ملعظم‬ ‫الأقطار العربية‪ ،‬كان له‪ – ‬من دون �شك–‬ ‫�أكرب الأثر يف هذه الدعوات ون�ش�أتها‪ ،‬ولكن‬ ‫اال�ستقالل «الفكري» الذي ملّا يتحقق حتى‬ ‫الآن‪ ،‬وال��ذي يقت�ضي �إع��ادة ت�شكيل الذات‬ ‫جتاه‪« ‬الآخر» مل يتبلور بال�شكل ال��ذي يتيح‬ ‫البحث عن �شكل �آخ��ر‪ ,‬فالدعوات املعتربة‬ ‫تنتج عن ظ��روف �أخ��رى‪ ،‬متام ًا كما حدث‬ ‫م��ع م���س��رح ب��ري�خ��ت ال ��ذي ظ�ه��ر �إب ��ان امل��د‬ ‫ال�شيوعي‪ ،‬ووجود القوة الثانية‪ .‬‬


‫�إن ا�ستعارة هذا ال�شكل الرتاثي �أو ذاك‪-‬‬ ‫يف ج��وه��ره – حم��اول��ة �شكلية لت�أ�صيل‬ ‫امل �� �س��رح ال� ��ذي ال ي �ت ��أ� �ص��ل �إال ب�ح���ض��وره‬ ‫الإن���س��اين وتوا�صله م��ع املجتمع مب��ا هو‪-‬‬ ‫كما يقول جادامر‪«-‬متثيلية تنتج لت�شاهد‪،‬‬ ‫وحالة التوحد التي حتدثها‪ -‬والتي نكون‬ ‫فيها م�شاهدين لنف�س احل��دث‪ -‬هي حالة‬ ‫توحد �إزاء م�شهد على م�سافة منا(‪ )3‬ولعلنا‬ ‫ال ن�ستطيع كبري ج��دال يف �ضعف توا�صلنا‬ ‫ ف� ً‬‫ضال عن توحدنا – مع الأراجوز‪ ،‬وكذا‬ ‫الأم��ر يف غربة «ال�سامر» �أو «خيال الظل»‪،‬‬ ‫وما احتفاظ «احلكواتى» بوجوده �إال بف�ضل‬ ‫حمافظة احلا�ضر املعي�ش عليه ال قوة متثل‬ ‫وجداناتنا له‪.‬‬

‫هاج�س القالب‬

‫�إن ه��اج����س ال �ق��ال��ب م���س��أل��ة حت �ت��اج �إىل‬ ‫درا�سة من علماء النف�س واالجتماع تبحث‬ ‫عن �أ�سباب �سطوتها على عقلياتنا‪ ،‬حتى‬ ‫�إننا نحفل ببع�ض الأعمال امل�سرحية ملجرد‬ ‫قالبها الرتاثي – مع �أن �أغلبها كانت قوالب‬ ‫ل �ل��أداء ال ل�ل�ت��أل�ي��ف – ‪ ,‬ف�ق��ال��ب احلكيم‬ ‫ك��ان ل�ل��أداء ال للت�أليف‪ ،‬فلم يطبق قالبه‬ ‫املقرتح على م�سرحية من ت�أليفه‪ ،‬ولكنه‬ ‫�أج���رى ال�ق��ال��ب ع�ل��ى م���س��رح�ي��ات ج��اه��زة‬ ‫من ال�تراث العاملي ومل يحاول‪ -‬كما يقول‬ ‫�أ�ستاذنا ال��دك�ت��ور �إب��راه�ي��م ح�م��ادة‪�« -‬أن‬ ‫ي�صب فيه �أية م�سرحية له ويدفع بها �إىل‬ ‫احلكواتية واملقلداتية وامل��داح�ين يف ريف‬ ‫م�صر «احلديثة»(‪� .)4‬إن متجيد بع�ض هذه‬ ‫الأع �م��ال ملجرد توظيف ال�سامر �أو خيال‬ ‫الظل �أو احلكواتى �أو غريها ينطوي على‬ ‫�إغفال كونها‪ -‬يف النهاية‪ -‬جتارب حممودة‬ ‫ت�ضاف �إىل القالب الغربي الذي �صار ملك ًا‬ ‫لنا‪ ,‬فالتقادم جعله تراث ًا �إن�سان ّي ًا‪.‬‬ ‫ال ت�سعى ه��ذه ال�سطور �إيل الدعوة لقالب‬ ‫معني‪� ،‬أو جتميد الن�ص امل�سرحي العربي‬ ‫فيه‪ ،‬بل الدعوة �إىل التعامل معه ب�أريحية‪،‬‬ ‫والتعامل مع القوالب املجربة للرتاث يف‬ ‫حجمها احلقيقي بحدب وتعاطف‪ ،‬من دون‬ ‫�أن نرتك ذلك الطفل الوليد يدفع �أيدينا‬

‫إن تمجيد بعض األعمال‬ ‫المسرحية لمجرد توظيف‬ ‫السامر أو خيال الظل‬ ‫أو الحكواتى أو غيرها‬ ‫ينطوي على إغفال‬ ‫كونها‪ -‬في النهاية‪-‬‬ ‫تجارب محمودة تضاف‬ ‫إلى القالب الغربي الذي‬ ‫صار ملك ًا لنا‪ ,‬فالتقادم‬ ‫جعله تراث ًا إنسانيّ ًا‬ ‫حني مننعه االنكفاء يف �سري خطواته الأوىل‪،‬‬ ‫ومن دون �أن ن�صفق له فال يرى �سوى نف�سه‪،‬‬ ‫�إىل �أن ي�صري كه ًال ال يدفع يدك كالطفل‬ ‫و�إمن��ا هو ال��ذي ميد ي��ده طالب ًا عونك من‬ ‫دون �أن ي�ستنكف من كربه �أو �صغرك‪.‬‬ ‫�إن كمال الرتاث الذي يهيمن علينا‪ ،‬كثري ًا‬ ‫م��ا يكون عائق ًا �أم��ام ال�ق��درة الإب��داع�ي��ة‪،‬‬ ‫حني تقع عقولنا �أ�سرية ال�ستحالة جتاوزه‪.‬‬ ‫ال �أعتقد �أن البحث يف ما�ضي ال�تراث‬ ‫العربي والتنقيب عن ظواهر م�سرحية‬ ‫فيه ي�ضيف �إلينا قدر ما ينال من‬ ‫�أحقيتنا يف االع �ت��داد بهذا‬ ‫ال�تراث‪ ،‬ذل��ك �أننا – من‬ ‫دون اتهام بجلد للذات‪– ‬‬ ‫مل ن��ت��وا���ص��ل م� ��ع ع�م��ق‬ ‫ه� ��ذا ال��ت��راث ال �ع �ظ �ي��م‪،‬‬ ‫ف �ن ��ؤ� �ص �ل��ه ون� �ت� �ج ��اوز به‬ ‫حدود ال�شذرات املتناثرة‬ ‫لن�صل ب��ه – وم�ن��ه – �إىل‬ ‫ح ��دود ال�ت��أ��س�ي����س العميق‪،‬‬ ‫�أم �أن امل�ب��اه��اة ب��ال�تراث ال‬ ‫تعدو �أن تكون نوع ًا من‬ ‫وه ��م ال �ت ��أ� �ص �ي��ل ال��ذي‬ ‫ي �ت �ن��ازع �ن��ا‪ ،‬ظ �ن � ًا‬ ‫م�ن��ا �أن ��ه ن ��وع من‬ ‫ال �ه��وي��ة‪ ,‬فالوعي‬ ‫ب��ال�ه��وي��ة ال��ذات�ي��ة‬ ‫ي� �ف�ت�ر� ��ض وج � ��ود‬ ‫الآخ� ��ر‪ ،‬وح��واري��ة‬ ‫العقل الإن�ساين‬

‫التي ن��ادى بها باختني تفرت�ض وعي املرء‬ ‫بذاته عرب وعي الآخرين به‪.‬‬ ‫وك ��ذا‪ ،‬ف� ��إن ن�ف��ورن��ا م��ن ق�ب��ول �إ��س�ه��ام��ات‬ ‫الآخرين ينطوي على نوع من الكرب املقيت‬ ‫«ولعل هذا �أف�ضل من �أن ن�صفه بالإح�سا�س‬ ‫بالنق�ص»‪ ،‬وجدالنا حول الريادة نوع من‬ ‫�إرادة حم��و الآخ ��ر بينما ه��و مل ي�ستنكف‬ ‫�أن ي �ع�ترف ب�ع����ض رواده ب �ت ��أث��ره��م ب�ن��ا‪،‬‬ ‫وامل�سرحيون الكبار رحلوا �إىل بالد �أخرى‬ ‫وت�أثروا بها كم�سرح النوه الذي �أثر يف بريخت‬ ‫وم�سرحه امللحمي‪ ،‬وال�ه�ن��د وت ��أث�يره��ا فى‬ ‫جروتوف�سكي‪ ،‬ورح�ي��ل �أن�ط��ون��ان �أرط ��و �إىل‬ ‫املك�سيك وبيرت ب��روك �إىل �أفريقيا‪ ،‬واجته‬ ‫�أوجينو باربا نحو ال�شرق و�أمريكا الالتينية (‪.)5‬‬ ‫كان ان�صراف كثري من الدعوات اجلديدة‬ ‫�إىل متجيد ذات �ه��ا‪ ،‬وخ�صخ�صة امل�سرح‬ ‫لنف�سها من دون غريها منطوي ًا على نوع‬


‫مسرح‬ ‫‪118‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫خيال الظل والأراجوز‬

‫م��ن ال�ت�ط��رف يف م��واج�ه��ة ��س�ط��وة الآخ ��ر‪,‬‬ ‫ف��االح�ت�ف��ال�ي��ة – م �ث�ل ًا – ت �ق��ول م��ن دون‬ ‫مواربة «�إن ال�شيء الأك�ثر �أهمية بالن�سبة‬ ‫لالحتفالية هو �إحداث ثورة يف الذوق الذي‬ ‫يتعر�ض اليوم لال�ستالب‪� ،‬سوا ًء من طرف‬ ‫ال�سينما امل�صرية �أو الأمريكية �أو الهندية‪،‬‬ ‫�أو من خ�لال امل�سل�سالت العربية القائمة‬ ‫على �أ�س�س ميلودرامية»(‪)6‬وهو ما يجعلنا‬ ‫نظن �أن ه��ذه ال��دع��وة �شعوبية الأ��س��ا���س‪،‬‬ ‫تبغي ال�بروز لذاتها ولدعوتها‪ ،‬وال تبحث‬ ‫عن ال�صالح العام �أو حتقيق الهوية‪ ..‬ورمبا‬ ‫ت��راج�ع��ت مرتبة ال�ف��ن ل��دي�ه��م‪ ،‬فما �سبق‬ ‫وه��م والإب ��داع ه��و م��ا ينتجونه‪ ،‬وي�ك��ون ما‬ ‫ع��داه باط ًال ال يعول عليه‪ ،‬ف��الأم��ر لديهم‬ ‫ال يتعلق �أب��د ًا بالتجديد‪ ،‬لأن هذه الكلمة‪-‬‬ ‫كما يقولون‪� -‬إن كان لها ‪-‬عندهم‪ -‬معنى‬

‫إن استعارة هذا الشكل‬ ‫التراثي أو ذاك‪ -‬في‬ ‫جوهره – محاولة شكلية‬ ‫لتأصيل المسرح الذي‬ ‫ال يتأصل إال بحضوره‬ ‫اإلنساني وتواصله مع‬ ‫المجتمع‬ ‫ومدلول عند غرينا فهي يف امل�سرح العربي‬ ‫ال ميكن �أن تعني �شيئ ًا‪� ،‬إن اجلديد ال ميكن‬ ‫�أن يقوم �إال على �أ�سا�س ما هو قدمي‪ ،‬وعندما‬ ‫نت�أمل خريطة امل�سرح العربي‪ ،‬ف�إننا ال جند‬ ‫غري جتارب هزيلة‪� ،‬سواء من حيث الكم �أو‬ ‫الكيف وهى جتارب ال ميكن �أن ت�شكل قدمي‬ ‫ه��ذا امل���س��رح‪ ،‬وم��ن هنا كانت االحتفالية‬

‫ت�سعى‪ -‬لي�س �إىل خلق اجلديد‪ -‬ولكن �إىل‬ ‫�إيجاد الأ�صيل(‪ ،)7‬فاملحاولة لديهم حمو ما‬ ‫هو موجود ومعاين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫و�إذا ك �ن��ا ق ��د � �ض��رب �ن��ا م �ث�لا ب�ح�م��ا��س��ة‬ ‫«االحتفالية» فيبدو يل �أن هذه احلما�سة‬ ‫�سمة بارزة لدى �أغلب االجتاهات من حيث‬ ‫االنكفاء على الذات وجتاهل التكامل مع‬ ‫�أي اجتاه �آخر‪ ،‬فاحلكيم – مث ًال – يقول‬ ‫ع��ام ‪� 1967‬إن��ه ا�ستبعد ال�سامر بدعوى‬ ‫�أنه غري �أ�صيل وم�شكوك يف ن�سبه القومي‬ ‫اخلال�ص‪ ,‬لأن ما فيه من م�شاهد متثيلية‬ ‫�إمن��ا ع��رف بعد ج�لاء احلملة الفرن�سية‬ ‫عن م�صر ويحتمل ت�أثره بالفنون التمثيلية‬ ‫ال�ت��ي ك��ان��ت تعر�ض على �ضباط احلملة‬ ‫وجنودها‪ .‬ولعله من اجللي كونه يغمز من‬ ‫قريب دعوة يو�سف �إدري�س «‪. )7(»1964‬‬


‫هوام�ش‬

‫فرقة احلكواتي بقيادة �أحمد يو�سف والتي تتخذ من ال�شارقة مقرا ً لها‬

‫‪� ‬إن جمهود ًا ين�صرف �إىل الإبداع وتنقيحه‬ ‫خ�ي�ر م��ن م �ع��اول ال �ه��دم ال �ت��ي جت ��اوزت‬ ‫الآخ� ��ر وام��ت��دت ‪ -‬ل ��دى ب�ع���ض�ه��م‪� -‬إىل‬ ‫�أبناء عمومتهم‪ ،‬والإبداع هو الذي يراكم‬ ‫التجارب واخلربات وي�صنع للن�ص ف�ضاء‬ ‫�أكرب من جماله القومي‪ ،‬فيمتاح التنظري‬ ‫م��ن ت��راك��م ال �ت �ج��ارب م��ا ي �ف �ي��ده‪ ،‬ويجد‬ ‫النقد ما يروي ظم�أه‪ ،‬وهو خري من �شجب‬ ‫ورف�ض وعدوان يف نزعة �شيفونية مقيتة‪،‬‬ ‫ال ت�سمح بر�ؤية الذات بحجمها احلقيقي‬ ‫فال ندعي ندية ل�سنا – حتى الآن ‪�-‬أه ًال‬ ‫ل�ه��ا‪� ،‬أو �أن ن�ست�شعر دون �ي��ة ن�ح��ن منها‬ ‫براء‪ .‬هذا التوقف‪ -‬حتى حني‪ -‬لي�س تقية‬ ‫جديدة ولكنه �سبيل نراه �ضروري ًا للخروج‬ ‫م��ن التنكر ل�ل�آخ��ر ت��ارة واالن�ح�ب��ا���س يف‬ ‫الرتاث �أخرى‪.‬‬

‫�إن هذه املحاوالت – يف جوهرها – تبعية‬ ‫� �ص��ري �ح��ة‪ ,‬ف��ال�ت�ب�ع�ي��ة – يف ال �ف �ه��م ال��ذي‬ ‫نتبناه– ال تقت�صر ع�ل��ى التبعية للغري‬ ‫فح�سب‪ ،‬ولكنها التعبد يف حم ��راب م��ا‪،‬‬ ‫�شرقي �أو غربي‪� ،‬سلفي �أو عوملي‪� .‬إنها توحد‬ ‫ال��ر�ؤي��ا من دون �إمي��ان بجدلية للحياة‪ ،‬ال‬ ‫تقوم على ال�صراع املف�ضي �إىل املحو قدر‬ ‫قيامها على التالقح والتعا�ضد‪.‬‬ ‫ق�ي��ام امل �ح��اوالت على ت��وه��م ك�م��ال فكرنا‬ ‫امل��ا��ض��ي و� �س��ري��ان احل��دي��ث ع��ن الأج ��داد‬ ‫ب�صيغة ال �ك �م��ال ه��و يف ج��وه��ره �صنمية‬ ‫جديدة‪ ،‬و�صدفية للذات ال تقوم على جوهر‬ ‫النظر‪ .‬ال نريد �أن نكون متبعني كمن حتدث‬ ‫عنهم القر�آن ممن وج��دوا �أ�سالفهم على‬ ‫�أمة‪ ،‬ولكننا نريد ت�صور ًا يتيح لنا االنتقاد‬ ‫الذي هو نتاج االعتقاد ال مقدمة له‬

‫‪ - 1‬انظر �أمثلة جلية ملبد�أ ال�شرح يف كتاب‬ ‫امل�سرح العربي ب�ين النقل والت�أ�صيل‪ ،‬علي‬ ‫ال��راع��ي و�آخ� ��رون‪ :‬كتاب العربي‪� ،‬أغ�سط�س‬ ‫‪1999‬م ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ي�ستوي يف ذلك ال�شعري منه والنرثي‪،‬‬ ‫و�أغلب الظن �أن البداية احلقيقية للم�سرح‬ ‫ال�شعري لدينا مل تكن �إال لتت�أخر �أك�ثر لو مل‬ ‫ي�سافر �شوقي �إىل فرن�سا‪ ،‬فيت�أثر برا�سني‬ ‫وكورين و�شك�سبري ويبدع «علي بك الكبري» يف‬ ‫�أ�صلها الأول‪ ،‬ومل يكن املو�ضوع �أو القالب تراثي ًا!!‬ ‫وامتد الأمر �إىل فرتات متعاقبة راجع الإح�صاء‬ ‫الذيقدمته�ساميةحبيبللم�سرحياتال�شعرية‬ ‫ال�صادرة حتى �سنة ‪ .1971‬انظر كتابها داللة‬ ‫املقاومة يف م�سرح ال�شرقاوي‪ ،‬ﻫ‪.‬م‪.‬ع‪.‬ك ‪1997‬‬ ‫�ص‪ 55‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬ﻫ‪ .‬ج ‪ .‬جادامر‪ :‬جتلى اجلميل‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪/‬‬ ‫�سعيد توفيق «املجل�س الأعلى للثقافة‪ ،‬امل�شروع‬ ‫القومي للرتجمة‪� »1997 ،‬ص ‪.151‬‬ ‫‪ - 4‬د‪� .‬إبراهيم حمادة‪ :‬توفيق احلكيم والبحث‬ ‫عن قالب م�سرحي‪ ،‬ف�صول‪ ،‬املجلد الثاين‪،‬‬ ‫العدد الثالث‪� ،198 ،‬ص‪. 65‬‬ ‫ن�ق��ول ه��ذا حتى ال يتهم البحث مب��ا يعيب‬ ‫على الآخ��ري��ن وحتى ال ينحرف �إىل ق�صر‬ ‫املعرفة على الذات‪ ،‬ولكن للدقة فهذا القالب‬ ‫الإغ��ري�ق��ي رمب��ا ك��ان نتاج ًا لتطوير امل�سرح‬ ‫امل�صري «ون�صو�صه الدرامية» وال�سبق م�سلم‬ ‫به للح�ضارة امل�صرية يف �أغلب املجاالت راجع‬ ‫يف هذا الظن‪ :‬اتيني ديريوتون‪ :‬امل�سرح امل�صري‬ ‫القدمي‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬ثروت عكا�شة‪ ،‬ط‪ ،2‬هـ ‪ .‬م ‪.‬‬ ‫ع ‪ .‬ك‪� ،‬ص ‪ 30‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ - 5 ‬بع�ض هذه الأمثلة م�ستفادة من‪ :‬ح�سن‬ ‫يو�سفي «احل�سا�سية الأنرثوبولوجية بني امل�سرح‬ ‫الغربي وامل�سرح العربي» جملة فكر ونقـد‪،‬‬ ‫ال�سنـة الثانيـة‪ ،‬العــدد ‪ ،12‬ينايـر ‪� 1999‬ص ‪. 52‬‬ ‫‪ - 6‬عبد الكرمي بر�شيد‪ :‬بيان امل�سرح االحتفايل‬ ‫الأول‪ ،‬نقـالعن كتاب «نظريـة امل�سـرح» الق�سـم‬ ‫الثاين‪ ،‬حترير تقدمي حممد كامل اخلطيب‪،‬‬ ‫وزارة الثقافة‪ ،‬دم�شق‪� ،1994 ،‬ص‪.740 ،739‬‬ ‫‪ - 7‬برغم امل��رارة البادية يف حديث يو�سف‬ ‫�إدري�س عن جتربته‪ ،‬فقد ر�أى �أن «الكتابة بهذه‬ ‫الطريقة – يق�صد التم�سرح – حتتاج �إىل‬ ‫�أجيال متعاقبة من الكتاب‪ ،‬ت�ستطيع ت�شكيل‬ ‫تراث م�سرحي ي�ست�ضاء به حلظة الإنتاج» من‬ ‫حوار معه مبجلة ف�صول‪ ،‬املجلد الثاين‪ ،‬العدد‬ ‫الثالث‪� ،‬أبريل ‪� ،1982‬ص ‪. 221‬‬


‫تاريخ‬ ‫‪120‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫تقدير ًا للعلم وترويح ًا عن طلبته‬

‫تقاليد االحتفاء‬ ‫بالمعرفة في التراث‬


‫الرباط‪ -‬الزبري مهداد‬ ‫كان العلم من بني الأوليات التي نالت عناية بارزة يف املجتمعات امل�سلمة‪ ،‬فقد رافق‬ ‫انت�شار الإ��س�لام ازده��ار للعلوم ومن��و يف ع��دد طلبة العلم يف ظ��رف وجيز‪ ،‬وذلك‬ ‫بف�ضل اجلهود احلثيثة التي بذلها الأمراء والعلماء من �أجل ن�شر العلم وتو�سيع‬ ‫فر�ص التعلم‪ ،‬و�أدى ذلك �إىل تقل�ص الأمية وازده��ار احلركة العلمية والثقافية‪.‬‬ ‫و�ساهمت م�ؤ�س�سات كثرية كامل�ساجد واملدار�س واملكاتب واخلوانق وغريها م�ساهمة‬ ‫فعالة يف منو عدد املتعلمني حيث كانت احللقات التعليمية التي تقام فيها‪ ،‬جتمع‬ ‫�أعداداً كبرية من طالب العلم واملعرفة‪.‬‬ ‫وبالرغم من �أن فرتة الطلب العلمي كانت‬ ‫تت�صف خالل كل الع�صور بالق�سوة وال�شدة‬ ‫و�شظف العي�ش‪ ،‬وه��و م��ا جن��ده مو�صوف ًا‬ ‫بدقة يف كثري من كتب الرتاجم والرحالت‬ ‫وامل��ذك��رات‪ ،‬ف�إنها يف الوقت نف�سه مل تكن‬ ‫تخلو من فر�ص الرتويح‪ ،‬حيث كان التالميذ‬ ‫ال يرتكون منا�سبة دينية �أو اجتماعية متر‬ ‫دون �أن ي�ستغلوها ب�شكل يتيح لهم التنفي�س‬ ‫عن همومهم والرتويح عن �أنف�سهم والتفريج‬ ‫عن كروبهم‪ .‬ويف املقالة التالية ن�ستعر�ض‬ ‫بع�ض مظاهر االح�ت�ف��ال بالعلم والثقافة‬ ‫التي كانت �سائدة يف ب�لادن��ا‪ ،‬والتي كانت‬ ‫ت�صاحب افتتاح الدرا�سة وختم التالميذ‬ ‫للقر�آن الكرمي وموا�سم ا�ستجمام طلبة جامع‬ ‫القرويني بفا�س‪.‬‬

‫افتتاح الدر�س‬

‫يف امل�شرق العربي كان مو�سم الدرا�سة يبتدئ‬ ‫يف �شهر �صفر‪ ،‬بعد فراغ النظار من ح�ساب‬ ‫امل�غ��ل املخ�ص�صة لكل م��در��س��ة واقت�سامه‬ ‫وتعيني ن�صيب كل م�ستحق‪ .‬وقد حاول بع�ض‬ ‫ال�شيوخ �أن يبدلوا ع��ادة االب�ت��داء يف �صفر‬ ‫ويجعلوه يف �شهر ربيع الأول «لأن كثري ًا من‬ ‫النا�س يف �صفر يف �أ�شغالهم من ق�سم املغل‬ ‫وغ�يره» �إال �أن��ه مل يفلح يف ذل��ك وظ��ل �شهر‬ ‫�صفر مو�سم ًا ال�ستئناف الدرا�سة‪.‬‬ ‫�أما يف بالد املغرب‪ ،‬ففي املراكز التعليمية‬

‫ال�صغرى‪ ،‬كان ال�شيوخ يتفقون على حتديد‬ ‫موعد افتتاح ال��درا��س��ة‪ ،‬بينما يف املراكز‬ ‫العلمية الكربى‪ ،‬كان يوكل تعيني يوم افتتاح‬ ‫ال��درا��س��ة �إىل �شيخ اجلماعة‪ ،‬وه��و قيدوم‬ ‫الأ�ساتذة وعميدهم‪ ،‬بعد �أن ي�ست�شري قا�ضي‬ ‫املدينة الذي يكون غالب ًا من رجال التعليم‪.‬‬ ‫وك��ان��ت امل��راك��ز التعليمية تعرف �أج��واء‬ ‫اح�ت�ف��ال�ي��ة يف منا�سبتني اث �ن �ت�ين‪ ،‬الأوىل‬ ‫وه��ي الأه��م والأق��وى يف تاريخها‪ ،‬وه��و يوم‬ ‫افتتاحها �أول مرة بعد �إنهاء �أ�شغال بنائها‪،‬‬ ‫وت�سجل كتب التاريخ و�صفا دقيقا ملظاهر‬ ‫االحتفال الكربى التي رافقت تد�شني بع�ض‬ ‫هذه املدار�س‪ ،‬ومن ذلك ما دونه ابن كثري‬ ‫يف كتابه البداية والنهاية‪ ،‬حيث يروي �ضمن‬ ‫�أحداث �سنة ‪� 628‬أنه ملا‏ تكامل بناء املدر�سة‬ ‫ال�شرابية ببغداد‪ ،‬وكان يوم ًا م�شهود ًا‪ ،‬ح�ضر‬ ‫بانيها‪ ،‬واجتمع جميع امل��در��س�ين واملفتني‬ ‫ببغداد‪ ،‬وعمل ب�صحنها قباب احللوى فحمل‬

‫بعد صدور قرار الخليفة‬ ‫بتعيين المدرس تُخلع‬ ‫عليه خلعة التدريس في‬ ‫دار الوزير ومنها يتوجه‬ ‫موكب يتشكل من‬ ‫صاحب الديوان والوالة‬ ‫والحجاب واألكابر وأرباب‬ ‫المناصب إلى المدرسة‬

‫منها �إىل جميع املدار�س والربط‪ ،‬ورتب فيها‬ ‫خم�سة وع�شرين فقيه ًا لهم اجلوامك الدارة‬ ‫يف ك��ل ي��وم‪ ،‬واحل �ل��وى يف �أوق ��ات املوا�سم‪،‬‬ ‫وال �ف��واك��ه يف زم��ان�ه��ا‪ ،‬وخ�ل��ع على امل��در���س‬ ‫واملعيدين والفقهاء يف ذلك اليو ‏م ‏‪ .‬وكان وقت ًا‬ ‫ح�سن ًا تقبل اهلل تعاىل منه‪.‬‏‬ ‫هذا التقليد مل يكن قا�صر ًا على بغداد‪ ،‬ففي‬ ‫دم�شق �أي�ضا ملا كملت املدر�سة النا�صرية‬ ‫اجلوانية داخل باب الفرادي�س‪ ،‬وح�ضر فيها‬ ‫الدر�س واقفها امللك النا�صر �صالح الدين‬ ‫الأيوبي و�ألقى الدر�س فيها قا�ضي البلد �صدر‬ ‫الدين ابن �سناء الدولة‪ ،‬وح�ضر عنده �أمراء‬ ‫الدولة والعلماء وجمهور �أهل احلل والعقد‬ ‫بدم�شق‏‪ ،‬كان ذلك عام ‪.654‬‏‬ ‫�إىل ج��ان��ب االح�ت�ف��ال بتد�شني امل��در��س��ة‪،‬‬ ‫كانت املدار�س الكربى تعي�ش �أج��واء خا�صة‬ ‫مبنا�سبة �إلقاء درو���س افتتاحية والتي كان‬ ‫يلقيها املدر�سون املعينون للتدري�س بها �أول‬ ‫م��رة‪ ،‬فيدعى حل�ضورها العلماء الأع�لام‬ ‫والق�ضاة والأعيان‪ ،‬وتكون يف الغالب تف�سري ًا‬ ‫لبع�ض الآيات من القر�آن الكرمي التي يتولون‬ ‫اختيارها بعناية �شديدة تيمن ًا بدر�س القر�آن‬ ‫ل�شرفه‪ ،‬و�أحيان ًا تقام م�آدب احتفاء بالدر�س‬ ‫وتكرمي ًا للح�ضور‪.‬‬ ‫وقد جرت العادة �أن يخلع على املدر�س خلعة‬ ‫التدري�س يف دار ال��وزي��ر بعد ��ص��دور ق��رار‬ ‫اخلليفة بالتعيني يف املن�صب‪ ،‬ومنها يتوجه‬


‫تاريخ‬ ‫‪122‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫الع�سكر‪ ،‬وحتت احل�صريي �شم�س الدين بن‬ ‫ال�شريازي‪ ،‬وحتته حميي الدين الرتكي‪ ،‬وفيه‬ ‫خلق من الأعيان والأكابر‪ ،‬وفيهم فخر الدين‬ ‫بن ع�ساكر»‪« ،‬النعيمي‪ ،‬مرجع مذكور‪ ،‬جزء‬ ‫‪ 13‬حوادث عام ‪.»619‬‬

‫االحتفال بختم الطفل القر�آن‬

‫امل��وك��ب ال��ذي يت�شكل م��ن �صاحب ال��دي��وان‬ ‫وال��والة واحلجاب والأكابر و�أرب��اب املنا�صب‬ ‫�إىل املدر�سة‪ ،‬حيث يجل�س املدر�س على �سدة‬ ‫التدري�س ويلقي در�سه االفتتاحي يف احتفالية‬ ‫ن��ادرة ال تخلو من مظاهر الأبهة والفرجة‪،‬‬ ‫تنتهي غالبا مب��أدب��ة �أو �شراب حلو وحلوى‬ ‫ي�ستمتع ب�أكلها الطلبة و�سائر احلا�ضرين‪،‬‬ ‫وفق ًا ملا �أورده عبد القادر بن حممد النعيمي‬ ‫يف كتابه «الدار�س يف تاريخ املدار�س» حتقيق‬ ‫ج�ع�ف��ر احل �� �س��ن‪ ،‬مطبعة ال�ت�رق��ي‪ ،‬دم�شق‬ ‫‪ 1948‬جزء ‪� 3‬ص‪98‬‏‪ .‬‏وكان يح�ضر الدرو�س‬ ‫احلكام والأمراء والأعيان والق�ضاة وغريهم‪،‬‬ ‫ويجل�سون وفق ترتيب معني بح�سب مكانتهم‬ ‫االج �ت �م��اع �ي��ة‪ ،‬ف�ح�ين اف�ت�ت��ح ج �م��ال ال��دي��ن‬ ‫امل�صري الدر�س باملدر�سة العادلية الكربى‬

‫ع��ام ‪« 619‬ح�ضر عنده ال�سلطان املعظم‪،‬‬ ‫فجل�س يف ال�صدر‪ ،‬وعن �شماله القا�ضي‪ ،‬وعن‬ ‫ميينه �صدر الدين احل�صريي �شيخ احلنفية‪،‬‬ ‫وكان يف املجل�س ال�شيخ تقي الدين بن ال�صالح‬ ‫�أمام ال�سلطان‪ ،‬وال�شيخ �سيف الدين الأمدي‬ ‫�إىل جانب املدر�س‪ ،‬واىل جانبه �شم�س الدين‬ ‫بن �سناء الدولة‪ ،‬ويليه النجم خليل قا�ضي‬

‫كان الصبيان في‬ ‫المكتب يحتفلون‬ ‫بختمتين‪ ..‬الصغرى هي‬ ‫االحتفال بحفظ سورة‬ ‫البقرة والكبرى حين‬ ‫يحفظون القرآن الكريم‬ ‫كام ً‬ ‫ال‬

‫طلب العلم ك��ان يبد�أ يف ال�ع��ادة يف املرحلة‬ ‫التي نطلق عليها بلغة الع�صر مرحلة الطفولة‬ ‫امل �ت ��أخ��رة ال �ت��ي ت �ب��د�أ يف ال�غ��ال��ب يف ال�سن‬ ‫ال�ساد�سة �أو ال�سابعة‪ ،‬ففي هذه ال�سن يكون‬ ‫الطفل ق��ادر ًا على «التحمل» �أي تلقي العلم‬ ‫و�سماعه و�أخذه عن ال�شيخ ووعيه‪.‬‬ ‫وي�شرع الطفل عند انخراطه يف املكتب يف‬ ‫حفظ �سور القر�آن الكرمي وتعلم الهجاء‪ ،‬حتى‬ ‫يحذق هذه الأمور‪ ،‬وال ي�أتي عليه �سن البلوغ‬ ‫حتى يكون ق��د ح��ذق ال �ق��ر�آن وق��واع��د اللغة‬ ‫واحل�ساب‪ ،‬وحفظ �أه��م املتون والن�صو�ص‬ ‫الأ�سا�سية التي ت�ؤهله لطلب العلوم العليا‬ ‫وامل�شاركة يف جمال�س العلم التي تعقد يف‬ ‫امل�ساجد �أو امل��دار���س العلمية ك��دور القر�آن‬ ‫واحل��دي��ث وال�ف�ق��ه‪ ،‬فيبد�أ حياة ج��دي��دة يف‬ ‫�سبيل حت�صيل العلم والرقي �إىل رتبة العلماء‪.‬‬ ‫ك��ان ال�صبيان يف امل�ك�ت��ب يحتفلون بعدة‬ ‫منا�سبات‪ ،‬و�أه��م ه��ذه املنا�سبات اخلتمة؛‬ ‫وهي احلفل الذي يقام مبنا�سبة �إمتام �أحد‬ ‫ال�صبية حفظ القر�آن الكرمي كله �أو بع�ضه‪،‬‬ ‫وال��ذي ظل تقليد ًا متوارث ًا قائم ًا يف البالد‬ ‫العربية �إىل ع�صر م�ت��أخ��ر‪ ،‬وك��ان��ت هناك‬ ‫ختمتان‪ ،‬واح ��دة �صغرى والأخ� ��رى ك�برى‪.‬‬ ‫فال�صغرى هي االحتفال بحفظ �سورة البقرة‪.‬‬ ‫�أحيانا كان يقام احلفل يف منزل ال�صبي‪،‬‬ ‫خا�صة �إذا كان مي�سور احلال‪ ،‬وي�سمى احلفل‬ ‫«جايبوه» ويح�ضره �أ�صدقاء الطفل و�أقاربه‬ ‫وين�شد احلا�ضرون يف احلفل جماعة وب�إيقاع‬ ‫خا�ص الق�صيدة التي مطلعها‪:‬‬ ‫جايبوه جايبوه‬ ‫يا فرحة مياه وبوه‬ ‫�أم��ا اخلتمة ال�ك�برى فحني يحفظ ال�صبي‬ ‫القر�آن كله؛ وت�سمى يف بالد اخلليج العربي‬


‫«التحميدة» وتتعطل الدرا�سة باملكتب‪ ،‬يطوف‬ ‫�صبيان املكتب باحلي رفقة معلمهم يجمعون‬ ‫الأع��ط��ي��ات ال �ت��ي ت�غ�ط��ي ن �ف �ق��ات احل �ف��ل‪،‬‬ ‫ويرددون �أبيات ًا من ال�شعر تتغنى بحمد اهلل‬ ‫على نعمة الإ��س�لام ومتتدح حافظ القر�آن‬ ‫و�شيخه وت�ستحث همم النا�س على البذل‬ ‫وال�ع�ط��اء �إك��رام � ًا للطلبة وخل��امت ال �ق��ر�آن‪،‬‬ ‫وي��ردد ال�صبيان والنا�س لفظ �آمني بعد كل‬ ‫�شطر منها‪ ،‬لذلك يطلق عليها �أي�ضا لفظ‬ ‫«التومينة»‪:‬‬ ‫احلمد هلل الذي هدانا «�آمني»‬ ‫للدين والإ�سالم واجتبانا «�آمني»‬ ‫�سبحانه من خالق �سبحانه‬ ‫بف�ضله علمنا القر�آنـــــا‬ ‫نحمده وحقه �أن يحمدا‬ ‫ما ظهر الزهر وما طاح الندى‬ ‫ثم ال�صالة كلما احلادي حدا‬ ‫على النبي الها�شمي حممدا‬ ‫هذا غالم قد قر�أ وقد كتب‬ ‫وقد تعلم الر�سائل واخلطب‬ ‫تق�صر يا ابن �أ�شراف العرب‪ ‬‬ ‫وال ّ‬ ‫واطرح على اللوح دراهم وذهب‬

‫هم وغ�ضب‪ ‬‬ ‫وال يكن طرفك ٌ‬ ‫فاهلل يعطي ثم مينح ويهب‬ ‫ق�صرا‪ ‬‬ ‫علمني معلم ما ّ‬ ‫رددين يف در�سه وكررا‬ ‫�إين تعلمت كتاب ًا �أكــربا‬ ‫حتى قر�أت مثله كما قرا‬ ‫جزاك اهلل يا والدي اجلنانا‬ ‫و�شيد اهلل لك البنيانا‬ ‫اجلد واجلدة ال تن�ساهما‪ ‬‬ ‫فعند ربي جزاهما‬ ‫يف جنة اخللد مع الولدانا‬ ‫يف ب�لاد �أخ ��رى ك��ال�ع��راق وم�صر وامل�غ��رب‬ ‫ت� ��وارث ال �ن��ا���س ط�ق��و��س� ًا �أخ� ��رى وم�ظ��اه��ر‬ ‫احتفالية خمتلفة عن هذه‪ ،‬يحتفى بالطفل‬ ‫حافظ ال�ق��ر�آن احتفاء وتقام له زف��ة ت�شبه‬ ‫زف��ة العر�س وت�سمى زف��ة اخل��امت‪ ،‬ويعد لها‬ ‫�إعدادا من قبل املعلم و�أهل الطالب �إذ يزين‬ ‫املعلم لوح التلميذ الذي ختم القر�آن بر�سوم‬ ‫وزخارف جميلة‪ ،‬وبع�ض الآيات الكرمية من‬ ‫القر�آن‪ ،‬وهي يف الغالب �آية الكر�سي ملا لها من‬ ‫االعتبار يف الوجدان ال�شعبي‪ ،‬يحمل ال�صبي‬

‫ه��ذا ال�ل��وح �إىل منزله‪ ،‬و�أح�ي��ان� ًا ميتطي‬ ‫ال�صبي �صهوة فر�س مطهم معد خ�صي�ص ًا‬ ‫للمنا�سبة؛ وهذا املوكب يت�ألف من ال�صبيان‬ ‫رفاق خامت القر�آن الب�سني �أبهى ما لديهم من‬ ‫لبا�س‪ ،‬يحملون الأعالم‪ ،‬م�صحوبني بالفرق‬ ‫املو�سيقية وق��ارع��ي الطبول الذين يرق�ص‬ ‫ال�صبيان على نغمات قرعهم وعزفهم يف‬ ‫مظهر احتفايل نادر‪ ،‬و�أحيانا يكون يف طليعة‬ ‫املوكب قا�ضي البلد والعلماء والفقهاء وعلية‬


‫تاريخ‬ ‫‪124‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫ال�ق��وم وك�ب��ار الطلبة يطوف ب�أحياء و�أزق��ة‬ ‫املدينة‪ ،‬ويختمون جولتهم بالتوقف يف دار‬ ‫ال�صبي خامت القر�آن‪ ،‬حيث ينتظرهم حفل‬ ‫كبري يدعى ل��ه الأق ��ارب واجل�ي�ران وم ��ؤدب‬ ‫املكتب و�صبيانه و�أه��ل املحتفى ب��ه‪ ،‬وتقام‬ ‫الوالئم احتفاء بهذا احلدث العلمي ال�سعيد‬ ‫يف الأ�سرة‪ ،‬ين�شط احلفل املقرئون واملادحون‬ ‫وامل�سمعون و�أهل الف�ضل فيتلى فيها القر�آن‬ ‫وتن�شد ق�صائد املديح النبوي واالبتهاالت‬ ‫«ال �ع��اف �ي��ة‪ ،‬ع�ب��د ال��ق��ادر‪ :‬احل �ي��اة الثقافية‬ ‫ب�شف�شاون‪ ،‬ن�شر وزارة الأوق ��اف وال�ش�ؤون‬ ‫الإ�سالمية الرباط ‪� ،1982‬ص ‪ ،»182‬وجرى‬ ‫التقليد �أن تن�شد يف احلفل ق�صيدة حبيبنا‬ ‫التي مطلعها‪:‬‬ ‫حبيبنا يا حممد‬ ‫ال�صالة على حممد‬ ‫وعند نهاية احلفل ينرث امل��دع��وون القطع‬ ‫النقدية على لوح الطالب املزخرف خ�صي�ص ًا‬ ‫للمنا�سبة‪ ،‬ي�ت�برع امل��دع��وون بتلك النقود‬

‫كان الحكام واألمراء‬ ‫واألعيان والقضاة‬ ‫وغيرهم يحضرون‬ ‫الدروس ويجلسون وفق‬ ‫ترتيب معين بحسب‬ ‫مكانتهم االجتماعية‬ ‫�إكرام ًا ملعلم ال�صبي الذي �أ�شرف على تلقينه‬ ‫القر�آن الكرمي وحتذيقه‪.‬‬ ‫ومن لطيف ما ذكره بع�ض امل�ؤرخني �أن عامل‬ ‫مدينة فا�س يف ع�صر بني مرين هو الذي كان‬ ‫يتكلف بتوفري احل�صان واللبا�س لل�صبيان‬ ‫الذين ختموا ال�ق��ر�آن‪� ،‬إذ يعريه لهم خالل‬ ‫احتفالهم بختم ال�ق��ر�آن تخفيفا عنهم من‬ ‫عناء ال�شراء‪.‬‬ ‫�إنها مظاهر احتفاء تدل على الأهمية التي‬ ‫توليها الأ�سرة خلتم ال�صبي للقر�آن‪ ،‬وعلى‬ ‫املكانة التي يحظى بها التعليم‪ ،‬وكانت اخلتمة‬ ‫مبثابة اح�ت�ف��اء بالعلم‪ ،‬والعناية بطقو�س‬ ‫الفرجة الفنية و�شروطها؛ �إال �أننا نعتقد �أن‬ ‫هذا مل يكن �أمرا متاحا جلميع الأ�سر‪ ،‬ففي‬

‫القرى والأو�ساط الفقرية كان يكتفى مبظاهر‬ ‫احتفالية ب�سيطة يف غالب الأحيان‪.‬‬

‫نزاهة «�سلطان الطلبة»‬

‫كانت القراءة على العادة يف املغرب الأق�صى‬ ‫تبتدئ م��ع ح�ل��ول ف�صل ال���ش�ت��اء‪ ،‬وت�ستمر‬ ‫حتى ف�صل الربيع‪ .‬حيث يحظى التالميذ‬ ‫بفرتة ا�سرتاحة وا�ستجمام‪ ،‬ومن �أهم وجوه‬ ‫اال�ستجمام امل�شهورة يف املغرب «النزاهة»‬ ‫وه��ي اخلرجة �إىل عر�صة �أو حديقة‪ ،‬حيث‬ ‫ك��ان من ع��ادة بع�ض املدر�سني اخل��روج مع‬ ‫تالميذهم يف نزهات �إىل عر�صاتهم‪ ،‬للرتويح‬ ‫عنهم ودفعا للتعب املرتتب عن الدر�س‪.‬‬ ‫ومن �أ�شهر «النزاهات» الطالبية يف املغرب‬ ‫ت�ل��ك امل���س�م��اة «��س�ل�ط��ان ال�ط�ل�ب��ة» ال�ت��ي ك��ان‬ ‫يقيمها الطلبة بجامعة القرويني بفا�س خالل‬ ‫عطلتهم الربيعية‪ ،‬وكانت بحق عيدا كبري ًا‬ ‫وا�ستعرا�ض ًا فني ًا بهيج ًا‪ ،‬ويقال �إن ال�سلطان‬ ‫العلوي املوىل ر�شيد م�ؤ�س�س الدولة العلوية هو‬


‫�سلطان الطلبة يف موكبه الر�سمي‬

‫الذي �سنّ لهم هذا العيد منذ عام ‪1666‬م؛‬ ‫وظل منذ ثالثة قرون منا�سبة لتكرمي طالب‬ ‫والعال وكل ما له عالقة بالعلم‪ ،‬هذا‬ ‫العلم‬ ‫مِ‬ ‫الطق�س ال��ذي ا�ستمر تنظيمه بفا�س �إىل‬ ‫حدود �سنة ‪1968‬م‪.‬‬ ‫يف احلفل ين�صب الطلبة واحد ًا منهم �سلطاناً‬ ‫عليهم طيلة �أ�سبوع‪ ،‬ويختار حا�شيته ووزراءه‪،‬‬ ‫وتكون له نف�س مظاهر الأبهة واالحرتام التي‬ ‫تكون مللك البالد‪ ،‬ويحاط باحلجاب واحلرا�س‬ ‫الذين يبعث بهم ال�سلطان الر�سمي‪ ،‬وي�صلي‬ ‫يف جامع الأن��دل����س �صالة اجلمعة وبكيفية‬ ‫ر�سمية يح�ضرها جمهور �أه��ل فا�س‪ ،‬وتغلق‬ ‫ال��دك��اك�ين ي��وم احلفل �أب��واب�ه��ا‪ ،‬ويخ�ص�ص‬ ‫له لقاء ر�سمي مع ملك البالد يف حفل عام‬ ‫كبري باملكان الذي تن�صب فيه �سرادق احلفل‪،‬‬ ‫ويقدم يف هذا اللقاء �سلطان الطلبة �إىل ملك‬ ‫البالد طلب ًا يحظى بقبول امللك‪.‬‬ ‫مع حلول ف�صل الربيع من كل �سنة‪ ،‬يتخذ‬ ‫قدماء الطلبة قرارهم بتنظيم النزاهة‪ ،‬ثم‬ ‫يعلمون ال�سلطة برغبتهم يف االحتفال‪ ،‬ال‬

‫تنطلق مرا�سيم االحتفال �إال مبوافقة �سلطان‬ ‫ال �ب�لاد ال ��ذي ي��ر��س��ل للطلبة �إذن���ا مكتوبا‬ ‫يرخ�ص لهم �إقامة مملكتهم الوهمية واختيار‬ ‫�سلطان يحكمها طيلة مدة النزاهة‪.‬‬ ‫يبد�أ احلفل بعر�ض دلاّ ل �سوق الكتب تاج‬ ‫ال�سلطنة يف امل��زاد العلني بعد �صالة ع�صر‬ ‫ي��وم الأرب �ع��اء‪ ،‬لتتوقف مناداته عند الثمن‬ ‫الذي ر�سا عليه املزاد‪ ،‬وليتم �إعالن الطالب‬ ‫الذي عادت �إليه ال�سلطنة‪ .‬ويتم اختيار هذا‬ ‫التوقيت لعر�ض تاج ال�سلطنة ل�ضمان ح�ضور‬ ‫وم�شاركة اجلمهور الغفري من العائدين من‬ ‫ال�صالة‪� ،‬سعيا لإجناح هذه التظاهرة ورغبة‬

‫كان الصبيان يطوفون‬ ‫بالحي رفقة معلمهم‬ ‫يجمعون األعطيات التي‬ ‫تغطي نفقات الحفل‬ ‫ويرددون أبيات ًا من الشعر‬ ‫تتغنى بحمد اهلل على‬ ‫نعمة اإلسالم وتمتدح‬ ‫حافظ القرآن وشيخه‬

‫يف خلق فر�ص كثرية لرفع �سعر التاج‪ .‬يكلف‬ ‫ب��إح�ي��اء مرا�سيم امل��زاد العلني دالل �سوق‬ ‫الكتب من خالل نداءاته يف �إط��ار مرا�سيم‬ ‫البيع التي ي�شرف عليها ال��دالل‪ ،‬ويف و�سط‬ ‫جموع الطلبة‪.‬‬ ‫بر�سو ثمن تاج ال�سلطنة على �آخر مزايد مو�سر‬ ‫من بني الطلبة املتناف�سني على اقتنائه يتم‬ ‫اختيار الطالب الذي �سيحظى بهذا ال�شرف‬ ‫ويعتلي عر�ش مملكة الطلبة‪ ،‬ثم بعد ذلك‬ ‫يتم ال�شروع يف ن�صب خيام �سلطان الطلبة‬ ‫على هيئة مدينة برمتها‪ :‬فخيمة كبرية متثل‬ ‫دار املخزن و�أخ��رى امل�سجد اجلامع‪ ،‬فخيام‬ ‫�أحياء الطلبة والزوار يف منتجع على �ضفاف‬ ‫وادي فا�س �أو مكان مالئم غ�يره‪ ،‬ثم تبد�أ‬ ‫مرا�سيم تن�صيب هذا ال�سلطان‪ ،‬ب�أن يركب‬ ‫ج��واد ًا مطهم ًا وترفع املظلة فوق ر�أ�سه ومن‬ ‫حوله احلراب يحملها رجال احلر�س امللكي‬ ‫وتتقدمه مو�سيقى ع�سكرية ثم قواد «امل�شور»‬ ‫فر�سان ًا حاملني ال�سيوف وتتلوه حا�شيته‬ ‫وجمهور غفري من رعاياه الطلبة م�شاة على‬


‫تاريخ‬ ‫‪126‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫�صورة قدمية الحتفاالت �سلطان الطلبة‬

‫الأرج��ل ثم �أ�صحاب الطبول وامل��زام�ير يف‬ ‫م�شهد ال ي�ك��اد يختلف ع��ن م�شهد امللك‬ ‫احلقيقي للبالد يف كامل �أبهته الربوتوكولية‬ ‫التقليدية‪ ،‬ثم يتوجه مبوكبه احلافل يف يوم‬ ‫اجلمعة امل ��وايل ل�ي��وم تتويجه �إىل م�سجد‬ ‫الأن��دل�����س ل� �ي� ��ؤدي � �ص�لاة اجل �م �ع��ة‪ ،‬ال�ت��ي‬ ‫تقلد خطبة اجلمعة �أ�سلوب ًا‪� ،‬أم��ا امل�ضمون‬ ‫فكله ه��زل و�سخرية ت��دور ح��ول امل��أك��والت‬ ‫وامل���ش��روب��ات‪ ،‬وح��ول ول��ع الطلبة ب��ال��زردة‬ ‫وم�ستهلها «احل�م��د هلل ال��ذي ب��دا الأك ��وان‬ ‫�سواها‪ ،‬وجعل الأ�ضرا�س والأ�سنان مل�ضغ‬ ‫امل�أكوالت وقواها‪ ،‬ن�شهد �أنه اهلل الكائن قبل‬ ‫كل �شيء وحده‪� ،‬شهادة من قطع ليله ونهاره‬ ‫يف طلب ال��زردة‪ ،‬ون�شهد �أن �سيدنا حممد‬ ‫عبده ور�سوله‪ ،‬املحبوب احلبيب‪ ،‬الذي جاء‬ ‫ب�شريعة �أحلى من الأتاي باحلليب‪ ،‬وعلى اله‬ ‫الكرام‪ ،‬و�أ�صحابه املتبعني �أث��ره يف �إعطاء‬ ‫الطعام‪� ،‬صالة و�سالما ننال بهما جميع‬ ‫فواكه الأجنان والب�ساتني‪ ،‬من عنب وخوخ‬

‫وتفاح وت�ين؛ من يطع اهلل ور�سوله نال من‬ ‫الزردة امل�أمول‪ ،‬ومن يع�ص اهلل ور�سوله فال‬ ‫ي ��ؤذن له ملحل ال��زردة بالدخول»‪ .‬وال��زردة‬ ‫هي الوليمة بلغة املغاربة‪.‬‬ ‫ثم يلتحق ب�ضريح �سيدي ح��رازم التما�س ًا‬ ‫للربكة وترحم ًا على روح ال�سلطان املوىل‬ ‫ر��ش�ي��د دف�ي�ن ��س�ي��دي ح� ��رازم‪� ،‬أث �ن��اء ه��ذه‬ ‫الزيارة يقوم الطلبة ببيع التمر للمارة‪ ،‬على‬

‫يحتفى بالطفل حافظ‬ ‫القرآن احتفاء وتقام‬ ‫له زفة تشبه زفة العرس‬ ‫وتسمى زفة الخاتم‪،‬‬ ‫ويعد لها إعدادا من قبل‬ ‫المعلم وأهل الطالب إذ‬ ‫يزين المعلم لوح التلميذ‬ ‫الذي ختم القرآن برسوم‬ ‫وزخارف جميلة‪ ،‬وبعض‬ ‫اآليات الكريمة من القرآن‬

‫�أ�سا�س �أن تلك الفاكهة تزكيها بركة خا�صة‪،‬‬ ‫ويف الغد يتكون املوكب ثم يق�صد �ضفاف‬ ‫وادي ف��ا���س‪ ،‬ح�ي��ث يعقد �سلطان الطلبة‬ ‫جمل�سه حماطا ب��وزرائ��ه‪ ،‬وناظر الأحبا�س‬ ‫وامل �ح �ت �� �س��ب‪ ،‬ح �ي��ث ي �ت��م ت��وق �ي��ع ال��ر��س��ائ��ل‬ ‫امل�خ��زن�ي��ة وال �ظ �ه��ائ��ر ال���ش��ري�ف��ة املختومة‬ ‫بخامته اخل��ا���ص‪ ،‬املت�ضمنة لأوام� ��ره �إىل‬ ‫الب�شوات والقياد ورج��ال املخزن املركزي‪،‬‬ ‫وال ت�خ�ل��و ه ��ذه امل��را� �س�ل�ات م��ن ع �ب��ارات‬ ‫ه��زل بباطنها �سخرية وانتقاد لت�صرفات‬ ‫�أعوان املخزن احلقيقي يف جمال التع�سف‪:‬‬ ‫«خ��ادم�ن��ا الطالب الأر� �ض��ي القائد ال�سيد‬ ‫حم�م��د ب��ن �سعيد وف�ق��ك اهلل «‪ »...‬وب�ع��د‪:‬‬ ‫فاعلم ب��أن �سيدنا �سلطان الطلبة قد جاد‬ ‫علينا بالنزاهة يف واد اجلواهر‪ ،‬والآن قد‬ ‫رتب عليك مائة �ألف قنطار‪ ،‬لأنه �أراد جتهيز‬ ‫اجلي�ش للحركة ومل يجد ما يجهز به‪ .‬لأنه‬ ‫رجل معدم‪ ،‬هذه مدة طويلة وهو يف املدر�سة‬ ‫لقراءة ال�شيخ خليل و�ألفية ابن مالك‪ ،‬والآن‬


‫�أد ما وجب عليك من الهدية‪ ،‬و�إال لزمتك‬ ‫العقوبة ال�شديدة لأنه رجل ظامل على �أكل‬ ‫اللحم و�شرب ا ألت��اي‪ ».‬بهذه الطريقة تكون‬ ‫حفلة �سلطان الطلبة حفلة احلرية املخولة‬ ‫للطلبة طيلة الأ�سبوع‪ .‬ويبيحون لأنف�سهم‪،‬‬ ‫يف خ�ط��ب ت�ل�ق��ى ور� �س��ائ��ل خم��زن�ي��ة ت��وزع‪،‬‬ ‫ات�خ��اذ ال�سخرية كو�سيلة الن�ت�ق��اد �أرب��اب‬ ‫املخزن من وزير وناظر �أحبا�س وحمت�سب‬ ‫وقائد قبيلة‪ ...‬وال ي�ستثنون �أنف�سهم من‬ ‫ه��ذه ال�سخرية‪� ،‬إذ تر�سل ر�سائلهم على‬ ‫�سبيل املثال با�سم قبيلة بني " فار" وقبيلة‬ ‫بني "برغوث"‪...‬وت�ؤرخ نف�س الر�سائل بيوم‬ ‫‪ 225‬رم�ضان عام ‪ 8276‬من العهد‪.‬‬ ‫�أم��ا املحت�سب ال��ذي يتم اخ�ت�ي��اره م��ن بني‬ ‫الطلبة الأك�ث�ر ه��زال‪ ،‬في�شرع يف وظيفته‬ ‫التي ميار�س من خاللها واجباته كمراقب‬ ‫عام‪ ،‬يجوب �أرجاء املدينة يراقب املحالت‬ ‫ال �ت �ج��اري��ة‪ ،‬وي �ط��ال��ب �أ� �ص �ح��اب �ه��ا ب � ��أداء‬ ‫ال�ضرائب املفرو�ضة عليهم‪ ،‬حر�ص ًا على‬ ‫جلب االهتمام وامل�شاركة ال�شعبية وجمع‬ ‫�أك�بر ق��در ممكن م��ن الإك��رام �ي��ات‪ ،‬ولأج��ل‬ ‫ذل��ك ي��رت��دي ه��ذا املحت�سب زي��ه الر�سمي‬ ‫ال� ��ذي ه ��و ح �ل��ة خ��ا� �ص��ة يف ه �ي �ئ��ة م�ث�يرة‬ ‫لل�ضحك‪ :‬يجعل على عنقه �سبحة من التني‬ ‫املجفف يلتهم منها الواحدة تلو الأخرى من‬ ‫حني لآخر‪ ،‬ويتجول هكذا يف �شوارع املدينة‬ ‫راكب ًا بغلة ووا�ضع ًا �أمامه �صندوق ًا يجمع‬ ‫فيه الأم��وال املتح�صلة من الغرامات التي‬ ‫يفر�ضها على �صغار التجار وكبارهم يرتبها‬ ‫عليهم يف عني املكان نتيجة غ�ش مزعوم يف‬ ‫الب�ضائع �أو امل��واد التي يبيعونها �أو نتيجة‬ ‫اختالل يف املوازين واملقايي�س �أو زي��ادة يف‬ ‫الأ�سعار �أو غ�يره‪ ،‬وال يعدم ه��ذا املحت�سب‬ ‫احليلة يف اكت�شاف مربر لتلك الغرامات‪،‬‬ ‫ل�سرعة بديهته وخفة ظله ي�ؤديها التجار‬ ‫را�ضني بحكمه اجلائر غري متربمني بتع�سفه‬ ‫عنهم مبادلني �إياه �ضحك ًا ب�ضحك‪ ،‬وواثقني‬ ‫ب�أن ما ي�ؤدون من غرامات �إمنا هو م�ساهمة‬ ‫كرمية يفر�ضها مبد�أ الت�ضامن ال�شعبي يف‬ ‫تغطية نفقات كثرية تتطلبها فرجة ممتعة‬ ‫�أبطالها الطلبة واملثقفون ي�شاطرهم املتعة‬

‫لوح ختمة‬

‫من أشهر النزاهات‬ ‫الطالبية في المغرب‬ ‫تلك المسماة «سلطان‬ ‫الطلبة» التي كان‬ ‫يقيمها الطلبة بجامعة‬ ‫القرويين بفاس خالل‬ ‫عطلتهم الربيعية‬ ‫بها كل �أهايل مدينة فا�س العريقة الرائعة‪.‬‬ ‫وتبلغ ن��زاه��ة �سلطان الطلبة �أوج �ه��ا يف‬ ‫اليوم اخلام�س �أو ال�ساد�س بزيارة ال�سلطان‬ ‫احل �ق �ي �ق��ي مل�خ�ي��م ال �ط �ل �ب��ة ح �ي��ث يقيمون‬ ‫مملكتهم املرحة‪ ،‬مرفق ًا مبخزنه وحا�شيته‬ ‫وب �ه��داي��اه ال�ت��ي ت�ت��أل��ف م��ن �أغ �ن��ام و�أب �ق��ار‬ ‫ودجاج‪ ،‬وكميات هامة من الدقيق وال�سكر‬ ‫وال�شاي التي ت�شكل متوينا �ضروريا للنزاهة‬ ‫دعما ماديا للمملكة اجلديدة التي تتوخى‬ ‫اال�ستجمام والفرجة والرتويح عن النف�س‪.‬‬ ‫ثم يتوجه ال�سلطان نحو خيمة �سلطان الطلبة‬ ‫فيتلقاه حاجب هذا الأخري بالأ�سئلة املرحة‪.‬‬ ‫قبل �أن ي�ؤذن له مبقابلة �سلطان الطلبة‪ ،‬ثم‬ ‫فج�أة ينقطع امل��رح والفكاهة والعبث حني‬ ‫تتم املقابلة بني ال�سلطان احلقيقي و�سلطان‬ ‫الطلبة‪ ،‬ويرتجل �سلطان الطلبة من �أعلى‬ ‫ظهر ح�صانه ليقبل ركاب امللك‪ ،‬ويتقدم له‬

‫لوح ختمة قدمي‬

‫مبطلب يلتم�س منه حتقيقه‪.‬‬ ‫ويف �أثناء احلفل يعقد الطلبة حلقات ثقافية‬ ‫تلقى فيها اخلطب والق�صائد ال�شعرية وغري‬ ‫ذلك من فنون الأدب‪ ،‬وما �إن تنق�ضي الليلة‬ ‫ال�سابعة‪ ،‬حتى يكون من �صالح الطالب �أن‬ ‫يغادر عر�شه‪ ،‬و�إال تعر�ض لل�ضرب بالع�صا‬ ‫من طرف �أع�ضاء حا�شيته الذين ال يرتددون‬ ‫يف القيام بذلك‪ ،‬و كذا ب�إلقائه يف الوادي‪،‬‬ ‫لإ�شعاره بزيف ملكه‪ ،‬وتعطيل �سلطته‪.‬‬ ‫و�إذا ك��ان االح�ت�ف��ال ينطلق م��ن جامعة‬ ‫القرويني‪ ،‬ومب�شاركة طالبها‪ ،‬ف�إن هذا يعني‬ ‫�أنه مت باتفاق علماء القرويني وفقهائها‪ ،‬وقد‬ ‫ثبتت م�شاركتهم وارتيادهم ه��ذا الف�ضاء‬ ‫الذي تتم فيه كل طقو�س التنفي�س والرتويح‪،‬‬ ‫وكيف ال وهو الف�ضاء الذي يزوره ال�سلطان‬ ‫احل�ق�ي�ق��ي وي �� �ش��ارك يف االح �ت �ف��ال امل�ق��ام‬ ‫ب��ه‪ .‬وف�ضال ع��ن م�شاركة ه��ذه العنا�صر‪،‬‬ ‫ي�ستقطب املخيم كثري ًا من العائالت التي‬ ‫ت�شتاق �إىل اال�ستجمام والتف�سح يف ف�صل‬ ‫الربيع البديع‪ ،‬ثم �إن م�شاركة الأ�سرة املالكة‬ ‫يف �إح�ي��اء ه��ذا االحتفال مع ما ي�صاحبها‬ ‫من طقو�س يخلق للظاهرة ت�ألقها امل�شهدي‬ ‫ويربز ح�ضور ال�سلطان احلقيقي وم�شاركته‬ ‫الطلبة والنخبة املتعلمة احتفالهم االهتمام‬ ‫الر�سمي بفئة العلماء‪ ،‬ومب�ؤ�س�سة القرويني‬ ‫ال �ت��ي ت���س�ن��د ب ��دوره ��ا ال��دي �ن��ي ال��وظ�ي�ف��ة‬ ‫ال�سيا�سية للدولة‬


‫إرهاصة‬ ‫‪128‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫الشعر في مواجهة ضجيج الحياة‬ ‫تبدو‬

‫يل الكتابة يف دي��وان «رمب��ا هنا» خللود‬ ‫امل �ع�لا‪ ،‬وك ��أن �ه��ا ط�ق��و���س � �ص��ويف جماهد‬ ‫ي �ح��اول ب �ع��زم ��ش��دي��د �أن يحتفظ ب�صفو روح ��ه يف‬ ‫مواجهة �ضجيج مذهل يف�سد عليه ان�سجامه‪� ،‬أو ك�أنها‬ ‫�صلوات م�ؤمن ي�ستعني بها على �شرور احلياة وي�ستفز‬ ‫بوا�سطتها مكامن القوة والهدوء وال�صرب يف �أغ��وار‬ ‫نف�سه لي�ستطيع موا�صلة الرحلة‪.‬‬ ‫هناك رغبة �شديدة يف االنعتاق من �أ�سر ما ُي�ض ّيق‬ ‫خناقه على ال�شاعرة‪ ،‬وهي بقدر خوفها من اال�ست�سالم‬ ‫لهذا الأ�سر خائفة من �أن تفقد رغبتها يف مقاومته‪،‬‬ ‫وليد عالء الدين وك�أمنا الأ�سر هنا هو ذلك اخلوف الذي مينح احلياة‬ ‫قيمتها‪ ،‬فبقدر ما نرغب يف مقاومته ونحاول‪ ،‬بقدر ما‬ ‫نتحقق‪ ،‬وهو الأمر الذي يربر ذلك اجلمع بني �شعورين‬ ‫يبدوان للوهلة الأوىل نقي�ضني ‪:‬اخل��وف ال�شديد من‬ ‫ال�شيء والرغبة ال�شديدة يف ا�ستمراره‪.‬‬ ‫لذلك ف�إن ال�شاعرة جتتهد يف حماوالت الت�شبث بكل‬ ‫ما يخ�صها وي�شبهها لكي يكون عون ًا لها يف مواجهة‬ ‫هذه القوة املذهلة التي ال هم لها �سوى �أن ت�ضع النا�س‬ ‫يف قوالبها‪.‬‬ ‫تتجلى هذه الرغبة ب�شدة يف الديوان بدء ًا من عنوانه‬ ‫«رمب��ا هنا» ال��ذي خلت منه ق�صائد ال��دي��وان ت�أكيد ًا‬ ‫على �أن��ه هاج�سها و�شارتها الأه��م يف رح�ل��ة بحثها‬ ‫املذهل عن خمرج من هذه املتاهة‪ ،‬وتعبري ًا وا�ضح ًا‬ ‫عن حالة القلق وعدم اليقني التي تعاين منها يف هذه‬ ‫الرحلة ال�صعبة‪ :‬رمبا هنا‪ ،‬رمبا هنا‪ ،‬رمبا هنا‪....‬‬ ‫وما زال البحث م�ستمر ًا‪.‬‬ ‫نظرة مت�أنية �إىل مفردات الديوان ت�ؤكد ذلك ال�شعور‬ ‫وتدعمه ب�أمثلة كثرية‪� .‬إال �أن �أبرز ما ميكن احلديث‬ ‫ع�ن��ه كملمح �أ��ص�ي��ل م��ن م�لام��ح ح��ال��ة ال�ب�ح��ث التي‬

‫نحاول ر�صدها يف دي��وان خلود املعال «رمب��ا هنا» هو‬ ‫عالقة ال�شاعرة مع ما تختاره من �أفعال للتعبري عن‬ ‫�أفكارها‪ ،‬مدركة �أو غري مدركة �أن الأفعال يف الأ�صل‬ ‫�صفات و�أن هناك �أفعا ًال ال زمن معني لها‪� ،‬إمنا تدل‬ ‫على العادة والطبيعة امل�ستمرة‪ ،‬وهو حتديد ًا ما �أراه‬ ‫انعكا�س ًا لروح املقاومة التي تتج�سد يف ن�صو�ص هذا‬ ‫الديوان‪.‬‬ ‫تبدو ن�صو�ص «رمب��ا هنا» وك�أنها ر�سائل ت�ؤكد بها‬ ‫ال�شاعرة لنف�سها �أنها ما زالت قادرة على املقاومة‪،‬‬ ‫ان�ه��ا ت�شبه خيط «اري��ان��ا» ال��ذي ت��أم��ل ال�شاعرة يف‬ ‫�أن يقودها يف رحلتها داخ��ل املتاهة‪ ،‬كما ح��دث مع‬ ‫بطل الإغريق «ثيزيو�س» ال��ذي مل يخرج من متاهته‬ ‫«البرينث» م�سكن الوح�ش «مينوتور» �إال بخيط �أعطته‬ ‫له «اريانا» ابنة امللك الطاغية «مينو�س» �سيد املتاهة‬ ‫و�صاحب الوح�ش‪.‬‬ ‫ت��ؤك��د الأ� �س �ط��ورة �أن امل�ت��اه��ة – وه��ي �أب���ش��ع جتليات‬ ‫الأ�سر حدة ملا حتمله فوق ال�سجن من م�شاعر خوف‬ ‫وقلق و�ضياع‪ -‬حتتاج �إىل �أداة خال�ص‪ ،‬حتى و�إن كانت‬ ‫يف �ض�آلة خيط‪ ،‬طاملا �أن ه��ذا اخليط حتركه رغبة‬ ‫ان�سانية خال�صة يف االنعتاق والتحرر‪ ،‬وال�شعر هو‬ ‫�أداة خلود املعال للخروج من متاهتها‪.‬‬ ‫وامل�شاعر يف املتاهة تختلف عنها يف الأ�سر التقليدي‪،‬‬ ‫ففي الأخري ميكنك االطمئنان على الأقل �إىل وحدتك‪،‬‬ ‫و�أن ترى بعينيك �صراحة حدود �سجنك‪ ،‬و�أن تطمئن‬ ‫�إذا رغبت �إىل م�صريك فت�ست�سلم ل��ه‪� ،‬أم��ا املتاهة‬ ‫ف�إنها �سجن يعطيك الأمل ويحرمك منه يف كل حلظة‪،‬‬ ‫ل�ست تعرف ما الذي ينتظرك مع كل خطوة تخطوها‪،‬‬ ‫ول�ست تعرف �إن كان �أمانك يف �أن ت�سكن �أم تتحرك‪،‬‬ ‫لذلك ف�إنك يف حاجة �إىل مر�شد ونور هاد‪� ،‬إىل �أداة‬


‫تقودك وت�شحذ قدرتك على املقاومة وموا�صلة الطريق‪.‬‬ ‫هكذا �أرى ق�صائد خلود املعال يف ديوانها «رمب��ا هنا»‪،‬‬ ‫�إن �ه��ا رح�ل��ة بحث م�ستمر ع��ن خم��رج م��ن امل�ت��اه��ة‪ ،‬وقد‬ ‫ا�ستدعت تلك احلالة �أن يكون الفعل امل�ضارع هو �سيد‬ ‫املوقف باعتباره يدل على حدث يف احلا�ضر �أو امل�ستقبل‪،‬‬ ‫و�إذا كان املنهج الإح�صائي �سوف يكون مفيد ًا ب�شدة يف‬ ‫ت�أكيد ذلك‪� ،‬إال �أنني لن �أعمد �إىل �إح�صاء عدد املرات‬ ‫التي جل�أت فيها ال�شاعرة �إىل ا�ستخدام الفعل امل�ضارع‬ ‫يف مقابل الأفعال الأخرى‪� ،‬إال �أنني �سوف �أكتفي بت�سليط‬ ‫ال�ضوء على مثالني من الأمثلة النادرة التي جل�أت فيها‬ ‫�إىل ا�ستخدام الفعل املا�ضي بتقنية �سخّ رته بها خلدمة‬ ‫ت�صورها القائم على اال�ستمرارية والنظر �إىل امل�ستقبل‬ ‫اللذين يحققهما الفعل امل�ضارع‪ ،‬يف هذه التقنية تقوم‬ ‫املعال با�ستخدام املا�ضي ال�ستعجال امل�ستقبل للعودة منه‬ ‫�إىل حا�ضرها مبزيد من القوة الدافعة على اال�ستمرار‪،‬‬ ‫تقول يف ق�صيدة «حميط من �أرق» �صفحة ‪ 79‬و ‪: 80‬‬ ‫«�أخذت �أ�ستجمع طاقتي‬ ‫�أت�أمل اخلليقة‬ ‫�أتودد ملا تبقى من هزيع الليل‬ ‫�أجال�س ما م�ضى‬ ‫�أرك�ض بطالقة نحو الأ�شياء التي تخيفني‬ ‫�أجربها‪..‬‬ ‫وحني �أدركت املعنى‬ ‫مار�ست طقو�سي بانعتاق‬ ‫انطلقت نحو ذاكرتي بذراعني مفتوحني‬ ‫تيقنت �أن ال�صدق وريد املحبة‬ ‫و�أنه مبن هم مثلي‬ ‫يتحقق الكمال»‬ ‫هذا اليقني الذي اختتمت به الق�صيدة كان هدفها من‬ ‫ا�ستخدام املا�ضي للقفز على حا�ضرها املجهد لتعود من‬ ‫امل�ستقبل ال��ذي حتلم به مبا يعينها على موا�صلة ال�سري‬ ‫يف املتاهة‪.‬‬ ‫تتكرر ه��ذه التقنية يف ق�صيدة «دون م�ب��االة» وللهدف‬

‫نف�سه تقريب ًا‪� ،‬إال �أن ال�شاعرة تبدو وقد اكت�سبت قدر ًا‬ ‫�أكرب من ال�صالبة حتى ليبدو وك�أنها قد ا�ستطاعت �أن‬ ‫تفوز يف �سباقها امل�صريي‪ ،‬تبد�أ ق�صيدتها مبجموعة من‬ ‫القرارات احلا�سمة‪:‬‬ ‫«لن �أمتدد على فرا�ش الال�شيء‬ ‫لن �أبقى عالقة مبا يرتبه الآخرون‬ ‫لن �أبايل ب�أطباق يقدمها احلظ‬ ‫لن �أ�صدق طالعي �أبداً»‬ ‫هذه القرارات احلا�سمة تبدو وك�أنها خال�صات تدونها يف‬ ‫مذكرتها التي تدون فيها �صلواتها احلامية خالل رحلتها‬ ‫للبحث عن خمرج من متاهتها‪ .‬تقول ‪:‬‬ ‫«�س�أعتلي اليوم قمة املوجة‬ ‫نحو ال�ضفة احلية‬ ‫�أعرب عوا�صف ورعوداً‬ ‫ودون مباالة‬ ‫�أك�شف و�أنك�شف‬ ‫مرتكبة فعل الوالدة من جديد‬ ‫وحني تعانق ال�شم�س �أفقها‬ ‫�أجل�س حتت �شجرة النخيل العامرة‬ ‫�أغ�سل قدري من ب�صمات العابثني‬ ‫�أتفتح كليلكة متوهجة‬ ‫قلب يفي�ض‬ ‫يف بالد تبللها املحبة‬ ‫�أم�شي فيها بال حذر»‬ ‫يبدو يل �أن عبارة «وحني تعانق» هي �صانعة هذه احلالة‬ ‫التي و�صفها الزخم�شري بـ«حكاية احلال» فبينما داللته‬ ‫ال�سياقية تقت�ضي م�ضيه‪ ،‬ف ��إن داللته النحوية تقت�ضي‬ ‫ا��س�ت�ح���ض��اره‪ ،‬وه��و م��ا �صنعته ال���ش��اع��رة ب��ذك��اء حيث‬ ‫ا�ستطاعت �أن ت�ستح�ضر حلظتها املرغوبة وك�أنها حدثت‬ ‫لت�ستمتع بتخيل ما �سوف يحدث بعدها‬


‫حوار‬ ‫‪130‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫ميتلك جمموعة ت�ضم ‪ 7300‬قطعة تراثية‬

‫د‪ .‬أحمد الخوري‪:‬‬

‫مقتنياتي اإلماراتية هدية لمتحف زايد الوطني‬


‫�أبوظبي ‪ -‬فاطمة عطفة‬

‫متثل التحف واملقتنيات الأثرية‬ ‫�أه �م �ي��ة خ��ا� �ص��ة يف ج �ه��ود حفظ‬ ‫ال� � �ت� � ��راث ومت� � �ك �ي��ن الأج � � �ي� � ��ال‬ ‫ال�صاعدة م��ن معرفة تاريخهم‬ ‫ال� ��وط � �ن� ��ي ورب � �ط � �ه� ��م‪� ،‬أف � � � � ��راداً‬ ‫وجماعات‪ ،‬بروح املا�ضي وتركات‬ ‫الأج� � ��داد‪ .‬وت��زخ��ر دول اخل�ل�ي��ج‬ ‫العربي بعدد كبري من هواة جمع‬ ‫واقتناء هذه الكنوز‪� ،‬إىل حد بلغ‬ ‫ب��ال�ب�ع����ض �إىل حت��وي��ل م�ن��ازل�ه��م‬ ‫�إىل متاحف ومعار�ض ملا يقتنونه‬ ‫من تلك القطع املميزة‪ ،‬رغبة يف‬ ‫تعميم ال�ف��ائ��دة منها وم�ساهمة‬ ‫يف رفع الوعي ب�أهمية الرتاث يف‬ ‫حياة الأجيال اجلديدة‪.‬‬ ‫الدكتور �أح�م��د اخل��وري �أح��د املخل�صني‬ ‫لهذه الهواية التي �صاحبته منذ نعومة‬ ‫�أظافره‪ ،‬حيث كانت بدايته منذ �أن كان‬ ‫عمره �سبع �سنوات‪ ،‬مقتفي ًا خطا �أخواله‬ ‫و�أعمامه الذين كانوا يعملون يف جتارة‬ ‫ال �ل ��ؤل ��ؤ وك��ان��وا يف جمال�سهم دائ �م � ًا ما‬ ‫يتحدثون عن بلدانهم و�أن�شطة الزراعة‬ ‫والتجارة و�صيد الل�ؤل�ؤ‪.‬‬ ‫ي �ق��ول اخل� ��وري ‪ :‬ك ��ان � �ض �ي��وف �أخ ��وايل‬ ‫و�أعمامي من التجار يح�ضرون نقودهم‬ ‫الهندية «البيزا والنايا بيزا» فكنت �أقول‬ ‫خل ��ايل‪� :‬أري� ��د ه ��ذه الأ� �ش �ي��اء فيعطيني‬ ‫�إياها‪ .‬وي�ضيف‪ :‬بد�أ ذلك يف وقت مبكر‬ ‫عندما كنت يف املدر�سة الفالحية وهي‬ ‫�أول مدر�سة بالإمارات‪ ،‬ومع الوقت �أخذت‬ ‫�أتكلم مع �ضيوف �أخ��وايل و�أعمامي من‬ ‫التجار و�أق��ول لهم‪�« :‬أن�ت��م لديكم تاريخ‬

‫حلي املر�أة الإماراتية‬

‫�رسير �أطفال قدمي «املنز»‬

‫وتراث ونحن لي�س لدينا»‪ ،‬فكانوا يقولون‪:‬‬ ‫«ال‪� ،‬أنتم لديكم تاريخ �أي�ضا‪ ،‬ونحن لدينا‬ ‫تاريخ وبلدانكم كانت تتاجر مع بلداننا‬ ‫قبل �أربعة �آالف �سنة»‪ .‬بع�ض العراقيني‬ ‫ال ��ذي ��ن ن �ع��رف �ه��م ك ��ان ��وا ي��ق��ول��ون‪ :‬ك��ان‬ ‫النحا�س ي�أتي من بلدكم‪ .‬هناك �إثباتات‬ ‫الآن مكتوبة �أن النحا�س ك��ان ي��أت��ي من‬ ‫ب�ل�اد ال�ب�ح��ري��ن‪ ،‬وط�ب�ع��ا ه��ذا ك��ان جبل‬ ‫احلجار املوجود ما بني عمان والإمارات‪.‬‬ ‫ل�ك��ن ي��وم ��ض�م��ت ��ش��رك��ة �أدك���و املعلمني‬

‫ننتظر صدور قانون‬ ‫لتنظيم اقتناء اآلثار في‬ ‫اإلمارات حتى نضمن أن‬ ‫تبقى مقتنياتنا داخل‬ ‫بلدنا وال تتسرب إلى‬ ‫الخارج‬

‫و�أكرثهم كانوا من البالد العربية وكنت‬ ‫�أتكلم معهم عن الرتاث وغريه‪ ،‬فيقولون‪:‬‬ ‫�أحمد‪� ،‬أنت �سمعت عن �أم النار؟ فقلت‪:‬‬ ‫ال‪ ،‬فقالوا احلفريات التي قاموا بها يف‬ ‫هذا البلد تبني �أنه على الأق��ل من �ألفني‬ ‫و�سبعمئة �سنة قبل امليالد كانت التجارة‬ ‫من هنا للعراق‪ ،‬النحا�س كله يذهب �إىل‬ ‫هناك حيث املراكب كانت ت�أتي من ناحية‬ ‫وادي ال�سند يف باك�ستان حالي ًا وتذهب‬ ‫للعراق‪ ،‬وم��ن ال�ع��راق لدملون «البحرين»‬ ‫ثم تعود مرة �أخرى‪ ،‬فالنحا�س كان ي�أتي‬ ‫م��ن ت�ل��ك اجل �ه��ات و�أن �ت��م كنتم ت��ري��دون‬ ‫ال�شعري والقمح وغ�ير ذل��ك وه��ذه جتارة‬ ‫ك��ان��ت ما�شية‪ .‬وم��ع ال��وق��ت ‪-‬وك��ي نكون‬ ‫�صريحني‪ -‬لأنه يف �أدكو �أول ما ان�ضمينا‬ ‫كنا نقب�ض معا�ش ‪ 270‬روبية هندي يف‬ ‫ذاك الوقت‪ ،‬بد�أت الهواية مع جمع النقود‬


‫حوار‬ ‫‪132‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫�ألوان �أحبار و�أ�صباغ الأختام‬

‫الف�ضية ثم ذهبت باجتاه الرتاث‪ ،‬وهناك‬ ‫أ�ق��ارب يل كانوا يح�ضرون يل من ر�أ���س‬ ‫اخليمة والفجرية وكانوا يقولون ح�صلناه‬ ‫فلم يكن لهم �شيء ثمني ويعطوين �إياه من‬ ‫دون �أي �شيء‪.‬‬

‫خربة وحماية‬

‫�إن جمع القطع الأثرية واقتناءها يحتاج‬ ‫�إىل م �ع��رف��ة ع�ل�م�ي��ة وخ �ب�رة ت��اري �خ �ي��ة‪،‬‬ ‫ف�ك�ي��ف يتمكن مقتني ه��ذه ال�ت�ح��ف من‬ ‫الوثوق ب�صحتها؟ يو�ضح الدكتور �أحمد‬ ‫ه��ذه امل�س�ألة‪« :‬اخل�برة املعرفية ت�أتي مع‬ ‫الأي��ام‪ ،‬فالأ�شياء الفخارية عليها مادة‬ ‫ا�سمها �سيكلز منها ميكن متييز القدمي‬ ‫من اجلديد‪ ،‬ومهما حاولتي �أن مت�سحيها‬ ‫هي ال مت�سح‪ .‬وبالن�سبة للف�ضيات خا�صة‬ ‫ال �ن �ق��ود‪� ،‬إن رم �ي��ت ال�ق�ط�ع��ة ‪�-‬إن كانت‬ ‫قدمية ال ت�صدر �صوتا‪ ،‬و�إن كانت جديدة‬ ‫ت�صدر �صوت ًا‪ ،‬لكن هناك نا�س �أذكياء‬ ‫ي�ضعون على القطع ال�ن�ق��دي��ة �شيء‬

‫�شكل الأختام قدميا ً‬

‫ب���س�ي��ط م��ن ال�ب�لا��س�ت�ي��ك ك��ي ال ت�صدر‬ ‫�أي ��ص��وت لكنها تنك�شف‪ .‬و�أن ��ا �أعتمد‬ ‫على ر�أي اخل�براء لتمييزها والت�أكد من‬ ‫تاريخها‪ ،‬فهذا �شيء ال ميكن �أن نعتمد به‬ ‫دائما على �أنف�سنا مئة باملئة»‪.‬‬ ‫ولكن بالإ�ضافة للخربة العلمية‪ ،‬تتطلب‬ ‫التحف الأث��ري��ة عناية ك�ب�يرة حلمايتها‬

‫واملحافظة عليها‪ ،‬والدكتور �أحمد لديه‬ ‫قطع كثرية وبع�ضها يرجع تاريخه لآالف‬ ‫ال�سنني‪ ،‬فكيف يحافظ على هذه الكنوز‬ ‫م��ن التقليد وال�سرقة؟ ي�ق��ول‪« :‬ل��دي كم‬ ‫قطعة تقليد ا�شرتيتها‪ ،‬ول�ك��ن اخل�براء‬ ‫ال��ذي��ن ر�أوه � ��ا �أك � ��دوا يل �أن��ه��ا لي�ست‬ ‫�أ�صلية‪ ،‬وت�أكدت من احلقيقة من املتحف‬ ‫ال�بري �ط��اين لأن ه ��ذه الأغ���را����ض كنت‬ ‫�آخذها معي �إىل بريطانيا‪ ،‬ف�أنا در�ست‬ ‫هناك ملدة خم�سة ع�شر عاما‪ .‬لكن الآن‬ ‫ب��د�أت �أع��رف القليل بنف�سي كما �أ�ستعني‬ ‫باخلرباء الذين يعرفون مئة باملئة‪� .‬أما‬ ‫بالن�سبة حلماية القطع النادرة‪ ،‬ف�أنا �أفكر‬ ‫بها ويوم ي�صدر قانون يف البلد للحماية‪،‬‬ ‫ف�سوف �أق ��وم بعملية ج��رد ل�ه��ذه القطع‬ ‫و�أع�ط��ي ال��دائ��رة املخت�صة ه��ذا اجل��رد‪،‬‬ ‫و�أقول لهم هذه القطع يل فيوافقون على‬ ‫ت�سجيلها‪ .‬بع�ض ه��ذه القطع من البلد‪،‬‬ ‫وال�ب�ع����ض الآخ ��ر م��ن الأ� �ص��دق��اء ال��ذي��ن‬ ‫�أعطوها للأهل»‪.‬‬


‫نقود �أموية وعبا�سية‬

‫ه�ن��اك م ��زادات عاملية تعتمد على‬ ‫��ص�ك��وك م��وث�ق��ة يف ال�ب�ي��ع وال���ش��راء‪،‬‬ ‫ف�ك�ي��ف ي �ت �ع��ام��ل � �ص��اح��ب ه ��ذا ال�ك�ن��ز‬ ‫الأث� ��ري يف م �ث��ل ه ��ذه احل��ال��ة؟ يجيب‪:‬‬ ‫«ج��اءين �أ�شخا�ص ي��ري��دون �أن ي�شرتوا‪،‬‬ ‫�أتوا من ال�سعودية ومن دول �أخرى‪ ،‬فقلت‬ ‫لهم‪ :‬ه��ذه التحف ال �أري��د �أن تخرج من‬ ‫البلد لأننا يف الوقت احلا�ضر ال نحتاج‬ ‫ل �ن �ق��ود‪ ،‬ويف امل���س�ت�ق�ب��ل ��س�ي�ك��ون ل��دي�ن��ا‬ ‫متاحف مثل متحف ال�شيخ زايد الوطني‪،‬‬ ‫فلماذا نبيعها لأ�شخا�ص �آخرين؟ يجب �أن‬ ‫تبقى يف البلد وملكا للبلد‪� .‬أما بالن�سبة‬ ‫حلمايتها من التلف‪ ،‬فقد و�ضعت مكيفا‬ ‫و�أنا �أعمل على تنظيفها بنف�سي‪ ،‬وهناك‬ ‫ب�ع����ض ال�ق�ط��ع ال �ت��ي مي�ك��ن �أن تتعر�ض‬ ‫ل�ل�ت�ل��ف و��ض�ع�ت�ه��ا يف ��ص�ن��ادي��ق وغلفتها‬ ‫كالفخاريات القدمية وامل�صاحف‪ ،‬وقد‬ ‫و�ضعت لها �سلك اجلالية �ضد الرطوبة‬ ‫و�أغلقت عليها»‪.‬‬ ‫ولأن ه��ذه ال��ذخ��ائ��ر ال�تراث�ي��ة ال�ت��ي تعد‬ ‫ب � ��الآالف حت �ت��اج �إىل ��س�ج��ل و�أر� �ش �ف��ة‪،‬‬ ‫و�صاحبها �ساهر على حفظها بحر�ص‬ ‫يقول‪« :‬ع��دد القطع ح��وايل ‪ 7300‬قطعة‬ ‫ومنها ‪ 2500‬قطعة نقود �إ�سالمية ومن‬ ‫املنطقة‪� ،‬أنا �أملك �أي�ضا نقود �أبو م�سلم‬ ‫اخل��ر� �س��اين‪ ،‬ون �ق��ود احل��ج��اج‪� ،‬إ��ض��اف��ة‬ ‫لنقود املهلب بن �أبي �صفرة»‪.‬‬ ‫ث��م ي�شري �إىل زاوي ��ة ال�ن�ق��ود وي �ع��ود �إىل‬ ‫�صفحات التاريخ الأموي مو�ضحا‪« :‬طبعا‬ ‫الفتح الإ�سالمي بد�أ من اجلزيرة العربية‬ ‫ب ��اجت ��اه ال � �ع� ��راق‪ ،‬احل� �ج ��اج ك��ان‬ ‫وايل ال �ع��راق واملهلب ب��ن �أب��ي‬ ‫�صفرة ك��ان وايل خ��را��س��ان‪،‬‬ ‫ويف ت�ل��ك الأي� ��ام ك��ان��ت ه��ذه‬ ‫املنطقة ب�ؤرة م�شاكل بالن�سبة‬ ‫ل �ل��أم� ��وي �ي�ن‪ ،‬واحل� � �ج � ��اج ه��و‬ ‫الوحيد ال��ذي قال �أري��د �أن يكون‬ ‫ا��س�م��ي م�ك�ت��وب� ًا ب��ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬وه��ا هو‬ ‫مكتوب كما ترين‪ :‬احلجاج بن يو�سف‬

‫جموهرات الأعرا�س‬

‫على ه��ذه القطعة‪ ،‬وه��و اال��س��م العربي‬ ‫الوحيد على هذه النقود‪ ،‬حتى املهلب بن‬ ‫�أبي �صفرة ا�سمه غري مكتوب بالعربي بل‬ ‫باللغة الفار�سية القدمية‪ ،‬وال يوجد من‬ ‫نقود احلجاج �إال حوايل �أربع قطع فقط‪،‬‬ ‫وللمهلب لدي ثالث قطع وهي نادرة جدا‪،‬‬ ‫و�أن��ا مت�أكد منها مئة باملئة لأين �أخذتها‬ ‫للمتحف الربيطاين للت�أكد منها»‪.‬‬

‫الحجاج بن يوسف‬ ‫الثقفي طلب كتابة‬ ‫اسمه على عملته‬ ‫باللغة العربية‪ ،‬بينما‬ ‫اسم المهلب بن أبي‬ ‫صفرة مكتوب باللغة‬ ‫الفارسية القديمة‬

‫ولأن امل� ��ر�أة ت�ه�ت��م ب��زي�ن�ت�ه��ا م��ن �أق ��دم‬ ‫الع�صور‪ ،‬فيوجد بني مقتنيات الدكتور‬ ‫اخل ��وري م��ن الأدوات اخل��ا��ص��ة مبظهر‬ ‫امل ��ر�أة و�أن��اق�ت�ه��ا ال�ك�ث�ير‪ ،‬ي�ستعر�ض لنا‬ ‫م��ا ل��دي��ه م � ��ؤك� ��د ًا‪« :‬ن��ع��م‪ ،‬ه �ن��اك قطع‬ ‫للزينة تو�ضع على الر�أ�س �أي��ام الزفاف‬ ‫�أو احل �ف�لات‪ ،‬خ��ا��ص��ة ال �ب��دو يف منطقة‬ ‫ال��ف��ج�ي�رة وم �ن �ط �ق��ة ل� �ي ��وا‪ ،‬وه� ��ي ق�ط��ع‬ ‫�إماراتية مئة باملئة‪ .‬لكن هذه القطع تدل‬ ‫على �أن العري�س يجب �أن يكون غنيا لأنها‬ ‫من عيار ‪ 22‬وعليها نقو�ش كان العري�س‬ ‫يقدمها لعرو�سه كهدية تلب�سها يف ليلة‬ ‫ال��زف��اف وه��ي ت�سمى حلي ال��ر�أ���س‪� .‬أم��ا‬ ‫تلك القطع فهي حلي ف�ضية وهي �أي�ضا‬ ‫للر�أ�س كل واحدة منها حلق جمعوه بهذه‬ ‫الطريقة‪� ،‬أعمار هذه القطع حوايل ‪240‬‬ ‫�سنة » ‪.‬‬ ‫ث��م �أ� �ش��ار �إىل ��ص��ورة ام ��ر�أة على قطعة‬ ‫ن�ق��دي��ة وق ��ال م��و��ض�ح��ا‪« :‬ل��و ن�ظ��رن��ا �إىل‬ ‫هذه ال�صورة فهي �صورة �أرور بنت �أحد‬ ‫��س�لاط�ين ع �م��ان وك��ان��ت ت��رت��دي زينتها‬ ‫�أي��ام امللكة فيكتوريا‪ ،‬لأن امللكة عزمتها‬ ‫�إىل بريطانيا وكانت ترتدي مثلها‪ ،‬حتى‬ ‫النعل اخل�شبي كانت ترتديه يف ال�صورة‪،‬‬ ‫وه��ذا ال يوجد منه اليوم وعمره حوايل‬ ‫‪� 180‬سنة‪� ،‬أي�ضا هناك ع��دد الف�ضيات‬ ‫يبلغ �أك�ثر من �أل��ف قطعة خليجية‪ ،‬وهي‬ ‫قطع قدمية جدا»‪.‬‬ ‫و�أ�� �س� ��أل ��ه �إن ك���ان ه �ن��اك ��ش��يء‬ ‫خ��ا���ص باخلتم ال��ذي تختم به‬ ‫ال�صكوك‪ ،‬ي�ق��ول‪�« :‬أن��ت ر�أي��ت‬ ‫الر�سالة املكتوبة يف �أي��ام ال�شيخ‬ ‫زايد الأول قبل حوايل ‪� -140 130‬سنة فهو‬ ‫كان لديه ختم و�أكرث‪ ،‬الأدباء كان لديهم‬ ‫�أخ �ت��ام ي��وث�ق��ون م��ن خ�لال�ه��ا �أع�م��ال�ه��م‪.‬‬ ‫وكان هذا اخلتم يدل على �صاحبه‪ .‬بع�ض‬ ‫هذه الأختام من العراق �أو فار�س �أو من‬ ‫الهند‪ ،‬وهي �أختام �إ�سالمية‪� .‬أما بالن�سبة‬ ‫للوثائق والكتب فهي من الأج��داد‪ ،‬ولقد‬


‫حوار‬ ‫‪134‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫من الوثائق الإماراتية‬

‫و�ضعتها يف ال�صندوق كي �أحافظ عليها‬ ‫من الرطوبة‪ ،‬فمنها �أوراق عمرها �أكرث‬ ‫من ‪� 200‬سنة ول��دي خم�س �أو �ست قطع‬ ‫�أ�صلية بتوقيع ال�شيخ زايد الأول و�إخوانه‬ ‫و�أحفاده»‪ .‬توقفت �أمام مقتنيات تتعلق بالل�ؤل�ؤ‬ ‫وجتارته يف تراث الإم��ارات واخلليج‪ ،‬بينما‬ ‫كان الدكتور اخلوري يقول‪« :‬عمي كان لديه‬

‫حمل يف دملا‪ ،‬وعندما حرق ال�سوق كان واحد لهم‪ .‬لكن الل�ؤل�ؤ هو ال�شيء الوحيد الذي‬ ‫من حمالته �أح��رق �أي�ضا‪ .‬بالن�سبة للتجار كانوا يتاجرون به يف املا�ضي»‪.‬‬ ‫كان الأمر ب�سيط ًا �أما بالن�سبة للبحارة فهذا‬ ‫ك��ان �صعب ًا ج��د ًا عليهم فيمكن �أن يذهبوا‬ ‫وال يح�ضروا �شيئ ًا وكانوا يق�ضون �شهور ًا يف خوذات و�أ�سلحة‬ ‫البحر وذاك الوقت ك��ان الطعام من حلم وعندما �شاهدت ب�ين املقتنيات خ��وذات‬ ‫وخبز فقط‪ ،‬فاحلياة كانت �صعبة بالن�سبة و�أ�سلحة‪� ،‬س�ألته عن ق�صتها وم�صدرها‬


‫من جمموعة العمالت التي يقتنيها اخلوري‬

‫هناك غريه وهو قدمي جد ًا وال يوجد منه‬ ‫الآن‪ .‬ول��دي كذلك البكرات التي ترفع‬ ‫املركب واملقود �أي�ضا»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وع��م��ا �إذا ك���ان م �� �س �ت �ع��دا ل �ب �ي��ع تلك‬ ‫املقتنيات‪� ،‬أجابني اخلوري‪« :‬ال‪� ،‬أبد ًا‪..‬‬ ‫ف��أن��ا قلت �إن��ه م�ستحيل �أن ت�خ��رج من‬ ‫ال �ب �ل��د‪ ،‬لأين �أري��ده��ا �أن ت��ذه��ب ملتحف‬ ‫املرحوم ال�شيخ زايد الوطني‪ ،‬و�أعرف �أن‬ ‫�شيوخنا ال يبخلون علينا‪ ،‬فلماذا تخرج‬ ‫لينتفع ب�ه��ا غ�يرن��ا؟ ل��دي�ن��ا متحف كبري‬ ‫ونريد لرتاثنا �أن يبقى حمفوظ ًا به‪ ،‬وهل‬ ‫هناك ما هو �أح�سن من الرتاث الإ�سالمي‬ ‫واخلليجي الباقي لأبنائنا و�أحفادنا؟»‪.‬‬

‫وك �ي��ف ح���ص��ل ع�ل�ي�ه��ا‪ ،‬ف ��أج��اب �ن��ي ‪«:‬ل��دي‬ ‫ب�ن��دق�ي�ت��ان ت��ع��ودان ل �ل �ت��اري��خ ال�ع�ث�م��اين‪،‬‬ ‫الطويلة املزخرفة من العائلة‪ ،‬والكبرية‬ ‫من �صديق‪� .‬أم��ا بالن�سبة للخوذات فمن‬ ‫امل�م�ك��ن �أن ت�ك��ون ف��ار��س�ي��ة �أو تركمانية‬ ‫وعمليات تهريب الآثار وبيعها‪ ،‬علق الدكتور‬ ‫�أي م ��ن ال �ع �� �ص��ور ال��و� �س �ط��ى وح���ص�ل��ت‬ ‫اخلوري مت�أ�سف ًا ملا يتعر�ض له الرتاث‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫عليها من التجارة‪� ،‬أما بالن�سبة للزجاج‬ ‫«�أن��ا ال �أ�شرتي �إال من التجار احلرفيني يف‬ ‫وال �ب��ور� �س�لان ف� ��أك�ث�ره رو���س��ي ون�سميه‬ ‫ال�سوق‪ ،‬وخا�صة �أنني مهتم برتاث املنطقة‪،‬‬ ‫غاردينا‪ ،‬فال�شخ�ص ال��ذي ك��ان يقتنيها‬ ‫فلنذهب مث ًال للخليج‪ ،‬للفجرية ولغريها‪..‬‬ ‫ا�سكتلندي و�صار لديه �شركة يف �شمال‬ ‫لديهم ت��راث كبري وه��م يحتفظون ب��ه يف‬ ‫م��و��س�ك��و‪ ،‬ل�ك��ن ي��وم ح��دث��ت ال �ث��ورة ت��رك‬ ‫امل� �ن ��ازل‪ .‬ل�ك��ن ع�ن��دم��ا ي�ت��وف��ى رب البيت‬ ‫مو�سكو‪ .‬وعمر هذا الزجاج ما بني ‪- 150‬‬ ‫يعر�ضون مقتنياته للبيع يف امل ��زاد‪ .‬و�أن��ا‬ ‫‪� 200‬سنة‪� ،‬أي�ضا لدي �ألب�سة قدمية منها‬ ‫�أري��د �أن �أقتنع و�أت��أك��د �أن ه��ذه القطع هي‬ ‫ب�شت‪ ،‬ول��دي ع�ب��اءة قدمية ج��دا عمرها‬ ‫فع ًال كانت موجودة لديهم ملكهم ولي�ست‬ ‫�أك�ث�ر م��ن ث�م��ان�ين ��س�ن��ة‪ ،‬ول �ك��ن ح�صلت كتاب توثيقي‬ ‫م�سروقة‪ ،‬فيعطونني الإثباتات الالزمة وعلى‬ ‫عليها منذ ثالثني �سنة تقريبا واحتفظت ويف معر�ض حديثنا عما تعر�ض له تراث‬ ‫�أ�سا�سها �أ�شرتي»‪ .‬وحول جديده‪ ،‬وم�شروعه‬ ‫ب �ه��ا‪ .‬ول� ��دي �أي �� �ض��ا ��ش�ي�ل��ة ق��دمي��ة وب�ه��ا املنطقة العربية خا�صة ال�ع��راق �سوريا‪،‬‬ ‫لتوثيق القطع الرتاثية التي ميلكها‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ف�ضيات قدمية‪� .‬أي�ضا هناك «امل�ن��ز» �أي‬ ‫«جديدي هو �أنني من�شغل بكتابة كتاب –‬ ‫مهد الأط�ف��ال‪ ،‬كلمة قدمية‪ ،‬وه��ي‬ ‫عبارة المجموعة تضم‬ ‫�أرجو �أن يرى النور يف اليوم الوطني املقبل‪-‬‬ ‫عن قطعة خ�شبية كانت تعلق يف ال�شجر‬ ‫وي�ضعون بها الأط �ف��ال وع�م��ره��ا يقارب «جفير» قديم ًا ونادر ًا‪،‬‬ ‫ي��وث��ق ه��ذا ال�ك�ت��اب لكل القطع اخلليجية‬ ‫يف جمموعتي‪� ،‬أكتبه بالإجنليزية و�أ�سعى‬ ‫الثمانني �أو الت�سعني �سنة‪ .‬ول��دي �أي�ضا وهو وعاء من سعف‬ ‫لرتجمته �إىل ال �ع��رب �ي��ة‪ .‬ليتمكن �شباب‬ ‫�أوعية من �سعف النخيل ن�سميه «اجلفري» النخيل كان األجداد‬ ‫كانوا ي�ضعون به الثمار �أو ي�ستخدمونه يف يستعملونه لحفظ الثمار الإم��ارات من االطالع على مناذج من �آثار‬ ‫بالدهم ممثلة يف هذه املقتنيات‬ ‫البحر ي�ضعون به الأ�سماك لأن��ه مل يكن‬

‫أو يستخدمونه في البحر‬ ‫لحمل األسماك‬


‫فنون‬ ‫‪136‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫حبل الو�صل ورابطة القلوب‬

‫حة ‪..‬‬ ‫المِ سب َ َ‬ ‫إرث عربي إسالمي بديع‬


‫�صالح ال�شهاوي‬ ‫الت�سبيح هو تنزيه اهلل تعاىل وذك��ره بالقول وع� ّد �أ�سمائه احل�سني اكت�ساباً‬ ‫للرحمة واملغفرة والأجر الكرمي‪ .‬ومن الت�سبيح ا�ستنبطت امل�سبحة �أو ال�سبحة‪.‬‬ ‫وق��د قطعت امل�سبحة �شوطاً ك�ب�يراً منذ ‪ -‬اخرتاعها ‪ -‬حتى ال�ي��وم‪ ،‬وحت��ول‬ ‫الغر�ض من �صناعتها من ديني �إىل جمايل‪ ،‬وجتاري و�أ�صبحت زينة ومظهراً‬ ‫من مظاهر الرجال‪ ،‬ورمبا جمعت كل الأغرا�ض‪.‬‬

‫فامل�سبحة �إرث فني بديع متغلغل يف ال�تراث‬ ‫ال��ع��رب��ي والإن�������س���اين‪ ،‬ق��دمي��ه وح��دي��ث��ه‪ ،‬كما‬ ‫�أن للم�سبحة وظائف ترتبط ارتباط ًا وثيق ًا‬ ‫بالأرقام والعد واحل�ساب‪ .‬وهي زينة �شخ�صية‪،‬‬ ‫ووج��اه��ة اج��ت��م��اع��ي��ة‪ ،‬و�أب��ه��ة وث����روة م��ادي��ة‪،‬‬ ‫وحتفة فنية‪ ،‬ومفخرة منزلية‪ ،‬وهدية رمزية‬ ‫للأهل والأ�صدقاء‪ ،‬وعامل م�ساعد على تهدئة‬ ‫االنفعاالت النف�سية‪ ،‬وت�سلي الأ�صابع «التي‬ ‫تريد �أن تبقي �ساكنة» بحباتها‪ ،‬ولها �سوقها‬ ‫الرائجة‪ ،‬العامرة‪ ،‬الرابحة‪ ،‬وخاماتها متفاوتة‬ ‫اخل�صائ�ص‪ .‬ندرة ونفا�سة‪ ،‬وقيمة‪ ،‬وجما ًال‪،‬‬ ‫و�إب��ه��ار ًا‪� .‬صنعتها بديعة‪ ،‬وحرفتها ت�ستلزم‬ ‫مهارة ودرب��ة وذائقة يف �آن مع ًا‪ ،‬ك�أنها حلي‬ ‫ذهبية‪ ،‬بل هي كذلك‪ ،‬فبع�ضها جاوز �سعره‬ ‫ثمن قالدات ذهبية‪ ،‬بل حل حملها يف اخلزائن‬ ‫واملقتنياتالنفي�سة‪.‬‬

‫م�سبحة ما قبل التاريخ‬

‫تذكر كتب التاريخ‪� ،‬أن ال�سبحة ك���أداة كانت‬ ‫معروفة منذ ع�صور ما قبل التاريخ‪ ،‬وكانت‬ ‫ع��ب��ارة ع��ن خ���رزات �أو قطع م��ن ال��زج��اج �أو‬ ‫العاج �أو الأحجار الكرمية املنظومة يف �سلك‪،‬‬ ‫وق���د ات��خ��ذه��ا الإن�����س��ان ت��ع��وي��ذة �أو للزينة‪،‬‬ ‫وتخ�ص�صت يف هذه ال�صناعة بلدان حمددة‪،‬‬ ‫مثل البندقية التي ا�شتهرت بال�سبح الزجاجية‬ ‫امللونة‪ ،‬وال�صني ب�سبح العاج املنقو�ش‪ ،‬وبعد �أن‬ ‫�شاع ا�ستخدامها عند امل�سلمني تطورت هذه‬

‫ال�صناعة يف م�صر ب�شكل خا�ص ودخلت �إليها‬ ‫خامات �أخرى كثرية‪.‬‬ ‫على الرغم من انت�شار مفهوم يق�صر ال�سبحة‬ ‫على فئات امل�سلمني املنت�شرين يف كافة بقاع‬ ‫الأر���ض‪� ،‬إال �أنها‪ ،‬وعلى غري ما هو �سائد‪ ،‬ال‬ ‫تقت�صر عليهم فقط‪ ،‬حيث �إنها عادة تعرفها‬ ‫الأدي�����ان ال��ث�لاث��ة‪ ،‬ال��ي��ه��ودي��ة‪ ،‬وامل�سيحية‪،‬‬ ‫والإ����س�ل�ام‪ ،‬ب��ل �أن بع�ض ال���رواي���ات ت��روي‬ ‫امتداد تاريخها �إىل الع�صور القدمية حيث‬ ‫ا�ستخدمت لأغرا�ض خمتلفة‪ ،‬تارة كتميمة �أو‬ ‫تعويذه‪ ،‬و�أخرى كو�سيلة للحماية من احل�سد‪،‬‬ ‫وثالثة كو�سيلة للتزين‪.‬‬ ‫وال�سبحة �أو امل�سبحة عبارة عن جمموعة من‬ ‫القطع ذات الأ�شكال اخلرزية احلبيبية التي‬ ‫توجد بينها فوا�صل‪ ،‬وتتكون كلها من عدد معني‬ ‫يتم نظمها يف خيط �أو �سلك �أو �سل�سلة‪.‬‬ ‫وال�سبحة ك���أداة معروفة منذ ع�صور ما قبل‬ ‫التاريخ‪ ،‬وكانت ت�صنع من ن��وى البلح وب��ذور‬

‫كان بعض القدماء‬ ‫يؤمن بقدسية السبحة‬ ‫وعالقتها بأداء المناسك‬ ‫الدينية حتى أن بعض‬ ‫الشعوب القديمة‬ ‫كانوا يغسلون السبحة‬ ‫التي يحملونها بالماء‪،‬‬ ‫ويشربونه كدواء‬

‫نبات اخلروب‪ ،‬وخ�شب �شجر الزيتون والقواقع‬ ‫والأب��ان��و���س وال�صندل‪ .‬وك��ان البع�ض ي�ؤمن‬ ‫بقد�سيتها وعالقتها ب���أداء املنا�سك الدينية‪،‬‬ ‫حتى �أن بع�ض ال�شعوب القدمية كانوا يغ�سلون‬ ‫ال�سبحة التي يحملونها باملاء‪ ،‬وي�شربون من‬ ‫نف�س املاء كدواء‪.‬‬ ‫ويف الآثار الفينيقية ما ي�شري �إىل �أنها ا�ستعملت‬ ‫يف املقاي�ضة‪� ،‬إال �أن الإميان مبكانة ال�سبحة‬ ‫اختلف م��داه ح�سب املعتقدات التي كانت‬ ‫ت�����س��ود ال�����ش��ع��وب‪ .‬وق���د ازده����رت �صناعة‬ ‫امل�سابح يف �أوروب��ا على اعتبار �أنها و�سيلة‬ ‫رابحة يف التبادل مع ال�شعوب البدائية‪.‬‬ ‫ومع بدء معرفة الإن�سان بالأديان ال�سماوية‪،‬‬ ‫ا�ستمر وج���ود ال�سبحة وا���س��ت��خ��دام��ه��ا يف‬ ‫�أغرا�ض العبادة‪ ،‬فقد ا�ستخدمها اليهود‬ ‫وامل�سيحيون وبخا�صة الرهبان منهم‪ ،‬الذين‬ ‫كانوا ي�ستخدمونها يف �صلواتهم كمظهر‬ ‫من مظاهر التقرب �إىل اهلل يف ال�صوامع‬ ‫وامل��غ��ارات والكهوف‪ .‬لي�س ه��ذا فقط‪ ،‬بل‬ ‫�أن ع��ادة ا�ستخدام ال�سبحة انت�شرت بني‬ ‫الهندو�س والبوذيني �أي�ض ًا ك�أحد و�سائل‬ ‫العبادة‪.‬‬

‫ال�سبحة يف الديانات ال�سماوية‬ ‫الثالث‬ ‫ثم باتت ال�سبحة مظهر ًا من مظاهر العبادة يف‬ ‫الأدي��ان ال�سماوية الثالث‪� ،‬إال �أن عدد حباتها‬


‫فنون‬ ‫‪138‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫فيرتاوح عدد حباتها بني ‪ 45‬حبة‪ ،‬و‪ 66‬حبة‪،‬‬ ‫على ح�سب عمر �سيدنا عي�سى بن مرمي الذي‬ ‫اختلف الر�أي حول عدد �سنوات عمره‪ .‬ويعلق يف‬ ‫نهاية ال�سبحة عند امل�سيحيني �صليب‪� .‬أما �سبحة‬ ‫اليهود فيرتاوح عدد حباتها ما بني ‪ 17‬حبة‪ ،‬و‪21‬‬ ‫حبة‪.‬‬

‫يختلف من ديانة لأخ���رى‪ .‬فغالبية امل�سلمني‬ ‫ي�ؤمنون ب���أن عدد ال�سبحة �إم��ا ‪ 33‬حبة ح�سب‬ ‫ع��دد ال��ذك��ر ال���ذي �أو���ص��ى ب��ه ال��ر���س��ول عليه‬ ‫ال�صالة وال�سالم‪� ،‬أو ‪ 99‬وهو عدد �أ�سماء اهلل‬ ‫احل�سنى‪ .‬بينما ال�سبحة لدى ال�صوفية ‪ 100‬حبة‬ ‫م��زودة بعدادين الأول خا�ص باملئات والثاين‬ ‫خا�ص بالألوف‪ ،‬هذا ف� ً‬ ‫ضال عن حمب�س ملئات‬ ‫الأل���وف حتى ي�صل ع��دد الت�سبيح من مليون حبات عالج القلق‬ ‫�إىل مائة مليون‪� .‬أما ال�سبحة عند امل�سيحيني‪ ،‬ويقول العاملون يف �صناعة ال�سبح يف م�صر‪،‬‬

‫�سبحة من الباقالء‬ ‫كان أ�ه��ايل احللة يف العراق يكرثون من زراع��ة الباقالء ف�صار جريانهم‬ ‫يعريونهم بذلك فيغ�ضبوا �إذا ذكرت يف جمال�سهم ومنتدياتهم‪ ،‬وكان �أحد‬ ‫علماء النجف يق�ضي �شهرين من ف�صل ال�صيف يف �أحدى القرى ب�ضواحي‬ ‫احللة و�إذا مر �شق موكبه احللة ن�صفني حتى ي�صل �إىل تلك القرية وكان‬ ‫�أح��د تالميذه يتحر�ش ب��أه��ل احللة ويعريهم بالباقالء فيتبادل معهم‬ ‫ال�سباب وال�شتائم مما �أزعج ال�شيخ ودفعة لإنذار تلميذه بعدم ا�صطحابه‬ ‫مرة �أخ��ري �إذا مل يكف عن هذا العمل ال��ذي �أ�ساء �إليه و�أوقعه يف احلرج‬ ‫فاعتذر التلميذ وحلف �أن ال يفتح فمه مرة �أخرى وال ينبث �أمامهم ب�شيء‬ ‫عند م��روره باحللة م��ع �شيخه ول�ك��ن م��ا ك��اد ال�شيخ مي��ر يف امل��رة الثانية‬ ‫والتلميذ معه راكب �إىل امل�صيف املعتاد حتى �سمع ال�شتائم تتواىل فالتفت‬ ‫ال�شيخ ملعرفة اخلرب ف�إذا التلميذ �صامت كما وعد ولكنه كان رافعاً كفه �إىل‬ ‫�سكان احللة حامال �سبحة من الباقالء يلوح بها �أمام النا�س مييناً و�شما ًال‪.‬‬ ‫ف�صارت م�ضرب مثل عندهم ‪.‬‬

‫�أن ال�سائحني من الأجانب �أخذوا عن امل�سلمني‬ ‫عادة ا�ستخدام ال�سبحة‪ ،‬وتكرار حركة الأ�صابع‬ ‫�أثناء الت�سبيح كعالج نف�سي للقلق‪ ،‬ولتحقيق‬ ‫انتظام �ضربات القلب كما يقولون‪ ،‬بل �إنهم‬ ‫يطلقون عليها ‪-‬حبات عالج القلق‪.‬‬ ‫وال�سبحة و�سيلة ولي�ست غاية‪ ،‬يف حد ذاتها‪ ،‬ومن‬ ‫املرجح �أنها من �صنع ال�صوفيني ب�سبب حر�صهم‬ ‫على الت�سبيح ب�أعداد معينة‪ ،‬بينما الت�سبيح يف‬ ‫الأ�صل يتم على �أ�صابع اليد‪ ،‬وغري ذلك ف�إن‬ ‫هناك ثالثة �أحجام لل�سبح الأول الثلث ‪ 33‬حبة‪،‬‬ ‫وهو الأكرث انت�شار ًا والثلثان ‪ 66‬وال�سبحة الكاملة‬ ‫وتتكون من ‪ 99‬حبة بعدد �أ�سماء اهلل احل�سنى‪.‬‬

‫ال�سبحة يف اللغة‬

‫الت�سبيح‪ :‬ال�صالة‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪«:‬فلوال �أنه‬ ‫كان من امل�سبحني» «ال�صافات‪ »143 :‬والت�سبيح‬ ‫التنزيه‪ .‬و�سبحان اهلل معناها‪ :‬التنزيه عن‬ ‫امل�صاحبة وال��ول��د‪ ،‬وق��د ن�صب على امل�صدر‪،‬‬ ‫ك�أنه قال‪� :‬أبرئ اهلل من ال�سوء براءة‪� .‬أو معناه‪:‬‬ ‫ال�سرعة واخلفة يف طاعته‪ ،‬والت�سبيح �أي�ض ًا‪:‬‬ ‫�صالة التطوع‪.‬‬ ‫و�سبح ‪-‬كمنع‪� -‬سبحانا‪ -‬و�سبح ت�سبيحا‪ :‬قال‪:‬‬


‫�سبحان اهلل‪ .‬و�سبحة اهلل‪ - ،‬ب�ضم و�سكون‪: -‬‬ ‫جالله‪.‬‬ ‫وال�سبحة‪ :‬خرزات تعد‪ ،‬ي�سبح بها‪ ،‬وهي �أي�ض ًا‪:‬‬ ‫التطوع من الذكر‪ ،‬والدعاء‪ ،‬تقول منه‪ :‬ق�ضيت‬ ‫�سبحتي‪.‬‬ ‫وال�سبحة‪ :‬ب�ضم ال�سني و�إ�سكان الباء م�شتقة‬ ‫من‪ :‬الت�سبيح‪ ،‬وهو قول‪� - :‬سبحان اهلل‪� -‬أو هو‬ ‫ال�سبح‪ ،‬الذي هو التحرك والتقلب‪،‬‬ ‫تفعيل من ّ‬ ‫وامل��ج��يء وال��ذه��اب‪ ،‬كما يف ق��ول اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫«�إن لك يف النهار �سبح ًا طوي ًال» «املزمل‪.»73:‬‬ ‫وجمعها ُ�سبح ا�شتقت عموما م��ن الناحية‬ ‫الدينية �أو اللغوية م��ن كلمة الت�سبيح‪ ،‬ففي‬ ‫ال��ق��ر�آن الكرمي ورد الت�سبيح هلل عز وج��ل يف‬ ‫عدة �سور و�آيات‪ ،‬وقد �آتت كلمة الت�سبيح مبعاين‬ ‫و�أماكن خمتلفة يف كل �سورة و�آية‪ ،‬ومن �أمثلة‬ ‫ذلك‪ ،‬ذكر نوعية امل�سبحني‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪:‬‬ ‫« ُت�سبح له ال�سموات ال�سبع والأر�ض ومن فيهن‬ ‫و�إن من �شيء �إال ي�سبح بحمده ولكن ال تفقهون‬ ‫ت�سبيحهم �إنه كان حليم ًا غفور ًا» «الإ�سراء‪.»44 :‬‬ ‫وق��د وردت ه��ذه امل��ادة وم�شتقاتها يف القر�آن‬ ‫ال��ك��رمي نحو ‪ 93‬م��رة‪ .‬ويف املعجم الو�سيط‪:‬‬ ‫«ال�سبحة خرزات منظومة للت�سبيح وامل�سبحة‬ ‫ُّ‬ ‫وامل�سبح القوي ال�شديد‬ ‫ال�سبابة‬ ‫أ�صابع‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫من‬ ‫ُ‬ ‫يقال ك�ساء م�سبح وامل�سحة خ��رزات منظومة‬ ‫للت�سبيح»‪.‬‬ ‫«ال�سبحة ب�ضم ال�سني خرزات‬ ‫ويف تاج العرو�س‪ُ :‬‬ ‫تنظم يف خيط للت�سبيح تعد وهي لي�ست يف اللغة‬ ‫يف �شيء»‪.‬‬ ‫ويف حتفة �أه��ل الفتوحات والأذواق يف اتخاذ‬ ‫ال�سبحة وجلعها يف الأعناق لفتح اهلل البناين‪:‬‬ ‫عام‬ ‫«�س َب َح بالنهر وفيه َ�سبح ًا ِ‬ ‫و�سباح ًة بالك�سر َ‬ ‫َ‬ ‫«و�سبحان»‬ ‫ح‪.‬‬ ‫ب‬ ‫و�س‬ ‫باح‬ ‫و�س‬ ‫وح‬ ‫ب‬ ‫و�س‬ ‫�سابح‬ ‫وهو‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َُ َ‬ ‫اهلل تنزيه ًا هلل وتقدي�س ًا‪ ،‬وم��ع��ن��ا ُه ال�سرع ُة‬ ‫�إليه واخل ّف ُة يف طاعته‪ ،‬و‪-‬ال�سبح ُة‪َ -‬خ�� َرزاتُ‬ ‫للت�سبيح ُتع ُد وتحُ �صى‪ ،‬والدعاء و�صالة التطوع‪،‬‬ ‫وامل�سبحة م��ن فعل الت�سبيح‪ ،‬ويعني املجيء‬ ‫والذهاب والتقلب‪ ،‬فلها يف اليد ذهاب وجميء‬ ‫ال�سباح»‪.‬‬ ‫وتقلب كما َ‬ ‫وق��ال الأزه���ري وال��ف��اراب��ي وتبعه اجل��وه��ري‪:‬‬ ‫«ال�سبحة كلمة مولدة»‪ .‬وقال الزبيدي يف تاج‬ ‫ال��ع��رو���س ع��ن �شيخه اب��ن الطيب ال�شرقي‪:‬‬

‫«�إنها لي�ست من اللغة يف �شيء و مل‬ ‫تكن تعرفها ال��ع��رب و�إمن���ا ُح ِدثت‬ ‫يف ال�صدر الأول �إعانة على الذكر‬ ‫وتذكري �أو تن�شيطا وال�سبحة الدعاء‬ ‫و�صالة التطوع والنافلة‪ .‬يقال‪ :‬فرغ فالن من‬ ‫�سبحته �أي من �صالة النافلة �سميت ال�صالة‬ ‫ت�سبيحا لأن الت�سبيح تعظيم اهلل وتنزيهه من‬ ‫كل �سوء ويف احلديث‪«»:‬اجعلوا �صالتكم معهم‬ ‫�سبحة» «�أي‪ :‬نافلة»‪.‬‬

‫�آراء يف �شرعية ال�سبحة‬

‫يف الت�سبيح‪ ،‬ك��ان منهج ديننا الإ���س�لام��ي‬ ‫الب�ساطة والقدوة بر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم حيث روى عنه �صلوات اهلل و�سالمه‬ ‫عليه الت�سبيح باليمنى‪ ،‬وق��د ك��ان توجيهه‬ ‫لأ�صحابه �أن ي�سبحوا اهلل دبر كل �صالة بقول‬ ‫�سبحان اهلل ثالث وثالثني‪ .‬واحلمد هلل ثالث‬ ‫وثالثني‪ .‬واهلل �أكرب ثالث وثالثني وت�ستكمل‬ ‫املائة بقول ال �إله �إال اهلل‪.‬‬ ‫وقد كان للر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم �سبحة‬ ‫يعقدها بيده‪ .‬قال ال�شريف املقد�سي روى عن‬ ‫ابن �أي �شيبه عن عمر ر�ضي اهلل عنهما �أنه‬ ‫ر�أى النبي يعقد ال�سبحة بيده‪ .‬ويف �صحيح‬ ‫م�سلم حديث ثابت عن الر�سول �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم‪ ،‬يقول عن اب��ن عمر‪�« :‬أن ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم كان �إذا قعد يف الت�شهد‬ ‫و�ضع يده الي�سرى على ركبته الي�سرى وو�ضع‬ ‫ي��ده اليمنى علي ركبته اليمنى وعقد ثالثا‬ ‫وخم�سني و�أ�شار بال�سبابة»‪ .‬وروى الديلمي يف‬ ‫م�سند الفردو�س �أن النبي قال‪« :‬نعم املُذكر‬ ‫امل�سبحة»‪.‬‬ ‫ولكن قال البع�ض �أن ال�سبحة �أمر دخيل على‬

‫في بعض المجتمعات‬ ‫الشرقية تعتبر المسبحة‬ ‫جزء ًا مكم ً‬ ‫ال لمظهر‬ ‫الرجل يحملها معه‬ ‫أينما ذهب ومنهم من‬ ‫يخصص لكل مناسبة‬ ‫مسبحة بعينها حسب‬ ‫قيمتها‬

‫الإ����س�ل�ام وت��ع��ر���ض��ت ال�سبحة‬ ‫للهجوم فت�صدى ال�شيخ جالل‬ ‫ال�سيوطي لذلك وكتب ر�سالة‬ ‫ل��ط��ي��ف��ة ت��ت��ع��ل��ق ب��ال�����س��ب��ح��ة‬ ‫ا�ستنبط فيها �أ���ص�لا من‬ ‫ال�سنة وذكر �أن جماعة من‬ ‫ال�صحابة منهم عائ�شة‬ ‫و�صفية و�أبو هريرة و�أبو‬ ‫ال�������درداء ك���ان���ت لهم‬ ‫ال�سبحة‪.‬‬ ‫ق�������ال ال�������س���ي���وط���ي‪:‬‬ ‫«وق���د ات��خ��ذ ال�سبحة‬ ‫�سادات‪ ،‬ي�شار �إليهم‪،‬‬ ‫وي�ؤخذ عنهم ويعتمد‬ ‫عليهم‪ ،‬فلو مل يكن‬ ‫يف اتخاذ ال�سبح غري‬ ‫موافقة ه���ؤالء ال�سادة‬ ‫والدخول يف �سلكهم لكفى‪،‬‬ ‫فكيف بها وهى مذكرة باهلل‬ ‫تعاىل‪ .‬لأن الإن�سان قل �أن يراها �إال ويذكر‬ ‫اهلل‪ ،‬وهذا من �أعظم فوائدها‪ ،‬وبذلك كان‬ ‫ي�سميها بع�ض ال�سلف امل��ذك��رة‪� ،‬أي املذكرة‬ ‫ب��اهلل‪ ،‬وم��ن فوائدها �أي�ض ًا‪ ،‬اال�ستعانة على‬ ‫دوام الذكر‪ ،‬كلما ر�آه��ا ذكر �أنها �آل��ة للذكر‬ ‫فقاده ذلك �إىل الذكر‪ .‬فيا حبذا �سبب مو�صل‬ ‫�إىل دوام ذك��ر اهلل عز وج��ل‪ .‬وك��ان بع�ضهم‬ ‫ي�سميها‪« :‬حبل الو�صل» وبع�ضهم ي�سميها‪:‬‬ ‫«رابطة القلوب»‪.‬‬ ‫والثابت �أنها مل ينقل عن �أح��د من ال�سلف‬ ‫وال م��ن اخل��ل��ف‪ ،‬امل��ن��ع م��ن ج���واز ع��د الذكر‬ ‫بال�سبحة‪ ،‬بل ك��ان �أك�ثره��م يعدون بها‪ ،‬وال‬ ‫ي��رون ذل��ك مكروه ًا‪ ،‬وق��د رئ��ي بع�ضهم يعد‬ ‫ت�سبيحه‪ ،‬فقيل ل��ه‪�« :‬أتعد على اهلل؟ فقال‪:‬‬ ‫ال‪ ،‬ولكن �أعد له»‪ .‬واملق�صود �أن �أكرث الذكر‬ ‫املعدود‪ ،‬الذي جاءت به ال�سنة ال�شريفة‪ ،‬ال‬ ‫ينح�صر بالأنامل غالب ًا‪ ،‬ولو �أمكن ح�صره‪،‬‬ ‫لكان اال�شتغال بذلك‪ ،‬يذهب اخل�شوع‪.‬‬


‫فنون‬ ‫‪140‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫الأغرا�ض التي ت�ستعمل فيها ال�سبحة‬

‫غالب ًا ما يتنوع �شكل احلبات وعددها ح�سب‬ ‫املجتمعات �أو الأغرا�ض امل�ستعملة فيها امل�سبحة‪،‬‬ ‫فهي ت�ستعمل يف «ال��ذك��ر»‪ .‬ت�سبيح ًا وحتميد ًا‬ ‫وتهلي ًال هلل تعاىل‪ ،‬وذكر �أ�سمائه احل�سني‪ ،‬فعن‬ ‫�أبي هريرة ر�ضى اهلل عنه قال‪ :‬قال ر�سول اهلل‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم‪� « :‬إن هلل ت�سع ًا وت�سعني‬ ‫ا�سم ًا مائة �إال واحد من �أح�صاها دخل اجلنة‪،‬‬ ‫وهو وتر يحب والوتر»‪ .‬وثمة �أغرا�ض اجتماعية‬ ‫واقت�صادية متنوعة منها‪� :‬أن امل�سبحة تعترب‬ ‫ج��زء ًا مكم ًال ملظهر الرجل فهو يحملها معه‬ ‫�أينما ذه��ب «وبخا�صة يف بع�ض املجتمعات‬ ‫العربية الإ�سالمية �أو ال�شرقية عموم ًا» فمنهم‬ ‫م��ن يخ�ص�ص لكل منا�سبة م�سبحة بعينها‪،‬‬ ‫ح�سب قيمتها‪ ،‬وم���ن ي��ح��اول �أن ين�سق لون‬ ‫م�سبحته مع لون زيه‪� ،‬أو يتفاءل مبادة م�سبحة‬ ‫معينة �أو لونها و�شكلها املعني‪ ،‬كذلك هناك من‬ ‫يتفاخر مب�سبحة �أبيه �أو جده ويف�ضلها على ما‬ ‫عداها‪ .‬كما ت�ستعمل لإظهار �سمات «الوقار‪،‬‬ ‫والوجاهة‪ ،‬واملكانة‪ ،‬والزينة» �أو القتنائها كتحفة‬ ‫فنية بديعة‪ .‬ثمينة ونادرة‪ ،‬وهدايا وكنز ُيتوارث‬ ‫«وق��د ُيباع وقت ال�ضوائق املالية» فثمة قرابة‬ ‫بني امل�سابح‪ ،‬وقالئد ال�صدر التي تتزين بها‬ ‫الن�ساء‪ .‬وقد تكون و�سيلة وم��ادة تزيل اجلليد‬ ‫للحديث وال��ت��ع��ارف‪� /‬أو التخا�صم والتنابذ‪،‬‬ ‫وهناك �أغ��را���ض نف�سية كارتباط ا�ستعمالها‬ ‫مع �شعور بالهدوء و�إزالة التوتر والقلق «حبات‬ ‫ال��ق��ل��ق‪� ،»Worry beads /‬أو لغر�ض اللهو‬

‫عندما ازدادت الفتوحات‬ ‫واحتك المسلمون‬ ‫باألمم األخرى اتخذ‬ ‫بعض المسلمين‬ ‫السبحة الوافدة من‬ ‫فارس بدي ً‬ ‫ال عن الحصى‬ ‫والنوى في التسبيح‬ ‫والت�سلية �إلخ‪ ،...‬ف� ً‬ ‫ضال عن �أغرا�ضها التجارية‬ ‫واالقت�صادية على نطاق وا�سع‪.‬‬

‫ال�سبحة يف الع�صور الإ�سالمية‬ ‫املختلفة‬

‫�أورد اجلاحظ «‪ 255 – 180‬هـ » يف‪ -‬البيان‬ ‫والتبيني‪� -‬أن عبد امللك بن هالل الهنائي كان‬ ‫عنده زنبيل م�ل�آن ح�صا فكان ي�سبح بواحدة‬ ‫واحدة ف�إذا م ّل قب�ض قب�ضة وقال �سبحان اهلل‬ ‫بعدد هذا ف���إذا م ّل �شيئا قب�ض قب�ضتني وقال‬ ‫�سبحان اهلل بعدد هذا ف�إذا �ضجر �أخذ بعروتي‬ ‫الزنبيل وقلبه وقال �سبحان اهلل بعدد هذا كله‬ ‫و�إذا بك ّر حلاجة حلظ الزنبيل حلظة وق��ال‪:‬‬ ‫�سبحان اهلل بعدد ما فيه‪.‬‬ ‫ويف الع�صر الأم����وي ت��وا���ص��ل��ت ال�سبحة مع‬ ‫الإ����س�ل�ام‪ ،‬ول��ك��ن لي�س يف ���س��ن��وات��ه الأوىل‪،‬‬ ‫حيث كان امل�سلمون يف�ضلون الت�سبيح والذكر‬ ‫با�ستخدام العد على �أ�صابعهم زيادة يف الرغبة‬ ‫يف نيل الثواب‪ .‬وقد ورد يف الأثر �أنها لي�ست من‬ ‫اللغة يف �شيء‪ ،‬ومل تكن معروفة لدى العرب‪،‬‬ ‫و�إمنا ا�ستحدثت يف ال�صدر الأول من الإ�سالم‬

‫كو�سيلة للإعانة على الذكر‪ ،‬والتذكري‪ .‬خا�صة‬ ‫عندما ازدادت الفتوحات و�أح��ت��ك امل�سلمني‬ ‫بالأمم الأخرى فاتخذ بع�ض امل�سلمني ال�سبحة‬ ‫الوافدة من فار�س بديال عن احل�صى والنوى يف‬ ‫الت�سبيح‪.‬‬ ‫فقد �أورد �أبو الفرج الأ�صبهاين «‪356 – 284‬‬ ‫هـ » عن ابن عتيق و�سالمة املُغنية ملا �أراد واىل‬ ‫املدينة – عثمان ابن حيان املربي «ت‪ 150 :‬هـ‬ ‫» �إخراجها من املدينة فلما �شفع لها عنده قال‬ ‫له‪ :‬ال يدعك النا�س ولكن ا�سمع منها ف�إن ر�أيت‬ ‫�أن مثلها ينبغي �أن يرتك بجوار ر�سول اهلل –‬ ‫�صلى اهلل عليه و�سلم – وم�سجده تركتها قال‪:‬‬ ‫نعم فجاءه بها وق��ال لها‪ :‬اجعلي معك ُ�سبحه‬ ‫وتخ�شعي ففعلت‪.‬‬ ‫ال�سبح وعرفها‬ ‫ويف الع�صر العبا�سي انت�شرت ُ‬ ‫النا�س وحلت حمل الت�سبيح باحل�صى والنوى‬ ‫وذاع �أمرها بني العامة بعد �أن كانت ال تنت�شر‬ ‫إ� ّال بني اخللفاء و�أ�صحاب اجلاه و�أ�صبح لها �أنواع‬ ‫كثرية فمنها الرخي�ص الذي ي�ضع من اخلرز‬ ‫واخل�����ش��ب وع��ظ��ام احل��ي��وان��ات ومنها الغايل‬ ‫الذي ي�صنع من �أغلى اجلواهر و�أنف�سها حيث‬ ‫يتباهى به عليه املجتمع وتدخر لوقت احلاجة‬ ‫فكان �صناعها وه��واة جمعها يغالون يف ذلك‬ ‫ويحتفظون ب�أ�صناف منها وقد �أ�سرف الرواة‬ ‫يف �أثمانها ونفا�ستها فهذه زبيده بنت جعفر‬ ‫املن�صور « ت‪ 216 :‬هـ » زوجه ه��ارون الر�شيد‬ ‫كان عندها �سبحه قد ا�شرتتها بخم�سني �ألف‬ ‫دينار‪.‬‬ ‫وروى القا�ضي التنوخي �أن املقتدر العبا�سي «‬ ‫‪ 320 – 282‬هـ » كان له اهتمام ًا بال�سبح فكانت‬ ‫ُ�سبحته تثمن مبائه �ألف دينار وروى التنوخي‬ ‫عن بن عي�سى‪� :‬أنه ذكر �أن والدته عمرة �إحدى‬ ‫جواري املقتدر �أخربته �أن املقتدر �أمر ب�إح�ضار‬ ‫جواهر ثمينة فاختار منها مائه حبه ثم �أمر‬ ‫بنظمها ُ�سبحه ي�سبح بها‪.‬‬ ‫ويف الع�صر العثماين‪ :‬ازداد انت�شار امل�سبحة‬ ‫خا�صة يف الن�صف ال��ث��اين منه ب�شكل كبري‪،‬‬ ‫وخ�صو�ص ًا يف تركيا وال��ع��راق و�إي���ران وم�صر‬ ‫وبالد ال�شام وبعد ان دخلت امل�سبحة الدينية‬ ‫كتلك املخت�صرة �إىل ‪ 33‬حبة « �أى ثلث امل�سبحة»‪.‬‬ ‫وقد ارتفعت �أ�صوات ب�إنكارها يف القرن اخلام�س‬


‫ع�شر امليالدي‪� ،‬إال �أن بع�ض العلماء �أفتى بعدم‬ ‫وجود مانع من ا�ستخدامها‪ ،‬طاملا ظلت و�سيلة‬ ‫للتذكري بعدد الذكر املطلوب من الإن�سان �أدائه‪.‬‬ ‫ويف الع�صر احلا�ضر �أ�صبحت ال�سمة الظاهرة‬ ‫لل�سبحة الكرثة ورخ�ص الثمن حيث �أ�صبحت‬ ‫تتخذ من امل��واد الرخي�صة كاخل�شب والعديد‬ ‫من املعادن والبال�ستك والزجاج وغريها حيث‬ ‫�أ�صبحت مي�سرة لكل ف��رد يف العامل يقتنيها‬ ‫مهما كان م�ستوى دخله فال�سبحة الآن من �أكرث‬ ‫الب�ضائع رواج��ا يف البيع‪ .‬مع مالحظة وجود‬ ‫منها الثمني ال��غ��ايل �إذا دخلت يف �صناعتها‬ ‫اجلواهر الغالية والأخ�شاب النادرة وطعمت‬ ‫بالذهب وو�ضعت لها العلب الفاخرة و�صارت‬ ‫هدايا من �أنف�س و�أجود الهدايا لأنها �أ�صبحت‬ ‫مما خف حمله وغال ثمنه‪.‬‬

‫�أ�سماء ال�سبح‬

‫يف م�صر يطلق عليها ِ�سبحة �أو ِم�سبحة وجتمع‬ ‫ِ�سبح‪ ،‬ويف بع�ض املناطق العربية واخلليج العربي‬ ‫ت�سمي باللغة العامية ال��دارج��ة م�سبحة‪� ،‬أو‬ ‫م�سباح �أو جتمع كم�سابيح‪ ،‬ويف اللهجة العراقية‬ ‫ال�سائدة يطلق عليها �سبحة �أو م�سبحة وقد جتمع‬ ‫كال�سبح وامل�سابح �أو ال�سبحات«عامية»‪ .‬ويف‬ ‫اللغة الرتكية ت�سمي ت�سبيح «‪ »Tasbih‬عندما‬ ‫ت�ستخدم كلمة �سبحة« ‪ »Subha‬لغر�ض تف�سري‬ ‫معناها يف بع�ض امل�سردات الأجنبية‪ .‬ولغر�ض‬ ‫مقارنة وفح�ص الكلمة باللغة الإجنليزية فقد‬ ‫مت اللجوء �إىل قوامي�س املفردات الإجنليزية‬ ‫ولعل �أق��رب كلمة �إىل ما تعنيه امل�سبحة عند‬ ‫العرب والإ�سالم كانت كلمة روزري «‪» Rosary‬‬ ‫حيث ف�سرت مبعني‪� :‬سبحة وم�سبحة‪� ،‬سل�سلة �أو‬ ‫�صلواة‪ ،‬حديقة ورد �أو م�سكية ورد‪.‬‬

‫نظم حبات ال�سبح‬

‫ك��ان��ت ال�سبحة فيما م�ضى جم��م��وع��ات من‬ ‫احلبات امل�صنوعة من اخل�شب �أو العظم �أو‬ ‫ال�صدف �أو غري ذلك ويف�صل هذه املجموعات‬ ‫حبتان م�ستعر�ضتان �أكرب حجما «الفا�صل» ويف‬ ‫نهايتها توجد املئذنة �أو امل�شربية �أو الدالية‬ ‫وجتمع تلك احلبات حيوط من خامات متعددة‪.‬‬

‫ازدهرت صناعة المسابح التي درج عليها نظم حبات ال�سبحة �أن تكون بـ‬ ‫‪ 33‬ثالثة وثالثني حبة ت�سمى «الثلث على �أ�سا�س‬ ‫في أوروبا على اعتبار‬ ‫�أن �أ�سماء اهلل احل�سنى ت�سعة وت�سعني» من �أي‬ ‫أنها وسيلة رابحة في‬ ‫معدن يف�صل كل �إحدى ع�شرة حبه �شاهد �صغري‬ ‫التبادل مع الشعوب‬ ‫لعلة جعل لكي ينبئ عن مقدار الت�سبيح ملن يريد‬ ‫البدائية‬ ‫�أن ي�ستعملها فيه وه��ي �صغرية خفيفة ي�سهل‬ ‫و�ضعها يف اجليب وهناك �سبح تتكون من ‪66‬‬ ‫ويتفاوت عدد احلبات يف كل جمموعة مثال ‪ 33‬حبه و�أخرى من ‪ 51‬و�أخرى من ‪ 45‬ولكل منها‬ ‫‪� +33 33 +‬أو ‪ 31 + +33 33‬ويبلغ عدد حباتها طريقة خا�صة يف الت�سبيح‪.‬‬ ‫مائه حبة مت�شيا مع عدد �أ�سماء اهلل احل�سنى‬ ‫البالغة ت�سعة وت�سعني �أ�سم ًا وت�ستخدم ال�سبحة مواد �صناعة ال�سبح‬ ‫يف هذه الأ�سماء لكنها ت�ستخدم �أي�ضا يف عد م��ن �أق���دم الأح��ج��ار وامل���واد التي ا�ستخدمها‬ ‫الدعوات �أي الذكر ويف ال�صيغة التي تختم بها الإن�سان يف �صناعة ال�سبح حبيبات من العاج‬ ‫ال�صالة‪.‬‬ ‫واملحار والعظام املختلفة‪ ،‬وذلك ا�ستناد ًا �إىل‬ ‫العظمى‬ ‫الغالبية‬ ‫أ�صبحت‬ ‫�‬ ‫احلا�ضر‬ ‫الع�صر‬ ‫ويف‬ ‫ما عرث عليه يف قبور ترجع �إىل �أكرث من ‪�20‬ألف‬ ‫�سنة‪ .‬فقد قام الإن�سان القدمي ب�صقل وت�شذيب‬ ‫�صاحب م�سبحة‬ ‫هذه املواد وتكوينها على �أ�شكال خمتلفة كال�شكل‬ ‫يقول ال�سيوطي‪� :‬أخربين من �أثق‬ ‫اال�سطواين �أو احلبيبي«اخلرزي» �أو غريها‪ ،‬كما‬ ‫به‪ ،‬انه كان مع قافلة يف درب‪ -‬بيت‬ ‫قام كذلك بثقبها �أو خرقها وجتميعها وربط‬ ‫املقد�س‪ ،-‬فقامت عليهم �سرية من‬ ‫الأع��راب‪ ،‬وجردوا �أ�صحاب القافلة بع�ضها ببع�ض بخيط‪ ،‬وكانت هذه هي اخلطوة‬ ‫ج�م�ي�ع��ا‪ ،‬وج ��ردون ��ى م �ع �ه��م‪ ،‬فلما الأوىل لفكرة القالدة بهدف التزين �أو التباهي‪،‬‬ ‫�أخ ��ذوا عمامتي �سقطت امل�سبحة ولعر�ض هذه الأحجار �أو املواد �أمام الآخرين‬ ‫م��ن ر�أ� �س��ي ف �ق��ال��وا‪ ،‬ه��ذا �صاحب عن طريق ا�ستخدامها كعقود �أو قالئد تعلق يف‬ ‫م�سبحة‪ ،‬ف��ردوا علي م��ا ك��ان �أخ��ذ العنق �أو الزند و�أحيان ًا يف الأرجل‪ ،‬وحالي ًا فقد‬

‫منى‪ ،‬وان�صرفت �ساملا‪.‬‬


‫فنون‬ ‫‪142‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫دخلت �أكرث املعادن والأحجار يف �صناعة ال�سبح‪،‬‬ ‫وبع�ضها ي�صنع من الذهب اخلال�ص �أو مطعم ًا‬ ‫بالف�ضة‪ ،‬يف م��ا ي�صنع بع�ضها م��ن الأمل��ا���س‬ ‫ويزين ب�أحجار كرمية غالية الثمن‪ .‬ومن �أ�شهر‬ ‫اخلامات التي ت�صنع منها ال�سبح‪:‬‬ ‫ ال�ك�ه��رم��ان‪� :‬أج��ود �أن���واع ومنه الكهرمان‬‫الأمل�����اين‪ ،‬ال��ك��ه��رم��ان ال��ب��ول��ن��دي‪ ،‬الكهرمان‬ ‫الرو�سي‪ ،‬و�سعر جرام الكهرمان �ضعف �سعر‬ ‫جرام الذهب‪.‬‬ ‫ الكهرب‪ :‬وهو من البلوريات و�أحيان ًا من‬‫حجر الأونيك�س‬ ‫ ال�سندلو�س‪ :‬تركيبة كيميائية‪ ،‬و�أج��ود‬‫�أنواعه و�أغالها ثمن ًا ال�سندلو�س الأملاين‪.‬‬ ‫ الي�سر‪ :‬خ�شب بحري‬‫ الكوك‪ :‬خ�شب �شجرة الكوك الرتكية‬‫ العظم‪ :‬ت�صنع ال�سبح من عظام الإبل بعد‬‫تطهريه وتنقيته‪.‬‬ ‫ ال�ع��اج‪� :‬سبح العاج ت�صنع من ع��اج الفيل‬‫«قرن الفيل » و�أ�شهره عاج جنوب �إفريقيا‪.‬‬ ‫ ت��راب الكهرمان‪ :‬ت�صنع حبات امل�سبحة‬‫من ك�سر الكهرمان ولذلك �سميت �سبحة تراب‬ ‫الكهرمان‪.‬‬ ‫‪ -‬الأحجار الكرمية‪ :‬منذ القدم والأحجار‬

‫لم تكن السبحة‬ ‫معروفة لدى العرب‪..‬‬ ‫وإنما استحدثت في‬ ‫الصدر األول من اإلسالم‬ ‫كوسيلة لإلعانة على‬ ‫الذكر‪ ‬‬ ‫الكرمية ت�صنع منها حبات ال�سبح مثل‪ ،‬الياقوت‬ ‫والزمرد والزفري‪ ،‬وهي �أحجار جبلية �أر�ضية‪،‬‬ ‫وهناك الأحجار الكرمية البحرية مثل الل�ؤل�ؤ‬ ‫واملرجان‪.‬‬ ‫ ظهر ال�سلحفاة‪ :‬من غطاء ظهر ال�سلحفاة‬‫ت�صنع حبات بع�ض �أنواع ال�سبح‪.‬‬

‫ خ�شب ال�صندل والبخور‪.‬‬‫ الباى زهر‪ :‬من مادة حجر ‪� Bezar‬أو البازهر‬‫ الزركون‪ :‬حجر الزقون ال�شفاف‬‫ العقيق اليماين‬‫ الزجاج‬‫ الف�ضة‬‫ الفريوز‬‫ الياقوت الأزرق‬‫امل�سبحة عرب العامل‬

‫لكل دولة من دول العامل الإ�سالمي ميزة يف مادة‬

‫في العصر العباسي‬ ‫السبح وعرفها‬ ‫انتشرت ُ‬ ‫الناس وذاع أمرها بين‬ ‫العامة بعد أن كانت ال‬ ‫تنتشر إال ّ بين الخلفاء‬ ‫وأصحاب الجاه‬

‫�صناعة ال�سبح؛ ففي �أفريقيا ت�صنع ال�سبح من‬ ‫عظام �سن الفيل ومن عظام بع�ض احليوانات‬ ‫النادرة‪ ،‬ويف الهند و�أندون�سيا ت�صنع من �أخ�شاب‬ ‫ال�صندل ذي الرائحة الذكية وغريه من الأخ�شاب‬ ‫النادرة التي ال تتوفر �إال عند �أهل تلك الديار‪.‬‬ ‫ويف لبنان ت�صنع م��ن خ�شب الأرز ويف حلب‬ ‫�سوريا ت�صنع من ن��وى امل�شم�ش‪ ،‬ويف ال�سودان‬ ‫ُت�صنع ال�سبح من خ�شب ال�صندل على �أن تكون‬ ‫احلبات على هيئة الرتم�س‪ ،‬ويف العراق فت�صنع‬ ‫من الي�سر وال�ساندلو�س «الي�سر م��ادة تنبت يف‬ ‫البحر كالأ�شعاب املرجانية»‪« ،‬ال�ساندلو�س – من‬ ‫م�شتقات البرتول – البرتوكيماويات» �إ�ضافة �إىل‬ ‫ال�سبح امل�صنوعة من الذهب والف�ضة فهذه �سمة‬ ‫يف جميع البلدان الإ�سالمية التي ت�صنع ال�سبح‪.‬‬ ‫�أما يف م�صر‪ ،‬فخان اخلليلي هو مركز �صناعة‬ ‫ال�سبح يف م�صر كافة و�أ�شهر املواد التي ت�صنع‬ ‫منها مادة ال�سبح �إ�ضافة �إىل املواد ال�سابق ذكرها‬ ‫يف جميع البلدان الإ�سالمية – الكهرمان – وهو‬ ‫راتنج متحجر من �إفرازات الأ�شجار ال�صنوبرية‬ ‫املنقر�ضة التي كانت يف بع�ض مناطق الغابات‬ ‫ال�صنوبرية العاملية التي تقع بني �أملانيا واالحتاد‬ ‫ال�سوفيتي وت�شكل قبل �آالف ال�سنني‪ .‬ت�شبه ال�صمغ‬ ‫جتيء على هيئة �أقرا�ص ثم تخرط على �شكل‬ ‫حبات‪ .‬وللكهرمان ع��دة �أ�سماء منها الكهربا‬ ‫والكربة ويعرف الأ�صلي من الزائف ب���أن حتك‬ ‫القطعة يف ال�صوف ف�إذا التقط – كاملغناطي�س –‬ ‫يكون �أ�صلي ًا‪ ،‬كذلك �إذا دعك يف ال�صوف تنبعث‬ ‫منه رائحة طيبة‪ .‬وال يعد من جمموعات الأحجار‬ ‫الكرمية املعدنية الأ�سا�سية‪ ،‬و�إمنا مواد ع�ضوية‬ ‫متحجرة مبعنى من املواد النباتية الع�ضوية‪ ،‬ه�ش‬ ‫ويبعث روائح ال�شجر ال�صنوبري عند فركه باليد‬ ‫�أو احرتاقه ويتدرج لونه يف العادة من الأ�صفر �إىل‬ ‫الأ�صفر الداكن‪ ،‬يوجد �إما ب�أ�شكال دائرية �أو كتل‬ ‫غري منتظمة ال�شكل �أو ب�شكل حبوب �أو قطرات‪.‬‬ ‫عند �إح��راق��ه ي�صدر لهب ًا المع ًا ورائ��ح��ة زكية‬ ‫و ُي�صبح كهربائي ًا �سلبي ًا باالحتكاك‪.‬‬ ‫وهناك مادة طبيعية �أخري ت�صنع منها ال�سبح‬ ‫وهي «ال ُي�سر» ب�ضم الياء وهي مادة تنبت يف البحر‬ ‫كال�شعاب املرجانية لونها �أ�سود وتطعم احلبات‬ ‫بالف�ضة �أو الذهب والي�سر احلقيقي تنبعث منه‬ ‫رائحة ال�سمك �إذا فرك باليد ويتكون من طبقات‬


‫�أم��ا امل��واد الأخ��رى التي ت�صنع منها ال�سبح من‬ ‫م��واد �صناعية – الفاتوران – ال�ساندلو�س –‬ ‫العنربويت – وكلها من م�شتقات البرتول‪.‬‬

‫ال�سبح يف ال�شعر العربي‬ ‫ُ‬

‫�إن عراقة دخول امل�سبحة يف ال�شعر العربي‬ ‫ت��رج��ع �إىل م��ا ي��زي��د ع��ل��ى �أل���ف ع���ام‪ ،‬منذ‬ ‫الع�صر العبا�سي‪ ،‬ف�أبونوا�س عندما حب�سه‬ ‫الأمني‪ ،‬ملجونه وخالعته‪ ،‬و�أنقذه من ال�سجن‬ ‫– الف�ضل بن الربيع‪ -‬و�أظهر التوبة لزم بيته‬ ‫قال �شعر ًا جاء فيه‪:‬‬

‫�أنت يا ابن الربيع �ألزمتني الن�س‬ ‫ـ � ��ك وع� ��ودت � �ن � �ي� ��ه واخل � �ي� ��ر ع � ��ادة‬ ‫ف��ارع��وى ب��اط�ل��ي واق �� �ص � ّر حبلي‬ ‫وت� � � � �ب � � � ��دل � � � ��ت ع � � � �ف� � � ��ة وزه � � � � � � � � ��ادة‬ ‫لو تراين ذكرت بي احل�سن الب�صـ‬ ‫ـ � ��ري يف ح �� �س � ٍ�ن � �س �م �ت��ه �أو ق �ت ��ادة‬ ‫م � ��ن خ� ��� �ش ��وع ازي� � �ن � ��ه ب �ن �ح��ول‬ ‫وا� �ص �ف��رار م �ث��ل ا� �ص �ف��رار اجل� ��رادة‬ ‫امل� ��� �س ��اب� �ي ��ح يف ذراع � � � � � َ�ي وامل �� �ص �ـ‬ ‫ـ� �ح ��ف يف ل �ب �ت ��ي م � �ك� ��ان ال � �ق �ل�ادة‬ ‫ول� �ق ��د ط � ��ال م� ��ا ل �ق �ي��ت ول �ك��ن‬ ‫�أدرك� �ت� �ن ��ي ع �ل��ى ي��دي��ك ال �� �س �ع��ادة‪.‬‬

‫تذكر كتب التاريخ أن‬ ‫السبحة كأداة كانت‬ ‫معروفة منذ عصور ما‬ ‫قبل التاريخ‪ ،‬وكانت‬ ‫عبارة عن خرزات أو قطع‬ ‫كما ذكرت ال�سبحة يف ال�شعر العربي كما يف من الزجاج أو العاج‬ ‫قول ابن عبد الظاهر‪:‬‬ ‫أو األحجار الكريمة‬ ‫و� � � � � �س � � � � �ب � � � � �ح� � � � ��ة �أن � � � � ��ام� � � � � �ل � � � � ��ي‬ ‫المنظومة في سلك‪،‬‬ ‫ق � � � � � � � ��د �� � � � �ش� � � � �غ� � � � �ف � � � ��ت ب � � �ح � � �ب � � �ه� � ��ا وقد اتخذها اإلنسان‬ ‫م � � � � �ث� � � � ��ل م � � � � �ن� � � � ��اق� � �ي� ��ر غ� � � � ��دت‬ ‫تعويذة أو للزينة‬ ‫م � � � � � �ل � � � � � �ت � � � � � �ق � � � � � �ط� � � � � ��ات ح� � � �ب� � � �ه � � ��ا‬

‫كما قال فيها �شعر علي ال�سبيل اللغز‪:‬‬

‫وم �ن �ظ��وم��ة ال �� �ش �م��ل ي �خ �ل��و ب�ه��ا‬ ‫ال� � �ل� � �ب� � �ي � ��ب ف � �ت � �ج � �م� ��ع يف ه� �م� �ت ��ه‬ ‫�إذا ذك � � � ��ر اهلل ج � � ��ل �أ� � �س � �م� ��ه‬ ‫ع � �ل � �ي � �ه � ��ا ت � � � �ف � � ��رق م � � � ��ن ه� �ي� �ب� �ت ��ه‬

‫وقال ال�شيخ �شهاب الدين اخليمي يف �سبحة‬ ‫�سوداء‪:‬‬

‫�إذا ف� � �ك � ��ر اهلل ج � � ��ل ا�� �س� �م ��ه‬ ‫ع � �ل � �ي � �ه ��ا ت � � �ف� � ��رق م � � ��ن ه �ي �ب �ت��ه‬ ‫وقد �أه��دى القا�ضي التنوخي �إىل ن�صر ابن‬ ‫�أحمد اجلنزارزي �سبحة‪� -‬سبح – وال�سبح‬ ‫هو اخلرز الأ�سود – وهي كلمة فار�سية معربة‬ ‫وكتب معها‪.‬‬

‫ب � �ع � �ث ��ت ي� � ��ا ب � � � ��در ب � �ن� ��ي ي� �ع ��رب‬ ‫ب � �� � �س � �ب � �ح� ��ة م� � � ��ن � � �س � �ب� ��ح م �ع �ج ��ب‬ ‫ي � �ق� ��ول م � ��ن �أب � �� � �ص ��ره ��ا ط��رف��ة‬ ‫ن� � �ع � ��م ع � � �ت� � ��اد اخل � � ��اي � � ��ف امل � ��ذن � ��ب‬ ‫مل ت �خ��ط �إن ف �ك��رت يف نظمها‬ ‫و� � �س � �ب � �ح� ��ة م� � ��� � �س � ��ودة ل ��ون� �ه ��ا‬ ‫ول � ��ون� � �ه � ��ا م� � ��ن ُح� � � � َّم� � � � ِة ال� �ع� �ق ��رب‬ ‫ي �ح �ك��ي � � �س� ��واد ال� �ق� �ل ��ب وال� �ن ��اظ ��ر‬ ‫ك � ��أن � �ن� ��ي ع � �ن ��د ا� � �ش � �ت � �غ ��ايل ب �ه��ا‬ ‫�أع � � � � � � ��د �أي� � � � ��ام� � � � ��ك ي � � � ��ا ه� � ��اج� � ��ري وقال �أمري ال�شعراء �أحمد �شوقي‪:‬‬ ‫م� � � ��ا ت� � �ل � ��ك �أه� � � � ��داب� � � � ��ي ت �ن �ظ ��م‬ ‫ب� � �ي� � �ن� � �ه � ��ا ال� � � � ��دم� � � � ��ع ال� � ��� � �س� � �ك � ��وب‬ ‫وقال فيها عماد الدين املناوى‪:‬‬ ‫ب � � � ��ل ت � � �ل� � ��ك � � �س � �ب � �ح� ��ة ل� � � ��ؤل� � � ��ؤ‬ ‫وم �ن �ظ��وم��ة ال �� �ش �م��ل ي �خ �ل��و ب�ه��ا‬ ‫حت � �� � �ص� ��ى ع � �ل � �ي� ��ك ب � �ه� ��ا ال � ��ذن � ��وب‬ ‫ال � �ل � �ب � �ي� ��ب ف� �ت� �ج� �م ��ع م � � ��ن ه �م �ت��ه‬


‫سوق الكتب‬ ‫‪144‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪160‬‬ ‫فبراير‬ ‫‪2013‬‬

‫�إمارات ال�ساحل املت�صالح‬

‫توثيقعلمي‬ ‫يفند كذبة ساحل القراصنة‬ ‫�أبوظبي ‪ -‬فاطمة املزروعي‬ ‫حتت عنوان «�إمارات ال�ساحل املت�صالح‪ ،‬دولة الإمارات العربية املتحدة‪ ،‬يف انطباعات‬ ‫طبيب �أمريكي ع��ام ‪1918‬م» قدمت الباحثة الإم��ارات�ي��ة م��وزه بنت عوي�ص بن علي‬ ‫الدرعي‪ ،‬للمكتبة العربية درا�سة حتليلية وثائقية قيمة‪ ،‬ت�صدت خاللها ملهمة علمية‬ ‫جديرة بالإ�شادة والتقدير حر�صت فيها �إىل جانب التوثيق على تفنيد ع��دد من‬ ‫املغالطات التاريخية املتعلقة باملنطقة‪.‬‬

‫يف م�ق��دم��ة كتابها ع�م��دت ال�ب��اح�ث��ة �إىل‬ ‫حت��دي��د امل�ق���ص��ود مب�صطلح «ال���س��اح��ل‬ ‫املت�صالح»‪ ،‬مو�ضحة ق��ال��ت �أن «�ساحل‬ ‫الإم��ارات‪� ،‬ساحل عمان �أو �ساحل عمان‬ ‫ال�شمايل �أو �ساحل القرا�صنة �أو الإمارات‬ ‫املت�صاحلة كلها م�سميات خمتلفة ملنطقة‬ ‫واح � ��دة اج �ت��ذب��ت ع �ل��ى ف�ت��رات زم�ن�ي��ة‬ ‫خمتلفة‪ ،‬وح�ت��ى يومنا ه��ذا ال�ع��دي��د من‬ ‫ال��رح��ال��ة مبختلف �أه��داف �ه��م ال�سيا�سية‬ ‫واالق�ت���ص��ادي��ة واجل�غ��راف�ي��ة والع�سكرية‬ ‫والتن�صريية واال��س�ت�ط�لاع وامل�غ��ام��رة‪...‬‬ ‫�إلخ‪� ،‬إنها املنطقة التي تقوم عليها اليوم‬ ‫دولة الإمارات العربية املتحدة»‪.‬‬ ‫بعد ذلك انطلقت الباحثة يف رحلة جمعت‬ ‫بني املهنية العلمية وال�صياغة الأدبية‪� ،‬إىل‬ ‫حد يجعلك ت�شعر �أنك يف ح�ضرة روائية‬ ‫تدفع بالق�ص�ص لتجذب القارئ‪ ،‬و�أعتقد‬ ‫�أن متكن الباحثة الدرعي من �إ�ضفاء تلك‬ ‫الروح الأدبية عرب طريقة الكتابة واحلبكة‬ ‫مع جناحها يف اجلانب البحثي التحليلي‬

‫يعد قيمة م�ضافة ومتهيد ًا لطريق جديدة‬ ‫يف الكتابة يف ه��ذا املجال العلمي‪ ،‬وهي‬ ‫ت�ستمد ج��ر�أت �ه��ا ت�ل��ك م��ن قناعتها ب ��أن‬ ‫«ك�ت��اب��ات ال��رح��ال��ة ومذكراتهم – بغ�ض‬ ‫النظر ع��ن �أه ��داف �أ�صحابها – ت�شكل‬ ‫منط ًا �أدب �ي � ًا راق�ي� ًا وممتع ًا يف �آن واح��د»‬ ‫ولذلك فهي ترى �أن «هذا النوع من الأدب‬ ‫يعترب الو�سيلة الأك�ث�ر ق��درة على ر�صد‬ ‫م�شاهدات الرحالة ملختلف جوانب احلياة‬ ‫والطبيعة وتوثيقها بالكلمة والو�صف من‬ ‫خالل ر�ؤية الرحالة لها»‪ ،‬وعليه فهي ت�ؤكد‬ ‫�أن «ه��ذه ال��رح�لات �أ�صبحت اليوم كتب ًا‬ ‫ال غنى عنها للباحث يف ت��اري��خ املنطقة‬ ‫و�ش�ؤونها»‪.‬‬ ‫ق�سمت الباحثة درا�ستها �إىل �سبعة ف�صول‬ ‫رئي�سة‪ ،‬تندرج عدة عناوين فرعية حتت‬ ‫كل ف�صل‪� ،‬ضم الف�صل الأول مدخ ًال عام ًا‬ ‫�إىل امل��و��ض��وع‪ ،‬ث��م التهميد‪ ،‬ث��م مو�ضوع‬ ‫عن الإر�سالية الأمريكية العربية‪ :‬الن�ش�أة‬ ‫والنهاية‪ ،‬ثم حتدثت عن �إمارات ال�ساحل‬

‫املت�صالح وزي��ارات املن�صرين‪ ،‬و�أف��ردت‬ ‫م��و��ض��وع� ًا م�ستق ًال للتعريف بالطبيب‬ ‫الأمريكي بول هاري�سون‪ ،‬ثم حتدثت عن‬ ‫الإر��س��ال�ي��ة الأم��ري�ك�ي��ة العربية واملنطق‬ ‫اجلديد‪.‬‬ ‫يف الف�صل الثاين‪ ،‬كان العنوان الأول بول‬ ‫ه��اري���س��ون على �أر� ��ض �إم���ارات ال�ساحل‬ ‫امل�ت���ص��ال��ح‪ ،‬و�أب ��و ظ�ب��ي ب��داي��ة االن�ط�لاق‬ ‫نحو ال�ساحل‪ .‬ثم بداية الرحلة‪ ،‬الرحلة‬ ‫�إىل �أب��وظ�ب��ي‪ ،‬بينما ر��ص��دت يف مو�ضوع‬ ‫�آخر حلظة و�صول الطبيب هاري�سون �إىل‬ ‫�أبوظبي‪ ،‬ثم خ�ص�صت عنوان ًا منف� ً‬ ‫صال‬ ‫ال�ستعرا�ض كتابات هاري�سون عن �أبوظبي‪.‬‬ ‫جاء الف�صل الثالث حتت عنوان حمطات‬ ‫جديدة وزي��ارات متتالية نحو دبي وباقي‬ ‫�إم��ارات ال�ساحل املت�صالح‪� ،‬ضم مو�ضوع‬ ‫بعنوان هاري�سون يف دب��ي‪ ،‬و�آخ��ر بعنوان‬ ‫ه��اري �� �س��ون م��ن دب��ي �إىل ب��اق��ي �إم���ارات‬ ‫ال�ساحل‪� ،‬أم��ا الف�صل الرابع فقد جاءت‬ ‫موا�ضيعه كالتايل‪ :‬ال�ساحل كما و�صفه‬


‫هاري�سون‪ ،‬وت�سمية ال�ساحل‪ ،‬وال�ساحل‬ ‫جغرافي ًا وتاريخي ًا واقت�صادي ًا‪ ،‬وال�ساحل‬ ‫من الناحية الطبية‪.‬‬ ‫وقد خ�ص�صت الباحثة الف�صل اخلام�س‬ ‫ل��وق�ف�ت�ين م��ع ك �ت��اب��ات ه��اري �� �س��ون ح��ول‬ ‫الرقيق و�أو�ضاعهم يف ال�ساحل املت�صالح‪،‬‬ ‫وممثل احلكومة الربيطانية وكيل املقيمة‬ ‫الربيطانية يف �إمارات ال�ساحل‪.‬‬ ‫�أما الف�صل ال�ساد�س فقد ناق�شت خالله‬ ‫ال�ب��اح�ث��ة ع�لاق��ة الإر� �س��ال �ي��ة الأم��ري�ك�ي��ة‬ ‫العربية وال�سلطات الربيطانية‪ ،‬واتخذت‬ ‫من الطبيب هاري�سون �أمنوذج ًا يف مو�ضوع‬ ‫م�ستقل‪ .‬قبل �أن تختتم درا�ستها العلمية‬ ‫بالف�صل ال�سابع الذي حمل عنوان «قراءة غالف الكتاب‬ ‫يف ك �ت��اب��ات ه��اري �� �س��ون م��ن خ�ل�ال ه��ذه‬ ‫الباحثة تفنيد ه��ذه الت�سمية الف��ت �إىل‬ ‫الزيارة»‪.‬‬ ‫�أن الإجنليز �أل�صقوها ب�صفة خا�صة على‬ ‫مراجعة املغالطات التاريخية القوا�سم ‪�-‬إحدى القبائل الإماراتية الهامة‬ ‫داخ ��ل االط���ار ال �ع��ام ل �ل��درا� �س��ة‪ ،‬متكنت التي ظهرت كقوى بحرية على ال�ساحل‪.‬‬ ‫ال �ب��اح �ث��ة ب �ح��رف �ي��ة م��ن م��راج �ع��ة بع�ض وا� �ض��اف��ت «ل�ق��د ر�أت بريطانيا يف تطور‬ ‫الأخ �ط��اء وامل�غ��ال�ط��ات ال�ت��اري�خ�ي��ة‪ ،‬منها القوى البحرية العربية تهديد ًا مل�صاحلها‬ ‫�إطالق م�سمى �ساحل القرا�صنة �أو �شاطي يف املنطقة‪ ،‬فالإجنليز مل يكونوا يريدون‬ ‫القرا�صنة على �ساحل اخلليج العربي‪ ،‬ب�أي ثمن ر�ؤية قوة عربية تتناف�س مع قوتهم‬ ‫وه ��ي �إح� ��دى ال�ت���س�م�ي��ات ال �ت��ي �أط�ل�ق�ه��ا على طريق م�ستعمراتهم الهندية‪ ،‬حتى و�إن‬ ‫الإجن �ل �ي��ز ع�ل��ى ال �� �س��اح��ل‪ ،‬وال �ت��ي �أك��دت كانت تلك القوى متار�س جتارة عادية‪ ،‬فكان‬ ‫الباحثة �أنها غري �صحيحة �إطالق ًا‪ .‬وقالت عليهم �إذن عاج ًال �أو �آج ًال الدخول يف �صراع‬ ‫(�إن ظهور هذه الت�سميات وبكرثة يف عدد مع القوا�سم الذين ميتلكون �أك�بر �أ�سطول‬ ‫م��ن ال��درا��س��ات وال�ك�ت��اب��ات ال�ت��ي تناولت عربي مهم يقاوم حماولتهم للهيمنة« وقالت‬ ‫تاريخ ال�ساحل‪ ،‬وخا�صة التي �صدرت من «�إن الإجنليز لبلوغ هذا الهدف ‪� -‬أي �ضرب‬ ‫قبل بع�ض من توافدوا على منطقة اخلليج القوة العربية البحرية ‪ -‬كان عليهم �إيجاد‬ ‫العربي ب�شكل خا�ص �أو ممن نقل عنهم غطاء لذلك ف��اخ�ترع��وا م�س�ألة ماي�سمى‬ ‫ب�شكل عام �أو ممن �سمع عن تلك املنطقة‪ ،‬الن�ضال �ضد القر�صنة»‪ ،‬وت�ست�شهد الباحثة‬ ‫تدفعنا للقول �إن ه ��ؤالء املبعوثني ب�شكل مبقولة لأحد الرحالة الفرن�سيني ورد فيها‬ ‫عام �سواء �أكانوا رحاله �أو من�صرين مل �أن «�ضرورة الق�ضاء على القر�صنة هو �أحد‬ ‫يكونوا بالقطع �صفحة بي�ضاء وال لوح ًا احلجج املقبولة كغطاء للتدخل يف �ش�ؤون كل‬ ‫�أمل�س‪ ،‬يتلقى االنطباع الأول عن النا�س الدول ال�صغرية ل�ساحل بحر عمان»‪.‬‬ ‫و�أر�ضهم‪ ،‬و�إمنا كان هناك �إنطباع م�سبق وترى الباحثة �أن ف�شل االجنليز يف تقلي�ص‬ ‫را�سخ لدى تلك العقلية الأوروبية الناجمة ن �ف��وذ ال �ق��وا� �س��م جعلهم ي�ك�ي�ل��ون عليهم‬ ‫ع��ن ت��راك��م امل �ع �ل��وم��ات ال �ت��ي تناقلتها االتهامات‪ ،‬على اعتبار �أن ما يقومون به‬ ‫الأج�ي��ال �أو التي نتجت عن م��واد متاحة جتاه ال�سفن االجنليزية والأوروبية من قبيل‬ ‫للجمهور ال�شغوف ب��ال �ق��راءة)‪ .‬وتابعت �أع�م��ال ال�سلب والقر�صنة‪ ،‬بينما النظرة‬

‫املن�صفة تدح�ض ذلك‪ ،‬فالقوا�سم –ح�سب‬ ‫ال��درع��ي‪« -‬لفقر بيئتهم الطبيعية مل يكن‬ ‫لهم من مورد �سوى العمل يف البحر‪ ،‬ومن ثم‬ ‫فقد �سعوا �إىل بناء قوة بحرية كبرية تدعم‬ ‫وجودهم يف املنطقة وتدفع عنهم الأخطار‬ ‫التي قد يتعر�ضون لها»‪.‬‬ ‫ومم��ا بينته الباحثة خ�لال بحثها هو �أن‬ ‫تن�صري ��س�ك��ان ه��ذه امل�ن�ط�ق��ة‪ ،‬وحم��اول��ة‬ ‫الت�أثري عليهم لرتك دينهم‪ ،‬كان الهدف‬ ‫ال��رئ�ي����س ل�ل�ع��دي��د م��ن ت�ل��ك ال �ت��دخ�لات‪،‬‬ ‫و�أع��ط��ت �أدل� ��ة ع �ل��ى ذل ��ك م��ن م ��ؤل �ف��ات‬ ‫ال�ط�ب�ي��ب ه��اري �� �س��ون ن�ف���س��ه‪ ،‬وم ��ن ع��دة‬ ‫برقيات ور�سائل وتقارير لبعثة الإر�سالية‬ ‫الأمريكية التي كانت ت�صدر تقرير ًا ربع‬ ‫�سنوي يتم ن�شره من الكني�سة اال�صالحية‬ ‫الأمريكية يف نيويورك‪ ،‬ولفتت الباحثة �إىل‬ ‫ق��وة �إمي��ان �أه��ل املنطقة ب��اهلل ومت�سكهم‬ ‫ب�ع�ق�ي��دت�ه��م ودي��ن��ه��م‪ ،‬وال� �ت ��ي مل ت �ت ��أث��ر‬ ‫باملن�صرين وبكل الوفود التن�صريية على‬ ‫املنطقة وال�ت��ي كانت ت��أت��ي م��ع احلمالت‬ ‫الطبية‪ ،‬وغني عن القول �إن الطبيب بول‬ ‫هاري�سون نف�سه كان له جانب تن�صريي‪.‬‬

‫نتائج ومالحظات‬

‫ومن خالل معاجلة علمية وثائقية خرجت‬ ‫الباحثة بعدة نتائج ومالحظات منها‪� ،‬أن‬ ‫اخللفية الأمريكية ع��ن املنطقة يف تلك‬ ‫احلقبة مل تكن بي�ضاء بل كانت متاثرة‬ ‫باملقوالت الغربية‪ ،‬كما كان الو�ضع ال�صحي‬ ‫املتدهور يف املنطقة من �أهم الأبواب التي‬ ‫�سهلت دخول �أطباء الإر�سالية الأمريكية‬ ‫يف منطقة ال�ساحل املت�صالح ب�شكل خا�ص‬ ‫واخلليج ب�شكل عام‪ .‬كما بينت الباحثة �أن‬ ‫هناك اعتقاد ًا كان �سائد ًا لدى هاري�سون‬ ‫وغريه من �أطباء االر�سالية �أن االت�صال‬ ‫ب��ر�أ���س الهرم االجتماعي �سيكون عامال‬ ‫م�ؤثرا يف حتقيق جناح عمل البعثة الطبي‬ ‫والتن�صريي‪ ،‬ول�ك��ن ه��ذا االع�ت�ق��اد جنح‬ ‫يف اجل��ان��ب ال �ط �ب��ي‪ ،‬وف���ش��ل يف اجل��ان��ب‬ ‫التن�صريي‬


‫كالم أخير‬ ‫د ‪ .‬را�شد املزروعي‬

‫اإلبل في التراث‬ ‫بينما‬

‫�أعد امللف املن�شور يف هذا العدد عن ال�شاعر‬ ‫را�شد بن حممد بن عبالن الكتبي رحمه اهلل‪،‬‬ ‫كنت يف الوقت نف�سه �أ�ساهم يف التح�ضري للم�سابقة ال�شعرية‬ ‫التي ينظمها بيت ال�شعر يف �أبوظبي �ضمن فعاليات مهرجان‬ ‫�سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان للإبل‪ ،‬الذي ي�ستمر‬ ‫طوال اخلم�سة ع�شر يوم ًا الأوىل من ال�شهر اجلاري‪ ،‬والذي‬ ‫يقدم �أمنوذج ًا يحتذى لكيفية ا�ستعادة تراث الأجداد وتفعيل‬ ‫دوره يف احلياة املعا�صرة‪ ،‬عرب ن�شاطات خمتارة ومدرو�سة‬ ‫مبنهجية علمية ‪.‬جنحت يف ا�ستقطاب الأجيال اجلديدة‬ ‫للم�شاركة ب�إيجابية وا�ضحة يف ا�ستعادة وتفعيل وتطوير‬ ‫عنا�صر تراثهم الزاخر‪ ،‬كما جنحت يف جعل املهرجان حدث ًا‬ ‫م�شهود ًا على خريطة الفعاليات الثقافية والريا�ضية الرتاثية‬ ‫يف العامل‪ ،‬وهو �أمر يعود الف�ضل فيه �إىل �سمو ال�شيخ �سلطان‬ ‫بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة رئي�س‬ ‫نادي تراث الإمارات‪ ،‬الذي ال يدخر جهد ًا يف �سبيل �إحياء‬ ‫تراث الأجداد املادي واملعنوي ليدجمه يف ن�سيج احلياة‬ ‫املعا�صرة حمافظة على هوية الكائن واملكان‪.‬‬ ‫توقفت يف ق�صيدة ابن عبالن عند بيت يقول فيه‪:‬‬ ‫وان جنيت من االبل خذ نقو نوق‬ ‫واال�صايل ما يباعن يف الأ�سواق‬

‫وا�ستعر�ضت ما حفظته ذاكرتي من �شعر الأجداد احلافل‬ ‫بالتغني بالإبل‪ ،‬فوجدته جدير ًا ب�أن يكون حمط اهتمامنا‬ ‫بالبحث والتوثيق والن�شر حتى تطلع عليه الأجيال اجلديدة‪.‬‬ ‫فديوان ال�شعر النبطي يف الإمارات‪ ،‬زاخر بالعديد من‬ ‫الق�صائد التي متثل ا�ستمرار ًا لتلك العالقة الفريدة التي‬ ‫جمعت بني البدوي وناقته‪ ،‬والتي يدرك خ�صو�صيتها كل‬ ‫قارئ للرتاث العربي‪ ،‬ب�شكل عام‪ ،‬وكل مطلع على تراث‬

‫ال�شعر العربي ب�صفة خا�صة‪ ،‬فمن النادر �أن جتد �شاعر ًا‬ ‫مل يتحدث عن عالقته بناقته‪ ،‬منذ معلقة ال�شاعر اجلاهلي‬ ‫لبيد بن ربيعة التي تعد �أقدم مثال حمله لنا ال�شعر لعالقة‬ ‫البدوي بناقته‪ ،‬مرور ًا بكافة ع�صور احل�ضارة العربية‬ ‫والإ�سالمية‪ ،‬لقد تفنن ال�شعراء يف ر�سم �أجمل ال�صور‬ ‫ال�شعرية التي جت�سد املكانة العالية للإبل يف نفو�س العرب‪،‬‬ ‫فكانت الناقة دائم ًا حمل الو�صف ومثار الفخر‪ ،‬بل خلع‬ ‫عليها ال�شعراء من م�شاعرهم ما ك�شف �أنها مل تكن جمرد‬ ‫ر�أ�س مال �أو �أداة بل رفيقة درب و�شريكة حياة تنب�ض يف‬ ‫ق�صائدهم بال�صفات الإن�سانية فت�شكو وتت�أمل وت�شعر‬ ‫باحلنني �إىل الوطن وتناجي �صاحبها وحتاوره‪ ،‬ويبثها‬ ‫�صاحبها ال�شكوى ويناجيها‪ ،‬ولي�س غريب ًا �إذن �أن ي�صفها‬ ‫�شاعر العربية الأكرب �أبو الطيب املتنبي بـ«حبال احلياة»‬ ‫ويطلق عليها و�صف «طيور ال�صحراء»‪.‬‬ ‫وهو الأمر الذي حدا بنا �إىل متثل تلك الروح يف امل�سابقة‬ ‫ال�شعرية التي ينظمها بيت ال�شعر يف �أبوظبي �ضمن فعاليات‬ ‫مهرجان �سلطان بن زايد للإبل هذا العام‪ ،‬متمثلني توجيهات‬ ‫�سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو‬ ‫رئي�س الدولة رئي�س نادي تراث الإمارات‪ ،‬الذي يويل‬ ‫اهتمام ًا عظيم ًا بال�شعر العربي عامة والنبطي خا�صة‪.‬‬ ‫وتفعي ًال لهذا الهدف‪ ،‬ر�أت اللجنة امل�شرفة على امل�سابقة‬ ‫تخ�صي�ص دورة هذا العام للق�صائد النبطية يف جمال الإبل‬ ‫املحليات الأ�صايل‪ ،‬مع منح الأف�ضلية لبحور «الونة والردحة‬ ‫والتغرودة» يف حماولة لإحياء هذه الألوان الرتاثية‪ .‬ننتظر‬ ‫بفرح ما �سوف ت�سفر عنه تلك امل�سابقة التي ن�أمل �أن حتث‬ ‫قرائح ال�شعراء على التغني بالإبل وجمالها وكل ما يخ�صها‬ ‫على نهج الأجداد‪ ،‬لن�شارككم فرحتنا به ونحن ن�ضعه بني‬ ‫�أيديكم يف ملف خا�ص يف الأعداد القادمة من املجلة‬



‫كتاب‬

‫يصدر كل شهر ويوزع مجان ًا مع مجلة تراث‬

‫العدد القادم‬ ‫السيرة بين الحديث‬ ‫النبوي والتاريخ‬ ‫واألدب الشعبي‬

‫حممد ال�سيد عيد‬

‫صدر مع مجلة تراث‬

‫هــديــــة‬ ‫مع‬

‫جملة تراث‬

‫(‪)7‬‬

‫يـ�شـــدر‬ ‫ويوزع‬

‫بال ِغي‬ ‫جي ُه ال َ‬ ‫التَّو ِ‬ ‫ُقرْآنِيَّ ْة‬ ‫ت ال‬ ‫ءا ِ‬ ‫لِل ِقرَا َ‬

‫كـل �شــهر‬

‫جمانـ ًا مع‬

‫جمـلة تراث‬

‫(‪)6‬‬

‫ا‬ ‫ستراتيج‬ ‫ية التأ‬ ‫ـداللي‬ ‫ويل ال‬ ‫ه‬ ‫يثم �سرحان‬

‫كتاب‬ ‫هذا ال‬ ‫آنه الكرمي‬ ‫قرا‬ ‫كمة اهلل �سبحانه يف ذك��ره يف‬ ‫�سري‬ ‫اقت�ست ح ج��ه ق�راءات��ه؛ لتي وا�ستيعاب‬ ‫انيه‬ ‫اأو‬ ‫اأن تتغاير جاز يف ت�س�ير مع �كب ًة من‬ ‫مام بها ك‬ ‫اوة‪ ،‬والإي‬ ‫الت‬ ‫اهت‬ ‫رواياتها‪،‬‬ ‫حكامه‪ ،‬وق َّي�س ل التث ُّبت من‬ ‫بها كلٌّ‬ ‫بنقلها و‬ ‫اأ‬ ‫لها اأو‬ ‫ن�ا‬ ‫العلماء عُ �جيهها والحتجاج منها اللغ�ي‬ ‫بت‬ ‫خذ‬ ‫ن�ا‬ ‫فات‬ ‫كما عُ‬ ‫ومنزعه؛‬ ‫واعت�سد‬ ‫جهه‬ ‫هبه‪،‬‬ ‫بح�سب ُم َّت قاعدته اأو حجة ملذ يف ترجيح‬ ‫حممد �سعد‬ ‫اأو‬ ‫ساهدًا على‬ ‫أحمد �سعد‬ ‫ا�ستنباط الأحكام ع�س وج�هها‬ ‫�‬ ‫يف‬ ‫د‪� .‬‬ ‫ص�ص يف‬ ‫بها الفقيه خر‪ ،‬وت��سَّ ل املتكلم بب ريه‪ ،‬وكانت‬ ‫ك��ادمي��ي متخ� �ي‪ ،‬يعمل‬ ‫غ‬ ‫اآ‬ ‫حكم على هبه اأو يف رد مذهب حليل اللغ�ي‬ ‫ب��اح��ث �أ�ة وال�ن�ق��د الأدب� � �د ًا بق�سم‬ ‫�اع�‬ ‫غ�‬ ‫اإثبات مذ‬ ‫ذلك هي الت‬ ‫�ات‬ ‫ال�ب��ا � �س �ت��اذ ًا م���س� �درا�� �س �‬ ‫يف‬ ‫جميعًا اإىل‬ ‫ح��ال�ي� ًا اأ ل �ع��رب �ي��ة وال � بية‪ ،‬جامعة‬ ‫تهم‬ ‫ال �ل �غ��ة ا كلية الرت‬ ‫يف الت�جيه‬ ‫و�سيل لعنا�سرها‪.‬‬ ‫مية‪،‬‬ ‫الجتاهات‬ ‫والنح�ي‬ ‫الإ�سا م�س‪ ،‬م�سر‪ .‬يف جم ��ال‬ ‫معانيها‪،‬‬ ‫�س‬ ‫�ات‬ ‫عني‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫بزغ من خال هذه بالبحث يف‬ ‫ف‬ ‫�دة م� ��ؤل� �‬ ‫لأ�� �س����ل‬ ‫ت �ب��ة على‬ ‫ك��ان ُيعني‬ ‫و‬ ‫ل� ��ه ع � � � �س��ه‪ ،‬م �ن �ه��ا (اب�يه واأثرها‬ ‫مل��رت‬ ‫�ر‬ ‫ت �خ �� �س � يف كتاب �سي (التطبيق‬ ‫اجت��ا ٌه اآخ� ج � ��ه ال�ب��اغ�ي��ة ا ابن اجلزري‬ ‫لأو‬ ‫الباغيةحث الباغي)‪ ،‬خ���ا���س‬ ‫وت�ل� ُّم����س ا ختافها‪ ،‬حتى جعلها ه�) وجهًا‬ ‫يف الب �ي ‪ -‬امل� �ع ��اين و الباغي‬ ‫(ت ‪911‬‬ ‫ال �ب��اغ�ب)‪( ،‬التطبيق التطبيق‬ ‫تغايرها وا وال�سي�طي‬ ‫آن الكرمي‪.‬‬ ‫لقرا‬ ‫�)‬ ‫الرتاكي ��ر ال�ب�ي��ان�ي��ة)‪ ،‬بديعية)‪،‬‬ ‫(ت‪832‬ه جاز الباغي يف ا التي بثَّها‬ ‫��س���ر ال‬ ‫ال �� �س�‬‫ا�سة‬ ‫�‬ ‫الباغية‬ ‫ل‬ ‫إع‬ ‫ا‬‫در‬ ‫وج�ه ال‬ ‫�ي‬ ‫بية‪:‬‬ ‫الظ�اهر‬ ‫للقراءات‬ ‫ال�ب��اغ� الباغة العر و(مدخل‬ ‫من تاب يتتبع‬ ‫(نظرية املعرفية)‪،‬‬ ‫ههم‬ ‫هذا الك‬ ‫يف معر�س ت�جي ال�ق�ف على‬ ‫يف الأ�س�ل لعربية)‪.‬‬ ‫سلف‬ ‫الباغة ا‬ ‫اإىل‬ ‫علما ُء ال� ها‪ ،‬ور�سدها؛ ثم لها‪ ،‬وبيان‬ ‫غري‬ ‫ليها اأو حتلي‬ ‫اأو تاأثرها‬ ‫املت�اترة و الإ�سارة اإ‬ ‫�س‬ ‫يف‬ ‫طرائقهم حث الباغي اخلال يف حركة‬ ‫عها املنا�سب‬ ‫الب‬ ‫اأثرها يف ذلك م�ق‬ ‫ب‬ ‫تقع‬ ‫حتى‬ ‫وجتديدها‪.‬‬ ‫به؛‬ ‫�سيل الباغة‬ ‫تاأ‬

‫اإ‬

‫�شدارات‬

‫‪20 12‬‬

‫د‪� .‬أ‬

‫حمد �سعد‬

‫حممد �سعد‬

‫اليمن ‪ ،1929‬انطباعات ومشاهدات البعثة السوفيتية‬ ‫األملانية السينامئية‪ ،‬ترجمة د‪ .‬سعيد دبعي‬ ‫تعدد الرواية يف الشعر الجاهيل‪ ،‬د‪ .‬أمين بكر‬ ‫ذاكرة الطني‪ ،‬شواهد من الرتاث املعامري والعسكري‬ ‫يف مدينة العني‪ ،‬د‪ .‬محمد فاتح صالح زعل‬ ‫حكمة األجداد يف تراث مجتمع اإلمارات‬ ‫دراسة سوسيولوجية يف األمثال الشعبية‪ ،‬د‪ .‬أحمد محمود الخليل‬ ‫تأريخ القدامى للشعر إىل نهاية القرن الرابع‬ ‫مدونة املرزباين أمنوذجاً ‪ ،‬د‪ .‬محمد حبيبي‬ ‫اسرتاتيجية التأويل الداليل عند املعتزلة‪ ,‬الدكتور هيثم رسحان‬ ‫التوجيه البالغي للقراءات القرآنية‪ ،‬د‪ .‬أحمد سعد محمد سعد‬ ‫رسائل البرشى يف السياحة بأملانيا وسويرسا عام ‪ ،1889‬حسن توفيق العدل‬ ‫مثرات ناضجات من جنان الشعر العريب‪ ،‬د‪ .‬عايدي عيل جمعة‬ ‫الفكر الرتبوي الرتايث الخطيب البغدادي أمنوذجاً ‪ ،‬للدكتور بوزيد الغىل‬ ‫النظم والتأويل يف الفكر البالغي العريب‪ ،‬للدكتور محمد سعد شحاته‬ ‫املبهج املعريف شعريات أدب الرحلة للكاتب شاكر لعيبي‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.