�شوقي �ضيف �صاحب املنهج الرتاثي املو�سوعي تراثية ثقافية منوعة ت�صدر عن نادي تــــــــــــــــراث الإمـارات العـدد 161مـــــ ار�س 2013
دعوة للتقنين ..
هواية اقتناء الرتاث يف الإمارات
أغاني الزراعة باليمن ..
تعك�س جتارب الرجال يف احلب واحلرب
مجلس العلوم ..
ال�صقور � ..أ�سماك طائرة كرة القدم في التراث ..
امل�سلمون .. و�ضعوا قواعدها ونظموها د .أحمد عتمان:
دور الرتاث م�ستمر رغم حمالت الهجوم عليه
مع العدد كتاب الشهري
مهر جا ن سويحان 2013
التراث .. يف خدمة الحياة
صوت من المستقبل ِ يــاة جلِ ِ ل ل أو احل غـاف ٍ ـاه ٍ ُ َت ُ صفــو َ َّ ع َع َّمــا َم َ ضــى ِفيهــا َومـا يُ تـوق ُ احلقـا ِئ ِ ـه ط فـي َ و ِل َمــن يُغـا ِل ُ فس ُ ق نَ َ ِ ـع احملـال لــب ــومها َ ط َ وي ُ َ فتطم ُ س ُ َ ِ مـان مـن بُنيا ِنـه اله َر أيــن الَــذي َ صـر ُع؟ ـه مـا َ وم ُ وم ُ امل َ ـه مـا َي ُ مـا قَ ُ اآلثــار َعــن أصحابِهـا ف َت َتخــ َّل ُ ُ ــع ِحينــًا ويُد ِر ُكهــا َ نــاء ف َت َ تب ُ الف ُ أبو الطيب املتنبي
محتويات العدد تراثية ثقافية منوعة ت�صدر عن مركز زايد للدرا�سات والبحوث بنادي تراث الإمارات
6
امل�شرف العام
د .را�شد �أحمد املزروعي مدير التحرير
وليد عالء الدين
38
�سكرتري التحرير
حممــد �سعد النمـــر هيئة التحرير
�شـم�سـة حـمـد الظاهـري فاطمة نايع املـنـ�صـوري موزة عوي�ص الدرعي ناجية الكتبي
50
املديـر الفنـي
فــواز نـاظــم ر�ســـوم
66
حـ�سـن �إدلـبـي حممد بريم �أدهم العك�ش الإخراج والت�صميم
�إيـنـا�س درويـ�ش
�أبوظبي للإعالم -توزيع الرقم املجاين8002220 :
لالت�صال من اخلارج 00971 2 4145000 : فاك�س 00971 2 4145050 : م�س�ؤول التوزيع
�أحمد عبا�س
هاتف 00971 56 3150303 : marketing@cmc.ae
78
ملف �سويحان :اختتمت منت�صف �شهر فرباير الفائت ،فعاليات مهرجان �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان للإبل التي ا�ستمرت خم�سة ع�شر يوم ًا يف ميدان الهجن مبنطقة �سويحان يف �أبوظبي .وقد جنح مهرجان �سويحان يف �أن يتحول �إىل تظاهرة تراثية ثقافية ذات بعد عاملي ت�ستقطب املهتمني بريا�ضات الهجن من كافة �أنحاء العامل ،كما جنح املهرجان يف �أن ي�صبح الوعاء الأهم لكافة املفردات الرتاثية التي تتعلق بالإبل �سواء على �صعيد الريا�ضات �أو املوروث ال�شعري والأدبي �أو غريها، ليكون مدر�سة لتعليم الأجيال اجلديدة قواعد تلك الريا�ضات الرتاثية ومفرداتها، وتر�سيخ املحافظة على ثروة الإبل ودعم جهود املحافظة على ال�سالالت العربية الأ�صيلة. ق�ضية للنقا�ش :ثمة اح�صائيات �شعبية تقول �إن ع��دد املتاحف املنزلية يف دولة الإم��ارات يح�صى ب��الآالف ،و�أن عدد املقتنيات املو�صوفة بالتاريخية �أو الأثرية �أو الرتاثية ميكن �إح�صا�ؤه مباليني القطع ،تتفاوت بالطبع يف �أهميتها وندرتها� ،إال �أن الطبيعة الفردية التي يدار بها هذا الن�شاط جتعل من ال�صعب بل من امل�ستحيل تقدمي �إجابة لهذا ال�س�ؤال الدقيق :و�سط هذا الكم الهائل من املقتنيات ..كم قطعة ن��ادرة بالفعل تتعر�ض للتلف وت��ذوب فر�صة احلفاظ عليها للأجيال القادمة؟ هذا ال�س�ؤال دعانا �إىل فتح امللف مع نخبة من املثقفني واملهتمني بهذا ال�ش�أن يف الدولة، لن�ستطلع �آراءهم حول �ضرورة تنظيم هواية تداول واقتناء املوجودات الرتاثية والأثرية يف الإمارات. �ساحة احل��وار :قلل رائد الدرا�سات الكال�سيكية يف العامل العربي الدكتور �أحمد عتمان من �أهمية التخوفات التي يطلقها البع�ض على الهوية الثقافية العربية ،حتت وط�أة التحوالت التي ي�شهدها العامل ،و�أ�ضاف خماطب ًا اخلائفني من ذلك« :نحن لدينا م�صفاة قوية هي العروبة والإ�سالم ،وال جمال للخوف». وحدد يف حوارنا التايل معه ،ما ي�شبه ال�شروط املنهجية التي ت�ضمن �أن ي�ستمر دور وت�أثري «تراثنا احلي» رغم كل حمالت الهجوم عليه ،معترب ًا �أن هذا الرتاث هو �أ�صل الوحدة واال�ستمرارية ،قائ ًال�« :إن مفهوم الرتاث احلي هو ال�شيء الوحيد الذي ي�شفع لنا حتى اليوم يف احلديث عن وجود وعي عربي �إ�سالمي»..
ارت�ي��اد الآف ��اق :بعني عا�شق جلغرافيا وط��ن ميتد من النهر �إىل البحر ،وقلب مرتع باحلزن على تاريخه ،يرحتل الأديب حت�سني يقني يف كتابه «برتقالة واحدة 114لفل�سطني» ،من برتقال �أريحا �إىل برتقال يافا ،موثق ًا م�شاهداته عن منازل لها يف القلوب منازل :زهرة املدائن القد�س ،رام اهلل ،جنني ،يافا ،عكا ،حيفا ،وغريها من املدن الفل�سطينية .هي رحلة بني ربوع وطن ُكتب على �أهله عبور بوابات وحواجز هويات ب�ألوانٍ باهتة ،وت�صاريح �سريعة الزوال، و�أ�سالك املحتل ،بعد احل�صول على ٍ 130و�إال فالبديل املغامرة و�سط �أحرا�ش و�أ�شواك ودروب خفية ليداووا الأرواح بر�ؤية قراهم ومدنهم ،وليثبتوا �أنهم �أدرى ب�شعاب بلدهم ،كما كان ي�صنع حت�سني يقني يف زياراته �إىل القد�س ،وغريها من املدن ،منتق ً ال على مدى �سنوات ع�شر ـ« 1997ــ »2007بطول بالده وعر�ضها ،متحدي ًا جربوت املغت�صب الذي يريد متزيق اجلغرافيا، وت�شويه التاريخ.
38
يا هال
ي ا ه ال
سويحان ..التراث في خدمة الحياة
50
122
106
سعر النسخة
الإمارات العربية املتحدة 10دراهم -اململكة العربية ال�سعودية 10ري��االت -الكويت دينار واح��د � -سلطنة عمان 800بي�سة - قطر 10ري��االت -مملكة البحرين دينار واح��د -اليمن 200 ري��ال -م�صر 5جنيهات -ال�سودان 250جنيهاً -لبنان 5000 لرية � -سورية 100لرية -اململكة الإردنية الها�شمية ديناران العراق 2500 :دينار -فل�سطني ديناران -اململكة املغربية 20االشتراكات
ل�ل�أف��راد داخ��ل ال��دول��ة »100« :دره��م /ل�ل�أف��راد م��ن خ��ارج ال��دول��ة »150« :دره�م�اً /للم�ؤ�س�سات داخ��ل ال��دول��ة»150« : درهماً /للم�ؤ�س�سات من خارج الدولة »200« :درهم.
املتابع لفعاليات مهرجان �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان للإبل الذي اختتم فعالياته منت�صف ال�شهر املا�ضي ،يدرك متام ًا �أنه �أمام حدث جدير بالتوثيق، فهو ي�ؤ�س�س لتوجه علمي معا�صر يف التعاطي مع امل��وروث ال�شعبي املتعلق بالإبل على اختالف �أ�شكاله و�ألوانه ،جمدد ًا ومطور ًا وم�ستفيد ًا من تكنولوجيا الع�صر يف �إغناء ن�سيج احلياة املعا�صرة مبفردات هذا الرتاث الغني الذي متتد خرياته لت�شمل كافة نواحي احلياة :االقت�صادي املتعلق بتجارة وتربية الإبل� ،أو ما يتعلق بالرثوة احليوانية ومنتجاتها� ،أو ما يتعلق بالبيئة والزراعة ،بل ما يتعلق بال�صحة حيث �أثبتت الأبحاث الأخرية �أن الإبل �صيدلية حية ،ذلك �إىل جوار ما يقوم به املهرجان من �إحياء حقيقي لريا�ضات الهجن املختلفة املعا�صرة والرتاثية، وريا�ضات ال�سلوقي ،وما يقدمه من ترفيه وت�سلية� ،إ�ضاف ًة �إىل م�ساهمته الفاعلة يف �إثراء ديوان ال�شعر والأدب العربيني فيما يخ�ص الإبل وعواملها الغنية من خالل الفعاليات الثقافية والفكرية التي تنتظم على هام�شه ،وم�سابقته ال�شعرية املميزة التي حتث ال�شعراء على تقدمي �إبداعاتهم يف الألوان الرتاثية من ال�شعر النبطي يف الإمارات ،و�أخري ًا ولي�س �آخر ًا ما يقدمه املهرجان للعامل كله من معرفة مبنظومة القيم والأخالق التي حتكم عالقات �أهل الإم��ارات ،وبيان قدراتهم على تنظيم فعاليات تُده�ش وتعلم. وقد اجتهدت «تراث» يف �أن حتتفي بهذا احلدث البارز مبا يليق به ،فخ�ص�صت ملف ًا لتغطية فعالياته ،كما خ�ص�صت نافذة «دان��ات» لن�شر الق�صائد الفائزة باملراكز اخلم�سة الأوىل يف م�سابقته ال�شعرية ،كما ي�صدر مع العدد كتاب م�ستقل يوثق بال�صورة والكلمة لفعاليات دورة هذا العام من مهرجان �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان للإبل ،ن�ضعه بني يدي كل قارئ مهتم وباحث حري�ص. وا�ستكما ًال لالهتمام بال�ش�أن املحلي ،تفتح تراث ملف «تداول واقتناء املوجودات الرتاثية والأثرية يف الإم��ارات» وهو ملف – كما نراه� -شديد احل�سا�سية يتعلق باملوروث املادي للدولة الذي ميثل تاريخها الأ�صيل ،حيث ترى نخبة من املثقفني واملهتمني الذين ا�ستطلعت «تراث» �آراءهم �ضرورة تنظيم تلك الهواية ،الفتني �إىل �أهمية وجود جهة معتمدة للتن�سيق ،يكون دورها الرئي�سي ت�صنيف القطع املقتناة لدى الأفراد وحتديد الأهمية التاريخية والثقافية لكل منها و�إدراجها يف �سجالت ر�سمية وحتديد طبيعة احلماية املطلوبة لها للحفاظ عليها باعتبارها جزء ًا من تاريخ الوطن .بالإ�ضافة �إىل و�ضع معايري و�آليات و�إج��راءات وا�ضحة ور�سمية لعمليات �إهداء تلك القطع ملتاحف الدولة ،مع تكرمي �أ�صحابها وتعوي�ضهم مادي ًا �أو معنوي ًا ،وو�ضع ال�ضوابط اخلا�صة بتداول تلك القطع خارج حدود الدولة .وك�أن ل�سان حال املثقفني الذين التقيناهم يقول :و�سط هذا الكم الهائل من املقتنيات لدى الأفراد ..كم قطعة نادرة بالفعل تتعر�ض للتلف وتذوب فر�صة احلفاظ عليها للأجيال القادمة؟ وعلى طريقتها اخلا�صة تهنئ «تراث» يف هذا العدد منتخب الإمارات لكرة القدم حل�صوله على ك�أ�س خليجي ،21وذلك عرب ن�شر درا�سة لطيفة حول كرة القدم يف الرتاث والأدب العربيني ،نعرف منها �أن العديد من الباحثني ُيرجعون الف�ضل �إىل العرب وامل�سلمني يف و�ضع قواعد عامة لكرة القدم وتنظيمها وابتكار و�سائل جلعلها لعبة جميلة وم�سلية يف �آن واحد ،ونعرف �أن ال�شاعر اجلاهلي عمرو بن كلثوم ذكرها يف �شعره ،كما حتدث ابن منظور �صاحب ل�سان العرب عن «الدبوق» وقال� « :إنها كرة ترمى يف الهواء يتلقاها الغالم �ضارب ًا ب�صدر قدمه �أو بال�صفح من �ساقه راد ًا �إياها �إىل العلو على الدوام» .
«تراث»
ملف خاص 6 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻟﻺﺑﻞ ﺳﻮﻳﺤﺎن ﻣﻦ 1إﱃ 15ﻓﱪاﻳﺮ 2013
�سمو ال�شيخ �سلطان �أثناء تتويج الع�رشه الأوائل يف �شوط �أبناء القبائل
ت�ضمن م�سابقات تراثية وفنون ًا �شعبية
مهرجان سلطان بن زايد لإلبل
وجبة تراثية أبهرت الزائرين �سويحان -تراث : ت�صوير – جعبل عبد الله �شايع ال ي ��زال ن ��ادي ت ��راث الإم � ��ارات ي�ق��وم ب��دوره الأ�صيل يف االحتفاء بكافة مفردات ال�تراث الإم��ارات��ي ع�بر فعالياته املده�شة التي كان �آخرها مهرجان �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد للإبل يف منطقة �سويحان ،الذي انتهت فعالياته منت�صف ال�شهر املا�ضي بعد م�سرية �أ�سبوعني كاملني ت�ضمنت عدد ًا من امل�سابقات والفعاليات
منها م�سابقة جمال الإب��ل الأ�صايل ،ومزايدة الإبل الأ�صايل ،و�سباق الإبل الرتاثي الأ�صيل، وفعاليات و�أن�شطة م�صاحبة ،مثل جمال و�سباق ال�سلوقي العربي ،وم�سابقة املحالب ،والقرية الرتاثية وال�سوق ال�شعبي. ت ��راث «� �س��وي �ح��ان» -ال�ك��رن�ف��ال�ي��ة ال�تراث�ي��ة احلا�شدة متت بتوجيهات ورعاية كرمية من
�سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س ال��دول��ة ،رئي�س نادي ت ��راث الإم � ��ارات� ،إمي��ان � ًا م��ن �سموه بقيمة املوروث احل�ضاري لل�شعب الإماراتي ودوره يف تعزيز الهوية الوطنية ،و�إعالء قيمة االنتماء للوطن والقائد.
عر�ض الع�رش الأوائل يف �شوط �أبناء القبائل
مكانة كبرية
مع انطالق فعاليات املهرجان يف الثالث من فرباير املا�ضي توافدت جموع ع�شاق ومربي الإب��ل على �أر���ض منطقة �سويحان التي تبعد عن �أبوظبي ح��وايل مائة كيلومرت ،لي�شاركوا ه��ذا احل��دث ال�تراث��ي الأ�ضخم م��ن نوعه يف
الإمارات ،ويربز املكانة الكبرية للهجن العربية الأ�صيلة يف نفو�س �أبناء الدولة. وك��ان اليوم االفتتاحي مبهر ًا ملا ت�ضمنه من فقرات مبدعة وم�شاركات متنوعة مل�ؤ�س�سات عديدة داخل املجتمع الإماراتي ومنها عر�ض مده�ش ملوكب فر�سان ن��ادي ت��راث الإم��ارات بزيهم الوطني وه��م يرفعون �أع�لام الدولة،
امل�سابقة ال�شعرية دورة هذا العام من امل�سابقة ال�شعرية التي ينظمها بيت ال�شعر يف �أبوظبي �ضمن فعاليات مهرجان �سلطان بن زايد للإبل ،مت تخ�صي�صها للق�صائد النبطية يف جمال الإبل املحليات الأ�صايل ،مع منح الأف�ضلية لبحور «الونة والردحة والتغرودة» يف حماولة لإحياء هذه الألوان الرتاثية .وقد ا�ستقبلت امل�سابقة الكثري من الق�صائد ال�ت��ي تنهل م��ن معني ت��راث الأج� ��داد ال�ع��ذب جم��ددة يف �أح �ي��ان ك�ث�يرة وحملقة بالق�صيدة يف �آفاق جتمع بني القدمي واملعا�صر ،مما يبعث يف النفو�س الطم�أنينة على م�ستقبل ال�شعر النبطي يف الإمارات .وتن�شر «تراث» الق�صائد الفائزة باملراكز اخلم�سة الأوىل يف ملف «دانات» بهذا العدد ،على وعد بتقدمي قراءات نقدية وافية فيها ويف جممل الق�صائد التي وردت �إىل امل�سابقة من �أجل �إحياء حركة نقد ال�شعر النبطي يف الإمارات.
�أعقبه ا�ستعرا�ض خا�ص لفريق القفز احلر التابع للقوات امل�سلحة ومن ثم هبوط املظليني يف �ساحة االحتفال ،ليزيدوا أ�ج��واء االفتتاح جما ًال وبها ًء ،ليكرمهم �صاحب ال�سمو ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي��د �آل نهيان ومينحهم دروع النادي التذكارية ،وتبد�أ بعد ذل��ك فعاليات تراثية وفنية وثقافية و�شعبية متنوعة جعلت من منطقة �سويحان �ساحة مفتوحة لالحتفاء بالهجن ومربيهم وم��ري��دي ه��ذا ال �ن��وع من الريا�ضات العربية اال�صيلة
م�سابقات املحالب
ث��م ت��وا� �ص �ل��ت ف �ع��ال �ي��ات امل �ه��رج��ان بني م�سابقات املحالب وامل�سابقات ال�شعرية وال� �ع ��رو� ��ض ال�ت�راث� �ي ��ة امل �ت �ن��وع��ة ال �ت��ي ا�ستقطبت �آالف ال��زائ��ري��ن لال�ستمتاع بالأجواء الربيعية املده�شة التي جتري
ملف خاص 8 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
تتويج الفائزين يف اليوم الأول ل�سباق الهجن الرتاثي
فيها �أن�شطة وفعاليات املهرجان ،ومن ت �ل��ك االن �� �ش �ط��ة امل �م �ي��زة ذات ال��زخ��م اجل �م��اه�يري يف امل��ه��رج��ان ،م���س��اب�ق��ة امل�ح��ال��ب ال�ت��ي � �ش��ارك ف�ي�ه��ا م��ن الإب��ل من دول��ة الإم��ارات ،وجميع دول جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية ،واليمن، وا�ستمرت على م��دى خم�سة �أي��ام عرب خم�سة �أ�شواط يومي ًا يف ال�صباح وامل�ساء، وج��رت امل�سابقة ب�ين خم�س فئات هي: ال ُعرب الأ�صايل املحليات خا�صة بالإبل الإم��ارات�ي��ة ،وال� ُع��رب الأ�صايل املحليات اخل� ��واوي� ��ر ،واحل� ��زام� ��ي ،واحل ��زام ��ي
اخلواويرثم ال�شوط املفتوح ،ثم مت تتويج الفائزين بجوائز عينية ونقدية ثمينة عقب انتهاء املناف�سات ،فكان ن�صيب الفائز الأول من كل فئة �سيارة ،وباقي امل��راك��ز ح�ت��ى ال�ع��ا��ش��ر ي�ن��ال �أ�صحابها جوائز مالية. وت ��أت��ي �أه�م�ي��ة ��س�ب��اق��ات امل �ح��ال��ب� ،أن�ه��ا ت�ستهدف املحافظة على النوق احللوب ذات الإدرار ال� �ع ��ايل ،وحت ��اف ��ظ على ت�صاعد �أ�سعار النوق احللوب ،حيث ي�سعى حمبو م�سابقة احلالب �إىل التناف�س على امتالك الناقة احللوب للفوز بالنامو�س.
املهرجان يف �أرقام ا�شتمل مهرجان �سلطان بن زايد للإبل ما يزيد على 100فعالية وم�شاركة 35جهة ر�سمية و�أهلية و�سوقاً تراثية احتوت 140دكاناً وجمموعة مناف�سات رئي�سية ت�صدرتها م�سابقة جمال الإبل «املزاينة» يف دورتها ال�ساد�سة و�سباق الإب��ل الرتاثي الأ�صيل ال�ساد�س والع�شرين ،وم�سابقة املحالب يف دورتها الثانية ،وم�سابقة جمال و�سباق ال�سلوقي العربي الثالثة ونظمها النادي بالتعاون والتن�سيق مع مركز ال�سلوقي العربي يف �أبوظبي .
كما �أن من �ش�أن امل�سابقة كذلك خلق �سوق جتاري ملالك الإبل وت�شجيعهم للم�ساهمة دع��م م�صانع الأل �ب��ان يف ال��دول��ة والتي بد�أت ت�ستفيد من البان النوق يف خمتلف �صناعات الألبان
ميدان الهجن
ك �م��ا ح �ف �ل��ت � �س��وي �ح��ان ب��ال �ع��دي��د م��ن � �س �ب��اق��ات الإب � ��ل ال�ت�راث ��ي ال �ت��ي ج��رت مب �ي��دان �سباقات الهجن ه�ن��اك و�سط �أج � ��واء ت��راث �ي��ة وت �ن��اف ����س � �س��اخ��ن بني م�شاركني بذلوا �أق�صى ما عندهم للفوز بح�صة م��ن � �س �ي��ارات ال��دف��ع ال��رب��اع��ي الفاخرة وماليني الدراهم من اجلوائز النقدية التي وزعت عليهم يف احتفالية ��ش�ع�ب�ي��ة ت �ت��وج ه ��ذا ال �ع��ر���س ال��وط �ن��ي، وتثمن جهودهم املتوا�صلة يف االهتمام ب��ري��ا��ض��ات ال�ه�ج��ن ب��اع�ت�ب��اره��ا ريا�ضة �إماراتية �أ�صيلة ،تعك�س ملمح ًا مهم ًا يف
«من�صوره» املركز الأول �شوط ال�شيوخ
امل��وروث ال�شعبي واالجتماعي لالن�سان الإماراتي ميتد �إىل مئات ال�سنني ،حيث ك��ان ي�ت��م تنظيم ��س�ب��اق��ات ال�ه�ج��ن بني مربيها ويح�صلون على �شارات ب�سيطة مبثابة تكرمي لهم على اعتنائهم بالهجن وحر�صهم على �إبرازها يف �أف�ضل �صورة عرب تلك ال�سباقات.
امل�سابقة ال�شعرية
وم��ن الفعاليات املهمة التي �أقيمت على هام�ش امل �ه��رج��ان ،امل�سابقة ال�شعرية، و�أقيمت للتغني ب��الإب��ل وجمالها وك��ل ما يخ�صها ،واق�ت���ص��رت امل �� �ش��ارك��ات على ق�صائد يف جمال الإبل املحليات الأ�صايل �ضمن بحور الو ّنة والردحة والتغرودة ،وهي �أ�ساليب �شعرية �إماراتية خال�صة ،برع فيها كثري م��ن �شعراء الإم���ارات ع�بر الزمن، ويف نهاية امل�سابقة �أُع�ل��ن ع��ن الفائزين باملراكز اخلم�سة الأوىل ،ومت تكرميهم
وت �ق��دمي ج��وائ��ز م��ادي��ة قيمة ف� ً ضال عن ن�شر ق�صائدهم يف كتيب ،كما �أتيحت لهم فر�صة �إلقاء ق�صائدهم �أمام �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان. وغري بعيد عن عوامل ال�سباقات واملناف�سات التي �سادت �أج��واء �سويحان ط��وال فرتة املهرجان� ،شغلت القرية الرتاثية وال�سوق ال�شعبي حيز ًا كبري ًا من اهتمام ال��زوار مبا ت�ضمنتاه من �أل��وان ال�تراث الإماراتي ُعر�ضت بطريقة مبدعة ،حيث ترا�صت املحال يف ال�سوق ال�شعبي جنب ًا �إىل جنب لتعر�ض �أدوات ولوازم الهجن ،من �شدات و�أدوات زي�ن��ة الإب���ل ،والأواين اخلا�صة باملحالب خمتلفة الأحجام والأ�شكال.
�أيقونة املهرجان
وع��ر� �ض��ت �أي �� �ض � ًا يف ال �� �س��وق ال�شعبي م�ن�ت�ج��ات ت��راث �ي��ة ع��دي��دة م�ث��ل الأزي���اء الرتاثية الإماراتية والأك�لات ال�شعبية
والع�سل ب�أنواعه املختلفة مثل ال�سدر، كما عر�ضت منتجات ومقتنيات تراثية مثل ذل��ك امل�ع��ر���ض ال��ذي �أق��ام��ه ه��اوي املقتنيات ع�ب��داهلل الكعبي ،وخ�ص�صه ل�ع��ر���ض �أر� �ش �ي��ف �إع�لام��ي ع��ن م�سرية املغفور له ب ��إذن اهلل تعاىل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان ،وكذلك ما عر�ضه حم �م��د ال��زح �م��ي م��ن م�ق�ت�ن�ي��ات �أث��ري��ة خمتلفة ومنها �أنواع العمالت التي عرفت يف الإم��ارات ،وعمالت تذكارية ،وبع�ض احللي الن�سائية امل�صنوعة من الف�ضة. و�أ��ش��اد م�شاركون وع��ار��ض��ون ب��الأج��واء التنظيمية الراقية التي مل�سوها �أثناء ف �ت�رة امل� �ه ��رج ��ان ،م ��ن ح �ي��ث ات �� �س��اع م�ساحات العر�ض و�إتاحة الفر�صة للكثري من �أب�ن��اء الإم��ارات وحتى دول اخلليج الأخ��رى لعر�ض منتوجاتهم الرتاثية يف �سويحان ،وه��و م��ا يعك�س ج�ه��د ًا كبري ًا بذله منظمو املهرجان والقائمون عليه،
ملف خاص 10 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
تتويج الفائزين يف �سباق ال�سلوقي
كتاب املهرجان املتابع لفعاليات مهرجان �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان للإبل يدرك متاماً �أن��ه �أم��ام حديث جدير بالتوثيق ،فهو ي�ؤ�س�س لتوجه علمي معا�صر يف التعاطي م��ع امل ��وروث ال�شعبي املتعلق ب��الإب��ل على اخ�ت�لاف �أ�شكاله و�أل��وان��ه، جم��دداً وم�ط��وراً وم�ستفيداً م��ن تكنولوجيا الع�صر يف �إغ�ن��اء ن�سيج احلياة املعا�صرة مبفردات هذا الرتاث الغني الذي يتنوع خريه يف جوانب عديدة منها االقت�صادي املتعلق بتجارة وتربية الإب��ل ،ومنها ما يتعلق بالرثوة احليوانية ومنتجاتها ،ومنها ما يتعلق بالبيئة وال��زراع��ة ،بل ما يتعلق بالطب و�أبحاثه التي �أثبتت �أن الإبل �صيدلية حية ،بالإ�ضافة �إىل ما يقوم به املهرجان من �إحياء للريا�ضات املختلفة ،وما يقدمه من ترفيه وت�سلية ،وم�ساهمته يف �إثراء ديوان ال�شعر والأدب العربيني فيما يخ�ص الإبل وعواملها الغنية ،و�أخرياً ولي�س �آخراً ما يقدمه للنا�س من معرفة مبنظومة القيم والأخالق التي حتكم عالقات �أهل الإمارات وقدرتهم على تنظيم فعاليات تده�ش العامل. وانطالقا من حر�ص «ت��راث» على توثيق مفردات ه��ذا احل��دث ال�ب��ارز ،ف�إننا ن�صدر مع هذا العدد كتاباً م�ستق ً ال يوثق بال�صورة والكلمة لفعاليات دورة هذا العام من مهرجان �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان للإبل ،ن�ضعه بني يدي كل قارئ مهتم وباحث حري�ص.
ح�ت��ى ي�خ��رج �إىل اجل�م�ي��ع ب�ه��ذا ال�شكل املر�ضي �سواء كانوا عار�ضني �أو زوار ًا. ال �ق��ري��ة ال�تراث �ي��ة ال �ت��ي �أق��ام �ه��ا ن��ادي ال�ت��راث ك��ان��ت �أي �ق��ون��ة امل �ه��رج��ان مبا احتوته من مظاهر متنوعة وحية للرتاث الإماراتي وكيفية معي�شة �أهل الإم��ارات قبل ع�صر النفط والنه�ضة احلديثة التي تعي�شها الإم��ارات حاليا .حيث انت�شرت يف القرية بيوت ال�شعر لتتيح للزائرين ف��ر� �ص��ة اال���س�ت�راح��ة ب��داخ �ل �ه��ا وت �ن��اول واجبات ال�ضيافة العربية من قهوة عربية وم � أ�ك��والت تراثية ،وك��ذا عر�ضت مناذج للبيت اجلنوبي وبيت اليواين.
م�شغوالت تراثية
كما عر�ضت م�شغوالت تراثية متنوعة و�شرح
«منحاف» الفائزه الأوىل يف �شوط ال�شيوخ
للجمهور كيفية �إجن��ازه��ا ب�شكل عملي ومبا�شر �أمامهم ،مثل �صناعة الفخار وال�سجاد اليدوي ،و�صناعة م�ستلزمات الإب��ل مثل ال�ساحة ،البطان ،املحكبة، احل�سرة. وت �ف �ن �ن��ت ال� ��وال� ��دات م ��ن امل�ن�ت���س�ب��ات
للمراكز التابعة لنادي الرتاث والالتي � �ش��ارك��ن يف �أن���ش�ط��ة ال �ق��ري��ة ال�تراث�ي��ة يف ع��ر���ض �إب��داع��ات��ه��ن م ��ن ��ص�ن��اع��ة املالب�س الن�سائية الإماراتية با�ستخدام التلي وال ��زري وغ�يره�م��ا م��ن اخل��ام��ات امل�ستخل�صة من البيئة املحلية.
مزاينة الإبل الأ�صايل حظيت مناف�سات مزاينة الإب��ل الأ�صايل التي �أقيمت �ضمن فعاليات امل�ه��رج��ان واملخ�ص�صة لفئتي ف�ط�م��ان ال���ش�ي��وخ واجل�م��اع��ة مب�شاركة وا��س�ع��ة ،وت�ه��دف ه��ذه املناف�سة �إىل �إب��راز القيم اجلمالية للمحليات الأ��ص��اي��ل وحفز امل�لاك على اقتنائها واملحافظة على ��س�لاالت الإب��ل وحمايتها م��ن التهجني ،وه�ن��اك معايري قيا�سية تبني م��دى جمال الإب��ل من �أهمها الر�أ�س والرقبة وانت�صاب الأذن�ين ،و�شكل الأن��ف مع الهامة وطول الرقبة وارتفاعها وان�سيابية اجل�سم والر�شاقة وغريها من املوا�صفات وال�شروط الالزمة لتحقيق الفوز.
وق��دم��ت بع�ضهن �أك �ل�ات ت��راث �ي��ة مثل ال��ع��وم��ة وال� �ت ��ي ت �� �ص �ن��ع م ��ن ال���س�م��ك املجفف ،وك��ذا عر�ضن كيفية ت�صنيع القهوة العربية الأ�صيلة يدوي ًا ما مينحها مذاق ًا خا�ص ًا. و�إىل ج��ان��ب ال �ق��ري��ة ال�تراث �ي��ة �أق�ي�م��ت منطقة ل�ل�أل �ع��اب ال�ترف�ي�ه�ي��ة لت�شجيع املواطنني واملقيمني على زيارة �سويحان وا�صطحاب �أبنائهم معهم لال�ستمتاع بهذه الوجبة الرتاثية احلافلة بطيوف �أل� ��وان ال �ف �ن��ون الإم��ارات��ي��ة امل�خ�ت�ل�ف��ة، وهو ما يعك�س الر�ؤية ال�شاملة ملنظمي املهرجان ،وجعله ينتقل من جن��اح �إىل �آخ��ر لي�صبح ك��رن�ف��ا ًال �إم��ارات �ي � ًا عاملي ًا بامتياز ينتظره ع�شاق الرتاث ويرتقبون قدومه العام تلو العام
ملف خاص 12 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻟﻺﺑﻞ ﺳﻮﻳﺤﺎن ﻣﻦ 1إﱃ 15ﻓﱪاﻳﺮ 2013
�ضيف دائم على مهرجان �سلطان بن زايد للإبل
مكتوم الراشدي:
اإلبل راسخة في قلوب كل أبناء اإلمارات �سويحان -تراث مثلت منطقة �سويحان على مدى �ستة ع�شر يوماً �ساحة مفتوحة لالحتفاء بالرتاث الإماراتي يف �أبهى �صوره عرب مهرجان �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد للإبل ،الذي �أ�صبح مزاراً �سنوياً يق�صده ع�شاق لون فريد من ال�تراث الإم��ارات��ي ،وهو الإب��ل وعواملها املت�سعة و�أ�سرارها التي ال يعرفها �سوى �أهل البادية ممن �ألفوا الإبل وتفننوا يف العناية بها والك�شف عن �أبرز �سماتها وخ�صائ�صها التي جعلت �أبناء البادية ،خا�صة يف دولة الإمارات يع�شقون الإبل ويعتربونها عن�صراً رئي�ساً يف حياتهم من خالله ميار�سون هواياتهم ،وي�ستفيدون ب�أوقاتهم عرب هذا الكائن اجلميل ،الذي �أخذ لقب �سفينة ال�صحراء، فكان وبحق خري �سفينة �آوى �إليها واعتا�ش بها املواطن العربي عرب �آالف ال�سنني .
الرا�شدي داخل مزرعته
مكتوم بن �سلومة الرا�شدي� ،أحد �أبناء �سويحان الذين ع�شقوا الإبل منذ نعومة �أظفارهم وكونوا عالقة من نوع خا�ص مع الإبل العربية جعلته يف نهاية الأم��ر واح��د ًا من الوجوه الرئي�سة دائمة احل�ضور يف جميع مهرجانات الإبل التي تقام داخل الدولة ،وفوزه بالعديد من املراكز الأوىل، وحتقيق توقيتات زمنية قيا�سية داخل �سباقات الهجن نتيجة املثابرة واحلر�ص على �إخ��راج �أف�ضل ما لديه داخل ميادين �سباقات الهجن.
حفاوة اال�ستقبال
يف ع��زب�ت��ه ال �ت��ي ال تبعد ع��ن م �ي��دان الهجن يف �سويحان �سوى دق��ائ��ق م �ع��دودة ،ا�ستقبلنا الرا�شدي باحلفاوة املعتادة لأه��ل الإم ��ارات، لتقوم« تراث» بجولة داخل العزبة وت�شاهد عن قرب كيفية العناية بها و�إخ�ضاعها لأعلى درجات االهتمام والتدريب ،حتى تكون يف حالة جهوزية دائمة للم�شاركة يف ال�سباقات التي ي�شارك فيها الرا�شدي با�ستمرار على مدار العام. بداية �أك��د الرا�شدي �أن عامل الهجن را�سخ يف
قلوب �أبناء الإم��ارات ،ولذلك لي�س غريب ًا عليه �أن يق�ضي �أغلب �ساعات حياته داخ��ل عزبته الكائنة يف منطقة ال�ساد القريبة من �سويحان، وع��ن بدايته مع الهجن وعواملها املت�سعة ،قال الرا�شدي « :منذ طفولتي املبكرة وقبل �سن امل��در��س��ة كنت �أرى �أق��ارب��ي يهتمون ب��الإب��ل ويعطونها الكثري من وقتهم ،وي�شاركون يف �سباقات خمتلفة جت��ري يف مناطق متفرقة يف �أبوظبي �أو باقي �إم ��ارات ال��دول��ة ،حينها بد�أت حالة من ال�شغف بالهجن وا�ستمرت حتى �أيامنا هذه ،وكانت بداية م�شاركاتي الر�سمية يف �سباقات الإبل يف العام 1999م حني كنت يف الثانية ع�شرة من عمري ،من خالل �سباق «ري�س املقام» ،ويف ذات العام �شاركت يف �سباق مبنطقة ال�ساد ،ثم توالت امل�شاركات يف ميادين �سباقات الهجن املختلفة داخ��ل الإم� ��ارات ،و حققت عديد ًا من املراكز الأوىل ك��ان �آخرها العام املا�ضي يف �شارة �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة ال�شيخ خليفة بن زايد حفظه اهلل .و�شارة �سمو ال�شيخ طحنون بن نهيان ،و�شارة ال�شيخ ماجد
بن حممد بن را�شد. وع ��ن دواف� ��ع تعلقه ب��الإب��ل دون غ�يره��ا من املفردات الرتاثية املتجذرة يف البيئة الإماراتية، �أو�ضح الرا�شدي �أن الأب��ل هي �أغلى املظاهر الرتاثية التي تركها الأقدمون وكانت وال تزال �شاهد ًا حي ًا على م�سرية الإن�سان الإماراتي على هذه الأر�ض ،كما و�أن عامل الإبل يعترب جمال�س ال��رج��ال ،وم��ن خ�لال��ه �أم�ك�ن��ه ت�ك��وي��ن �شبكة عالقات وا�سعة مع غريه من حمبي الإبل يف دولة الإم��ارات وخارجها ،ولفت �إىل �أنه اعتاد على ر�ؤية الإبل ورعاية �ش�ؤونها ب�شكل يومي ،وي�شعر ب�شئ من النق�ص وعدم االرتياح لو مل يراهم ويتابعهم يوم ما.
فح�ص املطية
وعن �إعداد الإبل لل�سباقات ،ذكر �أن ذلك يتم عرب فح�ص املطية و�إخ�ضاعها لنظام غذائي دقيق يتم من خالله وزن كمية الطعام وال�شراب التي تتناولها الإبل وتتنا�سب مع عمرها ،ويجب �أن تكون �آخر وجبة يتناولها الإبل قبيل ال�سباق
ملف خاص
بنحو � 14ساعة ،وبالن�سبة للماء يكون بح�سب �أنواع الإبل ،فهناك من يجب منع املاء عنها قبل ال�سباق بيوم كامل ،ومنها ما يحتاج �إىل ال�شراب قبل ال�سباق ولكن مبعايري حم��ددة وبقدر من املاء يجب وزنه قبل تقدميه �إىل الإبل ،لأنه رمبا �شربت كمية �أكرب من الالزم ،فيحدث خلل يف ج�سم املطية وبالتايل يت�أثر م�ستواها يف ال�سباق. ومواعيد �سباقات الإبل هناك منها ما يبد�أ يف ال�صباح يف ال�ساعة ال�سابعة والن�صف حيث ينطلق ال�شوط ،ويف امل�ساء يكون يف ال�ساعة الثانية والن�صف ظهر ًا ويختلف وقت ال�شوط باختالف �سن الإب ��ل ويتم تق�سيم الأ� �ش��واط كالتايل:
الفطامني :وهي الإبل ال�صغرية ويكون �شوطها من كيلو ومائتي مرت �إىل كيلو ون�صف. احلقايق :من ثالثة �إىل �أربعة كيلو مرتات. اجلذاع :من خم�سة �إىل �ستة كيلو مرتات. الثنايا :من �ستة �إىل ثمانية كيلو مرتات. احلول :من ثمانية �إىل ع�شرة كيلو مرتات.
�أهمية املهرجان
وباحلديث عن �أهمية مهرجان �سمو ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي ��د ل�ل�إب��ل ،ق��ال ال��را� �ش��دي، �إن اهتمام �سمو ال�شيخ �سلطان بالهجن، هو تكري�س ملا �أواله املغفور له ال�شيخ زايد ب��ن �سلطان �آل نهيان طيب اهلل ث��راه ،من
من م�صطلحات الإبل الآيل :هو جهاز حتكم يتم تركيبه على ظهر املطية خالل ال�سباق ،ليتم التحكم عن بعد من خالل جهازين يف يد املت�سابق� ،أحدهما مكتوباً عليه «�ضرب» وي�ستعمل يف ت�سريع حركة الإب��ل ،والآخ��ر مكتوب عليه «ك�لام»، لتغيري مكان املطية وتوجيهها �إىل مركز متقدم يف جمراها. ال �� �ش��داد :ه��و م��ا ي�ت��م تركيبه ع�ل��ى ظ�ه��ر امل�ط�ي��ة وب��ه ك��اف��ة الأدوات التي ي�شاهدها النا�س على املطية وي�ستخدمها راكبو املطايا.
االه �ت �م��ام ب�ك��ل م��ا يتعلق ب��ال�تراث والبيئة الإماراتية ،حيث كان يقوم رحمه اهلل بدعم ه��ذه الأن�شطة بكافة ال�سبل ومنح الهدايا واجلوائز ملربي الإبل والفائزين ب�سباقاتها، وال �ت��ي ت�ن��وع��ت ب�ين ج��وائ��ز ن�ق��دي��ة �ضخمة و�سيوف من معادن ثمينة ،و�سيارات حديثة قوية تنا�سب حياة ال�صحراء ،وكذا تنظيم ��ش��ارات مهمة للتناف�س ب�ين الإب��ل العربية الأ�صيلة وم��ن �أ�شهر تلك ال���ش��ارات �شارة زاي��د ال�ك�برى ،والتي تعترب �أغلى ال�شارات على قلوب �أبناء الإمارات واخلليجيني ممن اع��ت��ادوا ع�ل��ى ال�ت�ن��اف����س يف م�ي��ادي��ن الإب��ل املختلفة ،وه��ذا هو ما حر�ص �سمو ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي��د على ت�أكيده ع�بر رعايته الكرمية لهذا املهرجان وحر�صه على جعل منطقة �سويحان م�سرح ًا مفتوح ًا لالحتفاء بالهجن وكل الأن�شطة املتعلقة بها ،و�صار هذا املهرجان ينمو ويتطور عام ًا بعد عام، حتى و�صل �إىل مكانة كبرية و�صار كرنفا ًال عاملي ًا ي�أتيه ع�شاق الإبل ومتابعو �سباقاتها
من كل حدب و�صوب. يف هذا ال�سياق �أ�شاد الرا�شدي بجهود نادي ت��راث الإم ��ارات ال��ذي نظم ه��ذه الفعالية ال�تراث �ي��ة امل �ب �ه��رة وا� �س �ت �ط��اع م��ن خاللها تقدمي ال�تراث الإم��ارات��ي يف �أب�ه��ى �صورة �إىل العامل �أجمع بدعم ورعاية كرمية من �سمو ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي��د �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة ،رئي�س ن��ادي ت��راث الإم ��ارات ،كما �أثنى على دور ال�شرطة املجتمعية يف العني برئا�سة الرائد �أحمد عيالن املهريي ،لدورها يف التوا�صل مع املجتمع وجهودها الكبرية التي �أ�سفرت عن النجاح الالفت ملهرجان �سمو ال�شيخ ��س�ل�ط��ان ب��ن زاي ��د ل�ل�إب��ل ،وم���س��اع��دات�ه��م ال��دائ �م��ة لأب��ن��اء الإم�� ��ارات خ�ل�ال �إق��ام��ة ��س�ب��اق��ات ال�ه�ج��ن �أو امل��زاي �ن��ة �أو امل�ساير واالح �ت �ف��االت وحر�صهم على تلبية جميع االح �ت �ي��اج��ات ال �ت��ي ت �ه��دف �إىل �أن تخرج هذه ال�سباقات ب�شكل �آم��ن وجميل ،وذلك من حيث التوا�صل الإيجابي مع اجلمهور
وتذليل العقبات ب�شكل ودي وراق.
ركوب املطية
وبالعودة �إىل بداياته مع الإبل �أ�شار الرا�شدي �إىل �أن امل��رة الأوىل التي امتطى فيها الإب��ل مبفرده كان يف ال�سابعة من عمره ،وهو الآن يف منت�صف العقد الرابع ،و�إىل الآن ازداد ع�شقه لركوب الإبل ،مو�ضح ًا �أن احلذر مطلوب لدى ركوب املطية ،ومع مرور وقت قليل ت�صبح هناك عالقة �ألفة بني املطية وراكبها ،الذي يجب �أن تكون حركته مرنة ومتنا�سقة مع حركة املطية،
برعاية سمو الشيخ سلطان بن زايد أصبحت منطقة سويحان مسرح ًا مفتوح ًا لالحتفاء بالهجن وصار مهرجان سويحان كرنفا ً ال عالمي ًا يأتيه عشاق اإلبل من كل حدب وصوب
حتى ي�شعر كل منهما بالراحة خ�لال فرتات ال�سباق �أو يف الركوب العادي للمطية وعن ال�سالالت التي يحتفظ بها يف عزبته ،بني �أن هناك عديد من ال�سالالت العربية املهمة لديه ومنها ميا�س� ،سراب� ،شاهني ،وغريها من ال�سالالت التي يعرفها املهتمني بالإبل و�سباقاتها .وحتدث الرا�شدي عما يعرف بالـ «�آيل» ،ال��ذي ي��راه اجلمهور على ظهر املطايا يف �سباقات الإبل املختلفة ،مبين ًا �أن الآيل هو عبارة عن جهاز حتكم يف الإبل يتم تركيبه على ظهر املطية خالل ال�سباق ،ويكون التحكم عن بعد من خالل جهازين يف يد املت�سابق� ،أحدهما مكتوب ًا عليه «�ضرب» وي�ستعمل يف ت�سريع حركة الإبل ،والآخر مكتوب عليه «كالم» ،لتغيري مكان املطية وتوجيهها �إىل مركز متقدم يف جمراها، وه��ذا الآيل ي�تراوح �سعره من �أل��ف �إىل �ألفي درهم بح�سب جودة نوعه� ،أما ال�شداد فهو ما يتم تركيبه على ظهر املطية وبه كافة الأدوات التي ي�شاهدها النا�س على املطية وي�ستخدمها راكبو املطايا
ملف خاص 16 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻟﻺﺑﻞ ﺳﻮﻳﺤﺎن ﻣﻦ 1إﱃ 15ﻓﱪاﻳﺮ 2013
يتم اللجوء �إليه يف حالة ال�شك
م اإلبل.. س ُ َق َ
يؤكد عمر المطية ونقاء ساللتها
�سويحان -تراث يحفل عامل الإبل بالكثري من الغرائب والطرائف ،التي تزيد هذا العامل العميق الأغوار �سحراً على �سحر ،وتربر للكثريين هذا ال�شغف الكبري الذي يوليه �أبناء الإمارات لهذه الكائنات اجلميلة التي رافقتهم على هذه الأر���ض على مدى مئات ال�سنني ،فكانت خري �أل�ي��ف لهم ومعني على مواجهة الطبيعة اجلغرافية واملناخية التي تعرف بها منطقة اخلليج العربي ودولة الإمارات . وم��ن ه��ذه ال�ط��رائ��ف م��ا ي�ع��رف ب�ـ «ق�سم الإب��ل» ،وعنه قال الوالد عبيد املزروعي، �إن احل �ل�ال «الإب� � ��ل» ،ي�ع�ت�بر م��ن �أغ �ل��ى الأ�شياء التي ارتبط بها املواطن الإماراتي ع�بر ال��زم��ن ول��ذل��ك �أق��ام لها ال�سباقات املختلفة ،علي مدار العام لتحقيق هدفني، الأول ت�شجيع �أ��ص�ح��اب املطايا العربية الأ�صيلة على املحافظة على نقاء �سالالت م�ط��اي��اه��م ع�بر اجل��وائ��ز امل�ت�ن��وع��ة التي يتح�صلون عليها من خالل هذه ال�سباقات. والهدف الآخ��ر يتمثل يف الف�صل ما بني الإب��ل العربية وغريها من الإب��ل املهجنة التي قد ميتلكها �أي �شخ�ص. و�أو�ضح املزروعي �أن الق�سم يف �سباقات الإبل يكون على عن�صرين رئي�سني ،الأول يتعلق مبدى نقاء �ساللتها وهل هي حملية خال�صة �أو مهجنة� ،أما العن�صر الثاين فهو عمر املطية ،والتي تكون يف مراحل مبكرة من عمرها ،حيث يكون الق�سم فقط على مرحلتي الفطيم ،واحلجة ،ولكن عندما ت�ب��د�أ املطية يف النمو وت��دخ��ل يف مرحلة
تقدم العلم قضى على ال َ سم ق َ الخاص بنقاء ساللة المطية ،وظل قسم العمر معمو ً ال به إلى اآلن اجلذع يبد�أ ظهور �أ�سنانها وبالتايل تك�شف عن عمرها احلقيقي. وم�ن�ط��وق الق�سم ي�ك��ون كما يلي بح�سب الوالد املزروعي « �أق�سم باهلل العظيم �أنها طايحة «�أي م��ول��ودة» يف تاريخ «...حيث
حرمان المطية من دخول السباقات مدى الحياة عقاب من يثبت للجنة مه التشبيه أن َق َ س َ مغاير للحقيقة
ملاذا الق�سم؟ الق�سم يف �سباقات الإب��ل يكون على عن�صرين رئي�سني ،الأول يتعلق مبدى نقاء �ساللة احلالل وهل هي حملية خال�صة �أو مهجنة ،والعن�صر الثاين هو عمر املطية التي تكون يف مراحل مبكرة من عمرها ،حيث يكون الق�سم فقط على مرحلتي الفطيم ،واحلجة ،ولكن عندما تبد�أ املطية يف النمو وتدخل يف مرحلة اجلذع يبد�أ ظهور �أ�سنانها وبالتايل تك�شف عن عمرها احلقيقي.
يذكر تاريخ امليالد احلقيقي لها» ،وهذا ال �ق �� �س��م ف �ق��ط ي �ك��ون ح�ي�ن ت �� �ش��ك جلنة الت�شبيه يف عمر املطية ،وال يزال ي�ستخدم �إىل يومنا هذا يف كافة ميادين �سباقات الهجن يف حالة ال�شك يف عمر �أي من الإبل امل�شاركة يف مرحلتي الفطيم واحلجة. ويف املا�ضي كان هناك ق�سم �آخر يرتبط بكون املطية حملية �أو مهجنة �أو �سودانية، حيث ك��ان يقول املت�سابق� «:أق�سم باهلل العظيم �أن املطية حملية ومل يلحقها عرق تهجني و�أن �أب��اه��ا حملي و�أم�ه��ا حملية»، وبناء على هذا الق�سم تكون املطية حملية ويجرى التعامل معها على هذا الأ�سا�س. وعن العقاب ال��ذي ينتظر من ترى جلنة ال�ت���ش�ب�ي��ه �أن ق���س�م��ه م �غ��اي��ر للحقيقة، ف�إنه يتمثل يف حرمان املطية من دخول ال�سباقات مدى احلياة. ونوه املزروعي �إىل �أن تقدم الطب البيطري والبحوث العلمية يف وقتنا احلايل ق�ضى متام ًا على هذا الق�سم ،لأنه ميكن ب�سهولة التعرف على املطية و�إذا كانت حملية من عدمه من خالل �إج��راءات طبية ب�سيطة، عرب �أخذ عينة من الأم والأب ومن املطية وم��ن خ�لال التحليل ،يتم ال�ت�ع��رف على املطية ،وهل هي حملية �أو مهجنة ،وكذا التعرف على �أب��و املطية و�أمها وينتميان �إىل �أي �ساللة
ملف خاص 18 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻟﻺﺑﻞ ﺳﻮﻳﺤﺎن ﻣﻦ 1إﱃ 15ﻓﱪاﻳﺮ 2013
على هام�ش مهرجان �سويحان
«شواهد في حب زايد»
أكبر أرشيف صحفي عن الشيخ زايد «رحمه اهلل» �سويحان -تراث َم ّثل مهرجان ال�شيخ �سلطان بن زايد للإبل يف �سويحان تظاهرة تراثية �ضخمة ،حفلت ب�ألوان خمتلفة من ال�تراث و�أ�ساليب تعزيز الهوية الإماراتية ،وتبارى فيه �أبناء الإم��ارات يف �إبراز معاين احلب واالنتماء للوطن ،عرب جمهودات فردية وجماعية �أ�سهمت يف جعل املهرجان كرنفا ًال تراثياً عاملياً .جامع الرتاث عبداهلل الكعبي� ،شارك ب�أ�سلوب فعال و�إيجابي يف التعبري عن حبه ووالئه للوطن ورموزه التاريخية ،عرب معر�ض خا�ص عن املغفور له ب�إذن اهلل تعاىل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان طيب اهلل ثراه.
التقت «ت ��راث» ع�ب��داهلل الكعبي ،وح��اورت��ه ح��ول دواف�ع��ه لتنظيم ه��ذا املعر�ض ،و�أه��م حمتوياته ،وعالقته بعامل املقتنيات املعربة عن مالمح الهوية والتاريخ الإماراتي ،و�إليكم ن�ص احلوار.
حمبة ووفاء
ما هي �أه��م حمتويات معر�ض �أر�شيفال�شيخ زايد باملهرجان؟ معر�ضي الذي حمل عنوان «�شواهد يف حب زايد ـ رحمه اهلل» احتل مكان ًا متميز ًا �ضمن ال�سوق ال�شعبي املقام على هام�ش املهرجان، وه��و م�شاركة مني حمبة ووف ��اء يف حكيم العرب ال�شيخ زايد ـ رحمه اهلل م�ؤ�س�س الدولة وباين النه�ضة ويحتوي املعر�ض على �أر�شيف لأكرث من 25عام ًا من ال�صحف التي تتحدث عن ال�شيخ زايد ـ رحمه اهلل يف جمال ال�شعر خا�صة ،وكذلك يف نواح �أخرى من احلياة ، بالإ�ضافة �إىل معظم الكتب التي �صدرت عن ال�شيخ باللغات العربية والأجنبية لأكرث من 180عنوان ًا. ويوجد كذلك الكثري من املجالت التي حتدثت عنه ،وبع�ضها �صدر قبل وفاته وبع�ضها الآخر بعد وفاته ،وبع�ضها �إ�صدارات العدد الأول وحت�م��ل � �ص��ورة ال�شيخ زاي ��د ـ رح�م��ه اهلل، وبع�ضها �إ�صدارات خا�صة ملنا�سبات خمتلفة، وك��ذل��ك توجد بع�ض ال��دف��ات��ر والكرا�سات املدر�سية ال�ت��ي ك��ان��ت ت��وزع علينا كطالب م��دار���س ح�ين ذاك ،وحتمل �صورته رحمه لدي طوابع بريدية ت�ؤرخ اهلل ،وكذلك توجد ّ م�سريته قبل االحتاد وبعده ،مع وجود بع�ض التذكارات عن فعاليات وجهات خمتلفة يف حياته وب�ع��د مم��ات��ه ،و�أي �� �ض � ًا ت��وج��د بع�ض العمالت التذكارية التي حتمل �صورته وهي من الف�ضة ،وكذلك توجد جمموعة كبرية من الأ�شرطة ال�سمعية التي تتحدث عنه مهداة له وبع�ضها يحمل �أ�شعاره ـ رحمه اهلل. ويوجد �أي�ض ًا الكثري من املقتنيات النادرة التي حتمل �صورته �أو ا�سمه �أو بع�ض �أقواله ،وهي مقتنيات �أ�صلية ونادرة جمعتها منذ �سنوات طويلة و�أحافظ عليها بكل ما �أ�ستطيع ،فهي
جانب من مقتنيات الكعبي
من القطع النادرة واملحافظة عليها هو تعبري عن حمبتنا حلكيم العرب وزايد اخلري.
الأجيال املقبلة
م��ا ه��ي ال��دواف��ع التي جعلتك ت�سعىلإقامة هذا املعر�ض؟ وفاء وحب ًا لل�شيخ زايد ـ رحمه اهلل ،ومن �أجل �أن يرى �ضيوف دولتنا وفائنا لل�شيخ زاي ��د ،وم��ن �أج��ل �أن ن�غ��ر���س يف نفو�س الأجيال املقبلة حمبة قادتنا ونقدم لهم
مشاركتي جاءت ً ووفاء لحكيم محبة ً العرب الشيخ زايد «رحمه اهلل» مؤسس الدولة وباني النهضة
ال�شكر والعرفان على عطائهم للوطن ولنا ،خا�صة و�أن مهرجان �سلطان بن زايد للإبل من �أجنح الفعاليات الرتاثية التي تقام بالدولة وت�ستقطب �أع��داد ًا كبرية من ال��زوار من كافة اجلن�سيات وامل��واط �ن�ي�ن ،م��ا ي���ش�ج��ع �أي ف ��رد على امل�ساهمة فيه ب�أي ن�شاط يربز تعلق �أبناء الإمارات بقادتهم و�شيوخهم الذين كان لهم الف�ضل الأكرب فيما حققته الإمارات وينظر �إليها اجلميع ب�إعجاب وادها�ش. م��ا ه��و م �ق��دار ت�ف��اع��ل اجل �م �ه��ور معحمتويات املعر�ض؟ وج��دت منهم الرحمة على ال�شيخ زايد فهذه الكلمة دعوة �صادقة منهم مل�ؤ�س�س دولتنا بالرحمة وامل�غ�ف��رة ،وه��ي �أثمن
ملف خاص 20 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
�صور نادرة وبطاقات بريدية من املعر�ض
القادمة ب�إذن اهلل ،ليكون معر�ض ال�شيخ زاي��د حمطة تاريخية مهمة ي�ع��رف من خاللها الزوار والأجيال اجلديدة �شذرات ع��ن ح�ي��اة امل�غ�ف��ور ل��ه ودوره العظيم يف ت�أ�سي�س وبناء دولة الإمارات.
�ألوان الرتاث
ول��ه �أ��ص��داء على م�ستوى اخلليج العربي، وله اهتمام من احلكومة الر�شيدة ،وكذلك ي��زوره الكثري من �ضيوف الدولة وال�سياح واجلمهور وم�شاركتي «�شواهد يف حب زايد رحمه اهلل» وفاء يف حكيم العرب ،وقد نالت �إع�ج��اب اجلمهور وحمبة النا�س ،خا�صة و�أنه مت عر�ضها يف معية �ألوان متنوعة من ال�ت�راث الإم��ارات��ي �ضمن ال�سوق ال�شعبي ال��ذي �أق �ي��م ب��ه امل�ع��ر���ض ،وب��ال�ت��ايل كانت ر�ؤية معر�ض �أر�شيف ال�شيخ زايد والتجوال يف ال�سوق ال�شعبي رحلة يف �أعماق تاريخ الإم��ارات واكت�شاف �آفاق جديدة يف البيئة واملجتمع الإماراتي.
ملاذا وقع اختيارك على مهرجان �سلطان بنزايد للإبل لعمل هذا املعر�ض الفريد من نوعه اخلا�ص باملغفور له ب�إذن اهلل ال�شيخ زايد؟ ما �أج��ده خالل م�شاركتي يف املعار�ض ،مهرجان �سمو ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي��د لدي من مقتنيات تراثي خليجي ي�شتمل على فعاليات كثرية وكذلك �إعجابهم مبا ّ عن ال�شيخ زايد ،وندم بع�ض من الزوار ال��ذي��ن ك��ان��وا ط�لاب� ًا ومل يحافظوا على مهرجان الشيخ سلطان م�ن��ذ م�ت��ى ب ��د�أت يف ج�م��ع ه��ذا الأر��ش�ي��فك �ت��اب �أو دف�ت�ر م��در��س��ي يحمل ��ص��ورة بن زايد آل نهيان تراثي ال�شيخ زايد ـ رحمه اهلل ،وهذا �سي�شجعني وكيف جمعته؟ علي أصداء له خليجي �أن �أخ ��و� ��ض ال �ت �ج��رب��ة يف امل �ه��رج��ان��ات اهتمامي ق��دمي ومنذ �أك�ثر م��ن 25عام ًا،
مستوى الخليج العربي والعالم
جانب من مقتنيات الكعبي
ولكنه ظهر �أم��ام اجلمهور منذ �سنوات قليلة بعد �أن تفرغت له وال ي�شغلني عنه ��ش��اغ��ل ،ف�لاب��د �أن ي��رى ال �ع��امل حمبتنا حلكومتنا ورمز بالدنا �شاكرين �أف�ضالهم ووفاء لهم. بطبعي �أنا باحث وقارئ واجتماعي و�أ�سعى للمعرفة ،لذلك جتدين يف املكتبات �أق�ضي الوقت الطويل من �أج��ل �أن �أح�صل على ع�ن��وان فيه الفائدة و�أجت��ول يف الأم��اك��ن الرتاثية �أ�شرتي ما يلفت نظري من حتف، وبعد م��دة تكونت عندي ه��ذه املقتنيات التي �أفخر بها و�أحافظ عليها.
ال�شيخ زايد رحمه اهلل ،فهي حتمل م�شاعر احلزن الذي يبثه النا�س بعد وفاة ال�شيخ زايد ،وما حل بهم من �أ�سى وحزن ،ولكن عو�ضنا اهلل �سبحانه وتعاىل بخري خلف خل�ير �سلف ،وه��و �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زاي��د �آل نهيان ،رئي�س الدولة حفظه اهلل ،و�إخ��وان��ه ال�شيوخ �أط ��ال يف �أع �م��اره��م .وك��ذل��ك ل��وح��ات ق��دمي��ة وهي من النوادر وبطاقات بريدية تتحدث عنه وبطاقات ات�صاالت تتحدث ع��ن ال�شيخ زايد ـ رحمه اهلل.
أجمع أرشيف ًا عن �أ�صحاب احلالل التي �رى � خ ل أ ا املقتنيات ما هي نوعيةالمغفور له الشيخ زايد متتلكها وتتعلق بال�شيخ زايد ـ رحمه اهلل؟ بن سلطان آل نهيان �أمتلك اجل��رائ��د التي ��ص��درت بعد وف��اة منذ أكثر من 25عام ًا وسأستمر على الدرب
م��اذا ميثل م�ه��رج��ان �سلطان ب��ن زاي��دل �ل��إب ��ل ب��ال �ن �� �س �ب��ة ل � �ل �ت�راث الإم � ��ارات � ��ي واالحتفاء به؟ مهرجان �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد هو �سري نهج على حياة املغفور له ب�إذن اهلل ال�شيخ زاي��د املحب للرتاث ،واملهرجان فيه ت�أكيد على �صونه واملحافظة عليه والتوا�صل فيما بني �شعوب اخلليج وفيه خري ورزق وبيع و�شراء لأ�صحاب احلالل ال��ذي��ن انتظروا ه��ذا ال�ي��وم ليقدموا ما لديهم من مرياث له حمبة يف النفو�س، م��ا يجعلهم يف ��ش�غ��ف وت��رق��ب لإق��ام��ة امل�ه��رج��ان ب�شكل �سنوي داخ��ل منطقة � �س��وي �ح��ان ،ال��ت��ي �أح �� �س �ن��ت ال�ت�رح��اب بزائريها و�ضيوفها خالل �أيام املهرجان، وهو لي�س بغريب على �أبناء الإمارات
22
الشهر
الـعــــدد 161 ما ر س 2013
سلطان بن زايد ت َ ّوج الفائزين
ختام فعاليات �سباق �أبوظبي لقوارب التجديف 40قدم ًا
ال�سامرائي �أبوظبي -حم ّمد رجب ّ ت�صوير -جنيب حم ّمد �شهد �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة رئي�س نادي تراث الإمارات نهاية ال�شهر الفائت، فعاليات �سباق �أبوظبي لقوارب التجديف 40قدم ًا الذي نظمه نادي تراث الإمارات برعاية �سموه على امتداد كورني�ش �أبوظبي، وت�ضمنت فعاليات ال�سباق �أربعة �أ�شواط م�سافة كل �شوط � 4أميال بحرية مب�شاركة 67قارب ًا على متنها 1139م�شارك ًا من كافة �إم��ارات الدولة ،ومن �سلطنة ُعمان ممثلة بوزارة ال�ش�ؤون الريا�ضية. وح�ضر فعاليات ال�سباق علي عبداهلل ال��رم�ي�ث��ي امل��دي��ر ال�ت�ن�ف�ي��ذي للأن�شطة، وعبداهلل حممد املحريبي املدير التنفيذي
ل�ل�خ��دم��ات امل���س��ان��دة ب��الإن��اب��ة ،وع��دن��ان تنت ِه �إال عند خط النهاية خا�صة من قبل احلو�سني من�سق عام ال�سباقات ،وعدد من حاملي �ألقاب العديد من بطوالت التجديف ر�ؤ�ساء الأق�سام يف النادي وجمهور غفري من على م�ستوى الإمارات. �أبناء الدولة واجلاليات العربية والأجنبية. وا�شتملت فعاليات �سباق �أبوظبي لقوارب �أ�صحاب النامو�س التجديف على �أرب �ع��ة �أ� �ش��واط متيز كل وت��وج القارب» �شنا�ص» باملركز الأول يف �شوط بلون من �ألوان علم الدولة ،و�شهدت مناف�سات ال�شوط الأول لل�سباق ال��ذي الأ�شواط الأربعة لل�سباق مناف�سة حادة مل خ�ص�ص له اللون الأحمر ل�صاحبه وزارة ال �� �ش ��ؤون الريا�ضية يف �سلطنة ُع�م��ان، «شناص» و«رأس وب �ق �ي��ادة ال �ن��وخ��ذة م��اج��د ع��ام��ر حممد الخيمة» و«المطلع» املعمري .ويف مناف�سات ال�شوط الثاين ب��ال�ل��ون الأب �ي ����ض ح�صل ال �ق��ارب» ر�أ���س و«الذهب» القوارب التي حصدت المراكز اخليمة» ل�صاحب ال�سمو ال�شيخ �سعود بن �صقر القا�سمي ،وبقيادة النوخذة نا�صر
األولى في أشواط السباق األربعة
السباق مدرسة عملية لنقل وحفظ منجز األجداد وتبث أجواء من م��اج��د ع��ام��ر حم�م��د امل�ع�م��ري ب��ال�ق��ارب» ح�سن الكا�س �آل علي لقب ال�شوط ،بينما التنافس الشريف بين �شنا�ص» م��ن �سلطنة ُع�م��ان ع��ن �إعجابه ن��ال امل��رك��ز الأول يف مناف�سات ال�شوط واألبناء اآلباء جيل بح�سن الإع��داد والتنظيم الراقي لل�سباق الثالث من �أ�شواط ال�سباق الذي خ�ص�ص له اللون الأخ�ضر القارب» املطلع» ل�صاحبه ال�شيخ را�شد بن حمد بن حممد ال�شرقي، وبقيادة النوخذة �سيف خلف املطري. ويف مناف�سات ال�شوط الرابع والأخ�ي�ر من �أ�شواط ال�سباق الذي متيز باللون الأ�سود فاز القارب» الذهب» ل�صاحبه �سمو ال�شيخ عمار بن حميد النعيمي ،وبقيادة النوخذة �أحمد �إبراهيم را�شد الغمال�سي.
تكرمي الفائزين
وعقب انتهاء فعاليات �أ� �ش��واط ال�سباق الأرب�ع��ة ك��رم راع��ي املهرجان �سمو ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي��د �آل نهيان الفائزين يف املراكز الأوىل يف كل �شوط بح�ضور �سعادة علي ع �ب��داهلل الرميثي امل��دي��ر التنفيذي للأن�شطة ،وعبداهلل حممد املحريبي املدير التنفيذي للخدمات امل�ساندة ب��الإن��اب��ة، وعدنان احلو�سني من�سق عام ال�سباقات، كما ك��رم �سموه ال �ق��ارب «ر�أ� ��س اخليمة» حل�صوله على �أف�ضل توقيت يف �أ��ش��واط ال�سباق البحري.
عر�س تراثي
فعاليات ال�سباق حيث �أعدت لهم برناجما تعريفيا عن القرية و�أروقتها و�أهدافها يف احلفاظ على الإرث الرتاثي الأ�صيل لأبناء الوطن. عقب انتهاء فعاليات ال�سباق� ،أ�شاد �سعادة علي ع�ب��داهلل الرميثي امل��دي��ر التنفيذي للأن�شطة بنادي ت��راث الإم��ارات بالدعم الالحمدود التي تتلقاه الريا�ضات الرتاثية من �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان رئي�س الدولة «حفظه اهلل» وقال� :إن لتوجيهاته ال�سامية ودعمه الالحمدود �أثرا وا�ضح املعامل يف كافة �أ�شكال الن�شاطات والفعاليات الرتاثية يف الدولة ب�شكل عام ون�شاطات وفعاليات نادي تراث الإمارات ب�شكل خا�ص بهدف احلفاظ على الإرث ال�ت�راث��ي الأ� �ص �ي��ل ،ك�م��ا �أ� �ش��اد الرميثي بالدعم املبا�شر ال��ذي يتلقاه النادي من �سمو ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي��د �آل نهيان واملتابعة امل�ستمرة لكافة �أن�شطته على مدار برناجمه ال�سنوي م�ضيف ًا� :أن حر�ص �سمو رئي�س النادي نابعة من �إميانه املطلق ب���ض��رورة �إح �ي��اء ت��راث الآب���اء والأج���داد املتمثلة يف كافة �أ�شكاله ولي�س الريا�ضية فح�سب م�شري ًا �إىل �أن �سموه يرى �أن تنظيم فعاليات تراثية عملية هي �أف�ضل ال�سبل يف احلفاظ على الكنز الرتاثي ،ويف ختام ت�صريحاته عرب �سعادته عن �شكره وامتنانه لكافة اجلهات احلكومية واخلا�صة التي �أ�سهمت ب��دور ف�ع��ال يف �إجن ��اح فعاليات �سباق �أبوظبي لقوارب التجديف.
�أع��دت اللجنة املنظمة لل�سباق ع��دد ًا من الفقرات وال�برام��ج الرتاثية على هام�ش فعاليات ال�سباق الرتاثي ،حيث �أدت العديد من الفرق ال�شعبية عدد ًا من اللوحات الفنية ال�شعبية ت�ضمنت ال�ع��دي��د م��ن الأه��ازي��ج الرتاثية ب�شكل عام و�أهازيج البحارة ب�شكل خا�ص كما �أدت فرق �أخرى م�شاركة لوحات �شعبية متثلت يف العيالة واحلربية . بينما فتحت القرية الرتاثية �أبوابها لأبناء التنظيم الراقي اجلاليات العربية والأجنبية الذين تابعوا وع�بر الفائز الأول يف ال�سباق النوخذة
ال��ذي حفزنا على امل�شاركة امل�ستمرة يف ال�سباقات البحرية التي ينظمها النادي برعاية �سمو ال�شيخ �سلطان بن زاي��د �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة رئي�س ن ��ادي ت ��راث الإم � ��ارات واهتمامه باملحافظة عليها ونقلها من جيل لآخر. كما �أع��رب النوخذة نا�صر ح�سن الكا�س �آل علي الفائز يف املركز الثاين بال�سباق عن خال�ص ال�شكر والعرفان ل�سمو ال�شيخ �سلطان بن زاي��د �آل نهيان راع��ي ال�سباق الذي يدعم دائم ًا كل الفعاليات التي تربط ابن الإم��ارات برتاثه اخلالد ليكون ج�سر ًا يو�صل ب�ين اجلميع م��ن خ�ل�ال �سباقات ال�ن��ادي البحرية املتوا�صلة .وق��ال الفائز الثالث النوخذة �سيف خلف امل�ط��ري �إن ال�سباقات الرتاثية التي يقيمها النادي تع ّد مدر�سة تراثية عملية لنقل وحفظ الرتاث الأ�صيل ،وخللق التناف�س ال�شريف وال�شديد بني جيل الآب��اء والأب�ن��اء ،كما تقارب مثل ه��ذه ال�سباقات ب�ين اخل�ب�رات املكت�سبة من النواخذة املتمر�سني يف هذه الريا�ضة البحرية الرتاثية يف الإمارات وبني �أبناءهم الذين ي�شاركون معهم يف القارب نف�سه يف �سباق اليوم ،وهذه فر�صة مبا�شرة وعملية لتلقي الأبناء اخلربة املرتاكمة من الآباء يف فنون البحر ولي�س على طريقة تلقي املعلومات النظرية. وخ�ت��م ال�ن��وخ��ذة �أح �م��د �إب��راه �ي��م را�شد الغمال�سي الفائز باملركز الرابع يف �سباق �أبوظبي لقوارب التجديف ب�أنه وبحارته �سوف يظلون �ضمن امل�شاركني الدائمني يف ك��ل �سباقات ال �ن��ادي لأ ّن ��ه احلا�ضن الرئي�س لإحياء الرتاث البحري بني جميع بحارة الدولة
24
الشهر
الـعــــدد 161 ما ر س 2013
انطلقت فعالياته الشهر الفائت
مهرجان �سلطان بن زايد �آل نهيان الدويل ال�سابع للفرو�سية واجهة مشرفة لرياضة الفروسية في اإلمارات �أبوظبي – تراث
انطلقت نهاية �شهر فرباير الفائت فعاليات مهرجان �سمو ال�شيخ �سلطان بن زاي��د �آل نهيان ال ��دويل ال�سابع للفرو�سية ،ال��ذي ت�ستمر فعالياته حتى ال�ساد�س ع�شر من ال�شهر اجل��اري ،يف قرية بوذيب العاملية للقدرة مبنطقة اخلتم ،برعاية كرمية من �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة رئي�س نادي تراث الإمارات. وك��ان ن��ادي ت��راث الإم� ��ارات ق��د �أع�ل��ن يف م��ؤمت��ر �صحفي عقده م ��ؤخ��ر ًا يف م�سرح �إدارة الأن�شطة التابع للنادي يف �أبوظبي عن برنامج الفعاليات والأن�شطة الذي ي�شهده املهرجان يف دورته ال�سابعة ،ح�ضر امل�ؤمتر ع��دن��ان احلو�سني من�سق ع��ام ال�سباقات
يف النادي ،وحممد مهري املزروعي مدير �إدارة قرية بوذيب للفرو�سية ،و�أحمد علي اجلنيبي رئي�س ق�سم التدريب يف �إ�سطبالت بوذيب ،وجوهان فالبريغ مدير �أكادميية بوذيب للفرو�سية ،ودي��دري هايد م�س�ؤولة ق�سم التوليد يف �إ�سطبالت بوذيب ،وعدد من الإعالميني. يف بداية امل ��ؤمت��ر ،ق��ال عدنان احلو�سني
الحوسني :دعم سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان الال محدود لرياضات الفروسية يضع المهرجان على قائمة أهم مهرجانات الفروسية في العالم
من�سق ع��ام ال�سباقات يف ال�ن��ادي�« :أق��در جهود احتاد الإمارات للفرو�سية الذي يقود التن�سيق الدائم مع �إدارة النادي بهدف إ�خ��راج كافة البطوالت وال�سباقات للقدرة والفرو�سية التابعة للنادي ب�شكل متميز، مما يعزز الو�صول �إىل الأه��داف املرجوة، ويعك�س � �ص��ورة �إيجابية ل�سمعة ريا�ضة الفرو�سية يف الإمارات». و�أ�ضاف احلو�سني« :ال ي�سعني �إال �أن �أ�شيد بالدعم ال�لاحم��دود ال��ذي تتلقاه الأندية الريا�ضية والرتاثية بالدولة ب�شكل عام، ونادي تراث الإمارات ب�شكل خا�ص من قبل �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زاي��د �آل نهيان رئي�س الدولة « حفظه اهلل» ،و�سمو ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي��د �آل نهيان ممثل
�صاحب ال�سمو رئي�س الدولة رئي�س نادي تراث الإمارات» و�أ�شار �إىل �أن دورة هذا العام من املهرجان ت�شهد م�شاركة نخبة مميزة من الفر�سان من داخل الدولة ومن خارجها ،وتت�ضمن �أ�سماء كبرية مل�شاهري القدرة ،بالإ�ضافة �إىل ح�ضور مميز ل�شخ�صيات عربية وعاملية متت دعوتها حل�ضور هذا املهرجان. و�أكد �أن �إدارة نادي تراث الإم��ارات قامت بكافة التجهيزات واال�ستعدادات الالئقة مبكانة املهرجان ،ومت جتهيز مركز �إعالمي كامل لكافة الإخوة الإعالميني املتواجدين يف ال��دول��ة �أو القادمني من اخل ��ارج� ،إىل ج��ان��ب ت��وف�ير و��س��ائ��ل النقل اليومية من �أب��و ظبي �إىل قرية بوذيب العاملية للقدرة وبالعك�س ،وكذلك �سيارات الدفع الرباعي لت�سهيل الت�صوير يف م�ضامري ال�سباق، مو�ضحا �أن �إدارة ن��ادي ت��راث الإم ��ارات اعتمدت �ضمن براجمها املتعلقة ب��دورة ه��ذا ال�ع��ام م��ن امل�ه��رج��ان ت��وف�ير برنامج خا�ص باجلمهور يت�ضمن �أن�شطة تراثية وثقافية وترفيهية لكافة �أف ��راد العائلة، وهدايا وجوائز و�ضيافة� ،إىل جانب توفري املوا�صالت املجانية التي تقلهم يوميا من �أم��ام مقر النادي يف �أب��و ظبي ،وتعيدهم �إىل نف�س املكان بعد الغداء �أو بعد انتهاء الن�شاط.
برنامج املهرجان
م��ن ج��ان�ب��ه ق��ال حم�م��د م�ه�ير امل��زروع��ي �إن اللجنة املنظمة العليا للمهرجان قد ا�ستعدت له منذ قرابة ثالثة �أ�شهر وو�ضعت برناجم ًا عام ًا للفعاليات ،م�شري ًا �إىل �أن اجلديد يف هذه الدورة هو م�سابقة التقاط الأوتاد �ضمن فعاليات قفز احلواجز ،وهي �إح ��دى امل�سابقات الرتاثية التي �أدخلت
تتضمن دورة هذا العام مسابقة التقاط األوتاد ضمن فعاليات قفز الحواجز وهي إحدى المسابقات التراثية التي أدخلت حديث ًا ضمن األولمبياد �ضمن الأوملبياد. و�أ�ضاف �أن فعاليات املهرجان لهذا العام تت�ضمن العديد من ال�سباقات املختلفة ،حيث تت�ضمن الفعاليات م�سابقة جمال اخليول العربية الأ�صيلة ،وم�سابقة َجمال اخليول العربية الأ�صيلة – فئة الركوب ،وم�سابقة تروي�ض اخل�ي��ول ،و�أل�ع��اب الفرو�سية» فئة ال���ص�غ��ار» ،ب��الإ��ض��اف��ة �إىل بطولة القفز على احلواجز لفئة املبتدئني /فئة اخليول العربية /فئة النا�شئني /فئة ال�شباب/ وف�ئ��ة امل�ح�ترف�ين» اجل��ائ��زة ال �ك�برى» التي تتم برعاية ،LONGINESوقال �إن كل امل�سابقات �سوف جترى يف �صالة �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد الكربى يف �إ�سطبالت بوذيب للفرو�سية مبنطقة اخلتم.
فعاليات م�صاحبة
و�أ��ض��اف حممد امل��زروع��ي �أنّ هناك عدد من الفعاليات امل�صاحبة لهذا املهرجان، حيث تنظم القرية الرتاثية التابعة للنادي احتفالية تراثية �ستكون من��وذج� ًا لقرية م�صغرة و�سوق ًا �شعبية ت�ضم العديد من احلرف واملهن التقليدية ،وبيت ال�شعر ،مع عر�ض مل�شغوالت يدوية متنوعة ،بالإ�ضافة �إىل ج�ن��اح ب�ح��ري خ��ا���ص ب�ط��رق ال�صيد وال�سباقات الرتاثية ،و�آخر للمعدات الرتاثية احلرفية القدمية ،كما تعر�ض القرية �ضمن برناجمها يف املهرجان العديد من الأهازيج الفنية الغنائية ال�شعبية ،حيث تقدم الفرق ال�شعبية لوحات من احلربية والعيالة.
و�أك ��د امل��زروع��ي �أن �إدارة الأن���ش�ط��ة يف النادي ت�شارك بعدد �آخ��ر من الفعاليات منها برامج تراثية للجمهور مثل مناف�سات الألعاب والفنون ال�شعبية مب�شاركة عدد من املنت�سبني للمراكز التابعة للنادي. للم ّالك م�سابقة اخليول العربية ُ و�أو�� �ض ��ح م�صطفى امل�ف��و��ض��ي م��ن قرية بوذيب للفرو�سية �أنّ بطولة قفز احلواجز يف املهرجان لها جمهورها اخلا�ص ،لأنها من فئة �أرب��ع جن��وم ،التي �أدرج��ت �ضمن البطوالت الدولية ،الفت ًا �إىل �أنها حتظى مب���ش��ارك��ة ع��دة دول خليجية ،وت���ش��ارك اخليول العربية لدعم هذه الفئة� ،إ�ضافة �إىل �أن م�سابقة اخليول العربية يف املهرجان هي خا�صة باملُ ّالك ،كما خ�ص�صت اللجنة املنظمة العليا للمهرجان ج��وائ��ز عينية ومادية للخيول ال�صغرية ،يف حني �ستمتد �سباقات ال �ق��درة مل��دة �أرب �ع��ة �أي ��ام خالل املهرجان.
ت�شجيع فر�سان الدولة
قالت دي��دري هايد م�س�ؤولة ق�سم التوليد يف �إ�سطبالت ور�سان يف حديثها بامل�ؤمتر ال�صحفي �إنّ مهرجان �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد للفرو�سية يعد من �أهم املهرجانات يف العامل ،حيث ي�شجع فر�سان الدولة ودول جمل�س التعاون اخلليجي على امل�شاركة يف فعالياته ،وق��ال جوهان فالبريغ مدير �أكادميية بوذيب للفرو�سية �إن للمهرجان �سمعة داخ��ل وخ��ارج ال��دول��ة نظر ًا حلجم امل�شاركات املحلية واخلليجية والغربية فيه، حيث ي�ستمتع اجلمهور بعدد من امل�سابقات واال�ستعرا�ضات املميزة للخيول العربية على وقع املو�سيقى� ،إ�ضافة �إىل م�سابقات خا�صة باجلمهور الختيار �أف�ضل خيل
26
روزنة
روزنة
الـعــــدد 161 ما ر س 2013
المالبسالتراثية �أطل
�رسور خليفة الكعبي باحث من الإمارات
عليكم اليوم جالب ًا لكم اجلميل من ث �ـ �ـ �ـ �ـ��وب �ـ��ي ات� �ك� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��در �� �س� �ـ� �ـ� �ـ ��واده ال�تراث الإم��ارات��ي ،ونحن ال نزال وح� �ـ� �ن� �ـ� �ـ� �ـ� ��أي� �ـ� �ـ ��ة ب �ـ �خ �ـ �ـ �� �س �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ره
نعي�ش فرحة اليوم الوطني الواحد والأربعني لقيام دولتنا احلبيبة على يد املغفور له ب�إذن اهلل تعاىل ،وال��دن��ا ال��راح��ل ال�شيخ زاي��د بن �سلطان �آل نهيان – طيب اهلل ث ��راه ،ويف ه��ذه االلتفاتة �إىل املا�ضي العريق ن�ستذكر مع ًا �أجمل امل�سميات التي عبقت بها حياة الآب��اء والأج��داد لكل ما تعاملوا به يف حميط معي�شتهم ال�سابقة ،ففي تلك احلياة اعتمدوا على �أنف�سهم يف كل �شيء ،فلم تكن اخلادمات يف كل بيت ،وكان اجلميع يعمل بكد واجتهاد لتوفري احل�ي��اة الكرمية لأ��س��رت��ه ،ومل تكن الن�ساء يف من�أى عن ذلك التعب وتلك امل�شقة. تلك احلياة التي و�أنا �أكتب عنها ف�إن ال�شوق لها ال ي�ضاهيه �شوق ،فتلك الأيام ال ميكن �أن تعود ،وحتى و�إن حاولنا جتربتها يف بيئات تقارب البيئة الإماراتية يف ال�سابق ،ف�إننا لن ن�ستطيع الت�أقلم معها ،فقد ج��رب بع�ضهم ممن �أعرف العي�ش يف بع�ض الأماكن التي مل حتظ بعد بالرقي الذي نعي�شه ،وال تزال تقبع حتت االفتقار لكل �شيء� ،إال �أنهم مل يتمكنوا من ذلك �أو مل ي�ستطيعوا التمتع بحالة ال�شظف التي حاولوا �إعادة جتربتها يف حياتهم. ومن ذلك الزمن اجلميل تقبع يف ذاكرتي تلك امل��ر�أة التي كانت حتيك ثوب ًا يف يديها وهي تردد �أهزوجة تراثية تبيح من خاللها وجدها على �شريكها ،وت�سلي بها قلبها ،فحفرت يف الذاكرة حتى الآن تلك الكلمات اجلميلة التي تقول فيها:
ولقد اخرتت امل�سميات الرتاثية لكل مكونات املجتمع الإم��ارات��ي يف ال�سابق ليكون حمور حديثي معكم ،فالقارئ بال �شك �سيعرف �أن هنالك العديد من الأ�شياء يف البيئة املحيطة ب��ه ال يعرف م��ا ك��ان يطلق عليها �آب��ا�ؤن��ا يف ال�سابق ،ولعل هذه امل�سميات تنطلق بنا �إىل �آف��اق لهجتنا اجلميلة لتكون حافز ًا لنا لكي نحافظ عليها من االندثار وراء �ستار التمدن، املتنكر ل �ل�تراث ،كما جن��د يف �أي��ام�ن��ا ه��ذه، ف�أ�صبح الرتاث غريب ًا على �أر�ضه وبني �أهله.
م�سميات الألب�سة
لقد ك��ان��ت الألب�سة يف امل��ا��ض��ي حت��اك كما �أ�سلفت يف �أول املقال على �أيدي الن�ساء ،فهن من يقوم باحلياكة وال�صبغ و�إ�صالح ما يف�سد منها ،فلي�س كل ما يف�سد يرمى كما هو احلال اليوم ،فقد يكاد الرجل ال ميلك �سوى ثوبني يف ال�سنة كاملة ال يكاد �أحدهما يفارق ج�سده �إال نادر ًا ،فيما يحتفظ بالآخر للمنا�سبات املهمة جد ًا ،لذا ف�إن الثياب كانت ب�سيطة جد ًا وتتكون من الغرتة ،وهي قطعة مربعة بقيا�س مرت يف م�تر ،وت�ك��ون �أو ًال بي�ضاء تتحول �إىل اللون الأ�صفر تدريجي ًا ب�سبب القدم ،وتقوم الن�ساء يف نهاية الأمر ب�صبغها لتتحول �إىل الأ�صفر القاين با�ستخدام الكركم ،وعادة تكون مطوية على الر�أ�س وت�سمى ع�صامة �أو عمامة ،ويلب�س عليها العقال القدمي ال��ذي ي�سمى "خزام"، ب �� �س �ـ �ـ �ـ ��أل �ـ �ـ��ج ي �ـ �ـ �ـ��ا ال �ك �ـ �ن �ـ �ـ �ـ �ـ��دورة وهو عبارة عن حبل من �صوف املاعز تكون يف م � �ـ � �ـ� ��ن خ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��اط وم � �ـ � �ـ� ��ن درز نهايته �سل�سلة حديد �صغرية� ،أما الكندورة، ق� �ـ� �ـ� �ـ ��ال ��ت ح �ـ �ـ �� �س �ـ�ي�ن ال� �ـ� ��� �ص� �ـ ��ورة وهي ما ي�سمى بالكندورة العمانية ويكون لها متدل على ال�صدر ،وتكون ل � �ـ � �ـ ��ي ف� �ـ� �ـ� �ـ ��ي ال� ��راي � �ـ � �ـ � �ـ� ��ح ب �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��رز طربو�ش �صغري ٍ وب �ـ �� �س �ـ �ـ �ـ ��أل �ـ �ك��م ي �ـ��ا ال �ط �ـ �ـ � ّري �� �ش �ـ �ـ��ة �أزراره� ��ا وال�ت��ي ت�سمى حملي ًا «عقم للجمع �� �ش� �ـ� �ـ ��وف� �ـ ��وا �� �ش� �ـ� �ـ ��و ال � �ل � �ـ� ��ي ح� � ّي� �ـ ��ره وعقمة للواحدة �أو معقمة وت�سمى يف اجلمع
معاجم» م�صنوعة من اخليوط التي حتيكها الن�ساء على �شكل كرة دائرية ت�شبك مع خيط يف الطرف الآخر من الثوب ،و�أخ�ير ًا الإزار، وهو قطعة مربعة بقيا�س مرتين تقريب ًا ،وغالب ًا ما يكون ملون ًا ب�ألوان زاهية ويكون تقريب ًا مرت ًا ون�صف �إىل مرتين يلف على اخل�صر حتت الكندورة. �أما مالب�س الأطفال فهي ب�سيطة للغاية ،فعلى الر�أ�س تلب�س العقاطة وهي الكوفية كما يطلق عليها �إخواننا ال�شوام ،و�أحيان ًا يلف الر�أ�س بغرتة ال��وال��د لكي يحمي الطفل م��ن ال�برد ال�شديد خوف ًا من �أن يدخل الهواء البارد �إىل الأذن�ي�ن في�سبب التهابهما ومر�ض الطفل، وتقوم الن�ساء �أحيان ًا بحياكة العقاطة لت�صبح خ��وذة تتدىل على جانبيها قطعتان لتغطية الأذنني ميكن ربطهما �أ�سفل الذقن ،والطفل يف منذ �أيامه الأوىل حتاك له كندورة يف حجمه �سواء بنت ًا �أم ولد ًا ،ثم يلف بقطعة قما�ش تختلف �سماكتها باختالف الطق�س ،ففي ال�شتاء تكون من �صوف ،بينما يكتفى بقطعة قما�ش قطنية يف ال�صيف ،ويلف بها كامل ج�سده ت�سمى «قماط» ،ثم يربط بحبل من القما�ش ي�سمى حبل القماط �أو «احلباجه -احلباكة» والكاف هنا م�شن�شنة ،كما تلف قطعة قما�ش �أخرى بحجم ر�أ���س الطفل وتو�ضع له حتت ر�أ�سه عندما ينام ،وت�شبه ع�ش احلمامة ،وهي لكي ت�سهم يف تدويرة الر�أ�س للطفل ،وع��ادة ما يربط ناب ذئب يف القماط والذي ينتقل بعد �أن يكرب الطفل قلي ًال لي�صبح قالدة يف عنقه، وذلك لالعتقاد ب�أن اجلن يخاف من الذئب فال يقرب الطفل طاملا كان الناب معلق ًا به. �أما مالب�س املر�أة وم�سمياتها فهي �أكرث قلي ًال، وذلك حلر�ص املر�أة العربية امل�سلمة على �سرت ج�سدها ومفاتنها عن الغرباء كما يحتمه عليها دينها ،وتتكون من ال�شيلة وهي قطعة قطنية غالب ًا ،وت�سمى �شيلة «الو�سمة» وجتلب من
الهند ،وغالب ًا ما تكون �سوداء بقيا�س مرتين �إىل مرتين ون�صف ،وميكن للمر�أة تغطية كامل ج�سدها بها كما تقوم بلف ج�سدها بها يف ال�صالة ،ثم ي�أتي الربقع ،وهي قطعة قما�ش خا�صة ذهبية تتحول بفعل الزمن �إىل اللون الأ��س��ود ،وتبطن بقطعة قما�ش فاحتة وحت��اك معها ،ولها فتحات للعينني وتغطي اجلبهة والفم حتى بداية الذقن وتربط بخيط يحاك �أعلى الربقع ي�سمى «ال�شبق» ويربط ح��ول ال��ر�أ���س ،فيما تو�ضع قطعة خ�سبية يف مقدمته على الأن��ف ت�سمى «الق�ضاب» وهي لإبقاء الربقع منت�صب ًا على الأن��ف ،ومن ثم الكندورة التي ت�سرت كامل اجل�سد وغالب ًا ما تكون قطنية �سميكة غري �شفافه ،و�أ�شهر �أنواع الكنادير هي «�أم تيلة ،امليزع� ،أم طوير ،و�أم قليم والفولك» ،وي�أتي فوقها الثوب وهو قطعة قما�ش �أخرى خفيفه جد ًا ت�شف عن الكندورة، ومن ثم العباءة التي ت�أتي فوق كل ذلك ،وهي قطعة �سوداء �سميكة ل�سرت كامل ج�سد املر�أة وتو�ضع على الر�أ�س ولي�س الكتف كما هو اليوم، والثوب والعباءة تلب�س خارج املنزل عند خروج املر�أة لأي �سبب حتى و�إن كان لبيت جارتها، وتلب�س امل��ر�أة «ال�صروال» وهو بنطال مب�سمى الع�صر يربط بحبل يحاك فيه يف منطقة اخل�صر ي�سمى «احلباجة – احلباكة» بالكاف امل�شن�شنة ،وعند ال�ساق حتاك فيه ر�سومات من خيوط و�أحيان ًا ما ي�سمى بالزري وت�سمى هذه املنطقة من ال�صروال «بالبادلة». ما ال يجوز يف طريقة اللب�س يعاب على الإن���س��ان يف ال�سابق الكثري من الت�صرفات وط��رق لب�س املالب�س والتي و�إن فعلها املرء كانت م�سبة له ،ويف �سن ال�شباب �أو الطفولة يتم معاقبة مرتكبها من قبل والديه، يف حني ي�شمئز املجتمع من البالغني الذين يقومون بهذه الت�صرفات ،فالرجل ال ي�ستطيع �أن يجل�س يف جمال�س ال��رج��ال ب��دون غطاء
الر�أ�س «الغرتة» ،كما ال ي�ستطيع �أن مي�شي �أو يجال�س الرجال و�أزرار ثوبه غري حمكمة ،الأمر الذي ي�سمى «�أدل��ع» ،وهو �أمر يكرهه املجتمع وميج فاعله ،يف حني يكون الرجل الذي يلب�س العقال مائ ًال على ر�أ��س��ه ب�أنه عالمة لعدم االتزان ومعاك�سة الن�ساء ،وكذلك من ي�سحب طرف �إزاره الذي يجعله ب��ارز ًا من الكندورة وي�سمى «ال�شاخط» لأنه يخط يف الأر�ض عند م�شيه وير�سم خطوط ًا ت�سمى باللغة املحلية «�شخوط وهي جمع �شخط وفاعلها �شاخط»، يف حني ال يعاب على الرجل لب�س املرقع من الثياب لقلة حيلته وع��دم متكنه م��ن �شراء �أثواب جديدة ،كما �أن ذلك ال ينق�صه يف �أعني الرجال فكان املحك دائم ًا الفعل ولي�س ال�شكل. �أما الن�ساء فال ي�سمح لهن ب�إخراج �أي جزء م��ن �أج���س��اده��ن مهما ك��ان ب�سيط ًا ،كذلك �شعر الر�أ�س �أو لب�س اخلالخيل التي ت�صدر الأ�صوات عند امل�شي ،وهي عالمة �سيئة جد ًا يف املجتمع ،كما ال ي�سمح للمر�أة بعد زواجها �أن مت�شي مك�شوفة الوجه ومن دون برقع ،يف حني ت�ستطيع الن�ساء عدم لب�س العباءة فقط عند امل�شاركة يف الأعمال ال�شاقة مل�ساعدة الرجل كحراثة الأر�ض �أو جني املحا�صيل ،ولكنها ال تتخلى �أبد ًا عن ال�شيلة التي تلفها حولها ل�سرت ج�سدها طوال الوقت. �إن املا�ضي الإم��ارات��ي جميل بكل تفا�صيلة ،وال ميكن الإحاطة به بهذه العجالة ،ولكنني �أر�سم يف خميلتكم ال�صورة التي كان عليها الآباء ،لنعي�ش معهم يف زاوي��ة من الزمن ال��ذي ن�ستعيده معا لنقول �إن تراثنا هو رمز �أ�صالتنا ،وجذور تقاليدنا التي ن�ستمر بالعي�ش وفقها رغم التطور والتقدم احل�ضاري ،فمن لي�س له ما�ض لي�س له حا�ضر وال م�ستقبل ،ويف اللقاء القادم �س�أحتدث لكم عن الزينة و�أدواتها يف ال�سابق وا�ستخداماتها ،ف�إىل ذلك القاء �أ�ستودعكم اهلل
المرصد 28 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
اختتم فعالياته على �ضجيج ال�صراعات ال�سيا�سية
معرض القاهرة الدولي للكتاب الـ44
ثقافة وفن وسياسة بطعم غياب الجمهور القاهرة� -صفاء البيلي على الرغم من الظروف ال�سيا�سية الع�صيبة التي تعي�شها م�صر ،وعلى الرغم من التوتر الذي �ألقى بظالله على كل �أرجاء احلياة� ،إال �أن وزارة الثقافة امل�صرية �أ�صرت على تفعيل ال��دورة الـ 44ملعر�ض القاهرة ال��دويل للكتاب الذي يقام كل عام يف �أر�ض املعار�ض مبدينة ن�صر.
جولة مت�أنية خالل دورة املعر�ض هذا العام، ت�شي بتغري احل���ال ،وت �ن��ذر بغياب البهجة الثقافية والفكرية التي كان معر�ض �أبوظبي الدويل للكتاب �أحد �أبرز �صناعها العرب على مدار �أكرث من �أربعني عام ًا. ف�ق��د ت��راج��ع اجل �م �ه��ور ،ال ��ذي ي�ع��د �أ��س��ا���س البهجة ،فتكاد ال ترى فعالية واح��دة حظيت بح�ضور ي�شبه ح�ضور الأع��وام املا�ضية ،حتى تلك الفعاليات التي كانت ت�ست�ضيف امل�شاهري من �أهل الفن �أو رموز ال�سيا�سة والإعالم ،فلم حتظ �سوى بح�ضور �ضئيل. بيد �أن الفئة التي �أ�صرت على احل�ضور جنحت يف �إع�ل�ان مت�سكها ب ��أه��داب الأم��ل انتظار ًا لعودة ال��روح �إىل اجل�سد الذي �شغلته – �إىل حني -بع�ض الأح��وال امللتب�سة ليبقى الرهان على الثقافة كمكون �أ�صيل ي�ستعيد ال�شعوب من غياباتها امل�ؤقتة« .تراث» جتولت بني فعاليات املعر�ض املختلفة لتنقل جانب ًا �أمين ًا منها للقارئ العربي هنا وهناك.
الوجه الثقافى لل�صراع ال�سيا�سى
كثريون من جمهور املعر�ض مل ي�صدقوا �أنهم �سيلتقون ب�صناع فيلم «ك��ف القمر» يف ظل الظروف ال�سيا�سية الع�صيبة التي متر بها البالد ،و�سيطرة ف�صائل الإ�سالم ال�سيا�سي على امل�شهد� ،إال �أن خميم الفنون ا�ست�ضاف جنوم و�صناع الفيلم يف لقاء ح�ضره املخرج خالد يو�سف والفنان �صربي ف��واز ،و�أداره حميي عبد احلي امل�شرف العام على الن�شاط الفني باملعر�ض. ً ا�ستهل خالد يو�سف حديثه قائال :هي م�صادفة �أن نناق�ش اليوم فيلم «كف القمر» لأنه يعرب عن الظروف الراهنة التي منر بها ،فتيمته ال��درام�ي��ة ه��ي «ال��وح��دة» بكل معانيها �سواء التجمع �أو ال�شعور باالنفراد والعزلة ،وتدور الق�صة حول جتمع الأخوة يف كف واحد �إال �أن ا�ستبداد �أحدهم بالر�أي ورغبته يف �أن يطيعه الآخرون �أدى �إىل الفرقة وهدم البيت و�سرقته كما جرت الأحداث. وخالل الندوة اعرتف يو�سف جلمهوره قائ ًال: «لقد �أخط�أت طوال العامني املا�ضيني عندما
ظننت �أن ما ي��دور يف م�صر �صراع �سيا�سي، و�أكت�شف الآن �أننا ب�صدد �صراع ثقايف �شر�س، و أ�ك��د �أن احل��وار هو الطريق ال�صحيح الذي يجب �أن ن�سلكه حتى ال تتمكن قوى الرجعية من �أن حتكم م�ستقبل �أوالدنا .و�أ�ضاف� :إال �أننا رغم ال�صراع يجب �أن ال نن�سى �أن ه��ؤالء - رغم اختالفنا معهم – هم �أ�شقا�ؤنا يف الوطن.
ان�سحاب الدراما امل�صرية
�سطت �أزم��ة الدراما امل�صرية على م�ساحة كبرية من اهتمام النقاد واملفكرين وازدادت
نظم المعرض ندوة لمناقشة حلول سريعة إلنقاذ االقتصاد المصري شارك فيها خبراء اقتصاد وأحياها شاعر العامية جمال بخيت بقصيدة في رثاء الجنيه
�أهميتها مع غزو الدراما الرتكية لل�شا�شات العربية ،من هذا املنطلق نظم املعر�ض ندوة بعنوان «الدراما التاريخية والثورة» �شارك فيها كل من الدكتور مدحت اجليار والدكتور خلف عبد العظيم املريي. ق��ال امل�يري �إن ال��درام��ا امل�صرية ج��زء من م�صر ،وم�صر كلها يف �أزمة ،والقوة احلقيقية الباقية مل�صر الآن هي ر�صيدها الثقايف ،و�إنها م��ر�آة الواقع ،م�ضيف ًا �أن قلي ًال من الأعمال الدرامية امل�صرية هي التي جنحت يف ر�صد الواقع امل�صري يف �إط��ار �إب��داع��ي ،رغ��م �أن املنجزات امل�صرية يف الثورة مث ًال ت�ستحق �أعما ًال درامية تعرب عنها بينما املوجود حالي ًا �أعمال متنافرة وفردية. وعن ت�أريخ ث��ورة يناير ق��ال� :إن هذه الثورة التي قام بها ال�شباب الطاهر املخل�ص امل�ؤمن بوطنه ال ميكن ت�أريخها ،لأن الثورة من وجهة نظره مل حتقق �أهدافها بعد.
المرصد 30 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
ندوة حول ق�ضايا الرتجمة �ضمن فعاليات املعر�ض
ال�شعر ينعي اجلنيه امل�صري
نظم املعر�ض ن��دوة ملناق�شة حلول �سريعة لإنقاذ االقت�صاد امل�صري ،يف ظل الظروف الراهنة .خ�لال الندوة �أو�ضحت الدكتورة �سلوى ال�ع�ن�تري ،م��دي��رع��ام قطاع البحوث بالبنك الأه �ل��ي ��س��اب�ق� ًا� ،أن �أزم ��ة اجلنية امل �� �ص��ري حت �ت��دم ع�ن��دم��ا تنخف�ض ال�ق��وى ال�شرائية له ،وعندما يتم فقدان الثقة بالعملة الوطنية ،وهذا يتحقق عندما يحدث ت�آكل يف القيمة ال�شرائية للجنيه ،ويرتاجع �سعر �صرفه بحيث تنخف�ض قيمته �أمام العمالت الأخرى، وقتها نكون �أمام �أزمة حقيقية ،وعندها يلج�أ املواطنون �إىل ا�ستخدام عملة �أخ��رى .وقال الدكتور �إبراهيم العي�سوي �أ�ستاذ االقت�صاد مبعهد التخطيط القومي� ،إن اجلنيه يواجه �أزم �ت�ين ،هما انخفا�ض قيمته اخلارجية، و�أزمة انخفا�ض قوته ال�شرائية بالداخل� ،أي �أن الأزمة مزدوجة. �أم��ا �شاعر العامية امل�صري جمال بخيت فقال� :إن �أزم��ة اجلنيه ب��د�أت ب�شكل عنيف عندما ح��اول��ت م�صر اخل��روج م��ن م�شروع الهيمنة الغربية ،ف�ضرب الغرب حماولتها للتنمية الذاتية من خالل حرب ،67و�أ�ضاف: عندما حققنا االنت�صار يف 73فوجئنا ب�أن
مناقشات المعرض تقيم أثر الثورة على الفن خصوص ًا الغناء وترى أنها نجحت في طرد كل األغنيات الخليعة ونبذت أنصاف الفنانين من ميدان التحرير % 99من �أوراق احلل االقت�صادي يف �أيدي �أمريكا ،و�أ�صبحت م�صر بال �إرادة وتابعة لأمريكا ،وك��ان املطلوب منها �أن تعي�ش يف حالة من املر�ض الدائم ،ال متوت وال تقوى وال متار�س دوره��ا .و�أ��ض��اف ،ما زلنا منلك فقط ق��وة م�صر الناعمة يف عمل الأف�لام وامل�سل�سالت ،وهذا م�سموح لنا به ،ولكن غري م�سموح لنا �أن يكون لدينا علم �أو اخرتاع �أو
ندوة تؤكد أن الدين أكثر عمق ًا في المنطقة العربية ألنها منبع األديان السماوية الثالثة بكل تجليات الشبكة الحضارية لهذا الموروث الروحي
�صناعة �أو زراعة كل هذا مت تدمريه يف العهود ال�سابقة. وق��ال :يف نهاية ال�سبعينيات كتبت ق�صيدة �سببها �إ� �ص��دار ق��رار ب���ش��أن دف��ع ج��زء من اجلمارك على ال�سلع امل�ستوردة بالدوالر ،ما �أدى �إىل زيادة الطلب على ال��دوالر ،وت�سبب يف زيادة �سعره لي�صل �إىل 80قر�ش ًا وقتها. الق�صيدة التي كتبها جمال بخيت حملت ع �ن��وان «م ��ات اجل�ن�ي��ه» وه��ي رث ��اء للجنيه امل�صري ،يقول فيها: «مات اجلنيه و�ألف رحمة ونور عليه فقيد بنوك القاهرة �أخو ريال والد دراهم والربايز وال�شلن وجد فل�س ون�سيب لعائلة الدينار التحقيقات فــ املركزي بتقول دي موتة ربنا وال�شائعات بتقول :غلط دا انتحار الأمر جد ما في�ش هزار مات اجلنيه و�ألف رحمة ونور عليه»
ال�شعر واالقت�صاد يف ندوة حول الو�ضع االقت�صادي يف م�رص
حتية حللمي �سامل
حتت حم��ور «رم��وز م�صرية»� ،أحيا املقهى الثقايف ذكرى ال�شاعر الراحل الكبري حلمي �سامل ،وقال الناقد �شعبان يو�سف �إن حلمي مل ي�ك��ن جم ��رد �شخ�ص ع��اب��ر يف احل�ي��اة الثقافية بل كان ا�سم ًا را�سخ ًا وجمدد ًا مقرتن ًا باملغامرة كا�سر ًا للتقليدية ،كما كان �صاحب م�شروع �شعري حقيقي حر�ص على التد�شني له منذ بداياته فهو من جيل �صاحب جتربة �شعرية جديدة تريد �أن تكت�سب �أر�ضية وا�سعة على ال�ساحة.
�سعيد ال��ك��ف��راوي ..ول��ق��اء من القلب
كما نظم املقهى لقا ًء مفتوح ًا مع الكاتب الكبري �سعيد الكفراوي �شارك فيه اجلمهور وعدد من الأدباء واملثقفني .حتدث الكفراوي عن جتربته وجذوره ،وقال �إن القرية ال تزال متثل له البداية والنهاية ،فهي التي طرحت عليه ك��ل الأ�سئلة ال�ت��ي ات�ك��أ عليها ليكتب ق�ص�صه .كما حتدث عن جتربته يف ال�سجن التي حكاها لنجيب حمفوظ فن�صحه �أن ي�ن��زع ه��ذه ال �ف�ترة م��ن حياته ليقوى على امل �ت��اب �ع��ة ،وب �ع��د �أن ك�ت��ب حم �ف��وظ رواي �ت��ه ال�شهرية «الكرنك» قال له «يا كفراوي �أنت
ا�سماعيل ال�شيخ يف الكرنك». وقد بد�أت �شخ�صية الكفراوي الأدبية تتبلور منذ �أواخ��ر ال�ستينيات فحر�ص على تدوين طقو�س امل��وت وامل �ي�لاد والطفولة واحلنني وع�لاق��ة ال�ف�لاح ب�أر�ضه وحيوانه وعالقته باملدينة حني ينزح �إليها ،و�أك��د �أنه بالرغم من ع�شقه للق�ص واحلكاية �إال �أنه دوم ًا ما ي�صطدم بحقيقة �أن الواقع قبل كتابته يكون �أغنى بكثري منه يف الكتابة.
و�أ�سهب يف احلديث عن كتابه اجلديد الذي يحمل عنوان «هل قر�أنا ال�ق��ر�آن؟» ،وتطرق �إىل تاريخ م�صر القدمي ،و�صفق له احل�ضور حني �أكد على م�صريته التي �أراد �أحدهم �أن ينتزعها عنه! وقال ال�صديق �إن �أحدث م�ؤلفاته «هل قر�أنا القر�آن �أم �أن على القلوب �أقفالها» يحر�ض على ق ��راءة ال �ق��ران جم ��دد ًا ،فهو ي��رى �أن ال �ق��ر�آن فكر ،وك��ل م��ا مت م��ن ال�سلطة كان يهدف �إىل حما�صرة القر�آن والرتاث.
ي��و���س��ف ال�����ص��دي��ق« :ه���ل ق��ر�أن��ا القر�آن»؟
�شهادات عن الرواية الليبية
يف ل�ق��ائ��ه بجمهور امل�ع��ر���ض داف ��ع �أ��س�ت��اذ الفل�سفة والأن�ثرب��ول��وج �ي��ا بفرن�سا املفكر التون�سي الكبري الدكتور يو�سف ال�صديق عن عقل �إ�سالمي لي�س من املنطقي تعطيله،
المعرض ناقش مزايا وعيوب النشر اإللكتروني واستعرض عدد ًا من الحلول المقترحة للسرقات األدبية وأزمة حقوق الملكية الفكرية على اإلنترنت
قدم جناح ليبيا � -ضيفة �شرف املعر�ض- ن��دوة بعنوان �شهادات عن ال��رواي��ة الليبية حت��دث فيها ك��ل م��ن ال��روائ��ي �أح�م��د ن�صر وال�ن��اق��دي��ن حممد امل��ال�ك��ي وع�ب��د احلكيم املالكي وختمت مبداخالت ثرية من اجلمهور الليبي وامل�صري. �أدار الندوة الناقد حممد املالكي الذي حتدث عن �أهمية درا�سة الن�صو�ص الروائية درا�سة علمية وفنية عميقة ،ث��م ا�ستعر�ض من��اذج و�أمثلة من جمموع روايات ليبية تطبق درا�سات تتحدث عن املنهج النقدي يف درا�سة الرواية. وعاب املالكي ترفع بع�ض النقاد عن العمل يف ال�سرديات لأنهم مل يعودوا معنيني بالن�ص
المرصد 32 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
الفني .قال �أبو طالب �إن الثورة كان لها ت�أثري قوي على الفن خ�صو�ص ًا الغناء فا�ستطاعت م��ن داخ ��ل م �ي��دان ال�ت�ح��ري��ر �أن ت �ط��رد كل الأغنيات اخلليعة وتنبذ �أن�صاف الفنانني وع��ادت من جديد �أغنيات عبد احلليم و�أم كلثوم و�سيد دروي ����ش ،لأن م�صر ت�ستعيد جمدها ،وال بد �أن تكون الأغ��اين على نف�س م�ستوى احل��دث ..وكما كان للثورة ت�أثريها على الغناء �سيكون لها ت�أثريها �أي�ض ًا على الدراما بعد فرتة ومع ا�ستقرار الأو�ضاع.
تكرمي الفنانني
�سعيد الكفراوي يف �ضيافة املقهى الفكري
الداخلي و�إمن��ا يهتمون بالن�ص اخلارجي الذي ي�شبه نظريات التلقي ،كما �أ�ضاف �أن هناك مداخل علمية لكل ن�ص ،وهناك �أ�سماء كثرية من فرن�سا تناق�ش وتقدم �أ�سئلة ،كما �أن هناك �إ�شكالية يف جلب �أفكار نقدية من علوم �أخرى وت�أتي لتلوي عنق القواعد ملحاولة غري كاملة لتطبيقها. كما حتدث الروائي �أحمد ن�صر عن جمموعة من املواقف التي تبني احلالة الأمنية يف ليبيا ما قبل 17فرباير و�أث��ره��ا يف منع انت�شار الفكر والأدب وظ�ه��ور �أع �م��ال ك�ب�يرة حيث جل�أ �أغلب املبدعني �إىل �أ�ساليب رمزية �أو مل ي�ستطيعوا طرح الواقع واحلياة. الدراما والثورة.. ا��س�ت���ض��اف خم�ي��م ال �ف �ن��ون ،ن ��دوة ب�ع�ن��وان امل�سرح الليبي ..جتارب و�آفاق «ال ��درام ��ا وال� �ث ��ورة» � �ش��ارك ف�ي�ه��ا ال�ك��ات��ب كما �أقيمت �أي�ض ًا �ضمن فعاليات الربنامج والأكادميي الدكتور �أ�سامة �أبو طالب و�أدارها الثقايف الليبى ندوة بعنوان «امل�سرح الليبي حميى عبد احلي امل�شرف العام على الن�شاط جت ��ارب و�آف� ��اق» جمعت ك�ل ً�ا م��ن الفنانني البو�صريي ع �ب��داهلل ،وع��ز ال��دي��ن امل�ه��دي، وعبد البا�سط اجلادر ،وخالد جنم ،ويو�سف ليبيا ضيف شرف المعرض ،وندوات حول خ�شيم ،و�أحمد �إبراهيم برواق القويري. حت��دث امل �ه��دي ع��ن ت��اري��خ امل���س��رح الليبي الرواية تضمن شهادات وبداياته التي تعود �إىل عام 1878وقال �إن حول التجارب الالفتة امل�سرح الليبي يفت�ش عن وعيه ومازال يتخبط يف �شكل املدار�س امل�سرحية �أو يعمل جاد ًا يف ومناقشات لتجارب ت�أ�سي�س م�سرح من ا�ستلهام قدرته مع العلم وآفاق المسرح الليبي
�أن امل�سرح الليبي قدمي. وع ��ن جت��رب��ة امل �� �س��رح ال���س�ي��ا��س��ي يف ليبيا حتدث البو�صريي عبداهلل و�أ�شار �إىل ظهور امل�سرحية التاريخية التي كان بع�ض التجلي �صريحا ،وعلى ال�صعيد ال�سيا�سي كانت بها ً م�سرحية وطن تتحدث عن الع�صر العثماين وال���س�ل�ط��ان ع�ب��داحل�م�ي��د ،وب �ع��د االح �ت�لال الإي �ط��ايل �أقفلت ال�صحف وامل���س��ارح حتى عندما عاد امل�سرح عاد من دون امل�سرحية ال�سيا�سية التي عادت بهدوء وكانت بطريقة غري مبا�شرة.
مع التركيز على المسرح السياسي
احتفى جممع الفنون �ضمن فعالياته بالفنان ال��راح��ل الكبري حمدي غيث ،حت��ت عنوان «ال�سينما الت�سجيلية – املبدعون» حيث بد�أ خميم الفنون بعر�ض فيلم بعنوان «حمدي غيث» بالتعاون مع املركز القومي للم�سرح واملو�سيقى وال�ف�ن��ون ال�شعبية ،ا�ستعر�ض الفيلم م�شوار غيث الذي بد�أ حياته الفنية مع عام 1954م مع فيلم �صراع يف الوادي وح�صل على دبلوم املعهد العايل للفنون امل�سرحية و�سافر �إىل باري�س ال�ستكمال درا�سة امل�سرح. وع�م��ل �أ��س�ت��اذا يف �أك��ادمي�ي��ة الفنون وت��وىل من�صب نقيب املمثلني مرات عديدة ،كما قام ب�إخراج الكثري من الأعمال امل�سرحية املهمة ولعب العديد من الأدوار املهمة .كما قدم املخيم فيلم ًا ت�سجيلي ًا عن الفنانة الراحلة الكبرية «�أمينة رزق» ا�ستعر�ض امل�سرية الفنية للفنانة التي قدمت �أعما ًال خالدة يف تاريخ ال�سينما امل�صرية وامل�سرح.
ال�صراع ال�سيا�سي ومهمة املثقفني!
ال�صراع ال�سيا�سي على �أ��ش��ده بني خمتلف ال �ت �ي��ارات يف املجتمع امل �� �ص��ري ،ل�ك��ن �أي��ن املثقفون من ه��ذا ال�صراع ،وه��ل ميكن �أن يلعبوا دور ًا يف مللمة �أ�شالء الوطن وهم نخبته وطليعته؟ كان هذا هو حمور املناظرة التي نظمها معر�ض الكتاب �ضمن فعالياته حتت عنوان" :املثقفون وال�صراع ال�سيا�سي" �شارك فيها الناقد الدكتور �صالح ف�ضل� ،أ�ستاذ النقد
خالل ندوة عن الدراما التاريخية
الأدبي بكلية الآداب جامعة عني �شم�س ،والناقد الن�شر الإلكرتونى والورقي
الدكتور ح�سام عقل ،مدر�س النقد الأدب��ي بنف�س الكلية واجل��ام�ع��ة ،بينما غ��اب عنها الدكتور عماد �أبو غازي ،وزير الثقافة الأ�سبق، ب�سبب م�شاركته يف مظاهرات ميدان التحرير. وق��ال ف�ضل �إن امل��وروث الثقايف والديني يف منطقتنا العربية �أك�ثر عمق ًا نظر ًا لظهور الأدي��ان ال�سماوية الثالثة يف بيئتنا العربية وكل ما يحيط بها من �شبكة ح�ضارية ت�صب يف هذا املوروث الروحي .وقال �إننا ورثنا �أي�ض ًا امل�ي�راث الفني ال��ذي يت�صل بكل م��ا يبدعه الإن�سان يف حياته من ر�سم وت�صوير ونحت ومو�سيقى وغناء ،واملوروثات ال�شعبية ،كل هذا املرياث الفني العريق هو الذي يعادل يف �أهميته وميثل ج��زء ًا �أ�سا�سي ًا من �شخ�صية �أي �شعب من ال�شعوب ،ولكن هذا كان يتطلب �أن يكون لدى املتلقي الذوق الرفيع لكي يظهر الإب��داع ، هذان البعدان الثقافيان ي�شرتك فيه كل النا�س وبع�ضهم ينغمز فيهما من دون �أن ي�شعر. و�أ�شار ف�ضل �إىل �أن اجلمع بني ما هو موروث ومتجدد هو الذي ي�ضمن �سالمة و�سوية الأمة، و�أن �أي حماولة الختزال هذا املركب الثقايف ي�صيب �أي ثقافة بال�ضمور والتدهور ،من هنا كان القلق على م�صري الثقافة العربية نظر ًا للتطورات ال�سيا�سية الراهنة.
الرحلة الطويلة يف �سبيل الت�أ�سي�س لنه�ضة وطنية حقيقية. حول النه�ضة والوطن الكلمتني املفتاحيتني يف حياة املفكر الراحل دارت �أحداث الندوة ،التي حتدث فيها الكاتب الروائي عمرو كمال حمودة، وفيفيان ف� ��ؤاد اخل �ب�يرة يف جم��ال التنمية، و�أدارها الكاتب ال�صحفي �سامح �سامي. �أ�شار حمودة �إىل �سمات �شخ�صية �أنور عبد امللك التي متيزت ب��اجل��ر�أة وال�شجاعة يف اال�شتباك مع الأفكار وال�شخ�صيات الفكرية والثقافية وال�سيا�سية داخ��ل وخ��ارج م�صر ب��ل وم��ع ال�ت��اري��خ نف�سه ،فقد ك��ان ال��راح��ل �صاحب ح�س مقتحم وروح نقدية حتليلية تهدر كال�شالل الذي يحرك ال�ساكن وكل ما هو بطيء ،منطلق ًا من �إمي��ان��ه العميق ب�أن ال�ت��اري��خ امل�صري ال��ذي ا�ستمر ع�بر �سبعة �آالف �سنة هو تاريخ �شديد اخل�صو�صية تتمثل خ�صو�صيته يف قدرته على اال�ستمرارية .تلك القدرة العجيبة التي �أهلته لإر�ساء جمتمع واح��د متجان�س �أ�س�س ملفهوم ال��دول��ة التي �صمدت عرب الع�صور ،وبهذا مل تكن م�صر بتميزها املفرو�ض عليها تاريخي ًا وجغرافي ًا جمرد دولة بل كيان ًا منتج ًا للح�ضارة.
حتت عنوان "�آفاق الق�صة الق�صرية والن�شر الإلكرتوين" ،ا�ست�ضاف ملتقى ال�شباب �أم�سية �شارك فيها املبدعون ال�شباب رانيا هالل وع�م��رو علي ال�ع��ديل وحممد علي ابراهيم وعادل العجيمي وحممد علي ابراهيم .تطرق اللقاء الذي �أدارته الدكتورة �سهري امل�صادفة �إىل مزايا وعيوب الن�شر الإلكرتوين واحللول املقرتحة لل�سرقات الأدب�ي��ة على الإنرتنت، و�أزم���ة ح�ق��وق امللكية الفكرية ومتطلبات ختامها بدر �شاكر ال�سياب االعتداد بالن�شر الإلكرتوين ب�شكل ر�سمي. اختتمت فعاليات الأم�سيات ال�شعرية باملعر�ض ب�إحياء ذكرى ال�شاعر العراقي الكبري بدر �شاكر النه�ضة والوطن ال�سياب ،ويف معر�ض احلديث عنه ،قال ال�شاعر حت��ت ع�ن��وان «رم��وز م�صرية» �أح�ي��ا املقهى ال�سماح عبداهلل 38« :عام ًا فقط كانت ح�صته ال�ث�ق��ايف باملعر�ض ذك ��رى املفكر امل�صري املمنوحة له بالدنيا ،فقد ولد عام 1926م ورحل ال��راح��ل �أنورعبد امللك ،امل��ول��ود ع��ام 1924عن عاملنا 1964م ،ورغ��م ذل��ك يعد ال�سياب واملُتوفى يف باري�س عام ،2012والذي ميثل �أحد م�ؤ�س�سي ال�شعر اجلديد يف العامل العربي» حالة ف��ري��دة يف الفكر امل���ص��ري ،و�صاحب وا�ضاف :لقد بد�أ بدر �شاكر ال�سياب كال�سيكي ًا، ثم ت�أ ّثر برومان�سية �أبي �شبكة من لبنان وبودلري من فرن�سا ،لكن �إ�ضافاته ال�شعرية و�إجنازاته اختتمت فعاليات بد�أت ب�شعره الواقعي ،وال�سيما ق�صائد ح ّفار المعرض بإحياء ذكرى القبور؛ واملوم�س العمياء؛ والأ�سلحة والأطفال، وتعد ق�صيدتاه� :أن�شودة املطر؛ وغريب على الشاعر العراقي الكبير ً ً اخلليج �صوتا مميزا يف ال�شعر العربي احلديث، بدر شاكر السياب وفيهما يظهر �صوته ال�شعري امل�صفى وقدرته باعتباره أحد أهم الإبداعية العميقة
مؤسسي الشعر الجديد في العالم العربي
المرصد 34 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
معرض القاهرة ..
وجه شاحب يستجدي الحياة! القاهرة -عزة �سلطان جاءت دورة معر�ض القاهرة الدويل للكتاب هذا العام مر�آة كا�شفة عك�ست حال م�صر ،يف املرحلة التاريخية املهمة التي مت��ر بها ،ارت�ب��اك �سيا�سي واجتماعي و�ضباب يحول م��ن دون ال��ر�ؤي��ة ال�سليمة� ،آم��ال عري�ضة يف م�ستقبل �أف�ضل تعاك�سها طموحات ع�صبية ورجعية ،انعك�ست كل ارتباكات الو�ضع امل�صري على هذه الدورة من املعر�ض ،يف التنظيم ،واحل�ضور ،وحركة البيع، والفعاليات ،وكل �شيء ،حتى �سور الأزبكية فقد كثرياً من بريقه ،وكثرياً من مبيعاته. بهت املعر�ض ،لكنه مل ميت ..حال ال�شحوب الذي ك�سا معر�ض القاهرة ال ينبئ عن وفاته، حيث يقاتل املثقفون امل�صريون من �أجل �إعادة احلياة �إىل احلياة الثقافية ،ودفعها �إىل الرثاء م��رة �أخ��رى ،كما يقاتل امل�صريون من �أجل اخلروج مب�صر �إىل النور. حماولة �أخ�يرة لالحتفاظ بال�صفة الدولية ملعر�ض القاهرة كانت وراء اقتتال املثقفني العاملني يف هيئة الكتاب امل�صرية ،ووزارة الثقافة لإقامة هذه الدورة رغم كل ما يحدث فى م�صر من ا�شتباكات و�صراعات �سيا�سية، حيث �إن �أهمية هذه ال��دورة بالغة ،فاملعر�ض كان مهدد ًا ب�أن يفقد �صفته الدولية ،بعد �أن ك��ان عر�س ًا ثقافي ًا حتتفي به الأم��ة العربية، وحلبة يلتف حولها املثقفون العرب من كل ��ص��وب ،غ�ير �أن هناك �أهمية �أخ��رى ال تقل عن املحافظة على ال�سمة الدولية ،ف�أمام مد الإ�سالم ال�سيا�سي الزاحف ب�سرعة وقوة على م�ؤ�س�سات الدولة امل�صرية ،كان من ال�ضروري �إقامة املعر�ض بفعالياته الثقافية والفنية ،حتى ال يعترب رجاالت تيار الإ�سالم ال�سيا�سي على اختالفاتهم عدم �إقامته ذريعة لإيقافه نهائي ًا،
كان قتا ًال ومقاومة ال تقل عما يحدث يف باقي ميادين م�صر .لطاملا ك��ان معر�ض القاهرة ال��دويل للكتاب حدث ًا وعر�س ًا ثقافي ًا ،لطاملا كانت موائده حتفل بنخبة من املثقفني العرب، فعلى موائده ويف �أروقته كان يجل�س �أدوني�س وحممود دروي�ش و�سيف الرحبي وحممد عفيفي مطر ،واب��راه�ي��م �أ��ص�لان و�أم�ي�ر ت��اج ال�سر، وحممد ب ��رادة ،و��س��امل ب��ن حمي�ش ،وجميل عطية �إبراهيم ،ور�ؤوف م�سعد وغريهم ُكرث. كانت تيمة املعر�ض الأ�سا�سية دعوة املبدعني ال �ع��رب وم���ش��ارك��ات�ه��م يف ن� ��دوات ول �ق��اءات ومناق�شات ،ولطاملا حفلت �أروق ��ة املعر�ض بالعديد من الفعاليات الثقافية والفنية ،كان عر�س ًا لكنه الآن �أطفئت �أنواره وبات امل�شاركون يغادرون .جاء املعر�ض هذا العام باهت ًا منزوع ال��روح ،تكاتفت عوامل عديدة لنزع روح��ه،
خفت احل�ضور وكان �ضعيف ًا يف �أغلب الأيام، حول ذلك تقول الدكتورة فاطمة البودي – نا�شرة �صاحبة دار العني� -إن ال�شباب هم وقود املعر�ض واحل��دث الثقايف ،ومل��ا ك��ان ال�شباب من�شغلني يف التظاهرات واال�شتباكات فلم يح�ضر �إال قلة ،وقد وافقتها املبدعة الدكتورة �سهري امل�صادفة امل�س�ؤولة ع��ن ال �ن��دوات يف القاعة الرئي�سة باملعر�ض ،و�أ�شارت �إىل اعتذار العديد من �ضيوفها ال�شباب الن�شغالهم يف تظاهرات وتواجدهم بامليادين ،بينما ح�ضر بع�ض الأدب��اء ال�شباب ل�ساعات قليلة ،منهم ال�شاعر م�ؤمن املحمدي ال��ذي ح�ضر لتوقيع كتابه وان�صرف عقب انتهاء الفعاليات ،بينما مل يح�ضر با�سم �شرف على الرغم من وجود كتب ل��ه يف �أجنحة امل�ع��ر���ض ،وك��ذل��ك رام��ي يحيى ،وغريهم.
مثقفون :اإلصرار على تنظيم المعرض بفعالياته الثقافية والفنية كان خوف ًا من أن يتخذ بعضهم من غيابه ذريعة إليقافه نهائي ًا
حتى املناخ كان ي�سري معاك�س ًا
ال �� �ص��ورة يف جمملها ب��اه�ت��ة ،وامل���ش�ه��د ب��دا كئيب ًا ،روح الي�أ�س متلأ �أروقة النا�شرين ،وخلو املعر�ض من رواده بدا نذير �سوء للجميع ،ففي حني ك��ان املثقفون ي�أملون يف ه��ذه الفعالية
�صناع فيلم «كف القمر» يف خيمة الفنون
توا� ً صال وت�أكيد ًا على نور الثقافة الذي ميكن �أن يزيح كثري ًا من الهموم ،وي��رون فيه درع وقاية من الدعاوى الظالمية املنت�شرة يف ربوع املجتمع امل�صري ،وجاء كل �شيء ليحول من دون حتقيق �أملهم ،فاال�شتباكات التي دارت يف حميط االحتادية ،والتظاهرات يف ميادين خمتلفة ،كل ذلك وقف عائق ًا �أم��ام ان�سياب الرواد يف الطرق متوجهني نحو �أر�ض املعار�ض يف �ضاحية مدينة ن�صر. مل يكن الزخم الثوري وحده هو ال�سبب ،كان املناخ ال�سيئ كذلك ،حيث موجة من الربد القار�س و�أم�ط��ار �شديدة هطلت ،لتزيد من �أ�سباب وم��زاع��م الكثريين يف ع��دم التوجه للمعر�ض ،فحتى �أك�ث�ر ال�ن��ا���س ت��واج��د ًا يف ال�سنوات املا�ضية قلت مرات زيارته للمعر�ض يف دورت��ه الأخ�يرة ،وبع�ضهم مل يذهب ،ومن �شحذ نف�سه ذهب القتناء بع�ض العناوين من دور الن�شر العربية. ً �أجريت ا�ستطالع ًا �سريعا لآراء بع�ض املثقفني وال�ن��ا��ش��ري��ن ال��ذي��ن ت��واج��دوا داخ ��ل �أروق ��ة املعر�ض ،قلة منهم عنيت مبناق�شة الأمر ،بينما ان�شغلت الكرثة عن الإجابة ،بع�ضهم ان�شغل يف اال�ستعداد ملعر�ض �آخر بالإ�سكندرية ،وبع�ضهم الآخر ان�شغل يف الإعداد للم�شاركة يف معر�ض الريا�ض �أم�ل ً�ا يف تعوي�ض اخل�سائر ،بينما ج��اءت �إجابات عدد ال ب�أ�س به من املثقفني وال ُكتاب مبتورة تنم عن حزنهم لرتاجع �أ�ضواء عر�سهم ال�سنوي .كانت ليبيا �ضيف �شرف هذه الدورة ،لكن اجلناح الليبي مل يكن م�ؤه ًال لهذا
ارتباكات الوضع المصري انعكست على دورة المعرض هذا العام ،في التنظيم، والحضور ،وحركة البيع، والفعاليات ..وكل شيء ال��دور حيث قل املعرو�ض من الكتب ،كما �أن الفعاليات الثقافية مل ترق ملكانة ال�ضيف ،نق ًال عن ال�شاعرة �سارة عالم ،التي ر�أت �أن �أهم امل�شاركني العرب كانت دور الن�شر اللبنانية التي تقدم �أهم الكتب من وجهة نظرها ،بينما ر�أى �شريف بكر و�أحمد ال�شهاوي �أن امل�شاركات العربية كانت ككل عام ،با�ستثناء غياب دار الآداب اللبنانية� ،أما بالل رم�ضان وفاطمة البودي ف�أكدا �أن احل�ضور العربي كان باهت ًا، ومن دون امل�ستوى.
ال�شعر يرفع لواء الإمارات باملعر�ض
��ش��ارك��ت ال���ش��اع��رة الإم��ارات �ي��ة خ�ل��ود املعال يف فعاليات املعر�ض من خ�لال حفل توقيع لديوانها «�أم�سك طرف ال�ضوء» الذي �صدر عن دار ف�ضاءات الأردنية ،وقد حظي احلفل بح�ضور كبري من زوار املعر�ض ف� ً ضال عن النقاد واملثقفني ،وقد ناق�ش الدكتور �شريف اجليار الديوان ،بينما قر�أت خلود عدد ًا من الق�صائد ،و�أدار الندوة ال�شاعر �شعبان يو�سف،
وح�ضر ع��دد من النقاد من بينهم الدكتور حممد عبد املطلب ،والدكتور مدحت اجليار، ور�ضا عطية والدكتور ح�سام عي�سى ،وكثريون. رمب��ا كانت ن��دوة خلود املعال ه��ي الإط�لال��ة الأكرث و�ضوح ًا و�ألق ًا للم�شاركة الإماراتية داخل �أروقة املعر�ض.
البحث عن الأمل
حفل الربنامج الثقايف بالعديد من الندوات، التي دارت ف��ى كثري م��ن مو�ضوعاتها عن ال���ش��أن امل�صري االجتماعي وال�سيا�سي، وج���اءت امل �ن��اظ��رات ب�ين ال�سيا�سيني من توجهات خمتلفة لت�شري �إىل ن��دوات ثرية م��ن ح �ي��ث امل �� �ض �م��ون وم ��ن ح �ي��ث امل�ت��اب�ع��ة الإعالمية ،بينما خلت تقريب ًا من احل�ضور، فندوة العالقة بني املبدع والديكتاتور مث ًال حظيت ب�أكرث من ث�لاث متابعات �إعالمية غ�ير املتابعة الإع�لام�ي��ة بالن�شرة اليومية ال���ص��ادرة ع��ن �إدارة املعر�ض ،بينما كان عدد احل�ضور يف هذه الندوة خم�سة �أفراد بينهم ال�صحافية هبة ا�سماعيل وكان على املن�صة �ستة من املبدعني .ور�أى عدد من املثقفني يف هذه الفعاليات الثقافية نوع ًا من املقاومة ،و�شك ًال �إيجابي ًا ،وو�صفت الدكتورة فاطمة البودي هذه ال��دورة باملثل ال�شعبي امل�صري «ال�شاطرة تغزل برجل حمار» وهي ت�شري �إىل �أن غالبية ال �ن��دوات كانت �ضد احلكم الرجعي ،وهيمنة التع�صب الديني
36
اآلفاق ارتياد مدارات
الـعــــدد 161 ما ر س 2013
التراث والفتنة تعرفون
خرب ذلك الأعرابي النجدي ال��ذي ورد على النبي «�صلى اهلل عليه و�سلم»َ « ،ف ِ�إ َذا ال ْ�س اَل ِمَ ،ف َق َال َر ُ�س ُ هلل هُ َو َي ْ�س َ�أ ُل َع ِن ْ ِإ ول ا ِ َ�ص َّلى ُ اهلل َع َل ْي ِه َو َ�س َّل َمَ : ات فيِ «خ ْم ُ�س َ�ص َل َو ٍ ا ْل َي ْو ِمَ ،وال َّل ْي َل ِة» َف َق َال :هَ ْل َع َل َّي َغيرْ ُ هُ نَّ ؟ َق � َ �ام َ�ش ْه ِر �ال :اَ«ل� ،إِ اَّل �أَنْ َت� َّ�ط � َّوعََ ،و�ِ��ص � َي� ُ َر َم َ�ضانَ »َ ،ف َق َال :هَ � ْ�ل َع َل َّي َغ�ْي�رْ ُ ُه؟ َف َق َال: اَ«ل� ،إِ اَّل �أَنْ َت� َّ�ط� َّوعَ»َ ،و َذ َك � َر َل� ُه َر� ُ��س� ُ هلل �ول ا ِ َ�ص َّلى ُ اهلل َع َل ْي ِه َو َ�س َّل َم ال َّز َكاةََ ،ف َق َال :هَ ْل َع َل َّي َغيرْ ُ هَ ا؟ َق َال :اَ«ل� ،إِ اَّل �أَنْ ت ََّط َّوعَ»َ ،ق َال: َف�أَ ْد َب َر ال َّر ُج ُلَ ،وهُ � َو َي ُق ُ هلل ،اَل �أَ ِزي� ُد ولَ :وا ِ �ص ِم ْنهَُ ،ف َق َال َر ُ�س ُ هلل ول ا ِ َع َلى هَ َذاَ ،و اَل �أَ ْن ُق ُ َ�ص َّلى ُ اهلل َع َل ْي ِه َو َ�س َّل َم�« :أَ ْف َل َح ِ�إنْ َ�ص َد َق». «�صحيح م�سلم» .هذا اخلرب ،يف ات�صاله باحلديث ،يبني بجالء �صورة الإ��س�لام، باعتباره عقيدة و�سلوكا� .إنها الب�ساطة املبنية على ال�صدق ،بال نفاق وال ادعاء: «واهلل ،ال �أزيد على هذا ،وال �أنق�ص منه». ويعلق الر�سول الكرمي�« :أفلح �إن �صدق».
وجدتني �أت ��أم��ل جيدا ه��ذا احلديث، و�أنا �أنتقل بني الفينة والأخرى بني بع�ض ال�ق�ن��وات العربية والإ��س�لام�ي��ة ،ف��أط��رح ال�س�ؤال :ما الفرق بني �س�ؤال الأعرابي عن الإ�سالم ،و�إدباره بقرار يبني اختيار موقف حمدد ،وااللتزام الذي قطعه على نف�سه، وتعليق الر�سول على كالمه ،ف�أجد الفرق �شا�سعا بني الإ�سالم يف ب�ساطته وعمقه، و�إ� �س�لام ه� ��ؤالء ال��ذي��ن مي �ل ��ؤون القنوات بكالم ال ي�سهم �إال يف �إعطاء �صورة �سلبية عن الدين ،وال�سلوك والأخالق. ���س��ب��ق �أن حت ��دث� �ن ��ا يف �إح� � � ��دى ه ��ذه الـ«مدارات» عن الرتاث باعتباره «ذاكرة امل�ستقبل» ،ولكننا نت�أكد با�ستمرار� ،أن البع�ض ،يظل يتعامل مع ال�ـ«ت��راث» ب�أنه «ال �ت��اري��خ» ال��ذي يجب ا�ستح�ضاره من �أج��ل احلا�ضر وامل�ستقبل .وه�ن��اك فرق كبري بني الت�صورين .ف��الأول يرمي �إىل ال�ت�ع��ام��ل التفاعلي م��ع ال �ت�راث ،بهدف البناء والتطور .والثاين ي�سعى �إىل �إعادة
الزمن �إىل ال��وراء ،من �أجل �أن نعي�ش به يف امل�ستقبل. ومب��ا �أن ر�ؤي ��ة �أ��ص�ح��اب الت�صور الثاين اجتزائية ل�ل�تراث وانقائية ،ف�إنها ترى يف «ت� ��راث» م�ع�ين ال �ت�راث «احل�ق�ي�ق��ي»، وت� ��رى يف م��ا ال ت �ع �ت �ق��ده ،ال �ت��راث غري اجل��دي��ر باالهتمام ،ب��ل �إن موقفها منه ه��و ال��رف ����ض ،وال��رف ����ض امل �ط �ل��ق .ه��ذه النظرة غري ال�شمولية والتي هي نقي�ض م��ا نتبنى ،ال ميكن �أن ت� ��ؤدي ��س��وى �إىل الإق �� �ص��اء وع ��دم االع�ت��راف .وال ينجم ع�ن�ه��ا غ�ي�ر ال �ف��رق��ة واخل�ل��اف و�أخ �ي�را الفتنة؟ ف ��أي حديث ممكن ع��ن «ح��وار» ال�ط��وائ��ف الدينية ،وامل��ذاه��ب وال�ف��رق؟ وم��ن امل�ستفيد من �إ�شعال ن��ار الطائفية يف العامل العربي والإ�سالمي؟ و�إىل ماذا ي�ؤدي هذا التع�صب جلزء من الرتاث على ح�ساب اجلزء الآخر؟ وهل يخدم كل ذلك الإ�سالم وامل�سلمني؟ �أ�سئلة كثرية تفر�ض نف�سها على من يواكب
مدارات د� .سعيد يقطني باحث وناقد من املغرب
ما يجري يف الوطن العربي ،ومن يحلو له �أحيانا ،طلبا للرتويح ،متابعة ما يجري يف القنوات الف�ضائية العربية والإ�سالمية، لأنه فعال �ستجابهه تلك التجزئية يف �أجلى �صورها ،وتعرت�ضه االنتقائية نف�سها يف �أكرث �أ�شكالها التي ال تدعو �إال �إىل التنافر والتنابذ والفتنة. لقد �صار الف�ضاء ال�شبكي عاملا لل�صراع ون�شر الفرقة ،وك��ل ينت�صر الجتاهه يف فهم الرتاث وقراءته ،وت�صفية احل�ساب مع غ�يره .ف ��إذا بهذا العامل االفرتا�ضي � �ص��ورة نا�صعة ع��ن ع��امل�ن��ا ال��واق �ع��ي .يف بع�ض هذه القنوات جتد معمما على كيفية ما تدل على متيزه ،وكل يت�صدر ال�شا�شة حم��اط��ا مب�ج�ل��دات م��ن «ت� ��راث» الآخ���ر ـ ال� ��ذات .وك��ل ال يتلفظ �إال بلغة اجل��زم واحل�سم وال�ي�ق�ين ،وه��و يكيل خل�صومه �أقبح العبارات ،ب�أفح�ش الألفاظ �أحيانا، وب�سخرية مرة �أحيانا �أخرى .املو�ضوعات مت�شابهة تعود بنا �إىل �صدر الإ��س�لام،
وت��دور ح��ول الفتنة التي وقعت بعد موت الر�سول «���ص» ،وت�سعى كل قناة للدفاع عن ت�صورها :تقليب �صفحات من كتب «ت���راث» الآخ���ر ،وال�ع�م��ل على ت�سفيهها ب �ق��راءات جم �ت��ز�أة وت� ��أوالت بعيدة .وكل يرمي من وراء ذلك �إىل �إثبات �أن الآخر، لي�س فقط خمطئا يف ر�ؤيته للأ�شياء ،بل إ�ن��ه �ضال وم��ارق ...ال أ�ح��د يدفع «بالتي هي �أح�سن»� ،أو يجادل باحل�سنى ،لتنوير امل�شاهدين مبا وقع ،تاريخيا ،بعيدا عن الت�شنج وال�صراخ واالدعاء� .إن هدف كل واح��د ه��و «تكفري» الآخ��ر ،واتهامه ومن يتبعهم بال�ضاللة ،و�صب اللعنات على املوتى والأح �ي��اء ،،،والهدف الأك�بر ،من وراء ه��ذا ال���ص��راع وتغذية ال�ف��رق��ة ،هو ك�سب املزيد من امل��وال�ين والأت �ب��اع الذي ي ��دورون يف فلك ،وال ي�سبحون يف آ�خ��ر. ول��ذل��ك جت��د املتدخلني م��ن «املتفاعلني» م��ع ه��ذا ال �ن��وع م��ن ال �ق �ن��وات ،ي�سري يف اجت��اه الت�صورات نف�سها ،فتج�سد تلك
التدخالت هذه القناعات وبنف�س اللغات؟ ال ميكن للمرء �إال �أن يتعجب م��ن هذه الدعوات التي ت�صدر عن هذه القنوات يف تعاملها مع الرتاث؟ ففي غياب ت�صورات وا�ضحة عن واقع العامل الإ�سالمي ،ويف ظل هيمنة توجهات �سيا�سية ت�سخر الدين لأغ��را���ض غ�ير نبيلة وال ��ش��ري�ف��ة ،يكرث املدعون واملتفيقهون الذين يتوهمون �أنهم يف خدمة الدين ،وهو يف الواقع يخدمون التفرقة؟ عندما نت�أمل جيدا احلديث الذي �صدرنا به هذه املقالة ،والذي يتحدث عن �س�ؤال الأع��راب��ي الفظ ،وج��واب الر�سول«�صلى اهلل عليه و�سلم» الذي حمل هذه الر�سالة ال�سامية ،وبلغها �أح�سن تبيلغ ،ال ميكننا � �س��وى الإق� ��رار ب� ��أن الإ� �س�ل�ام ال�سمح ال ع�لاق��ة ل��ه ب� �ه� ��ؤالء امل ��دع�ي�ن .ل �ق��د ج��اء الإ� �س�لام بـ«التوحيد» ،ولكننا م��ع بع�ض وعاظ القنوات وفقهائها �أمام « التفريق». �ألي�ست هذه هي الفتنة؟
قضية للنقاش 38 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
دعوة للتقنني وتوحيد املرجعية
اقتناء الموجودات األثرية والتراثية في اإلمارات هواية في حاجة إلى تنسيق رسمي �أبوظبي -فاطمة عطفة ثمة اح�صائيات �شعبية تقول �إن عدد املتاحف املنزلية يف دولة الإمارات يح�صى بالآالف ،و�أن عدد املقتنيات املو�صوفة بالتاريخية �أو الأثرية �أو الرتاثية ميكن �إح�صا�ؤه مباليني القطع ،تتفاوت بالطبع يف �أهميتها وندرتها� ،إال �أن الطبيعة الفردية التي يدار بها هذا الن�شاط جتعل من ال�صعب بل من امل�ستحيل تقدمي �إجابة لهذا ال�س�ؤال الدقيق :و�سط هذا الكم الهائل من املقتنيات ..كم قطعة نادرة بالفعل تتعر�ض للتلف وتذوب فر�صة احلفاظ عليها للأجيال القادمة؟ هذا ال�س�ؤال دعانا �إىل فتح امللف مع نخبة م��ن املثقفني وامل�ه�ت�م�ين ب�ه��ذا ال �� �ش ��أن يف ال��دول��ة ،لن�ستطلع �آراءه ��م ح��ول �ضرورة تنظيم ه��واي��ة ت��داول واقتناء امل��وج��ودات الرتاثية والأث��ري��ة يف الإم���ارات ،و�أهمية وجود جهة معتمدة للتن�سيق ،يكون دورها الرئي�س ت�صنيف القطع املقتناة وحتديد الأه�م�ي��ة التاريخية والثقافية لكل منها و�إدراج� �ه ��ا يف ��س�ج�لات ر�سمية وحت��دي��د طبيعة احل �م��اي��ة امل�ط�ل��وب��ة ل�ه��ا للحفاظ عليها باعتبارها جزء ًا من تاريخ الوطن.
ب��الإ� �ض��اف��ة �إىل و� �ض��ع م �ع��اي�ير و�آل��ي��ات و�إجراءات وا�ضحة ور�سمية لعمليات �إهداء ت�ل��ك ال�ق�ط��ع مل�ت��اح��ف ال��دول��ة ،م��ع تكرمي �أ�صحابها وتعوي�ضهم م��ادي� ًا �أو معنوي ًا، وو� �ض��ع ال���ض��واب��ط اخل��ا��ص��ة ب �ت��داول تلك
علي البياتي :معرفة التسلسل التاريخي للقطع األثرية مهم ،وفي الغرب تسجل القطع األثرية التي يزيد عمرها على 300سنة
القطع خارج حدود الدولة ،وغري ذلك من تفا�صيل ت�ستكمل امل�شهد احل�ضاري لدولة الإمارات العربية املتحدة التي ت�شهد نقلة ح�ضارية ي�شهد لها ال�ع��امل على م�ستوى االهتمام باملوروث والتاريخ ،وت�سعى �إىل رف��ع ال��وع��ي ال�ع��ام ب�أهمية احل�ف��اظ على مقتنيات الدولة وتراثها ،وهو الأمر الذي �أدى �إىل تزايد �أعداد هواة االقتناء ممن حتولت منازلهم �إىل متاحف �صغرية يف خم�ت�ل��ف �إم � ��ارات ال��دول��ة ،ح�ت��ى �ضاقت مب��ا ت�ت���ض�م�ن��ه م��ن حم �ت��وي��ات ،م��ع ع��دم
قضية للنقاش 40 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
من مقتنيات علي البياتي
ق��درة بع�ضهم على توفري ��ش��روط الأم��ن وال�سالمة الالزمة للحفاظ على ما لديهم من مقتنيات تاريخية� ،أو الوفاء مبتطلبات العناية بهذه القطع و�صيانتها وفق ًا للأ�س�س العلمية املتعارف عليها.
الآثار �ش�أن حملي
امل�ه�ن��د���س ول �ي��د ال��زع��اب��ي «م��دي��ر �إدارة ال�ت�راث وال�ف�ن��ون يف ال� ��وزارة» �أو� �ض��ح �أن وزارة الثقافة وال�شباب وتنمية املجتمع، وقبل �أن ت�أخذ هذا اال�سم ،كان بها ق�سم خا�ص لإدارة املتاحف يف ال��دول��ة ،يقوم بن�شاطه ب�شكل تن�سيقي مع متاحف الدولة املوجودة يف كل �أنحاء الإم��ارات .وبعد �أن �أخ��ذت ال��وزارة ا�سمها اجلديد مت ح�صر مهام الوزارة وف�صل الآثار عنها ،و�إن�شاء املجل�س الوطني لل�سياحة والآث ��ار ال��ذي �أ�صبح م�س�ؤو ًال عن �ش�ؤون الآثار واملتاحف يف ال ��دول ��ة .م���ض�ي�ف� ًا« :ولأن الآث � ��ار يف الإم ��ارات تعترب �ش�أن ًا حملي ًا لكل �إم��ارة،
وليد الزعابي :ندعو لتوحيد الجهود إلنشاء متحف خاص بكل إمارة يعنى بالمقتنيات األثرية والكنوز التاريخية الخاصة بها ف ��إن دور ال��وزارة يكون فقط تن�سيقي ًا يف ح��ال وج��ود م��ؤمت��ر �أو معر�ض �أو توحيد بع�ض امل�ن�ت��دي��ات ال �ت��ي ت �ق��ام �أح �ي��ان � ًا يف خمتلف �أن�ح��اء ال��دول��ة لتناق�ش م��ا يتعلق ب��الآث��ار م��ن ق�ضايا ،وذل��ك بالتن�سيق ما
محمد كانو :ال أحد يمتلك الحق في االحتفاظ بالموروث اإلنساني الحضاري بعيد ًا عن عيون الناس وال بد من وجود آليات لتنظيم ذلك
بني املتاحف .ونحن الآن ك��وزارة ب�صدد العمل على مبادرة يتم اطالقها م�ستقب ًال ل��دع��وة �أ��ص�ح��اب ال �ه��واي��ات م��ن املهتمني باملقتنيات الأث��ري��ة وال�تراث �ي��ة للتعارف والتعاون فيما بيننا لبحث �أف�ضل ال�سبل للعناية بهذه املقتنيات .من جهة �أخ��رى؛ �أدعو �أ�صحاب الر�أي و�أ�صحاب القرار يف خمتلف الإم��ارات لتوحيد اجلهود لإن�شاء متحف خا�ص بالإمارة يعنى عناية كاملة باملقتنيات الأث��ري��ة وال �ك �ن��وز التاريخية املوجودة لديهم». وا�ستطرد ال��زع��اب��ي« :ه�ن��اك دول عربية يعتمد جزء كبري من دخلها على ال�سياحة، وخ��ا� �ص��ة اع �ت �م��اده��ا ع�ل��ى م��ا ل��دي�ه��ا من متاحف ،ونحن يف الإمارات ال نقل م�ستوى عن هذه الدول ،فالتطور �شمل كل نواحي احلياة يف بلدنا ،وم��ن الطبيعي �أن ميتد لي�شمل العناية ب ��آث��ار ال��دول��ة وتوظيفها بالأ�سلوب الأم�ث��ل ال��ذي يخدم ال�سياحة ويف ال��وق��ت نف�سه ي�ع��رف ال��زائ��ر بتاريخ
الدولة .وبالفعل هناك مبادرات مب�شرة يف بع�ض الإم ��ارات تهدف للحفاظ على الآث��ار ونت�أمل يف امل�ستقبل �أن ن��رى على الأقل ثالثة �أو �أربعة متاحف يف كل �إمارة ولي�س متحف ًا واح��د ًا ،وهذا لن يتحقق �إال بدعم هواة االقتناء وتعاونهم مع اجلهات الر�سمية التي �ستعمل على �إن�شاء �أماكن خ��ا� �ص��ة حل �ف��ظ وع��ر���ض امل�ق�ت�ن�ي��ات مبا يتيح الفر�صة لأبناء الإم��ارات والزائرين واملقيمني للتعرف على ح�ضارة الإم��ارات القدمية .يف املقابل تويل الدولة اهتمام ًا ك �ب�ير ًا بالتنقيب ع��ن الآث� ��ار ،وب�ين فرتة و�أخرى ن�سمع عن اكت�شافات �أثرية مهمة ت�ك���ش��ف ع��ن امل��زي��د م��ن ت��اري��خ ال��دول��ة واملنطقة».
ذاكرة املكان والإن�سان
�أم��ا ال��روائ��ي الإم��ارات��ي علي �أب��و الري�ش فريى �أن «املقتنيات الأثرية متثل ذاكرة ل �ل��زم��ان وذاك � ��رة ل �ل �م �ك��ان ول�ل�إن �� �س��ان، واحلفاظ عليها هو حفاظ على الوجدان، وع�ل��ى ق ��درات معرفية وذه�ن�ي��ة ال ميكن تبذيرها وتركها يف الهواء الطلق وك�أننا عندما نهملها نهمل اجلزء املهم من ثقافة النا�س وم��ن الفعل الب�شري واحل�ضاري عرب �أزمنة ما�ضية» .و�أ�ضاف« :يوجد الآن يف الإمارات الكثري من املقتنيات بني �أيدي �أ�شخا�ص مهتمني وه��واة ،ول��ذا ال بد و�أن تتجه الدولة �إىل ترتيب وتنظيم اجلهد من �أجل احلفاظ على هذه املقتنيات الأثرية ذات الأهمية الق�صوى بالن�سبة لإن�سان الإمارات على مر الع�صور ،وت�أ�سي�س مكان منا�سب حلفظها .ف�أنا �أت�صور �أن��ه لي�س هناك �شعب من �شعوب الدنيا مل تكن له ح�ضارة ومل يكن له �إرث وال �أثر على وجه الأر���ض ،وبالتايل يكون الفرق فقط بني �شعب و�آخر� ،أن هناك �شعوب ًا حافظت على تراثها و�شيدت املتاحف الكربى من �أجل احلفاظ على هذه الكنوز الثمينة ،و�شعوب �أخرى رمبا تكون ت�ساهلت �أو جتاهلت هذا املقتنى .والأوىل بامل�س�ؤولني يف الإم��ارات
من مقتنيات �رشكة امل�صب علي البياتي
قضية للنقاش 42 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
للجهود من �أجل بناء �صرح ثقايف منا�سب. وع��ن م�ع��ان��اة بع�ض ه ��واة االق�ت�ن��اء ق��ال: «ه �ن��اك الكثري م��ن الأ��ش�خ��ا���ص ميتلكون مقتنيات �أثرية ثمينة ،وكثري منهم طرقوا �أب��واب � ًا ع��دة بحث ًا ع��ن م��ن ي�ساعدهم يف احلفاظ على هذه املقتنيات ،لكن معظم ه���ذه اجل� �ه ��ود ب� ��اءت ب��ال�ف���ش��ل ل �ظ��روف خمتلفة .لذلك �أمتنى على امل�س�ؤولني عن الثقافة وع��ن الإجن ��از احل���ض��اري يف كل مناحيه �أن يلتفتوا �إىل هذا الأمر ،لأن كل �شيء يزول ويبقى الأثر».
جهود �شخ�صية
الروائي علي �أبو الري�ش
وه� ��ي ال� ��رائ� ��دة يف جم� ��ال الإجن � � ��ازات احل�ضارية املهمة على �صعيد املنطقة� ،أن يلتفتوا �إىل ه��ذه املقتنيات وه��ذه الكنوز وه ��ذا الأث���ر الإن �� �س��اين اجل�م�ي��ل ج ��د ًا يف حياتنا ،فالإمكانيات متوافرة والقدرات �أي�ض ًا متوافرة وال ينق�صنا �سوى �أن ننتبه لهذا الإرث العظيم». و� �ش��دد �أب ��و ال��ري����ش ع�ل��ى � �ض��رورة �إن���ش��اء متحف عام تابع للدولة �إىل جانب املتاحف ال�صغرية املوجودة يف الإم��ارات املختلفة، لأنه يف النهاية ميثل �سيادة الدولة ،كما �أن
علي أبو الريش: المقتنيات األثرية تمثل ذاكرة للزمان والمكان والحفاظ عليها هو حفاظ على وجدان اإلنسان �أي مقتنى �أث��ري ميثل �سيادة دول��ة وكيان بلد وكيان �شعب .لذلك ال بد �أن يكون هذا الإرث املهم يف ح�ضن الدولة لأنه يرتبط �أي�ض ًا بال�سيا�سة واالقت�صاد وال�سياحة، وب��ال �ت��ايل ال ب��د �أن ي �ك��ون ه �ن��اك توحيد
ت�سجيل وتوثيق ي�ؤكد ال�صحايف حممد عي�سى �أهمية ح�صر املقتنيات اخلا�صة ذات القيمة التاريخية لدى الأ�شخا�ص يف الدولة قائ ً ال« :هذه النقطة مهمة جداً وخا�صة فيما يتعلق باملقتنيات الأثرية لأنها تدون وت�سجل تراث بلد ،فعلى �سبيل املثال عندما �أقتني قطعة معينة �أو �سيفاً يعود تاريخه �إىل حقبة تاريخية مهمة يف تاريخ البلد ،يجب �أن �أق��وم بت�سجيله لدى جهة خمت�صة حلفظ القيمة املعنوية للتحفة للم�ستقبل ،و�أي�ضاً مل�ساعدتي يف الت�أكد من تاريخ هذه القطعة و�أ�صالتها .لذلك �أعتقد �أنه من ال�ضروري لبع�ض املقتنيات �أن ت�سجل حلفظ تاريخ البلد ولتوثيق القطعة».
�أي���ض� ًا �أك��د علي �أب��و ال��ري����ش على �أهمية املخطوطات والوثائق الأثرية؛ قائ ًال« :لي�س ه�ن��اك �شك يف �أن ك��ل م��ا يرتبط بحياة الإن�سان يف املا�ضي يعترب �أثر ًا مهم ًا� ،سواء كان كتاب ًا �أو مقتنيات ا�ستهلكها الإن�سان، وبالن�سبة يل ال�ك�ت��اب ه��و الأه ��م ،بحكم اهتمامي بالإن�سان ،لكن هناك �أ�شخا�ص ًا �آخرين ميل�ؤون بيوت ًا كاملة بهذه املقتنيات وال �أح��د ينتبه ،وه��ذه ه��ي امل�شكلة .ويف النهاية ،نحن ال نريد �أن نفقد ذاكرتنا ونريد �أن نحافظ على هذا الوعاء اجلميل املحتوي على �أثر �أجمل �أي�ض ًا ،وبالن�سبة يل لدي هي كتب قدمية �أغلب الكتب املوجودة ّ وتراثية منذ الإجن��از احل�ضاري الثقايف العراقي القدمي وحتى اليوم». وت� �ط ��رق �أب� ��و ال��ري ����ش �إىل ت��رك��ة بع�ض الكتاب املعا�صرين من كتب وخمطوطات ومقتنيات ،وما قد تتعر�ض له من تبديد و�ضياع عقب وفاة الكاتب قائ ًال« :للأ�سف ال���ش��دي��د ،لي�س ه�ن��اك ت��وج��ه حم��دد على ال���ص�ع�ي��د ال��ر� �س �م��ي ل�ل�ح�ف��اظ ع �ل��ى ه��ذه املقتنيات ،وما قد يحدث يف هذا املجال ال يتعدى اجلهود ال�شخ�صية ،وهذه م�شكلة، فتفتيت املهم وت�شتيته وتركه لل�صدفة ي�ضع الثقافة يف خطر كبري ،لأن ثقافة الب�شر هي جهود ب�شرية �سواء على �صعيد الإبداع �أو االقت�صاد �أو غريها .لو �أخذنا اجلانب الإبداعي جند �أن هناك ح�ضارات �سادت
وب��ادت وانتهت ،ولكن بقي الأث��ر الثقايف م��وج��ود ًا ،ون�ح��ن الآن ن��در���س م�ث� ً لا �أث��ر البابليني و�أثر الآ�شوريني و�أثر ال�سومريني، ول��وال �أن هناك �أ�شخا�ص ًا حافظوا على ه��ذه الآث��ار ملا ع��رف �أح��د �شيئ ًا عن هذه احل���ض��ارات وغ�يره��ا .فاحلا�ضر يف يوم ما �سيكون ما�ضي ًا ،و�إن مل نحافظ على ما هو موجود الآن ف�سي�صبح املا�ضي جمرد �صحراء قاحلة ب�لا �شجر �إب��داع��ي وبال ثمر .وبالتايل �أنا �أت�صور �أن الدولة الآن بقدراتها الهائلة االقت�صادية والثقافية حمتاجة ل��وزارة تهتم بهذا ال�ش�أن ،فهذا هو ع�صب احلياة الأ�سا�سي لكل ال�شعوب يف ال��ع��امل ،ون �ح��ن ع �ن��دم��ا ن��در���س عن ��ش�ع��وب وح �� �ض��ارات ال �ع��امل ال ن�ع�ل��م من كان غني ًا �أو فقري ًا ،بل نقر�أ عن من كان كاتب ًا �أو فيل�سوف ًا �أو مفكر ًا ،لأن اخللود احلقيقي ل�ل�إب��داع .و�إن مل نحافظ على الإب��داع فك�أننا ندخل يف حرب مع الذات با�ستخدام م�ع��اول لته�شيم ه��ذه ال��ذات وترك املخزون الثقايف يذهب هباء».
ر�سالة ح�ضارية
م��ن ناحيته؛ ق��ال حممد عي�سى م�ساعد مدير التحرير يف �صحيفة االحت��اد« :يف ال�ب��داي��ة ق�ضية جمع التحف واملقتنيات الأث��ري��ة ه��ي ه��واي��ة تنبع م��ن ال�شخ�ص نف�سه ،لكن مع مرور الوقت تت�ضاعف قيمة هذه املقتنيات ورمبا تغدو جزء ًا مهم ًا من تراث بلد وح�ضارته .ويف الإمارات ،هناك اه�ت�م��ام ك�ب�ير وحقيقي ت��ول�ي��ه احلكومة لهذا اجل��ان��ب ،وق��د مل�سناه ب�شكل خا�ص يف ال �ف�ترة الأخ �ي�رة ع�بر م �ب��ادرات ع��دة مثل �إحياء مناطق قدمية كانت مهجورة من قبل ،والإع�لان عن اكت�شافات �أثرية جديدة .ال�شق الثاين يف هذا املو�ضوع هو االهتمام باملتاحف ،هناك يف كل �إم��ارة متحف �أو �أكرث ،و�أعتقد �أن ال�شارقة �أكرث �إمارة معنية بالرتاث والآثار وفيها العديد من املتاحف �أو امل��راك��ز التي تهتم بهذا اجلانب� .أي�ض ًا �أولت �أبوظبي يف ال�سنوات
حممد عي�سى
محمد عيسى :ال بد من وجود جهة مختصة لحصر وتسجيل المقتنيات ذات القيمة التاريخية لدى األشخاص في الدولة ألنها جزء من تراث البلد اخلم�س املا�ضية ق�ضية الرتاث واملقتنيات الأث��ري��ة اه�ت�م��ام� ًا ك �ب�ير ًا ،وو��ض�ع�ت�ه��ا يف مقدمة �أولوياتها من خالل �إقامة العديد م��ن امل�ت��اح��ف ال�ع��امل�ي��ة ،وه��ي خ�ط��وة غري م�سبوقة ،لأنها ال تهتم فقط برتاثنا لكن �أي�ض ًا ت�ستدعي ح�ضارات العامل لعر�ضها
أبو الريش :كل مقتنى أثري يمثل سيادة وكيان بلد وشعب وال بد أن يكون في حضن الدولة ألنه يرتبط بالسياسة واالقتصاد والسياحة
يف الإم� ��ارات .و�أع�ت�ق��د �أن الر�سالة من هذه امل�شروعات �أكرب من �إن�شاء متاحف، وال تقت�صر على عر�ض مقتنيات عاملية وحملية ،لكن �أت��وق��ع �أن�ه��ا تهدف لتغذية االه�ت�م��ام ب��ال�تراث وب��اجل��ان��ب ال�تراث��ي، والتوا�صل مع احل�ضارات الأخ��رى وخلق جيل واع ومهتم ومطلع على �أهمية وقيمة هذه املقتنيات .يف املقابل؛ �أتوقع �أن تبذل املزيد من اجلهود لتوعية فئات املجتمع املختلفة ب��أه�م�ي��ة م�ع��رف��ة ت��اري��خ ال��دول��ة واملنطقة والتعرف على تراثها ،والعمل ع�ل��ى ت�شجيع امل��واط �ن�ين ال��ذي��ن �شكلوا متاحف للمقتنيات الثمينة يف منازلهم، وهو ما يعك�س القيمة الكبرية للرتاث يف نفو�س الإم��ارات�ي�ين و�إدراك �ه��م لأهمية ما لديهم من مقتنيات ،و�أعتقد �أننا ننفرد بهذا الأمر يف الإمارات. من جانب �آخ��ر ي�ؤكد عي�سى على �أهمية ح�صر املقتنيات اخل��ا��ص��ة ذات القيمة ال�ت��اري�خ�ي��ة ل��دى الأ� �ش �خ��ا���ص يف ال��دول��ة
قضية للنقاش 44 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
الفنان حممد مندي مع لوحة للمرحوم ال�شيخ زايد من تخطيطه
ق��ائ� ً لا«:ه��ذه النقطة مهمة ج��د ًا وخا�صة فيما يتعلق باملقتنيات الأثرية لأنها تدون وت�سجل تراث بلد ،على �سبيل املثال عندما �أقتني قطعة معينة �أو �سيف ًا يرجع تاريخه �إىل �سنوات طويلة ،يجب �أن �أقوم بت�سجيله لدى جهة خمت�صة حلفظ القيمة املعنوية للتحفة للم�ستقبل ،و�أي�ض ًا مل�ساعدتي يف الت�أكد من تاريخ هذه القطعة و�أ�صالتها. ل��ذل��ك �أعتقد �أن��ه م��ن ال���ض��روري لبع�ض املقتنيات �أن ت�سجل حلفظ ت��اري��خ البلد ولتوثيق القطعة». و�أ��ض��اف«:ل�ل�إع�لام دور مهم يف التوثيق ون �� �ش��ر ال �ث �ق��اف��ة ويف ال �ت �ف��اع��ل م��ع ه��ذه امل�ب��ادرات �أي�ض ًا ،وميكن �أن يكون همزة و�صل بني �أ�صحاب املقتنيات وبني اجلهة امل �ع �ن �ي��ة ،وو� �س �ي �ل��ة ل �ت �ع��ري��ف امل �� �س ��ؤول�ين و�أ�صحاب القرار باملقتنني و�أماكنهم ،وهو دور مهم .فعمل الإع�لام ال يقت�صر على نقل اخلرب ،الذي ي�أتي يف املرحلة الثالثة �أو الرابعة من �أولويات املهنة ،لكنه يهتم �أك�ث�ر بالتوثيق ال��ذي ي ��أت��ي يف املرتبتني الأوىل والثانية ،ومن ثم ن�شر ثقافة ت�أمني ه��ذه املقتنيات وكيفية احل �ف��اظ عليها والتعامل معها». �دي وع��ن عالقته باالقتناء؛ ق��ال عي�سى« :ل� ّ جمموعة من الوثائق التي ترتبط بجريدة االحت��اد ومطبوعاتها الأوىل و�أن��ا �أعتربها ثروة �أحتفظ بها ،بالإ�ضافة للعديد من املقتنيات الأخ���رى ،حيث يوجد جناح خا�ص يف بيت العائلة مت ت�صميمه بروح ت��راث�ي��ة ،وه��و مزين بقطع �أث��ري��ة وبع�ض الأدوات والفر�ش القدمية ،هو ركن خا�ص موجود يف املنزل من قبل �أربعني �أو خم�سني �سنة ،و�أعتقد �أنه من �أجمل الأركان املوجودة باملنزل �سواء من حيث اجلل�سات وال�صور والر�سومات والب�شتختي ،ولأنني ع�شت الطابع البحري فهناك الكثري من حمامل ال�سفن و�أ�شكال متعددة لها .وعندما �أك� ��ون م �ت��وت��ر ًا �أو م�شغو ًال، �أدخل �إىل هذا الركن اخلا�ص ب � ��الأدوات ال�ق��دمي��ة ف�أ�شعر
نف�سي ًا �أين انتقلت من مرحلة �إىل مرحلة �أخ��رى �أ�ست�شعر فيها الراحة ،و�أتخفف من الكثري من الهموم والأم��ور التي ت�سبب يل بع�ض الهواج�س ،و�أعود �إىل احلياة الب�سيطة يف امل��ا��ض��ي ،وم ��رات ك�ث�يرة �أدع ��و ال��وال��دة للجلو�س معي يف هذا الركن لأين �أ�شعر بنوع من الهدوء النف�سي الذي يعيدين للما�ضي، وه��و بكل تفا�صيله مهم ج��د ًا ،خا�صة و�أن هناك الكثري من املقتنيات وامل�شغوالت اليدوية والأواين التي تعود لوالدتي ،ولكن القطعة الأك�ث�ر �أهمية بالن�سبة لها تتمثل يف طقم ذهب ال زالت حتتفظ به منذ زفافها وتعتربه �أكرب كنز بالن�سبة لها وهي حري�صة جد ًا على االحتفاظ به ،وبني فرتة و�أخرى تقوم بتنظيفه مبواد خا�صة وحتفظه بطريقة معينة». وتطرق عي�سى �إىل ق�ضية �أخ��رى مرتبطة باملتاحف واحل �ف��اظ على ال�ت�راث؛ قائ ًال: «هناكق�ضية�أخرىترتبطب�شكلمبا�شربهذه الق�ضية ،هي الهوية الوطنية وتر�سيخها لدى الأجيال القادمة ،كذلك تر�سيخ اللغة العربية حيث يجب �أن نغر�س حب اللغة وتفا�صيلها ونعلمها بال�شكل ال�صحيح للأجيال اجلديدة ملواجهة طوفان التكنولوجيا والعوملة ومواقع التوا�صل االجتماعي وال�شبكات العنكبوتية التي �أخ��ذت �أغلب وق��ت �شبابنا يف الوقت احلا�ضر .وهذه م�س�ؤولية كبرية وعلى املجتمع �أن يكون متعاون ًا يف حتملها� ،سواء امل�ؤ�س�سات احلكومية �أو امل�ؤ�س�سات اخلا�صة والأ�سر، خا�صة فيما يتعلق بتكري�س اللغة العربية، فهناك �شباب بني اخلام�سة ع�شرة والع�شرين �سنة ال يتقنون اللغة العربية ال الف�صحى وال العامية ،وهناك بع�ض امل�سميات القدمية التي لدينا اندثرت ،و�إن �س�ألت ال�شاب عنها يقول لك :ما هذه الكلمة؟ �أنا ال �أعرفها ،مع �أنها كانت متداولة جد ًا».
تكرمي مادي ومعنوي
من ناحيته قال اخلطاط الإماراتي حممد مندي« :هناك فع ًال كثري من الأ�شخا�ص يف الدولة ي�شرتون املقتنيات بدافع حب الرتاث وتعلقهم به ،وينفقون مبالغ طائلة
املهند�س وليد الزعابي
الزعابي :أدعو أصحاب الرأي والقرار في مختلف اإلمارات لتوحيد الجهود إلنشاء متحف خاص بكل إمارة يعنى بالمقتنيات األثرية والكنوز التاريخية الموجودة لدى الهواة يف هذا املجال ،ولكن غالب ًا يحتفظون بهذه املقتنيات يف �أماكن غري مهي�أة �أو منا�سبة. ولذا من اجليد واملهم �أن يكون لدى الدولة وامل�س�ؤولني عن الرتاث نية �إقامة متاحف
محمد مندي :الكثير من هواة االقتناء في اإلمارات يمتلكون مقتنيات مهمة وينتظرون دعوة من المسؤولين عن اآلثار، حتى يهدونها بأنفسهم للدولة
خ ��ا�� �ص ��ة ب��امل �ق �ت �ن �ي��ات ال �ق��دمي��ة وال�ت�راث��ي��ة ،و�أن ي��وج��ه��ون ال� ��دع� ��وة ل��ه���ؤالء الأ��ش�خ��ا���ص لفح�ص م��ا لديهم من قطع ،وجلب القيم منها لعر�ضه يف هذه املتاحف ،فاملقتنيات الثمينة والنادرة يجب �أن تتاح للجمهور ،ال �أن حتفظ يف مكان مغلق ال يراها �إال �صاحبها فقط. وطبع ًا ال بد �أن تت�ضمن الدعوة للم�شاركة يف امل �ت��اح��ف ت �ك��رمي � ًا م ��ادي� � ًا وم �ع �ن��وي � ًا لأ�صحاب املقتنيات مثل و�ضع �سرية ذاتية ل�ه��م� ،أي ي��ذك��ر يف �سجالت املتحف �أن هذا ال�شخ�ص �أه��دى كذا قطعة ،و�أهمية كل قطعة منها .فنحن لدينا تراث قدمي �ضخم وج��دي��ر ب��احل�ف��ظ وه �ن��اك الكثري من الأ�شخا�ص الذين ميتلكون مقتنيات مهمة وينتظرون دع��وة م��ن احلكومة �أو من امل�س�ؤولني عن الآث��ار ،حتى يهدونها ب�أنف�سهم للدولة. و�أ�ضاف«:من ال�ضروري �أن يكون هناك م �ت �ح��ف ل� �ل�ت�راث يف ك ��ل �إم�� � ��ارة ،وم��ن
قضية للنقاش 46 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
الدكتور �أحمد اخلوري
من مقتنيات �أحمد اخلوري
ال�ضروري �إن�شاء متحف وطني يف �أبوظبي لأن �ه��ا عا�صمة ال��دول��ة وت�ستقبل الكثري م��ن ال��زي��ارات ال�سياحية ،على �أن يتمتع ه��ذا املتحف بت�صميمات راقية مدرو�سة م��ن حيث امل�ساحة وال��دي �ك��ور والإ� �ض��اءة وال�صيانة ودرجات الرطوبة واحلرارة� ،أي �أن يكون متحف ًا الئق ًا بهذه القطع الثمينة». وا�ستطرد حممد م�ن��دي« :ه�ن��اك العديد م��ن القطع الأث��ري��ة ال �ن��ادرة امل��وج��ودة يف الإم ��ارات ،وم��ن بينها كنوز من الر�سائل القدمية وامل�صاحف الأث��ري��ة واللوحات، و�أن� ��ا �أع� ��رف �أ� �ش �خ��ا� �ص � ًا �أم� �ث ��ال م�ع��ايل حممد �أحمد امل��ر رئي�س املجل�س الوطني
االحت � ��ادي ،وه ��و لديه ما ي�شبه املتحف الذي ي�ضم قطع ًا ثمينة غري موجودة عند �أح��د �آخر، وعندما �س�ألناه ملاذا تقتني هذه املقتنيات؟ قال كي �أتنف�س بها ،وهو رد يليق ب�أديب وكاتب و�شاعر. وبالن�سبة يل عندما زرت املكان متنيت �أن يفتحه للنا�س فهو يف م�ستوى املتاحف من حيث املكان والديكور والقطع اخلطية الثمينة والأ�صلية املوجودة لديه .كما �أن معايل وزير الثقافة عبد الرحمن العوي�س ق��د ع��ر���ض يف ال�ف�ترة الأخ�ي�رة �أك�ث�ر من 90قطعة يف ال�شارقة و�أثنى عليها حاكم ال�شارقة .من جانب �آخ��ر؛ ي�سهم �إن�شاء امل�ت��اح��ف الوطنية يف ت�شجيع ال�سياحة وي�سهم يف دعم االقت�صاد .ولنا قدوة يف املغفور له ب ��إذن اهلل تعاىل ال�شيخ زايد رحمه اهلل ،ال��ذي �أ�ص ّر على �إن�شاء �أكرب م�سجد يف العامل من حيث امل�ساحة و�أكرب �سجادة و�أكرب ثريا ،كذلك اعتمدت زينة امل�سجد بالكامل على التطعيم واحلفر بالليزر .وكان ن�صيبي �أن �أعمل املحراب يف م�سجد ال�شيخ زايد .و�إن �أردنا �أن نتحدث عن حجم الزيارات اليومية للم�سجد فهي ال تقل عن �ستة �آالف �شخ�ص ،حيث �أ�صبح معلم ًا م�شهود ًا ،وبعد خم�سني �سنة �سيغدو �صرح ًا �أثري ًا من �آثار ال�شيخ زايد وتراثه». وعن ما لديه من مقتنيات خا�صة؛ �أو�ضح: «يف ال��واق��ع �أن ��ا �أح �ف��ظ �أ� �ص��ول الكتابة لأ�ستاذي �سيد �إبراهيم من م�صر الذي در�سني اخل��ط ،ولأ�ستاذي ال�شيخ ح�سن ال�شلبي الذي در�سني اخلط يف تركيا يف �أ�سطنبول».
�إناء فخاري من ع�رص العبيد «جزيرة مروح» �أبوظبي
ت�سل�سل تاريخي
�أكد خبري املقتنيات علي البياتي على �ضرورة معرفة الت�سل�سل التاريخي للقطع الأثرية، ق��ائ� ً لا« :ال بد من معرفة منبع املقتنيات، وكيف و�صلت لل�شخ�ص الذي يحفظها ،و�إذا كانت اقتنيت ب�شكل ر�سمي �أو غري ر�سمي،
�إناء برونزي ذو م�صب «�ساروق احلديد» دبي
قضية للنقاش 48 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
و�إن كان يوجد لها �أوراق موثقة. ول��ذل��ك ت�ب�رز احل��اج��ة ملتاحف وطنية حلفظ وع��ر���ض وتوثيق املقتنيات» .و�أ�ضاف« :يف الغرب ال ت�سجل كل القطع� ،إمن��ا ت�سجل فقط القطع الأث��ري��ة ال�ت��ي يزيد عمرها على � 300سنة� ،أم ��ا �إذا ك��ان عمر القطع �أق��ل من � 300سنة ف�لا يتطلب ذل��ك ت�سجيلها ،وك��ل من ميلك قطعة اثرية عمرها � 300سنة �أو �أكرث عليه �أن يبلغ عنها اجلهات املعنية حتى يتم حفظها بالطريقة املنا�سبة وحتظى بالعناية الالزمة». وحول املو�ضوع ذاته ي�ؤكد �أحد هواة االقتناء الدكتور �أحمد اخلوري �أن االهتمام من قبل اجلهات الر�سمية مبعرفة املقتنيات الأثرية �شيء جيد ،قائ ًال« :بالت�أكيد �إن االطالع على القطع الأث��ري��ة والعناية بجمعها يف مكان خا�ص �أو متحف كبري �أ�صبح �أم ��ر ًا ملح ًا، وخا�صة �أن �أ�صحاب ه��ذه القطع ا�شرتوها و�أك�ثره��م ه��واة ولي�سوا جت ��ار ًا ،وكما �سبق وذك��رمت يف «جملة ت��راث» ف ��إن احلكومة ال تبخل يف هذا املجال ،ومن املفيد للدولة �أن يتم جمع وت�سجيل القطع النادرة وتو�ضع يف متحف ال�شيخ زاي��د الوطني� ،أو �أي متحف وطني يخ�ص�ص لكل ما يتعلق بالإمارات ،كما يعنى باملقتنيات املرتبطة بالتاريخ اخلليجي والإ�سالمي».
ثقافة وتقدير للتاريخ
..ويبقى الأثر قال الروائي علي �أبو الري�ش �إن هناك الكثري من الأ�شخا�ص يف الإمارات ميتلكون مقتنيات �أثرية ثمينة ،وكثري منهم طرقوا �أبواباً عدة بحثاً عن من ي�ساعدهم يف احلفاظ على ه��ذه املقتنيات ،لكن معظم ه��ذه اجلهود باءت بالف�شل لظروف خمتلفة .لذلك �أمتنى على امل�س�ؤولني عن الثقافة وعن الإجناز احل�ضاري يف كل مناحيه �أن يلتفتوا �إىل هذا الأمر ،لأن كل �شيء يزول ويبقى الأثر.
من ناحيته �أو�ضح الفنان الت�شكيلي حممد عبد اللطيف كانو�« :إن االقتناء للنفي�س من الآث��ار �أو اللقى الأثرية �أو املخطوطات �أو الأعمال الفنية هو واح ٌد وي�صب يف خدمة ال�شغف املتو ّلد لدى املقتني �أو جامع الآثار، ف�أنا �أعترب �أن رغبة االقتناء بذاتها هي تنم عن ثقافة عالية لدى �صاحبها ،وتنبع ّ م��ن تقدير عميق للقطعة �أك��ان��ت فنية �أو �أثرية ،وهنا تربز �أهمية �أن ي�سعى الإن�سان �إىل العناية بهذه القطع الفنية واالحتفاظ بها يف ظ��روف خا�صة و��ش��روط ت�سهم يف
�إناء من احلجر ال�صابوين -ن�صلة -ر�أ�س اخليمة
متثال برونزي من موجودات املليحة -ال�شارقة
احلفاظ عليها وعدم الإ�ضرار بحالتها. وعن جتربته ال�شخ�صية قال«:لقد تع ّلمت الكثري من والدي وهو م�ؤ�س�س متحف«بيت القر�آن» يف البحرين ،و�أحد كبار جامعي املخطوطات الإ�سالمية واللقى الأثرية يف اخلليج والعامل العربي ،وقد كانت جمموعة مقتنياته ركيزة ت�أ�سي�س املتحف ،تعلمت منه �أن االعتناء بالقطع الأثرية واملقتنيات عملية اهتمام يومي ودائ��م ،ب��ل وعملية درا�سة وتعلُّم م�ستمرة �إذ �إن على املقتني واجل��ام��ع �أن ي��در���س قيمتها ويبحث عن تاريخها لي�صل �إىل تقدير حقيقي لأهمية امتالكها �أو اقتنائها .ويل ر�أي �أعتقد �أنه ال ب ّد من �أن ُي�سهم يف تعزيز �آليات �إطالق املتاحف الوطنية املتخ�ص�صة يف اخلليج، وهو يق�ضي ب�أن يتم تقليد القطع الأثرية اخلا�صة باملقتنني ،وعر�ض النماذج عنها يف املتاحف ليتعلم اجلمهور عنها وحولها، �أو �أن يتم الإه ��داء امل ��ؤق��ت لهذه القطع للمتاحف بت�أمني فرتة حمدودة تتم بعدها �إعادة القطع �إىل �أ�صحابها ،ف�أنا �أعلم �أن هذه القطع هي جزء من املوروث الإن�ساين احل �� �ض��اري ال ��ذي ال مي�ت�ل��ك �أح � � ٌد احل��ق يف االحتفاظ به بعيد ًا عن عيون النا�س ومعرفتهم به. وث�م��ن ك��ان��و اجت��اه الإم� ��ارات �إىل ت�أ�سي�س متاحف خا�صة ت�ضم فيها القطع واللقى الأثرية القدمية النادرة؛ قائ ًال« :يحب �أن ي��رى املواطن مالمح من تاريخه ،كما �أن ال�سائح يحب �أن يرى املعامل القدمية والتحف الأث��ري��ة يف البلد ال��ذي يق�صد زي��ارت��ه ،فعندما زرت ال���س��وي��د ك�ن��ت ح��ري���ص� ًا على زي� ��ارة م��دي�ن��ة �أوب �� �س��اال وه��ي م��ن �أج��م��ل امل� ��دن ب���ص��روح�ه��ا ال�ت��اري�خ�ي��ة ،وك��ذل��ك ح�ين ��ش��اه��دت �أق��دم م �ع��امل ال���ص�ين م��ن ال �� �س��ور ال�ع�ظ�ي��م �إىل الق�صر ال�صيفي مرور ًا باملدينة املحرمة. مثل هذه املعامل التاريخية والآثار القدمية هي التي ت�شد الزائر وت�شرح �صدره وتبقى يف ذاكرته»
ساحة الحوار 50 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
رائد الدرا�سات الكال�سيكية يف العامل العربي
الدكتور أحمد عتمان: العرب والمسلمون قدموا لعصر النهضة األوروبية األنموذج الذي يحتذى به
حاوره -خالد بيومي قلل رائد الدرا�سات الكال�سيكية يف العامل العربي الدكتور �أحمد عتمان من �أهمية التخوفات التي يطلقها ال �ب �ع ����ض ع �ل��ى ال �ه��وي��ة ال�ث�ق��اف�ي��ة العربية ،حتت وط�أة التحوالت التي ي�شهدها ال�ع��امل ،و�أ��ض��اف خماطباً اخل��ائ�ف�ين م��ن ذل ��ك« :ن�ح��ن لدينا م�صفاة قوية هي العروبة والإ�سالم، وال جمال للخوف». ابن ر�شد من �أعمال الفنان الإيطايل �أندريا دافرينزي «القرن الرابع ع�رش»
وح��دد يف ح��وارن��ا ال�ت��ايل معه ،م��ا ي�شبه ال�شروط املنهجية التي ت�ضمن �أن ي�ستمر دور وت�أثري «تراثنا احلي» رغم كل حمالت الهجوم عليه ،معترب ًا �أن هذا الرتاث هو �أ�صل الوحدة واال�ستمرارية ،قائ ًال�« :إن مفهوم ال�تراث احلي هو ال�شيء الوحيد ال��ذي ي�شفع لنا حتى اليوم يف احلديث عن وجود وعي عربي �إ�سالمي» .و�أ�ضاف: «ينبغي �أن ندر�س تراثنا جيد ًا ،ونوظفه خلدمة احلا�ضر وامل�ستقبل» ،الفت ًا �إىل خطورة �إهمالنا للكنوز التي ت�شكل بنيان تراثنا القومي بينما يفيد منها الآخرون، وقال �إن العرب وامل�سلمني قدموا لع�صر النه�ضة الأوروبية الأمنوذج الذي يحتذى به ،وكان لهم الف�ضل يف تعريف الأوروبيني ببع�ض ت ��راث �أج��داده��م الإغ��ري��ق� ،إال �أننا اليوم – للأ�سف -اكتفينا بالت�شدق ب�أننا �أ�صحاب ح�ضارة بينما غابت هذه احل�ضارة عن حياتنا اليومية وثقافتنا و�سلوكنا. وقال عتمان �إن �أحد �أ�سرار تفوق احل�ضارة الإ�سالمية ،خا�صة يف الع�صر العبا�سي،
ابن رشد له الفضل في تعريف األوروبيين ببعض تراث أجدادهم اإلغريق ..والسيما أرسطو هو انفتاحها على الثقافات العاملية ،الفت ًا �إىل �أن ترجمة العرب للرتاث اليوناين يف تلك الفرتة دليل على �سعة �أفقهم ومدى ا�ستيعابهم لتاريخ احل�ضارات القدمية وم��دى تفتحهم وا�ستعدادهم للنه�ضة، م��ؤك��د ًا �أن ال��ذي ي�سعى للنه�ضة ال يغلق الأب��واب ،بل يفتح كل الأب��واب والنوافذ على كافة احل�ضارات.
عرف العرب القدامى المالحم وبعضها ال يزال موجود ًا واإللياذة واألوديسة اشتهرت ألنها النسخة األحدث واألكثر نضج ًا
كيف ترى �آف��اق العالقة بني الرتاث العربي والرتاث الإغريقي؟ �آفاق هذه العالقة ممتدة منذ قرون من الزمن بد�أت قبل الإ�سالم مبئات ال�سنني، وال �شك يف �أن الظروف اجلغرافية من م��وق��ع وم �ن��اخ وت���ض��اري����س ت�ع��د م��ن �أه��م ال�ع��وام��ل التي حت��دد م�سار احل�ضارات الب�شرية .وم��ن ث��م ف���إن ن�ظ��رة مقارنة و�سريعة ل�ل�ظ��روف اجل�غ��راف�ي��ة يف بالد الإغ��ري��ق و�إي �ط��ال �ي��ا ه��ي م�ف�ت��اح الفهم امل�ستنري ل�تراث ك��ل منهما احل�ضاري. ك��ان��ت ب�ل�اد الإغ��ري��ق م��ن ح�ي��ث امل ��وارد الطبيعية بيئة جغرافية ط ��اردة� ،أي ال ت�ستوعب �أع� ��داد ًا ك�ب�يرة م��ن ال�سكان، مما دفع �أهلها �إىل البحر فكان لهم فيه العو�ض كل العو�ض ،وكانت اجلزر يف حر �إيجه متثل همزة الو�صل بني بالد الإغريق و�آ��س�ي��ا ال�صغرى بح�ضارتها ال�شرقية ذات املا�ضي العريق وال�ث�راء امل��رم��وق. وك��ان يف كل ذل��ك �سحر و�إغ��راء للمالح الإغريقي املغامر بطبعه ،فلم ينقطع �أبد ًا عن التجول يف بحر �إيجه والتنقل بني
ساحة الحوار 52 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
�أفريز حجري يف «اللوفر» ي�صور هومريو�س يعزف على قيثارته ،نحته �أنطوان ديني ت�شوديه
�أحمد عتمان يعد الدكتور �أحمد عتمان رائد الدرا�سات الكال�سيكية يف العامل العربي ،وهو ي�شغل حالياً من�صب �أ�ستاذ ورئي�س ق�سم ال��درا��س��ات اليونانية والالتينية بكلية الآداب جامعة القاهرة ،م�صر ،ورئي�س اجلمعية امل�صرية للدرا�سات اليونانية والرومانية، ورئي�س اجلمعية امل�صرية للأدب املقارن .وهو حا�صل على جائزة الدولة الت�شجيعية عام 1973م عن ترجمته الإن�ي��ادة لفرجيليو�س.ترجم عتمان كنوز الدرا�سات والآداب الكال�سيكية اىل اللغة العربية ،ومنها :الأدب الإغريقي تراثاً �إن�سانياً وعاملياً 1987م ،الأدب الالتيني ودوره احل�ضاري حتى نهاية الع�صر الذهبي 1989م ،كليوباترا و�أنطونيو�س ،درا��س��ة يف بلوتارخو�س و�شيك�سبري و�شوقي 1990م ،الإنيادة لفرجيليو�س 1973م ،ال�سحب الري�ستوفاني�س ،بنات تراخي�س ل�سوفوكلي�س 1990م ،الإلياذة لهومريو�س 2009م. كما �شارك يف ترجمة معاين القر�آن الكرمي �إىل اللغة اليونانية ،والتي �صدرت ب�أثينا ع��ام .1987ول��ه م�ساهمات رائ��دة يف جم��ال الكتابة للم�سرح وترجمة الأدب العربي �إىل اللغة اليونانية.
جزره و�سواحله و�صو ًال �إىل �آ�سيا ال�صغرى وفينيقيا وم�صر .و�أخذت العالقة مراحل ج��دي��دة ب�ع��د ظ �ه��ور الإ�� �س�ل�ام ،ويف ظل اخلالفة الأم��وي��ة والعبا�سية ومتتد حتى الآن .وال نن�سى �أن الن�صو�ص الإغريقية والالتينية تتحدث عن العرب قبل الإ�سالم وع��ادات �ه��م وتقاليدهم على الأق ��ل منذ القرن اخلام�س قبل امليالدي ،فقد حتدث هريودوت عن العرب يف كتابه ،ثم تتواىل الإ�شارات �إىل العرب طوال التاريخ ،وهنا �أقول على �سبيل املثال �إنني كتبت يف كتابي «ك�ل�ي��وب��ات��را و�أن�ط��ون�ي��و���س» �أن كليوباترا كانت تعرف اللغة العربية وتتحدث اللغة العربية ،وقد وظفت ذلك يف م�سرحيتي «كليوباترا تع�شق ال�سالم» ،وكانت تربطها مبلوك العرب عالقة وطيدة وقد عا�شت يف القرن الأول قبل امل�ي�لاد ،فهريودوت ظ�ه��ر يف ال �ق��رن اخل��ام����س ق�ب��ل امل �ي�لاد، والإ�سالم ظهر يف القرن ال�سابع� ،أي �أن العالقة بني العرب والإغريق كانت وطيدة قبل ظهور الإ��س�لام ب�ألف ومائتي عام. ودم�شق عا�صمة اخلالفة الأم��وي��ة كانت قائمة يف منطقة تنتمي �إىل احل�ضارة الهيلني�ستية م�ن��ذ ف�ت��وح��ات الإ��س�ك�ن��در الأك �ب�ر يف ال �ق��رن ال��راب��ع ق�ب��ل امل �ي�لاد، وكانت الثقافة الهيلين�ستية منت�شرة يف دم�شق وما حولها من مدن مثل �أنطاكية وبالتايل تعد الثقافة الهيلين�ستية رافد ًا من الروافد التي �أثرت احل�ضارة العربية الإ� �س�لام �ي��ة يف ع �ه��د ال ��دول ��ة الأم ��وي ��ة. ومل��ا قامت ال��دول��ة العبا�سية وعا�صمتها بغداد ن�شطت حركة الرتجمة من اللغة الإغريقية �إىل اللغة العربية ،وترجمت �أمهات الكتب الإغريقية يف الآداب والعلوم والفل�سفة ،وكان لها ت�أثري �ضخم جد ًا يف النه�ضة العربية الإ�سالمية ،ومت ت�صدير ذلك �إىل الأندل�س يف غرب �أوروب��ا ،مما كان له ت�أثري وا�ضح على النه�ضة الأوروبية احلديثة ،و�أف�ضل مثال على ذلك ابن ر�شد وتلخي�صاته و�شروحه لأر�سطو.
الأ�سطورة عنرتة بن �شداد كما ت�صورتها املخيلة ال�شعبية
ه���ل ي��ع��د اب����ن ر����ش���د امل���ؤ���س�����س احل��ق��ي��ق��ي ل��ل��ن��ه�����ض��ة الأوروب����ي����ة احلديثة كما يرى البع�ض؟ ال �أ�ستطيع �أن �أزع��م ب��ذل��ك ،ولكن ابن ر�شد �أحد العوامل الأخرى الكثرية ،التي �أ�سهمت يف ن�شر التنوير لدى اال�أوروبيني، وال نن�سى �أن ابن ر�شد �أجنز ذلك بف�ضل تلخي�صاته لأر�سطو ،ولكن ميكن القول �إن ابن ر�شد له الف�ضل يف تعريف الأوروبيني ببع�ض تراث �أجدادهم الإغريق وال�سيما �أر� �س �ط��و ،فالبناء احل���ض��اري مت�شابك ومت�ضافر. البع�ض يعتقد �أن العرب لي�س لديهم مالحم على غ��رار الإلياذة والأودي�سة� ،إىل �أي حد توافق على ذلك؟ جميع ال�شعوب بال ا�ستثناء لديها مالحم،
و� �ش �ع��وب ال �� �ش��رق ع��رف��ت امل�لاح��م قبل الإغريق ،مثل ملحمة جلجام�ش التى جند لها ت�شابهات كبرية يف الإلياذة والأودي�سة، والعرب القدامى عرفوا املالحم وبع�ضها ال يزال موجود ًا مثل �سيف بن ذي يزن، وع �ن�ترة ب��ن � �ش��داد وال �� �س�يرة الهاللية وحرب الب�سو�س ،وجمنون ليلى وغريها. وال���ذي �أع �ط��ى �أه �م �ي��ة ك�ب�رى ل�ل�إل �ي��اذة والأودي�سة �أنها بالن�سبة للعامل القدمي هي الن�سخة الأح��دث من املالحم ،وبالتايل الأك�ث�ر ت �ط��ور ًا ون���ض�ج� ًا ،وه��ي �صاحبة
أقول للخائفين من الذوبان الثقافي للهوية العربية :نحن لدينا مصفاة قوية هي العروبة واإلسالم ،وال مجال للخوف
الت�أثري الأكرب يف تاريخ الآداب العاملية. مبا تف�سر �إقبال العرب يف الع�صر ال��ع��ب��ا���س��ي ع��ل��ى ت��رج��م��ة ال�ت�راث اليوناين رغم �شبهة الوثنية وتعدد الآلهة؟ �أ�شكرك على هذا ال�س�ؤال ،وهذه �شهادة للعرب وامل�سلمني الأوائ ��ل ،وال �سيما يف الع�صر العبا�سي على �سعة �أفقهم ومدى ا�ستيعابهم لتاريخ احل�ضارات القدمية وم��دى تفتحهم وا�ستعدادهم للنه�ضة، فالذي ي�سعى للنه�ضة ال يغلق الأب��واب، بل يفتح كل الأب��واب والنوافذ على كافة احل�ضارات .و�أريد هنا �أن �أذكر باملقولة املن�سوبة للر�سول �صلى اهلل عليه و�سلم «اطلبوا العلم ولو يف ال�صني» ،التي كانت ت��دي��ن ب��ال�ب��وذي��ة ،و�أق� ��ول للخائفني من
ساحة الحوار 54 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
وال��ذاك��رة اجل�م��اع�ي��ة ،ول �ك��ن ينبغي �أال مينعنا من بذل اجلهد امل�ستمر يف تخطى النظريات االختزالية والتحليالت التي حتاول �أن تنال من قدره ،و�أعتقد �أن مفهوم ال�ت�راث احل��ي ه��و ال�شيء الوحيد ال��ذي ي�شفع لنا حتى اليوم يف احلديث عن وجود وعي عربي �إ�سالمي .فينبغي �أن ندر�سه درا�سة جيدة ،ونوظفه خلدمة احلا�ضر وامل�ستقبل ،وخا�صة �أن لدينا كنوز ًا تراثية ال نهاية لها ،فلدينا احل�ضارات ال�شرقية القدمية ،والفينيقية والآ�شورية ،ولدينا احل���ض��ارة العربية الإ��س�لام�ي��ة برتاثها العريق ،وهذا ي�شكل بنيان الرتاث القومي ال��ذي ك��ان على �صلة بكافة احل�ضارات القدمية ،والذي �أفاد منه ال�شرق والغرب معا .ولكن للأ�سف ال�شديد نحن نهمل تراثنا ونرتكه للآخرين يفيدون منه ،يف حني �أننا الأوىل منهم ،وال يكفي الت�شدق ب�أننا �أ��ص�ح��اب ح���ض��ارة ،لكن �أي��ن هذه احل���ض��ارة يف حياتنا اليومية وثقافتنا و�سلوكنا ،و�إذا ا�ستطعنا �أن نوظف هذا ال �ت�راث خل��دم��ة احل��ا� �ض��ر وامل���س�ت�ق�ب��ل، نكون قد قمنا بواجبنا ولن يت�أتى ذلك �إال بدرا�سة الرتاث �أو ًال.
هومريو�س ومر�شده ,لويليام �أدولف بوغريو «»1905–1825
ال��ذوب��ان ال�ث�ق��ايف للهوية العربية :نحن امتداد طبيعي لها ،ورغم حمالت الهجوم لدينا م�صفاة قوية هي العروبة والإ�سالم ،على الرتاث ،ف�سوف ي�ستمر دوره وت�أثريه ح�ت��ى ب�ع��د زم��ن ال��ث��ورات الأك�ث�ر عنف ًا، فال جمال للخوف. والرتاث هو �أ�صل الوحدة واال�ستمرارية، م��ا ال���دور ال��ذي ميكن �أن يلعبه فقد ولد خالل قرون احل�سا�سية اجلماعية الرتاث يف زمن العوملة والثورات؟ واملوروث الرتاث هو كل ما ورثناه تاريخي ًا، سوف يستمر دور وتأثير ب�ط�ب�ي�ع��ة احل� ��ال ع��ن الآب � ��اء والأج � ��داد التراث رغم كل حمالت والأ� �ص��ول ،ف��ال�تراث هو الأم��ة التي نحن
الهجوم عليه فهو أصل الوحدة واالستمرارية
ما الفرق بني املثيولوجيا العربية واملثيولوجيا الإغريقية؟ كلمة «مثيولوجيا» �أ�صلها ي��ون��اين وتعني ع �ل��م الأ�� �س ��اط�ي�ر ،وال �� �ش �ع��وب ال �ق��دمي��ة كلها عرفت الأ�ساطري ،فهناك �أ�ساطري م�صرية قدمية وه�ن��اك �أ�ساطري عربية قدمية ،ثم ظهرت الأ�ساطري الإغريقية والتي ازده��رت وك��ان لها جتليات �أدبية �أثرت يف الآداب العاملية كلها مثل :ملحمتا هومريو�س :الإلياذة والأودي�سة .وال�شعوب القدمية كلها لها معتقداتها وطقو�سها، ه��ذه ال�ط�ق��و���س وامل�ع�ت�ق��دات ت�ستند �إىل الأ�ساطري والروايات ال�شفوية التي يرويها النا�س ويعتقدون فيها ،هذه املثيولوجيا عموم ًا هي خم��زون احل�ضارة القدمية، ودرا�ستها �أت��اح��ت لنا فهم �أ� �س��رار هذه
احل�ضارات ،فمث ًال ما يحكيه امل�صريون القدماء عن �إيزي�س يف �أ�ساطري معروفة، �إذا ق��ر�أن��اه��ا ع��رف�ن��ا ج��وه��ر احل���ض��ارة امل�����ص��ري��ة ال� �ق ��دمي ��ة ،وه� �ن���اك ب�ع����ض ال�شخ�صيات الأ�سطورية عند العرب قبل الإ�سالم التي �أ�ضاءت لنا الطريق للتعرف على �أ��س��رار احل�ضارة العربية القدمية قبل الإ�سالم ومتت الإ�شارة �إىل كثري من ه��ذه الأ��س��اط�ير يف ال�ق��ر�آن ال�ك��رمي مثل: قوم عاد وثمود ،وقال عنها القر�آن الكرمي «�أ�ساطري الأولني» .وال�شعوب القدمية كلها تبادلت عالقات الت�أثري والت�أثر ،فمث ًال الأ��س��اط�ير امل�صرية القدمية لها ت�أثري وا�ضح على املنطقة كلها� ،أي ح�ضارات ال�شرق القدمي ،و�سنكت�شف �أن �أ�ساطري الإغ��ري��ق ت�ضمنت عنا�صر ك�ث�يرة ج��د ًا م�ستمدة م��ن ح���ض��ارات ال�شرق القدمي وم�صر القدمية ،وهناك درا�سات مف�صلة عن هذا املو�ضوع �أي الأ�صول ال�شرقية وال �سيما امل�صرية للأ�ساطري الإغريقية. ما ر�ؤي��ة امل�ست�شرقني اليونانيني للرتاث العربي؟ ال ميكن احلكم ب�شكل مطلق ،وال ميكن القول �إن جميع امل�ست�شرقني من�صفون، �إمنا هناك درا�سات تف�صيلية خا�صة بكل م�ست�شرق على حدة ،واال�ست�شراق جمموعة مدار�س ،فحكمنا على اال�ست�شراق مث ًال يف ال �ق��رون الو�سطى وع�صر النه�ضة، ويف ال ��وق ��ت ال ��راه ��ن ت�خ�ت�ل��ف م ��ن بلد �إىل �آخ��ر ،فاحلكم املطلق لي�س �سليم ًا، فنحن ندر�س �آراء كل م�ست�شرق يف �ضوء مالب�سات ع�صره وثقافته ال�شخ�صية وم ��دى �إج��ادت��ه للغة ال�ع��رب�ي��ة ،فاملوقف خم �ت �ل��ف ،ف��اال� �س �ت �� �ش��راق حم �ي��ط زاخ��ر ب �ك��ل ال�ف�ل���س�ف��ات وامل ��دار� ��س والأل�� ��وان. واال�ست�شراق اليوناين يعد متخلف ًا مقارنة باال�ست�شراق يف بالد �أوروبية �أخرى مثل �أملانيا وفرن�سا ،فاليونانيون يركزون على ح�ضارتهم يف الع�صر الذهبي ويف الع�صر البيزنطي ،ويناق�شون اال�ست�شراق فيما
رد ًا على جهودي يف جمال «اال�ستغراب»، ح �ي��ث �أق � ��وم ب �ن �� �ش��ر ال �ت��راث ال �ي��ون��اين الالتيني يف املنطقة العربية ،و�أقول لهم: �إن اال�ست�شراق ميثل �ضرورة بالن�سبة �إىل ثقافتكم ،و�أن��ا �أداف��ع عن اال�ستغراب يف بلدي ،و�أقود حملة يف �سبيل ذلك ،لكن من واجبي �أن �أنبهكم �إىل �أهمية اال�ست�شراق بالن�سبة للح�ضارة الإغريقية والرومانية.
جلجام�ش �أ�شهر �أبطال الأ�ساطري البابلية
ترجمة العرب للتراث اليوناني دليل على سعة أفقهم ومدى استيعابهم لتاريخ الحضارات القديمة ومدى تفتحهم واستعدادهم للنهضة يت�صل بهاتني الفرتتني ،لكن اال�ست�شراق يف باقي البالد الأوروب�ي��ة الأخ��رى يعالج كل نواحي احل�ضارة العربية الإ�سالمية وما قبل الإ�سالم ،ودائم ًا خالل زياراتي املتكررة لليونان �أطالبهم ب�ضرورة التعمق يف درا�سة احل�ضارة العربية والإ�سالمية،
بعض الشخصيات األسطورية عند العرب قبل اإلسالم أضاءت لنا الطريق للتعرف على أسرار الحضارة العربية القديمة
ما م��دى �إق��ب��ال اليونانيني على درا�سة اللغة العربية؟ ب��د�أت م�ؤخر ًا حركة اهتمام بالدرا�سات العربية والإ�سالمية وب��د�أوا يقبلون على تعلم اللغة العربية ،وال �سيما بعد فوز جن �ي��ب حم �ف��وظ ب �ج��ائ��زة ن��وب��ل وق�م��ت برتجمة روايته «بداية ونهاية» �إىل اللغة اليونانية احلديثة ،وتلتها ترجمات عديدة لأكرث من م�ؤلف عربي. �أيهما له الدور الأكرب يف النه�ضة الأوروب����ي����ة احل��دي��ث��ة ال��ع��رب �أم اليونانيون؟ احل�ضارات تبنى بجهود ال�شعوب ،وميكن لهذه احل�ضارات �أن تت�أثر بعوامل خارجية وت�ستمد بع�ض عنا�صرها من هنا وهناك، ل�ك��ن ه��ذا ال يعني �أن ال��ذي��ن ب�ن��وا ه��ذه احل�ضارة جاءوا من اخلارج .فالأوروبيون الذين قاموا بالنه�ضة يف القرن ال�ساد�س ع�شر هم �أ�صحاب الف�ضل الأكرب يف بناء احل�ضارة الأوروبية ومن �أف�ضالهم �أنهم فتحوا �أعينهم و�آذانهم على احل�ضارات الأخ � � ��رى ،وم �ن �ه��ا احل�����ض��ارة ال�ع��رب�ي��ة الإ�سالمية ،ومنها احل�ضارة الإغريقية، لكني ال �أ�ستطيع ال�ق��ول ب���أن ال��ذي بني النه�ضة الأوروب�ي��ة احلديثة هم الإغريق �أو الرومان �أو العرب امل�سلمون ،ولكنهم �أ�صحاب ت�أثري ،ورمبا ي�صح �أن �أق��ول �إن العرب وامل�سلمني قدموا لع�صر النه�ضة الأوروبية الأمنوذج الذي يحتذى فقط
من هنا وهناك 56 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
موالنـــــا .. بحر �أ�شعاره وت�أمالته العري�ض ب�إمكانك �أن تظل مبحر ًا عمرك كله ،لكن عليك �أال تنتظر �شط ًا وال مر�سى .اترك وراءك وهم الراحة النهائية ،واعلم �أن الرحلة هي املتعة و�أن النهايات موت و�أن احلياة التي نعي�شها قد تنفتح على وج��ود داخ��ل الوجود. تقر�أه فيت�سلل �شعاع �ضوء نحيل �إىل كهف الروح املعتم ،في�ضيء ركن هنا و�ساحة هناك .جتول يف حديقته ال�شا�سعة بروح مفتوحة جتيد فن الإن�صات ،و�سوف ترى بعينيك بع�ضا من هذه الوم�ضات :فها هي البهجة� -أال تراها يف حلظة �شروق �أو يف عيني حبيب! وتلك هي احلرية� ،أفق ممتد يخربك �أن عليك تتحمل م�سئولية احلياة .وها هو احلب ،يتمدد مرتاحا يف القلب ويفتح �سراديب معتمة فرنى .للحب مقام ال ي�ضاهى ومرتبة ال يعلو عليها �شيء �آخر� .أنت يف ح�ضرة جالل الدين الرومي ،العارف النا�سك ال�شاعر الراق�ص الذي مل ينف�صل عن هموم جمتمعه �أبدا ،فكان مثل الكثري من املت�صوفة ُيد ِّر�س ملريديه ويعمل لك�سب الرزق وحلل م�شكالت املتعبني. جتربة قراءة الرومي ال تختلف كثريا عما قاله الفيل�سوف اليوناين امل�صري «�أف�ل��وط�ين» ع��ن ماهية تلك ال��ورط��ة التي ن�سميها الوعي الإن�ساين .ي�شبه �أفلوطني هذا الوعي ب�شبكة ال�صيد يف البحر ،فها هو نحن :الب�شر� -شباك �صغرية ملقاة يف العمق الالنهائي ،تلك هي �أ�شواقنا وما نخلقه من فنون وما نح�سه من حب .ال�شبكة هي نحن، والبحر هو ال��روح .لي�س ب�إمكاننا الإم�ساك بالبحر ،لي�س ب�إمكاننا امتالكه ،فالبحر هو «ال�سر» الذي ي�ستع�صي الإم�ساك به ،هذا بالرغم من �أننا ن�سبح فيه .لكن البحر يعي�ش يف �سمكة واح��دة ،وكذلك كل منا يعرف ماهية ال��روح يف �أعماقه و�إن كان ال ي�ستطيع الإمل��ام بها. يعتقد �أفلوطني �أن العامل املرئي :هذا الكون الف�سيح ال��ذي ي�ضمنا كحبات الرمال ،الطبيعة من حولنا ،ونحن الب�شر ،كل هذا هو ال�شبكة ال�صغرية امللقاة يف بحر الروح.
و�سط
ويف �أ�شعار الرومي كثريا ما نقابل نف�س ال�صورة ،فهو الذي يقول�«:سفينة نوح هي جن�س الب�شر ،مركب تهيم يف املحيط .ونبتة �صغرية تنمو يف قلب املاء ،بال �شكل ،وال مكان" .يف تلك الأ�شعار تتكرر �صورة البحر/ املحيط /املاء كثريا وت�ستدعي معها �صورة الوجود الإن�ساين متناهي ال�صغر داخل حميط الروح ،ت�ستدعي �صورة الإبحار والثقة يف املوج الذي هو �أي�ضا احلياة وتقلباتها .ويبقى الرهان الأعظم �أن ندلف من ال�سطح -حيث وجودنا اجل�سدي يف عامل امللمو�سات� -إىل العمق حيث احلقيقة الكاملة التي ال ميكن امتالكها. يف �أ�شعار الرومي ترتدد هم�سات الروح �أن «ابد�أ» -والبداية �س�ؤال يف ظاهره ب�سيط -لكنه لي�س كذلك: كنت �أظن �أنني �أمتلك زمام �أمري وندمت على تلك الأوقات حني خرجت الأمور من يدي. مير اخلاطر يف ر�أ�سي ،و�أعرف �أنني ال �أعرف من �أنا. من هنا تبد�أ الرحلة وت�ستيقظ الروح من �سباتها الطويل على هم�س الأ�سئلة .والرومي يهم�س �إلينا بالفرق بني النوم وال�صحو� .ألي�س �صحيحا �أننا كثريا ما نكون نيام بالرغم من عيوننا املفتوحة! يف �صحونا ال ن��رى �إال وج��ودا حم�سو�سا حولنا ونظن �أن ه��ذه الق�شرة الظاهرة هي الوجود .يهم�س الرومي �أن « ن�سمة الفجر لديها �أ�سرار من �أجلك ،ال تعد للنوم /ت�ساءل عما تريد ،ال تعد للنوم /النا�س يروحون ويجيئون من وراء الباب ،حيث يتما�س العاملني /والباب م�ستدير ومفتوح ،ال تعد للنوم». تهم�س �إلينا ال��روح /املحيط طوال الوقت ،لكننا ال ن�سمع �إال �صخب الأ�صوات القريبة .وعندما ت�أتي اللحظة ال�سحرية التي تلتقط فيها �آذاننا �صدى ال�صوت الآتي من الأعماق ،تبد�أ الرحلة. �سنني� -أ�سري مع باقي النا�س -و�أحاول �أن �أعرف نف�سي.
د� .سحر املوجي باحثة وروائية من م�صر
ويف �أعماقي حرية ،ال �أعرف خطوتي القادمة ،وال �أرى .و�سمعت من ينادي با�سمي. وخرجتُ . الرحلة تبد�أ بهم�س يتلوه �س�ؤال ،ومن بعدها منر مبحطات عديدة: فهناك �شوق وهناك وجع وحنني ،وهناك جروح يف معركة احلياة، «هل تقتلنا �أم ت�أخذنا �إىل عمق �أبعد داخل املحيط؟» ويبقى املحرك الأول هو احلب ،احلب يف مطلقه -كيف نطوع الذات ونرو�ض �أنانيتها واحتياجها ،كيف نفتح القلب على م�صراعيه فيحب خلق اهلل من ب�شر ونبات وحيوان .احلب هو املفتاح. بداخلك حبة قمح �صغرية ،ا�سقها من روحك و�إال متوت. عرك- و�أنا �أجنذب �إىل الطاقة املتموجة�َ -ش ِ من ي�ستطيع �أن يبقى هادئا ،وعقله يف ر�أ�سه ،فهو جمنون. يف الرحلة يعي�ش الرحال �شطحات احلب وجنونه ،يرق�ص حلظات الفرحة ويرق�ص مع �أن�ين النايات ،ويف الرق�ص -يف ال��دوران حول املركز ،يفقد العا�شق الإح�سا�س بذاته ال�صغرية -تلك ال�شبكة امللقاة يف املاء ،وي�صبح واحدا مع املحيط الأزيل. ليال ونهارا -هناك مو�سيقى -غنوة ناي هادئة وم�ضيئة، لو خفتت الغنوة ،نحن �أي�ضا نذوي. وللعا�شق رخ�صة للجنون .يخربنا الرومي �أن «دعوا العا�شق يرتكب الأفعال ال�شائنة ،دعوه يجن �أو يذهل عن حاله /فهنالك �شخ�ص ما، عاقل وزين� ،سيقلق عندما ت�سوء الأمور /دعوا العا�شق يكون». زادنا يف الرحلة هو تلك النفحات التي يحملها لنا «ال�صاحب» -هذا احل�ضور الدائم الذي ي�صحبنا وي�صاحبنا -منتهى �أمل العا�شق .يقول الرومي �أن ال�صاحب يحمل �إلينا نفحات /هدايا« :رداء جلد و�شرايني، ومعلم يف الداخل .ارتديها وكن مدر�سة ،و�سر يف ركب �شيخ �أكرب». يف الرحلة تتك�شف وم�ضات خاطفة من احلقيقة ،ندرك �أننا املر�آة
والوجه املطل منها� ،أننا الوجع والدواء� ،أننا املاء واجلرة التي ت�صب املاء .وكما يف �أ�شعار الرومي ،ترتدد نف�س الفكرة يف الكثري من كتابات املت�صوفة� :أن احلقيقة هي ل�ؤل�ؤة كامنة يف �أعماقنا� ،أن الب�شر هم مر�آة للخالق ،و�أننا نق�ضي �أعمارنا يف البحث خارجنا وال ن�صل �إىل �شيء. لكننا عندما ننظر �إىل الداخل نرى. ولكي نرى علينا �أن ن�صمت ،ون�سكن ،ففي ال�سكون ندلف �إىل هذا الوجود الآخر حيث احلقيقة والبهجة: يف بع�ض الليايل ،ابق متيقظا حتى الفجر ،كما ي�صحو القمر من �أجل ال�شم�س. كن وعاء يرتفع من البئر املظلم ،نحو النور. لكن الرحلة ال تعني انف�صاال عن واقعنا املعا�ش� ،أو غيابا عنه� .إن الرهان احلقيقي هو �أن ن�ستطيع الإبحار من وجود ظاهر �إىل وجود باطن ونحن يف �أماكننا .فالرومي الذي كان يعمل بالتدري�س ويك�سب رزقه مثل باقي النا�س هو الذي غرف من ماء املحيط وكتب لنا بع�ضا مما ر�أى ،لرمبا نرى نحن �أي�ضا. طعم ن�سمة ال�صباح حلو كطعم «ال�صاحب» ،ا�صح وانهل منها قبل �أن تتبخر يف هدر اليوم ،قبل �أن تتبدد الن�سمة يف جهد حت�ضري القوافل قبل انطالقها. ي�ست�صعب الكثري منا هذا الطريق ،يقولون لأنف�سهم �أن��ه لل�صفوة فقط ،و�أننا ل�سنا مبت�صوفة وال بعارفني! هذا �صحيح .قد ال ن�صل �إىل تلك الآفاق الإن�سانية العليا ،لكن ب�إمكاننا �أن ندرك منها وم�ضات. ب�إمكاننا �أن ن�صحو من �سباتنا ونفتح �أعيننا على املح�سو�سات من حولنا فرناها امتدادا للروح ،ونرى �أنف�سنا يف مر�آة «ال�صاحب» ،نرى جمالنا ومعجزة وجودنا .وعندما ندرك اجلمال ن�صبح �أكرث جما ًال
هنا ..وهناك
وجه في المرآة 58 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
فتح �آفاقا وا�سعة ُ ل�شدَ ا ِة البحث العلمي
شوقي ضيف ..
صاحب النهج التراثي الموسوعي د� .أحمد يو�سف علي
�أ�ستاذ النقد الأدبي والبالغة بجامعة قطر
ا�ستنت مدينة دمياط وهي عا�صمة حمافظة م�صرية معروفة بهذا اال�سم وتقع بني النيل يف منتهاه وبني البحر املتو�سط الذي يلتقي بالنيل يف نقطة بديعة هي من �أدل امل�شاهد على قدرة اخلالق �سبحانه �إذ يلتقي املاء العذب باملاء املالح هذا عذب فرات وهذا ملح �أجاج وبينهما برزخ ال يبغيان ،هذا امل�شهد البديع يعرفه النا�س هناك با�سم الل�سان الذي يق�صده النا�س للرتي�ض واال�سرتخاء واال�ستمتاع خا�صة يف ف�صل ال�صيف وجتمع امل�صطافني من كل حدب و�صوب يف مدينة جميلة ا�سمها ر�أ�س الرب.
قدم للدارسين صورة شاملة لتاريخ ذوقي مترامي األبعاد وكشف عن دواوين شعراء وعن بيئات علمية ونقدية وثقافية لم تكن معرفتها متاحة
�أقول ا�ستنت هذه املحافظة اجلميلة – لعدة �سنوات � -سنة ح�سنة هي االحتفاء �سنوي ًا ب ��أع�لام دم �ي��اط وه��م ك �ث�يرون ومتميزون يف جم��االت ع��دي��دة علمية وفنية وثقافية وريا�ضية واقت�صادية و�سيا�سية وع�سكرية. فمن �أعالمها الفيل�سوف امل�صري زكي جنيب حم�م��ود ��ص��اح��ب «جت��دي��د ال�ف�ك��ر ال�ع��رب��ي»، و�أ�ستاذة الفكر الإ�سالمي عائ�شة عبدالرحمن بنت ال�شاطيء� -صاحبة «ن�ساء بيت النبوة»التي كانت تذاكر درو�سها وهي تلميذة �صغرية حت��ت �شجرة على �شاطيء النيل ،والفنان امل�سرحي الكبري �سعد �أرد�ش والكاتب امل�سرحي امل�شاك�س علي �سامل وك��ات��ب ال��درام��ا البارع ي�سري اجلندي الذي كتب �سرية «علي الزيبق» درام��ا تليفزيونية �شهرية ،ومنهم م�صطفى م�شرفة عامل الريا�ضيات املعروف وعبد احلليم منت�صر عامل النبات والفيل�سوف عبد الرحمن بدوي وال�شاعران طاهر �أبو فا�شا وفاروق �شو�شة وغ�ير ه ��ؤالء من الأع�ل�ام الذين احتفت بهم حمافظة دم�ي��اط .وم��ن �أب��رز ه ��ؤالء الأع�لام يف جماله الأك��ادمي��ي بحث ًا وت�أليف ًا وتعليم ًا وت�أ�سي�سا لكثري من اجلامعات العربية وخدمة للغة العربية وتراثها الفريد املعروف واملمتد ملا يقرب من �ألفي عام� ،أحمد �شوقي عبد ال�سالم �ضيف املعروف ب�شوقي �ضيف .فمن هو؟ مل يكن ق�صدي �أن �أ�شري �إىل �شوقي �ضيف ف�أعماله الغزيرة وحياته التي امتدت �إىل خم�سة وت�سعني عام ًا « 1910ـــ 2005م» ت�شري
الغرائز والرغبات .وعطاء �أمثال �شوقي �ضيف من العلماء لي�س له �إال م�صدر واحد هو الكتاب. والكتاب اجلاد جمهوره قليل حمدود وال�صرب على قراءته عند غري ع�شاقه نادر بل �شحيح.
ابن الريف امل�صري
�إليه وتقول من هو .ولكن �أمثال ه�ؤالء الأعالم الكبار يف زمننا ماتوا ومل يعرفهم كثري من �أبناء هذا الزمان الذي نعي�شه لأن م�صادر تلقي الثقافة وال�ف�ك��ر وال�ع�ل��م غلب عليها م�صدر الثقافة املرئية ال�سريعة غري املدققة التي نراها على �شا�شات التليفزيون �أو على �صفحات �شبكات التوا�صل االجتماعي ،بل �إن �أحد ًا من ه�ؤالء الأعالم مل يكن جنم ًا من جنوم الإعالم .فنجوم هذا الزمان لي�سوا من العلماء وال من ذوي القامات الكبرية يف العلم وال يف الفكر وال يف الفن ولكنهم من ذوي مهارات الأق ��دام وال �ق��دود والأ� �ص��وات التي تلبي نداء
تتبع ضيف تحوالت أساليب الشعراء العرب منذ الجاهلية حتى مشارف العصر الحديث في كتابة الشعر وارتباط هذه التحوالت بكل عصر
لذا كان البد �أن ن�شري �إىل �شوقي �ضيف ابن ال��ري��ف امل�صري يف نهاية العقد الأول من القرن الع�شرين ومل يكن متاح ًا لكل �أبناء املدن �أن يتعلموا تعليم ًا مدني ًا حديث ًا ،واحلداثة هنا ن�سبية لأن�ه��ا مرتبطة مب��ا ه��و متاح يف زمنها من حق كل النا�س يف التعلم و�إتاحة فر�ص التعلم وانت�شارها والإمي ��ان ب�أهمية العلم والتعليم يف تطوير ق��درات الإن�سان وبناء القوة الب�شرية لدولة ما �أو جمتمع ما بو�صفها الأ�سا�س الذي يبني عليه املجتمع �أو الدولة كل ال�صروح ال�سيا�سية واالجتماعية واالقت�صادية والفكرية والع�سكرية. هذا التعليم مل يكن متاح ًا على قدر امل�ساواة لأب�ن��اء امل��دن امل�صرية ،فكيف يكون متاح ًا لأبناء الريف وملثل الطفل �شوقي �ضيف الذي طال انتظار والديه لقدومه فقد �سبقته �إىل ال��وج��ود �أخ�ت��ه ال �ك�برى ،وال نن�سى امل��وروث الثقايف لدى الإن�سان العربي وامل�صري على ح��د � �س��واء ،ه��ذا امل ��وروث ال��ذي يحتفي كل االحتفاء باملولود الذكر وي��زداد توتر الأم والأب �إذا تكرر �إجن��اب البنات وق��د ي�صل الأمر يف كثري من الأحوال �إىل تطليق الزوجة
وجه في المرآة
لم يكتف ضيف بكتابة تاريخ األدب في الجزيرة العربية ولكنه سار وراء انتشار العربية في سائر البلدان وعبر اختالف األزمنة والثقافات
60 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
طه ح�سني
وقد �أجنبت ع��دد ًا من البنات ويتزوج الرجل امر�أة �أخرى رغبة يف �إجناب الولد الذي يحمل اال�سم وي��رث ال�ث�روة وميثل القوة والوجاهة االجتماعية .ل��ذا ك��ان ق��دوم الطفل �شوقي �ضيف �إىل احلياة مثل الظم�آن ال��ذي �أ�شرف على الهالك يف الفالة املحرقة ثم ارتوى حتى �شبع .فقد فقدت �أ�سرة �شوقي �ضيف ولدين قبل جميئه ومل يع�ش لها من الأوالد والبنات �إال هو و�أخ�ت��ه .وك��ان حر�ص �أبيه عليه كبري ًا مبعنى �أن��ه مل يفرط يف تدليله ومل ي�سرف يف تلبية رغباته ومل يغلق عليه الأب��واب والنوافذ فال يختلط ب�أحد وال يلعب مع �أقرانه من �أبناء القرية .فقد كان �أبوه ذا مكانة اجتماعية كبرية يف قريته ويف نفو�س �أب�ن��اء القرى ال�صغرية الأخرى املحيطة بقريته التي كانت حبة العقد بني هذه القرى .هذه املكانة �أهلت والده للقيام بدور امل�صلح يف النزاعات التي تن�ش�أ بني النا�س واحلكم العادل الذي اليرد حكمه وكان الطفل �شوقي يرى كل هذا ويدرك ما لأبيه من كلمة م�سموعة وحكم عادل ال يرد بل �إن والده عندما ا�شتد عود الطفل وبلغ مرحلة ال�صبا والبلوغ كان يحر�ص على ح�ضوره مثل هذه اجلل�سات كما كان حري�صا على اقتناء جملة الر�سالة وقراءة ما يكتبه عبا�س حممود العقاد و�إغراء ال�صبي بالقراءة ومكاف�أته عليها .فقد كان العقاد �شخ�صية مرموقة �صاحب فكر جريء مناه�ض ًا لال�ستبداد مدافع ًا عن �أمثاله من �أبناء الطبقات الفقرية ممثال لزعيم حزب الوفد �سعد زغلول بل كان خطيب احلزب وكان حلزب
الوفد انت�شار كبري يف القرى امل�صرية عرب قياداته التي امتلكت الأر���ض الزراعية ومثلت جناح ًا من �أجنحة الطبقة الو�سطى امل�صرية. ع��رف �شوقي �ضيف �سبيل ال �ق��راء وع��رف �سبيل التقدير الأدب��ي واملعنوي من �أ�سرته ال�صغرية وجمتمع ال�ق��ري��ة وم��ن مدر�سيه و�شيوخه يف التعليم الأزه ��ري وه��و التعليم الوحيد املتاح لأبناء الفالحني فقر�أ �ألفية ابن مالك وهي منظومة النحو العربي التي كتبها ابن مالك على بحور العرو�ض العربي لي�سهل حفظها وت��داول�ه��ا ب�ين النا�س .وقد �أتقن �شوقي �ضيف هذه املنظومة وكتب وهو طالب كتاب ًا عن النحو وال�صرف نال تقدير �شيوخ املعهد الديني يف دمياط ال��ذي �أنهى درا�سته فيه بتفوق ر�شحه لإك�م��ال درا�سته يف املعهد الديني الأزه��ري يف الزقازيق وهو �أح��د معهدين كبريين –�آنذاك– يف الدلتا كلها ،الثاين كان يف مدينة طنطا ومن يجتاز الدرا�سة فيهما ير�شح للدرا�سة يف الأزه��ر ال�شريف بالقاهرة .ولكن افتتاح اجلامعة امل�صرية وهي جامعة �أهلية عام 1908م فتح �أبواب الآمال على م�صراعيها �أمام املتطلعني واملتفوقني من �أبناء الفالحني وبقية �أبناء الطبقة الو�سطي .وكان لطه ح�سني ون�ضاله من �أجل �أن يكون التعليم حقا كاملاء والهواء دور �أك�ب�ر يف تعلق ال�شاب املجتهد �شوقي �ضيف بالدرا�سة يف كلية الآداب التي كانت مهوى الأفئدة والعقول .وبالفعل اجتاز �شوقي
فتح بكتابه «الفن ومذاهبه في النثر العربي» آفاق ًا واسعة لشداة البحث العلمي في فن النثر وتجلياته عبر عصوره
عبا�س العقاد
�ضيف املقابلة ال�شفوية التي كان علمها طه ح�سني الذي �صمم �أ�سئلة هذه املقابلة ليطمئن قلبه �إىل م�ستوى الطالب املقبولني يف كليته. لقد كانت هذه املرحلة مرحلة فا�صلة يف توجه �شوقي �ضيف ويف حتديد م�ستقبله العلمي. فاخلط الأف�ق��ي ه��و �أن يكمل �شوقي �ضيف درا�سته التقليدية يف الأزه��ر ولكن اجتاهه وتعلقه بالقراءة منذ ال�صغر لكبار الكتاب يف جملة الر�سالة وكان �أغلبهم ممن يعملون يف اجلامعة امل�صرية مثل �أحمد �أم�ين وطه ح�سني و�أم�ين اخل��ويل ،ولآخ��ري��ن مل يكونوا من �أ�ساتذة اجلامعة وكان ح�ضورهم العلمي والثقايف طاغي ًا مثل العقاد وعبد الرحمن �شكري واملازين ومواكبته وتفاعله مع النقا�ش ال�سيا�سي والعلمي الذي كانت تعي�شه القاهرة حول ق�ضايا الرتاث والعالقة بالغرب وموقف املثقفني املنق�سم ح��ول العلم واال�ستقالل وج� � ��دوى ال� �ت��راث وال� �ب� �ح ��ث ع ��ن م�لام��ح ال�شخ�صية امل���ص��ري��ة يف ت��اري�خ�ه��ا البعيد والقريب وارتباطها باملحيط العربي و�أوربا واجل��ام�ع��ة الإ��س�لام�ي��ة وال�ع��روب��ة وم��ا �أث��اره حممد عبده والأفغاين .كل هذه الروافد �آتت �أكلها و�أو�صلت �سفينة ال�شاب �شوقي �ضيف �إىل مرف�أ التعليم املدين احلديث يف جو ثري من احلرية واال�ستقالل بجامعة القاهرة.
على نهج طه ح�سني
تخرج �شوقي �ضيف يف ق�سم اللغة العربية و�آدابها عام 1935م وقد در�س الآداب العربية
�أحمد �شوقي
وطرف ًا من الآداب ال�شرقية كما در�س تاريخ اليونان والرومان وم�شى على درب �أ�ستاذه طه ح�سني الذي در�س مناهج البحث الأدبي يف �أوربا وخا�صة يف فرن�سا وقرن فهم الأدب وتف�سريه بفهم احل�ضارة التي ن�ش�أ يف ظلها فقدم ر�سالته عن �أبي العالء املعري التي نال بها درجة الدكتوراه من اجلامعة امل�صرية. ون��ال �شوقي �ضيف درج��ة املاج�ستري عن مو�ضوع �صعب يف كتاب مو�سوعي كبري هو «النقد الأدبي يف كتاب الأغاين حتت �إ�شراف طه ح�سني عام 1939م و�صعوبة هذا املو�ضوع تتمثل يف جانبني :الأول �أن كتاب الأغ��اين مل يكتبه �صاحبه �أبوالفرج الأ�صفهاين يف مو�ضوع نقد الأدب وال يف تاريخه بل كتبه يف مو�ضوع مهم �آخر هو ر�صد مقامات الغناء وامل�غ�ن�ين عند ال �ع��رب حتى ال �ق��رن ال��راب��ع الهجري وال يخلو الأمر عند �أبي الفرج من تتبع �سري املغنني وجمال�سهم وما اختاروه من ن�صو�ص ال�شعر العربي وما تبدل فيها وما �أ�ضيف �إليها وما حذف منها .ولطول املدى الزمنى – من اجلاهلية حتى القرن الرابع ال�ه�ج��ري – ف�ق��د ت�ضخم ال�ك�ت��اب وازداد حجمه يف هذا العمل املو�سوعي الكبري.
توجه نحو املو�سوعية
ول �ك��ن ه��ذا ال �ت��وج��ه امل�ب�ك��ر ن�ح��و الأع �م��ال املو�سوعية ال�ك�برى يف�سر لنا مل��اذا اتخذ �شوقي �ضيف يف �سائر �أعماله �أو معظمها هذا ال�سبيل ال�صعب وكان يكفيه من املزادة
�شربة ماء بل كان يكفيه نقد ناقديه �أو قل ح�سد حا�سديه مع �أن الرجل كما عرفته كان عف الل�سان نقي القلب حمبا للجادين من الباحثني مت�شبث ًا كل الت�شبث بالقر�آن الكرمي و�سرية �أكرم اخللق عليه ال�صالة وال�سالم. وا�ستكما ًال لنهجه الرتاثي املو�سوعي فقد نال درجة الدكتوراه عام 1942م يف مو�ضوع ا�سمه «الفن ومذاهبه يف ال�شعر العربي» فقد راح يتتبع ب�صربه ود�أبه على القراءة التنقيب عن حت��والت �أ�ساليب ال�شعراء العرب منذ اجلاهلية حتى م�شارف الع�صر احلديث يف كتابة ال�شعر وارت �ب��اط ه��ذه التحوالت الأ�سلوبية باملعطيات الثقافية واالجتماعية يف كل ع�صر .لقد كان هذا الكتاب يف زمنه فتحا كبريا لأن��ه قدم �صورة �شاملة لتاريخ ذوقي مرتامي الأبعاد اجلغرافية والثقافية وك�شف للدار�سني ع��ن دواوي ��ن �شعراء مل نعرفها حينها وع��ن بيئات علمية ونقدية وثقافية مل تكن معرفتها متاحة .ومل يكتف �شوقي �ضيف مبا فعل ولكنه �أكمل اللوحة بدرا�سة للنرث العربي على غرار ما قدمه عن ال�شعر العربي ،فكتب كتابه « الفن ومذاهبه يف النرث العربي» ال��ذي فتح �آف��اق��ا وا�سعة ل�شداة البحث العلمي يف فن النرث وجتلياته عرب ع�صوره. و�أعتقد �أن �شوقي �ضيف بعد �أن كتب هذين الكتابني قد و�ضع فيهما الأ�س�س التي بنى عليها اجنازاته الكربى �سواء يف كتبه عن تاريخ الأدب العربي �أو يف كتبه الأخرى عن البالغة والنقد �أو الرتجمة ل�شخ�صيات �أدبية كربى كتبت ال�شعر �أو كتبت فنون النرث .فما �أجمله يف كتابيه ال�سابقني عن ال�شعر والنرث وجدناه مف�صال يف م�شروعه ال��ذي �أجنزه عن تاريخ الأدب العربي عرب ع�صوره وبيئاته
كان يؤمن بأن العروبة ليست عرق ًا وال مكان ًا ولكنها في حقيقتها لسان وثقافة ينضوي تحتهما اختالف العرق والدين واللغات
حممود �سامي البارودي
اجلغرافية والثقافية واللغوية مراعيا التعدد وال �ت �ن��وع يف �إط ��ار م��ن وح ��دة ت ��راث الأم��ة الواحدة �أو احل�ضارة الواحدة .وقد وقع هذا امل�شروع يف ع�شرة جملدات كاملة �شملت كل امل�ساحات اجلغرافية يف م�شرق احل�ضارة العربية ومغربها .فلم يكتف بكتابة تاريخ الأدب يف اجلزيرة العربية وال يف زمن من �أزمانها ،ولكنه �سار وراء انت�شار العربية يف �سائر ال�ب�ل��دان وع�بر اخ�ت�لاف الأزم�ن��ة والثقافات لإميانه القوي ب�أن العروبة لي�ست عرقا وال مكانا ولكنها يف حقيقتها ل�سان وث�ق��اف��ة ين�ضوي حتتهما اخ �ت�لاف العرق والدين واللغات على الرغم من �أن الدولة املركزية قد �ضعفت عراها وتفككت ،وهذا ما جعله يفرد كتب ًا ملا عرف تاريخي ًا با�سم ع�صر ال��دول والإم ��ارات .فكتب عن الأدب يف ال�سودان ويف ليبيا ويف موريتانيا وعنه يف �صقلية .وقيمة هذا العمل املو�سوعي الذي �صنعه �شوقي �ضيف تتمثل يف كونه يي�سر للباحثني والدار�سني االطالع على م�صادر الأدب من كتب ودواوي��ن ويقدم لهم �صورة كلية ي�صعب ع�ل��ى ال�ك�ث�يري��ن تكوينها �أو معرفة �أبعادها وت�ساعد هذه ال�صورة الكلية الباحث يف اختيار مو�ضوع بحثه ومعرفة م��ادت��ه .وم��ن جانب �آخ��ر ،ف ��إن ه��ذه الكتب التي قدمها �شوقي �ضيف عن تواريخ الأدب تعد مراجع �أ�سا�سية للطالب يف اجلامعات املختلفة يف العامل العربي والإ�سالمي ويف �أوروبا و�أمريكا.
وجه في المرآة 62
كان شديد الحرص على اإلنصاف وخصوص ًا مع من يعرفهم عن قرب مثل العقاد أو من ماتوا مثل البارودي وأحمد شوقي
الـعــــدد 161 ما ر س 2013
تقدير وتكرمي
والالفت للنظر �أن هذا الرتاث العلمي الذي قدمه �شوقي �ضيف طيلة م�سريته العلمية التي ب��د�أت بعد تخرجه يف جامعة القاهرة عام 1935م وانتهت بوفاته عام2005م القى التقدير الأدب��ي من جانبني الأول منهما هو ترجمة كتابه امل�سمى بـ «عاملية الإ�سالم» �إىل الإجنليزية والفرن�سية وترجمة كتابه «الأدب العربي املعا�صر» �إىل اللغة ال�صينية والثاين هو الإعالن عن تقدير الدولة امل�صرية ل�شوقي �ضيف مبنحه جائزة الدولة التقديرية عام 1979م وهو على ر�أ�س جممع اللغة العربية وقد �ألقى كلمة �ضافية حتدث فيها عن م�صر الوطن ال��ذي احت�ضن العربية وتراثها كما حتدث عن كبار العلماء من امل�صريني الذين �أفادوا ب�أبحاثهم وتراثهم العروبة والإ�سالم .ويف عام 1983م �شرفت جائزة امللك في�صل ب�شوقي �ضيف ثم ختمت ال��دول��ة امل�صرية تقديرها الرفيع له بتتويجه �أكرب جائزة يف م�صر كان ا�سمها «ج��ائ��زة م �ب��ارك» ع��ام 2003م قبل رحيله بعامني .ومما يذكر يف هذا ال�سياق �أن هذه اجلائزة ت�أخرت عن �شوقي �ضيف ب�سبب معروف ووا�ضح وهو �أني�س من�صور يرحمه اهلل الذي كان من املقربني من رئي�س الدولة ومن وزير الثقافة فاروق ح�سني وقد تر�شح للجائزة وقت تر�شح هذا العامل الكبري لها ويف وجود جابر ع�صفور �أحد تالمذة �شوقي �ضيف على ر�أ�س املجل�س الأعلى للثقافة .ولعبت ال�سيا�سة
دوره� ��ا وت�خ�ل��ت اجل��ائ��زة ع��ن م�صداقيتها وانحازت لأني�س من�صور. ولن نتحدث عن العطاء الكبري من جانب �شوقي �ضيف ملجمع اللغة العربية لأن��ه حديث يطول ولكن ن�شري �إىل �أن هناك عالمات ا�ستفهام على قلة الدرا�سات العلمية التي توقفت عند تراث �شوقي �ضيف ومن هذه الدرا�سات القليلة ذلك الكتاب التذكاري الذي كتبه عدد كبري من حمبي �شوقي �ضيف على ات�ساع الوطن العربي وهم فريق من تالميذه الذين �صاروا �أ�ساتذة يف تخ�ص�صاتهم يف م�صر وغ�يره��ا وبع�ض زمالئه الذين رافقوه يف م�سريته ،و�أ�شرف على جتهيز هذه الأبحاث و�إعدادها للطبع تلميذه الأ�ستاذ الدكتور طه وادي يرحمه اهلل �أ�ستاذ النقد الأدبي احلديث واملعا�صر وكاتب الرواية والق�صة الق�صرية وق��د �شرفت بالكتابة عن هذا العلم الفريد و�أ�سهمت ببحث ا�سمه «جذور ال�شخ�صية امل�صرية عند �شوقي �ضيف» و�صدر هذا الكتاب يف طبعتني من دار املعارف مب�صر والقى قبوال وا�سع ًا وطيب ًا على كل امل�ستويات. وم��ن ال��درا� �س��ات املهمة الأخ ��رى ع��ن �شوقي �ضيف ،تلك التي كتبها الدكتور عبدالعزيز الد�سوقي �أ�ستاذ الأدب احلديث ب��دار العلوم بعنوان «�شوقي �ضيف رائد الدرا�سات الأدبية والنقد العربي» �أم��ا خ��ارج م�صر فقد �أع��دت باحثة �إيرانية ا�سمها �شكوه ال�سادات ح�سيني ر�سالتها للماج�ستري عن مو�ضوع « الآراء النقدية يف النحو والبالغة عند �شوقي �ضيف»
مبا�شرة يف كلية الآداب جامعة القاهرة وكان ع��ددن��ا نحن ال�ط�لاب قليال ال يتعدى �سبعة ط�لاب وك��ان ي��در���س لنا مو�ضوعا يف الأدب العربي القدمي وبالطبع كنا عيا ًال على كتبه يف تاريخ الأدب و�أذكر كتابه عن الع�صر العبا�سي ال�ث��اين ال��ذي ك��ان يحدثنا فيه عما �أ��ص��اب الق�صيدة العربية من تطور يف املو�ضوعات واللغة ال�شعرية على يد �شعراء كبار �أمثال ابن املعتز والبحرتي وابن الرومي و�أبي متام وتطرق احل��وار بني الأ�ستاذ وبيني �إىل حد االخ �ت�لاف معه فيما يقول م��ن وجهة نظره حول هذا التطور وتنبهت يف اللحظة الأخرية �أين قد متاديت يف هذا احلوار ومل�س يف عيني هذا الإح�سا�س فما كان منه �إال �أن قال يل �أنت على حق فيما قلت .وبالت�أكيد كانت كلمته هذه حماولة طيبة منه ال�ستعادة هدوئي ومراجعة نف�سي .وم��رت ه��ذه ال�سنة الدرا�سية بهدوء وتوجهت بعدها لدرا�سة النقد الأدبي القدمي وتقدمت مبو�ضوع فيه لأ�ستاذي الدكتور عبد املنعم تليمة ال��ذي حظيت مبودته و�إ�شرافه و�أجزت معه كتابة املو�ضوع واالنتهاء من �إعداده للمناق�شة وفوجئت مبا مل يكن يف ح�سباين وهو �أن الدكتور عبداملنعم قرر ال�سفر لليابان فور ًا ولن يتمكن من �إنهاء مهمة املناق�شة ،وتطلب �شوقي �ضيف الذي عرفته الأم��ر �أن يتوىل الإ�شراف �أ�ستاذ �آخر ي�ستمر �أما عن �شوقي �ضيف الذي عرفته عن قرب ،معي حتى االنتهاء من مع�ضلة مناق�شة هذه ف�ق��د تتلمذت ع�ل��ى علمه وخ�ل�ق��ه يف ال�سنة الر�سالة .وكان هذا امل�شرف من اختيار الدكتور التمهيدية للماج�ستري عام 1976م بعد تخرجي تليمة وه��و الدكتور نعمان القا�ضي يرحمه
جامعة القاهرة
اهلل .ومل يكن ه��ذا كافي ًا وال مريح ًا مع �أن الدكتورنعمان كان �شخ�صية طيبة وحمرتمة وال�سبب �أن �أحد �أ�ساتذة الكلية التي كنت �أعمل بها معيد ًا وهو عميدها كان يرغب يف �أن يكون م�شرف ًا على الر�سالة منذ البداية فلما �سافر امل�شرف الأول توقع �أن يكون هو امل�شرف وملا مل يتحقق هذا رف�ض بحكم من�صبه الإداري املوافقة على ت�شكيل جلنة احلكم على الر�سالة على الرغم من وجوده فيها .وملا تعقدت الأمور وو�صلت �إىل طريق م�سدود عام 1979م مل يكن �أمامي من حلول �إال حل واحد هو اللجوء �إىل �أ�ستاذنا �شوقي �ضيف وقد اق�ترح هذا احلل �أ�ستاذنا الدكتور طه وادي وخ�شيت من لقائه بعد مرور هذه ال�سنوات و�أنه �أي�ض ًا كان قد �أمت ال�سبعني عاما من عمره وتفرغ للعمل املجمعي ويرف�ض �أن ي�سافر خ��ارج القاهرة وجامعة الزقازيق التي �أعمل بها هي مقر املناق�شة وهو مل يعد يناق�ش ر�سائل جامعية يتحمل يف �سبيلها م�شقة ال�سفر يف بالدنا ،ولكن �إ�صرار الدكتور طه و�إحلاحه �أفلحا يف �إزالة اخلوف من نف�سي ورفعتا عني كثري ًا من احلرج .وكان �أ�ستاذنا �شوقي �ضيف ي�سكن يف منيل الرو�ضة يف عمارة من الطراز املعماري اجلميل القدمي يف �شقة من �شققها التي تقع يف الطابق الأول القريب جد ًا من ال�شارع وملا اقرتبنا من باب ال�شقة داخلني �إح�سا�س باخلوف ال �أع��رف
ملاذا؟ وفتحت الباب لنا ال�سيدة زوجته وهي ها�شة با�شة ،و�س�ألها الدكتور طه �أين �أ�ستاذنا – فقد �أتينا بال موعد ــ قالت لنا �إن��ه يف غرفة النوم على ال�سرير يعاين من الإنفلونزا و�أو�صلتنا �إليه بعد ا�ستئذانه .كان جال�سا فعال فوق ال�سرير العري�ض الوا�سع وحوله من كل جانب كتب كثرية وجل�سنا معه ودار احلديث على م�شكلتي و�أننا نرجوه �أن يناق�شني لريدع هذا العميد الذي كان واحد ًا من تالميذه وبعد �أن ا�ستمع لنا قال ما نعرفه وهو �أنه ال يخرج من القاهرة ومل يعد يناق�ش ر�سائل خارجها ولكنه يقبل طلبنا ب�شرط واحد وهو �أن نعطيه ن�سخة من الر�سالة يقر�أها ف�إن اقتنع بها وافق على مناق�شتها وعلمنا منه �أن برناجمه اليومي منذ �سنني طويلة هو �أن ينام بعد �صالة الع�شاء وي�صحو يف الفجر ي�صلي ويبد�أ القراءة حتى التا�سعة �صباحا بعدها يخرج للجامعة �أو
املجمع �أو مواعيده الأخرى ويعود �إىل بيته وال مير يوم من هذه الأيام بدون �أن يكون قد عمل فيه ما يقرب من �أربعة ع�شر �ساعة معظمها يف القراءة واملراجعة والبحث والكتابة .عندها عرفت كيف ا�ستطاع �أن يكتب كل هذه الكتب املو�سوعية وينجز كل هذا الإجناز العظيم يف جماالت عديدة. وال �أن�سى ح�ضوره الكرمي ملناق�شة ر�سالتي للماج�ستري فقد كان حدثا عظيما وجليال فقد ح�ضر حل�ضوره عدد كبري جدا من �أ�ساتذة اجلامعات امل�صرية لي�شهدوا مناق�شته هذا الباحث اجل��دي��د ال��ذي ك�سر �شوقي �ضيف حلقات برناجمه من �أجله .و�أثناء املناق�شة �أراد �أن يوقع هذا الأ�ستاذ العميد بيني وبني �أ�ستاذنا �شوقي �ضيف م�ستغال ما ذكرته يف منت البحث من �آراء �أ�ستاذنا وذكرت ا�سمه بال �ألقاب فرد عليه �أ�ستاذنا قائال له وما العيب فيما فعل لي�س مطلوبا �أن يذكر اللقب يف منت البحث .ودوى املدرج بت�صفيق احلا�ضرين. ومن خلقه الكرمي �أين عندما كربت وكتبت عنه بحثا ن�شرته ورحت لزيارته مع ال�شاعر حممد �إبراهيم �أبو�سنة والدكتور طه وادي يف �شقته اجلديدة بعمارة �أع�ضاء هيئة التدري�س بجامعة القاهرة وكان قد تقدمت به ال�سن وجل�سنا معه فقدمنا �إليه الدكتور طه وادي وعندما ذكر له ا�سمي قال نعم �أتذكره �إنه يا طه �صاحب ف�ضل علي فقد كتب عني و�أ�شاد مبا كتبت ،فقلت له يا �أ�ستاذنا بل الف�ضل لك علينا جميعا وتوجه بالكالم �إىل �أب��ي �سنة م�شيدا بق�صيدته اجلديدة وتعجبنا جميعا م��ن ق��درت��ه الهائلة على املتابعة والتذكر والإ�شادة مبن ي�ستحق الإ�شادة .كان �شديد احل��ر���ص ع�ل��ى الإن �� �ص��اف وخ�صو�صا من يعرفهم عن قرب مثل العقاد �أو من ماتوا مثل البارودي و�أحمد �شوقي كان يعتقد �أن الكلمة �أبقى من �صاحبها و�أنها دالة عليه بعد موته وكان يذكر بيت حافظ يف رثاء �شوقي:
نال ضيف درجة الماجستير عن موضوع صعب في كتاب موسوعي كبير ق��د كنت �أرج ��و �أن ت�ك��ون عزائي هو «النقد األدبي في ي ��ا م �ن �� �ص��ف امل ��وت ��ي م ��ن الأح� �ي ��اء كتاب األغاني» تحت إشراف طه حسين عام 1939م
نافذة على التراث 64 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
مشاهد رحيل األحبة يبد�أ
رك ��ب احل�ب�ي�ب��ة ال��راح �ل��ة يف ال �ت �ح��رك ،وي �ق��ف ال���ش��اع��ر مت�أمال امل�شهد ال��ذي ابتدعه خياله ،ثم يبد�أ يف التعبري عما جا�ش يف �صدره ووعيه �ضمن ما يعرف بالوقوف على الأطالل يف ال�شعر اجلاهلي. ي�سمح الوقوف على الأط�لال للقارئ ب�أن ين�سرب يف م�ساحة ت��أم��ل خ��ارج الزمن وع �ل��ى ع�لاق��ة ب��ه يف �آن :خ ��ارج ال��زم��ن لأنها جتربة ي�صفها �شاعر عا�ش وعا�شت جتربته منذ م��ا ي��زي��د ع��ن خم�سة ع�شر ق��رن��ا .لقد ابتعدت جتربة ال��وق��وف على الأطالل مل�سافة تكفي لل�شعور باالنف�صال عنها وع��ن زم�ن�ه��ا ،خا�صة م��ع اختالف البيئة التي ت�صفها جتربة الأط�لال عما نعي�شه اليوم .لكن الوقوف على الأطالل يلم�س هما مقيما ل��دى الإن�سان �أي��ا كان ع�صره؛ �إن��ه �شعور العجز �أم��ام الزمن وفعله يف الأ�شياء والأحياء� ،شعور التجرب ال��ذي ميار�سه املا�ضي ،فقط لأن��ه م�ضى وال �سبيل ال�سرتجاعه. ي�ق��ف ام ��ر�ؤ ال�ق�ي����س �أم ��ام م�شهد رحيل احلبيبة مت�أمال زمنه الذي م�ضى ،مرتبكا باحثا عن حل .يقول:
ك ��أين غ��داة ال�ب�ين ي��وم حتملوا ل��دى �سمرات احل��ي ناقف حنظل
�إنه يفرك يديه كمن ينزع ق�شور احلنظل، يف حركة ع�صبية تدل على التوتر واحلرية يف ظ��ل بع�ض ال���ش�ج�يرات .ام��ر�ؤ القي�س ي�صف �أث��ر الرحيل عليه ،رحيل الأحبة
ورح �ي��ل ال��زم��ن ال ��ذي ��ض�م��ه م�ع�ه��م .ثم ي�سعى بعد ذلك �إىل ا�ستنبات احلياة يف الطلل امليت عرب و�صف خملفات الظباء البي�ض التي جتو�س يف الطلل بحب الفلفل كما يرى د .م�صطفى نا�صف؛ ملقيا بذلك يف الأر�ض بذور حياة �أخرى.
َت � َرى َب� َع� َر الأَ ْر�آ ِم يف َع َر َ�صا ِتهَا و ِق� �ي� � َع ��ا ِن� � َه ��ا َك � � ��أَ َّن � � � ُه َح� � � ُّ�ب ُف �ل � ُف��ل
ف� ��إذا ك��ان ت��وت��ر ام ��ر�ؤ القي�س ق��د �أف��رز و�صفا بديعا حلالة االرتباك والأمل التي �أ�صابته ،ف�إن طرفة بن العبد يركز و�صفه ع�ل��ى م�شهد ال��رح�ي��ل ن�ف���س��ه ،ك�م��ن وج��ه طاقة الأمل واحلرية لإب��داع �صورة فريدة حلالة الفراق ،وكذلك حلالة مواجهة فعل الزمن والإبحار عربه. يقول طرفة:
َك � � ��أَ َّن ُح � � � ُدو َج امل َ��ا ِل� � ِك� � َّي� � ِة َغ � ��د َو ًة َخ�لا َي��ا �� َ�س� ِف�ْيننْ ٍ ِب��ال� َن� َوا ِ���ص� ِ�ف مِ ��ن َد ِد ابن َيامِ ٍن َع ُدولِي ٌة �أو من َ�س ِف ِ ني ِ َي� ُ�ج��و ُر ِب�ه��ا املَ�ل�ا ُح َط ��و ًرا و َي�ه� َت��دي ومهَا بِها اب املَ��ا ِء َح ْي ُز ُ َي ُ�ش ُّق َح َب َ َك�م��ا َق��� َ�س� َم ال�ُّت�رُّ َب امل ُ� َف��ا ِي � ُل ِب��ال� َي��دِ
البيت الأول من الأبيات ال�سابقة ي�صف ركب الراحلني الذي ي�ضم احلبيبة ،وقد ب��د�أت رحلتهم يف ال��وادي امل�سمى «دد»، وي�شبه ه��ذا ال��رك��ب بال�سفينة ال�ضخمة التي ت�شق عباب امل��اء .ثم مينحنا البيت ال �ث��اين امل��زي��د م��ن و� �ص��ف احل��رك��ة التي تنحرف عن ا�ستقامتها �أحيانا فريجعها
ال��رب��ان املتمكن �إىل طريقها ال�صحيح. �أو لعل الربان� ،ش�أنه �ش�أن دليل القافلة، هو من يحرك القافلة بعيدا عن طريقها امل�ستقيم اتقاء خلطر ما ال ي��راه �إال هو، لذلك كان من ال�ضروري �أن ي�صف الربان ب�أنه ماهر كابن يامن �أو كقبيلة َع� َ�دولىَ م��ن �أه ��ل ال�ب�ح��ري��ن امل �ع��روف�ين تاريخيا باخلربة يف املالحة والإبحار. لقد ت�شكلت القافلة يف هيئة �سرب �سفن �ضخمة متحركة يف غب�شة ال�ضباب الذي ي�ت�ك��اث��ف م��ع ب��داي��ة ال �ن �ه��ار .ح �ت��ى ه��ذه اللحظة ت�ب��دو ��ص��ورة ط��رف��ة ثنائية ك��أي ت�شبيه تقليدي يف الرتاث ال�شعري ،ي�شبه طرفة حركة الركب الذي ي�شق ال�ضباب مب�ق��دم�ت��ه ،ب�ح��رك��ة ال�سفينة ال �ت��ي ت�شق مقدمتها الأم��واج املتتالية التي ت�ضرب تلك املقدمة وتن�شق عنها ميينا وي�سارا مت��ام��ا ك�م��ا ين�شق ال���ض�ب��اب ع��ن مقدمة ال��رك��ب .لكن البيت الثالث ي�ضيف بعدا ث��ال �ث��ا ل �ل �� �ص��ورة ل�ت���ص�ب��ح �أك�ث�ر ت�ع�ق�ي��دا، فال�سفينة /ال��رك��ب ت�شبه �أي�ضا املفايل ال ��ذي ي���ش��ق ال�ت�راب مب�ق��دم��ة �أ��ص��اب�ع��ه. املفايلة لعبة ي�صنع فيها الأط�ف��ال كومة من الرتاب وي�ضعون �شيئا يف �أحد جانبي ال �ك��وم��ة ،ث��م ي �ف��رد �أح���د الأط� �ف ��ال ي��ده «املفايل» وميدها لي�شق كومة الرتاب �إىل ن�صفني .هنا ت�صوير ي�ستحق ال�ت��أم��ل؛ فاليد امل�ف��رودة الأ�صابع ت�شبه �أطرافها مقدمة ال�سفينة لتي ت�شبه بدورها مقدمة ال��رك��ب .ال�ي��د تق�سم ال�ت�راب كما يق�سم حيزوم ال�سفينة امل��اء كما تق�سم مقدمة
د� .أمين بكر
باحث وناقد من م�صر
وال يعرف �أحد ما يخبئه الدهر لركابها، كما ال نعرف م�صريها ،كال�سفينة التي مل يطلعنا الن�ص على وجهتها �أو م�صريها، متاما ككومة ال�تراب التي ال يعرف �أحد �أي���ن ت�خ�ف��ي خ�ب�ي�ئ�ت�ه��ا .ن �ح��ن �أم� ��ام فعل اقتحام معلوم البداية جمهول امل�صري، متاما كحياة الإن�سان يف اخرتاقه للزمن. �إن ��ه ك�م��ن ينطلق يف رح �ل��ة /ب �ح� ٍ�ر /وادٍ �ضبابي /م�ق��ام��ر ٍة ال �سبيل لتجنبها �أو التعرف على نهايتها.
ال��رك��ب ال�ضباب .تتطاير ذرات ال�تراب حني تق�سمه يد املفايل كما تتطاير ذرات املاء حني ت�ضرب الأمواج مقدمة ال�سفينة، ومثلهما ت�ب��دو دوام ��ات ال �ه��واء وت�ي��ارات��ه ال�صغرية التي تتطاير ح��ول القافلة يف �ضباب ال�صبح .نحن �أمام م�شهد مركب ثالثي الأبعاد يقدم �صورة مذهلة للرحيل ال��ذي يبدو هنا حالة من ح��االت اقتحام
املجهول :البحر ال�ضباب ،الرتاب ،الذي هو يف الوقت نف�سه �سفر عرب للزمن� .إن ال��زم��ن ه��و العن�صر الفا�صل يف جتربة ال��رح�ي��ل ،ويف ت�صويراتها ال�ث�لاث��ة التي ا�صطنعه طرفة؛ فالركب امل�سافر يتحرك ن�ح��و جم �ه��ول ل��ن يك�شفه � �س��وى ال��زم��ن، متاما كال�سفينة �أو كالالعب الذي يجهل م�صري لعبته .باملثل ت�شق القافلة ال�ضباب
من القامو�س: احل� ��دج :م��رك��ب م��ن م��راك��ب ال �ن �� �س��اء، واجلمع حدوج و�أحداج. اخل�ل�اي ��ا :ج �م��ع اخل �ل �ي��ة وه ��ي ال�سفينة العظيمة. َع � َ�د ْولىَ :قبيلة من �أه��ل البحرين ،وابن يامن :رجل من �أهلها. اجلور :الهدول عن الطريق. الطور :التارة واجلمع الأطوار. ح�ب��اب امل��اء� :أم��واج��ه ،ال��واح��دة حبابة. احل �ي��زوم :ال���ص��در ،واجل �م��ع احل �ي��ازمي. الرتب والرتاب والرتباء والتورب والتريب والترياب والتوراب واحد. ال�ف�ي��ال� :ضرب من اللعب ،وه��و �أن يجمع الرتاب فيدفن فيه �شيء ،ثم يق�سم الرتاب ن�صفني ،وي�س�أل عن الدفني يف �أيهما« :من � �ش��رح امل�ع�ل�ق��ات ال�سبع ل�ل�إم��ام ع�ب��د اهلل احل�سن بن �أحمد ال��زوزين ،حتقيق :حممد عبد ال�ق��ادر الفا�ضلي ،املكتبة الع�صرية، بريوت� ،2005 ،ص »67 - 66
ارتياد اآلفاق 66 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
ين�شر هذا الباب بالتعاون مع املركز العربي للأدب اجلغرايف «ارتياد الآفاق» �أبوظبي -لندن ،الذي يرعاهال�شاعر والباحث الإماراتي حممد �أحمد ال�سويدي .
الت�سـلــل الكتـ�شاف الـوطـن ..
برتقالة واحدة لفلسطين.. «أتنقل في وطني ،تارة سر ًا ،وأخرى على عجل!» �سليمان الهـويريني بعني عا�شق جلغرافيا وطن ميتد من النهر �إىل البحر ،وقلب مرتع باحلزن على تاريخه ،يرحتل الأدي��ب حت�سني يقني يف كتابه «برتقالة واح��دة لفل�سطني» ،م��ن برتقال �أري�ح��ا �إىل برتقال ي��اف��ا ،موثقاً م�شاهداته ع��ن م�ن��ازل لها يف القلوب منازل :زهرة املدائن القد�س ،رام اهلل ،جنني ،يافا ،عكا ،حيفا، وغريها من املدن الفل�سطينية. و�إن كان هذا الكتاب يت�ضح من عنوانه، �إ ّال �أن ما ال يت�ضح هو �أن امل�ؤلف «يت�سلل» لكي ي�صل �إىل بلده ،وه��ذا بزعمي �أ�� ّ�س احلكاية ،ملن فاته �أو �صعب عليه قراءة ���ص��ورة ال��غ�ل�اف �أو ا� �س �ت �ح �� �ض��ار ب��اح��ة التاريخ اخللفية؛ ال�سيما عندما يتعامل هذا التاريخ مع الأر���ض املباركة امل�سماة «فل�سطني». ينتمي ه��ذا الكتاب �إىل �أدب الرحالت، واملفارقة هنا �أن الرحلة لي�ست ارتياد ًا لآف��اق ق�صية يف ب�لاد ما وراء النهر� ،أو مغامرة يف جماهل غ��اب��ات �إفريقيا� ،أو ا�ستك�شاف ًا ل�غ��اب��ات الأم� ��ازون� ،أو بالد الفايكنج الثلجية القريبة من الأفق� ..أو الرحيل �إىل �سقف العامل يف التبت ،بل هي رحلة بني رب��وع وطن ُكتب على �أهله عبور بوابات وحواجز و�أ��س�لاك املحتل، هويات ب�ألوانٍ باهتة، بعد احل�صول على ٍ
وت�صاريح �سريعة ال��زوال ،و�إال فالبديل املغامرة و�سط �أحرا�ش و�أ�شواك ودروب خ�ف�ي��ة ل� �ي ��داووا الأرواح ب��ر�ؤي��ة ق��راه��م وم��دن�ه��م ،وليثبتوا �أن�ه��م �أدرى ب�شعاب بلدهم ،كما كان ي�صنع حت�سني يقني يف زياراته �إىل القد�س ،وغريها من املدن، والتي �سجل تفا�صيلها يف «برتقالة واحدة لفل�سطني» ،منتق ًال على مدى �سنوات ع�شر « 1997ــ »2007بطول ب�لاده وعر�ضها، متحدي ًا ج�ب�روت املغت�صب ال��ذي يريد
كنت أرى فلسطين مكان ًا واحد ًا فرد ًا غير مقطع األعضاء رغم الحواجز العسكرية التي تفصل البلد الواحد عن نفسه حين عبرها جدار بشع ظالم عنصري حاقد
متزيق اجلغرافيا ،وت�شويه التاريخ. مل يقدم يقني ن�صه هذا ك�صحايف فقط، ب��ل «ك�م��واط��ن فل�سطيني يعي�ش الن�ص، وي�شارك فيه وال يقف عند ح ّد الو�صف». كذلك يقول« :مل �أتعامل مع مدن فل�سطني وق ��راه ��ا وري �ف �ه��ا وم �� �ض��ارب �ه��ا وغ��وره��ا و�سهولها وجبالها وت�لال�ه��ا م��ن منظور التق�سيمات الب�شعة للمكان ،كنت �أراه واح ��د ًا ف��رد ًا غ�ير مقطع الأع���ض��اء رغم احل��واج��ز الع�سكرية التي تف�صل البلد الواحد عن نف�سه حني عربها جدار ب�شع ظامل عن�صري حاقد ،كلها كانت فل�سطني كما نعرفها وكما كانت ،نحن �أبناء املكان الأ�صليني الذين بقينا يف اجلبال ننحت كرمنا وزيتوننا ،ويف ال�غ��ور وال�صحراء نرعى موا�شينا واجلمال ،ويف ال�سواحل ن���زرع ال�ب�رت �ق��ال ،ن �ح��ن ه �ن��ا ك �ن��ا وك��ان الزيتون والعنب والربتقال ومواويل فالح،
ارتياد اآلفاق 68 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
في كل لحظة حزن كنت أذكر إخوتي العرب وزغاريد امر�أة ،و�أنا�شيد الرعاة ،والناي فأنتعش قلي ً ال ،وكأن يد ًا اجلميل ». من بعيد تكفكف ما انهمر من عبرات على يف زهرة املدائن وجنتي ،فأقول لنفسي: ت�ستغرق زيارات حت�سني يقني� ،إىل مدينة سيأتون كما أتوا من ال�ق��د���س ثلث ال�ك�ت��اب ال��ذي يقع يف 360 ��ص�ف�ح��ة ،ف�ن�ظ��ر ًا لأن امل ��ؤل��ف مقد�سي ،قبل!
ول��د يف ق��ري��ة تبعد ع��ن امل��دي�ن��ة نحو كيلومرت ًا ،لذا فقد تكررت «ت�سلالته» �إليها يف منا�سبات عدة رغم عوائق االحتالل، وال���ص�ع��اب ال�ت��ي ي�ضعها ج �ن��وده ،فنجد ال�ك��ات��ب داخ��ل ال�ق��د���س يف رم���ض��ان ،ويف يوم عرفة ،ويف ذكرى الإ�سراء واملعراج، وامل��ول��د ال �ن �ب��وي وغ�ي�ره��ا ،ويف ك��ل م��رة تكون حكاية الو�صول �إىل مدينته الأثرية خمتلفة ،وكذلك امل�شاهدات ،فامل�ؤلف كما هو معني بت�صوير املكان ،مهموم بنا�سه ومعاناتهم ،بال�شيوخ والن�سوة العجائز اللواتي يرين املرار ،ويتحملن الكثري كي يدخلن �إىل بيت املقد�س مدينة ال�صالة. ق�ص�صي �شائق ويرحل فيحكي ب�أ�سلوب ّ وبلغة �شاعر ّية قائ ًال« :جبل �أج��رد �ضمن �سل�سلة ممتدة م��ن ال�شرق �إىل الغرب، طر�أ على قمته �شيء جديد� ،آليات تظهر بيا�ض ًا بد ًال من ال�سواد وبيا�ض ًا ا�ش ّد بد ًال 15
م��ن بيا�ض ال�صخور ال�ت��ي غ�يرت لونها ظروف املناخ». يتحول «يقني» �إىل دروي�ش عا�شق لكل زاوية يف املدينة املقد�سة ،يهيم �أم��ام م�آذنها وم�ساجدها و�أعمدتها املهيبة ،خ�صو�ص ًا يف الأق�����ص��ى وق �ب��ة ال �� �ص �خ��رة ،ي�صف الأ�سبلة والأروقة والأ�سواق العتيقة ومدفع رم�ضان والنوافذ والزجاج امللون و�أطياف النور التي يكون لها بريق خا�ص ،يحنُ امل�ؤلف وهو بعيد عن املدينة �إىل كل �شيء فيها� ،أكالتها املميزة ،حلوياتها وكعكها وخملالتها البيتوتية وورق العنب الطازج اللذيذ ال��ذي تبيعه الفالحات« :للقد�س املدينة الفل�سطينية العريقة نكهة خا�صة، و�سحر دائم ،تظل فيها يف حالة اكت�شاف و�شوق وحمبة لهذا املكان .مبجرد دخولنا القد�س و�سرينا على �أر�ضها ،وم�شاهدة �سورها وقبابها ،خ�صو�ص ًا قبة ال�صخرة
هم الطريق �إليها ،و�صعوبة املذهبة ينزاح ّ الدخول يف ظل �إجراءات االحتالل». تختلف م�سارات ال�سرد يف الكتابة �أحيان ًا ل��دى امل ��ؤل��ف�-أي م��ؤل��ف -حينما يتحدث ع��ن ال �ق��د���س �أو الأم ��اك ��ن ال �ت��ي عا�شها وع��ا��ش�ت��ه ،ي�ح�ي��ل احل �ن�ين ف �ق��رات كثرية �إىل ق�صائد ن�ثري��ة ،يهديها حم��ب تلمع كلماته وت�صفو حينما ي�صف حمبوبته: «م��ازال �صوتها يناديني ،مل �أ�سمع �صوت املالئكة ،لأنني مل �أح�س �إال ب�صوتها قد نفذ داخلي فجعلني �أ�سري ب��دون رجلني، حتى ظننت نف�سي �أط�ي�ر� ..أه��و �سحر؟ رمبا حت�س بالقد�سية وال تراها� ،أي ع�شق ه��ذا؟ روحها تناديني� ،شكلها ،تلأل�ؤها، م�ل�م���س�ه��ا� ،أق� ��ع ل �ل �م��رة ت �ل��و امل� ��رة �أ� �س�ير �إغرائها ،يغريني ال�صوت وال�ضوء والظل واحلركة واخلطوط وال��دوائ��ر .ا�ستدارة ت�ستدعي دوران العني ثم ال تنتهي .وجهها الن�ضر رغم حزنه جميل». وي�سري ذلك الع�شق حتى والكاتب ي�سرد ت��اري��خ ال�ق��د���س ع�بر ال�ع���ص��ور ،ونكبتها ال�ك�برى بعد جم��يء ال �غ��زاة ،وخمططات التهويد والأ� �س��ر ل��ه ال�ت��ي ت�سعى لطم�س ه��وي�ت�ه��ا ال�ع��رب�ي��ة امل �م �ي��زة .وال�ل�اف��ت يف ال�ق���س��م اخل��ا���ص ب��ال�ق��د���س يف «ب��رت�ق��ال��ة واحدة لفل�سطني» �أن الكتابة لي�ست جمرد
�إن�شاء عادي� ،أو يوميات �سائح يزور مكان ًا م�ق��د��س� ًا يحفز ع�ل��ى الإب � ��داع ،وي�ث�ير به الإلهام ،بل هي يوميات مفعمة بال�شجن احلقيقي ،ل�شخ�ص ي�سرد احل�ي��اة التي يعي�شها ،وذكرياته مع الأمكنة البكر التي فتح عينيه فيها على جماليات مهددة.
�أمكنة �أخرى
ثانية املدن التي حط فيها رحال الكاتب الفل�سطيني «�إب��داع�ي� ًا» كانت «رام اهلل» التي لها هي الأخرى حمل خا�ص يف قلبه، �إذ تعد احلب الأول بالن�سبة �إليه ،واملكان الذي يختزن ذكريات كثرية ،فهي املدينة التي �ضاع فيها وهو �صغري ،يوم �أن �أفلت يد وال��ده ،وهي املدينة التي ت�شتمل على �سوق احل�سبة ،حيث الن�ساء ي�سطرن دور ًا بطولي ًا يف �صمت ،كما �أنها املدينة التي ا�ستقر وعمل فيها فيما بعد. ال يكتفي امل��ؤل��ف ع��ن احل��دي��ث ع��ن واق��ع رام اهلل ـ وكذا احلال يف غالبية الأمكنة التي زاره��ا ـ وم��ا �آل��ت �إل�ي��ه ،ف��االرحت��ال يف ال��زم��ان حا�ضر ه��و الآخ ��ر ،ل��ذا يعود الكاتب �إىل �صفحات من املا�ضي ،مرة ع�بر ك�ت��اب ت��اري�خ��ي ،وث��ان�ي��ة ع��ن طريق ت�سجيل روايات مقارنة لأ�شخا�ص م�سنني
كنت أحس من داخلي أن هذه البالد بالدي، فتتقزم االتفاقيات والحلول السياسية أمام تاريخ المكان العظيم وحضارته العريقة الممتدة منذ بدء المدنية على األرض عا�شوا يف فل�سطني قبل النكبة ،وثالثة عرب ت�أمل ن�ص �إبداعي يعد داللة على ما جرى وما يجري يف البالد املحتلة. ث ��م ي� �ب ��د�أ امل� ��ؤل ��ف يف و���ص��ف م���س�يرت��ه بالتقاط �صور م��ن احل�ي��اة اليومية عند معابر ونقاط التفتي�ش ال�صهيو ّ ين للنا�س الذين يغلقونها �أو مينعونهم من امل��رور �أو اخلروج� ...إ ّنها لقطات ُمقر ّبة بعد�سة �صحايف �ص ّياد ماهر يقتن�ص اللحظات ال�ه��ارب��ة م��ن ف� ّ�م ال��زم��ن امل��وج��ع يف تلك الديار ال�سليبة .وقد ا�ستهل وقائع رحلته من �أريحا �إىل يافا ،بت�سا�ؤل :ما الفرق بني الربتقال الريحاوي والربتقال اليافاوي؟ ويجيب يف امل�ق��دم��ة« :ومل��ا ك��ان��ت ب�لادي ال�صغرية فل�سطني �أمكنة خ�صبة لإن�شاء الكالم و�صف ًا وتعبري ًا وتغز ًال؛ فقد م�ضيت فيها .مل �أ�ضع ع�صا الرتحال ،ولن �أ�ضعها دمت حي ًا قادر ًا على التنقل والكالم، ما ُ
وكيف �أ�ضعها وبالدي ال�صغرية �إنمّ ا هي �أمكنة كبرية وهبها اهلل م��ن ك � ّل �شيء، فهي تعددية امل�ن��اخ واجلغرافيا والدين والثقافة ...وكم ت�أملت الرتاب واملاء يف غري مكان� ،ألي�ست احلياة هبتهما مع ًا؟ الرتاب واملاء». وم��ن رام اهلل �إىل «ج �ن�ين» ،املحافظة البا�سلة املعزولة ،وما �سطرته من �صداع م�ستمر وع �ق��دٍ نف�سية جل �ن��ود امل�ح�ت��ل، رغ��م املجازر التي راح �ضحيتها �شهداء ك�ثر .ي��روي الكاتب �أن ت�سلله �إليها كان ب��أم��ر «ال �ه��وى»� ،إذ �أح��ب ف�ت��اة م��ن تلك املحافظة ،وتزوجها «فهل يتوقع الب�شر �أن �أ�ضبط �إيقاع قلبي على �إيقاع الأوامر الع�سكرية االح�ت�لال�ي��ة ف��أم�ن�ع��ه م��ن �أن يهفو لإن�سان ٍة تقيم هناك يف مكان ما من وطني» .ويد ّون «يقني»يومياته ال�صحفية �دم ُف�� ��ؤاده امل �ل �ت��اع ا َمل �ك �ل��وم م��ن وي�لات ب � ِّ وج��رائ��م ال�صهاينة ،وه��و يت ّن�سم َث��رى �أر�ضه الطي ّبة العرب ّية الأ�صيلة« :رح� ُ�ت �أت���ش�م��م ال �ت�راب وال��ط�ي�ن� ،أت��خ�ّي رّ وق��ت ب�شم رائحة ن��زول الأمطار الأوىل لأهن�أ ّ الرتاب يف لقائها الأ ّول باملطر يف ت�شرين، َث َمة رائحة �إن�سان ّية فيه ،رائحة التخمر ال�شهي ،فتم�سكه وتقول والطعام واجل�سد ّ ملاذا ال ن�أكل الطني حني جنوع؟ فتجيب ال
بانوراما ملدينة حيفا ،من جبل الكرمل
ارتياد اآلفاق 70 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
�صورة لدوار ال�شهداء الذي يخلد �شهداء معركة «جنني»
مدينة رام الله ،خم�سينيات القرن املا�ضي
بقايا برج �صليبي يف قرى رام الله
ن�أكل �أنف�سنا نحن املخلوقني منه ،ف�أطمئن ل�شعور َ اخللق من الطني ،و�أت�أمل َكم من امل�صنوعات واملنتوجات الفن ّية ّمت �صنعها م��ن ال �ط�ين ول�ي����س ن�ح��ن ال�ب���ش��ر ف�ق��ط». حت�سني يقني الذي ي�سلط ال�ضوء يف �أكرث م��ن مو�ضع م��ن كتابه على املعاناة التي يلقاها الفل�سطينيون يف احلركة والتنقل من حمل �إىل �آخ��ر ،وامل�سافات ال�صغرية ال�ت��ي تتمدد ب��الأم �ي��ال ،نتيجة االلتفاف وال���س�ير يف دروب خلفية ال �أول لها وال �آخر ،و�سكك جمهولة غري ممهدة. ً ينتقل قلم الكاتب �إىل«�أريحا» باحثا عن «رائحة املكان و�سر املاء املالح» يف البحر امل�ي��ت ،يف البقعة التي �أغ��رت الإن�سان القدمي ب�إن�شاء ح�ضارة عظيمة بني ربوع «مدينة ال�شم�س» �أريحا .ثم ي�صل قطار «طريق الآالم» بالكاتب �إىل«يافا» ،مدينة �أخرى �ضائعة ،ب�أطالل ق�ص�ص ،و�شواهد ق��دمي��ة ،ت��روي للزائر ع��ن ع��روب��ة املكان التي كانت .ومن جرح �إىل جرح ،من يافا �إىل حيفا ،و«ع �ك��ا» ال�ت��ي ك�سر �أهلها يف نهاية القرن الثامن ع�شر غ��رور القائد ال�ف��رن���س��ي ن��اب�ل�ي��ون ب��ون��اب��رت ،و��س�ط��روا ملحمة قدمية� .آخ��ر حمطتني يف رحالت الكاتب كانتا طربية وجبل ال�شيخ ،وال�سري و� �س��ط م �ع �� �س �ك��رات اجل �ي ����ش ال �غ��ا� �ص��ب، ويكون العزاء تذكر تاريخ ما كانت عليه ت�ل��ك ال�ب�ق��ع ،وع ��دم اال��س�ت���س�لام مل��ا �آل��ت �إليه احل��ال فيها ،فالذاكرة ع�صية على االحتالل ،حتى ولو احتلت الأمكنة. ولعل الكاتب ا�شتق ا�سم كتاب رحالته من برتقال �أريحا الواقعة على ال�ضفة الغربية ل�ن�ه��ر الأردن ،وب��رت �ق��ال ج �ب��ال ال�ضفة ال�غ��رب�ي��ة ،وب��رت �ق��ال ال���س��اح��ل خ�صو�ص ًا الربتقال اليا ّ يف «اليافاوي» ال�شهري ،وذلك على م��ا يبدو للتدليل على وح��دة املكان الفل�سطيني رغ��م م��ا ي �ح��اك � �ض��ده من م�ؤامرات تفتيت وتقطيع �أو�صاله. ويقول يقني �«:إن فل�سطني بلد ابتالها اهلل ع��ز وج��ل ب�ك��وارث ال���ص��راع على �أر�ضها منذ ال�ق��دم ،بف�صلها ال��ذي نعي�شه منذ
العمارة التقليدية يف رام الله
قرن �أو يزيد حيث تعاقب االحتالل والذي ي�سلمها الح �ت�لال �آخ ��ر؛ و� �ص��و ًال لأبغ�ض �أنواع االحتالل الذي ر�أى يف نف�سه البديل ون�ح��ن ال�غ��رب��اء�� ،ص��ار تنقلنا يف بالدنا رح�ل�ات ،ع�ل��ى غ�ير ع ��ادة �أن ال��رح�لات م��ن امل �ف��رو���ض ب�ه��ا �أن ت�ك��ون م�سافاتها طويلة وبعيدة؛ الفل�سطيني ال يحتاج �إىل �إجابة ،كذلك الذي يطلع على حياتنا هنا عن ق��رب ،حيث �إن تنقل الفل�سطيني يف وطنه �صار �صعب ًا وم�ستحي ًال ،وهو معر�ض خلطر االعتقال �أو حتى الإ�صابة.».. ومي�ضي الكاتب ال�صحايف حت�سني يقني في�صف تق�سيم ال�شعب الفل�سطيني «�إىل حملة بطاقات تختلف لقوم هنا عن قوم ه�ن��اك ..وي �ق��ول »:فمثلي كحامل بطاقة هوية ال�ضفة الغربية ال ي�سمح يل بزيارة القد�س م�سقط ر�أ��س��ي التي ال تبعد عن قريتي «بيت دقو» �سوى 15كيلومرت ًا ،وال يجوز يل زي��ارة قطاع غ��زة ك��ون و�صويل �إليه يتطلب عبور �أرا�ضي فل�سطني املحتلة
عام ،1948التي �أ� ً صال ال يجوز يل بالطبع زيارتها من دون ت�صريح ،وقد م ّرت علينا �أي��ام �صعبة يف االنتفا�ضة الثانية �صرنا جن��د زي ��ارة اخلليل وب�ي��ت حل��م ونابل�س وجنني ب��ل ورام اهلل يف ال�ضفة الغربية �أمر ًا �صعب ًا دخو ًال وخروج ًا.».. وت���ص��ور رح�ل�ات ال�ك��ات��ب يف وط�ن��ه �آالم الفل�سطينيني يف التنقل «فلكل فل�سطيني هنا حكاياته� ،أما �أنا فعلى مدار ال�سنوات الع�شر ال�سابقة ،ولأ�سباب نف�سية ،خلويف �أنه رمبا لن ي�سمح يل بالو�صول �إىل هذا
عشرة أعوام وأنا أتنقل في وطني ،تارة سر ًا، وأخرى على عجل ،حتى ال يوقفني غا ٍز يدقق في مالمحي وأوراقي ،لربما علي بأن يكتفي يتكرم ّ بطردي وأنا ابن شرعي للمكان
املكان هنا �أو هناك ،وخلويف �أن ثغرات التهريب الب�شري لن ت�ستمر ،وم��ع بناء ج��دار الف�صل العن�صري� ،أ�صبح تهربي �إىل مدينة القد�س -وهي املدينة الأوىل القريبة للقرويني هنا يف منطقتي� -أمر ًا �صعب ًا ج��د ًا ..لكل هذه الأ�سباب وغريها ف�ق��د ب ��د�أت ال�ك�ت��اب��ة ع��ن ه��ذه الأم��اك��ن، وكنت خالل الرحالت والزيارات �أ�ستمتع بتوثيق ما �أرى ،رمب��ا لأك��ون �شاهد ًا من �شهود م�أ�ساة فل�سطني ،وجرائم االحتالل يف منع توا�صل �أبناء ال�شعب الفل�سطيني مع بع�ضهم بع�ض ًا ،ورمبا كي � نّ أحن قلوب �أبناء �أمتي علينا نحن املحا�صرين هنا، فيدعون لنا على الأقل ب�أن يكون اهلل معنا يف ح ّلنا وترحالنا وته ّربنا على جوانب اجل ��دار والأ���س�ل�اك ال�شائكة احل��اج��زة املانعة كثرية ال�شفرات احلادة.».. يف تنقله م��ن م�ك��ان �إىل �آخ��ر يف البالد حت ��ت االح� �ت�ل�ال ورغ� ��م �آالم ال �ط��ري��ق وا� �س �ت�لاب �ه��ا ،ك ��ان ال �ك��ات��ب ي�ت�ع��ام��ل مع
ارتياد اآلفاق 72 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
املكان على �أن��ه وطنه ك �م��ا ي �ن �ب �غ��ي ل �ل��وط��ن �أن يكون« ،ف�لا �أع��ود �أح�س باحلذر وخوف ج�ن��ود االح �ت�لال من الإم� ��� �س ��اك ب�ع��ا��ش��ق م��ن ع���ش��اق ال��وط��ن، ف�أن�صرف �إىل التنقل واحل� ��رك� ��ة ،وك� �ث�ي�ر ًا م � ��ا ع� �ب��رت جت �م �ع � ًا ل �ل �ج �ن��ود �أو ل��ق��وات م � ��ا ي�����س��م��ى ح��ر���س احل� � ��دود وال �� �ش��رط��ة وغ�يره��ا ..كنت �أح�س م��ن داخ��ل��ي �أن ه��ذه البالد بالدي ،فتتقزم االت�ف��اق�ي��ات واحل�ل��ول ال�����س��ي��ا���س��ي��ة �أم� � ��ام ت��اري��خ امل �ك��ان العظيم وح �� �ض��ارت��ه ال �ع��ري �ق��ة املمتدة منذ بدء املدنية ع �ل��ى الأر�� � � ��ض ،ال ب��ل م��ن��ذ احل� �ي ��اة الأوىل ال��ت��ي ك��ان��ت يف وادي خريتون هناك يف املغر «امل� � �غ � ��ارات» ال �ق��دمي��ة ال��ت��ي ��س�ك�ن�ت�ه��ا �أق� ��دم ال�ت�ج�م�ع��ات احل�ج��ري��ة! ه��ن��اك �أح� �� ��س ك ��م �أن ال� �غ ��زاة � �ض �ع �ف��اء وك��م نحن �أقوياء!». ومل يتعامل يقني مع مدن فل�سطني وقراها وريفها وم�����ض��ارب��ه��ا وغ ��وره ��ا و�� �س� �ه ��ول� �ه ��ا وج��ب��ال��ه��ا وت�ل�ال� �ه ��ا م� ��ن م �ن �ظ��ور ال �ت �ق �� �س �ي �م��ات ال�ب���ش�ع��ة ل � �ل � �م � �ك� ��ان،
منحوتة �سجن عكا
يقول« :كنت �أراه واحد ًا فرد ًا غري مقطع الأع�ضاء رغم احلواجز الع�سكرية التي ت�ف���ص��ل ال �ب �ل��د ال��واح��د ع��ن ن�ف���س��ه حني عربها جدار ب�شع ظامل عن�صري حاقد، كلها ك��ان��ت فل�سطني ك�م��ا نعرفها وكما كانت ،مل �أ�ست�سلم للحظة الراهنة التي ق��ال��ت�� :ض�ف��ة ،وق��د���س ،وداخ� ��ل ..كانت كلها �ضفة وكلها قد�س وكلها داخل ،كلها واح��د ،املكان هو املكان رغ��م ما يعرتيه من تغيري وتهويد ،لكنه كبري و�أك�بر من تغري معامله بهذه ال�سهولة ،البحر واحد وال�شواطئ من يافا �إىل حيفا �إىل عكا.. والبحريات واحدة من طربيا �إىل امليت.. واجلبال واح��دة من جليل �أعلى و�أو�سط و�أدنى وجنني وطولكرم وقلقيلية ونابل�س ورام اهلل والقد�س وبيت حلم واخلليل.. وال �غ��ور واح��د م��ن ال�شمال �إىل اجلنوب وال���ص�ح��راء وال�ب�راري واح ��دة م��ن برية اخلليل حتى ال�ن�ق��ب ..وال�ق��د���س واح��دة غرب ًا و�شرق ًا و�ضواحي وقرى وراء جدار �أو داخله ..وكيف يل �أن �أح�س بغري ذلك؟ كيف يل �إال �أن �أح�س بذلك وهذا الغازي من ورائ��ي و�أم��ام��ي ينفيني خ��ارج املكان ثقاف ًة وتعام ًال و�شعور ًا وقناعات؟ كيف يل وهذا الغازي ال يف ّرق بني مكان و�آخر حتى �أراه وق��د ا�ستوطن يف ك��ل املناطق و�سط ًا على كرمنا اجلميل وعلى م�شهده، حمي ًال ما اغت�صب من جماله �إىل طرقات وجدران و�أ�شباك مير من بينها الع�صفور ب�صعوبة تامة...؟». وختم الكاتب يقو « :م��ا ب�ين ع��ام 1997 وع��ام ،2007ع�شرة �أع ��وام وم��ا ال يحد من م�شاعر انتابتني ك�ث�ير ًا ،و�أن��ا �أتنقل يف وطني ،تارة �سر ًا ،و�أخ��رى على عجل، حتى ال يوقفني غ��ازٍ ي��دق��ق يف مالحمي و�أوراق�� ��ي ،ل��رمب��ا يتكرم علي ب�أن يكتفي بطردي، ّ و�أن��ا ابن �شرعي للمكان!
�أ�سواق عكا القدمية
واحلق �أقوله� ،إنني يف كل حلظة حزن� ،أو بكاء ،كنت �أذك��ر �إخوتي العرب ف�أنتع�ش قلي ًال ،فت�أتي حلظات �أمل ،وك�أن يد ًا من بعيد تكفكف ما انهمر من ع�برات على وجنتي ،ف�أقول لنف�سي� :سي�أتون كما �أتوا من قبل!». لقد ا�ستخدم الكاتب لغ ًة وا�ضح ًة �سهلةً ال تخلو من جماليات م��ؤ ّث��رة ،وم�ش ّوقة، خ�صو�ص ًا يف و�صف املكان مبا فيه ،من خالل ان�سياب تداعيات زمانية وتاريخية وثقافية عن املكان .لذا ف��إن الكتاب هو كتابة عن قرب يف فل�سطني وعنها ولها، ح�ب� ًا وان�ت�م��اء م��ن ج��ان��ب ،وب�ع��ث ر�سالة للفل�سطينيني والعرب من �أجل تذكر دائم لذلك الفردو�س الفل�سطيني املفقود. وعندما حاز هذا الكتاب يف 2007على
جانب من البلدة القدمية بعكا
جائزة بن بطوطة يف �أدب الرحالت التي ترعاها دار ال�سويدي يف دول��ة الإم��ارات ال�ع��رب�ي��ة امل �ت �ح��دة ،ذك ��رت جل�ن��ة حتكيم اجل��ائ��زة يف بيانها ح��ول ال�ك�ت��اب« :ه��ذه رح �ل��ة � �ص �ح��ايف فل�سطيني ي�ت���س�ل��ل �إىل القد�س ليتجول يف ربوعها ويكحل عينيه مب�ساجدها وكنائ�سها وح��ارات �ه��ا ..وال يتوقف ع��ن ال�ت��دوي��ن ،ك��ل م��ا ي��راه ي�أخذ
كحامل بطاقة هوية الضفة الغربية ال يسمح لي بزيارة القدس مسقط رأسي التي ال تبعد عن قريتي «بيت دقو» سوى 15كيلومتر ًا ،وال يجوز لي زيارة قطاع غزة
طريقه �إىل �أوراق ��ه ،حتى لك�أنه ي�سجل ال�صورة الأخ�يرة ملدينة �سيبتلعها حوت، ومن القد�س ينطلق يف جوالت على مدن بالده الفل�سطينية الواقعة حتت االحتالل من النهر �إىل البحر ...يف هذه اليوميات، ن �ق��ع ع �ل��ى االن��ط��ب��اع��ات ال���ش�خ���ص�ي��ة، واملالحظات والو�صف والت�أريخ اليومي. �إن ��ه ك �ت��اب ي��ري��د �أن يقب�ض ع�ل��ى مكان ه� ��ارب ،ك �ت��اب ل �ق��اء م��ع امل �ك��ان حمكوم ب��الإح �ب��اط ..ف�لا جم��ال للبقاء ه�ن��ا..يف هذه البلدة الفل�سطينية �أو تلك؛ فالكاتب ال��ذي متكن �أن ي�غ��ادر م��ن رام اهلل �إىل حيفا ال يفعل �إال م��ا ي�ضاعف م��ن �أمل ال�شعور باخل�سارة� .إنه كتاب يذكرنا بقوة �أن ال�شعب الفل�سطيني والهنود احلمر ومواكب الأرق��اء املخطوفني من �أفريقيا
ارتياد اآلفاق 74 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
�ضحايا �أب���ش��ع ح��رب �إب ��ادة يف ال�ت��اري��خ، يلتقون جميع ًا يف �أه��وال تلك الرتاجيديا الب�شرية .فما زال��ت ال��دم��اء تقطر من ح���راب ال��رج��ل الأب �ي ����ض ��س�ل�ي��ل امل��دن�ي��ة الأوروب� �ي ��ة واال��س�ت�ع�م��ار اال��س�ت�ي�ط��اين يف �أب�شع �صوره .وقد مت منح هذه اليوميات جائزة ابن بطوطة للرحلة ال�صحفية ملا تتيحه للقارئ املعا�صر من �صور مت�صلة لفل�سطني وان�ط�ب��اع��ات ��ص��ادق��ة وحقائق � �ص��ادم��ة ع��ن ح �ي��اة الفل�سطينيني حتت االحتالل العن�صري لفل�سطني».
يوم الإ�سراء واملعراج
ويروي يقني عن يوم الإ�سراء واملعراج ،حيث ي ��ؤرخ ل�ل�أح��داث بال�سنني ،وير�سم ال�صورة بحوار ولقطات ،فيقول« :القبة املُ�ضيئة متثل نقطة �سيادة يف لوحة املكان ،يرفع الأطفال ن�ص ًا قر�آني ًا من �سورة «ي�س» عيونهم ويقر�ؤون ّ يتعجل الأوالد لدخول م�سجد ق ّبة ال�صخرة، ّ ي�س�أل ال�صغار عن املكان الذي زاره �شارون، فيما راح �أط �ف��ال يف ��س��نّ احل��ادي��ة ع�شرة يتحدثون عن عمر بن اخلطاب.»... عرج �إثر هذه الزيارة لقبة ال�صخرة املُ�شرفةُ ،ي ِّ لذكر مو�ضوعات �أخ��رى تتمحور يف« :بع�ض من احلا�ضر وكثري من املا�ضي»« ،القد�س على ب��اب �شتاء آ�خ��ر»« ،القد�س� :إج��راءات الأم��ن والأم���ان على ال�ط��ري��ق»« ،القد�سي: طقو�س رم�ضان ّية رمز ّية جد ًا يف يوم ال�صيام الأول»« ،القد�س يف يوم حار»« ،عن الأطفال والقد�س وال�سالم و�أ�سئلة �أكرب من الأجوبة»، «حتى ال يكون �آخ��ر عهدنا بال�سماء»«َ ،من يعيد للقد�س زمنها الأول»« ،يف الذكرى الـ 37 على احتالل املدينة»« ،ي��وم عرفة ذات يوم مقد�سي»« ،انتفا�ضة القد�س القادمة» ،و«على ّ بعد 50مرت ًا �أو يزيد.»... ومي�ضي يف �سرد م�شاهداته يف رحاب القد�س ليحكي يف حوار «مع بدوي يف جبال القد�س»: «يف تلك اجل�ب��ال اجل���رداء �شمال القد�س التي تنحدر �أ�سفل �شارع اللطرون امل�ؤدي �إىل البدوي عيد ُم َ عظم ال�ساحل ،يق�ضي ال�شاب ّ برج �ساعة ال�سلطان عبد احلميد الثاين يف يافا
حي العجمي ،يافا ،حيث مت جتميع العرب بعد النكبة
الرعي واحلرا�سة .قد وقته موزع ًا ما بني ّ يت�ساءل �سكان احل�ضر عن ُمربر الإقامة يف اجلبال والكهوف ،فحياة عيد و�إخوانه من �آل كعابنة ُمثرية للم�شاهدة ،فقد �أقاموا بيت ًا يف �سفح اجلبل الأجرد ذي املُنحدر ال�شديد ،من دون خوف من مياه ال�شتاء التي قد ت�أخذهم وما�شيتهم وخرافهم ال�صغرية التي ال تلبث تطلق �أ�صوات ثغائها احلل ّو من بعيد.»... ومن مو�ضوعات الكتاب« :يف حميط القد�س مع الفالحني ،بع�ض الغناء حزين»« ،رام اهلل اجلميلة» « ،قبل �شروق ال�شم�س»« ،على هام�ش املدينة ال�صغرية»« ،كيف كانت رام اهلل قبل �سنة 1942م؟» ،وي�ق��ول ع��ن ذل��ك التاريخ «�سكنت برواية �أحد املُ�سنني الذين التقاهمُ : البلدة القدمية ،ك��ان �أك�ثر ال�سكان هناك قي�س ّية من جبل اخلليل ،ومهامهم كانت يف نقل الب�ضائع وم�ساعدة التجار ،ولديهم ب�غ��ال وع��رب��ات يعي�شون منها يف �أيامهم،
�أول طابع بريد فل�سطيني ُ طبع يف مدينة يافا
رحت أتشمم التراب ُ والطين ،أتخيّر وقت نزول بشم األمطار األولى ألهنأ ّ رائحة التراب في لقائها األ ّول بالمطر في تشرين، مة رائحة إنسانيّة فيه ثَ َ
وك ّلهم �أميون ال يعرفون القراءة والكتابة ،لأنّ بريطانيا كانت تهتم بتعليم امل�سيحيني �أكرث من امل�سلمني ،كنوع من التمييز العن�صري الربيطا ّ ين.»... �أم��ا خ�ت��ام ف�صول �سياحة امل ��ؤل��ف حت�سني يقني فهي الوقوف عند «بقع �ضوئ ّية قليلة يف �سماء املدينة ،بع�ض التاريخ ،قو�س ُقزح على اجل�ل�ي��ل ،ت��اري��خ ق��ري��ب لأر� ��ض بكامل م�شم�شها» ،والذي كتب فيه« :اجلليل يدخل وت��دخ��ل فل�سطني م�ع��ه ،عامها ال �ـ « »53مل ي�ن�ق�� ِ��ض ج�م��ال�ه��ا؛ امل ��دن ال�ع��رب� ّي��ة وال �ق��رى و�أهلوها ،بكامل عروبتهم ولغتهم ومالب�سهم وف��ول��ك��ل��وره��م وث �ق��اف �ت �ه��م و�أ���س��ف��اره��م وعواطفهم� ،إ ّنهم فع ًال «بكامل م�شم�شهم». فحبة امل�شم�ش وغريها من الفواكه واخل�ضار �إذا ظ �ل��ت محُ �ت�ف�ظ��ة ب���س�ط�ح�ه��ا ،الطبقة اخل��ارج�ي��ة ت�ظ� ّل جميلة م��رغ��وب��ة� ،أم��ا �إذا فركتها الأيدي ف�إ ّنها تذبل»
أوراق تراثية 76 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
العلوم واإلنسان.. التالزم الذي أفاد البشرية !!
فاطمة املزروعي
يجمع علماء الآثار واالحاثة على �أن الإن�سان م�ن��ذ ف�ج��ر ت��اري�خ��ه ب ��د�أ يف اك�ت���س��اب امل�ع��ارف وامل �ه��ارات وف��ق احل��اج��ة ،على خمتلف �أن��واع هذه احلاجة ،ففي ذلك الع�صر كانت حاجات الإن�سان بدائية تنح�صر يف الطعام وامل ��أوى، فعلى �سبيل امل�ث��ال حاجته ل�ل�أم��ن ه��ي التي قادته ال�ستخدام الكهوف كم�أوى للهروب من ال�سباع وال���ض��واري التي كانت تهدد وج��وده وحياته ،كما �أن اكت�شاف النار جاء ليلبي حاجة عظيمة وهي التميز وال�سيطرة والتفوق ،قال عنها عدد من العلماء �إن النار هي التي تعترب مرحلة تاريخية حقيقية يف عمر الب�شرية لأنه منذ �أن اكت�شفها الإن�سان و�سخرها خلدمته على خمتلف الأوج ��ه م��ن طهوا الطعام �إىل ا��س�ت�خ��دام�ه��ا ك���س�لاح ي��داف��ع ب�ه��ا ع��ن نف�سه ف�ي�خ��وف ب�ه��ا احل �ي��وان��ات امل�ف�تر��س��ة ،و��ص��وال للتدفئة و�إنارة الطريق.
منذ ذلك احلني �أكت�سب الإن�سان �سالح ًا قوي ًا ما �أن متكن من ال�سيطرة عليه حتى خ�ضعت له �سائر الكائنات واحليوانات، فارتقى الإن�سان درجة يف �سلم التميز على كوكب الأر�ض ،وباملثل جاء اخرتاع العجلة ،والتي �سهلت للإن�سان نقل الأحجار الكبرية، وكانت بداية لثورة النقل للب�شرية ب�أ�سرها ،لأن العجلة �سهلت تنقل الإن�سان مع م�ستلزماته ،وباملثل وتبعا لهذه احلاجات ج��اء ت�سخري احل�ي��وان��ات على خمتلف �أن��واع�ه��ا وا�ستئنا�سها وتروي�ضها فقام برتبيتها للحاجة للطعام من حلومها و�ألبانها، �أو للبا�س من جلودها. عندما نقول �إن حاجة الإن�سان هي املحرك الأول للعديد من �أهم االكت�شافات التي �أثرت الب�شرية فنحن ال نبالغ �أو نتجنى على احلقيقية الأزل �ي��ة التي راف�ق��ت �أي خم�ترع و ك��ل اكت�شاف ،ب��ل حتى التقومي وح�ساب الوقت كان املحرك لتنظيمه وحتديد �أطره ومن ثم تطوره حتى و�صوله �إلينا اليوم ملا هو عليه هو احلاجة الإن�سانية البحتة، حيث عرف الب�شر حتى ما قبل التاريخ القمر ،ومن خالل م�سريته من الوالدة حتى ظهوره كهالل و�صوال الكتماله كبدر يف و�سط ال�سماء، حددوا من خالل هذه امل�سرية ال�شهرية الكثري من الأوقات املنا�سبة للزراعة ،وتطوروا يف هذا ال�سياق ملعرفة �أوقات منوا النباتات ح�سب دورات ال�شم�س ،ومن ثم متكنوا من حتديد الف�صول من خالل املناخ وطبيعة التغري يف الأج��واء ومتى حتدث وكم يف عدد دورات القمر يحدث التحول املناخي ،ودون��وا مثل هذه املالحظات ،وط��وروا فيها تدريجيا والهدف هو املحافظة على حما�صيلهم الزراعية ورغبتهم يف معرفة متى الوقت املالئم واملنا�سبة لزراعة هذه البذرات التي حتتاج للأمطار ،ومتى تزرع بذور �أخرى �أقل حاجة للأمطار؟ وجميعنا نعلم �أن القدماء امل�صريني كانوا قد ربطوا تقوميهم بفي�ضان النيل والزراعة ،كذلك ف�إن ح�ضارة ما يطلق عليها الأزتك ،كانت عندهم مواد تعترب مقد�سة تتكون من 260يوم ًا مدون فيها الكثري من املعلومات .وكذلك ح�ضارة املايا التي كان تقوميها مرتبط بالزراعة �أي�ضا ولكنه متيز باعتماده على
املالحظات الفلكية وكانوا يحر�صون على ت�صحيحه مرة كل �أثنني وخم�سني عاما .غني عن القول �إن حاجات الإن�سان ا�ستمرت وتوا�صلت دون انقطاع �أو هدوء حتى يف الوترية ،وتبعا لذلك ف�إن املخرتعات واملكت�شفات هي �أي�ضا مل تهد�أ ومل تتوقف �أبدا حتى يومنا هذا. باملثل اليوم لدينا كم هائل من الأنظمة والقوانني ،والأحكام وال�شرائع التي تهدف جميعها لتنظيم حياة الإن���س��ان ،ومتنح العدالة للجميع وتقيم امل�ساواة ومتنع احل��روب والتقاتل ،وهذه واحدة من نتائج تراكم اخلربات الإن�سانية على مدى دهور طويلة، حيث اكت�شف الإن�سان �أنه رغم وحدته �إال �أنه خمتلف وتطلعات كل فرد تختلف عن الآخر ،و�أن هناك فئات تتميز بالق�سوة لتحقيق �أهدافها وتطلعاتها ،و�أن ال�ضعفاء هم الأق��ل ح�ض يف احلياة والتمتع بالطعام والأمان ،لذلك ظهرت القوانني يف �شكل بدائي، وظهر التنظيم والرئا�سة وال�ق��ادة ،والهدف العام هو احلماية و�إي �ج��اد �سند وم�ل�اذ يحتكم ل��ه اجل�م�ي��ع ،وذل��ك ملنع الغوغاء والفو�ضويني ،من اللعب مب�ق��درات اجلماعة ومكت�سباتها ،لذا نبعت واحدة من �أهم احلاجات وهي احلاجة للنظام والتنظيم، وهو ما يعرف اليوم بالعدالة والثواب والعقاب. اال�ستعرا�ض التاريخي مل�سرية الب�شرية منذ احلقبة التي تعرف م��ا قبل التاريخ وحتى يومنا ه��ذا ،يفهم خاللها ال��دار���س ،ما هي احلاجة وكيف تطورت ولتحقيقها كيف متكن الإن�سان من االخ�ت�راع واالك�ت���ش��اف� ،إن�ه��ا رح�ل��ة �إن�سانية طويلة ج��دا تقدر مباليني ال�سنوات ،وهذا يقودنا لفهم �آخر ال يقل �أهمية ،وهو يدور حول حماولة فهم �سر اهتمام الإن�سان منذ القدم بعملية توثيق وتدوين �أي من اخرتاعاته واكت�شافاته لينقلها للأجيال التالية والتي بدورها ط��ورت فيها وزادت ،فالهدف فكما هو وا�ضح رغبة هذا الإن�سان يف نقل خرباته وما و�صل له لأبنائه و�أحفاده ،لعل حياتهم تكون �أكرث �سهولة و�سعادة من حياته .بل �أعتقد �أن عملية التدوين نف�سها جاءت لتلبي حاجة �إن�سانية يف حفظ املخرتعات واالكت�شافات وكل املعارف التي حت�صل عليها الإن�سان ،وعلى �سبيل املثال ال احل�صر يف م�صر القدمية وبالد الرافدين ،والالتي حر�صا على تدوين املعارف �سواء بالنقو�ش �أو بلغاتهم البدائية والتي بع�ضها حتى اليوم مل يتمكن من ترجمتها وف��ك طال�سمها .وبوا�سطة ه��ذا النقل املعريف على بدائيته و�صلتنا كثري من الأف�ك��ار ،وكثري من الطقو�س .لقد فهمنا كيف الإن�سان الأول يتعاي�ش مع كثري من الظواهر وكيف
ف�سرها ،وفهمنا �أنه الفتقاره للعلوم واملعرفة ،كانت دوما ت�أتي تف�سريات ملثل ه��ذه الظواهر بو�ضع ق�ص�ص خرافية ال متت للواقع ب�أي �صلة ،بل �أن الإن�سان البدائي عندما كان ي�صطدم مبعرفة ت�ف��وق �إم�ك��ان�ي��ات زم�ن��ه وال يفهم لها تف�سري منطقي وعلمي ،يقوم ب�إدخال اخلرافة فيها ،واخلرافة نف�سها حققت لذلك الإن�سان يف ذلك الزمن حاجة وهي �سد العجز عن الفهم وعن عدم املعرفة ،فيتم ا�ستح�ضار ق�صة ال متت للواقع ب�أي �صلة و�إقناع النا�س بها. الإن�سان الأول مل يكن جاهل ،بل كان ك�أي جمتمع نعرفه اليوم، فيه احلكيم ،وفيه الذي يتطلع للتعلم ،وذلك املت�أمل ،وغريهم. ولو مل يوجد مثل هذا التنوع ،وهذا الرتاكم يف االختالف بني �شخو�ص تلك املجتمعات ملا وج��دت املبتكرات واالكت�شافات، فالنار على �سبيل املثال ،رغم وجود من يقول �أنه مت اكت�شافها بناء على امل�صادفة املح�ضة ،عندما لأح�ض �إن�سان تلك احلقب الغابر تطاير احلاجرة �أثناء م�سرية عليها فت�صطك – حتتك �أو ت�صطدم -بب�ضعها البع�ض فتولد �شرارات ،فقام ب�صرب تلك احلجار ب�ضعها ببع�ض حتى ولد النار� ،أو ما يقال عندما الحظ الإن�سان القدمي ،النار وهي حترق الغابات ،فتت�سبب يف �شواء احليوانات التي مل تتمكن من الفرار ،حيث باتت حلوم هذا احليوانات �أف�ضل يف املذاق و�أ�سهل يف اله�ضم وامل�ضغ� ،أقول لو مل جتد مثل هذه الظواهر الطبيعية ومثل هذه احلوادث عقول تالحظها وتقوم بعمل جتارب تنايف ال�سائد يف ذلك الوقت ،ملا متكن ذلك الإن�سان من التطور. ً يف ه��ذه املقالة ح��اول��ت �أن ا�ستعر�ض ع��ددا م��ن الأم�ث��ل التي منار�سها يف حياتنا ال�ي��وم لكنها يف واق��ع الأم ��ر ب ��د�أت منذ �سنوات وقرون طويلة جدا ،بد�أت مع �أجدادنا الأوائل ،حاولت �أن تكون هذه املقالة بعيدة عن التناول العلمي البحت ،والهدف هو ت�سليط ال�ضوء على �أهمية معرفتنا مب�سرية الإن�سان وتطوره، لنفهم واقعنا وحياتنا اليوم ،ونفهم �سر كل هذا التوجه املحموم نحو التكنولوجيا والتطورات الهائلة التي حتدث يف عاملنا ،ذلك �أن �إن�سان اليوم يخالف قاعدة �أزلية وهي االخ�تراع واالبتكار للحاجة ،حتى قيل يف املثل العربي القدمي«احلاجة �أم االخرتاع» لكن �إن�سان اليوم يخالف هذه القاعدة الأزلية ،لتقوم خمرتعاته واكت�شافاته اليوم على الرتف على املزيد من التطور ال احلاجة.. تلك احلاجة التي كانت مرادفة قدمية لكل تطور وتقدم
دانات 78 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
دانات ملف ال�شعر ال�شعبي
دليل على حيوية الشعر الشعبي في وصف اإلبل األصايل
القصائد الفائزة بالمراكز األولى في المسابقة الشعرية لمهرجان سويحان د .را�شد �أحمد املزروعي احتلت الإبل م�ساحة كبرية من اهتمام ال�شاعر العربي ،و�أبدعت خميالت ال�شعراء يف ر�سم وت�صوير الإبل وجت�سيد العالقة التي ربطتهم بها ،وال �شك يف �أن ديوان ال�شعر ال�شعبي يف الإمارات زاخر بق�صائد رائعة و�صفت وج�سدّت م�شاعر ال�شعراء جتاه �إبلهم التي �شاركتهم حياتهم مبرها وحلوها وكانت دائماً لهم ال�سند وقت ال�شدة ،والرفيق وقت ال�ضيق ،وهو بال �شك ديوان يحتاج �إىل وقفة بحثية مت�أنية. وكم كانت �سعادتنا عظيمة ونحن ن�ستقبل م�شاركات �شعراء الإمارات يف امل�سابقة ال�شعرية التي نظمها بيت ال�شعر يف �أبوظبي �ضمن فعاليات مهرجان �سلطان بن زايد للإبل هذا العام ،والتي خ�ص�صناها للق�صائد النبطية يف جمال الإبل املحليات الأ�صايل ،مع منح الأف�ضلية لبحور «الونة والردحة والتغرودة» يف حماولة لإحياء هذه الألوان الرتاثية. فالكثري من الق�صائد التي وردتنا ت�ستحق التقدير ،وهي تنهل من معني تراث الأجداد العذب جمددة يف �أحيان كثرية وحملقة بالق�صيدة يف �آفاق جتمع بني القدمي واملعا�صر ،مما يبعث يف نفو�سنا الطم�أنينة على م�ستقبل ال�شعر النبطي يف الإمارات. ونحن �إذ نن�شر هنا الق�صائد الفائزة باملراكز اخلم�سة الأوىل ،ف�إننا نهنئ كل من �شارك يف امل�سابقة وبذل جهداً من �أجل �إحياء هذه اللون ال�شعري اجلميل. ونتوجه بخال�ص ال�شكر والتقدير �إىل �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة حفظه اهلل رئي�س نادي تراث الإمارات الذي ال يدخر جهداً يف �سبيل �إحياء تراث الأجداد املادي واملعنوي ليدجمه يف ن�سيج احلياة املعا�صرة حمافظا على هوية الكائن واملكان ،والذي يويل اهتماماً عظيماً بال�شعر العربي عامة ،والنبطي خا�صة: ون�ضع بني �أيديكم الق�صائد الفائزة باملراكز اخلم�سة الأوىل ،كالتايل: ال�ف�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ائ��ز الأول: ال� �ف ��ائ ��ز ال� �ث ��اين: ال� �ف ��ائ ��ز ال �ث��ال��ث: ال� �ف ��ائ ��ز ال� ��راب� ��ع: ال�ف��ائ��ز اخل��ام����س:
ال�شاعر �سعد بن مرزوق الأحبابي. ال�شاعر مبارك يافور العامري. ال�شاعر بخيت بن �سامل بن خزينه املري. ال�شاعر حممد بن م�شيط املري. ال�شاعربخيت بن حم�سن بن حفيظ املزروعي.
دانات 80 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
()1 جات النواميس ونشر طاريها ال�شاعر �سعد مرزوق االحبابي ج����ات ال��ن��وام��ي�����س ون�����ش��ر ط��اري��ه��ا
ح�����ي ال���ع���ل���وم ال���ح��� ّي���ه وراع���ي���ه���ا ّ
ي��اه��ل اال����ص���اي���ل وال���ح�ل�ال ال��ن��ادر
ال��� ْم���ن���اف�������س���ه ن�����اداك�����م م��ن��ادي��ه��ا
���س��وق��وا ع��ل��ى ال��م��ي��دان ه��ج� ٍ�ن �ض ّمر
�����ي م�����ن ����ش���اف���ه���ا ي��غ��ل��ي��ه��ا غ������وال� ٍ
ف�����ي م����ه����رج����انً ك���ل���ن���ا ن����ف����رح ب��ه
ي��ح��ف��ظ ا����ص���ول ال��م��ا���ض��ي ويحييها
م��ت��ع��ه ون���وم���ا����س ورك�������ض وم���زاي���ن
و�����ض����ي����اف� ً ���ة ك� ً �����ل ي���ج���ي ن��ا���ص��ي��ه��ا
��ده ��را ل���ب���و ه������زاع ج�����زل ال���م� ّ ����ش���ك� ً
ال����� ّل�����ي ف���ع���ول���ه م����ح����دً ب��ن��ا���س��ي��ه��ا
م��ن م��در���س��ة «زاي����د» وي�شبه «زاي���د»
وم�����ن ل����ه ع����واي����د م���اه���و ْم��خ � ّل��ي��ه��ا
وال��ه��ج��ن ك��ن��ز ْم���ن ال���ت���راث الما�ضي
ون���ح���ب ح���ا����ض���ره���ا م���ع���ا م��ا���ض��ي��ه��ا
وان���ا ���س��رح ف��ك��ري م��ع��ا ال � ّل��ي تعر�ض
اهلل م���ن ع���ي���ون ال��ح�����س��د يحميها
ا���س��ت��وح��ي ْب���ي���وت ال��ق�����ص��ي��ده منها
ع���ل���ى ال��ت��ن��اف�����س م���اح���د ي��م��اري��ه��ا
��در ح���م���را م���ن خْ ���ي���ار ال���ح�ل�ال ال���ن� ّ
ال��� ّل���ي ت��ن��وم�����س را������س م���ن يقنيها
ك��ن��ه��ا م��ن خ��ي��وط ال��ذه��ب م�صبوبه
وك���ن ال��ح��ري��ر ال�����س��ن��د���س��ي كا�سيها
ان د ّب��������رت ت���ه���ن���ا ورح����ن����ا م��ع��ه��ا
وان اق���ب���ل���ت ق��ل��ن��ا اهلل ي��ح��ي��ي��ه��ا
وان ّ وق���ف���ت ب��ي��ن ال���ح�ل�ال و���ش��ا���ش��ت
ت���������س����اوت ع����ي����ون االوادم ف��ي��ه��ا
ال����را�����س واف������ي م�����س��ت��وي وم���ر ّب���ع
وت���اخ���ذ م���ن �آذان ال���ذي���اب اذن��ي��ه��ا
والخ�شم ي��اخ��ذ و���ص��ف خ�شم ال��د ّل��ه
ل����ي ����ص��� ّب���ه���ا ل���� ْ���ض���ي���وف���ه ْم��ق��ه��وي��ه��ا
وال��خ��د حجمه �شبر ع��ر���ض��ه طوله
و����ش���ب���ري���ن م����ن ل���م���ع� ّ ��ذر ْل��ل��ح��ي��ي��ه��ا
وط������ول رق���ب���ت���ه���ا ن���اه���ب��� ًا م��ق��دم��ه��ا
ك��� ّن���ك ح�����س��ب ت�����ص��وي��رك ْم�����س � ّوي��ه��ا
��ج���ا ن��ح��ر ت���ف���رق ب���ط���ول ال���غ���ارب ف� ّ
م���ع ع���ر����ض م��ن��ك��ب��ه��ا ودقّ اي��دي��ه��ا
��ح م���اه���ي ْب��م�����ص��ت � ّك��ه وزغ�������ون ف���ج� ٍ
وع�������ض���ود ن�������ش� ً ��ل ر ّب�������ك ْم��ح � ّل��ي��ه��ا
وخ� ً ����ف ���ص��غ��ي��ر اك���ب���ر م���ن ال��رب�� ّي��ه
�أو ك� ّ �����ف ب����ن����تً ت���ت���ع���ب ْم��ح � ّن��ي��ه��ا
����ن ����ض���ام���ر ����ي وب�����ط� ٍ وزو ًر ه��ل��ال� ٍ
ري������م ذع����ره����ا ب��ال��ق��ن�����ص رام��ي��ه��ا ً
و����س���ن���ام���ه���ا م���ت���ف���اه���ق وم���ت�������س���اوي
وف����ق����اره����ا م���ت���ن���ا����س���ق ْب���ورك���ي���ه���ا
وف����خ����وذه����ا ع����م����دان ف��� ّل���ة ت��اج��ر
ال���� ّل����ي ب���������أدق ال���ه���ن���د����س���ه ب��ان��ي��ه��ا
ً ً ن��خ��ي��ل ط��ال��ت ع�����ذق ف���ي وال����ذي����ل
ع��ل��ى ال����م����زارع وان���ق���ط���ع ���س��اق��ي��ه��ا
ج��م��ال��ه��ا ي�������س���رح ب��ف��ك��ر ال�����ش��اع��ر
ب���زي���ن ال��ت��وا���ص��ي��ف اهلل ْم��ح � ّل��ي��ه��ا
واذا رج����ع����ن����ا ل����ل����زم����ان االول
اه�����ل الإب�������ل ب����ارواح����ه����ا ت��ف��دي��ه��ا
م��ن دون��ه��ا ال��م��وت ال��ح��م��ر ي�شرونه
وم�����اك�����ل م���ن���ه���و ح���ب���ه���ا ي�����ش��ري��ه��ا
وي�����وم ال��ف��ق��ر وال���ن���ا����س ب�����د ًو رح��ل
��د ْي�����س��اوي��ه��ا ف ع���ي���ون اه��ل��ه��ا م���اح� ْ
ال����رج����ل م����اه���� ّم����ه ط����ع����ام ع��ي��ال��ه
�أه���������م �� ّ����ش�����ي ذل�����ول�����ه ْي���ع����� ّ��ش���ي���ه���ا
�سفن ال�����ص��ح��اري ق��اط��ع��ات الفرجه
ك����م رم����ل� ً ���ة ت���ط���وى ت���ح���ت رج��ل��ي��ه��ا
م���ن���اي���ح وم���ن���ه���ا ال��ع�����ش��ا وال���م���رك���ب
واف�����ض��ال��ه��ا ���ص��ع��ب ان���ن���ا نح�صيها
ورد ال��ج��م��ي��ل ال���ي���وم ح���ق وواج����ب
وم��ه��م��ا ب��ذل��ن��ا ال��ج��ه��د م���ا ن��وف��ي��ه��ا
وم��� ّن���ي «ل���ب���و ه�����زاع» ���ش��ي��خ ال��وق��ف��ه
ت����ح����ي� ً ���ة م�����ن خ����اف����ق����ي م��� ْه���دي���ه���ا
وق�����ص��ي��دت��ي تحكي ب��م��ا ف الخاطر
و����ش���ك���ر ًا ف���ي �أو ّل����ه����ا وف����ي ت��ال��ي��ـ��ه��ا
دانات 82 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
()2
على اهلل الواحد بديت الفال ال�شاعر مبارك بن يافور بن قران العامري ع� � �ل � ��ى اهلل ال� � � ��واح� � � ��د ب� � ��دي� � ��ت ال� � �ف � ��ال ت� ��زاح � �م� ��ت الأف� � � �ك � � ��ار واع � �� � �ص � ��رت ّن � ��وي جم� ��رب� ��ه وق� ��� �ص� �ي ��دت ��ي ت� ��� �ش� �ب ��ه ذل � � � � ��ولٍ ّ � � �ش � �ق� ��ر�أ حم� �ل� � ّي ��ه وحم� � �ف � ��وظ � �س��ا� �س �ه��ا ورا�� � � � � �ٍ � � ��س م� � � ��ر ّب� � � ��ع والأذاين ك� � ّن� �ه ��ا و�� �س� �ي ��ع م� �ن� �ح ��ره ��ا ع ��ري� ��� �ض ��ه خ� ��دوده� ��ا ي� ��� �ش ��دي ق� �ح ��ده ��ا ب ��ال� �ت ��وا�� �ص� �ي ��ف ك � ّن ��ه ر وم� ��ال� ��ت ع��روف �ه��ا ل� �ه ��ا م �ع��ر� �ص��ة � � �ش �ب� ٍ �دف م � �ن� ��اك � �ب � �ه� ��ا وورك � � � � � � � � ٍ�ن ت� �ع� � ّل ��ت ه� � � � � � ٍ ط � � ��وي � � ��لٍ غ� � ��ارب � � �ه� � ��ا ك � � �ب �ي ��ره ف � �ق� ��اره� ��ا ال � � �ف �ت��ر م� ��رك � �ب � �ه� ��ا وق � � ��اع � � ��د �� �س� �ن ��ام� �ه ��ا �وف م � � ��د ّور وزو ٍر زه � � ��ى م � ��ن حت � ��ت ي � � � � ٍ ي �ع �ج �ب��ك ن � ��وع ال� ��� �ص ��در ت �� �ش �ك �ي��ل ه�ي�ك�ل��ه وم � � � � � � � � ��ذار ٍع م � � ��ا ت � �ي � �ي� ��د ال� � �ل� � �ح � ��م ف �ي �ه��ا م �� �س �ف��وق��ة ال� �ع ��رق ��وب ت �ن �ع ����ش ب �� �س�يره��ا خ� � � � �ن � � � ��ا ٍيف ث � � ��ره � � ��ا وع � � �� � � �س� � ��م ا ْي� � ��دي � � �ه� � ��ا ن � �ع � �ي� � ٍ�م وب� � ��ره� � ��ا وا ِف � � � � َي� � � ��ه يف ع �� �ض ��اه ��ا �أدي� � � � �ب� � � � � ٍة م � � ��ا ي� ��� �ش� �ت� �ك ��ي م � � ��ن ي � �ق� ��وده� ��ا م� ��ن «ال � �ب� ��اب� ��ه» ت �ع � ّن ��ت و� � �ش � �دّت رح��ال �ه��ا مطلوبها «� �س��وي �ح��ان» الأ� �س �ب��اب وا��ض�ح��ه ت� �ه ��ذل ه ��ذي ��ل ال �� �س �ب��ع يف ق ��اف ��ر اخل�ل�ا مي � ��ال� � �ه � ��ا م � � ��ن ظ� �ه ��ره ��ا م � � ��ا ي� ��� �ش� �ت� �ك ��ي ّ ل� �ل� �م� �ه ��رج ��ان ال � � �ي� � ��وم ب� ��ال � �ف� ��وز ك � ّل �ف ��ت ي � ��اهلل ع �� �س��ى ال� �ن ��ام ��و� ��س وال� � �ع� � � ّز ف��ال �ه��ا ه � � � ��اذي و�� �ص ��اي� �ف� �ه ��ا وال ه� � ��ي ب �ك��ام �ل��ه
�� � �ش� � �ع � ��رٍ ب � ��دع� � �ت � ��ه م � � ��ن ن � �� � �س � �ي ��ج خ � �ي ��ال و�� � �ش � ��رب � ��ت م � � ��ن غ � �ي � �ث� ��ه غ� � ��دي� � ��ر زالل ال � � � � ّل� � � ��ي ع � �ل � �ي � �ه� ��ا ن� � ��� � �ض � ��رب الأم � � � �ث� � � ��ال م � � ��ن الأ�� � � �ص � � ��اي � � ��ل يل ح� ��� �س� �ي� �ن ��ة ف � ��ال رو� � � � � ��س احل � � � � � ��راب ْم� � � � ��ر ّك� � � � ��زات ْع � � � ��دال وحل � � � � ٍ�ي ط � ��وي � ��ل و� � �ض� ��اف � �ي� ��ه الأ� � �س � �ب� ��ال ق � � �ف � ��ا خ � � �ن � � �ج � ��رٍ م� � � ��ا ع � � � ّل � � �ق � ��ت مت � �ث� ��ال ورق� � �ب � ��ه ع� �ل ��ى و� � �ص� ��ف اجل � ��ري � ��د ْت� �ق ��ال وم� � ��اب � � �ي � � �ن � � �ه� � ��ن ب � � � ��اع � �ي� ��ن ل� � � �ل � � ��ر ّي � � ��ال �� �س� �ل� �ي� �ل ��ة ْم � � �� � � �س � � �دّا واجل � � � �ن � � ��وب ط� � ��وال وال� � � ��ذي� � � ��ل � � � �س � � � ّوال� � ��ه غ� � ��� � �ص � ��ون وم � � ��ال ب � �ي � ��ن امل� � � � � ��راف� � � � � ��ق ف � � � � ّي � � � ��ه وم � � � ��دخ � � � ��ال غ � � � ��ار ال� � ��ذي� � ��اب� � ��ه يف ع � � ��رو� � � ��ض ج� �ب ��ال �اي ب� � � � ��دوه� � � � ��ا ن � � � � � ��زاّل ن� � � � ��واع � �ي � ��ر م � � � � � � � � ٍ ل � � � � ��وال ال� � � � �ع � � � ��ذار ْم� � �ط� � � ّي� � �ع � ��ه ل � � � ْق � � ��ذال �وف م � ��ن و�� � �ص � ��وف غ � ��زال وف� �ي� �ه ��ا و� � � �ص � � ٍ ت � �ب � �غ� ��ي احل � �ق � �ي � �ق� ��ه ه � � ��ي را�� � � � � ��س امل � � ��ال ت� � �ن� � �ق � ��اد ل � � ��ك ل � � ��و م � � ��ا م � � �ع� � ��اك ح � �ب� ��ال ْت � �خ � �ل � �ط ��ه � � �س�ي��ر ال� � �ع� � � َي � � ْ�ل ب � ��ال� � �ه � ��روال ل� � ��ر ّك � � �ي � � �ب � � �ه� � ��ا داع� � � � � � � ��ي دع� � � � � � � ��اه ت� � �ع � ��ال غ � � � � ّ�ب ال � �� � �ص � �ل� ��ف ف � �ي � �ه� ��ا ت � � �ق � ��ول ي� �ف ��ال م� � � � ��رت� � � � ��اح ك � � � � ّن� � � ��ه يف ب� � � ��ري� � � ��د ظ �ل ��ال رب � � � � � ��ي ي� � �ت � ��اق� � �ي� � �ه � ��ا م� � � � ��ن ال � � �غ � � ��رب � � ��ال راع � � � � ّي � � � �ه� � � ��ا م� � �ن� � �ه � ��ا ي � � �� � � �ش� � ��وف هْ � � � � ��وال ال � � �ك� � ��ام� � ��ل ال� � ��رح � � �م� � ��ن ذو الإج� � �ل� � ��ال
()3
وين بلقى حايل شكلها ماله مثيل ال�شاعر بخيت بن �سامل بن خزينة املري وي� � � ��ن ب� �ل� �ق ��ى ح� � ��اي� � ��لٍ �� �ش� �ك� �ل� �ه ��ا م � ��ال � ��ه م �ث �ي��ل
م� �ث ��ل «م � �ن � �ح� ��اف» ت ��و�� �ص ��ف وم � �ث� ��ل �أ� �ش �ك��ال �ه��ا
ح � � ��اي � � ��لٍ ق � �ط � �م� ��ا خ� � �ف � ��اف وغ� � ��ارب � � �ه� � ��ا ط ��وي ��ل
ك� � ��ل م� � ��ا ع � � � � � �دّوا الأ� � � �ص� � ��اي� � ��ل ت� � �ع� � � ّد حْل ��ال� �ه ��ا
و ْرق� � �ب� � �ت� � �ه � ��ا م� � ��ارق� � ��ه وال� � �ل� � �ح � ��م ف� �ي� �ه ��ا ق �ل �ي��ل
وق � �ح � ��زه � ��ا �� � �ش �ب� ٍ�ر وال ه� � ��و ي� �ط� �ي ��ح ْق� ��ذال � �ه� ��ا
و�� � �ش � � ّ�ق م� �ن� �خ ��ره ��ا و� � �س � �ي� � ٍ�ع وع � �ل � �ب ��اه ��ا ج �ل �ي��ل
واخل � � �ب �ي ��ر ال � � � ّل � � ��ي ن � �ظ� ��ره� ��ا ع � � � ��رف م� �ث ��ال� �ه ��ا
�أذن � � �ه � ��ا م� �ت� �ق� � ّدم ��ه م � ��ن ت ��وا�� �ص� �ي ��ف الأ�� �ص� �ي ��ل
حلْ � � َي � �ه� ��ا ط� ��اف� ��ح وي� ��ره � �ب� ��ك � �ص �ف ��ق ا� �سْ �ب ��ال �ه ��ا
ت �ل �ع��ب ب �ح �ب��ل ال� ��� �ص ��رمي ��ه ك� �م ��ا ل� �ع ��ب ال �ه �ب �ي��ل
وا ْره � � �ب� � ��ت م � ��ن يف امل� �ن� �� ّ��ص ��ه ب� ��زي� ��ن ا ْق� �ب ��ال� �ه ��ا
وع �ي �ن �ه��ا ع �ي�ن امل� �ح� � ّن ��ك �إىل م� ��ن �� �ش ��اف م�ي��ل
ي� � � ��وم �� � �ش � ��اف امل� � �ي � ��ل يف � � �س � ��اع � � ٍة ي � ��رث � ��ى ل �ه��ا
�وف م �� �س �ت �ط �ي��ل زوره� � � � � � ��ا م � � �ت � � �ق � � � ّد ٍم ت � � ��و ج� � � � � � ٍ
وال � �غ � �� � �ش � �ي� ��م ي� � �ق � ��ول م� � ��ا ط� ��اع � �ه� ��م ب �ق �ف��ال �ه��ا
ت� �ت� � ّق ��ي خ� �ن ��اق ��ة اخل � �ط ��م يف ال � �ع� ��رف اجل �م �ي��ل
وي� ��� �ص� � ّف ��ق اجل� �م� �ه ��ور �� �س ��اع ��ة ي � �ح � ّ�ط ْج�ل�ال �ه��ا
وال � ��زغ � ��ون ْو� � �س� ��اع يف م �ن �ح � ٍر ي �� �ش �ف��ي ال �غ �ل �ي��ل
وك � � ��ن م� ��� �ش� � ّق ��ة � � �ش � � ّ�ق � � �س � �ي ��لٍ ي � �� � �ش � ّ�ق ْج� �ب ��ال� �ه ��ا
خ � � ّف � �ه� ��ا ك� � � ّن � ��ه م� � ��ن ال � � �ق� � ��اع م� � ��رت� � ��اب وذل � �ي� ��ل
وك � � ��نّ ق ��اف �ي �ه ��ا م� ��ن ال � �ن� ��ود � �ص �ل��ف ا ْر�� �س ��ال� �ه ��ا
ت� ��� �ص� �ط� �ف ��ق ك � � ْن � �ه� ��ا ط � � �م� � ��و ٍح ت� � ��ز ّي� � ��ن ل �ل �خ �ل �ي��ل
و ّده� � � � � � ��ا ب� ��ال � �ل � �ع� ��ب وت� � � �خ � � ��اف م � � ��ن ع� � � ّذال� � �ه � ��ا
اخل � �ب �ي��ر ال � � � ّل � ��ي ق � �ف� ��اه� ��ا وه � � ��و ع � ��اب � ��ر � �س �ب �ي��ل
ق � � ��ال � � �ض� ��اع ال � �ف � �ك ��ر يف ج �ن �� �س �ه ��ا وام� �ث ��ال� �ه ��ا
ر مي � �ث � � ّل � ��ه ج � � �ي� � ��لٍ ب � �ع � ��د ج �ي��ل م � � ��رك � � ��بٍ � � � �ش� �ب � ٍ
ك � � �ل � � �م � � � ٍة ب� � ��اق� � ��ول � � �ه� � ��ا وامل � � � �م � � � � ّث � � � ��ل ق� ��ال � �ه� ��ا
ال � �ف � �خ � ��ذ ج � � � � ��ذرا وع � ��رق � ��وب� � �ه � ��ا ك � � � ّن� � ��ه مي �ي��ل
وك � � � ��ل م � � ��ا ك � � � ّل� � ��ف ع� �ل� �ي� �ه ��ا ي� � ��زي� � ��د ْج � �ف ��ال� �ه ��ا
ق� �ي� �ن� �ه ��ا ق �ي��ن ال � �ف� ��ر�� ��س ال م � �ت �ي�ن وال ن �ح �ي��ل
وخ � � ّف � �ه� ��ا �� �ص� � ّب ��ه ع� �ل ��ى ال� � �ق � ��اع � � �ص� � ّ�ب ْري ��ال� �ه ��ا
ك� � ّن� �ه ��ا ظ � �ب� � ٍ�ي ي� � �ع � ��اود م � ��ع ال� ��� �ص� �ي ��د اجل �ف �ي��ل
اج � �ل � �ع ��ت م � ��ن رام� � � ��ي ال� ��� �ص� �ي ��د م � ��ن م �ق �ي��ال �ه��ا ْ
وال � �� � �س � �ن� ��ام م � � ��ر ّك � � ��بٍ ف� � � ��وق � � �س � � ّرت � �ه� ��ا ع ��دي ��ل
وذي و� � �ص� ��وف اجل� �ي ��ل الأول خ� � ��ذوه ْع �ي��ال �ه��ا
ج �ن �� �س �ه��ا ذا احل� �ي��ن م� ��ا ع� � ��اد ي� �ق� �ن ��اه ال �ب �خ �ي��ل
ع � � �ن� � ��د � � � �س � � �ل � � �ط� � ��انٍ ت � � �ع� �ي��ن وه � � � � ��و خ � � ّي� ��ال � �ه� ��ا
ب� � ��أ ْذك � ��ر اهلل و�أدّي ال� ��� �ص� � ّح و�أع � �ل� ��م ب��ال��ذب �ي��ل
ف� � �ك � ��رت � ��ي ه � � � � ��ذا ن� � �ظ � ��ره � ��ا وذا ف � ��� ّ��ص� ��ال � �ه� ��ا
دانات 84 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
()4 بديت بسم اهلل خالق عبيده ال�شاعر حممد بن م�شيط املري
ب� � � ��دي� � � ��ت ب� � ��� � �س � ��م اهلل خ� � � ��ال� � � ��ق ع � �ب � �ي� ��ده
� �س �ب �ح��ان��ه ال � � ّل� ��ي خ� �� � ّ�ص ب ��ال ��وح ��ي ج�بري��ل
ع � � �� � � �س� � ��اه ي � �ح � �ي � �ي � �ن� ��ا ح� � � � �ي � � � ��ا ٍة � � �س � �ع � �ي� ��دة
ون � �ل� ��وذ ب ��إ� �س �م ��ه م� ��ن ج �ه �ن��م وم � ��ن ال ��وي ��ل
� � � �س �ل ��ام ي� � � ��ا �� � �ش� � �ي � � ٍ�خ � � �ص � �ف � ��ات � ��ه ح� �م� �ي ��دة ي � � � � � � ��ارب ال� � � � � ّل � � � ��ي م � � � ��ا ي � � �غ � � � ّل� � ��ق ر�� � �ص� � �ي � ��ده
� �ش �ي� ٍ�خ ن� �ب ��اك �أ�� �ش� �ه ��ر م ��ن اجل� � ��دي و��س�ه�ي��ل ي � ��ا ن � ��ورن � ��ا ال ق � �ب � � ّل ع� �ل� �ي� �ن ��ا دج � � ��ا ال �ل �ي��ل
«� �س �ل �ط ��ان» يف م ��دح ��ك ت �ط �ي��ب ال �ق �� �ص �ي��ده
الن � ��ك ول � ��د «زاي � � � ��د» ع �� �س��ى ق �ب��ره ال �� �س �ي��ل
خ � ��ذي � ��ت م � � ��ن «زاي � � � � � � ��د» م � � ��زاي � � ��ا ع� ��دي� ��ده
اذك� � � � � ��ر ب� �ع� ��� �ض� �ه ��ا ل� � �ل � ��رج � ��ال امل� ��� �ش ��اك� �ي ��ل
ال � � �ع� � ��دل واحل� � �ك� � �م � ��ه وح � �� � �س� ��ن ال� �ع� �ق� �ي ��ده وع� � �ق � ��ل وث� � �ق � ��ل ر�أوراك ل� � � ّل � ��ي ت� ��ري� ��ده
واحل � �ل� ��م ال �� �ض ��اق ��ت � � �ص� ��دور احل�ل�اح �ي��ل
�� � �ش� � �ج � ��اع ال ن � ��ا�� � �ش � ��ت ح � � ��دي � � ��ده ح � ��دي � ��ده ك � � � � ��رمي م� � � ��ا خ� � � ّل� � �ي � ��ت لأح� � � � � � � ��دٍ � � �ش� ��ري� ��ده
و�� �ص�ب�ر و� �س �ع��ة �� �ص ��در و� �س �م��اح��ه وت���س�ه�ي��ل ت� �ل� �ط ��م �� �ش� �ب ��ا ال � �ع� ��اي� ��ل وال ت� �ق� �ب ��ل ْت �ع �ي��ل �أك � � � � ��رم ع� � �ب � ��اد اهلل ع � �ل� ��ى ال � � �ع � ��دل وامل � �ي� ��ل
ك � ��م ن� �ف� �� ��س م � ��ن م� � � � �دّة ي � � ��دك م �� �س �ت �ف �ي��ده
ت� ��� �ص ��رف ع� �ل ��ى امل � �ح � �ت� ��اج ه � �ي� ��لٍ ب �ل��ا ك �ي��ل ي� � ��ا ع� � � ��ون م� �ن� �ه ��و ي� ��� �ش� �ت� �ك ��ي ق� � � ّل � ��ة احل� �ي ��ل
اهلل مي � � � � ّه� � � ��ل ب� � � � ��ك � � � �س � � �ن �ي � ٍ�ن م � � ��دي � � ��ده � � �س � � ّوي � �ت � �ه� ��ا «دورة �� � �س � ��وي� � �ح � ��ان» �� �س� �ي ��ده
وي� �ك� �ف� �ي ��ك � � �ش ��ر �أ�� � �ص � ��ل امل� � �ك � ��ود امل� �ف ��ال� �ي ��ل ر ّت � �ب � �ت � �ه� ��ا م� � ��ن ف � ��اخ � ��ر ال � � � � � ��ورد �أك� ��ال � �ي� ��ل
ب � ��رع � ��اي � �ت � ��ك ع � � �ي� � ��دٍ ع � �� � �س� ��ى اهلل ي� �ع� �ي ��ده وملْ� �� � �س ��اب � �ق ��ه و� � �ص� ��ف ال� � ��ذل� � ��ول ا ْت � �غ� ��ري� ��ده
م � � ��زاي � � ��ن ورك� � � �� � � ��ض وجت� � � � ّم � � ��ع رج� ��اج � �ي� ��ل
وال خ� � � ��اب م� �ن� �ه ��و خ � ��اب � ��ر �إن� � � � ��ك ع� �ق� �ي ��ده
ا� � �س � �م � �ح � �ل� ��ي �آغ� � � � � � ��رد و�أج� � � � � � � � � ّر امل � � ��واوي � � ��ل
ل� � ��و ك� � � ��ان م � � � ْق� � ��در و� � �ص � �ف � �ه ��ا يف ن �� �ش �ي ��ده ي ��ال� � ّل ��ي ت� �ب ��ي و� � �ص� ��ف ال � ��ذل � ��ول ال� �ف ��ري ��ده �أخ � � � � ��ذت م � ��ع خ� � � � ّد ال � �ظ � �ب� ��ي خ � � ّف � ��ت اي � ��ده
ال �� �ش ��ك ب� � � ْوج � ��ز دون �� � �ش � ��ر ٍح وت �ف �� �ص �ي��ل م � ��ن ال � �ظ � �ب� ��ا ف� �ي� �ه ��ا وف � �ي � �ه� ��ا م � ��ن اخل� �ي ��ل ر�أ� � � ��س م ��ن ال� �ف ��ر� ��س ْف � �ق ��ار وم � �ع � � ّذر وذي ��ل وان زاي � � �ن� � ��ت م� � � ّث � ��ل ب � �ه� ��ا خ �ي ��ر مت �ث �ي��ل
ان دره � � �م� � ��ت ك� � ��ن زول � � �ه� � ��ا زول � �ص �ي ��ده ن� ��� �ص� �ب ��ا االذن ك� � � ��نّ ارق � �ب � �ن � �ه� ��ا ج� ��ري� ��ده
وخ� � �ف � ��وف� � �ه � ��ا م � � ��ا ك� � � ّن� � �ه � ��ا �أال ف� �ن ��اج� �ي ��ل
ط� ��وي � �ل� ��ة ال� � � �غ � � ��ارب م� � ��ا ي � �ح � �ت� ��اي �أزي� � � � ��ده
و� � �س � �ن� ��ام � �ه� ��ا م� � �ت � ��و� � ّ��س � � ٍ�ط م � �ث� ��ل م� � ��ا ق �ي��ل
�� �س� �ل� �ح� � ّي ��ة ال � � ��ذرع � � ��ان وال � �ن � �ح� ��ر �أح� � �ي � ��ده ف � � � � ّج ال � �ع � �� � �ض� ��ود وزوره � � � � � � ��ا ك� � � َن � ��ه ح� �ي ��ده
ي� ��� �ش� �ب ��ه ل� � �ب � ��واب � ��ة ق � �� � �ص� ��ر ن � � � � ��ادر اجل� �ي ��ل وال � �ط� ��ول راج� � ��ي وال� �ظ� �ه ��ر ك� � َن ��ه ت�ف���ص�ي��ل
دانات 86 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
()5 م الساحل الغربي ال�شاعر بخيت بن حم�سن بن حفيظ املزروعي م ال �� �س��اح��ل ال �غ��رب��ي ون��ا� �س��ه وم ��ن فيه
ل �ل �� �س ��اح ��ل ال� ��� �ش ��رق ��ي ج� �ن ��وب ��ه و�� �ش ��ام ��ه
� �س�ل�ام م ��ا ي �ن �� �ش��ى احل �ي ��ا م ��ن م�ن��ا��ش�ي��ه
وم � � ��ا ه � � � ّ�ب ذع� � � � ��ذاع ال� �ن� ��� �س� �ي ��م ب �ن �� �س��ام��ه
وم� ��ا الح جن� � ٍ�م يف � �س �م��ا ال �ل �ي��ل � �س��اري��ه
وم� � � ��ا ب� � � ��ان ف� � �ج� � � ٍر واجن� �ل ��اب � � ��ه ظ�ل�ام ��ه
�� �س�ل�ام ف� �ي ��ه ال � �ع� ��ود الأزرق خم ��اوي ��ه
ال � � � ّل � � ��ي م � � ��ع ال� � �ت� � �ج � ��ار غ � � � ��ايل م� ��� �س ��ام ��ه
ي �ه��دي ع �ل��ى «ن ��اه ��ل» وق �� �ص��ره وراع �ي��ه
ه � � ��د ْو الأ� � �ص � �ي� ��ل ال � � ّل� ��ي ي � �ق� ��وده خ �ط��ام��ه
ي � �ه� ��دى ع� �ل ��ى �� �ش� �ي � ٍ�خ رف� �ي� �ع ��ه م �ع��ان �ي��ه
اب� � ��ن ال ��زع � �ي ��م و� � �س ��ا� ��س ب� �ي ��ت ال ��زع ��ام ��ه
«� �س �ل �ط��ان ب ��ن زاي� � ��د» �إيل ح � � ّل ط��اري��ه
ك � � � � � ٍّ�ل ي � � �ن � � � ّع� � ��م ب � � � ��ه ب� � � ��� � � �ص � � ��ادق ك�ل��ام� ��ه
ي�شهد ل��ه �أق���ص��ى ال�ن��ا���س وال � ّل��ي يواليه
من� � � � � ��رٍ مي� � � � ّث � � ��ل ه � �ي � �ب � �ت� ��ه واح � �ت� ��رام � � � ��ه
و«�� �س� �ل� �ط ��ان» ح� � � ٍّر ي� �ج ��ذب� � ّن ��ه جم��ان �ي��ه
�� �س ��ا� ��س ال� � �ن � ��داره وال� �ف� �خ ��ر وال� ��� �ص ��رام ��ه
ول � ��ه ه �ي �ب � ٍة ت� � ��درى وت ��رج ��ى ح���س��ان�ي��ه
ورو� � � � � � ��س امل� � � ��راج� � � ��ل ك � �ل � �ه� ��ا يف ح� ��زام� ��ه
�أب � � � ��وه «زاي � � � � ��د» وال � �ف � �خ ��ر يف م ��راك �ي ��ه
«زاي� � � � � ��د» وراه وم � � ��ن مي� �ي� �ن ��ه و�أم � ��ام � ��ه
وف �ع �ل��ه وط �ي �ب��ه ع �ن��د � �ش �ع �ب��ه ون��ا� �ص �ي��ه
م� �ث ��ل ال� ��� �س� �ح ��اب ال � � ّل� ��ي ت� �ه ��ام ��ل غ �م��ام��ه
ول ��و مب��دح��ه م��ا ا ْوف �ي ��ت ح � ْق��ه مب��ا فيه
وراع � � � � ��ي ال� � �ك �ل��ام ي � �ق � � ّل ع � �ن � ��ده ك�ل�ام ��ه
�أح � �ي� ��ا ت � � ��راث �أ�� �س�ل�اف� �ن ��ا واع� �ت� �ن ��ى ف�ي��ه
و�أع �ط��ى ال �ت�راث احل� � ّر ج � ّل اهتمامه
ت ��راث� �ن ��ا ال � � ّل� ��ي ح ��ا�� �ض ��ره غ �ي�ر م��ا� �ض �ي��ه
م��ا� �ض �ي��ه غ�ي�ر وح ��ا�� �ض ��ره ل ��ه ع�لام��ه
ومب � � ��زاي � � ��ن« � � �س� ��وي � �ح� ��ان» ك � � � ٍّ�ل ي �ه � ّن �ي��ه
م� � � ��زاي� � � � ٍ�ن ع � �ل � �ي� ��ه ب� ��� �ص� �م ��ة ْب � �ه� ��ام� ��ه
م � � � ��زاي � � � � ٍ�ن ل � �� � �ص� ��اي� ��ل ال � � � � � � ��دار داع� � �ي � ��ه
ولأه � � ��ل امل �ح �ل � ّي ��ات «� �س �ل �ط ��ان» ق��ام��ه
وج � ��ت ك ��ل �أ�� �ص� �ي ��لٍ زي �ن �ه��ا ي �ن �ح �ك��ى ف�ي��ه
م� ��ا ك� � ّن� �ه ��ا �إال ع�ي��ن زرق � � ��ا ال �ي �م��ام��ه
يف زي � �ن � �ه� ��ا حت � �ت � ��ار الأن� � � �ظ � � ��ار وال� �ت� �ي ��ه
وراع ��ي ال�ن�ظ��ر فيها ي�ضيع احتكامه
يف زي� �ن� �ه ��ا م � ��ا ج � ��ا م� �غ ��ال ��ط وت �� �ش �ب �ي��ه
وم� ��ن ب�ي�ن�ه��ا ف� ��رق ال �ن �ق��ط ب��ال�ع�لام��ه
وان ج �ي��ت �أو� ّ��ص ��ف زي �ن �ه��ا وي ����ش �أح � ّل �ي��ه
ووي � ��ن ال� �ك�ل�ام ال� � ّل ��ي ي �ك � ّ�ف ال �ق��رام��ه
�أ� � �ص� ��اي� ��لٍ م� �ث ��ل ال� ��ذه� ��ب م� ��ن جم��ان �ي��ه
م �ث��ل ال ��ذه ��ب ي �ف��رق ب���س�ع��ره ْج��رام��ه
ل � �ه ��ا وط � � ��ن «زاي� � � � � ��د» م � �ق � � ٍّر رب � � ��ت ف �ي��ه
ويف دار «زاي � � ��د» � �س��ا� �س �ه��ا وال �ق��دام��ه
و�� �ش ��اه�ي�ن ف �ي �ه��ن م �� �س �ق �ي ��اتٍ � �س��واق �ي��ه
و«ه �م �ل��ول» و«اخل �م��ري» ت�ك� ّ�ف امل�لام��ه
�أ�� � �ص � ��ل �� � �س �ل��االت احل� �ل� ��ال وم ��وا�� �ش� �ي ��ه
يف وق �ت �ن��ا احل� � ��ايل وم ��ا�� �ض ��ي ع��وام��ه
ي� � ��وم ال � ��زم � ��ان ال � � ّل� ��ي ق �ل �ي �ل��ه م �� �س��اع �ي��ه
ع ��ا�� �ش ��وب� �ه ��ا ه � � ْل � �ه ��ا ب � �ع � � ّز و�� �ش� �ه ��ام ��ه
وي � ��اك � ��م غ � ��ري � ��بٍ � � �ص� ��وب داره ت� ��و ّدي� ��ه
وي� ��اك� ��م ت �ق � ّ�ط ��ع م� ��ن ق� �ف ��ور وم �ت��ام��ه
وال � � �ي� � ��وم ج � ��ا ت� �ك ��رمي� �ه ��ا ع � �ن� ��د داع � �ي� ��ه
يف دار «زاي� � � ��د» ي ��رح ��م اهلل ع �ظ��ام��ه
م � ��ن غ �ي��ر دورات ال� ��� �س� �ب ��اق ون � ��وادي � ��ه
ل� ��زي� ��ان � �ه� ��ا ح� � � � ّ�ط امل � � ��زاي � � ��ن ك� ��رام� ��ه
وان ْاح �� �ض��رت ف ال���ش��وط ح �م � ٍر منابيه
ي� ��ا ل ��ون� �ه ��ا ال� ��� �ص ��ايف ب ��ري ��ق ون �ع��ام��ه
دانات 88 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
و� �ش �ق ��رٍ خ� ��ذت م ��ن ن ��اع ��م ال� �ل ��ون ��ص��اف�ي��ه
و�� �س� �ح � ٍ�م ع �ل �ي �ه��ا زان ل � ��ون ال �� �س �ح��ام��ه
م� � ��ن � � �ش� ��اف � �ه� ��ا ك � �ث� ��رت ع� �ل� �ي� �ه ��ا مت ��ان� �ي ��ه
ل� � ��و �أن م� � ��رج� � ��وع ال � �ت � �م � � ّن� ��ي ن� ��دام� ��ه
وق � � �ن� � ��ا ّي � � �ه� � ��ا ع� � � � ّل � � ��ق ع � �ل � �ي � �ه� ��ا �أم � ��ان� � �ي � ��ه
ون ��ام ��و�� �س� �ه ��ا ج� ��ال� ��ه ف� � ��رح واب �ت �� �س ��ام ��ه
�أ�� � � �ص � � ��اي � � ��لٍ م � � ��ا روث� � � �ه � � ��ا ي � �ن � �ت � �ع� ��ب ف �ي��ه
وم � � � ��ن ع � � � ّزه� � ��ا ي � � � ��اهلل ت � ��رف � ��ع م� �ق ��ام ��ه
وال � �ع� ��زب� ��ه � ْأل �أ� � �س� ��م الإم � � � � � ��ارات حت��وي��ه
ك� ��ل ال� �ق� ��� �ص ��اي ��د ْل � �ه� ��ا ت � �ه� ��اوى ح �م��ام��ه
ع � ��زب � ��ة ملْ� � � � � � ��ارات ا� � �س � �م � �ه ��ا ن� �ف� �ت� �خ ��ر ف �ي��ه
ب �� �س��م ال ��وط ��ن وال �� �ش �ع��ب ق� ��در وك ��رام ��ه
ال� � �ع � ��زب � ��ه ال � � � ّل� � ��ي ك� � ��ل �أ� � � �ص � � �ي � ��لٍ ت ��ر ّب � �ي ��ه
و� � �ض � � ّم ��ت ل� ��� �ص ��اي ��ل يف ك� �ن� � ّف ��ا � �ض �م��ام��ه
ف �ي �ه��ا ذالي � � ��ل الأ�� � �ص � ��ل و�أغ� � �ل � ��ى غ��وال �ي��ه
ال � � ّل� ��ي ب� �ه ��ا ال� ��� �ش ��اع ��ر ي ��و� ّ��ص ��ف ك�ل�ام��ه
وان د ّب � � � � ��رت وان ق � � ّب � �ل ��ت ب��ال �ت �� �ش��اب �ي��ه
ج �ي ����ش ال � �ب�ل��اد ال � � ّل� ��ي م� �ط� �ي � ٍ�ع ن �ظ��ام��ه
وان د ّب � � � ��رت ع � �ج �ل�ات وال � �� � �س �ي�ر مت �ط �ي��ه
م �� �س �ت �ن �ف��ره ب ��ال �� �س�ي�ر و ْل � �ه� ��ا ا ْل �ت �م ��ام ��ه
وك � ْن �ه��ا ال�ق�ط��ا ال � ّل��ي اله ��ب ال�ق�ي��ظ ح��ادي��ه
واال ال � �ن � �ع� ��ام ال � � � ّل � ��ي جت � � � ��اول ن �ع��ام��ه
وم � ��ن ال �ظ �ب ��ي ف �ي �ه��ا و� � �ص� ��وف وت �� �ش��اب �ي��ه
وم � ��ن ك� ��ل و� � �ص� � ٍ�ف زي � ��ن ف �ي �ه��ا و� �ش��ام��ه
وم� � ��ن الأ�� � �س � ��د ت ��اخ ��ذ و�� �ص ��اي ��ف ع�لاب �ي��ه
وم� � ��ن ال� �ف� �ه ��د ت ��اخ ��ذ م� ��رون� ��ة ع �ظ��ام��ه
ك� ��ن را�� � ��س وح� ��د ّت� ��ن حت� ��ت رو�� � ��س �أذان � �ي� ��ه
را� � � ��س احل � �� � �ص ��ان ال � � ّل � ��ي م� �ل� � ّي ��م ل �ي��ام��ه
ل � ��را� � ��س خ �� �ش �م��ه م �ن �ط �ل��ق م � ��ع ل ��واح� �ي ��ه
ط � � ��وال ال� � �غ � ��وارب يف ي ��دي� �ه ��ن ع �� �س��ام��ه
حت� ��ت «ح� �ف� �ي ��ت ال � �ع�ي��ن» ت ��رع ��ى م��راع �ي��ه
وب�ين «ال�ف�ل��ي وال��ذي��د» و�أي���ض�اً «م��دام��ه»
وف �ح��ول �ه��ن «ظ� �ب� �ي ��ان» و«امل� ��� �س ��ك» ث��ان �ي��ه
و«�� �ص ��وغ ��ان» ف �ي �ه��ن � �س��اب �ح��اتٍ ع�ظ��ام��ه
�رح � ��وه � ��ا ل� �ل� �م� �ن� �� ّ��ص ��ه ب� �ت ��وج� �ي ��ه يل �� � �س � � ّ
ك� � ْن� �ه ��ا ل � ��و ج� �ي� �� � ٍ�ش م� ��� �ش ��ى ب��ان �ت �ظ��ام��ه
ت � �ت � ��وج � �ي � �ه � ��ا ك� � � � � � � ٍّ�ل ب � �ع � �ي � �ن� ��ه ي � ��راع� � �ي � ��ه
يف حم � �ف � ��لٍ ف � ��وق � ��ه ت � �خ ��اف ��ق �أع �ل��ام � ��ه
وج � �م � �ه� ��وره� ��ا و ّق � � � ��ف و� � �ص � � ّف � ��ق ب� �ي ��ادي ��ه
وت� �ت ��وي� �ج� �ه ��ا ال � �ب�ي��رق ن � �ه� ��ار ازدح � ��ام � ��ه
ول � �ب�ي��رق «ال � �ظ � �ف� ��ره» �إىل ج � ��ات حت�م�ي��ه
ت� ��اخ� ��ذ ن ��وام� �ي� ��� �س ��ه وت� �ل� �ب� �� ��س و�� �س ��ام ��ه
م� � ��زاي� � ��ن «ال � � �ظ � � �ف� � ��رة» ل � �ه� ��ا وق � � �ف � � � ٍة ف �ي��ه
وم � ��زاي � ��ن «�� �س ��وي� �ح ��ان »ج� ��ال� ��ه خ �ت��ام��ه
يف و� �ص �ف �ه ��ن م � ��ا ن� �ي ��ب ج� ��اه� ��ل وغ� ��اوي� ��ه
ون��اخ��ذ م��ن ال��و� �ص��ف احل�ق�ي�ق��ي خ��زام��ه
م � ��ن و�� �ص� �ف� �ه ��ن ذك � � � ��رت ن � �ب � ��ذه وت� �ن ��وي ��ه
وال ق� � ��ول ّ مت � �ي� ��ت ال ��و�� �ص ��اي ��ف تمْ ��ام ��ه
ال��و� �ص��ف � �ص ��وب �أف � �ع ��ال ي ��ا م���س�ت�م��ع ف�ي��ه
و ْل � �ه ��ا م ��ن ال ��و�� �ص ��ف امل ��و� ّ��ص ��ف ��س�ن��ام��ه
ح � �م� ��رٍ ط � ��وي � ��لٍ �� � �س� � � ْد َوه � ��ا حت � ��ت خ��اف �ي��ه
وان ْاح �� �ض��رت ف ال���ش��وط ت��اخ��ذ ْزم��ام��ه
ال � � ��زي � � ��ن ف � �ي � �ه� ��ا ن � ��ا� � � �ش � � �ي � ��اتٍ ن� ��وا� � �ش � �ي� ��ه
يف زي� �ن� �ه ��ا � �ص �خ��ف وح� �ل ��اه وج �� �س��ام��ه
وال ��و�� �ص ��ف يف «م� �ن� �ح ��اف» زان� � ��ت ق��واف �ي��ه
وم � ��ن ب �ي �ن �ه��ا واف � �ع � ��ال ق �� �س��م وق �� �س��ام��ه
«م� �ن� �ح ��اف» ف �ي �ه��ا ال ��و� �ص ��ف ي� � ّل ��ي جت��اري��ه
ي���ص�ع��ب ع �ل��ى ال �� �ش��اع��ر وي �ع �ج��ز �إل �ه��ام��ه
وان ج�ت��ك «م�ن���ص��وره» ع��ط ال�ق��و���س ب��اري��ه
ح� � ّ�ط� ��ت ع� �ل ��ى زي� � ��ن ال � ��زي � ��ان ال �ع�ل�ام ��ه
يل ج � � ��ات وخ� � �ط � ��ام ال �ق �ل �ي �� �ص ��ه ت� �ب ��اري ��ه
ول ��را� � �س � �ه ��ا ف� � ��وق اخل� � �ط � ��ام ا ْل� �ت� �ط ��ام ��ه
ث� �ل��اث ف �ي �ه��ا ال ��و�� �ص ��ف ي ��زه ��ى وت��زه �ي��ه
وج� �م� �ه ��وره ��ا م �ع �ه��ا ْي � �ح� ��ذف ال �ع �م��ام��ه
و�إىل ْاح �� �ض��رت ف ال �� �ش��وط ت��اخ��ذ حت� ّدي��ه
يف حم� �ف ��ل ال � ��زي � �ن � ��ات ي � � ��وم ازدح � ��ام � ��ه
ب� � ��� � �س� � � ْم � � � �ش � � �ج� � ��ا ٍع ح � � � ّق� � ��ق اهلل مت ��ان� �ي ��ه
«� �س �ل �ط��ان �أب� � ��و ه � � � ��زاع» ع��ا� �ش��ت �أي ��ام ��ه
من أمثالنا 90 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
�أربعة َ�ش ّلوا ِج َمل �شالهم. واجلمل ما ُ َ
ير�سمها هذا العدد الفنان /حممد بريم
خبزك اخلب ْاز َ � ْأعطي ّ ن�صه .. لو َك ْل ّ
ألسنة عربية 92 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
تعك�س جتارب الرجال يف احلب واحلرب والأدب
أغاني الزراعة في اليمن تراث غني في انتظار البحث والتوثيق حممد �صالح البخيتي عرب الع�صور املختلفة مل تقت�صر الأغاين يف املجتمع العربي على جل�سات ال�سمر �أو الأفراح واملنا�سبات ال�سعيدة ،بل كانت جزءاً من احلياة اليومية للإن�سان الب�سيط ،حتى يف �أثناء القيام بعمله ،على تنوع واختالف هذا العمل .فكان الغناء و�سيلة للتخفيف من وط�أة العمل ،و�شحذ الهمة وبث احلما�س يف نفو�س العمال .ولأن الأعمال الزراعية كانت يف املا�ضي هي املهنة الرئي�سة الأوىل للمواطن العربي ،وهي التي ت�شكل يومه وغده ،كان من الطبيعي �أن يكون لها ن�صيب وافر من الأغاين ال�شعبية يف تاريخ الوطن العربي ب�شكل عام ،ولعل هذا ما يجعل �أغاين الزراعة مو�ضوعاً غنياً ي�ستحق الزيادة من البحث والدرا�سة.
يف اليمن؛ كانت الأغنيات ال�شعبية التي عرفت با�سم الأهازيج �أو «املهاجل»� ،أداة من �أدوات الزراعة ،فطاملا وجدت �أطيان زراعية و�أدوات زراع��ة ف�لا ب��د م��ن وج��ود الأغ ��اين واملهاجل الزراعية ،فهي للفالح مبثابة املزمار للراق�ص التي حترك القوة الكامنة يف نف�سيته وجتعله يوا�صل عمله على �أنغامها التي يرددها هو �أو مزارع بجواره بالتناوب مع مزارع �آخر.
الأغاين واملهاجل
والأغاين كلمات و�أبيات �شعرية تردد ب�أ�صوات مرتفعة م�سموعة �إىل م�سافات بعيدة ،فيما املهاجل كلمات موزونة تردد ب�أ�صوات عادية منخف�ضة مثلما يخاطب ال�شخ�ص �شخ�ص ًا قريب ًا منه .ففي �أعمال �شرف الذرة على �سبيل املثال تتزامن حركة الأي��دي وحركة اجل�سم م��ن الأع�ل��ى �إىل الأ�سفل م��ع �إي�ق��اع ك�شك�شة �أعواد ال�شرف مع ترانيم الأغاين واملهاجل، فت�صبح حركة الفالح حركة ال �إرادية ت�سريها هذه الأنغام والإيقاعات مثلما تتزامن �أنغام املزمار مع حركة الراق�ص ،ف ��إذا ت�سارعت الأنغام ت�سارع العمل و�إذا توقفت توقف. ويف الأه��ازي��ج والأغ ��اين؛ هناك الكثري من املقاطع احلربية التي يردد املزارعون خالل �أدائهم لأعمالهم ،فهم مل يهتموا بالناحية االقت�صادية واالجتماعية فقط ،بل اهتموا بق�ضايا ال��وط��ن الع�سكرية وال�سيا�سية. وللأعمال الزراعية مغان ومهاجل ي�ؤديها املزارعون لتخفف عنهم التعب بل وتطربهم وت�سليهم فيمر عليهم الوقت وقد �أنهوا مهامهم من دون �أن ي�شعروا بتعب ،ولكل عمل مهجل ومغنى خ��ا���ص ب��ه اب �ت��داء م��ن ح��رث الأر���ض فالتليم فالفقوح فال�شزوز فال�شرف فال�صراب بنوعيه القالمة وقطع الق�صب �أو جحوح الزرع. ومن �أ�شهر الأغاين الزراعية العاطفية: يا بنات يا بنات يا طالعات حايط القات الكعوب م�شرغات وال�سطر مكتوب جالالت ليتني عندكن �سكر نبات و�سط كلوات
�صورة ملزرعة يف «�آب»
تتوقف عند فتحات امل�سام ،وه��و دليل على اجل�سم الناعم. ويوا�صل ال�شاريف للذرة الأغاين العاطفية التي تبد�أ بواو الق�سم هكذا: والنبي والق�سم ما جيت اطلب معي�شه جيت ا�سلي على قلبي كما القلب ري�شه والنبي لو دريت �إن �أنت يا نُ الب غايل ال افرد املقرمة واجني مع كل جاين والنبي لو دريت �إن املحبة تبكي ما تولعت بابن النا�س وال �أحمنت قلبي والنبي لو دريت �إن الكحل يجلي العني ال انزل�ش يالعدين وادي خللي بقر�شني والنبي والق�سم لوما ت�ساعد وترحم
كان الغناء وما زال وسيلةللتخفيفمن وطأة العمل وشحذ وال�شروغ وامل�شرغ هو الذي يظهر منه قطرات الهمة وبث الحماس بخار امل��اء اخلفيف �أو قطرات العرق التي في نفوس العمال والمزارعين
ال احب�سك بالر�سم واقيدك قيد مبهم والنبي يا اخ�ضر اللون �إن هجرك ظالمه �إن هجرك عليا مثل يوم القيامة واهلل �إنك حبيبي ما مع حد ببق�شه يا ع�سل يف �صياين ما حد ا�سرت يغ�شه واهلل �إنك حبيبي يا حبيب ال�سالمه يا اخ�ضر اللون �ساعدين وخل العدامه واهلل �إنك حبيبي لو تقوم القيامه لو جتحدل جبل �ضوران ينزل تهامه أغان تبتدئ بياء املخاطبة مثل: ون�صل منها �إىل � ٍ
يا ع�ضات اجلبل يا مورقة يا مظلة ظللي يل على املحبوب وان��ا يل اهلل
وقد يجد ال�شاريف نف�سه وقد جتاوزت املحذور بالألفاظ الغزلية فيعود �إىل عقله ويعاتب ل�سانه الذي ردد كلمات عاطفية بقوله يف املهجل: اطلب اهلل يا ل�ساين/خري دامي ال تلغوى لغو ثاين /خري دامي
ألسنة عربية 94 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
ال�شراف مبا �شاهده و�أث��ر يف نف�سيته وهو يف طريقه �إىل اجل��رب��ة حيث وج��د بنية حديثة العهد ب��ال��زواج والعي�ش بقريتهم بعيد ًا عن قرية �أهلها وقد دار بينه وبينها احلديث التايل الذي ترجمه يف قالب �شعري: يا بنية بجنب الدار كم ل�ش هنية قالت �إين هنية ذيب �أف�سر غبوين ذيب �أف�سر لبي و�أمي ولني �أ�صلوين �سرحوين بالد ال اعرف وال يعرفوين لب�سوين قمي�ص �أبي�ض وقالوا ك�سوين لب�سوين خرز وعوع وقالوا حلوين
خل قالب املعاين /خري دامي خلها ال يوم ثاين /خري دامي ومن املهاجل: يا م�صلي يا مفيد داخل اجلنة �شهيد كم معك من فايدة يا �صالة اهلل مالح طني مالرباق الح بارقه ال الح الح ما لهم بردوا حل ما وردوا
�أهازيج عر�س ومالحم تاريخية
مل تقت�صر الأه��ازي��ج ال��زراع�ي��ة على الغزل والأغ ��اين العاطفية ،فتطرقت �إىل املواقف التاريخية املهمة مثل هذا البيت:
يا جبل كوكبان ظلت عليك الغمامة خربوا دايرك والرتك حتتك منامة
وبالطبع ه��ذه الأغ���اين م�شرتكة يف �أع�م��ال الزراعة و�أعمال العر�س. وعندما يو�شك ميعاد الرواح ي�صلون على النبي ك�إ�شارة �إىل ق��رب انتهاء العمل اليومي بهذه الأغ ��اين التي ال تخلو م��ن م�سحة ح��زن على املحبوب املفقود الذي توارى حتت الرتاب: ال�صالة دامية واملوت خمبي خبية �ساع بز الهنود ما يخرج �إال هدية �آح يا �أهل الهوى ال ارعاكم اهلل �شهادة كيف تبزوا دقيق اخل�صر قوق القعادة ويف ال��دق��ائ��ق الأخ�ي�رة م��ن العمل ال ب��د من ال�صالة على النبي املغنى: ال�صالة يا ح�ضور �صلوا على باهي النور ذي �سراجه يدور واملحجرة من جبا الدور وال�صالة للنبي واحلمد هلل لربي تبلغ الها�شمي وامل�صطفى نور قلبي مروح الليل واهلل ما من الليل حيلة يا اهلل اليوم رزق ال�سهل من غري حيلة ليلك الليل يا �سامر بجنب الطويلة ليلك الليل واهلل ما من الليل حيلة
والبيت ي�شري �إىل دول��ة الأت� ��راك يف اليمن، والغمامة هي ال�سحب ،وطاملا ظللت جبل كوكبان فهذا دليل على قد�سيته ،وق��د �أو��ض��ح البيت خراب كوكبان فوق ر�ؤو�س القوات الرتكية ،و�إن كان زمن الأغنية غري حمدد بدقة. ومل ين�س ال�شاعر ال�شاريف �أن يخرب زمالءه وعندما يحني ميعاد الرواح تردد املهاجل هكذا: وعندما تغيب ال�شم�س يتمنون �أن تت�أخر ياهلل اليوم اجلمالة حتى يكملوا العمل وقد ع�بروا عن موقفهم «المهاجل»للمزارعفي يا جممل كل حالة باملهجل التايل الذي �أطلق على ال�شم�س ا�سم اليمنكالمزمارللراقص جمله جملت حاله «اللماعة»: تحركه وتجعله يواصل غابت اللماعة ويف طريق العودة �إىل البيت جند بيد كل عائد أنغامها على عمله ليت عادي �ساعة «لعا�ص يلع�صها» واللعا�ص هي �أح��د �أع��واد
التي يرددها بمفرده أو بالتناوب مع مزارع آخر
ال ��ذرة ال�ت��ي مل ت�خ��رج �سبولتها فاحتفظت بغذائها فيها ف�صار طعمها �أ��ش�ب��ه بطعم ق�صب ال�سكر وت�سمى قطنة لهذا جند من يغني بقوله:
وال �� �ش��رك �� �س��ي � �س��ارح ذم� ��ار يعبل وال ع �ط ����ش ع ��ر� ��ض ي �ج��ر ل �ع��ا���ص
وكلمة ال�شرك�سي مرت�سبة م��ن الأي ��ام التي ك��ان فيها ال�شرك�س يف اليمن �ضمن اجلي�ش العثماين ،فقد �أطلقوها على ال�شخ�ص اجلميل �سواء كان ذكر ًا �أو �أنثى ،ومنها قول املغني:
ي��ا �شرك�سي ي��ا ع��اق��ل ال�شراك�س ي ��ا ع ��اق ��ل ال �ع �ق ��ال ح ��ق ال��دغ��اب ����س
مهاجل ال�صراب
يقال يف املثل «بيننا يا ذرة يوم ال�صراب»، ف ��ال ��ذرة مت��ر مب��راح��ل من��و خ�ل�ال خم�سة �شهور ،وعندما يالحظها امل ��زارع وه��ي يف مرحلة �شبابها وي�سره منظرها يتذكر قرب «ح�صادها» فيخاطبها بينه وبني نف�سه بقوله «بيننا يا ذرة يوم ال�صراب» ففي يوم ال�صراب يتم قطع ر�ؤو�سها �أو ًال ثم قطع ق�صبها فت�صبح بعد قيامها وتيهانها مرمية على الأر���ض يف منظر ي�شبه جثث بني �آدم وق��ت احل��روب
األغاني كلمات تردد بأصواتمرتفعة مسموعة إلى مسافات بعيدة،فيماالمهاجل كلمات موزونة تردد بأصوات عادية منخفضة كمن يخاطب قريب ًا منه كذلك يقال« :ال تقل بر �إال وهو يف ال�صر»، فحتى وق��د �أ�صبحت �سبول ال�بر حبوب ًا ف�إن احتمال احل�صول على الثمرة غري م�ؤكد فقد تتعر�ض للجراد وق��د تتعر�ض لل�ضريب وقد تتعر�ض ل�سحبها مع اجلربة بهطول الأمطار الغزيرة. ويحل مو�سم ال�صراب الفعلي عادة يف نهاية �شهر �أكتوبر وبداية �شهر نوفمرب وت�ضحيتها يف املجارين خالل �شهري نوفمرب ودي�سمرب يف الوقت نف�سه الذي ينقل فيه الق�صب ليتم ع�صنه يف معا�صني مر�صو�صة ،فال�صراب يتم على مرحلتني ،مرحلة قلم ال�سبول ومرحلة قطع الق�صب ،ويف هذا املو�سم الذي ي�سمى «امل�ك�ف��ت» ت�شاهد ال ��ُ��ص � َّراب مي�ل�أ اجلربة وبقربهم احليوانات على خمتلف �أ�شكالها، ت�خ�ت�ل��ط �أ�� �ص ��وات م �ن��اج��ات �ه��م وم�ه��اج�ل�ه��م ب�أ�صواتها .والنا�س رجالهم ون�سا�ؤهم منهم ال�ص َّراب الأ�سا�سيون ومنهم من جاء يك�سب ُ
حيث ي�ع��اون ال�صراب الأ�سا�سيني يف وقت ق�صري يعطوه بعده �شبث من ال�سبول وينتقل اجلربة الأخ ��رى ،مبعنى �أن��ه مير على عدة ال�صراب ج��رب يكون ال�صراب فيها� ،أم��ا ُ الأ�سا�سيون في�صربون طوال اليوم ويف نهايته «ال�صربة» قد يعطون �شقائهم «�سبول» وت�سمى ُ يكون مليئ ًا خب�ش ًا �أو �أكرث ،ولهذا مل ين�س قاطع الق�صب يف مهجله ذكر ال�صربة ،فال زالت �آث��اره��ا باقية يف نف�سيته حتى ق��ال متحري ًا ال��ذي ي��وزع ال�صربة على ال�صراب �أن يزيد ال�صربة ل�سعدية ولو على ح�سابه: يا �سعد �صرب �سعدية زيد لها من �صربتي و�أي��ام ال�صراب مثلها مثل �أي��ام التليم متثل �أيام عيد املزارع وفرحته بجني ثمار ما تعب فيه طوال ال�سنة ،ف�أيام املزارع كلها �أعياد من اليوم الذي و�ضع به حبوب الذري يف اجلربة �إىل �أن ينتهي من رويح ثمارها. وهناك مهاجل ي�ؤديها ال�صراب منها مهاجل قلم ال�سبول ومنها مهاجل قطع الق�صب، وكل مهجل ي ��ؤدي �إىل مهجل �آخ��ر بعك�س ما يتم يف �أعمال ال�شرف �إذ �أن كل مهجل يف �أعمال ال�شرف ي�ؤدي �إىل �أغنية وكل �أغنية ت�ؤدي �إىل مهجل� ،أما هنا فال وجود للأغاين لأن �أعمال ال�صراب �أ�سرع يف احلركة من �أعمال ال�شرف ،كما �أن قلم ال�سبول �أحيان ًا يتم مب�ساعدة من الفم على �إبعاد القلحدي م��ن ال�سبول مم��ا يعيق القاملي م��ن ترديد الأغاين ذات املوال الطويل ،ويف حالة قطع الق�صب يتطلب العمل �أن يحني القاطعي ظهره ب�شكل م�ستمر وهذه احلالة ال متكنه من الغناء الذي يحتاج �إىل قامة منت�صبة �أو متحركة �إىل �أعلى و�إىل �أ�سفل .ومن مهاجل ال�صراب:
مهاجل القالمة
عند قلم ال�سبول ت ��ردد امل�ه��اج��ل املتعددة التي تتنا�سب مع الوقت وحرارة ال�شم�س ويف املقاطع التالية جند �أن امل�ساعد للهجال يردد �آخر كل كلمة من املهجل:
ألسنة عربية 96 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
قالمة �أال يا قالمة /قالمه وما �أح�سن كالمه /كالمه كالم العويل /عويل خفاف اللهامة /لهامة �شل �أتالمه /المة ما حد المه /المه وكما وجدنا يف �أعمال ال�شرف �أغاين ت�شري �إىل حروب الأت��راك يف جبل كوكبان منها مقاطع من مهاجل قلم ال�سبول فاملقطع التايل ي�شري �إىل معركة كوكبان يف �سنة 1289هـ التي فتكت بالأتراك حتى �أنه كان يتم جحدلتهم من ر�أ�س اجلبل �إىل �سفاله ،وقد �أ�شار �إىل ذلك �صاحب احلوليات يف حولياته حيث ق��ال« :فو�صلوا �إليهم �أهل كوكبان وردوهم بالرماية والرجم واحلجارة وجحدلة الأك��داف ودهف الرجال ح�ت��ى امل �ت�ردي ي�ت�ردى ع�ل��ى ن�ح��و م�ئ��ة قامة وخم�سني قامة »...و�أ�صل املقطع هكذا: �أال يا حممد �أال يا غرامة غرامة جتحدل جتحدل تقلب تقلب من احليد �سبعني قامة وال زاد �صلى وال زاد قامه
من �شرقيها ...يا قالمة وعندما يو�شك ال�صراب على �إن�ه��اء قالمة ال غربيها ..يا قالمة اجلربة ي�شلوا بهذا املهجل الذي يدعو بالعودة ال عدنيها ...يا قالمة �إىل اجلربة ملوالها الأول ،وهذا يعني �أنه لن ال قبليها ..يا قالمة يبيعها يف خالل ال�سنة: عادت اجلربة ...يا قالمة وال�بر املي�ساين حبته طويلة وي��زرع يف بداية عاد موالها ...يا قالمة ال�صيف ب��ال��ودي��ان الغيلية ونباته طويل قد عاد يزرعها ...يا قالمة ي�صل �إىل الكتف ،قال الهمداين �إن �آدم التقى عاد مينعها ...يا قالمة بحواء يف مكة وب�إبلي�س يف مي�سان ،ومي�سان عاد يتلمها ...يا قالمة عرفها املحقق الأك ��وع ف�ق��ال ه��ي مملكة يف وال بد من التذكري ب�أن هذه الأيام هي �أيام جني بر مي�ساين ...يا قالمة جنوب العراق ،وبلدة يف �شرق الطائف. املح�صول «�أيام اخلري» فنجد ال�شاريف يدعو اهلل وعلي�ساين ...يا قالمة �أن يجعل الأيام كلها �أيام خري هكذا ،ويف الوقت وذره �صفراء ...يا قالمة مهاجل قطع الق�صب نف�سه يدعو اهلل �أن يزيل �أيام الويل: لب حمجاين ...يا قالمة �أم ��ا م�ه��اج��ل ق�ط��ع ال�ق���ص��ب فتختم بكلمة اهلل يدمي اخلري جر يا �ساين ...يا قالمة (ولودية) وال بد من ابتدائها بذكر اهلل كما هو والويل ال دامه عادوا ال�صراب ...يا قالمة النظام املتبع يف كل �أعمال الفالح: يقفزه للحيد ذي �صربوها ...يا قالمة طلبنا اهلل ذي يطلب /ولودية �أربعمائة قامة وما مطلوب غري اهلل /ولودية قامة وراء قامة لكل نوعية عمل مهاجل وغري اهلل ما يطلب /ولودية يك�سر هنيدامه اطلب اهلل يا وليدي /ولودية يا خي �سعيد يا خي وأغان خاصة بها ابتداء ٍ ذي يده من فوق الأيدي /ولودية من ذا ال�سبول يا خي من حرث األرض فالتليم وحي الكالم راخي موسم انتهاء وحتى ثم ال بد للفالح بعد ذكر اهلل �أن يذكر النبي راخي ومرتاخي
الحصادوكلماتها مستمدة من روح العمل
مزارعون مينيون يحرثون الأر�ض
حممد ًا وي�صلي عليه: يا �صالة اهلل زوري /ولودية بلغي من يف القبو ِر /ولودية �صايف احلو�ض الزالل /ولودية عليك يا بو فاطمة /ولودية يا بدعها واخلامتة /ولودية
لضربات«المالبيج» مع أصوات اللباج نوتة موسيقيةاعتادها المزارعون ،فإذا دخل بينهم «البجي» غير متمرسيكتشفون مهجل املياد ونوا�صل ذكر مهاجل قطع الق�صب ف�إذا كانت نشازه ويغنّون له ق�صب ال��ذرة طويلة فيتم ميادها مياد ًا �إىل الأر���ض ب�سبولها لأن القاملي ال ي�ستطيع �أن ي�صل �إليها بيده وعند قطعها �أو ميادها يردد املهاجل التالية: مياد يا جربة مياد /ولودية وال �سقى قاع ال�سواد /ولودية ذي ما ُ�سمِي فيها مياد /ولودية مياد يا جربة مياد /ولودية وال تعود �إال اجلياد /ولودية و�إال �أنت يا ثعل الدجاج /ولودية
مهاجل العط�ش
ولأن العمل يولد العط�ش لكرثة العرق الذي يت�صبب من الفالح فكان ال بد من مهاجل
خ��ا��ص��ة ب��امل��اء تعك�س ح��اج��ة ال �ف�لاح �إل�ي��ه وبالذات امل��اء امل�برد فبارد امل��اء �سمينة كما يقول الفالح ،ولهذا جند الكثري من املهاجل متعلقة بحاجتهم �إىل املاء: يا عطو�ش ماكم مربد /ولودية يف الغروب الزمزمية /ولودية حامي املاء ما نحنه /ولودية برده ال ما نحنه /ولودية برد املاء للمقوت /ولودية طالعي نازل ي�صوت /ولودية يا بعد املاء من يوطي له /ولودية واحنا ال�شليان با نوطي له /ولودية با نوطي له وننحي له /ولودية يا راعية ال�ضان ا�سقيني /ولودية
بحفن�ش و�إال بال�صيني /ولودية مالن ال�صيني يرويني /ولودية ولودها ولودية /ولودية ثم ينتقل �إىل مقطع مبوال جديد لكنه ال زال متعلق ًا ب�أهمية املاء لهم حني يقول: وارد واردية /واردية يا من خبخب املاء /واردية ي�شرب بارديه /واردية وارد فوق �صنعاء /واردية وا�سقى احلارثية /واردية وا�سقى نهم وارحب /واردية والقاها نهية /واردية ووا�ضح يف املهجل ال�سابق ا�ستبدال الكلمة التي يرددها امل�ساعد «ولودية» بكلمة جديدة متعلقة بورود املاء « واردية». ويختتم املزارع املهاجل املتعلقة باملاء بهذا املهجل ال��ذي ال يحتاج �إىل م�ساعد ،ويبني �أن��ه �صاحب خ�برة ين�صح ب�شرب �صاحبه من دون �أن يزيد من �شرب املاء مهما كان عط�شه فيتناوله على دفعات حتى ال ي�ؤثر ع�ل��ى �صحته ،ول�ه��م يف ذل��ك جت ��ارب فكم م��ن النا�س ف�ق��دوا حياتهم بعد �شربة ماء
ألسنة عربية 98 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
مزرعة قمح يف اليمن
فتيات مينيات يح�صدن القمح
وجدوها على �إث��ر عط�ش �شديد ،لهذا جند هوتبيع �أحمر م�شروع /ولودية حكيم الفالحني يهجل مبفرده حينما و�صل و�أين ما راين تربع /ولودية املاء �إىل طرف اجلربة قائ ًال: يا عاط�شون ا�سقونه واجلميل يف املهجل ال�سابق �أن��ه قد جعل باملاء وال تروونه من العمل ال�شاق جمرد هواية حينما قال: �سفح الدرق من دونه «من جتاه الالعبية» فقد �أ�صبح ال�صاربي العب ًا ماهر ًا ال ي�ستطيع �أن يرتك هوايته واحلوم ي حوما املف�ضلة ،والتبيع ه��و العجل ال�صغري، �سرحوا يدو ما �سمي تبيع ًا لأنه يتبع �أمه فلم ي�ستغن عنها من بري التوما ً بعد فهو ال زال ر�ضيعا ،وك��ان ال ب��د من خماطبة الك�سالن وتذمريه بعمل البنات مهجل تن�شيطي عندما يالحظ �صاحب اجلربة �أو كبري ال�صراب التي عملهن �أف�ضل منه بقولهم: ال�صراب قد توانوا بعد �أن �شربوا املاء يلقط يا علي يا عبية /ولودية �أن ُّ ال�شرمي ويدخل بينهم ين�شطهم مردد ًا الكلمات حط را�سك هنية /ولودية التالية التي ال بد �أن جتذبهم �إىل جانبه ولريددوا جنب را�س البنية /ولودية بعده كلمة ولودية: في�أتي ج��واب علي عبية خماطب ًا البنية التي و�أوردوا ال �شر جاكم /ولودية عريوه بها بقوله: ع�شر الباري خطاكم /ولودية بنية عادها عية /ولودية هكذا و�أنا معاكم /ولودية ولوما تعرف اللية /ولودية وعندما الحظ �أن التبيع اخلا�ص ب�إحدى الن�ساء بنية يا بديوية /ولودية العجائز املتك�سبات الذي �أح�ضرته للرعي يف وال قالوا من �أين �أنتي /ولودية املح�شرة قد دخل �إىل بني فريق العمل الذين ي�صربون اجلربة بهمة ون�شاط �إىل حد �أنهم يؤدي المزارعون قد اعتربوها لعبة ممتعة وجد يف دخول التبيع المغانيوالمهاجل �إعاقة لهم قد ت�ؤدي �إىل تدين �أدائهم فخاطب لتخفف عنهم بل العجوز ب�أ�سلوب فني مت�أدب قائ ًال: وتطربهموتسليهم يا عجوز لفي تبيع�ش /ولودية فيمر عليهم الوقت وقد من جتاه الالعبية /ولودية
أنهوا مهامهم من دون أن يشعروا بتعب
قلي فانا بديوية /ولودية من البدوان ذي حلوا /ولودية يف �أ�شراف الغ�صينية /ولودية
مهاجل الرواح
يف الأع� �م ��ال ال��زراع �ي��ة جن��د ك��ل �أ� �س��رة م�شغولة بالعمل يف جربتها ،وك��ل اجلرب م �ت �ج��اورة ول �ه��ذا ي �ك��ون ال� ��وادي م�شغو ًال مبعظم �أبناء القرية ،و�إذا �أكملت �أي �أ�سرة عملها فيما �أ�سرة بجانبها ال تزال بحاجة �إىل وقت لإنهاء عملها ف�إن الأ�سرة الأوىل تعدي معها لكي يرتوحوا مع ًا ،لكن هذا ال يعني �أن يفاج�أ �أح��د امل��زارع�ين وق��د وجد نف�سه مع زوجته وحيدين بعد �أن غادرهم كل الفالحني وهنا جند ال��زوج �أو الزوجة يخاطب الآخر قائ ًال: يا حبيبي ال توانى /ولودية ما بقيت �إال �أنت و�أنا /ولودية ما بقيت �إال �أنت ياهلل /ولودية وع�ن��دم��ا ي�ق�ترب ميعاد ال� ��رواح ب��دن��و الليل امل�صحوب بخروج الذئاب وعوائها والأثعل وال�ضباع من خمابئها جند املهجل يتحول تلقائي ًا �إىل �إح�صاء عمل اليوم وخماطبة الليل: يا ليلها يا ليلية ـ ولودية يا مروحة يا ليلية ـ ولودية جلدناها جليدية ـ ولودية ويا �سرية ويا جية ـ ولودية ويا حراك اليدية ـ ولودية
ذيبة عوت من عواها /ولودية قالوا �سرحان �شل �أجراها /ولودية �شل �أجراها من جمراها /ولودية
حتزمي الق�صب
بعد قطع الق�صب ي�ترك على �شكل �سرات «�صفوف» على �سطح اجلربة فتظهر وك�أنها منقو�شة ب�ين ك��ل ��س��رة و��س��رة فا�صل ال يقل عر�ضه عن عر�ض ال�سرة ملرور الفالحني ،وبعد �أن تتيب�س الق�صب ويخف وزنها تبد�أ عملية التحزمي ،وبعد �أن يحزم جمموعة كبرية يبد�أ يف رفعها من الأر�ض للحفاظ عليها من التلف، في�شكل بها ع�ش�ش ن�سميها «العو�شة» حيث ين�صب احلزم على الأر�ض على �شكل خمروط ذي قاعدة دائرية بزاوية داخلية ر�أ�سية تقدر بنحو ث�لاث�ين درج��ة وزاوي���ة �أر��ض�ي��ة داخلية تقدر بحوايل �ستني درجة مع �سطح الأر�ض، فت�صبح اجلربة مليئة ع�ش�ش وك�أنها قرية من ق��رى تهامة ،لكل عو�شة ب��اب �أو بابني وهنا تتحول اجلربة �إىل بيوت ي�ستظل بها الكبار ويفرح بها الأطفال. وقد �شبه �أحد ال�شعراء الع�شة يف زامل خماطباً به واحد ا�سمه العو�ش قال فيه:
يا عو�ش ما عو�شة تكنن من مطر وال ت � � ��ديف م � ��ن ب � � ��رد ف� �ي� �ه ��ا ب �ن��ار
ون �ق��ل ال���س�ب��ول م��ن اجل��رب��ة �إىل امل�ج��اري��ن والق�صب �إىل املعا�صني يتم بوا�سطة الدواب واجلمال ،وهناك مهاجل تردد عند ال�شدود على اجلمال فعندما تعق من �أمل احلبال التي تربط بها احلمائل �إىل ظهرها يقول اجل َّمال: حني يا بي�ضاء وا�شتاقي حني واهلل ما ل�ش تاقي �أم��ا عندما يكون اجلمل يف الطريق باحلمل فريدد من يلحقه مهجل �آخر كقوله: هذا ُج َم ْيل الدباهي يحجب اهلل عليه وهناك مهجل يخاطب اجلمل « رزقان» رزقان يا واكي املن�ضاح قل يل كم حملوك �أقداح
يردد المزارعون الكثير من المقاطع الحربية فهم لم يهتموا بالناحية االقتصاديةواالجتماعية فقط ،بل اهتموا بقضايا الوطنالعسكرية والسياسيةكذلك وعندما يقرتب الليل يردد اجل َّمال: روحيني من الليل يا ناقة / عاد يل يف جنوب�ش متراقة وال بد من ترديد �أغاين تخفف على اجلمال التعب وخا�صة عندما يجد �أن اجلمل قد تعب �أو �أن احلمل زاد على قدرة اجلمل حتى جعله يعق من اجلور كهذه الأغنية التي ت�صف حال اجلمل وت�شبه بكاءه وكرثة دموعه التي �أ�سقت الأر�ض من كرثها: حن اجلمل ال ما انطل احلمولة / و�أ�سقى بالد اهلل من هموله يا ليتني جمال بعد �سودي وا�سايرك يا ناد�ش اجلعودي يا ليتني جمال واخلل تاجر وادخل عدن يا خرية البنادر
مهاجل لبيج الذرة
لبيج ال��ذرة هو �ضرب ال�سبول ب��أع��واد الطلح «املالبيج» ويبلغ طولها ح��وايل مرتين ،لغر�ض ف�صل احلبوب عن الروة ،وتكون �ضربات املالبيج مع �أ�صوات اللباج مقطوعة مو�سيقية ال ي�ستطيع من ح�ضر و�شاهدها و�سمعها �أن يفارق املجران بل ي�شله ال�شوق فيم�سك ملباج �إن �ساعده احلظ ووج��ده �شاغر ًا و�إال قطع من ال��زرب املحيطة باملجران ويدخل معهم م�سرع ًا وقلبه يرفرف ل�سماع �أ�صوات املالبيج املختلطة ب�أ�صوات اللباج كما يدخل الراق�ص ال�شره بني فريق الرق�ص حيث يرتفع ملباج ويهبط ملباج وي�سمونه «�شرب �أدي ��اك» ،لأن الأدي��اك ال ت�شرب يف وق��ت واحد بل واحد يدين ي�شرب والثاين يرفع ر�أ�سه ،وقد ي�صل عدد اللباج �إىل ثالثني البجي ًا ،ويف هذه احلالة يكون التق�سيم على ثالث جمموعات كل ع�شرة تنزل مالبيجهم يف وقت واحد يف �ضربات متتالية جتذب النا�س للم�شاهدة واال�ستمتاع يف
�صف دائري على اجلرين ،ولأن �ضربات املالبيج مع �أ�صوات اللباج تكون نوتة مو�سيقية ،ف�إذا دخل بينهم البجي غري متمر�س يكون �صوت ملباجه ن�شاز فيخاطبونه بقولهم: �أيهم �آها حلقوا دقنه من غيرّ ْ ها وك �م��ا ي� ��ردد ال� � ��زراع م���ص�ط�ل�ح��ات حتكم النوتة املو�سيقية يف امل��راح��ل ال�سابقة مثل «ول��ودي��ة»«� �ش��ارق �ي��ة» وغ�ي�ر ذل��ك مم��ا �سبق �إي�ضاحه ف�إن امل�صطلح الذي يردد بعد كلمات اللبيج هو «هيه» هكذا: عونك عوين /هيه يا بلعوين /هيه وطلي بوين /هيه لك يا عوين /هيه والالبجي دائما ميتلئ ج�سمه حماط ًا فيكون وجهه �أبي�ض من احلماط ويعلق احلماط ب�شعر �شنبه و�شعر م�شاعف عيونه ،واحلماط مادة تخرج من بني الروة ،في�ؤثر على اجللد حتى يظل ال�شخ�ص يحك ج�ل��ده م��ن ت��أث�ير احل �م��اط ،ل�ه��ذا فدائم ًا يذبحون للباج الذرة طاير دجاج «�شقري» معتقدين �أن م��رق ال�شقري يقاوم فعل احلماط ،ليتغدوا مبرق ويهتموا بهم فيقال :معنا لباج اذبحوا لنا �شقري .و�أثناء التعوي�ش يهجلوا مرددين: من مرق الطاير خلوا يل /خلو يل ميحط حلويل /خلوا يل وبعد اللبيج تبد�أ مرحلة ال ُعوا�ش لإبعاد القرعل من و�سط الذرة امللبوجة بوا�سطة الزرب حيث يتم �سحب القرعل على جنب وكلما نظفت الذرة من الأعلى قلبت لتظهر القرعل التي حتتها، وهكذا حتى ت�صبح �أبلة الذرة �صافية من القرعل متهيدا للفقول .ومن مهاجل العوا�ش قولهم: يا عُوا�شة يا عُوا�شة حلم الوعل بني �أكرا�شه يا معو�شة يا معو�شة طائر ن�شر من مغو�شه بني املطر والهنط�شة
في حضرة الشعر 100 الـعــــدد 161 مارس 2013
تتالءم مع طبيعة ال�صحراء يف و�ضوحها
ميمية الحطيئة ..
متواليات سردية تقود القارئ إلى اإلشباع د .عايدي على جمعة يقول احلطيئة:
وطاوي ثالثٍ عا�صبِ البطنِ مرمـلٍ ببيدا َء مل يعـرف بها �ساكنُ ر�سما إن�س وح�شــ ُة �أخي جفو ٍة فيه من ال ِ نعمى يرىَ الب� َؤ�سفيـها،من�شرا�ست ِه َ �شعب عجوزاً �إزاءهــا و�أفرد يف ٍ ث �ل�اث � � ُة �أ�� �ش� �ب ��اح ت �خ��ال �ه � ُم ب�ه�ـ�م��ا ُحفا ُة ُعرا ُة ماً اغتذوا خب َز َمـــل ٍة وال عرفوا للبـُ ِّر – ُمذ خلقوا –طعما ر�أىَ �شبحاً و�سط الظال ِم فراع ُه ف � ّل �م��ا ب� ��داَ ��ض�ي�ف�اً ت���ش� ّم��ر واه �ت � ّم��ا وقال :هيا ّرباه� ،ضيف وال ِقـرىَ ؛ بحق َِك ال حترمه تا الليل َة اللحما وقا َل ابنه ملا ر�آه بحـري ٍة �أي��ا �أب ��تِ ،اذبحني وي�سر ل��ه طعـما وال تعتذر بال ُعد ِم ،ع َّل الذي طـرا ي� �ظ ��نُّ ل �ن��ا م � ��ا ًال ف �ي��و� �س �ع �ن��ا ذم �ـ ّ��ا فر ّوىَ قلي ً ال ثم �أحجم برهـ ًة و�إن ه��و مل ي��ذب��ح ف �ت��ا ُه ف�ق��د هما على ال ُبع َد عـانة فبينا هُ ما عنّت َ قـدانتظمتمن ِ خلفم�سحلهانظما عطا�شا تري ُد املا َء فان�ساب نحوها ع�ل��ى �أ ّن� ��ه م�ن�ه��ا �إىل دم �ه��ا �أظ �م��ا!
حتى تر ّوت عطا�شها ف�أمهلها َ ف ��أر� �س��ل ف�ي�ه��ا م��ن ك �ن��ان �ت � ِه �سهما جح�ش �سمينة فخ َّرت نحو�ص ذات ٍ قد اكتنزت حلماً وقد ط ّبقت �شحما فيا ب�شر ُه �إ ْذ ج ّرها نحو �أهل ِه يدمى وي��ا ب�شرهم ملّ��ا ر�أوا كلمهـا َ وباتوا كرِاماً قد ق�ضوا حق �ضيفهم وما غرموا ُغرماً وقد غنموا غنما وبات �أبوهم من ب�شا�شت ِه �أبــاً ل�ضيفهم والأم م�ـ��ن ب�شرهــا �أم��ا ي�ب��دو ال�سرد ذا هيمنة وا�ضحة يف هذه الق�صيدة لل�شاعر املخ�ضرم ،ج��رول بن �أو���س ،الذى يكنى بـ « �أبو مليكة » ،ويلقب باحلطيئة ،ون�سق ال�سرد املعتمد هنا هو ن�سق ال�سرد املحكم ،الذى يعتمد املنطقية والو�ضوح ،عن طريق الربط بني املتواليات ال�سردية ،في�سلم بع�ضها �إىل بع�ض ،وهذا
مثّلت الفجوات بين المتوالياتالسردية أهمية بالغة في الدفع باألحداث إلى األمام، فالمتلقي يجد نفسه محم ً ال بأسئلة جوهرية بعد كل متوالية سردية
يتالءم مع طبيعة ال�صحراء يف و�ضوحها. وقد كان للمتواليات ال�سردية التي ي�سلم بع�ضها �إىل بع�ض دور وا�ضح يف التمدد الرتكيبي للن�ص وانت�شاره ،حيث ظلت هذه املتواليات ال�سردية غري م�شبعة للمتلقي، حتى و�صلت به �إىل نهاية الق�صيدة فحدث الإ�شباع لدى املتلقي ،وقرت عينه مبا تلقاه من متواليات �سردية ،فوجدت الق�صيدة مربر ًا لنهايتها. وق��د كانت للفجوات ـ �أو ما يثار يف ذهن املتلقي ـ بعد كل متوالية �سردية �أهمية بالغة يف الدفع بالأحداث �إىل الأمام ،لأن املتلقي يجد نف�سه حمم ًال ب�أ�سئلة جوهرية بعد كل متوالية �سردية ،ثم ت�أتى املتوالية ال�سردية التالية لتجيب على ال�س�ؤال ال��ذى يثار يف ذهن املتلقي ،لكنه ال يلبث �أن يثار �س�ؤال �آخر نتيجة لوجود هذه املتوالية ال�سردية الأخرى ،وهكذا حتى ن�صل مع ال�سارد �إىل نهاية الق�صيدة فتقر �أ�سئلة املتلقي �إىل حد معقول ،وبذا ت�صل الق�صيدة �إىل نهايتها. فمثال املتوالية ال�سردية «فلما ر�أى �ضيفا» ت�ستدعى �س�ؤاال من املتلقي وهو « ماذا فعل حينما ر�أى هذا ال�ضيف؟» فت�أتى املتواليتان ال�سرديتان التاليتان« ت�ش ّمر واهتما» ،ثم ال يلبث �أن يثور �س�ؤال يف ذهن املتلقي وهو« ماذا قدم لهذا ال�ضيف؟» لكن املتواليات ال�سردية التالية تبني الفقر ال�شديد الذى
خالل ا�ستخدام ال�ضمري الثالث « هو » يف هذا الن�ص. وهذا النوع من اال�ستخدام ي�ؤ�س�س لنوع من احليادية ،مما ي�ساهم يف ظهور املو�ضوعية بو�ضوح ،لأنه يتخذ م�سافة من احلكي.
عليه بطل ه��ذه الق�صيدة ،وهكذا ت�سلم املتواليات ال�سردية بع�ضها �إىل بع�ض ـ م�ستعينة بالعطف والأفعال ـ حتى ت�صل �إىل ذروة احلدث حينما يهم هذا البطل بذبح االب��ن ،ثم مت�ضى املتواليات ال�سردية بعد ذلك حتى تنفرج الأزمة متام ًا. وك��ان ال���س��ارد اخلفي ه��و الن�سق املعتمد �شخ�صيات الق�صيدة هنا ،وال�سارد اخلفي هو الذى ال ي�شتبك مع �أم ��ا ع��ن ال�شخ�صيات فيها ف��إن�ن��ا جند الأحداث ،و�إمنا ينقل ما حدث ،وقد بدا من �شخ�صيات �إن���س��ان�ي��ة و�شخ�صيات غري
�إن�سانية ،وكل �شخ�صية كان لها �إ�سهامها يف هذه الق�صيدة. ف �ه �ن��اك �شخ�صية ال �ب �ط��ل ال� ��ذى يتميز باجلفاء ال�شديد والفقر املدقع ،لكنه يحمل �سمات ذات قيمة �إن�سانية ع��ال�ي��ة ،مثل �سمة الكرم والب�شا�شة يف وجه ال�ضيف مبا ي�شعره ب�أنه �أب له .كما �أن��ه يتميز بحالة من الإميان الفطري باهلل �سبحانه وتعاىل، وقد بدا ذلك من خالل جلوئه �إىل اهلل ب�أال
في حضرة الشعر 102 الـعــــدد 161 مارس 2013
يحرم �ضيفه اللحم .وتبدو مرحلته العمرية متقدمة �إىل ح��د م��ا ،وق��د ب��دا ذل��ك من خالل ت�صويره ك�أنه �أب لل�ضيف يف نهاية الق�صيدة. وحالته ال�صحية تبدو جيدة ،وقد بدا ذلك من خالل قدرته على ال�صيد ،وحركته يف اجتاه هذا ال�سرب من القطيع الوح�شي. كما �أنه ميتلك املهارة يف الرمي بال�سهام، مما ميثل �سمة وا�ضحة لبيئته التي كان الرمي بال�سهم فيها يكت�سب �أهمية خا�صة عند �أبنائها. كما يتميز ب�ن��وع م��ن امل�ك��ر يف ال���ص��راع، لأنه مل يتعجل �أمره يف �إطالق ال�سهم من كنانته ،رغم لهفته ال�شديدة للح�صول على
هذا ال�صيد ،لأنه بالن�سبة له م�س�ألة حياة �أو م��وت ،فقد ك��ان ابنه منذ قليل عر�ضة للذبح ،لكن مهارته وم�ك��ره ي�سعفانه يف حتقيق مطلبه. �أم��ا م�لاحم��ه اجل�سدية ففيها ��ش��يء من النفور .كما �أن��ه �شخ�صية �إيجابية ،لأنه
كان للبنية المكانية للقصيدة أكبر األثر في رسم مالمح الشخصيات وتحديد طبيعة العالقات فيما بينها ،كما ساعدت «الزمكانية» القارئ في تخيل األحداث
مل ي�ست�سلم لعوزه الوا�ضح �أمام ال�ضيف، بل �سعى بكل الو�سائل من �أجل تغيري واقع فقره ،حتى يقدم ل�ضيفه طعام ًا ،وقد جاء هذا ال�سعي عن طريق الدعاء هلل �سبحانه وت�ع��اىل ب ��أال ي�ح��رم ه��ذا ال�ضيف اللحم، ومرة ثانية عندما هم بذبح ولده كي يفي ب�ه��ذه امل�ه�م��ة ،وف��ى امل��رة الثالثة ،حينما انطلق كال�سهم وا�صطاد ما يفي مبهمته ال�شاقة يف �إكرام هذا ال�ضيف ،وفى املرة ال��راب�ع��ة حينما �أ�سبغ م��ن ب�شا�شته على �ضيفه ما جعله ي�شعر ب�أبوته احلانية. وهو �شخ�صية رغم افتتان ال�سارد املحايد يف ت�صوير جوانب النفور منه ،ف�إنه ال يعدم �سمة التعاطف معه ،لأن �سماته الإن�سانية تر�شحه لهذا التعاطف. وهناك �شخ�صية الزوجة التي تتحمل �آالم العي�ش و�شظفه مع زوجها ،وهى يف مرحلة عمرية متقدمة ،وقد ظهر ذلك من خالل و�صفها بكلمة «ع �ج��وز» ،و�إن ك��ان��ت هذه املرحلة العمرية لي�ست مغرقة يف التقدم، لأن �أوالده��ا مازالوا يف مرحلة الطفولة، وهذا ال يكون مع املر�أة املغرقة يف التقدم العمرى. كما �أنها تتميز ب�سمات �إن�سانية عالية، وذل���ك ح�ين �أ� �س �ب �غ��ت ع �ل��ى ال���ض�ي��ف من م�شاعر الأمومة ما جعله ي�شعر ب�أنه ابن لها. كما �أنها تعي�ش مع ه��ذا ال�شخ�ص املدقع الفقر يف طم�أنينة وا�ست�سالم مل�صريها، وطاعة له .وهى على مدار الق�صيدة كلها مل ينطقها ال�سارد املحايد ب�أي قول. وهناك �أي�ضا �أطفال ثالثة اف�تن ال�سارد املحايد يف و�صف ما يالقونه من �شظف العي�ش ،ومل ينطقهم ذلك ال�سارد املحايد ب��أي قول �إال واح��د ًا منهم فقط ،فبدا يف قوله يحمل رجولة مبكرة ،و�شهامة زائدة، وذل��ك حينما عر�ض على �أبيه �أن يذبحه م��ن �أج��ل �إك ��رام ال�ضيف ،وح�ف��اظ� ًا على �سمعة �أ��س��رت��ه .ومالحمهم اجل�سدية يف حالة هزال �شديد ،لأنهم «ما اغتذوا خبز ملة» على حد قول ال�سارد املحايد.
وهناك �أي�ضا �شخ�صية ال�ضيف الطارئ، ال��ذى ت�سبب يف حت��ري��ك الأح� ��داث بقوة فائقة ،وعلى الرغم من �أن ال�سارد املحايد مل ينطقه بكلمة واح��دة ،ف��إن ت�أثريه يعد �أكرب ت�أثري يف هذه الق�صيدة ،ب�سببه قامت ه��ذه الق�صيدة .كما �أن ال�سارد املحايد مل يطلق ا��س�م� ًا ع�ل��ى �أي ��ة �شخ�صية من �شخ�صيات ق�صيدته. �أم���ا ع��ن ال���ش�خ���ص�ي��ات غ�ير الإن���س��ان�ي��ة فتبدو من خ�لال ه��ذا القطيع من احلمر الوح�شية ،ال�ت��ي انتظمت خلف كبريها قا�صدة امل��اء كي ترتوى .وقد �أ�سهم هذا القطيع يف حل العقدة ،وذلك حينما وقعت واحدة منه �ضحية لبطل هذه الق�صيدة.
ال��ب��ن��ى ال��زم��ان��ي��ة وامل��ك��ان��ي��ة واحلوارية
�أم��ا ع��ن البنية املكانية فقد ج�� � � � ��اءت دائ ��رت� �ه ��ا ال ��وا�� �س� �ع ��ة يف ال �� �ص �ح��راء ال�شا�سعة، ودائ��رت �ه��ا ال���ض�ي�ق��ة يف ب �ي��ت ب �ط��ل ال �ق �� �ص �ي��دة، امل� ��وج� ��ود م� �ن� �ف ��ردا يف ه��ذه ال�صحراء امل�ترام�ي��ة .وق��د كان لوجود ه��ذه البنية املكانية �أكرب الأث��ر يف ر�سم مالمح ال�شخ�صيات املوجودة يف هذه الق�صيدة ،وطبيعة العالقات فيما بينها ،كما �أنها �ساعدت القارئ يف تخيل ما حدث. وقد بدت البنية الزمانية مغرقة يف �إثارة الرتقب واخلوف ،وذلك من خالل اتخاذ الليل ظرفا تقع فيه �أحداث هذه الق�صيدة .وقد جاء الف�ضاء الزمنى لهذه الق�صيدة يف �أول الليل ،ثم امتد لي�شمل باقي هذه الليلة ،وذلك حينما بات البطل �أب� ًا لهذا ال�ضيف ،والأم من ب�شرها �أم � ًا .كما �أننا جند �سمة التوافق الزمنى ـ مبعنى مطابقة احلكي للزمن ـ هي ال�سمة الغالبة على هذه الق�صيدة. ومن احت��اد املكان بالزمان� ،أو ما ي�سمى
لعبتالمتواليات السردية دور ًا في التمدد التركيبي للنص وانتشاره حيث ظلت غير مشبعة للمتلقي حتى وصلت به إلى نهاية القصيدة فحدث اإلشباع
وعلى املتلقي �إن�ت��اج ال�صوت الآخ��ر .من خالل بنية الن�ص ذاتها. فحينما ي�ن�ق��ل ال �� �س��ارد امل �ح��اي��د ��ص��وت االبن طالب ًا من �أبيه �أن يذبحه ،ويحاول �إقناعه بذلك ،ال ينقل لنا ال�سارد املحايد �صوت الأب وهو يرد عليه ،وعلى املتلقي بالزمكانية تكت�سب ال�شخ�صيات �أبعاد ًا� ،أن يحاول �إنتاج هذا ال�صوت ،من خالل املتواليات ال�سردية التي نه�ضت بت�صوير وي���س�ت�ط�ي��ع امل�ت�ل�ق��ي ت�خ�ي��ل م��ا ح ��دث من حالة الأب ،وذلك يف قوله: �أحداث. ف��روى قلي ً ال ث��م �أح�ج��م برهة كما �أن البنية احل��واري��ة ال نعدمها هنا، و�إن ه��و مل ي��ذب��ح ف�ت��اه ف�ق��د هما وذلك من خالل ا�ستدعاء ال�سارد املحايد لدعاء الأب ،وخطاب االب��ن ل�ل�أب طالب ًا منه �أن يذبحه ،وي�ك��رم ال�ضيف حتى ال وه �ن��ا ي �ب��دو ال �ت �ن��ا���ص ب��و� �ض��وح يف ه��ذه الق�صيدة حني يتنا�ص موقف االبن والأب يتعر�ض للذم. من ق�صة ذبح االبن مع موقف �شهري جدا لكن هذه البنية احلوارية ي�ساهم املتلقي هم �إبراهيم يف �إنتاجها لأنها تبدو من ط��رف واح��د ،يف ال�تراث الإ�سالمي ،حيث ّ عليه ال�سالم ب��ذب��ح ول��ده �إ�سماعيل جد العرب طاعة لر�ؤيا ر�آها، م���ض�م��ون�ه��ا �أن� ��ه ي��ذب��ح ول� � ��ده ،ف� �ج ��اء م��وق��ف االب� � ��ن ع� �ل ��ى م �� �س �ت��وى احل ��دث ،وذل��ك ح�ين قال «ي���ا �أب� ��ت اف��ع��ل م ��ا ت ��ؤم��ر �ستجدين �إن ��ش��اء اهلل من ال�صابرين». وق��د ك��ان �إن �ق��اذ �إب��راه �ي��م عليه ال�سالم من الذبح من خالل كب�ش عظيم ف��داه اهلل �سبحانه وتعاىل به. وهنا جاء فداء االبن من الذبح من خالل �أتان ا�صطادها وال��ده .كما �أن ق�صة عبد املطلب م��ع اب�ن��ه عبد اهلل وال��د الر�سول الكرمي تطل بو�ضوح �أي�ضا ،فقد نذر عبد املطلب �أن يذبح �أحد �أوالده� ،إذا رزقه اهلل �سبحانه وتعاىل بع�شرة �أوالد ،وقد جاءت القرعة على عبد اهلل �أح��ب �أبنائه �إليه، وقد مت فداء عبد اهلل مبائة من الإبل. كما تنعك�س البنية االجتماعية بو�ضوح يف هذا الن�ص لل�شاعر املخ�ضرم احلطيئة، فيبدو التكري�س ال�شديد ل�سمة الكرم يف هذه البيئة ال�صحراوية القا�سية
104 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
سيمياء
هوى الحسد .. في الثقافة المجتمعية
عائ�شة الدرمكي
باحثة يف الأل�سنيات � -سلطنة عمان
aishaaldarmaki@hotmail.com
�إن
ع��امل ال�ظ��واه��ر �أو م��ا ي�سمى ب ��ال� �ع ��امل ال �ت �ج��ري �ب��ي م �ت��اح للمعرفة الإن�سانية املركبة من خالل احلد�س واحل�س واملعرفة العامة؛ �إ َّال �أن العامل مليء باملعارف فوق الطبيعية كلها �أو ج��زء منها ،وه��ي معارف غري ح�سية يف ج��وه��ر �إدراك� �ه ��ا يف كونها كينونات معرفية ميتافيزيقية ،ولقد ان�شغل �سيميائيات الأه ��واء كما َّ ب�شر بها «جرميا�س» بالوجود الكيفي للذات، �أي «ما يعود �إىل ع��وامل الكينونة»� ،إ َّال �أن��ه ال ميكن ا�ستيعاب مقولة «كيفيات الكينونة» �إ َّال من خالل ا�ستح�ضار جوهر اال�ستهواء �أي «ما يدفع نحو ،»...وهو �أمر يتعلق بتخ�صي�ص ال ُهوية العاطفية للعامل «�أه ��واء ال ��ذات» ،التي �ستطفو تدريجي ًا �ضمن م�سارين ا�ستهوائيني هما التوليدي والتوتري . ولأن ال�ع��امل يتح َّول �إىل معنى – �إىل لغة – من خالل اجل�سد املد ِرك ،ومن خالله تُ�ستبطن اال�ستنباهات الربانية – على ح��د تعبري ج��رمي��ا���س-؛ ف��إن اجل�سد باعتباره منط ًا يف التفكري «على اع�ت�ب��ار الق�صدية» يجمع ب�ين ال��واق��ع واخليال �أو بني املُدرك وامليتافيزيقي ، ولذلك ف�إن مثل هذه املو�ضوعات تكون يف ال�ع��امل الطبيعي بو�صفها عالمات تتحول بفعل الآثار التي حتدثها ح�سي ًا �إىل ��س�م��ات وم �ق��وم��ات وم��و��ض��وع��ات ملدلول «اللغة» على امل�ستوى ال��داليل ، كما هو احلال يف الأه��واء ذات الطابع امليتافيزيقي ؛ كاحلب والكره واحل�سد والغرية ،وغريها .ولعل الكثري من تلك الأهواء تعر�ضت للتعريف �أو التحليل �أو التف�سري ،ويظل هوى «احل�سد من بني تلك الأه��واء التي مل حتظى باالهتمام
الكبري على م�ستوى الدرا�سات ،على الرغم من �أنه كونه من الأهواء املهمة ع�ل��ى امل���س�ت��وى املجتمعي ال�شفاهي ؛ فهو م��ن الأه���واء ال�ت��ي تتح َّو م��ن كون ميتافيزيقي غري مدرك �إىل ح�سي . �إن الأمر الذي يجعل من هوى «احل�سد» يتح َّول من هوى معنوى ميتافيزيقي �إىل ح�سي هو «اال�ستنباه اخلارجي»؛ الذي يرتبط بعالقة الإن�سان بعامله اخلارجي م ��ن ح �ي��ث و� �ص �ف��ه ك���ون م ��ن ال �� �ص��ور الب�صرية يوفرها املعطى املو�ضوعي للذات املدركة ب�صري ًا ،ولذلك ف�إن هذا اال�ستنباه ه��و معطى خ��ارج��ي متام ًا، �سي�شتغل ع�بر االن �� �س �ج��ام االن�ف�ع��ايل على م�ستوى ه��ووي عميق وي��رت��د نحو «اجل�سد» . يف هذا املقال �سنتحدث عن ذلك الهوى ال��ذات��ي خ�لال حماولة الإح��اط��ة بهوى بيذاتي ي�شتمل على ثالثة ممثلني هم؛ احلا�سد ،واملو�ضوع ،واملح�سود .فالكون الهووي هنا خا�ص بفرد بعينه «حا�سد»، لبناء �أك���وان ه��ووي��ة ف��ردي��ة � ،ستمثل عند ارتباطها بـ«املو�ضوع» و«املح�سود» متظهر ًا يجمع بني الثيمات واملح�سنات الهووية ،باعتبارها ا�ستمرارية ل ُعدة �أو ُع��دد كيفية تنت�شر جتلياتها ال�صورية املميزة يف و�ضعيات ن�صية حمددة . وعليه ف ��إن ه��وى احل�سد هنا �سي�شكل خ �ط��اب � ًا ب �� �ص��ري � ًا ق��ائ �م � ًا ع �ل��ى «ح��ال��ة اجل�سد /املح�سود» ،و«مو�ضوع احل�سد» و«احلا�سد» ليكون التوا�صل الب�صري بني «حالة» و«حالة» ؛ �أي «حالة اجل�سد /املح�سود» و«ح��ال��ة احلا�سد» ،وهي مت �ث��ل وج���ود ك ��وين من�سجم مت��ام � ًا ، لي�شكل «املو�ضوع» حالة تو�سط بينهما، وه��ي ح ��االت ان���س�ج��ام ق��اب�ل��ة للتوهج
سيمياء
االنفعايل ب�صري ًا ،على �أن تكون الذات احلا�سدة م�ؤهلة للتوهج االنفعايل للمو�ضوع من ناحية وللج�سد من ناحية �أخرى يف �سياق مالئم لتكوين ذلك التوهج. وعلى غ��رار ما يتحدث عنه «لو�سركل» يف حديثه عن «عنف اللغة» يف ال�صراخ والأمل ،وعنف امل�شاعر والغ�ضب وال�شعور بالذنب ،ف�إننا �سنتحدث بالإ�ضافة �إىل ذلك عن «عنف الب�صر» ؛ فهوى احل�سد يجمع بني «عنف اللغة» التلفظي و«عنف الب�صر» – على الرغم من كون الب�صر لغة -باعتبار �أن اجتماعهما هنا �سي�شكل عنف ًا م�ؤمل ًا ذا طبيعة ج�سدية ،وهو توا�صل ير�سخ العالقة االنفعالية بني اجل�سد «املح�سود» و«احلا�سد» خالل «املو�ضوع» . فالب�صر يف هذا التوا�صل االنفعايل ُ ي�شكل ُ�سنن ًا �إدراكية، �إ َّال �أن ه��ذه ال�سنن ال ت��دل �إ َّال �إذا �أدجم ��ت يف �سياق ملفوظمعني – كما يقول �أمربتو �إيكو يف «�سيميائيات الأن�ساق الب�صرية» ،وهو ما يجعلها ذات دالالت ت�أويلة متنامية ،وهذا يجعلنا نقول �أن هذه ال��دالالت لن تدل ع��ادة على ال��دالالت نف�سها يف كل مرة على الرغم من توفر ال�سياقات نف�سها �إ َّال �أنها �سرتتبط بطريقة مالزمة بحالة «ال ��ذات احل��ا��س��دة» وم��دى توهجها االنفعايل ؛ فالنظر �أو التحديق �إىل «ج�سد» م��ا ق��د ال ي���ؤدي �إىل الدالالت نف�سها لدى النا�س كلهم ،و�إمنا لدى «احلا�سد» وحده �ضمن مو�ضوع معني . ولأن «العني حق»كما قال عليه ال�صالة وال�سالم «حديث � 5740صحيح البخاري» ،ف�إن هذا يعني بح�سب تف�سري الأنباري �أن ؛ الإ�صابة بالعني ثابت موجود � ،أو هو من جملة ما حتقق كونه .وه��ذا التحقق من وج��ود «العني» ب�شكل قاطع من الناحية الدينية يجعلنا نحيل ذلك �إىل الإط�ل�اق من حيث �إط�لاق وج��ود «ذوات حا�سدة»� ،إ َّال �أن��ه لي�س هناك من �إجماع وا�ضح على خ�صائ�ص تلك ال ��ذوات يف كونها ذوات ه��ووي��ة ،كما �أن��ه لي�س هناك �إح��ال��ة �إىل ال�ك��ون ال�ه��ووي الق�صدي �أو غ�ير الق�صدي الذي يحدد �شرط �إمكان االختزال الفنومنولوجي ،حيث يظهر املو�ضوع بو�صفه ما ُيق�صد �إليه � ،أي مقابل مبا�شر لل�شعور – كما يقول �سارتر يف «نظرية االنفعاالت» ،الذي �سيت�سبب باحل�سد عرب املو�ضوع ،و��ص��و ًال �إىل اجل�سد املح�سود وارتداد الأثر «ال�سلبي» عليه ؛ �إذ يف�سر الأنباري
وقوع العني ب�أنه «الذي ي�صيب من ال�ضرر بالعادة عند نظر الناظر ،»...وهو تف�سري ظاهر ال يك�شف ُكنه احل�سد م��ن حيث ه��و ه��وى ان�ف�ع��ايل ،فهو كمثله م��ن الأه ��واء االنفعالية ،لي�ست ذات �أب �ع��اد ظ��اه��رة بحيث ميكن تف�سريها ب�سهولة كونها �شعور ذات��ي بالدرجة الأوىل ، و�إمنا ن�ستطيع تف�سريها �أو ت�أويلها �أو حتليلها من ناحية ال�سلوك والأثر املرتد على الآخر املقابل . غ�بر �أن ال�لاف��ت للنظر يف ه��وى «احل���س��د» ارت�ب��اط��ه بـ «ال�ع�ين» بو�صفها ب���ؤرة التلقي الب�صري ،ولعله لهذا ال�سبب �أُطلق لفظ «العني» جماز ًا للداللة على «احل�سد» يف الثقافة العربية على وجه اخل�صو�ص ؛ يقول ابن منظور «العني �أن ت�صيب الإن�سان بعني .وعان الرجل بعينه عينا ، فهو عائن وامل�صاب معني على النق�ص ومعيون على التمام � ،أ�صابه بالعني»؛ وهذا يجعلنا نفرت�ض ب�أن الذات ال تكون «حا�سدة» من حيث ال�صفة �إذا كانت غري مب�صرة ،وعليه ميكن افرتا�ض �أن الذات «احلا�سدة» �ستفقد قدرة الهوى «احل�سد» �إذا فقدت الب�صر ! وهي افرتا�ضات قد تثبت �صحتها �أو بطالنها بح�سب املو�سوعة الثقافية لكل جمتمع على حدة � ،أو قد تظل عالقة دون و�صول �إىل نتائج حتمية . �إن هوى «احل�سد» من حيث هو «مو�ضوع» يجعلنا �أمام م�آل تنام م�ستمر ،وهو من الناحية االجتماعية يو�ضع �أمام يف ٍ حمك «الأخالق» ،وهو حكم ُيظهِ ر �سلوكات هي يف ذاتها حمايدة ،بحيث ميثل التكون لهذا املو�ضوع ا�ستقال ًال عن ذلك الطابع الفطري واملكت�سب له ،باعتباره يحمل جانب ًا من جوانب اال�ستعداد الق ْبلي املفرت�ض الذي تُبنى عليه امل�سارات الهووية .ولأن هذا الهوى يظهر جلي ًا �ضمن املنظومة املجتمعية ،ف�إننا �سنحتاج �إىل درا�سات خا�صة بكينونته يف كل جمتمع على ح��دة ؛ لأن��ه �سي�ستند �إىل تلك املعتقدات التي نظمها املجتمع حول امل�سار الباتيمي لهذا الهوى ،اعتماد ًا على املو�سوعة املجتمعية املتعاقبة. وعليه �ستت�ضح تلك التحريكات الهووية وال ُعدد العاملية والكيفية اخلا�صة به يف جمتمع بعينه ،وهذا �سينطبق �أي�ض ًا على كل تلك الأهواء التي تعتمد على التوا�صل غري الق�صدي من ناحية وال�شعورية من ناحية �أخرى يف كونها �أهواء حتمل خ�صو�صيات جمتمعية تعك�س ثقافة املجتمع وخ�صائ�صه
قال الراوي 106 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
حكاية �شعبية من بالد الترت
الشيطان وبناته ترجمة -عبد الرحمن اخلمي�سي كان ياما كان رجل يعي�ش فى الدنيا يُدعى �صفاء .وذات يوم فكر �أن يطوف بالد اهلل خلق اهلل ،فقال لزوجته: �سوف �أرحل لأعرف كيف يعي�ش النا�س فى بقاع الأر�ض. خرج الرجل ،وظل ي�سري فى طريقه لزمن طال �أم ق�صر ،حتى و�صل �إىل �أط��راف الغابة .وهناك �شاهد عجوزاً �شريرة م�صا�صة للدماء ،تهجم على بجعة تريد قتلها ،و�أخذت البجعة تئن وت�صرخ حماولة الإفالت والفرار دون جدوى .فقد كانت م�صا�صة الدماء قوية ،ف�أحكمت الإم�ساك بها.
وقبل شروق الشمس استطاعت الجنيات نقل �أما العجوز ذو اللحية الرمادية ،فاختفى كما لو �أ�شفق �صفاء على البجعة البي�ضاء ،وانطلق كل المياه إلى مكان نحوها مل�ساعدتها .وعندما �شاهدته م�صا�صة آخر ،ثم اختفت الجنيات �أنه غا�ص فى باطن الأر�ض. كان ذلك العجوز هو ال�شيطان عينه ،ومل يطلب الدماء ال�شريرة ،متلكها اخلوف وفرت هاربة
تاركة البجعة. �شكرت البجعة �صفاء على جندته لها ،وقالت: ـ تعي�ش خلف هذه الغابة عند البحرية �شقيقاتى الثالث ،و�أود �أن �أعرفك بهن ،فاجل�س فوقى، ولنذهب لزيارتهن!. جل�س �صفاء فوق ظهر البجعة ،وطارت البجعة حملقة به. حطت البجعة عند �شقيقتها الكربى ،وقالت لها: ـ لقد �أنقذنى ه��ذا الرجل من امل��وت املحقق، و�أريدك �أن تقدمى له هدية مقابل ما فعله. قالت ال�شقيقة الأكرب: ـ فلتمنحه الهدية تلك التى قام بنجدتها ،ف�أنا لن �أعطيه �شيئ ًا!. غ�ضبت البجعة ومل تنطق بكلمة واحدة ،وطلبت م��ن �صفاء اجل�ل��و���س ف��وق ظهرها ث��ان�ي��ة ،ثم ط��ارت نحو �شقيقتها الو�سطى ،وحكت لها ما فعله �صفاء ،و�إنقاذه لها من املوت املحقق ،ثم طلبت منها �أن متنحه هدية مقابل �صنيعه ،لكن ال�شقيقة الو�سطى �أجابتها قائلة: ـ فلتمنحه الهدية تلك التى �أنقذها!. �صمتت البجعة ومل تنطق ب�شىء ،و�أجل�ست �صفاء فوق ظهرها ،وحملته �إىل �شقيقتها ال�صغرى. ف��رح��ت ال���ش�ق�ي�ق��ة ال �� �ص �غ��رى ب��ال���ض�ي�ف�ين، وا�ستقبلتهما باحلفاوة وال�سرور ،وقدمت لهما الطعام وال�شاى .وعندما عرفت �أن �صفاء قد �أنقذ �شقيقتها من املوت ،قامت ب�شكره و�أعطته �صندوق ًا هدية له ،ثم قالت حمذرة: ـ احرت�س! وال تفكر فى فتح هذا ال�صندوق و�أنت فى الطريق! ول��و قمت بفتحه ف�سوف ت�صبح تعي�س ًا! فال تفتحه �أب��د ًا �إال عند و�صولك �إىل البيت. �أم���ض��ى �صفاء وق��ت �ضيافته ل��دى ال�شقيقة ال�صغرى للبجعة ،ثم خرج منطلق ًا �إىل بيته. و�أخذ ي�سري وهو يفكر فى نف�سه« :ما الذى ميكن �أن يوجد فى هذا ال�صندوق؟ ومل��اذا ال ينبغى على فتحه �أثناء الطريق...؟». َ ظل �صفاء ي�سري وي�سري ،حتى متلكه الف�ضول ومل ي�ستطع كبح جماح ف�ضوله ،فتوقف وفتح
ال�صندوق .وفى نف�س هذه اللحظة ظهر �أمامه دكان مكتظ ب�أفخر ال�سلع و�أثمنها ،ومن خمتلف الأنحاء يرك�ض الزبائن �إىل الدكان ي�ساومون فى ال�شراء ،ثم يدفعون املال ل�صفاء ،ودفعوا كميات ك�ب�يرة م��ن ال��ذه��ب مل ي�ستطع �صفاء حملها! فاحتار �صفاء وارتبك ال يعرف ما الذى عليه فعله ،وه��و واق��ف فى منت�صف الطريق. وكلما حاول �إغالق ال�صندوق مل يفلح �أبد ًا. جل�س الرجل يتنهد حزين ًا وي�سب نف�سه قائ ًال: «ملاذا مل �أ�ستمع لن�صيحة �شقيقة البجعة؟ وملاذا فتحت ال�صندوق �أثناء الطريق؟». وهنا ظهر �أمامه فج�أة عجوز ذو حلية رمادية، كما ل��و �أن الأر����ض ق��د ان�شقت ع�ن��ه ،و�س�أله العجوز: ـ ما الذى تريده؟. حكى �صفاء للعجوز ما جرى له ،فقال العجوز: ـ �سوف �أ�ساعدك فى حمنتك ب�شرط واحد ،وهو �أن متنحنى ما لديك فى البيت وال تعرف �شيئ ًا عنه ،وذلك بعد خم�سة ع�شر عام ًا. �أخ��ذ �صفاء يفكر فى ذل��ك ال�شىء ال��ذى لديه فى البيت وال يعرف �شيئ ًا عنه .وفكر طوي ًال ومل يحزر ذلك ال�شىء ،فقال للعجوز: ـ ح�سن ًا� ،سوف �أعطيك ما لدى فى البيت وال �أعرف �شيئ ًا عنه ،ولكن �ساعدنى الآن. رد العجوز: ـ ح�سنا ،فلتتذكر اتفاقنا! ولو خدعتنى ف�سوف ترى ما ال ير�ضيك!. بهذه الكلمات �أغلق العجوز غطاء ال�صندوق. فاختفى على الفور الدكان وال�سلع الثمينة واملال فى داخل ال�صندوق. ً حمل �صفاء �صندوقه ،وم�ضى موا�صال طريقة،
أخذت الفتيات ينظرن نحوه ،وتوقفن عن العزف ،عدا آلة واحدة من الكوبيز بدأت في
من �صفاء منحه �شىء ب�سيط ،بل طلب منه ابنه. فعندما غادر �صفاء البيت لريحتل ،كانت زوجته حام ًال منه وهو ال يعرف ،وها هى قد و�ضعت طف ًال ق��وي� ًا جمي ًال .وع��اد �صفاء �إىل البيت، ف�شاهد زوجته حتمل طفله ال�صغري. �أخذ الرجل يعانق طفله ويقبله وهو يبكى بدموع مريرة ،وذلك بعد �أن �أدرك ما وعد به العجوز ذو اللحية الرمادية. وهكذا ،مرت الأع��وام اخلم�سة ع�شر .وعندما حان املوعد املحدد ،قال �صفاء لولده: ـ لقد حان موعد الفراق يا ولدى!. وحكى له كل ما جرى فى ال�سابق عن ال�صندوق، وعن العجوز والوعد الذى قطعه .فقال الإبن: ـ ال تهتم يا والدى ،وال بد �أن تنفذ الوعد الذى قطعته. ودَع الفتى �أمه ،وعانق والده ورحل فى طريقه. ظل الفتى ي�سري طوي ًال طوي ًال ،حتى و�صل �إىل البحرية التى عليه �أن يلتقى ال�شيطان عندها. وجل�س الفتى عند �شاطئ البحرية ينتظر قدوم ال�شيطان. وفج�أة ،تردد �صوت حتليق فى ال�سماء ،وحط �سرب من البجع الأبي�ض عند البحرية ،ومل يلحظ البجع ال�ف�ت��ى ،فهبط ف��وق ال�شاطئ، و�أخذت طيور البجع ت�ستحم فى املاء. �أعجب الفتى بطيور البجع ،فاختب�أ و�أم�سك بواحدة منها .و�صرخت بقية البجعات وطارت مبتعدة ،عدا البجعة التى �أم�سك بها الفتى. وعندئذ �صاحت البجعة ب�صوت �آدمى قائلة: ٍ ـ �أتركنى �أيها الفتى و�أطلق �سراحى!. رد الفتى: ـ ال ،لن �أتركك!. وهنا خفقت البجعة بجناحيها ،وحتولت �إىل فتاة ح�سناء. اعرتت الده�شة الفتى و�س�ألها: ـ من � ِأنت؟. ـ �أنا ابنة ال�شيطان الذى وعده والدك �أن مينحه �إي ��اك ،ف��وال��دى م��ن �آك�ل��ى الب�شر ،وه��و يريد التهامك! ولكنك لو �أطلقت �سراحى ف�سوف
قال الراوي 108 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
�أنقذك من ذلك امل�صري .وعندما يهم ال�شيطان بالتهامك �صح به و�أخربه قائ ًال�« :أعطني عم ًال �أقوم به!» ،والآن حان موعد ذهابى �إىل البيت. وبعد �أن انتهت الفتاة احل�سناء من حديثها، لوحت بيديها فتحولت �إىل بجعة بي�ضاء ،وطارت حملقة فى ال�سماء. وم��ا �إن ابتعدت عن ناظري الفتى ،حتى ظهر ال�شيطان عند �شاطئ البحرية ،و�شاهد الفتى ف�ف��رح ،وذه��ب ب��ه �إىل البيت .وعندما و�صال هناك قال الفتى: ـ ال ميكننى العي�ش دون �أن �أفعل �شيئ ًا ،ف�أعطني عم ًال �أقوم به!. قال ال�شيطان: ً ـ ح�سن ًا� ،سوف �أعطيك ع�م�لا� ،أري ��دك �أثناء الليل �أن تقطع كل �أ�شجار هذه الغابة ،ثم تقوم بتقطيع الأ�شجار �إىل قطع �صغرية حتملها �إىل خمزن البيت ،وفى نف�س هذه الليلة تقوم ببيع الأخ�شاب ،وت�شرتي بثمنها �شعري ًا تقوم بزرعه يف �أر�ض الغابة اخلالية من الأ�شجار ،ويف نف�س هذه الليلة �أي�ضا تقوم بجمع املح�صول ودر�سه، ثم تنقل احلبوب �إىل ال�شونة يف منزيل ،و�إن مل ت�ستطع القيام بهذا الأم��ر ،ف�سوف تفارق احلياة!. قال ال�شيطان ما قاله ورحل تارك ًا الفتى الذي جل�س يفكر« :كيف ميكنني فعل كل هذا يف ليلة واح���دة؟» ...وعند حلول امل�ساء ج��اءت الفتاة احل�سناء ابنة ال�شيطان �إىل الفتى ،و�س�ألته عن العمل الذى كلفه به ال�شيطان .وبعد �أن �أخربها قالت الفتاة: ـ ال حتزن ،ف�سوف �أدبر هذا الأمر بنف�سي ،وما عليك �سوى النوم يف هدوء حتى ال�صباح!. ا�ستمع الفتى �إىل احل�سناء ورقد للنوم. ويف منت�صف الليل �صعدت الفتاة احل�سناء �إىل �سطح البيت ،و�أخذت تطلق �صفري ًا ناعم ًا، فاجتمعت اجلنيات على �صفريها ،و�س�ألن: ـ ما الذى ت�أمرين به؟.
بعد أن انتهت الفتاة الحسناء من حديثها، لوحت بيديها فتحولت إلى بجعة بيضاء، وطارت محلقة في السماء �أخ �ب�رت ال �ف �ت��اة اجل �ن �ي��ات ب��ال�ع�م��ل امل�ط�ل��وب، ف�شرعت اجلنيات يف العمل .ويف ملح الب�صر ا�ستطعن القيام مبا طلبته الفتاة. وما �إن �أطلق الديك �صياحه يف ال�صباح ،حتى اختفت اجلنيات كما لو �أنهن مل يظهرن من قبل. ج��اء ال�شيطان يف ال���ص�ب��اح ،ف�شاهد العمل ق��د ج��رى كما طلب مت��ام � ًا .فتملكت الده�شة ال�شيطان وفكر يف نف�سه« :يا للغرابة! �إن هذا الفتى لي�س �إن�سانا عاديا!». و�أثنى على ما فعله الفتى ،وقال له: ـ لقد ا�ستطعت ال�ق�ي��ام ب�ه��ذا ال�ع�م��ل ،و�سوف �أعطيك الآن عم ًال �آخر تقوم به� ،أريدك �أن تنقل مياه البحرية �إىل مكان �آخر خالل هذه الليلة، وذلك با�ستخدام هذا ال ُغربال!. وعندما رحل ال�شيطان جاءت الفتاة احل�سناء �إىل ال�ف�ت��ى ،و��س��أل�ت��ه ع��ن ال�ع�م��ل ال ��ذى طلبه ال�شيطان ،ف�أجابها الفتى: ـ لقد �أمرين �أن �أقوم خالل هذه الليلة ،بنقل مياه البحرية �إىل مكان �آخر با�ستخدام هذا ال ُغربال. قالت الفتاة: ـ �سوف ننفذ ما طلبه! فاذهب للنوم فى هدوء حتى ال�صباح!. وقامت الفتاة مرة �أخرى بالنداء على اجلنيات، و�أمرتهن بنقل املاء. وقبل �شروق ال�شم�س ا�ستطاعت اجلنيات نقل كل املياه �إىل مكان �آخر ،ثم اختفت اجلنيات عند �صياح الديكة. جاء ال�شيطان يف ال�صباح �إىل الفتى الذى قال له: ـ لقد مت تنفيذ ما طلبته مني!.
بالد الترت بالد الترت �أو ترت�ستان -جمهورية ذات حكم ذاتي تقع �ضمن حدود رو�سيا الفيدرالية ،وعا�صمتها مدينة «ك ��ازان» ،وتبلغ م�ساحتها ح��واىل � 68أل��ف كم مربع ،ويبلغ �سكانها حواىل �أربعة ماليني ن�سمة ،ميثلون 115قومية، والديانتان ال�سائدتان هما الإ�سالم وامل�سيحية -املرتجم.
�أدرك ال�شيطان �أن الفتى ال يعجز عن القيام ب�شىء ،ويقوم بتنفيذ كل ما ُيطلب منه مهما كان .ففكر قلي ًال ،ثم قال: ـ ل��دى فر�س جامح ق��وي ،و��س��وف �أم�ن��ح ابنتى املحبوبة زوجة ملن ي�ستطيع �أن يلجمه وال يخ�شى �أن ميتطيه� ،أال تريد �أن جترب حظك للح�صول على هذه ال�سعادة؟. ـ ح�سنا ،و�إين موافق! فمتى تريدين �أن �أمتطي فر�سك هذا؟. ـ فى �صباح الغد. ذهب الفتى �إىل ابنة ال�شيطان ،وق�ص عليها كل ما جرى ،فقالت الفتاة: ـ �إن ذلك الفر�س ما هو �إال ال�شيطان عينه بعد �أن يتنكر يف هيئته ،وميكنك �أن تكبح جماحه وتلجمه بعد �أن حت�صل من احل��داد على �سوط ي ��زن خ�م���س�م��ائ��ة ك �ي �ل��وج��رام��ا ،وحت �� �ص��ل من ال�سروجي على �سرج يزن خم�سمائة كيلوجراما. ان�ط�ل��ق ال�ف�ت��ى ع�ل��ى ال �ف��ور �إىل احل� ��داد وم��ن بعده �إىل ال�سروجي ،وطلب منهما �سوط ًا يزن خم�سمائة كيلو ج��رام ،و�سرج ًا يزن خم�سمائة كيلو جرام. وعندما انتهى احلداد وال�سروجي من �صنع ال���س��وط وال���س��رج امل�ط�ل��وب�ين ،ذه��ب الفتى �إىل الإ�سطبل .وكان باب الإ�سطبل مو�صد ًا بع�شرين م ��زالج .وف �ت��ح ال�ف�ت��ى الع�شرين م��زالج� ًا ،ودخ��ل الإ�سطبل ،ف�شاهد فر�س ًا جاحم ًا يخرج اللهب من منخريه ،ويحرك ُعرفه ميين ًا وي�سار ًا ب�سرعة كبرية ،ويرف�س الأر���ض بحوافره حتى تهتز من حتتها ،وال ي�سمح لأحد باالقرتاب منه. ا�ستطاع الفتى �أن يغافل الفر�س ،و�ضربه بال�سوط الثقيل ف��وق ر�أ��س��ه ،فهد�أ الفر�س على ال �ف��ور وت��وق��ف ع��ن ه��ز ُع��رف��ه ورف�س الأر�� ��ض ب �ح��واف��ره .ف ��أ� �س��رع ال�ف�ت��ى بو�ضع ال���س��رج الثقيل ف��وق��ه ،و��س��اق��ه �إىل خ��ارج الإ�سطبل ،وبعد ذلك قفز الفتى فوق ظهر الفر�س ول�ك��زه يف جانبيه ،ف��أخ��ذ الفر�س يقفز هائج ًا ،وهو يهز ُعرفه ب�شدة وينفث الهواء ال�ساخن وي�صهل ب�صوت مثل الزئري، يريد �إل�ق��اء الفار�س م��ن ف��وق ظ�ه��ره ،لكن الفتى مت�سك بظهر الفر�س ملت�صق ًا به ال
مييل وال يتحرك .وكان �أثناء ذلك ي�ضرب الفر�س بال�سوط الثقيل فوق �ضلوعه و�صدره. ظل الفر�س يقفز حام ًال الفتى لفرتة طويلة، ح�ت��ى �أ� �ص��اب��ه الإن��ه��اك وال �ت �ع��ب ،و�أخ �ي� ً را ع��اد ي�سري به �إىل الإ�سطبل .وهناك تركه الفتى ،و�أغلق عليه باب الإ�سطبل بالع�شرين مزالجا .و�أ�سرع �إىل الفتاة يق�ص عليها كل ما جرى .فا�ستمعت �إليه ،ثم قالت له: ـ غد ًا �سوف يقوم ال�شيطان بتحويل كل بناته �إىل �سرب من اليمام ،و�سوف يطلب منك على من بني ذلك ال�سرب ،فعليك التعرف َ �أن ت�شري �إىل تلك اليمامة التى �سوف حتلق بالقرب منك.
انطلق الفتى إلى الحداد ومن بعده إلى السروجي ،وطلب منهما سوط ًا وسرج ًا يزن كل منهما خمسمائة كيلوجرام يف ال�صباح ال�ت��اىل ن��ادى ال�شيطان الفتى، وعر�ض �أمامه �سرب ًا كبري ًا من اليمام ،ثم قال: ـ �أت��رى ه��ذا ال�سرب من اليمام؟ �إن ابنتي ال�صغرية هى واحدة من هذا ال�سرب ،ولو ا�ستطعت التعرف �إليها ،ف�سوف �أمنحها زوجة لك!.
صمتت البجعة ولم تنطق بشيء، وأجلست صفاء فوق ظهرها ،وحملته إلى
�أخ��ذ الفتى ينظر �إىل اليمام ،وعندما طارت ميامة من ال�سرب بالقرب منه� ،أ��ش��ار الفتى نحوها قائ ًال: ـ هذه هي ابنتك الأ�صغر!. غ�ضب ال�شيطان وك��اد ينفجر من الغيظ وهو يفكر يف نف�سه« :ال بد �أنها �أخربته بنف�سها عن الو�سيلة التى ميكنه بها التعرف �إليها من بني اليمام». ويف امل�ساء جاءت ابنة ال�شيطان ال�صغرى �إىل الفتى ،وقالت له: ـ غ ��د ًا ��س��وف يطلب منك وال ��دى م��رة �أخ��رى التعرف �إ َ ىل من بني �شقيقاتى ،و�سوف جنل�س جميع ًا ونعزف على �آلة الكوبيز «�آلة �شعبية وترية تنت�شر فى ب�شكرييا وبالد التتار» وعندما نبد�أ فى العزف ،فعليك �أن تبد�أ يف الرق�ص .وبعد �أن
قال الراوي 110 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
ظهر أمامه فجأة عجوز ذو لحية رمادية، ترق�ص لفرتة �سوف تبد�أ املو�سيقى يف اخلفوت .كما لو أن األرض قد و�سوف ينظر والدي ومعه جميع �شقيقاتى نحو انشقت عنه ،وسأله: �ساقيك و�أن ��ت ترق�ص ،بينما �آخ��ذ يف عزف ما الذى تريده؟
مو�سيقى راق���ص��ة ج��دي��دة ،وع�ن��دئ� ٍ�ذ ميكنك ً كانت الفتيات يرتدين ثيابا متماثلة ،وكل منهن التعرف علي. يف اليوم التاىل نادى ال�شيطان الفتى ،وعر�ض حتمل الكوبيز بني يديها. �أعطى ال�شيطان �إ�شارته فبد�أت الفتيات فى �أمامه بناته الأربعني ،ثم قال: ـ لو ا�ستطعت التعرف على ابنتي ال�صغرى من ال �ع��زف ع�ل��ى �آالت ال�ك��وب�ي��ز .وع �ن��دئ� ٍ�ذ ��س��أل بني تلك الفتيات ،ف�سوف ت�أخذها زوجة لك! ولو ال�شيطان الفتى: ـ �أي واحدة من الفتيات هى ابنتي ال�صغرى؟. ف�شلت يف ذلك فلن تظل بني الأحياء!. مل يجب الفتى ب�شىء على ��س��ؤال ال�شيطان، بل �أخذ فى الرق�ص .ف�أخذت الفتيات ينظرن نحوه ،وتوقفن عن العزف ،عدا �آلة واحدة من الكوبيز ب��د�أت ف��ى ع��زف مقطوعة مو�سيقية جديدة راق�صة .ورمق الفتى بعينيه الفتاة التى تعزف دون �أن يالحظه �أحد ،وظل م�ستمر ًا فى الرق�ص. وعندما انتهى من الرق�ص �س�أله ال�شيطان مرة �أخرى: ـ �أين ابنتي ال�صغرى من بني الفتيات؟. اقرتب الفتى من الفتاة قائ ًال: ـ ها هى ابنتك ال�صغرى!. �صرخ ال�شيطان من �شدة الغيظ: ـ ال ميكن �أن تكون قد جنحت يف التعرف �إليها بنف�سك! وال بد �أنها �ساعدتك فى هذا الأم��ر! و�سوف �ألقنكما در�س ًا خلداعكما ىل!.
و�أم ��ر ال�شيطان ب��إل�ق��اء الفتى م��ع ابنته فى الزنزانة. وفى امل�ساء حتولت الفتاة �إىل ذبابة وطارت من الزنزانة .وبعد ذلك عادت �إىل هيئتها ثانية، و�أ��س��رع��ت �إىل اجل��رن حيث �أخ ��ذت حزمتني كبريتني من الأغ�صان ،وحملتهما �إىل الزنزانة، ومل يكن احل��ار���س واق�ف��ا يف ه��ذا ال��وق��ت ،ومل ي�شاهد الفتاة وهي حتمل احلزمتني. و�ضعت الفتاة احلزمتني على �أر���ض الزنزانة، وغطتهما مبالب�سها ،ثم قامت بب�صق لعابها فوقهما .وبعد ذلك قالت للفتى: ـ مل يعد لدينا وقت لالنتظار ،وحان وقت الفرار. وق��ام��ت الفتاة بتحويل نف�سها م��ع الفتى �إىل ذبابتني ،وطار االثنان هاربني من الزنزانة. وبعد �أن ابتعدا عن الزنزانة ،عادا �إىل هيئتهما ال�سابقة ،وفرا هاربني. ف��ى ال�صباح ج��اء ال�سياف �إىل ال��زن��زان��ة كى يوقظ ال�سجينني ،ووق��ف خلف ب��اب الزنزانة ي�صيح منادي ًا: ـ هل ما زلتما تغطان فى النوم بعد؟. رد اللعاب من فوق احلزمتني: ـ نعم ،نحن ما زلنا نائمني!. ـ �أال تعرفان �أن ر�أ�سيكما �سوف تطريان قريب ًا؟. ـ نعم ،نعرف!. وا�ستمر احل��وار بينهما حتى جف اللعاب فوق احلزمتني .ووا�صل ال�سياف حديثه ،لكنه مل يتلق
�إجابات بعد ذلك ،ف�صرخ قائ ًال: ـ ماذا بكما؟ هل رحتما فى النوم؟ �سوف �أدخل الآن و�أجعلكما ت�ستيقظان!. دخل ال�سياف �إىل الزنزانة ،ورفع الثياب التى تغطى احلزمتني فلم يجد �أث��ر ًا لل�سجينني. و�أدرك ال���س�ي��اف حقيقة الأم� ��ر .ف��أ��س��رع �إىل ال�شيطان و�أخ�ب�ره باختفاء ال�سجينني وف��راره �م��ا ،وب��احل��زم�ت�ين ال�ل�ت�ين وجدهما هناك. ثار غ�ضب ال�شيطان بعد معرفته بهروب ابنته مع الفتى ،وعلى الفور �أمر ر�سوله مبطاردتهما. ك��ان الفتى ق��د جن��ح ف��ى االبتعاد �إىل م�سافة بعيدة مع فتاته احل�سناء ،لكن الفتاة �سرعان ما �سمعت دبيب حوافر اجلياد ،فقالت: ـ �إن �أتباع ال�شيطان يطاردوننا! وميكنني ر�ؤيتهم على البعد!. وحتولت الفتاة �إىل جامع �صغري ،وحولت الفتى �إىل م�ؤذن عجوز. و��ص��ل �أت �ب��اع ال�شيطان �إىل امل �ك��ان ،و�صاحوا قائلني: ـ �أن ��ت �أي �ه��ا امل � ��ؤذن! �أمل ت��ر ��ش��اب� ًا وم�ع��ه فتاة ح�سناء؟. رد امل�ؤذن: ـ ال ،ف�إننى هنا منذ �سنوات عديدة ال �أفارق هذا اجلامع ،ومل �أر �شاب ًا وال فتاة ح�سناء �أبد ًا. ع��اد �أت �ب��اع ال�شيطان �أدراج��ه��م �إىل البيت،
و�أخ �ب�روه �أن�ه��م مل ي�ع�ثروا على ال�ه��ارب�ين ،بل �شاهدا فقط اجلامع وامل�ؤذن العجوز. ث��ار ال�شيطان من الغ�ضب و�أخ��ذ يوبخ �أتباعه وي�سبهم قائ ًال: ـ �أيها احلمقى! �إن ذلك اجلامع وهذا امل�ؤذن هما الهاربني عينهما! ف�أ�سرعوا �إىل هناك ثانية، واقب�ضوا على امل�ؤذن وحطموا اجلامع!. �أ�سرع اخل��دم �إىل املكان ال��ذى به اجلامع، ول�ك�ن�ه��م مل ي��ج��دوا اجل��ام��ع وال امل�� ��ؤذن، فانطلقوا يوا�صلون املطاردة. �سمعت الفتاة دبيب حوافر اخليل ،فقالت للفتى: ـ �إن �أتباع ال�شيطان قد �أ�صبحوا على مقربة منا!. وقامت بتحويل الفتى �إىل راع عجوز ،وحولت نف�سها �إىل قطيع من الغنم. و�صل �أتباع ال�شيطان و�صاحوا: ـ �أنت �أيها الراعي! �أمل تر فى الطريق �شاب ًا وفتاة ح�سناء؟. �أجاب الراعي: ـ �إين �أق��وم برعي الغنم هنا منذ زمن طويل ،ومل �أ�شاهد �شاب ًا وال فتاة �أبد ًا ،وال بد �أنهما ي�سريان يف طريق �آخر!. ع���اد �أت� �ب ��اع ال���ش�ي�ط��ان م��رة �أخ���رى ب ��أي��د خ��اوي��ة،
وحكوا لل�شيطان �أنهم مل يعرثوا على �أحد يف الطريق ،ومل ي�شاهدوا �سوى الراعي وقطيع الغنم. ثار ال�شيطان من الغ�ضب �أكرث من ذي قبل، وقفز بنف�سه على ظهر ح�صانه ،وانطلق يطارد الهاربني. عادت الفتاة والفتى �إىل هيئتهما ال�سابقة، وانطلقا يوا�صالن الفرار. اقرتب ال�شيطان منهما و�شاهدهما ،ف�أ�سرع ب�أق�صى �سرعته على ح�صانه للحاق بهما ،حتى اقرتب منهما و�أو�شك على الإم�ساك بهما. وعندما �شاهدت الفتاة اق�تراب ال�شيطان، حتولت �إىل بحر ،وحولت الفتى �إىل �سمكة ذهبية. قفز ال�شيطان �إىل البحر وهو ي�صرخ منادي ًا: ـ والآن ،لن ميكنكما الإفالت مني!. و�أخذ ي�سبح وي�سبح ،ثم غط�س يف املاء يطارد ال�سمكة الذهبية. ومل ي�ستطع الإم�ساك بال�سمكة ،وغ��رق فى املاء حتى هلك. ع �ن��دئ��ذٍ ع ��ادت ال �ف �ت��اة وال �ف �ت��ى �إىل هيئتهما العادية ،وامتطيا ح�صان ال�شيطان ،وذهبا به �إىل �أهل الفتى. وهناك تزوجا وعا�شا مع ًا فى �سعادة ووئام
حكايات من الذاكرة 112 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
يوميات سيارة إسعاف القاهر -ه�شام علي بعد كل حادث �إرهابي دموي �شهدته القاهرة يف الت�سعينيات ،كنت �أ�شاهد الدموع يف عيون �أبويا على ال�ضحايا ،م�صحوبة ب�صب ال ّلعنات على "الإخوان امل�سلمني" حمملهم متزيق قلب �أم على ابنها الذي راح �ضحية التفجريات ،وك�سر ظهر �أب على �أوالده الذين اخرتقت قنابل امل�سامري �أج�سادهم ،ينتحب مع دموع طفل �صغري يبكي �أباه ،الذي كان يبحث عن لقمة عي�شه ولن يعود �إىل املنزل� ،أو حبيبة م ّزقت ال�شظايا ج�سم خطيبها الذي خرج يعمل ليح�صل نقود ال�شبكة. انتهزت فر�صة �أجواء ذكرى رحيل �أبويا، وق��ررت �أن �أعي�شها ه��ذا العام بطريقة خمتلفة ،بني �أوراقه وخمطوطاته وبع�ض املقاالت التي كان ين�شرها من حني �إىل �آخر يف ال�صحف. لكن الأهم م�سودة كتابه «يوميات �سيارة �إ�سعاف» الذي كتبه عندما كان متطوع ًا يف جمعية الإ� �س �ع��اف الأه �ل �ي��ة ،ق�ب��ل �أن تن�ضم �إىل وزارة ال�صحة وت�صبح «مرفق �إ�سعاف القاهرة». �سيارة الإ�سعاف منحته فر�صة تاريخية للتج ّول يف القاهرة وح ّولته �إىل �شاهد عيان على �أح��داث ك�برى ن�ق��ر�أ عنها يف الكتب �أو ن�شاهدها يف �أف�ل�ام الأبي�ض والأ�� �س ��ود� ،أ��ش�ه��ره��ا ح��رك��ة االغ�ت�ي��االت ال�سيا�سية التي تورط فيها �أفراد جماعة الإخ��وان امل�سلمني ،وزرعهم للمتفجرات يف دور ال���س�ي�ن�م��ا وامل��ح�ل�ات ال�ت�ج��اري��ة ال���ش�ه�يرة «ب �ن��زاي��ون و� �ص �ي��دن��اوي» ،هنا �أت ��وق ��ف ق �ل �ي� ً لا،ع �ن��دم��ا ت�ل�ق�ي�ن��ا ال �ب�لاغ ب��ان�ف�ج��ار قنبلة يف �سينما ري �ف��ويل ،مل �أتخيل للحظة �أنني �أمام حادث ميكن �أن
يتحول �إيل ح��ادث �شخ�صي� ،إال بعد �أن و�صلنا �إىل ال�سينما وب��د�أت مع زمالئي املتطوعني نلم �أ�شالء ال�ضحايا� ،سمعت �صوت ًا ي�ستدعيني من بني اجلرحى ملقى ع�ل��ى الأر�� ��ض ووج �ه��ه م�ل�ط��خ ب��ال��دم��اء، �شعرت ب ��أن الأر� ��ض ت��دور ح��ويل ولكني متا�سكت ،يف ه��ذه اللحظة اكت�شفت �أن هذا ال�شخ�ص هو حممد فتحي �صديقي ال��ذي ح�ضرنا زفافه الأ�سبوع اللي فات و�أن ال�ت��ي يف ج ��واره ع��رو��س�ت��ه ال�شابة، �أخ ��ذت �أ� �ص��رخ ا��س�ت��دع��ي زم�لائ��ي حتى ي���س��اع��دوين على نقل حممد وعرو�سته �إىل امل�ست�شفى ،ولكن القدر كان �أ�سرع، �شظايا ال�غ��در واخل�ي��ان��ة �أط �ف ��أت فرحة حم�م��د ،م��ات��ت عرو�سته ،وخ��رج ه��و من ه��ذه املحنة م��ذه��و ًال م��دم��ر ًا ،بعد �أن مت برت يده وتعر�ض وجهه للت�شوه ،يف زمن مل يعرف بعد عمليات التجميل ،بعد انتهائي من حكاية حممد وعرو�سته ذهبت �إىل �صفحة �أخرى يف اليوميات .كما �ساقني ال�ق��در ي��وم� ًا �أن �أك��ون �شاهد عيان على اغتيال ال�شيخ ح�سن البنا� ،أي�ض ًا كنت �أنا
امل�سعف ال��ذي نقل النقرا�شي با�شا �إىل بيته بعد �أن �أُغتيل من اخللف وهو يركب م�صعد وزارة ال��داخ�ل�ي��ة� ،أك�ثر م��ا لفت نظري يف هذا احلادث والتقطته عيني، �شقة النقرا�شي املتوا�ضعة وحجرة نومه الب�سيطة. اغتيال ح�سن البنا ق�صة �صنع حولها الإخوان �أ�ساطري واتهموا فيها الإ�سعاف �إنها طرف يف م�ؤامرة اغتياله ،رغم �أن الإ� �س �ع��اف ع�ل��ى م ��دار ت��اري�خ�ه��ا جمعية وطنية غري منحازة لفريق على ح�ساب فريق لي�س لها دخل بال�سيا�سة من قريب �أو بعيد ،وال تقبل �أن ت�شرتك يف م�ؤامرة خ�سي�سة من هذا النوع ،مر�شد الإخوان تعر�ض لالغتيال �أم��ام جمعية ال�شبان امل�سلمني يف �شارع رم�سي�س ،املرافقون ل��ه حملوه ونقلوه للعيادة اخل��ارج�ي��ة يف الإ�سعاف علي الأقدام ،خ�صو�ص ًا �أن هذا املكان يبعد عن املقر الرئي�س للإ�سعاف ن�صف حمطة �أتوبي�س ،يف الطريق تعر�ض لفقد كمية كبرية من دمه ،طبيعي جد ًا يف ظل الإم�ك��ان��ات ال�ضعيفة التي كانت
تعمل فيها الإ�سعاف يف الأربعينيات �أن ي�أمر الطبيب املناوب يف العيادة بنقله ف ��ور ًا �إىل الق�صر ال�ع�ي�ن��ي ،ال�ستكمال عالجه جراحي ًا وا�ستخراج الر�صا�صة، وح �ت��ى يف ال �� �س �ي��ارة ون �ح��ن يف طريقنا للق�صر العيني ،ماذا كنا منتلك �أن نفعل له�« ،شنطة الإ�سعاف» مل تكن جمهزة �إال لتقدمي الإ�سعافات الأولية ،ويف الق�صر ال�ع�ي�ن��ي ل�ف��ظ ال�ب�ن��ا �أن�ف��ا��س��ه الأخ�ي�رة، ب��ال���س�لاح نف�سه ال��ذي ا�ستخدمه �ضد خ�صومه ال�سيا�سيني� ،سالح االغتياالت �أل �ي ����س ه��و م��ن �أم ��ر بت�شكيل التنظيم اخلا�ص للإخوان ال��ذي اغتال القا�ضي «اخلزندار» ورئي�سي الوزراء �أحمد ماهر والنقرا�شي ،ودب��روا �أك�ثر م��ن م��ؤام��رة الغ�ت�ي��ال ال�ن�ح��ا���س ب��ا��ش��ا ،ل�ك��ن العناية الإلهية �أنقذته منها ،البنا �صدقت فيه املقولة ال�شهرية «من قتل يقتل ولو بعد حني» .وعلى فكرة ال ت�صدقوا �أكذوبة �أن الإخوان كانوا جزء ًا من احلركة الوطنية امل�صرية قبل ثورة يوليو ،الإخ��وان طول عمرهم خنجر يف ظهر احلركة الوطنية، و� �س�لاح امل �ل��ك ال�ب��اط����ش ��ض��د خ�صومه ال�سيا�سيني خ���ص��و��ص� ًا ال��وف��د و�شباب م�صر الفتاة ومبنا�سبة م�صر الفتاة، املنا�ضل الكبري �أحمد ح�سني ،عندما علم ب�أن امللك فاروق يرتب زيارة �إىل ق�صر الأمرية �شويكار يف �شربا ،الق�صر الذي حت��ول الآن �إىل كلية زراع��ة جامعة عني �شم�س� ،أخ��ذ �أحمد ح�سني جمموعة من فقراء وب�سطاء م�صر وا�ستقبلوا فاروق ع�ل��ي ك��وب��ري «ال�ل�ي�م��ون» ك��وب��ري ��ش�برا، ورف�ع��وا الفتات مكتوب عليها «رعاياك يا موالنا» ،ومت ن�شر �صور التظاهرة يف جريدة اال�شرتاكي ،التي كان ي�صدرها ح��زب «م���ص��ر ال �ف �ت��اة» ،و�أح��دث��ت دوي � ًا �سيا�سي ًا رد عليه ال�شيخ املنا�ضل «!!» ح�سن البنا بزيارة �إىل ق�صر عابدين، ك �ت��ب يف دف�ت�ر ال�ت���ش��ري�ف��ات «�إذا ك��ان ال�شعب �ضد امللك ،اهلل مع امللك» ،منطق يتفق مت��ام � ًا م��ع م��وق��ف امل��ر��ش��د ال�ث��اين
اله�ضيبي من الإجنليز؟. ب �ع��د �إل� �غ ��اء ح �ك��وم��ة ال ��وف ��د م �ع��اه��دة ،1936كتب اله�ضيبي مقا ًال يف جريدة «اجلمهور امل�صري» معناه �أعمال العنف ال تخرج الإجنليز من البالد؟ �إن واجب احلكومة �أن تفعل ما يفعله الإخ��وان من تربية ال�شعب و�إعداده فذلك هو الطريق وجه كالمه لإخراج الإجنليز ،بعد ذلك ّ ل�ل��إخ��وان يف ال���ش�ع��ب املختلفة ق��ائ� ً لا: «�أذه��ب��وا واع �ك �ف��وا ع�ل��ى ت�ل�اوة ال �ق��ر�آن ال�ك��رمي» ،بعد ه��ذا املقال الف�ضيحة رد عليه الكاتب خالد حممد خالد مبقال يف «روزاليو�سف»�« ..أب�شر بطول �سالمة يا ج��ورج» ،نعى فيه علي الإخ��وان موقفهم املتخاذل وذك��ر املر�شد العام للإخوان امل�سلمني بتقدمي الر�سول الكرمي �صلى اهلل عليه و�سلم لفري�ضة اجل�ه��اد على غريها من الفرائ�ض .فري�ضة اجلهاد الإخ��وان �ي��ة مل يطبقوها �إال يف ال��داخ��ل ع�ل��ى امل���ص��ري�ين الأب ��ري ��اء،ال مي�ك��ن �أن �أن�سى م�شهد ًا ع�سكري ًا ،املرور الذي قتل
يف �أح��د االنفجارات الإخوانية وقطعت ر�أ�سه ،ومل جندها �إال بعد �ساعتني من البحث يف الأماكن القريبة من احلادث، لكن �أكرث امل�شاهد �إثارة يف �إحدى املرات ك��ان البولي�س ي�ط��ارد خلية �إخ��وان�ي��ة يف رو� ��ض ال �ف��رج ،وب �ع��د �أن ��ض�ي��ق عليهم احل�صار يف �إح��دى ال�ع�م��ارات �أخ��رج��وا امل�سد�سات وقتلوا بع�ضهم بع�ض ًا حتى ال يتم �إلقاء القب�ض عليهم م�شاهد احل��زن ال�ت��ي عا�شها وال��دي، �شحنتني بطاقة غ�ضب نحو هذا التنظيم ال��دم��وي ،لدرجة و�أن��ا �أجمع الأوراق يف مكانها وجدت �أبويا يجل�س على مقعده امل �ح �ب��ب يف احل �ج��رة ت �ب��ادل �ن��ا ن �ظ��رات �أف�ه�م�ه��ا ج �ي��د ًا خ��وف وحت��ذي��ر �أن �ق��ذوا م �� �ص��ر ،م���ص��ر ال �ت��اري��خ واجل �غ��راف �ي��ا، والأزه ��ر وج��ام�ع��ة ال�ق��اه��رة ،م�صر طه ح�سني والعقاد ولوي�س عو�ض و�أم كلثوم وعبد الوهاب وخمتار ويو�سف �شاهني، م�صر ال�سيدة زينب و�سانت تريز
مجلس العلوم 114 الـعــــدد 161 مارس 2013
عدل �شكل وم�ساحـة ُت ِّ وزاويــــــة �أجنحتهــــا وفق ًا لظروف الطق�س
الصقور.. أسماك طائرة
�إعداد -جورج فهيم مهارة ال�صقور يف الطريان تتفوق على ما توفره �أكرث النظم املالحية تقدماً يف العامل للطائرات من �سرعة ،وحتكم ،وثبات ،وقدرة على املناورة ،وتعديل الأو�ضاع ،وا�ستهالك �أقل قدر ممكن من الطاقة ،وذلك وفقا لدرا�سات علمية حديثة ت�سعى حلل لغز براعة ال�صقور يف الطريان. كابينة القيادة يف �أي طائرة حديثة مدججة بع�شرات بل مئات الأج�ه��زة وم�ع��دات القيا�س املتطورة والتي توفر للطيار �سي ًال من املعلومات احليوية للطريان مثل �سرعة الطريان الأفقية والر�أ�سية و�شدة الرياح وكثافة الهواء وال�ضغط وزاوي��ة االنحراف ودرج��ة احل��رارة وغريها من امل�ؤ�شرات ال�ضرورية للطريان ،وبالرغم من ذلك ف�إن كافة هذه الأجهزة واملعدات ال ت�ستطيع �أن توفر للطيار القدرة على املناورة بطائرته مثلما تفعل ال�صقور.
ُخلق ليطري
ج�سم ال�صقر م�صمم من الناحية الت�شريحية ب�صورة ت�ساعده على الطريان ،فبعك�س عظام الإن�سان التي متتلئ بالنخاع ،ف�إن عظام ال�صقر جم��وف��ة ،مم��ا يجعلها �أك�ثر خفة ،والأه ��م من ذل��ك ف���إن ع�ظ��ام �أرج ��ل ال�صقر ت�ضم مئات احلوي�صالت الهوائية الدقيقة املرتبطة بالرئتني،
وعندما يتنف�س ال�صقر متتلئ احلوي�صالت الهوائية بالهواء مما مينح ال�صقر قدرة �أكرب على الطريان. والهيكل العظمي لل�صقر م�صمم بعناية فائقة لينا�سب الطريان ،ف�أغلب عظام الهيكل العظمي متحدة مع ًا يف كتلة عظمية واحدة ،و بها عوار�ض مت�صلة بالع�ضالت امل�س�ؤولة عن حتريك الأجنحة « ،»Ossificationكما �أن الفقرات النهائية لذيل
التركيب التشريحي للهيكل العظمي للصقر يتكامل مع الجهازين الدوري والتنفسي بطريقة توفر له سي ً ال ال ينضب من األوكسجين الذي يسمح له بالطيران لمسافات طويلة
ال�صقر ملتحمة ع�ضوي ًا م��ع الكتلة العظمية ب�صورة جتعل ذيل ال�صقر �أكرث قدرة علي حمل ري�ش الذيل « ،»Pygostyleونتيجة لذلك ف�إن ال�صقر لديه ع��دد ًا �أقل من العظام مقارنة مع بقية الطيور الأر�ضية التي ال تطري. وبالإ�ضافة �إىل ما �سبق ف ��إن الهيكل العظمي لل�صقر ال ميثل ��س��وي ن�سبة �ضئيلة م��ن وزن ال�صقر خالل الطريان وهذه الن�سبة تقل على �سبيل امل�ث��ال ع��ن وزن ال��ري����ش ال��ذي ميثل يف املتو�سط ن�سبة % 20من وزن ال�صقر فيما متثل الع�ضالت ن�سبة % 50من وزن ال�صقر ،ورغم �أن الهيكل العظمي لل�صقر خفيف الوزن� ،إال �أنه ميتاز بالقوة بطريقة جتعله ق��ادر ًا على حتمل ال�ضغوط امل�صاحبة للإقالع والهبوط والتحليق. وب�صفة عامة فان ال�صقر ميتلك �أكرث من 175 نوع ًا من الع�ضالت للتحكم يف الأجنحة والذيل والأرج��ل ،تعد الع�ضلة ال�صدرية امل�س�ؤولة عن التحكم يف حركة الأجنحة �أقوى هذه الع�ضالت
مجلس العلوم 116 الـعــــدد 161 مارس 2013
«جورنال اوف اك�سربمينتال بيولوجي» «Journal � ،»of Experimental Biologyأك�ثر من 36
على الإط�ل�اق « ،»Pectoral Muscleوه��ذه الع�ضالت ت�شكل يف جمموعها ن�سبة ترتاوح بني % 15و % 20من وزن ال�صقر عند الطريان. ويف احلقيقية ف�إن الرتكيب الت�شريحي للهيكل ال�ع�ظ�م��ي لل�صقر ي�ت�ك��ام��ل ب�براع��ة م��ع عمل اجل�ه��ازي��ن ال���دوري والتنف�سي بطريقة توفر لل�صقر معدل متثيل غذائي مرتفع و�سي ًال ال ين�ضب من الأوك�سجني الذي ي�سمح له بالطريان مل�سافات طويلة.
القدرات املالحية التي تتوافر لل�صقر وتكتيكات ال�ط�يران التي يطبقها تفوق مبئات امل��رات ما يتوافر لغريه من الطيور ،وهذا ما ك�شفت عنه درا�سة �أجرها فريق بحثي من ق�سم الأبحاث التجريبية احل�ي��وان�ي��ة بجامعة «فيجينجني» « ،»Wageningenبرئا�سة الربوفي�سور دي النتيك ،وبالتعاون مع ق�سم هند�سة الطريان بجامعة دلفت «.»Delft وق��د �شملت ال��درا� �س��ة ال�ت��ي ن�شرت يف دوري��ة
ب�صفة عامة ت�ستطيع الطيور اال�ستفادة من ال �ت �ي��ارات ال�ه��وائ�ي��ة لتظل ط��اف�ي��ة يف ال �ه��واء لفرتات طويلة دون احلاجة لتحريك �أجنحتها، ويف ال��واق��ع ف ��إن ديناميكية احل��رك��ة الهوائية « »Aerodynamicsحت��دد �إىل �أي م�سافة ولأي م��دة ي�ستطيع الطائر �أن ينزلق وم��دى قدرته على معاودة االرتفاع مرة �أخ��ري� ،إال �أن
يمتلك الصقر أكثر من 175نوع ًا من العضالت للتحكم في األجنحة والذيل واألرجل ،أقواها على اإلطالق العضلة الصدرية المسؤولة عن التحكم في حركة األجنحة
تكتيكات الطريان
نوع ًا من ال�صقور مت ر�صد قدرتها وتكنيكاتها يف الطريان من خالل �إطالقها يف نفق للتقلبات الهوائية بطول 5كيلومرتات يغذى بتيارات هوائية متقبلة من خالل �شبكة من املراوح املوجودة على اجلانبني وعند مدخله ونهايته ،ويتم مراقبة النفق من الداخل ب�سل�سلة من كامريات الفيديو عالية الو�ضوح والدقة لر�صد التغيري يف تكتيكات الطريان التي تطبقها ال�صقور عندما ت�صادف موجات متباينة ال�شدة من اال�ضطرابات الهوائية داخل النفق. ويقول الربوفي�سور دي النتيك ال��ذي قاد فريق البحث �إن ق��وان�ين احل��رك��ة الهوائية تقوم يف الأ��س��ا���س على حتقيق امل�ع��ادل��ة املثلى مل�ساحة الأج�ن�ح��ة و�شكلها وزاوي ��ة االن ��زالق وال�سرعة واالرتفاع ،م�شري ًا �إىل �أن ال�صقر ميتلك مهارة فائقة يف حتقيق التكامل بني قوانني احلركة ال �ه��وائ �ي��ة ل�لا��س�ت�ف��ادة م��ن ظ���روف ال �ط�يران املحيطة .وت�ستطيع ال�صقور اختيار م�ساحة اجلناح من بني خم�سة و�ضعيات متعارف عليها هي « »5و« »15و« »30و« »40و«،»50 ويو�ضح الربوفي�سور النتيك �أن ال�صقور ت�ستخدم تكتيكات خمتلفة لتحقيق هذا الهدف مثل تغيري �شكل اجلناح وزاوي��ة الهجوم وال�سرعة ،وعلى �سبيل املثال ف�إن ال�صقور ت�ستطيع فرد �أجنحتها يف و�ضعية االمتداد الكامل التي يرمز لها بالرقم «� »5أو يف و�ضعية االمتداد الن�صفي التي يرمز لها بالرقم «.»50 وقد وجد فريق البحث �أن االنتقال بني الو�ضعيتني ي�ؤدي �إىل خف�ض م�ساحة جناح ال�صقر مبقدار الثلث وهذا التكتيك يعطي لل�صقر قدرة �أكرب على الت�أقلم مع �سرعة واجت��اه الرياح ،ب�صورة تزيد م��ن ق��درت��ه على االرت �ف��اع وتقليل معامل االحتكاك ومقاومة الهواء مقارنة مع الطيور التي ال تتمتع بخا�صية تعديل �أو�ضاع �أجنحتها. وي�شري الربوفي�سور مارك فانديك الذي �شارك يف الدرا�سة �إىل �أن ق��درة ال�صقور يف التحكم يف ديناميكيات احلركة الهوائية من خالل تغري �شكل وم�ساحة وحت��دب الأجنحة يجعلها قادة على ال �ط�يران مل�سافات �أط ��ول ب��دون احلاجة
�إىل حتريك �أجنحتها وهو ما ي�سمي باالنزالق « ،»Glidingومن ثم تقلي�ص الطاقة واجلهد امل�ستهلك يف عملية الطريان. وي�ضيف الربوفي�سور مارك �أن الأجنحة املمتدة متثل �أف�ضل و�ضعية لالنزالق فيما متثل الأجنحة ن�صف املطوية �أف�ضل و�ضعية للنزول العمودي، م�شري ًا �إىل �أن ال�صقور حتدد م�ساحة اجلناح وزاويته مع اجل�سم و�شكل تداخل الري�ش وفق ًا مل�ستوى �سرعة ال �ط�يران املطلوبة وال�ظ��روف اجلوية ال�سائدة وخا�صة �سرعة الرياح.
قائمة االختيارات
وفقا لنتائج الدرا�سة ف��إن االن��زالق يف و�ضعية الأجنحة املطوية �أك�ثر فاعلية يف ظل �سرعات الطريان العالية� ،أما و�ضعية الطريان ب�أجنحة كاملة االمتداد فيكون �أكرث فاعلية خالل �سرعات الطريان املنخف�ضة. وعلي �سبيل املثال ف�إن كفاءة طريان ال�صقر تزيد بن�سبة % 70عند الطريان ب�سرعة 20مرت/ثانية يف و�ضعية الأجنحة ن�صف املطوية مقارنة مع و�ضعية الأجنحة كاملة االمتداد ،وعلى النقي�ض من ذلك ف�إن انخفا�ض ال�سرعة �إىل �أقل من 10 مرت/ثانية يرفع كفاءة االنزالق بن�سبة % 50يف و�ضعية الأجنحة املمتدة. ووف�ق� ًا لنتائج الدرا�سة ف ��إن و�ضعية الأجنحة ن�صف املطوية مت ّكن ال�صقر من حتمل قدر �أكرب من ال�ضغوط عن االنعطاف ال�سريع� ،أما يف حالة االنزالق يف خط م�ستقيم ب�سرعة ثابتة ف�إن كمية ال�ضغوط التي تتعر�ض لها �أجنحة ال�صقر تكون م�ساوية لكتلة ال�صقر ،وهذا يرجع �إىل �أن زاوية ال�ط�يران ال ت�ؤثر فقط على ال�سرعة الر�أ�سية للطريان ،و�إمن��ا �أي�ض ًا على ال�سرعة الأفقية للطريان.
�صناعة الطريان
تتفق نتائج ال��درا� �س��ة ال�ت��ي �أج��راه��ا العلماء الهولنديون مع نتائج درا��س��ة مماثلة �أجراها الربوفي�سور فان�س توكر والربوفي�سور كارلتون هاين من ق�سم الأبحاث احليوانية بجامعة ديوك بالواليات املتحدة ،والتي �أ�شارت �إىل �أن امتداد
جناحي ال�صقر يتقل�ص يف حالة زيادة �سرعة الطريان وزاوية االنزالق. ورمبا كان اتفاق العلماء على �أن تفوق القدرات املالحية التي يتمتع بها ال�صقر وبراعة ودقة تكتيكات الطريان التي يطبقها هو ما دفع خرباء الطريان يف مركز «دراي دين »بوكالة الف�ضاء الفيدرالية الأمريكية «نا�سا» لتطوير طائرة ا�ستطالع ب��دون طيار اع�ت�م��اد ًا على مهارات
تستطيع الصقور اختيار مساحة الجناح من بين خمسة وضعيات وتستخدم تكتيكات مختلفة مثل تغيير شكل الجناح وزاوية الهجوم والسرعة لتحقيق التكامل بين قوانين الحركة الهوائية
ال�صقر وتكتيكاته يف الطريان. وت�ستطيع الطائرة التي حتمل ا�سم «Global � ،»Hawkأو ال�صقر ال �ك��وين التحليق على ارتفاعات عالية اعتماد ًا علي تغيري م�ساحة و�شكل الأجنحة ،ويتم التحكم يف الطائرة التي ت�صل حمولتها �إىل 900كيلوجرام بوا�سطة «الرميوت كونرتول» من قاعدة �أر�ضية ،وميكن للطائرة قطع م�سافة � 20ألف كيلومرت والتحليق على ارتفاع � 200ألف مرت. وي�ق��ول اخل�براء ال��ذي��ن �ساهموا يف ت�صميم الطائرة �إن اقتبا�س تكتيكات الطريان التي يطبقها ال�صقر وب�صفة خا�صة االنزالق ميكن �أن ي�سهم يف تطوير هياكل جيل جديد من الطائرات والأجهزة املالحية ،ب�صورة ت�ؤدي �إىل خف�ض كبري يف كمية وتكلفة الوقود الذي حتتاجه الطائرة لقطع الرحلة ،وبالتايل احلد من تلوث البيئة
تراث الشعوب 118 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
�أبناء ال�شم�س
الواق الواق ..
بالد الكنوز المقدسة علي كنعان
�شاعر وباحث �سوري
فاج�أتني طوكيو منذ الليلة الأوىل ،فقد �صحوت قبيل ال�ساد�سة �صباحاً على �أ�صوات الغربان املع�ش�شة يف �أ�شجار احلديقة املجاورة ،وخيل �إ ّ يل �أن �أجدادنا �أطلقوا على اليابان جزر «الواق واق» ،من وحي تلك اجلوقة ال�صباحية وداللة عليها. ويف �إحدى اجلل�سات االحتفالية بنهاية �أ�سبوع العمل الأكادميي من م�ساء اجلمعة يف مكتب الأ�ستاذ نوتاهارا ،رئي�س ق�سم اللغة العربية يف جامعة طوكيو للدرا�سات الأجنبية ،طرحت فكرتي ه��ذه بني لفيف من الأ��س��ات��ذة ..وقد �أدىل ك��ل واح��د منهم ب��دل��وه .لكن الأ�ستاذ نوتاهارا قال« :يف تقديري �أن الكلمة م�أخوذة من كلمة «واك��و» يف اللغة اليابانية القدمية، والكلمة تعني «قر�صان �أو قرا�صنة» -املفرد واجلمع واح��د يف اليابانية .ك��ان �أج��دادك��م ي�سافرون يف �سفن �صينية ،وحني يلمح البحارة مركب ًا للقرا�صنة اليابانيني كانوا ي�صيحون: «واكو ..واكو»! وقد اختزن �أجدادكم الكلمة يف ذاكرتهم ون�سجوا حولها عديد ًا من الأ�ساطري. ومن هنا ،على ما يبدو ،جاءت الـ «واق واق». ومعروف �أن القرا�صنة اليابانيني كانوا رجا ًال �أ��ش��داء ،ق�صار القامة ،مكتنزي الأج�سام، وبحارة ال�سفن التجارية كانوا حري�صني على االبتعاد عنهم وجتنب اال�شتباك معهم التقاء �شرهم و�إيثار ال�سالمة». وم��ن يع�ش يف اليابان ي��درك �أهمية ال�تراث و�أ�ساطري الأولني يف حياة ذلك ال�شعب املتميز
واال�ستقرار .وقد زودته اجلدة بالكنوز الثالثة املقد�سة :ال�سيف وامل��ر�آة واجلوهرة .ال�سيف رمز الرجل والقوة وال�شجاعة ،وامل��ر�آة رمز املر�أة وال�صفاء واالكت�شاف ،واجلوهرة ت�شبه ثمرة الكاجو الهندية Cashewوير�سمونها منحن دائرة مفلطحة ومق�سومة طوالني ًا بخط ٍ �إىل ما ي�شبه ح َّبت َْي فا�صوليا ت�شكل رمز ًا للمر�أة وال��رج��ل م�ع� ًا ،وت�ك��ون ن��وات�ه��ا رم��ز اجلنني. والأ�صل ال�صيني لهذه اجلوهرة وا�ضح �إذ �إنها ترمز �إىل «االن�سجام والتكامل الإن�ساين».
بكفاحه اليومي و�إبداعاته العلمية الرائعة على م�ستوى العامل .ومن خالل جتربة حية امتدت ث�لاث ��س�ن��وات ،يبدو يل �أن عظمة اليابان نابعة من عظمة املر�أة – الأم حتديد ًا .ولنبد�أ باحلكاية من الينبوع: اليابان �Nihonأو Nipponتعني يف اللغة اليابانية «م�صدر ال�شم�س» �أو«بالد ال�شم�س»، وهذا يعني �أن ذلك ال�شعب املبدع الد�ؤوب من �أبناء ال�شم�س .ونتابع الأ�سطورة من جذورها ال�ع�م�ي�ق��ة� :إن رب��ة ال�شم�س العظمى ذات الإ�شراق ال�سماوي �أماترا�سو Amaterasu-ō- mikamiهي الأم الأوىل لهذا ال�شعب ،وهي املر�أة هي الأ�سا�س التي �أر�سلت حفيدها نينيغي Ninigiليخل�ص وما ت��زال امل��ر�أة – الأم �أو الأخ��ت الكربى - الأر� ��ض م��ن الأ� �ش��رار ويعيد �إليها ال�سالم هي امل�س�ؤولة عن البيت الياباين و�ش�ؤونه وعن تربية الأوالد وتعليمهم حتى ينتهوا من املرحلة من يعش في اليابان الثانوية .فاجلامعة هي بدء انطالق الفرخ يدرك أهمية التراث م��ن الع�ش احلميم ال��ذي ت��رع��اه الأم .وكم �سهرت مع �صديق ر�سام يف جانب من ال�صالة وأساطير األولين في ال�صغرية ،بينما كانت الأم تراقب درا�سة حياة ذلك الشعب المتميز بكفاحه اليومي طفلتها ،والأب �سارح يتحدث معي �أو يراقب التلفزيون ويده ال يفارق الك�أ�س ،وك�أن الأمر ال وإبداعاته العلمية يعنيه .وال تكاد الأم تنتهي من �إ�شرافها على
الرائعة على مستوى العالم
درا�سة الأط�ف��ال ،حتى تتناول جملة خا�صة ب ��أل��وان ال�ط�ع��ام لتختار ال��وج�ب��ة املنا�سبة، وخا�صة �أن الفطور هو الوجبة الرئي�سة هناك، كما هو بني الفالحني يف ق��رى ب�لاد ال�شام. ولإعداد هذه الوجبة ال�صباحية املتنوعة ،على الأم �أن ت�صحو من اخلام�سة لت�سابق الوقت. وال�سنة الأوىل يف اجلامعة حافلة بتعليم الطلبة مبادئ احلياة الأوىل ليكونوا رج��ا ًال ون�ساء يعتمد عليهم ال��وط��ن بعد التخرج بكل ثقة وكفاءة واطمئنان .وت�شكل الرحالت اجلامعية �أ�سا�س ًا ومنطلقا ملرحلة الن�ضج واالكتمال ،كما �أن حفلة التخرج يف �آخر العام ت�شكل �أجمل مهرجان جماعي تزينه ال�صبايا ب�أزيائهن التقليدية «الكيمونو» ب�ألوانه الزاهية و�أ�سعاره الفلكية التي ي�صل بع�ضها �إىل ع�شرين �ألف دوالر! لذلك ت�ؤثر الطالبات ا�ستئجار ذلك ال��زي يف حفلة التخرج ،وهو زي بهي مزين ب�صور الأزهار والطيور املقد�سة ،ومنها طائر
تقول األسطورة إن أميرة النسيج وقعت في حب راعي القطيع فشغلهما كم الحب عن العمل ف ُ ح ِ عليهما باالنفصال وال يلتقيان إال يوم ًا واحد ًا في السنة الكركي �أو الغرنوق اجلميل «ت�سورو» ال��ذي يعتقدون �أن��ه يعي�ش �أل��ف �سنة ،وترى الأطفال ي�شكلون مناذج ورقية منه التما�س ًا ل�شفاء مري�ض عزيز عليهم .ويعتقدون �أي�ضا �أن ال�سلحفاة تعي�ش ع�شرة �آالف �سنة. الرتبية تبد�أ من رعاية اجلنني وهو يف �أح�شاء �أم��ه :على الأم احلامل �أن تتجنب الأ�صوات واملناظر امل��ؤذي��ة ،و�أن ت�ستمع �إىل املو�سيقى الهادئة العذبة ،وت�ستمتع مب�شاهدة الأ�شياء املريحة اجلميلة حتى ال ت�سيء للكائن املتنامي يف رحمها .وحني تعمل يف �إحدى امل�ؤ�س�سات، كما يعمل زوج�ه��ا ،ف�إنها تظل م�س�ؤولة عن تربية الأبناء وتعليمهم ،كما �أنها م�س�ؤولة عن تدبري �ش�ؤون البيت. وي �ب��دو �أن للملح قيمة رم��زي��ة ال تخلو من قدا�سة ،كما هي احلال يف تقاليدنا .فاملر�أة التي ت�ضطر حل�ضور جنازة قريب �أو �صديق ال تدخل بيتها �إال بعد �أن تخرج �صرة ملح �صغرية من حقيبتها وتر�ش منه ذرات دفع ًا لل�شر. وبامل�صادفة الغريبة �أين كنت على موعد مع ال�صديق ال��ر��س��ام ،وح�ين اق�ترب��ت م��ن بيته ملحت زوجته قادمة فانتظرت حتى اقرتبت من الباب ،فتحته و�أخذت تر�ش امللح على العتبة، طالبة مني ال��دخ��ول قبلها ..وح�ين ت��رددت اح�ت�رام�� ًا� ،أخ�برت�ن��ي �أن �ه��ا ك��ان��ت يف جنازة �صديقة لها وخيل �إليها �أن �شبح الغراب يحوم فوقها ،وكان ال بد يل من املغامرة والدخول ملواجهة خطر ال�شبح املرتب�ص ب�شجاعة ،وكان ال�صديق جال�س ًا �أمام التلفزيون ي�شاهد فيلم ًا، بعيد ًا عن ح�سرة ال�سيدة وحزنها. Tsuru
احلديث �س�ؤال عن زم��رة دم��ك وطالعك يف الأب� ��راج ،م��ع العلم �أن �أب��راج�ه��م ال�صينية مرتبطة بال�سنني ال بال�شهور ك�أبراجنا .فنحن اليوم يف �سنة الأف�ع��ى ،وم��ن �أمثالهم«:قدم الأفعى» ومعناه� :شيء �أو عمل غري �ضروري. وقد فوجئت بانتقايل من برج احلمل �إىل برج اجل��رذ «نيزومي» .Nezumiولهذه الأب��راج �أ�سطورة �صينية ،فقد �أراد �إمرباطور الزمرد طريقة لقيا�س الوقت ف��أج��رى م�سابقة بني 12حيوان ًا لعبور النهر �سباحة ،فكان الثور يف املقدمة ،ولكن الف�أر املاكر كان راكب ًا على ظهره وقبيل خروجه من امل��اء �إىل الياب�سة قفز الف�أر عنه و�سبقه �إىل الرب فكان الأول �أ�سطورة الأبراج ال�شاي الأخ�ضر م�شروبهم التقليدي ال�شهي وجاء الثور يف املرتبة الثانية ،وكان اخلنزير وامل �ف �ي��د ،وم �ن��ذ ال�ل�ق��اء الأول ي �ك��ون مفتاح اخلامل يف املرتبة الأخرية ،بينما جاء ترتيب
تراث الشعوب 120 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
طائرات ورقية على �شكل «ال�شبوط»
املعروف ب�شق البطن« :هاراكريي» hara-kiri كانت اجلزر اليابانية مت�صلة بالرب الآ�سيوي قبل � 40ألف �سنة ،وبع�ضهم يقول منذ مئة �أو مئتي �ألف �سنة� .أما الآث��ار واللقى الفخارية املكت�شفة فت�شري �إىل ع�شرة �آالف �سنة قبل امليالد .لقد �أخ��ذ ال�شعب الياباين الأبجدية من ال�صني كما جاءته البوذية منها والأبراج الفلكية وكثري من الأ�ساطري ،وحتى النظام الإم�براط��وري .لكن هذه الق�ضايا امل�ستعارة اكت�سبت مالحمها اليابانية وطبعت بهويتها الوطنية ،و�إن بقي فيها ج��ذور و�أطياف من �أ�صولها الوافدة.
بارتياح �إىل تلك ال�سنة ،وهم يتجنبون الزواج
ك�م��ا تتجنب الأم� �ه ��ات احل �م��ل خ��وف � ًا على عيد احلب
املت�سابقني كما يلي :النمر ،الأرن��ب ،التنني، الأف�ع��ى ،احل�صان ،احلمل ،القرد ،الديك، الكلب .و�إذا كان التنني يحتل مكانة مميزة يف الأ�ساطري ال�صينية ،ف�إن للح�صان ميزة خا�صة يف ال�ي��اب��ان �إذ يطلقون عليه ا�سم «احل�صان الناري» كل �ستني �سنة� ،أي يف كل خم�س دورات فلكية .واليابانيون ال ينظرون
�أطفالهن من ويالت تلك ال�سنة امل�ش�ؤومة. ورغ��م �أن�ه��م بلغوا امل��رات��ب العليا يف العلوم وال�صناعة والتكنولوجيا� ،إال �أن التقاليد االجتماعية املتوارثة مازالت �صارمة .والزائر ال�غ��ري��ب ال يح�س بالتناق�ض ب�ين الأ��ص��ال��ة واحل���داث���ة ،ل �ك��ن ك�ث�رة ح � ��وادث االن �ت �ح��ار ت�شري �إىل وجود �شرخ داخل النف�س الفردية واالجتماعية ،و�إن كان االنتحار عندهم من ال�سمات الوراثية املعروفة يف تاريخهم حتى �إن لغتهم ت�ضم يف مفرداتها كلمة Shinjūوتعني االنتحار املزدوج وال �سيما انتحار احلبيبني، وهم ير�سمونها بالرموز ال�صينية «كاجني» ب�شكل م�ؤلف من مقطعني� :صورة قلب Shin ومركز �أو و�سط Jūوك�أن الكلمة تعني ان�شطار القلب �إىل ن�صفني .وهذا ال�شكل خمتلف طبع ًا عن االنتحار الفردي Jisatsuوهذا له �شكله املختلف يف الأب�ج��دي��ة .وه��ات��ان الطريقتان خمتلفتان �أي�ضا عن انتحار ال�شرف البطويل
فلسفة رياضة «السومو» تقول :إن لكل كائن وكل جرم في هذا الكون مجا ًال ومركز ثقل، فإذا اختل مركز ثقله سقط وانتهى وإذا خرج من مداره انتهى
عيد احلب عندهم يف اليوم ال�سابع من ال�شهر ال�سابع /يوليو ،وتقول الأ�سطورة �إن �أم�يرة الن�سيج «�أوري�ه�ي�م��ي» ،وقعت يف ح��ب راع��ي القطيع «هيكوبو�شي» .وقد �شغلهما احلب عن فح ِكم عليهما باالنف�صال ورفعا �إىل العمل ُ ال�سماء ليف�صل بينهما نهر امل�ج��رة ،لذلك ال يلتقيان �إال يوما واح��دا يف ال�سنة .وهما ميثالن يف الفلك العربي الن�سر الواقع والن�سر الطائر .ويحتفل ال�شبان والفتيات بهذا العيد فيتوجهون �إىل احلدائق وال�ضواحي ليطلقوا الأ�سهم النارية يف اجلو لكي يدلوا العا�شقني على طريق ال�ع��ودة �إىل الأر� ��ض حتى ينعما بيوم من حبهما القدمي بعد معاناة �سنة من االنف�صال واحلرمان. ويبدو من هذه الأ�سطورة �أن للأرقام دالالتها الرمزية �أي�ض ًا ،فالرقم 7مبارك وله مكانة خا�صة ك�أيام الأ�سبوع والف�ضائل ال�سبع والعديد من الرموز الأخ��رى ،وحتى فيلم ال�ساموراي ال�سبعة من �أ�شهر الأعمال ال�سينمائية .لكنهم ينفرون من الرقم �« 4شي» لأن كلمة املوت حتمل اللفظ ذاته ،لذلك ال ميكن �أن جتد هذا الرقم يف �أي من غرف امل�شايف وعنابرها .كما �أن الرقم 9غري م�ستحب لأن لفظه م�شابه للأمل املربح والنزع الأخري. ك��ان��ت زه��رة اخل��وخ يف امل��ا��ض��ي ه��ي الرمز الوطني ال��ذي يحتفل بها ال�شعب ،وكانت
اجلرذ املاكر ي�سبق الثور
ال�شبوط رمز ال�شباب
ت��رم��ز �إىل ال �ق��وة لأن �ه��ا تتم�سك بغ�صنها طويال ،ثم �صارت زهرة الكرز «�ساكورا» هي الرمز الوطني اجلميل الذي يحتفلون بها يف احلدائق مع الربيع ،و�إن كان عمرها ق�صريا ال يزيد عن �أ�سبوع ،لكن �أ�شجارها تبد�أ بالتفتح يف �أوائل مار�س يف اجلنوب وتنتهي يف �أواخر �أب��ري��ل يف ال�شمال .وه��ي كالزيزفون عندنا تزهر وال تثمر. احلكايات والأ�ساطري ال حت�صى .يف مدينة ِن ُّكو اجلبلية اجلميلة نهر دايا ،وقد حاول �أحد الكهنة مع ع�شرة من مريديه �أن يعربوه فت�شكل �أم��ام�ه��م ج�سر م��ن نبات ال�ب�ردي والأف��اع��ي املت�شابكة ،وما يزال «اجل�سر املقد�س» قائما.. �إمنا بال ثعابني .و�سمك ال�شبوط «كوي» Koi ال��ذي ي�سبح عك�س جمرى النهر يرمز للقوة
والن�شاط ،واحتفا ًال به يعلقون �أعالم ًا ملونة ب�أ�شكال منه بدءا من �أبريل حتى �أوائل مايو، ويعتربونه رمز ًا لل�شباب يف عيدهم يف اخلام�س من مايو� .أم��ا الدمى �أو العرائ�س فهي ترمز للفتيات ،ولها حكايتها الأ�سطورية املختلفة. طبيعة اليابان �ساحرة وال�شعب ميتاز بطيبة �إن�سانية مثلى ،فطوال ثالث �سنوات مل �أ�شهد م�شاجرة .ول�ع��ل مكنونات نفو�سهم �أجمل
كانت زهرة الخوخ في الماضي هي الرمز الوطني الذي يحتفل بها الشعب ،وكانت ترمز إلى القوة ألنها تتمسك بغصنها طوي ً ال
و�أغنى ،و�أكرث ما يتجلى ذلك يف �شعر الهايكو، �أ�صغر الق�صائد يف ال�ع��امل و�أغ�ن��اه��ا دالل��ة و�إيحاء وغمو�ض ًا �ساحر ًا .لكن عالقة الغرب بهم ملتب�سة وال تخلو من عن�صرية يف الغالب. يقول اجلرنال ماك�آرثر الذي حكم اليابان �سبع �سنني بعد االح�ت�لال« :ه��ذه �أم��ة ت�شبه طفلة يف الثانية ع�شرة من العمر»! وهناك عبارة فرن�سية �أق�سى عن االقت�صاد .وحني رجعت من زيارة هوري�شيما� ،ضحية �أول قنبلة ذرية، ر�آين �أحد الأ�ساتذة الأوربيني مت�أثر ًا مبا ر�أيت، ف�صرخ يف وجهي معاتب ًا ك�صديق« :علي ،ال تغلط ..لو كنت �أنا لق�صفتهم ب�أربع قنابل!» وح�ين �س�ألته با�ستنكار« :مل��اذا ،يا فرانك؟» �أجاب� :أال ترى مدى اخللل بامليزان التجاري، م��ع الأم�يرك��ان الأغ�ب�ي��اء ال��ذي��ن فتحوا لهم جامعاتهم وم�صانعهم؟" وانتهت �صداقتنا يف ذلك اللقاء .ويف نقا�ش مع �أح��د �أ�ساتذة اللغة الإجنليزية ق��ال« :ه��ذا �شعب م�صاب بعقلية اجلزيرة « ،»Island Mentalityوحني قلت له :بريطانيا جزيرة ،رد ب�إ�صرار«:هذا �شعب ودي��ان ،ال يرى �أبعد من �أنفه»! وانتهى احل��دي��ث .لكن �أ��س�ت��اذة �إيطالية ك��ان ر�أيها خمتلف ًا ،حني قالت«:ت�صور ،يف طوكيو وحدها ما يقارب ثمانني �ألف �آلة �إلكرتونية للبيع يف ال�شوارع واملقاهي واال�سرتاحات بني املدن ،لو كانت يف بالدنا حلطموها ونهبوها»! ولعل �أجمل حكمة خرجت بها من تلك البالد جاءت من م�صارعة مل �أكن �أحبها وال �أميل مل�شاهدتها وت�سمى ال�سومو ،Sumoوهي جتري بني رجال �ضخام متو�سط وزن الواحد منهم 150كيلو غرام .امل�صارعة جتري داخل دائ��رة حميطها من الق�ش ،من ي�ضع قدمه خارج الدائرة يخ�سر ومن يالم�س �أر�ض احللبة بغري �أخم�ص قدميه يخ�سر �أي�ضا .وفل�سفة هذه الريا�ضة تقول� :إن لكل كائن وكل جرم يف هذا الكون جم��ا ًال ومركز ثقل ،ف ��إذا اختل مركز ثقله �سقط وانتهى و�إذا خرج من مداره انتهى. وهذه احلكمة تنطبق على الأفراد واجلماعات والأمم ..وحتى على الأج ��رام ال�سابحة يف الف�ضاء
دراسة 122 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
ال�صوت الب�شري هو الإن�سان نف�سه
اللغة والكالم عند الجاحظ.. قراءة في المفهوم د .م�صطفى �شميعة �إن ا�ستعرا�ضاً لأه��م مقت�ضيات التوا�صل ال�شفوي /التخاطبي عند �أب��ي عثمان �سيمكن ال حمالة الباحث من �إدراك �أهم املرتكزات التي تهم التوا�صل اليومي بني النا�س وكذا املعيقات التي حتول بني متلفظ الكالم ومتلقيه.
فللجاحظ �آراء كثرية يف ق�ضايا التوا�صل و�شروطه ،كما �أن له �أف �ك��ار ًا �سديد ًة يف امل� ��ؤث ��رات البيئية وال�ع��رق�ي��ة ال �ت��ي ت��ؤث��ر يف ��س�يرورة التخاطب وال�ت��ي نذكر منها �أث��ر البيئة يف لهجة ال�ك�لام ،لكن الأه��م بالن�سبة ل�ن��ا ه��و م��واق �ف��ه ال�ن�ظ��ري��ة من اللغة والكالم ذاتهما ،فما هي مرتكزات النظرية اللغوية عند اجلاحظ؟ وم��ا هو مفهومه للكالم؟ و�إىل �أي حد نتحدث عن �آراء �صريحة يف نظرية ل�سانية �سبق بها اجلاحظ غريه من الدار�سني؟
نظرية اللغة عند اجلاحظ
ن�ق���ص��د مب �ف �ه��وم ال �ل �غ��ة ع �ن��د اجل��اح��ظ: الكيفية التي متثل بها اللغة باعتبارها وع��ا ًء يت�ضمن املعاين والأف �ك��ار ،وكذلك �أدا ًة للتوا�صل الرئي�سية ب�ين الب�شر بل و�أرق��اه��ا عنده .وم��رد نظريته هاته �إىل ال �ق��ول ب��وج��ود ع��امل م��ن امل ��دل ��والت� ،أي امل��ع��اين ال �ت��ي ت�ع�ي����ش يف ان �ف �� �ص��ال عن الأل�ف��اظ «ال�سمات» و�أن ه��ذا االنف�صال قد جعل للمعاين وجود ًا خارجي ًا «عدميا» يتوقف ظهوره على الألفاظ وبالتايل ف�إن
تخضع اللغة عند صاحب «البيان والتبيين» إلى نظرة طبقية مفادها أن وجود المجتمع في طبقات يؤدي حتم ًا إلى وجود مستويات من التخاطب اللغوي الطبقي العالقة بني الطرفني هي عالقة «الن�سبي» بـ «املطلق». هكذا يقر اجلاحظ �أن اللغة هي عالمة على ()1 معاين «م��وج��ودة يف معنى معدومة»... فهي في�صل يقف ب�ين «ال �ك��ون ال�صريح والعدم ال�صريح )2(»...وهي «منزلة بني املنزلتني» لكن اللغة عند �أبي عثمان تبقى قا�صرة على الإحاطة بكل املعاين املوجودة
اللغة عند الجاحظ ال تأخذ مظهر ًا واحد ًا وال تكون لغاية ثابتة بقدر ما هي كيان حي يتلون بحاجيات االستعمال
وخ�صو�صا بع�ض املعاين التي هي «خا�ص اخلا�ص ،واخلا�صيات كلها لي�ست �أ�سماء قائمة وكذلك تراكيب الأل��وان والأراييح ()3 والطعوم ونتائجها.»... �إذا كانت اللغة ح�سب �أب��ي عثمان ذات ط��اق��ة حم� ��دودة يف الإف �� �ص��اح والإب��ان��ة ف�إن هذا يعني �أنها يف حاجة �إىل و�سائل تعبريية �أخ��رى م�ساعدة على بلوغ الغاية م��ن ال�ت��وا��ص��ل وه ��ذا م��ا ي�ستدعي جل��وء املتكلم �إىل «الإ���ش��ارة» لتدعيم مواقفه الكالمية وللإف�صاح عن حاجته .وهنا حت�ضر �أه��م مقولة من مقوالت التوا�صل احل��دي�ث��ة ال �ت��ي ت �ق��ول ب�ح��اج��ة ال�ل�غ��ة �إىل املعطيات ال�سياقية غري اللغوية. ولكي ال نذهب بعيد ًا يف تفريع نظرية اللغة عند �صاحب «البيان والتبيني» حفاظ ًا على مو�ضوع البحث وحدوده ،ننتقل �إىل بع�ض املفاهيم التي ترتبط بذلك ومنها:
ق�ضية ن�ش�أة اللغة:
يرى اجلاحظ �أن اهلل تعاىل «علم �آدم الأ� �س �م��اء ك�ل�ه��ا» �إذ ينطلق يف مناق�شته ل�ه��ذه الق�ضية من
دراسة 124 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
�أف �ك��اره ح��ول العالقة ب�ين اللفظ واملعنى امل��ذك��ورة �سلف ًا وال �ت��ي ج ��اءت يف خ�ضم رده على خ�صومه حول م�س�ألة «التوقيف واال�صطالح». ومفاد هذه الق�ضية �أن��ه ع�لاوة على �إطالق املعاين وحمدودية الألفاظ ،ف�إن اللفظ يكون �سمة للمعنى و�ضرورة له تنعك�س فيها �آثاره فال تكون الألفاظ �سوى ما حتمله من معانٍ كلفظ ال�صالة والزكاة واجلوع واجلنة والنار، فهذه الألفاظ التي هي يف نف�س الوقت «معان» هي التي علمها اهلل لآدم...« ،فهذه �صورة ملعانيها ،ومطابقة لها كل املطابقة ومن مت ال ي�سوغ لأحد حتريفها عن موا�ضعها ،فلفظ �صالة هو معنى �صالة وال ميكن ا�ستبداله ()4 بلفظ �آخر وال ترجمته �إىل لغة �أخرى. »... بينما ي��رى م��ن ناحية ثانية وج��ود �أل�ف��اظ تكون م�ستقلة عن «امل�ع��اين» وه��ي الألفاظ امل�ستحدثة ال�ت��ي و�ضعها ال�ن��ا���س للتعامل بينهم يف حياتهم ،فاملتكلمون ا�شتقوا من كالم العرب �أ�سماء ا�صطلحوا على ت�سمية بع�ض مفاهيمهم ب�ه��ا ،فت�سميات النحاة وا� �ص �ط�لاح��ات ال�ع��رو��ض�ي�ين كلها �أل �ف��اظ مو�ضوعة من قبلهم فبالتايل فال يجوز �أن نقول �أنها موقوفة. ه�ك��ذا يتخذ اجل��اح��ظ م��وق��ف امل�ن��زل��ة بني املنزلتني يف معاجلته لق�ضية ن�ش�أة اللغة خمالف ًا بذلك �آراء املعتزلة التي ذهبت �إىل القول �أن اللغات ب�أ�سرها تثبت ا�صطالحا.
علم االجتماع اللغوي وهو من العلوم اإلنسانية الحديثة ال يخرج عن نطاق ما اعتقد به الجاحظ من قبل اللغة واملجتمع:
تخ�ضع اللغة عند �صاحب «البيان والتبيني» �إىل نظرة طبقية مفادها �أن وجود املجتمع يف طبقات ي�ؤدي حتم ًا �إىل وجود م�ستويات م��ن التخاطب ال�ل�غ��وي الطبقي ذل��ك �أن «ك�لام النا�س يف طبقات كما �أن النا�س ()5 �أنف�سهم يف طبقات. »... وهكذا تتدخل احلاجة االجتماعية لدى النا�س لتحدد نوع اللغة املالئمة ،ومن هذه العالقة اجلدلية بني اللغة واملجتمع نقف يف �آث��اره على « :ب��ذور نظرية ل��و تعمقها ل�ك��ان لها ب��ال��غ الأث ��ر يف ت��راث�ن��ا الفكري واللغوي وم�ؤداها �أن قدرة الفرد على متثل اللغة لي�ست مطبقة و�إمن��ا تكون على قدر
الكالم الذي يفضله الجاحظ هو الهادف إلى قول حق أو إشهار مبدأ تماشي ًا مع موقفه الداعي إلى ضرورة أن يدلي العلماء برأيهم ويخرجوا عن تقيتهم
ما ا�ضطرته احلاجة �إليه و�أك�سبته بحكم ()6 و�ضعه االجتماعي والثقايف.»... �إن ال�ل�غ��ة يف م�ف�ه��وم��ه ال �ن �ظ��ري ظ��اه��رة اجتماعية بامتياز لأنها �أداة التوا�صل بني الطبقات االجتماعية ،ومب��ا ه��ي كذلك، ف�ه��ي ع�ن��ده ك��ائ��ن ح��ي ينمو وي�ك�بر بنمو املجتمع وت �ط��وره ،وك��ذل��ك بتطور �أف��راده خ�صو�ص ًا على م�ستواهم الفكري؛ ذلك �أن اجلاحظ يرى�« :أن اللغة ترتبط بالفكر و�أن الفكر وج��د مع الإن�سان منذ وج��وده الأول )7(،»...ومبا �أن الوجود الإن�ساين هو وجود اجتماعي بال�ضرورة ف�إن اللغة هي �أي�ض ًا ظاهرة اجتماعية بامتياز. وجت ��در الإ���ش��ارة �إىل �أن ع�ل��م االج�ت�م��اع اللغوي وهو من العلوم الإن�سانية احلديثة ال يخرج عن نطاق ما اعتقد به اجلاحظ من قبل ،فهو يرى �أن اللغة يف كل جمتمع هي نظام ع��ام ي�شرتك يف بنائه الأف��راد وي�ت�خ��ذون��ه �أ� �س��ا� �س � ًا للتعبري ع�م��ا يجول بخواطرهم وب��ذل��ك« :ا�ستطاع بحد�سه ال�صادق ونظره الثاقب �أن يرى يف اللغة ك��ائ �ن � ًا ح �ي � ًا� ،إن �ه��ا يف ن �ظ��ره –وبنتيجة املالحظة واملعاينة واال�ستقرار �أداة تعبري غري ثابتة وال جامدة بل متغرية ومتبدلة، وهي قابلة للتكيف تبع ًا لتغري �أحوال الع�صر ()8 ومعطيات العي�ش وطبيعة املجتمع.»... وكخال�صة لذلك نقول �إن اجلاحظ �أدرك �أن اللغة هي �أ�سا�س التوا�صل والتفاهم داخل املجتمع و�أنها تقوم مقام ًا �ضروري ًا للدخول يف عالقات التعاي�ش بني الأفراد، بل �إنها«:و�سيلة التفاهم والتوا�صل بني امل��ر� �س��ل وامل�ستقبل �إذا تعطلت �إح��دى قنواتها �أو ف�سدت تعطل التوا�صل وف�سد التفاهم لذلك كانت اهتمامات اجلاحظ باللغة ال تقل عن اهتماماته الأخرى التي تطرق �إليها يف م�ؤلفاته حتى �إن الدار�س مي�ك��ن �أن ي�ستخل�ص ن�ظ��ري��ة متكاملة يف ه��ذا املجال� )9(،»...إذن كيف ي ��رى � �ص��اح��ب «ال �ب �ي��ان وال�ت�ب�ي�ين» اال� �س �ت �ع �م��االت ال�ل�غ��وي��ة م��ن ط��رف املتكلم؟
�إذا كانت النظريات الأل�سنية احلديثة ترى �أن املدلول الواحد ميكن بثه بوا�سطة دوال خمتلفة تبع ًا لأه��داف التوا�صل والغاية منه :نفعي /جمايل ...ال�شيء الذي ي�ؤول �إىل القول بتعدد الأ�شكال التعبريية رغم وج��ود ال�صورة الذهنية ال��واح��دة ح�سب تعبري دو�سو�سري ،ف�إن اجلاحظ ينطلق من الت�سليم املبدئي ب��أن ا�ستعمال الظاهرة اللغوية يكون من م�ستويني اثنني� :أحدهما: اال��س�ت�ع�م��ال ال �ع��ادي امل� ��أل ��وف؛ وال �ث��اين: اال�ستعمال املطبوع ب�سمة فنية خال�صة. وين�ص ه��ذا التقابل الثنائي للغة على البعد االج�ت�م��اع��ي يف اال�ستعمال الأول والبعد الفني يف اال�ستعمال الثاين مما ي�ستدعي وجود �شروط و�ضوابط لتحقيق عملية ال�ت��وا��ص��ل يف ك�لا اال�ستعمالني، وهكذا فلئن اقت�صرت وظيفة اال�ستعمال الأول على جمرد �إفهام احلاجة �أي جمرد الإب��داع �أو ما ميكن �أن نعرب عنه مب�ستوى ال���ص�ف��ر م��ن ال��دالل��ة التمييزية –ف�إن اال�ستعمال الثاين يحول تعريف الظاهرة اللغوية م��ن جم��رد الإب��ان��ة -على م��ا قد حتتوي عليه من «لكنة �أو خط�أ �أو حلن �أو �إغالق –�إىل جمرى البيان الف�صيح مما يرتقي ب��ه �إىل الن�صو�ص املتميزة عند ()10 الرواة اخلل�ص.»... وهكذا تت�سم نظرية اللغة عند اجلاحظ باالرتباط الع�ضوي بني املفهوم والوظيفة وتبعا ل��ذل��ك ف ��إن اللغة ال ت��أخ��ذ مظهرا واح��دا وال تكون لغاية ثابتة بقدر ما هي ك�ي��ان ح��ي ي�ت�ل��ون ب�ح��اج�ي��ات اال�ستعمال الفردي له ،فهناك لغة التخاطب اليومي، ي وهناك لغة التخاطب الفني و«الفرق َب نِّ ٌ بني اللغتني يف ر�ؤي��ة اجلاحظ و�إن املجال اللغوي احلقيقي عنده هو الذي يتجلى يف كالم العرب الف�صحاء ال يف كالم املولدين ()11 والبلديني.»...
دافع الجاحظ عن الكالم وقارنه بالصمت الذي هو عنده كالم غير مسموع، ولمنه لم يقصر البالغة على األول بل شملت الثاني أيض ًا حركات الل�سان والأ�سنان وال�شفتني حيث يقول«:وال�صوت هو �آلة اللفظ ،واجلوهر الذي يقوم به التقطيع ،وبه يوجد الت�أليف، ولن تكون حركات الل�سان لفظ ًا وال كالم ًا م��وزون � ًا وال م�ن�ث��ور ًا �إال بظهور ال�صوت، وال ت�ك��ون احل ��روف ك�لام � ًا �إال بالتقطيع ()12 والت�أليف». وهكذا يكون مفهوم الكالم عنده ي�شمل ال�صوت وكذلك العمليات التي يقوم بها جهاز النطق من تقطيع وت�أليف. فالتقطيع هو«:عملية �صياغة ال�صوت �صياغة حم��ددة تتميز ع��ن غريها وه��ذا التمييز يف �صياغة ال�صوت هو الذي يجعل ()13 احلروف خمتلفة فيما بينها.»... وبذلك يكون اجلاحظ قد �أدرك �أن ال�صوت ي�ستعمل ا�ستعما ًال واعي ًا عرب التقطيع بغاية التوا�صل .و�إذا كان التقطيع كذلك ف�إن الت�أليف هو �ضم ال�صور ال�صوتية بع�ضها لبع�ض للح�صول على الكلمات �إذ غالب ًا ما يرد م�صحوب ًا باحلديث عن الألفاظ، وهذا يعني �أن الكالم عنده هو �سل�سلة من املتتاليات ال�صوتية املقطعة وامل�ؤلفة ت�أليف ًا ن�سقي ًا لغر�ض الإبالغ والتو�صيل. ميكن �أن ن�ستنتج مم��ا �سبق �أن الكالم ع�ن��د اجل��اح��ظ ه��و ن���ش��اط ��ص��وت��ي قابل للتجزئة من جهة عرب /التقطيع /وال�ضم وال�ترك �ي��ب وال �ت ��أل �ي��ف ،ل��ذل��ك ف��ال�ك�لام ه��و ج���س��م «�أي م ��ادة م�ستقلة بنف�سها
اللحن كما درسه الجاحظ هو ظاهرة اجتماعية ناتجة عن تفاعل البيئة مفهوم الكالم عند اجلاحظ واللسان ،تجعل المتكلم �إن التلفظ بالكالم عند �أبي عثمان يعني �إخراج الأ�صوات عرب جهاز النطق بوا�سطة يخطئ في نطقه لبعض الكلمات مما ينعكس على فصاحته
تت�شكل بجملة عمليات يقوم بها الإن�سان كي يعرب عن مت�صوراته ()14 الذهنية». ويكت�سي ال�صوت يف عملية التوا�صل �أهمية بالغة عند اجلاحظ لهذا نراه ميتدح رحابة ال�شدق ويعتربه من مظاهر جمال الرجل «ف���إذا �سئل �أح��د الأع ��راب» ما اجلمال؟ قال« :طول القامة و�ضخم الهامة ورحب ال���ش��دق وب�ع��د ال�صوت )15(،»...ب��ل �إن��ه يقتنع «ب�أن ال�صوت الب�شري هو كل �شيء ()16 يف الإن�سان بل هو الإن�سان نف�سه.»... ن�ستنتج مما �سبق �أن اجلاحظ قد �أدرك منذ القدمي �أن التوا�صل ي�ستدعي درا�سة �أدوات ��ه و�آل�ي��ات��ه وال��وق��وف على العنا�صر ال �ت��ي ت �ك � ّون��ه وه ��ذا م��ا ن ��ادت ب��ه �أح��دث النظريات الل�سانية احلديثة؛ فقد �أوىل فردناند دو�سو�سري «الل�سان» �أهمية خا�صة يف درا�ساته الل�سانية و�أي�ضا م ًا ذهب �إليه اجل��اح��ظ ع�ن��دم��ا ف��رق ب��دئ�ي� ًا ب�ين اللغة وال�صوت؛ فاللغة عنده م�ستودع الأفكار وامل �ع��اين ،بينما ال�صوت ه��و �آل��ة اللفظ واجلوهر الذي يقوم به التقطيع� ،أي املادة التي تظهر بها اللغة ملفوظة.
ف�ضل الكالم:
ال تخفى �أهمية الكالم يف �أية عملية حتاور بني �أط��راف التوا�صل وه��ذا ما �أك��د عليه اجلاحظ يف البيان والتبيني عندما اعتربه امل�ؤ�شر الدال على متيز الإن�سان وقدرته، مقارنة مع غريه من الكائنات الأخرى. وق��د ج��اء دف��اع اجل��اح��ظ ع��ن ال�ك�لام يف معر�ض مقارنته بال�صمت الذي هو كالم غ�ي�ر م���س�م��وع ع �ن��ده ،ب �ه��ذا مل تقت�صر البالغة على الأول بل �شملت الثاين �أي�ضا، لكن يبقى الكالم يف �إطاره التداويل خري و�سيلة للتعبري لأن «عامة الكالم �أف�ضل م��ن ع��ام��ة ال�سكوت» )17(.وم��ن �أف�ضال ال �ك�لام على الإن �� �س��ان ع�ن��ده �أن��ه و�سيلة لتح�سني �صورته االجتماعية بني النا�س خ�صو�ص ًا �إذا اقرتن بال�صدق ،وهذه جملة م��ن الأق ��وال التي ت��ؤك��د ذل��ك ،حيث ج��اءت
دراسة 126 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
يف معر�ض �إعجابه بالكالم ومبتلفظه :وقال وا�صف ًا ف�صيح ًا «وك��ان �أحلى النا�س ل�سان ًا، و�أح�سنهم منطقا و�أكرثهم ت�صرف ًا» )18(،وكان «�أعلم النا�س ب�أمور العرب ،مع �صحة �سماع و�صدق ل�سان� )19(،»...أو قوله« :وكان �أح�سن ()20 النا�س حديث ًا وبيان ًا وجودة ل�سان». ه��ذا وق��د ا�شرتط اجلاحظ للكالم جمموعة من ال�شروط حتى يتحقق له هذا الف�ضل ومن ذلك االبتعاد عن «الإ�سهاب والتكلف واخلطل والتزيد )21(،»...لأن ه��ذه امل��وا��ص�ف��ات قد تعيق التوا�صل وت�ؤدي �إىل نفور امل�ستمع ...فما ()22 «�أعطي العبد �شر ًا من طالقة الل�سان»، عم ًال بقوله عليه ال�صالة وال�سالم لهذا يجيب التحرز من زلل الكالم.
دفاعه عن الكالم:
لقد كان لزام ًا على اجلاحظ وهو يتحدث عن ف�ضل الكالم على التوا�صل� ،أن يدافع عنه �أمام باقي الأ�شكال الأخرى ،ومما يثري االنتباه يف ه��ذه النقطة �أن اجلاحظ نهج طريقة ذكية يف هذا الدفاع �إذ قارنه �أو ًال بال�صمت ،فا�ستعر�ض �أ�شعار ًا و�أخبار ًا ت�شيد بف�ضله؛ ومن الأقوال التي تفيد ذلك قوله: «البالغة ا�سم جامع ملعان جتري يف وجوه كثرية فمنها ما يكون يف ال�سكوت ومنها ما يكون يف اال�ستماع )23(.»..وبذلك يعك�س وعي ًا حاد ًا بف�ضل االثنني يف التوا�صل ،لكنه يرجح �أهمية الكالم ويدافع عنه لأن من يدافع عن بالغة ال�صمت �إمنا يفعل ذلك العتبارات �سيا�سية حم�ضة فـ «مقتل الرجل بني حلييه وفكيه )24(»...وهو تعبري وا�ضح عن �أن الدفاع عن ال�صمت لي�س �إال ارتقاء من بط�ش ال�سلطان. وم��ن الإ�� �ش ��ارات اللطيفة ال �ت��ي ع�ّب�ررّ بها اجلاحظ عن �أهمية الكالم والتي تعك�س ب�ح��ق ق ��وة �شخ�صيته ون�ب��اه�ت��ه الفكرية وال�سيا�سية قوله« :ال�سكوت عن قول احلق يف معنى النطق بالباطل )25(،»...لهذا ف�لا �سبيل للإن�سان للتوا�صل يف مظهره االج�ت�م��اع��ي وال���س�ي��ا��س��ي � �س��وى «ال �ك�لام» والتعبري عن مواقفه بجر�أة و�شجاعة.
انتبه الجاحظ إلى ظاهرة عوائق االزدواجية النطقية لكنه تناولها ببصيرة العالم المحلل والدارس المدرك لخصائص التواصل
اللهجات فت�صري بذلك اللغة و�إن ك��ان��ت واح ��دة م��ن ح�ي��ث داللتها على امل �ع��اين ،لهجات متنوعة ال ينبني بها التوا�صل �إال على �أ�سا�س معرفة املتكلم وال�سامع مل�ضمون الكالم وارتباط ًا بفل�سفته القائلة ب�إطالقية املعاين يف �إط��اره املحلي �أو الإقليمي ،وه��ذا ما وف�ساحتها يعترب اجلاحظ موا�ضيع الكالم يدل على �أن للبيئة �أثر ًا وا�ضح ًا يف عملية املحمودة كثرية �أي �أن الكالم ي�ضحى عنده التوا�صل. � �ض��رورة حتمية لأي ت��وا��ص��ل ب�ين الب�شر، فال�سياق ال��ذي يتحدث فيه املتكلم يقدم البيئة واللحن: له تنوع ًا مو�ضوعاتي ًا ي�ستطيع �أن ميلأ به ولعل �أبرز حدث عرفته الأمة العربية �إبان فرتات «�صمته» لهذا يرى �أن «طول ال�صمت جاهليتها هو ظهور الإ�سالم بني ظهرانيها ()26 ودخ��ول الأجنا�س غري العربية يف النظام يف�سد الل�سان.»... ال ينبغي �أن يفهم من دف��اع اجلاحظ عن االجتماعي والديني اجلديد ،وك��ان لهذا الكالم جم��رد �شغف يبديه اجت��اه��ه؛ فقد الظهور �أثر وا�ضح على م�ستوى التوا�صل ر�أيناه ال يدافع عن الهذر والزلل واخلطل بني النا�س خ�صو�ص ًا وق��د احتك العرب يف القول بقدر ما يدافع عن الكالم الذي ب��ال�ع�ج��م وب� ��رزت ع �ل��ى ال���س�ط��ح ظ��اه��رة يعك�س موقف قائله ال�سيا�سي واالجتماعي« ،اللحن». فالكالم الذي يف�ضله اجلاحظ هو �ضرب واللحن كما در��س��ه اجل��اح��ظ يف «البيان من التوا�صل الهادف �إىل قول حق �أو �إ�شهار وال�ت�ب�ي�ين» ه��و ظ��اه��رة اجتماعية ناجتة مبد�أ لأن ذلك «...ي�خ��دم يف ر�أينا موقفه عن تفاعل البيئة والل�سان ،جتعل املتكلم املبدئي امل�شهور ال��داع��ي �إىل ��ض��رورة �أن يخطئ يف نطقه لبع�ض الكلمات ب�سبب يديل العلماء بر�أيهم ويخرجوا عن �صمتهم ع ��دم ت �ع��وده ع�ل�ي�ه��ا ،مم��ا ينعك�س على وتقيتهم ،وهو موقف ال ميكن �أن يحمل على ف�صاحته �أي قدرته على البيان ال�شفوي، كونه جمرد �شغف باللغة والبالغة )27(.»...وق��د ح��دد اجل��اح��ظ بع�ض املناطق التي خ�ضع فيها الل�سان �إىل �أنظمتها التوا�صلية اجل �ه��وي��ة وم ��ن ذل ��ك :خ��را� �س��ان�� ،س��واد �أثر البيئة يف الكالم: م��ن املعلوم �أن التوا�صل ال�شفوي �شديد الكوفة ،العراق ،والنبط ،وهو بذلك يعطي االت���ص��ال باملحيط االج�ت�م��اع��ي والبيئي الدليل على وعيه ب�أثر البيئة اجلغرافية الذي يعي�ش فيه الإن�سان ،كما �أن اختالف على الل�سان �ش�أنه يف ذلك �ش�أن فريديناند املناطق والأقاليم ي�ؤدي حتم ًا �إىل اختالف دو� �س��و� �س�ير ال���ذي �أك � � ��د�«:أن االخ �ت�لاف اجلغرايف يبقى العامل الأكرث عمومية يف ()28 االختالف الل�ساين.»... كان الجاحظ واعي ًا وق��د �أك��د اجلاحظ �أن التجاور مع الأمم الأخرى من �ش�أنه �أن يخلق اختالف ًا لغوي ًا بالمقتضيات التي على م�ستوى اللهجات املتداولة «لأن ذلك تستدعيها كل عملية من �ش�أنه �أن يخلق ح��االت لغوية جديدة تواصلية تخاطبية سليمة تعرب عنها املفردات املركبة الناجتة عن سواء على مستوى ال�ت��داخ��ل الأل�سني ومعلوم �أن م��رد هذا لغوي رسمي أو كالمي عائد �إىل البيئة اجلغرافية واملحيط الذي يعي�ش املتكلم الذي هو ترجمة حية ملظاهر تداولي شأنه في ذلك
شأن رواد النظرية الحديثة
الهوام�ش الت�أثري املمار�س عليه.»... من جهة �أخرى ف�إن التكلم يف هذه املناطق بالعربية يحتاج �إىل الدربة وامل��ران وهو بذلك ي��رى �أن الأ��ص��وات قابلة للتعلم... و�إال ف�إن املتكلم �سيرَ ْ جَ ُّ ت عليه الكالم فال يقوى على التوا�صل. ومم ��ا ي�ل�ف��ت االن �ت �ب��اه �إىل ه ��ذه ال �ف�ترة اجل ��دي ��دة �أن «حل���ن ال��ع��ام��ة» و«ل �ك �ن��ة الأع�ج�م��ي» لي�ست ن��اجت��ة ع��ن ان�غ�لاق يف اجلهاز ال�صوتي بقدر ما هي ناجتة عن انغالق يف النظام اللغوي وبع�ض العادات ال�صوتية «�إذ �أن اجلهاز الع�ضلي يبقى «ه��و ه��و» عند جميع ال�ن��ا���س رغ��م بع�ض اخل���ص��ائ����ص ال �ت��ي ي�خ�ت����ص ب �ه��ا ك�سعة الأ��ش��داق ورح��ب الغال�صم وه��دل ال�شفة ()30 عند �أعراب البادية.»... وهكذا يرى اجلاحظ �أن املتكلم ال ي�ستطيع التخل�ص من عاداته اللغوية مهما اجتهد يف تخري لفظه �أو حتى �إقامته على �أ�صول الكالم العربي بني الف�صيح وهكذا «قد يتكلم املغالق ال��ذي ن�ش�أ يف �سواد الكوفة بالعربية املعروفة ويعلم مع ذلك ال�سامع لكالمه وخمارج حروفه �أنه نبطي ،وكذلك �إذا تكلم اخل��را��س��اين على ه��ذه ال�صفة ف�إنك تعلم مع �إع��راب��ه وتخري �ألفاظه يف ()31 خمرج كالمه �أنه خرا�ساين.»... لقد انتبه �أب��و عثمان �إىل ه��ذه الظاهرة امل �ه �م��ة ال �ت��ي ال ت�خ�ل��و م�ن�ه��ا �أي� ��ة عملية توا�صل ،والتي ميكن �أن نعرب عنها بعوائق االزدواجية النطقية التي ال ي�ستطيع املتكلم التخل�ص منها ،لكن اجل��دي��د ع�ن��ده هو تناوله هذه الظاهرة بب�صرية العامل املحلل والدار�س /واملدرك خل�صائ�ص التوا�صل، فقد تفطن �إىل �أن هذه االزدواجية النطقية ال تكون واح��دة عند جميع املتكلمني فهي متفاوتة عندهم بح�سب ن�ش�أتهم ومبدى قربهم �أو بعدهم من البالد العربية وهكذا يتبني لنا �أن عامل الن�ش�أة ،وكذلك اجلهل ب��الأم��اك��ن ال �ت��ي ُو��ض�ع��ت فيها ال�ل�غ��ة من العوامل التي ت��ؤدي �إىل �صعوبة التخل�ص م��ن ه��ذه االزدواج �ي��ة ف�ق��ال�« :أال ت��رى �أن ()29
أدرك الجاحظ منذ القديم أن التواصل يستدعي دراسة أدواته وآلياته والوقوف على العناصر التي تك ّونه وهذا ما نادت به أحدث النظريات اللسانية الحديثة ال�سندي �إذا ُج ِل َب كبري ًا ف�إنه ال ي�ستطيع �إال �أن يجعل اجليم زاي ًا ولو �أقام عليا متيم، ويف �سفلي قي�س وبني عجز هوازن خم�سني ()32 عاما.»...
خال�صة
�إن املت�أمل فيما �سبق يدرك �أن اجلاحظ ك��ان واع�ي� ًا باملقت�ضيات التي ت�ستدعيها كل عملية توا�صلية تخاطبية �سليمة �سواء على م�ستوى لغوي ر�سمي �أو كالمي تداويل �ش�أنه يف ذلك �ش�أن رواد النظرية احلديثة، فعلماء التوا�صل احلديث بحثوا اجلوانب االجتماعية والتقنية والنف�سية التي ين�ش�أ عنها فعل التوا�صل واجتهوا باجتهاداتهم �إىل ت�أ�سي�س مدار�س تفرعت عنها نظريات و�أف�ك��ار خمتلفة .وه��ذا ك��ان �أي�ض ًا طموح اجلاحظ..
- 1البيان والتبيني.1/75 : - 2التفكري البالغي عند العرب� ،ص.170 : - 3احليوان ،ج � 5ص.201 : - 4النظريات الل�سانية والبالغية عند العرب� ،ص.112 : - 5البيان والتبيني.1/144 : - 6التفكري البالغة عند العرب� ،ص.216 : - 7الر�ؤية ال�شعرية عند اجلاحظ ،د .عبد الرحيم الرحموين� ،ص.63 : - 8اللغة املحكية يف �أدب اجلاحظ ،د .عمر الدقاق ،عامل الفكر ،جملد ،17عدد،2 � ،1986ص.183 : - 9الر�ؤية ال�شعرية� ،ص.58 : - 10املقايي�س الأ�سلوبية يف النقد الأدبي من خالل البيان والتبيني ،عبد ال�سالم امل�سدي ،مقال مبجلة الأقالم ،عدد ،11 � ،1980ص.228-229 : - 11الر�ؤية ال�شعرية عند اجلاحظ� ،ص.76 : - 12البيان والتبيني.1/79 : - 13الر�ؤية البيانية عند اجلاحظ� ،إدري�س بلمليح� ،ص.141 : - 14نف�سه� ،ص.144 : - 15البيان والتبيني ،اجلاحظ.1/121 : - 16النظريات الل�سانية والبالغية عند العرب ،د .حممد ال�صغري بناين� ،ص.115 : - 17البيان والتبيني.1/271 : - 18نف�سه.1/319 : - 19البيان والتبيني.321 - 320 /1 : - 20نف�سه.1/224 : - 21نف�سه.201 /1 : - 22نف�سه.194 /1 : - 23نف�سه.116 115- /1 : - 24نف�سه.194 /1 : - 25البيان والتبيني.271 /1 : - 26نف�سه.272 /1 : - 27التفكري الإبداعي عند العرب، �ص .197 178- : ,Cours de Linguistique générale - 28 p : 265 - 29ال��ر�ؤي��ة ال�شعرية عند اجل��اح��ظ :د. الرحموين� ،ص.79 : - 30النظريات الل�سانية والبالغية عند العرب�،ص .121 : - 31البيان والتبيني.69 /1 : - 32البيان والتبيني.1/70 :
إرهاصة 128 الـعــــدد 161
مار�س
2013
ناجي العلى ..الشاهد والشهيد يكفي
�أن تنطق با�سم ناجي العلى لكي تطل بر�أ�سها �أم��ام عينيك �آالف امل�شاهد التي اختزلتها فر�شاته بالأبي�ض والأ��س��ود حي ًة ناب�ض ًة �صارخ ًة يف وجه الظلم والبط�ش مطالبة باحلرية قاب�ضة على حجر النار الذي يعرف طريقه دائم ًا �إىل �أعني اجلبناء. ويكفي �أن تطالع واحدة من لوحات ناجي العلي لت�صدق �أن �آالف ًا من الع�شاق عا�شوا وماتوا، و�أن �آالف � ًا �آخرين ما زال��وا يحيون يتنف�سون ذرات الوطن ممعنني يف انتمائهم �إىل �آخر نف�س دون �أن يطالبوا ب�شيء يف املقابل� ،سوى هذا الوطن. ولد ناجي العلى عام 1938م ،ولأن الأم��ور يف هذا الدنيا ال حت��دث اعتباط ًا فقد ك��ان م�ي�لاده يف قرية «ال�شجرة» الفل�سطينية ،رمبا ليكون غ�صنا متين ًا ال ي�ستطيع �أن ين�سى وليد عالء الدين اجل��ذع الأم وال ميكنه �أن يحيا بعيد ًا ع��ن ج ��ذوره التي حملها معه بعد ذلك يف قلبه ،عرب رحلته الطويلة ال�شاقة التي امتزج فيها الأمل باحلرمان بطعم املرارة واالفتقاد، واحلنني �إىل الأر�ض وهو يق�ضي طفولته داخل خيمة يتقا�سمها و�إخوته يف خميم «عني احللوة» بعد �أن �أُخرجوا عنوة من قريتهم «ال�شجرة»، وهي قرية تقع بني النا�صرة وطربيا يف اجلليل ال�شمايل من فل�سطني جمعت بني اليهود وامل�سيحيني وامل�سلمني ،ويف الع�شرينيات من القرن الفائت انف�صل اليهود عنها و�أقاموا م�ستوطنة على اجلانب الآخر من الوادي الذي تطل علىه القرية ،ومل يكن عمر ناجي قد جتاوز العا�شرة حني �شهدت قريته مواجهات مع �سكان امل�ستوطنة اليهود على �إثرها مت ت�سليم اجلليل ب�أكمله �إىل ال�صهاينة بينما مت ترحيله و�أ�صحاب الأر�ض �إىل خميمات الالجئني. كانت تلك هي بداية ناجي العلى مع االغرتاب الذي �أورثه ح�س ًا عالي ًا باملرارة ك َّر�ست له ال�سنون التالية حني مل ي�ستطع ا�ستكمال تعلىمه وتوقف عند املرحلة االبتدائية ليعمل يف ب�ساتني الليمون �إىل �أن واتته الفر�صة لاللتحاق ب�إحدى املدار�س املهنية يف �شمال لبنان ليح�صل على �شهادة � َّأهلته
للعمل بعد ذلك يف الور�ش ال�صناعية ك�أخ�صائي ميكانيك. «قب�ضة يد تتوعد خارجة من فوهة بركان يتفجر يف قمة خيمة لها �شكل الهرم» ذلك هو �أول �سهم ينطلق من كنانة ناجي العلى ،كانت �أوىل لوحاته التي لفتت انتباه ال�شهيد غ�سان كنفاين ف�ق��ام بن�شرها يف جملة احل��ري��ة ،وك��ان العلى وقتها قد عاد من ال�سعودية �إىل لبنان ليختلط بعمق بتجمعات ال�شباب الفل�سطينيني يف فرتة �شهدت فورة املد القومي النا�صري ال��ذي حول ال�سيا�سة يف حياة ال�شعوب العربية �إىل خبز يومي يقتاتونه مع قهوة ال�صباح وينهون به م�ساءاتهم، وك��ذل��ك ك��ان العلي ق��د ذاق جت��رب��ة االع�ت�ق��ال وال�سجن و�إح�سا�س �أن يكون مطارد ًا من قبل ال�شرطة بعد �أن ان�ضم �إىل حركة القوميني العرب �إىل حد �أنه مل ي�ستطع ا�ستكمال درا�سته ب�أكادميية الفنون ببريوت. مل يكن عجيب ًا �أن تنطلق لوحات العلى بعد ذلك ،فقد عركته التجربة وفجرت بداخله املارد الفنان ،واكت�سبت جتربته �أب�ع��اد ًا جديدة و�صقلته امل��رارة وفجر فيه رد فعل النا�س على لوحاته املزيد من الإ�صرار .كان العلى قد تنقل بني العديد من ال��دول العربية عام ًال يف �صحفها وجمالتها، من جملة «الطليعة» يف الكويت �إىل جريدة «ال�سيا�سة» الكويتية �إىل جريدة «ال�سفري» اللبنانية ببريوت قبل �أن يعود �إىل «ال�سيا�سة» الكويتية مرة �أخرى ثم «ال�سفري» ثانية ثم «الوطن» الكويتية قبل �أن ين�ضم �إىل �أ�سرة «القب�س» حتى عام 1985قبل �أن يغادرها �إىل لندن للعمل يف «القب�س» الدويل .وخالل تلك الرحلة ن�شر �أكرث من � 40ألف لوحة و�أ��ص��در ثالثة كتب جتميعية للوحاته وع��رف كيف يخرب النا�س بفكرته كما عرف معنى الرف�ض والأوامر العلىا والرتحيل . «�إذا �أردت �أن تعرف ر�أي العرب يف �أمريكا فانظر �إىل ر�سوم ناجي العلى» هكذا قالت النيويورك تاميز عنه عندما حتركت معار�ضه اخلا�صة يف كل املدن حتى و�صلت �إىل لندن ووا�شنطن م��رور ًا ببريوت ودم�شق وعمان والكويت ،كانت
ر�سومات العلى تفجر ال�س�ؤال وت�ضع العقل يف الزاوية وت�سلط �سكاكينها على اللحم احلي وال تدع جما ًال للمناورة ،حتى كتب عنه �أحد ر�سامي الكاريكاتري يف جملة «التاميز»: �إن ه��ذا الرجل ير�سم لوحاته بالعظم الب�شري امل�بري .كما اختارته �صحيفة «�أ�ساهي» اليابانية واحد ًا من �أ�شهر ع�شرة ر�سامني يف العامل. من �أ�شهر جتارب ناجي العلى لوحاته « املرايا» التي نال عنها اجلائزة الأوىل يف معر�ض الكاريكاتري العربي الثاين الذي �أقيم يف دم�شق �سنة 1980م ،هذه التجربة �ضمت �أربع مرايا كتب ناجي على زجاج الأوىل «مطلوب» في�صبح بذلك مطلوباً كل �شخ�ص يواجه اللوحة ن��اظ��ر ًا �إليها ،ور�سم على الثانية ق�ضبان ًا حديدية في�صبح بذلك م�سجون ًا كل متفرج ،بينما ر�سم على زجاج اللوحة الثالثة �شريط ًا �أ�سود �إ�شارة �إىل �أن ال�شخ�ص الذي كان مطلوب ًا ثم اعتقل من برهة قد فارق احلياة ،واللوحة الرابعة تركها فارغة �إال من تعليق واحد :لوحة مكتوبة باحلرب ال�سري ،ولت�سبح كل خميلة يف بحورها اخلا�صة �إىل �أن ت�صل �إىل �شاطئ املعنى فتقف على الق�صد وراء ذلك. كان الهم الأول ال��ذي ير�سم ناجي من �أجله هو «الك�شف»؛ كان ير�سم دائم ًا باحث ًا عن طريقة جديدة ي�ضع فيها احلقيقة بلحمها احلي �أمام املتفرج ،مل يكن يعنيه �إال الواقع الذي كان نبعه الغزير بعذاباته وتردي �أحواله ،كان ي�سعى �إىل اختزال ذلك الواقع املرير يف عنا�صر ورموز وثنائيات لكي ي�ستطيع نقله دون �أن يخل مبحتواه �إىل كل النا�س ،ويعر�ضه �صارخ ًا �أم��ام من ي��دي��رون وجوههم للحقيقة ويغلقون �أعينهم عن ال�ضوء ال�ساطع ،وقد قال االحتاد الدويل لنا�شري ال�صحف الذي منحه جائزة القلم الذهبي عقب اغتياله � «:إن ناجي العلي ا�ستخدم ر�سومه ملهاجمة اال�ستبداد �أينما ر�آه يف ال�شرق الأو� �س��ط ور�سومه الكاريكاتريية كانت م��ن الق�سوة بحيث �أغ�ضبت كل حكومات املنطقة ،وب�سبب معار�ضته النعدام الت�سامح �أخ�ضعت �أعماله للرقابة وتعر�ض هو للنفي».
ورغم �أن ناجي العلى كان الفنان العربي الأول ال��ذي يح�صل على ج��ائ��زة القلم الذهبي ال��دول�ي��ة ف���إن ذل��ك ال ي�ضاهي يف �أهميته �أن ن��اج��ي العلى ه��و ال�ف�ن��ان ال�ع��رب��ي الأول الذي تراءت له فيما يرى الفنان انتفا�ضة يف الأر�ض املحتلة يرتاجع �أمامها اجلبناء ويتقدم �أ�صحابها بكل ج�سارة و�صالبة ميل�ؤهم احلق والإميان بقدرة ال�شعب و�أحقيته يف املقاومة ،فكان العلى بحق هو ملهم االنتفا�ضة الفل�سطينية و�أباها الروحي، روح��ه �أط �ف��ال و�شباب ال��وط��ن وردوا �أ�ستلهم َ االعتبار له ولروحه املقاتلة بينما كان «حنظلة ناجي العلي» ي�شد على �أياديهم .وللمدعو «حنظلة ناجي العلي» الذي ولد يف �أغ�سط�س � /آب 1999م ،ق�صة ،فهو خملوق من �إبداع خميلة فنية يذكرين ،ب�شكل �شخ�صي ،ب�ـ�ـ«�أراج��وز» ف�ؤاد ح��داد ال�شعري من حيث املفهوم والهوية والوظيفة؛ �إنه �شاهد ع�صر ال ميوت ،دخل احلياة ولن يغادرها ،ينحاز للفقراء ،و�إذا كان «حنظلة» العلي دخل احلياة طف ًال يف العا�شرة ولن يكرب ولن يتقدم به العمر كما �أراد له �صاحبه الذي غادر وطنه يف ذات ال�سن ،فكذلك �أراجوز ف�ؤاد حداد فهو طفل �شقي متر به ال�سنون وال يكرب ويظل �سليط الل�سان عرف بنف�سه يف كلمات وقح ًا يف احلق ،كما «حنظلة» الذي ُي ِّ ب�سيطة معربة« :واللي بدو يزعل يروح يبلط البحر» .منذ ذلك التاريخ وحتى �آخر نقطة حرب تدفقت عرب ري�شته �إىل الورق ظل «حنظلة» هو البطل الثابت لناجي العلي الذي ا�ستقر�أ امل�ستقبل وب�شر يف و�ضوح مبيالد انتفا�ضة مفيد ًا �أن حجر ًا يف اليد وال ع�شر مفاو�ضات مع الأنذال ،والذي �أ�صر دائم ًا على �أن فقدان الوطن ا�ستثناء يجوز �أن نفعل فيه كل ما بطاقتنا حتى ت�صبح الأم��ور طبيعية حني يعود الوطن �إىل �أهله. �أما ملاذا تذكرت ناجي العلي اليوم! فلأنه يف الليلة الظلماء يفتقد البدر
فنون 130 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
بهرت الأوروبيني بدقتها وح�سن �صنعتها
المنسوجات العربية .. أثر عميق في مسيرة الفنون األوروبية خلف �أحمد حممود �أبوزيد ميثل الفن العربي الإ�سالمي م�صدراً مهماً من م�صادر الرتاث العربي ،الذي حوى �أ�شكا ًال و�ألواناً من الإبداعات من نحت ور�سم ومو�سيقى و�شعر ون�سيج وخط عربي ،منت وتطورت عرب الع�صور، و�أتخذت �أ�شكا ًال خمتلفة يف ظل ال��دول املتعاقبة ،وقد ا�ستدعى هذا الفن �إعجاب الأوروب�ي�ين يف ع�صر النه�ضة مما �شجعهم على �إدخال كل ما وقعت عليه �أيديهم من تراث فني عربي يف من�ش�آتهم العمرانية وفنونهم الزخرفية ،وتعد �صناعة املن�سوجات �أحد الفنون العربية الإ�سالمية البارزة التي القت اهتماماً وا�سعاً لدى الأوروبيني ملا امتازت به من زخرفة بديعة وجودة عالية.
ولكننا قبل �أن نتطرق لت�أثري املن�سوجات الإ�سالمية ق��د مت ع�بر و�سائل متعددة العربية الإ�سالمية يف الفنون الأوروبية ،نوجز �أهمها فيما يلي. ن��رى م��ن ال���ض��روري �أن نعر�ض لكيفية انتقال الفنون العربية �إىل �أوروبا. التجارة بني �أوروبا وال�شرق
�شكلت ال �ت �ج��ارة ب�ين �أوروب� ��ا وال���ش��رق انتقال الفنون العربية �إىل �أوروبا ميدان ًا رئي�سي ًا للتبادل الثقايف لزمن من الثابت تاريخي ًا �أن الأوروبيني عرفوا طويل ،وكان �أول بروز للم�ؤثرات الفنية الإ��س�لام�ي��ة �شهده ال�ف��ن الأوروب���ي كان ال �ف��ن ال �ع��رب��ي يف ال �ع �� �ص��ور ال��و��س�ط��ى يف ال� �ق ��رن ال �ت��ا� �س��ع امل � �ي �ل�ادي ،ح�ي��ث ممث ًال يف التحف الفنية التي نقلوها � �شهدت العالقات ال�سيا�سية والتجارية �شاهدأو معرفة األوروبيين نقلت �إليهم من ال�شرق ،وعندما بعد ظ�ه��ور الإ� �س�لام ،واح �ت�لال العرب اإلسالمية بالفنون ال �ف �ن��ان��ون الأوروب� �ي���ون ه ��ذه امل�ن�ت�ج��ات لإ�سبانيا جمود ًا يف العالقات بني بالد وسائل عبر كانت اعجبوا بها وب��زخ��ارف�ه��ا ،ف�أقبلوا على �أوروب ��ا امل�سيحية وال���ش��رق الإ��س�لام��ي، وب�ق�ي��ت مدينتا ب ��وردر وم��ر��س�ل�ي��ا فقط تقليدها ،وكان التقليد يف بع�ض الأحيان متعددة أبرزها التجارة مفتوحتني �أم ��ام ال�ت�ج��ارة م��ع ال�شرق، � �ص��ادق � ًا ،وت��ذك��ر امل���ص��ادر التاريخية ،بين أوروبا والشرق وق� ��د دخ� �ل ��ت ع�ب�ره �م��ا «ال �� �ص �ن��اع��ات �أن ب��داي��ة م�ع��رف��ة الأوروب� �ي�ي�ن بالفنون
والحروب الصليبية والحجاج المسيحيون
فنون 132 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
قطعة من الن�سيج على �شكل جنمة
�إيطاليا والوطن العربي ،ك��ان من �أهم ثمارها �أن �أقبلت بع�ض املدن الإيطالية ويف مقدمتها م��دي�ن��ة البندقية وج�ن��وه علي االقتبا�س ما و�سعهما االقتبا�س من الفنون العربية.
الفنية واحلرفية اليدوية من خزفيات ون�ح��ا��س�ي��ات وخ���ش�ب�ي��ات و��س�ج��اد وحلي و�أدوات للزينة م��زدان��ة ب�أ�شكال الفن الإ� �س�لام��ي و�أمن ��اط ��ه ه ��ذا �إىل ج��ان��ب ت�ط�ب�ي��ع ال �ع�لاق��ات ال��دب �ل��وم��ا� �س �ي��ة بني ه��ارون الر�شيد و�شارملان التي �أ�سهمت �إىل حد كبري يف ازده��ار العالقات بني احلروب ال�صليبية ف��رن���س��ا وال �� �ش��رق» )1( ،ث��م ق �ي��ام ح��رك��ة احلروب ال�صليبية وما كان لها من نتائج جت��اري��ة ن�شطة بعد ذل��ك ب�ين جمهورية خطرية ومهمة غري النتائج الع�سكرية وال�سيا�سية ،وه��ي النتائج احل�ضارية املمثلة يف الثقافة وال �ف��ن ،حيث كانت تحوي أديرة ومتاحف ه��ذه النتائج بعيدة امل��دى عميقة الأث��ر أوروبا مجموعة يف �أوروب� ��ا ك�ل�ه��ا ،م��ن ح�ي��ث �إن �ه��ا لفتت نادرة من األقمشة �أنظار الأوروبيني �إىل الكثري من املعارف والفنون وال�صناعات التي �أحبها الغرب والمنسوجات العربية تدل بوضوح على براعة وف�ضلها علي غريها حتى �أ�صبحت من علومهم ومعارفهم وفنونهم.
العرب في هذا اللون من الفن
احلجاج امل�سيحيون
احلجاج امل�سيحيون الذين كانوا ي�أتون �إىل بيت املقد�س ،فقد كان لهم دور بارز يف نقل الرتاث العربي والفنون العربية �إىل �أوروب ��ا ،حيث ك��ان ه���ؤالء احلجاج ي �ع��ودون �إىل �أوط��ان �ه��م ،ومعهم الكثري م��ن م�صنوعات ال���ش��رق وف�ن��ون��ه ،التي كان ينظر لها الأوروبيون بعني التقدير والإعجاب.
القيمة اجلمالية والفنية
القيمة اجلمالية والفنية العالية لهذه امل�ن�ت�ج��ات ال�ع��رب�ي��ة الإ� �س�لام �ي��ة ،ال�ت��ي متثلت يف تنا�سقها وفخامتها ،وما حفلت ب��ه يف الكثري م��ن الأح �ي��ان م��ن غنى يف الأل��وان «هذا �إىل جانب حتليها بدرجة عالية من الإتقان واجل��ودة مما جعلها
تفوق مبراحل �أي �شيء كان من املمكن �أن ي�ن�ت�ج��ه ال �غ��رب يف ت �ل��ك ال�ع���ص��ور، ()2 ناهيك عن طرافتها الغريبة».
�صناعة املن�سوجات لدى العرب
ك ��ان ��ت � �ص �ن��اع��ة ال �ن �� �س �ي��ج م ��ن �أك�ب�ر ال�صناعات عند ال�ع��رب ،بحيث كانت تقدم للنا�س كل ما يحتاجون �إليه من ث �ي��اب ،وت �ق��دم ل�ه��م ك��ذل��ك �أه ��م ل��وازم
تشكل المنسوجات العربية القسم األكبر من القطع الفنية المحفوظة في المتاحف واألديرة في أوروبا لما يميزها من جمال ورقة وتناسق
امل �ن��زل ك��الأغ �ط �ي��ة وال��و� �س��ائ��د وال���س�تر واخل� �ي ��ام ،والأه� ��م م��ن ذل ��ك �أن قطع ال�ن���س�ي��ج ي���س�ه��ل ط �ي �ه��ا ،ل ��ذا ف �ل��م تكن ع�سرية النقل ،وه��و م��ا يف�سر لنا �س ّر �ضخامة قطع الن�سيج التي ُجلبت �إىل ال �غ��رب ،وت��رك��ت ب���ص�م��ات وا��ض�ح��ة يف �أوروب � ��ا ،ف�ق��د غ��دت امل�ن���س��وج��ات التي �أبدعها العرب مو�ضع تقدير و�إعجاب يف �أو� �س��اط �أوروب ��ا حتى �أث ��ارت ده�شة عظيمة ل��دى الأوروب �ي�ين ال��ذي��ن �أقبلوا عليها �إق �ب��ا ًال منقطع النظري ،ت��رك يف ف�ن��ون�ه��م �أث� ��ر ًا ال مي �ح��ى ،ح�ت��ى ��ص��ارت املن�سوجات العربية ت�شكل الق�سم الأكرب من م��وج��ودات القطع الفنية املحفوظة يف املتاحف والأديرة ،ملا امتازت به هذه املن�سوجات من جمال رائع ميتاز برقتها وتنا�سقها الذي ات�سمت به ت�صاميمها،
فنون 134 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
مما جعل �ش�أنها �ش�أن التحف الإ�سالمية ال� �ت ��ي ع ��رف ��ت ط��ري �ق �ه��ا �إىل خ��زائ��ن الكاتدرائيات الغربية« ،حتى و�إن كانت نقو�شها حتمل ا�سم اخلليفة امل�سلم �أو كانت مكر�سة للدعاء �إلة اخلالق ،وهي ال تزال ()3 حمفوظة هناك منذ ذلك احلني».
الأقم�شة واملن�سوجات العربية يف الأديرة واملتاحف الأوروبية
م��ا ت��زال �أدي ��رة وم�ت��اح��ف �أوروب� ��ا حتى ي��وم�ن��ا ه��ذا حت��وي جم�م��وع��ة ن ��ادرة من الأق�م���ش��ة وامل�ن���س��وج��ات ال�ع��رب�ي��ة ،التي ت��دل دالل��ة وا�ضحة على ب��راع��ة العرب يف هذا اللون من الفن ،ومن �أ�شهر قطع الن�سيج التي و�صلت �إىل �أوروب��ا القطعة امل�سماة حجاب اخلليفة ه�شام الثاين امل�ؤيد « 366ـ 403هجرية « 976ـ »1013 ميالدية وال�ت��ي «مي�ك��ن �أن ت�ك��ون ج��زء ًا من ثوب قدم �إىل كني�سة �سان ا�ستنبان دي جرماج» )4(,كما ي��وج��د قطعة من
بلغ اهتمام األوروبيين باألقمشة والمنسوجات العربية مدى واسع ًا وأسموها في لغاتهم بأسماء المدن العربية التي نُسجت فيها احل��ري��ر م��ن ��ص�ن��اع��ة ب �غ��داد حمفوظة يف �ضيعة ال�ق��دي����س دي��ر� �س��ان اي��زي��دور يف مدينة ليون ب�شمال �إ�سبانيا يرجع ت��اري�خ�ه��ا �إىل ح ��وايل ال �ق��رن اخلام�س الهجري احل��ادي ع�شر امليالدي ،وهذه القطعة ت�ت��أل��ف زخرفتها م��ن دائ��رت�ين غ�ير متكاملتني ب�سبب مت��زق القطعة، ويزين الإطار اخلارجي لكل دائرة كتابة ب��اخل��ط ال�ك��ويف ه�ك��ذا «ال�برك��ة م��ن اهلل واليمن� ،أما ن�ص الكتابة على ال�شريط ()5 ال�سفلي فتقر�أ كما عمل يف بغداد» وك��ذل��ك �أي �� �ض � ًا غ �ط��اء ال��وج��ه امل �ع��روف بالنقاب وال��وا��ض��ح يف ن�ق��اب القدي�سة �آن امل �ح �ف��وظ يف زج��اج��ة م��ن �صناعة
«القبَاطي» من الع�رص البيزنطي قطعة من ن�سيج �صويف من نوع ّ
ال�ب�ن��دق�ي��ة ي��رج��ع ت��اري�خ�ه��ا �إىل ال�ق��رن التا�سع الهجري اخلام�س ع�شر امليالدي وموجودة يف كني�سة �سانت �آن يف مدينة �آب��ت ج�ن��وب فرن�سا وه��ي حتمل «كتابة عربية تت�ضمن �شهادة الإ�سالم وا�سمي اخلليفة الفاطمي امل�ستعلي 495-487 هجرية 1101-1094م�ي�لادي��ة ووزي��ره الأف�ضل وعليها ما يفيد �أنها طبعت يف دمياط مب�صر �سنة 489هجرية»( )6ومن اجل��ائ��ز ج��د ًا �أن تكون ه��ذه القطعة قد جلبت �إىل �أوروبا بوا�سطة نبالء بلدة �آبت �أو الأ�ساقفة الذين ا�شرتكوا يف احلملة ال�صليبية الأوىل الذين كانوا ي�أخذون معهم ل��دى عودتهم �إىل بالدهم بع�ض الأ�شياء القيمة ليقدموها �إىل الكنائ�س ع�ل��ى �سبيل ال���ش�ك��ر مبنا�سبة عودتهم �ساملني �أو طلب ًا للذرية ،حيث كانت ن�ساء �أوروبا يتربكن بها للغر�ض املذكور ،كما فعلت امل�ل�ك��ة �آن النم�ساوية ع��ام 660 هجرية ،ويف مقابل ه��ذه اال�ستعماالت الكن�سية ل�ل�أن���س�ج��ة الإ� �س�لام �ي��ة ،جند قطع ًا من الن�سيج الأخرى التي �أت�صفت مب�ظ��اه��ر �أك�ث�ر ف�خ��ام��ة ،وال �ت��ي �أظ�ه��رت ال �ت ��أث��ر ال�غ��رب��ي ال��وا� �ض��ح ب�ف��ن الن�سيج ل متاحف �أوروبا الآن، العربي والتي مت أ وم��ن �أهمها ه��ذه ال�ع�ب��اءة ال�ت��ي �صنعت �أول الأم ��ر للملك ال�ن��ورم��ان��دي «روج��ر ال�ث��اين» يف بلريمو ب�صقلية ،و�أ�صبحت هذه العباءة تلب�س بعد ذلك على اعتبار �أنها ثوب لتتويج �أباطرة الأمرباطورية الرومانية املقد�سة حتى �سنة 1806م، وهذه العباءة عبارة عن ثوب كبري ن�صف دائري يحمل ر�سم ًا مكرر ًا مرتني لأ�سد يفرت�س حم ًال وعلى �أطرافه كتابة مذهبة طرزتها ل��ه �إي��اد عربية ،وه��ي تت�ضمن العبارة التالية «عمل باخلزانة امللكية امل �ع �م��ورة ب��ال���س�ع��د والإج�ل��ال وال�ك�م��ال وال� �ط ��ول ول�ل�إف �� �ض��ال وال��ق��ب��ول وب �ل��وغ الأم��اين والآم��ال ،وطيب الأي��ام والليايل ب�لا زوال وال ان �ت �ق��ال ب��ال�ع��ز وال��رع��اي��ة واحلفظ واحلماية وال�سعد يف ال�سالمة
والن�صر يف الكفاية ،مبدينة �صقلية �سنة ثمان وع�شرين وخم�سمئة» )7(،كما يحوي متحف املن�سوجات مبدينة ليون بفرن�سا خمم ًال من �صناعة البندقية يف القرن العا�شر الهجري ،ال�سا�س ع�شر امليالدي تزينه زخرفة نباتية مت�أئرة �إىل حد كبري بالزخرفة التي ا�ستخدامها الن�ساجون امل�سلمون يف منتوجاتهم املختلفة� ،أما متحف فكتوريا والربت بلندن فقد �ضم ع��دد ًا م��ن املن�سوجات الأوروب �ي��ة نلمح فيها الت�أثري العربي الإ��س�لام��ي ،نذكر منها خم�م� ً لا م��ن احل��ري��ر م��ن �صناعة �إي �ط��ال �ي��ا يف ال �ق��رن ال�ع��ا��ش��ر ال�ه�ج��ري ال�ساد�س ع�شر امليالدي «ت�شهد الزخرفة يف املخمل املذكور بال�صلة الوثيقة بني املن�سوجات الإ�سالمية والإيطالية ،مما ي�ؤكد على انت�شار الزخارف الإ�سالمية ()8 يف املن�سوجات احلريرية الإيطالية».
�أ�سماء عربية
ب �ل��غ اه �ت �م��ام الأوروب�� �ي�ي��ن ب��الأق �م �� �ش��ة وامل �ن �� �س��وج��ات ال �ع��رب �ي��ة م ��دى وا� �س �ع � ًا، وك��ان من ثمار ه��ذا الت�أثر واالهتمام، �أن �أ�سموها يف لغاتهم ب�أ�سماء امل��دن العربية التي ن�سجت فيها ،ثم �أطلقوا الأ�سماء العربية الأ�صل على ما �أخرجته �أيديهم من من�سوجات و�أقم�شة ،فعلى �سبيل امل �ث��ال «امل�ن���س��وج��ات ال�ت��ي كانت ت��ع��رف ل��دي �ه��م ب��ا� �س��م ف �� �س �ت �ي��ان ،ق��د �أ�شتق �أ�سمها من كلمة الف�سطاط �أول ال�ع��وا��ص��م العربية يف م�صر» )9(،كما ع ��رف ل ��دى الأوروب� �ي�ي�ن ن ��وع �آخ���ر من املن�سوجات احلريرية ،ا�شتهرت ب�إنتاجه مدينة ب�غ��داد يعرف با�سم البغدادي، وقد عرب الإيطاليون هذا اللفظ «بلد �شينو ب�غ��داد م��ن اال��س��م الإي �ط��ايل بلد �شواي بغداد �أو با�سم بوداك» )10(،كما ا�شتهرت حملة العتابية ببغداد ب�إنتاج نوع من الأقم�شة ي�سمى «بالعتاب» ،وقد امتاز هذا النوع ب�ألوانه الأبي�ض والأ�سود والأ�صفر ،وجمع بني اخلطوط املتوازية
«القبَاطي» مكتبة الإ�سكندرية قطعة من ن�سيج �صويف من نوع ّ
وامل �ت �ع��رج��ة ،وه��و ن��وع م��ن املن�سوجات احل��ري��ري��ة ال�ت��ي و��ص�ل��ت �شهرتها ع��دة مدن يف الأندل�س مثل مدينة املرية ،وقد قلده القوط ب�إ�سبانيا ،و�صار يعرف لدى ()11 الفرن�سيني والإيطاليني با�سم«تاب�س», كما ا�شتهرت مدينة املو�صل ب�إنتاج نوع م��ن امل�ن���س��وج��ات ع��رف ب��ا��س��م املو�صلي «املو�سلني» ،وقد ذاع هذا الن�سيج وا�شتهر ()12 ل��دى الأوروب� �ي�ي�ن ب��ا��س��م مو�سلينا»،
تعد صناعة المنسوجات أحد الفنون العربية اإلسالمية البارزة التي القت اهتمام ًا واسع ًا لدى األوروبيين لما امتازت به من زخرفة بديعة وجودة عالية
وع��رف ال�غ��رب �أي���ض� ًا ن��وع� ًا م��ن القما�ش ي�سمى القباطي ،وهو اال�سم الذي �أطلقه ال �غ��رب ع �ل��ى ال�ن���س�ي��ج امل �� �ص��ري ال��ذي عرفه الأوروب �ي��ون با�سم «التاب�سرتي»، وق��د �أخ��ذت �أوروب��ا تنتجه حتت �أ�سماء �أخرى م�ستعارة هي «جوبالن» ،وابيون، واحلقيقة �أن جوبالن هو ا�سم مل�صانع فرن�سية ا�شتهرت بن�سج القباطي� ،أما ن�سيج الأوبي�سون ،فقد �أخ��ذ ا�سمه من مدينة بي�سون امل�صرية ،التي ا�شتق من ا�سمها» )13(،كما بلغ الن�سيج الدم�شقي �شهرة وا��س�ع��ة ل��دى الأوروب��ي�ي�ن ،وح��از ع �ل��ى اه �ت �م��ام �ه��م و�إع �ج��اب �ه��م ق�م��ا���ش ح��ري��ري رق �ي��ق ع ��رف ب��ا� �س��م «ال �ت �ف��ت» عند ال�ع��رب ،وق��د انتقل ه��ذا القما�ش �إىل خمتلف ال�ل�غ��ات الأوروب��ي��ة ف�صار يعرف يف الأملانية «تفت» ويف الفرن�سية تفت�س ويف الإجنليزية تفتا» )14(،كما
فنون 136 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
ن�سيج كتاين عليه �سطر من الكتابة الكوفية من الع�رص العبا�سي
كان للعرب ف�ضل كبري يف �إثراء �صناعة امل�ن���س��وج��ات احل��ري��ري��ة وت �ط��وي��ره��ا يف �أوروب� � ��ا ،ف �ق��د ع �م��ل ال �ع��رب ع �ل��ى ن�شر �صناعة املن�سوجات احلريرية يف �إيطاليا يف ال��ق��رن ال �ث��ال��ث ال �ه �ج��ري ،ال�ت��ا��س��ع امليالدي ،كما نتج عن فتحهم لإ�سبانيا دخ ��ول �صناعة امل�ن���س��وج��ات احل��ري��ري��ة التي انت�شرت انت�شار ًا وا�سع ًا يف الكثري م��ن امل� ��دن الإ� �س�لام �ي��ة م �ث��ل م��ر��س�ي��ه، و�أ� �ش �ب �ل �ي��ة وغ��رن��اط��ة وق��رط �ب��ه وم��ال�ق��ه واملرية وغريها».
ت�أثريات يف �إبداع الفنانني الغربيني
ك �م��ا � �ش �غ��ف ال��ع��دي��د م ��ن امل �� �ص��وري��ن وال ��ر�� �س ��ام�ي�ن ال��غ��رب��ي�ي�ن ب��الأق �م �� �ش��ة واملن�سوجات العربية والإ��س�لام�ي��ة وما حت��وي��ه وت �ت �م �ت��ع ب��ه م��ن ن �ق��و���ش جميلة طرزت بها ،و�أن هذا الت�أثري والإعجاب بالأقم�شة واملن�سوجات العربية قد �أخذ ع�ن��د ف �ن��اين ال �غ��رب اجت��اه�ين ،االجت��اه الأول وهو ت�صوير املالب�س ال�شرقية يف الأعمال الفنية ،وك��ان يف مقدمة ه�ؤالء امل�صورين امل�صور والر�سام «الربيخت دي� ��ورد» ال ��ذي � �ص��ور يف �إح ��دى لوحاته ()15 ��ش��ارمل��ان م�ت��دث��ر ًا ب�ع�ب��اءة التتويج»
�سجادة �صالة من نوع اجلورديز من الع�رص العثماين القرن الـ17
من أشهر قطع النسيج التي وصلت إلى أوروبا القطعة المسماة بحجاب الخليفة هشام الثاني المؤيد وكذلك الر�سام الفرن�سي فوربان الذي ع �م��ل ع �ل��ى �إح�� ��داث م���زج ب�ي�ن ال���ذات ال��روم��ان �� �س �ي��ة ال �غ��رب �ي��ة وع ��امل ال���ش��رق مهد الوحي والإلهام م�صور ًا يف �إحدي لوحاته «�صورة لفار�س �شرقي ممتطي ًا ج� � ��واده ب��ال �ل �ب��ا���س ال �� �ش��رق��ي ال�ترك��ي ()16 وامل�صري ،وعلى ر�أ�سه الطربو�ش» وكذلك الأمر بالفنان الفرن�سي ال�شهري �أوج�ين ديالكروا الذي ارتبط يف �أعماله �أي���ض� ًا ب��ال�ن��زوع نحو ال���ش��رق وح�ضارته وفنونه وبد�أ يف لوحاته «با�ستن�ساخ الأزياء ال���ش��رق�ي��ة والأن�� ��واط وال �ن �ق��ود واجل �ي��اد
والأ�سلحة وب�شكل خا�ص تقليد املنمنمات الإ� �س�لام �ي��ة ب�شتى مدار�سها»(� )17أم��ا االجت��اه ال�ث��اين فقد متثل يف ا�ستخدام الأق�م���ش��ة العربية نف�سها يف اللوحات الفنية التي قام ب�إبداعها عدد من فناين الغرب امل�شهورين ،نظر ًا ملا حتويه هذه الأق�م���ش��ة م��ن زخ��رف��ة وخ �ط��وط بديعة، وجن��د ه��ذا الأث ��ر وا� �ض �ح � ًا يف ع��دد من ال�ل��وح��ات لكبار امل�صورين الإيطاليني التي ت�شتمل على مناذج من هذه الأقم�شة العربية وامل�ستوحاة منها ،بل �أي�ض ًا نعرث على بع�ض الأقم�شة التي كانت ت�ستوردها ايطاليا يف تلك الع�صور ،و�سط الر�سوم التي �صورها كبار الر�سامني الإيطاليني، ونذكر يف مقدمة ه�ؤالء الر�سام ال�شهري جيوتو الذي �ضمن بع�ض لوحاته مناذج م��ن الأق�م���ش��ة حتليها زخ��رف��ة م�ستمدة م��ن ط ��راز الأق�م���ش��ة ال�ع��رب�ي��ة ،ويظهر ذل��ك جلي ًا يف ل��وح��ة ر�سمها ب�ين عامي 1296ـ 1330وه ��ي مت �ث��ل ر�ؤي� ��ة ال�ب��اب��ا
الهوام�ش
ن�سيج حريري مزخرف بن�رس ذي ر�أ�س متحف الأقم�شة والفنون الزخرفية« ،ليون»
«القبَاطي» قطعة من ن�سيج �صويف من نوع ّ
ايتوت�سن�س الثالث واللوحة حمفوظة يف الكني�سة العليا»()18وكذلك الأمر بالر�سام الأي�ط��ايل دون�شيودي بودنينزنيا ،الذي ت�أثر هو الآخر باملن�سوجات العربية كما يف لوحته ال�شهرية«�ستار العر�ش»التي ترجع �إىل ح��وايل �سنة 1285م ،والتي � �ص��ور ف �ي �ه��ا م ��رمي ال �ب �ت��ول حت �ي��ط بها
املالئكة ،وهي حمفوظة يف فلورنا» ومل يقف هذا الأثر عند ه�ؤالء امل�صورين الذين تقدم ذكرهم ،بل هناك جمموعة �أخ��رى من الفنانني يظهر يف ر�سومهم م�ث��ل ه��ذا ال �ت ��أث�ير �أم �ث��ال دميودا�سينا وماي�سرت بامبينو والينولوجادي
()19
-1اال�ست�شراق يف ال �ف��ن ال��روم��ان���س��ي الفرن�سي ،د .زينات البيطار� ،سل�سلة عامل املعرفة ،الكويت ،العدد� ،157 ،ص 35 �-2أثر فنون ال��زخ��رف��ة والت�صوير عند امل�سلمني على الفنون الأوروب �ي��ة ،تراث الإ� �س�لام� ،سل�سلة ع��امل املعرفة ،اجلزء الثالث� ،ص98 -3الفن الإ�سالمي ،ديفيد تاليوت راي�س، ترجمة فخري عقل ،الطبعة الأوىل عام � ،2002ص 93 -4جملة امل ��ورد ،دار ال���ش��ؤون الثقافية بغداد ،املجلد التا�سع ع�شر ،العدد الأول، ربيع عام � ،1990ص 79 -5امل�صدر ال�سابق -6تراث الإ� �س�لام ،م�صدر �سابق� ،ص 104 ،103 -7مكانة الفن الإ��س�لام��ي ب�ين الفنون، جملة كلية الآداب ،جامعة ال�ق��اه��رة، املجلد 128 ،19 �-8أطل�س الفنون الزخرفية والت�صوير الإ� �س�لام �ي��ة ،د /حم �م��د زك ��ي ح�سن، مطبوعات كلية الآداب والعلوم،1956 ، �ص 564 -9تراث الإ�سالم ،م�صدر �سابق� ،ص61 ، -10ف�ضل العرب على �أوروب��ا� ،سيجرند هونكه� ،ص277 ، -11تراث الإ�سالم ،اجلزء الثاين ،م�صدر �سابق� ،ص 61 -12امل�صدر ال�سابق� ،ص 62 -13جملة املورد ،م�صدر �سابق -14ف�ضل ال�ع��رب على �أوروب� ��ا ،م�صدر �سابق� ،ص 480 -15تراث الإ��س�لام ،م�صدر �سابق� ،ص 107
-16اال�ست�شراق يف ال�ف��ن الرومان�سي، م�صدر �سابق� ،ص 107 -17امل�صدر ال�سابق� ،ص 120 -18جملة املورد ،م�صدر �سابق� ،ص 81 -19امل�صدر ال�سابق� ،ص 82
دراسة 138 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
ذكرها ال�شاعر اجلاهلي عمرو بن كلثوم يف ق�صائده
كرة القدم ..
في التراث واألدب العربيين �صالح ال�شهاوي منذ ن�ش�أة كرة القدم وهي مرتبطة باجلماهري واملنا�صرين برابط وثيق العالقة� .إذ ال ميكننا �أن نتخيل كرة القدم من دون جماهري ت�ضيف الكثري بطقو�سها الت�شجيعية املتنوعة -بحكم االختالف االجتماعي والتعددية الثقافية� -إىل لعبة كرة القدم.
�إن اجل�م��اه�ير باخت�صار ه��ي م�ل��ح ك��رة القدم ،ولوالها ملا تربعت هذه الريا�ضة على ال�ع��ر���ش ،بو�صفها الريا�ضة الأك�ثر عاملية ،متخطية الو�صف ال�شعبي الل�صيق ب�ه��ا �إىل �آخ ��ر ال يخلو م��ن تعقيد ،حتى ا�ستحالت �إىل ظ��اه��رة وا�سعة االنت�شار بقدر ما هي �شائكة وملغزة. ومما ال �شك فيه �أن كرة القدم ،وبعد املكانة التي بلغتها ،مل تعد جمرد جلدة منفوخة بالهواء تُركل ب��الأق��دام ،بل �أ�صبحت من �أكرث الو�سائل ا�ستغال ًال و�أي�سرها تطبيق ًا لتحقيق �أهداف تبتعد �أحيان ًا كل البعد عن الريا�ضة وروح التناف�س ،فقد باتت ظاهرة كونية ت�سيل اللعاب ملا تنطوي عليه من �إمكانات ا�ستثمار وا�ستغالل ق�صوى جلهة حجم الت�أثري املمكن �إح��داث��ه ،وه��ذا ما يف�سر �إقحام جوانب عديدة فيها؛ �سيا�سية ِّ واقت�صادية واجتماعية ،على �أيدي �أطراف ذات �أطياف و�أجندات متنوعة ،ي�سعى كل
منها �إىل غاياته و�أغرا�ضه ،غري الريا�ضية بال�ضرورة! ويف ح�ين �أن ك��ل �أن ��واع الريا�ضة حتظى متحم�سة لفريق دون �آخر ،ف�إن بجماهري ِّ م�ستويات هذه احلما�سة و�أ�شكال التعبري عنها تختلف من ريا�ضة �إىل �أخرى .ولكن مما ال �شك فيه �أن كرة القدم تبقى امليدان ال ��ذي ي ��ؤج��ج ع��واط��ف اجل�م��اه�ير ب�شكل �أو�ضح بكثري من غ�يره ،وعلى املد َّرجات
أقدم ظهور أللعاب الكرة كان في نقوش فرعونية لنسوة يلعبن بكرات مستديرة .. وعن المصريين نقل الفينيقيون ألعاب الكرة فانتشرت في اليونان فالرومان وعبر المانش إلي بريطانيا
املحيطة مبالعب ك��رة ال�ق��دم جن��د �أك�بر الأم�ث�ل��ة «و�أ� �س��و�أه��ا» ع��ن ح��االت انقالب تع�صب يقلب �أح�ي��ان� ًا الوعد ال ��والء �إىل ُّ بالبهجة واالحتفال �إىل م�صائب وكوارث. واحلقيقة �أن هناك �س�ؤال �شغلني كثري ًا. وه��و :مل��اذا ا�ستع�صت لعبة – كرة القدم – علي الأدب؟ بفروعه املختلفة ،هل لأنها لعبة غ�ير قابلة للتدوين؟ ومل��ا ف�شلت يف احل�صول علي �إجابة لهذا ال�س�ؤال ،بحثت عن الكرة يف الأدب العربي حتى عرثت علي هذه ال�سطور والتي �أردت �أن �أ�شرك قراء الغاوون الكرام يف مطالعتها. ك��رة ال�ق��دم ه��ي اللعبة الأك�ث�ر �شعبية يف العامل .واللعبة املع�شوقة للتفرج واللعب، التي ميار�سها الأط�ف��ال وال�شيوخ ،والتي متار�س تلقائيا منذ ال�صغر. ومع �أن الكرة هي قطعة من اجللد املنفوخ، ال جمال فيها وال فتنه ،ال ت�صلح حتى �أن تو�ضع يف رك��ن بالبيت .وم��ع ذل��ك ت�صنع
�صاحب ال�سمو رئي�س الدولة التقى «الأبي�ض» تكرميا ً لفوزه بخليجي 21يف ح�ضور ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان
الأفاعيل يف الأجيال .و�أجنا�س الب�شر. ومع �أن قانون لعبة كرة القدم مل يرتفع �أب ��د ًا �إيل ق��ان��ون ال�شطرجن� ،أو �أي لعبة فكرية� .أو بدنية� ،إال �أن��ه يحفظ قواعده الفقراء والأغ�ن�ي��اء ،والن�ساء وال�شيوخ، وال�سيا�سي ،وغري ال�سيا�سي ،بل يحفظه كل النا�س من الب�شر. و ك��رة ال �ق��دم ه��ي الأث �ي�رة ل��دى ال�ك�ثرة الغالبة من ال�شعوب �شرق ًا وغرب ًا �أكرث من
الريا�ضات الأخ��رى ،مما ح��دا باالحتاد ال��دويل لكرة ال�ق��دم «الفيفا» �إىل دع��وة نخبة م��ن الكتاب والأدب���اء مثل الأدي��ب الربازيلي «باولو كويلر» والكاتب الإيطايل «�أم�برت��و �إي �ك��و» حل�ضور م�ب��اري��ات ك�أ�س العامل «املونديال» الأخ�يرة� ،ش�أنهم �ش�أن جن��وم ال�سينما وامل�سرح الذين يحظون بحب اجلماهري ،وال يقل عنهم العبو كرة القدم ورمبا كانوا �أكرث جاذبية ،ملا ت�سببه
تهنئة ملنتخب الإمارات لكرة القدم حقق منتخب الإمارات لكرة القدم �إجنازاً تاريخياً بح�صوله على ك�أ�س اخلليج العربي احلادية والع�شرين ،يف البطولة التي اختتمت مناف�ساتها يف العا�صمة البحرينية املنامة �شهر يناير املا�ضي ،وقد كان فوز املنتخب هذه املرة �ساحقاً حيث كان الن�صر حليفه يف جميع مبارياته يف البطولة ،بينما توج باللقب يف عام 2007م ب�أربعة انت�صارات مقابل هزمية واحدة. بهذه املنا�سبة ال�سعيدة تتقدم �أ��س��رة حترير «ت��راث» بخال�ص التهنئة لدولة الإم��ارات قيادة و�شعباً ،وعلى طريقتها اخلا�صة تعرب عن �سعادتها من خالل ن�شر هذه الدرا�سة التي تدور حول كرة القدم يف الرتاث والأدب العربيني.
هذه اللعبة من �إثارة وما ت�صدر عنه من رغبة يف التنفي�س عن امل�شاعر املكبوتة يف عامل �سمته ال�صراع والتناف�س يف �سبيل �إحراز الن�صر. ولعبة كرة القدم متثل القوة لكن ما ُيخاف منه �أن تتحول من ريا�ضة ي�سعى �أربابها �إىل بناء الأج�سام وال�سمو الأخالقي �إيل حرب �ضرو�س ي�سقط فيها بع�ض الالعبني �صرعى �أو جرحى وهم يف �شرخ ال�شباب فتفقدهم املالعب وتفقدهم �شعوبهم وهم ُع َّدة امل�ستقبل .كما ُيخ�شى �أن تتحول هذه الريا�ضة �إىل مطية لعتاة الر�أ�سماليني دع��اة نظرية اقت�صاد ال�سوق �أو ال�سوء وهو اجلانب املظلم للعوملة ،في�ستغلونها يف ك�سب امل��زي��د م��ن الأرب ��اح ع��ن طريق الإع�ل�ان��ات وامل��راه �ن��ات وال��دع��اي��ة التي تخلب الألباب .واخل�شبة �أي�ض ًا �أن ُي�ستبدل ب��ال�ك�ف��اح التناف�سي ال���ش��ري��ف ال���ص��راع
دراسة 140 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
ال��دام��ي ال ب�ين ال �ف��رق��اء م��ن ال�لاع�ب�ين بع�ضهم وبع�ض فقط ،بل بني �شعوب ينتمي �إليها ه ��ؤالء الالعبون ،فيتحول الأ�شقاء �إىل �أعداء �أ�شقياء ،وحينئذ تذهب �أدراج الرياح �أهداف الريا�ضة ،وتطغى الهمجية على التعاون والإخ��اء بني الب�شر ،وتُ�شغل ال���ش�ع��وب ال�سيما يف ال �ع��امل ال�ث��ال��ث عن حتقيق مطالبها امل�شروعة باللهاث خلف كرة القدم ،هذه ال�ساحرة امل�ستديرة التي ُج��نَّ بها م�شاهدوها ،و�ألهمت �أفانينها الأدباء املبدعني ،كما وجدت فيها ال�شعوب املغلوبة علي �أمرها مالذ ًا لها متار�س فيه حريتها الوحيدة دون �إكراه �أو رقابة �أمنية، ف�أ�صبح وال�ؤه��ا لهذه الريا�ضة وحدها، وغ��دا بع�ض العبيها يف نظر اجلماهري املتعط�شة وبع�ض رج��ال الإع�لام �أي�ض ًا ال عباقرة فقط بل �أبطا ًال. ولقد عرفت هذه اللعبة �أمم كثرية ولكن ب�صورتها البدائية .من تلك الأمم :ال�صني والهند واليونان والرومان وغريها ،وقد وجدت نقو�ش فرعونية علي جدران معبدي الأم�ي�ر «خبتي» و الأم�ي�ر «ب��اك��ت» لن�سوة يلعنب بكرات م�ستديرة .و�أكد العلماء �أن هذه النقو�ش تعود �إيل العام 040ق.م، يف ما يقول امل�ؤرخون ال�صينيون�« :إن �أول مباراة دولية يف لعبة ك��رة القدم ،جرت بني ال�صني واليابان يف العام 100ق.م»، وعن امل�صريون القدماء نقل الفينيقيون �ألعاب الكرة ،فانت�شرت يف اليونان ومنها �أخذ اللعبة الرومان وعربوا بها املان�ش �إيل بريطانيا. وم��ن ال�ث��اب��ت ت��اري�خ�ي��ا �أن ت ��راث الأدب العربي مليء ب��أن��واع �شتي من الريا�ضة البدنية منها علي �سبيل امل�ث��ال :العدو، الفرو�سية ،العب بالع�صا .حتى الريا�ضة ال��ذه�ن�ي��ة :ال�شطرجن والأل �غ��از وامل�سائل احل�سابية. �أما بخ�صو�ص كرة القدم .التي هي �أهم و�أ��ش�ه��ر اللعبات الريا�ضية يف الع�صر احل ��ايل .ف��إن�ن��ا �إذا نظرنا يف �صفحات تراثنا الأدبي من �شعر ونرث لوجدنا عنها
كانت الكرة تصنع من الحجارة واآلجر ،ثم من الخرق وتسمى «اللوثة» وكانت تصنع أحيانا من مادة لينة وتُكسى بفراء األرنب فتبدو مثل الكرة المعروفة حالي ًا
يقول ال�شاعر اجلاهلي عمرو بن كلثوم:
يدهدهون الر�ؤو�س كما تدهدي ح � � � ��زاورة ب ��أب �ط �ح �ه ��ا ال� � ُك ��ري� �ن ��ا.
يدهدهون :يدحرجون ،احلزاورة :الغلمان الغالظ ال�شداد ،الأبطح :امللعب – مكان مطمئن من الأر�ض ،-الكرينا :الكرات �أو الأكر «جمع كرة». وي �ق��ول ��ش��اع��ر �آخ ��ر ي�صف ال �ك��رة �إب��ان مباراة :
ك � � � ��رة ط� � ��رح� � ��ت ب � �� � �ص� ��واجل� ��ه ف � � �ت � � �ل � � �ق � � �ف � � �ه� � ��ا رج � � � � � � � ��ل رج � � � ��ل
كما تقول ليلي الإخيليه «ت42:هـ» وهي ت�صف قطاه تدلت علي فراخها:
تدلت علي ح�صي طماء ك�أنها ك� � ��رات غ �ل��ام يف ك �� �س��اء م� ��ؤرن ��ب ال���ش��يء ال�ك�ث�ير .ج��اء يف ل���س��ان ال�ع��رب. ال�ك��رة :التي ُيلعب بها �أ�صلها – ك��روة- فحذفت ال��واو .كما قالوا ُقلة :التي يلعب بها والأ� �ص��ل ُق �ل��وة -وج�م��ع ال �ك��رة ك��رات وكرون .وقال اجلوهري – الكرة� -أ�صلها ك��رو وال �ه��اء ع��و���ض ،وجت�م��ع علي كرين. وكرين �أي�ضا بالك�سر ،وكرات. و َيعترب البع�ض العرب وامل�سلمون �أول من و�ضع قواعد عامة لكرة القدم ونظموها وابتكروا لها و�سائل جتعلها لعبة جميلة وم�سلية يف �آن واحد. ك��ان��ت ال �ك��رة يف �أول الأم� ��ر ت�صنع من احل��ج��ارة والآج � ��ر .ث��م اخل� ��رق ،وك��ان��ت ال��ك��رات امل���ص�ن��وع��ة م��ن اخل ��رق ت�سمي «ال�ل��وث��ة» وجمعها «ل��وث��ات» وك��ان��ت ت�صنع �أحيانا من م��ادة لينة ت�شبه املطاط و�إن مل تكن منه وكانت تُك�سي �أحيانا باجللود �أو الفراء وخا�صة فراء الأرنب فتبدو مثل الكرة املعروفة حاليا.
الكرة يف الأدب العربي
أح�صي �أي �أف��راخ ال ري�ش احل�صي :جمع � ّ عليها .الكرات :جمع كرة .الك�ساء امل�ؤرنب: غالفها املن�سوج من الغزل املخلوط بوبر الأرن��ب لنعومتها وكونها نفي�سه .وبديع الت�شبيه ق��ول �أب��ي بكر نا�صح الأرج��اين املتوفى �سنة 544هـ ي�صف غالما يلعب الكرة مع �أقرانه:
ي�ه�ت��ز م�ث��ل ال���ص�ع��دة ال���س�م��راء ف� � � �ق � � ��ده م � � � ��ن �� � � �ش � � ��دة ال� � � �ت � � ��واء ت� � � ��راه م � ��ن مت� � ��دد الأع � �� � �ض� ��اء ك � � � � ��أن� � � � ��ه ك� � � ��وك� � � ��ب اجل � � � � � � � � ��وزاء.
كما يقول �أحمد ال�صايف النجفي عن كرة القدم:
ل� �ع ��ب ال� � �ك � ��رات ك ��ال ��دن� �ي ��ا ل �ن��ا ف � � � � �ي� � � � ��ه ت� � � � � � � �ن � � � � � � ��ازع وزح� � � � � � � � � ��ام كرة تطري بال جناح يف الهواء ف� �ت� �ط�ي�ر ت ��اب� �ع ��ة ل� �ه ��ا الأح� �ل� ��ام ال �ك��ل ي�ع���ش�ق�ه��ا وع �ن��ه ي�صدها ف � �ك � ��أن ب �ي �ن �ه �م��ا ال� �ل� �ق ��اء ح � ��رام.
�أم��ا ع��ن ال�ك��رة يف الأدب ال�ع��رب��ي �شعره و ل�ل���ش��اع��ر م �ع��روف ال��ر� �ص��ايف ق�صيدة بعنوان-يف ملعب كرة القدم� -صور فيها ونرثه فلها الكثري من الذكر.
�أطفال الكرة ..لوحة للت�شكيلي �سنوهيني
امللعب وك��أن��ه �ساحة للمعركة والأ�سلحة فيه الأرج ��ل والأق� ��دام ،كما و�صف فيها الالعبني ب�أنهم وقفوا م�ستعدين يف امللعب ل�ضربة البداية فلما �ألقيت �إليهم �أخذوا يتبادلون ويتناوبون عليها �ضربا بالأقدام، و�إذا علت ت�ستعد الر�ؤو�س ل�ضربها فمن الالعبني من هو مهاجم ومنهم مدافع فلي�س ه �ن��اك ح��ال��ة م��ن اال� �س �ت �ق��رار بل تتحول من الهجوم �إىل الدفاع والعك�س يقول ال�شاعر:
ق� � � � ��� � � � �ص � � � ��دوا ال � � ��ري � � ��ا�� � � �ض � � ��ة الع � � � � � � � �ب � � � �ي � � ��ن وب � � � �ي � � � �ن � � � �ه� � � ��م ك� ��رة ت ��را� ��ض ب �ل �ع �ب �ه��ا الأج� ��� �س ��ام وقفوا لها مت�ش ّمرين فالقيت ف � �ت � �ع� ��اورت � �ه� ��ا م� �ن� �ه ��م الأق � � � � ��دام ي �ت��راك� � ��� � �ض � ��ون وراءه� � � � � � � ��ا يف �ساحة لل�سوق معرتك بها و�صدام ولقد حتلق يف الهواء و�إن هوت
�شرعوا الر�ؤو�س فناطحتها الهام ال ت �� �س �ت �ق � ّر ب� �ح ��ال ��ة ف �ك ��أن �ه��ا �أم� � � � ��ل ب� � ��ه ت� � �ت� � �ق � ��اذف الأوه� � � � � ��ام وت��دور بني الالعبني فمحجِ م ع� �ن� �ه ��ا و�آخ� � � � ��ر �� � �ض � ��ارب م � �ق ��دام را�ضوا بها الأبدان بعد طالبهم ع �ل �م �اً ت ��را� ��ض ب��در� �س��ه الأف� �ه ��ام البد من هزل النفو�س فج ّدها ت�ع� ٌ�ب وب�ع����ض م��زاح�ه��ا ا�ستجمام �أن اجل�سوم �إذا تكون ن�شيط ًة
تحدث ابن منظور صاحب لسان العرب عن «الدبوق» وقال إنها كرة ترمى في الهواء يتلقاها الغالم ضارب ًا بصدر قدمه أو بالصفح من ساقه راد ًا إياها إلي العلو علي الدوام
تقوى بف�ضل ن�شاطها الأح�ل�ام.
�أم��ا الأ��س�ت��اذ علي اجل�ن��دي فله ق�صيدة بعنوان – مالعب الكرة – منها:
مل �أن�س موقفهم وقد �شاهدتهم ي � �ت � �ج� ��ال� ��دون ب� �ح ��وم ��ة امل � �ي� ��دان ي �ت �ل �ق �ف��ون ب �ح �ك �م��ة وم � �ه ��ارة ك� � ��رة ت� �ط�ي�ر ك� �ح ��ائ ��م ال �ع �ق �ب��ان ك � ��ل ل� �ه ��ا م �ت�رق� ��ب م�ت�رب ����ص ك��ال�ق��ط ي��ر��ص��د ��س��ان��ح اجل ��رذان ي�ت�ن��ازع��ون ال �ف��وز فيما بينهم وق �ل��وب �ه��م خ �ل��و م ��ن الأ�� �ض� �غ ��ان.
كرة القدم يف تراثنا النرثي
وع��ن ك��رة القدم يف تراثنا النرثي جند قول ابن خلدون يف تاريخه ي�صف معركة دارت ب�ي�ن ف��ري �ق�ين« :ولأن� �ه ��م ع �ل��ي ما يظهر كانوا يواجهون القتال �أبدا ك�أنهم يواجهون �ساحات ال�صوالج والأكر».
دراسة 142 الـعــــدد 161 ما ر س 2013
لوحة للت�شكيلية كاثرين �أمربوز -جنوب �أفريقيا
كما ورد يف كتاب – نثار الأزهار يف الليل وال�ن�ه��ار و�أط��اي��ب الأ� �ص��ائ��ل والأ� �ش �ج��ار- لأبن منظور �صاحب ل�سان العرب املتوفى «711هـ-1311م»«:الدبوق ك��رة �شعرية ترمي يف الهواء ثم يتلقاها الغالم �ضاربا لها تارة ب�صدر قدمه وتارة بال�صفح من �ساقه اليمني راد ًا �إي��اه��ا �إيل العلو علي الدوام». وقد �أوجز العقاد يف �أحد مقاالته ،مدار�س كرة القدم يف ع�صرنا احلديث -ك�أنه �أحد مدربني كرة القدم الكبار -فقال رحمه اهلل -ما ن�صه :يعرف خرباء كرة القدم، �أربع مدار�س م�شهورة لهذه اللعبة العاملية وهي: املدر�سة الأيقو�سية :وهى التي تعتمد على ال�ضربات القريبة مع مالحظة �أ�ساليب
ال�شخ�صيات الالعبة التي تنتقل الكرة منها و�إليها حلظة بعد حلظة. املدر�سة الإجنليزية :وهي التي تعتمد على ال�ك��رة نف�سها وع�ل��ى ال�لاع��ب ال��ذي ي�صادفها بعد و�صولها �إليه ،ولو ابتعدت امل�سافة بني من ير�سلها ومن يتلقاها. امل��در� �س��ة الأورب � �ي� ��ة :وه ��ي جت�م��ع بني الطريقتني «الأيقو�سية و الإجنليزية» على
يَعتبر البعض العرب والمسلمين أول من وضع قواعد عامة لكرة القدم ونظموها وابتكروا لها وسائل تجعلها لعبة جميلة ومسلية في آن واحد
ح�سب املنا�سبة ،وت�ضيف اليها �شيئ ًا من �أالعيب الر�شاقة واملناورة. املدر�سة الأمريكية :وي�شرحونها على وجوه كثرية �أقربها �إىل الواقع �أنها توزع احلركة ن�صفني متعادلني بني خطة الدفاع وخطة الهجوم وبني االبتداء بال�سرعة �أو ت�أجيل ال�سرعة �إىل الأ�شواط الأخرية .
كرة القدم يف الرواية
ول�ل�أدي��ب اجل��زائ��ري -ر��ش�ي��د ب��وج��درة- وع� �ن ��وان رواي� �ت ��ه «� �ض��رب��ة ج � ��زاء» ،وق��د ا�ستوحى ه��ذه ال��رواي��ة من ح��دث وق��ع يف �أثناء الكفاح �ضد امل�ستعمرين الفرن�سيني و�أعوانهم .ذلك �أن �أحد الوالة اجلزائريني الذين خانوا �شعبهم ووالوا العدو الغا�صب ك��ان يجل�س ب�ج��وار �أح��د ك�ب��ار امل�سئولني
الفرن�سيني يف باري�س م�شاهدين مباراة ل�ك��رة ال �ق��دم ،ف���ص��وب ف��دائ��ي ج��زائ��ري من املقيمني يف فرن�سا م�سد�سه �إىل ذلك الوايل يف حلظة ركلة جزاء قام بها �أحد الالعبني ف�أرداه �صريع ًا .فهذه الر�صا�صة معادل مو�ضوعي ل�ضربة اجلزاء.
كرة القدم يف الق�صة الق�صرية
وق��د دخ�ل��ت ك��رة ال �ق��دم م �ي��دان الق�صة الق�صرية �أي�ض ًا� ،إذ دارت حول حمورها �أحداث ق�صة «كفر عمر م�صطفى» للأديب والإع�ل�ام���ي ط� ��ارق ح���س��ن وه ��ي �ضمن جمموعته التي ن�شرت �سنة 1997بعنوان «امل�سافة ال��زرق��اء» ،والق�صة ت�صور عرب التفا�صيل الدقيقة ت�صرفات �أركان اللعبة من العبني وحكام ومتفرجني ومعلقني، وي�ن�ق��ل التليفزيون �أح��داث �ه��ا ك�م��ا ينقل حركات امل�شاهدين امل�ستثارين و�أ�صواتهم ال�صاخبة: «�أطلق حكم املباراة �صفارته معلن ًا بداية ال �ل �ع��ب :ال �ف��ري��ق امل���ض�ي��ف ي��رت��دي ل��ون الربازيل :فانيلة �صفراء�- ،شورت� -أزرق. �أما ال�ضيوف فكانوا يلب�سون الزى الأحمر. وب ��د�أت ال�ك��رة تتناقل ب�ين الأق� ��دام ،ومل مت�ض ث��وان حتى ق��ذف مهاجم الفريق الأ��ص�ف��ر ال�ك��رة ب��اجت��اه م��رم��ى اخل�صم، ف �م��رت ب��ج��وار ال �ق��ائ��م وك � ��ادت ت�سجل هدف ًا ...تعالت الأ�صوات� ،آهات الإعجاب ت�أتي من كل �صوب ،املزمار والطبل البلدي م�ستمران يف �إلهاب عواطف اجلماهري». وتنتهي الق�صة باملقطع الآت��ي ال��دال على الت�شابه �أو التفاوت بني لعبة ال�سيا�سة ولعبة كرة القدم وكيف ت�ستغل الأوىل الثانية: «ح�م��ل �أه ��ايل الكفر ال�ك��أ���س املُ �ه��دى من التلفزيون ،و�أج ��رى امل��ذي��ع معهم بع�ض احلوارات التي ات�سمت بالود والوعي بدور الريا�ضة ،و�ضحك ال�سيا�سيون املحرتفون وه��م يل ِّوحون للجماهري ...و�سرعان ما غادروا القرية ،وراح املوكب يجول يف �أزقة الكفر ،وانطلقت زغرودة من �أحب البيوت فقال -الطيب :-الآن ي�ستطيع -وائل� -أن
ي�ت��زوج ،ويفي -ح�م��دي -ب�ن��ذره وي�ضحي ب��اجل��دي ،وي��ذه��ب اجلميع �إىل حقولهم وهم فخورون بالن�صر». وختام ًا لهذا املو�ضوع �أورد هذه الأبيات الطريفة التي نظمها ال�شاعر – ها�شم الرفاعي -تخليدا لهزمية فريقه و�سخرية من �أفراده يقول:
ي��ا خ�ي�ب� ًة ق � ّدروه��ا بالقناطري ج� ��اءت ل �ن��ا يف ن� �ه ��ا ٍر ك��ال��دي��اج�ير �إين ذهبتُ �إيل النادي فطالعني بر الأ� �س��اري��ر م�ق� ِّ�ط��ب ال��وج��ه ُم �غ� ُّ ويندب من خابوا مبلعبه يبكي ُ ويف امل�ب��اراة �صاروا «كالطراطري» ٍ «�شحط» �أطال اهلل قام َت ُه من كل ي �ك��ا ُد ي���ص� ُل� ُح يف ج � ِّر «احل�ن��اط�ير» ما كان ُمنتظراً هذا املُ�صاب لكم
ي��اف��رق � ًة ك � ّون��وه��ا م��ن «خ�ن��ا��ش�ير» م��ا للغبي« وللفتبول» يلعبها ي��ال�ي�ت�ه��م َع � َّل �ق��وك��م يف ال�ط�ن��اب�ير �أخ��زاك��م اهلل ق��د جئتم لنادينا ب��ال �ع��ار ي��ا ف�ت�ي� ًة م�ث��ل «امل��واج�ي�ر» يف «املات�ش» مل تلعبوا ل ْكن ر�أيتكمو يف ال�ب�رت �ق ��ال ن��زل �ت��م ك��امل�ن��ا��ش�ير لو كنتُ �أعلم �أن اخليب َة انق�سمت م��ن ح�ظ�ك��م يف ��س�ج�لات امل�ق��ادي��ر ل �ك �ن��تُ ج �ئ��تُ «ب �ط �ب��ال» ي��زف�ك��م ورح� ��تُ �أت �ل��و ع�ل��ي حل��ن امل��زام�ي ِ�ر غلظ «ال ب�أ�س بالقوم من طولٍ ومن ٍ ج�س ُم البغالِ و�أح�لام الع�صافري»
سوق الكتب 144 الـعــــدد 161 مارس 2013
انفتاح الإبداع على قراءات ممتدة
الشعر والسرد د .عالء اجلابري
يبدو الكتاب نوعاً من الإغارة على «وهم» النقاء املطلق ،واحلما�سة للقول بتداخل الأنواع ،وفيما يبدو �أنه جزء من م�شروع كبري طموح ي�سعى �إىل خو�ض غمار الدرا�سات البينية التي تتوقف عند ظواهر معينة ،يتداخل فيها ال�شعر وال�سرد ،وي�صبح التالقح بينهما �أ�سا�ساً للنظر �إىل ال�شعر. �إن� ��ه حم��اول��ة لإع � ��ادة ق� ��راءة الإن��ت��اج الإب ��داع ��ي ع �ل��ى � �ض��وء م��ن م �ن �ظ��ورات اللحظة الثقافية ال��راه�ن��ة ،وه��ي التي يحتل فيها الن�سق ال�سردي قمة الهرم الإبداعي ،ويتدخل ال�سرد فيها بو�صفه ع �ن �� �ص��ر ًا �أ� �س��ا� �س �ي � ًا يف ال �ف �ن��ون ك��اف��ة كال�سينما وامل�سل�سالت التليفزيونية، والإذاعية ،وينفرد ال�سرد بالهيمنة على �أنواع �أدبية كالق�صة الق�صرية والرواية ،وال�سرية الذاتية ،ورمبا امل�سرح. �إن ال�ك�ت��اب م���س�ك��ون ب �ك��ون الن�صو�ص واخل� �ط ��اب ��ات ال �ن �ق��دي��ة ه ��ي خ �ط��اب��ات ثقافية ،ونتاج اجتماعي لتغريات معينة. اللحظة الثقافية تفر�ض نف�سها على الإبداع ،وكذلك حتريك �سواكن النقد. ي�ب��د�أ ال��دك�ت��ور �سامي �سليمان «�أ�ستاذ الأدب العربي ب�آداب القاهرة » حماولته بتفكيك مقولة «ال�شعر دي��وان العرب» تاريخي ًا ،فينكر ما ذهب �إليه بع�ضهم من
ن�سبة قول ال�شعر العربي �إىل �آدم – عليه ال�سالم ،-وكذلك �إبلي�س الذي يقارعه ��ش�ع��ر ًا ب�شعر ،ومي�ت��د �إىل الت�شكك يف ح�شد �شعر كثري لأنا�س متعددي الثقافة واالهتمامات ،ويرى �أن الثقافة �أنتجت مقولة «ال�شعر ديوان العرب» ور�سختها، ومل ت�ستنتجها من متحي�ص الروايات، وميد الكتاب ب�صره خارج دائرة الثقافة ال �ع��رب �ي��ة؛ ل�ي�ج��د الأم���ر م���س�ح��وب� ًا على غ�يره��ا م��ن ال �ث �ق��اف��ات ،وي �� �ض��رب مثال ب���أق��وال «�أر� �س �ط��و» ال ��ذي ق��رن ال�شعر ب ��أرف��ع �أ��ش�ك��ال التفكري ال�ت��ي �أنتجتها ال�ث�ق��اف��ة الإغ��ري �ق �ي��ة ،وي�ت�ت�ب��ع امل���س��أل��ة تاريخيا فريى �أن احلراك الأدبي خالل اخلم�سينيات ،وم��ا ت�لاه��ا ،مل يحرك ال�شعر من مكانته ،وي�ست�شهد بحديث الدكتور «حممد مندور» ،ويوازي – عند الغرب -بحديث ال�شكالنيني والبنيويني عن «�شعرية الرواية» ،و«�شعرية امل�سرح»
و«�شعرية الق�صة الق�صرية»؛ فال�شعر هو النموذج اجلمايل الذي يتحقق فيه الهوية اخلال�صة للأدب. ع��رب�ي� ًا ،ي��رى امل ��ؤل��ف ت� ��آزر ًا ب�ين ال�شعر وال�سرد من �شروح ال�شعر التي حتيطها م��روي��ات � �س��ردي��ة ،رمب ��ا ل �ك��ل ب �ي��ت قد يحيطه ق�صة� ،أو مثل� ،أو حادثة تاريخية ت�ق��ود ال���ش�ع��ر� ،أو تن�ش�أ ع�ن��ه .ال �ت��زاوج ب�ين ال �� �س��رد وال �� �ش �ع��ر وا���ض��ح ،ح �ت��ى ال ت��دري �أيهما يخدم الآخ��ر! ورمب��ا ميتد الأم��ر �إىل اال�ستعانة بحياة امل�ب��دع� ،أو ح�ي��اة جماعته .م��وروث جماعي �إن مل ي�سعفه الفردي؛ كاحلديث ال�شهري عن «�أي ��ام ال �ع��رب» ،وك��ذل��ك «ال��وق��وف على الأط �ل�ال»� .إن��ه �إع�ل�ان زم�ن��ي بامتياز. رحلة يف الزمن� ،أو توا�صل �سردي يتولد ال�شعر مقرون ًا بال�سرد ،واحل��ال نف�سه مع ق�صيدتي امل��دح والهجاء؛ مبا تركز عليه �أيهما من جوانب �سريية �شخ�صية.
ي��زدان ال�تراث ب�إ�شارات تربط ال�شعر بغريه من الفنون ،قد ت�صل �إىل ربطه بالفن الت�شكيلي «ع�ل��ى عك�س م��ا يرى الكتاب»� .أ�ضرب مث ًال مبقولة الع�سكري «و�إمن� � ��ا ال� �ك�ل�ام �أ�� �ص���وات حم �ل �ه��ا من الأ�سماع حمل النواظر من الأب�صار». ال��رب��ط وا� �ض��ح ب�ين ق ��درة ال���ش�ع��ر على «ال�ت�ج���س�ي��د»� ،أو حم��اول�ت��ه ذل ��ك ،وب�ين الفنون الت�شكيلية� .شذرات مل تُطورها درا�سات َ اخل َلف ،برغم براعة ال�سلف. ازداد الأم� ��ر و� �ض��وح � ًا م��ع ال�ق���ص�ي��دة احل ��دي� �ث ��ة ال� �ت ��ي ازدح � �م� ��ت ب �ت �ق �ن �ي��ات ��س��ردي��ة؛ ك��امل��ون��ول��وج وال��دي��ال��وج وتعدد الأ�� �ص ��وات وال �ف�لا���ش ب���اك ،والإح��ال��ة على �شخ�صيات ت��راث�ي��ة بكل قدراتها احل �ك��ائ �ي��ة و�إ� �ش �ع��اع��ات �ه��ا ال �� �س��ردي��ة. �إمكانات التلقي الرائعة -بح�سب تعبريه ،واللحظة الثقافية ذاتها ي�ؤكدان كونالنقد -يف �أحد جوانبه – منتج ًا ثقافي ًا واجتماعي ًا ،مبا يفر�ض �إع��ادة النظر، وهو رهان الكتاب الرئي�سي. ت� ��زداد حم��اول��ة ال �ك �ت��ب ج �� �س��ارة حني ي �ح��اول ت�أ�صيل م�س�ألة «االقت�صا�ص» ق��دمي � ًا ب��ق��راءة ج��دي��دة ل�ك�ت��ب ت��راث�ي��ة كثرية ،منه «قواعد ال�شعر» لأبي عبا�س �أحمد ثعلب ،على الرغم من كونه لغوي ًا ون �ح��وي � ًا� ،أك�ث�ر م��ن ك��ون��ه ن��اق��د ًا .الأم��ر ذاته يحاوله مع بع�ض من مالمح «عيار ال�شعر» ل�ـ«اب��ن طباطبا» ،ودع��وت��ه �إىل التثقف بفنون ال��رواي��ة ،واملعرفة ب�أيام ال �ن��ا���س واحل �ك��اي��ات والأم� �ث ��ال ويتكلم عن كون االقت�صا�ص «حالة من حاالت التفاعل بني الن�ص ال�شعري والأ�شكال ال �� �س��ردي��ة» ،وي �ط��ور الأم� ��ر م��ع ق ��راءة جديدة لـ« احلامتي» يف «حلية املحا�ضرة يف �صناعة ال�شعر» ،وك��ذل��ك يف موقف ال�ع���س�ك��ري ،ث��م ي ��أت��ي ت �ن��اول «اب ��ن �أب��ي الأ��ص�ب��ع» بو�صفه يف «حت��ري��ر التحبري» – كما يرى�« -أ�شمل تناول يقدمه ناقد وب�لاغ��ي م��ن خ��ارج دائ��رة الفال�سفة»، م� ��رك� ��ز ًا ع� �ل ��ى ال� �ت� �ف ��ات ��ه �إىل �أدوار
غالف الكتاب
ال�ضمائر«هل يحتاج الأم��ر �إىل تطويره بدرا�سة االلتفات؟» ،وذكرها والإحاالت الناجتة عنها .ي�سرت امل�ؤلف يف قراءاته لبع�ض الكتب النقدية املهمة ،و��ص��و ًال للب�ستاين الذي يراه خمتلف ًا عن النقاد الإحيائيني ،كما يثمن �سعيه �إىل تنظري جتليات املالحم وال�شعر الق�ص�صي يف الثقافة العربية القدمية والو�سيطة، باني ًا ت�صوره على وعيه بحقيقة العالقة بني امل�ؤرخ وال�شاعر ،وميتد الأمر لقراءة ما قدمه «ق�سطاكي احلم�صي» يف كتابه «منهل الرواد يف علم االنتقاد». ويف الف�صل الثاين من الكتاب ،واملعنون «تلقي النظرية وجدلية ال�شعر والأ�شكال ال�سردية» «اب��ن ر�شد ونظرية ال��درام��ا الأر�سطية من��وذج � ًا» يركز امل��ؤل��ف على م�ع��رف��ة ال�ث�ق��اف��ة ال�ع��رب�ي��ة القرو�سطية م�ن�ظ��وم��ة الأن� ��واع الأدب��ي��ة ع�ل��ى تقدمي ث�لاث��ة �أن� ��واع ،وه��ي ال���ش�ع��ر واخل�ط��اب��ة والر�سالة ،وان�ضواء كثري من الأ�شكال يف �إط � ��ار ال �ن��وع�ين ال� �ث ��اين وال �ث��ال��ث، وي�بره��ن مب�صطلح «الأخ� ��ذ ب��ال��وج��وه» ب��و��ص�ف��ه واح� ��د ًا م��ن الأدوار ال �ت��ي يلح عليها اب��ن ر�شد ،وكذلك اعتماده على
ال�ت�ق��رب ب�ين ال�شعر وال�ق����ص عند ابن ر�شد ال��ذي يرى ال�شعر «ق��ول حقيقي»؛ مبعنى �أن��ه يجب �أن ي�صدر عن اعتقاد حقيقي من ال�شاعر ب�صحة �أو �صواب املعتقد ،ويركز ا�ستخدام الناقد العربي القرو�سطي ي�ستخدمها للمرة الأوىل يف تعامله مع ال�شعر العربي «الغنائي»، وهما م�صطلحا «القا�ص» و«املحدث»و «ال�ق���ص��ا���ص» و«امل �ح��دث�ين»� .إن تركيز «ابن ر�شد» على كيفية �أداء الق�صيدة، وف �ه��م «امل� �ح ��اك ��اة» ب��و��ص�ف�ه��ا حم��اك��اة ل�ل�أف �ع��ال ،ك�م��ا �أن ��ه -اب��ن ر� �ش��د -ق��دم ت ��أوي� ً لا للفكرة الأر��س�ط�ي��ة ال يتناق�ض معها ،ولكنه يحولها �إىل جم��ال ال�شعر الغنائي .لقد ميز «ابن ر�شد» بني ال�شعر والق�ص الذي ا�ستخدم ابن ر�شد ثالثة م�صطلحات ت�شري �إليه ،وهي :الق�ص�ص والأح ��ادي ��ث امل�خ�ترع��ة والأم� �ث ��ال؛ فقد تقبل �صناعة ال�شعر �أقرب �إىل الفل�سفة من �صناعة اخ�تراع الأم�ث��ال ،وتكلم – كثري ًا -عن احلمولة ال�سردية مل�صطلح «اخلرافة» ،وركز على البعد الق�ص�صي يف اخلرافة. ينتهي الكتاب بف�صل خ�ص�صه الدكتور ��س��ام��ي �سليمان ،لتحليل بنية ال�سرد يف ق�صيدة «ج��داري��ة» لل�شاعر الكبري حممود دروي�ش ،وهو الف�صل الذي يجب �أن ُي�ق��ر�أ ك��ام� ً لا ،ا�ستمتاع ًا بالق�صيدة وال �ت �ح �ل �ي��ل ،ف �ق��د ب���رئ ه���ذا ال�ف���ص��ل م��ن احل �م��والت ال�ن�ظ��ري��ة والتنظريية، والإح ��االت املرجعية التي تريد توكيد الفكرة ،الرائعة بحق ،لكن رمبا كانت الأج � ��زاء ال �ق��ادم��ة م��ن ه ��ذا امل �� �ش��روع الكبري مع�ضدة لربيق القكرة التي رمبا تغري وجه ال�شعر العربي من جهة �إ�ضافة وجهة نظر �أخرى الكتاب :ال�شعر وال�سرد «ت�أ�صيل نظري ومداخل ت�أويلية» امل�ؤلف :د� .سامي �سليمان النا�شر :الهيئة العامة لق�صور الثقافة -م�صر
كالم أخير د .را�شد املزروعي
سويحان 15 ..يومًا من التألق ع�شر يوم ًا من الأل��ق والزهو باالنتماء �إىل تراب هذا الوطن ،هو الو�صف الأدق الذي ميكنني �أن �أ�صف به مهرجان �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد للإبل الذي اختتم فعالياته منت�صف ال�شهر الفائت يف �سويحان. �إنه بالفعل �ألق ي�أخذك يف �أعطافه لتتن�سم �أطياف املا�ضي ب�أ�صالته وروعته بينما �أنت على �أر�ض احلا�ضر بعظمته وجالله ،فيجتمع بداخلك ال�شعور بالفخر مبا�ضيك والزهو بحا�ضرك ،وهو حتديد ًا الهدف ال�سامي الذي يعمل على حتقيقه هذا املهرجان. وكم كانت �سعادتي عظيمة و�أنا �أطالع م�شاركات �شعراء الإمارات يف امل�سابقة ال�شعرية التي نظمها بيت ال�شعر يف �أبوظبي �ضمن فعاليات املهرجان ،والتي خ�ص�صناها هذا العام للق�صائد النبطية يف جمال الإبل املحليات الأ�صايل ،مع منح الأف�ضلية لبحور «الونة والردحة والتغرودة» يف حماولة لإحياء هذه الألوان الرتاثية. فالكثري من الق�صائد التي وردتنا – واحلق يقال -ت�ستحق التقدير، فهي تنهل من معني تراث الأجداد العذب جمددة يف �أحيان كثرية وحملقة بالق�صيدة يف �آفاق جتمع بني القدمي واملعا�صر ،مما يبعث يف نفو�سنا الطم�أنينة على م�ستقبل ال�شعر النبطي يف الإمارات. ونحن نن�شر يف ه��ذا العدد الق�صائد الفائزة باملراكزاخلم�س الأوىل ،و�سوف نخ�ص�ص م�ساحة يف الأع��داد القادمة لتقدمي قراءات نقدية مت�أنية يف تلك الق�صائد وغريها من الق�صائد التي تقدمت للم�سابقة ،للك�شف عن مواطن اجلمال �أو مواطن اخللل فيها ،يف حماولة لتمديد الأثر الذي خلفته امل�سابقة ال�شعرية التي رعاها �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ،حفظه اهلل ،وكرم بنف�سه الفائزين فيها ،لتظل �شعلة ال�شعر متوهجة يف نفو�سهم فيوا�صلون �إبداعاتهم على غرار الأجداد. ا�ستوقفتني يف الق�صائد الفائزة العديد من ال�صور اجلمالية والتعبريات التي �أجاد ال�شعراء �صياغتها م�ستلهمني تف�صيل حياة الأولني ،متمثلني م�شاعر الآباء والأج��داد و�أرواحهم ،فقد �أبدع ال�شعراء يف و�صف امل�شاعر التي تنتاب البدوي عندما ي�شاهد
خم�سة
حالله ويدقق يف تفا�صيله في�ست�شعر الزهو والفخر وي�سبح بحمد اهلل ال��ذي �أن�ش�أها ،كما �أب��دع ال�شعراء يف و�صف جمال الإب��ل بعبارات �شعرية جزلة وبليغة ،تكاد ال ترتك تف�صيلة من تفا�صيل اجلمال املتعارف عليها �إال وحتدثوا عنها حمافظني على الإيقاع ومميزات اللون ال�شعري وقواعده ،وهو دليل �إجادة وحذق ن�سعد لوجودهما يف �أجيال ال�شعراء املعا�صرين. يقول ال�شاعر �سعد مرزوق الأحبابي يف ق�صيدته احلا�صلة على املركز الأول وا�صف ًا الناقة :
كنهــا مـن خيوط الذهـب م�صبوبـــه وكـــن احلرير ال�ســند�سي كا�ســـيها ان دبـــــّـــرت تهنـا ورحـــــنا معها وان �أقبــلت قلنــــــــا اللــــــه يحيـ ّيهــــــــــا
ثم ي�ستطرد يف و�صف تفا�صيلها:
ال ��را� ��س وايف م���س�ـ�ت��وي وم��رب�ـ�ـ�ـ ّ�ـ�ـ��ع وت��اخ��ذ م�ـ��ن �أذان ال��ذي�ـ�ـ��اب �أذن�ي�ه��ا واخل�شــم ياخـذ و�صف خ�شم الد ّله لـــي �صبـــّــها ل�ضيوفـه مْ قـهـويها
وال يرتك تف�صيلة �إال و�أوردها حتى ي�صل �إىل اخلف ،يقول:
وخ ّ ـــــف �صغيـــر �أكبــــر من الرب ّيـــــة �أو كــّـــــف بنــــــــتٍ تتعـــــــب محْ ّنيهـــــــــا
وعلى هذا املنوال اجلميل يغزل الكثري من �شعراء امل�سابقة ،و�إننا �إذ نعرب عن �سعادتنا مبا طالعناه من ق�صائد ،ال منلك �إال �أن نتوجه بخال�ص ال�شكر والتقدير �إىل �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة حفظه اهلل رئي�س نادي تراث الإمارات الذي ال يدخر جهد ًا يف �سبيل �إحياء تراث الأجداد املادي واملعنوي ليدجمه يف ن�سيج احلياة املعا�صرة حمافظ ًا على هوية الكائن واملكان
كتاب
يصدر كل شهر ويوزع مجان ًا مع مجلة تراث
العدد القادم بغداد في كتابات الرحالة الفرنسيين مطلع القرن العشرين
د .وليد كا�صد الزيدي
صدر مع مجلة تراث
هــديــــة مع
جملة تراث
()7
يـ�شـــدر ويوزع
بال ِغي جي ُه ال َ التَّو ِ ُقرْآنِيَّ ْة ت ال ءا ِ لِل ِقرَا َ
كـل �شــهر
جمانـ ًا مع
جمـلة تراث
()6
استرات يجية ا لتأويل ـداللي ال ه يثم �سرحان
كتاب هذا ال آنه الكرمي قرا كمة اهلل �سبحانه يف ذك��ره يف �سري اقت�ست ح ج��ه ق�راءات��ه؛ لتي وا�ستيعاب انيه اأو اأن تتغاير جاز يف ت�س�ير مع �كب ًة من مام بها ك اوة ،والإي الت اهت رواياتها، حكامه ،وق َّي�س ل التث ُّبت من بها كلٌّ بنقلها و اأ لها اأو ن�ا العلماء عُ �جيهها والحتجاج منها اللغ�ي بت خذ ن�ا فات كما عُ ومنزعه؛ واعت�سد جهه هبه، بح�سب ُم َّت قاعدته اأو حجة ملذ يف ترجيح حممد �سعد اأو ساهدًا على أحمد �سعد ا�ستنباط الأحكام ع�س وج�هها � يف د� . ص�ص يف بها الفقيه خر ،وت��سَّ ل املتكلم بب ريه ،وكانت ك��ادمي��ي متخ� �ي ،يعمل غ اآ حكم على هبه اأو يف رد مذهب حليل اللغ�ي ب��اح��ث �أ�ة وال�ن�ق��د الأدب� � �د ًا بق�سم �اع� غ� اإثبات مذ ذلك هي الت �ات ال�ب��ا � �س �ت��اذ ًا م���س� �درا�� �س � يف جميعًا اإىل ح��ال�ي� ًا اأ ل �ع��رب �ي��ة وال � بية ،جامعة تهم ال �ل �غ��ة ا كلية الرت يف الت�جيه و�سيل لعنا�سرها. مية، الجتاهات والنح�ي الإ�سا م�س ،م�سر .يف جم ��ال معانيها، �س �ات عني � � بزغ من خال هذه بالبحث يف ف �دة م� ��ؤل� � لأ�� �س����ل ت �ب��ة على ك��ان ُيعني و ل� ��ه ع � � � �س��ه ،م �ن �ه��ا (اب�يه واأثرها مل��رت �ر ت �خ �� �س � يف كتاب �سي (التطبيق اجت��ا ٌه اآخ� ج � ��ه ال�ب��اغ�ي��ة ا ابن اجلزري لأو الباغيةحث الباغي) ،خ���ا���س وت�ل� ُّم����س ا ختافها ،حتى جعلها ه�) وجهًا يف الب �ي -امل� �ع ��اين و الباغي (ت 911 ال �ب��اغ�ب)( ،التطبيق التطبيق تغايرها وا وال�سي�طي آن الكرمي. لقرا �) الرتاكي ��ر ال�ب�ي��ان�ي��ة) ،بديعية)، (ت832ه جاز الباغي يف ا التي بثَّها ��س���ر ال ال �� �س�ا�سة � الباغية ل إع ادر وج�ه ال �ي بية: الظ�اهر للقراءات ال�ب��اغ� الباغة العر و(مدخل من تاب يتتبع (نظرية املعرفية)، ههم هذا الك يف معر�س ت�جي ال�ق�ف على يف الأ�س�ل لعربية). سلف الباغة ا اإىل علما ُء ال� ها ،ور�سدها؛ ثم لها ،وبيان غري ليها اأو حتلي اأو تاأثرها املت�اترة و الإ�سارة اإ �س يف طرائقهم حث الباغي اخلال يف حركة عها املنا�سب الب اأثرها يف ذلك م�ق ب تقع حتى وجتديدها. به؛ �سيل الباغة تاأ
اإ
�شدارات
20 12
د� .أ
حمد �سعد
حممد �سعد
اليمن ،1929انطباعات ومشاهدات البعثة السوفيتية األملانية السينامئية ،ترجمة د .سعيد دبعي تعدد الرواية يف الشعر الجاهيل ،د .أمين بكر ذاكرة الطني ،شواهد من الرتاث املعامري والعسكري يف مدينة العني ،د .محمد فاتح صالح زعل حكمة األجداد يف تراث مجتمع اإلمارات دراسة سوسيولوجية يف األمثال الشعبية ،د .أحمد محمود الخليل تأريخ القدامى للشعر إىل نهاية القرن الرابع مدونة املرزباين أمنوذجاً ،د .محمد حبيبي اسرتاتيجية التأويل الداليل عند املعتزلة ,الدكتور هيثم رسحان التوجيه البالغي للقراءات القرآنية ،د .أحمد سعد محمد سعد رسائل البرشى يف السياحة بأملانيا وسويرسا عام ،1889حسن توفيق العدل مثرات ناضجات من جنان الشعر العريب ،د .عايدي عيل جمعة الفكر الرتبوي الرتايث الخطيب البغدادي أمنوذجاً ،للدكتور بوزيد الغىل النظم والتأويل يف الفكر البالغي العريب ،للدكتور محمد سعد شحاته املبهج املعريف شعريات أدب الرحلة للكاتب شاكر لعيبي شهر زاد الحكايات قراءة يف بنية الحكاية الشفاهية اإلماراتية للكاتب مفيد نجم