ŮňŴ ĮŻijĔĜ ķĔŻ
One World, 6 Continents
ěēijĔŨǞē ğēĴĜ
ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻘﺮﻗﻮر اﻟﻘﺮﻗﻮر ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻏﺮﻓﺔ ﻋﲆ ﺷﻜﻞ ﻧﺼﻒ داﺋﺮة ،ﻟﻬﺎ ﻣﺪﺧﻞ ﻣﺨﺮوﻃﻲ اﻟﺸﻜﻞ ،ﺿﻴﻖ ﰲ ﻃﺮﻓﻪ اﻷﺧري ،وﻳﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺤﺠﻢ ﺑني ﻛﺒري وﻣﺘﻮﺳﻂ وﺻﻐري ،وﻛﻠﻬﺎ ﺗﺼﻨﻊ ﻳﺪوﻳ ﺎً ﻣﻦ ﺳﻠﻚ ﻣﻌﺪين ،وﻳﺴﺘﻐﺮق اﻟﻌﻤﻞ ﰲ اﻟﻘ ﺮاﻗري ﻋﺎدة ﻳﻮﻣني. ﻣﻬﻤﺘﻪ ﻣﻨﻊ اﻟﺴﻤﻚ ﻣﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ اﻟﻄﻌﻢ ﺑﻌﺪ دﺧﻮﻟﻬﺎ ،وﻏﺎﻟﺒ ﺎً ﻣﺎ ﻳﻜﻮن اﻟﻄﻌﻢ ﻫﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ اﻟﻘﺒﺎﻗﺐ أو أﺳامك ﺻﻐرية ،أو ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺸﺎﺋﺶ .ﻣﻊ ﻧﺰول اﻟﻘﺮﻗﻮر إﱃ ﻗﺎع اﻟﺒﺤﺮ ﻳﻮﺿﻊ ﺛﻘﻞ ﰲ أﺳﻔﻠﻪ ﻣﻬﻤﺘﻪ ﺗﺜﺒﻴﺘﻪ ﰲ اﻟﻘﺎع.
ﺑﺮزة ﺗﺮاث
اﻟﻌﺠﻮز واﻟﺒﺮد ﻃﻘﺴﺎ ﺟﻤﻴﻼ ،ﻧﻨﻌﻢ ﻓﻴﻪ ﻧﻌﻴﺶ ﻫﺬه اﻷﻳﺎم ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ً ﺑﺒﺮد اﻟﺸﺘﺎء ،ﻟﻴﻜﺘﻤﻞ ﺟﻤﺎﻟﻪ ﺑﺴﻘﻮط اﻷﻣﻄﺎر ،وﺟﺮﻳﺎن اﻷودﻳﺔ. ﺣﻴﻦ ﺗﺠﺘﻤﻊ اﻷﻣﻬﺎت واﻟﺠﺪات ﺣﻮل اﻟﻤﺪﻓﺄة وﻳﺘﺤﺪﺛﻦ ﻋﻦ اﻟﺒﺮد، ﻓﻐﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎ ﻧﺴﻤﻊ اﻟﺠﺪة ﺗﺬﻛﺮ ﺣﻜﺎﻳﺔ أو ﺧﺮوﻓﺔ ﺣﺴﺐ ﺗﻌﺒﻴﺮﻫﺎ ﻋﻦ أﻳﺎم اﻟﻌﺠﻮز أو ﺑﺮد اﻟﻌﺠﻮز .إن اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ اﻷﺧﻴﺮ ﻫﻮ اﻟﺸﺎﺋﻊ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ،ﻛﺬﻟﻚ اﻷﻣﺮ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺪول اﻟﺨﻠﻴﺠﻴﺔ وﻓﻲ اﻟﻌﺮاق. أﻣﺎ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ﻓﺘﺴﻤﻴﻬﺎ ﺑﺎﻷﻳﺎم اﻟﻤﺴﺘﻘﺮﺿﺎت أو أﻳﺎم اﻟﻌﺠﻮز .ﻫﻲ ﺳﺒﻌﺔ أﻳﺎم ،أرﺑﻌﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺷﺒﺎط /ﻓﺒﺮاﻳﺮ ،وﺛﻼﺛﺔ ﻓﻲ أول آذار /ﻣﺎرس .ﺗﺴﺒﻖ ﻫﺬه اﻷﻳﺎم دفء واﻧﻘﻄﺎع ﻟﻠﺒﺮد ،ﺣﺘﻰ ﻳﻈ ّﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس أن اﻟﺒﺮد ﻗﺪ وﻟّﻰ واﻧﻘﻀﻰ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻌﻮد ﻣﺮة أﺧﺮى. وﺑﺎﻟﻌﻮدة إﻟﻰ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻧﺠﺪ أن ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﻋ ّﺪﻫﺎ ﺧﻤﺴﺔ أﻳﺎم ،ﻟﻜﻦ ﻣﻌﻈﻤﻬﻢ أﺟﻤﻌﻮا ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﺳﺒﻌﺔ أﻳﺎم .ﺑﻠﻎ ﻣﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﻬﻢ ﺑﻬﺎ ،أن ﺳ ّﻤﻮا ﻛﻞ ﻳﻮم ﺑﺎﺳﻢ ،ﻓﻬﻢ :ﺻﻦ ،ﺻﻨﺒﺮ ،وﺑﺮ ،آﻣﺮ، ﻣﺆﺗﻤﺮ ،ﻣﻌﻠﻞ ،وﻣﻄﻔﻲ اﻟﺠﻤﺮ. وﻗﻴﻞ إن اﻟﺮﺷﻴﺪ ﺳﺄل اﻟﻜﺴﺎﺋﻲ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﻫﺬه اﻟﺘﺴﻤﻴﺔ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻪ :إن اﻣﺮأة ﻋﺠﻮزا ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻦ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ اﻟﺴﺒﻌﺔ ﺗﺰوﻳﺠﻬﺎ ،ﻓﺮﻓﻀﻮا، وﻟﻤﺎ أﻟّﺤﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ اﺷﺘﺮﻃﻮا ﻋﻠﻴﻪ أن ﺗﺠﻠﺲ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ ﺳﺒﻊ ﻟﻴﺎل ،رﻏﻢ ﺑﺮودة اﻟﺠ ّﻮ ،ﻓﺠﻠﺴﺖ ﺳﺒﻌﺔ أﻳﺎم ﻟﺘﻤﻮت ﻓﻲ ﻳﻮﻣﻬﺎ اﻷﺧﻴﺮ.ﺗﻘﺺ اﻟﺠﺪة اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻫﺬه اﻟﺨﺮوﻓﺔ ،دون أن ﺗﺪرك أﻧﻬﺎ ّ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ ﻟﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ. أﻣﺎ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪون ﻣﻦ رواﻳﺔ ذﻛﺮﺗﻬﺎ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺮاث ﻋﻦ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ ،وﻓﻴﻬﺎ أن ﻋﺠﻮزا ﻇﻨﺖ أن اﻟﺒﺮد ﻗﺪ اﻧﺘﻬﻰ ﻓﻌﻤﺪت إﻟﻰ ﺟ ّﺰ ﺻﻮف ﻏﻨﻤﻬﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻋﺎدت اﻟﺮﻳﺎح اﻟﺒﺎردة ﻓﻤﺎت ﻏﻨﻤﻬﺎ .ورواﻳﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﺑﺄن اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻗﺪ ﺟ ّﺰ اﻟﺼﻮف إﻻ اﻟﻌﺠﻮز، ﻓﺴ ّﻤﻴﺖ اﻷﻳﺎم ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ. ﻛﻠﻬﺎ ﺣﻜﺎﻳﺎت ﺗﻨﺎﻗﻠﻬﺎ اﻟﺮواة ﻋﺒﺮ اﻷﻳﺎم؛ ﻟﺘﺼﺒﺢ ﺟﺰءا ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث
130
اﻟﻌﺠﻮز واﻟﺒﺮد
د.ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺣﻤﺪ اﻟﻤﺰروﻋﻲ@
اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﺘﺪاول ﺣﺘﻰ اﻵن .ﻳﺒﻘﻰ أن اﻟﻄﺮﻳﻒ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ أن أﻫﻞ اﻟﺸﺎم ﻗﺪ ﻧﻘﻠﻮا ﻫﺬه اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ ﻟﺠ ّﺰ اﻟﺼﻮف ، ﻟﻴﻀﻴﻔﻮا ﻟﻬﺎ ﺗﻜﻤﻠﺔ ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ أﺳﻄﻮرﻳﺔ .ﺗﺒﻨﻰ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻏﺰل اﻟﻤﺮأة ﻟﻠﺼﻮف وﻗﺒﻞ ﻣﻮت ﻏﻨﻤﻬﺎ ﺑﺴﻴﻞ اﻟﻮادي ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻷﻣﻄﺎر اﻟﻐﺰﻳﺮة .ﻳﺬﻛﺮون أن اﻟﻌﺠﻮز اﻟﻔﺮﺣﺔ ﺑﺎﻧﺘﻬﺎء اﻟﺒﺮد ﻗﺮب ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺷﺒﺎط/ﻓﺒﺮاﻳﺮ ،ﺑﻠﻎ ﺑﻬﺎ اﻟﻔﺮح ﺣ ّﺪ اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻣﺘﺤﺪﺛﺔ ﻋﻦ اﻟﺸﻬﻮر« ﻓﺎت ﺷﺒﺎط اﻟﺨﺒﺎط ،وﻣﺎ أﺧﺬ ﻣﻨﻲ ﻻ ﻧﻌﺠﺔ وﻻ رﺑﺎط، وﺿﺮﺑﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮه ﺑﺎﻟﻤﺨﺒﺎط«. ﻏﻀﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻬﺮ ﺷﺒﺎط /ﻓﺒﺮاﻳﺮ ﻓﺎﺗﻔﻖ ﻣﻊ ﺷﻬﺮ آذار/ﻣﺎرس ﻓﻘﺎل ﻃﺎﻟﺒﺎ ﻣﻨﻪ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪة :ﻳﺎ أﺧﻮي ﻳﺎ آذار ﺛﻼﺛﺘﻚ ﻣﻊ أرﺑﻌﻲ ،ﺗﺨﻠﻲ اﻟﻌﺠﻮز ﺑﺎﻟﺴﻴﻞ ﺗﻘﺮﻋﻲ .أي أن اﻟﺒﺮد ﺳﻴﻜﻮن أرﺑﻌﺔ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ آﺧﺮ ﻓﺒﺮاﻳﺮ وﺛﻼﺛﺔ ﻓﻲ ﻣﺎرس؛ ﻟﻜﻲ ﻳﻌﺎﻗﺐ اﻟﻌﺠﻮز اﻟﺴﺎﺧﺮة ﺑﺄن ﺗﺨﺴﺮ ﻏﻨﻤﻬﺎ ﺣﻴﻦ ﺗﺴﻴﻞ اﻟﻮدﻳﺎن. دﻣﺖ أذﻛﺮ اﻟﻌﺠﻮز ،ﻓﺈن اﻟﺸﻲء ﺑﺎﻟﺸﻲء ﻳﺬﻛﺮ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﺎل .ﻟﻘﺪ وﻣﺎ ُ اﻋﺘﺪﻧﺎ أن ﻧﺴﻤﻊ اﻷﻣﻬﺎت واﻟﺠﺪات وﻫﻦ ﻳﺒﺎرﻛﻦ ﻟﻠﻤﺮأة ﺑﻮﻻدﺗﻬﺎ، ﻓﺈﻧﻬﻦ ﻳﺪاﻋﺒﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻘﻮﻟﻬﻦ ﻟﻪ »اﻟﺸﻴﺒﺔ« ،وأﻣﺎ اﻟﻮﻟﻴﺪة ﻓﻴﻘﻠﻦ اﻟﺴﻦ ﻟﻬﺎ اﻟﻌﺠﻮز .ﻳﻔﺴﺮن ذﻟﻚ ﺑﺄن اﻟﻄﻔﻞ واﻟﻄﻔﻠﺔ ﻳﺸﺒﻬﺎن ﻛﺒﺎر ّ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻤﻠﻜﻮن أﺳﻨﺎﻧﺎ .ﻛﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﻄﻠﻖ ﺑﻌﺾ اﻹﻣﺎراﺗﻴﻴﻦ ﻋﻠﻰ زوﺟﺎﺗﻬﻦ اﺳﻢ اﻟﻌﺠﻮز ﻛﻤﺰﺣﺔ ،وإن ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺰوﺟﺔ ﺷﺎﺑﺔ .وﻫﺬه ﻫﻲ ﻋﺎدة ﻣﻦ ﻋﺎدات اﻟﻌﺮب اﻟﻘﺪاﻣﻰ. *ﺑﺎﺣﺜﺔ وأدﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻻﻣﺎرات
اﻟﺰﺧﺎرف رﺳﻮﻣﺎت ﻟﻨﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ ﻓﻲ ﺻﻮر ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻘﺪس اﻟﻨﻴﻞ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اواﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻨﻮﺑﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ ،ﺣﺘﻰ أن ﺑﻴﻮت اﻟﻨﻮﺑﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻮﺟﻬﺔ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ .وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺤﺮص اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻋﻠﻰ إﺿﺎﻓﺘﻪ ﻟﺠﺪران اﻟﻤﻨﺰل ،ﺣﻴﺚ ﺗﻀﻔﻲ اﻷﻟﻮان اﻟﺰاﻫﻴﺔ واﻟﺰﺧﺎرف اﻟﻨﻮﺑﻴﺔ روﺣﺎ ﻣﻌﺎﺻﺮا ﻟﻠﻤﻜﺎن. ﺛﻢ اﻟﺒﻌﺪ اﻟﺼﺤﻲ ،وﻫﻮ ﺑﻌﺪ ﻣﻬﻢ ﻟﺪى اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻟﻨﻮﺑﻲ ،اﻟﺬي اﻫﺘﻢ ﻛﺜﻴﺮا ﺑﻌﻤﻞ ﻓﺘﺤﺎت ﺗﻬﻮﻳﺔ ﺻﻐﻴﺮة وﻋﺎﻟﻴﺔ ،ﻛﺬﻟﻚ ﺗﺨﺼﻴﺺ ﻣﺴﺎﺣﺎت ﺻﻐﻴﺮة ﻟﻠﺸﺒﺎﺑﻴﻚ ،ﻋﻤﻼ ﺑﺎﻟﻘﺎﻋﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮل إن اﻟﻬﻮاء اﻟﺴﺎﺧﻦ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﻟﻸﻋﻠﻰ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻨﺰل اﻟﻬﻮاء اﻟﺒﺎرد ﻟﻸﺳﻔﻞ ،ﻣﺎ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ أن ﻳﺤﺘﻔﻆ اﻟﺠﻮ داﺧﻞ اﻟﻤﻨﺰل ﺑﺪرﺟﺔ ﺣﺮارة ﻣﻨﺨﻔﻀﺔ ﻃﻮال اﻟﻨﻬﺎر ،ﻛﻤﺎ ﺣﺮص اﻟﻨﻮﺑﻲ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺮﻣﻞ ﻓﻲ ﺣﻮش اﻟﻤﻨﺰل ،ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺮﻣﻞ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻤﺘﺺ اﻟﺤﺮارة ﺑﺴﺮﻋﺔ ،ﻛﺬﻟﻚ اﺳﺘﺨﺪم اﻟﻘﺒﺎب اﻟﻨﻮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻞ اﻷﺳﻘﻒ ﻟﻤﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺪرة ﻋﻠﻰ إﺑﻘﺎء اﻟﺠﻮ داﺧﻞ اﻟﻤﻨﺰل ﺑﻌﻴﺪا ﻋﻦ اﻟﺤﺮارة ﺧﺎرﺟﻪ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺤﺮص اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻔﻴﺬه ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎزل ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث اﻟﻨﻮﺑﻲ ﺣﻴﺚ ﻳﻨﻘﻞ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺑﻄﺮق ﻣﻌﺎﺻﺮة وﺻﺤﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﺑﺴﻴﻂ ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﻗﺮﻳﺔ ﻧﻮﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﻓﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺘﺠﻤﻊ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة وأﺧﺮى ﺑﻤﺮﺳﻰ ﻋﻠﻢ. أﺿﺎف ﺣﺴﻦ أن اﻟﻨﻮﺑﻲ اﺳﺘﺨﺪم ﻓﻰ ﺑﻨﺎء اﻟﻤﻨﺎزل اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ »اﻟﺠﺎﻟﻮص« ،وﻫﻮ اﻟﻄﻴﻦ ﻣﺨﻠﻮط ﺑﺎﻟﺘﺒﻦ ﻣﻊ ﺻﻤﻎ
ﺷﺠﺮة اﻟﺼﻨﺖ ،واﻟﺬي ﻳﺨﻤﺮ ﻟﻤﺪة أﺳﺒﻮع ،ذﻟﻚ ﻟﻤﺎ ﻟﻠﻄﻴﻦ واﻟﺘﺒﻦ ﻣﻦ ﻗﺪرة ﻋﻠﻰ ﻋﺰل اﻟﺤﺮارة ،ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻢ ﺧﻠﻄﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﺼﻤﻎ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﺒﺢ اﻟﺨﻠﻴﻂ ﺿﺪ اﻟﺬوﺑﺎن ﻓﻲ ﻣﻮاﺳﻢ ﻫﻄﻮل اﻷﻣﻄﺎر ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺼﻌﺐ ﺗﻄﺒﻴﻘﻪ اﻵن ﺑﻌﺪ ﻣﺎ اﻛﺘﺴﺢ اﻹﺳﻤﻨﺖ ﺑﻨﺎﻳﺎﺗﻨﺎ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﺤﺎول ﺗﻄﻮﻳﻊ اﻟﻄﺮز اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ وﻓﻖ رؤﻳﺘﻨﺎ ﻓﻨﻄﺒﻖ ﻓﻜﺮة اﻟﻘﺒﺎب ﻓﻲ اﻷﺳﻘﻒ. أوﺿﺢ اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻟﻨﻮﺑﻲ »اﻟﻨﻮﺑﻴﻮن أول ﻣﻦ اﺑﺘﻜﺮوا ﻓﻜﺮة اﻟﺴﺎوﻧﺎ، وﻫﻢ أول ﻣﻦ ﻓﺼﻞ ﻣﻜﺎن ﻗﻀﺎء اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻋﻦ ﻣﻜﺎن اﻻﺳﺘﺤﻤﺎم واﻟﻨﻈﺎﻓﺔ واﻟﺘﻌﻄﺮ ،ﻟﺤﺮﺻﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻈﺎﻓﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ ،ﻛﻤﺎ اﺑﺘﻜﺮ اﻟﻨﻮﺑﻲ اﻟﺒﻴﻮت اﻟﻤﺘﺤﺮﻛﺔ ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺪ ﺧﺼﻴﺼﺎ ﻟﻠﺤﻴﻮﻧﺎت ﻣﻦ ﺷﺠﺮ اﻟﻄﺮف ﻏﻴﺮ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻟﻸﻛﻞ ،وﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺳﻴﻘﺎن اﻷﻋﺸﺎب واﻟﺰروع اﻟﻤﻌﺘﺎدة ،ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺤﻴﻮﻧﺎت واﻟﺒﻬﺎﺋﻢ أن ﺗﺄﻛﻠﻬﺎ«. وذﻛﺮ أﻳﻀﺎ »اﻟﺸﻌﺎﻟﻴﻖ« ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎت اﻟﻤﺰﺧﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻖ ﻓﻲ اﻷﺳﻘﻒ ﺑﻐﺮض اﻟﺰﻳﻨﺔ وﺣﻔﻆ اﻷﻃﻌﻤﺔ ﻗﺒﻞ وﺟﻮد ﺑ ّﺮادات اﻟﻄﻌﺎم، وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﻨﻊ ﻣﻦ ﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﻴﻞ اﻟﻤﻀﻔﺮ إذا ﻛﺎن أﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ ﻣﺘﻮﺳﻄﻲ اﻟﺤﺎل ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺼﻨﻌﻬﺎ اﻟﻤﻴﺴﻮرون ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎن ،وﻣﻦ ﺧﻴﻮط اﻟﺼﻮف اﻟﻤﺠﺪول واﻟﻤﺮﺻﻊ ﺑﺎﻟﻘﻮاﻗﻊ إذا ﻛﺎن أﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ ﻣﻦ اﻷﻏﻨﻴﺎء
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
129
İŀĴŨ
»ﺳﺎوﻧﺎ وﻗﺒﺎب ﻣﻌﻠﻘﺔ« ﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﻨﻮﺑﻴﺔ ﻗﺒﻞ آﻻف اﻟﺴﻨﻴﻦ اﻟﻘﺎﻫﺮة -راﻧﻴﺎ ﻫﻼل
أﻗﺎم ﺑﻴﺖ اﻟﺴﻨﺎري – اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ – ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻧﺪوة ﺑﻌﻨﻮان »اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﻨﻮﺑﻴﺔ ﺑﻴﻦ اﻷﺻﺎﻟﺔ واﻟﻤﻌﺎﺻﺮة :دﻋﻮة ﻟﺘﺄﺻﻴﻞ اﻟﻬﻮﻳﺔ« ﺑﺤﻀﻮر اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻨﻮﺑﻲ اﻟﻤﺨﻀﺮم اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻰ اﻟﺪﻳﻦ ﺻﺎﻟﺢ ،واﻟﻤﻬﻨﺪس اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻟﻨﻮﺑﻲ ﺗﺎﻣﺮ ﺣﺴﻦ. ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻠﻘﺎء أﻟﻘﻰ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻨﻮﺑﻲ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻰ اﻟﺪﻳﻦ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﻨﻮﺑﻴﺔ ﻛﻔﻦ وإرث ﺣﻀﺎري ﻣﺼﺮي ﻣﻬﻢ ﻳﻨﻢ ﻋﻦ ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻟﻨﻮﺑﻲ اﻟﺬي اﺳﺘﺨﺪم ﻣﻌﻄﻴﺎت ﺑﻴﺌﺘﻪ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ وﻃﻮﻋﻬﺎ ﻟﺘﻠﺒﻴﺔ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻪ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺒﺴﻂ ،ﺑﻌﻴﺪً ا ﻋﻦ ﺗﻌﻘﻴﺪات اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،ﻣﺸﻴ ًﺮا إﻟﻰ أن ﻫﺬا ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﺟﻠﻴﺎً ﻓﻰ ﺑﻴﻮت اﻟﻨﻮﺑﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﻬﺠﻴﺮ اﻟﺮاﺑﻊ ،اﻟﺬي ﺗﻢ ﻓﻲ ،1964 وﻗﺒﻞ ﻏﺮق اﻟﻨﻮﺑﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ.
ﻳﺸﻴﺮ ﺻﺎﻟﺢ إﻟﻰ أن اﻟﻨﻮﺑﻲ ﻓﻄﻦ ﻟﻜﻮن اﻟﻌﻤﺎرة أﺳﻠﻮب ﺣﻴﺎة ،وﻟﻴﺴﺖ ﻣﺠﺮد وﺳﻴﻠﺔ ﻟﺘﺴﻬﻴﻞ اﻟﻤﻌﻴﺸﺔ ،ﻛﻤﺎ أدرك ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺑﻴﺌﺘﻪ اﻟﺤﺎ ّرة اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺸﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﺤﺸﺮات واﻟﺰواﺣﻒ ،وﺗﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﻣﻌﻄﻴﺎﺗﻬﺎ ،ﻓﻘﺎم ﺑﺒﻨﺎء ﻋﺘﺒﺔ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ أﻣﺎم ﺑﺎب ﻣﻨﺰﻟﻪ ،ﻛﻤﺎ ارﺗﻔﻌﺖ واﺟﻬﺎت اﻟﻤﻨﺎزل اﻟﻨﻮﺑﻴﺔ ﻟﺘﺴﻤﺢ ﻟﻪ ﺑﺄن ﻳﺘﻔﻨﻦ ﺑﺘﺰﻳﻴﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ اﻟﺬي ﻳﻨﺎﺳﺒﻪ ،وﺑﺎﻷﻟﻮان اﻟﺘﻲ ﺗﺮوﻗﻪ .ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻤﻨﺰل ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﻋﻤﺎرة اﻟﻤﻌﺎﺑﺪ ،ﻓﺒﻌﺪ اﻟﻮﻟﻮج ﻣﻦ اﻟﺒﺎب اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻳﺠﺪ اﻟﺰاﺋﺮ ﻋﻠﻰ ﻳﻤﻴﻨﻪ وﺷﻤﺎﻟﻪ ﻣﻨﺪرﺗﻴﻦ إﺣﺪﻫﻤﺎ ﻟﻠﻀﻴﺎﻓﺔ واﻷﺧﺮى ﻟﻨﻮم اﻟﻀﻴﻒ ،وﺑﻌﺪ اﻟﻤﻨﺪرة ﻧﺠﺪ اﻟﺪﻫﺎﻟﻴﺰ اﻟﻤﺆدﻳﺔ ﻟﺤﻮش اﻟﻤﻨﺰل اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺑﺎﺗﺴﺎﻋﻪ. وﻣﻦ اﻟﻼﻓﺖ أن اﻟﻨﻮﺑﻴﻴﻦ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻌﻴﻨﻮا ﺑﺒ ّﻨﺎﺋﻴﻦ ﻓﻲ إﻗﺎﻣﺔ ﻣﻨﺎزﻟﻬﻢ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻛﻞ أﺑﻨﺎء اﻟﺤﻲ ﻳﺸﺘﺮﻛﻮن ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﻤﻨﺰل ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء ﺷﺨﺺ واﺣﺪ ﻓﻘﻂ ،ﻫﻮ اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻌﺎن ﺑﻪ ﻟﻀﺒﻂ اﻟﺘﻘﺴﻴﻤﺎت واﻟﺰواﻳﺎ، وﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﻋﻨﺪ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺘﻮﻓﺮ ﻫﺬا اﻟﺸﺨﺺ ﻳﺘﻢ اﻻﺳﺘﻌﺎﺿﺔ ﻋﻨﻪ ﺑﺠﺮﻳﺪ اﻟﻨﺨﻞ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺜﺒﺖ ﻓﻲ اﻷرض ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺴﺘﻘﻴﻢ وﻣﺘﺮاص، ﻟﻴﻀﺒﻂ اﻟﺰواﻳﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻃﺒﻴﻌﻲ ،ﻣﻦ دون اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻷﻓﺮاد ﻣﻦ ﺧﺎرج اﻟﺤﻲ. اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ
ﻓﻲ ﻣﺪاﺧﻠﺘﻪ أﺷﺎر اﻟﻤﻬﻨﺪس اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻟﻨﻮﺑﻲ ﺗﺎﻣﺮ ﺣﺴﻦ رﺋﻴﺲ
128
»ﺳﺎوﻧﺎ وﻗﺒﺎب ﻣﻌﻠﻘﺔ« ﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﻨﻮﺑﻴﺔ ﻗﺒﻞ آﻻف اﻟﺴﻨﻴﻦ
ﺷﻌﺒﺔ اﻟﻌﻤﺎرة واﻟﻔﻨﻮن اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻴﺔ ﻻﺗﺤﺎد اﻟﻠﺠﺎن اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻨﻮﺑﻴﺔ، وﻣﺆﻟﻒ ﻛﺘﺎب »اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﻨﻮﺑﻴﺔ ﺑﻴﻦ اﻷﺻﺎﻟﺔ واﻟﻤﻌﺎﺻﺮة« إﻟﻰ أن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺄﺟﻤﻊ ﻳﺤﺘﺮم اﻟﻔﻨﻮن اﻟﻨﻮﺑﻴﺔ وﻳﻘﺪر اﻟﻨﻮﺑﻴﻴﻦ ،ﻟﻴﺲ ﻷﻧﻬﻢ ذوو رؤى وﻓﻨﻮن ﻣﺘﻤﻴﺰة ﻓﻘﻂ ،وﻟﻜﻦ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﻤﺜﻠﻮن اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﻣﺎﺗﺰال ﻛﺎﻣﻠﺔ وواﺿﺤﺔ اﻟﻤﻌﺎﻟﻢ ،واﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺣﺘﻰ وﻗﺘﻨﺎ ﻫﺬا ،ﺑﻠﻐﺘﻬﺎ وﻣﻌﻤﺎرﻫﺎ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﺎ وﻣﻮروﺛﻬﺎ ﻣﻦ اﻵف اﻟﺴﻨﻴﻦ. وﻟﻔﺖ ﺣﺴﻦ إﻟﻰ أن ﻟﻠﺒﻴﺖ اﻟﻨﻮﺑﻲ أﺑﻌﺎ ًدا ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮاﻋﻰ ﻓﻲ اﻟﺒﻨﺎء ،ﻣﻦ أﻫﻤﻬﺎ اﻟﺒﻌﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺮاﻋﻰ ﻓﻴﻪ وﺟﻮد »ﻣﺼﻄﺒﺔ« ،وﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻋﺘﺒﺔ ﻣﻠﺤﻘﺔ ﺑﺎﻟﻤﻨﺰل ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺠﻠﻮس ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﺮﺷﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺴﻤﻰ »اﻟﺒﻮرش« وﺗﺒﻨﻰ اﻟﻤﺼﻄﺒﺔ أﻣﺎم اﻟﻤﻨﺰل ﻛﻲ ﻳﺤﺎﻓﻆ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﻮﺑﻴﻮن ﻋﻠﻰ ﺟﻠﺴﺎﺗﻬﻢ وﺳﺎﻣﺮﻫﻢ اﻟﻴﻮﻣﻲ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن اﺳﺘﻀﺎﻓﺔ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎً ﻣﻦ دون ﺟﺮح أﻫﻞ اﻟﺒﻴﺖ أو ﻣﻀﺎﻳﻘﺔ اﻟﺴﺎﻛﻨﻴﻦ ﻓﻴﻪ ،ﻓﻤﻦ اﻟﻤﻌﺮوف أن اﻟﻨﻮﺑﻴﻴﻦ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﻮن ﺑﺎﻟﻔﻄﺮة. اﻟﺒﻌﺪ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻫﻮ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ،ﺣﻴﺚ اﻫﺘﻢ اﻟﻨﻮﺑﻲ ،ﺧﺼﻮﺻﺎ اﻟﻤﺮأة اﻟﻨﻮﺑﻴﺔ ،ﺑﺘﺠﻤﻴﻞ ﺑﻴﺘﻬﺎ وﺗﺰﻳﻴﻨﻪ ،ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻮاﺟﻬﺔ واﻟﺠﺪران اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ،وﺣﺘﻰ ﺟﺪران اﻟﻤﻨﺰل ﺑﺎﻟﺪاﺧﻞ ،ﺑﺎﻟﺰﺧﺎرف اﻟﻨﻮﺑﻴﺔ ﻛﺮﺳﻢ اﻟﻄﻴﻮر واﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ،ﺗﺤﺪﻳﺪا اﻟﺘﻤﺴﺎح ،ﺣﻴﺚ ﻳﺮﻣﺰ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻨﻮﺑﻴﺔ ﻗﺼﺼﺎ ورﻣﻮزًا ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺄﻫﻞ ﻟﻠﻘﻮة ،ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺰﻳﻦ اﻟﺒﻴﺖ ﺑﺮﺳﻮﻣﺎت ﺗﻤﺜﻞ ً اﻟﺒﻴﺖ ﻧﻔﺴﻪ ،أو ﺗﺤﻜﻰ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﺗﻤﺜﻠﻬﻢ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﻀﻤﻴﻦ ﻫﺬه
ﺿﻮء آﺧﺮ
ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ 2016 ﻛــﺎن ﻟــﻲ ﺷــﺮف اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓــﻲ اﻟــﺠــﻮﻻت اﻟﺘﻲ ﺗــﻢ ﺗﻨﻈﻴﻤﻬﺎ ﺧﻼل ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ 2016ﻟﻺﻋﻼﻣﻴﻴﻦ ،واﻟﺘﻲ ﺗﻤﺖ ﺑﻬﺪف إﻳﻀﺎح رﺳﺎﻟﺔ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﺮاﻣﻴﺔ إﻟﻰ اﻻﺣﺘﻔﺎء ﺑﺎﻟﺤﺼﻦ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﺻﺮ ًﺣﺎ وﻃﻨﻴًﺎ وﺛﻘﺎﻓﻴًﺎ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﻤﺒﺎدرات اﻟﺘﺮﻣﻴﻢ اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﺈرث ﻟﻸﺟﻴﺎل اﻟﻤﻘﺒﻠﺔ .وﺗﻤﻜﻦ زوار »ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ« اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﺳﺘﻜﺸﺎف اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ،وﺷﺎﻫﺪوا ورش اﻟﻌﻤﻞ واﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﺤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﺮﺣﻬﺎ اﻟﻤﻬﻨﺪﺳﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺮﻣﻴﻢ واﻃﻠﻌﻮا ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ واﻷﺛﺮﻳﺔ ﻟﻠﺤﺼﻦ .أﻣﺎ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻷرﺑﻊ اﻷﺧﺮى؛ وﻫﻲ اﻟﺼﺤﺮاء واﻟﻮاﺣﺔ وﺟﺰﻳﺮة أﺑﻮﻇﺒﻲ وﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ ،ﻓﻘﺪ رﺳﻤﺖ ﺻــﻮرة ﻟﻤﺨﺘﻠﻒ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ وورش اﻟﻌﻤﻞ ﺗﺤﺖ إﺷـﺮاف ﻓﻨﺎﻧﻴﻦ وﻣﺘﺨﺼﺼﻴﻦ ،ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺖ ﺑﺎﻟﺘﺮاث اﻟﺒﺤﺮي ﻟﺪوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات وﺷﻌﺒﻬﺎ ،وﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺼﺤﺮاء اﻟﺘﻲ اﻃﻠﻊ زوارﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﺠﺮﻳﺐ اﻷﻃﻌﻤﺔ وﻣﺸﺎﻫﺪة اﻟﺤﺮف اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،واﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﺘﻲ ﺳﺎﻋﺪت أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﺗﺤﺪﻳﺎت اﻟﺼﺤﺮاء. وﻋﺮﺿﺖ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺟﺰﻳﺮة أﺑﻮﻇﺒﻲ أﺳﻠﻮب اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﺣﻮل ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ اﻟﺬي ﺗﻄﻮر ﻟﻴﺼﺒﺢ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺣﺪﻳﺜﺔ وﻋﺎﺻﻤﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ .ﺗﻌﺮف اﻟﺰوار ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻋﻠﻰ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﺎﻓﺔ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ اﻟﺤﺮف إﻟﻰ ﻓﻨﻮن اﻟﻄﻬﻲ ،وﻣﻦ اﻟﻤﺪارس إﻟﻰ اﻟﺸﺮﻃﺔ ،واﻟﺴﻴﺎرات اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﺻﻮر ﻷواﺋﻞ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻮا ﻓﻲ ﺷﺮﻃﺔ ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ وﺗﺤﻤﻠﻮا ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻪ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺸﺎﻫﺪة ﻣﻨﺘﺠﻲ اﻟﺪﺧﻮن وﻣﺤﻼت اﻟﺒﻘﺎﻟﺔ ،وﺣﻀﻮر ورش ﻋﻤﻞ اﻟﻄﻬﻲ اﻹﻣﺎراﺗﻲ .أﻣﺎ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻮاﺣﺔ ﻓﻘﺪ أﺷﺮﻛﺖ اﻟﺰوار -ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺤﻠﻲ -ﻓﻲ زراﻋﺔ وﺣﺼﺎد ﻣﻮاد ﻏﺬاﺋﻬﻢ ،وﺑﻨﺎء ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت ﻣﻦ ﻣﻜﻮﻧﺎت ﺷﺠﺮ اﻟﻨﺨﻴﻞ .ﻛﻤﺎ ﺗﻀﻤﻨﺖ ﻧﺸﺎط ﺗﺴﻠﻖ اﻟﻨﺨﻠﺔ وﺗﺬوق اﻟﺘﻤﻮر وورﺷﺔ ﻋﻤﻞ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻄﺐ
ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻋﻄﻔﺔ@
اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي واﻟﻄﻬﻲ .وﺗﻀﻤﻦ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺮوض اﻟﺤﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﻴﻤﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺮح اﻟﻤﺨﺼﺺ ﻟﺬﻟﻚ ،ﻣﻨﻬﺎ ﻋﺮض »ﺑﺎب ﺗﻔﺎﻋﻼ ﻣﺒﺎﺷ ًﺮا ﺑﻴﻦ اﻟﻄﻴﻮر ً اﻟﺨﻴﺮ« وﻋﺮض »اﻟﺴﻤﺎء« اﻟﺬي ﺷﻬﺪ ﻣﻦ »ﺣﺪﻳﻘﺔ ﺣﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻌﻴﻦ« واﻟﺠﻤﻬﻮر .وﻛﺬﻟﻚ ﻋﺮض »اﻟﺴﻔﺎري اﻟﻠﻴﻠﻲ« اﻟﺬي ﻗﺪم ﻗﺼﺔ رﺣﻠﺔ ﺻﺪﻳﻘﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﺣﻴﺚ ﻳﻠﺘﻘﻴﺎن ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ .اﻃﻠﻌﻨﺎ ﺧﻼل ﺟﻮﻟﺔ اﻹﻋﻼﻣﻴﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻄﺔ ﻋﻤﻞ ﺗﺮﺗﻤﻴﻢ اﻟﻤﺒﻨﻰ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ،وﺣﺪﺛﻨﺎ ﺳﻌﻮد اﻟﺤﺎرﺛﻲ اﻟﻤﺪﻳﺮ اﻹﻋﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﻫﻴﺌﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻟﻠﺴﻴﺎﺣﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺣﻮل آﺧﺮ ﻣﺴﺘﺠﺪات أﻋﻤﺎل ﺗﺮﻣﻴﻢ ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ .ﻻﻓﺘًﺎ إﻟﻰ أن ﻓﺮﻳﻖ أﻋﻤﺎل اﻟﺘﺮﻣﻴﻢ ﻳﻀﻢ ﻛﺒﺎر اﻟﻤﻬﻨﺪﺳﻴﻦ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻴﻦ وﻫﻮ ﻳﻜﺘﺸﻒ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻋﻤﺮاﻧﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻠﺒﻨﺎء اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ،واﻟﻌﻤﻞ ﻣﺴﺘﻤﺮ ﻣﻊ أﻫﻤﻴﺔ وﺿﺮورة اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻨﺎء اﻷﺻﻠﻲ ﻟﻬﺬا اﻟﺼﺮح اﻟﻌﻤﺮاﻧﻲ اﻟﻌﺮﻳﻖ.وأوﺿﺤﺖ أﻣﻞ ﺷﺎﺑﻲ ،أﺧﺼﺎﺋﻴﺔ ﺗﺮﻣﻴﻢ اﻟﻤﺒﺎﻧﻲ ﻓﻲ إدارة اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ،ﻫﻴﺌﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻟﻠﺴﻴﺎﺣﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ أﻧﻪ ﺟﺎري إزاﻟﺔ اﻟﻤﻌﺪات اﻟﻤﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ واﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ أﻧﻈﻤﺔ اﻟﺨﺪﻣﺎت اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﺒﻨﻰ اﻟﻤﺠﻤﻊ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ،ﻟﺘﺤﺪﻳﺚ ﻣﺮاﻓﻖ ووﻇﺎﺋﻒ اﻟﻤﺒﻨﻰ ﻣﻊ اﻹﺑﻘﺎء ﻋﻠﻰ ﻃﺎﺑﻌﻪ اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻟﻔﺮﻳﺪ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﺎﺷﻰ ﻣﻊ ﺧﻄﺔ إدارة اﻟﺘﺮﻣﻴﻢ اﻟﺘﻲ اﻛﺘﻤﻠﺖ ﻣﺆﺧ ًﺮا. وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻗﺪ ﻟﻤﺴﻨﺎ ﺧﻼل ﺟﻮﻟﺘﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﻌﺎم ﺗﻐﻴﺮات ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ »ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ« ،ﻋﻘﺐ إزاﻟﺔ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﺘﻲ أﺿﻴﻔﺖ إﻟﻰ ﺟﺪران اﻟﻘﺼﺮ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻓﻲ ﺛﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ .ﻛﻤﺎ ﺗﻤﻜﻨﻨﺎ ﻣﻦ رؤﻳﺔ اﻟﻤﻮاد اﻟﺘﻲ ﺗﻢ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﻟﺒﻨﺎﺋﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﺑﺎﻟﺘﺰاﻣﻦ ﻣﻊ اﺳﺘﻌﺎدة اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻷﺻﻠﻴﺔ ﻟﻮاﺟﻬﺘﻪ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ .وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن ﺛﻤﺔ ﺟﻬﻮ ًدا إﻟﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﻮازن ﺑﻴﻦ اﻋﺘﻤﺎد اﻟﻤﻮاد اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ واﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻹﻋﺎدة اﻟﻘﺼﺮ إﻟﻰ ﺻﻮرﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة ﻣﻦ «1945-1939 *إﻋﻼﻣﻴﺔ وﻛﺎﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﺳﻮرﻳﺎ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
127
İŀĴŨ
ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰل. أﺗﺎﺣﺖ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻛﺬﻟﻚ اﻟﻤﺠﺎل ﻟﻠﺰوار ﻟﻠﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻓﺔ ﺧﻴﺎﻃﺔ ﺷﺒﺎك اﻟﺼﻴﺪ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻷدوات واﻟﻤﻮاد اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ،وﻣﺠﺎﻻت اﺳﺘﺨﺪام ﺷﺒﺎك اﻟﺼﻴﺪ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻣﺸﺎﻫﺪة ﻣﻬﺎرات اﻟﺼﻴﺎدﻳﻦ ﻓﻲ رﻣﻲ اﻟﺸﺒﺎك ﻟﺼﻴﺪ اﻷﺳﻤﺎك ،واﻷﻧﻮاع اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﻤﺠﺎدﻳﻒ واﻷﺷﺮﻋﺔ واﻟﻘﻮارب واﻹﺳﺘﻤﺘﺎع ﺑﺎﻷﻧﺎﺷﻴﺪ اﻻﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ اﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻤﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﺸﺠﻦ وﻋﺒﻖ اﻟﻤﺎﺿﻲ واﻟﺘﻲ ﺗﺼﻒ ﺣﺎل ﻋﻮدة اﻟﺼﻴﺎدﻳﻦ ﻟﻮﻃﻨﻬﻢ وﺗﺮﺣﻴﺐ ﻋﺎﺋﻼﺗﻬﻢ ﺑﻬﻢ ،واﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﺮﺣﻠﺘﻬﻢ اﻟﺴﺎﻟﻤﺔ وﺻﻴﺪﻫﻢ اﻟﺜﻤﻴﻦ. ﺿﻢ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن أﻳﻀً ﺎ ﺿﻤﻦ أروﻗﺘﻪ ،ﻧﻤﺎذج ﻟﺘﺮاث ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات ﺣﺴﺐ اﻟﺒﻴﺌﺔ ،ﻛﺎﻟﺼﺤﺮاء واﻟﻮاﺣﺔ ،وﺑﺈﻣﺘﻴﺎز أﻳﻀً ﺎ ﻧﺠﺤﺖ إدارة اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ﻓﻲ ﻣﻨﺢ اﻟﺰاﺋﺮ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻔﺮدات اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ
اﻟﺤﺼﻦ ،ﺑﻬﺪف اﺳﺘﻀﺎﻓﺔ وﺗﺮوﻳﺞ وﻣﺸﺎرﻛﺔ ﺗﺮاث اﻟﻘﻬﻮة اﻟﺜﺮي. وﺗﻔﺘﺢ ﺗﺠﺮﺑﺔ »ﻗﻬﻮة« ﻧﺎﻓﺬة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﺘﻠﻴﺪ وﺗﺨﻠﻖ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻠﺮﺑﻂ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺮاث واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ واﻟﺤﺪاﺛﺔ واﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﺼﺮﻳﺔ. ﻓﻲ »ﻗﻬﻮة« ﻳﺘﻢ ﺗﻘﺪﻳﻢ وﻋﺮض ﻃﻘﻮس اﻟﻘﻬﻮة ﻣﻦ ﻃﺮق اﻟﺼﻨﻊ واﻟﻤﻮاد اﻟﺨﺎم اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻓﻲ ﺻﻨﻌﻬﺎ وأواﻧــﻲ اﻟﺼﻨﻊ ،وﻃﻘﻮس ﺗﻘﺪﻳﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺸﻬﺪ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻋﻠﻰ وﻗﻊ ﺻﻮت اﻟﻤﻨﺤﺰ ،وﻓﺮﻗﻌﺔ اﻟﻨﺎر وراﺋﺤﺘﻬﺎ ،واﻟﻘﺼﺺ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻟﺘﻨﺎول اﻟﻘﻬﻮة ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺴﻼم واﻟﻮﺳﺎﻃﺔ )ﻓﻨﺠﺎن اﻟﺠﺎه( أو ﻣﻦ أﺟﻞ اﻻﻧﺘﻘﺎم واﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﺸﺮف )ﻓﻨﺠﺎن اﻟﺜﺄر(. ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺒﺤﺮ
ﺗ ُﺪﺧﻞ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺰاﺋﺮ إﻟﻰ ﺣﻴﺎة وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺤﻠﻲ ﻋﻠﻰ اﻣﺘﺪاد اﻟﺸﻮاﻃﺊ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﺑﺪﻗﺔ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ،ﺑﻜﺎﻓﺔ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﺑﺪ ًءا ﻣﻦ رﻛﻮب ﻗﻮارب اﻟﺪاو اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ،وﺧﻮض ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻓﻠﻖ اﻟﻤﺤﺎر ،ورﺑﻤﺎ ﺣﺎﻟﻒ اﻟﺤﻆ اﻟﺒﻌﺾ ﺑﺎﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ ﻟﺆﻟﺆة ،ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻔﺎﻋﻞ اﻟﺰوار ﻣﻊ اﻟﻤﻨﺸﺪﻳﻦ أﺛﻨﺎء اﻟﺠﻠﻮس ﻣﻌﻬﻢ واﻻﺳﺘﻤﺎع إﻟﻴﻬﻢ واﻟﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﺗﺎرﻳﺦ ﻫﺬه اﻷﻫﺎزﻳﺞ واﻟﻐﺮض ﻣﻨﻬﺎ. ﻳﺘﻌﺮف اﻟﺰوار أﻳﻀً ﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮق اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻟﻠﻐﻮص ﺑﺤﺜﺎً ﻋﻦ اﻟﻠﺆﻟﺆ، وﺗﻄﻮر اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻟﺘﻨﺸﻴﻂ ﺳﻮق ﺻﺎدرات أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻣﻨﻪ ،وأﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﻨﺴﻴﺞ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ أﻗﻔﺎص اﻟﺼﻴﺪ »اﻟﻘﺮاﻗﻴﺮ« اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺰال ﻣﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم ،وﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻤﻠﻴﺢ أﺳﻤﺎك اﻟﺼﻴﺪ ﻟﺤﻔﻈﻬﺎ ،وﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺷﺮاء اﻷﺳﻤﺎك واﻟﻤﻠﺢ وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺻﻨﺎﻋﺘﻬﺎ 126
ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ
ﻧﺸﺄ ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ ﻓﻲ ﺳﺘﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻛﺒﺮج ﻟﻠﻤﺮاﻗﺒﺔ ﺷ ّﻴﺪه ﺷﻴﺦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺑﻨﻲ ﻳﺎس اﻟﺸﻴﺦ ذﻳﺎب ﺑﻦ ﻋﻴﺴﻰ اﻟﻤﺘﻮﻓﻰ ﻋﺎم 1793م. اﻟﺤﺼﻦ ﻣﺸﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ اﻟﻤﺮﺟﺎﻧﻲ اﻟﺒﺤﺮي ،وﻧﺠﺢ ﺑﻤﻮﻗﻌﻪ اﻟﻤﺘﻤﻴﺰ اﻟﻤﻄﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺮ ﻓﻲ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﺴﺘﻮﻃﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻤﺖ ﺣﻮل ﻣﺼﺎدر اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺘﻲ اﻛﺘﺸﻔﺖ ﺑﺎﻟﺠﺰﻳﺮة. ﺣ ّﻮل اﻟﺸﻴﺦ ﺷﺨﺒﻮط ﺑﻦ ذﻳﺎب ﺣﺎﻛﻢ أﺑﻮﻇﺒﻲ )1795م – 1816م( ،ﺑﺮج اﻟﻤﺮاﻗﺒﺔ إﻟﻰ ﺣﺼﻦ ﻣﻨﻴﻊ. ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ،ﻗﺎم اﻟﺸﻴﺦ ﻃﺤﻨﻮن ﺑﻦ ﺷﺨﺒﻮط ﺣﺎﻛﻢ أﺑﻮﻇﺒﻲ )1818م – 1833م( ﺑﺘﻮﺳﻴﻊ اﻟﺤﺼﻦ ،ﻟﺘﺘﺤﻮل اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮﻧﺖ ﻣﻦ ﻋﺪد ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻷﻛــﻮاخ اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﻴﻞ إﻟﻰ ﺑﻠﺪة ﻛﺒﻴﺮة ﻳﻘﻄﻨﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﺔ آﻻف ﺷﺨﺺ. ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﺗﻲ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻃﺤﻨﻮن ﺣﺎﻛﻢ أﺑﻮﻇﺒﻲ )1845م – 1855م( ﻟﻴﺘﻮﻟﻰ ﺗﻨﻔﻴﺬ ﺗﻮﺳﻌﺔ أﺧﺮى ﻓﻲ اﻟﺤﺼﻦ وإﺿﺎﻓﺔ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺴﻴﻨﺎت واﻟﺘﻄﻮﻳﺮات ﻓﻲ ﺧﻤﺴﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ. اﻋﺘﻤﺪ اﻟﺸﻴﺦ ﺷﺨﺒﻮط ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن ﺣﺎﻛﻢ أﺑﻮﻇﺒﻲ )1928م – 1966م( ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺋﺪات اﻟﻨﻔﻂ ﻟﺒﻨﺎء اﻟﻘﺼﺮ اﻟﻤﻬﻴﺐ اﻟﺬي أﺣﺎط ﺑﺎﻟﺤﺼﻦ اﻟﻘﺪﻳﻢ. وﺟﻪ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن ،ﻣﺆﺳﺲ اﻟﺪوﻟﺔ ورﺋﻴﺴﻬﺎ اﻷول ،ﺑﺈﺟﺮاء أﻋﻤﺎل ﺗﺠﺪﻳﺪ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺒﻨﻰ ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ ،ﻟﻴﺤﻮﻟﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﻘﺮ إﻗﺎﻣﺔ ﻟﻸﺳﺮة اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ إﻟﻰ ﻣﺘﺤﻒ وﻣﻌﺮض ﻟﻠﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻊ واﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺎت اﻷﺛﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺘﺎرﻳﺦ أﺑﻮﻇﺒﻲ وﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﻠﻴﺞ.
اﻹﺑﺘﺪاﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ. وﻳﺘﻄﺮق اﻟﺠﻨﺎح إﻟﻰ ﺑﺪاﻳﺎت ﺗﻮﻟﻲ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ ﺑﺈذن اﻟﻠﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه ،ﻣﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺤﻜﻢ ،واﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺮﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ . اﻟﺴﻮق اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻋﻼﻣﺔ ﺑﺎرزة
وﻳﻌﺪ اﻟﺴﻮق اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻋﻼﻣﺔ ﺑﺎرزة ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ،ﻟﻤﺎ ﻳﺘﻀﻤﻨﻪ ﻣﻦ ﻣﺸﻐﻮﻻت ﻳﺪوﻳﺔ وﻣﻌﺮوﺿﺎت ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﺗﻨﻘﻞ ﻟﻸﺟﻴﺎل اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﻣﺮاﺣﻞ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎة اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ، وﻳﺸﺠﻊ اﻷﺳﺮ اﻟﻤﻨﺘﺠﺔ ،وﻳﻀﻢ اﻟﺴﻮق أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 80ﻣﺤﻼً ﺷﻌﺒﻴﺎً ﻓﻲ ﺛﻼث ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻟﻠﺘﺴﻮق. اﻟﻌﺮس ا0ﻣﺎراﺗﻲ
ﻳﺠﺴﺪ رﻛﻦ اﻟﻌﺮس اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻓﻲ ﺟﻨﺎح ﺟﺰﻳﺮة أﺑﻮﻇﺒﻲ ﺑﺎﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﻄﻘﻮس اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻌﺮوس وﻟﻴﻠﺔ زﻓﺎﻓﻬﺎ ،وﻳﻌﺮض ذﻫﺒﺔ اﻟﻌﺮوس اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻜﻮن ﻣﻦ ذﻫﺒﻴﺔ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻦ اﻷب واﻹﺧﻮة ،وذﻫﺒﻴﺔ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ اﻷم واﻟﺨﺎﻻت واﻟﻌﻤﺎت واﻷﺧﻮات. وﺗﺘﻜﻮن ذﻫﺒﻴﺔ اﻷم ﻣﻦ اﻟﻘﺮط واﻟﺨﺎﺗﻢ واﻟﻤﺮﺗﻌﺸﺔ » ُﻋﻘﺪ ﻳﺘﻜﻮن ﻣﻦ ﻗﻄﻌﺔ ذﻫﺒﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة« واﻟﺴﻮﻳﻌﻴﺔ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﻨﺎء واﻟﺰﻋﻔﺮان واﻟﻤﺤﻠﺐ ﻟﻼﻋﺘﻨﺎء ﺑﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮوس، وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻜﺤﻞ واﻟﺒﺮﻗﻊ واﻟﺰري واﻟﻜﻨﺪورة وﺛﻮب دﻣﻌﺔ ﻓﺮﻳﺪ واﻟﺴﺮوال واﻟﺒﺪﻟﺔ. وﺗﺘﻜﻮن ﻓﺮﺷﺔ اﻟﻌﺮوس ﻣﻦ ﻣﻄﺮﺣﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺷﺎدر ﺗﻮﺿﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻄﻮر اﻟﻌﺮوس ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺻﻨﺪوق ﻳﻀﻢ اﻟﺰﻋﻔﺮان واﻟﻌﻨﺒﺮ واﻟﻤﺨﻤﺮﻳﺔ ودﻫﻦ اﻟﻌﻮد واﻟﺪﺧﻮن. ﻓﻦ اﻟﻘﻬﻮة واﻟﻀﻴﺎﻓﺔ ا0ﻣﺎراﺗﻴﺔ
»ﻗﻬﻮة« ﻫﻮ ﻣﻜﺎن ﺗﻢ ﺗﺪﺷﻴﻨﻪ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻗﺼﺮ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
125
İŀĴŨ
ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ ﻳﻮﺛﻖ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺘﺮاث واﻟﺤﻴﺎة ا3ﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ
أﺑﻮﻇﺒﻲ – اﻟﻔﺎﺿﻞ أﺑﻮﻋﺎﻗﻠﺔ ﺗﺼﻮﻳﺮ -ﺣﺴﻦ ﻣﺼﻄﻔﻰ
ﺿﻤﺖ اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﻣﻬﺮﺟﺎن »ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ« اﻟﺘﻲ اﺧﺘﺘﻤﺖ أﻧﺸﻄﺘﻬﺎ اﻟﺸﻬﺮ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ، ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ واﺳﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎرض وورش اﻟﻌﻤﻞ واﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺗﺴﻌﻰ ﻟﻠﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﺎﻟﺘﺮاث اﻹﻣــﺎراﺗــﻲ ﺑﺸﻘﻴﻪ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﻔﻜﺮي. واﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﺣﺘﻔﺎل ﺳﻨﻮي ﻳﻘﺎم ﺗﺤﺖ أﺳﻮار ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ اﻟﺒﻴﻀﺎء ،ﻳﺤﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺤﺼﻦ وﺑﺘﺎرﻳﺨﻪ اﻟﻌﻈﻴﻢ ،ﺑﺼﻔﺘﻪ رﻣ ًﺰا ﻟﻨﺸﺄة أﺑﻮﻇﺒﻲ ً وﻣﺜﺎﻻ ﻷﺻﺎﻟﺘﻬﺎ وﺷﻤﻮﺧﻬﺎ ،ﻓﻬﻮ أول ﻣﺒﺎﻧﻴﻬﺎ وﻣﻘﺮ ﺣﻜﻤﻬﺎ ﻟﻘﺮون ﺗﻌﺎﻗﺒﺖ ﻋﻠﻴﻪ أﺟﻴﺎل ﻣﻦ أﺳﺮة آل ﻧﻬﻴﺎن اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ.
وﺗﺸﻜﻞ اﺳﺘﺪاﻣﺔ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ واﻟﺘﺮاث اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻣﺤﻮ ًرا رﺋﻴﺴ ًﻴﺎ ﻟﻠﻤﻬﺮﺟﺎن ﻟﻠﺰوار ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻠﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺷﻂ وورش ﺗﻮﺛﻖ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺘﺮاث ﻋﺒﺮ ﺗﺸﺠﻴﻊ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻋﻠﻰ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻔﻨﻮن واﻟﺤﺮف اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ واﻟﺤﻴﺎة اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﺗﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺪور اﻟﻤﻬﻢ اﻟﺬي ﺷﻐﻠﺘﻪ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ،وﻗﺪ أﺳﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى أرﺑﻌﺔ أﻋﻮام ﻓﻲ ﺗﺤﻔﻴﺰ اﻟﻤﻮاﻫﺐ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ. اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ أﻧﺤﺎء اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻت اﻟﻔﻨﻮن واﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ واﻟﺸﻌﺮ ،وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻜﻠﻴﻒ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺄﻋﻤﺎل ﻓﻨﻴﺔ ﻣﺴﺘﻮﺣﺎة ﺟﻨﺎح اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﻮﻃﻨﻲ ،ﻟﻴﻘﺪﻣﻮا ﻋﺮوﺿﻬﻢ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ واﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﺟﻨﺎح اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻳﺠﻠﺲ اﻷﻃﻔﺎل ﻣﻦ زوار اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ﻃﻮال ﻓﺘﺮة اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن. ﻓﻲ اﻟﺼﻒ اﻟﺪراﺳﻲ اﻟﺬي ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺼﻔﻮف اﻟﺪراﺳﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ .ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻢ ﺗﻌﺮﻳﻔﻬﻢ ﺑﻤﺴﻴﺮة وﺗﻄﻮر اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻣﻨﺬ اﻟﻌﺎم ،1911 ﺟﺰﻳﺮة أﺑﻮﻇﺒﻲ وﻧﺸﺄة ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﻌﺘﻴﺒﺎت أول ﻣﺪرﺳﺔ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ،ﻣﺮورا ً ﺑﺎﻟﻌﺎم 1940 ﺗﻌﺪ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺟﺰﻳﺮة أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻓﻲ ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ رﺣﻠﺔ ﻟﻠﺘﻌﺮف وﺑﻨﺎء دروﻳﺶ ﺑﻦ ﻛﺮم أول ﻣﺪرﺳﺔ أﻫﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻴﻤﺔ واﺣﺪة ،ﺛﻢ اﻟﻌﺎم ﻋﻠﻰ أﺳﻠﻮب اﻟﺤﻴﺎة واﻟﺘﺠﺎرة ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ .وﺗﺘﻴﺢ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ 1958ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻧﺸﺌﺖ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻔﻼﺣﻴﺔ اﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ ،واﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻨﻬﺎﻧﻴﺔ 124
ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ
اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺬي ﺣﻀﺮ اﻟﻨﺪوة .ﺗﺤﻴﺔ ﻟﻠﻜﺎﺗﺒﺔ ﻛﺎن اﺧﺘﻴﺎر دوﻟﺔ ا3ﻣﺎرات ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ -ﻳﻀﻴﻒ اﻟﻤﻨﻈﻤﻮن -ﺑﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻫﺬه اﻻﻣﺎراﺗﻴﺔ وﺗﺤﻴﺔ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻟﻠﻜﺎﺗﺒﺎت واﻟﻜﺘﺎب اﻟﺪورة ،ﺣﺴﺐ وزﻳﺮ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ،اﻟﻨﺨﺒﺔ ﻣﻦ اﻷﻗــﻼم اﻟﻤﺘﻤﻴﺰة ،وﻋﺒﺮ ﺑﺮﻣﺠﺔ واﻹﻋﻼﻣﻴﻴﻦ واﻹﻋﻼﻣﻴﺎت واﻟﻄﻠﺒﺔ ﻟﺤﻀﻮرﻫﻢ ﺗﻘﺪﻳ ًﺮا ﻟﻠﺮواﺑﻂ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ واﻟﻤﺘﻴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ. اﻟﻤﺘﻤﻴﺰ« .ﺗﻢ أﺿﺎﻓﺖ ﻋﻦ اﻟﻨﺪوة اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ اﻟﺒﻠﺪﻳﻦ اﻟﺸﻘﻴﻘﻴﻦ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺄﺗﻲ وﺑﺪوره ،ﻋﺒﺮ اﻟﺴﻴﺪ ﺣﺴﻦ اﻟﻮزاﻧﻲ ،اﻟﻤﺪﻳﺮ اﻟﻌﺎم ﻗﺎﻣﺖ ﺑﺘﺴﻴﻴﺮﻫﺎ »ﻛﺎن اﻟﻠﻘﺎء ﻓﺮﺻﺔ ﺳﺎﻧﺤﺔ ﻛﺬﻟﻚ ،ﺣﺴﺐ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺘﻲ أﻟﻘﺎﻫﺎ ﻟﻠﻤﻌﺮض ،أن ﻣﺸﺎرﻛﺔ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻛﻀﻴﻒ ﻹﻧﺘﺎج اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،وﻓﺮﺻﺔ أﻛﺜﺮ ﻓﻲ اﻟﻠﻘﺎء ﺑﻴﻦ ﺑﺎﻟﻨﻴﺎﺑﺔ ﻋﻦ اﻟﻮزارة اﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ،اﻟﺴﻴﺪ ﺷﺮف ﻟﻬﺬه اﻟﺪورة ،ﻣﺜﻠﺖ إﺿﺎﻓﺔ ﻧﻮﻋﻴﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﺜﻘﺎﻓﺘﻴﻦ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺘﻴﻦ اﻟﺘﻲ وﺣﺪ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻫﺬا ﻟﻄﻔﻲ اﻟﻤﺮﻳﻨﻲ ،إﻟﻰ اﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﻟﺤﺪث اﻟﺪوﻟﻲ اﻟﻤﻬﻢُ ،ﻣﺸﻴﺪا ً ﺑﺎﻟﺘﻄﻮر اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺗﻤﻴﺰ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ا3ﻣﺎراﺗﻴﺔ واﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﻠﻘﺎء اﻷدﺑﻲ ،ﻓﺎﻷدب ﻟﻮﺣﺪه ﻛﻔﻴﻞ ﻟﻨﺰع ﻛﻞ واﻟﻤﻠﺤﻮظ ﻓﻲ اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ،وﻣﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻨﺸﻴﻂ ﻟﺪوﻟﺔ ا3ﻣﺎرات اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﺠﺎﻫﺰة« راﻛﻤﺘﻪ ﻣﻦ ﻣﻨﺠﺰات ﻣﻬﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ رﺑﻮع اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، وﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ ،ﻋﺒﺮت اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ رﻳﻢ اﻟﺘﺮاﺛﻲ واﻷدﺑﻲ. ودورﻫﺎ اﻟﻤﺤﻮري ﻓﻲ ﺗﺸﺠﻴﻊ اﻟﻜﻤﺎﻟﻲ ،ﻋﻦ ﺳﺮورﻫﺎ ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ ﺗﺠﺮﺑﺘﻬﺎ ﺑﻬﺬا وﻗﺪﻣﺖ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻷروﻗﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻜﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻌﺮض ﻣﻌﺒﺮة ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻷن ﺗﺠﺮﺑﺘﻬﺎ اﻷدﺑﻴﺔ أﻳﺎم اﻟﻤﻌﺮض ،ﺷﺮوﺣﺎت واﻓﻴﺔ ﺣﻮل أﻫﺪاف ﻗﺪﻣﺘﻬﺎ« أﻣﺎم اﻟﺤﻀﻮر اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﺎد اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ورؤﻳﺘﻬﺎ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ واﻟﺸﻌﺮاء واﻷدﺑﺎء واﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ،اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺪاﺧﻠﻮا ﺑﻌﻤﻖ ﻓﻲ أﺳﺌﻠﺘﻬﻢ ﻟﻨﺎ «..ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻋﺒﺮ ﺗﻤﻴﺰ ﺑﺤﺜﻲ وﻋﻠﻤﻲ وﺗﺸﺠﻴﻊ اﻟﻤﺒﺪﻋﻴﻦ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺨﺘﻢ »ﻛﻞ اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ﻟﻠﺸﻌﺐ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ اﻷﺻﻴﻞ ..اﻟﻐﻨﻲ ﺑﻔﻜﺮه واﻟﻜﺘﺎب ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ. وﺗﺮاﺛﻪ وﺗﺎرﻳﺨﻪ«. وﻋﻠﻰ ﻏﺮار اﻟــﺪورات اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،ﻗﺪﻣﺖ ﺟﺎﺋﺰة اﻷرﻛﺎﻧﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ،اﻋﺘﺒﺮ اﻟﻤﻨﻈﻤﻮن ،أن اﻟﻤﻌﺮض ﻓﻲ دورﺗﻪ اﻷﺧﻴﺮة ،ﻟﻠﺸﻌﺮ ،اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺪﻣﻬﺎ ﺑﻴﺖ اﻟﺸﻌﺮ ﻓﻲ ﻣﻌﺮض اﻟﻜﺘﺎب ،وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل ﻣﻔﻜﺮي وﻛﺘﺎب وﻣﺒﺪﻋﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻣﻴﺰة ﺧﺎﺻﺔ ﻫﺬه اﻟﺴﻨﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﺣﺘﻔﺎﺋﻬﺎ ﺑﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻷﻟﻤﺎﻧﻲ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻻﻛﺘﺸﺎف ﺟﺪﻳﺪﻫﻢ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ،ﻛﻤﺎ ﺳﻌﺪ اﻟﻤﻐﺮب اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻮﻟﻜﺮ ﺑﺮاون
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
123
İŀĴŨ ﻟﺪورﻫﺎ ﻓﻲ ﺗﺸﺠﻴﻊ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻜﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ
ا0ﻣﺎرات ﺿﻴﻒ ﺷﺮف ﻣﻌﺮض ﻛﺘﺎب اﻟﺪار اﻟﺒﻴﻀﺎء
أﻧﺲ اﻟﻔﻴﻼﻟﻲ
ﺑﻌﺪ اﺣﺘﻔﺎﺋﻪ ﺑﺄدب وﻛﺘﺎب دول ﻏﺮب أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،وﺑﻌﺪﻫﺎ اﻷدب واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ﺧﻼل اﻟﺪورﺗﻴﻦ اﻟﻤﺎﺿﻴﺘﻴﻦ ،وﻗﻊ اﺧﺘﻴﺎر ﻣﻨﻈﻤﻲ ﻣﻌﺮض اﻟﺪار اﻟﺒﻴﻀﺎء اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب واﻟﻨﺸﺮ ﻋﻠﻰ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،ﻟﺘﻜﻮن ﺿﻴﻒ ﺷﺮف اﻟﺪورة اﻟـ ،22اﻟﺘﻲ اﺧﺘﺘﻤﺖ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺎدي واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ ﻓﺒﺮاﻳﺮ اﻟﻤﺎﺿﻲ.
ﺷﺎرك ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺪورة أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 680ﻋﺎرﺿً ﺎ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ دور ﻧﺸﺮ وﺗﻮزﻳﻊ، وﻣﺆﺳﺴﺎت ﺣﻜﻮﻣﻴﺔ ،وﻣﻌﺎﻫﺪ وﺟﺎﻣﻌﺎت ،وﺟﻤﻌﻴﺎت ﻣﺪﻧﻴﺔ ،ﻣﻦ 44 ﺑﻠﺪا ً .وﻋﺮض ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ أروﻗﺘﻪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 100أﻟﻒ ﻋﻨﻮان. وﻛﺎن اﺧﺘﻴﺎر دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺪورة ،ﺣﺴﺐ وزﻳﺮ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ،ﺗﻘﺪﻳ ًﺮا ﻟﻠﺮواﺑﻂ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ واﻟﻤﺘﻴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ اﻟﺒﻠﺪﻳﻦ اﻟﺸﻘﻴﻘﻴﻦ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﻛﺬﻟﻚ ،ﺣﺴﺐ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺘﻲ أﻟﻘﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﻨﻴﺎﺑﺔ ﻋﻦ اﻟــﻮزارة اﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ،اﻟﺴﻴﺪ ﻟﻄﻔﻲ اﻟﻤﺮﻳﻨﻲ ،إﻟﻰ اﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﺰ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ واﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻨﺸﻴﻂ ﻟﺪوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ رﺑﻮع اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ودورﻫﺎ اﻟﻤﺤﻮري ﻓﻲ ﺗﺸﺠﻴﻊ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻜﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﺠﻼﺗﻬﺎ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،وﺟﻮاﺋﺰﻫﺎ اﻷدﺑﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،وﻣﻌﺎرﺿﻬﺎ اﻟﺪوﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻔﻲ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﺒﺪﻋﻴﻦ واﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮب .ﻛﻤﺎ ﻋﺮف ﻋﺪة أﻧﺸﻄﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻷﻃﻔﺎل ،وذﻟﻚ ﺑﻤﻌﺪل 13ﻧﺸﺎﻃﺎ ﻓﻲ اﻟﻴﻮم. وﺗﻌﻠﻴﻘﺎً ﻋﻠﻰ ﺗﻜﺮﻳﻢ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات أﺿﺎف ﺑﻼغ وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ: »أن إﺳﻬﺎم دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻓﻲ دﻋﻢ وإﺷﺎﻋﺔ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺤﺪاﺛﺔ واﻟﺘﻨﻮﻳﺮ واﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ،إن ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺎ ﺗﺠﻮد ﺑﻪ ﻣﻄﺎﺑﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎرئ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ ﻣﻨﺘﻮج ﺛﻘﺎﻓﻲ وﻓﻜﺮي وﻓﻨﻲ راق ،أو ﻋﺒﺮ اﻧﺨﺮاﻃﻬﺎ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺗﻲ اﻟﻔﻌﺎل ﺑﺘﺨﺼﻴﺺ ﺟﻮاﺋﺰ ﺗﺤﻔﻴﺰﻳﺔ رﻓﻴﻌﺔ ،ﺗﻜﺎﻓﺊ ﺑﻬﺎ اﻷﻗﻼم اﻟﺠﺎدة واﻟﻤﺠﻴﺪة ﻋﻠﻰ اﻣﺘﺪاد اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻜﺎﻧﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻮﻟﻴﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺸﻘﻴﻖ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﻜﺮس ﻟﻮﻋﻲ ﻋﺮﺑﻲ ﺟﺪﻳﺪ ،ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﺠﺪﻳﺪ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة«. وﻗﺪ ﺷﻬﺪت ﻫﺬه اﻟﺪورة ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﺿﻤﻦ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﻬﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،ﺣﻀﺮﻫﺎ ﻛﺘﺎب ﻣﻐﺎرﺑﺔ وﻋﺮب وأﺟﺎﻧﺐ ،ﺗﻨﺎﻫﺰ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﻬﺎ
122
ا9ﻣﺎرات ﺿﻴﻒ ﺷﺮف ﻣﻌﺮض ﻛﺘﺎب اﻟﺪار اﻟﺒﻴﻀﺎء
130ﻧﺸﺎﻃﺎ ،و ﺷﻬﺪت ﺣﻀﻮرا إﻣﺎرﺗﻴﺎ ﻗﻮﻳﺎ ﻓﻲ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﻬﺎ اﻟﻌﺎم ،ﻋﺮف ﺣﻀﻮرا ﻟـ 11ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ وﺑﺤﺜﻴﺔ إﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﺸﺒﺎب وﺗﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ واﻟﻬﻴﺌﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻹﻋﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ وﻣﺮﻛﺰ اﻹﻣﺎرات ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث اﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ وﻣﺆﺳﺴﺔ اﻷرﺷﻴﻒ اﻟﻮﻃﻨﻲ وﻣﺮﻛﺰ ﺟﻤﻌﺔ اﻟﻤﺎﺟﺪ وﻣﺆﺳﺴﺎت أﺧﺮى. وﻛﺎن زوار اﻟﻤﻌﺮض ﻣﻊ ﻣﻮﻋﺪ ﻋﻠﻤﻲ ﺧﺎص ﺑﺎﻟﺮواﻳﺔ اﻻﻣﺎراﺗﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻢ اﺳﺘﻀﺎﻓﺔ ﺛﻼث رواﺋﻴﺎت ﻣﻦ اﻹﻣــﺎرات ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺗﺠﺎرﺑﻬﻦ اﻟﺴﺮدﻳﺔ ،وذﻟﻚ« ﻹﻟﻘﺎء اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻔﺎدﺗﻬﻦ ﻣﻦ ﺣﻘﻮل ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺣﺪﻳﺜﻬﻦ ﻋﻦ ﻣﺪى اﻟﺘﻘﺎﻃﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﺮواﻳﺔ واﻟﻘﺼﺔ اﻟﻘﺼﻴﺮة ﻋﺒﺮ اﻟﺘﺮاﻛﻢ اﻟﺬي ﺣﻘﻘﻪ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﻤﺆﺳﺲ ﻟﻠﺮواﻳﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ،وﻛﺬا إﺳﻬﺎﻣﺎت اﻷﺟﻴﺎل اﻟﺠﺪﻳﺪة ،ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﻧﻤﻮذج ﺳﺮدي ﻳﻌﻜﺲ اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺘﻲ ﻃﺮأت ﻋﻠﻰ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ«. وﻋﻠﻘﺖ اﻟﺴﻴﺪة اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﺎء اﻟﻌﻴﻨﻴﻦ ،وﻫﻲ أﺳﺘﺎذة ﺟﺎﻣﻌﻴﺔ ﻣﻐﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻷدب و اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻋﻦ ﻟﻘﺎء اﻟﺮواﻳﺔ » ﻛﺎﻧﺖ ﺟﻠﺴﺔ ﻣﻤﺘﻌﺔ و ﻣﻔﻴﺪة ﺗﻌﺮف ﺧﻼﻟﻬﺎ اﻟﻘﺎرئ واﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ ﺑﺪﻳﻊ ﻓﻲ اﻟﺴﺮد اﻟﺮواﺋﻲ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﺑﻀﻤﻴﺮ اﻟﻤﺆﻧﺚ ،أﻣﺎ اﻟﺤﻮار اﻟﺬي أﻋﻘﺐ اﻟﻠﻘﺎء ،ﻓﻜﺎن ﻣﻔﻴ ًﺪا و ﻳﻔﺘﺢ آﻓﺎﻗًﺎ ﻣﺘﺠﺪدة ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻤﺘﺒﺎدﻟﺔ إﻧﺴﺎﻧﻴﺎ و إﺑﺪاﻋﻴﺎ« وﻗﺎﻟﺖ اﻷدﻳﺒﺔ واﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ زﻫﻮر ﻛﻮرام ﻋﻦ ﻣﺸﺎرﻛﺔ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﻫﺬه اﻟﺪورة »أﺳﻌﺪﻧﻲ ﻧﺠﺎح ﻧﺪوة اﻟﺮواﻳﺔ اﻻﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺮﻓﺖ ﺑﺘﺴﻴﻴﺮﻫﺎ .ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺎﺟﺤﺔ ﺑﺸﻬﺎدﺗﻲ اﻟﻜﺎﺗﺒﺘﻴﻦ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺘﻴﻦ ﻓﺘﺤﻴﺔ اﻟﻨﻤﺮ ورﻳﻢ اﻟﻜﻤﺎﻟﻲ وﺑﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﺜﻤﺮ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮر
رؤﻳـــﺎ
اﻟﺴﻌﺎدة واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ وﺟﻬﺎن ﻟﻌﻤﻠﺔ واﺣﺪة ﺑﺎﻋﺘﻤﺎد ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن رﺋﻴﺲ دوﻟﺔ اﻹﻣــﺎرات ،ﺣﻔﻈﻪ اﻟﻠﻪ ،اﻟﺘﻐﻴﻴﺮات اﻟﻬﻴﻜﻠﻴﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻻﺗﺤﺎدﻳﺔ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺎور ﻓﻲ ﺷﺄﻧﻬﺎ وأﻗﺮﻫﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم ﻧﺎﺋﺐ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ رﺋﻴﺲ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻮزراء ﺣﺎﻛﻢ دﺑﻲ وﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن وﻟﻲ ﻋﻬﺪ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﻘﻮات اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ،رﻋﺎﻫﻤﺎ اﻟﻠﻪ ،أﻗﻮل ...ﺑﺎﻋﺘﻤﺎد ﻫﺬه اﻟﺘﻐﻴﻴﺮات ) 8ﻓﺒﺮاﻳﺮ اﻟﻤﺎﺿﻲ( ﺗﺪﺧﻞ اﻹﻣﺎرات ﻋﺼﺮ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺑﺨﻄﻰ ﺛﺎﺑﺘﺔ وﻣﻜﻴﻨﺔ ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ وﺟﻪ ﻣﻦ وﺟﻮه ﻫﺬه اﻟﺘﻐﻴﻴﺮات. ﻓﻲ ﻇﻨﻲ أن أﺑﺮز اﻟﺘﻐﻴﻴﺮات ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺗﻌﻴﻴﻦ وزﻳﺮ دوﻟﺔ ﻟﻠﺴﻌﺎدة، ووزﻳﺮ دوﻟﺔ ﻟﻠﺘﺴﺎﻣﺢ ،إذ ﺗﺪﺷﻦ اﻹﻣﺎرات ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻔﻬﻮ ًﻣﺎ ﺟﺪﻳ ًﺪا ﻟﻠﻘﻴﺎدة اﻟﺮﺷﻴﺪة ،ﺣﻴﺚ ﺗﻌﺪ ﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ورﺑﻤﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺮر ﻓﻴﻬﺎ دوﻟﺔ ﻣﺎ ﺗﻌﻴﻴﻦ وزﻳﺮﻳﻦ ﻳﺴﺘﻬﺪﻓﺎن إﺷﺎﻋﺔ اﻟﺴﻌﺎدة واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس. اﻟﺤﻖ أن ﻫﺬا اﻟﻘﺮار اﻟﻤﺪﻫﺶ ﻳﺘﺴﻖ ﺗﻤﺎم اﻻﺗﺴﺎق ﻣﻊ اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻳﺮ ﺷﺆون ﻫﺬه اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺮﻳﺪة ﻣﻨﺬ ﺗﺄﺳﻴﺴﻬﺎ ﻋﺎم 1971ﻋﻠﻰ ﻳﺪ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ،ﻓﺎﻹﻣﺎرات ﺗﺤﻘﻖ إﻧﺠﺎزات ﻣﺪﻫﺸﺔ ﻣﻦ ﻋﻘﺪ إﻟﻰ آﺧﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﻤﺮان واﻟﻤﺪﻧﻴﺔ واﻟﺤﺪاﺛﺔ ،واﻹﻣﺎرات ﺗﺴﺘﺤﻮذ ﻋﻠﻰ إﻋﺠﺎب اﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ واﻟﺰاﺋﺮﻳﻦ ﺑﻘﺪرﺗﻬﺎ اﻟﺨﺎرﻗﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻨﻈﻴﻢ واﻹدارة وﺗﻴﺴﻴﺮ اﻟﻤﻌﺎﻣﻼت اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻟﻠﻨﺎس ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ﺑﺎﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺮاﺣﺔ واﻷﻣﺎن ...واﻟﺴﻌﺎدة) .ﻟﻌﻠﻚ ﺗﻌﻠﻢ أن ﻋﺪد اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﺮون ﺑﻤﻄﺎرات اﻹﻣﺎرات ﻛﻠﻬﺎ ﻳﺘﺠﺎوز ﺳﺘﻴﻦ ﻣﻠﻴﻮﻧﺎً ﻓﻲ اﻟﻌﺎم اﻟﻮاﺣﺪ ،وأن ﻫﺬه اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﻔﻴﺔ ﺗﺴﺘﻀﻴﻒ ﻋﻠﻰ أرﺿﻬﺎ اﻟﻄﺎﻫﺮة ﺑﺸ ًﺮا ﻣﻦ ﻛﻞ ﺑﻘﺎع اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻤﺜﻠﻮن ﻧﺤﻮ 200ﺟﻨﺴﻴﺔ(. ﻟﺬا ﻳﻐﺪو ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻄﻘﻲ ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ أن ﺗﻜﻤﻞ اﻹﻣﺎرات ﻣﺴﻴﺮﺗﻬﺎ اﻟﻨﺎﺟﺤﺔ
ﻧﺎﺻﺮ ﻋﺮاق@
ﻓﻲ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺴﻌﺎدة ﻟﺪى أﻫﻠﻬﺎ واﻟﻤﻘﻴﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ أرﺿﻬﺎ، ﻓﺎﻟﺤﻴﺎة ﻧﻌﻤﺔ وﻟﻴﺴﺖ ﻧﻘﻤﺔ ،واﻟﺤﻴﺎة ﻣﻨﺤﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ وﻟﻴﺴﺖ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﻗﺎﺳﻴﺔ ،واﻟﻤﺮء اﻟﻤﺤﻈﻮظ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻈﻔﺮ ﺑﺤﻴﺎة ﻣﻤﺘﻌﺔ وﺑﻬﻴﺠﺔ ﻻ ﺿﻴﻢ ﻓﻴﻬﺎ وﻻ ﺷﻘﺎء ،وﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺪرك أن اﻟﺤﻴﺎة ﻛﻔﺎح، ﻓﺎﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻻ ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻠﻜﺴﺎﻟﻰ واﻟﺨﺎﻣﻠﻴﻦ ،إذ ﻳﻄﺮدﻫﻢ ﺷﺮ ﻃﺮدة ﻣﻦ ﺑﺴﺎﺗﻴﻨﻪ وﺟﻨﺎﻧﻪ ،ﻛﻤﺎ أن ﻫﺬا اﻟﻌﺼﺮ ﻳﺤﺘﺮم ﻛﺜﻴ ًﺮا وﻳﻘ ّﺪر اﻟﻤﺠﺘﻬﺪ واﻟﺪؤوب واﻟﻤﻮﻫﻮب وﻳﻬﺒﻪ ﻣﻜﺎﻓﺄﺗﻪ اﻟﻤﺸﺮوﻋﺔ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ. أﻣﺎ اﺳﺘﺤﺪاث وزارة ﻟﻠﺘﺴﺎﻣﺢ ﻓﻘﺪ ﺟﺎء ﻓﻲ وﻗﺘﻪ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ،ﻓﻨﺤﻦ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﺎﺳﺔ إﻟﻰ ﺗﺪﻋﻴﻢ ﻓﻀﻴﻠﺔ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻓﻲ ﻇﻞ أوﺿﺎع إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ وﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﺘﺸﻮﻳﺶ ،وﻓﻲ ﻇﻞ رواج أﻓﻜﺎر ﻣﺸﺒﻮﻫﺔ ﺗﺨ ّﺮب وﺗﻜﻔّﺮ وﺗﺪ ّﻣﺮ ،وﻓﻲ أﺟﻮاء ﻳﻌﻜﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﻌﺼﺐ ﺣﻴﺎة اﻟﻨﺎس، وﻳﻠﻮث اﻟﺪم اﻟﻤﺮاق ﺟﺒﻴﻦ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،ﻟﺬا ﻛﺎن اﺳﺘﺤﺪاث وزارة ﻟﻠﺘﺴﺎﻣﺢ ﻓﻜﺮة ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﻔﻄﻨﺔ واﻟﺬﻛﺎء. أﻇﻨﻚ ﺗﺘﻔﻖ ﻣﻌﻲ ﻋﻠﻰ أن اﻟﺴﻌﺎدة واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ وﺟﻬﺎن ﻟﻌﻤﻠﺔ واﺣﺪة ،ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺮء أن ﻳﺤﻈﻰ ﺑﻨﻌﻤﺔ اﻟﺴﻌﺎدة ﻣﻦ دون أن ﻳﻤﺘﻠﻚ ﺻﺪ ًرا ﻓﺴﻴ ًﺤﺎ ﻳﺘﺴﻊ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ،ﺻﺪ ًرا ﻳﻘﺒﻞ اﻵﺧﺮ ...ﺻﺪ ًرا ﻳﺘﻐﺎﺿﻰ ﻋﻦ اﻟﻬﻔﻮات اﻟﺼﻐﻴﺮة واﻹﺳﺎءات ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻘﺼﻮدة ...ﺻﺪ ًرا ﻳﺴﻜﺖ ﻋﻨﻪ اﻟﻐﻀﺐ دو ًﻣﺎ ...ﺻﺪ ًرا ﻳﻌﻠﻢ ﺻﺎﺣﺒﻪ أن )أﻋﻈﻢ اﻟﻨﺎس أﻋﺬرﻫﻢ ﻟﻠﻨﺎس( ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮل اﻟﺤﻜﻤﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﺪﻳﺪة. ﻓﻲ اﻟﺨﺘﺎم ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪي ذرة ﺷﻚ واﺣﺪة ﻓﻲ أن اﻟﻘﻴﺎدة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ اﻹﻣــﺎرات ﺳﺘﻌﻤﻞ ﺑﺠﺪﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻌﻴﻞ وزارﺗــﻲ اﻟﺴﻌﺎدة واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ،ﻓﻠﻢ ﻧﻌﺮف أﺑ ًﺪا ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﻘﻴﺎدة أﻧﻬﺎ ﺗﺘﻌﻬﺪ ﺑﺸﻲء ﻻ ﺗﻔﻲ ﺑﻪ ،ﻓﺪﻋﻮﻧﺎ ﻧﺤﻠﻢ أن ﻳﺘﻔﺠﺮ ﻧﻬﺮ اﻟﺴﻌﺎدة ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات إﻟﻰ ﻛﻞ ﺑﻠﺪان اﻟﻌﺎﻟﻢ *رواﺋﻲ وﻛﺎﺗﺐ ﻣﺼﺮي
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
121
ĕŵőĽŤē ğēĴĜ ŮŨ
إﺷﺎرة اﻻﻧﻄﻼق ﻳﻨﻄﻠﻖ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻓﻲ ﺗﺴﺎﺑﻖ ﺣﻤﺎﺳﻲ ﺑﺪﻳﻊ وﺳﻂ ﻫﺘﺎﻓﺎت وﺗﺸﺠﻴﻊ اﻟﺠﻤﻬﻮر اﻟﺤﺎﺿﺮ ﻓﺎن وﺻﻞ ﺣﺎﻣﻞ » ﻣﺎﻃﺎ« إﻟﻰ ﺧﻂ اﻟﻮﺻﻮل ﻓﺎﻧﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﻗﺪ ﻓﺎز وﺣﻔﻆ ﻣﺎء وﺟﻪ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ وان اﻧﺘﺰﻋﻬﺎ ﻣﻨﻪ ﻓﺎرس آﺧﺮ ﻓﻼ ﻳﻌﻠﻦ ﻓﻮزه إﻻ ﺑﻌﺪ ﺑﻠﻮﻏﻪ ﺧﻂ اﻟﻮﺻﻮل ،أﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﺎل ﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﻔﺎرس اﻷول أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻓﺎرس ﻓﻤﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ إﻻ أن ﻳﺘﺼﺎرﻋﻮا ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻈﻔﺮ ﺑﺎﻟﻌﺮوس » ﻣﺎﻃﺎ« ﺷﺮط أن ﻻ ﻳﻜﻮن ﻫﻨﺎك أي ﻣﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﻌﻨﻒ ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻨﻊ اﻟﺪﻓﻊ أو اﻟﺠﺮ أو ﻣﺤﺎوﻟﺔ إﺳﻘﺎط اﻟﻔﺎرس ﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ ﻓﺮﺳﻪ وﻫﻲ ﻛﻠﻬﺎ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺧﺮﻗﺎ ﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻠﻌﺒﺔ وﻋﻠﻰ أﺳﺎﺳﻬﺎ ﻳﺘﻢ رﻓﺾ أي ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﺒﺚ ﻓﻴﻬﺎ اﺑﺴﻂ أﻧﻮاع اﻟﻌﻨﻒ ﻷن أﺻﻞ اﻟﻠﻌﺒﺔ ﻫﻮ إﻋﻼء ﺷﺄن ﻗﻴﻢ اﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ . ﺗﺎرﻳﺦ ﻗﺪﻳﻢ
اﻟﺒﺎﺣﺚ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻮﻫﺎﺑﻲ اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻋﺘﺒﺮ أن ﻛﻠﻤﺔ »ﻣﺎﻃﺎ« واﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻓﻬﻲ ﺗﺤﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ اﻟﻤﺘﻄﺮﻓﻴﻦ وﻇﻬﺮت ﺗﺤﺪﻳﺪا ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس اﻟﻤﻴﻼدي ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻌﺼﺎﺑﺔ ﺗﻐﻴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻮاﺣﻞ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ وﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪ اﻻﺣﺘﻼل اﻟﺒﺮﺗﻐﺎﻟﻲ ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ »أﺻﻴﻠﺔ« ،ﻫﺬه اﻟﻌﺼﺎﺑﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺘﺎر ﻓﺼﻞ اﻟﺮﺑﻴﻊ ﺣﻴﻦ ﺗﺨﺮج اﻟﻨﺴﺎء ﻟﺘﻨﻘﻴﺔ اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت ﻣﻦ اﻟﻄﻔﻴﻠﻴﺎت ﻟﻴﻬﺠﻤﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻟﺴﺒﻲ اﻟﻨﺴﺎء وﻗﺘﻞ اﻟﺮﺟﺎل وﻣﻦ ﺛﻢ إرﻏﺎم ﻣﻦ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻋﻠﻰ دﻓﻊ اﻟﻔﺪﻳﺔ ﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﻧﺴﺎﺋﻬﻢ. اﻟﺒﺎﺣﺚ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻮﻫﺎﺑﻲ ﻳﻌﺘﻘﺪ أن ﻛﻠﻤﺔ » ﻣﺎﻃﺎ« ﺗﻌﻨﻲ اﻟﻘﺘﺎل ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻻﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻣﺴﺘﺪﻻ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﺑﻜﻠﻤﺔ » أﻣﺎﻃﺎدور« اﻻﺳﺒﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ
اﺧﺘﻴﺎر اﻟﻔﺎرس اﻟﺬي ﺳﻴﺤﻤﻞ اﻟﻌﺮوس وﻳﺴﺒﻖ ﺳﺮب اﻟﻔﺮﺳﺎن ﻳﺨﻀﻊ ﻟﺸﺮوط دﻗﻴﻘﺔ أول ﻫﺬه اﻟﺸﺮوط أن ﻳﻜﻮن اﻟﻔﺎرس واﻟﻔﺮس ﻗﻮﻳﻴﻦ وﻣﺘﻨﺎﺳﻘﻴﻦ وأن ﻳﺸﺘﺮط ﻓﻲ اﻟﻔﺎرس اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻟﻘﻮة وأن ﻳﺪﻓﻊ ﻣﺒﻠﻐﺎ ﻣﺎﻟﻴﺎ ﺗﺤﺪده ﻟﺠﻨﺔ ﻣﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ
ﺗﻌﻨﻲ اﻟﻘﺘﺎل واﻟﺼﺮاع وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﺮى اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل أن اﻟﻤﺸﺘﺮك ﻛﺒﻴﺮ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻌﻮب ورﺑﻤﺎ أﺻﻮل اﻟﻠﻌﺒﺔ ﺗﻌﻮد ﻷﺑﻌﺪ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺎ وﺗﺎرﻳﺨﻴﺎ وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺪﻓﻌﻨﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﻮﻫﺎﺑﻲ ﻟﻠﺪراﺳﺔ واﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ ﻋﺪة ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺸﺘﺮك وﺗﺘﻼﻗﻰ ﻓﻲ أﺑﻌﺎد ﻋﺪة ﻣﻊ أﻣﻢ ﻗﺪﻳﻤﺔ وﺣﺪﻳﺜﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺮة اﻷرﺿﻴﺔ ﻣﻬﺮﺟﺎن »ﻣﺎﻃﺎ«
ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻠﻌﺐ اﻟﻨﺒﻴﻠﺔ واﻟﻤﺒﺪﻋﺔ ارﺗﺄت ﺟﻬﺎت ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﻫﺬه اﻟﻠﻌﺒﺔ إﻟﻰ ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻨﻮي ﺗﺮﻋﺎه ﻣﺆﺳﺴﺎت ﺧﺎﺻﺔ وﻋﺎﻣﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﺴﻴﻖ ﻣﻊ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﻲ ﻋﺮوس وﻗﺪ ﺣﻘﻘﺖ اﻟﺪورات اﻟﺨﻤﺲ ﻣﻦ ﻣﻬﺮﺟﺎن »ﻣﺎﻃﺎ« ﻧﺠﺎﺣﺎ ﻛﺒﻴﺮا ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ اﻟﻔﺎﻋﻞ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻓﻲ ذﻟﻚ ،واﻋﺘﺒﺮ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﺬي ﺣﻘﻖ ﻧﺠﺎﺣﺎ ﺑﺎﻫﺮا ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﻟﺤﺠﻢ اﻹﻗﺒﺎل ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻃﺮف اﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ واﻷﺟﺎﻧﺐ اﻋﺘﺒﺮ ﻣﺤﻄﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻟﺮﺑﻂ اﻟﺤﺎﺿﺮ ﺑﺎﻟﻤﺎﺿﻲ ﻓﻲ ﻣﺰاوﺟﺔ ﺷﻴﻘﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ روﺣﻲ وﻓﺮﺟﻮي وﻟﺒﺚ ﻗﻴﻢ اﻟﺴﻼم واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ واﻟﺤﺐ واﻟﺤﻮار ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻌﻮب واﻟﺜﻘﺎﻓﺎت واﻟﺪﻳﺎﻧﺎت * ﻛﺎﺗﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب
120
ﻟﻌﺒﺔ » ﻣﺎﻃﺎ«
ﻣﻊ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻛﻞ ﻣﻮﺳﻢ ﻓﻼﺣﻲ وﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎص ﻋﻨﺪ ﻣﻮﺳﻢ ﺟﻨﻲ اﻟﺜﻤﺎر ﻓﻲ ﻓﺼﻞ اﻟﺮﺑﻴﻊ ﺗﻌﻤﺪ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﺑﻨﻲ ﻋﺮوس اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ اﻟﻤﺘﺎﺧﻤﺔ ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻃﻨﺠﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺎل اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ إﻟﻰ ﺻﻨﺎﻋﺔ دﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ اﻣﺮأة ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺑﺄدوات ﺑﺴﻴﻄﺔ أﻫﻤﻬﺎ ﻋﻴﺪان اﻟﻘﺼﺐ وأوراق اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت واﻷزﻫﺎر ،وﻫﻲ اﻟﺪﻣﻴﺔ »اﻟﻤﺮأة« ﻧﻔﺴﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﺗﺰﻳﻴﻨﻬﺎ ﺑﺄﺟﻤﻞ اﻟﻤﻼﺑﺲ وﺧﺎﺻﺔ اﻟﻘﻔﻄﺎن اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ﻣﻊ ﺗﺸﻜﻴﻠﺔ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ أﻳﻀﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻠﻲ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ واﻟﻔﻀﻴﺔ اﻟﻌﺘﻴﻘﺔ . ﻫﺬه اﻟﺪﻣﻴﺔ اﻟﻌﺮوس »ﻣﺎﻃﺎ« ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺒﺢ ﻣﺒﺘﻐﻰ ﻓﺮﺳﺎن اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﻋﻨﺪ اﺧﺘﺘﺎم ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺼﺎد وﻣﻮﺿﻊ ﺗﻨﺎﻓﺲ وﺗﺴﺎﺑﻖ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻈﻔﺮ ﺑﻬﺎ وﺑﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﻛﺮاﻣﺔ ﻗﺮى اﻟﻔﺮﺳﺎن اﻟﻤﺘﻨﺎﻓﺴﺔ وﻋﺰة رﺟﺎﻻﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻃﻘﺲ ﺳﻨﻮي ﻳﺴﺘﻬﺪف اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﻢ اﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ اﻟﻤﺘﻮارﺛﺔ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ اﻟﻮﻋﺮة اﻟﺘﻲ ﻇﻠﺖ ﻋﺒﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﺴﺘﻌﺼﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﺮ وﻓﺮ ﺗﺒﺪأ ﻟﻌﺒﺔ » ﻣﺎﻃﺎ« ﺑﺄﺟﻮاء ﺣﻤﺎﺳﻴﺔ ﺗﺜﻴﺮ اﺳﺘﻐﺮاب وإﻋﺠﺎب ﻣﻦ ﺗﻌﺮف ﻛﻞ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮ ودﺧﻲ . ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻌﺒﺔ ﻷول ﻣﺮة ﺣﻴﺚ ﺗﺒﺪأ ﻃﻘﻮس اﻟﻠﻌﺒﺔ ﺑﺎﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻞ اﻟﻔﺮس واﻟﻔﺎرس رﺳﻮل اﻟﻠﻪ وإﻃﻼق اﻟﻨﺴﻮة ﻟﻠﺰﻏﺎرﻳﺪ ﻟﺘﺤﻤﻴﺲ اﻟﻔﺮﺳﺎن وﻟﺘﺒﺪأ ﺑﻌﺪ ﺑﻌﺪ ﺗﺰﻳﻴﻦ اﻟﻌﺮوس »ﻣﺎﻃﺎ« ﻳﻜﻮن اﻟﻔﺮﺳﺎن اﻟﻤﺘﺒﺎرون ﻣﺼﻄﻔﻴﻦ ذﻟﻚ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﺼﻄﻒ اﻟﻔﺮﺳﺎن ﻓﻲ ﺧﻂ واﺣﺪ ﻳﺘﻘﺪﻣﻬﻢ ﺑﺄﺳﺮاب اﻟﺨﻴﻮل ﻣﺘﺸﻜﻠﻴﻦ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﻘﺮى اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﻓﻲ »ﺑﻨﻲ ﺣﺎﻣﻞ اﻟﻌﺮوس » ﻣﺎﻃﺎ« ﺑﻤﺴﺎﻓﺔ ﻣﺤﺪدة ﻓﻲ ﺧﻤﺴﺔ أﻣﺘﺎر ﻳﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻋﺮوس« ﻣﻊ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﺿﺮورﻳﺔ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ أن ﺣﺼﺎن ﻟﻌﺒﺔ »ﻣﺎﻃﺎ« ﻳﺪه ﻋﺮوﺳﻪ وﻳﺸﺪ ﻟﺠﺎم ﻓﺮﺳﻪ ﺑﺎﻟﻴﺪ اﻷﺧﺮى وﻋﻴﻨﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﻻ ﻳﺴﺮج ﻹﻳﻤﺎن ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﺑﺄن اﻟﺤﺼﺎن ﺣﻴﻮان ﻧﺒﻴﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺼﻠﻪ وﺧﻂ اﻟﻮﺻﻮل أي ﺧﻂ اﻟﻨﺠﺎة ﺑﻌﺮوﺳﻪ ،وﺑﻌﺪ إﻋﻄﺎء وﻫﻲ ﺻﻔﺔ ﻳﺸﺘﺮك ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﻔﺎرس اﻟﺬي ﻳﻤﺘﻄﻴﻪ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ أن ﻳﻔﺼﻞ اﻟﻨﺒﻴﻞ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻴﻞ أي ﺷﻲء وﻟﻮ وﻛﺎن ﺳﺮﺟﺎ ﻣﺬﻫﺒﺎ. اﺧﺘﻴﺎر اﻟﻔﺎرس اﻟﺬي ﺳﻴﺤﻤﻞ اﻟﻌﺮوس وﻳﺴﺒﻖ ﺳﺮب اﻟﻔﺮﺳﺎن ﻳﺨﻀﻊ ﻟﺸﺮوط دﻗﻴﻘﺔ أول ﻫﺬه اﻟﺸﺮوط أن ﻳﻜﻮن اﻟﻔﺎرس واﻟﻔﺮس ﻗﻮﻳﻴﻦ وﻣﺘﻨﺎﺳﻘﻴﻦ وأن ﻳﺸﺘﺮط ﻓﻲ اﻟﻔﺎرس اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻟﻘﻮة وأن ﻳﺪﻓﻊ ﻣﺒﻠﻐﺎ ﻣﺎﻟﻴﺎ ﺗﺤﺪده ﻟﺠﻨﺔ ﻣﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻋﻠﻰ أن ﻳﺘﻢ اﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ اﻟﺘﺼﻮﻳﺖ أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﺣﺎل ﺗﻌﺬر اﻻﺧﺘﻴﺎر ﺑﻴﻦ ﻣﺘﺒﺎرﻳﻦ أو أﻛﺜﺮ ،وﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺗﻢ اﺧﺘﻴﺎره ﻟﺤﻤﻞ اﻟﻌﺮوس » ﻣﺎﻃﺎ« أن ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻮﺟﺒﺔ ﻧﺼﺎﺋﺢ ﻛﺜﻴﺮة ﻣﻦ ﻋﻠﻴﺔ اﻟﻘﻮم ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻢ ﺗﺬﻛﻴﺮه ﺑﻘﻴﻢ اﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ وﺗﺤﺬﻳﺮه ﻣﻦ أن ﺗﺴﻘﻂ اﻟﻌﺮوس »ﻣﺎﻃﺎ« ﻓﻲ ﻳﺪ اﻟﻔﺮﺳﺎن اﻵﺧﺮﻳﻦ.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
119
ĕŵőĽŤē ğēĴĜ ŮŨ
ﻟﻌﺒﺔ »ﻣﺎﻃﺎ« اﻧﺘﺼﺎر ﻟﻘﻴﻢ اﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ أﺣﻤﺪ ﻋﻠﻮة@
»ﻣﺎﻃﺎ« اﺳﻢ ﻟﻌﺒﺔ ﻣﺸﺘﻖ ﻣﻦ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻌﺮﺑﻲ »اﻣﺘﻄﻰ«وﻫﻲ ﻟﻌﺒﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺗﻮارﺛﺘﻬﺎ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺎل اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ اﺣﺘﻔﺎء ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻓﻲ ﺟﻮ اﺣﺘﻔﺎﻟﻲ ﻳﺰاوج ﺑﻴﻦ ﻃﻘﻮس ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺼﺎد واﻻرﺗﻘﺎء ﺑﺎﻟﺘﺮاث اﻟﻔﻨﻲ واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻟﻠﻤﻨﻄﻘﺔ. وﻫﻲ ﻟﻌﺒﺔ ﺷﻴﻘﺔ ﺗﺘﺄﺳﺲ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﺎﻓﺲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﺳﺎن ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﺠﻴﺎد ﻟﻠﻈﻔﺮ ﺑﺪﻣﻴﺔ ﻋﺮوس ﺗﻤﺜﻞ »اﻟﻤﺮأة«ﻳﺴﻌﻰ ﻛﻞ ﻓﺎرس ﻻﺧﺘﻄﺎﻓﻬﺎ واﻟﻬﺮوب ﺑﻬﺎ إﻟﻰ ﻗﺒﻴﻠﺘﻪ وﺑﻤﺎ ﻳﺤﺘﻔﻲ ﺑﻘﻴﻢ اﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻜﺴﻬﺎ ﺷﻬﺎﻣﺔ وﺑﺴﺎﻟﺔ اﻟﻔﺮﺳﺎن.
118
ﻟﻌﺒﺔ » ﻣﺎﻃﺎ«
ﺛﻘﺎﻓﺎت
ﻛﺮﻳﺸﺒﻮ ﻏﻮﻧﺴﺎﻟﻔﺶ ﺷﺎﻋﺮ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﺨﺎﻟﺪة ﺗﻤﻴﺰ اﻟﺸﻌﺮاء ﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻟﺰﻣﺎن ﺑﻘﺼﺎﺋﺪ ﺧﻠﺪت أﺳﻤﺎءﻫﻢ إﻟﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا ،ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﻇﻠﺖ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻬﻢ ﻻ ﺗﻔﺎرﻗﻬﻢ أﺑﺪا ،وﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﺎﻟﻨﺎ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﻛﺮﻳﺸﺒﻮ ﻏﻮﻧﺴﺎﻟﻔﺶ .اﻟﺬي ﻛﺘﺐ ﻗﺼﻴﺪة ﻋﻦ اﻟﻌﺮب ﻇﻠﺖ ﺗﻤﺠﺪه إﻟﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا ،ﻓﻤﺎ أن ﺗﻘﻮل اﻟﻘﺼﻴﺪة ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺒﺎدر إﻟﻰ ذﻫﻨﻚ اﺳﻢ ﻛﺮﻳﺸﺒﻮ ،ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ ﻫﻮ و اﻟﻘﺼﻴﺪة وﺟﻬﻴﻦ ﻟﻌﻤﻠﺔ واﺣﺪة. ﻛﺮﻳﺸﺒﻮ ﻏﻮﻧﺴﺎﻟﻔﺶ ﺑﺮازﻳﻠﻲ اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﺑﺮﺗﻐﺎﻟﻲ اﻟﻬﻮى واﻟﻤﻜﺎن. ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﻣﻮاﻟﻴﺪ 1846ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ رﻳﻮ دي ﺟﺎﻧﻴﺮو ،ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺒﺮازﻳﻠﻴﺔ ذات اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺴﺎﺣﺮة واﻟﺠﺒﺎل اﻟﺸﺎﻣﺨﺔ ،وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﻳﻜﻤﻦ ﻓﻲ اﻧﻔﺘﺎﺣﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺤﻴﻂ اﻷﻃﻠﻨﻄﻲ. ﻫﺎﺟﺮ ﻛﺮﻳﺸﺒﻮ رﻓﻘﺔ واﻟﺪﺗﻪ إﻟﻰ اﻟﺒﺮﺗﻐﺎل ،وﻫﻨﺎك ﺑﺪأ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺟﺪﻳﺪة ،ﻓﻘﺪ وﻟﺞ اﻟﻤﺪرﺳﺔ وﺗﺎﺑﻊ دراﺳﺘﻪ ﺣﺘﻰ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﻬﺎدة اﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،ووﻟﺞ ﺑﺬﻟﻚ إﻟﻰ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺗﺨﺼﺺ ﻗﺎﻧﻮن ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﻮﻳﻤﺒﺮا ﻓﻲ اﻟﻌﺎم .1877ﻫﺬا اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﺳﻴﻜﻮن ﻟﻪ أﺛﺮ ﻛﺒﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﻛﺮﻳﺸﺒﻮ ﻏﻮﻧﺴﺎﻟﻔﺶ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ .اﻟﺘﻲ وﺟﺪﻫﺎ ﻣﻜﺎﻧﺎ ﻟﻠﻌﻤﻞ واﻹﺑﺪاع ،ﻓﺘﺰاﻣﻨﺎ ﻣﻊ دراﺳﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻧﻮن ،ﺑﺪأ ﻛﺮﻳﺸﺒﻮ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﻤﻘﺎﻻت اﻷدﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﻼت وﺟﺮاﺋﺪ ﺑﺮﺗﻐﺎﻟﻴﺔ .وأﻫﻢ اﻟﻤﺠﻼت اﻷدﺑﻴﺔ ﻣﺠﻠﺔ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻷدب ،اﻟﺘﻲ ﺑﺪأ ﻏﻮﻧﺴﺎﻟﻔﺶ ﻳﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻬﺎ اﺑﺘﺪاء ﻣﻦ اﻟﻌﺎم .1875أﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺠﺮاﺋﺪ اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻬﻨﺎك ﺟﺮﻳﺪة ﻛﻮﻳﻤﺒﺮا. أﺣﺐ اﻟﻤﻄﺎﻟﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻇﻠﺖ ﻣﺮﺗﺒﻄﻪ ﺑﻪ ،ﻓﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻻﺗﺠﺎه اﻟﺮوﻣﺎﻧﺴﻲ، وأﻋﺠﺐ ﺑﺸﻌﺮاﺋﻪ وﻛﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻮاﻟﻬﻢ ﻗﺼﺎﺋﺪه اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ وﻻزاﻟــﺖ ﻣﻦ اﻟﺮوﻋﺔ ﺑﻤﻜﺎن .ﻟﻜﻦ أﺑﺮز ﻗﺼﻴﺪة ﻟﺪى ﻛﺮﻳﺸﺒﻮ ﻏﻮﻧﺴﺎﻟﻔﺶ ﻫﻲ ﻗﺼﻴﺪة »ﺷﻄﺮ اﻟﻌﺮب« اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪث ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻦ راﻋﻴﺔ اﻹﺑﻞ ،ﻗﺘﻠﺖ ﻧﺎﻗﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﻃﺮف أﺣﺪ اﻟﻘﺎدة ،ﻓﺘﺴﺒﺒﺖ ﻓﻲ ﺣﺮب ﺑﻴﻦ ﻗﺒﻴﻠﺘﻴﻦ .ﻳﻘﻮل ﻛﺮﻳﺸﺒﻮ: »ﺷﻄﺮ اﻟﻌﺮب« ﺑﺎﺳﻤﺔ ،زوﺟﺔ ﻋﻠﻲ ،راﻋﻴﺔ اﻹﺑﻞ
ﻓﻴﺼﻞ رﺷﺪي@
رأت ﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﻠﻴﺎﻟﻲ اﻟﻤﻀﻴﺌﺔ، ﻗﺎﺋﺪا ﻗﻮي اﻟﺒﻨﻴﺔ ﻗﺎم اﻟﻘﺎﺋﺪ ﺑﻘﺘﻞ ﻧﺎﻗﺘﻬﺎ ﻓﺬﻫﺒﺖ زوﺟﺔ ﻋﻠﻲ ﻣﺴﺮﻋﺔ ﺻﻮب اﻟﺨﻴﻤﺔ ﻟﺘﺨﺒﺮ ﻟﻀﻴﻒ زوﺟﻬﺎ ﻣﺎ ﺟﺮى ﻟﻬﺎ ﻫﺪأ ﻣﻦ ﺧﻮﻓﻬﺎ ﺑﻠﻄﻒ ﻓﻮﻋﺪﻫﺎ ﺑﻘﺘﻞ اﻟﻘﺎﺋﺪ. ﻳﺘﻤﻴﺰ ﻛﺮﻳﺸﺒﻮ ﺑﻤﻌﺠﻢ ﻟﻐﻮي ﻏﺰﻳﺮ اﻟﻤﻌﻨﻰ وﻗﻮي اﻟﺪﻻﻟﺔ ،ﻓﻘﺼﻴﺪة » ﺷﻄﺮ اﻟﻌﺮب« ﻫﻲ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ أﺣﺎﺳﻴﺲ اﻟﺸﺎﻋﺮ ،اﻟﺘﻲ ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﺼﻮرة اﻟﻌﺮب وﺑﻴﺌﺘﻬﻢ .ورﺑﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺻﺎدف اﻟﻌﺮب ﻓﻲ ﺑﻠﺪه اﻷم اﻟﺒﺮازﻳﻞ ﻓﺘﺮة ﻃﻔﻮﻟﺘﻪ ﻫﻨﺎك ،ﻓﺎﻟﻬﺠﺮات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ وﻗﺘﺬاك ﺑﻜﺜﺮة ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ) ﺳﻮرﻳﺎ ،ﻟﺒﻨﺎن ،ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ( ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ .وﻻ ﺷﻚ أن اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺘﻘﻰ أﺣﺪ اﻟﻌﺮب ووﺻﻒ ﻟﻪ ﻫﺬا اﻷﺧﻴﺮ اﻟﺒﻴﺪاء ،ﻓﺘﺨﻴﻞ ﻛﺮﻳﺸﺒﻮ ذﻟﻚ اﻟﻤﺸﻬﺪ وﻫﻮ ﻳﺘﺠﻮل ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﻋﺒﺮ ﻋﺎﻟﻢ ﺧﻠﻘﻪ ﻫﻮ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﺨﻴﻴﻞ. ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻫﻲ ﻣﺼﺪره و اﻟﺒﻴﺪاء ﻣﻜﺎﻧﻪ ،وﺑﺎﺳﻤﺔ زوﺟﺔ ﻋﻠﻲ، واﻟﻀﻴﻒ ،واﻟﻘﺎﺋﺪ ﻫﻢ ﺷﺨﺼﻴﺎت ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ. ﺟﻤﻌﺖ أﻋﻤﺎل ﻛﺮﻳﺸﺒﻮ ﻏﻮﻧﺴﺎﻟﻔﺶ ﻓﻲ أﺣﺪ اﻟﻤﺆﻟﻔﺎت ﺑﻌﻨﻮان: أﻋﻤﺎل ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻋﺎم .1887 ﻗﺼﻴﺪة »ﺷﻄﺮ اﻟﻌﺮب« ﺳﺘﻈﻞ ﻣﻨﻘﻮﺷﺔ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة ،ﻓﻠﻦ ﻳﻤﺮ ﻋﺼﺮ إﻻ وﺗﺬﻛﺮ اﻟﻘﺼﻴﺪة ،ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﺻﻮرة اﻟﻌﺮﺑﻲ ،اﻟﺬي ﻛﺘﺐ ﻋﻨﻪ اﻵﺧﺮ اﻟﻐﺮﺑﻲ ،اﻟﺬي ﻫﻮ ﻏﺮﻳﺐ اﻟﻮﺟﻪ واﻟﻴﺪ واﻟﻠﺴﺎن ﻋﻦ ﺑﻴﺌﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺻﺮﻓﺔ .ﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻴﺌﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺘﺎﺟﺎ ﺑﻠﻐﺔ ﺑﺮﺗﻐﺎﻟﻴﺔ ،ذات ﻧﻜﻬﺔ ﺑﺮازﻳﻠﻴﺔ ،ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻫﻮ ﻛﺮﻳﺸﺒﻮ ﻏﻮﻧﺴﺎﻟﻔﺶ ،ﺷﺎﻋﺮ ﺣﻔﺮ اﺳﻤﻪ وﻧﻘﺸﻪ ﺑﻠﻮن ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ اﻟﺨﺎﻟﺪة » ﺷﻄﺮ اﻟﻌﺮب« ،إﻻ أن اﻟﻤﻮت ﻟﻢ ﻳﻤﻬﻞ أﺣﺪا ً وأﺧﺬ روح ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﻛﺮﻳﺸﺒﻮ ﻏﻮﻧﺴﺎﻟﻔﺲ ﻓﻲ ﻋﺎم 1883 *ﺑﺎﺣﺚ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
117
ŏǙʼnĝĸē
ﻳُﺠﺒﺮ اﻷﻃﻔﺎل ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻴﺮ ﺑﺘﺆدة وﺣﺬر. رﻣﺰﻳًﺎ أﺛﺮﻳًﺎ ﺛﻘﺎﻓ ًﻴﺎ ،ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺴﻴﺮ ﺑﻴﻦ أروﻗﺘﻪ وﺗﺴﺘﺸﻌﺮ ﻗﻴﻤﺔ اﻹرث اﺳﻤﻪ )ﺟ ّﻮاس( أﺧﺒﺮﻧﻲ اﻟﻄﻔﻞ ﺑﺎﺳﻢ ﺻﻘﺮه اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ ،اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺣﺎﺿﻨﺔ ﻣﻠﻬﻤﺔ ﻣﻦ ﺣﻮاﺿﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻓﻲ ﻗﻄﺮ، وﻋﺎود اﻟ ّﺮﻛﺾ ﻣﻊ اﻷﻃﻔﺎل ﻓﻲ أزﻗﺔ اﻟﺴﻮق ،وﺛﺒﺔ ﺗﻠﻮ أﺧﺮى ﻋﻠﻰ وذﻟﻚ ﻳﻌﻜﺲ اﻫﺘﻤﺎم اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺎﻟﻔﻨﻮن واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ. أﻛﻴﺎس اﻟﺸﻌﻴﺮ واﻟﺒﻬﺎرات واﻷﻋﺸﺎب ﺑﻌﻴ ًﺪا ﻋﻦ أﻋﻴﻦ اﻟﺸﺮﻃﺔ ،وﺗﺤﺖ إن اﻷرض اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻘﺪم ﻧﺤﻮ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻦ دون أن ﺗﺤﺬف ﺑﺪاﻳﺘﻬﺎ وﻃﺄة ﺗﻬﺪﻳﺪ اﻟﺒﺎﻋﺔ ووﻋﻴﺪ اﻟﺤ ّﻤﺎﻟﻴﻦ. ﺗﺴﺘﺤﻖ ﻣﻨﺎ ﻛﻞ اﻻﺣﺘﺮام. أد ّون ذﻟﻚ اﻻﺣﺘﻔﺎء اﻟﻴﻮﻣﻲ ﺑﺘﻔﺎﺻﻴﻠﻨﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﺤﻤﻴﻤﺔ ﺟ ًﺪا ،ﺳﻮق ﻣﺴﺮﺣﻲ ﺛﻘﺎﻓﻲ ﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻲ ﺗﺸﻜﻴﻠﻲ ،ﻳﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﻛﻞ اﻟﻔﻨﻮن وأﺻﻨﺎف ﺗﺎرﻳﺦ ﺳﻮق واﻗﻒ وﺗﺴﻤﻴﺘﻪ اﻹﺑﺪاع ﻟﻴﺴﺮد ﻟﻨﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺸ ّﻮﻗﺔ ﺑﺪاﻳﺔ اﻵﺑﺎء ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ ،وﻳﻄﻤﺌﻨﻚ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﺗﺎرﻳﺦ ﺛﺎﺑﺖ ﻹﻧﺸﺎء اﻟﺴﻮق ،وﻣﺎ أﻛﺜﺮ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﻋﻠﻰ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻣﺴﺘﻤﺮة وﻣﺘﺄﺻﻠﺔ ﻋﺒﺮ ذاﻛﺮة ﺳﻮق واﻗﻒ اﻟﺬي ﻳﻀﻲء ﻓﻲ ذاﻛﺮة اﻷﺟﻴﺎل ،ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻏﻴﺎب اﻟﻤﺆرخ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ! ﺑﺴﺤﺮه ً ﻟﻴﻼ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻨﺤﻪ ﻣﻦ ﻋﺒﻖ أﺛﺮي ﻳﺴﺒﺢ ﻓﻲ ﻓﻠﻘﺪ ﺗﻢ اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﺼﻮر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ورواﻳﺎت ﻛﺒﺎر اﻟﺴﻦ ذوي أرﺟﺎء ﻧﻔﺴﻚ اﻟﻤﺘﻠﻬﻔﺔ. اﻟﺨﺒﺮة واﻟﺪراﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻮاد اﻟﺘﻲ ﺑُﻨﻲ ﺑﻬﺎ اﻟﺴﻮق. ﻓﻲ ﻣﺒﻨﻰ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺬي ﻳﺘﻮﺳﻂ ﻣﻘﺎﻫﻲ اﻟﺴﻮق ﺗﻢ ﺗﺨﺼﻴﺺ ﺗﻌﻮد ﺗﺴﻤﻴﺔ ﺳﻮق واﻗﻒ إﻟﻰ ﺑﺪاﻳﺎﺗﻪ ﻗﺒﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺌﺔ ﻋﺎم ،ﻟﻤﺎ ﻣﺮﻛﺰ ﻟﻠﻔﻨﻮن اﻟﻤﺤﺘﻔﻴﺔ ﺑﺘﺎرﻳﺦ دوﻟﺔ ﻗﻄﺮ وﺟﻐﺮاﻓﻴﺘﻬﺎ وﻣﺴﻴﺮة اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻛﺎن اﻟﺴﻜﺎن ﻣﻦ اﻟﺒﺪو ﻳﺠﺘﻤﻌﻮن ﻟﻠﺘﺠﺎرة ﺑﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻊ ﻋﻠﻰ واﻟﻨﻬﻀﺔ ﻋﺒﺮ اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ،وذﻟﻚ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻋﺮض أﻋﻤﺎل ﻓﻨﻴﺔ اﺧﺘﻼف أﻧﻮاﻋﻬﺎ ،وﻳﻘﻔﻮن ﻟﺒﻴﻊ ﺑﻀﺎﺋﻌﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ اﻟﺴﻮق، ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻌﻴﺪ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ واﻟﻤﺤﻠﻲ ،وﺑﺘﻮﻓﻴﺮ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻛﺒﻴﺮة اﺣﺘﻮت ﺑﻴﻦ وﻳُﺮﺟﻊ اﻟﺒﻌﺾ إﻟﻰ ﺳﺒﺐ ﺗﺴﻤﻴﺔ اﻟﺴﻮق ﺑـ)واﻗﻒ( إﻟﻰ وﺟﻮد رﻓﻮﻓﻬﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ واﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻲ ﻣﺎﺿﻲ ﺳﻮق ﺿﻔﺎف وادي )ﻣﺸﻴﺮب( اﻟﺬي ﻳﻔﺼﻞ اﻟﺪوﺣﺔ آﻧﺬاك إﻟﻰ ﻧﺼﻔﻴﻦ، واﻗﻒ وﺣﻜﺎﻳﺔ ﻧﻤﻮه وازدﻫﺎره وﻣﺴﻴﺮة ﺗﺮﻣﻴﻤﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺗﺴﺎرﻋﺖ أﺧﻄﺎر واﻟﺬي ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺎت وﻳﺼﺐ ﻓﻲ ﺑﺤﺮ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ، اﻧﻬﻴﺎر اﻟﺴﻮق ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،أﻣﺮ أﻣﻴﺮ ﻗﻄﺮ ﺑﻀﺮورة اﻟﺘﺮﻣﻴﻢ وﻛﺎن اﻟﺘ ّﺠﺎر ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻳﺠﺘﻤﻌﻮن ﻳﻮﻣﻴًﺎ ﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺒﻴﻊ واﻟﺸﺮاء وﻫﺪم اﻟﺴﻮق واﻟﺸﺮوع ﻓﻲ ﺗﺠﺪﻳﺪه ﺳﻨﺔ 2004م ،ﺣﺘﻰ اﻧﺘﻬﻰ إﻟﻰ ﺣﻮل ﻣﻤﺮ ﺿ ّﻴﻖ ﺑﻴﻦ اﻟﻮادي واﻟﺒﺤﺮ ،وﻧﻈ ًﺮا ﻟﺘﻘﺎرب ﺿﻔﺔ اﻟﻮادي ﺣﺎﻟﺘﻪ اﻟﺮاﻫﻨﺔ ،وﺧﺮج ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﺤﻠﺔ ذوﻗﻴﺔ أﺻﻴﻠﺔ ،ﻣﺰﺟﺖ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻣﻊ ﺳﺎﺣﻞ اﻟﺒﺤﺮ وﺗﻨﺎﻗﺺ ﺣﺠﻤﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻠﺒﺎﻋﺔ وﻣﺮﺗﺎدي اﻟﺤﺪاﺛﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺦ وﺳﺤﺮ اﻟﺸﺮق. اﻟﺴﻮق ﺳﻮى ﺑﺎﻟﻮﻗﻮف وﺑﻴﻊ ﻣﻨﺘﺠﺎﺗﻬﻢ ﻣﻦ ) اﻷرز واﻟﺴﻜﺮ ﺳﻮق واﻗﻒ ﻳﻌﺪ ﻣﺜﺎﻻً ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻷﺳﻮاق اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻋﻤﻘﻬﺎ ﺑﻌ ًﺪا واﻷﻟﺒﺎن واﻟﺒﻬﺎرات واﻟﻮاﺷﻲ (...ﻟﺬا ُﺳﻤﻲ ﺑﺴﻮق واﻗﻒ *ﻛﺎﺗﺒﺔ ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات
116
ﺳﻮق واﻗﻒ راﺋﺤﺔ ﻏﺮﻓﺔ ﺟﺪﺗﻲ
ﻓﻲ ﺣﻘﻮل اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻌﻤﺮاﻧﻴﺔ واﻟﺤﺪاﺛﺔ ،ﺗﺪﻫﺸﻨﻲ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﻌﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮوﻳﻬﺎ اﻟﺴﻮق ﺑﻨﻔﺴﻪ دوﻧﻤﺎ اﺳﺘﻔﺴﺎر ،ﻣﺸﺎﻫﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت وﻣﻮﺳﻴﻘﻰ ﻓﻠﻜﻠﻮرﻳﺔ ﺑﻴﻦ ﺟﻨﺒﺎت اﻟﺴﻮق وﺻﻮر ﺑﺎﻧﻮراﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻃﻮل ﻣﺴﺎر اﻟﺠﺪران اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﺎﻟﺴﻮق ،ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﺗﺴﺮد ﺑﻨﻬﺞ ﻣﺆﺛﺮ ﺟ ًﺪا ﻛﻞ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻗﻄﺮ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ وﻃﺒﺎﺋﻊ أﻫﻠﻬﺎ وﻋﺒﻘﻬﻢ اﻷﺻﻴﻞ ،ﻓﺠﺄة أﺟﺪﻧﻲ أﺳﻴﺮ ﻓﻲ ﺳﻮﻳﻌﺎت اﻟﺰﻳﺎرة اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﻟﻠﻤﺎﺿﻲ ،أﺳﻤﻊ أﺻﻮاﺗًﺎ وﻧﺪاءات ﻣﺒﺤﻮﺣﺔ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﻣﺎﻗﺒﻞ ﻣﺌﺔ ﻋﺎم ،إﻧﻬﻢ اﻟﺒﺪو ،ﻳﻘﻔﻮن ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ اﻟﺴﻮق ،ﻳﺠﺘﻤﻌﻮن ﻟﻠﺘﺠﺎرة ﺑﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻊ ﻛﺎﻟﺪﻫﻦ واﻟﻠﺒﻦ واﻟﻔﺤﻢ واﻷﻋﺸﺎب ،وﻳﺴﺎوﻣﻮن ﻓﻲ ﺳﻌﺮ ﺑﻴﻊ اﻟﻤﻮاﺷﻲ ،وﺻﻮت ﺑﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺳﺎﺣﻞ ﻟﻨﺠﺔ ،اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺣﻞ اﻟﺸﺮﻗﻲ ﻟﻠﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻳﺒﻴﻌﻮن اﻟﻤﻜﺴﺮات واﻟﺘﻤﺮ واﻷرز واﻷواﻧﻲ اﻟﻔﺨﺎرﻳﺔ ،أﻃﺮب ﺑﺴﻤﺎع أﻏﻨﻴﺎت ﻣﻦ ﺻﻮت اﻟﻬﻨﺪ ﻟﺒﺎﻋﺔ ﻣﺘﺠﻮﻟﻴﻦ ،ﻳﺒﻴﻌﻮن اﻟﺒﻬﺎرات واﻟﻤﻠﺢ واﻟﺜﻴﺎب اﻟﻤﻄ ّﺮزة ،وأﺳﻤﻊ أﺻﻮات ﺗﻬﺎﻓﺖ اﻷﻃﻔﺎل واﻟﻨﺴﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎﻋﺔ وﺑﻀﺎﻋﺔ ﻋﻠﻲ ،ﻷﻗﺘﻔﻲ أﺛﺮ راﺋﺤﺔ اﻟﺨﺒﺰ اﻟ ّﺮﻗﺎق اﻟﺴﻮق .ﺗﺴﺮد اﻟﺨﻮاﻃﺮ ﻧﻔﺴﻬﺎ ّ اﻟﺴﺎﺧﻦ اﻟﺬي ﺗﺨﺒﺰه ﻧﺴﺎء ﻗﻄﺮ ﻓﻲ ﺑﺎﺣﺔ واﺳﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻮق ،ﻻ ﻋﻠﻲ اﻟﺸﺮاء ،وإﻧﻤﺎ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ إﺷﺒﺎع اﻟﺤﻨﻴﻦ واﻟﺘﻮق اﻟﺠﻮع ﻳﻔﺮض ّ إﻟﻰ اﺣﺘﻮاء ﺷﻲء ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ ﺟﺬوري وﻋﺮوﻗﻲ اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ،أو رﺑﻤﺎ ﺧﻮﻓًﺎ ﻣﻦ أن ﻳﻤﺤﻮ اﻟﻌﻤﺮان ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻣﺎﺿﻮﻳﺔ أﺻﻴﻠﺔ. ﺗﺬﻛﺮتُ اﻟﺤ ّﻤﺎل!
ﻫﻞ أواﺻﻞ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻨﻪ ﺑﻴﻦ ﻇﻬﻮر اﻟﻨﺎس؟ ﻣ ّﺮ ﺷﺮﻃﻴﺎن ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ وأﻧﺎ أﺟﻠﺲ ﻋﻠﻰ دﻛَﺔ أﺣﺪ دﻛﺎﻛﻴﻦ اﻟﺴﻮق ،ﻋﺮﺿﺎ ﻋﻠﻲ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪة ،ﻓﻜﺮتُ أن أﻗﻮل )أرﻳﺪ ﺣ ّﻤﺎﻻً ﻟﻤﺸﺘﺮﻳﺎﺗﻲ( ﻏﻴﺮ أﻧﻲ ّ وأﺑﺪﻳﺖ إﻋﺠﺎﺑﻲ ﺑﺎﻟﺰي اﻟﻌﺴﻜﺮي اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻟﺸﺮﻃﺔ ﺷﻜﺮﺗﻬﻤﺎ ﺑﺎﺣﺘﺮام، ُ اﻟﺴﻮق ،واﻟﺬي ﻳﻤﺘﺎز ﺑﺎﻟﻐﺘﺮة واﻟﻌﻘﺎل إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺒﺪﻟﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ، ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﺎﻟﺔ أﺑﺤﺚ أرﺷﺪاﻧﻲ إﻟﻰ رواق اﻟﻤﻄﺎﻋﻢ واﻟﻤﻘﺎﻫﻲ، ُ ﻋﻦ ﻣﻘﻬﻰ ﺷﻌﺒﻲ أﺗﻨﻔّﺲ ﻓﻴﻪ ﻧﻀﺎرة اﻟﺸﺘﺎء ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ،ﻛﺎن ﻟﻠﺠﻮع اﻟﺘﻬﻤﺖ ﻃﺒﻖ )اﻟﺪاﻧﻜﻮ( و ﻧﺸﻮة ﻫﺬه اﻟﻤﺮة وﺣﻤﺎﺳﺔ ﻛﺒﺮى ،ﻓﻘﺪ ُ )اﻟﺨﺒﻴﺺ( ﺑﺄﺳﻠﻮب ﻋﺠﺎﺋﺒﻲ وأﻧﺎ أﺗﺄﻣﻞ روﻧﻖ ﺳﻘﻒ اﻟﻤﻘﻬﻰ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي وأﺻﻐﻲ ﺑﻄﺮب ﻟﺼﻮت ﻣﺤﻤﺪ زوﻳّﺪ اﻟﻤﻨﺴﺎب ﺑﺨﻔﺔ ﻣﻦ ﻗﺪﻳﻢ اﻟﺰﻣﺎن، ﺗﺪب ﻓﻴﻬﻢ روح وأراﻗﺐ ﺧﻠﻒ ﻗﻀﺒﺎن اﻟﻨﺎﻓﺬة رﺟﺎﻻً ﻛﺒﺎ ًرا ﻓﻲ اﻟﺴﻦ ﱡ اﻟﻤﺘﻌﺔ واﻟﺸﺒﺎب واﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ واﻟﺘﺤﺪي ،ﺗﺤﻠّﻘﻮا ﺣﻮل ﺻﻨﺪوق ﺧﺸﺒﻲ ﺗﺘﺄرﺟﺢ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﻄﻌﺘﺎن ﻣﻦ ﻣﻜﻌﺐ اﻟ ّﻨﺮد. أﺣﻤﻞ ﻛﻮب اﻟﺸﺎي ﻓﻲ ﻳﺪي وأواﺻﻞ ﺗﺠﻮاﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﻤﺘﻮاﺷﺞ ﻣﻊ اﻟﺤﺎﺿﺮ ،أﺗﺄﻣﻞ اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ اﻟﻌﻤﺮاﻧﻲ اﻟﺬي ﻳﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﻔﻦ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ واﻟﺤﺪاﺛﺔ ،ﻳﺮﻛﺾ ﻃﻔﻞ ﺑﻴﻦ اﻟ ّﺮواق وﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﺻﻘﺮ ،وﻣﻦ ﺧﻠﻔﻪ ﻳﻨﻄﻠﻖ اﻷوﻻد ﻟﻤﻼﺣﻘﺘﻪ ،أﻧﺘﺒﻪ ﻓﺠﺄة إﻟﻰ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ وزﻗﺰﻗﺎت ﺻﺎﺧﺒﺔ ،أﻧﺎ اﻵن ﻓﻲ ﺳﻮق اﻟﻄﻴﻮر ،ﺟ ّﺮﻧﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻦ دون دراﻳﺔ ﻣﻨﻲ ،اﻟﻤﻤﺮ اﻟﻀﻴﻖ اﻟﺬي ﺑﺎت ﻳﻀﻴﻖ أﻛﺜﺮ ﺑﻴﻦ دﻛﺎﻛﻴﻦ اﻟﻄﻴﻮر
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
115
ŏǙʼnĝĸē
ﺑﺎﻟﻤﺨﺮج اﻟﻮﺣﻴﺪ ،وإﻧﻤﺎ ﻣﺨﺮج ﻟﻤﺪﺧﻞ ﺟﺪﻳﺪ ،وﺗﺘﻼﺣﻢ اﻟﻤﺪاﺧﻞ ﺗﺤﺖ أﺿﻮاء اﻟﻤﺼﺎﺑﻴﺢ اﻟﻌﺘﻴﻘﺔ وﺗﻨﻌﺘﻖ رواﺋﺢ اﻟﺒﻬﺎرات واﻷﻋﺸﺎب واﻟﻌﻄﻮر اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﺗﺼﻠﻨﻲ راﺋﺤﺔ ﻏﺮﻓﺔ ﺟﺪﺗﻲ ،ﻧﻌﻢ ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ ﻛﺄﻧﻨﻲ ﻓﻲ ﺗﻘﻠﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺮ ًﺣﺎ وﺑﻬﺠﺔ ﻃﻔﻮﻟﻴﺔ ،راﺋﺤﺔ ﻋﺒﺎءﺗﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ُ اﻟﻤﻀﻤﺨﺔ ﺑﺎﻟﻌﻨﺒﺮ واﻟﺰﻋﻔﺮان ،وﺷﻌﺮﻫﺎ اﻟﻤﻌﺠﻮن ﺑﺎﻟﺤﻨﺎء ،وﻳﺪﻳﻬﺎ اﻟﻤﻨﻐﻤﺴﺘﻴﻦ ﻓﻲ ﻋﺠﻴﻦ اﻟﺨﺒﺰ وﻃﻴﻦ اﻟﺒﻴﺖ ،وﺳﺮت »ﻓﻴﻨﻲ« ذﻛﺮﻳﺎت ﺧﺰاﻧﺘﻬﺎ اﻟﻤﻌﺒﺄة ﺑﺤﻠﻮى اﻟ ّﺮﻫﺶ وﻣﻜﺴﺮات )اﻟﻤﻴﺰ( واﻟﺒﻴﺬام ،ﺛﻢ اﻧﺒﺜﻘﺖ راﺋﺤﺔ اﻟ ّﻨﺒﻖ اﻟﻤﻐﺮوف ﻓﻲ )ﺳﻄﻞ( ﻣﺮﻛﻮن ﻓﻲ ﻟﻴﻮان ﺑﻴﺘﻬﺎ اﻷﺧﻀﺮ ،وراﺋﺤﺔ اﻟﺮﻃﺐ اﻟﻤﻔﺮوش ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ اﻟﺒﻴﺖ ،وراﺋﺤﺔ اﻟﺸﻤﺲ ﺣﻴﻦ ﺗﺴﺘﻠﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪﻫﺎ ﻟﺘﺪﻓﺌﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﻴﻮان ﻣﻦ ﻣﺴﺎرب اﻟﻬﻮاء اﻟﺒﺎرد. ﺗﻄﺎﻟﻌﻨﻲ ﻧﺴﻮة ﻳﺮﺗﺪﻳﻦ اﻟﺰي اﻟﺨﻠﻴﺠﻲ وﻳﺒﻌﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺑﺴﻄﺎت ﻓﺮﺷﺖ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺑﻴﻦ ﺑﺎب اﻟﺴﻮق اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ وﻣﺪﺧﻞ اﻷزﻗﺔ ،أﺗﻔﺤﺺ ﻗﻴﺎس ﺛﻮب )اﻟ ّﻨﺸﻞ( ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪي وأﺗﺬﻛّﺮ أن أﺑﻲ اﺑﺘﺎع ﻷﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت ﺛﻮب ﻧﺸﻞ زﻫﺮي اﻟﻠﻮن ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ وﻋﻠﺒﺔ ﺣﻠﻮى ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﻬ ًﺮا ﻟﺰواﺟﻬﺎ ،أﻛﻠﺖ أﻣﻲ اﻟﺤﻠﻮى ﻓﻲ ﻳﻮم واﺣﺪ ،وﻟﺒﺴﺖ ﺑﻔﺨﺮ اﻟﻨﺸﻞ اﻟﺰﻫﺮي ﻟﺴﻨﻴﻦ ﻃﻮﻳﻠﺔ ،ﺻﺎر اﻟﺜﻮب ﻷﻣﻲ وﻃ ًﻨﺎ ﻋﺎﻃﻔ ًﻴﺎ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ،ﻛﻠﻤﺎ ﻋﺮوﺳﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ وزوﺟﺔ ﻣﺪﻟﻠﺔ ﻋﺎﺷﻘﺔ ﻷﺑﻲ. ارﺗﺪﺗﻪ ﻋﺎدت ً ﻻزﻟﺖ أﻓﺘﺶ ﻋﻦ اﻟﺤ ّﻤﺎل اﻷول اﻟﺬي أدﺧﻠﻨﻲ إﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺳﻮق واﻗﻒ ُ 114
ﺳﻮق واﻗﻒ راﺋﺤﺔ ﻏﺮﻓﺔ ﺟﺪﺗﻲ
ﻣﻦ دون أن ﻳﺪري ،ﻻ أﻋﺮف ﺣﺘﻰ وﺟﻬﻪ ،ﻓﻠﻢ أﺗﺘﺒﻊ ﻇﻬﻮر اﻟﻨﺎس ذوي اﻟﻘﻤﺼﺎن اﻟﻌﻨﺎﺑﻴﺔ ،أدﻫﺸﻨﻲ اﻟﺮداء اﻟﺨﻠﻴﺠﻲ اﻷﺻﻴﻞ ﻟﺒﺎﻋﺔ اﻟﺴﻮق، اﻟﻜﻞ ﺣﺮﻳﺺ ﻋﻠﻰ أن ﻳﻤﺜّﻞ ﺗﺮاث ﻗﻄﺮ وﻳﺠﻮد ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ أﻫﻞ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺋﺢ واﻟﻤﺘﺠﻮل واﻟﻤﺸﺘﺮي ،ﺑﻌﺾ اﻟﺒﺎﻋﺔ ﻳﺴﺘﻘﺒﻠﻚ ﺑﺎﻟﺘﻤﺮ واﻟﻘﻬﻮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺎﻟﺤﻠﻮى اﻟﺒﺤﺮﻳﻨﻴﺔ ،وآﺧﺮون ﻳﺒﺪؤون ﺑﺸﺮح ﻣﺤﺘﻮى ﺑﻀﺎﻋﺘﻬﻢ وﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﻬﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ. ﻳﺴﺘﻌﺮض اﻟﺒﺎﺋﻊ اﻟﻘﻄﺮي ﺛﻮب )اﻟ ّﺪﻗﻠﺔ( اﻷﺣﻤﺮ أﻣﺎﻣﻲ وﻳﺸﺮح ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﺧﻴﻮﻃﻪ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ اﻟﻤﻄ ّﺮزة واﻟﻤﺸﻐﻮل اﻟﻴﺪوي ﻓﻴﻪ وﻳﺤﻜﻲ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗُﻠﺒﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻮب ﻟﻠﺤﻤﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺑﺮد اﻟﺸﺘﺎء ،أو ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﺧﻔﻴﻔﺔ ﻳﺮﺗﺪﻳﻬﺎ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﺼﻴﻔﻴﺔ. ﺛﻢ ﻳﻌﺮض ﻟﻲ ﺑﺸﺘًﺎ ﻣﻄﺮزًا ﺑﺎﻟﺨﻴﻮط اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻃﺮاف ﻣﻊ ﻋﻘﺎل ﻳﺘﺪﻟﻰ ﻣﻨﻪ ﺧﻴﻄﺎن ﻳﻨﺴﺪﻻن ﻋﻠﻰ اﻟﻈﻬﺮ. ﻳﺠﺬﺑﻨﻲ ﻋﻨﺪ ﺑﺎب ﻣﺤﻞ اﻟﻤﻠﺒﻮﺳﺎت اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ذﻟﻚ »اﻟﺒﺨﻨﻖ« اﻟﺼﻐﻴﺮ اﻟﻤﻌﻠًﻖ ﺑﻄﻔﻮﻟﻴﺔ ،ﺗﺘﺠﺎذﺑﻨﻲ ﻓﺮﺣﺔ ﻋﻴﺪ ﺑﻌﻴﺪ ،واﻟﺒﺨﻨﻖ ﺑﺎﻟﺨﻠﻴﺠﻴﺔ ﻫﻮ اﻟﻠﺒﺎس اﻟﺸﺎﺋﻊ ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ ﻟﻠﻔﺘﻴﺎت اﻟﺼﻐﻴﺮات ،ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺑﻠﻮﻧﻪ اﻷﺳﻮد وﺗﻄﺮﻳﺰه اﻟﻔﻀﻲ أو اﻟﺬﻫﺒﻲ وﺑﻄﻮﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻒ ﺣﻴﺚ ﺗﻠﺒﺴﻪ اﻟﻔﺘﻴﺎت ﻣﻊ د ّراﻋﺔ ﻣﻄﺮزة ﻛﻤﺎ ﺗﻠﺒﺲ ﺑﻌﺾ اﻟﻔﺘﻴﺎت اﻟﺼﻐﻴﺮات د ّراﻋﺎت ﻣﻄﺮزة وأﺛﻮاب ﻧﺸﻞ ﻓﻲ اﻷﻋﺮاس واﻷﻋﻴﺎد واﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت. ﻻزﻟﺖ أﺳﻴﺮ ،وأﺗﺨﺎﻃﺐ ﻣﻊ اﻟﺒﺎﻋﺔ واﻟﻤﺎرة واﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻋﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ ُ
ﺳﻮق واﻗﻒ راﺋﺤﺔ ﻏﺮﻓﺔ ﺟﺪﺗﻲ ﻟﻮﻟﻮة اﻟﻤﻨﺼﻮري@
)ﻛﺮوة اﻟﺤﻤﺎﻟﻲ 10رﻳﺎل ﻟﻠﺴﺎﻋﺔ( اﻟﺘﻘﻄﺖ ﺻﻮرة ﻷﺣﺪﻫﻢ، ُ ﻛُ ِﺘﺐ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮر ﺣﻤﺎﻟﻲ ﺳﻮق واﻗﻒ، وﺻﺮت أﺗﺒﻌﻪ وﻫﻮ ﻳﺠ ّﺮ اﻟﻌﺮﺑﺔ اﻟﻤﺤﻤﻠﺔ ﺑﺒﻀﺎﻋﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺛﻢ ﻳﻨﻐﻤﺲ ُ ﻓﻲ داﺧﻞ اﻟﺴﻮق ﻣﻊ اﻟﻤﺎرة واﻟﻤﺘﺠﻮﻟﻴﻦ واﻟﺴ ّﻴﺎح واﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻧﺪاءات ﻋﻠﻲ ﻇﻬﻮر ﺣ ّﻤﺎﻟﻲ اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ،ﺗﺒﻌﺜﺮت اﻟﺨﻄﻰ وﺗﺪاﺧﻠﺖ ،اﺧﺘﻠﻄﺖ ّ اﻟﺤﻤﺎﻟﻴﻦ رﻏﻢ ﺗﺮﻗﻴﻤﻬﺎ ،ﻟﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻲ وأﻧﺎ أﺗﺒﻊ اﻟﺤ ّﻤﺎل أن أﺣﻔﻆ رﻗﻢ ﻇﻬﺮه! ﻋﻠﻲ اﻟﻮﺟﻮه؛ ﻓﺄﻏﻠﺐ ﺣ ّﻤﺎﻟﻲ اﻟﺴﻮق رﺟﺎل ﺧﻄﻔﺖ اﻷﻳﺎم أﻋﻤﺎرﻫﻢ ﺗﺸﺎﺑﻬﺖ ّ اﻟﻔﺘ ّﻴﺔ وﻏﺎﻓﻠﻬﻢ زﻣﻦ اﻟﺸﻘﺎء واﻟﻜﺪح اﻟﻄﻮﻳﻞ ،رﺟﺎل ﻳﺘﻘﺎﻃﺮ ﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻴﻨﻬﻢ ﺗﻌﺐ اﻟﺴﻨﻴﻦ وﺗﻜﺘﻨﺰ أرواﺣﻬﻢ ﺑﺼﻬﻴﻞ ذاﻛﺮة اﻟﺒﺤﺮ واﻟﺠﻤﺎرك واﻟﻤﻮاﻧﺊ واﻟﻠﻘﺎء اﻟﺘﺠﺎري ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺒﻌﻴﺪة. ﺻﺮتُ أﺗﺒﻊ ﺧﻄﻰ اﻟﺤ ّﻤﺎﻟﻴﻦ وأﺳﺘﺮق أﺣﺎدﻳﺜﻬﻢ ،أدﺧﻞ ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ ﻓﻲ ﻣﺼﺎﺑﻴﺢ اﻷروﻗــﺔ اﻟﻌﺘﻴﻘﺔ ﻟﻠﺴﻮق ،رواق ﻳﺼﻞ ﺑﻲ إﻟﻰ اﻟﻤﺨﺮج أﺧﻴ ًﺮا ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
113
ŏǙʼnĝĸē
112
ﺳﻮق واﻗﻒ راﺋﺤﺔ ﻏﺮﻓﺔ ﺟﺪﺗﻲ
ﻗﻴﺲ وﻟﻴﻠﻰ ،واﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ دوام ﺣﺎل اﻟﻤﺤﺐ وﺷﻜﻮاه ،وإﺑﺮاز ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻓﻲ داﺧﻞ اﻟﻨﻔﺲ اﻻﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﺤﺐ اﻟﻌﺬري اﻟﺘﻲ ﻳﻤﺜﻠﻬﺎ اﻟﻌﻤﻞ. * دﻛﺘﻮرة اﻷدب اﻟﻌﺮﺑﻲ ،دار اﻟﻌﻠﻮم ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ﻛﻤﺎ ﻧﺠﺢ أﺳﻠﻮب اﻟﺘﻜﺮار اﻟﺒﻼﻏﻲ ﻓﻲ إﻋﻄﺎء دﻓﻘﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﺗﺴﺘﺠﻠﻲ أﺣﺎﺳﻴﺲ اﻟﺸﺎﻋﺮ وﻣﺎ ﻳﺤﺲ ﺑﻪ ،وﻣﺜﺎﻟﻬﺎ ﺗﻜﺮار ﻟﻔﻈﺔ »ﻗﻀﺖ«؛ ﻳﻘﻮل ﻋﺮﺿﺖ /ﻣﺎ ﺿﺮﻫﺎ ﻟﻮ ﻗﻀﺖ ﻫﻮاﻣﺶ: ﻗﻴﺲ :ﺑﺎﻟﺮوح ﻟﻴﻠﻰ ﻗﻀﺖ ﻟﻲ ﺣﺎﺟ ًﺔ ْ ) (1ﻓﻜﺘﻮر ﺳﺤﺎب :اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ اﻟﺪراﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ِ ﺣﺎﺟﺎت! ﻓﻠﻔﻈﺔ ﻗﻀﺖ اﻷوﻟﻰ ﻣﻤﻜﻨﺔ واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﺴﺘﺤﻴﻠﺔ. ﻟﻠﻘﻠﺐ واﻟﺘﻜﺮار ﻓﻲ ﻟﻔﻈﺘﻲ اﻣﺾ وﻧﺎ ًرا ،ﻓﻲ ﻗﻮل أﺑﻮ ﻟﻴﻠﻰ :ﻗﻴﺲ ،اﻣﺾ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺮح إﻟﻰ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ،اﻟﻤﺴﺮح اﻟﻐﻨﺎﺋﻲ ،ﻣﺆﺗﻤﺮ ﻗﻴﺲ ،اﻣﺾ ،/وﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ :ﺟﺌﺖ ﺗﻄﻠﺐ ﻧﺎ ًرا أم ﺗﺮى ﺟﺌﺖ ﺗﺸﻌﻞ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﺎﺑﻊ ،اﻟﻘﺎﻫﺮة 1998 ،م ،ص . 33 اﻟﺒﻴﺖ ﻧﺎرا؟ ﺟﺎء ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺘﻮﺑﻴﺦ وإن ﻛﺎن ﻓﻲ ﻋﺘﺎب ﻣﻮﺟﻊ (2) .إﻧﻌﺎم أﺑﻮ ﻣﻨﺪور :ﺷﻮﻗﻲ وﻛﺮﻣﺘﻪ وﺛﺎﺋﻖ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ،اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻘﻮﻣﻲ وﻫﻜﺬا ﻳﺼﺒﺢ اﻟﺘﻜﺮار ﻛﺎﻟﻀﻮء اﻟﺬي ﻳُﺴﻠﻄﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻠﻰ اﻷﻋﻤﺎق ﻟﻠﻔﻨﻮن اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻴﺔ ،وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،اﻟﻘﺎﻫﺮة 1995 ،م-1996م ،ص . 91 ﻛﻲ ﻳﺴﻬﻞ اﻹﻃﻼع ﻋﻠﻰ ﺧﺒﺎﻳﺎﻫﺎ. وﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺤﺐ اﻟﻌﺬري ﻓﻲ اﻷوﺑﺮﻳﺖ ﻗﻮل ﻟﻴﻠﻰ :ﻧﺒﻨﻲ ﻗﻴﺲ ) (3ﺣﻨﻔﻲ اﻟﻤﺤﻼوي :ﺷﻌﺮاء أم ﻛﻠﺜﻮم ،اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺒﻴﺪ ﻣﻦ وﻃﺮ؟ وﻫﻨﺎ ﺗﻈﻬﺮ ﻏﻴﺮﺗﻬﺎ ﻣﻦ ذﻛﺮ ﻗﻴﺲ ﻟﻠﻜﺘﺎب ،اﻟﻘﺎﻫﺮة 2001 ،م ،ص . 99 ﻣﺎ اﻟﺬي ﻟﻚ ﻓﻲ ِ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻐﻴﺪ اﻟﺤﺴﺎن ﻓﻲ ﺷﻌﺮه. ﻛﺎﻧﺖ ﺧﺎﺗﻤﺔ اﻷوﺑﺮﻳﺖ ﻗﺼﻴﺪة ﺷﻮﻗﻲ »ﺳﺠﻰ اﻟﻠﻴﻞ« اﻟﺘﻲ ﺳﻤﻲ اﻟﻤﺸﻬﺪ ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ ،وﻗﺪ وﺻﻠﺖ اﻟﻤﻌﺎﻧﺎة إﻟﻰ ذروﺗﻬﺎ ﻟﺘﺪل ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻤﺤﺐ ﺑﻴﻦ ﺣﻼوة اﻟﻠﻘﺎء وﺟﻔﻮة اﻟﻠﻘﺎء، ﻓﻲ اﻷﺑﻴﺎت ﺗﻈﻬﺮ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻧﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻧﺘﻘﺎء اﻷﻟﻔﺎظ وﺣﺴﻦ ﺗﻨﺴﻴﻘﻬﺎ وﺗﺮاﺑﻂ اﻷﻓﻜﺎر وروﻋﺔ اﻟﺼﻮر، وﺗﺘﺠﻠﻰ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻮزن واﻧﺘﻘﺎء اﻟﻘﺎﻓﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﻧﻔﺴﻴﺔ ﺷﺨﻮﺻﻬﺎ .ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﺑﺔ اﻧﺼﺮف ﻗﻴﺲ ﻣﻠﻤﻠ ًﻤﺎ ﺟﺮاح اﻟﻬﻮى اﻟﺘﻲ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ ﻟﻠﺸﻔﺎء ﻣﻨﻬﺎ وﻟﻴﻠﻰ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻘﻴﺲ: ﻤﻞَ /وأ ﱠن اﻟ ﱠﻨﺄْ َي ﻳَﺸْ ِﻔﻲ ِﻣ َﻦ وﻗﺪ زﻋﻤﻮا أن اﻟﻤﺤﺐ إذا دﻧﺎ ﻳَ ّ اﻟﻮﺟﺪ ﺑﻜﻞ ﺗ َﺪا َوﻳْ َﻨﺎ ﻓﻠ ْﻢ ﻳُﺸْ َﻒ ﻣﺎ ِﺑ َﻨﺎ /ﻋﻠﻰ أ ﱠن ﻗُ ْﺮ َب اﻟ ﱠﺪا ِر َﺧﻴْ ٌﺮ ِﻣ َﻦ اﻟْﺒُ ْﻌ ِﺪ ﻟﻘﺪ ﺗﻤﻴﺰ أوﺑﺮﻳﺖ ﻣﺠﻨﻮن ﻟﻴﻠﻰ ﺑﺎﻟﺘﻌﺒﻴﺮ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻲ اﻟﺠﻴﺪ ﻋﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت ،ﺣﺘﻰ أن اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﺗﻜﺎد ﺗﻨﻄﻖ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ، وﺗــﺼــﻮره ﺗﺼﻮﻳﺮا دﻗﻴﻘﺎ ﻣﺨﻠﺼﺎ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻔﻖ اﻟﺼﻮر اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻔﻖ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻜﻠﻤﺎت. اﺳﺘﻄﺎع ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﺑﺎﻟﻠﺤﻦ ﻋﻦ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺴﺎﻣﻊ أن ﻳﺘﺨﻴﻞ ﺻﻮرﻫﻢ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﺸﺎﻫﺪﻫﺎ ،وﻳﺘﺼﻮرﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻤﻮاﻗﻒ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن ﻳﺮاﻫﺎ. ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﻔﻨﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ أﻛﺜﺮ اﻟﺘﺼﺎﻗﺎ ﺑﺒﻨﺎﺋﻬﺎ وأﻋﻈﻢ ﺧﺪﻣﺔ ﻟﺠﻮﻫﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻟﻤﺴﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺮاع اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻛﻴﻒ ﺗﺘﺼﺎدم
ﺗﺮاث
اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
111
اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ وﺷﻌﺮ اﻟﻔﺼﺤﻰ ﻳﻌﺪ اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﺬي اﺳﺘﻘﺎه اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﺎر ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب ﻣﻦ ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ »ﻣﺠﻨﻮن ﻟﻴﻠﻰ« ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ أﺣﻤﺪ ﺷﻮﻗﻲ وﻗﺪﻣﻪ ﻓﻲ ﻓﻴﻠﻢ )ﻳﻮم ﺳﻌﻴﺪ( 1939م ،ﻣﻦ أﻫﻢ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻐﻨﺎﺋﻴــــﺔ ﻟﻠﻤﻮﺳﻴﻘــــﻰ اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓـــﻲ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ اﻟﺪراﻣــﻲ ).(1 ﻛﺘﺐ ﺷﻮﻗﻲ ﻣﺴﺮﺣﻴﺘﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻣﺠﻨﻮن ﻟﻴﻠﻰ ﺳﻨﺔ 1931م ﻓﻲ ﺧﻤﺴﺔ ﻓﺼﻮل ،وﻳﻌﺪ اﻟﺮاﺋﺪ اﻷول ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ،وﻗﺪ ﺳﺎﻫﻢ ﻣﻊ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء ﻓﻲ ﻧﺸﺮ اﻟﻔﺼﺤﻰ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻬﻢ ﻟﻌﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب ،وﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ ﻟـ »ﻋﺒﺪه اﻟﺤﺎﻣﻮﻟﻲ« واﻟﺸﻴﺦ »ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻤﻨﻴﻼوي« واﻟﻤﻄﺮﺑﺔ »ﻣﻠﻚ« ) ،(2ﻛﻤﺎ ﻏﻨﺖ »أم ﻛﻠﺜﻮم« ﻋﺸﺮة ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻟﺸﻮﻗﻲ ﻣﻦ أﻟﺤﺎن »رﻳﺎض اﻟﺴﻨﺒﺎﻃﻲ« ) ،(3ﻣﻤﺎ ﺳﺎﻋﺪ رﺟﻞ اﻟﺸﺎرع اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﺬوق ﺷﻌﺮ اﻟﻔﺼﺤﻰ. وﺟﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ أن ﻋﻼﻗﺔ ﺷﻮﻗﻲ ﺑﻌﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻤﻌﻠﻢ ﺑﺘﻠﻤﻴﺬه اﻟﻨﺠﻴﺐ اﻟﺬي رأى ﻓﻴﻪ ﻣﻮﻫﺒﺔ وذﻛﺎ ًء؛ ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺳﻤﻌﻪ ﺷﻮﻗﻲ ﺗﺄﺛﺮ ﺑﻪ ﻓﺘﻮﻟﻰ ﺗﺮﺑﻴﺘﻪ وﺳﺎﻋﺪه ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻠﻢ ﻓﻦ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ واﻟﻐﻨﺎء ﻋﻠﻰ أﺻﻮﻟﻪ. ﻣﻦ ﻳﻘﺎرن ﺑﻴﻦ ﻣﺸﻬﺪ ﻣﺠﻨﻮن ﻟﻴﻠﻰ واﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ اﻟﻤﺄﺧﻮذ ﻋﻨﻬﺎ، ﺳﻮف ﻳﺠﺪ ﺑﻌﺾ اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت ،وﻫﻲ ﺗﻐﻴﻴﺮات ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب ﺳﻴ ًﺮا ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺞ أﺳﺘﺎذه ﺷﻮﻗﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻋﻠﻰ درر اﻟﺘﺮاث واﻟﻜﺸﻒ ﻋﻨﻬﺎ وإﻋﺎدة ﺻﻴﺎﻏﺘﻬﺎ ،ﻣﻌﺪﻻً ﻓﻲ اﻷوﺑﺮﻳﺖ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺘﺮﺗﻴﺐ واﻟﺘﻘﺪﻳﻢ واﻧﺘﻘﺎء اﻟﻜﻠﻤﺎت واﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﻘﻖ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ اﻟﺪراﻣﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺸﺪﻫﺎ؛ ﻓﻤﺜﻼ ﻳﻨﺘﻬﻲ اﻷوﺑﺮﻳﺖ ﺑﻘﺼﻴﺪة »ﺳﺠﻰ اﻟﻠﻴﻞ« ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن ﻗﻴﺲ ،رﻏﻢ أﻧﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ دﻧﻮ ﻗﻴﺲ ﻣﻦ دﻳﺎر ﻟﻴﻠﻰ ،ﻛﻤﺎ ﺟﺎءت ﺟﻤﻠﺔ اﻟﻤﻬﺪي أﺑﻮ ﻟﻴﻠﻰ: »اﻣﺾ ﻗﻴﺲ« ﻓﻲ اﻟﻔﻘﺮة ﻗﺒﻞ اﻷﺧﻴﺮة ﻣﻦ اﻷوﺑﺮﻳﺖ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻲ ﺧﺎﺗﻤﺔ اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ.
110
اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ وﺷﻌﺮ اﻟﻔﺼﺤﻰ
د .رﺷﺎ ﻏﺎﻧﻢ
ﻳﻨﻘﺴﻢ اﻟﺤﻮار ﻓﻲ اﻟﻤﺸﻬﺪ إﻟﻰ ﺗﺮﻳﺎﻟﻮج )ﺣﻮار ﺧﺎرﺟﻲ( ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت اﻟﺜﻼث :ﻗﻴﺲ ﺑﻦ اﻟﻤﻠﻮح )ﻓﺘﻰ ﻧﺠﺪ ﺟﻤﻴﻞ اﻟﻮﺟﻪ اﻟﻮﻟﻪ ﻓﻲ ﺣﺒﻪ( ﻛﻤﺎ وﺻﻔﻪ أﻣﻴﺮ اﻟﺸﻌﺮاء ،وﻫﻮ ﻣﺠﻨﻮن ﻟﻴﻠﻰ اﻟﺬي ﻫﺎم ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ وﻗﺎل اﻷﺷﻌﺎر ﺑﻜﻞ ﻣﻜﺎن وﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أن ﻳﻤﺴﻚ ﻟﺴﺎﻧﻪ ﻋﻦ ذﻛﺮ ﻟﻴﻠﻰ ﻟﺬا ﺣﺮم ﻣﻦ اﻟﺰواج ﻣﻨﻬﺎ ﻷﻧﻪ ﺷﺒﺐ ﺑﻬﺎ وﺧﺎﻟﻒ اﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻤﺘﺒﻌﺔ وﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺗﺤﻤﻞ ﻫﺬا اﻟﺤﺮﻣﺎن ﻓﻤﺎت ﻣﻦ ﺷﺪة اﻟﻌﺸﻖ . وﻟﻴﻠﻰ ،وﻫﻲ اﺑﻨﻪ اﻟﻤﻬﺪي وﻣﻌﺸﻮﻗﺔ ﻗﻴﺲ ،ﻛﺎﻧﺖ رزﻳﻨﺔ وﻋﺎﻗﻠﺔ ﺣﺘﻰ أﻧﻬﺎ رﻓﻀﺖ اﻟــﺰواج ﻣﻦ ﻣﺤﺒﻮﺑﻬﺎ ﻟﺘﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻋﺎﻧﺖ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﻦ ﺟﺮاء ﺣﺒﻬﺎ ﻟﻘﻴﺲ وإﺧﻼﺻﻬﺎ ﻟﻪ ﻓﺄﺿﻨﺎﻫﺎ اﻟﺤﺐ وﻣﺎﺗﺖ ﻛﻤ ًﺪا .واﻟﻤﻬﺪي وﻫﻮ واﻟﺪ ﻟﻴﻠﻰ وﻋﻢ ﻗﻴﺲ، ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻛﺎن ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺨﻴﺮ ﻻﺑﻨﺘﻪ وﻛﺎن ﻳﺘﻤﻨﻰ ﻟﻬﺎ وﻟﻘﻴﺲ اﻟﺴﻌﺎدة ﺑﺎﻟﺰواج وﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى ﻳﺮﻳﺪ ﺗﻨﻔﻴﺬ اﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ . ﺛﻢ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﻮار وﻫﻮ »اﻟﻤﻮﻧﻮﻟﻮج« أو اﻟﺤﻮار اﻟﺪاﺧﻠﻲ، وﻗﺪ ﺟﺎء ﻟﻴﻮﺿﺢ ﻣﺎ ﻳﺪور ﻓﻲ ذﻫﻦ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ وﻳﺸﺎرك اﻟﻘﺎرئ ﻓﻲ اﻻﺣﺪاث وﻳﺠﻌﻠﻪ ﻳﺘﻮﻗﻊ اﻟﻤﻘﺒﻞ ﻣﻨﻬﺎ وﻳﺤﻘﻖ اﻟﺘﺸﻮﻳﻖ وﻳﻌﻜﺲ ﻋﺪم اﺳﺘﻘﺮار ﻧﻔﺴﻲ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺴﻠﺴﻞ اﻟﻘﺼﺼﻲ. ﺗﻈﻬﺮ اﻟﻌﻘﺪة ﻓﻲ اﻟﻤﺸﻬﺪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺸﻜﻮ ﻗﻴﺲ ﺟﻔﺎء ﻟﻴﻠﻰ »ﻗﻴﺲ أﺷﺮح اﻟﺸﻮق ﻛﻠﻪ أم :ﻟﺴﺖ –ﻟﻴﻼي -دارﻳًﺎ ﻛﻴﻒ أﺷﻜﻮ وأﻧﻔﺠﺮ، ُ ﻣﻦ اﻟﺸﻮق أﺧﺘﺼﺮ؟« وﺟﺎء اﻟﺤﻞ ﻋﻨﺪ اﻧﺼﺮاف ﻗﻴﺲ وﻫﻮ ﻣﺎ زال ﻗﺮب« .وﻗﺪ ﺣﺬف ﻋﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب ﻳﺸﻜﻮ» :ﻓﻠﻢ ﻳﺸﻔﻨﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﺟﻮا ٌر وﻻ ُ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻋﻔﺮاء ﻓﻲ اﻷوﺑﺮﻳﺖ وﻋ ﱠﻮض ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ. وﺗﺒﺮز ﺑﻼﻏﺔ اﻟﻤﺸﻬﺪ ﻓﻲ اﻻﺳﺘﺨﺪام اﻟﺠﻴﺪ ﻟﺘﻨﻮع أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻻﺳﺘﻔﻬﺎم واﻷﻣﺮ واﻟﻨﻔﻲ واﻟﺪﻋﺎء ،ﻟﺘﺤﻤﻞ ﻣ ًﻌﺎ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺘﻨﺒﻴﻪ واﻟﺘﻌﺠﺐ واﻟﺪﻫﺸﺔ وﺗﺒﺮﻫﻦ ﻋﻠﻰ ﺻﺪق اﻟﻌﻮاﻃﻒ وﺗﻈﻬﺮ اﻟﺘﺤﺴﺮ ﻣﻦ ﺣﺎل
ﺣﻜﺎﻳﺎت اaﺳﻼف
ﺻﻨﺪوق اﻟﻌﺮوس ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻛﻞ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ ،ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻲء ﻛﺎن ﻳﺜﻴﺮ ﻓﻀﻮﻟﻲ وﻳﻄﻠﻖ اﻟﻌﻨﺎن ﻟﺨﻴﺎﻻﺗﻲ ﻓﻲ ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺻﻨﺪوق ﻣﻌﺪﻧﻲ ﺻﺪئ ﻛﺎن ﻣﻮﺿﻮﻋﺎً ﻓﻮق ﺧﺰاﻧﺔ اﻟﻤﻼﺑﺲ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ ﻧﻮم واﻟﺪي ،ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻮﻧﺎ ﻳﻔﺘﺤﺎﻧﻪ إﻻ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺎت ﻣﺤﺪدة ،ﻋﺎدة ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ّ ﻟﺤﻞ أزﻣﺔ ﻣﺎ ،وﻛﺄن ﻓﻴﻪ ﺳﺮ ﺣﻞ ﻛﻞ اﻷزﻣﺎت اﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻴﺔ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻔﺘﺤﺎﻧﺔ ﺗﻜﻮن ﺗﻠﻚ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ اﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ ،وﻧﻜﺎد ﻧﻨﺘﻈﺮ أن ﻳﺨﺮج ﻣﻨﻪ اﻟﻤﺎرد ﻫﺎﺗﻔﺎً» :ﺷﺒﻴﻚ ﻟﺒﻴﻚ« .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺮج ﻣﻨﻪ رواﺋﺢ ﻋﻄﻮر ﻗﻮﻳﺔ ﻻ ﻧﺸﻤﻬﺎ إﻻ ﻧﺎدرا ً ﻓﻲ ﺛﻴﺎب أﻣﻲ وﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺎت ﻗﻠﻴﻠﺔ. ﺑﺤﺬر ﺷﺪﻳﺪ ،ﻳﺤﺎوﻻن إﺑﻌﺎدﻧﺎﻋﻨﻬﻤﺎ ﺣﻴﻦ ﻳﻔﺘﺤﺎﻧﻪ ،وﻓﻴﻤﺎ ﻟﻮ ﺻﻌﺪ أﺣﺪﻧﺎ إﻟﻰ ﻫﻨﺎك ﻣﺸﺎﻛﺴﺎً ،ﻓﺴﻴﻜﻮن اﻟﺘﺤﺬﻳﺮ اﻷول واﻷﻫﻢ ،أﻻ ﻳﺴﻘﻂ اﻟﺼﻨﺪوق ،وﻟﻴﺲ ﺗﺤﺬﻳﺮا ً ﻣﻦ ﺳﻘﻮط اﻟﻄﻔﻞ ﻧﻔﺴﻪ ...وﻣﺎ ﻣﻦ ﻣﺮة دﺧﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺮﻓﺔ ،ﺣﺘﻰ وإن ﻛﻨﺖ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺠﻮع ﻷﻃﺎﻟﺐ أﻣﻲ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم ،إﻻ وذﻫﺒﺖ ﻧﻈﺮاﺗﻲ إﻟﻴﻪ وإﻟﻰ ﻗﻔﻠﻪ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺬي ﺻﺪئ ﻫﻮ اﻵﺧﺮ .ذﻟﻚ اﻟﺼﻨﺪوق ،ﻛﺎن ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺳﺮ ﺗﻮدع ﻓﻴﻪ أﻛﺜﺮ أﺳﺮار اﻷﺑﻮﻳﻦ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ أﺳﺮار اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ..وﻣﻦ ﺛﻢ أﺳﺮار اﻟﻜﻮن ﻛﻠﻪ وﻓﻖ رأﺳﻲ اﻟﺼﻐﻴﺮ آﻧﺬاك. ﻛﺒﺮت ،ﺻﺮت ﻓﺘﻰ ،وﻛﺎن ﻣﻦ أﺑﺮز أﺣﻼﻣﻲ أن أﺗﻮﺻﻞ إﻟﻰ أﺳﺮاره. ﺑﻌﺪ ﻣﻮت أﺑﻲ أﺻﺒﺤﺖ أﻣﻲ أﻗﻞ ﺣﺮﺻﺎً ﻋﻠﻴﻪ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺮك ﻗﻔﻠﻪ ﻣﻔﺘﻮﺣﺎً أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻴﺎن ﺑﻼ اﻛﺘﺮاث ،ﻓﺘﺴﻠﻠﺖ إﻟﻴﻪ ذات ﻇﻬﻴﺮة ﻳﻨﺎم ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻊ اﻟﻘﻴﻠﻮﻟﺔ إﻻ أﻧﺎ ،ﻓﺘﺤﺘﻪ واﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺮاﺋﺤﺔ، ﻣﺪدت أﺻﺎﺑﻌﻲ ﺑﺎرﺗﺠﺎف ،ﺣﺮﻳﺼﺎُ ﻋﻠﻰ ﻋﺪم ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺗﺮﺗﻴﺐ أي اﻟﺼﺮر ،ﻓﺘﺤﺖ إﺣﺪاﻫﺎ ﺷﻲء ﻓﻴﻪ ،وﻣﻤﺎ وﺟﺪﺗﻪ ﻫﻨﺎك؛ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ُ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺑﻀﻌﺔ أﺷﻴﺎء ﻓﻀﻴﺔ ﻣﻦ زﻳﻨﺔ أﻣﻲ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ أرﻫﺎ ﺗﻀﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻲ أﺑﺪا ً :ﺳﻮار ،ﻗﺮﻃﻴﻦ» ،ﺧﺰاﻣﺔ« ﻗﺮط أﻧﻒ ،ﺧﺎﺗﻢ وﻣﻜﺤﻠﺔ. ﺣﺰام ﺻﻮﻓﻲ وﺑﻌﺾ ﻣﻨﺎدﻳﻠﻬﺎ ،أدوات ﺣﻼﻗﺔ أﺑﻲ ،ﻋﻘﺎل ﻗﺪﻳﻢ، اﻟﻘﺮآن ،دﻓﺘﺮ ﻣﺪرﺳﻲ ﻓﻴﻪ ﺧﻄﺐ اﻟﺠﻤﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻜﺘﺒﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻪ.
د.ﻣﺤﺴﻦ اﻟﺮﻣﻠﻲ@
ﻛﻨﺖ ﻣﻀﻄﺮﺑﺎً وﻟﻢ أﻛﻤﻞ اﺳﺘﻜﺸﺎﻓﺎﺗﻲ ،ﺛﻢ اﻧﺘﻬﺰت ﻻﺣﻘﺎ ﻓﺮﺻﺔ ﺳﻬﺮة ﺷﺘﺎﺋﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻲ ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ذﻛﺮﻳﺎﺗﻬﺎ ﻣﻊ أﺑﻲ ﺑﺤﻨﻴﻦ .ﺳﺄﻟﺘﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺼﻨﺪوق .ﺻﻤﺘﺖ ﻃﻮﻳﻼً وﺷﺮد ذﻫﻨﻬﺎ ﻧﺎﻇﺮة إﻟﻰ اﻟﺒﻌﻴﺪ ،ﺛﻢ راﺣﺖ ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﻋﻨﻪ ﺑﺤﺐ ﻓﺎﺋﻖ .إﻧﻪ ﺻﻨﺪوق ﻋﺮﺳﻬﺎ اﻟﺬي أﻫﺪاه ﻟﻬﺎ واﻟﺪﻫﺎ وﻛﺎن اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﺣﻤﻠﺘﻪ ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻪ إﻟﻰ ﺑﻴﺖ أﺑﻲ وﻓﻴﻪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻤﻠﻚ ﻣﻦ ﻣﺎدﻳﺎت اﻟﺪﻧﻴﺎ .ﻛﺎن ﻟﻬﺎ وﺣﺪﻫﺎ وﻣﻊ اﻟﻮﻗﺖ ﺻﺎر واﻟﺪي ﻳﺸﺎرﻛﻬﺎ ﻓﻲ وﺿﻊ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻪ وﻣﻨﻬﺎ اﻟﻤﺎل اﻟ ُﻤ ﱠﺪﺧَﺮ ،وأﻧﻬﺎ ﺑﺎﻋﺖ ﻣﺎﻟﺪﻳﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻄﻊ ذﻫﺒﻴﺔ ﺣﻼً ﻷزﻣﺎت .ﺣﺪﺛﺘﻨﺎ ﻋﻦ ﺻﻨﺪوق اﻟﺠﺪة اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻦ ﺧﺸﺐ وﻣﻄﺮزا ً ﺑﺎﻟﻤﺴﺎﻣﻴﺮ اﻟﺪاﺋﺮﻳﺔ ،وﻋﻦ ﺻﻨﺎدﻳﻖ أﺧﺮى ﺳﺎﺣﺮة ﻟﻤﺠﺎﻳﻼﺗﻬﺎ. ﻻﺣﻘﺎ ﻋﺮﻓﺖ أن ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻛﺎن ﺷﺎﺋﻌﺎً ﻓﻲ ﺑﻠﺪاﻧﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﻗﺮون وﻟﻪ اﺳﻤﻪ اﻟﻤﺨﺘﻠﻒ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ :ﺻﻨﺪوق اﻟﻌﺮس ،ﺻﻨﺪوق اﻟﻌﺮوس، ﺻﻨﺪوق اﻟ َﻤﻬﺮ ،ﺻﻨﺪوق اﻷﻣﻞ ،ﺻﻨﺪوق اﻷﺣﻼم ،ﺻﻨﺪوق ِ اﻟﺴﺖ، ﺻﻨﺪوق اﻟ َﻤﺒﻴﺖ ،ﺻﻨﺪوق اﻟﺰﻫﺎب ،اﻟﻤﻨﺪوس ..وﻏﻴﺮﻫﺎ. ﻓﻲ زﻳﺎرﺗﻲ اﻷﺧﻴﺮة ﻟﺒﻠﺪي وﺟﺪﺗﻬﻢ ﻗﺪ ﺣﻮﻟﻮا ذﻟﻚ اﻟﺼﻨﺪوق إﻟﻰ ﺣﻮض ﻟﻌﻠﻒ اﻟﺒﻘﺮة ،ﺗﺄﻣﻠﺘﻪ ﻛﺜﻴﺮا ً ودﻣﻌﺖ ﻋﻴﻨﺎي ،ﻓﻜﺮت ﻃﻮﻳﻼ ﺑﺘﺎرﻳﺦ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ ﻫﺬا اﻟﺼﻨﺪوق اﻟﺴﺤﺮي وﻛﻢ ﺿﻢ وﺣﻤﻞ ﻣﻦ أﺣﻼم اﻟﺒﻨﺎت ،وﺑﺘﻠﻚ اﻷﻏﺎﻧﻲ واﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﻐﻨﺖ ﺑﻪ ،وﺑﻌﺎدات ﻛﻞ ﻣﻨﻄﻘﺔ وﻓﻨﻮن ﺻﻨﺎﻋﺎﺗﻪ ،وﺗﻤﻨﻴﺖ ﻟﻮ أﻧﻪ ﺗﻘﻠﻴﺪ ﻟﻢ وﻟﻦ ﻳﻨﺘﻬﻲ، وأن ﻳﻜﻮن ﻟﺰوﺟﺘﻲ واﺣﺪ ﻣﺜﻠﻪ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ ﻧﻮﻣﻨﺎ ،وأن أﻫﺪي اﺑﻨﺘﻲ واﺣﺪا ً أﻋﺪه ﻣﻊ ﻧﺠﺎر ﻣﺤﺘﺮف ﻗﺒﻞ أﺷﻬﺮ ﻣﻦ زواﺟﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن *ﻛﺎﺗﺐ ﻋﺮاﻗﻲ – إﺳﺒﺎﻧﻲ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
109
ŪŤĔőŤē ĴżňĔĸĉ
واﺗﻔﻘﺖ اﻟﻔﺘﺎة واﻟﻔﺘﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﺮب واﻟﺰواج ،ﺣﺪد ﻟﻬﺎ ﺑﻴﺮام اﻟﺰﻣﺎن واﻟﻤﻜﺎن ﺑﺠﻮار ﺷﺠﺮة اﻟﺘﻮت اﻷﺑﻴﺾ وﻋﻨﺪ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﻨﺒﻊ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﻣﻘﻤﺮة ،ذﻫﺒﺖ ﺗﺴﺒﻴﻪ وﺣﻴﻦ رأت اﻟﻘﻤﺮ ﻣﻜﺘﻤﻼ ﻗﺎﻟﺖ :ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﻘﻤﺮ اﻷﺑﻜﻢ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻨﻄﻖ! ﻏﻀﺒﺖ دﻳﺎﻧﺎ ،رﺑﺔ اﻟﻘﻤﺮ ،وﺻﻤﻤﺖ ﻋﻠﻰ اﻻﻧﺘﻘﺎم! أرﺳﻠﺖ ﻟﺒﺆة إﻟﻰ ﺣﻴﺚ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ أﻃﻠﻘﺖ ﺳﺎﻗﻴﻬﺎ ﻟﻠﺮﻳﺢ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻠﺒﺆة ﻟﻢ ﺗﺤﻔﻞ ﺑﻬﺎ، ﻷﻧﻬﺎ ﻗﺪ اﻓﺘﺮﺳﺖ ﻓﺮﻳﺴﺔ ﻗﺒﻞ ﺳﺎﻋﺔ وﻧﻬﺸﺘﻬﺎ ،وﻫﺬا ﻓﻤﻬﺎ ﻣﻠﻮث ﺑﺎﻟﺪم. ﻟﻢ ﺗﺼﻨﻊ اﻟﻠﺒﺆة ﺷﻴﺌﺎ ،إﻻ أﻧﻬﺎ رأت اﻟﺨﻤﺎر اﻷﺑﻴﺾ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ »ﺗﺴﺒﻴﻪ »ﻣﻠﺘﻔﻌﺔ ﺑﻪ ،ﻣﻠﻘﻰ ﻋﻠﻰ اﻷرض ،ﻓﻌﺎﺛﺖ ﻓﻴﻪ ،وﻛﺄﻧﻤﺎ أرادت أن ﺗﻤﺴﺢ ﻓﻤﻬﺎ ﺑﻪ ،ﻓﻠﻮﺛﺘﻪ ﺑﺎﻟﺪم ﺛﻢ ﻫﻤﺖ ﻧﺤﻮ اﻟﻨﺒﻊ ﻓﺎرﺗﻮت ﻋﻠﻰ ﻣﻬﻞ ،وﻋﺎدت أدراﺟﻬﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﺪﻏﻞ اﻟﺬي ﺗﺮﻛﺖ ﻓﻴﻪ ﻓﺮﻳﺴﺘﻬﺎ ﻟﺘﺄﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎﻳﺎﻫﺎ. أﻣﺎ اﻟﻔﺘﺎة ﻓﻘﺪ ﻇﻠﺖ ﺗﺠﺮي ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ ﺷﺠﺮة ﺿﺨﻤﺔ وﺟﺪت ﻓﻲ أﺻﻠﻬﺎ ﻓﺮاﻏًﺎ ﻓﺎﺧﺘﺒﺄت ﻓﻴﻪ ،وراﺣﺖ ﺗﻠﻬﺚ ﻣﻦ اﻟﺬﻋﺮ واﻟﺘﻌﺐ ،وﺗﺘﻤﻨﻰ أﻻ ﺗﺮﺗﺪ اﻟﻠﺒﺆة إﻟﻴﻬﺎ ،وﻗﺪ أﻳﻘﻨﺖ أن دﻳﺎﻧﺎ إﻟﻬﺔ اﻟﻘﻤﺮ، وﻗﺪ ﺳﻤﻌﺘﻬﺎ ﺣﻴﻦ ﻋﺎﺑﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺪر ﻣﺮﺿﻪ اﻟﻮﺣﺶ ﻓﻲ وﺑﻜﻤﻪ ،ﻓﺴﺎﻗﺖ إﻟﻴﻬﺎ ذاك ﺣﺶ ﻫﺬا اﻟﻠﻴﻞ. وﻟﻢ ﻳﻤﺾ وﻗﺖ ﻃﻮﻳﻞ ﻋﻠﻰ ﻚ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺪاث ﺣﺘﻰ أﻗﺒﻞ ﺑﻴﺮام وﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻬﻔﺔ ،وﺑﻘﻠﺒﻪ ﻗﻠﻖ، ﻓﻘﺼﺪ إﻟﻰ ﻣﻘﺒﺮة ﻧﻴﻨﻮس ﻓﻠﻢ ﻗﻠﻴﻼ ﻳﺠﺪ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ،ووﻗﻒ ً ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺗﺴﺒﻴﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ! ﻓﻲ ﺷﺠﻴﺮات اﻟــﻮرد وﻓﺴﺎﺋﻞ ﻒ اﻟﺨﺎﺋﻒ اﻟﺰﻧﺒﻖ ،وﻓﻲ اﻟﻌﺸﺐ اﻟﻤﺬﻋﻮر ﺣﻮل اﻟﻤﻘﺒﺮة ،واﻧﺘﺎﺑﻪ ﻲء ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻮﺟﺪ واﻟﺬﻫﻮل ،ﺛﻢ ﺗﺬﻛﺮ ﻴﻌﺎده ﻣﻴﻌﺎده ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺒﻊ اﻟﻘﺮﻳﺐ ﺗﺤﺖ ﺔ اﻟﺘﻮﺗﺔ اﻟﺒﻴﻀﺎء ﻓﺬﻫﺐ إﻟﻰ ﻫﻨﺎك. ﻳﺎ ﻟﻠﻬﻮل! وﻳﺎ ﻟﻠﻔﺰع اﻷﻛﺒﺮ ! ﻣﺎ ﻫﺬا؟ ﺧﻤﺎر ﺣﺮﻳﺮي أﺑﻴﺾ؟ ﻟﻤﻦ ﻫﺬا اﻟﺨﻤﺎر ﻳﺎﺗﺮى؟ أواه! إﻧﻪ ﺧﻤﺎرﻫﺎ ﻻ رﻳﺐ! ﻟﻘﺪ ﺷﻬﺪﺗﻬﺎ ﺗﻠﺘﻔﻊ ﺑﻪ ﻣﺮا ًرا! ﻳﺎ أرﺑﺎب اﻟﺴﻤﺎء! ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﺪم؟ واأﺳﻔﺎه ﻋﻠﻴﻚ ﻳﺎﺗﺴﺒﻴﻪ! ﻟﻘﺪ ﻗﺘﻠﺘﻚ اﻟﻮﺣﻮش ﻓﻠﻦ أراك ﺑﻌﺪ اﻟﻴﻮم ،أﻧﺎ اﻟﺴﺒﺐ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻰ ،ﻟﻘﺪ ﺟﺮرت ﻋﻠﻴﻚ ﻫﺬا ﺑﺎﻗﺘﺮاﺣﻲ اﻟﻀﺎل ،أﻻ ﻟﻴﺖ أﻣﻲ ﻟﻢ ﺗﻠﺪﻧﻲ ،أي وﺣﺶ اﻓﺘﺮﺳﻚ ﻳﺎﺗﺴﺒﻴﻪ؟ أﻳﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ اﻟﻘﺒﻴﺢ اﻷﺑﻜﻢ ،ﻟﻤﺎذا أﻏﺮﻳﺘﻨﺎ ﺑﻬﺬا اﻟﻠﻘﺎء؟ أﻧﺖ ﺗﺘﺴﺘﺮ اﻵن ﺣﻴﺎء وﺧﺠﻼ ﻣﻦ ﻓﻌﻠﺘﻚ اﻟﺘﻲ ﻓﻌﻠﺖ ،وﻛﻨﺖ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﺳﺎﻓﺮا ﻣﺘﺒﺮﺟﺎ ،أﻏﺮب أﻳﻬﺎ اﻷﺻﻔﺮ ﻛﺼﻔﺮة اﻟﻤﻮت ،ﻓﻼ ﺟﻤﺎل ﻓﻴﻚ ،أوه، وﻟﻜﻦ ﻻ ،أﻧﺎ اﻟﺬي ﻗﺘﻠﺘﻬﺎ ،وﻻ ذﻧﺐ ﻟﻚ ﻳﺎ ﻗﻤﺮ ،أﻧﻰ أﺳﺘﻐﻔﺮك ،أﺑﻖ ﻛﻞ ذﻛﺮﻳﺎﺗﻲ ﻋﻨﺪك ،ﻓﻼ آﻣﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ إﻻ أﻧﺖ ،أﻣﺎ أﻧﺎ ،ﻓﻬﻠﻢ ﻳﺎ ﺳﻴﻒ أﺳﻜﻦ ﻫﻨﺎ ،ﻓﻲ ﺣﺒﺔ اﻟﻘﻠﺐ« 108
»ﺑﻴﺮام« و »ﺗﺴﺒﻴﻪ« أﺳﻄﻮرة ﺛﻤﺎر اﻟﺘﻮت اﻟﺤﻤﺮاء
وأﻟﻘﻰ اﻟﻔﺘﻰ اﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﻧﻈﺮة ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺣﻮﻟﻪ ،ﻻ ﺣﺮﺻﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻤﺮة ،وﻟﻜﻦ ﻟﻴﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻧﻈﺮت إﻟﻴﻪ ﺗﺴﺒﻴﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺄﻛﻠﻬﺎ اﻟﻮﺣﺶ ،ﺛﻢ أﻏﻤﺪ ﺳﻴﻔﻪ ﻓﻲ ﺻﺪره وﺳﻘﻂ ﻳﺘﺠﺮع ﻏﺼﺔ اﻟﻤﻮت. وﻫﺪأ روع ﺗﺴﺒﻴﻪ ،ﻓﺒﺮزت ﻣﻦ ﻣﻜﻤﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﻐﺎﺑﺔ ،ﻟﺘﺮى ﻣﻦ أﻳﻦ ﻛﺎن ﻳﺘﺮدد ﻓﻲ أذﻧﻴﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻨﺪاء اﻟﺤﺒﻴﺐ ،وﻛﺎن ﺷﺒﺢ اﻟﻠﺒﺆة ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻟﻬﺎ ﻓﻴﻔﺰﻋﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﻴﺮ ﺑﺨﻄﻰ وﺋﻴﺪة ﻷﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﺷﻜﺖ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻓﻲ أن اﻟﻨﺪاء ﻫﻮ ﻟﺤﺒﻴﺒﻬﺎ ،ﻷن اﻟﺼﻮت اﻟﻔﻀﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻤﺘﺰج ﺑﺄﺿﻮاء اﻟﻘﻤﺮ ﻓﻴﻐﻤﺮ أذﻧﻴﻬﺎ وﻗﻠﺒﻬﺎ ،ﻛﺎن ﻻ ﻳﺰال ﻳﺪاﻋﺐ أذﻧﻴﻬﺎ اﻟﺼﻐﻴﺮﺗﻴﻦ، ﺛﻢ ﺑﺪا ﻟﻬﺎ أن ﺗﺴﺮع اﻟﺨﻄﻰ ﺣﺘﻰ ﺗُﻨﺒﻪ ﺑﻴﺮام إﻟﻰ وﺟﻮد ﻟﺒﺆة ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻬﻞ اﻟﺠﻤﻴﻞ ،ﻓﺄﺳﺮﻋﺖ وأﺳﺮﻋﺖ. ـ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺘﻠﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﻨﺒﻊ؟ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺷﻚ. ﺛﻢ أﺳﺮﻋﺖ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذي ﻗﺒﻞ. ـ ﺑﻴﺮام ،ﻣﺎ ﻫﺬا!اﻟﺴﻴﻒ ﻓﻲ ﺻﺪرك! ﺣﺒﻴﺒﻰ رد ﻋﻠﻰ ،ﻛﻠﻢ ﺗﺴﺒﻴﻪ ،ﻫﺎ أﻧﺎ ذي ،ﻟﻢ ﻗﺘﻠﺖ ﻧﻔ ﻧﻔﺴﻚ ﻳﺎ ﺑﻴﺮام؟ آه! ﻫﺬا اﻟﺨﻤﺎر اﻷﺑﻴﺾ، إﻧﻪ ﻣﻠﻮث ﺑﺎﺑﺎﻟﺪم ،ﻟﻘﺪ ﻋﺎﺛﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﻠﺒﺆة اﻟﻤﻠﻌﻮﻧﺔ! ـ ـ ﺗﺴـ .....ﺑﻴﻪ! وﻫــﻤــﺲ اﻟﻘﺘﻴﻞ ﻫــﺬا اﻻﺳـــﻢ اﻟﻤﺤﺒﺐ ووﺣﺸﺮﺟﺔ اﻟﻤﻮت ﻓﻲ ﺻــﺪره ،ﺛﻢ ﻓﺘﺢ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻗﻠﻴﻼ ﻓــﺮأى ﻓﺘﺎﺗﻪ ﺗﺒﻜﻲ ﻓﻮق رأﺳﻪ ،ﻓﺘﺒﺴﻢ ،ﺛﻢ ﻣﺎت. ـ ﺑﻴﺮام ،ﻻ ،ﻻ ﺗﻤﺖ ،ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﻌﻴﺶ ﻣﻦ أﺟﻠﻰ. وﻟﻜﻨﻪ ﻣﺎت ﺑﺮﻏﻢ ﻫﺬه اﻷﻣﺎﻧﻲ. ـ إذن أﻧﺎ اﻟﺘﻲ ﻗﺘﻠﺘﻚ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﻰ ،اﺷﻬﺪي ﻳﻳﺎ ﺗﻮﺗﺘﻨﺎ اﻟﺒﻴﻀﺎء. ﺛﻢ رﻓﻌﺖ ﺑﺼﺮﻫﺎ إﻟﻰ ﻓﻮق ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﺗﺮ ﺗﺮى اﻟﺜﻤﺮ اﻟﺸﻬﻲ اﻷﺑﻴﺾ ،رأت ﺛﻤﺮا أﺣﻤﺮ ﻳﻘﻄﺮ دﻣﺎ ﻗﺎﻧﻴﺎ. ـ أأوه! روﻳﺖ ﻣﻦ دﻣﻪ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺸﺠﺮة ﻓﻀﺮﺟﺖ ﺛﻤﺮك ﻣﻦ ﺣﺒﻨﺎ وﺳﻌﺎدﺗﻨﺎ؟ ﻳﺎ ﻟﻠﻘﺴﻮة! ﺗﻌﺎﻟﻮا ﻳﺎ أﻫﻞ ،ﺗﻌﺎﻟﻮا أﻳﻬﺎ اﻟﻘﺴﺎة ،ﻓﺘﺸﻮا ﻋﻦ اﻟﺮﺣﻤﺔ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ اﻟﻤﺘﺤﺠﺮة واذرﻓﻮا دﻣﻮﻋﻜﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ ،اﺣﺬروا أن ﺗﻔﺮﻗﻮا ﺑﻌﺪ اﻟﻴﻮم ﺑﻴﻨﻨﺎ ،ﻓﻘﺪ رﺑﻂ اﻟﻤﻮت ﺑﻴﻦ أرواﺣﻨﺎ ،ﻟﻘﺪ أﺑﻴﺘﻢ أن ﻧﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻼ ﺗﻔﺮﻗﻮا ﺑﻴﻨﻨﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت ،وداﻋﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ، وداﻋﺎ ﻓﻘﺪ ﻇﻠﻤﻨﺎك! ﺛﻢ ﺟﺬﺑﺖ اﻟﺴﻴﻒ ﻣﻦ ﺻﺪر ﺣﺒﻴﺒﻬﺎ وأﻏﻤﺪﺗﻪ ﻓﻲ ﺻﺪرﻫﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻗﺒﻠﺖ ﺑﻴﺮام اﻟﻤﻴﺖ ﻗﺒﻠﺔ اﻟﻮداع ،وﺳﻘﻄﺖ ﺗﺘﺨﺒﻂ ﻓﻲ دﻣﺎﺋﻬﺎ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ ،ﺛﻢ ﻗﺎوﻣﺖ ﺳﻜﺮات اﻟﻤﻮت ﻓﻮﺿﻌﺖ رأﺳﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻞ ﻓﻮق ﺻﺪره وﻟﻔﻈﺖ آﺧﺮ أﻧﻔﺎﺳﻬﺎ. وأﻗﺒﻞ أﻫﻠﻮﻫﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﻓﺒﻜﻮا ﻛﺜﻴﺮا ،ﺛﻢ أﻗﺎﻣﻮا ﻟﻠﺤﺒﻴﺒﻴﻦ ﻗﺒﺮا ً واﺣﺪا ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎم اﻟﻨﺎﺻﻊ ﻋﻨﺪ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﻨﺒﻊ ،ﺗﺤﺖ اﻟﺘﻮﺗﺔ اﻟﺤﻤﺮاء
ﻏﻀﺒﺖ دﻳﺎﻧﺎ ،رﺑﺔ اﻟﻘﻤﺮ ،وﺻﻤﻤﺖ ﻋﻠﻰ اﻻﻧﺘﻘﺎم! أرﺳﻠﺖ ﻟﺒﺆة إﻟﻰ ﺣﻴﺚ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ أﻃﻠﻘﺖ ﺳﺎﻗﻴﻬﺎ ﻟﻠﺮﻳﺢ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻠﺒﺆة ﻟﻢ ﺗﺤﻔﻞ ﺑﻬﺎ، aﻧﻬﺎ ﻗﺪ اﻓﺘﺮﺳﺖ ﻓﺮﻳﺴﺔ ﻗﺒﻞ ﺳﺎﻋﺔ وﻧﻬﺸﺘﻬﺎ ،وﻫﺬا ﻓﻤﻬﺎ ﻣﻠﻮث ﺑﺎﻟﺪم ارﺗﺒﻂ اﺳﻢ دﻳﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺨﻴﻠﺔ اﻟﻘﺎرئ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺄﻣﻴﺮة وﻳﻠﺰ ﻟﻴﺪى دﻳﺎﻧﺎ اﻟﺘﻲ راﺣﺖ ﺿﺤﻴﺔ ﺣﺎدث ﺳﻴﺮ ﻣﺄﺳﺎوي ،ﻟﻜﻦ اﻻﺳﻢ ﻫﻨﺎ ﻳﺮﻣﺰ ﻟﺮﺑﺔ اﻟﻘﻤﺮ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﻘﻤﺖ ﺷﺮ اﻧﺘﻘﺎم ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺟﻤﻴﻼت ﺑﺎﺑﻞ ﺑﺴﺒﺐ ﻛﻠﻤﺔ ﻋﺎﺑﺮة ﻋﺎﺑﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻛﺘﻤﺎل اﻟﺒﺪر !
ﺗﻤﺜﺎل دﻳﺎﻧﺎ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
107
ŪŤĔőŤē ĴżňĔĸĉ ﺗﺴﻴﺒﻪ ،ﻟﻮﺣﺔ ﻟﺠﻮن وﻳﻠﻴﺎم 1909
اﻧﺘﻘﺎﻣﺎ ﻗﺘﻠﺘﻬﻤﺎ دﻳﺎﻧﺎ ً
»ﺑﻴﺮام« و »ﺗﺴﺒﻴﻪ« أﺳﻄﻮرة ﺛﻤﺎر اﻟﺘﻮت اﻟﺤﻤﺮاء ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺮﻛﺔ
ارﺗﺒﻂ اﺳﻢ دﻳﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﺨﻴﻠﺔ اﻟﻘﺎرئ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺄﻣﻴﺮة وﻳﻠﺰ ﻟﻴﺪى دﻳﺎﻧﺎ اﻟﺘﻲ راﺣﺖ ﺿﺤﻴﺔ ﺣﺎدث ﺳﻴﺮ ﻣﺄﺳﺎوي ،ﻟﻜﻦ اﻻﺳﻢ ﻫﻨﺎ ﻳﺮﻣﺰ ﻟﺮﺑﺔ اﻟﻘﻤﺮ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﻘﻤﺖ ﺷﺮ اﻧﺘﻘﺎم ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺟﻤﻴﻼت ﺑﺎﺑﻞ ﺑﺴﺒﺐ ﻛﻠﻤﺔ ﻋﺎﺑﺮة ﻋﺎﺑﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻛﺘﻤﺎل اﻟﺒﺪر! ﻟﻮﺣﺔ ﺗﺠﺴﺪ ﺑﻴﺮام و ﺗﺴﺒﻴﻪ
ﻛﺎن أﺟﻤﻞ ﺷﺒﺎب ﺑﺎﺑﻞ ،وﻛﺎﻧﺖ أﺟﻤﻞ ﺣﺴﺎﻧﻬﺎ ،ﻛﺎن ﻓﺘﻨﺔ ﻓﻲ ﻓﺘﻨﺔ، ﺟﺴﻢ ﻗﻮي ،وﺧﻠﻖ ﺣﻴﻲ ،وﻗﻮام ﻣﻔﺘﻮل ،وﻧﻔﺲ ﺣﻠﻮة .وﻛﺎﻧﺖ وﺳﻴﻤﺔ ﺧﻔﻴﻔﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ،ﻏﻀﺔ ﻛﺎﻟﻮردة ،ﻋﻄﺮﻳﺔ ﻛﺄﻧﻔﺎس اﻟﺒﻨﻔﺴﺞ ،ﺗﻔﺘﺮ ﻋﻦ ﻓﻢ ﺧﻤﺮي ،وﺗﺮﻧﻮ ﺑﻌﻴﻨﻴﻦ ﻧﺠﻼوﻳﻦ ،وﺗﺮﺳﻞ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮﻫﺎ اﻟﻌﺎﺟﻲ ﺗﺎرة ،وﺻﺪرﻫﺎ اﻟﻤﺮﻣﺮي أﺧﺮى ،ﻳﺪاﻋﺒﻪ اﻟﻨﺴﻴﻢ ،وﺗﻨﺘﻈﻢ ﻓﻴﻪ ﺣﺒﺎت اﻟﻘﻠﻮب. وﻛﺎن ﺑﻴﺘﺎﻫﻤﺎ ﻣﺘﻼﺻﻘﻴﻦ ،ﻓﻜﺎن ﻳﺮاﻫﺎ وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮاه ،وﻛﺎن ﻳﻠﻘﺎﻫﺎ وﺗﻠﻘﺎه، وﻛﺎﻧﺎ ﻳﺘﻼﻋﺒﺎن ﻓﻲ اﻟﺼﻐﺮ ،ﻃﻔﻠﻴﻦ ﻛﺎﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ،ﺛﻢ ﺷﺒﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﺎ ﻳﺬﻫﺒﺎن إﻟﻰ اﻟﺨﻼء واﻷدﻏﺎل ،وﻳﻠﺘﻘﻴﺎن ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺒﻊ اﻟﻘﺮﻳﺐ ،وﻳﺘﺴﻠﻖ »ﺑﻴﺮام »أﺷﺠﺎر اﻟﺘﻮت اﻷﺑﻴﺾ ـ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺘﻮت اﻷﺣﻤﺮ ﻗﺪ ﻋﺮف ﺑﻌﺪ ـ ﻓﻴﻬﺰ أﻏﺼﺎﻧﻬﺎ وأﻓﻨﺎﻧﻬﺎ ،وﻳﺴﺎﻗﻂ اﻟﺜﻤﺮ اﻟﺸﻬﻲ اﻟﻠﺬﻳﺬ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺸﺐ رﻃﺒﺎ ﺟﻨﻴﺎ ﻓﺘﺄﻛﻞ »ﺗﺴﺒﻴﻪ « وﺗﻘﺮ ﻋﻴﻨﺎ. 106
»ﺑﻴﺮام« و »ﺗﺴﺒﻴﻪ« أﺳﻄﻮرة ﺛﻤﺎر اﻟﺘﻮت اﻟﺤﻤﺮاء
ﺿﻮء آﺧﺮ
ﻓﻲ ﻧﻘﺪ اﻟ ﱠﻨﺺ اﻟﺘﺮاﺛﻲ ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ اﻋﺘﺒﺎر اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺷﻌ ًﺮا ﻓﺤﻮﻟ ًﻴﺎ ﺑﺎﻣﺘﻴﺎز؟ﺳﺆال ﻛﻬﺬا ﻳُ َﻔ ﱢﺠ ُﺮ ﺗﻌ ﱡﺪد اﻟﻘﺮاءات اﻟ ﱠﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺎوﻟﺖ ﻣﺴﺎءﻟﺔ اﻟ ٍّﻨﺺ اﻟﺘﺮاﺛﻲ ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄة إواﻟﻴﺎت اﻟ ﱞﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ وﺻﻮﻻً إﻟﻰ اﻟﺨﻄﺎﺑﺎت وﻟﻌﻞ أﺑﺮزﻫﺎ )اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ( ﻛﻤﺎ ﺑﺸﱠ ﺮ ﺑﻪ ﻋﺮﺑ ًﻴﺎ اﻟ ﱞﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،ﱠ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻐﺬاﻣﻲ ،ﻛﻤﺤﺎوﻟ ٍﺔ ﻟﻜﺴﺮ ﻋﻤﻮد اﻟﻨﺴﻖ اﻟﻔﺤﻮﻟﻲ اﻟﻤﺘﺠﺬر ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟ َﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ ،ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻰ ﻣﺴﺎءﻟﺔ اﻟﻈﺎﻫﺮة اﻷدﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ ٍ أﺳﺲ ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ،ﻓﺈن اﻟ ﱠﻨﻘﺪ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻳﺬﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ اﻷﻧﺴﺎق اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﺑﻮﺻﻒ اﻟ ﱠﻨﺺ اﻷدﺑﻲ ﻋﻼﻣﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﺗﻨﻄﻮي ﻋﻠﻰ ﺳﻤﺎت داﻟﱠ ٍﺔ وﻣﺤ ﱢﺪدات ﻧﺴﻘﻴﺔ. ﻳﻄﺮح اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻹﺑﺪاﻻت وﻣﺸﺮوع اﻟﻐﺬاﻣﻲ اﻟﻨﻘﺪي ﻻ ﻳﻨﻔﻚ ُ اﻟ ﱠﻨﻘﺪﻳﺔ ،ﺗﺮو ُم ﺗﺤﺮﻳﻚ اﻟﻤﻴﺎه اﻟ ﱠﺮاﻛﺪة ﺗﺤﺖ اﻟﺠﺴﺮ ،ﺑُﻐﻴ َﺔ ﺗﻜﺸﱡ ﻒ ﺳﻠﻄﺔ اﻟﻨﺴﻖ اﻟﻔﺤﻮﻟﻲ ،ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﻧﻤﻮذج ﻗﻴﻤﻲ«ﻳﻌﺰز ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺘﺴﻠﻂ واﻟﺘﻌﺎﻟﻲ اﻟﻔﺮدي وﻳﺪﻓﻊ ﻃﻐﻴﺎن اﻟﺬات اﻟﻤﻔﺮدة ،واﻵﻧﺎ اﻟﻤﺘﻮﺣﺪة ،واﻟﻤﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻀﺮورة ﺑﺈﻟﻐﺎء اﻵﺧﺮ ورﻓﺾ اﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ، وﺗﺮﺳﻴﺦ اﻟﺼﻮت اﻟﻔﺮد ،وﻫﻲ ﻗﻴﻢ ﺧﻠﻘﻬﺎ وﻋﺰزﻫﺎ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻔﺤﻮﻟﻲ اﻟﺸﻌﺮي ،وﺻﺎرت ﻗﺎﻋﺪة ﻣﺴﻠﻜﻴﻦ ﻟﻜﻞ ﻧﻤﺎذج اﻟﺘﺴﻠﻂ واﻟﻔﺮدﻳﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ«).(1 إن ﻣﺎ ﻳﺤﻜﻢ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄﺗﻬﺎ ﺣﺘﻰ وﻗﺘﻨﺎ اﻟﺮاﻫﻦ، ﻫﻲ اﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﻤﻌﻴﺎرﻳﺔ ،وﻟﻴﺴﺖ اﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﺜﱠﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻓﻬﻲ« ﻟﻢ ﺗﺨﺮج ﻋﻦ ﻧﻈﻢ اﻟﺸﻌﺮ ،ﻛﻤﺎ ﺟﺎءﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺟﻮﻫﺮﻫﺎ ،ﻣﻦ ﻗﺪﻳﻢ اﻟﺸﻌﺮ، أي ﻣﻦ »اﻟﻘﺼﻴﺪة« ،ﻛﻤﻘﺘﺮح ﺷﻌﺮي ،ﺣﺠﺐ ﻏﻴﺮه ،أو ﺻﺎر ﻫﻮ ﻋﻴﺎر اﻟﺸﻌﺮ ،وﻟﻴﺲ ﻋﻴﺎر اﻟﻘﺼﻴﺪة«) ،(2إﻧﻨﺎ أﻣﺎم ﻣﻌﻀﻠ ِﺔ اﻟ ﱠﻨﺺ ﺗﺮﺳﺒﺎت اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وإﻋــﺎدة اﻟﻨﻈﺮ ُ اﻟﺘﺮاﺛﻲ، وﺳﺒﻞ اﻟﺨﻼص ﻣﻦ ﱡ ﻓﻲ اﻟﻘﻴﻢ واﻟﺘﺼﻮرات اﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻤﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻳَﺘﻤﻜﱠﻦ ﻣﻦ اﺳﺘﻴﻌﺎب اﻟﺨﻄﺎﺑﺎت اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﺑﻤﺎ ﻫﻲ ﺧﻠﺨﻠ ٌﺔ وزﻋﺰﻋﺔ ﻟﻠﺴﻠﻄﻮي ﺘﺮﺳ ِﺦ ﻓﻴﻨﺎ ،ﻟﻜﻦ ،ﻫﺬا ﻟﻦ ﻳﺤﺪث إﻻ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻮﻋﻲ ﺑﻬﺬا واﻟ ُﻤ ﱢ اﻟﺘﺮاث ﻛﺼﻴﺮورة ﺣﺘﻤﻴﺔ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ أﺟﻮﺑﺔ ﻟﻠﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺮاﻫﻦ ،ﻻ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ٍ ﻛﻤﺎض ﻳﻤﻀﻲ دو َن أن ﻳﺤﺪث ﺧﻠﺨﻠ ًﺔ
رﺷﻴﺪ اﻟﺨﺪﻳﺮي@
ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﺎت ،ﻓـ«اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻫﻮ ﻣﻜﺎن ﻣﻌﺮﻓ ٍﺔ ،وﻫﻮ أﺣﺪ أﺷﻜﺎل اﺧﺘﺒﺎر اﻟﺤﺎﺿﺮ ،اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺑﺪا ،وﺟﻮدا ﻣﻦ ﻓﺮاغ ،اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﻤﺎﺿﻲ، ﺣﻴﻦ ﺗﻜﻮن وﻋﻴﺎ ﺑﺎﻟﺤﺎﺿﺮ ،ﻛﺸﺮط ﻣﻌﺮﻓﺔ ووﺟﻮد ،أو اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ اﻟﺤﺎﺿﺮ ﺑﻌﻴﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وﺗﻔﺴﻴﺮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻓﻲ زﻣﻨﻨﺎ ﺑﺰﻣﻦ ﻏﻴﺮﻧﺎ ،إن ﻫﺬا اﻟﻐﻴﺮ ﺳﻮاء ﻛﺎن ﺳﻠﻔﺎ ﻟﻨﺎ ،أو ﻟﻐﻴﺮﻧﺎ ،ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﺷﻜﻞ إﻗﺎﻣﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻮد«(3). ﻳﻌﻨﻲ ﻫﺬا ﺿﻤﻨﻴًﺎ ،أن اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ اﻻﺷﺘﺮاط اﻟﻜﻠﱢﻲ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔِ اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ واﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ،ﻳﺘﻀ ﱠﻤﻦ أﻓﻘًﺎ ﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟ ُﻤﺴﻠﱠﻤﺎت ،وﻳُﻌﻴ ُﺪ ﺗﻤﺜﻠﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺟﺪﻳﺪ ،ﻓﺎﻟﻨﻈﺮ ﻳُ ُ »ﻓﻲ ﻣﻨﺠﺰات اﻟﺴﻠﻒ ،ﺳﻠﻔﻨﺎ ،ﻻ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﺗﺮاﺛ ًﺎ ﺗﻔﺼﻠﻨﺎ ﻋﻨﻪ اﻟﻘﺮون ،ﺑﻞ اﻻﻧﻄﻼق ﻣﻦ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺘﺎم ﺑﺄﻧﱠﻬﺎ ﺣﺎﻟﺔ ﻓﻴﻨﺎ ،ﺗﺤﻴﺎ ﻣﻌﻨﺎ، ﻣﻨﻘﻮﺷ ًﺔ ﻛﺎﻟﻮﺷﻢ ﻓﻲ ﺻﻤﻴﻢ ذواﺗﻨﺎ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﻤﺜﻠﻬﺎ وﺗﻔﻬﻤﻬﺎ ﻗﺼﺪ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺣﺪث اﻟﺘﱠﻤﻠﻚ ﺗﻤﻠّﻜﻬﺎ ،وﺗﻤﻠّﻜﻬﺎ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ اﻻﻛﺘﻔﺎء ﺑﺘﺮدﻳﺪﻫﺎ أو ﺗﺤﺪﻳﺜﻬﺎ ﻋﻨﻮة وﻗﻬ ًﺮا واﺳﺘﺒﺪادا ،ﺑﻞ ﻳﻌﻨﻲ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻜﺮ ﻓﻴﻪ ﺳﻠﻔﻨﺎ ﻟﻠﺸﺮوع -وﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻬﺎم -ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻔﻜّﺮوا ﻓﻴﻪّ«)(4 *ﺑﺎﺣﺚ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب
ﻫﻮاﻣﺶ: - 1ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻐﺬاﻣﻲ ،ﺻﺮاع اﻷﻧﺴﺎق – ﻋﻮدة اﻟﻔﺤﻞ /رﺟﻌﻴﺔ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ،-ﻣﺠﻠﺔ ﻓﻜﺮ وﻧﻘﺪ ،اﻟﻌﺪد ،31ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ،2000ص.104 - 2ﺻﻼح ﺑﻮﺳﺮﻳﻒ ،اﻟﺸﻌﺮ وأﻓﻖ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،ﻣﻨﺸﻮرات ﺿﻔﺎف- ﻣﻨﺸﻮرات اﻻﺧﺘﻼف -دار اﻷﻣﺎن ،ط ،2014 ،1ص.12 اﻟﺸﻌﺮ وأﻓﻖ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺒﻖ ذﻛﺮه ،ص.31-27 - 4ﻣﺤﻤﺪ ﻟﻄﻔﻲ اﻟﻴﻮﺳﻔﻲ ،ﻓﻲ ﺑﻨﻴﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ،دار ﺳﻴﺮاس ﻟﻠﻨﺸﺮ ،ط ،1992 ،2ص.08
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
105
ūŵŭŘ
ﺟﻤﻴﻼ وﻣﻌﺒ ًﺮا ﻋﻦ ﺷﻐﻔﻪ ً ﻛﺎن ﻳﻨﺰف ﻏﻨﺎء وﺷﻮﻗﻪ ﻟﻠﺤﻴﺎة واﻟﺤﺐ. ﻛﺎن ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ ﻳﺘﺼﺮف ﺑﺎﻟﻨﺺ ﻗﺒﻞ ﺗﻠﺤﻴﻨﻪ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس وﻋﻴﻪ اﻟﻔﻨﻲ اﻟﺬي ﻳﺪرك ﺟﻴ ًﺪا أﻫﻤﻴﺔ اﻟﻤﻔﺮدة اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﻠﻐﻨﺎء ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻐﻴﺮ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻔﺮدات ﺑﺎﻟﺘﻔﺎﻫﻢ ﻣﻊ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻜﻨﺪي ،وﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻼﻓﺘﺔ أﻏﻨﻴﺔ »ﺻﺒﺎح اﻟﺨﻴﺮ ﻣﻦ ﺑﺪري« وﻫﻲ ﻗﺼﻴﺪة ﺻﺒﺎﺣﻴﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ أﺧﺬت ﺻﺪى واﺳ ًﻌﺎ ﻓﻲ اﻹذاﻋﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻧﺼﻬﺎ اﻟﺒﺴﻴﻂ وﻣﻔﺮداﺗﻬﺎ اﻟﺒﻬﻴﺠﺔ ذات اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻐﻨﺎﺋﻲ اﻟﻌﺬب .وﻫﻨﺎك اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ أﺣﻤﺪ اﻟﻜﻨﺪي ﻏﻨﺎﻫﺎ اﻟﻔﻨﺎن ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ ،ﻣﺜﻞ »ﺷﺪوا اﻟﻌﺮﺑﺎن ﺑﺎﻟﻜﻠﻲ« وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺑﻞ واﻟﻤﺠﺮوﺣﺔ ﻛﺼﺎﺣﺒﻬﺎ ،وﻫﺬه اﻷﺧﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻐﻨﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ اﻻﻣــﺎرات وﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻋﻤﻮ ًﻣﺎ .وﻟﻢ ﻳﺘﻮﻗﻒ اﻟﺘﻌﺎون ﺑﻴﻦ ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ وأﺣﻤﺪ اﻟﻜﻨﺪي ﻃﻴﻠﺔ ﺳﻨﻮات 104
ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ
)- 2
اﻟﻤﻐﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت وﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺤﻮل اﻟﺬي ﺣﺼﻞ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﻴﺎدﻳﻦ اﻟﺤﻴﺎة ﻛﺎن ﻫﻮ اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة ﻟﻠﺘﻨﺎﻗﻞ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻔﻨﻲ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس ،وﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ وﺳﺎﺋﻞ اﻻﻋﻼم ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺼﻴﺪة وﺳﻴﻠﺔ إﻋﻼم، وﻳﺒﺪو ذﻟﻚ ﺟﻠﻴﺎ ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻋﺘﻴﺞ ﺑﻦ روﺿﻪ ،اﻟﺬي ﻳﻜﺘﺐ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ا3ﺧﺒﺎر ﺑﺸﻲء ﻣﺎ ،وﻻ ﻳﺘﺮك ﺣﺎدﺛﺔ إﻻ وﺳﺠﻠﻬﺎ
اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت واﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪت اﻟﺘﻮﺟﻪ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻜﻼ اﻟﺘﺠﺮﺑﺘﻴﻦ ﺑﺎﺗﺠﺎه اﻟﻤﻨﺠﺰ اﻟﻔﻨﻲ اﻷول ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ اﻷﻏﻨﻴﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺗﺸﻬﺪ أﻳﻀﺎ ﺗﻄﻮرا ﻻﻓﺘﺎ ﻓﻲ اﻟﻐﻨﺎء اﻟﺨﻠﻴﺠﻲ ﻋﻤﻮﻣﺎ واﻟﻌﺮﺑﻲ أﻳﻀً ﺎ ،وﻣﻦ ﺛﻤﺮات اﻟﺘﻌﺎون ﺑﻴﻦ )ﺟﺎﺑﺮ ـ اﻟﻜﻨﺪي( ﻧﺘﺬﻛﺮ ﻫﺬه اﻷﻏﺎﻧﻲ:
(2ذاﻛﺮة اﻟﺤﻨﻴﻦ ﻟGﻏﻨﻴﺔ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺔ ا9ﻣﺎراﺗﻴﺔ
ر ّو ْﺣﺖ ﻋﻨﻬﻢ وﺣﺎﻟﻲ ﻓﺎرﻗ ْﻪ ﻃﻴﺒﻪ ﺳﻴﺪي ﻳﺎﺳﻴﺪ ﺳﺎداﺗﻲ ﺻﺒﺎح اﻟﺨﻴﺮ ﻣﻦ ﺑﺪري ﺟﻮ ﻟـْﻴﻮا ﻣﻦ ﺟﻮ ﻟﺒﻨﺎ ْن ﺣﻤﺎمٍ ﻧﺎح ﻓﻲ ﻧﻮﻣﻲ ﺳﻤﻌﺘﻪ رﻣﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﻋﻴﻮﻧﻚ ﺑﻨﺪﻗ ّﻴﻪ ﺳﺎﻛﻦ ﻗﻠﺒﻲ ﻏﻼﻫﻢ ﺷﺪوا اﻟﻌﺮﺑﺎن ﺑﺎﻟﻜﻠّﻲ ﻋﻴﻮﻧﻚ ﺗﺠﺒﺮ اﻟﺨﺎﻃﺮ ﻛﻠﻤﺎ ﺟﻴﺖ ﺑﺎﺑﻚ ﻛﻢ ﺑﺼﺒﺮ ﻛﻢ ﺑﺎداري ﻛﻢ ﻟﻲ وﻛﻢ ﻟﻲ ﻟﺪﻏﻨﻲ وداده ﻓﻲ اﻟﺤﺸﺎ ﻟﻘﻴﺖ اﻟﺪار ﻣﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺒﺎﻳﺐ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﻪ ﺗﻌﺎﻟﻲ ﻳﺎ ﻣﻬﺎ وﻳﻦ اﻟﺬي ﻗﻠﺒﻲ ﻳﻮده ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻣﻦ ﻫﻮ َﺣﺐ ﻣﺎ ﻳﻬﺘﻨﻲ ﺑﺎﻟﻨﻮم *ﺑﺎﺣﺚ ﻣﻦ اﻟﻌﺮاق
إﻧﻪ داﺋﻤﺎ ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ ﺑﺤﻜﺎﻳﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ،ذﻟﻚ ﻫﻮ ﻋﺘﻴﺞ ﺑﺎﻟﺮوﺿﻪ اﻟﺬي زار دﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت ،وﺗﻤﺸﻰ ﻓﻲ ﺷﻮارﻋﻬﺎ واﺳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻮاﻗﻌﻬﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﻤﻨﻔﺘﺢ ،وﺗﻔﺎﺻﻴﻞ أﻣﺎﻛﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻷﻋﻴﺎد واﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت ،وﺷﺎﻫﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻏﺰاﻻً )ﻳﺴﻤﻴﻪ ﺗﺼﻐﻴ ًﺮا ﻏﺰﻳﻞ( ﻓﺮوى اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ،إﻧﻪ اﻟﺤﻜﻮاﺗﻲ ﺷﻌ ًﺮا ﺟﻤﻴﻼ: ً
اﻟﺘﻘﻰ ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ وأﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻜﻨﺪي ﺳﻨﺔ 1971م ﻓﻲ داﺋﺮة ﻓﻨﻴﺔ راﺋﺪة ،وأﺳﺴﺎ ذاﻛﺮة ﻏﻨﺎﺋﻴﺔ ﻻ ﺗﺰال أﺑﺮز ﻋﻨﺎوﻳﻦ اaﻏﺎﻧﻲ اﻻﻣﺎراﺗﻴﺔ ،وﻗﺪ اﺳﺘﻤﺮ اﻟﺘﻌﺎون اﻟﻔﻨﻲ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺣﺘﻰ رﺣﻴﻞ ا ﻟﻜﻨﺪي ﺳﻨﺔ 1985م وﺑﻌﺪ ﻫﺬا اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﺻﻞ ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ وﻓﺎءه ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ وﺻﺎر ﻳﺨﺘﺎر ﻣﻦ دﻳﻮاﻧﻪ ﻣﺎﻳﺸﺎء وﻳﻠﺤﻦ وﻳﻐﻨﻲ.
ـ ذاب ﻳﺎﻟﺠﻤﺮي ﻓﺆادي ذاب ذاب ـ راﻋﻲ اﻟﺪوج اﻟﺒﻠﻮﻣﻨﺪ اﻟﺨﻀﺮ ـ زارﻧﻲ ﺑﻌﺪ اﻟﻌﺼﺮ ـ ﻏﺰﻳّﻞ ﻓﻠﻪ ﺻﺒﻲ ﻓﻲ ﻫﻮى اﻟﺰﻳﻨﺎت وي ـ ﻛﻢ ﱟ ـ آه ﻣﻦ ٍ ﻳﻮف ﺗﻌﻠﻞ ﺑﺎﻟﺼﺒـــﺮ ـ راﻋﻲ اﻟﺪوج اﻟﺒﻠﻮﻣﻨﺪ اﻟﺨﻀﺮ ﺑﻌﺪ رﺣﻴﻞ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﺘﻴﺞ ﺑﺒﻦ روﺿﻪ وﺟﺪ ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ ﺻﻮﺗ ًﺎ ﻣﻤﺎﺛﻼ وﻫﻮ اﻟﺸﺎﻋﺮ أﺣﻤﺪ اﻟﻜﻨﺪي ،اﻟﺬي ﻻ ﻳﻘﻞ ﺣﻜﺎﻳﺎت ﻋﻦ ﺑﺎﻟﺮوﺿﻪ ،ﻓﻜﺎن اﻟﺜﻨﺎﺋﻲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﻴﻨﻪ وﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺸﻮاره اﻟﻔﻨﻲ. أﺣﻤﺪ اﻟﻜﻨﺪي ـ ﺳﻴﺪ اﻟﺨﻮد
ﻻ ﻧﺒﺎﻟﻎ ﺣﻴﻦ ﻧﻘﻮل إن اﻟﻨﺺ اﻟﺸﻌﺮي اﻻﻣﺎراﺗﻲ ﺧﺪم ﻛﺜﻴﺮا ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ ،ﻣﺜﻼ ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻜﻨﺪي اﻟﺬي ﻏﻨﻰ ﻟﻪ ﻗﺼﻴﺪة »ﺳﻴﺪي ﻳﺎ ﺳﻴﺪ ﺳﺎداﺗﻲ« ...ﻫﺬه اﻟﻘﺼﻴﺪة ﺣﻘﻘﺖ ﺷﻬﺮة واﺳﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﺳﻂ اﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮي اﻟﻤﺤﻠﻲ واﻟﻌﺮﺑﻲ وأﺳﺴﺖ رﻳﺎدة ﻣﻦ ﻧﻮع ﺗﻌﺮﻳﻔﻲ ﻣﻬﻢ ﺑﺎﻷﻏﻨﻴﺔ اﻻﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﺣﻴﺚ اﻟﻠﺤﻦ واﻟﻜﻠﻤﺎت واﻷداء ،وأﻳﻀﺎ اﻟﻠﻮن اﻟﻔﻨﻲ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻌﺮوﻓًﺎ ﺑﺸﻜﻞ واﺳﻊ. اﻟﺘﻘﻰ ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ وأﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻜﻨﺪي ﺳﻨﺔ 1971م ﻓﻲ داﺋﺮة ﻓﻨﻴﺔ راﺋــﺪة ،وأﺳﺴﺎ ذاﻛﺮة ﻏﻨﺎﺋﻴﺔ ﻻ ﺗﺰال أﺑﺮز ﻋﻨﺎوﻳﻦ اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻻﻣﺎراﺗﻴﺔ ،وﻗﺪ اﺳﺘﻤﺮ اﻟﺘﻌﺎون اﻟﻔﻨﻲ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺣﺘﻰ رﺣﻴﻞ اﻟﻜﻨﺪي ﺳﻨﺔ 1985م وﺑﻌﺪ ﻫﺬا اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﺻﻞ ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ وﻓﺎءه ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ وﺻﺎر ﻳﺨﺘﺎر ﻣﻦ دﻳﻮاﻧﻪ ﻣﺎﻳﺸﺎء وﻳﻠﺤﻦ وﻳﻐﻨﻲ. اﻟﺸﺎﻋﺮ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻜﻨﺪي اﻟﻤﺮر ،اﻟﻤﻮﻟﻮد ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺑﺈﻣﺎرة أﺑﻮ ﻇﺒﻲ ﺳﻨﺔ 1940م »ﺗﻮﻓﻲ ﻓﻲ 16دﻳﺴﻤﺒﺮ 1985م« أﺳﻬﻢ ﺑﻮﺿﻮح ﻓﻲ اﻧﺘﺸﺎر اﻷﻏﻨﻴﺔ اﻻﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻧﺼﻮﺻﻪ اﻟﻤﺘﻤﻴﺰة ﺑﺎﻟﺒﺴﺎﻃﺔ واﻟﻌﻤﻖ ﻓﻲ آن واﺣﺪ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ أﻋﻤﺎق ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﺨﺒﺮة اﻟﺮوﺣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ أﺳﺎس اﻟﺼﺪق اﻟﻔﻨﻲ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻣﻦ أﺑﺮز اﻟﻌﺎزﻓﻴﻦ ﻋﻠﻰ آﻟﺔ اﻟﺮﺑﺎﺑﺔ وﺑﺼﻮﺗﻪ اﻷﺧﺎذ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
103
ūŵŭŘ
ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس ،وﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻨﻘﻞ اﻟﻤﻐﻨﻲ ﻣﺎدة اﻟﻤﻮﻗﻒ إﻟﻰ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﺳﻮاء ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء أو ﺑﺄي وﺳﻴﻠﺔ أﺧﺮى ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ،ﻋﻨﺪﺋﺬ رد ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﺎﻟﻢ اﻟﺠﻤﺮي: ﻣﺮﺣــﺒﺎ ﺛﻢ ﻣــﺮﺣﺒﺎ ﺣﻲ ﺑﻨﺒـــــﺎك ﺣـــــﻲ ﻗﻮﻟﻚ ﺣــﻲ ﻋﺘﺒﻚ ﻳﺎﺣﺸـﻴﻢ ﻣﺮﺣــﺒﺎً ﺛﻢ ﻣــﺮﺣﺒﺎً ﺣﻲ ﺑﻨﺒـــــﺎك ﺣـــﻲ ﻗﻮﻟﻚ ﺣـــﻲ ﻋﺘﺒﻚ ﻳﺎ ﺣﺸـﻴﻢ ﻳﺎ ﻫﻼ ﻳﺎ ﻣﺴﻬﻼ ﺣـــــــــﻲ ﺑﻨﺪاك ﻣــــﺮﺣﺒﺎ ﺑﻚ ﻋﺪ ﻣـــﺎ ﻫﺐ اﻟﻨﺴـﻴﻢ وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺼﻴﺪة ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻛﻌﺎدة اﻟﺠﻤﺮي ،اﻟﺬي أﻋﻄﺎﻫﺎ ﻟﻠﻔﻨﺎن ﻋﻠﻲ وﻓﻌﻼ ﻟﺤﻨﻬﺎ وﻏﻨﺎﻫﺎ ﺛﻢ واﺻﻞ ﻣﻊ ﻋﺘﻴﺞ اﻟﻠﻘﺎءات واﻟﺰﻳﺎرات ﺑﺎﻟﺮوﻏﻪ ً ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،وواﺻﻞ أﻳﻀﺎ ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ ﻣﺮﺣﻠﺘﻪ اﻷوﻟﻰ ﻣﻊ ﻋﺘﻴﺞ ﺑﻦ روﺿﻪ ،ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻳﻠﻔﺖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻔﺮداﺗﻬﺎ ،واﻧﻌﻜﺎس اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻀﺎﻣﻴﻨﻬﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻫﺆﻻء اﻟﺸﻌﺮاء أﺑﻨﺎء ﺑﻴﺌﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ،ﻓﻬﻢ ﻳﺘﻨﺎوﻟﻮن اﻟﺠﺒﻞ إذا ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺮﺑﻪ ،واﻟﺒﺤﺮ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،ﻣﺜﻼ اﻟﺴﻴﺎرة اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ دﺧﻠﺖ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ وأﺻﺒﺤﺖ ﺟﺰ ًءا ﻣﻦ اﻟﺪﻫﺸﺔ ﺑﺤﻴﺚ اﺳﺘﺪﻋﻰ اﻷﻣﺮ ورود ﻣﻔﺮدة اﻟﺴﻴﺎرة ﻓﻲ ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﻢ ،ﺑﻞ وﺣﺘﻰ ﻟﻮﻧﻬﺎ وﻧﻮﻋﻬﺎ ،ﻓﻬﻮ ﻳﻘﻮل: راﻋﻲ اﻟﺪوج اﻟﺒـــﻠﻮﻣﻨﺪ اﻟــــﺨﻀﺮ وﻗّﻒ ﻃﻠّﻌﻨﻲ ﻣــﻌﻚ ﻳﻮﻣﻚ ﺳــــﻌﻴﺪ ﻣﻘﺼﺪي ﺑﺎﻟﻮف ﺳــــــﻠﻄﺎن ﺑﺨﺒﺮ ﺑﻦ وﻗـــﻴﺶ اﻟﺸــﺎﻋﺮ اﻟﻠﻲ ﻟﻲ ﻋﻀﻴﺪ ﻟﺰﻳﻢ ﻟﻲ واﺧﻮ ﻟــــــﻴﻪ وذﺧـﺮ ﻫﻮ ٍ دي ﻟﻲ ﺑـــــــﺪا أﻣﺮ أﻛﻴــــــــﺪ ﻣﺜﻞ ﱟ إذن ﻓﻬﻮ ﻳﺪﻋﻮ »راﻋﻲ اﻟﺪوج« ﻟﻜﻲ ﻳﻮﺻﻠﻪ إﻟﻰ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ وﻗﻴﺶ، اﻟﺬي ﻫﻮ أخ ﻟﻪ و»ﻟﺰﻳﻢ« ﻳﺜﻴﺒﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻠﻤﺎت واﻟﻤﻌﻀﻼت ،وﻧﻼﺣﻆ أن ﻣﻀﻤﻮن اﻷﻏﻨﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﻳﻨﻄﻮي ﻋﻠﻰ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻨﺎﺻﺮ وأﻓﻌﺎل وﻗﻴﻢ ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺷﺤﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﻄﺎﻓﺔ واﻷرﻳﺤﻴﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻧﻠﺤﻆ ذﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﻤﻔﺮدات اﻟﻤﺨﺘﺎرة ،وﻫﻲ ذات اﻟﻤﻔﺮدات اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻜﺮر ﺑﺼﻮرة وﺑﺄﺧﺮى ﻓﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﺼﻴﺪة ﻏﻨﺎﻫﺎ ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ وﻣﻨﻬﺎ ﻗﺼﻴﺪة: آه ﻣـــﻦ ٍ ﻳﻮف ﺗﻌـــﻠﻞ ﺑﺎﻟﺼـﺒــــﺮ ﻣﻄﻠﻮب ﻳﺒـــــﺎه ﻣﺎ ﻳﻔﻴﺪه ﻏــــــــﻴﺮ ٍ ﻳﻮم ﺑ ّﺮق ﻋﺪت اﻧﺎ ﻓﻴـــﻪ اﻟــــﻨﻈﺮ ﺷــﻲ وزاه ﺧـــــــﺮ دﻣﻊ اﻟﻌــﻴﻦ ﻣﻦ ﱟ ﺗﻞ ﻗﻠﺒﻲ ﻳـــــﻮم ﻧ ّﻮى ﺑﺎﻟﺴـــــﻔﺮ ﻣــــــﺜﻞ ﻋـــﻮد اﻟﻤﻮز ﺗﺎﻳﻪ ﻓﻲ ﻫﻮاه
102
ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ
)- 2
(2ذاﻛﺮة اﻟﺤﻨﻴﻦ ﻟGﻏﻨﻴﺔ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺔ ا9ﻣﺎراﺗﻴﺔ
ﻧﻼﺣﻆ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻗﺼﻴﺪة ﺣﻜﺎﻳﺔ ،إن ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻳﺒﺪو أﺳﺎﺳ ًﻴﺎ ﻓﻲ ﺑﻨﻴﺔ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﺗﻠﻚ ،إﻧﻪ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ وﺳﺎﺋﻞ اﻻﻋﻼم وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ وﺳﻴﻠﺔ ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﻘﺼﻴﺪة ...وﻳﺒﺪو ذﻟﻚ ﺟﻠﻴﺎ ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻋﺘﻴﺞ ﺑﻦ روﺿﻪ ،اﻟﺬي ﻳﻜﺘﺐ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﻹﺧﺒﺎر ﺑﺸﻲء ﻣﺎ ،وﻻ ﻳﺘﺮك ﺣﺎدﺛﺔ إﻻ وﺳﺠﻠﻬﺎ ،أو ﻟﻨﻘﻞ اﻟﻌﻜﺲ ،ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻗﺼﻴﺪة ﻋﺘﻴﺞ ﻣﻦ ﺻﻮرة اﻟﺤﺪث أو اﻟﺨﺒﺮ ،ﻓﻬﻮ ﻣﺜﻼ ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ زﻳﺎرة ﻗﺎم ﺑﻬﺎ اﻟﺤﺒﻴﺐ ﻟﻪ ،وﺣﺪه ﺣﺼﺮا دون ﻏﻴﺮه ،وﺗﺤﺪﻳﺪا وﻗﺖ اﻟﻌﺼﺮ أو ﻣﺎ ﺑﻌﺪه ،ﺛﻢ دار ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺣﻮار ﻃﻮﻳﻞ ﻳﺼﻞ إﻟﻰ ﻋﺸﺮات اﻷﺑﻴﺎت وﻫﻲ ذاﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻏﻨﺎﻫﺎ ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ ﻟﺘﻜﻮن واﺣﺪة ﻣﻦ أﻏﺎﻧﻴﻪ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة: زارﻧﻲ ﺑﻌﺪ اﻟﻌﺼﺮ ﻋﻨﺪي ﺣــــﻀـﺮ ﺑــﺲ ﻣـﺎ ﻃ ّﻮل ﻗﻌﺪ ﻟﻪ ﺳــــﺎﻋﺘﻴﻦ ﻳﻮم ﺳﻠْ َﻤﺖ ﺷﻤﺴـــﻨﺎ ﻋﻨﻲ ﻇﻬـــﺮ ﻗــــﻠﺖ وﻳﻦ ﺗﺒﻐﻰ ﺗﻤﻬﻞ ﻳﺎ ﺿﻨﻴﻦ ﻗﺎل ﻟﻲ ﺧﺎﻳﻒ ﻣﻦ اﻗﻮال اﻟﺒﺸــــﺮ
ﺧــــﺎﻳﻒ اﻟﻌﺪوان ﺗﺒﻌﺪﻧﺎ ﺳــــﻨﻴﻦ
ﻧﻼﺣﻆ اﻟﺘﻠﻘﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺷﻌﺮ ﻋﺘﻴﺞ ﺑﻦ روﺿﻪ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﺗﻨﺒﻪ ﻟﻪ اﻟﻔﻨﺎن ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ وراح ﻳﻨﺴﺞ اﺧﺘﻴﺎراﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﻨﻮال ﻃﻴﻠﺔ رﺣﻠﺘﻪ ﻣﻊ اﻟﻜﻠﻤﺔ واﻟﻨﻐﻢ. وﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﺑﻦ روﺿﻪ واﺣــﺪة ﻳﺸﻜﻮ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺎﻟﻪ ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ ﺳﺎﻟﻢ اﻟﺠﻤﺮي وﻏﻨﺎﻫﺎ ﺟﺎﺑﺮ: ذاب ﻳﺎﻟﺠﻤﺮي ﻓــﺆادي ذاب ذاب م اﻟﻬــــﺠﺮ واﻟﺼـﺪ ﻣﻦ ﻛﺜﺮ اﻟﻮﻋﻮد ﻓﻲ اﻧﻘﻼب ﻛﻠﻤﺎ ﻳـﻮﻋﺪ ﻋﻤــــــﻞ ﱠ ﺟﻴﺸﻪ اﻟﺒﺎﺳﻞ وﻗﻒ ﻟﻲ ﻋﺎﻟﺤـــﺪود ﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪو أن اﻟﺠﻤﺮي ﺗﺄﺧﺮ ﻓﻲ اﻟﺮد ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻜﺘﺐ ﻟﻪ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻗﺼﻴﺪة ﻋﺘﺐ وأﻋﻄﺎﻫﺎ ﻟﺠﺎﺑﺮ ﻟﻴﻘﻮم ﺑﺘﻠﺤﻴﻨﻬﺎ ﻓﻌﻼ: وﻏﻨﺎﺋﻬﺎ وﻫﻮ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ً ﺟﺎك ﻳﺎﻟﺠﻤﺮي ﺟﻮاﺑﻲ وش ﺑــﻼك ﻣﺎ ﺗــــﺮد اﻟﻘـﻮل وش ﺑﻚ ﻳﺎ ﻓﻬﻴﻢ؟ ﻣﺎ ﺗﺜﻴﺐ اﻟﻠّﻲ ﺷﻜﻰ ﻟﻚ واﻋــﺘﻨﺎك ﺧـــﺼﻚ اﻧﺘﻪ واﺣـﺘﺴﺒﻚ اﻧّﻚ ﻟﺰﻳﻢ ّ ﻳﺒﺪو أن اﻟﻤﻐﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت وﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺤﻮل اﻟﺬي ﺣﺼﻞ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﻴﺎدﻳﻦ اﻟﺤﻴﺎة ﻛﺎن ﻫﻮ اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة ﻟﻠﺘﻨﺎﻗﻞ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻔﻨﻲ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
101
ūŵŭŘ
ﺣﻜﺎﻳﺎت ﻋﺘﻴﺞ ﺑﻦ روﺿﻪ وﺳﻴﺪ اﻟﺨﻮد
ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ
2- 2
ذاﻛﺮة اﻟﺤﻨﻴﻦ ﻟ[ﻏﻨﻴﺔ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺔ ا0ﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻣﺆﻳﺪ اﻟﺸﻴﺒﺎﻧﻲ@
-اﻟﺼﻮر ﻟﻠﻤﺼﻮرة اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ أﻣﻞ اﻟﺤﻤﺎدي
ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻄﻮر ﻧﻌﻴﺪ إﻟﻰ اﻟﺬاﻛﺮة ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﻔﻨﺎن اﻹﻣﺎراﺗﻲ اﻟﺮاﺣﻞ ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ،اﻟﺬي ﺣﻘﻖ ﺑﺠﻬﻮده وﻣﻮﻫﺒﺘﻪ ﺣﻀﻮ ًرا ﻓﻨ ًﻴﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل أﻏﺎﻧﻴﻪ ،اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺰال ﻓﻲ ذاﻛﺮة اﻷﺟﻴﺎل. اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑﺎﻟﺮوﺿﻪ واﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﺗﻔﻘﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﺎﺑﻘًﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﺘﻴﺞ ﺑﻦ روﺿﻪ – ﺷﺎﻋﺮ اﻟﺘﻠﻘﺎﺋﻴﺔ ﻋﺘﻴﺞ ﺑﻦ روﺿﻪ ﺷﺎﻋﺮ ﺗﺮك أﺛ ًﺮا ﺟﻴ ًﺪا ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻷﻏﻨﻴﺔ ﺗﺰاﻣ ًﻨﺎ ﻣﻊ ﺑﺮوز »ﻏﺰﻳﻞ ﻓﻠﻪ« ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ »ﻧﺤﺘﻔﻆ ﺑﺎﻟﺘﺴﺠﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻟﻨﻔﺲ اﻷﺻﻮات اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت وﺑﺪاﻳﺎت اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت ،وﻗﺪ ﺷﻜﻞ ﺟﺎﺑﺮ اﻷﻏﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ وﺑﻜﺎﻣﻞ ﻛﻠﻤﺎﺗﻬﺎ« وﻣﻦ أﺑﻴﺎﺗﻬﺎ: ﻓـﻲ دﺑﻲ ﻻﻗﺎﻧـــــﻲ ﺟﺎﺳﻢ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺎﺗﻪ اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺔ ﺛﻨﺎﺋ ًﻴﺎ ﻧﺎﺟ ًﺤﺎ ﻣﻊ ﻋﺘﻴﺞ ﺑﺎﻟﺮوﺿﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻏْــــــــﺰﻳّﻞٍ ﻓــــــــﻠﻪ ﺗﺴﺠﻴﻞ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻷﻏﺎﻧﻲ »اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﺣﻮاﻟﻲ ﺳﺒﻊ أﻏﺎن« وﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻬﺎ ﺳـــﻠﻤﺖ وﺣـﻴﺎﻧــﻲ ﻓﻲ ﻏﻀﻮن ﺛﻼث أو أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات وﺗﻢ ﺗﺴﺠﻴﻠﻬﺎ وﻓﻖ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﻐﻨﺎﺋﻴﺔ ا ّﻣـــــﺸّ ـﻂ اﻟﻘﺬﻟــــــﻪ ﻗﻠﺖ ﺿــﺎع ﺑـﺮﻫﺎﻧﻲ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ »إﻳﻘﺎع وﻧﻐﻤﺔ واﺣﺪة ﻣﺘﻜﺮرة ﻓﻲ ﻛﺎﻣﻞ اﻷﻏﻨﻴﺔ وﻣﻌﺎدة ﻗـــــﺎل اﺷﺒــﻼك ﻣﺪﻟﻪ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ« ،وﻣﻊ وﻓﺎة اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﺘﻴﺞ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات اﻷوﻟﻰ ﺗﺴـﺤﺮ ﺑﺎﻻﻋﻴــــــﺎن ﻣﻦ ﻋﻘﺪ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت ،ذﻫﺐ ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ إﻟﻰ دراﺳﺔ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﻓﻲ أﺳـــــﺒﺎﺑﻬﺎ اﻟﻜـﺤﻠــــﺔ ﺟﻴﺶ ﺑﻤﻴﺪاﻧـــــــﻲ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،ﻟﻴﻌﻮد ﺑﺬﻫﻨﻴﺔ ﻓﻨﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﺑﻘﻲ وﻓ ّﻴﺎ ﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﺻﺪﻳﻘﻪ ورﻣــــﻮﺷﻪ ﻣﻈﻠــــــﺔ 100
ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ
)- 2
(2ذاﻛﺮة اﻟﺤﻨﻴﻦ ﻟGﻏﻨﻴﺔ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺔ ا9ﻣﺎراﺗﻴﺔ
ﻳﻮﻣﻴﺎت ﺷﺎﻋﺮ
ﺳﺆال اﻟﻤﺴﺎواة؟ اﻟﻤﺼﺮي إﻳﻬﺎب ﻟﻸﻣﺮﻳﻜﻲ ﻧﻄﺎﻟﻊ أﻓﻜﺎر ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ﺣﻴﻦ ﻧﻘﺮأ ّ ّ ﺣﺴﻦ ،وﻧﻄﺎﻟﻊ أﻓﻜﺎر ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻜﻮﻟﻮﻧﻴﺎﻟﻴﺔ ﺣﻴﻦ ﻧﻘﺮأ ﻧﻘّﺎد اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻬﻨﺪي ﻫﻮﻣﻲ ﺑﺎﺑﺎ ،أﻣﺎ أﻓﻜﺎر اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻟﻨﺴﻮﻳﺔ اﻟﺜﺎﻟﺚ وﺑﺨﺎﺻﺔ ّ ﻓﻨﺮاﻫﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻋ ّﺮاﺑﺔ ﺗﺤﺮﻳﺮ اﻟﻤﺮأة ﺟﻴﺮﻣﻴﻦ ﺟﺮﻳﺮ ،اﻟﺘﻲ أﺻﺪرت ﻛﺘﺒﺎً ﻋﺪﻳﺪة ﺗﻮﺿﺢ أﻓﻜﺎرﻫﺎ ،ﻣﻨﻬﺎ :اﻟﻤﺮأة اﻟﻤﺪﺟﻨﺔ ،اﻟﺠﻨﺲ اﻟﻌﻘﺒﺔ ،اﻟﺠﻨﺲ واﻟﻤﺼﻴﺮ ،اﻟﻤﻼﺑﺲ اﻟﺘﺤﺘﻴﺔ ﻟﻠﻤﺮأة اﻟﻤﺠﻨﻮﻧﺔ ،أﺑﺎﻧﺎ اﻟﺬي ﻻ ﻧﻌﺮﻓﻚ ،اﻟﻤﺮأة اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ. وﻣﻊ اﻟﺘﺤﻮﻻت اﻟﻌﻨﻴﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪور ﺣﺎﻟﻴﺎً ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ اﻟﻤﺠﻨﻮن، اﻟﺤﺮوب واﻟﺘﺪﻣﻴﺮ وﻫﻮ أﻧﻨﺎ أﻣﺎم اﻟﻐﺮب وﺗﺴﻠّﻂ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻌﻤﻴﺎء ،ﺗﻌﻤﺪ اﻟ ُﻨﻈﻢ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻟﻠﺘﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎة اﻟﻤﺮأة ﻋﺎﻃﻔﻴﺎً وﻣﺎدﻳﺎً ،وﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﻧﻬﺎﻳﺔ )ﻣﻨﻈﻮرة ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ!( ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ اﻟﻤﻠﺘﺒﺴﺔ اﻟﻤﻌﺘﻤﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺮاﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﻤﺮأة ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ اﻷول وﻋﺎﻗﺒﺘﻬﺎ أو أﺳﺎﺳﻬﺎ اﺳﺘﻐﻼل اﻟﻤﺮأة ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ. وﻫﻲ ﺑﻌﺾ ﺳﻤﺎت ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ »ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﺴﺎواة« ،ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻤﺎﺣﻜﺎت واﻟﻤﺘﺎﻋﺐ واﻟﻤﻈﺎﻟﻢ اﻟﺘﻲ ﻧﺎﻟﺖ اﻟﻤﺮأة وﻋﺎﻟﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﺮاء ﻓﻜﺮة »اﻟﻤﺴﺎواة« ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺴﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﻟﻒ ،وﻣﺎ ﺗﻼﻫﺎ. ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮأة اﻵن أن ﺗﻜﻮن ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﻓﺘﺄﺧﺬ زﻣﺎم اﻟﻤﺒﺎدرة ،ﻣﻦ واﻗﻊ ﻋﻘﻠﻬﺎ وﺿﻤﻴﺮﻫﺎ ،ﺗﻬﺘﻢ ﺑﺎﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ أدوات اﻟﺘﺠﻤﻴﻞ وﺟﺮاﺣﺎت اﻟﺘﺠﻤﻴﻞ .ﻟﻘﺪ ﻗﻄﻌﺖ اﻟﻤﺮأة ﺷﻮﻃﺎً ﻃﻮﻳﻼً وﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﺗﺴﺘﺼﻠﺢ اﻵن أرﺿﺎً ﻣﻠﺤﻴﺔ ﺑﻴﻀﺎء ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺜﻘﺘﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ،ﺑﺠﺴﻤﻬﺎ اﻟﺒﻜﺮ ،ﺑﻤﺮوﻧﺘﻬﺎ أﻣﺎم اﻟﺤﻴﺎة ،وﻗﺪرﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺑﻞ واﻟﺘﻜ ّﻴﻒ .ﻓﺎﻟﻤﺮأة ﺗﻤﻠﻚ ﻗﺪرة ﻛﺒﻴﺮة ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﻤﻜّﻨﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺨﻠّﺺ ﻣﻦ ﻗﻔﺺ ﻓﺮﺿﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻓﺮﺿﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺮﺟﻞ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﺮخ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻃﻠﺒﺎً ﻟﻤﺴﺎواة ﻻ ﻃﺎﺋﻞ ﻣﻦ وراﺋﻬﺎ ،أﻣﺎ اﻵن ﻓﻤﺎﺗﺖ ﻫﺬه اﻟﻨﺰﻋﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺎواة ،أﺻﺒﺤﺖ ﻫﺪﻓﺎً ﺑﺎﻫﻆ اﻟﻜُﻠﻔﺔ ﺑﻞ ﻓﻜﺮة ﺟﻮﻓﺎء ﺗﻬ ّﺪد ﺑﺘﺤﻤﻴﻠﻬﺎ ﻓﻮق ﻃﺎﻗﺘﻬﺎ .ﺣﺘﻰ ﺗﻄﺮﻓﺖ إﺣﺪاﻫﻦ ﺑﻤﻌﺮض ﻛﻼﻣﻬﺎ ﻋﻦ »اﻟﻤﺴﺎواة اﻟﻤﺰﻋﻮﻣﺔ« ،ﻓﻘﺎﻟﺖ» :اﻟﺮﺟﻞ ﻣﺨﻠﻮق )أدﻧﻰ( وﻻ ﻳﺸﺮﻓﻨﺎ
ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻴﺪ إﺑﺮاﻫﻴﻢ @
ﻧﺤﻦ اﻟﻨﺴﺎء )اﻟﻤﺴﺎواة( ﺑﻪ« .ودﻟﻴﻠﻬﺎ أﻧﻪ ﻳﺘﻢ ﺣﺎﻟﻴﺎً ﺑﺄوروﺑﺎ ﺗﺄﺟﻴﺮ »رﺟﻞ ﺑﺎﻟﺴﺎﻋﺔ« ﻷداء أﻋﻤﺎل ﻣﻨﺰﻟﻴﺔ أو ﺟﻠّﻴﺲ أﻃﻔﺎل ﺣﺘﻰ ﺗﻌﻮد »اﻟﻤﺒ ّﺠﻠﺔ« ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻬﺎ »اﻟ َﻤﺼﻮن«. ﺑﻌﻴﺪا ً ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﻤﻐﺎﻻة ،ﺛﻤﺔ ﻣﻄﺎﻟﺐ ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻠﻤﺮأة ،ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺜﻮرات )اﻟﻤﻐﺪورة( ،ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻧُﺸﺪان ﻣﺎ ﻳﺒﻌﺪ ﻋﻨﻬﺎ ﺷﺒﺢ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ واﻻﺳﺘﻐﻼل اﻟﺠﻨﺴﻲ واﻟﺒﻄﺎﻟﺔ )ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪ َﺣﻤﻞ!( أﺳﻮة ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﺻﺎر أﻛﺜﺮ ﻣﺤﺎﻓﻈ ًﺔ وﺗﻌ ّﻨﺘﺎً ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻓﺮداﻧﻴﺔ اﻟﻤﺮأة وﺷﺨﺼﻴﺘﻬﺎ اﻟﺤﺮة ﻟﻜﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻔﻴﺪ ﻣﻦ دون ﻓﻮﺿﻰ ،إﻟﻰ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻛﺎﻻﻧﺘﺨﺎب واﻟﻮﻇﺎﺋﻒ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻛﺎﻟﺘﻮزﻳﺮ واﻟﻘﻀﺎء ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺘﻠﺰم ﻓﺘﺢ آﻓﺎق ﻣﺴﺘﻨﻴﺮة أﻣﺎم اﻟﻤﺮأة ،ﺧﺎﺻﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺻﺎر وﻳﺼﻴﺮ ،ﻓﻘﺪ ﻧﻠﻘﻰ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻔﺎء ﻣﻤﺎ ﻧﻌﺎﻧﻲ. وﻋﻠﻰ رﻏﻢ أن أﻋﺪاد اﻟﻨﺴﺎء ﺗﻔﻮق ﺣﺎﻟﻴﺎً أﻋﺪاد اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،إﻻ أن ﺛﻼﺛﺔ أرﺑﺎع ﻃﺎﻗﺔ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻨﺴﻮﻳﺔ ﻻ ﺗﺰال ﺑﻮﻇﺎﺋﻒ دﻧﻴﺎ ورواﺗﺐ أدﻧﻰ )ﻓﻬ ّﻦ اﻟﻨﺎﻗﺼﺎت!( وﻳﺘﻌﺮﺿﻦ ﻟﺘﺤ ّﺮﺷﺎت ﺟﻨﺴﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ واﻟﺸﺎرع ّ وﻛﻞ ﻣﻜﺎن .وﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﻨﺠﺎح »ﻃﺒﻴﻌﻴﺎً« ﻋﻨﺪ اﻟﺮﺟﻞ ،أﻣﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺮأة ﻓﻬﻮ »اﺳﺘﺜﻨﺎء« ،ﻓﻼ ﻳﺰال ﻋﻠﻴﻬﻦ ﺑﺬل أﺿﻌﺎف ﻣﺎ ﻳﺒﺬﻟﻪ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﺎ ﻳُﻌ ّﺪ »ﻃﺒﻴﻌﻴﺎً« و«ﻓﻄﺮة« ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻼﺳﺘﻔﻬﺎم. وﻟﺘﻨﻘﺬ اﻟﻤﺮأة ذاﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺼﻴﺮ ﺑﺎت ﻣﺤﺘﻮﻣﺎً ،ﻓﻌﻠﻴﻬﺎ أن ﺗُﺤ ّﺮر رأﺳﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺟﺴﻤﻬﺎ ،وﺗﻌﻤﺪ إﻟﻰ ﺗﻨﻮﻳﺮ ذﻫﻨﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻮﻳﻦ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻌﻮد ﻣﺠﺮد ﻓﺮس أﻋﻤﻰ ﺗﺪور ﺑﺎﻟﺮﻫﺎن ﺣﻮل أﻫﺪاف ﻋﺒﺜﻴﺔ، ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻤﻮت وﻫﻲ ﺗﺪﻓﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ وأﺣﻼﻣﻬﺎ ﺑﺪاﺧﻠﻬﺎ .وﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ، ﻧﻘﻮل ﻣﻊ ﺟﺮﻳﺮ إﻧﻪ »ﺣﻴﻦ ﻻ ﻧﻌﻮد ﻧﺴﺄل ﻋﻦ ﺟﻨﺲ اﻟﻤﻮﻟﻮد ذﻛﺮا ً أو أﻧﺜﻰ ،ﺣﻴﻦ ﻧﺴﺄل ﻋﻦ ﻟﻮن ﻋﻴﻦ اﻟﻤﻮﻟﻮد ﻻ ﻟﻮن ﺟﻠﺪه ،ﻓﻌﻨﺪﺋﺬ وﺣﺴﺐ ﺳﻴﺼﺒﺢ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ﻣﻌﺎً ﻛﺎﺋﻨﺎت اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﺘﺴﺎوﻳﺔ، وﻻ ﺗﻌﻮد ﺛﻤﺔ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻠﺴﺆال ﻋﻦ اﻟﻨﻮع أو ﻛﺘﺎﺑﺘﻪ أﺻﻼً ﻓﻲ ﺑﻄﺎﻗﺎت ﻫﻮﻳﺘﻨﺎ« * ﺷﺎﻋﺮ وﻣﺘﺮﺟﻢ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
99
ĆēĴőĽŤē ěĔŻĔšĨ
اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ رﺣﻤﻪ اﻟﺸﺎﻣﺴﻲ
اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻮﻗﺎت
اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻮﻗﺎت
اﻟﺒﺎرﺣﻪ وﻧّﻴﺖ ﻳﺎ »ﺟﻮن«
وﻟﻜﻦ أﺧﻴﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻮﻗﺎت ﻟﻢ ﻳﻌﺠﺒﻪ ﻣﺎ ﻗﺎل ﺷﻘﻴﻘﻪ ،ﻓﻘﺎل ٍ وﺻﺎﺋﻨﺎت ﻟﻪ إن اﻟﺪارﺳﺎت ﺷﺎﺑﺎت وﻗﺪ ﻓﺎﺗﻬﻦ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ وﻫﻦ ﺟﻤﻴﻼت ﻟﻌﺮوﺿﻬﻦ ،أﻣﺎ اﻟﻌﺠﺎﺋﺰ وﻛﺒﻴﺮات اﻟﺴﻦ وأﻣﻬﺎﺗﻬﻦ ﻓﻬﻦ ﻓﻲ ﺑﻴﻮﺗﻬﻦ ،وﻻ ﻳﺴﺘﻄﻌﻦ ﺣﺘﻰ اﻟﺼﻌﻮد اﻟﻰ اﻟﺒﺎص ،وﻗﺎل: اﻟﺒﺎرﺣﻪ وﻧّﻴﺖ ﻳــــﺎ »ﺟـــــــﻮن« ﺳـــــــﻬﺮان ورﻗــــــــﻮد اﻟﺪﻻﻳﻪ وﻧّﻴﺖ ﻳﻮم اﻟﻨـــــﺎس ﻳـــــﻐﻀﻮن وﻧّﺎت ﻣـــﻦ ﺑــــﺎﻃﻦ ﺣـــــﺸﺎﻳﻪ واﻧﺸﻴﺖ ﻧﻈﻢ اﻟﺸـــــــﻌﺮ ﺑﻔﻨﻮن ﺣــــــــﻖ اﻟﻔـــــﻬﺎﻣﺎ ﻟﻤــــﻌﻨﺎﻳﻪ ﺳﺎﻋﺔ ﻧﻈﺮت اﻟﺒﺎص ﻣﺸــــــﺤﻮن ﺿﺎﻗﺖ ﺑﻲ أرﺿﻲ ﻣـﻊ ﺳــــــﻤﺎﻳﻪ ﻳﺎ ﺳﺎﻳﻘﻪ ﻣﺸّ ﻪ ﻋﻠـــــــﻰ ﻫـــﻮن واﺣﺬر ﺗﺮى ﻫـــــــﺬي وﺻــــﺎﻳﻪ وﺗـﺮﻓّﻖ ﺑﺪْ ﻋــــــﺠﺎت ﻟ ْﻌـــــﻴﻮن رﺑﻲ ﻫـــــــــﺪاﻫﻦ ﻟﻠﻘـــــــﺮاﻳﻪ وﻓﻴﻬﻦ ﻋـــــــﺮﻳﺐ اﻟﺠﺪ ﻣﺼﻴﻮن ﻟﻲ ﻣـــﺎ ﻫـــــــﺬوا ﺑﻪ ﻫﺎﻟﻮﺷﺎﻳﻪ ﻏﺎﻟﻲ وﺑﻪ أﻫــــــــﻠﻪ ﻳـــــﻐﺎﻟﻮن ﻣﻌﺰوز ﻋﻦ ﻗــــــﻮل اﻟــــﺴﻔﺎﻳﻪ ﻣﻀﻔﻲ اﻟﻐــــــــﺸﺎﻳﻪ ﺣﺎﺟﺐ ﺧﻄّﻪ ﺷـــــﺮا اﻟـــﻨﻮن اﻟﻐــــــــ ّﺮ ﺑﻮ ٍ ّ واﻫﺪاب ﻋﻴﻨﻪ ﻛــــــــﺎن ﺗﺪرون ﺗﺸـــــــﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻞ اﻟﺮﻣﺎﻳـــــــﻪ دﻋﺞ اﻟﻌﻴﺎن وﺻــــــــﺎﻓﻲ اﻟﻠﻮن اﻟﻐـــــﻴﺪ ﻣﻌــــــــﺴﻮل اﻟﺸﻔﺎﻳﻪ ﺑﻮ ﻳﺎدلٍ ﺿـــــــﺎﻓﻲ ع ﻟــــﻤﺘﻮن وﻋﻨﻘﻪ ﻛﻤﺎ ﻋــــــﻨﻖ اﻟﻤـــــﻬﺎﻳﻪ ﻏ ﱟﺮ ﻧﻈﻴﻒ اﻟﻌــــــﺮض ﻣﺼــﻴﻮن ﻣﻦ أﺻﻞ ﻣﻦ ﻓــــﺼﻞ وﻛـــــﻔﺎﻳﻪ ﻟﻲ ﺑﺎﻟﺤﺴـــﻦ ﻓﺎﻳــــــﺞ وﻣﺰﺑﻮن ﻓﻲ اﻟﺨـــــــﻮد ﻣــــﺎ ﻣﺜﻠﻪ ﺷﺒﺎﻳﻪ
98
اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ ﻳﻮﺛﻖ ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺒﻨﺎت
ﻣﻦ ﺧﻠﻖ وﺳﻂ اﻟﺒﻴﺖ ﻣﺨـــﺰون واﻟﻴﻮم راﺑﻊ ﻟـــــــﻲ َﺑ َﻴﻘـــــﺮون ﻳﺮﺳﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎﻏﺰ ﺑﻜــــــــﺮﺑﻮن وﺣــــــﺴﻮن وﻛﺎﻧﻪ ﻛﺘﺐ ﻣﺤﺴﻦ ّ اﻟﺤﻮل ﺑـــﺎ ﻳﻨﺠـــﺢ وﺑﻴﻜــــــﻮن ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺮﻳــــﺎﺿﻴﺎت ﻣـــﻀﻤﻮن واﻟﻌﻠﻢ ﻫﺬا ﻓــــــﺮض ﻣـــﺴﻨﻮن واﻫﻞ اﻟﻤﻘﺎﺻﺪ ﻟـــــﻮ ﻳﻘـــﻮﻟﻮن وإﻻ اﻟﻌﻴﺎﻳﺰ ﻣـــــــﺎ ﻳﺴـــــﻴﺮون ﻣﺎ ﻳﻘﺪرن ﻟﻠﺒــــــﺎص ﻳــــــﺮﻗﻮن ﻓــــﻲ اﻟﺒﻴﺖ ﺧﻠّــــﻮﻫﻦ ﻳﺼﻠّﻮن ﻫﻞ اﻟﻌــــــﻮن ﻫﺬا ﻣﻘــــﺎﻟﻲ ﻳﺎ ْ اﻇﻬﺮت ﻣﺎ ﺑﺎﻟﺠــــﺎش ﻣﻜــــﻨﻮن
راﺑﻲ ﻋـــــــﻠﻰ ﻧﻌﻤﻪ ورﻋـــــﺎﻳﻪ ﻟﻠـــــــﻤﺪرﺳﺔ ﻳــــــﻤﺸﻲ ﺑـﺮاﻳﻪ ﻛﻮد اﻟﺮﺳـــــــﻢ ﻋﻨــــﺪه ﻫﻮاﻳﻪ ﻟﺤﺮوف ﻫــــــﺬي ﻓــــﻲ اﻟﺒﺪاﻳﻪ اﺟﺘﺎز ﻣـــــــــــﺮﺣﻠﺔ اﻟﻨـــــﻬﺎﻳﻪ ﻋﻨﺪه ﺷــــــــﻬﺎده وﻣــــــﺨﻔﺎﻳﻪ ﺗﻮﻓﺎق م اﻟــــﺒﺎري وﻫـــــــﺪاﻳﻪ اﻟﻘــــﻮل ﻣــــــﺎ ﻳﻀ ّﺮ اﻟﻨـــــﺰاﻳﻪ ﺑﺎﻟﺤــــــﺎل ﻣﺎ ﻓﻴﻬﻦ ﺷـــــــﻔﺎﻳﻪ أو ﻳﺮﺳـــــــﻤﻦ دﻳـــــﻚ ودﻳـﺎﻳﻪ وادّوا ﻟـــــــﻬﻦ ﺟﻬـــــﺪ وﻋـﻨﺎﻳﻪ ﻳﺼﺪﻗﺎﻳﻪ وارﺟﻮ اﻟﺴـــــــــﻤﻮﺣﻪ ْ ﻧﻈﻢ ﻋﻠﻰ ﺣـــــــــــﺴﺐ اﻟﺮواﻳﻪ ٍ
ﺑﺺ اﻟﺒﻨﺎت ﻳﻤ ّﺮ ﻣﺸﺤﻮن ّ
ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ رﺣﻤﻪ اﻟﺸﺎﻣﺴﻲ ،رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻣﺘﻮﻓﻰ ﻋﺎم 2006م ،إﻻ أن ﺷﺎرﻛﻬﻤﺎ ﺑﻘﺼﻴﺪة ﻣﺪاﻋﺒﺔ أﺧﺮى ،ﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ إن ﻫﺆﻻء اﻟﺪارﺳﺎت ﻣﺎ زﻟﻦ ﺷﺎﺑﺎت ﻳﺘﻌﻠﻤﻦ وﻳﺨﺪﻣﻦ أزواﺟﻬﻦ وﺑﻴﻮﺗﻬﻦ، ﻓﺘﻌﻠﻴﻤﻬﻦ ﻫﺬا ﺳﻴﻔﻴﺪ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،وﻗﺪ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎص» ،ﺑﺎص اﻟﺒﻨﺎت« ،وﻟﻴﺲ »ﺑﺎص اﻟﻌﺠﺎﺋﺰ« ﻛﻤﺎ ﺳ ّﻤﺎه اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻮﻗﺎت، وأﻧﻬﻦ ﻳﺘﻌﻠﻤﻦ اﻟﻌﻠﻮم واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،وﻟﻴﺲ ﻛﻤﺎ وﺻﻞ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮﺿﻴﻦ، أﻧﻬﻦ ﻳﺘﻌﻠﻤﻦ »دﻳﻚ ودﺟﺎﺟﺔ« .ﻗﺎل ﺑﻦ رﺣﻤﻪ: ﺑﺺ اﻟﺒﻨﺎت ﻳــﻤ ّﺮ ﻣــــــــﺸﺤﻮن وﻓﻴﻪ اﻟﻌــــﺮب ﻟﻲ ﺑﻬـــﻢ ﻛﻔﺎﻳﻪ ّ ﻛﻠﻬﻢ ﺷﺒﺎب وﻧـــــــــﺎس ﻳﺮزون وﺧﺠﻠﺖ ﻣﻦ ﺻــــﺪّ وا ﺟــــﺪاﻳﻪ ﻗﻠﺖ »اﻟﺪرﻳﻮل« ﻣﺶ ﺑﺎﻟﻬـــــﻮن ﻻ ّ ﺗﺸﻂ ﻓﻲ اﻟﺴﻴــــﺮ ﺑﻌـــــﻨﺎﻳﻪ ﺧﻠﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺴـــــــﻴﺘﺎت ﻳﻘﺮون وﻛﺘﺎﺑﻬـــــــــــﻢ ﺗﺤﺖ اﻟﻌﺒـــﺎﻳﻪ ﻳﺘﺤﻔّﻈـــــﻮن اﻟﻜـــــﺎف واﻟﻨﻮن وﺣــــــﺮف ﻟ ْﺒﺠﺪ ﻓـــــﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﻪ ﻣﺎ داﻣــــــﻬﻢ ﻟﻠﻌــــــﻠﻢ ﻳﺒﻐﻮن ﻫـــــــــﺬي ﻣﻦ اﻟﻠﻪ اﻟﺒــــﺪاﻳﻪ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻴﻪ اﺷـــــﻜﺎل وﻓﻨـــــﻮن وﻛﻞٍ ﻣــــــﻌﻪ ذوق وﻫــــــﻮاﻳﻪ ﻋﻘــــﺐ اﻟﻜﺴﻞ واﻟﻀﻴﺞ واﻟﻬﻮن ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻟــــﻲ ﻣﺎﺿـــﻲ ﺑﺮاﻳﻪ واﻟﻴـــــﻮم ﻛﻞ واﺟـــﺐ ﻳـﻌﺮﻓﻮن ﻛﻠﻪ ﻣـــــــﻦ أﺳﺒـــــﺎب اﻟﻘﺮاﻳﻪ ﺑﺎﺗﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻜــﻬﺮب ﻳﺨـــــﻴﻄﻮن ﻧﻘــــــﺶ ورﺳﻢ ﻓﻮق »اﻟﻮﻗﺎﻳﻪ« ﺣﺘﻰ ﺣــــــﻘﻮق اﻟـــﺰوج ﻳﺄدّون ﻓـــــــﻲ واﺟـــﺐ اﻟﺒﻴﺖ ﺑﻌﻨﺎﻳﻪ ﻣﺎ ﻫﻮب ﻣﺜﻞ أﻣـــــﺎ ﻳﻘـــــﻮﻟﻮن اﻟــﻨﺎس ﺳ ّﻮوا ﻟﻬــــﻢ ﺣـــــﻜﺎﻳﻪ ﺑــــﺺ اﻟﻌﺠﺎﻳﺰ ﻣ ّﺮ ﺷــــــــﺤﻮن ﻳﺘــــﻌﻠﻤﻦ »دﻳـــﻚ ودﻳـــــﺎﻳﻪ« ّ ﻫـــــﺬي ﺳﻮاﻟﻒ ﻟـــــﻲ ﻳﺴ ّﺒﻮن ﻋـــﺪوان واﺻــﺤﺎب اﻟــــﻮﺷﺎﻳﻪ ﻧﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﺸـــــــــﺎﻋﺮ ﻳﺰﻳّﺪون ﻟـﻮ ﻓﻲ اﻟﺸﻌــــﺮ ﻣﺎ ﻟﻬﻢ ﻋﻨﺎﻳﻪ ٍ
ﺣﺘﻰ أن اﻟﺒﻌﺾ اﻣﺘﻨﻊ ﻋﻦ إرﺳﺎل أﻫﻠﻪ إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﺮاﻛﺰ ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ، واﻋﺘﺒﺮوه ﻋﻴﺒﺎً ﻟﻤﺎ ﻟﺬﻟﻚ ﻣﻦ آﺛﺎر اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺒﺒﺔ ﺗﻌﻮد ﻋﻠﻴﻬﻢ. وﻗﺪ ﺷﻜّﻞ ذﻟﻚ ﻣﺎد ًة ﺧﺼﺒﺔ ﻟﻠﺸﻌﺮاء ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﻦ ﺧﺎﺻ ًﺔ وأﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﺪﻣﻮن ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺷﻌﺮ أﺳﺒﻮﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮن اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻋﻠﻴﻬﻢ أﻳﻀﺎً. ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺢ ذﻟﻚ ﻣﺠﺎﻻً ﻟﻠﺨﻮض ﻓﻴﻪ ﺳﻮا ًء ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺘﺴﻠﻴﺔ واﻟﺪﻋﺎﺑﺔ أو ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﻨﻘﺪ .ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺎﻟﻤﺮأة اﻟﻤﺘﺰوﺟﺔ أو ﻛﺒﻴﺮة اﻟﺴﻦ أن ﺗﺘﺮك ﺑﻴﺘﻬﺎ وأﺑﻨﺎءﻫﺎ وﺗﺬﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﻤﺪارس ﻟﺘﺘﻌﻠﻢ؟ وﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﺴﺎءﻟﻮن :ﻫﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺤﺎﺟ ٍﺔ ﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻬﺎ؟ وﻣﺎ إﻟﻰ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺘﺴﺎؤﻻت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ. ﺑﺺ اﻟﻌﻴﺎﻳﺰ ﻣ ّﺮ ﻣﺸﺤﻮن ّ
ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ وﺗﻨﻤﻴﺔ ا3ﻧﺴﺎن اﻫﺘﻤﺖ ً وﺧﺎﺻﺔ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻴﻦ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ واﻟﺒﻨﺎت ،وﺟﻌﻠﺘﻪ إﻟﺰاﻣﻴ ًﺎ ﺑﺪءاً ﻣﻦ ﺳﺖ ﺳﻨﻮات ﻓﻤﺎ ﻓﻮق
وﻗﺪ ﻓﺎﺿﺖ ﻗﺮﻳﺤﺔ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻮﻗﺎت ﻣﻦ دﺑﻲ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻣﺘﻮﻓﻲ ﻋﺎم 1990م ،ﻓﻘﺎل ﻗﺼﻴﺪة ﻣﺪاﻋﺒﺔ ﻓﻲ ﻫﺆﻻء اﻟﺪارﺳﺎت، وﻳﻘﻮل أﻧﻪ ﻣﻦ اﻷﻓﻀﻞ ﻟﻬﻦ أن ﻳﺠﻠﺴﻦ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﻮت ،وﻳﺘﺮﻛﻦ اﻟﻤﺠﺎل اﻫﺘﻤﺖ وزارة اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺑﻬﺬه اﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻟﻤﺴﺎﺋﻴﺔ ﻟﺒﻨﺎﺗﻬﻦ ﻳﺘﻌﻠﻤﻦ وﻳﻨﺠﺤﻦ وﻳﺤﺼﻠﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻬﺎدات ،ﺣﻴﺚ ﻗﺎل ﻓﻲ وﻗﺪﻣﺖ اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﺪارﺳﻴﻦ واﻟﺪارﺳﺎت ﻓﻴﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ: ﺑﺎﺻﺎت وﻏﻴﺮه، وﻓﺮت ﻟﻬﻢ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﻮاﺻﻼت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻣﻦ ّ ٍ ﺑـــﺺ اﻟﻌــــﻴﺎﻳﺰ ﻣ ّﺮ ﻣﺸــــﺤﻮن ﻳﺘﻌﻠّــــﻤﻦ ﻛﺘــــﺒﻪ وﻗــــــــﺮاﻳﻪ ّ ﻟﻨﻘﻠﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﻨﺎزﻟﻬﻢ إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﺮاﻛﺰ ﺳﻮاء ﻛﺎن ذﻟﻚ ْ ﺣﺴﻮن وﻛﺘﺒﻮا ﻟﻬﻦ ﺣــــــﺮف اﻟـــــﺒﺪاﻳﺔ ﻳﺎ ﻬﺮ ﻇ وا ﺣــــﺴﻦ ادﺧﻞ ّ ﻓﻲ اﻟﻤﺪن أو اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺒﻌﻴﺪة ﻳﻮم اوﺻــــﻠﻮا واﻧ ْﻮوا ﻳﺪﺷّ ـــــﻮن ﺻ ّﺮوا اﻟﺒﺮاﻗﻊ ﻓــــــﻲ اﻟﻮﻗـــــﺎﻳﻪ ﻋﻴﺎﻟﻬﻢ ﺑــــﺎﺗ ْﻮا ﻳﺼﻴــــــــــﺤﻮن وإﻻ اﻟـــــــﺮﺟﻞ ﻗﺎﻟــــــﻦ ﺑ ْﺮاﻳﻪ ﻳﺒﻐﻦ وﻇﻴﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻠـــــــﻔﺰﻳﻮن وإﻻ ﻣـﻬﻨﺪس ﻓـــــــﻲ اﻟﺒــــﻨﺎﻳﺔ ﻟﻜﺒﺎر ﻣﺎ ﻳﺤﺘــــــﺎج ﻳﻘـــــــﺮون ﻋﻴﺎﻟـــــﻬﻢ ﻋــــﻨﻬﻢ ﻛــــــــﻔﺎﻳﻪ وإﻻ اﻟﺒﻨــــﺎت اﻟﻠّﻲ ﻳﺴـــــﻴﺮون ﻳﻠـ ّـﻲ درس ﻣــــــــﻨﻬﻦ ﺑـــــﺮاﻳﻪ درس اﻟـــــﻰ آﺧـــــــــﺮ ﻧﻬـــﺎﻳﻪ ٍ واﺟﺐ ﻋﻠﻴﻬﻦ ﺣﻘــﻬﻦ ﻳـــــﻜﻮن واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣــــــﺎ ﺟﺎز ﻣـﻦ دون ﻓـــــﺎﻫﻢ وﻋــــــــﺎرف ﻛﻞ ﺣﺎﻳﻪ ﻋﻨﻜﻢ أﻧﺎ راﺿـــــﻲ وﻣــــــﻤﻨﻮن ﻻ ﺗﺴــــﻤﻌﻦ ﻋﻨــــﻲ دﻋـــــﺎﻳﻪ وﻟﻜﻢ ﺳﻼﻣﻲ ﻳـــــــﻮم ﺗﻠــــﻔﻮن ﻓﻲ اﻟﺒﺚ ﻣــﻦ دون اﻟﻐـــــﺸﺎﻳﻪ ﺻﻐـــــﺎر ﺳـــــــــﻦ وﻻ ﻳﻼﻣﻮن وﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺒـــــﺎري ﺣـــــــﻤﺎﻳﻪ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
97
ĆēĴőĽŤē ěĔŻĔšĨ
ﺑﺺ اﻟﺒﻨﺎت ﻳﻤ ّﺮ ﻣﺸﺤﻮن ّ
اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ ﻳﻮﺛﻖ ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺒﻨﺎت أﺑﻮﺧﺎﻟﺪ
ﺑﻌﺪ ﻗﻴﺎم دوﻟــﺔ اﻻﻣــﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻓﻲ ﻋﺎم ﺗﺪب ﻓﻲ ﺷﺘﻰ اﻟﻤﺠﺎﻻت، 1971م ،ﺑﺪأت اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ّ ﻓﺸ ّﻴﺪت اﻟﻤﺴﺎﻛﻦ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ورﺻﻔﺖ اﻟﻄﺮق وأﻧﺸﺌﺖ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎت واﻟﻤﺪن اﻟﺠﺪﻳﺪة .وﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ وﺗﻨﻤﻴﺔ اﻹﻧﺴﺎن اﻫﺘﻤﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ وﺧﺎﺻ ًﺔ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻴﻦ واﻟﺒﻨﺎت ،وﺟﻌﻠﺘﻪ إﻟﺰاﻣﻴﺎً ﺑﺪءاً ﻣﻦ ﺳﺖ ﺳﻨﻮات ﻓﻤﺎ ﻓﻮق. ٍ ﺑﺴﻨﻮات ﻗﻠﻴﻠﺔ اﻓﺘﺘﺤﺖ ﻣﺮاﻛﺰ ﻣﺴﺎﺋﻴﺔ ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﻜﺒﺎر ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺪارس اﻟﺼﺒﺎﺣﻴﺔ وﺳ ّﻤﻴﺖ ﻣﺮاﻛﺰ ﻣﺤﻮ اﻷﻣ ّﻴﺔ ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻣﻦ ﻓﺎﺗﻬﻢ ﻗﻄﺎر اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﺴﻦ رﺟﺎﻻً وﻧﺴﺎ ًء .وﻗﺪ اﻧﺘﻈﻢ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻟﻤﺌﺎت ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ واﻟﻤﻮاﻃﻨﺎت ،ﺣﻴﺚ أﻛﻤﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ دراﺳﺘﻪ وﻧﺎﻟﻮا ﺷﻬﺎدات دراﺳﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻛﺎﻻﺑﺘﺪاﺋﻴﺔ واﻹﻋﺪادﻳﺔ أو اﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ .وﻗﺪ ﺷﻜّﻞ ذﻟﻚ ﻓﺮﺻ ًﺔ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﺠﺪات واﻷﻣﻬﺎت وﺑﻨﺎﺗﻬﻦ ﻣﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻠﻤﻦ ،ﻟﻠﺪﺧﻮل ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻟﻨﺴﺎﺋﻴﺔ ﻟﻠﺪراﺳﺔ وﺗﻌﻠّﻢ ﻣﺒﺎدئ اﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ. 96
اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ ﻳﻮﺛﻖ ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺒﻨﺎت
وﻗﺪ اﻫﺘﻤﺖ وزارة اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺑﻬﺬه اﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻟﻤﺴﺎﺋﻴﺔ وﻗﺪﻣﺖ اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﺪارﺳﻴﻦ واﻟﺪارﺳﺎت ﻓﻴﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ وﻓّﺮت ﻟﻬﻢ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﻮاﺻﻼت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻣﻦ ٍ ﺑﺎﺻﺎت وﻏﻴﺮه ،ﻟﻨﻘﻠﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﻨﺎزﻟﻬﻢ إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﺮاﻛﺰ ﺳﻮاء ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﻤﺪن أو اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺒﻌﻴﺪة. وﻟﻤﺎ ﻛﺎن إﻗﺒﺎل اﻟﻨﺴﺎء ﻛﺎﻟﺰوﺟﺎت واﻟﺸﺎﺑﺎت اﻟﻌﺎزﺑﺎت ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﺮاﻛﺰ ﺷﻴﺌﺎً ﺟﺪﻳﺪا ً ﻓﻲ اﻟﺒﻼد ،ﻓﻘﺪ ﻧﻈﺮ اﻟﻜﺜﻴﺮون ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻧﻈﺮة اﻧﺘﻘﺎد إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﺨﻄﻮة
اﻟﻌﺎﻟﻢ ،اﻹﻣﺎرات ﻣﻦ اﻟﺘﻮﻟﻴﻒ اﻟﺠﻤﻴﻞ واﻟﺮاﺋﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ واﻟﺘﻄﻮر اﻟﺘﺠﺪﻳﺪي؛ وﻟﻤﺤﺔ ﺳﺮﻳﻌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﻤﻌﻤﺎري ﺗﺆﻛﺪ ذﻟﻚ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻘﻒ اﻟﺒﻨﺎﻳﺎت اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ اﻟﺸﺎﻣﺨﺔ اﻟﻤﺘﻸﻟﺌﺔ ﺑﻔﺘﻨﺔ أﺿﻮاﺋﻬﺎ ،ﺗﻨﺎﻃﺢ اﻟﺴﺤﺎب ،ﺟﻨﺒﺎً إﻟﻰ ﺟﻨﺐ ﻣﻊ اﻟﺒﻴﻮت واﻟﻤﺘﺎﺣﻒ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻜﺲ ﻣﻌﻤﺎرا ً ﺗﺮاﺛﻴﺎً ﺣﻀﺎرﻳﺎً ﻋﺮﻳﻘﺎً ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ،ﺑﺪوره ،ﻣﻦ أﺣﺪث ﻣﻨﺠﺰات اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻟﻌﻠﻤﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﺗﻮﻇﻴﻔﻬﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ذﻛﻴﺔ ،ﺗﺮﺑﻂ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﺪاﺛﺔ واﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،وﺑﻴﻦ اﻟﻌﺮاﻗﺔ واﻷﺻﺎﻟﺔ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ. وﺗﻤﺜﻞ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎت اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻬﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺟﻬﺎت ﻛﺜﻴﺮة وﻓﺎﻋﻠﺔ ،واﺟﻬﺔ ﺣﻀﺎرﻳﺔ ﻗﻮﻳﺔ وﻣﻌﻄﺎء ﺗﻤﻴﺰ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻜﺮة راﺋﺪة ﺗﻨﺒﻪ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ وﻗﺖ ﻣﺒﻜﺮ ،ﺣﻴﺚ أدرك ﺑﻔﻄﺮﺗﻪ اﻟﻤﻌﻬﻮدة واﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ إﺑﺮاز ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات واﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﻪ ،ورﺑﻂ اﻷﺟﻴﺎل ﺑﺘﺮاﺛﻬﺎ ،ﺑﻞ إﻧﻪ ُﻋﺮف ،أﻳﻀﺎً ،ﺑﺤﻀﻮر ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎت واﻟﺴﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺚ ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث ﻟﻮﻋﻴﻪ ﺑﺄﻫﻤﻴﺘﻪ ودوره ﻓﻲ ﺷﺪ أواﺻﺮ أﺑﻨﺎء اﻹﻣﺎرات وﺗﻘﻮﻳﺔ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﻮﺣﺪة وﺗﺜﻤﻴﻨﻬﺎ ﻟﺪﻳﻬﻢ. ﺑﺎدرة أﺧﺮى ﺟﺪﻳﺪة وﻏﻴﺮ ﻣﺴﺒﻮﻗﺔ ،ﻻﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ، وﻧﻌﻨﻲ ﺑﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ »اﻟﻤﺘﺎﺣﻒ اﻟﺨﺎﺻﺔ ،وﻫﻲ ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻤﺒﺎدرات اﻟﻔﺮدﻳﺔ واﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﻣﻮاﻃﻨﻮن إﻣﺎراﺗﻴﻮن ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺤﻮﻳﻠﻬﻢ ﻟﻤﻘﺮات ﺳﻜﻨﺎﻫﻢ إﻟﻰ ﻣﺘﺎﺣﻒ أو ﻗﺮى ﺗﺮاﺛﻴﺔ ،ﺗﺤﺘﻮي ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﻒ واﻵﺛﺎر ،وﻏﻴﺮﻫﺎ، اﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﺗﺠﻤﻴﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻣﺪ ﻃﻮﻳﻞ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻓﺮد أو ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﻓﺮاد ،ﻓﻲ إﻃﺎر ﻋﻤﻞ ﺟﺎد وﻣﺴﺆول اﻧﺨﺮﻃﺖ ﻓﻴﻪ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺪﻧﻲ ﺗﻌﺒﻴﺮا ً ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺸﻖ ﺗﺮاث ﺑﻠﺪﻫﻢ واﻧﺨﺮاﻃﻬﻢ ﻓﻲ ﺟﻤﻌﻪ واﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻪ .وﻟﻌﻤﺮي إﻧﻬﺎ ﻟﺘﺠﺮﺑﺔ راﺋﺪة وﻓﺮﻳﺪة ﺗﺴﺘﺤﻖ اﻻﻗﺘﻔﺎء واﻟﺘﻌﻤﻴﻢ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺑﻠﺪاﻧﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. ﻳﺒﻘﻰ اﻟﺘﺮاث ،داﺋﻤﺎً وأﺑﺪا ً ،ذاﻛﺮة اﻟﺸﻌﻮب ورﻣﺰ اﺳﺘﻤﺮارﻳﺘﻬﺎ ودوام وﺟﻮدﻫﺎ ،ﻣﻤﺎ ﻳﺤﺘﻢ ﺗﻜﺎﺛﻒ اﻟﺠﻬﻮد واﺳﺘﻨﻬﺎض اﻟﻬﻤﻢ ﻓﻲ ﺟﻮ ﻳﻄﺒﻌﻪ اﻟﻤﺮح ،اﻟﻤﺮﺗﺒﻂ ﺑﺤﺐ اﻟﻮﻃﻦ ،ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻫﺬا اﻟﺤﺐ واﻟﻌﺸﻖ إﻟﻰ ﺳﻠﻮك ﺣﻀﺎري ﺑﺎرز ﻳﺮﺻﺪ اﻟﻔﻌﻞ اﻻﺗﺼﺎﻟﻲ اﻟﺘﻮاﺻﻠﻲ اﻟﺮاﺑﻂ ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن /اﻟﻤﻮاﻃﻦ وﺗﺮاﺛﻪ اﻟﺬي ﻳﻈﻞ داﺋﻢ اﻟﻮﻓﺎء ﻟﻪ .ﻓﻴﺘﺮﺟﻢ اﻷﻣﺮ إﻟﻰ ﺣﺮﻛﺔ دؤوﺑﺔ ﺗﺒﻌﺚ ﻓﻴﻪ اﻟﺤﻴﺎة وﺗﺠﻌﻠﻪ راﺑﻄﺔ اﻟﻌﻘﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻞ ﺗﻮﺣﺪ أﺑﻨﺎء اﻟﻮﻃﻦ وﺗﺮﺑﻂ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،وﻫﻮ ﻣﺎ وﺿﻌﺘﻪ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻧﺼﺐ أﻋﻴﻨﻬﺎ وﺳﻌﺖ إﻟﻰ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻤﺮارﻳﺘﻪ ودواﻣﻪ ،ﻣﻤﺎ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺗﻌﻤﻴﻢ ﻫﺬا اﻟﻨﻤﻮذج و اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻨﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﻌﺮﺑﻲ
ﺿﻮء آﺧﺮ
* ﺑﺎﺣﺚ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
95
إﺣﻴﺎء اﻟﺘﺮاث ا0ﻣﺎراﺗﻲ ﻧﻤﻮذج ﻋﺮﺑﻲ ﻓﺮﻳﺪ ﻳﺤﺘﺎج اﻟﺘﺮاث إﻟﻰ ﻋﻤﻞ دؤوب وﻣﺴﺘﻤﺮ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻳﻀﻤﻦ اﺳﺘﻤﺮاره وﻳﻤﻨﻊ اﺿﻤﺤﻼﻟﻪ ،وﻟﺬﻟﻚ ﺗﺴﻌﻰ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻣﻢ إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﺄﻣﻮل ،ﻓﺘﺒﺬل ﻛﺎﻓﺔ ﺟﻬﻮدﻫﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ذﻟﻚ. وﺗﻌﺪ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة راﺋﺪة ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺮاﺛﻬﺎ اﻟﻤﺘﻤﻴﺰ واﺳﺘﺤﻀﺎره ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ،وﻫﻮ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي اﻧﻄﻠﻖ ﻣﻨﺬ ﺗﺄﺳﻴﺴﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن ،رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ إرادﺗﻪ ﻗﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﺻﺮح دوﻟﺔ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻷﺻﺎﻟﺔ واﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ،ﺗﻤﺪ ﻗﺪﻣﺎً إﻟﻰ ﺟﺬورﻫﺎ اﻟﻌﺮﻳﻘﺔ وﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ اﻟﺘﻠﻴﺪ ،وﻗﺪﻣﺎً ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﺤﺎﺿﺮ اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﺆﺳﺴﻪ ﻣﻦ ﻣﻨﺠﺰات ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺔ وﻣﻌﺎرف ﺟﺪﻳﺪة وﻣﺘﻄﻮرة ﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺼﺎف اﻟﺪول اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ. وﺗﺸﻜﻞ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ؛ ﻣﻬﺮﺟﺎن اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ اﻟﺘﺮاﺛﻲ ،وﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ اﻟﺘﺮاﺛﻲ . . .وﻣﻬﺮﺟﺎن اﻟﺤﺼﻦ وﻏﻴﺮﻫﺎ ،ﻧﻤﺎذج ﻓﺮﻳﺪة ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،ﺗﻬﺪف إﻟﻰ إﺣﻴﺎء اﻟﺘﺮاث ﻋﻠﻰ أﺳﺎس رﺑﻂ اﻟﺤﺎﺿﺮ ﺑﺎﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﺑﻤﺎ ﻳﻀﻤﻦ رﺑﻂ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﻼﺣﻘﺔ ﺑﺎﻟﺴﺎﺑﻘﺔ وﺑﻨﺎء أﺟﻴﺎل ﺗﻌﺮف ﻣﺎﺿﻴﻬﺎ وﺗﻠﻢ ﺑﻪ ،ﺑﻞ ﺗﻔﺨﺮ وﺗﻌﺘﺰ ﺑﻪ ،ﻣﺪرﻛﺔ أﻧﻪ ﺛﺮوة وﻃﻨﻴﺔ وﻗﻮﻣﻴﺔ ﻻ ﺗﻘ ﱠﺪر ﺑﺜﻤﻦ. وﻟﻌﻞ أﺑﺮز ﻣﻼﻣﺢ اﻟﻨﻤﻮذج اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻓﻲ إﺣﻴﺎء اﻟﺘﺮاث ﻫﺬا اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ َﻣﺄْ َﺳ َﺴ ِﺘﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل إﻳﺠﺎد ﻣﺨﺘﺼﻴﻦ وﺧﺒﺮاء ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﻓﻲ ﻣﺆﺳﺴﺎت ﻣﻬﻤﺘﻬﺎ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ :اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻜﻞ اﻟﺘﺪاﺑﻴﺮ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ واﻹﺟﺮاﺋﻴﺔ ﻻﺳﺘﺤﻀﺎر وإﺣﻴﺎء اﻟﺘﺮاث اﻹﻣﺎراﺗﻲ ،اﻟﻤﺎدي واﻟﻤﻌﻨﻮي، ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻋﻠﻴﻪ وﺟﻤﻌﻪ وﺗﺤﻘﻴﺒﻪ واﺳﺘﺤﻀﺎره وﺗﺪوﻳﻨﻪ، أﻳﻨﻤﺎ ﻛﺎن ،ووﺿﻌﻪ ﻓﻲ ﻣﺘﺎﺣﻒ ﺧﺎﺻﺔ وﻣﻨﻈﻤﺔ ﺗﻨﻈﻴﻤﺎً ﻓﺮﻳﺪا ،ﻗﻠﻤﺎ ﻧﺠﺪ ﻟﻪ ﻧﻈﻴﺮا ً ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ،ﺑﻞ وإﺣﻴﺎء ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ وﺷﻚ اﻻﻧﻘﺮاضُ ،ﻋﺮِف ﺑﻬﺎ اﻷﺳﻼف وﺗﻮارﺛﻮﻫﺎ ،أﺑﺎً ﻋﻦ ﺟﺪ، ﻻﺳﻴﻤﺎ ﻋﺒﺮ ﻣﻬﺮﺟﺎﻧﺎت ﺳﻨﻮﻳﺔ ،ﺗﻤﺘﺪ ﻷﺳﺎﺑﻴﻊ ﻋ ّﺪة ،ﻣﻊ ﻣﺎ ﻳﺘﺨﻠﻠﻬﺎ ﻣﻦ أﻧﺸﻄﺔ وﻣﻤﺎرﺳﺎت وأﺷﻐﺎل. ﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻳﺠﺴﺪ اﻟﻤﺠﻬﻮدات اﻟﺠﺒﺎرة اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﺑﻬﺎ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات
94
إﺣﻴﺎء اﻟﺘﺮاث ا9ﻣﺎراﺗﻲ
د .ﺳﻌﻴﺪ أﺻﻴﻞ@
ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ إﺣﻴﺎء ﺗﺮاﺛﻬﺎ اﻟﺤﻀﺎري واﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻌﻪ ﺗﻔﺎﻋﻼً ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً. وﻫﻮ ﻧﻤﻮذج ﻳﺘﻄﻠﺐ اﻫﺘﻤﺎ ًﻣﺎ ﻋﺮﺑﻴ ًﻴﺎ ﻟﻨﺸﺮ ﻃﺮﻳﻘﺔ اﺷﺘﻐﺎل اﻹﻣﺎرات ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ وﺑﻤﺎ ﻳﻀﻤﻦ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪة ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻤﻴﻢ ﻫﺬا اﻟﻨﻤﻮذج اﻹﻣﺎراﺗﻲ اﻟﻔﺮﻳﺪ. ﻛﺜﻴﺮا ً ﻣﺎ ﻳﻄﺮح ﺳﺆال ﻋﺮﻳﺾ ﺣﻮل اﻟﺘﺮاث واﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ،وإﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻇﻞ اﺟﺘﻴﺎح ﻋ ْﻮﻟَـﻤﻲ ﺟﺎرف ﻻ ﻳُﺒﻘﻲ وﻻ ﻳﺬر، ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺬوﻳﺐ ﺧﺼﻮﺻﻴﺎت ﻫﻮﻳﺎت اﻟﺪول واﻟﺸﻌﻮب .وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ذﻛﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺒﺎدراﺗﻬﺎ اﻟﻤﺪروﺳﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺗﺮاﺛﻬﺎ اﻟﻌﺮﻳﻖ واﺳﺘﺤﻀﺎره ،ﻋﻠﻰ أﺳﺎس أﻧﻪ ﻳﻘﻒ ﺳﺪا ً ﻣﻨﻴﻌﺎً ﻣﻦ دون ذوﺑﺎن ﺗﺮاﺛﻬﺎ اﻟﺜﺮي واﻷﺟﻴﺎل اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺎت أﺧﺮى أﺟﻨﺒﻴﺔ ﻋﻮﻟﻤﻴﺔ ،ﺗﺴﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﻨﻤﻴﻂ ﻛﻞ ﺷﻲء، ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ وأﺳﺎﺳﺎً ،اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،واﻟﺘﺮاث ﺟﺰء ﻣﻬﻢ ﺟﺪا ً ﻣﻨﻬﺎ ...وﻣﻦ ﺗﻢ ﻳﻐﺪو اﻷﻣﺮ ﺻﺮاﻋﺎً ،ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻜﺎﻓﺊ ،ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ واﻟﻬﻮﻳﺔ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﺤﺪﻳﻪ إﻻ ﻣﻦ ﻳﻀﻊ ﺧﻄﻄﺎً اﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ اﺳﺘﺒﺎﻗﻴﺔ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻣﺠﺎﺑﻬﺔ ﻫﺬا اﻟﺘﻴﺎر ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ ﻫﻮﻳﺘﻪ وﺗﺮاﺛﻪ ..وﻫﻮ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ اﻹﻣﺎرات ،ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻜﺎﺛﻒ ﺟﻬﻮد ﻗﻴﺎدﺗﻬﺎ وأﺑﻨﺎﺋﻬﺎ، إﻧﺠﺎزه ﺑﻨﺠﺎح ﻣﺪروس وﺑﺎﻫﺮ. وﻟﻢ ﺗﻤﻨﻊ ﻣﺴﺎﻳﺮة اﻟﺘﻘﺪم اﻟﺤﻀﺎري واﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ اﻟﻤﺘﺴﺎرع ،ﻓﻲ
إﻟﻰ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻵﻧﻴﺔ اﻟﻤﺸﺘﻌﻠﺔ ،وﻗﺪ ﻟﻌﺒﺖ اﻟﻬﻮاﻣﺶ اﻟﺴﺮدﻳﺔ دو ًرا ﻣﻬﻤﺎً ﻓﻲ ﻧﻘﻞ ﻧﺒﺾ اﻟﺸﺎرع وﻧﺒﺾ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﺴﺎردة اﻟﻤﺘﻮﻏﻠﺔ واﻟﻤﺘﻮرﻃﺔ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻤﺼﺎﺣﺒﺔ ﻟﻠﻌﻤﻞ اﻷدﺑﻲ ﺑﺘﺪاﻋﻴﺎﺗﻬﺎ وإﺷﻜﺎﻟﻴﺎﺗﻬﺎ وﺻﺒﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺮى اﻟﺤﻴﺎة. ﻣﻦ ﻓﺘﺤﻲ رﺿﻮان ﺧﻠﻴﻞ إﻟﻰ ﻛﺎﻇﻢ إﻟﻰ ﺣﺎﻣﺪ اﻟﻌﺎﺋﺪ ،وﻣﻦ ﻧﺎﻫﺪ إﻟﻰ ﺳﻬﺮ إﻟﻰ ﺷﻬﺮزاد اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻠﻚ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ اﻟﺤﻜﻲ وﻣﻔﺎﺗﻴﺢ اﻟﺮوح ،ﺗﻠﻚ اﻹﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﺠﺪﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﻋﺼﺐ ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﺮوح وﺗﻤﺪﻫﺎ ﺑﻬﺬا اﻟﻮﻫﺞ اﻟﺸﻌﺮي اﻟﻤﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﻣﺠﺮﻳﺎت اﻟﻨﺺ اﻟﺪاﺧﻠﻲ اﻟﻤﺤﺮك ﻟﻠﻨﺺ اﻷﻛﺒﺮ اﻟﺬي ﻳﺸﻤﻞ ﻛﻞ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت واﻟﺘﺪاﻋﻴﺎت ،واﻟﺪاﻋﻲ إﻟﻰ ﺗﺠﺴﻴﺪ اﻟﺤﻠﻢ ﻋﻠﻰ أرض ﻻ ﺗﻨﺘﺞ واﻗﻌﺎ ﻣﺘﺴﻘﺎ ﻣﻌﻪ. ﻣﺴﺮﺣﺔ اﻟﺤﺎﻟﺔ
ﻳﻌﺘﻤﺪ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺴﺮدي ﻫﻨﺎ اﻋﺘﻤﺎ ًدا ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﺎﻫﺪ اﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻘﻞ ﻓﻀﺎء اﻟﻤﺴﺮح /اﻟﺘﺮاث إﻟﻰ أﺟﻮاء اﻟﺮواﻳﺔ ﻟﺘﻜﻮن ﺣﻴﻠﺔ ووﻋﺎء ﻧﺼﻴًﺎ ﻣﻐﺎﻳ ًﺮا ﻳﻀﺦ ﻓﻴﻪ اﻟﺴﺎرد ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﻮاﻗﻊ ﻓﻲ إﺣﺪى ﺻﻮر اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺎﻫﻰ ﻣﻊ اﻟﺤﺎﺿﺮ ،ﺑﻤﺎ ﻳﻌﻄﻲ ﻟﻠﻤﺸﻬﺪﻳﺔ واﻗ ًﻌﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻔﺼﻼ ً اﺗﺴﺎﻗًﺎ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺴﺎرد ﻃﺮﺣﻪ وإﺛﺒﺎﺗﻪ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﺗﻜﻮن ﻛ ًﻤﺎ ﻋﻦ اﻟﺴﻴﺎق ،ﻓﺸﻬﺮزاد اﻟﺤﻜﺎءة ﺗﺘﻜﻰء ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﺸﻬﺪﻳﺔ ﻟﺘﻌﺒﺮ ﺑﻬﺎ ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻤﻮاﻛﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﺎﻟﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﺸﺎم إﻟﻰ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،ﻛﻤﺤﻄﺎت ﻟﻠﺼﺮاع اﻟﺪراﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ ،وﻛﻜﺸﻒ ﻟﻤﺎ ﻳﺪور ﻓﻲ ﻛﻮاﻟﻴﺲ اﻟﺤﻜﻢ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮازى إﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻊ اﻟﻬﻮاﻣﺶ اﻟﺘﻲ وﺿﻌﻬﺎ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻟﺮواﻳﺘﻪ ،وﺗﺘﻜﺎﻣﻞ وﺗﻌﻄﻲ ﺻﻮرا أﻛﺜﺮ اﺗﻀﺎ ًﺣﺎ ﻟﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺜﺒﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻮﻋﻲ واﻟﻤﺨﻴﻠﺔ ،اﻧﻄﻼﻗًﺎ ﻣﻦ وﻋﻲ ﻣﺴﺮﺣﻲ وﺗﻘﻨﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺰاوﺟﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺴﺮد واﻟﻮﺻﻒ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ وﺑﻴﻦ اﻟﺪراﻣﺎ اﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻮار اﻟﺨﺎﻟﺺ اﻟﺬي ﻳﺸﻌﻞ ﻣﻦ داﺧﻠﻪ ﻃﺎﻗﺎت أﺧﺮى أﻋﻤﻖ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻧﺒﺾ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺮﻛﻬﺎ اﻟﺤﻮار وﻳﺘﺸﻜﻞ ﺑﻤﺎ ﺗﺮﻳﺪ.
ﻟﻌﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﺰاوج ﺑﻴﻦ دراﻣﻴﺔ اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﺴﺮدي ودراﻣﻴﺔ اﻟﻨﺺ اﻟﻤﺴﺮﺣﻲ اﻟﻤﻮازى واﻟﻤﺼﺎﺣﺐ واﻟﻤﻜﻤﻞ ،أو ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﻤﺜﻞ إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ )اﻟﻤﺴﺮـ رواﻳﺔ( ،اﻟﺤﻠﻢ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺮاود ﻛﺎﺗﺒﻨﺎ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺗﻮﻓﻴﻖ اﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻗﺪ ﺗﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺮواﺋﻲ اﻟﻀﺨﻢ ،ﺑﻤﺎ ﻳﻌﺪ ﻣﻠﻤ ًﺤﺎ ﺗﺠﺮﻳﺒ ًﻴﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻮﻋﺒﺖ ﻣﺸﺎﻫﺪ ﻣﺘﻌﺪدة ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ، ﻟﻜﻨﻬﺎ أﻓﺎدت إﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﻧﻘﻞ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺴﺮدﻳﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى داﺧﻞ اﻟﻨﺺ اﻟﺮواﺋﻲ ،وﻟﻌﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﻼﻓﺖ أن ﻳﻜﻮن ﺧﺘﺎم اﻟﺮواﻳﺔ ﺧﺘﺎ ًﻣﺎ ﻣﺴﺮﺣﻴًﺎ ﺑﻬﺬه اﻟﻤﺸﺎﻫﺪ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ اﻟﻤﺴﺮﺣﻲ اﻟﺼﺮﻳﺢ ﻣﺎ ﻳﻄﺮح ﻣﻠﻤ ًﺤﺎ ﻫﺎ ًﻣﺎ وﻫﻮ ﺗﺠﺬر ﺷﺨﺼﻴﺔ اﻟﻤﺴﺮﺣﻲ اﻟﻘﺪﻳﺮ اﻟﻤﺠﺮب »اﻟﺴﻴﺪ ﺣﺎﻓﻆ« ،وﺗﻮﻏﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ اﻟﺴﺮدﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻈﻮﻣﺘﻬﺎ »ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟــﺮوح« اﻟﺘﻲ ﻓﺮﺿﺖ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺳﻤﺎت ﻣﻮﺳﻮﻋﻴﺘﻬﺎ، وﺟﺪارﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻠﺘﺒﺴﺔ ﺑﺎﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺴﺎؤﻻت اﻟﻤﻠﺤﺔ؟ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺸﻬﺪﻳﺔ أﺧﺮى ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﺗﻔﺘﺢ اﻟﺒﺎب ﻟﻠﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻲ اﻟﺬي ﻻ ﺗﺴﺪ أﺑﻮاﺑﻪ: وﻗﺎﻣﺖ ﺳﻬﺮ إﻟﻰ ﺑﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺪوء ،وﻓﻲ ﻋﻘﻠﻬﺎ أﻟﻒ ﺳﺆال: • ﻣﺎذا ﺳﻴﻜﻮن ﻣﻦ أﻣﺮ اﻟﻠﻘﺎء ﺑﻴﻦ ﺷﻤﺲ واﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﻠﻪ؟ ﻛﻴﻒ ﺳﺘﻜﻮن اﻟﺤﻴﺎة.. ﻟﻴﻔﺮض ﺳﺆال اﻟﺤﻴﺎة ذاﺗﻪ ،ﺑﺪاﻳﺔ وﻧﻬﺎﻳﺔ ،وﻟﺘﻔﺮض اﻟﺮواﻳﺔ /اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺴﺮدي اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﻤﺤﺘﺒﻞ ﺑﺎﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ واﻟﻨﺼﻴﺔ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﺨﺰون ﻣﻌﺮﻓﻲ وﺧﺒﺮاﺗﻲ ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ ،ﻫﺬا اﻟﺴﺆال اﻟﻜﺒﻴﺮ أو اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﺪاﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺤﻮاذ ﻓﻦ اﻟﺮواﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﻞ اﻟﻔﻨﻮن ﺑﺪاﺧﻠﻪ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ وﻗﺺ وﺳﺮد وﻣﺴﺮح وﻓﻦ ﺗﺸﻜﻴﻠﻲ وﺳﺮد ﺳﻴﺮي ،وﺗﺎرﻳﺦ وﺗﺮاث إﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﻌﻄﻴﺎت اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﻔﻨﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺴﻖ ﻣﻊ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﻗﺪ ﺗﺘﺠﺎوز ﻛﻞ ﻳﻮم ﻟﻜﻲ ﺗﺮﺗﻘﻲ ﻓﻮق ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺴﻤﻴﺘﻪ ﺑﺎﻟﺤﺪاﺛﺔ، ﻟﺘﺼﻴﺮ ﻗﻀﻴﺔ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ﻫﻨﺎ ﻫﻲ ﻗﻀﻴﺔ اﻟﺘﺠﺎﻧﺲ واﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺑﻴﻦ ﻛﻞ اﻷﺟﻨﺎس اﻟﻔﻨﻴﺔ ﻗﺎﻃﺒﺔ * ﻛﺎﺗﺐ وﻧﺎﻗﺪ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ
ﺗﻮاﺻﻴﻒ
ﺣﺒﺎﻟﻪ ﻃﻮﻳﻠﺔ أي أن ﺣﺒﺎﻟﻪ ﻣﻤﺘﺪة وآﺧﺬة ﻓﻲ اﻟﺰﻳﺎدة ،وﻫﻲ ﻛﻨﺎﻳﺔ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺒﻄﻲء اﻟﺬي ﻻ ﻳﻨﻬﻲ اﻷﻣﻮر ﻓﻲ اﻟﻤﺪة اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ. ﻳﻀﺮب اﻧﺘﻘﺎداً ﻟﻠﻤﻤﺎﻃﻠﺔ واﻟﺘﺴﻮﻳﻒ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺑﻌﺾ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﻤﺘﻬﺎوﻧﻴﻦ اﻟﻜﺴﻮﻟﻴﻦ واﻟﻼﻣﺒﺎﻟﻴﻦ.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
93
ĘĝšŤē śŵĸ
»ﻟﻴﺎﻟﻲ دﺑﻲ -ﺷﺎي ﺑﺎﻟﻴﺎﺳﻤﻴﻦ« وﻋﻲ اﻟﺴﺎرد واﺳﺘﻠﻬﺎم اﻟﺘﺮاث ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻄﻴﺔ ﻣﺤﻤﻮد@
»وﻗﻠﺒﻲ ﻣﺤﺘﺸﺪ ﺑﺄﻟﻒ ﺣﻠﻢ ﺑﺴﻴﻂ« ﻓﻲ اﻟﺠﺰء اﻷول ﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﺮوح »ﺷﺎي ﺑﺎﻟﻴﺎﺳﻤﻴﻦ« ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ »اﻟﺴﻴﺪ ﺣﺎﻓﻆ« ﺗﺘﻮﻏﻞ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺴﺮدﻳﺔ /اﻟﻨﺼﻴﺔ ﻟﺘﺄﺧﺬ أﺑﻌﺎدًا إﺑﺪاﻋﻴﺔ وإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﺮﻫﺎﻓﺔ واﻟﺘﺸﺎﺑﻚ ﻓﻲ آن واﺣﺪ. ﺗﺘﺸﻌﺐ ﻟﺘﺴﺘﻮﻋﺐ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻷوﻋﻴﺔ اﻟﻨﺼﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻤﺪد ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﻤﻞ ،ﻟﻴﺘﺨﻄﻰ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺴﺮد اﻟﻤﻌﺘﺎد إﻟﻰ اﻟﻤﻴﺘﺎﺳﺮد؛ ذﻟﻚ اﻟﺴﺮد اﻟﺬي ﻳﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻣﺎ وراء اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﻦ ﻋﻮاﻟﻢ ﺗﺠﺴﺪ اﻷرق اﻟﻮﺟﻮدي ﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺗﺴﻌﻰ ﻟﺘﺠﺴﻴﺪ اﻟﻌﺎﻟﻢ وﺗﺸﻜﻴﻠﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل ذاﺋﻘﺘﻬﺎ ووﻋﻴﻬﺎ وﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ اﻟﺸﺨﺼﻲ اﻟﻤﻮﻏﻞ ﻓﻲ ﺷﺨﺼﻴﺔ اﻟﻮﻃﻦ ﺑﺼﻮره اﻟﻤﺘﻌﺪدة ﻛﻤﺎ ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻬﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﺘﺮاث واﻟﻮﻋﻲ اﻟﺸﻔﺎﻫﻲ .ﻓﻲ ﻟﻴﺎﻟﻲ دﺑﻲ ـ ﺷﺎي ﺑﺎﻟﻴﺎﺳﻤﻴﻦ ،ﻳﻔﺘﺘﺢ اﻟﺴﺎرد /اﻟﺪروﻳﺶ ﺻﻔﺤﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻦ ﺻﻔﺤﺎت رﺣﻼت اﻟﺮوح وﺗﻤﺎﻫﻴﻬﺎ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻮروﺛﺎت اﻟﺤﻜﺎﺋﻴﺔ )اﻟﺒﻌﻴﺪ ﻣﻨﻬﺎ واﻟﻘﺮﻳﺐ( ،واﺳﺘﻠﻬﺎﻣﺎت اﻟﺘﺮاث ،وﻳﻘﺘﺮب ﻣﻦ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻟﻴﺠﺴﺪ ﻣﺴﺘﻮى أﻋﻤﻖ ﻟﻠﺤﺎﻟﺔ اﻟﻨﺼﻴﺔ /اﻟﺴﺮدﻳﺔ. 92
»ﻟﻴﺎﻟﻲ دﺑﻲ -ﺷﺎي ﺑﺎﻟﻴﺎﺳﻤﻴﻦ«
ﺴﺎرد ،واﺳﺘﻠﻬﺎم اﻟﺘﺮاث وﻋﻲ اﻟﺴﺎرد،
ﺛﻤﺔ إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﺗﻔﺮض ذاﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻋﻤﻞ إﺑﺪاﻋﻲ ﻳﻄﻤﺢ إﻟﻰ ﻣﻼﻣﺴﺔ ﺷﻐﺎف اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وﻫﻲ ﺿﺒﻂ اﻟﺘﺪاﺧﻞ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﻟﻀﻤﺎن اﺗﺰان اﻟﻤﻌﺎدﻟﺔ ،ﺑﻴﻦ اﻟﺤﺎﻟﺘﻴﻦ اﻟﺮوﺣﺎﻧﻴﺔ واﻟﻤﺎدﻳﺔ. وﻫﻮ ﻣﺎ ﻧﺠﺢ »ﺣﺎﻓﻆ« ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪأ ﺑﺎﺳﺘﻠﻬﺎم اﻟﺸﻌﺮ واﻟﻤﺄﺛﻮر ﻣﻦ اﻟﻘﻮل ﻣﻦ دون ﻣﺒﺎﺷﺮة وﻻ ﻓﻀﺢ ﻟﻤﺎ ﺳﺘﺴﻔﺮ ﻋﻨﻪ، ﻟﻴﻘﻮم ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ اﻧﺘﻘﺎل ورﺣﻴﻞ ﺑﻴﻦ ﺷﺨﺼﻴﺎت وأﻣﺎﻛﻦ وأزﻣﻨﺔ ﻳﻀﺒﻄﻬﺎ وﻋﻲ اﻟﺴﺎرد ﻟﻴﺸﻜﻞ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ اﺳﺘﺪﻋﺎﺋﻴﺔ ﺗﻌﺒﺮ إﻟﻰ اﻟﺴﺮد ﻋﺒﺮ اﻟﺸﻌﺮ وﻋﺒﺮ اﻟﺘﻤﺎﻫﻲ واﻻﻟﺘﺒﺎس ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﻘﺮﻳﺐ واﻟﺒﻌﻴﺪ ﻣﻦ ﻋﻬﺪ إﺧﻨﺎﺗﻮن »اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ« ،إﻟﻰ ﻋﻬﺪ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﻠﻪ »اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮاﺷﺪة«، إﻟﻰ ﻋﻬﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮ »اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ«. وﺳﺎﻋﺪت ﺗﻘﻨﻴﺔ اﻻﺳﺘﺪﻋﺎء اﻟﺤﻠﻤﻲ داﺧﻞ اﻟﻤﺘﻦ ﻓﻲ ﻧﻘﻞ وﻋﻲ اﻟﺴﺎرد
أوراق ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ
اeﺳﺎﻃﻴﺮ وﻇﻠﻢ اﻟﻘﺪﻳﻢ !! ﻟﻄﺎﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺳﻄﻮرة ﻣﺤﻞ دراﺳﺔ وﻓﺤﺺ وﺗﺪﻗﻴﻖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ واﻟﺪارﺳﻴﻦ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻹﻧﺴﺎن ،وﻫﻨﺎك اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻻ ﺗﺘﺠﺎوز ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻧﻈﺮﻳﺎت ﻟﻢ ﻳﺘﻢ اﻟﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﺻﺤﺘﻬﺎ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ،وﺑﻌﻀﻬﺎ اﻵﺧﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻵراء ﻻ ﺗﺴﺘﺤﻖ ﺣﺘﻰ اﻟﺘﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺠﺮد اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻔﻬﻢ ،واﻟﺴﺒﺐ إﻳﻤﺎﻧﻪ ﺑﻔﻜﺮة اﻛﺘﺸﻔﻨﺎ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ اﻟﺤﺎﺿﺮ أﻧﻬﺎ ﻣﺴﺘﺤﻴﻠﺔ. ﻟﻜﻦ اﻟﺬي أود اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻷﺳﻄﻮرة وﺗﻜﻮﻧﻬﺎ ،أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺄت ﻓﻲ ﺳﻴﺎق اﻟﺠﻬﻞ واﻷﻣﻴﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﻌﻀﻬﻢ، أو ﺑﻤﻌﻨﻰ أﺻﺢ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻋﺪم اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺳﺒﺒﺎً رﺋﻴﺴﻴﺎً ﻓﻲ ﻧﺸﻮء اﻟﺨﺮاﻓﺎت واﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ،وإن ﻛﺎن ﻫﺬا ﻋﺎﻣﻼً ﺣﻴﻮﻳﺎً وﻣﻬﻤﺎً ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ اﻟﻮﺣﻴﺪ ،وﻟﻴﺲ ﻫﻮ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ دوﻣﺎ ..ﻟﻤﺎذا؟ ﻷﻧﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺼﺮ ﺗﺤﺪﻳﺪا اﻟﺬي ﺗﻮﻫﺞ ﺑﺎﻟﻤﻌﺎرف واﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ واﻟﻤﺨﺘﺮﻋﺎت، واﻟﻬﻮاﺗﻒ اﻟﺬﻛﻴﺔ وﺗﻄﻮرات ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ،واﻟﺘﻲ ﺑﺎﺗﺖ ﺟﺰءا ً ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ،وﺑﺎﺗﺖ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺘﻠﻒ أﻧﻮاﻋﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎول ﻳﺪ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﺎ ،وﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ إﻻ اﻟﺘﺼﻔﺢ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﺤﺎﺳﺐ اﻵﻟﻲ اﻟﻤﺤﻤﻮل ،ﺑﻞ ﺑﻬﺎﺗﻔﻪ اﻟﺬﻛﻲ اﻟﺼﻐﻴﺮ ،ﻟﻴﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪه ﻣﻦ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ،ورﻏﻢ ﻫﺬا ﻓﺈن اﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻻ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﻬﺬه اﻟﻤﻬﻤﺔ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺴﺘﺴﻠﻤﻮن ﻟﻸﻓﻜﺎر اﻵﻧﻴﺔ أو اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﻌﺸﻮاﺋﻲ، واﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻤﻘﻮﻻت ،رﻏﻢ اﻟﺨﻄﺄ اﻟﻮاﺿﺢ ﻓﻴﻬﺎ. ﻫﻨﺎك ﺟﺎﻧﺐ ﺣﻴﻮي ﻣﻬﻢ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺨﺮاﻓﺔ ﻓﻲ اﻷروﻗﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،ﻓﺒﻌﺾ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺘﻲ اﻋﺘﺒﺮت ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻋﻠﻤﻴﺔ وﻻ ﺗﻘﺒﻞ اﻟﺸﻚ أو اﻟﻨﻘﺎش ،وﺣﻴﻜﺖ ﺣﻮﻟﻬﺎ أﺳﻄﻮرة ﻛﺒﻴﺮة ،وﻫﻲ ﻻ ﺗﺘﺠﺎوز ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻣﻐﻠﻮﻃﺔ ﻻ أﻛﺜﺮ. ﺳﺄﺿﺮب ﻣﺜﺎﻻً ﻟﻠﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻮﺿﻴﺢ ،ﻫﻨﺎك ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﻧﺮددﻫﺎ ﻳﻮﻣﻴﺎ، ﺑﺎن ﻣﺦ اﻹﻧﺴﺎن اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻲ وﻛﺒﻴﺮ وذو ﻣﻘﺪرات ﻫﺎﺋﻠﺔ ،وﻫﺬه اﻟﻤﻘﻮﻟﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ وﺗﻮاﺗﺮت ﺣﺘﻰ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺮاﻫﻦ ،وﻣﺮدﻫﺎ ﻗﺪ ﻳﻌﻮد ﺣﺴﺐ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺑﺴﺒﺐ ﺣﺠﻢ اﻟﻤﺦ اﻟﺼﻐﻴﺮ أﻣﺎم ﺟﺴﺪ
ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻤﺰروﻋﻲ
اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻜﺒﻴﺮ ،ﻓﻠﻬﺬا ﺣﻴﻜﺖ ﺣﻮﻟﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺎت ﺣﻮل ﻗﺪراﺗﻪ اﻟﻤﻬﻮﻟﺔ واﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ،وﻣﻤﺎ ﻋﺰز ﻫﺬه اﻟﻨﻈﺮة ﺣﺪﻳﺜﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻌﺮف أﻛﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺦ اﻹﻧﺴﺎن ،ورؤﻳﺔ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﻮﻳﻪ ﻣﻦ ﺧﻼﻳﺎ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﻛﺜﻴﻔﺔ ﺟﺪا ،ﺛﻢ اﻟﺨﻼﻳﺎ اﻟﺪاﻋﻤﺔ ،ﻓﻀﻼ ﻋﻤﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﻣﻦ أﺳﺮار ﻟﻢ ﺗﻜﺸﻒ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا. إﻻ أﻧﻪ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﻧﺸﺮ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻊ » » naturaﻫﻨﺎك دﻻﻻت أﺧﺮى وﻣﻌﻠﻮﻣﺎت أﻛﺜﺮ دﻗﺔ ﻋﻦ اﻟﻤﺦ ،ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻟﻮري ﻣﺎرﻳﻨﻮ، ﻋﺎﻟﻢ اﻷﻋﺼﺎب ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ إﻳﻤﻮري ﻓﻲ اﺗﻼﻧﺘﺎ ﺟﻮرﺟﻴﺎ » :ﻧﺤﻦ ﻧﻨﺘﻘﻲ اﻷرﻗﺎم اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺘﻔﻮق« .وﻟﻌﻠﻪ ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﺄﻧﻨﺎ ﻛﺎﺋﻨﺎت ﻣﺘﻔﻮﻗﺔ وﻣﺘﻤﻴﺰة ،ﻟﺬا ﻧﻀﻴﻒ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻏﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ. ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل ،وﻣﻦ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﻮﻗﻊ » :ﻋﺪد ﺧﻼﻳﺎ اﻟﻤﺦ ﻧﺎﻟﻪ ﻗﺪر ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺔ واﻟﺘﻀﺨﻴﻢ ،ﻓﻤﻌﻈﻢ اﻟﻤﻘﺎﻻت واﻟﻤﺮاﺟﻊ اﻟﺪراﺳﻴﺔ ﺗﻘﻮل إن اﻟﻤﺦ اﻟﺒﺸﺮي ﻳﺘﻜﻮن ﻣﻦ 100ﻣﻠﻴﺎر ﺧﻠﻴﺔ ﻋﺼﺒﻴﺔ ،ﻟﻜﻦ اﻟﻘﻴﺎﺳﺎت ّ اﻷدق ﺗﻘﻮل إن اﻟﺮﻗﻢ اﻷﺻﻮب ﻫﻮ 86 ﻣﻠﻴﺎر ﺧﻠﻴﺔ. اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺗﺸﻴﺖ ﺷﻴﺮوود ،ﻋﺎﻟﻢ اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺟﻮرج واﺷﻨﻄﻦ ﻓﻲ واﺷﻨﻄﻦ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ،ﻗﺎل » :إن أﺳﻄﻮرة ﺗﻤﻴﱡﺰﻧﺎ ﺑﻤﺦ ﻓﺮﻳﺪ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻌﺪد اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﻼﻳﺎ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻗﺪ أﻟﺤﻘﺖ اﻟﻀﺮر ﺑﺎﻟﻌﻠﻮم اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ،ﻷﻧﻬﺎ ﻃﻐﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺮوق اﻷﺧﺮى اﻟﻤﺤﺘﻤﻠﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻧﺎد ًرا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻈﻰ ﺑﺎﻟﺪراﺳﺔ واﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ،وﻣﻨﻬﺎ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ اﻟﻐﺬاﺋﻲ ،وﻣﻌﺪل ﻧﻤﻮ ﺧﻼﻳﺎ اﻟﻤﺦ ،وﻃﻮل اﻟﻮﺻﻼت اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ«. ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻮﻟﻊ دوﻣﺎ ﺑﺼﻨﻊ اﻟﺨﺮاﻓﺎت ،ﺳﻮاء ﻗﺪﻳﻤﺎ أو ﺣﺘﻰ ﺣﺪﻳﺜﺎ ،وﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﻌﻠﻢ أﻳﻀﺎ *ﻛﺎﺗﺒﺔ ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
91
ĘĝšŤē śŵĸ
ﻋﻴﻦ ﺻﺎﻟﺢ وﺻﻮﻻ إﻟﻰ ﺑﻼد ﻓﺰان ،ﻗﺪم اﻟﺒﺮﺗﻠﻲ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺟﺰﻳﻠﺔ ﻋﻦ ﻗﺮى ﻓﺰان وأﻫﻢ أﻋﻼﻣﻬﺎ وﺗﺤﺪث ﻋﻦ ﺧﺼﺎل أﻫﻠﻬﺎ وﻛﺮﻣﻬﻢ واﺣﺘﻔﺎﺋﻬﻢ ﺑﺎﻟﺤﺠﻴﺞ ،وﻗﺪم وﺻﻔًﺎ ﻣﻬﻤﺎ ﻟﻤﻨﺎزل ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺤﺎج اﻟﻤﺼﺮي ووﺻﻒ ﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﺤﺎج اﻟﻤﺼﺮي ،إﺿﺎﻓﺔ ﻻﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﻤﺰارات ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،وﻣﻜﺔ وأﺳﻮاﻗﻬﺎ ،وأﻫﻢ ﻣﻌﺎﻟﻤﻬﺎ ووﺻﻔﻪ ﻟﻬﺬا اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻳﺴﺘﺤﻖ دراﺳﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﻊ ﻏﻴﺮه ﻋﻨﺪ رﺣﺎﻟﻴﻦ آﺧﺮﻳﻦ ،وﻳﻤﺜﻞ اﻟﺸﻌﻮر اﻟﺬي ﻫﻴﻤﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺣﺎﻟﻴﻦ اﻟﺴﺎﺑﻘﻴﻦ ﻣﻦ أﻣﺜﺎل اﻟﻌﻴﺎﺷﻲ ،واﺑﻦ ﻋﺜﻤﺎن وﻫﻤﺎ ﻳﺠﺪان أﻧﻔﺴﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ ،ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮام أﻣﺎم اﻟﻜﻌﺒﺔ، ﻋﻞ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ واﻷﻫﻮال اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺮض ﺳﺒﻞ اﻟﻘﺎﺻﺪﻳﻦ إﻟﻰ ذرﻳﺔ إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻬﻮى إﻟﻴﻬﻢ أﻓﺌﺪة اﻟﻨﺎس ،ﺑﻤﺜﻞ ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﻮر ﻳﻌﺒﺮ اﻟﺒﺮﺗﻠﻲ اﻟﺬي ﻧﺮاه ﻳﺴﺘﺤﻀﺮ ﻧﻌﻤﺔ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺘﻤﻜﻴﻨﻪ ﻣﻦ ﺟﻮار ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺸﺎﻣﺦ اﻟﻤﻨﻴﻒ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻨﺒﻊ اﻟﺨﻴﺮ واﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﻄﺎﺋﻔﻴﻦ واﻟﺮﻛﻊ اﻟﺴﺠﻮد .وﻗﺪ ﻋﺪﻫﺎ اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ اﻟﺒﺮﺗﻠﻲ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ اﻟﻤﺰارات اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ واﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ واﻟﺘﻲ ﻳﺘﻌﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎج واﻟﺰاﺋﺮ أﻻ ﻳﺘﺮك ﻣﻜﺔ إﻻ وﻗﺪ ﺗﻜﺤﻞ ﺑﻬﺎ. اﻟﺒﺸﻴﺮ اﻟ ُﺒﺮﺗﻠﻲ ورﺣﻠﺘﻪ
ورﺣﺎﻟﺘﻨﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎج اﻟﺒﺸﻴﺮ ﺑﻦ اﻟﺤﺎج أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ اﻟﻄﺎﻟﺐ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻄﺎﻟﺐ ﻋﻤﺮ اﻟﺒﺮﺗﻠﻲ اﻟﻤﺘﻮﻓﻰ ﺳﻨﺔ 1214ﻩ1800/م ،وﺻﻔﻪ ﺻﺎﺣﺐ ﻓﺘﺢ اﻟﺸﻜﻮر ﺑﺄﻧﻪ ﻛﺎن رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﺤ ًﺒﺎ ﻟﻠﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ،ﻣﺸﺘﺎﻗًﺎ ،ﻣﻼز ًﻣﺎ ﻟﻘﺮاءة ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻣﺪﺣﻪ ،وﻳﻄﺮب ﻋﻨﺪه ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻄﺮب وﻳﻬﺘﺰ ﻟﻪ وﻳﺤﺒﻪ وﻳﻜﺜﺮ ﻣﻨﻪ ﺣﺘﻰ ُﺳﻤﻲ ﻋﻨﺪ ﺑﻌﺾ أﻫﻞ اﻟﺘﻞ ﺑﺎﻟﻤﺪاح ،ﺧﺒﻴ ًﺮا ﺑﻀﺮوب اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﻌﺸﺮﻳﻨﻴﺎت وﺗﺨﻤﻴﺴﻬﺎ واﻟﻬﻤﺰﻳﺔ وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ،اﺑﻦ اﻟﻄﺎﻟﺐ اﻟﺼﻐﻴﺮ« ﺑﺎﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻤﺪاح ﻟﺮﺳﻮل اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ. ﻧﺸﺄ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻓﻲ أﺳﺮة ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﻓﻲ وﻻﺗﺔ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺒﺮاﺗﻴﻞ ﻓﺄﺑﻮه اﻟﺤﺎج أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ اﻟﻔﻘﻴﻪ اﻟﻄﺎﻟﺐ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻄﺎﻟﺐ ﻋﻤﺮ اﻟﺒﺮﺗﻠﻲ اﻟﻤﺘﻮﻓﻰ ﺳﻨﺔ 1179ﻩ1766/م ،ﻛﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻓﺘﺢ اﻟﺸﻜﻮر ،ﺣﺞ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻋﺎم 1204ﻩ 1790/ﻣﻦ وﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺄﻟﻴﻔﺎ ذﻛﺮ ﻓﻴﻪ ﻣﻨﺎزل رﻛﺐ ﺣﺠﻪ ﻣﻦ ﺑﻼد وﻻﺗﺔ ﻣﺮورا ﺑﺘﻮات إﻟﻰ ﺑﻠﺪ اﻟﺤﺮﻣﻴﻦ اﻟﺸﺮﻳﻔﻴﻦ ،وﻟﻘﻲ ﻓﻲ رﺣﻠﺘﻪ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ واﺳــﺘــﺠــﺎز ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓﺄﺟﺎزوه وﻣﻨﻬﻢ اﻟﻌﻼﻣﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺰﺑﻴﺪي اﻟﺤﺴﻴﻨﻲ اﻟﻤﻌﺮوف ﺑﺎﻟﺸﺮﻳﻒ اﻟﻤﺮﺗﻀﻰ اﻟﺬي اﻟﺘﻘﺎه
90
اﻛﺘﺸﺎف آﺧﺮ ﻣﺨﻄﻮط ﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺒﺸﻴﺮ اﻟﺒُﺮﺗﻠﻲ إﻟﻰ اﻟﺤﺮﻣﻴﻦ اﻟﺸﺮﻳﻔﻴﻦ
ﻓﻲ ﻣﺼﺮ وأﺟﺎزه ،ﺗﻮﻓﻲ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺨﻤﻴﺲ 11ﻣﻦ رﻣﻀﺎن ﺳﻨﺔ 1214ﻩ اﻟﻤﻮاﻓﻖ6:ﻓﺒﺮاﻳﺮ 1800م. ﻟﻴﺲ ﺛﻤﺔ أدﻧﻰ ﺷﻚ ﻓﻲ ان ﻫﺬا اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻣﻦ وﺿﻊ اﻟﺤﺎج اﻟﺒﺸﻴﺮ ﺑﻦ اﻟﺤﺎج أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ اﻟﻄﺎﻟﺐ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻄﺎﻟﺐ ﻋﻤﺮ اﻟﺒﺮﺗﻠﻲ اﻟﻮﻻﺗﻲ إذ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻣﺨﻄﻮط اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻣﺎ ﻳﺸﻴﺮ إﺷﺎرة ﻣﺒﺎﺷﺮة إﻟﻰ ذﻟﻚ ﺣﻴﺚ ﻗﺎل اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻓﻴﻢ ﻗﺪم ﺑﻪ اﻟﺮﺣﻠﺔ» :ﻓﻴﻘﻮل ﻓﻘﻴﺮ ﻣﻮﻻه ،اﻟﺮاﺟﻲ ﻋﻔﻮ ﻣﻮﻻه ،اﻟﻐﻨﻲ ﺑﻪ ﻋﻤﻦ ﺳﻮاه :ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺒﺸﻴﺮ ﺑﻦ اﻟﺤﺎج أﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ اﻟﻄﺎﻟﺐ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻄﺎﻟﺐ ﻋﻤﺮ اﻟﺒﺮﺗﻠﻲ ﻧﺴﺒًﺎ اﻟﻮﻻﺗﻲ دا ًرا وﻣﺴﻜ ًﻨﺎ، وﻣﻨﺸﺌًﺎ ووﻃ ًﻨﺎ ،اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ ﻣﺬﻫ ًﺒﺎ اﻷﺷﻌﺮي اﻋﺘﻘﺎ ًدا ،ﻫﺬه رﺣﻠﺔ ﻣﺒﺎرﻛﺔ أذﻛﺮ ﻓﻴﻬﺎ إن ﺷﺎء اﻟﻠﻪ ﻣﺮاﺣﻞ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺤﺞ ﻣﻦ ﺑﻼد أﺗﻮات إﻟﻰ اﻟﺤﺮﻣﻴﻦ« ،ﻛﻤﺎ أﺷﺎر ﺻﺎﺣﺐ ﻓﺘﺢ اﻟﺸﻜﻮر إﻟﻰ أن ﻟﻠﻤﺆﻟﻒ » رﺣﻠﺔ ذﻛﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺮاﺣﻞ اﻟﺤﺞ ﻣﻦ ﺑﻼد ﺗﻮات إﻟﻰ اﻟﺤﺮﻣﻴﻦ«. ﻟﻘﺪ اﻗﺘﻨﻌﻨﺎ ﺑﻔﺎﺋﺪة وأﻫﻤﻴﺔ ﻫﺬا اﻟﻤﺨﻄﻮط ﻣﻦ ﺧﻼل أن ﻫﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ ﺑﻘﻴﺖ دﻫﺮا ﻓﻲ ﺣﻜﻢ اﻟﻤﻔﻘﻮدة ،وﻛﺎدت أن ﺗﻀﻴﻊ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ رﺣﻠﺔ ﻓﺮﻳﺪة ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻬﺎ وﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺬي ﺳﻠﻜﺘﻪ ،وﻓﻲ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ دراﺳﺔ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻟﺤﻀﺎري ﺑﻴﻦ ﻏﺮب اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ وﺷﺮﻗﻪ ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ وﺑﻴﻦ ﺣﻮاﺿﺮ ﺑﻼد اﻟﻤﻐﺮب اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ و ﺑﻼد اﻟﺤﺮﻣﻴﻦ اﻟﺸﺮﻳﻔﻴﻦ ﺑﺼﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،وﻋﻠﻰ إﺛﺮ ذﻟﻚ ﺟﺎء اﻹﺻﺮار ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺬه اﻟﻨﺴﺨﺔ رﻏﻢ ﻋﺪم اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻧﺴﺨﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ؛ ﻷﻧﻪ ﻋﺰ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻣﺨﻄﻮﻃﺎ ﻛﻬﺬا وﻋﻠﻰ أﻫﻤﻴﺘﻪ ﻳﻈﻞ ﺣﺒﻴﺲ اﻟﻤﻜﺘﺒﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺮد ذﻛﺮه ﻋﻨﺪ أﺳﺘﺎذي اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﻬﺎدي اﻟﺘﺎزي ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻮﻋﺘﻪ اﻟﻤﻬﻤﺔ )رﺣﻠﺔ اﻟﺮﺣﻼت ﻣﻜﺔ ﻓﻲ ﻣﺎﺋﺔ رﺣﻠﺔ ﻣﻐﺮﺑﻴﺔ ورﺣﻠﺔ(
اﻟﺼﻼة ﻓﻲ اﻟﺤﺮم 1889
ﻗﺪم اﻟﺒﺮﺗﻠﻲ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺟﺰﻳﻠﺔ ﻋﻦ ﻗﺮى ﻓﺰان وأﻫﻢ أﻋﻼﻣﻬﺎ وﺗﺤﺪث ﻋﻦ ﺧﺼﺎل أﻫﻠﻬﺎ وﻛﺮﻣﻬﻢ واﺣﺘﻔﺎﺋﻬﻢ ً وﺻﻔﺎ ﻣﻬﻤﺎ ﻟﻤﻨﺎزل ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺤﺎج ﺑﺎﻟﺤﺠﻴﺞ ،وﻗﺪم اﻟﻤﺼﺮي ووﺻﻒ ﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﺤﺎج اﻟﻤﺼﺮي ،إﺿﺎﻓﺔ ﻻﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﻤﺰارات ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،وﻣﻜﺔ وأﺳﻮاﻗﻬﺎ، وأﻫﻢ ﻣﻌﺎﻟﻤﻬﺎ ووﺻﻔﻪ ﻟﻬﺬا اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻳﺴﺘﺤﻖ دراﺳﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﻊ ﻏﻴﺮه ﻋﻨﺪ رﺣﺎﻟﻴﻦ آﺧﺮﻳﻦ
وﻗﺪ ﻗﺎد اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻤﻀﻨﻲ اﻟﺬي ﻗﻤﺖ ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻴﻬﺎ وإﻋﺎدة اﻛﺘﺸﺎﻓﻬﺎ وﺗﺤﻘﻴﻘﻬﺎ ،إذ ﻛﺎﻧﺖ ﺿﻤﻦ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﺰﻗﺎزﻳﻖ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﻌﺪ أن أﺻﺎﺑﻬﺎ اﻹﻫﻤﺎل واﻟﺘﻤﺰق ،ﻓﻘﺪت ﺣﻤﻠﺔ إﻋﻼﻣﻴﺔ ﻹﻧﻘﺎذ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﺎﻟﺰﻗﺎزﻳﻖ ،وﻧﺠﺤﺖ ﻓﻲ ﻧﻘﻠﻬﺎ إﻟﻰ دار اﻟﻜﺘﺐ واﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ﻟﺘﺮﻣﻴﻤﻬﺎ وﻓﻬﺮﺳﺘﻬﺎ وﺻﻴﺎﻧﺘﻬﺎ .وﻗﺪ اﻧﺘﻬﻴﺖ ﻣﻦ ﺗ ﻴ ﺗﺤﻘﻴﻖ رﺣﻠﺔ اﻟﺒﺮﺗﻠﻲ ﺑﺎﻻﺷﺘﺮاك ﻣﻊ د .ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﻤﺎن. ﺑﻌﺜﻤﺎ ﺑﻌﺜﻤﺎن. ﻣﻦ أﻗﺪم اﻟﺮﺣﻼت اﻟﺸﻨﻘﻴﻄﻴﺔ اﻟﻤﺪوﻧﺔ
واﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺤﺠﺎزﻳﺔ ﻟﻠﺤﺎج اﻟﺒﺸﻴﺮ اﻟﺒﺮﺗﻠﻲ ﺗﻜﺘﺴﻲ أﻫﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﺧﺼﻮﺻﺎ، ﺑﻴﻦ أﻗأﻗﺮﺮاﻧﻬﺎ ﻣﻦ رﺣﻼت اﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ ﻋﻤﻮﻣﺎ واﻟﺸﻨﺎﻗﻄﺔ ً ﻓﻬﻲ ﺗﻌ ﺗﻌﺪ ﻣﻦ أﻗﺪم اﻟﺮﺣﻼت اﻟﺸﻨﻘﻴﻄﻴﺔ اﻟﻤﺪوﻧﺔ إذ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ أواﺋﻞ اﻟاﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ اﻟﻬﺠﺮي ،وﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺑﻠﺪﻳﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺘﻲ اﺗﺨﺬﺗﻪ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ﺑﻠﺪ وﻻﺗﺔ ﻓﻲ ﻣﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺎ إﻟﻟﻰ إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﺤﺮﻣﻴﻦ ﻣﺮورا ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﺗﻨﺒﻜﺘﻮ وإﻗﻠﻴﻢ أزواد ﺑﺎﻟﺸﻤﺎل اﻟﻤﻤﺎﻟﻲ اﻟﻤﺎﻟﻲ اﻟاﻟﺤﺎﻟﻲ إﻟﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺗﻮات ﺑﺎﻟﺠﻨﻮب اﻟﻐﺮﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي وﺻﻮﻻ ان ﺑﻠﻴﺒ ﻓﺰ ن ﺑﻠﻴﺒﻴﺎ ﺛﻢ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﻓﺎﻟﺤﺠﺎز وﻫﻮ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻤﺮ ﺑﻪ رﻛ رﻛﺐ اﻟﺤﺎج اﻟﻮﻻﺗﻲ ﻟﻴﻠﺘﻘﻲ ﺑﺘﻨﺒﻜﺘﻮ ﺑﺮﻛﺐ اﻟﺤﺎج اﻟﺘﻜﺮوري ﺛﻢ ﻳﻳﺼﻄﺤ ﻳﺼﻄﺤﺐ اﻟﺮﻛﺒﺎن وﺻﻮﻻ اﻟﻰ ﺑﻠﺪة اﻗﺒﻠﻲ )ﺟﻨﻮب ﻏﺮب اﻟﺠﺰاﺋﺮ ( ﻟﻴﻠﺘﺘﻘﻴﺎن ﻟﻴﻠﺘﻘﻴﺎن ﻣﻊ اﻟﺮﻛﺐ اﻟﺘﻮاﺗﻲ ﻓﺘﻜﻮن ﻣﺸﻴﺨﺔ اﻟﺮﻛﺐ ﻓﻲ ﺷﻴﺦ اﻟﺮﻛﺐ اﻟﺘﻮاﺗﻲﻲ. اﻟﺘﻮاﺗﻲ. وﻓﻲ ااﻟﺤﻘ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،إﻧﻨﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﻔﺘﻘﺪ أو ﻧﻜﺎد إﻟﻰ ﻧﺺ رﺣﻠﺔ ﺣﺠﺎزﻳﺔ اﺗﺨﺬت ﻫﺬا اﻟﻄﺮﻳﻳﻖ اﻟﻄﺮﻳﻖ رﻏﻢ ﻣﺎ ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﺑﻪ اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ أﻫﻤﻴﺔ ﻫﺬا اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻲ اﻟﺤﺠﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ وﻻﺗﺔ ﻧﺤﻮ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﻴﻨﺒﻜﺘﻮ ﻟﻴﻨﻜﺴﺮ ﺷﻤﺎﻻ ﻧﺤﻮ ﻣﻣﻨ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺗﻮات ﻋﺒﺮ إﻗﻠﻴﻢ أزواد ﺣﻴﺚ ﻳﺼﻒ ﻣﺪﻧﻬﺎ وﻗﺮاﻫﺎ اﻟﻌﺎﻣﺮة ﻛﺘﻨﺒﻜﻜﺘ ﻛﺘﻨﺒﻜﺘﻮ واﻟﻤﺒﺮوك وﺑﻮﺟﺒﻴﻬﻴﺔ ﻣﻌﺪدا ً ﻣﺰاراﺗﻬﺎ وأﺿﺮﺣﺘﻬﺎ ورﺟﺎﻻﺗﻬﺎ ﺤ اﻟﺼﺎﻟﺤ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻔﺮد اﻟﺮﺣﻠﺔ ﺑﻮﺻﻒ ﺻﺤﺮاء ﺗﻨﺰروﻓﺖ اﻟﻤﻮﺣﺸﺔ ،إذ م ﺗﻘﺪم ﻟﻨﺎ ﻣﺎدة ﺟﻐﺮاﻓﻴﺔ ﺟﺰﻳﻠﺔ ﺣﻮل ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺠﻬﻮﻟﺔ واﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﻳﺘﻳﺘﻄﺮق إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﻮن اﻷول إﻻ ﺑﺸﻜﻞ ﺳﻄﺤﻲ وﻋﺎم ،ﺣﻴﺚ م ﺗﻘﺪم وﺻﻔﺎ دﻗﻴﻘﺎ ﺟﺪا ﻟﻬﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﻌﺪ ًدا ﻣﻨﺎزﻟﻬﺎ واﺻﻔﺎ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺘﻬﺎ ﻀﺎر وﺗﻀ وﺗﻀﺎرﻳﺴﻬﺎ ﻣﻌﺪ ًدا آﺑﺎر اﻟﻤﻴﺎه ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺬﺑﻬﺎ وﻣﺎﻟﺤﻬﺎ. ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻣﻬﻤﺔ ﻌﻠ ﻣﻌ
ورﻏﻢ أن اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ اﻟﺒﺸﻴﺮ اﻟﺒﺮﺗﻠﻲ ﻗﺪ ﺣﺮﻣﻨﺎ ﻣﻦ دون وﺟﻪ ﻗﺼﺪ ﻣﻦ وررﻏﻢ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻣﻬﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﺑﻴﻦ وﻻﺗﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﻣﻌﻠﻮﻣ اﻧﻄﻠﻖ إﻟﻰ إﻗﻠﻴﻢ أزواد ﺑﺤﺠﺔ أن اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻌﺮوف ﻟﺪى اﻟﻌﺎم واﻟﺨﺎص اﻧﻧﻄﻠﻖ زﻣﻨﻪ ،إﻻ أﻧﻪ ﺗﺤﺮى دﻗﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ وﺻﻒ ﻣﺎ ﺗﻼ ﻫﺬه اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ ﻓﻓﻲ زﻣ أزواد إﻟﻰ ﺗﻮات وﻣﻦ ﺗﻮات إﻟﻰ ﺻﺤﺮاء ﻟﻴﺒﻴﺎ ﻣﺮورا ﺑﻘﺮﻳﺔ أﻗﺒﻠﻲ وﻣﺪﻳﻨﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
89
ĘĝšŤē śŵĸ
أﻗﺪم رﺣﻠﺔ ﺣﺠﺎزﻳﺔ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﺷﻨﻘﻴﻂ
اﻛﺘﺸﺎف آﺧﺮ ﻣﺨﻄﻮط ﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺒﺸﻴﺮ اﻟ ُﺒﺮﺗﻠﻲ إﻟﻰ اﻟﺤﺮﻣﻴﻦ اﻟﺸﺮﻳﻔﻴﻦ
د .ﻋﻤﺮو ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻣﻨﻴﺮ
اﻫﺘﻢ اﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ )ﺗﻮاﻧﺴﺔ ﺟﺰاﺋﺮﻳﻮن ﻣﻐﺎرﺑﺔ وﺷﻨﺎﻗﻄﺔ ( ﺑﺘﺪوﻳﻦ رﺣﻼﺗﻬﻢ اﻟﺤﺠﺎزﻳﺔ ﺑﺪ ًءا ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻬﺠﺮي ﻟﺘﺒﻠﻎ أوﺟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻟﺘﺘﺮاﺟﻊ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺘﺪوﻳﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻼ ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺮة، ﻧﻈﺮا ﻻﺷﺘﺪاد وﻃﺄة اﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ واﻟﻬﺠﻤﺎت اﻹﺑﻴﺮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻮاﺣﻞ ﺑﻼد اﻟﻤﻐﺮب، ﻟﻜﻦ اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺤﺠﺎزﻳﺔ اﻟﻤﻐﺎرﺑﻴﺔ اﻟﻤﺪوﻧﺔ ﻋﺎدت إﻟﻰ اﻟﻤﺸﻬﺪ ﺑﻌﺪ ﻣﺮور ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺮة ﺧﺼﻮﺻﺎ ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ اﻟﻬﺠﺮي ﺣﻴﺚ ﺣﻔﻆ ﻟﻨﺎ اﻟﺘﺮاث ﻧﻤﺎذج راﺋﺪة ﻓﻲ أدب اﻟﺮﺣﻠﺔ ﺣﻴﺚ ﻛﺘﺐ اﻟﻌﻴﺎﺷﻲ )1090 - 1037ﻫـ 1679 - 1627 /م ( اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ رﺣﻠﺘﻪ ﻣﺎء اﻟﻤﻮاﺋﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪ ﻣﻦ أﻫﻢ ﻣﺎ اﻟﻒ ﻓﻲ أدب اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺮة ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻛﻤﺎ أرادﻫﺎ اﻟﻤﺆﻟﻒ » دﻳﻮان ﻋﻠﻢ ﻻ ﻛﺘﺎب ﺳﻤﺮ وﻓﻜﺎﻫﺔ« ﻛﻤﺎ وﺟﺪﻧﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺮﺣﻼت اﻟﺸﻨﻘﻴﻄﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺖ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻟﻠﺘﺤﻘﻴﻖ واﻟﻨﺸﺮ ﻣﻨﻬﺎ رﺣﻠﺔ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺎء اﻟﻌﻨﻴﻴﻦ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺎﺿﻞ اﻟﻤﺘﻮﻓﻰ ﺳﻨﺔ 1910م وﻗﺪ ﺣﻘﻘﻬﺎ اﻷﺳﺘﺎذ ﻣﺮﺑﻴﻪ رﺑﻪ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮب ﺳﻨﺔ 2010م واﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﻤﻌﻴﻨﻴﺔ اﻟﺼﻐﺮى ﻟﻨﻔﺲ اﻟﻤﺆﻟﻒ واﻟﺘﻲ ﺣﻘﻘﻬﺎ اﻷﺳﺘﺎذ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻈﺮﻳﻒ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب ﻛﻤﺎ ﺣﻘﻖ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺠﻲ اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺤﺠﺎزﻳﺔ ﻟﻤﺤﻤﺪ ﻳﺤﻰ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﺨﺘﺎر اﻟﻮﻻﺗﻲ اﻟﻤﺘﻮﻓﻰ 1912/13330م ﺑﻤﻌﻬﺪ اﻟﺪراﺳﺎت اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﺑﺎﻟﺮﺑﺎط وﻧﺸﺮﺗﻬﺎ در اﻟﻐﺮب اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺳﻨﺔ 1990م. ﻏﻴﺮ أن أﻗﺪم رﺣﻠﺔ ﺣﺠﺎزﻳﺔ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﺑﻠﺪ ﺷﻨﻘﻴﻂ ﻫﻲ رﺣﻠﺔ اﻟﺤﺎج اﻟﺒﺸﻴﺮ اﻟﺒﺮﺗﻠﻲ اﻟﻮﻻﺗﻲ ،ﺳﻨﺔ 1204ﻩ 1789/م وﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻤﺼﻨﻒ إﻟﻰ ﻋﻬﺪ ﻗﺮﻳﺐ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ اﻟﻤﻔﻘﻮد ،وﻟﻢ ﻳﻌﺮف ﻋﻨﻪ إﻻ ﻣﺎ أﺷﺎر إﻟﻴﻪ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺮﺟﻤﻮا ﻟﻤﺆﻟﻒ اﻟﺤﺎج اﻟﺒﺸﻴﺮ اﻟﺒﺮﺗﻠﻲ اﻟﻮﻻﺗﻲ ﻣﻦ أن ﻟﻪ رﺣﻠﺔ ﺣﺠﺎزﻳﺔ وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﻢ اﺑﻦ ﻋﻤﻪ ﺻﺎﺣﺐ ﻓﺘﺢ اﻟﺸﻜﻮر، وﻛﺎﻧﺖ أﺧﺒﺎر اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﻃﺮت إﻟﻰ آذان اﻟﻤﻬﺘﻤﻴﻦ ﺗﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ اﺣﺘﻤﺎل وﺟﻮد اﻟﻨﺴﺨﺔ ﻓﻲ إﺣﺪى ﻣﻜﺘﺒﺎت ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺰﻗﺎزﻳﻖ أو ﻃﻨﻄﺎ ﺑﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻣﺼﺮ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﺘﻮﺻﻞ أﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ إﻟﻰ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ وﺗﺤﻘﻴﻘﻬﺎ.
88
اﻛﺘﺸﺎف آﺧﺮ ﻣﺨﻄﻮط ﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺒﺸﻴﺮ اﻟﺒُﺮﺗﻠﻲ إﻟﻰ اﻟﺤﺮﻣﻴﻦ اﻟﺸﺮﻳﻔﻴﻦ
ﺳﻴﻤﻴﺎء
اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ .إﻻ أن ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﺟﺎت واﻟﻤﻄﺎﻣﺢ ﺗﺘﻐﻴﺮ أﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﻣﺠﺘﻤﻊ إﻟﻰ آﺧﺮ وﻣﻦ ﺟﻴﻞ إﻟﻰ آﺧﺮ ﻟﻴﺸﻜﻞ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺑﻌﻨﺎﺻﺮه وﻣﺠﺎﻻﺗﻪ اﻟﻤﺘﻌﺪدة أﺳﺎﺳﺎً ﻣﻬﻤﺎ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ ﻷﻧﻪ ﻣﻨﻄﻠﻖ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ واﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻷي ﻣﺠﺘﻤﻊ . إن اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﺘﺄﺳﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻨﻪ إﻟﻰ إﻳﺠﺎد ﻣﻮارد اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ وﺳﻴﺎﺳﻴﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﻀﻤﻦ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻷﻓﺮاده ،وﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة ﺿﻤﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﻻ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ دون ﻏﻴﺮه ﻛﻤﺎ أﺳﻠﻔﻨﺎ وإﻧﻤﺎ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﻓﻲ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ﺗﻤﺜﻞ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ رﻛﻨﺎ ﻣﻬﻤﺎ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻋﻠﻰ أن ﻫﺬه اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺗﻘﻮم ﻓﻲ اﻷﺻﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺗﻜﺰات أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻳﺸﻜﻞ اﻟﺘﺮاث ﻣﺮﺗﻜﺰا ً أوﻟﻴﺎً ﻓﻲ ﻣﻨﻈﻮﻣﺘﻬﺎ ، وﻟﻌﻞ اﻟﺘﻨﻮع اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺬي ﺗﺤﻈﻰ ﺑﻪ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ﺛﺮوة ﻣﻬﻤﺔ ﻣﻦ ﺛﺮوات اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎت اﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻴﻮم ،وﻫﻮ ﺗﻨﻮع ﻓﻜﺮي وﻣﻌﺮﻓﻲ ﺗﻌﺘﺰ ﺑﻪ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت وﺗﻌﺪه ﺛﺮوة ﺗﻨﻤﻮﻳﺔ ﻣﻬﻤﺔ. وﻣﻦ ﻫﺬا ﻓﻘﺪ ﻣﺜﻠﺖ اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ اﻟﻴﻮﻧﺴﻜﻮ ﻟﺼﻮن اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم 2003م ﻣﺠﺎﻻ ﻣﻬﻤﺎ ﻟﻠﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺎﻻت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ رﻛﻴﺰة أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﺘﻨﻤﻴﺔ ،ﻣﻨﻄﻠﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻻﺳﺘﺪاﻣﺔ اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ واﻷﻣﻦ ،وﻟﻬﺬا ﻓﺈن اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻛﻐﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺪول ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺪأت ﻣﻨﺬ أﻋﻮام ﻋﺪة ﻓﻲ وﺿﻊ اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺿﻤﻦ اﻟﺨﻄﻂ اﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ اﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ وﻫﻨﺎك اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ اﺷﺘﻐﻠﺖ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻓﻌﻼ ﻛﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻣﺼﺮ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﺠﺰاﺋﺮ واﻷردن واﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ،وﻏﻴﺮﻫﺎ ،وﻟﻌﻞ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﻤﺒﺎدرة اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻟﻠﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ واﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ 2020 ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ واﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ 2015ﻓﻲ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ وﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﻤﻐﺮب اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ )اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺨﻼﻗﺔ ﻛﺮاﻓﻌﺔ ﻟﻠﺘﻨﻤﻴﺔ( ،وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرب دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻻﻫﺘﻤﺎﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ إﻟﻴﻬﺎ اﻟــﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ رﻓﺪ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﺎ ﺑﺘﻨﻤﻴﺔ ﻣﺴﺘﺪاﻣﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ . وﻟﻌﻞ دراﺳﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت واﻷﻧﺴﺎق اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻤﻴﻴﺰ اﻟﺤﻘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻨﻮن ﺑﺸﻜﻠﻬﺎ اﻟﻌﺎم أو اﻟﺨﺎص وﻋﻼﻗﺎﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ وﻇﻬﻮر ﻣﺼﻄﻠﺤﺎت ﻣﺜﻞ )اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ( و)اﻹﺑﺪاع اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ( ﻛﻠﻬﺎ ،ﺟﻌﻠﺖ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺠﺎل اﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ وﻃﻴﺪة ﺟﺪا .وﻟﻬﺬا ﻓﺈن ﺗﻠﻚ
اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺗﻜﺎد ﺗﻜﻮن ﻣﺘﺄﺳﺴﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻻﻗﺘﺼﺎد ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻛﻮن اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻧﺘﻴﺠﺔ وﻣﺤﺼﻠﺔ ﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﺛﻘﺎﻓﻲ ﻳﻜﻮن اﻟﺘﺮاث ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﻨﺘﺠﺎً ﻟﻪ ﻣﺮدود اﻗﺘﺼﺎدي ﻳﺴﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ اﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ . وﻟﻬﺬا ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ )ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻟﺘﺮاث( ،واﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﻫﻨﺎ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺗﺮﺳﻴﺦ ﻣﺤﺪدات وأﺳﺲ ﺑﻞ وﻗﻴﻢ ﻻﺑﺪ أن ﺗﻜﻮن ﻣﺘﻮﻓﺮة وﺛﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻨﺘﺞ ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﻔﻘﺪ ﻗﻴﻤﺘﻪ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ وﻫﻮﻳﺘﻪ اﻟﺮاﺳﺨﺔ ،ﺛﻢ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺸﺘﻐﻞ ﺿﻤﻦ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻜﻮﻳﻨﺎت اﻟﻤﻔﻬﻮﻣﻴﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺄﺧﺬ اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﺻﻔﺔ )اﻹﺑﺪاع( ﻛﻮﻧﻬﺎ اﻷﺳﺎس اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ اﻟﺬي ﻧﺸﺄت ﻣﻨﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻮاد – أي ﻣﻮاد اﻟﺘﺮاث ، -وﻟﻬﺬا ﺳﻴﻜﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﺘﻐﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻘﻄﺎع اﻷﺧﺬ ﺑﺎﻻﻋﺘﺒﺎر ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﺼﻔﺔ اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ أن ﺗﺘﺄﺳﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻮاد ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ دراﺳﺘﻬﺎ وﺗﺤﻠﻴﻠﻬﺎ ،وﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻌﻄﻴﺎت اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ واﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻪ ،ﺛﻢ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﺠﺪوى اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻣﻦ ﻓﻜﺮة ﻫﺬا اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ أو ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻜﺎر اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻀﻮي ﺗﺤﺖ ذﻟﻚ اﻹﺑﺪاع . وﻷن اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻤﺎدي ﻟﻪ ﺛﻮاﺑﺖ وﻣﺤﺪدات واﺿﺤﺔ اﻟﻤﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﻮاﺣﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ،ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻗﺪ ﻻ ﻧﺠﺪ ذﻟﻚ واﺿﺤﺎً ﻓﻲ ﻣﻮاد اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻮاد ﺷﻔﺎﻫﻴﺔ وذات ﻃﺎﺑﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻲ أدﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ،وﻟﻬﺬا ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﻖ اﻟﻤﻌﻄﻰ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻣﻊ أﻫﻤﻴﺔ اﻷﺧﺬ ﺑﻌﻴﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎر اﻟﺤﺴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻤﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث ،وﻟﺬا ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻗﺪ ﻧﺠﺪ ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث ﻓﻲ اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ اﻟﺴﻴﺎﺣﻲ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻤﻮاﻗﻊ ذات اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ،واﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻤﺘﺄﺳﺴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻄﻴﺎت اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت واﻟﻔﻨﻮن اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﻧﺴﺎق اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺸﻜﻞ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﺎً ﺛﻘﺎﻓﻴﺎ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺎ ﻟﻪ ﻣﺮدود واﺿﺢ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﺧﻞ اﻟﻘﻮﻣﻲ ،إﻻ أﻧﻨﺎ ﻳﺠﺐ أن ﻻ ﻧﻜﺘﻔﻲ ﺑﻬﺬا ؛ ﻓﺎﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي ﻳﺠﺐ أن ﻳﺄﺧﺬ ﻃﺎﺑﻌﺎً ﺗﻨﻤﻮﻳﺎً ﻣﺴﺘﺪاﻣﺎً ،وإذا ﻣﺎ أردﻧﺎ ذﻟﻚ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺒﻨﻲ ﺧﺮﻳﻄﺔ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﺿﺤﺔ اﻟﻤﻌﺎﻟﻢ ﻟﻴﻜﻮن ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث ﺿﻤﻦ اﻟﺨﻄﻂ اﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ واﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ذات اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﻤﺴﺘﺪام وﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮد ﻣﻬﺮﺟﺎن وﻗﺘﻲ أو ﺗﻈﺎﻫﺮة ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻋﺎﺑﺮة *ﺑﺎﺣﺜﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻤﻴﺎء ،ﻋﻤﺎن
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
87
اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻣﺸﺮوع ﺗﻨﻤﻮي إن اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻧﺘﺎج ﻟﻔﻜﺮ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت وروﺣﻬﺎ وﻣﻌﺘﻘﺪاﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻣﺜﻠﺖ ﺿﻤﻦ ﻣﺮاﺣﻠﻬﺎ اﻟﻤﺘﻌﺪدة ﻧﻮاة اﻟﺤﻴﺎة وﻫﻴﻜﻞ اﺳﺘﻤﺮارﻳﺘﻬﺎ ، وﻟﻬﺬا ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺸﻜﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻜﺔ واﻟﻤﺘﺪاﺧﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺪ ﻣﻦ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ إﻟﻰ اﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ؛ ذﻟﻚ ﻷن اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻳﺘﺄﺳﺲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﺑﻮﺻﻔﻪ راﻓﺪا ﻟﻠﺤﺮاك اﻟﺘﻨﻤﻮي اﻟﻤﺘﻐﻴﺮ ﺑﺘﻐﻴﺮ اﻟﻤﻘﻮﻣﺎت اﻟﺒﻨﺎﺋﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ . وﻟﻬﺬا ﻓﺈﻧﻨﺎ ﺳﻨﺠﺪ أن اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﺪ ﻋﺎﺷﺖ ﺣﻴﻮاﺗﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﺗﻨﺘﺠﻪ ﻣﻦ ﺗﺮاﺛﻬﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺳﻮاء أﻛﺎن ﻣﺎدﻳﺎ أو ﻏﻴﺮ ﻣﺎدي ،ﺿﻤﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻣﺜﻠﺖ ﻓﻲ ﻣﺮاﺣﻠﻬﺎ اﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ ﺣﻴﺎة ﺗﻨﻤﻮﻳﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ، وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈﻧﻨﺎ إذا ﻣﺎ أردﻧﺎ اﻟﻴﻮم إﺣﺪاث اﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎت ﺗﻨﻤﻮﻳﺔ ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ و ﻋﺼﺮﻧﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻼﺑﺪ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺟﺰءا ﻣﻬﻤﺎ ﻣﻨﻬﺎ، ﻷﻧﻪ ﻳﻤﺜﻞ اﻟﺮﻛﻴﺰة اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﻴﻦ اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ واﻟﻘﻴﻤﻲ ، ﻓﻬﻮ ﻣﻌﻄﻰ ﺣﺮﻛﻲ ﻳﻨﻘﻞ ﺣﻀﺎرة اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻮى ﻣﻌﺮﻓﻲ إﻟﻰ آﺧﺮ اﻋﺘﻤﺎدا ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ اﻟﻤﺘﺰاﻣﻨﺔ ﻣﻊ ﻛﻞ ﻋﺼﺮ . إن اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﺗﺸﻴﻴﺪ ﺑﻨﺎءات وﻫﻴﺎﻛﻞ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﺪروﺳﺔ وذات أﺑﻌﺎد ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ واﺿﺤﺔ ،وﻟﻬﺬا ﻓﺈن ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺴﻴﻴﺮ اﻟﻤﺴﺎﻓﺎت ﺑﻴﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻴﻬﺎ وﺗﺘﺄﺳﺲ ﻋﻠﻰ ﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ ،وﺑﻴﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺬي ﻳﻨﺘﺠﻬﺎ وﻳﺪﻓﻊ ﺑﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺤﺮاك اﻟﺘﻨﻤﻮي ،وﻟﻬﺬا ﻓﺈن أﻫﻢ اﻹﺷﻜﺎﻻت اﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺪول ﻫﻮ اﺷﺘﻐﺎﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺎﻻت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ أﺳﺎس اﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎت اﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ ﻣﺘﻨﺎﺳﻴﺔ اﻟﻤﺠﺎﻻت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺆﺛﺮة ﻓﻲ وﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎت ﻣﺤﺪﺛﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﻜﻼت اﻟﺘﻲ ﺳﻴﺆﺛﺮ ﺗﻔﺎﻗﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ
86
اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻣﺸﺮوع ﺗﻨﻤﻮي
ﻋﺎﺋﺸﺔ اﻟﺪرﻣﻜﻲ@
اﻟﺤﺮاك اﻟﺘﻨﻤﻮي ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺪول . وﻟﻜﻲ ﻧﺆﺳﺲ ﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﺗﻨﻤﻮﻳﺔ ﻣﺴﺘﺪاﻣﺔ ﻻﺑﺪ أن ﻧﻌﺮف أﻫﺪاف أﻳﺔ ﺗﻨﻤﻴﺔ ﻣﺴﺘﺪاﻣﺔ واﻷﺳﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒﻨﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺎﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ ﺗﻌﺒﺘﺮ أﻫﻢ ﺗﻄﻮر ﻓﻲ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺘﻨﻤﻮي اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻏﻤﻮض ﻫﺬا اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺘﻪ ﺣﺘﻰ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل )ﺳﻠﻴﻤﺎن اﻟﺮﻳﺎﺷﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ دراﺳﺎت ﻓﻲ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻮاﻗﻊ واﻵﻓﺎق( ؛ إذ ﻛﺎن اﻟﺴﺆال اﻟﻤﻄﺮوح )ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺗﻨﻤﻴﺔ ﻣﻨﺴﺠﻤﺔ ﻣﻊ ﻣﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﺒﻴﺌﺔ؟( ،وﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ اﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﺿﺎرة ﺑﺎﻟﺒﻴﺌﺔ وﻻ ﺗﻀﻊ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﻴﻮدا ﻋﻠﻰ ﻃﻤﻮﺣﺎت اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﺸﺮوﻋﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﻘﺪم واﻟﺮﻗﻲ واﻟﻨﻤﻮ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻻﻗﺘﺼﺎدي ،وإن ﻛﺎن ﺑﺎﻹﻣﻜﺎن أن ﺗﻜﻮن ﻫﺬه اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻣﺴﺘﻤﺮة وﻣﺘﻮاﺻﻠﺔ وﻻ ﻧﻬﺎﺋﻴﺔ ؟. وﺑﺤﺴﺐ اﻟﻤﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺈﻧﻪ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺘﺴﻌﻴﻨﻴﺎت أﺧﺬ ﻣﺼﻄﻠﺢ )اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ( ﺑﺎﻟﻈﻬﻮر ،وﺑﺪأ ﻳُﻄﺮح ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻧﻤﻮذﺟﺎ ﺑﺪﻳﻼ ﻟﻮﺿﻊ اﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ ﺗﺘﺨﻴﻞ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ وﺟﻮد ﺗﻨﻤﻴﺔ ﺗﺠﻌﻞ اﻻﻧﺴﺠﺎم ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﻤﻮ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ،وﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﺤﻴﻂ واﻷﺧﺬ ﺑﺎﻻﻋﺘﺒﺎر اﻟﻤﺘﻄﻠﺒﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ . وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻓﻲ اﻷﺳﺎس ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﺤﺎﺟﺎت اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻣﻦ اﻟﻤﺄﻛﻞ واﻟﻤﺸﺮب واﻟﻤﻠﺒﺲ ،إﻻ أن ﻫﺬا اﻟﻤﻔﻬﻮم ﺗﻄﻮر ﺑﺘﻄﻮر ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت وﺣﺎﺟﺎﺗﻪ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ اﻟﻤﺎدﻳﺔ وﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدﻳﺔ ،ﻟﺘﻜﻮن ﻓﻲ ﺟﻮﻫﺮﻫﺎ - ﺑﺤﺴﺐ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻟﻠﺒﻴﺌﺔ واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ -ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻳﻜﻮن ﻓﻴﻬﺎ اﺳﺘﻐﻼل اﻟﻤﻮارد واﺗﺠﺎه اﻻﺳﺘﺜﻤﺎرات ووﺟﻬﺔ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ، واﻟﺘﻐﻴﻴﺮ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺗﻲ أﻳﻀﺎ ،ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻧﺴﺠﺎم وﺗﻨﺎﻏﻢ ،وﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺰﻳﺰ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﻟﺤﺎﺿﺮ واﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻟﺘﻠﺒﻴﺔ اﻟﺤﺎﺟﺎت واﻟﻤﻄﺎﻣﺢ
ﻟﻜﻞ ﻧﺺ ﺗﺎرﻳﺨﻪ
ﻣﺎ اﻟﺬي ﺗﻄﻠﻘﻴﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﺎرﻳﺨﺎً؟ وﻛﻴﻒ ﻳﺘﺸﻜﻞ؟ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺬي أﻗﺼﺪه ﻫﻮ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻨﺺ /ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﻨﺺ ،ﻓﺎﻟﻘﺼﺔ أو اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﻤﺮوﻳﺔ ﻫﻲ ﻣﺎ ﻧﻌﻨﻲ ﺑﻪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ وذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺜﻴﺮ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ أي اﻟﺘﺒﺎس ﻓﻲ اﻟﻤﻌﻨﻰ .ﻛﻞ ﻧﺺ ﻳﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻮﻫﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻻﻧﺘﻈﺎرات ،ﻓﻬﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺗﺠﺮﺑﺔ، وﻟﻠﻘﺎرىء ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ أﻳﻀﺎً ،وﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﻘﺮاءة ﺗﺘﻔﺎﻋﻞ اﻟﺘﺠﺮﺑﺘﺎن، وﺑﺈﻣﻜﺎن اﻟﻘﺎريء أن ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻨﺺ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﺣﺪث ﻣﻌﻴﺶ ،ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺤﺪث ﻳﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﺗﻘﺎرب وﺗﺒﺎﻋﺪ وﺗﺠﺎذب وﺗﻨﺎﻓﺮ ﺑﻴﻦ ﻋﻼﻣﺎت اﻟﻨﺺ ودﻻﻻﺗﻪ .ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺤﺪث ﻳﺘﻜﺸﻒ اﻟﻨﺺ ،وﻳﺘﺠﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻻﺣﺘﻤﺎﻻت ؛ ذﻟﻚ أن اﻟﻨﺺ اﻟﺬي ﻳﻄﺮﺣﻪ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻫﻮ اﻟﻨﺺ اﻟﺨﻴﺎﻟﻲ ،وﻳﻤﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻨﺺ ﺗﺮﻛﻴﺒﺔ ﻟﻐﻮﻳﺔ ﺗﻌﺞ ﺑﺎﻟﻔﺮاﻏﺎت واﻟﻔﺠﻮات، وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻗﺎﺑﻼً ﻟﺘﻔﺴﻴﺮات وﺗﺄوﻳﻼت ﻻ ﺣﺼﺮ ﻟﻬﺎ .ﻟﻜﻦ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻨﺺ ﻻ ﻳﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻻﻧﺘﻈﺎرات اﻟﺘﻲ ﻧﺮﺟﻮﻫﺎ ﻣﻨﻪ واﻟﺘﻲ ﻧﺄﻣﻞ أن ﺗﺘﺤﻘﻖ ،ﺑﻞ ﻳﻜﻤﻦ ﻓﻲ ردة ﻓﻌﻠﻨﺎ إزاء ﻣﺎ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﻨﺺ ،ﻓﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ردة اﻟﻔﻌﻞ ﻫﺬه ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﺎة وﺧﻠﺨﻠﺔ وإرﺑﺎك ﻟﻠﻘﺎريء ﻫﻮ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻪ »ﻳﻌﻴﺶ » ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﻨﺺ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﺣﺪﺛﺎً ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً.
إﻟﻰ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﻋﺪة ﻣﻨﻬﺎ إﻳﻤﺎﻧﻪ ﺑﺄن اﻟﺴﺒﻴﻞ إﻟﻰ ﻓﻬﻢ ﻫﺬا اﻟﺸﺮق ﺳﻴﺘﻢ ﻣﻦ داﺧﻠﻪ وﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺧﺎرﺟﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺒﺎدل اﻟﺴﻔﺎرات واﻟﻘﻨﺼﻠﻴﺎت اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ واﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ،ﺛﻢ اﻟﻤﻌﺎﻳﺸﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﻤﻮﻇﻔﻴﻦ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﻴﻦ اﻟﺮوس ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﻔﻮﻟﺠﺎ واﻟﻘﻮﻗﺎز واﻟﺒﺤﺮ اﻷﺳﻮد وآﺳﻴﺎ اﻟﻮﺳﻄﻰ .ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﻮاﻟﻲ وﻓﻮد رﺟﺎﻻت اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺸﺮﻗﻴﻴﻦ .وﻳﺘﺒﻨﻰ اﻻﺳﺘﺸﺮاق اﻟﺮوﺳﻲ ﻓﻜﺮة اﻟﺘﻮاﺻﻞ واﻟﺘﻔﺎﻫﻢ ﻣﻊ اﻵﺧﺮ واﺣﺘﺮام ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ.
ﻟﺪﻳﻚ اﻫﺘﻤﺎم ﺧﺎص ﺑﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻨﺴﻮﻳﺔ ،ﻟﻤﺎذا ؟ ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻇﻬﻮر اﻻﺑﺴﺘﻤﻮﻟﻮﺟﻴﺎ وﻓﻠﺴﻔﺔ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻨﺴﻮﻳﺔ ﺗﻄﻮرا ً ﻣﻠﺤﻮﻇﺎً ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻨﺴﻮﻳﺔ ﻋﻤﻮﻣﺎً واﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮت ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻮد اﻷﺧﻴﺮة ﻣﻦ أﺟﻞ رﻓﺾ اﻟﻤﺮﻛﺰﻳﺔ اﻟﺬﻛﻮرﻳﺔ ورﻓﺾ ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ اﻟﺨﺒﺮة اﻟﻨﺴﺎﺋﻴﺔ ﺑﺎﻟﺨﺒﺮة اﻟﺬﻛﻮرﻳﺔ واﻋﺘﺒﺎر اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺼﺎﻧﻊ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻠﻌﻘﻞ واﻟﻌﻠﻢ واﻟﻔﻠﺴﻔﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﺤﻀﺎرة ﺟﻤﻴﻌﺎً .وﺗﻌﻤﻞ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻨﺴﻮﻳﺔ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻓﺮوﻋﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﺨﻠﺔ اﻟﺘﺼﻨﻴﻔﺎت اﻟﻘﺎﻃﻌﺔ ﻟﻠﺒﺸﺮ إﻟﻰ ذﻛﻮرﻳﺔ وأﻧﺜﻮﻳﺔ ﻫﺬا اﻟﺤﻮار ﻟﻤﺠﻠﺔ ﻣﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﺮاث ﺗﺼﺪر ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،ﻛﻴﻒ ﺗﻘﻴﻤﻴﻦ اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ وﻛﺎﻧﺖ أﻋﻠﻰ ﺻﻮرﻫﺎ ﻓﻲ اﻷﺷﻜﺎل اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ؟ واﻹﻣﺒﺮﻳﺎﻟﻴﺔ وﺗﻌﻤﻞ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻨﺴﻮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺘﺎﺑﻌﺘﻲ وﻗﺮاءاﺗﻲ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪ ﻓﻀﺢ ﻛﻞ أﺷﻜﺎل اﻟﻬﻴﻤﻨﺔ واﻟﻈﻠﻢ واﻟﻘﻬﺮ واﻟﻘﻤﻊ ﻟﻤﺴﺖ ﺣﺠﻢ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻤﺘﺴﺎرع ﻓﻲ ﻛﺎﻓﺔ وإﻋﺎدة اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻟﻶﺧﺮ اﻟﻤﻬﻤﺶ واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺎﻻت ﺑﻔﻀﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺘﻲ أرﺳﺎﻫﺎ اﻟﺸﻴﺦ ﺻﻴﺎﻏﺔ اﻟﻬﻮﻳﺔ وﺟﻮﻫﺮﻳﺔ اﻻﺧﺘﻼف. زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن )رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ(. ﻓﻬﻨﺎك ﻗﻮة ﻓﻲ اﻹﻣﻜﺎﻧﺎت واﻟﺘﺠﻬﻴﺰات اﻟﻤﺘﻮﻓﺮة ﻣﺎ اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ اﻻﺳﺘﺸﺮاق اﻟﺮوﺳﻲ واﻻﺳﺘﺸﺮاق ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،وﺗﻨﺎﻣﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻐﺮﺑﻲ ؟ اﻟﻤﻜﺘﺒﺎت واﻟﻤﺮاﺟﻊ ،وﻣﻬﺎرات اﻟﺒﺤﺚ .ﻛﻤﺎ أن اﻋﺘﻤﺪ اﻻﺳﺘﺸﺮاق اﻟﺮوﺳﻲ ﻋﻠﻰ أﺳﺲ ﻓﺮﻳﺪة ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﻫﻨﺎك ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻔﻜﺮة وﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻣﻴﺰﺗﻪ ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ ﻣﺪارس اﻻﺳﺘﺸﺮاق اﻟﻌﺪاﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺮﺗﻜﺰة ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻘﺘﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل واﻟﺘﻲ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻟﺘﻮﺳﻴﻊ ﻓﺮص اﻟﺸﺒﺎب وﺗﻨﻤﻴﺔ ﻗﺪراﺗﻬﻢ. ارﺗــﺒــﻄــﺖ ﻓــﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣــﻴــﺎن ﺑــﺎﻷﻫــﺪاف ﻛﻤﺎ ﻟﻤﺴﺖ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ اﻟﻔﻌﺎﻟﺔ ﻟﻠﻤﺮأة اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ أو اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ .وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت واﻟﻨﺸﺎﻃﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻋﺘﻤﺎد اﻻﺳﺘﺸﺮاق اﻟﺮوﺳﻲ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ﻣﺼﺎدر ﻏﺮﺑﻴﺔ أوروﺑﻴﺔ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﺎ ﻟﺒﺚ أن ﺗﺠﺎوزﻫﺎ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
85
ijēŵĩŤē ĚĨĔĸ
اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ اﻟﻌﺮب اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ وإﻟﻘﺎء اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﺑﻞ ﺑﺒﻘﻴﺔ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ أﻳﻀﺎً ،ﻣﻜﺎﻧﺎً وﺑﻼدا ً وﻃﺮﻗﺎً ،وﻣﻌﺎﻟﻢ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ؛ ﺗﺴﻬﻴﻼً ﻟﻠﺘﺠﻮال ﺑﻴﻨﻬﺎ ،ﺗﺠﺎرة ،أو دراﺳﺔ وﺑﺤﺜﺎً ،أو ﺣﺘﻰ ﻟﻠﻤﺘﻌﺔ واﻟﺘﺄﻣﻞ. واﻻﺻﻄﺨﺮي ﻣﺆﻟﻒ دﻗﻴﻖ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﻟﻰ ﻋﺼﺮه ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ ﻓﻲ رواﻳﺎﺗﻪ ﻣﺎ ﻳﻨﺎﻓﻲ اﻟﻌﻘﻞ ،ﻓﻨﺮاه ﻳﻘﻮل ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل » :وأﻣﺎ اﻟﻨﻴﻞ ﻓﺈن اﺑﺘﺪاء ﻣﺎﺋﻪ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ وذﻟﻚ أﻧﻪ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ ﻣﻔﺎزة ﻣﻦ وراء أرض اﻟﺰﻧﺞ ﻻ ﺗﺴﻠﻚ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺣﺪ اﻟﺰﻧﺞ« .ﻓﻬﻮ ﻫﻨﺎ ﻳﺮﻓﺾ اﻟﺨﺮاﻓﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮل إن ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ ﻳﻨﺒﻊ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺔ. ﻓﻜﺘﺎب اﻟﻤﺴﺎﻟﻚ واﻟﻤﻤﺎﻟﻚ ﻳﻤﺘﻠﻰء ﺑﺤﻜﺎﻳﺎت وﻣﺸﺎﻫﺪات ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻋﻦ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻘﺪﻳﻢ وﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻣﺪﻋﻤﺔ ﺑﺎﻟﺨﺮاﺋﻂ ،وﻗﺮاءﺗﻪ ﻫﻲ رﺣﻠﺔ ﻣﻤﺘﻌﺔ ﻋﺒﺮ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺸﺎﻫﺪ ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻪ ﻓﻨﻜﺎد ﻧﻠﻤﺴﻪ. أﻣﺎ ﻛﺘﺎب » اﻟﻤﻨﺎزل واﻟﺪﻳﺎر« ﻟﻸﻣﻴﺮ اﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ ﻣﻨﻘﺬ ﻓﻴﻌﺘﺒﺮ دﻳﻮان اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻮﺳﻴﻂ ،ﻓﺎﻟﻤﺆﻟﻒ ﻳﻘﺪم ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻮاﻫﺪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻣﻊ اﻟﺘﻨﻮﻳﻪ ﺑﺄﺳﻤﺎء ﻣﺆﻟﻔﻴﻬﺎ .وﻳﻌﺪ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب أﻫﻢ ﻛﺘﺒﻪ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻛﺎن ﻣﻌﺎﺻﺮا ً ﻷول ﺣﻤﻠﺔ ﺻﻠﻴﺒﻴﺔ وﺷﺎﻫﺪ ﻋﻴﺎن ﻋﻠﻰ أﺣﺪاﺛﻬﺎ ،وﺗﺎرﻳﺦ اﻛﺘﺸﺎف ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ اﻟﻜﺘﺎب ﺗﻌﺪ ﻣﻦ أروع ﻓﺼﻮل ﻛﺘﺎب اﻟﻤﺴﺘﺸﺮق اﻟﺮوﺳﻲ ﻛﺮاﺗﺸﻜﻮﻓﺴﻜﻲ ﺷﻴﺦ اﻟﻤﺴﺘﻌﺮﺑﻴﻦ اﻟﺮوس اﻟﻤﺴﻤﻰ »ﻣﻊ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ« ﻓﻬﻲ ﻗﺼﺔ أﻛﺜﺮ إﺛﺎرة ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺺ اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﻴﺔ. واﻟﻜﺘﺎب ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻳﺤﻮي ﻗــﺪرا ً ﻣﻦ اﻷﺷﻌﺎر اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻟﻠﺸﻌﺮاء اﻟﺴﻮرﻳﻴﻦ واﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻧﻴﻦ اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ واﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻴﻼد ﻟﺬﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﻳﻌﺪ إﺣﺪى اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ،ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺪ ﻣﺼﺪرا ً ﻣﻬﻤﺎً ﻟﻸﺣﺪاث اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﺘﻲ وﻗﻌﺖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺮﺑﻲ. ﻣﺘﻌﺔ ﻗﺮاءة اﻟﻨﺺ اﻟﻤﺤﻘﻖ
ﻛﻴﻒ ﺗﻜﺴﺒﻴﻦ اﻟﻨﺺ اﻟﻤﺤﻘﻖ ﺻﻔﺔ اﻻﻣﺘﺎع ﻟﺠﺬب اﻟﻘﺎرىء؟
ﺧﺮﻳﻄﺔ ﻣﻦ ﻛﺘﺎب اﻻﺻﻄﺨﺮي
84
اﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻗﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﻳﺎﻓﻌﺔ ﻳﻮﺳﻔﻨﺎ
اﻟﻨﺺ اﻷدﺑﻲ أو اﻟﺘﺮاﺛﻲ ﻟﻪ ﻣﺄزﻗﻪ وﺗﻨﺎﻗﻀﺎﺗﻪ ،وﻫﻮ ﻣﺘﻌﺪد اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ أﻳﻀﺎً ﻣﻤﺎ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﻘﺎرىء اﻟﻔﻄﻨﺔ واﻟﺬﻛﺎء ،واﻟﻘﺮاءة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻢ ﻓﻲ اﺗﺠﺎه واﺣﺪ ﻫﻲ أﺑﻌﺪ ﻣﻦ أن ﺗﺤﻘﻖ ﻫﺬه اﻟﻐﺎﻳﺔ .إن أﻓﻀﻞ اﻟﻨﺼﻮص ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺮك ﻟﻠﻘﺎريء ﻣﺠﺎﻻً ﻻﺳﺘﺨﺪام ﻣﺨﻴﻠﺘﻪ وﺧﺒﺮﺗﻪ وﻣﻌﺎرﻓﻪ، وﻓﺴﺤﺔ ﻟﻠﻘﻮل .ﻫﻨﺎك داﺋﻤﺎً ﻣﺎ ﻳﻘﺎل ﻋﻦ اﻟﻨﺺ ،وﻓﺠﻮات ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎرىء أن ﻳﻨﻔﺬ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ إﻟﻰ ﻗﻠﺐ اﻟﻌﻤﻞ وﻳﺘﻌﻤﻖ ﻓﻲ وﺟﻮده ،أﻣﺎ إذا ﻛﺎن اﻟﻨﺺ واﺿﺤﺎً ﻛﻞ اﻟﻮﺿﻮح ،وﻻ ﻳﻮﺣﻲ ﻟﻠﻘﺎرىء ﺑﺄي ﺷﻲء ،أو ﻳﻮﺣﻲ إﻟﻴﻪ ﺑﺎﻟﺸﻲء اﻟﻴﺴﻴﺮ ﻓﻘﻂ ،ﻓﻼ ﻣﻨﺎص ﺣﻴﻨﺌﺬ ﻣﻦ أن ﻳﺘﺴﻠﻞ اﻟﻤﻠﻞ إﻟﻰ ﻗﻠﺐ اﻟﻘﺎرىء ،ﻓﻴﻐﻴﺐ ﺑﺬك ﻋﻨﺼﺮ اﻟﺘﺸﻮﻳﻖ وﺗﻐﻴﺐ اﻟﻤﺘﻌﺔ ﻛﺬﻟﻚ. اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ اﻟﻘﺮاءة ،وﻻ ﻗﻴﻤﺔ ﻟﻠﻤﺆﻟﻒ إذا ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺎك ذات ﺗﻘﺮؤه وﺗﺪﻗﻖ اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻴﻪ ،إﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﻜﺘﺐ إﻻ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ وﻋﺒﺮ اﻵﺧﺮﻳﻦ، ﻓﺎﻟﻀﺮورة ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ أن ﻳﻜﻮن ﻫﻨﺎك آﺧﺮ ﻳﻘﺮأ اﻟﻨﺺ وﻳﺆوﻟﻪ أﻳﻀﺎً. ﻛﻴﻒ ﻳﺘﻢ إدراك اﻟﻨﺺ؟ ﻫﻞ ﻳﺘﻢ ذﻟﻚ دﻓﻌﺔ واﺣﺪة أم ﻳﺪرك ﻋﺒﺮ ﻣﺮاﺣﻞ ﻣﺘﺘﺎﻟﻴﺔ ؟ ﺗﺆﻛﺪ ﻓﻴﻨﻮﻣﻴﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺔ اﻟﻘﺮاءة أﻧﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻤﻜﻦ أن ﻳﺪرك اﻟﻘﺎرىء اﻟﻨﺺ دﻓﻌﺔ واﺣﺪة ،ﺑﻞ ﻳﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺮاﺣﻞ ،ذﻟﻚ أﻧﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻤﻜﻦ أن ﻳﺤﻴﻂ اﻟﻘﺎرىء ﺑﺎﻟﻨﺺ دﻓﻌﺔ واﺣﺪة إﺣﺎﻃﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ وﻛﻠﻴﺔ .ﻳﺸﺒﻪ اﻟﻨﺺ اﻟﻤﻜﻌﺐ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﻌﺪد اﻟﻮﺟﻮه ،ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة ﻳﻨﻈﺮ اﻟﻘﺎرىء إﻟﻰ اﻟﻨﺺ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﺤﺪد إﻻ وﻳﻜﺘﺸﻒ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﺎ ،وﻛﻠﻤﺎ ﺗﻮاﻟﺖ اﻟﻮﺟﻮه، ﺗﻮاﻟﻰ اﻟﻔﻬﻢ واﺧﺘﻠﻒ وﺗﻌﺪد. ﻣﺎ ﻣﻔﻬﻮﻣﻚ ﻟﻠﻘﺮاءة؟ اﻟﻘﺮاءة – ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮي – ﻫﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ واﻟﺤﺎﺿﺮ. اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ اﻟﻤﺆﻟﻒ ،ﻫﻮ اﻟﻨﺺ .أﻣﺎ اﻟﺤﺎﺿﺮ ﻓﻬﻮ اﻟﻘﺎريء ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إﻧﻪ ﻛﺎﺋﻦ ﺗﺎرﻳﺨﻲ ﻟﻪ أﻓﻘﻪ اﻟﺨﺎص ،وﻟﻪ ﺧﺒﺮاﺗﻪ وﻣﻌﺎرﻓﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﺰه ﻋﻦ ﻏﻴﺮه ،وﺗﻄﺒﻊ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﻘﺮاءة ﺑﻄﺎﺑﻌﻪ اﻟﺨﺎص. ﺑﻔﻀﻞ اﻟﻘﺮاءة ،وﺑﻔﻀﻞ أﻓﻖ اﻟﻘﺎرىء ،ﻳﺼﺒﺢ ﻫﻨﺎك اﻧﺪﻣﺎج ﻟﻶﻓﺎق اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ واﻟﺤﺎﺿﺮة ﻣﻌﺎً .وﺗﺸﺎﺑﻚ ﺑﻴﻦ أﻓﻖ اﻟﻤﻔﺴﺮ وأﻓﻖ اﻟﻨﺺ ،ذﻟﻚ أن اﻟﻨﺺ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أن ﻟﻪ أﻓﻘﺎً ،وﻣﻦ ﺣﻴﺚ إﻧﻪ » ﻣﻌﻄﻰ« ،ﻳﺤﻴﻞ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء ذاﺗﻪ إﻟﻰ ﻗﺪرة اﻟﻤﻔﺴﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﺄوﻳﻠﻪ .ﻓﺎﻟﻨﺺ ﻳﻤﺘﻠﻚ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﺗﺨﻮل ﻟﻠﻤﻔﺴﺮ أن ﻳﻔﻬﻤﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﻌﻴﻦ دون ﻏﻴﺮه .ﺑﺈﻣﻜﺎن اﻟﻤﻔﺴﺮ أن ﻳﺤﺪد أﺷﻴﺎء وأﺷﻴﺎء وأن ﻳﻈﻬﺮ أﻧﻮاﻋﺎً ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺎت ،إﻧﻪ ﻗﺎدر أﻳﻀﺎً ،وﺑﺎﺳﺘﻤﺮار ﻓﻲ إﻃﺎر وﺣﺪة اﻟﻨﺺ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﺤﻴﺢ أﻓﻜﺎره وﺗﺠﺎرﺑﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة ،وإﺿﻔﺎء اﻟﺘﺠﺎﻧﺲ واﻻﺗﻔﺎق ﻋﻠﻴﻬﺎ. واﻟﺘﺄوﻳﻞ ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ﻟﻘﺪ ﻧﺸﺄ وﺗﻄﻮر اﺑﺘﺪاء ﻣﻦ ﻣﺎض ،ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻳﺤﻴﻞ ﻓﻲ ذاﺗﻪ إﻟﻰ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ،وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ ﺗﻜﻮن ﻟﻠﻘﺎرىء ﻣﻘﺎﺻﺪ ﻣﻌﻴﻨﺔ وﻏﺎﻳﺎت ﻳﺤﻘﻘﻬﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻌﻤﻞ ،واﻟﻤﻘﺼﻮد ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻫﻨﺎ ﻓﻌﻞ اﻟﻘﺮاءة اﻟﺬي ﻳﻘﻮم ﺑﻪ اﻟﻘﺎرىء أو اﻟﻤﻔﺴﺮ .واﻟﻤﻮﻗﻒ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ وﺿﻊ ﺣﺎﺿﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ.
»اﻟﻤﻨﺎزل واﻟﺪﻳﺎر« aﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ ﻣﻨﻘﺬ ﻳﻌﺘﺒﺮ دﻳﻮان اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻮﺳﻴﻂ aﻧﻪ وﺛﻖ اﻟﺸﻮاﻫﺪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ وأﺳﻤﺎء ﻣﺆﻟﻔﻴﻬﺎ
»اﻻﺻﻄﺨﺮي« ﺻﺎﺣﺐ »اﻟﻤﺴﺎﻟﻚ واﻟﻤﻤﺎﻟﻚ« ﻣﺆ ًﻟّﻒ دﻗﻴﻖ ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ ﻋﺼﺮه؛ ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﻘﺒﻞ ﻓﻲ رواﻳﺎﺗﻪ ﻣﺎ ﻳﻨﺎﻓﻲ اﻟﻌﻘﻞ
ﺗﻌﻤﻞ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻨﺴﻮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﻀﺢ ﻛﻞ أﺷﻜﺎل اﻟﻬﻴﻤﻨﺔ واﻟﻈﻠﻢ واﻟﻘﻬﺮ واﻟﻘﻤﻊ وإﻋﺎدة اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻟﻶﺧﺮ اﻟﻤﻬﻤﺶ واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺻﻴﺎﻏﺔ اﻟﻬﻮﻳﺔ وﺟﻮﻫﺮﻳﺔ اﻻﺧﺘﻼف
أﻓﻀﻞ اﻟﻨﺼﻮص ﻣﺎ ﻳﺘﺮك ﻟﻠﻘﺎريء ﻣﺠﺎ ًﻻ ﻻﺳﺘﺨﺪام ﻣﺨﻴﻠﺘﻪ وﺧﺒﺮﺗﻪ وﻣﻌﺎرﻓﻪ وﻓﺠﻮات ﻳﻨﻔﺬ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ إﻟﻰ ﻗﻠﺐ اﻟﻌﻤﻞ وﻳﺘﻌﻤﻖ ﻓﻲ وﺟﻮده
ﺑﻦ ﻓﻀﻼن ﺑﺰﻳﺎرة اﻷراﺿﻲ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻟﻠﺒﻼد اﻟﺴﻼﻓﻴﺔ ،وﻣﺎزاﻟﺖ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﺗﺜﻴﺮ اﻹﻋﺠﺎب واﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم .وﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺗﺴﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻋﺜﺮ ﻋﻠﻤﺎء اﻵﺛﺎر ﻓﻲ وﺳﻂ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﻣﻮﺳﻜﻮ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺼﻨﻔﺔ ﺿﻤﻦ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻘﺮوﺳﻄﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪت ﻓﺘﺮة ﺣﻜﻢ اﻷﻣﻴﺮ ﻓﻼدﻳﻤﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﻘﻮد ﻋﺮﺑﻴﺔ »دراﻫﻢ« وﻳﺸﻜﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن % 15 ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺎن اﻟﺮوس أي ﻣﺎ ﻳﻌﺎدل 20ﻣﻠﻴﻮن ﻧﺴﻤﺔ. ﻣﺎ ﺳﺮ وﻟﻌﻚ ﺑﺎﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وﻣﺎ ﺳﺮ اﺧﺘﻴﺎرك ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻛﺘﺎﺑﻲ »ﻣﺴﺎﻟﻚ اﻟﻤﻤﺎﻟﻚ« و»اﻟﻤﻨﺎزل واﻟﺪﻳﺎر«؟ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻪ ﺣﻀﻮرﻓﻲ وﺟﺪان اﻟﻨﺎس وﺳﻠﻮﻛﻬﻢ ،وﻳﻀﻢ ﺗﻴﺎرات
ﻣﺘﻌﺪدة وﻣﺘﻨﻮﻋﺔ وﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻫﺬا اﻻﺧﺘﻼف ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻰ اﻟﺤﻮار ﻣﻊ اﻵﺧﺮ وأي ﻧﻬﻀﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺒﺪأ إﻻ ﺑﺎﻻﻧﺘﻈﺎم ﻓﻲ ﺗﺮاث. ﻳﺄﺗﻲ ﻛﺘﺎب »ﻣﺴﺎﻟﻚ اﻟﻤﻤﺎﻟﻚ« ﻟﻺﺻﻄﺨﺮي اﻟﺬي وﻟﺪ ﻓﻲ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻬﺠﺮي وﻋﺎش ﺣﺘﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻬﺠﺮي ﺿﻤﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﺎت اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌﺮب ﺑﺎﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﻓﻲ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ ورﺳﻢ ﺧﺮاﺋﻂ اﻟﺒﻠﺪان واﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ،ووﺻﻒ اﻟﻤﺴﺎﻟﻚ واﻟﻤﻤﺎﻟﻚ اﻟﺘﻲ رﺣﻠﻮا إﻟﻴﻬﺎ وﺷﺎﻫﺪوﻫﺎ أو اﻟﺘﻲ ﺳﻤﻌﻮا ﻋﻨﻬﺎ ،ﻳﺪل دﻻﻟﺔ واﺿﺤﺔ ﻋﻠﻰ اﺗﺴﺎع رﻗﻌﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ آﻧﺬاك ﻣﻦ ﺟﻬﺔ وﻋﻠﻰ ﺑﻠﻮغ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻀﺞ واﻻزدﻫﺎر ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى ؛ ﻓﺎﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺷﺎﺳﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،اﻗﺘﻀﺖ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء ﺣﺒﻞ ﻗﺎﺳﻴﻮن
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
83
ijēŵĩŤē ĚĨĔĸ
رأت أن ﺗﺮاث اﻟﻌﺮب ﻳﺪﻋﻮ ﻟﻠﺤﻮار ﻣﻊ اwﺧﺮ
اﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻗﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﻳﺎﻓﻌﺔ ﻳﻮﺳﻔﻨﺎ: اﻟﻨﻬﻀﺔ ﻻ ﺗﺒﺪأ إﻻ ﺑﺎﻻﻧﺘﻈﺎم ﻓﻲ ﺗﺮاث
ﺣﻮار -ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻴﻮﻣﻲ
ﺗﺨﺘﺎر اﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻗﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﻳﺎﻓﻌﺔ ﻳﻮﺳﻔﻨﺎ ﻟﺪراﺳﺘﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺤﻀﺎري ،وﺗﻨﺘﻘﻲ ﻣﻦ إﻧﺘﺎج اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻣﺎ »اﻛﺘﺴﺐ ﻗﻴﻤﺔ ﺗﻀﺎﻫﻲ اﻟﺮواﺋﻊ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻘﺖ ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺰﻣﻦ، وأﺻﺒﺤﺖ رﻛﻴﺰة ﻟﻠﻌﻘﻞ واﻟﻮﺟﺪان ﻓﻲ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،واﺳﺘﺤﻘﺖ وﺻﻒ اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ اﻟﻌﺮﻳﻖ« ،وﺗﺮى ﻓﻲ ﺣﻮارﻧﺎ اﻟﺘﺎﻟﻲ ﻣﻌﻬﺎ. ﺗﻌﻤﻞ ﻳﻮﺳﻔﻨﺎ أﺳﺘﺎذة ﻟﻸدب اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﺑﻄﺮﺳﺒﻮرج ،ﻟﺪﻳﻬﺎ وﻟﻊ ﺑﺎﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺬي ﻳﺸﻤﻞ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ واﻹﺑﺪاﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﻤﺮاﺣﻠﻬﺎ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ. ﻗﺎﻣﺖ ﺑﺘﺤﻘﻴﻖ ﻛﺘﺎب »اﻟﻤﺴﺎﻟﻚ واﻟﻤﻤﺎﻟﻚ« ﻟﻺﺻﻄﺨﺮي ،و»اﻟﻤﻨﺎزل واﻟﺪﻳﺎر« ﻷﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ ﻣﻨﻘﺬ ،ﺣﻜﻢ وأﻣﺜﺎل ﻟﻘﻤﺎن اﻟﺤﻜﻴﻢ ،رﺣﻠﺔ اﺑﻦ ﻓﻀﻼن إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﺮوﺳﻴﺎ.
82
اﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻗﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﻳﺎﻓﻌﺔ ﻳﻮﺳﻔﻨﺎ
ﺣﺪﺛﻴﻨﺎ ﻋﻦ ﺑﺪاﻳﺔ اﻻﺣﺘﻜﺎك ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﻟﺸﻌﻮب اﻟﺮوﺳﻴﺔ ؟ ﺗﺸﻴﺮ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ إﻟﻰ أن ﺗﻮاﺻﻞ اﻟﻌﺮب ﻣﻊ اﻟﺴﻜﺎن اﻟﻤﻘﻴﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻷراﺿﻲ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻰ ﻓﺘﺮة ﻣﺒﻜﺮة ﻣﻦ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ؛ ﺣﻴﺚ ﺣﻤﻞ اﻟﻌﺮب اﻟﺪﻳﻦ اﻹﺳﻼﻣﻲ إﻟﻰ اﻷراﺿﻲ اﻟﺮوﺳﻴﺔ وﺧﺎﺻﺔ ﻋﺒﺮ داﻏﺴﺘﺎن ،وﻛﺎن ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﺳﻢ »ﺛﻐﻮر اﻟﺨﻼﻓﺔ« ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ .وﺷﻜﻠﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ واﺣﺪة ﻣﻦ اﻻﻣﺘﺪادات اﻷوﻟﻰ ﻷﻃﺮاف اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻷﻣﻮﻳﺔ اﻟﺪﻣﺸﻘﻴﺔ اﻟﻜﺒﺮى .وﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة ﻣﺘﺄﺧﺮة ﺗﺮﻛﺰ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻔﻮﻟﺠﺎ )ﺑﻠﻐﺎرﻳﺎ( اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﻧﻄﻼﻗﺔ ﻟﻌﻼﻗﺎت دﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ دﺷﻨﻬﺎ اﻷﻣﻴﺮ ﻓﻼدﻳﻤﻴﺮ .ﻛﻤﺎ ﺗﻮاﻓﺪ اﻟﺤﺠﺎج اﻟﺮوس ﺑﺸﻜﻞ ﺣﺎﺷﺪ إﻟﻰ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺑﻔﻠﺴﻄﻴﻦ .وﻧﺸﺄت ﻋﻼﻗﺎت ﺗﺠﺎرﻳﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺠﺎراﻟﺮوس واﻟﻌﺮب ،وﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺎﺷﺮ ﻗﺎم اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻲ أﺣﻤﺪ
ﻫﻜﺬا ﺗﻘﺮأ ذاﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺸﻖ ،ﻣﻦ دون وﺟﻞ أو اﺳﺘﺤﻴﺎء ﻣﻦ أﺣﺪ ،وﻣﻤﺎ ﻗﺎﻟﺘﻪ ﻓﻴﻪ: أﻏــــﺎر ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻲ رﻗﻴﺒﻲ وﻣﻨﻚ وﻣﻦ زﻣﺎﻧﻚ واﻟﻤــــﻜﺎن وﻟﻮ أﻧﻲ ﺧ ّﺒﺄﺗﻚ ﻓﻲ ﻋﻴـــــﻮﻧﻲ إﻟﻰ ﻳـــﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻣﺎ ﻛــﻔﺎﻧﻲ وﺧﺎﻃﺒﺖ ﻋﺸﻴﻘﻬﺎ ذات ﻳﻮم ،ﻣﺬﻛّﺮة إﻳّﺎه ﺑﺠﻤﻴﻞ ﺑﺜﻴﻨﺔ ،وﻟﻜﻦ ﺑﻌﻴﺪا ً ﻣﻦ ﺟﻮاﺋﻴﺎت اﻟﺤﺐ اﻟﻌﺬري اﻟﻤﻌﻬﻮد ﺑﻪ ﻟﺠﻤﻴﻞ؛ ﻓﺸﻌﺮﻫﺎ، ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،ﻳﻜﺴﺮ دواﺋﺮ ﺧﻔﺮ ﻛﻞ ﺷﺎﻋﺮات ،ﺑﻞ ﻧﺴﺎء زﻣﻨﻬﺎ ،وﺗﻠﺘﻬﺐ ﺑﻪ اﻟﺘﻬﺎﺑﺎً ﺣﺴﻴّﺎً ﻻ ﺗﺘﺮﺟﻤﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﺎدة اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻌﺎﺷﻘﺎت ،إذ ﻣﻬﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖ ذروات اﻟﻌﺸﻖ ﻓﻴﻬﻦ ،ﻳﺘﻤ ّﻨﻌﻦ ﻋﻦ اﻟﺒﻮح ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﺟﻮﻓﻬ ّﻦ ﻣﻦ رﻏﺒﺔ ،ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء اﻟﺸﺎﻋﺮة ﺣﻔﺼﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺴﺮ ﻛﻞ »اﻟﺘﺎﺑﻮات« ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل: أزورك أم ﺗــــــﺰور ﻓﺈن ﻗـﻠﺒﻲ إﻟــــﻰ ﻣﺎ ﻣﻠﺘﺌﻢ أﺑﺪاً ﻳـــــﻤﻴﻞ ﻓﺜﻐﺮي ﻣــــــــﻮرد ﻋﺬب زﻻل وﻓﺮع ذؤاﺑﺘﻲ ﻇــــــــﻞ ﻇﻠﻴﻞ وﻗﺪ أﻣﻠﺖ أن ﺗﻈـــﻤﺄ وﺗﻀﺤﻰ إذا واﻓﻰ إﻟﻴﻚ ﺑﻲ اﻟﻤــــــﻘﻴﻞ ﻓﻌ ّﺠﻞ ﺑﺎﻟﺠــــﻮاب ،ﻓﻤﺎ ﺟﻤﻴﻞ أﻧﺎﺗﻚ ﻋﻦ ﺑﺜﻴﻨﺔ ﻳﺎ ﺟـــــــﻤﻴﻞ
ﻗﻠﺐ اﻟﻜﻼم
ﻹﻟﺤﺎﺣﺎﺗﻪ اﻟﻌﺸﻘﻴﺔ .ﻏﻴﺮ أن اﻷﻣﻴﺮ اﻟﻤﺬﻛﻮر ،وﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو ،ﻛﺎن ﺑﺎرﻋﺎً ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ،إﻻّ ﺑﻔﻬﻤﻪ ﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻟﻤﺮأة وﻋﻮاﻟﻤﻬﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ؛ وﻗﺪ وﺻﻔﻪ »أﻧﺪرﻳﻪ ﻣﻴﻜﺎل« ،اﻟﻤﺴﺘﻌﺮب اﻟﻤﺨﺘﺺ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ واﻷدب اﻟﻌﺮﺑﻴﻴﻦ ،ﺧﺼﻮﺻﺎً »أﻣﺪاء أﻟﻒ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ّ ﻟﻴﻠﺔ وﻟﻴﻠﺔ« ،ﺑﺄﻧﻪ »ﻗﻠﻴﻞ اﻟﺤﻴﻠﺔ ﻣﻊ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻨﺎدرات ،ﺟﻤﺎﻻً وﻋﻘﻼً. ﻓﺸﺎﻋﺮة ﻣﺜﻞ ﺣﻔﺼﺔ اﻟﺮﻛﻮﻧﻴﺔ ،ﻻ ﺗﺆﺗﻰ ﺑﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ،اﻟﺘﻲ اﺑﺘﺬل ﻧﻔﺴﻪ أﻣﺎﻣﻬﺎ .وﺣﺘﻰ ﻳﻔﻮز ﺑﻬﺎ ،ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ ،إﻣﺎ أن ﻳﻜﻮن ﺷﺎﻋﺮا ً ﻓﺤﻼً، أو رﺟﻼً أﻧﻤﻮذﺟﺎً ﻳﺘﻔ ّﻮق ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮﻳﻦ ،ﻟﻴﺲ ﺑﻜﻮﻧﻪ أﻣﻴﺮا ً أو ﺣﺎﻛﻤﺎً، ﺑﻞ ﺑﻮﺻﻔﻪ رﺟﻼً اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺎً وﻏﺎﻣﻀﺎَ ﺣﺘﻰ اﻟﺜﻤﺎﻟﺔ ،ﻛﻲ ﻳﻔﻮز ﺑﻘﻠﺐ اﻣﺮأة اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﺜﻤﺎﻟﺔ« *ﺷﺎﻋﺮ وﺑﺎﺣﺚ ﻣﻦ ﻟﺒﻨﺎن
وﻣﻦ ﻓﺮط ﺣﺮﻳﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﺧﺘﻴﺎر ﻣﻦ ﺗﺤﺐ وﺗﻌﺸﻖ ،وﻣﻦ ﻓﺮط رﻓﻀﻬﺎ ﻟﻌﺮوض ﻋﺸّ ﺎق ﻛﺜﺮ ،ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﻘﻮم وﺳﺮاﺗﻬﻢ ،وﻓﻲ اﻟﻄﻠﻴﻌﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ، أﻣﻴﺮ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ أﺑﻮ ﺳﻌﻴﺪ ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺆﻣﻦ ،اﻟﺬي ﺗﻮ ّدد إﻟﻴﻬﺎ ﻣﺮارا ّ ،ﻓﺘﻤ ّﻨﻌﺖ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة ،وﻟﻢ ﺗﺨﺶ اﻟﺒﺘﺔ ﻏﻀﺒﻪ وﻗﻮة ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻷﻣﻴﺮ إﻻّ أن ﻟﺠﺄ إﻟﻰ اﻟﺪﺳﻴﺴﺔ واﻟﻤﺆاﻣﺮة، اﻟﺘﻲ أودت ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ إﻟﻰ ﻗﺘﻞ اﻟﻮزﻳﺮ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﻌﺸﻮق أﺑﻲ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜّﻦ اﻷﻣﻴﺮ اﻟﺮاﻏﺐ ﺑﺤﻔﺼﺔ ﻣﻦ اﻻﻧﻔﺮاد ﺑﻬﺎ؛ ﺑﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ،ازدادت ﺗﻤ ّﻨﻌﺎً ﻋﻠﻴﻪ وﺗﺤ ّﺪﻳﺎً ﻟﺠﺒﺮوﺗﻪ، ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻋﻠﻰ رﻗﺒﺘﻬﺎ .وذﻫﺐ ﻣﻮﻗﻔﻬﺎ اﻟﻤﺘﺤ ّﺪي ﻫﺬا ﻣﻀﺮب اﻟﻤﺜﻞ ﺑﻴﻦ أﺧﺒﺎر أﻫﻞ اﻷﻧﺪﻟﺲ واﻟﻌﺮب ﺑﻌﺎﻣﺔ .وﻗﺪ رﺛﺖ ﺣﻔﺼﺔ ﺣﺒﻴﺒﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻮزﻳﺮ: وﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻧﺠﻤﺎً ﻟﻤﺎ ﻛﺎن ﻧﺎﻇﺮي وﻗﺪ ﻏﺒﺖ ﻋﻨﻪ ﻣﻈﻠﻤﺎً ﺑﻌﺪ ﻧﻮره ﺳﻼم ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺤﺎﺳﻦ ﻣﻦ ﺷﺞ ﺗﻨﺎءت ﺑﻨﻌـــﻤﺎه وﻃﻴﺐ ﺳﺮوره وﺗﻘﻮل ﺑﻌﺾ اﻟﺮواﻳﺎت إن اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻘﺘﻴﻞ ،ﻋﻠﻰ ﺣ ّﺒﻪ اﻟﻌﻤﻴﻖ ﻟﺤﻔﺼﺔ ،ﻛﺎن ﻣﺘﻮازﻧﺎً ﻓﻲ ﻋﺸﻘﻪ ،ﻳﻘﻴﻢ ﺣﺴﺎﺑﺎً ﻟﻤﻮﻗﻌﻪ ﻛﻮزﻳﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﻠﻄﺔ ،وﻋﻨﺪ أﻣﻴﺮه اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎم اﻷول ،وﻟﺬﻟﻚ ،ﻛﺎن ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻳﺤﺎول إﻗﻨﺎع ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻪ ،ﺑﻀﺮورة -ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ -وﻗﻒ ﺗﺸﻬﻴﺮﻫﺎ ﺑﺤﺒﻬﺎ ﻟﻪ ،ﺧﺸﻴﺔ أن ﻳﻨﺘﻘﻢ ﻣﻨﻬﺎ اﻷﻣﻴﺮ ،ﻟﻜﻦ اﻷﻣﻴﺮ ،ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ اﻧﺘﻘﻢ ﻣﻨﻪ ﻫﻮ ،ﻇﺎﻧّﺎً أن اﻟﺠﻮ ﺳﻴﺨﻠﻮ ﻟﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺘﻠﻪ ،وﺳﺘﺮﺿﺦ ،ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،اﻟﺸﺎﻋﺮة
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
81
ﺣﻔﺼﺔ اﻟﺮﻛﻮﻧﻴﺔ اﻟﺸﺎﻋﺮة اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﺜﻤﺎﻟﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮة اﻷﻣﻴﺮة وﻻّدة ﺑﻨﺖ اﻟﻤﺴﺘﻜﻔﻲ ،وﺑﺰﻣﻦ ﻃﻮﻳﻞ )994 – 1091م( ،ﻟﻢ ﺗﺸﻬﺪ ﺑﻼد اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺷﺎﻋﺮة ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﺑﺒﻴﺎﻧﻬﺎ وﺟﺮﻳﺌﺔ ﺑﻤﻌﺎﻧﻲ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺎن ،إﻻّ ﺣﻔﺼﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﺤﺎج اﻟﺮﻛﻮﻧﻴﺔ، ﺷﺎﻋﺮة ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس )ﻣﺠﻬﻮﻟﺔ ﺳﻨﺔ اﻟﻮﻻدة ،ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﺳﻨﺔ اﻟﻮﻓﺎة 586 -ﻫﺠﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺮاﻛﺶ( ،وﻫﻲ ،ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺆرﺧﻲ اﻷدب واﻟﺸﻌﺮ ،اﻣﺮأة ﺑﺎرﻋﺔ اﻟﺤﺴﻦ واﻟﺠﻤﺎل ،وﻟﺪت ﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ أﺷﺮاف ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ وأﻏﻨﻴﺎﺋﻬﺎ اﻟﻜﺒﺎر .وﻗﺪ ذاع ﺻﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻀﻤﺎر اﻷدب اﻟﻤﺆﺳﺲ ﻟﺪوﻟﺔ واﻟﺸﻌﺮ وﺳﺮﻋﺔ اﻟﺒﺪﻳﻬﺔ ﻓﻴﻬﻤﺎ ،ﻣﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ّ اﻟﻤﻮ ّﺣﺪﻳﻦ ،ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ،ﻳﺨﺘﺎرﻫﺎ ﻣﺆ ّدﺑﺔ ﻟﻨﺴﺎﺋﻪ ،اﻟﻼﺋﻲ ﻛ ّﻦ ﻳﻐ ّﺮن ﻣﻨﻬﺎ أﺷ ّﺪ اﻟﻐﻴﺮة .وﺻﺎدف ﻣﺮة أن اﻟﺘﻘﺖ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﺣﻔﺼﺔ ﺑﺴﻴّﺪ اﻟﻘﺼﺮ ﻟﻘﺎء ﻣﻔﺎﺟﺌﺎً ،ﻣﻠﺆه اﻹﻋﺠﺎب واﻷرﻳﺤﻴّﺔ اﻟﻨﻔﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻤﺘﺒﺎدﻟﺔ ،ﻓﺎرﺗﺠﻠﺖ ﻗﺎﺋﻠﺔ: ﻳﺆ ّﻣ ُﻞ اﻟـــــــﻨﺎس رﻗـــــﺪه ﻳﺎ ﺳﻴــــــﺪ اﻟﻨﺎس ﻳـــــﺎ ﻣﻦ ﻳﻜـــــــﻮن ﻟﻠـــــﺪﻫ ِﺮ ﻋﺪّ ﻩ ِـــﻄﺮس ٍ ﻋـــــــــــﻠﻲ ﺑ أﻣﻨﻦ ّ ّ »اﻟﺤـــــــﻤﺪﻟﻠﻪ وﺣـــــﺪه« ﺗﺨﻂ ﻳﻤـــــــــﻨﺎك ﻓﻴــــــﻪ وﻛﺎن اﻟﺸﻄﺮ اﻷﺧﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ اﻷﺧﻴﺮ ،ﻫﻮ ﺷﻌﺎر دوﻟﺔ اﻟﻤﻮ ّﺣﺪﻳﻦ؛ ﺗﻠﻚ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ّأﺳﺴﺘﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺘﻲ :ﻣﺼﻤﻮدة ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب وزﻧّﺎﺗﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ،واﻣﺘﺪ ﻧﻔﻮذﻫﺎ اﻟﺤﺎﻛﻢ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﺳﺎﺋﺮ ﺑﻄﺎح اﻟﺸﻤﺎل اﻹﻓﺮﻳﻘﻲ )1269 – 1131م(. ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء ﻣﺼﺮ .وﻗﺪ اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﺣﻔﺼﺔ ﺷﻌﺎر دوﻟﺔ اﻟﻤﻮ ّﺣﺪﻳﻦ ،ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﻦ ،ﺑﺬﻛﺎء ﻣﺘﺠﺎوز ،ﻳﻨ ّﻢ ﻋﻦ ﺳﺮﻋﺔ ﺑﺪﻳﻬﺔ وﻋﻤﻖ وﻋﻲ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ وﺗﺸ ّﻌﺒﺎت ﻋﻮاﻟﻤﻬﺎ. ﺑﻴﻦ ﺷﺎﻋﺮﺗﻴﻦ ﻛﺒﻴﺮﺗﻴﻦ
ﻳﻌﻘﺪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻜﺘّﺎب واﻟﺪارﺳﻴﻦ أوﺟﻬﺎً ﻟﻠﺸﺒﻪ ﻣﺘﻌ ّﺪدة ،ﺑﻴﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮﺗﻴﻦ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺘﻴﻦ اﻟﻜﺒﻴﺮﺗﻴﻦ :وﻻّدة وﺣﻔﺼﺔ ،ﺑﺨﺎﺻﺔ ﻟﺠﻬﺔ ﻓﻀﺎء ﺷﻌﺮﻫﻤﺎ اﻟﻐﺰﻟﻲ اﻟﺒﻮﺣﻲ اﻟﺠﺮيء ،وإن ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻔﺼﺔ )ﻛﻤﺎ ﻳﺘﺒﻴﻦ ﻣﻦ دراﺳﺔ ﺷﻌﺮﻫﺎ( أﻛﺜﺮ ﺟﺮأة وإﻳﻐﺎﻻً »إﻳﺮوﺗﻴﻜﻴﺎً ﻣﻬﺬﺑﺎً«
80
ﺣﻔﺼﺔ اﻟﺮﻛﻮﻧﻴﺔ اﻟﺸﺎﻋﺮة اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﺜﻤﺎﻟﺔ
أﺣﻤﺪ ﻓﺮﺣﺎت@
ﻓﻲ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﺧﺮﻳﻄﺔ اﻟﺤﺐ واﻟﻌﺸﻖ ﻣﻦ ﻧﻈﻴﺮﺗﻬﺎ اﻟﺮاﺋﻌﺔ اﻷﺧﺮى، اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﺟﻌﻞ اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﻄﻠﻴﻌﻴﺔ ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻤﺮﻧﻴﺴﻲ ﺗﻘﻮل ﻓﻲ أﺣﺪ ﻟﻘﺎءاﺗﻬﺎ اﻹذاﻋﻴﺔ »إن اﻟﺸﺎﻋﺮة ﺣﻔﺼﺔ اﻟﺮﻛﻮﻧﻴﺔ ،ﻫﻲ ﺳﻴﺪة راﺋﺪة ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ اﻟﻔﺮﻳﺪ ،واﻟﻤﺘﺤ ّﺪي ﻟﻠﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻤﻮروﺛﺔ واﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮأة ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻫﺎ ،وﻫﻲ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻣﻌﻠّﻤﺔ ﻣﺪﻧ ّﻴﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ،ﻟﻴﺲ ﻟﻨﺴﺎء اﻟﻌﺮب وﺣﺪﻫﻦ ،ﺑﻞ ﻟﻨﺴﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﺎﻓﺔ؛ وﻣﻦ ﻫﻨﺎ وﺟﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﺘﺤﺮﻳﺾ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺷﻌﺮﻫﺎ ،وﺳﻴﺮﺗﻬﺎ ،إﻟﻰ ﻣﺎ أﻣﻜﻦ ﻣﻦ ﻟﻐﺎت أﺧﺮى ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻟﺘﺘﻌ ّﺮف اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﻛﺎﻓﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻠﻌﺮب ﻣﻦ ﺗﺮاث ﺣﻀﺎري ﻓﻜﺮي وإﺑﺪاﻋﻲ ،ﻓﺎﻋﻞ وﻣﺘﻔﺎﻋﻞ ﻓﻲ ﺗﻨﻮﻳﺮﻳﺘﻪ اﻟﻨﺴﻮﻳﺔ اﻟﺮاﺋﻌﺔ«. وﻛﻤﺎ ارﺗﺒﻂ اﺳﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮة وﻻّدة ،ﺷﺎﻋﺮة ﻗﺮﻃﺒﺔ ،ﺑﺎﻟﺸﺎﻋﺮ واﻟﻮزﻳﺮ اﺑﻦ زﻳﺪون؛ ﻛﺬﻟﻚ ارﺗﺒﻂ اﺳﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮة ﺣﻔﺼﺔ ،ﺷﺎﻋﺮة ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ، ﺑﺎﻟﺸﺎﻋﺮ واﻟﻮزﻳﺮ أﺑﻲ ﺟﻌﻔﺮ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ )وزﻳﺮ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺆﻣﻦ(. وﻛﻤﺎ واﺟﻪ اﺑﻦ زﻳﺪون ﻣﻨﺎﻓﺴﺎً ﻗﻮﻳﺎً ﻋﻠﻰ ﻋﺸﻖ وﻻّدة ،ﻫﻮ اﻟﻮزﻳﺮ اﺑﻦ ﻋﺒﺪوس ،ﻛﺬﻟﻚ واﺟﻪ اﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﻣﻨﺎﻓﺴﺎً ﻗﻮﻳﺎً )ﺑﻞ أﻗﻮى ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻧﻈﻴﺮه اﺑﻦ زﻳﺪون( ،ﻋﻠﻰ ﻋﺸﻖ ﺣﻔﺼﺔ؛ ﻫﻮ اﻟﻤﻠﻚ أﺑﻮ ﺳﻌﻴﺪ ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻤﻠﻘّﺐ ﺑﺄﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ. ﻋﻠﻰ أن وﻻّدة ﻓﻲ ﺷﻌﺮﻫﺎ ،اﻟﺤ ّﺒﻲ اﻟﺼﺎدق واﻟﻌﻤﻴﻖ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺘﻔﻆ ﺑﻜﺒﺮﻳﺎﺋﻬﺎ وﺷﻤﻮﺧﻬﺎ ﻛﺎﻣﺮأة ﻋﺎﺷﻘﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺘﺤﻜّﻢ ﺑﻤﻨﺴﻮب ﻋﺸﻘﻬﺎ ،ﺑﺨﺎﺻﺔ إذا ﻣﺎ ﺻﺎدﻓﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺒﻴﺐ زوﻏﺎﻧﺎً ،أو ﺷﻜﺎٍّ ﺑﺎﻟﺨﻴﺎﻧﺔ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﻓﻌﻼً ،إذ ﻧُﻤﻲ إﻟﻴﻬﺎ أن اﺑﻦ زﻳﺪون ،وﻛﺎن أﺣﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮ اﻟﻬﻴﺎم واﻟﺘﺒﺘّﻞ ﺑﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ آﺧﺮ ﻳﻮم ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،ﻗﺪ ّ أو ﻫ ّﻮن ﻣﻦ ﺷﺄن ﺣ ّﺒﻪ ﻟﻬﺎ )ﻋﻠﻰ اﻷﻏﻠﺐ ﻛﺎن اﻷﻣﺮ دﺳﻴﺴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺸﻮﻗﺔ ﺿﺪ ﻋﺸﻴﻘﻬﺎ( ﻓﺎﻧﺼﺮﻓﺖ ﻋﻨﻪ إﻟﻰ ﻏﻴﺮ رﺟﻌﺔ. أﻣﺎ ﺣﻔﺼﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺠﻬﺮ ﻋﻠﻨﺎً ﺑﺤﺒﻬﺎ ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ اﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ ،ﻏﻴﺮ ﻫ ّﻴﺎﺑﺔ ﺑﺘﻮازن ﻣﺸﺎﻋﺮه إزاءﻫﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﻜﺘﺮث ،ﻣﺜﻼً ،ﻻﻧﺨﻔﺎض ﺣﻤﺎﺳﺔ ﺣﺒّﻪ ﻟﻬﺎ ،أو ﺣﺘﻰ ﻻﺣﺘﻴﺎﻟﻪ وﻣﺮاوﻏﺘﻪ و»ﺗﻤﻨﻌﻪ« ﻛﻌﺎﺷﻖ ...ﻛﺎﻧﺖ
ĻĘűũŨ ĘŬŸ Ǯ ĘŬ ﻳــــﺎ ﻣـــﺪﻟـــﻤـــﺞ اﻟــﺴــﻴــﻘــﺎﻧــﻲ
ﻣــــــﺎ ﻟــــــﻲ وﻣـــــــﺎ ﻟـــﻠـــ ّﻨـــﺎس
ان ﻛـــﻨـــﺖ ﻟـــــﻲ ﻣـــﻌـــﻮاﻧـــﻲ
ّ ﺑـــــــﻼس ﻣـــــــﺎ ﻫـــــ ّﻤـــــﻨـــــﻲ
ﻟــــﻲ ﺛـــﺎﺑـــﺖ ﻓــــﻲ اﻟــﻤــﻌــﺎﻧــﻲ
ﻣــــــﺎ ﻟــــــﻪ ﺛــــﻤــــﻦ ﻳـــﻨـــﻘـــﺎس
وان ﺟــــﺎ ﻟــــﻚ ﻣــﺮﺣــﺒــﺎﻧــﻲ
ﺣــــﻄّــــﻪ ﻣـــﻌـــﺎﻟـــﻲ اﻟــــــﺮاس
راﻋـــــــﻲ اﻟــــــــﻮ ّد اﻟــﻀــﻤــﺎﻧــﻲ
ﻣــــــﺎ ﻃــــــــــﺎوع اﻟــــــﺮ ّﻣــــــﺎس
دوﻧــــــــﻪ ﺳــــــﻮر و ﻣــﺒــﺎﻧــﻲ
ـــــــــﺮب ﺣــــــ ّﺮاس ودوﻧــــــــﻪ ا ْﻋ ٍ
ﻟـــــﻲ ﻫــــ ّﻤــــﻨــــﻲ وارداﻧــــــــــﻲ
أدﻋـــــــﻰ اﻟـــﺤـــﺸـــﺎ ﻣـــﻨـــﺪاس
وﻟــــــﺪ اﻟـــــ ّﺮﻳـــــﻢ اﻟـــﻴـــﻤـــﺎﻧـــﻲ
دﻋـــــــﺞ اﻟــــﻌــــﻴــــﺎن ﻧـــﻌـــﺎس
ﺣـــــــﺎز وﻣــــﻠــــﻚ ﺳــﻠــﻄــﺎﻧــﻲ
واﺑـــﺠـــﻴـــﺖ دون اﺣـــﺴـــﺎس
وﻫﺬه إﺣﺪى ﺗﻐﺎرﻳﺪه ﺟﺪوى اﻟﻤﻌﺎﻟﻲ وﻫﻲ ﻋﻦ اﻷﺧﻼق واﻟﺴﻤﺖ ) ﻧﺼﻴﺤﺔ(
اﻟﺴﻤﺖ ﻳــﺮﻓــﻊ ﺻﺎﺣﺒﻪ وﻳــﻘــﻮده ﺟﺪوى اﻟﻤﻌﺎﻟﻲ ﻛﺎن ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻮده ﺻﻠﺐ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﻳﻦ ﻋﻮده وﻳﺠﻴﻚ ٍ وﻻ ﺑــﺎح ﻟﻠﻴﺎﻫﻞ ﺑﻌﻠﻢ ﺳــﺪوده ﻫــﺬاك ﻟــﻲ ﻳﺤﺎﺗﻲ ﻏﻠﻂ ﻣﻨﻘﻮده وﻻ ﻃــﺎوع اﻟﻤﻐﺮض ﺑﻠ ّﻴﺎ ﺷﻬﻮده
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
79
ŦĐĔėŝŤē ĆēĴőļ
ľſŹŕŨė ŷũŨė ĴěŔ ŲĚ ĴŭĬ ĸŔĘŁŨė ğĘŰŸ ŲŬ ħĵĘŭŰ
ǠƴžƾƷŽȚ ǃƸƄŸ ǜŮ NjƸƯŴ ǍŸƾƪŽȚ ȜNjƸƫƲŽ ȜȚȤƾƆž ȵnjƀȶ
ǡĘŘ ĝĺDž Ŝ Ģſ ĺDž Ŝ ﻳــــــﺎ ﺑــــــــــــﺪّ اع اﻟــــﻘــــﻮاﻓــــﻲ ﻧـــﻈـــﻢ وﻣــــﺜــــﻞ وا ْوﺻـــــﺎﻓـــــﻲ ﻟـــــﻲ ﻣـــــﺎ ﺳـــــﻌـــــ ْﻮا ﺑــﺨــﻼﻓــﻲ اﺣـــــﺘـــــﺎط ﻟـــــﻪ ﺑـــﺎﻟـــﻜـــﺎﻓـــﻲ ــــــﺴـــــــﺎ ٍد ﺧــــﻮاﻓــــﻲ ﻣــــــﻦ ﺣـ ّ دﻣـــــﻌـــــﻲ ﻋـــﻠـــﻴـــﻪ ذراﻓـــــــﻲ ﺑـــــــﻮ ﻳـــــــــــــﺪﻻنٍ ﺿـــــﻮاﻓـــــﻲ ﻳـــــﺎ ﺳـــــ ّﻴـــــﺪي ﻳـــــﺎ اﻟــــﻮاﻓــــﻲ ﺧــــﺬﻧــــﻲ ﺑـــﻌـــﻄـــﻒ و راﻓــــﻲ ﻣـــــﺎ ﺣـــﻴـــﺪ ﻋـــــﻦ ﻟـــﺸـــﺮاﻓـــﻲ
ﻟــــــــﻲ ﻣـــــﻤـــــﻼﻳـــــﻪ ﺣـــﻜـــﻢ ﻓـــــــﻲ واﻓـــــــﻴـــــــﻦ اﻟـــــﻠـــــﺰم ﻧـــــﺎﺟـــــﻴـــــﻦ ﻣـــــــﻦ اﻟـــﺘـــﻬـــﻢ واﺣـــــــــــــــﺎذر م اﻟـــــﻮﻫـــــﻢ ﻣـــــــﺎ ﻓــــﻴــــﻬــــﻢ ﻣـــﺤـــﺘـــﺸـــﻢ ﻣـــــــﻦ ﻫــــــﺠــــــﺮه ﻣـــﺴـــﺘـــﻬـــﻢ ﺗْــــــﺨــــــﺮﻃــــــﻒ ﻟــــﻠــــﺠــــﺪم ﻓــــﻲ اﻟـــﻌـــﻬـــﺪ وﻓـــــﻲ اﻟـــﺬﻣـــﻢ ﻻ ﺗــــﻠــــﺤــــﻘــــﻨــــﻲ أﻟــــــﻢ ﻟـــــــﻮ ﻓـــــــﻲ ﺣـــــﺒـــــﻪ ﻋـــــﺪم
وﻫﺬه ﻣﺠﺎراة ﻻﺣﺪى ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻓﺘﺎة اﻟﻌﺮب وﻫﻲ ﻣﻦ ﻧﻮع اﻟﺮوح
ﻧـــﻈـــﻢ ﺷـــــﻮق اﻟــﻜــﻠّــﻲ ﺣــــﻲ ٍ ﻳـــﻄـــﺮب اﻟـــﺴـــﺎﻣـــﻊ اذا ﻣ ـﻠّــﻲ ﺻــﻴــﻐــﺔ اﻻﺳـــﺘـــﺎذ ﻓـــﻲ اﻟــﺤ ـﻠّــﻲ ﻳــــﺎ ﻫــــﻼ ﺑــــﻪ ﻋـــــﺪّ ﻣــــﺎ ﺷــﻠّــﻲ او ﻋـــــﺪد ﻣــــﺎ واﺑـــــــﻞٍ ﻫــﻠّــﻲ ﻣــــﻦ ﺣـــﻼﺗـــﻪ ﻋـــﻄّـــﺮ اﻟــﻔــﻠّــﻲ اﺑــــﺤــــﺮه ﻣــــﻐــــﺰر وﻣــﺘــﻌــﻠّــﻲ ﻓـــﻲ ﺑـــﺤـــﻮر اﻟــﺸــﻌــﺮ ﻣــﺘــﺠـﻠّــﻲ ﻳــﻌــﻞ ﺳـــﻌـــﺪه وﻳــــﻦ ﻣـــﺎ ﺣ ـﻠّــﻲ ــــﺎب وﻻ ﻳــﻤ ـﻠّــﻲ ﻫـــــﻮب ﻋــــ ّﺘ ٍ 78
اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ا[ اﻟﻌﻮﻳﺲ
ﻣـــﻦ ﻏـــﻮاﻟـــﻲ اﻟــﺠــﻴــ َﻮن أﺑــﻴــﺎﺗــﻪ ﻓـــﻲ اﻟـــﺒـــﻴـــﺎن ﺑـــﻔـــ ّﻦ ﻣــﻨــﺤــﺎﺗــﻪ ـــﻢ ﻣــﺎﻳــﺎﺗــﻪ ﻣــــﻦ ﻏـــﺰﻳـــﺮ اﻟــــﻴـ ّ اﻋـــــﺒـــــﻲ ر ّدد اﺻــــﻮاﺗــــﻪ ر ّ ﻣـــﻦ ﺛــﺠــﻴــﻞ اﻟـــﻤـــﺰن ز ّﺧـــﺎﺗـــﻪ واﻟـــﻤـــﻌـــﺎﻧـــﻲ ﺧـــــﺰن ﻳــﻜّــﺎﺗــﻪ ﻓـــﻲ اﻟــﻤــﺜــﺎﻳــﻞ ﺻــﻌــﺐ ﻣــﺮﻗــﺎﺗــﻪ ﻓــــﺎق ﺳــﺒــﻜــﻪ ﻓـــﻲ ﻣــﺼــﺎﻏــﺎﺗــﻪ ﻓـــﻲ رﺣــﻴــﻠــﻪ وﻓــــﻲ ﻣــﻘــﺎﻣــﺎﺗــﻪ اﻟــــﻜــــﺮم واﻟـــﻀـــﻴـــﻒ ﻣــﻬــﻮاﺗــﻪ
žĴĬ ŲŬ ŪĥŬ Ķİ ĘŬ ﻳـــــ ْﻬـــــﻼ ﺑـــــﻬـــــﻮى ﻟـــــﻤـــــﻮ ّدي ﻟـــــﻲ ﻋـــــﻦ ﻫــــــــﻮاه اﻧــــﺴــــﺎل ﻓـــــﻲ ﻫـــﺎﻟـــﻀـــﻤـــﻴـــﺮ ﻣـــﺴـــﺪّ ي و ّدﻩ ﻋــــﻠــــﻴــــﻪ ﻇـــــﻼل ﻣـــــﺎ ﻳـــﻨـــﻠـــﺤـــﺞ ﻟـــــﻪ ﺳـــــﺪّ ي ﻳــــــ ّﻤــــــﻪ ﻏــــــﺰﻳــــــﺮ إﻟـــــﻴـــــﺎل ـــــــــﺮس ﻓــــﻴــــﻪ اﻟــــﻤــــﺜــــﺎل ٍ ﻗـــــﻢ ﻳـــــﺎ رﺳـــــﻮﻟـــــﻲ و ّدي ﻃـ اﻧـــــﺼـــــﺎه وﻫــــــــﺎت اﻟــــــــﺮ ّدي ﻟـــــــﻲ ﻣــــﺴــــﺠــــ ّﻨــــﻲ ﻋـــــﻼل ﻋـــــﻠـــــﻰ ﻋــــــﻼﻳــــــﺞ ﺿـــــــﺪّ ي ﻣــــــﻄــــــ ّﻌــــــﻤــــــﺎت ﺣــــﻴــــﺎل ﻣــــﺎﺧــــﺬ ﻣـــﺜـــﻞ ﻣـــــﻦ ﺣـــــﺪّ ي ﻓــــــﻲ زﻳـــــﻨـــــﻪ واﻟــــــﻌــــــﺪال ﻋـــﻨـــﻖ اﻟـــﻈـــﺒـــﻲ ﻟــــﻲ ﺻــــﺪّ ي ﻣـــــــﺎ ﻳـــــﻨـــــﻘـــــﺮب ﺟـــــ ّﻔـــــﺎل وﻣـــــــﻦ اﻟــــﻬــــ َﻴــــﺮ ﻣـــﻠـــﺘـــﺪّ ي ﺑــــــﻲ ﻣــــــﻦ ﻋـــــﻴـــــﺎن ﺛــــﻼل ﻣـــــﺎ ﺑـــﺴـــﻤـــﻊ اﻟـــﻤـــﺘـــﺤـــﺪّ ي ﻟــــــﻲ ﻓــــــﻲ ﺣــــﺪﻳــــﺜــــﻪ زال ﻟـــــﻮ ﻳــــﺴــــﺘــــﻮي ﻟـــــﻲ ﻧـــــﺪّ ي ﻋـــــ ّﻤـــــﻦ ﺳـــــﺒـــــﺎه اﻟــــﺤــــﺎل ųǣŘ ƁĚ ĴſėĹ Ǯ وﻫﺬه اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻣﺠﺎراة ﻟﻘﺼﻴﺪة ﻓﺘﺎة اﻟﺨﻠﻴﺞ أو ﻓﺘﺎة اﻟﻌﺮب واﻟﺘﻲ ﻏﻨﺎﻫﺎ اﻟﻔﻨﺎن ﻋﻠﻲ ﺑﻦ روﻏﺔ وﺗﻘﻮل :
ﺑــــﺮﻗــــﻰ روس اﻟـــﺸـــﺮاﻳـــﻒ
ﻣـــــﺎ ﺑــــﻨــــﺰل ﻓـــــﻲ اﻟــــﻮﻃــــﺎه
ﻓﻘﺎل:
ﻳـــــﺎ ذا اﻟــــﻨــــﺪﻳــــﻢ اﻟـــﻼﻳـــﻒ ﻋــــﻠــــﻰ زﻳـــــــﻦ اﻟــــﻮﺻــــﺎﻳــــﻒ راﻋــــــﻲ اﻟـــﺸـــﻴـــﻞ اﻟــﺼــﻨــﺎﻳــﻒ ﻳـــﺸـــﺒـــﻪ رﻳـــــــﻢ اﻟـــﻜـــﻔـــﺎﻳـــﻒ دوﻣـــــــﻪ ﺣـــــــﺬور و ﺧـــﺎﻳـــﻒ ﻣـــــﺎ ر ّﻣــــــــﺲ ﺑـــــﻪ ﺧـــﻔـــﺎﻳـــﻒ ﺗـــﺴـــﻘـــﻲ دﻳـــــــــﺎره رﺿـــﺎﻳـــﻒ ّ ﺗــــﻐــــﻂ اﻟــــﺨــــﺮاﻳــــﻒ ﻟــــﻴــــﻦ ﻳـــــﺎ ﻣــــﻬــــﻀــــﻮم اﻟـــﻨـــﺼـــﺎﻳـــﻒ ﻣـــــﻦ ﻫــــﻤــــﻠــــﻮلٍ ﺣـــﻈـــﺎﻳـــﻒ
ﻣــــــ ّﻨــــــﻲ ﺑــــــﻠّــــــﻎ وﺻـــــــﺎه ﻟـــــﻲ ﺣــــﻠــــﻮ ﻓـــــﻲ ﻣـــﺤـــﻜـــﺎه ﻟـــــــﻲ زاﻳـــــــــــﺪ ﺑـــــــﻲ ﻏـــــﻼه ﻟـــــﻲ ﻳــــﺮﻋــــﻰ ﻓـــــﻲ اﻟــــﻮﻃــــﺎه ٍ ــــــــﺎص ﺑــــﻐــــﺎه ﻣـــــــﻦ ﻗــــــــ ّﻨ ﻏــــــﺎﻟــــــﻲ وﻟـــــــــﻪ ﻣـــــــــﺪراه ﻣــــــﻦ ﻣـــــــــﺰنٍ ﻓــــــﻲ ﺳـــﻤـــﺎه ــــــــﺮي ﻓــــــﻲ وﺣــــــﺎه ﻣــــــﻦ ﺟـ ٍ ﻗــــــﻢ ﺷـــــــــ ّﺮف ﻓــــــﻲ ﻧـــﻘـــﺎه زاف وﻳـــــــــﺎل ا ْﻣــــﻐــــﻨــــﺎه
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
77
ŦĐĔėŝŤē ĆēĴőļ
ľſŹŕŨė ŷũŨė ĴěŔ ŲĚ ĴŭĬ ĸŔĘŁŨė ğĘŰŸ ŲŬ ħĵĘŭŰ
ĸſėĴěŨė ūŹōİ ﻳـــــﺎ ﻣـــــﻦ ﻋــــﺎﻟــــﻲ اﻟـــﻴـــﺰاﻳـــﺮ
ﺷــــــﺮﺗــــــﺎ ﻃــــــ ّﻴــــــﺐ ﺷـــــــﺬاه
ــــــﺺ ﺧــــﻄــــﻮم اﻟــــﺒــــﺪاﻳــــﺮ ﻗـ ّ
واﻣــــﺴــــﻰ ﺑـــﻴـــﻦ اﺻــــﺪﻗــــﺎه
ﻳـــــــﺎ ﻳـــــ ّﺘـــــﻠـــــﻲ وﻳــــﺴــــﺎﻳــــﺮ
ﻳـــﻨـــﺸـــﺪ ﻋــــــﻦ ﻣــــــﻦ ﻋـــﻨـــﺎه
اﻟـــــﻔـــــﺎﻧـــــﻲ ﺑـــﺎﻟـــﺒـــﺸـــﺎﻳـــﺮ
ﻟــــــﻲ ﻣــــــﻦ ﺑـــــــﺪت ﻓــــﺮﻗــــﺎه
ﻳــــﺎ اﺣــــﻤــــﺪ ﺗــــﺮاﻧــــﻲ ﺣــﺎﻳــﺮ
ﻣــــــﻦ ذا اﻟـــــــــﻮد و ﺑــــﻼه
داﻳــــــــــﺲ ﻓـــــ ّﻴـــــﻪ ﺿــــﺮاﻳــــﺮ
ﻣــــﺎ ﻳــــﺼــــﺪق ﻓــــﻲ اﻣـــﻌـــﻨـــﺎه
ﺷــــــﺮوى اﻟـــﻈـــﺒـــﺎب اﻟــﻄــﺎﻳــﺮ
ﻟــــــﻲ ﺟـــــﺸّ ـــــﻊ ﺑــــــﻪ ﻫــــــﻮاه
ﻟــــــﻮ ﺑــــﺘــــﻐــــﺎﺿــــﻲ وﺳــــﺎﻳــــﺮ
ﻣــــــﺎ ﺑــــﻌــــﺘــــﺮف ﺑـــﺨـــﻄـــﺎه
ﻓــــﺮﻗــــﺎﻫــــﻢ م اﻟـــﻜـــﺒـــﺎﻳـــﺮ
ﻣـــــــﺎ ﻧــــﺘــــﺤــــ ّﻤــــﻞ ﺟــــﻔــــﺎه
ﻛــــــﻮد اﻳْــــــﻌــــــﺪل وﻳـــﺨـــﺎﻳـــﺮ
واﻳّـــــــــﻲ ﻓـــــﻲ اﻟـــــﻠّـــــﻲ ﻧـــﺒـــﺎه
ĘſĘŔĴŨė ŲƀŕŨė ƁŔėķ ﻳـــــــﺎ ﺑـــــــــــــ ّﺮاق اﻟــــﺜــــﻨــــﺎﻳــــﺎ ﻳــــــﺎ ﺑــــــﻮ ﺧــــﺼــــﺮ ﻣـــﻬـــﻈـــﻮم ﻳــــــﺎ ﺣــــﻠــــﻮﻳــــﻦ اﻟـــﺴـــﺠـــﺎﻳـــﺎ
ﻋــــﻨــــﻜــــﻢ ﺑــــﻌــــﻴــــﺪ اﻟــــﻠــــﻮم
ﻟـــــﻮ ﻣـــــﺎ رﺑـــــﻴـــــﻊ ْﺧـــــﻮاﻳـــــﺎ
وﻣــــــــــــــــــﺪاراة اﻟــــــﻠــــــﺰوم ﻣـــــــﻦ ﻛـــــﻠـــــﻤـــــ ٍﺔ وﻋـــــﻠـــــﻮم
ﻟــﻨــﻬــﻲ ﺟــــــﺪوى اﺻـــﺪﻗـــﺎﻳـــﺎ
ﻳـــــــﻮم اﻟــــﻠــــﻴــــﻞ ا ْﻣــــﻐــــﻴــــﻮم
ﻣـــــﺎ روم اﻧــــﻘــــﻞ وزاﻳـــــــﺎ
وا ْﺟــــــــﺎﻓــــــــﻲ ﻟـــﻤـــﺤـــﺸـــﻮم
ﻟـــــــﻲ ﻧـــــﺒـــــﺎﺗـــــﻪ ﻧــــﻘــــﺎﻳــــﺎ
زاد
رﺳـــــــﻮم
ﻣـــــــﺎ ﺗــــــﺎﺑــــــﻊ اﻟـــــــﺮزاﻳـــــــﺎ
ﺻــــﺎﺣــــﺐ ﺳــــﻤــــﺖ وﻛــــﻈــــﻮم
ﻟـــــﻲ ﻋــــﻄّــــﻞ ﻟـــــﻲ ﺣـــﺸـــﺎﻳـــﺎ
ﻳـــــــﻮم اﻟــــﻀــــﻌــــﻮن ﺗـــﺸـــﻮم
وآﺣــــــﺎﺗــــــﻲ ﻓـــــﻲ اﻟـــﻘـــﻔـــﺎﻳـــﺎ
راﻋـــــــﻲ اﻟـــﻌـــﻴـــﻦ اﻟـــﺪﻋـــﺎﻳـــﺎ 76
اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ا[ اﻟﻌﻮﻳﺲ
ﺑــــــﻐــــــﻼه
ﺑـــــــﻮ ﻳــــــــــــــﺎدلٍ ﻣـــــﺒـــــﺮوم
ﻧﻤﺎذج ﻣﻦ وﻧﺎت اﻟﺸﺎﻋﺮ
ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ا mاﻟﻌﻮﻳﺲ
ųķĘŵĺĚ ŪěĩŨė Źŵĺſ
ﻳــــﺰﻫــــﻮ اﻟـــﺠـــﺒـــﻞ ﺑــــﺰﻫــــﺎره ﻣــــــﻦ ﻣــــــﺎﻃــــــ ٍﺮ ﻣــــــــــﺪراره ﻋــــﻠــــﻰ اﻟــــﺴــــﻬــــﻞ ودﻳــــــــﺎره ﻳـــﺴـــﺠـــﻲ زﻳـــــــﻦ اﻟــــﻌــــﺒــــﺎره ﻣـــــﻦ زﻳــــﻨــــﻴــــﻦ اﻟــــﻨــــﻈــــﺎره وان ﺧـــــــــ ّﺰك ﺑــــﻔــــﺘــــﺮاره ﻟــــــﻲ ﻣــــﻨــــﻌــــﺰل د ّواره اﻟــــــــــــﻮرد ﺑــــــﻦ اﺳـــــﻄـــــﺎره أوﺻـــــــــﻒ داره ﻣـــــﺎ روم ّ أﺳـــــــﺮح واﺷــــــــﻮف اﻟــــﺤــــﺎره ﻣـــــﻦ زاﻫــــــﻴــــــﺎت اﻧـــــــــﻮاره ﻳـــﻜـــﻔـــﻲ ﻋــــﻴــــﻮن اﺷــــــــﺮاره ﻟــــــﻲ ﻋــــــﻦ ﻟــــــﻲ ﺗـــــﺬﻛـــــﺎره وأﻧــــــــــﺎ ﻣــــــﻔــــــﺎرق داره ﻛـــــ ّﻨـــــﻲ ﺑــــﻌــــﺖ ﺑـــﺨـــﺴـــﺎره ﻳـــــﺎ ﻫـــــﻲ رﻣـــــ َﻴـــــﺔ ﺷـــــــﺮاره
ﻣـــــــﻦ ﻧــــــــــــــــ ّﻮا ٍر ﺟـــﻤـــﻴـــﻞ ﻣــــــﺎ وﻧﱠـــــــــﻰ م اﻟـــﺪﻳـــﻴـــﻞ ﻳــــﺴــــﺠــــﻲ ﺻـــــﺒـــــﺎح وﻟـــﻴـــﻞ ﻟــــــﻲ ﻣــــﻨــــﺴــــﻮع اﻟـــﻴـــﺪﻳـــﻞ ﻟـــــــﻲ ﻣـــــﺪﻋـــــ ّﻨـــــﻲ ﻋـــﻠـــﻴـــﻞ ادﻋــــــــــﻰ ﺣـــــﺎﻟـــــﻚ ﻋــﻄــﻴــﻞ ﻧـــﺨـــﺸـــﻰ ﻋـــﻠـــﻴـــﻪ م اﻟــﻤــﻴــﻞ ﻣـــــــﺎ رﻧّــــــــــــﻖ ﺑـــﺘـــﻈـــﻠـــﻴـــﻞ ﺧــــــﺎﻳــــــﻒ أﻧّـــــــــــﻲ أﻋــــﻴــــﻞ أرﻳــــــــــــــــﺎم ﻓـــﻠـــﻴـــﻞ ﻣـــــــﻦ ٍ ﺑـــــــﻮﻫـــــــﺪب ﺛــﻠــﻴــﻞ ﻣــــــﻦ ٍ ﻣـــــــﻦ ﻋــــــــ ّﻴــــــــﺎنٍ ﺧـــﺘـــﻴـــﻞ ﻓــــﻲ ﻫــــﺎ اﻟـــﻠـــﻴـــﻞ اﻟـــﻄـــﻮﻳـــﻞ ﻋـــﻘـــﺐ اﻟـــــﺸـــــﻮف اﻟــﺠــﻠــﻴــﻞ ﻣــــﻦ ذا اﻟــــﻮﻓــــﻖ اﻟــﻤــﻠــﻴــﻞ ﻛـــــﻢ ﺑــــــﺘــــــﻮزّى اﻟـــﻌـــﻮﻳـــﻞ
ŦĐĔėŝŤē ĆēĴőļ
ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻠﻘﻪ وإﻋﺠﺎﺑﻪ ﺑﺸﻌﺮ اﻟﻬﺎﻣﻠﻲ واﺣﺘﺮاﻣﻪ ﻟﻪ ،وﻟﺬا أﺻﺒﺢ ﻣﻌﻈﻢ ﺷﻌﺮه ﻣﻦ ﺑﺤﺮ اﻟﻮﻧّﺔ أﺳﻮة ﺑﺎﻟﻬﺎﻣﻠﻲ ،اﻟﺬي ﻗﺎل ﻓﻲ اﻟﻮﻧّﺔ وأﺑﺪع ﻓﻴﻬﺎ. وﻧﻈﺮا ً ﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﻋﺼﺮ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺬﻫﺒﻲ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات وﻫﻮ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺬي ﻧﺸﻄﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ وﺗﺠ ّﺪدت ،وﻫﻲ ﻓﺘﺮة اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت واﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت واﻟﺘﺴﻌﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻐﻞ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ذﻟﻚ وﺗﻌ ّﺮف ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺸﻌﺮاء ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻹﻋﻼم اﻟﻨﺸﻂ ﻓﻲ وﻗﺘﻪ، ﻓﺘﺸﺎﻛﻰ ور ّد ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺸﻌﺮاء ﻣﻤﻦ ﺑﺮزوا ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة أﻣﺜﺎل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد وﻓﺘﻰ اﻟﺸﻤﺎل وﻓﺘﻰ أﺑﻮﻇﺒﻲ وﻓﺘﻰ ﻋﺠﻤﺎن وﻃﻴﻒ وﺟﻤﻴﻊ اﻷﺳﻤﺎء اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺟﻮدة آﻧﺬاك ،ﻛﻤﺎ ر ّد ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم ،واﻟﺸﻴﺦ ﺻﻘﺮ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻘﺎﺳﻤﻲ واﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ رﺣﻤﻪ اﻟﺸﺎﻣﺴﻲ واﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻮﺷﻬﺎب واﺑﻦ أﺧﻴﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻌﻮﻳﺲ ورﺑﻴﻊ ﺑﻦ ﻳﺎﻗﻮت وﻓﺘﺎة اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﺘﻲ ﺳﻤﻴﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺎة اﻟﻌﺮب ،وراﺷﺪ اﻟﻨﺎﻳﻠﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﻴﻦ وﻓﺘﺎة ﺟﻠﻔﺎر وﺑﻨﺖ ﻋﺠﻤﺎن وﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء. وﺑﻨﻈﺮة إﻟﻰ دﻳﻮان ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﻮﻳﺲ ،ﻧﺠﺪ أﻧﻪ ﺗﻌﺮض ﻓﻴﻪ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﻓﻨﻮن وأﻟﺤﺎن اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺑﺮﻏﻢ ﺳﻴﻄﺮة ﺷﻌﺮ اﻟﻮﻧّﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻈﻢ أﺷﻌﺎره .ﻓﻘﺪ ﻗﺎل ﻓﻲ اﻟﺮدح وﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﻟﻪ وﻓﻲ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﻤﺜﻠﻮﺛﺔ ﻣﻦ ﺑﺤﺮ اﻟﻮﻧّﺔ .ﻛﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﻟﻪ ﺗﻐﺮودة أﺛﺒﺘﺖ ﻓﻲ دﻳﻮاﻧﻪ اﻟﺜﺎﻧﻲ وﻫﺬه اﻟﺘﻐﺮودة ﺗﺜﺒﺖ ﺗﻌﻠّﻘﻪ ﺑﺎﻟﺒﺪاوة إذ أﻧﻬﺎ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﻬﺎ وﺑﺎﻹﺑﻞ وﻫﻲ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﻨﺼﺢ واﻻرﺷﺎد واﻟﺸﻬﺎﻣﺔ واﻟﺮﺟﻮﻟﺔ واﻷﺧﻼق اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ .وﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ:
اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ إذ ﻧﺸﺮ أﻏﻠﺐ أﺷﻌﺎره ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻒ واﻟﻤﺠﻼت واﻟﺼﻔﺤﺎت اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻓﻴﻬﺎ .وﺷﺎرك ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻌﻈﻢ ﺷﻌﺮاء ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ﻓﻲ ﻧﺸﺮ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻣﻤﺎ ﻋ ّﺰز دور ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺮ وﻧﺸﺮه ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ وﺧﺎﺻﺔ ﻟﻸﺟﻴﺎل اﻟﺠﺪﻳﺪة .وﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﺑﻞ ﻛﺎن ﻳﺸﺎﻛﻲ وﻳﺠﺎري وﻳﺮد ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻈﻢ ﻫﺆﻻء اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﺑﺤﻜﻢ أﺑﻨﺎﺋﻪ ﻣﻤﺎ أﻋﻄﺎﻫﻢ دﻓﻌﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻟﻼﺳﺘﻤﺮار وﺗﻨﻤﻴﺔ ﻣﻮاﻫﺒﻬﻢ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﺧﺎﺻﺔ وأﻧﻪ ﻫﻨﺎك ﻗﺎﻣﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻣﺜﻞ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﺗﺠﺎرﻳﻬﻢ وﺗﺸﺎﻛﻴﻬﻢ أﻣﺎم اﻟﻤﻸ وﻓﻲ اﻟﻌﻠﻦ. ﻟﺬا ﻓﺈن اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﻮﻳﺲ ﻳﻌ ّﺪ ﻣﻦ أﻫﻢ ﺷﻌﺮاء اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﻟﺬﻳﻦ أﺛﺮوا اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ وأﺧﺬوا ﺑﺰﻣﺎم ﺗﻄ ّﻮر اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات وإدﺧﺎل اﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻓﻴﻪ وﻧﺸﺮه ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻋﺎﻣﺔ ،وﻛﻤﺎ ذﻛﺮت ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺎﻫﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ ﻣﻬﻤﺔ ﺟﺪا ً ﻓﻲ اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ وﻓﻲ ﺑﺮوز اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﻗﻼم اﻟﻤﺒﺘﺪﺋﺔ ﻟﺘﺼﺒﺢ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﺸﻌﺮاء ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﺿﺮ. وﻓﺎﺗﻪ
ﺑﻌﺪ ﻋﻤ ٍﺮ ﻃﻮﻳﻞ ﻗﻀﺎه ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات وﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻧﺘﻘﻞ إﻟﻰ رﺣﻤﺔ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﺎم 1991م ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺸﺎرﻗﺔ .ﻓﺮﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ رﺣﻤ ًﺔ واﺳﻌﻪ وادﺧﻠﻪ ﻓﺴﻴﺢ ﺟﻨﺎﺗﻪ
اﻟﺴﻤﺖ ﻳﺮﻓﻊ ﺻـــﺎﺣﺒﻪ وﻳــــــﻘﻮده ﺟﺪوى اﻟﻤﻌﺎﻟﻲ ﻛﺎن ﻧﻔﺴـــــﻪ ﻋﻮده ﺻﻠﺐ ﻓﻲ اﻟﻤــﺤﺎﻳﻦ ﻋــــﻮده واﻳّﻴﻚ ٍ وﻻ ﺑﺎح ﻟﻠﺠﺎﻫﻞ ﺑﻌـــﻠﻢ ﺳــــــﺪوده
إﻟﺦ اﻟﺘﻐﺮودة. ﺣﻴﺎﺗﻪ اeﺳﺮﻳﺔ
ﺗﺰوج ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﺛﻼث زﻳﺠﺎت أﻧﺠﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ،وﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ زﻳﺠﺎﺗﻪ ﺗﻠﻚ 17ﻣﻦ اﻷﺑﻨﺎء واﻟﺒﻨﺎت وﻣﻦ أﺑﻨﺎﺋﻪ ﻣﺤﻤﺪ وﻋﻤﺮان وﻋﻠﻲ وﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ وﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ وﻣﺎﺟﺪ وأﺣﻤﺪ. ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ا mاﻟﻌﻮﻳﺲ وإﺳﻬﺎﻣﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﻣﻴﺪان اﻟﺸﻌﺮ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ
74
اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ا[ اﻟﻌﻮﻳﺲ
اﻟﻘﻠﻌﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﺎﻟﺬﻳﺪ
ﺻﺪر ﻟﺸﺎﻋﺮﻧﺎ ﻋﺎم 1986أول دﻳﻮان ﺷﻌﺮ ﺷﻌﺒﻲ ﺣﻘّﻘﻪ ﻟﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻮﺷﻬﺎب رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ،وﺣﻮى ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪه اﻟﻐﺰﻟﻴﺔ أﻏﻠﺒﻬﺎ وﻧّﺎت وﻓﻲ ﻋﺎم 1988أﺻﺪر ﻟﻪ دﻳﻮان آﺧﺮ وﺑﺠﺎﻧﺐ ذﻟﻚ ﺷﺎرك ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﺤﺮاك اﻟﺸﻌﺒﻲ واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺧﻼل
إﻟﻰ أن ﻳﻘﻮل: ﻳﺎ ﻧـــﻔﺲ ﻳـــــﺎ ﺟ ّﺒﺎره ﻻ ﻳﻐـــــﻮﻳﻚ اﻟﻐـــﺮور ﻳﻈﻬـــﺮ ﻟﻚ ﺑﺎﻟـــﺨﻴﺎره وﻳﺮاوﻳـــﻚ اﻟﺴـــــﺮور ﻟﻲ ﻣــــﺎ ﺣﻔﻆ ﻋـﺘﺒﺎره ﻳﺒﻘﻰ دوم اﻣــــــﻌﺜﻮر إﻟﺦ اﻟﻘﺼﻴﺪة. وﻋﻨﺪﻣﺎ رأى اﻟﻬﺠﺮة اﻟﺰاﺋﺪة ﻋﻠﻰ اﻹﻣــﺎرات ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻻﻧﻔﺘﺎح اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻗﺎل ﻓﻲ ﺗﺰاﻳﺪ أﻋﺪاد اﻟﻮاﻓﺪﻳﻦ وﺧﺎﺻﺔ اﻵﺳﻴﻮﻳﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺷﺎرﻛﻮا أﻫﻞ اﻟﻮﻃﻦ ﻓﻲ ﺗﺠﺎرﺗﻬﻢ ورزﻗﻬﻢ: اﻷﺟﻨﺒﻲ ﻟــــــــﻪ داره ﻛﺎﻧﻪ ﻓﻴـــﻜﻢ ﺣــــﻮاس ٍ ﺧﻠﻂ ﺑﻐـــﻴﺮ ﻗﻴـــــﺎس أﺷﻮف ﻓﻲ درﻛــــــﺎره ﻣﺤﻤﻞ وزاه ﻣﻦ ﺑـــﺎره ﻣﺎ ﻳﺘـــﺤ ّﻤﻞ ﻣـــﺴﺎس ردّوا ﻋــــﻠﻴﻪ ﻋــــﺘﺒﺎره ﻫﺬا اﻟﺨـﻠﻴﺞ اﻧـــﺪاس ﻳﺎ ﺷـﻴﻮﺧﻲ ﻟﻠﻨـــــﺪاره ﻓﻴﻜﻢ أﻣـــﻠﻨﺎ ﺳــــﺎس ﺑﺴـــــﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺎﻟـﻌﺜﺎره ﻣــﻦ ذا اﻟﻐﺰو ﻳﺎ ﻧـﺎس إﻟﺦ اﻟﻘﺼﻴﺪة. أﻣﺎ اﻟﻐﺮض اﻵﺧﺮ اﻟﺬي رﻛّﺰ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻬﻮ ﻓﻲ اﻟﺸﻜﺎوى واﻟﺮدود واﻟﻤﺠﺎرﻳﺎت، دﻟﻴﻞ ﻓﻘﺪ ﺟﺎرى اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑﻦ ﻋﺘﻴﺞ اﻟﻬﺎﻣﻠﻲ ﻓﻲ أﻏﻠﺐ ﻗﺼﺎﺋﺪه ،وﻫﺬا ٌ
ﺑﺄﺳﻠﻮب ﺗﻤﺘﺰج ﻓﻴﻪ ﺳﻬﻮﻟﺔ ﺻﺎغ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﺷﻌﺮه ٍ اﻟﺘﺮﻛﻴﺐ ﺑﺠﺰاﻟﺔ اﻟﺘﻬﺬﻳﺐ ،ﺗﻘﺮأه ﻓﺘﺤﺲ ﻓﻲ ﻧﻔﺜﺎﺗﻪ ﺑﺮﻗﺔ اﻟﺤﻀﺎرة ،ذﻟﻜﻢ ﺑﺄن ﻋ ّﻔﺔ اﻟﺒﺪاوة وﻗﺪ ﺷ ّﺬﺑﺖ ّ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ وإن ﻛﺎن ﺣﻀﺮي اﻟﻨﺸﺄة إﻻ أﻧﻪ ﺑﺪوي اﻟﻤﻨﺘﺰع.
ﺗﻌ ّﻠﻖ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﺒﺮ وأﻫﻠﻪ وأﻗﺎم ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺬﻳﺪ واﻟﻔﺎﻳﺔ واﻟﺒﺤﺎﻳﺺ ﺳﻨﻴﻦ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺑﻌﻴﺪاً ﻋﻦ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ،ﻣﻤﺎ اﺿﻄﺮه إﻟﻰ اﻟﺰواج ﻫﻨﺎك .وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﻮات ﺑﺪأ ﻗﻮل اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻐﺰﻟﻲ اﻟﺠﻤﻴﻞ، ﻓﺘﻐﻨﻰ ﻓﻲ اﻟﺒﺎدﻳﺔ وأﻫﻠﻪ
ﻳﻄﻐﻰ ﻋﻠﻰ ﺷﻌﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ا{ اﻟﻌﻮﻳﺲ ﺟﻞ اﻟﻐﺰل ،ﻓﻘﺪ أﺑﺮع ﻓﻴﻪ رﺣﻤﻪ ا{ وﻛﺎد أن ﻳﻜﻮن ّ ﺷﻌﺮه ﻏﺰ ًﻻ ،ﻓﻬﻮ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺬي دﻋﺎه أن ﻳﺪﺧﻞ اﻟﻰ ﻫﺬا اﻻﺗﺠﺎه
ﻣﻊ ﻃﻼب ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﻘﺎﺳﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﺸﺎرﻗﺔ ﻋﺎم 1954
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
73
ŦĐĔėŝŤē ĆēĴőļ
وﻓﻲ ﺟﻤﺎل اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ واﻟﻔﻄﺮي ﻓﻲ اﻟﺒﺎدﻳﺔ ،وﺧﺎﻃﺐ اﻟﻨﺴﻴﻢ اﻟﻌﻠﻴﻞ وﺳﻤﺎه »اﻟﺸﺮاﺗﻲ« أي اﻟﻬﻮاء اﻟﻌﻠﻴﻞ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻐﻨﻰ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة واﻷﻣﻄﺎر واﻟﺠﺒﺎل .وﺑﻤﺎ أﻧﻪ ﻣﻦ ﻣﺤ ّﺒﻲ ﺷﻌﺮ ﺑﻦ ﻇﺎﻫﺮ ﻓﻘﺪ ﺟﺎءت ﻣﻌﻈﻢ ﻗﺼﺎﺋﺪه اﻟﻐﺰﻟﻴﺔ ﻣﻘﺮوﻧﺔ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ واﻟﻨﺼﺎﺋﺢ .أﻣﺎ وﻧّﺎت اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻬﺎﻣﻠﻲ ﻓﻘﺪ ﺟﺎراﻫﺎ ﺑﺸﺘﻰ اﻷﻟﺤﺎن واﻟﻘﻮاﻓﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻄ ّﺮق إﻟﻴﻬﺎ »ﺑﻦ ﻋﺘﻴﺞ« اﻟﻬﺎﻣﻠﻲ ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺤﺖ ﻻ ﺗﻌﺮف ﻣﻦ ﻗﺎﺋﻠﻬﺎ ﻫﻮ أم اﻟﻬﺎﻣﻠﻲ. ﻓﻤﺜﻼً اﻗﺮأ ﻣﻌﻲ ﺟﺰء ﻣﻦ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ: ﺷــــﺮﺗﺎً ﺻﻠّﺐ ﻳﻨــﻮﺑﻲ ﻳﺎب أﺧﺒﺎر اﻟـــــﺤﺒﻴﺐ ﻳـــﺎ ﻣﻦ ﺟﺪا ﻣﺤـﺒﻮﺑﻲ ﻟـــــﻲ ﻣﺪْ ﻋ ّﻨﻲ ﺳﻠـﻴﺐ ﺷـــــــ ّﻴﺪ وﻣﺪّ ﻃﻨﻮﺑﻲ داﺧﻞ ﺣــﺸﺎي ﻳـﻄﻴﺐ إﻟﻰ أن ﻳﻘﻮل: ﺑــــﻴﺪه ﺷﻔﺎ ﻟﻘْﻠـــﻮﺑﻲ ﻳـــﺎ ﻏﻔّﺎر اﻟــــــﺬﻧﻮﺑﻲ ﺗْﺮ ّد ﻟــﻲ ﻣـــــــﻄﻠﻮﺑﻲ
اﻟﻌﻮﻳﺲ واﻟﺸﻌﺮ
ﻟﻘﺪ ﺑﺪأ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﻮﻳﺲ ﻗﻮل اﻟﺸﻌﺮ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،وﻻ أدري ﻣﺎ ﻫﻮ اﻟﺴﺮ ﻓﻲ ذﻟﻚ .إﻻ أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﻤﺘﻮﻓﺮة ﻋﻨﻪ ،ﻧﺠﺪ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻨﺸﻐﻼً ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ وﻫﻮ ﺑﻌﺪ ﻓﻲ ﺳﻦ اﻟﺸﺒﺎب إذ ﻛﺎن رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻃﻮاﺷﺎً ﺛﻢ ﺗﺎﺟﺮا ً ،ﻓﺸﻐﻠﺘﻪ ﺗﻠﻚ اﻷﻋﻤﺎل ﻋﻦ ﻗﻮل اﻟﺸﻌﺮ ﺧﺎﺻﺔ وأﻧﻪ ﺗﺰ ّوج ﺻﻐﻴﺮا ً ﻣﻦ اﺑﻨﺔ ﻋﻤﻪ ﻓﻲ زواﺟﻪ اﻷول ،ﻓﺎﻛﺘﻔﻰ ﺑﺎﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻪ وﺗﺠﺎرﺗﻪ ،وﻫﺬا ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﺣﺰﻣﻪ واﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﻌﻤﻠﻪ ،إذ أن اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻳﻘﻮل» :ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻮي ﺷﻮق ورﻋ ّﻴﺔ ﻧﻮق« ،إذ ﻓﻀّ ﻞ اﻟﺘﻔﺮغ ﻟﺘﺠﺎرﺗﻪ وأﻋﻤﺎﻟﻪ وﺗﺄﺟﻴﻞ ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ .ﻓﻨﺠﺪ أﻧﻪ ﻗﻀﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮ ﻓﻲ اﻛﺘﺴﺎب اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺲ وﻓﻲ ﻓﻬﻢ اﻟﺤﻴﺎة واﻛﺘﺴﺎب ﻣﻠﻜﺔ اﻟﺸﻌﺮ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻗﺮاءة دواوﻳﻦ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻜﺒﺎر وﺣﻔﻆ أﺷﻌﺎرﻫﻢ ﻣﺜﻞ أﺷﻌﺎر ﺑﻦ ﻇﺎﻫﺮ واﻟﻬﺎﻣﻠﻲ واﻷﺷﻌﺎر اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻔﺼﻴﺤﺔ ،ﻛﻴﻒ ﻻ وﻫﻮ اﻟﻤﺜﻘﻒ اﻟﻘﺎرئ اﻟﻨﻬﻢ ﻟﻸدب واﻟﺸﻌﺮ ،وذﻟﻚ ﺑﺸﻬﺎدة أﺑﻨﺎﺋﻪ واﻟﺴﻴﺪ راﺷﺪ ﺑﻦ رﺣﻤﻪ ﺑﻦ ﻋﻮﻳﺲ ) 75ﻋﺎﻣﺎً(. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﺪأ ﻓﻲ ﻗﻮل اﻟﺸﻌﺮ ﻛﺎن ﻓﻲ ﻗﺪ ﺗﺨﻄﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﻋﻤﺮه إذ ﻛﺎن ﺧﻤﺴﻴﻦ ﻋﺎﻣﺎً ،وﻫﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺘﻲ ﺑﺪأ ﻓﻴﻬﺎ رﺣﻠﺘﻪ اﻟﻰ اﻟﺒﺎدﻳﺔ واﻻﺳﺘﻘﺮار ﻓﻴﻬﺎ .وﺣﻴﺜﻤﺎ وﺟﺪ اﻟﺤﺐ ُوﺟﺪ اﻟﺸﻌﺮ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻌﻠّﻖ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﺒﺮ وأﻫﻠﻪ وأﻗﺎم ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺬﻳﺪ واﻟﻔﺎﻳﺔ واﻟﺒﺤﺎﻳﺺ ﺳﻨﻴﻦ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺑﻌﻴﺪا ً ﻋﻦ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ،ﻣﻤﺎ اﺿﻄﺮه إﻟﻰ اﻟﺰواج ﻫﻨﺎك .وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﻮات ﺑﺪأ ﻗﻮل اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻐﺰﻟﻲ اﻟﺠﻤﻴﻞ ،ﻓﺘﻐﻨﻰ ﻓﻲ اﻟﺒﺎدﻳﺔ وأﻫﻠﻬﺎ وﻓﻲ اﻟﺨﻀﺮة وﻓﻲ ﻃﺎﺋﺮ اﻟﻮرق وﺣﻤﺎم اﻟﺮاﻋﺒﻲ وﻓﻲ اﻷﻣﻄﺎر،
72
اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ا[ اﻟﻌﻮﻳﺲ
راع اﻟﺼــــﺪر اﻟﺮﺣﻴﺐ ﺗﺴـــــﻤﻊ ﻧـﺪا ﻟ ْﻤﻨﻴﺐ راع اﻟـــﻌﻮد اﻟــﺮﻃﻴﺐ
وﻳﻘﻮل ﻋﻨﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻮﺷﻬﺎب رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﻋﺎم 1988م : ﺑﺄﺳﻠﻮب ﺗﻤﺘﺰج ﻓﻴﻪ ﺳﻬﻮﻟﺔ اﻟﺘﺮﻛﻴﺐ ﺑﺠﺰاﻟﺔ »ﺻﺎغ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﺷﻌﺮه ٍ اﻟﺘﻬﺬﻳﺐ ،ﺗﻘﺮأه ﻓﺘﺤﺲ ﻓﻲ ﻧﻔﺜﺎﺗﻪ ﻋﻔّﺔ اﻟﺒﺪاوة وﻗﺪ ﺷﺬّﺑﺖ ﺑﺮﻗّﺔ اﻟﺤﻀﺎرة ،ذﻟﻜﻢ ﺑﺄن ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ وإن ﻛﺎن ﺣﻀﺮي اﻟﻨﺸﺄة إﻻ أﻧﻪ ﺑﺪوي ﺟﻞ أوﻗﺎﺗﻪ ،وﻣﺎ ﻳﺰال ﻟﻬﺎ ﻣﻌﺎﻳﺸﺎً اﻟﻤﻨﺘﺰع .ﻓﻔﻲ ﻣﺮاﺑﻊ اﻟﺒﺪو أﻣﻀﻰ ّ وﻷﻫﻠﻬﺎ ﻣﺼﺎﻫﺮا ً وﺧﻴﺮ ﻣﺜﻞ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻫﻮ ﻗﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ: ﺳﻮى ﻣﺎ ﻧﻔﻰ ﻋﻨﻪ اﻟﺮداء اﻟﻤﺤ ّﻴﺮ« ﻗﻠﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﻤﻄ ّﻴﺔ ﻇﻠّﻪ ٌ اeﻏﺮاض اﻟﺘﻲ ﺗﻄ ّﺮق إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺷﻌﺮه
ﻳﻄﻐﻰ ﻋﻠﻰ ﺷﻌﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﻮﻳﺲ اﻟﻐﺰل ،ﻓﻘﺪ أﺑﺮع ﻓﻴﻪ ﺟﻞ ﺷﻌﺮه ﻏﺰﻻً ،ﻓﻬﻮ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺬي دﻋﺎه أن ﻳﺪﺧﻞ اﻟﻰ وﻛﺎد أن ﻳﻜﻮن ّ ﻫﺬا اﻻﺗﺠﺎه .وﻫﻮ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﻋﻤﺮه ،ﻟﻢ ﻻ واﻟﻐﺰل ﻫﻮ اﻟﻔﻦ اﻟﺬي ﻳﺪﺧﻞ إﻟﻰ اﻟﻘﻠﻮب وﻳﺮﻳﺢ اﻟﻨﻔﻮس وﻳﻄﺮب اﻵذان .وﺑﺠﺎﻧﺐ ﻫﺬا، ﻗﺎل ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺪح واﻟﻮﻃﻨﻴﺎت إذ أﻧﻪ اﻛﺘﻔﻰ ﺑﻤﺪح اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ،ﻓﺄﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ وﻋﻠﻰ ﻗﻴﺎم اﻻﺗﺤﺎد وﻋﻠﻰ وﻃﻨﻪ اﻹﻣﺎرات .وﻟﺬﻟﻚ ﻧﺠﺪه ﻟﻢ ﻳﻤﺪح ﻛﺜﻴﺮا ً وﻟﻢ ﻳﺠﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﺷﻌﺮه وﻫﺬا دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﺰﻣﻪ وﺣﺰﻣﻪ وﺻﺪﻗﻪ ﻣﻊ ﻧﻔﺴﻪ وﺗﻮﻇﻴﻒ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ٌ ﻗﻮﻟﻪ ﻟﻠﺸﻌﺮ .ﻛﻤﺎ ﺗﻄ ّﺮق رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﻨﺼﺢ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎت ﻓﻘﺎل ﻓﻴﻬﻤﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﺼﻴﺪة ﻋﻠﻰ وزن »اﻟﻮﻧّﺔ« وﻫﻮ اﻟﻔﻦ اﻟﺸﻌﺮي اﻟﺬي أﺑﺪع ﻓﻴﻪ ،ﻓﺠﺎءت ﺟﻤﻴﻊ ﻏﺰﻟﻴﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻤﻄﻪ. وﻣﻦ وﻧّﺎﺗﻪ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺨﺪم ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﺼﺢ ﻏﺮﺿﺎً: ﻳﺎ ﻧﻔــــﺲ ﻳﺎ ﻣﺤـــﺘﺎرة ﻳــــﻮزي ﻋﻦ ﻟﻤـﺤﺬور ﻟﻲ ﻋـــﺎرﻓﻴﻦ اﺧــﻄﺎره ﻣﺎ ﻳﻨﻘﺒﻞ ﻟﻪ ﺷــــــــﻮر ﺗـــﻜﻔﻰ اﻟﺤﺮ اﻻﺷــﺎره ﻟﻲ ﻟـــﻪ ﻋﻘﻞ وﺷــﻌﻮر ﺧـــﺬ م اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣــﺬاره ﻛــــﻢ ﺑﺪّﻟﺖ ﻣﻦ ﻃــﻮر
أﻋﻤﺎﻟﻪ اﻟﺨﻴﺮﻳﺔ وﻣﺴﺎﻫﻤﺎﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﺎﻣﺔ
ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ وﻋﻠﻤﻪ
ﻳﻘﻮل اﺑﻨﻪ ﻣﺤﻤﺪ ،إن واﻟﺪه ﻛﺎن رﺟﻞ ﺧﻴ ٍﺮ وإﺣﺴﺎن ،وﻛﺎن ﻳﺴﺎﻋﺪ اﻟﻤﺤﺘﺎﺟﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس وﺑﺪون ﻋﻠﻢ أﺣﺪ ،ﻓﻜﺎن ﻳﻜﺮه اﻹﻃﺮاء أو أن ﻳﺬﻛﺮ ﻓﻌﻠﻪ ﻟﻺﺣﺴﺎن .وﻗﺪ ﺳﺎﻋﺪ اﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن وﻟﻜﻦ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺳﺮي وﻏﻴﺮ ﻣﻌﺮوف. وﻋﻨﺪﻣﺎ اﻓﺘﺘﺢ ﻣﺤﻄﺔ ﺑﺘﺮول ﺑﺪاﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ »اﻟﻔﺎﻳﺔ« ﻃﺎﻟﺐ ﻣﻜﺘﺐ اﻟﺘﻄﻮﻳﺮ آﻧﺬاك وﻛﺎن ﻋﻀﻮا ً ﻓﻴﻪ ،أن ﻳﻔﺘﺘﺢ ﻋﻴﺎدة ﻫﻨﺎك، وﻓﻌﻼ ﻗﺎم ﺑﺒﻨﺎء اﻟﻤﺒﻨﻰ اﻟﺬي ﻣﺎ زال ﻣﻮﺟﻮدا ً ﺣﺘﻰ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ، واﺳﺘﻘﺪم ﻓﻴﻪ ﻃﺒﻴﺒﺎً ﺳﻮداﻧﻴﺎً ،ﻛﻤﺎ ﺑﻨﻰ ﺳﻜﻨﺎً ﻟﻠﻄﺒﻴﺐ واﻟﻤﻤﺮﺿﺔ. وﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺪ ﺧﺪم ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻛﺜﻴﺮا ً وﺧﺪم أﻫﻠﻬﺎ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺮض ﻋﻠﻴﻪ ﺻﺪﻳﻘﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻮﺷﻬﺎب أن ﻳﻜﻮن ﻋﻀﻮا ً ﻓﻲ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﺒﺎدﻳﺔ وﻣﺠﻠﺲ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺒﺚ ﻣﻦ إذاﻋﺔ ﺻﻮت اﻟﺴﺎﺣﻞ وﺗﻠﻔﺰﻳﻮن اﻟﻜﻮﻳﺖ ﻣﻦ دﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،رﻓﺾ وﻗﺎل إﻧﻪ ﻳﻔﺴﺢ اﻟﻤﺠﺎل ﻟﻠﺸﻌﺮاء اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻣﻤﻦ ﻫﻢ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﻜﺎﻓﺄة اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺼﻠﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ.وﻳﺸﻬﺪ أﻫﻠﻪ ورﺟﺎﻻت اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻤﻦ ﻋﺎﺻﺮوه أﻧﻪ ﻛﺎن رﺟﻼً وﻗﻮرا ً ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﺤﺘﺮﻣﺎً ﻳﺤﺐ اﻟﺨﻴﺮ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ وﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺣﻜﺎم اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﻣﻨﺬ ﺣﻜﻢ اﻟﺸﻴﻮخ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ ﺻﻘﺮ وﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺻﻘﺮ وﺻﻘﺮ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن ﺛﻢ اﻟﺸﻴﺦ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻘﺎﺳﻤﻲ رﺣﻤﻬﻢ اﻟﻠﻪ اﻟــﺬي ﻛــﺎن ﺻﺪﻳﻘﻪ وﻣﺴﺘﺸﺎره اﻟﻤﺨﻠﺺ ،وﻛــﺎن ﻣﻌﻪ ﻣﻨﺬ ﺑﺪاﻳﺔ ﺣﻜﻤﻪ ﺣﺘﻲ وﻓﺎﺗﻪ ﻋﺎم 1972م .وﺗﻮﺿّ ﺢ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺮت ﻋﻦ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،أن ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﻮﻳﺲ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺿﻤﻦ اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺣﺮﺻﻮا ﻋﻠﻰ إدﺧﺎل اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ﻋﺎم 1950م ،وﻫﻨﺎك ﺻﻮرة ﻟﻪ ﻣﻊ ﻃﻼب ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﻘﺎﺳﻤﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ وﻣﺪرﺳﻴﻬﺎ ﻋﺎم 1954م .ﻛﻤﺎ أن ﻫﻨﺎك ﺻﻮرا ً أﺧﺮى ﻟﻪ وﻫﻮ ﺑﺮﻓﻘﺔ اﻟﺸﻴﺦ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻘﺎﺳﻤﻲ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﺪ زﻳﺎرﺗﻪ ﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﺬﻳﺪ اﻻﺑﺘﺪاﺋﻴﺔ ﻋﺎم 1966ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﻣﻦ اﻓﺘﺘﺎﺣﻬﺎ. وﻳﺬﻛﺮ اﺑﻨﻪ ﻣﺤﻤﺪ ،أن واﻟﺪه ﻛﺎن ﻓﻲ ﺻﺒﺎه ﻗﻮﻳﺎً وﺷﺠﺎﻋﺎً ﻳﺤﺴﻦ اﻟﺘﺼ ّﺮف واﻟﺤﺠﺔ ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻠﻪ ﻗﺮﻳﺒﺎً ﻣﻦ اﻟﺤﻜّﺎم ﻓﻜﺎن ﻣﻘ ّﺮﺑﺎً ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺣﺎﻛﻢ ﻣﻦ ﺣﻜّﺎم اﻟﺸﺎرﻗﺔ ،وﻗﺪ اﺧﺘﻴﺮ ﻟﻴﻜﻮن ﻋﻀﻮا ً ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺘﻄﻮﻳﺮ اﻟﺬي أﻧﺸﺄﺗﻪ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ اﻟﺬي ﻛﺎن ﺗﺎﺑﻌﺎً ﻟﻤﺠﻠﺲ اﻹﻣﺎرات اﻟﻤﺘﺼﺎﻟﺤﺔ ،وﻛﺎن ﻳﻤﺜّﻞ إﻣﺎرة اﻟﺸﺎرﻗﺔ.
ﻛﻤﺎ ذﻛﺮت ﺳﺎﺑﻘﺎً ﺗﻌﻠﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﻮﻳﺲ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺗﻴﺐ وﻛﺎن ﻣﻌﻠﻤﻪ اﻷول واﻟﺪه ﺷﻴﺦ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺪﻳﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﻮﻳﺲ ،وﻳﺬﻛﺮ اﺑﻨﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﺪ، أن واﻟﺪه ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻘﺮآن ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺛﻢ ﻋﻠﻤﺘﻪ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،ﻓﺄﺻﺒﺢ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻌﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ وﻋﻠﻤﻪ ،ﻓﻜﺎن ﻳﻘﺮأ وﻳﻜﺘﺐ .ﻛﺎن ﻳﻘﺮأ ﻛﺘﺐ اﻷدب واﻟﺸﻌﺮ وﻳﻘﺮأ اﻟﻤﺠﻼت واﻟﺼﺤﻒ. وﻟﻘﺪ ﺳﺎﻋﺪه اﻻﻧﻔﺘﺎح اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ﻣﻨﺬ اﻷرﺑﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ وﺳﻜﻨﻪ ﻓﻲ »اﻟﺤﻴﺮة« اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﻌﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺸﺎط واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺧ ّﺮﺟﺖ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء واﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ أﺷﻬﺮﻫﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻌﻮﻳﺲ اﺑﻦ أﺧﻴﻪ اﻷﻛﺒﺮ ﻋﻠﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺧﻠﻔﺎن ﺑﻦ ﻣﺼﺒﺢ واﻟﺸﻴﺦ ﺻﻘﺮ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻘﺎﺳﻤﻲ واﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ وﻋﻤﻴﺪ ﺷﻌﺮاء »اﻟﻌﻮﻳﺴﺎت« واﺑﻦ ﻋﻤﺘﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻧﺎﺻﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﻮﻳﺲ. ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻨﻈﺎﻣﻲ دور ﻓﻲ ﺗﻨﻤﻴﺔ ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ وﻋﻠﻤﻪ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻣﺤﻂ أﻧﻈﺎر اﻟﻤﻌﻠﻤﻴﻦ اﻟﻌﺮب ﺑﻌﻠﻤﻪ وﺛﻘﺎﻓﺘﻪ اﻟﻐﺰﻳﺮة ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻷدب ،وﻛﺎن ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﻳﺴﺘﻘﻲ ﻣﻨﻬﻢ اﻷﺧﺒﺎر اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،ﻣﻤﺎ أ ّﻫﻠﻪ ﻟﻴﻜﻮن أﺣﺪ رﻋﺎة اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺎﺗﻪ ﻓﻲ إﻣﺎرة اﻟﺸﺎرﻗﺔ. وﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﻲ ﺷﺮف ﻣﻘﺎﺑﻠﺘﻪ ﻓﻲ ﺻﻴﻒ 1989م ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﺟﻤﻊ أﺷﻌﺎر اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﺨ ّﻴﺎل اﻟﻄﻨﻴﺠﻲ .ﻓﺠﺎﻟﺴﺘﻪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ وﺳﺄﻟﺘﻪ ﺑﻌﺾ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺨﻴّﺎل وﻋﻦ أﺷﻌﺎره ﺧﺎﺻﺔ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ ر ّواد واﺣﺔ اﻟﺬﻳﺪ وﻣﻦ ﻣﺤﺒﻴﻬﺎ وﻋﺸّ ﺎﻗﻬﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻋﺎش ﻓﻴﻬﺎ ﻧﺼﻒ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺧﺎﺻﺔ وأن ﻟﺪﻳﻪ وأﻫﻠﻪ ﻧﺨﻴﻼً ﻫﻨﺎك ،ﺛﻢ أﻋﻤﺎﻟﻪ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﻣﻄﻌﻢ وﻣﺤﻞ ﺗﺠﺎري وﻣﺤﻄﺔ ﺑﺘﺮول ﻓﻲ »اﻟﻔﺎﻳﺔ« ﻓﻲ اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ .وﻗﺪ وﺟﺪت ﻓﻴﻪ ﺷﺎﻋﺮا ً ﻣﺜﻘﻔﺎً وراوﻳﺎً ﻳﺤﻔﻆ اﻷﺷﻌﺎر ﺧﺎﺻﺔ أﺷﻌﺎر ﺑﻦ ﻇﺎﻫﺮ واﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺘﻴﺞ اﻟﻬﺎﻣﻠﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻌﺸﻖ أﺷﻌﺎره وﻳﻔﺘﺨﺮ ﺑﻬﺎ وﻳﺘﻤﺜّﻞ ﺑﻬﺎ ﺧﺎﺻﺔ وﻧّﺎﺗﻪ ،واﻟﺬي أﺛ ّﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺄﺻﺒﺢ ﻳﻘﻮل اﻟﺸﻌﺮ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺘﻴﺞ اﻟﻬﺎﻣﻠﻲ وﻳﺠﺎرﻳﻪ ﻓﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﺼﻴﺪة.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
71
ŦĐĔėŝŤē ĆēĴőļ
وﻟﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪا{ اﻟﻌﻮﻳﺲ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل أﺑﻨﺎؤه وﺑﻨﻮ ﻋﻤﻪ ،ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وﻳﻘ ّﺪر ذﻟﻚ ﺑﻌﺎم 1905ﺗﻘﺮﻳﺒ ًﺎ ﻓﻲ ﺑﻠﺪة »اﻟﺤﻴﺮة« ﻣﻦ ﺿﻮاﺣﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺸﺎرﻗﺔ، اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﻃﻦ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ وأﺟﺪاده اﻟﻜﺮام ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﺸﻮاﻣﺲ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ
ﺗﻌﻠﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ا{ اﻟﻌﻮﻳﺲ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺗﻴﺐ وﻛﺎن ﻣﻌﻠﻤﻪ اaول واﻟﺪه ﺷﻴﺦ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺪﻳﻦ ﻋﺒﺪ ا{ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ا{ اﻟﻌﻮﻳﺲ، وﻳﺬﻛﺮ اﺑﻨﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﺪ ،أن واﻟﺪه ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻘﺮآن ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺛﻢ ﻋﻠﻤﺘﻪ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،ﻓﺄﺻﺒﺢ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻌﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ وﻋﻠﻤﻪ
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺬﻳﺪ ﻫﺪﻓﻪ اﻻول ،ﻓﺎﻓﺘﺘﺢ رﺣﻤﻪ ا{ ﻣﺤﻄﺔ ﺑﺘﺮول ﺻﻐﻴﺮة ﻓﻴﻬﺎ إذ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺪم اﻟﻘﺎدﻣﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ .ﺛﻢ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺑﻔﺘﺮة اﻓﺘﺘﺢ أﺧﺮى ﻟﻠﻌﺎﺑﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ واﻟﻌﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻃﻮي »اﻟﻔﺎﻳﺔ« ،وأﺧﺮى ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ »ﻓﻠﻲ« ﻟﻠﻘﺎدﻣﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﻃﻨﺔ وﻋﻤﺎن وﺣﺘﺎ.
70
اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ا[ اﻟﻌﻮﻳﺲ
ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ
اﺗﺠﻪ أﺑﻨﺎء اﻟﻮﺟﻴﻪ ورﺟﻞ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻌﻮﻳﺲ اﻷرﺑﻌﺔ ﺑﻘﻴﺎدة أﺧﻴﻬﻢ اﻷﻛﺒﺮ اﻟﺘﺎﺟﺮ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﻮﻳﺲ إﻟﻰ اﻟﺘﺠﺎرة ﻣﻨﺬ ﻧﻌﻮﻣﺔ أﻇﺎﻓﺮﻫﻢ ،وﻟﻢ ﻳﺸ ّﺬ ﻋﻨﻬﻢ ﺷﻘﻴﻘﻬﻢ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﻮﻳﺲ؛ ﻓﻘﺪ ﻋﻤﻞ -رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ -ﻣﻨﺬ ﺻﺒﺎه ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎرة واﺧﺘﺎر »اﻟﻄﻮاﺷﺔ« ،وﻫﻲ ﺷﺮاء اﻟﻠﺆﻟﺆ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ )اﻟﻘﻤﺎش( ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺘﺠﺎر واﻟﻨﻮاﺧﺬة وﺑﻴﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﻬﻨﺪ ﺧﺎﺻﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻬﻨﺪ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن ،اﻟﻤﺴﺘﻬﻠﻚ اﻷﻛﺒﺮ ﻟﻬﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻷﺣﺠﺎر اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻏﺎﻟﻴﺔ اﻟﺜﻤﻦ. ﻳﻘﻮل اﺑﻨﻪ ﻣﺤﻤﺪ» :ﻋﻤﻞ واﻟﺪي رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ »ﻃ ّﻮاﺷﺎً« ﻣﻊ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻹﻣﺎرات ،وﻛﺎﻧﻮا ﻳﻨﺘﻘﻠﻮن ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮر اﻹﺑﻞ ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات ﺑﺮا ً إﻟﻰ ﺻﺤﺎر ﺑﺴﻠﻄﻨﺔ ﻋﻤﺎن وﻣﻦ ﻫﻨﺎك ﻳﺮﻛﺒﻮن ﺳﻔﻦ اﻟﺒﺤﺮ إﻟﻰ »ﻛﺮاﺗﺸﻲ« ﻓﻲ ﺑﺎﻛﺴﺘﺎن وﻣﻦ ﺛﻢ إﻟﻰ »ﻻﻫﻮر« ﺛﻢ »دﻟﻬﻲ« ﺑﺎﻟﻬﻨﺪ، ﺣﺘﻰ»ﺑﻮﻣﺒﻲ« وذﻟﻚ ﻋﺒﺮ اﻟﻘﻄﺎر ،ﻓﻴﺄﺧﺬون أﻳﺎﻣﺎً ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻴﻬﺎ ،وﻫﻨﺎك ﻳﺒﻴﻌﻮن ﺑﻀﺎﻋﺘﻬﻢ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻌﻠﻨﺔ ﻣﻦ »اﻟﻘﻤﺎش« أي اﻟﻠﺆﻟﺆ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،وﻳﺘﺤﻤﻠﻮن ﻓﻲ ذﻟﻚ أﺧﻄﺎرا ً ﻛﺜﻴﺮة .وﻣﻦ ﻫﻨﺎك ﻳﺸﺘﺮون اﻟﺴﻠﻊ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺑﺲ واﻷﻗﻤﺸﺔ واﻟﻌﻮد وﻏﻴﺮه ،وﻳﺮﺟﻌﻮن ﺑﺤﺮا ً إﻟﻰ ﻣﻮﻃﻨﻬﻢ اﻹﻣﺎرات ﻟﻴﺒﻴﻌﻮا ﺗﺠﺎرﺗﻬﻢ ،وﻳﺸﺘﺮون اﻟﻠﺆﻟﺆ ﻣﺮة أﺧﺮى وﻫﻜﺬا .وإﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ذﻟﻚ اﻓﺘﺘﺢ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻣﺤﻼً ﻟﺒﻴﻊ اﻟﺘﻤﻮر ﻓﻲ »ﻋﺮﺻﺔ اﻟﺸﺎرﻗﺔ« وﻇﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺎرﺗﻪ ﺗﻠﻚ ﻓﺘﺮ ًة ﻃﻮﻳﻠﺔ. اﻧﺘﻘﺎل ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ اﻟﻰ اﻟﺒﺎدﻳﺔ
ﻛﺎﻧﺖ واﺣﺔ اﻟﺬﻳﺪ ﺑﻨﺨﻴﻠﻬﺎ وﺷﺮﻳﻌﺘﻬﺎ اﻟﺠﺎرﻳﺔ ،وواﺣﺔ »اﻟﺨﺮان« ،ﻫﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻔﻀﻠﻬﺎ أﺟﺪاده ﻟﻘﻀﺎء ﻓﺘﺮة اﻟﺼﻴﻒ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﻢ ﻣﺰارع ﻧﺨﻴﻞ ﻫﻨﺎك ،ﻟﺬا ﻓﻘﺪ أﻧﺸﺄ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻣﺰرﻋﺔ ﻧﺨﻴﻞ ﻟﻪ ﻓﻲ »اﻟﺨﺮان« ﺑﺮأس اﻟﺨﻴﻤﺔ ،وأﺧﺬ ﻳﺘﺮدد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻔﺘﺮة واﻻﺧﺮى ،ﺑﺎﻻﺿﺎﻓﺔ اﻟﻰ ﻗﻀﺎء ﻓﺘﺮة اﻟﺼﻴﻒ ﻓﻴﻬﺎ .وﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺨﻤﺴﻴﻨﻴﺎت وﺑﻌﺪ ﻛﺴﺎد ﺗﺠﺎرة اﻟﻠﺆﻟﺆ أﺧﺬ ﻟﻪ ﺗﺮﺧﻴﺼﺎً ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻟﺒﻴﻊ اﻟﺒﺘﺮول ،ﺧﺎﺻﺔ وأﻧﻪ ﻛﺎن ﻋﻀﻮا ً ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺘﻄﻮﻳﺮ اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻤﺠﻠﺲ اﻹﻣﺎرات اﻟﻤﺘﺼﺎﻟﺤﺔ ،ﻣﻤﺜﻼً ﻋﻦ إﻣﺎرة اﻟﺸﺎرﻗﺔ. وﻗﺪ ﻗﺮر اﻟﺘﻮﺟﻪ اﻟﻰ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺒﺮﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ،ﺧﺎﺻ ًﺔ وأن اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻫﻨﺎك أﺻﺒﺤﺖ ﻣﺤﻄﺔ ﻋﺒﻮر ﻟﻠﺴﻴﺎرات اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺣﻞ اﻟﺸﺮﻗﻲ واﻟﺒﺎﻃﻨﺔ ﺑﺴﻠﻄﻨﺔ ﻋﻤﺎن، ﻣﺘﺠﻬ ًﺔ اﻟﻰ ﻣﺪن اﻟﺴﺎﺣﻞ ،ﺧﺎﺻ ًﺔ دﺑﻲ واﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﺮﻛﺰا ً ﺗﺠﺎرﻳﺎً ﻣﺘﻨﺎﻣﻴﺎً. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺬﻳﺪ ﻫﺪﻓﻪ اﻻول ،ﻓﺎﻓﺘﺘﺢ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻣﺤﻄﺔ ﺑﺘﺮول ﺻﻐﻴﺮة ﻓﻴﻬﺎ إذ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺪم اﻟﻘﺎدﻣﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ .ﺛﻢ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺑﻔﺘﺮة اﻓﺘﺘﺢ أﺧﺮى ﻟﻠﻌﺎﺑﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ واﻟﻌﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻃﻮي »اﻟﻔﺎﻳﺔ« ،وأﺧﺮى ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ »ﻓﻠﻲ« ﻟﻠﻘﺎدﻣﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﻃﻨﺔ وﻋﻤﺎن وﺣﺘﺎ .ﻛﻤﺎ اﻓﺘﺘﺢ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻫﺬه اﻟﻤﺤﻄﺎت ﻣﺤﻞ ﻣﻮاد ﺳﻠﻊ ﺻﻐﻴﺮ وﻣﻄﻌﻤﺎً ﻟﺨﺪﻣﺔ أﻫﺎﻟﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﻣﻦ اﻟﺒﺪو واﻟﻌﺎﺑﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ .وﻗﺪ اﺳﺘﺨﺪم رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺤﻄﺎت ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ ﻣﻤﻦ ﻛﺎن ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻴﺴﺘﻔﻴﺪون وﻳﻔﻴﺪون .وﻗﺪ اﻧﺘﻘﻞ ﻟﻠﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺑﺼﻔ ٍﺔ داﺋﻤﺔ ،إذ أﺣﺒﻬﺎ وأﺣﺐ أﻫﻠﻬﺎ وﺟﺬﺑﺘﻪ ﺣﻴﺎة اﻟﺒﺪو وﺑﺴﺎﻃﺘﻬﻢ وﻧﺨﻮﺗﻬﻢ ﻓﻘﺮر اﻟﺰواج ﻣﻨﻬﻢ واﻻﻗﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺘﻬﻢ .وﻋﺎش ﻫﻨﺎك ﺳﻨﻮات ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺒﺪو ،ورزﻗﻪ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﺬرﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻴﻦ واﻟﺒﻨﺎت .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺒﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﻦ ،وﺑﻌﺪ ﻗﻴﺎم اﻻﺗﺤﺎد ﺑﺴﻨﻮات ،واﻧﺸﺎء اﻟﻄﺮق اﻟﺴﺮﻳﻌﺔ واﻟﺒﻴﻮت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،واﻟﻌﻴﺎدات اﻟﻄﺒﻴﺔ ،وﻣﺤﻄﺎت ﺗﻌﺒﺌﺔ اﻟﻮﻗﻮد اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،ﻗﺮر إﻧﻬﺎء أﻋﻤﺎﻟﻪ ﻫﻨﺎك واﻟﺮﺟﻮع اﻟﻰ ﻣﻨﺸﺄه ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﻟﻴﻨﻌﻢ ﺑﺎﻟﺮاﺣﺔ واﻻﻃﻤﺌﻨﺎن ﺑﻌﺪ ﻫﺬه اﻟﺴﻨﻴﻦ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ورﺣﻠﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﺸﺎﻗﺔ ﻓﻴﻬﺎ.
أﻣﺎ واﻟﺪة ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﻮﻳﺲ ،ﻓﺘﺪﻋﻰ »ﻋﻮﺷﻪ« وﻫﻲ ﻣﻦ أﺳﺮة »اﻟﻌﻤﺎرﻳﻦ« ،أو ﻗﻮم »ﺑﻦ ﻋﻤﺮان« ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ »اﻟﺸﻮاﻣﺲ« أﻳﻀﺎً اﻟﺬﻳﻦ اﺳﺘﻮﻃﻨﻮا اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﺤﻤﺮاء ﺑﺮأس اﻟﺨﻴﻤﺔ ﻣﻨﺬ زﻣﻦٍ ﺑﻌﻴﺪ. ﺳﺒﺐ ﺗﺴﻤﻴﺔ أﺳﺮﺗﻪ ﺑﻠﻘﺐ »اﻟﻌﻮﻳﺲ«
رﺳﻮم ﻫﺸﺎم ﻋﺪوان
ﻳﻘﻮل اﺑﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﻮﻳﺲ» :ﻧﺤﻦ ﺷﻮاﻣﺲ أﺑﺎً ﻋﻦ ﺟ ّﺪ وﻗﺪ ﻗﺪﻣﻨﺎ ﻣﻊ اﻟﻬﺠﺮات اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ إﻟﻰ اﻟﺴﺎﺣﻞ ﻣﻊ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻷﺧﺮى ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺴﻤﻴﺔ »اﻟﻌﻮﻳﺲ« ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻨﺎ ،إﻻ أن ﺟﺪ اﻟﻮاﻟﺪ اﻟﺘﺎﺟﺮ اﻟﻤﻌﺮوف ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺎﻳﺪ ،ﻛﺎن ﻳﻤﻠﻚ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻛﺒﻴﺮة أو )ﻟﻨﭻ( ،ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ »اﻟﻌﻮﻳﺴﻲ«. وﻛﺎن ﻣﺸﻬﻮرا ً ﺑﺸﻜﻠﻪ وﺣﺠﻤﻪ وﺗﺠﺎرﺗﻪ اﻟﻜﺒﻴﺮة ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻟﻠﺠﺪ ﺳﻠﻄﺎن »راﻋﻲ اﻟﻌﻮﻳﺴﻲ« و»اﻟﻌﻮﻳﺴﻲ« راح ،و»اﻟﻌﻮﻳﺴﻲ« ﺟﺎء ،إﻟﻰ أن ارﺗﺒﻄﺖ ﻫﺬه اﻟﺘﺴﻤﻴﺔ ﺑﺠﺪﻧﺎ ﺳﻠﻄﺎن وأﺳﺮﺗﻪ وﺑﻨﻲ ﻋﻤﻪ وأﻫﻠﻪ ،وﺣﺘﻰ أﺟﺪاده اﻟﺴﺎﺑﻘﻴﻦ ،ﺣﺘﻰ ﺣ ّﺮﻓﺖ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ »اﻟﻌﻮﻳﺲ» أو ﺑﻦ ﻋﻮﻳﺲ .وﻣﺎ زاﻟﺖ ﻫﺬه اﻟﺘﺴﻤﻴﺔ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻨﺎ إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﻠﺤﻈﺔ ،وﻧﺤﻦ ﻧﻔﺘﺨﺮ وﻧﻌﺘﺰ ﺑﻬﺎ«. وﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈن ﻫﺬه اﻟﺘﺴﻤﻴﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻼزﻣﺔ ﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ وأﻫﻠﻪ وأﺟﺪاده ،ﺑﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ ،واﻟﻠﻪ أﻋﻠﻢ.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
69
ŦĐĔėŝŤē ĆēĴőļ
ﺗﻄﻮر اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ أﺛﺮى اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ وأﺧﺬ ﺑﺰﻣﺎم ّ
اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ا mاﻟﻌﻮﻳﺲ ﺷﺎﻋﺮ اﻟﻮﻧّﺔ
د .راﺷﺪ اﻟﻤﺰروﻋﻲ
ﻧﺤﻦ اﻟﻴﻮم أﺧﻮاﺗﻲ وإﺧﻮاﻧﻲ اﻷﻋﺰاء ،ﻣﻊ ﻧﻤﻮذج ﺟﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺟﻴﻞ رواد ﺷﻌﺮاء اﻹﻣﺎرات ،اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ ﻣﻨﻬﻢ ،ﻣﻊ ﻗﺎﻣﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻣﻤﻴﺰة ﻛﺎن ﻟﻬﺎ دو ٌر ﻧﺸﻂ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻣﺎرات اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ رﺟﻞ إن ﻋﺪّ ت اﻟﺮﺟﺎل ﺑﺸﻬﺎﻣﺘﻬﻢ رﺟﻞ ّﻗﻞ أن ﺗﻨﺠﺐ اﻹﻣﺎرات ﻣﺜﻠﻪٌ . اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔٌ . وأﺧﻼﻗﻬﻢ ﻋﺪّ ﻣﻨﻬﻢ .وإن ﻋﺪّ وا ﺑﺸﺠﺎﻋﺘﻬﻢ وﺣﻠﻤﻬﻢ وﻋﻄﺎﺋﻬﻢ وﺣﺒﻬﻢ ﻟﻌﻤﻞ اﻟﺨﻴﺮ ،ﻋﺪّ ﻣﻌﻬﻢ. رﺟﻞ ارﺗﺠﻞ اﻟﺸﻌﺮ وﺗﻌﻠّﻖ ﺑﻪ وﻧﻈﻤﻪ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺻﻘﻠﺘﻪ اﻟﺤﻴﺎة وﺗﻤ ّﺮس ﻓﻴﻬﺎ وﻣ ّﺮ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه اﻟﻜﺜﻴﺮ، ﻓﻨﺠﺢ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ،ﺣﺘﻰ أﺿﺤﺖ إﺑﺪاﻋﺎﺗﻪ ووﻧّﺎﺗﻪ ﻻ ﻳﻤ ّﻴﺰﻫﺎ ﻣﻦ ﻳﺴﻤﻌﻬﺎ أو ﻳﻘﺮؤﻫﺎ ﻋﻦ وﻧّﺎت اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺘﻴﺞ اﻟﻬﺎﻣﻠﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻐﺮﻣﺎً ﺑﺸﻌﺮه ووﻧّﺎﺗﻪ ،واﻟﺬي ﻋﺎﺻﺮه وﻟﻢ ﻳﻠﺘﻖ ﺑﻪ -ﺣﻴﺚ ﺗﻮﻓﻲ اﻟﻬﺎﻣﻠﻲ وﻫﻮ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﻋﻤﺮه ﻋﺎم 1919م.
إﻧﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺎﻳﺪ اﻟﻌﻮﻳﺲ اﻟﺸﺎﻣﺴﻲ. وﻟﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ اﻟﻌﻮﻳﺲ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وﻳﻘ ّﺪر ذﻟﻚ ﺑﻌﺎم 1905ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﻓﻲ ﺑﻠﺪة »اﻟﺤﻴﺮة« ﻣﻦ ﺿﻮاﺣﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﻃﻦ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ وأﺟﺪاده اﻟﻜﺮام. وﻳﻘﺎل إﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﺿﻤﻦ ﻫﺠﺮات ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻨﻌﻴﻢ واﻟﺸﻮاﻣﺲ اﻟﺬﻳﻦ وﻓﺪوا اﻟﻰ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻃﻖ »اﻟﻈﺎﻫﺮة« ﻓﻲ ﺟﻨﻮب ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﻣﻨﺬ ﻣﺌﺎت اﻟﺴﻨﻴﻦ. وﻳﺮﺟﻊ ﻧﺴﺐ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﻮﻳﺲ إﻟﻰ ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﺸﻮاﻣﺲ، وﻫﻢ ﻣﻦ ﻓﺮع »اﻟﺪراوﺷﺔ» اﻟﺬﻳﻦ اﺳﺘﻘﺮوا ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ »اﻟﺤﻤﺮﻳﺔ« و»اﻟﺤﻴﺮة« ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺎت ﻧﺰوﺣﻬﻢ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻮزّﻋﻮا ﻣﺎ ﺑﻴﻦ »ﻋﺠﻤﺎن« و»اﻟﺤﻤﺮﻳﺔ« و»اﻟﺤﻴﺮة«، ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﺘﺸﺮوا ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ أﻧﺤﺎء اﻹﻣﺎرات. أﻣﺎ واﻟﺪه ﻓﻬﻮ اﻟﻮﺟﻴﻪ اﻟﻤﻌﺮوف وﺷﻴﺦ اﻟﻌﻠﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺎﻳﺪ اﻟﻌﻮﻳﺲ .ﻛﺎن واﻟﺪه ﻛﻤﺎ ﻳﺬﻛﺮ أﺑﻨﺎؤه وأﻫﻠﻪ ،ﺷﻴﺦ دﻳﻦٍ وﻋﻠﻢ ،وﻛﺎن ﻣﺤﺒﺎً ﻟﻠﻌﻠﻢ واﻟﺘﻌﻠّﻢ وﻓﻘﻴﻬﺎً ﻓﻲ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻐﺮاء .وﻛﺎن ﺑﻌﻜﺲ واﻟﺪه اﻟﺘﺎﺟﺮ واﻟﺜﺮي ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ،ﻣﻬﺘ ًﻤﺎ
68
اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ا[ اﻟﻌﻮﻳﺲ
ﺑﺘﺮﺑﻴﺔ وﺗﻌﻠﻴﻢ أﺑﻨﺎﺋﻪ اﻷرﺑﻌﺔ ،وﻟﻢ ﻳﻬﺘﻢ ﺑﺎﻟﺘﺠﺎرة ،ﻓﻌﻠﻤﻬﻢ اﻟﺪﻳﻦ واﻟﻘﺮآن وأﺟﺎدوا اﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﻟﺤﺴﺎب ،واﻋﺘﻤﺪوا ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،ﻓﺄﺻﺒﺤﻮا أﻋﻼﻣﺎً ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻷدب واﻟﺘﺠﺎرة ﻛﺬﻟﻚ ،وﻫﻲ اﻟﺘﻲ ورﺛﻮﻫﺎ ﻋﻦ ﺟﺪﻫﻢ. ﻛﺎن ﻟﻠﻮﺟﻴﻪ وﺷﻴﺦ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺪﻳﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن ،ﻣﻦ اﻷﺑﻨﺎء: ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ،وﻫﻮ اﻟﺘﺎﺟﺮ واﻟﺜﺮي اﻟﻤﻌﺮوف اﻟﺬي اﻧﺘﻘﻞ إﻟﻰدﺑﻲ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺸﻴﺦ راﺷﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم، ﻓﺸﺎرك ﻓﻲ ﺗﺄﺳﻴﺲ »ﺑﻨﻚ دﺑﻲ اﻟﻮﻃﻨﻲ« ،وداﺋﺮة اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء واﻟﻤﺎء ،وﻫﻮ واﻟﺪ اﻟﺘﺎﺟﺮ واﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﻌﺮوف ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻌﻮﻳﺲ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ. ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ،وﻛﺎن ﺗﺎﺟﺮا ً وﻣﺆرﺧﺎً وﻫﻮ واﻟﺪ اﻟﻤﺆرخ اﻟﻤﻌﺮوفﻋﻤﺮان ﺑﻦ ﺳﺎﻟﻢ اﻟﻌﻮﻳﺲ. ﻧﺎﺻﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ. ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ وﻫﻮ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ.ﻛﻤﺎ أن اﻟﺸﻴﺦ )رﺟﻞ اﻟﺪﻳﻦ( ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻌﻮﻳﺲ ﻫﻮ ﺧﺎل اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻧﺎﺻﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺎﻳﺪ اﻟﻌﻮﻳﺲ، واﻟﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﻌﺮوف ﻧﺎﺻﺮ ﺑﻦ ﺳﺎﻟﻢ اﻟﻌﻮﻳﺲ وﻗﺪ ﻛﺘﺒﻨﺎ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ أﺣﺪ أﻋﺪادﻧﺎ.
ﻣﺪارات
اﻟﻤﺜﻨﻲ ،اﻟﻤﺜﻠﺚ ،اﻟﺮﺑﺎﻋﻲ »ﻛﻼم اﻟﻠﻪ واﺣﺪ ،وﻛﻼﻣﻨﺎ ﻣﺜﻨﻲ ،وﻣﺜﻠﺚ ،ورﺑﺎﻋﻲ« .ﻗﻮل ﻣﺄﺛﻮرة أﺣﻔﻈﻬﺎ وأﻧﺎ ﺻﻐﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺤﻼﻗﻲ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ .ﻟﻢ أﻛﻦ أﻓﻬﻢ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﺟﻴﺪا .وﻟﻘﺪ ﺳﺎﻫﻢ ﻃﻮل اﺳﺘﻤﺘﺎﻋﻲ واﺳﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻄﺮب اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻷﺻﻴﻞ ،وﻣ ـﺮاودة اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻴﻪ ،ﻓﻲ ﺗﺄﻣﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﻜﻼم اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻤﻐﻨﻰ ،ﻓﺎﻧﺘﻬﻴﺖ إﻟﻰ ﺗﺼﻨﻴﻔﻪ إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﻧﻮاع ﻻ ﺗﺰﻳﺪ وﻻ ﺗﻨﻘﺺ. إﻧﻪ اﻟﻜﻼم اﻟﺜﻨﺎﺋﻲ ،واﻟﺜﻼﺛﻲ ،واﻟﺮﺑﺎﻋﻲ .وﻣﺎ ﺧﺮج ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﺼﻨﻴﻒ ﻟﻴﺲ ﺳﻮى ﺗﻄﻮﻳﻞ وﺗﻨﻮﻳﻊ ﻋﻠﻰ اﻷﺻﻮل اﻟﺜﻼﺛﺔ. اﻟﻜﻼم اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﺬي ﻳﺒﺪﻋﻪ »اﻟﺮاﻣﻲ« ﺻﺎﺣﺐ »اﻟﻘﺮﻳﺤﺔ« ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻛﻼم اﻟﻨﺎس اﻟﻌﺎدﻳﻴﻦ .وﻟﺬﻟﻚ ﻳﻜﺘﺴﺐ رﻧﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻵذان، ﻓﺘﺴﺘﺴﻴﻐﻪ ،وﺗﺨﺰﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة ،وﺗﻈﻞ ﺗﺘﻤﺜﻠﻪ ،أو ﺗﻤﺜﻞ ﺑﻪ ،ﺿﺎرﺑﺔ اﻟﻤﺜﻞ ،ﺑﻘﻮﻟﻬﺎ» :آش ﺧﻼﻫﺎ ﻣﻮﻻﻫﺎ« .واﻟﻀﻤﻴﺮ ﻳﻌﻮد ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻠﻤﺔ، وﻫﻲ ﺗﺴﺘﺸﻬﺪ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻣﺎت اﻟﺤﻴﺎة وﺗﺒﺪﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﺮح إﻟﻰ ﺣﺰن، وﻣﻦ ﻃﺮب إﻟﻰ ﺷﻜﻮى ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن. اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻷن ﺗﺨﺘﺰﻟﻬﺎ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،وﺗﺘﻐﻨﻰ ﺑﻬﺎ، ﺛﻼث ﻛﻠﻤﺎت ﻻ ﻏﻴﺮ .أﻟﺨﺼﻬﺎ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ أﻧﻮاع ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ اﻟﺬي ﻣﺎ ﻳﺰال ﻳﺘﻐﻨﻰ ﺑﻪ إﻟﻰ اﻵن :اﻟﻌﻴﻄﺔ ،اﻟﺴﺎﻛﻦ، اﻟﻘﺼﻴﺪة .ﻗﺪ ﺗﻮﻇﻒ ﻫﺬه اﻷﻧﻮاع اﻟﺜﻼﺛﺔ ﺑﺼﻴﻎ ﺷﺘﻰ ﻓﻲ اﻷداء اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻟﺪى اﻟﺸﻴﻮخ اﻟﺬﻳﻦ ورﺛﻮا »اﻟﻤﺸﻴﺨﺔ« ﻣﻦ روادﻫﺎ ،وﺧﺒﺮوا أﺳﺮار ﻛﻞ ﻧﻮع ،واﺳﺘﻮﻋﺒﻮا اﻟﻈﺮوف اﻟﺘﻲ ﻳﺆدى ﻓﻴﻬﺎ ،وﺷﻜﻞ اﻟﻜﻼم وﻣﺤﺘﻮاه اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﺘﻀﻤﻨﻪ ﻛﻞ ﻧﻮع ﻣﻨﻬﺎ .إﻧﻬﻢ ورﺛﺔ اﻟﻜﻼم »اﻟﺼﺎﻓﻲ« اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺪاﺧﻠﻪ »ﺗﻬﺠﻴﻦ« اﻟﻨﻮع ،أو ﺳﻮء اﻟﺤﻔﻆ ،أو اﻟﺘﻤﺎﺛﻞ اﻟﻈﺎﻫﺮي اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺤﺼﻞ ﺗﺒﻌﺎ ﻟﺘﺸﺎﺑﻬﻪ ،أو اﺗﺼﺎل ﺑﻌﻀﻪ ﺑﺒﻌﺾ .وﻣﺜﻞ ﻫﺆﻻء اﻧﺪﺛﺮوا ،وﻟﻢ ﺗﺒﻖ ﻣﻨﻬﻢ ﺳﻮى ﻓﺌﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺟﺪا. أﻣﺎ اﻟﻔﻨﺎن اﻟﺸﻌﺒﻲ ،ﻓﺈﻧﻪ وإن ﻛﺎن ﻟﻪ ﻣﺤﻔﻮظ ﻻ ﺑﺄس ﺑﻪ ﻣﻦ اﻷﻧﻮاع اﻟﺜﻼﺛﺔ ،ﻓﻴﻬﻴﻤﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻔﻮﻇﻪ ،ﻓﻲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻴﺎن ،ﻧﻮع ﺧﺎص، ﺑﻌﻴﻨﻪ ،وﻫﻮ ﻳﺆدﻳﻪ ،ﻣﺨﺘﻠﻄﺎ ﺑﺄﺣﺪ اﻟﻨﻮﻋﻴﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ ،داﻣﺠﺎ ﺑﻴﻦ ﻣﻘﺎﻃﻊ ﺗﻌﺰل ﻣﻦ ﺳﻴﺎق اﻟﻜﻼم اﻷﺻﻠﻲ اﻟﺬي وردت ﻓﻴﻪ ،ﻓﻴﻨﻘﻠﻬﺎ
د.ﺳﻌﻴﺪ ﻳﻘﻄﻴﻦ @
ﻟﺘﺼﺒﺢ ﺟﺰءا ﻣﻦ اﻟﻨﻮع اﻟﺬي ﻳﺘﻘﻦ ،أو ﻳﺘﺼﺮف ﺗﺼﺮﻓﺎ ،ﺑﺎﻟﺰﻳﺎدة أو اﻟﻨﻘﺼﺎن .وﻗﺪ ﻳﻘﺒﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﺪﺧﻞ أو ﻳﺮﻓﺾ .أﻣﺎ اﻟﺠﻤﻬﻮر اﻟﻤﺴﺘﻤﻊ ﻓﻼ ﻳﻬﺘﻢ إﻻ ﺑﻤﺮاﻣﻲ اﻟﻜﻼم اﻟﺒﻌﻴﺪة ،أو ﺑﺎﻹﻳﻘﺎع اﻟﻤﻮﻇﻒ ،ﻣﺘﺴﺎﻣﺤﺎ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻨﺠﻢ ﻋﻦ ﺳﻮء اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ،أو ﺿﻴﺎع ﺻﻔﺎء اﻟﻨﻮع. وﻗﺪ ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ اﻻﻧﺘﻘﺎد ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻻ ﺗﻠﻔﺖ اﻫﺘﻤﺎم إﻻ اﻟﻘﺮﻳﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺘﻘﺪ. ﻛﻼم اﻟﻠﻪ واﺣﺪ ،ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ،ﻻ ﻋﻴﺐ ﻓﻴﻪ .إﻧﻪ وﺣﻴﺪ ،ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﺑﻼ ﻧﻈﻴﺮ .إﻧﻪ ﻛﻼم »اﻟﺤﻖ« ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ .وﻟﺬﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻛﻼم اﻟﻨﺎس اﻟﺬي ﻳﺄﺗﻴﻪ اﻟﺒﺎﻃﻞ .وﻟﻬﺬا اﻻﻋﺘﺒﺎر ُﻋ ﱠﺪ ﻛﻼم اﻟﻨﺎس ،وإن ﻛﺎن ﺣﻘﺎ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﺑﺎﻃﻞ ..ﻳﺒﺪو ﻟﻨﺎ ﻫﺬا ﺑﺠﻼء، ﻓﻲ اﻓﺘﺘﺎح ﻧﺸﺎط »ﻋﺒﻴﺪات اﻟﺮﻣﻰ« ،أو »اﻟﺮﺑﺎﻋﺔ« ،أو »اﻟﺼﻐﺎر«، وﻻﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻼﻗﻲ )اﻟﺤﻠﻘﺎت اﻟﻐﻨﺎﺋﻴﺔ( ،ﺑﺪﻋﻮة أﺣﺪﻫﻢ اﻟﺤﻀﻮر اﻟﻤﺘﺤﻠﻘﻴﻦ ﺣﻮل اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ،ﺑﺎﻟﺼﻼة ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺒﻲ )ص( ،وﺑﺘﺸﺪﻳﺪه ﻋﻠﻰ أﻧﻬﻢ» :ﺗﺎﺑﻌﻮن« ﻻ »ﻣﺒﺪﻋﻮن«)ا ْﺣﻨﺎ ﺗﺎﺑﻌﻴﻦ ،ﻣﺎ ﺷﻲ ﺑﺎدﻋﻴﻦ(. وﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ ،أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻣﻦ اﻟﻜﻼم إﻻ ﻣﺎ ﺳﺒﻘﻬﻢ إﻟﻴﻪ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ أﺳﻼﻓﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺸﻴﻮخ .وإذا ﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﻟﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻼم ،ﻓﻬﻮ ﻋﻠﻰ ﻧﺎﻇﻤﻴﻪ اﻷواﺋﻞ .وأوﻟﺌﻚ اﻷواﺋﻞ ﻧﻄﻘﻮا ﺑﻜﻼم ﻻ ﻳﻤﻜﻦ إﻻ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺤﻜﻤﺎ وﺣﻜﻴﻤﺎ. اﻟﺸﻴﻮخ اﻷواﺋــﻞ أﺑﺪﻋﻮا ﻛﻼﻣﺎ ﻣﻮزوﻧﺎ وﻣﺘﻘﻨﺎ .ﻓﻜﺎن ﻣﺜﻞ ﺣﺒﺔ اﻟﻘﻤﺢ ﻏﺬاء ﻟﻠﺮوح .وﻟﺬﻟﻚ ﺳﻤﻰ اﻟﻤﻘﻄﻌﺎن اﻟﻠﺬان ﻳﺘﻜﻮن ﻣﻨﻬﻤﺎ اﻟﻨﻮع اﻷول )اﻟﻌﻴﻄﺔ( ﺑﺎﺳﻢ »اﻟﺤﺒﺔ« .وﺑﻤﺎ أن اﻟﺤﺒﺔ ﻣﻘﺴﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﺳﻂ ،ﻓﺎﻟﻌﻴﻄﺔ ﺗﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ ﻗﺴﻤﻴﻦ ﻣﺘﻮازﻳﻴﻦ ،وﺗﺠﻤﻌﻬﻤﺎ ﻗﺎﻓﻴﺔ واﺣﺪة ،ﻣﺜﻞ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻤﺼﺮع ﻓﻲ اﻟﻘﺼﻴﺪة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ .أﻣﺎ اﻟﺴﺎﻛﻦ ﻓﻴﺘﺸﻜﻞ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻘﺎﻃﻊ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﻘﺎﻓﻴﺔ واﺣﺪة .واﻟﻘﺼﻴﺪة ﺗﺘﻜﻮن ﻣﻦ أرﺑﻌﺔ ﻣﻘﺎﻃﻊ ﺗﻨﺘﻬﻲ اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻘﺎﻓﻴﺔ واﺣﺪة، وﺗﻜﻮن ﻗﺎﻓﻴﺔ اﻟﻤﻘﻄﻊ اﻟﺮاﺑﻊ ﻣﻮﺣﺪة ﻋﻠﻰ ﻃﻮل اﻟﻘﺼﻴﺪة * ﻧﺎﻗﺪ وﺑﺎﺣﺚ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
67
ĆēijćŴ ĔŻĔŅŜ
اﻟﻬﻮاﻣﺶ: »اﻟﻠﻮﺣﺎت ﻟﻠﻔﻨﺎن ﻋــﺎدل ﻣﻘﺪﻳﺶ ،وﻟــﺪ ﻓﻲ ﺻﻔﺎﻗﺲ ،ﻋﺎم ،1949ﺗﺨﺮج ﻓﻲ ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﻔﻨﻮن ﺑﺘﻮﻧﺲ ،ﻋﺎم ،1977اﺳﺘﻠﻬﻢ ﻣﻌﻈﻢ أﻋﻤﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ »اﻷﺳﻄﻮرة« و»اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ« و»اﻟﺴﻴﺮة اﻟﻬﻼﻟﻴﺔ«. - 1د.ﺧﺎﻟﺪ أﺑﻮ اﻟﻠﻴﻞ»،اﻹﺑﺪاع اﻟﺸﻌﺒﻲ واﻟﻤﺮأة اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ« ،ﺳﻠﺴﻠﺔ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ع،160 . اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻘﺼﻮر اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،اﻟﻘﺎﻫﺮة ،ص.50 ، - 2د.ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ إﺑﺮاﻫﻴﻢ» ،اﻟﻤﺨﻴﺎل اﻟﺸﻔﻮي«، ﺟﺮﻳﺪة »اﻟﺮﻳﺎض« اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ، ،ع20 ،16432 . ﻳﻮﻧﻴﻮ .2013 - 3د.ﺧﺎﻟﺪ أﺑﻮ اﻟﻠﻴﻞ ،م.س ،ص.29. 1-/3ﻳُﺬﻛﺮ أن اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﺎﻓﻆ ﻗﺪ وﺛﻖ رواﻳﺎت ﻧﺴﺎء ﻟﻠﺴﻴﺮة اﻟﻬﻼﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ ،وﻗﺪ ﺳﺒﻖ وﻧﺸﺮت ﻣﺠﻠﺔ ﺗﺮاث ﻓﻲ ﻋﺪد ﻓﺒﺮاﻳﺮ 2013دراﺳﺘﻪ اﻟﻬﺎﻣﺔ »ﺣﺲ اﻟﻨﺴﺎء وﺣﺲ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ ﺳﻴﺮة ﺑﻨﻲ ﻫﻼل -اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ. - 4ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ ﻳﻮﻧﺲ» :اﻟﻬﻼﻟﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻷدب اﻟﺸﻌﺒﻲ« ،ص. (150ﻧﺴﺨﺔ إﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ PDF) HYPERLINK «http://www.
66
ﺻﻮرة اﻟﻤﺮأة ﻓﻲ اﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ
.kotobarabia.com» www.kotobarabia.com - 5ﻓــﺎروق ﺧﻮرﺷﻴﺪ» ،ﻋﺎﻟﻢ اﻷدب اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻌﺠﻴﺐ« ،دار اﻟﺸﺮوق،اﻟﻘﺎﻫﺮة ،ط،1991 ،1. ص.27. - 6د.ﻛﻤﺎل ﺣﺴﻴﻦ» ،دراﺳﺎت ﻓﻲ ﺗﺠﻠﻴﺎت اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻤﺼﺮي« ،ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ع ،150 .اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻘﺼﻮر اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ، اﻟﻘﺎﻫﺮة ،ص.489. - 7دﻟﻴﻠﺔ ﺷﻘﺮون » ،اﻟﺼﺒﻴﺔ اﻟﺸﻘﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ« ،ﻣﺠﻠﺔ »اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ« ،ﺗﻮﻧﺲ ،ع،196. أﻛﺘﻮﺑﺮ .2008 - 8ﻛﺎرﻳﻦ ﺻﺎدر» ،اﻟﺠﺎزﻳﺔ اﻟﻬﻼﻟﻴﺔ ..ﺳﻴﺪة اﻟﺤﺮب واﻟﺤﺐ واﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺮة اﻟﻬﻼﻟﻴﺔ« ،ﻣﺠﻠﺔ »اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ« ،ﺗﻮﻧﺲ ،ع،196 . أﻛﺘﻮﺑﺮ .2008 - 9ﺧﺎﻟﺪ أﺑﻮ اﻟﻠﻴﻞ ،م.س ،ص .69 - 10ﺧﺎﻟﺪ أﺑﻮ اﻟﻠﻴﻞ ،م.س ،ص.48 . - 11د .ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ إﺑﺮاﻫﻴﻢ» ،ﻋﻴﺎدة ﺷﻬﺮزاد« ،ﺟﺮﻳﺪة »اﻟﺮﻳﺎض« اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ،ع 18 ،17099 .أﺑﺮﻳﻞ .2015 14--13-12إدرﻳﺲ ﺟﺒﺮي» ،اﻟﻤﺮأة واﻷﻓﻌﻰ واﻟﺸﻴﻄﺎن« ،ﻣﺠﻠﺔ »ﻋﻼﻣﺎت« ،ﻣﻜﻨﺎس ،ع.1996 ،5.
ﻋﻦ اﻟﻤﺮأة ،اﻟﺬي ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻛﺎﺋﻨﺎ ﺷﺮﻳ ًﺮا ،ﻳﺘﺼﻒ ﺑﺎﻟﻤﻜﺮ واﻟﺪﻫﺎء ،وﻛﺎن ﺳﺒﺐ ﺧﺮوج اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺔ؛ ﺗﻌﺘﺒﺮ اﻟﻤﺮأة و اﻷﻓﻌﻰ واﻟﺸﻴﻄﺎن ﺛﺎﻟﻮﺛﺎ ﻳﺮﻫﺐ اﻟﺮﺟﻞ وﻳﺨﻴﻔﻪ وﻳﻐﻮﻳﻪ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ؛ ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻫﻨﺎك ﺗﻼزم ﺑﻴﻦ ﻫﺬا اﻟﺜﺎﻟﻮث ،إذ ﺗﺘﺤﻮل اﻟﻤﺮأة إﻟﻰ أﻓﻌﻰ وﺗﺘﺤﻮل اﻷﻓﻌﻰ إﻟﻰ ﺷﻴﻄﺎن وﻳﺘﺤﻮل اﻟﺸﻴﻄﺎن إﻟﻰ اﻣﺮأة ﻛﺄﻧﻬﻢ ﺗﺴﻤﻴﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻻﺳﻢ واﺣﺪ .وداﺋﻤﺎ ﻓﻲ إﻃﺎر ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ »ﻳُﺰﻋﻢ« أن ﻫﺬا اﻟﺜﺎﻟﻮث ﻗﺪ ُوﺟﺪ ﻓﻘﻂ ﻹرﻫﺎب اﻟﺮﺟﻞ وإﻗﺮاﻋﻪ... وﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻷﺳﺎس ﻋﺎدة ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ اﻟﻤﺮأة اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ اﻷﻓﻌﻰ و اﻟﺸﻴﻄﺎن .وإذا ﺣﺎوﻟﻨﺎ ﻣﺴﺎءﻟﺔ ﻫﺬه اﻟﺬاﻛﺮة ﻗﺼﺪ ﻓﻬﻢ اﻟﺒﻨﻴﺔ اﻟﻼﺷﻌﻮرﻳﺔ اﻟﻤﺘﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺒﻨﺎء اﻟﺪﻻﻟﻲ وﻓﻬﻤﻬﺎ وإدراﻛﻬﺎ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﻣﺪاﻋﺒﺔ ﻫﺬه اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﺔ ﻣﻨﻬﺎ واﻟﺸﻌﺒﻴﺔ.
واﻟﻤﺪاﻋﺒﺔ ﻫﻨﺎ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻠﻌﺐ ).(13 وﻋﻠﻰ أﻳﺔ ﺣﺎل ،ﻓﺎﻟﻤﺮأة واﻷﻓﻌﻰ واﻟﺸﻴﻄﺎن ،ﻛﻠﻬﻢ ﻣﺬﻧﺒﻮن ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ .واﻟﻤﺪﻧﺲ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ ﻣﻬﻤﺶ ،وﻣﺮﻓﺮض ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻣﺤﺘﻘﺮ وﻣﻬﺎن. ذﻟﻚ ﻫﻮ واﻗﻊ اﻟﻤﺮأة ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ .ﻟﻨﺘﺄﻣﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﺼﻮر اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق -ﻧﺴﻤﻊ ﻋﻨﺪ أﻣﻬﺎﺗﻨﺎ ،أن ﺟﻠﺪ اﻷﻓﻌﻰ ﻳﻄﺮد اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ )وﻫﻲ ﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻋﺠﻴﺒﺔ( ﻟﺬﻟﻚ ﺗﻠﺠﺄ اﻟﻤﺮأة ﻻﻗﺘﻨﺎﺋﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﻄﺎر .وﺳﺮ ﻫﺬه اﻟﻤﻔﺎرﻗﺔ ،ﻳﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﻛﻮن اﻟﻤﺮأة ﺗﻘﺘﻨﻲ ﺟﻠﺪ اﻷﻓﻌﻰ ،ﻻ ﻟﻄﺮد اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ،ﻟﻜﻦ ﻟﺠﻠﺒﻬﻢ .وﺗﺘﻢ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺠﻠﺐ ﻫﺬه ﻋﺒﺮ اﻟﻨﺠﻮم واﻟﺘﻌﺎوﻳﺬ ...وﻫﺬه ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ اﻟﺸﻌﻮذة ،وﻋﻦ اﻟﺴﺤﺮ)(14
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
65
ĆēijćŴ ĔŻĔŅŜ
ﺳﺎﺋﺪ» ،ﻓﺎﻷم دو ًﻣﺎ ﻏﺎﺋﺒﺔ وﻏﻴﺎﺑﻬﺎ دو ًﻣﺎ اﺿﻄﺮاري ﻻ دﺧﻞ ﻟﻬﺎ ﻓﻴﻪ، ﻓﺎﻷم ﺗﻐﻴﺐ ﻋﻦ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻤﻮت ،وﻟﻢ ﻳﺼﺎدﻓﻨﺎ ﻫﻨﺎ أﻳﻀً ﺎ ﻏﻴﺎب ﻣﻘﺼﻮد ،ﻓﺎﻷم ﻻ ﺗﻬﺠﺮ أﺑﻨﺎءﻫﺎ ،ﻟﻢ ﺗﺘﺮك اﻷب وﺗﺮﺣﻞ ﺿﻴﻘًﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة، ﺑﻞ ﻫﻲ دوﻣﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﺳﻲ ﺗﻌﻨﺖ اﻷب ،وﺗﺤﺘﻤﻞ ﻏﻴﺎب اﻷب ،ﺗﺤﻤﻲ وﺗﻀﺤﻲ وﺗﺪاﻓﻊ ﻋﻦ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ وﻟﻴﺲ ﻫﺬا اﻟﺪور ﻗﺼ ًﺮا ﻋﻠﻰ ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﺨﻮارق ﺑﻞ ﻫﻮ دور اﻷم ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﺤﻴﻮان«).(6 وﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﺎ ﺗﺘﺠﻠﻰ اﻟﺒﻄﻠﺔ رازﺣﺔ ﺗﺤﺖ أﻋﺒﺎء ﺛﻘﻴﻠﺔ ﻣﻌﺮﺿﺔ ﻷﺧﻄﺎر ﻋﺪﻳﺪة ﺧﺎﺻﺔ إذا ﻏﺎﺑﺖ اﻷم وﺣﻠﺖ ﻣﺤﻠﻬﺎ زوﺟﺔ اﻷب اﻟﻤﻌﺎدﻳﺔ اﻟﻤﻌﺮﻗﻠﺔ ﻹرادة اﻟﺒﻄﻠﺔ ﻓﺈذا ﺑﻬﺎ ﺗﻄﺮد ﺑﻼ رﺣﻤﺔ ﻣﻦ ﺟﻨﺔ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ وﻋﺎﻟﻤﻬﺎ اﻟﺒﺮيء ﻟﻴﺰج ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻌﻤﻞ اﻷﺳﺮي اﻟﺸﺎق ﺗﺼﻄﻠﻲ ﺑﻨﺎره اﻟﻤﺤﺮﻗﺔ وﺗﺘﺤﻤﻞ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺎت ﺗﻔﻮق ﻃﺎﻗﺘﻬﺎ وﺗﻬﺪد ﺑﺬﺑﻮل ﺻﺒﺎﻫﺎ وﻧﻀﺎرﺗﻬﺎ وﻳﺨﻴﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﺎﺑﻮس اﻟﻌﺰوﺑﺔ اﻟﺪاﺋﻤﺔ وﻫﻲ اﻟﻜﺎرﺛﺔ اﻟﻤﺤﺪﻗﺔ ﺑﺎﻟﻔﺘﺎة ﻋﻤﻮ ًﻣﺎ وﺑﻜﻞ ﻓﺘﺎة«).(7 وﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺴﻴﺮ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ» ،ﺗﻔﺮط اﻟﺴﻴﺮة اﻟﻬﻼﻟﻴﺔ إﻟﻰ أﻗﺼﻰ ﺣﺪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻈﺎﻫﺮة ﺷﺨﺼﻴﺎﺗﻬﺎ اﻷﻧﺜﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو دو ًﻣﺎ ﺣﺎﺿﺮة ﺑﻘﻮة إﻟﻰ ﺟﻨﺐ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﺣﻠﻪ وﺗﺮﺣﺎﻟﻪ ،ﺣﺮﺑﻪ وﺳﻠﻤﻪ ،وﻓﻲ ﻗﺮارات اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ اﻟﻤﺼﻴﺮﻳﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﻫﺬه اﻷﻧﺜﻰ ﻫﻲ اﻟﻜﺎﻫﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺸﻒ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، وﺗﻨﻄﻖ ﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ ،وﻫــﻲ ﻓــﻲ اﻟﺴﻴﺮة »اﻟﺠﺎزﻳﺔ« اﻟﺘﻲ ورﺛﺖ اﻟﻜﻬﺎﻧﺔ ﻋﻦ واﻟﺪﺗﻬﺎ »اﻟﺸ ّﻤﺎء« )«(8 ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻔﺎﻫﺔ واﻟﺘﺪوﻳﻦ
وﻗــﺪ أﺛــﺎر أﺣــﺪ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ،ﻧﻘﻄﺔ اﺧﺘﻼف ﺟﻮﻫﺮﻳﺔ ذات ﺻﻠﺔ ﺑﺘﺪوﻳﻦ اﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ ،ﻟﻢ ﺗﺜﺮ اﻧﺘﺒﺎه دارﺳﻲ اﻷدب اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ؛ إﻧﻨﺎ إذا ﺗﺄﻣﻠﻨﺎ ﺻﻮرة اﻟﻤﺮأة ﻋﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻬﻼﻟﻴﺔ اﻟﺸﻔﺎﻫﻴﺔ ،ﺳﻨﻠﺤﻆ أﻧﻬﺎ ﺗﺒﺮز ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺪور أﻛﺜﺮ إﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ،ﺳﻮاء ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻮﻧﺴﻴﺔ أو اﻟﻬﻼﻟﻴﺔ أو اﻟﻌﺮاﻗﻴﺔ أو اﻟﻌﻘﻴﻠﻴﺔ أو اﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ .ﻓﺴﻌﺪى اﻟﺘﻲ ﺻﻮرﺗﻬﺎ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻤﺪوﻧﺔ ﺧﺎﺋﻨﺔ ﻷﺑﻴﻬﺎ ووﻃﻨﻬﺎ ،ﺟﻌﻠﺘﻬﺎ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﺸﻔﺎﻫﻴﺔ ﺗﻠﻌﺐ دو ًرا ﺑﺎرزا ﻓﻲ اﻧﺘﺼﺎرات أﺑﻴﻬﺎ واﻟﺰﻧﺎﺗﺔ ﻋﺎﻣﺔ).(9 ﺗﻜﺸﻒ اﻟﻤﻘﺎرﻧﺔ ﺑﻴﻦ ﻧﺼﻮص اﻟﺴﻴﺮة اﻟﻬﻼﻟﻴﺔ اﻟﻤﺪوﻧﺔ وﺑﻴﻦ ﻧﻈﻴﺮﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺸﻔﺎﻫﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺰال ﺗﺮوى ﺷﻔﺎﻫﻴﺎ ﻓﻲ ﻗﻄﺎع ﻋﺮﻳﺾ ﻣﻦ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻋﻦ أن ﺛﻤﺔ اﺧﺘﻼﻓﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﺑﻬﺎ ﺗﻨﺎول
64
ﺻﻮرة اﻟﻤﺮأة ﻓﻲ اﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ
ﺻﻮر اﻟﻤﺮأة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺛﻨﺎﻳﺎﻫﺎ .وﻣﺮد ذﻟﻚ إﻟﻰ أن اﻟﻨﺺ اﻟﺸﻌﺒﻲ وﺛﻴﻖ اﻟﺼﻠﺔ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎق اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﺤﻀﺎري ،اﻟﺬي ﻳﺮدد ﻓﻲ إﻃﺎره .وﻧﻈ ًﺮا إﻟﻰ اﻟﺘﻐﻴﺮ اﻟﺸﺪﻳﺪ اﻟﺬي أﺻﺎب اﻟﺒﻨﻴﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺪﻳﻢ واﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﻓﺈن ذﻟﻚ ﻗﺪ ﺗﺮك ﺻﺪاه ﻓﻲ اﻟﻨﺺ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺑﻼ ﺷﻚ).(10 ﺷﻬﺮزاد ﺗﻌﺎﻟﺞ ﺷﻬﺮﻳﺎر
واﻋﺘﺒﺮ د .ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ إﺑﺮاﻫﻴﻢ أن ﺷﻬﺮزاد ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻄﺒﺐ ﺷﻬﺮﻳﺎر وﺗﻌﺎﻟﺠﻪ ﺑﺤﻜﻴﻬﺎ؛ ﻳﺘﻜﺘّﻢ اﻟﻤﻠﻮك ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻫﺎﺗﻬﻢ ،وﻳﺘﺴﺘّﺮون ،وﻳﻄﻴﻠﻮن ﻣﻦ أﻋﻤﺎر ﺣﻜﻤﻬﻢ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺘﺮﻓﻴﻦ ﺑﻌﺎرض ﺻﺤﻲ .ﻟﻢ ﻳﻌﺘﺮف َﻣﻠِﻚ ﺑﻤﺮﺿﻪ ﺟﻬﺎ ًرا، ﺟﻨﺴﺎ ﻧﺎﻫﻴﻜﻢ ﻋﻦ ﺷﻬﺮﻳﺎر اﻟﺬي وﺟﺪ ﻓﻲ ﻣﺮﺿﻪ ﺷﺮﻓًﺎ ﻳﻌﺎﻗﺐ ﺑﻪ ً ﺧﺎﺋ ًﻨﺎ ،ﻫﻮ ﺟﻨﺲ اﻟﻨﺴﺎء .ﻟﻢ ﻳﺠﺮؤ أﺣﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺼﺮﻳﺢ ﺑﻤﺮض ﺷﻬﺮﻳﺎر إﻻ ﺷﻬﺮزاد اﻟﺘﻲ اﻋﺘﺒﺮﺗﻪ وﺑﺎء ﻋﺎﻣﺎ ﺳﻴﻨﻬﻲ ﻋﺬارى اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ،وﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ اﺟﺘﺮاح ذرﻳﻌﺔ ﻟﻮﻗﻒ ذﻟﻚ ،ﻓﺎﻧﺘﺪﺑﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﻠﺰواج ﻣﻨﻪ ﻻ ﻟﻜﻲ ﺗﺼﺒﺢ ﻣﻠﻜﺔ إﻧﻤﺎ ﻟﺘﻌﺎﻟﺞ ﻣﻬﻮوﺳﺎ ﺷﻤﻞ ﺿﺮره ﻗﻠﺐ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ وﺛﻐﻮرﻫﺎ. ﺟﻌﻠﺖ ﺷﻬﺮزاد ﻣﻦ ﺳﺮﻳﺮﻫﺎ ﻋﻴﺎدة ﺗﺮﻋﻰ ﻓﻮﻗﻪ ﻣﺮﻳﻀﺎ ﻻزﻣﺘﻪ ﻋﺎﻫﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﻋﺼﺮ آدم ).(11 ﻫﻜﺬا ﻳﺨﺎﻟﻒ د.إﺑﺮاﻫﻴﻢ أﻏﻠﺐ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ اﺗﻔﻘﻮا ﻋﻠﻰ أن اﻟﺴﺮد /اﻟﺤﻜﻲ ﻓﻲ »أﻟﻒ ﻟﻴﻠﺔ وﻟﻴﻠﺔ« ﺳﻼح ﺷﻬﺮزاد ﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺮﺟﻞ/ ﺷﻬﺮﻳﺎر واﻟﻤﻮت ﻣ ًﻌﺎ ،واﻟﺬي ﺑﻔﻀﻠﻪ أﻧﻘﺬت ﺷﻬﺮزاد ﺑﻨﺎت ﺟﻨﺴﻬﺎ ،واﻋﺘﺒﺮ أﺣﺪ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ اﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ اﻟﺴﺮد ﻓﻲ اﻟﻠﻴﺎﻟﻲ إﻏــﻮاء ،وﺷﺒﻪ ﺷﻬﺮزاد ﺑﺎﻟﻤﺮأة اﻟﻠﻌﻮب؛ ﻓﺸﻬﺮزاد ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﺪغ ﺷﻬﺮﻳﺎر ﺑﺎﻟﻜﻼم /اﻟﻠﻐﺔ/اﻟﺤﻜﻲ /ﻟﺴﺎﻧﻬﺎ .ﻛﺎﻧﺖ ﺷﻬﺮزاد ﺗﺤﻴﺎ ﺑﺎﻟﺤﻜﻲ .وﻫﺬا ﻳﻘﺪم ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ أﺳﺎﺳﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﺴﺪ .( …)،ﻓﺸﻬﺮﻳﺎر ﻳﺮﻏﺐ ً ﺟﺴﺪ ﺷﻬﺮزاد .وﻫﺬه اﻷﺧﻴﺮة ﺗﻮﻇﻒ اﻟﺤﻜﻲ، ﻋﻮض ﺟﺴﺪﻫﺎ .ﻓﺘﺘﺤﻮل ﻟﺪﻏﺔ اﻟﺠﺴﺪ إﻟﻰ ﻟﺪﻏﺔ اﻟﺤﻜﻲ واﻟﺴﺮد .وﺑﺎﻟﺤﻜﻲ ﺗﺴﺘﺮﺧﻲ أﻋﺼﺎب ﺷﻬﺮﻳﺎر ،وﻳﺨﻤﺪ ﻏﻀﺐ اﻧﺘﻘﺎﻣﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮأة .ﻓﺎﻟﺤﻜﻲ ﺑﺪوره ﻳﺤﻘﻖ ﻟﺬة ﻣﻦ ﻧﻮع آﺧﺮ .ﻓﻠﺬة اﻟﻠﻐﺔ ،وﻛﻴﺪ اﻟﻠﻐﺔ ،وﻟﺴﻌﺔ اﻟﻠﻐﺔ ،ﻻ ﺗﻘﻞ ﺧﻄﻮرة ﻋﻦ ﻟﻐﺔ اﻟﺠﺴـﺪ وﻟﺴﻌﺘﻪ(12) . اﻟﻤﺮأة اeﻓﻌﻰ واﻟﺸﻴﻄﺎن
وﺷ ـ ّﺒــﻪ إدرﻳـــﺲ ﺟــﺒــﺮي اﻟــﻤــﺮأة ﺑﺎﻷﻓﻌﻰ واﻟﺸﻴﻄﺎن ،ﺑﻞ ﺟﻌﻠﻬﺎ اﻟﻀﻠﻊ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻟﻤﺜﻠﺚ اﻟﺸ ّﺮ ،وﻟﻢ ﻳﺒﺘﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﺘﺼﻮر اﻟﻨﻤﻄﻲ اﻟﻤﻜﺮس
ﺗﻜﻮﻳﻦ اﻟﺒﻄﻞ ورﺳﻢ ﺻﺮاﻋﻪ
وﻧ ّﻮﻩ ﻓﺎروق ﺧﻮرﺷﻴﺪ ﺑﺤﻀﻮر اﻟﻤﺮأة اﻟﻤﺸﺮق ﻓﻲ ﻣﻮروﺛﻨﺎ اﻟﺸﻌﺒﻲ؛ »وإذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻴﺮ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻣﻼﺣﻢ ﺑﻄﻮﻟﺔ وﻓﺮوﺳﻴﺔ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻬﻲ أﻳﻀﺎ ﺣﻜﺎﻳﺎت ﺣﺐ وﻋﺸﻖ ورواﻳﺎت ﻏﺮام ﺗﺨﺘﻠﺞ ﺑﺎﻟﻌﻮاﻃﻒ واﻟﻐﺮاﺋﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻮاء .ﻓﻠﻴﺲ ﻫﻨﺎك ﺑﻄﻞ ﻣﻦ أﺑﻄﺎل اﻟﺴﻴﺮة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻻ ﺗﻘﻒ وراء ﺑﻄﻮﻟﺘﻪ اﻣﺮأة إﻣﺎ ﻟﺘﺤﻘﻘﻬﺎ وﺗﺆﻛﺪ وﺟﻮدﻫﺎ ،وإﻣﺎ ﻟﺘﻌﺎدﻳﻬﺎ وﺗﺪﻣﺮ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ؛ ﻓﻠﻠﻤﺮأة ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺮة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ دور أﺳﺎﺳﻲ ﻻ ﻳﻘﻞ ﻓﻲ ﺧﻄﻮرﺗﻪ وأﻫﻤﻴﺘﻪ ﻋﻦ دور اﻟﺮﺟﻞ .ﺑﻞ إن ﻫﻨﺎك ﺳﻴﺮة ﺷﻌﺒﻴﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻋﻘﺪ ﻟﻮاء ﺑﻄﻮﻟﺘﻬﺎ ﻟﻠﻤﺮأة وﻟﻌﺐ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺮﺟﺎل أدوار اﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ
واﻟﻤﻌﺎوﻧﻴﻦ ﻫﻲ ﺳﻴﺮة ذات اﻟﻬﻤﺔ .وﺑﺮوز دور اﻟﻤﺮأة ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺮة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻳﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ دو ًرا إﻳﺠﺎﺑﻴًﺎ وﻣﻬﻤﺎً ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺮأة واﻟﺮﺟﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺪدﻫﺎ ﻣﻜﺎن اﻟﻤﺮأة ﻣﻦ اﻟﺒﻄﻞ ،وﺗﺮﺳﻤﻬﺎ ﻋﺎﻃﻔﺔ اﻟﻤﺮأة ﺗﺠﺎه اﻟﺒﻄﻞ .واﻟﻤﺮأة ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺮة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﻠﻌﺐ دور اﻟﺪﻣﻴﺔ اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﻌﻰ اﻟﺒﻄﻞ إﻟﻰ رﺿﺎﻫﺎ واﺟﺘﺬاب ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻓﺤﺴﺐ، وﻟﻜﻦ اﻟﻤﺮأة ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺮ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻟﻌﺒﺖ أدوارا ﻋﺪﻳﺪة وﻣﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ اﻟﺒﻄﻞ وﻓﻲ رﺳﻢ ﺻﺮاﻋﻪ وﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻫﺬا اﻟﺼﺮاع«)(5 واﻟﻤﻼﺣﻆ أن اﻟﻔﺘﺎة ﻓﻲ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻏﺎﻟ ًﺒﺎ ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﻳﺘﻴﻤﺔ، ﺣﻴﺚ ﻳﻼﺣﻆ أن ﻋﻨﺼﺮ ﻏﻴﺎب اﻷم ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ،وﻫﻮ ﻋﻨﺼﺮ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
63
ĆēijćŴ ĔŻĔŅŜ
ﺑﻴﻦ اﻟﺘﻬﻤﻴﺶ واﻟﺒﻄﻮﻟﺔ
ﺻﻮرة اﻟﻤﺮأة ﻓﻲ اﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻫﺸﺎم ﺑﻨﺸﺎوي -اﻟﻤﻐﺮب
ﻻ ﺷﻚ ﻓﻲ أن أﺻﺪق ﻣﺎ ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ وﺿﻊ اﻟﻤﺮأة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،ﻫﻮ أدﺑﻪ اﻟﺸﻌﺒﻲ ،اﻟﺬي أﻓﺮزه ذﻟﻚ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﻨﻔﺴﻪ ،ﻣﻌﺒ ًﺮا ﺑﻪ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ ،وﻣﻮﺟ ًﻬﺎ ﺧﻄﺎﺑﻪ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ) .(1وﻗﺪ ﻣﺜّﻠﺖ اﻟﺴ َﻴﺮ ﻟﺐ ﻣﺮو ّﻳﺎت اﻟﻌﺎ ّﻣﺔ ،وﻫﻲ ﻣﻦ ﻧﺘﺎج اﻟﻤﺨﻴﺎل اﻟﺸﻌﺒ ّﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ّ اﻟﺸﻔﻮي ،وﻗﺪ ﺗﺸﻜّﻠﺖ ﻓﻲ ﻣﻨﺄى ﻋﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﺘﻌﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﻟﺨﺎﺻﺔ ،وﺷﺆوﻧﻬﺎ ،وذﻟﻚ أﻓﻀﻰ إﻟﻰ ﺗﻌﻨﻰ ،إﺟﻤﺎﻻً ،ﺑﺄﺧﺒﺎر ّ ﻋﺪم اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﻬﺬه اﻟﻤﺮوﻳّﺎت ﻣﻦ ﻧﻮاﺣﻲ اﻟﺘﺪوﻳﻦ واﻟﻮﺻﻒ، ﻓﺎﻟﺘﻮارﻳﺦ اﻷدﺑ ّﻴﺔ اﻟﺮﺳﻤ ّﻴﺔ ﺗﻨﺘﻘﺺ اﻟﻌﺎ ّﻣﺔ وآداﺑﻬﺎ ،وﺗﺮاﻫﺎ ﻧﻔﺜﺎت ﻣﺸ ّﻮﺷﺔ ﻷﻏﻠﺒ ّﻴﺔ ﺟﺎﻫﻠﺔ ﺑﺮﻫﺎﻧﺎت ﺧﺎﺳﺮة) ،(2وﻷن اﻷدب اﻟﺸﻌﺒﻲ اﺑﻦ ﺑﻴﺌﺘﻪ/ﻣﺠﺘﻤﻌﻪ ،ﻓﻬﻮ ذﻛﻮري ﺑﺎﻣﺘﻴﺎز؛ »اﻟﺴﻴﺮة ﻓﻦ ذﻛﻮري ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺮواﻳﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ رواﻳﺎت اﻟﻤﺤﺘﺮﻓﻴﻦ؛ إذ ﻟﻢ ﺗﺬﻛﺮ ﻟﻨﺎ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ أو ﻛﺘﺐ اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ واﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻗﻴﻦ أو اﻟﻔﻠﻜﻠﻮرﻳﻴﻦ اﻟﻌﺮب ،وﻛﺬا ﻟﻢ ﻧﻘﺎﺑﻞ ﻓﻲ دراﺳﺎﺗﻨﺎ اﻟﻤﻴﺪاﻧﻴﺔ، راوﻳﺔ اﻣﺮأة ﻣﺤﺘﺮﻓﺔ ﻓﻲ رواﻳﺔ اﻟﺴﻴﺮة«).(3
62
ﺻﻮرة اﻟﻤﺮأة ﻓﻲ اﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ
اﻟﺘﺤﺎﻣﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮأة
ﻣﺘﺤﺎﻣﻼ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮأة ﻓﻲ اﻷﻣﺜﺎل، ً وﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو ﻣﻮروﺛﻨﺎ اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻷﺣﺎﺟﻲ ،اﻟﻨﻜﺎت واﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ...إﻟﺦ ،وﻗﺪ اﻧﻌﻜﺴﺖ ﻫﺬه اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺬﻛﻮرﻳﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻣﻞ اﻟﺮواة ﻣﻊ ﺑﻄﻼت اﻟﺴﻴﺮ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ذﻫﺐ إﻟﻰ ذﻟﻚ راﺋﺪ اﻷدب اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ ﻳﻮﻧﺲ» :وﺻﻨﻴﻊ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ ﻣﻊ ﺷﺨﺼﻴﺎت اﻟﻨﺴﺎء ﻛﺼﻨﻴﻌﻬﻢ ﻣﻊ ﺷﺨﺼﻴﺎت اﻟﺮﺟﺎل؛ ﻧﻈﺮوا إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﺎرﺟﻬﺎ واﻛﺘﻔﻮا ﺑﺎﻟﻮﺻﻒ ﻣﻦ دون اﻟﺘﺤﻠﻞ ،واﺧﺘﺎروا ﻣﻦ اﻟﺨﺼﺎل أﺑﺮزﻫﺎ ﻟﻴﻜﻮن اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﻤﻤﻴﺰة ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﺘﻬﺎ وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻬﻤﺘﻬﻢ ﻓﻲ ذﻟﻚ أﻳﺴﺮ ﻣﻦ ﻣﻬﻤﺘﻬﻢ ﻓﻲ وﺻﻒ اﻟﺮﺟﺎل ،ذﻟﻚ ﻷن ﻣﻜﺎن اﻟﻤﺮأة ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺮة ﺛﺎن إذا ﻗﻴﺲ ﺑﻤﻜﺎن اﻟﺮﺟﻞ. وﻟﻜﻨﻬﻢ اﻧﺘﺨﺒﻮا ﺷﺨﺼﻴﺘﻴﻦ ﻧﺴﺎﺋﻴﺘﻴﻦ اﺛﻨﺘﻴﻦ وأوﻟﻮﻫﻤﺎ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﻻ ﺗﻘﻞ ﻋﻦ ﻋﻨﺎﻳﺘﻬﻢ ﺑﺎﻷﺑﻄﺎل اﻟﺒﺎرزﻳﻦ ،وﻫﻤﺎ اﻟﺠﺎزﻳﺔ وﺳﻌﺪى. وﻻ ﻳﻔﻮﺗﻨﺎ ﻗﺒﻞ أن ﻧﻮرد ﺻﻮرﺗﻴﻬﻤﺎ ،أن ﻧﺴﺠﻞ أن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺼﺮي ﻟ ّﻮن ﻫﺎﺗﻴﻦ اﻟﺸﺨﺼﻴﺘﻴﻦ ﺑﺎﻟﻠﻮن اﻟﺬي ﻳﺮﻳﺪ ،وﻫﻮ اﻟﻤﺸﺘﻖ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ وﺗﺠﺎرﺑﻪ ،وﻳﺠﺐ أن ﻧﻼﺣﻆ أن اﻟﻤﻨﺸﺪﻳﻦ ﻛﻠﻬﻢ رﺟﺎل ،وأن ﺟﻤﺎﻫﻴﺮ اﻟﻤﺴﺘﻤﻌﻴﻦ ﻟﻬﻢ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻫﻢ أﻳﻀﺎ رﺟﺎل ،وإذا اﺗﻔﻖ وأﻧﺼﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﻧﺴﺎء ،ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﻣﻦ وراء اﻟﺤﺠﺐ واﻟﻨﻮاﻓﺬ وإذن ﻓﺎﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﻤﺜﻞ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻠﻤﺮأة وﻻ ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﺗﻤﺜﻠﻬﺎ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ وﻫﻮ ﻣﺘﺄﺛﺮ ﺑﺮأﻳﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ وﺑﺈﻋﺎرﺗﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى«).(4
أﻣﺎم ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﻮت واﻟﻤﺪرﺳﺔ واﻷزﻗﺔ. وﺑﻌﺪ ﺣﻮ ٍل ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن ،ﺻﺎر )ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﻜّﺎء( ﺷﻴﺨًﺎ ﻫﺮ ًﻣﺎ ،ﺿﻌﻴﻒ اﻟﺒﺼﺮ ،ﻣﻬﺪود اﻟﻘﺎﻣﺔ ،ﻳﺄﺗﻲ إﻟﻴﻪ ﺻﺒﻴﺔ اﻟﻘﺮﻳﺔ وﻫﻢ ﻳﺤﻤﻠﻮن ﻛﺎﺋﻨﺎت إﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﻣﻀﺎءة ﻳﻔﺘﺤﻮن ﻟﻪ ﻋﺪﺳﺎﺗﻬﺎ ﻟﻴﺼﻮره وﻫﻮ ﻳﺤﻜﻲ وﻳﺮوي ﻣﺎ ﻃﺎب ﻟﻪ ﻣﻦ ﺣﻜﺎﻳﺎت وﻣﺮوﻳﺎت ،وﻳﺨﺮﺟﻮن ،ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﻟﻰ ﻣﻨﺎزﻟﻬﻢ .وﻓﻲ ﺻﺒﺎح ﻳﻮم ﺗﺎل ﺗﺮاه ﻳﺠﻠﺲ ﺷﻴﺨﻨﺎ ﻋﻨﺪ ﻋﺘﺒﺔ ﻣﺘﺸﻤﺴﺎ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻤ ﱡﺮ ﻋﻠﻴﻪ رﺟﺎل وﻧﺴﺎء اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻳﻘﻮﻟﻮن ﺑﺎب ﺑﻴﺘﻪ ً ﻟﻪ» :ﺑﻮرﻛﺖ ﻳﺎ ﺷﻴﺨﻨﺎ ،ﻓﺤﻜﺎﻳﺔ اﻷﻣﺲ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺬا وﻛﺬا« ﺣﺘﻰ راق ﻟﻪ اﻟﺴﺆال» :ﻛﻴﻒ ﻋﺮﻓﺘﻢ ،أﻳﻦ ﺳﻤﻌﺘﻢ ذﻟﻚ؟« ﺣﺘﻰ ﺟﺎء ر ﱠدﻫﻢ: »رأﻳﻨﺎك ﺗﺤﻜﻲ ﻟﺼﺒﻴﺘﻨﺎ أﻣﺲ ،رأﻳﻨﺎ ذﻟﻚ ﻓﻲ اﻹﻧﺘﺮﻧﺖ ﻋﺒْﺮ ﻣﻮاﻗﻊ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ« .ﻓﺮاح اﻟﺸﻴﺦ ﻳﻐﺘﺒﻂ ﻣﺎ ﺳﻤﻊ رﻏﻢ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺮ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﺷﺨﺼ ًﻴﺎ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻔﻬﻢ ﻣﻦ ﺗﻼﻣﺬﺗﻪ اﻟﺬﻳﻦ وﺟﺪﻫﻢ ﺳﻔﺮاء ﻟﺤﻜﺎﻳﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،ﻓﻜﺎن ﻃﻤﻮﺣﻪ أن ﻳﺤﺬو ﺣﺬوﻫﻢ ﻟﻜ ﱠﻦ اﻟﻤﻮت ﻋﺎﺟﻠﻪ ،أﻣﺎ ﺣﻜﺎﻳﺎﺗﻪ ﻓﺄودﻋﻬﺎ ﺗﻼﻣﺬﺗﻪ ﻓﻲ ﻃﺒﻘﺎت اﻷﺛﻴﺮ ﻳﺘﺪاوﻟﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﻜﺎن وزﻣﺎن. ﺧﺼﻪ اﻟﻠﻪ ﺑﻌﻤﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﺷﻴﺨﻨﺎ )ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﻜّﺎء( اﻟﺬي ّ ﻣﺪﻳﺪ وﺻﻞ إﻟﻰ ﺳﺒﻌﺔ ﻋﻘﻮد وﻧﻴﻒ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﻴﻦ ،ﻣﺎ ﻳﻌﻨﻲ أن ﻫﺬا )اﻟﺮاوي( ﻋﺎش ﻣﺮاﺣﻞ اﻧﺘﻘﺎل اﻟﺤﻜﻲ واﻟﺮوي ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺷﻔﺎﻫﻴﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى ﻛﺘﺎﺑﻴﺔ ﺗﺪوﻳﻨﻴﺔ وراﻗﻴﺔ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺗﺪوﻳﻨﻴﺔ وراﻗﻴﺔ إﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﺣﺎﺳﻮﺑﻴﺔ ﻣﻮﺑﺎﻳﻠﻴﺔ آﻳﺒﺎدﻳﺔ. ﻣﺎت )ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﻜّﺎء( وﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻴﻦ ﺑﺄن اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﻤﺮوﻳﺔ ﺗﻮﺳﻞ اﻟﺮواة اﻟ ُﺠﺪد اﻟﻮراﻗﺔ اﻟﻜﺘﺎﺑﻴﺔ ﺷﻔﺎ ًﻫﺎ ﻫﻲ أﻛﺜﺮ أﺻﺎﻟﺔ ﻣﻤﺎ ﻟﻮ ﱠ واﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ،ﻓﺎﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺮوي واﻟﺮاوي واﻟﻤﺮوي ﻟﻬﻢ ﻋﺒﺮ ﻗﻮل اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﺷﻔﺎﻫﻴًﺎ ﻫﻲ أﻛﺜﺮ ﺣﻤﻴﻤﻴﺔ وﺑﺮاءة ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﺗﺪﺧﺮ ﻣﻜﺎﻧﺔ وﺟﻮدﻳﺔ ﻣﻤﻴﺰة ﻟﻠﺮاوي واﻟﻤﺮوي ﻟﻪ ،ﻟﻴﺲ ﻷﻧّﻬﺎ ﻣﻬﻨﺔ ،ﺑﻞ ﻷﻧّﻬﺎ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺬات ﺑﺸﺮﻳﺔ ﺗﻠﻬﺐ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺤﻜﻲ ﺑﺘﻌﺎﻃﻒ إﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﺜﻤﺮ اﻟﻮﺟﻮد. وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ،وﻓﻲ ﻇﻞ ﺗﺪﻫﻮر ﺗﺠﺮﺑﺔ )اﻟﺮاوي( اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﺘﻲ أزاح ﺣﻤﻴﻤﻴﺘﻬﺎ ﻋﺼﺮ اﻟﻮراﻗﺔ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﺟﺎﻧ ًﺒﺎ ،ﻧﻜﻮن ﺑﺼﺪد أزﻣﺔ ﺧﺼﻮﺻﺎ أن ﺑﻠﺪاﻧًﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻗﺪ ﺗﻄﻴﺢ ﺑﻤﻜﺎﻧﺔ )اﻟﺮاوي( اﻟﻮﺟﻮدﻳﺔ، ً ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺄﺻﺎﻟﺔ ﺗﺠﺮﺑﺘﻬﺎ اﻟﺤﻜﺎﺋﻴﺔ ﻋﺒﺮ )اﻟﺮاوي( ،ﻛﺎﻟﻌﺮاق وﺳﻮرﻳﺎ واﻟﻴﻤﻦ ،ورﺑﻤﺎ ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،أﺻﺒﺢ )اﻟﺮاوي( ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺸ ﱠﺮ ًدا ،وأﺻﺒﺤﺖ اﻟﻤﺮوﻳﺎت ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺎﺋﻬﺔ ﻓﻲ ﺑﺤﺮ اﻟﻀﻴﺎع واﻟﺘﺪﻣﻴﺮ اﻟﺒﺸﺮي واﻟﻌﻤﺮاﻧﻲ واﻟﺤﻀﺎري واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﺿﺮورة ﺑﻨﺎء اﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺗﻨﻬﺾ ﺑﻬﺎ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ وﻏﻴﺮ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﻟﺤﻔﻆ اﻟﻤﻮروث اﻟﺤﻜﺎﺋﻲ ،وﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻌﺰم ﻋﻠﻰ إﺣﺎﻃﺔ ﺣﻴﺎة اﻟﺮواة ﺑﺎﻷﻣﻦ واﻷﻣﺎن ،ﻓﻤﺎ ﻋﺎدت ﺑﻴﻮت اﻟﺮواة ﻣﻮﺟﻮدة وآﻟﺔ اﻟﺤﺮب واﻟﺘﺪﻣﻴﺮ واﻟﻤﻮت اﻟﻴﻮﻣﻲ ﺗﺄﺗﻲ إﻟﻰ
اﻷﺧﻀﺮ واﻟﻴﺎﺑﺲ ﺑﺎﻟﻨﺎر ﺣﺮﻗًﺎ وﻋﺪ ًﻣﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﺤﺎل ﻛﻞ ذﻟﻚ إﻟﻰ ﺣﻜﺎﻳﺎت وﻣﺮوﻳﺎت ﻏﺎب ﻋﻨﻬﺎ رواﺗﻬﺎ وﺣﻜّﺎؤﻫﺎ. ﻟﻬﺬا ﺗﺮاﻧﺎ ﻧﻘﻮل :إذا ﻛﺎن ﻋﺼ ُﺮ اﻟﻮراﻗﺔ اﻟﻜﺘﺎﺑﻴﺔ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ أﺻﺒﺢ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ،ﻓﺈن ﺗﺄرﻳﺨﻪ ﻫﺎ ﻫﻮ ﻳﺒﺪأ اﻵن ،ﺑﻞ ﻻ ﺑ ﱠﺪ أن )ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﺮاوي(، ﻳﺒﺪأ اﻵن ،ﻓﺎﻷﻣﻞ أن ﻳﺘﺤ ﱠﻮل )ﻳﻮم اﻟﺮاوي( إﻟﻰ ﱠ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ ﺣﻔﻆ ﺣﻴﺎة اﻟﺮاوي واﻟﻤﺮوي واﻟﻤﺮوي ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﱠ اﻟﻀﻴﺎع اﻟﻤﺤﺪق ﻓﻲ ﻇﻞ ﻋﺎﺻﻒ اﻷزﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﻧﺤﻴﺎ ،ﻣﺆﺳﺴ ٌﺔ ﺗﺘﻮﺳﻞ اﻟﻮراﻗﺔ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﻃﺮﻳﻘًﺎ ﻟﻜﻞ ذﻟﻚ ﺑﻌﺪ أن ﻧﺼ ﱢﺤﺢ ﻧﻈﺮﺗﻨﺎ ﱠ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻮراﻗﺔ ﻟﻨﺪﺧﺮ ﺣﺴﻨﺎﺗﻬﺎ ﻟﻴﺲ ﻋﺒﺮ ﻣﻜﻨﻨﺔ ﺟﺎﻓﺔ إﻧﻤﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﺳﺘﺜﻤﺎر ﻃﺎﻗﺔ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺮﻳﺎﺿﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﺿﻮء آﺧﺮ
* رواﺋﻲ وﻧﺎﻗﺪ وأﻛﺎدﻳﻤﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﺮاق.
ﻫﻮاﻣﺶ: ) (1ﻗﺮأت ﻣﺼﻄﻠﺢ )اﻟﻮراﻗﺔ( ﻓﻲ ﻛﺘﺎب )اﻹﻣﺘﺎع واﻟﻤﺆاﻧﺴﺔ( ﻷﺑﻲ ﺣﻴﺎن اﻟﺘﻮﺣﻴﺪي ،ج ،1ص ،4ﻧﺸﺮة إﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ .وأﻗﺼﺪ ﺑﺎﻟﻮراﻗﺔ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺑﺄﺟﻬﺰة اﻟﺤﺎﺳﻮب واﻷﻟﻮاح اﻟﻀﻮﺋﻴﺔ، وﻓﻲ ﺑﺤﺮﻫﺎ ﺗﺴﺠﻴﻞ وﺑﺚ ﻣﺮوﻳﺎت وﺣﻜﺎﻳﺎت ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ اﻟﺮواة ﻟﺘﺒﻘﻰ ﻣﻮروﺛ ًﺎ ﺣﻴًﺎ ﺧﺎﻟ ًﺪا ﺑﻴﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ. ) (2ﻫﺬه ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻣﺘﺨ ﱠﻴﻠﺔ.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
61
اﻟﺮاوي واﻟﻤﺮوي ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻮراﻗﺔ ا0ﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻛﺎن )اﻟﺮاوي( ﻳﻘﻮل ﻣﺎ ﻳﻘﻮل ﻣﻦ ﺣﻜﺎﻳﺎت وﻗﺼﺺ وﻣﺮوﻳﺎت ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺷﻔﺎﻫﻴﺔ ﻳﺄﺧﺬﻫﺎ ﻣﻤﺎ وﻗﻊ أو ﻳﻨﺴﺠﻬﺎ ﻣﻦ وﺣﻲ ﺧﻴﺎل ﺑﺸﺮي ﻣﺘﻮارث ،ﻟﻜﻨﻬﺎ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﻟﻮراﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺰﻟﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻋﺼﻮر اﻟﺘﺪوﻳﻦ ﺣﻠﱠﺖ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﺎﻣﻌﻴﻪ ﺑﻄﺮق ﺗﻮﺻﻴﻞ ﺟﺪﻳﺪة ﺣﺘﻰ ﺗﻐﻴﺮ ﺣﺎل )اﻟﺮاوي( ﺑﺘﻐﻴﻴﺮ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺒﺚ ﻣﻨﻪ إﻟﻰ ﻏﻴﺮه .إﻻّ أﻧﻪ، وﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،أﺻﺎب اﻟﻮراﻗﺔ) (1ﻛﻮﺳﻴﻠﺔ ﻛﺘﺎﺑﻴﺔ ﻟﺮوي ﻣﺎ ﻳُﺮوى ﺑﻌﺾ ﺗﻐﻴﻴﺮ؛ ﻓﻤﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻮرق ﺑﻌﺪ إﻃﻼق اﻟﻜﻼم ﺷﻔﺎﻫﺎ أﻣﺎم اﻟﻨﺎس إﻟﻰ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻣﺎ ﻳُﻘﺎل ﻋﻠﻰ ﺷﺎﺷﺔ ﺿﻮﺋﻴﺔ ﻟﻴﺼﺒﺢ اﻟﻤﺸﻔﻪ ﻣﻘﺮوءا وﻣﺴﻤﻮ ًﻋﺎ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻟﻠﺮاوي ﺻﻔﺤﺔ إﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ، وﺻﺎر ﻟﻪ ﺣﺴﺎﺑﺐ ﻣﻌﻠﻮم ﻳﺸﺘﺮك ﺑﻪ ﺷﻬ ًﺮا ﺗﻠﻮ آﺧﺮ ﻟﻴﻘﻮل ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﻗﻮﻟﻪ راوﻳًﺎ ،وﺗﻠﻚ ﻣﺸﻴﺌﺔ اﻟﺤﺎل ﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﺮاوي. وﺗﺨﺼﺺ ،ﻫﻜﺬا ﻛﺎن ﺣﺎل أﺑﻮ ﺣﻴﺎن اﻟﺘﻮﺣﻴﺪي اﻟﻮراﻗﺔ ﻣﻬﻨﺔ وﻋﻤﻞ ﱡ اﻟﻨﺎﺳﺦ اﻟﻮ ّراق ﻓﻲ ردح ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،ﻓﺎﻟﻮراﻗﺔ ﻣﻬﻨﺔ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪي وﻏﻴﺮه ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﺘﺪوﻳﻦ واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،وﻫﻲ ﻣﻬﻨﺔ اﻟﻤﺘﺎﻋﺐ ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺪ وﻛ ﱟﺪ وﺻﺒﺮ وﺗﺄ ﱟن وﻣﺜﺎﺑﺮة ،ﻓﻔﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻛﺎن ﻟﺴﺎن اﻟﺮاوي رأﺳﻤﺎﻟﻪ أﻣﺎ اﻟﻴﻮم ﻓﺄﺻﺎﺑﻌﻪ وﻋﻴﻨﻪ؛ ﻋﻴﻨﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺷﺎﺷﺔ ﺿﻮﺋﻴﺔ، وأﺻﺎﺑﻌﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻘﺮ ﻋﻠﻰ أزرار ﺑﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ ﺗﺮﺳﻢ ﺣﺮوﻓًﺎ ﺿﻮﺋﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺎﺷﺔ. ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ؛ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺪوﻳﻦ واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،ﻛﺎن اﻟﻤﺮوي ﻟﻬﻢ ﻳﻌﻴﺮون ﺳﻤﻌﻬﻢ ﻟﻠﺮاوي ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،وﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻮراﻗﺔ اﻟﻜﺘﺎﺑﻴﺔ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ،أﺻﺒﺢ اﻟﻤﺮوي ﻟﻬﻢ ﻳﻨﺬرون أﺑﺼﺎرﻫﻢ وﻣﺴﺎﻣﻌﻬﻢ ﻟﻠﺮاوي ﺑﻐﻴﺔ ﻗﺮاءة ﻣﺎ ﻳﺮوﻳﻪ ﻟﻬﻢ وﻟﻐﻴﺮﻫﻢ ﻋﺒﺮ ﺷﺎﺷﺔ ﺿﻮﺋﻴﺔ. ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﻛﺎن اﻟ ـﺮاوي ﻓﻲ رﻓﻘﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻣﻊ اﻟﻤﺮوي ﻟﻬﻢ؛ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺻﻐﻴﺮة ﻣﻦ أﻃﻔﺎل وﻓﺘﻴﺎن وﺷﺒﺎب وﺷﻴﻮخ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺴﻴﻦ ﻳﻠﺘﻘﻮن ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﻣﻌﻠﻮم ،أﻣﺎ اﻟﻴﻮم ﻓﺎﻟﻤﺮوي ﻟﻬﻢ ﺷﺘﺎت ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﺑﺎﻟﻤﻌﻤﻮرة اﻷرﺿﻴﺔ ،رﻫﻂ ﻳﺘﺠﺎﻟﺲ اﻟﺒﻴﺖ واﻟﻤﻘﻬﻰ واﻟﻄﺎﺋﺮة واﻟﺒﺤﺮ واﻟﺤﺪاﺋﻖ واﻟﻤﺰارع ،ﻟﻴﻘﺺ ﻟﻬﻢ )اﻟـﺮاوي( ﻣﺮوﻳﺎﺗﻪ ﻓﻲ
60
اﻟﺮاوي واﻟﻤﺮوي ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻮراﻗﺔ ا9ﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ
د .رﺳﻮل ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل@
وﻗﺖ واﺣﺪ ﻋﺒﺮ أﺛﻴﺮ اﺗﺼﺎﻟﻲ .ﻟﺬا ،ﺗﺮى )اﻟﺮاوي( ﻣﻮﺟﻮ ًدا ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،واﻟﻤﺮوي أﻳﻀً ﺎ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،وﺑﺬﻟﻚ أﺻﺒﺢ )اﻟﺮاوي( ﻣﺘﺎ ًﺣﺎ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ،واﺳﺘﺤﺎل )اﻟﻤﺮوي( ﻣﺘﻴﺴ ًﺮا ﻟﻬﻢ أﻳﻀً ﺎ. ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻮراﻗﺔ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﻟﻢ ﻳﻐﺎدر )اﻟﺮاوي( وﻇﻴﻔﺘﻪ اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ وﻻ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ وﻻ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ اﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ وﺳﻴﻠﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى ،اﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺮوي اﻟﺸﻔﺎﻫﻲ ﻏﺎﺋﺮة اﻟ ِﻘ َﺪم إﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺮوي اﻟﻤﺪ ﱠون ورﻗ ًﻴﺎ ،وﻣﻦ ﺛﻢ إﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﺪوﻳﻦ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﺿﻮﺋ ًﻴﺎ. وﻓﻲ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮاﺣﻞ ،ﺑﻘﻲ )اﻟﺮاوي( ،ذﻟﻚ اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻟﺨﻼق ،ﺑﻘﻲ رﻫﻴﻦ ﻗﻮل اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ،وﻣﺎ اﺧﺘﻠﻒ ﻫﻮ أﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ﻛﺎن ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻟﺴﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﻗﻮل ﺣﻜﺎﻳﺎﺗﻪ ،وﻓﻲ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺟﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﻟﺴﺎﻧﻪ وأﺻﺎﺑﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻷﺧﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﻧﻌﻴﺸﻬﺎ اﻵن ﺻﺎر ﻳﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﻴﺪ واﻟﻨﻈﺮ واﻟﻠﺴﺎن ﻓﻲ إﻃﺎر ﻣﺮﺋﻲ ﻋﺎﺑﺮ اﻟﺤﺪود. ﻛﺎن )ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﻜّﺎء() (2راوﻳًﺎ ﻳﺠﺘﻤﻊ إﻟﻴﻪ ﺻﺒﻴﺔ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻟﻴﻘﺺ وﻇﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻷﻣﺲ ﻣﺴﺘﺨﺪ ًﻣﺎ ﺻﻮﺗﻪ وﻟﺴﺎﻧﻪ أﻣﺎﻣﻬﻢ ،ﱠ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﻨﻮال ﻟﻌﻘﻮد ﻋﺪة ،ﻟﻜﻦ أوﻟﺌﻚ اﻟﻤﺮوي ﻟﻬﻢ وﺟﺪﻫﻢ ﻳﺬﻫﺒﻮن ﻳﻮ ًﻣﺎ إﻟﻰ ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﻘﺮﻳﺔ وﻫﻢ ﻳﺤﻤﻠﻮن دﻓﺎﺗﺮ ورﻗﻴﺔ. وﻓﻲ ﻣﺴﺎء ﺷﺘﺎﺋﻲ وﺟﺪﻫﻢ ﻳﺤﻤﻠﻮن دﻓﺎﺗﺮﻫﻢ إﻟﻰ ﻣﺠﻠﺴﻪ ،وراﺣﻮا ﻳﺪ ﱢوﻧﻮن ﻣﺎ ﻳﺤﻜﻲ ﻟﻬﻢ ،ﻓﺄدرك اﻟﻔﺎرق ﺑﻴﻨﻪ وﻫﻢ ،ﺑﻞ أدرك أﻧﻪ ﺑﺈزاء ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺗﻄﺎﻟﻪ ﻛﺮاو ﺷﻔﺎﻫﻲ ،وﻓﻲ ﺻﺒﺎح ﻳﻮم آﺧﺮ ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻤﺮ ﺑﺴﻮق اﻟﻘﺮﻳﺔ ،وﺟﺪ أﺣﺪ ﻣﺮﻳﺪﻳﻪ ﻳﺠﻤﻊ ﺻﺒﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ وﻳﻘﺮأ ﻟﻬﻢ ﻣﺎ د ّوﻧﻪ ﻣﻦ ﺣﻜﺎﻳﺎت ﻗﺎﻟﻬﺎ ﺷﻴﺨﻪ ﻗﺒﻞ ﻣﺴﺎء ﻓﺎءت ،ﻓﺮاق ﻫﺬا اﻟﻤﺸﻬﺪ ﻟﺸﻴﺨﻨﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﻜّﺎء ،وأﺧﺬ ﻳﺘﺬ ﱠوق ﺣﻼوة َﺟﻬﺪه، ﻟﻜ ّﻨﻪ ﺷﻌﺮ ﺑﺤﺰن ﻏﺎﺋﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ راودﺗﻪ ﻓﻜﺮة ﺑﺄن ﻟﺴﺎﻧﻪ وﺻﻮﺗﻪ ﻏﺎﺑﺎ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ،ﻓﺎﻟﺮوي وﻗﺪ اﺳﺘﺤﺎل ً ﻧﻘﻼ ورﻗ ًﻴﺎ ﻣﺪ ﱠوﻧًﺎ ﻳﻔﺘﻘﺪ إﻟﻰ ﻟﺤﻈﺔ اﻟﺮوي اﻟﺤﻤﻴﻤﺔ واﻷﺻﻴﻠﺔ ﺑﺎﻟﻠﺴﺎن .وﻣﻊ ﻣﺮور اﻷﻳﺎم ﻛﺎن ﺻﺒﻴﺔ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻳﻘﺮأون ﺣﻜﺎﻳﺎﺗﻪ وﻣﺮوﻳﺎﺗﻪ اﻟﻤﺪ ﱠوﻧﺔ ﻓﻲ ﻛﺮارﻳﺴﻬﻢ
ﺑﺎب ﻗﺪﻳﻢ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ
ﺳﻮرﻳﺎ
اﻟﻮاردة ﻓﻲ ﺳﻴﺎق اﻟﻨﺺ ،ﻣﺜﻞ) :ﻋﻄﻴﺎﻧﻮش( و )ﻗﻴﻨﻠﻴﻮس( وﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ، وﻫﻲ ﺳﻮف ﺗﺮﺑﻚ اﻟﻘﺎرئ ﻛﻤﺎ أرﺑﻜﺘﻨﻲ وﻟﻢ أﺟﺪ أﺻﻮﻟﻬﺎ اﻟﻤﺤﺘﻤﻠﺔ، وﻟﻮ ﺑﺸﻜﻞ ﺗﻘﺮﻳﺒﻲ ،ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺳﻮﻋﺎت اﻟﻤﺘﻮاﻓﺮة. ﺗﻤﺘﺎز ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﻄﻮﻟﻬﺎ ،وﻫﺬه ﺳﻤﺔ أﺳﻠﻮﺑﻴﺔ ﻣﺘﻌﺒﺔ ،وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻨﻘﻴﻂ اﻟﺬي ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﻪ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة، ﻟﻴﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺳﻼﺳﺔ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ وإﻳﻀﺎح اﻟﺪﻻﻟﺔ .وﻓﻲ ﻣﺴﺘﻬﻞ ﻛﻠﻤﺘﻲ ﻫﺬه ،ﻟﻢ أﺗﺮدد ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ إﻋﺠﺎﺑﻲ ﺑﻠﻐﺘﻪ وﺣﺴﻦ ﺑﻴﺎﻧﻪ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺰرﻛﻠﻲ ﻓﻲ )اﻷﻋﻼم( ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻘﺎﻻت اﻟﺼﺤﺎﻓﻴﺔ اﻟﻤﻐﺮﺿﺔ ﻗﺎﺋﻼً: » ...وﻛﺎن ﻳﻜﺘﺐ »ﻣﺬﻛﺮات« ﻣﻮﺟﺰة ﻋﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪاﺗﻪ ﻓﻲ رﺣﻼﺗﻪ ،ﺛﻢ ﻳﻌﻬﺪ ﺑﻬﺎ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﻛﺘﺎب اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻴﺼﻮﻏﻮﻧﻬﺎ وﻳﻀﻴﻔﻮن إﻟﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻘﺘﺒﺴﺎت وﻣﺘﺮﺟﻤﺎت ،وﻳﺠﻌﻠﻮﻧﻬﺎ ﻛﺘﺒﺎ ﺗﻨﺸﺮ »ﻣﻦ ﺗﺄﻟﻴﻔﻪ«...اﻟﺦ«. ﻋﻠﻰ أن ﻣﺎ ﻧﺮاه ﻣﻦ ﻃﻼوة أﺳﻠﻮب اﻟﻜﺎﺗﺐ وﻋﺎﻃﻔﺘﻪ اﻟﺼﺎدﻗﺔ وﻣﺘﺎﻧﺔ ﻧﺴﺠﻪ ﺟﺪﻳﺮ ﺑﺎﻹﻋﺠﺎب ،وﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺴﺘﺒﻌﺪ أن ﻳﻜﻮن ﺷﺨﺼﺎ آﺧﺮ وراء ﻛﺘﺎﺑﺘﻪ .وﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ،ﻓﺈن أﻫﻤﻴﺔ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﺗﻌﻔﻲ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻬﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻇﻠﻢ ﻣﺮﻳﺐ ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ أن اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن – ﻛﻤﺎ ﻧﻌﻠﻢ -ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎ ﺗﻨﻄﻖ ﻋﻦ ﻫﻮى ﺷﺨﺼﻲ واﻧﺤﻴﺎز ﺳﻴﺎﺳﻲ ﺟﺎﺋﺮ
إﺑﺮﻳﻖ دﻣﺸﻖ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ ﺳﻮرﻳﺎ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
59 59
śĔŘǚē įĔżĜijē
58
اﻟ ﱢﺮﺣﻠﺔ ﱠ ﺎﻣﻴﱠﺔ 1910 اﻟﺸ ِ
ﺳﻮرﻳﺎ .دﻣﺸﻖ .اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﻣﻮي -ﻣﺌﺬﻧﺔ اﻟﻌﺮوس
ﺗﺮﺑﻴﺘﻪ واﺿﺢ ﻣﺘﻴﻦ ،ﻛﻤﺎ أن ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﺳﻌﺔ وﻋﻤﻴﻘﺔ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻬﻮ أﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻋﻦ اﻟﺘﻌﺼﺐ واﻻﻧﺤﻴﺎز ﻟﻔﺌﺔ أو ﻣﺬﻫﺐ دون آﺧﺮ .إﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺨﻴﺮ ﻟﺠﻤﻴﻊ أﺑﻨﺎء اﻷﻣــﺔ وﻳﺮﺟﻮ ،ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗــﻪ ،أن ﺗﻈﻞ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ﺣﺬرة ﻣﺘﺤﺮرة ﻣﻦ ﺳﻄﻮة اﻷﺟﻨﺒﻲ ،وأن ﺗﺒﻘﻰ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﻷﺟﺪاد وﻗﻴﻤﻬﻢ اﻟﻤﺘﻮارﺛﺔ ،ﻓﻼ ﺗﻨﺠﺮف أﻣﺎم اﻟﺴﻴﻮل اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﺮب ،ﻛﻤﺎ ﺣﺪث اﻷﻣﺮ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ .إن ﻫﺬه اﻹﺷﺎرة اﻟﻬﺎﻣﺔ ﺗﺪل ﻋﻠﻰ ﻓﻄﻨﺔ ﻣﺸﺮﻗﺔ ووﻋﻲ ﻃﻠﻴﻌﻲ ﻋﻤﻴﻖ واﻧﺘﻤﺎء وﻃﻨﻲ راﺳﺦ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻔﺼﺢ ﻋﻦ إﺣﺴﺎس ﻣﺮﻫﻒ ﺑﺎﻟﺨﻄﺮ اﻟﻘﺎدم ﻣﻦ اﻟﺪول اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ وﺑﻌﺜﺎﺗﻬﺎ اﻟﺘﺒﺸﻴﺮﻳﺔ ،وﻫﺠﻮم ﺑﻀﺎﺋﻌﻬﺎ ﻻﺣﺘﻼل أﺳﻮاق اﻟﻤﺸﺮق اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻓﻌﻠﺖ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮب. إن اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻻ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻃﻮﻳﻼ ﻋﻨﺪ ﻫﺬه اﻟﻤﺨﺎوف ،وإﻧﻤﺎ ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻠﻤﺤﺎت ﺧﺎﻃﻔﺔ، ﺗﺎرﻛﺎ ﻟﻠﻘﺎرئ ﻓﻀﺎء رﺣﺒﺎ ﻟﻠﺘﺄﻣﻞ واﺳﺘﺨﻼص اﻟﺪروس ﺑﻨﻔﺴﻪ ،ﺑﻌﻴﺪا ﻋﻦ اﻟﻮﻋﻆ اﻟﻜﻬﻨﻮﺗﻲ اﻟﻤﻤﻞ .وإذا ﻟﻔﺖ اﻧﺘﺒﺎه اﻟﻘﺎرئ أن ﺻﺎﺣﺐ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻳﺮﻛﺰ أﻓﻜﺎره وﺗﻄﻠﻌﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺎﺻﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وأﻧﻪ ﻳﺮى ﻧﻬﻀﺔ اﻟﺒﻼد وازدﻫﺎرﻫﺎ وﻗﻔﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﺋﻼت اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ اﻟﻜﺒﺮى ورﺟﺎﻟﻬﺎ اﻟﻤﺮﻣﻮﻗﻴﻦ ،ﻓﻼ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻧﻨﺴﻰ أﻧﻪ ﻣﻦ اﻷﺳﺮة اﻟﺨﺪﻳﻮﻳﺔ .إﻧﻪ أﺳﻴﺮ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺘﻌﺼﺐ ﻟﺬﻟﻚ ،ﺑﻞ إن ﻣﺤﺒﺘﻪ ﻷﺑﻨﺎء ﻗﻮﻣﻪ وﺑﻼده وأﻣﺘﻪ ﺗﻜﺎد ﺗﻄﻐﻰ ﻋﻠﻰ اﻧﺘﻤﺎﺋﻪ اﻟﻌﺎﺋﻠﻲ وﻣﺤﻴﻄﻪ اﻟﺨﺎص .وﻻ رﻳﺐ أن ﺗﻤﺴﻜﻪ ﺑﺎﻟﻘﻴﻢ اﻟﺮوﺣﻴﺔ واﻟﺨﻠﻘﻴﺔ اﻷﺻﻴﻠﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻓﻌﻪ إﻟﻰ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ دﺧﻴﻠﺔ ﻧﻔﺴﻪ ،أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻓﻌﻪ اﻻﻧﺘﻤﺎء اﻟﻄﺒﻘﻲ اﻟﻤﺘﻌﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻫﻢ دوﻧﻪ. ﺑﺪأ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ ﻫﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻣﻨﻄﻠﻘﺎ ﻣﻦ ﺑﻮر ﺳﻌﻴﺪ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻬﻞ رﺑﻴﻊ .1910وﻟﻢ ﻳﺸﺮ إﻟﻰ اﻟﻤﺪة اﻟﺘﻲ أﻣﻀﺎﻫﺎ ﻣﺘﺠﻮﻻ ﻓﻲ رﺑﻮع ﻟﺒﻨﺎن وﺳﻮرﻳﺔ ﻟﻜﻨﻬﺎ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو ﻣﻦ اﻟﺘﻮارﻳﺦ اﻟﻤﺬﻛﻮرة ﻓﻲ ﺳﻴﺎق اﻟﺮﺣﻠﺔ، ﻟﻢ ﺗﺘﺠﺎوز ﺷﻬﺮا .ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻃﺮف ﻣﺎ ﺻﺎدف اﻷﻣﻴﺮ ﻟﻘﺎؤه ﺑﻤﻦ ﻳﺪﻋﻮه )ﺑﺎﻹﻧﻜﻠﻴﺰي( وﻫﻮ ﺷﺎب ﻣﺤﺘﺎل ،ذو أﻋﺼﺎب ﻣﻀﻄﺮﺑﺔ ،ادﻋﻰ أﻧﻪ ﺧﺒﻴﺮ ﺑﺎﻟﺨﻴﻮل اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻷﺻﻴﻠﺔ ﻃﻤﻌﺎ ﻣﻨﻪ ﺑﺎﺑﺘﺰاز اﻟﺰاﺋﺮ اﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻟﻜﻦ اﻟﺤﺬر واﻟﻔﻄﻨﺔ ﺣﺎﻻ دون اﺳﺘﻤﺮار اﻟﻠﻌﺒﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي اﺳﺘﻐﺮﻗﻪ اﻟﻘﻄﺎر ﻣﻦ ﺑﻴﺮوت إﻟﻰ دﻣﺸﻖ .وﻟﻢ ﻳﺨﺴﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ ﻣﻦ ﺟﺮاء ذﻟﻚ إﻻ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺎل اﻟﺬي ﺟﺎد ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻤﺤﺘﺎل اﻟﻤﺮﻳﺾ. إن اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻳﻘﺪم ﻟﻨﺎ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻣﻜﺜﻔﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻐﻄﻲ داﺋﺮة واﺳﻌﺔ، ﻋﻦ اﻷﺣﻮال اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم وﻋﻦ اﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻟﺰراﻋﻴﺔ واﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺨﺼﻮص ﻓﻲ
أﻫﻢ ﻣﺪن ﻟﺒﻨﺎن وﺳﻮرﻳﺔ .وﻟﻌﻞ اﺳﺘﻘﺒﺎل أﺣﺪ زﻋﻤﺎء اﻟﺪﻧﺎدﺷﺔ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺗﻞ ﻛﻠﺦ ﻏﺮﺑﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺣﻤﺺ ،وﻛﺬﻟﻚ أﺣﺪ زﻋﻤﺎء ﻋﻜﺎر ﻓﻲ ﻃﺮاﺑﻠﺲ ،وﻣﻌﻬﻢ ﻣﻮﻛﺐ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﺳﺎن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺠﻴﺪون اﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ واﻟﻄﺮاد ،ﻛﺎن ﻣﻦ أﺟﻤﻞ اﻟﻌﺮوض اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮي ﺑﺸﻜﻞ ﻋﻔﻮي ﺟﻤﻴﻞ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻷﻣﻴﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﻣﺄﺧﻮذا ﺑﺘﻠﻚ اﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻻت اﻟﺤﺎﻓﻠﺔ ،وﻟﻌﻠﻪ ﺗﺬﻛﺮ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﺗﺮﻛﻪ ﺟﺪه إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﺎﺷﺎ ﻣﻦ آﺛﺎر ﻃﻴﺒﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﻮس ﻋﺸﺎق اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ اﻟﻘﻬﺮ واﻻﺳﺘﺒﺪاد ﺧﻼل اﻟﺤﻤﻠﺘﻴﻦ اﻟﻠﺘﻴﻦ ﻗﺎم ﺑﻬﻤﺎ ﺿﺪ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﻴﻦ ﻓﻲ 1831و ،1839وﻛــﺎن اﻟﻨﺼﺮ ﺣﻠﻴﻔﻪ، ﻓﺄﺛﺎر ﺑﺬﻟﻚ ﻣﺨﺎوف اﻟﺪول اﻷورﺑﻴﺔ وﺑﺪأت اﻟﻀﻐﻮط ﺣﺘﻰ أﺟﺒﺮﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاﺟﻊ. ورﺣﺎﻟﺘﻨﺎ ﻫﺬا ،ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ )(1955 1875- ﻫﻮ اﺑــﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺗﻮﻓﻴﻖ ﺑﻦ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ،ﻣﻦ أﻣﺮاء ﻣﺼﺮ .وﻟﺪ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ،وﺗﻌﻠﻢ ﻓﻴﻬﺎ وﻓﻲ ﺳﻮﻳﺴﺮا .وﻗﺎم ﺑﺮﺣﻼت ﻋﺪﻳﺪة ،وأﺟﺎد اﻟﻠﻐﺎت اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ واﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻳﺔ واﻟﺘﺮﻛﻴﺔ .وﻫﻮ أﺧﻮ اﻟﺨﺪﻳﻮي ﻋﺒﺎس ﺣﻠﻤﻲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وﻗﺪ آﻟﺖ إﻟﻴﻪ وﻻﻳﺔ اﻟﻌﻬﺪ ﻣﺮﺗﻴﻦ :اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﺷﻘﻴﻘﻪ ﻋﺒﺎس ،واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺮزق ﻓﺎروق وﻟﺪا. وﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﺨﺎص ،ﺗﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﻫﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻋﻦ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺼﺪاﻗﺔ وﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﻫﺬا اﻷﻣﻴﺮ .إﻧﻪ ﻳﺮدد أﺳﻤﺎء أﺻﺪﻗﺎﺋﻪ اﻟﺬﻳﻦ اﺳﺘﻘﺒﻠﻮه واﺣﺘﻔﻮا ﺑﻘﺪوﻣﻪ وأﻛﺮﻣﻮا وﻓﺎدﺗﻪ ﺑﻜﻞ ﻣﻮدة ﺣﻤﻴﻤﺔ واﺣﺘﺮام ﻣﺘﺒﺎدل .وﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻷﺻﺪﻗﺎء ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ ﺑﺎﺷﺎ اﻟﺪروﺑﻲ ﻣﻦ ﺣﻤﺺ ،وآل ﻣﻄﺮان ﻓﻲ ﺑﻌﻠﺒﻚ ،وﻓﺨﺮي ﺑﺎﺷﺎ واﻟﻲ ﺣﻠﺐ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻨﺘﻈﺮ ﻗﺪوﻣﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﻄﺔ ،ﻣﻤﺎ ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻗﻮة ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ دون ﺧﻮف ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﻴﻨﺘﻪ ،ﻷن اﻟﺼﺪاﻗﺔ ﻓﻲ ﻧﻈﺮه ﻓﻮق اﻟﻤﻨﺼﺐ. وﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻫﺆﻻء اﻷﻋﻼم ﻧﺎﻇﻢ ﺑﺎﺷﺎ واﻟﻲ ﺑﻐﺪاد واﻟﻤﻮﺻﻞ ودﻳﺎر ﺑﻜﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻓﻲ ﺿﻴﺎﻓﺔ واﻟﻲ ﺣﻠﺐ .وﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﻣﺤﻤﻮد ﺑﻚ ﻣﻦ زﻋﻤﺎء ﻣﺸﺎﻳﺦ اﻟﺪﻧﺎدﺷﺔ ،وﻧﺴﻴﻢ ﺑﻚ ﺟﻨﺒﻼط ﻓﻲ ﺻﻴﺪا. ﻣﻦ اﻟﻤﻼﻣﺢ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺮﻋﻲ اﻻﻧﺘﺒﺎه ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻛﺜﺮة اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ،وﻗﺪ أﺷﺮت ﻓﻲ اﻟﺤﻮاﺷﻲ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﻗﺎﺋﻠﻴﻬﺎ ،رﻏﺒﺔ ﻣﻨﻲ ﻓﻲ أن ﻳﻠﺘﻔﺖ اﻟﺸﺒﺎب إﻟﻰ ﺗﺮاث أﻣﺘﻨﺎ اﻟﺸﻌﺮي .وﻫﻨﺎك ﻟﻤﺤﺎت ﺗﻌﺮﻳﻔﻴﺔ أوردﻫﺎ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻋﻨﺪ زﻳﺎرﺗﻪ ﻛﻞ ﻣﺪﻳﻨﺔ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻣﻮﺛﻘﺔ ،إﻧﻤﺎ اﺳﺘﻘﺎﻫﺎ – ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو – ﻣﻦ اﻟﻤﺮاﺟﻊ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ واﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻴﺴﺮت ﻟﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ،ﻟﻜﻦ ﻣﺮور ﻣﺎ ﻳﻘﺎرب اﻟﻘﺮن ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت أﺿﺎف ﻛﺜﻴﺮا ﻣﻦ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻤﻜﺘﺸﻔﺔ .وﻳﻤﻜﻦ أن أﺿﻴﻒ إﻟﻰ ذﻟﻚ أن اﻟﻜﺎﺗﺐ اﺟﺘﻬﺪ ﻓﻲ ﻟﻔﻆ وﻛﺘﺎﺑﺔ ﺑﻌﺾ اﻷﺳﻤﺎء
دﻣﺸﻖ
ﺷﺒﺎن اﻷﺗﺮاك اﻟﺬي ﻛﺎن ﻛﺘﺐ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﺿﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﺠﺮاﺋﺪ )ﻳﻨﺘﻘﺪ ﻓﻴﻬﺎ( أﺳﺮة ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ «...وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻧﻼﺣﻆ أن اﻟﻘﺒﻀﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺮاﺧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻟﺒﻨﺎن ،ﻃﻮﻋﺎ أو ﻛﺮﻫﺎ ،ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﺪودة ﺻﺎرﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻮرﻳﺔ وﺑﺨﺎﺻﺔ دﻣﺸﻖ اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺪس – اﻟﺠﺴﺮ اﻟﻤﺆدي إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ واﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى. وإذا ﺗﺮﻛﻨﺎ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﺨﻴﻮل ﺟﺎﻧﺒﺎ ،ﻓﺈن اﻫﺘﻤﺎم ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ ،ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ ،ﻳﺒﺪو ﻣﻨﺼﺒﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠﻢ وﺿﺮورة اﻧﺘﺸﺎره ﻣﻌﺒﺮا ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻋﻤﻠﻴﺎ ﺑﺰﻳﺎرة اﻟﻤﺪارس واﻹﺷــﺎدة ﺑﻬﻤﻢ اﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ
ﻣﺴﺠﺪ
وﺗﺸﺠﻴﻊ ﻃﻼﺑﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ أن اﺣﺘﻔﺎءه ﺑﺎﻟﻘﻴﻢ اﻟﺮوﺣﻴﺔ وزﻳﺎرة اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ واﻟﻤﻜﺘﺒﺎت وﻛﺬﻟﻚ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﻤﻌﺎﻟﻢ اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ ﻣﻦ ﺻﺮوح وآﺛﺎر ﻋﻤﺮاﻧﻴﺔ ،واﻧﺸﻐﺎﻟﻪ ﺑﺎﻟﺘﻘﺪم اﻟﺰراﻋﻲ واﻟﺼﻨﺎﻋﻲ واﻟﺘﻜﺎﺗﻒ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﻻ ﻳﻘﻞ أﻫﻤﻴﺔ ﻋﻦ ﺣﺒﻪ ﻟﻠﻌﻠﻢ واﻟﺤﺾ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺼﻴﻠﻪ. وﺟﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ أن ﻫﺬا اﻷﻣﻴﺮ اﻟﺬي ﺗﺮﺑﻰ ﻓﻲ اﻟﺒﻼط اﻟﺨﺪﻳﻮي ،وأﻣﻀﻰ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎﻫﺪ اﻷورﺑﻴﺔ ﺳﻨﻮات ﻃﻮﻳﻠﺔ ،ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺪرﺟﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻣﺜﻠﻰ ﻣﻦ ﺣﺐ اﻟﻮﻃﻦ واﻟﺤﺮص ﻋﻠﻰ ﺳﻼﻣﺘﻪ وأﻣﻨﻪ وﺗﻘﺪﻣﻪ واﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺛﺮواﺗﻪ ﺑﻌﻴﺪا ﻋﻦ أﻃﻤﺎع اﻟﻐﺮﺑﺎء .إن اﻷﺳﺎس اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻟﻌﻠﻤﻲ ﻓﻲ
ﻛﻨﻴﺴﺔ اﻟﻘﺪﻳ ﺲ ﺣﻨﺎﻧﻴﺎ ،دﻣﺸﻖ ،ﺳﻮرﻳﺎ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
57
śĔŘǚē įĔżĜijē ﺑﺎب اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ،ﺳﻮرﻳﺎ.
ﻳﺰور ﻋﺪﻳﺪا ً ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﻘﻠﺔ .وﻟﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﺜﻴﺮ ﻫﺬا اﻟﺤﻠﻢ أو اﻟﻬﺎﺟﺲ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﺮﺟﻞ أﻧﻪ ﻋﺎش ﻣﺴﻜﻮﻧﺎً ﺑﺤﻀﺎرة اﻷﻣﺔ ،وﻫﻮ ﻳﺮﺟﻮ أن ﺗﺴﺘﻌﻴﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻀﺎرة ﻓﻲ أزﻫﻰ ﻋﺼﻮرﻫﺎ اﻟﻤﺠﻴﺪة .وﻻ ﻳﺘﺮك ﻟﺤﻈﺔ ﺗﻔﻮﺗﻪ دون أن ﻳﺬﻛﺮﻧﺎ وﻳﺤﻔﺰﻧﺎ، وﻟﻮ ﺑﺸﻜﻞ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮ ،إﻟﻰ ﺿﺮورة اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻌﻤﻞ واﻟﺘﺂزر ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ذﻟﻚ ،ﻟﻴﺲ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻠﻘﻴﻦ اﻟﻔﺞ واﻟﻤﻮاﻋﻆ اﻟﻔﻘﻬﻴﺔ اﻟﻤﺜﻘﻠﺔ ﺑﺎﻷواﻣﺮ واﻟﻨﻮاﻫﻲ ،إﻧﻤﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻘﺪوة اﻟﺤﺴﻨﺔ وﺿﺮب اﻷﻣﺜﻠﺔ واﻹﺷﺎرات واﻷﺷﻌﺎر اﻟﻜﺜﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﻳﺮددﻫﺎ ﻓﻲ ﺛﻨﺎﻳﺎ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻫﺬا. ﺑﺪأ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ رﺣﻠﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺴﻮﻳﺲ ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻓﻲ 21رﺑﻴﻊ اﻷول 1328ﻫﺠﺮﻳﺔ، اﻟﻤﻮاﻓﻖ اﻷول ﻣﻦ أﺑﺮﻳﻞ/ﻧﻴﺴﺎن 1910 ﻣﻴﻼدﻳﺔ .وﻫﺬه اﻟﻔﺘﺮة ﻣﻦ أﺧﻄﺮ اﻟﻤﺮاﺣﻞ اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪﺗﻬﺎ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ،وﻫﻲ ﺗﺘﻬﻴﺄ ﺳ ﱠﺮا ً ﻟﺨﻮض ﻣﻌﺮﻛﺔ اﻻﺳﺘﻘﻼل، ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﺗﻤﺮ ﺑﻤﺮﺣﻠﺔ اﺣﺘﻀﺎرﻫﺎ ،وﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪ اﻹﻃﺎﺣﺔ ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎن اﻷﺣﻤﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ أﻳﺪي ﻗﺎدة ﺟﻤﻌﻴﺔ اﻻﺗﺤﺎد واﻟﺘﺮﻗﻲ .وﻛﺎﻧﺖ دول اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻷورﺑﻲ ﺗﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺔ ﻟﻘﺐ )اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﺮﻳﺾ( وﺗﺴﻦ أﻧﻴﺎﺑﻬﺎ اﺳﺘﻌﺪادا ﻟﺘﻤﺰﻳﻘﻪ واﻗﺘﺴﺎم أوﺻﺎﻟﻪ ،وﻫﻲ ﺗﺴﺘﻌﺪ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ﻟﺨﻮض اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﻬﺖ وﺑﺎﻻ ﻋﻠﻰ أﻣﺘﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،إذ ﺻﺪر وﻋﺪ ﺑﻠﻔﻮر اﻟﻤﺸﺆوم اﻟﺬى وﺿﻊ اﻷﺳﺎس اﻻﺳﺘﻌﻤﺎري ﻻﻏﺘﺼﺎب ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ، ﻛﻤﺎ أﺑﺮﻣﺖ ﻣﺸﺎرﻳﻊ اﻗﺘﺴﺎم ﺗﺮﻛﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ اﻟﻤﺮﻳﺾ ﺑﺎﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺳﺎﻳﻜﺲ- ﺑﻴﻜﻮ وﺗﻨﻔﻴﺬ ﺑﻨﻮدﻫﺎ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻮاﻗﻊ. وﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ ،ﻻ ﻧﻤﻠﻚ إﻻ أن ﻧﺸﺎرك اﻷﻣﻴﺮ ﺳﺮوره واﺑﺘﻬﺎﺟﻪ وﻫﻮ ﻳﺘﺎﺑﻊ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻣﻦ ﺑﻴﺮوت إﻟﻰ دﻣﺸﻖ ،وﻳﺘﺄﻣﻞ اﻟﻤﻨﺎﻇﺮ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﺨﻼﺑﺔ ﻋﺒﺮ ﻧﺎﻓﺬة اﻟﻘﻄﺎر اﻟﺴﻴﺎﺣﻲ اﻟﺒﻄﻲء ،ﺻﺎﻋﺪا ﺟﺒﺎل ﻟﺒﻨﺎن وﻫﺎﺑﻄﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻴﻤﺮ ﻓﻲ وادي ﺑﺮدى وﻳﺘﻮﻗﻒ ﺑﻴﻦ ﺣﻴﻦ وآﺧﺮ ﻓﻲ ﻣﺤﻄﺎﺗﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﻤﻨﻌﺸﺔ ﺑﺎﻋﺘﺪال ﺟﻮ رﺑﻴﻌﻬﺎ وﻋﺬوﺑﺔ أﻧﺴﺎﻣﻬﺎ اﻟﻨﺪﻳﺔ .ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﺤﺲ ﺑﺎﻷﺳﻒ ﻟﺬﻟﻚ اﻻﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﺒﺎرد اﻟﺬي واﺟﻪ اﻟﺰاﺋﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﻄﺔ ﺑﺪﻣﺸﻖ .ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﺳﺘﻘﺒﺎﻻ ﻣﺴﻴﺌﺎ وﻣﺨﺠﻼ ﻷﺑﻨﺎء دﻣﺸﻖ واﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺤﺪﻳﺪا وﺣﺴﺐ ،إﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﺎﻓﻴﺎ ﻷﺻﻮل اﻟﻀﻴﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻌﺮﻳﻘﺔ ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻹﺳﺎءة ﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻷﺧﻮﻳﺔ اﻟﺤﻤﻴﻤﺔ ﺑﻴﻦ ﺳﻮرﻳﺔ وﻣﺼﺮ .وﻳﺒﺪو أن واﻟﻲ دﻣﺸﻖ ﻛﺎن ﻣﻮﻇﻔﺎ اﻧﺘﻬﺎزﻳﺎ ﻣﺘﻬﺎﻓﺘﺎ وﺟﺒﺎﻧﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺮؤ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻘﺒﺎل ﺣﻔﻴﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ ,ﻣﺆﺳﺲ ﻧﻬﻀﺔ ﻣﺼﺮ ،ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﺳﻄﻮة اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ وزﺑﺎﻧﻴﺘﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ،وإن ادﻋﻰ ،ﻣﻌﺘﺬرا ﻋﻦ ﺗﻘﺼﻴﺮه، أن اﻟﺰﻳﺎرة ﻟﻢ ﺗﻜﻦ رﺳﻤﻴﺔ .ورﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮاﻻة اﻟﻤﺴﺆول اﻟﺪﻣﺸﻘﻲ
56
اﻟ ﱢﺮﺣﻠﺔ ﱠ ﺎﻣﻴﱠﺔ 1910 اﻟﺸ ِ
ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ اﻟﻤﺘﺪاﻋﻴﺔ أﻗﻮى ﻣﻦ ﻣﺮاﻋﺎﺗﻪ ﻟﻌﻼﻗﺎت اﻷﺧــﻮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ .وﻣﻦ اﻟﻤﻮاﻗﻒ اﻟﻨﺒﻴﻠﺔ اﻟﻤﺘﻌﺎﻟﻴﺔ أن اﻷﻣﻴﺮ اﻟﻤﺼﺮي ﻻ ﻳﺬﻛﺮ اﺳﻢ ذﻟﻚ اﻟﻮاﻟﻲ ،وﻟﻌﻠﻪ ﻟﻢ ﻳﺠﺪه ﺟﺪﻳﺮا ﺑﺄن ﻳﻮرد اﺳﻤﻪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻘﻰ ﻧﻜﺮة ﻣﻬﻤﻠﺔ ﻻ ﻳﺴﻤﻊ ﺑﻪ أﺣﺪ .وﻛﺎن ﻋﺰاء اﻟﺰاﺋﺮ أﻧﻪ اﻟﺘﻘﻰ ﺻﺤﺎﻓﻴﺎ دﻣﺸﻘﻴﺎ ﺟﺮﻳﺌﺎ ،وﻟﻢ ﻳﺘﺮدد ذﻟﻚ اﻟﺼﺤﺎﻓﻲ ﻓﻲ إﺑﺪاء اﺳﺘﻌﺪاده ﻟﻨﺸﺮ ﺷﻜﻮى ﺿﺪ اﻟﻮاﻟﻲ وﺣﻜﻮﻣﺘﻪ ،ﻓﻜﺎن ﻳﻌﺒﺮ ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻦ ﻣﺪى اﺳﺘﻴﺎﺋﻪ اﻟﺸﺨﺼﻲ ،ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره واﺣﺪا ﻣﻦ أﻫﺎﻟﻲ دﻣﺸﻖ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺒﺮ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ﻋﻦ اﻟﻮﺿﻊ اﻟﻤﺘﺮدي اﻟﺬي ﺑﻠﻐﺘﻪ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ وﻫﺸﺎﺷﺔ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم، وإن ﻛﺎﻧﺖ اﻟــﺼــﻮرة ﻓﻲ ﺣﻠﺐ وﺑﻴﺮوت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ .وﻫﺬا اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ اﻟﻌﻤﻴﻖ ﻓﻲ اﻟﻤﻮاﻗﻒ ﺑﻴﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ وأﺧﺮى ﻳﺸﻜﻞ ﻋﻼﻣﺔ ﺑﺎرزة ﻣﻦ ﻋﻼﻣﺎت اﺣﺘﻀﺎر ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ،وﺑﺎدرة أﻛﻴﺪة ﻣﻦ ﺑﻮادر اﻧﺤﻼل دوﻟﺘﻬﺎ وﺗﻬﺎﻓﺖ أﻃﺮاﻓﻬﺎ واﻗﺘﺮاب ﻣﻮﻋﺪ زواﻟﻬﺎ. إذا ﺗﺠﺎوزﻧﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎدﺛﺔ اﻟﻄﺎرﺋﺔ ﻓﻲ ﺳﻮء اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ اﻟﺒﺮوﺗﻮﻛﻮﻟﻲ ،ﻧﺮى أن اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻏﻨﻴﺔ ﻧﺎﺟﺤﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺎ ٍح ﻋﺪة .واﻟﻜﺎﺗﺐ ﻳﻮﺿﺢ أﻫﺪاف ﺳﻴﺎﺣﺘﻪ ﻓﻲ ﺳﻮرﻳﺔ ﺑﻘﻮﻟﻪ ...» :ﻛﺎن اﻟﻘﺼﺪ ﻣﻨﻬﺎ أوﻻ ﻳﺪور ﺣﻮل ﺛﻼﺛﺔ أﻏﺮاض ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻨﻬﺎ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺴﺎﻓﺮ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ،اﻷول :ﺗﺒﺪﻳﻞ اﻟﻬﻮاء ﻃﻠﺒﺎ ﻟﻠﺼﺤﺔ واﻟﻌﺎﻓﻴﺔ ،واﻟﺜﺎﻧﻲ :ﻣﺸﺎﻫﺪة ﻣﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺪن اﻟﺸﻬﻴﺮة ﻓﻲ ﺳﻬﻮل اﻟﺸﺎم وﻋﻠﻰ ﺟﺒﺎل ﻟﺒﻨﺎن ،واﻟﺜﺎﻟﺚ :اﻻﻃﻼع ﻋﻠﻰ ﻛﺮاﺋﻢ اﻟﺨﻴﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﺸﺎﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺎز ﺑﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﺒﻼد ﻣﻨﺬ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ؛ وﻗﺪ ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻤﻘﺼﺪ اﻷﺧﻴﺮ ﻣﻦ أﻫﻢ ﺑﻮاﻋﺚ اﻟﺴﻔﺮ وأﻋﻈﻢ أﺳﺒﺎﺑﻪ«... ﻟﻢ ﻳﺼﺎدف اﻷﻣﻴﺮ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺮﺟﻮ ﻣﻦ اﻟﺨﻴﻮل اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻷﺻﻴﻠﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﺗﺮك ﻟﻨﺎ أﺛﺮا أدﺑﻴﺎ ﻣﻌﺒﺮا ﺑﺼﺪق – وإن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺻﺮﻳﺤﺎ وﻣﺒﺎﺷﺮا -ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻬﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ،وﻫﻲ ﺗﻐﻠﻲ ﺑﺎﻟﻨﻘﻤﺔ اﻟﻤﻜﺒﻮﺗﺔ اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺴﻄﺢ ﺿﺪ اﻻﺳﺘﺒﺪاد اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ،وﺗﻨﺘﻈﺮ اﻧﺪﻻع ﺷﺮارة اﻟﺜﻮرة وﺗﻌﺪ اﻟﻌﺪة ﻟﻬﺎ ،ﺛﻢ ﺟﺎءت اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻟﺘﻬﻴﺊ اﻟﻤﻨﺎخ اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻻﻧﺘﺰاع اﻻﺳﺘﻘﻼل اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ أن ﻓﺘﺢ اﻷﺑﻮاب ﻣﺮﻏﻤﺎ أﻣﺎم أﻣﻮاج اﻟﻬﺠﺮة اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ إﻟﻰ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﻓﻲ ﻇﻞ اﻻﺣﺘﻼل اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ واﻻﻧﺘﺪاب اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ اﻟﺪاﻋﻢ ﻟﻪ واﻟﻤﺘﻮاﻃﺊ ﻣﻌﻪ. وﻳﻜﻔﻲ ﻫﻨﺎ أن ﻧﺸﻴﺮ إﻟﻰ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻓﻲ أﺛﻨﺎء زﻳﺎرﺗﻪ ﻟﻠﻤﺪرﺳﺔ اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ واﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻤﺎروﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻴﺮوت ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى. ﻓﻲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻷوﻟﻰ رﻓﺾ ﻫﺬا اﻷﻣﻴﺮ اﻟﺸﻬﻢ أن ﻳﻨﺼﺎع ﻟﻤﺎ ﺟﺮت ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻌﺎدة ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺰﻳﺎرة ،وﻓﻲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ أﺻﻐﻰ ﺑﺈﻋﺠﺎب إﻟﻰ أﺣﺪ رﺟﺎل اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲ وﻫﻮ ﻳﺮد ﺑﺠﺮأة وﺻﺮاﺣﺔ »ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ
ﻣﺒﻨﻰ ﺗﺎرﻳﺨﻲ ﺑﻨﻲ ﻓﻲ 1554ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ
اﻟﺠﺎﻣ ﻊ اﻷﻣﻮي ،د
ﻣﺸﻖ ،ﺳﻮرﻳﺎ
ﺑﺄزﻫﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻗﺼﺺ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻨﺬ ﺟﻴﺎد اﻟﻔﺘﺢ اﻷوﻟﻰ وﺣﺘﻰ ﺟﻮاد اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺤﺮر ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻧﺠﺔ .وﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻀﻴﻒ إﻟﻰ ذﻟﻚ ﺗﻤﺴﻜﻪ ﺑﺎﻟﻘﻴﻢ واﻟﻤﺜﻞ اﻟﻌﻠﻴﺎ وﻣﺮاﻋﺎة اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ أﻫﻤﻴﺔ اﺳﺘﻤﺮارﻫﺎ ﻓﻲ ﺗﻨﺸﺌﺔ اﻷﺟﻴﺎل واﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ. إﻧﻬﺎ رﺣﻠﺔ أﻣﻴﺮ رﺣﺎﻟﺔ ﻳﻌﺸﻖ اﻟﺨﻴﻞ واﻟﺒﻄﻮﻟﺔ واﻟﻄﺮاد واﻷﺳﻔﺎر ،ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺸﻖ اﻟﻌﻠﻢ واﻷدب واﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﻫﻮ ﻳﺤﻠﻢ أن ﻳﺮى أﻣﺘﻪ ﻓﻲ ﻃﻠﻴﻌﺔ اﻷﻣﻢ ﻋﺰ ًة واﺗﺤﺎدا ً وﺗﻘﺪﻣﺎً وازدﻫﺎرا ً .وﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ ،اﻟﻤﺜﻘﻒ اﻟﺬي ﻗﺎم ﺑﻬﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ رﺣﺎﻟ ًﺔ ﻋﺎدﻳﺎٍّ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻐﺎﻣﺮا ً ﻣﻮﻟﻌﺎً ﺑﺎﻟﺴﻔﺮ واﻟﺴﻴﺎﺣﺔ وﺣﺴﺐ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﻣﺜﻘﻔﺎً ﻋﺮﺑﻴﺎٍّ ﻛﺒﻴﺮا ً ﻓﻲ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ اﻟﻘﻮﻣﻲ وﺑﻴﺎﻧﻪ اﻟﻤﺘﺄﻟﻖ وﻃﻤﻮﺣﻪ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻛﺬﻟﻚ .وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﺬه رﺣﻠﺘﻪ اﻷوﻟﻰ ،وﻫﻲ ﻟﻴﺴﺖ اﻷﺧﻴﺮة ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ. ﻛﺎن ﻳﻌﺮف اﻟﺒﻼد اﻷورﺑﻴﺔ وأﺣﻮاﻟﻬﺎ ﺟﻴﺪا ،ﻓﻘﺪ ﻗﻀﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﺻﻴﻔﺎً – ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل – ﻃﺎﻟﺒﺎً وﺳﺎﺋﺤﺎً وﺑﺎﺣﺜﺎً ﻣﺴﺘﻜﺸﻔﺎً .ﺛﻢ ﻗﺎم ﺑﺰﻳﺎرة اﻟﺼﻴﻦ واﻟﻴﺎﺑﺎن وﻛﺘﺐ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﺑﺎﻟﺘﻔﺼﻴﻞ .وﻻ رﻳﺐ أﻧﻪ ،ﺧﻼل ﺗﻠﻚ اﻷﺳﻔﺎر اﻟﻐﻨﻴﺔ اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ،ﻛﺎن ﻳﺤﻠﻢ أن
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
55
śĔŘǚē įĔżĜijē اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻣﻦ دﻣﺸﻖ ،ﺳﻮرﻳﺎ
ﺷﺎرع ﻓﻲ دﻣﺸﻖ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﺮج اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﻣﻮي ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ،ﺳﻮرﻳﺎ
ﻋﻠﻲ ﻛﻨﻌﺎن
ﻛﻞ ﻳﻮم »ﻻ ﺷﻚّ أنّ اﻻﻧﻘﻼب اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟّﺬي أدرﻛﻨﺎه ،وﻻ ﻧﺰال ﻧﺪرﻛﻪ ّ ﻓﻲ ﺟﺰء ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﺮق ،وﻧﺘﺄﻟّﻢ ﻣﻨﻪ ،ﺧﺼﻮﺻﺎً ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،ﺑﺴﺒﺐ ﻛﺜﺮة اﻷﺟﺎﻧﺐ واﻧﺘﺸﺎرﻫﻢ ﻓﻲ ﻋﻤﻮم اﻟﻘﺮى واﻟﺤﻮاﺿﺮ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ،ﻫﺬا اﻻﻧﻘﻼب ﻳﺒﺪل ﻣﻦ ﻃﻤﺄﻧﻴﻨﺘﻨﺎ ﻗﻠﻘﺎ وﻣﻦ ﺻﺒﺮﻧﺎ ﺟﺰﻋﺎ ،وﻳﺠﻌﻠﻨﺎ داﺋﻤﺎً ﻓﻲ ﺧﻮف ﺷﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻞ ﺑﻼد ﺳﻮرﻳﺔ ) (...ﻓﻘﺪ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ أن اﻟﺘﻤﺪّ ن اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻣﺎ دﺧﻞ ﺟﻬﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺎت إﻻ وﻏ ّﻴﺮ ﻣﻌﺎﻟﻤﻬﺎ ،وﺑﺪّ ل ﺷﺆوﻧﻬﺎ ،وﻗﻀﻰ ﻋﻠﻰ أﺧﻼﻗﻬﺎ وﻋﻮاﺋﺪﻫﺎ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﺎ .«.ﻣﻦ ﻧﺺ اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺸﺎﻣﻴﺔ ﻟﻸﻣﻴﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ 1910م.
أول ﻣﺎ ﻳﻠﻔﺖ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ أن ﻛﺎﺗﺒﻬﺎ ﻣﻮﻟﻊ ﺑﺎﻟﺠﻴﺎد اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻷﺻﻴﻠﺔ وﺧﺒﻴﺮ ﺑﺘﻤﻴﻴﺰ ﺟﻴﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﻋﺎدﻳّﻬﺎ ،ووراء رﺣﻠﺘﻪ ﻫﺬه إﻟﻰ اﻟﺸﺎم رﻏﺒﺔ ﻋﺎرﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ ﺟﻴﺎد أﺻﻴﻠﺔ وﺻﻔﻬﺎ ﻟﻪ أﺻﺪﻗﺎء ،وﺣ ّﺪﺛﻮا ﻋﻦ وﺟﻮدﻫﺎ ﻫﻨﺎك .ﻣﻦ ﻫﻨﺎ رﺑﻤﺎ ﻳﺘﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﻣﺪى ﺣﺮﺻﻪ ﻋﻠﻰ اﻹﻋﻼء ﻣﻦ ﺷﺄن ﻫﺬا اﻟﺮﻣﺰ/اﻟﺠﻮاد اﻟﺬي ارﺗﺒﻂ وﺟﻮده ،ﺷﻌﺮا وﻓﺮوﺳﻴﺔ وأﺧﺒﺎرا،
54
اﻟ ﱢﺮﺣﻠﺔ ﱠ ﺎﻣﻴﱠﺔ 1910 اﻟﺸ ِ
Í Ëí ¡ ì ¥
ﺳﻌ ًﻴﺎ وراء اﻟﺠﻴﺎد اaﺻﻴﻠﺔ
اﻟ ﱢﺮﺣﻠﺔ ﱠ ﺎﻣ ﱠﻴﺔ ١٩١٠ اﻟﺸ ِ اaﻣﻴﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ
ﻳُ ﻨﴩ ﻫﺬا اﻟﺒﺎب ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ اﳌﺮﻛﺰ اﻟﻌﺮيب ﻟﻸدب اﻟﺠﻐ ﺮاﰲ »ارﺗﻴﺎد اﻵﻓﺎق« -أﺑﻮﻇﺒﻲ -ﻟﻨﺪن اﻟﺬي ﻳﺮﻋﺎه اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﺴﻮﻳﺪي
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
53
وﺟﻬﺔ ﺳﻔﺮ
»اﻟﺘﻠﻔﺮﻳﻚ« ..اeول! ﻓﻨﺪق »ﺳﺎن ﺟﻮرج« ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﺠﺰاﺋﺮ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ واﺣﺪ ﻣﻦ أﻓﺨﻢ ﻓﻨﺎدﻗﻬﺎ ،ﻛﺎن ﺳﺠ ًﻨﺎ ﺣﺮﺑ ًﻴﺎ اﺳﺘﻐﻠﻪ اﻟﻤﺤﺘﻞ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻟﻌﻘﻮد ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،اﻟﻐﺮف ﻟﻴﺴﺖ ﺿﻴﻘﺔ ،وﻃﺮﻗﺎﺗﻪ ﻛﺬﻟﻚ ،واﻟﺤﺪاﺋﻖ ﺣﻮﻟﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ اﺗﺠﺎه ،ﻛﻤﺎ ﻳﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎﻇﺮ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ راﺋﻌﺔ؛ ﻣﺎ ﺷﻜﻜﻨﻲ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﻘﻼ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،إﻻ إذا ﻛﺎن اﻟﻐﺮض ﻣﻦ إﻧﺸﺎﺋﻪ ﻫﻮ ً أﻣﺮ ﻛﻮﻧﻪ اﻟﺘﺮﻓﻴﻪ ﻋﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﻴﻦ ،ﺗﻠﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﻣﻐﻠﻮﻃﺔ ،ﻻ أدري ﻣﻦ اﻟﺬي أﻓﺘﻰ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ رﻓﻘﺎء اﻟﺮﺣﻠﺔ ،ﻓﺤﻴﻨﻤﺎ ﺑﺤﺜﺖ ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻤﻜﺎن ﻋﻠﻰ ﺷﺒﻜﺔ اﻹﻧﺘﺮﻧﺖ وﺟﺪت ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻣﻐﺎﻳﺮة ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻔﻨﺪق ﻗﺼ ًﺮا ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،اﺳﺘﻐﻠﺘﻪ ﻗﻮات اﻟﺤﻠﻔﺎء ﻓﻲ زﻣﻦ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻘ ًﺮا ﻟﻠﻘﻴﺎدة اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻋﺎد ﻓﻨﺪﻗًﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ! داﺧﻞ اﻟﻤﺮﺑﻊ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺬي ﻳﺤﺘﻠﻪ اﻟﻔﻨﺪق ﻣﺮﺗﻔﻌﺎت وﻣﻨﺨﻔﻀﺎت، ﺗﺌﻦ اﻟﺴﻴﺎرة وﻫﻲ ﺗﺼﻌﺪ ،ﻛﺬﻟﻚ أﻧّﺖ ﻗﺪﻣﺎي ،واﺿﻄﺮرت إﻟﻰ إﻣﺎﻟﺔ ﺟﺴﺪي إﻟﻰ اﻷﻣﺎم ﻛﺜﻴ ًﺮا وأﻧﺎ أﺣﺎول اﻟﺼﻌﻮد ﻧﺤﻮ اﻟﺒﺎﺣﺔ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻟﻠﻔﻨﺪق ﻓﻲ رﺣﻠﺔ اﻟﻌﻮدة ﻣﻦ ﺗﺴﻜﻊ ﺳﻴ ًﺮا ﺑﺼﺤﺒﺔ ﺻﺪﻳﻖ ﻟﻲ. ﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺬي ﻗﺮرﻧﺎ ﻓﻴﻪ اﻟﺘﺠﻮل اﻟﺤﺮ ﻫﺬا ،ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻣﻠﺖ ﺟﺴﺪي ﻟﻠﺼﻌﻮد ،ﺧﺮﺟﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﺎرع ،وﺳﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﻫﺪى ،اﻟﺒﺤﺮ ﻗﺮﻳﺐ، ﻟﻜﻦ ﺑﻼ ﺷﻮاﻃﺊ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪام ،ﺗﺮﻛﻨﺎ اﻟﺸﻮارع اﻟﻤﺘﺴﻌﺔ ﻟﻨﻨﺤﺮف إﻟﻰ أزﻗﺔ ﺻﺎﻋﺪة وﻫﺎﺑﻄﺔ ،ﻻ ﻧﻌﺮف أﺳﻤﺎءﻫﺎ ،وﻻ إﻟﻰ أﻳﻦ ﺗﺄﺧﺬﻧﺎ .ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻟﻨﻮاﺻﻲ اﻟﺘﻲ ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﻬﺎ ﻛﺎن ﻳﻘﻒ ﺷﺒﺎب ﻛﺜﻴﺮون، ﻻ أدري ﻟﻤﺎذا ﺷﻌﺮت أن ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺘﺤﻔﺰ ﺗﺮﺗﺴﻢ ﻋﻠﻰ وﺟﻮﻫﻬﻢ ،رﺑﻤﺎ ﻫﻮ إﺣﺴﺎس داﺧﻠﻲ ،ﺻﻨﻌﺘﻪ أوﻫﺎﻣﻲ ،وﺣﻜﺎﻳﺎت آﺧﺮﻳﻦ ،أو رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ أﺧﺒﺎر ﻛﺮة اﻟﻘﺪم ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺻﻮرت ﻟﻲ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ؛ اﻟﺠﻤﻬﻮر اﻟﺠﺰاﺋﺮي ﻣﺘﺤﻤﺲ إﻟﻰ ﺣﺪ اﻟﻌﻨﻒ أﺣﻴﺎﻧًﺎ. ﺳﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﻫﺪى ،ﻣﺒﺘﻌﺪﻳﻦ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة أﻣﺎﻣﻲ ﺗﻠﻮح ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ :ﻫﻨﺎك ﻓﻲ اﻷﻓﻖ ﻳﺒﺪو اﻟﺘﻠﻔﺮﻳﻚ ﻫﺎﺑﻄًﺎ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن ﻣﺮﺗﻔﻊ، ذاﻫﺒًﺎ إﻟﻰ ﻣﻜﺎن ﻟﻢ أﺗﺒﻴﻨﻪ ،ﺻﺎر اﻟﺨﻂ اﻟﺬي ﺑﺪا ﻟﻲ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ
52
ﻣﺤﻤﻮد ﺷﺮف@
ﻫﻮ اﻟﻬﺪف اﻟﺬي ﻧﺴﻌﻰ وراءه ،ﻓﻠﻢ أﻛﻦ ﻗﺪ اﺳﺘﺨﺪﻣﺘﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ، وﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﺻﺪﻳﻘﻲ ،ﻇﻠﻠﻨﺎ ﻧﺘﺘﺒﻊ ﻣﺴﺎره ،ﻧﻤﺮ ﻣﻦ ﺣﻮار وأزﻗﺔ، ﺛﻢ ﺗﻔﻀﻲ ﺑﻨﺎ ﻫﺬه إﻟﻰ ﺷﻮارع واﺳﻌﺔ ،ﺣﺘﻰ وﺟﺪﻧﺎ أﻧﻔﺴﻨﺎ أﻣﺎم ﺳﺘﺎد ﻟﻜﺮة اﻟﻘﺪم ،وأﻣﺎﻣﻪ ﺗﺼﻄﻒ ﻃﻮاﺑﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺠﻌﻴﻦ ،ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺤﻤﻠﻮن أﻋﻼ ًﻣﺎ زاﻫﻴﺔ ،واﺿﺢ أﻧﻬﻢ ﻳﻨﺘﻈﺮون ﻣﻮﻋﺪ اﻟﺪﺧﻮل ،ﺳﺤﺒﺖ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﻣﻦ ﻳﺪه ﻣﻨﺤﺮﻓﻴﻦ ﻋﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﺸﻜﻞ ﺣﺎد ،اﺿﻄﺮرت ﻟﺠ ّﺮﻩ ﺗﻘﺮﻳ ًﺒﺎ ،ﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﺤﻆ أن ﻣﻘﻬﻰ ﻛﺎن ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻨﺎ ،دﻟﻔﻨﺎ إﻟﻴﻪ ،ﺟﻠﺴﻨﺎ ،وأﺧﺒﺮﺗﻪ ﺑﺼﻮت ﺧﻔﻴﺾ أن ﻟﻬﺠﺘﻨﺎ ﺳﺘﻜﺸﻒ ﻫﻮﻳﺘﻨﺎ ﻟﻮ أن أﺣﺪﻫﻢ ﺳﻤﻌﻨﺎ ،وﻟﺴﺖ أدري ﻛﻴﻒ ﺳﺘﻜﻮن اﻟﻌﻮاﻗﺐ ﻟﻮ أن ﻫﺬا اﻟﺠﻤﻬﻮر ﻟﻪ ﺛﺄر ﻣﺎ ﻋﻨﺪ أﺣﺪ اﻟﻔﺮق اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ .ﻫﻞ ﻫﻲ اﻟﻔﻮﺑﻴﺎ؟ ﻗﻠﻴﻼ ،ﻛﺎن اﻟﺮواد ﻣﻦ اﻟﻌﺠﺎﺋﺰ ،ﻳﻘﻠﺐ ﻟﺴﺖ أدري .ﻫ َﺪأَ روﻋﻲ ً ﻣﻌﻈﻤﻬﻢ ﻓﻲ ﺟﺮاﺋﺪ دوﻧﻤﺎ اﻛﺘﺮاث ،وﻳﺤﺘﺴﻮن رﺷﻔﺎت ﻛﻞ ﺣﻴﻦ ﻣﻦ أﻗﺪاح اﻟﺸﺎي اﻷﺧﻀﺮ أﻣﺎﻣﻬﻢ .ﻫﺪأ اﻟﻀﺠﻴﺞ ﺑﺎﻟﺨﺎرج ،ﺗﺮﻛﻨﺎ اﻟﻤﻘﻬﻰ واﻧﻄﻠﻘﻨﺎ ﻣﺠﺪ ًدا ﻧﺤﻮ وﺟﻬﺘﻨﺎ اﻟﻌﺸﻮاﺋﻴﺔ ﺗﻠﻚ ،واﺷﺘﺮﻳﻨﺎ ﺗﺬﻛﺮﺗﻴﻦ .إﺣﺴﺎس راﺋﻊ ﺗﻤﻠﻜﻨﻲ وأﻧﺎ أﺷﺎﻫﺪ اﻟﺤﻴﺎة أﺳﻔﻞ ﻣﻨﺎ؛ اﻟﺸﻮارع ،اﻟﺒﺸﺮ ،اﻟﺴﻴﺎرات ،ﺗﺘﻀﺎءل ﻛﻠﻤﺎ ارﺗﻔﻌﺖ ﻋﺮﺑﺔ اﻟﺘﻠﻔﺮﻳﻚ، ﻛﻨﺖ ﻣﺄﺧﻮذًا ﺑﺎﻟﻤﺸﻬﺪ ،رﻏﻢ أن ﺻﺪﻳﻘﻲ ﻟﻢ ﻳﻌﺠﺒﻪ اﻷﻣﺮ ﺑﺮﻣﺘﻪ، رأى أﻧﻨﺎ ﺳﺮﻧﺎ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺑﻼ ﺟﺪوى! ﺗﺄﻛﺪ ﻟﻲ أن اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻣﺬاﻗﻬﺎ ﺑﺤﺴﺐ اﺳﺘﻌﺪاد اﻟﺸﺨﺺ اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻟﻬﺎ ،وﺗﺄﻫﺒﻪ ﻟﺘﻠﻘﻲ واﻛﺘﻨﺎز ﻣﻌﺎرف ﺟﺪﻳﺪة ،ﻻ ﻳﺘﻌﻠﻖ اﻷﻣﺮ ﻗﻂ ﺑﺮوﻋﺔ أو رداءة اﻟﻤﻜﺎن ،وأﻧﺎ أﺣﺒﺒﺖ اﻟﺠﺰاﺋﺮ! *ﺷﺎﻋﺮ وإﻋﻼﻣﻲ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ
اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ واﻟﺘﺠﺎر واﻟﺒﺤﺎرة واﻟﻤﺎرﻳﻦ ﻋﺒﺮ ﺟﺰر اﻷرﺧﺒﻴﻞ. وﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻤﻴﻼوﻳﺔ ﺟﺎء اﻹﺳﻼم ﺑﺮﺳﺎﻟﺘﻪ إﻟﻰ اﻟﺒﻼد ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺨﺪﻣﻬﺎ اﻟﻤﺒﺸﺮون واﻟﻜﻬﺎن اﻟﺒﺮﺗﻐﺎﻟﻴﻮن وﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﻢ اﻟﻘﺴﺎوﺳﺔ اﻟﻬﻮﻟﻨﺪﻳﻮن ﻟﺘﻨﺼﻴﺮ اﻟﺴﻜﺎن اﻟﻤﺤﻠﻴﻴﻦ ودﻋﻮﺗﻬﻢ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ. وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﻤﻴﻼوﻳﺔ ﻫﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻷﺻﻠﻴﺔ ﻟﻸﺟﺰاء اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻓﻲ ﺟﺰﻳﺮة ﺳﻮﻣﻄﺮة واﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺴﺎﺣﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ ﻛﻠﻴﻤﺎﻧﺘﻦ ﻻ ﺗﻤﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻠﻐﺔ أي ﻋﻘﻴﺪة أو دﻳﺎﻧﺔ أو ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻋﺮﻗﻴﺔ إﻧﺪوﻧﺴﻴﺔ ﻣﺤﺪدة ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺮى أﻫﻞ اﻟﺒﻼد أن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺠﺎوﻳﺔ ﻣﺎزاﻟﺖ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﻓﻰ أذﻫﺎﻧﻬﻢ ﺑﺎﻟﻬﻴﻤﻨﺔ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺎرﺳﻬﺎ ﺟﺰﻳﺮة ﺟﺎوا ﻋﻠﻰ اﻷرﺧﺒﻴﻞ. وﻓﻰ ﻇﻞ اﻟﺴﻴﺎق اﻟﺴﺎﺑﻖ َﺧﻠُﺼﺖ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ إﻟﻰ اﻋﺘﻤﺎد اﻟﻤﻴﻼوﻳﺔ ﺑﻨﺴﺨﺘﻬﺎ »ﺑﺎﻫﺎﺳﺎ إﻧﺪوﻧﻴﺴﻴﺎ« ﻛﻠﻐﺔ رﺳﻤﻴﺔ ﻟﻠﺒﻼد ﺑﻌﺪ إذﻋﺎن ﻣﻤﺜﻠﻲ اﻟﻄﻮاﺋﻒ اﻟﻨﺎﻃﻘﺔ ﺑﺎﻟﺠﺎوﻳﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻋﺒﺮت اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت اﻹﺛﻨﻴﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ اﺳﺘﻌﺪادﻫﺎ ﻟﻠﺘﻀﺤﻴﺔ ﺑﺄﻣﺠﺎدﻫﺎ اﻟﻌﺮﻗﻴﺔ وﺗﺮاﺛﻬﺎ اﻟﻠﻐﻮي ﻓﺪا ًء ﻟﻠﻮﺣﺪة اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺎﺗﺖ ﺿﺮورة ﻣﻠﺤﺔ، وﻳﺴﺮي ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎﻃﻘﻴﻦ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﺠﺎوﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎم اﻷول. وﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻘﺪ ﺧﺎﺿﺖ ﺗﻜﺘﻼت ﻃﻼﺑﻴﺔ ﺟﺎوﻳﺔ ﻓﻲ ﻫﻮﻟﻨﺪه إﺑﺎن ﻋﺸﺮﻳﻨﻴﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ إﺣﻴﺎء اﻟﻠﻐﺔ واﻟﺘﺮاث اﻟﺠﺎوي وﻟﻜﻨﻬﻢ أﻋﺮﺿﻮا ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ وﺷﺎرﻛﻮا رﻓﺎﻗﻬﻢ ﻣﻦ »ﺟﺰر اﻟﻬﻨﺪ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ« ﻓﻲ اﻟﺴﻌﻰ ﻹﻗﺎﻣﺔ ﻧﻬﻀﺔ وﻃﻨﻴﺔ إﻧﺪوﻧﻴﺴﻴﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ. وﻋﻠﻰ ﻏﺮار ﻣﺎ ﻗﺎم ﺑﻪ اﻟﻮﻃﻨﻴﻮن اﻟﺮواد ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ أرﺟﺎء اﻟﺠﺰر اﻹﻧﺪوﻧﻴﺴﻴﺔ ﻓﻘﺪ رﺣﺐ أﻧﺼﺎر اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء ﺟﺰﻳﺮة ﺟﺎوا ﺑﻨﺸﺮ ﻟﻐﺔ »ﺑﺎﻫﺎﺳﺎ إﻧﺪوﻧﻴﺴﻴﺎ« و أﺑﺪوا ﺳﻌﺎدﺗﻬﻢ ﻟﺬﻟﻚ. ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺒﺮﻳﺮ اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ اﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﺠﺎوﻳﻴﻦ وﺗﺴﺎﻣﺤﻬﻢ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﺷﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﺷﻴﻢ اﻟﻜﺮم وﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪو أﻧﻬﻢ آﺛﺮوا اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﺑﺈﺣﺪى ﻗﻄﻊ اﻟﺸﻄﺮﻧﺞ )اﻟﻠﻐﺔ( أﺛﻨﺎء اﻟﻠﻌﺐ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻛﺴﺐ اﻟﻤﺒﺎراة ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﺨﻠﻮا ﻋﻦ ﻟﻐﺘﻬﻢ ﺑﻬﺪف اﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﻠﻰ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺔ اﻹﻧﺪوﻧﻴﺴﻴﺔ ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ ،وﻟﻘﺪ ﻧﺠﺢ اﻟﺠﺎوﻳﻴﻮن )اﻷﺟﺎوﻳﻮن( ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﻲ إﺣﻜﺎم وﺗﻌﺰﻳﺰ ﻗﺒﻀﺘﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻷرﺧﺒﻴﻞ اﻹﻧﺪوﻧﻴﺴﻲ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ. وﻟﻘﺪ ﻧﺠﺢ اﻟﻬﻮﻟﻨﺪﻳﻮن ﻓﻲ أواﺧﺮ اﻷرﺑﻌﻴﻨﻴﺎت ﻓﻲ إﺛﺎرة ﺑﻌﺾ ﻣﺤﺎوﻻت اﻟﺘﻤﺮد اﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﺿﺪ اﻟﺠﺎوﻳﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻇﻠﻮا ﻓﻲ ﺳﺪة اﻟﺤﻜﻢ ﻃﻮال ﻋﻬﺪ ﺳﻮﻫﺎرﺗﻮ اﻟﺬي ﺳﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻼد ﻃﻴﻠﺔ ﻧﺼﻒ ﻗﺮن. وﻣﻨﺬ زﻣﻦ ﻟﻴﺲ ﺑﺒﻌﻴﺪ ﻋﻤﺖ ﺣﺮﻛﺎت اﻻﻧﻔﺼﺎل ﻓﻲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﺰر وﺳﻌﻰ ﻧﻈﺎم اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﺎل إﻟﻰ ﺗﻬﺪﺋﺔ اﻟﻤﺘﻤﺮدﻳﻦ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺗﻤﺎﺳﻚ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ .وﻗﺪ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺟﺎوا أن ﺗﻬﻴﻤﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﻟﻴﺪ اﻷﻣﻮر ﻣﻦ دون اﻋﺘﺮاض ﻣﻦ أﺣﺪ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﻘﺒﻞ اﻟﺠﺎوﻳﻴﻮن ﻧﺸﺮ ﻟﻐﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻐﺘﻬﻢ ﻋﺒﺮ ﺟﻤﻴﻊ أرﺟﺎء اﻟﺒﻼد .وﺑﻴﻨﻤﺎ
ﺗﺮاث اﻟﻠﻐﺔ
اﺳﺘﻄﺎع اﻟﻘﺎدة اﻟﺠﺎوﻳﻴﻮن ﺑﻤﺎ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻧﻈﺮ وﺑﺼﻴﺮة اﻟﺘﻮﺻﻞ إﻟﻰ ﺻﻴﻐﺔ ﺗﻔﺎﻫﻢ ﻣﻊ اﻵﺧﺮﻳﻴﻦ ،ﻓﻘﺪ ﻓﺸﻠﺖ اﻟﻨﺨﺐ اﻻﻗﻠﻴﻤﻴﺔ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻰ ﻣﺮت ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻈﺮوف ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺴﺘﻘﻠﺔ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﻓﻰ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﻤﻮﻗﻒ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ واﻟﻜﺮم * رﺋﻴﺲ ﻗﺴﻢ اﻷدب اﻻﻧﺠﻠﻴﺰي ،ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻹﻣﺎرات
ﻫﻮاﻣﺶ: - 1اﻟﻠﻐﺎت اﻟﻤﻨﺘﺸﺮة ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان واﻟﺠﺰر اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﺤﻴﻄﺎت ﺑﺪ ًءا ﻣﻦ ﻣﺪﻏﺸﻘﺮ ﻏﺮﺑًﺎ ﺣﺘﻰ أﻗﺼﻰ ﺷﺮق اﻟﻜﺮة اﻷرﺿﻴﺔ وﺗﻀﻢ دوﻻً ﻣﺜﻞ ﺗﺎﻳﻮان واﻷرﺧﺒﻴﻞ اﻹﻧﺪﻧﻮﻧﻴﺴﻲ واﻟﺪول اﻟﻨﺎﻃﻘﺔ ﺑﺎﻟﻤﻴﻼوﻳﺔ ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻠﺒﻴﻦ وﺟﺰر ﻣﻴﻜﺮوﻧﻴﺴﻴﺎ وﻣﻴﻼﻧﻴﺰﻳﺎ وﺑﻮﻟﻴﻨﺰﻳﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﻴﻂ اﻟﻬﺎدي.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
51
»اﻟﺠﺎوﻳﺔ« و »اﻟﻤﻴﻼوﻳﺔ« ﻣﺼﺎﻟﺤﺔ ﻟﻐﻮﻳﺔ ﺿﺪ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ﺗﻌﺪ اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ اﻹﻧﺪوﻧﻴﺴﻴﺔ واﺣــﺪة ﻣﻦ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ اﻟﺼﻐﻴﺮة ﻓﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻜﻮﻟﻮﻧﻴﺎﻟﻴﺔ اﻟﺬي ﺗﻬﻴﻤﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻛﻮﺳﻴﻠﺔ اﺗﺼﺎل أﻛﺜﺮ اﻧﺘﺸﺎ ًرا ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮات اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ؛ ﻓﻘﺪ ﻧﺠﺢ اﻹﻧﺪوﻧﻴﺴﻴﻮن ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ إﺣﺪى ﻟﻐﺎﺗﻬﻢ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻛﻠﻐﺔ ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ ،وﻫﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺪوﻧﻴﺴﻴﺔ )ﺑﺎﻫﺎﺳﺎ إﻧﺪوﻧﻴﺴﻴﺎ(. ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻰ اﻟﺪﻫﺸﺔ -ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺪﺧﻴﻞ ﻋﻠﻰ اﻷﺟﻮاء اﻹﻧﺪوﻧﻴﺴﻴﺔ -أن أﻫﻞ اﻟﺒﻼد ﺗﺠﺎﻫﻠﻮا اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺠﺎوﻳﺔ ،ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻬﺎ واﺣﺪة ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺎت اﻷﺻﻠﻴﺔ ،وﻫﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻷم ﻟﻨﺼﻒ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ ﺗﻘﺮﻳ ًﺒﺎ ،وﻫﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻤﻬﻴﻤﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺮاﻛﺰ اﻟﻘﻮى ﻓﻰ اﻷوﺳﺎط اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﺘﻌﺎﻣﻼت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﻟﻠﻤﻴﺮاث اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻷدﺑﻲ ،ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﻟﻐﺔ اﻟﺒﻼط ﻓﻰ اﻟﻌﺼﺮ اﻷﻟﻔﻲ اﻟﺴﻌﻴﺪ! واﻷﺳﺒﺎب ﺗﺒﺪو واﻗﻌﻴﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ،ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ اﻹﻧﺪوﻧﻴﺴﻴﻴﻦ وﻏﺎﻟﺒﻴﺔ ﺧﺒﺮاء اﻟﻠﻐﺎت »اﻷﺳﺘﺮوﻧﻴﺰﻳﺔ«)(1؛ ﻓﻘﺪ ﺗﻢ إﻗﺼﺎء اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺠﺎوﻳﺔ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﻃﺒﻌﺔ ﻣﺴﺘﺤﺪﺛﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻤﻴﻼوﻳﺔ )ﻟﻐﺔ ﺷﻌﺐ اﻟﻤﻼﻳﻮ( ﻛﻠﻐﺔ وﻃﻨﻴﺔ رﺳﻤﻴﺔ. ﻫﻨﺎك ﻣﻌﻀﻠﺔ ﺻﻐﻴﺮة ﺑﺸﺄن ﻫﺬا اﻟﻄﺮح؛ ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎرن اﻟﺨﺒﺮاء ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺑﻤﺎ ﺣﺪث ﻓﻲ اﻟﻬﻨﺪ وﻛﻴﻨﻴﺎ واﻟﻔﻠﺒﻴﻦ )ﺣﻴﺚ ﺗﻢ اﻋﺘﻤﺎد اﻟﻠﻐﺎت اﻟﻬﻨﺪوﺳﺘﺎﻧﻴﺔ واﻟﺴﻮاﺣﻴﻠﻴﺔ واﻟﻔﻴﻠﻴﺒﻴﻨﻴﺔ ﻛﻠﻐﺎت وﻃﻨﻴﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻷﻗﻄﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮاﻟﻰ( ،ﺑﺪا ﻏﺮﻳ ًﺒﺎ ﻓﺸﻞ ﻛﻞ دوﻟﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻠﺪان ﻓﻲ ﺗﺒﻨﻲ اﻟﻨﻤﻮذج اﻹﻧﺪوﻧﻴﺴﻰ أو ﺗﻄﺒﻴﻘﻪ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻮاﻗﻊ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻮاﻓﻖ ﻫﺬا اﻟﻄﺮح ﻣﻊ ﺗﻄﻠﻌﺎت اﻟﺤﺮﻛﺎت ذات اﻟﺘﻮﺟﻬﺎت اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺜﻼث؛ ﻓﻤﺎ ﺟﺮى ﻓﻲ إﻧﺪوﻧﻴﺴﻴﺎ ﻛﺎن ﺣﻠ ًﻤﺎ ﻳﺘﻤﻨﻰ اﻟﻤﻬﺎﺗﻤﺎ ﻏﺎﻧﺪي أن ﻳﺘﺤﻘﻖ ﻓﻲ ﺑﻼده ،ﻛﻤﺎ راود اﻟﺤﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺰﻋﻤﺎء اﻟﻮﻃﻨﻴﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺪول اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻘﻼل إﺑﺎن ﻋﻬﺪ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻜﻮﻟﻮﻧﻴﺎﻟﻴﺔ ،أوﻟﺌﻚ اﻟﺤﺎﻟﻤﻮن ﺑﺄن ﺗﺼﺒﺢ ﻟﻐﺎﺗﻬﻢ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ رﻣﻮزًا ﻟﺒﻠﺪاﻧﻬﻢ اﻟﻔﺘﻴﺔ اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺣﻠﻢ ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺴﺪ ﻋﻠﻰ أرض
50
»اﻟﺠﺎوﻳﺔ« و »اﻟﻤﻴﻼوﻳﺔ«
د .ﺻﺪﻳﻖ ﻣﺤﻤﺪ ﺟﻮﻫﺮ@
اﻟﻮاﻗﻊ ﺳﻮى ﻣﺮة أو ﻣﺮﺗﻴﻦ. وﻳﻌﺪ ﺗﺒﻨﻲ اﻹﻧﺪوﻧﻴﺴﻴﺔ ﻛﻠﻐﺔ ﻗﻮﻣﻴﺔ ﻣﺘﻐﻠﻐﻠﺔ ﻓﻰ ﺟﺰر اﻷرﺧﺒﻴﻞ ﺣﺎﻟﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺒﻮﻗﺔ ﻓﻰ ﺳﺠﻼت ﻋﻠﻢ اﻟﻠﻐﻮﻳﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻤﻘﺎرن، اﻟ ُﻤﻨﺼﺐ ﻋﻠﻰ دراﺳﺔ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ. وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻳﺒﺪو اﻷﻣﺮ ﻣﺄﻟﻮﻓًﺎ ﻟﺴﻜﺎن ﺟﺰر اﻷرﺧﺒﻴﻞ ﻣﻦ اﻹﻧﺪوﻧﻴﺴﻴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ُﺟﺒﻠﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻼد ،وإن أﺻﺎب اﻟﻐﺮﺑﺎء ﺑﺎﻟﺪﻫﺸﺔ ،ﻓﻘﺪ رﻓﻌﺖ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺠﺎوﻳﺔ اﻟﺮاﻳﺔ اﻟﺒﻴﻀﺎء وﺗﺮﻛﺖ اﻟﻤﻴﺪان ﻟﻠﻐﺔ اﻟﻤﻴﻼوﻳﺔ ﻓﻲ ﻧﺴﺨﺘﻬﺎ اﻟﻤﻨﻘﺤﺔ »ﺑﺎﻫﺎﺳﺎ إﻧﺪوﻧﻴﺴﻴﺎ« ﻃﻮﻋﺎً، ﻷن اﻟﺼﺮاع ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺳﻮف ﻳﺆدي ﺣﺘ ًﻤﺎ ﻟﺴﻴﻄﺮة ﻟﻐﺔ اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮ اﻷوروﺑﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﻠﻐﻮي اﻟﻤﺤﻠﻲ. وﻳﺮى ﺑﻌﺾ اﻹﻧﺪوﻧﻴﺴﻴﻴﻦ أن اﻟﺠﺎوﻳﺔ ﻟﻐﺔ ﻣﺒﻬﻤﺔ وﻋﺼﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻬﻢ ،ﻏﻴﺮ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺎت اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة .وﺗﻀﻢ اﻟﺠﺎوﻳﺔ ﻧﺴﺨﺘﻴﻦ ﻟﻐﻮﻳﺘﻴﻦ إﺣﺪاﻫﻤﺎ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﻋﻠﻴﺔ اﻟﻘﻮم وﺗﺴﻤﻰ »ﻛﺮاﻣﺔ« واﻷﺧﺮى ﻣﺘﺪﻧﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﻮى ﻳﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ اﺳﻢ »ﻧﺠﻮﻛﻮ«. وﻓﻰ اﻟﻠﻘﺎءات اﻟﺘﻲ ﺗﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﻳﻤﻴﻞ اﻟﻨﺎس ،ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺠﻤﻌﻬﻢ ﻋﻼﻗﺔ ﺣﻤﻴﻤﺔ ،إﻟﻰ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﺎوﻳﺔ ﺑﻤﻔﺮداﺗﻬﺎ اﻟﻤﺘﺪﻓﻘﺔ اﻟﻤﺸﺘﻘﺔ ﻣﻦ أﺻﻮل اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺴﻨﺴﻜﺮﻳﺘﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ وﺑﺄﺳﺎﻟﻴﺒﻬﺎ اﻟﻤﻀﻤﺨﺔ ﺑﺮاﺋﺤﺔ اﻟﻤﺎﺿﻲ. أﻧﺎﺳﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﺈن اﻟﺨﻄﺎب وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺨﺎﻃﺐ ﺳﺎدة اﻟﻘﻮم ً ﻳﻜﻮن ﺑﻠﻐﺔ »ﻧﺠﻮﻛﻮ« اﻟﺮﻛﻴﻜﺔ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻋﺎع أن ﻳﺮدوا ﻋﻠﻰ ﺳﺎدﺗﻬﻢ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻧﺴﺨﺔ ﻣﺒﺴﻄﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ »ﻛﺮاﻣﺔ«. و ﻣﻤﺎ زاد اﻟﻄﻴﻦ ﺑﻠﺔ اﺣﺘﻮاء اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺠﺎوﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺪد ﻻ ﺑﺄس ﺑﻪ ﻣﻦ ﺻﻴﻎ اﻟﻤﺨﺎﻃﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻖ اﻟﻔﻮارق وﺗﻮﺳﻊ ﻫﻮة اﻟﺨﻼف ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﻴﻦ اﻷﻓﺮاد ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻼﺋﻢ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﻗﻒ وﻻ ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻵداب اﻟﻌﺎﻣﺔ وﻓﻨﻮن )اﻹﺗﻴﻜﻴﺖ(. وﻋﻠﻰ ﻋﻜﺲ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻟﻠﺠﺎوﻳﺔ ﻓﻘﺪ ﺗﺤﻮﻟﺖ اﻟﻤﻴﻼوﻳﺔ إﻟﻰ ﻟﻐﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة واﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﻟﻤﺎ ﻳﺮﺑﻮ ﻋﻠﻰ أﻟﻒ ﻋﺎم ﺣﻴﺚ أﺻﺒﺤﺖ ﻟﻐﺔ
ﻓﻠﺞ ﻓﻲ ﻧﺰوى ،ﻓﻲ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻋﻤﺎن
ا0ﻧﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻛﻐﻴﺮه ﻣﻦ ﺷﻌﻮب اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻛﺎن ﺷﻐﻮﻓﺎً ﺑﺎﻟﻤﺎء ،ﻛﻴﻒ ﻻ وﻫﻮ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺔ ﺟﺎﻓﺔ! وﻫﻮ ﻣﺎ ﺟﻌﻠﻪ ﻳﺮى ﻓﻲ اﻟﻤﺎء وﻣﺼﺎدره ،ﻣﻦ اaﻣﻄﺎر واﻟﺮﻋﻮد واﻟﺒﺮق واﻟﺴﺤﺐ واwﺑﺎر واﻟﻌﻴﻮن ﻗﻮى ﻣﻘﺪﺳﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
49
ﻣﻠﻒ
ģǙŘǜē ĚŁŜ
48
أﻓﻼج اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اaﺳﺎﻃﻴﺮ واﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ
ﻓﻠﺞ ﻓﻲ ﻋﻤﺎن
اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺮز اﻟﻘﺴﻤﺎت اﻟﻮاﺿﺤﺔ ﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﺗﺼﺎﻟﻪ ﺑﺘﺮاﺛﻪ وﻣﻮروﺛﺎﺗﻪ اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺆﻛﺪ ﺗﻘﺪم اﻟﻌﺮب اﻟﻘﺪاﻣﻰ ﻓﻲ ﻣﻀﻤﺎر اﻟﺮي اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻲ ،ﻛﻤﺎ أن ﻧﺘﺎﺋﺞ أﻋﻤﺎل اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت واﻟﺘﻨﻘﻴﺒﺎت اﻷﺛﺮﻳﺔ أﺧﺬت ﺗﺪﻋﻢ ﺑﺎﻟﺪﻟﻴﻞ اﻟﻤﺎدي ،اﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻣﺨﻠﻔﺎت وﺑﻘﺎﻳﺎ ﻣﺸﺎرﻳﻊ وﻃﺮق اﻷرواء اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ورواﻳﺎت اﻟﻤﺆرﺧﻴﻦ واﻹﺧﺒﺎرﻳﻴﻦ اﻟﻌﺮب ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻣﺘﻄﻮرة وﺣﺬق ﻳﻔﻮق اﻟﺘﺼﻮر وﺧﺒﺮة ﻓﺮﻳﺪة ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﻤﺎء ﻣﻦ ﺷﺘﻰ ﻣﺼﺎدره وﺗﻮﻓﻴﺮه ﻟﺨﺪﻣﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﺤﻀﺎري ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻟﻌﺮب اﻟﻘﺪاﻣﻰ وﻳﻨﻘﻞ رﺿﺎ اﻟﻬﺎﺷﻤﻲ ﻋﻦ ﻫﻴﺮودﺗﺲ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﺒﻼد اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻧﻬﺮ ﻛﺒﻴﺮ اﺳﻤﻪ ﻛﻮرس ) (corysﻳﺼﺐ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺣﻤﺮ ،وﻳﺬﻛﺮ أﻳﻀً ﺎ ﺑﺄن ﻣﻠﻮك اﻟﻌﺮب اﻟﻘﺪاﻣﻰ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺼﻨﻌﻮن أﻧﺎﺑﻴﺐ ﻣﻦ ﺟﻠﻮد اﻟﺜﻴﺮان أو ﺣﻴﻮاﻧﺎت أﺧﺮى ﻟﻴﻮﺻﻠﻮا ﻣﺎء اﻟﻨﻬﺮ إﻟﻰ ﺟﻬﺎت ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﺣﻴﺚ ﺗﻮﺟﺪ آﺑﺎر ﻳﺰودوﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﺎء ،وﺗﻘﻊ ﻫﺬه اﻵﺑﺎر ﻣﺴﺎﻓﺔ رﺣﻠﺔ ﻳﻮم .وﻓﻲ رواﻳﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﻘﺰوﻳﻨﻲ ﻳﺼﻒ ﻓﻴﻬﺎ إرم ذات اﻟﻌﻤﺎد ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻷﺣﻘﺎف ﺷﻤﺎل وادي ﺣﻀﺮﻣﻮت ﻓﻴﻘﻮل «:ﺛﻢ أﺟﺮى اﻟﻤﻠﻚ إﻟﻴﻬﺎ ﻧﻬ ًﺮا ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻣﻦ أرﺑﻌﻴﻦ ﻓﺮﺳﺨًﺎ ﺗﺤﺖ اﻷرض ﻓﻈﻬﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﺄﺟﺮى ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻨﻬﺮ اﻟﺴﻮاﻗﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﻜﻚ واﻟﺸﻮارع ،وأﻣﺮ ﺑﺤﺎﻓﺘﻲ اﻟﻨﻬﺮ واﻟﺴﻮاﻗﻲ ﻓﻄﻠﻴﺖ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ« .وﻫﻜﺬا ﺗﺆﻛﺪ اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﺟﻬ ًﺪا وﻓ ًﻨﺎ وﻋﻠ ًﻤﺎ ﺑﺬﻟﻪ اﻟﻌﺮب اﻟﻘﺪﻣﺎء ﻓﻲ ﻧﻘﻞ اﻟﻤﺎء ﻣﻦ ﻣﺼﺎدر ﺗﻮﻓﺮه إﻟﻰ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻴﻪ ،واﻟﻤﻌﻠﻮم أن ﺣﻔﺮ أﻓﻼج ﻟﻨﻘﻞ اﻟﻤﺎء ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ ﻇﺎﻫﺮة ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ اﻷرض أو ﻣﺨﻔﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻨﻬﺎ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ دراﻳﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﻠﻢ اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎت ،وﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﺴﺘﻮى اﻧﺤﺪار اﻟﻔﻠﺞ أو اﻟﻘﻨﺎة ﻷن أي اﺧﺘﻼف ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ﻳﺆدي إﻣﺎ إﻟﻰ زﻳﺎدة ﺳﺮﻋﺔ ﺟﺮﻳﺎن اﻟﻤﺎء ﻓﻲ اﻟﻔﻠﺞ أو ﺑﻄﺌﻪ وﻓﻲ اﻟﺤﺎﻟﺘﻴﻦ ﺧﻄﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻠﺞ ﻧﻔﺴﻪ أﻣﺎ ﻣﻦ ﺣﻮث ﺣﻔﺮ وﺷﻘﻮق ﺗﻬﺪده و ﺑﺘﺠﻤﻊ اﻷوﺳﺎخ واﻟﻄﻴﻦ ﺑﺴﺒﺐ ﺑﻂء ﺟﺮﻳﺎن اﻟﻤﺎء ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺒﺐ ﻋﺮﻗﻠﺔ ﻟﻠﻤﺠﺮى ،ورﺑﻤﺎ اﻧﺴﺪاده ﻓﻜﻴﻒ ﺣﺴﺒﺖ ﻫﺬه اﻻﺣﺘﻤﺎﻻت ﺟﻤﻴ ًﻌﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺻﺎﻧﻌﻲ أو ﻣﻬﻨﺪﺳﻲ ﻫﺬه اﻷﻓﻼج واﻟﻘﻨﻮات ؟ ﻣﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻓﻲ ﺻﻌﻮﻳﺔ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬ وﻳﺆﺷﺮ دﻗﺘﻪ وﻋﻠﻤﻴﺘﻪ أن اﻹﺷﺎرات ﺗﺆﻛﺪ ﻛﻮن اﻷﻓﻼج ﺣﻔﺮت ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻦ اﻷرض وﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺤﻪ اﻋﺘﻤﺎ ًدا ﻋﻠﻰ ﺗﺴﺮﻳﺐ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ ﻋﺒﺮ ﻗﻨﻮات ﺗﺸﻴﺪ ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻦ اﻷرض ﻳﺨﺘﻠﻒ اﻧﺤﺪارﻫﺎ ﻋﻦ ﻣﺴﺘﻮى اﻧﺤﺪار اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺼﺨﺮﻳﺔ اﻟﺤﺎوﻳﺔ ﻟﻠﻤﻴﺎه ،وﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﺸﻴﺪوا ﻫﺬه اﻟﻘﻨﻮات ﻣﻦ اﻧﺤﺪار اﻷرض اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻓﻲ ﺳﻔﻮح اﻟﺠﺒﺎل وأﻃﺮاف اﻟﻬﻀﺎب ،وﺣﺘﻰ ﺗﺼﻞ اﻷﻓﻼج إﻟﻰ ﺣﺪود ﺳﻄﺢ اﻷرض ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﻘﺮى واﻟﻤﺴﺘﻮﻃﻨﺎت واﻷراﺿﻲ اﻟﺰراﻋﻴﺔ ،ﻓﺘﺨﺮج إﻟﻰ ﺳﻄﺢ اﻷرض وﺗﻮزع ﻣﻴﺎﻫﻬﺎ ﻟﻸﻏﺮاض اﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﺬﻟﻚ ﻓﻨﻈﺎم اﻷﻓﻼج ﻳﺘﻄﺎﺑﻖ ﻣﻊ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻔﻈﺔ »ﻗﻨﺎة« اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻰ ﻟﻐﺔ أﻧﺒﻮب اﻟﻤﺎء اﻟﻤﺼﻨﻮع اﻟﺬي ﻳﺠﺮي ﺗﺤﺖ اﻷرض ،وﻳﻌﺮف أﻳﻀً ﺎ ﺑﺎﺳﻢ ﻛﻈﺎﻣﺔ وﻧﻔﻖ وأردب .ﻳﻘﺎم ﻋﻨﺪ ﻗﻨﺎة اﻟﻔﻠﺞ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ اﻷرض ﺣﻮض أو ﻓﺠﻮة ﻓﻲ اﻷرض ﻳﺆﺧﺬ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎء اﻟﺸﺮب أوﻻ ،وﻫﻮ ﺷﺮﻛﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺑﻴﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺎس وﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﻓﻲ ذﻟﻚ
أوﻟﻮﻳﺔ ﻋﻠﻰ آﺧﺮ ،وﻣﻤﺎ ﻳﻠﻲ ﻓﺠﻮة ﻣﻴﺎه اﻟﺸﺮب ،ﺗﻘﺎم ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻨﺎة اﻟﻈﺎﻫﺮة ﺣﻤﺎﻣﺎت اﻏﺘﺴﺎل ﻟﻠﺮﺟﺎل أوﻻ ﺗﻠﻴﻬﺎ ﺣﻤﺎﻣﺎت اﻟﻨﺴﺎء ،وﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻣﻜﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻨﺎة ﻣﺨﺼﺺ ﻟﻐﺴﻞ اﻟﻤﻮﺗﻰ وﺗﻄﻬﻴﺮﻫﻢ وﻳﺤﺮص اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﻬﺬه اﻷﻓﻼج ﻋﻨﺎﻳﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﺑﺒﻨﺎﺋﻬﺎ وﻓﺮش أرﺿﻴﺘﻬﺎ وﺟﺪراﻧﻬﺎ ﺑﻤﺎدة ﻣﻼﻃﻴﺔ ﺗﻤﻨﻊ اﻟﺮﺷﺢ ،وﺗﺸﻴﺮ اﻟﺪراﺳﺎت اﻷﺛﺮﻳﺔ إﻟﻰ أن ﻧﻈﺎم اﻷرواء ﺑﻘﻨﻮات اﻷﻓﻼج آﺧﺬ ﺑﺎﻟﺘﻼﺷﻲ ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﺼﻤﺪ أﻣﺎم اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﺑﺎﻟﻤﻀﺨﺎت واﻟﻘﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺳﺤﺐ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ ﻣﻬﻤﺎ ﺑﻠﻎ ﻋﻤﻖ ﺣﻮﺿﻬﺎ .ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﻟﻠﻨﻔﻂ ﻓﻲ أرض اﻟﻌﺮب ﺑﻜﻤﻴﺎت ﻏﺰﻳﺮة واﺳﺘﺨﺮاﺟﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ دور ﻓﻲ اﻣﺘﺼﺎص اﻷﻳﺪي اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﺰراﻋﻴﺔ ﻣﻤﺎ ﺗﺴﺒﺐ ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻓﻲ اﻧﺪﺛﺎر وﺳﺎﺋﻞ اﻷرواء ،وإﻧﻤﺎ ﻓﻲ زﻳﺎدة ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﻔﺎف واﻣﺘﺪاد اﻟﺼﺤﺮاء ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﻷراﺿﻲ اﻟﺰراﻋﻴﺔ ،واﻧﺤﺴﺎر ﻧﻈﺎم اﻷﻓﻼج ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﺗﺮاﺛﺎً ﺛﻘﺎﻓﻴﺎً ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن واﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﻗﻴﻤﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ ﻣﻦ وﺟﻬﺔ اﻟﻨﻈﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻹﺳﻬﺎﻣﻪ ﻓﻲ دﻋﻢ اﻟﺘﻘﺎرب ﺑﻴﻦ اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻮاﺟﺪ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻗﻨﻮات اﻷﻓﻼج اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻜﺲ ﻣﺆﺷﺮات ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ واﻹﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﻤﻜﺎن ﻣﻮﻃﻦ اﻟﺮوح اﻹﻟﻬﻲ
ﻓﻠﺞ ﻓﻲ ﻧﺰوى ،ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻋﻤﺎن
ﻫﺬه اﻟﺘﺄوﻳﻼت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺘﻌﻠﻴﻠﻴﺔ ﻷﺻﻮل ﻧﺸﺄة اﻷﻓﻼج ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ أﻫﻞ اﻟﺒﻴﺪاء اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺎﺷﻮا ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ اﻟﺬي ﻳﻮاﻓﻖ ﻣﻮروﺛﻬﻢ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻤﻮﻏﻞ ﻓﻲ أﻋﻤﺎق اﻟﺰﻣﻦ ،واﻟــﺬي ﻳﺤﻤﻞ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺪاﺧﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ واﻟﺪﻳﻨﻲ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ أﺳﺎﻃﻴﺮ ورﻣﻮز وﺣﻜﺎﻳﺎت. واﺳﺘﻤﺮ اﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ ﻋﺠﺎﺋﺐ اﻷﻓﻼج وﺗﺪﻓﻖ اﻟﻤﻴﺎه وﺗﺠﺪدﻫﺎ ﻟﻴﻼ وﻧﻬﺎ ًرا ﻃﻮال اﻟﻌﺎم إﻟﻰ اﻟﻤﺰارع ،ﻣﻦ دون أﻳﺔ ﺗﻜﺎﻟﻴﻒ ﺑﺎﻫﻈﺔ أو ﺟﻬﺪ ﺑﺸﺮي ﺳﻮى ﻣﺎ ﺑﺬل ﻓﻲ إﻧﺸﺎﺋﻬﺎ ﺧﺎﺻﺔ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻠﺞ اﻟﺪاودي واﻟﺬي ﻳﺘﻀﺢ ﻣﻦ اﻟﺘﺴﻤﻴﺔ ﺑﺄن ﻫﺬه اﻷﻓﻼج ﺗﻨﺴﺐ إﻟﻰ ﻧﺒﻲ اﻟﻠﻪ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺑﻦ داوود ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼم ،اﻟﺬي أﻣﺮ اﻟﺠﻦ اﻟﺘﻲ ﺳﺨﺮﻫﺎ اﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﺑﺤﻔﺮ ﺗﻠﻚ اﻷﻓــﻼج ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ اﺷﺘﻖ اﺳﻢ اﻟﻔﻠﺞ اﻟــﺪاوودي اﻟــﺬي ﺗﺘﺪﻓﻖ اﻟﻤﻴﺎه ﻣﻨﻪ ﺑﻐﺰارة أﻫﻢ ﺻﻔﺎت ﻫﺬه اﻷﻓــﻼج اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺄﺛﺮ ﻋﻤﻠﻬﺎ ﺑﺘﻐﻴﺮات ﺳﻄﺢ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ، وﻣﻦ ﻫﺬه اﻷﻓــﻼج » ﻓﻠﺞ ﻧﻀﻠﺔ« ،و»ﻓﻠﺞ اﻟﺤﻮﻳﻼت« ،وﻷﻓﻼج اﻟﺪاوودي ﺳﻮاﻋﺪ ) رواﻓﺪ( ﺗﻐﺬﻳﻪ ﺑﺎﻟﻤﺎء ،وﺗﺼﺐ ﻓﻴﻪ ،وﻗﺪ ﺗﺼﻞ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن إﻟﻰ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﺎﻋﺪ ،وﻣﻦ ﻣﻤﻴﺰات ﻓﻠﺞ اﻟﺪاوودي أن اﻟﻤﻴﺎه ﻻ ﺗﻨﻀﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﻃﻮال اﻟﻌﺎم وﻻ ﺗﺘﺄﺛﺮ ﺑﻘﻠﺔ اﻷﻣﻄﺎر إﻻ ﻧﺎد ًرا ،وﻣﻌﻈﻢ أﻓﻼج ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع وﺗﺸﻴﺮ اﻟﻤﺮوﻳﺎت اﻟﺸﻔﺎﻫﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﻷﻓﻼج اﻟﺴﻠﻴﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﺪاوودﻳﺔ أن ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺮﺿﻰ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ ﺟﺮت ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻋﺎدة اﻟﺬﻫﺎب إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻼج اﻟﺪاوودﻳﺔ ﻟﻼﺳﺘﺤﻤﺎم ﺑﻬﺎ ﻗﺼﺪ اﻟﺸﻔﺎء ﻣﻦ ﻧﻈﺮة اﻟﻌﻴﻦ واﻷﺳﻘﺎم ،وﻳﻬﻤﻨﺎ أن ﻧﻼﺣﻆ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻠﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﺪ اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻟﻌﺎدات اﻟﺠﺎرﻳﺔ .ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻗﺪ ﻧﺴﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻌﺘﻘﺪ إﻻ أﻧﻨﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﺘﻌﺮف ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻌﺎدات ذاﺗﻬﺎ ,ﻓﻌﺎدة اﻟﺸﻔﺎء ﺑﺎﻻﺳﺘﺤﻤﺎم ﺗﺄﺛﺮت ﻛﺜﻴﺮا ً ﺑﺎﻟﻤﻌﺘﻘﺪات اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺸﻔﺎء أﻳﻮب ﻓﻲ ﺑﻠﻮاه. وﻫﻮ اﻋﺘﻘﺎد ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﺘﺮاث اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﺆﻛﺪ ﺻﺪق ﺗﻮاﺻﻞ اﻷﺟﻴﺎل واﻣﺘﺪاد اﻟﻤﻌﺘﻘﺪات واﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
47
ﻣﻠﻒ
ģǙŘǜē ĚŁŜ
46
أﻓﻼج اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اaﺳﺎﻃﻴﺮ واﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ
ﻳﻨﻘﻞ ﻟﻨﺎ اﻟﻤﺆرخ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻌﻴﺪروس ﻣﺎ رواه اﻹﺧﺒﺎري ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻫﺰام ﻋﻦ أﺳﺎﻃﻴﺮ اﻷﻓﻼج ﺑﻘﻮﻟﻪ » :ﺑﺄن اﻟﻨﺒﻲ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺑﻦ داوود ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼم ﻛﺎن ﻳﻄﻴﺮ ﺑﺒﺴﺎط اﻟﺮﻳﺢ ،وﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻓﻼح ﻳﺤﺮث أرﺿﻪ ﺑﺜﻮر ﺿﺨﻢ ،وﻣﺎ أن رأى اﻟﺜﻮر ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻗﻒ ﻋﻦ اﻟﺤﺮث ،ﻓﺴﺄﻟﻪ اﻟﻔﻼح ﻣﻨﺪﻫﺸً ﺎ : • أﻳﻬﺎ اﻟﺜﻮر ﻟﻤﺎذا ﺗﻮﻗﻔﺖ واﻣﺘﻨﻌﺖ ﻋﻦ اﻟﺤﺮث ؟ إﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻣﻨﻚ ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﺒﺠﻴﻞ ،ﻓﻬﻮ إﻧﺴﺎن ﺑﺨﻴﻞ . • وﺳﻤﻊ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ﻛﻼم ﻫﺬا اﻟﻔﻼح ﻓﻨﺰل ﻟﻴﺴﺄﻟﻪ : ﻟﻤﺎذا ﺗﺼﻔﻨﻲ وﺗﻨﻌﺘﻨﻲ ﺑﺎﻟﺒﺨﻞ ؟!. • ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﻔﻼح :ﻷﻧﻚ ﺗﺮﻛﺖ ﺟﻨﻮدك ﻳﺸﺮﺑﻮن ﻣﻌﻨﺎ ﻣﻴﺎﻫﻨﺎ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﻣﻦ دون أن ﺗﻨﺼﺤﻬﻢ ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﻜﺎن ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻠﻤﻴﺎه . • ﻓﻘﺎل ﻟﻪ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم :وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﻋﺮف أﻳﻦ ﺗﻮﺟﺪ ﻣﻨﺎﺑﻊ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺠﺪﻳﺪة . • ﻓﻘﺎل اﻟﻔﻼح ﻟﺴﻴﺪﻧﺎ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم :ﻃﺎﺋﺮ اﻟﻬﺪﻫﺪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺴﻤﻊ اﻟﻤﺎء ،وﻳﺪﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎﻧﻪ . • وﻧﻔﺬ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ﻓﻌﻼ ﻛﻼﻣﻪ ،واﺳﺘﻌﺎن ﺑﺎﻟﻬﺪﻫﺪ، وﺑﺎﻟﻌﻔﺎرﻳﺖ ﻣﻦ ﺟﻨﻮده اﻟﺬﻳﻦ أﺧﺬوا ﻳﺒﻨﻮن ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻼج ذات اﻷﺣﺠﺎر اﻟﻜﺒﻴﺮة .
اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ
ووﺟﺪ ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺪو وﻟﻴﺲ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻣﺎء ﻓﺄﻣﺮ اﻟﺠﻦ اﻟﺘﻲ أﻃﺎﻋﺘﻪ أن ﺗﺒﻨﻲ ﻟﻪ أﻟﻒ ﻗﻨﺎة ﻛﻞ ﻳﻮم ﻣﻦ أﻳﺎم إﻗﺎﻣﺘﻪ ،واﻟﺘﻲ اﺳﺘﻤﺮت ﻋﺸﺮة أﻳﺎم ،وﻣﻦ ﻳﻮﻣﻬﺎ أﺻﺒﺢ ﻓﻲ ﻋﻤﺎن ﻋﺸﺮة آﻻف ﻗﻨﺎة .ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻜﺲ ﻣﺪى اﻧﺸﻐﺎل اﻟﻮﺟﺪان اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻤﻮﻏﻞ ﻓﻲ اﻟﻘﺪم ﻟﻬﺬه اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻷﻓﻼج اﻟﺤﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﻤﺎء اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺮو ﻇﻤﺄ ﺣﺎﺟﺎت ﻫﺬا اﻟﻮﺟﺪان اﻟﺮوﺣﻴﺔ ،ﻓﺮاح ﻳﻀﻴﻒ ﻣﻦ ﺗﺼﻮراﺗﻪ وﻣﻮروﺛﺎﺗﻪ إﻟﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺺ اﻟﺘﻲ ﺣﻔﻈﺘﻬﺎ ﻟﻨﺎ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺳﻴﺎق ﺣﺪﻳﺜﻬﻢ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻨﺒﻲ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم؛ إذ ﺳﻴﻈﻞ اﻟﻠﻘﺎء اﻷﺳﻄﻮري ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻦ ﻣﻠﻜﺔ ﺳﺒﺄ واﺣﺪا ً ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻠﻘﺎءات إﺛﺎرة ﻟﻠﺨﻴﺎل وﺣﺘﻰ ﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻓﺈن ﻫﺬا اﻟﺨﻴﺎل ﻳُﺸﻜﻞ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ ﻋﻨﺼﺮا ً أﺳﺎﺳﻴﺎً ﻣﺴﺘﺤﻴﻼ إﻗﺼﺎءه أو ﺗﺒﺮﻳﺮه ﻋﻠﻰ ً ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﻠﻘﺎء ،ﻳﺼﻌﺐ إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺣﺪ ﺳﻮاء .وﻣﺎ دام ﻫﺬا اﻟﻠﻘﺎء ﻗﺪ ﺟﺮى ﻓﻲ ﻇﺮوف أﺳﻄﻮرﻳﺔ ﻣﻔﺮﻏﺔ ﻣﻦ أﻳﺔ ﻣﻤﺎﻧﻌﺎت واﻗﻌﻴﺔ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﺒﺢ ﺧﻴﺎل اﻟﻤﺘﻠﻘﻲ ،أو أن ﺗﻔﺮض ﻋﻠﻴﻪ ﺷﺮوط ﻗﺮاءة ﺧﺎﺻﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻇﻞ أﺑﻄﺎل اﻟﻘﺼﺔ ﻣﺤﺘﻔﻈﻴﻦ ﺑﺠﺎذﺑﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ وﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار ﻟﻀﺮوب ﺷﺘﻰ ﻣﻦ اﻟﺘﺄوﻳﻞ وأﻟﻘﺖ ﺑﻈﻼﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﻮادث اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ارﺗﺒﻄﺖ ﻓﻲ اﻟﺬﻫﻨﻴﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺑﺎﻟﻨﺒﻲ ﺳﻠﻴﻤﺎن وﻣﺎ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻪ ﻣﻦ آﺛﺎر وآﺑﺎر وﻋﻴﻮن ﻣﺎء وأﻓﻼج وﻣﺪن ﺷﺎرك ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ،وﻓﻲ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻵﺛﺎر اﻟﺴﻠﻴﻤﺎﻧﻴﺔ ﺗﻜﻔﻞ اﻹﺧﺒﺎرﻳﻮن اﻟﺸﻌﺒﻴﻮن وﻏﻴﺮﻫﻢ ﺑﻮﺿﻊ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻣﺪﻫﺸﺔ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻵﺛﺎر ذات اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﻐﺮاﺋﺒﻲ اﻟﻤﻔﻌﻤﺔ ﺑﺎﻟﺴﺤﺮ. ﻃﻮر اﻹﺧﺒﺎرﻳﻮن اﻟﺸﻌﺒﻴﻮن ﻻﺣﻘًﺎ ﻫﺬه اﻷﺧﺒﺎر ورددﻫﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﻢ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺺ واﻟﻤﺮوﻳﺎت ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪن أو اﻵﺛﺎر اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﻨﺒﻲ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺑﻤﺎ أﺿﻔﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،ﻫﺬا اﻟﻘﺪر ﻣﻦ اﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ .ﻛﻤﺎ أن ﺣﻘﻞ اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ اﻟﺬي ﻇﻞ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار ﺣﻘﻼً ﻣﻔﺘﻮﺣﺎً أﻣﺎم ﺗﻘﺒﻞ اﻟﻤﺮ ّوﻳﺎت واﻟﻘﺼﺺ ﻣﻦ دون اﻟﺴﺆال ﻋﻦ ﻣﺼﺪرﻫﺎ ؛ أﺗﺎح ﺣﺘﻰ ﻟﺮﺟﺎل ﻫﺎﻣﺸﻴﻴﻦ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻓﻲ ﻋﺪاد ﺑُﻨﺎة أرﺿﻴﺔ ﻣﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ذات ﻃﺎﺑﻊ دﻳﻨﻲ ﻟﻸﻓﻼج ،و ُﻣﺘﻘﺒﻠﺔ ،و ُﻣﺮ ﱠوج ﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ واﻟﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ إﻟﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا وﻟﻌﻠﻨﺎ ﻧﺘﻠﻤﺲ أﺛﺮا ً ﻟﻬﺬا ﻓﻲ ﺳﻴﺎق ﺣﺪﻳﺚ أﺑﻨﺎء ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻟﻤﺤﺮر ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻬﻼل اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات وﺟﺎء ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺄﻧﻪ أﺛﻴﺮت ﺣﻮل اﻷﻓﻼج اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ أﺳﺎﻃﻴﺮ وﺣﻜﺎﻳﺎت ﻛﺜﻴﺮة ،وأن ﻣﻌﻈﻢ اﻷﻫﺎﻟﻲ واﻟﻤﻌﻤﺮﻳﻦ وﻛﺒﺎر اﻟﺴﻦ ﻳﺆﻣﻨﻮن ﺑﺄن اﻟﻨﺒﻲ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺑﻦ داوود وﺟﻨﻮده ﻣﻦ اﻟﻌﻔﺎرﻳﺖ واﻟﺠﻦ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺤﻔﺮ ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻼج ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﻫﻢ ﻳﺘﺼﻮرون ﻋﺪم ﻣﻘﺪرة أي إﻧﺴﺎن ﻣﻬﻤﺎ أوﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﻮة أن ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺷﺪ أو ﻧﻘﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺠﺎر اﻟﻜﺒﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﺑﻨﻴﺖ ﺑﻬﺎ اﻷﻓﻼج ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺘﻬﻢ اﻟﺘﻲ اﺷﺘﻘﺖ اﺳﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺔ »اﻟﻌﻴﻮن« ﻟﻮﻗﻮع ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺳﻼﺳﻞ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻢ ﻣﻮر ًدا وﻓﻴ ًﺮا ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﻌﺬﺑﺔ ،ﻟﻪ دور ﻣﻬﻢ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺑﻨﺎء اﻷﻓﻼج ،وﺣﺘﻰ ﻛﻠﻤﺔ »اﻟﻌﻴﻦ« ﻣﺸﺘﻘﺔ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺔ »اﻟﻌﻴﻮن« ،ﻟﻮﺟﻮد ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺎﺑﻊ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺳﻤﻴﺖ ﺑﺎﻟﻌﻴﻦ.
رواﻳﺔ ﻋﺒﺪ ا mﻫﺰام
وادي ﻣﺪﺑﺢ ﻓﻲ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻋﻤﺎن
اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﺎن
اﻟﺬي ﻏﻄﻰ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻧﺸﺄة ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻼج ﻓﻲ وﺳﻂ اﻟﺒﻴﺪاء ﻛﺸﺮﻳﺎن ﺣﻴﺎة ،وﺗﻀﺎﻓﺮت ﻣ ًﻌﺎ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺨﻴﺎل وﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺘﻨﺎﻏﻢ -ﺑﺎت واﺿ ًﺤﺎ ﻓﻲ إﺳﻬﺎب اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺳﻴﺎق وﺻﻔﻬﻢ ﻟﻌﺠﺎﺋﺐ اﻷﻓﻼج ،واﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﻮﻫﺎ ﻟﻨﺎ ﻣﺰ ًﺟﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﻴﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻔﺎت اﻟﻤﺤﺴﻮﺳﺔ اﻟﻤﺄﻟﻮﻓﺔ وﺑﻴﻦ اﻟﺘﺼﻮر اﻟﺬي اﺻﻄﻨﻌﻪ ذﻟﻚ اﻟﺨﻴﺎل ﻟﺘﺘﻀﺢ ﻋﺠﺎﺋﺒﻴﺘﻬﺎ وﻣﻄﻠﻘﻴﺘﻬﺎ ،ﻟﻴﻄﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺗﺎرﻳﺦ اﻷﻓﻼج وﻋﻤﺎرﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻮاﺑﺎت اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﺒﺖ ﻟﻨﺒﻲ اﻟﻠﻪ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ،ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺰال ﻳﺘﺮدد ﺻﺪاه ﺑﻘﻮة ﻓﻲ أرﺟﺎء اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ أن ﻧﺒﻲ اﻟﻠﻪ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺑﻦ داوود ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼم ﻓﻲ إﺣﺪى رﺣﻼﺗﻪ، وﻫﻮ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻪ إﻟﻰ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﻘﺪس رأى ﻗﻠﻌﺔ »ﺳﻠﻮت« ﻓﻲ ﻋﻤﺎن ،وﻃﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﻬﺪﻫﺪ أن ﻳﺘﺤﺮى ﻋﻨﻬﺎ ،ﻓﺄﺧﺒﺮه اﻟﻬﺪﻫﺪ ﺑﺄن اﻟﻘﻠﻌﺔ ﺧﺎﻟﻴﺔ ،ﻓﻨﺰل ﻓﻴﻬﺎ داوود،
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
45
ﻣﻠﻒ
ģǙŘǜē ĚŁŜ
ﺑﻨﺎﻫﺎ اﻟﺠﻦ ﻓﻲ ﻋﺸﺮة أﻳﺎم
أﻓﻼج اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اaﺳﺎﻃﻴﺮ واﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ د .ﻋﻤﺮو ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻣﻨﻴﺮ @
ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ اﺛﻨﺎن ﻓﻲ أن اﻟﻤﺎء ﻋﻨﺼﺮ ﻣﻘﺪس ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻤﺨﻴﺎل اﻟﺒﺸﺮي؛ ﻓﻬﻮ أﺻﻞ اﻟﻜﻮن واﻟﺮﺣﻢ ﻟﻜﻞ ﺧﻠﻖ. واﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻛﻐﻴﺮه ﻣﻦ ﺷﻌﻮب اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻛﺎن ﺷﻐﻮﻓًﺎ ﺑﺎﻟﻤﺎء ،ﻛﻴﻒ ﻻ وﻫﻮ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺔ ﺟﺎﻓﺔ! وﻫﻮ ﻣﺎ ﺟﻌﻠﻪ ﻳﺮى ﻓﻲ اﻟﻤﺎء وﻣﺼﺎدره ،ﻣﻦ اﻷﻣﻄﺎر واﻟﺮﻋﻮد واﻟﺒﺮق واﻟﺴﺤﺐ واﻵﺑﺎر واﻟﻌﻴﻮن ،ﻗﻮى ﻣﻘﺪﺳﺔ اﺗﺨﺬت ﻓﻲ ﻋﺒﺎداﺗﻬﻢ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺛﻼﺛﺔ أوﻟﻬﺎ :اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﻘﻮى ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻗﻮى ﻛﻮﻧﻴﺔ ﺧﻔﻴﺔ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺚ اﻟﺤﻴﺎة واﻟﺨﺼﺐ ﻗﺪرﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ إﻧﺰال اﻟﺪﻣﺎر واﻟﺨﺮاب ،وﺛﺎﻧﻴﻬﺎ اﻟﺘﻘﺮب إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﻘﻮى اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﺑﻌﺒﺎدﺗﻬﺎ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ آﻟﻬﺔ وإﻗﺎﻣﺔ ّ اﻟﻄﻘﻮس واﻟﺸﻌﺎﺋﺮ ﻟﻬﺎ وﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻘﺮاﺑﻴﻦ اﺗﻘﺎء ﻟﺸﺮﻫّﺎ واﺳﺘﺠﻼﺑﺎ ﻟﺨﻴﺮﻫﺎ ،واﻟﻤﻈﻬﺮ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﺬي اﺗﺨﺬﺗﻪ ﻫﺬه اﻟﻘﻮى اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﺒﺎدات اﻟﻌﺮب اﻟﻘﺪاﻣﻰ ،ﻫﻮ إﻗﺎﻣﺔ اﻷﺻﻨﺎم ﻟﻬﺎ ،ﻟﺘﻜﻮن ﻫﺬه اﻟﻘﻮى اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ -ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف ﻣﻈﺎﻫﺮﻫﺎ اﻟﺜﻼﺛﺔ -ﺗﺸﺘﺮك ﻓﻲ ﻗﺎﺳﻢ ﻣﺸﺘﺮك وﻫﻮ إﺧﻼص اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ ﻟﻠﻤﺎء ﻣﻮﻃﻦ اﻟﺮوح اﻹﻟﻬﻲ ،وﻟﻢ ﻻ وﻗﺪ »ﻛﺎن ﻋﺮﺷﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎء«!
وﻣﺎ ﻧﺼﺐ اﻷﺻﻨﺎم ﻋﻠﻰ ﺷﻮاﻃﺊ اﻟﺒﺤﺎر ،وإﻟﻰ ﺟﺪران اﻵﺑﺎر واﻟﻴﻨﺎﺑﻴﻊ واﻟﻌﻴﻮن إﻻ دﻟﻴﻞ ﻗﺎﻃﻊ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺮب اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺸﺘﻰ اﻟﻄﻘﻮس إﻟﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺎء ﻣﻦ ﻃﺎﻗﺔ ﻛﺎﻣﻨﺔ ﺗﻤﻨﺤﻪ اﻟﺨﺼﻮﺑﺔ واﻟﺤﻴﺎة. وﻟﻌﻞ ﻗﺪاﺳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻠﻤﺎء ﻟﻢ ﺗﻘﻒ ﻋﻨﺪه ﻛﻌﻨﺼﺮ ،ﺑﻞ ﻃﺎﻟﺖ ﻣﻜﺎن ﺗﻮاﺟﺪه ،ﻓﻬﻮ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ِ اﻟﺤﻤﻰ اﻟﺬي ﻳﺤﺮم ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن اﻗﺘﺤﺎﻣﻪ أو اﻟﻌﺒﺚ ﺑﻪ ،وﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺎء واﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺣﺒﻠﺖ ﺑﺄﺳﺎﻃﻴﺮ ﺷﺘﻰ ﺗﺼﻮر ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﺼﻠﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄت ﻓﻲ وﺟﺪان اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻫﺬا اﻟﻮﺟﺪان اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻠﻘﻲ ﺑﺤﺒﺎﻟﻪ ﻟﻴﺼﻞ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﻤﺎء اﻟﻤﻘﺪس وﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻪ. 44
أﻓﻼج اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اaﺳﺎﻃﻴﺮ واﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ
ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﺨﻠﻔﻴﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت واﻷﺳﺎﻃﻴﺮ اﻟﺘﻲ دارت ﺣﻮل اﻷﻓﻼج ﻓﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ دور ﺗﺄﻣﻴﻦ اﻟﻤﺎء -ﻣﺼﺪر اﻟﺨﺼﺐ واﻟﻨﻤﺎء واﻟﺤﻴﺎة -ﻟﻤﻦ أﻗﺎﻣﻮا ﺣﻮﻟﻬﺎ أو ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻨﻬﺎ دون ﻋﻨﺎء ،اﻋﺘﻤﺎ ًدا ﻋﻠﻰ ﺟﻠﺐ اﻟﻤﻴﺎه ﺑﺎﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ اﻷرﺿﻴﺔ ﻣﻦ دون اﺳﺘﻬﻼك أي ﻧﻮع ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﻄﺎﻗﺔ. ﺗﺄﺗﻲ رؤﻳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻸﻓﻼج ﻣﺜﻘﻠﺔ ﺑﺎﻟﺨﻴﺎل اﻟﺬي ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻣﺎﻫﻴﺔ اﻟﻘﺮاءة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻷﻓﻼج ،وﻫﻲ ﻗﺮاءة ﺗﻌﺪ ﺳﻨﺪا ً ﻟﻮﺟﻮدﻫﻢ اﻵﻧﻲ ودﻋﻤﺎ ﻟﻬﻮﻳﺘﻬﻢ ﺗﺤﻘﻴﻘًﺎ ﻟﻠﺬات اﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺮ ﻋﻠﻰ إﺛﺒﺎت دورﻫﺎ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻏﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮ أو ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮ؛ ﻹزاﺣﺔ اﻟﻐﺒﺎر
آﺛﺎر ﻓﻠﺞ ﺑﺎﻟﻌﻴﻦ
ﻓﻠﺞ ﻓﻲ ﻋﻤﺎن
اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ..ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ،ﻣﺠﻠﺔ اﻟﺘﺎر ﻳﺦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،اﻟﺮﺑﺎط: ﺟﻤﻌﻴﺔ اﻟﻤﺆرﺧﻴﻦ اﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ ،ﻋﺪد ،19ﺻﻴﻒ 2001م ،ص ص .38-7 - 5وﻳﻠﻔﺮد ﺛﻴﺴﺠﺮ ،اﻟﺮﻣﺎل اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ،دﺑﻲ :ﻣﻮﺗﻴﻔﻴﺖ ﻟﻠﻨﺸﺮ2010 ،م ،ص .324 - 6ﺷﻤﺴﺔ ﺣﻤﺪ اﻟﻈﺎﻫﺮي ،أﺑــﻮﻇــﻲ ..دراﺳــﺎت ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ1971-1822م ،اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷوﻟــﻰ ،أﺑﻮﻇﺒﻲ :ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث2014 ،م ،ص ص.186-183 - 7ﺟﺮﻳﺪة اﻟﺨﻠﻴﺞ2009/07/10 ،م. - 10،9،8ﺳﻠﻴﻢ زﺑﺎل ،ﻛﻨﺖ ﺷﺎﻫﺪا..رﺣﻠﺔ اﻟﻌﺒﻮر ﻣﻦ ﻣﺸﻴﺨﺎت ﻣﺘﻨﺎﺛﺮة إﻟﻰ دوﻟﺔ اﺗﺤﺎدﻳﺔ ﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺔ ،أﺑﻮﻇﺒﻲ :اﻟﻤﺠﻤﻊ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ، 2001م.229-227 ،231 ،227 ، - 11ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺎرس اﻟﻔﺎرس ،ﻣﻦ إﻧﺠﺎزات زاﻳﺪ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ :ﺑﻮادر اﻟﻨﻬﻮض ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن واﻟﻤﻜﺎن ،ﻣﺠﻠﺔ ﻟﻴﻮا ،أﺑﻮﻇﺒﻲ :ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ واﻟﺒﺤﻮث ،ﻋﺪد ،13ﻳﻨﺎﻳﺮ 2005م ،ص ص .33-26 - 12ﺟﻮﻳﻨﺘﻲ ﻣﺎﻳﺘﺮا ،زاﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺪي إﻟﻰ اﻻﺗﺤﺎد ،أﺑﻮﻇﺒﻲ :ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ و اﻟﺒﺤﻮث2007 ،م ،ص .34 - 13ﺣﻤﺪي ﻧﺼﺮ ،اﻷﻓﻼج أﻗﺪم ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻟﻠﺮي ،ﻣﺠﻠﺔ ﺗﺮاث، أﺑﻮﻇﺒﻲ :ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،ﻋﺪد ،3ﻓﺒﺮاﻳﺮ 1999م ،ص ص -20 .23 14ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺎرس اﻟﻔﺎرس ،ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺒﻖ ذﻛﺮه ،ص ص .33-26 - 15ﺟﺮﻳﺪة اﻟﺨﻠﻴﺞ2009/07/10 ،م. - 17،16ﺟﻲ .إس .ﺑﻴﺮﻛﺲ وﺳﺎﻟﻲ .آي .ﻟﻴﺘﺲ ،اﻟﻌﻮاﻣﺮ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻣﺘﺨﺼﺼﺔ ﺣﻔﺮ اﻵﺑﺎر واﻷﻓﻼج ﻓﻲ ﺷﻤﺎل ﻋﻤﺎن اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ،ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻋﻤﺎن :وزارة اﻟﺘﺮاث اﻟﻘﻮﻣﻲ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ1982 ،م ،ص ،14ص.15-13 - 18ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻌﻴﻦ ،ﻋﺪد ،53اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ،دﻳﺴﻤﺒﺮ ،1993ص .35 - 19ﺟﻲ .إس .ﺑﻴﺮﻛﺲ وﺳﺎﻟﻲ .آي .ﻟﻴﺘﺲ ،ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺒﻖ ذﻛﺮه ،ص ص.8-7 - 20ﺟﺮﻳﺪة اﻟﺨﻠﻴﺞ2011/01/21 ،م.
ﻓﻠﺞ ﻓﻲ ﻋﻤﺎن
ﻓﻠﺞ ﺑﻌﻤﺎن
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
43
ﻣﻠﻒ
ģǙŘǜē ĚŁŜ
ﻳﻜﺎد اﻟﻌﻮاﻣﺮ ﻓﻲ ﻋﻤﺎن ﻳﻨﻔﺮدون ﺑﺎﺳﺘﻌﺪادﻫﻢ ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻤﻄﺮﻗﺔ وا3زﻣﻴﻞ ،ﻓﻤﻦ أﻫﻢ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﻣﻬﺎرة اﻟﻌﺎﻣﺮي ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﻠﻰ أن ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ اﻟﻤﻄﺮﻗﺔ وا3زﻣﻴﻞ ﺑﻬﻨﺪﺳﺔ ﺟﺪا وأن ﻳﻤﺪد ﺑﻬﺬه ﻓﺎﺋﻘﺔ ﺿﻤﻦ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻣﺤﺪودة ً اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ً ﻧﻔﻘﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﻀﻴﻖ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺤﺘﺎج ا3ﻧﺴﺎن أن ﻳﻨﺪس ﻓﻴﻪ زﺣﻔﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻨﺒﻪ
اﻟﺼﺨﻮر واﻟﺠﺒﺎل واﻟﻘﺪرة اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻤﻞ أﺻﻌﺐ اﻟﻈﺮوف أﺳﻔﻞ اﻷرض(15) . ﻓﺈﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻤﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻴﺪوي ﻳﺘﻤﺘﻊ اﻟﻌﻮاﻣﺮ ﺑﻜﻔﺎءة ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ أﻣﺎرات اﻟﻴﻨﺎﺑﻴﻊ ﺗﺤﺖ اﻷرض ،وﻓﻲ ﺗﻮﺳﻴﻊ واﻛﺘﺸﺎف ﻣﺠﺎري اﻟﻤﺎء اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﺗﺤﺖ اﻷرض ﻟﻴﺰﻳﺪوا ﺟﺮﻳﺎن اﻟﻤﺎء إﻟﻰ اﻟﻔﻠﺞ إﻟﻰ اﻟﺤﺪ اﻷﻗﺼﻰ .وﻳﻌﻈﻢ ﻣﻘﺪار ﻣﻬﺎراﺗﻬﻢ إذا ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺿﻌﻒ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﺿﺎءة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﺗﺤﺖ اﻷرض ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮن ﻣﺼﺎﺑﻴﺢ زﻳﺘﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﻋﻠﺐ ذات ﻓﺘﺎﺋﻞ .وﻣﻤﺎ ﻟﻪ أﻫﻤﻴﺔ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻘﺪرة اﻟﻌﻮاﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﻣﺴﺎرات اﻟﻤﺠﺎري ﻟﻴﻠﺘﻘﻲ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ(16) . وﻳﻜﺎد اﻟﻌﻮاﻣﺮ ﻓﻲ ﻋﻤﺎن ﻳﻨﻔﺮدون ﺑﺎﺳﺘﻌﺪادﻫﻢ ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻤﻄﺮﻗﺔ واﻹزﻣﻴﻞ ،ﻓﻤﻦ أﻫﻢ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﻣﻬﺎرة اﻟﻌﺎﻣﺮي ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﻠﻰ أن ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ اﻟﻤﻄﺮﻗﺔ واﻹزﻣﻴﻞ ﺑﻬﻨﺪﺳﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﺿﻤﻦ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻣﺤﺪودة ﺟ ًﺪا وأن ﻳﻤﺪد ﺑﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻧﻔﻘًﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﻀﻴﻖ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺤﺘﺎج اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻨﺪس ﻓﻴﻪ زﺣﻔﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻨﺒﻪ(17) . دور »اﻟﺒﺎﺻﺮ«
ورﻏﻢ ﻣﺎ ﻳﺘﻄﻠﺒﻪ ﺷﻖ اﻻﻓﻼج ﻣﻦ ﺟﻬﻮد ﺑﺪﻧﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة وﺷﺠﺎﻋﺔ وﻣﻬﺎرة
ﻓﻠﺞ اﻟﺤﻤﺮا -ﻋﻤﺎن
42
اaﻓﻼج ..ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ﺑﺎﻟﺒﺼﺮ واﻟﺒﺼﻴﺮة
ﻓﺎﺋﻘﺘﻴﻦ ﻣﻦ أﻧﺎس ﻟﻢ ﻳﺘﻮاﻓﺮ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺳﻮى أدوات زﻣﺎﻧﻬﻢ اﻟﺒﺪاﺋﻴﺔ ﻛﻲ ﻳﻌﻤﻠﻮا ﻓﻴﻬﺎ ،إﻻ أن ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻻﻫﺘﺪاء واﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺪر اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻐﺬي اﻟﻔﻠﺞ ﻛﺎﻧﺖ واﺣﺪة ﻣﻦ أﺻﻌﺐ اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﻨﻴﻴﻦ ﻣﻮاﺟﻬﺘﻬﺎ واﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ .وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻤﻬﻤﺔ ﺗﻨﺎط إﻟﻰ ﺷﺨﺺ ﻳﻘﺎل ﻟﻪ »اﻟﺒﺎﺻﺮ« ،أي اﻟﺨﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﻮاﻗﻊ وﺟﻮد اﻟﻤﻴﺎه ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻦ اﻷرض ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺤﺪس واﻹﺣﺴﺎس ،وﺑﺤﻜﻢ ﺧﺒﺮة ﻫﺬا اﻟﺒﺎﺻﺮ وﺗﺠﺮﺑﺘﻪ ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎن ﺑﻤﻘﺪوره أن ﻳﺤﺪد ﻣﻜﺎن ﺣﻔﺮ اﻟﺒﺌﺮ).(18 وﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻣﺮ ،ﻣﺸﻬﻮرون ﺑﺄﻧﻬﻢ ﺑﺎﺻﺮون أﻛﻔﺎء ،وﻣﻌﺪل ﻧﺠﺎﺣﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺘﺒﺼﺮ ﺑﺎﻵﺑﺎر ﻋﺎل ،واﻟﻄﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺧﺪﻣﺎﺗﻬﻢ ﻛﺜﻴﺮ ،وﻣﻌﻈﻢ اﻟﺘﺒﺼﺮ ﺑﻤﻮاﺿﻊ اﻟﻤﺎء ﻃﻠ ًﺒﺎ ﻟﺘﻤﺪﻳﺪ اﻷﻓﻼج ﻳﻔﻌﻠﻪ ﺑﺎﺻﺮون ﻳﺰورون ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺒﺌﺮ اﻷم وﻳﺘﻔﺤﺼﻮﻧﻬﺎ ،وﻳﻨﻘﱢﻞ اﻟﺒﺎﺻﺮون ﺧﻄﻮاﺗﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎن ﻳﺘﻔﺤﺼﻮن ﺗﺸﻜﻴﻼت وﺟﻪ اﻻرض وﻳﺪﻗﻘﻮن اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ اﻷﻋﺸﺎب اﻟﺒﺮﻳﺔ واﻟﺘﺮﺑﺔ ﺗﺪﻗﻴﻘًﺎ ﺑﺎﻟﻐًﺎ ،وﻗﺪ ﻳﺤﻜﻢ اﻟﺒﺎﺻﺮون ﺑﻮﺟﻮد ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻮاﺗﻴﺔ ﻳﺤﻔﺮ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻻﺳﺘﻨﺒﺎط ﺧﻴﺮ ﻣﻌﻴﻦ ﻟﻠﻤﺎء ﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺎت ﻣﻦ رؤﻳﺘﻬﻢ اﻟﻤﻮﻗﻊ. وإﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺗﻨﺒﺆ اﻟﺒﺎﺻﺮ ﺑﻮﺟﻮد ﻣﺎء ﺟﻮﻓﻲ ﻓﺈﻧﻪ ﻋﺎدة ﻳﺤﺪد ﻏﻮره. )(19 واﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﺧﺘﻴﺎر اﻟﻤﺼﺪر اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻟﻠﻤﻴﺎه وﺣﻔﺮ اﻷﻧﻔﺎق اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ ﻟﻠﻔﻠﺞ ،ﺗﺘﺒﺪى ﻣﻬﺎرة اﻟﻤﺨﺘﺼﻴﻦ ﺑﺤﻔﺮ ﻫﺬه اﻟﻤﺠﺎرى اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ ﻟﻸﻓﻼج ﻓﻲ ﻗﺪرﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﻣﺴﺎرات ﻫﺬه اﻟﻤﺠﺎري ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻠﺘﻘﻲ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ وأن ﺿﺒﻂ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺗﻬﺎ ﻛﺎن ﻳﺘﻢ ﺑﺎﻟﻌﻴﻦ اﻟﻤﺠﺮدة ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ،ﻣﻊ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺴﺎر اﻟﻤﺜﺎﻟﻲ ﻟﻠﻤﺠﺮى وﺑﻴﻦ ﻣﺴﺎر ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻌﻴﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎر ﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﺼﺨﻮر اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻔﺮ اﻟﻨﻔﻖ، ﻛﻤﺎ ﺗﺒﺪو ﻣﻬﺎرﺗﻬﻢ أﻳﻀً ﺎ ﻓﻲ ﺗﺄﻣﻴﻦ ﺳﺮﻋﺔ ﺗﺪﻓﻖ ﻛﺎﻓﻴﺔ وﻣﺘﻮاﺻﻠﺔ ﻟﻠﻤﻴﺎه ﻋﻠﻰ ﻃﻮل اﻟﻘﻨﺎة ،واﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﺒﺎت اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻣﻦ ﻣﺮورﻫﺎ ﺑﺎﻷودﻳﺔ واﻟﻌﻮاﺋﻖ اﻷﺧﺮى ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻬﺎرة ﻣﺴﺢ اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻤﻮازﻧﺔ ﺑﻴﻦ درﺟﺔ اﻧﺤﺪار اﻟﻘﻨﺎة وﻣﻌﺪل ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻤﻴﺎه اﻟﻤﺘﺪﻓﻘﺔ ،ﻣﻊ ﻣﺮاﻋﺎة اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت اﻟﻤﻮﺳﻤﻴﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻤﺴﺘﻮى ،وﻛﺎﻧﻮا ﻳﻀﻴﻔﻮن إﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﻬﺎراﺗﻬﻢ ﻫﺬه ﻋﻨﺎﻳﺘﻬﻢ اﻟﻔﺎﺋﻘﺔ ﺑﺘﺠﻨﻴﺐ اﻟﻘﻨﻮات اﻻﺣﺘﻜﺎك واﻟﺘﺂﻛﻞ وﻓﻘﺪان اﻟﻤﻴﺎه ﺑﺄن ﻳﻘﻮﻣﻮا ﺑﻜﺴﻮة ﺟﺪراﻧﻬﺎ ﺑﺄﺳﻤﻨﺖ ﻣﺤﻠﻲ ﻣﻘﺎوم ﻟﻠﻤﻴﺎه اﻟﻤﺘﺪﻓﻘﺔ ﻳﻌﺮف ﺑﺎﺳﻢ » اﻟﺼﺎروج«(20). اﻟﻤﺮاﺟﻊ: -1ﺧﺎﻟﺪ ﺻﺎﻟﺢ ﻣﻮﺳﻰ ﻣﻠﻜﺎوي ،ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻌﻮاﻣﺮ ..ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ واﻟﺤﺎﺿﺮ، اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷوﻟﻰ ،أﺑﻮﻇﺒﻲ :اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻧﻔﺴﻪ2015 ،م ،ص ص .92-91 - 2أﻓﻼج اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻣﺠﻠﺔ ﻧﺎﺷﻮﻧﺎل ﺟﻴﻮﻏﺮاﻓﻴﻚ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، اﻟﻤﺠﻠﺪ اﻟﺜﺎﻣﻦ ،اﻟﻌﺪد ،31إﺑﺮﻳﻞ ،2013ص ص.75-64 - 3ﻣﺎﻧﻊ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻌﺘﻴﺒﺔ ،اﻗﺘﺼﺎدﻳﺎت أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻗﺪﻳﻤﺎ وﺣﺪﻳﺜﺎ) ،د .ن(، اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷوﻟﻰ1971 ،م ،ص.56 - 4إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻋﻄﺎ اﻟﻠﻪ اﻟﺒﻠﻮﺷﻲ ،ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻤﺪن ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات
ﻓﻠﺞ ﻓﻲ وادي ﻗﺎري -ﻋﻤﺎن
ﻋﺎﻣﺎً ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺪ اﻟﺸﺎق واﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ) .(13وﻟﺸﺪة اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﻬﺬا اﻷﻣﺮ ﻛﺎن اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻳﺘﺎﺑﻊ ﻋﻤﻠﻬﻢ ﺧﻄﻮة ﺑﺨﻄﻮة .وﻛﺎن ﻳﺸﺮف ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﻨﻔﺴﻪ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﻮد اﻟﺴﻜﺮﺗﻴﺮ اﻟﺨﺎص ﻟﻠﺸﻴﺦ زاﻳﺪ اﻟﺬي راﻓﻘﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ،وﻛﺎن ﻳﻨﺰل ﺑﻨﻔﺴﻪ إﻟﻰ اﻟﺒﺌﺮ ﻟﻴﺮى ﻣﺪى ﺻﻼﺣﻴﺘﻬﺎ رﻏﻢ ﺧﻄﻮرة اﻟﻨﺰول إﻟﻴﻬﺎ(14). ﻣﻌﺮﻓﺔ أﻣﻬﺎت اeﻓﻼج
وﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﻌﻮاﻣﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﺘﺼﻴﻦ واﻟﺤﺎذﻗﻴﻦ ﻓﻲ إﻧﺸﺎء وﺑﻨﺎء اﻵﺑﺎر واﻷﻓﻼج ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ أﺟﺰاء ﻋﻤﺎن وﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻌﻴﻦ .وارﺗﺒﻂ اﺳﻤﻬﻢ ﺑﻬﺬا اﻟﻔﻦ ﻧﻈ ًﺮا ﻟﺸﻬﺮﺗﻬﻢ اﻟﻔﺎﺋﻘﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺻﻴﺎﻧﺘﻬﺎ وﻛﺸﻒ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺠﺎرﻳﻪ ﺗﺤﺖ اﻷرض ﻣﻨﺬ اﻷزﻣﻨﻪ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ وﺣﺘﻰ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﺿﺮ ﻣﻦ دون اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﻪ ﺑﺎﻷﺟﻬﺰه اﻟﺤﺪﻳﺜﻪ ،ﻓﺎﻣﺘﻬﻨﻮا ﻫﺬا اﻟﻔﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻟﻌﺼﻮر ،وﻓﺎﻗﻮا ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻓﻨﺎً وﻣﻬﺎرة ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل. ﻓﻬﻢ ﺗﻮارﺛﻮا اﻟﺨﺒﺮة واﻟﺪراﻳﺔ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﻨﺎﺑﻊ وﻋﻴﻮن اﻟﻤﺎء ،اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻰ أﻣﻬﺎت اﻷﻓﻼج ،وﻣﻮاﻃﻦ اﻟﻤﻴﺎه أﺳﻔﻞ اﻷرض ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻔﺮاﺳﺔ واﻟﺤﺪس ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺧﺒﺮﺗﻬﻢ اﻟﻮاﺳﻌﺔ ﻓﻲ ﻗﺺ اﻟﺤﺠﺮ وﺷﻖ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
41
ﻣﻠﻒ
ģǙŘǜē ĚŁŜ
ووﺟﺪﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺑﻪ رﺟﻼً ﻣﻬﻴﺒﺎً ﻗﺪم ﻟﻨﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻘﻮﻟﻪ «:ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ ﺣﺎﻣﺪ ﺑﻦ ﻣﺮﺷﺪ اﻟﻌﺎﻣﺮي زﻣﻴﻞ زاﻳﺪ« أي اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺣﺎﻛﻢ اﻟﺒﻼد! وﺑﻌﺪ أن ﺷﺮح ﻟﻪ ﻣﺮاﻓﻘﻨﺎ اﻟﻐﺮض ﻣﻦ رﺣﻠﺘﻨﺎ وﻣﺎ ﺳﻤﻌﻨﺎه ﻋﻦ ﺣﻔﺎري اﻷﻓﻼج ،اﺳﺘﻐﺮق ﻓﻲ ﺿﺤﻚ ﻃﻮﻳﻞ ،وﻗﺎل ﺿﺎﺣﻜﺎً» :ﻳﻌﻨﻲ إﺣﻨﺎ أﺻﻠﻨﺎ ﺟﻦ؟ ﻓﻘﻠﺖ :ﻫﻜﺬا ﻳﻘﻮﻟﻮن ،ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻌﺮف ﺣﻘﻴﻘﺘﻜﻢ؟ ﻓﻘﺎل: »ﻧﺤﻦ ﻓﺮع ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻌﻮاﻣﺮ ،وأﺻﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﺎن اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ،وﻧﺤﻦ ﻧﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺣﻔﺮ اﻷﻓﻼج ﻣﻨﺬ أﺟﺪاد أﺟﺪادﻧﺎ ،ﻧﻨﺰل إﻟﻰ ﻋﻤﻖ 14ﺑﺎﻋﺎً ﺗﺤﺖ ﺳﻄﺢ اﻷرض) ،اﻟﺒﺎع ﻫﻮ ﻃﻮل ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻣﺪ اﻟﺬراﻋﻴﻦ ﻣﺴﺘﻘﻴﻤﺘﻴﻦ(، وﻧﺤﻔﺮ اﻵﺑﺎر ﻓﻲ اﻷرض اﻟﺼﺨﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﺸﺎﻛﻮش واﻟﻤﺴﻤﺎر ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻔﻌﻞ أﺟﺪادﻧﺎ ،وﻓﻲ أﻋﻤﺎق اﻷرض ﻧﻮﺻﻞ ﻫﺬه اﻵﺑﺎر ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﻗﻨﻮات« .ﻗﻠﺖ :وﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻨﻜﻢ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﺗﺠﺎه اﻟﺤﻔﺮ وﻣﻘﺪار ﻓﻠﺞ ﺑﻨﺰوى اﻧﺨﻔﺎض اﻷرض ،ﻫﻞ ﻋﻨﺪﻛﻢ أوراق وﺧﺮاﺋﻂ؟ ﻓﻘﺎل ﻣﺘﻌﺠﺒﺎً :ﺧﺮاﺋﻂ؟! أي ﺧﺮاﺋﻂ ﺗﻘﺼﺪ؟ إﻧﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﺗﺠﺎه اﻟﻘﻨﻮات اﻷرﺿﻴﺔ ﻧﺘﺒﻊ ﺻﺪى أﺻﻮات اﻟﺪق واﻟﺤﻔﺮ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﻤﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻓﺔ 13ﺑﺎﻋﺎً(10) «. وﻟﺸﻬﺮة اﻟﻌﻮاﻣﺮ ﺑﺤﻔﺮ اﻷﻓﻼج وارﺗﺒﺎط اﺳﻤﻬﻢ ﺑﺬﻟﻚ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﺑﺄﻓﻼج اﻟﻌﻴﻦ ،ﻓﻘﺪ ﻗﺮب اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻫﺆﻻء اﻟﻌﻮاﻣﺮ واﻫﺘﻢ ﺑﻬﻢ ،ﺑﺤﻴﺚ أن ﻣﻼﺣﻆ ﻋﻤﺎل اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻌﺎﻣﺮي ﺳﻤﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻟﻘﺎﺋﻪ ﻣﻊ ﺳﻠﻴﻢ زﺑﺎل »زﻣﻴﻞ زاﻳﺪ« .وﻇﻞ ﻫﺆﻻء اﻟﻌﻮاﻣﺮ ﻣﺤﻂ ﺟﺬب ﻟﻠﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻤﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺄﺗﻮن اﻟﻌﻴﻦ ﻟﻠﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ واﻗﻊ اﻷﻓﻼج اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻬﺎرة اﻟﻌﻮاﻣﺮ ﻧﻘﻄﺔ اﻹﺑﺪاع ﻓﻴﻪ. وﻳﻘﻮل راﻧﻮب أﺣﺪ اﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﻦ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﻴﻦ ﻓﻲ دار اﻻﻋﺘﻤﺎد اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺑﺄﺑﻮﻇﺒﻲ ،اﻟﺬي زار اﻟﻌﻴﻦ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 1958م ﻣﺪﻟﻼ ﻋﻠﻰ ﺟﻬﻮد اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻓﻲ اﻷﻓﻼج»:ﻛﺎن ﻫﻨﺎك اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻜﻼم ﺣﻮل ﺟﻬﻮد ﻓﻠﺞ ﻓﻲ وادي ﻗﺎري -ﻋﻤﺎن اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮة ﻟﺘﺤﺴﻴﻦ أﻓﻼج اﻟﻌﻴﻦ ،وﻗﺪ ﺗﻮﺟﻬﻨﺎ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎرة إﻟﻰ ﻗﺮب اﻟﻤﻨﺒﻊ اﻟﺬي أﻏﺮز ﻓﻴﻪ زاﻳﺪ ﻓﻲ ﻓﺘﺮة ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺴﻨﺔ إن ﻫﺬه اﻷﻓﻼج ﺣﻔﺮت ﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﺳﻠﻴﻤﺎن اﻟﺤﻜﻴﻢ ،اﻟﺬي ﺳﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ أرﺑﻌﺔ ﺛﻘﺎﺑﺎت ﻟﺘﺤﺴﻴﻦ ﻣﺠﺮاه ،وﻫﻨﺎ اﻟﺘﻘﻴﺖ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻌﺎﻣﺮي ﻣﻼﺣﻆ اﻟﺠﺎن ﻓﺴﺨﺮﻫﻢ ﻟﺤﻔﺮ ﻫﺬه اﻟﻘﻨﻮات!)(8 ﻋﻤﺎل اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ،ﻓﺄراﻧﺎ ﺛﻘﺎﺑﻴﻦ إﺿﺎﻓﻴﻴﻦ ﻳﺠﺮي ﻏﺮزﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ وﻳﺴﺘﺤﻀﺮ ﺳﻠﻴﻢ زﺑﺎل ﺑﻬﺬا اﻟﺨﺼﻮص ﻣﺎ ذﻛﺮه اﻟﻌﻮﺗﺒﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻠﺤﻈﺔ«(11). اﻷﻧﺴﺎب ،إذ ﻳﻘﻮل «:ﻳﻘﺎل ،واﻟﻠﻪ أﻋﻠﻢ ،إن ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺑﻦ داوود ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼم ﺟﺎء إﻟﻰ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ وأﻫﻠﻬﺎ ﺑﺎدﻳﺔ ،ﻓﻤﻜﺚ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺸﺮة أﻳﺎم ،وأﻣﺮ ﺑﻨﺎء ﻓﻠﺞ اﻟﺼﺎروج اﻟﺠﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻳﻮم ﺑﺤﻔﺮ أﻟﻒ ﻧﻬﺮ ،أﺟﺮى ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺸﺮة آﻻف ﻧﻬﺮ« .ﺗﻘﻮل ﺟﻮﻳﻨﺘﻲ ﻣﺎﻳﺘﺮا ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻬﺎ »زاﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺪي إﻟﻰ اﻻﺗﺤﺎد« وﻫﻲ وﻳﻀﻴﻒ زﺑﺎل» :وﻟﻜﻨﺎ اﻛﺘﺸﻔﻨﺎ أن اﻟﻌﻮاﻣﺮ ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﺣﻔﺮوا اﻷﻓﻼج ﺗﺼﻒ ﺗﺼﻤﻴﻢ زاﻳﺪ ﻋﻠﻰ إﺣﻴﺎء ﻣﺼﺎدر اﻟﻤﻴﺎه ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ» :ﻣﻦ أﺟﻞ وﻟﻴﺲ اﻟﺠﻦ«(9). إﻧﺠﺎح ﺟﻬﻮده ﻓﻲ ﺗﺮﻣﻴﻢ اﻷﻓﻼج وﺗﻨﻈﻴﻔﻬﺎ وﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ،ﺟﻠﺐ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ وﻓﻲ ذﻟﻚ ﻳﺮوي زﺑﺎل ﻣﺎ ﺣﺪث ﻣﻌﻪ ﺣﻴﺎل ﺻﺤﺔ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺸﺎع ،ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ رﺟﺎل ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻌﻮاﻣﺮ ﻣﻦ ﻗﺮاﻫﻢ وﺳﻂ ﻋﻤﺎن ،ﻣﻤﻦ ﻓﻴﻘﻮل» :ﻋﻨﺪﻣﺎ ذﻛﺮﻧﺎ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم ﻟﺼﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻦ اﺷﺘﻬﺮوا ﺑﻤﻌﺮﻓﺘﻬﻢ ﺑﺎﻷﻓﻼج وﻗﺪرﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺼﻲ أﺛﺮ اﻟﻤﺎء ﻓﻲ اﻷرض زاﻳﺪ ﺣﻔﻈﻪ اﻟﻠﻪ ،ﻣﻤﺜﻞ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﺿﺤﻚ واﻛﺘﺸﺎف ﻣﻮاﻗﻌﻬﺎ) ،(12وﺑﺪأ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻊ ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻌﻮاﻣﺮ ﻃﻮﻳﻼً ،وﻗﺎل ﻟﻨﺎ»:ﺳﻨﺄﺧﺬﻛﻢ ﻟﺘﺮوا اﻟﺠﻦ وﻫﻢ ﻳﻌﻤﻠﻮن .«!..وﺳﺎرت ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﻓﻠﺞ اﻟﺼﺎروج اﻟﺬي ﻛﻠﻒ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺪ واﻟﻮﻗﺖ .ﻓﻘﺪ ﺑﻨﺎ اﻟﺴﻴﺎرة ﺗﻘﻄﻊ أرﺿﺎً ﺻﺤﺮاوﻳﺔ ﺗﻐﻄﻴﻬﺎ أﺷﺠﺎر اﻟﺴﻤﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻐﺬى ﺗﻄﻠﺐ ﺣﻔﺮ ﻧﻔﻖ ﻃﻮﻳﻞ ﻳﺒﻠﻎ 15ﻛﻠﻢ ،ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺑﻠﻎ أﻗﺼﻰ ﻋﻤﻖ 22 اﻷﻏﻨﺎم واﻟﺠﻤﺎل ﻋﻠﻰ أوراﻗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﺘﺎء ،ﺣﺘﻰ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﺨﻴﻢ ﻣﺘﺮا ً ﺗﺤﺖ ﺳﻄﺢ اﻷرض .وﻫﻮ ﺑﻤﻨﺘﻬﻰ اﻟﺪﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ واﻟﺘﺼﻤﻴﻢ، ﺻﻐﻴﺮ ﻣﺴﺎﻛﻨﻪ ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﻴﻞ وﺟﺬوع أﺷﺠﺎر اﻟﺴﻤﺮ ،ﺣﻴﺚ ﺑﺪأ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻴﻪ ﻣﻨﺬ ﻋﺎم 1948م واﺳﺘﻐﺮق ﺑﻨﺎؤه ﺣﻮاﻟﻲ 18
40
اaﻓﻼج ..ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ﺑﺎﻟﺒﺼﺮ واﻟﺒﺼﻴﺮة
راﺋــﻊ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ اﻟــﺬوق اﻟﺮﻓﻴﻊ ﻟﺴﻜﺎﻧﻬﺎ، وﻋﻠﻰ أرﻗﻰ ﻣﺎ وﺻﻞ إﻟﻴﻪ اﻟﻔﻦ اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻟﻬﻨﺪﺳﻲ اﻟﻔﺮﻳﺪ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻀﻤﺎر ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،وﻫﻮ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻬﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﻤﺒﺬول ﻓﻲ ﻏﻴﺎب آﻻت اﻟﺤﻔﺮ واﻻﺳﺘﻜﺸﺎف اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،وﻳﺘﺴﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻪ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎرة واﻟﺨﻄﻮرة ،وﻗﺪ ﻳﺘﻄﻠﺐ اﻷﻣﺮ ﺳﻨﻮات ﻛﺜﻴﺮة ﻟﺒﻨﺎء ﻗﻨﺎة ﻛﺎﻣﻠﺔ(4). وﻟﻢ ﻳﻜﻦ إﻋﺠﺎب ﻣﻦ رأوا اﻷﻓﻼج وﻫﻲ ﻓﻲ أوج ﺣﺪاﺛﺘﻬﺎ ﻓﻲ أواﺳﻂ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ أﻗﻞ ﻣﻦ إﻋﺠﺎب ﻣﻦ ﻛﺘﺒﻮا ﻋﻨﻬﺎ ﻻﺣﻘًﺎ ،ﻓﻘﺪ أدرﻛﻮا ﻛﻴﻒ أن ﺣﻔﺮﻫﺎ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻣﻬﺎرة ﺧﺎﺻﺔ وﺑﺮاﻋﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ،ﻓﻬﻮ ﺑﺮأﻳﻬﻢ ﻋﻤﻞ ﻫﻨﺪﺳﻲ ﻳﻠﻌﺐ ﻓﻴﻪ اﻟﺤﺪس واﻟﺨﺒﺮة دو ًرا أﺳﺎﺳﻴﺎً ،ﻓﻬﺎ ﻫﻮ وﻳﻠﻔﺮد ﺛﻴﺴﺠﺮ ﻳﺼﻒ اﻷﻓﻼج اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺮاﻫﺎ ﻓﻲ أﺛﻨﺎء رﺣﻠﺘﻪ ﻧﺤﻮ اﻟﺮﺑﻊ اﻟﺨﺎﻟﻲ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺣﻔﺮ رأﺳﻴﺔ ﻏﺎﻃﺴﺔ ﺗﺒﻌﺪ اﻟﻮاﺣﺪة ﻋﻦ اﻷﺧﺮى ﻋﺸﺮ ﻳﺎردات ،وﻳﺮﺑﻄﻬﺎ ﻧﻔﻖ واﺣﺪ ،وﻳﻘﻮل»:ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻤﺘﺪ أﻣﻴﺎﻻً ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺑﺮاﻋﺔ ﻟﻀﺒﻂ اﻟﻤﺴﺘﻮى ،واﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻈﻼم ﻣﻦ دون أدوات ﻗﻴﺎس)(5 وﺗﻨﻘﻞ ﺷﻤﺴﺔ اﻟﻈﺎﻫﺮي ﻣﺎ ﺟﺎء ﻣﻦ وﺻﻒ ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ اﻧﺒﻬﺎر دﻳﻔﻴﺪ ﻫﺎرﻳﺴﻮن ،اﻟﻄﺒﻴﺐ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﺗﻮﺟﻪ ﻓﻲ أﻏﺴﻄﺲ ﻣﻦ ﻋﺎم 1953إﻟﻰ واﺣﺎت اﻟﻌﻴﻦ ﻟﻠﺨﺪﻣﺔ ﻓﻴﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ أدﻫﺸﻪ، وﻫﻮ ﻣﺤﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻮق اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،ﺷﻜﻞ ﻧﻈﺎم وﻫﻨﺪﺳﺔ اﻷﻓﻼج اﻟﺘﻲ ﺑﺪت ﻟﻪ ﺧﻄﻮﻃًﺎ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻵﺑﺎر ﺣﻔﺮت ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ دواﺋﺮ ﻓﻲ ﺧﻂ ﻣﺴﺘﻘﻴﻢ ،إذ ﻳﻘﻮل»:ﻟﻢ أﺗﻮﻗﻊ أن ﺗﺪﻫﺸﻨﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻋﻰ ﻣﺤﻠ ًﻴﺎ ﺑﺎﺳﻢ اﻷﻓﻼج«(6). وﻛﺒﺎر اﻟﺴﻦ ﻣﻤﻦ ﻋﺎﻳﺸﻮا ﺣﻔﺮ اﻷﻓﻼج ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ،ﺑﺪورﻫﻢ ﻳﺒﺪون ﺗﻌﺠﺒﻬﻢ ﺣﻴﺎل ﻗﺪرة اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻌﺠﻴﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﻘﻮا ﺑﻬﺎ اﻟﺠﺒﺎل ،وﻳﻌﺒﺮون ﻋﻦ ﺗﻌﻈﻴﻤﻬﻢ ﻟﺪور اﻟﻤﺨﺘﺼﻴﻦ ﺑﺎﻷﻓﻼج ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻣﺮ ﻓﻲ ﻗﻄﻊ اﻟﺼﺨﻮر ﺑﺪﻗﺔ ،وﻛﻴﻒ ﺗﺤﻤﻠﻮا اﻟﺒﻘﺎء ﺗﺤﺖ اﻷرض وﺳﻂ ﻧﺪرة اﻟﻬﻮاء واﻟﺤﺮارة اﻟﺸﺪﻳﺪة ،وﺗﺤﺘﻔﻆ ذاﻛﺮة ﺑﻌﺾ اﻟﻜﺒﺎر ﺑﻤﺎ ﻋﺎﻧﺎه ﺳﻜﺎن اﻟﻌﻴﻦ ﻗﺪﻳﻤﺎ ﻟﻠﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻣﻜﺎن اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ ،ﻓﺎﺧﺘﻴﺎر اﻟﻤﻜﺎن اﻷﻧﺴﺐ ﻟﺸﻖ اﻟﻔﻠﺞ ﻳﺤﺘﺎج ﻟﺸﺨﺺ ﻣﺨﺘﺺ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻛﻤﺎ أن ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺷﻖ اﻷﻓﻼج ﻫﻲ اﻷﺧﺮى ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﻟﻤﺠﻬﻮد ﺑﺪﻧﻲ ﻛﺒﻴﺮ وﺷﺠﺎﻋﺔ وﻣﻬﺎرة ﻓﺎﺋﻘﺔ ﻟﻤﻮاﺟﻬﺔ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺼﻌﺎب، وﻋﻘﺪﻫﺎ ﺛﻢ ﺗﺒﻄﻴﻨﻬﺎ وﺗﻜﺴﻴﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ﻛﻮﺳﻴﻠﺔ ﺗﺪﻋﻴﻢ وإﺳﻨﺎد ﻟﻬﺎ ﻟﻤﻮاﺟﻬﺔ أﺧﻄﺎر اﻷرض اﻟﺮﺧﻮة اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻋﻨﺎﻳﺔ وﺑﺮاﻋﺔ).(7 ﺑﻨﺎﻫﺎ اﻟﻌﻮاﻣﺮ وﻟﻴﺲ اﻟﺠﻦ!
وﻧﻈﺮا ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﻜﻠﻪ اﻷﻓﻼج ﻣﻦ إﻋﺠﺎز ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺻﺨﺮﻳﺔ ﻧﺎﺋﻴﺔ ﻋﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﺸﺎع اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺺ اﻟﻤﺜﻴﺮة ﺣﻮل اﻷﻓﻼج ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ،ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺨﺘﻠﻂ ﻓﻴﻬﺎ اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ﺑﺎﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ،ﻓﻤﻦ اﻷﻗﻮال اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺎﺋﻌﺔ
ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻔﻠﺞ إﻟﻰ ﻗﻨﻮات -ﻧﺰوى -ﻋﻤﺎن
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
39
ﻣﻠﻒ
ģǙŘǜē ĚŁŜ
ﻓﻦ ﻣﻌﻤﺎري ﻓﺮﻳﺪ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻪ
اeﻓﻼج
ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ﺑﺎﻟﺒﺼﺮ واﻟﺒﺼﻴﺮة ﺧﺎﻟﺪ ﺻﺎﻟﺢ ﻣﻮﺳﻰ
ﺗﻤﺜﻞ اﻷﻓﻼج ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻫﻨﺪﺳﻴﺎ ﻟﻼﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ ﺗﺘﻮارﺛﻪ اﻷﺟﻴﺎل ﻣﻨﺬ ﻣﺌﺎت اﻟﺴﻨﻴﻦ ،وﻋﻠﻴﻪ ﻗﺎﻣﺖ اﻟﺤﻴﺎة ،وﺣﻴﺚ ُوﺟﺪت اﻷﻓﻼج اﺳﺘﻘﺮ اﻟﻤﻘﺎم .وﻗﺪ ﺑﺮع أﻫﻞ اﻹﻣﺎرات اﻷﻗﺪﻣﻮن وﺗﻔﻨﻨﻮا ،رﻏﻢ إﻣﻜﺎﻧﺎﺗﻬﻢ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ،ﻓﻲ اﺑﺘﻜﺎر اﻷﻓﻼج اﻟﺘﻲ ﺑﺮﻫﻨﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﻬﻢ اﻟﻬﻨﺪﺳﻲ ،وﻛﺎن ﻟﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻧﺼﻴﺒﻬﺎ اﻟﻮاﻓﺮ ﻣﻦ اﻟﻮﺟﻮد ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﻣﻨﺬ ﻗﺮون ﻋﺪة ﺳﺒﻘﺖ اﻟﻤﻴﻼد ،ﻣﻤﺎ رﺑﻂ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺑﺎﻟﺰراﻋﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪم ،وأﻛﺴﺒﻬﺎ ﻣﻊ ﻣﻮﻗﻌﻬﺎ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻲ ﺑﻌﺪا اﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎ زاد ﻣﻦ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ وﻋﻈﱠﻢ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺰراﻋﺔ ﻓﻴﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ ﺟﺎء إﻟﻰ اﻟﻌﻴﻦ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻓﺎﺳﺘﻌﺎن ﺑﺎﻟﻌﻮاﻣﺮ اﻟﻤﺘﺨﺼﺼﻴﻦ ﺑﺎﻷﻓﻼج ،وﻏﺪت اﻷﻓﻼج ﺟﺬوة ﻟﻤﺸﺮوع ﺣﻀﺎري ﺟﺪﻳﺪ ،ﻟﻌﺐ اﻟﻌﻮاﻣﺮ دورا ﺑﺎرزا ﻓﻲ ﺑﻨﻴﺘﻪ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ،ﺑﻤﺎ ﺑﺮﻋﻮا ﺑﻪ ﻓﻲ ﺣﻔﺮ ﻫﺬه اﻷﻓﻼج ،واﻟﻌﺒﻘﺮﻳﺔ اﻟﻔﺎﺋﻘﺔ واﻟﻤﻬﺎرة اﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺑﺮزوا ﻣﻌﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻮﺟﻮد ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻼج اﻟﺘﻲ ﻣﺎزاﻟﺖ آﺛﺎرﻫﺎ واﻟﻤﻴﺎه اﻟﻤﺘﺪﻓﻘﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺷﺎﻫﺪة ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ اﻟﻌﻴﻦ ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم) .(1واﻷﻓﻼج ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻧﻬﻀﺖ ﻣﺆﺧﺮا ﺑﺎﻟﺪور اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ إدراج ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﻓﻲ ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻴﻮﻧﺴﻜﻮ ﻓﻲ ﻳﻮﻧﻴﻮ ﻋﺎم (2).2011
ﻓﺎﻷﻓﻼج ﺣﻈﻴﺖ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎص ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم ﻛﺒﻴﺮ وﻋﻨﺎﻳﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن أﻏﻠﺒﻬﺎ اﻧﺪﺛﺮ ﺑﻔﻌﻞ ﻋﺎﻣﻞ اﻟﺰﻣﻦ ،ﻏﻴﺮ أن أﻫﻢ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﻮ ﺷﺎﻫﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﺮاث أﺻﻴﻞ ﻛﺄﺳﻄﻮرة ﺣﻴﺔ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﺼﺤﺮاء ،ﻓﻘﺪ ﺗﻌﺪت أﻓﻼج اﻟﻌﻴﻦ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺳﺒﻴﻼ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺎدر اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻌﻤﻞ ﻟﻬﺎ ﺣﺴﺎب ﻓﺤﺴﺐ ،ﻟﺘﺠﺴﺪ رﻣﺰا ﺗﺮاﺛﻴﺎ رﺑﻂ اﻟﺤﺎﺿﺮ ﺑﺎﻟﻤﺎﺿﻲ ووﺻﻞ اﻟﻘﺮﻳﺐ ﺑﺎﻟﺒﻌﻴﺪ ،وﻟﺘﻠﻘﻲ ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮر اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻮق ﻫﺬه اﻟﻮاﺣﺔ اﻟﻤﻬﻤﺔ واﻛﺘﺴﺎب ﻧﺴﻴﺠﻪ ﺻﻔﺎت ﺧﺎﺻﺔ ،ﻛﺬﻟﻚ ﻟﺘﺒﺮز ﻗﺪرة اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ ﻗﻬﺮ اﻟﻈﺮوف اﻟﺼﻌﺒﺔ واﺑﺘﻜﺎر اﻟﻄﺮق اﻟﺬﻛﻴﺔ ،إذا ﻣﺎ ﺗﻮﻓﺮت اﻟﻌﺰﻳﻤﺔ اﻟﻘﻮﻳﺔ واﻹرادة اﻟﺼﻠﺒﺔ واﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻤﻬﺎرة اﻟﻔﺎﺋﻘﺔ واﻟﺨﺒﺮة اﻟﻼزﻣﺔ واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ اﻟﻜﺎﻓﻴﺔ ،إذ ﺑﺎﺟﺘﻤﺎﻋﻬﺎ ﺑُﺜﱠﺖ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﺼﺨﺮ ﺷﺮاﻳﻴﻦ اﻟﺤﻴﺎة. وﻗﺪ ﻋﺒﺮ ﻛﻞ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺘﺒﻮا ﻋﻦ ﻫﺬه اﻷﻓﻼج واﻟﺬﻳﻦ ﻋﺎﻳﺸﻮا ﺣﻔﺮﻫﺎ 38
اaﻓﻼج ..ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ﺑﺎﻟﺒﺼﺮ واﻟﺒﺼﻴﺮة
أو ﻋﺎﺻﺮوا ﻓﻌﻠﻬﺎ ﻋﻦ اﻧﺒﻬﺎرﻫﻢ ﺑﻬﺎ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻋﻤﻼ ﻫﻨﺪﺳﻴﺎ ﻓﺮﻳﺪا ،ﻓﻴﻪ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻟﺪى ﻣﺤﺘﺮﻓﻴﻪ اﻟﺒﺮاﻋﺔ واﻟﺪﻗﺔ واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻟﺼﺒﺮ اﻟﺸﺪﻳﺪ، وﻣﻌﻪ ﺗﺘﺄﻛﺪ ﻗﺪرة اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ إﺧﻀﺎع اﻟﺒﻴﺌﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻃﻤﻮﺣﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﻤﻴﺎه ﺑﺈﻋﺠﺎز ﻫﻨﺪﺳﻲ ،ﻓﺎﻷﻓﻼج ﻋﻤﻞ ﻓﻨﻲ دﻗﻴﻖ ﻳﺸﻬﺪ ﻟﻪ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺨﺒﺮاء اﻟﺬﻳﻦ زاروا اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ودرﺳﻮا ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎم ،ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﻣﺎﻧﻊ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻌﺘﻴﺒﺔ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺮي ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ(3). ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺣﻔﺮ اeﻓﻼج
ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺘﻪ ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ وﺻﻒ إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺒﻠﻮﺷﻲ اﻷﻓﻼج ﺑـ »اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ« ،وﺑـ »اﻟﺤﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﺘﺨﺼﺺ« ،ﻷن ﺣﻔﺮﻫﺎ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻣﻬﺎرة ﻓﺎﺋﻘﺔ وﺧﺒﺮة ﻛﺒﻴﺮة وﺻﺒﺮا ً وﺟﻠﺪا ً وﻋﺰﻳﻤﺔ ﺗﻔﺘﺖ اﻟﺼﺨﺮ ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺎق ﻛﺒﻴﺮة ﺗﺤﺖ ﺳﻄﺢ اﻷرض ،ﻓﻬﻲ ﺑﺮأﻳﻪ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺠﺮد ﻣﺎء ﻳﺠﺮي ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻦ اﻷرض ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻊ ﺣﺘﻰ اﻟﻤﺰارع ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻤﻞ ﻫﻨﺪﺳﻲ
ﻓﻠﺞ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ -اﻻٕﻣﺎرات
اﻟﺰﻣﻦ )اﻷﺛﺮ أو اﻟﺴﺪس( ﺧﻼل ﺑﺎدة اﻟﻠﻴﻞ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ ﺿﺒﻂ اﻟﻮﻗﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎزل وﺣﺮﻛﺔ اﻟﻨﺠﻮم أو ﻋﻠﻢ اﻟﻔﻠﻚ ،واﻟﺘﻲ اﺗﻔﻘﻮا ﻋﻠﻰ ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ ﺑـ )ﻧﺠﻮم اﻟﻤﺤﺎﻳﻨﺔ أو اﻟﻤﺤﺎﺿﺮة( واﻟﺘﻲ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ وﻳﺨﺒﺮﻫﺎ اﻟﻌﺮﻳّﻒ ﺣﻖ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،وأﺳﻤﺎء ﻫﺬه اﻟﻨﺠﻮم ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،وﻗﺪ رﻛﺰ ﺧﺒﺮاء ﻗﺴﻤﺔ ﻣﻴﺎه اﻷﻓـﻼج ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻨﺠﻮم اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﻟﺪﻳﻬﻢ وﻟﻜﻨﻬﻢ أﺿﺎﻓﻮا إﻟﻴﻬﺎ ﻧﺠﻮ ًﻣﺎ أﺧﺮى ﻟﺘﺘﻢ اﻟﻔﺎﺋﺪة ﺑﻬﺎ، وﻋﻠﻰ ﻫﺬا ﻳﺤﺘﺎج اﻟﻌ ّﺮﻳﻒ أو وﻛﻴﻞ اﻟﻔـﻠﺞ إﻟﻰ ﻋﻠﻢ وﺧﺒﺮة وﻣﻬﺎرة ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﺠﻮم واﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺘﻘﻨﻬﺎ إﻻ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس. وﻗﺪ ﺣﺼﺮ ﻣﻬﻨﺪﺳﻮ اﻷﻓـﻼج ﻋﺪد اﻟﻨﺠﻮم اﻟﻤﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻌﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل ﻻ اﻟﺤﺼﺮ ،وﺻﻞ ﻋﺪد اﻟﻨﺠﻮم اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻓﻲ ﺳﻠﻄﻨﺔ ُﻋﻤﺎن ﻣﺎ ﺑﻴﻦ 20إﻟﻰ 25ﻧﺠ ًﻤﺎ ﻟﻜﻞ ﻓﻠﺞ ،وﻗﺪروا أﻳﻀً ﺎ اﻟﻮﻗﺖ واﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺑﻴﻦ ﻛﻞ ﻧﺠﻤﻴﻦ ﻷن اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺗﺘﻔﺎوت ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺠﻮم ﻋﻠﻰ ﻣﺪار اﻟﻌﺎم ،وﺗﻮﺻﻠﻮا إﻟﻰ ﺗﻘﺪﻳﺮ اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺑﺘﻘﺪﻳﺮ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻦ ﻃﻠﻮع ﻛﻞ ﻧﺠﻢ إﻟﻰ ﻃﻠﻮع اﻟﻨﺠﻢ اﻵﺧﺮ وﻗﺪروا ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻨﺤﻮ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ،أي ﻣﻘﺪار أﺛﺮﻳﻦ ،وﻗﺪروا ﺑﻌﻀﻬﺎ اﻵﺧﺮ ﺑﺴﺎﻋﺔ وﻧﺼﻒ ،أي ﻣﻘﺪار ﺛﻼﺛﺔ آﺛﺎر وﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺴﺎﻓﺎت ﻗﺪرت ﺑﻨﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ أي ﻣﻘﺪار أﺛﺮ واﺣﺪ ﻓﻘﻂ ،وﻫﺬه اﻟﺘﻘﺪﻳﺮات ﻫﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﺠﻮم اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ، وﻫﻨﺎك ﻧﺠﻮم ﻓﺮﻋﻴﺔ أﺧﺮى واﻟﺘﻲ ﺑﺪورﻫﺎ ﺗﻘﻮم ﺑﺘﻨﺼﻴﻒ أو ﺗﺜﻠﻴﺚ أو ﺗﺮﺑﻴﻊ ﻣﺴﺎﻓﺔ اﻟﺰﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻛﻞ ﻧﺠﻤﻴﻦ. وﻳﻮاﺟﻪ اﻟﻌﺮﻳﻒ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻲ ﺗﻮﻗﻴﺖ اﻟﻨﺠﻮم ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﻴﻦ ﺑﺎ ّدة اﻟﻠﻴﻞ وﺑﺎ ّدة اﻟﻨﻬﺎر )وﻗﺖ ﺷﺮوق وﻏﺮوب اﻟﺸﻤﺲ(، وذﻟﻚ ﻷن اﻟﺘﻮﻗﻴﺖ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎم ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺸﻤﺲ واﻟﻨﺠﻮم وﻳﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﺑﺪاﻳﺔ وﻧﻬﺎﻳﺔ ﻛﻞ ﺑﺎ ّدة أﺛﻨﺎء ﺷﺮوق وﻏﺮوب اﻟﺸﻤﺲ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﺣﺎﻟﺔ أﺧﺮى ﺻﻌﺒﺔ اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ أﻳﻀً ﺎ ﻫﻲ إذا ﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺠﻮ ﻏﺎﺋ ًﻤﺎ وﻻ وﺟﻮد ﻟﻠﺸﻤﺲ ،وﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ
اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ
ﺗﻜﻮن اﻟﻐﻴﻮم ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺸﺮق ،ﻳﺴﺘﺨﺪم اﻟﻤﺰارﻋﻮن ﻧﻈﺎ ًﻣﺎ آﺧﺮ ﻟﻠﻨﺠﻮم ﻓﻲ اﻟﻐﺮب ﻳﺘﺰاﻣﻦ ﻏﺮوب ﻧﺠﻮﻣﻪ ﻣﻊ ﻃﻠﻮع ﻧﺠﻮم اﻟﺮي ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻮﻟﻰ اﻟﻌﺮﻳّﻒ ﻫﺬه اﻟﻤﻬﻤﺔ اﻟﺸﺎﻗﺔ اﻟﺬي ﻟﺪﻳﻪ اﻟﺨﺒﺮة اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻋﻦ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻤﺎء ﻓﻲ اﻷﺛﺮ اﻟﻮاﺣﺪ ﻟﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﻨﺨﻴﻞ ﻓﻲ ﻣﺰرﻋﺔ ﻣﺎ أو ﺟﺰء ﻣﻦ ﻣﺰرﻋﺔ ﺑﻤﺴﺎﺣﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ،وﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻳﻘﺪر ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ،وﻟﻜﻦ وﺑﻌﺪ اﺧﺘﺮاع اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻃﺒ ًﻌﺎ ﺗﻢ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻠﻴًﺎ ﻓﻲ ﺣﺴﺎب اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻤﺨﺼﺺ ﻟﻜﻞ ﻣﺰرﻋﺔ ﺑﺪﻗﺔ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺣﻠﺖ ﻣﺤﻞ ﺗﻠﻚ اﻵﻟﻴﺔ اﻟﺒﺪاﺋﻴﺔ واﻟﻤﻌﻘﺪة ﻓﻲ ﺣﺴﺎب زﻣﻦ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻤﻴﺎه ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺰارع ،وأﺻﺒﺢ ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ ﺟ ًﺪ ا ﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟﻮﻗﺖ ﺑﺪﻗﺔ ﻟﺘﻘﺴﻴﻢ اﻟﻤﻴﺎه ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس *ﺷﺎﻋﺮ وﺑﺎﺣﺚ ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
37
ﻣﻠﻒ
ģǙŘǜē ĚŁŜ
اﻟﻌﻴﻦ ﺳﻨﺔ 1948
أو إﻳﺠﺎر ﺣﺼﺼﻬﻢ ﻵﺧﺮﻳﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻬﻢ أﻣﻼﻛًﺎ وزر ًﻋﺎ أو ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻠﻤﺎء، وﻳﻜﻮن اﻟﺒﺎﺋﻊ أو اﻟﻤﺆﺟﺮ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺘﺎج ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺤﺼﺺ )ﻟﻔﺘﺮة ﻗﺼﻴﺮة أو ﻃﻮﻳﻠﺔ( ﻟﻘﻠﺔ ﻣﻠﻜﻪ أو ﻟﻘﻠﺔ زرﻋﻪ وﻗﺖ ﺑﻴﻊ ﺣﺼﺘﻪ أو ﺑﻌﺾ ﻣﻨﻬﺎ أو ﺗﺄﺟﻴﺮﻫﺎ ،ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺗﻜﻮن ﻫﻨﺎك أوﻗﺎﺗﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻤﻠﻮﻛﺔ ﻷﺷﺨﺎص وﺗﺴﻤﻰ )اﻟﻤﺸﺎع( وﻫﻲ وﻗﻒ ﻟﻠﻔـﻠﺞ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﺼﺺ اﻻﺣﺘﻴﺎﻃﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺎدات )ﺟﻤﻊ ﺑـﺎدة واﻟﺒﺎدة ﺗﺴﺎوي 12ﺳﺎﻋﺔ أو ﻣﺎ ﻳﻌﺎدل 24 أﺛ ًﺮا( وﺗﺴﺘﺨﺪم ﻋﻮاﺋﺪ إﻳﺠﺎرﻫﺎ ﻟﺼﻴﺎﻧﺔ اﻟﻔـﻠﺞ وﺗﻨﻈﻴﻔﻪ ﻛﻠﻤﺎ دﻋﺖ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ذﻟﻚ ،وﻳﺘﻢ ﺗﻘﺴﻴﻢ أﺳﻬﻢ اﻟﻤﺎء ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺤﺎﻻت ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﻮﻗﺖ )وﺣﺪة اﻟﺰﻣﻦ( وﻫﻲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻷﻛﺜﺮ ﺷﻴﻮ ًﻋﺎ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام وﺣﺪة ﻧﺴﺒﻴﺔ ﻟﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﻤﻴﺎه ﺗﺴﻤﻰ ﺑﺎﻷﺛﺮ )ﺗﺴﺎوي ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ زﻣﻨﻴﺔ( ،وﻣﺪة اﻷﺛﺮ )أو اﻟﺴﺪس ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ( ﺗﺴﺎوي ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ زﻣﻨﻴﺔ ،وﻳﺘﺄﻟﻒ اﻟﻴﻮم اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻣﻦ ﺑﺎدﺗﻴﻦ )ﺑﺎدة اﻟﻠﻴﻞ وﺑﺎدة اﻟﻨﻬﺎر( ﻳﻀﻤﺎن 48أﺛ ًﺮا وﻛﻞ ﺑﺎدة ﺗﺴﺎوي 12ﺳﺎﻋﺔ وﺗﺤﺘﻮي ﻋﻠﻰ 24أﺛ ًﺮا ،ﻓﻲ ﺣﻴﻦ رﺑﻊ اﻟﺒـﺎدة ﺗﺴﻤﻰ اﻟﺮﺑﻌﺔ وﻣﺪﺗﻬﺎ 3ﺳﺎﻋﺎت وﻫﻲ ﺗﺴﺎوي 6أﺛﺎر. وﺧﻼل اﻟﻨﻬﺎر ﻳﻌﺘﻤﺪ اﻟﻌﺮﻳﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺸﻤﺴﻴﺔ أو ﻇﻞ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺬي ﻳﺘﻜﻮن ﻋﻨﺪ ﺳﻘﻮﻃﻪ ﻋﻠﻰ أي ﺟﺴﻢ ﻣﺮﺗﻔﻊ ﻋﻦ ﺳﻄﺢ اﻷرض )وﺗﺴﻤﻰ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺸﻤﺴﻴﺔ ﻣﺤﻠﻴًﺎ ﺑﺎﻟﻠﻤﺪ أو اﻟﻌﻠﻢ أو اﻟﺤﺎﺿﺮة( وﺗﺘﻢ ﻫﺬه اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺮاﺣﻞ ﻓﻔﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻳﺘﻢ اﺧﺘﻴﺎر ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻨﺒﺴﻄﺔ )ﻣﺴﺘﻮﻳﺔ( ﻣﻦ اﻷرض ﻻ ﻳﺤﺠﺒﻬﺎ ﺷﻲء ﻋﻦ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ ﻣﻨﺬ ﻣﻄﻠﻊ اﻟﺸﻤﺲ وﺣﺘﻰ ﻏﺮوﺑﻬﺎ وﻏﻴﺮ ﻣﻌﺮﺿﺔ ﻟﻠﻈﻞ ،ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ﺗﻨﻘﻴﺘﻬﺎ وﺗﺴﻮﻳﺘﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﻴﺪ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺘﺨﻄﻴﻂ رﻗﻌﺔ ﻓﻲ وﺳﻄﻬﺎ
ﻣﺮﺑﻌﺔ اﻟﺰواﻳﺎ ﺗﻘﺪر ﺑﺜﻼﺛﻴﻦ ﻣﺘ ًﺮا ﻟﻜﻞ زاوﻳﺔ ،ﺛﻢ ﻳﺨﺘﺎرون ﻧﻘﻄﺔ اﻟﻮﺳﻂ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺮﻗﻌﺔ ﻟﺘﻜﻮن ﻛﻤﺤﻮر ﻟﻠﺪاﺋﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺪور ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺴﺎﻋﺔ )اﻟﻤﺤﺎﺿﺮة( ﺛﻢ ﻳُ ْﻨ َﺼ ُﺐ ﻓﻲ وﺳﻄﻬﺎ ﻋﻤﻮد ﺧﺸﺒﻲ ﻣﺴﺘﻘﻴﻢ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ اﻋﻮﺟﺎج ﻳﻜﻮن ﻃﻮﻟﻪ ﺣﻮاﻟﻲ ﺛﻼﺛﺔ أﻣﺘﺎر ﺣﺪ أﻗﺼﻰ وﻗﻄﺮه ﻣﺎ ﺑﻴﻦ 10 – 8ﺳﻨﺘﻤﺘﺮات وﻳﺘﻢ ﻧﺼﺒﻪ ﻓﻲ وﺳﻂ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻘﻄﺔ اﻟﺘﻲ أُﻋﺪت ﻟﻪ وﻳُﺜﺒﺖ ﺑﺤﺠﺎرة وﺻﺎروج ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ إﻧﺴﺎن أو داﺑﺔ اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻓﻴﻪ وﻻ ﺗﺰﻋﺰﻋﻪ ﻋﺎﺻﻔﺔ ،وﻳﺘﻢ اﺧﺘﻴﺎر ﺧﺸﺐ اﻟﻌﻤﻮد ﻣﻦ اﻟﻨﻮع اﻟﺼﻠﺐ ﺟ ًﺪا ﻻ ﻳﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻪ ،وﻳﻨﺼﺐ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻮد ﻣﺴﺘﻘﻴ ًﻤﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﺤﻦ إﻟﻰ زاوﻳﺔ وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺗﻘﺴﻴﻢ أرﺿﻴﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﻗﻌﺔ ﺗﻘﺴﻴ ًﻤﺎ ﻫﻨﺪﺳ ًﻴﺎ دﻗﻴﻘًﺎ ﻓﻴﺨﻂ ﻓﻴﻬﺎ ﺛﻼﺛﺔ ﺧﻄﻮط ﻣﺎ ﺑﻴﻦ زاوﻳﺘﻲ اﻟﺸﺮق واﻟﻐﺮب ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻜﻮن اﻟﺨﻂ ﻗﺪ ﻗﺴﻢ اﻷرض ﻗﺴﻤﻴﻦ ﻣﺘﺴﺎوﻳﻴﻦ ﻻ زﻳﺎدة وﻻ ﻧﻘﺼﺎن ﻓﻲ أﺣﺪ اﻟﻘﺴﻤﻴﻦ، ﺛﻢ ﻳﻘﺴﻢ ﻛﻞ ﻗﺴﻢ إﻟﻰ ﻧﺼﻔﻴﻦ أﻳﻀً ﺎ وﻳﻤﺪ ﻓﻲ وﺳﻄﻪ ﺧﻂ ﻟﺘﺼﺒﺢ اﻟﺮﻗﻌﺔ اﻷرﺿﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺛﻼث ﺧﻄﻮط ﻣﻤﺘﺪة ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺰاوﻳﺘﻴﻦ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ واﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،وﻫﺬه اﻟﺨﻄﻮط ﺗﺼﺒﺢ ﻣﺴﺎ ًرا ﻟﻈﻞ ذﻟﻚ اﻟﻌﻤﻮد ﻓﺎﻟﺨﻂ اﻟﻮﺳﻂ ﻳﻜﻮن ﻣﺴﺎ ًرا ﻟﻈﻞ اﻟﻌﻤﻮد إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﻓﺼﻠﻲ اﻟﺮﺑﻴﻊ واﻟﺨﺮﻳﻒ واﻟﺨﻂ اﻟﺜﺎﻧﻲ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء ﻛﻤﺎ أن اﻟﺨﻂ اﻟﺸﻤﺎﻟﻲ ﻳﻜﻮن ﻣﺴﺎ ًرا ﻟﻈﻞ اﻟﻌﻤﻮد إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﻓﺼﻞ اﻟﺼﻴﻒ ،.وﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﺗﺴﻤﻰ )ﺑﺎﻟﺰورة( وﻫﻲ ﻋﺼﺎ ﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﻴﻞ وﺳﻤﻴﺖ ﻛﺬﻟﻚ ﻹﻋﺘﻤﺎدﻫﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﺒﻞ إﺳﺘﺒﺪاﻟﻬﺎ ﺑﻘﻀﻴﺐ ﺣﺪﻳﺪي. ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺘﺎج اﻟﻌﺮﻳﻒ إﻟﻰ اﻹﻟﻤﺎم ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻀﺒﻂ اﻟﻨﻬﺎري واﻟﺬي ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ آﻟﻴﺔ ﺣﺴﺎب وﺣﺪة
ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻜﻮﻳﺘﻲ
36
ﻋ ّﺮﻳﻒ اaﻓﻼج
وادي اﻟﻐﻴﻞ -اﻻٕﻣﺎرات
اﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﻟﺤﺴﺎب وﺣﺮﻛﺔ اﻟﻨﺠﻮم وﻣﺴﻤﻴﺎﺗﻬﺎ واﻟﻤﺴﺎﻓﺎت اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﻏﻴﺎب ﻧﺠﻢ وﻇﻬﻮر ﻧﺠﻢ آﺧﺮ ،واﺧﺘﻼف ﻣﻮاﺿﻌﻬﺎ ﺻﻴﻔًﺎ وﺷﺘﺎء وﺑﻘﻴﺔ اﻟﻔﺼﻮل ،وأن ﻳﺘﻘﻦ ﻗﻴﺎس اﻟﻈﻞ ﺑﺎﻷﻗﺪام ﻧﻬﺎ ًرا ،وﺟﺮت ﺷﺨﺼﺎ أﻣﻴ ًﻨﺎ ووﺟﻴ ًﻬﺎ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻌﺎدة أن ﻳﺨﺘﺎر أﻫﻞ ﻛﻞ ﺑﻠﺪة ً ﻟﻬﺬه اﻟﻤﻬﻤﺔ اﻟﻌﺼﻴﺒﺔ وﻳﺘﻢ اﺧﺘﻴﺎره اﻋﺘﻤﺎ ًدا ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﻧﺰاﻫﺘﻪ وﺳﻤﻌﺘﻪ اﻟﻄﻴﺒﺔ وﺗﺪﻳﻨﻪ وﻓﻬﻤﻪ ودراﻳﺘﻪ وﺧﺒﺮﺗﻪ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺤﺴﺎب واﻟﺴﻘﻲ ،وﻛﺎن ﻟﻜﻞ ﺑﻠﺪة ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻌﻴﻦ وﻛﺬﻟﻚ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﺒﻼد ﻋ ّﺮﻳﻒ ﺧﺎص ﺑﺎﻟﻔـﻠﺞ اﻟﺬي ﺑﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﻓـﻠﺞ ﻫﻴﻠﻲ ،وﻓـﻠﺞ اﻟﻘﻄﺎرة ،وﻓـﻠﺞ اﻟﻤﻮﻳﺠﻌﻲ ،وﻓـﻠﺞ اﻟﺠﻴﻤﻲ وﻏﻴﺮﻫﺎ. وأﺣﻴﺎﻧﺎ ﺗﺘﻄﻠﺐ إدارة اﻟﻔﻠﺞ ﺗﻌﻴﻴﻦ أو ﺗﺴﻤﻴﺔ ﻣﻌﺎوﻧﻴﻦ ﻟﻠﻌﺮﻳﻒ ﻳﺴﻤﻰ أﺣﺪﻫﻢ وﻛﻴﻞ أو ﻣﺴﺎﻋﺪ ،وﺗﺨﺘﻠﻒ ﺗﺴﻤﻴﺎﺗﻬﻢ ﺑﻴﻦ ﻗﺎﺑﺾ ودﻻل ،وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺗﺘﻢ اﻹﺳﺘﻌﺎﻧﻪ ﺑﺄﺣﺪ )اﻟﺒﻴﺎدﻳﺮ و ﻣﻔﺮدﻫﺎ ﺑﻴﺪار( وﻫﻮ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﺑﺎﻷﺟﺮ ﻋﻨﺪ ﻣﻼك اﻟﻤﺰارع ،وﻳﻜﻮن ﻋﺎدة ﻣﻦ اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻤﻠﻜﻮن اﻟﻤﺰارع وﺗﻜﻮن أﺟﺮﺗﻪ ﻣﻮﺳﻤﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﺑﻴﻊ اﻟﻤﺤﺼﻮل ﻓﻴﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﻮد ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻧﺴﺒﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺼﻮل ﻳﻤﻨﺢ ﻟﻪ ،وﻳﺘﻢ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﻢ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺒﺮة واﻟﺴﻤﻌﺔ واﻷﻣﺎﻧﺔ. أﻣﺎ ﺣﺼﺔ أو ﻧﺼﻴﺐ اﻟﻌﺮﻳّﻒ ﻓﻴﺘﻢ ﺗﺤﺪﻳﺪﻫﺎ أوﻻً ﻣﻦ دﺧﻞ اﻟﻔـﻠﺞ ﺳﻮاء ﻓﻲ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺘﻲ ﻳﺪﻳﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض اﻟﺰراﻋﻴﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ دﺧﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت واﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ اﻟﺰراﻋﻴﺔ ) ﻛﺎن أﺻﺤﺎب اﻷﻧﺼﺒﻪ ﻳﺒﻴﻌﻮن اﻟﻤﻴﺎه( ،وﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻣﺘﻼك اﻟﻌﺮﻳﻒ ﻟﻤﺰرﻋﺔ ﻧﺨﻴﻞ ﻓﻤﻦ ﺣﻘﻪ
ﻣﻤﺮ ﻣﺎﺋﻲ ﻓﻲ أﺣﺪى اﻟﻘﻨﻮات اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ
ﺣﺼﺔ وﺣﻖ ﻳﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﻳﺆدﻳﻪ ،ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻳﺘﻘﺎﺿﻰ اﻟﻌﻤﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺈﺻﻼح وﺻﻴﺎﻧﺔ اﻟﻔـﻠﺞ وﺷﻖ اﻟﺼﺨﻮر أﺟﻮ ًرا ﻧﻘﺪﻳﺔ ﻳﻮﻣﻴﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮة ،وﻛﺎن اﻟﻌﺮﻳﻖ ﻳﻘﻮم ﺑﻮاﺟﺒﺎﺗﻪ ﻣﻦ ﺗﻤﻮﻳﻞ وﺗﻨﻈﻴﻢ وﺑﻴﻊ وﺗﺄﺟﻴﺮ ﻟﻤﺎء اﻟﻔـﻠﺞ اﻟﻔﺎﺋﺾ ﻋﻦ ﺣﺎﺟﺔ أﺻﺤﺎﺑﻪ دون اﺳﺘﺸﺎرة اﻟﻤﺴﺎﻫﻤﻴﻦ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﻔـﻠﺞ ،أﻣﺎ إذا وﺟﺪ ﻫﻨﺎك ﺿﺮورة ﻣﻠﺤﺔ أو ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺻﻌﺒﺔ وﻃﺎرﺋﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺸﺆون ﻫﺬا اﻟﻔـﻠﺞ ﻓﺈن اﻟﻌ ّﺮﻳﻒ ﻳﺪﻋﻮ اﻟﻤﺴﺎﻫﻤﻴﻦ إﻟﻰ اﺟﺘﻤﺎع ﻋﺎﺟﻞ وﺧﺎص ﻟﺒﺤﺚ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ. ﺣﺴﺎﺑﺎت ﻣﻌﻘﺪة وﻣﻌﺎرف دﻗﻴﻘﺔ
ﻗﻨﺎة ﻣﺎء وﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ اﻻٔﻋﻠﻰ اﻟﺜﻘﺐ و ﻫﻮ ﻣﺪﺧﻞ ﻟﻠﺘﻬﻮﻳﺔ واﻟﺘﻨﻈﻴﻒ
ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﻮزﻳﻊ وﺗﻘﺴﻴﻢ ﻣﻴﺎه اﻷﻓـﻼج ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺰارﻋﻴﻦ ﻣﻌﻘﺪة ﺟ ًﺪا، وﻫﻲ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ ﻓﻠﺞ ﻵﺧﺮ ﺣﺴﺐ ﻧﻮع اﻟﻔـﻠﺞ وﺣﺠﻤﻪ وﺗﺎرﻳﺨﻪ واﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻊ ﻓﻴﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺴﺘﺨﺪم اﻷﻓـﻼج اﻟﺼﻐﻴﺮة ذات اﻟﻌﺪد اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﻫﻤﻴﻦ ﻃﺮﻗًﺎ ﻣﺒﺴﻄﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺮﺗﻴﺐ أﻣﺮﻫﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ،ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺗﺘﺨﺬ اﻷﻓـﻼج اﻟﺪاؤودﻳﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮة ذات اﻟﻌﺪد اﻟﻀﺨﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﻫﻤﻴﻦ ﻧﻈﺎ ًﻣﺎ ﻣﻌﻘ ًﺪا ،ﻓﺤﺼﺺ اﻷرض اﻟﺰراﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺎء اﻟﻔـﻠﺞ ﻟﻬﺎ أﻧﻮاع ﻋﺪة ﻣﻨﻬﺎ )ﺣﺼﺺ أﺻـﻞ( وﻫﻮ اﻟﻤﺤﺴﻮب ﻟﻠﻤﺎﻟﻚ واﻟﻤﻤﻠﻮك ﺑﺎﻹرث وﻣﺘﻮارث أﺑًﺎ ﻋﻦ ﺟﺪ ،وﻫﻨﺎك )ﺣﺼﺺ ﻣﺸﺘﺮى( وﻫﻲ ﺣﺼﺺ ﻳﺘﻢ ﺗﻤﻠﻴﻜﻬﺎ ﺑﺎﻟﺸﺮاء ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮم اﻟﺒﻌﺾ ﺑﺒﻴﻊ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
35
ﻣﻠﻒ
ģǙŘǜē ĚŁŜ
واﻟﺤﺮﻓﻴﺔ ،ﻓﺈﻧﺤﺮاف ﺑﺄﻗﻞ ﻣﻦ ﻣﺘﺮ ﻳﺆدي ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ إﻟﻰ اﻹﺑﺘﻌﺎد ﻛﺜﻴﺮا ﻋﻦ ﺑﺌﺮ اﻟﻤﺎء اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻰ )ام اﻟﻔﻠﺞ( ،ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻳﻌﻤﺪون إﻟﻰ ﺣﻔﺮ ﺣﻔﺮ ﻋﻠﻰ ﻃﻮل اﻟﻤﺴﺎر ﺗﺴﻤﻰ اﻟﻮاﺣﺪة )ﺛﻘﺒﻪ( وﻳﺼﻠﻮن ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺑﻤﻤﺮ اﻟﻤﻔﻠﺞ ﺗﺤﺖ اﻷرض ﺣﻴﺚ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻓﻲ ﻛﻼ اﻟﺤﻔﺮﺗﻴﻦ ﺑﺈﺗﺠﺎه ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ﻣﻌﺘﻤﺪﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺻﻮت اﻟﻄﺮق واﻟﺨﺒﺮة اﻟﻤﺘﻮارﺛﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﻘﺎﺑﻞ اﻟﻔﺮﻳﻘﻴﻦ ﺗﺤﺖ اﻷرض ،وﻳﺴﻤﻰ ﻫﺬا اﻟﻨﻔﻖ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻔﺮﺗﻴﻦ )اﻟﻔﻬﺪ أو اﻟﺴﻞ( وﻫﻜﺬا ﺑﻴﻦ ﺑﺎﻗﻲ اﻵﺑﺎر وﻳﺴﺘﻤﺮ إﻟﻰ أن ﻳﺼﻞ اﻟﻨﻔﻖ إﻟﻰ ﺳﻄﺢ اﻷرض وﻳﺘﻔﺠﺮ ﻣﻨﻪ اﻟﻤﺎء وﺗﺴﻤﻰ ﻫﻨﺎ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ )اﻟﻤﺴﻘﻰ( أو )اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ وﻫﻲ أول ﻣﻜﺎن ﻟﺘﺠﻤﻴﻊ وﻇﻬﻮر اﻟﻤﻴﺎه ﻣﻦ ﻗﻨﺎة اﻟﻔـﻠﺞ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ اﻷرض( وﻳﺘﻢ ﻣﺤﻠﻪ ﺑﻨﺎء ﺣﻮض ﻛﺒﻴﺮ ﻧﻮ ًﻋﺎ ﻣﺎ ﺗﺘﺠﻤﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺨﺎرﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﻔـﻠﺞ وﺗﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻓﺮوع وﻣﺨﺎرج ﻟﻠﻤﺎء ﺗﺴﻤﻰ اﻟﺴﻮاﻗﻲ أو )اﻟﻌﻮاﻣﻴﺪ وﻣﻔﺮدﻫﺎ ﻋﺎﻣﺪ( ،ﺣﻴﺚ ﺗﺼﻞ ﻋﺒﺮ ﻫﺬه اﻟﻌﻮاﻣﺪ أو اﻟﻘﻨﻮات إﻟﻰ اﻟﻤﺰارع ،ﻟﺘﺮوي ﻋﻄﺶ أﺷﺠﺎر اﻟﻨﺨﻴﻞ واﻟﻔﺎﻛﻬﺔ واﻟﺨﻀﺎر ﺣﺴﺐ ﺣﺎﺟﺘﻬﺎ ،ﻋﺒﺮ ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻣﺮﻫﻔﺔ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺑﺴﻴﻄﺔ وﻣﺘﻘﺪﻣﺔ. اﻟﻌﺮﻳﻒ وإدارة اﻟﻔﻠﺞ
ﻓﻠﺞ ﺑﺎﻟﻌﻴﻦ
اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ،وﺻﻼﺑﺔ اﻷرض ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ، ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺤﻔﺮ ﺗﻌﺘﺒﺮ إﻧﺠﺎزًا ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻓﻲ ﻇﻞ ﻋﺪم وﺟﻮد اﻵﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻜﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺸﺎق ﺑﺴﻬﻮﻟﻪ ،وأﺑﺴﻄﻬﺎ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻷﻋﻤﺎق وﺗﺤﺪﻳﺪ ﺧﻂ ﺳﻴﺮ اﻟﻔﻠﺞ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺧﺒﺮة ﻫﻨﺪﺳﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﺟﺪا ،وﻗﺪ اﺷﺘﻬﺮ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ ﺑﻼدﻧﺎ ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻌﻮاﻣﺮ وﺧﺼﻮﺻﺎ )ﻋﻮاﻣﺮ اﻟﺠﻠﻌﺔ( اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﻜﻨﻮن ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻘﻠﻌﺔ ﻓﻲ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻋﻤﺎن ،وﻳﺸﺘﻬﺮون ﻣﻨﺬ ﻣﺌﺎت اﻟﺴﻨﻴﻦ ﺑﺤﻔﺮ اﻷﻓﻼج وﺗﻮارث ﻫﺬه اﻟﺨﺒﺮة واﻟﺪراﻳﺔ ،وﻛﺎن ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﻤﺴﻚ ﻗﻀﻴﺒﻴﻦ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس واﻵﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ وﻛﻼﻫﻤﺎ ﻣﻨﺤﻨﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،وﻳﺴﻴﺮ وﻫﻮ ﻣﻤﺴﻚ ﺑﻄﺮﻓﻴﻬﻤﺎ ،ﻓﺈذا ﺗﻨﺎﻓﺮا دل ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ وﺟﻮد ﻣﺎء ﻓﻲ اﻷرض وﻋﻨﺪ ﺗﻘﺎرﺑﻬﻤﺎ دل ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ،ﻫﺬا ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺧﺒﺮة ﻫﺬه اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻌﺮﻳﻘﺔ ﻓﻲ ﻗﺺ اﻟﺤﺪر وﺷﻖ اﻟﺼﺨﻮر ،وﻣﻘﺪرﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺎق ﻛﺒﻴﺮة ﺗﺤﺖ اﻷرض ﻓﻲ ﻇﺮوف ﻏﺎﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻀﻐﻂ واﻟﺤﺮارة واﻧﺨﻔﺎض اﻷﻛﺴﺠﻴﻦ ،وﻗﺪ اﺳﺘﺨﺪم ﺧﺒﺮﺗﻬﻢ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن – ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه – ﻓﻲ ﻋﺸﺮﻳﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻓﻲ ﺗﺮﻣﻴﻢ وﺻﻴﺎﻧﻪ وإﻋﺎدة ﺣﻔﺮ وﺗﺄﻫﻴﻞ ﻓﻠﺞ اﻟﺼﺎروج. وﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮوف أن ﺣﻔﺮ اﻟﻔﻠﺞ ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ أدوات ﺑﺴﻴﻄﺔ ﺟﺪا وﻣﺠﻬﻮد ﺟﺒﺎر ﻳﺴﺘﻤﺮ أﺷﻬﺮ ﻃﻮﻳﻠﻪ ،ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻓﻴﻪ اﻟﻤﻬﻨﺪﺳﻮن اﻟﺪﻗﺔ
34
ﻋ ّﺮﻳﻒ اaﻓﻼج
ﻳﻜﻮن ﺧﻂ ﺳﻴﺮ اﻟﻔـﻠﺞ ﺑﻌﺪ ﺧﺮوﺟﻪ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﺳﻄﺢ اﻷرض ﺑﺎﺗﺠﺎه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺴﻜﻨﻴﺔ وﻣﺰارع اﻟﻨﺨﻴﻞ ،وﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻛﻞ اﻟﻨﺎس اﺳﺘﺨﺪام ﻣﻴﺎﻫﻪ ﻣﺠﺎﻧًﺎ ﺑﻼ اﺳﺘﺜﻨﺎء ،ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻜﻞ إﻧﺴﺎن أﺧﺬ ﻛﻔﺎﻳﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ﻣﻦ ﻣﻴﺎه اﻟﺸﺮب وﻗﺖ ﻣﺎ ﺷﺎء ﻣﻦ دون أوﻟﻮﻳﺔ ﻷﺣﺪ ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻧﻈﺎم ري اﻟﻤﺰارع ،ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻢ ﻋﻤﻞ أﺣﻮاض وﺣﻤﺎﻣﺎت اﻟﺴﺒﺎﺣﺔ واﻻﺳﺘﺤﻤﺎم ﻟﻠﺮﺟﺎل ﻋﻠﻰ ﻣﻤﺮ اﻟﻔﻠﺞ ،ﺛﻢ ﺣﻤﺎﻣﺎت اﻟﻨﺴﺎء ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ اﻟﺒﻌﺾ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ ﻏﺮف ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ، ﻛﻤﺎ ﺗﺤﺼﻞ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻴﺎه اﻟﻮﺿﻮء ﻓﻘﻂ ﻣﻦ اﻷﻓـﻼج ﻣﺒﺎﺷﺮة، وﻻ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺘﺤﻮﻳﻞ اﻟﻔـﻠﺞ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﺴﻜﻮﻧﺔ ﻟﻸﻏﺮاض اﻟﺨﺎﺻﺔ وﻻ ﻳﻤﺮ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ اﻟﻤﺒﺎﻧﻲ ،ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳﻤﺘﺪ اﻟﻔـﻠﺞ ﺑﻴﻦ اﻟﺒﺴﺎﺗﻴﻦ واﻟﻤﺰارع ﻟﻴﺮوﻳﻬﺎ وﻓﻖ اﻟﺘﺮﺗﻴﺒﺎت اﻟﻤﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻴﻦ أﺻﺤﺎب ﻫﺬه اﻟﻤﺰارع ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻌ ّﺮﻳﻒ أو وﻛﻴﻞ اﻟﻔـﻠﺞ. وﻳﻀﻄﻠﻊ اﻟﻌﺮﻳﻒ ﺳﺎﺑﻘًﺎ ﺑﺎﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺎم ﺗﻮزﻳﻊ ﻣﻴﺎه اﻟﻔـﻠﺞ ﺣﺴﺐ اﻷﻧﺼﺒﺔ اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﺔ ﻟﻸﻓﺮاد واﻷﺳﺮ ،واﻟﺬي ﺑﺪوره ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ وﺣﺪة زﻣﻨﻴﺔ ﻣﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﺴﻤﻰ اﻷﺛﺮ )ﺗﻘﺪر ﺑﻨﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ وﻳﻘﺼﺪ ﻫﻨﺎ أن ﻗﻄﻌﺔ اﻷرض اﻟﺰراﻋﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﺣﺼﺔ ﻣﻦ ﻣﺎء اﻟﻔـﻠﺞ وﻗﺪرﻫﺎ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺜﻼ أي ﺗﺮوى ﺑﻤﺎء اﻟﻔـﻠﺞ ﻟﻤﺪة ﺳﺎﻋﺔ وﻧﺼﻒ وﻫﻜﺬا( وﻛﺎﻧﺖ آﺛﺎر ً ﻣﺪة اﻷﺛﺮ ﺗﺤﺪد ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎر ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻇﻞ اﻟﺸﻤﺲ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺤﺪد ﻓﻲ ﺑﺎﻟﻠﻴﻞ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻨﺠﻮم واﻟﻜﻮاﻛﺐ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء ،ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﺳﺎﻋﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ،ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺷﺮوط ﻣﻨﺼﺐ اﻟﻌﺮﻳﻒ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺑﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﻋﻠﻢ اﻟﻔﻠﻚ. وﻣﻬﻤﺔ اﻟﻌﺮﻳّﻒ ﺻﻌﺒﺔ ودﻗﻴﻘﺔ ﺟ ًﺪا ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴﻬﺎ أي ﺷﺨﺺ ﻋﺎدي ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﻲ ﺣﻞ اﻟﺨﻼﻓﺎت اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،ﻛﻤﺎ وﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻌﺮﻓﺔ ً
وﻛﺎن ﻣﻦ أواﺧﺮ أوﻟﺌﻚ اﻟﻤﻬﻨﺪﺳﻴﻦ اﻟﻌﻈﺎم و)ﺧﺒﺮاء اﻷﻓﻼج( اﻟﻮاﻟﺪ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻜﻮﻳﺘﻲ اﻟﺬي ﻋﻴﻨﺘﻪ ﺑﻠﺪﻳﺔ اﻟﻌﻴﻦ إﻛﺮا ًﻣﺎ ﻟﺨﺒﺮﺗﻪ وﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ودراﻳﺘﻪ اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻓﻼج وﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ، رﺋﻴﺴﺎ ﻟﻘﺴﻢ اﻷﻓﻼج ،وﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ آﺧﺮ اﻟﻤﺨﻀﺮﻣﻴﻦ ً اﻟﻤﺨﺘﺼﻴﻦ ﻓﻲ اﻷﻓﻼج ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻳﻌﺮف ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻄﻠﻮب ﻓﻲ ﺣﻔﺮ اﻷﻓﻼج اﻟﺠﺪﻳﺪة أو ﺻﻴﺎﻧﻪ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﻣﻨﺎﺑﻊ اﻟﻤﻴﺎه وﻃﺮﻗﻬﺎ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ وﻧﻘﺎط اﻟﺼﻴﺎﻧﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻟﻜﻞ اﻷﻓﻼج اﻟﻤﻮﺟﻮدة ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻌﺮف اﻟﺤﺼﺺ اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﻮارﺛﺔ ﻟﻜﻞ ﻋﺎﺋﻠﺔ ،ﻗﺒﻞ إﻟﻐﺎء ﻫﺬا اﻟﺘﻔﺮد ﺑﺎﻟﻤﺎء ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن – ﻃﻴﺐ ﻟﻠﻪ ﺛﺮاه – ﻟﻴﺼﺒﺢ اﻟﻤﺎء ﻣﺸﺎ ًﻋﺎ ﻋﺎ ًﻣﺎ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ اﻟﺘﺪاول اﻟﻌﺎدل ﻟﺤﺼﺔ اﻟﻤﻴﺎة ﻓﻲ ﺳﻘﻲ ﻣﺰروﻋﺎﺗﻬﻢ ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﺗﺘﻤﺘﻠﻚ اﻟﺤﺼﺔ اﻷﻛﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺎة. وﺗﺘﺠﻠﻰ ﺧﺒﺮة ﻫﺬا اﻟﻤﻬﻨﺪس ﻓﻲ ﻗﺪرﺗﻪ أوﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻮﺟﻮد اﻟﻤﺎء ﺑﻜﻤﻴﺎت ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺮاد ﺣﻔﺮ اﻟﻔﻠﺞ ﻓﻴﻬﺎ ،وذﻟﻚ ﺑﺎﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺒﺮة ﻓﻲ ﻓﺤﺺ اﻟﺘﺮﺑﺔ واﻷﺷﺠﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﺧﺼﻮﺻﺎ ﺷﺠﺮ )اﻟﻐﺎف( وﻫﻲ ﺷﺠﺮة ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ً ﻛﺒﻴﺮة اﻟﺤﺠﻢ دﻗﻴﻘﺔ اﻷوراق ﺻﻠﺒﺔ اﻷﺧﺸﺎب ﺗﻤﺪ ﻋﺮوﻗﻬﺎ )ﺟﺬورﻫﺎ( اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻋﺸﺮات اﻷﻣﺘﺎر ﻓﻲ أﻋﻤﺎق اﻷرض ،ﻟﺬا ﻓﺈن وﺟﻮد ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻷﺷﺠﺎر ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﺎ ﺑﻜﺜﺮة ﻓﻬﻮ دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ وﺟﻮد اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ. وﻧــﻈ ـ ًﺮا ﻟﻘﻠﺔ اﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺎت وﺑﺴﺎﻃﺔ اﻷدوات
اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﺧﻼل ﺗﻔﻘﺪ أﺣﺪ اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ
وادي ﺑﺜﻨﺔ -اﻻٕﻣﺎرات
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
33
ﻣﻠﻒ
ģǙŘǜē ĚŁŜ
ﺟﻬﻮد زاﻳﺪ اﻟﺨﻴﺮ ﻓﻲ ﻋﺎم 1968ﻗﺎم اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ ﺑﺈذن اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن – ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه ﺑﺈﻟﻐﺎء ﻧﻈﺎم اﻟﺤﺼﺺ اﻟﻤﺘﺒﻊ ﺑﻌﺪ أن أﻗﻨﻊ اﻷﻫﺎﻟﻲ ﺑﻀﺮورة اﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ ﻧﻈﺎم ﺗﻤﻠﻚ اﻟﺤﺼﺺ اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ، وأﺧﺒﺮ اﻷﻫﺎﻟﻲ وأﺻﺤﺎب اﻟﻤﺰارع وﻗﺎل ﻟﻬﻢ )ﺑﻨﺤﻂ ﻧﺎس ﻣﻮﻇﻔﻴﻦ وﺑﻨﺨﺼﺺ ﻟﻬﻢ رواﺗﺐ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﻟﺪوﻟﺔ وﺑﻴﺴﻘﻮن ﻟﻠﺸﺮﻳﻒ واﻟﻀﻌﻴﻒ ﺑﺎﻟﻌﺪل واﻟﺘﺴﺎوي وﻟﻜﻞ ﺻﺎﺣﺐ ﻣﻠﻚ ﺳﻘﻲ ﻧﺨﻠﻪ وﺟﻠﺒﺘﻪ(، وﻋﻴّﻦ -رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ -ﻣﻮﻇﻔﻴﻦ وﺑﻴﺎدﻳﺮ )ﻋﺮﻓﺎء -ﺟﻤﻊ ﻋ ّﺮﻳﻒ( ﻣﻬﻤﺘﻬﻢ ﺳﻘﺎﻳﺔ ﻛﻞ اﻷﻣﻼك ﺣﺘﻰ ﺗﺮﺗﻮي وﺗﺄﺧﺬ ﻛﻔﺎﻳﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻘﻲ. وﻣﻊ ﺑﺰوغ ﻋﺼﺮ اﻟﻨﻬﻀﺔ وﻗﻴﺎم اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﺎت ﻗﺎﻣﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ )ﻣﻤﺜﻠﺔ ﺑﻮزارة اﻟﺰراﻋﺔ واﻟﺜﺮوة اﻟﺴﻤﻜﻴﺔ آﻧﺬاك( ﺑﺠﻬﻮد ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻹرث اﻟﺰراﻋﻲ ،ﻓﻮﺿﻌﺖ ﺧﻄﻄﺎ ﻟﻠﺼﻴﺎﻧﺔ واﻟﺘﻄﻮﻳﺮ ﻟﻴﺘﻢ دورﻳًﺎ إﺻﻼح اﻷﻓـﻼج وزﻳﺎدة ﻛﻔﺎءﺗﻬﺎ اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ ﻟﻠﻔـﻠﺞ وذﻟﻚ ﺑﺤﻔﺮ اﻵﺑﺎر اﻟﻤﺴﺎﻋﺪة وﺗﺄﻣﻴﻦ اﻻﺳﺘﻐﻼل اﻷﻣﺜﻞ ﻟﻤﻴﺎه اﻷﻓـﻼج ﺑﺈدﺧﺎل ﻧﻈﻢ اﻟﺮي اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻛﺎﻟﺮي ﺑﺎﻟﺘﻨﻘﻴﻂ ﻟﻌﻤﻮم اﻷﺷﺠﺎر واﻟﺨﻀﺎر واﻟﺮي ﺑﺎﻟﺮذاذ ﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ اﻟﺤﺒﻮب واﻷﻋﻼف ،ﻛﻤﺎ ﺗﻢ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻗﺴﻢ ﺧﺎص ﻟﺸﺆون اﻷﻓـﻼج ﻓﻲ ﺑﺪﻳﻼ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻋ ّﺮﻳﻔﻲ اﻷﻓـﻼج ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻘﺔ وﻟﻜﻲ ﺑﻠﺪﻳﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﻟﻴﻜﻮن ً ﻳﺸﺮﻓﻮا ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻷﻓـﻼج ﻓﻴﻬﺎ و َﻋ ّﻴﻦ ﻓﻴﻪ اﻟﻤﺮﺣﻮم ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻫﻼل رﺋﻴﺴﺎ ﻟﻪ ﺑﻌﺪ اﻟﻌﻤﻞ ﻟﻔﺘﺮة ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ 30ﻋﺎ ًﻣﺎ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻜﻮﻳﺘﻲ ً ﻛﻌﺮﻳﻒ. ﻣﻬﻨﺔ اﻟﻌﺮﻳﻒ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ واﻟﻌﻠﻢ
ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻣﻬﻨﺔ اﻟﻌﺮﻳّﻒ وﻣﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﻨﻮن وﻋﻠﻮم وﻣﻬﺎرات ﻣﺘﻮارﺛﺔ ﻗﺪ اﻧﺪﺛﺮت وراﺣــﺖ ﺑﻼ ﻋــﻮدة ،ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻴﺎه ،وﺗﻮﻓﺮ اﻟﻤﻌﺪات واﻟﻤﻬﻨﺪﺳﻴﻦ واﻵﻻت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺻﻴﺎﻧﺔ ﻣﺠﺎري اﻷﻓﻼج ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺳﺮﻳﻌﺔ وﺳﻬﻠﺔ ،وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب أدت إﻟﻰ اﻧﺪﺛﺎر ﻫﺬه اﻟﻤﻬﻨﺔ ،وﻓﻘﺪ اﻟﺘﺮاث واﺣﺪة ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻄﻮى ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎرف ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﻔﻠﻚ واﻟﺤﺴﺎب واﻟﺤﻘﻮق. وﻗﺪ ﻛﺎن اﻟﻌﺮﻳﻒ ﻳﻀﻄﻠﻊ ﺑﺪور اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﺎرز ﻓﻲ ﺣﻞ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺸﻜﻼت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﺤﻘﻮق اﻟﻤﻴﺎه واﻟﺰراﻋﺔ وﻣﻌﺎوﻧﺔ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﺤﻤﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ وإﺣﻘﺎق اﻟﺤﻖ ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ إﻻ أن ﻧﻘﻒ إﺟﻼﻻً ﻟﻠﻌﺮﻳﻒ اﻟﺬي ﻛﺎن ﺻﻔﺤﺔ ﻧﺎﺻﻌﺔ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ ﺑﻼدﻧﺎ اﻟﺤﺒﻴﺒﺔ. وﻛﺎﻧﺖ ﺻﻴﺎﻧﺔ اﻷﻓـﻼج واﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻨﻈﺎﻓﺘﻬﺎ ﻣﻬﻤﺔ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻖ أﻫﻞ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل دور اﻟﻌ ّﺮﻳﻒ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﻤﺘﺎﺑﻌﺔ وﻣﺮاﻗﺒﺔ اﻟﻔـﻠﺞ، وذﻟﻚ ﺣﻴﻦ ﺗﻤﺘﻠﺊ اﻷﻗﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﻄﻴﻦ أو اﻟﻤﺨﻠﻔﺎت ،وأﻫﺎﻟﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻛﺎﻧﻮا إذا ُردم اﻟﻔـﻠﺞ ﺑﺎﻟﺮﻣﺎل واﻧﻘﻄﻊ اﻟﻤﺎء ﻣﻨﻪ، ﻳﺘﺠﻤﻊ اﻟﺮﺟﺎل وﺑﻴﺪ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺴﺤﺎﺗﻪ )ﻗﻄﻌﺔ ﺣﺪﻳﺪﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺟﺎروف ﺻﻐﻴﺮ ﺗﺜﺒﺖ ﻓﻲ ﻗﻄﻌﺔ ﺧﺸﺒﻴﺔ ﺧﺸﻨﺔ ﻃﻮﻟﻬﺎ ﻣﺘﺮ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ( 32
ﻋ ّﺮﻳﻒ اaﻓﻼج
وﺟﻔﻴﺮه )وﻋﺎء ﻣﺘﻴﻦ وﻛﺒﻴﺮ ﻳﺼﻨﻊ ﻣﻦ ﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﻞ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﻛﻮﻋﺎء ﻟﺘﻌﺒﺌﺔ اﻟﺮﻣﻞ واﻟﻄﻴﻦ اﻟﻤﻨﻘﻮﻟﻴﻦ ﻓﻴﻪ( ،وﻳﺴﺘﻤﺮ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺸﺮوق وﺣﺘﻰ ﻏﺮوب اﻟﺸﻤﺲ ﻓﺈن ﻟﻢ ﻳﻨﺘﻪ اﻟﻌﻤﻞ ﻳﻨﺎﻣﻮن ﺑﻤﻜﺎن اﻟﻌﻤﻞ ﺣﺘﻰ اﻻﻧﺘﻬﺎء ﻣﻦ رﻓﻊ اﻟﺮﻣﺎل ﻣﻦ ﺑﺎﻃﻦ اﻟﻔـﻠﺞ ،وﻓﻲ أﺣﻴﺎن أﺧﺮى )ﺣﺴﺐ اﻟﻈﺮوف( ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻄﻰ ﻣﻬﻤﺔ إﺻﻼح وﺗﻨﻈﻴﻒ اﻟﻔـﻠﺞ اﻟﻤﺘﻀﺮر ﻟﻤﻘﺎوﻟﻴﻦ ﻣﺘﺨﺼﺼﻴﻦ وﻟﻤﻦ ﻳﻌﻄﻲ ﻣﻨﻬﻢ ﺳﻌﺮ أﻗﻞ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻤﻨﺎداة )اﻟﻤﻨﺎﻗﺼﺔ( وﻛﺎن اﻟﻌ ّﺮﻳﻒ وﻣﺮاﻗﺒﻮ اﻟﻔـﻠﺞ ﻳﺸﺮﻓﻮن ﻋﻠﻰ ﺟﻮدة اﻟﻌﻤﻞ ﺣﺘﻰ اﻻﻧﺘﻬﺎء ﻣﻨﻪ. اﻟﺨﻮاﺿﺔ أﺻﻌﺐ ﻣﺮاﺣﻞ اﻟﺘﻨﻈﻴﻒ
ﻟﻘﺪ ﺟﺴﺪ أﺑﻨﺎء ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻻﻓـﻼج أﺟﻤﻞ ﻗﺼﺺ اﻟﺘﻼﺣﻢ واﻟﻮﺣﺪة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﻗﺪ ﺗﺠﻠﻰ ذﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﻗﻴﺎﻣﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﻳﺴﻤﻰ )اﻟﺨﻮاﺿﺔ( وﻫﻲ أﺻﻌﺐ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺮاﺣﻞ ﺗﻨﻈﻴﻒ اﻟﻔـﻠﺞ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ﺑﺄن ﻳﺨﻮض رﺟﻞ ﻓﻲ اﻟﻤـﺎء ﺑﻌﺪ أن ﻳﻨﺰل ﻓﻲ اﻟﻔـﻠﺞ ﻣﻦ ﺛﻘﺒﺔ أم اﻟﻔـﻠﺞ ،وﻛﺎن اﻟﺬي ﺳﻮف ﻳﺨﻮض ﻳﻮﻗﻦ ﻓﻲ ﻗﺮارة ﻧﻔﺴﻪ أن ﻣﻬﻤﺘﻪ ﺻﻌﺒﺔ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺼﻴﺮ ﻣﻨﻄﻘﺘﻪ وأﻫﻠﻬﺎ وﻟﻜﻨﻪ ﻗﺪ ﻳﻔﻘﺪ ﺣﻴﺎﺗﻪ إذا ﺣﺪث اﻧﻬﻴﺎر ﻃﻴﻨﻲ ﺗﺤﺖ اﻷرض ﺑﻔﻌﻞ اﻟﻤﻴﺎه وﺗﺂﻛﻞ اﻟﺠﺪران، وﻟﺬﻟﻚ ﻳﻘﻮم رﺟﻞ ﺷﺠﺎع ﺑﺎﻟﻬﺒﻮط ﻣﻦ أﻣﻬﺎت اﻟﻔـﻠﺞ واﻟﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻦ اﻷرض ﻻﺳﺘﻜﺸﺎف ﻣﺠﺮى اﻟﻔـﻠﺞ ﺧﻄﻮة ﺑﺨﻄﻮة وﻣﻌﺮﻓﺔ أي ﺧﻠﻞ ﺗﻌﺮض ﻟﻪ اﻟﻔـﻠﺞ ﻣﻦ ﺗﺠﻤﻊ ﻟﻠﺮﻣﺎل أو ﻫﺒﻮط ﻓﻲ ﺗﺮﺑﺔ اﻟﻨﻔﻖ )اﻟﺴـﻞ( أو أي ﺗﺨﺮﻳﺐ ﻳﺆدي إﻟﻰ ﺗﻮﻗﻒ ﺟﺮﻳﺎن اﻟﻤﺎء ﻓﻲ اﻟﻔـﻠﺞ وإﻋﻼم اﻟﻌ ّﺮﻳﻒ ﺑﺄﻣﺎﻛﻦ وﺟﻮد اﻟﺮﻣﺎل أو ﻏﻴﺮﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻈﻴﻔﻬﺎ ،وﻟﻢ ﺗﻘﺘﺼﺮ اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻓﻘﻂ ،ﻓﺒﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻧﻘﺺ ﻓﻲ اﻷوﻛﺴﺠﻴﻦ ﺗﻮﺟﺪ اﻷﻓﺎﻋﻲ وﻟﻴﺲ ﻟﺪﻳﻪ ﺳﻮى )داس( وﻫﻮ )ﻓﻨﺮ ﻳﺘﻢ إﺷﻌﺎﻟﻪ ﺑﺎﻟﺰﻳﺖ ﺑﻮﺟﻮد ﻓﺘﻴﻞ( ﻳﻀﻲء ﺑﻨﻮر ﺧﺎﻓﺖ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻤﺸﻜﻼت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﺮض ﻟﻬﺎ اﻷﻓـﻼج ،ﻫﻲ ﻗﻠﺔ ﻣﻨﺴﻮب اﻟﻤﻴﺎه واﻻﻧﻬﻴﺎرات اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺤﺪث داﺧﻞ اﻷﻧﻔﺎق اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻂ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻵﺑﺎر ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻦ اﻷرض )اﻟﺴـﻞ(. اﻟﻤﻬﻨﺪس اeﺧﻴﺮ
ﺗﻤﻜﻦ اﻷوﻟــﻮن ﻣﻦ ﺗﻌﻠﻢ واﺑﺘﻜﺎر ﻋﻠﻢ ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻣﻌﻘﺪ وﻫﻨﺪﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻷﻓﻼج اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺴﺎب ﻣﻦ اﻟﺠﺒﺎل إﻟﻰ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻨﺨﻔﻀﺔ ،وأﺻﺒﺤﻮا )ﻣﻬﻨﺪﺳﻴﻦ( اﺧﺘﺼﺎﺻﻴﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل ،وﺿﻌﻮا اﻟﻤﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ وورﺛﻮﻫﺎ وﻋﻠﻤﻮﻫﺎ ﻟﻸﺟﻴﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺘﻢ ﻟﻴﺘﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺐ اﻟﺤﻴﺎة ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻇﻬﺮت اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﻤﺨﻀﺮم اﻟﻌﺎرف ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟﻪ ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻬﻨﺪﺳﻲ ﻣﻦ ﺧﺒﺮة ودراﻳﺔ وﻣﻌﺮﻓﺔ ﺑﺄﻣﺎﻛﻦ ﺗﻮاﺟﺪ ﻣﻨﺎﺑﻊ اﻷﻓﻼج وﻃﺮق ﺳﻴﺮﻫﺎ اﻟﻄﻮﻳﻞ ﻣﻦ ﺟﺒﺎل ﻋﻤﺎن اﻟﻤﺠﺎورة إﻟﻰ وﺟﻬﺎﺗﻬﺎ اﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ ﺻﺤﺮاء اﻟﻌﻴﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ واﺣﺎت ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻋﺮف إﺻﻄﻼﺣﺎ ﺑﺈﺳﻢ )اﻟﻌﺮﻳّﻒ(.
ﺑﻌﺾ اﻟﻔﺘﺤﺎت )ﺛﻘﺐ(
ﻓﻠﺞ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ -اﻻٕﻣﺎرات
ﻟﻠﻔﻠﺞ اﻟﺪور اﻷﻛﺒﺮ ﻓﻲ ﺑﺚ روح اﻟﺘﻌﺎون واﻟﺘﺮاﺣﻢ واﻟﺘﻼﺣﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺘﻜﺎﻣﻞ اﻹﻗﺘﺼﺎدي ﺑﻴﻦ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻮاﺣﺪ ،ﻓﺎﻟﻤﺎء ﻣﺸﺎع ﻟﻠﺸﺮب واﻹﺳﺘﺨﺪام ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻷي أﺣﺪ أن ﻳﻤﻦ أو ﻳﻤﻨﻊ ﻗﻴﺎم ﻣﻦ ﻳﺸﺎء ﺑﺄﺧﺬ ﺣﺎﺟﺘﻪ ﻣﻦ ﻣﻴﺎه اﻟﺸﺮب أو اﻹﻏﺘﺴﺎل ﻓﻴﻪ ،ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻠﻤﺎء أﻧﺼﺒﺔ ﻣﻤﻠﻮﻛﺔ وﻣﺘﻮارﺛﺔ أﻳﻀً ﺎ ﻟﻠﻌﻮاﺋﻞ واﻷﻓﺮاد ،إﻻ أن ﻣﺠﺘﻤﻌﻨﺎ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻛﻤﺎ ﻋﻬﺪﻧﺎ ﻣﻨﺬ ﻧﻌﻮﻣﺔ أﻇﻔﺎرﻧﺎ وﻣﺎ رواه ﻟﻨﺎ اﻟﺴﺎﺑﻘﻮن ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺧﺼﻮﺻﺎ اﻟﺮﻃﺐ واﻟﺘﻤﺮ ﺣﺘﻰ وإن ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﻔﻮاﻛﻪ اﻟﺼﻴﻒ ً ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻤﻠﻚ ﻣﺰرﻋﺔ أو ﻧﺨﻠﻪ واﺣﺪة ،ﻓﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻛﺎن ﻣﺘﺮاﺑﻄًﺎ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ
ﻣﻦ اﻟﺤﺎﺟﺔ واﻟﻔﺎﻗﺔ واﻟﻔﻘﺮ. وﻛﺎن اﻟﻔﻠﺞ ﻫﻮ ﺷﺮﻳﺎن اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻳﺮﺑﻂ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻷرض وإﻗﺎﻣﺘﻪ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻳﻠﻌﺐ اﻟﺪور اﻷﻫﻢ ﻓﻲ ﺗﻘﻮﻳﺔ روح اﻟﺘﻌﺎون واﻟﺘﻤﺎﺳﻚ ﺑﻴﻦ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،ﺳﻮاء ﻣﻼك اﻷراﺿﻲ اﻟﺰراﻋﻴﺔ واﻟﻨﺨﻴﻞ ،أو اﻟﻨﺎس اﻟﺘﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﺪﻳﻬﺎ أﻣﻼك زراﻋﻴﺔ ،ﻓﻜﺎن اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﺘﻌﺎوﻧﻮن ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻤﺮار ﻫﺬا اﻟﺸﺮﻳﺎن ﻓﻲ اﻟﺘﺪﻓﻖ واﺳﺘﻤﺮاره ﻓﻲ رﻓﺪ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﻜﺎﻓﺔ أﻧﻮاﻋﻬﺎ، وﻫﻮ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﻔﺴﺮ ﻗﻴﺎم ﻣﻦ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺰارع ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺠﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻧﺔ اﻷﻓﻼج واﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﻀﻤﺎن اﺳﺘﻤﺮار ﺗﺪﻓﻖ اﻟﻤﻴﺎه.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
31
ﻣﻠﻒ
ģǙŘǜē ĚŁŜ
ﻣﻬﻨﺔ ﻣﺸﺘﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ واﻟﻌﻠﻢ
ﻋ ّﺮﻳﻒ اeﻓﻼج ﺣﺎﻛﻢ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻤﻴﺎه
ﺳﺮور ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﻜﻌﺒﻲ @
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺠﺮي وﻧﻠﻬﻮ ﻓﻲ ﻧﺨﻴﻞ اﻟﻘﻄﺎرة واﻟﺠﻴﻤﻲ واﻟﺨﺮﻳﺲ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﻲ ﻓﺼﻞ اﻟﺼﻴﻒ اﻟﺤﺎر ،ﻟﻢ اﻟﻌﻴﻦ ،وﻧﺘﺤﻮل ﻣﻦ ﻣﺰرﻋﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى ً ﻳﻜﻦ ﻓﻘﻂ ﻫﺪﻓﻨﺎ أﻛﻞ اﻟﺜﻤﺎر اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﻧﺼﺎدﻓﻬﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻨﺨﻴﻞ ،وﻟﻜﻦ ﻛﺬﻟﻚ اﻻﺳﺘﻤﺘﺎع ﺑﺎﻟﺴﺒﺎﺣﺔ ﻓﻲ ﺷﺮاﻳﻊ ورواﻓﺪ ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻼج اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺮي ﻋﻠﻰ اﻷرض وﺗﺴﻴﻞ رﻗﺮاﻗﺔ ﺑﻤﺎﺋﻬﺎ اﻟﺒﺎرد اﻟﻤﻨﻌﺶ. ﻛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮﺣﺘﻨﺎ وﻧﺤﻦ ﻧﻌ ّﺒﺮ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻬﺠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﻮس ﺧﺼﻮﺻﺎ وﻧﺤﻦ وﻧﺤﻦ ﻧﺘﺸﺎرك اﻟﻀﺤﻜﺎت وﻗﺼﺺ اﻟﻬﺮب ﻣﻦ )ﺻﻮار( اﻟﻨﺨﻴﻞ، ً )ﻧﻘﺮم( ﺣﺒﺎت اﻟﻤﺎﻧﺠﻮ اﻟﺘﻲ ﻧﻜﻮن ﻗﺪ ﺟﻤﻌﻨﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺣﻼت اﻟﻘﺼﻴﺮة اﻟﻤﺮﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺰال ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺪاول ﺗﺮﻃﺐ أﺟﺴﺎدﻧﺎ اﻟﻨﺤﻴﻠﺔ وﺗﺒﺮدﻫﺎ ﻣﻦ ﻟﻬﻴﺐ ﺣﺮارة ﺳﻤﻮم اﻟﺼﻴﻒ اﻟﻤﻠﺘﻬﺐ. ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮن اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ أﻓﻼج اﻟﻌﻴﻦ ،ﻳﻜﻮن ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﺷﺠﻦ ،وﻟﻠﺬﻛﺮى وﻗﻊ ﺟﻤﻴﻞ ،واﺑﺘﺴﺎﻣﺎت وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺿﺤﻜﺎت ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﺨﻴﺎل .ﺷﻮق ﻷﺻﺪﻗﺎء اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ،ﻣﻦ رﺣﻞ وﻣﻦ ﻻ ﻳﺰال ﻳﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﻃﺮﻗﺎت اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ذﻛﺮﻳﺎت ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻼج اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ وﻛﺄﻧﻬﺎ أﻧﻬﺎر ﺷﻬﻴﺮة ﻻ ﻳﻨﻀﺐ ﻣﺎؤﻫﺎ ﺻﻴﻔﺎ وﻻ ﺷﺘﺎء ،وﺗﻜﻮن ﺗﻠﻚ اﻷﺳﻤﺎك اﻟﺼﻐﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﻧﺴﻤﻴﻬﺎ )ﺻﺪ( وﻛﺄﻧﻬﺎ اﺳﻤﺎك اﻟﺘﻮﻧﻪ أو اﻟﺮﻧﺠﻪ ،وﻧﺤﻦ ﻧﺤﺎول إﻣﺴﺎﻛﻬﺎ، ﺗﺎرة ﺑﺎﻟﻴﺪ وﺗﺎرات ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام )اﻟﻄﺎﻗﻴﺔ(.
إن اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ أﻓﻼج اﻟﻌﻴﻦ اﺳﺘﻤﺮ ﻣﻌﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺒﺮﻧﺎ وﺗﻄﻮرﻧﺎ ،اﻟﺼﻐﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﻣﺎل ﺗﻜﺎد أن ﺗﻐﻄﻴﻬﺎ وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺆﻣﻦ ﻟﻨﺎ اﻟﺪﺧﻮل وﻟﻢ ﻧﻌﺪ ﻧﺴﺘﺤﻢ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻼج ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﻔﻌﻞ .ﻻ ﻧﺰال ﻧﺘﺠﺎدل ﻣﻊ اﻟﺴﻬﻞ إﻟﻴﻬﺎ ،واﻟﻜﺜﻴﺮ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺎدﻳﺚ ذات اﻟﺸﺠﻦ اﻟﺘﻲ اﻷﺻﺪﻗﺎء ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﺮض أو اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ،ﺑﺄن ﺷﺮﻳﻌﺔ اﻟﻘﻄﺎرة واﻟﺨﺮﻳﺲ ﺗﺨﺘﺼﺮ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ وﺗﺼﺒﻐﻬﺎ ﺑﺄﻟﻮان اﻟﻄﻴﻒ. أﻓﻀﻞ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ أي ﺷﺮﻳﻌﺔ أﺧﺮى ،وأﻧﻬﺎ أﻋﻤﻖ وأﻏﺰر وأﻋﺬب وﺗﺤﻤﻞ ﻛﻞ اﻟﺼﻔﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻤﺤﺒﻮب اﻟﻨﻔﺲ ،ﻧﺎﻫﻴﻚ ﻋﻦ اﻟﻔﻠﺞ ﻗﺼﺔ ﻧﺠﺎح ﺟﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻮن اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺼﺎﻓﻲ ،وﺑﺮودﺗﻪ ﻏﻴﺮ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﻴﻒ ،وﻧﺴﺘﻌﻴﺪ واﻟﻔﻠﺞ ﻫﻮ ﻗﺼﺔ اﻟﻨﺠﺎح اﻟﺘﻲ اﺧﺘﻄﺘﻬﺎ ﻳﺪ اﻷﻗﺪﻣﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﺣﻮل أﻣﻬﺎﺗﻨﺎ وﻫﻦ ﻳﺠﻠﺒﻦ اﻟﻤﺎء أو ﻳﻐﺴﻠﻦ أو ﻳﺄﺗﻴﻦ أﻳﺎم اﻟﻜﻔﺎح اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ﻣﻨﺬ اﻷزل ،ﻟﻴﺘﻤﻜﻨﻮا ﻋﺒﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻘﺮار واﻟﺒﻘﺎء ﻟﻠﺘﺴﺮﻳﺔ ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻬﻦ ﻓﻲ ﺟﻤﻊ اﻟﻨﺴﺎء ،وﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺪران اﻟﻄﻴﻨﻴﺔ واﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻣﻨﺎخ ﻗﺎس ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن 30
ﻋ ّﺮﻳﻒ اaﻓﻼج
اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻳﺘﺎﺑﻊ ﺷﺮح اﻟﺸﻴﺦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻷﺣﺪ اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ
أدت إﻟﻰ اﻟﺘﻘﺪم واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻬﺪﻫﺎ اﻹﻣﺎرات ﺣﺘﻰ وﻗﺘﻨﺎ اﻟﺤﺎﻟﻲ. ﻟﻴﺼﺒﺢ »ﻓﻠﺞ اﻟﺼﺎروج« ﻫﻮ ﻧﻮاة اﻟﺨﻴﺮ ﻟﺪوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات * ﺑﺎﺣﺚ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ واﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ
اﻟﻤﺮاﺟﻊ: - 1د .وﻟﻴﺪ ﻳﺎﺳﻴﻦ اﻟﺘﻜﺮﻳﺘﻲ ،اﻷﻓﻼج ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة2002 ،م. - 2ﺣﻤﺪي ﻧﺼﺮ ،اﻷﻓـﻼج أﻗﺪم ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻟﻠﺮي ،ﻣﺠﻠﺔ ﺗﺮاث -اﻟﻌﺪد اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﺒﺮاﻳﺮ 1999م. - 3اﻟﻤﻬﻨﺪس ﻋـﻤﺎد ﺳـﻌﺪ ،أﻓـﻼج اﻟﻌﻴﻦ ،ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻤﺮﺷﺪ ،اﻟﻌﺪد اﻟﻌﺎﺷﺮ ،ﻣﺎﻳﻮ 2001م ﻗﻄﺎع اﻟﺰراﻋﺔ ،اﻹدارة اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﺰراﻋﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ. - 4أﺣﻤﺪ زاﻳﺪ،ﻋﻠﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎع -اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ واﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ،دار ﻧﻬﻀﺔ ﻣﺼﺮ ،اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ – 2009م. - 5ﻣﺮﺳﻲ ،ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻌﺒﻮد ،ﻋﻠﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻋﻨﺪ ﺗﺎﻟﻜﻮت ﺑﺎرﺳﻮﻧﺰ ﺑﻴﻦ ﻧﻈﺮﻳﺘﻲ اﻟﻔﻌﻞ واﻟﻨﺴﻖ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ :دراﺳﺔ ﺗﺤﻠﻴﻠﻴﻪ ﻧﻘﺪﻳﺔ ، ﻣﻜﺘﺒﻪ اﻟﻌﻠﻴﻘﻲ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷوﻟﻰ 2001 -م.
ﻣﺰرﻋﺔ ﻧﺨﻴﻞ ﺑﺎﻟﻌﻴﻦ
ﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﻗﺒﻴﻠﺘﻪ وﻳﻐﻠﺒﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﺒﺎﻗﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﻮزﻳﻊ ﺣﺼﺺ اﻟﻤﻴﺎه، ووﺿﻊ ﻧﻈﺎ ًﻣﺎ وﻗﺎﻧﻮﻧًﺎ ﺻﺎر ًﻣﺎ ﻹدارة ﻣﻴﺎه اﻷﻓﻼج َرﺿَ ﺦ ﻟﻪ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﻤﺎ أدى ﻟﻠﺮﺿﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﻴﻦ اﻷﻓﺮاد وﺟﻌﻠﻬﻢ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﻮاﺟﺒﺎﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺣﻘﻮﻗﻬﻢ اﻟﻤﺘﺴﺎوﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺼﻠﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪاﻟﺔ. - 5اﻻﻛﺘﺴﺎب ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﻮراﺛﺔ :ﻟﻘﺪ واﺟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ِﻓـﻜـﺮ اﻷﻓﺮاد واﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ورﺛﺖ ﺣﺼﺼﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻴﺎه اﻷﻓﻼج ﻣﻦ ﻗﺪﻳﻢ اﻟﺰﻣﻦ وﺟﻌﻠﺖ ﻫﺬه اﻟﻮراﺛﺔ ﺣﻘًﺎ ﻣﻜﺘﺴﺒًﺎ ﻟﻬﺎ ﻻ ﺗﺘﺨﻠﻰ ﻋﻨﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﺣﺪث ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻌﺾ زراﻋﺎت اﻷﻓﺮاد أﺻﺤﺎب اﻟﺤﺼﺺ اﻟﻀﻴﺌﻠﺔ ﺗﻤﻮت وﺗﺠﻒ ﻣﻦ ﺷﺪة اﻟﻌﻄﺶ وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺤﺮك ذﻟﻚ ﺳﺎﻛ ًﻨﺎ ﻟﺪى اﻷﻓﺮاد اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻤﺘﻌﻮن ﺑﻨﺼﻴﺐ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺣﺼﺺ اﻷﻓﻼج ،ﻓﺄﻗﻨﻌﻬﻢ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ أن ﻣﻴﺎه اﻷﻓﻼج ﻫﻲ ﻓﻴﺾ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ وﻻﺑﺪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻓﺮد ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ أن ﻳﻜﺘﺴﺐ ﺣﻘﻪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻴﺎه ،ﻓﺒﺎدر ﺑﺎﻟﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﺣﺼﺺ »آل ﻧﻬﻴﺎن« ﻓﻲ ﻣﻴﺎه اﻷﻓﻼج ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻠﺞ ﺗﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺠﻪ. ﻟﻘﺪ ﻧﺠﺢ زاﻳﺪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ أدت إﻟﻰ اﻹﻛﺘﻔﺎء واﻻﺷﺒﺎع اﻟﺬاﺗﻲ ،ﻣﻤﺎ ﺣﻘﻖ اﻻﻧﺴﺠﺎم واﻟﺘﻮازن ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ وﺑﻴﺌﺔ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ. ﻣﺜﺎﻻ ﻋﻤﻠﻴًﺎ ﻟﻠﻨﻈﺮﻳﺔ وﻛﺎن ﻟﻬﺬا اﻟﻔﻜﺮ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺘﻨﻤﻮي اﻟﺬي ﻛﺎن ً اﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ واﻟﺬي ﺑﺪأه اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﺑﺎﻟﻎ اﻷﺛﺮ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ اﻟﺘﻲ أدار ﺑﻬﺎ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﺑﻌﺪ أن ﺗﻮﻟﻰ اﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﺔ ،واﻟﺘﻲ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
29
ﻣﻠﻒ
ģǙŘǜē ĚŁŜ
واﻻﻗﺘﺼﺎد ﺑﻌﺪ ﻛﺴﺎد ﺗﺠﺎرة اﻟﻠﺆﻟﺆ ،وأﻳﻀً ﺎ اﻹﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ أرض اﻟﻌﻴﻦ اﻟﺨﺼﺒﺔ ﻟﺘﻮﻓﻴﺮ اﻟﻐﺬاء ﻷﻫﻠﻬﺎ وﻗﺪ ﻧﺠﺢ ﻓﻲ ذﻟﻚ وأﻧﺠﺰه ﻋﻠﻰ أﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻓﺠﻌﻞ ﻣﻦ أرض اﻟﻌﻴﻦ واﺣﺔ ﺧﻀﺮاء ﺗﻨﺘﺞ اﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ واﻟﻔﻮاﻛﻪ واﻟﺘﻲ اﺳﺘﻔﺎد ﺑﺨﻴﺮﻫﺎ اﻟﺠﻤﻴﻊ. ﺛﺎﻟﺜًﺎ -اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻤﻂ وإدارة اﻟﺘﻮﺗﺮ ﻓﻌﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ أن ﻳﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ أن أﻋﻀﺎءه ﻣﺘﺤﻔﺰون ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ ﻷداء اﻷدوار اﻟﻀﺮورﻳﺔ اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ وﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻻﻟﺘﺰام اﻟﻀﺮوري ﺑﺎﻟﻘﻴﻢ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﻋﻠﻴﻬﻢ أﻳﻀً ﺎ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻗﺎدرﻳﻦ ﻋﻠﻰ إدارة اﻟﺘﻮﺗﺮات اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻈﻬﺮ ﺑﻴﻦ اﻷﻋﻀﺎء ﺧﻼل اﻟﺘﻔﺎﻋﻼت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ. وﻗﺪ ﻛﺎن اﻟﺸﻴﺦ »زاﻳﺪ« ﻳﻠﺤﻆ اﻟﻨﺰاﻋﺎت واﻟﺘﻮﺗﺮات واﻟﺤﺮوب ﺑﻴﻦ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ »اﻟﻌﻴﻦ« ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺼﺮاع ﻋﻠﻰ ﺗﻤﻠﻚ ﻣﻴﺎه اﻷﻓﻼج ،ﻓﻜﺎن أﺻﺤﺎب اﻟﻤﺴﺎﺣﺎت اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻳﺤﻈﻮن ﺑﻨﺼﻴﺐ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﻣﻴﺎه اﻟﻔﻠﺞ ،ﻛﻤﺎ أن اﻟﺒﻌﺾ ﻛﺎن ﻳﺮوي أرﺿﻪ ﻣﺮات ﻋﺪﻳﺪة ﻓﻲ اﻟﺸﻬﺮ اﻟﻮاﺣﺪ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﻳﻈﻞ ﻟﺸﻬﻮر ﻻ ﺗﺼﻠﻪ اﻟﻤﻴﺎه ،ﻛﻤﺎ أن اﻟﻮﺿﻊ وﺻﻞ ﺑﻬﻢ ﻟﺒﻴﻊ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺰاﺋﺪة ﻋﻦ ﺣﺎﺟﺘﻬﻢ واﻟﻤﺘﺎﺟﺮة ﻓﻲ ﺣﺼﺼﻬﻢ، ﻓﻘﺎم اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﺑﺎﻟﺘﻔﺎوض ﻣﻊ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ واﻟﻘﺒﺎﺋﻞ وأﻗﻨﻌﻬﻢ ﺑ ِﻔﻜﺮِﻩ واﻋﺘﻤﺪ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻔﻴﺰ ﺻﻔﺎت اﻟﻨﺨﻮة واﻟﻜﺮم اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﻬﺎ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻧﺠﺢ ﻓﻲ ﺟﻌﻞ ﻣﻴﺎه اﻷﻓﻼج ﻣﺠﺎﻧﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﺑﻞ واﻷﺟﻤﻞ ﻣﻦ ذﻟﻚ أﻧﻪ َو ﱠﺣـ َﺪ ﻣﻮاﻋﻴﺪ اﻟﺮي ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺳﻮاء أﺻﺤﺎب اﻟﻤﺴﺎﺣﺎت اﻟﻜﺒﻴﺮة أو اﻟﺼﻐﻴﺮة ،وأﺻﺒﺢ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﺮوي أرﺿﻪ ﻋﺪة ﻣﺮات ﻓﻲ اﻟﺸﻬﺮ اﻟﻮاﺣﺪ ،وﻧﺠﺢ ﻓﻲ إدارة اﻟﺘﻮﺗﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻨﺸﺐ ﺑﻴﻦ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺴﺒﺐ ﺻﺮاع اﻟﺮي. راﺑ ًﻌﺎ -اﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ﻟﻜﻲ ﻳﺤﺎﻓﻆ أي ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻰ وﺟــﻮده ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻀﻤﻦ ﻗــﺪ ًرا ﻣﻦ ﻣﺰارع ﻳﺠﻠﺲ ﺑﺠﻮار ﻣﻴﺎه ﻓﻠﺞ اﻟﺼﺎروج ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﻧﺸﺮﺗﻬﺎ ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻤﺼﻮر ﺳﻨﺔ 1971
28
ﻓﻠﺞ اﻟﺼﺎروج ..ﻧﻮاة اﻟﺨﻴﺮ ﻟﺪوﻟﺔ ا9ﻣﺎرات
اﻟﺘﻌﺎون واﻟﻀﺒﻂ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻟﻸﺟﺰاء اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﻖ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،وﺗﺘﻌﺎﻣﻞ اﻟﻤﺸﻜﻠﺘﺎن اﻷوﻟﻰ واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ،اﻟﺘﻜﻴﻒ ﻣﻊ اﻟﺒﻴﺌﺔ وإﻧﺠﺎز اﻷﻫﺪاف اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﻣﻊ ﻇﺮوف وﻣﺘﻄﻠﺒﺎت ﺗﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﺧﺎرج اﻟﻨﺴﻖ ،وﻋﻠﻰ ﻫﺬا ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ أداﺋﻴﺔ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻬﺎ ﺗﺘﻄﻠﺐ أداء ﻣﻬﺎم ﻣﺜﻞ ﺗﻌﺒﺌﺔ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺑﻠﻮغ اﻷﻫﺪاف ذات اﻟﻘﻴﻤﺔ. ﻓﻠﻢ ﻳﻘﻒ ﻓﻜﺮ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﺪ ﺣﺪ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻤﻴﺎه ﺑﻌﺪاﻟﺔ، وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻜﻲ ﻳﻘﻨﻊ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﻔﻜﺮه رأى أن ﻳﺆدي دو ًرا ﻳﺴﺎﻋﺪه ﻓﻲ ذﻟﻚ ،ﺑﺄن ﻗﺎم ﺑﺎﻟﺘﻨﺎزل ﻋﻦ ﺣﺼﺔ »آل ﻧﻬﻴﺎن« ﻓﻲ اﻷﻓﻼج ﻟﻜﻰ ﻳﺒﻠﻎ ﻫﺪﻓﻪ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﺠﻤﻴﻊ اﻟﺤﺎﻛﻢ واﻟﻤﺤﻜﻮم ،ﻣﻤﺎ أﺿﺎع ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻌﺾ ﻓﺮﺻﺔ اﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ أدوارﻫﻢ ،وﻋﻤﺪ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻟﻠﺘﻨﺎزل ﻋﻦ ﺣﺼﺼﻬﻢ وﺟﻌﻞ اﻟﻤﻴﺎه ﻣﺠﺎﻧًﺎ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ،وﻗﺎل ﻣﻘﻮﻟﺘﻪ اﻟﺸﻬﻴﺮة: »إن ﻣﻴﺎه اﻷﻓﻼج اﻵﺗﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﻮف اﻷرض ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﺣﻘًﺎ ﻟﻜﻞ اﻟﻨﺎس« ﻓﻜﺜﺮت اﻟﺰراﻋﺎت واﺧﻀ ﱠﺮت اﻷرض وﻓﺎض اﻟﺨﻴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﻴﻊ دون ﺗﻤﻴﻴﺰ. ﻟﻘﺪ ﻧﺠﺢ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻤﻘﻮﻣﺎﺗﻪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﺘﻲ ورﺛﻬﺎ ﻋﻦ أﺟﺪاده وﺑﻮﻋﻴﻪ وﺧﺒﺮﺗﻪ اﻟﺘﻲ اﻛﺘﺴﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﻜﺒﺮاء ،ﻓﻲ ﻗﻴﺎﻣﻪ ﺑﺪوره ووﻇﻴﻔﺘﻪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ اﺳﺘﻄﺎع اﻟﺠﺰء أن ﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎء اﻟﻜﻞ ،ﻓﻜﺎن ﻛﺎﻟﻘﻠﺐ اﻟﺬى ﻳﻨﺒﺾ ﻟﻴﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎء اﻟﺠﺴﺪ وﺣﻴﺎﺗﻪ ،وﻧﺠﺢ ﻓﻲ أن ﻳﺪﻳﺮ ﻫﺬا اﻟﻨﺴﻖ وﻳﺤﻘﻖ أﻫﺪاﻓﻪ ﺑﺤﺮﻓﻴﺔ ﺷﺪﻳﺪة ،وﻗﺪ ﺣﻘﻖ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﺪة ﻋﻨﺎﺻﺮ أﻫﻤﻬﺎ: - 1ﺗﻐﻠﻴﺐ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺬاﺗﻴﺔ :وذﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﺎزل ﻋﻦ ﺣﺼﺘﻪ وﺣﺼﺔ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻴﺔ ﻣﻴﺎه اﻷﻓﻼج ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ،ﻛﺬﻟﻚ إﻗﻨﺎع ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺑﺎﻟﺘﻨﺎزل ﻋﻦ ﺣﺼﺼﻬﻢ. - 2اﻟﻘﻴﻢ اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ :ﻓﻘﺪ رأى أن ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻌﺪاﻟﺔ ﺳﺘﺤﻘﻖ أﻫﺪاﻓﻪ ﻓﻲ إرﺿﺎء ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﻨﺘﻔﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﻣﻴﺎه اﻷﻓﻼج اﻟﻔﻘﺮاء واﻷﻏﻨﻴﺎء وﻟﻴﺲ ﻓﺌﺔ اﻷﻏﻨﻴﺎء اﻟﻘﺎدرﻳﻦ ﻓﻘﻂ ،ﻓﺄﺗﺖ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻌﺪاﻟﺔ ﺛﻤﺎرﻫﺎ ﺑﺠﻌﻞ ﻣﻴﺎه اﻷﻓﻼج ﻣﺠﺎﻧًﺎ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻌﺪاﻟﺔ ﻓﻲ ﻣﻮاﻋﻴﺪ اﻟﺮي ﻓﻲ اﻟﺸﻬﺮ. - 3اﻟﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻻﻧﺘﺸﺎر :ﻓﻤﺎ ﻓﻌﻠﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺣﻘﻖ اﻟﺨﻴﺮ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ وأدى ﻟﺰﻳﺎدة اﻟﻤﺴﺎﺣﺎت اﻟﺨﻀﺮاء ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ وﺗﻨﻮﻋﺖ اﻟﺰراﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺨﻴﻞ، وﺗﺤﻘﻖ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻔﺎف وﺗﻨﻤﻴﺔ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ وإﻧﺸﺎء ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺮوﻋﺎت واﻟﻤﺆﺳﺴﺎت واﻟﻤﺴﺎﺟﺪ واﻟﻤﺪارس اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺿﺮورﻳﺔ ﻟﻼﺳﺘﻘﺮار ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺬى أﺻﺒﺢ زراﻋ ًﻴﺎ. - 4اﻟﺤﻴﺎد اﻟﻮﺟﺪاﻧﻰ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﻮﺟﺪاﻧﻴﺔ :ﻟﻘﺪ ﻧﺠﺢ اﻟﺤﻴﺎد اﻟﻮﺟﺪاﻧﻰ اﻟﺬي اﻧﺘﻬﺠﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻓﻲ ﻓﺮض اﻟﻨﻈﺎم واﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻛﻜﻞ ،ﻓَـ َﻌـ ﱠﻴﻦ »ﻋﺮﻳﻔًﺎ« واﺣ ًﺪا ﻋﻠﻰ اﻷﻓﻼج ﻳَﺘـ َﺒﻊ اﻟﺪوﻟﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻨﺤﺎز أﺣﺪ
اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ
اﻟﺒﻴﺌﺔ ﻣﻨﺬ آﻻف اﻟﺴﻨﻴﻦ ،ﻓﻘﺎم ﺑﻮﺿﻊ ﺧﻄﺔ ﻹﺻﻼح اﻷﻓﻼج اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ وﺣﻔﺮ أﻓﻼج ﺟﺪﻳﺪة واﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﻓﻠﺞ »اﻟﺼﺎروج« وﻗﺪ أﻣﺮ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﺑﺘﻄﻮﻳﺮه واﺳﺘﻐﺮق اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻴﻪ ﻗﺮاﺑﺔ 18ﺳﻨﺔ ﻣﺘﻮاﺻﻠﺔ ) .(1966-1948وﻳﺒﻠﻎ ﻃﻮﻟﻪ 15ﻛﻴﻠﻮﻣﺘ ًﺮا وﺗﺠﺮي اﻟﻤﻴﺎه ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻖ 20ﻣﺘ ًﺮا ﺗﺤﺖ اﻷرض ﺿﻤﻦ ﻗﻨﻮات ﻛﺒﻴﺮة وﻫﻮ ﻣﻦ أﻫﻢ وأﻛﺒﺮ اﻷﻓـﻼج ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ. وﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻤﺮ اﻟﻔـﻠﺞ ﻓﻲ ري اﻟﻤﺰارع ،ﻓﻘﺪ أﻣﺮ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ –رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ -ﺑﺘﻐﺬﻳﺔ ﻫﺬا اﻟﻔـﻠﺞ ﻣﻦ ﻣﻴﺎه 114ﺑﺌ ًﺮا ﺗﻢ ﺣﻔﺮﻫﺎ وﻳﺘﻢ ﺿﺦ ﻣﻴﺎﻫﻬﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻤﻜﺎﺋﻦ ﺿﻤﻦ اﻟﻔـﻠﺞ ﺛﻢ أﺿﻴﻔﺖ ﻟﻬﺎ 22ﺑﺌ ًﺮا ،وﻫﻨﺎك 62ﺑﺌ ًﺮا ﺟﺪﻳﺪة ﺗﻢ ﺣﻔﺮﻫﺎ ﻟﻠﻐﺮض ﻧﻔﺴﻪ. وأﺻﺒﺢ اﻟﻔـﻠﺞ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا اﻟﺘﻄﻮﻳﺮ ﻗﺎد ًرا ﻋﻠﻰ ري ﻣﺰارع اﻟﻨﺨﻴﻞ وأﺻﺒﺢ اﻟﺪور ﻳﺄﺗﻲ ﻟﻜﻞ ﻣﺰرﻋﺔ ﻛﻞ 12ﻳﻮ ًﻣﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎن ﻛﻞ 35ﻳﻮ ًﻣﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﻠﺖ ﻣﻴﺎه اﻟﻔـﻠﺞ. وﻗﺪ اﺳﺘﻌﺎن اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﺨﺒﺮة ﻗﺒﻴﻠﺔ »اﻟﻌﻮاﻣﺮ« ﺳﻮاء ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات أو ُﻋﻤﺎن ﻓﻲ ﺣﻔﺮ ﻓﻠﺞ »اﻟﺼﺎروج« ،وﻛﺎن ﻳﺘﺎﺑﻊ أﻋﻤﺎل اﻟﺤﻔﺮ ﺑﻨﻔﺴﻪ وﻳﻨﺰل ﻋﺸﺮات اﻷﻗﺪام ﻟﻴﺮﺷﺪ اﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ إﻟﻰ اﻻﺗﺠﺎه اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻟﻠﺤﻔﺮ.
ﺛﺎﻧ ًﻴﺎ -إﻧﺠﺎز اﻟﻬﺪف ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻰ أي ﻣﺠﺘﻤﻊ أن ﻳﺘﻮﺻﻞ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ اﻻﺗﻔﺎق اﻟﻤﺸﺘﺮك ﺑﻴﻦ أﻋﻀﺎﺋﻪ ﺣﻮل أﻫﺪاﻓﻬﻢ وأوﻟﻮﻳﺎﺗﻬﻢ. ﻳﺠﺪ أﻣﺎﻣﻪ ﺳﻮى ﻣﻌﻴﻦ اﻟﻤﺎء اﻟﺬى ﻳﺴﻜﻦ أﺳﻔﻞ ﺟﺒﺎل اﻟﻌﻴﻦ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ وﻛﺎن ﻫﺪف اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ –رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ -ﻫﻮ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﻣﺼﺪر ﺑﺪﻳﻞ ﻟﻠﺤﻴﺎة وﻳﺨﺮج ﻣﻦ ﺑﺎﻃﻨﻬﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ »اﻷﻓﻼج« واﻟﺘﻲ ﺗﺮوي ﺑﻌﺾ ﺑﺴﺎﺗﻴﻦ اﻟﻨﺨﻴﻞ اﻟﺘﻲ أﺻﺎب ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ اﻟﺘﻠﻒ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺮﻣﺎل اﻟﺼﺤﺮاء وﺻﺮاﻋﺎت اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﺼﺺ اﻟﻤﺎء. اeﻓﻼج واﻟﻨﺴﻖ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ
أﺷﺎر ﻋﺎﻟﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎع اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ »ﺗﺎﻟﻜﻮت ﺑﺎرﺳﻮﻧﺰ« إﻟﻰ أﻧﻪ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎن ﺗﺤﻠﻴﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ أﻧﺴﺎﻗًﺎ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وأﻧﻪ إذا ﻛﺎن ﻋﻠﻰ أي ﻧﺴﻖ اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ أن ﻳﺴﺘﻤﺮ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ أرﺑﻌﺔ ﺷﺮوط أﺳﺎﺳﻴﺔ أو ﺑﻌﺒﺎرة أﺧﺮى ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ أرﺑﻊ ﻣﺸﻜﻼت أﺳﺎﺳﻴﺔ ،وﻟﻘﺪ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﺸﻜﻼت أو اﻟﺸﺮوط »اﻟﻤﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ أو اﻟﻀﺮورﻳﺎت اﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ« وﻫﺬه اﻟﻤﺘﻄﻠﺒﺎت ﻻ ﺗﻬﻢ اﻟﺘﻨﻈﻴﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻘﻂ ،وإﻧﻤﺎ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺤﺎﺟﺎت اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻷﻋﻀﺎء اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ أﻳﻀً ﺎ وﻫﺬه اﻟﻤﺘﻄﻠﺒﺎت اﻷرﺑﻌﺔ ﻫﻲ:
اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ
ً أوﻻ -اﻟﺘﻜﻴﻒ ﻣﻊ اﻟﺒﻴﺌﺔ ﻓﻌﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ أن ﻳﺤﻘﻖ اﻟﺤﺎﺟﺎت اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻷﻋﻀﺎﺋﻪ إذا ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺴﺘﻤﺮ وﻳﺴﺘﻘﺮ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﻪ ،وﻟﻜﻲ ﻳﺤﻘﻖ ذﻟﻚ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻀﻊ اﻟﺘﺮﺗﻴﺒﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ﻣﻊ ﺑﻴﺌﺘﻪ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ. وﻟﻘﺪ ﻗﺎم اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ –رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ -ﺑﺪراﺳﺔ ﻣﺪﻳﻨﺔ »اﻟﻌﻴﻦ« ﺟﻴ ًﺪا وﺧﺎﺻ ًﺔ ﻣﻮرد اﻟﻤﺎء اﻟﻤﺘﺎح ﺑﻬﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻷﻓﻼج واﻟﺬي ﺟﺎدت ﺑﻪ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
27
ﻣﻠﻒ
ģǙŘǜē ĚŁŜ
اﻟﻨﺴﻖ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ
ﻓﻠﺞ اﻟﺼﺎروج
ﻧﻮاة اﻟﺨﻴﺮ ﻟﺪوﻟﺔ ا0ﻣﺎرات ﻣﺤﻤﺪ ﺷﺤﺎﺗﻪ ﻋﻠﻲ@
ﺗﻌﺪدت ﻛﺘﺎﺑﺎت وﻧﻈﺮﻳﺎت ﻋﻠﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎع اﻟﺘﻲ ﺻﺎﻏﺘﻬﺎ ﻋﻘﻮل اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻐﺮﺑﻴﻴﻦ أﻣﺜﺎل راد ﻛﻠﻴﻒ ﺑﺎرون وﻣﻴﺮﺗﻮن وﺗﺎﻟﻜﻮت ﺑﺎرﺳﻮﻧﺰ ،وﻛﺎن ﻧﺘﺎج ذﻟﻚ ﻣﺌﺎت اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ وﻇﻴﻔﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وأدوار أﻓﺮاده ،ﺑﻴﻨﻤﺎ َﺧﻠَﺖ ﻣﻌﻈﻢ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻬﻢ ﻣﻦ ﻧﻤﺎذج ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻧﺎﺟﺤﺔ وواﻗﻌﻴﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺎت اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ أن ﺗﺘﺨﺬﻫﺎ ﻧﻤﻮذ ًﺟﺎ ﻳﺤﺘﺬى ﺑﻪ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ووﻇﻴﻔﺔ أﻓﺮادﻫﺎ ،وﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻏﺮﻳ ًﺒﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻌﺾ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻲ واﻟﻌﻤﻠﻲ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت ﻣﻮﺟﻮدًا ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻮاﻗﻊ، واﻷﻏﺮب أﻧﻪ ﻛﺎن أﺳﺒﻖ ﻣﻦ ﻇﻬﻮر ﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت أو ﻣﻌﺎﺻ ًﺮا ﻟﻬﺎ.
ﻟﻜﻨﻬﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻻﺑﺪ أن ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻫﻲ أن اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻧﺠﺒﺖ أﺷﻬﺮ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻄﺐ واﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ إﻧﺠﺎب ﻋﻠﻤﺎء ﻣﻦ ﻃﺮاز ﻓﺮﻳﺪ ﺗﺴﺒﻖ أﻓﻌﺎﻟﻬﻢ أﻗﻮاﻟﻬﻢ وﻻ ﻳﻘﺘﺼﺮون ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺒﺎﺣﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻔﻜﺮ واﻟﻨﻈﺮﻳﺎت واﻟﺨﻴﺎل ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ إن ﻟﻬﻢ ﺗﺠﺎرب وﻣﻮاﻗﻒ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﻢ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻤﺎء اﻻﺟﺘﻤﺎع دراﺳﺘﻬﺎ وإﻧﺘﺎج ﻧﻈﺮﻳﺎت ﺟﺪﻳﺪة ﻗﺪ ﺗﺼﺒﺢ ﻓﺎﻋﻠﺔ وﻣﺆﺛﺮة وﺗﻐﻴﺮ ﻣﺴﺎر اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺘﻲ دﻣﺮﺗﻬﺎ ﻋﻘﻮل اﻟﺴﺎﺳﺔ ﻓﺎﻗﺪي اﻟﻮﻋﻲ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ. زاﻳﺪ ﻳﻘﺪم اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻲ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ
ﻟﻘﺪ ﻧﺠﺢ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ »زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن« ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﻢ ذﻟﻚ اﻟﻨﻤﻮذج ﻟﻠﻌﺎﻟِﻢ اﻟﺬي ﻳﻄﺒﻖ ِﻓﻜ ُﺮﻩ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻮاﻗﻊ؛ ﻓَ َﻘ ﱠﺪم ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﻣﻌﺎﻟﻢ واﺿﺤﺔ ﻟﻨﻈﺮﻳﺔ وﻇﻴﻔﻴﺔ ﻳﺠﺐ أن ﺗﺪرﺳﻬﺎ اﻷﺟﻴﺎل ﻟﺘﻨ َﻌﻢ ﺑﻨﺘﺎﺋﺠﻬﺎ اﻟﻮاﻗﻌﻴﺔ ،ﻓﻤﻨﺬ أن ﻛﺎن ﺣﺎﻛ ًﻤﺎ ﻹﻣﺎرة »اﻟﻌﻴﻦ« ﻓﻲ أرﺑﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻰ ) (1966 - 1946ﻟﻔﺘﺖ ﻧﻈﺮه اﻟﺼﺮاﻋﺎت واﻟﻤﻨﺎزﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺸﺐ ﺑﻴﻦ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ آﻧﺬاك ﺣﻮل اﻟﻤﺎء ،وﺑﻌﺪ أن واﺟﻬﺖ اﻹﻣﺎرات أزﻣﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻀﻌﻒ ﺗﺠﺎرة اﻟﻠﺆﻟﺆ ﺑﻌﺪ ﻧﺠﺎح اﻟﻴﺎﺑﺎن ﻓﻲ ﻋﺎم 1930م ﻓﻲ اﺧﺘﺮاع اﻟﻠﺆﻟﺆ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟﺬي ﻳﻀﺎﻫﻲ اﻟﻠﺆﻟﺆ
26
ﻓﻠﺞ اﻟﺼﺎروج ..ﻧﻮاة اﻟﺨﻴﺮ ﻟﺪوﻟﺔ ا9ﻣﺎرات
ﻓﻠﺞ اﻟﺼﺎروج
اﻟﻄﺒﻴﻌﻰ ،وﻗﺒﻞ إزدﻳﺎد اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻨﻔﻂ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ. رأى اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ –رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ -أﻧﻪ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ وﺟﻮد ﻣﺼﺪر ﺑﺪﻳﻞ ﻳﻀﻤﻦ اﺳﺘﻘﺮار ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻹﻣﺎرات وﺣﻴﺎة ﻛﺮﻳﻤﺔ ﻷﻓﺮاده ،وﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻤﺼﺪر ﻫﻮ ﻋﻄﺎء إﻟﻬﻲ ﻣﻦ ﻓﻴﺾ اﻟﺴﻤﺎء ﻟﻬﺬا اﻟﺸﻌﺐ أﻻ وﻫﻮ ﺷﺮﻳﺎن اﻟﺤﻴﺎة »اﻟﻤﺎء« واﻟﺬي ﻋﺮﻓﺘﻪ اﻹﻣﺎرات ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻴﻼد ﺑﺤﻮاﻟﻲ أﻟﻒ ﻋﺎم ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ »اﻷﻓﻼج« اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات إﻟﻰ أﻟﻒ ﻋﺎم ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻴﻼد واﻟﺘﻲ ﺗﺮﺟﻊ إﻟﻰ )اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺪي( ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ »ﺑﻨﺖ ﺳﻌﻮد« وﻣﻨﺎﻃﻖ أﺧﺮى ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات. وﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﺑﻤﺴﺎﺣﺘﻬﺎ اﻟﺸﺎﺳﻌﺔ وأرﺿﻬﺎ اﻟﺨﺼﺒﺔ ﺑﺪأ ﺣﻠﻢ »زاﻳﺪ« ﻓﻲ إﻗﺎﻣﺔ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺴﺘﻘﺮ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ إﻣﻜﺎﻧﺎﺗﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﺑﺪت ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻓﻲ أﻋﻴﻦ اﻟﺒﻌﺾ ،وﻣﻤﺎ دﻋﺎه ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺤﻠﻢ ﻫﻮ ﻣﺎ ﺷﺎﻫﺪه ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﺎة ﺑﻌﺾ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻻ ﻳﻤﻠﻜﻮن ﺳﻮى ﺛﻮب واﺣﺪ وﺑﻌﻀﻬﻢ ﻻ ﻳﺘﺬوق اﻟﻠﺤﻢ إﻻ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت ،ﻓﺄﺑﻰ إﻻ أن ﻳﻘﺘﺴﻢ ﻣﻌﻬﻢ ﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻬﻢ وﻳﺠﻮد ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﻳﻤﻠﻜﻪ ﻋﻠﻰ أﻣﻞ أن ﻳﺤﻘﻖ ﺣﻠﻤﻪ ﻓﻲ ﻧﻬﻀﺘﻬﻢ وﺟﻌﻠﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻷﻣﻢ. وﻓﻲ ﻋﺎم 1946م أﺻﺒﺢ ﺣﺎﻛ ًﻤﺎ ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ »اﻟﻌﻴﻦ« واﻟﻤﺘﺼﺮف ﻓﻲ ﺷﺆوﻧﻬﺎ ،ﻓﺄﺗﻴﺤﺖ ﻟﻪ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻜﻲ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﻠﻤﻪ ﺑﻮاﻗﻌﻴﺔ ،ﻓﻠﻢ
ﻓﻠﺞ »ﺧﺖ«: ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺰراﻋﻴﺔ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ إﻣﺎرة رأس اﻟﺨﻴﻤﺔ وﻫﻮ ذو ﻣﻴﺎه ذات درﺟﺔ ﺣﺮارة ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ 40درﺟﺔ ﻣﺌﻮﻳﺔ وﻗﺪ ﻗﺎﻣﺖ اﻟﻮزارة ﺑﺈﻧﺸﺎء ﻣﻨﺘﺠﻊ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ » ﺧﺖ » ﻣﺴﺘﻔﻴﺪة ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺴﺎﺧﻨﺔ ﻟﻴﺨﺪم اﻟﻤﺸﺮوع اﻟﻨﻮاﺣﻲ اﻟﻌﻼﺟﻴﺔ واﻟﺘﺮوﻳﺤﻴﺔ واﻟﺰراﻋﻴﺔ. ﻓﻠﺞ »أﺣﻔﺮة«: ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺰراﻋﻴﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻓﻲ إﻣﺎرة اﻟﻔﺠﻴﺮة ،واﻟﺬي ﻳﺨﺪم ﻣﻨﻄﻘﺔ » أﺣﻔﺮة » ووادي ﺣﻤﺪ وﻳﻔﺎﻧﻪ ،وﻳﺒﻠﻎ ﻃﻮﻟﻪ 1000ﻣﺘﺮ وﻗﺪ ﺗﻢ ﻋﻤﻞ اﻟﺼﻴﺎﻧﺔ واﻟﺘﻤﺪﻳﺪات ﻟﺰﻳﺎدة ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ اﻟﺘﻐﺬﻳﺔ ﻟﻪ ﻋﺎم . 1997 ﻓﻠﺠﺎ راﻓﺎق وﻧﺼﻠﻪ: ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺰراﻋﻴﺔ اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻓﻲ إﻣﺎرة رأس اﻟﺨﻴﻤﺔ وﻳﺨﺪﻣﺎن ﻣﻨﻄﻘﺔ راﻓﺎق وﻧﺼﻠﻪ ﻓﻲ وادي اﻟﻘﻮر وﻳﺒﻠﻎ ﻃﻮل ﻓﻠﺞ راﻓﺎق ﺣﻮاﻟﻲ 3ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮا ً وﻓﻠﺞ ﻧﺼﻠﻪ ﺣﻮاﻟﻲ 2ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮ .وﻗﺪ أﻧﺠﺰت اﻟﻮزارة أﻋﻤﺎل اﻟﺼﻴﺎﻧﺔ واﻟﺘﻤﺪﻳﺪات ﻟﺰﻳﺎدة ﺗﻐﺬﻳﺔ اﻟﻔﻠﺞ ﻓﻲ ﻋﺎم 2001م . ﻓﻠﺞ اﻟﻔﺮﻓﺎر: ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺰراﻋﻴﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻓﻲ وادي اﻟﻔﺮﻓﺎر وﻳﺨﺪم ﻣﻨﻄﻘﺔ وادي اﻟﻔﺮﻓﺎر وﻳﺒﻠﻎ ﻃﻮﻟﻪ ﺣﻮاﻟﻲ 500ﻣﺘﺮ .وﻗﺪ أﻧﺠﺰت اﻟﻮزارة أﻋﻤﺎل اﻟﺼﻴﺎﻧﺔ واﻟﺘﻤﺪﻳﺪات ﻟﺰﻳﺎدة ﺗﻐﺬﻳﺔ اﻷﻓﻼج ﻓﻲ أﻛﺘﻮﺑﺮ 2002م .
اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ اﻟﻤﺜﻘﺒﺔ اﻟﻤﻐﻄﺎة ﺑﺄﻗﻤﺸﺔ ﺗﺮﺷﻴﺢ ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﺪﺧﻮل اﻟﻤﻴﺎه وﺗﻤﻨﻊ دﺧﻮل اﻟﺤﺼﻰ واﻷﺗﺮﺑﺔ . اﻵن ،وﻟﻸﺳﻒ اﻟﺸﺪﻳﺪ ،ﺗﻮﻗﻒ ﺗﺪﻓﻖ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﻓﻼج ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺠﻔﺎف واﻟﻀﺦ اﻟﻤﻔﺮط ﻟﻠﻤﻴﺎه اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ ﻋﻨﺪ أﻣﻬﺎت آﺑﺎرﻫﺎ وﻣﻨﺎﻃﻖ ﺗﻐﺬﻳﺘﻬﺎ .وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺑﻘﻲ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻷﻓﻼج ﻳﻌﻤﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا ﻛﺴﺎﺑﻖ ﻋﻬﺪه ﺷﺮﻳﺎﻧﺎً ﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻮاﺣﺎت .وﻳﺜﻴﺮ ﺗﺼﻤﻴﻢ وﺑﻨﺎء وﺻﻴﺎﻧﺔ اﻷﻓﻼج اﻫﺘﻤﺎم اﻟﺪارﺳﻴﻦ ، ﻛﻤﺎ أن آﺛﺎر أﻧﻈﻤﺔ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻤﺎء ،اﻷﻓﻼج اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﻣﻮﺟﻮدة اﻵن ﻗﺮب ﺣﺪﻳﻘﺔ آﺛﺎر اﻟﻬﻴﻠﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻌﻴﻦ . وﻗﺪﻳﻤﺎً ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻣﻴﺎه اﻷﻓﻼج ﻓﻲ ﻛﺎﻓﺔ اﻷﻏﺮاض ،ﺑﻞ وﻛﺎﻧﺖ ﻧﻈﻢ اﻷﻓﻼج ﺗﻤﺜﻞ ﻛﻴﺎﻧﺎت اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﺘﺮاﺑﻄﺔ .وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻴﺎه اﻟﺠﺰء اﻷﻋﻠﻰ اﻟﻘﺮﻳﺐ ﻣﻦ أم اﻟﻔﻠﺞ أو اﻟﺒﺌﺮ اﻟﺮﺋﻴﺲ أو اﻟﻤﻨﺒﻊ ،ﻣﺨﺼﺼﺔ ﻟﻠﺸﺮب ،ﻳﻠﻲ ذﻟﻚ ﺟﺰء ﻟﻠﺰراﻋﺔ ،ﻓﺎﻟﻐﺴﻴﻞ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺎم اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻋﻠﻰ اﻷﻓﻼج وﻳﺰرع اﻟﻨﺨﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ .وﻛﺎﻧﺖ أﺳﻌﺎر ﻣﻴﺎه اﻟﻔﻠﺞ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﺪﻓﻘﻪ وﻛﺎن ﺟﺰء ﻣﻦ دﺧﻠﻬﺎ ﻳُﺪﺧﺮ ،وﺟﺰء ﻳﺬﻫﺐ ﻟﻠﺼﺪﻗﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻈﺎﻣﺎً اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎً راﺋﻌﺎً راﻗﻴﺎً ﺗﺴﻮده روح اﻷﻟﻔﺔ واﻟﺘﻌﺎون واﻹﺧﺎء . اﻵن ،وﻣﻊ وﺟﻮد اﻟﺒﺪاﺋﻞ ،أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻴﺎه اﻷﻓﻼج ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻓﻘﻂ ﻓﻲ اﻷﻏﺮاض اﻟﺰراﻋﻴﺔ
ﺿﻮء
ﻓﻠﺞ ﻗﺪﻳﻢ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻬﻴﻠﻲ ﺑﺎﻟﻌﻴﻦ-اﻻٕﻣﺎرات
أﻓﻼج ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﺼﻔﻮت: ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺰراﻋﻴﺔ اﻟﻮﺳﻄﻰ ﺑﺈﻣﺎرة ﻋﺠﻤﺎن ،وﻫﻲ ﻓﻠﺞ اﻟﻮرﻋﺔ ﺑﻄﻮل ﺣﻮاﻟﻲ 700ﻣﺘﺮ ،وﻓﻠﺞ اﻟﻀﻔﺪع ﺑﻄﻮل ﺣﻮاﻟﻲ 800ﻣﺘﺮ ، وﻓﻠﺞ ﻣﺼﻔﻮت ﺑﻄﻮل ﺣﻮاﻟﻲ 550ﻣﺘﺮا ً .وﺗﻢ إﻧﺠﺎز أﻋﻤﺎل اﻟﺼﻴﺎﻧﺔ واﻟﺘﻤﺪﻳﺪات ﻟﺰﻳﺎدة ﺗﻐﺬﻳﺔ اﻷﻓﻼج ﻓﻲ أﻛﺘﻮﺑﺮ 2002م . ﺟﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ أن اﻷﻓﻼج ﺗﺘﻌﺮض ﻟﺘﺎﺛﻴﺮات اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﻄﺎر وﺗﺮﺳﺐ اﻷﺗﺮﺑﺔ واﻟﺤﺼﻲ ﻓﻲ ﻗﻨﻮاﺗﻬﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﺆدي إﻟﻰ اﻧﺴﺪادﻫﺎ أو إﻟﻰ اﻧﺨﻔﺎض اﻟﺘﺪﻓﻖ اﻟﻤﺎﺋﻲ .وﺗﻘﻮم اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺠﻬﺎت اﻟﻤﺨﺘﺼﺔ ﺑﺼﻴﺎﻧﺔ اﻷﻓﻼج وﺗﻄﻮﻳﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل إزاﻟﺔ اﻟﺮﺳﻮﺑﻴﺎت اﻟﻤﺘﺮاﻛﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﻨﻮات واﻷﻧﻔﺎق واﻟﻔﺘﺤﺎت اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ، وﺗﺮﻣﻴﻢ ﺳﻘﻮف وﺟــﺪران اﻷﻓــﻼج اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ واﺳﺘﺒﺪال اﻷﺣﺠﺎر اﻟﻤﻨﻜﺴﺮة ﺑﺄﺧﺮى أو ﺑﺒﻼﻃﺎت ﺧﺮﺳﺎﻧﻴﺔ .إﻋﺎدة ﺑﻨﺎء اﻟﺒﺌﺮ وﺗﻮﺳﻴﻊ ﺟﻮاﻧﺒﻪ ﻟﺰﻳﺎدة ﺗﻐﺬﻳﺔ اﻟﻔﻠﺞ ،ﺗﻤﺪﻳﺪ ﻗﻨﻮات اﻟﻔﻠﺞ إﻟﻰ داﺧﻞ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺤﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﻤﻴﺎه ﻟﺰﻳﺎدة ﺗﺼﺮﻳﻒ اﻟﻔﻠﺞ .اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻟﺰﻳﺎدة ﺗﺠﻤﻴﻊ اﻟﻤﻴﺎه ﻓﻲ اﻷﻓﻼج وذﻟﻚ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻷﻧﺎﺑﻴﺐ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
25
اaﻓﻼج ﻓﻲ ا0ﻣﺎرات
ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻴﻮﻣﻲ
اﻟﻔﻠﺞ ﻗﻨﺎة ﺗﻨﻘﻞ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻦ اﻷرض أو ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺤﻬﺎ اﻷﻓﻼج اﻟﺪاؤودﻳﺔ ﻣﺤﻔﻮرة ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻹﻧﺴﺎن ،وﻣﺼﺪرﻫﺎ ﻧﺒﻊ أو ﺑﺌﺮ ﻳﺴﻤﻰ ﺑـ »أم اﻟﻔﻠﺞ« .اﻷﻓﻼج اﻟﻐـــﻴﻠﻴﺔ ﻋﺎدة ﻣﺎ ﺗﻜﻮن اﻷﻓﻼج ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ أو ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺴﻬﻮل ﻋﻨﺪ اﻷﻓﻼج اﻟﻌـــﻴﻨﻴﺔ أﻗﺪام اﻟﺠﺒﺎل ﺣﻴﺚ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﻣﻨﺴﻮب اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ. وﺗﺴﻤﻰ اﻷﻓﻼج ﺑـ »اﻟﻔﺠﺎرات أو اﻟﻐﻴﻮل« ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﻨﺎﻃﻖ أﺧﺮى وﺣﺘﻰ ﻓﺘﺮة ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﺜّﻠﺖ اﻷﻓﻼج اﻟﺸﺮاﻳﻴﻦ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﻟﻠﺤﻴﺎة ﻓﻲ ﺷﺮق ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ .وﺗﻨﺘﺸﺮ اﻷﻓﻼج ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎﻃﻖ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﺪوﻟﺔ ،ﻓﻌﻨﺪ ﻣﺨﺎرﺟﻬﺎ ازدﻫﺮت واﺣﺎت اﻟﻨﺨﻴﻞ وﻗﺎﻣﺖ ﺗﺠﻤﻌﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ،وﻗﺪ ﻗﺎﻣﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺸﺮﻳﺔ داﺋﻤﺔ ،ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ أن ﻃﺮﻳﻘﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺰراﻋﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺘﻤﺪة ﻋﺎم 1979م ﺑﻤﺴﺢ ﻟﻸﻓﻼج اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻓﻜﺎﻧﺖ 42ﻓﻠﺠﺎً ،ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻴﺎه ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻼج ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﺿﺮ .وﺗﺘﻀﺢ ﻟﻨﺎ أﻫﻤﻴﺔ اﻷﻓﻼج ﻣﻦ واﻗﻊ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ اﻟﺴﻨﻮي ﻟﺤﺠﻢ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺮف ﻣﻴﺎﻫﻬﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﻐﺮب واﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﻧﺤﻮ اﻟﺸﺮق. وﺗﻘﻮم اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺼﻴﺎﻧﺔ وإﻋﺎدة ﺑﻨﺎء اﻻﻓﻼج وﺗﻄﻮﻳﺮﻫﺎ ﻋﺎدة واﺳﺘﺤﺪاث ﺗﺠﺮي ﻓﻴﻬﺎ واﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪر ب 19,4ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺘﺮ ﻣﻜﻌﺐ. أﻓﻼج ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻠﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﻦ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺮي .وﻣﻦ أﻫﻢ اﻷﻓﻼج ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻣﺎ ﻳﻠﻲ: وﻳﻘﺪر ﻋﺪد اﻷﻓﻼج ﺣﺎﻟ ًﻴﺎ ﺑﺎﻹﻣﺎرات ﺑـ 150ﻓﻠﺠﺎً ،ﺧﻤﺴﻮن ﻣﻨﻬﺎ ﻻ أﻓﻼج اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺎت اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ: ﺗﺰال ﺗﻌﻤﻞ وﻳﻌﺘﻤﺪ ﺟﺮﻳﺎﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺪﻻت اﻷﻣﻄﺎر وﻋﻠﻰ ﻣﻌﺪﻻت ﻓﻠﺞ اﻟﺴﻴﺠﻲ ،ﻓﻠﺞ ﻣﺼﻔﻮت ،ﻓﻠﺞ ﺟﻴﻤﺎ ،ﻓﻠﺞ اﻟﺤﻮﻳﻼت ،ﻓﻠﺞ اﻟﺴﺤﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ .وﺗﺘﻔﺎوت اﻷﻓﻼج واﻟﻴﻨﺎﺑﻴﻊ اﻟﺘﻲ ﺗﻐﺬي اﻟﻌﺴﻴﻠﻲ ،ﻓﻠﺞ رﻓﻖ ،ﻓﻠﺞ ﻣﺴﺎﻓﻲ ،ﻓﻠﺞ اﻟﻤﻨﻴﻌﻲ ،ﻓﻠﺞ اﻟﺒﺜﻨﺔ ،ﻓﻠﺞ اﻷودﻳﺔ ﻓﻲ ﻛﻤﻴﺎت ﺗﺼﺮﻳﻔﻬﺎ اﻟﻤﺎﺋﻲ ،وﻫﻲ ﻣﻦ أﻗﺪم اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ دﻓﺘﺔ ،ﻓﻠﺞ اﻟﺤﻴﻞ ،ﻓﻠﺞ ﺻﻐﻴﺮ ،ﻓﻠﺞ ﺷﺮﻫﺎ . اﻫﺘﺪى إﻟﻴﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺘﺠﺎرﺑﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻮﻓﻴﺮ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺎه ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺠﺎﻓﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺣﻔﺮ أﻧﻔﺎﻗًﺎ ﻣﺘﻔﺎوﺗﺔ اﻟﻄﻮل واﻻﺗﺴﺎع أﻓﻼج اﻟﺴﻬﻮل اﻟﺤﺼﻮﻳﺔ )اﻟﺒﻬﺎدا اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ(: ﻓﻲ ﻃﺒﻘﺎت ﺻﺨﺮﻳﺔ أﻓﻘﻴﺔ ﺗﻮﺻﻠﻪ إﻟﻰ ﺧﺰاﻧﺎت اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻓﻠﺞ اﻟﺬﻳﺪ ،ﻓﻠﺞ اﻟﻌﻼ ،ﻓﻠﺞ اﻟﻤﻨﺎﻣﻴﺔ ،ﻓﻠﺞ اﻟﻌﻴﻦ ،ﻓﻠﺞ اﻟﻤﻌﺘﺮض، ﻳﻜﻮن ﻣﺴﺘﻮى ﺳﻄﺢ اﻟﻤﺎء اﻻﺳﺘﺎﺗﻴﻜﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺮﻳﺒﺎً ﻣﻦ ﺳﻄﺢ اﻷرض .ﻓﻠﺞ اﻟﻤﻮﻳﺠﻌﻲ ،ﻓﻠﺞ اﻟﺠﻴﻤﻲ ،ﻓﻠﺞ اﻟﻘﻄﺎرة ،ﻓﻠﺞ اﻟﻬﻴﻠﻲ ،ﻓﻠﺞ وﺗﺘﺮاوح أﻓﻼج اﻹﻣﺎرات ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻋﺪة ﻣﺌﺎت ﻣﻦ اﻷﻣﺘﺎر إﻟﻰ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﺮﻳﻤﻲ ،ﻓﻠﺞ اﻟﺼﺎروج ،ﻓﻠﺞ ﻣﺰﻳﺪ ،ﻓﻠﺞ زاﻳﺪ ،ﻓﻠﺞ اﻟﻐﻴﻞ ،ﻓﻠﺞ 15ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮا ً ﺗﺘﺨﻠﻠﻬﺎ ﻓﺘﺤﺎت ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ ﺗﺪﻓﻖ اﻟﻤﻴﺎه ،أﻣﺎ اﻟﻌﻮﻳﻨﺎت . اﺗﺴﺎﻋﻬﺎ ﻓﻴﻜﻮن ﻋﺎدة ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ) 75إﻟﻰ (100ﺳﻨﺘﻴﻤﺘﺮ. وﺗﻌﺘﺒﺮ ﻇﺎﻫﺮة اﻷﻓﻼج ﻣﻦ ﻇﻮاﻫﺮ اﻟﻤﻮارد اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ اﻟﻤﺄﻟﻮﻓﺔ ﻓﻲ دوﻟﺔ ﻓﻠﺞ ﻋﻴﻦ ﻣﻀﺐ: اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺎت اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ،واﻟﺴﻬﻮل ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺰراﻋﻴﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻓﻲ ﻏﻤﺎرة اﻟﻔﺠﻴﺮة ،ﻓﻘﺪ ﻗﺎﻣﺖ اﻟﺤﺼﻮﻳﺔ )اﻟﺒﻬﺎدا( اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ واﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،إذ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺴﻜﺎن ﻓﻲ اﻟﻮزارة ﺑﺈﻧﺸﺎء ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻔﻠﺞ ﻋﺎم ، 1983ﻣﺴﺘﻔﻴﺪة ﻣﻦ ﻣﻴﺎه اﻟﻔﻠﺞ اﻟﻜﺒﺮﻳﺘﻴﺔ وﻣﻦ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺰراﻋﻴﺔ واﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺨﻼﺑﺔ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻧﻮاﺣﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ. ﻟﻴﺨﺪم اﻟﻤﺸﺮوع اﻷﻏﺮاض اﻟﺘﺮوﻳﺠﻴﺔ واﻟﺰراﻋﻴﺔ . وﻫﻨﺎك ﺛﻼﺛﺔ أﻧﻮاع رﺋﻴﺴﻴﺔ ﻣﻦ اﻷﻓﻼج وﻫﻲ:
24
اaﻓﻼج ﻓﻲ ا9ﻣﺎرات
ﻣﻦ أﺟﻞ ﺟﺮ اﻟﻤﻴﺎه ﻣﻦ ﺣﻮض ﻵﺧﺮ ﺣﺘﻰ ﺗﻐﻤﺮ ﻛﻞ ﻣﺰرﻋﺔ ﺑﺎﻟﻤﺎء ،ﻋﻠﻰ ارﺗﻔﺎع ﻳﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﻜﻮاﺣﻞ ،ﺑﻤﻮﺟﺐ ﻧﻈﺎم زﻣﻨﻲ ﻟﻠﺮي).(10 ﻧﻈﺎم إدارة اeﻓﻼج
ﺟﺪران ﻗﻠﻌﺔ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ
وﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻧﻈﺎم اﻷﻓﻼج ﻣﻌﻘﺪا ﻛﺎن ﻧﻈﺎم إدارﺗــﻪ ﻣﺘﺸﺎﺑﻜﺎ ﻳﻤﺲ ﺣﻴﺎة ﻛﻞ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،ﻓﺘﻮزﻳﻊ اﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﻤﻴﺎه ،وﺗﻨﻈﻴﻢ اﻻﻧﺘﻔﺎع ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺟﻬﺎزا ﻣﻦ اﻷﺧﺼﺎﺋﻴﻴﻦ واﻹدارﻳﻴﻦ واﻟﻌﻤﺎل ،ﻓﻜﺎن ﻳﻌﻬﺪ ﺑﺈدارة ﻧﻈﺎم اﻷﻓﻼج وﺗﺸﻐﻴﻠﻪ إﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﺧﺼﺎﺋﻴﻴﻦ ﺑﺎﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮن ﻓﺮﻳﻘﺎً ﻣﻦ اﻟﻘﻮة اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﻳﻀﻢ ﻋﺸﺮات اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﺑﺎﻟﻤﻨﺎوﺑﺔ ﻟﻴﻼ وﻧﻬﺎرا ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟﺴﺪود ﻟﻠﻤﻴﺎه ،وﻣﻦ أﺑﺮز ﻫﺆﻻء »اﻟﻌ ّﺮﻳﻒ« ،وﻟﻢ ﻳﺘﺮك اﻟﻘﺎﺋﻤﻮن ﻋﻠﻰ اﻷﻓﻼج أﻣﺮ ﺗﺄﻣﻴﻦ ﻣﻮارد ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺳﻼﻣﺔ وﻣﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﻔﻠﺞ دون ﺣﺴﺎب ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻟﻸﻓﻼج ﻣﻮارد ﻣﺎﻟﻴﺔ ذات أﻫﻤﻴﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ،إذ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﺗﺘﻄﻠﺐ وﺟﻮد ﻣﻴﺰاﻧﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻟﺘﻐﻄﻴﺔ ﻧﻔﻘﺎت اﻟﺘﺸﻐﻴﻞ واﻟﺼﻴﺎﻧﺔ واﻟﺘﻤﺪﻳﺪات اﻟﻼزﻣﻪ ﻟﻠﺸﺒﻜﺔ ،ﻓﻜﺎن ﻳﺠﺮى ﺗﻌﻴﻴﻦ اﻟﺨﺰﻧﺔ واﻟﻤﺰاﻳﺪﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺒﻴﻊ اﻟﻤﻴﺎه أو ﺗﺴﻮﻳﻖ اﻟﺘﻤﻮر اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ رﺻﺪﻫﺎ دﻋﻤﺎ ﻟﺼﻨﺪوق ﺧﺎص ﺑﺎﻟﻔﻠﺞ ،وﻟﺤﻞ اﻟﺨﻼﻓﺎت اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻘﻊ ﺣﻮل ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻤﻴﺎه ﻛﺎن ﺛﻤﺔ أﺷﺨﺎص ﻣﺨﻮﻟﻮن ﺑﺴﻠﻄﺔ اﻟﺘﺤﻜﻴﻢ ﻓﻲ ﻓﺾ اﻟﻤﻨﺎزﻋﺎت اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻋﻦ ﺗﻌﻘﻴﺪات دورات ﻣﻴﺎه اﻟﻔﻠﺞ ،وﺣﺮﺻﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺰاﻫﺔ واﻟﻌﺪاﻟﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻛﺎن ﻳﺘﻢ اﺧﺘﻴﺎر ﻫﺆﻻء ﻣﻦ ﺑﻴﻦ أرﻓﻊ اﻟﺮﺟﺎل ﻣﻜﺎﻧﺔ وأﻛﺜﺮﻫﻢ اﺣﺘﺮاﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ)(11 ﻟﻘﺪ ﻣﺜﱠﻞ ﻧﻈﺎم اﻷﻓﻼج ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻧﺎﺟﺤﺔ ،وﺳﺎﻋﺪ اﻟﻌﺪل ﻓﻲ ﺗﻮزﻳﻊ ﻣﻴﺎه اﻷﻓﻼج ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺘﻤﺎﺳﻚ ،ﻓﺰرع روح اﻟﺘﻌﺎون وﻋﺰزﻫﺎ ،وأﺳﺲ ﻟﻨﻈﺎم إداري ﻣﺘﻜﺎﻣﻞ ﻳﺘﻮﻟﻰ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺔ اﻟﻔﻠﺞ ،وﻳﻔﺾ اﻟﺨﻼﻓﺎت واﻟﻨﺰاﻋﺎت ﺑﻴﻦ اﻷﻓﺮاد اﻟﻤﺘﺼﻠﺔ ﺑﺤﺼﺺ اﻟﻤﻴﺎه وﻓﻖ أﺳﺲ ﺳﻠﻤﻴﺔ ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﺳﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﻤﻬﺎرات اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ واﻟﺰراﻋﻴﺔ ﻟﺪى اﻷﻓﺮاد ،وأدى إﻟﻰ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﻣﺼﺪر رزق ﺗﻌﻴﺶ ﻋﻠﻴﻪ اﻷﺳﺮ)(12 ﻗﺼﺔ اﻷﻓﻼج ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺗﺪاﺧﻼﺗﻬﺎ وﺗﻄﻮراﺗﻬﺎ وﺛﻤﺎرﻫﺎ اﻟﺘﻲ أﺗﺎﺣﻬﺎ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻟﻜﻞ ﻣﺨﻠﻮق ﺣﻲ ﻳﺘﻨﻔﺲ ﻫﻮاء اﻟﻌﻴﻦ، ﻳﻠﺨﺼﻬﺎ أﺣﺪ اﻟﺬﻳﻦ ﺻﺎﺣﺒﻮا ﻗﺎﺋﺪ ﺣﻤﻠﺔ اﻷﻓﻼج وراﻋﻴﻬﺎ، وراﻓﻘﻪ اﻟﻤﺴﻴﺮة ﺧﻄﻮة ﺑﺨﻄﻮة ،اﻟﺸﻴﺦ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﺣﻢ ،إذ ﻳﻘﻮل ﻓﻲ ذﻟﻚ: »إن ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن زاﻳﺪ ﻳﻮﻟﻴﻬﺎ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ اﻷول ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﻤﻴﺎه ،ﺣﻴﺚ إن ﺷﺢ اﻟﻤﻴﺎه وﻗﻠﺔ ﻣﺼﺎدرﻫﺎ وﻧﺪرﺗﻬﺎ وﻣﺎ ﻳﺘﺒﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺑﻴﻦ اﻷﻫﺎﻟﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻬﺎﺟﺲ
اﻷول ﻋﻨﺪ زاﻳﺪ ،ﻓﺒﺎدر إﻟﻰ ﻋﻤﻞ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ وﺳﻌﻪ ﻟﻴﺠﻌﻞ اﻟﻤﺎء ﻳﻨﺴﺎب ﺑﻮﻓﺮة ،وﺑﺪأ ﺑﺈﺻﻼح اﻷﻓﻼج اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﻤﻬﻤﻠﺔ ،واﻫﺘﻢ ﺑﺤﻔﺮ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﻓﻼج اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻟﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﻐﺮض اﻟﻤﻄﻠﻮب. وﻗﺪ ﻛﺎن ﻓﻠﺞ »اﻟﺼﺎروج« أوﻟﻬﺎ واﻟﺬي اﺳﺘﻮﺟﺐ ﺣﻔﺮه ﺟﻬ ًﺪا ﻛﺒﻴ ًﺮا وﺳﻨﻮات ﻋﺪﻳﺪة ﻛﺎن ﺧﻼﻟﻬﺎ زاﻳﺪ أول اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﺑﺎﻟﺤﻔﺮ، وﺿﺤﻰ ﺑﻮﻗﺘﻪ واﻗﻔًﺎ ﺑﻴﻨﻨﺎ ،وﻟﻢ ﻳﺒﺨﻞ ﺑﻤﺎﻟﻪ وأﻓﻜﺎره وﺗﻌﻠﻴﻤﺎﺗﻪ ﻟﻴﺮﺷﺪﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺎر اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻟﻠﻔﻠﺞ ،وﺗﻜﻠﻠﺖ أﻋﻤﺎﻟﻪ ﺑﺎﻟﻨﺠﺎح، وﺗﺪﻓﻘﺖ اﻟﻤﻴﺎه ﻏﺰﻳﺮة ﻣﻦ ﻓﻠﺞ اﻟﺼﺎروج وﻏﻴﺮه ﻣﻦ اﻷﻓﻼج ﻟﻴﻨﺴﺎب اﻟﻤﺎء ﻋﺒﺮ اﻟﺴﻮاﻗﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺰارع وﻳﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﻘﺎﺻﻲ واﻟﺪاﻧﻲ ،اﻟﻐﻨﻲ واﻟﻔﻘﻴﺮ ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺑﺪأت اﻟﺨﻀﺮة واﻟﺤﻴﺎة ﺗﺪب ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﺆذﻧﺔ ﺑﺒﺪاﻳﺔ ﻋﻬﺪ ﺟﺪﻳﺪ ﻣﻊ اﻟﺨﺼﺐ واﻟﻨﻤﺎء«)(13 اﻟﻤﺮاﺟﻊ: - 1ﺣﻤﺪي ﺗﻤﺎم ،زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻘﺎﺋﺪ واﻟﻤﺴﻴﺮة ،ط،2 1981م ،ص.62 - 2راﺷﺪ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ اﻟﻨﻌﻴﻤﻲ ،زاﻳــــﺪ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ إﻟﻰ رﺋﺎﺳﺔ اﻻﺗﺤﺎد ،دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،دار ﻛﺘّﺎب ﻟﻠﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳﻊ ،ط2012 ،2م ،ص.41 - 3ﻋﻮض اﻟﻌﺮﺷﺎﻧﻲ،ﺣﻴﺎة زاﻳﺪ :اﻟﻔﺎرس اﻟﺬي ﻗﻬﺮ اﻟﺼﺤﺮاء، أﺑﻮﻇﺒﻲ :دار اﻟﻔﺠﺮ ،ط1980 ،1م ،ص.112 - 4أﺣﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﻣﺮاد ،اﻷﻓﻼج ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ،اﻟﻤﻮﻗﻊ اﻟﺮﺳﻤﻲ ﻟﺪﻳﻮان ﻣﻤﺜﻞ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ .www.erd.ae - 5إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻋﻄﺎ اﻟﻠﻪ اﻟﺒﻠﻮﺷﻲ ،ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻤﺪن ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣــﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ..ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ،ﻣﺠﻠﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،اﻟﺮﺑﺎط :ﺟﻤﻌﻴﺔ اﻟﻤﺆرﺧﻴﻦ اﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ ،ﻋﺪد ،19ﺻﻴﻒ 2001م ،ص ص.38-7 - 6اﻹﻣﺎم اﻟﺒﺨﺎري ،ﺻﺤﻴﺞ اﻟﺒﺨﺎري ،اﻟﻘﺎﻫﺮة 1355 ،ﻫـ/ 1936م ،ج ،2ص .34 - 7إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻋﻄﺎ اﻟﻠﻪ اﻟﺒﻠﻮﺷﻲ ،ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺒﻖ ذﻛﺮه. - 8ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﺣﻢ ،رﺣﻠﺘﻲ ﻣﻊ زاﻳﺪ..ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺬاﻛﺮة ،اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،ط1999 ،1م ،ص.58 - 11 ،10 ، 9ﺟﺮﻳﺪة اﻟﺨﻠﻴﺞ2009/07/10 ،م. - 12أﺣﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﻣﺮاد ،ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺒﻖ ذﻛﺮه. - 13ﺧﺎﻟﺪ ﺻﺎﻟﺢ ﻣﻮﺳﻰ ﻣﻠﻜﺎوي ،ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻌﻮاﻣﺮ ..ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ واﻟﺤﺎﺿﺮ ،ط ،1أﺑﻮﻇﺒﻲ :اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻧﻔﺴﻪ2015 ،م ،ص ص -97 .98واﻧﻈﺮ ﻛﺬﻟﻚ ﺷﻴﺨﺔ اﻟﻐﺎوي ،زاﻳﺪ ..ﺗﺎرﻳﺦ إﻧﺴﺎن وﺣﻀﺎرة وﻃﻦ ،أﺑﻮﻇﺒﻲ :وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﺸﺒﺎب وﺗﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،ط،1 2012م ،ص.104
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
23
ﻣﻠﻒ
22
ģǙŘǜē ĚŁŜ
ﻗﺼﺔ اaﻓﻼج ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ
ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﻨﺨﻴﻞ ﻓﻲ واﺣﺔ اﻟﻌﻴﻦ
أﻛﺜﺮ اﻟﻤﺒﺎﻧﻲ ﻣﻬﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺠﻤﻌﺎت اﻟﺴﻜﺎﻧﻴﺔ ﻫﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ذﻟﻚ اﻟﺤﺼﻦ اﻟﻤﻘﺎم ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﺼﺪر اﻟﻘﻴﻢ ﻟﻠﻤﻴﺎه .وﻛﺎن ﻳﺠﺮى إﻧﺸﺎء اﻟﺤﺼﻦ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺮز ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻗﻨﺎة اﻟﻔﻠﺞ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻄﺢ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻦ اﻹﺑﻘﺎء ﻫﻨﺎك ﻋﻠﻰ ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ أﻧﺸﺌﺖ ﺣﻮل اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي ﺑﺮزت ﻓﻴﻪ اﻟﻘﻨﺎة وﺟﺪاول اﻟﻤﻴﺎه ﻓﻲ ﺷﺒﻜﺔ اﻻﻓﻼج اﻟﻤﻤﺘﺪة ﺑﺎﺗﺠﺎه اﻟﺠﺒﺎل. وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻮاﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻃﻮل ﻣﺠﺮى اﻟﻔﻠﺞ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻻﻧﺘﻔﺎع ﺑﻤﻴﺎه اﻟﻔﻠﺞ ،وذﻟﻚ ﺣﺴﺐ أﻫﻤﻴﺔ اﻻﺳﺘﺨﺪام ،ﻓﺘﺘﻮزع اﺑﺘﺪاء ﻣﻦ ﺑﺮوز ﻣﻴﺎه اﻟﻘﻨﺎة إﻟﻰ اﻟﺴﻄﺢ وﺻﻮﻻ إﻟﻰ ﻣﺰارع اﻟﻨﺨﻴﻞ ،إذ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﻘﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺮز ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﻨﺎة ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻄﺢ ﺗﺸﻜﻞ اﻟﻤﺄﺧﺬ اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻟﻤﻴﺎه اﻟﺸﺮب ،ﻓﻤﻦ ﺷﺄن ذﻟﻚ ﺿﻤﺎن ﺗﻮﻓﻴﺮ أﻧﻘﻰ وأﻋﺬب اﻟﻤﻴﺎه ﻟﺸﺮب اﻟﻨﺎس .ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﻴﺎه اﻟﺸﺮب ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻛﺎن ﻳﻘﺎم ﻣﺒﻨﻰ اﻟﻤﺴﺠﺪ، وﻳﻠﺤﻖ ﺑﻪ ﻣﻜﺎن ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻮﺿﻮء ﻓﻴﻪ ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳﺘﻢ ﺗﺨﺼﻴﺺ ﻣﻜﺎن ﻣﻨﻌﺰل ﻻﻏﺘﺴﺎل اﻟﺤﺮﻳﻢ ﻓﻴﻪ .وﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺗﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺠﺮى اﻟﻤﻴﺎه ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺎم ﺑﺮﻛﺔ ﻟﻐﺴﻞ اﻷﻣﻮات ﻗﺒﻞ دﻓﻨﻬﻢ .ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺼﺺ أﻣﺎﻛﻦ ﻟﺸﺮب اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت، وﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﻟﻸﻓﻼج ﺷﺮع ﻟﺴﻘﺎﻳﺔ اﻟﻨﺎس ،واﻟﺸﺮع ﺟﻤﻊ ﺷﺮﻳﻌﺔ وﻫﻲ ﻣﺜﻞ اﻟﺸﺎﻃﺊ ﻟﻠﻨﻬﺮ ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ ﻛﻞ إﻧﺴﺎن أﺧﺬ ﻛﻔﺎﻳﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ،وﻓﻰ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻷﺧﻴﺮة ﻣﻦ ﻣﺮاﺣﻞ اﻻﻧﺘﻔﺎع ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺎه ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﺗﻲ ﺳﻘﺎﻳﺔ اﻟﻤﺰروﻋﺎت ،إذ ﻳﺘﻢ ﺟﺮ اﻟﻤﻴﺎه ﻋﺒﺮ ﻗﻨﻮات ﻋﺪﻳﺪة إﻟﻰ ﺣﻴﺚ ﻣﺰارع اﻟﻨﺨﻴﻞ. وﻓﻰ اﻟﻤﺰارع ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺟﺪ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻌﻘﺪة ﻣﻦ اﻟﻘﻨﻮات اﻟﺴﻄﺤﻴﺔ واﻟﺴﺪود اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻣﻦ ﺟﺬوع أﺷﺠﺎر اﻟﻨﺨﻴﻞ
أﺷﺠﺎر اﻟﻨﺨﻴﻞ ﻓﻲ واﺣﺔ اﻟﻌﻴﻦ وﻓﻲ أﺑﻮ ﻇﺒﻲ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
21
ﻣﻠﻒ
ģǙŘǜē ĚŁŜ
اﻟﻌﻴﻦ ﻣﻦ اﻷﻓﻼج ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺪه ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺸﻜﻼت ،وﻳﺘﺤﻜﻢ ﺑﻪ اﻷﻏﻨﻴﺎء، ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳُﻤﻨﺢ اﻟﻔﻘﻴﺮ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻜﺎﻓﻲ ﻟﻴﺴﻘﻲ ﻣﺰارﻋﻪ ،ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺰروﻋﺎت واﻟﺘﺮﺑﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺮات ﻟﺴﻘﻲ اﻟﻤﺰارع ﺗﺒﺎع وﺗﺸﺘﺮى وﺗﺮﻫﻦ ،ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﻪ اﻷﺛﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺰراﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ، وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﻠﻢ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ -اﻟﺬي اﺷﺘﻬﺮ ﺑﻌﺪﻟﻪ -ﺑﻤﺎ ﻳﻘﻮم ﺑﻪ ﻫﺆﻻء اﻷﻏﻨﻴﺎء ،ﻋﺮض ﻋﻠﻴﻬﻢ أن ﺗﻜﻮن ﺳﻘﺎﻳﺔ اﻟﻤﺎء ﻣﻦ اﻷﻓﻼج ﺣﺮة ﻣﺸﺎ ًﻋﺎ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ،ﻣﺴﺘﺪﻻً ﺑﻘﻮل رﺳﻮل اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ «:ﻻ ﺗﻤﻨﻌﻮا ﻓﻀﻞ اﻟﻤﺎء ﻟﺘﻤﻨﻌﻮا ﻓﻀﻞ اﻟﻜﻸ«) ،(6وﻗﺪ اﻗﺘﻨﻌﻮا ﺑﻌﺮﺿﻪ ورﺿﺨﻮا ﻟﻤﻄﺎﻟﺒﻪ وأواﻣﺮه وأﺗﻮا إﻟﻴﻪ ﻣﻮاﻓﻘﻴﻦ ،وﻣﻦ ﺛﻢ أﺻﺒﺤﺖ اﻟﺴﻘﺎﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﺣﺮة وﻣﺸﺎ ًﻋﺎ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ،وﺧﺎﺻﺔ اﻟﻔﻘﺮاء(7). ِ ﻳﻜﺘﻒ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﺄن أﻟﻐﻰ ﺗﺠﺎرة اﻟﻤﺎء ﻓﺤﺴﺐ ،ﺣﻴﻦ ﻗﺎل ﻟﻢ ﻗﻮﻟﺘﻪ اﻟﺤﺎﺳﻤﺔ» :إن ﻣﻴﺎه اﻷﻓﻼج اﻵﺗﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﻮف اﻷرض ﻫﻲ ﻣﻦ ﺣﻖ ﻛﻞ اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻓﻮق ﻫﺬه اﻷرض«) ،(8ﺑﻞ ﺣﺮص ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﺣﻔﺮ اﻷﻓﻼج ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻠﺞ اﻟﺼﺎروج اﻟﺬي اﺳﺘﻐﺮق ﺣﻔﺮه ﺳﻨﻮات ﻃﻮﻳﻠﺔ ،وﺷﻜﻠﺖ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻣﺸﺎرﻛﺘﻪ ﺣﺎﻓ ًﺰا ﻗﻮﻳًﺎ ﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ اﻟﻨﺎس ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﺣﻔﺮ اﻷﻓﻼج ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻻ ﺗﻨﺴﻰ ،ﻋﻈﱠﻤﺖ اﻵﻣﺎل ﻓﻲ ﻧﻔﻮس اﻷﻫﺎﻟﻲ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ اﻟﻤﺮﺗﻘﺐ اﻟﺬي ﻳُﻌﺪ ﻋﺼﺐ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ،ﻛﻤﺎ ﻋﺰزت ﻣﻦ ﻋﺰاﺋﻤﻬﻢ وﻫﻤﻤﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎون واﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ أﻧﻮاﻋﻬﺎ وأﺣﺠﺎﻣﻬﺎ ﻟﻠﺠﺪﻳﺪ اﻟﺬي ﺣﻤﻠﻪ إﻟﻴﻬﻢ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻣﻊ ﻣﻴﺎه اﻷﻓﻼج اﻟﻤﺮﺗﻘﺒﺔ ،وأﺣﻴﺖ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻋﺎداﺗﻬﻢ وﻃﻘﻮﺳﻬﻢ اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻷﻓﻼج.
ﻃﻘﻮس إﺣﻴﺎء اﻟﻔﻠﺞ
ﻃﻘﻮﺳﺎ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻹﺣﻴﺎء اﻟﻔﻠﺞ إذا ﻛﺎن أﻫﺎﻟﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ ﻳﺘﺒﻌﻮن ً ردم ﺑﺎﻟﺮﻣﺎل واﻧﻘﻄﻊ اﻟﻤﺎء ،إذ ﻳﺬﻛﺮ ﻣﻦ ﻋﺎﻳﺶ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﻫﺎﻟﻲ ﺑﺄن ﻋﻤﻠﻴﺔ إﺣﻴﺎء اﻟﻔﻠﺞ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻜﺲ ﺣﺠﻢ اﻟﺘﻌﺎون واﻟﺘﻜﺎﻓﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﻴﻦ اﻷﻫﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﻤﻮت اﻟﻔﻠﺞ، أي ﻳﺮدم أو ﻳﺠﻒ ،ﻳﺘﻢ إﻋﻼم اﻷﻫﺎﻟﻲ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﻴﺘﻮاﻓﺪون وﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺤﻤﻞ ﻣﺴﺠﺎﺗﻪ ،وﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻓﺄس ﺻﻐﻴﺮة ،وﺟﻔﻴﺮه ،وﻫﻮ وﻋﺎء ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺨﻮص ﺗﻮﺿﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﺮﻣﺎل اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺮي رﻓﻌﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻠﺞ .وﻳﻘﻮم ﻋﺮﻳﻒ اﻟﻔﻠﺞ ،وﻫﻮ رﺟﻞ ذو ﺧﺒﺮة ﻓﻲ ﻣﺠﺎل ﺗﻘﺴﻴﻢ وﺗﻮزﻳﻊ ﺣﺼﺺ ﻣﻴﺎه اﻟﻔﻠﺞ ﺑﻴﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻤﺰارع ،ﺑﺈﺣﻀﺎر اﻟﺘﻤﺮ واﻟﻘﻬﻮة وﻳﻨﺤﺮ ذﺑﻴﺤﺔ ﻹﻋﺪاد اﻟﻄﻌﺎم ﻟﻸﻫﺎﻟﻲ اﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻈﻴﻒ اﻟﻔﻠﺞ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺴﺘﺄﻧﻔﻮن ﻋﻤﻠﻬﻢ ﻋﻘﺐ ﺗﻨﺎول اﻟﻐﺪاء ﺣﺘﻰ اﻟﻐﺮوب، وإذا ﻣﺎ ﺗﻄﻠﺐ اﻷﻣﺮ وﻗﺘﺎ أﻃﻮل ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﻘﻀﻮن اﻟﻠﻴﻞ ﻋﻨﺪ اﻟﻔﻠﺞ ﺣﺘﻰ اﻟﺼﺒﺎح ﻟﻴﺴﺘﻜﻤﻠﻮا ﻋﻤﻠﻬﻢ ﻓﻲ رﻓﻊ اﻟﺮﻣﺎل ﻣﻨﻪ ﻧﻬﺎﺋ ًﻴﺎ(9). اﻟﻔﻠﺞ ﻋﺼﺐ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ
ﻟﻘﺪ ﺗﺒﻨﺖ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄت ﺣﻮل اﻷﻓﻼج ﻧﻈﺎﻣﺎ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎ ارﺗﺒﻂ ارﺗﺒﺎﻃﺎ وﺛﻴﻘﺎ ﺑﺎﻟﻔﻠﺞ ﻧﻔﺴﻪ ،إذ ﻳﻤﺜﻞ اﻟﻔﻠﺞ ﻋﺼﺐ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺸﻖ ﺑﻬﺎ ،ﻟﺬا ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻀﺮوري اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻴﻪ وﺣﻤﺎﻳﺘﻪ واﻟﺪﻓﺎع ﻋﻨﻪ ،ﻣﻦ ﺧﻼل إﻗﺎﻣﺔ اﻟﻘﻼع واﻟﺤﺼﻮن اﻟﺪﻓﺎﻋﻴﺔ ﺑﺠﻮار ﻗﻨﺎة اﻟﻔﻠﺞ، ﺑﻬﺪف اﻟﻤﺮاﻗﺒﺔ وﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻔﻠﺞ ،وﻛﺎﻧﺖ
ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺒﺰرة اﻟﺨﻀﺮاء -اﻟﻌﻴﻦ
20
ﻗﺼﺔ اaﻓﻼج ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ
ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ -اﻟﻌﻴﻦ
ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺘﻲ ﻏﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺘﺸﺎرك ﻓﻲ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ ﻣﻴﺎه اﻷﻓﻼج واﻗﺘﺴﺎم اﻻﻧﺘﻔﺎع ﺑﻬﺎ ،وﺗَﺤ ﱠﺪد اﻟﻤﻌﻨﻰ أﻛﺜﺮ ﻓﻲ ﻋﻬﻮد آﺧﺮ اﻷﻓﻼج اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻟﻠﺸﻴﺦ زاﻳﺪ اﻟﻔﻀﻞ ﻓﻲ اﻟﺘﻮﺟﻴﻪ ﺑﺒﻨﺎﺋﻬﺎ أو ﺗﺮﻣﻴﻤﻬﺎ ،وﻫﻮ اﻟﺬي أﺷﺎع ﻣﻴﺎه اﻷﻓﻼج وﺟﻌﻠﻬﺎ ﺣﻘًﺎ ﻟﻜﻞ اﻟﻨﺎس .وﺗﺴﺎوى ﻓﻲ اﻻرﺗﻮاء ﻣﻨﻬﺎ ﻧﺤﻮ رﺑﻊ ﻣﻠﻴﻮن ﻧﺨﻠﺔ(4). ﻓﺜﻤﺔ ﻣﺸﺮوع ﺣﻀﺎري ﺟﺪﻳﺪ ﺷﻬﺪﺗﻪ اﻟﻌﻴﻦ ﻣﻊ اﻷﻓﻼج ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ،أﺳﺎﺳﻪ اﻟﻤﺎدي اﻷﻓﻼج اﻟﺘﻲ اﻧﺘﺸﺮت ﺗﺮوي اﻟﺸﺠﺮ واﻟﺒﺸﺮ ،وﻣﺤﺮﻛﻪ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﺠﺖ ﻣﺠﺘﻤﻊ أﻫﻞ اﻟﻌﻴﻦ ،ﺣﻴﺚ اﻧﻌﺘﻘﺖ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻣﻦ ﻋﻘﺎﻟﻬﺎ ﻣﻊ اﻧﻌﺘﺎق ﻣﻴﺎه اﻷﻓﻼج ﻣﻦ اﺣﺘﻜﺎر اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻟﻤﻌﻈﻤﻬﺎ ،وﻏﻠﺒﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎة أﻫﻞ اﻟﻌﻴﻦ ﺻﻔﺎت اﻟﺘﻼﺣﻢ واﻟﺘﺂﺧﻲ واﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺸﺘﺮك اﻟﻤﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﻤﻨﻔﻌﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺗﻤﺜﻞ ﻋﺼﺐ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﻢ .ﻓﻘﺪ وﺿﻊ ﻧﻈﺎم اﻟﺮي ﺑﺎﻷﻓﻼج ﺑﺼﻤﺎت ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻌﻴﻦ ،زاد ﻣﻦ ﺧﺼﻮﺻﻴﺘﻬﺎ أن ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﺴﻜﺎن ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺰوﻟﺔ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻷﺧﺮى ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻬﻢ ،ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺗﻌﺘﻤﺪ اﻋﺘﻤﺎ ًدا ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻴﺎه اﻵﺗﻴﺔ ﻋﺒﺮ اﻷﻓﻼج ،وﺷﻜﻞ ﺗﻨﻈﻴ ًﻤﺎ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴًﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔًﺎ ﻋﻦ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻤﺪن اﻷﺧﺮى ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ﺗﻤﺎم اﻻﺧﺘﻼف(5). وﻳﺬﻛﺮ إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺒﻠﻮﺷﻲ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ أن ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻤﻴﺎه ﻓﻲ
ﻣﺜﻠﺖ اaﻓﻼج ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن – رﺣﻤﻪ ا{ -ﻧﻘﻠﺔ ﻟﺤﻴﺎة ﺟﺪﻳﺪة أﺳﺎﺳﻬﺎ اﻟﻌﺪاﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، وﺑﻌﺜﺖ اaﻣﻞ ﻓﻲ آﻓﺎق واﺳﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻬﻮض واﻟﺘﻄﻮر واﻟﺤﻴﺎة اﻟﻤﺰدﻫﺮة؛ ﻓﻤﻊ اaﻓﻼج اﻧﻄﻠﻖ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺳﻘﺎﻳﺔ اaرض اﻟﻌﻄﺸﻰ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﻄﺮة واﻻﺳﺘﻐﻼل ﻏﻠﺒﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎة أﻫﻞ اﻟﻌﻴﻦ ﺻﻔﺎت اﻟﺘﻼﺣﻢ واﻟﺘﺂﺧﻲ واﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺸﺘﺮك اﻟﻤﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ ا3ﻳﻤﺎن ﺑﻤﻨﻔﻌﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺗﻤﺜﻞ ﻋﺼﺐ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﻢ .ﻓﻘﺪ وﺿﻊ ﻧﻈﺎم اﻟﺮي ﺑﺎaﻓﻼج ﺑﺼﻤﺎت ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻌﻴﻦ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
19
ﻣﻠﻒ
ģǙŘǜē ĚŁŜ
ﻗﺼﺔ اeﻓﻼج ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﻧﻈﻢ ﺣﻴﺎﺗﻴﺔ وﻋﺪاﻟﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
ﺧﺎﻟﺪ ﻣﻠﻜﺎوي
ﻣﺜﻠﺖ اﻷﻓﻼج ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن – ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه -ﻧﻘﻠﺔ ﻟﺤﻴﺎة ﺟﺪﻳﺪة أﺳﺎﺳﻬﺎ اﻟﻌﺪاﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، وﺑﻌﺜﺖ اﻷﻣﻞ ﻓﻲ آﻓﺎق واﺳﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻬﻮض واﻟﺘﻄﻮر واﻟﺤﻴﺎة اﻟﻤﺰدﻫﺮة؛ ﻓﻤﻊ اﻷﻓﻼج اﻧﻄﻠﻖ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺳﻘﺎﻳﺔ اﻷرض اﻟﻌﻄﺸﻰ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﻄﺮة واﻻﺳﺘﻐﻼل ،وإﺣﻘﺎق اﻟﻌﺪل ﻓﻲ اﻗﺘﺴﺎم ﺧﻴﺮات اﻟﻠﻪ، واﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻌﻬﺎ ﺑﻮاﻛﻴﺮ اﻷﻣﻞ ﺑﻘﺪوم زﻋﻴﻢ ﻓﺬ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺒﻴﻦ ﺣﻤﺪي ﺗﻤﺎم ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ،إذ ﻳﻘﻮل» :إن ﻗﻀﻴﺔ اﻟﺴﻘﺎﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎة زاﻳﺪ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﻀﻴﺔ زراﻋﻴﺔ ﻓﻘﻂ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻳﻀﺎ ً ﻗﻀﻴﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ،وﻣﻮﻗﻔﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ ً ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻧﻈﺮﺗﻪ ﻟﻠﻌﺪاﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻣﻔﻬﻮم ﻧﻈﺮي ﺑﺤﺖ وإﻧﻤﺎ ﻣﻦ واﻗﻊ اﻟﺘﻄﺒﻴﻖ اﻟﻌﻤﻠﻲ اﻟﻤﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻟﻨﺎس ،ﺛﻢ إن ﻗﻀﻴﺔ اﻟﺴﻘﺎﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ أﺷﺒﻪ ﺑﻮﻣﻀﺔ ﻧﻮر ﺷﺪ اﻻﻧﺘﺒﺎه إﻟﻰ رﺟﻞ ﻳﻘﻮل ﻛﻼﻣﺎ ً ﺟﺪﻳﺪا ً ،وﻳﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﻗﻒ ﺗﺬﻛﺮ اﻟﺬﻳﻦ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﺑﺎﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺮوى ﻋﻦ اﻟﺒﺎرزﻳﻦ ﻣﻦ اﻷﺟﺪاد«(1). 18
ﻗﺼﺔ اaﻓﻼج ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ
وﻗﺪ اﻋﺘﺒﺮ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ اﻟﻨﻌﻴﻤﻲ ،أن اﻷﻓﻼج ﻣﺜﻠﺖ ﺣﻴﻨﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻘﻮﻣﺎت ﻣﻤﺜﻼ اﻹﺻﻼح اﻟﺰراﻋﻲ اﻟﺬي ﺑﺪأه ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻣﻨﺬ أﺻﺒﺢ ً ﻟﻠﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ) .(2ورأى ﻋﻮض اﻟﻌﺮﺷﺎﻧﻲ أن اﻷﻓﻼج ﻛﺎﻧﺖ أﺳﺎس اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﺰراﻋﺔ اﻟﺘﻲ اﻋﺘﺒﺮت ﻣﻔﺘﺎح اﻟﺸﺮوع ﺑﺎﻹﺻﻼح اﻟﺬي اﺧﺘﺎره اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻟﻤﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ اﻟﻜﺜﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺗﺮاﻛﻤﺖ ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻷﻫﺎﻟﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ(3). ﺣﺴﺐ اﻟﻤﻌﺎﺟﻢ؛ ﻳﺮﺗﺒﻂ اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻠﻐﻮي ﻟﻜﻠﻤﺔ ﻓﻠﺞ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ واﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ،واﻟﻤﺠﺮى اﻟﻤﺎﺋﻲ ،ﻓﺎﻹﻓﻼج ﺗﻌﻨﻲ اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ ،وﻛﺬﻟﻚ ﺷﻖ اﻷرض ﻟﻠﺰراﻋﺔ ،واﻟ َﻔﻠَﺞ واﻟﻔُﻠ َﺠﺔ ﺗﻌﻨﻴﺎن اﻟﻨﻬﺮ اﻟﺼﻐﻴﺮ ،واﻟ ُﻔﻠُﺞ ﻫﻲ اﻟﻘﻨﺎة ﺗﺮوي ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺒﺴﺘﺎن ،ﻓﻴﻤﺎ اﻟ َﻔﻠَﺞ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﻤﺎء اﻟﺠﺎري ﻣﻦ اﻟﻌﻴﻦ وﻧﺤﻮه. وﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل إن ﻛﻠﻤﺔ ﻓﻠﺞ ﻓﻲ واﻗﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﺗﺤﻤﻞ ﺷﺎﻣﻼ ﻟﻨﻈﺎم ري ﻣﺠﻤﻞ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ آﻧﻔﺔ اﻟﺬﻛﺮ ،وﻫﻲ ﺗﻌﻨﻲ اﺻﻄﻼ ًﺣﺎ ً ﻗﺪﻳﻢ ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻤﻴﺎه ﺑﻌﺪاﻟﺔ ﺑﻴﻦ أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻬﻢ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻓﻴﻪ ،ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﻘﺪ ارﺗﺒﻄﺖ اﻷﻓﻼج ﻓﻲ ﺣﻴﺎة أﻫﻞ اﻟﻌﻴﻦ ﺑﺄﻧﻤﺎط
ﻗﺼﺔ اeﻓﻼج ﺑﻴﻦ اaﺳﻄﻮرة وا3ﻧﺠﺎز
18
ﻗﺼﺔ اaﻓﻼج ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ؛ ﻧﻈﻢ ﺣﻴﺎﺗﻴﺔ وﻋﺪاﻟﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
24
اaﻓﻼج ﻓﻲ ا3ﻣﺎرات
26
اﻟﻨﺴﻖ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻰ ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻣﻊ اaﻓﻼج
30
ﻋﺮﻳﻒ اaﻓﻼج؛ ﺣﺎﻛﻢ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻤﻴﺎه ّ
38
اaﻓﻼج؛ ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ﺑﺎﻟﺒﺼﺮ واﻟﺒﺼﻴﺮة
44
أﻓﻼج اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اaﺳﺎﻃﻴﺮ واﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ
2016 رس 16 ﻣﺎرس ﻌﺪد 197ﺎ اﻟﻌﺪد ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪ ﺮاث
17
ijĘŕƀǬė ŽũŔ ėŸDzļ ŮũŕŨė ŲƀěŨĘŌ Ęſ ȸǍƀƾƮŽȚ ǐƸŻȶ ǜŮȚ ǍƯŵ
16
وﻣﻦ ﻓﻀﻞ رﺑﻲ وِﺟِ ﺪْ ﺷَ ﻴﺦٍ ﻟﻨﺎ َرﺷﱠ ﺎ ْد
وأرﺷـــﺪ ﺑﻌﻠﻤﻪ أ َﻣـــ ٍﺔ ﻟــﻮ ﺗﻌﺮﻓ َﻮﻧﻪْ
ﻳﺒﺬل وﻗﻠﺒﻪ داﻳــﻤ ـﺎً ﻟﻠﻌﻼ ر ﱠوا ْد
ﺣﺒﻴﺐ ﺷﻌﺒﻪ ِﻳ ِﻌﻠﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﻔﻘﺪوﻧﻪْ
َﺧﻠﱠﻰ اﻟﻤﺪارس ﻋﺎﻣﺮة ﻓﻲ ﻛُ ُﺒﺮ ﻟِ ْﺒﻼ ْد
وﻣﺪ اﻟﺨﻠﻴﺞ إﺑﻌﻮﻧ ٍﺔ أ ّﻣــﺎ ﻳﻄﻠﺒ َﻮﻧﻪْ
وأﺳﻤﻪ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻣﺎ ﻳﺨﻔﻰ ﻳﺎ ذي اﻷﺳﻴﺎ ْد
ﻛﺮﻳﻢ اﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﺑﺎﺳﻂ اﻟﻴﺪ ﻣﻦ ﺑُﻮﻧﻪْ
زاﻳﺪ ﺣﻠﻴﻒ اﻟﻤﺠﺪ ﻣﺠﺪه ﻋﻠﻴﻨﺎ زا ْد
وﻛﻞ اﻟــﺪول دارو أﺑﺼﻔﻪ ﻳﺄﻳﺪوﻧﻪْ
وﺻــﻼة رﺑﻲ ﻋﺪ ﻣﺎ ﺗﺴﺠﺪ اﻟﺴﺠﺎ ْد
وإﻋﺪاد ﻣﺎ ﺑﻴﺖ اﻟﺤﺮم ﻟﻲ ﻳﻄﻮﻓﻮﻧﻪْ
ﺗﻤﺖ وﻧﻨﻬﻴﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎً أﺑﻘﻮل أو ﻛﺎ ْد
ﻳﺼﺪّ ْق ﻳ ْﻨ ِﺸﺪْ وﺑﺎ ﻳﺪﻟّﻮﻧﻪْ وﻟﻲ ﻣﺎ َ
ﻳﺎ ﻃﺎﻟﺒﻴﻦ اﻟﻌﻠﻢ ﺳﻴﺮوا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻴﻌﺎد
ﻣﻦ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ اﻟﺘﺮاﺛﻲ
ﻣ ﺤ ﻤﺪ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻮﻣﻘ ﺮﻳ ﻌﺔ اﻟﻤﻨﺼﻮري
ﻷﻫﺎﻟﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻛﻲ ﻳﺤﺎﻓﻈﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻋﻠﻰ ﺗﺮاث اﻵﺑﺎء واﻷﺟﺪاد. وﻗﺎل اﻷﺣﺒﺎﺑﻲ :ﻣﻦ ﺧﻼل ﺣﺮص ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن اﻟﺤﺜﻴﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ وﺗﺮاث ﻟﻠﺪوﻟﺔ ،ﺗﺠﺪ ﺳﻤﻮه ﻳﺘﺎﺑﻊ ﻛﻞ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﺼﺒﺎﺣﻴﺔ واﻟﻤﺴﺎﺋﻴﺔ وﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻛﺒﻴﺮة وﺻﻐﻴﺮة وﻳﺬﻟﻞ أﻳﺔ ﺻﻌﻮﺑﺎت ﺗﻮاﺟﻪ أﺑﻨﺎء ﺳﻮﻳﺤﺎن وﻳﻘﺪم ﻟﻬﻢ ﻛﻞ ﻣﺴﺎﻋﺪة اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﺟﻌﻞ ﻣﻦ ﺳﻤﻮه اﻟﻘﺪوة واﻟﻤﺜﻞ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ أﺑﻨﺎء ﺳﻮﻳﺤﺎن. وأﻛﺪ أن ﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰ ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن اﻟﺘﺮاﺛﻲ ،ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺳﻤﻮ راﻋﻲ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﺪؤوﺑﺔ ﻟﻜﻞ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﺤﺪث ﻋﺮﺳﺎ ﻟﻜﻞ أﺑﻨﺎء ﺳﻮﻳﺤﺎن ﻳﻨﺘﻈﺮوﻧﻪ ﻛﻞ ﻋﺎم ﻧﻈﺮا اﻟﺘﺮاﺛﻲ اﻟﺬي ﻳﻤﺜﻞ ً ﻻﻫﻤﻴﺘﻪ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ،وﻣﻦ ﻣﺮدوده اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻋﻠﻰ أﺑﻨﺎء اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺣﻴﺚ ﺗﺰدﻫﺮ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺴﻮق اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻤﺼﺎﺣﺐ ﻟﻠﻤﻬﺮﺟﺎن إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺒﻴﻊ اﻵﺧﺮى اﻟﻤﺘﻌﺪدة واﻟﺘﻲ ﺗﺜﺮي ﺣﻴﺎة أﺑﻨﺎء ﺳﻮﻳﺤﺎن وأﺻﺤﺎب اﻟﺤﻼل ﻋﻤﻮﻣﺎً. وﺗﻤﻨﻲ اﻷﺣﺒﺎﺑﻲ أن ﺗﺴﺘﻤﺮ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎت اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ أرﺟﺎء اﻹﻣﺎرات ﻃﻮال اﻟﻌﺎم ،ﻣﻄﺎﻟﺒًﺎ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺑﻔﻬﻢ وﺗﺬﻛﺮ ﻣﺎﺿﻲ آﺑﺎﺋﻬﻢ وأﺟــﺪادﻫــﻢ ،ورﺑﻄﻪ ﺑﺎﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺤﺎﺿﺮ ﻻﺳﺘﺸﺮاف آﻓﺎق اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺠﻤﻴﻞ ،وﻗﺎل :إﻧﻨﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻨﺴﻰ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﺣﻜﻴﻢ اﻟﻌﺮب اﻷب اﻟﻤﺆﺳﺲ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه ،ﻣﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻣﺎض ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﺎﺿﺮ أو ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ .ﻫﻜﺬا اﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻨﺎ ﺳﻮﻳﺤﺎن اﻷرض واﻟﺘﺮاث واﻷﺣﺒﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻋﺸﻨﺎ ﻣﻌﻬﺎ ﻧﺤﻮ إﺳﺒﻮﻋﻴﻦ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﺤﻮﻫﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺬاﻛﺮة ،ﻓﻤﺎ ﺧﺮج ﻣﻦ ﻗﻠﻮب أﻫﻠﻬﺎ اﻟﻄﻴﺒﻴﻦ ﺳﻜﻦ ﻗﻠﻮب ﺿﻴﻮﻓﻬﺎ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻧﻘﻮل ودا ًﻋﺎ ﺳﻮﻳﺤﺎن ﺑﻞ ﻧﻘﻮل وﻧﺆﻛﺪ إﻧﻨﺎ ﺳﻨﻠﺘﻘﻲ ﻣﺠﺪ ًدا ﻣﻊ ﻣﻬﺮﺟﺎنٍ آﺧﺮ ﻧﺤﺘﻔﻲ ﺑﻪ وﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﺑﺘﺮاث اﻷﺑﺎء واﻷﺟﺪاد ،وﻧﻌﻴﺪ ذﻛﺮﻳﺎﺗﻬﻢ اﻟﺘﻠﻴﺪة ،ﻓﻬﻢ اﻟﻤﺆﺳﺴﻮن اﻷواﺋﻞ وﺳﻴﺒﻘﻮن داﺋ ًﻤﺎ ﻟﻨﺎ اﻟﻘﺪوة واﻟﻤﺜﻞ
ﺑﻦ راﻗﻊ اﻷﺣﺒﺎﺑﻲ ﻋﻠﻲ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
15
ĴŲĽŤē ğēĴĜ
ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺒﻨﺎء اﻟﻤﺴﺎﻛﻦ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ وﻣﺪ ﺷﺒﻜﺎت اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء واﻟﻤﺎء واﻟﻄﺮق اﻷﺳﻔﻠﺘﻴﺔ اﻟﺘﻲ رﺑﻄﺖ ﺳﻮﻳﺤﺎن ﺑﺎﻟﻌﻴﻦ وأﺑﻮﻇﺒﻲ واﻟﻬﻴﺮ ،ﻛﺬﻟﻚ وﺟﻪ ﺑﺒﻨﺎء اﻟﻤﺪارس واﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎت ،وﻣﻀﺎﻣﻴﺮ ﺳﺒﺎﻗﺎت اﻟﻬﺠﻦ ،وﻫﻜﺬا ﺳﻜﻦ اﻟﺒﺪو ﺳﻮﻳﺤﺎن واﺳﺘﻘﺮوا ﺑﻬﺎ. ﻣﺮﻣﻮﻗً ً ﻣﺮﻣﻮﻗﺎﺎ ﻣﺮﻛ ًﺰ ًﺰاا ﺳﻮﻳﺤﺎنﻣﺮﻛ ﺟﻌﻞﺳﻮﻳﺤﺎن اﻟﻤﻬﺮﺟﺎنﺟﻌﻞ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن
ﻣﻦ ﺿﻴﻮف اﻟﻤﺠﻠﺲ
ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺑﻘﺔ ﻣﺰاﻳﻨﺔ اﻹﺑﻞ
وﻧﻮدﻋﻪ ﺑﺎﻟﺪﻣﻊ. وأﻋﺮب اﻟﻤﻨﺼﻮري ﻋﻦ أﻣﻠﻪ وﺗﻤﻨﻰ أن ﻳﺰداد اﻟﺘﻌﺎون واﻟﺘﻨﺴﻴﻖ ﺑﻴﻦ ﺷﻌﻮب اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺘﺮاﺛﻲ ،وﻗﺎل :ﻣﺎ زﻟﺖ أﺣﻠﻢ ﺑﻴﻮمٍ ﻟﻠﺘﺮاث اﻟﺨﻠﻴﺠﻲ ﻧﺸﺎرك ﻓﻴﻪ ﺟﻤﻴ ًﻌﺎ ﻛﺄﺳﺮة واﺣﺪة ،ﻣﺮﺳﻠﻴﻦ ﺑﺬﻟﻚ رﺳﺎﻟﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ أﺟﻤﻊ ﺗﻘﻮل ﺳﻄﻮرﻫﺎ إﻧﻨﺎ ﻧﻌﺘﺰ ﺑﺘﺮاث وﺳﻴﺮة أﺑﺎﺋﻨﺎ وأﺟﺪادﻧﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره وﺳﺎ ًﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺪورﻧﺎ ،ﻣﻦ دون أن ﻧﻨﺤﻰ ﺟﺎﻧ ًﺒﺎ ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﻌﺼﺮ ،ﺑﺪﻟﻴﻞ ﻏﺰو وﻃﻨﻨﺎ اﻟﺤﺒﻴﺐ اﻹﻣﺎرات اﻟﻔﻀﺎء ،وﺗﻠﻚ ﻫﻲ اﻟﻤﻌﺠﺰة اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻘﻘﺘﻬﺎ ﻗﻴﺎدﺗﻨﺎ اﻟﺮﺷﻴﺪة ،وﻫﻲ ﻛﻴﻒ ﻧﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺗﺮاﺛﻨﺎ دون اﻟﺘﺄﺧﺮ ﻋﻦ ﻣﻮاﻛﺒﺔ اﻟﺮﻛﺐ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻨﺎ.
ﻳﻀﻴﻒ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﻨﺼﻮري :ﻗﺒﻞ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات أﻣﺮ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﺑﻤﺰاﻳﻨﺔ اﻹﺑﻞ وﺗﻄﻮﻳﺮ ﺳﺒﺎﻗﺎت اﻟﻬﺠﻦ ﻣﻤﺎ أدى ﻟﺘﻮﺟﻪ اﻷﻧﻈﺎر إﻟﻰ ﺳﻮﻳﺤﺎن ﻛﺤﺎﺿﺮة ﻟﺘﺮاث اﻹﺑﻞ ،وأﺧﺬت ﺳﻮﻳﺤﺎن ﻓﻲ ﺗﻄﻮر ﻣﺴﺘﻤﺮ وﺟﺬب ﻟﻠﺴﻜﺎن ،واﻟﻴﻮم أﺿﺤﺖ ﺳﻮﻳﺤﺎن ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻋﺼﺮﻳﺔ رﻏﻢ ارﺗﺒﺎﻃﻬﺎ اﻟﻘﻮي واﻟﻤﺘﻴﻦ ﻣﻊ ﻣﺎﺿﻲ اﻷﺟﺪاد وﺗﺮاﺛﻬﻢ. ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ اﻟﻘﺪوة واﻟﻤﺜﻞ وأﻛﺪ اﻟﻤﻨﺼﻮري :أن ﻟﻠﻤﻬﺮﺟﺎن دو ًرا اﻗﺘﺼﺎدﻳًﺎ ﻛﺒﻴ ًﺮا ،ﺣﻴﺚ ﻳﻨﻌﺶ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺒﻴﻊ واﻟﺸﺮاء ﺑﻴﻦ ﺗﺠﺎر اﻹﺑﻞ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ أو اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ راﻗﻊ اﻷﺣﺒﺎﺑﻲ ﻣﻦ أﻫﺎﻟﻲ ﺳﻮﻳﺤﺎن ﻳﺘﺬﻛﺮ ﺟﻬﻮد ﻣﺆﺳﺲ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺑﺎﺧﺘﻼف اﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺗﻬﻢ اﻟﺮﻋﻮﻳﺔ ﻓﻬﻨﺎك ﻣﺴﺎﺑﻘﺎت ﻟﻠﻤﺰاﻳﻨﺔ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ ﺑﺈذن اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن، وﻳﻘﻮل إﻧﻪ ﻛﺎن أول ﻣﻦ اﻫﺘﻢ ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻋﻤﻮ ًﻣﺎ وﺳﻮﻳﺤﺎن واﻟﺴﺒﺎق واﻟﻤﺤﺎﻟﺐ ،واﻟﺠﻮاﺋﺰ واﻟﻤﺮاﻛﺰ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺨﺼﻮص ،ﺣﻴﺚ أﺻﺒﺤﺖ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ ﺗﺮﻓﻊ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻤﻄﺎﻳﺎ ،ﻟﺬا ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ وﺑﻔﻀﻞ ﺗﻮﺟﻴﻬﺎت ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ ﻳﻀﻴﻒ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﻨﺼﻮري: أﺳﺘﻄﻴﻊ اﻟﻘﻮل إن ﺳﻮﻳﺤﺎن ﺗُﻌﺪ ﻣﺮﻛ ًﺰا اﻟﺸﻴﺦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ أﺳﺎﺳﻴًﺎ وﺳــﻮﻗًــﺎ ﻣﺮﻛﺰﻳًﺎ ﻟﺘﺠﺎرة اﻹﺑــﻞ ﻗﺒﻞ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات أﻣﺮ ﺳﻤﻮ »ﺣﻔﻈﻪ اﻟﻠﻪ« ودﻋــﻢ ورﻋﺎﻳﺔ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ وﻣﺴﺘﻠﺰﻣﺎﺗﻬﺎ ﻟﻜﻞ دول اﻟﺨﻠﻴﺞ. وﻗﺎل اﻟﻤﻨﺼﻮري :إن ﻛﻞ ﻣﻦ وﻃﺄت ﻗﺪﻣﺎه اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻣﻤﺜﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ ﺑﻤﺰاﻳﻨﺔ ا3ﺑﻞ وﺗﻄﻮﻳﺮ ﺳﺒﺎﻗﺎت رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ ،واﺣﺔ ﻟﻠﺘﺮاث ﺑﻜﻞ أﺷﻜﺎﻟﻪ وﻣﺮﻛﺰا ً ﺳﻮﻳﺤﺎن ،ﻻﺑﺪ أن ﻳﻌﻴﺪ اﻟﻔﻀﻞ ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ، اﻟﻬﺠﻦ ﻣﻤﺎ أدى ﻟﺘﻮﺟﻪ اaﻧﻈﺎر ﻷﻓﻀﻞ ﺳﻼﻻت اﻟﻬﺠﻦ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻷﺻﻴﻠﺔ وﻳﺬﻛﺮ ﻣﺂﺛﺮ دﻋﻢ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ إﻟﻰ ﺳﻮﻳﺤﺎن ﻛﺤﺎﺿﺮة ﻟﺘﺮاث وأﺿﺎف إن ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ اﻟﺘﺮاﺛﻲ ﻓﻲ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻟﺴﻮﻳﺤﺎن أرﺿً ﺎ وﺗﺮاﺛ ًﺎ وﻣﻮاﻃﻨﻴﻦ، وﻣﻦ ﻳﺘﺠﻮل ﻓﻲ اﻟﺴﻮق اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻳﺮى اﻟﺒﻬﺠﺔ ا3ﺑﻞ ،وأﺧﺬت ﺳﻮﻳﺤﺎن ﻓﻲ ﺗﻄﻮر ﺳﻮﻳﺤﺎن أﻋﻄﻰ ﻟﻠﻤﻜﺎن أﻫﻤﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻔﻀﻞ ﻋﻠﻰ وﺟﻮه اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﻦ ﺳﻴﺪات وأﻃﻔﺎل ﻣﺴﺘﻤﺮ وﺟﺬب ﻟﻠﺴﻜﺎن ،واﻟﻴﻮم ﺣﺮص ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن وﺷﺒﺎب ،ﻓﺎﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻴﻨﺎ ﻟﻴﺲ أﺿﺤﺖ ﺳﻮﻳﺤﺎن ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻋﺼﺮﻳﺔ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ رﻋﺎﻳﺔ اﻹﺑﻞ وﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﻛﻞ ﺷﺆون ﻣﻔﺮدة ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﻫﻮ ﺑﻮاﺑﺔ ﺗﺠﺎرﻳﺔ رﻏﻢ ارﺗﺒﺎﻃﻬﺎ اﻟﻘﻮي واﻟﻤﺘﻴﻦ ﻣﻊ أﻫﻠﻬﺎ ﺑﻔﺘﺢ اﻟﻤﺠﺎل ﻟﻤﻘﺘﺮﺣﺎﺗﻬﻢ واﻟﺴﻤﺎع ﻟﻬﻢ، وﻳﻘﺪم ﺳﻤﻮه ﻛﻞ أﺷﻜﺎل اﻟﺪﻋﻢ واﻟﻤﺴﺎﻋﺪة ﻣﺎﺿﻲ اaﺟﺪاد وﺗﺮاﺛﻬﻢ وﺑﺎب رزق ،ﻧﻨﺘﻈﺮه ﺑﺸﻐﻒ وﻧﺴﺘﻘﺒﻠﻪ ﺑﺤﺐ 14
ﺳﻮﻳﺤﺎن ..اﻟﻔﺎﺗﻨﺔ اﻟﻤﺴﺘﻠﻘﻴﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺸﻤﺲ
وﻣﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ إﺷﺮاﻗﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﺤﺘﻔﻞ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ ﻓﺒﺮاﻳﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺎم ﺑﻌﺮﺳﻬﺎ اﻷﻧﻴﻖ ،ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳــﺪ اﻟﺘﺮاﺛﻲ ،اﻟﻔﺮﺻﺔ اﻷﻛﺜﺮ ﻣﻼءﻣﺔ ﻻﺳﺘﺤﻀﺎر ﺻﻔﺤﺎت ﻣﻦ ﺣﻀﺎرﺗﻬﺎ وأﺻﺎﻟﺘﻬﺎ ﻛﻤﺪﻳﻨﺔ ﺗ ُﻤﺜﻞ اﻟﺘﺮاث اﻹﻣﺎراﺗﻲ اﻷَﺛِﻴﻞ ،ﺑﻘﻴﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ﻣﺘﻤﺴﻜﺔ ﺑﻬﻮﻳﺘﻬﺎ ورﻣﺰﻳﺘﻬﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ. ارﺗﺒﻄﺖ ﺳﻮﻳﺤﺎن ﻣﻨﺬ ﻣﺌﺎت اﻟﺴﻨﻴﻦ ﺑﺎﻟﺒﺪو واﻹﺑــﻞ ،ﺑﺴﺒﺐ أرﺿﻬﺎ اﻟﻤﻨﺒﺴﻄﺔ واﻟﺒﺎردة ﻧﺴﺒ ًﻴﺎ ﻟــﺬا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻮﺟﻬﺔ اﻷﻓﻀﻞ ﻟﺮﻋﺎة اﻹﺑــﻞ ﻓﻲ ﻓﺘﺮة اﻟﻤﻘﻴﻆ ،وﻋــﻦ ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ
ﻳﻘﺎل ﺣﺴﺐ اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻷﻫﻠﻬﺎ ،إﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ أرﺿً ﺎ ﻗﺎﺣﻠﺔ ﺻﺤﺮاء ﺟﺮداء ،وﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺎه واﻟﺰراﻋﺔ ،وﺑﻌﺪ أن ﺗﻢ ﺣﻔﺮ ﺑﺌﺮ ـﺎح اﻟﻤﺎء« أي اﻧﺘﺸﺮ ﻓﻲ أرﺟﺎﺋﻬﺎ ﺑﻬﺎ »ﺳـ َ ﻓﺴﻤﻴﺖ ﺳﻮﻳﺤﺎن ،ﺛﻢ دﺑﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻊ ﺧﺮوج اﻟﻤﺎء ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻣﺼﺪر اﻟﺮزق اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﺤﻴﺎﺗﻬﻢ وإﺑﻠﻬﻢ وﻟﺠﻤﻴﻊ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻵﺧﺮى وإن اﺧﺘﻠﻔﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻴﺎة ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻋﻦ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﻟﻲ. ﻣﺤﻤﺪ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻮﻣﻘﺮﻳﻌﺔ اﻟﻤﻨﺼﻮري ﻣﻦ أﻫﻞ ﺳﻮﻳﺤﺎن اﺳﺘﻀﺎﻓﻨﺎ ﻓﻲ ﻋﺰﺑﺘﻪ اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ
أرض اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ،وﻫﻮ رﺟﻞ ﻋﺎﺻﺮ ﺗﻄﻮرﻫﺎ واﺧﺘﻼف ﻧﻤﻂ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ واﻟﺤﺎﺿﺮ ،ﺗﺤﺪث ﻟﻤﺠﻠﺔ »ﺗـــﺮاث« ﻋﻦ ﻗﺎﺋﻼ :ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺳﻮﻳﺤﺎن ﻳﻘﻄﻨﻬﺎ اﻟﺒﺪو ذﻛﺮﻳﺎﺗﻪ ً ﻣﻨﺬ أزﻣﺎن ﻏﺎﺑﺮة ،ﺗﺠﻤﻌﻮا ﺣﻮل ﺑﺌﺮ ﻓﺎﺿﺖ، ﺧﺼﻮﺻﺎ وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻣﻨﺎﺳ ًﺒﺎ ﻟﺮﻋﻲ اﻹﺑﻞ ً ﻓﻲ ﻓﺘﺮة اﻟﺼﻴﻒ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻘﺮوا ﺑﻬﺎ إﻻ ﻓﻲ ﻓﺘﺮات ﻣﺘﻘﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم ،إﻟﻰ أن ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه وﺣﺎول ﻧﻘﻞ ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ إﻟﻰ ﻣﻌﺎﻗﻞ اﻟﺒﺪو ،ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺮى ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺗﺮك اﻟﺒﺪوي ﻟﺒﻴﺌﺘﻪ وﺣﻼﻟﻪ،
ارﺗﺒﻄﺖ ﺳﻮﻳﺤﺎن ﻣﻨﺬ ﻣﺌﺎت اﻟﺴﻨﻴﻦ ﺑﺎﻟﺒﺪو وا3ﺑﻞ، ﺑﺴﺒﺐ أرﺿﻬﺎ اﻟﻤﻨﺒﺴﻄﺔ واﻟﺒﺎردة ﻧﺴﺒ ًﻴﺎ ﻟﺬا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻮﺟﻬﺔ اaﻓﻀﻞ ﻟﺮﻋﺎة ا3ﺑﻞ ﻓﻲ ﻓﺘﺮة اﻟﻤﻘﻴﻆ ،وﻋﻦ ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ ﻳﻘﺎل ﺣﺴﺐ اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ aﻫﻠﻬﺎ ،إﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ً أرﺿﺎ ﻗﺎﺣﻠﺔ ﺻﺤﺮاء ﺟﺮداء ،وﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺎه »ﺳﺎح اﻟﻤﺎء« واﻟﺰراﻋﺔ ،وﺑﻌﺪ أن ﺗﻢ ﺣﻔﺮ ﺑﺌﺮ ﺑﻬﺎ َ أي اﻧﺘﺸﺮ ﻓﻲ أرﺟﺎﺋﻬﺎ ﻓﺴﻤﻴﺖ ﺳﻮﻳﺤﺎن
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
13
ĴŲĽŤē ğēĴĜ ﺗﻐﺮي اﻟﻨﺎﻇﺮ إﻟﻴﻬﺎ وﺗﻌﺪه ﺑﺮﺣﻠﺔ ﻋﺒﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ
ﺳﻮﻳﺤﺎن.. اﻟﻔﺎﺗﻨﺔ اﻟﻤﺴﺘﻠﻘﻴﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺸﻤﺲ
ﺳﻮﻳﺤﺎن -اﻟﻔﺎﺿﻞ أﺑﻮﻋﺎﻗﻠﺔ
ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ،وأﻧﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻜﺜﺒﺎن اﻟﺮﻣﻠﻴﺔ ،واﻟﺼﺤﺎرى ﻣﺘﺮاﻣﻴﺔ اﻷﻃﺮاف، ﺗﺒﺪو ﺳﻮﻳﺤﺎن ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻓﺎﺗﻨﺔ ﻣﺴﺘﻠﻘﻴﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺸﻤﺲ ،ﺗﻐﺮي اﻟﻨﺎﻇﺮ إﻟﻴﻬﺎ وﺗﻌﺪه ﺑﺮﺣﻠﺔ ﻋﺒﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺘﻠﻴﺪ؛ ﻣﺸﺮﺋﺐ اﻟﻨﻮق اﻟﺠﻤﻴﻼت ﻳﺘﺠﻮﻟﻦ ﺑﻐﻨﺞ ﻓﻲ أرﺟﺎﺋﻬﺎ ،و ﻧَﺨ ٌْﻞ ٌ ﺑﻬﺎﻣﺎﺗﻪ ،وﺣﺪاﺋﻖ وﺑﺴﺎﺗﻴﻦ ﻓﻴﺤﺎء، وﺧﻴﻢ ﺷَ ﻌﺮ ...ﻣﺸﻬﺪ ﻳﺠﻌﻠﻚ وﺳﻂ ﻫﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟ َﺠﻤﺎل اﻟﻤﻨﺒﺜﻖ ﻛﺎﻟﻀﻮء ﻣﻦ ﻋﻤﻖ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﺿﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻀﻦ ﺗﺮاﺛًﺎ ﻛﻮﻧ ًﻴﺎ وإﻧﺴﺎﻧ ًﻴﺎ ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻳﺠﺐ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻴﻪ.
12
ﺳﻮﻳﺤﺎن ..اﻟﻔﺎﺗﻨﺔ اﻟﻤﺴﺘﻠﻘﻴﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺸﻤﺲ
اﻟﻤﻮﺿﻊ اﻟﺤﺎﻟﻲ ﻟﺒ ٔﻴﺮ ﺳﻮﻳﺤﺎن اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻣﻮﺟﻮدة
ﺳﺒﺎق اﻹﺑﻞ اﻟﺘﺮاﺛﻲ
ﺳﺒﺎق ا0ﺑﻞ اﻟﺘﺮاﺛﻲ :ﻣﻠﺘﻘﻰ اeﺟﻴﺎل وﺗﻈﺎﻫﺮة ﺷﻌﺒﻴﺔ
ﻳﻌﺪ ﺳﺒﺎق اﻹﺑﻞ اﻟﺘﺮاﺛﻲ واﺣــﺪا ً ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﻤﺤﺒﺒﺔ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮر ،إذ إن اﻟﻬﺪف ﻣﻦ إﻗﺎﻣﺔ ﻫﺬه اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺎت ﻫﻮ ﺻﻮن اﻟﺘﺮاث اﻹﻣﺎراﺗﻲ واﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﻪ ﺿﻤﻦ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ اﻟﺘﺮاﺛﻲ اﻟﺬي اﺳﺘﻄﺎع اﻧﺘﺰاع ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﻛﺄﻫﻢ ﺗﻈﺎﻫﺮة ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ. وﻧﺠﺢ اﻟﺴﺒﺎق ﻓﻲ إﺣﻴﺎء ﻣﻔﺮدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ رﻳﺎﺿﺔ اﻟﻬﺠﻦ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪ ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻵﺑﺎء واﻷﺟﺪاد ﺿﻤﻦ ﻣﺸﺮوع ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﻹﺣﻴﺎء رﻳﺎﺿﺎت اﻵﺑﺎء واﻷﺟﺪاد ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﺻﻐﺎر اﻟﺴﻦ واﻟﻬﻮاة وﻃﻠﺒﺔ اﻟﻤﺪارس ،ورﺻﺪت اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﻟﻠﻔﺎﺋﺰﻳﻦ ﺑﺎﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻟﻌﺸﺮة اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻮط ﺟﻮاﺋﺰ ﻋﻴﻨﻴﺔ وﻣﺎﻟﻴﺔ ﻗﻴﻤﺔ ،وﺗﺘﻤﻴﺰ ﻫﺬه اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻹﺛﺎرة واﻟﺘﺸﻮﻳﻖ ،ﻓﻀﻼً ﻋﻦ اﻟﺤﻀﻮر اﻟﻜﺜﻴﻒ ﻣﻤﻦ ﻳﻌﺸﻘﻮن ﻫﺬه اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ ودول ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺘﻌﺎون واﻟﺴﻴﺎح.
اﻟﺴﻮق اﻟﺸﻌﺒﻲ :ﺣﻀﻮر ﻣﻤﻴﺰ وإﻗﺒﺎل ﻛﺒﻴﺮ
ﻗﺪم اﻟﺴﻮق اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻣﻦ ﺧﻼل 90دﻛﺎﻧًﺎ ﻣﻌﺮوﺿﺎت ﺗﺮاﺛﻴﺔ وﻣﻨﺘﻮﺟﺎت ﻣﺤﻠﻴﺔ وﻣﺸﻐﻮﻻت ﻳﺪوﻳﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﺒﺨﻮر واﻟﻌﻄﻮر واﻟﻬﺪاﻳﺎ اﻟﺘﺬﻛﺎرﻳﺔ واﻟﻤﻠﺒﻮﺳﺎت اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ واﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أدوات اﻹﺑﻞ وﻣﺴﺘﻠﺰﻣﺎت زﻳﻨﺘﻬﺎ. وﻧﺸﻄﺖ اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺎت اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻮق اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺣﻈﻴﺖ ﺑﺈﻗﺒﺎل ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﻬﻮر اﻟﺬي اﻛﺘﻆ ﺑﻪ اﻟﻤﺴﺮح ﻟﻺﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺘﻲ وﺻﻠﺖ ﺟﻮاﺋﺰﻫﺎ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ إﻟﻰ 23أﻟﻒ درﻫﻢ. وﺣﻈﻰ ﻃﻠﺒﺔ اﻟﻤﺪارس -اﻟﺬﻳﻦ ﺑﻠﻎ ﻋﺪدﻫﻢ اﻵﻻف -ﺑﺎﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺟﻮاﺋﺰ ﻫﺬه اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺎت اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ واﻟﻌﻴﻨﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﺧﺼﺼﺖ ﻟﻬﻢ ﻣﺴﺎﺑﻘﺎت ﺻﺒﺎﺣﻴﺔ ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﻓﺘﺮة زﻳﺎراﺗﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺤﺴﺮ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮات اﻟﺼﺒﺎﺣﻴﺔ ،ﻓﻴﻤﺎ ﺧﺼﺼﺖ اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺎت اﻟﻤﺴﺎﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﻬﺎ اﻟﻔﻨﺎن أﺣﻤﺪ اﻟﺠﺴﻤﻲ ﻟﻠﻜﺒﺎر اﻟﺬﻳﻦ ازدادت ﻧﺴﺒﺔ ﺣﻀﻮرﻫﻢ ﻣﺴﺎء.
ﻟﻠﺘﺬﻛﻴﺮ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ إﻃﺎر ﻛﻮﻣﻴﺪي ﺧﻔﻴﻒ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﻣﻌﻪ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ. ﻛﻤﺎ ﺗﻀﻤﻨﺖ ﻟﻴﺎﻟﻲ ﺳﻮﻳﺤﺎن أﻣﺴﻴﺘﻴﻦ ﺷﻌﺮﻳﺘﻴﻦ ﺷﺎرك ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء اﻹﻣﺎراﺗﻴﻴﻦ واﻟﺨﻠﻴﺠﻴﻴﻦ ﺑﻘﺼﺎﺋﺪ ﺗﻨﺎوﻟﺖ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ واﻟﺤﻴﺎة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات وﻓﻲ دول ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺘﻌﺎون اﻟﺨﻠﻴﺠﻲ وﺗﺮاث اﻷﺟــﺪاد ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺻﻮر اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ اﻷﺧﺮى ﻛﺎﻟﺤﺐ واﻟﻐﺰل
ﻟﻴﺎﻟﻲ ﺳﻮﻳﺤﺎن :ﻣﺴﺮح وﺷﻌﺮ وﻏﻨﺎء
اﻟﻤﻄﺮﺑﺔ ﺑﻠﻘﻴﺲ
ﺷﻬﺪت ﻟﻴﺎﻟﻲ ﺳﻮﻳﺤﺎن ﺧﻼل اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن أرﺑﻊ ﺳﻬﺮات ﻓﻨﻴﺔ أﺣﻴﺎﻫﺎ اﻟﻔﻨﺎﻧﻮن آرﻳﺎم وأﺳﻤﺎء اﻟﻤﻨﻮر وﺑﻠﻘﻴﺲ وﻓﻬﺪ اﻟﻜﺒﻴﺴﻲ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻋﺮﺿﻴﻦ ﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ »ﺑﺮﻣﻮﻟﻲ وﻧﺠﻤﺔ اﻟﺒﺤﺮ« وﻋﺮﺿﻴﻦ آﺧﺮﻳﻦ ﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ »أﻳﺎم اﻟﻄﻴﺒﻴﻦ«. وﺗﻬﺪف ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ »ﺑﺮﻣﻮﻟﻲ وﻧﺠﻤﺔ اﻟﺒﺤﺮ« ﻣﻦ أﻋﻤﺎل ﻣﺴﺮح ﺑﻨﻲ ﻳﺎس إﻟﻰ ﺗﻮﺟﻴﻪ اﻷﻃﻔﺎل ﻟﻼﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﺒﻴﺌﺔ واﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﺄﻫﻤﻴﺘﻬﺎ وﺗﻮﻋﻴﺔ اﻟﻨﺶء ﺑﻀﺮورة ﻧﻈﺎﻓﺔ اﻟﺸﻮاﻃﺊ واﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻜﺲ اﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ واﻟﺜﻘﺎﻓﺎت وﺗﺪﻟﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮر وﻧﻬﻀﺔ اﻟﺒﻼد ورﻗﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ. وﺳﻠﻄﺖ اﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ اﻟﻜﻮﻣﻴﺪﻳﺔ »أﻳﺎم اﻟﻄﻴﺒﻴﻦ« اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺗﻐﻴﺮت ﻣﻊ اﻳﻘﺎع اﻟﺤﻴﺎة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﺗﻄﻮرﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
1111
тАлтАк─┤┼▓─╜┼д─У ─Я─У─┤─ЬтАмтАм тАл╪зя╗Яя║┤я╗ая╗оя╗Чя╗▓ ╪зя╗Яя╗Мя║оя║Ся╗▓тАк:тАмтАм тАля║гя╗Фя╗Ж ╪зя╗Яя║┤я╗╝я╗╗╪к ┘И╪зя╗зя║ая║О╪н ╪зя╗Яя║┤я╗┤я║Оя║гя║Ф ╪зя╗Яя║Шя║о╪зя║Ыя╗┤я║ФтАм
тАля║│я║Тя║О┘В ╪зя╗Яя║┤я╗ая╗оя╗Чя╗▓ ╪зя╗Яя╗Мя║оя║Ся╗▓тАм
тАля╗гя║░╪зя╗│я╗ия║Ф ╪зтАк0тАмя║Ся╗Ю ╪зтАкeтАмя║╗я╗┤я╗ая║ФтАк32 :тАмтАм тАля║╖я╗оя╗Гя║О я╗гя╗ж ╪зя╗Яя╗дя╗Фя║о┘И╪п╪й ╪ея╗Яя╗░ ╪зя╗Яя║дя║Оя╗│я╗ЮтАм тАл┘ЛтАм
тАля║╖я╗мя║к╪к я╗гя║░╪зя╗│я╗ия║Ф ╪зя╗╣я║Ся╗Ю ╪зя╗Яя╗Мя║оя║Ся╗┤я║Ф ╪зя╗╖я║╗я╗┤я╗ая║Ф ╪зя╗Яя║Шя╗▓ я║Чя╗Мя║Шя║Тя║о ╪зя╗Яя╗Фя╗Мя║Оя╗Яя╗┤я║Ф ╪зя╗Яя║оя║Ля╗┤я║┤я╗┤я║ФтАм тАля╗Уя╗▓ я╗гя╗мя║оя║Яя║О┘Ж я║│я╗ая╗Дя║О┘Ж я║Ся╗ж ╪▓╪зя╗│я║к ╪зя╗Яя║Шя║о╪зя║Ыя╗▓тАк ╪МтАмя║Чя╗Дя╗о ┘Л╪▒╪з я╗Ыя║Тя╗┤ ┘Ля║о╪з ┘И╪ея║┐я║Оя╗Уя║О╪к я║Яя║кя╗│я║к╪йтАм тАля║Ся╗мя║к┘Б я║зя║кя╗гя║Ф ╪зя╗Яя╗дя╗╝┘Г ┘И╪ея║Чя║Оя║гя║Ф ╪зя╗Яя╗Фя║оя║╗я║Ф ╪гя╗гя║О┘Е ╪гя╗Ыя║Тя║о я╗Ля║к╪п я╗гя╗ия╗мя╗в я╗Яя╗ая║Шя╗ия║Оя╗Уя║▓тАм тАл╪зя╗Яя║╕я║оя╗│я╗Т ┘Ия║Чя║дя╗Шя╗┤я╗Ц ╪зя╗Яя╗Фя║Оя║Ля║к╪йтАк ╪МтАм┘И╪зя║╖я║Шя╗дя╗ая║Ц я╗Уя╗▓ ╪п┘И╪▒╪й я╗ля║м╪з ╪зя╗Яя╗Мя║О┘Е я╗Ля╗ая╗░тАк32тАмтАм тАля║╖я╗оя╗Г┘Ля║О я╗гя╗ж я║│я╗ж ╪зя╗Яя╗дя╗Фя║о┘И╪п╪й ╪ея╗Яя╗░ я║│я╗ж ╪зя╗Яя║дя║Оя╗│я╗ЮтАк.тАмтАм тАл┘Ия║Ся╗ия║О ┘Л╪б я╗Ля╗ая╗░ я║Чя╗оя║Яя╗┤я╗мя║О╪к я║│я╗дя╗о ╪зя╗Яя║╕я╗┤я║ж я║│я╗ая╗Дя║О┘Ж я║Ся╗ж ╪▓╪зя╗│я║к ╪в┘Д я╗зя╗мя╗┤я║О┘Ж ╪гя╗Чя║о╪ктАм тАл╪зя╗Яя╗ая║ая╗ия║Ф ╪зя╗Яя╗Мя╗ая╗┤я║О я╗Уя╗▓ я╗ля║м┘З ╪зя╗Яя║к┘И╪▒╪й ╪ея║┐я║Оя╗Уя║Ф ╪гя║╖я╗о╪з╪╖ ┬╗╪ея╗зя║ая║О╪▓ ╪зя╗Яя║дя╗о┘Д┬л ╪ея╗Яя╗░тАм тАл}тАк ┬Э ┬П├Н 1$ ), ├Щ┬Я┬▒┬О. 3(# ) ├Бp,┬Ж !#┬е. ┬Ъ├О├Ш ┬к(# /┬░тАмтАм
тАл}тАк ├Р├Щ┬Я,┬П# ├Р ┬П┬Ж2 . ┬Ъ$├Щ ├ж ┬Ъ├Щ$ (# %44┬Ж├и ┬Н2344 %┬╡├ВтАмтАм тАлтАк ├Ш (# ├Р' ┬Ъ├Щ$ (# ┬л┬Е┬к # ┬╗ ┬Э ┬П├Н 1$ (┬П 2 . ] 'p# $┬в.тАмтАм
тАля╗Ля╗ая╗░ я╗гя║к┘Й ╪гя║│я║Тя╗оя╗Ля╗▓ ╪зя╗Яя╗дя╗мя║оя║Яя║О┘Ж я║Яя║о╪к я╗гя║┤я║Оя║Ся╗Шя║О╪к ╪зя╗Яя║┤я╗ая╗оя╗Чя╗▓ ╪зя╗Яя╗Мя║оя║Ся╗▓тАм тАля╗Яя╗ая║мя╗Ыя╗о╪▒ ┘И╪зя╗╣я╗зя║О╪л я╗Ля╗ая╗░ я╗гя║┤я║Оя╗Уя║Ф ╪гя╗Яя╗Фя╗┤я╗ж ┘ИтАк 500тАмя╗гя║Шя║отАк ╪МтАмя║Ся║к╪г╪к я║Ся║Оя╗Яя║Шя║Дя╗ля╗┤я╗ЮтАм тАля╗Ля║Тя║о я║зя╗дя║┤я║Ф ╪гя║╖я╗о╪з╪╖ я║Ыя╗в я║Чя╗в ╪зя║зя║Шя╗┤я║О╪▒ ╪зя╗Яя║Ья╗╝я║Ыя║Ф ╪зя╗╖┘И╪зя║Ля╗Ю я╗гя╗ж я╗Ыя╗Ю я║╖я╗о╪╖тАм тАля╗Яя║кя║зя╗о┘Д ╪зя╗Яя║┤я║Тя║О┘В ╪зя╗Яя╗ия╗мя║Оя║Ля╗▓ ╪зя╗Яя║м┘К я║Чя╗ия║Оя╗Уя║▓ я║зя╗╝я╗Яя╗к тАк 15тАмя║│я╗ая╗Шя║О┘Л я╗гя╗жтАм тАл╪зя╗Яя║мя╗Ыя╗о╪▒ ┘Ия╗гя║Ья╗ая╗мя║О я╗гя╗ж ╪зя╗╣я╗зя║О╪л я╗Яя╗┤я║дя║╝я║к ╪зя╗Яя╗Фя║Оя║Ля║░ ╪зя╗╖┘И┘Д я║│я╗┤я║О╪▒╪й ┘И╪зя╗Яя║Ья║Оя╗зя╗▓тАм тАля║Яя║Оя║Ля║░╪й я╗гя║Оя╗Яя╗┤я║Ф я╗Чя║к╪▒я╗ля║О тАк 30тАм╪гя╗Яя╗Т ╪п╪▒я╗ля╗в ┘И╪зя╗Яя║Ья║Оя╗Яя║Ъ я║Яя║Оя║Ля║░╪й я║Ся╗Шя╗┤я╗дя║Ф тАк20тАмтАм тАл╪гя╗Яя╗Т ╪п╪▒я╗ля╗втАк .тАм┘Ия║Чя╗ая║Тя╗▓ я║│я║Тя║Оя╗Чя║О╪к ╪зя╗Яя║┤я╗ая╗оя╗Чя╗▓ ╪▒я╗Пя║Тя║Ф ╪зя╗Яя╗Ья║Ья╗┤я║оя╗│я╗ж я╗гя╗ж я╗Ля║╕я║О┘ВтАм тАля╗ля║м┘З ╪зя╗Яя║┤я╗╝я╗Яя║Ф ╪зя╗╖я║╗я╗┤я╗ая║ФтАк ╪МтАм┘Ия║Чя╗Мя╗дя╗Ю я╗Ля╗ая╗░ ╪е╪░я╗Ыя║О╪б ╪зя╗Яя╗оя╗Ля╗▓ я║Ся╗мя║О я╗Ыя╗оя╗зя╗мя║ОтАм тАля║Чя╗Мя║Тя║о я╗Ля╗ж я║гя╗┤я║О╪й ╪зя╗Яя║Тя║к┘И я╗Уя╗▓ ╪зя╗Яя╗дя║Оя║┐я╗░ ┘Ия║Чя╗дя║Ья╗Ю я║Яя║░ ┘Л╪б╪з я╗гя╗мя╗дя║О┘Л я╗гя╗ж я║Чя║о╪з╪лтАм тАл╪п┘Ия╗Яя║Ф ╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪з╪ктАк .тАм┘Ия╗Чя║О┘Д я╗гя║┤я╗ая╗в ╪зя╗Яя╗Мя║Оя╗гя║о┘К ╪▒я║Ля╗┤я║▓ я╗Яя║ая╗ия║Ф я║│я║Тя║О┘В ┘Ия╗гя║░╪зя╗│я╗ия║ФтАм тАл╪зя╗Яя║┤я╗ая╗оя╗Чя╗▓ ╪зя╗Яя╗Мя║оя║Ся╗▓ я╗Уя╗▓ ╪зя╗Яя╗дя╗мя║оя║Яя║О┘Ж ╪е┘Ж ╪зя╗Яя╗Ья╗ая║Р ╪зя╗Яя║┤я╗ая╗оя╗Чя╗▓ я║╖я║О╪▒┘Г я╗Уя╗▓тАм тАл╪зя╗Яя╗дя╗мя║оя║Яя║О┘Ж ╪зя╗╖я║зя╗┤я║о я╗гя╗ж я║зя╗╝┘Д ╪зя╗╖я║│я║дя╗Ъ ┘И╪зя╗╖я╗ля║к╪и я║Ся║Оя╗Яя║Шя╗Мя║О┘И┘Ж я╗гя╗КтАм тАля╗гя║оя╗Ыя║░ ╪зя╗Яя║┤я╗ая╗оя╗Чя╗▓ ╪зя╗Яя╗Мя║оя║Ся╗▓ я╗Уя╗▓ ╪зя╗Яя║к┘Ия╗Яя║Ф я║Ся╗Фя╗Мя║Оя╗Яя╗┤я║Шя╗┤я╗ж я╗гя╗дя╗┤я║░я║Чя╗┤я╗ж ╪зя╗╖┘Ия╗Яя╗░тАм тАля║зя║╝я║╝я║Ц я╗Яя║┤я║Тя║О┘В ╪зя╗Яя║┤я╗ая╗оя╗Чя╗▓ ╪зя╗Яя╗Мя║оя║Ся╗▓ ╪зя╗Яя║Шя║о╪зя║Ыя╗▓ ╪зя╗Яя║м┘К я╗│я╗мя║к┘Б ╪ея╗Яя╗░тАм тАля║Чя║╕я║ая╗┤я╗К я╗гя╗╝┘Г ╪зя╗Яя║┤я╗ая╗оя╗Чя╗▓ я╗Ля╗ая╗░ ╪зя╗Чя║Шя╗ия║О╪б я╗ля║м┘З ╪зя╗Яя╗Фя║╝я╗┤я╗ая║Ф ┘И╪зя╗Яя╗Мя╗ия║Оя╗│я║Ф я║Ся╗мя║ОтАм тАл┘И╪зя╗Яя║дя╗Фя║О╪╕ я╗Ля╗ая╗░ я║│я╗╝я╗Яя║Шя╗мя║О ┘И╪ея║╖я║о╪зя╗Ыя╗мя║О я╗Уя╗▓ ╪зя╗Яя║┤я║Тя║Оя╗Чя║О╪к ┘И╪зя╗Яя╗дя╗мя║оя║Яя║Оя╗зя║О╪ктАм тАл╪зя╗Яя╗дя║ия║╝я║╝я║Ф я╗Яя╗мя║О ┘И╪зя╗Яя║Ья║Оя╗зя╗┤я║Ф я║зя║╝я║╝я║Ц я╗Яя╗дя║░╪зя╗│я╗ия║Ф ╪зя╗Яя║┤я╗ая╗оя╗Чя╗▓ ╪зя╗Яя╗Мя║оя║Ся╗▓тАм тАл╪зя╗╖я║╗я╗┤я╗Ю я║гя╗┤я║Ъ я║Чя║┤я╗Мя╗░ ╪зя╗Яя╗ая║ая╗ия║Ф ╪зя╗Яя╗дя╗ия╗Ия╗дя║Ф я╗Яя╗ая╗дя╗мя║оя║Яя║О┘Ж я╗гя╗ж я║зя╗╝┘Д ╪░я╗Яя╗ЪтАм тАл╪ея╗Яя╗░ ╪зя╗Яя╗дя║дя║Оя╗Уя╗Ия║Ф я╗Ля╗ая╗░ я║│я╗╝я╗╗я║Чя╗к я╗Ля║Тя║о ╪зя╗Яя╗дя╗мя║оя║Яя║О┘Ж ╪зя╗Яя║м┘К я╗│я╗Мя║░╪▓ я╗Уя╗Ья║о╪йтАм тАл╪зя╗Яя║┤я╗┤я║Оя║гя║Ф ╪зя╗Яя║Шя║о╪зя║Ыя╗┤я║Ф ┘Ия║Чя╗Мя║░я╗│я║░ я╗гя║╕я║о┘Ия╗Ля║О╪к я║╗я╗о┘Ж ╪зя╗Яя║Шя║о╪з╪л ╪зя╗Яя║Ья╗Шя║Оя╗Уя╗▓тАк.тАмтАм
тАл тАк ┬Э ┬П├Н├и 3(# ├Р├Щ┬Ж ├Д├Ш ┬▒# ├В ├О┬П# ├Р' /├Н ┬Я├Ш . ]┬Ъ$├Щ ├жтАмтАм тАл}тАк.┬Ъ$├Щ ├ж ┬Н23 # . "/ ├Г# %┬╡├ВтАмтАм
тАля╗гя║┤я║Оя║Ся╗Шя║Ф ╪зя╗Яя╗дя║дя║Оя╗Яя║РтАк :тАмя╗гя║╕я║О╪▒я╗Ыя║Ф я║┐я║ия╗дя║Ф я║С┘А┘АтАк 200тАмя╗гя╗Дя╗┤я║ФтАм
тАля║Чя╗Мя║Шя║Тя║о ┬╗я╗гя║┤я║Оя║Ся╗Шя║Ф ╪зя╗Яя╗дя║дя║Оя╗Яя║Р┬л я╗гя╗ж ╪гя╗ля╗в ╪зя╗Яя╗Фя╗Мя║Оя╗Яя╗┤я║О╪к я╗Уя╗▓ я╗гя╗мя║оя║Яя║О┘Ж я║│я╗ая╗Дя║О┘ЖтАм тАля║Ся╗ж ╪▓╪зя╗│я║к ╪зя╗Яя║Шя║о╪зя║Ыя╗▓╪Ы я╗Яя╗дя║О я║Чя║дя╗Ия╗░ я║Ся╗к я╗гя╗ж я╗гя║╕я║О╪▒я╗Ыя║Ф я╗Ыя║Тя╗┤я║о╪й ┘Ия╗гя╗ия║Оя╗Уя║┤я║Ф я╗Чя╗оя╗│я║ФтАм
тАля╗гя║┤я║Оя║Ся╗Шя║Ф ╪зя╗Яя╗дя║дя║Оя╗Яя║РтАм
тАлтАк10тАмтАм
тАля╗гя╗мя║оя║Яя║О┘Ж я║│я╗ая╗Дя║О┘Ж я║Ся╗ж ╪▓╪зя╗│я║к ╪зя╗Яя║Шя║о╪зя║Ыя╗▓тАм
тАля║Ся╗┤я╗ж ╪зя╗Яя╗дя╗╝┘ГтАк ╪МтАм┘Ия╗ля║к┘Б ╪зя╗Яя╗дя║┤я║Оя║Ся╗Шя║Ф я║Чя║╕я║ая╗┤я╗Мя╗мя╗в я╗Ля╗ая╗░ ╪зя╗гя║Шя╗╝┘Г ╪гя╗Уя╗Ая╗Ю ╪зя╗╣я║Ся╗ЮтАм тАл╪зя╗Яя╗дя╗ия║Шя║ая║Ф я╗Яя╗ая║дя╗ая╗┤я║Р ╪зя╗Яя║м┘К я╗│я╗Мя║к я║Яя║░╪б╪з ┘Л ╪гя║╗я╗┤я╗╝┘Л я╗гя╗ж я║Чя║о╪з╪л ╪п┘Ия╗Яя║Ф ╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪з╪ктАк.тАмтАм тАл╪зя╗зя╗Шя║┤я╗дя║Ц ╪зя╗Яя╗дя║┤я║Оя║Ся╗Шя║Ф ╪ея╗Яя╗░ я║зя╗дя║▓ я╗Уя║Мя║О╪к я╗ля╗▓ ╪зя╗Яя╗дя║дя╗ая╗┤я║О╪к ╪зя╗╖я║╗я║Оя╗│я╗ЮтАк╪МтАмтАм тАл┘И╪зя╗Яя║ия╗о╪з┘Ия╗│я║отАк ╪МтАм┘И╪зя╗Яя╗дя║ая║Оя╗ля╗┤я╗в ╪зя╗Яя╗Мя║о╪зя║Ся╗▓тАк ╪МтАм┘И╪зя╗Яя║ия╗о╪з┘Ия╗│я║о ╪зя╗Яя║дя║░╪зя╗гя╗░тАк ╪МтАм┘И╪зя╗Яя║╕я╗о╪╖тАм тАл╪зя╗Яя╗дя╗Фя║Шя╗о╪нтАк.тАмтАм
тАля╗гя║┤я║Оя║Ся╗Шя║Ф я║│я║Ж╪з┘Д я╗Ля╗ая╗░ ╪зя╗Яя╗Дя║Оя╗│я║отАм
ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﺧﻼل اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
9
ĴŲĽŤē ğēĴĜ
ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ اﻟﺘﺮاﺛﻲ ﻳﻮا ﺻﻞ رﺳﺎﻟﺘﻪ ﻓﻲ ﺣﻔﻆ اﻟﻤﻮروث وﻧﻘﻠﻪ ﻟ ﺟﻴﺎل
اﻟﻔﺎﺿﻞ أﺑﻮﻋﺎﻗﻠﺔ
إذا ﻛﺎن اﻟﺘﺮاث أﻣﺎﻧﺔ واﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺔ وﺗﻌﺮﻳﻒ اﻟﻨﺶء اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺑﻪ رﺳﺎﻟﺔ؛ ﻓﺈن ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ اﻟﺘﺮاﺛﻲ ﺟﺎء ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻟﻠﺮؤﻳﺔ اﻟﺤﻜﻴﻤﺔ واﻟﺘﻮﺟﻴﻬﺎت اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻟﺼﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ »ﺣﻔﻈﻪ اﻟﻠﻪ« ﻓﻲ ﺣﻔﻆ اﻟﻤﻮروث وﻧﻘﻠﻪ ﻟﻸﺟﻴﺎل ﺑﻜﻞ أﻣﺎﻧﺔ واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ رؤﻳﺔ اﻟﻮاﻟﺪ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﻤﺆﺳﺲ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن »ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه« ﺑﺄن ﺗﻜﻮن دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ ﻣﺼﺎف اﻟﺪول اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎﻻت ﻛﺎﻓﺔ. وﻛﺎﻧﺖ ﺟﻬﻮد »رﺟﻞ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ« ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻣﻤﺜﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ ﺣﻔﻈﻪ اﻟﻠﻪ رﺋﻴﺲ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرت ،ﻫﻲ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻟﻨﺠﺎح ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻮﻋﺖ ﺑﻴﻦ ﻣﺰاﻳﻨﺔ اﻹﺑﻞ وﺳﺒﺎﻗﺎت اﻟﻤﺤﺎﻟﺐ واﻟﺴﻠﻮﻗﻲ ﺑﺠﺎﻧﺐ اﻟﺴﻮق اﻟﺸﻌﺒﻲ وﻟﻴﺎﻟﻲ ﺳﻮﻳﺤﺎن اﻟﺘﻲ ﺟﻤﻌﺖ اﻵﻻف ﻣﻦ ﻣﺤﺒﻲ ﻫﺬه اﻷﻟﻮان اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺎﺷﻮا أﺳﺒﻮﻋﻴﻦ ﻣﻊ أﺟﻮاء اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﺠﻤﻴﻞ وﻋﺒﻘﻪ اﻷﺧﺎذ. 8
ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ اﻟﺘﺮاﺛﻲ
وﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻌﻴﻦ اﻟﻤﺮاﻗﺐ واﻟﻤﺸﺎﻫﺪ أن ﺗﻤﺮ ﻣﺮور اﻟﻜﺮام ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺣﻴﺐ ﺳﻤﻮه ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ اﻷﺷﻘﺎء اﻟﺨﻠﻴﺠﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﺴﺎﺑﻘﺎت ﻣﺰاﻳﻨﺔ اﻹﺑﻞ واﻟﺮﻛﺾ وﺗﻮﺣﻴﺪ اﻷﻧﻈﻤﺔ واﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ اﻟﺨﻠﻴﺠﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ وﻓﻖ أﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ اﻟﺠﻮدة ﻣﺎ ﻳﺆﻛﺪ اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺄﻫﻤﻴﺔ ﻧﺸﺮ اﻟﺘﺮاث اﻟﺨﻠﻴﺠﻲ ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﻔﺮدات ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ ،وﺣﺮص دوﻟﺔ اﻹﻣــﺎرات ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ اﻷﺷﻘﺎء اﻟﺨﻠﻴﺠﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻹﻃﺎر. وﻳﺆﻛﺪ ذﻟﻚ ﺣﺮص ﺳﻤﻮه ﻋﻠﻰ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن وﺗﻜﺮﻳﻢ اﻟﻔﺎﺋﺰﻳﻦ واﻻﻟﺘﻘﺎء ﺑﺎﻟﺰاﺋﺮﻳﻦ وﺗﺬﻟﻴﻞ ﻛﻞ اﻟﺼﻌﺎب اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮل دون ﻧﺠﺎﺣﻪ وﺗﺤﻘﻴﻖ أﻫﺪاﻓﻪ ﻳﻘﻴ ًﻨﺎ ﻣﻦ ﺳﻤﻮه ﺑﺄﻫﻤﻴﺔ اﻟﺤﺪث اﻟﺘﺮاﺛﻲ وﺗﻌﺮﻳﻒ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﺠﺪﻳﺪة ﺑﻤﺎﺿﻲ آﺑﺎﺋﻬﻢ وأﺟﺪادﻫﻢ وإﻃﻼع اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻣﺎرات وﻛﻴﻒ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ أن ﺗﻤﺰج ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺪﻳﻢ وﻋﺒﻘﻪ واﻟﺤﺎﺿﺮ وازدﻫﺎره ﻟﺘﺴﺘﺸﺮف ﻣﻨﻬﻤﺎ آﻓﺎق اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻮاﻋﺪ.
82
ŃĘİ ķėŹĬ اﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻗﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﻳﺎﻓﻌﺔ ﻳﻮﺳﻔﻨﺎ: اﻟﻨﻬﻀﺔ ﻻ ﺗﺒﺪأ إﻻ ﺑﺎﻻﻧﺘﻈﺎم ﻓﻲ ﺗﺮاث
Ì$ Ø ' , p# ÎÃ /Ø Â Ø Ù . # É ± (# £ Ì$ Ø ' Øp # / # Í Ð' ÛÊ Î . ]Ú µ # Í # " %Ê $# ªÙ }. ]Ð'ª# % Ã Ê Û # ã . # Û+ µ (ÙÉ
ĞŔŹűŬ ĞƀŜĘšĤ ĞƀĤėĸĠ
ﺗﺼﺪر ﻋﻦ: ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث -ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،أﺑﻮﻇﺒﻲ
.ÌØ # Ù Ù 3 # Ä . Ê . ]Û # Ð /# ÛÂ Ï p /# . Û & ¹ Í2 2 }p Ï} Ð (Ø 2 µ,Í Ú} Ï} , ' Û# # Í / Û 0 Û+. ] )µØ -Í}. ]), /$ . Î# Ï p . Û ´ Û # # Ï} pÊ . . ¢ê ' / # 1# / pØ Á3 ¢ /+. ] Ã$ £'. /Î '. p ' Ù
اﳌﴩف اﻟﻌﺎم
96
ƁŔŸķĺŭŨė ĴŭĬč Ĵŀėķ ùij
ĊėĸŕŁŨė ğĘſĘťĬ
ﻣﺪﻳﺮ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ
ﻳﻤﺮ ﻣﺸﺤﻮن ﺑﺺ اﻟﺒﻨﺎت ّ ّ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ ﻳﻮﺛﻖ ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺒﻨﺎت ÛÂ # )Ù$ ª ' 1$ Î# " É % °
b b }. äÙ° Û´ (# Ï Ê# ÙÎÙ } ] 3 # ÛÂ pØp
b Ð' .} p# . Ù$ # Ð' / ±$# ¢ b ' \)$ # p(# 1# +¦ . + Î }. , Ù Ï} } (# ÄÙ Â .pÊÎ#
. 2Ô Ð' !#¥ 1# '. \ ,(Ù$ # c ( (# %+ :Ï/# Ø /Í .
ŲſĴŨė ĊǟŔ ĴƀŨŸ اﻻﺧﺮاج واﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ﻏﺎدة ﺣﺠﺎج
اﳌﻮﻗﻊ ﻋﲆ اﻹﻧﱰﻧﺖ: www.mags.ae
ﻋﻨﺎوﻳﻦ اﳌﺠﻠﺔ
øijĴŕŨė ŸķĸĭŬŸ ĊėĸŕŀŸ ęĘDžġŤ اﻟﻔﺎﺿﻞ أﺑﻮﻋﺎﻗﻠﺔ ،ﺧﺎﻟﺪ ﻣﻠﻜﺎوي ،ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻴﻮﻣﻲ ،ﻣﺤﻤﺪ ﺷﺤﺎﺗﻪ ﻋﻠﻲ ،ﺳﺮور ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﻜﻌﺒﻲ ،د .ﻋﻤﺮو ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻣﻨﻴﺮ ،د.ﺻﺪﻳﻖ ﻣﺤﻤﺪ ﺟﻮﻫﺮ ،ﻣﺤﻤﻮد ﺷﺮف ،ﻋﻠﻲ ﻛﻨﻌﺎن، د.رﺳﻮل ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل ،ﻫﺸﺎم ﺑﻨﺸﺎوي ،د.ﺳﻌﻴﺪ ﻳﻘﻄﻴﻦ ،د .راﺷﺪ اﻟﻤﺰروﻋﻲ ،أﺣﻤﺪ ﻓﺮﺣﺎت ،ﻋﺎﺋﺸﺔ اﻟﺪرﻣﻜﻲ ،ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻤﺰروﻋﻲ ،ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻄﻴﺔ ﻣﺤﻤﻮد ،د.ﺳﻌﻴﺪ أﺻﻴﻞ، ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻴﺪ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ،ﻣﺆﻳﺪ اﻟﺸﻴﺒﺎﻧﻲ ،رﺷﻴﺪ اﻟﺨﺪﻳﺮي ،ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺮﻛﺔ ،د.ﻣﺤﺴﻦ اﻟﺮﻣﻠﻲ، د.رﺷﺎ ﻏﺎﻧﻢ ،ﻟﻮﻟﻮة اﻟﻤﻨﺼﻮري ،ﻓﻴﺼﻞ رﺷﺪي ،أﺣﻤﺪ ﻋﻠﻮة ،ﻧﺎﺻﺮ ﻋﺮاق ،أﻧﺲ اﻟﻔﻴﻼﻟﻲ، ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻋﻄﻔﺔ ،راﻧﻴﺎ ﻫﻼل ،د.ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺣﻤﺪ اﻟﻤﺰروﻋﻲ.
: Ø # . 2 Û ¸/ - p (# Ù # '2 'waleedalaa@hotmail.com : Ø # Øp
'00971556929190 :%Ø / 026666130 :Ä + ' p( } : Ø©/ # ".Õ marketing@cmc.ae +971 56 3150303
اﻻﺷﺘﺮاﻛﺎت : #.p# ¢ Ð' Âç# /)+ 100 : 'è #. %¢ Âç# b b Õ($# / (+ 150 : #.p# %¢ Õ($# - (+ 150 .)+ 200 #.p# ¢
} Ø©/ -&3 é# Û ¸/
02 4145050 : Â 8002220 : ÛÍ (# )É # +971 02 4145000 : £# Ð' " 3# distribution@admedia.ae
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
7
106
اﻟﻤﺤﺘﻮﻳﺎت ijĴŕŨė ğĘſŹġĭŬ ﻲ 8ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ اﻟﺘﺮاﺛﻲ ﻳﻮاﺻﻞ رﺳﺎﻟﺘﻪ ﻓﻲ ﺣﻔﻆ اﻟﻤﻮروث وﻧﻘﻠﻪ ﻟ$ﺟﻴﺎل 12ﺳﻮﻳﺤﺎن؛ اﻟﻔﺎﺗﻨﺔ اﻟﻤﺴﺘﻠﻘﻴﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺸﻤﺲ 50ﻣﺼﺎﻟﺤﺔ ﻟﻐﻮﻳﺔ ﺿﺪ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻟﺘﻠﻔﺮﻳﻚ ا<ول!
52 60اﻟﺮاوي واﻟﻤﺮوي ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻮراﻗﺔ ا?ﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ 62ﺻﻮرة اﻟﻤﺮأة ﻓﻲ اﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ 67اﻟﻤﺜَﻨﱢﻲ ،اﻟﻤﺜﻠﱠﺚ ،اﻟﺮﺑﺎﻋﻲ 80اﻟﺸﺎﻋﺮة اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﺜﻤﺎﻟﺔ 86اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻣﺸﺮوع ﺗﻨﻤﻮي 88آﺧﺮ ﻣﺨﻄﻮط ﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﺒﺸﻴﺮ اﻟﺒُﺮﺗﻠﻲ 91ا<ﺳﺎﻃﻴﺮ وﻇﻠﻢ اﻟﻘﺪﻳﻢ !! 92ﻟﻴﺎﻟﻲ دﺑﻲ؛ وﻋﻲ اﻟﺴﺎرد واﺳﺘﻠﻬﺎم اﻟﺘﺮاث 94إﺣﻴﺎء اﻟﺘﺮاث ا?ﻣﺎراﺗﻲ ﻧﻤﻮذج ﻋﺮﺑﻲ ﻓﺮﻳﺪ 99ﺳﺆال اﻟﻤﺴﺎواة؟ 100ﺣﻜﺎﻳﺎت ﻋﺘﻴﺞ ﺑﻦ روﺿﻪ وﺳﻴﺪ اﻟﺨﻮد ﻣﻊ ﺟﺎﺑﺮ ﺟﺎﺳﻢ
105ﻓﻲ ﻧﻘﺪ اﻟﻨﱠﺺ اﻟﺘﺮاﺛﻲ 106أﺳﻄﻮرة ﺛﻤﺎر اﻟﺘﻮت اﻟﺤﻤﺮاء
109ﺻﻨﺪوق اﻟﻌﺮوس 110اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ وﺷﻌﺮ اﻟﻔﺼﺤﻰ 112ﺳﻮق واﻗﻒ؛ راﺋﺤﺔ ﻏﺮﻓﺔ ﺟﺪﺗﻲ
ĞƀĠėķĘŬđ ğĘļėķij
117ﻛﺮﻳﺸﺒﻮ ﻏﻮﻧﺴﺎﻟﻔﺶ ﺷﺎﻋﺮ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﺨﺎﻟﺪة 118ﻟﻌﺒﺔ "ﻣﺎﻃﺎ"؛ اﻧﺘﺼﺎر ﻟﻘﻴﻢ اﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ اﻟﺴﻌﺎدة واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ وﺟﻬﺎن ﻟﻌﻤﻠﺔ واﺣﺪة
121 122ا?ﻣﺎرات ﺿﻴﻒ ﺷﺮف ﻣﻌﺮض ﻛﺘﺎب اﻟﺪار اﻟﺒﻴﻀﺎء 124ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ ﻳﻮﺛﻖ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺘﺮاث 127ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ 2016 128اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﻨﻮﺑﻴﺔ ﻗﺒﻞ آﻻف اﻟﺴﻨﻴﻦ 130اﻟﻌﺠﻮز واﻟﺒﺮد أﺳﻌﺎر اﻟﺒﻴﻊ
2 Ø 10 É - Ù 800 Ï ( Î $ - p . ÎØ Ø/ # - 2 Ø 10 Ø / # Ù # $((# - )+ 10 : p (# Ù # 'è b '(250 Ï / # - ,ÙÎ 5 ' - " Ø 200 Ð(Ù# - p . ÎØ ÐØ # $ ÙÍ æ $((# - Ù# 100 Ø / - Ù# 5000 Ï Î # - ,ÙÎ
b Ù Í/ # Ø /,( # - ÙÍ Í 4 Ù Ù$# Ø Ù+ ( # - (+ 20 Ù ½(# $((# - Ï ÎØ ÐÙ $Â - ÎØ 2500 Ë # - Ï ÎØ Ù(° ,# . 2. 5 pÎ . Ù Ù'æ p (# Ø2/# - . /Ø 4 Û . .æ 2 ". - Í Â 7 Ø/ - ,ÙÎ 3 ÙÍ Ø - Ï ÎØ
6
اﻟﻤﺤﺘﻮﻳﺎت
ķĸĭŭŨė ŲŬ 53 şşĘŜǠė ijĘƀĠķė ﺻﻴﻠﺔaﺳﻌ ًﻴﺎ وراء اﻟﺠﻴﺎد ا
اﻟ ﱢﺮﺣﻠﺔ ﱠ ١٩١٠ ﺎﻣ ﱠﻴﺔ ِ اﻟﺸ
ﻓﻼجe وﻗﺼﺔ ا،ﺳﻮﻳﺤﺎن اﻟﻔﺎﺗﻨﺔ Ì( pÉ. ]-ÎÙ Ï ' 1# Ù# ^Û . , # %+} »
ͪ ¢ Ù ),Í p .. ), ¥ ÛÂ Û . # Ï (# / 2 ¦+
Ù # #/' , Ï} $ # *¦+ Û ¹Î# Ã$Ø ' ".} .. ] , hØ Ð' +pÙ ªÙÙ( Ù ¢. $Ù æ Ù #
Ù 1$ / # ÛÂ ' ¼ & ±# 1# *¦+ - $
. . . Î+ + / . Ð / ph . ] Ép } -# ,Ã . $Ù }
/ } 1 ] Ù æ Ë/Î# % °. -Í/#. %' # ã 1 Û° % ),#/Ê
.)Ù Î# , pØ ÐÙ %£Î# pØ ÄÙà ] Ê Î(# Î } # %+æ ¦+ % %ÊÍ Û # pØ © Ð Ï $ Ï ,'
Ì 1 # 1$ e(# - ²Ù Ø ã © % % 1 Ø/Ã . ' ÛÂ .- )¼ ÌÙÍæ Û´ (# Ï ,(# ,( ã / .%Ù( # )+ . p æ Û
Ï ,(# Î . Ï} p 1 ! ¥ ÛÂ /Ã ' 1Ê . ! $Ù£' 2 .« Ù # %¼ ±' 1# Íp . Ï ,' Ù ½ (,' Ð' Ú¦# $É / } %´ Ã# %Ù'ª# ($ *¦+ b Ø Ê Î# &pÊÙ# b , Î'. pb Ù 2016 & # - . ÛÂ Û # pØ © Ð Ï $
68 ŪĔĘěšŨė Ċėĸŕŀ ŀ اﻟﻌﻮﻳﺲmاﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ا
b ÄÙ . ]Ï ,(# Ï Ø/ Ï É3 % ±# (,' ´ ' ÊÙ°
ﺷﺎﻋﺮ اﻟﻮﻧّﺔ
.Ï ÛÂ Ú É . Û Ù Û ÛÂ Ê ª Î( -Í. pÊØ
f f h %
" # ph Ï %
.-$ ' 'è Î Ï} %É
#.p# Ú µ # - /# Í/ ' )+} p } 1$ ¦Â Í ÃÍ !#¦ p # ¦+ ÛÂ
pØp # Û ±# " Ù£# Û ÙÎ+¦# , / "ª¼ Û  µ Û # . 'è . Ø / æ . Ù£Ø # p . # Ð' ] ÃÉ. Ð' } Ì ' Ã Û # Ù$£# ÛÂ. 'è Û 3Âæ ¦+ Û ÎÃ$' Ï/ Ø Ï} Í ¢ 3Âæ -$ ( Ú¦# Û (# # ¦+ & '}
¥ pÎ ,Î 1μ 2 Û # . (# © ~ Á Ø. &pÊØ ÙÃØ Í ¢ p # b
Û # (# / æ 1$ ªÙ # ' ] Ù$£# . 'è ÛÂ 3Âæ Û # . ÐÙ # 3Â} ' -$# -( pØ © ¤Ù±# Õ(# ÛÍ # pã Ê# , Î
.Û ( 2 Ì Î# Ø ¹Î# ÙÊÙ )+} Ï/ ,Ù 0}
. pÙÃ'. (' É ) # / Í
5
2016 ﻣﺎرس197 اﻟﻌﺪد/ ﺗﺮاث
),($ . ), ± .ph Ï . .),Î' ph ),É3¢}. ), ' ,± ±# % % .), ' ph ] Ù£# %( # ), . ),ã .
h Ð' h '. ,Ù h ( . Ù # - $Ê 'p -(¹Í. - Ì$ . h - Í.. - p ´} 1 ]-#/É Û Î ] Ù # * (
h Ð pÙ ±# Í. Ð +Ô ÊØ .} , ( Ø Ð' +ª Ù(Ø 2 h
b h * Ú¦# . ]- Í.. * ± ' ½' Ï Ú¦# Û$' ,# Ù * ( Ä Î' ÛÂ /+. Û$' ,# ÛÂ/ Ù - - Ì $Ø )#. .&1919 &
Ð -$# p Ð Ï $ Ð -$# p Ð p( Ù # ±# -Í .Û ' ±# Ø/ # pØ '
اﻟﻤﺤﺘﻮﻳﺎت ijĴŕŨė ğĘſŹġĭŬ ijĴŕŨė ŞũŬ
ﻗﺼﺔ اeﻓﻼج ﺑﻴﻦ اaﺳﻄﻮرة وا3ﻧﺠﺎز
/ ¼ Ù Û )¼ Î ' % ± ¤Ø # . " Ù£# Î Â µ Û # Ù$£# Ê Î' Û $Ã# 1Ê Ø. . Ù ±# $Ù£(# Û 3Âæ
), Ã & Ø} Ã 1$ ÐÙ'pÉæ pØ , ¢ Í É pb Øp
¡ Î' Û ²Ù # . Ê # . Ê 2 Ð' /Î ( Ù# ]"©æ ¦Î' Ù Ê# ) # . Ï. # . Û p æ É Î# $Ã# %ÊΠ. É ]p /# ( (# Â} ÐÙ Ú É2 %' # . Û ( 2 ) 3 # . ]pØ © ¤Ù±# Ù # % # -$  ' Û , . ¥ ½$ Û # Ê# Û+. (.ÐÙ # 3Â} ' -$# -
16ﺷﻌﺮ :ﻳﺎ ﻃﺎﻟﺒﻴﻦ اﻟﻌﻠﻢ ﺳﻴﺮوا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻴﻌﺎد 18ﻗﺼﺔ اaﻓﻼج ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ؛ ﻧﻈﻢ ﺣﻴﺎﺗﻴﺔ وﻋﺪاﻟﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ 24اaﻓﻼج ﻓﻲ ا3ﻣﺎرات 26اﻟﻨﺴﻖ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻣﻊ اaﻓﻼج ﻋﺮﻳﻒ اaﻓﻼج؛ ﺣﺎﻛﻢ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻤﻴﺎه 30 ّ 38اaﻓﻼج؛ ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ﺑﺎﻟﺒﺼﺮ واﻟﺒﺼﻴﺮة 44أﻓﻼج اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اaﺳﺎﻃﻴﺮ واﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ
124 4
اﻟﻤﺤﺘﻮﻳﺎت
ğēĴĜ ēĴżŨĔŠ
ﺟﻤﺎل اﻟﺘﺮاث
ﻓﻲ ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ ص 124 ﺗﺼﻮﻳﺮ -ﺣﺴﻦ ﻣﺼﻄﻔﻰ
turath_cmc @turath_cmc
ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﻨﻮﻋﺔ ﺗﺼﺪر
ﻋﻦ ﻧﺎدي ﺗﺮاث ا3ﻣﺎرات اﻟﻌﺪد 197ﻣﺎرس 2016
ﺳﻮﻳﺤﺎن .. اﻟﻔﺎﺗﻨﺔ اﻟﻤﺴﺘﻠﻘﻴﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺸﻤﺲ إﺣﻴﺎء اﻟﺘﺮاث ا0ﻣﺎراﺗﻲ ﻧﻤﻮذج ﻋﺮﺑﻲ ﻓﺮﻳﺪ ﺷﺎﻋﺮ اﻟﻮﻧّﺔ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ا mاﻟﻌﻮﻳﺲ ﺳﻮق واﻗﻒ .. راﺋﺤﺔ ﻏﺮﻓﺔ ﺟﺪﺗﻲ
ﻳﺎﻓﻌﺔ ﻳﻮﺳﻔﻨﺎ: اﻟﻨﻬﻀﺔ ﻻ ﺗﺒﺪأ إﻻ ﺑﺎﻻﻧﺘﻈﺎم ﻓﻲ ﺗﺮاث
اﻟﻨﺴﻖ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ
ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ
زاﻳﺪ
ﻣﻊ اeﻓﻼج