إﺻﺪارات ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث -ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،أﺑﻮﻇﺒﻲ
ﻣﻦ ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﻧﺎدي ﺗ ﺮاث اﻹﻣﺎرات ﰲ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﻳﻮم اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻮﻃﻨﻲ ،اﻟ ﺮاﺑﻊ ﻣﻦ ﻓ ﱪاﻳﺮ، ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﺒﺎﻫﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﰲ أﺑﻮﻇﺒﻲ
ﺑﺮزة ﺗﺮاث
£ óġĹĕĩ ķñ z ïĹĴį y ~ăĭþ ôİñ "أﻛﺘﺐ ﻣﺎ ﻳﺴﻌﻔﻨﻲ ﺑﻪ ازدﺣﺎم اﻷوﻗﺎت ﺑﺎﻟﻮاﺟﺒﺎت ،وﻣﺎ ﺗﺴﻌﻔﻨﻲ ﺑﻪ اﻟﺬاﻛﺮة ﻣﻦ ﺳﻨﻮات وذﻛﺮﻳﺎت.أﻛﺘﺐ ﺳﻴﺮة ﻏﻴﺮ ﻣﻜﺘﻤﻠﺔ،ﻟﻌﻠﻬﺎ ﺗﻜﻮن ﺑﺪاﻳﺔ ﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺟﺰء ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ دوﻟﺘﻨﺎ ،ﻧﺨﻠﺪه ﻟﻸﺟﻴﺎل اﻟﻘﺎدﻣﺔ " .ﻫﺬا ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻛﺘﺎب ﻗﺼﺘﻲ ،ﻟﺼﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم ،ﻧﺎﺋﺐ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ ،رﺋﻴﺲ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻮزراء ،ﺣﺎﻛﻢ دﺑﻲ. ﺳﺮد ﻣﺘﻨﻮع ،ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻣﺮة ﻋﻨﺪ ﻟﺤﻈﺎت إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﻌﺒﺮة ،ﻳﺤﺒﺲ اﻷﻧﻔﺎس ﻓﻲ ﻣﻮاﻗﻒ أﺧﺮى ،ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳﻨﺸﺮ ﻷول ﻣﺮة؛ ﻟﻬﺬا ﻓﻤﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﺟﺪا ً وﺻﻒ اﻟﻤﺘﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪأ ﺑﻘﺮاءة اﻟﺴﻴﺮة ،وﻳﺴﺘﻤﺮ اﻟﺸﻐﻒ ﺑﺎﻟﻘﺮاءة إﻟﻰ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻜﺘﺎب ،ﻳﺮاﻓﻘﻪ اﻹﻋﺠﺎب واﻟﺸﻜﺮ ،ﻷﻧﻪ ﺷﺎرﻛﻨﺎ ﻗﺼﺼﻪ اﻟﺘﻲ أﺻﺪرﻫﺎ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﻋﺎﻣﺎً ﻗﻀﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻮﻃﻦ. ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻛﺜﻴﺮا ً ﻋﻨﺪ ﻣﺎ ذﻛﺮه ﻋﻦ واﻟﺪﺗﻪ ،اﻟﺸﻴﺨﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﺑﻨﺖ ﺣﻤﺪان ُ آل ﻧﻬﻴﺎن -رﺣﻤﻬﺎ اﻟﻠﻪ ،-اﺑﻨﺔ ﺣﺎﻛﻢ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ،1922-1912 وزوﺟﺔ اﻟﺸﻴﺦ راﺷﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم ،ﺣﺎﻛﻢ دﺑﻲ ،و رﻓﻴﻘﺔ درﺑﻪ. ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ ﻋﻦ واﻟﺪﺗﻪ ﺳ ّﺪ ﻧﻘﺼﺎ ﻛﺒﻴﺮا ً ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻤﺮأة ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ﻗﺒﻞ اﻻﺗﺤﺎد ،ﻓﻘﻠﻴﻠﺔ ﺟﺪا ً ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎوﻟﺖ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﺿﻮع. ﻣﺎ أﻋﺠﺒﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﺮد اﻟﺬي ﺑﺪأ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻠﻐﻮي واﻻﺻﻄﻼﺣﻲ ﻻﺳﻢ واﻟﺪﺗﻪ اﻟﺸﻴﺨﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺤﻀﺮ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻨﻌﻮﻣﺔ واﻟﺮﻗﺔ واﻟﺮﻓﻖ واﻻﻧﺸﺮاح؛ ﻟﻴﺘﺤﺪث ﻋﻤﺎ ﻏﻤﺮت ﺑﻪ أﺑﻨﺎءﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺔ وﺣﻨﺎن ،وﻣﺎ اﻛﺘﺴﺒﻮﻫﺎ ﻣﻦ ﺻﻔﺎت ﻣﻤﻴﺰة ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﺄﺛﺮﻫﻢ ﺑﻮاﻟﺪﻫﻢ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ –ﺑﺈذن اﻟﻠﻪ اﻟﺸﻴﺦ راﺷﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم ،و ﻣﺎ ﺗﻤﻴﺰوا ﺑﻪ ﻣﻦ ﻃﺒﺎﺋﻊ ﺷﺨﺼﻴﺔ ،ﻛﻞ ذﻟﻚ ﺳﺎﻋﺪ أﺑﻨﺎءﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺷﺨﺼﻴﺎﺗﻬﻢ اﻟﻤﻤﻴﺰة .اﻟﺤﻨﺎن واﻟﺮﻗﺔ اﻟﻠﺬان ﺗﻤﻴﺰت ﺑﻬﻤﺎ واﻟﺪﺗﻪ اﻟﺸﻴﺨﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ، ﺗﺪﻓﻘﺎ ﻋﻠﻰ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ وأﺳﺮﺗﻬﺎ اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻓﻲ دﺑﻲ ،ﺣﻴﺚ ﻣ ّﺪت ﻳﺪ اﻟﺨﻴﺮ واﻟﻌﻮن ،ﻟﻤﻦ ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪة ،أو ﻋﺮﻓﺖ ﺑﺤﺎﻟﻪ ﻣﻤﺎ أﻛﺴﺒﻬﺎ ﻟﻘﺐ أ ّم دﺑﻲ ،ﻟﺪورﻫﺎ اﻟﺒﺎرز ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة .اﻟﺤﻨﺎن واﻟﻤﺤﺒﺔ ﻳﺜﻤﺮان ﺣﻴﻦ ﺗﻜﻮن اﻷم ذات ﻋﻘﻞ راﺟﺢ وﺷﺨﺼﻴﺔ ﻗﻮﻳﺔ ،أﺑﻨﺎء ﻗﺎدة ﻣﻤﻴﺰﻳﻦ ﻳﺘﺮﻛﻮن ﺑﺼﻤﺎت ﺧﺎﻟﺪة ،ﻳﺒﻘﻰ اﻷﺛﺮ ﻓﻲ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ و ﻣﺤﻴﻄﻬﺎ ﻣﻤﺘﺪا ً ﻋﺎﺑﺮا ً ﻟﻸﺟﻴﺎل ،ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻧﻤﻮذﺟﺎ ﻟﻠﻤﺮأة اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ،ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم ،ﻗﺒﻞ ﺳﻨﻮات ،ﻋﻦ ﺗﺄﺛﻴﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ ،وﻧﺸﺮ ﻓﻲ ﺟﺮﻳﺪة اﻟﺒﻴﺎن :ﺗﺸﻜﻞ أﻣﻲ – رﺣﻤﻬﺎ اﻟﻠﻪ -ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺤﻮر ﺷﺨﺼﻴﺘﻲ ،ﻓﺈﻟﻴﻬﺎ ﻳﻌﻮد اﻟﻔﻀﻞ
130
أم دﺑﻲ :ﻟﻄﻴﻔﺔ ﺑﻨﺖ ﺣﻤﺪان آل ﻧﻬﻴﺎن ّ
د.ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺣﻤﺪ اﻟﻤﺰروﻋﻲ*
@ ﻛﺎﺗﺒﺔ وﺑﺎﺣﺜﺔ ﻣﻦ ا ﻣﺎرات
ﻓﻲ إﻛﺴﺎﺑﻲ ﻛﺜﻴﺮا ً ﻣﻦ اﻟﻘﻴﻢ واﻟﺨﺼﺎل واﻟﺨﺼﺎﺋﺺ واﻟﻤﻬﺎرات ،ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺤﻜﻢ اﻟﻮراﺛﺔ ،وﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻔﻀﻞ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ،وأﻫﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﺼﺎل واﻟﻘﻴﻢ اﻟﺘﻲ اﻛﺘﺴﺒﺘﻬﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﻮة اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ -رﺣﻤﻬﺎ اﻟﻠﻪ -ذات ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﻣﺆﺛﺮة ،وﻛﻠﻤﺔ ﻧﺎﻓﺬة ﻓﻴﻤﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ذﻟﻚ ﻳﻌﻨﻲ اﻟﺘﺴﻠﻂ أﺑﺪا ً ،ﻓﻬﻲ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻵﺧﺮ رﻗﻴﻘﺔ ،رﺣﻴﻤﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻊ اﻟﻔﻘﺮاء واﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ" .اﻟﻘﻮة ﻓﻲ ﺷﺨﺼﻴﺔ اﻟﺸﻴﺨﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﺑﻨﺖ ﺣﻤﺪان-رﺣﻤﻬﺎ اﻟﻠﻪ -ﻫﻲ ﻧﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺬات ،ﻣﻦ ﺛﻘﺔ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ،وﻗﺪرﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺎ ﺗﺼﺒﻮ إﻟﻴﻪ ،ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ وﺑﺬل اﻟﺠﻬﺪ ،ﻓﻬﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ إﻃﻼق اﻟﻨﺎر ،واﻟﺘﺤﻜﻢ ﺑﺎﻟﺤﺼﺎن واﻟﺠﻤﻞ " ،ﻛﺄﻧﻬﺎ وﻟﺪت ﻋﻠﻰ ﺳﺮج" .إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻬﺎ ﻟﻠﻨﺎس ،و ﻋﻼج اﻟﻤﺮﺿﻰ و وﺻﻒ اﻷدوﻳﺔ ﻟﻬﻢ ،ﻧﻘﻞ ﻣﺎ ﻳﻬﻢ اﻟﻨﺴﺎء وﻳﺸﻐﻠﻬﻦ ﻟﻠﺸﻴﺦ راﺷﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ .ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺜﺎﻻً ﻟﻠﻘﻮة ﻓﻲ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ،ﻟﻬﺎ ﺟﻨﺎﺣﺎن ،اﻟﻤﺤﺒﺔ واﻟﺮﺣﻤﺔ ،واﻟﻘﻮة واﻟﺤﺰم، ﻳﺘﻜﺎﻣﻼن ﻣﻌﺎً؛ ﻟﻬﺬا اﻗﺘﺪت ﺑﻬﺎ اﻟﻨﺴﺎء وﺗﻌﻠّﻤﻦ ﻣﻨﻬﺎ. إن ﻣﺤﺒﺔ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ ﻟﻮاﻟﺪﺗﻪ ﻛﺒﻴﺮة ،ﻻ ﺗﺘﺴﻊ ﻟﻬﺎ اﻟﻜﻠﻤﺎت، ﻟﻬﺬا ﻳﺴﺘﺤﻀﺮ ﺷﻌﺮ ﻧﺰار ﻗﺒﺎﻧﻲ ﻋﻦ ﺑﻠﻘﻴﺲ ،ﺣﻴﻦ أﻫﺪاﻫﺎ ﻏﺰاﻻً ﺗﺮﻛﺘﻪ أ ّﻣﻪ؛ ﻟﻴﺮﺳﻢ ﺑﻜﻠﻤﺎﺗﻪ ذﻛﺮﻳﺎﺗﻪ ﻋﻦ واﻟﺪﺗﻪ وﻫﻲ " ﺗﻤﺸﻲ ،وﺧﻠﻔﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﺰﻻن ،اﻟﺘﻲ اﻋﺘﻨﺖ ﺑﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﺻﻐﺮﻫﺎ ﺗﺮاﻓﻘﻬﺎ ،وﺗﺘﺎﺑﻌﻬﺎ أﻳﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ...ﻛﺎﻧﺖ أﻣﻲ أﻃﻮل اﻟﻨﺨﻼت.ﻛﺎﻧﺖ إذ ﺗﻤﺸﻲ ﻳﺮاﻓﻘﻬﺎ ﻏﺰال، وﺗﺘﺒﻌﻬﺎ ﻋﻨﺎﻳﺔ اﻟﺮﺣﻤﻦ" .ﺗﺒﻘﻰ اﻟﺸﻴﺨﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﺑﻨﺖ ﺣﻤﺪان ﻣﺜﺎﻻً وﻧﻤﻮذﺟﺎً رﻓﻴﻌﺎً .ﻻ أﺣﺪ ﻣﺜﻞ اﻷم ،ﻻ أﺣﺪ ﻳﺸﺒﻬﻬﺎ .ﻟﻬﺬا ﻳﺒﻘﻰ ﺳﺆال اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ ﻋﻠﻰ ﻋﺪة ﺻﻔﺤﺎت ﻳﺘﻜﺮر ،ﺑﺸﻜﻞ أو ﺑﺂﺧﺮ: ﻣﻦ ﻳﺸﺒﻬﻚ ﻳﺎ أﻣﻲ؟ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ أﻣﻲ؟ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ أﻣﻲ؟ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﻟﻄﻴﻔﺔ؟ رﺣﻢ اﻟﻠﻪ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﺑﻨﺖ ﺣﻤﺪان آل ﻧﻬﻴﺎن ،ﻛﺎﻧﺖ راﺋﺪة ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻫﺎ، وﻣﺜﺎﻻً ﻳﺤﺘﺬى ﺑﻪ
ﻣﺪار
¡ ïĴĉĭċ x~ąÿďĩ~ ąĭģ ﻗﻠﺐ ،وأﻣﺮتُ ﻟﺴﺎﻧﻲ أن ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺼﺤﺮا ُء أﻏﻨﻴﺔ ﻟﺤﻔﻈﺘﻬﺎ ﻋﻦ ﻇﻬﺮ ٍ ﻳﺮ ّدد ﻟﺤﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﻤﺖ اﻟﻮدﻳﺎنِ وﺳﺮﺣﺎن اﻟﺴﻬﻮل .ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻷﺻﻞ ﺑﺤ ٌﺮ ،واﻟﻤﺪى ﻓﻲ ﺗﺮﺣﺎﻟﻬﺎ ﺳﻔ ٌﺮ اﻟﻰ ﺑُﻜﺎرة اﻷرض وأﺻﻠﻬﺎ .ﻳﻮﻣﺎً ،ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺟﺘﻤﻊ اﻟﺒﺸ ُﺮ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﻘﺔ أﻓﻜﺎرﻫﻢ وأﻃﻠﻘﻮا اﺳﻢ اﻟﺮﻣﻞ ﻋﻠﻰ ذراﺗﻬﺎ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ .وﻳﻮﻣﺎً ،ﺣﻴﻦ ﺻﻌﺪتْ اﻣﺮأ ٌة ﺑﺪوﻳ ٌﺔ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ ﻧﺎﻗﺔ وﻓﻲ ﻳﺪﻫﺎ درب وﺗﺘﺤﺪى ﻏﺮور ﺳﻴﺎط اﻟﺒﺮق ،وراﺣﺖ ﺗﺤﺮثُ اﻟﺮﻳﺢ درﺑﺎً ﺑﻌﺪ ٍ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ .ﺛﻢ ﺟﺎء ٌ رﺟﺎل ﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﻘﻮاﻣﻴﺲ وﺧﻄّﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻣﻞ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻓﻲ اﻟﺤﻨﻴﻦ واﻟﻮﺟﺪ وﻟﺬّة اﻟﻨﺄي ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻠﻖ اﻷﺑﺪي .أﻧﺎ أﻳﻀﺎ ،ﺻﻌﺪتُ ﺗﻼﻟﻬﺎ دﻫﺮا ً أﻓﺘّﺶ ﻋﻦ ﺳﻴﺮة ﻣﻦ ﻣﺮ ّوا ﻫﻨﺎ ،وأﻗﺼﺪ ﺳﻴﺮة اﻷﺛﺮ اﻟﺬي ﻳﻮﻟ ُﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻼﺷﻲ ،وﻳﺪوم ﺧﺎﻟﺪا ً ﻓﻲ اﻻﺧﺘﻔﺎء .ﺗﻼً اﻟﻰ ﺗﻞٍ ﻣﺸﻴﺖ وﻟﻜﻦ ُ ﺗﻜﺴﺮت ﻇﻼﻟﻲ ﻋﻨﺪ ﻛﻞ ﻣﻐﻴﺐ .وﻧﺠﻤﺔ ﺑﻌﺪ ﻧﺠﻢٍ ،ﻛﻨﺖ أﻋ ﱡﺪ دﻗﺎﺋﻖ ّ أﻓﻨﻴﺖ ﻋﻤﺮي ﻛﻠﻪ .ﺗﻌﺎﻟﻲ إذن ،أﻛﻠﺘﻨﻲ ﺷﻬﻮة أن أﻣ ّﺪ اﻟﻮﻋﺪ وﻓﻴﻪ ُ ﻣﺸﻴﺖ ﻃﻮﻳﻼً ،ﻟﻢ رأﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﻐﻤﻮض ﻟﻌﻠﻲ أرى وﺟﻪ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ .ﻧﻌﻢ ُ أﺷﺮب اﻟﻨﺪى إذا ﺗﻘﺎﻃ َﺮ أﺻﻞ ﻳﻮﻣﺎً ﻟﻨﺒﻊٍ إﻻ ﻷﻧﻲ ُ أﻻﺣﻖ ﺳﺮاﺑﻪ .ﻫﺎ أﻧﺎ ُ أﻣﺺ اﻷﻏﺼﺎن اﻟﻴﺎﺑﺴﺔ ،ﻣﺘﻜﺌﺎً ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺮةً، ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻄﺮﻳﻖ .ﻫﺎ أﻧﺎ ﱡ أﻛﺶ ﺑﻬﺎ ﺿﺒﺎب اﻟﻤﺼﻴﺮ .ﺗﻌﺎﻟﻲ إذن ،ﻫﺎ أﻧﺎ ﻗﺪ وﺻﻠﺖ ﻧﻬﺎﻳﺔ وﻣﺮ ًة ﱡ اﻷرض وﻟﻢ أﺟﺪ ﺑﻌ ُﺪ ﻋﺘﺒﺔ أو ﺑﺎﺑﺎً أﻃﺮﻗﻪ ﻟﻌﻠﻚ ﺗﺴﺘﻴﻘﻈﻴﻦ. ﻛﺎن اﻟﺰﻣﺎن ﻗﺪ ﺗﻜﺜﻒ أوﻻً ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺣﺒﺔ رﻣﻞٍ ،ﺛﻢ ﻣﻦ ﺑﻄﻨﻬﺎ ﺗﻜﺎﺛﺮت اﻟﺼﺤﺮاء ﻓﻲ ﻓﻴﺎﻓﻲ ﻻ ﺣﺪود ﻟﺘﻀﺎرﻳﺴﻬﺎ .وﻛﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺸﺮ أن ﻳﺘﺪﺛﺮوا اﻟﺸﻤﺲ ﺑﺎﻟﻨﺎر ﻗﺒﻞ اﻟﻮﻟﻮج اﻟﻰ ﻋﻮاﻟﻤﻬﺎ اﻟﺨﻔﻴﺔ .ﻓﺠﺮا ً ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﻄﻊ ُ ﺑﻜﺎﻣﻞ وﺟﻬﻬﺎ ﺻﻔﺮاء ﻓﻮق أرض ﺻﻔﺮاء ،ﻳﻜﻮن اﻟﻮﺿﻮح ﻗﺪ ﻏﺴﻞ ﺣﻞ وﻃﻞ ﻣﺒﺘﺴﻤﺎً ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺒﺪاﻳﺔ .وﻟﻴﻼً ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﺤﻠّﻖ اﻟ ﱡﺮ ُ وﺟﻬﻪ ّ ﺣﻮل ﺟﻤﺮ اﻟﻤﺴﺎء وﻫﻢ ﻳﺼﻐﻮن اﻟﻰ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﺨﻠﻖ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻮﻟ ُﺪ أو ﺗ ُﻌﺎ ُد ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ،وﻻ ﺗﺠﺮؤ اﻟﻀﻮاري ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺎس ﺑﺴﻜﻮﻧﻬﻢ .وﻓﻲ اﻟﻌﺎدة ،ﻻ ﻳﺪ ّو ُن اﻟﺮﻋﻴﺎن ﻣﻘﺎﻣﺎﺗﻬﻢ ،ﻟﻜﻦ ﺗﺮﻧﻴﻤﺔ اﻟﻨﺎي ﺗﺴﺮي ﻓﻲ ﻗﻠﻮب ﻋﺸﺎقٍ ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮا ﺳﻮى ُﺣﺴﻦٍ أﺷﺪ ﺑﺮاري اﻟﺤﻨﻴﻦ وﺗﺼﻞ اﻟﻰ ٍ ﻣﻦ وﺟﻪ اﻟﻘﻤﺮ ،وﻟﻢ ﺗﻜﺘﺰ ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﻢ إﻻ ﺑﺎﺳﻤﺎء ﻋﺸﻴﻘﺎت ﻳﺮﻗﺼﻦ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺧﻴﺎم اﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻞ وﻻ ﻳﺮى ﺿﻮء وﺟﻮﻫﻬﻦ أﺣﺪ .ﻛﺄﻧﻤﺎ اﺳﻄﻮرة اﻟﺼﺤﺮاء ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺳ ّﺮﻫﺎ وﻏﻤﻮﺿﻬﺎ ،أو رﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻻﻣﺘﺪاد اﻟﺬي ﺗﻤﻞ اﻟﻌﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﺮﺣﺎن ﻓﻴﻪ. ﻻ ﱡ ِ ﻋﺒﺮﺗﻚ ﺳﻄﺮا ً ﺑﻌﺪ ﻛﺘﺎب ﺑﻼ ﺑﺪاﻳﺔ أو ﻧﻬﺎﻳﺔ. أﺣ ّﺒﻚ أﻳﺘﻬﺎ اﻟﺼﺤﺮاء ﻷﻧﻚ ٌ ِ وﺗﺄرﺟﺤﺖ ﺧﻔﻴﻔﺎً ﻓﻲ ﻫﺒﻮب ﻧﺴﻴﻤﻚ ﻣﺤﻤﻮﻻً وﻣﻌﻠﻘﺎً ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺮٍ، ُ ﺧﻴﻂ ﺧﻴﺎل .ﺿﺎﺟﺎً ﻣﻦ اﻟﻤﺪن اﻟﺘﻲ أﻛﻞ اﻟﻄﻨﻴ ُﻦ ﺳﻜﻮﻧﻬﺎ ،ﻣﻦ اﻟﺸﻮارع اﻟﻤﺨﻄﻮﻓﺔ ﺑﺎﻟﺰﺣﺎم اﻵﻟﻲ ،ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺮ اﻟﻼﻫﺜﻴﻦ وراء ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺰول.
ﻋﺎدل ﺧﺰام * @ ﺷﺎﻋﺮ وﻛﺎﺗﺐ ﻣﻦ ا ﻣﺎرات
وﻛﺄﻧﻤﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ُدﻓﻨﺖ وإﻟﻰ اﻷﺑﺪ ﻓﻲ ﺣﻜﻤﺔ اﻟﺼﻤﺖ .وﻛﺄن اﻟﺠﻮﻫﺮ ﻧﻠﺞ اﻟﺼﺤﺮاء وﻧﺤﻔﺮ اﻟﺼﺎﻓﻲ ﻟﻬﺬا اﻟﻮﺟﻮد ،ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳُﺪرك ،إﻻ ﺣﻴﻦ ُ ﻓﻲ ﻧﻌﻮﻣﺔ ذﻛﺮﻳﺎﺗﻬﺎ ﻋﻦ ﻓﻜﺮة اﻟﺰوال ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻷﻧﻘﻰ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ أﺣ ٌﺪ أن ﻳﺮاﻫﺎ .ﺗﻌﺎﻟﻲ إذن ،اﺣﻤﻠﻲ ﺷﻤﻌﺔ اﻷﻣﻞ وﺗﻘﺪﻣﻲ ﺑﺎﺗﺠﺎه اﻟﺼﺤﺮاء .ﺗﺠﺪﻳﻨﻨﻲ ﻣﺘﻘﻠﺒﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺜﺒﺎن ﻓﻲ رﻗﺼ ٍﺔ ﺣﺮ ٍة .ﻣﺴﺘﻠﻘﻴﺎً ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ ﺗﻞٍ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎر ،وﻣﺴﺘﺤﻤﺎً ﺑﺸﻼل ﺿﻮء ﻓﻲ اﻟﻠﻴﻞ ،وﻋﻠﻰ ﻓﻤﻲ ﻟﻬﻔﺔ أن أﻗﻮل :أﺣ ّﺒﻚ .وﻟﻬﻔﺔ أن ﺗﺮاﻗﺒﻨﺎ اﻟﻨﺠﻮ ُم وﻧﺤﻦ ﻧﺪﺧﻞ ﺧﻴﻤﺔ اﻟﺼﺒﺮ ﻣﻐﺴﻮﻟﻴﻦ ﻣﻦ ذﻧﻮب اﻧﺘﻈﺎراﺗﻨﺎ .وﻻ ﻳﻬﻢ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻟﻮ ﺗﻼﺷﻴﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻬﺒﻮب ،واﺧﺘﻔﺖ ﺳﻴﺮة وﻋﺪﻧﺎ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ اﻟﺒﺸﺮ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
129
ﻣﺮﺻﺪ
اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ،وﻛﺎن ﻣﻌﻈﻢ أدﺑﺎﺋﻪ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ،وﻛﺎﻧﺖ أﺳﺒﺎﺑﻬﻢ ﻟﻠﻬﺠﺮة ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ وﻓﻜﺮﻳﺔ وﻋﻘﺎﺋﺪﻳﺔ .وﺑﻴﻦ أدب اﻟﻤﻬﺠﺮ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ،اﻟﺬي ﻏﻴﺮ أدﺑﺎؤه ﻣﻦ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻬﺠﺮة ،إذ ﻫﺎﺟﺮ ﻣﻌﻈﻤﻬﻢ اﺧﺘﻴﺎرﻳﺎً ،إﻟﻰ ﺟﻮار ﻣﻦ ﻫﺎﺟﺮ ﻗﺴﺮﻳﺎً ﺑﺴﺒﺐ ﻇﺮوف اﻟﺤﺮب واﻟﺘﻮﺗﺮ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ .وﻣﻦ أﺷﻬﺮ اﻷدﺑﺎء اﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻜﺒﺎر ﻣﺤﻤﻮد دروﻳﺶ ،وأدوﻧﻴﺲ ،وﻧﺰار ﻗﺒﺎﻧﻲ ،وأﺣﻤﺪ ﻣﻄﺮ ،وﻗﺪ اﻧﻌﻜﺴﺖ دواﻓﻌﻬﻢ ﻟﻠﻬﺠﺮة ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻬﻢ. وأﺿﺎﻓﺖ :ﻏﻠﺐ ﻋﻠﻰ أدب اﻟﻤﻬﺠﺮ اﻟﻘﺪﻳﻢ روح اﻟﺬاﺗﻴﺔ ،واﻟﺘﺄﻣﻞ اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ،ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ ،ﻣﺜﻞ أﺷﻌﺎر ﺟﺒﺮان ﺧﻠﻴﻞ ﺟﺒﺮان، وﻣﻴﺨﺎﺋﻴﻞ ﻧﻌﻴﻤﺔ .وﻓﻲ أدب اﻟﻤﻬﺠﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺗﻐﻴﺮت ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﻬﻮﻳﺔ ،واﻟﻮﻃﻦ .وﺗﻐﻴﺮت ﻣﻮاﺟﻊ اﻟﺸﻌﺮاء ﺑﺴﺒﺐ ﻟﻔﻆ أوﻃﺎﻧﻬﻢ ﻟﻬﻢ، وﺗﺨﻠﻴﻬﺎ ﻋﻦ أﺣﻼﻣﻬﻢ .وأﺷﺎر ﻫﺸﺎم ﻓﻴﺎض إﻟﻰ إﻫﻤﺎل ﻛﺘﺎب اﻟﺮواﻳﺔ واﻟﻘﺼﺔ ﺣﻴﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ أدب اﻟﻤﻬﺠﺮ ،رﻏﻢ أن أول أدﻳﺐ ﻣﻬﺠﺮي ﻛﺘﺐ رواﻳﺔ ﻛﺎن ﺷﺎﻋﺮا ً أﻳﻀً ﺎ ،وﻫﻮ أﻣﻴﻦ اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ،اﻟﺬي أﺻﺪر"زﻧﺒﻘﺔ اﻟﻐﻮر"ﻋﺎم .1915 وﻗﺎل ﻓﻴﺎض إن اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﺷﺒﻪ ﻣﻌﺪوم ﺑﻴﻦ أدﺑﺎء اﻟﻤﻬﺠﺮ واﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ .ودﻋﺎ إﻟﻰ ﺗﻜﻮﻳﻦ راﺑﻄﺔ ﺗﺠﻤﻊ أدﺑﺎء اﻟﻤﻬﺠﺮ اﻟﻤﻘﻴﻤﻴﻦ ﺑﺄوروﺑﺎ ،ﻧﻈﺮا ً ﻟﻘﺼﻮر اﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﻋﻦ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺬا اﻟﺘﻮاﺻﻞ .واﺷﺎر ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻴﻠﻮدﻏﺮاﻓﻲ إﻟﻰ إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﻣﺼﻄﻠﺢ "أدب اﻟﻤﻬﺠﺮ" ﺳﻮاء ﻓﻲ أدﺑﻨﺎ أو ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ واﻟﻔﺮاﻧﻜﻔﻮﻧﻲ، وﻗﺎل إن اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻢ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﻟﺘﺄﺛﻴﺮ اﻟﻤﻬﺠﺮ ﻋﻠﻰ اﻷدﺑﺎء ،وﻟﻢ ﻧﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ رواﻳﺎت ﺗﺘﻨﺎول أوﺿﺎﻋﻬﻢ وﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻐﺮﺑﺔ .وﻗﺎل :ﻫﻨﺎك ﻣﺮﺣﻠﺔ أﻃﻠﻘﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ "أدب اﻟﻬﺠﺮة" ،ﺑﻴﻦ ﺛﻼﺛﻴﻨﻴﺎت وأواﺋﻞ ﺳﺒﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وﻫﻲ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪت ﺻﺪور "اﻟﺤﻲ اﻟﻼﺗﻴﻨﻲ" ﻟﺴﻬﻴﻞ إدرﻳﺲ ،و"أدﻳﺐ" ﻟﻄﻪ ﺣﺴﻴﻦ ،و"ﻋﺼﻔﻮر ﻣﻦ اﻟﺸﺮق" ﻟﺘﻮﻓﻴﻖ اﻟﺤﻜﻴﻢ ،و"ﻣﻮﺳﻢ اﻟﻬﺠﺮة إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل" ﻟﻠﻄﻴﺐ ﺻﺎﻟﺢ .وأﺿﺎف :ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺎت ﻟﻢ ﺗﺘﻨﺎول ﻣﻮﺿﻮع اﻟﻬﺠﺮة ،ﺑﻞ اﻫﺘﻤﺖ ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻊ اﻵﺧﺮ. وﻓﻲ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت ﻓﻘﻂ ﻇﻬﺮ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﻬﺠﺮة ﻗﺎﺋﻤﺎً ﺑﺬاﺗﻪ ﻓﻲ اﻷﻋﻤﺎل ﻧﺪوة اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ
128
ﻧﺪوات ﺛﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺮض اﻟﻘﺎﻫﺮة اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب
اﻷدﺑﻴﺔ ،وﺗﻐﻴﺮت ﺻﻮرة اﻟﺒﻄﻞ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ اﻟﻤﺜﻘﻒ ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺸﺮاﺋﺢ ،وﻟﻢ ﻳﻌﺪ اﻵﺧﺮ أﺟﻨﺒﻴﺎً ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﺻﺎر ﻋﺮﺑﻴﺎً أﺣﻴﺎﻧﺎً، ﻓﺎﻟﺮواﺋﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺠﻴﺪ ﻛﺎن ﺳﺒﺎﻗﺎً ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد ﻓﻲ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت ﺑﺮواﻳﺘﻪ "اﻟﺒﻠﺪة اﻷﺧﺮى" اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎول ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻬﺠﺮة إﻟﻰ اﻟﺨﻠﻴﺞ .ﻛﻤﺎ ﺗﻨﺎوﻟﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺮواﻳﺎت إﺷﻜﺎﻟﻴﺎت ﻋﻮدة اﻟﻤﻬﺎﺟﺮ إﻟﻰ وﻃﻨﻪ ،وﺗﻨﺎوﻟﺖ ﺑﻌﺾ رواﻳﺎت اﻷدﺑﺎء اﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ اﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﻬﺠﺮة ﻏﻴﺮ اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻗﻮارب إﻟﻰ أوروﺑﺎ ،وﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻴﺮ ذاﺗﻴﺔ رواﺋﻴﺔ. ﻧﺪوة رواﻳﺔ دار اﻟﻌﺸﺎق
ﻓﻲ اﻟﻨﺪوة اﻟﺘﻲ ﻧﺎﻗﺸﺖ رواﻳﺔ "دار اﻟﻌﺸﺎق" ﻟﻠﺮواﺋﻲ ﻧﺎﺻﺮ ﻋﺮاق، ﻗﺎل اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺷﺎﻛﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ ،إن اﻟﺮواﻳﺔ ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ اﻟﺘﻲ ﻋﺸﻘﻬﺎ أﺑﻨﺎؤﻫﺎ ،واﺳﺘﻐﻠﻬﺎ اﻟﻄﺎﻣﻌﻮن ﻓﻴﻬﺎ .وأﺿﺎف :ﻣﻌﻈﻢ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ ﻣﻦ ﺧﻴﺎل اﻟﺮواﺋﻲ ،ﻓﻬﻨﺎك ﺷﺨﺼﻴﺎت اﺑﺘﻜﺮﻫﺎ ،وﻟﻢ ﻳﺮد ﻟﻬﺎ ذﻛﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﺗﻈﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺄﺛﻴﺮات ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﻮاﺳﻌﺔ، وﻛﺬﻟﻚ ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ اﻟﻔﻨﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮت ﻓﻲ ﺑﺮاﻋﺘﻪ ﻓﻲ رﺳﻢ اﻟﻤﺸﺎﻫﺪ واﻟﺸﺨﺼﻴﺎت .وﺗﺘﻨﺎول اﻟﺮواﻳﺔ ﻓﺘﺮة وﺻﻮل ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ ،وﺣﺘﻰ وﻓﺎة اﺑﻨﻪ اﻷول أﺣﻤﺪ ﻃﻮﺳﻮن ﺳﻨﺔ ،1816وﻋﻤﺮه ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺎوز اﻟﺜﻼﺛﺔ وﻋﺸﺮﻳﻦ ﻋﺎﻣﺎً ،وﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﻤﻼت ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻫﺎﺑﻴﻴﻦ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎز ،أي أن أﺣﺪاﺛﻬﺎ ﺗﺪور ﻋﻘﺐ ﻣﺬﺑﺤﺔ اﻟﻘﻠﻌﺔ ﺑﺒﻀﻌﺔ ﺷﻬﻮر، وﻫﻲ ﻓﺘﺮة ﻣﻬﻤﺔ ،وﺷﺪﻳﺪة اﻟﺨﺼﻮﺑﺔ ،وﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻷﺣﺪاث اﻟﻤﻔﺼﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺼﺮ .وﻳﻈﻬﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻜﻮاﺑﻴﺲ ﻋﻘﺐ ﺗﻨﻔﻴﺬه ﻟﻠﻤﺬﺑﺤﺔ ،وﺗﻄﺎرده أﺷﺒﺎح ﺿﺤﺎﻳﺎه .وﺗﻌﺒﺮ اﻟﺮواﻳﺔ ﻋﻦ اﻟﺮوح اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،وﺗﺪﻓﻌﻚ ﺑﺄﺳﻠﻮب ﻣﺸﻮق ﻟﻠﺘﻨﻘﻴﺐ ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺼﺮ، وﺗﻘﺪم ﻟﻨﺎ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﻮﺟﻬﻴﻬﺎ اﻟﺨﻴﺮ واﻟﺸﺮﻳﺮ ﻛﺈﻧﺴﺎن أﻣﺎم ﻣﺤﻜﻤﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ .ﻛﻤﺎ ﺗﻄﺮح ﻓﻜﺮة رؤﻳﺔ اﻵﺧﺮ ﻟﻠﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻗﻴﻦ ،وﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻨﻤﺎذج ﺗﺴﺘﻐﻞ ﻃﻴﺒﺔ وﻣﺴﺎﻟﻤﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻟﻤﺼﺎﻟﺤﻬﺎ .وﻗﺎل اﻟﻨﺎﻗﺪ أﺣﻤﺪ ﺣﺴﻦ إن اﻟﺮواﻳﺔ ﺗﻄﺮح إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﻤﺴﻜﻮت ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﺎﻟﺮواﻳﺔ، واﻟﺮواﺋﻲ ﻳﺘﺤﺮك ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﻲ أﻏﻔﻠﻬﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ وﻳﺴﺘﻨﻄﻘﻪ وﻳﻜﺴﺒﻪ اﻟﻠﺤﻢ واﻟﺪم .وأﻛﺪ اﻟﻨﺎﻗﺪ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺷﺮﻳﻒ ﺣﺘﻴﺘﺔ أن اﻟﺮواﻳﺔ ﺗﻤﺘﺎز ﺑﺎﻟﺮﺷﺎﻗﺔ ،واﻟﻜﺎﺗﺐ ﻳﺤﺴﻦ إدارة ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻪ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻟﺘﻮﻇﻴﻔﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺮد .وﻗﺎل ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺮواﻳﺔ ﻧﺎﺻﺮﻋﺮاق :إن اﻟﺠﺰء اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻻ ﻳﺘﺠﺎوز ،% 1دﻓﻌﻨﻲ ﺧﻴﺎﻟﻲ اﻟﺮواﺋﻲ ﻟﺘﺼﻮر ﺣﺪوث ﻛﻮاﺑﻴﺲ ﻟﻤﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﻌﺪ ﻣﺬﺑﺤﺔ اﻟﻘﻠﻌﺔ ،إذ ﻛﻴﻒ ﻟﺸﺨﺺ ﻗﺘﻞ 450ﺷﺨﺼﺎً ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺘﻴﻦ أن ﻳﺨﻠﺪ ﻟﻠﻨﻮم ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ؟ ﻛﻤﺎ ﺗﺨﻴﻠﺖ اﺳﺘﻌﺎﻧﺘﻪ ﺑﺴﺎﺣﺮ ﻟﻴﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ أﺷﺒﺎح اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ،وﺗﺨﻴﻠﺖ ﺷﺨﺼﻴﺔ اﻟﻔﻨﺎن اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ .واﻟﺮواﻳﺔ ﻻ ﺗﺪﻳﻦ ﺷﺨﺼﺎً أو ﻋﺼﺮا ً أو ﺗﻨﺎﺻﺮه ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻌﻨﻴﺔ ﻓﻘﻂ ﺑﻤﻨﺎﺻﺮة ﺣﻖ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻟﻌﺪاﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﺘﻮﺗﺮ اﻟﺬي ﻳﻤﺮ ﺑﻪ وﻃﻨﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻓﻤﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﺟﺪا ً اﺳﺘﻤﺮارﻫﺎ ﺑﺪون وﺟﻮد دﻋﻢ ﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻲ ،وﻣﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻬﻨﺎ اﻧﺘﺸﺎر اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻟﻠﻤﻮاﻗﻊ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ،واﻟﺘﻲ ﻧﺴﻌﻰ ﻟﻤﻮاﻛﺒﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل إﻃﻼﻗﻨﺎ ﻟﻤﻮﻗﻌﻨﺎ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻊ اﻟﻘﺎرىء اﻟﺮﻗﻤﻲ". ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻗﺎل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺴﻌﻮد ﺷﻮﻣﺎن رﺋﻴﺲ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة":ﻧﺤﻦ ﻧﺮاﻋﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻤﻘﺼﺪ ﻣﻦ ﻋﻨﻮان اﻟﻤﺠﻠﺔ ،وﻫﻮ ﺗﺴﻠﻴﻂ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻓﻲ أﻗﺎﻟﻴﻢ ﻣﺼﺮ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، وﻧﺮاﻋﻲ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﺻﺎرﻣﺔ ﻓﻲ ﺟﻮدة اﻟﻤﻮاد اﻟﻤﻨﺸﻮرة ،وﻻ ﻧﻨﺤﺎز ﻟﺸﻜﻞ ﻣﻌﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،وأﺿﺎف :اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻬﻨﺎ أن ﻧﺴﺦ اﻟﻤﺠﻠﺔ ﺗﻨﻔﺪ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﻓﻮر ﺻﺪورﻫﺎ ،ورﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﺠﺪﻫﺎ ﻋﺪد ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﺘﺎﺑﻌﻴﻬﺎ ﻓﻲ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﻧﻈﺮا ً ﻟﺘﺨﻔﻴﺾ ﻋﺪد اﻟﻨﺴﺦ اﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺔ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎن ﺣﺠﻢ اﻟﻤﺮﺗﺠﻊ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﻠﺔ ﻛﺒﻴﺮا ً. وﺗﺤﺪث اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻓﺎرس ﺧﻀﺮ ﻋﻦ ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﺸﻌﺮ" اﻟﺘﻲ ﻳﺮأس ﺗﺤﺮﻳﺮﻫﺎ، ﻣﺸﻴ ًﺮا إﻟﻰ أن ﺗﻮﻗﻔﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺼﺪور ﻳﻠﺨﺺ أزﻣﺔ اﻟﻤﺠﻼت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ، واﺳﺘﻌﺮض اﻻﻧﺘﻘﺎدات اﻟﺘﻲ وﺟﻬﺖ ﻟﻠﻤﺠﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺪار ﻣﺴﻴﺮﺗﻬﺎ، وأﺑﺮزﻫﺎ ﺗﺮﻛﻴﺰﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﺼﻴﺪة اﻟﻨﺜﺮ .وﻗﺎل :ﺳﻨﺔ 1989ﺑﺪأت وزارة اﻹﻋﻼم ﺗﻔﻜﺮ ﻓﻲ إﻏﻼﻗﻬﺎ ،وﻧﺠﺖ وﻗﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻘﺼﻠﺔ اﻹﻳﻘﺎف ﺑﻌﺪ أن داﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﻨﺎﻗﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ رﺟﺎء اﻟﻨﻘﺎش ،ووﺻﻔﻬﺎ ﺑﺎﻟﻮردة ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻴﻦ وزارة اﻹﻋﻼم .وأﺿﺎف :إن أزﻣﺔ أى ﻣﺠﻠﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ أﻧﻬﺎ ﺳﻠﻌﺔ ﻻ ﺗﺪر رﺑﺤﺎً، وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﺣﻜﻮﻣﻴﺔ ﻓﻼ ﺗﻘﺘﺼﺮ اﻟﻀﻐﻮط ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺮد اﻟﺘﻤﻮﻳﻞ ،ﺑﻞ ﺗﺘﻤﺜﻞ أوﻻً ﻓﻲ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ،وﻗﺪ ﻇﻠﺖ ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﺸﻌﺮ" ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﺴﺎؤل اﻟﺪاﺋﻢ ﺣﻮل ﺳﺒﺐ ﺻﺪورﻫﺎ ﻋﻦ وزارة اﻹﻋﻼم وﻟﻴﺲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻣﺎ ،ﻓﻲ ﺣﻴﻦ أﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﺗﻢ ﻓﻴﻪ إﻳﻘﺎﻓﻬﺎ ﻋﺎم 2017 ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﻠﻔﺔ ﻃﺒﺎﻋﺘﻬﺎ 5400ﺟﻨﻴﻪ ،وﻫﻮ ﻣﺒﻠﻎ زﻫﻴﺪ ﺟ ًﺪا ،وﻣﻊ ذﻟﻚ رأى ﻓﻴﻪ اﻟﻤﺴﺆوﻟﻮن أﻣﻮاﻻً ﻣﻬﺪرة! وأﺷﺎر اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻴﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻠﻴﻢ ﻣﺪﻳﺮ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻣﺠﻠﺔ "أدب وﻧﻘﺪ" ،إﻟﻰ أن اﻟﻤﺠﻼت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﻬﻤﻴﺶ وﺿﻌﻒ اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ،وﻳﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻬﺎ ﺑﺎﺋﻌﻮ اﻟﺼﺤﻒ ﺑﺘﺠﺎﻫﻞ وإﻫﻤﺎل ﻓﻲ اﻟﻌﺮض ،وﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ أن اﻟﻤﺠﻠﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﺟﺎذﺑﺔ ﻟﻺﻋﻼﻧﺎت ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﻀﻌﻒ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ اﻟﺘﺴﻮﻳﻘﻴﺔ ،وﻟﻸﺳﻒ ﺗﻌﺎﻧﻲ اﻟﻤﺠﻼت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ أزﻣﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ،واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻫﻰ اﻟﻘﻮة اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ £ ķĠ ïİĪĹû Ķñąõ ćįĵĸ ~ĵį | ôįïĦ uĨĚïĠ ķñąĚ ķĠïĤø ăĴČĬ ïĔ ôįïĦ uIJĹĠ ŁĹĎz ~ïİĦ óĹĠïĤùĩ~ Łüĭĩ ķöĩ~ óĹĠïĤùĩ~ Łüĭĩ~ ĮĬ óĚĵĭüĬ ïİij ķĩ ķĠïĤùĩ~ Įĸĵħöĩ~ ķĠ ąøz ķĪĹû xïİñz Ĩħĩ
اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻤﺼﺮ وﻋﻨﻮان رﻳﺎدﺗﻬﺎ ،ﻓﻴﺠﺐ أن ﺗﻮﻟﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻫﺘﻤﺎﻣﺎً ﻛﺒﻴﺮا ً ﺑﺎﻟﻤﺠﻼت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻮ اﻗﺘﺼﺮت ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻠﺔ واﺣﺪة ﻣﺆﺛﺮة. وﺣﻮل ﻣﺠﻠﺔ "أدب وﻧﻘﺪ" ﻗﺎل :ﻫﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻓﺮﻳﺪة ،رﺑﻤﺎ ﺗﻜﻮن اﻟﻤﺠﻠﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﺼﺪرﻫﺎ ﺣﺰب ﺳﻴﺎﺳﻲ ،ﺻﺪرت أول أﻋﺪادﻫﺎ ﺳﻨﺔ 1984ﺑﺮﺋﺎﺳﺔ اﻟﺮاﺣﻞ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺪﻛﺘﻮر اﻟﻄﺎﻫﺮ ﻣﻜﻲ، وﺗﻌﺎﻗﺐ ﻋﻠﻰ رﺋﺎﺳﺔ ﺗﺤﺮﻳﺮﻫﺎ اﻟﻨﺎﻗﺪة اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻓﺮﻳﺪة اﻟﻨﻘﺎش ،واﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺣﻠﻤﻲ ﺳﺎﻟﻢ ،وأﻛﻤﻞ اﻟﻤﺴﻴﺮة ﻣﻨﺬ ﻋﺎم .2012وﻗﺪ ﻗﺪﻣﺖ اﻟﻤﺠﻠﺔ ﻋﺪدا ً ﻛﺒﻴﺮا ً ﻣﻦ اﻟﻤﻠﻔﺎت اﻟﻤﻬﻤﺔ واﻟﺠﺮﻳﺌﺔ ﻹﻋﻼء ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻻﺳﺘﻨﺎرة وﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺘﻄﺮف اﻟﻔﻜﺮي ،واﺳﺘﻄﺎﻋﺖ أن ﺗﺼﻨﻊ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﺧﻄﺎً وﺑﺼﻤﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،وﺗﺴﺘﻜﺘﺐ ﻛﺒﺎر اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮب .وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻋﺪم وﺟﻮد ﻣﻴﺰاﻧﻴﺔ ﻟﺪﻓﻊ ﻣﻜﺎﻓﺂت ﻟﻠﻜﺘﺎب وﻟﻮ رﻣﺰﻳﺔ ،وﻧﺘﻌﺐ ﻓﻲ ﺗﺪﺑﻴﺮ ﻧﻔﻘﺎت اﻟﻄﺒﺎﻋﺔ. أدب اﻟﻤﻬﺠﺮ
أدار اﻟﺸﺎﻋﺮ أﺣﻤﺪ اﻟﺸﻬﺎوي ﻧﺪوة ﺣﻮل أدب اﻟﻤﻬﺠﺮ ،ﺷﺎرك ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻮﻧﺲ اﻟﺪﻛﺘﻮرة ﺣﻴﺎة اﻟﺨﻴﺎري ،وﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻴﻠﻮدﻏﺮاﻓﻲ، واﻟﺮواﺋﻲ اﻟﻤﺼﺮي اﻟﻤﻘﻴﻢ ﺑﺈﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﻫﺸﺎم ﻓﻴﺎض. ﻓﺮﻗﺖ اﻟﺪﻛﺘﻮرة اﻟﺨﻴﺎري ﺑﻴﻦ أدب اﻟﻤﻬﺠﺮ اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ رواد اﻟﺮاﺑﻄﺔ اﻟﻘﻠﻤﻴﺔ ﺑﺄﻣﻴﺮﻛﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ،واﻟﻌﺼﺒﺔ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ ﺑﺄﻣﻴﺮﻛﺎ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
127
ﻣﺮﺻﺪ
óĹĂĸ ïöĩ~ óĸ~ ąĩ~ uóĹĠïĤùĩ~ óĠïÿďĩ~ óĬ z uąüĴĭĩ~ z ĮĹñ
ïöħĪĩ ķĩ ăĩ~ ąijïĤĩ~ ąěĬ ķĠ óĸąø ~ ăį اﻟﻘﺎﻫﺮة -ﻣﺤﻤﺪ زﻳﻦ اﻟﻌﺎﺑﺪﻳﻦ
ﺿﻤﻦ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﻣﻌﺮض اﻟﻘﺎﻫﺮة اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب ﻓﻲ ﻳﻮﺑﻴﻠﻪ اﻟﺬﻫﺒﻲ، أﻗﻴﻤﺖ ﺛﻼث ﻧﺪوات ﻣﻬﻤﺔ ،ﻧﺎﻗﺸﺖ إﺣﺪاﻫﺎ دور اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ اﻷزﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺼﻒ ﺑﻬﺎ ،وﺳﻠﻄﺖ أﺧﺮى اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ أدب اﻟﻤﻬﺠﺮ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ واﻟﺤﺎﺿﺮ ،وﻣﺪى اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻊ أدﺑﺎء اﻟﻤﻬﺠﺮ. ﻓﻴﻤﺎ ﻧﺎﻗﺸﺖ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ أﺣﺪث رواﻳــﺎت اﻟﺮواﺋﻲ ﻧﺎﺻﺮ ﻋﺮاق "دار اﻟﻌﺸﺎق" اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎوﻟﺖ ﻓﺘﺮة ﻣﺜﻴﺮة ﻟﻠﺠﺪل ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺼﺮ ،وﻫﻲ ﻓﺘﺮة ﺣﻜﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ. أزﻣﺔ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ
أدار ﻧﺪوة أزﻣﺔ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺮواﺋﻲ ﻋﺰت اﻟﻘﻤﺤﺎوي .وﻓﻲ ﻣﺪاﺧﻠﺘﻪ ﻗﺎل اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻧﻮاف ﻳﻮﻧﺲ ﻣﺪﻳﺮ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﺸﺎرﻗﺔ
اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ" :إن اﻟﻤﺸﺮوع اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻤﺼﺮي ﺑﺪأ ﻣﻊ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ،ﻓﺈذا راﺟﻌﻨﺎ اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ، ﻓﺴﻨﺠﺪ أن اﻟﻠﻪ ﻗﺪ أﻧﻌﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ ﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺢ ﻟﺒﻠﺪ آﺧﺮ ﻣﻦ ﻣﻮاﻫﺐ ﻓﺬة .وأﺿﺎف " :ﻧﻮاف ﻳﻮﻧﺲ :ﺗﺮﺑﻰ ﺟﻴﻠﻨﺎ ﻓﻲ إﻃﺎر ﻣﺸﻬﺪ ﺛﻘﺎﻓﻲ ﻋﺮﺑﻲ ﻓﺎﻋﻞ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺠﻼت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ رﻛﻨﺎً أﺻﻴﻼً ﻓﻴﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﻼت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺛﺮت ﻓﻲ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻟﻲ وﻟﻜﻞ أﺑﻨﺎء ﺟﻴﻠﻲ ،وﻣﻦ أﺑﺮزﻫﺎ ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ" ،وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﻌﺮﺑﻲ" ،واﻟﺘﻲ ﻃﺮﺣﺖ ﺑﻘﻮة اﻟﻤﻔﻬﻮم اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ ،وﺗﻌﺮﻓﻨﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺒﺎر اﻷدﺑﺎء واﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ اﻟﻌﺮب" .وﺗﺤﺪث ﻳﻮﻧﺲ ﻋﻦ ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ ﻣﺪﻳ ًﺮا ﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﺸﺎرﻗﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ" ،اﻟﺘﻲ وﺻﻔﻬﺎ ﺑﺄﺣﺪ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﻤﺸﺮوع اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻹﻣﺎرة اﻟﺸﺎرﻗﺔ ،اﻟﺬي ﻳﺤﻈﻰ ﺑﺮﻋﺎﻳﺔ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻘﺎﺳﻤﻲ ،وﻫﻮ أﻳﻀﺎً ﻣﻤﻦ درﺳﻮا ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،وﺗﺄﺛﺮوا ﺑﺎﻟﻤﺸﺮوع اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻤﺼﺮي .وأﺿﺎف: "ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺠﺎرﺑﻲ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺗﻠﻤﺴﺖ ﺻﻌﻮﺑﺔ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻼت
ﻧﺪوة أدب اﻟﻤﻬﺠﺮ
126
ﻧﺪوات ﺛﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺮض اﻟﻘﺎﻫﺮة اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب
إﺿﺎءة
~ ~ąöĩ~ ïİĩ IJûąĂĹĈ Ąĩ ĮĹĪþ~ąĩ~ ąĹĈ ﻣﻦ دون ﺷﻚ أن دروس اﻟﻤﺎﺿﻲ واﻟﺘﺎرﻳﺦ وﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻋﺒﻖ اﻟﺘﺮاث ﻣﻦ ﻣﻌﺎنٍ وﻗﻴﻢ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ذﻫﻦ اﻟﻮاﻟﺪ اﻟﻤﺆﺳﺲ اﻟﺮاﺣﻞ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن ،رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ .وﻳﻤﻜﻦ رﺻﺪ ﻫﺬا اﻻﻫﺘﻤﺎم واﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺟﻬﻮده ﻟﺼﻮن ﺗﺮاث اﻵﺑﺎء واﻷﺟﺪاد واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ أن ﻳﻜﻮن ﻧﺎﺑﻀﺎً ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة وﻣﺘﻮاﺟﺪا ً وﻣﺎﺛﻼً ﻟﻸﺟﻴﺎل اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻟﺪراﺳﺘﻪ وﻓﻬﻢ أﺑﻌﺎده وﻋﻤﻘﻪ ،ﻛﺜﻴﺮة وﻋﺪﻳﺪة ﻫﻲ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎول ﺧﻼﻟﻬﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ اﻟﺘﺮاث وﺻﻮﻧﻪ وأﻫﻤﻴﺔ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻷﺟﻴﺎل ﻋﻦ ﺟﻮاﻧﺒﻪ وﻣﺂﺛﺮ اﻵﺑﺎء واﻷﺟﺪاد .وﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺗﺤﺪﻳﺪا ﻧﺠﺪه – رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ – ﻳﺤﺚ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ ،ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل ﺧﻼل زﻳﺎرﺗﻪ اﻟﺘﻔﻘﺪﻳﺔ ﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ واﻟﺪراﺳﺎت ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ،ﻗﺎل" :إن ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻼب ﺟﻤﻴﻌﺎً ﺑﻼ اﺳﺘﺜﻨﺎء ﺳﻮاء ﺗﻠﻘﻮا دراﺳﺎﺗﻬﻢ داﺧﻞ اﻟﺪوﻟﺔ أو ﺧﺎرﺟﻬﺎ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ ﺗﺮاث دوﻟﺘﻬﻢ واﺳﺘﺜﻤﺎر ﺗﺠﺎرب أﺟﺪادﻫﻢ ﻟﺨﻴﺮ وﺗﻘﺪم اﻟﺒﻼد" .وإذا أﻣﻌﻨﺎ اﻟﻨﻈﺮ ﺟﻴﺪا ً ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ،ﺳﻨﺠﺪ أﻧﻬﺎ ﺗﺪﻋﻮ ﻟﻼﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ ﺗﺮﻛﺖ اﻟﻤﺎﺿﻲ وﻣﺎ ﺧﻠﻔﻪ ﻟﻨﺎ آﺑﺎؤﻧﺎ وأﺟﺪادﻧﺎ ﻣﻦ ﻗﻴﻢ وﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ، وأﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﻋﻦ اﻟﺤﻴﺎة واﻟﺘﺤﺪﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ اﻹﻧﺴﺎن ،وﻟﻜﻦ أﻳﻀﺎ ﻫﻨﺎك ﺟﺎﻧﺒﺎً ﺣﻴﻮﻳﺎً وﻣﻬﻤﺎً ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﺑﺘﻜﺎر اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ واﻟﻄﺮق اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺎوز ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻘﺒﺎت وﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻻﻧﺘﺼﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت واﻟﺤﻮاﺟﺰ واﻟﺼﻌﻮﺑﺎت .ﻟﺬا ﺳﺘﺠﺪ أن اﻟﻮاﻟﺪ اﻟﺮاﺣﻞ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ،ﻟﻢ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﻧﺤﻮ أﺑﻨﺎﺋﻪ اﻟﻄﻼب وﺣﺴﺐ ،وإﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺘﻮﺟﻪ ﺑﺤﺪﻳﺜﻪ ﻟﻜﻞ ﻣﺴﺆول ﻋﻦ ﺻﻮن وﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺘﺮاث أﻳﻀﺎ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻳﻮﺻﻴﻬﻢ وﻳﺰﻳﺪ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﻢ ﺑﺄﻫﻤﻴﺔ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ واﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﻪ ،ﻓﺨﻼل اﺟﺘﻤﺎﻋﻪ ﻣﻊ أﻋﻀﺎء ﻟﺠﻨﺔ اﻟﺘﺮاث وﺗﺎرﻳﺦ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ،ﻓﻲ ﻋﺎم 1976م ﻗﺎل
ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻤﺰروﻋﻲ @ ﻛﺎﺗﺒﺔ ﻣﻦ ا ﻣﺎرات
ﻗﻠﻌﺔ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ
ﻟﻬﻢ" :إن إﺣﻴﺎء ﺗﺮاث وﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻓﻴﻪ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﻷﺑﻨﺎء اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﻴﺘﻌﻠﻢ ﻛﻴﻒ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺗﻠﻚ اﻷﺟﻴﺎل ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻈﺮوف واﻟﺘﺤﺪﻳﺎت اﻟﺼﻌﺒﺔ اﻟﺘﻲ واﺟﻬﻮﻫﺎ". وﻳﻘﻮل رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺳﻴﺎق آﺧﺮ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺜﻪ" :إن إﺣﻴﺎء ﺗﺮاث أﻣﺘﻨﺎ وﺑﻠﺪﻧﺎ ﻟﻮاﺟﺐ ﺿﺮوري ﺑﻞ وﺣﺘﻤﻲ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﺮف اﻟﻨﺎس ﻣﺎﺿﻴﻨﺎ وﻛﻴﻒ ﻛﻨﺎ ﻧﻌﻴﺶ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﻌﻢ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ اﻟﻮﻓﻴﺮ" .واﻟﻤﻼﺣﻆ أن ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺟﺎءت ﻓﻲ وﻗﺖ ﻣﺒﻜﺮ ﻣﻦ ﻋﻤﺮ اﻻﺗﺤﺎد وﻗﻴﺎم اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،وﻛﺄﻧﻪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ،ﻛﺎن ﻳﺪرك أن اﻟﺜﻮرة اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻟﺘﻘﻨﻴﺔ واﻟﺘﻄﻮر واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﺳﻴﻜﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻤﻜﻴﻦ ﻟﻬﺬه اﻟﺒﻼد وﺗﻨﻘﻠﻬﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﺮﻗﻲ واﻟﺤﻀﺎرة ،ﻟﺬا ﻧﺠﺪ أن ﺷﻐﻠﻪ اﻟﺸﺎﻏﻞ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﻘﺎدم وﻣﻌﺮﻓﺘﻬﻢ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻗﺪﻣﻪ ﻟﻬﻢ اﻵﺑﺎء واﻷﺟﺪاد ،وأﻧﻪ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻌﺮﻓﻮا ﻛﻢ ﻛﺎﺑﺪوا وﻋﺎﻧﻮا ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻷرض ﺣﺘﻰ ﺗﻔﺠﺮت اﻟﻴﻮم ﺑﺎﻟﻴﻨﺎﺑﻴﻊ واﻟﺨﻴﺮات ،وﻛﺄن اﻟﻔﻜﺮة اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪور ﻓﻲ ذﻫﻦ اﻟﻮاﻟﺪ واﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﺮاﺣﻞ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن ،رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻦ أﻫﻤﻴﺔ أﺣﻴﺎء ﻫﺬه اﻟﻜﻨﻮز اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺎﺷﺘﻬﺎ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ .ﻓﺎﻟﻤﻮﺿﻮع ﻟﻴﺲ ﺗﻤﺠﻴﺪا ً ﻟﺤﻴﺎة اﻟﻀﻴﻢ اﻟﺬي ﻋﺎﻧﻬﺎ آﺑﺎؤﻧﺎ وأﺟﺪادﻧﺎ ،رﻏﻢ أﻧﻬﻢ ﻳﺴﺘﺤﻘﻮن ﻛﻞ اﺣﺘﻔﺎء وﺗﻘﺪﻳﺮ وذﻛﺮ ﻟﻤﺤﺎﺳﻨﻬﻢ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻫﻨﺎ ﻫﻲ ﻟﻸﺟﻴﺎل اﻟﻘﺎدﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺄﺗﻲ وﺗﺤﺴﺐ أن ﻫﺬه اﻷرض ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻨﺬ ﻣﺌﺎت اﻟﺴﻨﻮات ،ﻣﻦ دون أن ﻳﻌﻠﻤﻮا أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻜﺎﻧﺎً ﻟﻌﺮاك داﺋﻢ ﻣﻊ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻌﺎرك ﺑﺨﺴﺎرة اﻹﻧﺴﺎن ،وأﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮﺗﻌﺎ ﻟﻠﻘﺴﻮة وﺷﻈﻒ اﻟﻌﻴﺶ واﻟﻤﺠﺎﻋﺔ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺄﺧﺬ ﺗﻠﻚ اﻷﺟﻴﺎل ﻧﺤﻮ ذﻟﻚ اﻟﻤﺎﺿﻲ وﻧﺤﻮ اﻟﺘﺮاث ،ﺳﻴﺪرﻛﻮن ﺣﺠﻢ اﻟﺬي ﺗﻐﻴﺮ، وﺳﻴﻘﺪرون ﻣﻌﻨﻰ اﻹﺗﺤﺎد واﻟﻮﺣﺪة واﻟﺘﻼﺣﻢ ،ﺳﻴﻔﻬﻤﻮن أن ﺑﻼدﻫﻢ ﻟﻢ ﺗﺼﻞ ﻟﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻴﻮم ﺑﻀﺮﺑﺔ ﺣﻆ أو ﻣﺼﺎدﻓﺔ ،ﺑﻞ ﺑﻌﻤﻞ ﺳﺎﻟﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﺪﻣﺎء وﺗﺨﻀﺒﺖ اﻟﺮؤوس ﺑﺎﻟﻌﺮق واﻟﻤﺸﻘﺔ واﻟﺘﻌﺐ ..ﻫﺬا اﻟﺬي ﺳﻴﺨﺮﺟﻪ ﻟﻨﺎ اﻟﺘﺮاث ،وﺳﻴﺮة اﻟﺮاﺣﻠﻴﻦ ﻣﻦ اﻵﺑﺎء واﻷﺟﺪاد ،إﻧﻬﺎ دروس ﻻ ﺗﻘﺪر ﺑﺜﻤﻦ ،وﻫﻲ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺣﻴﺎة وﻣﻨﻬﺞ ﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﺼﻮاب
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
125
ﻣﺮﺻﺪ
إﺣﺪى ﻗﺎﻋﺎت ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ
ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻤﺤﻮرﻳﺔ ،ﻗﺪ ﻳﺘﻮارى اﻟﻜﺘﺎب وﺗﺨﺘﻔﻲ اﻟﺼﺤﻴﻔﺔ ،وﻻ ﺗﺒﻘﻰ إﻻ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ،ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﺣﺪوث ﺗﺤﻮل ﺷﺎﻣﻞ وﺟﺬري ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﻈﺮوف اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ. وﺗﺴﺎءل اﻟﻔﻘﻲ :ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻤﻀﻲ اﻟﻨﺸﺮ اﻟﻮرﻗﻲ ﻣﻊ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺘﻮازٍ ،أم أﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﺤﻞ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﻣﺤﻞ اﻟﻮرﻗﻲ؟ وأﺷﺎر اﻟﻔﻘﻲ إﻟﻰ أن ﻣﺆﺗﻤﺮ اﻗﺘﺼﺎدات اﻟﻨﺸﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ دور اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻣﺸﺎﻛﻞ وﺗﺤﺪﻳﺎت اﻟﻨﺸﺮ ،وﺗﻘﺪﻳﻢ ﺗﻮﺻﻴﺎت ﻹﺣﺪاث ﺗﻮازن ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺤﺪث وﻣﺎ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺤﺪث ﻓﻲ ﻗﻀﺎﻳﺎ اﻟﻨﺸﺮ ﻓﻲ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺸﺮ اﻟﻮرﻗﻲ واﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ. ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﻪ أﻛﺪ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺳﺘﻴﻔﻦ ﻓﺎﻳﺒﺮ؛ ﻣﺪﻳﺮ اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت وﺑﺮاﻣﺞ اﻟﻤﻨﺎﺻﺮة ﺑﺎﻻﺗﺤﺎد اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﺠﻤﻌﻴﺎت وﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﻤﻜﺘﺒﺎت )اﻹﻓﻼ(، أن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎﺷﺮﻳﻦ واﻟﻤﻜﺘﺒﻴﻴﻦ ﻟﻴﺴﺖ ﻋﻼﻗﺔ ﺗﻌﺎﻳﺶ ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﺗﻌﺎون وﻣﺸﺎرﻛﺔ ،ﻓﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺒﻨﻮن اﻟﺠﺴﻮر ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺆﻟﻔﻴﻦ واﻟﻘﺮاء. وأﺿﺎف أن ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻨﺸﺮ ﺗﺜﺮي اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أي ﺻﻨﺎﻋﺔ أﺧﺮى، وﻟﺬﻟﻚ ﻳﺠﺐ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ إزاﻟﺔ اﻟﺤﻮاﺟﺰ واﻟﻤﻌﻮﻗﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻬﻬﺎ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻻﻧﺘﺮﻧﺖ اﻟﺬي ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻠﻤﺴﺘﺨﺪﻣﻴﻦ ﻣﺎدة إﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﺑﺴﺮﻋﺔ وﺳﻬﻮﻟﺔ.
124
ﻣﻨﺼﺔ إﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻟﻨﺸﺮ اﻟﺘﺮاث
اﻷﻣﻴﻦ اﻟﻌﺎم ﻻﺗﺤﺎد اﻟﻨﺎﺷﺮﻳﻦ اﻟﺪوﻟﻴﻴﻦ ،اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺧﻮﺳﻴﻪ ﺑﻮرﺟﻴﻨﻮ؛ أﺷﺎر اﻟﻰ أن اﻻﺗﺤﺎد ﻳﻤﺜﻞ آﻻف اﻟﻨﺎﺷﺮﻳﻦ ﻓﻲ 61دوﻟﺔ ﺣﻮل اﻟﻌﺎﻟﻢ، وﻳﻬﺪف إﻟﻰ دﻋﻢ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﻨﺎﺷﺮﻳﻦ وﺣﻘﻮﻗﻬﻢ ،ودﻋﻢ ﺣﻖ اﻟﻨﺸﺮ وﺣﻘﻮق اﻟﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ .وﻟﻔﺖ إﻟﻰ أن اﺣﺼﺎءات اﺗﺤﺎد اﻟﻨﺎﺷﺮﻳﻦ اﻟﺪوﻟﻴﻴﻦ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻟﻠﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ أﻇﻬﺮت أن اﻟﻨﺸﺮ اﻟﻮرﻗﻲ ﻣﺎزال ﻳﻤﺜﻞ أﻋﻠﻰ ﻣﺼﺪر ﻟﻠﺮﺑﺢ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻨﺸﺮ، وﺟﺎءت اﻟﺼﻴﻦ وﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ وﺟﻨﻮب إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ وﻓﺮﻧﺴﺎ وروﺳﻴﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﺪول اﻟﺘﻲ ﺣﻘﻘﺖ أﻋﻠﻰ رﺑﺢ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻨﺸﺮ اﻟﻮرﻗﻲ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺣﻘﻘﺖ اﻟﺼﻴﻦ أﻳﻀً ﺎ أﻋﻠﻰ ﻣﻌﺪل رﺑﺢ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻨﺸﺮ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ. وﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،أﻛﺪ ﺑﻮرﺟﻴﻨﻮ ﻋﻠﻰ وﺟﻮد ﺑﻌﺾ اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻨﺸﺮ ،ﻣﻦ أﻫﻤﻬﺎ اﻟﻮﻟﻮج اﻟﻤﺤﺪود ﻟﺨﺪﻣﺎت اﻟﻘﺮاءة اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ أﺷﺎر ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ، ﻛﺎرﺗﻔﺎع ﻗﻴﻤﺔ اﻟــﻮاردات ،وزﻳﺎدة ﻋﺪد اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﺘﺮﺟﻤﺔ ،وارﺗﻔﺎع ﻣﻌﺪل اﻟﻘﺮاءة واﻟﻮﺻﻮل ﻟﻺﻧﺘﺮﻧﺖ. وﺷﺪد ﻋﻠﻰ أﻫﻤﻴﺔ زﻳﺎدة ﻣﻌﺪﻻت ﻧﻤﻮ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻨﺸﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻣﻦ ﺧﻼل إﺗﺎﺣﺔ اﻟﻜﺘﺐ ﺑﺸﻜﻞ أﻛﺒﺮ ،ودﻋﻢ ﺣﻘﻮق اﻟﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ وﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻘﺮﺻﻨﺔ ،واﻟﻀﻐﻂ ﻋﻠﻰ ﻣﺰودي اﻟﺨﺪﻣﺎت ﻟﺰﻳﺎدة اﻟﻤﺤﺘﻮى اﻟﻤﻘﺪم ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺒﻜﺔ اﻹﻧﺘﺮﻧﺖ
ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﻟﻨﺪوة
وﺛﻤﻦ اﻟﻤﺸﺎرﻛﻮن دور ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ اﻟﻔﻌﺎل ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ ﻧﺸﺮ اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ اﻟﻀﺨﻤﺔ ،ووﺟﻬﻮا اﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻓﻲ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻠﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﺑﺪور ﻓﻌﺎل ﻓﻲ اﻟﻨﺸﺮ. ﺷﺎرك ﻓﻲ اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﻧﺨﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﺤﺪﺛﻴﻦ اﻟﺪوﻟﻴﻴﻦ واﻟﻌﺮب ﻟﻄﺮح اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ واﻟﺘﺤﺪﻳﺎت واﻟﺨﺒﺮات اﻟﻨﺎﺟﺤﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻨﺸﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ. وأﺗﺎح اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻠﻤﻜﺘﺒﻴﻴﻦ ﺣﻮل اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟ ُﻤﺸﺎرﻛﺔ ﺧﺒﺮاﺗﻬﻢ واﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ ُﻣﻨﺎﻗﺸﺎت ﺣﻮل ﻗﻀﺎﻳﺎ اﻟﻨﺸﺮ و ُﻣﻨﺎﻗﺸﺔ أﺣﺪث اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل. ﺑﻠﻎ ﻋﺪد اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ 200ﺑﺎﺣﺚ وﻣﺘﺨﺼﺺ ﻣﻦ دول ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻫﻲ ﻣﺼﺮ واﻷردن واﻟﻌﺮاق وﻟﺒﻨﺎن وﺗﻮﻧﺲ وﻋﻤﺎن واﻟﺠﺰاﺋﺮ وﻟﻴﺒﻴﺎ واﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ واﻹﻣﺎرات وﺳﻮﻳﺴﺮا وﻫﻮﻟﻨﺪا .وﻧﻮﻗﺸﺖ ﺧﻼﻟﻪ 15 ورﻗﺔ ﺑﺤﺜﻴﺔ ﻓﻲ أرﺑﻊ ﺟﻠﺴﺎت ،وﻣﻦ ﻫﺬه اﻷﺑﺤﺎث) :إﺷﻜﺎﻟﻴﺎت اﻟﻨﺸﺮ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ وﺗﺄﺛﻴﺮاﺗﻬﺎ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ،ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﻋﺒﺪاﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻤﺤﻀﺎر -اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ( ،و)اﻗﺘﺼﺎدات اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ أو اﻗﺘﺼﺎدات اﻟﻨﺸﺮ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮر اﻟﻤﺆﻟﻒ ،د .ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺘﺤﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻬﺎدي – ﻣﺼﺮ( ،و)اﻟﻨﺸﺮ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻲ ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ :ﺑﻴﻦ ﺿﻐﻮﻃﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎد وﺗﺤﺪﻳﺎت اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺮﻗﻤﻴﺔ ،د .ﻳﺴﺮى اﻟﺼﻐﻴﺮ -ﺗﻮﻧﺲ(، و)اﻟﻨﺸﺮ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻲ ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ -اﻟﺪﻳﻮان اﻟﻮﻃﻨﻰ ﻟﻠﻤﻄﺒﻮﻋﺎت
اﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ أﻧﻤﻮذ ًﺟﺎ ،د.ﻧﺎﺟﻴﺔ ﻗﻤﻮح -اﻟﺠﺰاﺋﺮ( ،و)اﻗﺘﺼﺎدات اﻟﻨﺸﺮ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،ﺧﺎﻟﺪ آل ﻋﻠﻲ ﻣﺆﺳﺲ ﺑﻮاﺑﺔ اﻟﻜﺘﺎب ﻟﻨﺸﺮ وﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻜﺘﺐ -اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة(. ﺛﻨﺎﺋﻴﺔ اﻟﻮرﻗﻲ واﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ
أﻛﺪ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺼﻄﻔﻰ اﻟﻔﻘﻲ؛ ﻣﺪﻳﺮ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ،ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺘﻪ أن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻘﻒ ﻓﻲ ﻣﻔﺘﺮق ﻃﺮق ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺸﺮ اﻟﻮرﻗﻲ واﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ،ﻓﻔﻲ ﺟﺪارﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
123
ﻣﺮﺻﺪ
óĸ ăİħĈľ~ óòöħĬ ŁĠľ~ ąĭõêĬ ĮĬ óĹĎĵõ
~ąöĩ~ ąČİĩ óĹñąĚ óĹį ąöħĩ| óďİĬ
اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ – ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻮﻳﺲ
أوﺻﻰ اﻟﻤﺸﺎرﻛﻮن ﻓﻲ ﻣﺆﺗﻤﺮ اﻹﻓﻼ وﻣﻜﺘﺒﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ اﻟﺴﻨﻮي ﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﻨﺸﺮ وأﺛﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺑﺈﻧﺸﺎء ﻣﻨﺼﺔ إﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻨﺸﺮ اﻟﺘﺮاﺛﻲ ﻓﻲ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ. ﻛﻤﺎ أوﺻﻰ اﻟﻤﺆﺗﻤﺮون ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻧﺸﺎﻃﺎت اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ اﻟﺬي ﻧﻈﻤﻪ ﻣﺮﻛﺰ اﻹﻓﻼ ﻟﻠﻤﻜﺘﺒﺎت اﻟﻨﺎﻃﻘﺔ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻳﻮﻣﻲ اﻟﺮاﺑﻊ واﻟﺨﺎﻣﺲ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ ﻓﺒﺮاﻳﺮ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﺑﺄن ﻳﺘﻮﻟﻰ اﺗﺤﺎد اﻟﻨﺎﺷﺮﻳﻦ اﻟﻌﺮب ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺻﻴﻐﺔ ﻣﻮﺣﺪة ﻟﻌﻘﻮد اﻟﻨﺸﺮ ﺗﻀﻤﻦ ﺗﻮاﻓﻖ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺆﻟﻔﻴﻦ واﻟﻨﺎﺷﺮﻳﻦ .وأﻛﺪوا ﻋﻠﻰ أﻫﻤﻴﺔ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﺤﻘﻮق اﻟﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻟﻤﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ دور ﻣﺆﺛﺮ ﻓﻲ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺎت اﻟﻨﺸﺮ ،وﻣﻜﺎﻓﺤﺔ ﺗﺰوﻳﺮ اﻟﻜﺘﺐ ،ﻣﻊ وﺿﻊ آﻟﻴﺔ أﻛﺜﺮ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻟﺘﻄﺒﻴﻖ اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد .وﺗﻀﻤﻨﺖ اﻟﺘﻮﺻﻴﺎت ﺗﺸﺪﻳﺪً ا ﻋﻠﻰ أﻫﻤﻴﺔ اﻻﻋﺘﻨﺎء ﺑﺎﻟﻨﺸﺮ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻤﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ دور ﻣﻬﻢ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻨﺸﺮ ،وﻣﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺘﻔﻌﻴﻞ دور اﺗﺤﺎدات اﻟﻜﺘﺎب ﻓﻲ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﺣﻘﻮق اﻟﻤﺆﻟﻔﻴﻦ. 122
ﻣﻨﺼﺔ إﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻟﻨﺸﺮ اﻟﺘﺮاث
وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺻﺒﻴﺢ اﻟﻔﻼﺳﻲ: ﻣـﻦ راﺑـﻊ اﻻﺟـﻮاد ﻳﻔﻌـــﻞ ﻓﻌﻠﻬـــــــــــﻢ وﻓــﻼن ﻳﻌـــــــــــﺮف ﻣﻦ رﺑﻌــﺔ ﻓﻼﻧـــــﺎ ﻳـﻮم ﺗﺒﻴﺨــــﻞ وﻣـﻦ راﺑــــــــــﻊ اﻟﺒﺨﱢـــﺎل ٍ وﻣـﻦ راﺑـﻊ اﻟﺸﻴﻨﻴــﻦ ﻻ ﺷــــــــــﻚ ﺷـﺎﻧـﺎ وﻣﻦ ﺳـﺎر ﻓﻲ درب اﻟﻤﻌـــــــــﺎﻟـﻲ ﺗﻮﻓـﻖ واﺣﺘـﻞ ﻓﻲ روس اﻟﻤﻌــــــــــﺎﻟـﻲ ﻣﻜﺎﻧـــﺎ
وﻟﻮ اﻻﻧﺴــــــــــــــــــــــﺎن ﻳﺪرك ﻣﺎ ﺗﻤ ّﻨـﺎ ﺗﻤﻨﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﺠﺐ ﻋﻴﻮﻧــــــــــــــــــــــﻪ وﺑﻌﺪ ﻫﺬا اﻹﻳﺠﺎز ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻋﻨﺪ ﺷﻌﺮاﺋﻨﺎ اﻟﻨﺒﻄﻴﻴﻦ ،ﻧﺴﺘﻌﺮض ﺷﻌﺮ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺣﻔﻆ اﻟﻠﺴﺎن ،وذﻛﺮ ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﺴﻜﻮت ،ﻳﻘﻮل اﻟﺸﻴﺦ ﺑﻄﻲ ﺑﻦ ﺳﻬﻴﻞ آل ﻣﻜﺘﻮم: أدل ﻣـﺎ ﻓــﻲ اﻟﻘــﻮل واﺣﻜــــﻢ ﻗﺼﻴــــــــــــﺮه وﻣـﻦ ﻃـــﺎل ﻫـﺮﺟــﻪ ﻛﺜـــﺮ ﺳﻘﻄـــﻪ ﺑﺎﻻﺣــﺮار وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺒﺎرك اﻟﻌﻘﻴﻠﻲ: واﻟﺠـــﺮح ﻳـﺒـــﺮى ﺑﺎﻟـــﺪوا واﻟﻌــﻼﺟـــــــــﺎت وﺟــﺮح اﻟﺤـﻜـــﻲ ﻫﻴـﻬـــﺎت ﻣﺎﻟـــــــــﻪ ﺑــﺮاة
وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻴﻦ اﻟﺸﺎﻣﺴﻲ: اﻧﻈـــﺮ ﺑﻌﻴـﻦ اﻟﻘـﻠـــــﺐ ﻓﻴﻬـﺎ ﻗﺒـــﻞ ﻣــــﺎ ﺗﻨﻈـﺮ ﺑﻌﻴـﻦ اﻟـــﺮاس ﻓـــــــﻲ ﻣﻴﺸـﺎﻧﻬــــﺎ ِ إن اﻟﻘﻠـﻮب إذا ﻋﻤﻴـــــــــﻦ ﻋــﻦ اﻟﻬـــﺪى وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺎﻳﺾ اﻷﺣﺒﺎﺑﻲ: ﻣـﺎ ﺗﻬﺘﺪي ل ﻃـ ّـﺮق اﻟﺮﺷــﺎد ْﻋﻴﺎﻧﻬــــــــــﺎ أﺷﻮف اﺑﻦ آدم ﺣﺒﺴــــﻪ وﻗﻴــــــــــــــــــــﺪه ﻟﺴــــــــــــــــﺎﻧـﻪ ﻻ ﺗﻀ ّﻴﻌـــــﻪ اﻟﻬﻘـــــــﺎوي وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ راﺷﺪ اﻟﺨﻀﺮ ﻣﻄﺮزا ﺣﻜﻤﺘﻪ ﺑﺄﺛﻮاب ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻜﺸﻒ أﺳﺮارﻫﺎ أﻣﺎم أﻋﻴﻦ اﻟﻨﺎس وﻋﻘﻮﻟﻬﻢ إذا ﺗﻔﻜﺮوا ﻓﻴﻬﺎ وﺗﺪﺑﺮوا وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ أﺣﻤﺪ ﻋﺒﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻬﺎدي اﻟﻤﻨﺼﻮري ،ﻣﺠﺎرﻳﺎً اﻟﻘﻮل أﻣﺮﻫﻢ: اﻟﻌﺮﺑﻲ "ﻟﺴﺎﻧﻚ ﺣﺼﺎﻧﻚ ،إن ﺻﻨﺘﻪ ﺻﺎﻧﻚ ،أو ﺧﻨﺘﻪ ﺧﺎﻧﻚ": ﺛــــﻮب اﻟﻘﻨﺎﻋــﺔ ﻟﺒـــﺲ اﻻﺷــــــــــــﺮاف واﺣﻔﻆ ﻟﺴﺎﻧــــــــــــــــﻚ ﻛــﺎن ﺗﺒﻐـﻲ ﻳﺒﻴﻠـــﻪ ﻻ ﻃـــﻮل ﻓﻴـــــــــــــــــــــﻪ وﻻ اﻧﺘﻬﺎﺿﻲ ﻟﺴﺎﻧﻚ ﺣﺼﺎﻧــﻚ ﻟﻪ ﺑﻪ اﻟﻌﻬـــــــــــــﺪ اﻟﻘـــﻮد وﺛــﻮب اﻟﻄـــــــﻤـﻊ ﻣﺎ ﻳﻨﻠﺒـــــﺲ ﺷـــﺎف وﻳﺒـــﺪّ ل اﻟــﺮﻓﻌـــــــــــــﻪ اﻧﺨـﻔـﺎﺿـــــﻲ وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﺎﺟﺪي ﺑﻦ ﻇﺎﻫﺮ: ﻟــﻲ ﻋـــﺎد ﺷــﻮرك واﻟﻴ ّﻨـــﻪ ﻏﻴـــــــــــــــــﺮك وﺛـــﻮب اﻟﺴﺘـــﺮ ﻣﻤــــــــــﺪوح اﻻوﺻـﺎف ﻫــﻞ ﻛﻴــﻒ ﺗﻮﻋــﺪ ﺑﺎﻟﺠﻤﻴــــــــــﻞ وﺗﻤﻄﻠــﻲ وﺛـــﻮب اﻟﺘﻜﺸّ ــﻒ ﺷﻴـﻦ ﻓـﺎﺿــــــــــــــﻲ وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ زﻋﻞ ﺑﻦ ﺳﻴﻒ اﻟﻔﻼﺣﻲ ،ﻓﻲ ﻋﺪم اﻟﺘﻤﻨﻲ ،وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ راﺷﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﻼن اﻟﻜﺘﺒﻲ: ورﻛﻦ اﻷﻣﻨﻴﺎت اﻟﺰاﺋﻔﺔ ،ﻷن اﻷﻣﺎﻧﻲ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺪ واﻟﻤﺜﺎﺑﺮة ﻋﻠﻰ ﻻ ﺗْﻘﻮل ﻳْﺠــــــــــﻮز ﺷــﻲ ﻣﺎ ﻳﺠـــــــــــــــﻮز اﻟﻨﺠﺎﺳﺔ ﻣــــــــــــــــــــــــﺎ ﺗﺠﻮز ﺑْﻬـﺎ اﻟﺼـﻼه ﺗﺤﻘﻴﻘﻬﺎ ﻻ ﺗﺆدي إﻟﻰ واﻗﻊ وﺣﻘﻴﻘﺔ ،ﻟﺬا ﻓﺈن اﻷﻣﻨﻴﺎت ﻷﺟﻞ اﻷﻣﻨﻴﺎت ﻓﻘﻂ ،ﻓﻬﺬا ﺿﺮب ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺎﻗﺔ: وﺗﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻓﺘﺎة اﻟﻌﺮب: وﻻ ﺗﺨﺘـــــــــــــــــــــﺎل ﺑــــﺮقٍ ﻣﻘﻔﻴ ّﻨـــﺎ اﻟﻘﻮل ﻣـــــــــــــــــﻦ ﺗﻜﺜﺮ ﻫـــــﺮوﺟﻪ ﻫﺬﻳﺮي وﻟﻮ ﺑﺎﻟﻐﻴﺚ ﺗﺘﻬــــــﺎﻃﻞ ﻣﺰوﻧــــــــــــــــﻪ ﻗﻞ ّ دل ْوﺗﻔﻬـﻢ اﻟﻨﺎس ﻣﻌﻨـــــــــــــــــــــﺎه ﻣﺎ ّ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
121
أوراق ﺷﻌﺒﻴﺔ
~ ķĕòİĩ~ ąěČĩ~ ķĠ óĭħÿĩ ~ķõ~ ïĬľ ﺗﻨﻮﻋﺖ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻹﻣﺎرات اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺣﻜﻤﺔ ﺻﺮﻳﺤﺔ، وﻣﺜﻼ ﺷﻌﺮﻳﺎ ﻳﻀﺮب ﺑﻪ ﻟﺤﺪث ﻣﻌﻴﻦ ﻳﺪل ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺴﻴﺎق اﻟﻤﺘﻮاﻓﻖ ﻣﻊ ﺑﻴﺖ اﻟﺸﻌﺮ ،ﻓﺎﻟﺤﻜﻤﺔ اﻟﺼﺮﻳﺤﺔ ﻣﺜﻞ ﻗﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻬﺎدي ﺑﻦ ﺷﻌﺒﺎن اﻟﻤﻄﻴﻮﻋﻲ: ﻧﻔﺴــﻲ ﻟــﻮ ﻣــــﺎ ﺣﻘﺮﻫــــــﺎ ﻛـــﺎن ادﻋﺘﻨــــﻲ ﻧﻌــــــــــﺖ ﻋـــﻦ اﻟﻘﺒﻴـــﺢ أزﺟــﺮﻫـــــــﺎ واﻧﻬـﺎﻫـــــﺎ ﻟـﻲ ﻋﺼـــــــــﺖ وﻗﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺎﻳﺾ اﻷﺣﺒﺎﺑﻲ: ﻣﻦ راﻓـﻖ اﻟﻄ ّﻴـﺐ ﻟﻘـﻰ اﻟﻤﺴـﻚ واﻟﻌــﻮد وﻣـﻦ ﺟﺎﻟــﺲ اﻟﻤﺤﻤــﻮم ﻳـﺰداد ﺣ ّﻤـــــــﺎ أﻣﺎ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺸﻌﺮي ﻓﻤﺜﻠﻪ ﻓﻲ ﻗﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻫﻼل اﻟﻈﺎﻫﺮي: ﺗﻐـﺰر ﻋﻴـﻮﻧـﻲ ف اﻟﻤﻐـﻄّــــــــــــــــﺎي ﺷــــﻲ دوم ﻣﻜﺸــــــــﻮف وﺗﻌـــــــــﺎف ﱟ وﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﺗﺬاﻛﺮﻧﺎ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ،ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﺘﺬاﻛﺮ ﺗﺎرﻳﺦ دوﻟﺔ اﻹﻣــﺎرات وﺟﻐﺮاﻓﻴﺘﻬﺎ واﻗﺘﺼﺎدﻫﺎ وﺳﻴﺎﺳﺘﻬﺎ وأﻧﺴﺎﺑﻬﺎ وﺗﺮاﺟﻤﻬﺎ وأﻣﺜﺎﻟﻬﺎ وﻗﺼﺼﻬﺎ ،وﻣﻊ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﺘﺬاﻛﺮ ﺣﻜﻢ رﺟﺎﻟﻬﺎ وﻧﺴﺎﺋﻬﺎ ﺣﻜﻤﻲ ﻳﻨﻴﺮ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺬي ﻳﺄﺗﻲ اﻟﺬﻳﻦ أﻓﺮﻏﻮا ﺗﺠﺎرﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﻗﺎﻟﺐ ٍ ﺑﻌﺪﻫﻢ ،ﻟﻴﻬﺘﺪي ﺑﻬﻢ ،وﻳﻘﺘﺪي ﺑﻬﻢ ،وﻳﺴﻠﻚ ﻃﺮﻳﻘﻬﻢ ،وﻳﺘﺠﻨﺐ ﻣﺎ ﺗﺠﻨﺒﻮه ،وﻟﻴﺴﺖ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﺑﺎﻷﻣﺮ اﻟﻬ ّﻴﻦ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻜﻞ أن ﻳﻄﺮق ﺑﺎﺑﻬﺎ ،وﻳﻐﻮص ﻓﻲ أﻋﻤﺎق ﻛﻠﻤﺎﺗﻬﺎ ،ﻓﺒﺎﺑﻬﺎ ﻣﻮﺻﺪ أﻣﺎ ﻣﻦ ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴﻪ، وﺑﺤﺮﻫﺎ ﻟ ّﺠ ٌﻲ ﻻ ﻳُﺪ َرك. وإذا ﺗﺘﺒﻌﻨﺎ أﺷﻌﺎر اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺷﻌﺮﻧﺎ اﻟﻨﺒﻄﻲ ﻧﺮاه ﺑﺮﻏﻢ وروﻋﺘﻪ ﻛﺜﻴﺮ، وﻋﻠﻰ ﻛﺜﺮﺗﻪ ووﻓﺮﺗﻪ ،ﻓﻬﻮ ﻳﻤﺘﺎز ﺑﺴﻼﺳﺔ اﻷﻟﻔﺎظ ،وﻗﻠّﺔ اﻟﻜﻠﻤﺎت، وﺧﻔّﺔ اﻟﺒﺤﻮر اﻟﺸﻌﺮﻳّﺔ ،وﻛﺄن اﻟﺤﻜﻤﺔ ﺗﻨﻘﺎد ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ ﻃﻮﻋﺎً ﻻ ﻛﺮﻫﺎً، ودوﻣﺎً ﻻ دﻫﺮا ً ،ﻓﺘﻨﻮﻋﺖ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺤﻜﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺜﺮوﻫﺎ ﻓﻲ ﺻﺪور اﻟﺤﻔّﺎظ وﺻﻔﺤﺎت اﻟﻜﺘﺐ ،ﻓﻘﺎﻟﻮا اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﻗﺎﻟﻮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﺪﻳﻖ ،وﻗﺎﻟﻮﻫﺎ اﻟﺤﺬر واﻟﺘﺮﻳّﺚ وﻋﺪم اﻻﺳﺘﻌﺠﺎل ،وﻗﺎﻟﻮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﺼﺢ واﻹرﺷﺎد ،وﻗﺎﻟﻮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻤ ّﻨﻲ واﻟﺮﺟﺎء ،وﻗﺎﻟﻮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺰﻫﺪ، وﻗﺎﻟﻮﻫﺎ ﻓﻲ ﺣﻔﻆ اﻟﻠﺴﺎن. وﻗﺪ اﺳﺘﻮﻗﻔﺘﻨﻲ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺣﻔﻆ اﻟﻠﺴﺎن واﻟﺘﺤﻠﻲ ﺑﺎﻟﺴﻜﻮت، وذﻛﺮﻫﻢ ﻓﻀﻴﻠﺔ اﻟﺴﻜﻮت واﻻﺳﺘﻤﺎع ،وﻛﻴﻒ ﻫﻲ ﻣﻨﺠﺎة ﻟﻠﺸﺨﺺ ﻣﻦ واﻟﻌﻲ اﻟﺬي اﻟﻜﻼم اﻟﺬي ﻳﻮﻗﻊ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻓﻲ ﺷﺮك اﻟﻤﺼﺎﺋﺐ واﻟﻨﺴﻴﺎن ّ 120
اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ ا ﻣﺎراﺗﻲ
ﻓﻬﺪ اﻟﻤﻌﻤﺮي* @ ﺑﺎﺣﺚ ﻣﻦ ا ﻣﺎرات
ﻳﻌﻮد ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺑﺎﻟﻮﻳﻞ واﻟﺜﺒﻮر واﻟﺨﺴﺮان ،ﻛﻞ ذﻟﻚ أﺗﻮا ﺑﻪ ﻓﻲ ﻗﺎﻟﺐ ﺷﻌﺮي ﺣﻜﻤﻲ ﻟﻪ ﺟﻤﺎل اﻟﻌﺒﺎرة وﻗ ّﻮة اﻟﻜﻠﻤﺔ وﺟﺰاﻟﺔ اﻟﻤﻌﻨﻰ، وﻓﺨﺎﻣﺔ اﻟﻤﺒﻨﻰ ،وﻗﺒﻞ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺷﻌﺮ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺣﻔﻆ اﻟﻠﺴﺎن، ﻧﻘﺮأ ﺑﻌﻀﺎً ﻣﻦ أﺷﻌﺎر اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ اﻹﻣﺎراﺗﻲ: ﻳﻘﻮل اﻟﺸﻴﺦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻦ ﺷﺨﺒﻮط ﺑﻦ ذﻳﺎب ﺑﻦ ﻋﻴﺴﻰ آل ﻧﻬﻴﺎن: ِﻣﺘﺮى اﻟ ِﻌﺠــــــــــﻞ ﻣﻦ ِﺣﻴﻨـﻪ ﻛــــــﻞ ْﻣﻌﻨــــــﻰ ﻳﺨﻄﻴــــــــﻪ ﻧﻔﺴﻲ ﻛﻮﻧـﻲ رزﻳﻨـــــــــــــﻪ درب اﻟﺨﻄــــــــــــــﺎ دارﻳــــــﻪ وِاﻗ َﺮي ﺳــ ّﺮ اﻟﺒ ِِﻄﻴ ِﻨـــــــــــــﻪ وﺑ ّﻤــﺎ ﺑﻐـــــــــــﻰ َﺧﻔﱢﻴـــــــــﻪ اﻟﻐﺎﻟـــــــــﻲ ﺗﺸﺘﺮﻳﻨـــــــــﻪ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺧﺴـــــــــــــــــﺎره ﻓﻴــﻪ اﻟﻌـــــــــــﻮف ﻻ ﺗْﺨﺎوﻳﻨــــﻪ ﺑﺎدﻧــﻰ ﺛِﻤـــــــــــــــﻦ ﺑﻴﻌــﻴـﻪ َﺧﻠّﻴـــــــــــــﻪ ﻻ ﺗِ ّﺘﻠِﻴﻨـــــــﻪ وﺳﻂ اﻟﺒﺤـــــــــــــــﺮ ﺗُﻮ ِﺣﻴـــﻪ ِوﻳِﻼ ﺑِﺨﺼﺘــــــــــــﻲ ﻋﻴﻨـــﻪ ﻳﺒﻴــﻦ ﻟـــﻚ ﺧﺎﻓﻴــــــــــــــــــﻪ واﻟﻠﻲ ﻣﻀ ّﻴـــﻊ دﻳﻨـــــــــــــﻪ ﻛﻴﻒ اﻟﻌﻬـــــــــــــــﺪ ﻳﻮﻓﻴــــﻪ وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﺎﺟﺪي ﺑﻦ ﻇﺎﻫﺮ: ﻋﻠــــﻲ إﻻّ أﻗـــــــــﻮل ﻓــــﻼ ﻳـِﻠــﺰم ّ ﻣـِﻘـــﺎلٍ ﺑﺎﻟـﻐﺒــــﺎ أو ﺑــﺎﻟﺒﻴــﺎﻧــــــﻲ ﻓــﻼ ﻟــﺰم اﻟﺴﻔﻴـــﻦ إﻻّ اﻟﺴﻨـــــــــﺎد وﻻ ﻟــــﺰم اﻟﺴـﻨــــﺎد إﻻّ اﻟﺒﻨــﺎﻧــــــﻲ وﻻ ﻟـــﺰم اﻟﺒﻌﻴــــﺮ إﻻّ اﻟﺨـــــــــــﺰام وﻻ ﻟـــــﺰم اﻟﺠـــــﻮاد إﻻّ اﻟﻌﻨـﺎﻧـــــﻲ وﻻ ﻟــــــــــﺰم اﻟﺤﺮﻳــــﻢ إﻻّ اﻟــﺮﺟﺎل وﻻ ﻟــــﺰم اﻟﺮﺟـــﺎل إﻻ اﻟـﻤـﻌـﺎﻧـــــﻲ وﻻ ﻟــــــــﺰم اﻟﻄﻠﻴــﺐ ْﻋـﻦ اﻟﻄﻠﻴــﺐ ﺿــﺮب ﺑﺎﻟﺴﻨــﺎﻧــــﻲ ﺑـﻘــﻞ اﻟﻄﻴــﺐ ّ ٍ
اﻟﻜﻮﻛﺐ ﻣﻌﺮض اﻟﺨﻄﺮ وﻻ ﺷﻚ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻧﺤﺎول إﻳﺠﺎد ﻣﻮﻃﻦ آﺧﺮ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﺣﻔﺎﻇﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻨﺼﺮ اﻟﺒﺸﺮي ﻣﻦ اﻻﻧﻘﺮاض ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﺑﺪأت اﻷﺑﺤﺎث ﻹﻳﺠﺎد اﻟﺒﺪﻳﻞ وﺑﻌﺪ ﻃﻮل ﺑﺤﺚ وﺟﺪ أن اﻟﻤﺮﻳﺦ ﻫﻮ اﻟﻜﻮﻛﺐ اﻷﻗــﺮب ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻷرض ،وﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺒﺸﺮ اﻟﻌﻴﺶ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻬﻮ ﺻﺨﺮي ﻟﻴﺲ ﻏﺎزﻳﺎ ﻛﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻛﻮاﻛﺐ اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ،ﻫﺬا ﻏﻴﺮ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻗﺮﻳﺒﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺲ أي أن درﺟﺔ ﺣﺮارﺗﻪ ﻟﻴﺴﺖ ﻋﺎﻟﻴﺔ وإن ﻛﺎن ﺑﺎردا ً ﻧﺴﺒﻴﺎً ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺘﺤﺎول اﻷﺑﺤﺎث اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ اﻟﻮﺻﻮل ﻟﻬﺬا اﻟﻜﻮﻛﺐ وأن ﺗﺼﻨﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻴﺎة ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻟﺤﻴﺎة اﻷرض ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن ﺑﺪﻳﻼً ﻋﻨﻬﺎ ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺒﺸﺮي ،وﻣﻦ ﺛﻢ رأت ﻗﻴﺎدﺗﻨﺎ أن ﻧﻜﻮن ﺟﺰءا ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺴﺒﺎق اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ، وﻗﺒﻞ أن ﻳﺴﺎﻋﺪ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻬﻮ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻧﻔﺴﻪ أوﻻ ،ورﺑﻤﺎ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺑﻼدﻧﺎ وﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻠﻤﺎء واﻟﻐﺬاء أﺣﻮج ﻟﻠﻤﺮﻳﺦ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻧﺎ ،واﻵن ﻧﺤﻦ ﻧﺼﺒﻮ ﻧﺤﻮ آﻟﻴﺔ ﻹﻳﺠﺎد اﻟﻤﺎء واﻟﻐﺬاء ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮﻳﺦ، وإن اﺳﺘﻄﻌﻨﺎ ذﻟﻚ ﺳﺘﺴﺘﻔﻴﺪ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺟﻤﻌﺎء ﻣﻦ ﻫﺬا اﻻﺳﺘﻜﺸﺎف ،وﻫﻜﺬا ﻋﻠﻤﻨﺎ زاﻳﺪ أن ﺗﻔﻮق أﺣﻼﻣﻨﺎ اﻟﺨﻴﺎل ،وﻻ ﻧﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺤﻠﻢ ،ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻻ ﻧﻬﺪأ إﻻ ﺑﻌﺪ ﺟﻌﻠﻪ واﻗﻌﺎً. أﻳﻦ ذﻫﺐ ﻣﺎء اﻟﻜﻮﻛﺐ اﻷﺣﻤﺮ؟
ـ ﻣﺎ اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ ﻣﺴﺒﺎر اﻷﻣﻞ وﺑﻴﻦ ﻣﺮﻛﺒﺔ إﻧﺴﺎﻳﺖ؟ ﻣﺴﺒﺎر اﻷﻣﻞ ﻫﻮ ﻣﺮﻛﺒﺔ ﺗﺪور ﺣﻮل اﻟﻤﺮﻳﺦ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻊ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﻦ اﻟﻐﻼف اﻟﺠﻮي ،ﻳﺘﻜﺎﺗﻒ ﻣﺴﺒﺎر اﻷﻣﻞ ﻣﻊ ﻣﺮﻛﺒﺔ إﻧﺴﺎﻳﺖ ،ﻟﻴﺠﻴﺒﺎ ﻋﻦ ﺗﺴﺎؤل ﻛﺒﻴﺮ ﻳﺸﻐﻞ اﻟﻌﺎﻟﻢ واﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل وﻫﻮ أﻳﻦ ذﻫﺐ ﻣﺎء اﻟﻜﻮﻛﺐ اﻷﺣﻤﺮ ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎن ﻣﻮﺟﻮدا ً ﻣﺴﺒﻘﺎ ،وﻫﺬا ﺳﺆال ﻧﻠﺢ ﻋﻠﻰ وﺟﻮد إﺟﺎﺑﺔ ﻟﻪ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن أﻛﺪت اﻟﺪراﺳﺎت أن ﻫﻨﺎك آﺛﺎرا ً ﻟﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﻤﺤﻴﻄﺎت واﻷﻧﻬﺎر ﻋﻠﻰ ﻛﻮﻛﺐ اﻟﻤﺮﻳﺦ .ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ أن ﻫﻨﺎك ﻓﺮﺿﻴﺘﻴﻦ اﻷوﻟﻰ :إﻣﺎ أن ﻫﺬا اﻟﻤﺎء ﻗﺪ ﺗﺒﺨﺮ ،أو ﻏﺎص ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻦ اﻟﻜﻮﻛﺐ ،وﻣﻦ ﺛﻢ اﺧﺘﺎرت اﻹﻣــﺎرات أن ﺗﺒﺤﺚ ﻓﻲ اﻟﻐﻼف اﻟﺠﻮي ﻋﻦ ﺑﻘﺎﻳﺎ اﻟﻤﻴﺎه ،ﻓﻲ ﺣﻴﻦ أن ﻣﺮﻛﺒﺔ إﻧﺴﺎﻳﺖ ﺗﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻦ اﻟﻜﻮﻛﺐ ﻣﻦ ﺧﻼل وﺟﻮدﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ اﻟﻜﻮﻛﺐ ،ﺣﻴﺚ إﻧﻬﺎ ﺗﺤﻔﺮ ﻓﻲ ﻋﻤﻘﻪ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﺔ إﻟﻰ ﺳﺘﺔ أﻣﺘﺎر ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻧﺸﺄت اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﺴﺒﺎر اﻷﻣﻞ وﻣﺮﻛﺒﺔ إﻧﺴﺎﻳﺖ وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮة ،وﺑﻌﺪ اﻻﻧﺘﻬﺎء ﻣﻦ ﻫﺬه اﻷﺑﺤﺎث ﺗﺒﻨﻲ اﻟﺨﻄﻮات اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﻤﺤﻘﻘﺔ ﺳﺎﻟﻔﺎ. ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺣﻮار ﻣﺮﺋﻲ ﻟﻚ :ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ دوﻟﺔ ﺑﻤﻔﺮدﻫﺎ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺎﻟﺒﺮاﻣﺞ َ اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ ،ﻓﻬﻞ اﻟﻌﺎﺋﻖ ﻣﺎدي أم ﺑﺸﺮي؟ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﻌﺎﺋﻖ ﻣﺎدي وﺑﺸﺮي ﻓﻲ آن ،ﻓﻬﻨﺎك اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت،
ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺘﻜﻠﻔﺔ ،وﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ ،ﺣﻴﺚ ﻫﻨﺎك اﺣﺘﻤﺎﻻت ﻛﺜﻴﺮة ﻟﻀﻼل اﻟﻤﺮﻛﺒﺔ ﻋﻦ ﻣﺴﺎرﻫﺎ ،ﻓﻤﻦ ﻫﺬا اﻟﺬي ﻳﺘﺤﻤﻞ ﺗﻜﺎﻟﻴﻒ أﻋﻮام ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺪ واﻟﺘﻌﺐ ﺳﻮاء ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻤﻠﻮن أو اﻟﻤﻌﺪات اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮﻧﻬﺎ؟ ﻫﺬا ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻟﻠﻤﻬﺎرات وذﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﺒﺸﺮي ،واﻷﻫﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ ذﻟﻚ اﻟﺘﺨﻄﻴﻂ اﻟﺠﻴﺪ اﻟﻮﻗﺖ واﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﺛﻤﺎرﻫﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة ﻟﻴﺴﺖ ﻗﻠﻴﻠﺔ. ـ ﻛﻴﻒ ﺗﺴﻬﻢ اﻟﺮﻳﺎدة اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻷﻣﻨﻴﺔ؟ ﻫﻨﺎك ﺑﻌﺾ اﻟﺪول ﺗﺴﺘﺜﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء ﻷﻫﺪاف اﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ ،ﻓﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻻﺗﺼﺎﻻت إن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻛﻠﻬﺎ ﺗﻌﺒﺮ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻷﻗﻤﺎر اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ،ﻓﻼ ﺷﻚ أن اﻟﻔﻀﺎء ﻳﺴﺎﻋﺪ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ واﻷﻣﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﺣﻠﻮل اﺗﺼﺎﻻت ﻓﻲ أي ﻣﻜﺎن ،ﻫﺬا ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻟﻠﺘﺼﻮﻳﺮ واﻟﻤﻼﺣﺔ اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ، ﻓﺎﻟﻔﻀﺎء ﻳﺘﻤﺎﻫﻰ ﻣﻊ ﺣﻴﺎة اﻟﻨﺎس وﻳﺴﺎﻋﺪ ﻓﻲ أﻣﻦ اﻟﺪول. ﻟﻴﺲ ﻟﻺﻣﺎرات أﻗﻤﺎر أﻣﻨﻴﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ ،ﺑﻞ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺧﻤﺴﺔ أﻗﻤﺎر ﻟﻼﺗﺼﺎﻻت وﺛﻼﺛﺔ ﻟﻠﺘﺼﻮﻳﺮ ،ﻟﻜﻦ ﺧﺪﻣﺎﺗﻨﺎ ﻟﻴﺴﺖ وﻗﻔﺎً ﻋﻠﻰ اﻹﻣﺎرات ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﺗﻘﺪم ﺧﺪﻣﺎﺗﻬﺎ ﻫﻨﺎ وﺧﺎرج اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ. ـ ﻓﻲ ﻧﻘﺎط اﺧﺒﺮﻧﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﻮاﺟﻪ اﻟﻔﻀﺎء ﻛﺼﻨﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺗﺤﺪﻳﺎت؟ اﻟﻤﺒﺎﻟﻎ اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ،اﻷﺧﻄﺎء ،ﻓﺎﻻﺳﺘﺜﻤﺎرات اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﻋﺎﺋﺪ ﻣﺎدي ﺑﻞ ﻋﺎﺋﺪﻫﺎ إﻧﺴﺎﻧﻲ ﺑﺤﺖ ،ﻓﻤﻦ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﺤﻤﻞ ﻫﺬه اﻟﻨﻔﻘﺎت اﻟﺒﺎﻫﻈﺔ ،ﻓﺎﻟﺤﻜﻮﻣﺎت اﻟﻮاﻋﻴﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ، وﻟﺬﻟﻚ ﻓﻤﺴﺒﺎر اﻷﻣﻞ ﻫﺪﻳﺔ إﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
119
ﺣﻮار ﺧﺎص
اﻟﺸﺮاﻛﺎت ،ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﻗﺪﻣﺘﻪ وﻛﺎﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻛﺮاﺋﺪة ﻓﻲ ﻫﺬا اﻻﺗﺠﺎه؟ ﺑﻌﻴﺪا ﻋﻦ اﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺎت اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻟﻮﻛﺎﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻟﻠﻔﻀﺎء ،ﻣﻊ ﻣﺨﺘﻠﻒ دول اﻟﻌﺎﻟﻢ ،إﻻ أن اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻧﻌﺘﺰ وﻧﻔﺨﺮ ﺑﻪ ﺣﻘﺎً ﻫﻮ أﻧﻨﺎ ﻧﺘﺒﻨﻰ اﻵن ﻣﺒﺎدرة ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﺗﺄﺳﻴﺲ ﺗﻜﺘﻞ ﻋﺮﺑﻲ ،ﻓﻔﻲ ﺷﻬﺮ ﻣﺎرس اﻟﺤﺎﻟﻲ ﺳﻨﻮﻗﻊ ﺗﺄﺳﻴﺲ اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺘﻌﺎون اﻟﻔﻀﺎﺋﻲ، وﻻ ﻧﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ﻟﻺﻣﺎرات ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻛﻠﻪ ،وﺣﺘﻰ ﻧﻨﻤﻲ ﺛﻘﺔ ﺷﺒﺎﺑﻨﺎ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ،وﻳﻌﺮﻓﻮن أﻧﻬﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن إﺣﺪاث ﺷﻴﻰء ﻟﻠﺮﻗﻲ ﺑﺎﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،ﻻﺳﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻮﻓﺮت ﻟﺪﻳﻨﺎ اﻟﻔﺮﺻﺔ واﻟﺨﻄﺔ ،ﻓﻤﺎ اﻟﻤﺎﻧﻊ ﻣﻦ اﻟﻤﻀﻲ ﻗﺪﻣﺎ ،ﻓﻠﻬﺬه اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻟﺸﺒﺎب اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ .ﻟﺪﻳﻨﺎ اﻟﻴﻮم ﻣﺸﺮوع ﻛﺒﻴﺮ وﻫﻮ ﻣﺴﺒﺎر اﻷﻣﻞ ،وﻣﻦ اﻟﻔﺨﺮ أﻧﻪ ﻣﺸﺮوع ﻋﺮﺑﻲ إﻣﺎراﺗﻲ ﺧﺎﻟﺺ ،اﻟﻬﺪف ﻣﻨﻪ إﺛﺒﺎت اﻟﺬات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وأن ﻳﻌﻠﻢ اﻟﻐﻴﺮ أﻧﻨﺎ ﻗﺎدرون وﻟﺴﻨﺎ ﻣﻬﻤﺸﻴﻦ، وأن اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﺑﺸﻜﻞ ﻓﻌﺎل وﻣﻠﺤﻮظ ﻓﻲ ﻣﺴﻴﺮة اﻟﺘﻘﺪم اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،وﻫﺬا اﻟﻤﺸﺮوع ﻫﻮ ﺟﺰء ﻣﻦ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ إﻣﺎراﺗﻲ ﻃﻮﻳﻞ ﻧﺤﻮ اﻟﻤﺮﻳﺦ ،وﻟﺪﻳﻨﺎ أﻳﻀﺎً ﻣﺪﻳﻨﺔ أﺑﺤﺎث اﻟﻤﺮﻳﺦ ،وﻫﻲ ﺗﻘﺎم ﻓﻲ دﺑﻲ ﻛﻲ ﺗﺤﺎﻛﻲ اﻟﺤﻴﺎة ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ اﻟﻤﺮﻳﺦ. وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﻜﻮن ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻗﺪرات ﻣﺤﻠﻴﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ وﻻ ﻧﻜﻮن ﺗﺎﺑﻌﻴﻦ ﻟﻠﻐﻴﺮ ،ﺑﻞ وأﻻ ﻧﻜﺘﻔﻲ ﺑﺪور اﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﻟﻤﺎ ﻧﺸﺎرك ﻓﻲ ﺗﻘﺪم اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎمّ ، ﻳﺤﺪﺛﻪ اﻟﻐﺮب ،وﻣﻤﺎ ﺑﺜﻪ ﻓﻴﻨﺎ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ورﺳﺨﻪ ﻓﻲ ﻋﻘﻴﺪﺗﻨﺎ ﻫﻮ أﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺤﺪث ﻫﺬا اﻟﺘﻘﺪم ﺑﺎﺳﻢ اﻹﻣﺎرات ﻓﻘﻂ ،ﻟﻜﻦ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺎﻣﻞ. آﻟﻴﺔ ﻹﻳﺠﺎد اﻟﻤﺎء واﻟﻐﺬاء ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮﻳﺦ
ـ ﻣﺆﺧ ًﺮا رﺳﺖ ﻣﺮﻛﺒﺔ إﻧﺴﺎﻳﺖ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻮﻛﺎﻟﺔ ﻧﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ اﻟﻤﺮﻳﺦ،
118
ﻣﺪﻳﺮ ﻋﺎم وﻛﺎﻟﺔ ا ﻣﺎرات ﻟﻠﻔﻀﺎء :ﻣﺴﺒﺎر ا>ﻣﻞ ﻫﺪﻳﺔ إﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ
ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﻳﻤﺜﻠﻪ ذﻟﻚ اﻟﺤﺪث ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻫﺬه اﻹﻣﻜﺎﻧﺎت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ؟ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻹﻣﺎرات أﺻﺒﺤﺖ ﻋﻀ ًﻮا ﻓﻌﺎﻻً ﻓﻲ رﺣﻠﺔ اﻻﺳﺘﻜﺸﺎﻓﺎت اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم ،وﺗﻜﺎد ﺗﻜﻮن دوﻟﺔ اﻹﻣــﺎرات ﻫﻲ اﻟﻮﺣﻴﺪة ـ وأﻗﻮل ﻫﺬا ﺑﻜﻞ أﺳﻒ ـ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺎرك ﺑﺸﻜﻞ واﻗﻌﻲ وﻓﻌﺎل ﻓﻲ اﺳﺘﻜﺸﺎف اﻟﻔﻀﺎء ،وﻟﺬﻟﻚ ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ أذﻫﺐ ﻟﻼﺟﺘﻤﺎﻋﺎت أﻛﻮن اﻟﻌﺮﺑﻲ ورﺑﻤﺎ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻃﺎوﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﺎت ،وﻫﺬا ﻓﺨﺮ وﻻ ﺷﻚ ﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻨﻪ أﻟﻢ ﺷﺪﻳﺪ؛ ﻛﻮﻧﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻮﺣﻴﺪ ،ﻓﻠﻤﺎذا ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﻤﺜﻞ ﻋﺮﺑﻲ ﻟﻜﻞ دوﻟﺔ وﻟﻤﺎذا ﻻ ﺗﺸﺪ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎً ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل ،ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن دورﻧﺎ أﻛﺜﺮ ﺗﺄﺛﻴﺮا ً ،ﻓﻮﺟﻮد اﻟﻌﺮب ﻣﻌﻲ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﺎت ﻗﻮة ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ ﻟﻲ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺠﻤﻴﻞ ﻓﻲ اﻹﻣﺮ إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﻣﻤﺜﻞ ﻋﺮﺑﻲ واﺣﺪ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ،ﻓﺴﻮف ﺗﻬﻀﻢ ﺣﻘﻮق اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل ،واﻟﻔﻀﺎء ﺷﺄﻧﻪ ﺷﺄن ﺑﺎﻗﻲ أي ﺗﻘﺪم ﻋﻠﻤﻲ ،ﻓﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻺﻣﺎرات أﺻﺒﺤﺖ ﻋﻀﻮا ً ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﻔﻀﺎﺋﻲ ﻻﺳﺘﻜﺸﺎف اﻟﻔﻀﺎء ،ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت واﻟﻠﺠﺎن واﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﻤﻨﻮﻃﺔ ﺑﺬﻟﻚ ،وﻫﺬا ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﻴﺲ اﺳﺘﻜﺸﺎﻓﺎً ﻟﻺﻣﺎرات ﻓﺤﺴﺐ أو أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻓﺤﺴﺐ ،ﻟﻜﻨﻪ اﺳﺘﻜﺸﺎف وﺗﻘﺪم ﻟﻠﺠﻨﺲ اﻟﺒﺸﺮي ﺑﺄﺳﺮه ،ﻓﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻷﻣﻨﻲ اﻟﻔﻀﺎﺋﻲ ﻻ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ أﺷﺨﺎص أو دول ﺑﻞ ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺎﻣﻞ. ﻓﻬﻞ ﻳﻜﺘﻔﻲ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺠﻮﻫﺮﺗﻪ اﻟﺰرﻗﺎء ـ اﻷرض ـ وﻻ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺑﺪاﺋﻞ؟ ﻓﺎﻷرض ﻫﻲ أوﻻً وأﺧﻴﺮا ً ﻛﻤﺮﻛﺒﺔ ﻓﻀﺎﺋﻴﺔ ﺳﺎﺑﺤﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء ،واﻟﻜﻞ ﻳﻌﻠﻢ أن اﻷرض ﺗﻮاﺟﻪ ﻣﺨﺎﻃﺮ ﺳﻮاء ﺧﺎرﺟﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻔﻀﺎء وﻣﺎ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻧﻴﺎزك وﻛﻮﻳﻜﺒﺎت رﺑﻤﺎ ﺗﺼﻄﺪم ﻓﺠﺄة ﺑﺎﻷرض ،أو ﻫﺬه اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻛﺎﻷﻋﺎﺻﻴﺮ واﻟﺰﻻزل واﻟﺒﺮاﻛﻴﻦ واﻷوﺑﺌﺔ واﻟﺤﺮوب ،ﻓﻬﺬا
ﺑﻤﺮﻛﺒﺔ ﻓﻀﺎﺋﻴﺔ ﺻﻐﻴﺮة ،أو ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ اﻟﻌﻴﺶ وإﻳﺠﺎد اﻟﺤﻴﺎة ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻌﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت إﻻ أن اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﺮﻛﺎت ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﻞ ﻫﺬه اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت ،ﻓﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻀﺎء وﺗﻮﻓﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺑﻴﺌﺔ اﻟﻤﺮﻳﺦ ،وﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺣﻞ ﻟﻺﺷﻌﺎﻋﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻮﻛﺐ اﻷﺣﻤﺮ ،وﻫﺬه اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﺤﻄﺔ ﻟﻠﻘﺎء ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﺒﺤﺚ ﻫﺬه اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت .ﻛﺎن ﻻﺑﺪ أن ﺗﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﻳﺪ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺗﺸﺎرك ﻓﻲ وﺿﻊ أول إﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ ﻛﻮﻛﺐ اﻟﻤﺮﻳﺦ وﻫﺬا ﺳﻴﻜﻮن ﺑﻌﺪ 100ﻋﺎم ،ﻓﻬﺪف اﻹﻣﺎرات أن ﺗﻜﻮن ﺟﺰءا ً ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺤﺪث وﺗﺘﻜﺎﺗﻒ ﻣﻌﻪ ﺟﻤﻴﻌﺎً اﻟﺠﻬﺎت اﻟﻌﺎﻟﻤﺔ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات .ﻛﻞ ﻫﺬا ﺑﻔﻀﻞ رؤﻳﺔ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه، ﻓﻠﻮﻻ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻤﺎ ﺣﺪث ﻫﺬا اﻟﺼﺮح ،وﻟﻮ ﺣﺪث ﻟﻜﺎن ﺑﻌﺪ أﻋﻮام ﻃﻮال؛ ﻷن اﻟﻔﻀﺎء ﻳﺤﺘﺎج ﻟﻤﺴﺎﺣﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ، وﻟﻴﺲ وﻟﻴﺪ ﺳﺎﻋﺘﻪ ،ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺮور ﺑﻤﺮاﺣﻞ اﻹﻋﺪاد ﻟﻪ، ﻛﺎﻟﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺘﻤﻬﻴﺪ واﻛﺘﺴﺎب اﻟﺨﺒﺮات ،ﺣﺘﻰ ﺗﻤﺘﻠﻚ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﺎً داﺋﻤﺎً ،ﻛﻞ ﻫﺬا ﻛﺎن ﻓﻲ ذاﻛﺮة اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻫﺬا اﻟﻤﻠﻬﻢ ،اﻟﺬي ﺑﺚ ﻓﻴﻨﺎ روح اﻟﺮﻗﻲ واﻟﺜﻘﺔ وﻓﺘﺢ ﻟﻨﺎ أﺑﻮاﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮاﻋﻴﻬﺎ، وﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺳﻮى اﻟﺪﺧﻮل وإﻛﻤﺎل اﻟﻤﺴﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﺑﺪأﻫﺎ، وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺗﺘﻮﻳﺞ ﻫﺬه اﻟﺠﻬﻮد ﻣﻦ ﺧﻼل رواد ﻓﻀﺎء وﻣﻦ ﺛﻢ اﺻﺒﺤﺖ ﻫﻨﺎك ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻟﻠﺨﻴﺎل واﻟﺘﻄﻠﻊ ﻟﻤﺎ ﺧﻠﻒ ﻛﻮﻛﺒﻨﺎ ،وﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﺤﻆ أن اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻟﻢ ﻳﺘﺮك أﺛﺮا ً ﻃﻴﺒﺎً ﻛﺒﻴﺮا ً ﻋﺮب ،ﺣﺘﻰ ﺗﺼﺒﺢ ﻣﻨﻈﻮﻣﺘﻨﺎ اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻢ اﻟﻤﺴﻴﺮة وﺗﻄﻠﻊ ﻟﻠﺮﻗﻲ ﻓﻲ أﺑﻨﺎﺋﻪ ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺐ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم .وﺗﻨﻤﻮ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﻴﺪ ،وﻣﻦ اﻟﺠﺪﻳﺮ ذﻛﺮه أن روادﻧــﺎ اﻟﻌﺮب ﻟﻴﺴﻮا ﻓﻘﻂ ﻟﻠﺰﻳﺎرة وﻟﻜﻦ ﺑﺸﻜﻞ داﺋﻢ ،ﺣﻴﺚ إﻧﻬﻢ درﺑﻮا وأﺧﺬوا ﺷﻬﺎدات ﻣﻌﺘﻤﺪة ،وﻫﻨﺎك ﺛﻼث ﺟﻬﺎت ﻣﻌﻨﻴﺔ ﺑﻬﺬا اﻷﻣﺮ ـ ﻣﻨﺢ اﻟﺸﻬﺎدات ـ راﺋﺪا اﻟﻔﻀﺎء اﻹﻣﺎراﺗﻴﺎن وﻫﻢ ﻣﻦ ﻳﻤﻨﺤﻮن ﺷﻬﺎدة راﺋﺪ ﻓﻀﺎء روﺳﻴﺎ وأوروﺑﺎ وأﻣﺮﻳﻜﺎ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ـ إﻧﺠﺎز ﺟﺪﻳﺪ ﺗﺤﻘﻖ ﻟﺪوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻔﻀﺎء ﺑﻌﺪ إﻋﻼن ﺑﺪأﻧﺎ وﺗﻢ اﻹﻋﻼن ﻋﻦ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺗﻘﺪم ﺣﻮاﻟﻲ أرﺑﻌﺔ آﻻف ﻣﺮﺷﺢ وﻣﻦ ﻫﺰاع اﻟﻤﻨﺼﻮري وﺳﻠﻄﺎن اﻟﻨﻴﺎدي ﻟﻴﻜﻮﻧﺎ أول راﺋﺪي ﻓﻀﺎء ﻋﺮﺑﻴﻴﻦ اﻟﻤﺜﻴﺮ أن ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻨﺴﺎء ﺗﺠﺎوزت اﻟـ % 30ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ،وﻫﺬا دﻟﻴﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﻄﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ،ﻛﻴﻒ وأﻳﻦ ﺗﻢ ﺗﺪرﻳﺒﻬﻤﺎ؟ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻗﻲ واﻟﻄﻤﻮح وﻣﺸﺎرﻛﺔ اﻟﻤﺮأة اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻓﻌﺎل ﻓﻲ وﻣﻦ اﺗﻴﺔ، ر اﻹﻣﺎ اﻟﻘﻴﺎدة ﺑﺪاﻳﺔ ..اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﻔﻀﺎﺋﻲ ﻫﻮ رؤﻳﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻧﻬﻀﺔ ﺗﺤﺪث ،واﻵن ﻳﺴﺘﻌﺪ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻫﺰاع اﻟﻤﻨﺼﻮري وﺳﻠﻄﺎن ﺛﻢ أردﻧﺎ أن ﻳﻜﻮن ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﻣﺘﻜﺎﻣﻞ ،ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ أﻗﻤﺎرا ً ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ ،اﻟﻨﻴﺎدي اﻟﺬﻫﺎب ﻟﻮﻛﺎﻟﺔ اﻟﻔﻀﺎء اﻟﺪوﻟﻴﺔ. ﻓﻮﺟﺪت اﻟﺮؤﻳﺔ ووﺟﺪ اﻟﻤﺎل ،وأﻧﺸﺄﻧﺎ أﻗﻤﺎرا ً ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ ﺑﺄﻳﺪ ﻋﺮﺑﻴﺔ ،ـ ﻗﻠﺖ ﻓﻲ ﺣﻮار ﻣﺮﺋﻲ ﻟﻚ :إن اﻟﺮﻳﺎدة اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
117
ﺣﻮار ﺧﺎص
اﻷﻗﻤﺎر اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﻌﺮﻓﺔ ذﻟﻚ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻃﻤﻮﺣﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻤﺎء ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﻢ ،ﻓﺴﺄﻟﻬﻢ أﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺠﻌﻞ ﻟﻺﻣﺎرات ﻳ ًﺪا ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻟﺘﺒﺤﺚ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻋﻦ زادﻫﺎ ،ﻓﺄﺧﺒﺮوه أن اﻷﻣﺮ ﻣﺘﺎح ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺤﺘﺎج ﻟﻌﻠﻤﺎء ﻳﺪﻳﺮوﻧﻪ ﺑﺤﺮﻓﻴﺔ ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻋﻠﻢ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ أن اﺳﺘﺜﻤﺎره ﻓﻲ اﻟﺒﺸﺮ ﺳﻴﺠﻌﻞ اﻟﻔﻀﺎء ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ،ﻷﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﺠﺪ أﺣﺪا ً ﻳﻔﻴﺪ ﺑﻠﺪا ً ﻣﺜﻞ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ،ﻓﺴﺎرع –رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ -ﺑﺈرﺳﺎل اﻟﺒﻌﺜﺎت ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب اﻹﻣﺎراﺗﻴﻴﻦ إﻟﻰ اﻟﻐﺮب ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻟﻮﻛﺎﻟﺔ ﻧﺎﺳﺎ؛ ﻟﻠﺘﻠﻤﺬة واﻟﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻟﻔﻀﺎء ﻋﻠﻰ أﻳﺪي ﻋﻠﻤﺎﺋﻪ ،وﻛﺎن ﻫﺬا ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺨﻴﻂ واﻟﺨﻄﻮة اﻷوﻟﻰ ﺧﺎرج اﻷرض ،وﻣﻦ ﺛﻢ اﺳﺘﻤﺮت اﻷﺑﺤﺎث واﺳﺘﻤﺮ اﻟﺸﺒﺎب اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻳﺬﻫﺐ ﻟﺘﻠﻘﻲ اﻟﻌﻠﻢ ﺛﻢ ﻳﻌﻮد ﻓﻴﻐﺮس ﻣﺎ ﻋﺮف ﻓﻲ ﺑﻼده. اﻟﺜﺮﻳﺎ ..أول ﻣﺸﺮوع ﻓﻀﺎﺋﻲ ﻟﺪوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات
ـ ﻣﺘﻰ ﻛﺎن أول ﻣﺸﺮوع ﻓﻀﺎﺋﻲ ﻟﺪوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ،وﻣﺎ ﻫﻲ ﺛﻤﺎر ﻫﺬه اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﺣﺘﻰ اﻵن؟ أول ﻣﺸﺮوع ﻓﻀﺎﺋﻲ إﻣﺎراﺗﻲ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﺘﺴﻌﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ ﺧﻼل ﺷﺮﻛﺔ اﻟﺜﺮﻳﺎ ،97وﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺗﻮاﻟﺖ اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ ،واﻵن أﺻﺒﺢ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﻔﻀﺎﺋﻲ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻫﻮ اﻷﻛﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺣﺠﻢ
ﻣﺮاﺳﻞ »ﺗﺮاث« ﺧﻼل إﺟﺮاء اﻟﺤﻮار
116
ﻣﺪﻳﺮ ﻋﺎم وﻛﺎﻟﺔ ا ﻣﺎرات ﻟﻠﻔﻀﺎء :ﻣﺴﺒﺎر ا>ﻣﻞ ﻫﺪﻳﺔ إﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ
اﺳﺘﺜﻤﺎرات اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺎوزت 22ﻣﻠﻴﺎر درﻫﻢ ،وﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻋﺪد اﻷﻗﻤﺎر اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ؛ ﻓﻠﻺﻣﺎرات اﻟﻴﻮم 10أﻗﻤﺎر ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ ،ﻣﻦ ﺿﻤﻨﻬﺎ 3 أﻗﻤﺎر ﻟﺸﺮﻛﺔ اﻟﻴﺎه ﺳﺎت وﻫﺬه ﺗﻮﻓﺮ ﺣﻠﻮل اﻻﺗﺼﺎﻻت ﻓﻲ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ،ﻓﺎﻵن ﺷﺮﻛﺔ إﻣﺎراﺗﻴﺔ ﺗﺮﺑﻂ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎت واﻷﺣﻴﺎء واﻟﻤﺪارس ﻓﻲ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻟﺪﻳﻨﺎ اﻵن ﻣﺮﻛﺰ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ وﻟﺪﻳﻪ 3أﻗﻤﺎر ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺘﺼﻮﻳﺮ ﺣﻴﺚ ﺗﺒﻌﺚ ﺑﺼﻮر ﻓﻀﺎﺋﻴﺔ ﻟﻸرض وﻛﻴﻒ ﺗﺤﺪث اﻟﺘﻐﻴﺮات وﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﺨﻄﻴﻄﺎت اﻟﻌﻤﺮاﻧﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ اﻟﺘﻨﺒﺆ ﺑﺤﺪوث ﻃﻮارئ أو أزﻣﺎت وﻣﻦ ﺛﻢ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﻋﺒﻮرﻫﺎ واﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻬﺎ ،ﻓﻠﻺﻣﺎرات اﻟﻴﻮم ﻗﺪرات ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل ،ﻟﺪﻳﻨﺎ أول وﻛﺎﻟﺔ ﻓﻀﺎء ﻋﺮﺑﻴﺔ ،أول ﻣﺸﺮوع ﻋﺮﺑﻲ ﻻﺳﺘﻜﺸﺎف اﻟﻔﻀﺎء ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺴﺒﺎر اﻷﻣﻞ ،وﻣﺴﺒﺎر اﻷﻣﻞ ﻻ ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻛﻮﻛﺐ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﺑﻞ ﻋﻦ اﻟﻜﻮاﻛﺐ اﻷﺧﺮى اﻷﻛﺜﺮ ﺑﻌ ًﺪا ،وﻟﻴﺲ اﻟﻤﺮﻳﺦ ﻓﻘﻂ ،ﻓﻴﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ اﺳﺘﻜﺸﺎﻓﻬﺎ وﻣﻌﺮﻓﺔ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ. أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻜﻮﻛﺐ اﻷﺣﻤﺮ واﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻪ ﻓﻬﻨﺎك ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﺼﻐﺮة ـ ﻣﻘﺮﻫﺎ دﺑﻲ ـ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻣﺨﺘﺒﺮ ﻛﺒﻴﺮ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺎﻛﺎة اﻟﺤﻴﺎة ﻋﻠﻰ ﻛﻮﻛﺐ اﻟﻤﺮﻳﺦ ،ﻓﻜﻮﻛﺐ اﻟﻤﺮﻳﺦ ﺑﻌﻴﺪ ﺟﺪا ﻓﺎﻷﻣﺮ ﺻﻌﺐ ـ ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﺴﺘﺤﻴﻼً ـ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺘﻴﻦ ﺳﻮاء اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻴﻪ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺤﺘﺎج ﻟﺴﺒﻌﺔ أﺷﻬﺮ
د .ﻣﺤﻤﺪ ﻧﺎﺻﺮ اﻷﺣﺒﺎﺑﻲ
ـ وﺑﺤﻜﻢ أﻧﻪ ﻋﺮﺑﻲ -ﻛﺎن ﻳﺤﻦ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻘﺪم ﻟﻪ ﺷﻴﺌﺎً ،وﻛﺎن ﻳﺘﺒﻨﻲ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﺎ ﻳﻬﺪف إﻟﻰ ﻣﺴﺎﻋﺪة اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎء وﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﺼﺎدرﻫﺎ ،وﻛﺎن اﻟﺸﻐﻞ اﻟﺸﺎﻏﻞ ﻟﻠﺸﻴﺦ زاﻳﺪ - ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه -ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻫﻮ اﻟﻤﺎء واﻟﻮﺻﻮل إﻟﻴﻪ ،ﻓﻲ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻧﻤﻠﻚ ﻣﺤﻄﺎت ﻟﺘﺤﻠﻴﺔ اﻟﻤﻴﺎه ﻣﺜﻞ اﻵن ،ﻓﻜﺎﻧﺖ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻟﻨﺎس واﻟﺰراﻋﺔ ﻟﻠﻤﺎء ﻫﻲ اﻟﻬﺎﺟﺲ واﻟﺒﻐﻴﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟﺴﻤﻮه ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه ،وﻛﺎن إﻳﻤﺎن اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ اﻟﻤﻄﻠﻖ ﻫﻮ أﻧﻪ إذا وﺟﺪ اﻟﻤﺎء وﺟﺪت اﻟﺤﻴﺎة ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ. اﺳﺘﻘﺒﻞ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﺎروق اﻟﺒﺎز وﺑﺼﺤﺒﺘﻪ وﻓﺪ ﻣﻦ وﻛﺎﻟﺔ ﻧﺎﺳﺎ ﻓﻲ ﻋﺎم ،1976وﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻠﻘﺎء ﻫﻮ اﻟﺒﺬرة ـ اﻟﻄﻴﺒﺔ ـ اﻷوﻟﻰ ﻟﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻵن ،وﺑﺪأ اﻟﺤﻮار ﺑﻴﻦ وﻓﺪا ً اﻟﻮﻛﺎﻟﺔ وﺑﻴﻦ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ،وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻓﺎروق اﻟﺒﺎز ،وﺑﺪأ ﻳﺴﺄل اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻋﻦ اﻟﻔﻀﺎء وﻟﻤﺎذا اﻟﻬﻮس اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﺑﻪ ،وﻣﺎ اﻟﻄﺎﺋﻞ ﻣﻦ وراﺋﻪ وﻣﺎ ﺳﻴﻘﺪﻣﻪ ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻋﻠﻢ ﺳﻤﻮه ﻣﺎ ﻟﻠﻔﻀﺎء ﻣﻦ ﻓﻮاﺋﺪ ،ﺣﻴﺚ إن اﻟﻔﻀﺎء ﻣﺠﺎل واﺳﻊ ﻟﻺﺑﺪاع واﻷﺑﺤﺎث واﻟﺘﺤﺪﻳﺎت ،ﻏﻴﺮ أﻧﻪ ﻳﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﻞ اﻟﻤﺸﻜﻼت اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،ﻓﻤﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﻜﺎﻣﻦ اﻟﺜﺮوات اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ وأﺣﻮال اﻟﻄﻘﺲ ،واﻷﻋﺎﺻﻴﺮ ،وﻣﺎ إﻟﻰ ذﻟﻚ. ﺳﺄﻟﻬﻢ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻋﻦ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻣﻌﺮﻓﺔ أﻣﺎﻛﻦ اﻟﻤﺎء ،ﻓﺄﺧﺒﺮوه أﻧﻪ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
115
ﺣﻮار ﺧﺎص
¡ ïĹĂĩ~ ïİĬŁþz ĵġõ z ăĸ~ ïİĭĪĚ
xïĒġĪĩ ~ ïĬľ~ óĩïĦ ïĚ ąĸăĬ óĸąČòĪĩ óĹõ~ ïĬ| óĸăij ĨĬļ~ ïòĉĬ ﺣﺎوره :ﻣﺤﻤﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﻘﺸﻼن
"إن ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻨﺎس وﺗﺜﻘﻴﻔﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﺪ ذاﺗﻪ ﺛﺮوة ﻛﺒﻴﺮة ﻧﻌﺘﺰ ﺑﻬﺎ، ﻓﺎﻟﻌﻠﻢ ﺛﺮوة وﻧﺤﻦ ﻧﺒﻨﻲ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﻋﻠﻤﻲ " ..ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﺪاﻳﺔ وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺑﺪأ اﻟﺤﻠﻢ ،وأي دوﻟﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎم ﻣﻦ دون رؤﻳﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻣﻤﻨﻬﺠﺔ! ﺗﻴﻘﻦ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ـ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ـ أن اﻟﻌﻠﻢ ﻫﻮ اﻷﺳﺎس واﻟﻠﺒﻨﺔ اﻷوﻟﻰ ﻷي ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺘﺮك أﺛﺮا ً ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻧﺸﺄ ـ ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه ـ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺔ ﻗﺎﺳﻴﺔ ،ﻓﺄﺧﺬ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺼﻘﻞ ذاﺗﻪ ،وﻟﻤﺎ ﻣ ّﻦ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺟﻌﻠﻪ أﻣﻴﻨﺎً ﻋﻠﻰ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻏﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﺴﺎرﻫﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ، وﻛﺎن ﺑﻮﺻﻠﺔ اﻷﻣﻞ واﻟﺘﻘﺪم واﻟﺮﺧﺎء ،ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ رﺟﻼً ﻋﺎدﻳﺎً ﻟﻴﺘﺮك أﺛﺮا ً ﻋﺎدﻳﺎً ،ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﺷﺨﺼﺎً ﻓﺮﻳﺪا ً ،وﻋﻘﻠﻴﺔ ﻓﺬة ،وﻟﺬﻟﻚ أﻧﺸﺄ دوﻟﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﻌﺰﻣﻪ ورؤﻳﺘﻪ ،ﺑﻞ ﺗﻌﺪى ﻃﻤﻮﺣﻪ اﻹﻣﺎرات ﻓﻘﺎل" :ﻧﺤﻦ 114
ﻣﺪﻳﺮ ﻋﺎم وﻛﺎﻟﺔ ا ﻣﺎرات ﻟﻠﻔﻀﺎء :ﻣﺴﺒﺎر ا>ﻣﻞ ﻫﺪﻳﺔ إﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ
ﻻ ﻧﺒﻨﻲ دوﻟﺔ ﻟﺸﻌﺐ اﻹﻣــﺎرات ﻓﻘﻂ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ دوﻟﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ أﺟﻤﻊ" واﻷﻛﺜﺮ ﺟﻤﺎﻻً وﻋﺒﻘﺮﻳﺔ أن ﺗﺮﻛﻴﺰه ﻋﻠﻰ رﻗﻲ ﺷﻌﺒﻪ ودور اﻟﻔﺮد ﻓﻴﻪ ،وإزﻛﺎء روح اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ واﻷﻟﻔﺔ ﻛﺎن أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺗﺮﻛﻴﺰه ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻗﻲ اﻟﺤﻀﺎري ،وﻣﻦ ﺛﻢ اﺳﺘﻤﺮ اﻟﻨﻤﺎء وﻟﻢ ﻳﻨﻘﻄﻊ؛ ﻷﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻔﺮد وﻟﻠﻔﺮد. ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻤﻌﺠﺰة ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﺮﺟﻞ ﺣﻘﻴﻘﻲ ،ﻓﻮﻫﺒﻬﺎ اﻟﻠﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ،ﻓﻜﺎن ﻫﻮ ﺛﺮوﺗﻬﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ -وﻟﻴﺲ اﻟﻨﻔﻂ ،ﻓﺮﺣﻢ اﻟﻠﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ وﻏﻔﺮ ﻟﻪ ﻋﺪد ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ أﻣﻦ وﺗﻘﺪم ﻳﻤﺮ ﺑﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪ أﺑﺪا ً. ﺑﻬﺬه اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺑﺪأ ﺳﻌﺎدة اﻟﺪﻛﺘﻮر اﻟﻤﻬﻨﺪس ﻣﺤﻤﺪ ﻧﺎﺻﺮ اﻷﺣﺒﺎﺑﻲ ﻣﺪﻳﺮ ﻋﺎم وﻛﺎﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻟﻠﻔﻀﺎء ﺣﻮاره ﻟـ "ﺗﺮاث". ـ ﻛﻴﻒ ﺑﺪأ اﻟﺤﻠﻢ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﺑﺎﻟﻔﻀﺎء؟ اﻟﺒﺪاﻳﺔ اﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت ،ﺑﺮؤﻳﺔ "زاﻳﺪﻳﺔ" وﻣﺴﺎﻋﺪة ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﺼﺮي ﻓﺎروق اﻟﺒﺎز ،ﻓﺒﻌﺪ دراﺳﺘﻪ ﻓﻲ أﻣﺮﻳﻜﺎ ووﺻﻮﻟﻪ ﻟﻨﺎﺳﺎ وﻗﺖ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻟﻠﻔﻀﺎء،
ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺪث ﺳﻴﺼﺒﺢ اﻟﺤﻲ ﻏﻴﺮ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻨﻪ وﻫﺬا ﻣﺎ دﻋﺎ ﺑﺎرت إﻟﻰ اﻟﻘﻮل )ﻟﻢ ﺗﻌﺪ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﻤﻜﻨﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق(. ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ )إرﻳﻚ ﻣﺎرﺗﻲ( اﺳﺘﻘﺮاء وﺗﺤﻠﻴﻞ )اﻷدب واﻟﺤﻖ ﻓﻲ اﻟﻤﻮت( ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ روﻻن ﺑﺎرت ﻗﺪم ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻦ ﺗﺠﺮﺑﺔ )ﻣﺎﻻرﻣﻴﻪ( ﻓﻲ ﺣﺪاده ﻋﻠﻰ اﺑﻨﻪ )أﻧﺎﺗﻮل( اﻟﺬي ﺗﻮﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﺎدس ﻣﻦ أﻛﺘﻮﺑﺮ ﻋﺎم 1879؛ ﺣﻴﺚ ﻛﺘﺐ ﻓﻲ ﻧﻮع ﻣﻦ ﻣﺬﻛﺮات اﻟﺤﺪاد ﻧﺼﻪ اﻟﻤﻨﺸﻮر ﺑﻌﻨﻮان )ﻷﺟﻞ ﻣﻘﺒﺮة أﻧﺎﺗﻮل( ،وﻗﺪ ذﻛﺮ ﺑﺎرت )ﺟﺰء ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﻣﺎﻻرﻣﻴﻪ اﻟﺬي ﻧﺸﺮ ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻪ ﻓﻲ »أﺟﺰاء ﻣﻦ ﺧﻄﺎب ﺣﺐ« ﺟﻤﻠﺔ راﺋﻌﺔ ؛ أﻣﻲ ﺗﺒﻜﻲ ،أﻧﺎ أﻓﻜﺮ( ،واﻟﺘﻲ أﻋﺪﻫﺎ ﻣﺎرﺗﻲ ﻣﺸﺎﻃﺮة ﻓﻲ اﻟﺤﺪاد ﺑﻴﻦ اﻟﺮﺟﻞ واﻟﻤﺮأة ،واﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ رﻳﻜﻮر درﺟﺔ )اﻟﺘﻨﺎﻫﻲ( وﻫﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻜﺮة اﻟﻤﺠﺮدة اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻢ اﻟﻤﻮت وﺗﻨﻘﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﻴﻘﻴﻦ. وﻟﻌﻞ ﻫﺬا ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻔﻜﺮ ﻓﻲ ِ )اﻟﺤﺪاد( ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﻮﺗﺎً ﻣﺤﺘﻢ ،ﻷﻧﻪ ﺣﺪ ﻓﺎﺻﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻮت واﻟﺤﻴﺎة ،ووﻋﺪ ﻳﺘﺠﺎوز رﻏﺒﺔ اﻟﻜﻴﻨﻮﻧﺔ ،ﻷﻧﻪ ﺟﻬﺪ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻮﺟﻮد ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﻧﺸﻬﺪه ﻣﻦ ﻃﻘﻮس اﻟﺤﺪاد اﻟﺘﻲ ﺗﺆﺳﺴﻬﺎ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻟﺘﻌﻠﻦ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺨﻂ اﻟﻔﺎﺻﻞ اﻟﺬي ﻳﺒﺪأ ﻣﻨﻪ اﺟﺘﻴﺎز اﻟﻤﻮت إﻟﻰ اﻟﺤﻴﺎة .إﻧﻪ )ﻋﻼج ﻣﺴﻜﱢﻦ( – ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ رﻳﻜﻮر -واﻟﺬي ﻳﻌﺰز اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ وﺗﻌﺒﺌﺔ اﻟﻤﻮارد اﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﻟﻠﺤﻴﺎة ،وذﻟﻚ ﻻ ﻳﺘﺄﺗﻰ ﺳﻮى ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻋﻢ ﻋﺒﺮ اﻟﻄﻘﻮس اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﻻﺟﺘﻴﺎز. إن ﻃﻘﻮس اﻟﺤﺪاد ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻋﻼﻣﺎت ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻟﻠﺤﺪ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻴﺎة واﻟﻤﻮت اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻜﺮة )اﻟﺘﻤﺎﻫﻲ( ،ﻣﺎ ﻫﻲ إﻻ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ آﻟﻴﺎت ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ )إﺗﻘﺎن اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﻞ إﻟﻰ اﻻﻧﺼﻬﺎر( – ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل رﻳﻜﻮر – ﻓﻬﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﻤﺜﻞ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﺧﻼﻗﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻲ اﻟﻤﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺨ ﱡﻴﻞ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ واﻟﺘﻌﺎﻃﻒ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى؛ ﻷن ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻣﺎت ﺗﺘﺄﺳﺲ ﻋﻠﻰ ﺗﺨﻴﱡﻞ ﻃﻘﻮس ﻣﺎ ﺳﺘﺆدي ﺑﺎﻟﻀﺮورة إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻲ إﻟﻰ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،ﻓﻬﻮ ﻟﻦ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻻﻧﺘﻘﺎﻟﻴﺔ ﻟﻴﻌﻮد ﱡ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ذﻟﻚ – ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ دﻳﻨﻴﺔ ﻣﺠﺘﻤﻌﻴﺔ – إﻻ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻫﺬه اﻟﻄﻘﻮس ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن )اﻟﺘﻌﺎﻃﻒ( ﻳﻤﺜﻞ اﻟﻔﻜﺮة اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻴﻬﺎ ِ )اﻟﺤﺪاد( ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ أﺳﺎﺳﺎً ﺟﺎﻣﻌﺎً ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻴﺖ واﻟﺤﻲ ﻟﺤﻈﺔ اﻟﻮﻓﺎة وﻣﺎ ﺑُﻌﻴﺪﻫﺎ. ﻟﻬﺬا ﻓﺈن ِ )اﻟﺤﺪاد( ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻟﻪ ﺟﺎﻧﺐ آﺧﺮ ﻻ ﻳﻘﻞ أﻫﻤﻴﺔ ،ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ ﻃﻘﻮﺳﻪ ﺗﺆﺳﺲ ﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻻﻧﺘﻘﺎل ﺗﻠﻚ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ أﻳﻀﺎ ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ رﻓﺾ واﺿﺢ ﻟﻠﻨﺴﻴﺎن ،أي ﻧﺴﻴﺎن اﻟﺮﻣﺰ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ )اﻟﻤﺘﻮﻓﻰ(ِ ، ﻓﺎﻟﺤﺪاد
ﻟﻴﺲ ﻇﺎﻫﺮا ً ﺗﻤﺎﻣﺎً ،ﻓﻬﻮ ﻳﺘﺠﻠﻰ داﺧﻠﻨﺎ ،ذﻟﻚ ﻷن أي ﻃﻘﻮس ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻴﺴﺖ ﻛﻔﻴﻠﺔ وﻻ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ أن ﺗُﻨﺴﻲ اﻟﺤﻲ اﻟﻤﻴﺖ اﻟﺬي رﺣﻞ، ﻓﻬﻨﺎك ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ ﺑﺎرت ِ )اﻟﺤﺪاد اﻟﺪاﺧﻠﻲ( ،ﻓﻬﻮ )ﺗﺤﻘﻖ ﻟﻠﺒﺎﻃﻦ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻄﻠﻖ(،وﻟﻬﺬا ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻌﺘﺒﺮ )ﻛﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺤﻜﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺠﻠﺖ وﻗﻨﻨﺖ إﺧﺮاج اﻷﻟﻢ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ إزﻋﺎج ﻟﺜﻘﺎﻓﺘﻨﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻜﺮ ِ اﻟﺤﺪاد(؛ أي ِ اﻟﺤﺪاد اﻟﺪاﺧﻠﻲ اﻟﻨﻔﺴﻲ اﻟﺒﺎﻗﻲ ﻣﻊ ذﻛﺮﻳﺎت اﻟﺮﻣﺰ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﻧﺮﺗﺒﻂ ﺑﻪ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
113
ﺳﻴﻤﻴﺎء
~ăÿĩ~ óñïöĦ ¢ "ﻣﺬﻛﺮات ِ اﻟﺤﺪاد ﻫﺬه ﺗﺼﺒﺢ أﻛﺜﺮ ﻧﺪرة .ﻛﻮﻣﺔ رﻣﻞ .ﻣﺎذا أن ﺗﺼﺒﺢ ﻗﺎﺳﻴﺎ ،ﻧﺴﻴﺎن؟ ﻣﺮض ﻳﺰول؟ وﻣﻊ ذﻟﻚ ﺑﺤﺮ ﻣﻔﻌﻢ ﺑﺎﻟﺤﺰن ،ﻣﻐﺎدرة اﻟﺴﻮاﺣﻞ ،ﻻ ﺷﻲء ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎول اﻟﻨﻈﺮ ،ﻟﻢ ﺗﻌﺪ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﻤﻜﻨﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق" إﻧﻪ روﻻن ﺑﺎرت ﻓﻲ )ﻳﻮﻣﻴﺎت ِ اﻟﺤﺪاد( اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻟﻮﻓﺎة أﻣﻪ )ﻫﻨﺮﻳﺖ ﺑﻴﻨﺠﺮ( ﻳﻮم 25أﻛﺘﻮﺑﺮ 1977م ،وﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺑﻄﺎﻗﺎت ﻟﻢ ﻳﺘﻢ ﻧﺸﺮﻫﺎ ﺳﻮى ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻪ؛ ﻓﻬﻲ ﻣﺸﺮوع ﻛﺘﺎب أراد أن ﻳﻜﺘﺒﻪ ﻏﻴﺮ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻨﺸﺮه ﻟﺮﺑﻤﺎ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳُﺘﱢﻤﻪ أو ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﻧﺸﺮه؛ ذﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﻧﺸﺮ ﻓﻲ ﺧﻼل ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻫﺬه اﻟﻴﻮﻣﻴﺎت ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺎت واﻟﻨﺼﻮص ﻣﻨﻬﺎ )اﻟﻤﺤﺎﻳﺪ( ﻓﻲ 1978م ،وﻣﺤﺎﺿﺮة )ﻟﻘﺪ ﻇﻠﻠﺖ ﻟﻤﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ أﻧﺎم ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﺒﻜﺮة( ﻓﻲ دﻳﺴﻤﺒﺮ 1978م، وﻛﺘﺐ )اﻟﺤﺠﺮة اﻟﻤﻀﻴﺌﺔ( ﻣﺎ ﺑﻴﻦ أﺑﺮﻳﻞ وﻳﻮﻧﻴﻮ 1979م ،وﻗﺎم ﺑﺘﺤﺮﻳﺮ اﻷوراق اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻤﺸﺮوﻋﻪ )ﻓﻴﺘﺎ ﻧﻮﻓﺎ(ﻃﻮال ﺻﻴﻒ 1979م ،وﻗﺎم ﺑﺘﺤﻀﻴﺮ دراﺳﺘﻪ اﻟﻤﺰدوﺟﺔ ﻋﻦ )إﻋﺪاد اﻟﺮواﻳﺔ( ﻓﻲ دﻳﺴﻤﺒﺮ 1978 إﻟﻰ ﻓﺒﺮاﻳﺮ ،1980واﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻘﺪ )ﻧﺎﺗﺎﻟﻲ ﻟﻴﺠﻴﺮ( ـ ﻣﺤﺮرة ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب وﻣﻔﺴﺮﺗﻪ ـ أن ﺗﻠﻚ اﻷﻋﻤﺎل "ﺗﻨﺪرج ﻛﻠﻬﺎ ﺑﻮﺿﻮح ﺗﺤﺖ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﻮت اﻷم". إن روﻻن ﺑﺎرت ﻓﻲ أﻳﺎﻣﻪ ﺗﻠﻚ ﻛﺘﺐ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻋﺮ اﻟﺤﺰن واﻟﻮﺣﺪة واﻟﻀﻴﺎع ،إﻧﻪ ـ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ـ )ﺑﺤﺮ ﻣﻤﺘﻠﻰء ﺑﺎﻷﺣﺰان( ﺣﺘﻰ ﺗﺼﺒﺢ )اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻤﻜﻨﺔ( ،وﻫﻮ ﺑﻬﺬا ﻳﺪﺧﻠﻨﺎ أوﻻ إﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ اﻻﺣﺘﻀﺎر اﻟﺬي ﻳﻘﻮد إﻟﻰ ﻏﺮﻳﺰة اﻟﻤﻮت ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻟﺤﻈﺔ اﻟﺮﻋﺐ اﻟﻘﺎﺗﻞ واﻟﺘﻤﺮد ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﺴﻼم .إﻧﻬﺎ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎرت ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﻳﻮﻣﻴﺎت ﺣﺪاده اﻟﺘﻲ ﻳﺸﻴﺮ ﻓﻴﻬﺎ إﻟﻰ آﺧﺮ ﻛﻠﻤﺎت أﻣﻪ ،واﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮل ﻓﻲ وﺻﻔﻬﺎ :إن )زﻓﺮة اﻻﺣﺘﻀﺎر ،ﻣﻮﻃﻦ ﻣﺠﺮد وﺟﻬﻨﻤﻲ ﻟﻸﻟﻢ اﻟﺬي ﻳﺠﺘﺎﺣﻨﻲ( ،إﻧﻬﺎ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﺮﻋﺒﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗ ُﺴﺘﺬﻛﺮ ﺑﻌﺪ اﻟﻮﻓﺎة. )ﺣﻲ ﺣﺘﻰ اﻟﻤﻮت( ﺷﻬﺎدة وﻓﻲ ﻫﺬا ﻳﺮوي ﻟﻨﺎ ﺑﻮل رﻳﻜﻮر ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ٌ ﻟﺠﻮرج ﺳﻤﺒﺮون ﻓﻲ )اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ أو اﻟﺤﻴﺎة( ،وﻫﻲ ﺷﻬﺎدة اﻟﻨﺎﺟﻲ ﻣﻦ ﻣﺨﻴﻤﺎت اﻟﺘﺮﺣﻴﻞ اﻟﺬي اﺳﺘﺤﻀﺮ ﺑﻌﺪ اﺣﺘﻀﺎر ﻃﻮﻳﻞ ﻣﻮت ﻣﻮرﻳﺲ ﻫﺎﻟﺒﻮاش اﻟﻤﻨﻬﻚ إﻟﻰ أﻗﺼﻰ ﺣﺪ؛ ﻳﻘﻮل ) :ﻟﻘﺪ اﺑﺘﺴﻢ ﻣﻴﺘﺎً ،ﻧﻈﺮﺗﻪ ﻟﻲ أﺧﻮﻳﺔ ،ﻟﻘﺪ أﻣﺴﻜﺖ ﺑﻴﺪ ﻫﺎﻟﺒﻮاش اﻟﺬي ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻪ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ ﻓﺘﺢ ﻋﻴﻨﻴﻪ .ﻟﻘﺪ أﺣﺴﺴﺖ ﺑﺈﺟﺎﺑﺔ أﺻﺎﺑﻌﻪ ﻓﻘﻂ ،ﺿﻐ ٌﻂ ﺧﻔﻴﻒ، رﺳﺎﻟﺔ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻺدراك ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ،اﻷﺧﺬ واﻟﻌﻄﺎء ﻣﻮﺟﻮد أﻳﻀﺎ( .ﻫﻜﺬا ﻳﺤﺎول ﺳﻤﺒﺮون ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬه اﻟﺸﻬﺎدة إﺛﺒﺎت إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﻟﺼﺪاﻗﺔ أﺛﻨﺎء 112
اﻟﺤﺪاد ﻛﺘﺎﺑﺔ ِ
اﻟﺪرﻣﻜﻲ** ﻋﺎﺋﺸﺔ اﻟ ﻜ ﺸﺔ ﺎﺋﺸ @ ﺑﺎﺣﺜﺔ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻋﻤﺎن
اﻟﻤﻮت ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ راﺑﻄﺔ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻼﺧﺘﺰال ﻟﻺﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺳﺘﻤﺜﻞ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻷﺧﻄﺎر واﻟﺬﻋﺮ اﻟﻤﻔﺎﺟﺊ ﻟﻠﻤﻮت. ﻳﻘﺪم رﻳﻜﻮر ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻫﺬا ﺛﻼث دﻻﻻت ﻛﺒﺮى ِ ﻟﻠﺤﺪاد ﺑﻮﺻﻔﻪ اﻟﺤ ﱡﺪ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻮت وإرادة اﻟﻮﺟﻮد ﺑﻌﺪه ،ﺗﺄﺗﻲ اﻟﺪﻻﻟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻘﺎرﻧﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻴﻤﻬﺎ رﻳﻜﻮر ﺑﻴﻦ ردود اﻟﻔﻌﻞ ﺑﻴﻦ وﻓﺎة إﻧﺴﺎن ﻋﺰﻳﺰ وآﺧﺮ ﻣﺠﻬﻮل ﺛﻢ اﻟﻮﺟﻮد ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺮﺋﻲ ﻟﻸﻣﻮت ،ﺛﻢ وﺟﻮب اﻟﻤﻮت ﻳﻮﻣﺎ أي )اﻟﻔﻨﺎء اﻟﺤﺘﻤﻲ( ﻟﻠﻜﺎﺋﻨﺎت ﻓﻬﻮ ـ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ـ )ﻣﻮت ﻣﺆﻛﺪ ﻓﻲ زﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺆﻛﺪ( ،وﻫﻨﺎك اﻟﺪﻻﻟﺔ اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻜﻠﻤﺔ )ﻣﻮت(؛ )اﻟﻮﻓﺎة ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺣﺪﺛﺎ ،اﻻﺟﺘﻴﺎز ،ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺣﺪ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ( ـ ﺑﺘﻌﺒﻴﺮ رﻳﻜﻮر ـ وﻫﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﻓﺎة اﻟﻤﺤﺘﻮﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻐﺪ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺴﺎﺑﻖ أي اﻟﻤﻨﺘﻬﻲ ﺑﺎﻟﻤﻮت.ﻟﻴﻄﺮح ﻣﻦ ﺧﻼل ذﻟﻚ اﻟﺴﺆال اﻟﺠﻮﻫﺮي )ﻟﻤﺎذا ِ اﻟﺤﺪاد؟( إن ِ اﻟﺤﺪاد ﻛﻤﺎ ﻳﺼﻔﻪ رﻳﻜﻮر )ﺗﺠﺮﺑﺔ دﻗﻴﻘﺔ زﻣﻨﻴﺎ وﺣﺪﺛﻴﺎ(؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻤﺜﻞ اﻟﻔﺮاق اﻟﻤﺘﻘﺒﻞ ﻟﻠﻤﺪﻓﻮن اﻟﺬي ﺳﻴﺒﺘﻌﺪ ﺟﺴﺪﻳﺎً) ،ﻟﻴﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ اﻟﺤﻲ ﻣﻦ أﺟﻞ أن ﻳﺒﻘﻰ ﻫﺬا ﺣﻴﱠﺎ( ،أي ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻻﺳﺘﻤﺮار ﻓﻲ أداء ﻣﻬﺎﻣﻪ اﻻﻋﺘﻴﺎدﻳﺔ ،وإن ﻛﺎن اﻷﻣﻮات ﻫﻢ أﺣﻴﺎء ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺎ دواﺧﻠﻨﺎ وﻓﻲ ذاﻛﺮة ﻣﺤﺒﻴﻬﻢ وﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﻢ ،ﻓﺎﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ )اﻟﺤﻴﺎة واﻟﻤﻮت( ﻣﺘﻼزﻣﺔ؛ ذﻟﻚ ﻷن )اﻟﻤﻮت ﺻﻔﺔ وﺟﻮدﻳﺔ ﺧُﻠﻘﺖ ﺿﺪا ﻟﻠﺤﻴﺎة( ـ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﻌﻴﺎدي ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ )اﺗﻴﻘﺎ اﻟﻤﻮت واﻟﺴﻌﺎدة(. ﻓﻲ ﻣﻘﺎرﺑﺘﻪ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﺐ واﻟﻤﻮت ﻳﻘﺪم )ﺑﺎﺗﺮﻳﻚ زوﺳﻜﻴﻨﺪ( ﺗﺴﺎؤﻻً ﻣﻬﻤﺎً ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد وﻫﻮ )ﻫﻞ اﻟﻤﻮت ﻣﻮﺿﻮع؟ أﻟﻴﺲ ﻫﻮ اﻟﻼﻣﻮﺿﻮع ﻓﻲ ذاﺗﻪ؟(؛ ذﻟﻚ ﻷﻧﻨﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻜﻼم ﺑﺤﺮﻳﺔ وﺣﻴﻮﻳﺔ ﻋﻦ اﻟﺤﺐ ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ذﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻮت ،ﻷﻧﻪ – ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل – )ﻳﺸﻞ ﻗﺪرﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻼم( ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻮاﺛﻘﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻮت واﻹﻧﺴﺎن ﻗﺪﻳﻤﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻈﺮوف اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﻠﻰ ﺑﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺪﻳﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻷﺧﻄﺎر دون اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻮت ﺑﻮﺻﻔﻪ رﻋﺒﺎً ﻳﻬﺪد اﻟﺤﻴﺎة ،إﻻ أﻧﻪ
اﻟﻠﻪ واﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ( ﻓﺎﻣﺘﻨﻊ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻋﻦ ﺗﻨﺎول اﻟﻄﻌﺎم ،ﻷن ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻄﻌﺎم ﺗﻜﻮن )ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ( واﻻﻧﺘﻬﺎء ﻣﻨﻪ ﻳﻜﻮن ﺑـ )اﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ( ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎﻟﻬﻤﺎ اﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ ﺟﻤﻠﺔ واﺣﺪة )ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ واﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ( ﻓﻬﻢ اﻟﺠﻤﻴﻊ أﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺄﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم ،ﻓﺘﺄﻛﺪ ﻟﺮﺟﺎل ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ أن اﻟﺸﻴﺦ أﺑﻮﻋﻤﻴﺮة ﺻﺎدق ،وﻇﻬﺮت أوﻟﻰ ﻛﺮاﻣﺎﺗﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﻢ وﻫﻲ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻀﺮر اﻟﺬي ﻳﺤﻮﻳﻪ اﻟﻄﻌﺎم .وﻋﻨﺪﻫﺎ اﻋﺘﺮﻓﻮا ﻟﻠﺸﻴﺦ أﺑﻮﻋﻤﻴﺮة ﺑﺎﻟﻮﻻﻳﺔ ،وﺣﻤﻠﻮه ﻋﻠﻰ أﻋﻨﺎﻗﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻣﻜﺎن إﻗﺎﻣﺘﻪ ﺑﺸﺮق اﻟﺒﻠﺪة ،وﻫﻢ ﻳﻬﻠﻠﻮن وﻳﻜﺒﺮون. وﺑﺴﺆال اﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻋﻦ ﻛﺮاﻣﺎت اﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،ﻟﻢ ﻧﺴﺘﻄﻊ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻣﺆﻛﺪة ،ﺣﻴﺚ إن ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻦ ﻋﺎﺻﺮوه رﺣﻠﻮا ﻣﻨﺬ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم ،وﻣﻊ ﺗﻌﺪد اﻟﺤﺮﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺒﺤﺚ واﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺮﻓﺾ ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﻬﺆﻻء اﻟﻤﺸﺎﻳﺦ ،ﺗﺮاﺟﻌﺖ ﺷﻬﺮة ﻫﺆﻻء اﻟﻤﺸﺎﻳﺦ وأﺣﺠﻢ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ زﻳﺎرﺗﻬﻢ أو اﻟﺘﺒﺮك ﺑﻬﻢ .ﻏﻴﺮ أن ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻏﺴﻠﻪ أﻫﻞ ﻳﻌﺮف ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻣﻮﺗﻪ ،ﻓﻴﺬﻛﺮون أﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ رﺣﻞ ﻋﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎّ ، اﻟﺒﻠﺪة وأﻟﺒﺴﻮه اﻟﻜﻔﻦ ووﺿﻌﻮه ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺸﺒﺔ ﻟﺪﻓﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﺮ ﻏﺮب ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻛﺮداﺳﺔ ،إﻻ أن ﺟﺜﻤﺎﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﻄﻴﺮ ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﺨﺸﺒﺔ وﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﺷﺮق اﻟﺒﻠﺪ ﺣﻴﺚ ﻣﻜﺎن ﺿﺮﻳﺤﻪ اﻵن ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺠﺰوا ﻋﻦ دﻓﻨﻪ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﺮ اﻟﺒﻠﺪة ،دﻓﻨﻮه ﺣﻴﺚ اﺳﺘﻘﺮ ﺟﺜﻤﺎﻧﻪ وﺻﺎﺣﺒﻮا ﺟﻨﺎزﺗﻪ ﺑﺎﻟﺰﻏﺎرﻳﺪ واﻟﺘﻜﺒﻴﺮ ،وﺑﻨﻮا ﻟﻪ ﻣﻘﺎ ًﻣﺎ وﺑﺠﻮاره ﻣﺴﺠﺪ ﺻﻐﻴﺮ ﺑﺎﺳﻤﻪ.وﻋﻦ ﺣﺎل أﻫﻞ ﻛﺮداﺳﺔ ﻣﻊ اﻟﺸﻴﺦ أﺑﻮﻋﻤﻴﺮة ﻋﻘﺐ وﻓﺎﺗﻪ ،ﻳﺬﻛﺮ ﺑﻌﻀﻬﻢ أﻧﻪ ﻛﺎن
ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻟﺰﻳﺎرة ﻣﻦ ﻳﻄﻠﺒﻮن اﻟﺤﺎﺟﺎت ،ﻳﺘﺒﺮﻛﻮن ﺑﻪ وﻳﻘﺪﻣﻮن ﻟﻪ اﻟﻨﺬور وﻳﺸﻌﻠﻮن اﻟﺸﻤﻮع ﻓﻲ ﺿﺮﻳﺤﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺎم ﺣﻀﺮة ﻛﻞ ﻳﻮم ﺟﻤﻌﺔ ﺑﺠﻮار ﺿﺮﻳﺤﻪ ،ﻳﺄﺗﻲ إﻟﻴﻬﺎ ﻛﺒﺎر اﻟﺴﻦ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل وﻛﺎن ﻟﻪ ﻣﻮﻟﺪ ﺳﻨﻮي ﻓﻲ ﺷﻬﺮ أﻏﺴﻄﺲ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺎم ،وﻳﺬﻛﺮ ﺑﻌﻀﻬﻢ أﻧﻬﻢ ﻣﺴﺎء ﻛﻞ ﻳﻮم أرﺑﻌﺎء ،ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮون ﻫﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻮر ﺗﻌﻠﻮ ﻗﺒﺔ ﺿﺮﻳﺢ اﻟﺸﻴﺦ أﺑﻮﻋﻤﻴﺮة، ﺗﻀﻲء اﻟﻤﻜﺎن ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ،ﻏﻴﺮ أن اﻟﻀﺮﻳﺢ اﻵن ﻣﻐﻠﻖ وﻻ ﺗﺒﺪو ﻋﻠﻴﻪ آﺛﺎر اﻟﺰﻳﺎرة *ﺑﺎﺣﺚ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ واﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ -ﻣﺼﺮ
اﻟﻤﺮاﺟﻊ: • ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ ﻣﺒﺎرك ،اﻟﺨﻄﻂ اﻟﺘﻮﻓﻴﻘﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،اﻟﻤﻄﺒﻌﺔ اﻟﻜﺒﺮى اﻷﻣﻴﺮﻳﺔ1306 ،ﻫـ. • ﻋﺒﺪاﻟﺤﻜﻴﻢ اﻟﻮاﺋﻠﻲ ،ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب ،دار أﺳﺎﻣﺔ ﻟﻠﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳﻊ.2009 ، • ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻚ رﻣﺰي ،اﻟﻘﺎﻣﻮس اﻟﺠﻐﺮاﻓﻲ ﻟﻠﺒﻼد اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب.1994 ، • اﻹﺧﺒﺎرﻳﻮن ﻣﻦ أﻫﺎﻟﻲ ﻛﺮداﺳﺔ :أﺣﻤﺪ ﺳﻤﻴﺮ اﻷرﻓﺶ ،ﺳﺎﻣﺢ أﻧﻮر، ﻣﺤﻤﻮد اﻟﻤﻜﺎوي ،اﻟﺤﺎج ﺳﻴﺪ ﻣﺤﻤﻮد ﻋﺎﻣﺮ ،ﺣﻤﺪي ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻤﻄﺮاوي. ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
111
ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب
ﺑﺮودة اﻟﺠﻮ ،ﺗﺸﻌﺮ أﻧﻚ ﺗﻐﺴﻞ ﻋﻴﻨﻴﻚ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻇﺮ اﻟﺤﺠﺎرة واﻟﻄﻮب واﻟﻌﻤﺎرة اﻟﻤﻠﻮﻧﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﺎﺳﺐ ﺑﻴﺌﺔ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺰراﻋﻴﺔ ،ﻓﺘﻘﺘﺮب أﻛﺜﺮ ﻟﺘﺮى ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺒﺔ اﻟﻄﻴﻨﻴﺔ اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺔ ،واﻟﺘﻲ ﻳﺘﻮﺳﻄﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﺳﻔﻞ ﺑﺎب ﻗﺪﻳﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ،ﻓﻴﻨﻔﺘﺢ اﻟﺒﺎب ﻟﺘﺠﺬﺑﻚ راﺋﺤﺔ اﻟﻤﺴﻚ اﻟﻄﻴﺒﺔ، وﺗﻘﻊ ﻋﻴﻨﺎك ﻋﻠﻰ ﺻﻨﺪوق ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﻳﺘﻮﺳﻂ ﻗﺒﺔ اﻟﻀﺮﻳﺢ ،وﻣﺪﻫﻮن ﺑﺎﻟﻠﻮن اﻷﺧﻀﺮ وﺑﻴﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﻓﺮاﻏﺎت ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻚ ﺑﺮؤﻳﺔ اﻟﺜﻮب اﻷﺧﻀﺮ اﻟﺬي ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻀﺮﻳﺢ اﻟﺸﻴﺦ وﻳﺮﺗﻔﻊ ﻋﻨﺪ ﻣﻜﺎن رأﺳﻪ ،وﺗﻠﻚ اﻟﻘﻨﻴﻨﺔ اﻟﺰﺟﺎﺟﻴﺔ اﻟﻤﻤﻠﻮءة ﺑﺎﻟﻤﺎء ﺑﺠﻮار رأس اﻟﻀﺮﻳﺢ ،ﺛﻢ ﺗﺘﺠﻮل ﺑﻌﻴﻨﻴﻚ ﻓﻲ ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻘﺒﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺰﻳﺪ ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺸﺮة أﻣﺘﺎر ﻣﺮﺑﻌﺔ، ﻓﺘﺮى ﻋﻠﻰ ﻳﻤﻴﻨﻬﺎ ﻃﺒﻠﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻣﻌﻠﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺪار ،وﻋﻠﻰ ﻳﺴﺎرﻫﺎ راﻳﺔ ﺣﻤﺮاء ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻄﻮﻳﺔ ،وﻓﻮق ﺻﻨﺪوق اﻟﻀﺮﻳﺢ ﺗﻮﺟﺪ ﻃﺒﻠﺔ أﺧﺮى وﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺼﺮ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﻤﺨﺰﻧﺔ أﻋﻼه ،ﻫﺬا ﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﺘﺸﺎﻫﺪه ïĦ u ąĹĭĚĵñz ĀĹČĩ~ z óĤĕİĭĩ~ Ĩijz ęĭüĸ ăĭþz ăĹĉĩ~ īĴİĬ ïòħĩ~ ĀĸïČĭĪĩ ï òþïďĬ ~ ôįïĦ IJõïĹþ ąöĠ z uïĕİĔ ĮĦïĈ u ăòĩ Ķĩ| ĨĤöį~ īø uóĸąüij Ķĩ| ĮĹñ ïĬ ąijïĤĩïñ óĭĸăĤĩ~ ąďĬ óĤĕİĬ 110
أﺳﺮار ﻣﻘﺎم أﺑﻮ ﻋﻤﻴﺮة ﺑﻘﺮﻳﺔ ﻛﺮداﺳﺔ
ﻓﻲ ﺿﺮﻳﺢ اﻟﺸﻴﺦ أﺑﻮﻋﻤﻴﺮة ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ ﻛﺮداﺳﺔ ﺷﻤﺎل ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ اﻟﺠﻴﺰة. ﻏﻴﺮ أن داﺧﻞ ﻫﺬا اﻟﻀﺮﻳﺢ ﺗﻮﺟﺪ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﺳﺮار ،اﻟﺘﻲ ﻃﻮاﻫﺎ اﻟﺰﻣﻦ وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺰال ﻋﺎﻟﻘًﺎ ﻓﻲ أذﻫﺎن ﻛﺒﺎر اﻟﺴﻦ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪة ،ﻋﻦ اﻟﺸﻴﺦ وﺣﻜﺎﻳﺘﻪ وﻛﺮاﻣﺎﺗﻪ .ﻳﺠﻤﻊ أﻫﻞ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ أن اﻟﺸﻴﺦ أﺑﻮﻋﻤﻴﺮة، ﻛﺎن ﻣﺼﺎﺣ ًﺒﺎ ﻟﻠﻤﺸﺎﻳﺦ اﻟﻜﺒﺎر وﻣﻨﻬﻢ اﻟﺴﻴﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﺒﺪوي ،ﺳﺎﻛﻦ ﻃﻨﻄﺎ ،وأن ﻓﺘﺮة ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ 600إﻟﻰ 700ﻫﺠﺮﻳﺔ ،ﺛﻢ اﻧﺘﻘﻞ إﻟﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﺼﺮ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ﺣﻴﺚ ﻣﻘﺎﻣﺎت آل ﺑﻴﺖ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ،ﻏﻴﺮ أﻧﻬﻢ أﺧﺒﺮوه أﻧﻪ ﻻ ﻣﻘﺎم ﻟﻪ ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻜﺎن وأﻣﺮوه أن ﻳﻘﻴﻢ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻰ )ﻛﺮداﺳﺔ( .وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻋﺎش اﻟﺸﻴﺦ أﺑﻮﻋﻤﻴﺮة ﻓﻲ ﻛﺮداﺳﺔ ﺣﻴﺎة اﻟﺰاﻫﺪﻳﻦ واﻟﻤﺠﺎذﻳﺐ ،وﻳﺤﻜﻲ أﺣﺪ اﻹﺧﺒﺎرﻳﻴﻦ أﻧﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺟﺪ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﺗﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻛﺮداﺳﺔ وأﻫﻠﻬﺎ ،ﻳﺴﺘﻌﺒﺪوﻧﻬﻢ ﻟﻴﻌﻤﻠﻮا ﻓﻲ أراﺿﻴﻬﻢ اﻟﺰراﻋﻴﺔ وﻳﺨﺪﻣﻮﻧﻬﻢ، وﻋﻨﺪﻣﺎ أﺗﻰ اﻟﺸﻴﺦ أﺑﻮﻋﻤﻴﺮة ﻟﻜﺮداﺳﺔ ،ﻟﻢ ﺗﺮد ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻪ أﺗﺒﺎع ،ﻓﺪﺑﺮوا ﻟﻪ ﻣﺆاﻣﺮة ﻛﻲ ﻳﻜﺸﻔﻮا ﻟﻠﻨﺎس ﺿﻌﻔﻪ وﻋﺪم اﻧﺘﺴﺎﺑﻪ ﻷوﻟﻴﺎء اﻟﻠﻪ ،ﻓﻘﺎﻣﻮا ﺑﺈﻋﺪاد ﻣﺎﺋﺪة ﻛﺒﻴﺮة دﻋﻮا ﻟﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ أﻫﺎﻟﻲ اﻟﺒﻠﺪة وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﻢ اﻟﺸﻴﺦ أﺑﻮﻋﻤﻴﺮة ،ووﺿﻌﻮا ﻓﻲ اﻟﻄﻌﺎم ﻣﺎدة ﻣﻀﺮة ﺗﺸﺒﻪ اﻟﺴﻢ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﻀﺮ اﻟﺠﻤﻴﻊ وﺣﻀﺮ اﻟﻄﻌﺎم ،ﺟﻠﺲ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﺿﻴﻒ اﻟﺒﻠﺪة ﻛﻲ ﻳﺒﺪأ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺮأ اﻟﺸﻴﺦ أﺑﻮﻋﻤﻴﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻌﺎم ،وﺗﺄﻛﺪ ﻟﻪ أن ﻓﻲ اﻟﻄﻌﺎم ﻣﻜﺮو ًﻫﺎ ،ﻗﺎل ﺑﺼﻮت ﻣﺮﺗﻔﻊ )ﺑﺴﻢ
ورد ﻓﻲ ﻛﺘﺎب )ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب( ،أن ﻋﺸﺎﺋﺮ ﻛﺮداﺳﺔ أﺻﻮﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎز وﺗﺮﺟﻊ إﻟﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة ،وﻳﺬﻛﺮ أﻧﻬﺎ ﻓﺮع ﻣﻦ اﻟﻀﻌﻔﺎن ﻣﻦ اﻷﺷﺮاف اﻟﻔﻮاﺗﻴﺮ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ اﻹﻣﺎم اﻟﺤﺴﻦ ﺳﺒﻂ اﻟﻨﺒﻲ § ،ﻛﻤﺎ اﺳﺘﻘﺮ ﺑﻬﺎ أﺣﻔﺎد ﻗﺒﻴﻠﻪ اﻟﻌﻄﻮي ﻣﻦ ﺳﻴﻨﺎء. وﻛﺮداﺳﺔ ﺑﻬﺎ أﻧﻮال ﻟﻨﺴﻴﺞ اﻟﻤﻘﺎﻃﻊ اﻟﻘﻄﻨﻴﺔ واﻷﺣﺮﻣﺔ اﻟﺼﻮف وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ .وﻣﺼﺎﺑﻎ وﻃﻮاﺣﻴﻦ وأن ﻟﻬﺎ ﺳﻮق ﻳﻮم اﻻﺛﻨﻴﻦ ﺗﺒﺎع ﻓﻴﻪ اﻟﻤﻮاﺷﻲ ąöĠ Ķĩ| ęûąõ óĈ~ ąĦ óĹĭĉõ ~ ĊĹû ïģz ÷Ĺþ uąďĭĩ ķĬŁĈŀ~ ýöġĩ ~ ićĸ ~ąħĩ~q ïěĩ~ Įñ ąĭĚ ķñïÿďĩ ĨùĬ ĊĹüĩ~ ĮĬ óÿĪĉĭĩ~ Ĩíïďġĩ~ z uïĴñ ~ ïñ ķöĩ~ ăĪòĩ~ īĈ~ Ģöċ~ IJİĬ u óòĹöħĩ uóĭĉį ğĩz ĮĬ ąĤĸ ïĬ ïĹĩïþ ïĴİħĉĸ ïİij ąħĉĚ ąñïįĵñ ĵĹĪñïį z ïĒĸz ąöĸ ąďĬ ĶĪĚ IJöĪĭþ Łā
وﺧﻼﻓﻪ ،وﺗﺰرع ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﻠﻮﺧﻴﺔ واﻟﺒﺎﻣﻴﺔ ﻗﺒﻞ وﻗﺘﻬﺎ .وأﻧﻬﺎ ﻣﺮﻛﺰ ﺗﻼﻗﻲ ﻃﺮق اﻟﺮﻗﻴﻖ واﻟﺤﺠﺎج وﻃﺮﻳﻖ اﻟﻐﺮب وﻃﺮﻳﻖ ﺳﻴﻮه وﻃﺮﻳﻖ وادي اﻟﻨﻄﺮون .وﺗﻘﻊ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ أﻫﺮاﻣﺎت اﻟﺠﻴﺰة وﺗﺸﺘﻬﺮ ﺑﺎﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎت اﻟﻴﺪوﻳﺔ واﻟﻤﺸﻐﻮﻻت اﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ واﻟﻤﻼﺑﺲ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﺮﻳﻔﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ واﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎت اﻟﺠﻠﺪﻳﺔ. وﺑﺠﺎﻧﺐ ﻫﺬه اﻟﻤﺼﺎﻧﻊ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﺸﺎﻏﻞ )ورش( ﺻﻐﻴﺮة ﺗﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ ﺗﺸﻐﻴﻞ اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺒﻨﺎت ﻓﻲ ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻟﺸﻴﻼن )ﺟﻤﻊ ﺷﺎل( واﻟﻌﺒﺎءات اﻟﻤﻄﺮزة ،وﻇﻠﺖ اﻟﻤﺼﺎﻧﻊ واﻟﻤﺸﺎﻏﻞ ﺗﻌﻤﻞ ﺑﻄﺎﻗﺎت ﺿﺨﻤﺔ وﺣﺪﺛﺖ اﻧﺘﻌﺎﺷﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﺧﻼل اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻌﺸﺮ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ ﺑﺪء ﺗﻄﺒﻴﻖ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ .وﻣﻨﺬ اﻟﺘﺴﻌﻴﻨﻴﺎت ﺻــﺎرت ﻛﺮداﺳﺔ ﻣﻘﺼ ًﺪا ﻟﻠﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻦ أﻫﻞ ﺧﺎن اﻟﺨﻠﻴﻠﻲ ،ﺳﻮاء ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺴﻮﺟﺎت أو ﺣﺘﻰ اﻟﻨﺤﺎس واﻟﻔﻀﺔ واﻷراﺑﻴﺴﻚ ،وﻻ ﺗﺰال اﻟﻌﺒﺎﻳﺔ اﻟﻜﺮداﺳﻴﺔ ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻷﺟﻨﺤﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻲ ﻣﻌﺎرض اﻟﻌﺎﻟﻢ. اﻟﺸﻴﺦ أﺑﻮﻋﻤﻴﺮة
ﺑﻤﺠﺮد أن ﺗﻘﺘﺮب ﻣﻦ اﻟﻤﻜﺎن ،ﺗُﺸﻌﺮك راﺋﺤﺔ اﻟﻄﻴﻦ ﺑﺎﻟﺪفء رﻏﻢ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
109
ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب
óĈ~ ąĦ óĸąĤñ ąĹĭĚ ĵñz ïĤĬ ~ąĈz ﻣﺤﻤﺪ ﺷﺤﺎﺗﻪ ﻋﻠﻲ
»ﻛﺮداﺳﺔ« ﻫﻲ أﻛﺒﺮ ﻗﺮى ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ اﻟﺠﻴﺰة ﺑﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻣﺼﺮ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻫﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﺮى اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،ﻓﻘﺪ أﺗﻰ ذﻛﺮﻫﺎ ﻓﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻊ ﻓﻲ اﻟﻤﺆﻟﻔﺎت اﻟﺘﻲ اﻫﺘﻤﺖ ﺑﺤﺼﺮ اﻟﻘﺮى اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،ﻣﺜﻞ اﻟﻘﺎﻣﻮس اﻟﺠﻐﺮاﻓﻲ ﻟﻠﺒﻼد اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﻋﻬﺪ ﻗﺪﻣﺎء اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ إﻟﻰ ﺳﻨﺔ 1945م ،واﻟﺬي ﻳﺼﻨﻔﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺮى اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ واﻟﺘﻲ اﻋﺘﺒﺮت ﻣﻦ اﻟﻨﻮاﺣﻲ اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺮوك اﻟﻨﺎﺻﺮي ﺳﻨﻪ715ﻫـ ،وﻳﺮى أن أﺻﻞ اﻻﺳﻢ ﻛﺎن )ﻛﻠﺪاﺳﺔ( ﻛﻤﺎ وردت ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﺘﺤﻔﺔ ﻣﻦ أﻋﻤﺎل اﻟﺠﻴﺰﻳﺔ ،وأن اﻻﺳﻢ اﻟﺤﺎﻟﻲ ﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﻟﻬﺎ ﻣﻨﺬ 1228ﻫـ .ﻛﻤﺎ ذﻛﺮ ﻓﻲ اﻟﺨﻄﻂ اﻟﺘﻮﻓﻴﻘﻴﺔ اﻟﺠﺰء اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ ﺣﺮف اﻟﻜﺎف ﻛﺮداﺳﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺬﻛﺮ أﻧﻬﺎ ﺗﻘﻊ أﺳﻔﻞ اﻟﺠﺒﻞ اﻟﻐﺮﺑﻲ وﺗﺒﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﺠﻴﺰة ﻧﺤﻮ اﻟﺴﺎﻋﺘﻴﻦ، وأن أﺑﻨﻴﺘﻬﺎ ﺑﺎﻵﺟﺮ واﻟﻠﺒﻦ وﻟﻬﻢ أﺑﻨﻴﺔ ﻣﺸﻴﺪة ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ واﻵﺟﺮ واﻟﺒﻴﺎض واﻟﺸﺒﺎﺑﻴﻚ اﻟﺮوﻣﻴﺔ ،وﻟﻬﻢ ﺑﺴﺎﺗﻴﻦ ﺧﺎرج اﻟﺒﻠﺪ ﻓﻴﻬﺎ أﻧﻮاع اﻟﻔﺎﻛﻬﻪ .وأن ﺑﺎﻟﺒﻠﺪة ﻣﺴﺠﺪ ﺑﻤﻨﺎرة وﻧﺨﻴﻞ ﻛﺜﻴﺮ وأﺷﺠﺎر ﺳﻨﻂ وأﺛﻞ ،وﺑﻬﺎ ﻣﻘﺎﻣﺎن ﻷوﻟﻴﺎء اﻟﻠﻪ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ :أﺑﻮ ﻋﻤﻴﺮة ،واﻟﻬﺎﺷﻤﻲ ،وﺗﻘﺎم ﻟﻬﻢ ﺣﻀﺮات ﻛﻞ ﺟﻤﻌﺔ. وﺗﺴﻤﻴﺔ ﻛﺮداﺳﺔ ﺗﺮﺟﻊ إﻟﻰ ﻓﺘﺮة اﻟﻔﺘﺢ اﻻﺳﻼﻣﻲ ﻟﻤﺼﺮ ،ﺣﻴﺚ أﻗﺎم ﺟﻴﺶ اﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص »اﻟﻜﺮادﻳﺲ« ﺑﻬﺎ ،أي اﻟﻔﺼﺎﺋﻞ اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻴﺶ ﻣﺜﻞ "اﻟﻜﺘﻴﺒﺔ" ،وﻣﻨﻪ اﺷﺘﻖ اﺳﻢ اﻟﺒﻠﺪة اﻟﺘﻲ ﺑﺎت ﻳﺴﻜﻨﻬﺎ ﺣﺎﻟ ًﻴﺎ ﻣﺎ ﻳﻘﺮب ﻣﻦ 200أﻟﻒ ﻧﺴﻤﺔ ،وﻳﺘﺮدد أﻳﻀﺎ أن ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن ﺑﻮﻧﺎﺑﺮت ﻋﺴﻜﺮ ﻫﻨﺎك ﺧﻼل ﺣﻤﻠﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ ،وﻳﻘﺎل إن اﺳﻢ ﻛﺮداﺳﺔ ﺟﺎء ﻣﻦ دﻳﺮ)داﺳﺔ( اﻟﺬى ﻛﺎن ﻫﻨﺎك .وﺑﻬﺎ ﻣﻘﺎﺑﺮ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺮوﺿﺔ.
108
أﺳﺮار ﻣﻘﺎم أﺑﻮ ﻋﻤﻴﺮة ﺑﻘﺮﻳﺔ ﻛﺮداﺳﺔ
أﻣﺎرس ﻣﻌﻪ ﻫﻮاﻳﺘﻲ ﻓﻲ ﺗﺤﺮﻳﻀﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﺸﻒ اﻟﻤﺴﺘﻮر ﺣﺘﻰ اﺗﻬﻤﻨﻲ ﺷﻘﻴﻘﻪ اﻟﺪﻛﺘﻮر رﻣﺴﻴﺲ ﺑﺄﻧﻨﻲ اﻟﺴﺒﺐ وراء ﺗﺸﻮﻳﻬﻪ ﻟﺼﻮرة اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ، وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﺬا دﻗﻴﻘًﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺮاﻣﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻟﻮﻳﺲ وﻗﻮة ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ اﻟﻠﻴﺒﺮاﻟﻴﺔ اﻟﻌﺎﺗﻴﺔ ﻻ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻤﺜﻠﻲ ﺑﺎﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻓﻴﻪ. ﻛﻤﺎ أﺳﻤﻬﺖ ﻓﻲ ﺗﺤﺮﻳﺾ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺳﻬﻴﻞ إدرﻳﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺮاﺣﺔ ﻓﻲ ﻓﺤﺠﺒﺖ زوﺟﺘُﻪ اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻌﺪ رﺣﻴﻠﻪ وﻧﺎﺷﺪﺗﻪ ﻣﺬﻛﺮاﺗﻪ، ْ اﺑﻨﺘﻪ "رﻧﺎ" أن ﺗﺤﺮص ﻋﻠﻰ ﻧﺸﺮه ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻴﺴﺮ ﻟﻬﺎ ذﻟﻚ .ﻫﺬا ﻫﻮ ﻣﺎ أذﻛﺮه ﺗﺎرﻳﺨﻲ ﻓﻲ ﺗﺤﺮﻳﺾ اﻟﻐﻴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺮاﺣﺔ واﻟﺒﻮح ،ﻓﻠﻤﺎذا أﻧﻬﻰ ﻋﻦ ﺧﻠﻖ اﻟﻨﻔﺎق واﻟﻤﺪاراة آﺗﻲ ﺑﻤﺜﻠﻪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻲ وﻗﺪ ﺣﻔﻈﺖ ﻗﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ "ﻻ ﺗﻨﻪ ﻋﻦ ﺧﻠﻖ وﺗﺄﺗﻲ ﺑﻤﺜﻞ ،ﻋﺎر ﻋﻠﻴﻚ إذا ﻓﻌﻠﺖ ﻋﻈﻴﻢ" ﻟﻜﻦ اﻟﺒﻮح ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﻨﺎ اﻟﻤﻨﺎﻓﻖ ﻋﺎر أﺷﺪ وأﻧﻜﻰ ،ﻓﺄﻧﺎ واﻗﻊ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ ﺑﻴﻦ ﻋﺎرﻳﻦ ،أو ﻧﺎرﻳﻦ ،وﻫﺬا اﺧﺘﺒﺎر ﻋﺴﻴﺮ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻟﻤﻦ ﻳﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ،وﻳﺘﻌﻴﻦ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺳﻤﻌﺘﻪ ﺑﻴﻦ ﻃﻼﺑﻪ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻳﺘﻈﺎﻫﺮ ﺑﺎﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ اﻟﺸﺪﻳﺪة ﻣﻊ ازدواﺟﻴﺔ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮه وﻧﻔﺎﻗﻪ. ﻓﻬﻮ ﻳﻘﺼﺮ ﻣﻔﻬﻮم اﻷﺧﻼق ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺎﻟﻤﺮأة ﻓﺤﺴﺐ ،أﻣﺎ اﻟﻨﺰاﻫﺔ وﺷﺮف اﻟﻤﻘﺎﺻﺪ ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ اﻷﺧﻼق اﻟﻤﺮاﻋﺎة ،وﻧﺤﻦ ﻧﺪﻳﻦ اﻟﺮﺟﻞ إذا أﻇﻬﺮ ﺣﺒﻪ ﻟﻠﻤﺮأة أو ﻋﺸﻘﻪ ﻟﻠﺠﻤﺎل ،ﻓﻨﺴﻮﻗﻪ إﻟﻰ اﻟﺸﺮﻃﺔ إن ﻗﺒﻞ ﻓﺘﺎة ،وﻧﺼﻔﻖ ﻟﻪ إن ﺻﻔﻌﻬﺎ أو ﺗﺤﺮش ﺑﻬﺎ أو ﺳﺒّﻬﺎ! ﻓﺈذا ﻋﺪت إﻟﻲ ﻣﻮﻗﻔﻲ اﻟﺸﺨﺼﻲ وﺟﺪﺗﻨﻲ -ﻣﺜﻞ أﺳﻼﻓﻲ ﻓﻲ اﻷدب – ﻗﺪ اﻋﺘﺮﻓﺖ ﻓﻲ إﻫﺪاء ﻛﺘﺎﺑﻲ اﻷول إﻟﻰ رﻓﻴﻘﺔ اﻟﻌﻤﺮ ﺑﻘﺼﺔ ﺣﺒﻲ اﻷول ﻟﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺼﺔ ﻣﻌﻠﻨﺔ وﺻﺮﻳﺤﺔ ﻣﻨﺬ ﻛﻨﺎ ﻃﻼﺑًﺎ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ اﻟﺰﻣﻼء واﻷﺳﺎﺗﺬة اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻄﻮع اﺛﻨﺎن ﻣﻨﻬﻢ ﻟﺨﻄﺒﺘﻬﺎ ﻟﻲ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﺨﺮج ،وﺟﺎﻫﺪﻧﺎ ﻣ ًﻌﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﻲ رﺣﻠﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺷﺎﻗﺔ، وداﻣﺖ ﻋﻼﻗﺘﻨﺎ اﻟﺰوﺟﻴﺔ ﻃﻮال اﻟﻌﻤﺮ ﺣﺘﻰ ﻓﺮق اﻟﻤﻮت ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ﻓﺤﺴﺐ ،ﻓﺄﺗﺴﺎءل اﻟﻴﻮم؛ ﻛﻴﻒ اﺳﺘﻄﻌﻨﺎ ﺗﺠﺎوز ﻛﻞ اﻟﺘﻮﺗﺮات واﻟﻤﺂزق اﻟﺰوﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺮرﻧﺎ ﺑﻬﺎ ،وﻫﻞ ﻳﺤﻖ ﻟﻲ اﻟﻴﻮم أن أﻟﺤﺪ ﻓﻲ ﺣﺒﻬﺎ اﻟﻤﻤﺘﺪ اﻟﻌﻤﻴﻖ اﻟﻤﺘﺠﺪد أو أﺷﺮك ﺑﻪ أﺧﺮى؟ وﻫﻞ ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻲ ﺗﻔﺎﻧﻲ وإﺧﻼﺻﻲ ﻓﻴﻪ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺸﻚ ﻣﻬﻤﺎ اﻷﻫﻞ واﻷﺣﺒﺎب إن وﺿﻌﺖ ّ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺬراﺋﻊ واﻷﺳﺒﺎب؟ ﻟﻌﻞ أﻗﺼﻰ ﻣﺎ أﻗﺪر ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻮح ﺑﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﻫﻮ رﺻﺪ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﺤﻮﻻت اﻟﺘﻲ اﻧﺘﺎﺑﺖ ﻫﺬه اﻟﻌﻮاﻃﻒ ﻋﺒﺮ ﻋﻘﻮد ﻃﻮﻳﻠﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺗﺨﻠﻴﺖ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ ﺗﺤﺪﻳﺪﻫﺎ ﻋﻦ ﻧﺰق اﻟﺤﺐ وﻟﻬﻔﺘﻪ وأﺷﻮاﻗﻪ اﻟﻤﺸﺒﻮﺑﺔ ،وأﺻﺒﺢ ﻟﻮﻧًﺎ ﻣﻦ إدﻣﺎن وﺟﻮد اﻵﺧﺮ ﻣﻌﻚ ،ﻟﻴﺲ ﺑﻮﺳﻌﻚ
ﺗﺼﻮر اﻻﻓﺘﺮاق ﻋﻨﻪ أو ﺗﺤﻤﻞ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﺪوﻧﻪ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﻤﻸ ﻋﻠﻴﻚ ﻛﻞ أﻗﻄﺎر ﻧﻔﺴﻚ وﻻ ﻳﺸﻐﻞ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺟﻤﻴﻊ اﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺗﻚ ،ﻓﻤﺎ زﻟﺖ ﺣﺮﻳﺼﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻨﻌﻢ ﺑﺤﻀﻮر اﻟﻤﺮأة اﻟﺒﻬﻲ، ﺷﻐﻮﻓًﺎ ﺑﺎﻟﺠﻤﺎل اﻷﻧﺜﻮي ً ِ ﻣﺸﻮﻗﺎً ﻟﻠﺘﻌﺎرف واﻟﺘﺂﻟﻒ وﻋﻘﺪ اﻟﺤﻮارات ﺷﻔﻘًﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻣﻦ إﺛﺎرة ﻟﻠﻐﻴﺮة أو ﺗﻬﺪﻳﺪ اﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﻌﺎﺋﻠﻲ اﻟﻀﺮوري ،وأﻧﺖ ﺣﺮﻳﺺ ﺟﺪا ً ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺎﻋﺮ رﻓﻴﻘﺘﻚ ،ﺗﺒﺬل ﻛﻞ ﺟﻬﺪ ﻟﻪ ﻻﺣﺘﻜﺎر ﺣﺒﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﺴﻌﻰ ﻫﻲ ﻻﺣﺘﻜﺎر ﺣﺒﻚ ﻓﻲ ﺳﺒﺎق ﻣﺘﻮاﺻﻞ ﻋﻨﻴﺪ ﺗﻔﺮﺿﻪ ﻣﻼﺑﺴﺎت اﻟﺤﻴﺎة واﻷﺳﻔﺎر .ﻋﻠﻰ أﻧﻲ أﺳﻴﺮ أﻣﺮﻳﻦ ﻣﻬﻤﻴﻦ أوﻟﻬﻤﺎ :ﺗﺮﺑﻴﺘﻲ اﻟﻘﺮوﻳﺔ وﺟﺬور ﺗﻜﻮﻳﻨﻲ اﻟﺪﻳﻨﻲ ،ﻛﻼﻫﻤﺎ ﻳﺤﺪ ﻣﻦ ﻧﺰﻋﺔ اﻟﺘﺤﺮر اﻟﻐﺎﻟﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻮﻛﻲ ،ﻓﺒﻘﺪر اﻧﻄﻼﻗﻲ اﻟﻌﺎﻃﻔﻲ اﻟﻤﺸﺒﻮب ﻳﻈﻞ اﻟﺠﺴﺪ ﺗﺎﺑﻮ ًﻫﺎ ﻳﺼﻌﺐ اﺧﺘﺮاﻗﻪ ،وﺑﻘﺪر ﻣﺎ أوﻣﻦ ﺣﻘًﺎ ﺑﺎﻟﻤﺴﺎواة ﺑﻴﻦ اﻟﺮﺟﻞ واﻟﻤﺮأة ﻻ ﺗﺰال اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺬﻛﻮرﻳﺔ ﺗﻐﻠﺒﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻟﺤﺎﺳﻤﺔ. وﻣﻊ أن ﻣﻨﻈﻮري ﻗﺪ ﺗﺒﺪل ﻛﺜﻴ ًﺮا ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺼﺮاع اﻟﻤﻜﺘﻮم واﻟﺴﻠﻤﻲ ﺑﻴﻨﻲ وﺑﻴﻦ زوﺟﺘﻲ اﻟﺮاﺣﻠﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺣﻤﻠﺘﻨﻲ ﺑﺬﻛﺎﺋﻬﺎ وﺛﻘﺎﻓﺘﻬﺎ وﻋﺸﻘﻲ ﻟﻬﺎ أن أﺗﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﻣﻔﺎﻫﻴﻤﻲ اﻟﻘﺮوﻳﺔ ﻓﻲ ﻓﺮض اﻟﺮﺟﻮﻟﺔ واﻟﺴﻌﻲ ﻹﺧﻀﺎﻋﻬﺎ؛ ﺗﻌﻠﻤﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﻴﻒ أﺣﺘﺮم ﻋﻘﻠﻬﺎ وﺗﺮﻓﻌﻬﺎ وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ .ﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﻗﺒﻞ ﻣﺮﺿﻬﺎ اﻷﺧﻴﺮ ﻋﻦ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺨﻴﺎﻧﺔ ﻓﻲ ﻧﻈﺮي ﻓﺄﺟﺒﺘﻬﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺠﻨﺲ ﺧﺎرج اﻟﺰوﺟﻴﺔ ،ﻓﺄﻃﺮﻗﺖ واﻟﺪﻣﻮع ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ،ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻤﻮذﺟﺎً ﻓﺮﻳﺪا ً ﻟﻠﻤﺤﺎﻓﻈﺔ واﻟﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﻮﺟﺪاﻧﻲ ،وﺗﻨﺘﻈﺮ ﻣﻨﻲ أن أﻛﻮن ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻨﺰوع اﻟﻔﻄﺮي اﻟﻤﺘﺮﻫﺐ .وﺛﺎﻧﻴﻬﻤﺎ :أن اﻟﻮﻟﻊ ﺑﺎﻟﺠﻤﺎل اﻷﻧﺜﻮي راﻓﻘﻨﻲ ﻃﻴﻠﺔ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻓﻼ أﻃﻴﻖ أي ﻣﺠﺘﻤﻊ ذﻛﻮري ﺑﺤﺖ ،وأﺟﺪ اﻟﺤﻴﺎة ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺠﻔﺎف وﻻ ﺗﺴﺘﺤﻖ اﻟﻌﻴﺶ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺮﻃﺒﻬﺎ وﺗﺮوي ﻋﺮوﻗﻬﺎ دﻻﺋﻞ ﻫﺬه اﻷﻧﻮﺛﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﻮت واﻟﻠﻔﺘﺔ واﻟﻨﻈﺮة واﻟﺤﻀﻮر اﻟﺒﻬﻲ اﻟﻤﺸﺒﻊ ﻟﻠﺤﺲ واﻟﻮﺟﺪان ﻣﻌﺎ .وﻳﺒﺪو أن اﻟﺤﺮﻣﺎن اﻟﻤﺒﻜﺮ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺤﻀﻮر ﻓﻲ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻷزﻫﺮي اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻗﺪ أ ّﺟﻞ ﻣﺮاﻫﻘﺘﻲ وأﺷﻌﻞ ﻇﻤﺄي وﺣﺮﻣﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﻨﻔﻴﺲ اﻟﻤﺒﻜﺮ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﻟﻊ ،وﻇﻞ ﻫﺬا اﻟﻬﺎﺟﺲ اﻟﻤﻠﺤﺎح ﻣﻦ دون إﺷﺒﺎع ﻓﺘﻜﻮﻧﺖ ﻟﺪى وﺳﺎوس اﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﻟﻘﺼﻮر ﺣﺘﻰ ﺟﺌﺖ إﻟﻰ اﻟﻘﺎﻫﺮة واﺳﺘﺸﺮت ﻃﺒﻴﺒﺎً ﻣﺘﺨﺼﺼﺎً ﻓﺄﺧﻀﻌﻨﻲ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﺠﻠﺴﺎت ﻟﺪي ﺣﺘﻰ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ ﺑﺎﻫﻈﺔ اﻟﺘﻜﺎﻟﻴﻒ ،وﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أن ﻳﺒﻌﺚ اﻟﺜﻘﺔ ﱠ ﻟﺪي اﺿﻄﺮﺑﺖ ﻣﺮرت ﺑﺄول ﺗﺠﺎرب اﻟﺸﺒﺎب ،وﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻹﺛﻢ واﻟﻨﻘﺺ ﱠ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﺒﺎ أﺷﻮاق اﻟﺤﻴﺎة وﺻﺮاﻋﺎت اﻟﺮوح واﻟﺠﺴﺪ ،واﻫﺘﺰت ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ اﻷﺧﻼق ﺣﺘﻰ دﻓﻌﺘﻨﻲ أن أﻟﻮذ ﺑﺴﻴﺮ اﻷﺳﻼف ﻣﻦ اﻷدﺑﺎء أﻟﺘﻤﺲ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻫﺪﻫﺪة اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ واﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ اﻟﻌﺴﻴﺮة ﻣﻊ اﻟﺬات
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
107
أﺻﺪاء اﻟﺬاﻛﺮة
ðÿĩ~ éñ ĺ~ ąöĚz Ĩij wķįïĭĸ| ķİĸ ﻳﺪرك اﻟﻌﺎرﻓﻮن ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ أن اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﻤﻮﺳﻮﻣﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﻨﻮان ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ ﺻﻴﺎﻏﺘﻲ ،ﻓﻬﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ أﺑﻴﺎت ﻳﺤﻠﻮ ﻟﻨﺎ أن ﻧﻨﺸﺪﻫﺎ ﺑﻮﺟﻮد ﻧﺸﻮة -ﻣﻊ ﺷﺪة ﺧﻄﻮرﺗﻬﺎ -وﻧﺤﻦ ﻧﺘﺬﻛﺮ دﻓﻖ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺮوﺣﻴﺔ اﻟﺨﺼﺒﺔ ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻟﻘﻄﺐ اﻟﺼﻮﻓﻲ اﻷﻛﺒﺮ ﻣﺤﻴﻰ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ ).(1240-1164 ﻓﻴﺒﻠﻎ ذروة اﻟﺘﻮﻫﺞ اﻟﺮوﺣﻲ وﻫﻮ ﻳﺤﺎول اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻞ ﺑﻴﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻹﻟﻬﻴﺔ واﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،ﻟﻴﺼﻄﻔﻰ ﺟﻮﻫﺮﻫﺎ اﻟﻤﺎﺛﻞ ﻓﻲ اﻹﻳﻤﺎن اﻟﻜﻮﻧﻲ اﻟﺨﺎﻟﺺ ﺑﺎﻟﺤﺐ. وﻟﺴﺖ أﺣﺎول اﻟﺘﻬﺮب ﻣﻦ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺤﺐ ﺑﺎﻻﺣﺘﻤﺎء ﺑﻬﺬه اﻟﺼﻴﺎﻏﺔ اﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ،ﻟﻜﻨﻲ أﺣــﺎول اﻵن أن أﻧﺒﺶ ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻦ أﺻــﺪاء ذﻛﺮﻳﺎﺗﻲ ﻻﺳﺘﺨﺮاج ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺬرات اﻟﻤﺘﺼﻠﺔ ﺑﺎﻟﺤﺐ اﻟﻤﺄﻟﻮف ﺑﻴﻦ اﻟﺮﺟﻞ واﻟﻤﺮأة ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ،ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻃﺎﻗﺔ ﻋﺎﻃﻔﻴﺔ ﺟﺎرﻓﺔ وﻧﺰﻋﺔ ﺣﺴﻴﺔ ﻣﻘﺪوره ،وﻓﻮق ذﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺗﺠﻠﻴﺎت ﺻﻨﻌﺘﻬﺎ أﺳﺎﻃﻴﺮ اﻟﺸﻌﺮاء وأﺧﻴﻠﺔ اﻟﻜﺘﺎب وﺳﻜﺒﻮﻫﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﻮب اﻟﻤﻔﺘﻮﻧﻴﻦ ﺑﺎﻷدب وﻋﺸﺎق اﻟﺠﻤﺎل ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺠﺮﺣﻬﻢ ﻧﻈﺮة ﻋﺎﺑﺮة ،وﺗﺴﺤﺮﻫﻢ ﻃﻠﻌﺔ ﺑﺎﻫﺮة ،وﺗﻐﻤﺮﻫﻢ " اﻷﻧﺜﻰ" ﺑﻔﻴﺾ ﻧﻮرﻫﺎ. وﻷﻧﻲ أﻋﺘﺒﺮ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺗﻌﺮض ﻟﺒﺴﻂ ﻃﺮف ﻣﻨﻪ ﺳﻴﺮﺗﻪ اﻟﺬاﺗﻴﺔ ،وﺗﺠﺎﻫﻞ ﻋﻤ ًﺪا ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺠﻮﻫﺮي ﻓﻲ ﺣﻴﻮاﺗﻨﺎ ﺟﻤﻴ ًﻌﺎ ،إﻣﺎ ﻣﻨﺎﻓﻖ أو ﻣﺨﺎدع، وأﺣﺚ ﻣﻦ أﻋﺮﻓﻬﻢ ﻣﻦ اﻷدﺑﺎء واﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ أن ﻳﺘﺴﻠﺤﻮا ﺑﻤﺎ ﻳﻘﺪرون ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺷﺠﺎﻋﺔ أدﺑﻴﺔ ﻟﻠﺒﻮح واﻻﻋﺘﺮاف ﺑﻤﺎ اﻗﺘﺮﻓﻮه ﻣﻦ ﺧﻄﺎﻳﺎ ﻓﻲ ﻧﻈﺮ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ إذا ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ ﺑﻠﻐﻮ درﺟﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺮة واﻟﻘﻴﻤﺔ ﺗﺸﻔﻊ ﻟﻬﻢ ﻋﻨﺪ اﻟﻘﺮاء وﺗﻜﺴﺒﻬﻢ ﻗﺪ ًرا ﻣﻦ اﻟﺤﺼﺎﻧﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻤﻨﺤﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﺳﻮى ﻟﻤﻦ ﻳﺤﺒﻬﻢ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻐﻔﺮ ﻟﻬﻢ ،ﻓﻬﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﻳﺆﺛﺮون اﻟﺼﺪق وﻳﻜﺸﻔﻮن اﻟﺰﻳﻒ وﻳﺮدون أﻧﻔﺴﻬﻢ إﻟﻰ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﻮاﺿﻊ اﻟﺠﻤﻴﻞ أﻣﺎم اﻟﺸﺒﺎب ﺑﻌﻴ ًﺪا ﻋﻦ إدﻋﺎء اﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ واﻟﺘﻈﺎﻫﺮ ﺑﺎﻟﻜﻤﺎل. وﻷﻧﻲ أؤﻣﻦ ﺑﺄﻫﻤﻴﺔ ﻫﺬا اﻟﺒﻮح ﻓﻘﺪ أﺧﺬت أﺗﺬﻛﺮ ﻃﺮﻓﺎً ﻣﻤﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﺷﻴﻮﺧﻲ اﻷوﻟﻮن ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ؛ اﻋﺘﺮف ﻃﻪ ﺣﺴﻴﻦ ﺑﻌﺸﻘﻪ ﻟﺰوﺟﺘﻪ واﻣﺘﻨﻊ ﻋﻦ اﻟﺨﻮض ﻓﻴﻤﺎ ﻋﺪا ذﻟﻚ؛ ﻷن دﻳﻨﻪ ﻟﻬﺎ ﻛﺎن ﻓﺎد ًﺣﺎ ،ووﻗﻮﻋﻪ ﺗﺤﺖ ﺳﻄﻮﺗﻬﺎ ﻛﺎن ﻣﺤﺘﻮ ًﻣﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻣﻌﺎﺻﺮﻳﻪ ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻗﺼﺔ إﻳﺜﺎره ﻟﺘﻠﻤﻴﺬﺗﻪ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮرة ﺳﻬﻴﺮ اﻟﻘﻠﻤﺎوي ،وﺣﺪﺑﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻏﺮاﻣﻪ اﻟﻤﻜﺘﻮم ﺑﻬﺎ ﺣﺘﻰ إﻧﻪ -ﻓﻴﻤﺎ ﺣﻜﻰ ﻟﻲ ﺑﻌﺾ ﺗﻼﻣﻴﺬه -ﻛﺄن ﻳﺴﺘﻨﺸﻖ ﻋﻄﺮﻫﺎ وﻫﻲ ﻋﻠﻰ درج اﻟﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﻛﻠﻴﺔ اﻵداب ﻓﻴﻨﺎدي ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺼﻮﺗﻪ اﻟﺸﺠﻲ "ﺳﻬﻴﻴﺮ" ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻼﻛﻪ 106
ﻫﻞ أﻋﺘﺮف اHن ﺑﺄن اﻟﺤﺐ دﻳﻨﻲ وإﻳﻤﺎﻧﻲ؟
د .ﺻﻼح ﻓﻀﻞ* @ ﻧﺎﻗﺪ و ﻣﻔﻜﺮ ﻣﺼﺮي
اﻟﺤﺎرس اﻟﻘﻮي اﻟﺸﻜﻴﻤﺔ ﻟﻴﺴﻤﺢ ﻟﻪ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ. وﻗﺼﺔ ﺗﻮﻓﻴﻖ اﻟﺤﻜﻴﻢ ﻣﻊ ﻓﺘﺎة ﺷﺒﺎك ﺗﺬاﻛﺮ اﻷوﺑﺮا ﻓﻲ ﺑﺎرﻳﺲ ﺷﻬﻴﺮة، وﻣﻦ ﻗﺒﻠﻬﺎ ﻣﺎ ﻛﺮره ﻓﻲ ﺳﻴﺮﺗﻪ ﻣﻦ وﻟﻌﻪ ﺑﺎﻟﻌﻮاﻟﻢ وأﺳﻄﻮات أﻫﻞ اﻟﻔﻦ واﻟﻤﻐﻨﻰ واﻟﻄﺮب ،وﻗﺪ ﺻﺮح ﻟﻲ ﺑﺄن ﻗﺼﺔ ﻣﺤﺴﻦ ﻓﻲ "ﻋﻮدة اﻟﺮوح" ﻫﻲ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﺻﺒﺎه ﻓﻲ اﻟﺤﺐ ،وأن ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻋﺪاﺋﻪ اﻟﻤﺰﻋﻮم ﻟﻠﻤﺮأة ﻟﻴﺲ ﺳﻮى ﺑﺪﻋﺔ ﺷﻴﻘﺔ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺼﻮرة ﻣﺜﻞ "اﻟﺒﻴﺮﻳﻪ" واﻟﻌﺼﺎ واﻟﺤﻤﺎر واﻟﺒﺮج اﻟﻌﺎﺟﻰ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﺮوق ﻟﻪ ﺗﺮوﻳﺠﻪ إﻋﻼﻣ ًﻴﺎ ،ﻟﻜﻦ ﺣﺴﻪ اﻟﻘﻀﺎﺋﻲ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻪ ﺑﺎﻻﻋﺘﺮاف اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ﻓﻲ ﺳﻴﺮه اﻟﻌﺪﻳﺪة ﺑﻤﺎ ﻳﺠﺮح ﺻﻮرﺗﻪ أو ﻳﺆﺧﺬ ﻋﻠﻴﻪ .وﻛﺎن ﺟﻤﺎل اﻟﻐﻴﻄﺎﻧﻲ ﻳﺆﻛﺪ ﻟﻲ داﺋﻤﺎً أن ﺷﻴﺨﻪ اﻷﺛﻴﺮ ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ ﻗﺪ ﻗﻄّﻊ اﻟﺴﻤﻜﺔ وذﻳﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺷﺒﺎﺑﻪ ،وﻗﺪ ﺑﺎح ﻟﻪ ﺑﺒﻌﺾ ﻫﺬه اﻟﻤﻐﺎﻣﺮات ﺑﺤﺬر ﺷﺪﻳﺪ ﺑﺨﺎﺻﺔ ﻗﺒﻞ ﺳﺆاﻻ ﻧﻘ ًﺪﻳﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﺳﺘﺎذ ﻧﺠﻴﺐ ﻳﻘﻮل زواﺟﻪ .وأذﻛﺮ أﻧﻲ ﻃﺮﺣﺖ ً "ﻟﻘﺪ أﺗﻘﻨﺖ ﺗﻤﺜﻴﻞ ﻣﺴﻴﺮات اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء اﻟﻤﺠﺮﻣﻴﻦ واﻟﺸﺮﻓﺎء، اﻟﻨﺒﻴﻼت واﻟﻌﺎﻫﺮات ،وﺗﺠﺴﻴﺪ ﻛﻞ اﻟﻐﺮاﺋﺰ واﻟﺸﻬﻮات ﺑﺎﻗﺘﺪار ،ﻓﻜﻴﻒ اﺳﺘﻄﻌﺖ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﺑﺘﺠﺮﺑﺘﻚ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮة اﻟﻤﺤﺪودة" ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻨﻲ ﺑﻌﺒﺎرة واﺣﺪة ﻫﻞ أﻛﻮن رواﺋﻴﺎ ﻟﻮ ﻟﻢ أﻓﻌﻞ ذﻟﻚ؟" ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺗﺬﻛﺮ ﻓﺘﻨﺘﻲ ﺑﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﻤﺎزﻧﻲ ﻓﻲ ﻗﺼﺼﻪ اﻟﻤﻤﺘﺰﺟﺔ ﺑﺴﻴﺮﺗﻪ وﻣﻐﺎﻣﺮاﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﺐ ،وﺣﺪﻳﺚ زﻛﻰ ﻣﺒﺎرك ﻋﻦ »ﻟﻴﻠﻰ اﻟﻤﺮﻳﻀﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺮاق« وﺳﺮده اﻟﺸﻴﻖ ﻟﻤﺠﻮﻧﻪ ﻓﻲ ﺣﺎﻧﺎت ﺑﺎرﻳﺲ ،ﻛﻞ ذﻟﻚ ﺣﺒﺒﻨﻲ ﻓﻲ اﻷدب وأﻏﺮاﻧﻲ ﺑﻌﺎﻟﻤﻪ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﻐﺮ. وﻗﺪ ﺗﺒﻴﻦ ﻟﻲ أن ﻣﻴﺰة اﻻﻋﺘﺮاف أﻗﻮى وأﻧﻀﺞ ﻋﻨﺪ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ، ﻷﻧﻪ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺗﻄﻬﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻜﻮن ﺷﻌﻴﺮة دﻳﻨﻴﺔ ،وﻟﻌﻞ ﺛﻼﺛﻴﺔ "ﺣﻨﺎ ﻣﻴﻨﺎ" اﻟﺸﻬﻴﺮة أن ﺗﻜﻮن أﻓﺪح وأﺟﻤﻞ ﺳﻴﺮة أدﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. وﻗﺪ ﻛﻨﺖ ﻗﺮﻳﺒﺎً ﻣﻦ ﻟﻮﻳﺲ ﻋﻮض وﻫﻮ ﻳﻜﺘﺐ "أوراق اﻟﻌﻤﺮ" ،وﻳﺮوي ﻟﻲ ﺑﻌﺾ ﻓﺼﻮﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻬﺮاﺗﻨﺎ اﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ ﻓﻲ ﻧﺎدي اﻟﺴﻴﺎرات اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﻀ ًﻮا ﻓﻴﻪ ،أو ﻓﻲ ﻧﺎدي اﻟﺠﻮﻟﻒ ﻋﻠﻰ ﻧﻴﻞ اﻟﻤﻌﺎدي ﻗﺮب ﺑﻴﺘﻲ ،وﻛﻨﺖ
اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻤﻤﺘﺪة ﺑﻴﻦ 14و 30ﻣﺎي 2014ﺑﺮﺋﺎﺳﺔ اﻷﺳﺘﺎذ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺮﺑﺎﻃﻲ .ﺣﻴﺚ ﺗﻢ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ ﻟﻘﻰ أﺛﺮﻳﺔ راﺋﻌﺔ ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﻴﻦ ﻣﻨﻬﺎ أواﻧﻲ اﻟﻤﺎﺋﺪة وأواﻧــﻲ اﻟﺨﺰن وﻛﺬا ﺑﻌﺾ اﻷﻧﺎﺑﻴﺐ اﻟﺨﺰﻓﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ ﺗﺼﺮﻳﻒ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﻌﺎدﻣﺔ. اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻹﻧﺘﺎﺟﻲ اﻟﺨﺰﻓﻲ اﻟﻤﺮاﻛﻨﺔ
ﺧﻼﺻﺔ
ﻻ ﺷﻚ أن اﺳﺘﻤﺮار اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺨﺰﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺗﺎﻓﻴﻼﻟﺖ ﻳﺸﻜﻞ وﻓﺎء ﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻠﻴﺪ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ،وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﺘﺸﺎﺑﻪ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﺗﻘﻨﻴﺎت اﻟﺼﻨﻊ واﻟﺘﺸﻜﻴﻞ إﻻ أن ﻛﻞ ﻣﺮﻛﺰ ﻇﻞ ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﺨﺼﻮﺻﻴﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى أﻧﻮاع اﻷواﻧﻲ اﻟﻔﺨﺎرﻳﺔ. وﻏﻨﻲ ﻋﻦ اﻟﻘﻮل إن اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻋﻤﻮﻣﺎً إﺣﺪى اﻟﻘﻄﺎﻋﺎت اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻓﻲ اﻗﺘﺼﺎد اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ، ﺗﻌﻴﺶ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﺳﺮ ،وﻳﺮﺗﺒﻂ ﻣﺼﻴﺮﻫﺎ ﺑﺘﻠﺒﻴﺔ اﻟﻄﻠﺐ اﻟﺪاﺧﻠﻲ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ وﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى ،ﻓﻬﻲ ﺗﺴﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم اﻟﺴﻴﺎح اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺨﺼﺼﻮن ﺟــﺰءا ً ﻣﻦ إﻧﻔﺎﻗﻬﻢ ﻻﻗﺘﻨﺎء اﻟﻬﺪاﻳﺎ واﻟﺘﺬﻛﺎرات
ﻳﻘﻊ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺨﺰﻓﻲ اﻟﻤﺮاﻛﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻧﺤﻮ 7 ﻛﻠﻢ إﻟﻰ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺮﻳﺼﺎﻧﻲ، وﻫﻮ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻘﺼﺮ ﺷﺮﻓﺖ ﺑﺤﺎج اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻤﺸﻴﺨﺔ اﻟﺴﻔﺎﻻت .ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻫﺬا اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻹﻧﺘﺎﺟﻲ ﻣﻦ أرﺑﻊ ورﺷﺎت ﺧﺰﻓﻴﺔ ،ﻛﻞ ورﺷﺔ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻋﻠﻰ ﻓﺮن وﻳﺸﺘﻐﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻌﻠﻢ واﺣﺪ وﻣﺴﺎﻋﺪﻳﻪ ،وﻛﻠﻬﻢ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻟﻜﻼل اﻟﻤﺮاﻛﻨﻴﺔ ﻳﻨﺤﺪرون ﻣﻦ ﻋﻈﻢ واﺣﺪ وﻳﻜﻨﻮن ﺑﺎﻟﻤﺮاﻛﻨﺔ. ﻫﻮاﻣﺶ: أﻣﺎ أﻓﺮان اﻟﻤﺮاﻛﻨﺔ ﻓﺘﺘﺨﺬ ﺷﻜﻼً أﺳﻄﻮاﻧﻴﺎً ﻣﺘﻘﻦ اﻟﺒﻨﺎء ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ ﻣﻦ اﻷﻋﻠﻰ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻢ ﺗﺒﻠﻴﻄﻬﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻄﻬﻲ ﺑﺎﻟﻄﻴﻦ - 1ﺗﺎوﺷﻴﺨﺖ ﻟﺤﺴﻦ» ،ﺧﺰف ﺗﺎﻓﻴﻼﻟﺖ ﺧﻼل ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺮن 18 واﻟﻴﺎﺟﻮر .وﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻤﻨﺘﻮﺟﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺨﺼﺺ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻤﺮاﻛﻨﺔ وﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻘﺮن ،»19ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﻮﻻي ﻋﻠﻲ اﻟﺸﺮﻳﻒ اﻟﺨﺮﻳﻔﻴﺔ ،ﻣﻄﺒﻌﺔ ﻧﺠﺪ "اﻟﻜﻼل" ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف أﺣﺠﺎﻣﻬﺎ ﺷﺄﻧﻪ ﺷﺄن ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻜﻼﻛﻠﺔ ﺑﺎﻟﺴﻴﻔﺔ اﻷﻣﻨﻴﺔ ،اﻟﺮﺑﺎط ،1994 ،اﻟﻌﺪد اﻟﺮاﺑﻊ ،ص .265-264رﺣﻤﺔ اﻟﺤﺮﻳﻘﻲ، ﻣﻊ وﺟﻮد ﺑﻌﺾ اﻟﻔﺮوق اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺰﺧﺎرف اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ ﻛﻼل »ﺧﺰف ﺳﺠﻠﻤﺎﺳﺔ وأﻫﻤﻴﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ« ،ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﻮﻻي اﻟﻤﺮاﻛﻨﺔ ،وﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ زﺧﺎرف ﺑﺴﻴﻄﺔ ﺧﻄﻴﺔ ﻧﺠﺪﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻨﻖ ﻋﻠﻲ اﻟﺸﺮﻳﻒ اﻟﺨﺮﻳﻔﻴﺔ ،ﻣﻄﺎﺑﻊ ﻣﻴﺜﺎق ،اﻟﺮﺑﺎط ،دﺟﻨﺒﺮ ،1989 ،اﻟﻌﺪد "اﻟﻜﻠﺔ")اﻟﺨﺎﺑﻴﺔ( .ﻳﻨﺘﺞ ورش اﻟﻤﺮاﻛﻨﺔ أﻳﻀﺎ "اﻟﻴﺎﺟﻮر" اﻟﺬي أﺻﺒﺢ اﻷول ،ص .389 ﻳﻠﻘﻰ إﻗﺒﺎﻻً ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات اﻷﺧﻴﺮة ﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ﻓﻲ ﺗﺮﻣﻴﻢ اﻟﺪور اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ - 2رواﻳﺔ ﺷﻔﻮﻳﺔ ،ﻣﻜﺎوي ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ،ﺻﺎﻧﻊ ﺧﺰﻓﻲ ﺑﺄوﻻد ﺣﺴﻴﻦ55 ، ﻓﻲ اﻟﻤﺪن اﻟﻌﺘﻴﻘﺔ ﻛﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﺎس ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻻ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻣﺠﻬﻮدا ً ﺳﻨﺔ 40 ،ﺳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻔﺨﺎر. ﻛﺒﻴﺮا ً ﻓﻲ ﺻﻨﻌﻪ .و"اﻟﺒﺮادات" اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻌﻨﺎع ﻃﺎزﺟﺎً ﻃﻮل - 3اﻟﻜﻼل أو اﻟﺨﻮاﺑﻲ :ﺟﻤﻊ ﻛﻠﺔ أو ﺧﺎﺑﻴﺔ ،اﺳﻢ ﻣﺤﻠﻲ ﻟﻠﺠﺮة اﻟﻮﻗﺖ ،ﻷﻧﻬﺎ ﺻﻤﻤﺖ ﺑﺸﻜﻞ ﻳﻮﻓﺮ اﻟﺒﺮودة ،ﻓﻬﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺟﺮة اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﻴﻦ. ﺻﻐﻴﺮة ﻣﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺘﻴﻦ اﻷوﻟﻰ ﺻﻐﻴﺮة ﺗﻤﻠﺊ ﺑﺎﻟﻤﺎء وﺑﻬﺎ ﺛﻘﻮب - 4ﺗﺎوﺷﻴﺨﺖ» ،ﺧﺰف ﺗﺎﻓﻴﻼﻟﺖ ،«..م .س ،ص .265 ﺻﻐﻴﺮة ﺗﺼﻌﺪ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺮﻃﻮﺑﺔ ﻟﻠﻄﺒﻘﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻮﺿﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﻨﻌﻨﺎع - 5 .أﺳﻤﺎء ﻣﺤﻠﻴﺔ ﻷواﻧﻲ ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺒﺦ. - 6رواﻳﺔ ﺷﻔﻮﻳﺔ ،ﺳﺎﺋﺤﺔ ﻓﺮﻧﺴﻲ 58 ،ﺳﻨﺔ ،ﻣﻘﻴﻤﺔ ﺑﺄرﻓﻮد. أﻣﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﺔ اﻟﺼﻨﻊ اﻟﺨﺰف ﺑﺎﻟﻤﺮاﻛﻨﺔ ﻓﻬﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻜﻼﻛﻠﺔ.
ﺑﻌﺾ ﻣﻨﺘﺠﺎت ورﺷﺔ ﻣﻮﻻي ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺪﻗﺎق
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
105
ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب
اﻟﻜﻼﻛﻠﺔ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ أي زﺧﺎرف إﻻ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﻄﻮط اﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ واﻟﻨﺒﺎﺗﻴﺔ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ،وﻟﻌﻞ ذﻟﻚ راﺟﻊ إﻟﻰ اﻧﺨﻔﺎض ﺛﻤﻦ ﺑﻴﻌﻬﺎ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺿﻌﻒ اﻟﻄﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ. اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻹﻧﺘﺎﺟﻲ اﻟﺨﺰﻓﻲ ﻣﻮﻻي ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺪﻗﺎق
ﻳﻘﻊ ﻗﺮب ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺮﻳﺼﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻧﺤﻮ ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮ وﻧﺼﻒ اﻟﻜﻴﻠﻮ إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل اﻟﺸﺮﻗﻲ ،وﻳﻌﺘﺒﺮ ﺣﺮﻓﻴﻮ اﻟﺨﺰف ﻓﻲ ﻗﺼﺮ ﻣﻮﻻي ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺪﻗﺎق اﻟﻮرﻳﺜﻴﻦ اﻟﺸﺮﻋﻴﻴﻦ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺨﺰف ﺑﺘﺎﻓﻴﻼﻟﺖ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻹﻧﺘﺎﺟﻲ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﻳﺴﺘﻘﺮ ﻓﻲ وﺳﻂ ﺧﺮاب ﺳﺠﻠﻤﺎﺳﺔ ﺑﻌﺪ اﻧﻬﻴﺎرﻫﺎ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺮن 8ﻫـ14 /م ،ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﺘﻘﻞ إﻟﻰ ﻗﺼﺮ ﺑﺤﺎﻳﺮ اﻷﻧﺼﺎر ﺑﻌﺪ ﺑﻨﺎء اﻟﻘﺼﺒﺔ اﻟﺴﺠﻠﻤﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺨﺮاب ،وﻫﻮ ﻳﺒﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﻨﺤﻮ 800ﻣﺘﺮ إﻟﻰ اﻟﻐﺮب ،وﺑﻌﺪ ﻧﺼﻒ ﻗﺮن ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻏﻴﺮوا اﻟﻤﻜﺎن ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ إﻟﻰ ﻣﻜﺎﻧﻬﻢ اﻟﺤﺎﻟﻲ أي ﻗﺼﺮ ﻣﻮﻻي ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺪﻗﺎق) .(4وﻳﻘﻊ اﻟﻮرش ﺑﻮﺳﻂ اﻟﻘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻋﺎرﻳﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻤﺎرس ﻓﻴﻬﺎ ﺛﻼﺛﺔ ﺧﺰﻓﻴﻴﻦ ﺣﺮﻓﺘﻬﻢ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺎﺋﺪة ﻣﻨﺬ ﻣﺪة ،وﻫﻢ ﻳﻨﺘﻤﻮن إﻟﻰ ﻓﺮع ﻋﺎﺋﻠﻲ واﺣﺪ ﺗﻮارﺛﻮا اﻟﺤﺮﻓﺔ أﺑﺎ ﻋﻦ ﺟﺪ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺠﻌﻠﻮن ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺮ ﻣﺤﻼ ﻟﻺﻧﺘﺎج ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻮن ﻣﻦ ﺳﻮق اﻟﺮﻳﺼﺎﻧﻲ ﻣﻜﺎﻧﺎً ﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ﻣﻨﺘﻮﺟﺎﺗﻬﻢ ﻓﻲ دﻛﺎﻛﻴﻦ ﺗﻘﻊ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ رﺣﺒﺔ اﻟﻤﻠﺢ ﻓﻲ أﻳﺎم اﻧﻌﻘﺎد اﻟﺴﻮق اﻷﺳﺒﻮﻋﻲ أﻳﺎم اﻷﺣﺪ واﻟﺜﻼﺛﺎء واﻟﺨﻤﻴﺲ .وﺗﺘﻜﻮن اﻟﻮرﺷﺔ ﻣﻦ ﻋﺪة ﻣﻜﻮﻧﺎت ﻣﻨﻬﺎ اﻷﻓﺮان واﻟﺪواﻟﻴﺐ ،إذ ﻳﻤﻠﻚ ﻛﻞ ﺣﺮﻓﻲ ﻓﺮﻧﺎً ودوﻻﺑﺎً ﺧﺎﺻﺎً ﺑﻪ ،وﻋﻤﻮﻣﺎً ﻓﻠﻜﻞ ﺧﺰﻓﻲ أدواﺗﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻪ ﻣﻊ وﺟﻮد ﺑﻌﺾ اﻷدوات ذات اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻤﺸﺘﺮك .إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ذﻟﻚ ﻧﺠﺪ ﺟﺎﻧﺒﺎً ﻣﺨﺼﺼﺎً ﻟﻮﺿﻊ اﻟﺤﻄﺐ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻃﻬﻲ اﻷواﻧﻲ اﻟﻔﺨﺎرﻳﺔ. وﻳﻤﺮ إﻧﺘﺎج اﻷواﻧﻲ اﻟﻔﺨﺎرﻳﺔ ﺑﻌﺪة ﻣﺮاﺣﻞ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺪﻗﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﻔﻨﻲ ،ﺳﻮاء ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎر ﻧﻮﻋﻴﺔ اﻟﻄﻴﻦ واﻟﻜﻤﻴﺔ اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ ﻣﻨﻪ ﻟﺼﻨﻊ اﻟﻤﻨﺘﻮﺟﺎت اﻟﺨﺰﻓﻴﺔ ،ﺑﻴﺪ أن اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﻴﺔ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺨﺰف ﻋﺎدة ﻣﺎ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﺷﺮوﻃﺎً ﺗﻘﻨﻴﺔ أﺧﺮى
أﺣﺪ اﻟﺼﻨﺎع اﻟﺨﺰﻓﻴﻴﻦ ﺑﻮرﺷﺔ اﻟﻜﻼﻛﻠﺔ
104
ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺨﺰف ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ ﺗﺎﻓﻴﻼﻟﺖ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ
ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻧﻮﻋﻴﺔ اﻟﺼﻠﺼﺎل اﻟﻤﻄﻠﻮب ﻓﻲ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﺬي ﻳﺆﺗﻰ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺎﻟﻊ ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺗﺘﻢ ﻏﺮﺑﻠﺘﻪ ،ﺣﻴﺚ ﺗُﺰال ﻣﻨﻪ اﻷﺗﺮﺑﺔ اﻟﻜﻠﺴﻴﺔ أو ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻢ ﻗﻄﻌﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﻞ واﻟﺤﺠﺮ .ﻣﻦ ﺛﻢ إﻟﻰ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﻤﺰج ﺳﻮاء ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻘﺪﻣﻴﻦ أو ﺑﺎﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻤﻌﺎول .وﺑﻌﺪ اﺳﺘﻴﻔﺎء ﺷﺮوط ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﻤﺎدة إﻟﻰ ﻋﺠﻴﻦ ﻣﺘﻮازن اﻟﻤﺰج ﻳﺘﻢ ﺗﺨﻤﻴﺮه إﻟﻰ أن ﻳﺸﺘﺪ وﻳﺘﻤﺎﺳﻚ ﻟﻴﻮم أو ﻳﻮﻣﻴﻦ وﻛﻠﻤﺎ ﻃﺎﻟﺖ ﻣﺪة اﻟﺘﺨﻤﻴﺮ ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻤﻨﺘﻮج ﺟﻴﺪا ً ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳﻨﻄﻠﻖ اﻟﺼﺎﻧﻊ ﻓﻲ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﻫﺬا اﻟﻌﺠﻴﻦ إﻟﻰ ﻗﻄﻊ ﻣﺤﺪودة ،ﻟﺘﻨﻘﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮ إﻟﻰ "اﻟﺪوﻻب" ﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻬﺎ وﻓﻖ اﻟﺸﻜﻞ اﻟﻤﻄﻠﻮب )ﻛﺆوس أو "ﻗﺼﺮﻳﺎت" .(...وﻛﻠﻤﺎ ﺗﻮﻓﺮت اﻟﻜﻤﻴﺔ اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻌﻴﻨﺔ اﻟﻔﺨﺎرﻳﺔ أو ﺗﻠﻚ ﺗﺘﺮك ﺣﺘﻰ ﺗﻴﺒﺲ وﺗﻨﻘﻞ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﻟﻰ اﻟﻔﺮن ،وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ "ﻟﻠﻘﺼﺮﻳﺎت" و"اﻟﻘﺪوح") (5ﻓﻴﺘﻢ ﻃﻼؤﻫﺎ ﺑﺎﻟﻠﻮن اﻷﺧﻀﺮ اﻟﻔﺎﺗﺢ اﻟﻤﻤﻴﺰ ﻟﻠﺨﺰف اﻟﻔﻴﻼﻟﻲ ﻗﺒﻞ إدﺧﺎﻟﻬﺎ ﻟﻠﻔﺮن .وﺗﺘﻜﻮن اﻷﻓﺮان ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺘﻴﻦ ،اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺴﻔﻠﻰ ﺗﺸﺒﻪ اﻟﺒﻬﻮ اﻟﺬي ﻳﻮﻇﻒ أﺳﺎﺳﺎً ﻟﺘﻮﻓﻴﺮ اﻟﺤﺮارة اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ ،واﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻳﺄﺧﺬ ﺳﻄﺤﻬﺎ ﺷﻜﻞ ﻏﺮﺑﺎل ﺗﺘﻮاﺟﺪ ﺑﻪ ﻋﺪة ﺛﻘﻮب ﺗﺘﺴﺮب ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺤﺮارة إﻟﻰ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﻌﻠﻮي اﻟﺬي ﺗﻮﺿﻊ ﻓﻴﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺘﻮﺟﺎت اﻟﻄﺎزﺟﺔ ،وﺗﺘﻄﻠﺐ ﻫﺬه اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺣﻮاﻟﻲ ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ،وﻣﻦ ﺛﻤﺔ ﺗﺴﺤﺐ اﻟﻜﻤﻴﺔ اﻟﻤﻄﻬﻮة ﺑﻌﺪ أن ﺗﺒﺮد. وﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻨﺘﻮﺟﺎت اﻟﺨﺰﻓﻴﺔ ﻟﻮرﺷﺔ ﻣﻮﻻي ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺪﻗﺎق ﻧﺠﺪ "اﻟﻘﺪوح" اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻷﺣﺠﺎم واﻟﻘﺼﺮﻳﺎت اﻟﺼﻐﻴﺮة واﻟﻜﺒﻴﺮة وﻛﺆوس اﻟﻤﺎء ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ "اﻟﻜﻼل" اﻟﺼﻐﻴﺮة .وﻋﻤﻮﻣﺎ ﻓﺎﻟﺨﺰف اﻟﺪﻗﺎﻗﻲ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺑﺒﺴﺎﻃﺘﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺸﻜﻞ واﻟﺰﺧﺎرف ،وﻗﺪ ﺻﺮﺣﺖ ﻟﻲ ﺳﺎﺋﺤﺔ ﻓﺮﻧﺴﻴﺔ ﺑﺄن اﻟﻤﻨﺘﻮﺟﺎت اﻟﻔﺨﺎرﻳﺔ ﻟﻠﻤﻨﻄﻘﺔ ﺗﻔﺘﻘﺮ إﻟﻰ اﻹﺑﺪاع ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﻄﻴﻦ ﻣﺎد ﻟﻴﻨﺔ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺸﻜﻞ ﺑﻬﺎ أﺷﻜﺎل ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺸﺄن ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻔﺨﺎر أﺳﻔﻲ) .(6واﻟﻮاﻗﻊ أن ﻓﺨﺎر ﺗﺎﻓﻴﻼﻟﺖ ﻗﺪ ﻋﺮف ﺗﺮاﺟﻌﺎً واﺿﺤﺎً ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺘﻴﻦ اﻟﻔﻨﻴﺔ واﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ اﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺳﻴﻤﺎ ﻗﺒﻞ اﻧﻬﻴﺎر ﺳﺠﻠﻤﺎﺳﺔ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﺗﺒﺮزه اﻟﻠﻘﻰ اﻷﺛﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻢ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﻗﻊ اﻷﺛﺮي ﻟﺴﺠﻠﻤﺎﺳﺔ ﻣﻦ ﻃﺮف اﻟﺒﻌﺜﺎت اﻷﺛﺮﻳﺔ اﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺒﺔ .وﻗﺪ وﻗﻔﺖ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻨﻬﺎ ﺿﻤﻦ اﻟﺒﻌﺜﺔ اﻷﺛﺮﻳﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﺎرﻛﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻲ
ﺷﻜﻞ اﻟﻔﺮن ﺑﻮرﺷﺔ اﻟﻤﺮاﻛﻨﺔ
اﻹﻧﺘﺎﺟﻲ ﻣﻌﺮوف ﺑﺈﻧﺘﺎج اﻷواﻧﻲ اﻟﺨﺰﻓﻴﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮة اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﻣﺤﻠﻴﺎً ﺑـ»اﻟﻜﻼل« أو »اﻟﺨﻮاﺑﻲ« ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف أﻧﻮاﻋﻬﺎ وأﺣﺠﺎﻣﻬﺎ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أﻧﻮاع أﺧﺮى ﻣﻦ اﻷواﻧﻲ ﻛﺎﻟﻤﺰﻫﺮﻳﺎت ذات اﻷﺣﺠﺎم اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، واﻟﺰﻟﻴﺞ اﻟﺒﻠﺪي اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻹﻗﺒﺎل ﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ﻓﻲ ﺗﺰﻳﻴﻦ اﻟﻮاﺟﻬﺎت .ﻳﺘﻜﻮن ﻫﺬا اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻹﻧﺘﺎﺟﻲ ﻣﻦ ﺧﻤﺲ ورﺷﺎت ﺗﻤﺘﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺎف وادي ﻏﺮﻳﺲ اﻟﺬي ﻳﻀﻤﻦ ﻟﻬﻢ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎء ،وﻳﺸﺘﻐﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ورﺷﺔ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ 6و 16ﻓﺮدا ً ﻓﻲ إﻃﺎر ﻋﻤﻞ ﺟﻤﺎﻋﻲ ﻣﺘﻜﺎﻣﻞ ﻳﻄﺒﻌﻪ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻌﻤﻞ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺘﺨﺼﺺ ﻛﺒﺎر اﻟﻤﻌﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ واﻟﺘﺸﻜﻴﻞ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺸﺘﻐﻞ اﻟﺼﻐﺎر ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺎت إﻋﺪاد اﻟﻄﻴﻦ ...وﻳﻀﻢ ﻛﻞ ورش ﻋﺪة أﻓﺮان ﻳﺘﺮاوح ﻋﺪدﻫﺎ ﺑﻴﻦ ﺛﻼﺛﺔ وﺧﻤﺴﺔ أﻓﺮان ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻠﻮاﻟﺐ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺼﻨﻊ واﻟﺘﺸﻜﻴﻞ وﻣﺤﻼت اﻟﺘﺨﺰﻳﻦ .وﺗﻌﺘﻤﺪ
ﺻﻨﺎﻋﺔ "اﻟﻜﻼل" ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﻟﺐ اﻟﺬي ﻳﺨﺘﻠﻒ ﺑﺎﺧﺘﻼف ﻃﺒﻴﻌﺔ "اﻟﻜﻠﺔ" وﺣﺠﻤﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ أن ﺻﻨﻊ "اﻟﻜﻠﺔ" ﻳﻤﺮ ﻋﺒﺮ ﺛﻼث ﻣﺮاﺣﻞ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺼﻨﻊ اﻟﺤﺮﻓﻲ اﻟﺠﺰء اﻷﺳﻔﻞ أوﻻً اﻋﺘﻤﺎدا ً ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﻟﺐ ،ﻓﻴﺘﺮﻛﻪ ﻟﻴﺠﻒ ﻟﻤﺪة 24ﺳﺎﻋﺔ ،وﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﻤﻮاﻟﻲ ﻳﻜﻤﻞ اﻟﺠﺰء اﻷوﺳﻂ ،ﺛﻢ اﻟﺠﺰء اﻟﻌﻠﻮي اﻋﺘﻤﺎدا ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻴﺪوي ﻓﻘﻂ. أﻣﺎ ﻃﻬﻲ اﻟﻤﻨﺘﻮﺟﺎت ﻓﻴﻜﻮن ﻟﻤﺮة واﺣﺪة ﺗﺤﺖ ﻧﺎر ﺗﺘﺮاوح درﺟﺔ ﺣﺮارﺗﻬﺎ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ 1200و 1800درﺟﺔ ﻣﺌﻮﻳﺔ ،وﺗﺘﻢ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻓﻲ أﻓﺮان ﻛﺒﻴﺮة ﻧﺴﺒﻴﺎ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﺄﻓﺮان اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻹﻧﺘﺎﺟﻲ ﻟﻤﻮﻻي ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺪﻗﺎق إﻟﻰ درﺟﺔ ﻳﻤﻜﻦ وﺿﻊ 100ﻛﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺮن اﻟﻮاﺣﺪ .ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺤﺘﻔﻆ اﻷواﻧﻲ اﻟﺨﺰﻓﻴﺔ ﺑﻠﻮﻧﻬﺎ اﻷﺑﻴﺾ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ اﻟﺬي ﻫﻮ ﻟﻮن اﻟﺘﺮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮن ﻓﻲ اﻟﺼﻨﻊ ،وﺗﺴﻤﻰ »ﺗﻼﻏﺖ« و ﻳﺠﻠﺒﻮﻧﻬﺎ ﻣﻦ »ﺗﻴﻔﻮرﻧﺎ« وﻫﻮ ﻣﻜﺎن ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ 5ﻛﻠﻢ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن اﻹﻧﺘﺎج .وﺗﺒﻘﻰ ﻣﻨﺘﻮﺟﺎت
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
103
ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب
ĆĂĩ~ óĚïİĎ ôĩŁĹĠïõ óĤĕİĭñ ~óĹñąĞĭĩ
د .اﻟﻤﺤﺠﻮب ﻗﺪار
ﺗﺤﺘﻞ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺗﺎﻓﻴﻼﻟﺖ أﻫﻤﻴﺔ ﻛﺒﺮى ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻤﻐﺮب اﻷﻗﺼﻰ، ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺎﻫﺪة ﻋﻠﻰ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺳﺠﻠﻤﺎﺳﺔ إﺣﺪى اﻟﺤﻮاﺿﺮ اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻲ اﻟﻐﺮب اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺧﻼل اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻮﺳﻴﻂ ،ﻛﻤﺎ ﺷﻜﻠﺖ ﻣﻨﻄﻠﻖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﻠﻮﻳﺔ ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ اﻟﻬﺠﺮي اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﻴﻼدي .وﻗﺪ ورﺛﺖ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﻨﺬ ﻋﻬﻮد ﻗﺪﻳﻤﺔ أﻧﺸﻄﺔ ﺣﺮﻓﻴﺔ ﻣﺘﻌﺪدة ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﺘﻠﺒﻴﺔ ﺣﺎﺟﻴﺎت اﻟﺴﻜﺎن ﻣﻦ ﺟﻬﺔ وﺑﺘﺠﺎرة اﻟﻘﻮاﻓﻞ اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى) .(1وﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﻻزاﻟﺖ ﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺣﻀﻮرﻫﺎ إﻟﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺨﺰﻓﻲ .وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاﺟﻊ اﻟﺬي ﻃﺒﻊ ﻫﺬا اﻟﻘﻄﺎع ﺷﻜﻼً وﻣﻀﻤﻮﻧﺎً إﻻ أﻧﻪ ﻻزال ﻳﻘﺎوم اﻟﻤﺘﻐﻴﺮات اﻟﻤﺘﺴﺎرﻋﺔ ،إذ ﺿﻠﺖ اﻟﻮاﺣﺎت اﻟﻔﻴﻼﻟﻴﺔ ﺗﺤﺘﻀﻦ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ذاﺗﻬﺎ ووﻓﻖ اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت واﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﻤﺘﻮراﺛﺔ .وﺳﻨﺮﻛﺰ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺪراﺳﺔ ﻋﻠﻰ ﺛﻼث ﻣﺮاﻛﺰ إﻧﺘﺎﺟﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ. اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻹﻧﺘﺎﺟﻲ اﻟﺨﺰﻓﻲ اﻟﻜﻼﻛﻠﺔ
ﻳﻘﻊ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻹﻧﺘﺎﺟﻲ ﺑﻘﺼﺮ أوﻻد ﺣﺴﻴﻦ اﻟﺬي ﻳﻮﺟﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻀﻔﺔ اﻟﻴﺴﺮى ﻟﻮاد ﻏﺮﻳﺲ ،وﻫﻮ أﺣﺪ اﻟﻘﺼﻮر اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺴﻴﻔﺔ،
102
ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺨﺰف ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ ﺗﺎﻓﻴﻼﻟﺖ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ
ﻳﺒﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﺮﻳﺼﺎﻧﻲ ﺑﺤﻮاﻟﻲ 9ﻛﻠﻢ ﻓﻲ اﺗﺠﺎه اﻟﺸﻤﺎل اﻟﻐﺮﺑﻲ .وﻳﺮوي أﺣﺪ اﻟﺨﺰﻓﻴﻴﻦ ﻋﻦ أﺟﺪاده أن ﻫﺬا اﻟﻤﺮﻛﺰ ﻗﺪﻳﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ وأﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺴﺘﻮﻃﻦ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﻓﻲ أوﻻد ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻮﻣﻦ اﻟﻘﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻊ ﺳﺠﻠﻤﺎﺳﺔ) ،(2ﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﺮﺟﺢ أن ﻫﺬا اﻟﻤﺮﻛﺰ ﻳﺸﻜﻞ ﺑﺪوره أﺣﺪ اﻷوراش اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺸﻴﻄﺔ وﻗﺖ ازدﻫﺎر ﺳﺠﻠﻤﺎﺳﺔ ﻓﺎﻧﺘﻘﻠﺖ إﻟﻰ ﻣﺮﻛﺰﻫﺎ اﻟﺤﺎﻟﻲ ﺑﻌﺪ ﺧﺮاب ﺳﺠﻠﻤﺎﺳﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮة أو ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﺷﺄﻧﻬﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺷﺄن اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻹﻧﺘﺎﺟﻲ ﻣﻮﻻي ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺪﻗﺎق اﻟﺬي ﻋﺮف ﻋﺪة ﺗﻨﻘﻼت ﻗﺒﻞ أن ﻳﺴﺘﻘﺮ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ اﻟﺤﺎﻟﻲ .وﻳﻨﺤﺪر اﻟﻔﺨﺎرون اﻟﻌﺎﻣﻠﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻹﻧﺘﺎﺟﻲ أوﻻد ﺣﺴﻴﻦ ﻣﻦ ﻗﺼﺮ اﻟﻜﻼﻛﻠﺔ أﺣﺪ ﻗﺼﻮر اﻟﺴﻴﻔﺔ .وﻗﺪ ورﺛﻮا ﻫﺬه اﻟﺤﺮﻓﺔ أﺑﺎ ﻋﻦ ﺟﺪ. وﻣﻦ اﻟﺮاﺟﺢ أن ﺗﺴﻤﻴﺔ اﻟﻘﺼﺮ ﺑﺎﻟﻜﻼﻛﻠﺔ ﻣﺄﺧﻮذة ﻣﻦ »اﻟﻜﻼل«)(3 اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ ﺻﻨﻌﻬﺎ أﻫﺎﻟﻲ ﻗﺼﺮ اﻟﻜﻼﻛﻠﺔ ،ﺳﻴﻤﺎ وأن ﻫﺬا اﻟﻤﺮﻛﺰ
ﻓﻈﻬﺮت اﻟﻐﺎﺋﻴﺔ ﻛﺒﻌﺪ ﺛﺎﻟﺚ؛ ﻓﺎﻟﻌﻘﻞ وﻓﻖ اﻟﺘﺠﺰﺋﺔ اﻟﻜﺎﻧﻄﻴﺔ ﻳﻨﻘﺴﻢ إﻟﻰ :ﻇﺎﻫﺮي ،وﺑﺎﻃﻨﻲ ،وإﺑﺪاﻋﻲ ،واﻷﺧﻴﺮ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﺑﺎﻟﺼﻮر اﻟﻐﺎﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺻﺪ اﻻﻳﻘﺎع اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ .وﺑﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﺬوق ﻟﺪﻳﻪ ﻟﻴﺴﺖ ﺣﻜ ًﻤﺎ ﺑﺎﻟﺸﻌﻮر إﻧﻤﺎ ﺷﻌﻮر ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ،ﻓﺎﻟﺬوق ﻻ ﺗﺘﺤﻜﻢ ﻓﻴﻪ اﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ إﻧﻪ ﺣﻜﻢ ﺟﻤﺎﻟﻲ ﻻ ﻣﻌﺮﻓﻲ ،وﻟﻨﺎ أن ﻧﻌﺘﺒﺮ ﻫﺬا اﻟﺒﻌﺪ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﺑﺎﻟﻐﺎﺋﻴﺔ ﻗﺪ أوﺻﻞ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻜﺎﻧﻄﻲ إﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻻﻧﺴﺠﺎم ،ﺑﺎﻧﺘﻘﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺎ إﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ إدراك اﻹﻧﺴﺎن. ﻛﻤﺎ ﻣﻴﺰ ﻛﺎﻧﻂ ﺑﻴﻦ ﻣﻔﻬﻮﻣﻲ )اﻟﺠﻤﻴﻞ( و)اﻟﺠﻠﻴﻞ( ،ﻓﺎﻟﺠﻤﻴﻞ اﻟﺬي ﻳﺜﻴﺮ اﻟﻘﻮى اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ وﻳﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ اﺗﻔﺎق اﻟﻤﺨﻴﻠﺔ واﻟﺬﻫﻦ وﻳﺘﺠﻪ إﻟﻰ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﻛﻐﺮض ﻟﻪ ،أﻣﺎ اﻟﺠﻠﻴﻞ ﻓﻤﺎ ﻳﺜﻴﺮ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻻرﺗﻴﺎح واﻟﺮوﻋﺔ اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ وﻳﻤﻴﻞ ﺑﻮﺿﻮح إﻟﻰ اﻷﺧﻼق ﺑﺎﺗﻔﺎق اﻟﻤﺨﻴﻠﺔ ﻣﻊ اﻟﻌﻘﻞ. وإن ﻛﺎن اﻟﺠﻤﻴﻞ ﻳﻮﺣﻲ إﻟﻴﻨﺎ ﺑﺎﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﻨﻈﺎم واﺗﺴﺎق اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ﻓﺎﻟﺠﻠﻴﻞ ﻳﻮﺣﻲ إﻟﻴﻨﺎ ﺑﺎﺿﻄﺮاﺑﻬﺎ واﻟﺮﻫﺒﺔ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻗﺒﺎﻟﺘﻪ .ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻬﺪ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﻈﻬﻮر اﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ اﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻟﺠﻤﺎل ،ﺟﺎﻋﻼً ﻣﻦ اﻟﻔﻦ أداة ﻟﻠﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺮوﺣﻴﺔ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ،ﻗﺎﺋﻼً) :اﻟﺠﻤﻴﻞ ﻫﻮ وﺟﺪان ﺣﺮ ﻣﻨﺰه ﻋﻦ ﻛﻞ ﻏﺮض(. ﺟﻤﺎﻟﻴﺎت ﻫﻴﺠﻞ
ﻳﻌﺪ ﻫﻴﺠﻞ أﻛﺒﺮ ﻣﺆﻟﻒ ﻓﻲ ﻋﻠﻮم اﻟﺠﻤﺎل ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﻗﺪ ﺗﺄﺛﺮ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻬﻴﺠﻠﻲ ﺑﺄﻓﻼﻃﻮن وأرﺳﻄﻮ ،ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻬﺞ اﻟﺠﺪﻟﻲ ،إذ اﻋﺘﺒﺮ اﻟﺠﻤﺎل ﻫﻮ اﻟﺘﺠﻠﻲ اﻟﻤﺤﺴﻮس ﻟﻠﻔﻜﺮة اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﻔﻦ. وﻳﻘﻮل ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ )اﻟﻤﺪﺧﻞ ﻟﻌﻠﻢ اﻟﺠﻤﺎل( -ﺑﺘﺼﺮف" :إن ﻟﻠﻔﻦ ﻫﺪﻓًﺎ ﻣﺸﺘﺮﻛًﺎ ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻦ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺗﻈﺎﻫﺮات اﻟﺮوح ،ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ اﻟﺤﺲ )ﺣﺲ اﻟﺠﻤﺎل( وإﻳﻘﺎظ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ وإﺛﺎرﺗﻬﺎ ،وﻫﺬا اﻟﺤﺲ ﻟﻴﺲ ﻓﻄﺮﻳًﺎ ،إﻧﻤﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ واﻟﺘﺪرﻳﺐ ،ﺣﺘﻰ ﻳﻐﺪو ﻣﺎ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﺳﻢ اﻟﺬوق ،واﻣﺘﻼك اﻟﻤﺮء ﻟﻠﺬوق ﻳﻌﻨﻲ أﻧﻪ ﻳﻤﻠﻚ ﺷﻌﻮ ًرا ﺑﺎﻟﺠﻤﺎل". وﻳﺮى ﻫﻴﺠﻞ أن ﻣﻬﻤﺔ اﻟﻔﻦ ﻟﻴﺴﺖ اﺳﺘﻨﺴﺎخ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،ﻓﺎﻟﻔﻦ ﺷﻲء ﻣﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ،واﻟﺠﻤﺎل اﻟﻔﻨﻲ ﺟﻤﺎل ﻣﺘﻮﻟﺪ ﻣﻦ اﻟﺮوح ،وﺑﻤﺎ أﻧﻪ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﻬﻮ ذو ﻃﺒﻴﻌﺔ إﻟﻬﻴﺔ .وﻳﻘﻮل" :اﻟﺠﻤﺎل ﻫﻮ اﻷﺳﻠﻮب اﻟﻮﺣﻴﺪ واﻟﻤﺤﺪد ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ وﺗﻘﺪﻳﻤﻬﺎ" ،ﻓﺎﻟﻔﻦ ﻋﻨﺪه ﻻ ﻳﻌﻜﺲ اﻟﻮاﻗﻊ ﺑﻞ اﻟــﺮوح اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ،وﺷﺄﻧﻪ ﺷﺄن اﻟﺪﻳﻦ واﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻳﺨﺪم ﻣﺴﺄﻟﺔ واﺣﺪة وﻫﻲ ﺑﺤﺚ اﻟﺮوح اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻋﻦ ذاﺗﻬﺎ وﻣﻦ ﺛﻢ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻴﻬﺎ.
اﻹﺳﺘﺎﻃﻴﻘﻴﺎ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة
ﻛﻴﻒ ﻳﺒﺪو ﻣﻔﻬﻮم )اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ( ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﻏﺰو اﻟﻔﻀﺎء؟ وﻫﻞ ﺛﻤﺔ ﻣﻼﻣﺢ ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻤﻔﻬﻮم اﻟﺠﻤﺎل ﻓﻲ ﻇﻞ ﻫﻴﻤﻨﺔ اﻟﺼﻮرة ،واﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎت واﻹﻧﺠﺎزات اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﻀﺨﻤﺔ؟ ﺗﻌﺪدت اﻟﻤﺬاﻫﺐ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة وﺗﺒﺎﻳﻨﺖ ،وأﺻﺒﺢ ﻟﻜﻞ ﻓﻨﺎن ﻣﻔﺎﻫﻴﻤﻪ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻤﺘﺠﻬﺔ ﻟﻠﺘﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺘﻠﻘﻲ ،وﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻨﻔﺼﻞ اﻟﻔﻦ ﻋﻦ اﻟﺠﻤﺎل ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،ﻧﺠﺪ ﺗﻼزﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻓﻠﺴﻔﺔ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ واﻟﻔﻦ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻋﺒﺮ وﺳﺎﺋﻠﻪ وأدواﺗﻪ وﺗﻄﻠﻌﺎﺗﻪ وأﻏﺮاﺿﻪ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮة وﻏﻴﺮ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮة .وﻗﺪ ﺣﺪد "إﺗﻴﺎن ﺳﻮرﻳﻮ" ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ )اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻋﺒﺮ اﻟﻌﺼﻮر( ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ واﻟﻔﻨﻲ واﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻓﻲ ﻧﻘﺎط ﻋﺪﻫﺎ ﻋﻮاﻣﻞ رﺋﻴﺴﺔ ﺣﻘﻘﺖ ﻫﺬا اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ اﻟﻤﺸﻬﻮد ﺗﻀﻤﻨﺖ :اﻟﺮﻏﺒﺔ ﺑﺎﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ،وﻇﻬﻮر اﻻﻧﻄﺒﺎﻋﻴﺔ اﻟﻔﻨﻴﺔ أي اﻟﺨﺮوج ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ واﻟﻀﻮء واﻟﻔﻀﺎء ﺑﻤﻨﺢ اﻟﻤﺘﻠﻘﻲ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة ،ﻛﻤﺎ ﺑﺮزت ﻃﺮاﺋﻖ ﻓﻨﻴﺔ ﻣﺒﺘﻜﺮة ﻛﺎﻟﺘﻌﺒﻴﺮﻳﺔ واﻟﺴﺮﻳﺎﻟﻴﺔ واﻟﺒﻨﺎﺋﻴﺔ واﻟﺘﻜﻌﻴﺒﻴﺔ وأﺧﻴﺮا اﻟﺘﺠﺮﻳﺪﻳﺔ ،ﺣﻴﺚ اﻋﺘﻨﺖ ﻫﺬه اﻟﻤﺪارس ﺑﻔﺮز ﺗﻘﻨﻴﺎت ﻓﻨﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ،أﺳﺴﺖ ﻟﻌﻠﻢ ﺟﻤﺎل ﻣﻌﺎﺻﺮ ،ﻓﺤﻮاه اﻟﻔﻦ اﻟﺬي ﻋﺒﺮ ﻋﻨﻪ اﻟﻔﻨﺎﻧﻮن اﻟﻤﻌﺎﺻﺮون ﺑﺘﻌﺎرﻳﻒ ﻛﺜﻴﺮة ﻣﺬﻫﻠﺔ ،ﻓﺎﻟﻔﻦ "إدراك ﺣﺴﻲ ﺧﺎﻟﺺ" ﻛﻤﺎ ﻋﺒﺮ ﻋﻨﻪ "ﺑﺮﺟﺴﻮن" ،و"اﻟﻔﻦ ﺣﺪس وﺗﻌﺒﻴﺮ" ﺣﺴﺐ "ﻛﺮوﺗﺸﻪ" ،وﺛﻤﺔ ﻣﻦ ﻋ ّﺮﻓﻪ ﺑﺎﻟﻠﺬة ،وﺑﺄﻧﻪ ﻋﻤﻞ وﺻﻨﺎﻋﺔ .أﻣﺎ ﺳﺎرﺗﺮ ﻓﻘﺪ ﻋﺒﺮ ﻋﻨﻪ ﺑﻘﻮﻟﻪ "اﻟﻔﻦ إﻣﺎ ﺗﺨﻴﻞ وﻻ واﻗﻌﻴﺔ ،وإﻣﺎ اﻟﺘﺰام وﺣﺮﻳﺔ". أﻣﺎ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻔﺔ "ﻫﺎﻳﺪﺟﺮ" ﻓﻨﺠﺪ اﻟﻔﻦ "ﺣﻘﻴﻘ ًﺔ وﺷﻌﺮ" ،ﻏﻴﺮ أﻧﻪ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﻗﺮاءة ﻣﻼﻣﺢ أﺧﺮى ﻟﻠﻔﻦ ﻟﺪى اﻟﻨﺎﻗﺪ "ﻫﻴﺮﺑﺮت رﻳﺪ" ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره "ﺷﻜﻼ وﻣﻌﺮﻓﺔ" .وﺣﺘﻰ اﻵن ﻟﻢ ﺗﺘﻮﻗﻒ اﻹﺣﺎﻻت واﻟﺘﺄوﻳﻼت ﻟﻤﻔﻬﻮم ً )اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ( وﺻﻠﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻦ وﻓﻠﺴﻔﺘﻪ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ،إذ ﻧﺸﻬﺪ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻴﻦ ﺗﻨﺴﺐ إﻟﻰ اﻟﻔﻦ وﺗﺴﻌﻰ ﻻﻛﺘﺴﺎب ﺻﻔﺔ )اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ(. واﻵﺧﺮ ﺻﻴﺤﺎت ُ وأﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺘﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ ﻫﺬه اﻟﻈﻮاﻫﺮ ،ﻃﺮﻳﻘﺔ اﻟﻄﺮح وأدواﺗﻪ اﻟﻔﻨﻴﺔ وﺟﺮأﺗﻪ ،إذ ﻧﻠﺤﻆ ﻣﺆﺧﺮا ﻓ ًﻨﺎ ﺗﻨﺘﺠﻪ اﻵﻟﺔ ﺑﺘﻘﻨﻴﺔ اﻟﺬﻛﺎء ﻣﻨﺎﻓﺴﺎ ﻟﻔﻦ ﻳﻨﺘﺠﻪ اﻹﻧﺴﺎن .ﻛﻤﺎ ﻧﻘﺮأ ﻋﻦ اﻻﺻﻄﻨﺎﻋﻲ ،وﻫﻮ ﻓﻦ ﺑﺎت ً ﻧﺸﺎﻃﺎت ﻓﻨﻴﺔ ﺗﺸﻬﺪﻫﺎ اﻟﻤﺰادات اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻣﺆﺧﺮا ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان )ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ ﺗﺪﻣﻴﺮ اﻟﻔﻦ( ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﻓﻲ ﻣﺰاد ﻋﻠﻨﻲ ﻓﻲ دار ﻓﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻟﻨﺪن ،ﺣﻴﺚ ﻗﺎم اﻟﻔﻨﺎن اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ اﻟﻤﺘﺨﻔﻲ "ﺑﺎﻧﺴﻜﻲ" ﺑﻮﺿﻊ آﻟﺔ ﻟﺘﻘﻄﻴﻊ اﻟﻮرق ﻓﻲ إﻃﺎر إﺣﺪى ﻟﻮﺣﺎﺗﻪ اﻟﻤﻌﺮوﺿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺰاد ،وﻗﺎم ﺑﺒﺮﻣﺠﺔ أن ﺗﻘﻮم اﻟﻠﻮﺣﺔ ﺑﺘﻤﺰﻳﻖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺑﻴﻌﻬﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮة ،ﻣﻌﻠﻘًﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺤﺪث ﺑﻤﻘﻮﻟﺔ ﺑﻴﻜﺎﺳﻮ )اﻟﺘﻮق إﻟﻰ اﻟﺘﺪﻣﻴﺮ ﻫﻮ أﻳﻀﺎ ﺗﻮق إﺑﺪاﻋﻲ( ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
101
إﺿﺎءة
ïĭüĩ~ ĆĞĩ ﺛﻤﺔ اﺧﺘﻼﻓﺎت ﻓﻲ رؤﻳﺔ اﻟﺠﻤﺎل وﺗﻮﺻﻴﻔﻪ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺪﻳﻢ واﻟﺤﺪﻳﺚ، اﻷﻣﺮ ﺷﻐﻞ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ واﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ ،ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﻏﺮﻳﻘﻴﺔ )اﻟﻴﻮﻧﺎن اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ( اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪت ﻓﻮرة ﻋﻠﻤﻴﺔ وﻓﻨﻴﺔ وﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ،ﺗﺄﺛﺮت ﺑﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﻨﻮن ﻋﺼﺮ اﻟﻨﻬﻀﺔ. ﻓﻘﺪ ﻧﺎﻗﺶ ﻣﻔﻜﺮو اﻹﻏﺮﻳﻖ )اﻟﺠﻤﺎل اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ( ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ وﻓﻖ ﺧﻄﻮط ﻋﺮﻳﻀﺔ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﺘﺘﺒﻊ ﻃﻤﻮح اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ وﺗﺄﻣﻼﺗﻬﺎ وﺗﻄﻠﻌﺎﺗﻬﺎ ،وﻛﻴﻔﻴﺔ إﺷﺒﺎﻋﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻔﻦ واﻟــﺮؤى اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ واﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻤﺨﻠﺼﺔ ﻟﻪ .ﻓﻘﺪ اﻋﺘﺒﺮ ﻓﻴﺜﺎﻏﻮرث) (497-572ق.م ،أن اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ اﻷﻋﺪاد ،وأن اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﺗﻨﺎﺳﻖ ﻋﺪدي ﺑﻴﻦ ﻣﻜﻮﻧﺎﺗﻬﺎ ،وأن اﻟﻤﻌﻴﺎر اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﻣﻌﻴﺎر رﻳﺎﺿﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺻﻴﺎﻏﺘﻪ وإﺛﺒﺎت ﺟﻮدﺗﻪ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﺠﻤﺎل ﺷﻜﻠﻴًﺎ ،وﺑﻤﺤﺎﻛﻤﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺑﺤﺘﺔ ﻻ ﺗﺪﻋﻤﻬﺎ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ. أﻣﺎ ﻫﻴﺮاﻗﻠﻴﻄﻴﺲ)(480-576ق.م ﻓﻬﻮ أول ﻣﻦ ﻗﺎل ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﻤﺎل ،وإﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻷﺿﺪاد ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﺗﻨﺎﺳﻖ ﺟﻤﺎﻟﻲ ﻛﺎﻟﺘﻘﺎء اﻷﺑﻴﺾ واﻷﺳﻮد ،أو اﻟﻨﻐﻢ اﻟﻌﺎﻟﻲ واﻟﻤﻨﺨﻔﺾ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﺎ. وﺗﻘﻮم ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺳﻘﺮاط اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ) (399-470ق.م -اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﻌﻠﻢ اﻟﺠﻤﺎل -ﻋﻠﻰ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺎﻟﺠﻤﺎل اﻟﻤﻄﻠﻖ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﻪ ﺷﻲء، إذ ﻫﻮ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺬي ﻳﻌﻠﻮ ﻓﻮق ﺟﻤﺎل اﻷﺷﻴﺎء ﻛﻠﻬﺎ .وﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻳﻌ ّﺮف ﺑﻪ اﻟﻔﻦ ﻛﻤﺤﺎﻛﺎة ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ ،ﻧﺠﺪه ﻳﻀﻊ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﺻﺎرﻣﺔ ﺗﺼﻒ )اﻟﺠﻤﻴﻞ( ﺑﺄﻧﻪ اﻟﻤﻔﻴﺪ واﻷﺧﻼﻗﻲ اﻟﻤﻘﻴﺪ ﺑﺎﻟﺬات واﻟﻀﻤﻴﺮ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، وﻗﺪ وﺿﻌﺖ ﻓﻠﺴﻔﺘﻪ ﻫﺬه ﻗﻮاﻋﺪ ﻟﻔﻠﺴﻔﺔ وﻋﻠﻢ اﻟﺠﻤﺎل وﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ اﻟﺬي أﺗﻰ ﺑﻌﺪه .وﻓﻲ ﻛﻞ ﻧﺘﺎﺟﺎت أﻓﻼﻃﻮن )-427 (348ق.م ،ﻧﻠﻤﺢ روح اﻟﻔﻦ ،وﻫﻮ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬي اﻧﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺗﺴﻠﺴﻼ ﻋﻘﻠًﻴﺎ وﻣﺮﺣﻠ ًﻴﺎ ً رؤﻳﺘﻪ ﺑﺄن )اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ أرﻗﻰ ﻣﻦ اﻟﻔﻦ( ،ﻣﻘﺪ ًﻣﺎ ﻟﻠﺼﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻤﺜﺎﻟﻲ ،ﺑﺪءا ﻣﻦ اﻟﺸﻜﻠﻴﺔ وﻣﺮو ًرا ﺑﺠﻤﺎل اﻷﻓﻜﺎر واﻷﺧﻼق ،ﺣﺘﻰ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ اﻟﻤﻄﻠﻖ واﻷﺑﺪي .وﻳﻈﻬﺮ اﻟﻘﺒﺢ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻼ ﻟﻠﺨﻴﺮ واﻟﻤﺜﻞ .وإن ﻓﻠﺴﻔﺔ أﻓﻼﻃﻮن ﻣﺠﺎو ًرا ﻟﻠﺠﻤﺎل ،واﻟﻔﺴﺎد ً ﻟﻢ ﻳﻌﺘﺮف أﻓﻼﻃﻮن ﺑﻮﺟﻮد اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻤﻄﻠﻖ اﻟﻤﺜﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻮاﻗﻊ، ﻓﻘﺪ رﺑﻂ اﻟﺠﻤﺎل ﺑﺎﻟﺤﺐ واﻟﺨﻴﺮ واﻷﺧﻼق ،ودﻋﺎ إﻟﻰ اﻟﺘﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺎت ،ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ اﻷﻛﺜﺮ ﻋﻤﻘًﺎ ﻟﻸﺷﻴﺎء واﻟﺘﺄﻣﻞ اﻟﺬي ﻳﺴﻌﻰ ﻹﻏﻨﺎء اﻟﻔﻜﺮة ﻋﻦ )اﻟﺠﻤﻴﻞ( ﺑﻤﻔﻬﻮﻣﻪ اﻟﻤﺎدي واﻟﻔﻠﺴﻔﻲ واﻟﻮاﻗﻌﻲ. وﻟﺪى أرﺳﻄﻮ ) (322-384ق.م ﻧﺠﺪ ﻓﻜ ًﺮا ﺟﻤﺎﻟﻴًﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ،إذ ﻳﻌﺘﺮف ﺑﻮﺟﻮد اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ اﻟﻨﺎﺑﻊ ﻣﻦ اﻹدراك اﻟﺬاﺗﻲ واﻟﺘﺠﺮﺑﺔ، ﻣﺒﺘﻌﺪا ﻋﻦ اﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ اﻷﻓﻼﻃﻮﻧﻴﺔ .وﺑﻮاﻗﻌﻴﺔ ﺷﺪﻳﺪة ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺟﻮﻫﺮ 100
ﻟﻐﺰ اﻟﺠﻤﺎل!
ﻋﻮاﻃﻒ ﺑﺮﻛﺎت اﻟﺠﺎروف* @ ﻛﺎﺗﺒﺔ ﻣﻦ ﺳﻮرﻳﺎ
اﻟﻤﺎدة ﻓﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻓﺎﺋﺪﺗﻬﺎ وﻣﻨﻔﻌﺘﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺮاﻗﺐ اﻟﻔﻦ ﺑﺄﺷﻜﺎﻟﻪ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ وﺗﻨﻘﺪه ﺑﻤﺪى ﻗﺪرة ﻫﺬا اﻟﻔﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺤﺎﻛﺎة اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ،أي أن أرﺳﻄﻮ ﺟﻌﻞ ﻟﻠﻴﺪ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ دو ًرا ﺣﺎﺳ ًﻤﺎ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺠﻤﺎل واﻻرﺗﻘﺎء ﺑﺎﻟﻔﻨﻮن إﻟﻰ اﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ اﻟﻨﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ. اﻟﺠﻤﺎل ﻣﻦ اﻻﻋﺘﻘﺎد إﻟﻰ اﻻﻧﺘﻘﺎد
ﺟﺎءت ﻋﺼﻮر اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﻗﺮون ﻣﻦ اﻟﻌﺼﻮر اﻻﻋﺘﻘﺎدﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪت ﻣﺪارس ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ أﺳﺴﺖ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻘﻴﻢ ،ﺗﻌﺎرﻳﻒ ﻟﻠﻤﻮاﺿﻴﻊ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻔﻦ واﻟﻌﻠﻢ واﻷدب ،ﺣﻴﺚ ﻧﻀﺞ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺠﻤﺎل ﺑﺎﻟﺘﺰاﻣﻦ ﻣﻊ ﻧﻬﻀﺔ اﻟﻔﻦ ،ﻣﺎ أﺗﺎح واﻗ ًﻌﺎ ﺟﺪﻳﺪا ً أﻛﺜﺮ اﺗﺴﺎﻋﺎً ﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ،وإﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﻧﺘﻘﺎدﻫﺎ ﺑﺪءا ً ﻣﻦ دﻳﻜﺎرت ) (1650-1596م و)ﺟﻤﺎﻟﻴﺘﻪ( اﻟﻤﻮﺻﻮﻓﺔ ﺑﻘﻠﺔ ﺗﺒﺎﻳﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺸﻲء واﺧﺘﻼﻓﻬﺎ ،وﺑﻤﻘﺪار اﻟﺘﻨﺎﺳﺐ اﻟﻤﺤﻘﻖ ﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ واﺿﺤﺔ .ﻣﺮورا ﺑـ"ﻟﻴﺒﻨﺘﺰ" وﻓﻠﺴﻔﺘﻪ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺿﺮورة اﻻﻧﺴﺠﺎم ﺑﻴﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺸﻲء ﻛﻤﻨﻌﻜﺲ ﻻﻧﺴﺠﺎم اﻟﺮاﺋﻲ وﺗﻔﺎﻋﻠﻪ ﻣﻊ اﻟﻤﻨﻈﻮر اﻟﺠﻤﻴﻞ. وﺗﺆﻛﺪ ﻣﺼﺎدر ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻛﺜﻴﺮة أن "اﻟﻜﺴﻨﺪرﺑﻮﻣﻐﺎرﺗﻦ")1762-1714م( ﻫﻮ ﻣﻦ أﻃﻠﻖ اﺳﻢ )اﻹﺳﺘﺎﻃﻴﻘﻴﺎ( ﻋﻠﻰ ﻣﻔﻬﻮم ﻋﻠﻢ اﻟﺠﻤﺎل ،ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺤﺴﻴﺔ واﻹدراك اﻟﺤﺴﻲ ،داﻋ ًﻤﺎ رؤﻳﺔ ﻣﻐﺎﻳﺮة ﻟﻠﺤﻮاس، ﺑﻘﻮاﻋﺪ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﻤﻨﻄﻘﻴﺔ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ .وﺑﺬﻟﻚ اﻋﺘﺒﺮ ﻓﻜﺮة اﻟﻤﻨﻄﻖ أو اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ اﻟﺠﻤﻴﻞ أﺣﺪ ﻣﻜﻮﻧﺎت اﻹﺳﺘﺎﻃﻴﻘﻴﺎ ﻛﻤﻔﻬﻮم ﻳﺴﻌﻰ ﻟﺘﻘﺪﻳﻢ ﻓﻜﺮة ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﺠﻤﺎل. اﻟﺠﻤﻴﻞ واﻟﺠﻠﻴﻞ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻛﺎﻧﻂ
ﻳﻌﺪ "إﻳﻤﺎﻧﻮﻳﻞ ﻛﺎﻧﻂ" أول ﻣﻦ ﻃﺒﻖ اﻟﻤﻨﻄﻖ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ اﻟﺠﻤﺎل .وﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ )ﻧﻘﺪ اﻟﺤﻜﻢ( ﺣﻠﻞ )اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ( وﻓﻖ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﻋﻠﻤﻴﺔ وﻣﻨﻄﻘﻴﺔ،
أﺳﺎﻃﻴﺮ ﺑﻴﺖ اﻟﻜﺮﻳﺘﻠﻴﺔ ﻧُﺴﺠﺖ أﺳﺎﻃﻴﺮ رواﻫﺎ ﺳﻠﻴﻤﺎن اﻟﻜﺮﻳﺘﻠﻲ ﺣﺎرس اﻟﺒﻴﺖ واﻟﻀﺮﻳﺢ ،ﻷﻧﺪرﺳﻮن ﺣﻮل اﻟﺒﻴﺖ ،ﺟﻤﻌﻬﺎ أﻧﺪرﺳﻮن ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﺑﻌﻨﻮان) :أﺳﺎﻃﻴﺮ ﺑﻴﺖ اﻟﻜﺮﻳﺘﻠﻴﺔ( ،وذﻛﺮ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت واﻟﻐﺮاﺋﺐ ﻣﻦ ﺳﺤﺮ وﺟﺎن وﻗﺼﺺ ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﺎﻟﺒﻴﺖ وﻧﺸﺄﺗﻪ ،واﺧﺘﺼﺮ أﻧﺪرﺳﻮن ﻛﻞ ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻴﻤﺎن إﻟﻰ 14أﺳﻄﻮرة ،أﻣﺎ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﻓﻘﺪ ﺷﻌﺮ أﻧﺪرﺳﻮن ﺑﻌﺪم أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻓﻠﻢ ﻳﺬﻛﺮﻫﺎ .وﻣﻦ ﻫﺬه اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ: أﺳﻄﻮرة ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻧﻮح وأﺳﻄﻮرة ﺗﻀﺤﻴﺔ إﺑﺮاﻫﻴﻢ وأﺳﻄﻮرة ﻣﻮﺳﻰ ﻣﻊ ﺳﺤﺮة ﻓﺮﻋﻮن ،وأﺧﺮى ﻋﻦ اﻟﺜﻌﺒﺎن اﻟﻄﻴﺐ ،وأﺳﻄﻮرة ﺑﻨﺎء اﻟﺒﻴﺖ، وأﺧﺮى ﺣﻮل ﻛﻼم ﻣﻮﺳﻰ ﻟﺮﺑﻪ ،وأﺳﻄﻮرة ﺣﻮل اﻟﺒﺌﺮ اﻟﻤﺴﺤﻮرة. وﺿﻊ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺤﺎﻟﻲ
ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺒﻴﺘﻴﻦ ﺳﻴﺌﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ وﻛﺎﻧﺎ ﻋﻠﻰ وﺷﻚ اﻟﻬﺪم ﻟﻴﺪﺧﻼ ﺿﻤﻦ ﻣﺸﺮوع ﺗﻮﺳﻴﻊ ﺟﺎﻣﻊ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﻓﻲ ﺛﻼﺛﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ، وﻟﻜﻦ ﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ،ﻗﺎﻣﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﺑﺘﺮﻣﻴﻤﻪ وإزاﻟﺔ ﻛﻞ اﻷﻛﻮاخ اﻟﻌﺸﻮاﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻮل ﺟﺎﻣﻊ اﺑﻦ
ﻃﻮﻟﻮن ،ﻓﻈﻬﺮ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺤﺠﺮي اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺑﻮﺿﻮح ﺟﻠﻲ ،ﻓﻤﺎ ﻧﺮاه اﻟﻴﻮم ﻣﺎ ﻫﻮ إﻻ ﻧﺘﺎج ﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﺮﻣﻴﻢ اﻟﻤﺘﻘﻨﺔ اﻟﺘﻲ أﻋﺎدت اﻟﺒﻴﺖ ﻟﺤﺎﻟﺘﻪ، إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺎﻗﺎم ﺑﻪ ﺟﺎﻳﺮ أﻧﺪرﺳﻮن ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ ﺑﺠﻤﻊ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﺑﻼد ﻋﺪة ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﺮف ﺳﻤﻴﺖ ﻋﻠﻰ اﺳﻢ ﺑﻠﺪاﻧﻬﺎ ،ﻛﻞ ذﻟﻚ ﺟﻌﻞ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ﻣﺘﺤﻔًﺎ ﻓﻨﻴٍّﺎ ﻣﺰج ﺑﻴﻦ ﺣﻀﺎرات ﻋﺪة ﻓﺘﺮى ﺣﻀﺎرة اﻟﻐﺮب اﻷوروﺑﻰ ،ﺟﻨ ًﺒﺎ إﻟﻰ ﺟﻨﺐ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﺸﺮق آﺳﻴﻮﻳﺔ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺣﻀﺎرة وﻓﻨﻮن اﻟﺸﺮق اﻟﻌﺮﺑﻲ. ﻓﻬﺬا اﻟﻤﺘﺤﻒ ﺑﻌﻤﺎرﺗﻪ وﻣﺎ ﻳﺤﻮﻳﻪ ﻳﺤﻤﻞ ﺷﻬﺎدة ﺷﻜﺮ وﻋﺮﻓﺎن ﻟﻬﺬا اﻟﻔﻨﺎن اﻟﻤﺴﺘﺸﺮق اﻟﺬى أﻋﺎد ﻟﻨﺎ ﻣﺠﺪ أﺟﺪادﻧﺎ وﺟﻌﻞ ﻟﻨﺎ ﻧﺎﻓﺬة ﻧﻄﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻵﺧﺮ .ﻟﺬا ﻓﻘﺪ ﻟﺒﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻃﻠﺐ ﺟﺎﻳﺮ أﻧﺪرﺳﻮن اﻟﺬي ﻃﻠﺐ أن ﻳﺘﺤﻮل ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻪ إﻟﻰ ﻣﺘﺤﻒ ﻳﻄﻠﻖ اﺳﻤﻪ ﻋﻠﻴﻪ ،ووﻓﺎء ﻟﻬﺬه اﻷﻣﻨﻴﺔ ﺳﻤﻲ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺑﻴﺖ اﻟﻜﺮﻳﺘﻠﻴﺔ ﺑـ )ﻣﺘﺤﻒ ﺟﺎﻳﺮ أﻧﺪرﺳﻮن( وﻫﻮ اﻵن ﻣﺰار ﺳﻴﺎﺣﻲ ﻣﻔﺘﻮح ﻟﻜﻞ ﻣﺤﺒﻲ واﻟﺴﻴﺎح ،وزﻳﺎرة واﺣﺪة ﻣﻨﻚ ﻟﻬﺬا اﻟﻤﻜﺎن ﻛﻔﻴﻠﺔ اﻵﺛﺎر واﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﱡ أن ﺗﺠﻌﻞ روﺣﻚ ﺗﻄﻮق ﺷﻮﻗًﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻟﻬﺬه اﻷﺳﻄﻮرة اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠﱢ ُﺪ ﻋﺼ ًﺮا زاﻫﻴًﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﻤﺠﻴﺪ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
99
اﺳﺘﻄﻼع
~ ŀĺ~ ĮĬ óĚĵĭüĬ ĵĈ ăįz Ķİöģ ~ óĭĂĒĩ~ ïüĹöĩ~ ĮĬ óĚĵĭüĬ óĹĤĹĈĵĭĩ ~ uïĒĸz óġĪöĂĬ Łòĩ ąĔ ýĬŁĬ Ĩĭÿõ ķöĩ óĹĈz ĨĹøïĭõ IJõąĈļ IJĩ ĵĎ ăûĵõ ïĭĦ ĮĬ uIJİñŀ IJöû Ćĩ IJĩ čüĩ~ ĮĬ ēĤĠ ïĠ ïĴċ ăüį ğÿöĭĩ~ ïĹİöĤĬ Įĭđ ïĴĭĈ óĹİĠ ïþĵĩ uIJĉġį ĵĈ ăįļ ~ ðİċ ĵñz IJĹĪĚ ĢĪĕĸ ĆĸĆěĩ~ ăòĚ ïİġĩ ğÿöĩ~ ęĹĭû īĹĬąõ ïĚz Ąĩ~ ïİġĩ~ ĵij óĹĪĎļ~ ïĴöĩïþ Ķĩ| ïĴĹĪĚ ĵûĵĭĩ~ ïāĆĩïñ ~ôĹòĩïñ ïĤñïĈ ïĴĹĪĚ ôįïĦ ķöĩ
واﺳﻢ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺬي ﺑﻨﺎه ،وﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻐﺮﻓﺔ ﺷﺒﺎﻛﺎن ﻛﺒﻴﺮان ﻳﻄﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﺧﻞ اﻟﺒﻴﺖ اﻷﻗﺪم ،واﻟﺜﺎﻧﻲ ﻳﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﺒﻴﺖ ،وﺗﺘﺪﻟﻰ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻛﺆوس ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس ﻣﺮﺑﻮﻃﺔ ﺑﺴﻼﺳﻞ ﻟﺴﻘﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺑﺨﺎرج اﻟﻐﺮﻓﺔ ،أﻣﺎ ﺳﻘﻒ ﻫﺬه اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻓﻬﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻋﺮوق ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ زﺧﺎرف وﻛﺘﺎﺑﺎت ﻣﻠﻮﻧﺔ ﻏﺎﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﻤﺎل. وﻳﻌﻠﻮ اﻟﺴﺒﻴﻞ ﻛُﺘّﺎب ﻟﺘﺤﻔﻴﻆ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻟﻸﻃﻔﺎل ،وأﺻﺒﺤﺖ ﻫﺬه اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻜﺘﺒًﺎ ﻟﺠﺎﻳﺮ أﻧﺪرﺳﻮن ،ﺿﻤﺖ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻲ ﻋﻦ ﻣﺼﺮ وﻋﻦ ﻧﻴﻠﻬﺎ اﻟﻌﻈﻴﻢ ،وﻳﺘﻮﺳﻂ اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻣﻜﺘ ًﺒﺎ ﺧﺸﺒ ٍّﻴﺎ ﻟﺠﺎﻳﺮ .وﺗﺘﻮزع اﻟﻘﺎﻋﺎت ﺑﺎﻟﺒﻴﺖ ﺑﺎﻟﺘﺴﻠﺴﻞ ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺪور اﻷول ،اﻟﺬي ﻧﺸﺎﻫﺪ ﻓﻴﻪ اﻟﻘﺎﻋﺔ اﻟﺸﺘﻮﻳﺔ واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺨﺼﺼﺔ ﻟﻠﺮﺟﺎل ،وﺑﻬﺎ ﻃﺎوﻟﺘﺎن ﻟﻠﻄﻌﺎم ،وﺷﻤﺎﻋﺔ ﻟﻠﺒﺎﻳﺐ ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ اﻟﻤﻄ ﱠﻌﻢ ﺑﺎﻟﻌﺎج ،وﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻄﺎﺑﻖ ﻧﺸﺎﻫﺪ اﻟﻘﺎﻋﺔ اﻟﺼﻴﻔﻴﺔ )ﻏﺮﻓﺔ اﻟﻤﻘﻌﺪ( واﻟﺘﻲ ﺗﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﻦ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻤﻜﺸﻮف )اﻟﻔﻨﺎء( ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻋﻘﺪﻳﻦ ﻣﻔﺘﻮﺣﻴﻦ ،وﺗﺘﻮﺳﻂ اﻟﺼﺤﻦ ﻓﺴﻘﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎم. إﻧﻤﺎ اﻟﺪور اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﺘﻮﺟﺪ ﻓﻴﻪ ﻏﺮﻓﺔ اﻟﺤﺮﻳﻢ )ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺤﺮاﻣﻠﻚ( وﺑﻬﺎ دواﻟﻴﺐ وﻣﺸﺮﺑﻴﺎت وﻛﺮ ٍاس ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ وﺷﻜﻤﺎﺟﻴﺎت وﺻﻨﺎدﻳﻖ ﻟﺤﻔﻆ اﻷﻣﺘﻌﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء، ﻛﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﻣﺒﺨﺮة ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻐﺮﻓﺔ ،ﺛﻢ ﻧﺼﻌﺪ إﻟﻰ اﻟﺪور اﻟﺜﺎﻟﺚ ،واﻟﺬي ﻳﺤﺘﻮى ﻋﻠﻰ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻐﺮف اﻟﺘﻲ اﺗﺼﻔﺖ ﺑﺎﺳﻢ ﺑﻠﺪاﻧﻬﺎ؛ ﻛﺎﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻏﺮﻓﺔ ﻧﻮم ﺟﺎﻳﺮ أﻧﺪرﺳﻮن ذات اﻟﻄﺮاز اﻟﻔﺎرﺳﻲ ،ﺛﻢ اﻟﻘﺎﻋﺔ اﻟﻬﻨﺪﻳﺔ واﻟﻘﺎﻋﺔ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ واﻟﻘﺎﻋﺔ اﻟﺘﺮﻛﻴﺔ وﻗﺎﻋﺔ اﻟﻤﻠﻜﺔ آن ﻣﻠﻜﺔ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن 18م .وﻣﺮو ًرا ﺑﺎﻟﻤﻤﺮ اﻟﺬي ﻳﺮﺑﻂ ﺑﻴﻦ اﻟﺒﻴﺘﻴﻦ ،ﻧﺪﺧﻞ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻓﻨﺸﺎﻫﺪ ﻏﺮﻓﺔ ﺑﻬﺎ ﻣﺘﺤﻒ اﻟﺒﻴﺖ ،ﻗﺪ ﺟﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ أﻧﺪرﺳﻮن اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﻒ اﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﻣﻨﻬﺎ ﺻﻨﺪوق 98
ﻣﺘﺤﻒ ﺟﺎﻳﺮ أﻧﺪرﺳﻮن ﻧﺴﺞ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﺎﻟﺨﻴﺎل
ﻟﻤﻮﻣﻴﺎء ﻣﺼﺮﻳﺔ ،وﺗﻤﺜﺎل ﻟﻶﻟﻪ ﺑِﺲ ،وﻛﺬﻟﻚ ﺗﻤﺜﺎل ﻟﺮأس اﻟﻤﻠﻜﺔ ﻧﻔﺮﺗﺎري وﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﻃﺒﺎق اﻟﺨﺰﻓﻴﺔ اﻟﻤﻠﻮﻧﺔ وﺑﻌﺾ ﻃﺎﺳﺎت اﻟﺨﻀﺔ .وﻧﺮى أﻳﻀً ﺎ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ واﻟﺘﻲ ﺑﻬﺎ ﺻﻮرة ﻛﺒﻴﺮة ﻟﻠﺴﻴﺪة ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء ،ودواﻟﻴﺐ ﻟﺤﻔﻆ اﻟﻜﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻰ اﻟﺤﻮاﺋﻂ .وﻣﻦ ﺿﻤﻦ اﻟﻘﺎﻋﺎت أﻳﻀً ﺎ اﻟﻘﺎﻋﺔ اﻟﺪﻣﺸﻘﻴﺔ واﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﻠﻰ ﺟﺪراﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ واﻟﺴﻘﻒ ﺑﺰﺧﺎرف دﻣﺸﻘﻴﺔ ﻣﻠﻮﻧﺔ .أﻣﺎ ﻏﺮﻓﺔ اﻟﺤﺮﻳﻢ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ آﻣﻨﺔ ﺑﻨﺖ ﺳﺎﻟﻢ ﻓﻬﻲ ﺗﺸﺒﻪ ﻏﺮﻓﺔ اﻟﺤﺮاﻣﻠﻚ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﺗﺰﻳﺪ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ وﺟﻮد ﺷﺒﺎك ﻳﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﻦ ﺟﺎﻣﻊ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﻣﺒﺎﺷﺮة، وﻣﺸﺮﺑﻴﺎت ﺗﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﻋﺔ اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺮﺟﺎل .وﻫﻲ ﻗﺎﻋﺔ واﺳﻌﺔ ﺗﺘﻮﺳﻄﻬﺎ ﻓﺴﻘﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎم ،ﺗﻀﻢ دواﻟﻴﺐ ﻟﻌﺮض أﻧﻮاع ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻷﺳﻠﺤﺔ اﻟﻨﺎرﻳﺔ .وﻧﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻗﺎﻋﺔ اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت إﻟﻰ ﺻﺤﻦ اﻟﺒﻴﺖ وﻫﻮ ﻳﺸﺒﻪ ﺻﺤﻦ اﻟﺒﻴﺖ اﻵﺧﺮ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺘﻔﺮع ﻣﻨﻪ ﻏﺮﻓﺔ ﻟﻮﻻدة اﻟﺴﻴﺪات ،وأﺧﺮى ﻟﺘﺰﻳﻴﻦ اﻟﻌﺮاﺋﺲ ﻳﻮم زواﺟﻬﻦ ،وﻏﺮﻓﺔ أﺧﺮى ﻛﺒﻴﺮة ﺳﻘﻔﻬﺎ أﻧﺼﺎف ﻗﺒﺎب ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺤﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻛﺈﺳﻄﺒﻞ ﻟﻠﺤﻴﻮاﻧﺎت ،وﺗﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺼﺤﻦ إﻟﻰ ﻣﺪﺧﻞ ﻣﻨﻜﺴﺮ ﻟﺘﺠﺪ ﻧﻔﺴﻚ أﻣﺎم ﻣﺪﺧﻞ اﻟﺒﻴﺖ اﻷول اﻟﺬي دﺧﻠﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ وﻋﺒﺮت ﻣﻦ داﺧﻠﻪ ﻟﻠﺒﻴﺖ اﻟﺜﺎﻧﻰ ﺛﻢ ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻨﻪ. ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت ﻣﺘﺤﻒ ﺟﺎﻳﺮ أﻧﺪرﺳﻮن
اﻗﺘﻨﻰ أﻧﺪرﺳﻮن ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻵﻻت اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ وﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻴﺠﺎن اﻟﻀﺨﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻼﻣﺢ وﻃﺮز ﻟﺒﻼد ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ أﻳﻀً ﺎ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﺻﻮر ﻟﻪ وﻷﺳﺮﺗﻪ وﺗﻤﺎﺛﻴﻞ رأﺳﻴﺔ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ اﻟﺠﺺ ﻟﻪ وﻟﺰوﺟﺘﻪ وﻻﺑﻨﻪ ،وﻣﻦ ﺿﻤﻦ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت اﻟﻤﺘﺤﻒ ﻧﺠﺪ ﺷﻬﺎدة وﻓﺎة ﻷﻧﺪرﺳﻮن ﻧﻔﺴﻪ ،وﻟﻮﺣﺎت ﻓﻨﻴﺔ رﺳﻤﻬﺎ اﻟﻔﻨﺎن )ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ(ـ ـ وﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ )أﺑﻮ ﺷﻨﺐ(ــ وﻫﻮ اﻟﻔﻨﺎن اﻟﺬي أﻋﺎد ﺗﺮﻣﻴﻢ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺘﺤﻒ ﺑﺎﻟﺰﺧﺎرف اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻋﻠﻴﻬﺎ إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺘﻬﺎ اﻷﺻﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﺎﺑﻘًﺎ ﺑﺎﻟﺒﻴﺖ.
اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻴﻤﺎن
اﻟﻔﻨﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ
وﻳﻠﺤﻖ ﺑﺎﻟﺒﻴﺖ ﺿﺮﻳﺢ اﻟﺸﻴﺦ ﻫﺎرون اﻟﻜﺮﻳﺘﻠﻲ وﻳﻌﻠﻮه ﻗﺒﺔ ،وﻣﺪاﺧﻞ اﻟﺒﻴﺘﻴﻦ ﻣﺘﻘﺎﺑﻠﺔ ،ﻓﻬﻲ ﻋﺎﻟﻴﺔ وﺷﺎﻣﺨﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ زﺧﺎرف ﻫﻨﺪﺳﻴﺔ وﻧﺒﺎﺗﻴﺔ ﻏﺎﺋﺮة وﺑﺎرزة ،ﻧﺠﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻤﻴﻦ اﻟﺒﻴﺖ اﻷﺣﺪث ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﺴﺎر ﺑﻴﺖ آﻣﻨﺔ ﺑﻨﺖ ﺳﺎﻟﻢ اﻷﻗﺪم ﺑﻘﺮن. ﺿﺮﻳﺢ اﻟﺸﻴﺦ ﻫﺎرون اﻟﻜﺮﻳﺘﻠﻲ :وﻳﺘﻘﺪم اﻟﺒﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﻳﻤﻴﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ﻟﻠﻤﺘﺤﻒ ﻗﺒﺔ ﺿﺮﻳﺢ ﻫﺎرون اﻟﺤﺴﻴﻨﻰ ،وﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ أوﻟﻴﺎء اﻟﻠﻪ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ،وﻳﺘﺒﺎرك ﺑﻪ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﺼﺮ ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺷﻴﺦ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﻦ ﻳﺪﻋﻰ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻴﻤﺎن اﻟﻜﺮﻳﺘﻠﻲ ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﺧﺪﻣﺔ
ﻫﺬا اﻟﻀﺮﻳﺢ ،وﻫﻮ ﻣﻦ روى ﻟﺠﺎﻳﺮ أﻧﺪرﺳﻮن أﺳﺎﻃﻴﺮ وﺣﻜﺎﻳﺎت ﺑﻴﺖ اﻟﻜﻠﺮﻳﺘﻠﻴﺔ .اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ :وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺪﺧﻞ ﻳﻤﻴ ًﻨﺎ ﻧﺠﺪ ﻣﺪﺧﻞ اﻟﺒﻴﺖ اﻷﺣﺪث ﻋﺎﻟﻴﺎً وﻣﻨﻜﺴ ًﺮا ،وﻣﻨﻪ إﻟﻰ اﻟﻴﺴﺎر ﺗﻮﺟﺪ ﻃﺮﻗﺔ ﻣﻌﻘﻮدة ﺗﺆدي إﻟﻰ ﻓﻨﺎء ﻣﻜﺸﻮف )اﻟﺼﺤﻦ( أرﺿﻴﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎم وﺣﻮاﺋﻄﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺣﻤﺮ واﻷﺑﻴﺾ ،وﻳﺘﻮﺳﻂ اﻟﻔﻨﺎء ﻓﺴﻘﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎم ،وﻋﻠﻰ اﻟﺸﻤﺎل ﻳﻮﺟﺪ ﺳﻠﻢ ﻟﻪ ﺗﺮاﺑﺰﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ اﻟﻤﺰﺧﺮف ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ اﻟﻤﺸﺮاﺑﻴﺎت، ﻳﺆدي ﻫﺬا اﻟﺴﻠﻢ إﻟﻰ اﻷدوار اﻟﻌﻠﻴﺎ ﺑﺎﻟﺒﻴﺖ ،أﻣﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﻴﻤﻴﻦ ﻓﺘﻮﺟﺪ ﻏﺮﻓﺔ اﻟﻤﻨﺴﻮﺟﺎت ،وﺑﻬﺎ ﻗﻄﻊ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺴﻮﺟﺎت اﻟﺘﻲ ﺟﻤﻌﺖ ﻣﻦ ﻋﺼﻮر وﺑﻼد ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺑﺠﻮارﻫﺎ ﻳﻮﺟﺪ ﻏﺮﻓﺔ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺤﻦ إﺳﻄﺒﻼ ﻟﻠﺨﻴﻞ ﺳﻘﻔﻬﺎ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ أﻧﺼﺎف ﻋﻘﻮد. ً ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻏﺮﻓﺔ اﻟﺴﺒﻴﻞ :وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺳﻤﺎت اﻟﻌﻤﺎرة ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻲ اﻟﺠﺮﻛﺴﻲ وﺟﻮد ﺳﺒﻴﻞ وﻛُﺘّﺎب داﺧﻞ اﻟﻤﺒﺎﻧﻰ ،ﺗﺄﺧﺬ ﺷﻜﻞ اﻟﻤﺒﻨﻰ اﻟﻤﻠﺤﻖ ﺑﻪ .وﻏﺮﻓﺔ اﻟﺴﺒﻴﻞ ﻓﻲ اﻟﺪور اﻷرﺿﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺖ ،ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻏﺮﻓﺔ ﻣﺴﺘﻄﻴﻠﺔ ﺗﺘﻮﺳﻄﻬﺎ ﺑﺌﺮ ﻋﻤﻘﻬﺎ 9أﻣﺘﺎر ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻐﺮﻓﺔ وﻛﺎن ﻟﻬﺬا اﻟﺒﺌﺮ أﺳﻄﻮرة ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺿﻤﻦ أﺳﺎﻃﻴﺮ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺮﻳﻂ اﻟﻤﺰﺧﺮف ﺣﻮل اﻟﺴﻘﻒ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ آﻳﺎت ﻗﺮآﻧﻴﺔ، ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
97
اﺳﺘﻄﻼع
| ~ uïĴĦąõ īø ïĉįľ~ ïĴěİĎ ķöĩ~ ïøĺ Ś ïij ăñ ôěİĎ uĀĸ ïöĩ~ ïĴĪüĈ Ś ~ ~ ïĒÿĩ xïĭĈz Āĸ ïöĩ~ ăĪā ÷Ĺþ v ïĒÿĩ ôįïĦ ķöĩ~uóĚĵİöĭĩ~ ïij ïøèñ óĤĹöĚ óġĪöĂĬ ~ ćĹĩ ĮĭĠuïįąđïÿĩ óĹĤĹĤÿĩ~ ~ĵİĩ ąđïþ IJĩ ćĹĩ ïĬ IJĩ
وإﻋﺎدﺗﻪ ﻟﺴﺎﺑﻖ ﻋﻬﺪه ،وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻗﺪ ﻛﺎن ،ﺑﻞ إﻧﻪ زاد ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻓﺠﻤﻊ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ أروع اﻟﺘﺤﻒ واﻟﻤﻘﺘﻨﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺟﻠﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺸﺮﻗﻲ ﻟﻬﺬا اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻤﺼﻤﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮاز اﻹﺳﻼﻣﻲ ،وﻃﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ أن ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ﻣﺘﺤﻔًﺎ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﺳﻤﻪ ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻪ أو ﻣﻐﺎدرﺗﻪ ﻣﺼﺮ ﻧﻬﺎﺋ ٍّﻴﺎ، ﻧﻈﻴﺮ ﻣﺎ ﺻﻨﻌﻪ ﻓﻲ ﺟﻌﻞ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ﻣﺘﺤﻔًﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔًﺎ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻪ. ﻣﻮﻗﻊ ﺑﻴﺖ اﻟﻜﺮﻳﺘﻠﻴﺔ وﺗﺎرﻳﺨﻪ
وﻗﺪ ﺟﻤﻊ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ﻣﻘﻨﻴﺎت ﻏﺎﻳﺔ ﻓﻲ اﻷﻫﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻗﻀﻰ 8ﺳﻨﻮات ﻣﻦ أﺟﻤﻞ أﻳﺎم ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ واﻟﺴﺒﺐ وراء اﻧﺠﺬاب أﻧﺪرﺳﻮن ﻟﻬﺬا اﻟﺒﻴﺖ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻛﺤﻜﺎﻳﺎت أﻟﻒ ﻟﻴﻠﺔ وﻟﻴﻠﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﺘﻔﻘﺪ أﺛﻨﺎء ﻋﻤﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﻴﺶ ﺟﺎﻣﻊ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﻓﺮأى اﻣﺮاة ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺗﻄﻞ ﻣﻦ ﻣﺸﺮﺑﻴﺔ ﺑﻴﺖ ﻣﺠﺎور ﺗﺒﺎدﻟﻪ اﻟﻨﻈﺮات، وﻣﻦ ﺛﻢ أﺷﺎرت إﻟﻴﻪ أن ﻳﺪﺧﻞ اﻟﺒﻴﺖ ،وﻛﺎن ﻣﻌﻪ ﺗﺮﺟﻤﺎن ﻳﺘﺮﺟﻢ ﻟﻪ وأﺧﺒﺮه أﻧﻬﺎ ﺗﺪﻋﻮك أن ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺒﻴﺖ وﻟﻜﻨﻪ ﻧﺼﺤﻪ ّأﻻﻳﺪﺧﻞ ،وﻟﻜﻦ ﺷﻐﻒ ﻧﻔﺴﻪ دﻋﺎه ﻟﺪﺧﻮل اﻟﺒﻴﺖ وﻟﻢ ﻳﻌﺮف ﺣﻴﻨﺬاك اﺳﻢ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺬي دﺧﻞ ﺻﺤﻨﻪ اﻟﻤﻜﺸﻮف ووﺟﺪ ﺑﻪ أﻃﻔﺎﻻً ﻳﻠﻌﺒﻮن وﻗﻄﻄًﺎ ﺗﺠﺮي وﻣﻬﻤﻼت ﻋﻠﻰ اﻷرض ،وﺗﻤﻨﻰ ﻟﺤﻈﺘﻬﺎ ﻟﻮ ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ أن ﻳﺴﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ،وﻋﺎد ﺑﻌﺪ 29ﻋﺎ ًﻣﺎ ﻓﻲ ﻋﺎم 1935ﻟﻴﻤﺘﻠﻚ اﻟﺒﻴﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﺑﺪون إﻳﺠﺎر ،ﻧﻈﻴﺮ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻪ ﻓﻲ ﺗﺮﻣﻴﻢ اﻟﺒﻴﺖ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ
96
ﻣﺘﺤﻒ ﺟﺎﻳﺮ أﻧﺪرﺳﻮن ﻧﺴﺞ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﺎﻟﺨﻴﺎل
ﻳﻮﺟﺪاﻟﺒﻴﺖ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ﺑﺠﻮار ﺟﺎﻣﻊ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﺑﺤﻲ اﻟﺴﻴﺪة زﻳﻨﺐ، واﻟﺒﻴﺖ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻣﺒﻨﻴﻴﻦ ﺗﺮﺑﻂ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ )ﻗﻨﻄﺮة( ﺗﻮﺻﻞ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ،وﻣﻤﺮ ﻳﻔﺘﺢ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺑﺎب ﻛﺒﻴﺮ ﻳﺼﻌﺪ إﻟﻴﻪ ﺑﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﺴﻼﻟﻢ، وﻫﻮ ﻳﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻣﻊ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن. اﻟﺒﻴﺖ اﻷول :وﻗﺪ ﺑﻨﺎه أﺣﺪ أﻋﻴﺎن اﻟﻘﺎﻫﺮة ،وﻛﺎن ﺗﺎﺟ ًﺮا ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻳﺪﻋﻰ اﻟﺤﺎج ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر اﻟﺤﺪاد ﻓﻲ ﺳﻨﺔ947ﻫـ ــ1450م وﻗﺪ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﺳﻢ آﻣﻨﺔ ﺑﻨﺖ ﺳﺎﻟﻢ وذﻟﻚ ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ آﺧﺮ ﻣﻦ اﻣﺘﻠﻜﺘﻪ ،واﻟﺘﻲ ﻳﻈﻦ أﻧﻬﺎ ﻣﻦ أﺳﺮة ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﻨﺰل اﻷول. اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺜﺎﻧﻲ :ﺑﻨﺎه اﻟﺤﺎج ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﺎﻟﻢ اﻟﺠﺰارﺳﻨﺔ 1041ﻫـ ــ 1631م،وﻳﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﻳﻤﻴﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ﻣﻦ اﻟﺒﺎب اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻟﻠﻤﺘﺤﻒ. ﻋﻤﺎرة اﻟﺒﻴﺖ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج :واﻟﺒﻴﺖ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ﻟﻪ واﺟﻬﺘﺎن :واﺟﻬﺔ ﺗﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻣﻊ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ،وواﺟﻬﺘﻪ اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ أﻣﺎم ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﺒﻴﺖ،
وﻳﻌﺪ ﺑﻴﺖ اﻟﻜﺮﻳﺘﻠﻴﺔ )ﻣﺘﺤﻒ ﺟﺎﻳﺮ أﻧﺪرﺳﻮن( ﻧﻤﻮذ ًﺟﺎ ﻓﺮﻳ ًﺪا ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺎرة واﻟﻔﻨﻮن اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،وﺳﻤﻲ ﺑﺎﻟﻜﺮﻳﺘﻠﻴﺔ ﻧﺴﺒ ًﺔ ﻟﺴﻴﺪة ﺗﺪﻋﻰ زﻳﻨﺐ ﺑﻨﺖ ﻛﺮﻳِﺖ ﻣﻦ ﺟﺰﻳﺮة ﻛﺮﻳِﺖ ،ﺳﻜﻨﺖ ﺳﺎﺑﻘﺎً اﻟﺒﻴﺖ وﻛﺎﻧﺖ ﺳﻴﺪة ﻏﻨﻴﺔ وﻣﻦ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻣﺸﻬﻮرة ،وﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ اﻷﺛﺮي ﺷﺎﻫﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺼﺮﻳﻦ :اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻲ اﻟﺠﺮﻛﺴﻲ وﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ. ﺟﺎﻳﺮ أﻧﺪرﺳﻮن وﺣﻜﺎﻳﺘﻪ ﻣﻊ اﻟﺒﻴﺖ
ﺑﻴﺖ اﻟﻜﺮﻳﺘﻠﻴﺔ ﺑﻴﺖ ﻟﻪ ﺣﻜﺎﻳﺎت وأﺳﺎﻃﻴﺮ ﺳﺎﺣﺮة ﺗﻌﻜﺲ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻘﺒﺔ ،وﻗﺪ ﺳﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺳﺮ ،وﻣﺮت ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻨﻮات رﺧﺎء واﻧﺘﻌﺎش اﻗﺘﺼﺎدي إﻟﻰ أن ﺗﺪﻫﻮرت اﻷﻣﻮر اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ واﻧﺘﺸﺮ ﻓﻴﻪ اﻟﻔﻘﺮ واﻟﺠﻮع واﻟﻤﺮض واﻟﻔﻮﺿﻰ ،وﻛﺎن آﺧﺮ ﻣﻦ ﺳﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ﻫﻮ اﻟﻀﺎﺑﻂ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي اﻟﻤﺴﺘﺸﺮق ﺟﺎﻳﺮ أﻧﺪرﺳﻮن ،واﻟﺬي ُوﻟﺪ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻋﺎم 1881م وﻛﺎن ﻃﺒﻴ ًﺒﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﻴﺶ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ،وﻗﺪ ﺧﺪم أﻳﻀً ﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﻤﺼﺮي ﻓﻲ وادي اﻟﺪﻟﺘﺎ وﺑﺪاﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻋﺎم 1906م ،وﻣﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻣﺬﻛﺮاﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﻬﺎ واﻟﻤﺤﻔﻮﻇﺔ ﺣﺘﻰ اﻵن ﻓﻲ ﻣﺘﺤﻒ ﻓﻴﻜﺘﻮرﻳﺎ واﻟﺒﺮت ﺑﻠﻨﺪن» :ﻣﺼﺮ أﺣﺐ أرض إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻲ ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ أﻓﺎرﻗﻬﺎ ﻷﻧﻲ ﻗﻀﻴﺖ ﺑﻬﺎ أﺳﻌﺪ أﻳﺎﻣﻲ ﻣﻨﺬ ﻣﻮﻟﺪي« وﻫﻮ ﻋﺎﺷﻖ ﻟﻶﺛﺎر اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،وﻛﺎن ﻓﻨﺎﻧًﺎ ﺷﻐﻮﻓًﺎ ﺑﺎﻵﺛﺎر اﻷﻣﺮ اﻟﺬي دﻓﻌﻪ ﻷن ﻳﺴﺘﻘﻴﻞ ﻣﻦ وﻇﻴﻔﺘﻪ ﻓﻲ ﻋﺎم 1924م.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
95
اﺳﺘﻄﻼع
ĵĈ ăįz ąĸïû ğÿöĬ ïĹĂĩïñ óĤĹĤÿĩ~ úĉį ﻧﺸﻮى ﻓﺮﻏﻠﻲ
إن اﻵﺛﺎر اﻟﺘﻲ ﺻﻨﻌﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﺛﻢ ﺗﺮﻛﻬﺎ ،وﺳ ﱠﺠﻠﻬﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ﺻﻨﻌﺖ ﺑﺪورﻫﺎ اﻟﺤﻀﺎرة؛ ﺣﻴﺚ ﺧﻠﱠﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ أﺳﻤﺎء ﻟﺤﻀﺎرات ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وﻋﺘﻴﻘﺔ ﺑﺂﺛﺎرﻫﺎ اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﻮاة اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﺤﺎﺿﺮﻧﺎ ،ﻓﻤﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ٍ ﻣﺎض ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﺎﺿﺮ. وﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻫﺬه اﻵﺛﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﺟﺰ ًءا ﻣﻬ ٍّﻤﺎ ﻣﻦ ﺣﻀﺎرﺗﻨﺎ؛ اﻟﻘﺼﻮر واﻟـﻤﻨﺎزل اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻟﻬﺎ أﻫﻤﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ وﺻﻒ ﻣﻌﻴﺸﺔ اﻹﻧﺴﺎن وﺧﺼﻮﺻﻴﺘﻪ وﻋﺎداﺗﻪ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪه ،وﻗﺪ ﺣﻈﻲ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎرة ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم ﻛﺒﻴﺮ ﻷﻧﻪ ﻳﻠﺒﻰ ﺣﺎﺟﺔ اﻹﻧﺴﺎن اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ
94
ﻣﺘﺤﻒ ﺟﺎﻳﺮ أﻧﺪرﺳﻮن ﻧﺴﺞ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﺎﻟﺨﻴﺎل
اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ واﻻﺳﺘﻘﺮار .وﻣﻨﺎزل اﻟﻔﺴﻄﺎط ﺑﻤﺼﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﺎ ﺳﻤﺎت ﺧﺎﺻﺔ؛ ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﺗﺨﻄﻴﻂ ﻣﺪﺧﻞ اﻟﺒﻴﺖ ﻣﻨﻜﺴ ًﺮا ﻟﻴﺘﻼءم ﻣﻊ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻟﻴﻘﻲ ﻣﻦ ﺑﺪاﺧﻞ اﻟﺒﻴﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﻢ ﻣﻦ أﻋﻴﻦ اﻟﻤﺘﻄﻔﻠﻴﻦ، وﻳﻌﻄﻲ ﻧﻮ ًﻋﺎ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ واﻻﻃﻤﺌﻨﺎن ﻟﻸﺳﺮة ،وﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﻨﺰل ﻣﻦ اﻟﻌﻮارض اﻟﺠﻮﻳﺔ ﻛﺎﻟﻐﺒﺎر واﻷﺗﺮﺑﺔ،ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻤﻴﺰ اﻟﻤﻨﺎزل ﺑﻮﺟﻮد اﻟﻔﻨﺎء أو اﻟﺼﺤﻦ وﺳﻂ اﻟﻤﻨﺰل وداﺋ ًﻤﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻮﺳﻄﻪ ﻓﺴﻘﻴﺔ؛ ﻟﺘﻠﻄﻴﻒ درﺟﺔ ﺣﺮارة اﻟﺠﻮ ،وﻳﺰﻳﺪ اﻟﻤﻨﻈﺮ ﺑﻬﺎء ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺰرع ﺣﻮل اﻟﻔﺴﻘﻴﺔ ﻣﻦ زﻫﻮر وأﺷﺠﺎر ﻏ ّﻨﺎء ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻤﻴﺰ اﻟﻤﻨﺎزل ﻛﺬﻟﻚ ﺑﻮﺟﻮد إﻳﻮان وﺣﺠﺮﺗﻴﻦ ،وﻋﺪة ﻃﻮاﺑﻖ ،ﻫﺬا ً ﻓﻀﻼ ﻋﻦ إﻣﺪاد اﻟﻤﻨﺎزل ﺑﻤﻴﺎه اﻟﺸﺮب وﻧﻈﺎم اﻟﺼﺮف اﻟﺼﺤﻲ.
رﻓﺎﻋﺔ اﻟﻄﻬﻄﺎوي
ﻣﻦ أن ﻳﻄﻠﻊ أﺑﻨﺎء اﻟﺸﻌﺐ ﻋﻠﻰ أﺳﺮار اﻟﻤﻨﺎﻓﻊ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮد ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،وﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺣﺴﻬﻢ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟﺬي رﺑﻤﺎ ﻳﺪﻓﻌﻬﻢ ﻓﻲ وﻗﺖ ﻣﺎ إﻟﻰ ﺧﺪﻣﺔ وﻃﻨﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺪﻳﺔ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻦ دون إﺟﺒﺎر، وﺣﻤﻠﻬﻢ ﻋﻠﻰ دﻓﻊ ﺣﺼﺔ ﻣﻦ أﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ،أو ﻳﺘﻨﺎزﻟﻮا ﻋﻦ ﺷﻲء ﻣﻦ أﻣﻼﻛﻬﻢ ﻟﻠﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ. وﺗﻌﺘﺒﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﻨﻮر اﻟﺬي أﺿﺎء ﻟﻸﻣﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ أﺳﺒﺎب اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻛﺎﺑﻮس اﻻﺣﺘﻼل ﻋﻠﻰ ﺷﺘﻰ أﻧﻮاﻋﻪ ،ﺳﻮاء ﻛﺎن اﺣﺘﻼﻻً ﺗﺮﻛﻴﺎً أو أوروﺑﻴﺎً .ﻓﻈﻞ اﻟﻘﺎدة اﻟﺬﻳﻦ ﺧﻠﻔﻮا رﻓﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﻣﻴﺪان اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻳﺮددون ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ اﻟﺨﺎﻟﺪة ﻋﻦ ﺣﺐ اﻟﻮﻃﻦ ،وﻳﻌﻤﻠﻮن ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺣﻴﺪ أﺑﻨﺎﺋﻪ وﺟﻤﻊ ﻛﻠﻤﺘﻬﻢ ،وأن ﻳﻜﻮن ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﻛﺄﻋﻀﺎء اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﻮاﺣﺪة. وﻟﻢ ﺗﻠﺒﺚ دﻋﻮات رﻓﺎﻋﺔ أن أﺧﺬت ﺗﻤﺘﺪ إﻟﻰ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻬﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻗﺮاءة ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻪ وﺗﺮﺟﻤﺎﺗﻪ. ﻓﺘﻘﺮﻳﻈﻪ ﻟﻠﺘﻌﺎون ﺑﻴﻦ أﻋﻀﺎء اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻮاﺣﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﻮاة اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ اﻟﺸﻌﻮب اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﺪرك ﻓﻀﻴﻠﺔ اﻟﺘﻌﺎون وﺗﺤﻮﻟﻪ إﻟﻰ وﺣﺪة، ﻓﺘﺮﺟﻤﺖ إﻟﻰ ﺗﺠﺎرب وﺣﺪوﻳﺔ ﻓﺸﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻛﺎﻟﻮﺣﺪة اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﺴﻮرﻳﺔ ،وﻧﺠﺤﺖ أﺧﺮى أﻳﻤﺎ ﻧﺠﺎح ،ﻛﺘﺠﺮﺑﺔ آل ﺳﻌﻮد ﻓﻲ ﺟﻤﻊ ﺷﺘﺎت ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﺼﺤﺮاء ﻓﻲ دوﻟﺔ واﺣﺪة ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ "زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن" وأﺑﻨﺎﺋﻪ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻹﻣﺎرات. وﻋﺒﺮ ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﺮوح اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﺑﺜﻬﺎ رﻓﺎﻋﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ وردت ﻣﻦ ﻛﺎﻓﺔ أﻧﺤﺎء ﺑﻼد اﻟﻌﺮب ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻪ ،ﺗﺤﻤﻞ ﺗﺄﺑﻴﻨﺎً ﻟﻪ وإﺷﺎدة ﺑﻤﺂﺛﺮة .وﻳﻤﻜﻦ إﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ أﺟﻤﻌﺖ ﻋﻠﻰ وﺻﻔﻪ ﻛﺄﺣﺪ أرﻛﺎن اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وإﻣﺎﻣﻬﺎ ،وأن أﻋﻤﺎﻟﻪ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺣﻤﻠﺖ ﻟﻮاء اﻟﻴﻘﻈﺔ ﻓﻲ أﻛﺜﺮ اﻟﻔﺘﺮات اﻟﺤﺮﺟﺔ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺮب اﻟﺤﺪﻳﺚ .وﻫﻜﺬا ،اﺳﺘﻌﺎن اﻟﻄﻬﻄﺎوي ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻷوروﺑﻲ ﺑﻤﺎ أﺑﺮزه ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث ،وﻣﺎ رأى ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﻳﺼﻠﺢ ﻷن ﻳﻜﻮن ﻣﺒﺮرا ً ﻟﻘﺒﻮﻟﻪ، ﻛﻨﻮع ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﺘﺤﺪي اﻟﺬي ﻓﺮﺿﻪ اﻟﻐﺮب ،ﺳﻮاء ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻔﻬﻢ واﻹدراك ،أو اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ واﻟﺘﺄوﻳﻞ .وﻟﻢ ﺗﻜﻦ رﺣﻠﺘﻪ رﺣﻠﺔ ﻛﺎﺗﺐ ﻣﺴﺘﻨﻴﺮ ،وﻻ رﺟﻞ دﻳﻦ ﻣﻨﻔﺘﺤﺎً ،ﺑﻞ رﺣﻠﺔ ﻟﺒﻨﺎء ﺟﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ اﻟﻌﺼﺮﻳﻴﻦ ،ﺣﻤﻠﻮا ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﻬﻢ ﻣﻬﻤﺔ ﺑﻨﺎء اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻌﺮﺑﻲ، وﺻﺮح ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺒﻮﻗﺔ ،ﻟﻢ ﻧﺸﻬﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﺜﻴﻼً ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺨﻨﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ. ﻓﻨﺘﺞ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺠﻬﺪ اﻟﻤﻀﻨﻲ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ ﻣﺜﻘﻔﻴﻦ ﻋﺼﺮﻳﻴﻦ ﻛﺎﻧﻮا اﻟﺒﺪاﻳﺔ
ﻗﺮاءات ﻣﻬﻤﺔ: إﺑﺮاﻫﻴﻢ أﺣﻤﺪ اﻟﻌﺪوي :ﻗﺎدة اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ )اﻟﻘﺎﻫﺮة :اﻟﺪار اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻟﻠﻄﺒﺎﻋﺔ واﻟﻨﺸﺮ.(1964 ، ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺎل اﻟﺤﻤﺎﻣﺼﻲ :أﻗﻼم ﻓﻲ ﻣﻮاﻛﺐ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ،اﻟﻘﺎﻫﺮة :اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب.(1996 ، رﻓﻌﺖ اﻟﺴﻌﻴﺪ :ﻋﻤﺎﺋﻢ ﻟﻴﺒﺮاﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﺤﺮﻳﺔ )اﻟﻘﺎﻫﺮة: ﻛﺘﺎب اﻟﻴﻮم ،ﻋﺪد ،454دار أﺧﺒﺎر اﻟﻴﻮم.(2002 ، ﺟﺎﺑﺮ ﻋﺼﻔﻮر :أﻧﻮار اﻟﻌﻘﻞ )اﻟﻘﺎﻫﺮة :اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب، .(1996 زﻛﺮﻳﺎ ﺻﺎدق اﻟﺮﻓﺎﻋﻲ :ﻣﻦ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻋﻨﺪ رﻓﺎﻋﺔ اﻟﻄﻬﻄﺎوي، ﻓﻜﺮة اﻟﺪوﻟﺔ )اﻟﻘﺎﻫﺮة ،ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ ،اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب.(2018 ،
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
93
إﺿﺎءة
ïĕĴĕĩ~ óĚïĠ ąĸĵİöĩ~ ~ąöĩ~ óĬăā ķĠ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻤﺎ أﺣﺎط ﺑﻼدﻧﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻬﺮ ﻳﻐﺮﻗﻬﺎ ﻓﻲ أﻋﻤﺎق اﻟﺠﻬﻞ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ اﺣﺘﻔﻈﺖ ﺗﺤﺖ اﻟﺴﻄﺢ وأﻋﻤﺎق اﻟﻮﺟﺪان ﺑﺨﺼﺎﺋﺺ أﺻﺎﻟﺘﻬﺎ .وﻣﺎ أن ﺗﺘﺎح اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻓﻲ ﺗﺮﺑﺔ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﺒﺬور اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻔﺠﺮ أﺟﻤﻞ اﻟﻴﻨﺎﺑﻴﻊ ،وﺗﻌﻄﻲ أﺷﻬﻰ اﻟﺜﻤﺎر. ﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ ﻗﺮون ﻣﻦ اﻻﺣﺘﻼل اﻟﺘﺮﻛﻲ ﻓﺼﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻷﻣﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﻦ ﻗﺎﻓﻠﺔ اﻟﻤﺴﻴﺮة اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ،اﺳﺘﻄﺎع "رﻓﺎﻋﺔ راﻓﻊ اﻟﻄﻬﻄﺎوي" أن ﻳﻬﺰ رﻛﻮد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﻌﺪ أن أﺗﻴﺤﺖ ﻟﻪ رﺣﻠﺔ إﻟﻰ ﺑﺎرﻳﺲ ،ﻛﺈﻣﺎم ﻷول ﺑﻌﺜﺔ ﻣﺼﺮﻳﺔ أوﻓﺪﻫﺎ "ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ" ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎ ﻟﺪى اﻟﻐﻴﺮ ﺑﻌﺪ أن أﺣﺪﺛﺖ اﻟﻐﺰوة اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻫﺰة ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻟﻤﺎ ﺟﺎءت ﺑﻪ ﻣﻦ ﻏﺮاﺋﺐ .وﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺗﻐﺎدر اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ،ﺟﻠﺲ رﻓﺎﻋﺔ ﻟﻴﻜﺘﺐ ﻟﻲ اﻟﻐﻢ اﻷﺳﻄﺮ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ "ﺗﺨﻠﻴﺺ اﻹﺑﺮﻳﺰ" ..." :وﻗﺪ ﺣﺼﻞ ﱠ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﺑﻌﺪم ﺗﻴﺴﺮ زﻳﺎرﺗﻲ ﺳﻴﺪي إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺪﺳﻮﻗﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺮب ﻣﻦ دﺳﻮق" ،وردت ﻫﺬه اﻟﻌﺒﺎرة ﻓﻲ اﻟﺼﻔﺤﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻮدة ،ﻟﻜﻨﻬﺎ اﺧﺘﻔﺖ ﻋﻨﺪ اﻟﻄﺒﻊ ،ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺢ رﻓﺎﻋﺔ ﺷﺨﺼﺎً آﺧﺮ ،ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻘﻼً ﺣﺮا ً وﻓﻜﺮا ً ﻣﺨﺘﻠﻔﺎً. اﺳﺘﻄﺎع ﻫﺬا اﻟﺼﻌﻴﺪي اﻟﺬي رأى أﻧﻮار ﺑﺎرﻳﺲ ﻷول ﻣﺮة أن ﻳﺴﺘﺨﻠﺺ ﻣﻨﻬﺎ اﻷﺟﻤﻞ ،ﻟﻴﺨﺼﺐ ﺑﻪ ﺗﺮﺑﺔ ﻣﻴﺘﺔ ،ﻣﺤﺘﻤﻴﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﺬﻛﺮه ﻣﻦ ﻣﺠﺎﻟﺴﺘﻪ ﻟﺸﻴﺨﻪ "ﺣﺴﻦ اﻟﻌﻄﺎر" ،ﻣﻨﺒﻬﺮا ﺑﺄﻓﻜﺎره وأﻗﻮاﻟﻪ ..." :إن ﺑﻼدﻧﺎ ﻻﺑﺪ أن ﺗﺘﻐﻴﺮ أﺣﻮاﻟﻬﺎ ،وﻳﺘﺠﺪد ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎرف ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ" .وﺑﻌﺪ أن ﻧﻀﺠﺖ أﻓﻜﺎره ﺗﺤﻮل ﻣﻦ ﻧﺎﻗﻞ وﻣﺘﺮﺟﻢ إﻟﻰ ﻣﻔﻜﺮ ﻳﻀﻴﻒ ﻣﻦ ذات ﻧﻔﺴﻪ ،ﻳﺒﺪع ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻت ﺷﺘﻰ ،أﺣﺪث ﺑﻬﺎ اﻧﻌﻄﺎﻓﺔ ﻋﻈﻤﻰ ﻧﻘﻠﺖ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ أﻟﻮاح اﻟﻜﺘﺎﺗﻴﺐ إﻟﻰ ﻣﻌﺎﻣﻞ اﻷﺑﺤﺎث. أدرك رﻓﺎﻋﺔ ﻣﻨﺬ اﺷﺘﻐﺎﻟﻪ ﺑﺎﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﺿﺮورة إﺣﻴﺎء اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وآداﺑﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ ﺗﺘﺴﻊ ﻟﻠﻤﻌﺎرف اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ دﻓﻌﺖ ﺑﺄوروﺑﺎ إﻟﻰ اﻟﺮﻗﻲ واﻻزدﻫﺎر .ﻓﻜﺎن ﻳﻤﺠﺪ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻳﺮاﻫﺎ أﻋﻈﻢ اﻟﻠﻐﺎت وأﺑﻬﺠﻬﺎ ،ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻘﺪرﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ أدق اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻮﻋﺐ ﻣﻌﺎرف ﻛﻞ اﻷﻣﻢ .وﻧﺎدى ﺑﺄن اﻟﻔﺼﺤﻰ ﺳﻮف ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻤﺎﻟﻚ اﻟﻤﺘﻔﺮﻗﺔ واﻟﻤﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ .ﻓﻜﺎﻧﺖ دﻋﻮﺗﻪ ﻋﻨﺼﺮا ً ﻣﻬﻤﺎً ﻓﻲ اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ .وﻛﺎن ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺄن اﻟﺰﻣﻦ ﻛﻔﻴﻞ ﺑﺄن ﻳﻬﻲء ﻟﻠﻨﺎﻃﻘﻴﻦ ﺑﻬﺎ ﻣﻠﻜﺔ اﻟﺘﺤﺪث ﺑﺎﻟﻔﺼﺤﻰ ،واﻋﺘﺒﺮ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم اﻟﺬي ﺗﻌﻮد ﻓﻴﻪ وﺣﺪﺗﻬﺎ ﻫﻮ ﻓﺠﺮ ﻋﺼﺮ ذﻫﺒﻲ ﺟﺪﻳﺪ. رﺳﻢ اﻟﻄﻬﻄﺎوي اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﺒﻴﻨﺎً أﻧﻪ ﻻ ﻳﺼﺢ 92
رﻓﺎﻋﺔ اﻟﻄﻬﻄﺎوي ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺘﺮاث واﻟﺘﻨﻮﻳﺮ
د .واﺋﻞ اﻟﺪﺳﻮﻗﻲ* @ ﻛﺎﺗﺐ وﺑﺎﺣﺚ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ
اﻻﻗﺘﺼﺎر ﻋﻠﻰ دراﺳﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﺎﺋﺪة إذ ذاك ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ واﻟﻨﺤﻮ واﻟﻨﺜﺮ واﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﺨﻂ ،وﻟﻜﻦ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ دراﺳﺔ آداب اﻟﻠﻐﺔ ودواوﻳﻨﻬﺎ، وأﺷﻌﺎر اﻟﻌﺮب واﻷﻗﺪﻣﻴﻦ .وﺗﺄﺛﺮ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺮأي ﺑﻤﺎ ﺷﺎﻫﺪه ﻣﻦ ﺟﻬﻮد اﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻗﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ اﺧﺘﺼﻮا ﺑﺎﺳﺘﺨﺮاج ﺟﻮﻫﺮ ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب ﻣﻦ ﻣﻌﺎدﻧﻪ ،واﺳﺘﻨﺒﻄﻮا ﻓﻮاﺋﺪه ،واﺳﺘﻜﺸﻔﻮا ﻣﻨﻪ ﻣﺠﻬﻮل اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ واﻟﻌﻠﻮم واﻟﻔﻨﻮن واﻷﺧﻼق واﻵداب واﻷﻣﺜﺎل واﻟﺤﻜﻢ. وﻳﺒﺪو أن رﻓﺎﻋﺔ ﺗﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﺸﺮق "ﺳﻠﻔﺴﺘﺮ دي ﺳﺎﺳﻲ" اﻟﺬي وﺿﻊ ﻛﺘﺎﺑﺎً ﻓﻲ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻓﻮﺿﻊ ﺑﺪوره ﻟﻠﻤﺪارس اﻷوﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺨﺪﻳﻮ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ رﺳﺎﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺤﻮ ،ﺑﺄﺳﻠﻮب ﺟﺪﻳﺪ وﻣﺒﺴﻂ ،ﺳﻤﺎﻫﺎ "اﻟﺘﺤﻔﺔ اﻟﻤﻜﺘﺒﻴﺔ ﻟﺘﻘﺮﻳﺐ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ" ،وﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻗﻮاﻋﺪ ﺗﺠﻨﺐ ﻓﻲ ﺷﺮﺣﻬﺎ اﻟﺘﻄﻮﻳﻞ اﻟﺬي ﻻ داﻋﻲ ﻟﻪ .ﻛﺬﻟﻚ ﺗﺮﻛﺰت ﻣﺠﻬﻮداﺗﻪ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺟﻤﻬﺎ ،واﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ أﻟﻔﻬﺎ .ﻓﻘﺪ رأى أن اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻳﺠﺐ أن ﺗﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ ﺣﺮﻛﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﺗﺮﺟﻤﺔ اﻟﻌﻠﻮم وﻧﻘﻞ اﻟﻤﻌﺎرف ﻣﻦ ﻟﻐﺎت اﻷﻣﻢ اﻟﻨﺎﻫﻀﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ اﻟﻌﺮب ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﻨﻮا ﻧﻬﻀﺘﻬﻢ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﺮﺷﻴﺪ واﻟﻤﺄﻣﻮن ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﻠﻮم اﻟﻴﻮﻧﺎن واﻟﻔﺮس واﻟﻬﻨﻮد. ﻟﻘﺪ ﺧﻠﻘﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ اﻟﺘﻲ أﺣﺪﺛﻬﺎ رﻓﺎﻋﺔ وﻋﻴﺎً ﺳﻴﺎﺳﻴﺎً ﻛﺎن ﺟﺪﻳﺪا ً ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻼد اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ اﻟﻤﻈﻠﻢ .ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻨﺎﻫﺞ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻗﺒﻠﻪ ﺗﻬﻤﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻹدارة، وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻮاﺣﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠﻖ اﻟﻤﻮاﻃﻦ اﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺬي ﻳﻌﺮف واﺟﺒﺎﺗﻪ وﺣﻘﻮﻗﻪ ،وﻧﺎدى ﺑﺒﺪﻳﻬﻴﺔ أن ﻟﻺﻧﺴﺎن ﺣﻘﻮﻗﺎً وﻋﻠﻴﻪ واﺟﺒﺎت، وأن ﺗﺄدﻳﺘﻪ ﻟﻮاﺟﺒﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺟﻪ اﻷﻛﻤﻞ ﻳﻘﺘﻀﻴﺎن ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺤﻘﻮق وﻓﻬﻤﻬﺎ .وﻛﺎن ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺼﻴﺤﺔ أﺛﺮ ﻋﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﺗﻄﻮر اﻟﻌﺮب ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،إذ ﺟﻌﻠﺖ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻷول ﻣﺮة إﻧﺴﺎﻧﺎً ﻟﻪ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺗﺪرك ﻣﻘﻮﻣﺎﺗﻬﺎ ورﺳﺎﻟﺘﻬﺎ، وﻳﺴﻌﻰ إﻟﻰ ﻧﻴﻞ ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ اﻟﻼﺋﻘﺔ ﺑﻪ ﻓﻲ وﻃﻨﻪ .ورأى رﻓﺎﻋﺔ أﻧﻪ ﻻﺑﺪ
إﺿﺎءة
ąĉüĩ~ óñĆĚ ąĹĈ ﻳﺤﺘﻔﻲ ﺳﻌﺪ اﻟﺪﻳﻦ ﺣﺴﻦ ﻓﻲ "ﺳﻴﺮة ﻋﺰﺑﺔ اﻟﺠﺴﺮ" ﺑﺎﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي ﻳﻼزﻣﻪ ،ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻮ وﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎم .ﻓﺒﺎح ﻟﻪ اﻟﻤﻜﺎن ﺑﻤﻜﻨﻮﻧﻪ ،اﻟﺨﺎﻟﻲ ﻣﻦ اﻟﻐﻤﻮض ،وﻛﺎن ﻣﺜﻞ ﺷﻤﺲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻈﻬﻴﺮة ،ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺘﺤﺪﻳﻖ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻣﺜﻠﻬﺎ ﺟﺎءت ﻋﺰﺑﺔ اﻟﺠﺴﺮ )ﻋﺰﺑﺔ اﻟﺠﺴﺮ ﺻﺮﻳﺤﺔ ،وواﺿﺤﺔ ،وﻻ ﺗﺨﺠﻞ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ اﻟﻌﺎرﻳﺔ(. وﻗﺪ ﺑﺎﺣﺖ ﻋﺰﺑﺔ اﻟﺠﺴﺮ ﻟﺴﻌﺪ اﻟﺪﻳﻦ ﺣﺴﻦ ﺑﺤﻘﻴﻘﺘﻬﺎ اﻟﻌﺎرﻳﺔ، وﻛﺤﻜﺎء ﻣﺎﻫﺮ ،أﻧﺼﺖ ﻟﻬﺎ ﺟﻴﺪا ً ،وﻣﻸ ﻧﻮاﺻﻴﻬﺎ ،وأزﻗﺘﻬﺎ -اﻟﻤﺠﻬﻮﻟﺔ ﻟﻨﺎ- ﻣﻦ ﻃﻔﻮﻟﺘﻪ ،وﺷﺒﺎﺑﻪ ،واﻟﻌﺰﺑﺔ ﺗﻬﺪﻫﺪه ،وﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ اﻟﺤﻴﻮان ،واﻟﺤﺠﺮ، واﻟﺸﺠﺮ ،وإﻟﻰ اﻟﺠﺴﺮ -ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻤﻮﺣﻴﺔ ﺑﻤﻌﺎن ﻛﺜﻴﺮة -ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻌﻠﻤﻪ اﻷﺳﻤﺎء ،واﻷﻓﻌﺎل ،واﻟﺠﻤﺎل اﻟﻜﺎﻣﻦ ﻓﻴﻬﺎ ،اﻟﻤﺨﻔﻲ ﻋﻦ ﻋﻴﻮن اﻟﺒﺸﺮ إﻻ ﻫﻮ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻌﻪ إﻻ ﻗﻠﻤﻪ ،ﻳﺨﻂ ﺑﻪ ﻣﺎ ﻳﺨﺘﻠﺞ ﻓﻲ ﺻﺪره، ﻓﺄﺧﺮج ﻟﻨﺎ ﺳ ّﺮﻩ ،وﺳﺮﻫﺎ ،وﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ اﻟﻌﺎرﻳﺔ ﻣﻦ دون ﻣﻮارﺑﺔ. ﻫﻲ ﺳﻴﺮة روﺣﻴﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﺑﻴﻦ روح ﺳﻌﺪ اﻟﺪﻳﻦ ﺣﺴﻦ ،وروح ﻋﺰﺑﺔ اﻟﺠﺴﺮ .ﺳﻴﺮة ﺗﻮﺣﺪ وﻋﺸﻖ ،ﻓﻴﻬﺎ أﻟﻢ ،وﻓﺮح ،وﻏﻀﺐ ﻣﻠﻔﻮف ﺑﺎﻟﺮﺿﺎ ،واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ،رﻏﻢ أن ﺳﻌﺪ اﻟﺪﻳﻦ ﺣﺴﻦ ﻣﻀﻄﻬﺪ ،وﻣﻄﺎرد ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺠﻮاﻣﺪ اﻟﺘﻲ ﻻ روح ﻓﻴﻬﺎ ،ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻛﻌﺰﺑﺔ اﻟﺠﺴﺮ اﻟﺘﻲ ﻳﺮاﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎر )ﻻ ﻳﺤ ّﺪ روﺣﻬﺎ اﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ﺷﻲء( ،وﻳﺘﺤﺴﺴﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﻴﻞ )ﺗﺄﺧﺬ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺠﻮم ،ﻣﺤﺎﻃﺔ ﺑﺘﻴﺠﺎن ﻣﻦ اﻟﻨﺨﻴﻞ واﻷرواح ،وﻻ ﺗﻠﻢ ﺟﺴﺪﻫﺎ ﺣﻴﻦ ﺗﻄﻴﺮ( ،ﻫﻨﺎ اﻟﺘﻮﺣﺪ ﻓﻲ ﻋﺸﻖ اﻟﻤﻜﺎن ،اﻟﺬي ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ روح اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﻤﻌﺰول ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،إﻻ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﻤﻔﻌﻤﺔ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ وﻋﺰﺑﺔ اﻟﺠﺴﺮ ،اﻟﺬي ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻣﺮﻛﺰا ً ﻟﻠﻜﻮن اﻟﻮاﺳﻊ رﻏﻢ ﻋﺰﻟﺘﻬﺎ ،وﻋﺰﻟﺔ اﻟﻜﺎﺗﺐ )أﺻﻐﻲ ﻻﻣﺘﺪادك، وﺗﻀﺎرﻳﺴﻚ ،ﻧﻐﻤﺎت ﻧﺎي ﻣﺼﺮي ﻋﺠﻴﺒﺔ ،أﻧﺖ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﻮﺟﻮد إذن ﻳﺎ ﻋﺰﺑﺔ اﻟﺠﺴﺮ ،ﻣﻠﻔﻮﻓﺔ ﺑﺎﻟﺤﻨﻴﻦ ،ﺗﺮﻧﻮ ﻃﻮﻳﻼً ﺑﻌﻴﻦ ﻏﺰال إﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺨﺘﺒﺊ ﻫﻨﺎك ،وإﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻟﺴﺖ أدري؟(. ِ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ اﻟﺨﺎرﺟﻲ واﻟﺠﻐﺮاﻓﻲ ،وﻟﺞ وﻟﻢ إﻟﻰ اﻟﺪاﺧﻞ ،ووﺻﻒ ﻋﺰﻟﺘﻬﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻗﺒﺮ اﻷﺣﻴﺎء )ﻻ دﻛﺎﻛﻴﻦ ،إﻻ دﻛﺎن واﺣﺪ ،دﻛﺎن ﺑﻬﻴﺔ اﻟﺒﻨﺪاري، واﻟﺴﻼم( ،وﺑﻌﺪ اﻟﻮﺻﻒ اﻟﻤﺎدي واﻟﻤﺤﺴﻮس، أﻛﻤﻞ ﺳﻴﺮﺗﻪ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻮي ،ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻘﺴﻮة واﻟﺮﻫﺎﻓﺔ ﻣﻌﺎً ،ووﺻﻒ ﻋﺰﺑﺔ اﻟﺠﺴﺮ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻓﻮق اﻹدراك اﻟﺤﺴﻲ ،وﻣﻦ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ ﻻﺑﺪ أن ﻳﺤﺴﻬﺎ ،وﻣﻦ أﺣﺴﻬﺎ ،ﻳﻌﺸﻘﻬﺎ )ﻫﺎ ِ أﻧﺖ ﻏﻴﺮ
ﻣﻤﺪوح ﻋﺒﺪ اﻟﺴﺘﺎر* @ رواﺋﻲ وﻛﺎﺗﺐ ﻣﺼﺮي
ﺗﻬﺲ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺠﺮ ،ﻣﻐﻄﺎة ﺑﺎﻷﻧﻔﺎس، ﻣﺪرﻛﺔ ﺑﺎﻟﻠﻤﺲ ،ﻣﺜﻞ رﻳﺢ ّ واﻟﻠﻬﺎث ،واﻟﻌﻴﻮن( .ﺟﻌﻞ ﺳﻌﺪ اﻟﺪﻳﻦ ﺣﺴﻦ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎور -اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﺾ أﺻﻼً -ﺣﻴﻠﺔ ﻓﻨﻴﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺤﻘﻖ ﻓﻲ أدب اﻟﺴﻴﺮة ،وﺟﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﻐﻴﺎب ﺣﻀﻮرا ً ،وﻣﻦ اﻟﺤﻀﻮر ﻏﻴﺎﺑﺎً ،وﻣﻦ اﻟﻤﻮت ﺣﻴﺎة ،وﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻮﺗﺎً، وﻣﻦ اﻟﻘﺒﺢ ﺟﻤﺎﻻً ،وﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل ﻗﺒﺤﺎً ،وﻟﻢ ﻳﺘﺮك ﻟﻨﺎ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻟﻼﺧﺘﻴﺎر، ﺟﻌﻠﻨﺎ ﻧﺘﻌﺎﻃﻒ ﻣﻊ ﻋﺰﺑﺔ اﻟﺠﺴﺮ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻫﻲ وﺣﺪة واﺣﺪة، ﻻ ﻓﺮق ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻮﺟﻮدات ﻋﻠﻲ اﻹﻃﻼق ،ﻫﻲ وﺣﺪة اﻟﻜﻞ ﻓﻲ واﺣﺪ، ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ ﺗﻮﻓﻴﻖ اﻟﺤﻜﻴﻢ ) اﻟﻜﻞ ﻓﻲ واﺣﺪ ( ،وﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻋﻨﻮان دﻳﻮان ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻔﻴﻔﻲ ﻣﻄﺮ )أﻧﺖ واﺣﺪﻫﺎ ،وﻫﻲ أﻋﻀﺎؤك اﻧﺘﺜﺮت(، ووزع اﻟﺤﺰن ﺑﺎﻟﻌﺪل )اﻟﺤﺰن ،اﻟﺤﺰن ،ﻳﻬﻄﻞ ﺑﻼ ﺗﻮﻗﻒ ﻣﻦ دار إﻟﻰ دار ،ﺗﻨﺴﺎب ﻗﻄﺮاﺗﻪ ﻓﻲ ﻫﺪوء( .ﺳﻴﺮة ﻋﺰﺑﺔ اﻟﺠﺴﺮ ﻻ ﺗﺘﻤﺤﻮر ﺣﻮل ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ،أو ﻣﻜﺎن ﺑﻌﻴﻨﻪ ،أو ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻌﻴﻨﻪ ،وﻟﻢ ﻳﻨﺤﺰ ﺳﻌﺪ اﻟﺪﻳﻦ ﺣﺴﻦ ﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻋﻠﻲ ﺣﺴﺎب أﺧﺮى ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻬﻤﻮﻣﺎً ﺑﻬﺎ ،وﻟﻢ ﻳﺮﺳﻤﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ واﻟﻘﺼﺔ ،وإﻧﻤﺎ ﻗﻔﺰ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻟﻴﻐﻮص ﺑﺪاﺧﻠﻬﺎ ،وﻛﺎن ﺣﺮا ً ﻣﻦ اﻟﻘﻮاﻟﺐ واﻷﻃﺮ اﻟﺠﺎﻫﺰة ،وﺣﺮﻛﻬﺎ ﺑﻔﻠﺴﻔﺘﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ .ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﻮاﻧﻴﻦ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺸﻘﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ وﺳﻴﻠﺘﻪ اﻟﺸﻌﺮ -اﻟﺴﺠﻊ ﺗﺤﺪﻳﺪا ً -واﻟﻤﺸﻬﺪﻳﺔ ،ودﻗﺔ اﻟﺼﻮرة ،واﻹﻳﺠﺎز .ﺳﻴﺮة ﻋﺰﺑﺔ اﻟﺠﺴﺮ ﺗﺘﻤﺤﻮر ﺣﻮل رؤﻳﺔ ﻛﻠﻴﺔ ﻟﻘﺮﻳﺔ ﻫﻲ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻜﻮن ،إﻧﻬﺎ رؤﻳﺔ ﺻﻮﻓﻴﺔ ﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻮﺟﻮد ،ووﺳﻴﻠﺘﻬﺎ اﻟﻮﺣﻴﺪة ﻟﻠﺘﻌﺮف ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻫﻲ اﻟﻌﺸﻖ واﻟﺘﻮﺣﺪ .ﺳﻴﺮة ﻋﺰﺑﺔ اﻟﺠﺴﺮ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺗﺴﺘﻌﺼﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﺻﻴﻒ واﻟﺘﺼﻨﻴﻒ ،وﻻ ﺗﺘﺸﺎﺑﻪ ﻣﻊ أدب اﻟﺴﻴﺮة اﻟﻤﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻪ ،إﻧﻬﺎ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻴﻪ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
91
ﺣﻮار ﺧﺎص
ﻛﺘﺎب ﺑﺎﻻﺗﻴﻨﻴﺔ ﻛﺘﺐ ﻓﻴﻪ اﺳﻢ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻣﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 150ﺳﻨﺔ
90
إﺣﺪى اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻤﻜﺘﺸﻔﺔ ﻋﻦ اﻟﺨﻠﻴﺞ
أي ﺿﺮر ﻳﻠﺤﻖ ﺑﺎﻟﻤﺨﻄﻮط .أﻣﺎ اﻷﻓﺮاد ﻓَﻘ ﱠَﻞ َﻣﻦ ﻳﻠﺠﺄ ﻟﻬﺬه اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ؛ ﱠ اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ ،اﻟﺬي ﻓﻬﻲ وﺳﺎﺋﻞ ﻗﺪ ﺗﻀ ﱡﺮ ﺑﺎﻟﻤﺨﻄﻮط إذا ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﱢ ﻗﺪ ﻻ ﻳﻜﻮن ﺧﺒﻴ ًﺮا ﻓﻲ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت وﻟﻜﻨﻪ ﻳﻤﺎرﺳﻪ وﻇﻴﻔ ٍّﻴﺎ. ½أﺷﻜﺎل اﻟﺨﻄﻮط ﺗﻄ ﱠﻮرت ﻋﺒﺮ ﻣﺮاﺣﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ﻫﻞ ﻫﺬا ﻳﻌﻨﻲ أن ﻗﺎرئ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺔ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻟﺪﻳﻪ ﺧﺒﺮة واﺳﻌﺔ ﺑﻬﺬه اﻟﺨﻄﻮط؟ اﺧﺘﻼف اﻟﺨﻄﻮط ﺣﺴﺐ اﻟﻌﺼﻮر ﻳﻌﻠﻤﻪ اﻟﺒﺎﺣﺜﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت، ﻓﻠﻜﻞ ﻋﺼﺮ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻓﻲ ﺳﻮاء اﻟﻤﺤﻘﱢﻘﻮن ﻣﻨﻬﻢ أو اﻟ ُﻤ َﻔ ْﻬﺮِﺳﻮن ،ﱢ ﻗﻞ اﻹﻋﺠﺎم ﻓﻤﺜﻼ؛ ﻛﻠﱠﻤﺎ أوﻏﻠﺖ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺔ ﻓﻲ اﻟ ِﻘ َﺪم ﱠ اﻟﺨﻂً ، )اﻟ ﱠﻨﻘْﻂ( ،وﻧﺠﺪ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺑﺪون إﻋﺠﺎم ،وﻻ ﻳُ ْﻌ َﺠ ُﻢ ﻣﻨﻬﺎ إﻻ اﻟ ُﻤﺸْ ِﻜ ُﻞ اﻟﺬي ﻳُﺨْﺸَ ﻰ أن ﻳُ ْﻘ َﺮأَ َﺧﻄَﺄً ،ﻛﻤﺎ أن ﻧﻮﻋﻴﺔ اﻷﻗﻼم ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﺼﺮ .وﻫﻜﺬا ﺗﺘﻀﺎﻓﺮ ﻋﺪة أﻣﻮر ﻓﻲ اﻟﺨﻂ وﻃﺮاﺋﻖ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ وأﺳﺎﻟﻴﺒﻬﺎ ﺗﻌﻴﻦ اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺮﻳﺐ اﻟﻌﺼﺮ وﻟﻴﺲ ﺗﺤﺪﻳﺪه ﺑﺪﻗﺔ. وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻳُﻌﻨﻰ ﺑﺬﻟﻚ ُﻣ َﻔ ْﻬﺮ ُِﺳﻮ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻤ ﱡﺮ ﺗﺤﺖ أﻳﺪﻳﻬﻢ ﻋﺪد ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ،ﻓﻤﻊ اﻟ ﱠﺪ َرﺑﺔ واﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ ﻳﺼﺒﺢ ذﻟﻚ ﺑﺪﻫﻴٍّﺎ ﻋﻨﺪ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﻢ .وإذا أﺟﺎد اﻟﻤﺤﻘ ُﱢﻖ ﻗﺮاءة اﻟﺨﻄﻮط اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﺳﺘﻄﺎع ﱠ ﻓﻚ ﻣﻐﺎﻟﻴﻖ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻹﺷﻜﺎﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻬﻪ ،ﻓﻠﻜﻞ ﻧﺴﺨﺔ ﺧﻄﻴﺔ ﺧﻂ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ اﻷﺧﺮى ،وﻋﻠﻴﻪ ﻳﻈﻬﺮ اﻟﻨﺺ اﻟ ُﻤ َﺤﻘ ُﱠﻖ ﻓﻲ أﻗﺮب ﺻﻮرة وﺿﻌﻬﺎ اﻟﻤﺆﻟﻒ .وﻫﺬه ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻤﺤﻘﱢﻖ اﻟﻜﺒﺮى ،ﺑﻞ ﻫﻲ اﻟﻬﺪف اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻟﻌﻠﻢ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ. ½ﻫﻨﺎك ﻣﻘﻮﻟﺔ ﺗﻔﻴﺪ أن اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻋﻠﻢ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ...إﻟﻰ أي ﺣﺪﱟ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻔﻴﺪﻧﺎ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻄﻠﱠﻊ إﻟﻴﻪ أﻣﺘﻨﺎ؟ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻌﻴﺪ ﺗﻜﺮار ﻧﻔﺴﻪ إذا ﺗﺸﺎﺑﻬﺖ اﻟﻤﻮاﻗﻒ ،ﺣﻴﺚ إﻧﻪ ﻣﺤﻜﻮم وﺟﻞ اﻟﻜﻮن واﻟﻤﻌﺎش .وﺗ ُﻘ ﱢﺪم ﺑﺎﻟﺴﻨﻦ اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻈﻢ ﺑﻬﺎ اﻟﻠﻪ ﻋ ﱠﺰ ﱠ ﻟﻨﺎ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت أﺣﻮال اﻟﺴﺎﺑﻘﻴﻦ .ﻫﺬه اﻟﺜﺮوة اﻟﺨﻄﱢ ﱠﻴﺔ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻋﻤﻞ دؤوب ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﺤ ﱠﺪث أﻋﻤﺎﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺘﺮاث اﻟﻤﺨﻄﻮط ﻓﻬﻲ ﺗﻤ ﱢﻬﺪ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻓﻬﻢ واﻗﻊ وﺣﻀﺎرة أﺳﻼﻓﻪ ،وﻣﻦ ﺛﻢ اﻻﻗﺘﺪاء ﺑﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ ﻷﺟﻞ اﻟﻌﻠﻢ .وﺣﺴﺒﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻦ وﺳﻴﻠﺔ ﺗﺮﺑﻂ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﺑﺎﻟﻮاﻗﻊ وﺗﻜﻮن ﻗﻨﻄﺮة ﻟﻠﻤﺴﺘﻘﺒﻞ.
إن ﻫﺬه اﻟﻌﺒﺎرة اﻟﺘﻲ وردت ﻓﻲ اﻟﺴﺆال ،إن ﺗ َْﺼ ُﺪ ْق ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺨﻄﻮط ﺗ َْﺼ ُﺪ ْق ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺼﻔﺘﻪ اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗ َْﺼ ُﺪ ُق ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺼﻔﺘﻪ اﻟﻤﺎدﻳﺔ؛ ﻧﻈ ًﺮا ﻟﻠﺘﻄ ﱡﻮر اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻜﺘﺎب وﻧﺸﺮه. ½ إﻟﻰ أي ﺣﺪ ﻳﻤﻜﻦ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺸﻮرات اﻟﺼﺤﻒ واﻟﻤﺠﻼت ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ؟ ﺗ ُ َﻌ ﱡﺪ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ ﺑﻜﺎﻓﺔ أﻧﻮاﻋﻬﺎ ِﺳﺠ ٍِّﻼ ﻳﻮﻣ ٍّﻴﺎ ﻷﺣﺪاث اﻟﻌﺎﻟﻢِ ،ﺑﻐ ﱢَﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺗﻮ ﱡﺟﻬﺎت ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺤﻒ ،وﺗ َ ْﻌ َﻤ ُﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺮاﻛﺰ إﻟﻰ إﻋﺪاد ﻣﻠﺨﱠﺼﺎت ﺳﻨﻮﻳﺔ ﺑﺄﻫﻢ أﺣﺪاث اﻟﻌﺎم اﻟﺬي ﻣﻀﻰ ،وﻫﺬا ﺟﻌﻞ اﻟﻤﺆ ﱢرخ اﻟﺘﺤﻠﻴﻠﻲ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺴﺮد اﻟ َﺤ ْﻮﻟِ ﱠﻲ ﻳﺘﻮارى وﻳﺒﺮز دور اﻟﻤﺆ ﱢر ِخ ﱢ ﻟﺴ ْﺒ ِﺮ ﻣﺴﺎر اﻷﺣﺪاث اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ، اﻷﺣﺪاث ،ﺑﻞ ﻫﻮ ﻳﺘﱠﺨﺬﻫﺎ ً ﻣﺠﺎﻻ َ وﻇﻬﺮ ﻣﻊ ﻫﺬه اﻟﺜﻮرة اﻟﺼﺤﻔﻴﺔ اﻟ ُﻤ َﺤﻠ ُﱢﻞ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ،ﺛﻢ وﺟﺪﻧﺎه ﻓﻲ اﻟﻘﻨﻮات اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ ووﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻳﺆدي دوره ﻓﻲ ﺗﺤﻠﻴﻞ اﻷﺣﺪاث وﻣﺴﺎراﺗﻬﺎ ،دون أن ﻳﺸﻐﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺘﺪوﻳﻦ اﻷﺣﺪاث اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ اﻟﻤﻬﻤﺔ. ½ أﺧﻴ ًﺮا ،ﻣﺎ ﻫﻲ ﻧﻈﺮﺗﻜﻢ ﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻤﺨﻄﻮط اﻟﻌﺮﺑﻲ؟ أﺟﺪﻧﻲ ﻣﺘﻔﺎﺋِ ًﻼ ﺑﺼﻮرة ُﻣ ْﺮ ِﺿ َﻴﺔ ،وﻫﺬا اﻟﺘﻔﺎؤل ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻧﺘﺸﺎر اﻟﻤﺨﻄﻮط اﻟﻌﺮﺑﻲ وﺣﻔﻈﻪ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻤﺨﻄﻮط اﻟﺬي ﺗﻨﺘﻈﺮ أن ﻳﺼﻞ إﻟﻴﻚ ﺑﻌﺪ ﻣﺮاﺳﻼت وﺟﻬﻮد ﻛﺒﻴﺮة ،ﻳﺼﻞ إﻟﻴﻚ اﻵن ﻓﻲ أﻳﺎم ﻣﻌﺪودة ﺑﻤﻘﺎﺑﻞ ﺑﺴﻴﻂ أو ﻣ ﱠﺠﺎﻧًﺎ .إن ﻋﺼﺮ اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﻗﺪ ﻗﺎرب اﻟﺒﻼد ،واﺧﺘﺼﺮ اﻟﻤﺴﺎﻓﺎت ،ﻓﻤﻦ ﺛﻢ ﺳﻬﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﺗﺘ ﱡﺒﻊ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ﻓﻲ أﻣﺎﻛﻦ اﻟﺸﻖ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺗﻘﺪم اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﺧﺪﻣﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻟﻠﻤﺨﻄﻮط ﺣﻔﻈﻬﺎ .وﻓﻲ ﱢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻣﻤﺜﱠﻠَ ًﺔ ﻓﻲ ﺣﻔﻈﻪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ َرﻗْ َﻤ َﻨ ِﺔ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ،ﻓﻴﺼﺒﺢ اﻟﻤﺤﻔﻮظ ﺻﻮر ًة ﻃﺒﻖ اﻷﺻﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﻄﻮط ،ﺣﺘﻰ ﺗﺨﺎل أﻧﻪ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻚ .ﻫﺬه اﻷﻣﻮر ﺗﺠﻌﻞ اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻳﻄﻤﺌ ﱡﻦ إﻟﻰ وﺿﻊ اﻟﻤﺨﻄﻮط اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻳﺘﻮ ﱠﺟﺲ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻼﻗﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺼﻒ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ أن ﺗﻌﺼﻒ ﺑﻤﺨﺰوﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ﻓﻴﻌﺒﺚ ﺑﻬﺎ، وﻗﺪ ﺗﻄﺎﻟﻬﺎ اﻟﺤﺮاﺋﻖ واﻹﺗﻼف .ﻓﻲ اﻟﺨﺘﺎم أزﺟﻲ ﺷﻜﺮي ﻟﻤﺠﻠﺘﻜﻢ ﻋﻠﻰ إﺷﻐﺎل ﻫﺬه اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺨﺮﺑﺸﺎت اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﻻ ﺗﻬﻢ أﺣ ًﺪا، وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻧﻈﺮات اﻧﻄﺒﺎﻋﻴﺔ ﻗﺪ ﻳﺠﺪ اﻟﻘﺎرئ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻔﺎﺋﺪة ،وإن ﻛﻨﺖ أﺷﻚ ﻓﻲ ذﻟﻚ
ﱢ اﻟﻤﺤﻘﻖ د .إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺤﻘﻴﻞ :اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻗﺪﻣﺖ ﺧﺪﻣﺎت ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﺒﺎﺣﺚ
ﺧﻼل ﻣﻌﺮض أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻷول ﻟﻠﻤﺨﻄﻮﻃﺎت
ﻣﻦ ﺻﺤﺔ اﻷﺻﻞ اﻟﺬي ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ؛ ﻓﻨﻮع اﻟﻮرق ﻣﻬﻢ ﺟ ٍّﺪا ﻟﺘﺤﺪﻳﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻤﺘﺄﺧﱢﺮة ﻧﺴﺒ ٍّﻴﺎ .وﻧﻮع اﻟﺨﻂ أﻳﻀً ﺎ ،ﻓﻬﻨﺎك ﺧﻄﻮط ﻇﻬﺮت ﻣﺘﺄﺧﱢﺮ ًة ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ ،وﺧﻄﻮط اﻧﺪﺛﺮت ،ﻓﺈذا ﻛُ ِﺘ َﺐ ﻣﺨﻄﻮط ﺑﻬﺬا اﻟﺨﻂ أو ذاك و ُدﻟ َﱢﺲ ﺗﺎرﻳﺨﻪ؛ ﻓﺈن ﻛﺸﻒ ﻫﺬا اﻟﺘﺪﻟﻴﺲ ﻳﺴﻴ ٌﺮ وﺳﻬﻞ ،ﻛﻤﺎ أن ﻋﻼﻣﺎت اﻟﺘﺮﻗﻴﻢ ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻓﻲ ﻛﺸﻒ اﻟﺘﺰوﻳﺮ؛ ﻓﻠﻜﻞ ﻋﺼﺮ ﻋﻼﻣﺎت ﺗﺮﻗﻴﻢ ﻓﻴﻬﺎ اﺧﺘﻼف ﻓﻲ اﻟﺮﺳﻢ واﻟﺸﻜﻞ، وﻗﺪ ﺗﺰﻳﺪ وﺗﻨﻘﺺ ،ﻓﻬﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﺋﻦ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪة .ﻳُﻀﺎف إﻟﻰ ﻫﺬا أﻣ ٌﺮ ﻣﻬ ﱞﻢ ،وﻋﺒﺆه ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺤﻘﻖ ،وﻫﻮ ﻓﺤﺺ َﻣﺘْﻦِ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﺨﻄﻮط ﺑﺪﻗﱠﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻗﺪ ﻳﻜﺸﻒ ﻫﺬا اﻟﺘﺪﻟﻴﺴﺎت أو اﻷوﻫﺎم ،ﺑﺪون ﻛﺒﻴﺮ ﺟﻬﺪ. ﻓﻤﺜﻼ؛ ﻣﺨﻄﻮط ﻛﺘﺎب اﺳﻤﻪ »ﺳﻠﻮة اﻟﻐﺮﺑﺎء ً وﻧﺰﻫﺔ اﻷدﺑــﺎء«؛ أﺿﺎف أﺣﺪﻫﻢ ﺗﺎرﻳ َﺦ ﻧﺴﺦ ﻣﺰ ﱠو ًرا ،وﻫﻮ ﺳﻨﺔ ) 470ﻩ( .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻔﺤﺺ ﻓﺤﺼﺎ داﺧﻠﻴٍّﺎ ،ﻧﺠﺪ أﻧﻪ ﻟﻤﺆﻟﱢﻒ اﻟﻤﺨﻄﻮط ً ﻣﺘﺄﺧﱢﺮ ﻣﻌﺎﺻﺮ ﻟﺸﻤﺲ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺴﺨﺎوي اﻟﻤﺘﻮﻓﱠﻲ ﺳﻨﺔ 902ﻫـــ .وﻓﻴﻪ ﻧُــﻘـ ٌ ـﻮل ﻋﻦ اﻟﻤﻘﺮﻳﺰي اﻟﻤﺘﻮﻓﻰ ﺳﻨﺔ 845ﻩ ،وﻫﺬا ﻳﻘﻄﻊ اﻟﺸﻚ ﺑﺎﻟﻴﻘﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﺰوﻳﺮ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻨﺴﺦ ،ﺑﻞ إﻧﻬﺎ ﻧﺴﺨﺔ ﻛُ ِﺘ َﺒﺖ ﻓﻲ أواﺋﻞ اﻷﻟﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻬﺠﺮي. وﻣﺜﻞ ذﻟﻚ ﻛﺜﻴﺮ ﻣ ﱠﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﺘﻐﻠﻴﻦ ﺑﺎﻟﺘﺤﻘﻴﻖ وﻓَ ْﻬ َﺮ َﺳﺔ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت. أﻣﺎ اﻟﺘﻌﺪﻳﻼت ﻓﻜﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻇﺎﻫﺮ ،ﻛﺄن ﻳﻠﺠﺄ
أﺣﺪﻫﻢ إﻟﻰ ﻣﻞء اﻟﺨﺮوم اﻟﺘﻲ ﻟﺤﻘﺖ ﺑﺎﻟﻨﺴﺨﺔ ﺑﺄوراق ﻣﻦ ﻣﺨﻄﻮط آﺧﺮ ﻣﺸﺎﺑﻪ ﻟﻪ ،وﻳﺠﺮي ﺗﻠﻔﻴﻖ ذﻟﻚ ،أو ﻳُﻀﺎف اﺳﻢ اﻟﻤﺆﻟﻒ أو اﻟﻨﺎﺳﺦ، أو ﺗﻠﺼﻖ ورﻗﺔ اﻟﻌﻨﻮان ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎب آﺧﺮ .وﻫﻲ ِﺣﻴَ ٌﻞ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻳﻠﺠﺄ إﻟﻴﻬﺎ ﺗ ﱠﺠﺎر اﻟﻜﺘﺐ ﻟﺘﺮوﻳﺞ ﺑﻀﺎﻋﺘﻬﻢ. ﻳﺘﻢ اﻟﺘﺄﻛﱡﺪ ﺑﺨﺒﺮة اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻓﻘﻂ؟ أم أﻧﻜﻢ ﺗﺴﺘﻌﻴﻨﻮن ½وﻫﻞ ﱡ ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ ﻣﺨﺒﺮﻳﺔ ﻟﻠﺘﺜ ﱡﺒﺖ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﻄﻮط؟ ﺧﺒﺮة اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻫﻲ ﻣﺪﺧﻞ أ ﱠوﻟِ ﱞﻲ ﻟﺘﺄﻛﻴﺪ أو ﻧﻔﻲ ﺻﺤﺔ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺘﻮﺛﻴﻘﻴﺔ اﻟﻤﺜﺒﺘﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺨﻄﻮط ،وﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎﺣﺚ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺸﻚ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻷﻣﻮر ُﻣﻘ ﱠﺪ ًﻣﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﺛﺒﺎت ،ﻓﻴﺘ ﱠﻢ َﻋ ْﺮ ُض ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺪﻗﻴﻖ واﻟﻔﺤﺺ ،وﻳﺼﺎر ﺑﻌﺪه إﻟﻰ ﺗﺄﻛﻴﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﻋﺪﻣﻪ ،ﺑﻘﺮاﺋﻦ ﻣﺘﻌ ﱢﺪدة ،ﻣﺜﻞ ورود اﺳﻢ اﻟﻜﺘﺎب ﻓﻲ ﻣﺆﻟﱠﻔﺎت ﻫﺬا اﻟﻤﺆﻟﱢﻒ اﻟﻤﻨﺴﻮب ﻟﻪ اﻟﻤﺨﻄﻮط ،وورود أﺳﻤﺎء ﻛﺘﺒﻪ أو ﺷﻴﻮﺧﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺨﻄﻮط ،واﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ ﻧُﻘﻮ ٍل ﻋﻨﻪ ﻣﻨﺴﻮﺑﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب وﻟﻤﺆﻟﻔﻪ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺐ اﻷﺧﺮى. وﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻜﺘﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺘﻨﻲ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت، وﻛﺬﻟﻚ ﺑﻌﺾ اﻟﻬﻮاة اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﺘﺮوﻧﻬﺎ ﻣ ﱠﻤﻦ ﻳﻌﺮﺿﻮن اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ﻟﻠﺒﻴﻊ أو اﻟﺘﺒﺎدل ﻳﻠﺠﺆون ﻟﺒﻌﺾ ﻃﺮق اﻟﻔﺤﺺ ،ﺳﻮاء اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ أو اﻹﺷﻌﺎﻋﻴﺔ ،وﺧﺎﺻﺔ إذا ﻛﺎن اﻟﻤﺨﻄﻮط إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺤﻘﻴﻞ ﻧﻔﻴﺴﺎ وﻣﻬ ٍّﻤﺎ ،وﻫﻢ ﻳﺤﺮﺻﻮن ﻋﻠﻰ ﱠأﻻ ﺗ ُﺴﺒﱢ َﺐ ً ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
89
ﺣﻮار ﺧﺎص
IJĘġþ ķñąěĩ~ ĵĕĂĭĩ~ óĈ~ ĨòĤöĉĭñ ĨíïġöĬ
Ŝ ~ ĨĹĤÿĩ~ īĹij~ąñ| ĢĤÿĭĩ~ ÷þïòĩ ~ ïĔĵĕĂĭĩ~ óĈ~ ăĩ óĪĹĪû ïĬăā ôĬăģ óùĸăÿĩ~ ïĹİĤöĩ
ﺣﻮار -ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻋﻄﻔﺔ
أﻗﻴﻤﺖ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﻣﺆﺗﻤﺮ وﻣﻌﺮض أﺑﻮ ﻇﺒﻲ اﻷول ﻟﻠﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﺬي ﻧﻈﻤﺘﻪ داﺋﺮة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﺴﻴﺎﺣﺔ -أﺑﻮ ﻇﺒﻲ ،ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ :واﻗﻊ وﻗﻀﺎﻳﺎ«" ،ﻓﻲ ﻣﻨﺎرة اﻟﺴﻌﺪﻳﺎت ،وﺳﻂ ﺣﻀﻮر واﺳﻊ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﻦ واﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ واﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﻴﻦ واﻟﻤﺤﻘﱢﻘﻴﻦ اﻟﻔ ﱢﻨ ﱢﻴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻮاﻓﺪوا ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ أرﺟﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ؛ وذﻟﻚ ﺑﻬﺪف اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﻔﻆ اﻟﺘﺮاث وإﻳﺠﺎد اﻟﺤﻠﻮل اﻟ ُﻤ ﱠﺘ َﺒ َﻌﺔ ﻟﺘﻮﺛﻴﻖ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت وﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ،وﺣﻤﺎﻳﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟ ﱠﺘﻠَﻒ ،وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺠﻠﺴﺎت اﻟﺘﻲ راﻓﻘﺖ اﻟﻤﻌﺮض وأﻟﻘﺖ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻟﻠﻤﺨﻄﻮﻃﺎت، وﻧﺸﺮﻫﺎ ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﺮض ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻧﺎدرة ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ٍ ﻣﻌﺮض اﺳﺘﻤﺮ ﻣﻦ 16ﻳﻨﺎﻳﺮ إﻟﻰ 15 وأدوات اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﻓﺒﺮاﻳﺮ. ﻋﻠﻰ ﻫﺎﻣﺶ اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ اﻟﺘﻘﺖ »ﻣﺠﻠﺔ ﺗﺮاث« ﻣﻊ اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻓﻲ ﻛﻨﻮز اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ،اﻟﺪﻛﺘﻮر إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺤﻘﻴﻞ. ½ ﺑﺪاﻳﺔ ،ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ وﺻ ﱠﺤﺔ وﻗﺎﺋﻌﻪ. ﻻ ﱠ ﺷﻚ أن اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ﻣﺼﺪر ﻣﻬ ﱞﻢ ،ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ وأﻛﺜﺮﻫﺎ ﺣﻀﻮ ًرا ﻓﻲ ﻣﺸﻬﺪ اﻟﺪرس اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ؛ ﻓﺎﻟﻤﺼﺎدر اﻷﺧﺮى ﻛﺎﻟﻨﻘﻮش اﻟﺤﺠﺮﻳﺔ واﻟﺘﻮﺛﻴﻘﻴﺔ واﻟﻤﺤﻔﻮﻇﺎت اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ واﻟﻨﺜﺮﻳﺔ واﻷﺳﺎﻃﻴﺮ -ﺗﺒﻘﻰ ﻗﻠﻴﻠﺔ ،ﻣﻘﺎرﻧ ًﺔ ﺑﺎﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ؛ ﻟﻬﺬا ﻛﺎن 88
اﻻﻋﺘﻤﺎد اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﺘﻲ وﺻﻠﺖ إﻟﻴﻨﺎ؛ ﻓﻬﻲ اﻟﻤﺼﺪر اﻷﻛﺜﺮ ﺗﺪا ُوﻻً ﻓﻲ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت -ﺳﻮاء اﻟﺘﻲ ُﺣ ﱢﻘﻘَﺖ وﻇﻬﺮت ﻟﻠﻮﺟﻮد ،أو اﻟﻤﺤﻔﻮﻇﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺘﺒﺎت -ﺗﺒﻘﻰ ﻣﺼﺪ ًرا ﻟﻠﻤﻌﻠﻮﻣﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ اﻟﻤﺼﺪ َر اﻟﺼﺎﺋِ َﺐ داﺋ ًﻤﺎ؛ ﻓﻬﺬه اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﺗ ُ ْﻜﺘَ ُﺐ ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ واﺣﺪة ،وﻫﻲ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ اﻟﻜﺎﺗﺐ ،اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺎﻳﺪة؛ ﻟﻬﺬا ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎﺣﺚ أن ﻳﻘﻒ ﻓﻲ ﻗﺒﻮل اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ اﻟﻮاردة ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎد ،وﻳﻌﺮض ﻣﺎ ﺗﻮرده اﻟﺴ َﻨﻦ اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ واﻟﻤﻨﻄﻘﻴﺔ ،واﻟﻜﺘﺎﺑﺎت ﺗﻠﻚ اﻟ ُﻤ َﺪ ﱠوﻧﺎتُ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﱡ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﺗﺆ ﱢرخ ﻟﻬﺬه اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ واﻟﺤﻮادث إن ُو ِﺟ َﺪت ،وﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺆ ﱢرخ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ واﻟﻤﺆ ﱢرخ اﻟ ُﻤ َﺰﻳﱠﻒ. ﻛﻤﺎ أن اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ ﻟﻠﺤﻮادث اﻟﻤﺪ ﱠوﻧﺔ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ﺧﺎﺻ ًﺔ إذا ﻛﺎﻧﺖ ِ ﻣﻌﺎﺻ َﺮ ًة ﻟﻸﺣﺪاث. ﺗﻌﻄﻴﻬﺎ ﺻﺪﻗﻴﱠ ًﺔ أﻛﺒﺮ ،ﱠ وﻳُﻀﺎف إﻟﻰ ذﻟﻚ أﻧﻨﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺮﺻﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﻌﻠﻤﻲ وﻣﺴﺎرات اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﺒﺮ اﻷﺣﻘﺎب اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻫﺬه اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ،ﺑﻌﺪ دراﺳﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ وﻓﻬﺮﺳﺔ اﻟﺠﺰء اﻷﻛﺒﺮ ﻣﻨﻬﺎ ،وﺗﺼﻨﻴﻔﻬﺎ ﺣﺴﺐ اﻟﻌﻠﻮم ،وﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪ ﺗﺼﻨﻴﻔﻬﺎ ﺣﺴﺐ اﻟﺤﻘﺐ اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﺗﺒﻘﻰ دراﺳﺔ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت َﻣﻌﻴ ًﻨﺎ ﻻ ﻳﻨﻀﺐ ﻟﻠﺪرس اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ. ﻳﺘﻢ اﻟﺘﺄﻛﱡﺪ ﻣﻦ ﺻﺤﺔ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺔ :ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ،وﻛﺎﺗﺒﻬﺎ، ½ ﻛﻴﻒ ﱡ واﻟﺘﻌﺪﻳﻼت اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻗﺪ ﺗﻌ ﱠﺮﺿَ ﺖ ﻟﻬﺎ؟ ﻫﻨﺎك أﻣﻮر ﻣﻬﻤﺔ ﺗ ُﻌﻴﻦ اﻟﺒﺎﺣﺚ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺄﻛﱠﺪ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻷﻣﻮر؛ ﻓﻄﺮاﺋﻖ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟ ُﻤﺘﱠ َﺒ َﻌﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻋﺼﺮ ،وﻧﻮﻋﻴﺔ اﻟﺨﻂ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻪ اﻟﻨﺎﺳﺦ، وﻧﻮﻋﻴﺔ اﻟﺤﺒﺮ ،واﻟﻮرق؛ ﻛﻠﻬﺎ ﺷﻮاﻫﺪ ﻣﻬ ﱠﻤﺔ ﺗ ُﻌﻴﻦ اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺄﻛﱡﺪ
ﱢ اﻟﻤﺤﻘﻖ د .إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺤﻘﻴﻞ :اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻗﺪﻣﺖ ﺧﺪﻣﺎت ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﺒﺎﺣﺚ
إﺿﺎءة
~ ąĭČĩ
اﺑﻦ ﻧﺨﻠﻨﺎ اﻟﻌﺎﻟﻲ ،ﺻﺪﻳﻖ اﻟﻄُﻬﺮ واﻷﻣﻬﺎت اﻟﻤﻌﻨﻴﺎت ﺑﻨﻈﺎﻓﺔ دورﻫﻦ اﻟﺨﻔﻴﻀﺔ .ﺣﻴﻦ ﺗﺨﻠﻮ اﻟﻌﺮاﺟﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﻠﺤﻬﺎ ورﻃﺒﻬﺎ اﻟ َﺠﻨ ﱠﻴﺔ ،ﻳﺘﻬﺎدى ﻟﻨﺎ ﻗﺎﺋﻼ :ﺧﺬوﻧﻲ إﻟﻰ اﻟﺪار. ً ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻮﺳﻌﻨﺎ أن ﻧﺴﺘﺠﻴﺐ ﻟﻜﻞ اﻟﻌﺮاﺟﻴﻦ ،ﻓﻌﺪدﻫﺎ ﻳﻔﻴﺾ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﺟﺘﻨﺎ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺴﻤﻴﻦ اﻟﻌﻔﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺎن ﻳﺠﺪ ﻟﺪﻳﻨﺎ إﺟﺎﺑﺔ ،ﻓﻨﺄﺧﺬه، وﻧﻨﻈﻔﻪ ﻣﻦ ﺑﻘﺎﻳﺎ أﻋﻨﺎق اﻟﺮﻃﺐ اﻟﻤﻠﺘﺼﻘﺔ ﺑﻪ ،ﺛﻢ ﻧﺴﻮي ﻓﺮوﻋﻪ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ اﻟﻤﺘﻴﻨﺔ اﻟﻠﻴﻨﺔ ،وﻧﺮﺑﻄﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻔﻬﺎ ﺑﺤﺒﻞ ﻟﻴﻒ أو دوﺑﺎرة، ﻓﻴﺼﻴﺮ ﻣﻜﻨﺴﺔ اﻟﺼﺎﻻت اﻟﺘﺮاﺑﻴﺔ ،واﻟﻐﺮف اﻟﻀﻴﻘﺔ ،وﺷﻮارﻋﻨﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ورق وﻗﺶ ﺗﻔﺎدﺗﻪ اﻟﻌﺼﺎﻓﻴﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻨﻲ أﻋﺸﺎﺷﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻬﻞ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﻨﺨﻴﻞ وﻋﻠﻰ ﻓﺮوع اﻟﺸﺠﺮ. ﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﺒﺎح ،وﺑﻌﺪ أن ﺗﺨﺮج ﺑﻬﺎﺋﻤﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺤﻘﻮل ،ﺗﻤﺪ اﻷﻣﻬﺎت أﻳﺪﻳﻬﻦ إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎرﻳﺦ اﻟﺮاﻗﺪة إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺠﺪران ،ﺗﻤﺴﻜﻦ ﺑﺄﻃﺮاﻓﻬﺎ اﻟﻘﻮﻳﺔ ،وﺗﺪﻓﻌﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﻤﻠﺘﻪ أرﺟﻠﻨﺎ واﻟﺮﻳﺢ إﻟﻰ ﻗﻠﻮب اﻟﺪور، ﻓﺘﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺗﺮاﺑﻬﺎ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻜﻮم ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺘﺒﺎت ،وﻳﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﻛﻞ أم إﻣﺎ أن ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺤﻈﻴﺮة ﻟﺘﺠﻔﻒ ﺑﻬﺎ اﻟﺒﻠﻞ اﻟﺬي ﺗﺮﻛﺘﻪ اﻟﺒﻬﺎﺋﻢ، أو ﺗﺪﻓﻌﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﺎرع ،ﻓﻴﺄﺧﺬﻫﺎ ﻣﻦ ﻳﺮﻳﺪ إﻟﻰ اﻟﻤﻌﺎﺟﻦ اﻟﺘﻲ ﻧﻄﻠﻲ ﺑﻬﺎ ﺣﻮاﺋﻄﻨﺎ ،أو ﻧﺼﻨﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﻮاﻟﺐ اﻟﻄﻮب اﻟﻠﺒﻦ ،أو ﺗﺴﻮى ﺑﻬﺎ اﻟﺤﻔﺮ اﻟﺘﻲ ﺻﻨﻌﺘﻬﺎ اﻟﻠﻴﺎﻟﻲ اﻟﻤﻄﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﺸﻮارع. وﺗﺘﻼﻗﻰ اﻟﺸﻤﺎرﻳﺦ اﻟﻌﻔﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرع ،ﺣﻴﻦ ﺗﺠﻠﺲ ﻛﻞ اﻣﺮأة ﻟﺘﻜﻨﺲ أﻣﺎم دارﻫﺎ ،ﻓﺘﺼﺒﺢ ﺷﻮارﻋﻨﺎ ﻧﻈﻴﻔﺔ ،ﺑﻌﺪ أن ﺗﺮﺷﻬﺎ اﻟﻨﺴﻮة ﺑﻤﺎء ﺧﻔﻴﻒ ،ﺗﻨﻴﺦ ﺗﺤﺘﻪ ﺑﻘﺎﻳﺎ اﻟﻐﺒﺎر ،وﻻ ﻳﻌﺮﻗﻞ ﺳﻴﺮﻧﺎ وﻧﺤﻦ ﻧﺘﻘﺎﻓﺰ ﻓﻲ اﻟﺸﻮارع ﻟﻌﺒًﺎ ﺣﺘﻰ ﺣﻠﻮل اﻟﻤﺴﺎء. ﻟﻜﻦ اﻟﺸﻤﺮوخ ﻛﺎن ﻋﺎﺟ ًﺰا ﻋﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﻐﺒﺎر اﻟﻤﺘﺮاﻛﻢ ﻓﻲ ﻛﺎﻣﻼ، اﻷرﻛﺎن ،ﻳﻠﻤﺴﻪ وﻳﻨﺎوﺷﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ،إﻻ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻰ إزاﺣﺘﻪ ً وﻟﻬﺬا أﻧﺼﺖ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﺪور إﻟﻰ ﻗﻮل اﻷﻣﻬﺎت واﻟﺰوﺟﺎت :ﻧﺮﻳﺪ ﻣﻘﺸﺔ ﻣﻦ ﻟﻴﻒ. وﻋﺎد ﻫﺆﻻء إﻟﻰ اﻟﻨﺨﻞ اﻟﻨﺒﻴﻞ ،ﻳﻀﺮﺑﻮن اﻟﻤﻨﺎﺟﻞ واﻟﺴﻜﺎﻛﻴﻦ ﺑﻠﻄﻒ ﻓﻲ أﺟﺴﺎده اﻟﻔﺎرﻋﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺠﺮﺣﻮن اﻟﺴﻮق اﻟﻌﻤﻼﻗﺔ اﻟﻄﺮﻳﺔ، اﻟﻤﺨﺘﺒﺌﺔ ﺧﻠﻒ ﻟﻔﺎﺋﻒ اﻟﻠﻴﻒ اﻟﻤﺘﻴﻦ .ﻧﺰﻋﻮا ﻣﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻬﻞ ﺑﺎﻟﻘﺪر اﻟﺬي ﻳُﻤﻜﱢﻦ ﻛﻞ رﺟﻞ أو ﺷﺎب ﻣﻦ أن ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻤﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﻤﻘﺸﺔ اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ ،ﺛﻢ ﻳﻠﻔﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺎ ﻣﻦ ﺷﺠﺮ اﻟﺼﻔﺼﺎف ،أو ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺟﺮﻳﺪة ﻳﺎﺑﺴﺔ ،ﻓﻴﻜﻮن ﺑﻮﺳﻌﻪ أن ﻳﻬﺰ اﻷرﻛﺎن اﻟﻤﺘﺮﺑﺔ،
د.ﻋﻤﺎر ﻋﻠﻲ ﺣﺴﻦ* @ أدﻳﺐ وﻣﻔﻜﺮ ﻣﺼﺮي
ﻓﻴﺘﺮﻛﻬﺎ ﻧﻈﻴﻔﺔ ﺗﻜﺎد ﺗﻠﻤﻊ ﻓﻲ ﺧﻴﻮط اﻟﺸﻤﺲ اﻟﻤﺘﺴﻠﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻮاﻓﺬ اﻟﻀﻴﻘﺔ واﻟﻔُﺮج اﻟﻨﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺎت اﻷﺳﻘﻒ واﻷﺑﻮاب اﻟﻤﺸﺮﻋﺔ ﺣﻴﻦ ﻳﺘﻢ ﻓﺘﺤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺎرﻳﻌﻬﺎ ﻓﻲ رﺑﻌﺔ اﻟﻨﻬﺎر. ﻟﻢ ﻳﺪر أي ﻣﻨﺎ أن ﻣﻘﺸﺎت اﻟﻠﻴﻒ ﺑﺎﺗﺖ ﺗﺒﺎع ﻓﻲ اﻟﺒﻨﺪر ،ﺣﺘﻰ أﺗﺖ اﻣﺮأة ﺑﻮاﺣﺪة ﻣﻦ ﺳﻮق اﻻﺛﻨﻴﻦ ،ﻟﻴﺘﻮاﻟﻲ ﻗﺪوﻣﻬﺎ إﻟﻰ دورﻧﺎ ،وﺗﻘﻒ أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﺸﺮﻋﺔ ﻓﻲ وﺟﻪ اﻟﻐﺒﺎر ،وﻳﺪﻫﺎ اﻟﻤﻠﺴﺎء ﺗﺤﻦ ﻋﻠﻰ أﻳﺪي اﻷﻣﻬﺎت واﻟﺰوﺟﺎت واﻟﺒﻨﺎت ،ﻓﻼ ﺗﻌﺪ أي ﻣﻨﻬﻦ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺮوخ ،ﻻﺳﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﺒﺪﻟﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺴﻮة ﻣﻘﺸﺎت اﻟﻠﻴﻒ ﺑﺄﺧﺮى ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺧﻴﻮط اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ اﻟﻤﺘﺰاﺣﻢ ﻋﻦ ﻃﺮﻓﻬﺎ ﺻﺎﻧ ًﻌﺎ ﻳ ًﺪا، ﺗﻨﻄﻮي وﺗﻨﻔﺮد ،ﻓﺘﻘﺪر ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﺎط اﻟﻐﺒﺎر واﻟﻘﺶ اﻟﺼﻐﻴﺮ وﻗﺼﺎﺻﺎت اﻟﻮرق ،وﺗﺴﻮﻗﻬﺎ إﻟﻰ اﻷرﻛﺎن اﻟﺼﺎﻣﺘﺔ. واﺣﺪة أﺧﺮى ﻓﺮﺷﺖ ﻓﻲ أرﺿﻴﺔ ﺑﻴﺘﻬﺎ اﻟﺒﻼط اﻷﺳﻤﻨﺘﻲ ﺧﻔﻴﻒ اﻟﺒﻴﺎض، وأﺧﺮى ﺑﻌﺪﻫﺎ اﺳﺘﻌﺎﻧﺖ ﺑﺎﻟﻘﻴﺸﺎﻧﻲ اﻷﻣﻠﺲ ،وﻧﺎﻣﺖ ﻓﻮﻗﻪ اﻟﺴﺠﺎﺟﻴﺪ واﻷﻛﻠﻤﺔ ،راﻓﻀﺔ ﻣﻘﺸﺎت اﻟﻠﻴﻒ واﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ ،ﻟﺘﺴﺘﻘﺮ ﻋﺎﺟﺰة إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺸﻤﺎرﻳﺦ. اﺧﺘﻔﺖ اﻟﺸﻤﺎرﻳﺦ ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ ،وﻣﻌﻬﺎ ﻣﻘﺸﺎت اﻟﻠﻴﻒ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻴﻮت اﻟﺘﻲ أﺗﻰ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ إﻟﻰ اﻟﺮﻳﻒ ،ﻟﻴﺠﻲء ﻋﻠﻰ دار ﺷﻴﺦ اﻟﺒﻠﺪ ﻳﻮ ًﻣﺎ ﻳﻌﺮف ﻓﻴﻪ اﻟﻤﻜﻨﺴﺔ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻀﻲ ﻃﺎﺋﻌﺔ أﻣﺎم اﻟﺨﺎدﻣﺔ ورﺑﺔ اﻟﺒﻴﺖ إن أرادت. ﻣﻊ اﻷﻳﺎم ﺗﻮاﻟﺖ اﻟﻤﻜﺎﻧﺲ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﻮت ،ﻓﻠﻤﻊ اﻟﺒﻼط واﻟﻘﻴﺸﺎﻧﻲ ،وﻧﻔﻀﺖ اﻷﻛﻠﻤﺔ واﻟﺴﺠﺎد ﻛﻞ ﻣﺎ ﺷﺮﺑﺘﻪ ﻣﻦ ﻏﺒﺎر ،ﻟﻜﻦ أي ﻣﻦ اﻟﻨﺴﻮة ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﻛﻨﺲ ﺷﻮارﻋﻨﺎ اﻟﺘﻲ ﻏﻄﺎﻫﺎ اﻟﺘﺮاب واﻟﻘﺶ وﻗﺼﺎﺻﺎت اﻟﻮرق ورﻳﺶ اﻟﺪﺟﺎج واﻟﺤﻤﺎم وزﻏﺒﻬﻤﺎ وروث اﻟﻤﺎﺷﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺗﺸﻐﻠﻬﺎ اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ارﺗﻜﺒﻨﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﺣﻖ ﺷﻮارﻋﻨﺎ اﻟﻀﻴﻘﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
87
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺳﻴﺴﺘﺒﻌﺪ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮن ﻋﻦ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻴﺎدة اﻟﺬي ﻳﻄﺎﻟﺐ ﺑﺘﺸﻜﻴﻞ اﺗﺤﺎد ﻋﺮﺑﻲ ﻋﻈﻴﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ إﻟﻰ ﺳﻮرﻳﺎ ،ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﻟﻄﻤﻮﺣﺎت اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻓﻲ ﺳﻮرﻳﺎ و ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن .إﻻ أن اﻟﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﻬﺎﺷﻤﻴﺔ ﺳﺘﻮاﺟﻪ ﺧﺼﻮﻣﻬﺎ اﻟﻮﻫﺎﺑﻴﻴﻦ ،اﻟﺬﻳﻦ اﻟﺘﻔﻮا ﺣﻮل اﺑﻦ ﺳﻌﻮد وﺳﺎﻧﺪوه ﻟﺘﺄﺳﻴﺲ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺟﺪﻳﺪة )اﻟﻔﺼﻞ .(7وﻗﺪ ﺗﻤﻜﻦ ﻫﺬا اﻷﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﻓﺮض ﻧﻔﻮذه ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم .1925 ﺗﺮﻛﺰ اﻟﻔﺼﻮل 8و 9و 10ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺞ ﺧﻼل ﻓﺘﺮة ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﺮﺑﻴﻦ. ﺧﻼل اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺼﻞ اﻟﺼﺮاﻋﻴﻦ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻴﻦ ،ﺳﺘﻌﺮف ﺗﻄﻮرات ﻣﻬﻤﺔ :ﻓﺎﻟﺤﺠﺎج اﻟﻤﻐﺎرﺑﻴﻮن ﺳﻴﺼﺒﺤﻮن أﻗﻞ ﻋﺪدا ً .ﻓﻲ ﺣﻴﻦ أن اﻟﺤﺠﺎج اﻟﻤﻌﻮزﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﺟﺪا ً ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺣﺠﺎج اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻷﺛﺮﻳﺎء، ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﻐﻠﻮن اﻟﺤﺞ ﻟﺰﻳﺎرة اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ .ﻳﺸﺠﻊ ﻫﺬا اﻟﺘﻄﻮر أﻳﻀﺎً اﻟﻘﻮى اﻷوروﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺤﺞ اﻟﺮاﻗﻲ ،اﻟﻤﻮروث ﻣﻦ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻷوﻟﻰ .وﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻫﺆﻻء اﻟﺤﺠﺎج اﻟﻤﻴﺴﻮرﻳﻦ أن ﻳﻤﺠﺪوا وﻳﻌﻈﻤﻮا اﻟﻘﻮى اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ ﻟﺪى اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﻤﻜﻠﻔﺔ ﺑﺎﻟﺤﺞ. ﺧﻼل ﻓﺘﺮة ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﺮﺑﻴﻦ.ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺮة أﻳﻀﺎ ﻗﺎﻣﺖ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ أﻳﻀﺎً ﺑﺘﺤﺪﻳﺚ اﻟﺤﺞ ﺗﺤﺪﻳﺜﺎً ﺗﺪرﻳﺠﻴﺎً ودﻗﻴﻘﺎً ،وذﻟﻚ ﺑﺈدﺧﺎل اﻟﺴﻴﺎرات ﻟﻨﻘﻞ اﻟﺤﺠﺎج ﺑﻴﻦ ﻣﻜﺔ واﻟﻤﺪﻳﻨﺔ أو ﺑﻴﻦ ﺟﺪة وﻣﻜﺔ وﺗﻮﻓﻴﺮ إﻗﺎﻣﺔ ﻻﺋﻘﺔ .ﺗﻤ ّﻴﺰ اﻟﻨﺰاع اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﺘﻘﻠﺺ ﻋﺪد اﻟﺤﺠﺎج )اﻟﻔﺼﻞ .(11وﻗﺪ ﺣﺎوﻟﺖ اﻟﻘﻮى اﻷوروﺑﻴﺔ إﻋﺎدة اﻻﺗﺼﺎل ﺑﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﺤﺮب اﻟﻌﻈﻤﻰ واﻟﺮﺣﻼت اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﺠﺢ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻛﺜﻴﺮا ً .ﺗﻤﺜﻞ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﺼﺮاع اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺗﻐﻴﻴﺮات ﺟﺬرﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻴﺔ ﻟﻠﺤﺞ )اﻟﻔﺼﻼن 12و .(13ﻛﻤﺎ زادت اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ اﻟﺘﺠﺎرة ﺑﻴﻦ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة واﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم 1945ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﺳﺘﺨﺮاج اﻟﺬﻫﺐ اﻷﺳﻮد واﻹﻳﺮادات اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺬﻟﻚ .وﻣﻊ دﺧﻮل ﻫﺬه اﻷﻣﻮال اﻟﺠﺪﻳﺪة ،ﺳﺘﺒﺪأ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﺑﺘﺤﺪﻳﺚ ﺟﺪة واﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ .ﻛﻤﺎ ﺳﺘﺴﻤﺢ ﺗﺠﺎرة اﻟﺒﺘﺮول ﺑﺘﻄﻮﻳﺮ ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ ،ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺷﻤﺎل أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ 86
اﻟﺤﺞ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ا ﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺎت
وﻏﺮب إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ .ﻛﻤﺎ أﺻﺒﺢ اﻟﺤﺞ وﺳﻴﻠﺔ ﻻﺣﺘﺠﺎج اﻟﻘﻮى اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ، اﻟﺘﻲ ﺑﺪأت ﺗﺘﺨﻠﻰ ﺗﺪرﻳﺠﻴﺎً ﻋﻦ أي ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﺘﺄﻃﻴﺮ ﻫﺬا اﻟﺤﺞ اﻟﺬي واﺻﻞ اﻻﻧﻔﻼت ﻣﻨﻬﺎ. ﻣﻦ اﻟﻤﺆﺳﻒ أن اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻳﻤﺮ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻷﺳﺌﻠﺔ .ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل ،ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮ دراﺳﺔ ﺑﻴﺰوﻏﺮاﻓﻴﺔ ﻟﻠﺴﻠﻚ اﻟﻘﻨﺼﻠﻲ أو دراﺳﺔ أﻛﺜﺮ ﺗﻔﺼﻴﻼً ﻟﺸﺮﻛﺎت اﻟﺸﺤﻦ اﻟﻤﺴﺆوﻟﺔ ﻋﻦ ﻧﻘﻞ اﻟﺤﺠﺎج .ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺮء أن ﻳﺠﺪ أﺧﻴﺮا ً ﺑﻌﺾ اﻟﺨﻴﺎرات اﻟﺘﺤﺮﻳﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺘﻤﻞ أن ﺗﺰﻋﺞ اﻟﻘﺮاء اﻟﺠﺪد ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ .ﻫﺬه اﻟﻤﻼﺣﻈﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة ﻻ ﻳﺠﺐ أن ﺗﺨﻔﻲ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬي ﺑﺤﺚ ﻓﻲ ﺟﻮاﻧﺐ ﻏﻴﺮ ﻣﻄﺮوﻗﺔ ﻛﺜﻴﺮا ً ﺣﻮل ﻣﺎ ﻳﻤﺜﻠﻪ اﻟﺤﺞ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮري ﻷن ،ﻣﺎ ﻳﻌﺮﺿﻪ اﻟﻜﺘﺎب ﻣﻦ أﺳﺌﻠﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ واﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ودﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ و إﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺄﻟﻬﺎ ﻋﺎدة اﻷوروﺑﻴﻮن ﻋﻦ اﻟﺤﺞ ﻫﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﻨﺠﻢ ﺗﺎرﻳﺨﻲ ﻟﻜﻞ دارس أو ﻣﻬﺘﻢ .وﺗﺠﺪر اﻹﺷﺎرة ﻓﻲ اﻷﺧﻴﺮ إﻟﻰ أن اﻟﻤﺆرخ ﻧﺠﺢ ،رﻏﻢ ﺗﻌﻘﻴﺪات اﻟﻤﻮﺿﻮع وﺣﺴﺎﺳﻴﺘﻪ ،ﻓﻲ إﻧﺘﺎج دراﺳﺔ ﻏﻨﻴﺔ و ﻣﺤﻔﺰة ﻋﻠﻰ دراﺳﺔ ﻣﺮاﺣﻞ أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﻤﺮﺗﺒﻂ ﺑﺸﻌﻴﺮة اﻟﺤﺞ .إن اﻗﺘﺮاح ﺗﺎرﻳﺦ أوروﺑﻲ ﻟﻠﺤﺞ ﻳﺪﻓﻊ إﻟﻰ اﻟﻌﻤﻞ وﻣﻘﺎرﻧﺔ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻋﻼﻗﺎت اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺎت اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ ﺑﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺤﺞ اﻟﻤﻌﻘﺪة واﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ .ﻟﻜﻦ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻜﻮن دراﺳﺔ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻣﺘﺼﻠﺔ ﺑﺨﻤﺲ إﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺎت ﻫﻲ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ واﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ واﻟﺮوﺳﻴﺔ واﻟﻬﻮﻟﻨﺪﻳﺔ واﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ ،واﻟﺮﺟﻮع ﺑﺎﻟﻀﺮورة إﻟﻰ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﺤﺠﺎزﻳﺔ .وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻨﻄﺎق ،ﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﻜﺘﺎب ﻣﺜﺎﻻً ﺟﻴﺪا ً ﻋﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻤﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﺤﺞ واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ
ﺷﻌﻮرا ً ﺑﻮﺣﺪة اﻷﻣﺔ )اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ( ،ﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪو أن ﻫﺬا اﻟﺸﻌﻮر ﻟﻢ ﻳﺘﺤﻮل ﻓﻲ أي وﻗﺖ إﻟﻰ ﺗﻤﺮد ﺣﻘﻴﻘﻲ .وﻟﻤﻮاﺟﻬﺔ وﻫﻢ اﻟﺘﻬﺪﻳﺪ اﻟﻨﺎﺟﻢ ﻋﻦ اﻟﻮﺣﺪة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﺣﺎول اﻷوروﺑﻴﻮن اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻛﻘﻮى ﺟﺪﻳﺮة ﺑﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ. ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ﻳﻤﻴﻂ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﻠﺜﺎم ﻋﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ اﻟﺘﻲ واﺟﻬﻬﺎ اﻷوروﺑﻴﻮن ﻟﺘﺄﻛﻴﺪ وﺟﻮدﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺎز .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺤﻈﺮ اﻟﻤﻔﺮوض ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪﺧﻠﻮن ﻣﻜﺔ وﻛﺬا اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﻌﺎدﻳﺔ ﻷوروﺑﺎ ﻳﺪﻓﻊ اﻟﻘﻨﺎﺻﻞ ﻟﻠﺒﻘﺎء ﺑﻌﻴﺪا ً ﻓﻲ اﻟﺤﻲ اﻷوروﺑﻲ ﻓﻲ ﺟﺪة. ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮاﺟﻪ دواوﻳﻦ اﻟﻘﻨﺼﻠﻴﺎت اﻷوروﺑﻴﺔ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻧﺸﺎط ﻗﻨﺼﻠﻲ ﻣﺘﻮاﺻﻞ ،ﻷن اﻟﺪﻳﺒﻠﻮﻣﺎﺳﻴﻴﻦ اﻟﻤﺮﺷﺤﻴﻦ ﻟﻬﺬه اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ ﻗﻠﻴﻠﻮن ﺟﺪا وﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﻌﻴّﻦ ﺗﺤﺖ ﻇﺮوف ﺧﺎﺻﺔ وﺿﻐﻮط ﻣﻠﺤﺔ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن اﻟﺘﻨﻈﻴﻢ اﻟﻔﻌﻠﻲ ﻟﻠﺤﺞ ﻳﻌﺪ ﺧﺎرج ﺻﻼﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ،أوﻻً ﺑﺴﺒﺐ ﻧﻘﺺ اﻟﻤﻮارد اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ أو اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ وﺛﺎﻧﻴﺎً ﻷن اﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻫﻮ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎم اﻷول ﻣﻦ اﺧﺘﺼﺎص ﺷﺮﻓﺎء ﻣﻜﺔ .ﻫﺬه اﻟﺤﺪود ﻛﻠﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻤﻨﻊ اﻷوروﺑﻴﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺄﻃﻴﺮ اﻻداري ،ﺑﻜﻴﻔﻴﺔ أﻛﺜﺮ أو أﻗﻞ ،ﻟﻠﺤﺠﺎج ﻋﻨﺪ أرﺻﻔﺔ اﻟﻨﺰول إﻟﻰ ﺟﺪة ،ﻛﻤﺎ ﻳﺬﻛﺮ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ.أن اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ،ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺠﻨﺐ إﻏﻀﺎب اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ
ﻓﻲ اﻟﻬﻨﺪ ،ﻳﺴﻤﺤﻮن ﻟﻠﺤﺠﺎج اﻟﻬﻨﻮد ﺑﺘﻨﻈﻴﻢ أﻧﻔﺴﻬﻢ ،ﻓﺈن اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻴﻦ ﺣﺎوﻟﻮا ﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟﺤﺠﺎج اﻟﻤﻐﺎرﺑﻴﻴﻦ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮة .ﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻟﻴﺲ ﺛﺎﺑﺘﺎً ﺟﺪا ً ﻣﺎدام ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ ﻳﻘﺴﻢ ﻣﻬﺎم اﻹدارات اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﻤﺴﺆوﻟﺔ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ .وﺑﺎﻟﺘﻮازي ﻣﻊ ﻫﺬه اﻟﻤﺤﺎوﻻت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻺﺷﺮاف اﻟﺮﺳﻤﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺞ ،اﻫﺘﻤﺖ ﺧﻄﻮط اﻟﺸﺤﻦ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﺎﻟﺴﻮق اﻟﺘﺠﺎري اﻟﻤﻬﻢ اﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻧﻘﻞ آﻻف اﻟﺤﺠﺎج وﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﻣﻮارد وﻣﺎ ﺳﺘﺠﻠﺒﻪ ﻣﻦ أﻣﻮال. أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس ،ﻓﻴﺘﺤﺪث ﻋﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻤﺜﻠﻪ اﻟﺼﺮاع اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻷول ﻣﻦ ﺗﺤﻮل ﻓﻲ ﻗﻀﻴﺔ اﻟﺤﺞ .أوﻻً ،ﻷن اﻟﺪوﻟﺘﻴﻦ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ واﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻧﻈﻤﺖ ﻋﺪة ﻣﻮاﺳﻢ ﺣﺠﻴﺞ ﻣﺮﻣﻮﻗﺔ :ﻓﺎﻟﺴﻔﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺄﺟﺮﻫﺎ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت وﺗﺮاﻓﻘﻬﺎ اﻟﻘﻮات اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺎز .ﻫﻨﺎك ،ﺗﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﻤﻜﻴﺔ اﻟﺤﺠﺎج ﺑﻤﻮدة ﻛﺒﻴﺮة ﻛﻤﺎ ﺗﻌﺒﺮ اﻟﻘﻮى اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ ﻋﻦ اﺳﺘﻌﺪادﻫﺎ ﻟﺘﻘﺪﻳﻢ ﺧﺪﻣﺎﺗﻬﺎ اﻟﻤﺘﻌﺪدة. وﻫﻨﺎ ﺑﺪأ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﻮن ﻳﻔﻘﺪون اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺠﺎز ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻬﺎﺷﻤﻴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا اﻟﻤﺴﺎﻫﻤﻴﻦ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﻴﻦ ﻓﻲ اﻻﻧﺘﻔﺎﺿﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻌﺎم .1916 وﻗﺪ ﺳﻤﺤﺖ اﻻﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻤﻄﺎف ﻟﻬﺬه اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﻤﻜﻴﺔ ﺑﺄن ﺗﻄﺎﻟﺐ ﺑﻠﻘﺐ اﻟﻤﻠﻚ .وﻫﻨﺎ ﺳﻴﺨﺼﺺ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ دﻋ ًﻤﺎ ﻛﺒﻴﺮا ً ﻟﻠﻤﻠﻚ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
85
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
ﻟﻠﺤﺞ .اﻟﺤﺞ ﻓﺮض ﻣﺬﻛﻮر ﻓﻲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ .ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺟﻤﻴﻌﻬﻢ اﻟﻘﺎدرﻳﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺬﻟﻚ ،اﻟﺤﺞ ﻣﺮة واﺣﺪة ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ إﻟﻰ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ ،ﺧﻼل اﻟﺸﻬﺮ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﻮﻳﻢ اﻟﻘﻤﺮي. ﻟﻄﺎﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺤﺞ ﻣﺮﻛﺰﻳﺎً ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﺳﻮاء ﻷﺳﺒﺎب ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ أو اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ .وﻗﺪ ﻛﺎن رﺳﻤﻴﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ﺗﺤﺖ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ﻟﺴﺒﺒﻴﻦ :اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻛﺎن أﻳﻀﺎ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ وﺛﺎﻧﻴﺎ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺤﺠﺎز ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺖ وﺻﺎﻳﺔ اﺳﻄﻨﺒﻮل .ﻟﻜﻦ "اﻟﻘﻮى اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ" اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻘﺒﻞ ﺑﺘﺪﺧﻼت اﻟﻘﻮى اﻷوروﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮى ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻔﺮض ﻫﻴﻤﻨﺘﻬﺎ .و ﻓﻲ ﺳﻴﺎق ﻫﺬا اﻟﺼﺮاع واﻟﺘﻨﺎﻓﺲ أﺻﺒﺢ اﻟﺤﺞ ﻣﺤﻂ اﻫﺘﻤﺎم اﻟﻌﻮاﺻﻢ اﻷوروﺑﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﻟﻲ ،ﻓﻴﻤﺎ ﻣﻀﻰ ،اﻫﺘﻤﺎﻣﺎ ﻣﺤﺪودا ﺑﻬﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ. ﻳﺴﺘﺤﻀﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻷول اﻟﺘﻮاﺟﺪ اﻟﺘﺪرﻳﺠﻲ واﻟﺒﻄﻲء ﻟﻸوروﺑﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ .ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ ﻋﺮﻓﻮا ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺤﺠﺎز ﻣﻨﺬ وﻗﺖ ﻃﻮﻳﻞ ،ﺣﺘﻰ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ،ﻓﺈن اﻫﺘﻤﺎﻣﻬﻢ ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻛﺎن ﻓﻲ ﺟﺪة ،وﻫﻮ اﻟﻤﻴﻨﺎء اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻟﻠﺤﺠﺎز .ﻛﺎن اﻷوروﺑﻴﻮن ،ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ ﺿﻌﻴﻔًﺎ ﻧﺴﺒﻴﺎً .وﻗﺪ دﻓﻌﺖ ﺑﻌﺜﺔ ﺑﻮﻧﺎﺑﺮت إﻟﻰ ﻣﺼﺮ وﺗﻨﻤﻴﺔ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ،ﻳُﻈﻬﺮون أﻳﻀً ﺎ اﻟﻌﻼﻣﺎت اﻷوﻟﻰ ﻟﻌﺪم اﻟﺜﻘﺔ ﺗﺠﺎه ﻋﺒﺮ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺣﻤﺮ اﻟﻘﻮى اﻷوروﺑﻴﺔ إﻟﻰ ﺗﺜﺒﻴﺖ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻲ اﻟﺤﺞ وﻳﺮﻳﺪون وﺿﻊ إﻃﺎر ﻟﻪ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﺈن ﻫﺬا اﻟﺘﺮﺗﻴﺐ ﻣﻌﻘﺪ ﺑﺴﺒﺐ ﺣﻘﻴﻘﺔ أن اﻟﻤﻜﻴﻴﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻈﻬﺮون اﻟﻌﺪاء ﻟﻠﻤﺤﺎوﻻت اﻷوروﺑﻴﺔ ﻟﻠﺪﺧﻮل إﻟﻰ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ وأن اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﻴﻦ ﻳﺘﺮددون ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎح ﻟﻸوروﺑﻴﻴﻦ ﺑﺎﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﺞ. ﻳﺘﻨﺎول اﻟﻔﺼﻼن اﻟﺜﺎﻧﻲ واﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﺴﺒﺒﻴﻦ اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﺪﻓﻌﺎن اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺎت اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﺬر ﻣﻦ اﻟﺤﺞ وﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻴﻪ :اﻟﻘﻀﻴﺔ اﻟﺼﺤﻴﺔ واﻟﻘﻮﻣﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ .ﻧﺠﺪ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﻦ ﻳﺘﺮددان ﻛﻼزﻣﺔ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ ﻓﻲ ﺗﻘﺎرﻳﺮ اﻟﺤﺞ اﻷوروﺑﻴﺔ .إن ﺗﺤﺴﻴﻦ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻘﻞ ﺑﻴﻦ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ وﺑﻘﻴﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻠﺤﻮظ ﻋﺪد اﻟﺤﺠﺎج اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺰورون اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺳﻨﻮﻳﺎً. ﻫﺬه اﻟﺘﺪﻓﻘﺎت اﻟﻤﺘﺰاﻳﺪة ﻟﻠﺤﺠﻴﺞ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺴﺮﻳﻊ اﻧﺘﺸﺎر ﺑﻌﺾ اﻷﻣﺮاض اﻟﻮﺑﺎﺋﻴﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻜﻮﻟﻴﺮا ،اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺠﺎج ،ﻓﻘﻂ ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺎز وﻟﻜﻦ أﻳﻀﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻗﻲ ﺳﻜﺎن اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮات .ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻻﻧﺘﺸﺎر اﻟﻮﺑﺎﺋﻲ ﻳﻘﻠﻖ اﻟﻤﺪن اﻷوروﺑﻴﺔ وﻳﺪﻓﻌﻬﺎ إﻟﻰ ﻋﻘﺪ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﺗﻤﺮات اﻟﺪوﻟﻴﺔ .ﻏﻴﺮ أن اﻟﺘﺪاﺑﻴﺮ اﻟﻤﻘﺘﺮﺣﺔ ﺗﻄﺒﻴﻘﻬﺎ ﺑﻄﻲء ﺟﺪا ً ،ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺘﺤﻔﻈﺎت اﻟﻌﺪﻳﺪة ﻟﻠﻌﺜﻤﺎﻧﻴﻴﻦ ،و اﻟﺤﺠﺎج أو ﺑﻌﺾ اﻟﻘﻮى اﻷوروﺑﻴﺔ .اﻷوروﺑﻴﻮن ﻳﺨﺸﻮن أﻳﻀﺎ ﺧﻄﺮا ً ﺛﺎﻧﻴﺎً ،ﻫﺬه اﻟﻤﺮة ذا ﺑﻌﺪ ﻣﺘﺨ ّﻴﻞ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻵوﻧﺔ ،وﻳﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻟﻮﺣﺪة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺤﺞ .وﻣﻤﺎ ﻳﻌﺰز ﻫﺬا اﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺪة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺆدي إﻟﻰ ﺛﻮرة ﻓﻲ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﻓﻲ اﻟﻬﻨﺪ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮة ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ،ووﻗﻌﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺛﻮرة اﻟﺴﻴﺒﻮي ﻣﺎ ﺑﻴﻦ 1857و 1858و ﻓﻲ أوروﺑﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ اﻟﺜﺎﻧﻲ ) ،(1909-1879اﻟﺬي ﻟﻌﺐ ﺑﻬﺬه اﻟﻮرﻗﺔ ﻟﻤﺤﺎوﻟﺔ ﺗﻌﻄﻴﻞ ﻓﻘﺪان اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﻴﻦ ﻟﻨﻔﻮذﻫﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ. إذا ﻛﺎن اﻟﺤﺞ ﻫﻮ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻓﺘﺮة زﻣﻨﻴﺔ ﻣﺆﻗﺘﺔ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﺠﺎج
84
اﻟﺤﺞ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ا ﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺎت
ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺣﻤﺮ ﻋﺒﺮ ﺗﻮﻇﻴﻒ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺳﻔﻦ اﻟﺮﺣﻼت اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ أو اﻟﺠﻨﻮد اﻟﺤﺠﺎج اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻋﻴﻮﻧًﺎ ﺑﻌﻴﺪة ﻟﺮﺻﺪ أوﺿﺎع وﺗﺤﻮﻻت اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﺤﻜﻢ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ،ﻫﻲ ﻣﺎ ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﻌﻘﺒﻬﺎ ﻫﺬا أوروﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺸ ّﻴﻖ) :اﻟﺤﺞ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺎت :ﺗﺎرﻳ ٌﺦ ﱞ اﻟﺤﺞ إﻟﻰ ﻣﻜﺔ .ﻟﻮك ﺷﺎﻧﺘﺮ ،ﻣﻨﺸﻮرات ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺴﻮرﺑﻮن .ﻓﺮﻧﺴﺎ.2018 . 500ﺻﻔﺤﺔ(. ﻳﻘﻮل اﻟﻜﺎﺗﺐ إن اﻟﻘﻮى اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ ﻟﻢ ﺗﺘﻮﻗﻒ ،ﺧﻼل ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة، ﻋﻦ اﻟﺘﺠﺴﺲ ،ﺟﺎﻋﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺞ ﻣﺠﺎﻻً ﻟﻤﻮاﺟﻬﺎت ﻣﺆﻗﺘﺔ أو داﺋﻤﺔ .إن ﺗﺠﺎﻫﻞ ﺣﺪود اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺔ ،ﻗﺪ دﻓﻊ اﻟﺤﺠﺎج أﻧﻔﺴﻬﻢ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﺣﺞ اﺳﺘﻌﻤﺎري أي إﻟﻰ ﻋﻴﺶ واﻗﻊ رﺣﻼت ﻋﺎﺑﺮة ﻟﻠﺤﺪود ،ﻣﻤﺎ أﺛﺎر اﻟﻤﺨﺎوف ﻓﻲ ﻋﻮدة اﻷوروﺑﻲ ،وﻫﺬه اﻟﻬﻮاﺟﺲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻘﻲ داﺋﻤﺎ ﺑﻈﻼﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻣﻦ وﺟﻮد ﻣﺆاﻣﺮات ﺗﺤﺎك ﺿﺪ اﻟﻄﺮﻓﻴﻦ اﻟﻤﺴﻠﻢ واﻟﻤﺴﻴﺤﻲ .و ﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻟﺴﻨﻴﻦ ،ﻛﺎﻧﺖ أوروﺑﺎ ﺗﺮاﻗﺐ ﺗﺤﻮل اﻟﺤﺞ إﻟﻰ ﻇﺎﻫﺮة ﺟﻤﺎﻫﻴﺮﻳﺔ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺴﻌﻰ إﻟﻰ اﺑﺘﻜﺎر أﺷﻜﺎل ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﺤﺠﻴﺞ ،ﻗﺒﻞ أن ﺗﺄﺗﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ ﻹﻧﻬﺎء أﺣﻼم ﻋﻈﻤﺔ ﻫﺬه "اﻟﻘﻮى اﻟﻤﺴﻠﻤﺔ". ﻳﻘﺘﺮح ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻛﺘﺎب ﻟﻮك ﻛﺎﻧﺘﻮر أن ﻧﻔﻬﻢ ﻛﻴﻒ اﻫﺘﻢ ،ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻧﻴﻦ اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،اﻷوروﺑﻴﻮن ﺗﺪرﻳﺠﻴﺎً ﺑﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺤﺞ )اﻟﺤﺞ إﻟﻰ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ( ،وﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺸﺎرﻛﻴﻦ ﻓﻲ إﻋﻄﺎء اﻟﺸﻜﻞ اﻟﺤﺎﻟﻲ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
83
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
~úÿĩ ïĸ ĵĔ~ąòĬľ~ ąďĚ ķĠ
ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻮﻛﺮاﻣﻲ
ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻻﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺎت اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ ﻛﺎن ﻳﺘﻮاﻓﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ وﻣﻨﺬ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ،آﻻف اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻵداء اﻟﻤﻨﺎﺳﻚ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺘﻴﻦ اﻟﻤﻘﺪﺳﺘﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺎز .ورﻏﻢ اﻟﺸﺮوط اﻟﺸﺎﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﺞ إﻻ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻈﻬﺮ اﻟﻮﺣﺪوي اﻟﻤﺘﻤﻴﺰ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ،ﻟﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻳﺒﺪو اﻟﺤﺞ ﻷول وﻫﻠﺔ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺤﺎﻓﻆ إﻻ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺎت ﺑﻌﻴﺪة وﻣﻀﻄﺮﺑﺔ ﻣﻊ أوروﺑﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺼﺮف ﻓﻲ أﻣﺎﻛﻦ ﺣﺠﻴﺠﻬﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ روﻣﺎ أو ﺑﻴﺖ اﻟﻤﻘﺪس أو ﺳﺎﻧﺖ ﺟﺎك وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ إﺣﺪى ﻣﻘﺎﻃﻌﺎﺗﻬﺎ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ. وﻣﻊ ذﻟﻚ ،وﻓﻲ ﻇﻞ اﺳﺘﻌﻤﺎر ﺟﺰء ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ،ﻓﺈن اﻟﻘﻮى اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ ،ﺑﻤﺒﺎدرة ﻣﻨﻬﺎ أو ﻣﻀﻄﺮة ﺑﺤﻜﻢ اﻷﺣﺪاث ،ﻟﺠﺄت إﻟﻰ اﻟﺘﺪﺧﻞ اﻟﻤﺘﺰاﻳﺪ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺎت ﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟﺤﺞ إﻟﻰ ﻣﻜﺔ .ﺧﻼل أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﺮن ،أي ﻣﺎ ﺑﻴﻦ 1840و ﺑﺪاﻳﺔ 1960ﻗﺎﻣﺖ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ وﻓﺮﻧﺴﺎ وﻫﻮﻟﻨﺪا وروﺳﻴﺎ وإﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ،وإﻟﻰ ﺣﺪ أﻗﻞ اﻟﻨﻤﺴﺎ وإﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ﺑﺈرﺳﺎل ﺳﻔﻦ ﻣﺴﺘﺄﺟﺮة ،ﻋﻠﻰ ﻣﺘﻨﻬﺎ ﻣﻮﻇﻔﻮﻫﻢ وﺟﻨ ًﺒﺎ إﻟﻰ ﺟﻨﺐ اﻟﺤﺠﺎج اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ .وﻛﺎن ﻫﺬا ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل ووﻇﺎﺋﻒ .ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ذﻟﻚ ،ﻣﻦ ﻛﺎن ﻳﺘﺼﻮر أن اﻟﻤﺴﺘﻜﺸﻔﻴﻦ اﻷوروﺑﻴﻴﻦ 82
اﻟﺤﺞ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ا ﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺎت
ﻗﺪ ﺗﻨﻜﺮوا ﻓﻲ ﺷﺨﺼﻴﺎت أﻣﺮاء ﺣﻠﺒﻴﻴﻦ ،أو أﻃﺒﺎء أﻓﻐﺎﻧﻴﻴﻦ ،وﺧﺎﻃﺮوا ﺑﺤﻴﺎﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ،ﻷﺟﻞ وﻟﻮج اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ اﻟﻤﺤﻈﻮرة ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ! اﻟﻴﻮم ﻧﻌﻠﻢ أن أرﻳﺴﺘﻴﺪ ﺑﺮﻳﺎن أو ﺑﻴﻨﻴﺘﻮ ﻣﻮﺳﻮﻟﻴﻨﻲ ،ﻣﺜﻞ اﻟﺴﻼﻃﻴﻦ اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ أو اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﻴﻦ ،ﻗﺪ اﻫﺘﻤﻮا ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎص ﺑﺘﻨﻈﻴﻢ ﻗﻮاﻓﻞ اﻟﺤﺞ؟ ﻫﺬه "اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ" ﻟﻠﺤﺞ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺎت ﺗﻬﺘﻢ ﺑﺸﻜﻞ دﻗﻴﻖ ﺑﻨﻈﺎﻓﺔ اﻟﺤﺞ واﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﻮذ
أﺛﺮ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ
ïěĈ ęĸ óĸąěċ
ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺘﺴﻌﻴﻨﻴﺎت ،ﺑﺪأ ﻧﺠﻢ ودﻳﻊ ﺳﻌﺎدة ﻳﺒﺰغ ﺑﻴﻨﻨﺎ ،ﻧﺤﻦ ﺷﻌﺮاء اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت ،ﺑﺤﻴﺚ ﺑﺪت ﺷﺎﻋﺮﻳﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻤﺎ أﻟﻔﻨﺎه ﻣﻦ اﻟﻜﺒﺎر وﻗﺘﻬﺎ :أﻧﺴﻲ اﻟﺤﺎج ،أدوﻧﻴﺲ ،ﺳﻌﺪي ﻳﻮﺳﻒ ،وﻏﻴﺮﻫﻢ. ﺟﻤﻠﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻣﺸﺤﻮﻧﺔ ﺑﺎﻟﺸﺎﻋﺮﻳﺔ ،ﻋﺎﻟﻢ ﺷﺒﻪ ﻣﺤﺴﻮس ﻧﺮاه ﻋﻠﻰ ﺟﻠﺪﻧﺎ اﻟﺸﻌﺮي ﻳﺸﻖ ﻃﺮﻳﻘﻪ إﻟﻰ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ،ﺑﺎﺳﻢٍ أﺻﻼً ﻛﺄﻧﻪ ﻣﺠﺎز ﻏﺮﻳﺐ :اﻟﻮدﻳﻊ ﻣﺮﺗﺒﻄﺎً ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة ،وﻫﻜﺬا رﺣﻨﺎ ﻧﺴﺘﻘﺒﻞ ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ اﻟﻬﺸﺔ اﻟﺒﺎﺷّ ﺔ اﻟﺨﻔﻴﻔﺔ ،ﻣﺜﻞ )ﺣﻴﻦ ﺗﻤﻄﺮ اﻟﺴﻤﺎء /ﻳﺨﺮج اﻟﻤﻮﺗﻰ ﻟﻴﺸﺮﺑﻮا( ،أو )ﺗﺘﻨﻔﺲ اﻷﺣﺠﺎر /ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺮ روح /ﻋﺸﺒﺔ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻨﺒﺖ( ،أو )ﻳﺪ ﻋﺎﻟﻘﺔ ﻓﻲ ﺟﺴﺪ /ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻠﺤﻖ ﺑﻬﺎ /وﻻ ﻳﻌﺮف أﻳﻦ ﺗﺬﻫﺐ(. أﻫﻢ ﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰ ودﻳﻊ ﺳﻌﺎدة ﺳﺮده اﻟﺸﻔﺎف ،ﻛﺮوح ﻻ راﺑﻂ ﻟﻬﺎ ،ﻳﺄﺧﺬك إﻟﻰ ﻋﻮاﻟﻢ ﻣﺴﺘﺠﺪة ﻟﻢ ﻧﻌﻬﺪﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ ،ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﺎﻣﺶ ،ﺗﻤﻠﻚ ﻋﻠﻴﻚ ﻧﻔﺴﻚ ،ﻓﺘﻬﻴﻢ ﺑﻬﺎ أو ﻣﻌﻬﺎ إﻟﻰ ﻓﻀﺎء آﺧﺮ ﻣﻮا ٍز ﻟﻤﺎ ﻧﺤﻴﺎه ،وإن ﻛﺎن واﻗﻌﻴﺎً ،ﻟﻜﻨﻬﺎ واﻗﻌﻴﺔ أﺧﺮى ،واﻗﻌﻴﺔ ﻟﻐﺔ ﻫﺎﺋﻤﺔ ﻻ ﻣﺴﺘﻘ ّﺮ ﻟﻬﺎ ،ﻟﻐﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﻛﺎﺋﻨﺎت ﻧﺤﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻫﺪ ﻧﺤﻴﻠﺔ، ﻟﻜﺄﻧﻪ ﻳﻄﺎﺑﻖ أو ﻳﺘﻨﺎص ﻣﻊ ﻛﺎﺋﻨﺎت ﺟﻴﺎﻛﻮﻣﻴﺘﻲ ،ﻳﻘﻮل )ﻧﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺻﻴﻒ ﻳﻔﺘﺢ ﻋﻴﻨﻴﻪ /ﺑﻴﻦ ﺣﻴﻦ وآﺧﺮ /أﻟﻢ ﻧﻐﺮق ﻓﻲ اﻟﻨﻮم ﻣﻌﺎً/ إﻟﻲ /ﺛﻢ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﻨﻮم( ،ﻛﺬﻟﻚ )ﻓﻲ دﻣﻪ ﻃﻮﻓﺎن /ﻳﺒﺤﺚ ﻳﻨﻈﺮ ّ ﻓﻲ ﻋﺮوﻗﻪ ﻋﻦ ﺧﺸﺐ /ﻛﻲ ﻳﺒﻨﻲ ﺳﻔﻴﻨﺔ(. ﻓﻲ ﺳﺮدﻳﺎت ودﻳﻊ ﺳﻌﺎدة ،ﺛﻤﺔ ﺣﻜﻲ ﻋﻠﻴﻚ أن ﺗﻤﻸه ،ﺣﻜﻲ ﻧﺎﻗﺺ ،ﺣﻜﻲ ﻣﻠﻲء ﻣﻊ أﻧﻪ ﻧﺎﻗﺺ ،ﺣﻜﻲ ﺛﻘﻴﻞ ﻣﻊ أﻧﻪ ﺧﻔﻴﻒ ﺷﻔﻴﻒ ،ﺣﻜﻲ ﻳﻘﻮل ﻟﻚ ﺗﻌﺎل واﻧﻈﺮ، ﻋﻠﻮي وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻼﻣﺴﻪ ﺛﻤﺔ ﻋﺎﻟﻢ ّ أرﺿﻴﺔ ،ﻣﻼﻣﺴﻪ ﻻ ﺗﻠﻤﺲ اﻷرض ،ﺑﻞ ﺛﻤﺔ اﻟﻨﺺ ﻫﻮاء ﻋﺎ ٍر ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺺ وﻣﺘﻠﻘﻴﻪ ،ﺑﻴﻦ ّ اﻟﻨﺺ واﻟﻔﻀﺎء اﻟــﺬي ﻳﺴﺒﺢ ﻓﻴﻪ ،ﺑﻴﻦ ّ وﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ،ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﺑﻼ ﻣﺠﺎز ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ،أو ﻫﻮ اﻟﻤﺠﺎز /اﻟﻤﺸﻬﺪ ،اﻟﻤﺠﺎز اﻟﺴﺎﺑﺢ ﻓﻲ ﻣﺸﻬﺪﻳﺔ ﻏﺎﺋﻤﺔ ،ﻣﺸﻬﺪﻳﺔ ﻻ أﺛﺮ واﻗﻌﻴﺎً ﻟﻬﺎ إﻻ ﻛﻮﻗﻊ اﻟﺤﺎﻓﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﻓﺮ ،ﻛﻤﺎ ﻗﻴﻞ ﻗﺪﻳﻤﺎً ،أو ﻟﻜﺄﻧﻪ ﻣﺎء ﻣﻦ أﺛﺮ اﻟﻤﺎء ،ﻣﺎء ﻻ ﻗﻮام ﻟﻪ ،ﻣﺎء إﻟﻰ ﺣﺼﺎن اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ،ﻛﻌﻨﻮان
ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻴﺪ اﺑﺮاﻫﻴﻢ* @ ﺷﺎﻋﺮ وﻣﺘﺮﺟﻢ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ
أﺣﺪ دواوﻳﻦ ﺷﻮﻗﻲ أﺑﻲ ﺷﻘﺮا ،ﻣﻊ أن أﺑﻲ ﺷﻘﺮا ﻳﻜﺘﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﻣﻦ ودﻳﻊ ﻃﺒﻌﺎً ،ﻛﺬﻟﻚ أﻧﺴﻲ اﻟﺤﺎج ،إذ ﺗﻘﻊ اﻟﻠﻐﺔ ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺼﻨﻢ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،ﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﺑﻴﻦ أﺣﺪﻫﻤﺎ واﻵﺧﺮ ،ﻟﻜﻦ ودﻳﻊ ﻳﻜﺘﺐ ﺑﺴﺮدﻳﺔ أﺧﺮى ،ﺳﺮدﻳﺔ ﻏﺎﺋﻤﺔ ﻓﺎﺋﺤﺔ ﺑﻔﻀﺎء ﺿﻤﻦ ﻓﻀﺎء ،ﻧﻘﻴﺾ ﺳﺮدﻳﺔ أﺑﻲ ﺷﻘﺮا اﻟﻐﺮاﺋﺒﻴﺔ أو ﻟﻌﺐ أﻧﺴﻲ اﻟﺤﺎج ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﻛﻤﻦ ﻳﺒﺘﻜﺮ اﻟﻠﻐﺔ. ودﻳﻊ ﺳﻌﺎدة ﻳﺴﺒﺢ ﻓﻲ اﻟﺼﻮت ،ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺒﺘﻜﺮ ﺻﻮﺗﺎً ،ﻳﻨﻈﺮ ﻓﻲ اﻟﻐﻴﻮم وﻻ ﺗﻤﻄﺮ ﻣﻌﻪ ،ﻳﺄﺧﺬ )اﻟﺤﻄﺐ ﻓﻲ ﻧﺰﻫ ٍﺔ /ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺸﺮب(، ﻋﻠﻰ ﺑﺎب ﻗﻠﺒﻪ اﻟﺬي )ﺧﻠّﻌﺘﻪ اﻟﺮﻳﺎح /ﻻ ﻳﺠﺪ أﺣﺪا ً( ،ﻣﻊ أﻧﻪ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﻃﻮﻳﻼً ،ﻻ ﻳﺮﻗﺐ ﻣﻦ اﻧﺘﻈﺎره )ﻏﻮدو( ،ﺑﻞ ﻧﺮاه ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ )ﻏﻮدو(، اﻟﺬي ﻳﻨﺘﻈﺮ ﻧﻔﺴﻪ أن ﺗﺘﺤﻘﻖ ،أو ﻳﻨﺘﻈﺮ اﻟﻌﺒﻮر إﻟﻰ اﻟﻤﻮت ،ﻛﻲ وﻛﻞ اﻣﺮئ ﻟﻪ ﻣﻦ اﺳﻤﻪ )ﻳﺤﻴﻲ اﻟﻌﺎﺑﺮﻳﻦ( ،ودﻳﻊ ِﺷﻌﺮه ﻣﺜﻞ اﺳﻤﻪّ ، ﻧﺼﻴﺐ ،ﻛﻤﺎ ورد ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺸﺮﻳﻒ ،ﻣﻊ أن ﻟﻘﺒﻪ ﻻ ﻳﻮﺣﻲ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة ،ﻓﺎﻟﻮدﻋﺎء ﻻ ﻳﺮﺛﻮن اﻷرض ،ﻛﻤﺎ أﻛّﺪ أﻣﻞ دﻧﻘﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﻣﺮة )اﻟﻮدﻋﺎء اﻟﻄﻴﺒﻮن ﻳﺮﺛﻮن اﻷرض ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻤﺪى( ،ﻛﻤﺎ أن ودﻳﻊ ﻻ أﺣﺪ ﻳﻔﺘﺢ ﻟﻪ ،ﻓﻘﺪ ﺷﺎخ اﻵﺧﺮون ،وﺿﺠﺮوا ،ﻳﻄﺮق اﻟﺒﺎب ،وﺣﻴﻦ ﻳﺪﺧﻞ ،ﻳﻄﺮق ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺔ اﻷﺧﺮى ،ﻛﺄﻧﻪ ﻣﻮﻻﻧﺎ ﺟﻼل اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺮوﻣﻲ ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻧﺮى ﺗﻘﺸﻒ ودﻳﻊ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺻﻮﻓﻴﺘﻪ ،ﻻ ﻟﻐﺔ ﻳﺴﺘﻨﺪ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ اﻹﺑﻬﺎر ،ﺑﻞ ﺳﺮد ﺑﻤﺴﺎﻓﺎت ﻛﻠﻬﺎ ﻋﻴﻮن، ﺣﻴﺚ ﻳﺼﺒﺢ ﻋﺼﻔﻮرا ً ،ﺛﻢ )ﻳﻨﺰع رﻳﺸﻪ/ ﻟﻴﺼﻴﺮ اﻟﻨﺴﻴﻢ( ،وﻛﻠﻤﺔ )اﻟﻨﺴﻴﻢ( ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﻌﻮاﻟﻤﻪ ،ﻻ ﻣﺤﺴﻮس وﻻ ﻣﻠﻤﻮس ،ﻫﻮ اﻟﺬي ودﻳﻊ ﺳﻌﺎدة ﺑﻴﻦ اﻟﺮأس واﻷرض ،ﻳﺘﺒﻊ اﻟﺪﺧﺎن ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
81
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻷﺛﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ رﺻﺪﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم
80
ﺳﻮرﻳﺎ ..اﻟﺒﺎدﻳﺔ واﻟﻐﻮﻃﺔ
ﻗﻠﺐ ﻟﻮزة -ﻗﺮﻳﺔ درزﻳﺔ ﺑﺴﻮرﻳﺔ
ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺔ ﻧﻬﺮ اﻷردن ﻣﺮت ﺑﺠﺴﺮ ﻣﺴﻮر ﺑﺄﻋﻤﺪة ﻣﺘﺸﺎﺑﻜﺔ ،وﻓﻲ اﻟﺴﻠﻂ ﻗﻠﻌﺔ ﻣﻬﺪﻣﺔ ﺣﺎرت ﻓﻲ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي ﺗﻨﺘﻤﻲ إﻟﻴﻪ ،وﻣﻦ ﻣﺄدﺑﺎ اﻟﺘﻲ )ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ ﻣﺰدﻫﺮة( إﻟﻰ ﻗﺼﺮ اﻟﻤﺸﺘﻰ ﺣﻴﺚ ﻧﻘﻞ اﻷﻟﻤﺎن اﻟﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻤﺰﺧﺮﻓﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻘﺼﺮ اﻟﺮاﺋﻊ،وﻗﺒﻠﻬﺎ ﻣﺮت ﻋﻠﻰ ﺑﺮﻛﺔ أم اﻟﻌﻤﻮد ﻋﻠﻰ راﺑﻴﺔ ﻋﻤﻴﺮة اﻟﻤﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻵﺛﺎر ،وﺑﻌﺪﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻴﺎدودة ﺣﻴﺚ وﺟﺪت أﺿﺮﺣﺔ وﺗﻮاﺑﻴﺖ ﺣﺠﺮﻳﺔ ،ﻛﻤﺎﻋﺜﺮت ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻄﻨﻴﺐ ﺗﺤﺖ ﻣﺤﺮاث ﻣﺮاﻓﻘﻬﺎ »ﻧﻤﺮود«ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻼت اﻟﻨﺤﺎﺳﻴﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻼﻣﺢ ﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻦ ،وﻣﺮت ﺑﺎﻟﻘﺴﻄﻞ وﻫﻮ ﻣﺨﻴﻢ روﻣﺎﻧﻲ ﻣﺤﺼﻦ ﻳﺘﺮﺑﻊ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﺔ. وﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺪروز زارت)أم اﻟﺠﻤﺎل( ﻛﻘﺮﻳﺔ أﺛﺮﻳﺔ اﺳﺘﻜﺸﻔﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻘﺒﺮة ﻧﺒﻄﻴﺔ وﺑﻨﺎء ﻟﺪﻳﺮ ﻗﺪﻳﻢ إﺿﺎﻓﺔ ﻟﻘﺮى أﺛﺮﻳﺔ أﺧﺮى ﻋﻠﻰ ﺳﻔﺢ ﺟﺒﻞ .وﻻ ﺗﺨﻔﻲ ﺳ ًﺮا وﻫﻲ ﺗﺼﺮح أن ﻣﺎ ﻳﺸﻐﻞ ﺗﻔﻜﻴﺮﻫﺎ ﻫﻮ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﻳﻤﺘﺪ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻣﻦ ﻗﻠﻌﺔ اﻟﺰرﻗﺎ إﻟﻰ ﺑﺼﺮى، وﻗﺪ ﺣﺪدﺗﻪ ﻣﻦ ﺻﻠﺨﺪ إﻟﻰ اﻟﺒﺎدﻳﺔ وﻣﻨﻪ أﻳﻀً ﺎ ﻳﺒﺪأ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻘﻮاﻓﻞ إﻟﻰ ﻧﺠﺪ وإﻟﻰ اﻟﺠﻮف ،أﻣﺎ اﻟﺤﺼﻦ اﻷﺛﺮي ﻓﻲ ﺻﻠﺨﺪ اﻟﺬي ﺑﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻓﻮﻫﺔ ﺑﺮﻛﺎن ﻓﻴﺒﺪو أﻧﻪ ﻛﺎن اﻟﻤﻮﻗﻊ اﻷﻣﺎﻣﻲ ﻟﺠﺒﺎل ﺣﻮران ،ﻓﻬﻮ: اﻟﻤﺮﺻﺪ اﻷﻣﺎﻣﻲ ﻟﻠﺤﻀﺎرة أﻣﺎم اﻟﻐﺰاة اﻟﻘﺪاﻣﻰ ﺣﺴﺐ ﺗﻌﺒﻴﺮﻫﺎ. ﻛﻤﺎ زارت ﻗﻠﻌﺔ اﻷزرق اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻖ ﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻓﺮﻧﺴﻴﻴﻦ زﻳﺎرﺗﻬﺎ ،وﺗﻀﻢ أﻏﻠﺐ اﻟﺘﻼل ﻣﻘﺎﻣﺎت ﻷوﻟﻴﺎء ،وﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻣﺮاﻛﺰ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻟﻌﺒﺎدات ذات اﻟﺸﺮى واﻟﻌﺰى اﻵﻟﻬﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ. وﺗﻠﺤﻆ ﻓﻲ ﺣﻮران ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺒﺮج واﻟﻀﺮﻳﺢ وﻫﻤﺎ اﻟﺒﻴﻀﺎ وﻣﺰار اﻟﺸﻴﺦ ﺳﺮاﻗﺔ ﺣﻴﺚ ﺑﺪا ﻫﻮ اﻟﻮرﻳﺚ ﻟﻺﻟﻪ أﻳﻞ أﻗﺪم آﻟﻬﺔ اﻟﺼﻔﺎ ،وﻃﺒ ًﻌﺎ أوﻟﺖ ﻋﻨﺎﻳﺘﻬﺎ ﻟﻠﺒﻴﻮت اﻟﺪﻣﺸﻘﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ وﻧﻤﻂ ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ زارت اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻷﻣﻮي وﻧﻮﻫﺖ إﻟﻰ اﻹﺿﺎﻓﺎت اﻟﺘﻲ أﻧﺸﺌﺖ ﻓﻮق ﻣﺎﻛﺎن ﻛﻨﻴﺴﺔ ﻳﻮ ًﻣﺎ ﻣﺎ، واﻗﺘﻔﺖ ﻣﺴﺎر اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ﻣﻦ »دﻣﺸﻖ« إﻟﻰ »ﺑﻌﻠﺒﻚ«ﻣﻨﺘﺒﻬﺔ ﻟﻠﻨﻘﻮش اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ اﻟﻤﺤﻔﻮرة ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺨﻮر ،ﺣﻴﺚ ﺗﺘﺮﻛﺰ اﻵﺛﺎر اﻟﻤﻬﻤﺔ ﺑﻴﻦ ﺳﻠﺴﻠﺘﻲ ﻟﺒﻨﺎن اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ واﻟﺸﺮﻗﻴﺔ .وﻓﻲ »اﻟﻠﺒﻮة« وﺻﻔﺖ أﻃﻼل ﻣﻌﺒﺪ ﺑﻨﻲ داﺧﻞ ﻣﺒﻨﻰ أﺿﺨﻢ ﻣﻦ »ﺑﻌﻠﺒﻚ« .ﻛﻤﺎ وﺻﻔﺖ اﻷﻃﻼل اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺼﺐ ﻋﻠﻰ أرض ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ وﺳﻂ »وادي اﻟﻌﺎﺻﻲ«وﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺑﻨﻲ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة اﻟﻀﺨﻤﺔ ،ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﺳﻢ ﻗﺎﻣﻮع اﻟﻬﺮﻣﻞ، ﺑﺮج ﺷﺎﻫﻖ َ ﻛﻤﺎ زارت »ﺗﻞ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻨﺪو« وﻫﻮ ﻣﻮﻗﻊ »ﻗﺎدش« ﻋﻠﻰ »اﻟﻌﺎﺻﻲ« اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ »ﻟﻠﺤﺜﻴﻴﻦ«. وﻓﻲ ﺣﻤﺺ ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﺳﻮى اﻷﻧﻘﺎض اﻟﻘﺮﻣﻴﺪﻳﺔ ﺧﺎرج ﺑ ﱠﻮاﺑﺔ »ﻃﺮاﺑﻠﺲ« ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻟﻞ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ روﻣﺎﻧﻴﺔ ،وﻫﻮ اﻷﺛ ُﺮ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﻤﺘﺒﻘﱢﻲ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻧﺼ َﻒ »إﻣﻴﺴﺎ« وﺗﺼﻒ »ﻗﻠﻌﺔ اﻟﺤﺼﻦ« ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻛﺒﻴﺮة ﺟﺪا ً ﺑِﺤﻴﺚ أ ﱠن ْ ﺳﻜﱠﺎن اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻳﺴﻜﻨﻮن اﻟﻬﻴﺎﻛﻞ اﻟﺘﺤﺘﻴﺔ اﻟ ُﻤ َﻘﺒﱠﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺼﻦ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ اج اﻟﻌﻠﻮﻳﱠﺔ،وﻗﺪ اﺣﺘﻔﻆ اﻟﺤﺼﻦ ﺑﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﺗﺤ ّﻮﻟَﺖ ﺗ ُ َﺸﻐﻞ اﻟﺤﺎﻣﻴﺔ اﻷﺑﺮ َ ﺑﻌﺪﻫﺎ إﻟﻰ ﻣﺴﺠﺪ ،وﺑﻌﺪﻫﺎ زارت ﺣﺼﻦ ﻗﻠﻌﺔ ﺻﺎﻓﻴﺘﺎ واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻞ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻘﻠﻌﺔ وﺣﺼﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎن .وﻗﺪ ﺗﺠﻠﺖ ﺧﻴﺒﺔ أﻣﻠﻬﺎ ﻋﻨﺪ
وﺻﻮﻟﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﺼﻴﺎف ﻷﻧﻬﺎ اﺳﺘﻨﺘﺠﺖ أن اﻟﻘﻠﻌﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ وﻃﺮازﻫﺎ ﻋﺮﺑﻲ، ورﺳﻤﺖ ﺻﻮرة ﻻﻓﺘﺔ ﻟﻨﻬﺮ »اﻟﻌﺎﺻﻲ« وﻫﻮ ﻳﻨﺴﺎب ﻋﻨﺪ ﻋﺠﻼت ﻓﺎرﺳﻴﺔ أﻧﺸﺌﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ِﻗﻼع »ﺣﻤﺎة« ﻋﻤﻼﻗﺔ »اﻟﻨﻮاﻋﻴﺮ« وﺧﻠﻔﻪ اﻟﺘﻠﺔ اﻟﺘﻲ ْ و»أﺑﻴﻔﺎﻧﻴﺎ« ذﻟﻚ أن ﻣﻮﻗﻊ »ﺣﻤﺎة« أﺣﺪ أﻗﺪم اﻟﻤﻮاﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ. ﺣﻴﺚ ﻳﺘﺄﻟﻖ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﻮاﻗﻊ وﺳﻂ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ "ﺣﻤﺎة "اﻟﺬي ﻛﺎن ﻛﻨﻴﺴﺔ ﺑﻴﺰﻧﻄﻴﺔ ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﺎ .ﻛﻤﺎ زارت ﻗﻠﻌﺔ اﻟﻤﻀﻴﻖ –ﻗﻠﻌﺔ ﺷﻴﺰر، وﻋﺪ ًدا ﻣﻦ اﻟﻤﺪن اﻷﺛﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺟﺒﻞ اﻟﺰاوﻳﺔ-ﺧﺮﺑﺔ ﺣﺎس اﻟﺒﺎرة-ﺣﺼﻦ اﻟﻌﺬراوات أو ﻗﺼﺮ اﻟﺒﻨﺎت ،وﻣﺮت ﺑﻘﺮﻳﺔ»ﺣﻠﺒﺎن«و»ﻣﻐﺎرة ﻣﻴﺮزة« ﺣﻴﺚ وﺟﺪت ﻫﻨﺎك ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻛﻨﻴﺴﺔ وﻣﻘﺎﺑﺮ .وﻓﻲ ﺣﻠﺐ ﺗﻤﺮ ﺑﺎﻟﻤﺂذن واﻟﺒﻮاﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺴﺪ اﻟﺤﻘﺒﺔ اﻷﻛﺜﺮ ﺑﺮاﻋﺔ ﻟﻠﻌﻤﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ .ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ واﻟﺤﻤﺎﻣﺎت واﻟﺨﺎﻧﺎت )ﺧﺎﺻﺔ ﻧﺼﻒ اﻟﺨﺮﺑﺔ واﻟﻤﻐﻠﻘﺔ( ﺻﻌﻮدا ً إﻟﻰ ﻗﻠﻌﺔ ﺣﻠﺐ اﻟﻤﺸﺮﻓﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻓﻖ ،ﺣﻴﺚ ﺳﺎﻓﺮت أﻧﻈﺎرﻫﺎ إﻟﻰ ﺑﻼد ﻣﺎﺑﻴﻦ اﻟﻨﻬﺮﻳﻦ اﻟﺘﻲ اﻣﺘﺪت أﻣﺎﻣﻬﺎ ﻛﺴﻬﻞ ﻣﻨﺒﺴﻂ ﻓﻜﺎن ﻟﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺎرﻳﺦ ﺣﺎﻓﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ .وﻣﻦ أﻧﻄﺎﻛﻴﺔ وﺻﻠﺖ اﺳﻜﻨﺪرون ﺑﻌﺪ أن ﻣﺮت ﺑﻘﻠﻌﺔ ﺳﻤﻌﺎن وﻛﻨﻴﺴﺔ اﻟﻘﺪﻳﺲ »ﺳﻤﻌﺎن اﻟﻌﻤﻮدي« وﻗﺪ ﺑﺬﻟﺖ ﺟﻬﺪا ًﻛﺒﻴ ًﺮا ﻓﻲ ﺗﺒﻴﺎن اﻟﻔﺮوﻗﺎت ﺑﻴﻦ ﻛﻨﺎﺋﺲ وﻗﻼع اﻟﺠﻨﻮب ﻋﻦ اﻟﺸﻤﺎل .رﺑﻤﺎ ﻟﻮ ﺗﺴﻨﻰ ﻟﺴﻜﺎن ﻫﺬه اﻟﻤﻜﺎن اﻻﻃﻼع ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﺬﻛﺮات ﻓﻲ أواﻧﻬﺎ ﻟﺘﻐﻴﺮ ﻓﻬﻤﻬﻢ ﻟﺤﺎﺿﺮﻫﻢ وﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻬﻢ ،وﻟﻌﻠﻪ ﻳﻀﻲء ﻟﻬﻢ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺮك اﻟﻐﺮب ﺗﺠﺎه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ واﻟﺼﺪاﻗﺎت اﻟﻤﺰﻋﻮﻣﺔ وﻛﻴﻒ ﻳﻮﻏﺮون اﻟﻌﺪاوات وﻳﺤﻴﻜﻮن اﻟﻤﻜﺎﺋﺪ وﻫﻢ اﻟﻤﺴﺘﻔﻴﺪ اﻷول ﻣﻦ ﺧﻼﻓﺎت اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،وﻻن ﻻﺷﻲء ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻻﺷﻲء ﻓﻌﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻋﻠﻨﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﺨﻠﻖ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ وﻓﻖ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻣﺘﺮﺟﻢ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب .ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﻳﻮﻣﻴﺎت اﻟﺨﺎﺗﻮن اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻮس آﺛﺎر اﻟﻤﻜﺎن ﻣﻘﺘﻔﻴﺔ أزﻣﺎﻧًﺎ ﻣﺮت وﻋﺒﺮت ،وﻟﻌﻞ اﻟﺒﻌﺪ اﻟﺘﺮاﺟﻴﺪي ﻓﻲ ﻣﺼﻴﺮﻫﺎ ﻳﻀﺎﻫﻲ ﻣﻐﺎﻣﺮة رﺣﻼﺗﻬﺎ ،ورﻏﻢ اﻟﺪور اﻟﺬي ﻟﻌﺒﺘﻪ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻓﻘﺪ اﻧﺘﻬﺖ إﻟﻰ أن ﺗﺮﻛﻦ ﺟﺎﻧ ًﺒﺎ ﻛﻘﻄﻌﺔ أﺛﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺘﺤﻒ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻣﺜﻞ اﻵﺛﺎر اﻟﺘﻲ ﻋﺸﻘﺘﻬﺎ
أﻃﻼل ﺑﺎﻟﻤﻴﺮا ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﺣﻤﺺ اﻟﺴﻮرﻳﺔ
اﻟﺪاﻋﻤﺔ ﻟﺤﻘﺒﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ،ﻧﻈ ًﺮا ﻻﻣﺘﻼﻛﻬﺎ ﺷﺒﻜﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻮاﺳﻌﺔ ﺗﻤﺘﺪ ﻣﻦ ﻣﺨﻴﻤﺎت اﻟﺒﺪو إﻟﻰ ﻗﺎﻋﺎت ﺻﻨﻊ اﻟﻘﺮار اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻓﻬﻤﺖ اﻟﺨﻼف اﻟﺤﺎﺻﻞ ﻓﻲ ذاك اﻟﺰﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺪﻋﻮﻣﻴﻦ ﻣﻦ اﻻﻧﺠﻠﻴﺰ وﺑﻴﻦ اﻟﻤﺆﻳﺪﻳﻦ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ،وﻟﻌﺒﺖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺨﻼف ﻓﻲ ﺗﺄﻟﻴﺐ اﻟﻔﺮﻗﺎء وﺣﺸﺪ اﻷﺻﺪﻗﺎء ﻣﻨﻬﻢ ،وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﻳﻼﺣﻆ ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﺎ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺑﺄﻧﺴﺎب اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ واﻟﻌﺸﺎﺋﺮ ،وﻣﻦ ﻓﻴﻬﻢ اﻷﻗﻮى واﻷﻛﺜﺮ ﺳﻄﻮة ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻴﻄﻪ ،وﻋــﺪد اﻟﺒﺸﺮ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﻴﻄﺮون ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺮﺳﻢ ﺧﺮﻳﻄﺔ ﻷﻫﻞ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺗﺒ ًﻌﺎ ﻻﻧﺘﻤﺎءاﺗﻬﻢ اﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ ،وﺗﺤﺎول ﻓﻤﺜﻼ ﺗﻘﻮم ﺑﺈرﺟﺎع ﺟﺬر ﻓﻬﻢ أدق ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ ً أﺳﻠﻮب اﻟﻌﺒﺎدة ﻟﺪى اﻹﺳﻤﺎﻋﻴﻠﻴﻴﻦ إﻟﻰ ﺗﻘﺪﻳﺲ اﻹﻟﻬﺔ اﻷم ﻋﺸﺘﺎر ،وﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻋﻦ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﻨﺼﻴﺮﻳﺔ ﻛﻤﺎ روﻳﺖ ﻟﻬﺎ، وﻧﺎﻗﺸﺖ أﺻﻮﻟﻬﻢ وﻧﺴﺒﻬﻢ وأﺻﻮل ﻣﻌﺘﻘﺪاﺗﻬﻢ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺪرس ﺑﺪﻗﺔ ﺷﺨﺼﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺪرزﻳﺔ وﻣﺴﺘﻮى ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﻢ وﻣﻦ ﻫﻮ اﻷﻗﺪر ﻓﻴﻬﻢ ﻟﻴﺮﺷﺢ زﻋﻴ ًﻤﺎ .وﻓﻲ واﺣﺪة ﻣﻦ اﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎﺗﻬﺎ ﺗﺮى أن اﻟﺘﺎﺟﺮ اﻟﺴﻮري ﺗﻌﺰﻟﻪ ﻫﻮة ﺷﺎﺳﻌﺔ ﻋﻦ اﻟﺒﺪوي أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﻔﺼﻠﻪ ﻋﻤﻦ ﻫﻮ ﻣﻦ أﺻﻞ ﻋﺼﻤﻠﻲ ،ﻓﺎﻟﺒﻼد اﻟﺴﻮرﻳﺔ ﻣﺄﻫﻮﻟﺔ ﺑﺄﺟﻨﺎس ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺗﺘﻮق إﻟﻰ أن ﺗﻜﻮن أﺻﻮاﺗﻬﺎ ﻣﻮ ﱠﺣﺪة ،وﻣﺎ ﺗﻌﺒﻴﺮﻫﺎ ﻋﻦ أﺣﻔﺎد اﻟﻤﺤﺘﻠﻴﻦ اﻷﺻﻠﻴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺟﺎؤوا ﻣﻊ أول ﻣﻮﺟﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﻐﺰو ،وﺣﺎﻓﻈﻮا ﻋﻠﻰ إرﺛﻬﻢ ﻧﻘﻴﺎً ﺗﻘﺮﻳ ًﺒﺎ ،إﻻ ﺗﺄﻛﻴ ًﺪا ﻋﻠﻰ رؤﻳﺘﻬﺎ ﻟﻠﺘﺸﻜﻴﻼت اﻟﺴﻜﺎﻧﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻔﻖ ﻣﻊ
ﻗﺪرة اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺮﻳﻜﻬﺎ وﻓﻘًﺎ ﻷﻫﻮاﺋﻬﻢ وﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ. وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻘﻮم ﺗﻮﺻﻴﻔﻬﺎ ﻟﻠﻔﺮد اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﻃﻨﻴﺘﻪ أو ﻗﻮﻣﻴﺘﻪ:أﻟﻤﺎﻧﻲ؛ ﻓﺮﻧﺴﻲ ..اﻟﺦ؛ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻨﺴﺐ اﻟﻌﺮﺑﻲ إﻟﻰ ﻃﺎﺋﻔﺘﻪ وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻧﻮﻫﺖ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻬﺎ ﻟﻀﻌﻒ اﻹﺣﺴﺎس اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻋﻨﺪ أﻫﻞ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺸﺒﻪ إﺣﺴﺎس اﻻﻧﺠﻠﻴﺰي أو اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺒﺪو ﺳﻮرﻳﺎ ﻣﺼﻄﻠ ًﺤﺎ ﺟﻐﺮاﻓﻴًﺎ ﻻ ﻳﺘﻄﺎﺑﻖ ﻣﻊ أي ﺷﻌﻮر وﻃﻨﻲ ،إذ ﺗﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻴﺌﺎت وأﻋـﺮاق وﻃﻮاﺋﻒ ﻻ ﺣﺼﺮ ﻟﻬﺎ ،ﻟﺘﺴﺘﻨﺘﺞ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ أن اﻹﺳﻼم ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﺘﻴﺎر اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﺑﻪ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻣﻦ أﻓﻐﺎﻧﺴﺘﺎن إﻟﻰ دﻣﺸﻖ ،وﻗﺪ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺗﻌﻤﻴﻖ وﺗﻮﻇﻴﻒ ﻫﺬه اﻟﺘﺒﺎﻳﻨﺎت ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻤﺸﺮوع اﻻﺳﺘﻌﻤﺎري ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ. ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
79
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺣﻠﺐ اﻟﺴﻮرﻳﺔ
ĨĹñ ąõąĹĝ ąĞĩ~ ĵõïā ĵĹěñ
óĔĵĞĩ~ óĸ ïòĩ~ ïĸ ĵĈ دﻋﺪ دﻳﺐ
اﻟﺤﺪث اﻟﻤﺸﺘﻌﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،أﻋﺎد ﺳﻮرﻳﺎ إﻟﻰ واﺟﻬﺔ اﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ واﻟﻤﺤﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺳﻮاء ،ﺑﻴﺌﺘﻬﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ؛ آﺛﺎرﻫﺎ؛ إﺛﻨﻴﺎﺗﻬﺎ وﻃﻮاﺋﻔﻬﺎ؛ ﺗﻮزﻋﻬﺎ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻲ ،ﺛﺮواﺗﻬﺎ؛ ﻣﻤﺎ أﻋﺎد ﻛﺘﺎب ﻳﻮﻣﻴﺎت ﻣﺲ ﺑﻴﻞ Gertrude Bellﻓﻲ رﺣﻠﺘﻬﺎ اﻻﺳﺘﻜﺸﺎﻓﻴﺔ ﻋﻦ ﺳﻮرﻳﺎ أواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ إﻟﻰ اﻟﺬاﻛﺮة ،اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬي ﺻﺪر ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﻋﻦ دار اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻟﻌﺎم ،2018ﺗﻘﺪﻳﻢ وﺗﺮﺟﻤﺔ اﻟﺸﺎﻋﺮ واﻟﺒﺎﺣﺚ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻈﻠﻮم ﺗﺤﺖ اﺳﻢ "ﺳﻮرﻳﺎ اﻟﺒﺎدﻳﺔ واﻟﻐﻮﻃﺔ" ،اﻟﺬي أراد ﻓﻴﻪ اﺳﺘﻘﺮاء ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺳﻄﻮر ﻫﺬه اﻟﻤﺬﻛﺮات وﺗﻔﻜﻴﻚ ﻣﺮاﻣﻴﻬﺎ ،ﻛﺘﺎب ﻣﻦ أرﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮ ً ﻓﺼﻼ ،أﻟﺤﻘﺖ اﻟﻤﺆﻟﻔﺔ ﺑﻜﻞ ﻓﺼﻞ ﻣﻦ ﻓﺼﻮﻟﻪ ﺻﻮ ًرا ﺗﻮﺛﻴﻘﻴﺔ اﻟﺘﻘﻄﺘﻬﺎ ﺑﻌﺪﺳﺘﻬﺎ ﻟﻸﻣﻜﻨﺔ اﻟﺘﻲ زارﺗﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﻤﻠﻜﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺘﻮﺟﺔ؛ اﻟﻤﺮأة اﻟﻤﻐﺎﻣﺮة؛ ﺗﻠﻤﻴﺬة اﻻﺳﺘﺨﺒﺎرات اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻟﺘﺴﺮد ﺗﺠﺮﺑﺘﻬﺎ ﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌﻮاﻟﻢ اﻟﺒﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻒ اﻷرض.
ﻟﻌﻞ ﻫﺬا أول اﻷدﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﺲ ﺑﻴﻞ واﻃﻼﻋﻬﺎ ،وإذا ﻣﺎ أﺿﻔﻨﺎ إﻟﻴﻬﺎ اﻫﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ﺑﺸﻌﺮ اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ وﺗﺄﻣﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﻔﻴﺲ ﻣﻦ ﻧﻮادر اﻟﺘﺮاث واﻷدب وﻣﺎ ﺗﺮﺟﻤﺘﻬﺎ ﻟﺪﻳﻮان ﺣﺎﻓﻆ اﻟﺸﻴﺮازي إﻻ دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺎﻓﺘﻬﺎ اﻟﻮاﺳﻌﺔ وﻋﻤﻖ إدراﻛﻬﺎ ﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﺸﺮق ﻋﺒﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ورﻏﻢ اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻻﺳﺘﻌﻼﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻮﺣﻈﺖ ﻋﻨﻬﺎ ،ﻓﻘﺪ أوﻟﺖ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻠﺸﺨﺼﻴﺎت ذات اﻟﺴﻤﺎت اﻟﻨﺒﻴﻠﺔ ﻛﻤﺎ اﻫﺘﻤﺖ ﺑﺠﻤﺎل اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺘﻲ اﻟﺘﻘﺖ ﺑﻬﻦ وأﺳﻬﺒﺖ ﻓﻲ ﺗﻔﺼﻴﻠﻬﺎ ﺑﺸﺮح ﺣﺴﻨﻬﻦ وﻃﺮﻳﻘﺔ ﻟﺒﺎﺳﻬﻦ، ﻟﺪرﺟﺔ أوردت ﺑﻴﺘًﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻮﺻﻒ ﻹﺣﺪى اﻟﻔﺎﺗﻨﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺎت: ْﺲ ﺗَ ْﺰﻫ َُﻖ أَﻟَ ﱠﻤ ْﺖ ﻓ َﺤ ﱠﻴ ْﺖ ﺛُﻢ ﻗﺎ َﻣ ْﺖ َﻓ َﻮ ﱠد َﻋ ْﺖ ﻓَﻠ ﱠﻤﺎ ﺗَ َﻮﻟ ْﱠﺖ ﻛﺎد َِت اﻟ ﱠﻨﻔ ُ ﻛﻤﺎ أن ﻋﻨﻮان ﻛﺘﺎﺑﻬﺎ اﻷﺻﻠﻲ "Syria: The desert and the sown "ﻣﻘﺘﺒﺲ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ ﻟﻌﻤﺮ اﻟﺨﻴﺎم رؤﻳﺘﻬﺎ ﻟﻠﻄﻮاﺋﻒ واﻻﻧﺘﻤﺎءات اﻟﻘﺒﻠﻴﺔ واﻟﻘﻮﻣﻴﺔ
ﻻ ﺗﺨﻔﻲ اﻟﻤﺲ ﺑﻴﻞ ﻣﺮﺟﻌﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪس، ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﺎﻷدب واﻟﺸﻌﺮ وﺗﺤﺎول إرﺟﺎع ﻛﻞ أﺛﺮ ﺗﺮاه إﻟﻰ ﻣﺎ ﺧﺰﻧﺘﻪ ذاﻛﺮﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻮروث ﺑﻴﺌﺘﻬﺎ، ﺗﺒﺪأ ﻣﺬﻛﺮاﺗﻬﺎ ﺑﺒﻴﺖ ﺷﻌﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻟـ ﺗﺄﺑﱠ َﻂ ﺷ ﱠﺮا ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻌﺒﻴﺮاﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار "ﻋﺒﺮ اﻟﺴﻬﻞ اﻟﺬي ﺷﻦ ﻓﻴﻪ اﻟﻜﻨﻌﺎﻧﻴﻮن ﻴﺲ َو َﻳ ْﻬ َﺘ ِﺪي ) َﻳ َﺮى اﻟ َﻮ ْﺣﺸَ ـــــ َﺔ اﻷُﻧ َْﺲ اﻷَﻧِ َ اﻟﺤﺮب ﺿ ﱠﺪ ﺳﻜﺎن ﺗﻼل »ﻳﻬﻮدا« اﻟﻌﻨﻴﺪة". ِﺑ َﺤ ْﻴ ُﺚ اَ ْﻫﺘَﺪَ ْت أُ ﱡم اﻟ ﱡﻨ ُﺠ ِ ﻮم اﻟﺸﱠ ﻮاﺑ ِِﻚ( وﻫﻲ إﻟﻰ ذﻟﻚ ﺗﻌﺪ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻣﺆﺛﺮة ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻻﺳﺘﺸﺮاﻗﻴﺔ 78
ﺳﻮرﻳﺎ ..اﻟﺒﺎدﻳﺔ واﻟﻐﻮﻃﺔ
أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،وﺗﻌﺰﻳﺰ ُﺳ ُﺒﻞ اﻟﺘﻌﺎون اﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﻣﻊ دول وﻣﻤﺎﻟﻚ اﻟﻘﺎرة؛ ﻟﻜﻲ ﻳﻠﺒﱢﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻓﻲ ﻣﺒﺤﺚ )اﻟﻬﻮﻳﺔ( ،وﻳﻘ ﱢﻮي وﻳﻌ ﱢﺰز ﻣﻦ )اﻟﺒﻌﺪ اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ( ﻓﻲ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،وﻫﻮ ﻳﻌﺰف ﻟﺤ ًﻨﺎ ﺑﺴﻴﻄًﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﻴﺮة )أورﻛﺴﺘﺮا اﻟﺒﻬﺠﺔ( ،وﻳﺸﺎرك )اﻟﻌﺎزﻓﻴﻦ اﻟﻜﺒﺎر( رﺣﻠﺘَﻬﻢ ﺑﺎﺗﺠﺎه اﻟﻘﺎرة.«... i »ﺟﺎزﻳﻮن« ﺑﺎﻟﻔﻄﺮة! اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن
ﻟﻤﺎذا ﻳﺘﺠﺎوب اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن ﺑﺎﻟﺴﻠﻴﻘﺔ ﻣﻊ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ »اﻟﺠﺎز« ،وﻟﻤﺎذا ﺗﺒﺪو ﻟﻬﻢ إﻳﻘﺎﻋﺎت وأﺻــﻮات »اﻟﺠﺎز« ﻣﺄﻟﻮﻓﺔً ،وﻳﺸﻌﺮون ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮﻧﻬﺎ ،أو ﻗﺪ ﺧﺒﺮوﻫﺎ وﺳﻤﻌﻮﻫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ؟ ﻳﺠﻴﺐ »ﻫﺎﺷﻢ« ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﺘﺴﺎؤﻻت اﻟﺘﻲ ﻳﻮردﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺑﺮ ﱢد اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ إﻟﻰ »أﻓﺮﻳﻘﻴﱠﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ« ،وإﻟﻰ أﻧﻬﻢ »ﺟﺎزﻳﱡﻮن ﺑﺎﻟﻔﻄﺮة«، ﻣﺴﻜﻮﻧﻮن ﺑﺘﻠﻚ اﻹﻳﻘﺎﻋﺎت واﻷﺻــﻮات ،ﻣﻨﺬ ﻋﻬﺪ اﻷﺳـﺮات ،وﻋﻠﻰ اﻣﺘﺪاد ﺳﺒﻌﺔ آﻻف ﺳﻨﺔ ﺣﻀﺎرة وﻣﻮﺳﻴﻘﻰ ورﻗﺺ ﻣﺼﺮﻳﺔ ،وﻗﺪ اﻧﺘﻘﻠﺖ ﻓﻲ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﻌﻲ اﻟﻤﺼﺮي وﻣﻨﺬ اﻷزل ،ﻣﻦ ﺟﻴﻞ إﻟﻰ ﺟﻴﻞ؛ ﺣﺘﻰ إذا اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ »اﻟﺠﺎز« -ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل -ﺳﺘﺠﺪﻫﻢ ﻳﺪﻗﱡﻮن اﻷرض ﺑﺄﻗﺪاﻣﻬﻢ ،وﻳﺼﻔﱢﻘﻮن ،وﻳﺼﻔﱢﺮون ،وﻳﺘﻤﺎﻳﻠﻮن ﻣﻊ إﻳﻘﺎﻋﺎﺗﻬﺎ. ﻛﻤﺎ ﻳﻠﻔﺖ »ﺻﻼح ﻫﺎﺷﻢ« إﻟﻰ أن 75ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺋﺔ -ﺗﻘﺮﻳ ًﺒﺎ -ﻣﻦ اﻷﻓﻼم اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ )أﻓﻼم اﻷﺑﻴﺾ واﻷﺳﻮد( ،اﻋﺘﻤﺪت ﻓﻲ ﺷﺮﻳﻂ
اﻟﺼﻮت ﻓﻲ اﻟﻔﻴﻠﻢ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ آﻧﺬاك -وﺑﺨﺼﻮص »اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮﻳﺔ« -ﺑـ» ُﻣ ْﻨﺘَﺨَﺒﺎت ﻣﻦ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ«، وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺘﺨﺒﺎت أو اﻟﻤﺨﺘﺎرات -ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ -ﻣﺴﺘﻘﺎ ًة أو ﻣﺄﺧﻮذة ﻣﻦ ﺗﺮاث ،ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ ،ﺑﻞ ﻣﻦ ﺗﺮاث ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ »اﻟﺠﺎز« أﻳﻀً ﺎ ،وﺑﻜﺜﺮة) ،ﻣﻦ دون ِذﻛْ ٍﺮ ﻃﺒ ًﻌﺎ ﻟﻬﺎ( ﻛﻤﺼﺪر أﺳﺎﺳﻲ ﻟﻠﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﻔﻴﻠﻢ. ﻣﺎذا ﺗﻘﻮل ﻟﻨﺎ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ »اﻟﺠﺎز« وأﻓﻼﻣﻬﺎ؟
ﻓﻲ ﻓﺼﻞ آﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب ،ﺑﻌﻨﻮان» :ﻣﺎذا ﺗﻘﻮل ﻟﻨﺎ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺠﺎز وأﻓﻼﻣﻬﺎ؟« ﻳﺬﻛﺮ اﻟﻤﺆﻟﻒ أن اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﺮوﺣﺎﻧﻴﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮة اﻟﻤﻨﺒﺜﻘﺔ ﻣﻦ روح »اﻟﺠﺎز« ﺗﺤﻔﱢﺰ دو ًﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻌﻴﻞ اﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة؛ ﺑﺎﻟﻌﻄﺎء واﻟﺘﻔﺎوض واﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ،واﻟﻨﻬﻞ ﻣﻦ ﺑﻬﺠﺘﻬﺎ ،وأن ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ »اﻟﺠﺎز« وأﻓﻼﻣﻬﺎ ﺗﻘﻮل ﻟﻨﺎ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ،وﻋﺒﺮ أﻏﻨﻴﺎﺗﻬﺎ وأﻟﺤﺎﻧﻬﺎ ﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻬﺎ اﻟﻜﺒﺎر ،ﻣﺜﻞ» :ﺟﻮن ﻛﻮﻟﺘﺮان«» ،ﻣﺎﻳﻠﺰ داﻓﻴﺰ«» ،ﺑﻴﻠﻲ ﻫﻮﻟﻴﺪاي«، »ﻧﻴﻨﺎ ﺳﻴﻤﻮن«» ،إﻳﻼ ﻓﻴﺘﺰﺟﻴﺮاﻟﺪ«» ،ﻓﻴﺮوز«» ،ﻳﺤﻴﻰ ﺧﻠﻴﻞ«» ،أﻧﻮر أﺑﺮاﻫﻴﻢ«» ،زﻳﺎد اﻟﺮﺣﺒﺎﻧﻲ«» ،أﺣﻤﺪ ﺟﻤﺎل« ،و»ﻳﻮﺳﻒ ﻟﻄﻴﻒ«؛ وﻋﺒﺮ ﺻﻮت »ﻟﻮي آرﻣﺴﺘﺮوﻧﺞ« اﻷﺟﺶ ،اﻟﺴﺎﺣﺮ -ﺗﻘﻮل ﻟﻨﺎ :إن اﻟﺤﻴﺎة، وﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺘﻀﺤﻴﺎت ،وﻗﺴﻮة وﻣﺮارة اﻷﻟﻢ وإﺣﺒﺎﻃﺎت ﻛﻞ ﻧﻬﺎر- ﺟﻤﻴﻠﺔ ...وﺗﺴﺘﺤﻖ أن ﺗ ُﻌﺎش! ﻛﺘﺎب »ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺠﺎز« ﻟﺼﻼح ﻫﺎﺷﻢ ﻳُ َﻌ ﱡﺪ إﺿﺎﻓ ًﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻲ :ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ »اﻟﺠﺎز«، اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ أي ﻛﺘﺎب ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﱢ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ اﺧﺘﺮاع اﻟﺰﻧﻮج ﻓﻲ أﻣﺮﻳﻜﺎ ،وﻫﻮ أﻳﻀً ﺎ -اﻟﻜﺘﺎب » -ﻫﺪﻳﺔ« اﻟﻤﺘﺄﺻﻞ ﻣﻦ ﻛﺎﺗﺐ وﻧﺎﻗﺪ وﻣﺨﺮج إﻟﻰ ﻛﻞ ُﻋﺸﱠ ﺎق ﻫﺬا اﻟﻔﻦ، ﱢ ﺑﺠﺬوره ﻓﻲ اﻟﺘﺮﺑﺔ اﻷﻓﺮﻳﻘﻴﺔ وﺣﻀﺎرة وادي اﻟﻨﻴﻞ اﻟﻌﺮﻳﻘﺔ. ﻣﺆﺳﺲ »ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺟﺎز وأﻓــﻼم« ﻓﻲ ﻳُﺬﻛﺮ أن ﺻﻼح ﻫﺎﺷﻢ ﻫﻮ ﱢ ﻣﺼﺮ ،اﻟﺬي اﻧﻄﻠﻘﺖ دورﺗﻪ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،2015وﻗﺪ ﻋﻘﺪ دورﺗﻪ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة ﻣﻦ 2إﻟﻰ 4ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 2018ﻓﻲ »اﻟﻤﻌﻬﺪ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ« ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
77
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
ïĹĤĸąĠz Ķĩ| ąĉû « ïüĩ~» ĶĤĹĈĵĬ ﻣﻨﺎر ﺣﺴﻦ ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎب
ﺗﻘﻮل اﻟﺮواﺋﻴﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ )اﻟﺰﻧﺠﻴﺔ( »ﻃﻮﻧﻲ ﻣﻮرﻳﺴﻮن« ،اﻟﺤﺎﺻﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﺑﻞ ﻓﻲ اﻵداب» :ﺳﺘﺪﺧﻞ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﺜﻼﺛﺔ أﺷﻴﺎء: اﻟﺪﺳﺘﻮر اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ،وﻟﻌﺒﺔ اﻟﺒﻴﺴﺒﻮل ،وﻣﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺠﺎز« .ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺒﺎرة اﻟﺘﻲ ﻳﻮردﻫﺎ اﻟﻜﺎﺗﺐ واﻟﻨﺎﻗﺪ واﻟﻤﺨﺮج اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻲ اﻟﻤﺼﺮي ﺻﻼح ﻫﺎﺷﻢ ،اﻟﻤﻘﻴﻢ ﻓﻲ ﺑﺎرﻳﺲ ،ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺠﺎز ،ﻧﺸﺄة وﺗﻄ ﱡﻮر ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺴﻮد ﻓﻲ أﻣﺮﻳﻜﺎ« ،اﻟﺼﺎدر ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﻋﻦ دار ﻧﺸﺮ »ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ«. ﻳﻘﻊ اﻟﻜﺘﺎب ﻓﻲ 160ﺻﻔﺤﺔ ،وﻳﻌﺘﺒﺮ »أول دﻟﻴﻞ« ﺗﺎرﻳﺨﻲ وﻓﻜﺮي ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻪ ﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ »اﻟﺠﺎز« ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻳﻀﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻓﺼﻼ ،ﺗﻌﺮض ﻟﻬﺬا اﻟﻨﻮع اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ اﻟﻨﺸﺄة ،اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ ً 15 اﻟﺠﺬور ،اﻟﺬي ﻳﻌﺘﺒﺮ »ﻫﺪﻳﺔ اﻟﺰﻧﻮج اﻟﻰ أﻣﺮﻳﻜﺎ« ،وأﻫﻢ إﺿﺎﻓﺔ أﻣﺮﻳﻜﻴﺔ اﻟﻰ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ .ﻳﻘﺪم اﻟﻜﺘﺎب رﺣﻠﺔ ﻣﺸﻮﻗﺔ ﻟﻨﺸﺄة ﻫﺬا اﻟﻠﻮن اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻲ ،وﺗﻄ ﱡﻮره ،ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻓﻲ أﻣﺮﻳﻜﺎ ،ﺑﻞ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ واﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻳﻜﺸﻒ أﻳﻀً ﺎ ﻋﻦ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺘﻲ رﺑﻄﺖ ﺑﻴﻦ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺠﺎز واﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄﺗﻬﻤﺎ ﻣ ًﻌﺎ ﻓﻲ اﻟﺮﺑﻊ اﻷول ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، اﻟﺴﻮد« ﻓﻲ أﻣﺮﻳﻜﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻓﻴﻠﻢ وﻳﻌﺮض ﻟﻨﻤﺎذج ﻣﻦ أﻓﻼم »ﺳﻴﻨﻤﺎ ﱡ »اﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ« ،ﻟﻠﻤﺨﺮج اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ اﻷﺳﻮد »ﺳﺒﺎﻳﻚ ﻟﻲ«.
اﻟﺴﺤﺮﻳﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺴﺮد ﻓﻲ أﺣﺪ ﻓﺼﻮل اﻟﻜﺘﺎب ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺗﻀ ﱡﻢ أﺷﻬﺮ ﻣﻘﻄﻮﻋﺎت »اﻟﺠﺎز« اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ،ﺑﻌﺪ أن ﺗﻄ ﱠﻮرت ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﺧﻼل اﻟﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ اﻷﺧﻴﺮة ،ﻓﻲ أﻣﺮﻳﻜﺎ ،اﻟﺘﻲ اﻧﺘﻘﻠﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻊ ﺳﻔﻦ اﻟﻌﺒﻴﺪ اﻷﻓﺎرﻗﺔ ،اﻟﻤﺨﺘﻄﻔﻴﻦ ﻣﻦ أدﻏﺎل اﻟﻘﺎرة اﻟﺴﻤﺮاء ،ﻟﻴﺘﻢ اﺳﺘﺰراﻋﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﺮﺑﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وﻣﻌﻬﻢ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻣﻦ ﻓﻨﻮﻧﻬﻢ اﻟﺨﺎﻟﺪة ،وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ: ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ »اﻟﺠﺎز«.ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻨﻘﻠﺔ اﻟﻨﻮﻋﻴﺔ ،وﺑﻬﺬا اﻻﻧﺪﻣﺎج ﺗﺸﻜﱠﻠﺖ »ورﺷﺔ ﻋﺼﺮﻳﺔ« ﻟـ»اﻟﺤﺴﺎﺳﻴﺔ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،وﻟﻠﺘﺠﺎرب اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ اﻟﺸﺒﺎﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ« ،اﺣﺘﻔﺖ ﺑﻜﻞ ﺗﻠﻚ »اﻟﻘﻴﻢ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ« رﺳﺨﺘﻬﺎ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ »اﻟﺠﺎز« ،ﻋﺒﺮ ﻣﺴﻴﺮﺗﻬﺎ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ،وﺟﻌﻠﺖ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﱠ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ» -أﺳﻠﻮب ﺣﻴﺎة« ،ﻳُ ْﻌﻠِﻲ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ »اﻟﺤﺮﻳﺔ« ﻓﻲاﻹﺑﺪاع واﻻرﺗﺠﺎل واﻟ َﻌ ْﺰف. ﻳﺤﻴﻰ ﺧﻠﻴﻞ راﺋﺪ ﻧﻬﻀﺔ »اﻟﺠﺎز« ﻓﻲ ﻣﺼﺮ
ﻳﻬﺪي ﺻﻼح ﻫﺎﺷﻢ ﻛﺘﺎﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﻔﻨﺎن اﻟﻤﺼﺮي اﻟﻜﺒﻴﺮ »ﻳﺤﻴﻰ ﺧﻠﻴﻞ«، ﺻﺎﻧﻊ اﻟﻨﺠﻮم ،وراﺋــﺪ ﻧﻬﻀﺔ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ »اﻟﺠﺎز« ﻓﻲ ﻣﺼﺮ .ﻳﻘﻮل »ﻫﺎﺷﻢ« ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﻜﺘﺎب» :إن ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ )اﻟﺠﺎز( ﺗ ُﺸَ ﻜﱢﻞ ﺟﺴ ًﺮا إﻟﻰ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،واﻟﻌﺒﻮر ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺠﺎز إﻟﻰ اﻟﻘﺎرة اﻷم :ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻗﺎﺋﻼ ﻋﻦ دور وذاﻛﺮﺗﻬﺎ ،وﺗﺮاﺛﻬﺎ اﻟﻔﻨﻲ واﻟﻔﻜﺮي اﻟﻌﺮﻳﻖ« .وﻳﻀﻴﻒ ً »ﻳﺤﻴﻰ ﺧﻠﻴﻞ«» :إن ﺣﺎﺟﺘﻨﺎ اﻵن ﻟﻼﻧﻔﺘﺎح ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ: ﻓﻨﻮن وﺛﻘﺎﻓﺎت اﻟﻘﺎرة ،ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ )اﻟﺠﺎز( ،وﻛﻞ اﻷﺷﻜﺎل اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ اﻧﺒﺜﻘﺖ ﻋﻨﻬﺎ؛ ﺳﻮف ﻳُ َﻌ ﱢﺰز وﻳﻘ ﱢﻮي وﻳﺪ ﱢﻋﻢ - ﺧﺮﻳﻄﺔ ﻃﺮﻳﻖ ﻟﺘﺬوق ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ »اﻟﺠﺎز« أﺣﺐ أن أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ )اﻟﺒُ ْﻌﺪ اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ( أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أي وﻗﺖ ﻣﻀﻰ -ﻣﺎ ﱡ ﻳﺮﺳﻢ ﺻﻼح ﻫﺎﺷﻢ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ »ﺧﺮﻳﻄﺔ ﻃﺮﻳﻖ« ،ﻟﺘﻜﻮن ﻣﺮﺷ ًﺪا ﻓﻲ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،وﻳﺄﺗﻲ ﻫﺬا اﻹﺻﺪار اﻟﺠﺪﻳﺪ ،ﻓﻲ وﻗﺖ ﺗﺴﻌﻰ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﺮﻳﺪ ﺗﺬ ﱡوق ﻫﺬا اﻟﻨﻮع اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻲ ،واﻟﺪﺧﻮل إﻟﻰ ﻋﻮاﻟﻤﻪ ﻓﻴﻪ اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻵن إﻟﻰ اﺳﺘﻌﺎدة ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ اﻟﺮاﺋﺪة ﻓﻲ 76
ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ »اﻟﺠﺎز« ..ﺟﺴ ٌﺮ إﻟﻰ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ
اﻟﻄﺮﻓﻲ peripheral nervous systemﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻳﺪﻓﻊ ﻓﺮﻳﻖ اﻟﺒﺤﺚ إﻟﻰ ﺗﺼ ﱡﻮر وﺟﻮد ﺷﺒﻜﺔ ﻣﻦ "اﻷﻣﺨﺎخ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ اﻟﺼﻐﺮ" Mini Brains ﻣﻮﺟﻮدة ﻋﻠﻰ اﻣﺘﺪاده ﻓﻲ ﻛﺎﻓﺔ أﻧﺤﺎء اﻟﺠﺴﻢ .وﻳﻌﺘﻘﺪ اﻟﻔﺮﻳﻖ اﻟﺒﺤﺜﻲ أن ﺗﻠﻚ "اﻷﻣﺨﺎخ" ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ أن ﺗﺆدي دو ًرا ﻓﻲ ﺗﺜﺒﻴﻂ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻷﻟﻢ ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﻧﻘﻠﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺎﻣﻞ ﻟﻠﻤﺦ ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺳﺎﺋﺪ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻳﺔ »ﺑﻮاﺑﺔ اﻟﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻷﻟﻢ« ووﻓﻘًﺎ ﻟﻠﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة-ﻫﻨﺎك ﻃﺮح آﺧﺮ ﻣﻦ ِﻗﺒَﻞ ﺑﺎﺣﺜﻲ ﻟﻴﺪز اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺪراﺳﺔ ﻣﺘﺨﺼﺼﺔ ﻟﻠ ُﻌﻘَﺪ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻓﻲ اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻌﺼﺒﻲ اﻟﻄﺮﻓﻲ ﻓﻲ ﺣﻴﻮاﻧﺎت اﻟﺘﺠﺎرب ،وأﺛﺒﺘﻮا ﺑﺎﻟﺪﻟﻴﻞ اﻟﻤﻠﻤﻮس أن ﻫﻨﺎك اﺗﺼﺎﻻً ﻳﺤﺪث ﺑﻴﻦ ﻫﺬه اﻟ ُﻌﻘَﺪ ﻋﺒﺮ ﺟﺰيء إﺷﺎرات اﻟﺪﻣﺎغ ،GABA ،اﻟﺬي ﻳﺜﺒﻂ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﻌﺼﺒﻲ ،وﻛﺎن ﻳُﻌﺘﻘﺪ وﺟﻮده ﻓﻘﻂ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰي .ﺑﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎم اﻟﻔﺮﻳﻖ اﻟﺒﺤﺜﻲ ﺑﺎﺳﺘﺜﺎرة اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻷﻟﻢ ﻟﺪى ﻓﺌﺮان اﻟﺘﺠﺎرب ،وﺟﺪوا ﻣﻤ ٍّﺮا ﻋﺒﺮ ﻫﺬا اﻟﺠﺰيء ﻳﺆﻛﺪ أن اﻟ ُﻌﻘَﺪ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﺗﺘﺒﺎدل وﺗﻌﺪل اﻹﺷﺎرات اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻷﻟﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﺑﺈرﺳﺎﻟﻬﺎ ﻟﻠﺠﻬﺎز اﻟﻌﺼﺒﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰي. اﻧﻈﺮ ،ﺑﺘﺼﺮف :ﻣﺴﺎر آﺧﺮ ﻟﻸﻟﻢ ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮاﺑﻂ اﻵﺗﻲ: https://www.scientificamerican.com/arabic/articles/ /news/another-path-of-pain اﻟﻤﺮاﺟﻊ: • ﺟﻮن ر .ﺳﻴﺮل :رؤﻳﺔ اﻷﺷﻴﺎء ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻟﻺدراك ،ﺗﺮﺟﻤﺔ :إﻳﻬﺎب ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻴﻢ ﻋﻠﻲ ،ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،اﻟﻜﻮﻳﺖ ،ﻋﺪد 453ﻳﻨﺎﻳﺮ 2018م.
• ﺟﻮرج ﻻﻳﻜﻮف وﻣﺎرك ﺟﻮﻧﺴﻮن :اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺴﺪ ،اﻟﺬﻫﻦ اﻟﻤﺘﺠﺴﺪ وﺗﺤﺪﻳﻪ ﻟﻠﻔﻜﺮ اﻟﻐﺮﺑﻲ ،ﺗﺮﺟﻤﺔ :ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺠﻴﺪ ﺟﺤﻔﺔ ،دار اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺠﺪﻳﺪ2016 ،م. • رﻳﺘﺸﺎرد رﻳﺴﺘﺎك :اﻟﻤﺦ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻛﻴﻒ ﻳﻌﻴﺪ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺻﻴﺎﻏﺔ اﻟﻌﻘﻞ؟ ،ﺗﺮﺟﻤﺔ :ﻋﺰة ﻫﺎﺷﻢ ،اﻟﻤﺸﺮوع اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻠﺘﺮﺟﻤﺔ2008 ،م. • ﺳﺮﺟﻴﻮ ﻣﻮراﻓﻴﺎ :ﻟﻐﺰ اﻟﻌﻘﻞ ،ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻌﻘﻞ-اﻟﺠﺴﺪ ﻓﻲ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ،ﺗﺮﺟﻤﺔ :ﻋﺪﻧﺎن ﺣﺴﻦ ،ﻣﻨﺸﻮرات وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺴﻮرﻳﺔ، 2002م. • ﺳﻮزان ﻏﺮﻳﻨﻔﻴﻠﺪ :ﺗﻐﻴﺮ اﻟﻌﻘﻞ ﻛﻴﻒ ﺗﺘﺮك اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺮﻗﻤﻴﺔ ﺑﺼﻤﺎﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ أدﻣﻐﺘﻨﺎ ،ﺗﺮﺟﻤﺔ إﻳﻬﺎب ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻴﻢ ﻋﻠﻲ ،ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﻋﺪد 445ﻓﺒﺮاﻳﺮ 2017م. • ﻛﺮﻳﺲ ﻓﺮﻳﺚ :ﺗﻜﻮﻳﻦ اﻟﻌﻘﻞ ﻛﻴﻒ ﻳﺨﻠﻖ اﻟﻤﺦ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ اﻟﺬﻫﻨﻲ، ﺗﺮﺟﻤﺔ :ﺷﻮﻗﻲ ﺟﻼل ،اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻠﺘﺮﺟﻤﺔ-ﻣﺼﺮ2012 ،م. • ﻣﻴﺸﻴﻮ ﻛﺎﻛﻮ :ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻌﻘﻞ اﻻﺟﺘﻬﺎد اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻟﻔﻬﻢ اﻟﻌﻘﻞ وﺗﻄﻮﻳﺮه وﺗﻘﻮﻳﺘﻪ ،ﺗﺮﺟﻤﺔ :ﺳﻌﺪ اﻟﺪﻳﻦ ﺧﺮﻓﺎن ،ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻜﻮﻳﺖ ،ﻋﺪد 447أﺑﺮﻳﻞ 2017م. • ﻧﺨﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء )ﺗﺤﺮﻳﺮ( :ﻛﻴﻒ ﻳﺘﻌﻠﻢ اﻟﻨﺎس )اﻟﻤﺦ ،واﻟﻌﻘﻞ، واﻟﺨﺒﺮة ،واﻟﻤﺪرﺳﺔ( ،ﺗﺮﺟﻤﺔ :ﺗﺮﺟﻤﺔ :ﺳﻌﺎد ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺳﻮل وآﺧﺮﻳﻦ، اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻠﺘﺮﺟﻤﺔ –ﻣﺼﺮ2016 ،م. • ﻧﻮرﻣﺎن دوﻳﺪج :اﻟﺪﻣﺎغ وﻛﻴﻒ ﻳﻄﻮر ﺑﻨﻴﺘﻪ وأداءه ،ﺗﺮﺟﻤﺔ :رﻓﻴﻒ ﻏﺪار .اﻟﺪار اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻌﻠﻮم ﻧﺎﺷﺮون2007 ،م. ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
75
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﻟﺪى دﻳﻜﺎرت ﻓﻲ ﻧﻈﺮﺗﻪ ﻟﻠﺪﻣﺎغ ﻛﻤﻀﺨﺔ ،واﻷﻋﺼﺎب ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ أﻧﺎﺑﻴﺐ ﺗﻤﺘﺪ ﻣﻦ أﻃﺮاﻓﻨﺎ ﻟﻠﺪﻣﺎغ .وﻟﻘﺪ رﺳﺨﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺮﺿﻴﺔ ﻣﻊ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺠﺮاح اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺑﻮل ﺑﺎروﻛﺎ Paul Brocaوﺟﻮد ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺳﻤﻴﺖ ﺑﺎﺳﻤﻪ "ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺑﺎروﻛﺎ" ﻣﺴﺆوﻟﺔ ﻋﻦ اﻟﺤﺒﺴﺔ )ﻋﺪم اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻄﻖ أو اﻟﺘﻬﺘﻬﺔ( .ﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﻔﺮﺿﻴﺔ ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻋﺎﻣﺔ أوﺟﺰت ﻓﻲ ﻋﺒﺎرة "وﻇﻴﻔﺔ واﺣﺪة ،ﻣﻮﻗﻊ واﺣﺪ". اﻟﺪﻣﺎغ واﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ اﻟﺤﺴﻴﺔ
ﻟﻘﺪ ﺷﻜﻜﺖ أﺑﺤﺎث ﺑﻮل ﺑﺎخ واي رﻳﺘﺎ ،ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺮﺿﻴﺔ ،ﻓﺒﻌﺪ إﺟﺮاﺋﻪ ﻟﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرب ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻄﻂ ﺗﺒﻴﻦ أن اﻟﺠﺰء اﻟﺒﺼﺮي ﻓﻲ أدﻣﻐﺘﻬﺎ ﻳﻌﺎﻟﺞ وﻇﻴﻔﺘﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻫﻤﺎ :اﻟﻠﻤﺲ واﻟﺼﻮت ،وﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أن اﻟﺪﻣﺎغ ﻳﻤﺘﻠﻚ "ﺗﻌﺪدﻳﺔ ﺣﺴﻴﺔ" أي أن ﻣﻨﺎﻃﻘﻪ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ إﺷﺎرات أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺣﺎﺳﺔ .وﻫﻮ ﻣﺎ ﺗﺮﺟﻤﻪ ﻓﻲ اﺧﺘﺮاﻋﻪ ﻟﺠﻬﺎز إﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﺑﺤﺠﻢ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻤﻌﺪﻧﻴﺔ ﻳﻮﺿﻊ أﺳﻔﻞ اﻟﻠﺴﺎن ﻟﻤﺴﺎﻋﺪة اﻟﻌﻤﻴﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻘﻬﻢ .وﻛﺬﻟﻚ اﺧﺘﺮاع اﻟﻘﻔﺎز اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﻟﺮواد اﻟﻔﻀﺎء .وﻛﺎن ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻄﺒﻴﻘﺎت ﻇﻬﻮر ﻣﻔﻬﻮم "اﻻﺳﺘﺒﺪال اﻟﺤﺴﻲ" ،Sensory substitutionإذ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺪﻣﺎغ اﺳﺘﺨﻼص ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﻦ ﺣﺎﺳﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﻧﺒﻀﺎت ﻗﺎدﻣﺔ ﻣﻦ ﻋﻀﻮ ﺣﺴﻲ آﺧﺮ، وﻣﻌﺎﻟﺠﺘﻬﺎ وﻓﻚ رﻣﻮزﻫﺎ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ داﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﺳﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ .وﺗﻘﻮم ﻓﻜﺮة اﻻﺳﺘﺒﺪال اﻟﺤﺴﻲ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس أن اﻟﺪﻣﺎغ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺮى وﻧﺴﻤﻊ وﻧﺘﺬوق وﻟﻴﺲ اﻟﻌﻴﻨﻴﻦ أو اﻷذﻧﻴﻦ أو ﺑﺮاﻋﻢ اﻟﺘﺬوق. إن ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺘﻼزم ﺑﻴﻦ وﻇﻴﻔﺔ واﺣﺪة = ﻣﺮﻛﺰ واﺣﺪ ،أو ﻋﻼﻗﺔ واﺣﺪ ﻟﻮاﺣﺪ ،ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻣﺴﻠﻢ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻴﺪان اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ،ﺑﻞ اﻷﻣﺮ ﻋﻜﺲ ذﻟﻚ ،إذ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل ﺑﺄن اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻮاﺣﺪ ﻳﺒﺪو ﻣﺸﺎرﻛﺎً ﻓﻲ ﺗﻨﺸﻴﻂ وﻇﺎﺋﻒ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،واﻟﻮﻇﻴﻔﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﺣﺼﻴﻠﺔ ﺗﻌﺎﺿﺪ وﺗﻜﺎﻣﻞ ﻟﻤﺮاﻛﺰ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،ﻓﻼ اﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﻛﻠﻴﺎً ﺑﻤﺮﻛﺰ ﻣﺤﺪد ﺛﺎﺑﺖ ،وﻻ اﻟﻤﺮﻛﺰ ﻣﺤﺼﻮر ﻓﻲ وﻇﻴﻔﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ .وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ،ﻓﺈن اﻟﺘﺮاﺑﻄﺎت ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺼﺒﻮﻧﺎت ﺗﺘﺒﺪل وﺗﺘﻐﻴﺮ وﻓﻖ ﺗﻜﻮﻳﻨﺎت ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺛﺎﺑﺖ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎً، وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﺸﻜﻞ وﻓﻖ اﻟﺘﻌﻠﻢ واﻟﺘﺠﺮﺑﺔ واﻟﺘﺪرﻳﺐ ،ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻞ اﻷﺟﻬﺰة اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻮﻳﺾ اﻷﺟﺰاء اﻟﺘﺎﻟﻔﺔ أو اﻟﻤﺮﻳﻀﺔ، ﻷداء وﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ،وذﻟﻚ ،ﻋﺒﺮ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺗﺮﻛﻴﺒﺔ ﻋﺼﺒﻮﻧﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺗﻨﻮب ﻋﻦ اﻟﺘﺎﻟﻔﺔ ﻓﻲ اﻷداء اﻟﻮﻇﻴﻔﻲ. اﻟﻤﺮان واﻟﺘﻌﻠﻢ ﻟﻨﺤﺖ اﻷﻋﺼﺎب!
ﻳﺘﺸﻜﻞ اﻟﻬﻴﻜﻞ اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﻠﺘﻤﺜﺎل ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﺧﻼل ﻓﺘﺮة اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻤﻔﺮط ﻟﻠﺘﺸﺎﺑﻜﺎت اﻟﻌﺼﺒﻮﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺎ اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻌﺼﺒﻲ ،وﺗﻘﻮم اﻟﺨﺒﺮة ﺑﺪور ﻣﺮﻛﺰي ﻓﻲ اﺧﺘﻴﺎر اﻟﻮﺻﻼت اﻟﻤﻼﺋﻤﺔ وﻛﺒﺢ اﻟﻮﺻﻼت ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻼﺋﻤﺔ ،وﻣﺎ ﻳﺘﺒﻘﻰ ﻫﻮ اﻟﺸﻜﻞ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ اﻟﺬي ﻳﻤﺜﻞ اﻷﺳﺲ اﻟﺤﺴﻴﺔ ورﺑﻤﺎ اﻷﺳﺲ اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ﻟﻤﺮاﺣﻞ اﻟﻨﻤﻮ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ .وﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ آﺧﺮ ،ﺗﺘﻜﻮن ﺗﺸﺎﺑﻜﺎت ﻋﺼﺒﻮﻧﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺗﺪﻣﺞ أﺟﺰاء ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ – أﺷﺒﻪ ﺑﻌﻤﻞ اﻟﻨﺤﺎت -ﺗﻈﻞ ﻟﻬﺎ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻃﻮال اﻟﻌﻤﺮ ﻓﻲ أﺷﻜﺎل اﻟﺬاﻛﺮة. وﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻋﻠﻮم اﻷﻋﺼﺎب واﻟﻌﻠﻮم اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﺪد ﺧﻼﺻﺎت ﺛﻼث ﻫﻲ: - 1ﻳﺆدي اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ إﻟﻰ ﺗﻐﻴﺮ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻲ ﻟﻠﻤﺦ. - 2ﻫﺬه اﻟﺘﻐﻴﺮات اﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻴﺔ ﺗﻐﻴﺮ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ اﻟﻮﻇﻴﻔﻲ ﻟﻠﻤﺦ ،أو ﺑﻌﺒﺎرة أﺧﺮى ،ﻓﺈن اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻳﻨﻈﻢ اﻟﻤﺦ وﻳﻌﻴﺪ ﺗﻨﻈﻴﻤﻪ. - 3ﻗﺪ ﺗﻜﻮن أﺟﺰاء ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺦ ﻣﺴﺘﻌﺪة ﻟﻠﺘﻌﻠﻢ ﻓﻲ أوﻗﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ. وﻣﻦ اﻟﻔﺮﺿﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻏﻴﺮﺗﻬﺎ اﻟﻠﺪوﻧﻴﺔ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ،ﻣﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺘﺼﻮرﻧﺎ ﻟﻸﻟﻢ ،واﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺴﻴﺪ ﻓﻬﻤﻪ ﻓﻜﺮة دﻳﻜﺎرت اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ ﺑﻮﺟﻮد ﻣﺴﺘﻘﺒﻼت ﻟﻸﻟﻢ ﺗﺮﺳﻞ إﺷﺎرﺗﻬﺎ اﻷﺣﺎدﻳﺔ ﻟﻤﺮﻛﺰ اﻷﻟﻢ ﻓﻲ اﻟﺪﻣﺎغ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ،ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﺷﺪة اﻷﻟﻢ ﻃﺮدﻳﺎ ،ﻣﻊ ﻣﻘﺪار اﻹﺻﺎﺑﺔ ،ﻟﻜﻦ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ اﻟﻌﺼﺒﻴﻴﻦ وول وﻣﻠﺰاك ﻓﻲ ﻋﺎم 1965ﺟﺰﻣﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻗﺎﻃﻊ ﺑﺄن ﺟﻬﺎز اﻷﻟﻢ ﻣﻨﺘﺸﺮ ﻓﻲ ﻛﺎﻣﻞ أﻧﺤﺎء اﻟﺪﻣﺎغ واﻟﺤﺒﻞ اﻟﺸﻮﻛﻲ ،وأن اﻟﺪﻣﺎغ ﻟﻴﺲ ﻣﺴﺘﻘﺒﻼً ﺳﻠﺒﻴﺎً ﺑﻞ ﻳﺴﻴﻄﺮ دوﻣﺎً ﻋﻠﻰ إﺷﺎرات اﻷﻟﻢ ﻧﻔﺴﻬﺎ. وﻋﺮﻓﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺑﻨﻈﺮﻳﺔ ﺑﻮاﺑﺔ اﻟﺘﺤﻜﻢ ﺑﺎﻷﻟﻢ Gate Control Theory of Painﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﺮﺳﻞ رﺳﺎﺋﻞ اﻷﻟﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﻴﺞ اﻟ ُﻤﺘﻠﻒ ﻋﺒﺮ اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻌﺼﺒﻲ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻤﺮ ﻋﺒﺮ ﻋﺪة ﺑﻮاﺑﺎت ﺑﺪءا ً ﻣﻦ اﻟﺤﺒﻞ اﻟﺸﻮﻛﻲ ﻗﺒﻞ وﺻﻮﻟﻬﺎ ﻟﻠﺪﻣﺎغ ،وﻻ ﺗﻔﺘﺢ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻮاﺑﺎت إﻻ ﺑﺈذن ﻣﻦ اﻟﺪﻣﺎغ ﺑﻌﺪ ﺗﺤﺪﻳﺪ درﺟﺔ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ،ﻓﺈذا ﻣﻨﺤﺖ اﻹذن ﻓﺘﺤﺖ اﻟﺒﻮاﺑﺔ وزاد اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻷﻟﻢ وﺳﻤﺢ ﻟﻠﻌﺼﺒﻮﻧﺎت ﺑﻨﻘﻞ إﺷﺎراﺗﻬﺎ ،وﻳﻤﻜﻦ أﻳﻀﺎً ﻟﻠﺪﻣﺎغ ﻏﻠﻖ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻮاﺑﺎت وﺣﺠﺰ إﺷﺎرة اﻷﻟﻢ وإﻃﻼق اﻹﻧﺪروﻓﻴﻨﺎت اﻟﻤﺨﺪرة ﻟﺘﺨﻔﻴﻒ اﻷﻟﻢ .ووﺳﻊ راﻣﺎﺷﺎﻧﺪران ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺑﻮاﺑﺔ اﻟﺘﺤﻜﻢ ﻣﺆﻛﺪا ً أن اﻷﻟﻢ ﺟﻬﺎز ﻣﻌﻘﺪ ﺧﺎﺿﻊ ﻟﺴﻴﻄﺮة اﻟﺪﻣﺎغ اﻟﻠﺪن ،ﻓﺎﻷﻟﻢ رأي ﺣﻮل اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺼﺤﻴﺔ ﻟﻠﻜﺎﺋﻦ اﻟﺤﻲ وﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮد اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ اﻧﻌﻜﺎﺳﻴﺔ ﻟﻺﺻﺎﺑﺔ ،ﻓﻬﻮ ﺻﻮرة ﻟﻠﺠﺴﻢ ﻣﻨﺸﺄة ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺪﻣﺎغ ).(1 ﻫﺬه ﺑﻌﺾ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻜﺒﺮى اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﺘﻬﺎ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ اﻟﺪﻣﺎغ وﻋﻤﻠﻪ ،ﻟﻢ ﻧﺮد ﻣﻦ ﻋﺮﺿﻬﺎ اﺳﺘﻘﺼﺎء اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻴﻬﺎ ،ﺑﻘﺪر ﻣﺎ أردﻧﺎ إﻋﻄﺎء ﺧﻠﻔﻴﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺣﻮﻟﻬﺎ ،ﻟﻴﻠﻢ اﻟﻘﺎرئ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﺒﻌﺾ اﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺗﻬﺎ وأﺛﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﺮوع ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ وﻣﺒﺎﺣﺚ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﺗﺜﺮي اﻟﻨﻘﺎش ﺣﻮل ﻗﻀﺎﻳﺎ اﻟﻔﻜﺮ واﻟﻠﻐﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﻔﻠﺴﻔﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻷﺧﻼق وﻏﻴﺮﻫﺎ
إن ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺘﻤﺎرﻳﻦ واﻟﺘﻌﻠﻢ أو أي ﻣﻬﺎرة ﺟﺪﻳﺪة ،ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻐﻴﺮ ﻣﺌﺎت اﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ورﺑﻤﺎ اﻟﻤﻠﻴﺎرات ﻣﻦ اﻻﺗﺼﺎﻻت ﺑﻴﻦ اﻟﺨﻼﻳﺎ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﺧﺮاﺋﻄﻨﺎ اﻟﺪﻣﺎﻏﻴﺔ .ﻓﺘﻜﻮﻳﻦ اﻟﺘﺸﺎﺑﻜﺎت اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺮى اﻟﻬﻮاﻣﺶ: ﺑﻌﺾ ﻋﻠﻤﺎء اﻷﻋﺼﺎب ﺷﺒﻴﻪ ﺑﻔﻦ "اﻟﻨﺤﺖ" ،ﻓﺎﻟﻔﻨﺎن اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻛﺎن -ﻫﻨﺎك دراﺳﺔ ﺟﺪﻳﺪة أﺟﺮﻳﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺌﺮان ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﻴﺪز ،ﺗﻌﻄﻲ ﻳﺴﺘﺨﺪم أزﻣﻴﻠﻪ ﻟﺘﺸﺬﻳﺐ وﺗﻘﻠﻴﻢ ﻛﺘﻠﺔ اﻟﺮﺧﺎم ﻣﻦ اﻟﺰواﺋﺪ ،ﺣﺘﻰ أﻫﻤﻴ ًﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻷﻟﻢ ﻟﻠﺠﻬﺎز اﻟﻌﺼﺒﻲ اﻟﻤﺤﻴﻄﻲ/ 74
ﺑﻨﻴﺔ اﻟﺪﻣﺎغ ورؤﻳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ
ﻣﻨﺴﻮب إﻟﻴﻪ وﻧﻈﺮﻳﺔ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﺘﺠﻤﻊ اﻟﺨﻠﻮي Cell ،Assembly Theoryوﺧﻼﺻﺘﻬﺎ أن اﻟﺨﻼﻳﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻘﺪ ﻣﻌﺎ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﻣﻌﺎ، ﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أن اﻟﺘﻨﺸﻴﻂ اﻟﺘﺤﻔﻴﺰي ﻟﻠﺨﻼﻳﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻓﻲ اﻟﻘﻮة اﻟﻤﺸﺒﻜﻴﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ ،ﻣﻤﺎ ﻳﻔﺴﺮ ﻗﻮة اﻟﺬاﻛﺮة واﻟﺘﻌﻠﻢ واﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻓﻲ إﻗﺎﻣﺔ ﺗﺮاﺑﻄﺎت ﻋﺼﺒﻮﻧﻴﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ اﻷﻣﺪ ﻣﻐﻴﺮة ﻟﻠﺴﻠﻮك .ﻟﻘﺪ ﺑ ّﺪل اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻟﺴﻤﺔ اﻟﻠﺪوﻧﻴﺔ اﻟﻜﺜﻴ َﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﺼﻮرات ﺣﻮل اﻟﺪﻣﺎغ ،وﻓﻬﻢ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ وﻛﻴﻔﻴﺔ ﻋﻤﻠﻪ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،ودور ﺗﻠﻚ اﻟﺨﺎﺻﻴﺔ ﻓﻲ اﺗﺨﺎذ اﻟﻘﺮارات وﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻤﺸﻜﻼت .ﻓﺘﻐﻴﺮات اﻟﺪﻣﺎغ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺨﺒﺮات اﻟﺤﻴﺎة وﻣﻌﺎﻟﺠﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎﻻت اﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ واﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺳﻮاء .ﻓﻲ اﻟﺤﺎﻻت اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﻣﺜﻞ :اﻟﺘﺸﺘﺖ واﻟﻘﻠﻖ واﻟﻌﻨﻒ ،إﻟﻰ ﺟﻮار دورﻫﺎ ﻓﻲ اﻧﻔﻌﺎﻻﺗﻨﺎ اﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻣﺜﻞ :اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة واﻟﻀﺤﻚ واﻟﻔﻜﺎﻫﺔ .ﺑﻞ اﻣﺘﺪت ﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ اﻟﻤﻤﻜﻨﺔ وﺗﻄﺒﻴﻘﺎﺗﻬﺎ اﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻴﺔ واﻟﺒﺤﺜﻴﺔ ﻟﺘﺸﻤﻞ ﻋﻠﻢ اﻟﻤﺪاواة وﺗﻔﺴﻴﺮ اﻷﻣﺮاض اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ واﻟﻄﺐ اﻟﻨﻔﺴﻲ ،وﻣﻴﺎدﻳﻦ اﻟﺘﻌﻠﻢ واﻟﺬاﻛﺮة واﻟﺘﺪرﻳﺐ وﻏﻴﺮﻫﺎ.
إرﻳﻜﺴﻮن اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ دراﺳﺔ اﻟﻌﺒﻘﺮﻳﺔ ﻓﻲ "أن ﺗﻤﺘﺪ ﺑﻘﺪراﺗﻚ إﻟﻰ أﻗﺼﻰ ﺣﺪودﻫﺎ ،وأن ﺗﺰﻳﺪ ﻓﻲ ﺗﺤﻜﻤﻚ ﻓﻲ أداﺋﻚ" .وﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ ،أن اﻟﺘﺪرﻳﺐ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ،واﻟﺪاﻓﻌﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮة ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺠﺎز ،ﻫﻤﺎ اﻟﺜﻤﻦ اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ دﻓﻌﻪ ﻋﻦ ﻃﻴﺐ ﺧﺎﻃﺮ ﻟﻠﻮﺻﻮل ﻟﻠﻤﺴﺘﻮﻳﺎت اﻟﻤﺜﻠﻰ ﻣﻦ اﻷداء ،وﻫﺬا ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﻗﻮل ﻟﺘﻮﻣﺎس أدﻳﺴﻮن :اﻟﻌﺒﻘﺮﻳﺔَ % 99ﻋ َﺮق، و % 1وﺣﻲ وإﻟﻬﺎم .ﺗﻨﻄﻮي اﻟﻠﺪوﻧﺔ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺪم ﻗﻨﺎﻋﺔ أﻳﻀﺎً ﺑﻔﺮﺿﻴﺔ اﻟﺘﻤﺮﻛﺰﻳﺔ ،Localizationismﻓﻲ ﻧﻈﺮﺗﻬﺎ ﻟﻠﺪﻣﺎغ ﺑﻮﺻﻔﻪ آﻟﺔ ﻣﻌﻘﺪة ﻣﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ أﺟﺰاء ﻳﺆدي ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ وﻇﻴﻔﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﻣﺤﺪدة، وﻳﻮﺟﺪ ﻣﻮﻗﻊ ﻣﺤﺪد وراﺛﻴﺎً أو ﻣﺤﻜﻢ اﻟﺪواﺋﺮ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ .أﺻﻮل ﻓﻜﺮة اﻟﺘﻤﺮﻛﺰﻳﺔ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﺗﺄﺛﻴﺮﻫﺎ ﻓﻲ دﺣﺾ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ﺣﻮل اﻟﺠﺴﺪ واﻟﺮوح ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ ،وأﺧﺬت ﻣﻨﺤﻰ ﻓﻠﺴﻔﻴﺎً وﺗﺸﺮﻳﺤﻴﺎً
اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻌﺒﻘﺮﻳﺔ!
وﻏﻴﺮت اﻟﺴﻤﺔ اﻟﻠﺪوﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﺼﻮرﻧﺎ ﻟﻠﻌﺒﻘﺮﻳﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺳﻤﺔ وراﺛﻴﺔ وﺣﺘﻤﻴﺔ ﻟﻠﺘﻤﻴﻴﺰ؛ إذ ﺗﻜﺸﻒ اﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ ﻟﻠﺘﻐﻴﺮ ﻋﻦ أﻧﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻧﻮﻟﺪ ﻋﺒﺎﻗﺮة ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻗﺎدرون ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت ﻣﻦ اﻷداء ﺗﻤﻴﺰﻧﺎ ﻋﻦ أﻗﺮاﻧﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ واﻟﻤﻬﻨﺔ واﻟﻤﻨﺎﻓﺴﻴﻦ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﻴﺪان ﻣﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺧﻼﺻﺔ اﻷﺑﺤﺎث ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻴﺪان ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ ﻋﺪم وﺟﻮد ﻣﻜﻮﻧﺎت وراﺛﻴﺔ ﺗﻤﻴﺰ اﻟﻌﺒﺎﻗﺮة ﺑﻞ ﻳﻜﻤﻦ ﺟﻮﻫﺮ اﻟﺘﻤﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻨﻔﺲ أﻧﺪرﻳﺲ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
73
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﻧﺤﻦ ﻛﺎﺋﻨﺎت ﻋﺼﺒﻮﻧﻴﺔ!
ﺑﻤﻌﻨﻰ )أن ﻳﺘﺸﻜﻞ( ،وﻗﺒﻞ ﻇﻬﻮر اﻟﻤﺎدة اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ )اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ( ﻟﻔﺘﺮة ﻃﻮﻳﻠﺔ .وإن ﻛﺎن وﺻﻒ ﻫﺬه اﻟﺘﻐﻴﻴﺮات ﺟﺎء ﻷول ﻣﺮة ﻋﺎم 1783 ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﺑﻮﻧﻴﻪ وﻣﺎﻻﻛﺎرﻧﻲ .ﻟﻜﻦ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﻔﻌﻠﻲ واﺧﺘﺒﺎر ﻫﺬه اﻟﺨﺎﺻﻴﺔ وﺗﺄﻛﻴﺪ وﺟﻮدﻫﺎ ﻇﻬﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻇﻬﺮت اﻷﺑﺤﺎث ﻋﺎم 2000ﻋﻠﻰ ﻳﺪ إﻟﻴﺎﻧﻮر ﻣﺎﻏﻮاﻳﺮ وزﻣﻼﺋﻬﺎ أن ﺳﺎﺋﻘﻲ ﺳﻴﺎرات اﻷﺟﺮة ﻓﻲ ﻟﻨﺪن ﺗﻐﻴﺮت ﺑﻨﻴﺔ أدﻣﻐﺘﻬﻢ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺋﻘﻴﻦ ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺎدة ،إذ ازداد ﺣﺠﻢ اﻟ ُﺤﺼ َﻴﻦ ﻣﻊ ﻃﻮل ﻣﺪة ﻣﺸﺎرﻛﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﻬﻨﺘﻬﻢ) .اﻟﺤﺼﻴﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﺦ ﺗﺸﺒﻪ ﺣﺼﺎن ﺻﻐﻴﺮ(.
ïĬăĩ~ óĹį ăĩ ēòõąõ óĹħòČĭĩ~ óĹį ăĪĩ~ ąijïĘñ [ ïįĵòďěĩïĠ u6[PCRVKE 3NCUVKEKV ĢĔïİĬ óĕĈ~ĵñ ïĴİĹñ ïĭĹĠ ēñ~ąöõ ĥñïČĭĩ~ ïĴĹĪĚ ĢĪĕĸ ïĤį z ~ ķòďěĩ~ ĥòČĭĩ~ z óĹòďěĩ ~ u&JGOKECN 6[PCRUGU ķíïĹĭĹħĩ ïÿĬ ĮĹñ óĹíïĹĭĹĦ óĪĎ Ĩùĭĸ ~ u ąāz ïįĵòďĚ ïďĝz ïįĵòďěĩ ķûĵĩĵĹñ ĵĹþ ïďõ~ ïijąòĚ īöĸ ïěĬ ïĴõ~ ïċ| ïòõ IJĩŁā ĮĬ Įħĭĸ
72
ﺑﻨﻴﺔ اﻟﺪﻣﺎغ ورؤﻳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ
وﺗﺮﺗﺒﻂ ﻟﺪوﻧﻴﺔ اﻟﺪﻣﺎغ ﺑﻈﺎﻫﺮة اﻟﻠﺪوﻧﻴﺔ اﻟﻤﺸﺒﻜﻴﺔSynaptic ،Plasticityﻓﺎﻟﻌﺼﺒﻮﻧﺎت ﺗﺘﺮاﺑﻂ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻣﻨﺎﻃﻖ أو ﻧﻘﺎط ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻤﺸﺎﺑﻚ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ أو اﻟﻤﺸﺒﻚ اﻟﻌﺼﺒﻲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ،Chemical Synapsesوﻳﻤﺜﻞ وﺻﻠﺔ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﺤﺎور اﻟﻌﺼﺒﻮﻧﺎت وأﻏﺼﺎن ﻋﺼﺒﻮﻧﺎت أﺧﺮى ،ﻳﺘﻢ ﻋﺒﺮﻫﺎ اﺗﺼﺎل ﺣﻴﻮي )ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻲ( ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﺗﺒﺎدل إﺷﺎراﺗﻬﺎ ﻣ ًﻌﺎ ،أو ﻣﻊ اﻟﺨﻼﻳﺎ ﻏﻴﺮ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻣﺜﻞ ﺧﻼﻳﺎ اﻟﻌﻀﻼت أو اﻟﻐﺪد .وﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻠﻌﺼﺒﻮن اﻟﻮاﺣﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﻴﻦ أﻟﻒ ﺗﺸﺎﺑﻚ ﻣﻊ ﻋﺼﺒﻮﻧﺎت أﺧﺮى .ﺑﻞ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل :إﻧﻨﺎ ﻛﺎﺋﻨﺎت ﻋﺼﺒﻮﻧﻴﺔ ﺑﺎﻣﺘﻴﺎز؛ ﻓﺄدﻣﻐﺘﻨﺎ ﺗﺘﻀﻤﻦ 100ﻣﻠﻴﺎر ﻋﺼﺒﻮن ،و 500-100ﺗﺮﻳﻠﻴﻮن ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﺸﺎﺑﻚ اﻟﻌﺼﺒﻲ. وﻟﻠﻌﺼﺒﻮن ﺣﺎﻟﺘﺎن ﻫﻤﺎ :اﻹﺛﺎرة )= اﻟﺘﻨﺸﻴﻂ( ،أو اﻟﻜﺒﺢ )= اﻟﺨﻤﻮد(، وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻌﺼﺒﻮﻧﺎت ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻗﻮﺗﻬﺎ وﺳﻌﺘﻬﺎ ،ﻣﻤﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﻗﺪرة اﻟﺪﻣﺎغ ﻋﻠﻰ إﻋﺎدة اﻟﺘﻜﻴﻒ ،وﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ -وﻓﻖ اﻻﻓﺘﺮاض اﻻﺣﺘﻤﺎﻟﻲ -وﺟﻮد ﻋﺪد ﺿﺨﻢ ﻣﻦ إﻣﻜﺎﻧﻴﺎت اﻟﺘﺮاﺑﻂ اﻟﻌﺼﺒﻮﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺎت ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﺸﺒﻜﻴﺔ ،ﻋﺒﺮ اﻟﺘﻐﻴﺮ ﻓﻲ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻨﻮاﻗﻞ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺎﺑﻚ واﻟﺘﻐﻴﺮات اﻟﻔﻌﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺠﻴﺐ ﻟﻬﺎ اﻟﻌﺼﺒﻮﻧﺎت .ﻫﺬه اﻟﺘﺮاﺑﻄﺎت ﺗﻌﺎد ﺻﻴﺎﻏﺘﻬﺎ وﺗﺮاﺑﻄﺎﺗﻬﺎ ﻣﻤﺎ ﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ أﺻﻴﻠﺔ ﺑﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘّﻜﻴﻒ واﻟﺘّﻼؤم اﻟﺘﻲ ﻳﺒﺪﻳﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن أو دﻣﺎﻏﻪ ﻣﻊ اﻟﺒﻴﺌﺔ واﻟﻤﺤﻴﻂ واﻟﻤﺆﺛﺮات اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ،ﻓﻬﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻷﺳﺎس اﻟﺤﻴﻮي واﻟﻌﺼﺒﻲ اﻟﻤﻔﺴﺮ ﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﻜﻴﻒ ﺑﺮﻣﺘﻬﺎ .وﻟﻘﺪ ﻛﺎن دوﻧﺎﻟﺪ ﻫﻴﺐ Donald O. Hebbأول ﻣﻦ ﻛﺸﻒ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻻرﺗﺒﺎط ﻋﺒﺮ ﻗﺎﻧﻮن
اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ أﻳﻀﺎ ﺗﻌﺪﻳﻠﻬﺎ ﻟﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﺴﺎﺋﺪة ﻟﻘﺮون ﺣﻮل اﻟﺪﻣﺎغ، وﻣﻦ ذﻟﻚ ،أﻧﻬﺎ أﻃﺎﺣﺖ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮة اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ ﺑﺄن اﻟﺪﻣﺎغ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺘﻐﻴﺮ وأﻧﻪ أﺷﺒﻪ ﺑﻤﻌﻄﻰ ﻳﺘﺸﻜﻞ ﺑﻨﻬﺎﻳﺔ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ وأﺣﻴﺎﻧﺎً ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻤﺮاﻫﻘﺔ أو ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺮﺷﺪ ،ﺛﻢ ﻳﺒﺪأ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻻﻧﺤﺪار اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ،وأن ﺗﺮﻛﻴﺒﻪ اﻟﺒﻨﻴﻮي ﺛﺎﺑﺖ ﻻ ﻳﺘﻐﻴﺮ وﻻ ﻳﺘﺒﺪل ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻊ ﻣﺮور اﻟﻮﻗﺖ أو ﺗﻐﻴﺮ اﻟﺒﻴﺌﺔ ،وﻳﻈﻞ ﺛﺎﺑﺘﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﻨﻴﺔ واﻟﻮﻇﻴﻔﺔ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻗﺎﺑﻠﻴﺘﻪ ﻟﻠﺘﻐﻴﺮ واﻟﺘﻜﻴﻒ ﻣﻊ اﻟﺒﻴﺌﺔ واﺣﺪا ً ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﺮﻛﺎﺋﺰ اﻟﺘﻲ ﻏﻴﺮت ﻣﻦ ﻃﺮاﺋﻖ ﻓﻬﻤﻪ ،وﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎﻟﺨﺒﺮة .ﻓﺎﻟﺪﻣﺎغ ﻳﺴﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﺗﻐﻴﺮه ﻃﻮال ﺣﻴﺎة ﺻﺎﺣﺒﻪ. ﻇﻬﺮ اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ اﻟﻔﻌﻠﻲ ﻟﻬﺬه اﻟﻈﺎﻫﺮة أي اﻟﻠﺪوﻧﻴﺔ )أو اﻟﻤﻄﺎﻃﻴﺔ أو اﻟﻤﻄﺎوﻋﺔ ) plasticityﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت ،وﺑﺮﻫﻨﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺑﺤﺎث اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ .ﻛﻤﺎ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺼﻄﻠﺢ اﻟﻠﺪوﻧﺔ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ،Neuroplasticityوﺗﻌﻨﻲ ﻗﺎﺑﻠﻴﺔ اﻟﺪﻣﺎغ ﻟﻠﺘﻐﻴﺮ واﻟﺘﻌﺪﻳﻞ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ، ﻣﻌﺘﻤﺪا ً ﻋﻠﻰ ﻟﻴﻮﻧﺔ اﻟﻌﺼﺒﻮﻧﺎت ﻓﻲ أدﻣﻐﺘﻨﺎ وأﺟﻬﺰﺗﻨﺎ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ وﻗﺎﺑﻠﻴﺘﻬﺎ ﻟﻠﺘﻐﻴﺮ .وﻳﺸﺒّﻪ ﺑﺎﺳﻜﻮال ﻟﻴﻮن ﻧﺸﺎ َط اﻟﺪﻣﺎغ ﺑﻌﺠﻴﻨﺔ اﻟﻄﻴﻦ – ﻣﺼﻄﻠﺢ Plasticineﺑﺎﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻳﻌﻨﻲ ﻋﺠﻴﻨﺔ اﻟﻄﻴﻦ -اﻟﺘﻲ ﻳﻠﻌﺐ ﺑﻬﺎ ﺷﺨﺺ ﻃﻮال اﻟﻮﻗﺖ ،وإذا ﺑﺪأﻧﺎ ﺑﺘﺸﻜﻠﻴﻬﺎ ﻣﺮﺑﻌﺎً ﺛﻢ ﻛﺮة ﻓﻤﻦ اﻟﺴﻬﻞ اﻟﻌﻮدة ﻟﺸﻜﻞ اﻟﻤﺮﺑﻊ ﻟﻜﻦ ﻟﻦ ﻳﻜﻮن ﻫﻮ اﻟﻤﺮﺑﻊ ذاﺗﻪ اﻟﺬي ﺑﺪأﻧﺎ ﺑﻪ .وﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ ،أن اﻟﺪﻣﺎغ ﻟﺪن وﻟﻴﺲ ﻣﻄﺎﻃﻴﺎً ،ﻳﻌﻮد ﻟﻨﻔﺲ ﺷﻜﻠﻪ اﻟﺴﺎﺑﻖ. ﻳﻌﻮد اﻟﻈﻬﻮر اﻟﻔﻌﻠﻲ ﻟﻠﻤﺼﻄﻠﺢ ﻟﻌﺎم 1894ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺘﺸﺮﻳﺢ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ راﻣﻮن ﻛﺎﺧﺎل Cajalﻣﺴﺘﻌﻴﺮا اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﻣﻦ ﺟﺬر إﻏﺮﻳﻘﻲ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
71
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
īĩïěĩ~ óĸ{ ïĬăĩ~ óĹİñ د .ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺣﺴﺎﻧﻴﻦ
ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﺪﻣﺎغ ﺗﺘﺴﺒﺐ أﺣﻴﺎﻧﺎً ﻓﻲ ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻌﻘﻞ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت زاﺋﻔﺔ ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻔﻴﺰﻳﻘﻲ ،ﻣﺜﻞ ﺳﻤﺎع أﺻﻮات أو ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻮدة أﺻﻼً. واﻟﻤﺮﺿﻰ اﻟﻤﺼﺎﺑﻮن ﺑﻤﺘﻼزﻣﺔ ﺷﺎرل ﺑﻮﻧﻴﻪ ﻳﻌﺎﻧﻮن ﻣﻦ ﺣﺎﻻت ﻣﻦ اﻟﻬﻼوس Hallucinationاﻟﺒﺼﺮﻳﺔ واﻟﺴﻤﻌﻴﺔ .ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﺮﻳﺾ اﻻﻧﻔﻠﻮﻧﺰا ﻣﻦ ﻫﻼوس ﺑﺼﺮﻳﺔ ﺣﻴﻦ ﺗﻈﻬﺮ أﺷﻜﺎل ﻣﺮﺑﻌﺎت ودواﺋﺮ ﻣﺒﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻫﻨﺪﺳﻲ ﻣﻨﺘﻈﻢ ﻳﺘﻨﺎﻣﻰ وﻳﺘﺪاﺧﻞ.
ﺗُﻀﻴﻖ اﻟﺘﺮاﺑﻄﻴﺔ أو ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻤﺠﺴﺪة ،اﻟﻔﺠﻮ َة ﺑﻴﻦ ﺛﻨﺎﺋﻴﺔ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﺠﺴﺪ؛ إذ ﺗﻘﻮل ﺑﺰﻳﻒ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ اﻟﺤﺪي ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ .وﻣﺼﺪر ﻫﺬا اﻟﺰﻳﻒ ﻫﻮ اﻟﺪﻣﺎغ ﻧﻔﺴﻪ! ﻷﻧﻪ ﻣﺼﺪر ﻣﺎ ﻧﻌﺮﻓﻪ ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺬﻫﻨﻲ أو اﻟﻤﺎدي .ﻓﺎﻟﺪﻣﺎغ -وﻓﻖ ﻫﺬا اﻟﺘﺼﻮر -ﻳﺨﻔﻲ ﻋﻨﺎ ﺟﻤﻴﻊ اﻻﺳﺘﺪﻻﻻت اﻟﻼواﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺨﻠﻘﻬﺎ ،وﻳﺼﻨﻊ ﻋﻼﻗﺔ وﺛﻴﻘﺔ ﺑﺎﻷﺷﻴﺎء ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ ﻋﺎﻟ َﻤﻨﺎ اﻟﻌﻘﻠﻲ ﻣﻌﺰوﻻً وﺧﺎﺻﺎً ،اﻟﺪﻣﺎغ اﻟﻤﺘﻐﻴﺮ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار وﻗﺎدراً ﻓﻲ اﻵن ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺎرﻛﺔ اﻷﻓﻜﺎر ﻣﻊ اﻵﺧﺮﻳﻦ. إن اﻟﺪﻣﺎغ اﻟﻤﺼﺎب ﻳﻤﺪﻧﺎ ﺑﺨﺒﺮة زاﺋﻔﺔ ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻳﻘﻒ ﻋﺎﺋﻘﺎً ﻣﻨﻴﻌﺎً ﻣﻦ دون اﻛﺘﺸﺎف ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ .وﻟﻜﻦ ﻫﻞ ﻳﺴﻠﻢ اﻟﺪﻣﺎغ اﻟﺼﺤﻴﺢ إن اﻟﻤﺆﺷﺮات أو اﻟﻈﻮاﻫﺮ اﻟﺪاﻋﻤﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻔﺮﺿﻴﺎت ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﺳﻮاء ﻓﻲ أو اﻟﺴﻠﻴﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ؟ اﻟﻮاﻗﻊ إن اﻟﺪﻣﺎغ اﻟﺴﻠﻴﻢ ﻫﻮ أﻳﻀﺎً -ﻋﺒﺮ ﻣﻨﻈﻮره ﺣﺎﻟﺔ إﺻﺎﺑﺔ اﻟﺪﻣﺎغ ﺑﻤﺮض ﻣﺎ ،أو ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺳﻼﻣﺘﻪ وﺻﺤﺘﻪ .ﻓﺈﺣﺴﺎﺳﻨﺎ ﻟﻸﺷﻴﺎء -ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺧﺒﺮة زاﺋﻔﺔ أﻳﻀﺎً ،وأﻛﺒﺮ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﻮﻗﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺤﻮاﺳﻨﺎ ،وإذا ﻓﺴﺪت ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻮاس ﻗﻠّﺖ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻴﺪان ،ﻫﻮ ﻣﺎ ﺗﻮﺻﻞ إﻟﻴﻪ ﻋﺎم 1997رون ﻗﺪرﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻜﺸﺎف اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ؛ ﻓﺈﺻﺎﺑﺔ اﻟﺪﻣﺎغ ﻳﻤﻜﻦ أن رﻧﺴﻨﻚ ﺣﻮل »ﻋﻤﻰ اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ،«Change blindnessﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﻳﻜﻮن ﻟﻬﺎ ﺗﺄﺛﻴﺮات ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﻞ ،ﻓﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻞ /اﻟﺬﻫﻦ اﻟﺘﺤﻔﻴﺰ اﻟﺒﺼﺮي ﻟﻠﺼﻮر ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮاﻗﺐ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت ﺑﻴﻦ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻨﺸﺎط اﻟﺪﻣﺎغ .وأﻣﺜﻠﺔ ذﻟﻚ ﻛﺜﻴﺮة ،ﺗﻜﺎد ﺗﺆﻛﺪﻫﺎ ﻛﻞ اﻟﺼﻮر ،وﻳﺘﻠﻘﺎﻫﺎ وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺻﻮرة واﺣﺪة .ﺑﻞ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﻣﻦ دون ﺣﺮج ﻫﻨﺎ، اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﻤﺘﺮﺗﺒﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺮاض اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ .ﻓﺈﺻﺎﺑﺔ اﻟﻘﺸﺮة اﻟﺒﺼﺮﻳﺔ أن ﻧﻀﻢ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﺪع واﻷوﻫﺎم اﻟﺒﺼﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﺪﻧﺎ ﺑﻬﺎ اﻟﺪﻣﺎغ ﻳﺴﺒﺐ اﻟﻌﻤﻰ ﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﻣﺤﺪدة ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺒﺼﺮي ،وإﺻﺎﺑﺔ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺴﻠﻴﻢ ﻣﻦ أي ﻣﺮض .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺛﻤﺎر اﻟﺜﻮرة اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻮم 70
ﺑﻨﻴﺔ اﻟﺪﻣﺎغ ورؤﻳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ
وادي »ﻳﻬﻤﻴﺐ« ﺑﺠﺒﻞ إﻳﻠﺒﺎ -ﺗﺼﻮﻳﺮ ﺣﺴﺎم أﺑﻮ دوح
ُﻋﺪت أدراﺟﻲ إﻟﻰ ﻣﻮﺿﻊ "ﻓﻴﺼﻞ أُوﻫﺎج" و َﺟﺒَ َﻨﺘﻪ .أﻋﻄﺎﻧﻲ ﺑﻜﺮمٍ ﻇﺎﻫﺮ ﻓﻨﺠﺎن ﺑﻦ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻲ - :ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻓﻲ ﺷﻮاء اﻟﻠﺤﻢ ﺗ ُﺴﻤﻰ )اﻟﺴﻼت( ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺴﻠﺖ اﻟﺪﻫﻦ ،أي ﺗﻘﻄﺮه. ّ اﻟﺴﻼت ،أﻳﻦ اﻟﺨﺒﺰ أم أﻧﻨﺎ ﻓﻘﻠﺖ :ﻧﺤﻦ اﻵن ﻳﺎ ﻓﻴﺼﻞ ﻓﻲ ﺣﻀﺮة ّ ﺳﻨﺄﻛﻞ اﻟﻠﺤﻢ ﺑﺪون ﺧﺒﺰ؟ أﺷﺎر ﻓﻴﺼﻞ ﺑﺴﺒﺎﺑﺘﻪ ﻧﺤﻮ ﺷﻴﺦ ﺑﺸﺎري ﻛﺎن ﻳﺠﻠﺲ ﺑﺠﻮار "اﻟﺸﻴﺦ أُوﻫﺎج" ،ﻣﺜﻠﻪ أﺳﻤﺮ اﻟﺒﺸﺮة ،وﻳﻠﻒ ﻋﻤﺎﻣ ًﺔ ﺑﻴﻀﺎء أﻳﻀً ﺎ ﺣﻮل رأﺳﻪ، ﻗﺎل ﻓﻴﺼﻞ) :إﻧﻪ ﻋﻤﻲ اﻟﺸﻴﺦ ﺣﺎﻣﺪ ،ﺳﻴﺼﻨﻊ ﻟﻨﺎ اﻟﻘ ّﺒﻮري( .واﻟﻘﺒﻮري ﻫﺬا ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺨﺒﺰ اﻟﺬي ﻳﺼﻨﻌﻪ أﻫﻞ اﻟﺼﻌﻴﺪ ﻋﻨﺪ أﻛﻞ اﻟﺴﻤﻚ .ﻗﺎم اﻟﺸﻴﺦ ﺣﺎﻣﺪ ﺑﻤﺴﺎﻋﺪة »ﻣﻨﺘﺼﺮ« ﺑﺼﻨﻊ اﻟﻌﺠﻴﻨﺔ ﻣﻦ دﻗﻴﻖ وﻣﻠﺢ وﻣﺎء ،ﻣﺰﺟﻬﻤﺎ ﺟﻴ ًﺪا ﺣﺘﻰ ﺗﻤﺎﺳﻜﺖ اﻟﻌﺠﻴﻨﺔ ،وﺟﻠﺲ ﺑﺠﻮارﻧﺎ. ﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ ﺣﺎﻣﺪ :اﻟﻘﺒّﻮري ﺳﺮﻳﻊ اﻟﺘﺠﻬﻴﺰ ،ﺳﻨﻨﺘﻈﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﺘﺮب اﻧﺘﻬﺎء اﻟﺸﻮاء وﻧﺠﻬﺰ اﻟﺨﺒﺰ. ﺟﻠﺴﺖ أﻧﻈﺮ ﻧﺤﻮ ﻗﻤﻢ اﻟﺠﺒﻞ اﻟﻤﺘﺮاﺻﺔ ﻓﻲ ﺧﺸﻮع ورﺳﻮخ .اﻟﻌﺸﺐ اﻷﺧﻀﺮ ﻳﻤﻸ اﻷرﺟﺎء ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة أﻣﻄﺎر ﻛﺜﻴﻔﺔ .ﺗﻤﺘﺪ رواﺋﺢ اﻟﺸﻮاء اﻟﻘﺮﻳﺐ إﻟﻰ أﻧﻔﻲ .ﺻﻌﺪ »ﺣﺴﺎم« ﺗﻠ ًﺔ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻟﻴﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺎط ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺼﻮر اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﻟﻠﻮادي ،وﻻ ﻳﺰال "ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ" ﻳﺼﻮر
ﺑﭭﻴﺪﻳﻮ ﻫﺎﺗﻔﻪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺠﺮي .ﻣﺮت رﺑﻊ ﺳﺎﻋﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺎم اﻟﺸﻴﺦ ﺣﺎﻣﺪ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎر ﻣﻮﺿﻊ ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ اﻟﺸﻮاء ،ﺳﺎواه ﺑﻜﻔﻪ ،ﺛﻢ وﺿﻊ ﻓﻮق رﻣﻠﻪ ﺟﻤ ًﺮا ،وأﺧﺬ ﻳﻬ ّﻮي ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﺮ. ﻣﺮ زﻣﻦ ﻓﻘﺎل :ﻟﻘﺪ ﺳﺨﻦ اﻟﺮﻣﻞ .أﺑﻌﺪ اﻟﺠﻤﺮ وﻣﺪد ﻓﻮق اﻟﺮﻣﻞ ﻋﺠﻴﻨﺔ اﻟﺨﺒﺰ .ﺛﻢ ﻏﻄﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﺮﻣﻞ ووﺿﻊ ﻓﻮﻗﻪ اﻟﺠﻤﺮ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ .ﺑﻌﺪ أن ﻣﺮت ﻋﺸﺮ دﻗﺎﺋﻖ ،ﻗﻠَﺐ اﻟﺸﻴﺦ ﺣﺎﻣﺪ اﻟﻌﺠﻴﻨﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻬﺎ اﻵﺧﺮ .وﻏﻄﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﺮﻣﻞ وﻣﻦ ﻓﻮﻗﻪ اﻟﺠﻤﺮ ﻣﺮة أﺧﺮى. ﺟﺮى رﻳﻘﻲ ﺟﺮاء ذﻟﻚ اﻟﻤﺰﻳﺞ ﻣﻦ اﻟﺮواﺋﺢ اﻟﺰﻛﻴﺔ .اﺳﺘﻮﻳﺖ ﺑﺠﻮار اﻟﺸﻴﺦ "أوﻫﺎج" .ﻗﻠﺖ ﻟﻪ) :زﻳﻦ ﻗﻮي اﻟﺠﺒﻞ ﻳﺎ ﺷﻴﺦ أوﻫﺎج(؛ ﻓﺎﺑﺘﺴﻢ ﺑﻬﺪوء ﻣﺆﻛ ًﺪا ﻋﻠﻰ ﻛﻼﻣﻲ .ﺟﺎء اﻟﺮﻓﺎق ﺑﺼﻴﻨﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة وﺿﻌﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻮ ًﻣﺔ ﻣﻦ ﻗﻄﻊ اﻟﻠﺤﻢ ،وﻃﺎﺳﺔ اﻟﻜﺒﺪ اﻟﺸﻬﻴﺔ ،وﺧﺒﺰ اﻟﻘ ّﺒﻮري ﺑﻌﺪ أن أزال ﻋﻨﻪ اﻟﺸﻴﺦ "ﺣﺎﻣﺪ" ﻋﻮاﻟﻖ اﻟﺮﻣﻞ ،وﻋﺠﻮة ﺳﻮداﻧﻴﺔ ﺳﻬﻠﺖ ﻣﻬﻤﺔ أﻛﻞ اﻟﻠﺤﻮم. ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺟﺪ ﻛﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﻄﻊ اﻟﺨﻴﺎر واﻟﻄﻤﺎﻃﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ،ﻓﺄﻛﻠﻨﺎ ﻫﻨﻴﺌًﺎ ﻣﺮﻳﺌًﺎ ،وﺻﺎر ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ودﻳﺎن )إﻳﻠﺒﺎ( ﻋﻴﺶ وﻟﺤﻢ * ﻛﺎﺗﺐ ورواﺋﻲ ﻣﺼﺮي ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
69
وﺟﻬﺔ ﺳﻔﺮ
ïòĪĸ| ïĸ ķĠ īÿĩ ĊĹĚ وﻟﻴﺪ ﻣﻜﻲ
ﻣﻦ أﻗﺼﻰ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ اﻟﺠﻨﻮب؛ ﻣﻦ )أﺑﻮ رﻣﺎد( ﻓﻲ ﻣﺜﻠﺚ ﺣﻼﻳﺐ؛ ﻧﺤﻜﻲ اﻟﻴﻮم ﺣﻜﺎﻳﺘﻨﺎ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﻣﻼﻣﺢ ﺛﻘﺎﻓﺔ أﻫﻞ ﺟﺒﻞ )إﻳﻠﺒﺎ( اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم. ﺟﺒﻞ ﻋﻈﻴﻢ ﻣﻬﻴﺐ ﻣﻨﻴﻒ ،اﺳﻤﻪ اﻷول ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺸﺎرﻳﺔ ﺑﻠﻐﺔ إﻳﻠﺒﺎ ٌ اﻟﺒﺪاوﻳﻴﺖ )إﻳﻼ رﺑﺎ( وﻳﻌﻨﻲ اﻟﺠﺒﻞ اﻷﺑﻴﺾ؛ ﻟﻜﺜﺮة اﻟﺴﺤﺐ اﻟﺒﻴﻀﺎء ﻓﻮق ﻗﻤﻤﻪ ،وﻟﻤﺎ ﺟﺮت اﻷﻳﺎم ﺑﺎﻟﻨﺎس دُﻣﺞ اﻟﻤﻘﻄﻌﺎن ﻣ ًﻌﺎ ﻓﺼﺎر ﻳﻨﻄﻖ )إﻳﻠﺒﺎ( ،واﻟﻤﺮاﺟﻊ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﺗﺴﻤﻴﻪ اﻟﻴﻮم ﺟﺒﻞ )ﻋﻠﺒﺔ( .ﻛﺎن ﻣﻀﻴﻔﻨﺎ اﻟﺸﻴﺦ »أُوﻫﺎج ﺣﺴﻦ« ﺷﻴﺦ ﻣﺸﺎﻳﺦ )أﺑﻮ رﻣﺎد(، ﻻ ﻳﺸﻌﺮﻧﺎ إﻻ أﻧﻨﺎ أﺻﺤﺎب دار وأﺳﻴﺎد ﺑﻴﻮت ﻻ ﺿﻴﻮف .رﺟﻞ ﻣﻤﺘﻠﻰء اﻟﺠﺴﺪ ،أﺳﻤﺮ اﻟﺒﺸﺮة ،ﻳﻠﻒ ﻋﻤﺎﻣﺔ ﺑﻴﻀﺎء ﺣﻮل رأﺳﻪ ،ﺧﻄﻮاﺗﻪ ﺗﺮاﻓﻘﻬﺎ ﺑﺴﻤﺎﺗﻪ ،ﺣﺘﻰ إن ﺗﻠﻚ اﻻﻧﻔﺮاﺟﺔ اﻟﻤﺤﺒﺒﺔ ﺑﻴﻦ ﺷﻔﺘﻴﻪ ﻛﺎن ﻳﻘﺎﺑﻠﻨﺎ ﺑﻬﺎ ﻛﻠﻤﺎ أﺑﺼﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﻏﺪوﻧﺎ أو رواﺣﻨﺎ. اﺳﺘﻘﺮرﻧﺎ ﻓﻲ أﺣﺪ اﻷودﻳﺔ اﻟﻤﺘﺎﺧﻤﺔ ﻟﺴﻔﺢ اﻟﺠﺒﻞُ ،ﻣﺪ ﺣﺼﻴﺮان ﻋﻠﻰ رﻣﻞ اﻷرض ،وﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ "أوﻫﺎج" ﻟﻤﺮاﻓﻘﻲ اﻷول »ﺣﺴﺎم« :روح ﻳﺎ ﺣﺴﺎم ﺻ ّﻮر اﻟﺬﺑﺢ. ﻛﻨﺖ أدﻗﻖ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﺮاﻓﻘﻲ اﻟﺜﺎﻟﺚ »ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ« وﻫﻮ ﺑﻴﻨﻤﺎ ُ ﺳﺎرح ﻳﺘﺄﻣﻞ ﻣﻠﻜﻮت اﻟﺨﻼق اﻟﻌﻈﻴﻢ ،ﻛﺎن اﻟﺬﺑﺢ اﻟﺬي ﺻﻮره »ﺣﺴﺎم« ﻳﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﺟﺪﻳﻴﻦ؛ ﻋﻤﺮ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺎوز أرﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮ ًﻣﺎ .ﻗﺎل ﻟﻲ "اﻟﺸﻴﺦ أُوﻫﺎج" إن ﻫﺬﻳﻦ اﻟﺠﺪﻳﻴﻦ ﻟﻢ ﻳﺄﻛﻼ ﻃﻌﺎ ًﻣﺎ أو ﻳﺸﺮﺑﺎ ﺷﺮاﺑًﺎ ﺧﺒﺰ» اﻟ َﻘ ّﺒﻮري«
68
ﻋﻴﺶ وﻟﺤﻢ ﻓﻲ ودﻳﺎن )إﻳﻠﺒﺎ(
إﻻ اﻟﻠﺒﻦ ﻣﻦ ﺿﺮﻋﻲ أﻣﻴﻬﻤﺎ؛ ﻟﺬا ﻓﺎﻟﻨﺎس ﻓﻲ »إﻳﻠﺒﺎ« ﻳﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ ﺣﺎﻟﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﺪﻳﺎن »ﺟﺪي ﻟ ّﺒﺎﻧﻲ«. ﺗﻮﻟﻰ أﻗﺎرب "اﻟﺸﻴﺦ أُوﻫﺎج" ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺬﺑﺢ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻧﺘﻘﻞ »ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ« ﻣﻦ ﺣﺎل اﻟﺘﺄﻣﻞ إﻟﻰ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﺑﺎﻟﭭﻴﺪﻳﻮ ﻟﻤﺎ ﻳﺠﺮي ،و»ﺣﺴﺎم« ﻳﻠﺘﻘﻂ اﻟﺼﻮر اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ .وﺟﺎء آﺧﺮون ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻌﻨﺎ ،ﻋﻠﻰ رأﺳﻬﻢ »ﻣﻨﺘﺼﺮ« اﻻﺑﻦ اﻷﺻﻐﺮ ﻟﻠـ»ﺷﻴﺦ أُوﻫﺎج« ﺑﺤﻄﺐ ﺷﺠ ٍﺮ ﻳﺎﺑﺲ ﻟﺰوم إﺿﺮام اﻟﻨﻴﺮان .وﻗﺎم »ﻣﺤﻤﻮد« اﻻﺑﻦ اﻷوﺳﻂ ﻟﻠﺸﻴﺦ أُوﻫﺎج واﺑﻦ ﻋﻤﻪ »ﻳﺎﺳﺮ« ﺑﺠﻠﺐ ﻛﻤﻴﺔ ﻣﻦ أﺣﺠﺎر اﻟﺒﺎزﻟﺖ اﻟﺴﻮداء اﻟﻤﻠﺴﺎء اﻟﻤﺘﻨﺎﺛﺮة ﻓﻲ رﻣﻞ اﻟﻮادي. ﻛﻨﺖ أﺟﻠﺲ اﻟﻘﺮﻓﺼﺎء ،ﺑﻴﺪي دﻓﺘﺮي أﺣﺎول ﺧﻠﻊ ﻧﻔﺴﻲ ﻋﻦ ﺣﺎل ُ اﻟﺠﻤﺎل واﻟﺼﻔﺎء اﻟﺘﻲ أﻋﺎﻳﺸﻬﺎ ﻷدون أي ﻣﻠﺤﻮﻇﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ ﺳﺒﻴﻼ؛ ﻓﺎﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ﻟﻔﻴﻀﺎن اﻟﺤﺐ واﻟﺪفء ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻲ. إﻟﻰ ذﻟﻚ ً وﻛﺎن ﺑﺠﻮاري ﺻﺪﻳﻘﻲ "ﻓﻴﺼﻞ" اﻻﺑﻦ اﻷﻛﺒﺮ ﻟﻠﺸﻴﺦ "أوﻫﺎج" ﻳﺼﻨﻊ ﻟﻨﺎ ﻣﺸﺮوب ﺑُﻦ اﻟ َﺠﺒَﻨﺔ ،ﻗﺎل ﻟﻲ :ﺟﺒﻞ "إﻳﻠﺒﺎ" ﺟﺒﻞ ﻣﻘﺪس ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺸﺎرﻳﺔ، ﻳﻘﺎل إن اﻟﻠﻪ ﻟﻤﺎ ﺧﻠﻖ آدم ﺑﺴﻂ ﻟﻪ اﻷرض ﻓﺄﺑﺼﺮ اﻟﺠﺒﻞ ﻓﺄﻋﺠﺒﻪ ﻣﻨﻈﺮه ودﻋﺎ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺮﺣﻤﺔ ﻓﻬﻮ ﻣﺮﺣﻮم وﺳﺤﺒﻪ ﻛﺜﻴﻔﺔ ﻏﺎﻟﺐ اﻷوﻗﺎت. أﻣﺴﻚ »ﻓﻴﺼﻞ« ﺑﺎﻟﻬ ّﻮاﻳﺔ ﻳﺰﻳﺪ ﺗﻮﻫﺞ ﺟﻤﺮ اﻟﻔﺤﻢ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ اﻟ َﺠﺒَﻨﺔ، ﻗﻠﺖ ﻟﻪ :ورد ﻓﻲ رواﻳﺔ )ﻓﺴﺎد وﻧﻈﺮ ﻧﺤﻮ ﻗﻤﻢ اﻟﺠﺒﻞ ﺑﺈﻋﺠﺎب وإﻋﺰازُ . اﻷﻣﻜﻨﺔ( ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ ﺻﺒﺮي ﻣﻮﺳﻰ أن ﺟﺪ اﻟﺒﺸﺎرﻳﺔ ﻛﺎن اﺳﻤﻪ ﻛﻮﻛﺎ ﻟﻮاﻧﻜﺎ وأﻧﻪ ﻋﺸﻖ "إﻳﻠﺒﺎ" ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﺻﺨﺮ ًة ﻣﻨﻪ ،ﻫﻞ ﻫﺬا ﺧﻴﺎل ﻣﻦ اﻟﻜﺎﺗﺐ؟ ﻗﺎل »ﻓﻴﺼﻞ« :ﻟﻘﺪ ﻗــﺮأت اﻟﺮواﻳﺔ وأﻋﺠﺒﺘﻨﻲ ﺑﺸﺪة ،وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻓﺴﺄﻟﺖ ﻋﻨﻪ اﻵﺑﺎء واﻷﺟﺪاد ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻢ اﺳﺘﻮﻗﻔﻨﻲ ذﻛﺮ ﻛﻮﻛﺎ ﻟﻮاﻧﻜﺎ ُ ﻳﺠﻴﺒﻮﻧﻲ ﺑﺸﻲء.ﻛﺎﻧﺖ ﺻﻴﺤﺎت ﺧﻔﻴﻔﺔ ﻳﻄﻠﻘﻬﺎ »ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ« ﻳﺼﻠﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﺗﺄﺗﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺬﺑﺢ ،ﺗﻮﺟﻬﺖ ﻧﺤﻮ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺬﺑﺢ وإﺿﺮام اﻟﻨﻴﺮان .وﺟﺪﺗﻬﻢ ﻗﺪ أوﻗﺪوا ﻓﻲ اﻟﺤﻄﺐ ،ﺛﻢ وﺿﻌﻮا ﻓﻮق ﻧﺎره ﺣﺠﺎرة اﻟﺒﺎزﻟﺖ اﻟﺘﻲ ﺟﻤﻌﻮﻫﺎ وﻧﻈﻔﻮﻫﺎ» .ﻳﺎﺳﺮ« ﻛﺎن ﻳﻤﺴﻚ ﻓﻲ ﻃﺒﻖ ﺻﻐﻴﺮ ﺑﺸﻲء ﻣﺎ. ﻣﺎ ﻫﺬا ﻳﺎ ﻳﺎﺳﺮ؟ ﻗﺎل ﻟﻲ :ﻛﺒﺪا اﻟﺠﺪﻳﻴﻦ ،ﺛﻢ رأﻳﺘﻪ ﻳﺄﺧﺬ دﻫ ًﻨﺎ ﻣﻦﺑﻴﻦ اﻟﻠﺤﻢ ،وﻳﻀﻌﻪ ﻓﻲ ﻃﺎﺳ ٍﺔ ﺻﻐﻴﺮة ﻋﻠﻰ ﻧﺎر ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﻧﺎر اﻟﺸﻮاء. ﻗﺎل ﻟﻲ "ﻳﺎﺳﺮ" :ﺳﺄﺗﺒﻞ اﻟﻜﺒﺪ ﺑﺒﺼﻞ وﺗﻮاﺑﻞ وأﻃﻬﻮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻨﺎر. ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺠﺎرة اﻟﺒﺎزﻟﺖ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻷﺛﻨﺎء ﻗﺪ ﺳﺨﻨﺖ ،وﺑﺪأ دﺧﺎن ﻣﺘﻜﺎﺛﻒ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺛﻨﺎﻳﺎﻫﺎ ،وﻛﺎن ﻣﺼﺪره ﺣﻄﺐ اﻟﻮﻗﻴﺪ اﻟﺬي ﺻﺎر ﺟﻤ ًﺮا .وﺿﻊ »ﻣﺤﻤﻮد أُوﻫﺎج« ﺑﺮﻓﻘﺔ اﺑﻦ ﻋﻤﻪ »ﻣﺤﻤﺪ ﺟﻤﻌﺔ«، ﻟﺤﻢ اﻟﺠﺪﻳﻴﻦ اﻟﺬي ﻗُﻄﻊ ﻗﻄ ًﻌﺎ ﻛﺒﻴﺮة ،ﻋﻠﻰ ﺣﺠﺎرة اﻟﺒﺎزﻟﺖ .ﻣﺮت دﻗﺎﺋﻖ ﻓﻄﻐﺖ ﻋﻠﻰ اﻷﺟﻮاء أﺑﺨﺮة اﻟﺸﻮاء اﻟﻤﺜﻴﺮة ﻟﻠﺸﻬﻴﺔ.
ﺑﺤﻴﺮة ﻓﻴﻜﺘﻮرﻳﺎ اﻻٔﻣﺘﺎر اﻻٔوﻟﻰ ﻣﻦ ﺑﺪء رﺣﻠﺔ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ
ﻋﻠﻲ أن اﻧﻄﺒﺎع ﺗﻮﻗّ َﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ .ﻟﻜﻦ ﻛﺎن ﱠ أﻧﺘﻈﺮ ﺣﺘﻰ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ ﻛﺎﻧﻮن اﻟﺜﺎﻧﻲ/ ﻳﻨﺎﻳﺮ 2019م ،ﺣﺘﻰ أﺣﻘﻖ ﺣﻠﻢ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ أﺣﺪ ﻣﻨﺎﺑﻊ اﻟﻨﻴﻞ ،إﻟﻰ ﺷﻼل ﻣﺒﺎﻧﻐﺎ أو إﻣﺒﺎﻧﻐﺎ وﻫﺬا اﺳﻤﻪ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻟﻐﺔ اﻟﺒﺎﻧﺘﻮ .ﻟﻜﻦ اﺳﻤﻪ اﻟﺬي ﻣﻨﺤﻪ إﻳﺎه اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﻫﻮ ﺷﻼل ﻣﻮرﺗﺸﻴﺴﻦ .وﻗﺒﻞ وﺻﻮﻟﻪ إﻟﻰ اﻟﺸﻼل ﻳﻀﻴﻖ ُ اﻟﻨﻬﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻞ ﻋﺮﺿﻪ ﺳﺒﻌﺔ أﻣﺘﺎر ﻓﻘﻂ، وأﻣﺎ ارﺗﻔﺎع اﻟﺸﻼل ﻓﻬﻮ 42ﻣﺘ ًﺮا. ﺗﻮﺟﻬﺖ ﺟﻨﻮﺑًﺎ ﺟﺎﻧ ًﺤﺎ إﻟﻰ وﺑﻌﺪ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﻳﺎم ُ اﻟﺸﺮق ،إﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺟﻴﻨﺠﺎ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻘﻊ ﺑﺤﻴﺮة ﻓﻴﻜﺘﻮرﻳﺎ ،وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺑﺤﻴﺮة ﻓﻴﻜﺘﻮرﻳﺎ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺎﻓﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻞ ﺛﻼﺛﺔ وأﺧــﻴـﺮا ً ﺑﻠﺪان وﻫﻲ أوﻏﻨﺪا وﻛﻴﻨﻴﺎ وﺗﻨﺰاﻧﻴﺎ؛ ﻓﺈن ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ اﻷﺑﻴﺾ ﻳﺒﺪأ ﻣﺴﻴﺮﺗﻪ اﻷوﻟﻰ ،ﻣﻨﺒﻌﻪ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻨﺒﻊ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ -ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ اﻷول ﻣﻨﻌﺘﻘًﺎ ﻣﻦ ﺣﻀﻦ أ ﱢﻣـﻪ ﺑﺤﻴﺮة ﻓﻴﻜﺘﻮرﻳﺎ اﻷﺑﻴﺾ -ﻣﺤﻂ ﺟﺪل وأﺧﺬ ورد ،ﻓﺄﻫﻞ رواﻧﺪا
ﻓﻲ ﺟﻴﻨﺠﺎ ،وﻫﻲ ﺗﺒﻌﺪ 80ﻛﻴﻠﻮ ﻣﺘ ًﺮا ﺷﻤﺎل ﺷﺮق اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﻛَﻤﺒﺎﻻ ،ﺣﻴﺚ أول ﻧﻘﻄﺔ ﻳﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻨﻬﺮ اﻟﻮاﺳﻊ ﺑﻌﺮﺿﻪ ،اﻟﻮﺋﻴﺪ ﺑﺠﺮﻳﺎﻧﻪ ﻋﻜﺲ أﺧﻴﻪ اﻟﻨﻴﻞ اﻷزرق اﻟﻨﺰق اﻟﺠﺴﻮر اﻟﻤﻨﺪﻓﻊ ﺑﻜﻞ ﺗﻮﺛﺐ اﻟﺸﺒﺎب ،ﺣﻴﺚ ﻳﻠﺘﺤﻢ ﺑﺎﻟﻨﻴﻞ اﻷﺑﻴﺾ وﻳﻜﻮﻧﺎن ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ وﻳﺘﺠﻬﺎن ﺑﻜﻞ ﺧﺸﻮع ﻓﻲ ﺟﺴﺪ واﺣﺪ ﻧﺤﻮ ﻣﺼﺮ ،وﻗﺒﻴﻞ ارﺗﻤﺎﺳﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﻳﻔﺘﺮﻗﺎن إﻟﻰ ﻓﺮﻋﻴﻦ ﻫﻤﺎ رﺷﻴﺪ ودﻣﻴﺎط ،ﻻ ﻟﺸﻲء إﻻ ﻟﻴﺨﻔﻔﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﻣﻦ ﻋﺒﻖ ﺷﺒﻘﻬﻤﺎ إﻟﻴﻪ وﺷﺒﻘﻪ إﻟﻴﻬﻤﺎ.
ﻳﺆﻣﻨﻮن أن ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ ﻣﻨﺒﻌﻪ ﻣﻦ ﺑﻼدﻫﻢ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳُﺼﺮ أﻫﻞ ﺑﻮروﻧﺪي ﻋﻠﻰ أن ﻣﻨﺒﻊ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ ﻳﺒﺪأ ﻣﻦ ﺑﻼدﻫﻢ ﺣﻴﺚ ﻧﻬﺮ روﻓﻴﺮوﻧﺰا ﺑﻮﺻﻔﻪ اﻟﺤﺪ اﻷﻗﺼﻰ ﻟﻨﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ ،وﻫﺬا إن ّ دل ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ أﻫﻤﻴﺔ أﻃﻮل أﻧﻬﺎر اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺬي ﺗ ُﻌﺪ ﻣﻨﺎﻃﻘﻪ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ -أي ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻘﺎء اﻟﻨﻴﻠﻴﻦ اﻷﺑﻴﺾ واﻷزرق ﺷﻤﺎل اﻟﻤﺼﺐ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ- اﻟﺨﺮﻃﻮم ﺑﻤﺴﺎﻓﺔ وﺣﺘﻰ ّ ﻣﻦ ﻣﻬﺎد اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،ﻫﺬه اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪأ ﺷﻤﺎل اﻟﺨﺮﻃﻮم ﺑﺤﻮاﻟﻲ 200ﻛﻴﻠﻮ ﻣﺘﺮ ﺑﺄﻫﺮام اﻟﺒﺠﺮاوﻳﺔ ﻟﺘﺼﻞ ﺿﺨﺎﻣﺘﻬﺎ ﻓﻲ أﻫﺮام اﻟﺠﻴﺰة ﻋﻨﺪ ﺑﺪاﻳﺔ دﻟﺘﺎ اﻟﻨﻴﻞ. وﻳﺒﻘﻰ ُﺣﻠﻤﻲ ﺑﺰﻳﺎرة ﻣﻨﺎﺑﻊ اﻟﻨﻴﻞ اﻷزرق ﻓﻲ إﺛﻴﻮﺑﻴﺎ )ﺑﺤﻴﺮة ﺗﺎﻧﺎ( ﻗﺎﺋ ًﻤﺎ ﺣﺘﻰ أﻛﻤﻞ رؤﻳﺔ اﻟﻨﻴﻞ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺑﻊ راﻓﺪﻳﻪ اﻟﻌﻈﻴﻤﻴﻦ وﺣﺘﻰ ﻣﺼﺒﻪ ﺑﻔﺮﻋﻴﻪ ﻓﻲ دﻣﻴﺎط ورﺷﻴﺪ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
67
ارﺗﻴﺎد اﻵﻓﺎق
ﺷﻼل ﻣﻮرﺗﺸﻴﺴﻮن ﻓﻲ أوﻏﻨﺪا ،ﺑﺪاﻳﺎت ﺗﺸﻜﻞ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ
أﺿﻔﺖ »ﺑﻞ وﻋﺎﺷﻖ ﻟﻤﺼﺮ أﻳﻀً ﺎ« ،ﻣﺸﺮوع اﻟﻘﻨﺎﻃﺮ ﺗﻤﻨﻴﺖ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺜﻠﻪ ﻋﻨﺪ ﺑﺪاﻳﺔ ﺷﻂ اﻟﻌﺮب ،ﻋﻠﻰ أن ﻳﺘﻢ ﺣﻔﺮ ﻗﻨﻮات ﻣﺎﺋﻴﺔ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ أﺑﻌﺪ ﻧﻘﻄﺔ ﺷﺮق وﻏﺮب اﻟﺒﺼﺮة ﺑﺤﺜﺖ ﻋﻦ ﻓﻨﺪق ﺣﺘﻰ اﻟﺨﻠﻴﺞ .ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ُ ووﺿﻌﺖ ﺣﺎﺟﻴﺎﺗﻲ وﻃُﻔﺖ ﻓﻲ أزﻗﺔ ﻣﺪﻳﻨﺔ
رﺷﻴﺪ ،وﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺳﺎﻋﺪﻧﻲ ﻣﺼﺮﻳﻮن ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﺳﺎﺣﻞ اﻟﺒﺤﺮ ﺣﻴﺚ ﻣﺼﺐ اﻟﻨﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻢ أو اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،ﻋﺒﺮ ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺻﻐﻴﺮة ﻛﺎن ﺳﺎﺋﻘﻬﺎ ﻛﺮﻳ ًﻤﺎ ﻣﻌﻲ ،وﻗﺪ ﻧﺎدى ﻋﻠﻰ ﺷﺎب ﺳﺎﺋﻖ "ﺗﻮك ﺗﻮك" وأوﺻﺎه ﺧﻴ ًﺮا ﺑﻨﺎ ،ﻓﻮﺻﻠﻨﺎ إﻟــﻰ أﺑﻌﺪ ﻧﻘﻄﺔ ﻣﺴﻤﻮح ﻟﻨﺎ أن ﻧﺼﻠﻬﺎ،
ﺑﺤﻴﺮة ﻧﺎﺻﺮ ﻓﻲ وادي ﺣﻠﻔﺎ ،آﺧﺮ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ ﻓﻲ اﻻٔراﺿﻲ اﻟﺴﻮداﻧﻴﺔ ،ﻗﺒﻞ دﺧﻮﻟﻪ ﻣﺼﺮ
66
اﻟﻨـﻴﻞ وأﻧـﺎ
واﻟﺘﻘﻄﺖ ﺻﻮ ًرا و ُﻋﺪﻧﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻗﻤﻨﺎ ﺑﺠﻮﻟﺔ ُ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻷﺛﺮﻳﺔ .وأﻧﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟ َﻌﻠَ َﻤﻴﻦ، وﻓﻲ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ واﻟﻘﺎﻫﺮة واﻟﺨﺮﻃﻮم ﺑﻞ وﻓﻲ ﺑﻐﺪاد ،وﺣﻠﻢ زﻳﺎرة ﻣﻨﺎﺑﻊ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺒﺤﻴﺮات اﻟﻌﻈﻤﻰ ﺗﺮاودﻧﻲ، أﺻﺒﺤﺖ ﺣﻠ ًﻤﺎ ﻳُﺮاودﻧﻲ ،رﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﺗﻌﻮﻳﺾ ْ ﻋﻦ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺣﻠﻢ زﻳﺎرة ﻣﻨﺎﺑﻊ ﻧﻬ َﺮي دﺟﻠﺔ واﻟﻔﺮات .وﺑﻌﺪ ﻋﻮدﺗﻲ ﻟﻠﺨﺮﻃﻮم ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻷﺳﺒﻮع اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ آب /أﻏﺴﻄﺲ 2018م ،ﺑﺪأﻧﺎ اﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﻟﺰﻳﺎرة رواﻧــﺪا وأوﻏﻨﺪا ،وﺗﺤﻘﻖ ﻫﺬا ﻓﻲ ﺻﺒﺎح اﻟﺤﺎدي واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ ﻛﺎﻧﻮن اﻷول 2018م، ﺣﻴﻦ ﻫﺒﻄﺖ ﻃﺎﺋﺮة اﻟﺨﻄﻮط اﻟﺠﻮﻳﺔ اﻟﻜﻴﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻄﺎر ﻛﻴﻐﺎﻟﻲ )ﻛﻴﺠﺎﻟﻲ( ﻋﺎﺻﻤﺔ رواﻧﺪا، وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﻀﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻐﻄﻲ اﻟﻤﻜﺎن واﻟﻨﻈﺎﻓﺔ وﻋــﺪم رؤﻳــﺔ اﻟﺤﻘﺎﺋﺐ اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ ،أول
ﺑﺤﻴﺮة ﻧﺎﺻﺮٔ ،ﻗﺼﻰ ﺟﻨﻮب ﻣﺼﺮ،ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻣﻌﺒﺪ أﺑﻮ ﺳﻤﺒﻞ،ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ
ﻣﺼﺐ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ ،دﻣﻴﺎط ،آﺧﺮ ﻧﻘﻄﺔ ﻟﻨﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ ﻗﺒﻞ ذوﺑﺎﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ
اﻟﺤﺒﻴﺒﺔ ،ﻓﺰرتُ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻛﺜﻴﺮة ﻣﻨﻬﺎ ،اﺑﺘﺪا ًء ﻣﻦ ﻣﻌﺒﺪ أﺑﻲ ﺳﻤﺒﻞ اﻟﺬي ﻳﻘﻊ ﻗﺮﻳ ًﺒﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺪود اﻟﺴﻮداﻧﻴﺔ ،ﻫﺒﻮﻃًﺎ ﻣﻊ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ إﻟﻰ أﺳﻮان، وأدﻓــﻮ واﻷﻗﺼﺮ ﺣﺘﻰ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،وذﻟﻚ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ آذار /ﻣﺎرس 2018م ،وﻓﻲ أواﺧﺮ ﺗﻤﻮز/ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻳﻮﻟﻴﻮ وﺑﺪاﻳﺔ آب/أﻏﺴﻄﺲ 2018م، ُ ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻧﺤﻮ ﺑﻮرﺳﻌﻴﺪ ودﻣﻴﺎط ﺣﻴﺚ رأﻳﺖ ﻣﺼﺐ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ، ُ وﺗﺬﻛﺮت ﻣﺎ ﺟﺮى ﻋﻠﻰ دﻣﻴﺎط ﻋﺒﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ وﻣﻨﻬﺎ اﻟﺤﻤﻼت اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ.
ﺗﻮﺟﻬﺖ إﻟﻰ »رﺷﻴﺪ« وﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ دﻣﻴﺎط ُ اﻟﻔﺮع اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻟﻨﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ ،إذ ﻳﺘﻔﺮع ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ إﻟﻰ ﻓﺮﻋﻴﻦ ﻳﺼﺐ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻓﻲ دﻣﻴﺎط واﻵﺧﺮ ﻓﻲ رﺷﻴﺪ ،ورﺷﻴﺪ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺘﻲ اﻛﺘُ ِﺸ َﻒ ﻓﻴﻬﺎ ﺣ َﺠ ُﺮ رﺷﻴﺪ اﻟﺸﻬﻴﺮ؛ اﻟﺬي ﺗﻢ ﻋﻠﻰ ﺿﻮﺋﻪ ﻗﺮاءة اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﻬﻴﺮوﻏﻠﻴﻔﻴﺔ .ﻟﻜﻦ ﻓﻲ رﺷﻴﺪ ﻗﻠﻴﻼ ،إذ ﺣﻴﻦ ﺳﺄﻟﺖ ﺳﺎﺋﻖ اﻷﺟﺮة ﻋﺎﻧﻴﺖ ً ُ ﻋﻦ ﻣﺼﺐ اﻟﻨﻴﻞ ،ﻟﻢ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻘﺼﺪي ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ، ﻷن اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻮﺿﻊ ﺳﺪ ﺣﺎﺟﺰ ﻓﻲ ﺟﻨﻮب رﺷﻴﺪ ،ﻣﻨﻊ ﺗﺴﺮب ﻣﻴﺎه
اﻟﺒﺤﺮ إﻟﻰ ﻋﻤﻖ اﻟﻨﻴﻞ ،وﺗ ُﺴ ﱠﻤﻰ اﻟﻘﻨﺎﻃﺮ، ﺗﻢ اﻟﺒﺪء ﻓﻲ إﻧﺸﺎﺋﻬﺎ ﻋﺎم 1949م ،واﻓﺘﺘﺤﻬﺎ ﻣﺼﻄﻔﻰ اﻟﻨﺤﺎس ﻋﺎم 1951م ،وﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺎﻣﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﺤﻔﺮ ﻗﻨﻮات ﺗﺴﻘﻲ ﺑﺴﺎﺗﻴﻦ وﻣـﺰارع اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺒﺤﺮ. ﻣﻬﻨﺪﺳﺎ زرتُ اﻟﻘﻨﺎﻃﺮ وﻛﻨﺖ ﻣﺤﻈﻮﻇًﺎ أن ً ﻗﺎﻫﺮﻳٍّﺎ ﻛﺎن ﻣﻘﻴ ًﻤﺎ ﻫﻨﺎك ،وﺣﻴﻦ أﺧﺒﺮﺗﻪ ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻋﺮاﻗﻲ وﺷﺎﻋﺮ وﻛﺎﺗﺐ ،ﻷﻧﻲ رأﻳﺖ ﺟﻨﻮ ًدا اﻗﺘﺮﺑﻮا ﻣﻨﺎ ،ﻓﺎﺿﻄﺮرت ﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﻧﻔﺴﻲ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ اﻟﺬي ﻻ أﻋﻠﻨﻪ إﻻّ اﺿﻄﺮا ًرا ،ﻓﺎﻟﺸﻌﺮ واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺨﺼﻨﻲ وﺗﻬﻤﻨﻲ وﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻶﺧﺮ ﺑﻬﺎ؛ أﻗﻮل إن ﻫﺬا اﻟﻤﻬﻨﺪس ﻛﺎن ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻠﻄﻒ واﻟﻜﺮم واﻟﺪﻣﺎﺛﺔ ،وأﺧﺒﺮ اﻟﺠﻨﻮد اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺄﻟﻮا ﻷﺳﺒﺎب أﻣﻨﻴﺔ وﻫﻮ واﺟﺒﻬﻢ -ﻻ ﺳﻴﻤﺎ وزوﺟﺘﻲ ﻣﻌﻲ وﻫﻲ أﺟﻨﺒﻴﺔ -ﺑﺄﻧﻨﻲ »ﻋﻨﺪه«أي أﻧﻪ ﻣﺴﺆول ﻋﻨﻲ وأﻧﻨﻲ ﺛﻘﺔ ،وأﻧﺎ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
65
ارﺗﻴﺎد اﻵﻓﺎق
ُ اﻟـﻤ ْﻘ َﺮن ..اﻟﺘﻘﺎء اﻟﻨﻴﻠﻴﻦ
ﻗﻨﺎﻃﺮ إدﻓﻴﻨﺎ 20 ،ﻛﻠﻢ ﺟﻨﻮب رﺷﻴﺪ ،ﺣﻴﺚ ﻣﺼﺐ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ
اﻟـﻤﻘﺮن ،ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻟﻨﻴﻠﻴﻦ اﻻٔﺑﻴﺾ واﻻٔزرق ﻟﻴﺒﺪأ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ رﺣﻠﺘﻪ إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ
ﺑﺪاﻳﺔ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ اﻟﻬﺎرب ﻣﻦ ﺣﻀﻦ ﺑﺤﻴﺮة ﻓﻴﻜﺘﻮرﻳﺎ ﺷﻮﻗًﺎ إﻟﻰ أرض اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ
64
اﻟﻨـﻴﻞ وأﻧـﺎ
أﺻﺒﺤﺖ أﻓﻜﺮ ﺟﺪﻳٍّﺎ ﺑﺮؤﻳﺔ »اﻟـ ُﻤ ْﻘ َﺮن« ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ُ وﻫﺬا ﻫﻮ اﺳﻤﻪ؛ أي اﻗﺘﺮان اﻟﻨﻴﻞ اﻷزرق ﺑﺎﻟﻨﻴﻞ اﻷﺑﻴﺾ ﻟﻴﺘﺸﻜﻞ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ وﻳﺨﺐ اﻟﺠﺮﻳﺎن ﻧﺤﻮ اﻟﺸﻤﺎل ﻓﻴﻜﻮن ﻫﺒﺔ ﻣﺼﺮ ،وﺑﻔﻀﻞ أﺳﺮة ﺳﻮداﻧﻴﺔ أﻋﺪﻫﺎ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﺨﺮﻃﻮم ،زرتُ اﻟـﻤﻘﺮن ،وﻫﺬه اﻟﺰﻳﺎرة ﺗﺴﺘﺤﻖ أن أذﻛﺮ ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ ﺗﻌﻄﻲ ﺻﻮرة ﻋﻦ ﻃﻴﺒﺔ وﻧﻘﺎء وﻛﺮم اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺴﻮداﻧﻲ. ﻗﻄﻌﻨﺎ ﺗﺬاﻛﺮ ودﺧﻠﻨﺎ ﻟﻠﻤﺘﻨﺰه ،وﺑﻌﺪ ﻣﺎﺋﺘَﻲ ﻣﺘﺮ ﺷﺨﺼﺎ ﻳﺤﻤﻞ ﻛﺎﻣﻴﺮا ،ﻋﻦ »اﻟـﻤﻘﺮن« ﻓﺮأى ﺳﺄﻟﻨﺎ ً ﺗﺬاﻛﺮﻧﺎ وﻗﺎل :ﻫﺬه ﻟﻠﻤﺘﻨﺰه وﻋﻠﻴﻜﻢ ﺑﻘﻄﻊ ﺗﺬاﻛﺮ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻤﻘﺮن ،ﺛﻢ أردف :أﻋﻄﻮا اﻷﻃﻔﺎل اﻟﻤﺒﻠﻎ وﻓﻌﻼ ﻟﻴﺬﻫﺒﻮا ﻣﻌﻲ ﻧﻘﻄﻊ ﺗﺬاﻛﺮ وأﻧﺘﻢ ﺗﺒﻘﻮن ﻫﻨﺎً ، ﺑﻌﺪ دﻗﺎﺋﻖ ﺟﺎءوا ،اﻟﺘﺬاﻛﺮ ﺑﻴﺪ اﻷﻃﻔﺎل وﻫﻮ ﻣﻌﻪ ﻗﻠﻴﻼ ﺛﻢ ﻓﺘﺢ ﻟﻨﺎ ﺑﻮاﺑﺔ ﺻﻐﻴﺮة، اﻟﻤﻔﺘﺎح ،ﻓﻤﺸﻴﻨﺎ ً إذ وﺿﻌﻮا ﺳﻴﺎ ًﺟﺎ ﻳﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺘﻨﺰه وﺑﻴﻦ اﻟﻨﻴﻠﻴﻦ دﻟﻴﻼ ﺟﻴ ًﺪا وﺣﺬرﻧﺎ أن اﻷزرق واﻷﺑﻴﺾ ،ﺗﺠﻮﻟﻨﺎ وﻛﺎن ً ﻻ ﻧﻘﺘﺮب ﻣﻦ »اﻟﺠﺮف« ﻷن ﺣﺎﻓﺔ اﻟﻨﻬﺮ ﻏﻴﺮ آﻣﻨﺔ، اﻟﺘﻘﻄﻨﺎ ﺻﻮ ًرا وﺣﻴﻦ اﻧﺘﻬﻴﻨﺎ ﺧﺮج ﻣﻌﻨﺎ وأﻗﻔﻞ اﻟﺒﻮاﺑﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة وﺷﻜﺮﻧﺎ وذﻫﺐ. ﺳﺄﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة اﻟﺴﻮداﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻨﺎ :ﻫﻞ ﻫﻮ ﻣﻮﻇﻒ ﻫﻨﺎ؟ أﺟﺎﺑﺖ :ﺑﻞ ﻛﻤﺎ ﺗﺮى ُﻣﺼ ﱢﻮر ،ﻓﻘﻠﺖ: وﻛﻴﻒ ﻳﺘﺮك ﻋﻤﻠﻪ وﻳﺘﺒﺮع ﺑﺄن ﻳﻜﻮن دﻟﻴﻠﻨﺎ ﺛﻢ ﻣﺎﻻ؟ ﺷﻜﺮﻧﺎ وذﻫﺐ ،وﻏﻴﺮه ﻓﻲ ﺑﻠﺪان أﺧﺮى ﻳﻄﻠﺐ ً أﺟﺎﺑﺖ ﺑﺘﻠﻘﺎﺋﻴﺔ :وأﻳﻦ ذﻫﺒﺖ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ؟ أي أن أوﻻ. اﻟﻌﻤﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ً ﺣﻘﻘﺖ ُﺣﻠ ًﻤﺎ أو ﺟﺰ ًءا ﻣﻦ ﺣﻠﻢ ،وﺗﻜ ﱠﺮرت إذًا ،ﻟﻘﺪ ُ وﺗﻮﺟﻬﺖ ﺟﻨﻮﺑًﺎ ﻣﻊ اﻟﻨﻴﻞ زﻳﺎراﺗﻲ ﻟﻤﻠﺘﻘﻰ اﻟﻨﻴﻠﻴﻦ، ُ ﺑﺤﺜﺖ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ وﻓﻴﻬﺎ »ﻛﻮﺳﺘﻲ«، اﻷﺑﻴﺾ ﺣﺘﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ ُ اﻟﺘﻮﺟﻪ ﺣﺘﻰ ﻣﻨﺎﺑﻊ اﻟﻨﻴﻞ اﻷﺑﻴﺾ ﺟﻨﻮﺑًﺎ ،ﻗﺎﻃ ًﻌﺎ »ﺟﻨﻮب اﻟﺴﻮدان« ،ﻟﻜﻦ َﻣﻦ ﺳﺄﻟﺘُﻬﻢ ﻧﺼﺤﻮﻧﻲ ﺑﺄن اﻟﻮﺿﻊ ﻓﻲ »ﺟﻨﻮب اﻟﺴﻮدان« ﻟﻴﺲ آ ِﻣ ًﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻰ أذوﻧﺎت ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻫﻨﺎك وﻣﻦ ﻟﻮ ُ ﺷﻴﻮخ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﺪﻳﻨﻜﺎ واﻟﻨﻮﻳﺮ واﻟﺸﱡ ﻠُﻚ ،وﺷﺮﺣﻮا اﻷﻣﺮ ﺑﻤﺎ أﻗﻨﻌﻨﻲ أن ﻻ أﻏﺎﻣﺮ وأرﻣﻲ ﺑﻨﻔﺴﻲ إﻟﻰ اﻟﺘﻬﻠﻜﺔ. وﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﻨﻴﻞ اﻷزرق وﺻﻠﺖ ﺟﻨﻮﺑًﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ُ »ود ﻣﺪﻧﻲ« ،ﻓﺮﺣﻠﺘﻲ ﻣﻦ ﺑﻮرﺳﻮدان ﺣﺘﻰ ﻛ ََﺴﻠَﺔ ﺛﻢ ﻣﻦ ﻛﺴﻠﺔ إﻟﻰ اﻟﻘﻀﺎرف وﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺨﺮﻃﻮم ﻋﺒﺮ ﻣﺪن وﺑﻠﺪات وﻗﺮى ﻋﺪﻳﺪة .أﻣﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﺷﻤﺎل ﺷﻤﺎﻻ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ أﺑﻌﺪ ﻧﻘﻄﺔ ً ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻟﻨﻴﻠﻴﻦ ﻓﻘﺪ ُ ﺣﻴﺚ اﻟﺤﺪود اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ .ﺛﻢ ﻗﺎدﻧﻲ ﺷﻮﻗﻲ ﻟﻤﺼﺮ
ﺑﺤﻴﺮة ﻧﺎﺻﺮ ،أﻗﺼﻰ ﺟﻨﻮب ﻣﺼﺮ،ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻣﻌﺒﺪ أﺑﻮ ﺳﻤﺒﻞ،ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ
اﻟﺸﻬﻮر اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم ،ﻳﻜﻮن أَ ْﻋ َﺮض ﻣﻦ اﻟﻨﻴﻞ اﻷزرق وﻣﻦ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﺪة ﻣﺮات ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﻏﺎﻟﺒﻴﺘﻬﺎ .وﻫﻮ ﻋﻜﺲ اﻟﻨﻴﻞ اﻷزرق؛ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺑﺎﻟﺘﺄﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺠﺮﻳﺎن ،ﻛﺎن ﻳﻮ ًﻣﺎ ﻟﻦ أﻧﺴﺎه ،أن ﺗﻜﻮن ﺑﻘﺮب ﻧﻬﺮ ﻛﺒﻴﺮ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ واﻟﻌﻄﺶ ﻳﺴﺘﻔﺤﻞ ﻓﻲ ﺟﺴﺪك ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺖ ﺑﺎﻟﺠﻔﺎف وأدى ﻫﺬا ﺑﻲ إﻟﻰ اﻟﺼﺪاع اﻟﻨﺼﻔﻲ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﻔﺎرﻗﺔ ﻋﺠﻴﺒﺔ. ﻟﻜﻦ ﻓﺮﺣﺘﻲ ﺑﺮؤﻳﺔ اﻟﻨﻴﻞ اﻷﺑﻴﺾ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ اﻷﻗﻮى، ﻣﻊ ﻋﻬﺪ ﻗﻄﻌﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ أن ﻻ ﺗﺨﻠﻮ اﻟﺴﻴﺎرة ﻣﻦ ﻗﻨﻴﻨﺔ ﻣﺎء.
ﺑﺪاﻳﺔ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ اﻟﻬﺎرب ﻣﻦ ﺣﻀﻦ ﺑﺤﻴﺮة ﻓﻴﻜﺘﻮرﻳﺎ ﺷﻮﻗًﺎ إﻟﻰ أرض اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
63
ارﺗﻴﺎد اﻵﻓﺎق
~ïįz Ĩ Ĺ İĩ ﺑﺎﺳـﻢ ﻓـﺮات
ﻓﻲ ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ وﻣﺮاﻫﻘﺘﻲ؛ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺎت ّ ﺑﺚ اﻹذاﻋﺔ اﻟﻤﺮﺋﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺮاق ﻟﻬﺎ ﺣﺼﺔ اﻷﺳﺪ ،وﻛﺎن ِﻓﻠْﻢ اﻟﺴﻬﺮة اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﺴﺎء اﻟﺨﻤﻴﺲ ﺑﻌﺪ ﻧﺸﺮة أﺧﺒﺎر اﻟﻌﺎﺷﺮة ،ﻳﻌﻨﻲ ﻓﻠ ًﻤﺎ ﻣﺼﺮﻳٍّﺎ؛ إﻻ ﻓﻲ ﺣﺎﻻت ﻧﺎدرة، وﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن ِﻓﻠﻢ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻓﻠ ًﻤﺎ ﻣﺼﺮﻳٍّﺎً ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻟﻤﺴﻠﺴﻼت اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻞ اﻟﺸﺎﺷﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺮاق .ﻛﺎﻧﺖ ﺟﻤﻠﺔ ﺗﺘﺮدد ﻋﻠﻰ أﻟﺴﻨﺔ اﻟﻤﻤﺜﻠﻴﻦ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ واﻟﻤﻤﺜﻼت ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار ،واﻟﺠﻤﻠﺔ ﻫﻲ "اﻟﺬي ﻳﺸﺮب ﻣﻦ ﻣﺎء اﻟﻨﻴﻞ ﻻ ﺑﺪّ أن ﻳﻌﻮد ﻣﺮة أﺧﺮى". ﻛﻨﺖ أﺳﺨﺮ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ،أو ﻗﻞ ﻛﻨﺖ أُ ْﻋﺰي اﻷﻣﺮ إﻟﻰ روح ﻻ أﻧﻜﺮ؛ ﻓﻘﺪ ُ وﻃﻨﻴﺔ ﻣﺼﺮﻳﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺼﺐ ،وﻣﺮت اﻷﻋﻮام واﻟﺴﻨﻮات ،ﺣﺘﻰ دﺧﻠﺖ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﺎﺳﻊ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ ﻛﺎﻧﻮن اﻷول /دﻳﺴﻤﺒﺮ ُ ﻣﻦ ﻋﺎم 2001م ،وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻬﺎ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻓﻘﺪ ﺗ ﱠﻢ اﺣﺘﺠﺎزي ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺎر ﻟﻮﻗﺖ ﻃﻮﻳﻞ وأﻧﺎ أﺣﻤﻞ ﺟﻮازًا ﻧﻴﻮزﻳﻠﻨﺪﻳٍّﺎ ،واﻟﻤﻔﺎرﻗﺔ أﻧﻨﻲ ﻋﻮﻣﻠﺖ ﻣﺜﻞ أي ﻧﻴﻮزﻳﻠﻨﺪي أﺑﻴﺾ ﻣﻦ أﺻﻞ أوروﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﻄﺎر اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ وﻣﻄﺎر اﻟﻤﻠﻜﺔ ﻋﻠﻴﺎء ﻓﻲ اﻷردن ،ﻟﻜﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻲ ﻓﻲ ﻣﻄﺎر اﻟﻘﺎﻫﺮة اﻟﺪوﻟﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻜﺲ ذﻟﻚ ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ. اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة أن اﻧﺰﻋﺎﺟﻲ وﺣﻨﻘﻲ اﻟﺬي وﻟﱠﺪه ﺗﻌﺎﻣﻞ اﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺎر، ﻗﺪ ﺗَ َﺒﺨﱠﺮ ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ ﺣﻴﻦ رأﻳﺖ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،وﺣﻴﻦ ﻣﺸﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﻮرﻧﻴﺶ اﻟﻨﻴﻞ ﻗﻠﻴﻼ وﺷﺮﺑﺖ ﻣﺎءه، وﻏﺮﻓﺖ ﻣﻨﻪ ً ﻧﺰﻟﺖ إﻟﻰ اﻟﻨﻬﺮ ُ ﻓﻲ ﻗﺎﻫﺮة اﻟﻤﻌﺰ؛ ُ ﻐﻔﺖ ﺑﻬﺬا اﻟﻨﻬﺮ وﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ﻓﻜﺎن اﻟﺬي ﻃﺎﻟﻤﺎ ردده اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن ،إذ ﺷُ ُ وﺑﺎﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ،وﻋﺎودت اﻟﺰﻳﺎرة ﻣﺮة وﻣﺮات ﺣﺘﻰ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﺳﺒﻊ ﻋﺸﺮة ﻣﺮة ،وﺳﻮف أﻛﻮن أﻛﺜﺮ ﺳﻌﺎدة ﻟﻮ ﺗﻜﺮرت ﻟﺴﺒﻊ وﺳﺒﻌﻴﻦ ﻣﺮة. اﺳﺘﺠﺎب اﻟﻘﺪر ﻟﻲ ،وﺷﺎءت اﻟﻈﺮوف أن أﻧﺘﻘﻞ ﻟﻠﻌﻴﺶ ﻣﻦ ﻛﻴﺘﻮ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻹﻛﻮادور إﻟﻰ اﻟﺨﺮﻃﻮم ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺴﻮدان ،ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﻗﺮﻳﺒًﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻴﻠﻴﻦ اﻷﺑﻴﺾ واﻷزرق وﻣﻠﺘﻘﺎﻫﻤﺎ ،وﻷن ﺳﻜﻨﻲ ﻟﻴﺲ ﺑﻌﻴ ًﺪا ﻋﻦ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ اﻷزرق ،ﻓﻘﺪ ﻋﻘﺪت ﺻﺪاﻗﺔ ﻣﻊ ﻫﺬا اﻟﻨﻬﺮ اﻟﻐﺎﺿﺐ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﺟﺮﻳﺎﻧﻪ وﺧﻄﻮرة اﻟﺴﺒﺎﺣﺔ ﻓﻴﻪ؛ ﻟﻮﺟﻮد اﻟﺤﻔﺮ اﻟﻜﺜﻴﺮة ﻓﻴﻪ ،وأﺻﺒﺤﺖ أﺗﻮق ﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﻨﻴﻞ اﻷﺑﻴﺾ ،وﻣﻠﺘﻘﻰ اﻟﻨﻴﻠﻴﻦ ،ﺣﺘﻰ ﻗﺎدﺗﻨﻲ اﻟﺼﺪﻓﺔ ﻳﻮ ًﻣﺎ إﻟﻰ اﻟﻨﻴﻞ اﻷﺑﻴﺾ ،إذ اﺗﻔﻘﻨﺎ -زوﺟﺘﻲ وأﻧﺎ -أن ﻧﺴﺘﻜﺸﻒ اﻟﻤﻜﺎن
62
اﻟﻨـﻴﻞ وأﻧـﺎ
ﺟﻴ ًﺪا ﻟﻨﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺮﻃﻮم ،وﻫﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ أﻓﻘﻴﺔ؛ أﻋﻨﻲ ﻗﻠﻴﻠﺔ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﻌﻤﻮدي؛ ﻋﻜﺲ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﻣﺘﺮاﻣﻴﺔ اﻷﻃ ـﺮاف ،ﻓﻘﺎدﺗﻨﺎ ﻣﻐﺎﻣﺮﺗﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻨﻴﻞ اﻷﺑﻴﺾ ،وﻧﺤﻦ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻨﻪ واﻟﻌﻄﺶ أﺧﺬ ﻣﺄﺧﺬًا ﻣﻨﺎ ،وﺑﻌﺪ ﺳﺆال ﻫﺬا وذاك ﻣﻦ اﻹﺧﻮة اﻟﺴﻮداﻧﻴﻴﻦ وﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﻃﺮﻳﻖ، وﻣﺎ إن ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ ﺣﺎﻧﻮﺗ ًﺎ ﺣﺘﻰ أوﻗﻔﻨﺎ اﻟﺴﻴﺎرة وﻫﺮﻋﺖ ﻟﺸﺮاء اﻟﻤﺎء. أﺑﻴﺾ ،ﺑﻞ ﻛﺎن أﻗﺮب ﻟﻠﻮن اﻷﺻﻔﺮ اﻟﻔﺎﺗﺢ ﻟﻜﻦ اﻟﻨﻴﻞ اﻷﺑﻴﺾ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ َ اﻟﻤﻐﺒﺮ أو ﻗﻞ ﻟﻮن اﻟﻐﺒﺎر ،وأدﻫﺸﻨﻲ َﻋﺮﺿﻪ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ وﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻓﺼﻞ اﻟﺨﺮﻳﻒ ،أي ﻳﺼﺒﺢ ﻓﻴﻀﺎن اﻟﻨﻴﻠﻴﻦ ﻋﻠﻰ أﺷﺪﻫﻤﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻷﻣﻄﺎر اﻟﻐﺰﻳﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻬﻄﻞ ﻋﻠﻰ اﻣﺘﺪاد ﻣﺴﻴﺮﻫﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺒﻊ ﺣﺘﻰ اﻗﺘﺮاﻧﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﺮﻃﻮم ،واﻟﻨﻴﻞ اﻷﺑﻴﺾ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻓﺼﻞ اﻟﺠﻔﺎف أي ﻓﻲ
Í Ëí ¡ ì ¥
~ïįz Ĩ Ĺ İĩ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
61
وﺟﻬﺔ ﺳﻔﺮ
īĸăģ ķħįŁñ~ ïĦ ïĭĸĵĴõ
ﺗﺤﺖ ﺳﻤﺎء ﻻ ﻳﺮﻗﺄ ﻟﻬﺎ دﻣﻊ ،ﺑِﺴ ﱠﺤ ٍ ﺎت ُﻣﺒﺘَﺬﻟﺔ ﻧﻮ ًﻋﺎ ﻣﺎ ،ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻤﺮء ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ أن ﻳُﺠﺎﻟِ َﺪ رو َﺣﻪ اﻟﻤﺸﺮﺋﺒﱠﺔ ﻧﺤﻮ ﻣﻌﺮﻓﺔ أوﺳﻊ، وأﻋﻤﻖ ،ﺑﺎﻟﺒﺸﺮ ...وﺑﺎﻟﻤﻜﺎن ،وأﻧﺖ ﺗﺘﻠ ﱠﻤﺲ ﺧﻄﻮاﺗِ َﻚ اﻷوﻟﻰ ،رﺑﻤﺎ ﻳﺒﻘﻰ اﻟﻤﺸﻬﺪ ﻓﻲ ﺿﺒﺎﺑ ﱠﻴﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻞ ﺣ ﱠﺪ اﻟﻌﺘﻤﺔ ،وﺗ َ ْﻨ ِﺰ ُع اﻟﻮﺷﻮ ُم اﻟﺘﻲ ﺗُ َﻐﻠﱢﻒ ﺑﻬﺎ ﻣﺤﻴ َﻂ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﺨﺎرﺟﻲ إﻟﻰ اﻟﺘﱠ َﻤ ْﺮﻛُ ِﺰ ﺑﺼﻮرة أﻛﺜﺮ ﻓﻌﺎﻟﻴﱠﺔ ،وﺻﻼﺑﺔ ،وﺑﺤﺮﻛﺔ ﻻ ِﻓﺘ ٍﺔ ﺗﻬﺒﻂ أﻛﺜﺮ ﻧﺤﻮ ٍ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﺮﻳﻖ، واﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺘﻠﻊ ﻋﻘﻠﻚ داﺧﻞ ﺗﺠﺎوﻳﻒ ﺣﺒﻴﺒﺎﺗﻬﺎ ﺗ ُ َﻤ ﱢﻜ ُﻨ َﻚ ﻣﻦ ٍ وﻃﺎف ،ﻓﻮق ﻟُ ﱠﺠ ٍﺔ ﻣﻦ اﻻﻧﺒﻌﺎﺛﺎت اﻷ ﱠوﻟ ﱠﻴﺔ، اﻟﺤﻀﻮر ﺑﺸﻜﻞ ﺧﻔﻴﻒ، ٍ ﺣﻤﻴﺪ ،ﻓﻲ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﻬﺎﻣﺸﻴﺔ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﺴﻤﺎء اﻟﻠﻌﻴﻨﺔ واﻟﺘﱠ َﻤ ﱡﺪد ﺑﻘﻠﻖٍ ، ﻏﺎﺋﺐ ﻻ ﻳﻌﻮد ،وﻫﻲ ﺗﻌﺮف أﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﻌﻮد. ﺗﻤﻜﺚ ً ﻃﻮﻳﻼ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ٍ ُﻣﺪﻫﺸَ ٌﺔ ﻫﺬه اﻟ ُﻤﺒﺎ َرﻛﺔ. ﻻ ﻣﺠﺎل ﻫﻨﺎ ﻟﻨﻮﺳﺘﺎﻟﺠﻴﺎ ﺣﻘﻴﺮة ،وﻻ إﻣﻜﺎ َن ﻟﻮﺟﻮ ٍد ُﻣﺮﻫَﻖٍ ﻓﻲ اﻟﻮراء، ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻻ ﻃﻴﻮر ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﻓﻀﺎء »ﻋﻴﻦ اﻟﺬﺋﺎب« ،ﻓﻲ ﻣﺴﺎءاﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﺗُﻈَﻠ ُﱢﻞ ﻗﺸﺮة اﻷرض ﺣﺘﻰ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﻜﻮن ...وﻟﻌﻘﻮ ٍد ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺗﻌﻴﺸﻬﺎ ،ﺳﻴﺘﱠﻀﺢ ﻟﻚ ﺣﺘ ًﻤﺎ أ ﱠن روﺣﻚ اﻟﻤﺒﻌﺜﺮة ﻋﻠﻰ اﻷدﻳﻢ اﻟﻤﺘﻮ ﱢﺣﺶ ﻟِﺨُﻄﻰ اﻟﻌﺎﺑﺮﻳﻦ ﻗﺪ ﺗﺮﻛﺖ ﺣ ﱢﻴ َﺰﻫﺎ اﻟﻀﻴﻖ ،واﻧﻄﻠﻘﺖ ﻟﻌﻮب ،ﺗﺘﺒﺨﺘﺮ ،وﺗﺮﻓﻞ ﻓﻲ ﻗَﺸﺎﺑَ ِﺔ اﻟﻤﺤﺘﻤﻞ ،وﺿﺮاوة ﺧﻠﻒ ﻏﺎﻧِﻴَ ٍﺔ، ٍ اﻟﺼ ْﻨﻊِ ،اﻟﻤﻤ ﱠﻮﻫﺔ، اﻟﻌﻄﻮر اﻟﺒﺎرﻳﺴﻴﺔ ردﻳﺌﺔ ﱡ واﻟ ُﻤ َﻤ ﱢﻮﻫﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺎﻫﻰ ﻋﻨﺪ ﺣﺪودﻫﺎ ﻛﻞ اﻷﻟﻮان ،ﺑﺪ ًءا ﻣﻦ اﺣﺘﻀﺎر ٍ ات ﺧﻔﻴﻔ ٍﺔ ،ﺗﻨﻜﺴﺮ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻣﻴﺎه اﻟﻤﺤﻴﻂ ،وﻣﺮو ًرا ﺑﺎﻷﻧﻮاء ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟ ﱢﺪﻗﱠﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺗ َ ْﻌﺮ ُِف أﻳﻦ ﺗﺬﻫﺐ ﻃﺤﺎﻟِ ُﺒﻬﺎ، وأﻳﻦ َﺳﺘَ ُﺤ ﱡﻂ رِﺣﺎﻟَﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﺎء ﺳﻔ ٍﺮ ﻃﻮﻳﻞ، ﻟﺘﺮﻗﺪ ﺗﺤﺖ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺨﻀﺮاء ،واﻧﺘﻬﺎ ًء ﺑﺬاﻛِﺮ ٍة ﺗﺘﻮﻗﱠﺪ ﻧﺤﻮ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ،ﺷَ ِﺮ َﻫ ٍﺔ ،وﺗَﺘﱠ ِﺴ ُﻊ ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل آﻻف اﻟــﺸﱢ ـﺮاك ،ﻣﻦ دون أن ﺗُﺨ ِْﻄ َﺊ ﻣ ﱠﺮ ًة ﺑﺎﺑﺘﻼع اﻟﻄﱡﻌﻢ ،ﻓﺘﻘﻌﺪ َﻣﻠﻮ َﻣ ًﺔ ﻣﺪﺣﻮرةً ،ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺼﺎف اﻟﻠﻴﻞ ،وﻋﻮﺳﺞ اﻻﻧﺒﻬﺎر ...اﻻﻧﺒﻬﺎر اﻟ ُﻤﺘَﻬ ﱢﺪج ﺑﺎﻧﺪﻳﺎﺣﺎت اﻟ ِﻬ ﱠﺰات اﻷرﺿﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺘﻠﻊ أﺳﻤﺎء ﻛﺜﻴﺮة ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻨﻬﺎ ،واﻟﻤﻮﺳﻮﻣﺔ ﺑﺎﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ اﻟ ُﻜﻠﱢﻴﱠ ِﺔ ،اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﺧﻠﻒ اﻟﺪﻣﺎغ ﺑﻘﻠﻴﻞ. ﻣﻨﺬ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﺗ ُ َﺠ ْﺮ ِﺟ ُﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺧﻠﻔﻚ ﺛِﻘ ًَﻼ ﺑﺤﺠﻢ ﺣﻘﻴﺒﺔ ﻣﻌﺘﻮﻫﺔ ،ﻟَ ْﻤﻠَ ْﻤ َﺖ ﻓﻴﻬﺎ 60
ﺗﻬﻮﻳﻤﺎت ﻛﺎزاﺑﻼﻧﻜﻲ ﻗﺪﻳﻢ!
ﻣﺤﻤﻮد ﺷﺮف * @ ﺷﺎﻋﺮ وإﻋﻼﻣﻲ ﻣﺼﺮي
أﺗﻴﺖ ﻣﻨﻪ ،وﺣﺘﱠﻰ ﺧﺮوﺟﻚ أﺷﻴﺎ َء َك اﻟﻌﺎدﻳﱠﺔ -رﺑﱠﻤﺎ -وأﺷﻼء اﻟﺒﻌﻴﺪ اﻟﺬي َ أﻓﻀﻞ اﻟ ُﻤ ْﻨﺘَﻈَﺮ ﻣﻦ ﻓﻀﺎء ﺣﻘﻞ اﻟﺮﻣﺎل اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ ﻫﺬا ،ﺗﻌﺒﺮ ﺑﻚ اﻟﻤﺪﻳﻨ ُﺔ َ أﻧﺖ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺷﻮارﻋﻬﺎ ،ﻏﻴﺮ أﻧﻚ ﻻ ﺗﻘﻨﻊ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﻛﺎﺋﻦ ،وﻻ ﻣﺎ ﺳﻴﻜﻮنَ ، ﺗﻬﺒﻂ أﻛﺜﺮ ،أن ﺗﺨﺘﺮق أﻛﺜﺮ ...أن ﺗﻜﻮن ﻛﻤﺎ ُﻫ ْﻢ :ﻋﺎدﻳﱡﻮن ...وﻋﺎﺑﺮون، َﺘﻨﺎﺳ َﺞ ،أن ﺗﻐﺎدر ﻣﻮﻗﻒ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻓﺮا ٍغ ﻋﺎﺑﺮٍ ،وﻻ ُﻣﻘﻴﻢٍ َ ، أﻧﺖ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗ َ ﺗﺘﺤﺴﺲ اﻟ ﱠﻨﻮاﻗﻴﺲ اﻟﺘﻲ ﺗ َ ِﺮ ﱡن ﺑﺎﻟﺪاﺧﻞ: اﻟﻌﺎﺑﺮ ،وﺗَﻠْ َﺰ َم ﺧُﻄﻰ أﺳﻤﺎﺋﻬﻢ ،ﱠ أ ﱠن اﻟﻮﻗﺖ ﻳﻀﻴﻖ أن ﻳﺘﱠ ِﺴ َﻊ ﻟِﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ أن ﺗُ ْﻔﺘَ َﺢ ﻟﻪ اﻹﺷﺎرات ،وﻫﻲ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﻗﻠﻴﻼ؟ اﻟﻜﺜﺮة ،ﻓﻠﻤﺎذا ﻻ ﺗﺮﺿﻰ ﺑﻤﺎ ﺗﻤﻨﺤﻚ إﻳﺎه ،وﺗﺴﻜﺖ ً ﻻ أﻏﺎدر اﻟﺒﻴﻀﺎء ،وﻻ ﺗﻐﺎدرﻧﻲ ...ﺗﻘﻄﻦ ﺣﻴﺚ أﻛﻮن ،وﺗﺮﺣﻞ إﻟﻰ ﻣﺎ أرﺣﻞ إﻟﻴﻪ؛ ﺑﺪاﺧﻠﻲ ،ﺗﺘﻘ ﱠﻨﻊ ﺑﺄﻗﻨﻌﺘﻲ اﻟﺘﻲ ﻧﻀﱠ َﺪﺗ ْﻬﺎ ِﺳ ُﻨﻮ ﻋﻤﺮي. أرﺣــﻞ داﺧﻠﻬﺎ ،ﻣﺨﻠﱢﻔًﺎ وراﺋــﻲ أﺳﻤﺎﺋﻲ اﻟﻜﺜﻴﺮة ،اﻟﺘﻲ ﻻزﻣﺘﻨﻲ زﻣ ًﻨﺎ ﻳﺼﻌﺐ أن ﻃﻮﻳﻼ ﻟﻜﻲ أﺣﻔﻈﻬﺎ أﺣﺼﻴﻪ ،وﻟﻢ ﺗﺰاﻣﻠﻨﻲ ً ﻛﺎﻓﱠﺔ ،أرﺗﻀﻲ ﻣﻦ ذاﻛﺮﺗﻲ ﺑﺎﻟﻘﻠﻴﻞ ﻋﻠﻰ أﻳﱠﺔ ﻣﺤﺐ ،وﻣﺎ ﻻ ﺣﺎل :ﻋﺎﺷﻖ ،ﻫﺎﺋﻢ ،وﻟﻬﺎن ،ﱞ ﻳﻌﻴﻪ ﻟﺴﺎﻧﻲ! َﺣﻠُ ْﻤ ُﺖ ﻣﻨﺬ زﻣﻦ أن أﻛﻮن »ﻛﺎزاﺑﻼﻧﻜﻴٍّﺎ«، ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺗﻬﻮﻳﻤﺎت اﻟﺼﺤﻮ ،أﺗــﺖ ﻟﻲ اﻟﺒﻴﻀﺎء ُﻣﺨﺘﺎﻟَﺔً ،ﺗﺸﺎﻏﻠﻨﻲ ،وﺗﻐﻴﺐ ...ﻣﻨﺬ ﺗﺴﻌﺔ أﻋــﻮام؛ ِﻋ ْﻘ ٌﺪ ﺳﻮى اﻟﻌﺎم اﻷﺧﻴﺮ، ﺗ ُﺨﺎﺗِﻠُﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺎتُ ﻷﻛﺘﺒﻬﺎ ،ﺗﺘﺮ ﱠدد داﺧﻠﻲ ،ﻓَ ُﻜﻠﱠﻤﺎ َﻫ َﻤ ْﻤ ُﺖ ﺑﻬﺎ ،ﻫ ﱠﻤ ْﺖ ﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﺮاب! ﱠ ِ ِ »ﻛــﺎزا« :أﻧﺖ وﺣــﺪك ﺗﻌﻠﻤﻴﻦ وﺣﺪﺗﻲ، وﺗَﺄْﺑَ ْﻴ َﻦ أن ﺗﺘﻠ ﱠﻘﻔَﻨﻲ أﻫﺪاﺑُ ِﻚ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ... ﻟﻴﻜُﻦ! »ﻛﺎزا«ِ : أﻧﺖ ﻫﻨﺎ ،وأﻧﺎ »ﻫﻨﺎ« ...ﻟﻴ ُﻜ ْﻦ!
وﺳﻮاء دﺧﻞ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ،أم ﻷي ﺳﺒﺐ اﻓﺘﺮاﺿﻲ آﺧﺮ ،ﻓﺈﻧﻤﺎ اﻷﻣﺮ ﻳﻜﺸﻒ ﻫﻨﺎ ﻋﻦ ﻗﻮة اﻧﻔﺘﺎح اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﻓﻲ زﻣﻦ اﻹﻣﺎرة اﻷﻣﻮﻳﺔ ﻛﻤﺎ أﺷﺮﻧﺎ .وﻛﺎن ﺑﻌﺾ اﻟﺮﻫﺒﺎن ﻳﺸﺠﻌﻮن ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻻﻧﻔﺘﺎح وﻳﺬﻛﺮوﻧﻪ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺻﻠﻮاﺗﻬﻢ وأدﻋﻴﺘﻬﻢ ..وﻛﺎﻧﻮا ﻳﺄﻣﻨﻮن ﻛﺜﻴﺮا ً ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﻴﻦ ﻇﻬﺮاﻧﻴﻬﻢ .ﺗﻘﻮل ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺮب ،أن ﻧﺼﺎرى اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﻤﺘﻌﻮن ﺑﺤﻘﻮق واﻣﺘﻴﺎزات ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻠﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺧﻼل اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﻮﻃﻲ ،ﻓﻘﺪ ﺣﻔﻆ ﻟﻬﻢ اﻟﻤﻠﻮك واﻷﻣﺮاء اﻟﻌﺮب اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﻮن ﻣﻤﺘﻠﻜﺎﺗﻬﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﻛﻨﺎﺋﺲ وأدﻳﺮة وﺻﻮاﻣﻊ .ﻛﻤﺎ ﺣﻔﻈﻮا ﻟﻬﻢ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ وﻗﺼﻮرﻫﻢ وﻣﺰارﻋﻬﻢ وﻋﻤﻮم أراﺿﻴﻬﻢ وﻣﺤﺎﻟﻬﻢ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ.. وﻛﻞ ذﻟﻚ ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ اﻟﻮاﺣﺪة .وﺑﺎﻟﻌﻮدة إﻟﻰ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ اﺑﻦ اﻟﺤﺪاد اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺣ ّﺒﻪ ﻟﻨﻮﻳﺮة وﺟﻮدﻳﺎً وﻛﻴﺎﻧﻴﺎً ﻓﻲ اﻟﺼﻤﻴﻢ .وﻟﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ َﺟ َﺮت ﻗﺼﺘﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻔﺔ وﻟﺴﺎن ﻓﻲ ﺑﻼد اﻷﻧﺪﻟﺲ .وﻗﺪ ﻋ ّﺰز ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻻﻧﺘﺸﺎر ﻓﺸﻞ ﻫﺬا اﻟﺤﺐ اﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻧﺘﻴﺠﺔ رﻓﺾ أﻫﻞ ﻧﻮﻳﺮة ﺗﺰوﻳﺞ اﺑﻨﺘﻬﻢ ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ ،ﺑﺪاﻋﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﻤﺘﻬﺘﻜﺔ وﻏﻴﺮ اﻟﻤﺴﺘﻘﺮة ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي آذى ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ود ّﻣﺮ ﻧﻴﺎط ﻗﻠﺒﻪ ،ﺣﺘﻰ وﺻﻞ ﺑﻪ اﻷﻣﺮ ﺣ ّﺪ ﻣﺤﺎﻛﺎة اﻟﻤﻮت: إﻟﻰ اﻟﻤﻮت ُرﺟﻌﻰ ﺑﻌﺪ ﺣــــــﻴﻦٍ ﻓﺈن أﻣﺖ ﻓﻘﺪ ﺧﻠﺪت ﺧﻠﺪ اﻟﺰﻣﺎن ﻣﻨﺎﻗﺒﻲ وذﻛﺮي ﻓــــــــــــﻲ اﻵﻓﺎق ﻃﺎر ﻛﺄﻧﻪ ﻛﺎﻋﺐ ﺑﻜﻞ ﻟﺴـــــــــﺎنٍ ﻃﻴﺐ ﻋﺬرا َء ِ ﻋﻠـــــــــﻢ ﻟﻢ ﺗﺒﺮز ﺳﻮاﺑﻘﻲ ﻓﻔﻲ أي ٍ وﻓﻲ أي ﻓﻦٍ ﻟـــــــــــﻢ ﺗﺒ ّﺮز ﻛﺘﺎﺋﺒﻲ ﻏﻴﺮ أن اﻟﺸﺎﻋﺮ اﺑﻦ اﻟﺤﺪاد ،ﺣﺘﻰ وﻫﻮ ﻣﺒﺘﺌﺲ وﻏﺎﺋﻢ وﺣﺰﻳﻦ وﻣﻘﻬﻮر، ﻛﺎن ﻳﻤﺪح ﻧﻔﺴﻪ ،وﻳﻌ ّﺰﻫﺎ ،وﻻ ﻳﺮى إﻻّ ﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺸﻬﺪﻳﺎت اﻹﺑﺪاع واﻟﻌﻠﻢ واﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ .وأﺑﻴﺎﺗﻪ اﻷﺧﻴﺮة ﻫﻨﺎ ،إﻧﻤﺎ ﺗﺬﻛّﺮﻧﺎ ﺑﺄﻧﻔﺎس أﺑﻴﺎت اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ وﻫﻮ ﻳﻤﺪح ﺳﻴﻒ اﻟﺪوﻟﺔ أو ﻏﻴﺮه ﻣﻤﻦ ﻛﺎن ﻳﻤﺪﺣﻬﻢ ﻓﻴﻤﺪح ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺒﻠﻬﻢ ..أو ﻣﻌﻬﻢ ﻻ ﻓﺮق .ذات ﻳﻮم ﺳﺄﻟﺖ اﻟﻨﺎﻗﺪ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﺨﺘﺺ ﺑﺸﻌﺮ اﻷﻧﺪﻟﺲ وﺟﺰﻳﺮة ﺻﻘﻠﻴﺔ ،ﺣﻴﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺳﻨﺔ 965ﻣﻴﻼدﻳﺔ د .إﺣﺴﺎن ﻋﺒﺎس :ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﺗﺸﺘﻬﺮ ﻗﺼﺔ ﺣﺐ اﺑﻦ اﻟﺤﺪاد وﻧﻮﻳﺮة ﻋﻠﻰ ﻏﺮار ﺷﻬﺮة ﻗﺼﺔ ﺣﺐ ﻋﻨﺘﺮ وﻋﺒﻠﺔ ،وﺟﻤﻴﻞ ﺑﺜﻴﻨﺔ ،وﻗﻴﺲ وﻟﻴﻠﻰ، وﻛﺜ ّﻴﺮ ﻋ ّﺰة؟ ..ﻓﺄﺟﺎﺑﻨﻲ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻣﺒﺘﺴﻤﺎً :رﺑﻤﺎ ﻷن أﻫﻞ ﻧﻮﻳﺮة ﻣﻦ ﻧﺼﺎرى اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻗﺪ ﺗﻌ ّﺮﺑﻮا ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻖ ،ﻓﺄﺑﻮا أن ﻳﺰوﺟﻮا اﺑﻨﺘﻬﻢ ﻟﻠﺬي
ﻳﺘﻐﺰل ﺑﻬﺎ ،وﺗﻠﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎدة اﻟﻌﺮب ،ﻓﺎﻟﺬي ﻳﺘﺸﺒﺐ ﺑﺒﻨﺎﺗﻬﻢ ﻳﺮﻓﻀﻮﻧﻪ وﻳﻬﻠﻜﻮﻧﻪ رﻓﻀﺎً وﺗﻤ ّﻨﻌﺎً. ﻟﻜﻦ د .ﻋﺒﺎس ﺑﻌﺪ ﻫﺬه اﻟﻤﺰﺣﺔ ،ﻋﺎد ﻟﻠﻘﻮل إن ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻳﻌﻮد ﻟﺘﻘﺼﻴﺮ اﻟﻨﻘﺎد واﻟﺪارﺳﻴﻦ ﻋﺒﺮ اﻟﻌﺼﻮر ،ﻓﻌﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو أﻧﻬﻢ اﻛﺘﻔﻮا ووﻻدة ﺑﻨﺖ اﻟﻤﺴﺘﻜﻔﻲ ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻌﻼً ﺑﻘﺼﺔ ﺣﺐ اﺑﻦ زﻳﺪون ّ أﻗﻮى ﻗﺼﺔ ﺣﺐ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
59
ﻗﻠﺐ اﻟﻜﻼم
£ ~ ķĉĩăįļ~ ~ăÿĩ~ Įñ i ąĸĵįq IJöòĹòþ ﻟﻌﻠﻪ ﻣﻦ أﻃﺮف ﺷﻌﺮاء اﻟﺤﺐ واﻟﻐﺰل ﻋﻨﺪ ﻋﺮب اﻷﻧﺪﻟﺲ ،وأﻛﺜﺮﻫﻢ َﻫ َﻮ َﺳﺎً ،ﻟﻴﺲ ﺑﻤﺤﺒﻮﺑﺘﻪ ﻓﻘﻂ ،وإﻧﻤﺎ ﺑﻤﺤﻴﻄﻬﺎ اﻟﻌﺎﺋﻠﻲ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ،ﺛﻢ ﺑﻤﻌﺘﻘﺪﻫﺎ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﺮاﺳﻴﻤﻪ وﺗﺠﻠ ّﻴﺎت ﻃﻘﻮﺳﻪ ،إذ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺸﻮﻗﺔ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﺑﻦ اﻟﺤﺪاد ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺜﻤﺎن اﻟﻘﻴﺴﻲ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ ،واﺳﻤﻬﺎ "ﻧﻮﻳﺮة" ،ﻧﺼﺮاﻧ ّﻴﺔ ﻋﻠﻰ دﻳﻦ ﻋﻴﺴﻰ واﻹﻧﺠﻴﻞ، ﻳﺠﺴﺪه ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ وﻳﺪﻟﻞ ﻓﺸﺮع ﺑﺴﺒﺒﻬﺎ ،ﻳﻤﻴﻞ ﻛَﻠِﻔﺎً ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ّ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻣﻦ ﻛﻨﺎﺋﺲ وﺻﻠﺒﺎن وﺗﺜﻠﻴﺚ وﻗﺴﺎوﺳﺔ ورﻫﺒﺎن وﻣﻮاﺳﻢ أﻋﻴﺎد ﻣﻴﻼد وﻓﺼﺢ ...إﻟﺦ. ﺧﻠّﺪ ﻫﺬا اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻳﻴﻦ اﺛﻨﻴﻦ :ﺷﺨﺼﻲ ﺟﺪا ً ورﻣﺰي إﺑﺪاﻋﻲ ﺟﺪا ً ..ﺟﺪا ً؛ وﻛﻼﻫﻤﺎ ﻧ ﱠﺪ ﻋﻦ ﺻﻮرة اﻟﻤﺤﺒﻮب ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻖ ﺑﻬﺬه اﻟﺼﻮرة ﻣﻦ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ واﻗﻌﻴﺔ وروﺣﻴﺔ وﺧﻴﺎﻟﻴﺔ وﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ،ﺗﺰدﺣﻢ ﺑﻬﺎ ﺻﻮر اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻷﻧﺪﻟﺲ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ .ﻳﻘﻮل ﻓﻲ إﺣﺪى ﻗﺼﺎﺋﺪه ،وﻫﻮ ﻳﺬﻛﺮ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻴﺴﻰ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم، وﻳﻘﺴﻢ ﺑﺎﻹﻧﺠﻴﻞ ،وﻳﺴﺘﻨﺠﺪ ﺑﺎﻟﻘﺴﻴﺲ ،ﺑﺎﺳﻄﺎً ﻗﺼﺔ ﻋﺸﻘﻪ اﻟﻤﺄزوم: وأﻗﺴــــــــــﻢ ﺑﺎﻹﻧﺠﻴﻞ أﻧﻲ ﺳـﺎﺑﻖ ﻣﺤﻖ ُﻣﺤ ّﻨﺚ وﻧﺎﻫﻴﻚ دﻣﻌـــﻲ ﻣﻦ ٍ اﻟﻘﺲ ﻗﺼﺘﻲ وﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ّ ﻗﺼﻲ ﻋﻠﻰ ّ ﻋﺴﺎه ﻣﻐﻴــــﺚ اﻟﻤﺪﻧﻒ اﻟﻤﺘﻐﻮث ﻓﻠﻢ ﻳﺄﺗﻬﻢ ﻋﻴﺴــــــﻰ ﺑﺪﻳﻦ ﻗﺴﺎوة ﻓﻴﻘﺴــــﻮ ﻋﻠﻲ ﺑﺸﻲ وﻳﻠﻬﻮ ﺑﻤﻜﺮث وﻗﻠﺒﻲ ﻣـــــــﻦ ﺣﻠّﻲ اﻟﺘﺠﻠّﺪ ﻋﺎﻃﻞ ﻫﻮى ﻓـــﻲ ﻏﺰال اﻟﻮادﻳﻴﻦ اﻟﻤﺮ ّﻋﺚ ﺳﻴﺼﺒﺢ ﺳﺮي ﻛﺎﻟﺼـــــــﺒﺎح ﻣﺸﻬﺮاً وﻳﻤﺴﻲ ﺣﺪﻳﺜﻲ ﻋﺮﺿـــﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪث وﻳﻐﺮي ﺑﺬﻛﺮي ﺑﻴﻦ ﻛﺄس وروﺿـــﺔ وﻳﺸﺪو ﺑﺸﻌﺮي ﻓﻮق ﻣﺜ ّﻨﻰ وﻣﺜﻠّﺚ اﻟﺨﻀﺮة واﻟﻤﺎء واﻟﻮﺟﻪ اﻟﺤﺴﻦ
ﻟﻢ ﻳُﻌﺜﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﻤﺮاﺟﻊ اﻷدﺑﻴﺔ واﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻨﺔ ﻣﻴﻼد ﻫﺬا اﻟﺸﺎﻋﺮ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻳﺬﻛﺮون ﺗﺎرﻳﺦ وﻓﺎﺗﻪ ،وﻫﻮ ﺳﻨﺔ 1087ﻣﻴﻼدﻳﺔ. أﻣﺎ ﻣﻜﺎن وﻻدﺗﻪ ،ﻓﻬﻮ ﺑﻠﺪة "وادي أش" ،وﻫﻲ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ اﻟﺒﻠﺪات اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺮ "ﻓﺮدس" ،واﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺪ 53ﻛﻠﻢ ﺷﻤﺎل ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ. 58
اﻟﺤﺪاد ا>ﻧﺪﻟﺴﻲ وﺣﺒﻴﺒﺘﻪ »ﻧﻮﻳﺮة» اﺑﻦ ّ
أﺣﻤﺪ ﻓﺮﺣﺎت * @ ﻛﺎﺗﺐ وﺑﺎﺣﺚ ﻣﻦ ﻟﺒﻨﺎن
ﻟﻜﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﺑﻦ اﻟﺤﺪاد اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ ﻋﺎش ﻓﻲ "اﻟﻤﺮﻳﺔ" وﻣﺎت ﻓﻴﻬﺎ. واﻟﻤﺮﻳﺔ ﻣﺪﻳﻨﺔ أﻧﺪﻟﺴﻴﺔ أﻛﻤﻞ ﺑﻨﺎءﻫﺎ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻟﺪﻳﻦ اﻟﻠﻪ ﺳﻨﺔ 995ﻣﻴﻼدﻳﺔ ،وﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ، وﺗﻌﺘﺒﺮ أﻳﻀﺎً ﻣﻦ اﻟﻤﺪن اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﺴﺎﺣﺮة. ﻫﻜﺬا ﻛﺎن ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ اﺑﻦ ﺑﻴﺌﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﺨﻀﺮة واﻟﻤﺎء واﻟﻮﺟﻪ اﻟﺤﺴﻦ .ﺷﻤﺴﻬﺎ ﻣﻌﺘﺪﻟﺔ ،وﻫﻮاؤﻫﺎ ﻋﻠﻴﻞ ﺑﻠﻴﻞ ،وأرﺿﻬﺎ ﻣﻜﺘﻨﺰة ﺑﺄﺷﺠﺎر اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ واﻷﻋﻨﺎب ﻣﻦ ﻛﻞ اﻷﺷﻜﺎل واﻷﻟﻮان. أﻣﺎ أﻧﺎﺳﻬﺎ ،ﻓﺴﻮاء أﻛﺎﻧﻮا ﻓﻲ اﻟﺴﻠﻄﺔ أم ﺧﺎرﺟﻬﺎ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻤ ّﻴﺰوا ﻋﻤﻮﻣﺎً ﺑﺎﻻﻧﻔﺘﺎح اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺪﻳﻨﻲ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻏﻠﺒﻴﺔ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﺔ ﺗﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ أﻫﻞ اﻷدﻳﺎن اﻷﺧﺮى ،ﻣﻦ ﻣﺒﺪأ اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ واﻟﻮﺋﺎم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ،وﻋﻠﻰ ﻗﺎﻋﺪة أن اﻟﺪﻳﻦ ﻟﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻰ وﻋﻠﻰ اﻷرض اﻟﺴﻼم .ﻓﻤﻨﺬ أن ﻓﺘﺢ اﻟﻌﺮب ﺑﻼد اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺳﻨﺔ 711ﻣﻴﻼدﻳﺔ وﺣﺘﻰ زوال ﺳﻠﻄﺘﻬﻢ ﺳﻨﺔ 1492م .ﻗ ّﺪﻣﻮا ﻣﺜﺎﻻً ﺣﻀﺎرﻳﺎً ﻳُﺤﺘﺬى ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﺣﻮار اﻷدﻳﺎن واﻟﻌﻴﺶ اﻟﻤﺸﺘﺮك ﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻌﺒﺎدة ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻓﻌﻼً ﻷﺗﺒﺎع اﻟﺪﻳﺎﻧﺘﻴﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ واﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ، وﺣﺘﻰ ﻟﻸﻗﻠﻴﺔ اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ اﻟﻤﺴ ّﻤﺎة وﻗﺘﻬﺎ ﺑـ"ﻣﺠﻮس اﻷﻧﺪﻟﺲ". وﺑﺴﺒﺐ ﻫﺬه اﻷﺟﻮاء اﻟﺘﺴﺎﻣﺤﻴﺔ اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ ،ﻛﺎن ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻌﺎﺑﺪ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻣﺴﻴﺤﻴﻴﻦ وﻳﻬﻮد دوﻧﻤﺎ َﺣ َﺮج ،ﻳﺸﺎﻃﺮﻫﻢ ﻣﻨﺎﺳﺒﺎﺗﻬﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ وﻛﺬﻟﻚ أﻓﺮاﺣﻬﻢ وأﺗﺮاﺣﻬﻢ .وﻣﻦ ﻫﻨﺎ اﻟﺘﻘﻰ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﺑﻦ اﻟﺤﺪاد ﺑﺎﻟﺤﺴﻨﺎء اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻤﺎﻫﺎ "ﻧﻮﻳﺮة"، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﻠﻲ ﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ،ﻓﺄﺣﺒﻬﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﻠﻘﺎء اﻷول ،وﻫﺎم ﺑﻬﺎ ،وﻋﺸﻘﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ ذﻫﺒﺖ ﺑﺠﻤﺎع ﻗﻠﺒﻪ وﻋﻘﻠﻪ وﻣﺸﺎﻋﺮه ﻛﻠﻬﺎ: ﻋﺴﺎك ﺑﺤــــﻖ ﻋﻴـــــﺴﺎك ﻣﺮﻳﺤﺔ ﻗﻠﺒــــــﻲ اﻟﺸــــــﺎﻛﻲ ﻓﺈن اﻟﺤــــــــــﺴﻦ ﻗﺪ وﻻ ك إﺣﻴـــــــﺎﺋﻲ وإﻫــــــﻼﻛﻲ وﻧﺴﺎــــــﻚ وأوﻟﻌـــــــــﻨﻲ ﺑﺼــــﻠﺒﺎن ورﻫﺒـــــــــــﺎن ّ وﻟﻢ آت اﻟﻜﻨﺎﺋــــﺲ ﻋـــﻦ ﻫــــــــﻮى ﻓﻴﻬـــــــﻦ ﻟﻮﻻك
اﻟﺠﺒﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺮى اﺗﻠﻨﻴﻞ ﺑﺄﺳﻮان ،ﻣﺼﺮ
ﻟﻜﻞ أﺳﺮة ﻣﺘﻀﺮرة ،اﻋﺘﺮﺿﻮا ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﺼﻤﻴﻤﻪ اﻟﺴﻄﺢ ﻛﺎن ﻗﺒﺔ، وﻣﺴﺎﺣﺘﻪ ﺿﻴﻘﺔ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﻤﻨﺎزﻟﻬﻢ ،ﻛﻤﺎ أن اﻟﻤﻨﺎزل ﺑﻌﻴﺪة ﻋﻦ اﻟﻘﺮﻳﺔ واﻟﻨﻴﻞ. ﻫﻞ ﻫﻨﺎك ﻛﺘﺎﺑﺎت ﻋﻦ اﻟﺠﺒﺎل أﻋﺠﺒﺘﻚ ﻣﺼﺮﻳﺎً وﻋﺮﺑﻴﺎً وﻋﺎﻟﻤﻴﺎً؟أﻇﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻗﺪ ﻛﺘﺐ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﻟﻜﻦ ﻟﺴﻮء ﺣﻈﻲ وﻛﺴﻠﻲ ﻟﻢ أﻗﺮأ ﺷﻴﺌﺎً ﻋﻦ اﻟﺠﺒﺎل. ﻫﻞ ﺗﻨﻮﻳﻦ اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻰ اﻟﺠﺒﺎل أم ﺳﺘﻬﺠﺮﻳﻨﻬﺎ؟ﻛﻞ ﺷﻲء ﺟﺎﺋﺰ ،ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﻟﻲ ﻻ أﻓﻜﺮ ﻓﻲ ﻫﺠﺮ ﻗﺮﻳﺘﻲ. ً ﺷﺎﻣﺨﺎ اﻟﺬي ﻛﺎن
اﻟﺤﺰن ﻳﺪرك ﺑﺎﻟﻌﻴﻮن اﻟﺪاﻣﻌﺔ واﻟﻮﺟﻪ اﻟﻤﻘﺘﻀﺐ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻠﺤﻆ أﺣﺪﻫﻢ ﺣﺰﻧﻲ ،ﻛﻨﺖ ﻣﻨﺒﺴﻄﺎً اﺣﺘﻮي ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺠﻮد ﺑﻪ أﻳﺪﻳﻬﻢ ،ﻳﺮﻛﺾ ﺟﺎﻧﺒﻲ ،وﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ اﻷﻃﻔﺎل ﻓﻮق ﺳﻄﺤﻲ ،ﺗﻠﻘﻰ اﻟﻨﺴﺎء ﻗﺎذوراﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ّ ﺗﻬﺮب ﻣﻦ اﻵذان اﻟﻤﺘﻠﺼﺼﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﻳﺜﻬﺎ ،ﺗﺤﺪث ﺣﺒﻴﺒﻬﺎ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺄﺗﻲ ﻓﻲ "اﻟﻤﻮﺑﺎﻳﻞ" ﻓﻮق ﻗﻤﺘﻲ ،واﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﻬﻤﻮم ﻳﻨﺎﺟﻲ رﺑﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺴﺎء وﻳﺸﻜﻮ ﻓﻘﺪان زوﺟﺘﻪ ،وﻋﻠﻰ رﻛﻨﻲ ﻳﺒﻜﻲ ،أﻧﺎ اﻷﻋﻠﻰ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺘﻨﺎ، ﻳﺒﻠﻐﻮن ﻗﻤﺘﻲ ﺑﺸﻖ اﻷﻧﻔﺲ ،إن ﺻﻌﺪت ﻓﻮﻗﻲ ،ﺳﺘﺮى اﻟﻨﻬﺮ ﻣﻨﺴﺎﺑﺎً واﻟﻤﺮاﻛﺐ ﺣﻴﺎرى ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺘﻪ ،ﻛﻠﻮﺣﺔ ﺗﺮﻛﻬﺎ اﻟﺮﺳﺎم ﻟﻴﺤﺘﺴﻲ ﻗﻬﻮﺗﻪ وﻟﻢ ﻳﻜﻤﻞ ﻣﺎ ﺑﺪأه ،ﺧﻠﻒ اﻟﻨﻬﺮ اﻟﺮﻣﺎل اﻟﺼﻔﺮاء ،وإن ﻧﻈﺮت أﺳﻔﻞ ﻗﺪﻣﻴﻚ ﺗﺮى أﻃﻨﺎن اﻟﻘﻤﺎﻣﺔ وﻛﻞ ﻣﺎ اﺳﺘﻐﻨﻮا ﻋﻦ ﺧﺪﻣﺎﺗﻪ ﻗﺪﻣﻮه ﻟﻰ ﻓﻲ وﻗﻔﺔ اﻟﻌﻴﺪﻳﻦ أو أﻳﺎم اﻟﺘﻨﻈﻴﻒ ،ﻣﺮﺣﺐ أﻧﺎ وﻣﺘﺴﻊ ﻟﻬﻢ دوﻣﺎً ،وإن ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺸﺮﻛﻮﻧﻲ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ وﻻ ﻳﺸﺘﺮﻛﻮن ﻓﻲ إﺳﻌﺎدي وذﻟﻚ ﻟﺠﻬﻠﻬﻢ، ﻟﺬﻟﻚ أﻋﻔﻮ وأﺳﺎﻣﺢ ،اﻟﻨﺎس ﻫﻨﺎ ﻳﻠﻌﻨﻮن اﻟﺠﺒﺎل ﻟﻘﺼﺮ ﻧﻔﺴﻬﻢ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻳﺜﻨﻮن ﻋﻠﻰ اﻻﺗﺴﺎع ﻓﻮﻗﻪ ،ﺳﻌﻴﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﺸﻲء وﻧﻘﻴﻀﻪ ،رﺑﻤﺎ
ﻳﺪرﻛﻮن أن ﻻ أﺣﺪ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء؛ ﻟﻜﻨﻲ أﺳﺘﺒﻌﺪ ﻫﺬا اﻻﺣﺘﻤﺎل ﻟﺠﻬﻠﻬﻢ .أﺣﺐ ﻣﺴﺎء ﻳﻮم اﻟﺨﻤﻴﺲ ،ﻳﺘﺤﻠﻖ اﻟﺮﺟﺎل وﻳﺸﺪون اﻷﻧﻔﺎس ﻣﻦ اﻟﺴﺠﺎﺋﺮ اﻟﻌﺎﻣﺮة ،ﺗﺪﻓﺌﻨﻲ اﻷدﺧﻨﺔ ،ﻳﻀﺤﻜﻮن ﻛﻤﺎ اﻷﻃﻔﺎل ،وإن ﻟﻢ ﺗﻨﻤ ِﺢ اﻟﺘﺠﺎﻋﻴﺪ اﻟﻌﺎﺑﺴﺔ ،ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﺳﻜﺒﺖ ﻓﺘﺎة ﻣﺎ ًء ﻣﺨﻠﻮﻃﺎً ﺑﺎﻟﺠﻴﺮ ﻋﻘﺐ أن ﻃﻠﻴﺖ ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ وﻗﺎﻟﺖ ﻟﺮﻓﻴﻘﺘﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ دﻟﻮا ً ﻣﻤﺘﻠﺌﺎً ﺑﺎﻟﻔﻀﻼت: ﺳﺘﻨﻔﺬ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ وﻋﺪﻫﺎ ،اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻳﺒﺪو ﺻﺎدﻗﺎً.ﻟﻢ ﺗﺘﺤﻤﺲ اﻷﺧﺮى ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺻﺎﺣﺖ: أﺗﻤﻨﻰ ﻓﻌﻼً ..ﺳﻨﺴﺘﺮﻳﺢ ﻣﻨﻪ.وأﺷﺎرت أﺳﻔﻞ ﻗﺪﻣﻴﻬﺎ ،واﺳﺘﻄﺮدت "وﺳﻨﺼﺒﺢ ﻛﺎﻟﻤﺪن" ..ﻟﻢ أﻓﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﺘﺤﺪﺛﺎن ،ﻟﻜﻨﻲ ﺻﺒﺮت ﻛﻌﺎدﺗﻲ ﺣﺘﻰ ﻟﻢ أﻋﺪ أﻋﻠﻢ ﻫﻞ اﻟﺼﺒﺮ ﻏﺎﻳﺘﻲ أم وﺳﻴﻠﺔ؟ ﺗﺮاﺻﺖ اﻟﺴﻴﺎرات واﻟﻤﺎﻛﻴﻨﺎت أﻣﺎﻣﻲ ،ﺗﻨﺎﺛﺮ ذوو اﻟﺨﻮذات ﺣﻮﻟﻲ ﻳﺮﻛﻀﻮن ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك ،ﻏﺮﺑﺎء ﻟﻢ أﻋﺘﺪ ﺧﻄﻮات أﺣﺬﻳﺘﻬﻢ ذات ﻧﻌﺎل ﺻﻠﺒﺔ ﺗﺆﻟﻤﻨﻲ ،ﻛﺪت أﺻﺮخ ﻣﻦ ﺿﺠﻴﺠﻬﻢ ،ﻟﻢ ﻳﻤﻬﻠﻮﻧﻲ ﺣﻖ اﻷﻟﻢ، ﺧﺮرت ﻋﻠﻰ أﺛﺮ ﺿﺮﺑﺎت ﺣﻔﺎرﻫﻢ ﻫﺘﻜﻮا ﺷﻤﻮﺧﻲ واﻧﺤﻨﻴﺖ ﻟﻜﺜﺮﺗﻬﻢ، ﺑﺬات اﻟﺴﺮﻋﺔ ﺑﺪأ اﻟﺤﻔﺮ ﻓﻲ ﺻﺨﻮري اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺘﺖ ،اﺧﺘﺮﻗﻮﻫﺎ وﺻﻨﻌﻮا ﺣﻔﺮة واﺳﻌﺔ ،ﻋﺮﻓﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ أﻧﻬﺎ ﻣﺴﺘﻘﺮ ﻟﻔﻀﻼﺗﻬﻢ ،ﺷﻴﺪوا اﻟﻌﻤﺎرات ارﺗﻔﻌﺖ اﻷدوار ،ﺗﺄﺗﻴﻨﻲ راﺋﺤﺔ اﻟﻨﻬﺮ ﻋﺎﺟﺰا ً ﻋﻦ رؤﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﻨﺨﻔﻀﻲ ،ﻳﻨﻈﺮون ﻧﺤﻮي ﻣﻦ ﺷﺮﻓﺎت ﻣﻨﺎزﻟﻬﻢ اﻟﻀﻴﻘﺔ ،وﻳﻤﺮون ﻋﻠﻰ رﻓﺎﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﺬﻫﺎب واﻹﻳﺎب ،ﻣﺎ ﻟﻬﻢ ﻻ ﻳﺴﻤﻌﻮن أﻧﻴﻨﻲ ،ﺑﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻗﺴﻮة ،ﺻﺎروا ﻳﻀﻌﻮن اﻟﻘﺎذورات ﻓﻮﻗﻬﺎ ،ﻫﺬه ﻋﺎداﺗﻬﻢ ﻏﻴﺮ أﻧﻨﻲ أﻧﺴﻞ ﻣﻨﻲ اﻟﺼﺒﺮ ﻋﻨﺪ اﻧﺤﺴﺎر ﻗﻮﺗﻲ) .ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺧﻠﻒ اﻟﺒﺎب اﻟﻤﻐﻠﻖ ،اﻟﺼﺎدرة ﻋﻦ دار رواﻓﺪ ﻟﻠﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳﻊ (2016
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
57
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ﻣﺜﻼً ﻋﻨﺪ ﻣﺮوره ﺑﺠﻮار اﻟﻤﺘﻈﺎﻫﺮﻳﻦ .اﻟﺼﻔﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﺰ أﻫﻞ اﻟﻘﺮى واﺻﻄﺪﻣﺖ ﺑﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﺷﺨﺼﻲ ﻫﻲ اﻟﻘﺴﻮة واﻟﻐﻠﻈﺔ ﻫﻞ ﻓﻌﻼً اﻧﻌﻜﺴﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻃﺒﺎع اﻟﺠﺒﺎل؟ ﻻ أدرى ..ﻟﻢ ﺗﻌﺪ اﻟﻘﺮى ﻛﻤﺎ ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻲ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺪراﻣﻴﺔ ﻣﺘﻜﺎﻓﻠﺔ وﻣﺘﻀﺎﻣﻨﺔ ،ﻛﻞ ﻣﻨﺰل وﺣﺪة ﻣﻨﻔﺼﻠﺔ وﺑﻌﻴﺪة ﻋﻦ اﻷﺧﺮى .اﻟﺤﻴﺎة ﺿﺎﻏﻄﺔ ﺟﺪا ً وﻻ ﻣﺠﺎل ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻠﺘﺮﻓﻴﻪ، ﺗﻬﺮب اﻟﻔﺘﺎة ﻣﻦ ﺗﺴﻠﻂ أﺑﻴﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺰواج ﻓﺘﺠﺪ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﺮﺟﻞ آﺧﺮ ،ﺗﺨﺮج ﻏﻀﺒﻬﺎ ﻓﻲ أﻃﻔﺎل ﻻ ذﻧﺐ ﻟﻬﻢ ،ﺗﻨﺠﺒﻬﻢ ﺑﺪاﻓﻊ أول ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻌﺎﻳﺮﻫﺎ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻋﺎﻗﺮ ،ﺣﻠﻘﺔ ﻣﻔﺮﻏﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺆس واﻟﺸﻘﺎء. ﻣﻨﻌﺪﻣﻮ اﻟﻄﻤﻮح ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﺣﺎﻟﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻟﻜﻦ ﻋﻠﻴﻨﺎ أﻻ ﻧﻔﻘﺪ اﻷﻣﻞ ﺗﻤﺎﻣﺎً ،ﻻ ﻧﺨﺬل أﻧﻔﺴﻨﺎ وﻻ ﻧﻜﻮن ﺿﺪﻫﺎ ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻫﺬا ﻣﺎ أﺣﺎول زرﻋﻪ ﻓﻲ اﻷﻃﻔﺎل اﻟﻤﻘﺮﺑﻴﻦ ﻣﻨﻲ. ﻣﺎ ﻫﻮ ﺗﺎرﻳﺦ ﻗﺮﻳﺘﻚ وﻣﺘﻰ أﻧﺸﺌﺖ ﻓﻲ اﻟﺠﺒﺎل وﻓﻲ ﻇﻨﻚ ﻟﻤﺎذااﺧﺘﺎر اﻷﺳﻼف ﻫﺬه اﻟﺒﻘﻌﺔ ﻟﻴﺒﻨﻮا ﻓﻴﻬﺎ وﻳﺴﻜﻨﻮﻫﺎ؟ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺷﻐﻠﻨﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال ،ﻓﺴﺄﻟﺖ وﺗﻮﺻﻠﺖ ﻟﻘﻮل ﻳﺰﻋﻢ أن أول ﻣﻦ ﺳﻜﻦ ﻧﺠﻊ اﻟﻤﻐﺎرة ﻫﻢ اﻟﺪروﺳﺎب وﻫﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻌﺒﺎﺑﺪة وﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻌﻘﻴﻼت اﻟﺘﻲ أﻧﺘﺴﺐ إﻟﻴﻬﺎ ،وﻗﺎﻣﻮا ﺑﺎﺧﺘﻴﺎر ﻫﺬا اﻟﻨﺠﻊ ﻓﻮق ﻗﻤﺔ اﻟﻬﻀﺒﺔ اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺔ ﻧﺤﻮ 150ﻣﺘﺮا ً ﻋﻦ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻨﻬﺮ وﻫﻲ ﻫﻀﺎب ﻣﺘﺪرﺟﺔ ﻫﺮﺑﺎً ﻣﻦ اﻟﻀﺮاﺋﺐ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻄﺎﻟﺐ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﻮن ﻣﻦ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﺑﺎﻟﺰراﻋﺔ وذﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﺎم 1711ﻣﻴﻼدﻳﺔ ،ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ دﻓﻌﻬﺎ ،ﻫﻜﺬا ﺗﻜﺎﺛﺮوا وﺑﻘﻮا ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،وأول ﻋﻤﺪة ﻟﻘﺮﻳﺔ اﻷﻋﻘﺎب ﻫﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻴﻦ ﻛﻮﻧﺪر وذﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﺎم 1810ﻣﻴﻼدﻳﺔ. ﻳﻜﺸﻒ ﺳﻜﺎن اﻟﻘﻤﻢ أﺣﻮاش وﺑﺎﺣﺎت ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻴﻮت اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻓﻰوﺳﻂ وﺳﻔﺢ اﻟﺠﺒﻞ..ﻛﻴﻒ ﺗﺘﻌﺎﻣﻠﻮن ﻣﻊ ذﻟﻚ؟ ﺑﻴﺘﻨﺎ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻷﺳﻔﻞ ،ﻣﻜﺸﻮﻓﺎً ﻟﻜﻞ اﻷﻋﻴﻦ اﻟﻘﺎﺑﻌﺔ ﻓﻲ اﻷﻋﻠﻰ ،ﻛﺎﻧﺖ أﺧﻮاﺗﻲ ﻳﺮﺗﺪﻳﻦ اﻟﺤﺠﺎب ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰل ،ﺷﻌﻮر ﺳﻴﻰء ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،أن ﺗﻔﻘﺪ ﺧﺼﻮﺻﻴﺘﻚ ،أذﻛﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻮﻗﻔﺎً ﻃﺮﻳﻔﺎً ﻛﺎﻧﺖ إﺣﺪى
اﻟﺴﻴﺪات اﻟﺴﺎﻛﻨﺔ ﻓﻲ ﻗﻤﺔ اﻟﺠﺒﺎل ،ﺗﺠﻠﺲ ﻣﻌﻈﻢ ﻳﻮﻣﻬﺎ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺣﺮﻛﺎﺗﻨﺎ ،واﻟﻤﻨﺰل ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮاز اﻟﻘﺪﻳﻢ واﻟﻐﺮف ﻣﺘﻨﺎﺛﺮة ﻓﻲ اﻟﺤﻮش، أﻧﺰﻋﺞ أﺑﻲ وﺗﺬﻣﺮت أﻣﻲ وﺳﺄﻟﺘﻬﺎ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﺟﻠﻮﺳﻬﺎ ﻫﻜﺬا ،ﻗﺎﻟﺖ أﻧﻬﺎ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻨﻴﻞ وﻟﻴﺲ إﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ ،وﺟﺪ أﺑﻲ اﻟﺤﻞ أن ﻳﺠﻠﺲ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺤﻮش ﺑﻤﻼﺑﺴﻪ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻣﻘﺎﺑﻠﻬﺎ ،ﻛﻔﺖ ﻋﻦ ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﻣﻨﺰﻟﻨﺎ، ﺑﻴﻨﻤﺎ أﺣﺪ اﻟﺠﻴﺮان ﺣﻴﻦ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺼﻌﺪ ﻓﻮق ﺳﻄﺢ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﻟﻀﺒﻂ إرﻳﺎل اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮن وﻗﺘﻬﺎ وﻛﺎن ﻳﺴﺘﺄذن ﻣﻨﺎ ،اﻵن ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻤﻨﺎزل اﻟﺘﻲ ﻓﻲ اﻷﺳﻔﻞ ﻫﺠﺮت ﻟﻀﻴﻘﻬﺎ وﺑﻌﺪﻫﺎ ﻋﻦ اﻟﺸﺎرع اﻹﺳﻔﻠﺘﻲ ،وﺻﺎروا ﻳﺴﻜﻨﻮن اﻟﻘﻤﻢ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻓﺎت ﻣﺒﺘﻌﺪة. ِ ﻳﻐﺮﻳﻚ اﻟﺠﺒﻞ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋﻨﻪ؟ وﻟﻤﺎذا؟ ﻫﻞأﺧﺒﺮك ﺳﺮا ً ،ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻛﻨﺖ ﻻ أﺣﺐ ﻗﺮﻳﺘﻲ وأراﻫﺎ ﻋﻘﺒﺔ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻲ ،وﺣﻴﺎﺗﻲ ﺳﺘﻜﻮن أﺟﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺒﻌﺪ ﻋﻨﻬﺎ ،ﻟﻜﻦ اﻵن ﺻﺮت أﺣﺒﻬﺎ وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺑﺪأت ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋﻨﻬﺎ وأﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻔﺨﺮ ﻧﺤﻮﻫﺎ ،واﻟﺴﺒﺐ وراء ذﻟﻚ أﻧﻬﺎ ﻣﻜﺎﻧﻲ اﻟﺬي أﻋﺮﻓﻪ وأرﺗﺎح ﺑﻪ ،أﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻨﻲ. ﺑﻌﺾ ﺑﻴﻮت ﻗﺮاﻛﻢ ﺗﻘﻊ ﻓﻮق ﻣﻐﺎرات أو ﻓﻲ ﻣﺨﺮات اﻟﺴﻴﻮل ..ﻫﻞ ﻫﻨﺎك اﺳﺘﻌﺪادات ﻣﺤﺪدة ﻟﻤﻮاﺳﻢ اﻟﻤﻄﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﺐ ﺳﻴﻮﻻً وﺷﺮوﺧﺎً ﻓﻲ ﺟﺪران ﺑﻴﻮت أﻫﻞ اﻟﺠﺒﻞ؟ اﺳﺘﻌﺪاداً ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻷﻫﺎﻟﻲ ﻻ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ؟ ﻧﺤﻦ ﻣﺼﺮﻳﻮن ﻻ ﻧﺘﻖِ اﻟﻜﺎرﺛﺔ وﻧﻨﺘﻈﺮ وﻗﻮﻋﻬﺎ ،أﺳﻮان ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻬﺎ اﻟﺠﺎﻓﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ اﻷﻣﻄﺎر ،وإن ﺳﻘﻄﺖ ﻻ ﺗﺴﺒﺐ ﺧﺴﺎﺋﺮ ﻋﻈﻴﻤﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﻋﺎم 2010م أﺗﻰ اﻟﺴﻴﻞ وﻫﺪم اﻟﻤﺎء ﻣﻨﺎزل اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس اﻟﻤﺒﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺮات ﺳﻴﻮل ،ﺗﻜﺒﺪ أﻫﻞ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﺧﺴﺎﺋﺮ ﻛﺒﻴﺮة ،ﺗﺨﻴﻞ ﺑﻌﺪ اﻟﺴﻴﻞ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺘﺮﻣﻴﻢ ذات اﻟﻤﻨﺎزل ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎن ﻧﻔﺴﻪ! وﻣﺎ ﻫﻮ دور اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻟﺘﻔﺎدي ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻮارث؟ﺗﻮﺟﺪ ﻣﺨﺮات ﺳﻴﻮل ﻟﻜﻦ اﻟﺒﻴﻮت ﺷﻴﺪت ﻓﻴﻬﺎ ،وﻋﻘﺐ ﺳﻴﻞ 2010 أﻧﺸﺄت اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻗﺮﻳﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺧﻠﻒ ﻗﺮﻳﺘﻨﺎ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ اﻟﺸﺮق ،ﻣﻨﺰل
ﻗﺮﻳﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺠﺒﺎل -أﺳﻮان ،ﻣﺼﺮ
56
ﺗﻴﺴﻴﺮ اﻟﻨﺠﺎر» :ﻣﻨﻈﺮ اﻟﺠﺒﻞ واﻟﺨﻀﺮة ﺟﺰء ﻣﻦ ﻳﻮﻣﻲ«
اﻟﻤﺪن ،ﻻ ﻳﻬﺠﺮ اﻟﻘﺮى ﺳﻮى اﻷﻏﻨﻴﺎء ،وﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻧﺤﺪار ﻓﻲ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﺜﻼً اﻷﻃﻔﺎل اﻻﻟﺘﺤﺎق ﺑﺎﻟﻨﻮادي أو ﻗﺼﻮر اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ وﺗﻜﻠﻔﺔ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﻮاﺻﻼت ،ﺣﺘﻰ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻻ ﻳﻠﺘﺤﻖ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻟﺬات اﻟﺴﺒﺐ ،ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻬﻢ ﻣﺄﺧﻮذة ﻣﻦ اﻹﻋﻼم وﺑﺮاﻣﺞ اﻟﺘﻮك ﺷﻮ ،ﺗﻮﻗﻒ أﻛﺜﺮﻫﻢ ﻋﻦ ﺷﺮاء اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﺑﻌﺪ اﻧﺘﺸﺎر اﻟﻘﻨﻮات اﻹﺧﺒﺎرﻳﺔ ،وﻧﻈﺮا ً ﻟﻤﺎ ﺗﻤﺮ ﺑﻪ اﻟﺒﻼد ﻣﻦ ﻇﺮوف ﺻﻌﺒﺔ، وﺻﻌﻮﺑﺔ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺻﺔ ﻋﻤﻞ ﺟﻌﻠﺘﻬﻢ ﻳﻌﺘﻘﺪون أن ﻻ ﻓﺎﺋﺪة ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ أو اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻃﺎﻟﻤﺎ أﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺠﻠﺐ اﻟﻤﺎل ﻣﺒﺎﺷﺮة ،ﺗﺨﻴﻞ ﺣﺘﻰ اﻟﻤﻌﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ ﻳﺘﻌﺠﺒﻮن ﻋﻨﺪ وﺟﻮد ﻃﺎﻟﺐ ﻣﺘﻔﻮق ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻘﺮى. ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺤﺎﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻘﺮى ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﻨﻐﻠﻖ ﻳﻘﻠﺪون ﺑﻌﻀﻬﻢ، ﻳﺨﺎﻓﻮن اﻟﻐﺮﺑﺎء ،ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﺠﻊ ﺿﻔﺔ اﻟﻨﻴﻞ ﺟﻤﻴﻠﺔ وﺑﻬﺎ رﻣﺎل ﻣﺜﻞ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ،ﺟﺬب أﻫﻞ اﻟﻤﺪن ﻟﺰﻳﺎرﺗﻪ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻋﻴﺪ اﻟﺮﺑﻴﻊ )ﺷﻢ اﻟﻨﺴﻴﻢ( وﻳﻘﻀﻮن وﻗﺘﺎً ﻣﻤﺘﻌﺎً ،ﺗﺨﻴﻞ ﻣﻮﻗﻒ أﻫﻞ اﻟﻘﺮى ﺗﺮﻛﻮه ﻟﻬﻢ وأﺻﺒﺤﻮا ﻳﻘﻀﻮن اﻟﻌﻴﺪ ﻓﻲ ﻣﻨﺎزﻟﻬﻢ ،ﺗﺠﻨﺒﺎً ﻟﻼﺣﺘﻜﺎك ﺑﺎﻟﻐﺮﺑﺎء! ﻟﻮ أﺧﺒﺮﺗﻬﻢ أن أﺣﺪا ً ﻣﺎ ﻧﺠﺢ ﻓﻲ أﻣﺮ ﺳﻴﺒﺎدرون ﺑﻘﻮل":ﻷﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻫﺮة" ،ﻳﺨﻠﻘﻮن أﺳﺒﺎﺑﺎً ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺸﻌﺮون ﺑﺎﻟﺘﻘﺼﻴﺮ. اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻻ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﻬﻢ ،ﻟﻜﻨﻬﻢ أﻳﻀﺎً ﻻ ﻳﺴﻌﻮن ﻟﻠﺘﻄﻮﻳﺮ ،أﺧﺒﺮﻧﻲ أﺣﺪ أﻫﻞ اﻟﻨﺠﻊ أن ﻫﺬه اﻟﺼﻔﺎت زرﻋﺘﻬﺎ اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ،أﻧﻬﻢ ﺑﻼ ﻗﻴﻤﺔ أو ﺗﺄﺛﻴﺮ .ﺻﺪﻗﻨﻲ ،ﻣﺜﻼً ﻟﻢ ﻳﺸﺘﺮك إﻻ ﻗﻠﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺛﻮرة ﻳﻨﺎﻳﺮ ،2011ﻳﺸﻌﺮون أﻧﻬﻢ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﻨﻴﻴﻦ ﺑﺎﻷﻣﺮ ،ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺨﺮج إﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ أﺳﻮان ﻟﻘﻀﺎء ﺣﻮاﺋﺠﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﻮف أن ﻳﺘﻢ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻴﺴﻴﺮ اﻟﻨﺠﺎر
ﻣﺸﻬﺪ ﻟﻠﻨﻴﻞ واﻟﺠﺒﻞ -أﺳﻮان ،ﻣﺼﺮ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
55
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
~ĵĈz óĘĠïÿĬ ïòû ķĠ ïĞĭĩ~ ęüį ĮĬ
ïüİĩ~ ąĹĉĹõ ķĬĵĸ ĮĬ xĆû ąĒĂĩ~ Ĩòüĩ~ ąĘİĬ ﺣﻮار :أﺣﻤﺪ ﻣﺠﺪي ﻫﻤﺎم
"ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻮاﺟﻪ ﺟﺒﻼً ،ﻓﺈﻧﻚ ﺗﻤﺘﻠﻚ ﻋﺪّ ة اﺧﺘﻴﺎرات :ﻳﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﺘﺴﻠﻘﻪ وﺗﻌﺒﺮ ﻟﻠﺠﻬﺔ اﻷﺧﺮى ،وﺑﻮﺳﻌﻚ اﻻﺳﺘﺪارة ﺣﻮﻟﻪ ،أو أن ﺗﺤﻔﺮ ﺗﺤﺘﻪ، ﻳﻤﻜﻨﻚ أﻳﻀﺎً أن ﺗﻄﻴﺮ ﻓﻮﻗﻪ ،أو أن ﺗﻔ ّﺠﺮه ﻣﺜﻼً ،وﺑﻮﺳﻌﻚ ﻛﺬﻟﻚ أن ﺗﺘﺠﺎﻫﻠﻪ وﻛﺄﻧﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻮد ،وﻳﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﺴﺘﺪﻳﺮ ﻋﺎﺋﺪاً أدراﺟﻚ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أﺗﻴﺖ ،أو ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺠﺎﻫﻞ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ واﻟﺒﻘﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﻞ، واﺗﺨﺎذه ﺑﻴﺘﺎً" -اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ اﻷرﻣﻴﻨﻴﺔ ﺑﻮﻻ ﻧﺰارﻳﺎن )اﻟﺘﻘﻮﻳﻢ اﻷﺑﺪي ﻟﻺﻟﻬﺎم( ﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﺤﻴﺮة اﻟﻠﺬﻳﺬة اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ اﻟﻤﺮء ﻛﻠﻤﺎ ﻗﺎﺑﻞ ﺟﺒﻼً ،ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺘﻠﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮة اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﻤﻮض واﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ واﻟﺘﻔﺮد .أوﺗﺎد اﻷرض ورواﺳﻴﻬﺎ .أن ﺗﻨﻈﺮ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﻓﻮق ،ﻣﻦ ﻋﻞِ . ﻓﻲ أﻗﺼﻰ ﺟﻨﻮب ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻣﺼﺮ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ 1200ﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،ﺗﻘﻊ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ أﺳﻮان ،ذات اﻟﺘﻀﺎرﻳﺲ اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ،ﺑﻴﻦ ﻣﺪن ﻣﻨﺒﺴﻄﺔ ،وأﺧﺮى ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺳﻔﻮح وﻗﻤﻢ اﻟﺠﺒﺎل ،وﺑﻴﻦ ﻫﺬه وﺗﻠﻚ ﻫﻨﺎك اﻟﻨﻴﻞ اﻟﺨﺎﻟﺪ اﻟﻌﻈﻴﻢ. وﻋﻠﻰ ﺳﻔﺢ أﺣﺪ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺷﻤﺎل ﻣﺪﻳﻨﺔ أﺳﻮان ﺑﻤﺴﺎﻓﺔ 5ﻛﻢ ﺗﻘﻊ ﻗﺮﻳﺔ أﺑﻮ اﻟﺮﻳﺶ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻢ ﻓﻲ زﻣﺎﻣﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻧﺠﻮع ﻣﻨﻬﺎ أﺑﻮ اﻟﺮﻳﺶ ﻗﺒﻠﻲ وأﺑﻮ اﻟﺮﻳﺶ ﺑﺤﺮي واﻟﺨﻄﺎرة واﻟﻤﻠﻘﻄﺔ واﻟﻤﻐﺎرة. وﻓﻲ ﻧﺠﻊ اﻟﻤﻐﺎرة ،اﻟﻮاﻗﻊ ﻋﻠﻰ ارﺗﻔﺎﻋﺎت ﻣﺘﻮﺳﻄﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻞ، ﺗﻌﻴﺶ اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ واﻟﻘﺎﺻﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﺸﺎﺑﺔ ﺗﻴﺴﻴﺮ اﻟﻨ ّﺠﺎر )،(1993 واﻟﺘﻲ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﻓﻲ ﻓﺘﺮة وﺟﻴﺰة أن ﺗﺠﺪ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﻣﻮﻃﺊ ﻗﺪم ﻓﻲ اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﻘﺼﺼﻲ اﻟﻤﺼﺮي ،وأن ﺗﺜﺒﺖ ﺣﻀﻮرا ً ﻣﻤﻴﺰا ً ﻋﺒﺮ ﻛﺘﺎﺑﻴﻬﺎ: )ﺧﻠﻒ اﻟﺒﺎب اﻟﻤﻐﻠﻖ( و)ﺟﺌﺘﻚ ﺑﺎﻟﺤﺐ(" .ﺗﺮاث" اﻟﺘﻘﺖ ﺑﺘﻴﺴﻴﺮ اﻟﻨﺠﺎر وﺣﺎورﺗﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺒﻞ ،وأﺳﻮان ،واﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻷﺑﻨﺎء اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ،واﻟﻤﺨﺎﻃﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﺒﻬﺎ اﻟﺴﻴﻮل ﻟﻸﻫﺎﻟﻲ. ﻳﻘﻊ ﻣﻨﺰﻟﻚ ﻓﻮق اﻟﺠﺒﻞ ..ﻛﻴﻒ ﺗﺮﻳﻦ ذﻟﻚ وﻫﻞ ﻳﻤﺜﻞ ﻫﺬا ﻟﻚﻋﻨﺼﺮ ﺗﻤﻴﺰ أم ﻋﺒﺌﺎً؟ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺷﻲء ﻛﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﺠﻮاﻧﺐ ،أﺣﺐ ﻣﻨﺰﻟﻲ وﻏﺮﻓﺘﻲ وﺷﺠﺮﺗﻲ، 54
ﺗﻴﺴﻴﺮ اﻟﻨﺠﺎر» :ﻣﻨﻈﺮ اﻟﺠﺒﻞ واﻟﺨﻀﺮة ﺟﺰء ﻣﻦ ﻳﻮﻣﻲ«
ﻟﻜﻦ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻹرﻫﺎق ﻋﻨﺪ ﻋﻮدﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ وﺻﻌﻮد اﻟﺠﺒﻞ ﺑﻌﺪ ﻳﻮم ﻃﻮﻳﻞ ،أﻓﺮح ﻋﻨﺪ وﺻﻮﻟﻲ إﻟﻴﻪ وراﺣﺘﻲ ﺑﻪ ،أﻏﻀﺐ ﻋﻨﺪ ﺳﺨﺮﻳﺔ أﺣﺪ ﻣﻦ ﺑﺴﺎﻃﺔ ﺑﻴﺌﺘﻲ وأراه ﺟﺎﻫﻼً .اﻟﺤﻴﺎة ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻻﺧﺘﻼف، ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻹﻣﺴﺎك ﺑﻜﻞ ﺟﻤﺎل ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻻﺧﺘﻼف .اﻟﻨﺠﻊ ﺟﺰء ﻣﻦ روﺣﻲ وذاﻛﺮﺗﻲ ،اﻷﻣﺮ ﻻ ﻳﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﻤﻴﺰ أو اﻟﻌﺐء ،إﻧﻪ أﻧﺎ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ،ﻣﻨﻈﺮ اﻟﺠﺒﺎل واﻟﺨﻀﺮة ﺟﺰء ﻣﻦ ﻳﻮﻣﻲ وروﺗﻴﻨﻲ ،ﺗﺨﻴﻞ ﺣﻴﻦ أزور اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺗﻜﻮن أﻗﺼﻰ أﺣﻼﻣﻲ اﻟﻌﻮدة ﻟﻠﻨﻮم ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺘﻲ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﻟﻴﻠﺔ أﺧﺮى. ﻣﺎ اﻟﻔﺮوق اﻟﺘﻰ ﻳﻤﻜﻨﻚ رﺻﺪﻫﺎ ﺑﻴﻦ ﺳﻜﺎن اﻟﺠﺒﺎل ﻓﻲ أﺳﻮانوﺳﻜﺎن ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﻨﺒﺴﻄﺔ ..ﻣﺎدﻳﺎً وﺛﻘﺎﻓﻴﺎً واﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎً؟ ﻻ أﻋﺮف ﻫﻞ ﺗﻘﺼﺪ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﻨﺒﺴﻄﺔ اﻟﻘﺮى أﻳﻀﺎً أم اﻟﻤﺪن ،ﻛﻞ اﻟﻘﺮى اﻟﺘﻲ أﻋﺮﻓﻬﺎ ﺑﻬﺎ ﺟﺒﺎل ،ﻟﺬا ﺳﺘﻜﻮن اﻟﻔﺮوق ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺮى واﻟﻤﺪن. أﺑﺪأ ﺑﺎﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻤﺎدﻳﺔ ،ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻳﻜﻮن أﻫﻞ اﻟﻘﺮى أﻛﺜﺮ ﻓﻘﺮا ً ﻣﻦ أﻫﻞ
ﻣﺤﻔﻮظ ،إﺧﺮاج :ﺻﻼح أﺑﻮ ﺳﻴﻒ ،وﺑﻄﻮﻟﺔ :أﻧﻮر وﺟﺪي ،ﻣﺤﻤﻮد اﻟﻤﻠﻴﺠﻲ ،ﺳﺎﻣﻴﺔ ﺟﻤﺎل( ،واﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ؛ ﺣﻴﺚ ﺗﺪور اﻷﺣﺪاث ﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﻘﺮى اﻟﺒﻌﻴﺪة ،ﻳﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺠﺮم ﻋﺘﻴﺪ ،ﻣﺸﻬﻮر ﺑﻘﺴﻮﺗﻪ ،ﻳﻔﺮض اﻹﺗﺎوات ،وﻳﺴﺮق ،وﻳﻘﻮم ﺑﻜﻞ اﻷﻓﻌﺎل اﻟﻤﻨﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﻘﺎﻧﻮن ،وﻳﻤﺎرس ﻗﻬ ًﺮا وﻇﻠ ًﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻜﺎن ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘ ﱡﻢ ﺗﻌﻴﻴﻦ ﺿﺎﺑﻂ ﺟﺪﻳﺪ ﻳﻘﺮر اﻟ ﱠﻨ ْﻴ َﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺮم ﻓﺈن »اﻟﻮﺣﺶ« ﻳﻬﺮب ﻟﻴﺴﻜﻦ ﻛﻬﻔًﺎ ﺑﺎﻟﺠﺒﻞِ . ﻻﺣ ْﻆ أن اﻟﺠﺒﻞ ﻓﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻤﺠﺮم واﻟﺒﻄﻞ ﻫﻮ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻷﻣﺎن اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻄﺎﻟﻬﺎ ﻳﺘﺤﺼﻦ اﻟﻮﺣﺶ ﺑﺎﻟﺠﺒﻞ، اﻟﻌﺪو إﻻ ﺑﺨﻴﺎﻧﺔ. ﱠ وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﻌﻰ اﻟﻀﺎﺑﻂ ﻟﻠ ﱠﻨ ْﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺶ ﻳﺼﻌﺪ إﻟﻰ اﻟﺠﺒﻞ ،ﻓﻴُ ْﺆ َﺳﺮ ،وﻛﻌﺎدﺗﻬﺎ ،وﻧﻈ ًﺮا ﻷن اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺗﻨﺘﺼﺮ ﻟﻠﺤﻖ ﻓﻰ ﻧﻬﺎﻳﺎت اﻷﻓﻼم؛ ﻓﺈن اﻟﻀﺎﺑﻂ ﻳﺤ ﱢﺮر ﻧﻔﺴﻪ ،وﻳﻨﺎل ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺮم /اﻟﻮﺣﺶ .ﻓﻴﻠﻢ آﺧﺮ ﻋﻢ ﺻ ﱠﻨﺎ ُﻋﻪ إﻟﻰ اﺳﺘﺨﺪام ﻧﻔﺲ اﻟﺘﻴﻤﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،وﻫﻮ ﻓﻴﻠﻢ »ﺳﻠﻄﺎن«) ،إﻧﺘﺎج ﺳﻨﺔ ،1958ﺗﺄﻟﻴﻒ :ﺟﻼل اﻟﺒﻨﺪاري ،إﺧﺮاج :ﻧﻴﺎزي ﻣﺼﻄﻔﻰ ،ﺑﻄﻮﻟﺔ :ﻓﺮﻳﺪ ﺷﻮﻗﻲ ،رﺷﺪي أﺑﺎﻇﺔ، ﺑﺮﻟﻨﺘﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ( ،وﻓﻲ اﻷﺣﺪاث ﻧﺮى ﺳﻠﻄﺎن ،اﻟﻌﺴﻜﺮي ،اﻟﺬي ﻳﺘﻌ ﱠﺮض ﻟﻈﻠﻢ رﺋﻴﺴﻪ ،وﺧﻴﺎﻧﺔ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺒﻬﺎ .ﺗﺆ ﱢدي ﺑﻪ اﻟﺨﻴﺎﻧﺔ ﻟﻠﺴﺠﻦ؛ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻳﻠﺠﺄ إﻟﻰ إﻟﻰ اﻟﻌﺰل ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ ،واﺣﺘﻤﺎﻟﻴﺔ ﺗﻌ ﱡﺮﺿﻪ ﱠ أﺣﺪ أﻗﺎرﺑﻪ ،ﻓﻴﺄﺧﺬه إﻟﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ آﻣﻨﺔ ،وﻫﻲ ﻛﻬﻒ ﻓﻲ اﻟﺠﺒﻞ .ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻜﻬﻒ ﻧﺘﻌ ﱠﺮف إﻟﻰ ﻛﺎﻓﺔ أﻧﻤﺎط اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻤﺮﻓﻮﺿﺔ :ﻧﺴﺎء ﻳﻤﺎرﺳﻦ اﻟﺪﻋﺎرة ،ﻟﺼﻮص ،ﺗ ﱠﺠﺎر ﻣﺨﺪرات ،وﺗ ﱠﺠﺎر ﺳﻼح ...ﺑﺎﺧﺘﺼﺎر :ﻧﺤﻦ ﻓﻲ وﻛﺮ اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ! وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺴﻌﻰ اﻟﺒﻄﻞ ﻟﻠﺨﻼص ﻣﻦ اﻟﻈﻠﻢ واﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ،ﻓﺈن اﻟﺠﺒﻞ ﻳﻤﺜﱢﻞ ﻣﻨﻄﻘﺔ أﻣﺎن ،وﻓﻲ ذات اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺧﺎرﺟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﻧﻮن ،ﺑﻤﺎ ﻳﻨﺬر ﺑﻌﺎﻗﺒﺔ أﻛﺜﺮ ﺳﻮ ًءا ﻣ ﱠﻤﺎ ﻛﺎن ﺗﻌ ﱠﺮض ﻟﻪ اﻟﺒﻄﻞ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺒﻄﻞ اﻟﻴﺎﺋﺲ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻳﺄوي إﻟﻲ اﻟﺠﺒﻞ ﻫﺮﺑًﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻦ ،وﻫﻨﺎك ﻳﺮﻓﺾ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﺨﺎﻃﺌﺔ ﺗﺒ ًﻌﺎ ﻟﻠﻤﻌﺎﻳﻴﺮ اﻟﻘﻴﻤﻴﺔ ﺻﺎﺣﺐ ﺳﻄﻮة اﻟﺴﺎﺋﺪة ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺼﺮي ،وﻻ ﻳُﺼﺒﺢ ﺳﻠﻄﺎن َ وﺳﻠﻄﺔ ﻓﻰ اﻟﺠﺒﻞ إﻻ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﺤ ﱠﻮل إﻟﻰ ﻣﺠﺮم ﻳﺴﻄﻮ وﻳﻘﺘﻞ وﻳﺘﺎﺟﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺨﺪرات ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻘﺎﺑﻠﻪ ﻓﺘﺎة ﻳﺸﻌﺮ ﺗﺠﺎﻫﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﺐ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻨﺰل ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻞ وﻳﺴﻜﻦ ﺷﻘﺔ ﻓﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،وﺑﻌﺪ أن ﻳﻜﺘﺸﻒ زﻳﻒ اﻟﺤﺐ ﻟﻴﺘﺤﺼﻦ ﺑﺎﻟﺠﺒﻞ. ﻣﻦ اﻟﻔﺘﺎة ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻌﻮد ﻣﺮة أﺧﺮى ﱠ وﻓﻲ اﻟﺠﺒﻞ ﺣﻴﺎة
ﻓﻴﻠﻢ »اﻟﺠﺒﻞ«) ،إﻧﺘﺎج ﺳﻨﺔ ،1965ﻗﺼﺔ :ﻓﺘﺤﻲ ﻏﺎﻧﻢ ،ﺳﻴﻨﺎرﻳﻮ وإﺧﺮاج :ﺧﻠﻴﻞ ﺷﻮﻗﻲ ،ﺑﻄﻮﻟﺔ :ﻋﺒﺪ اﻟﻮارث ﻋﺴﺮ ،ﺻﻼح ﻗﺎﺑﻴﻞ ،ﺳﻤﻴﺮة أﺣﻤﺪ( ،ﻫﻮ اﻟﻔﻴﻠﻢ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻳﻘﺪم ﺻﻮرة ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻮرة َ اﻟﻜﻬﻮف ،ﻟﻪ ﻛﺎﻣﻞ ﻳﺴﻜﻦ ﺷﺒﻪ اﻟﻨﻤﻄﻴﺔ ﻟﺴﻜﱠﺎن اﻟﺠﺒﺎل؛ ﻓﻔﻴﻪ ﻣﺠﺘﻤ ٌﻊ ٌ
ﻋﻤﺪةٌ ،وﻳﻜﻮن اﻟﺼﺮاع اﻟﺪراﻣﻲ ﺣﻮل ﻣﻬﻨﺪس ﺑﻨﻰ ﺑﻴﻮﺗًﺎ ﻓﻲ اﻟــﻮادي ،وﻳﺤﺎول ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ »ﺣﺴﻴﻦ« -أﺣﺪ ﺳﻜﱠﺎن اﻟﻜﻬﻮف -إﻗﻨﺎ َع اﻟﺒﻘﻴ َﺔ ﺑﺘﺮك اﻟﻤﻐﺎرات /اﻟﻜﻬﻮف واﻟﻨﺰول إﻟﻰ اﻟﺒﻨﺎﻳﺎت/ اﻟﻮادي .وﺗﺒﺪو ﻗﺼﺔ اﻟﻔﻴﻠﻢ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ،ﻣﺴﺘﻮﺣﺎة ﻣﻦ ﻣﺸﺮوع ﻗﺮﻳﺔ »اﻟﻘﺮﻧﺔ« ،وﻫﻮ اﻟﻤﺸﺮوع اﻟــﺬي ﻗﺎم ﺑﺘﻨﻔﻴﺬه اﻟﻤﻌﻤﺎري ﺣﺴﻦ ﻓﺘﺤﻲ ﻟﺒﻨﺎء ﻗﺮﻳﺔ وﺗﻬﺠﻴﺮ ﺳﻜﺎن اﻟﻜﻬﻮف ،ﻓﻰ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻳﻘﻮم ﺳﻜﺎن اﻟﺠﺒﻞ ﺑﺎﻟﺘﻨﻘﻴﺐ داﺧﻞ اﻟﺠﺒﻞ ﻋﻦ اﻵﺛﺎر اﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ وﺗﻬﺮﻳﺒﻬﺎ ،وﺑﻌﺪ ﺗﻬﺮﻳﺐ آﺛﺎر ﻛﺜﻴﺮة ﺗﺴﻌﻰ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ إﻟﻰ إﺧﻼء اﻟﺠﺒﻞ ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﺎﺑﺮ واﻵﺛﺎر اﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ. ﻻ ﺗﺄﺗﻲ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ واﺿﺤﺔ وﻣﺒﺎﺷﺮة ﻓﻲ اﻟﻔﻴﻠﻢ؛ ﻓﻤﺜﻼ :ﻟﻢ ﻳﺴ ﱢﻢ اﻟﻔﻴﻠﻢ ﺷﺨﺼﻴﱠﺎﺗِﻪ ،ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء ً اﻟﺒﻄﻞ وﺣﺒﻴﺒﺘﻪ :ﺣﺴﻴﻦ وﻣﺴﻌﺪة ،ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻓﻬﻨﺎك :اﻟﻌﻤﺪة ،اﻟﺨﻮاﺟﺎﻳﺔ ،اﻟﻤﻬﻨﺪس ،اﻷﻣﻴﺮة. ورﻏﻢ أن ﺻﺎﻧﻊ اﻟﻔﻴﻠﻢ ﺳﻴﻌﻮد ﺑﻔﻜﺮﺗﻪ إﻟﻰ اﻟﺼﻮرة اﻟﻨﻤﻄﻴﺔ اﻟﺘﻲ ذﻛﺮﻧﺎﻫﺎ آﻧﻔًﺎ ،ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﺷﺘﻤﺎل ﺣﻴﺎة ﺳﺎﻛﻨﻲ اﻟﻜﻬﻮف ﻋﻠﻰ ﺟﻮاﻧﺐ ﺳﺮﻳﺔ ،ﺧﺎرﺟﺔ ﻋﻦ اﻟﻘﺎﻧﻮن ،إﻻ أﻧﻪ ﺣﺎول أن ﻳﻀﻊ ﺗﺼ ﱡﻮرات ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻟﻼﺧﺘﻼﻓﺎت ﺑﻴﻦ ﻫﺆﻻء وﺑﻴﻦ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺳﺎﻛﻨﻲ اﻟﻮادي؛ ﻓﺎﻟﻤﻬﻨﺪس –اﺑﻦ اﻟﻮادي -ﻳﺼﻌﺪ إﻟﻰ اﻟﺠﺒﻞ ،وﻳﻠﺘﻘﻲ اﻟﻌﻤﺪةَ ،وﻳﺤﺎول أن ﻳﺘﻨﺎﻗﺶ ﻣﻌﻪ، ﻟﻴﺪور ﺣﻮار ﻃﻮﻳﻞ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺣﻮل اﻟﺠﺒﻞ ،وﺣﻮل رؤﻳﺔ أﺑﻨﺎﺋﻪ ﻟﻪ ،ﻓﻬﻮ اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ واﻷﻣﻦ ،وﻫﻮ ﻳﻠﻤﻠﻢ ﺷﺘﺎت اﻟﻨﺎس وﻳﺠﻌﻠﻬﻢ ُﻋﺼﺒﺔً .ﺣ ﱠﺠﺔ اﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﺠﺒﻞ ﻫﻲ أﻧﻪ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺠﺎﻣﻊ واﻵﻣﻦ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺮى اﻟﻌﻤﺪة ﻓﻲ ﱡ ﻓﻲ اﻟﻮادي ﺗﺸﺘﻴﺘًﺎ وﻋﺰﻟﺔ ،وﻫﻲ ﻋﻜﺲ اﻟﺼﻮرة اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻴﺔ ﻟﻠﻤﺼﺮي وﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎﻟﻮادي ،ﻳﺄﺗﻲ اﻟﺤﻮار ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ واﺿ ًﺤﺎ ﻣﺒﺎﺷ ًﺮا ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺳﻜﺎن ﺗﻤﺴﻜﻬﻢ وﺗﺮاﺑﻄﻬﻢ؛ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ اﻟﻤﻬﻨﺪس ﻳﻬﺒﻂ اﻟﺠﺒﻞ ﺑﻪ ،وﻣﺪى ﱡ ُﻣ ْﺤ َﺒ َﻂ اﻟﻌﺰﻳﻤﺔ .اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺴﺮﻳﺔ ﻟﺴﻜﺎن اﻟﺠﺒﻞ ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻣﺎﻓﻴﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻋﻦ اﻵﺛﺎر ﻳﻘﻮدﻫﺎ اﻟﻌﻤﺪة ﺑﻨﻔﺴﻪ ،اﻟﺬي ﻳﻘﻮم ﺑﺎﻟﺘﻨﻘﻴﺐ وﻋﻘﺪ ﺻﻔﻘﺎت ﻣﻊ »اﻟﺨﻮاﺟﺎﻳﺔ« ،اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻀﱢ ﺪ اﻟﻌﻤﺪة وﺗﺴﻌﻰ ﻹﻗﻨﺎع »ﻣﺴﻌﺪة« وﻏﻴﺮﻫﺎ ﺑﺎﻻﺳﺘﻤﺎع إﻟﻰ رأي اﻟﻌﻤﺪة ،وﻓﻲ ﻣﺸﻬﺪ ﻧﺠﺪ »ﻣﺴﻌﺪة« ﺗﺰور »اﻟﺨﻮاﺟﺎﻳﺔ« ﻓﻲ ﻛﻬﻔﻬﺎ ﻓﻨﺮى ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻜﻬﻒ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺗﻴﻤﺎت ﻓﺮﻋﻮﻧﻴﺔ ،ﻓﻲ إﺷﺎرة إﻟﻰ أﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﻨﻮز ﻣﺼﺮ، وﻓﻲ ﻣﺸﻬﺪ آﺧﺮ ﻧﺮى »أﺑﻮ ﺣﺴﻴﻦ« ﻳﻘﻮم ﺑﺎﻟﺘﻨﻘﻴﺐ وﻳﺼﻞ إﻟﻰ ﻣﻤﺮ ﻟﻤﻘﺒﺮة ﻓﺮﻋﻮﻧﻴﺔ ،وﻳﻘﻒ ﻓﻰ اﻟﻤﻘﺒﺮة ﺑﺤﺜًﺎ ﻋﻦ ﻣﻜﺎن اﻟﻜﻨﺰ ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻘﻮم ﺑﺎﻟﺤﻔﺮ ﺗﺪﺧﻞ ﻟﻪ اﺑﻨﺘﻪ )زوﺟﺔ اﻟﻌﻤﺪة( ،ﻟﻜﻨﻪ ﻣﻊ ﺣ ﱠﻤﻰ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻜﻨﺰ ﻻ ﻳﻨﺘﺒﻪ ﻟﻮﺟﻮدﻫﺎ ،وﻳﻘﺘﻞ اﺑﻨﺘﻪ ﺑﺄداة اﻟﺤﻔﺮ ،ﺛﻢ ﻳﻨﻬﺎر ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻞ ﻋﻠﻴﻪ ،وﺑﻤﻮت اﻷب واﻟﺰوﺟﺔ ﺗﻨﻬﺎر ﺷﺮوط اﻷﻣﺎن اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻴﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ ،وﺑﻌﺪ ﻫﺬا اﻻﻧﻬﻴﺎر ﻳﻬﺮب ﻋﺪد ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺳﻜﺎن اﻟﺠﺒﻞ ﻟﻴﻨﺰﻟﻮا إﻟﻰ اﻟﻮادي
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
53
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ķĩïĚļ~ ïħĈ ¡ wïĭİĹĉĩ~ ķĠ Ĩòüĩ~ ïħĈ ąĴė ğĹĦ ﻋﺰة ﺳﻠﻄﺎن
ﺑﺪا ﻫﻴﺮودت وﻫﻮ ﻳﺼﻒ ﻣﺼﺮ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻫﺒﺔ اﻟﻨﻴﻞ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﻀﻊ ﻗﺎﻧﻮن ﱡ ﻳﺨﻂ ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻬﺎ وﻣﺴﺎرات اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻟﺼﻮرة اﻟﺬﻫﻨﻴﺔ ﻟﻤﺼﺮ، ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ،ﻓﺮﻏﻢ أن اﻟﺼﺤﺮاء ﺗﺸﻐﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ % 90ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ، ورﻏﻢ ﺗﻤ ﱡﺘﻌﻬﺎ ﺑﺴﻼﺳﻞ ﺟﺒﻠﻴﺔ ﺗﻤﺘﺪﱡ ﺑﻄﻮﻟﻬﺎ ،ﻓﺈن اﻟﺼﺤﺮاء واﻟﺠﺒﺎل ﻻ ﺗﺒﺪو ﺿﻤﻦ ﻣﻜ ﱢﻮﻧﺎت اﻟﻤﺨ ﱢﻴﻠﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻀﺢ ﻣﻦ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،وأﻓﻼﻣﻬﺎ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎول ﻋﺪد ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺤﻴﺎء ،وﻓﻲ ﻧﻄﺎق ﺿﻴﻖ ،ﻓﻲ ﺗﻨﺎ ُولٍ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻤﻪ -ﻳﻌ ﱢﺒﺮ ﻋﻦ رؤﻳﺔ ﻣﺒﺘﺴﺮة ،وﻏﻴﺮ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺳﺒﺮ أﻏﻮارﺗﻠﻚ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺜﺮﻳﺔ ﻟﺴﻜﱠﺎن ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻹﻳﺠﺎد ﻣﺒ ﱢﺮرات ﻟﺘﺮك ﻫﺬه اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ اﻟﺸﺎﺳﻌﺔ ﻣﻦ ﺟﻐﺮاﻓ ﱠﻴﺘﻬﻢ ﺧﺎوﻳ ًﺔ؛ ﻓﺤ ﱠﻮﻟﺘﻬﻢ )ﻗﺎﻃﻨﻮ اﻟﻜﻬﻮف واﻟﺠﺒﺎل( إﻟﻰ ﻋﻔﺎرﻳﺖ ،أو ﺧﺎرﻗﻴﻦ ،أو -ﻓﻲ أﺣﺴﻦ اﻷﺣﻮال -إﻟﻰ ﺑﺸﺮ ﻋﺎدﻳﻴﻦ ،ﻟﻜﻨﻬﻢ ﺧﺎرﺟﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﻧﻮن!
اﻟﻔﻴﻠﻢ اﻟﻜﻮﻣﻴﺪي ﻳﻌﻜﺲ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﻌﻲ ﻋﻦ ُﺳﻜﺎن اﻟﻜﻬﻮف؛ ذﻟﻚ أن اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺼﻌﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺄﻟﻔﻬﺎ اﻟﻤﺼﺮي ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺪار آﻻف اﻟﺴﻨﻴﻦ ،ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻻ ﻳﺮى ﺣﻴﺎة اﻟﺼﺤﺎري واﻟﺠﺒﺎل ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺈن اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﻌﻲ ﺻﻨﻊ ﺣﻴﻠﺘﻪ اﻟﻤﺒﺮرة ﻟﻌﺪم ُﺳﻜﻨﺎه اﻟﻜﻬﻮف؛ ﻓﻬﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ آ ِﻫﻠَ ٌﺔ ﺑﺎﻟﺠ ﱢﻦ ،ﺑﻤﺎ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺪرات ﺧﺎﺻﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻗﺪرة ﻋﻠﻰ اﻹﻳﺬاء. اﻟﺨﺎرﻗﻮن؛ أﺑﻄﺎل وﻟﺼﻮص
ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﺘﺮاﻣﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺮاء ﻻ ﻳُﻤﻜﻦ ﺗﺠﺎﻫﻠﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ أن اﻟﺠﺒﺎل اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺒﻊ أﺣﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺑﺎﺳﻢ ﺟﺒﻞ اﻟﻤﻘﻄﻢ )وإن ﻛﺎن ﻫﻀﺒﺔ( ﺟﻌﻞ اﻟﺠﺒﻞ ،ﺑﻜﻬﻮﻓﻪ ﺣﺎﺿﺮا ً ﻓﻲ اﻟﺬﻫﻨﻴﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻣﻊ اﻟﺘﻄ ﱡﻮر اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻲ ﺑﺎﺗﺖ ﻓﻜﺮة اﻟﻌﻔﺎرﻳﺖ واﻟﺠﻦ ﺗﺠﺪ اﺳﺘﻬﺠﺎﻧًﺎ ﻟﺴﻜﱠﺎن ﻧﺴﺒ ٍّﻴﺎ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻤﺒﺪع إﻳﺠﺎد ﺗﻴﻤﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ُ اﻟﺴﻜﺎن أن ﻳﻤﺘﻠﻜﻮا ﻣﻦ ﺻﻔﺎت اﻟﺠﻦ اﻟﻜﻬﻮف ﻓﻲ اﻟﺠﺒﺎل؛ وﻟﺬا ﻋﻠﻰ ُ واﻟﻌﻔﺎرﻳﺖ ،وإن ﻇﻠﻮا ﻋﻠﻰ آدﻣﻴﱠﺘﻬﻢ .ﻓﻲ ﻓﻴﻠﻢ أدﻫﻢ اﻟﺸﺮﻗﺎوي )إﻧﺘﺎج ﺳﻨﺔ ،1964ﻗﺼﺔ :زﻛﺮﻳﺎ اﻟﺤﺠﺎوي ،ﺳﻴﻨﺎرﻳﻮ وﺣﻮار :ﺳﻌﺪ اﻟﺪﻳﻦ وﻫﺒﺔ، اﻷرواح واﻟﺠﻦ ﺗﻴﻤﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ اﻟﻤﺼﺮي ﻟﺤﻴﺎة اﻟﻮادي ،اﻋﺘﺒﺮ ُﺳﻜْﻨﻰ اﻟﻜﻬﻮف ﻣﻐﺎﻣﺮةً ،وإﺧﺮاج :ﺣﺴﺎم اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺼﻄﻔﻰ ،وﺑﻄﻮﻟﺔ :ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻏﻴﺚ ،ﻟﺒﻨﻰ ﻋﺒﺪ ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻃﻤﺄ ﱠن ﱡ واﻟﻜﻬﻮف ذاﺗﻬﺎ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﺧﻄﻴ ًﺮا؛ ﻓﺎﻟﺠﺒﻞ ،ﺑﺼﻤﺘﻪ اﻟﻤﻮﺣﺶ ،وﻛﻬﻮﻓﻪ اﻟﻌﺰﻳﺰ( ﻧﺠﺪ اﻟﺒﻄﻞ اﻟﺨﺎرق »أدﻫﻢ اﻟﺸﺮﻗﺎوي« اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ ﻫﺰﻳﻤﺔ َ اﻻﻧﺠﻠﻴﺰ ،واﺳﺘﻌﺎدة ﺣﻘﻮق اﻟﻔﻘﺮاء ﻳﻬﺮب إﻟﻰ اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ،ﻻ ﺑُ ﱠﺪ أن ﻳﻜﻮن ُﺳﻜﱠﺎﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﻦ، وﻳﺘﺤﺼﻦ ﺑﻪ ،ﻓﻴﺴﻜﻦ ﻛﻬﻮﻓﻪ؛ وﺑﺬﻟﻚ ﻻ اﻟﺠﺒﻞ، ﱠ وﻫﻮ ﻣﺎ ﻧﺠﺪه ﻓﻲ ﻓﻴﻠﻢ »ﻋﻔﺮﻳﺘﺔ ﻫﺎﻧﻢ« )إﻧﺘﺎج ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أﺣ ٌﺪ اﻟ ﱠﻨ ْﻴ َﻞ ﻣﻨﻪ ،ﺣﺘﻰ ﻫﺰﻳﻤﺘﻪ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻨﺔ ،1949ﺗﺄﻟﻴﻒ :أﺑﻮ اﻟﺴﻌﻮد اﻹﺑﻴﺎري ﻧﺘﻴﺠ َﺔ ﺧﻴﺎﻧﺔ ﺻﺪﻳﻘﻪ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﺘﻌ ﱠﻤﻖ اﻟﺮؤﻳﺔ وﻫﻨﺮي ﺑﺮﻛﺎت ،وإﺧـــﺮاج :ﻳﻮﺳﻒ ﻣﻌﻠﻮف وﺳﻜﱠﺎﻧﻪ؛ ﻓﺎﻟﺒﻄﻞ اﻟﺬي وﻫﻨﺮي ﺑﺮﻛﺎت ،وﺑﻄﻮﻟﺔ :ﻓﺮﻳﺪ اﻷﻃﺮش وﺳﺎﻣﻴﺔ ﺣﻮل أﺳﻄﻮرﻳﺔ اﻟﺠﺒﻞ ُ ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﱠﻦ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻛﺬﻟﻚ ﺟﻤﺎل( ،ﻓﻲ اﻟﻔﻴﻠﻢ ﻳﻠﺘﻘﻲ اﻟﺒﻄﻞ ﺑﻤﻼك /ﺟ ﱢﻨﻲ، اﻟﺸﺮﻃﺔ -أﺻﺒﺢ اﻟﺠﺒﻞ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻷﻣﺎن ﻟﻪ ،ﻟﻢ ﻳﺘﺤ ﱠﺪث ﻣﻌﻪ ﻋﻦ اﻟﺴﻌﺎدة ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘ ﱢﺮر أن ﻳﺴﺘﻄﻊ أﺣﺪ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻴﻪ إﻻ ﺑﻌﺪﻣﺎ وﺷﻰ ﻳﻬﺒﻪ ﻫﺪﻳﺔ ﺗ ُﺴﻌﺪه ﻓﺈن اﻟﻠﻘﺎء ﻳﻜﻮن ﻓﻰ ﻣﻐﺎرة ﺻﺪﻳﻘﻪ -اﻟﺬي ﻳﻌﺮف اﻟﻜﻬﻒ اﻟﺬي ﻳﺴﻜﻨﻪ- /ﻛﻬﻒ ﻓﻲ ﺟﺒﻞ ،وﻳﺪﺧﻞ اﻟﺒﻄﻞ اﻟﻤﻐﺎرة ﻣﻊ ﺑﻪ ،وﻫﻨﺎ ﻧﺮى أن اﻻﻧﺴﺎن ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻔﺴﺪ أﻣﻦ ﺻﺪﻳﻘﻪ وﻫﻮ ﺧﺎﺋﻒ ﻟﻴﺠﺪ ﻟﻤﺒ ًﺔ ﺳﺤﺮﻳﱠ ًﺔ ﺗﺨﺮج ﻃﻮﻳﻼ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ اﻟﺠﺒﻞ .ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻮرة ﻻ ﺗﺪوم ً ﻣﻨﻬﺎ »ﻋﻔﺮﻳﺘﺔ« ﺗﻘﻮد اﻟﺘﺼﺎﻋﺪ اﻟﺪراﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،ﻓﺒﻌﺪ اﻟﺠﻦ واﻟﻌﻔﺎرﻳﺖ ،ﺛﻢ اﻟﺒﻄﻞ اﻷﺣﺪاث ،وﺑﻌﺪ أن ﻳﻔﻘﺪ اﻟﺒﻄﻞ ﻃﻮاﻋﻴﺔ ﻟﻤﺒﺘﻪ اﻟﻠﺼﻮص ،ﺷﺪﻳﺪي اﻟﺠﺒﺎل ﻗﺎﻃﻨﻮ ﻳﺼﺒﺢ اﻟﺨﺎرق، َ اﻟﺴﺤﺮﻳﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻘﻮم ﺑﺘﺄﻟﻴﻒ أوﺑﺮﻳﺖ ﻣﻮﺳﻴﻘﻲ اﻟﻮﻃﺄة ،ﺳﻨﺮى ذﻟﻚ ﻓﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻓﻴﻠﻢ : .ﻓﻴﻠﻢ ﻏﻨﺎﺋﻲ ،وﻓﻲ اﻷوﺑﺮﻳﺖ ﻳﺼﻨﻊ ﻣﻐﺎرة ﺟﺒﻠﻴﺔ »اﻟﻮﺣﺶ«) ،إﻧﺘﺎج ﺳﻨﺔ ،1954ﺗﺄﻟﻴﻒ :ﻧﺠﻴﺐ ﺗﺴﻜﻨﻬﺎ اﻟﻌﻔﺎرﻳﺖ!
52
ﺳﻜﺎن ا>ﻋﺎﻟﻲ:ﻛﻴﻒ ﻇﻬﺮ ﺳﻜﺎن اﻟﺠﺒﻞ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ؟ ُ
ﺷﻬﺮي ﻳﻮﻧﻴﻮ وﻳﻮﻟﻴﻮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺎم ،وﻫﻲ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎم ﻓﻴﻬﺎ اﻷﻋﺮاس ،ﻷن ﺑﻘﻴﺔ اﻟﺸﻬﻮر ﺗﻘﺘﺮب ﻓﻴﻬﺎ درﺟﺔ اﻟﺤﺮارة ﻣﻦ 10درﺟﺎت ﻟﻴﻼً ،وﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﻳﻨﺎﻳﺮ ﺗﺼﻞ ﻟﻠﺼﻔﺮ .وأوﺿﺢ أﻧﻬﻢ ﻳﺰوﺟﻮن أﺑﻨﺎءﻫﻢ ﻓﻲ ﺳﻦ ﺻﻐﻴﺮة ،وﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻣﻦ داﺧﻞ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ،وﻳﺠﻬﺰ اﻟﺰوج ﻣﻨﺰﻟﻪ ،وﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﻌﺮس ،ﻳﻘﻴﻢ وﻟﻴﻤﺔ ﻏﺪاء ﻟﻠﻀﻴﻮف ﻣﻦ ﻟﺤﻢ اﻟﺨﺮاف ،ﻳﻌﻘﺒﻬﺎ ﺳﺒﺎق ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮر اﻹﺑﻞ أﻣﺎم اﻟﺪﻳﻮان وﺳﻂ ﺗﺸﺠﻴﻊ اﻟﺤﻀﻮر .ﺛﻢ ﺗﺰف اﻟﻌﺮوس ﻟﻤﻨﺰل زوﺟﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﻛﺐ ﺳﻴﺎرات .وﺗﺸﺎرك اﻟﻤﺮأة زوﺟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﺄداء ﻣﻬﻤﺔ اﻟﺮﻋﻲ ،إذ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﺑﺄﻏﻨﺎﻣﻬﺎ ﻓﺠﺮا ً وﺗﻌﻮد ﺑﻬﺎ ﻛﺎﻣﻼ ﺗﻘﻀﻴﻪ ﺧﻠﻒ »ﺣﻼﻟﻬﺎ« ﺑﺤﺜًﺎ ﻋﻦ اﻟﻜﻸ ﻓﻲ ﺑﻄﻮن ﻣﻊ ﻣﻐﻴﺐ اﻟﺸﻤﺲ ،وﻳﻮﻣﻬﺎ ً اﻟﻮدﻳﺎن .وﻗﺎل إن ﻇﺮوف اﻟﻤﻌﻴﺸﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺎﺿﺮ أﻓﻀﻞ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن أﺑﻨﺎء اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻟﺪﻳﻬﻢ وﻟﻊ ﺑﺎﻻﺣﺘﻔﺎظ ﺑﻤﺎﺿﻴﻬﻢ ﺑﻼ ﺗﻐﻴﻴﺮ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﺗﺘﺄﺛﺮ ﺛﻘﺎﻓﺘﻬﻢ رﻏﻢ أن ﻣﻨﺎﻃﻘﻬﻢ وﺟﻬﺔ ﻟﻮﻓﻮد ﺳﻴﺎﺣﻴﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ دول اﻟﻌﺎﻟﻢ .وأﺷﺎر إﻟﻰ أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻳﻌﺘﻤﺪون ﻓﻲ اﻟﻄﻬﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺒﺰ اﻟﻤﻌﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﺎر اﻟﺤﻄﺐ ،وﻳﻌﺘﺒﺮون أﻫﻢ ﻣﺸﺮوب ﻳﻘﺪم ﻓﻲ دواوﻳﻨﻬﻢ "اﻟﺤﺒﻖ" وﻫﻲ ﻋﺸﺒﻪ ﻃﺒﻴﻪ ﻟﻬﺎ ﻓﻮاﺋﺪ ﻛﺜﻴﺮة. وﻗﺎل اﻟﺸﻴﺦ ﻋﻮاد إن ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﺠﺒﺎﻟﻴﺔ ﺗﻤﺘﺎز ﺑﺎﻟﺘﻜﺎﺗﻒ ﺑﻴﻦ أﻓﺮادﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﺆون اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،وﺗﻌﺘﺒﺮ اﻟﻤﺮﺟﻌﻴﺔ اﻟﻘﺒﻠﻴﺔ ﻟﺸﻴﺦ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻫﻲ اﻟﻔﻴﺼﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻧﺰاع ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ دور ﺷﻴﺦ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻛﻬﻤﺰة وﺻﻞ ﺑﻴﻦ اﻷﻫﺎﻟﻲ واﻟﺠﻬﺎت اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ،ﻻﻓﺘًﺎ إﻟﻰ أن اﻷﻫﺎﻟﻲ أﺻﺒﺤﻮا ﺣﺎﻟﻴﺎ ﻳﻬﺘﻤﻮن ﺑﺎﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،ﻛﻤﺎ وﻓﺮت اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻘﻬﻢ ﻣﺪارس ﻟﻜﻞ اﻟﻤﺮاﺣﻞ ﻳﻘﺒﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺑﻨﺎؤﻫﻢ ،اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺨﺮج ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت ﺛﻢ ﻋﺎدوا ﻟﻠﻤﻨﻄﻘﺔ ﻟﻠﻌﻤﻞ أدﻻّ ء ﻓﻲ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺴﻴﺎﺣﻲ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
51
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ﺟﺒﻞ ﻣﻮﺳﻰ وﺟﺒﻞ اﻟﺒﻨﺎت
واﻟﻤﺴﺎﺣﺎت اﻟﻤﺘﺴﺎوﻳﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺠﺒﺎل ﻳﻨﻤﻮ ﺑﺸﻜﻞ ﻃﺒﻴﻌﻰ ﺑﻼ إﺿﺎﻓﺎت أو ﻣﺨﺼﺒﺎت« .وأوﺿﺢ أﺑﻮﺳﺎﻟﻢ أﻧﻬﻢ ﻳﻬﺘﻤﻮن ﺑﺰراﻋﺔ اﻟﺰﻳﺘﻮن واﻟﻌﻨﺐ، ﻟﻜﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﻬﻢ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻫﻮ زراﻋﺔ اﻷﻋﺸﺎب اﻟﻄﺒﻴﺔ ،ﻳُﺰرع ﺑﻌﻀﻬﺎ، وأﺧﺮى ﺗﻨﻤﻮ ﻃﺒﻴﻌ ًﻴﺎ ﻓﻲ ﺳﻔﻮح اﻟﺠﺒﺎل ﻓﻲ ﺳﻴﻨﺎء ،وﻣﻨﻬﺎ اﻟﺴﻤﻮة واﻟﺤﺒﻖ واﻟﺰﻋﺘﺮ واﻟﺸﻴﺢ واﻟﻌﺠﺮم واﻟﻌﺘﻮم واﻟﺒﻌﻴﺜﺮان. وﻳﻤﺘﻠﻚ أﺣﻤﺪ اﻟﺠﺒﺎﻟﻲ ﺧﺒﺮة ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻷﻋﺸﺎب اﻟﻄﺒﻴﺔ ،وﻳﺪﻳﺮ دﻛﺎﻧًﺎ ﺻﻐﻴ ًﺮا ﻋﻠﻰ أﻃﺮاف اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،ﻳﺒﻴﻊ ﻓﻴﻪ ﻟﺰواره ﻛﻤﻴﺎت ﻣﺠﻬﺰة ﺧﺼﻴﺼﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻃﻖ وﻣﺤﺎﻓﻈﺎت ﻣﺼﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻋﺒﻮات ،وﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﺤﻀﺮ ً ﺑﻌﻴﺪة ﻣﻦ أﺟﻞ ﺷﺮاء ﻫﺬه اﻷدوﻳﺔ .وﻗﺎل أﺣﻤﺪ إﻧﻪ ﺷﺎرك ﻓﻲ دورات ﺗﺪرﻳﺒﻴﺔ ﺿﻤﻦ ﻣﺸﺮوع ﺗﺒﻨﺘﻪ إﺣﺪى اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت اﻷﻫﻠﻴﺔ ﻗﺒﻞ 3أﻋﻮام، ﻟﺘﺸﺠﻴﻊ اﻷﻫﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﺳﻊ ﻓﻲ زراﻋﺎت اﻷﻋﺸﺎب اﻟﻄﺒﻴﺔ ،وأﺿﺎف ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﻪ إﻟﻰ ﻣﺎ ورﺛﻪ ﻣﻦ أﺟﺪاده اﻟﺬﻳﻦ اﻋﺘﻤﺪوا ﻓﻲ ﻋﻼج أﻣﺮاﺿﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻷﻋﺸﺎب.
وﺣﻮل أﻫﻢ رﺣﻼت اﻟﺼﻌﻮد ﻳﻘﻮل »أﺷﺮف اﻟﺠﺒﺎﻟﻲ« ،ﻓﻲ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻋﺸﺮة ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،وﻳﻘﻮم ﺑﺪور اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻓﻲ رﺣﻼت اﻟﺼﻌﻮد ﻟﻘﻤﻢ اﻟﺠﺒﺎل :اﻟﻮﺻﻮل ﻟﻘﻤﺔ ﺟﺒﻞ ﻣﻮﺳﻰ واﺣﺪة ﻣﻦ أﻫﻢ رﺣﻼت اﻟﺼﻌﻮد، وﻫﻲ ﺗﺒﺪأ ﻗﺒﻞ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ وﺗﻨﺘﻬﻲ ﻓﺠﺮا ً ﻋﻨﺪ ﻗﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ .أو ﻇﻬﺮا وﺗﺼﻞ ﻗﺒﻴﻞ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﻐﺮوب .وﻛﻞ رﺣﻠﺔ ﺗﺴﺘﻤﺮ ﻧﺤﻮ ﺳﺖ ﺳﺎﻋﺎت ذﻫﺎﺑًﺎ وﻣﺜﻠﻬﺎ إﻳﺎﺑًﺎ ،ﻋﺒﺮ ﻣﺴﺎﻟﻚ ودروب وﺳﻼﻟﻢ ﺻﺨﺮﻳﺔ ،ﺳﻴ ًﺮا ﻋﻠﻰ اﻷﻗــﺪام أو ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮر اﻹﺑﻞ ﻣﻊ اﺳﺘﺮاﺣﺎت ﻟﻤﺸﺎﻫﺪة ﻏﺮوب أو ﺷﺮوق اﻟﺸﻤﺲ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ اﻟﺠﺒﺎل ،واﻟﺘﻘﺎط اﻟﺼﻮر .وﻳﺘﻨﻮع اﻟﺴﺎﺋﺤﻮن ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺻﺪﻫﻢ ﻣﻦ زﻳﺎرة ﻗﻤﻢ اﻟﺠﺒﺎل ﺑﻜﺎﺗﺮﻳﻦ ،ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺴﻠﻚ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻠﺘﻤﺘﻊ ﺑﻤﺸﺎﻫﺪ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،وآﺧﺮون ﺑﺪواﻓﻊ دﻳﻨﻴﺔ وﻣﻦ ﺑﻴﻦ أﻫﻢ اﻟﺴﻼﺳﻞ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ اﻟﺘﻰ ﻳﺘﻢ ﺻﻌﻮدﻫﺎ ﻗﻤﺔ »ﺟﺒﻞ ﻣﻮﺳﻰ« ،وﻳﺼﻞ ارﺗﻔﺎﻋﻪ ﻧﺤﻮ 7363ﻗﺪ ًﻣﺎ ﻓﻮق ﺳﻄﺢ اﻟﺒﺤﺮ .ووﻓﻘًﺎ ﻟﻠﺮواﻳﺎت اﻟﻤﺘﺪاوﻟﺔ ﻓﺈن ﻧﺒﻲ اﻟﻠﻪ ﻣﻮﺳﻰ اﻋﺘﻠﻰ ﻗﻤﺘﻪ ﻟﻤﺪة 40ﻳﻮ ًﻣﺎ ﻳﻨﺎﺟﻲ رﺑﻪ وﻳﺘﺴﻠﻢ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ .وﻋﻠﻰ ﻗﻤﺘﻪ ﻛﻨﻴﺴﺔ ﺻﻐﻴﺮة وإﻟﻰ ﺟﻮارﻫﺎ ﺟﺎﻣﻊ ﺻﻐﻴﺮ. وﻛﺬﻟﻚ "ﺟﺒﻞ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ" ،وﻳﺼﻞ ارﺗﻔﺎﻋﻪ 8563ﻗﺪﻣﺎ ﻓﻮق ﺳﻄﺢ اﻟﺒﺤﺮ ،ﺣﻴﺎة ﺑﺴﻴﻄﺔ وﺗﻜﺎﺗﻒ ﻛﺒﻴﺮ ً وﺳﻤﻲ ﻋﻠﻰ اﺳﻢ اﻟﻘﺪﻳﺴﺔ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮل اﻟﺮواﻳﺎت إن ﺟﺴﺪﻫﺎ ﻳﺼﻒ اﻟﺸﻴﺦ ﻋﻮاد اﻟﺠﺒﺎﻟﻲ -ﻣﻦ رﻣﻮز اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ -ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﺑﺄﻧﻬﺎ اﺳﺘﻘﺮ ﻓﻮﻗﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺘﻠﻬﺎ .وﻣﻦ اﻟﻘﻤﻢ أﻳﻀً ﺎ "ﺟﺒﻞ اﻟﺒﻨﺎت" اﻟﺬي ﻳﻨﺘﺴﺐ ﺑﺴﻴﻄﺔ ،ﺗﻮارﺛﻮا ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﺄﻗﻠﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ واﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﺳﻤﻪ ﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ راﻫﺒﺎت اﺳﺘﻘﺮرن ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎن واﺗﺨﺬن اﻟﺠﺒﻞ ﻣﻮﻃﻨﺎً ﺗﻘﻠﺒﺎت اﻷﺟﻮاء ،ﻻﻓﺘًﺎ إﻟﻰ أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺘﻤﺘﻌﻮن ﺑﺄﺟﻮاء ﻣﻌﺘﺪﻟﺔ إﻻ ﻓﻲ ﻟﻬﻦ .إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ "ﺟﺒﻞ ﻋﺒﺎس" اﻟﺬي أﻗﺎم ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﻤﺼﺮي ﻋﺒﺎس ﺑﺎﺷﺎ ﻗﺼ ًﺮا ﻟﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﺘﻤﻞ ﺑﻨﺎؤه ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم .وﻳﻘﻊ دﻳﺮ ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ ﺑﺴﻔﺢ ﺟﺒﻞ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ ،ﺷﻴﺪ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر اﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻲ ﺟﻮﺳﺘﻨﻴﺎن ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس اﻟﻤﻴﻼدي ،ﺗﺨﻠﻴﺪا ً ﻟﺮاﻫﺒﺔ ﻗﺘﻠﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎن اﺳﻤﻬﺎ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ .وﻳﺤﺘﻮي اﻟﺪﻳﺮ ﻋﻠﻰ آﺛﺎر ﻣﻦ أﺑﺮزﻫﺎ ﻛﻨﻴﺴﺔ اﻟﺘﺠﻠﻲ ،وﺷﺠﺮة اﻟﻌﻠﻴﻘﺔ اﻟﻤﻠﺘﻬﺒﺔ ،وﻣﺘﺤﻒ دﻳﺮ ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ اﻟﺬي ﻳﻀﻢ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت دﻳﻨﻴﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻟﻮﺣﺔ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﻘﺮن 12ﻣﻴﻼدي .وﺗﻀﻢ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﺪﻳﺮ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت ﻧﺎدرة ﻳﺼﻞ ﻋﺪدﻫﺎ ﻟﻨﺤﻮ 2000ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ واﻟﺴﺮﻳﺎﻧﻴﺔ واﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ واﻷﻣﻬﺮﻳﺔ واﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﺮﻛﻴﺔ واﻟﺮوﺳﻴﺔ. ﻧﺤﺖ وﺣﺮاﺳﺔ وزراﻋﺔ
ﻣﻦ اﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ ﺳﻜﺎن ﺟﺒﺎل ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ ،ﺗﺸﻜﻴﻞ وﻧﺤﺖ أﺷﻜﺎل ﻓﻨﻴﺔ ﺑﺪﻳﻌﺔ اﻟﻤﻨﻈﺮ ﻣﻦ اﻟﺼﺨﻮر اﻟﻤﻠﻮﻧﺔ وﺑﻴﻌﻬﺎ ﺗﺬﻛﺎرات ﻟﻠﺰوار. ﻛﻤﺎ ﻳﻌﻤﻞ ﻧﺤﻮ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺣﺮاﺳﺔ دﻳﺮ ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ ،أﺷﻬﺮ ﻣﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،ﺑﻴﻨﻬﻢ رﻣﻀﺎن أﺣﻤﺪ اﻟﺠﺒﺎﻟﻰ ،وﻣﻬﻤﺘﻪ اﻟﺤﺮاﺳﺔ داﺧﻞ اﻟﺪﻳﺮ ،وﻫﻲ ﻣﻬﻤﺔ ﻳﻘﻮل إﻧﻪ وﺑﻘﻴﺔ اﻟﺸﺒﺎب ﻣﻦ أﺑﻨﺎء ﻗﺒﻴﻠﺘﻪ ﺗﻮارﺛﻮﻫﺎ أﺑًﺎ ﻋﻦ ﺟﺪ .وﺗﻌﺪ اﻟﺰراﻋﺔ ﻧﺸﺎﻃًﺎ ﻣﻬ ًﻤﺎ ﻟﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺎن ،ﺑﻴﻨﻬﻢ »ﻣﺤﻤﺪ أﺑﻮﺳﺎﻟﻢ« ،اﻟﺬي أﺷﺎر ﺑﻴﺪﻳﻪ ﻧﺤﻮ ﺑﺴﺘﺎن ﺗﻄﻞ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﻪ أﻏﺼﺎن أﺷﺠﺎر زﻳﺘﻮن وﻋﻨﺐ ،وﺗﺘﺼﺪر ﺑﻮاﺑﺘﻪ ﻻﻓﺘﺔ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﺮم أﺑﻮ ﺳﺎﻟﻢ ،وﻗﺎل» :ﺗﻌﺘﻤﺪ اﻟﺰراﻋﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻘﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻴﺎه اﻟﺴﻴﻮل اﻟﻤﺤﺘﺠﺰة ،واﻟﺘﺮﺑﺔ ﺧﺼﺒﺔ ،وﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺰرع ﻓﻲ ﻣﺠﺮى اﻟﺴﻴﻮل 50
»اﻟﺠﺒﺎﻟﻴﺔ« ...ﺣﺮاس »ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ« اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ
ﺗﺤﺘﻔﻆ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﻄﺎﺑﻊ ﻣﻌﻤﺎري ﺧﺎص ﺑﻤﻜﻮﻧﺎت وواﺟﻬﺎت ﻣﻨﺎزﻟﻬﺎ وﻣﻨﺸﺂﺗﻬﺎ اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ،ﻳﺘﺠﺎﻧﺲ ﻣﻊ ﺗﺸﻜﻴﻼت اﻟﺠﺒﺎل ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ .وﻳﻀﻢ ﻗﻠﺐ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﺤﻼت ﻗﺪﻳﻤﺔ وﻋﺪ ًدا ﻗﻠﻴﻼً ﻣﻦ اﻟﻤﻄﺎﻋﻢ واﻟﻤﻘﺎﻫﻲ ،وﻓﻨﺎدق ﺳﻴﺎﺣﻴﺔ ﺗﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟــﺰوار ،إﺿﺎﻓﺔ ﻟﻤﺨﻴﻤﺎت ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺰاﺋﺮون ﺣﻴﺎة اﻟﺒﺪو وﻳﺘﻤﺘﻌﻮن ﻓﺮادى وﺟﻤﺎﻋﺎت ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻤﻜﺎن ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ اﺳﺘﺄﻧﺲ ﺻﻤﺖ اﻟﺠﺒﺎل وﻃﻴﺐ ﺳﺎﻛﻨﻴﻬﺎ واﺳﺘﻘﺮوا ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻟﺴﻨﻮات ﻃﻮﻳﻠﺔ. ﺗﺸﻜﻞ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺴﺎﺋﺤﻴﻦ أﺣﺪ أﻫﻢ ﻣﻘﻮﻣﺎت ﻣﻌﻴﺸﺔ ﺑﺪو ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ ،ﻓﻬﻢ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻹرﺷﺎد وأدﻻّ ء ﻓﻲ ﻣﻤﺮات اﻟﺼﺨﻮر اﻟﺼﻌﺒﺔ ،ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ "ﺣﺴﻦ اﻟﺠﺒﺎﻟﻲ" ،وﻫﻮ ﺷﺎب ﻓﻲ اﻟﺜﻼﺛﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ، ﺣﺎﺻﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻬﺎدة اﻟﻤﺘﻮﺳﻄﺔ ،وﻳﺠﻴﺪ 3ﻟﻐﺎت اﻛﺘﺴﺒﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻄﺮة ﻣﻦ ﺧﻼل اﺣﺘﻜﺎﻛﻪ ﺑﺎﻟﺴﺎﺋﺤﻴﻦ وﻫﻲ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ واﻻﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ واﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ،ﻳﻘﻮل :ﺗﺘﻘﺎﺳﻢ ﻋﺎﺋﻼت اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺴﺎﺋﺤﻴﻦ ،ﻻﻓﺘﺎ إﻟﻰ أﻧﻪ ورث اﻟﻤﻬﻨﺔ ﻣﻦ واﻟﺪه اﻟﺬي ﺗﺠﺎوز اﻟﺴﺘﻴﻦ ﻓﺎﻛﺘﻔﻰ ﺑﺎﻟﺠﻠﻮس ﻓﻲ دﻳﻮاﻧﻪ .وﻳﻀﻴﻒ :إن ﻣﻬﺎﻣﻬﻢ ﻫﻲ اﻟﺨﺮوج ﺑﺄﻓﻮاج ﺳﻴﺎﺣﻴﺔ ﻓﻲ ﻗﻮاﻓﻞ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮر اﻹﺑﻞ ،ﻳﻘﻮدوﻧﻬﺎ ﻟﻮﺟﻬﺎت ﻣﻌﺮوﻓﺔ ،وﻣﻌﺪة ﻣﺴﺒﻘﺎً ﻓﻲ رﺣﻼت ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳﻮم وأﺧﺮى ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ 3أﻳﺎم ﺗﺘﻀﻤﻦ اﻟﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﻤﺮات ﺻﺨﺮﻳﺔ ،ﻟﻤﺸﺎﻫﺪة ﺗﻜﻮﻳﻨﺎت ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻣﻦ ﻛﻬﻮف وﻋﻴﻮن ،وﺗﺨﻴﻴﻢ وإﻗﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻣﻌﺪة ﻳﺘﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻃﻬﻲ اﻟﻄﻌﺎم ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺒﺪوﻳﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ،واﺳﺘﺨﺪام وﺳﺎﺋﻞ ﻣﻌﻴﺸﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
49
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
óø ~ĵöĭĩ~ ïòüĩ~ ~ąĈz ĵĘġÿĸ
óĸąďĭĩ~ iĮĸąõïĦ ôįïĈq ~ąþ ióĹĩïòüĩ~q اﺳﺘﻄﻼع :ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻴﻦ أﺑﻮﻋﻴﻄﺔ
ﺑﺨﺼﻮﺻﻴﺔ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ ﻣﻨﻔﺮدة ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻨﻔﺘﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻳﻌﻴﺶ ﺳﻜﺎن ﺟﺒﺎل ﻣﻨﻄﻘﺔ "ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ" ﻓﻲ ﻋﻤﻖ ﺟﻨﻮب ﺷﺒﻪ ﺟﺰﻳﺮة ﺳﻴﻨﺎء اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪ أﺷﻬﺮ واﺟﻬﺔ ﻟﻠﺴﻴﺎﺣﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ وﺗﺴﻠﻖ اﻟﺠﺒﺎل ﻓﻲ ﺳﻴﻨﺎء ،ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻘﻊ أﻋﻠﻰ ﻗﻤﻢ ﺳﻼﺳﻞ ﺟﺒﻠﻴﺔ ﺗﺘﺨﻠﻠﻬﺎ ﻣﺴﺎرات أودﻳﺔ ﺗﺘﺸﻜﻞ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﻟﻮﺣﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﺑﺪﻳﻌﺔ اﻟﻤﻨﻈﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﻀﺒﺔ ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ 5130ﻛﻴﻠﻮ ﻣﺘﺮا ﻣﺮﺑﻌﺎ ،ﺑﺎرﺗﻔﺎع ﻳﻘﺎرب 1600 ﻣﺘﺮ ﻓﻮق ﺳﻄﺢ اﻟﺒﺤﺮ. وﺑﻴﻦ ﺳﻔﻮﺣﻬﺎ ﺷﺎﻫﻘﺔ اﻻرﺗﻔﺎع ﺗﺘﻮزع ﻣﺴﺎﻛﻦ ﻗﺎﻃﻨﻴﻬﺎ اﻟﻤﻨﺤﻮﺗﺔ ﻣﻦ أﺣﺠﺎرﻫﺎ اﻟﺪاﻛﻨﺔ اﻟﻠﻮن ﻣﺴﻘﻮﻓﺔ ﺑﻌﺮﻳﺶ ﻣﻦ ﺟﺬوع أﺷﺠﺎر اﻟﺴﻴﺎل اﻟﺼﺤﺮاوي وﺟﺮﻳﺪ اﻟﻨﺨﻞ ،ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺣﺮاس اﻟﺠﺒﺎل وﻣﻼك أﺳﺮارﻫﺎ ﺑﺎﻟﻮراﺛﺔ .ﻫﻢ أﺻﺤﺎب ود ﻟﺰاﺋﺮي "ﺟﺒﺎﻟﻬﻢ" ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺋﺤﻴﻦ ﻣﻦ ﺟﻨﺴﻴﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻘﻄﻌﻮن اﻟﻤﺴﺎﻓﺎت وﺻﻮﻻً إﻟﻴﻬﻢ ﺑﻐﺮض اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻟﺰﻳﺎرة أﺷﻬﺮ وأﻗﺪم دﻳﺮ ﻣﺴﻴﺤﻰ "دﻳﺮ ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ" ،وآﺧﺮﻳﻦ ﻟﺼﻌﻮد ﻗﻤﻢ اﻟﺠﺒﺎل واﻟﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﺑﻄﻮن اﻟﻮدﻳﺎن. 48
»اﻟﺠﺒﺎﻟﻴﺔ« ...ﺣﺮاس »ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ« اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ
ﺳﻜﺎن ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ ﻫﻢ أﺑﻨﺎء ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺗﺴﻤﻰ "اﻟﺠﺒﺎﻟﻴﺔ" ﻳﺤﺎﻓﻈﻮن ﻋﻠﻰ ﻋﺎداﺗﻬﻢ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﻢ اﻟﻤﺘﻮارﺛﺔ وﺛﻘﺎﻓﺔ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ وﻳﻌﺘﺰون ﺑﻬﺎ، وﻫﻲ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺑﺪوﻳﺔ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ "ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻄﻮره" ﻣﻦ ﺳﻜﺎن ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺟﻨﻮب ﺷﺒﻪ ﺟﺰﻳﺮة ﺳﻴﻨﺎء ،وﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ ذﻛﺮه »ﻧﻌﻮم ﺷﻘﻴﺮ« ﻓﻲ ﻣﺆﻟﻔﻪ "ﺗﺎرﻳﺦ ﺳﻴﻨﺎء" اﻟﺼﺎدر ﻋﺎم 1916ﻓﺈن ﻓﺮوع ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﺠﺒﺎﻟﻴﺔ ﻫﻢ اﻟﺤﻤﺎﻳﺪة واﻟﺴﻼﻳﻤﺔ واﻟﻮﻫﻴﺒﺎت وأوﻻد ﺟﻨﺪي ،وﻫﻢ ﻳﺴﻜﻨﻮن ﺟﺒﻞ ﻃﻮر ﺳﻴﻨﺎء اﻟﻤﻨﺘﺴﺒﻴﻦ إﻟﻴﻪ وﺿﻮاﺣﻴﻪ.
ﺷﺒﻪ ﺟﺰﻳﺮة ﺳﻴﻨﺎء ﻋﻨﺪ اﻟﺮواﻓﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﻴﻠﻴﻦ ﺷﺮق أﺑﻮ ﻋﻘﻴﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻄﺔ ﻏﻨﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺒﺎﻟﻴﻮﻟﻴﺘﻲ اﻷﺳﻔﻞ _ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﺳﻨﺔ_ وﺟﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻷدوات وﻋﺜﺮ ﻋﻠﻰ اﻷدوات ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﻲ وادى اﻟﻌﺮﻳﺶ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﺑﻴﺮ اﻟﺤﺴﻨﺔ ﻓﻲ وﺳﻂ ﺳﻴﻨﺎء وﺑﻴﻦ ﻧﺨﻞ واﻟﺸﻂ ،وﻓﻰ وادى ﺧﺮﻳﺰة ﻓﻲ ﺟﻨﻮب ﻏﺮب ﺳﻴﻨﺎء ﻗﺮب ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﻨﺎﺟﻢ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻛﻠﻬﺎ أدوات ﻣﻦ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺒﺎﻟﻴﻮﻟﻴﺘﻲ. اﻟﺠﺒﺎﻟﻴﺔ ﺳﻜﺎن ﺟﺒﻞ ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ
ﺗﻌﻮد أﺻﻮل اﻟﺠﺒﺎﻟﻴﺔ إﻟﻰ ﺗﺤﺎﻟﻒ اﻟﻄﻮرة اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺬي ﻳﺠﻤﻊ ﻋﺪة ﻗﺒﺎﺋﻞ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺳﻴﻨﺎء ،ﻣﺴﺎﻛﻨﻬﻢ ﻗﺮب ﻣﻮﻗﻊ دﻳﺮ ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ؛ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﻜﻨﻮا اﻟﻤﻮﻗﻊ ﻗﺒﻞ ﺑﻨﺎء اﻟﺪﻳﺮ .وﻳُﺬﻛﺮ أن "ﺟﺴﺘﻨﻴﺎن" اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر اﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻲ أﻣﺮ ﺑﺒﻨﺎﺋﻪ ﻋﻨﺪ ﺳﻔﺢ ﺟﺒﻞ ﺳﻴﻨﺎء ،وﺑﺈﺣﻀﺎر ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ إﻗﻠﻴﻢ "واﻻﺷﻴﺎ" اﻟﺬي ﻳﻘﻊ روﻣﺎﻧﻴﺎ ﺣﺎﻟﻴﺎ ،وزادﻫﻢ "ﺛﻴﻮدﻳﺴﻴﻮس" ﺣﺎﻛﻢ ﻣﺼﺮ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎﺋﻠﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ أﻋﺮاب ﺻﺤﺮاء اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،وﻓﻲ ﻣﺼﺪر آﺧﺮ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻟﻴﻘﻮﻣﻮا ﺑﺒﻨﺎء اﻟﺪﻳﺮ ،وﻟﻴﻌﻴﺸﻮا ﻓﻲ ﻣﺤﻴﻄﻪ وﻳﻌﻤﻠﻮا ﻋﻠﻰ ﺣﻤﺎﻳﺘﻪ وﺧﺪﻣﺔ رﻫﺒﺎﻧﻪ. اﺧﺘﻠﻄﺖ ﻫﺬه اﻟﻌﺎﺋﻼت ﻣﻊ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﻢ ،ﺧﺼﻮﺻﺎً ﺑﻨﻲ واﺻﻞ ،وﺗﺤﻮﻟﻮا ﻟﻺﺳﻼم ﺑﻌﺪ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ اﻟﻤﻴﻼدي وذاﺑﻮا ﻓﻲ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﺳﻴﻨﺎء وﻣﻦ ﺿﻤﻨﻬﻢ اﻟﺠﺒﺎﻟﻴﺔ ،وأﺻﺒﺤﻮا ﺟﺰءا ً ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻨﻬﻢ .وﻓﻲ اﻷﻋﻮام ﺑﻴﻦ 1517و ،1520زادﻫﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺳﻠﻴﻢ اﻷول
اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ﺑﺠﻤﺎﻋﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ ﺳﻜﺎن اﻟﻤﻄﺮﻳﺔ ﺷﺮق اﻟﺪﻟﺘﺎ. ﺗﻨﻘﺴﻢ اﻟﺠﺒﺎﻟﻴﺔ إﻟﻰ أرﺑﻊ ﻋﺸﺎﺋﺮ أو "أرﺑــﺎع" ،ﻳﻌﻮد أﺣﺪﻫﺎ ،وﻫﻮ رﺑﻊ أوﻻد ﺟﻨﺪي إﻟﻰ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺑﺪوﻳﺔ ﺣﻀﺮت ﻣﻦ ﺻﺤﺮاء اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻌﻮد اﻟﺜﻼث اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ،اﻟﺤﻤﺎﻳﺪة واﻟﻮﻫﻴﺒﺎت وأوﻻد ﺳﻠﻴﻢ إﻟﻰ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ. ﺗﺘﻮﻟﻰ ﻗﺒﻴﻠﺔ »اﻟﺠﺒﺎﻟﻴﺔ« ﺣﺮاﺳﺔ وﺣﻤﺎﻳﺔ دﻳﺮ ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ وﺧﺪﻣﺔ رﻫﺒﺎﻧﻪ ﻣﻨﺬ 1400ﻋﺎم ﻫﻲ ﻋﻤﺮ اﻟﺪﻳﺮ ،وﻓﻮﺿﺘﻬﻢ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﺟﻨﻮب ﺳﻴﻨﺎء ﻟﻬﺬه اﻟﻤﻬﻤﺔ ،ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق ﺑﻴﻦ ﻣﺸﺎﻳﺦ وﻋﻮاﻗﻞ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ اﻟﺸﻬﻴﺮة ﺑﺠﻨﻮب ﺳﻴﻨﺎء .ﺑﻠﻎ ﺗﻌﺪاد أﺑﻨﺎء ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﺠﺒﺎﻟﻴﺔ ﻗﺮاﺑﺔ ﺳﺘﺔ آﻻف ﻓﺮد ،ﻏﺎﻟﺒﻴﺘﻬﻢ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ،وﺻﻨﺎع ﻣﻨﺘﺠﺎت ﺑﺪوﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺴﻴﻨﺎﺋﻴﺔ ﻛﺎﻟﻤﻄﺮزات وﻏﻴﺮﻫﺎ وﺑﻌﻀﻬﻢ أﺻﺤﺎب ﺑﺎزارات ،ﺣﻴﺚ ﺗﻤﺜﻞ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ اﻟﺤﺮﻓﺔ اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ﻷﺑﻨﺎء ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﺠﺒﺎﻟﻴﺔ ﺑﺴﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ. ﻳﺸﻜﻞ اﻟﺠﺒﺎﻟﻴﺔ ﺑﻌﺎﺋﻼﺗﻬﻢ أﺻﻐﺮ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻄﻮارة ،وﻧﻈﺮا ﻟﺴﻜﻨﻬﻢ إﻗﻠﻴﻢ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﻌﻠﻴﺎ ﺟﻨﻮب ﺳﻴﻨﺎء ،ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﺣﻴﺎة اﻻﺳﺘﻘﺮار ،وﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻓﻲ ﻓﻼﺣﺔ اﻟﺠﻨﺎﺋﻦ ،وﻣﺆﺧﺮا ً ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ .وأﺑﻨﺎء ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﺠﺒﺎﻟﻴﺔ ﻳﺤﺮﺳﻮن دﻳﺮ ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ ﻣﻨﺬ ﻋﺎم 1919وﻟﻢ ﺗﻨﺎزﻋﻬﻢ أي ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺣﺮاﺳﺔ اﻟﺪﻳﺮ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ وﻗﻀﺎء ﻛﺎﻓﺔ ﺧﺪﻣﺎﺗﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻗﺮاﺑﺔ 50ﺷﺎﺑﺎ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻓﻲ ﺣﺮاﺳﺔ وﺧﺪﻣﺘﻪ ،وﻫﻢ ﻳﺠﻴﺪون ﻋﺪة ﻟﻐﺎت ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ واﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﺑﻄﻼﻗﺔ ﻟﺠﺎﻧﺐ ﻟﻐﺘﻬﻢ اﻷم اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
47
إﺿﺎءة
~xïİĹĈ óĹĩïòüĩ ăĤĭĩ~ Āĸ ïöĩ
إن ﺷﺒﻪ ﺟﺰﻳﺮة ﺳﻴﻨﺎء ﻓﻲ اﻻﺗﺠﺎه ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮب إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻫﻀﺒﺔ ﺷﺎﻫﻘﺔ اﻻرﺗﻔﺎع ،ﻣﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﺻﺨﻮر ﻧﺎرﻳﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺗﻄﻞ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻗﻤﻢ ﺑﺮﻛﺎﻧﻴﺔ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ أﻫﻤﻬﺎ :ﺟﺒﺎل "ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ"" ،أم ﺷﻮﻣﺮ"، "اﻟﺜﺒﺖ" ،ﻳﺤﻒ ﺑﻬﺬه اﻟﻜﺘﻞ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ اﻟﺸﺎﻫﻘﺔ اﻻرﺗﻔﺎع ﻧﺤﻮ اﻟﺸﻤﺎل ﻫﻀﺒﺔ اﻟﺘﻴﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺤﺪر ﺷﻤﺎﻻً ،وﺗﻜﻮن ﺛﻠﺜﻲ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة وﻳﺒﻠﻎ ﻣﺘﻮﺳﻂ ارﺗﻔﺎع ﻫﺬه اﻟﻬﻀﺒﺔ أﻟﻒ ﻣﺘﺮ ،وﻳﻘﻄﻌﻬﺎ وادى اﻟﻌﺮﻳﺶ ﺷﺎﻗًﺎ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻧﺤﻮ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﺮﻳﺶ. وﻣﺪﻳﻨﺔ ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ ﺗﻘﻊ ﺟﻨﻮب ﺷﺒﻪ ﺟﺰﻳﺮة ﺳﻴﻨﺎء ،ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺎﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺪﻳﻨﻲ ،واﻟﺠﻐﺮاﻓﻲ ،واﻟﻤﻨﺎﺧﻲ اﻟﻤﺘﻤﻴﺰ واﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺨﺎص ،وﻗﺪ ﺷُ ﻴﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺣﺪ أﻫﻢ وأﻗﺪم اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ وﺳﻂ ﺻﺤﺮاء ﺳﻴﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻫﻀﺒﺔ ﺗﺮﺗﻔﻊ أﻟﻔﺎً وﺳﺘﻤﺎﺋﺔ ﻣﺘﺮ ﻓﻮق ﺳﻄﺢ اﻟﺒﺤﺮ وﺗﺸﺮف ﻋﻠﻰ أﻋﻠﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻫﻲ ﻏﻨﻴﺔ ﺑﻤﺼﺎدر اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ ﻣ ّﻤﺎ ﻳﻌﻄﻴﻬﺎ وﻓﺮة ﻓﻲ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﺰراﻋﻲ ﻃﻮال اﻟﻌﺎم ،وﺗﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﺪن ﺻﺤﺮاء ﺳﻴﻨﺎء ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ وﺗﻔﺮدا ً وﺗﻤﻴﺰا ً .ﻛﻤﺎ ﺗﻤﺘﻠﻚ ﻣﻨﺎﺧﺎً ﻣﺘﻤﻴﺰا ً ﻋﻦ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ،ﻓﻬﻮ ﻣﻌﺘﺪل وﻟﻄﻴﻒ ﻓﻲ اﻟﺼﻴﻒ ،وﺷﺪﻳﺪ اﻟﺒﺮودة ﻓﻲ اﻟﺸﺘﺎء ،ﻣﻤﺎ ﻳﻀﻔﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺟﻤﺎﻻً؛ ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻌﻠﻮ اﻟﺜﻠﻮج ﻗﻤﻢ اﻟﺠﺒﺎل وﺗﻐﻄﻴﻬﺎ .أﻣﺎ ﻣﺎ أﻋﻄﺎﻫﺎ ﺑﻌﺪا ً دﻳﻨﻴﺎً ﻣﻬﻤﺎً؛ ﻓﻬﻮ ﺑﻨﺎء دﻳﺮ ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس اﻟﻤﻴﻼدي اﻟﺬي ﻳﻌﺪ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻵﺛﺎر اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ واﻟﻌﺎﻟﻢ. ﻳﺼﻞ ارﺗﻔﺎع ﺟﺒﻞ ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ 2642ﻣﺘﺮا ً ،ﻗﺪ ﺳﻤﻲ ﺑﻬﺬا اﻻﺳﻢ ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ "ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ" اﻟﻤﺴﻴﺤ ّﻴﺔ اﻟﻘ ّﺪﻳﺴﺔ ،وﻣﻦ اﻻﻋﺘﻘﺎدات اﻟﺸﺎﺋﻌﺔ ﺣﻮل ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ أﻧّﻬﺎ ﻗُﺘﻠﺖ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﻌﺘﻘﺪاﺗﻬﺎ _وﻫﻮ ﻣﺼﻴﺮ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ اﻷواﺋﻞ -وﻳﻘﺎل إ ّن اﻟﺮﻫﺒﺎن ﻋﺜﺮوا ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎﻳﺎﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﻞ .وﻟﻤﻜﺎﻧﺔ اﻟﺠﺒﻞ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ ﻳﺄﺗﻲ إﻟﻴﻪ اﻟﺤﺠﺎج اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻮن ﻣﻦ ﻣﺼﺮ ،ﻳﻌ ّﺪ اﻟﺠﺒﻞ أﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،وﻳﺘﻜ ّﻮن ﻣﻦ اﻟﺼﺨﻮر اﻟﺒﺮﻛﺎﻧ ّﻴﺔ اﻟﺴﻮداء. ﻳﻀ ّﻢ ﺟﺒﻞ ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﻗﻊ واﻟﻨﺼﺐ اﻟﺘﺮاﺛﻴّﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ دﻳﺮ اﻟﻘﺪﻳﺴﺔ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ اﻷرﺛﻮذﻛﺴﻲ أﺳﻔﻞ اﻟﺠﺒﻞ ،ﺣﻴﺚ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﻮﺳﻰ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﻟﻮح اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ ﻋﻨﺪه ،وﻋﻠﻴﻪ ﻓﺎﻟﻤﻮﻗﻊ ﻳﻘﺎل إن ّ ﻳﻘ ّﺪﺳﻪ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ،وﻟﻜﻦ ﻳﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﻴﻪ اﺳﻢ ﺟﺒﻞ ﻣﻮﺳﻰ ،وﻗﺪ ﺗﺄﺳﺲ اﻟﺪﻳﺮ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ،وﻳﻌﺪ اﻷﻗﺪم اﻟﺬي ﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ وﻇﻴﻔﺘﻪ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ أ ّن ﺟﺪراﻧﻪ وﻣﺒﺎﻧﻴﻪ ﺗﻌﻜﺲ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ اﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﺔ ،وﻳﻮﺟﺪ ﺑﻪ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت واﻟﺮﻣﻮز اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻴﻪ. زﻳﺎرة ﺟﺒﻞ ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ واﻟﻤﺸﻲ ﻋﺒﺮ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﻤﻘ ّﺪس ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻻ 46
اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻤﻘﺪس ﻟﺠﺒﺎﻟﻴﺔ ﺳﻴﻨﺎء
ﺳﺎﻟﻢ أﺑﻮ ﺷﺒﺎﻧﻪ* @ ﺷﺎﻋﺮ وﺑﺎﺣﺚ
ﻣﺜﻴﻞ ﻟﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻮﺟﺪ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﻟﻢ واﻵﺛﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻮر روﻋﺔ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ ،ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل اﻟﺒﺎب اﻟﺨﺸﺒﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﻤﻮﺟﻮد ﻋﻨﺪ ﻣﺪﺧﻞ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻗﺒﻞ 1400ﻋﺎم. أﺻﻮل ﺳﻜﺎن ﺳﻴﻨﺎء
ﻳﺬﻛﺮ ﻧﻌﻮم ﺑﻚ ﺷﻘﻴﺮ :ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﻟﻶﺛﺎر اﻟﺘﻲ ﺧﻠﻔﻬﺎ اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ ﻓﻲ ﺳﻴﻨﺎء ﻳﺘﻀﺢ أن ﺳﻜﺎن ﻫﺬه اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻨﺬ ﺑﺪء اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﻦ أﺻﻞ ﺳﺎﻣﻲ ﻛﺴﻜﺎن ﺳﻮرﻳﺎ وﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﻜﻠﻤﻮن ﻟﻐﺔ ﻏﻴﺮ ﻟﻐﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ ،وﻋﺮﻓﻮا ﻓﻲ اﻵﺛﺎر اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﺑﺎﺳﻢ "ﺣﺮﻳﻮ ﺷﺎع" أﺳﻴﺎد اﻟﺮﻣﺎل ,وﻋﺮف ﺳﻜﺎن ﺑﻼد اﻟﻄﻮر ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﺳﻢ "ﻣﻮﻧﺘﻴﻮ" وﻋﺮﻓﻮا ﻓﻲ اﻟﺘﻮراة ﻋﻨﺪ ﻣﺮور ﺑﻨﻰ إﺳﺮاﺋﻴﻞ ﺑﺎﻟﺠﺰﻳﺮة )ﺑﺎﻟﻌﻤﺎﻟﻘﺔ( ،ﺛﻢ ﻋﻨﺪ اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺗﻐﻠﺐ اﻟﻔﺎﺗﺤﻮن ﻋﻠﻰ أﻫﻞ ﺳﻴﻨﺎء اﻷﺻﻠﻴﻴﻦ. ﻛﺬﻟﻚ ﻋﺮﻓﺖ ﺳﻴﻨﺎء ﻋﻠﻰ اﻵﺛﺎر اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﺑﺎﺳﻢ "ﺗﻮﺷﺮﻳﺖ" أي أرض اﻟﺠﺪب واﻟﻌﺮاء وﻋﺮف أﻫﻠﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺎل ﺑﺎﺳﻢ "ﺣﺮﻳﻮﺷﺎع" أﺳﻴﺎد اﻟﺮﻣﺎل ,وﻧﺴﺒﻮا اﻟﻰ ﺟﻨﺲ "اﻟﻌﺎﻣﻮ" اﻟﻤﻌﺮوف ﺑﺎﻟﺠﻨﺲ اﻟﺴﺎﻣﻲ ,ﻋﺮف أﻫﻠﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب ﺑﺎﺳﻢ "ﻣﻮﻧﺘﻴﻮ" .وﻛﺎن "اﻟﻤﻮﻧﻴﺘﻮ ،واﻟﺤﺮﻳﻮﺷﺎع" ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻬﻴﺌﺎت واﻟﻤﻼﺑﺲ واﻟﻌﻴﺸﺔ اﻟﺒﺪوﻳﺔ .وﻗﺪ دﻟﺖ ﺻﻮرﻫﻢ اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻵﺛﺎر ﻋﻠﻰ أن ﻫﻴﺌﺎﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺼﻮر ﺗﻘﺘﺮب ﺟﺪا ﻣﻦ ﻫﻴﺌﺎت ﺑﺪو ﺳﻴﻨﺎء اﻟﻴﻮم. وﻣﻌﻈﻤﻢ ﻃﻌﺎﻣﻬﻢ أﻟﺒﺎن اﻟﻤﺎﺷﻴﺔ وﺛﻤﺎر اﻟﻨﺨﻴﻞ وﻳﺸﺘﻐﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺎﻟﺰراﻋﺔ وﻳﺴﻜﻨﻮن ﺑﺠﻮار اﻟﻴﻨﺎﺑﻴﻊ واﻵﺑﺎر وﻳﻨﺸﺌﻮن اﻟﺤﺪاﺋﻖ ﻣﻦ اﻟﻨﺨﻴﻞ واﻟﺘﻴﻦ واﻟﺰﻳﺘﻮن واﻟﻜﺮوم .وﻓﻰ أﺧﺒﺎر اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ اﻟﻘﺪﻣﺎء أن أوﻟﺌﻚ اﻷﻗﻮام ﻛﺎن ﻳﻐﺮﻳﻬﻢ ﺧﺼﺐ ﻣﺼﺮ ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻛﻠﻤﺎ ﺳﻨﺤﺖ ﻟﻬﻢ ﻓﺮﺻﺔ ,ﻏﺰوا أﻃﺮاﻓﻬﺎ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﺑﻐﺮض اﻟﻨﻬﺐ واﻟﺴﻠﺐ وﻋﺎدوا إﻟﻰ اﻟﺼﺤﺮاء. ﻓﻲ ﻋﺎم 1948 ,1947ﻋﺜﺮت إﺣﺪى اﻟﺒﻌﺜﺎت اﻻﻣﺮﻳﻜﻴﺔ اﻟﻤﻨﻘﺒﺔ ﻓﻲ
ﻣﺎﺗﺎ
ﻓﻌﻠﻴﻪ اﻻﻧﺴﺤﺎب ﻣﻦ دون ﺣﺮج أو ﻗﻠﻖ ﻧﺤﻮ ﻓﺘﺎة أﺧﺮى أو ﻟﺘﺠﺮﻳﺐ ﺣﻈّﻪ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻋﺮس آﺧﺮ ﻣﻦ أﻋﺮاس اﻟﻘﺮﻳﺔ .وﻣﻦ اﻟﻄ ّﺮﻳﻒ أﻧّﻪ وﻓﻲ اﻟﺴﻬﺮة وﺑﻌﻠﻢ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻓﺈ ّن ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻷﻣﺎزﻳﻐﻲ اﻟﻤﻔﻌﻢ آﺧﺮ ّ ﺑﺎﻟﺤ ّﺮﻳﺔ ﻳﻮﻓّﺮ ﻟﻤﻦ ﺣﺼﻞ ﺑﻴﻨﻬﻢ اﻟﺘّﻮاﻓﻖ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻠﺨﺮوج ﻣﻌﺎً ﻟﻠﻘﻴﺎم ﻛﻞ ﻓﺘﺎة ﺑﺄ ّول ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﺑﻬﺔ ﺻﻌﻮﺑﺎت اﻟﺤﻴﺎة إذ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻦ ّ وﻓﺘﻰ وﻗﻊ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ اﻹﻳﺠﺎب واﻟﻘﺒﻮل اﻟﻤﺒﺪﺋﻲ أن ﻳﺨﺮﺟﺎ ﻟﻼﺣﺘﻄﺎب ﻣﻌﺎ ﻓﻲ رﺣﻠﺔ ﺗﻤﺘ ّﺪ إﻟﻰ ﺑﺸﺎﺋﺮ اﻟﻔﺠﺮ وﻋﺎدة ﻣﺎ ﻳﺘ ّﻢ اﻻﺣﺘﻔﺎء ﺑﺎﻟﻔﺘﻰ واﻟﻔﺘﺎة اﻟﻠﺬﻳْﻦ ﻳﺠﻠﺒﺎن أﻛﺒﺮ ﻗﺪر ﻣﻦ اﻟﺤﻄﺐ اﻟﺬي ﺳﻮف ﻳُﺴﺘﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻃﺒﺦ وﻟﻴﻤﺔ اﻟﻌﺮس .وﻳﻜﻮن ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺨﺮوج ﻟﻼﺣﺘﻄﺎب إﻋﻼﻧﺎً ﻋﺎﻣﺎً ﺑﺎﻟﺨﻄﺒﺔ واﻻﻗﺘﺮان اﻟﺬي ﺳﻴﺼﺒﺢ رﺳﻤ ّﻴﺎً ﺑﻌﺪ ﻋﺮس ﻳﺘﻘ ّﺮر أواﻧُﻪ ﻗﻞ أن ﻧﺠﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت أﺧﺮى ﻻﺣﻘﺎ .إ ّن ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ ّ ﻟﻜ ّﻨﻨﺎ ﻧﺠﺪﻫﺎ ﻋﻨﺪ اﻷﻣﺎزﻳﻎ ﺑﺸﻜﻞ ﺗﻠﻘﺎﺋﻲ ﺧﺎل ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺪ ﻷﻧّﻪ ﻻ ﻣﺂل ﻟﻤﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺎت إﻻّ اﻟ ّﺰواج وﻣﺜﻠﻬﺎ أﻳﻀﺎ ﻳُﻤﺎرس ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ أﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ ﻋﺪﻳﺪة ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺒﻠ ّﻴﺔ أو ﻏﻴﺮ ﺟﺒﻠ ّﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻮﻓﺮ أﻣﺎﻛﻦ أو ﻫﻀﺎب ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﻳُﺴﻤﺢ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻠﻘﺎء واﻟﺘّﻌﺎرف ﺑﻴﻦ اﻟﺸ ّﺒﺎن واﻟﺸّ ﺎﺑﺎت أﻣﺎم اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺑﻨﺎء ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺳﻠﻴﻢ ﻣﻌﺎﻓﻰ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺪ واﻟﺤﺮﻣﺎن واﻷﻣﺮاض اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. ﺗﻠﻚ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻼﻣﺢ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﺮاﻫﺎ ﻓﻲ زﻳﺎرة ﺧﺎﻃﻔﺔ ﻓﺘﺒﻘﻰ ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻚ ﻷﻧّﻬﺎ ﻣ ّﻤﺎ ﻳﻤ ّﻴﺰ ﻫﺆﻻء اﻟﻘﻮم ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﻢ
ﻣﺎﺗﺎ -ﺗﻮﻧﺲ
ﻗﺮﻳﺔ ﻣﺎﺗﺎﻣﺎﺗﺎ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
45
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﺎﺗﺎﻣﺎﺗﺎ ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ
ﻋﺎدة ﻣﺎ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻏﺮف ﻟﻠ ّﻨﻮم وﻏﺮﻓﺔ ﻟﻠﺠﻠﻮس وﻋﺎدة ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﺴﺞ إذ اﻟﻤﺮأة اﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ ﻻ ﺗﻌﺮف اﻟﻔﺮاغ وﻻ ﺣﻴﺎة اﻟ ّﺪﻋﺔ، ﺗﺘﻮﺳﻄﻬﺎ رﺣﻰ ﻟﺮﺣﻲ اﻟﺤﺒﻮب وﻣﻄﺒﺦ ،وﻏﺮﻓﺔ ﻟﻠﻤﺆوﻧﺔ وﻋﺎدة ﻣﺎ ّ ﺑﺼﻔﺔ ﻳﻮﻣ ّﻴﺔ إذ أ ّن ﻫﺆﻻء ﻻ ﻳﺄﻛﻠﻮن إﻻ ﻣ ّﻤﺎ ﻳﺒﺬرون وﻳﺤﺼﺪون ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺢ واﻟﺸّ ﻌﻴﺮ واﻟﻌﺪس وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺒﻮب اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻮﻧﻬﺎ ﺑﻜﺜﺮة ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ .ﻓﺈذا ﻗُ ّﺪر ﻟﻚ أن ﺗﺘﻨﺎول "ﻛﺴﻜﺴ ّﻴﺎ" أو "ﻋﺼﻴﺪة" ﻋﻨﺪ ﻫﺆﻻء اﻟﻘﻮم ﻓﺈﻧّﻚ ﺳﺘﺸﻬﺪ ﻣﺮاﺣﻞ إﻋﺪاد ﻣﺎ ﺳﺘﺄﻛﻠﻪ ،ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﻦ أﺧﺬ اﻟﺤﺒﻮب ﺑﺠﻔﻨﺔ ﻣﻦ ﺟ ّﺮة ﻛﺒﻴﺮة ﺑﺮﻛﻦ ﻣﻦ أرﻛﺎن ﺑﻴﺖ اﻟﻤﺆوﻧﺔ إﻟﻰ ﻧﺨﻞ اﻟﺤﺒﻮب وﺗﻨﻈﻴﻔﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺸّ ﻮاﺋﺐ إﻟﻰ رﺣﻴﻬﺎ ﺛﻢ ﺗﺠﻬﻴﺰﻫﺎ وﻛﻞ ذﻟﻚ ﻟﺘﻜﻮن ﻛﺴﻜﺴﻴﺎ ﺟﺎﻫﺰا ﻟﻠﻄّﺒﺦ ﺑﻠﺤﻢ ﺿﺄن ﻣ ّﻤﺎ ﻳﺸﺘﻬﻮنّ . ﻳﺘ ّﻢ أﻣﺎم ﻋﻴﻨﻴﻚ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ وﻣﻬﺎرة وﺳﺮﻋﺔ ﺑﺎﻟﻐﺘ ْﻴﻦ ﻟﺘﺄﻛﻠﻪ ﻟﺬﻳﺬا ً ﻣﺎ ذﻗﺖ ﻣﺜﻠﻪ ﻗ ّﻂ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻚ .وإذا ﺣﺎﻟﻔﻚ اﻟﺤ ّﻆ واﻧﻘﻠﺒﺖ ﺑﻌﺪه إﻟﻰ ﺳﻬﺮة ﻣﻊ اﻟﻘﻮم اﻛﺘﺸﻔﺖ ﻋﻤﻖ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻫﺆﻻء اﻟﻘﻮم وﻣﺎ راﻛﻤﻮه ﻣﻦ ﺗﺠﺎرب وﺧﺒﺮات رﻏﻢ اﻟﻤﻠﻤﺢ اﻟﺒﺴﻴﻂ ﻟﺤﻴﺎﺗﻬﻢ ﻟﻠﻮﻫﻠﺔ اﻷوﻟﻰ، ﻓﺴﻬﺮاﺗﻬﻢ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﻨﻘﻠﺐ إﻟﻰ ﻣﺴﺎﺑﻘﺎت ﻓﻲ ﻗﻮل اﻟﺸّ ﻌﺮ وﺣﻔﻈﻪ أو ﻣﺒﺎرزة ﺑﺎﻷﺣﺎﺟﻲ واﻷﻟﻐﺎز أو رواﻳﺔ ﻟﻘﺼﺺ وﻣﻼﺣﻢ ذات ﻣﻌﺎن وﻋﺒﺮ ﻻ ﻳﺴﺘﻐﻨﻲ ﻋﻨﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺤ ّﺮ اﻟﺬي ﻳﻜﺎﺑﺪ ﺻﻠﻒ اﻟﻄّﺒﻴﻌﺔ وﻣﺨﺎﻃﺮ اﻟﺤﻴﺎة. إ ّﻣﺎ إذا أﺳﻌﻔﻚ اﻟﺤﻆ أﻛﺜﺮ وﺻﺎدف ﺣﻀﻮرك ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺣﻔﻞ زﻓﺎف ﻓﺈﻧّﻚ 44
اﻟﺠﺒﺎ ِﻟﻲ اﻟﺘﻮﻧﺴﻲ وﺑﺮﻧﻮﺳﻪ اﻟﻌﺮﻳﻖ ﺄدرَارْ« ْ »ﻣ ﱠﺪ ْن ﻧَ ْ ِ
ﺳﺘﻜﺘﺸﻒ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻢ ﺗﻌﻬﺪﻫﺎ ﻋﻨﺪ ﻏﻴﺮﻫﻢ وﻗﺪ أوﺟﺪوﻫﺎ ﻛﻨﻈﺎم ﺗﻮارﺛﻮه ﻳﺴ ّﻬﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺤﻴﺎة وﻳﺠﻌﻞ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺗﻨﺸﺄ ﺑﻴﺴﺮ وﺗﺘﻄ ّﻮر ﺑﺴﻼﺳﺔ ﻣﻦ دون ﺗﻌﻘﻴﺪ وﻻ ﺣﺮج .ﻓﺒﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺳﺘﺮاه ﻳﺘﺴﻊ اﻟﻤﺠﺎل ﻟﺬﻛﺮه ﻣﻦ ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﻃﻘﻮس اﻟ ّﺰواج ﻣ ّﻤﺎ ﻻ ّ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﻘﺎﻟﺔ اﻟﻤﺨﺘﺼﺮة ،ﺳﺘﻜﺘﺸﻒ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻃﺮﻳﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﺘّﻌﺎرف وﺑﻨﺎء اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﻴﻦ اﻟﺸّ ﺒﺎن واﻟﺸّ ﺎﺑﺎت ﺗﻤﻬﻴﺪا ً ﻟﺒﻨﺎء ﻋﻼﻗﺎت اﻟ ّﺰواج ﺑﻤﺎ ﻳﻀﻤﻦ اﻻﻧﺴﺠﺎم واﻟ ّﻨﺠﺎح .إذ وﻓﻲ أﺣﺪ أﻣﺎﺳﻲ اﻟﻌﺮس اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻤﺘﺪ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻌﺔ اﻳّﺎم ﺗﺠﻠﺲ اﻟﺼﺒﺎﻳﺎ وﻫ ّﻦ ﺷﺒﻪ ﻣﻨﺘﻘﺒﺎت ذﻟﻚ اﻧّﻬﻦ ﻳﻜ ّﻦ ﻣﻠﺘﺤﻔﺎت وﻻ ﻳﺘﺮﻛ ّﻦ إﻟﻰ اﻟﻌﻴﻮن ﻇﺎﻫﺮة وﻳﻤ ّﺮ اﻟﺸّ ّﺒﺎن أﻣﺎﻣﻬ ّﻦ وﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻌﺠﺐ اﻟﺸّ ﺎب ﺑﻔﺘﺎة ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ إﻻّ أن ﻳﻘﻒ أﻣﺎﻣﻬﺎ ﻟﻮﻫﻠﺔ ،ﻓﺈن ﻫﻲ ﺑﺎدﻟﺘﻪ اﻹﻋﺠﺎب ،ﻛﺸﻔﺖ ﻋﻦ وﺟﻬﻬﺎ واﺑﺘﺴﻤﺖ وإن ﻟﻢ ﺗﻜﺸﻒ،
أﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ »ﺷﻨﻴﻨﻲ«
اﻟﺼﻮﻓﻲ اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻟﻪ أن ﻳﺴ ّﻤﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺒﺮﻧﻮﺳﻪ اﻟﻌﺮﻳﻖ أو ﺑﻠﺒﺎﺳﻪ ّ أﻗﺮب إﻟﻰ اﻟﻄّﺒﻴﻌﺔ ﻣﻦ ﻏﻴﺮه ﻛﻤﺎ ﻳﺴﺘﻘﺒﻠﻚ ﺳﻮاء ﻛﺎن رﺟﻼً أو اﻣﺮأة ﺑﺘﺤ ّﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﺘﻌ ّﻮد ﻋﻠﻰ ﺳﻤﺎﻋﻬﺎ رﻏﻢ أﻟﻔﺔ اﻟﻤﻀﻤﻮن ،إذ ﻳﻨﻄﻘﻬﺎ ﺑﻠﻐﺘﻪ اﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ وﺑﺮﺣﺎﺑﺔ ﺻﺪر اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺤ ّﺮ اﻟﺬي ﻳﻔﺮح ﺑﺎﻟﻀّ ﻴﻒ وﻳﺘﻔﺎﻧﻰ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺘﻪ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﺬي ﺗ ُﻤﻠﻴﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ .ﻛﻤﺎ ﻳﻠﻔﺖ ﺧﺎﺻﺔ اﻧﺘﺒﺎﻫﻚ اﻟﻮﺷﻢ اﻟﺬي ﻳﻠﻮح ﻋﻠﻰ اﻷﻳﺪي أو اﻟﺠﺒﺎه أو اﻟﻮﺟﻮه ّ ﻋﻨﺪ اﻟ ّﻨﺴﺎء .وﻫﻮ وﺷﻢ ﻋﺎدة ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻋﺪد ﻣﻌ ّﻴﻦ ﻣﻦ اﻟ ّﺮﻣﻮز واﻟﻌﻼﻣﺎت ذات اﻟ ّﺪﻻﻻت ﻟﺪﻳﻬﻢ. وﺑﻤﺠ ّﺮد وﻟﻮﺟﻚ ﻋﺎﻟﻤﻪ ﺳﺘﻜﺘﺸﻒ أﻧّﻚ أﻣﺎم ﻣﺠﺘﻤﻊ ذي ﺧﺼﻮﺻﻴﺎت
ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬﻢ ﻫﻲ اﻟﻠّﻐﺔ اﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ،إذ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ أﺑﻨﺎؤه ﻟﻐﺔ ّ ﺑﻬﺎ ﻳﺘﺨﺎﻃﺒﻮن ،وﺑﻬﺎ ﻳﻐﻨﻮن وﻳﻤﺰﺣﻮن وﻳﺘﻐ ّﺰﻟﻮن وﻳﻨﺸﺌﻮن اﻷﺷﻌﺎر ﺧﺎﺻﺔ وﻳﻜﺘﺒﻮن اﻟﻤﻼﺣﻢ واﻟﻤﺂﺛﺮ .وﻫﻲ ﻟﻐﺔ ذات ﺑﻨﻴﺔ ﺻﺮﻓﻴﺔ وﻧﺤﻮﻳّﺔ ّ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺎت. أ ّﻣﺎ ﻣﺘﻰ وﻟﺠﺖ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ وﺣﻈﻴﺖ ﺑﺸﺮف أن ﺗﻜﻮن ﺿﻴﻔﺎً ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻓﺈﻧّﻚ ﺳﺘﺪﺧﻞ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺴﻜﻨﺎً ﻣﻨﻘﻮرا ً ﻓﻲ ﺻﺨﻮر اﻟﺠﺒﻞ أو ﻣﺤﻔﻮرا ً ﻓﻲ أدﻳﻤﻪ. وﻫﻮ ﻣﺴﻜﻦ ﻳﺘﻤ ّﻴﺰ ﻋﺎدة ﺑﺪفء ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺸّ ﺘﺎء وﺑﺒﺮودة ﻣﺴﺘﺤ ّﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﻴﻒ ،ﻓﻬﻮ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﻣﺴﻜﻦ اﻫﺘﺪت ﻓﻴﻪ اﻟﻌﺒﻘﺮﻳّﺔ اﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ إﻟﻰ ّ اﻟﺘﻜﻴﻴﻒ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻓﻲ زﻣﻦ ﻣﺒﻜّﺮ ﻣﻦ اﻟﺘّﺎرﻳﺦ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ .وﻫﻮ أﻳﻀﺎً »ﺷﻨﻴﻨﻲ« ﻗﺮﻳﺔ أﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
43
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
رﺟﻞ ﻳﺮﺗﺪي ﺑﺮﻧﻮس
»¤ į ¤ ㌠Ĭ « ~¤ é ¢ ¤ Ģĸąěĩ~ IJĈĵįąñ ķĉįĵöĩ~ ķĩïò ~¢ üĩ ّ اﻟﺘﻮﻧﺴﻴﻴﻦ وﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ ﺳﻜّﺎن اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠ ّﻴﺔ ﻓﻲ أﻣﺎﻛﻦ أﺧﺮى ﻣﻌﻤﺮ ﻓﺘﺤﻲ ﺑﻦ ﻣﻦ ﺗﻮﻧﺲ وﻣﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ. "أﻫﻞ اﻟﺠﺒﻞ" ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﺎ ُذﻛﺮ ﻓﻲ ﺻﺪر اﻟﻌﻨﻮان " ِﻣﺪﱠ نْ ﻣﻨﺬ اﻟﻮﻫﻠﺔ اﻷوﻟﻰ وأﻧﺖ ﺗﺘﺪ ّرج ﻓﻲ ﺗﺴﻠّﻖ ﺟﺒﺎل ﻣﻄﻤﺎﻃﺔ أواﻟﺴﻨﺪ أو ﻧَﺄ ْد َرا ْر" وﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﻟﺔ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﺘﺴﻠﻴﻂ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﻣﻼﻣﺢ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺑﻦ ﻳﺨﺪاش أو ﺗﻄﺎوﻳﻦ ﺑﻴﻦ وﻻﻳﺎت ﻗﺎﺑﺲ وﻗﻔﺼﺔ وﻣﺪﻧﻴﻦ وﺗﻄﺎوﻳﻦ ﺑﺎﻟﺠﻨﻮب اﻟﺘﻮﻧﺴﻲ ﺳﻴﺜﻴﺮ اﻧﺘﺒﺎﻫﻚ ﺗﻤ ّﻴﺰ اﻟﻤﺸﻬﺪ؛ ﻣﺸﻬﺪ اﻟﻄّﺒﻴﻌﺔ اﻷﻣﺎزﻳﻎ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﺘﻮﻧﺴﻲ. ﻳﺴﻜﻨﻨﺎ اﻟﺴﺆال داﺋﻤﺎ وﻧﺤﻦ ﻧﻤ ّﺮ ﺑﺴ ّﻴﺎراﺗﻨﺎ ﺑﻤﻨﺎﻃﻖ ﺷﺎﺳﻌﺔ أو اﻟﻔﺘّﺎن رﻏﻢ ﻗﺴﺎوﺗﻪ وﻣﻈﻬﺮ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﺘﻤﻴّﺰ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ اﺧﺘﻼف وﻻ ﺑﻤﻨﺎﻃﻖ ﺟﺒﻠ ّﻴﺔ ﺗﺘﻨﺎﺛﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺪّ ﻳﺎر ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك :ﻛﻴﻒ ﻳﻌﻴﺶ ﻫﺆﻻء؟ رﻓﺾ وﻻ إﻗﺼﺎء ﻟﻶﺧﺮ .ﻳﺴﺘﻘﺒﻠﻚ ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن "اﻟ ْﺠﺒﺎﻟِﻲ" ﻛﻤﺎ ﻳﺤﻠﻮ واﻟﺼﻌﺒﺔ وﻟﻤﺎذا ُﻳﺼ ّﺮون ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﻌﺰوﻟﺔ ّ واﻟﺒﻌﻴﺪة ﻋﻦ اﻟﻤﺮاﻓﻖ ورﻓﺎﻫﻴﺔ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ؟
وﻟﺌﻦ ﻛﺎن اﻟﺴﺆال ﻣﺸﺮوﻋﺎً ﻣﻦ ﺣﻴﺚ وﻗﻮع اﻻﻧﻄﺒﺎع اﻷ ّول ،ﻓﺈﻧّﻪ ﻟﻠﺼﻮاب ﻣﺘﻰ أدرﻛﻨﺎ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺣﻴﺎة ﻳﻐﺪو ﻣﻀﺤﻜﺎً أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻣﺠﺎﻧﺒﺎً ّ ﻫﺆﻻء اﻟ ّﻨﺎس وﻋﺎداﺗﻬﻢ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﻢ وﻧﻈﺎم ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ اﻟﺒﺴﻴﻂ اﻟﺨﺎﻟﻲ ﻟﻜﻞ ﺷﻲء ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺗﺮﺗﻴﺐ وﻧﻈﺎم وﻏﺎﻳﺔ. ﻣﻦ اﻟﺘّﻌﻘﻴﺪ رﻏﻢ ﺻﻌﻮﺑﺘﻪ .إذ ّ وﺳﻨﻌﺮض ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻮرﻗﺔ إﻟﻰ ﺣﻴﺎة ﺳﻜّﺎن ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠ ّﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ وﻋﺎدات ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﺘﻮﻧﺴﻲ وﻣﺎ ﻳﺘﻤﻴّﺰون ﺑﻪ ﻣﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ ّ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺗﺼ ّﻮرات وﺗﻤﺜّﻼت ﻟﻠﻜﻮن واﻟﻮﺟﻮد ﺗﻤﻴّﺰﻫﻢ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ 42
اﻟﺠﺒﺎ ِﻟﻲ اﻟﺘﻮﻧﺴﻲ وﺑﺮﻧﻮﺳﻪ اﻟﻌﺮﻳﻖ ﺄدرَارْ« ْ »ﻣ ﱠﺪ ْن ﻧَ ْ ِ
ﻣﻦ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺟﺒﺎل اﻟﺮﻳﻒ
وﺧﻼﺧﻞ ،وﻳﺸﺘﺮط ﻓﻲ »اﻟ َﺤ ﱠﻨﺎﻳَﺔ« اﻟﻤﺮأة اﻟﻤﻜﻠﻔﺔ ﺑﺘﺰﻳﻴﻦ اﻟﻌﺮوس ﺑﺎﻟﺤﻨﺎء ،أن ﺗﻜﻮن ﻗﺪ ﺗﺰوﺟﺖ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻣﺮة واﺣﺪة ﻓﻘﻂ ،وﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ ﻟﻬﺎ أن ﻃﻠﻘﺖ ،وذﻟﻚ ﻟﻠﻔﺄل اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮوس ،وﻳﺼﺤﺐ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺤﻨﺎء اﺣﺘﻔﺎل ﻧﺴﺎﺋﻲ ﺗﺮدد ﻓﻴﻪ اﻟﻨﺴﺎء اﻷﻫﺎزﻳﺞ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ واﻟﺮﻗﺺ ﻹﺑﺪاء ﻓﺮﺣﺘﻬﻦ. ُﻋﺮس أﻣﺎزﻳﻐﻲ ﻓﻲ ﺟﺒﺎل اﻷﻃﻠﺲ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ
ﻓﻲ ﺟﺒﺎل اﻷﻃﻠﺲ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﺗﻨﺼﺐ اﻟﺨﻴﺎم وﺗﺠﻬﺰ ،وﻟﻤﺎ ﻳﺮﺧﻲ اﻟﻠﻴﻞ ﺳﺪوﻟﻪ ﻳﺤﻠﻮ اﻟﺴﻤﺮ وﺗﺒﺪأ اﺣﺘﻔﺎﻻت اﻟﻌﺮس ﻋﻠﻰ أﻧﻐﺎم ﻓﻦ أﺣﻴﺪوس، اﻟﺬي ﺗﻌﺘﺒﺮ رﻗﺼﺎﺗﻪ ﻟﻮﺣﺎت ﻓﻨﻴﺔ ﺗﺘﺨﺬ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﺷﻜﻞ دواﺋﺮ أو أﻧﺼﺎف دواﺋﺮ "ﺗﺘﻤﺎﺳﻚ ﻓﻴﻬﺎ اﻷﻛﺘﺎف ﺗﺎرة ،واﻷﻳﺪي ﺗﺎرة أﺧﺮى، ﺣﺮﻛﺎت أﺣﻴﺪوس ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺘﻬﺎ ﻣﺤﻤﻠﺔ ﺑﺮﻣﻮز ،ارﺗﻌﺎﺷﺎت اﻷﻛﺘﺎف، ﺗﺄرﺟﺢ اﻟﻨﺼﻒ اﻷﻋﻠﻰ ﻣﻦ اﻟﺠﺴﺪ أﻣﺎم ﺧﻠﻒ ،اﻟﻀﺮب ﺑﺄﺣﺪ اﻷرﺟﻞ أو ﺑﺎﻟﺪف ﺑﺈﺷﺎرة ﻣﻦ اﻟﻘﺎﺋﺪ ،اﻟﺬي ﻳﻀﺒﻂ اﻹﻳﻘﺎع واﻟﺤﺮﻛﺎت") ،(3وﺗﻄﻠﻖ اﻟﺮاﻗﺼﺎت ﺑﻴﻦ اﻟﻔﻴﻨﺔ واﻷﺧﺮى زﻏﺎرﻳﺪ ﻗﻮﻳﺔ ﻟﺰﻳﺎدة إﻟﻬﺎب ﺣﻤﺎس اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت ،وﺗﺒﻘﻰ اﺣﺘﻔﺎﻻت أﻋﺮاس اﻷﻃﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺤﺎل ﺣﺘﻰ ﻃﻠﻮع اﻟﻨﻬﺎر.
اﻟﻌﺮس "اﻟﻈﻬﻮر" ،ﺧﻼل ﻫﺬا اﻟﻄﻘﺲ ﺗﺰﻳﻦ اﻟﻨـﯖاﻓﺔ "اﻟﺰﻳﺎﻧﺔ" اﻟﻌﺮوس ﺑﻠﺒﺎس ﺗﻘﻠﻴﺪي واﻟﺠﻮاﻫﺮ ،ﺗﻘﻒ »اﻟﺒﺮاﺣﺔ« اﻟﻤﺮأة اﻟﻤﻜﻠﻔﺔ ﺑﺎﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﻬﺪاﻳﺎ واﻹﺷﻬﺎر ﺑﺄﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﺑﺠﺎﻧﺐ اﻟﻌﺮوس وأﻣﺎﻣﻬﺎ ﺻﻴﻨﻴﺔ ﻣﺰﻳﻨﺔ ﺑﻮﺷﺎح أﺣﻤﺮ ﻣﻄﺮز ﻳﺴﻤﻰ »ﺳﺒﻨﻴﺔ دﻟﺒﺤﺎر« وﻳﺘﻮﺳﻄﻬﺎ دﻣﻠﺞ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ ،ﺗﺒﺪأ اﻟﺒﺮاﺣﺔ ﺑﺎﻟﺪﻋﻮة ﻟﻠﺼﻼة ﻋﻠﻰ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ ﺑﺎﻟﻘﻮل) :ﻋﺸﺎق اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻮا ﻋﻠﻴﻪ( ،ﻓﺘﺮﻓﻊ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺤﺎﺿﺮات اﻟﺼﻼة ﺑﺸﻜﻞ ﺟﻤﺎﻋﻲ ﺑﺎﻟﻘﻮل) :ﺻﻼة وﺳﻼم ﻋﻠﻰ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ ،اﻟﻠﻪ ﻣﻊ ﺟﺎه اﻟﻌﺎﻟﻲ( ،وﺑﻌﺪﻫﺎ ﺗﻄﻠﻖ اﻟﺰﻏﺎرﻳﺪ ،ﻓﺘﻘﻮم "اﻟﺒﺮاﺣﺔ" ﺧﻼل ﻫﺬا اﻟﻄﻘﺲ ﺑﻌﺮض اﻟﻤﺒﺎﻟﻎ اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ واﻟﻬﺪاﻳﺎ اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ واﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﺄﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﺑﻘﻮﻟﻬﺎ "ﻓﻼﻧﺔ ﺑﻨﺖ ﻓﻼﻧﺔ ﻋﻄﺎت ﻟﻠﻌﺮوﺳﺔ )اﻟﻤﺒﻠﻎ أو اﻟﻬﺪﻳﺔ ﻛﺬا( ﺗﺮﺟﻌﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﻓﺎﻷﻓﺮاح إن ﺷﺎء اﻟﻠﻪ( ،وﻳﺘﻢ اﻻﻓﺘﺘﺎح أوﻻ ﺑﻬﺪﻳﺔ واﻟﺪ اﻟﻌﺮوﺳﺔ أو واﻟﺪﺗﻬﺎ واﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﺣﻠﻲ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ )ﻋﻘﺪ ،دﻣﻠﺞ(4)(... *ﺑﺎﺣﺚ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب
ﻫﻮاﻣﺶ: - 1ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﻴﺪاﻧﻴﺔ ﻣﻊ ﺷﺒﺎن ﻣﻦ ﺗﻤﺎﻧﺎرت إﻗﻠﻴﻢ ﻃﺎﻃﺎ.2011/06/10 ، - 2ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻘﺎﺿﻲ ،ﺣﺮف وﻋﺎدت أﻫﻞ ﺷﻔﺸﺎون اﻟﻤﻨﻘﺮﺿﺔ أو اﻟﻤﻬﺪدة ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض ،ﻣﺠﻠﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ع ،15اﻟﻤﻨﺎﻣﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ، ص .118 اﻟﻐﺮاﻣﺔ ﻓﻲ أﻋﺮاس ﺗﻄﻮان! - 3اﻟﻘﻨﺎة اﻷوﻟﻰ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ،ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﻬﻮدج ،ﺣﻠﻘﺔ ﻋﺮس ﺧﻨﻴﻔﺮة، ﻧﻌﻮد ﻟﺠﺒﺎل اﻟﺮﻳﻒ وﺑﺎﻟﻀﺒﻂ إﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﻄﻮان وﻃﻘﺲ اﻟﻐﺮاﻣﺔ -أو .2013 ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﻓﻲ دول ﻋﺮﺑﻴﺔ أﺧﺮى اﻟﻨﻘﻮط ،اﻟﺬي ﻳﻘﺎم ﻋﺎدة ﺑﻌﺪ ﻧﻬﺎﻳﺔ - 4ﻧﺰﻫﺔ اﺳﺘﻴﺘﻮ ،اﻟﺴﻦ 63ﺳﻨﺔ ،ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﻄﻮان ،ﻳﻮم.2018/03/02 : ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
41
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ąĹĞďĩ~ ćĪĔļ~ īĭģ ķĠ óû ĮĚ ÷ÿòĩ~ óĪþ
ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ،وﻣﻦ اﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻧﺎﺳﻤﻲ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻤﻮﺳﻢ اﻟﺨﻄﻮﺑﺔ ﻓﻲ إﻣﻴﻠﺸﻴﻞ زﻳﺎرة ﺿﺮﻳﺢ ﺳﻴﺪي أﺣﻤﺎد ﺗﻐﻄﻲ اﻟﺠﺒﺎل ﺧﻤﺲ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﻐﺮب وﺗﻨﻘﺴﻢ إﻟﻰ ﻋﺪة ﺳﻼﺳﻞ اﻟﻤﻐﻨﻲ ،وﻋﻘﺪ ﻗﺮان اﻟﺸﺒﺎن واﻟﺸﺎﺑﺎت ﺧﻼل ﻫﺬا اﻟﻤﻮﺳﻢ ،ﻣﻊ إﻋﻄﺎء ﺟﺒﻠﻴﺔ أﻫﻤﻬﺎ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺟﺒﺎل اﻟﺮﻳﻒ ،وﺳﻼﺳﻞ ﺟﺒﺎل اﻷﻃﻠﺲ ،وﻫﻲ ﻣﺒﻠﻎ ﻣﻬﺮ رﻣﺰي ،وﺗﻘﻮم ﻓﺮق أﺣﻴﺪوس ﺑﺈﺣﻴﺎء ﻋﺪة ﻋﺮوض ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﺗﻘﻮم ﺑﻌﺪة أدوار ﻣﻬﻤﺔ ﺑﻴﺌﻴﺔ وﺑﺸﺮﻳﺔ وﺣﺘﻰ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ ﺷﻌﺒﻴﺔ اﺣﺘﻔﺎء ﺑﺎﻟﺤﺪث. اﻟﺠﺒﺎل ﺗﺸﻜﻞ ﺧﺰان اﻟﻤﻐﺮب ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺎه وﺣﺎﺟﺰه أﻣﺎم اﻟﺘﺄﺛﻴﺮات َ ْ ْ اﻟﻤﻨﺎﺧﻴﺔ اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ ،ﻓﻬﻲ أﻳﻀﺎ ﺗﺸﻜﻞ رأﺳﻤﺎﻟﻪ ﺛﻘﺎﻓﻲ اﻟﻐﻨﻲ ﻃﻘﺲ أﻓ َﺮان ﻓﻲ ﺟﺒﺎل اﻷﻃﻠﺲ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﻐﺮﺑﻲ واﻟﻤﺘﻨﻮع. ﺑﻌﺪ ﻣﺮاﺳﻴﻢ اﻟﺨﻄﻮﺑﺔ ﻳﺘﻢ اﻻﺗﻔﺎق ﺑﻴﻦ ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ اﻟﻌﺮوﺳﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻮﻋﺪ ﻟﺤﻔﻞ اﻟﻌﺮس ،اﻟﺬي ﻳُﺪﺷﻦ ﻟﻼﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻪ ﺑﻄﻘﺲ »أَﻓْـ َﺮانْ« ﻓﻲ ﺟﻨﻮب اﻟﻤﻐﺮب ﻓﻲ ﻗﺮى ﺟﺒﺎل اﻷﻃﻠﺲ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﺑﻌﺪ اﻧﻘﻀﺎء وﻗﺖ ﻓﺘﺠﺘﻤﻊ ﻧﺴﺎء اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻌﺮﻳﺲ أو اﻟﻌﺮوس ،وﺗُﻔﺮش ﻗﻄﻊ اﻟﻌﺼﺮ ،وﺑﻌﺪ اﻻﻧﺘﻬﺎء ﻣﻦ أﺷﻐﺎل اﻟﺒﻴﺖ ،ﺗﺮﺗﺪي اﻟﻔﺘﻴﺎت اﻟﻌﺎزﺑﺎت ﻗﻤﺎش ﻛﺒﻴﺮة ﺗﻮﺿﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻤﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﺤﺒﻮب ﺗﺘﺤﻠﻖ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻧﺴﺎء اﻟﺮاﻏﺒﺎت ﻓﻲ اﻟﺰواج ﻟﺒﺎﺳﻬﻦ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي "اﻟﻤﻠﺤﻒ" ،وﻳﻘﺼﺪن ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻟﺘﻨﻘﻴﺘﻬﺎ ﻣﺮددات أﻫﺎزﻳﺞ ﺷﻌﺒﻴﺔ أﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ ،ﻓﺮ ًﺣﺎ واﺣﺘﻔﺎﻻً اﻟﻄﺮق ،أو ﺿﻔﺎف اﻷودﻳﺔ ﻻﻧﺘﻈﺎر ﺷﺒﺎن اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻗﺼﺪ اﻟﺘﻌﺎرف ﻣﻌﻬﻢ ،ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ اﻟﺰواج. ﻓﻴﺒﺪأ اﻟﻠﻘﺎء ﺑﺘﺒﺎدل ﻧﻈﺮات اﻹﻋﺠﺎب واﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺎت ،ﺛﻢ ﻳﻘﺘﺮب ﻛﻞ ﺷﺎب ﻣﻦ ﺷﺎﺑﺔ وﻳﺒﺪأ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻌﻬﺎ وذﻟﻚ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﻌﺎرف ﺑﻬﺪف اﻟﺪﻋﻮة ﻷﻋﺮاس ﺷﻔﺸﺎون اﻟﺰواج" ،ﻓﻴﺘﺒﺎدﻻن أﻃﺮاف اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺣﻮل ﻣﻮﺿﻮع اﻟﺰواج وﻋﺒﺎرات ﺗﻘﻊ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺷﻔﺸﺎون ﺷﻤﺎل اﻟﻤﻐﺮب ﻓﻲ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺟﺒﺎل اﻟﺮﻳﻒ، اﻟﻐﺰل اﻟﻌﻔﻴﻒ ،وإذا ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺗﻘﺎرب وﺗﻮاﻓﻖ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺎرف ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﻄﺎﺑﻌﻬﺎ اﻟﺠﺒﻠﻲ وﺗﻀﺎرﻳﺴﻬﺎ اﻟﺼﻌﺒﺔ وﻗﻮة اﻧﺤﺪاراﺗﻬﺎ ،أﺳﺴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺰواج ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻌﺎدة اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻰ "اﻟﺼﻘﻴﺮ" ﺗﺆﻃﺮﻫﺎ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن اﻟﻤﻄﺮودون ﻣﻦ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ وأﻋﺮاف ﺗﺤﻜﻤﻬﺎ") ،(1وﻟﻜﻦ ﻣﻊ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ وﻏﺰو وﺳﺎﺋﻞ ﻣﻴﻼدي ،ﺗﺘﻤﻴﺰ ﻫﺬه اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﻌﻤﺮاﻧﻲ واﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،وﺣﻔﺎﻇﻬﺎ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﺪأت ﻫﺬه اﻟﻌﺎدة ﺑﺎﻻﻧﺤﺴﺎر وﺣﺎﻟﻴﺎ ﻣﻬﺪدة ﻋﻠﻰ ﺗﺮاﺛﻬﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ وﻣﻨﻬﺎ ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺰواج ،ﻓﻘﺒﻞ إﻗﺎﻣﺔ ﺣﻔﻞ ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض. اﻟﻌﺮس ﻳﺒﺪأ ﺑﺎﻟﺪﻋﻮة ﻟﻪ ،ﺣﻴﺚ " ﺗﻘﻮم اﻟ َﻌ ﱠﺮاﺿَ ﺔ وﻫﻲ ﺗﺠﻮب اﻷﺣﻴﺎء واﻷزﻗﺔ ﺑﺪق أﺑﻮاب ﺑﻴﻮت اﻷﺳﺮ اﻟﻤﺴﺘﺪﻋﻴﺔ ...ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ إﻳﺎﻫﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺨﻄﻮﺑﺔ ﻓﻲ إﻣﻴﻠﺸﻴﻞ إﻟﻘﺎء اﻟﺘﺤﻴﺔ ﺑﺄﺳﻠﻮب ﻣﻬﺬب ﻗﺎﺋﻠﺔ) :إن اﻷﺳﺮة اﻟﻔﻼﻧﻴﺔ ﺗﺴﺘﺪﻋﻴﻜﻢ إﻣﻴﻠﺸﻴﻞ ﻫﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺟﺒﻠﻴﺔ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺟﺒﺎل اﻷﻃﻠﺲ اﻟﻜﺒﻴﺮ ،ﻟﻠﺤﻀﻮر إﻟﻰ ﺣﻔﻞ اﻟﻌﺮس ﻳﻮم ﻛﺬا ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻛﺬا( ،وﻳﺮد ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻫﻞ ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﺄﺳﻄﻮرة اﻟﺤﺐ ﺑﻴﻦ ﻋﺸﻴﻘﻴﻦ ﻫﻤﺎ "إﻳﺴﻠﻲ" و"ﺗﻴﺴﻠﻴﺖ" ،اﻟﺒﻴﺖ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء ﺑﺄن ﻳﺠﻌﻞ اﻟﻠﻪ اﻟﺒﺮﻛﺔ وﻳﻜﻤﻞ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ ﻋﻠﻰ أﻫﻠﻪ ..وﺑﻌﺪ واﻟﺘﻲ أﺳﺴﺖ ﻷﻫﻢ ﻣﻮﺳﻢ ﺧﻄﻮﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب ﻳﻌﻘﺪ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ إﺗﻤﺎم ﻣﺮاﺳﻴﻢ ]اﻟﺪﻋﻮة[ ﺗﻘﺪم ﻟﻬﺎ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﻔﺮح أﺟﺮﺗﻬﺎ ﻧﻘ ًﺪا أو ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻋﻤﻠﻬﺎ").(2 ¡ ąĞĭĩ~ óþïĉĬ ćĭā ïòüĩ~ ķĕĞõ ïĴĭijz óĹĪòû ĨĈŁĈ ăĚ Ķĩ| īĉĤİõ ïòû ĨĈŁĈ uğĸąĩ~ ïòû óĪĉĪĈ ~ óĭĴĬ ~ z ăěñ ĵĤõ ķij ućĪĔļ óĹĠïĤø Ķöþ óĸąČñ óĹîĹñ 40
رﺣﻠﺔ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ زوﺟﺔ ﻓﻲ ﻗﻤﻢ ا>ﻃﻠﺲ اﻟﺼﻐﻴﺮ!
ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺤﻨﺎء ﻓﻲ ﺟﺒﺎل ﺗﺎوﻧﺎت
ﺑﻌﺪ اﻻﻧﺘﻬﺎء ﻣﻦ ﻃﻘﺲ َﺣ ﱠﻤﺎم اﻟﻌﺮوس ،ﻳﺘﻢ ﺗﺠﻬﻴﺰ ﻏﺮﻓﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻠﻴﻠﺔ ﻟﺒﺎﺳﺎ أﺑﻴﺾ ،ﺗﻘﻮم "اﻟ َﺤ ﱠﻨﺎﻳَﺔ" اﻟﺤﻨﺎء ،ﺗﺪﺧﻞ ﻟﻬﺎ اﻟﻌﺮوس وﻫﻲ ﻣﺮﺗﺪﻳﺔ ً ﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻷول ﺑﺘﺨﻀﻴﺐ ﺷﻌﺮ رأﺳﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﻨﺎء ،وﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻳﺘﻢ ﺗﺨﻀﻴﺐ ﻳﺪﻳﻬﺎ ورﺟﻠﻴﻬﺎ ﻣﻊ وﺿﻊ ﺧﻴﻮط ﻣﻦ اﻟﺼﻮف ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ أﺳﺎور
وﻟﻮﺣﺔ ﻟﻠﺮﺳﻢ واﻟﺨﻂ .وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻨ ّﻮع اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎوﻟﺖ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻮﺷﻢ وﻃﻘﻮﺳﻪ، ﻓﻘﺪ اﺧﺘﻠﻔﺖ أﺑﻌﺎده وﺗﻨﻮﻋﺖ ﻣﺪﻟﻮﻻﺗﻪ ﻣﻦ ﺑﺎﺣﺚ ﻵﺧﺮ .ﻓﺜﻤﺔ ﻣﻦ ﻳﻌﻄﻲ ﻟﻬﺬه اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ أﺑﻌﺎ ًدا ﻧﻔﺴﻴﺔ أﻗﺮب إﻟﻰ اﻟﺴﺎدﻳﺔ .ﺧﺎﺻﺔ ﻟﺪى اﻟﻤﺮأة .ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻔﺴﺮ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ إﻃﻔﺎء اﻟﻐﺮﻳﺰة اﻟﻤﺘﻮﻗﺪة ﻓﻴﻬﺎ .ﻓﻴﺘﻢ ﺗﻌﺬﻳﺐ اﻟﺠﺴﺪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻮﺧﺰ وﻣﺎ ﻳﺮاﻓﻖ ذﻟﻚ ﻣﻦ أﻟﻢ روﺣﻲ وﻧﻔﺴﻲ .ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻨﻪ اﻟﻨﻔﻮر واﻻﺳﺘﻨﻜﺎف ﻣﻦ ﻧﺪاء اﻟﻐﺮﻳﺰة .ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻤﺎ ﻳﺘﻢ اﻟﻮﺷﻢ ﻓﻲ ﻣﻮاﺿﻊ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺟﺴﺪ اﻟﻤﺮأة :اﻟﻔﺨﺬﻳﻦ، اﻟﺼﺪر .ﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ،ﻳﻔﻘﺪ اﻟﻮﺷﻢ دوره اﻟﺰﺟﺮي .ﻟﻴﺼﺒﺢ رﻣ ًﺰا ﻟﻺﻏﺮاء واﻹﻏﻮاء واﻹﺛــﺎرة اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ وﻧﺪاء ﻟﻠﻄﺮف اﻵﺧﺮ .ﻛﻤﺎ ﻳﺤﻤﻞ أﺑﻌﺎ ًدا اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .ﺣﻴﺚ ﻳﺼﺒﺢ داﻻً ﻋﻠﻰ اﻻﻧﺘﻤﺎء إﻟﻰ ﻃﺒﻘﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ،أو ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ .ﻓﻔﻲ زﻣﻦ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻓﻴﻪ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﻤﺤﺪدة ﻟﻠﻬﻮﻳﺔ ﻣﺘﻮاﻓﺮة ،ﻛﺎن ﻳﺘﻢ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻫﻮﻳﺔ اﻟﻔﺮد اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ »ﻏﻨﻲ ،ﻓﻘﻴﺮ« ،اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ »ﺷﻤﺎل، ﺟﻨﻮب« ،اﻟﻌﺮﻗﻴﺔ »أﻣﺎزﻳﻐﻲ ،ﻋﺮﺑﻲ« ...إﻟﺦ. ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟــﺮﻣــﻮز واﻷﺷﻜﺎل اﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ اﻟﻤﺤﺪدة .وذﻟﻚ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻫﻮﻳﺔ اﻟﻔﺮد وﺗﺤﺪﻳﺪ اﻧﺘﻤﺎﺋﻪ .ﺑﻬﺬا ﺗﻔﻨﻨﺖ اﻟﻤﺮأة اﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ ﻓﻲ ﺿﺮوب اﻟﻮﺷﻢ وأﺷﻜﺎﻟﻪ اﻟﻤﺘﻌﺪدة اﻟﻤﺴﺘﻘﺎة ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ/ ﺗﻴﻔﻴﻨﺎغ »ﺑﺄﺷﻜﺎﻟﻬﺎ اﻟﻤﺘﻌﺪدة« أﺣﻴﺎﻧﺎ وﻣﻦ اﻟﻔﻦ اﻷﻣﺎزﻳﻐﻲ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ﻋﺎﻣﺔ أﺣﺎﻳﻴﻦ أﺧﺮى. ﺑﻬﺬا رﺳﻤﺖ رﻣﻮز اﻟﻮﺷﻢ ﺣﺪود اﻟﻬﻮﻳﺔ وﻋﺘﺒﺔ اﻻﻧﺘﻤﺎء اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ .ﻛﻤﺎ ﺷﻜﻠﺖ ﻣﻴﺴ ًﻤﺎ ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺬات ﻣﻦ اﻟﻀﻴﺎع ﺑﻴﻦ ذوات أﺧــﺮى .ﻟﻴﺼﺒﺢ اﻟﻮﺷﻢ أداة ﺗﺠﻤﻴﻞ وﻟﻮ ﺑﺤﺪ اﻷﻟﻢ ،وﻛﺬا أداة ﻟﻤﺪاواة اﻟﻌﺎﻫﺎت اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ واﻟﺮوﺣﻴﺔ اﻟﻬﻮاﻣﺶ: )René Virgier ,la femme kabyle et (1 le tatouage ,éd ,dunod ,Paris,1984,P: .307 ) (2ﺟﻼل اﻟﺪﻳﻦ ﺳﻌﺪ ،ﻓﻠﺴﻔﺔ اﻟﺠﺴﺪ ،ط،1 دار آﺳﻴﺔ ﻟﻠﻨﺸﺮ ،ﺗﻮﻧﺲ ،1992 ،اﻟﺼﻔﺤﺔ.85:
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
39
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
أو دواﺋﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﻬﺔ واﻟﺨﺪﻳﻦ واﻟﺬﻗﻦ ،إﻻ أن ﻟﻬﺎ دﻻﻻت ﻋﻤﻴﻘﺔ أﺳﺎﺳﺎ ﺑﺈﻧﺘﺎج وﺣﺪات دﻻﻟﻴﺔ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻷﻣﺎزﻳﻐﻲ .ﺗﺘﻌﻠﻖ ً ﺑﺴﻴﺎﻗﺎت ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ وأﺳﻄﻮرﻳﺔ )ﻃﺮد اﻷرواح اﻟﺸﺮﻳﺮة ،ﺟﻠﺐ اﻟﺴﻌﺎدة، ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻻﺳﺘﻘﺮار اﻷﺳﺮ() .(2إن اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺴﺤﺮي اﻟﺬي ﻳﻤﻨﺤﻪ ﻣﺠﺘﻤﻊ أﻣﺎزﻳﻎ اﻷﻃﻠﺲ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﻟﻠﻮﺷﻢ ،ﺟﻌﻞ اﻟﻤﺮأة اﻷﻃﻠﺴﻴﺔ ﺗﺘﺒﻴﻦ ﻫﺬه اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻷوﻟﻴﺔ ذات اﻟﻤﺪﻟﻮل اﻟﺠﻮﻫﺮي اﻟﻌﻘﺎﺋﺪي ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻤﺎ ﺗﺴﺒﺒﻪ ﻟﺠﺴﺪﻫﺎ ﻣﻦ أﻟﻢ وﻣﻌﺎﻧﺎة .ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻤﺎﺛﻞ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺠﺴﺪ وﺗﻘﻨﻴﺔ اﻟﻮﺷﻢ ،ﺗﻌﻘﺪ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺠﺴﺪ وإﻣﻼءات اﻟﻌﺮف اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺴﺎﺋﺪ آﻧﺬاك .وﻟﻌﻞ ﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﻔﺼﺢ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻋﻦ ﻗﺒﻮل اﻟﻤﺮأة اﻷﻃﻠﺴﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮب ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺼﻌﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﺷﻢ: وﺧﺰ اﻟﺠﺴﻢ ﺑﺎﻟﻤﺸﺮط اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻘﻦ ،ﺷﻮﻛﺔ اﻟﺼﺒﺎر .ﺑﻬﺬا ﻓﺈن اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻹﻗﺮاري ﻟﻠﻮﺷﻢ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻷﻃﻠﺲ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ وﻛﺜﺎﻓﺘﻪ اﻟﺪﻻﻟﻴﺔ واﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ،ﺟﻌﻞ اﻟﻤﺮأة اﻷﻃﻠﺴﻴﺔ ﺗﻘﻊ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻟﺘﺤﻜﻢ اﻟﺬي أﻓﺮزه اﻟﻤﺨﻴﺎل اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ. وﻟﻌﻞ ﻫﺬا ﻣﺎ أوﻗﻌﻬﺎ ﻓﻲ اﻧﻔﺼﺎم ﺑﻴﻦ أﺑﺪﻳﺔ ﻫﺬه اﻟﺘﻤﺜﻼت اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﺮﻣﺰﻳﺔ وﺑﻴﻦ اﻟﻤﺤﺪدات اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺮم ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت .ﻟﻜﻦ ﺟﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت ،ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺸﻜﻞ أو ﺑﺂﺧﺮ ﺑﺎﻟﻔﻨﻮن اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻘﻨﻬﺎ ﻳﺪ اﻟﻤﺮأة اﻷﻃﻠﺴﻴﺔ .إن ﻗﻠﺔ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺘﻲ 38
وﺷﻢ اﻟﻤﺮأة ﺑﺎ>ﻃﻠﺲ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ
ﺗﻨﺎوﻟﺖ اﻟﻮﺷﻢ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻊ اﻟﺘﻲ اﻫﺘﻤﺖ ﺑﺒﻘﻴﺔ اﻟﻌﺎدات واﻟﻄﻘﻮس اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻷﺧﺮى ،ﺗﺆﻛﺪ أن ﻣﻮﺿﻮع اﻟﻮﺷﻢ ﻻ ﻳﺰال ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻠﺪراﺳﺔ واﻟﺘﻤﺤﻴﺺ .وذﻟﻚ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﻌﻤﻴﻖ ﻟﻬﺬه اﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ و اﻹﺛﻨﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ .واﺳﺘﺠﻼء أﺑﻌﺎدﻫﺎ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻌﻼﻣﺔ أن ﺗﺪل إﻻ ﺿﻤﻦ ﺻﻴﺮورة ﻣﻨﺘﺠﺔ ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ»اﻟﺘﺪﻻل ﺑﺎﻟﺘﻌﺒﻴﺮاﻟﺒﻴﺮﺳﻲ« .ذﻟﻚ أﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺪرك اﻟﻌﻼﻣﺎت إﻻ ﺿﻤﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺘﺎح ﺛﻘﺎﻓ ًﻴﺎ ،وﻟﻴﺲ ﺷﻴﺌًﺎ آﺧﺮ. ﻓﺎﻟﻌﻼﻣﺔ إذن ،ﻛﻴﻔﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻔﻈﻴﺔ أو ﻏﻴﺮ ﻟﻔﻈﻴﺔ ،ﻣﻨﺘﺞ ﺛﻘﺎﻓﻲ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻘﺼﺪ وﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﻤﺤﺎﻳﺜﺔ ﻟﻸﺷﻴﺎء .ﻳﺴﺘﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﻤﻨﺘﺞ إﻟﻰ اﻟﺘﺪاول واﻟﺘﺴﻨﻴﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ وﻛﺬا اﻟﻘﺼﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﺪود اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺮﻣﺰي ﻟﻠﻌﻼﻣﺎت .ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺪرك اﻷﺷﻴﺎء وﺗﺤﺼﻞ ﻟﻨﺎ دﻻﻟﺔ ﺑﺸﺄﻧﻬﺎ إﻻ ﺿﻤﻦ ﻣﺎ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﻪ اﻟﺴﻨﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ أو اﻟﻤﻮﺳﻮﻋﺔ اﻹدراﻛﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪ ﺳﻨﻦ اﻷﺳﻨﻦ ﺑﺘﻌﺒﻴﺮ أﻣﺒﺮﻃﻮ إﻳﻜﻮ»اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺰم ﻛﻞ ﺻﻴﺮورة ﺗﺪﻟﻴﻠﻴﺔ« .ﺑﻬﺬا اﻟﺘﺼﻮر ،ﻳﻌﺪ اﻟﻮﺷﻢ أﺣﺪ اﻟﻤﻜﻮﻧﺎت اﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ .ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻤﻤﺎرﺳﺎت ﻣﺘﺠﺬرة ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻟﺸﻌﻮب اﻟﻌﺮﻳﻘﺔ ﺷﺄن اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ .وﻫﻮ ﺑﻬﺬا ﻳﺘﺠﺎوز اﻟﺮﻣﻮز اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ .ﻟﻴﺤﻤﻞ دﻻﻻت وأﺑﻌﺎ ًدا ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻋﺪة .ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻘﺎﻃﻊ ﻣﻊ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﻷﺧﺮى ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻔﺮده ﺑﻔﻀﺎء ﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻪ .ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ اﻟﺠﺴﺪ ﻓﻀﺎء ﻟﻠﺘﺪوﻳﻦ واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ،
اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﻋﺎﻣﺔ( .وﻣﻦ اﻟﻘﻴﻢ اﻟﻌﻼﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﺎف إﻟﻰ اﻟﻤﺎﻫﻴﺔ اﻟﻮﺟﻮدﻳﺔ ﻟﺮﻣﻮز اﻟﻮﺷﻢ، ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻮﻗﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻢLa stérilité / اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻠﻬﺎ أﺷﻜﺎل اﻟﻮﺷﻢ اﻟﻤﺮﺳﻮﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺗﺪ La cheville /واﻟﻌﺮﻗﻮبTendon/ ،d’Achilleأو ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺿﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺘﻒ/ .Epauleواﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺸﺮ ﻓﻲ ﻗﺮى وﻣﻨﺎﻃﻖ ﻋﺪة ﺑﺠﺒﺎل اﻷﻃﻠﺲ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ :أﻳﺖ ﺑﻮﻋﺰوز ،أﻳﺖ رﺣﻮ ،أﻳﺖ ﺑﺎﺟﻲ ،أﻳﺖ ﻧﻮح ،أﻳﺖ ﺑﻮﻳﺸﻲ، أﻳﺖ ﻋﺒﻲ ،إﻟﺦ ...وﻛﻠﻬﺎ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﻘﺒﺎﺋﻞ زاﻳﺎن اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﻷﻃﻠﺲ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ. ﺣﻴﺚ ﻳﺬﻛﺮ اﻟﻤﺆرﺧﻮن أن ﻗﺒﻴﻠﺔ زاﻳﺎن ﺗﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ اﺗﺤﺎدﻳﺔ ﻗﺒﺎﺋﻞ أﻳﺖ أوﻣﺎﻟﻮ »ﻛﻠﻤﺔ أﻣﺎﻟﻮ ﺑﺎﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﻈﻞ«ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻗﺒﺎﺋﻞ أﻫﻞ اﻟﻈﻞ .وﺗﻨﻘﺴﻢ إﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺘﻴﻦ:اﻷﻣﺎزﻳﻎ واﻟﺰواﻳﺎ .وﻫﻜﺬا ﺗﻤﺘﺪ اﻹﺣﺎﻟﺔ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻟﻠﻮﺷﻢ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻣﺤﺪ ًدا وﻗﺎﺋﻴًﺎ .ﻟﺘﻐﻄﻲ ﻣﺠﺎﻻت أﺧﺮى داﺧﻞ اﻟﺤﺪود اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻤﺠﻤﻮع ﻫﺬه اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻷﻃﻠﺴﻴﺔ ،ﻟﺘﺸﻤﻞ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﺮاض ﻛﺎﻟﺨﻠﻊ.La foulure / ﻫﺬه اﻷﺧﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﻳﺤﻘﻘﻬﺎ اﻟﻮﺷﻢ اﻟﺬي ﻳﺘﺨﺬ ﻋﻼﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺼﻢ .Poignet/أو اﻟﺘﺨﻔﻴﻒ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ آﻻم اﻟﻌﻴﻮن .إﻧﻬﺎ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﺷﻢ اﻟﺬي ﻳﻐﻄﻲ ﻗﻮس ﺣﺎﺟﺐ اﻟﻌﻴﻦ).L’arcade sourcilière/(1 ﺑﻬﺬا ﻧﺴﺘﺸﻒ اﻟﻘﻮة اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ واﻹﻳﺤﺎﺋﻴﺔ ﻟﻠﻮﺷﻢ ﻓﻲ ﺟﻞ رﻣﻮزه اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻮﺟﻪ .إذ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺑﺴﺎﻃﺘﻬﺎ وﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﺻﻠﻴﺐ ﺻﻐﻴﺮ أو ﺧﻄﻮط ﻣﺴﺘﻘﻴﻤﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
37
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
óĹĪòüĩ~ ĢĔïİĭĩ~ ~ąĬz ĮĬ óĸïģĵĪĩ ĨĹĭüöĪĩ
ķñąĞĭĩ~ ēĈĵöĭĩ~ ćĪĔļïñ ząĭĩ~ īċ ﻧﺎدﻳﺔ ﺑﻠﻜﺮﻳﺶ
رﻣﻮز اﻟﻮﺷﻢ اﻷﻣﺎزﻳﻐﻲ ﻣﻴﺴﻢ ﺳﻴﻤﻴﻮﻃﻴﻘﻲ وأﻳﻘﻮﻧﻲ ﻣﻤﻴﺰ ﻟﻺﻧﺴﺎن اﻷﻣﺎزﻳﻐﻲ ﻋﻦ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﺸﻌﻮب؛ إﻧﻪ وﺛﻴﻘﺔ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ وﻣﺪوﻧﺔ ،وﺷﻬﺎدة ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ وﺻﺎدﻗﺔ ﻋﻦ ﻣﺴﺎر اﻹﻧﺴﺎن اﻷﻣﺎزﻳﻐﻲ وﻫﻮﻳﺘﻪ وﻛﻴﻨﻮﻧﺘﻪ وإﻧﺴﻴﺘﻪ ووﺟﻮده اﻟﺤﻀﺎري ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺗﺎﻣﺎزﻏﺎ اﻟﻜﺒﺮى ،أو ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺷﻤﺎل إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ .ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺒﺮ اﻟﻮﺷﻢ -ﺛﻘﺎﻓ ًﻴﺎ وﻓﻠﺴﻔ ًﻴﺎ -ﻋﻦ رﻏﺒﺔ اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺔ اﻟﺪﻟﻴﻞ اﻟﺼﻮﺗﻲ وﺳﻴﺎدة اﻟﻤﺮﻛﺰ ،ﺑﺎﺳﺘﺒﺪاﻟﻬﻤﺎ ﺑﺴﻠﻄﺔ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﺘﺤﺮر اﻟﻮﺟﻮدي ،وإﺛﺒﺎت اﻟــﺬات ،واﻻﻧﺘﻤﺎء اﻟﻬﻮﻳﺎﺗﻲ ،واﻟﺮﻓﺾ اﻟﻤﻄﻠﻖ ﻟﻠﺘﻬﻤﻴﺶ واﻟﺘﻐﺮﻳﺐ واﻹﻗﺼﺎء واﻟﻨﻈﺮة اﻟﺪوﻧﻴﺔ .ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ،ﻳﺒﺪو ﻟﻨﺎ أن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻷﻣﺎزﻳﻐﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﻮﺷﻮم وﻣﻮﺟﻮد ﺑﻮﺷﻤﻪ ﻋﺒﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ .أﻣﺎ اﻟﻴﻮم ،ﻓﻘﺪ أﺿﺤﻰ اﻟﻮﺷﻢ ﻋﻼﻣﺔ ﺳﻴﻤﻴﻮﻃﻴﻘﻴﺔ وﺛﻘﺎﻓﻴﺔ داﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﻮﻳﺔ واﻻﻧﺘﻤﺎء اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﻴﻦ. وﺷﻢ ﻟﻠﺘﺠﻤﻴﻞ وآﺧﺮ ﻟﻠﻮﻗﺎﻳﺔ
ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻮن اﻫﺘﻤﺎﻣﺎت أﻏﻠﺐ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﺣﻮل اﻟﻮﺷﻢ ﻟﺪى اﻟﻤﺮأة اﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ ،ﻗﺪ اﻧﺼﺒﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﺮﻣﺰي واﻟﺪﻻﻟﻲ ،وإﺑﺮاز ﻓﺘﻨﺔ وﺳﺤﺮ ﻫﺬه اﻟﻤﺮأة ،إﻻ أن ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻵﺧﺮ ﻳﺆﻛﺪ أن ﻫﺬا اﻟﻮﺷﻢ ﻳﺤﻤﻞ ﻗﻴﻤﺔ ﺳﻠﻮﻛﻴﺔ وﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﺗﺘﻮﺧّﻰ إﺑــﻼغ وﻗﺎﺋﻊ ﻃﻘﻮﺳﻴﺔ ﻋــﺪة .وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﻌﻼﺟﻴﺔ واﻟﻮﻗﺎﺋﻴﺔValeur / ،Prophylactiqueواﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻠﻬﺎ أﺷﻜﺎل اﻟﻮﺷﻢ اﻟﻤﺮﺳﻮﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻗﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻔﻆ وﺗﻘﻲ ﻣﺮض اﻟﺴﻌﻠﺔ ) legoitre/اﻟﺪاء اﻟﻤﻨﺘﺸﺮ ﺑﻜﺜﺮة ﻓﻲ أوﺳــﺎط اﻟﻨﺴﺎء وﺑﻌﺾ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ
36
وﺷﻢ اﻟﻤﺮأة ﺑﺎ>ﻃﻠﺲ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ
أﻣﺎم ﻫﺬا اﻟﻌﻨﺎد واﻟﺘﺸﻨﺞ اﻟﻘﺒﻠﻲ ،ﻏﺎدر ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺷﻘﻴﻦ ﻗﺒﻴﻠﺘﻪ واﻟﺘﺠﺂ إﻟﻰ أﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﻞ ﻟﻴﻐﺮق اﻟﺸﺎب ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺑﺤﻴﺮة إﻳﺴﻠﻲ "اﻟﻌﺮﻳﺲ"، وﺗﻐﺮق اﻟﻔﺘﺎة ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﺤﻴﺮة ﺗﺴﻠﻲ "اﻟﻌﺮوﺳﺔ" ،وﻫﻨﺎك رواﻳﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ، ﺗﻘﻮل إن اﻟﺒﺤﻴﺮة ﻣﺎ ﻫﻲ ﺳﻮى دﻣﻮع اﻟﺤﺒﻴﺒﻴﻦ اﻟﺘﻲ ذرﻓﺎﻫﺎ ﺣﺰﻧﺎً وﺟﺮﺣﺎً .اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ،إذن ،ﻫﻲ ﻣﻮﺳﻢ زواج وﻟﻴﺲ ﻛﻤﺎ ﻳﺘﺪاول أﻧﻪ ﻣﻮﺳﻢ ﺧﻄﻮﺑﺔ ،إذ ﻳﻜﻮن اﻟﻌﺮﻳﺲ واﻟﻌﺮوس ﻗﺪ اﻟﺘﻘﻴﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﻻ ﻳﺄﺗﻴﺎن ﻟﻠﺴﻮق ﺑﺮﻓﻘﺔ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ ﻹﺑﺮام اﻟﻌﻘﺪ .وﻟﻬﺬا اﻟﻌﺮس ﺗﻘﺎﻟﻴﺪه ،ﻓﺄﺛﻨﺎء اﻟﺨﻄﺒﺔ ﻳﺄﺧﺬ واﻟﺪ اﻟﻌﺮوس ﻫﺪاﻳﺎ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻓﻮاﻛﻪ ﻳﺎﺑﺴﺔ وﺗﻤﻮر ﻟﻠﺨﻄﺒﺔ ،وﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻤﻮاﻓﻘﺔ ،ﻳﺘﻔﻘﻮن ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻗﻴﺖ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﻘﺮان ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺰواج .ﺑﻌﺪ اﻻﺗﻔﺎق ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻋﺪ اﻟﺰواج ،ﻳﺸﺮع أﺣﺪ أﻓﺮاد ﻋﺎﺋﻠﺔ اﻟﻌﺮﻳﺲ ﻓﻲ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﺘﻤﻮر ﻋﻠﻰ ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻌﺮوس ﻛﻨﻮع ﻣﻦ إﺷﻬﺎر اﻟﺰواج إن ﻓﻼن ﻟﻔﻼﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻨﺔ اﻟﻠﻪ ورﺳﻮﻟﻪ ،وﻗﺒﻞ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﻌﺮس ﺑﺄﺳﺒﻮﻋﻴﻦ ،ﺗﻘﻮم اﻟﻌﺎﺋﻠﺘﺎن ﻣﻌﺎ ﺑﻄﺤﻦ اﻟﻘﻤﺢ ﻓﻲ اﻟﺮﺣﻰ اﺳﺘﻌﺪادا ً ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل ﺿﻴﻮف اﻟﻌﺮس ،وأﺛﻨﺎء ﻫﺬه اﻟﻄﻘﻮس ﺗﺨﺒﺰ أﺳﺮة اﻟﻌﺮﻳﺲ ﺧﺒﺰة ﻛﺒﻴﺮة ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ »أﺑﺎدﻳﺮ« ،ﺗﻘﺴﻢ ﺑﻴﻦ اﻷﻃﻔﺎل .أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻸﻋﺮاس ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻘﺎم ﻓﻲ اﻟﻘﺮى وﻟﻴﺲ ﺑﺴﻮق اﻟﻤﻮﺳﻢ .وﻳﻘﻊ ذﻟﻚ ﻗﺒﻞ أو ﺑﻌﺪ ﻋﻘﺪ اﻟﻘﺮان .ﻷن اﻟﺘﻮﺛﻴﻖ ﻻ ﻳﻌﺪو أن ﻳﻜﻮن أﻣﺮا ً إدارﻳﺎً ﻻ أﻛﺜﺮ، وﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات اﻷﺧﻴﺮة وﻣﻊ ﺗﻮﻓﺮ ووﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻘﻞ ،أﺻﺒﺤﺖ اﻷﻏﻠﺒﻴﺔ ﺗﻮﺛﻖ ﻋﻘﻮد زواﺟﻬﺎ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺮﻳﺶ اﻷﻗﺮب ) 140ﻛﻠﻢ( .وﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﺳﻮى اﻟﻔﻘﺮاء أو ﻣﻦ ﺻﺎدف زواﺟﻬﻢ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ اﻟﻤﻮﺳﻢ ،ﻓﻴﺴﺘﻐﻠﻮن ﻗﺪوم اﻟﻘﺎﺿﻲ واﻟﻌﺪول ﻟﺘﺠﻨﺐ ﻣﺼﺎرﻳﻒ وﻣﺘﺎﻋﺐ اﻟﺘﻨﻘﻞ. وﺗﺨﺘﻠﻒ اﻵراء ﺣﻮل أﺳﺒﺎب ﻫﺬا اﻟﺰواج اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ اﻟﺬي ﺗﺘﻔﺮد ﺑﻪ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﻦ دون ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﻐﺮب ،ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﺮى ﻫﺬا اﻟﻔﺮح اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﺗﻜﻔﻴﺮا ً ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺪاوة ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺒﻴﻠﺘﻴﻦ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺮﻋﻲ واﻟﻤﻴﺎه ،وﺗﻤﺠﻴﺪا ً ﻷﺳﻄﻮرة ﺣﺐ ﻣﺤﻠﻴﺔ ﻻ ﺗﻘﻞ ﻣﺄﺳﺎوﻳﺔ ﻋﻦ ﻗﺼﺔ روﻣﻴﻮ وﺟﻮﻟﻴﻴﺖ ،اﻧﺘﺤﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺎﺷﻘﺎن ،وﺗﺰاﻣﻨﺖ ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺮة ﻣﻊ ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺼﺎد. وﺛﺎن ﻳﻘﻮل إﻧﻪ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺎدث اﻟﻤﺄﺳﺎوي ،ﻗﺮرت اﻟﻘﺒﻴﻠﺘﺎن اﻟﺘﺼﺎﻟﺢ
واﻟﺴﻤﺎح ﺑﺘﺰوﻳﺞ ﺑﻨﺎت وﺷﺒﺎب اﻟﻘﺒﻴﻠﺘﻴﻦ ،وﺗﻨﻈﻴﻢ ﻣﻮﺳﻢ ﺳﻨﻮي ﻣﺨﺼﺺ ﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ اﻟﺰواج اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ،اﻟﻤﻠﻲء ﺑﺎﻟﺪﻻﻻت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ واﻟﺮﻣﺰﻳﺔ .وﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﺮى أن أﺳﻄﻮرة اﻟﻌﺎﺷﻘﻴﻦ ﺑﺎﺗﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﺨﻴﺎل اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺗﺮﻣﺰ إﻟﻰ اﻟﺘﺤﺮر واﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ اﺗﺨﺎذ اﻟﻘﺮار ﺧﺎرج ﺳﻴﺎج اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ وﺗﺸﻨﺠﺎﺗﻬﺎ .وﺻﻔﻮة اﻟﻘﻮل ،ﻳﺮوم ﻣﻮﺳﻢ »اﻣﻠﺸﻴﻞ« ،اﻹﺳﻬﺎم ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﺮﻣﺰي ﻟﻠﻤﻨﻄﻘﺔ ﻋﺒﺮ اﻟﻨﻬﻮض ﺑﺎﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺣﺔ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ،وﺗﺴﻠﻴﻂ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ﺑﺠﺒﺎل اﻟﻤﻐﺮب
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
35
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ĵĕĈz ąĠ ķñąĞĭĩ~ ćĪĔļ~ ïòû ķĩïĚz ķĠ
ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ اﻟﻤﺘﻘﻲ
ﻳﻌﻤﻞ ﺳﻜﺎن اﻟﺠﺒﺎل ﺑﺎﻟﻤﻐﺮب ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ِ ﺗﺨﺘﻒ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻈﻮاﻫﺮ واﻟﻌﺎدات اﻟﺮﻣﺰي ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ ،وﻫﻜﺬا ﻟﻢ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،اﻟﻤﻮﻏﻞ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ اﻟﺰﻣﻦ ،واﻟﺘﻲ ﻋﻤﻠﺖ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ إﻋﺎدة إﺣﻴﺎء ﻃﻘﻮس وﻣﻤﺎرﺳﺎت ﻛﺎدت ﺗﺨﺘﻔﻲ ﺑﻔﻌﻞ اﻳﻘﺎع اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ. ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ» ،اﻣﻠﺸﻴﻞ« اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻲ ﻇﻠﺖ ﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ إﺣﻴﺎء »ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺰوج« ﻓﻲ 23ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ،ﺣﻔﺎﻇﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺮﻣﺰي وذاﻛﺮﺗﻬﺎ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ. واﻣﻠﺸﻴﻞ ﻫﻲ ﻛﻠﻤﺔ أﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي ﻳﻜﻴﻞ ﻣﻨﻪ اﻟﻨﺎس اﻟﺰرع واﻟﺤﺒﻮب ﺷﺘﺎء ،وﺗﺴﺘﻮﻃﻦ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻗﺒﺎﺋﻞ »اﻳﺖ ﺣﺪﻳﺪو« اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺎً ﺑﻤﻘﺎوﻣﺘﻬﺎ اﻟﺸﺮﺳﺔ ﻟﻼﺣﺘﻼل اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ .وﻗﺎﺑﻌﺔ ﺑﻴﻦ أﺣﻀﺎن ﺟﺒﺎل اﻷﻃﻠﺲ اﻟﻮﻋﺮة ﺑﺎﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺘﺮاﺑﻴﺔ ﻟﺒﻮزﻣﻮ )إﻗﻠﻴﻢ ﻣﻴﺪﻟﺖ( ﻋﻠﻰ ارﺗﻔﺎع 2300ﻣﺘﺮ ﻋﻦ ﺳﻄﺢ اﻟﺒﺤﺮ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺷﺒﻪ ﻣﻌﺰوﻟﺔ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻋﻲ وﺑﻌﺾ اﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﻔﻼﺣﻴﺔ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ .وﻳﻤﺘﺪ ﻣﻮﻃﻨﻬﺎ ﻋﺒـﺮ ﻣﺴﺎﺣﺎت ﺷﺎﺳﻌﺔ. 34
ﻓﺮح أﺳﻄﻮري ﻓﻲ أﻋﺎﻟﻲ ﺟﺒﺎل ا>ﻃﻠﺲ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ
وﺗﺸﺘﻬﺮ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻛﻤﺎ أﺷﺮﻧﺎ آﻧﻔﺎ ،ﺑﺎﺣﺘﻔﺎﻻت اﻟﺨﻄﻮﺑﺔ واﻟﺰواج اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﺧﻼل ﻣﻮﺳﻢ اﻣﻠﺸﻴﻞ ،إذ ﺗﺤﺘﻔﻲ ﻗﺒﺎﺋﻞ »اﻳﺖ ﺣﺪﻳﺪو« ﺑﺸﺒﺎﺑﻬﺎ وﺳﻂ أﺟﻮاء ﻣﺪﻫﺸﺔ وﻃﻘﻮس ﺗﺒﺮز ﺛﺮاء اﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ اﻟﻀﺎرﺑﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ اﻟﺘﺎرﻳﺦ .ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺨﻄﻮﺑﺔ اﻟﺬي ﺗﻨﻈﻢ ﻣﺮاﺳﻴﻤﻪ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﺣﻮاﻟﻲ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮا ﻋﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ إﻣﻠﺸﻴﻞ وﺑﺴﻮق ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺟﺒﺎل اﻷﻃﻠﺲ ،ﻗﺮب ﺿﺮﻳﺢ ﺳﻴﺪي أوﻣﻐﻠﻲ واﻟﺬي ﻳﻘﺎم ﻟﻪ اﺣﺘﻔﺎل ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ،ﻣﻨﺬ ﺳﺘﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻟﻴﻜﺘﺴﻲ ﺻﻴﺘﺎً ﻋﺎﻟﻤﻴﺎً ،ﻟﺘﺨﻠﻴﺪه ﻃﻘﻮﺳﺎً ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺿﺎرﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺪم، ﺗﺤﺮص ﻗﺒﺎﺋﻞ »آﻳﺖ ﺣﺪﻳﺪو« اﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻜﻨﺖ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺮن ،17اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻘﻠﻴﺪا ً ﻣﻮروﺛﺎً. ﻗﺼﺔ ﺣﺐ ﺧﺎﻟﺪة
وﺗﺘﻨﺎﻗﻞ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ أن ﻫﺬه اﻻﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ اﻟﺴﻨﻮﻳﺔ ﺗﺨﻠﺪ ﻓﻲ اﻣﻠﺸﻴﻞ ﻗﺼﺔ ﺣﺐ ،ﻓﻔﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﻤﻮﻏﻞ ﻓﻲ اﻟﻘﺪم أﺣﺐ ﺷﺎب اﺳﻤﻪ "ﻣﻮﺣﺎ" ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ آﻳﺖ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ،وﻓﺘﺎة اﺳﻤﻬﺎ "ﺣﺎدة" ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ آﻳﺖ اﻋﺰه ،وﻛﺎن ﻣﺎ ﻳﺒﺘﻐﻴﻪ اﻟﻌﺎﺷﻘﺎن وﻳﻄﻤﺤﺎن إﻟﻴﻪ ﻫﻮ اﻟﺰواج، ﻟﻜﻦ اﻟﻌﺪاوة ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺒﻴﻠﺘﻴﻦ ﺟﻌﻠﺖ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺣﻠﻢ اﻟﺰواج ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻼت.
ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺎﻷﻧﺎﻗﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ واﻟﻠﻤﺴﺎت اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﻤﺼﺎﺣﺒﺔ واﻟﻮﺟﻪ اﻟﻤﺤﺘﺸﻢ واﻟﻤﺤﺎﻓﻆ ،وﻓﻮق ﻫﺬا وذاك ﺗﺒﺪو اﻷزﻳﺎء اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﻴﻤﻨﻴﺔ اﻧﻌﻜﺎﺳﺎً ﺻﺎدﻗﺎً وواﻗﻌﻴﺎً ﻟﻌﻼﻗﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﺒﻴﺌﺔ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺗﻨﺘﺠﻪ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻦ ﺗﻨﻮع وﺗﻠﻮن داﺋﻢ وﻣﺴﺘﻤﺮ .وﻗﺪ ﺣﺎوﻟﺖ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺎت إﻟﻘﺎء اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ وراء ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ اﻷزﻳﺎء ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ وﺧﺼﻮﺻﻴﺔ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى وﺑﻴﻦ اﻟﺰي اﻟﻤﻨﺘﻤﻲ ﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ واﻟﺼﻮرة اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻟﻤﺨﺘﻠﻒ اﻷزﻳﺎء ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ وﺻﻮﻻً إﻟﻰ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﻔﻨﻴﺔ واﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻟﻤﺠﻤﻞ اﻷزﻳﺎء اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ،وﻗﺪ ﺧﻠﺼﺖ ﺑﻌﺾ ﻫﺬه اﻟﺪراﺳﺎت إﻟﻰ أن أﺻﺎﻟﺔ اﻷزﻳﺎء ﻣﻦ أﺻﺎﻟﺔ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ،وأﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﻨﻴﻒ اﻷزﻳﺎء اﻟﻴﻤﻨﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺑﺤﺴﺐ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ واﻟﻤﻨﺎﺧﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻤﻴﺰ أزﻳﺎء اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﻋﻤﻮﻣﺎً ﺑﻔﺨﺎﻣﺔ اﻟﻤﺎدة اﻟﻨﺴﻴﺠﻴﺔ ودﻗﺘﻬﺎ وﺣﺮﺻﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻐﻄﻴﺔ ﻛﺎﻣﻞ اﻟﺠﺴﻢ .ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﻓﻨﻴﺔ ﻣﺘﻔﺮدة ﺣﻴﺚ ﺗﺤﻮي اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ أﻟﻮان اﻟﺰﺧﺮﻓﺔ واﻟﺘﻄﺮﻳﺰ وأﺳﺎﻟﻴﺐ ﻓﻨﻴﺔ ﻣﺪﻫﺸﺔ.
ĢĔïİĭĩ~ ïěĭöüĬ ~ĆĹĭĬ īijz ĮĬ ~ ķĠïĤùĩ~ ĵöĉĭĩ~ ĶĪĚ ĮĭĹĩ~ ķĠ óĹĪòüĩ ĶĪĚ ăÿĬ ćòĩ ĶĪĚ ąďöĤĸ Ąĩ~ Ćĩ~ ĵij ąāļ~ ĢĔïİĭĩ~ ĮĚ ïį ĢĔïİĭĩ~ Ąij xïİñz ¡ ïİij ąěĸ ïĬ z ķįïĭĹĩ~ ąüİĂĩ~ ąòöěĸ ķİĭĹĩ~ ïĉįľ~ ïĭĈ ąñz ĮĬ óĹòİüĩ~ ñ óĹĪòüĩ~ ĢĔïİĭĩ~ ķĠ
ﺟﻤﺎل ﻣﻌﺠﻢ اﻻﺧﺘﺼﺎﺻﻲ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ إن رﻗﺼﺔ اﻟﺒﺮع ﻫﻲ رﻗﺼﺔ ﻗﺘﺎﻟﻴﺔ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ..إذ إن اﻟﺤﺮﻛﺎت اﻟﺮاﻗﺼﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻮﺣﻲ ﺑﺎﻟﺠﻬﻮزﻳﻪ واﻻﺳﺘﻌﺪاد اﻟﺒﺪﻧﻲ واﻟﻨﻔﺴﻲ ﻟﻠﻘﺘﺎل. و ﻳﻌﺒّﺮ أﺑﻨﺎء اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻫﺬه اﻟﺮﻗﺼﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﻓﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺮاﻗﺼﻮن ﺧﻨﺎﺟﺮﻫﻢ إﻟﻰ اﻷﻋﻠﻰ ﻋﻦ أﻓﺮاﺣﻬﻢ وأﺣﺰاﻧﻬﻢ وﻛﺬﻟﻚ ﻋﻦ اﻧﺘﺼﺎراﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﺧﺼﻮﻣﻬﻢ. رﻗﺼﺔ اﻟﺒﺮع ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻤﻴﺰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻘﺒﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ﺑﺎﻟﺰواﻣﻞ وﻫﻲ أﺷﻌﺎر زﺟﻠﻴﺔ رﻗﺼﺔ اﻟﺒﺮع ﻣﻦ أﻫﻢ أﻟﻮان اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺤﻲ اﻟﺬي ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﻪ ﺗﻘﺎل ارﺗﺠﺎﻻً ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أﺻﻨﺎف اﻟﻄﻌﺎم اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ،ﺗﻨﺘﺸﺮ ﻫﺬه اﻟﺮﻗﺼﺔ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻓﻈﺎت ﺣﺠﻪ وﺻﻨﻌﺎء اﻟﺨﺎص اﻟﺬي ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺠﺪه إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ وﻟﻴﺲ ﻓﻲ وﺑﻌﺾ ﻣﻨﺎﻃﻖ إب وذﻣﺎر وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ...وﻳﻘﻮل ﻣﻨﻄﻘﺔ أﺧﺮى ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
33
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
وﻫﻮ أﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ ﻓﻲ ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﺳﻠﺴﻠﺔ ﺟﺒﺎل اﻟﺤﻴﻤﺘﻴﻦ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ واﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ،وﺣـﺮاز ﺑﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﺻﻨﻌﺎء .وﺳﻠﺴﻠﺔ ﺟﺒﺎل ﻣﺤﺎﻓﻈﺘﻲ رﻳﻤﺔ وإب ،وﻣﺮﺗﻔﻌﺎت ﺻﺒﺮ ﺑﺘﻌﺰ ،وﺟﺒﺎل ردﻓﺎن واﻟﻀﺎﻟﻊ.. وﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺎت ﻋﺎﻣﺮة ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة وﺑﻨﺒﺾ أﻫﺎﻟﻲ اﻟﻘﺮى اﻟﻤﺘﻨﺎﺛﺮة ﻋﻠﻰ ﻗﻤﻤﻬﺎ. ﻣﻤﻴﺰات ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ
ﻣﻦ أﻫﻢ ﻣﻤﻴﺰات ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻫﻮ اﻟﺰي اﻟﺬي ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻟﺒﺲ ﻣﺤﺪد ﻋﻠﻰ أﺑﻨﺎء óĹĎĵďĂñ óĹİĭĹĩ~ xïĸ ļ~ ĆĹĭöõ óěĹòĕĩ~ ïĦïÿĬ ĶĪĚ óĹĩïĚ ~ ăĤñ ăĸąĠ ~óĹĠ~ąĞüĩ~ óĤĕİĭĩ~ óîĹòĩ ~ ïĴĚ Ćį ĥĩ ĶĪĚ ăĸĆĸ uïĴĹĩ| ķĭöİõ ķöĩ ~ ïüĉįŀ~ ăþĵĩ~ ăĹĉüõ Ķĩ| ąĹòħĩ IJíïĭöį~ ęĭöüĭĩ~ ýí~ąċ ïîĠ ĮĹñ ~ ăíïĤěĩ~ ąħġĩ
32
ﺳﻜﺎن اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ
ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ دوﻧﺎً ﻋﻦ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻷﺧﺮى .وﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﺨﻨﺠﺮ اﻟﻴﻤﺎﻧﻲ أو ﻣﺎ ﻳُﻌﺮف ﻫﻨﺎك ﺑـ"اﻟﺠﻨﺒﻴﺔ" ﻣﻦ أﺑﺮز ﺳﻤﺎت اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻴﻤﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ،وﻫﺬه اﻟﺴﻤﺔ ﻻ ﺗﻨﺘﺸﺮ ﻛﺜﻴﺮا ً ﻓﻲ أوﺳﺎط اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﻏﻴﺮ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ،ﺑﺎﺗﺖ ﻋﻨﻮاﻧﺎً ﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻴﻤﻨﻲ ﺑﻜﺎﻣﻠﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺘﺒﺮﻫﺎ أﺑﻨﺎء اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﻣﻦ زﻳﻨﺔ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﻠﻮن ﺑﻬﺎ ﻓﻲ أﻏﻠﻰ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت ،وﻳﺘﺴﺎﺑﻖ أﺑﻨﺎء ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﻋﻠﻰ اﻗﺘﻨﺎء اﻓﺨﺮ وأﺟﻮد "اﻟﺠﻨﺎﺑﻲ" اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺼﻞ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻟﻤﻼﻳﻴﻦ اﻟﺮﻳﺎﻻت .وﺗﺤﻈﻰ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﻫﺬه اﻟﺨﻨﺎﺟﺮ ﺑﺮواج ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﺑﻌﻜﺲ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺴﻬﻮل واﻟﺴﻮاﺣﻞ واﻷرﻳﺎف ﺣﻴﺚ ﻻﺗﺤﻈﻰ ﺑﺄي ﺷﻌﺒﻴﺔ ﻫﻨﺎك. وﻋﺮف اﻟﻴﻤﻨﻴﻮن اﻷزﻳﺎء ﻣﻨﺬ أﻗﺪم اﻟﻌﺼﻮر وﺑﺮﻋﻮا ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺘﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻟﻠﻴﻤﻦ دورﻫﺎ اﻟﺒﺎرز ﻓﻲ ﻣﺠﺎل ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻤﻨﺴﻮﺟﺎت ﺳﻮاء ﻓﻲ ﻓﺘﺮة ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم أو ﻓﻲ اﻟﻌﻬﻮد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻗﺪ أﺷﺎرت اﻟﻤﺼﺎدر إﻟﻰ أن ﻣﻠﻮك اﻟﻴﻤﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ أﻧﺸﺄوا دورا ً ﻟﻠﻨﺴﻴﺞ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪر ﻋﻠﻴﻬﻢ دﺧﻼً ﻛﺒﻴﺮا ً ﻣﻦ اﻟﻤﺎل وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻨﺴﻮﺟﺎت اﻟﻴﻤﻨﻴﺔ -ﺣﺴﺐ ﺑﻌﺾ اﻟﺪراﺳﺎت -ﺗﺼﺪر إﻟﻰ ﺧﺎرج اﻟﺒﻼد. وﺗﺘﻤﻴﺰ اﻷزﻳﺎء اﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ﺑﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﻓﺮﻳﺪة وﺑﻘﺪرات ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺎﻛﺎة اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ واﻟﺒﻴﺌﺔ واﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻤﻲ إﻟﻴﻬﺎ ،وﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻧﺰوﻋﻬﺎ اﻟﻜﺒﻴﺮ إﻟﻰ ﺗﺠﺴﻴﺪ روح اﻟﻮﺣﺪة واﻻﻧﺴﺠﺎم ﺑﻴﻦ ﻓﺌﺎت وﺷﺮاﺋﺢ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ واﻧﺘﻤﺎﺋﻪ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﻌﻘﺎﺋﺪي ﻓﺄﻏﻠﺐ ﻫﺬه اﻷزﻳﺎء
ﺗﻔﺮد ﻣﻌﻤﺎري
ﺗﻤﺘﺎز اﻟﻘﺮى واﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ﺑﺄﻧﻤﺎط ﻣﻌﻤﺎرﻳﺔ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﺪن اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ وﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﺎ ﺻﻨﻌﺎء اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ وﺳﻂ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﺎل ﻋﻠﻰ ارﺗﻔﺎع ﻳﻨﺎﻫﺰ اﻟﺜﻼﺛﺔ آﻻف ﻣﺘﺮ ﻋﻦ ﻣﺴﺘﻮى ﺳﻄﺢ اﻟﺒﺤﺮ ﺣﻴﺚ ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺣﺠﺎرة اﻟﺒﻨﺎء اﻟﻤﻤﺰوج ﺑﺎﻟﻄﻴﻦ اﻟﺰﺧﺎرف واﻟﻨﻘﺸﺎت اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﺢ اﻟﺸﻜﻞ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻟﻠﻤﻨﺎزل ﺟﻤﺎﻻً أﺧﺎذا ً. وﻳﻘﻮل اﻟﻤﻬﻨﺪس اﻟﻤﻌﻤﺎري أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ ﻧﻮاس وﻫﻮ رﺋﻴﺲ ﺟﻤﻌﻴﺔ اﻟﺒﻨﺎﺋﻴﻦ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﻦ ﺑﺼﻨﻌﺎء اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ إن ﻛﻞ اﻟﻤﻨﺎزل ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﺗﺄﺧﺬ -ﺑﺸﻜﻞ أوﺑﺂﺧﺮ -ﺑﻌﺾ أﺷﻜﺎل اﻟﻌﻤﺮان اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي اﻟﺬي ﻳﺤﺎﻛﻲ ﻧﻤﻂ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﺼﻨﻌﺎﻧﻲ ،وﻳﻀﻴﻒ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻟـ»ﺗﺮاث«: إن ﻫﺬا اﻟﻨﻤﻂ اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻟﻔﺮﻳﺪ اﻟﺬي ﻳﻌﻮد ﻵﻻف اﻟﺴﻨﻮات ﻻ ﻳﺰال ﻳﻤﺜﻞ أﺑﺮز ﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﺒﻨﺎء ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺠﺒﻠﻲ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﻔﻮارق اﻟﻨﺴﺒﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﺘﻤﺪ ﺑﺼﻨﻌﺎء اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﺨﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﻘﻮاﻧﻴﻦ واﻷﻧﻈﻤﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪن اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ وﺑﻴﻦ اﻟﻤﻨﺎزل اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻨﻰ ﻓﻲ اﻟﻘﺮى ﻋﻠﻰ رؤوس اﻟﺠﺒﺎل وﺑﻌﻴﺪا ً ﻋﻦ أي ﻗﻴﻮد وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻳﻈﻞ اﻟﺘﻘﺎرب ﻣﻮﺟﻮدا ً ﻓﻲ ﻫﺬه اﻷﻧﻤﺎط اﻟﻌﻤﺮاﻧﻴﺔ اﻟﻤﺘﺒﻌﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ اﻟﻤﺘﺄﺛﺮة ﺑﺎﻟﻄﺮاز اﻟﺤﻤﻴﺮي اﻟﻘﺪﻳﻢ. وﻣــﻦ أﺷﻬﺮ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺟﺒﺎل ﻋﺘﻤﺔ ووﺻﺎب اﻟﺴﺎﻓﻞ ووﺻﺎب اﻟﻌﺎﻟﻲ ﺑﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ذﻣﺎر ،وﺟﺒﻞ اﻟﻨﺒﻲ ﺷﻌﻴﺐ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
31
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ﻣﻦ ﻫﺠﻤﺎت اﻷﻋﺪاء اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺘﻮﺟﻪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻟﻺﻧﺴﺎن اﻟﻴﻤﻨﻲ ﺻﻮب أﻋﺎﻟﻲ اﻟﺠﺒﺎل ﻓﻲ اﻷﺟﺰاء اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ واﻟﻮﺳﻄﻰ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد، إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ وﻓﺮﺗﻪ ﻋﻮاﻣﻞ اﻋﺘﺪال اﻟﻤﻨﺎخ وﺧﺼﻮﺑﺔ اﻟﺘﺮﺑﺔ اﻟﺰراﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب ﻻﺳﺘﻤﺮار ﻫﺬه اﻟﻜﺜﺎﻓﺔ اﻟﺴﻜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺎت رﻏﻢ اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت اﻟﻌﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ وﺗﻮﻓﻴﺮ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻬﻢ اﻟﻀﺮورﻳﺔ. وﻳﺮى ﺑﺎﺣﺜﻮن اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﻮن أن ﻫﺬا اﻟﺰﺧﻢ اﻟﺒﺸﺮي ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺎت اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﻣﺜّﻞ أﺣﺪ أﻫﻢ ﻣﺤﺪدات ﻋﺪم اﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ﻋﺒﺮ اﻟﻌﺼﻮر واﻷزﻣﺎن وأدى إﻟﻰ وﺟﻮد ﺟﻤﺎﻋﺎت ﺣﻀﺎرﻳﺔ وإﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ وإﻟﻰ ﺗﻨﻮع داﺧﻠﻲ ﻛﺒﻴﺮ ﺳﻮاء ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻌﺎدات واﻟﻄﻘﻮس اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ أو ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺘﻨﻮع اﻟﻤﺬﻫﺒﻲ اﻟﺪﻳﻨﻲ )ﺷﺎﻓﻌﻲ – زﻳﺪي – إﺳﻤﺎﻋﻴﻠﻲ( وﺑﺎﺗﺖ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻤﻴﻬﺎ ﺳﻜﺎن اﻟﺴﻬﻮل واﻟﺴﻮاﺣﻞ ﻣﺘﻔﺮدة ﺑﻌﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﺨﺘﻠﻒ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻊ ﺑﻘﻴﺔ ﺳﻜﺎن اﻟﺒﻼد ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻷﺧﺮى.
30
ﺳﻜﺎن اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ
إرث ﻗﺪﻳﻢ
ورث اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻴﻤﻨﻲ وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺎت اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﻋﺎدات اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﻋﺼﻮر ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻴﻼد وﻣﻌﻈﻢ ﻫﺬه اﻟﻄﻘﻮس ﻻﺗﺰال ﻣﻮﺟﻮدة إﻟﻲ اﻟﻴﻮم وﻳﻘﻮل اﻟﻤﺆرخ اﻟﻴﻤﻨﻲ/إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﻤﻘﺤﻔﻲ إن ﻣﻦ أﺑﺮز ﻃﻘﻮس اﻟﻴﻤﻨﻴﻴﻦ اﻟﻘﺪاﻣﻰ ﻣﻦ ﺳﻜﺎن اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺎت اﻟﻨﻈﺮة اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﻌﺮف ﺑـ»اﻟﻤﻜﺎرﺑﺔ« أو اﻟﻜﻬﺎن ،وﺳﺮ ذﻟﻚ اﻟﺘﺒﺠﻴﻞ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﻛﻮن ﻫﺆﻻء ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻤﺜﻠﻮن اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ .وﻳﻀﻴﻒ اﻟﻤﻘﺤﻔﻲ وﻫﻮ ﺻﺎﺣﺐ ﻛﺘﺎب ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻴﻤﻨﻴﺔ أن ذﻟﻚ اﻻﺣﺘﺮام اﻟﻌﻔﻮي اﻧﺘﻘﻞ ﻓﻲ ﻋﺼﻮر ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻹﺳﻼم وإﻟﻰ وﻗﺘﻨﺎ اﻟﺮاﻫﻦ إﻟﻰ ﻣﻦ أﺻﺒﺤﻮا ﻳﻌﺮﻓﻮن ﺑـ"اﻟﺴﺎدة" إذ ﻛﺎﻧﺖ وﻇﻴﻔﺘﻬﻢ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺧﻼل اﻟﻌﻘﻮد اﻷﺧﻴﺮة اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻤﻬﺎم اﻟﻮﺳﺎﻃﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻤﺘﻨﺎزﻋﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺳﺎدت ﺣﻴﻨﻬﺎ أﻋﺮاف ﻗﺒﻠﻴﺔ ﺑﺄن "اﻟﺴﺎدة" ﻻ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮن وﻻ ﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﺴﻼح ،وإﻧﻤﺎ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﺑﺄﻣﺎن ﺗﺤﺖ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ،ﺗﻠﻴﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎﻧﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻤﺮﻣﻮﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺠﺒﻠﻲ ﻃﺒﻘﺔ اﻟﻤﺸﺎﻳﺦ أو اﻟﻘﻀﺎة ،وﻫﺆﻻء ﻣﻦ أﺻﻮل ﻗﺒﻠﻴﺔ ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﺴﻼح ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻣﺎ ﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺼﻄﻠﺢ »اﻟﻘﺒﻴﻠﻲ« وﻫﻮ ﻓﻲ اﻟﻌﺎدة ﻣﻦ ﻳﺤﻤﻞ اﻟﺴﻼح ،وﻣﻦ ﻳﻘﻮم ﺑﺎﻷﻋﻤﺎل اﻟﺰراﻋﻴﺔ ،وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ اﻻﻗﺘﺼﺎر ﻋﻠﻰ زراﻋﺔ ﺑﻌﺾ اﻷﻧﻮاع ﻣﻦ اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت .وﻫﺬه اﻟﻌﺎدات اﻟﺘﻲ ﻳﺮى ﻛﺜﻴﺮون أﻧﻬﺎ ﺗﻨﺪرج ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ ﻻ ﺗﺰال ﺳﺎﺋﺪة وﺑﻘﻮة ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ زاﻟﺖ ﺗﺘﻌﺎﻣﻞ ﺑﺎزدراء ﻣﻊ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﻌﻤﻞ ﺑـ»اﻟﺠﺰارة« وﺑﻴﻊ اﻟﺘﻤﻮر واﻟﺤﻼﻗﺔ وﺑﻴﻊ اﻟﺨﻀﺮاوات وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺮف اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺎ أﻧﺎس ﻻﻳﺤﻖ ﻟﻬﻢ اﻟﺰواج ﻣﻦ »اﻟﺴﺎدة« أو اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ!
ﺻﻨﻌﺎء -زﻫﻮر ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ
ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ﻓﻘﻂ ودوﻧًﺎ ﻋﻦ ﺑﻠﺪان اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺗﻮﺟﺪ ﻗﺮﻳﺔ آﻫﻠﺔ ﺑﺎﻟﺴﻜﺎن ﻻ ﺗﻌﺮف ﻫﻄﻮل اﻟﻤﻄﺮ أﺑﺪا ،وإﻧﻤﺎ ﻳﺸﻢ أﺑﻨﺎؤﻫﺎ ﻋﺒﻴﺮ اﻷﻣﻄﺎر ﻋﻠﻰ اﻟــﺪوام ،ﻛﻮن ﻗﺮﻳﺘﻬﻢ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻮ ﺷﺎﻫﻖ وﺗﺮﻗﺪ ﻣﻨﺎزﻟﻬﺎ ﻓﻮق اﻟﺴﺤﺎب .ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﻗﺮﻳﺔ اﻟﺤﻄﻴﺐ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ ﺣﺮاز ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﺻﻨﻌﺎء ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻧﺤﻮ 100ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮ ﻏﺮﺑﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ. وﻳﻘﻮل ﺳﻜﺎن ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ إن ﻗﺮﻳﺘﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ ﻟﻬﺎ أن اﻏﺘﺴﻠﺖ ﺑﻤﺎء اﻟﻤﻄﺮ أﺑﺪً ا أو اﺳﺘﻈﻠﺖ ﺑﻔﻲء اﻟﻐﻴﻮم ﻣﻦ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ. وﻳﺘﻨﺎﻗﻠﻮن ﻋﻦ أﺟﺪادﻫﻢ ﻣﻨﺬ ﻣﺌﺎت اﻟﺴﻨﻴﻦ ﻫﺬه اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺄﻛﺪ ﻳﻮﻣﺎً ﺑﻌﺪ ﻳﻮم ﻓﻲ ﻋﻘﻮل اﻷﺟﻴﺎل اﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﻣﻦ ﻗﺎﻃﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺴﻜﻨﻴﺔ اﻟﻤﺘﻨﺎﺛﺮة ﻋﻠﻰ ﻗﻤﻢ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﺸﻮاﻫﻖ. ﻟﺠﺄ اﻟﻴﻤﻨﻴﻮن اﻟﻘﺪاﻣﻰ وﻣﻨﺬ آﻻف اﻟﺴﻨﻮات إﻟﻰ ﻗﻤﻢ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﻤﻤﺘﺪة ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻧﺴﺒﺘﻪ % 18ﻣﻦ إﺟﻤﺎﻟﻲ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ 500 أﻟﻒ ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮ ﻣﺮﺑﻊ ،ﻟﻜﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﻌﺎﺷﻘﻴﻦ ﻟﻠﻌﻴﺶ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﻴﻮم ﻳﺸﻜﻠﻮن ﺑﺤﺴﺐ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﻴﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ % 80ﻣﻦ إﺟﻤﺎﻟﻲ ﻋﺪد اﻟﺴﻜﺎن اﻟﺒﺎﻟﻎ ﻗﺮاﺑﺔ 40ﻣﻠﻴﻮن ﻧﺴﻤﺔ وﻓﻖ إﺣﺼﺎﺋﻴﺎت ﻏﻴﺮ رﺳﻤﻴﺔ .وﻛﺎن اﻟﺪاﻓﻊ اﻷﻣﻨﻲ واﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺴﻼم واﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
29
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ĵĹĞĩ~ ĵĠ ĊĹěĸ īĴĒěñ
ĮĭĹĩ~ ķĠ óĹĪòüĩ~ ĢĔïİĭĩ~ ïħĈ
28
ﺳﻜﺎن اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ
ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ أن اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻤﻨﺎﺟﻢ ﻳﻤﻜﻦ ﺣﺼﺮﻫﺎ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ وأواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ. اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ودﻻﺋﻞ اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﻓﻲ ﺟﺒﻞ اﻟﻈﻨﺔ
إذا ﻣﺎ رﺟﻌﻨﺎ ﻟﺘﺎرﻳﺦ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺒﺎرود اﻟﻤﺴﺘﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﻓﻴﻤﻜﻦ أن ﻳﻨﺴﺐ أول اﺳﺘﺨﺪام ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﻴﻦ وذﻟﻚ وﻓﻘﺎً ﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﻋﺎم 969اﻟﻤﻴﻼدي واﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪد اﺳﺘﺨﺪام ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﺼﻮارﻳﺦ اﻟﻨﺎرﻳﺔ. أﻣﺎ ﻓﻲ ﺟﻨﻮب ﺷﺮق ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻓﻤﻦ ﺷﺒﻪ اﻟﻤﺆﻛﺪ أن اﻟﺒﺎرود وﺻﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺘﻦ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﺒﺮﺗﻐﺎﻟﻴﺔ ﺑﺤﻠﻮل ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﺸﺮ واﺳﺘﺨﺪﻣﺘﻪ ﻛﺬﻟﻚ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﻬﻮﻟﻨﺪﻳﺔ واﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ واﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ أرﺟﺎء اﻟﺨﻠﻴﺞ ،وﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ دﻟﻴﻞ ﻳﺮﺑﻂ ﻣﻨﺎﺟﻢ اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﻓﻲ ﺟﺒﻞ اﻟﻈﻨﺔ ﺑﺄي درﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﻴﻘﻴﻦ ﻣﻊ اﻻﺳﺘﺨﺪام اﻟﺒﺤﺮي ﻟﻠﺒﺎرود ،ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﻌﺜﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺢ اﻟﺬي أُﺟﺮي ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﺒﺮﺗﻐﺎﻟﻴﺔ اﻟﻤﺘﺼﻠﺔ ﺑﺎﻟﺨﻠﻴﺞ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﺸﺒﻮﻧﺔ أي ذﻛﺮ ﻟﺠﺒﻞ اﻟﻈﻨﺔ ،أﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻓﻌﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﺴﺠﻼت اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﺗﺸﻴﺮ ﺗﺤﺪﻳﺪا ً إﻟﻰ ﺟﺒﻞ اﻟﻈﻨﺔ ﺧﻼل ﺛﻼﺛﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ،إﻻ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﺒﻴﻦ أي دﻻﺋﻞ ﺗﻮﺣﻲ ﺑﺄن اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﻴﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﻮردون اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﻣﻦ اﻟﺸﺮﻳﻂ اﻟﺴﺎﺣﻠﻲ ﺑﺄﺑﻮﻇﺒﻲ ،أو ﺣﺘﻰ أﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻋﻠﻰ دراﻳﺔ ﺑﻮﺟﻮد ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﺟﻢ ،وﻟﻜﻦ ﻋﺪم ذﻛﺮ ﻣﻨﺎﺟﻢ ﺟﺒﻞ اﻟﻈﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﻻ ﻳﻠﻐﻲ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺣﺼﻮل ﺑﻌﺾ اﻷﻃﺮاف اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎرود أو أي ﻣﻦ ﻣﻜﻮﻧﺎﺗﻪ واﻟﻤﺘﺎﺟﺮة ﺑﻪ ﻣﻊ اﻟﻘﻮى اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﻋﺒﺮ اﻷﺳﻮاق اﻟﻤﺘﻮاﺟﺪة ﻓﻲ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻷﺧﺮى. اﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﻓﻲ ﺟﺒﻞ اﻟﻈﻨﺔ
ﺗﺸﻴﺮ اﻟﻤﻘﺎﺑﻼت اﻟﺸﻔﻬﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺟﺮﻳﺖ ﻣﻊ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺳﻜﺎن اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،ﺑﺎﻟﺬات أﻓﺮاد ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻤﻨﺎﺻﻴﺮ واﻟﻘﺒﻴﺴﺎت واﻟﺮﻣﻴﺜﺎت ﺳﻜﺎن اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،إﻟﻰ أن اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﻛﺎن ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﻘﺮﻳﺐ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﻣﺮاﻫﻢ ﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ اﻹﺻﺎﺑﺎت اﻟﺠﻠﺪﻳﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺮﺣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻴﺐ اﻹﺑﻞ )ﻣﺮض اﻟﺠﺮب( ،ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻫﺬا اﻻﺳﺘﺨﺪام ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮﺿﻰ ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺮ أﻳﻀﺎً ،ﻓﺮواﻳﺔ أﺧﺮى ﻳﺆﻛﺪ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻋﻠﻰ أن اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﻳﺸﻔﻲ ﻣﻦ أﻣﺮاض ﻋﺪﻳﺪة ﻛﺎﻹﺻﺎﺑﺎت اﻟﺠﻠﺪﻳﺔ ،واﻟﺠﺬام وﻧﺰﻻت اﻟﺒﺮد ،واﻟﻴﺮﻗﺎن وﻟﺪﻏﺎت اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﺴﺎﻣﺔ .ﻛﻤﺎ أن ﻫﻨﺎك اﺳﺘﺨﺪاﻣﺎً آﺧﺮ ﻟﻠﻜﺒﺮﻳﺖ وﻫﻮ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺒﺎرود ،وﻟﻜﻦ ﻳﺒﻘﻰ اﻟﺴﺆال اﻟﻤﻬﻢ اﻟﺬي اﺣﺘﺎر ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻤﺎء اﻵﺛﺎر ،أي ﻣﻦ ﻫﺬه اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻟﻠﻜﺒﺮﻳﺖ ﻫﻮ اﻟﺬي ﺗﻢ ﻣﻦ أﺟﻠﻪ ﺗﻌﺪﻳﻦ اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﺑﺠﺒﻞ اﻟﻈﻨﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ أن ذﻟﻚ اﻟﺘﻌﺪﻳﻦ ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ اﺳﺘﺜﻤﺎر ﻓﻲ اﻟﺠﻬﺪ ﺑﺼﻮرة ﻣﺘﻘﻨﺔ ،ﺣﻴﺚ وﺟﺪت ﻣﻨﺎﺟﻢ اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﻓﻲ أﺷﻜﺎل ﻋﺪﻳﺪة ﻓﻤﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﺑﺌﺮ وﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺧﻨﺎدق ﻃﻮﻳﻠﺔ وﺿﻴﻘﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﻈﻬﺮ آﺛﺎر ﻻﺳﺘﺨﺪام أدوات ﺣﺪﻳﺪﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺪﻳﻦ ،وﻫﺬا اﺗﺠﺎه ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ أن اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ اﻟﻤﺴﺘﺨﺮج ﻛﺎن ﻳﻌﺪ ﻟﻠﺘﺼﺪﻳﺮ واﻟﺘﺠﺎرة ،أﻣﺎ
اﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ اﻟﺬي ذﻛﺮﺗﻪ اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺸﻔﻬﻴﺔ واﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ اﻻﺳﺘﺨﺪام اﻟﻄﺒﻲ واﻟﻌﻼﺟﻲ ﻓﻬﻮ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺴﺘﺨﺮﺟﻪ أﻫﺎﻟﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﻨﺬ ﻓﺘﺮة ﻗﺮﻳﺒﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،وﻛﺎن ﻳﺠﻤﻊ ﻣﻦ اﻟﺴﻄﺢ وﻣﻦ اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﺠﻴﻠﻮﺟﻴﺔ اﻟﺮﺧﻮة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺤﺪرات اﻷﻗﻞ ارﺗﻔﺎﻋﺎ ﺑﺎﻟﺠﺒﻞ. وﻧﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻘﻮل إن اﻛﺘﺸﺎف ﻣﻨﺎﺟﻢ اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ ﺟﺒﻞ اﻟﻈﻨﺔ ﻳﻀﻔﻲ ﺑﻌﺪا ً ﻣﻬﻤﺎً ﻳﻀﺎف إﻟﻰ رﺻﻴﺪ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﻫﺬه اﻷرض، ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻪ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ واﻟﻤﻬﺎرة ﻓﻲ اﺳﺘﻐﻼل اﻟﻤﻮارد اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻼد ،واﺳﺘﻐﻼﻟﻬﺎ ﻟﻠﺘﺼﺪﻳﺮ واﻟﺘﺠﺎرة ،واﻟﻴﻮم ﻳﻜﻤﻞ ﺟﺒﻞ اﻟﻈﻨﺔ ﻣﺴﻴﺮة ﻋﻄﺎﺋﻪ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ،وأﻫﻤﻴﺘﻪ ﻛﻤﻴﻨﺎء ﺗﺼﺪﻳﺮ ،وﺗﻈﻬﺮ أﻫﻤﻴﺔ ﺟﺒﻞ اﻟﻈﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﺿﺮ ﻓﻲ ﻛﻮﻧﻪ ﻳﻤﺜﻞ ﺑﻮاﺑﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻟﺘﺼﺪﻳﺮ ﻧﻔﻄﻬﺎ ﻟﻠﺨﺎرج ،ﻓﻌﻨﺪﻧﺎ ﺗﻢ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻨﻔﻂ ﻷول ﻣﺮة ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻓﻲ ﺣﻘﻞ ﺑﺎب )ﻣﺮﺑﺎن ،(3ﻓﻲ ﻋﺎم ،1958ﻟﺘﺒﺪأ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻹﻧﺘﺎج، واﻟﺘﺼﺪﻳﺮ ،ﺑﻌﺪ ﺛﻼث ﺳﻨﻮات ،ﺣﻴﺚ ﺗﻢ إﻧﺸﺎء ﺧﻂ أﻧﺎﺑﻴﺐ ﺑﻄﻮل 112 ﻛﻢ ،وﺑﻨﺎء ﻣﺤﻄﺔ ﻟﻠﺘﺼﺪﻳﺮ ﻓﻲ ﺟﺒﻞ اﻟﻈﻨﺔ اﻟﺬي اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻨﻪ أول ﺷﺤﻨﺔ ﺗﺼﺪﻳﺮ ﻟﻠﻨﻔﻂ ﻓﻲ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ دﻳﺴﻤﺒﺮ ﻋﺎم 1963 * ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
27
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
óİĘĩ~ Ĩòû īĴĬ ïĒþ ķĂĸ ïõ ĆĂĬ
ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻣﺴﻌﻮد اﻟﻤﻨﺼﻮري
ﺗﺸﻜﻞ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺟﺒﻞ اﻟﻈﻨﺔ ﻣﺨﺰوﻧﺎً ﺗﺎرﻳﺨﻴﺎً وﺣﻀﺎرﻳﺎً ﻣﻬﻤﺎً ،ﺗﻜﻤﻦ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺗﺠﻤﻊ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻵﺛﺎر واﻻﻗﺘﺼﺎد ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻟﻤﻘﻮﻣﺎت اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ .إذ ﺑﺎﺗﺖ ﺗﺤﺘﻞ -ﻓﻲ اﻵوﻧﺔ اﻷﺧﻴﺮة -ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻣﺮﻣﻮﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﺮﻳﻄﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ ،وﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﻃﺮﻓﻬﺎ اﻟﻐﺮﺑﻲ اﻟﻤﺠﺎور ﻟﻤﻨﻔﺬ اﻟﻐﻮﻳﻔﺎت اﻟﺤﺪودي ،ﺣﻴﺚ ﺗﻌﺘﺒﺮ أول ﻣﺤﻄﺔ ﺗﺴﺘﻘﺒﻞ زوار أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﻘﺎدﻣﻴﻦ ﻋﺒﺮ ﺑﻮاﺑﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ. اﻟﻤﻮﻗﻊ وﻟﻐﺰ اﻟﺘﻨﻘﻴﺐ
ﻣﻦ أﺑﺮز ﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰ ﺟﺒﻞ اﻟﻈﻨﺔ ،إرﺛﻬﺎ اﻟﺤﻀﺎري اﻟﺬي ﺗﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻛﺘﺸﺎف آﺛﺎر ﻟﺘﻌﺪﻳﻦ اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﻓﻲ أراﺿﻴﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﺐ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ .ﻓﺠﺒﻞ اﻟﻈﻨﺔ ﻳﻘﻊ ﻗﺒﺎﻟﺔ ﺟﺰﻳﺮة ﺻﻴﺮ ﺑﻨﻲ ﻳﺎس ،وﻳﻐﻄﻲ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺻﻐﻴﺮة إﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ ﺗﺒﻠﻎ 4ﻛﻢ ﺷﻤﺎل – ﺟﻨﻮب و3ﻛﻢ ﺷﺮق -ﻏﺮب ،وﻳﺒﻠﻎ ارﺗﻔﺎﻋﻪ 95 ﻣﺘﺮا ً ،وﻳﺒﻌﺪ ﻓﻘﻂ 2ﻛﻢ ﻋﻦ اﻟﺴﺎﺣﻞ .أﻣﺎ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺗﻜﻮﻳﻨﻪ ﻓﻬﻮ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺸﺒﻪ ﺑﺎﻟﺠﺰر ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ .وﻛﺒﻘﻴﺔ اﻟﺠﺰر -ﻣﺜﻞ ﺻﻴﺮ ﺑﻨﻲ ﻳﺎس ودﻟﻤﺎ وداس -ﻓﻬﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻗﺒﺔ ﻣﻠﺤﻴﺔ ﺗﻜﻮﻧﺖ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﻨﺸﺎط اﻟﺒﺮﻛﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﻳﺪﻓﻊ ﺑﻤﻠﺢ اﻟﺼﺨﻮر ﻣﻦ أﻋﻤﺎق اﻷرض ﺧﻼل اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻮﻫﺎ. ﺷﻜﻠﺖ آﺛﺎر ﺗﻌﺪﻳﻦ اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﻟﻐﺰا ً أﻣﺎم اﻟﺘﻨﻘﻴﺒﺎت اﻷﺛﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺪأت ﺑﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﻤﺴﺢ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﻨﺬ ﻋﺎم ،1998واﻟﺘﻲ ﺗﻤﺖ ﺑﺪﻋﻢ ﻣﻦ ﺷﺮﻛﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻟﻠﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺒﺘﺮوﻟﻴﺔ اﻟﺒﺮﻳﺔ )أدﻛﻮ( ،ﺣﻴﺚ أﺟﺮي ﻣﺴﺢ ﻛﺎﻣﻞ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﺟﻢ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻮﻓﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﻓﻲ ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ﻣﻦ ﻋﺎم ،2000أﺳﻔﺮ ﻋﻦ اﻧﺘﻘﺎء ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻣﺤﺪدة ﻹﺟﺮاء أﻋﻤﺎل اﻟﺘﺨﻄﻴﻂ واﻟﺘﻨﻘﻴﺐ اﻟﻤﻜﺜﻔﺔ وﻫﻮ ﻣﺎ أﻧﺠﺰ ﻓﻌﻼً ﻓﻲ ﻣﺎرس ﻣﻦ ﻋﺎم .2001أﻣﺎ ﻋﻦ اﻟﻠﻐﺰ ﻓﻬﻮ ﺳﺆال رﺋﻴﺲ وﻗﻒ أﻣﺎم اﻟﻤﻨﻘﺒﻴﻦ اﻷﺛﺮﻳﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ أﺷﺮﻓﻮا ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻨﻘﻴﺐ -وﻫﻢ ﺟﻴﻔﺮي ﻛﻨﻎ وﺑﻴﺘﺮ ﻫﻴﻠﻴﺮ وداﻧﻴﻞ ﻫﻞ -وﺗﻀﻤﻨﺘﻪ ﺑﺤﻮث
26
ﺟﺒﻞ اﻟﻈﻨﺔ ﻣﺨﺰون ﺗﺎرﻳﺨﻲ وﺣﻀﺎري ﻣﻬﻢ
اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ اﻟﺪوﻟﻲ اﻷول ﻵﺛﺎر اﻹﻣﺎرات ،ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺘﺮاث واﻟﺘﺎرﻳﺦ، ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،ص .284 - 278اﻟﺴﺆال ﻫﻮ :ﻣﺎ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ وﻗﻔﺖ أﻣﺎم ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻌﺪﻳﻦ؟ واﻟﺘﻲ اﺗﺨﺬت أرﺑﻌﺔ ﻧﻤﺎذج ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻳﻤﺜﻞ ﻧﻤﻮذﺟﺎن ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ أﺳﻠﻮب اﺳﺘﺨﺮاج ﻣﺎﻫﺮ وﻣﻨﺴﻖ ﻋﻠﻰ اﻣﺘﺪاد ﻓﺘﺮة ﻃﻮﻳﻠﺔ .وﻟﻤﺎذا ﻛﺎن ﻳﺴﺘﺨﺮج ذﻟﻚ اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ،ﺧﺎﺻﺔ أن اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺘﻌﺪﻳﻨﻲ اﻟﺬي ﺗﻢ ﻫﻨﺎك ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ اﺳﺘﺜﻤﺎر ﻛﺒﻴﺮ ﻟﻠﻮﻗﺖ واﻟﻤﻮارد واﻟﺠﻬﺪ اﻟﺒﺸﺮي؟ وﻣﺎ ﻫﻲ اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﺘﻲ وﻗﻔﺖ وراء اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ اﻟﻤﺴﺘﺨﺮج ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة؟ وﻗﺪ ﻇﻠﺖ ﺟﻤﻴﻊ ﺗﻠﻚ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻏﺎﻣﻀﺔ أﻣﺎم اﻟﻤﻨﻘﺒﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺣﺎوﻟﻮا رﺳﻢ ﺻﻮرة ﻟﻠﺒﻴﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻨﺸﺎط. أدﻟﺔ أﺛﺮﻳﺔ ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﻨﺎﺟﻢ اﻟﻈﻨﺔ
أدى اﻛﺘﺸﺎف ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻊ اﻟﺨﺰﻓﻴﺔ ﺣﻮل أﻛﻮام ﻣﺨﻠﻔﺎت اﻟﻤﻨﺎﺟﻢ إﻟﻰ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺗﺎرﻳﺦ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺎﺟﻢ اﻟﻜﺒﺮﻳﺘﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺮﻧﻴﻦ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ اﻟﻤﻴﻼدﻳﻴﻦ ،ﻛﻤﺎ ﻋﺜﺮ ﻋﻠﻰ أواﻧﻲ اﻟﻄﻬﻲ اﻟﺠﻠﻔﺎرﻳﺔ اﻟﻤﺘﻤﻴﺰة ذات اﻷﻳﺪي اﻷرﺑﻊ واﻟﺤﺎﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺣﺮف ) ،( sوﻛﺬﻟﻚ ﺟﺮار ﻋﺎﺟﻴﺔ اﻟﻠﻮن ذات ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻘﺒﺎض ،ﺗﺆﻛﺪ ﻛﺬﻟﻚ
ﻗﺪ دﻓﻨﺖ وﺗﻘﻊ ﻓﻲ إﺣﺪى ﻗﻤﻢ ﺟﺒﺎل دﻟﻤﺎ ﺧﻠﻒ »ﺟﺮن اﻟﺼﻔﺎﻓﻴﺮ« .وﻟﻘﺪ ﻗﺎم ﺳﻜﺎن ﺟﺰﻳﺮة دﻟﻤﺎ ﺑﺘﺨﺰﻳﻦ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻄﻮن ﺟﺒﺎل اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻓﻲ أﻣﺎﻛﻦ ﺗﻌﺮف ﺑﺎﺳﻢ »اﻷﻓﻼج« أو ﻣﺨﺎزن اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ ،وﺗﻘﻊ ﻗﺮب ﻗﺎﻋﺪة ﺟﺒﻞ ﻣﻦ ﺟﺒﺎل دﻟﻤﺎ ﻣﺤﻔﻮرة ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻖ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻣﺘﺮا ً ،وﻳﺨﺮج ﻣﻦ أﺳﻔﻞ ﻫﺬا اﻟﻤﺨﺰن ﻧﻔﻖ ﻳﻤﺮ ﺗﺤﺖ اﻷرض *ﺑﺎﺣﺜﺔ ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات
ﺻﺨﻮر ﺟﺒﺎل دﻟﻤﺎ
اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ: - 1ﺑﺜﻴﻨﺔ اﻟﻘﺒﻴﺴﻲ ،دﻟﻤﺎ:إﻃﻼﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﺷﺮﻛﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻟﻠﻄﺒﺎﻋﺔ واﻟﻨﺸﺮ.2017 ، - 2ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﻋﻴﺪ اﻟﻤﺮﻳﺨﻲ ،ﺟﺰﻳﺮة دﻟﻤﺎ واﻟﻐﻮص ﻋﻠﻰ اﻟﻠﺆﻟﺆ ﻓﻲ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ،د.ن.2017 ، - 3ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ،اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ ذاﻛﺮة أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ – اﻟﺤﻴﺎة اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ،-دﺑﻲ.1999 ، - 4ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﻊ ﻋﺪد ﻣﻦ ﺳﻜﺎن ﺟﺰﻳﺮة دﻟﻤﺎ.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
25
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ﺟﺒﺎل دﻟﻤﺎ
ﻟﻠﺴﻜﺎن وﻟﻠﺘﺠﺎر اﻟﻤﺘﺮددﻳﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺰﻳﺮة ،ﻣﺎ ﻳﺒﻴﻦ ﻛﺜﺮة اﻟﻤﻮاﺋﺪ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺪ ﻓﻲ دﻟﻤﺎ .وﻋﻠﻰ ﺿﻮء ﺑﻌﺾ اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺸﻔﺎﻫﻴﺔ ﻛﺎن ﻋﻨﺪ ﺟﺒﻞ ﻗﺮن اﻟﺼﻔﺎﻓﻴﺮ ﻣﺮﺑﻄﺎً ﻟﻠﺨﻴﻞ ﻳﻌﻮد ﻷﺣﺪ ﻓﺮﺳﺎن اﻟﺠﺰﻳﺮة. ﺟﺒﻞ ﺑﻮﻋﻤﺎﻣﻪ
ﻳﺼﻞ ارﺗﻔﺎع اﻟﺠﺒﻞ إﻟﻰ ﻧﺤﻮ 200ﻗﺪم وﻫﻮ أﺷﻬﺮ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﻤﺘﻮﺳﻄﺔ اﻻرﺗﻔﺎع ،وﻳﻘﻊ ﻓﻲ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺰﻳﺮة ،وﻗﺪ ﺳﻤﻲ اﻟﺠﺒﻞ ب "ﺑﻮﻋﻤﺎﻣﺔ" ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ ﺷﻜﻠﻪ واﻟﺬي ﻳﺒﺪو ﻟﻠﻘﺎدم إﻟﻰ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﻋﻤﺎﻣﺔ اﻟﺮﺟﻞ ،وﻳﻘﻊ ﻓﻲ أﺳﻔﻞ "ﺑﻮﻋﻤﺎﻣﺔ" ﻓﺮﻳﺞ ﻳﺪﻋﻰ ﺑﻔﺮﻳﺞ اﻟﺮﻣﻴﻠﺔ وﻏﺎﻟﺒﻴﺔ ﺳﻜﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﻘﺒﻴﺴﺎت :ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻢ وﺑﻦ ﻳﻌﻘﻮب وﺑﻦ ﺣﺴﻦ ﺑﻦ ﻗﺮﻳﻮش وﺑﻦ ﻫﺰﻳﻢ .وﻳﻘﻊ ﻓﻮق ﺟﺒﻞ ﺛﻼﺛﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ ﺗﺒﺮع أﺣﺪ أﺑﻨﺎء دﻟﻤﺎ ﻟﺒﻨﺎء ﺳﺪ أﺳﻤﻨﺘﻲ ﻓﻲ ﺑﻮﻋﻤﺎﻣﻪ ﻣﺼﻠﻰ ﻟﻠﻌﻴﺪ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻪ ﺳﻜﺎن اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻟﺴﻤﺎع ﺧﻄﺒﺔ اﻟﻌﻴﺪ اﻟﺠﺰﻳﺮة؛ ﻟﻼﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ ﻣﻴﺎه اﻷﻣﻄﺎر اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺴﺮب ﻓﻲ اﻟﺘﺮﺑﺔ، وﻟﻠﺼﻼة. وﻗﺪ اﺳﺘﻄﺎع أن ﻳﺤﻔﻆ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻷﻫﺎﻟﻲ وﺣﺘﻰ ﺳﻔﻦ اﻟﻐﻮص ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﻌﺬﺑﺔ ،وأﺻﺒﺢ ﻓﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻣﺨﺰون ﻫﺎﺋﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺎه ﻳﺘﺤﺪث اﻟﺴﺪود واﻷﻓﻼج ﻋﻨﻪ أﺑﻨﺎء اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ .وﻳﺬﻛﺮ ﻟﻨﺎ أن أﻫﻞ دﻟﻤﺎ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺒﻨﺎء اﻟﺒﺮك اﻷﺳﻤﻨﺘﻴﺔ أوﻟﻰ ﺳﻜﺎن ﺟﺰﻳﺮة دﻟﻤﺎ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﻌﺬﺑﺔ ،ﻟﺤﻔﻆ اﻟﻤﻴﺎه ﻋﻨﺪ ﻧﻬﺎﻳﺎت اﻟﺠﺒﺎل ﻣﺜﻞ :ﺑﺮﻛﺔ ﻣﺮﻳﻢ ﺑﻨﺖ ﺳﻨﺪ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺷﺢ اﻟﻤﻴﺎه وﻗﺘﺌﺬ ،ﺳﻮاء أﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻷﻣﻄﺎر أو اﻵﺑﺎر ،وﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺬﻛﺮون ﻟﻨﺎ أن ﻫﻨﺎك ﻋﻴﻦ ﻣﺎء
24
ﺟﺒﺎل ﺟﺰﻳﺮة دﻟﻤﺎ
ﻫﺬا اﻟﺠﺒﻞ ﻋﻼﻣﺔ إرﺷﺎدﻳﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﺑﺎرزة ﻟﻠﻘﺎدﻣﻴﻦ إﻟﻰ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﺒﺮ اﻻﺗﺠﺎﻫﺎت اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ،وﻳﺘﻤﻴﺰ اﻟﺠﺒﻞ ﺑﻠﻮن ﺻﺨﻮره اﻟﺨﻀﺮاء .وﻗﺪ ﺗﻐﻨﻰ اﻟﺸﻌﺮاء ﻗﺪﻳﻤﺎً ﺑﺘﻞ ﻣﻨﻴﻮخ: ﻣﻨﻴــــــــــﻮخ دﻟﻤــــــﺎ ﺑﺎﻧــــــﻲ ﻗــــــــﻢ ﻳــــــــــﺎ ﺣﻠــــﻰ اﻟﺸﻴﺎم وﺗﻘﻮد إﺣﺪى اﻟﺸﻌﺎب اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ ﻣﻦ وﺳﻂ ﺟﺰﻳﺮة دﻟﻤﺎ إﻟﻰ ﺟﺒﻞ اﻟﻤﻨﻴﻮخ، وﻫﻲ ﺷﻌﺒﺔ ﻫﺰﻳﻢ ،ﻧﺴﺒﺔ ﻟﻬﺰﻳﻢ ﺑﻦ ﺣﺴﻴﻦ ﻳﻌﻘﻮب اﻟﻘﺒﻴﺴﻲ ،وذﻟﻚ ﻷن اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻮﺳﻄﻴﺔ ﻟﻠﺠﺰﻳﺮة ﻣﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﺳﻼﺳﻞ ﺟﺒﻠﻴﺔ ،أو ﺗﻼل ،ﺗﻤﺘﺪ ﻋﺮوﻗﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻤﺮات ﻛﺒﻴﺮة وﺗﺼﻐﺮ ﺷﻴﺌﺎً ﻓﺸﻴﺌﺎً إﻟﻰ أن ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻋﻨﺪ ﺷﺎﻃﺊ اﻟﺠﺰﻳﺮة وذﻟﻚ ﻋﺒﺮ ﺷﻌﺎب .واﻟﺠﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ آﺧﺮ ﺷﻌﺒﺔ ﺑﻦ ﻫﺰﻳﻢ ﺛﻼث ﻋﻴﻮن ﻗﺪﻳﻤﺔ، وﺣﺎﻟﻴﺎً أﺻﺒﺤﺖ آﺑﺎر اﻟﻤﻴﺎه ﻣﺤﺎﻃﺔ ﺑﺴﻴﺎج ،ﻟﻴﻜﻮن ﻣﻌﻠﻤﺎً ﺗﺎرﻳﺨﻴﺎً ﻟﻠﺠﺰﻳﺮة. ﺟﺒﻞ ﻗﺮن اﻟﺼﻔﺎﻓﻴﺮ
ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ أﻫﻞ ﺟﺰﻳﺮة دﻟﻤﺎ ﺑـ"ﺟﺮن اﻟﺼﻔﺎﻓﻴﺮ" وﻳﻌﺪ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ ﺟﺒﺎل اﻟﺠﺰﻳﺮة ،وﻳﻘﻊ ﻓﻲ اﻟﺰاوﻳﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﻤﺒﻨﻴﺔ ﺣﺪﻳﺜﺎً .وﻗﺪ ﺳﻤﻲ ﺑﻬﺬا اﻻﺳﻢ ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﺼﻔﺎﻓﻴﺮ أو اﻟﺼﻔﺎرﻳﻦ ،واﻟﺼﻔﺮ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻣﻌﺪن اﻟﻨﺤﺎس ،ﺣﻴﺚ اﺷﺘﻬﺮ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓﻲ دﻟﻤﺎ ﺑﺼﻨﺎﻋﺔ اﻷواﻧﻲ اﻟﻤﻨﺰﻟﻴﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
23
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ïĭĩ ąĸĆû ïòû ﺑﺜﻴﻨﺔ ﺳﺎﻟﻢ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻘﺒﻴﺴﻲ*
ﺗﺎرﻳﺦ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺗﻼﻟﻬﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ اﻟﻤﺘﻤﺮﻛﺰة ﻓﻲ اﻟﻮﺳﻂ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻜﻤﺒﺮي .وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﺠﺒﺎل ﻳﻮﻣﺎً ﺟﺮداء ﺑﻞ اﻛﺘﺴﺖ ﺑﺎﻟﻨﺒﺎﺗﺎت اﻟﺤﻮﻟﻴﺔ واﻟﺘﻲ ﺷﻜﻠﺖ ﻣﺮاﻋﻲ ﻟﻺﺑﻞ وﻛﺬﻟﻚ ﺗﻮﻓﺮ ﺑﺮك اﻟﻤﺎء ﻋﻨﺪ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺠﺒﻞ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﺠﺒﺎل ﻳﻮﻣﺎً ﻣﺄﻫﻮﻟﻪ ﺑﺎﻟﺴﻜﺎن إﻻ ﻟﻤﻦ أراد اﻟﺼﻴﺪ ﻟﻴﻼً ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺬﻫﺒﻮن ،ﻓﻲ وﻗﺖ ﺳﺎﺑﻖ ،ﻟﻼﺧﺘﺒﺎء ﺧﻠﻒ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﻤﻄﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ ﻟﺼﻴﺪ اﻟﺴﻼﺣﻒ أو ﻟﺠﻤﻊ اﻟﺒﻴﺾ. وﻣﻦ أﺷﻬﺮ ﺟﺒﺎل ﺟﺰﻳﺮة دﻟﻤﺎ :ﺟﺒﻞ ﻣﻨﻴﻮخ ،وﺟﺒﻞ ﺑﻮﻋﻤﺎﻣﻪ ،وﺟﺮن اﻟﺼﻔﺎﻓﻴﺮ ،وﻫﻲ ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ اﻟﺘﺎﻟﻲ:
ﺗﻌﺪ ﺟﺰﻳﺮة دﻟﻤﺎ ﻣﻦ أﻗﺪم اﻟﺠﺰر اﻟﻤﺄﻫﻮﻟﺔ ﺑﺎﻟﺴﻜﺎن ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،وﺗﺒﻌﺪ ﻋﻦ ﺟﺰﻳﺮة أﺑﻮﻇﺒﻲ ﺑﺤﻮاﻟﻲ 210 ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮات ،وﻟﻄﺎﻟﻤﺎ ارﺗﺒﻄﺖ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﺑﺎﻟﻤﻼﺣﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﻠﻘﺔ وﺻﻞ ﺑﻴﻦ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺮﺣﻼت اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﺣﻮل اﻟﺠﺰﻳﺮة .وﺗﺘﻤﻴﺰ دﻟﻤﺎ ﺑﺄرض ﺑﺮﻛﺎﻧﻴﺔ ذات ﺗﺮاﻛﻴﺐ ﺻﺨﺮﻳﺔ ﺗﺸﺒﻪ اﻟﻨﺘﻮءات اﻟﺒﺎرزة ،وﻳﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﺠﺰﻳﺮة، ﺟﻬﺔ اﻟﺸﻤﺎل ،ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﺎل واﻟﺘﻼل اﻟﺼﺨﺮﻳﺔ ،ﻳﺘﺮاوح ﻟﻮﻧﻬﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻤﺮة واﻟﻘﺎﺗﻤﺔ واﻟﺴﻮاد ﺑﺴﺒﺐ وﺟﻮد أﻛﺴﻴﺪ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﺑﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ ﺟﺒﻞ اﻟﻤﻨﻴﻮخ ﻳﺼﻞ أﻋﻠﻰ ارﺗﻔﺎع ﻗﻤﺔ ﻓﻴﻬﺎ 244ﻗﺪﻣﺎً ﻓﻮق ﺳﻄﺢ اﻟﺒﺤﺮ. ﺣﻈﻲ ﺟﺒﻞ "ﻣﻨﻴﻮخ" ﺑﺸﻬﺮة ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﻷﻧﻪ ﻛﺎن "اﻟﻘﻤﺔ وﻳﻌﻮد ﺗﺎرﻳﺦ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺟﺒﺎﻟﻬﺎ وﺗﻼﻟﻬﺎ ،ﻋﻠﻰ ﺿﻮء أﺣﺪ اﻟﻤﺮاﺟﻊ ،إﻟﻰ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ اﻷﻋﻠﻰ ﻓﻲ ﺳﻤﺎء دﻟﻤﺎ ،..وﻳﺄﺗﻲ ﻣﻌﻨﺎه اﻟﺸﻤﻮخ واﻟﻌﺰة .وﻳﻌﺪ
22
ﺟﺒﺎل ﺟﺰﻳﺮة دﻟﻤﺎ
واﻻﺣﺘﺮام واﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ﻧﺼﻌﺪ ﻷﺟﻠﻪ ﻗﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ ﺣﺒﺎً وإﺟﻼﻻً ).(15 ﻓﻼن ﺣﺼﺎة ﻳﺒﻞوﻳﻌﻨﻲ أﻧﻪ ﺷﺨﺺ أﺻﻴﻞ ذو ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ،وﻛﺄﻧﻪ ﺻﺨﺮة ﻣﻦ ﺻﺨﻮر اﻟﺠﺒﺎل اﻟﻘﻮﻳﺔ).(16 اﻟﺠﺒﻞ ﻻ ﻳﺤﻮل وﻻ ﻳﺰولﻳﻀﺮب ﻟﻠﺮﺟﻞ اﻟﺼﺎرم واﻟﻘﻮي واﻟﻤﺸﻬﻮد ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻘﻮة واﻟﺜﺎﺑﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﻮاﻗﻒ واﻷﻓﻌﺎل ،ﻛﻨﺎﻳﺔ ﻋﻦ ﻗﻮﺗﻪ وﻣﻜﺎﻧﺘﻪ).(17 ﻳﺎ ﺟﺒﻞ ﻣﺎ ﻳﻬﺰك رﻳﺢواﻟﺠﺒﻞ ﻫﻨﺎ رﻣﺰ ﻟﻠﺸﺨﺺ اﻟﺜﺎﺑﺖ واﻟﻘﻮي ،اﻟﺬي ﻻ ﺗﻬﺰﻣﻪ اﻟﻤﻮاﻗﻒ واﻷزﻣﺎت ،وﻻ اﻧﺘﻘﺎدات اﻟﻤﻐﺮﺿﻴﻦ اﻟﺤﺎﻗﺪﻳﻦ ،واﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺎوز ﻣﺎ ﻳﻘﻒ أﻣﺎﻣﻪ .ﻓﻬﻮ ﻣﺜﻞ اﻟﺠﺒﻞ اﻟﺸﺎﻣﺦ اﻟﺼﺎﻣﺪ ﻓﻲ وﺟﻪ اﻟﺮﻳﺎح . وﻗﺪ اﺳﺘﻬﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم – ﻧﺎﺋﺐ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ رﺋﻴﺲ ﻣﺠﻠﺲ اﻟــﻮزراء ﺣﺎﻛﻢ إﻣﺎرة دﺑﻲ -ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪة ﻣﻬﺪاه ﻟﺼﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﻤﻠﻜﻲ اﻷﻣﻴﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻌﺰﻳﺰ آل ﺳﻌﻮد وﻟﻲ اﻟﻌﻬﺪ ﻧﺎﺋﺐ رﺋﻴﺲ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻮزراء وزﻳﺮ اﻟﺪﻓﺎع ﺑﺎﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ -ﺑﻬﺬا اﻟﻘﻮل اﻟﻤﺄﺛﻮر ،ﻗﺎﺋﻼ: ﻳـﺎ ﺟـــﺒﻞ ﻣـــﺎ ﻳﻬــــﺰك رﻳـــــﺢ ﻛــﻠﻨﺎ ﻓـﻲ ﺻﻔﻚ اﺧﻮاﻧﻚ )(18 ﻳﺘﺒﻴﻦ ﻣﻤﺎ ﺳﺒﻖ أن ﻣﺼﻄﻠﺢ اﻟﺠﺒﻞ ﻓﻲ اﻷﻣﺜﺎل ﺟﺎء ﺑﺄﺳﻠﻮب ﺳﻬﻞ وﻳﺴﻴﺮ ،وﻳﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻣﺒﻨﺎه وﻣﻌﻨﺎه روح اﻟﻌﺰة واﻟﺘﻨﺒﻴﻪ واﻟﺘﻮﻋﻴﺔ .وﻗﺪ ا ُﺳﺘﺨﺪم ﺑﺒﻼﻏﺔ ﻓﻲ ﺗﺰﻳﻴﻦ اﻟﻘﻴﻢ اﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ وﻣﻦ ﻳﺘﺤﻠﻰ ﺑﻬﺎ ،واﻧﺘﻘﺎد اﻟﻘﻴﻢ اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ وﻣﻦ ﻳﻤﺎرﺳﻬﺎ * ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث
اﻟﻬﻮاﻣﺶ: - 1اﻟﻜﻮﻳﺘﻲ ،اﻟﺤﻆ ﻣﺼﺒﺢ ﻓﺮﺣﺎن ،ﻳﻘﻮل اﻟﻤﺘﻮﺻﻒ أﻣﺜﺎل وأﻗﻮال ﺷﻌﺒﻴﺔ ُﺟﻤﻌﺖ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻌﻴﻦ ،أﺑﻮﻇﺒﻲ ،ﻫﻴﺌﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻟﻠﺴﻴﺎﺣﺔ واﻟﺘﺮاث ،ط ،2013 ،1ص 16؛ اﻟﺼﺒﺎغ ،اﺑﺮاﻫﻴﻢ راﺷﺪ ،اﻷﻣﺜﺎل اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،أﺑﻮﻇﺒﻲ ،ﻣﺆﺳﺴﺔ دار اﻟﻔﻜﺮ ﻟﻠﻄﺒﺎﻋﺔ واﻟﻨﺸﺮ، ،1978ص .10 - 2دﻟﻤﻮك ،ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺣﻤﺪان ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ أﺣﻤﺪ ،اﻟﻤﺘﻮﺻﻒ أﻣﺜﺎل وﺣﻜﻢ ﻣﻦ اﻹﻣــﺎرات ،دﺑﻲ ،ﻣﺮﻛﺰ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﻹﺣﻴﺎء اﻟﺘﺮاث ،ط،1 ،2014ص .19 - 3دﻟﻤﻮك ،اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص .168 - 4ﺣﻨﻈﻞ ،ﻓﺎﻟﺢ ،ﺟﺎﻣﻊ اﻷﻣﺜﺎل وﻣﺄﺛﻮر اﻷﻗﻮال واﻟﺤﻜﻢ واﻟﻜﻨﺎﻳﺎت ﻋﻨﺪ أﻫﻞ اﻹﻣــﺎرات دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻘﻴﻢ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ، أﺑﻮﻇﺒﻲ ،ﻫﻴﺌﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻟﻠﺴﻴﺎﺣﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ط ،2016 ،1ص .312 - 5دﻟﻤﻮك ،اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.251 - 6ﺣﻨﻈﻞ ،اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص 414؛ أﻧﻈﺮ اﻳﻀﺎً :اﻟﻜﻮﻳﺘﻲ ،اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص .138
- 7دﻟﻤﻮك ،اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.251 - 8ﺣﻨﻈﻞ ،اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص .304 - 9اﻟﻜﻮﻳﺘﻲ ،اﻟﺤﻆ ﻣﺼﺒﺢ ﻓﺮﺣﺎن ،ﻳﻘﻮل اﻟﻤﺘﻮﺻﻒ أﻣﺜﺎﻻً وأﻗﻮاﻻً ﺷﻌﺒﻴﺔ ُﺟﻤﻌﺖ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻌﻴﻦ ،ج ،2أﺑﻮﻇﺒﻲ ،ﻫﻴﺌﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻟﻠﺴﻴﺎﺣﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،2015 ،ص .46 - 10اﻟﻤﺰروﻋﻲ ،راﺷﺪ أﺣﻤﺪ ،ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ اﻷﻣﺜﺎل واﻷﻗﻮال اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة) ،د .ن( ،أﺑﻮﻇﺒﻲ ،ج ،1ط،2016 ،1 ص.99 - 11اﻟﺤﻤﻮز ،ﻋﺒﺪاﻟﻔﺘﺎح وآﺧــﺮون ،ﻣﻌﺠﻢ أﻟﻔﺎظ ﻟﻬﺠﺔ اﻹﻣﺎرات وﺗﺄﺻﻴﻠﻬﺎ ،اﻟﻌﻴﻦ ،ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺘﺮاث واﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ط ،2008 ،1ص .208 - 12ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ أﺟﺮﺗﻬﺎ ﻟﻨﺎ اﻷﺳﺘﺎذة /ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻘﺎﻳﺪي ،ﺑﺎﺣﺜﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،ﻣﻊ اﻟﺴﻴﺪ /ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻘﺎﻳﺪي، ﺷﻮﻛﺔ ،رأس اﻟﺨﻴﻤﺔ 18 ،ﻓﺒﺮاﻳﺮ /ﺷﺒﺎط .2019 - 13ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ أﺟﺮﺗﻬﺎ ﻟﻨﺎ اﻷﺳﺘﺎذة /أﺳﻤﺎء ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻜﻨﺪي ،ﺑﺎﺣﺜﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ وﺗﺎرﻳﺦ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،ﻣﻊ اﻟﺴﻴﺪة /ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻴﻤﺎﺣﻲ ،اﻟﻔﺠﻴﺮة 18 ،ﻓﺒﺮاﻳﺮ /ﺷﺒﺎط .2019 - 14ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ أﺟﺮﺗﻬﺎ اﻷﺳﺘﺎذة /ﻗﻤﺎﺷﺔ اﻟﺪرﻣﻜﻲ ،ﺑﺎﺣﺜﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ وﺗﺮاث دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،ﻣﻊ اﻷﺳﺘﺎذ /اﻟﺤﻆ ﻣﺼﺒﺢ اﻟﻜﻮﻳﺘﻲ ﺑﺎﺣﺚ ﻓﻲ داﺋﺮة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ،أﺑﻮﻇﺒﻲ 20 ،ﻓﺒﺮاﻳﺮ/ ﺷﺒﺎط .2019 - 15اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ. - 16اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ. - 17ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ أﺟﺮﺗﻬﺎ ﻟﻨﺎ اﻷﺳﺘﺎذة /أﺳﻤﺎء ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻜﻨﺪي ،ﺑﺎﺣﺜﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ وﺗﺎرﻳﺦ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،ﻣﻊ اﻟﺴﻴﺪ ﺳﻴﻒ راﺷﺪ اﻟﺪﻫﻤﺎﻧﻲ ،واﻟﺴﻴﺪ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻜﻌﺒﻲ ،واﻟﺴﻴﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻄﺮ اﻟﻜﺘﺒﻲ 21 ،ﻓﺒﺮاﻳﺮ /ﺷﺒﺎط .2019 https://www.alittihad.ae/article/70973/2018 - 18
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
21
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ğĎĵöĭĩ~ óĭħþ óĝŁñ ôĉħĚ
óĹõ~ ïĬľ~ ïùĬļ~ ķĠ iĨòüĩ~q ﻋﻨﺰ اﻟﺠﺒﻞ ﺗﺤﺐ اﻟﺘﻴﺲ اﻟﻐﺮﻳﺐﻣﻮزة ﻋﻮﻳﺺ ﻋﻠﻲ اﻟﺪرﻋﻲ ﻳﻀﺮب اﻟﻤﺜﻞ ﺑﺎﻟﻐﺮﻳﺐ اﻟﺬي ﻟﻪ ﻓﺘﻨﺔ) ،(8وﻓﻴﻪ ذم اﻟﻤﻴﻞ ﻟﻠﻐﺮﻳﺐ. ﺗﻌﺘﺒﺮ اﻷﻣﺜﺎل اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻣﺼﺪ ًرا ﻣﻬﻤﺎً ﻟﻠﻤﺆرخ وﻋﺎﻟﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎع وذﻟﻚ ﺑﺄن ﻳﻘﻮم اﻟﺸﺨﺺ ﺑﺎﻟﺘﻮدد ﻟﻠﻐﺮﺑﺎء وﻳﺤﺎﺑﻴﻬﻢ وﻳﻤﺎﺷﻴﻬﻢ ﺗﺎرﻛًﺎ واﻷدﻳــﺐ ،وﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﺨﺼﺼﻴﻦ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺮﺻﺪ واﻗﻊ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ أﻫﻠﻪ وﻣﻦ ﻫﻢ أﺣﻖ ﺑﺬﻟﻚ).(9 واﻟﺒﻴﺌﺔ ﻓﻲ اﻟﺰﻣﺎن واﻟﻤﻜﺎن ) .(1ودوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻣﺘﻌﺪدة اﻟﺒﻴﺌﺎت؛ ﺻﺤﺮاوﻳﺔ ،وﺳﺎﺣﻠﻴﺔ ،وﺟﺒﻠﻴﺔ .وﻗﺪ ﺟﺎءت أﻣﺜﺎﻟﻬﺎ -أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺣﻔﻴﺖ ﺑﻨﺰﻟﻪ ﻣﻌﺒﺮة ﻋﻦ ﻣﻌﻄﻴﺎت ﻛﻞ ﺑﻴﺌﺔ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ،وﻣﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻣﻔﺮداﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ وﺣﻔﻴﺖ ﻫﻮ اﻟﺠﺒﻞ اﻟﺸﻬﻴﺮ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﺑﺈﻣﺎرة أﺑﻮ ﻇﺒﻲ ،وﻧﺰﻟﺔ أي ﺧﻄﻮة ﻧﺰول واﺣﺪة ،أو درﺟﺔ ،أي أﻧﻪ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ ﺗﺼﻒ اﻟﻤﻌﻴﺸﺔ وأﺣﻮاﻟﻬﺎ ).(2 وﻓﻲ اﻷﺳﻄﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻧﺴﺘﻌﺮض ﻧﻤﺎذج ﻣﻦ اﻷﻣﺜﺎل اﻟﺘﻲ ﺻﻮر ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺪرﺟﺔ ،واﻟﻤﺜﻞ ﻧﻌﺖ ﻟﻠﺸﺨﺺ اﻟﻤﺘﻜﺒﺮ ﺑﺄﻧﻪ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ اﻟﻤﺘﻮﺻﻒ )ﻗﺎﺋﻞ اﻟﻤﺜﻞ( اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻣﺼﻄﻠﺢ اﻟﺠﺒﻞ )اﻟﻴﺒﻞ( ،وﻛﻴﻒ ﺗﻢ ﺑﺪرﺟﺔ .وﻳﻀﺮب ﺳﺨﺮﻳﺔ ﺑﺎﻷﺷﺨﺎص اﻟﻤﺘﻜﺒﺮﻳﻦ واﻟﻤﺘﻐﻄﺮﺳﻴﻦ ،وﻳﻘﺎل ﻟﻠﺬم).(10 ﺗﻮﻇﻴﻔﻪ ﻓﻲ اﻷﻣﺜﺎل اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ. )ﻋﻨﺪي ﺳﻴﻒ وﺳﻴﻔﻲ ﻓﻲ اﻟﻴﺒﻞ( أو )ﻗﺎل :وﻳﻦ ﺳﻴﻔﻚ؟ ﻗﺎل :ﻓﻮقاﻟﺠﺒﻞ( أي أن اﻟﺸﺨﺺ ﻳﺪﻋﻲ اﻣﺘﻼك ﺳﻴﻒ ،أودﻋﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﺒﻞ .وﻳﻀﺮب ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻳﺪﻋﻲ ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻴﻔﻌﻞ ﻛﺬا وﻛﺬا ،وﺣﻴﻦ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ﻳﺘﻨﺼﻞ ﻣﻦ وﻋﻮده) .(3أو ﻟﻤﻦ ﻳﺪﻋﻲ أﻧﻪ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻔﻴﺬ أﻣﺮ ﺻﻌﺐ، وﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ .ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم ﻳُﻀﺮب ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻹدﻋﺎء اﻟﻜﺎذب). (4
اﻟﻴﺒﻞ زﺑﻦ اﻟﻤﺴﺘﺨﻴﻒزﺑﻦ :ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻻذ إﻟﻴﻪ واﻋﺘﺼﻢ ﺑﻪ) .(11واﻟﻤﺴﺘﺨﻴﻒ أي اﻟﺨﺎﺋﻒ. وﻫﻨﺎ إﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﻟﺠﺒﻞ ﻳﺸﻜﻞ ﻣﻼذا ﻟﻜﻞ ﺧﺎﺋﻒ ،وﺧﺎﺻﺔ أﺛﻨﺎء اﻟﻐﺰوات واﻟﺤﺮوب ﻓﻲ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ) .(12وﻳﻀﺮب أﺣﻴﺎﻧﺎً ﻟﻠﺸﺨﺺ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻘﻮة واﻟﻤﺒﺎدئ واﻟﻘﻴﻢ اﻟﺬي ﻳﻘﻒ ﻣﻊ اﻟﺨﺎﺋﻒ اﻟﺬي ﻳﻤﺮ ﺑﻈﺮوف ﻗﺎﺳﻴﺔ.
راﻋﻲ اﻟﺠﺒﻞ ﻟﻮ ﺳﺎر اﻟﺒﺤﺮ ﻏﺮق وراﻋﻲ اﻟﺒﺤﺮ ﻟﻮ ﺳﺎر اﻟﺠﺒﻞﺑﻴﻄﻴﺢ)(13 ﻳﺖ ﺷﻮﻋﻪ ﻣﻦ اﻟﻴﺒﻞ وﻗﺎﻟﺖ ﺗﺰﺣﺰﺣﻲ ﻳﺎﺗﻴﻨﻪﻳﺖ :ﺟﺎءت ،وﺷﻮﻋﻪ :ﻧﺒﺎت ﺟﺒﻠﻲ ،وﺗﺰﺣﺰﺣﻲ أي اﺑﺘﻌﺪي .واﻟﻤﻌﻨﻰ وراﻋــﻲ اﻟﺸﻲء أي اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻟﻪ ﺧﺒﺮة ﺑﻪ ،وﺳﺎر أي ذﻫﺐ، اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ،ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﺷﺠﺮﺗﻴﻦ ﺗﻨﺒﺘﺎن ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات؛ اﻷوﻟﻰ ﺟﺒﻠﻴﺔ وﺑﻴﻄﻴﺢ :أي ﻳﻘﻊ أو ﻳﺴﻘﻂ .وﻫﻮ ﻗﻮل ﻳﻌﻨﻲ أن ﻛﻞ ﺻﺎﺣﺒﺔ ﻣﻬﻨﺔ ﺗﺴﻤﻰ»ﺷﻮﻋﻪ« ،وﻫﻲ ردﻳﺌﺔ اﻟﺤﻄﺐ ﻟﻴﺴﺖ ذات ﻓﺎﺋﺪة ،ﻫﺰﻳﻠﺔ ،أدري ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻏﻴﺮه. ﺳﻬﻠﺔ اﻟﺤﺮﻛﺔ ﻻ ﻗﺮار ﻟﻬﺎ .واﻷﺧــﺮى ﺷﺠﺮة اﻟﺘﻴﻦ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺰرع ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻔﻼﺣﻴﺔ) .(5وﺗﺮﻣﺰ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮﺗﻴﻦ إﻟﻰ ﺻﻔﺔ ﺑﺸﺮﻳﺔ - .ﺟﻠﺒﻪ ﺗﻨﺒﺢ ﻳﺒﻞ ﻓﺎﻷوﻟﻰ ﻣﺘﻄﻔﻠﺔ وﺻﻮﻟﻴﺔ ﺗﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎﻧﺔ اﻵﺧﺮﻳﻦ .واﻟﺘﻴﻨﺔ ﻫﻲ و»اﻟﺠﻠﺒﻪ« ﺑﻤﻌﻨﻰ »اﻟﻜﻠﺒﺔ« ،وﺗﻨﺒﺢ ﻣﻦ ﺻﻮت ﻧﺒﺎح اﻟﻜﻠﺐ ،ﻳُﻀﺮب اﻟﺸﺠﺮة اﻷﺻﻴﻠﺔ اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻳُﻘﺼﺪ ﺑﻬﺎ أﺻﺤﺎب اﻟﺨﺒﺮة واﻻﺧﺘﺼﺎص .ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ ،اﺳﺘﻬﺰا ًء ،أو ﻋﺪم اﻛﺘﺮاث ﺑﻤﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﺷﺨﺺ ،ﻛﺎﻟﺸﺨﺺ وﻳﻀﺮب اﻟﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻟﻐﺮﻳﺐ اﻟﺬي ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻜﺎن ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺪار أو ﻋﻤﻠﻪ .اﻟﺠﺒﺎن اﻟﺬي ﻳﻜﺜﺮ اﻟﻮﻋﻴﺪ واﻟﺘﻬﺪﻳﺪ وﻫﻮ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻋﺎﺟﺰ ﺣﺎﻟﻪ ﺣﺎل وﻛﺬﻟﻚ ﻳﻀﺮب ﻟﻠﺼﻐﻴﺮ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺤﻞ ﻣﺤﻞ اﻟﻜﺒﻴﺮ ،واﻟﻮﺿﻴﻊ ﻣﻜﺎن اﻟﻜﻠﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒﺢ ﻓﻲ اﻟﺠﺒﻞ وﻳﺘﺮدد ﺻﺪى ﺻﻮﺗﻬﺎ ﻇﻨﺎً ﻣﻨﻬﺎ أن اﻟﺠﺒﻞ ﻳﺘﺸﺎﺟﺮ ﻣﻌﻬﺎ).(14 اﻟﻌﻈﻴﻢ ،أي ﻳﻀﺮب ﻓﻲ ﻏﻤﻂ اﻟﺤﻘﻮق).(6 وﻗﺎل اﻟﺸﺎﻋﺮ: آﻣﺮ وأﻧﺎ ﺑﻤﺸﻲ ﻟﻚ ﻟﻮ ﺷﺎﻣﺦ ﻳﺒﻞﻏﺮﻧﻲ ﻃﻮﻟﻚ وﻣﻨــــــﺴﻮﻋﻚ واﻧﺖ ﻣﺜـــــــﻞ اﻟﺸﻮع ﻣﺎ ﺗﻌﻨﺎ ﻓﻲ اﻷﺻﻞ ﺑﻴﺖ ﺷﻌﺮي ،ﺻﺎر ﻣﺜﻼً ﻳُﺮاد ﺑﻪ أن ﻣﻦ ﻧُﻜﻦ ﻟﻪ اﻟﺤﺐ ﻟﻮ ﻧﺨــــــﻞ ﺑﺎﻧﻘﻄﻊ ﻳﺪوﻋﻚ ﻣﺎ ﻧﺒﺎ ﻗﻴﻈﻚ وﻟﻮ ﻳﻌــــــــﻨﺎ)(7 20
»اﻟﺠﺒﻞ« ﻓﻲ ا>ﻣﺜﺎل ا ﻣﺎراﺗﻴﺔ
ﻛﺎن واﻟﺪي ﻳﻜﺮر ،ﺧﺼﻮﺻﺎً ،اﻟﺒﻴﺖ اﻷﺧﻴﺮ :وﻗﻤﺖ أﺗﻌﻜﺰ ﻓﻮق ﻋﻮج اﻟﻤﺬارﻳﺐ /وﻗﺼﺮت ﺧﻄﺎي ﻳﻮم ﻃﺎﻟﻦ ﺧﻄﺎﻛﻢ)!( رﻏﻢ اﻧﻪ ﺻﻠﺐ اﻟﻌﻮد وﻻ ﺗﺰال ﺧﻄﻮﺗﻪ أﻃﻮل ﻣﻦ ﺧﻄﺎﻧﺎ«. وﺗﺴﺘﺤﻀﺮ اﻟﻨﺎﻗﺪة ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﺒﺮﻳﻜﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ وﻗﺼﺺ ﻓﺤﻮل اﻟﺸﻌﺮ وأﻗﺎﺻﻴﺺ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وﺷﺒﻬﺖ ﺗﺮﺑﻊ ﺟﺒﻞ ﺟﻨﻮب ﺷﺮﻗﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﺑﺸﻤﻮخ ﺟﺒﻞ »ﺛﺒﻴﺮ«» ،اﻟﺠﺒﻞ اﻷﺳﻮد اﻟﺬي وﺻﻔﻪ اﻣﺮؤ اﻟﻘﻴﺲ ﻓﻲ ﻣﻌﻠﻘﺘﻪ ﻟﺤﻈﺔ اﻧﻬﻤﺎر اﻟﻤﻄﺮ ﻋﻠﻴﻪ ،وﺷﺒﻬﻪ أﻳﻀﺎً ﺑﺸﻴﺦ ﻣﺴﻦ ﻣﻠﺘﻒ ﺑﺮداﺋﻪ. أﻧﺎس ﻓﻲ ﺑــــــﺠﺎد ُﻣﺰﻣﻞ. ﻛﺄن ﺛﺒﻴـــــﺮاً ﻓﻲ ﻋﺮاﻧﻴﻦ وﺑﻠﻪ ﻛﺒﻴﺮ ٍ واﻟﺠﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ أن »ﺟﺒﻞ ﺛﺒﻴﺮ« ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺟﺒﻞ »ﺣﺮاء« ﻓﻲ ﻣﻜﺔ وﻳﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﻳﺴﺎر اﻟﺬاﻫﺐ ﻣﻦ ﻣﻜﺔ إﻟﻰ ﻣﻨﻰ ،واﻟﻌﺮاﻧﻴﻦ :اﻷواﺋﻞ واﻷﺻﻞ ﻳﻘﺎل ﻟﻸﻧﻒ ،واﻟﻮﺑﻞ :ﻣﺎ ﻋﻈﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﺮ ،واﻟﺒﺠﺎد :ﻛﺴﺎء ﻣﺨﻄﻂ ﻣﻦ أﻛﺴﻴﺔ اﻷﻋﺮاب ﻣﻦ وﺑﺮ اﻹﺑﻞ وﺻﻮف اﻟﻐﻨﻢ ﻣﺨﻴﻄﺔ ،وﻣﺰﻣﻞ :ﻣﻠﺘﻒ. وﺗﺴﺎءل اﻹﻋﻼﻣﻲ ﻋﻴﺎش ﻣﺎذا ﻟﻮ ﻣﺸﻰ واﻧﻔﺘﺢ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻤﻌﺠﺰة أﻣﺎﻣﻪ ﻋﻠﻰ رأي أﺣﺪ ﺷﻌﺮاء إِﺳﺒﺎﻧﻴﺎ »ﻻ وﺟﻮد ﻟﻠﻄﺮﻳﻖ ،إِن اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻳﻤﺘﺪ أﻣﺎﻣﻚ ﺑﻔﻌﻞ اﻟﻤﺸﻲ« أو ﻋﻠﻰ رأي أﺑﻲ اﻟﻌﻼء اﻟﻤﻌﺮي» :ﺳﺮ إِن ْاﺳﻄَ ْﻌ َﺖ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء روﻳﺪا ً« ،وﻟﻜﻦ وﺟﺪ ﻋﻴﺎش أن اﻟﺠﻮﻫﺮ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻬﺬه اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻫﻮ ﻃﻬﺎرة اﻷرض اﻟﻤﻌﺠﻮﻧﺔ ﺗ ُﺮﺑﺘﻬﺎ ﺑﻌﻄﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺮﻳﻖ. ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ واﻟﺮﺣﺎﻟﺔ ﺛﻴﺴﺠﺮ
ﻳﺒﺤﺚ اﻷدﻳﺐ أﻣﺠﺪ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ اﻷدب اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺮﺣﻼت وﻳﻌﻠﻢ أن »ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ« ﻛﺎن ﻣﻘﺼﺪا ً ﻣﻌﻠﻮﻣﺎً ﻟﻬﻮاة ﺻﻴﺪ اﻟﻄﻴﻮر ،ﻛﻤﺎ أﻧﻪ
ﻣﻮﻃﻦ ﻟﻠﻤﺎﻋﺰ اﻟﺒﺮي اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻨﺎدر ،اﻟﻮﻋﻞ ،وﻳﻘﻮل» :وﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﻟﻠﺮﺣﺎﻟﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي »ﺛﻴﺴﺠﺮ« اﻟﺬي ﺧ َﻴﻢ ،ﻣﻊ رﻓﺎﻗﻪ »اﻟﺮواﺷﺪ« ،ﻓﻲ ﺳﻔﺤﻪ ،أن اﺻﻄﺎد وﻋﻼً ﺑ ّﺮﻳﺎً ﻓﻲ أﺣﺪ ﺟﻨﺒﺎﺗﻪ .أﻣﺎ اﻟﺒﺮﻳﻜﻲ ﻓﺘﻘﻮل إن اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي وﻳﻠﻔﺮد ﺛﻴﺴﺠﺮ أﻃﻠﻖ اﺳﻢ »ﺣﻮت ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ« ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ وذﻟﻚ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »اﻟﺮﻣﺎل اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ« ،ﻷﻧﻪ ﻳﺮى أﻧﻪ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺤﻮت ﺣﻴﻦ ﺗﺮاه ﻣﻦ اﻷﺳﻔﻞ. اﻟﻤﺒﺰرة اﻟﺨﻀﺮاء
ﺣﻴﻦ ﺗﻜﻮن ﻓﻲ ﺳﻔﺢ ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ ﻫﺬا ﻳﻌﻨﻲ أﻧﻚ ﻓﻲ »اﻟﻤﺒﺰرة«، وﻫﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺸﺮف ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺠﺒﻞ .وﺳﺘﺮى ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻌﺠﺰة ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﺠﺒﻞ اﻷﺧﻀﺮ اﻟﺼﺨﺮي أﺳﺎﺳﺎً إﻟﻰ ﺟﻨﺔ ﺧﻀﺮاء ﺗﺴﺮ اﻟﻨﺎﻇﺮﻳﻦ، إﻧﻬﺎ ﺧﻀﺮاء ﻓﻲ ﻣﻮاﺿﻊ ،وﺑﻨﻔﺴﺠﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻮاﺿﻊ أﺧﺮى .ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻌﻠﻦ ﺗﺤﺎﻟﻔﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺟﺰء ﻻ ﻳﺘﺠﺰأ ﻣﻨﻬﺎ ،وﺗﺸﺎرﻛﻬﺎ ﻟﻮﻧﻬﺎ اﻟﺬي ﻳﻤﻴﺰﻫﺎ ...وﻗﺪ أﺧﺬ راﺋﺤﺔ أﺷﺠﺎر اﻟﻤﺒﺰرة اﻟﻤﺰروﻋﺔ اﻟﺒﺎﺣﺜﺔ ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﺒﺮﻛﻲ وﻗﺎﻟﺖ":ﺑﻤﺠﺮد أن ﺗﻘﺘﺮب ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺒﺰرة ﺳﺘﺪاﻋﺐ أﻧﻔﻚ راﺋﺤﺔ اﻟﻌﺸﺐ اﻟﺬي ﺳﻘﻲ ﻟﻠﺘﻮ ،ورواﺋﺢ اﻟﺸﻮاء اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﻛﻞ اﻻﺗﺠﺎﻫﺎت ،وراﺋﺤﺔ اﻟﻔﺮح ﻛﺬﻟﻚ !!...ﻫﻞ ﻳﻮﺟﺪ أﺟﻤﻞ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﺤﺎﻟﻒ؟؟؟ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﺳﺘﻘﺮر أﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﺄﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺮة اﻟﻘﺎدﻣﺔ إﻻ وﻣﻌﻚ ﻋﺪة اﻟﺸﻮاء ،وﺟﻌﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺮح اﻟﻤﺆﺟﻞ ﻟﻴﻨﻄﻠﻖ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ.. ﺣﻴﺚ ﺗﻘﻴﻢ راﺋﺤﺔ اﻟﻌﺸﺐ داﺋﻤﺎً«.. * ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
19
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﺳﻮى اﻟﺘﻮﺟﻪ إﻟﻰ ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ ،ﻓﻬﻮ اﻟﺼﺪﻳﻖ اﻟﻮﻓﻲ ﻟﻜﻞ إﻧﺴﺎن ،وأﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ أﻧﻪ ﻛﺘﻮم ﺟﺪا ً ،ﻻ ﻳﻔﺸﻲ ﺳﺮا ً ،ﻣﻊ أﻧﻪ ﻣﺴﺘﻮدع ﻷﺳﺮار ﻳﺘﺠﺎوز ﻋﺪدﻫﺎ ﺿﻌﻒ ﻋﺪد زاﺋﺮﻳﻪ ﺑﻤﺮات ﻻ ﺗﺤﺼﻰ!" ﺛﻢ ﺗﺆﻛﺪ ﺑﺄن ﺣﻔﻴﺖ اﻟﺼﺪﻳﻖ اﻷﻧﺴﺐ ﻟﻤﺸﺎرﻛﺘﻚ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﺎﻻﺗﻚ":وﺑﻌﺪ أن ﻳﺠﺮب اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﺬﻫﺐ إﻟﻴﻪ وﻳﻠﻘﻲ أﺣﻤﺎﻟﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﺜﻘﻞ ﻛﺎﻫﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ، وﻳﺸﻌﺮ ﺑﺮاﺣﺔ ﻧﻔﺴﻴﺔ ﺗﻌﻘﺒﻬﺎ راﺣﺔ ﺑﺪﻧﻴﺔ ﻧﺘﻴﺠﺔ ذﻟﻚ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻜﺮر اﻷﻣﺮ ذاﺗﻪ ﻣﺮات وﻣﺮات ،وﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻴﻦ ﺑﺄﻧﻪ اﺳﺘﻮدع أﺳﺮاره ﻟﻤﻦ ﻫﻮ أﻫﻞ ﻟﺬﻟﻚ .ﺣﻴﺚ ﺗﻜﻮن ﻣﺴﺮورا ً ﺗﺸﻌﺮ أن ﺣﻔﻴﺖ ﻣﺴﺮور ﻛﺬﻟﻚ ،وﺗﺮى أﺿﻮاءه وﻛﺄﻧﻬﺎ أﺳﻨﺎﻧﻪ اﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮت ﺑﺎﻧﻔﺮاج ﺷﻔﺘﻴﻪ وﻫﻮ ﻳﺒﺘﺴﻢ ﻟﻚ وﻣﻌﻚ...وﺣﻴﺚ ﺗﻜﻮن ﺣﺰﻳﻨﺎً ،ﺳﺘﺸﻌﺮ ﻛﺬﻟﻚ أن ﺣﻔﻴﺖ ﺣﺰﻳﻦ ﻣﺜﻠﻚ، ً وﺳﺘﺒﺪو أﺿﻮاؤه وﻛﺄﻧﻬﺎ دﻣﻮﻋﻪ وﻗﺪ اﻏﺮورﻗﺖ ﺑﻬﺎ ﻋﻴﻨﺎه ﺗﻌﺒﻴﺮا ﻋﻦ واﺧﺬوا ﻛﻼم اﻟﺼـــــــﺪق ﻣﺎ ﺑﻪ ﺗﻜﺎذﻳﺐ ﻣﻮاﺳﺎﺗﻪ ﻟﻚ وﺗﻔﺎﻋﻠﻪ ﻣﻌﻚ".. وﻳﺎ ﻣﻮاﻓﻘﻴﻦ اﻟﺨــﻴﺮ ﺣﻨﺎ وﻳﺎﻛـــــــــﻢ ﺣﻔﻴﺖ وﻇﻼﻟﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ
ﺗﻔﺎﻋﻞ اﻷدﻳﺐ أﻣﺠﺪ ﻣﻊ ﻣﻔﺮدة »ﺣﻔﻴﺖ« اﻟﺘﻲ ﻧﻘﻠﺘﻪ ﻣﻦ اﻹﻃﺎر اﻟﻮاﻗﻌﻲ إﻟﻰ ﻓﻀﺎءات اﻟﺸﻌﺮ ،وﻻ ﻳﺠﺪ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺬي ﺣﻤﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺪﻋﺎء ﻗﺼﻴﺪة ﻟﻮﻻ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺘﻲ ذﻛﺮﺗﻪ ﺑﻬﺎ وﻳﻘﻮل ﺑﺄن اﻟﺬاﻛﺮة ﺗﻌﻤﻞ ﺑﻄﺮﻳﻘﺘﻬﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ ،وﻻ ﺧﻼص ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو ،ﻣﻦ ﺗﺪاﻋﻴﻬﺎ أو ﻋﺒﺌﻬﺎ أو ﻟﺆﻣﻬﺎ .ﻛﻤﺎ ﺗﺬﻛﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﻔﺰت ﻣﺮاﻗﻴﺐ« »أو ﺑﻠﻔﻆ آﺧﺮ: »ﻣﺮاﺟﻴﺐ« إﻟﻰ ذﻫﻨﻪ ،اﻟﻘﺼﻴﺪة اﻟﺒﺪوﻳﺔ ذاﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺮددﻫﺎ أﺑﻮه أﻣﺎﻣﻪ ،واﻟﺘﻲ ﺑﻮﺳﻊ اﻟﺸﺎﻋﺮ أن ﻳﺴﺘﺬﻛﺮ "اﻟﺬﻳﺐ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻲ اﻟﻤﺮاﺟﻴﺐ"، ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻪ ،ﻛﺬﻟﻚ ،أن ﻳﺮى ﻣﺨﺎﻳﻞ "اﻟﻄﺮوش" ﻓﻲ اﻟﺴﺮاب اﻟﻤﻨﺪاح دواﺋﺮ ﻓﻲ اﻷﺳﻔﻞ .وأﺑﻴﺎت اﻟﻘﺼﻴﺪة ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ اﻟﺘﺎﻟﻲ: وﻳﺎ ﻃﺮوش ﻳﻠﻠﻲ ﻧﺎﺣﺮﻳﻦ اﻟﻤــﺮاﺟﻴﺐ اﺗﺮﻳﻀﻮ ﻟﻲ وﻗﺼﺮوا ﻣﻦ ﺧﻄــــــﺎﻛﻢ
18
ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ ﻓﻲ ا ﺑﺪاع اﻟﺴﺮدي ا>دﺑﻲ
وﻫﺪﻳﺖ ﺑﻴﻜـــﻢ راﺟﻞ ﻟــﻮادي ﺳﻼﺣﻴﺐ وﻟﻘﻴﺖ ﺑﺼﺔ ﺧـــﺎﻣﺪة ﻓﻲ ﺟﻤﺎﻛﻢ واﺳـــــﻌﻰ ﻣﻊ اﻟﺨﻠﻘﺎن واراﻓﻖ اﻟﺬﻳﺐ وﻣـــﻦ ﺧﻮف ﻻ ﻳﻨﻘﺺ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻋﺸﺎﻛﻢ وﻳﺎ ﻋﻴﺎل ﻣــــﺎ ﺳﺮﺣﺘﻜﻢ ﻣـــﻊ اﻻﺟﺎﻧﻴﺐ وﻻ ﻋﺎﻟﺼﻘﻌﺔ ﻛﻠــــــــﻴﺘﻢ ﻏﺪاﻛﻢ واﺣﻔﻴﺖ رﺟــﻠﻲ ﻓﻲ ﺳـــﻤﻮم اﻟﻠﻮاﻫﻴﺐ وﺧﻠﻴﺖ ﻟﺤـــــﻢ اﻟﺮﻳﻢ ﻳﺨﺎﻟﻂ ﻋﺸﺎﻛﻢ وﻗﻤﺖ اﺗﻌـــــﻜﺰ ﻓــﻮق ﻋﻮج اﻟﻤﺬارﻳﺐ وﻗﺼﺮت ﺧﻄﺎي ﻳﻮم ﻃﺎﻟﻦ ﺧﻄﺎﻛﻢ ﺛﻢ ﻳﻘﻮل أﻣﺠﺪ» :ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎك ﺳﺒﺐ ﻟﺪى واﻟﺪي ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎ آﻣﻞ ،ﻟﻤﻘﺎرﻧﺔ ﻣﺼﻴﺮه ﺑﻤﺼﻴﺮ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺒﺪوي اﻟﺬي أﺳﺎء أوﻻده ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻪ رﻏﻢ أﻧﻪ »أﺣﻔﻰ« ﻗﺪﻣﻴﻪ ﻓﻲ ﺳﻤﻮم »اﻟﻠﻮاﻫﻴﺐ« ﺑﻐﻴﺔ ﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﻄﻌﺎم ﻟﻬﻢ.
وﻗﺘﻪ ﺷﻤﻮﻋﻪ اﻟﻤﻤﺘﺪة ﻣﻦ ﻗﻤﺘﻪ إﻟﻰ ﺳﻔﺤﻪ ،ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺣﻠﺰوﻧﻲ ﻳﺰﻳﺪه أﻟﻘﺎه وﺗﻸﻟﺆا ً..ﻛﺄﻧﻪ ارﺗﺪى »ﺑﺸﺘﻪ« اﻷﺳﻮد اﻟﻤﻄﺮز ﺑﺨﻴﻮط ﻣﻦ ذﻫﺐ ،ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺜﺒﺖ ﻟﺸﺪة ﻟﻤﻌﺎﻧﻬﺎ .وﺗﻘﻮل":ﻫﻞ ﺗﺘﺨﻴﻞ ﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮن ﺟﻤﺎل اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ اﻟﺬﻫﺒﻲ ﻋﻠﻰ »اﻟﺒﺸﺖ« اﻷﺳﻮد؟ وﻫﻞ ﺗﺘﺨﻴﻞ ﻛﻴﻒ ﺳﺘﻜﻮن ﺟﺎذﺑﻴﺘﻪ ،وﻛﻴﻒ ﺳﺘﻀﻴﻒ إﻟﻰ وﻗﺎره ﺟﻤﺎﻻً ﻻ ﺗﺼﻔﻪ اﻟﻜﻠﻤﺎت؟" وﻟﻜﻦ اﻟﺒﺮﻳﻜﻲ ﻓﻀﻠﺖ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ آﺧﺮ أن ﺗﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ "ﺣﻔﻴﺖ" ﻟﻘﺐ »ﻣﻮﻧﺎﻟﻴﺰا اﻟﻌﻴﻦ« ،ﻷن ﻟﻪ ﺳﺤﺮا ً ﻛﺴﺤﺮﻫﺎ ،وﻓﻲ اﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ اﻟﺨﺠﻮﻟﺔ اﻟﺤﻨﻮﻧﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﺴﻢ ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ ،وﻧﺮاﻫﺎ ﺑﻌﻴﻮن ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ!". اﻹﺑﺪاع ﻓﻲ وﺻﻒ »ﺣﻔﻴﺖ«
ﺑﺪا »ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ« ﻟﻸدﻳﺐ أﻣﺠﺪ ﻛﺤﺸﺪ ﻣﻦ اﻷﻧﺼﺎب اﻟﺒﺪاﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻴﻂ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﺮب ،وﺑﺪا ﻟﻪ أﻳﻀﺎً ﻛﻌﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﺎل وﻗﻠﺖ ﻋﺎﺋﻠ ًﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﺎل وﻗﻠﺖ »ﻗﻠﺖ ﺟﺒﻼً، »اﻟﻤﺮاﻗﻴﺐ« .وﻳﻘﻮل: ُ ُ ﺳﻠﺴﻠ ًﺔ ﻓﻘﺮﻳ ًﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺎدة اﻟﺘﻲ ﻗ ّﺪت ﻣﻨﻬﺎ أﻧﺼﺎب اﻵﻟﻬﺔ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻗﻠﺖ ،أﻳﻀﺎً ،ﻣﺮﻗﺎﺑﺎً« .وﻣﻦ زاوﻳﺔ أﺧﺮى ازداد ﺟﻤﺎل »ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ« ُ ﻣﺴﺎ ًء ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺮﻳﻜﻲ وﺷﺒﻬﺖ اﻟﻠﻴﻞ ﺑﻐﻄﺎء أﺳﻮد ﻳﻮﻗﺪ اﻟﺠﺒﻞ ﻓﻲ
اﻟﺤﺎرس واﻟﺼﺪﻳﻖ
أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻹﻋﻼﻣﻲ ﻋﻴﺎش ﻋﻦ »ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ« أﻧﻪ »رﻓﻴﻖ« واﺣﺔ اﻟﻌﻴﻦ« اﻷﺑﺪي وﺑﺼﻴﺮﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﻮف ﻓﻲ اﻵﻓﺎق ،وﻛﻨﺰﻫﺎ اﻟﻤﻔﻌﻢ ﺑﺎﻷﺧﺒﺎر واﻟﺨﻴﺮات" ،ﻛﻤﺎ وﺻﻔﻪ ﺑﺎﻟﺤﺎرس اﻷﻣﻴﻦ واﻟﺸﻴﺦ اﻟﺬي ﺣ ّﻨﻜﺘﻪ ﺗﺠﺎرب اﻟﻌﺼﻮر واﻟﺪﻫﻮر .وﺗﺼﻔﻪ اﻟﻨﺎﻗﺪة د .ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﺒﺮﻳﻜﻲ وﻓﻲ ﻣﺨﻠﺺ، ﺑﺎﻟﺼﺪﻳﻖ اﻟﻮﻓﻲ ﻟﻜﻞ إﻧﺴﺎن":إن ﻛﻨﺖ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺻﺪﻳﻖ ّ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
17
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ﻋﻴﺎش ﻳﺤﻴﺎوي
ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﺒﺮﻳﻜﻲ
اﻛﺘﺸﻔﻬﺎ ﺧﺒﻴﺮ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺒﺮﻳﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮر رﺿﺎ ﺧﺎن ﻋﺎم ،1998ﺑﻌﺪ أن ﻗﺎم ﺑﻤﺴﺢ ﺷﺎﻣﻞ ودﻗﻴﻖ ﻟﻸودﻳﺔ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﻣﻦ »ﻣﺴﺎﻓﻲ« إِﻟﻰ »ﺣﺘﺎ« وﻟﻢ ﻳﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ أﺛﺮ ﻟﻬﺎ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻔﺎﺟﺄة أن ﺷﺠﺮة "اﻟﻘﻔﺺ" ﺗﺨﺘﺒﺊ ﻣﺜﻞ اﻷرﻧﺐ اﻟﺒﺮي اﻟﺤﺮﻳﺺ ﻋﻠﻰ أﻣﻨﻪ ﺗﺤﺖ اﻟﺠﻨﺎح اﻟﺸﺮﻗﻲ ﻟﺠﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ. ﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻴﺎش» :وإِذا ﺳﺄﻟﺖ ﺳﻜﺎن اﻟﺸﻌﺒﻴﺎت اﻟﻤﺠﺎوره – ﻟﺤﻔﻴﺖ -ﻋﻨﻬﺎ ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻚ» :إن اﻟﻤﺎﻋﺰ ﻻ ﺗﺄﻛﻞ أﻏﺼﺎن اﻟﺸﺠﺮة ﻻرﺗﻔﺎع ﻧﺴﺒﺔ اﻟﺴﻤﻴﺔ ﻓﻲ أوراﻗﻬﺎ« .ﻏﻴﺮ أن ﻋﻴﺎش وﺟﺪﻫﻢ أﻧﻬﻢ اﻛﺘﺸﻔﻮا ﻣﻦ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻣﺴﺎﻫﻤﺔ أوراق ﺷﺠﺮة "اﻟﻘﻔﺺ" ﻓﻲ ﻋﻼج ﺑﻌﺾ اﻷورام اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﺼﻴﺐ اﻹﻧﺴﺎن .وﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﺻﻤﺖ ﺟﺒﻞ »ﺣﻔﻴﺖ« ﺳﻤﻊ اﻷدﻳﺐ أﻣﺠﺪ ﺗﻐﺮﻳﺪات ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻄﻴﻮر اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﻜﺪ ﻳﺮاﻫﺎ» :أﺣﺎول أن أرى ﺷﻴﺌﺎً ﻳﺘﺤﺮك ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻔﻀﺎء اﻟﻤﻔﺘﻮح .ﻓﻼ أرى ﺷﻴﺌﺎً .ﺑﻠﻰ ،ﻫﻨﺎك ﻃﺎﺋﺮ ﻳﺤﻠﻖ ﻓﻲ ﺷﻜﻞ داﺋﺮي ﻓﻮق ﺑﻘﻌﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻞ .ﻫﻞ ﻫﻮ ﻋﻘﺎب؟
16
ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ ﻓﻲ ا ﺑﺪاع اﻟﺴﺮدي ا>دﺑﻲ
أﻣﺠﺪ ﻧﺎﺻﺮ
ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻛﺬﻟﻚ ﻷﻧﻪ ﺑﺪا ﻟﻲ ﻳﺘﺎﺑﻊ ﺑﻌﻴﻨﻪ اﻟﻴﻘﻈﺔ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﺎ ،ﺛﻢ ﻓﺠﺄة، اﻧﻘﺾ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻘﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺮﺻﺪﻫﺎ ﺑﺘﺤﻠﻴﻘﻪ اﻟﺪاﺋﺮي اﻟﻤﺜﺎﺑﺮ«. وﺷﺎﻫﺪ أﻳﻀﺎً اﻟﺤﻤﺎم وﻫﻮ ﺟﺎﻟﺲ ﻓﻲ ﺗﺠﻮﻳﻒ داﺧﻞ ﺻﺨﺮة ،وأﺷﺎر ﺑﺄن ﺑﻌﺾ اﻟﻄﻴﻮر ﺗﺘﺨﺬ ﻣﻦ ﺷﻘﻮق اﻟﺠﺒﻞ وﻓﺘﺤﺎﺗﻪ أﻋﺸﺎﺷﺎً أو اﺳﺘﺮاﺣﺎت ﻟﻪ ﻣﺎ إن ﻳﺴﻤﻊ ﻫﺪﻳﺮ اﻟﺴﻴﺎرة ﺗﻘﺘﺮب ﻣﻨﻬﺎ .وﺷﺎﻫﺪ اﻹﻋﻼﻣﻲ ﻋﻴﺎش وﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ »ﺣﻔﻴﺖ« اﻟﻨﺴﺮ اﻟﻤﺼﺮي ﻣﻨﺪﻓﻌﺎً ﻣﻊ اﻟﻬﻮاء ﻓﻮق أﺣﺪ أودﻳﺔ اﻟﺠﺒﻞ ﺷﺮﻗﺎً ﻟﻴﺘﺤﻮل ﻓﺠﺄة أﻣﺎﻣﻪ ﻛﻨﻘﻄﺔ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء ﺗﻈﻬﺮ ﺗﻀﻤﺤﻞ ﻓﻲ اﻟﻔﺴﻴﺢ اﻟﻼﻧﻬﺎﺋﻲ .وﻳﻘﻮل»:ﻗﺪ ﺗﺘﻜ ّﻬﻦ ﻓﻲ ّ وﺗﺨﺘﻔﻲ ،ﺛﻢ ﺳﺮﻳﺮﺗﻚ ﻗﺎﺋﻼً :رﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻋﺪ ﻣﻊ ﻓﺮﻳﺴﺔ ودﻳﻜﺔ ﻓﻲ »أم اﻟﺰﻣﻮل« أو »أم اﻟﺮﻣﻮل« أو رﺑﻤﺎ ﻫﺰه ﺷﻮق اﻟﺠﻮع إِﻟﻰ ﺑﺮاري »ﺟﺪة اﻟﺤﺮاﺳﻴﺲ« ﺣﻴﺚ ﺗﻌﻴﺶ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ أول ﻣﺤﻤﻴﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ ﻋﻤﺎن«..
اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،ﺗﺘﺬﻛﺮ أن اﻻﺳﺘﻴﻄﺎن اﻟﺒﺸﺮي ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ اﻷﻟﻒ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻴﻼد ﻋﻠﻰ رأي ﺑﻌﺜﺎت اﻟﺘﻨﻘﻴﺐ اﻷﺛﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺟﺒﻞ »ﺣﻔﻴﺖ« وﺿﻮاﺣﻴﻪ« .ﺛﻢ ﻳﻤﺴﺢ ﺑﺒﺼﺮه وﺟﻪ ﺗﻀﺎرﻳﺲ ﺣﻔﻴﺖ وﻳﻘﻮل" :ﺗﺸﺒﻪ ﻓﻲ ﻣﻀﺎﺋﻬﺎ ﺣﺪة أﺳﻨﺎن اﻟــﻘــﺮش ،وﻳﻨﺪﻟﻊ ﻓﻴﻚ ﺳــﺆال ﻗــﺎدم ﻣﻦ زﻣﻦ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ» :أﻻ ﺗﻮﺟﻊ ﻫﺬه اﻷﺳﻨﺎن اﻟﺼﺨﺮﻳﺔ اﻟﻄﺮي؟" «...أﻣﺎ اﻷدﻳﺐ أﻣﺠﺪ اﻟﺤﺎدة ﺟﺴﺪ اﻟﻬﻮاء ّ ﻓﻘﺪ ﺷﺒﻪ ﺗﻀﺎرﻳﺲ "ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ" ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﺑﻼده اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻷردﻧﻴﺔ اﻟﻬﺎﺷﻤﻴﺔ» :ﻋﺎل ،ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ وﺟﻪ وﻗُﻨﺰﻋﺔ وذراع ،وأردﻳﺔ ﺗﺘﻘﻠًﺐ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺮاﺑﻲ اﻟﻤﻄﻔﺄ واﻷﺣﻤﺮ ﻛﺒﻄﻦ ﺳﻬﻞ ﻣﻦ »ﺣــﻮران«، ﻳﺤ ًﺪ ُق »ﺣﻔﻴﺖ« ﺑﻨﻈﺮة ﻃﻮﻳﻠﺔ ،ﻣﺘﻤﻬﻠﺔ ،ﻓﻲ اﻟﻤﺪى اﻟﻤﻨﺒﺴﻂ أﻣﺎﻣﻪ ﺣﻴﺚ ﻳﻐﻤﺮ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،ﻓﻲ اﻟﻬﺎﺟﺮة ،ﺳﺮاب ﻣﺘﺮاﻗﺺ ﻳﺸﺒﻪ وﻋﺪا ً ﺑﻤﻴﺎه ﻛﺎذﺑﺔ. ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﺠﺘﺎز اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﺮﺳﻮﻣﺔ ﺑﺎﻷﺧﻀﺮ ﺗﻜﻮن، ﺗﻤﺎﻣﺎً ،ﺗﺤﺖ أﻧﻈﺎر اﻟﺠﺒﻞ .ﻗﻤﻢ ﺟﺮداء ،ذﻛﺮﺗﻨﻲ
ﺑـ»ﻣﺎﻋﻴﻦ« ﻓﻲ اﻷردن .اﻻﺳﻢ ﻣﺸﺘﺮك أﻳﻀﺎً: ﻣﺎء ﻋﻴﻦ ،ﻣﺪﻏﻮﻣﺔ" .ﻣﺎﻋﻴﻦ" اﻷردﻧﻴﺔ ﻣﻘﺼﺪ ﺷﻔﺎﺋﻲ ،و»ﻋﻴﻦ اﻟﻔﺎﻳﻀﺔ« ﻓﻲ »ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ« أﻟﺤﺖ واﻟﺘﻌﺮﻳﺔ ﻛﺬﻟﻚ" ،ﺛﻢ ﻳﻘﻮل":ﻋﻮاﻣﻞ ّ وﺻﻮﻻت اﻟﺮﻳﺢ ﻓﻌﻠﺖ ﻓﻌﻠﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ". اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت واﻟﻄﻴﻮر
ﺷﺎﻫﺪ اﻷدﻳﺐ أﻣﺠﺪ أﺷﺠﺎر ﻣﺴﺘﻨﺒﺘﻪ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﻔﻨﺪق اﻟﻮاﻗﻊ ﻋﻠﻰ ﺳﻔﺢ ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ وﻗﺎل: »ﻓﻲ اﻟﺠﺒﻞ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻲ ﺳﻔﺤﻪ وﺣﻀﻴﻀﻪ، وﻋﻠﻰ ﻃﻮل اﻟﻤﺪى اﻟﺬي ﻳﺘﺮاءى ﻟﻚ ﻏﺎﻣﻀﺎً، ﻣﻐﺒ ّﺮا ً ،ﺛﻤﺔ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت .ﻫﻨﺎك أﺷﺠﺎر ﻗﺼﻴﺮة ،ﺷﻮﻛﻴﺔ ،ﻋﻨﻴﺪة ،ﺗﻄﻠﻊ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﺮوق، أو ﺗﺘﺸﺒﺚ ﺑﺘﺮﺑﺔ ﻣﻨﺘﺰﻋﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻀﺔ اﻟﺼﺨﻮر«. وﻟﻔﺖ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻴﺎش اﻟﻘﺎرئ إﻟﻰ ﺷﺠﺮة ﻃﺒﻴﺔ اﺳﻤﻬﺎ »اﻟﻘﻔﺺ« اﺧﺘﺎرت اﻟﺘﻜﺎﺛﺮ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣــﺎرات ﻋﻠﻰ ﺳﻔﻮح »ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ« ،وﻗﺪ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
15
اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ķñ ļ~ ąĉĩ~ ~ăñľ~ ķĠ ôĹġþ Ĩòû ﺷﻤﺴﺔ ﺣﻤﺪ اﻟﻈﺎﻫﺮي
ﺗﻀﻲء ﻛﺘﺐ اﻷدﺑﺎء اﻟﻌﺮب ،ﻋﺒﺮ ﻧﺼﻮﺻﻬﻢ اﻟﺴﺮدﻳﺔ اﻟﺬاﺗﻴﺔ ،ﺑِﻌﺪّ ة زواﻳﺎ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑــ"ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ" ،اﻟﻮاﻗﻊ ﺟﻨﻮب ﺷﺮق ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ وأﺣﺪ أﻫﻢ اﻟﻤﻌﺎﻟﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﺰ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،ﻓﻘﺪ ﺟﺴﺪوا ﺑﺮواﻳﺎﺗﻬﻢ وﻣﺸﺎﻋﺮﻫﻢ ﺗﺠﺎه ﻫﺬا اﻟﺠﺒﻞ اﻟﺬي أﻗﺎﻣﻮا ﻣﻌﻪ، ﻃﺒﻘﺎً ﻟﻤﺎ ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻛﺘﺒﻬﻢ ،ﺻﻼت ﺣﻤﻴﻤﺔ ،وﻧﺠﺪﻫﻢ ﻳﺼﻮرون ﻋﻤﻖ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻮﺟﺪاﻧﻴﺔ أو اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﺘﻠﻜﻬﺎ "ﺣﻔﻴﺖ" ﻋﻨﺪ ﺳﻜﺎن ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ،ﻓﻘﻴﻤﺔ اﻟﺠﺒﻞ ﻻ ﺗﻨﺤﺼﺮ ﻋﻨﺪ ﺟﺎﻧﺐ أو ﺟﻮاﻧﺐ ﻣﺤﺪدة ،ﺑﻞ ﺗﺸﻤﻞ ﻓﻲ أﺑﻌﺎدﻫﺎ ﺷﺘﻰ اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ،وذﻟﻚ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻣﺎ ﺣﺎول اﻷدﻳﺐ واﻟﺸﺎﻋﺮ أﻣﺠﺪ ﻧﺎﺻﺮ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ"اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ ﻟﻴﻮا ﻳﻠﻴﻪ ﻓﻲ دﻳﺎر اﻟﺸﺤﻮح" واﻹﻋﻼﻣﻲ واﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻴﺎش ﻳﺤﻴﺎوي ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ "ﺳﻴﺮة ﻣﻜﺎن :ﺟﻮﻟﺔ ﻓﻲ ﻣﻮروث اﻹﻧﺴﺎن واﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة"، واﻟﻨﺎﻗﺪة واﻟﺒﺎﺣﺜﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮرة ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﺒﺮﻳﻜﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻬﺎ "ﺣﻮت ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ..ﻛﺘﺎب ﻋﻦ ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ" ،ﻓﻴﻤﺎ ﻧﺸﺮوه ﻋﻦ اﻟﺠﺒﻞ ﻓﻲ إﺻﺪاراﺗﻬﻢ. ﻳﻘﻮل اﻹﻋﻼﻣﻲ ﻋﻴﺎش" :ﻟﻴﺴﺖ اﻟﺠﺒﺎل ﻗﻄﻌﺔ أرض ﻋﺎﻟﻴﺔ إﻻ ﻓﻲ ﺧﻠﺪ ﻣﻦ راود ﻣﻌﺮﻓﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ ،وﻛﺜﻴﺮا ً ﻣﺎ رأﻳﺖ اﻟﻨﺎس ﻳﺬﻫﺒﻮن إﻟﻰ اﻟﺠﺒﺎل ،وﻗﻠﻴﻼً ﻣﺎ رأﻳﺖ ﻣﻦ ﻳﺬﻫﺒﻮن ﻓﻴﻬﺎ ،ﻳﻨﺼﺘﻮن إﻟﻰ ﺻﻤﺘﻬﺎ اﻟﻤﺜﻞ ﺑﻜﺜﺎﻓﺔ اﻟﺰﻣﻦ ،وﺗﺮﺗﻌﺶ أرواﺣﻬﻢ إزاء ﺻﻌﻮدﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ، ﺗﺼﻌﺪ ﺑﻤﺎ ﻛﻤﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ روح اﻷرض .وﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻣﺮﻳﺪي ﻏﻤﻮﺿﻬﺎ اﻟﻤﺮﺷﻮش ﺑﻤﺎء اﻟﻌﺘﺎﻗﺔ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺨﺮﺟﻮن ﻣﻦ أﺟﺴﺎدﻫﻢ وﻳﺼﻌﺪون إﻟﻰ روﺣﻬﺎ وذاﻛﺮﺗﻬﺎ". اﻟﺒﻨﻴﺔ اﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ واﻟﺘﻀﺎرﻳﺲ
ﺗﻜﺜﻔﺖ ﻓﻲ ﻣﺨﻴﻠﺔ اﻹﻋﻼﻣﻲ ﻋﻴﺎش ﺗﺪاﻋﻴﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ، وداﻫﻤﻪ ﺷﻌﻮر ﻏﺮﻳﺐ ﺗﺨﻠﻠﻪ رﻏﺒﺔ اﻟﻤﺸﻲ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء وﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ ،ورﻏﻢ ﻛﻮن اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻋﺼﺮﻳﺎً وﻣﺰودا ً ﺑﺎﻹﺷﺎرات وﻣﺠﻬﺰا ً ﺑﺎﻷﻋﻤﺪة اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ ﻳﻘﻮل ﻋﻦ ﻟﻮن اﻟﺼﺨﻮر وﺗﺸﻜﻼﺗﻬﺎ واﻟﺘﻲ ﺧﻄﻔﺖ اﻧﺘﺒﺎﻫﻪ" :ﺗﺨﺮج ﺑﻚ ﻣﻦ رﻓﺎﻫﻴﺔ اﻟﻌﺼﺮﻧﺔ واﻟﺘﺨﻄﻴﻂ اﻟﺴﺪﻳﺪ إِﻟﻰ ﻋﺘﺎﻗﺔ اﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮل إِن أراﺿﻲ ا ِﻹﻣﺎرات ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻐﻤﺮﻫﺎ ﻣﻴﺎه
14
ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ ﻓﻲ ا ﺑﺪاع اﻟﺴﺮدي ا>دﺑﻲ
ﺑﺤﺮ "ﺗﻴﺶ" ﻓﻲ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻲ اﻷول" .ﺛﻢ ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﻟﺒﺤﻮث اﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺻﻠﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﺟﺎﻣﻌﺔ ا ِﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻟﻌﺎم 1991ﻣﻦ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺗﺘﺎﺑﻌﺎت ﺻﺨﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺟﺒﻞ "ﺣﻔﻴﺖ" ﺗﻤﺘﺪ زﻣﻨﻴﺎً ﻣﻦ 26ﻣﻠﻴﻮﻧﺎً إِﻟﻰ 50ﻣﻠﻴﻮن ﺳﻨﺔ أي ﻣﻦ أﻋﺎﻟﻲ "اﻷﻳﻮﺳﻴﻦ اﻟﻤﺒﻜﺮ" ﺣﺘﻰ ﻧﻬﺎﻳﺔ "اﻻﻟﻴﺠﻮﺳﻴﻦ اﻷوﺳﻂ" .وﻳﻘﻮل" :وﺗﺴﺄل ﻧﻔﺴﻚ ﻣﺬﻫﻮﻻً :أي ّ ذاﻛﺮة ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻳﻤﺘﻠﻜﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻬﺮم اﻟﺼﺨﺮي اﻟﻌﻈﻴﻢ؟ اﻟﻬﺮم اﻟﺬي ﺗﻨﺎم ﻋﻨﺪ ﺳﻔﺤﻪ ﻗﺒﻮر ﻣﺘﻨﺎﺛﺮة ﻣﻐﻄﺎة ﺑﺎﻷﺣﺠﺎر اﻟﻤﺘﺒﺎﻳﻨﺔ اﻷﺣﺠﺎم .ﺛﻢ ﻳﻌﻮد وﻳﻤﻌﻦ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﻜﻮﻳﻨﺎت اﻟﺼﺨﺮﻳﺔ واﻟﺜﻘﻮب وﻳﻘﻮل":ﺗﺸﺒﻪ اﺳﻨﺎخ اﻟﺮﺋﺔ ﺗﺮى أﻃﻼل اﻟﺒﺤﺮ ودﻣﻨﺘﻪ ورﻣﺎده ،ﻳﻨﺘﺎﺑﻚ اﻟﺬﻋﺮ ﻣﻦ ﺗﺼ ّﻮراﺗﻚ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺠﺰر اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬي ﺣﺪث ﻣﻨﺬ ﻣﻼﻳﻴﻦ اﻟﺴﻨﻴﻦ ﻷﻣﻮاج اﻟﺒﺤﺮ وﺧﻀّ ﻤﻪ اﻟﻌﺎﺗﻲ ،وﺑﺪأت اﻟﻴﺎﺑﺴﺔ دورﺗﻬﺎ ﻓﻲ
اﻟﻤﻠﻒ :اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ ،ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وﺣﻜﺎﻳﺎت ﻓﻲ ا ﺑﺪاع اﻟﺴﺮدي ا دﺑﻲ -ﺷﻤﺴﺔ ﺣﻤﺪ اﻟﻈﺎﻫﺮي
14ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ » 20اﻟﺠﺒﻞ« ﻓﻲ ا ﻣﺜﺎل ا ﻣﺎراﺗﻴﺔ -ﻣﻮزة ﻋﻮﻳﺺ ﻋﻠﻲ اﻟﺪرﻋﻲ 22ﺟﺒﺎل ﺟﺰﻳﺮة دﻟﻤﺎ -ﺑﺜﻴﻨﺔ ﺳﺎﻟﻢ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻘﺒﻴﺴﻲ 26ﺟﺒﻞ اﻟﻈﻨﺔ ﻣﺨﺰون ﺗﺎرﻳﺨﻲ وﺣﻀﺎري -ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻣﺴﻌﻮد اﻟﻤﻨﺼﻮري 28ﺳﻜﺎن اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ -زﻫﻮر ﻋﺒﺪ ا7 34ﻓﺮح أﺳﻄﻮري ﻓﻲ أﻋﺎﻟﻲ ﺟﺒﺎل ا ﻃﻠﺲ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ -ﻋﺒﺪ ا 7اﻟﻤﺘﻘﻲ 36وﺷﻢ اﻟﻤﺮأة ﺑﺎ ﻃﻠﺲ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ -ﻧﺎدﻳﺔ ﺑﻠﻜﺮﻳﺶ 40اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ زوﺟﺔ ﻓﻲ ﻗﻤﻢ ا ﻃﻠﺲ -ﻧﺎﺳﻤﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻌﻤﺮ اﻟﺠﺒﺎ ِﻟﻲ اﻟﺘﻮﻧﺴﻲ وﺑﺮﻧﻮﺳﻪ اﻟﻌﺮﻳﻖ -ﻓﺘﺤﻲ ﺑﻦ ّ ْ 42 46اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻤﻘﺪس ﻟﺠﺒﺎﻟﻴﺔ ﺳﻴﻨﺎء -ﺳﺎﻟﻢ أﺑﻮ ﺷﺒﺎﻧﺔ » 48اﻟﺠﺒﺎﻟﻴﺔ« ﺣﺮاس »ﺳﺎﻧﺖ ﻛﺎﺗﺮﻳﻦ« اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ -ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻴﻦ أﺑﻮﻋﻴﻄﺔ 52ﺳﻜﺎن اﻟﺠﺒﻞ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ -ﻋﺰة ﺳﻠﻄﺎن 54ﺗﻴﺴﻴﺮ اﻟﻨﺠﺎر :اﻟﺠﺒﻞ ﺟﺰء ﻣﻦ ﻳﻮﻣﻲ -ﺣﻮار أﺣﻤﺪ ﻣﺠﺪي ﻫﻤﺎم ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
13
ﻗﺼﻴﺪة
ŧĘěĩŨė IJƀŀ ﺷــﻴــﺦ اﻟــﺠــﺒــﺎل ﺗــﻠــﻄــﻒ واﻧـــﻄـــﻖ اﻵﻧـــﺎ
ﺳﻴﺎن ﺑــﻠــﻮاك ﻳــﺎ ﺷﻴﺨﻲ وﺑﻠﻮاﻧـــــــــﺎ
ﻋــﻠــﻰ ﻣــﺤــﻴــﺎك ﻳــﺒــﺪو اﻟـــﻜـــﻮن ﻓﻠﺴﻔﺔ
ﻧـــﺪري ﻟــﻤــﺎذا وﻟــﻜــﻦ أﻧــﺖ أدراﻧـــــــﺎ
ﻧــﺒــﻜــﻲ وﻧـــﻔـــﺮح ﻣـــﻦ ﺿــﻴــﻖ وﻣـــﻦ ﻓــﺮج
وأﻧﺖ ﺗﺒﺴﻢ ﻣــــــــــﻦ أﺣﻮال دﻧﻴﺎﻧــــــﺎ
ﻃـــﻮﻳـــﺖ ﻧـــﺎﺳـــﺎ ﺑــﻤــﺎ ﺷــــــﺎدوا وﻗــﺎﻓــﻠــﺔ
ﻣﻦ اﻟﻘﺮون وﺗﻴﺠــــــــــﺎﻧﺎ وأوﺛﺎﻧــــــﺎ
ﺗـــﺮى اﻟـــﺤـــﻀـــﺎرات ﺗــﻌــﻠــﻮ ﺛـــﻢ ﺗﻬﺪﻣﻬﺎ
ﻛﻒ اﻟﻠﻴــــــــــــﺎﻟﻲ وﻻ ﺗﻬﺘــــــــﺰ أرﻛﺎﻧــــــﺎ
ﻛــــــﺎن ﻓــــﻜــــﺮك ﻣـــﺸـــﻐـــﻮل ﺑــﺄﺳــﺌــﻠــﺔ
ﻧــﺒــﺪو ﻟــﻬــﺎ ﻣــﺜــﻞ رﻳـــﺶ اﻟــﻄــﻴــﺮ أوزاﻧــــﺎ
ﻳــﺎ ﺣـــﺎرس اﻟــﻌــﻴــﻦ ﻟــﻮ ﺗـــﺪري وﺣﺎﺟﺒﻬﺎ
إﻧـــﺎ ﻧــﻨــﺎﺟــﻴــﻚ ﻓــﺎﺳــﻤــﻊ ﺑــﻌــﺾ ﻧــﺠــﻮاﻧــﺎ
ﺗــﻤــﺮ ﻗـــﺮﺑـــﻚ رﻳــــﺢ اﻟـــﺪﻫـــﺮ ﺧــﺎﻧــﻌــﺔ
وﺗــﺴــﺘــﻐــﻴــﺚ ﺑـــﻚ اﻟـــﺼـــﺤـــﺮاء ﺗــﺤــﻨــﺎﻧــﺎ
وﻳــﻬــﺪر اﻟــﺮﻋــﺪ ﻓــﻲ ﺟــﻨــﺒــﻴــﻚ ﻻ ﻫــﺪب
ﻳــﻬــﺘــﺰ ﻓــﻴــﻚ وﻻ اﺳــﺘــﻨــﻔــﺮت ﻏــﻀــﺒــﺎﻧــﺎ
ﻣــﺎ ﺳــﺮ ﺻــﻤــﺘــﻚ ﻳــﺎ ﺧــــ ّﺰان ﻣــﻦ ﻋــﺒــﺮوا
أﻛــــﺮم ﺑــﻌــﻘــﻠــﻚ ﻓـــﻲ اﻷﺣـــﻘـــﺎب ﺧــ ّﺰاﻧــﺎ
وﻫــــﻞ ﺣــﺒــﺎﻟــﻰ اﻟــﻠــﻴــﺎﻟــﻲ ﻓــﺘــﺖ ﻛــﺒــﺪا
أم ذاك ﻃﺒـــــــــﻌﻚ أﺳﺮارا وﻛﺘﻤﺎﻧـــــــــﺎ
وﻫـــــﻞ وﻗـــــــﺎرك إﻻ ﻋـــــﺰف أﻏــﻨــﻴــﺔ
ﺑــﻬــﺎ ﺗﻐﻨﺖ رﻳـــﺎح اﻟــﺒــﻴــﺪ أﻟﺤﺎﻧــــــﺎ
وﻫـــﻞ ﻋـــﻮاﺻـــﻒ ﻫـــﺬا اﻟـــﺮﻣـــﻞ ﻫــﺎﺋــﺠــﺔ
ﺳـــــــــﻮى ﻧﻮاﺣﻚ ﻳﻌﻠــــــﻮ ﻧﻮح أﺷﻘﺎﻧــــﺎ
وﻫــﻞ ﻓﻴﺎﻓﻲ اﻟﻤﺪى اﻟﻤﺴﻄﻮر ﻣﻦ ﺣﻘﺐ
ﺳـــﻮى ﻗــﺼــﻴــﺪك ﻳــﻄــﻮى اﻟــﺪﻫــﺮ إﺷﺠﺎﻧﺎ
ﻳــﺤــﺘــﺎر ﻓــﻴــﻚ ذوو اﻷﻟـــﺒـــﺎب ﻣــﻦ ﺑﺸﺮ
وﻳﻌﺠــــــــﺐ أﻟﺒﻬﻢ أﻓﺮاﺳﺎ وﻋﻘﺒﺎﻧــــــــــــﺎ
ﻓــﻬــﻞ ﺧــﺸــﻴــﺖ إذا ﻣـــﺎ ﻗــﻠــﺖ زﻟــﺰﻟــﺔ
أم ﺧــﻔــﺖ ﻋــﻨــﺪ ﻫــﻄــﻮل اﻟــﻨــﻄــﻖ ﻃﻮﻓﺎﻧﺎ
ÐÙ # ÎØp' Û ¤ # . ' # ] Ùà % ,Ù . Ø ]Ú. Ù Ø ¯ Ù Û'3 è . ±$# pÙ Ê# Ï~ . ] +p# pØ ), # ÄÙ . ]-ÃÎ Û /° Ð(' ± # '©} 1# ¹ÎØ /+. ]Û ¸/ } 'è # . ÙÍp# %+} " Ð' £ Ø % #
12
ﺷﻴﺦ اﻟﺠﺒﺎل
ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻷﺳﺮ اﻟﻤﻨﺘﺠﺔ
اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ،وﻓﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﺟﺎء اﻟﻔﺮﻳﻖ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ .وﺣﺼﻠﺖ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺋﺰة أﻓﻀﻞ ﻓﺮﻳﻖ ،ﻣﺘﻔﻮﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺎط ﻋﻠﻰ ﻓﺮﻳﻖ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﺬي ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وﻓﺮﻳﻖ ﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺗﺒﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ .ﻓﻴﻤﺎ ﺣﺼﻞ اﻟﻔﺎرس ﻋﺰﻳﺰ ﻣﺨﺘﺎر ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻳﻖ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺋﺰة أﻓﻀﻞ ﻓﺎرس ،ﺗﻼه اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﺑﺮادﻟﻲ ﻛﻠﻴﻔﻮرد ،ﺛﻢ اﻟﺒﺤﺮﻳﻨﻲ ﺣﻴﺪر ﻣﺤﻤﺪ .وﻛﺮم اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ،اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻔﻨﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ ،ﻣﻦ ﺣﻜﺎم ،وﺑﻴﻄﺮﻳﻴﻦ .ﻓﻴﻤﺎ ﻗﺪم ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ درﻋﺎً ﺗﺬﻛﺎرﻳﺎً ﻟﻪ .وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺎﻓﺴﺎت اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ ﻓﻲ ﻳﻮﻣﻬﺎ اﻟﺨﺘﺎﻣﻲ ﺷﻬﺪت ﺗﻘﺎرﺑﺎً ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎت ،ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ ﻟﺠﻨﺔ اﻟﺘﺤﻜﻴﻢ ﺗﻠﺠﺄ ﻟﻸﺷﻮاط اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﻟﻔﻚ اﻻﺷﺘﺒﺎك ﻓﻲ اﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻷوﻟﻰ ﺑﻴﻦ اﻟﻔﺮﺳﺎن ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺑﻘﺎت اﻟﻴﻮم ﻛﺎﻓﺔ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺬي ﺷﻬﺪﺗﻪ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ .وأﺷﺎد ﻣﺪرب ﻓﺮﻳﻖ اﻹﻣﺎرات ،أﺣﻤﺪ ﻋﻠﻲ اﻟﻘﺎﻳﺪي ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﻤﻤﻴﺰ اﻟﺬي ﻇﻬﺮ ﺑﻪ ﻓﺮﺳﺎن اﻹﻣــﺎرات ﻓﻲ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ ،ﻣﺤﻘﻘﻴﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻣﺘﻘﺪﻣﺔ ،وﻗﺪم ﻟﻬﻢ اﻟﺘﻬﻨﺌﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺑﺬﻟﻮه ﻣﻦ ﺟﻬﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻷوﻟﻰ .ﻛﻤﺎ ﻫﻨﺄ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻔﺮق ﺑﺎﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻟﺘﻲ ﺣﻘﻘﺘﻬﺎ ﻣﺜﻤﻨﺎً ﺗﻨﺎﻓﺴﻴﺘﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻇﻬﺮﺗﻬﺎ ﺧﻼل ﻣﺠﺮﻳﺎت اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ .وﺣﻴﺎ اﻟﻘﺎﻳﺪي ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ،ﻣﻘﺪﻣﺎً ﻟﻪ اﻟﺸﻜﺮ ﻋﻠﻰ دﻋﻤﻪ اﻟﻼ ﻣﺤﺪود ﻟﺮﻳﺎﺿﺔ اﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ،واﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺬي ﻳﺠﺪه اﻟﻔﺮﺳﺎن ﻣﻦ ﺳﻤﻮه ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﻪ أﻋﻈﻢ اﻷﺛﺮ ﻓﻲ ﺗﻘﺪم ﻓﺮوﺳﻴﺔ اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﻓﻞ اﻟﺪوﻟﻴﺔ
ﻧﻈﻢ ﻣﺮﻛﺰ أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻨﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻷﺳﺮ اﻟﻤﻨﺘﺠﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺴﻴﺪات واﻷﻃﻔﺎل، ﻋﻠﻰ ﻣﺪار ﻳﻮﻣﻴﻦ ﺑﻤﻘﺮ اﻟﻤﺮﻛﺰ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ زاﻳﺪ. وﻗﺎﻟﺖ اﻟﺴﻴﺪة ﻇﺒﻴﺔ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﺮﻣﻴﺜﻲ ﻣﺪﻳﺮة ﻣﺮﻛﺰ أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ» :أﻗﻤﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺠﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪات ،وﻗﺪ أﻋﺠﺒﻨﺎ ﺑﻤﺎ ﺗﻢ إﻋﺪاده ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻬﻦ ﻓﻘﺮرﻧﺎ ﻋﻤﻞ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﺗﺒﺮز أﻋﻤﺎﻟﻬﻦ وﺗﺤﻘﻴﻖ ﺗﻮاﺻﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت واﻟﺴﻴﺪات اﻟﺰاﺋﺮات اﻟﻤﻬﻤﺎت واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ« .ﻗﺪﻣﺖ اﻟﻌﺎرﺿﺎت ﻣﻨﺘﺠﺎﺗﻬﻦ ﻓﻲ دﻛﺎﻛﻴﻦ ﺧﺎﺻﺔ وﺗﻨ ّﻮﻋﺖ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻷﻛﻼت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ واﻟﻤﺸﺮوﺑﺎت واﻟﻌﺴﻞ واﻟﺒﻬﺎرات اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻷﻛﻼت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﻤﺮأة ﻛﺎﻟﻤﻼﺑﺲ واﻻﻛﺴﺴﻮارات وﻏﻴﺮﻫﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮ. وﺗﻢ ﺗﺨﺼﻴﺺ ﻣﻜﺎن ﺧﺎص ﻟﻸﻃﻔﺎل ﻟﻠﻌﺐ واﻟﺮﺳﻢ ﻹﺿﺎﻓﺔ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻔﺮﺣﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﻮﻫﻬﻢ و ﻟﻜﻲ ﻳﺴﺘﻤﺘﻌﻮا ﺑﻮﻗﺖ ﻓﺮاﻏﻬﻢ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻋﺪة ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﺗﺮﻓﻴﻬﻴﺔ وﺗﺜﻘﻴﻔﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺮح .وأﺷﺎدت اﻟﺮﻣﻴﺜﻲ ﺑﺪور اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺸﺆون اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﻷوﻗﺎف ﻓﻲ إﻧﺠﺎح اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ ،وأﺛﻨﺖ ﻋﻠﻰ دور ﻣﻮﻇﻔﺎت ﻣﺮﻛﺰ أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
11
ﺗﺮاث اﻟﺸﻬﺮ
ﻋﺎم اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ
ﻓﻲ إﻃﺎر ﻧﺸﺎﻃﻪ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ وﻣﺒﺎدراﺗﻪ ﻓﻲ ﻋﺎم اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ،ﻧﻈﻢ ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻨﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ،ﻣﺤﺎﺿﺮة ﺑﻌﻨﻮان »ﺑﻴﻦ اﻟﺨﻼف واﻻﺧﺘﻼف«، ﻗﺪﻣﻬﺎ ﺳﻌﺎدة ﻋﻮض ﺑﻦ ﺣﺎﺳﻮم اﻟﺪرﻣﻜﻲ أﺣﺪ أﺑﺮز اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺸﻌﺮاء ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات .وﺛﻤﻦ اﻟﺪرﻣﻜﻲ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﺤﺎﺿﺮﺗﻪ إﻋﻼن ﻋﺎم 2019ﻋﺎﻣﺎ ﻟﻠﺘﺴﺎﻣﺢ .وﻗﺎل إن دوﻟﺔ اﻹﻣــﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة وﻗﻴﺎدﺗﻬﺎ اﻟﺮﺷﻴﺪة ﺗﻘﺮن اﻟﻘﻮل ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺳﻠﻮﻛﻬﺎ اﻟﺤﻀﺎري واﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ..وﻳﺸﻜﻞ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ واﻗﻌﺎً ﻧﻌﻴﺸﻪ ﻋﻠﻰ أرض اﻻﻣﺎرات اﻟﺤﺒﻴﺒﺔ .وﻗﺎل اﻟﺪرﻣﻜﻲ :ﺑﺎﻟﺘﻨﻮع وﺗﻘ ّﺒﻞ اﻵﺧﺮ واﻟﺘﻨﺎﻏﻢ ﻣﻌﻪ ﻳﺸﺘﺪ اﻟﻨﺴﻴﺞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻲ وﺗﻘﻮى اﻟﻠُﺤﻤﺔ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻷي ﺑﻠﺪ ،ﻣﻮﺿ ًﺤﺎ أن ﻣﻦ ﻻ ﻳﺮى ﻣﻦ اﻷﻟﻮان إﻻ اﻷﺑﻴﺾ أو ﻧﻘﻴﻀﻪ اﻷﺳﻮد ﻓﻘﺪ ﺣﺮم ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻃﻴﻒ ﻣﺘﺴﻊ ﻣﻦ اﻷﻟﻮان اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻷﻣﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ اﻵراء واﻷﻓﻜﺎر ،ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻣﻨﺢ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺗﻘﺒّﻞ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻟﻶراء اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻨﺎ ،ﻓﺎﻷﻓﻜﺎر ﺗﺘﻜﺎﻣﻞ واﻵراء ﺗﻨﻀﺞ أﻛﺜﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺨﺘﻠﻂ ﺑﻤﺎ ﺳﻮاﻫﺎ. ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺸﺪي ﻣﻦ إﺳﻄﺒﻼت دﺑــﺎوي ﻋﻠﻰ ﺻﻬﻮة اﻟﺠﻮاد »ﺗﻤﺎرا دﻳﺴﺮت ﻣﻮن« ،وﺣﻞ ﺛﺎﻧﻴﺎً اﻟﻔﺎرس راﺷﺪ ﺣﻤﻴﺪ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻜﻨﺪي ﻣﻦ إﺳﻄﺒﻼت إف ﺛﺮي ﻋﻠﻰ ﺻﻬﻮة اﻟﺠﻮاد »ﻓﺎﺟﺎﺑﻮن دﻳﺒﻮﻟﺴﻜﻲ« ،وﻓﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻔﺎرس ﻧﺎروا ﻛﺎﻟﻔﻮ اﻳﺒﺎﻧﻴﺰ ﻣﻦ إﺳﻄﺒﻼت إم ﺳﻔﻦ ،ﻋﻠﻰ ﺻﻬﻮة اﻟﺠﻮاد »ﻧﺎرﺟﻴﺲ« .وﻓﻲ اﻟﺴﺒﺎق ﻧﻔﺴﻪ وﻓﻖ اﻟﺘﺼﻨﻴﻒ اﻟﺪوﻟﻲ، ﻓﺎز ﺑﺎﻟﻤﺮﻛﺰ اﻷول اﻟﻔﺎرس ﺳﻴﻒ ﺟﻤﻌﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺎﻟﺠﺎﻓﻠﺔ ﻣﻦ إﺳﻄﺒﻼت إم ﺳﻔﻦ ﻋﻠﻰ ﺻﻬﻮة اﻟﺠﻮاد »وﻳﺮﻳﻤﺎ اﻷزرق« ،ﻓﻴﻤﺎ ﺣﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻔﺎرس راﺷﺪ ﺣﻤﻴﺪ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻜﻨﺪي ﻣﻦ إﺳﻄﺒﻼت إف ﺛﺮي ﻋﻠﻰ ﺻﻬﻮة اﻟﺠﻮاد »ﻓﺎﺟﺎﺑﻮن دﻳﺒﻮﻟﺴﻜﻲ« ،وﺣﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻔﺎرس ﻣﻨﺼﻮر ﺧﻤﻴﺲ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺸﺪي ﻣﻦ إﺳﻄﺒﻼت دﺑﺎوي ﻋﻠﻰ ﺻﻬﻮة اﻟﺠﻮاد »ﺗﻤﺎرا دﻳﺴﺮت ﻣﻮن«. وﺗﺄﻫﻞ ﻋﺸﺮات اﻟﻔﺮﺳﺎن ﻓﻲ ﺳﺒﺎق 80.47ﻛﻢ ﻧﺠﻤﺔ واﺣﺪة ﺗﺄﻫﻴﻠﻲ دوﻟﻲ ،اﻟﺬي اﻧﻄﻠﻖ ﺑﻤﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﺔ آل ﻧﻬﻴﺎن .وﻛﺎن اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻗﺪ ﻛ ّﺮم اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺠﻮﻟﺔ اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﻄﻼب أﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ ﺑﻮذﻳﺐ ﻟﻠﻔﺮوﺳﻴﺔ ﻟﻤﺴﺎﻓﺔ 40ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮا ً ،وﺳﻠّﻢ اﻟﻄﻼب ﺷﻬﺎدات ﺷﻜﺮ وﺗﻘﺪﻳﺮ ،ﺑﺤﻀﻮر ﺳﻌﺎدة ﺣﻤﻴﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻮﻻﺣﺞ اﻟﺮﻣﻴﺜﻲ وﺳﻌﺎدة اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻋﺒﻴﺪ ﻋﻠﻲ راﺷﺪ اﻟﻤﻨﺼﻮري. ﻛﻤﺎ ﻛ ّﺮم اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ اﻟﺪوﻟﻲ ﺣﻮل اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻔﺎرس واﻟﺨﻴﻞ وورﺷﺔ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺼﺎﺣﺒﺔ ﺗﻘﺪﻳﺮا ﻟﻤﺎ أﺛﺮوا ﺑﻪ 10
ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ ﻟﺮﻛﻮب اﻟﻘﺪرة واﻟﺘﺤﻤﻞ
اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ﻣﻦ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻗﻴﻤﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻛ ّﺮم ﻣﻤﺜﻠﻲ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ واﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ،اﻟﺬﻳﻦ ﻏﻄﻮا ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ،وﻣﻤﺜﻠﻲ اﺗﺤﺎد اﻹﻣﺎرات ﻟﻠﻔﺮوﺳﻴﺔ واﻟﺴﺒﺎق ،واﻟﺠﻬﺎت اﻟﺪاﻋﻤﺔ واﻟﻤﺴﺎﻧﺪة. ﺑﻄﻮﻟﺔ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻻﻟﺘﻘﺎط اﻷوﺗﺎد
واﺧﺘﺘﻤﺖ اﻟﺸﻬﺮ اﻟﻤﺎﺿﻲ أﻳﻀً ﺎ ﺑﻄﻮﻟﺔ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻻﻟﺘﻘﺎط اﻷوﺗﺎد ،اﻟﺘﻲ ﻧﻈﻤﻬﺎ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﺑﺘﻮﺟﻴﻬﺎت ورﻋﺎﻳﺔ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻣﻤﺜﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ رﺋﻴﺲ اﻟﻨﺎدي ،ﺑﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﺮﺳﺎن ﻣﻦ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة وﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ وأﻟﻤﺎﻧﻴﺎ واﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ وﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ .وﺗﻮج اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ،اﻟﻔﺎﺋﺰﻳﻦ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻓﺴﺎت اﻟﻴﻮم اﻟﺨﺘﺎﻣﻲ ،ﺑﺤﻀﻮر ﺳﻌﺎدة ﺣﻤﻴﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻮﻻﺣﺞ اﻟﺮﻣﻴﺜﻲ اﻟﻤﺪﻳﺮ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬي ﻟﻸﻧﺸﻄﺔ واﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت ﻓﻲ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،وﺳﻌﺎدة ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺟﺎﺑﺮ اﻟﻤﺤﻴﺮﺑﻲ اﻟﻤﺪﻳﺮ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬي ﻟﻠﺨﺪﻣﺎت اﻟﻤﺴﺎﻧﺪة ﻓﻲ اﻟﻨﺎدي ،ﺣﻴﺚ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻴﺪاﻟﻴﺔ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺑﻘﺔ اﻟﺴﻴﻒ ﻟﻠﻔﺮدي ،اﻟﻔﺎرس ﻋﺰﻳﺰ ﻣﺨﺘﺎر ﻣﻦ ﻓﺮﻳﻖ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ،ﻓﻴﻤﺎ ﺣﺎز اﻟﻤﻴﺪاﻟﻴﺔ اﻟﻔﻀﻴﺔ اﻟﻔﺎرس ﺟﻴﺮي واﺗﻜﻨﺰ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻳﻖ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ،وذﻫﺒﺖ اﻟﺒﺮوﻧﺰﻳﺔ إﻟﻰ اﻟﻔﺎرس ﻛﺮوﺳﺘﻮﺑﺘﻞ ﻣﺎرون ﻣﻦ ﻓﺮﻳﻖ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ .وﻓﻲ ﻣﺴﺎﺑﻘﺔ اﻟﺴﻴﻒ ﻟﻠﻔﺮق ،ﺗﻮج ﻓﺮﻳﻖ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﺮﻛﺰ اﻷول ،ﻓﻴﻤﺎ ﺣﻞ اﻟﻔﺮﻳﻖ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺗﺒﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ،ﺛﻢ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺗﺒﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ .أﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺑﻘﺔ اﻷﻫﺪاف اﻟﻤﻌﻠﻘﺔ ﻟﻴﻤﻮﻧﺘﻴﻦ ووﺗﺪ ،ﻓﺘﺼﺪر اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺔ اﻟﻔﺎرس ﺣﻴﺪر ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻦ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ﺣﺎﺋﺰا ً اﻟﻤﻴﺪاﻟﻴﺔ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ، وذﻫﺒﺖ اﻟﻤﻴﺪاﻟﻴﺔ اﻟﻔﻀﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻔﺎرس ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺸﺎﻣﺴﻲ ﻣﻦ ﻓﺮﻳﻖ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،ﻓﻴﻤﺎ ﺣﺎز اﻟﻤﻴﺪاﻟﻴﺔ اﻟﺒﺮوﻧﺰﻳﺔ اﻟﻔﺎرس ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق ﺣﻤﺾ ﻣﻦ ﻓﺮﻳﻖ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ .وﻓﻲ ﻣﺴﺎﺑﻘﺔ اﻟﺘﺘﺎﺑﻊ ،ﺗﺼﺪر ﻓﺮﻳﻖ اﻹﻣﺎرات اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺔ ،ﻓﻴﻤﺎ ﺣﻞ ﺛﺎﻧﻴﺎً ﻓﺮﻳﻖ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ
ﺣﻀﺮ اﻟﺘﺘﻮﻳﺞ ﺳﻌﺎدة ﺣﻤﻴﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻮﻻﺣﺞ اﻟﺮﻣﻴﺜﻲ اﻟﻤﺪﻳﺮ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬي ﻟﻸﻧﺸﻄﺔ واﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت ﺑﻨﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،وﺳﻌﺎدة اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻋﺒﻴﺪ ﻋﻠﻲ راﺷﺪ اﻟﻤﻨﺼﻮري ،ﻧﺎﺋﺐ ﺳﻤﻮ ﻣﺪﻳﺮ ﻋﺎم ﻣﺮﻛﺰ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ .ﻓﻲ ﺳﺒﺎق 242.15ﻛﻠﻢ دوﻟﻲ »ﺛﻼث ﻧﺠﻮم« اﻟﺬي ﺟﺮى ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ،ﻧﺎل اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻷول وﻓﻖ ﻧﻘﺎط ﺑﺮوﺗﻮﻛﻮل ﺑﻮذﻳﺐ اﻟﻔﺎرس ﺳﻴﻒ أﺣﻤﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ اﻟﻤﺰروﻋﻲ ﻣﻦ إﺳﻄﺒﻼت إم أر إم ﻋﻠﻰ ﺻﻬﻮة اﻟﺠﻮاد »ﺳﻴﺎم« .ﻓﻴﻤﺎ ﺣﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻔﺎرس ﻫﺎﻧﻴﻮﻣﺎﻧﺎ رام ﻣﻦ إﺳﻄﺒﻼت ورﺳﺎن ﻋﻠﻰ ﺻﻬﻮة اﻟﺠﻮاد »ﺗﻴﺮﻣﻨﺎﺗﻮر« .وﺣﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻔﺎرس ﻣﺤﻤﺪ ﺣﻤﻮد ﺣﻤﻴﺪ اﻟﻐﻴﻼﻧﻲ ﻣﻦ إﺳﻄﺒﻼت اﻟﺮﻳﻒ ﻋﻠﻰ ﺻﻬﻮة اﻟﺠﻮاد »ﻣﺎﻧﺎﻟﻴﺘﻮ« .وﻓﻲ اﻟﺴﺒﺎق ﻧﻔﺴﻪ وﻓﻖ اﻟﺘﺼﻨﻴﻒ اﻟﺪوﻟﻲ ،ﺣﺎز اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻷول اﻟﻔﺎرس ﺳﻴﻒ أﺣﻤﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ اﻟﻤﺰروﻋﻲ ﻣﻦ إﺳﻄﺒﻼت إم أر إم ﻋﻠﻰ ﺻﻬﻮة اﻟﺠﻮاد »ﺳﻴﺎم« .وﺣﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻔﺎرس ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻦ اﻟﺤﻤﺎدي ﻣﻦ إﺳﻄﺒﻼت اﻟﺮﻳﻒ ﻋﻠﻰ ﺻﻬﻮة اﻟﺠﻮاد »ﻛﻮرﻳﻠﻴﻮﻧﻲ« .وﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻔﺎرس ﻣﺤﻤﺪ ﺣﻤﻮد ﺣﻤﻴﺪ اﻟﻐﻴﻼﻧﻲ ﻣﻦ إﺳﻄﺒﻼت اﻟﺮﻳﻒ ﻋﻠﻰ ﺻﻬﻮة اﻟﺠﻮاد "ﻣﺎﻧﺎﻟﻴﺘﻮ" .وﻓﻲ ﺳﺒﺎق 120.27ﻧﺠﻤﺘﻴﻦ دوﻟﻲ ﻟﻠﺸﺒﺎب واﻟﻨﺎﺷﺌﻴﻦ ،ﻓﺎز ﺑﺎﻟﻤﺮﻛﺰ اﻷول وﻓﻖ ﻧﻘﺎط ﺑﺮوﺗﻮﻛﻮل ﺑﻮذﻳﺐ اﻟﻔﺎرس ﻣﻨﺼﻮر ﺧﻤﻴﺲ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 233ﻣﺎرس 2019
9
ﺗﺮاث اﻟﺸﻬﺮ
ïĈąġĩ~ ĨĹijéõ óĹĈ ąġĩ~ ~ąñľ óþïĈ
Ĩĭÿöĩ~ ăĤĩ~ ĵĦąĩ ăĸ~ Įñ ïĕĪĈ ïûąĴĬ ïõ ļ~ ïĤöĩŀ óĹĩ ăĩ~ ăĸ~ Įñ ïĕĪĈ óĩĵĕñ ﺗﺮاث -أﺑﻮﻇﺒﻲ
ﺗﻮج اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن اﻟﻔﺎﺋﺰﻳﻦ ﻓﻲ ﺧﺘﺎم ﻣﻨﺎﻓﺴﺎت ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن اﻟﺪوﻟﻲ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ ﻟﺮﻛﻮب اﻟﻘﺪرة واﻟﺘﺤﻤﻞ ،اﻟﺬي أﻗﻴﻢ ﺑﺘﻮﺟﻴﻬﺎت ورﻋﺎﻳﺔ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻣﻤﺜﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ رﺋﻴﺲ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،وﻧﻈﻤﻪ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ اﺗﺤﺎد اﻹﻣﺎرات ﻟﻠﻔﺮوﺳﻴﺔ اﻟﺸﻬﺮ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وذﻟﻚ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﺑﻮ ذﻳﺐ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻟﻠﻘﺪرة ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺨﺘﻢ ،ﺑﻤﺸﺎرﻛﺔ واﺳﻌﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻔﺮﺳﺎن واﻟﻔﺎرﺳﺎت واﺳﻄﺒﻼت اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ واﻟﺨﺎﺻﺔ ،وأﻧﺪﻳﺔ اﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ،ووﺳﻂ اﻫﺘﻤﺎم ﻛﺒﻴﺮ ﺑﺎﻟﻤﺆﺗﻤﺮ اﻟﺪوﻟﻲ اﻟﺬي اﻧﻄﻠﻖ ﺑﻪ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ،وﺣﻀﻮر ﻻﻓﺖ ﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺰوار واﻟﺴﻴﺎح.
8
ﻣﻬﺮﺟﺎن ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ ﻟﺮﻛﻮب اﻟﻘﺪرة واﻟﺘﺤﻤﻞ
70
┬░#Q%┬Х $┬е$e~
─Ю┼Ф┼╣┼▒┼м ─Ю╞А┼Ь─Ш┼б─д ─Ю╞А─д─Ч─╕─а :тАля║Чя║╝я║к╪▒ я╗Ля╗жтАм тАл ╪гя║Ся╗оя╗Зя║Тя╗▓тАм╪МтАл я╗зя║О╪п┘К я║Чя║о╪з╪л ╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪з╪ктАм- тАля╗гя║оя╗Ыя║░ ╪▓╪зя╗│я║к я╗Яя╗ая║к╪▒╪зя║│я║О╪к ┘И╪зя╗Яя║Тя║дя╗о╪лтАм
тАля║Ся╗ия╗┤я║Ф ╪зя╗Яя║кя╗гя║О╪║ ┘И╪▒╪дя╗│я║Ф ╪зя╗Яя╗Мя║Оя╗Яя╗втАм .} )$ ┬П# . ├Р├Ш (┬П# ┬Ъ (' ├П ...
├Щ┬╜├Ш ├П} ├Р (├Ш ]┬Щp444├Шp444┬Ю ┬Щ 44,44' ├Ъ}
├Р' ┬Н 44├Щ44$44(44# 44(44┬Ж . ├Р├Щ├Ш3(# ┬Н 44├д44'
├Ы├В ┬Ъ44├Щ44┬З44 44 44# 44├Ш344┬г44# ├Р44├Щ44┬Ж ┬Н2 444 444┬О2
тАл╪▒я║Ля╗┤я║▓ ╪зя╗Яя║Шя║дя║оя╗│я║отАм
┼║─┤┼▒─Ф┼Н┼д─У ─░┼й─и ─Ъ─╣┼й─╝
тАля╗гя║кя╗│я║о ╪зя╗Яя║Шя║дя║оя╗│я║отАм
┬Н 44 44┬Ж 44┬▒44┬П44# ├Р44├Ш/44 44┬П44├В .┬Ъ├Щ┬╝ 'p# 44├О44 44├г 44┬в
-├Щ┬З┬░ ┬Е ├ж ($ ┬╢ ┬Ж 0 ├Ш ' 1$ ┬Ъ├Щ┬З #
]p├г .┬к# ├Р' & ┬в # ┬Ъ$┬П )├Щ$├К┬О. ┬И├Ш┬ж┬▒┬П┬Ж ├П ├О├Г# &/├К├Ш ( b' (┬О ]"┬Р ├О# " ├Р├Г┬Ж
├Р├Щ├Н 1├Г ' p( ' . .." ┬У(┬П$# ├Ы ├ж % ├Щ,# % ┬▒┬П├Ш 1┬П
┼о┼╗─░┼д─У ─Ж╟Щ┼Р ─░┼╝┼д┼┤
тАл╪зя╗╣я┤Н╪з┘Б ╪зя╗Яя╗Мя║О┘ЕтАм
114
┼║─│┼╡┼Б┼н┼й┼д─У ─п┼╡┼С─╣┼и ─Ъ┼й┼И─Ф┼Ш ┼╜┼Р─│─░┼д─У ┼╜┼е┼Р ┼В┼╗┼╡┼Р ─Щ─╡┼╡┼и
_$L Q#┬ЦH
тАл╪зя╗╣я║зя║о╪з╪м ┘И╪зя╗Яя║Шя╗ия╗Фя╗┤я║мтАм
┘С тАл ╪▓╪зя╗│я║ктАм:тАл╪зя╗╖я║гя║Тя║Оя║Ся╗▓тАм тАля╗Ля╗ая╗дя╗ия║О ╪г┘ЖтАм
─г─Ф─е─и ─Щ─п─Ф┼Ф
┘П тАл╪гя║гя╗╝я╗гя╗ия║О ╪зя╗Яя║ия╗┤я║О┘ДтАм тАля║Чя╗Фя╗о┘ВтАм
┼л─Ф─Ч┼С─╝ ┼╣┼Щ┼Й┼Б┼и :тАля╗гя║╝я╗о╪▒тАм ┼л─У┼┤─░┼Р ┼з─Ф─╜┼▒ :тАл╪▒я║│я╗о┘ЕтАм
:тАл╪зя│Мя╗оя╗Чя╗К я╗Ля▓Ж ╪зя╗╣я╗зя▒░я╗зя║ЦтАм www.mags.ae
]┬Щ┬к┬Я (# ┬Ъ┬Ю ├Ы├В ┬Н '├и ├Р ┬О )#
]├Ы├К├Щ├К %┬Ю # ┬Ъ┬Ю ├Ы├В ┬Р├Н ,├О #
├П ├В ]-$# -( ]p├Ш ┬й ┬д├Щ┬▒# -$# ,┬З+/├В
-$# )44 44├В ] 44├Г44├О44# ├Щ#.- ┬Ъ├Щ├К├Щ├К # 44,44┬О. 44┬Т
,┬Ж (├Ш &p├К┬О. ├Р'} ┬Ъ┬╣ # % p -# ├Г┬╝. p├Ш ┬й ┬д├Щ┬▒# p├О,(# /┬П p# ┬Щ }p┬Ж ┬Н ($ # *┬ж,┬Ж . pb ┬Ж} p$┬З# ┬ж+
тАля╗Ля╗ия║О┘Ия╗│я╗ж ╪зя│Мя║ая╗ая║ФтАм
"┬С ┬О" 4# * /44 ┬╡├Г$# ┬Н 444'├и ┬Ъ# . & 44 ├Шp' ├Ы┬Ж ┬З ├ж ├Н p( '
b ├П3┬▒├К# p( } p( ' / .. ┬╡├Г# ┬Ж ├Ы┬О '├и )$ # ┬Ж} ┬░
: ├Ш ┬П# . ┬Щ 2 ├Ы┬З┬╕/┬Ж рвл ┬Щp ┬П(# ┬Ъ├Щ┬Ж # ┬Н '2
turath@sbzc.ae : ├Ш ┬П# ├Шp' 026666130 :├Д┬О +
тАл╪зя╗╗я║╖я║Шя║о╪зя╗Ыя║О╪ктАм
┬З p( } : ├Ш┬й/┬П# ".├Х '
b :┬Ъ#.p# ┬Э ┬в ├Р' ├В├з# / (+ 150 :┬Н '├и ┬Ъ#. %┬в ├В├з# b ┬Н ├Х($# / (+ 150 :┬Ъ#.p# %┬в ┬Н ├Х($# - 2. 200
marketing@cmc.ae +971 56 3150303 ├Ш┬й/┬П$# ┬Н '├и
7
2019 тАл я╗гя║О╪▒╪│тАм233 тАл ╪зя╗Яя╗Мя║к╪птАм/ тАля║Чя║о╪з╪лтАм
. 2. 200 ┬Ъ#.p# ┬Э ┬в
ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﻌﺪد Ĉ G7 # QN} # - R N¥#S 0 $i Z $@R 8 M$8 µ# g$}7 ± ¤ N # N¥#S 0 $i Z i0 ñ 5$HRz N H' ī Ė R¥ Ė 7/¤/H §Y N µ# M#NG # 0# 58 wR^ M G ī Č ¥N~ § ²0#S$ 5$ ¥ 8 60 § N¤ ī ę$/ ¥)Ě $¥M §z G \¤r 68 -$/ # F7z YH Q$ ī $¤}ŭůz) ) ůY@ S$? # }¤Z 76 .¥M NrM ī j u # ¥M$/ # ćć$ŭŰ Z 78 ¤ #R0) N¤r N G ī M$qZ p¥M ŭůq^ 81 § #R 0 N¤qZ ī 5$ŭŰ j#R/ ·# Rar §z >G # 82 YH § r Q$ rćM ī I ů ] # 87 yir j$z Q# H ī 5$j iK # 6 NL ;¥NG # 5$¤ }7 # ĉ ¤}G # 88
78
Q$7Y # N/r E N ī RY? # Ũűr R¤Z 91 §~ ZN # «# ćM ī R¥ 7 # 9#R7 # NL §z ¦ $i i # r$zQ 92 § vRz ¬ ] ī $¤K $0 }¤}G # >Y Ĉ ZQN ' R¥$@ x!G7 94 w Ű$? # 5$ R0 xj# r ī Č $ ? # Tu 100 Q#N~ - ?G # ćM ī ¤Ũůu # 6 ²¤z$8 }i 0 wTK # r$ b 102 ez E²bćM ī ċ§ $ ¥) § ¥M .G # (0 ³# wR7r' 106 § r 8$G^ N G ī Z#MR ŭů}0 R¤ r 0' $} Q#RZ' 108 § QN # ]«$r ī M#NG # 0$7 112 ô
¦ů q # N z ī §8#Q$ ·# §i/ # Rq] # §z G # 120 X¥ r N G ī 9#R7 # R] ¤Ũůr ¤ ů7 ) a 122 §r Űű # j$z ī ¤ H#R # R¤Z 9#R7 # $ @RK¤Z ¦P # 125 ¥N0$q # ŭŲ N G ī -$7 § N # R $} # cRq §z ŭů< 5# N 126
36
ó #TL M$r ī $ Y ^ °#RGa # R ~ 129
84
ñ
§r Űű # N H j$zćM ī $¤ % #N H 6 0 y¤i ĉ§0M ' 130
118
أﺳﻌﺎر اﻟﺒﻴﻊ
8
ÐØ # $(' - Ù 800 Ï ( Î $ - p . ÎØ Ø/ # - 2 Ø 10 Ø / # Ù # $((# - )+ 10 : p (# Ù # 'è b Ï ÎØ Ù(° ,# ÙÍ æ $((# - Ù# 100 Ø / - Ù# 5000 Ï Î # - ,ÙÎ 250 Ï / # - ,ÙÎ 5 ' - " Ø 200 Ð(Ù# - p . ÎØ b 20 Ù ½(# $((# - Ï ÎØ ÐÙ $Â - ÎØ 2500 Ë # 3 ÙÍ Ø - Ï ÎØ Ù Í/ # Ø /,( # - ÙÍ Í 4 Ù Ù$# Ø Ù+ ( # - (+
. 2. 5 pÎ . Ù Ù'æ p (# Ø2/# - . /Ø 4 Û . .æ 2 ". - Í Â 7 Ø/ - ,ÙÎ
'è Ú Í .} Ø # äÙ+ . µ# Ø 2. # Ð Ø p # ¦+ ÛÂ . '
ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﻌﺪد
6
ķĸĭŭŨė ŲŬ
14
§ $rµ# §z $¤G # § § $rµ# §z
»ﺟﺒﻞ ﺣﻔﻴﺖ« ﻓﻲ اﻹﺑﺪاع اﻟﺴﺮدي Ð' p . ÐÙ # ÎØp' Ë ° /Î É /# ]" ÙÃ % "
] p (# Ù # 44'è #. ªÙ( Û # )# (# )+} 44 44# 44444 æ 44 44 Û44Â -44 44Ù44(44+} 44 44 44 44Í p444É.
* )+ ±' .p ¥ ] Ù ¦# Ø # ), / Í -ÙÂ p Í Ú¦# p # Ä$(# * Í ¢ Ú¦# Ï /Î # /+ ]Û# æ ÛÂ Ù #
Ð' p Û " # Ï Ù }. Ø . pÙ# Ê . Ð' Í / . Ù # ".p# ] p (# Ù # 44'è 44#. Û £' " ÐÙ #/ # Î ¦¢}
p '} ±# . 44Ø æ pÎ - ($Í ' /44+. ]% # ¦44+ p44É 44Î44# . Ú. 44Ù44 44Ø ¯ 44Ù44 44 44±44# . Û44'344 è . ] 44 44Í
Øp $# 1 Í '. Û Ø # ( Â / p# # . Ú + ¹# p( (° ... Î+ -Î
Ú¦# ι# % . ] (# ت " . ]ÐÙ # ÎØp( " Ùà " % ,Î'
ÎÂ Û # ½(# " Ð'. . b' + bØ µ . Ù£Ø Íb .ª£' % (Ø b " . ]ÄØ # " Û ٠# " °}. pÙ# Ê # . # Ð' É 1$
.ÐØ Í " ] ÎÙ Ù# ' ÎÃÉ/ ' ÛÂ. . $ æ /Ê # © 444 }. Ù # " 44 44°}. '3' 44Íp44 44+ 44Í © Ê %44 Û44Â. .Ï $# ªÙ((# b Û p è Î(# Û " # Í 1$ /µ# Î $ ] µØ} Ä$(# Û " 'æ Û -ÙÍ '. % # $ ' ' ÃÉ. Î# Í Â ]ÛÎÃ# . Û æ
.% (# %ã É Ú} "Ä / (# " ¼3 . ( Û # Ù 'è Ù ±# " # . ÐÙ p (# ÐÙ ( Û # É3 # " °} 1# # δ . . £' Ù Ø Û ÐÙ # " Ùà " % Ù$ "3¢ Ð' Ð' p Û % # #2p# É "3¢ Ð' ^- Ù Í (ÎÙ # ÐÃ# Ï ( . Ù # (ÎÙ # &3Â} # 2 ' Û ÐÙ $# Û$( Ï Ù )ØpÊ p, # ¦+ Ð' ÎÂp+ ÐØ.p . ( " ( } Î' 1$ É + Í Û # ÙÃÙ # 1$ ] Ã$ £(#
- ' "/ ] ' / ' +¦ÙÃÎ "3¢ Ð' ] Ù # ÌÙ / . . ± # . Ð 'æ . } %( É 1# Â '/$ ' ' Ð' (# ] # ÙÎ (# ÌÙ / # . # ª ' 1# ,ÊØ Ã# p Ï} Î$'}
/Î (# p # /' ÙÊ . Ä$(# ¦+ ÛÂ â É p Ø Ï} %'~Í ( .-É.¥ Û´ Ø '
61
{$z³# M$¤8Q# {$z³
اﻟﻨـﻴــﻞ وأﻧـﺎ e 4,44 /44 . ]ÐÙ$ÙÎ# 1Ê $(# Û44 44Ø© Č 44 44 . ... b /Î 4
e ,ÙÂ. ]"Û / " ÎØp' 1 ¶Ù æ %ÙÎ# '
b É ] b /Î ¶Ù æ %ÙÎ# Î' 1 - / # ÙÍ '
e Ù# ´/# Ï~ ÛÍ/ Í ), #~ Ð d' ]"Ï / # /Î "
e Ð'. '/ # Ð' 444Í.¥} 1$ $ /# 1 ] 44Îb 4 g' e č ( 'æ / °. ]!$±# . Ø/Î# . ÎØp# %ã É ¡/Ù° Â ) .. $, # 1# Û ÃÎ Û' }. ' ¼} Ï} ÛÎ ÎÉ}
55
2019 ﻣﺎرس233 اﻟﻌﺪد/ ﺗﺮاث
ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﻌﺪد ﻟﻌﺪد اﻟﻌﺪدﻟﻌ ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت
28
14 48
4
102
ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﻌﺪد
76
ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺨﺰف ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ ﺗﺎﻓﻴﻼﻟﺖ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ص 102
إﺻﺪارات ﻣﺮﻛﺰ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ
cmc.ae
cmc_ad
cmc_ad
cmc.ae
turath_cmc turath_cmc
«ôĹġþ Ĩòû» ąĉĩ~ ~ăñľ~ ķĠ 2019 ﻣﺎرس233 ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺪد
ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﻨﻮﻋﺔ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ
óĹõ~ ïĬľ~ ïùĬļ~ ķĠ «Ĩòüĩ~» «óİĘĩ~ Ĩòû» ïĒþ ķĂĸ ïõ ĆĂĬ ķĠ ~ ïĬľ~ ~ąõ ïį ĵĴû ïĈąġĩ~ ĨĹijéõ óĹĈ ąġĩ~ ~ąñ| īĩïěĩ~ óĸ{ ïĬăĩ~ óĹİñ £ ïİĭĪĚ ăĸ~ ķñïòþļ~ ¡ ïĹĂĩ~ ïİĬŁþz ĵġõ z ïĸ ĵĔ~ąòĬľ~ ąďĚ ķĠ úÿĩ~ ķõ~ ïĬľ~ ķĕòİĩ~ ąěČĩ~ ķĠ óĭħÿĩ~ ~ąöĩ~ ąČİĩ óĹñąĚ óĹį ąöħĩ| óďİĬ ïĸïħþ ăĹĩïĤõ ~ ïĚ uķĩïĚļ~ ķĠ ïĹÿĩ~ ğĪĭĩ~