إﺻﺪارات ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث -ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،أﺑﻮﻇﺒﻲ
ﺗُﻮج ﻧﺎدي ﺗ ﺮاث اﻹﻣﺎرات ﺑﺠﺎﺋﺰة ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ راﺷﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم ﻟﻸداء اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ اﳌﺘﻤﻴﺰ ﻋﻦ ﻓﺌﺔ اﳌﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪاﻋﻤﺔ ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ ﺑﺎﻟﺪورة اﻟﺤﺎدﻳﺔ واﻟﻌﴩﻳﻦ ﻟﻠﺠﺎﺋﺰة ،مبﺒﺎدرة ”ﺗ ﺮاﺛﻨﺎ ..ﻫﻮﻳﺘﻨﺎ ﻟﻄﻠﺒﺔ اﳌﺆﺳﺴﺎت اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ “. وﻗﺎم ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ راﺷﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم ﻧﺎﺋﺐ ﺣﺎﻛﻢ ديب ،وزﻳﺮ اﳌﺎﻟﻴﺔ ،اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻷﻋﲆ ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺔ ،ﺑﺘﺴﻠﻴﻢ ﺳﻌﺎدة ﺣﻤﻴﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﺳﺎمل ﺑﻮﻻﺣﺞ اﻟﺮﻣﻴﺜﻲ اﳌﺪﻳﺮ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬي ﻟﻸﻧﺸﻄﺔ واﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت ﺑﻨﺎدي ﺗ ﺮاث اﻹﻣﺎرات درع اﻟﺠﺎﺋﺰة ﰲ ﺣﻔﻞ أﻗﻴﻢ ﺑﻘﺎﻋﺔ راﺷﺪ مبﺮﻛﺰ ديب اﻟﺘﺠﺎري اﻟﻌﺎﳌﻲ ﺑﺤﻀﻮر ﻋﺪد ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﻮخ واﳌﻌﺎﱄ اﻟﻮزراء وﻣﺠﻠﺲ أﻣﻨﺎء اﻟﺠﺎﺋﺰة و ﺳﻌﺎدة ﻋﲇ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ اﻟﺮﻣﻴﺜﻲ اﳌﺪﻳﺮ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬي ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻹﻋﻼم ﺑﺎﻟﻨﺎدي وﻓﺮﻳﻖ ﻋﻤﻞ اﻟﻨﺎدي اﳌﺸﺎرك ﺑﺎﻟﺠﺎﺋﺰة .
ﺑﺮزة ﺗﺮاث
ąƲǔƶǖČĨ ėǡƩǖČĨ ėǡǗǖČ ƲƦǝǤ ǛǙ ﺗﻀﻊ اﻟﻌ ّﻤﺔ اﻟﻤﺴﻨﺔ ﻳﺪﻫﺎ اﻟﻴﺴﺮى ﺗﺤﺖ ﺷﻴﻠﺘﻬﺎ؛ ﻟﺘﺤﻚ ﺧﻠﻒ رﻗﺒﺘﻬﺎ، ﺗﻮزع ﻧﻈﺮاﺗﻬﺎ اﻟﻤﺘﺄﻣﻠﺔ ﻟﻸﻃﻔﺎل ،ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻠﻎ أول ﺳﻨﻮات اﻟﻤﺮاﻫﻘﺔ، ﺗ ّﺰم ﺷﻔﺘﻴﻬﺎ ،ﻓﺰﻳﺎرﺗﻬﻢ اﻵن ﺳﺘﺤﻮل اﻟﻤﺴﻜﻦ اﻟﻬﺎدئ إﻟﻰ ﺻﺎﺧﺐ. ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﻢ ،وﻫﻲ ﺗﻬﻤﺲ ﺑﻌﺒﺎرات ﻏﻴﺮ ﻣﺴﻤﻮﻋﺔ ،ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ أﻃﻮﻟﻬﻢ ﻣﺘﺴﺎﺋﻠﺔ: ﺷﻨﻖ ﺑﻦ ﻋﻨﻖ ﺷﻮ اﻟﻠﻲ ﺟﺎء ﺑﻪ اﻟﻴﻮم؟ ﻳﻀﺤﻚ اﻟﻔﺘﻴﺔ وﻳﺮون وﻗﻊ ﻛﻼﻣﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﻀﻬﻢ ،ﻓﻴﻤﺎ ﻧﻈﺮاﺗﻬﻢ اﻟﻤﺘﻬﻜﻤﺔ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻔﺘﻰ اﻟﻄﻮﻳﻞ ،اﻟﺬي ﻳﻨﺎدي ﻋﻠﻰ أ ّﻣﻪ ،ﻓﻲ إﺷﺎرة اﻟﻜﻒ ﻋﻤﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ .ﺗﺸ ّﺪ ﻃﻔﻠﺔ ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻦ ﻋﻤﺔ أﺑﻴﻪ اﻟﻤﺴﻨﺔ إﻟﻰ ﺿﺮورة ّ ﺻﻐﻴﺮة ﺛﻮب اﻟﻌﻤﺔ ﻣﺘﺴﺎﺋﻠﺔ :ﻣﻦ ﺷﻨﻖ ﺑﻦ ﻋﻨﻖ؟ ﺗﺮ ّد ﺑﺎﻗﺘﻀﺎب ﻫﺬا ﻓﻲ ﺧﺮارﻳﻒ زﻣﺎن اﻷول .ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﺬﻫﺎب إﻟﻰ ﺑﻴﺖ أﺧﺘﻬﻢ اﻟﻤﺠﺎور ،ﻓﻘﺪ ﺗﺤﻮل اﻻﺟﺘﻤﺎع اﻟﻌﺎﺋﻠﻲ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ إﻟﻰ ﺑﻴﺘﻬﺎ. ﻓﻲ ﺑﻴﺖ أم ﺳﻌﻴﺪ اﺟﺘﻤﻌﺖ اﻟﻨﺴﻮة ﻟﻼﺣﺘﻔﺎل ﻣﻌﻬﺎ ﺑﻬﺬه اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ اﻟﻤﻬﻤﺔ ،اﻟﺘﻒ اﻷﻃﻔﺎل ﺣﻮل اﺑﻨﻬﺎ اﻟﺒﻜﺮ ﺳﻌﻴﺪ ،اﻟﺬي ﺑﺪأ ﻓﻲ اﻟﻤﺸﻲ ﻣﻨﺬ أﻳﺎم ،ﻣﻊ ﺧﻄﻮاﺗﻪ اﻷوﻟﻰ أﻣﺎم اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻧﺜﺮت أ ّﻣﻪ ﻗﻄﻊ اﻟﺤﻠﻮى واﻟﺸﻜﻮﻻﺗﻪ واﻟﺪراﻫﻢ أﻣﺎﻣﻪ ،ﺗﺪاﻓﻊ اﻷﻃﻔﺎل ﻻﻟﺘﻘﺎط اﻟﺤﻠﻮى واﻟﺸﻜﻮﻻﺗﻪ ،ﺿﺤﻚ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻔﺮح وﺻﻔﻖ ﻟﻨﻔﺴﻪ ،ﺑﻌﺪ أن ﺗﺤﻮل اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺨﻄﻮاﺗﻪ وﺑﻪ إﻟﻰ ﺗﺴﺎﺑﻖ ﻋﻠﻰ ﺗﺠﻤﻴﻊ اﻟﺪراﻫﻢ ﻓﻲ ﻓﺮح ﻃﻔﻮﻟﻲ. ﻏ ّﻨﺖ ﺟﺪة ﺳﻌﻴﺪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻷم ،وﻫﻲ ﺗﺼﻔﻖ ﻟﻪ: ﻻﻗــــــــــــﻰ ﺣﻮﻳـــــــﻠﻪ ﻳﻤﺸﻲ ﺑﻨﺬﺑــــــــــــــﺢ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻜﺒﺸـــــﻲ ﻏ ّﻨﺖ ﻟﻪ ﺟﺪﺗﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أ ّﻣﻪ: ﻻﻗﻰ ﺣــــــــــــﻮﻳﻠﻪ ﻳﻤﺸــــــﻲ ﺑﻨﺬﺑـــــــــــﺢ ﻋﻠﻴـــــﻪ اﻟﻜﺒﺸﻲ ﻳﺎ ﺳﻌﻴــــــــــــﺪ ﻃ ّﻤـــــــــــﺢ وﻻ ﻳـــــــــــﺮﺷــــــــــــــــــــﻲ ﻣـــــــــــــﺮﻛﺒﻦ ﻣﻴﻤﺘــــــــــــﻪ وﺣﺮﻳﻤﺘـــــــــــــﻪ ﺗﻤـــــــــﺸﻲ اﻟﺤﻮﻳﻞ :اﻟﺴﻨﺔ ،ﻣﻴﻤﺘﻪ :أﻣﻪ ،ﻃﻤﺢ :أي أزﻋﻞ زوﺟﺘﻪ ،ﺑﺄن رﻛﺒﺖ أﻣﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎﻗﺔ وﻣﺸﺖ زوﺟﺘﻪ. إن اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﻤﺸﻲ اﻟﻄﻔﻞ ﻷول ﻣﺮة ﻋﺎدة ﻣﻨﺘﺸﺮة ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ دول
130
ﻣﻦ ﻳﻨﺜﺮ اﻟﻠﻮز واﻟﺠﻮز واﻟﺴﻜﺮ
د.ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺣﻤﺪ اﻟﻤﺰروﻋﻲ*
@ ﻛﺎﺗﺒﺔ وﺑﺎﺣﺜﺔ ﻣﻦ ا ﻣﺎرات
اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ وﻓﻲ اﻷرﻳﺎف ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﺜﻞ رﻳﻒ اﻟﺸﺎم .ﻫﻲ ﻋﺎدة ﻣﺘﻮارﺛﺔ ﻣﻨﺬ ﻣﺌﺎت اﻟﺴﻨﻴﻦ ،ﻫﻨﺎك ﺷﻮاﻫﺪ ﻋﺪﻳﺪة ﻟﻜﻦ ﺳﺄﻗﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺼﺮ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﻮن ﻳﺤﺘﻔﻠﻮن ﺑﺒﺪء ﻣﺸﻲ أﻃﻔﺎﻟﻬﻢ ،ﺑﻨﺜﺮ اﻟﻤﻜﺴﺮات ﻣﺜﻞ اﻟﻠﻮز واﻟﺠﻮز واﻟﺴﻜﺮ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺜﺮون ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺪراﻫﻢ واﻟﺪﻧﺎﻧﻴﺮ ،رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﻢ أﻫﺎزﻳﺞ ﻳﻐﻨﻮﻧﻬﺎ ﻟﻸﻃﻔﺎل أﻳﻀﺎ .ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺘﻔﻠﻮن ﺑﺎﻷﻃﻔﺎل ﺑﻌﺪ ﺣﻔﻈﻬﻢ ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ، وﺣﻔﻼت اﻟﺨﺘﺎن اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎم ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺄدﺑﺔ ،وﺣﻔﻼت ﻏﻨﺎﺋﻴﺔ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻓﻴﻬﺎ اﻵﻻت اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻤﺰﻫﺮ واﻟﻌﻮد واﻟﺒﻮق وﻏﻴﺮﻫﺎ .وﻣﺎزاﻟﺖ ﻫﺬه اﻟﻌﺎدة ﻣﺴﺘﻤﺮة ﻓﻲ دول اﻟﻤﻐﺮب اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺤﺘﻔﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻟﻴﻮم واﺣﺪ ،ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻤﺘﺪ اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت إﻟﻰ ﻋﺪة أﻳﺎم ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺪن واﻷرﻳﺎف، ﻟﻴﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻟﻠﻘﺒﻴﻠﺔ ﺗﺤﺘﻔﻲ ﺑﻪ .ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻬﻢ ﻫﺬه اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت ﺿﻤﻦ ﻃﻘﻮس اﻟﻌﺒﻮر ،اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻐﻴﺮ ﺣﺎل ﻓﺮد ﻣﻦ وﺿﻌﻴﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى .وأﻣﺎ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣــﺎرات ﻓﻤﺎ زاﻟﺖ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﻬﺎت ﻳﺤﺘﻔﻠﻦ ﺑﻤﺸﻲ اﻟﻄﻔﻞ ﺑﻨﺜﺮ ﻗﻄﻊ اﻟﺤﻠﻮى واﻟﺪراﻫﻢ أﻣﺎﻣﻪ. وأﻣﺎ ﺷﻨﻖ ﺑﻦ ﻋﻨﻖ ،اﻟﺬي ذﻛﺮﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ،ﻓﻬﻮ ﻣﻦ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت اﻟﺨﺮاﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﺑﺘﻜﺮﻫﺎ اﻟﺨﻴﺎل اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﺠﻤﻌﻲ ،ورد ﻓﻲ اﻟﻘﺼﺺ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ،رﺳﻤﺖ ﻟﻪ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻣﺒﺎﻟﻎ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﻃﻮﻟﻪ ،ﺑﺸﺎﻋﺔ ﻣﻨﻈﺮه، ﻣﻦ اﻟﻐﺮﻳﺐ أن ﻳﻮﺻﻒ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺮوﻳﺎت ،ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ، ﺑﺎﻟﻮﺳﺎﻣﺔ ! ﻳﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ،ﻟﻴﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ أﻗﻮات اﻟﻨﺎس ،ﻧﺎﻫﺒﺎً ﻛﻞ ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻣﻦ دون ﻣﺮاﻋﺎة ﻣﺪى ﻓﻘﺮﻫﻢ وﺣﺎﺟﺘﻬﻢ ،ﺣﺘﻰ اﺣﺘﺎﻟﻮا ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺨﺎﻃﻮا ﻟﻪ إزارا ً ﻛﺒﻴﺮا ً ﻟﻴﺴﺘﺮوا ﺟﺴﺪه ،ﺳﺎﺋﻠﻴﻦ إﻳﺎه أن ﻳﺪﻓﻊ ﺛﻤﻨﻪ، ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﻪ إﻻ أن ﻏﺎدرﻫﻢ وﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻟﻬﻢ ﻣﺠﺪدا ً ،ﺣﻴﺚ ﻏﺮق ﺑﺴﺒﺐ ﺣﻴﺮﺗﻪ وﺗﻔﻜﻴﺮه ﻓﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﺴﺪﻳﺪ ﻫﺬا اﻟﺪﻳﻦ ﻟﻠﻨﺎس ،ﻓﺼﺎر اﻟﻐﺮق ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺬي ﻫﻮ ﻣﺴﻜﻨﻪ ،ﻣﺼﺪر ﻗﻮﺗﻪ ﻫﻮ ﻧﻬﺎﻳﺘﻪ
ﺑﻦ ﻃ ّﻨﺎف ،واﻟﺸﺎﻋﺮ راﺷﺪ اﻟﺨﻀﺮ ،واﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺠﻤﺮي، واﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻜﻮس ،واﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﻄﺮوﺷﻲ. و ّﺟﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻜﻮس ﻗﺼﻴﺪة ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺠﻤﺮي ﻗﺎل ﻓﻲ ﺑﻌﺾ أﺑﻴﺎﺗﻬﺎ ﻣﻠﻐﺰا: ﺧﻞ ﻋﻠﻰ ْاﺳﻤﻪ ﻓﻼ ِدﻳﺲ أﻧﺎ ﺑﻲ ﻫﻮى ّ ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻨﻮن ْودال ﻣﺎ ﻫـــــــﻮ ﺑﺨﺎﻓﻲ واﻟ ٍ ْﻒ وﻋﻴﻦ ْﻣﻌ ّﺮﺑـــــﺎت اﻟﺘﻄﻠﻤﻴــﺲ واْ ْﻣﻨ ّﺰﻫﺎت ْﻣﻦ اﻟﺸﻮاﺑﻪ ﻋﻮاﻓــــــــﻲ ﻓﺮد اﻟﺠﻤﺮي ،ﻣﻠﻐﺰا: اﻟﻠﻲ ذﻛْﺮت ْاﺳﻤﻪ ﻣﻐﻠّـــــﺲ ﺗﻐﻠّﻴـﺲ ﻧﻮنْ ودال ْوﻋﻴــــــﻦ واﻷْﻟْﻒ ﻳﺎﻓــﻲ ﺑﺎﻗﻮل ﻟﻚ ﻛﻠﺒﻴﻦ ﻋﻨــﺪه ﺣـــــﺮارﻳﺲ وﻋﻘﺮب ﻣــــــﻊ اﻟﺒ ّﻮاب ﺗﻠْﺪغ اﻟﻼﻓﻲ وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ ﺑﻴﺎت اﻟﻤﻬﻴﺮي: ﻣﺮﻓﻮع ْاﺳﻤـــــﻪ ﺑﺎﻟﻐــــــــــــــــﺒﺎﻳﺎ ﺣﺮﻓﻴﻦ ﻣــــﻴﻢ وﺣﺮف ﻣــــــﻦ ﻛﺎف وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ راﺷﺪ ﺑﻦ ﻃ ّﻨﺎف: أرﺗﺎح ﻳﻮم إﻳــﻮنّ ﻃــــــــــﺎرج واﻟﻄﺎء ﺳﻄﻰ ﻟﻲ ف اﻟﻤﻌﺎﻟﻴـﺞ ﻣﻴﺘﻴﻦ وا ْﻣﻴﻪ واﻟﻴـــﺮح ﺳــــﺎرج ﺻﺎر وﻟﻜﻦ اﻟﻘﻠﺐ َم ﻳْﻄــــﻴــﺞ وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﺒﺮان اﻟﺴﻮﻳﺪي: ﻳﺎﺳﻌﻴــــﺪ ﻫﺎﻣــﻮر ﻫـــﺎﺗﻮا ﻓﺴﺮﻫـــــﺎ ﻳﺎ ﻋﺮارﻳﻒ ﺑﺪﺣﺔ ْ ﻛﻠﺖ ْ وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻮﻗﺎت: ﺣﺮف ف اﻟﻤﻐـــــﺰل ﻏﺰل ﺑﺎﻋﻲ ﻣﺤﻤـــﻞٍ ﻳﺠﺮي ﺑﻪ ﺷْ ﺮاﻋـــــﻪ ﻓﺺ م اﻟﻴــــــﺎﻗﻮت ﻳﺒﺘﺎﻋـــــﻲ واﻷﺳﺪْ ﻣــــﺎ رﻳﺖ ﺑ ّﻴﺎﻋــــــﻪ وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ راﺷﺪ اﻟﺨﻀﺮ: دﻣﻌﻲ ﺟﺮى ﻣﺜﻞ اﻟﺴــــــﻼﻳﻒ ﺣﺎز اﻟﻘﻠﺐ ﺳ ّﺘﺔ وﺧﻤـــــﺴﻴﻦ ﻻم ﻟﻪ ﺗﺤــــــــــــــﺎﻳﻒ واﻟﻔﻴﻦ ﺳﻴﻦ ْوﻣﻴـــــــﻢ أﻟﻔﻴﻦ أﻟﻔﻴﻦ ٍ وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ زﻋﻞ ﺑﻦ ﺳﻴﻒ ﺑﻦ زﻋﻞ اﻟﻔﻼﺣﻲ: ﺑﻴﻦ ﺗﺎ واﻟ ٍ ْﻒ ﻧﺤــــــــــﺎزي ﺑﻪ ﺑﻴﻦ ﺟﻴﻢ ْوﺑﻴﻦ ﺧﺎ ﺧــــــــﺎﻓﻲ وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺳﻮﻳﺤﺎن اﻟﺴﻮﻳﺪي: رﺟﻞ ﻧﺎﺟﻞ ﻣﺪْ ﻓﻊ ﻳْﺴﻴﺠــــــــﻲ أرﺑﻌﻴﻦ ْوأرﺑﻌــــــــــــــﺔ رﻧّﻪ
وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺣﻤﻴﺪ ﺑﻦ ذﻳﺒﺎن: ﻏﻄﻮ ﺳﺪّ ْوﺧـــــــﺎﻃﺮي ﺑﺎﺣـــﻪ ﻓﺘﺨـــــــــﻪ ْوﺧﻠﺨﺎل و ْﺣﻴﻮﻟﻪ ﻗﻔﻞ ﺷـــــــــﺎخ ْوﺿﺎع ﻣﻔﺘﺎﺣـﻪ زﻋﻔــــــــــﺮان ْوﻋﻴﻦ ﻣﻬﻤﻮﻟﻪ وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺧﻠﻔﺎن اﻟﺤﺘّﺎوي اﻟﻤﻄﻴﻮﻋﻲ: ْاﺳﻤﻪ ذﻛ ْﺮﺗﻪ ف اﻟﻬﻴـﻮ ﺑﺎﻟﻜﻤﺎﻟـــﻲ ﺣﺮﻓﻴﻦ ﻻم وﻓﻮﻗﻬﻦ ﻳ ْﻌﻄﻒ اﻟﺴﻴﻦ ﺣﻴ ٍﺪ دﺧﻞ ف ْﺻﺤﺎر واﻟﺤ ْﻤﻞ ﺷﺎﻟﻲ ﻓﺺ م اﻟﻴــــــﺎﻗـﻮت ﻓﻴﻪ اﻟﺮﻳﺎﺣﻴـــﻦ ْو ّ وﺗﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻋﻮﺷﺔ ﺑﻨﺖ ﺧﻠﻔﻴﺔ اﻟﺴﻮﻳﺪي "ﻓﺘﺎة اﻟﻌﺮب": ﻣﺮﺳﻮﻟﻨﺎ راﻋﻲ ﺗﺨﺸـــــــــــﺨﻴﺶ أ ْرﻧﺐ ْوﻃﻴﺮ ْوﻋﻘــــــﺮب ْوﻓـــــــــــﺎر وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ راﺷﺪ ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ ﻟﻤﺨﻴﻤﺮي: ﻣﺪﻓﻊ ﻧﻘﻊ ﺑﻴﻦ اﻻﺳﺎوﻳـــــــــﺪ ﺣـــــــﺮف أرﺑﻌـــــــــﻴﻦ ْوﻏﻮل و ّراد ﺳ ْﺒﻊِ ﺑﻠ ْﺤﻦ واﻟﺼــــــﻮت ﺗﺠﻮﻳﺪ ف اﻟﻤﺪرﺳــــــﺔ ﺳﺘ ّﻴﻦ ﺑﺎﻋــــــــﺪاد وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﻄﺮوﺷﻲ: ﻳﺎ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺷﻜﻮاﻳﻪ اِﻟْﻤـــــــــﻦ رﻳّﺎل ف اﻟﺒﺤـــــــــــﺮﻳﻦ ﻳﺒﺘـــــــﺎع ﺧﻤﺴﻴﻦ ﻛـــــــــﻠّﻪ ﻣﺎﻳﺘﻪ ﺑْﻔـﻦ واﻟﺴﺒــــــــﻊ ﻋــــــﻴﻨﻪ ﺗﺬرف دْﻣﺎع وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺠﻤﺮي ﻣﺆﻛﺪا أﻧﻪ ﻣﻦ ﺣﺮوف اﻟ ُﺠ ﱠﻤﻞ: ْاﺳﻢ اﻟﺤﺒﻴﺐ اﻟﻐﺎﻟﻲ ﻣﺠــﻬﻮﻟﻲ ﻣــــــــﺎ ﺗﻔﻬﻤـــــﻪ اﻻﻗـــــــــــﻮال ﺳﺘﻴــﻦ ﺑﺎﻟﻜ ّﻤﺎﻟﻤﺠــــــــــﻤﻮﻟﻲ واﺛﻨــــــﻴﻦ ﻣـــــــــــﻊ رﻳـــــــــﺎل وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻏْﺼﺎب اﻟﻤﻨﺼﻮري: واﻟﺴﻴﻨﻲ ﺗﺮى ﺳﻤ ّﻴﻪ ﺑﺤﺮف اﻟﻤﻴﻢ ّ واﻟﺸـﺎﻓﻌﻲ ﻳ ْﺬﻛﺮ ْاﺳﻤﻪ ﺑﺎ ّول اﻟﺴﻮره وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻫﻼل ﺑﻦ ﻓﺮح اﻟﻘﺒﻴﺴﻲ: أرﺑﻌﻴﻦ ْوﺣﺶ م ﻳﺼـــــــــــﺎدي ﻳﻌﺠﺰ اﻟﺮﻛّﺎب ﻣــــــــــــﻦ دوﻧﻪ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
129
أوراق ﺷﻌﺒﻴﺔ
ėƜNjǖǨČ ǛǍ ǣƢČĖƜǙǪČ ǣǂƟǝǖČ ƲLjƹǖČ ǣǍ ﻓﻬﺪ اﻟﻤﻌﻤﺮي*
ﻣﺘﻜﺎﻣﻼ أرﺳﻰ ً ﻟﻔﻦ اﻷﻟﻐﺎز ﻓﻲ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ أﺻﻮل وﻣﺒﺎدئ ﺗﺠﻌﻠﻪ ﻋﻠ ًﻤﺎ اﻟﺸﻌﺮاء اﻷواﺋﻞ ﻗﻮاﻋﺪه .ﺣﻘﻘﻮا ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﻣﺎ أرادوه ﺑﺎﻟﻤﻌﺘّﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺟﺎءت ﻓﻲ ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﻢ واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﺤﺎورون ﺑﻬﺎ وﻛﺄﻧﻬﻢ ﻳﺘﻤﺘﻤﻮن ٍ وﺣﺮوف ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ أﻣﺮﻫﺎ ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﺑﻜﻠﻤﺎت ﻟﻜﻲ ﺗﺆدي اﻟﻐﺮض اﻟﻤﺮاد وﺗﺼﻞ ﺑﺎﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﺘﻠﻘﻲ أو اﻟﺴﺎﻣﻊ .ﻇﻎ .واﻟﺪرﺳﻌﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ ورﻣﻮزه :ﻛﻞ ،ﺣﻆ ،ﻗﺪ ،ﺗﻮ ،ﻫﻢ ،ذي ،رع ،ﻏﺐ، اﻧﺤﺼﺮت اﻷﻟﻐﺎز اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻟﻮﻧﻴﻦ ،أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻳﺘﻢ ﺑﻨﻈﻢ اﻟﻠﻐﺰ ﻓﻲ ﻃﺶ ،ﺳﻒ ،ﻧﺺ ،أج ،ﺛﺦ ،زل. أﺑﻴﺎت اﻟﺸﻌﺮ ﺑﺄﻟﻔﺎظ ﺻﺤﻴﺤﺔ واﺿﺤﺔ ،ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﺧﺘﺒﺎر ذﻛﺎء اﻟﺴﺎﻣﻊ وﺑﺪﻳﻬﺘﻪ ،وﻣﻨﻪ ﻗﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺠﻤﺮي ،ﻗﺎﺻ ًﺪا اﻟﺮﺣﻰ :ﻓﻦ اﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ﻛﻞ ﺣﺮف ﺑﺎﺳﻢ ﻛﺎﺋﻦ ﻣﻦ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت وﻳﺮﻣﺰ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ اﻟﺸﻌﺮي إﻟﻰ ّ ﺗﺎﻛﻞ وﺗﻔْﻠــﺢ ﻗُﻮﺗِﻬﺎ ف ﺛْ َﺒﺎﻧْﻬﺎ ْ وِش اﻟﻔﺘﺎة اﻟﻠﻲ ﺗِﺠﻠْﺠِ ْﻞ ﻋﻴﻨﻬﺎ ﺟﻤﺎ ًدا أو ﺣﻴﻮاﻧﺎ ،وﻳﺒﺪأ ﺑﺎﻟﺤﺮف ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻴﺮﺗﺒﻂ ﺑﺬﻟﻚ ﻛﻞ ﺣﺮف أﻣﺎ اﻟﻠﻮن اﻵﺧﺮ ،وﻫﻮ اﻷﺷﻬﺮ ﻓﻴﺸﻤﻞ ﺛﻼﺛﺔ ﻓﻨﻮن ﻫﻲ :اﻟ ّﺪ ْرﺳﻌﻲ ﺑﻜﺎﺋﻦ ﻣﻌﻴﻦ ،وﻳﺬﻛﺮ ﻫﺬا اﻟﻜﺎﺋﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺼﻴﺪة وﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ اﻟﺤﺮف واﻟ ُﺠ ﱠﻤﻞ واﻟ ﱢﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ،ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻓﺮو ًﻋﺎ ﻷﺻﻞ واﺣﺪ .وﻣﻨﻬﺎ ﻗﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻷول اﻟﺪال ﻋﻠﻴﻪ ،ﻣﺜﻞ ﺣﺮف اﻷﻟﻒ ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ آدﻣﻲ ،ﺣﺮف اﻟﺒﺎء ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ ﺑﻘﻮﻟﻴﺎت ،ﺣﺮف اﻟﺘﺎء ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ ﺗﻤﺮ ،ﺣﺮف اﻟﺜﺎء ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ ﺛﻴﺎب، ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻜﻮس: ﻳﺎ َﺣﺮ ِْف ﺧـﺎ واﻟﺤﻜــــﻢ ﻣﺎﺿﻲ ا ْر َﺣــﻢ اﻟﻔـــﺎء ﻋﻨــْﺪك دْﺧﻴﻠﻪ وﻫﻜﺬا ﺣﺮف اﻟﺨﺎء ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ ﺧﺸﺐ ،ﺣﺮف اﻟﺪال ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ دواب، ﺧﻞ ﺧ ْﺮف اﻟﻠـــﺎم ﻻﺗْﺸﻴـــــﻠﻪ ﺣﺮف اﻟﻌﻴﻦ ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ اﻟﻌﻄﻮر ﺑﺄﻧﻮاﻋﻬﺎ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺣﺮف اﻟﻤﻴﻢ ﻳﻘﺼﺪ ّ إنْ ﻋﺮﻓْﺖ اﻟﺴﻴﻦ ﻳﺎﻟﻘﺎﺿﻲ ﺑﻪ اﻟﻤﺪن وأﺳﻤﺎؤﻫﺎ ،ﺣﺮف اﻟﻬﺎء ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ اﻟﻬﻮام ﻛﺎﻟﺴﺒﺎع واﻟﺜﻌﺎﺑﻴﻦ. وﻳﺠﻤﻞ اﻟﺸﺎﻋﺮ راﺷﺪ ﺑﻦ ﻃ ّﻨﺎف اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻓﻲ ﺷﻄﺮ واﺣﺪ: َم ﻳْﻌﻮ ِﻗﻨﻲ ﻧﻈْﻢ اﻟﺸﻌﺮ واْﻣﺴﺎﻟﺒﻪ ﻻ د ْر ِﺳﻌﻲ ُﺟ ﱠﻤﻞ وﻻ رﻳﺤــــﺎﻧﻲ ﻓﻦ ُ اﻟﺠ /ﻤﻞ وﻫﻮ أﺳﻠﻮب ﻗﺪﻳﻢ ،ﻳﻌﻄﻲ ﻛﻞ ﺣﺮف ﻣﻦ ﺣﺮوف اﻷﺑﺠﺪﻳﺔ رﻗ ًﻤﺎ ،ﻓﺈذا ﻣﻌﻠ ًﻨﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﺤﺪﻳﻪ ﻟﻠﺸﻌﺮاء ﺑﺄﻧﻪ ﻓﺎرس ﻫﺬا اﻟﻤﻴﺪان .ورﻏﻢ أن اﻟﻜﺜﻴﺮ ذﻛﺮ اﻟﺮﻗﻢ دل ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮف اﻟﺬي ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻪ ،وإذا ذﻛﺮ اﻟﺤﺮف دل ﻋﻠﻰ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء ﺑﺮزوا ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻴﺪان إﻻّ أن ﻧﺨﺒﺔ ﻣﻨﻬﻢ أﺑﺪﻋﻮا ﻓﻴﻪ اﻟﺮﻗﻢ اﻟﻤﺮﺗﺒﻂ ﺑﻪ. ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،وﺳﻮف ﻧﻮرد ﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﻢ أﻣﺜﻠﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ. وﻳﺄﺗﻲ ﺗﺴﻠﺴﻞ اﻟﺤﺮوف ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺎم أﺑﺠﺪ ﻫ ّﻮز ﺣﻄﻲ ﻛﻠﻤﻦ ،ﻓﺤﺮف اﻷﻟﻒ ) ،(1وﺣﺮف اﻟﺒﺎء ) ،(2وﺣﺮف اﻟﺠﻴﻢ ) ،(3ﺣﺘﻰ اﻟﺤﺮف اﻟﻌﺎﺷﺮ اﻟﻴﺎء ﻓﻴﺄﺧﺬ اﻟﺮﻗﻢ ) ،(10وﻣﻦ اﻟﺤﺮف اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ إﻟﻰ اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻓﻦ اﻟﺪرﺳﻌﻲ وﻓﻖ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻌﻤﻴﻤﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ "ﺳﺎﻟﻢ اﻟﺠﻤﺮي ـ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺗﺄﺧﺬ أﻟﻔﺎظ اﻟﻌﻘﻮد ،40 ،30 ،20 :ﺣﺘﻰ اﻟﻤﺎﺋﺔ ،وﻣﻦ اﻟﺤﺮف اﻟﺤﺎدي وﻗﺮاءة ﻓﻲ ﻗﺼﺎﺋﺪه" ﻫﻮ ﻓ ٌﻦ وأﺳﻠﻮب ﺷﻌﺮي ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﻗﺎﻋﺪة رﺑﻂ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ إﻟﻰ اﻷﺧﻴﺮ ﺗﺒﺪأ اﻷرﻗﺎم ﻓﻲ ﻣﻀﺎﻋﻔﺎت اﻟﻤﺎﺋﺔ،300 ،200 : ﺣﺮﻓﻴﻦ ﻫﺠﺎﺋﻴﻴﻦ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ،ﺑﺤﻴﺚ إذا ذﻛﺮ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻤﻘﺼﻮد 400وﺣﺘﻰ .1000وﺑﻌﺾ اﻟﺸﻌﺮاء ﻳﻤﺰج ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺸﻌﺮي اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﺤﺮف اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻪ .واﻟﺪرﺳﻌﻲ ﻧﻮﻋﺎن :اﻟﺪرﺳﻌﻲ اﻟﺼﻐﻴﺮ ،ﺑﻴﻦ اﻟﺪرﺳﻌﻲ واﻟﺠ ّﻤﻞ واﻟﺮﻳﺤﺎﻧﻲ ،وﻓﻖ ﻗﺪراﺗﻪ ورﻏﺒﺎﺗﻪ. ورﻣﻮزه :ﻛﻢ ،أو ،ﺣﻂ ،ﺻﺾ ،ﻟﻪ ،ﻓﻲ ،در ،ﺳﻊ ،ﺑﺰ ،ﺧﺶ ،ﺗﺬ ،ﻧﻖ ،ﺗﺞ ،ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺬﻳﻦ أﻛﺜﺮوا ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ ﻓﻲ أﺷﻌﺎرﻫﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮ راﺷﺪ @ ﺑﺎﺣﺚ ﻣﻦ ا ﻣﺎرات
128
ﻓﻦ ا%ﻟﻐﺎز ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ ا ﻣﺎراﺗﻲ
ﻋﻠﻰ اﻟﺬﺧﻴﺮة اﻟﻌﺮوﺿﻴﺔ اﻟﺨﻠﻴﻠﻴﺔ اﻟﻤﻨﺸﻮرة واﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺔ ،وﻣﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ درس ﺑﺒﻠﻴﻮﻏﺮاﻓﻲ ،وﺗﻌﺮﻳﻔﻲ ،وﻧﻘﺪي ،ﻛﻤﺎ ﺗُ ْﻌ َﻨﻰ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎرﻧﺔ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﻟﻠﻨﺼﻮص اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﺑﻤﺎ ﻟﻬﺬه اﻟﻨﺼﻮص ﻣﻦ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ،وﺑﻤﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺮوض وﺻﻨﻌﺔ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﻦ ﻋﻼﻗﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺜﻴﺮ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻔﻬﻮﻣﺎت اﻟﻌﺼﺮﻳﺔ ،ﻣﺜﻞ اﻟﻌﺮوض اﻟﺮﻗﻤﻲ ،واﻟﻌﺮوض اﻟﺒﺪﻳﻞ، وﺗﻨﻈﺮ ﻧﻈﺮة ﻧﺎﻗﺪة إﻟﻰ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،واﻟﻤﻘﺎرﺑﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻌﺮوض اﻟﺨﻠﻴﻠﻲ ،واﻟﺘﻮﻇﻴﻒ اﻷﺳﻠﻮﺑﻲ ﻟﻠﺒﻨﻴﺔ اﻟﻌﺮوﺿﻴﺔ، وﻓ ﱢَﺾ اﻻﺷﺘﺒﺎك اﻟﻘﺎﺋﻢ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﻴﻮد اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮﺿﻬﺎ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﻌﺮوﺿﻴﺔ، واﻟﺤﺮﻳﺔ؛ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺣﻴﺎة اﻹﺑﺪاع. أﺑﺤﺎث وﻣﺪاﺧﻼت
ﺿ ﱠﻤﺖ اﻟﻨﺪوة ﻋﺪة أﺑﺤﺎث ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻟ َﻌﺮوض، ﻣﻮﺳﻌﺔ ﺣﻮل أﺑﺮز اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ ﻛﻤﺎ دارت ﻧﻘﺎﺷﺎت ﱠ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،اﻟﺬي ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ وﺑﺎﻟﻠﻐﺔ وﺑﺎﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﻋﻤﻮﻣﻪ، وﻃﺮﺣﺖ آراء ﻣﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل ،إذ أﺷﺎر اﻟﺪﻛﺘﻮر أﺣﻤﺪ اﻟﺴﺎﻟﻢ ﻋﻀﻮ ﻣﺠﻠﺲ أﻣﻨﺎء ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻤﻠﻚ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، إﻟﻰ أن اﻟﺪواﺋﺮ اﻟﻌﺮوﺿﻴﺔ ﻻ ﺗﺜﺒﺖ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺒﺤﻮر اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ إﻻ ﺑﻮاﺳﻄﺘﻬﺎ ،ﻣﻊ ﻟﻮﻣﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﻘﻮل ﺑﺄن اﻟﺪاﺋﺮة اﻟﻌﺮوﺿﻴﺔ ﻗﺪ ﺗﺪور ﻋﻠﻰ ﺑﺤﺮ واﺣﺪ ،ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﻘﺮﻳﺔ أن ﺗﺪور ﻋﻠﻰ ﺑﺤﺮ واﺣﺪ، ﻟﻜﻦ اﻹﺑﺪاع ﻳﻜﻮن ﻓﻲ أن ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺒﺤﻮر اﻟﺘﻲ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺷﺎﺋﺞ ﻗﺮﺑﻰ ﺗﺠﻤﻌﻬﺎ اﻟﺪاﺋﺮة اﻟﻌﺮوﺿﻴﺔ. ﻛﻤﺎ أﺷﺎر ﻣﺤﻤﺪ ﻧﻌﻤﺎن ﺧﺎن إﻟﻰ أن ﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻬﻨﺪ إﺳﻬﺎﻣﺎت ﻗ ﱢﻴﻤ ًﺔ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ أﺳﻬﻤﻮا ﻓﻲ ﻋﻠ َﻤ ْﻲ اﻟﻌﺮوض واﻟﻘﺎﻓﻴﺔ، وﺗﻮزﱠع اﻫﺘﻤﺎﻣﻬﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻌﻠﻤﻴﻦ ﺑﻴﻦ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ
واﻷوردﻳﺔ ،وأﺻﻮل ﻋﻠﻢ اﻟﻌﺮوض ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺘﻴﻦ اﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ واﻷوردﻳﺔ ﻣﺒﻨ ﱠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ اﻟﻌﺮوض اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وﻣﻦ أﻫﻢ إﺳﻬﺎﻣﺎت اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻬﻨﻮد ﻓﻲ رﺿﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﺴﺎﻓﺎﺗﻲ اﻟﻬﻨﺪي) ،اﻟﻤﺘﻮﻓﱠﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل ،ﻣﺎ أﻟﱠﻔﻪ ﱡ ﻋﺎم 610ه(» :ﻣﺨﺘﺼﺮ ﻋﻠﻢ اﻟﻌﺮوض«. وﻋﻦ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻨﺺ اﻟ َﻌﺮوﺿﻲ ﺗﺤﺪث اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺼﻄﻔﻰ أﺑﻮ ﺷﻮارب-أﺳﺘﺎذ اﻷدب واﻟﻨﻘﺪ ورﺋﻴﺲ ﻗﺴﻢ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﻜﻠﻴﺔ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ،ﻣﺸﻴ ًﺮا إﻟﻰ أن ﻋﻠﻢ اﻟﻌﺮوض ﺗﺘﺪاﺧﻞ ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻮم أﺳﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺿﻴﺔ اﻟﻠﻐﺔ واﻹﻳﻘﺎع ،وﻳﺘﺪاﺧﻞ اﻟﻤﺘﻦ اﻟﺸﻌﺮي ،وﻳﻨﻬﺾ ً رﻳﺎﺿﻴﺔ ﻗﻮاﻣﻬﺎ ﻓﻜﺮة »اﻟﺘﺒﺎدﻳﻞ واﻟﺘﻮاﻓﻴﻖ« ،ﻣﻊ ﻛﺜﺎﻓﺔ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎﺗﻪ وﺗﻌﺪد ﻣﺴﺎﻟﻜﻪ ،ﻣﻤﺎ ﺳﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﺻﻌﻮﺑﺘﻪ ،ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﺐ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺼﻄﻔﻰ أﺑﻮ ﻃﺎﺣﻮن أﺳﺘﺎذ اﻷدب واﻟﻨﻘﺪ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﻤﻨﻮﻓﻴﺔ ،أن ﻳﺘﺨﻔﻒ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺮاﻫﻦ ،ﻣﻘﺘﺮ ًﺣﺎ أن ﻳﺘ ﱠﻢ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﺳﻮب ﻓﻲ اﺧﺘﺒﺎر أوزان اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺑﺸﻜﻞ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﻜﻮن ﻓﻴﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻹﺟﺮاءات اﻟﺼﺎرﻣﺔ؛ ﻟﺘﻔﺎدي ﺗَﺒَﻠﱡﺪ اﻟﻤﻮاﻫﺐ واﻟﻄﺎﻗﺎت. ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺘﻪ ،ﻗ ﱠﺪم اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺳﻌﺪ ﻣﺼﻠﻮح ﻋﺪة ﺗﺴﺎؤﻻت ﺧﻼل ﺑﺤﺜﻪ »ﺛﺎﺑﺖ اﻹﻳﻘﺎع وﻣﺘﻐ ﱢﻴ ُﺮ اﻟ َﻮﻗْﻊ« ،ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ» :ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻤﻌﻨﻮن ﺑـ ُ وي اﻟﻮاﺣﺪ -أن ﻳﺘﺤ ﱠﻤﻞ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻟﻠﺒﺤﺮ اﻟﻮاﺣﺪ -وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻣﻊ اﻟ ﱠﺮ ﱢ ﺗﺠﺎرب ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ اﻟﻤﻀﺎﻣﻴﻦ واﻷﻏﺮاض واﻷزﻣﺎن« .ﻣﺸﻴ ًﺮا إﻟﻰ ﻗﺎﺋﻼ أﻧﻪ ﻳﺠﺐ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺮوض اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ،واﻟﻌﺮوض اﻟﻌﻠﻤﻲً ، وﻗﻌﺖ ﻓﻲ ﺣﻴﺮة ﻣﻨﺬ إن »اﻟﻌﺮوض اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﺷﺒﻌﻨﺎ ﻣﻨﻪ ﺗﺄﻟﻴﻔًﺎ ،وﻗﺪ ُ اﻟﻌﺮوض ﻗﺴ َﻢ اﻟﻨﺤﻮ واﻟﺼﺮف، أن ﻛﻨﺖ ﻃﺎﻟ ًﺒﺎ ﺑﺪار اﻟﻌﻠﻮم :ﻟﻤﺎذا ﻳﺘﺒﻊ ُ ﻣﻊ أﻧﻪ ﻳﻔﺘﺮض أن ﻳﺘﺒﻊ ﻗﺴﻢ اﻷدب واﻟﻨﻘﺪ ،إذا أُرﻳ َﺪ ﻟﻪ أن ﻳﻜﻮن أدا ًة ﺧﺎ ِدﻣ ًﺔ ﻟﻺﺑﺪاع!« ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
127
ﻣﺮﺻﺪ
ĎƲǟƜǑǖƜƞ ǛǥƢĨưǜ ǣǍ
ƺǖƜƯǖČ ƠǥƞƲLjǖČ ǘǗLJ ěĨƲLjĮ ǖČ
ƠƦǤưƬǖČ ĤƜƼƢǬČ ǕƚƜƵĨ ǣǍ ƠǥƞƲLjǖČ ďƜǥǖƜǔƸĊĨ اﻟﻘﺎﻫﺮة -ﻣﺤﻤﺪ زﻳﻦ اﻟﻌﺎﺑﺪﻳﻦ ،ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻮﻳﺲ
ﺣﻈﻴﺖ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻗﻀﺎﻳﺎﻫﺎ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﺧﻼل اﻟﺸﻬﺮ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﻓﻘﺪ ﺷﻬﺪ ﻣﺠﻤﻊ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت دورﺗﻪ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻦ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان "اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ وﺳﺎﺋﻞ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ" ،ﺑﺤﺚ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻋﺪد ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻠﻐﻮﻳﻴﻦ واﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺟﻮﻫﺮﻳﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺄﺣﻮال اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وإﺷﻜﺎﻟﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ .وﻓﻲ ﺳﻴﺎق ﻣﺘﺼﻞ ﻧﻈﱠﻢ ﻣﻌﻬﺪ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻠﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻌﻠﻮم ،ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻤﻠﻚ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ -ﻧﺪوة دوﻟﻴﺔ؛ ﻫﻲ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻬﺎ ،ﺣﻮل ﺗﺮاث اﻟﻌﺮب واﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل ﻋﻠﻢ اﻟﻌﺮوض ،ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻌﺮوض :أﺳﺌﻠﺔ اﻹرث واﻟﻌﺼﺮ ،وﺛﻨﺎﺋﻴﺔ اﻟﻘﺎﻋﺪة واﻹﺑﺪاع«» .ﺗﺮاث« ﺗﺎﺑﻌﺖ اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺘﻴﻦ. ﻣﺠﻤﻊ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ..اﻟﺪورة اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟﺜﻤﺎﻧﻮن
ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ وﺳﺎﺋﻞ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ« ،ﻋﻘﺪ ﻣﺠﻤﻊ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة دورﺗﻪ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻦ .ﺷﻬﺪ اﻻﻓﺘﺘﺎح وزﻳﺮ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻌﺎﻟﻲ واﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺧﺎﻟﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻐﻔﺎر ،وأﻋﻀﺎء اﻟﻤﺠﻤﻊ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ واﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ،وﻋﺪد ﻣﻦ أﺳﺎﺗﺬة اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ واﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻋﺪد ﻣﻦ أﻋﻀﺎء ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻨﻮاب اﻟﻤﺼﺮي ،وﺟﻤﻬﻮر ﻣﻦ اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ واﻟﻤﻬﺘﻤﻴﻦ ﺑﺸﺆون اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. رﺋﻴﺲ اﻟﻤﺠﻤﻊ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺣﺴﻦ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ،أﺷﺎر ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺘﻪ اﻻﻓﺘﺘﺎﺣﻴﺔ إﻟﻰ أﻫﻤﻴﺔ ﺗﻨﺎول اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻬﻬﺎ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ: وﺳﺎﺋﻞ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،وﻣﺎ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺛﻮرة رﻗﻤﻴﺔ ﺑﻞ ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ، ﻣﺸﻴ ًﺮا إﻟﻰ أن اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ –ﻫﺬا اﻟﻌﺎم -ﻳﻮاﺻﻞ ﻣﺎ ﺑﺪأه اﻟﻌﺎ َم اﻟﻤﺎﺿﻲ »ﻣﻦ اﻟ ُﻤﺪا َر َﺳﺔ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﺑﻴﻦ رﺟﺎل اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ،وﺟﻤﻬﻮر اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﻨﺎول ﻫﺬا اﻟﺘﺤﺪي ﻣ ًﻌﺎ ،وإﻳﺠﺎﺑﻴﺎﺗﻪ وﺳﻠﺒﻴﺎﺗﻪ ،ووﺳﺎﺋﻞ ﻣﻮاﺟﻬﺘﻪ«. وﺧﻼل اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﻋﺮض اﻟﻤﺠﻤﻊ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ أﻧﺠﺰﺗﻬﺎ ﻟﺠﺎﻧﻪ اﻟﺜﻼث واﻟﻌﺸﺮون ﻋﻠﻰ ﻣﺪار اﻟﺪورة اﻟﻤﺠﻤﻌﻴﺔ ،وﻧﻮﻗﺸﺖ ﺗﻠﻚ اﻷﻋﻤﺎل ﻓﻲ 126
"اﻟﻌَ ﺮوض" ﻋﻠﻢ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺨﺎﻟﺺ
ﺟﻠﺴﺎت ﻣﻐﻠﻘﺔ .وﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﻷﺑﺤﺎث اﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﻋﺮﺿﻬﺎ ﺧﻼل اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ: »اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﺤﺎﺳﻮب« ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر ﻣﺤﻤﻮد ﻓﻬﻤﻲ ﺣﺠﺎزي ،ﻣﻦ ﻣﺼﺮ ،و»ﺧﻄﺮ اﻟﻬﺠﻴﻦ اﻟﻠﻐﻮي ﻓﻲ ﻣﻮاﻗﻊ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻋﻠﻰ ﻟﻐﺘﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ« ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر ﻣﺤﻤﻮد أﺣﻤﺪ اﻟﺴﻴﺪ ،ﻣﻦ ﺳﻮرﻳﺎ ،و»ﺑﻨﻮك اﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎت اﻵﻟﻴﺔ« ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر ﻣﺤﻤﻮد إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺻﺎﻟﺢ ،ﻣﻦ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ، و»اﻟﺘﺮاﺑﻂ ﻓﻲ ﻟﻐﺔ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت اﻟﻮاﺗﺴﺎب ،دراﺳﺔ وﺻﻔﻴﺔ ﺗﻘﻮﻳﻤﻴﺔ« ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر ﺑﻜﺮي اﻟﺤﺎج ،ﻣﻦ اﻟﺴﻮدان ،و»اﻟﺘﻬﺠﻴﻦ اﻟﻠﻐﻮي ﻓﻲ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﺪى ﻓﺌﺔ اﻟﺸﺒﺎب« ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻠﻌﻴﺪ ،ﻣﻦ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ،و»اﻟﺮﻣﺰ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺼﻮﻓﻲ ﻋﻨﺪ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺠﺰاﺋﺮي أﺣﻤﺪ اﻟﻌﻼوي« ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر إرﻳﻚ ﺟﻮﻓﺮوا، ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ. ﻓﻲ ﺧﺘﺎم أﻋﻤﺎل اﻟﺪورة رﻓﻊ أﻋﻀﺎء اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺗﻮﺻﻴﺎت رأوا أﻧﻬﺎ ﺗﺨﺪم اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻗﻀﺎﻳﺎﻫﺎ ،ﻣﻦ أﺑﺮزﻫﺎ :اﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺈﻧﺸﺎء ﻣﻮﻗﻊ إﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ اﻟﻌﻠﻤﻲ واﻟﻠﻐﻮي ﺑﻴﻦ ﻣﺠﺎﻣﻊ اﻟﻠﻐﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ؛ ﺗﻮﻓﻴ ًﺮا ﻟﻠﺠﻬﺪ واﻟﻤﺎل ،وﺳﻌ ًﻴﺎ إﻟﻰ ﺗﻮﺣﻴﺪ اﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﺘﻲ أﻗ ﱠﺮﺗﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﻤﺠﺎﻣﻊ ،وﻗﻴﺎم اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺈﺻﺪار ﻗﻮاﻧﻴﻦ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، وأن ﺗﻘﻮم ﺑﺘﻔﻌﻴﻠﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ واﻹﻋﻼم وﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ،وﻛﺬﻟﻚ إﻧﺸﺎء ﻣﺮاﻛﺰ اﻟﻤﺨﺘﺼﻮن ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﻌﻠﻮم اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﺘﻮﺛﻴﻖ ﻳﺸﺘﺮك ﻓﻴﻬﺎ ﱡ ﺻﻠﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﻌﻠﻮم اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ .ﻛﻤﺎ ﻃﺎﻟﺒﻮا ﺑﺎﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ واﻟﺘﻄ ﱡﻮر اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﺄﻋﻤﺎل ﺟﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﻘﻮم ﺑﻬﺎ اﻟﻤﺠﺎﻣﻊ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﻛﺎﻓﱠﺔً؛ ﻟﺮﺑﻂ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﺘﻄ ﱡﻮر ،وﺗﺴﺨﻴﺮه ﻟﻴﻜﻮن ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﻫﺬه اﻟﻠﻐﺔ ﺑﺈﺻﺪار اﻟﻤﻌﺎﺟﻢ اﻟﺤﺎﺳﻮﺑﻴﺔ واﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺒﻨﻮك اﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎت. اﻟﻌﺮوض ..ﻋﻠﻢ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺨﺎﻟﺺ وﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻌﺮوض :أﺳﺌﻠﺔ اﻹرث واﻟﻌﺼﺮ ،وﺛﻨﺎﺋﻴﺔ اﻟﻘﺎﻋﺪة واﻹﺑﺪاع« ﻧﻈﱠﻢ ﻣﻌﻬﺪ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻠﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻌﻠﻮم ،ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻤﻠﻚ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ -ﻧﺪوة ،ﺗﻨﺎوﻟﺖ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﻋﻠﻢ اﻟﻌﺮوض ،ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺨﺎﻟﺺ ،اﻟﺬي ﱠأﺳﺴﻪ »اﻟﺨﻠﻴﻞ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻔﺮاﻫﻴﺪي«؛ ﻟﻴﻜﻮن إﻃﺎ ًرا ﺗﻨﻈﻴﻤ ٍّﻴﺎ ﺿﺎﺑﻄًﺎ ﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺸﻌﺮ. ﻣﺪﻳﺮ اﻟﻤﻌﻬﺪ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻓﻴﺼﻞ اﻟﺤﻔﻴﺎن ،ذﻛﺮ ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺘﻪ أن اﻟﻨﺪوة ﺗﺮﻛﱢﺰ
ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي ،واﻟﺘﺮاث اﻹﻓﺮﻳﻘﻲ :اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ واﻟﺬاﻛﺮة ،واﻟﺘﻌﺒﻴﺮات اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ،واﻷدب اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻹﻓﺮﻳﻘﻲ، واﻟﻤﻌﺎرف واﻟﻤﻌﺘﻘﺪات اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ،وﺗﻨﻮع وﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي اﻹﻓﺮﻳﻘﻲ .وﻗﺪ ﺗﻨﺎوﻟﺖ ﻣﺪاﺧﻼت اﻟﺨﺒﺮاء ﻓﻲ اﻟﻤﺤﻮر اﻷول؛ وﻫﻢ :اﻟﺴﻴﺪ اﻟﺴﻔﻴﺮ اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ د.ﻣﺤﻤﺪ اﻷﻣﻴﻦ وﻟﺪ اﻟﻜﺘﺎب واﻷﻛﺎدﻳﻤﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺧﺎﺷﻲ واﻷﻛﺎدﻳﻤﻲ اﻟﻤﺼﺮي أﺣﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﻣﺮﺳﻲ واﻟﺪﻛﺘﻮرة ﺳﻌﻴﺪة ﻋﺰﻳﺰي ﺗﺠﺎرب ﺑﻠﺪاﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﻤﺎﻳﺔ وﺻﻮن اﻟﺘﺮاث اﻟﻼﻣﺎدي وﺗﺴﺠﻴﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﻮاﺋﻢ اﻟﻴﻮﻧﺴﻜﻮ ﻟﻠﺘﺮاث ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي ،ﻣﺸﻴﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون واﻟﺘﻔﺎﻫﻢ ﺑﻴﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻠﺪان ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻣﻠﻔﺎت ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﻣﺆﺧﺮا إﺛﺮ اﻻﺗﻔﺎق ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻣﻠﻒ ﻣﺸﺘﺮك ﻳﻬﻢ اﻟﻜﺴﻜﺲ ﻓﻲ دول اﻟﻤﻐﺮب اﻟﻌﺮﺑﻲ،ﻣﺆﻛﺪﻳﻦ ﻋﻠﻰ أﻫﻤﻴﺔ إرﺳﺎء اﻟﺘﻌﺎون ﺑﻴﻦ اﻟﺪول اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻋﻠﻰ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي ،آﻣﻠﻴﻦ أن ﺗﺘﻐﻠﺐ ﻛﻔﺔ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺴﺎﺑﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ .وﺷﻬﺪت اﻟﺠﻠﺴﺎت اﻟﻤﻮاﻟﻴﺔ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎت ﻣﺴﺘﻔﻴﻀﺔ أﺳﻬﻤﺖ ﻓﻲ إﺛﺮاء اﻷوراق اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎوﻟﺖ ﺟﻮاﻧﺐ ﻣﻬﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺸﺎﻛﻞ واﻻﺧﺘﻼف ﺑﻴﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ،ﻓﻤﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺘﺸﺎﻛﻞ ،ﺗﻤﺖ ﻣﻘﺎﻳﺴﺔ ﻋﺎدات رﻋﻲ اﻷﺑﻘﺎر ﻋﻨﺪ اﻟﻔﻼّن ﻣﻊ ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ رﻋﻲ اﻹﺑﻞ ﻋﻨﺪ اﻟﻄﻮارق واﻟﺒﻴﻀﺎن،وﻓﻖ ﻣﺎ أوﺿﺤﺘﻪ ورﻗﺔ اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻟﺘﺎرﻗﻲ ﻣﻮﺳﻰ أغ أرﻳﺎ ﻣﻦ دوﻟﺔ اﻟﻨﻴﺠﺮ ،ﻛﻤﺎ أن اﻟﻤﻌﺎرف اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻤﺘﺼﻠﺔ ﺑﺎﻟﻄﺐ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ ﻟﺪى ﻃﻮارق ﻣﺎﻟﻲ واﻟﺒﻴﻀﺎن ﻓﻲ ﻣﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺎ وﺻﺤﺮاء اﻟﻤﻐﺮب ،أﻣﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻔﺮوق وأوﺟﻪ اﻻﺧﺘﻼف ﺑﻴﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﻓﻘﺪ ﺗﻤﺖ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ ،واﺣﺘﺪت اﻟﻤﺴﺎﺟﻼت ﺣﻮل اﺧﺘﻼف ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻔﻼّن ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺪول اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﻋﻦ ﺛﻘﺎﻓﺎت اﻹﺛﻨﻴﺎت اﻷﺧﺮى اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻟﺘﻠﻚ
اﻟﺒﻠﺪان ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻓﻲ دوﻟﺔ ﻧﻴﺠﻴﺮﻳﺎ اﻟﺘﻲ أﺛﻴﺮ ﺣﻮل ﺗﻌﺎﻃﻴﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﻔﻼّن ﻧﻘﺎش ﺣﺎد ﺑﻴﻦ أﺣﺪ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ اﻟﻔﻼّن اﻟﻤﺎﻟﻴﻴﻦ وﻧﻈﻴﺮه اﻟﻨﻴﺠﻴﺮي ،ﺧﻠﺺ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ إﻟﻰ اﻹﻗﺮار ﺑﺄﻫﻤﻴﺔ ﻓﻬﻢ اﻟﺴﻠﻮك اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻟﻠﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻴﺢ ﺗﻌﺎﻳﺸﻬﺎ ﻣﻊ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﻨﻒ اﻟﺒﻠﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺬي ﻳﺘﺴﻊ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ .وﻗﺪ أﺑﺎن اﻟﻨﺪاء اﻟﺬي أﻃﻠﻘﺘﻪ ﻣﺴﺆوﻟﺔ ﺑﻮزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺑﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ ﺟﺰر اﻟﻘﻤﺮ ﻋﻦ ﺧﻄﻮرة ﺗﻌﺎﻃﻲ اﻟﺘﻴﺎر اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻤﺘﺸﺪد اﻟﺼﺎﻋﺪ إﻟﻰ اﻟﺤﻜﻢ ﻣﻊ اﻟﻤﻌﺘﻘﺪات واﻟﻤﻌﺎرف اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،إذ أﺻﺒﺤﺖ إﺣﺪى اﻟﻤﻐﺎرات اﻟﻤﺸﺘﻬﺮة ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪ ﺑﻤﻤﺎرﺳﺔ ﻃﻘﻮس اﺳﺘﺤﻀﺎر أرواح اﻷﺟﺪاد ﺗﺤﺖ ﻃﺎﺋﻠﺔ اﻟﻤﻨﻊ ﺑﻤﺎ ﻳﻬﺪد اﻧﻘﺮاض ﻃﻘﺲ اﺣﺘﻔﺎﻟﻲ ﺷﻌﺒﻲ ﻗﺪﻳﻢ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻟﻠﺘﺴﺠﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻗﻮاﺋﻢ اﻟﻴﻮﻧﺴﻜﻮ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻤﺎﻳﺘﻪ وﺻﻴﺎﻧﺘﻪ .وﻣﻦ اﻟﻤﺜﻴﺮ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻄﻘﺲ ،أﻧﻪ ﻳﻤﻨﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺤﺘﻔﻠﻴﻦ ﺑﻪ إدﺧﺎل أي ﺟﻬﺎز ﻣﻦ أﺟﻬﺰة اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ واﻻﺗﺼﺎل اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﻐﺎرة ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﻟﻌﻨﺔ اﻷرواح اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺮس اﻟﻤﻜﺎن!. ﺗﻮﺻﻴﺎت واﻧﺘﻈﺎرات
اﺧﺘﺘﻢ اﻟﻠﻘﺎء ﺑﺘﻼوة اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺼﻄﻔﻰ اﻟﻨﺎﻣﻲ اﻟﻤﺴﺆول ﺑﻮزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﺗﻮﺻﻴﺎت اﻟﻤﻨﺎﻇﺮة اﻟﺘﻲ ﻳﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﺎ اﻋﺘﺒﺎر ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻇﺮة أﻋﻀﺎء ﺷﺮﻓﻴﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺻﺪ ،واﻗﺘﺮاح ﻃﺒﻊ اﻷوراق اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ )ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻔﻨﻮن ،ﺳﻠﺴﻠﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ( ،واﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ ﺗﻜﺜﻴﻒ اﻟﺘﻌﺎون ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻣﻠﻔﺎت ﺗﺴﺠﻴﻞ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﻋﻠﻰ ﻟﻮاﺋﺢ اﻟﻴﻮﻧﺴﻜﻮ ودﻋﻢ ﺟﻬﻮد إرﺳﺎء اﻟﻤﺮﻛﺰ ﻣﻦ أﺟﻞ أن ﻳﻜﻮن آﻟﻴﺔ ﻗﺎرﻳّﺔ ﻣﻮازﻳﺔ ﻟﻠﻴﻮﻧﺴﻜﻮ ﺗﺤﻔﻆ اﻟﺒﺼﻤﺔ اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﻟﻠﺘﺮاث ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي ،وﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮﻳﺮه وﺗﺜﻤﻴﻨﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ أن ﻳﺼﻴﺮ ﻣﻨﺘﺠﺎً وﻣﺴﻬﻤﺎً ﻓﻲ ﺗﻨﻤﻴﺔ اﻟﻘﺎرة
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
125
ﻣﺮﺻﺪ
lĪĔƜǚǖČ ƲǥNJ ǣǍƜǑƦǖČ ĐČƲƣǗǖ ǣǑǤƲǍǪČ ưƻƲǚǖČz ƴǥƵƖƢ د .ﺑﻮزﻳﺪ اﻟﻐﻠﻰ
اﺣﺘﻔﺎ َء ﺑﺸﻬﺮ اﻟﺘﺮاث اﻟﺬي أﻗﺮت اﻟﻴﻮﻧﺴﻜﻮ ﻋﺎم 1982اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﻪ ﻳﻮم 18ﻧﺴﻴﺎن/أﺑﺮﻳﻞ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ،ﻋﻘﺪت وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻻﺗﺼﺎل اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﻨﺎﻇﺮة اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﺘﺮاث اﻹﻓﺮﻳﻘﻲ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي ،وﺿ ّﻤﺖ ﻧﺨﺒﺔ ﻣﻦ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﻴﻦ وﻣﺴﺆوﻟﻲ ﻣﺼﺎﻟﺢ وإدارات اﻟﺘﺮاث ﺑﻮزارات اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻓﻲ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺪول اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ .وﻗﺪ ﺗﻤﻴﺰت اﻟﻤﻨﺎﻇﺮة اﻟﺘﻲ أﻋﻄﻰ اﻧﻄﻼﻗﺘﻬﺎ وزﻳﺮ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻻﺗﺼﺎل اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﺑﺎﻹﻋﻼن ﻋﻦ إﻧﺸﺎء اﻟﻤﺮﺻﺪ اﻹﻓﺮﻳﻘﻲ ﻟﻠﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي. ﻳﺆﻣﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺮﺻﺪ أن ﻳﻜﻮن ﻧﺎﻓﺬة ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ واﻟﺘﺒﺎدل اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺑﻴﻦ ﺷﻌﻮب إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،ﻓﻘﺪ أﻛﺪ وزﻳﺮ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﻋﻠﻰ "إﻋﻄﺎء اﻷوﻟﻮﻳﺔ ﻟﺘﺜﻤﻴﻦ اﻟﻤﻮارد اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺟﻌﻞ اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي ﻣﺮﺗﻜﺰا ﻟﺒﻨﺎء اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ووﺳﻴﻠﺔ ﻟﺘﻮﻃﻴﺪ ﻣﺒﺎدئ اﻟﺴﻠﻢ واﻟﺘﻌﺎﻳﺶ واﻟﺤﻮار واﻟﺘﺒﺎدل اﻟﺒﻨﺎء ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻌﻮب واﻷﻣﻢ ،ذﻟﻚ أﻧﻪ ﻳﺤﻖ ﻟﻠﻘﺎرة اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ،ﺣﺴﺐ ﻗﻮﻟﻪ" ،أن ﺗﺘﺒﺎﻫﻰ ﺑﻤﺎ ﺗﺰﺧﺮ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺛﺮوات ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ وﺗﺮاﺛﻴﺔ ﻻ ﺗﻘﻞ أﻫﻤﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﻤﻮارد اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻷﺧﺮى، ﻛﻤﺎ ﻳﺤﻖ ﻟﻬﺎ أن ﺗﻔﺨﺮ ﺑﻤﺎ ﺗﺸﻜﻠﻪ ﻫﺬه اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺘﺮاث اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﻦ أﻫﻤﻴﺔ وﻋﺮاﻗﺔ وﻏﻨﻰ وﺗﻨﻮع ،ﺗﺠﻌﻞ اﻹﻧﺴﺎن اﻹﻓﺮﻳﻘﻲ اﻟﻴﻮم أﻣﺎم ﻣﺴﺆوﻟﻴﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻋﻈﻤﻰ ،ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺎرة اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﺑﺤﻖ ﻣﻬﺪ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،ﻓﺈن ﺗﺮاﺛﻬﺎ وﺛﻘﺎﻓﺘﻬﺎ ﻳﺸﻜﻼن أﻳﻀﺎ ﺻﺮﺣﺎ ﻗﻮﻳﺎ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﻧﻬﻀﺔ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ" .ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻪ ،أﻛﺪ اﻟﺨﺒﻴﺮ اﻟﻤﺼﺮي؛ ﻣﺴﺘﺸﺎر ﻣﻌﻬﺪ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﻟﻠﺘﺮاث اﻟﺪﻛﺘﻮر أﺣﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﻣﺮﺳﻲ أن إﻧﺸﺎء ﻣﺮﺻﺪ إﻓﺮﻳﻘﻲ ﻟﻠﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي ﻓﻲ أرض اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ، ﻳﺸﻜﻞ ﻗﻴﻤﺔ ﺣﻀﺎرﻳﺔ ﺗﺜﺮي اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ،وﺗﻮﻃﺪ اﻟﺘﻘﺎرب ﺑﻴﻦ
124
ﺗﺄﺳﻴﺲ ”اﻟﻤﺮﺻﺪ ا ﻓﺮﻳﻘﻲ ﻟﻠﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي“
اﻷﻓﺎرﻗﺔ ﺑﺼﺮف اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ اﻟﻤﻮﻗﻊ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻲ أو اﻟﻠﻐﺔ واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ، ﻣﺸﺪدا ﻋﻠﻰ أﻫﻤﻴﺔ ﺗﺴﺠﻴﻞ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺗﻤﻈﻬﺮات اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ اﻟﺜﺮﻳﺔ ﺑﺘﻨﻮﻋﻬﺎ وﺑﻤﺎ أﻧﺘﺠﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻟﻌﺼﻮر،ﻣﻨﺒﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻔﺮق اﻟﺪﻗﻴﻖ ﺑﻴﻦ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺘﻌﺪد اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺬي ﺗﺮوج ﻟﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﺪواﺋﺮ ،وﻗﺪ ﻳﺸﻜﻞ ﻓﺘﻴﻼ ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺮ واﻟﺼﺮاع ،وﻧﻘﻀﻴﻪ :اﻟﺘﻨﻮع اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺬي ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﺑﻴﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت واﻟﻬﻮﻳﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﻛﻨﻒ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﺬي ﻳﺘﺴﻊ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف أﻟﺴﻨﺘﻬﻢ وﻋﺎداﺗﻬﻢ وﻋﻘﺎﺋﺪﻫﻢ... أﻣﺎ اﻟﺪﻛﺘﻮرة ﺳﻌﻴﺪة ﻋﺰﻳﺰي،أﺳﺘﺎذة اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﺮاث ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ وﻋﻀﻮ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ،ﻓﻘﺪ أﻛﺪت أن ﺗﺄﺳﻴﺲ اﻟﻤﺮﺻﺪ ﻳﻌﺪ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﺘﺪﺷﻴﻦ ورش ﺛﻘﺎﻓﻲ ﻛﺒﻴﺮ ﺳﺘﻄﺮح ﻓﻴﻪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﻓﺘﺢ آﻓﺎق ﻓﻜﺮﻳﺔ وﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺳﻴﺎق ﻋﺎﻟﻤﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﻘﻄﺒﻴﺎت اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻗﻮة وازﻧﺔ ،ﻣﺸﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺎق ذاﺗﻪ إﻟﻰ أن اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي ﺑﺈﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺟﻤﻌﻪ وﺟﺮده وﺗﻮﺛﻴﻘﻪ ودراﺳﺘﻪ واﺳﺘﺜﻤﺎره وﺗﺮوﻳﺠﻪ ،ﺳﻴﺴﻬﻢ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء وﺗﻨﻤﻴﺔ إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﻐﺪ؛ إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﻐﻨﻴﺔ ﺑﺜﺮوﺗﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ وﺗﺮاﺛﻬﺎ اﻟﻤﺘﻨﻮع. ﺣﻜﻤﺔ اﻟﻤﻔﻜﺮ اﻹﻓﺮﻳﻘﻲ )أﻣﺎدو اﻣﺒﺎﺗﻲ ﺑﺎ(
ﺣﺮﺻﺎ ﻋﻠﻰ إﺑﺮاز أﻫﻤﻴﺔ ﺗﻮﺛﻴﻖ اﻟﺬاﻛﺮة وﺗﺪوﻳﻦ اﻟﻤﺮوﻳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ، اﺧﺘﻴﺮ ﻟﻠﻤﻨﺎﻇﺮة ﻣﻮﺿﻮع :اﻟﺘﺸﺎﻛﻞ واﻻﺧﺘﻼف ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ،واﺗﺨﺬ ﻟﻬﺎ ﺷﻌﺎرا ً رﻣ ُﺰ اﻟﺤﻜﻤﺔ اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ اﻟﻤﻔﻜﺮ اﻟﻤﺎﻟﻲ أﻣﺎدو اﻣﺒﺎﺗﻲ ﺑﺎ اﻟﺬي اﺷﺘﻬﺮ ﺑﻘﻮﻟﻪ" :ﻓﻲ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﻣﺎت ُﻣﺴ ّﻦ اﺣﺘﺮﻗﺖ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻜﺘﺸﻔﺔ" .وﻗﺪ ﺷﺎرك ﻓﻲ أﺷﻐﺎﻟﻬﺎ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ اﻟﻤﻨﺘﻤﻴﻦ إﻟﻰ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﻳﻦ دوﻟﺔ إﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ،ﺗﻮزﻋﺖ أوراﻗﻬﻢ اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺘﺔ ﻣﺤﺎور ﻫﻲ :اﻟﺨﺒﺮات اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل
ﻧﺼﻮﺻﻬﻢ ﻓﻲ ﺷﺒﺎﺑﻬﻢ وﻗﺎد ﻣﺴﻴﺮﺗﻬﻢ ﻓﻲ أﺳﺮة اﻷدﺑﺎء ﻋﻨﺪ ﺗﺄﺳﻴﺴﻬﺎ. ﻛﺎن ﻗﺪ ﺗﺰ ﱠود ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﻐﺪاد ،وﺷُ ِﻐ َﻒ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ واﻷدب ،وﻛَ ﱠﻮن واﺣﺪة ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻤﻜﺘﺒﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ اﻟﻤﺘﺠ ﱢﺪدة .وﻗﺪ ﻇﻞ و ِﻓ ٍّﻴﺎ ﻓﻲ ﻣﺤ ﱠﺒﺘﻪ ﻃﻴﻠﺔ اﻟﻌﻘﻮد اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ،ﻣﺜﻞ ﺻﺪﻳﻘﻪ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﱠ ﻋﻠﻮي اﻟﻬﺎﺷﻤﻲ اﻟﺬي ذ ﱠوب ﻣﻮﻫﺒﺘﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻪ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﻋﻦ اﻟﺸﻌﺮ ودواﺋﺮه وإﻳﻘﺎﻋﺎﺗﻪ ،ﻛﻤﺎ ذ ﱠوب روﺣﻪ اﻟﺸﻔﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺗﻪ اﻟــﻮدودة اﻟﺼﺎﻓﻴﺔ ،وﻛﺎن ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ أول ﻧﻤﻮذج ﻣﺴﺘﻨﻴﺮ ﻋﻤﻴﻖ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ اﻟﺘﱠﻮ ﱡﺟﻪ ﻟﻺﺧﻮة اﻟﺸﻴﻌﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﺜﱢﻠﻮن اﻷﻏﻠﺒﻴﺔ ﻫﻨﺎك. اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ، ﱢ أ ﱠﻣﺎ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻬﻮ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺘﻔ ﱡﺮد واﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ واﻻﻣﺘﻴﺎز ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ،وﻫﻮ ﻟﺴﻴﺪة ﻧﺒﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻷﺳﺮة اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﻟﻠﺒﺤﺮﻳﻦ ،ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﺬﻛﺎء وﺷﺪﻳﺪة اﻟﻄﻤﻮح وﻣﺘﻌ ﱢﺪدة اﻟﻤﻮاﻫﺐ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ واﻟﺮﺳﻢ ﻋﻠﻰ ِﺻ َﻐ ِﺮ إﻟﻲ وإﻟﻰ زوﺟﺘﻲ اﻟﺮاﺣﻠﺔ ﺑﺄن زواﺟﻬﺎ اﻟﻤﺒﻜﱢﺮ ِﺳ ﱢﻨﻬﺎ ﺣﻴﻨﺌﺬ ،أﺳ ﱠﺮت ﱠ ﻗﺪ ﺣﺎل ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑﻴﻦ إﺗﻤﺎم اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺠﺎﻣﻌﻲ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎم ،وأن ﻟﺪﻳﻬﺎ رﻏﺒﺔ ﺣﺎرﻗﺔ ﻓﻲ اﺳﺘﻜﻤﺎﻟﻪ ﻣﻦ دون اﻟﺤﺮص ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺆ ﱢﻫﻞ ﻣﻔﺼﻠﺔ ﺑﺄﻓﻀﻞ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺮﺳﻤﻲ ،ﻓﻮﺿﻌﺖ ﻟﻬﺎ ﻧﻈﺎ ًﻣﺎ ُﻣ ْﺤ َﻜ ًﻤﺎ وﻗﺎﺋﻤﺔ ﱠ واﻟﻤﺮاﺟﻊ اﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻠﻴﺴﺎﻧﺲ ﻓﻲ اﻵداب ،وﻓﻮﺟﺌﺖ ﺑﻘﺪرﺗﻬﺎ اﻟﻤﺬﻫﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻴﻌﺎب أﺿﻌﺎف اﻟﻤﻄﻠﻮب ﻣﻨﻬﺎ ،وﺑﺬاﻛﺮﺗﻬﺎ اﻟﻤﺪﻫﺸﺔ ﻓﻲ ﺣﻔﻆ اﻷﺷﻌﺎر وﻓﻬﻢ اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت وﺻﺒﺮﻫﺎ اﻟﺪؤوب ﻋﻠﻰ ﻣﺮاﺟﻌﺔ اﻟﻜﺘﺐ واﻟﻤﻘ ﱠﺮرات؛ أﻧﺠ َﺰت ﻓﻲ ﻋﺎﻣﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻐﺮق أرﺑﻌﺔ، واﻧﺘﺴ َﺒﺖ ﻟﺠﺎﻣﻌﺘﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﻴﺮوت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻟﻨﺪن وﺣﺼﻠﺖ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻴﺴﺎﻧﺲ واﻟﻤﺎﺟﺴﺘﻴﺮ ﺑﺴﻬﻮﻟﻪ ﻓﺎﺋﻘﺔ ،واﻣﺘ ﱠﺪ ﻃﻤﻮﺣﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻛﻲ ﺗُ ْﺨﺮ َِج دﻳﻮان ﺟ ﱢﺪﻫﺎ؛ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻹﺣﻴﺎﺋﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺸﻴﺦ اﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ
ﺧﻠﻴﻔﺔ؛ ﻓﺤ ﱠﻘ َﻘﺘْﻪ وﻛﺘﺒﺖ ﻟﻪ ﻣﻘ ﱢﺪﻣ ًﺔ ﺿﺎﻓﻴﺔ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﻤﻨﺤﻬﺎ اﻟﺪﻛﺘﻮراه ،ﺛﻢ اﻧﻜﺒﱠﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻟﻜﻲ ﺗﻜﺘﺐ ﻋ ﱠﺪة ﻣﺠﻠﱠﺪات ﻋﻠﻤﻲ رﺻﻴﻦ .ﺣﺎوﻟﺖ ﺛﻤﻴﻨﺔ ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ورﻣﻮزﻫﺎ اﻟﻜﺒﺎر ﺑ ِِﺤ ﱟﺲ ﱟ ﺗﻮﺟﻴﻪ دﻓﱠﺔ ﻗﻠﻤﻬﺎ ﻛﻲ ﺗﻜﺘﺐ أﻋﻤﺎﻻً إﺑﺪاﻋﻴﺔ ﺳﺮدﻳﺔ ﻓﺄَﺑَﺖ ذﻟﻚ ،ﺛﻢ ﻟﻢ ﺗﻠﺒﺚ أن ﺷﺮﻋﺖ ﻓﻲ ﺗﺄﺳﻴﺲ أﻛﺒﺮ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺒﻴﻮت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺮق .إﻧﻬﺎ أﻳﻘﻮﻧﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺸﻴﺨﺔ ﻣﻲ آل ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﺘﻲ َ اﻧﺒﺜﺎق ﻣﻮاﻫﺒﻬﺎ وﺗ َﻔ ﱡﺠ َﺮ ﻃﺎﻗﺎﺗﻬﺎ وﺗﺠ ﱡﺬ َر ﻋﻼﻗﺘﻨﺎ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺷﻬﺪتُ واﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﺑﺄﺳﺮﺗﻬﺎ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ .أ ﱠﻣﺎ آﺧﺮ اﻷﺣﺒﺎب ﻓﻬﻮ اﻟﺬي ﻳﻀﻔﻲ ﻃﺎﺑﻊ ﻃﻼﺑﻲ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ؛ اﻟﻤﺮﺣﻮم ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺸﺠﻦ؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎن أﻧﺒ َﻎ ﱠ اﻟﻨﺒﻜﻲ ،اﻟﺬي اﻏﺘﺎﻟﻪ اﻟﻤﺮض اﻟﺨﺒﻴﺚ وﻫﻮ ﻓﻲ رﻳﻌﺎن اﻟﺸﺒﺎب ،أﺗ ﱠﻢ دراﺳﺘﻪ ﻟﻠﻤﺎﺟﺴﺘﻴﺮ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﻜﻴﻚ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وﺗﻮ ﱠﻫﺠﺖ ﺷﻌﻠﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ واﻟﺼﺤﺎﻓﺔ واﻟﺤﻴﺎة اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﺴﺎﻋ ًﺪا ﻟﻠﺸﻴﺨﺔ ﻣﻲ ﻓﻲ ُﺨﺼﺺ وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺟﺎﺋﺰ ًة ﺑﺎﺳﻤﻪ ﻓﺘﺮة وﺟﻴﺰة، ﱠ اﺳﺘﺤﻖ ﺑﻌﺪﻫﺎ أن ﺗ ﱢ ﻟﻠﺸﺒﺎب اﻟﻤﺒﺪﻋﻴﻦ ،وﻛﺎن ﻗﺪ ﺗﻮﻟﱠﻰ رﺋﺎﺳﺔ ﺗﺤﺮﻳﺮ إﺣﺪى أﻫﻢ اﻟﺼﺤﻒ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ،ﻋﻠﻰ ﺻﻐﺮ ﺳ ﱢﻨﻪ ،وﻟﻢ ﻳﻤﻬﻠﻪ اﻟﻘﺪر ﻟﻴﻜﻤﻞ ﻣﻌﻲ رﺳﺎﻟﺘﻪ اﻟﺪﻛﺘﻮراه ،ﻟﻜﻦ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻪ اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﺗ ُ َﻌ ﱡﺪ ﻣﻦ أذﻛﻰ وأﻧﻀﺞ وأﻫﻢ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ اﻟﺸﺒﺎب ،وأﺧﺘﻢ ﻫﺬه اﻟﻜﻮﻛﺒﺔ ﻣﻦ اﻷﺣﺒﺎب ﺑﺬﻛﺮ ﺗﻠﻤﻴﺬﺗﻲ اﻟﻮﻓﻴﺔ اﻹﻋﻼﻣﻴﺔ واﻟﺸﺎﻋﺮة اﻟﻤﺜﻘﻔﺔ ﺑﺮوﻳﻦ ﺣﺒﻴﺐ ،اﻟﺘﻲ درﺳﺖ ﻣﻌﻲ اﻟﻠﻴﺴﺎﻧﺲ واﻟﻤﺎﺟﺴﺘﻴﺮ واﻟﺪﻛﺘﻮراه ،وأﺻﺒﺤﺖ واﺣﺪ ًة ﻣﻦ أﻧﻀﺮ وأﻫﻢ اﻟﻮﺟﻮه اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ اﻹﻋﻼم اﻟﺨﻠﻴﺠﻲ ،وﺗﺘﻤ ﱠﻴﺰ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻗﺪراﺗﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ واﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واﻹﻋﻼﻣﻴﺔ ﺑﻮﻓﺎﺋﻬﺎ اﻟﺸﺪﻳﺪ؛ ﻣ ﱠﻤﺎ ﻳﺤﻔﻆ ﻟﻬﺎ وﻟﻬﺬه أﻋﻤﻖ اﻷﺛﺮ ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻲ ووﺟﺪان اﻟﻜﻮﻛﺒﺔ ﻛﻠﻬﺎ َ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
123
ﺻﺪى اﻟﺬاﻛﺮة
ưƨČǡǙĨ ƲƥƕǙ ǛǤƲƬƟǖČ ǣǍ اﺳﺘﻤ ﱠﺮت ﻓﺘﺮة ﻣﻘﺎﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻨﻀﺞ اﻟﻔﻜﺮي ،واﻟﺘﻮ ﱡﻫﺞ اﻟﻌﺎﻃﻔﻲ ،واﻹﻧﺠﺎز اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻋﻘﺐ ﻋﺒﻮر اﻟﺨﻤﺴﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ أﺳﺘﻌﻴﺪ ﻣﺂﺛﺮﻫﺎ و َﻣﻮا ِﺟ َﺪﻫﺎ اﻵن ﺑﻌﺪ رﺑﻊ ﻗﺮن ﻳﺘﺠﻠﱠﻰ ﻟﻲ ﻣﺪى اﻟﺘﺤ ﱢﺪﻳﺎت اﻟﺘﻲ واﺟﻬﺘُﻬﺎ ﻷﺧﺘﺒﺮ ﻗﺪراﺗﻲ وأﺳﺘﻜﻤﻞ ﻣﺸﺮوﻋﻲ اﻟﻨﻘﺪي وأﺣﺮص ﻋﻠﻰ اﻟﺤ ﱢﺪ اﻷدﻧﻰ ﻣﻦ اﻟﺘﻮازُن اﻟﻮﺟﺪاﻧﻲ. ﻛﺎن ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ﻧﻤﻮذ ًﺟﺎ ﻃﺮﻳﻔًﺎ ﻟﻮا َﺣ ٍﺔ ﻣﻦ اﻻﻧﻔﺘﺎح واﻟﺘﺴﺎ ُﻣﺢ وﺳﻂ ﻣﺤﻴﻂ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺘﺰ ﱡﻣﺖ واﻟﻨﻔﺎق ،وﻛﺎن ﻟﻠﺘﻌ ﱡﺪد اﻟﻤﺬﻫﺒﻲ واﻹﺛﻨﻲ واﻟﻀﻐﻂ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ أﺛ ٌﺮ ﺑﺎﻟﻎ ﻓﻲ ﺗﻮﺳﻴﻊ داﺋﺮة اﻟﺤﺮﻳﺎت اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻟﻠﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ﻣ ًﻌﺎ ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﺳ ﱠﻬﻞ ﻟﻨﺎ –أﻧﺎ وزوﺟﺘﻲ -اﻟﻤﻘﺎ َم ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻌ ﱠﻮدﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎخ أوروﺑﺎ وأﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ،وأﺗﺎح ﻟﻲ أن أﺳﺘﺜﻤﺮ وﻗﺘﻲ ﺑﺠﺪﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻲ اﻟﻤﻨﺘﻈﻢ ،ﺷﺤﻨﺖ ﻣﻌﻲ ﻋﺪ ًدا ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﺐ اﻟﻜﺘﺐ واﻟﻤﺮاﺟﻊ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌ ﱠﻮدت ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺪﻳﺪﻫﺎ ﻓﻲ رﺣﻼت اﻟﺼﻴﻒ ،وأﺧﺬتُ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻨﻈﺎم ﺻﺎرم ﻣﻦ اﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺪرﻳﺲ واﻟﺒﺤﺚ واﺳﺘﻜﻤﺎل ﻣﺎ ﺷﺮﻋﺖ ﻓﻴﻪ ﻓﻲ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﻧﺼﻮص ﺷﻌﺮﻳﺔ وﺳﺮدﻳﺔ ﺑﻤﻨﻬﺞ ﺳﻴﻤﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ُﻣ ْﺤﻜَﻢٍ ،وﺟﻤﻌﺖ ﻫﺬه اﻷﺑﺤﺎث ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ واﻟﺴﺮد وأﺻﺪرﺗﻬﺎ ﺑﻌﻨﻮان »ﺷﻔﺮات اﻟﻨﺺ« ،ﺛﻢ أﺧﺬت ﻓﻲ ﺗﺼﻤﻴﻢ ﻛﺘﺎب آﺧﺮ أﺣﺴﺐ ﻓﻴﻪ ﺧﻼﺻﺔ ﺑﺤﺜﻲ ﻋﻦ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻟﺘﺸﻜﻴﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن أﺳﻤﻴﻪ ﻧﻈﺮﻳﱠﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ ،وأﻗﻮم ﺑﺘﻄﺒﻴﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻮﻛﺒﺔ ﻛﺒﺎر اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻌﺮب ﻓﻲ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ اﻟﺬﻫﺒﻲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻟﻠﺸﻌﺮ ﺑﻌﺪ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ اﻟﺜﺎﻧﻲ. اﻟﺬي أَ ُﻋ ﱡﺪه اﻟﻌﺼ َﺮ ﱠ ﻛﺘﺒﺖ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﻦ ﻫﺆﻻء ﻣﻜﺘﺒ ُﺔ اﻟﻨﺎﻗﺪ أﺳﻌﻔﺘﻨﻲ ﻓﻲ اﻹﻟﻤﺎم ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ُ اﻟﺒﺤﺮﻳﻨﻲ اﻟﺼﺪﻳﻖ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﻨﺎﻋﻲ اﻟﺬي أَ ُﻋ ﱡﺪه ﻣﻦ ﻃﻠﻴﻌﺔ اﻷﺣﺒﺎب اﻟﺬﻳﻦ ﻇﻔﺮت ﺑﻬﻢ ﻫﻨﺎك ،ﻛﺎن ﻟ َﻮﻟَﻌﻪ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ وﺧﺒﺮﺗﻪ اﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﺑﻤﺎ ﺻﺪر ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺑﺤﻮث ،وﻟﻤﺠﻠﺴﻪ اﻟﻌﺎﻣﺮ ﺑﺎﻟﺤﻮارات ﱠ ﻛﻞ اﺛﻨﻴﻦ ،أﺛ ٌﺮ ﻣﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻮﺳﻴﻊ داﺋﺮة إﺣﺎﻃﺘﻲ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة اﻷدﺑﻴﺔ ،وﻗﺪ ﺳ ﱠﺠﻠﺖ اﻋﺘﺮاﻓﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻲ إﻫﺪاﺋﻲ ﻛﺘﺎب »أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة« ،إﻟﻴﻪ ،وإﻟﻰ رﻓﻴﻖ ﻋﻤﺮه ﺻﺪﻳﻘﻲ اﻟﺤﺒﻴﺐ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻨﻘﺎد ﻋﻠﻮي اﻟﻬﺎﺷﻤﻲ. ٍ ﺑﻌﺾ ﻧﻤﺎذج اﻹﻧﺘﺎج اﻟﺴﺮدي اﻟﻔﺎﺋﻖ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻵن ذاﺗﻪ أﺗﺎﺑﻊ ﺑﺸﻐﻒ َ وأﻗﻮم ﺑﺘﺤﻠﻴﻠﻬﺎ ﻃﺒﻘًﺎ ﻟﻤﻨﻈﻮر ﻋﻠﻮم اﻟﺴﺮد اﻟﺠﺪﻳﺪة ﺑﻌﺪ ﺗﻜﻴﻴﻔﻬﺎ ﻣﻊ واﻗﻊ اﻹﺑﺪاع اﻟﻌﺮﺑﻲ وﺗﻘﻨﻴﺎﺗﻪ اﻟﻤﺎﺋﺰة ،ﻓﺠﻤﻌﺖ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ﺻﻐﻴﺮ ﺑﻌﻨﻮان »أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺴﺮد ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ« اﻟﺬي ﺗﻀ ﱠﻤﻦ أول ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﺘﺼﻨﻴﻒ اﻟﺮواﻳﺎت إﻟﻰ دراﻣﻴﺔ وﻏﻨﺎﺋﻴﺔ وﺗﻮﺛﻴﻘﻴﺔ وﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ .ﺛﻢ ﺟﺎء أﻫﻢ ﻛﺘﺎب ﻧﻈﺮي ﻟﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳﺘﻀ ﱠﻤﻦ ﺧﻼﺻﺔ ﺗﺠﺎرﺑﻲ اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ ﻓﻲ
122
ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ..ﻣﺂﺛﺮ وﻣﻮاﺟﺪ
د .ﺻﻼح ﻓﻀﻞ* @ ﻧﺎﻗﺪ و ﻣﻔﻜﺮ ﻣﺼﺮي
اﻟﺴﻴﺎﻗﺎت اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ اﻟ ُﻤ ْﺤ َﺪﺛ َﺔ وﺗﺄﺛﻴﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺗﺄﺳﻴﺲ »ﺑﻼﻏﺔ اﻟﺨﻄﺎب وﻋﻠﻢ اﻟﻨﺺ« ﻟﺘﺠﺎوز اﻟﺤﺼﺎد اﻟﺒﻼﻏﻲ اﻟﻌﺠﻮز اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳَ ُﻌ ْﺪ ﺻﺎﻟ ًﺤﺎ ﻻﺣﺘﻮاء ﺗﻴﱠﺎرات اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺤﺪﻳﺚ وﻻ أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻷدﺑﻲ ،ﻛﺎن ﻟﻨﺸﺮ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﺤﻮري ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺘﺴﻌﻴﻨﻴﺎت ﻓﻲ ﺳﻠﺴﻠﺔ »ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ« اﻟﻜﻮﻳﺘﻴﺔ أﺛ ًﺮا ﺣﺎﺳ ًﻤﺎ ﻓﻲ إﺣﺪاث ﻧﻘﻠﺔ ﻧﻮﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻧﻘﺪﻳﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى ﻳُ ْﻌﺘَ ﱡﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﻄﺎب اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﻜ ﱢﻮﻧﺎﺗﻪ اﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎم ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﺺ إﻟﻰ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﺸﺮﻗﻪ وﻣﻐﺮﺑﻪ ﻣﻊ ﺗﻜﺜﻴﻒ ﻣﺒﺎدئ ﺷﻌﺮﻳﺔ اﻟﺴﺮد ﻓﻲ ﻓﺼﻠﻪ اﻷﺧﻴﺮ ﻋﻦ »ﺑﻼﻏﺔ اﻟﺴﺮد«، وﻳﺆﺳﻔﻨﻲ أن أﻋﺘﺮف ﺑﺄن ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻛﺎن آﺧﺮ ﻋﻬﺪي ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﻤﻌ ﱠﻤﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﺳﻬﺮ اﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﺗﺼﻤﻴﻤﻬﺎ وﺗﺒﻮﻳﺒﻬﺎ، وأﻧﻨﻲ ﺑﻌﺪه ﻗﺪ دﻟﻔﺖ إﻟﻰ اﻟﻌﻘﺪ اﻟﺴﺎدس ﻣﻦ ﻋﻤﺮي ،ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻜﺎﺛﺮ ﻓﺘﻤﺘﺺ اﻟﻮﻗﺖ واﻟﺠﻬﺪ اﻟﺪﻋﻮات ﻟﻠﻨﺪوات واﻟﻤﺆﺗﻤﺮات واﻟﻤﺸﺎرﻛﺎت ﱡ وﻻ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻠﺒﺎﺣﺚ ﺳﻮى ﺑﻜﺘﺎﺑﺎت ﻣﺘﻨﺎﺛﺮة ﻣﺘﺸﻈﱢﻴﺔ ﻳﺠﺘﻬﺪ ﻓﻲ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻛﺘﺐ ﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻴﺨﻔﻲ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ اﻟ ُﻤﺸَ ﻜﱢﻜﺔ .وﺑﻬﺬا أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أﻗﻮل إن ﺳﻨﻮات اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ﻛﺎﻧﺖ ذرو َة اﻟ َﻤ ﱢﺪ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻤﺆﻟﱠﻔﺎﺗﻲ اﻟﺘﻲ ﺑﻠﻐﺖ اﻵن ﻧَﻴﱢﻔًﺎ وأرﺑﻌﻴﻦ ﻛﺘﺎﺑًﺎ ،ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺘﺐ اﻷﺧﻴﺮة ﻣﻨﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﻨﻘﺪي اﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻲ ،وإن ارﺗﻜﺰت ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻨﻴﺔ اﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺔ ﺗﺄﺳ َﺴﺖ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟ ﱡﻨﻀﺞ واﻣﺘ ﱠﺪت ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم .أ ﱠﻣﺎ اﻟﺘﻲ ﱠ اﻟﺸﻄﺮ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺣﺼﺎد ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ اﻟﺜﺮﻳﱠﺔ ﻓﻘﺪ ﺗﻤﺜﱠﻞ ﻓﻲ ﻣﻮﺟﺔ وأﺧﺺ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ أﺳﻤﺎء اﻷﺣﺒﺎب اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺴﺒﺖ ُﺣ ﱠﺒﻬﻢ، ﱡ ﺧﻤﺴﺔ أﺳﻤﺎء ﻳﻤﺜﱢﻠﻮن ﻋﻼﻣﺎت وﺿﻴﺌﺔ ﻓﻲ ﺳﻴﺮﺗﻲ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻟﻮﺟﺪاﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﻓﺘﺮة اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ﻻ زﻟﺖ أﻋﺘﺰ ﺑﻬﻢ ﺣﺘﻰ اﻵن .أوﻟﻬﻢ اﻟﺜﻨﺎﺋﻲ اﻟﺬي أﺷﺮت إﻟﻴﻪ :أﺣﻤﺪ اﻟﻤﻨﺎﻋﻲ وﻋﻠﻮي اﻟﻬﺎﺷﻤﻲ ،أ ﱠﻣﺎ اﻷول ﻓﻴﻤﻜﻦ اﻋﺘﺒﺎره ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ واﻟ ﱡﻨﻘﱠﺎد ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ،ﻋﻤﻞ أﺳﺘﺎذًا وﻣﻌﻠﱢ ًﻤﺎ ﻟﺮﻓﺎﻗﻪ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻷدﺑﺎء واﻟﺸﻌﺮاءَ ،و ﱠﺟﻪ ﺧﻄﻮاﺗﻬﻢ وﺻ ﱠﺤﺢ
- 3اﻟﻤﺎزﻧﺪراﻧﻲ ،اﻟﺴﻴﺪ ﻣﻮﺳﻰ اﻟﺤﺴﻴﻨﻲ ،ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻨﻘﻮد ا ٍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،دار اﻟﻌﻠﻮم ﻟﻠﺘﺤﻘﻴﻖ واﻟﻄﺒﺎﻋﺔ واﻟﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳﻊ ،ط1408 ،3ﻫـ ،1988 - ص.51 - 4اﻟﺒﻐﺪادي ،اﻷب أﻧﺴﺘﺎس ﻣﺎري اﻟﻜﺮﻣﻠﻲ ،اﻟﻨﻘﻮد اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻋﻠﻢ اﻟﻨﻤﻴﺎت ،اﻟﻤﻄﺒﻌﺔ اﻟﻌﺼﺮﻳﺔ ،اﻟﻘﺎﻫﺮة ،1939 ،ص .32 - 5اﻟﻤﺎزﻧﺪراﻧﻲ ،ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ ،ص .49 - 6اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.56 - 7اﻟﺠﺒﻮري ،ﻋﺪي ﺳﺎﻟﻢ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺣﻤﺪ ،رؤى اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻨﻘﺪي ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ )132ﻫـ 247 -ﻫـ ( ) 749م – 861م ( ،ﻣﺠﻠﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺗﻜﺮﻳﺖ ﻟﻠﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،ﻣﺠﻠﺪ ) ،(17ع ) ،2010 ،(7ص.46 - 8اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.47 - 9اﻧﻈﺮ ﻣﻮﻗﻊ آﺛﺎر إﺳﻼﻣﻲhttps://islamicarchaeology. : blogspot.com/2012/02/blog-post_19.html اﺳﺘﺮﺟﻊ ﺑﺘﺎرﻳﺦ .2019 4- 12- - 10اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ. - 11اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ. - 12اﻟﻌﻨﺎﺳﻮة ،ﻣﺤﻤﺪ ،اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺎت ﻣﺼﺎدر وﺛﺎﺋﻘﻴﺔ ﻟﻠﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ :دراﺳﺔ ﺗﺤﻠﻴﻠﻴﺔ ﻟﻠﻌﻤﻼت اﻻﻧﺪﻟﺴﻴﺔ واﻟﻔﺎﻃﻤﻴﺔ واﻟﻤﺮاﺑﻄﻴﺔ واﻟﻤﻮﺣﺪﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻣﺠﻠﺔ دراﺳﺎت ،اﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،اﻟﻤﺠﻠﺪ ،43ع ،2016 ،1ص .162 - 13اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.163
- 14اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص .163 - 15ﻋﺒﻴﺪات ،داود ﻋﻤﺮ ﺳﻼﻣﺔ ،اﻟﻤﻮﺣﺪون ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ) اﻟﻤﻐﺮب واﻷﻧﺪﻟﺲ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺳﻨﺘﻲ 541/667ﻫـ 1146/1268م( ،دار اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ،إرﺑﺪ ،اﻷردن ،2005 ،ص .165 161- - 16اﻟﺼﺎوي ،أﺣﻤﺪ ،دﻧﺎﻧﻴﺮ ﺑﻨﻲ ﻧﺼﺮ ..ﺗﺴﺠﻴﻞ ﻟﻐﺮوب اﻷﻧﺪﻟﺲ، ﺟﺮﻳﺪة اﻻﺗﺤﺎد 28- ،ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ.2007 - - 17اﻟﻌﻨﺎﺳﻮة ،ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ ،ص .163 - 18اﻟﻄﻮاﻫﻴﺔ ،ﻓﻮزي ﺧﺎﻟﺪ ،اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺘﺠﺎري وﺣﺮﻛﺔ اﻷﺳﻌﺎر ﻓﻲ ﻣﺼﺮ زﻣﻦ اﻷﻳﻮﺑﻴﻴﻦ ،ﻣﺠﻠﺔ دراﺳﺎت اﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، اﻟﻤﺠﻠﺪ ،42اﻟﻌﺪد ،2015 ،2ص .30-35 - 19ﻋﺒﺪاﻟﻌﻈﻴﻢ ،ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟــﻮدود ،اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت واﻟﺰﺧﺎرف ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﻮد واﻟﺘﺤﻒ اﻟﻤﻌﺪﻧﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻲ ) ﻓﻲ ﺿﻮء ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺘﺤﻒ اﻟﻔﻦ اﻹﺳﻼﻣﻲ( ،دراﺳﺔ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ،ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻤﻠﻚ ﻓﻴﺼﻞ ﻟﻠﺒﺤﻮث واﻟﺪراﺳﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،اﻟﺮﻳﺎض ،ط ،1429 2009- ،1ص.41 - 20اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.90 - 21اﻧﻈﺮ اﻟﻤﻮﻗﻊ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ اﻟﺘﺎﻟﻲ :ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ،ﻣﺘﺤﻒ اﻵﺛﺎرHYPERLINK "http://antiquities.bibalex.org/ ، Collection/Detail.aspx?collection=42&a=962&lang=ar ?" http://antiquities.bibalex.org/Collection/Detail.aspx ،collection=42&a=962&lang=arاﺳﺘﺮﺟﻊ ﺑﺘﺎرﻳﺦ .2019 12-4- - 22اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ.
اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻤﻠﻮﻳﺔ: ﺴﺎء أو اﻟﺤﺴﺎ )ﻻرﻳﻦ( اﻟﻌ اﻹﺣﺴﺎء ﻋﻤﻠﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ اﻹﺣﺴ
ﻋﻤﻠﺔ ﻧﺎدرة ﺗﻢ ﺗﺪاوﻟﻬﺎ ﻓﻲ إﻗﻠﻴﻢ اﻹﺣﺴﺎء وﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻧﻴﻦ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ واﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﻴﻼدﻳﻴﻦ .ﺗﻨﻘﺴﻢ ﻫﺬه اﻟﻌﻤﻠﺔ إﻟﻰ ﺛﻼث ﻓﺌﺎت ذﻫﺒﻴﺔ وﻓﻀﻴﺔ وﺑﺮوﻧﺰﻳﺔ وﺷﻜﻠﻬﺎ ﻏﺮﻳﺐ اذ ﺗﺸﺒﻪ ﻣﺸﺒﻚ ﺷﻌﺮ ﺻﻐﻴﺮا ً .ﺗﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ ﺳﻴﺦ رﻓﻴﻊ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ ﻣﺜﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﺼﻒ ﺑﺎﻟﻮﺳﻂ ،ﻳﺪﻣﻎ ﺑﺪﻣﻐﺔ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻌﺎدﻳﺔ ،وﺑﺪﻣﻐﻪ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻪ .ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻼت ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺳﻞ ﻣﻦ ﺑﻼد ﻓﺎرس ﻟﻠﻬﻨﺪ ﻹﻋﺎدة ﺛﻨﻴﻬﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﺴﻊ .ﺗﻌﺪ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ( LARINﻻرﻳﻦ( أو ﻃﻮﻳﻠﺔ اﻟﺤﺴﺎ ،ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻨﻘﻮد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻘﻴﺖ اﻹﻫﻤﺎل ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺘﻤﻴﻦ ﺑﺪراﺳﺎت ﻋﻠﻢ اﻟ ّﻨﻤﻴﺎت .وﻳﺤﺘﻤﻞ أن ﻳﻜﻮن أول ﺳﻚ ﻟﻬﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد ﻗﺪ ﺟﺮى ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ )ﻻر( LARﻋﺎﺻﻤﺔ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ ﻻرﺳﺘﺎن LARISTAN اﻹﻳﺮاﻧﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ أﺧﺬت ﻣﻨﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﺘﺴﻤﻴﺔُ .ﻋﺮﻓﺖ ﻫﺬه اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻻرﻳﻦ ﻋﻨﺪ أﻫﻞ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﺑﺎﺳﻢ ﻃﻮﻳﻠﺔ اﻹﺣﺴﺎء أو ﻃﻮﻳﻠﺔ اﻟﺤﺴﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺪاوﻟﺔ ﻓﻲ إﻗﻠﻴﻢ اﻹﺣﺴﺎء ﺑﺎﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﻗﺒﻞ ﺗﻮﺣﻴﺪﻫﺎ.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
121
ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت
ﻧﻤﻮذج ﻟﺪرﻫﻢ ﻋﺜﻤﺎﻧﻲ ﺿﺮب ﻓﻲ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ﺳﻨﻪ 1327ﻫـ
اﻟﻮﺟﻪ اﻷول: اﻟﻤﺮﻛﺰ :اﻟﻄﻐﺮه اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ )وﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺧﺎﺻﺔﺗﻀﻢ ﺷﻌﺎر اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ﺑﺸﻜﻞ زﺧﺮﻓﻲ ﻣﻌﻴﻦ( وﻋﻠﻰ ﻳﻤﻴﻦ اﻟﺰﺧﺮﻓﺔ ﻧﻘﺸﺖ ﻛﻠﻤﺔ "رﺷﺎد" ،وأﺳﻔﻠﻬﺎ ﺳﻨﺔ ) 4ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻬﺎ ﺳﻜﺖ ﺧﻼل اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻟﺘﻮﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ اﻟﺤﻜﻢ( اﻟﻬﺎﻣﺶ :ﻏﺼﻦ زﻳﺘﻮن وﻣﻦ أﻋﻼﻫﺎ ﺳﺒﻌﺔ ﻧﺠﻮمﻣﺮﺑﻊ ،وﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ اﻟﺰﺧﺎرف واﻟﻜﺘﺎﺑﺎت ،ﻛﻤﺎ اﺧﺘﻠﻔﺖ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﺸﻜﻴﻞ ﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﻜﻮﻓﻴﺔ ﻓﺄﺧﺬت ﺷﻜﻼً زﺧﺮﻓﻴﺎً ﻓﻴﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻴﺔ).(18 اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻴﺔ )923 - 648ﻫـ1517 - 1250/م( ﺧﺮﺟﺖ دوﻟﺔ اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ﻣﻦ رﺣﻢ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻳﻮﺑﻴﺔ ،واﺷﺘﻤﻠﺖ اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﻤﻨﻔﺬة ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﻮد ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻀﺎﻣﻴﻦ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻮﻋﺖ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﺘﺴﺠﻴﻠﻴﺔ واﻟﺪﻋﺎﺋﻴﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، ﻓﺠﺎءت اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﺘﺴﺠﻴﻠﻴﺔ ﻣﺸﺘﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻟﻘﺎب واﻟﺘﻮارﻳﺦ وأﺳﻤﺎء أًﺻﺤﺎب اﻟﻨﻘﻮد ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻟﻠﻤﻜﺎن اﻟﺬي ﺿﺮﺑﺖ ﻓﻴﻪ ﻫﺬه اﻟﻨﻘﻮد ،أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﺪﻋﺎﺋﻴﺔ ﻓﺒﻌﻀﻬﺎ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﻋﺒﺎرات دﻋﺎﺋﻴﺔ ﻛﺎﻟﺪﻋﺎء ﺑﺪوام اﻟﻌﺰ واﻟﻤﻠﻚ ،أﻣﺎ اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻓﺘﺘﻀﻤﻦ ﺑﻌﺾ اﻻﻗﺘﺒﺎﺳﺎت اﻟﻘﺮآﻧﻴﺔ أو اﻟﻌﺒﺎرات ذات اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ واﻷﺣﺪاث اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﻟﻬﺬه اﻟﻨﻘﻮد) .(19وﻣﻦ أﺷﻬﺮ اﻟﻌﻤﻼت اﻟﺘﻲ ﻣﻴﺰت اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻲ: • ﻋﻤﻠﺔ ﺷﺠﺮة اﻟ ّﺪر )زوﺟﺔ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺼﺎﻟﺢ أﻳﻮب( وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺣﻜﻤﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺎوز اﻟﺸﻬﺮﻳﻦ ﻓﻲ 648ﻫـ1250/م ،إﻻ أﻧﻬﺎ أﺻﺪرت ﻋﻤﻠﺔ وﻛﺘﺒﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻬﺎ )اﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻤﺔ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﺔ( ﻣﻠﻜﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، واﻟﺪة اﻟﻤﻨﺼﻮر ﺧﻠﻴﻞ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ) ،(20وﺣﻮﻟﻬﺎ ﺻﻴﻐﺔ ﻣﻄﻮﻟﺔ 120
ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻤﻴﺰة ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻼت ا ﺳﻼﻣﻴﺔ
اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺜﺎﻧﻲ: اﻟﻤﺮﻛﺰ :ﻋﺰ ﻧﺼﺮة ﺿﺮب ﻓﻲ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ 1327ﻫـاﻟﻬﺎﻣﺶ :ﻏﺼﻨﺎ زﻳﺘﻮن ﻣﺘﻘﺎﻃﻌﺎن ﻣﻊ زﺧﺎرف ﻧﺒﺎﺗﻴﺔ ،ﺗﻌﺮف ﺑﺎﺳﻢ ﻗﺮون اﻟﺮﺧﺎء
ﻟﺸﻬﺎدة اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ "ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ أرﺳﻠﻪ ﺑﺎﻟﻬﺪى ودﻳﻦ اﻟﺤﻖ ﻟﻴﻈﻬﺮه ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻳﻦ ﻛﻠﻪ").(21 • ﻋﻤﻠﺔ ﻗُﻄﺰ ﺣﺎﻛﻢ ﻣﺼﺮ)657ﻫـ1259/م( ﺣﻴﺚ ﺳﺠﻞ اﻧﺘﺼﺎره ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻐﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ واﻟﻔﻀﻴﺔ ،ﻓﺤﻤﻠﺖ اﻟﻨﻘﻮد اﺳﻤﻪ ﻣﻨﻔﺮدا ً "اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻤﻈﻔﺮ ﺳﻴﻒ اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻟﺪﻳﻦ ﻗﻄﺰ". • ﻋﻤﻠﺔ اﻟﻈﺎﻫﺮ ﺑﻴﺒﺮس واﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ ﻋﻤﻼت ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ﻟﺪﻗﺔ ﻧﻘﻮﺷﻬﺎ وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ؛ إذ ﺟﻤﻌﺖ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﻔﻨﻴﺔ ﻣﻦ دﻗﺔ ﻓﻰ اﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ،وإﺿﺎﻓﺔ ﻓﻨﻮن ﺗﺸﻜﻴﻠﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻰ اﻟﻤﺰج ﺑﻴﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت وﺷﻜﻞ اﻷﺳﺪ اﻟﺬي ﻳﻘﻔﺰ إﻟﻰ ﺟﻬﺔ اﻟﻴﺴﺎر وﻳﺮﻣﺰ إﻟﻰ ﻧﺠﺎﺣﻪ ﻓﻰ ﻧﻘﻞ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ﺑﻐﺪاد إﻟﻰ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺳﻨﺔ 659ﻫـ ،ﺣﻴﺚ أﺻﺒﺢ ﻟﻘﺒﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻼت "ﻗﺴﻴﻢ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ")(22 * ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث اﻟﻬﻮاﻣﺶ واﻟﻤﺮاﺟﻊ:
-1اﻟﻔﻴﻔﻲ ،ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻳﺤﻰ ،اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮﺳﻮﻟﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ،دراﺳﺔ ﻓﻲ أوﺿﺎﻋﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ 827 - 803ﻫـ ،1424 - 1400 ،اﻟﺪار اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻤﻮﺳﻮﻋﺎت ،ط2005 ،1م1425 -ﻫـ ،ص.44 43- - 2اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.5
ﻧﻤﻮذج ﻟﺪرﻫﻢ دوﻟﺔ ﺑﻨﻲ رﺳﻮل ﺑﺎﻟﻴﻤﻦ ُﺿﺮب ﺑﺈﺳﻢ اﻟﻤﻈﻔﺮ ﻳﻮﺳﻒ ﻓﻲ زﺑﻴﺪ ﺳﻨﺔ 664ﻫـ. وﻗﺪ ﺿﺮب اﻟﺮﺳﻮﻟﻴﻮن ﻧﻘﻮدﻫﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮاز اﻷﻳﻮﺑﻲ وﺑﻨﻔﺲ اﻟﺸﻌﺎرات اﻟﺘﻲ ﺗﻠﻘﺐ ﺑﻬﺎ ﻣﻠﻮك اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻳﻮﺑﻴﺔ
اﻟﻮﺟﻪ اﻷول: اﻟﻤﺮﻛﺰ" :ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ -ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﻟﻠﻪ – ﻣﺤﻤﺪرﺳﻮل اﻟﻠﻪ أرﺳﻠﻪ ﺑﺎﻟﻬﺪى ودﻳﻦ اﻟﺤﻖ" -اﻟﻬﺎﻣﺶ" :أﺑﻮﺑﻜﺮ-ﻋﻤﺮ -ﻋﺜﻤﺎن-ﻋﻠﻲ-رﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ"
ﻳﺒﻖ ﺳﻮى ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ﺗﺤﺖ ﺳﻴﻄﺮة اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺤﻜﻤﻬﺎ ﺑﻨﻮ ﻧﺼﺮ آﺧﺮ اﻟﺤﻜﺎم اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ اﻻﻧﺪﻟﺲ .وﺗﻌﺪ ﻋﻤﻠﺘﻬﻢ آﺧﺮ اﻟﻌﻤﻼت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺿﺮﺑﺖ ﻓﻲ اﻻﻧﺪﻟﺲ .وﻟﻘﺪ ﺗﻤﻴﺰت ﻋﻤﻠﺘﻬﻢ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗ ُﻀﺮب ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺄﺛﺮة ﺑﺎﻷﺳﻠﻮب اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ اﻟﺜﻘﻴﻞ. وﻟﻘﺪ اﺷﺘﻤﻠﺖ ﻋﻤﻼت ﺑﻨﻲ ﻧﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﻘﻮش ﻋﺪﻳﺪة ﺗﻀﻤﻨﺖ آﻳﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮان اﻟﻜﺮﻳﻢ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ اﺳﻢ اﻟﺤﺎﻛﻢ دون أن ﻳﺬﻛﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﻨﺔ اﻟﺴﻚ .وأﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﺑﻨﻲ ﻧﺼﺮ ﻫﻮ ﺷﻌﺎر "ﻻ ﻏﺎﻟﺐ إﻻ اﻟﻠﻪ" .وﺗﻌﺘﺒﺮ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ أﻫﻢ دور اﻟﻀﺮب ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ آﺧﺮ ﻣﻌﺎﻗﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ).(16 اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﺔ )567 - 358ﻫـ1172 - 969/م( ﺷﻬﺪت اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﺔ ﺗﻄﻮرا ً ﻛﺒﻴﺮا ً ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ اﻟﻔﻨﻴﺔ واﺧﺘﻠﻔﺖ ﺷﻜﻼً وﻣﻀﻤﻮﻧﺎً ﻋﻦ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻌﻤﻼت ،وﻣﻦ أﻫﻢ ﻣﻤﻴﺰات اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﺔ أﻧﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮة اﻟﻨﻘﻮش واﻟﺰﺧﺎرف ،ﻓﻌﻠﻰ ﻛﻞ وﺟﻪ ﻣﻦ وﺟﻬﻴﻬﺎ ﺛﻼث دواﺋﺮ ﻣﺘﺪاﺧﻠﺔ ،ﻛﺘﺐ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﻂ اﻟﻜﻮﻓﻲ ،وﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﺷﻬﺎدة اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ،وﻋﻠﻰ اﻟﻮﺟﻪ اﻵﺧﺮ اﺳﻢ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ وﻛﺘﺎﺑﺎت أﺧﺮى ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﺗﺮوج ﻟﺤﻜﻢ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﻴﻦ وﻣﺬﻫﺒﻬﻢ .اﺑﺘﺪع اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﻮن أﻧﻮاﻋﺎً ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺘﺬﻛﺎرﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ :ﻧﻘﻮد
اﻟﻮﺟﻪ اﻷول: اﻟﻤﺮﻛﺰ" :اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻤﻈﻔﺮ ﺷﻤﺲ اﻟﺪﻳﻦ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦاﻟﻤﻠﻚ اﻟﻤﻨﺼﻮر" -اﻟﻬﺎﻣﺶ" :ﺿُ ﺮب ﻓﻲ زﺑﻴﺪ ﺳﻨﺔ أرﺑﻊ وﺳﺖ وﺳﺘﻤﺎﺋﺔ"
ذﻫﺒﻴﺔ ﺻﻐﻴﺮة اﻟﺤﺠﻢ ﺧﻔﻴﻔﺔ اﻟﻮزن ﺗﺴﻤﻰ "ﺧﺮارﻳﺐ" ،ﻳﺘﻢ ﺗﻮزﻳﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻣﺔ اﻟﺸﻌﺐ ﻓﻲ اﻟﻤﻮاﺳﻢ واﻷﻋﻴﺎد ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻧﻮع آﺧﺮ ﻳﺴﻤﻰ "اﻟﻐﺮة" ،وﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﺎﻧﻴﺮ واﻟﺮﺑﺎﻋﻴﺎت واﻟﺪراﻫﻢ اﻟﻤﺪورة ﺗﻀﺮب ﺑﺄﻣﺮ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮ اﻷواﺧﺮ ﻣﻦ ذي اﻟﺤﺠﺔ).(17 اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻳﻮﺑﻴﺔ )648 - 567ﻫـ1250 - 1172/م( أﺻﺪر اﻷﻳﻮﺑﻴﻮن ﺧﻼل اﻟﺜﻼﺛﻴﻦ ﺳﻨﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ ﺣﻜﻤﻬﻢ ﻋﻤﻠﺘﻬﻢ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻃﺮاز اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﺔ ذات اﻟﻨﻘﻮش اﻟﺪاﺋﺮﻳﺔ .أدﺧﻞ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻌﺎدل )596ﻫـــ1200،م( ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻌﺪﻳﻼت ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻷﻳﻮﺑﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ أﻋﺎد إﺻﺪار اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ؛ أي ﻧﻘﺶ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻜﺘﺎﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺳﻄﻮر أﻓﻘﻴﺔ اﺣﺘﻠﺖ وﺟﻪ اﻟﻌﻤﻠﺔ وﻇﻬﺮﻫﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎم ﺑﺘﺴﺠﻴﻞ اﺳﻤﻲ اﻟﺴﻠﻄﺎن واﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ وأﻟﻘﺎﺑﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﺨﻂ اﻟﻜﻮﻓﻲ ﺑﺪﻻً ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺎدة وﺳﻮرة اﻹﺧﻼص ﻓﻲ اﻟﻄﺮاز اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي .وأدﺧﻞ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻜﺎﻣﻞ )622ﻫـ1225،م( ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻌﺪﻳﻼت ﺗﻤﺜﻠﺖ ﻓﻲ اﺳﺘﺒﺪال ﺧﻂ اﻟﻨﺴﺦ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﻜﻮﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻘﺶ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻷﻳﻮﺑﻴﺔ .وأﺻﺒﺢ ﺷﻜﻞ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺎً ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ اﻟﻔﻨﻲ ،ﺣﻴﺚ أﺻﺒﺤﺖ اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت ﺗﻨﺘﻈﻢ داﺧﻞ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
119
ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت
ﻏﺰﻧﻮي دﻳﻨﺎر ذﻫﺒﻲ ﺳﻚ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺴﻌﻮد ﺑﻦ ﻣﺤﻤﻮد اﻟﻐﺰﻧﻮي )432-421ﻫـ(
اﻟﻮزن4.20 :ﺟﻢ اﻟﻘﻄﺮ23 :ﻣﻢ ﻣﻜﺎن اﻟﺴﻚ :ﻧﻴﺴﺎﺑﻮر ﺳﻨﺔ اﻟﺴﻚ427 :ﻫـ
ﺗﺤﻤﻞ ﻧﻘﻮﺷﺎً ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار ﻃﺮاز ﻋﻤﻠﺔ أﻣﺮاء ﻣﺮﺳﻴﺔ) .(14وﻛﺎن ﻻزدﻫﺎر اﻟﺘﺠﺎرة واﻻﻗﺘﺼﺎد ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺮاﺑﻄﻴﺔ دور ﻓﻲ اﻧﺘﻌﺎش اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻤﺮاﺑﻄﻴﺔ واﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ وﺣﺪة ﻣﻌﻴﺎرﻳﺔ ﻓﻲ أوروﺑﺎ. • ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﻋﺼﺮ اﻟﻤﻮﺣﺪﻳﻦ: ﺗﻤﻴﺰت اﻟﻌﻤﻠﺔ ﺑﺎرﺗﻔﺎع ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ،وﺧﺎﺻﺔ اﻟﺪﻳﻨﺎر اﻟﻤﺆﻣﻨﻲ واﻟﺪرﻫﻢ اﻟﻤﺆﻣﻨﻲ ،ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﻮﺣﺪي ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ،وﻛﺎن
أﻫﻢ ﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰ اﻟﺪﻳﻨﺎر اﻟﻤﻮﺣﺪي ﻫﻮ ﺷﻜﻠﻪ اﻟﻤﺮﺑﻊ ،وارﺗﺒﺎﻃﻪ ﺑﻄﺎﺑﻊ اﻷﺳﺮة اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﺷﻌﺎرات دﻋﺎﺋﻴﺔ ﻟﻠﺤﺎﻛﻢ. وﻳﻌﻮد ارﺗﻔﺎع ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻤﻮﺣﺪﻳﺔ إﻟﻰ اﻧﺘﻌﺎش اﻗﺘﺼﺎد اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﻮﺣﺪﻳﺔ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺤﺎل ﻣﻊ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺮاﺑﻄﻴﺔ).(15 • ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﻋﺼﺮ ﺑﻨﻲ ﻧﺼﺮ آﺧﺮ ﺣﻜﺎم اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ: ﺑﻌﺪ ﻫﺰﻳﻤﺔ اﻟﻤﻮﺣﺪﻳﻦ أﻣﺎم اﻹﺳﺒﺎن وﺳﻘﻮط ﻣﺪﻧﻬﻢ ﻓﻲ اﻻﻧﺪﻟﺲ ﻟﻢ
دﻳﻨﺎر ذﻫﺒﻲ ﺳﻚ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ اﻟﻤﻌﺰ ﻟﺪﻳﻦ اﻟﻠﻪ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ )365-341ﻫـ(
اﻟﻮزن4.10 :ﺟﻢ اﻟﻘﻄﺮ21 :ﻣﻢ ﻣﻜﺎن اﻟﺴﻚ :ﻣﺼﺮ ﺳﻨﺔ اﻟﺴﻚ363 :ﻫـ ﻳﻈﻬﺮ اﻟﺘﻐﻴﺮ اﻟﺬي ﻃﺮأ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﺑﻈﻬﻮر اﻟﺪواﺋﺮ اﻟﺜﻼث اﻟﻤﺘﺪاﺧﻠﻪ واﻟﺘﻲ ﻛٌﺘﺐ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﻂ اﻟﻜﻮﻓﻲ.
118
ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻤﻴﺰة ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻼت ا ﺳﻼﻣﻴﺔ
اﻟﻘﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻬﺬه اﻟﻔﺘﺮة ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﺷﻜﻞ دﻳﻨﺎر اﻟﻤﺄﻣﻮن ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻧﺼﻪ" :ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﻟﻠﻪ وﺣﺪه ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ"، وﺟﻪ ﻧﻘﺶ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰه ﻣﺎ ّ ﻧﺼﻪ" :ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ ﺿُ ﺮ َِب ﻫﺬا اﻟﺪﻳﻨﺎر ﻓﻲ ،"... وﻋﻠﻰ اﻹﻃﺎر اﻟﺪاﺧﻠﻲ ﻣﺎ ّ وﻋﻠﻰ اﻹﻃﺎر اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻣﺎ ﻧﺼﻪ" :ﻟﻠﻪ اﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ وﻣﻦ ﺑﻌﺪ وﻳﻮﻣﺌﺬ ﻳﻔﺮح اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن ﺑﻨﺼﺮ اﻟﻠﻪ" .وﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﺪﻳﻨﺎر ﻓﻲ داﺧﻞ اﻟﻤﺮﻛﺰ ﻧُﻘﺸﺖ ﻋﺒﺎرة ﻧﺼﻬﺎ" :ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ" ،ﺛﻢ ﺗﻠﺘﻬﺎ ﻋﺒﺎرة اﻟﻤﺄﻣﻮن "ﻣﻤﺎ أﻣﺮ ﺑﻪ اﻷﻣﻴﺮ رﺿﺎ وﻟﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ").(10 • اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪﺗﻬﺎ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﺮاﺣﻞ ﺿﻌﻒ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ﺧﻼل ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺮة ﻇﻬﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻼت أﺳﻤﺎء ﺣﻜﺎم اﻟﺪوﻳﻼت اﻟﺘﻲ اﻧﻔﺼﻠﺖ ﻋﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺮق واﻟﻤﻐﺮب واﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﺷﺒﻪ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ،وﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺪوﻳﻼت :اﻟﻄﻮﻟﻮﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،ودوﻟﺔ اﻟﺼﻔﺎرﻳﻴﻦ ،واﻟﺴﺎﺟﻴﻴﻦ ،واﻟﺴﺎﻣﺎﻧﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﻓﺎرس ،واﻷﺧﺸﻴﺪﻳﻴﻦ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﻀﺮﺑﻮن أﺳﻤﺎءﻫﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ .ﻛﻤﺎ ﻇﻬﺮت ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻼت ﻫﺬه اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺮاﺣﻞ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ،أﺳﻤﺎء اﻟﻮﻻة ،وأوﻟﻴﺎء اﻟﻌﻬﻮد ،وإﺧﻮﺗﻬﻢ اﻷﻗﻮﻳﺎء ،واﻟﻘﺎدة واﻟﻮزراء ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﻬﻢ ﺳﻄﻮة وﺳﻠﻄﺎن .ﻟﺬﻟﻚ اﺧﺘﻠﻔﺖ أوزان اﻟﻌﻤﻼت وﻧﻘﺎوة ﺳﻜّﻬﺎ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ).(11
اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ )422 - 138ﻫـ1031 - 750/م( ﺷﻬﺪت اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻄﻮرات ﻓﻲ ﻋﺪة ﻣﺮاﺣﻞ ﻣﻨﻬﺎ: • ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﻳﺔ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ: ﻟﻢ ﻳﻐﻴﺮ اﻟﻌﺮب ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻫﻨﺎك ﻣﺒﺎﺷﺮة ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ وإﻧﻤﺎ ﺟﺎء اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﺗﺪرﻳﺠﻲ وذﻟﻚ ﻋﻤﻼً ﺑﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﺘﻲ اﺗﺒﻌﻬﺎ اﻟﻌﺮب ﻣﻊ ﺳﻜﺎن اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﻓﺘﺤﻮﻫﺎ .ﻛﺎﻧﺖ أﺳﻤﺎء اﻟﺤﻜﺎم وأﻟﻘﺎﺑﻬﻢ ﺗﻨﻘﺶ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﻌﻤﻠﺔ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﺳﻢ دار اﻟﻀﺮب وﺳﻨﺘﻬﺎ ،وﻣﻦ أﻫﻢ دور اﻟﺴﻚ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ آﻧﺬاك ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻗﺮﻃﺒﺔ، وﺑﻠﻨﺴﻴﺔ ،وﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ،وﺷﺎﻃﺒﺔ ،وﻣﺎﻟﻘﺔ ،وﻣﺮﺳﻴﺔ ،واﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﺨﻀﺮاء، وأﺷﺒﻴﻠﻴﺎ).(12 وﻣﻊ ﺿﻌﻒ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻷﻣﻮﻳﺔ ﻓﻲ اﻻﻧﺪﻟﺲ وﺑﺪأ ﻋﺼﺮ ﻣﻠﻮك اﻟﻄﻮاﺋﻒ، أﺧﺬ ُﺣﻜﺎم ﻫﺬا اﻟﻌﺼﺮ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﻀﺮب ﻋﻤﻼﺗﻬﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﺔ أﺳﻤﺎﺋﻬﻢ وأﻟﻘﺎﺑﻬﻢ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻤﻼت ﺗُﻀﺮب ﺑﻨﻮع رديء ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ ،وﻫﺬا دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺪﻫﻮر اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ آﻧﺬاك).(13 • ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ دوﻟﺔ اﻟﻤﺮاﺑﻄﻴﻦ: اﻧﺘﻌﺸﺖ دور ّ ﺳﻚ اﻟﻨﻘﻮد ،ﺣﻴﺚ ﺷﻬﺪت ازدﻫﺎرا ً ﻣﻠﻤﻮﺳﺎً ﺧﻼل ﻓﺘﺮة ﺣﻜﻢ اﻟﻤﺮاﺑﻄﻴﻦ ،ﻣﻤﺎ دﻓﻊ اﻟﻤﻠﻚ أﻟﻔﻮﻧﺴﻮ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﺑﻀﺮب ﻋﻤﻼت
دﻳﻨﺎر ذﻫﺒﻲ ﺳﻚ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﺑﺎﻟﻠﻪ )227-218ﻫـ(
اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺜﺎﻧﻲ: اﻟﻮﺟﻪ اﻷول: اﻟﻤﺮﻛﺰ" :ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﻟﻠﻪ وﺣﺪه ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ" اﻟﻤﺮﻛﺰ" :اﻟﻠﻪ ،ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ ،اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﺑﺎﻟﻠﻪ" اﻟﻬﺎﻣﺶ" :ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ أرﺳﻠﻪ ﺑﺎﻟﻬﺪى ودﻳﻦ اﻟﺤﻖ -اﻟﻬﺎﻣﺶ اﻷول" :ﻟﻠﻪ اﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ وﺑﻌﺪ وﻳﻮﻣﺌﺬ ﻳﻔﺮحاﻟﻤﺆﻣﻨﻮن ﺑﻨﺼﺮ اﻟﻠﻪ" ﻟﻴﻈﻬﺮه ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻳﻦ ﻛﻠﻪ وﻟﻮ ﻛﺮه اﻟﻤﺸﺮﻛﻮن" اﻟﻬﺎﻣﺶ اﻟﺜﺎﻧﻲ" :ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ ﺿﺮب ﻫﺬا اﻟﺪﻳﻨﺎر ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﺳﻨﺔﺗﺴﻊ ﻋﺸﺮ وﻣﺎﺋﺘﻴﻦ"
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
117
ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت
أول درﻫﻢ ﻋﺒﺎﺳﻲ ُﺿﺮب ﻋﻨﺪ ﻗﻴﺎم اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس اﻟﺴﻔﺎح )136-132ﻫـ(
اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺜﺎﻧﻲ: اﻟﻮﺟﻪ اﻷول: اﻟﻤﺮﻛﺰ» :ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ« اﻟﻤﺮﻛﺰ» :ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﻟﻠﻪ وﺣﺪه ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ« اﻟﻬﺎﻣﺶ" :ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ ﺿﺮب ﻫﺬا اﻟﺪرﻫﻢ ﺑﺎﻟﻜﻮﻓﺔ ﺳﻨﺔ - "132اﻟﻬﺎﻣﺶ» :ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ أرﺳﻠﻪ ﺑﺎﻟﻬﺪى ودﻳﻦ اﻟﺤﻖﻟﻴﻈﻬﺮه ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻳﻦ ﻛﻠﻪ وﻟﻮ ﻛﺮه اﻟﻤﺸﺮﻛﻮن« اﻟﻮزن2.50 :ﺟﻢ اﻟﺤﺠﻢ23 :ﻣﻢ ﻧﺼﻬﺎ" :اﻟﻠﻪ أﺣﺪ* اﻟﻠﻪ اﻟﺼﻤﺪ* ﻟﻢ ﻳﻠﺪ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﻦ ﺳﻮرة اﻹﺧﻼص ّ وﻟﻢ ﻳﻮﻟﺪ"(6). اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ)656 - 132ﻫـ1258 - 750/م( • اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪﺗﻬﺎ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﺑﻌﺪ أن ﻧﺠﺢ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﻮن ﻓﻲ ﺗﻮﻟﻲ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻌﺪ اﻷﻣﻮﻳﻴﻦ ﻋﺎم 132ﻫـ 749م ،أﺣﺪﺛﻮا ﺗﻐﻴﻴﺮا ً ﻓﻲ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻤﻨﻘﻮﺷﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺎت اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ واﻟﻔﻀﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺎﺳﺘﺒﺪال ﺳﻮرة اﻹﺧﻼص ﺑﻌﺒﺎرة ﻧﺼﻬﺎ: "ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ" ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺘﺼﻒ وﻓﻲ اﻹﻃﺎر ﻣﻦ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﺟﻪ )ﻻ إﻟﻪ وﺣﺪه ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ( ،وذﻟﻚ ﻣﻦ أﺟﻞ إﻇﻬﺎر ﺣﻖ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﻢ ،وﻗﺪ أﻣﺮ ﺑﻬﺬﻳﻦ اﻟﺘﻐﻴﺮﻳﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس اﻟﺴﻔﺎح أول ﺧﻠﻔﺎء اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ،وﻗﺪ ﺿﺮب اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ اﻷﻧﺒﺎر، )132-136ﻫـ() .(7ﺣﺪث ﺗﻄﻮر ﻓﻲ ﺧﻼﻓﺔ أﺑﻲ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮر اﻟﺬي ﻧﻘﻞ دار ﺿﺮب اﻟﻨﻘﻮد إﻟﻰ ﻋﺎﺻﻤﺘﻪ اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﺷﻴﺪﻫﺎ ﻓﻲ دار اﻟﺴﻼم )ﺑﻐﺪاد( ،ﺣﻴﺚ أﺻﺒﺢ ﻳﻨﻘﺶ اﺳﻢ وﻟﻲ اﻟﻌﻬﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ وﺟﺪت ﻧﻘﻮد ﻣﻨﻘﻮش ﻋﻠﻴﻬﺎ )ﻣﻤﺎ أﻣﺮ ﺑﻪ اﻟﻤﻬﺪي اﺑﻦ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ(، وﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮر ،ﻧﻘﻞ اﺑﻨﻪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﻬﺪي اﻟﺬي ﺑﻮﻳﻊ ﺧﻠﻴﻔﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﻣﻘﺮ ﺿﺮب اﻟﻨﻘﻮد إﻟﻰ ﻣﻘﺮ ﺣﻜﻤﻪ ﻓﻲ ﻗﺼﺮ اﻟﺴﻼم ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺷﺮﻗﻲ ﺑﻐﺪاد ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﻗﺼﺮ واﻟﺪه ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺴﻼم ﻓﻲ ﻏﺮب ﺑﻐﺪاد ،وﻗﺪ ﺣﻤﻠﺖ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺠﺪﻳﺪة ﺷﻜﻞ ﻫﻼل ﻟﺘﻤﻴﻴﺰ اﻟﻨﻘﻮد 116
ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻤﻴﺰة ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻼت ا ﺳﻼﻣﻴﺔ
اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻋﻦ اﻟﻨﻘﻮد اﻟﺘﻲ ﺿﺮﺑﺖ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺴﻼم ،ﻛﻤﺎ ﺿﺮب ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﻮد أﺳﻤﺎء وﻟﺪﻳﻪ ﻫﺎرون وﻣﻮﺳﻰ اﻟﻬﺎدي .أﻣﺎ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻼت ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﻣﻮﺳﻰ اﻟﻬﺎدي اﻟﺬي ﺗﻮﻟﻰ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻌﺪ واﻟﺪه ﻓﻘﺪ ﺣﻤﻠﺖ اﺳﻢ اﺑﻨﻪ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﺬي ﻧﺼﺒﻪ وﻟﻴﺎ ﻟﻠﻌﻬﺪ ﺑﻌﺪ أن ﻋﺰل أﺧﻴﻪ ﻫﺎرون اﻟﺮﺷﻴﺪ، ﻓﺠﺎءت اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺎت ﻟﺘﻌﻜﺲ ﻫﺬه اﻷﺣﺪاث ﺑﺪﻧﺎﻧﻴﺮ ﺿﺮﺑﺖ ﺑﻬﺬه اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ وﺗﺤﻤﻞ اﺳﻢ ﺟﻌﻔﺮ )وﻟﻲ اﻟﻌﻬﺪ( ،ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻪ ) ﻛﺎﻧﺖ ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﻟﻠﻪ وﺣﺪه ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ( ،واﻹﻃﺎر)ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ أرﺳﻠﻪ ﺑﺎﻟﻬﺪى ودﻳﻦ اﻟﺤﻖ ﻟﻴﻈﻬﺮه ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻳﻦ ﻛﻠﻪ( ،وﻓﻲ اﻟﻮﺟﻪ اﻵﺧﺮ )ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ( واﻹﻃﺎر )ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ ﺿﺮب ﻫﺬا اﻟﺪﻳﻨﺎر ﺳﻨﺔ ﺳﺒﻌﺔ وﻣﺌﺔ( ) .(8وﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﻫﺎرون اﻟﺮﺷﻴﺪ )170ﻫـ 193 -م( ،ﺣﺪث ﺗﻄﻮر رﺋﻴﺲ ﻓﻲ ﻧﻈﺎم ّ اﻟﺴﻚ ،ﺣﻴﺚ أﻣﺮ أن ﻳُﻨﻘﺶ اﺳﻤﻪ واﺳﻢ اﺑﻨﻪ اﻷﻣﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ،ﻣﻤﺎ ﺷﺠﻊ اﻟﻮﻻة واﻟﻌﻤﺎل ﻓﻲ اﻷﻣﺼﺎر ﻋﻠﻰ ﻧﻘﺶ أﺳﻤﺎﺋﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻼت ،وﻣﻦ ذﻟﻚ ﻇﻬﻮر دﻳﻨﺎر ﻳﺤﻤﻞ اﺳﻢ اﻷﻣﻴﺮ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ واﻟﻲ ﻣﺼﺮ)171 - 169ﻫـ( ،وﻗﺪ أﺣﺪث ﻫﺬا اﻟﺘﻐﻴﺮ أﺛﺮا ً ﺳﻠﺒﻴﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﺪﻧﺎﻧﻴﺮ ﻳﻘﻞ(9). اﻟﺬﻫﺒﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺑﺪأ ﺣﺠﻤﻬﺎ ﻳﻜﺒﺮ وﺳﻤﻜﻬﺎ ّ • اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪﺗﻬﺎ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﺧﻼل اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺑﻴﻦ )218- 234ﻫـ833-848 /م( أﺻﺒﺤﺖ ﻋﻤﻠﺔ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﺄﻣﻮن )218 - 198ﻫـــ( ﻫﻲ اﻟﻌﻤﻠﺔ
ﻧﻤﻮذج ﻟﻌﻤﻠﺔ أﻣﻮﻳﺔ ُﻣﻌﺮﺑﻪ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان وﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﺳﻨﺔ 86ﻫـ
اﻟﻮﺟﻪ اﻷول: اﻟﻬﺎﻣﺶ» :ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ أرﺳﻠﻪ ﺑﺎﻟﻬﺪىودﻳﻦ اﻟﺤﻖ ﻟﻴﻈﻬﺮه ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻳﻦ ﻛﻠﻪ وﻟﻮﻛﺮه اﻟﻤﺸﺮﻛﻮن« -اﻟﻤﺮﻛﺰ» :اﻟﻠﻪ أﺣﺪ ،اﻟﻠﻪ اﻟﺼﻤﺪ ،ﻟﻢ ﻳﻠﺪ وﻟﻢ ﻳﻮﻟﺪ«
ﻛﻤﺎ ﻳﻘﺘﻨﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻼت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﻓﺘﺮة اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ .ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻋﻤﻠﺔ ﻧﺎدرة ﺟﺪا ً ﺗﻌﺮف ﺑﺎﺳﻢ )ﻃﻮﻳﻠﺔ اﻟﺤﺴﺎ( ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺪاوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﻗﺒﻞ ﺗﻮﺣﻴﺪﻫﺎ ،وﺗﻢ ﺗﺪاول ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ﻗﺒﻞ ﺣﻮاﻟﻲ 300ﺳﻨﺔ وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮف ﺑﺎﺳﻢ )ﻻرﻳﻦ( أو اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻤﻠﻮﻳّﺔ. وﻗﺪ ﺗﻨﻮﻋﺖ اﻟﻌﻤﻼت اﻟﺘﻲ ﻳﻀﻤﻬﺎ اﻟﻤﺮﻛﺰ واﻧﻘﺴﻤﺖ وﻓﻖ ﻫﺬا اﻟﺘﻨﻮع إﻟﻰ دﻧﺎﻧﻴﺮ ذﻫﺒﻴﺔ ﺑﻠﻐﺖ ) (67ﻋﻤﻠﺔ ،ودراﻫﻢ ﻓﻀﻴﺔ ﺑﻠﻐﺖ )(222 ﻋﻤﻠﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻔﻠﻮس وﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻣﺴﻜﻮﻛﺎت ﺑﺮوﻧﺰﻳﺔ ﺑﻠﻐﺖ ) (602ﻋﻤﻠﺔ .ﻛﻤﺎ ﻳﻀﻢ اﻟﻤﺮﻛﺰ ﻋﻤﻼت ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﻋﻬﺪ دوﻟﺔ ﺑﻨﻲ رﺳﻮل ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ وﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ ﺣﻮاﻟﻲ ) (490ﻋﻤﻠﺔ ﺗﻌﻮد ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ إﻟﻰ ﻓﺌﺔ اﻟﺪرﻫﻢ .وﺗﻨﺒﻊ أﻫﻤﻴﺔ ﻫﺬه اﻟﻌﻤﻼت ﻣﻦ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﺄرﻳﺦ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﺮﺳﻮﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﻣﺘﺪت ﻣﻦ )858 - 626ﻫـ( ،ﺣﻴﺚ اﺳﺘﻘﻞ وﻻﺗﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺘﺒﻌﻴﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻷﻳﻮﺑﻴﺔ ،وﺧﻄﺒﻮا ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻟﻬﻢ وﻫﻢ ﺑﺬﻟﻚ أﻋﻠﻨﻮا ﺗﺒﻌﻴﺘﻬﻢ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ) ،(1وﺗﻌﺪ دوﻟﺔ اﻟﺮﺳﻮﻟﻴﻴﻦ اﻟﺘﻲ اﺗﺨﺬت ﻣﻦ ﺗﻌﺰ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ أﻃﻮل اﻟﺪول ﻋﻤﺮا ً ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻴﻤﻦ اﻟﻮﺳﻴﻂ إذ اﺳﺘﻤﺮت ﻗﺮﻧﺎن ورﺑﻊ اﻟﻘﺮن ،وﺷﻬﺪت اﻟﻴﻤﻦ ﻓﻲ ﻋﻬﺪﻫﻢ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﺎزات اﻟﻤﻬﻤﺔ ﺳﻮاء ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﻧﺠﺤﻮا ﻓﻲ ﺗﻮﺣﻴﺪ اﻟﻴﻤﻦ وأﺻﺒﺢ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺎﺳﺘﻘﺮار ﺳﻴﺎﺳﻲ ،ﻛﺬﻟﻚ ﺳﺠﻞ ﻓﻲ ﻋﻬﺪﻫﻢ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﺎزات اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ ﺳﻮاء ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻄﺐ واﻟﺘﺠﺎرة).(2
اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺜﺎﻧﻲ: اﻟﻬﺎﻣﺶ» :ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ ﺿﺮب ﻫﺬا اﻟﺪرﻫﻢ ﺑﺪﻣﺸﻖ ﺳﻨﺔ ﺳﺖوﺛﻤﺎﻧﻴﻦ« -اﻟﻤﺮﻛﺰ» :ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﻟﻠﻪ وﺣﺪه ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ«
اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻷﻣﻮي )132 - 40ﻫـ750 - 662/م( اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪﺗﻬﺎ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻷﻣﻮي ﻇﻠﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻨﺬ زﻣﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﺮاﺷﺪة وﺣﺘﻰ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻌﺼﺮ اﻷﻣﻮي ﺗﺘﻌﺎﻣﻞ ﺑﺎﻟﻨﻘﻮد اﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﺔ واﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻤﻞ ﺻﻮرا ً وﻛﺘﺎﺑﺎت ﻏﻴﺮ ﻋﺮﺑﻴﺔ) ،(3وإن ﺷﻬﺪت ﻓﻲ زﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب رﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻌﺪﻳﻼت ﺣﻴﺚ أﺿﻴﻔﺖ ﻟﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﺒﺎرات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻛﻌﺒﺎرات "اﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ"" ،ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ" ،و"ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﻟﻠﻪ") .(4وﻟﻘﺪ ﺗﻢ ﺗﻌﺮﻳﺐ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان ،وﻗﺪ اﻣﺘﺪت ﻓﺘﺮة اﻹﺻﻼﺣﺎت أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ﻣﻨﺬ ﻋﺎم 73ﻫـ ،وﺣﺘﻰ ﻋﺎم 77ﻫـ .وﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﻌﺮﻳﺐ):(5 • إزاﻟﺔ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﻘﻮش واﻟﺮﻣﻮز اﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ واﻟﺮوﻣﻴﺔ ،واﺳﺘﺒﺪاﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﺣﺘﻠﺖ وﺟﻬﻲ اﻟﻌﻤﻠﺔ. • إﻧﻬﺎء اﻟﺴﻴﻄﺮة اﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ واﻟﺮوﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻹﺳﻼﻣﻲ. • أﺻﺒﺢ اﻟﻄﺮاز اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﻠﻌﻤﻠﺔ ﻳﺘﻜﻮن ﻣﻦ واﺟﻬﺔ ﻧﻘﺶ ﻋﻠﻰ إﻃﺎرﻫﺎ ﻧﺼﻬﺎ" :ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻋﺒﺎرة ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ ّ اﻟﻠﻪ أرﺳﻠﻪ ﺑﺎﻟﻬﺪى ودﻳﻦ اﻟﺤﻖ ﻟﻴﻈﻬﺮه ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻳﻦ ﻛﻠﻪ" .وﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ وﻧﺼﻬﺎ" :ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﻟﻠﻪ ،وﺣﺪه ﻻ وﺟﻪ اﻟﺪﻳﻨﺎر ﻧﻘﺸﺖ ﺷﻬﺎدة اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ّ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ" .وﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﺪﻳﻨﺎر ﻧﻘﺶ ﻓﻲ اﻹﻃﺎر اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺗﺸﻴﺮ ﻧﺼﻬﺎ" :ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ ﺿُ ﺮب ﻫﺬا اﻟﺪﻳﻨﺎر ﺳﻨﺔ ﺳﺒﻊ إﻟﻰ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻀﺮب ّ وﺳﺒﻌﻴﻦ" .وﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ ﻇﻬﺮ اﻟﺪﻳﻨﺎر ﻧﻘﺸﺖ ﺛﻼﺛﺔ أﺳﻄﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﺮآن
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
115
ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت
ĐǡƬƟǖČĨ ďƜƵČĖưǗǖ ưǤČė ƳǓƲǙ ďƜǥǝƣǑǙ ǛǙ
ƠǥǙǭƵǪČ ďǭǚLjǖČ ǛǙ ĎƳǥǚǙ ƠLJǡǚƩǙ ƠǥǙǭƵǪČ ƠǖĨưǖČ ĖǡǂƢĨ ĖƜǟĔėČ ǕƫČƲǙ ǕƦǚƢ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻣﺴﻌﻮد اﻟﻤﻨﺼﻮري ﻣﻮزة ﻋﻮﻳﺺ ﻋﻠﻲ اﻟﺪرﻋﻲ
ﺗﻌﺪ اﻟﻌﻤﻼت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻤﺼﺎدر اﻷﺛﺮﻳﺔ ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ واﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻟﺪﻳﻨﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﻔﻨﻲ ﻟﻠﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ. ﻓﻬﻲ ﻣﺼﺪر ﻣﻬﻢ ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ واﻟﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،وذﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ رﻣﻮز وﻧﻘﻮش وﻋﺒﺎرات وأﻟﻘﺎب وأﺳﻤﺎء ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث اﻟﺘﻲ ﻣﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹٍﺳﻼﻣﻲ .وﻗﺪ ﻓﻄﻦ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات إﻟﻰ اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻄﻮي ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﺴﻌﻰ إﻟﻰ ﺿﻢ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ذراﻋﻪ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ إدارة ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث اﻟﺬي ﻳﻘﺘﻨﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻤﻴﺰة ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻼت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﻓﺘﺮات ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﻣﺮاﺣﻞ ازدﻫﺎر وﺗﻄﻮر اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،اﺑﺘﺪا ًء ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﻳﺔ )132 - 40ﻫـ( ،وﺻﻮﻻً إﻟﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ )656 - 132ﻫـ( ،وﻣﺎ راﻓﻘﻬﺎ ﻣﻦ ﻇﻬﻮر دوﻳﻼت إﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻇﻬﺮت ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺮق واﻟﻤﻐﺮب اﻹﺳﻼﻣﻲ ،ﻛﺎﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ ،ودوﻟﺔ اﻷدارﺳﺔ واﻷﻏﺎﻟﺒﺔ واﻟﻄﺎﻫﺮﻳﺔ واﻟﺼﻔﺎرﻳﺔ واﻟﺴﺎﻣﺎﻧﻴﺔ واﻟﻐﺰﻧﻮﻳﺔ واﻟﻄﻮﻟﻮﻧﻴﺔ واﻹﺧﺸﻴﺪﻳﺔ واﻟﺤﻤﺪاﻧﻴﺔ واﻟﻔﺎﻃﻤﻴﺔ واﻷﻳﻮﺑﻴﺔ واﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻴﺔ ،ﻫﺬا وﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻋﻤﻼت ﺗﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺰﻳﺪﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ واﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮت ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻬﺠﺮي.
ﻧﻤﻮذج ﻟﻌﻤﻠﺔ )أﻣﻮﻳﺔ -ﺳﺎﺳﺎﻧﻴﺔ( ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺪاوﻟﺔ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﻌﺮﻳﺐ ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻷﻣﻮي
اﻟﻮﺟﻪ اﻷول: اﻟﻬﺎﻣﺶ :اﻟﺰاوﻳﺔ اﻷوﻟﻲ ﻟﻠﻴﻤﻴﻦ» :ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ«اﻟﺰاوﻳﺔ اﻟﺴﻔﻠﻰ إﻟﻰ اﻟﻴﺴﺎر» :ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ« -اﻟﻤﺮﻛﺰ :ﺻﻮرة ﺟﺎﻧﺒﻴﺔ ﻟﻠﺤﺎﻛﻢ اﻟﻔﺎرﺳﻲ
114
ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻤﻴﺰة ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻼت ا ﺳﻼﻣﻴﺔ
اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺜﺎﻧﻲ: اﻟﺮﻣﺰ :اﻟﻨﺎر اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻔﺮس وﺣﺎرﺳﻬﺎ اﻟﻤﺪﺟﺠﺎن ﺑﺎﻟﺴﻼح ﻣﻜﺎن اﻟﺴﻚ» :ﺑﻴﺸﺎور« ﺳﻨﺔ اﻟﺴﻚ 73" :ﻫـ"
ﻧﻔﺴﻚ ،اﻟﻨﺎس ﻳﺤﺎوﻟﻮن إﻗﻨﺎﻋﻚ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،إﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮد ﺗﺴﻠﻴﺔ ،ﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮد ﻣﺘﻌﺔ ،ﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮد ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻔﺮوش ﺑﺎﻟﻮرود .ﺗﻌﺮف ﻣﺎ اﻟﺬي ﻳﺠﺐ أن أﻓﻌﻠﻪ؟ ﻳﺠﺐ أن أﻋﺎﻣﻠﻚ ﻛﻄﻔﻞ .ﻳﺠﺐ أن أﺣﺪﺛﻚ ﻛﻮاﻋﻆ .ﻳﺠﺐ أن أﺣﻤﻠﻚ ﻋﻠﻰ أﻛﻒ اﻟﺮاﺣﺔ ،ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻌﺮف .دﻋﻨﻲ أﻗﻮل ﻟﻚ ﺷﻴﺌًﺎ ﻟﻦ ﻳﺠﺮؤ أﺣﺪ ﻏﻴﺮي أن ﻳﻘﻮﻟﻪ ﻟﻚ .ﻫﻴﺎ، ا ُﻧﻈ ْﺮ! ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن -ﻷﻧﻬﻢ ﻗﻠﻴﻠﻮن ﺟ ٍّﺪا .ﻫﻴﺎ، اذﻫﺐ إﻟﻰ آﺧﺮ اﻷرض ،اذﻫﺐ إﻟﻰ أﻋﻠﻰ ﺟﺒﻞ، اذﻫﺐ إﻟﻰ أي ﻣ ًﺪى ،ﻷﻧﻬﻢ ﻟﻦ ﻳﺤﺮﻛﻮا ﺳﺎﻛ ًﻨﺎ ﻣﻦ أﺟﻠﻚ -أم أﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻌﻠﻢ أن ﺛﻤﺔ أﺷﻴﺎء ﻟﻴﺲ ﻟﻺﻧﺴﺎن أن ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ ،أن ﺛﻤﺔ أﺷﻴﺎء ﻣﻦ اﻷﻓﻀﻞ أﻻ ﺗﻘﺎل ،أن ﺛﻤﺔ أﺷﻴﺎء ﻳﺠﺐ أﻻ ﺗﺮﺿﺎﻫﺎ ﻟﻜﻠﺐ ،وﻻ ﻟﺤﻴﺎﺗﻚ ،وﻻ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻚ ،وﻻ ﻓﻲ ردح ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن؟ ﻣﺎذا ﺗﺮﻳﺪ؟ ﺗﺮﻳﺪ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ﻳﺪور ﺣﻮﻟﻚ ،ﺗﺮﻳﺪ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ رﻫﻦ إﺷﺎرﺗﻚ؟ ﻫﺬا ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪه ،أﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟ ﻛﻦ ﺻﺮﻳ ًﺤﺎ ﻣﻌﻲ ودﻋﻨﺎ ﻧﻨﺘﻬﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا ،ﻧﺨﻠﺺ ﻣﻨﻪ ،ﻧﻠﻘﻴﻪ ﻋﻦ ﻛﺎﻫﻠﻨﺎ، ﻛﻔﻰ ﻋﻮﻳﻼً ،ﻛﻔﻰ. ﻣﺎذا أﻗﻮل ﻟﻚ ،ﻣﻦ أﻳﻦ أﺑﺪأ ﻣﻌﻚ ،ﻛﻴﻒ أﺷﺮح ﻟﻚ؟ ﻻ أﻋﺮف ﻣﻦ أﻳﻦ أﺑﺪأ ﻣﻌﻚ ،ﻻ أﻋﺮف ﻛﻴﻒ أﻗﻨﻌﻚ ﺑﺄﻫﻤﻴﺔ ﻛﻞ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻔﺮدة .ا ُﺷﻜ ِﺮ اﻟﻠﻪ ﺣﻲ ﻓﺄﺧﺒﺮك ،اﺷﻜﺮ اﻟﻠﻪ أﻧﻨﻲ ﻫﻨﺎ ﻓﺄﺧﺒﺮك، أﻧﻨﻲ ﱞ ﺷﺨﺼﺎ ﻣﺎ ﻳﺨﺒﺮك ،أﺗﻤﻨﻰ اﺷﻜﺮ اﻟﻠﻪ أن ﻟﺪﻳﻚ ً ﻓﻘﻂ ﻟﻮ أﻧﻨﻲ أﺷﺮع ﻓﻲ إﺧﺒﺎرك ،ﻟﻮ أن ﻫﻨﺎك ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺑﻬﺎ أي ﺷﺨﺺ أن ﻳﺨﺒﺮك، ﻟﻴﺖ ﻫﻨﺎك أي ﺷﺨﺺ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺨﺒﺮك ،ﻟﻜﻨﻚ ﻻ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺴﺘﻤﻊ ،ﻻ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺘﻌﻠﻢ ،ﻻ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻌﺮف ،إﻧﻚ ﻻ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻧﻔﺴﻚ ،أﻧﺖ ﺗﺮﻳﺪ ﻓﻘﻂ أن ﺗﻤﻮت وﻗﺘﻤﺎ ﺗﺸﺎء أﻳﻨﻤﺎ ﺗﺸﺎء. ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻣﻌﻚ؟ ﻫﻞ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻣﻌﻚ؟ أﻧﺖ ﻻ ﺗﺮﻳﺪ ﻷﺣﺪ أن ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻣﻌﻚ .أﻧﺖ ﺗﻈﻦ أن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ﻗﺪ ﻳﻤﻮت ﻓﺠﺄة .ﺗﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﻤﻮت ﻧﺰﻫﺔ؟ اﻟﻤﻮت ﻟﻴﺲ ﻧﺰﻫﺔ .واﺟﻪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻻ ﺗﺨﺪع ﻧﻔﺴﻚ، اﻟﻨﺎس ﻳﺤﺎوﻟﻮن إﻗﻨﺎﻋﻚ ،ﻟﻴﺲ اﻟﻤﻮت ﻣﺠﺮد ﺗﺴﻠﻴﺔ ،ﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮد ﻣﺘﻌﺔ، ﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮد ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻔﺮوش ﺑﺎﻟﻮرود .ﺗﻌﺮف ﻣﺎ اﻟﺬي ﻳﺠﺐ أن أﻓﻌﻠﻪ؟ ﻳﺠﺐ أن أﻋﺎﻣﻠﻚ ﻛﻄﻔﻞ .ﻳﺠﺐ أن أﺣﺪﺛﻚ ﻛﻮاﻋﻆ .ﻳﺠﺐ أن أﺣﻤﻠﻚ ﻋﻠﻰ أﻛﻒ اﻟﺮاﺣﺔ ،ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻌﺮف .دﻋﻨﻲ أﻗﻮل ﻟﻚ ﺷﻴﺌًﺎ ﻟﻦ ﻳﺠﺮؤ أﺣﺪ ﻏﻴﺮي أن ﻳﻘﻮﻟﻪ ﻟﻚ .ﻫﻴﺎ ،ا ُﻧﻈ ْﺮ! اﻧﻈﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن -ﻷﻧﻬﻢ
ﻗﻠﻴﻠﻮن ﺟ ٍّﺪا! اﻏﻔﺮ ﻟﻲ ﺑﺬاءﺗﻲ ،اﻓﻌﻠﻬﺎ وﻛﻔﺎك ﻛﻼ ًﻣﺎ! أوه ،ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن أﻧﺖ -أﻧﺖ ﻳﺎ ِدﻛِﻨﺰ أﻳﻬﺎ اﻟﻘﺬر) ،(2أﻧﺖ! أﻻ ﻧﺴﺨﺮ ﻣﻨﻚ ﺻﺮاﺣﺔ! أوهَ ، ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺮﺣﻞ ﻋﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﻼم؟ ﻫﻮاﻣﺶ:
،"Gordon Lish" -1ﻛﺎﺗﺐ أﻣﺮﻳﻜﻲ ﻣﻮﻟﻮد ﻓﻲ .1934 - 2دﻛﻨﺰ ﺗﺎﺟﺮ إﻧﺠﻠﻴﺰي ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ ،ﺣﺮم ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ اﻻﺳﺘﺤﻤﺎم ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﺧﻄﻴﺒﺘﻪ.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
113
ﺗﺮاث اﻷدب
ƠƫƲǚǖČ ĎĔĖƜǂǚǖČ ﺑﻘﻠﻢ :ﺟﻮردن ﻟﻴﺶ)(1 ﺗﺮﺟﻤﺔ :ﺻﻼح ﺻﺒﺮي
ﻻ ﺗﺨﺒﺮﻧﻲ .اﺻﻨﻊ ﻟﻲ ﻣﻌﺮوﻓًﺎ .دﻋﻨﻲ أﺧﻤﻦ .ﻛﻦ ﺻﺎدﻗًﺎ ﻣﻌﻲ ،ﻗﻞ ﻟﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻻ ﺗﺠﻌﻠﻨﻲ أﺿﺤﻚ .أﺧﺒﺮﻧﻲ ،ﻻ ﺗﺠﺒﺮﻧﻲ أن أﺧﺒﺮك ،ﻫﻞ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻲ أن أﺧﺒﺮك أن ﺣﺮارﺗﻚ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻜﻮن ﺣﺮارﺗﻚ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ،أﻧﻚ ﱠ ﻣﻴﺖ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻜﻮن ﻣﻴﺘًﺎ؟ ﻷﻧﻚ ﺗﻌﺮف ﻣﺎ أﻋﺮﻓﻪ؟ أﻋﺮﻓﻚ ﻣﺜﻠﻤﺎ أﻋﺮف ٌ ﻧﻔﺴﻲ ،أﻋﺮﻓﻚ ﻣﺜﻞ ﻇﻬﺮ ﻳﺪي ،أﻋﺮﻓﻚ ﻣﺜﻞ ﻛﺘﺎب ﻣﻔﺘﻮح ،أﻋﺮﻓﻚ ﻇﺎﻫ ًﺮا وﺑﺎﻃ ًﻨﺎ .أﻋﺮف ﻋﻨﻚ ﻣﺎ ﻟﻦ ﺗﻌﺮﻓﻪ أﺑ ًﺪا .ﺗﻌﺮف ﻣﺎ ﻫﺬا؟ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻌﺮف ﻣﺎ ﻫﺬا؟ ﻷن ﻫﺬا ﺻﻔﻘﺔ ﻣﺎ ،ﻣﺆاﻣﺮة ﻣﺎُ ،ﻣﺰﺣﺔ ﻣﺎ -رﺑﻤﺎ ﺗﺘﻘﻴﺄ ﻟﻮ ﻋﺮﻓﺖ إﻟﻰ أي ﻣ ًﺪى ﻫﻮ ﻣﺰﺣﺔ .أرﻳﺪك أن ﺗﺴﻤﻊ ﺷﻴﺌًﺎ ،أرﻳﺪك أن ﺗﺴﻤﻊ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﻌﺎرﻳﺔ .أرﻳﺪك أن ﺗﺴﻤﻌﻬﺎ ﻣﻨﻲ ،ﻣﻦ ﻣﺼﺪرﻫﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮةً ،ﻣﻦ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﻤﻬﺘﻢ ﻓﻌﻼً .ﺗﻌﺮف َﻣﻦ أﻧﺖ؟ أﻧﺖ َﻣﻦ أﻧﺖ! ﻣﻨﺬ ﻋﺼﻮر ،ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات ،ﻣﻨﺬ وﻗﺖ ﻃﻮﻳﻞ ﺟ ٍّﺪا ﻻ أﺗﺬﻛﺮه، اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻘﺪﻳﻢ -أﻧﺖ ﻻ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻌﺮف ،ﻋﺼﺮ آﺧﺮ، ﻣﺘﻮﺳﻞ ٌ ﺣﻴﺎة أﺧﺮى ،ﻧﻈﺮﻳﺔ أﺧﺮى ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻓﻲ آن واﺣﺪ .أﻧﺎ ُﻣﺨﺒﺮك، 112
اﻟﻤﻄﺎردة اﻟﻤﺮﺣﺔ
إﻟﻴﻚٍ ، ﺟﺎث ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﻲ -ﻻ ﺗﺘﺤﺎذق ﻣﻌﻲ ،ﻻ ﺗﻘﻞ ﻟﻲ أﻋﺬا ًرا -ﻷﻧﻪ ﻓﻲ وﺿﺢ اﻟﻨﻬﺎر ،ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ ،ﻋﻨﺪ اﻟﻔﺠﺮ .ﺗﻈﻦ أن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ﺳﻴﺮﻗﺺ ﺣﻮﻟﻚ؟ ﻻ أﺣﺪ ﺳﻴﺮﻗﺺ ﺣﻮﻟﻚ .ﻻ أﺣﺪ -ﺣﺘﻰ -ﻳﻌﺮف أﻧﻚ ﺣﻲ ﺗﺮزق ،ﻻ أﺣﺪ ﻳﻌﺮف ﻣﻦ أﻧﺖ .ﻻ ﺗﺴﺄل .ﻻ ﺗﺸﺮع -ﺣﺘﻰ -ﻓﻲ اﻟﺘﺴﺎؤل .ﻻ ﺗ ِﻌﺪﻧﻲ ﺑﺄي ﺷﻲء .ﻻ ﺗﻘﻞ ﻟﻲ ﺷﻴﺌًﺎ وﺗﻔﻌﻞ ﻏﻴﺮه .ﻻ ﺗﻨﻈﺮ ﻟﻲ ﺑﺎﺳﺘﺨﻔﺎف .ﻻ ﺗﻨﻈﺮ ﻟﻲ ﻫﻜﺬا .ﻻ ﺗﻘﻞ ﻟﻲ ﻫﺬا اﻟﻬﺮاء .اﻧﻈﺮ ﺣﻮﻟﻚ، أﺳﺘﺤﻠﻔﻚ .ﻻ ﺗﻌﺮف أن ﻳ ًﺪا واﺣﺪة ﻻ ﺗﺼﻔﻖ؟ ﻗﻞ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻌﻘﻮﻻً .ﻓﻜﺮ ﺟﻴ ًﺪا .ﺗﻈﻨﻪ ﻧﺰﻫﺔ؟ ﻟﻴﺲ ﻧﺰﻫﺔ .ﻻ ﺗﺘﺤﻔﻆ ﻣﻌﻲ .اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ﻟﻦ ﻳﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﻮاك .أﺣﺬرك -اﻧﺘﺒﻪ ﻗﺒﻞ ﻓﻮات اﻷوان .ﺗﻌﺮف؟ ﻋﺼﻔﻮرة ﺻﻐﻴﺮة أﺧﺒﺮﺗﻨﻲ ﺗ ٍّﻮا .ﺗﻌﺮف؟ ﻫﻨﺎك أﺷﻴﺎء ﻛﺜﻴﺮة ﻳﺠﺐ أن ﺗﻌﺮﻓﻬﺎ .ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ ﻋﻠﻲ أن أﺳﻤﻊ ﻧﻔﺴﻲ وأﻧﺎ أﺗﺤﺪث .أﻧﺴﻰ ﻓﻲ ﻟﻤﺢ اﻟﺒﺼﺮ .ﻟﻤﺎذا ﻳﺠﺐ ﱠ داﺋ ًﻤﺎ أن أﺧﺒﺮك ﻣﺮا ًرا وﺗﻜﺮا ًرا؟ أﻋﻄﻨﻲ دﻗﻴﻘﺔ ﻷﻓﻜﺮ .ﻓﻘﻂ دﻋﻨﻲ أﻟﺘﻘﻂ أﻧﻔﺎﺳﻲ .أﻻ ﺗﻜﻒ أﺑ ًﺪا ﻋﻦ اﻟﺘﺴﺎؤل؟ ﺳﺄﻗﻮل ﻟﻚ ﺷﻴﺌًﺎ .ﺳﺄﻗﻮل ﻟﻚ ﻣﺎ ﻟﻦ ﻳﺠﺮؤ أﺣﺪ ﻋﻠﻰ أن ﻳﻘﻮﻟﻪ ﻟﻚ .ﺗﺮﻳﺪ ﻧﺼﻴﺤﺔ؟ ﺗﻈﻦ ﻧﻔﺴﻚ ﻣﺤﻮر اﻟﻜﻮن ،أﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟ ﻋﻠﻴﻚ أن ﺗﺴﺠﺪ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻚ ورﻛﺒﺘﻴﻚ وﺗﺸﻜﺮ اﻟﻠﻪ .ﺗﻈﻦ اﻟﻤﻮت ﻧﺰﻫﺔ؟ اﻟﻤﻮت ﻟﻴﺲ ﻧﺰﻫﺔ .واﺟﻪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻻ ﺗﺨﺪع
إﺿﺎءة
ĎĖƜƬƎ ƶǖČ Į ﻛﻨﺖ أﻗﺘﺮب ﻓﻲ ﺣﺬر ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺼﻨﺪوق اﻟﺨﺸﺒﻲ اﻟﺠﺎﻟﺲ ﻓﻲ ﻫﻴﺒﺔ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺟﺪار ﻏﺮﻓﺔ اﻟﻨﻮم ،ﻳﻄﻞ ﻓﻲ اﻣﺘﻨﺎن إﻟﻰ اﻟﺤﺼﻴﺮ واﻟﻮﺳﺎﺋﺪ اﻟﺒﺎﻟﻴﺔ .ﻣﺎ إن أﻣﺪ ﻳﺪي ﻷﻓﺘﺤﻪ ﺣﺘﻰ أﺳﻤﻊ ﺻﻮت أﻣﻲ: ـ اﺑﺘﻌﺪ.ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺸﻰ أن ﺗﺘﺮك ﻳﺪاي اﻟﻤﺘﺮﺑﺘﺎن وﺳﺨًﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺑﺪاﺧﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﻼﺑﺲ ،أﺟﻬﺪﻫﺎ ﻏﺴﻴﻠﻬﺎ ﻗﺒﻞ أﻳﺎم .ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻻ أﻓﺎرق اﻟﺼﻨﺪوق ﺣﺘﻰ أﻣﻸ ﻋﻴﻨﻲ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ،ﻻﺳﻴﻤﺎ ﺟﻠﺒﺎب أﺑﻲ اﻟﻜﺸﻤﻴﺮي اﻟﺬي ﺧﺼﺼﻪ ﻟﻠﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﻔﺎرﻗﺔ :ﻋﺰاء ﻓﻲ ﺑﻠﺪ ﺑﻌﻴﺪ ،أو ﺣﻔﻞ ﻋﺮس ﻳﻠﺒﺲ ﻓﻴﻪ اﻟﺮﺟﺎل أﺟﻮد ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻬﻢ ،أو اﻟﺬﻫﺎب إﻟﻰ اﻟﺒﻨﺪر ﻟﺘﺨﻠﻴﺺ ورﻗﺔ ﺛﺒﻮﺗﻴﺔ أو ﺷﺮاء ﺷﻲء ﻻ ﻧﺠﺪه ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺘﻨﺎ اﻟﻌﺰﻻء اﻟﻤﻨﺴﻴﺔ. ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أي ﻋﺮس ﻳﻜﺘﻤﻞ إﻻ ﺑﻬﺬا اﻟﺼﻨﺪوق .ﻳﻄﻠﺒﻪ أﻫﻞ اﻟﻌﺮوس ﻓﻴﺄﺗﻲ ﻣﺤﻤﻮﻻً ﻓﻮق ﺳﻨﺎم ﺟﻤﻞ ﻋﺎل ،ﻳﻨﻴﺦ ﻋﻠﻰ ﻣﻬﻞ ﻓﺘﺘﻠﻘﻔﻪ أﻳﺪي اﻟﺮﺟﺎل ،وﺗﺴﺤﺒﻪ ﻓﻲ ﺣﺬر ،ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻮي ﻋﻠﻰ اﻷﻛﻒ، ﻓﻴﺤﻤﻞ إﻟﻰ داﺧﻞ اﻟﺪار ،ﺣﻴﺚ ﺗﺄﺧﺬه اﻟﻨﺴﻮة ،وﻳﺮﺗﺒﻦ داﺧﻠﻪ ﻣﻼﺑﺲ اﻟﻌﺮوس اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ .ﻗﺒﻠﻬﺎ ﻳﻜﻮن ﻗﺪ اﺳﺘﻘﺮ ﺑﻴﻦ ﺳﻄﻮر "اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ" ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻓﻲ ﺳﻄﺮ واﺣﺪ ﻣﻜﺘﻮب ﻓﻴﻪ ﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪة ﻫﻲ "ﺳﺤﺎرة" ،ﺗﻜﺘﺐ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﺼﺎغ ،وﻗﺒﻞ اﻟﺤﺼﻴﺮ واﻷﻟﺤﻔﺔ اﻟﻘﻄﻨﻴﺔ واﻟﻮﺳﺎﺋﺪ وأوﻧﻲ اﻟﻨﺤﺎس واﻷﻟﻤﻮﻧﻴﻮم .وﻳﻤﻜﻦ ﻷﻫﻞ اﻟﻌﺮوس اﻻﺳﺘﻐﻨﺎء ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﻃﻠﺒﻮه ،إن راﻋﻮا رﻗﺔ ﺣﺎل اﻟﺰوج ،ﻟﻜﻦ ﻻ أﺣﺪ ﻳﻔﺮط ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺼﻨﺪوق. ﻳﻮم اﻟﺰﻓﺎف ﻳﻌﺎد ﺣﻤﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻞ آﺧﺮ ،ﻳﻤﺸﻲ ﺑﻪ ﻣﺘﺒﺨﺘ ًﺮا أﻣﺎم اﻟﺰﻓﺔ اﻟﻀﺎﺟﺔ ﺑﺎﻟﺘﺼﻔﻴﻖ واﻟﻐﻨﺎء ودق اﻟﻄﺒﻮل ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻞ إﻟﻰ ﺑﻴﺖ اﻟﻌﺮﻳﺲ ﻣﺸﻤﻮﻻً ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ،ﻟﻴﻜﻮن أول ﻣﺎ ﺗﻠﻤﺴﻪ ﻳﺪ اﻟﻌﺮوﺳﺔ وﻫﻲ ﺗﻠﺘﻘﻂ ﻗﻤﻴﺺ ﻧﻮﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﺧﺠﻞ ،وﺗﻬﺪﻫﺪ ﻓﺴﺘﺎن اﻟﻌﺮس ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻘﺮ ﻓﻴﻪ ،رﺑﻤﺎ إﻟﻰ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻋﻤﺮﻫﺎ. ﻓﻲ أﺣﺪ اﻷﻋﺮاس ﻫﺎج اﻟﺠﻤﻞ ،وﺳﻘﻂ اﻟﺼﻨﺪوق ﻣﻔﺘﻮ ًﺣﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺮاب اﻟﺠﺴﺮ ﻓﻲ ﻏﺒﺸﺔ أول اﻟﻠﻴﻞ ،ﻓﺘﻨﺎﺛﺮت ﻗﻄﻊ اﻟﻌﺮوس: ﺟﻼﺑﻴﺐ ﻗﻄﻨﻴﺔ ﺧﻔﻴﻔﺔ ،وﻓﺴﺎﺗﻴﻦ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣﻠﻮﻧﺔ ،وﻗﻤﺼﺎن ﻧﻮم ﺗﺨﺎﻟﻄﺖ أﻟﻮاﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﻴﻮن ﻣﻦ رأوﻫﺎ ،وﻋﺼﺎﺋﺐ رأس ذات ﻃُﺮز ﻣﻦ ﻋﻘﺪ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻠﻮﻧﺔ ،وﻏﻴﺎرات داﺧﻠﻴﺔ .رﻣﻰ اﻟﻌﺮﻳﺲ ﺟﺴﺪه ﻓﻮق اﻟﺴﺤﺎرة ﻟﻴﺤﻤﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﻴﻮن اﻟﻨﺎﻇﺮﻳﻦ .ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻛﺎن أﻫﻞ
د.ﻋﻤﺎر ﻋﻠﻲ ﺣﺴﻦ* @ أدﻳﺐ وﻣﻔﻜﺮ ﻣﺼﺮي
اﻟﻌﺮﻳﺲ واﻟﻌﺮوس ﻳﺜﺒﺘﻮﻧﻬﺎ ﺟﻴ ًﺪا ،ﻣﺴﺘﻌﻴﺪﻳﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎدﺛﺔ اﻟﺘﻲ ﺻﺎرت ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺼﺎﻃﺐ ،وﻋﺪﻫﺎ ﺑﻌﻀﻬﻢ دﻟﻴﻞ ﺷﺆم. ﻟﻜﻦ ﻋﻬﺪ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺴﺤﺎرة ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ أن وﻟﻰ ﺣﻴﻦ ﻋﺮف أﻫﻞ ﻗﺮﻳﺘﻲ ﺧﺰاﺋﻦ اﻟﺨﺸﺐ اﻟﻜﺒﻴﺮة ،وﺳﻤﻮا ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ وﻻ ﻳﺰاﻟﻮن "دوﻻب" .ﺑﻌﺾ اﺷﺘﺮوا دواﻟﻴﺐ ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﺎج اﻟﻤﻘﻮي ،وﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺮب ﺳﺮﻳ ًﻌﺎ، وﺗﺴﺘﻌﺼﻲ ﻋﻠﻰ اﻹﺻﻼح ،اﺧﺘﻔﺖ ،وﺑﻘﻴﺖ اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ. وﻛﻞ ﺑﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﻗﺪر اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻪ ،ﺑﺪ ًءا ﻣﻦ ﺧﺸﺐ اﻟﺼﻔﺼﺎف واﻟﺴﻨﻂ واﻧﺘﻬﺎء ﺑﺎﻟﺰان اﻷﻣﻠﺲ راﺋﻖ اﻟﻠﻮن ،وﻟﻴﻦ اﻟﻌﺮﻳﻜﺔ.وﻗﻔﺖ اﻟﺪوﻻﻳﺐ ﻓﻲ ﻏﺮف اﻟﻨﻮم ﺷﺎﻣﺨﺔ ،ﺗﻨﺘﻈﺮ اﻷﻳﺪي اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺪ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻤﻼﺑﺲ ﺷﺤﻴﺤﺔ ،ﻓﺘﻄﻮﻳﻬﺎ ﺻﺎﻣﺘﺔ ،ﻣﺎﻧﺤﺔ إﻳﺎﻫﺎ اﻟﺪفء واﻟﻨﻈﺎﻓﺔ. واﻷﺳﺮة ،ﻓﺎﺧﺘﻔﺖ اﻟﺴﺤﺎﺣﻴﺮ ﻛﻞ اﻷﻫﺎﻟﻲ ﺑﺎﺗﻮا ﻳﻄﻠﺒﻮن اﻟﺪوﻻﻳﺐ ﱢ وراﺣﺖ اﻟﺤﺼﺮ ﺗﺘﻀﺎءل ،ﻓﺎﻣﺘﺜﻠﺖ اﻟﻐﺮف ﻟﻌﻬﺪ ﺟﺪﻳﺪ.ﻛﻞ ﺳﺤﺎرة ﻗﺪﻳﻤﺔ اﻧﺘﻈﺮت ﻣﺼﻴﺮﻫﺎ .ﻓﻬﻨﺎك ﻣﻦ ﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻋﻨﺪه ،واﺿ ًﻌﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻼﺑﺲ ﻗﺪﻳﻤﺔ .وﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﻣﻸﻫﺎ ﺑﺄﺻﻨﺎف ﻣﻦ اﻟﻐﻼل وﺧﺰﻳﻦ اﻟﺒﻴﺖ ﻣﻦ ﺳﻜﺮ وزﻳﺖ .وﻳﻮﺟﺪ ﻣﻦ رﻓﻌﻬﺎ إﻟﻰ ﺳﻄﺢ اﻟﺒﻴﺖ، وﻣﻸﻫﺎ ﺑﺎﻟﺒﺼﻞ واﻟﺜﻮم واﻟﺒﺎﻣﻴﺔ اﻟﺠﺎﻓﺔ واﻟﻌﺪس .ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻓﻜﻮا ﻗﻴﻮدﻫﺎ ،وﻓﺮدوﻫﺎ وأﺿﺎﻓﻮا إﻟﻴﻬﺎ أﻟﻮا ًﺣﺎ أﺧﺮى ،ﻟﺘﺼﻴﺮ ﺧ ًﻨﺎ ﻟﻠﺪﺟﺎج ،وﻫﻨﺎك ﻣﻦ أدﺧﻞ أﻟﻮاﺣﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺴﻘﻴﻒ ﺧﻨﺎﻧﻲ اﻟﻄﻴﻦ. ﻟﻜﻦ ﺳﺤﺎرة وﺣﻴﺪة ﻧﺠﺖ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻫﺬا ،ﻣﺤﺘﻔﻈﺔ ﺑﻬﻴﺒﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ ﺷﻴﺦ اﻟﺒﻠﺪ ،ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻟﻨﻘﻮش واﻟﺒﺮاوﻳﺰ اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ، ﻛﻨﺎ ﻧﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ،وﻧﺤﻦ ﻛﺒﺎر ﻓﻲ ﻋﺠﺐ ،وﻧﻌﺪﻫﺎ واﺣﺪة ﻣﻦ آﺛﺎر زﻣﺎﻧﻨﺎ اﻟﺠﻤﻴﻞ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
111
ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب
واﻟﺤﻠﻮى اﻟﺮﻣﻀﺎﻧﻴﺔ ﺑﺪول اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ، أﺑﺮزﻫﺎ وأﺟﻤﻠﻬﺎ اﻟﺰﻻﺑﻴﺎ ،وﻟﻘﻤﺔ اﻟﻘﺎﺿﻲ أو اﻟﻠﻘﻴﻤﺎت ،واﻟﻨﺨﻲ ،واﻟﺒﺎﭼﻴﻼ ،واﻟﻤﺤﻠﺒﻴﺔ، واﻟﻜﺴﺘﺮد .وﻻ ﺗﺨﻠﻮ اﻟﻤﻮاﺋﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺒﻮﺳﺔ، واﻟﺒﻘﻼوة ،وﺷﺮاب اﻟﺒﻴﺬان اﻟﻤﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻤﻜﺴﺮات ،واﻟﻤﺤﻠﺒﻴﺔ ،واﻟﻜﻨﺎﻓﺔ. وﻗﺪ ﺗﻤﺴﻚ ﻣﻌﻈﻢ ﺳﺎﻛﻨﻲ اﻷﺣﻴﺎء اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻌﺎداﺗﻬﻢ اﻟﺮﻣﻀﺎﻧﻴﺔ اﻟﻤﻮروﺛﺔ ،ﻓﻴﺘﺴﺎﻣﺮ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻳﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﺑﻤﺎ ﻳﻌﺮف ﺑﺎﺳﻢ "اﻟﺘﻌﺘﻮﻣﺔ" ،وﻫﻲ اﻟﺴﻬﺮة اﻟﺮﻣﻀﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻨﺎوﻟﻮن ﻓﻴﻬﺎ "اﻟﻘﺒﻐﺔ" ﻣﻊ اﻟﻘﻬﻮة واﻟﺸﺎي واﻟﺪراﺑﻴﻞ واﻟﺤﻠﻴﺐ اﻟﻤﻬﻴﻞ وﻗﺮص ﻋﻘﻴﻠﻲ ،وﺗﺘﺸﺎﺑﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت ﻣﻊ ﻣﺎ ﻳﻘﻮم ﺑﻪ أﻫﻞ اﻹﻣﺎرات وﻋﻤﺎن واﻟﺒﺤﺮﻳﻦ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ. وإﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺗﻤﺴﻚ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﻫﺎﻟﻲ ﺑﻌﺎداﺗﻬﻢ ،إﻻ أن ﺑﻌﺾ اﻟﻌﺎدات اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﺧﺘﻠﻄﺖ ﺑﻬﺎ وﻧﺎﻓﺴﺘﻬﺎ ،ﻛﻘﻀﺎء ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻤﺸﺎﻫﺪة اﻟﻤﺴﻠﺴﻼت اﻟﺮﻣﻀﺎﻧﻴﺔ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺑﺮاﻣﺞ اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺎت واﻟﺘﺮﻓﻴﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻨﻮات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ. وﻟﻸﻃﻔﺎل ﻓﻲ اﻟﻤﻮروث اﻟﺨﻠﻴﺠﻲ اﺣﺘﻔﺎﻻت ﺧﺎﺻﺔ ﺗﺒﺪأ ﻋﻨﺪ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺷﻬﺮ رﻣﻀﺎن ،ﻓﻴﺴﺘﻌﺪون ﻛﻞ ﻋﺎم ﻟﻠﻘﺮﻗﻴﻌﺎن ،وﺗﻌﻨﻲ ﺣﺮﻓﻴﺎ "ﻗﺮة اﻟﻌﻴﻦ" ،ﻓﺎﻟﻘﺮة ﻫﻲ اﺑﺘﺪاء اﻟﺸﻲء ،وﺑﻤﺮور اﻟﺰﻣﺎن ﺗﺤﻮرت اﻟﻜﻠﻤﺔ، وﺻﺎرت ﺗﻨﻄﻖ "ﻗﺮﻗﺎﻋﻮن" أو "ﻗﺮﻗﻴﻌﺎن" .وﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺑﻠﺪان اﻟﺨﻠﻴﺞ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﺨﻠﻴﻂ اﻟﻤﺘﻌﺪد اﻷﺻﻨﺎف ،واﻟﻤﻘﺼﻮد ﻫﻨﺎ اﻟﻤﻜﺴﺮات واﻟﺒﺮﻣﻴﺖ .وﻣﻮﻋﺪﻫﺎ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺮ ،وﺗﺴﺘﻤﺮ ﺣﺘﻰ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻴﻮم اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ .وﻗﺪﻳﻤﺎ ﻛﺎن اﻷﻃﻔﺎل ﻳﺤﻤﻠﻮن ﺑﻌﺪ ارﺗﺪاء أﺑﻬﻰ اﻟﺜﻴﺎب ﺳﻠﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ ﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﻴﻞ ﻳﻀﻌﻮن ﻓﻴﻬﺎ أﻛﻴﺎﺳﺎ ﻓﺎرﻏﺔ ،وﻣﺎ ﺗﻜﺎد اﻟﺸﻤﺲ ﺗﻐﺮب ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻨﺎول اﻷﻃﻔﺎل إﻓﻄﺎرﻫﻢ ،ﺛﻢ ﻳﺘﺠﻤﻌﻮن ﻟﺘﺸﻜﻴﻞ ﻣﺴﻴﺮات ﺣﺎﻣﻠﻴﻦ ﺣﻮل أﻋﻨﺎﻗﻬﻢ أﻛﻴﺎس اﻟﻘﺮﻗﻴﻌﺎن ،ﻣﺮددﻳﻦ اﻷﻫﺎزﻳﺞ واﻷﻧﺎﺷﻴﺪ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ .وﻛﺎﻧﻮا ﻳﻤﺮون ﻋﻠﻰ ﺑﻴﻮﺗﺎت اﻟﺤﻲ ﻟﺘﺠﻤﻴﻊ اﻟﻤﻜﺴﺮات واﻟﺤﻠﻮى ﻣﻦ اﻷﻫﺎﻟﻲ ،وﻳﻨﺸﺪون اﻷﻏﺎﻧﻲ وﻳﻤﺮﺣﻮن. وﺗﺘﻤﻴﺰ اﻟﺒﻨﺎت ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺴﻴﺮات ﺑﺄﻧﺸﻮدة ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬﻦ ،ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻓﻴﻬﺎ: ﻗﺮﻗﺎﻋﻮن ﻋﺎدت ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻳﺎﻟﺼﻴﺎم /ﻋﻄﻮﻧﺎ اﻟﻠﻪ ﻳﻌﻄﻴﻜﻢ ﺑﻴﺖ ﻣﻜﺔ / ﻳﻮدﻳﻜﻢ ﻳﺎ ﻣﻜﺔ ﻳﺎ اﻟﻤﻌﻤﻮرة .أﻣﺎ اﻷوﻻد ﻓﻠﻬﻢ أﻫﺰوﺟﺔ راﺋﻌﺔ ﻳﺮددوﻧﻬﺎ، ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻓﻴﻬﺎ :ﺳﻠﻢ وﻟﺪﻫﻢ ﻳﺎ اﻟﻠﻪ /ﺧﻠﻴﻪ ﻷﻣﻪ ﻳﺎ اﻟﻠﻪ /ﻳﺠﻴﺐ اﻟﻤﻜﺪه وﻳﺤﻄﻬﺎ ﺑﺤﻀﻦ إﻣﻪ /ﻳﺎﺷﻔﻴﻊ اﻷﻣﺔ .ﻛﻤﺎ أن ﻫﻨﺎك أﻧﺸﻮدة ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﺗﻤﻴﺰ ﺑﻬﺎ أﻃﻔﺎل اﻟﻜﻮﻳﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺨﺼﻮص ﻓﻲ اﺣﺘﻔﺎﻻت اﻟﻘﺮﻗﻴﻌﺎن ،وﻻ 110
رﻣﻀﺎن ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ
ﺗﺰال ﺗﺬاع ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺤﻄﺎت اﻹذاﻋﻴﺔ اﻟﺨﻠﻴﺠﻴﺔ وﻗﻨﻮات اﻟﺘﻠﻔﺎز ﺧﻼل اﻟﺸﻬﺮ ،ﺗﻘﻮل :ﻋﺎدت ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻳﺎ ﻫﻼ /ﻳﺎ ﻫﻼ ﻓﻴﻜﻢ ﻳﺎ ﻫﻼ /ﻣﺎ ﺑﻴﻦ أﻳﺪﻳﻜﻢ /ﺳﻬﺮة ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺳﻬﺮة /ﻗﺮﻳﻘﻴﻌﺎن وﻗﺮﻳﻘﻴﻌﺎن /ﺑﻴﺖ ﻗﺼﻴﺮ ورﻣﻴﻀﺎن /ﺳﻬﺮة ﻟﻄﻴﻔﺔ /ﺣﻠﻮة ﺧﻔﻴﻔﺔ /ﻧﺴﻬﺮ ﻣﻌﺎﻛﻢ /ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﺳﻬﺮة /ﺳﻠﻢ وﻟﺪﻫﻢ ﻳﺎ اﻟﻠﻪ /ﺧﻠﻪ ﻷﻣﻪ ﻳﺎ اﻟﻠﻪ. وﻛﺎن اﻷوﻻد ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷزﻣﻨﺔ ﻳﺪﻫﻨﻮن وﺟﻮﻫﻬﻢ ﺑﺎﻟﺴﻨﻮن اﻷﺳﻮد )ﻓﺤﻢ اﻷﺧﺸﺎب( ،وﻳﻀﻌﻮن اﻟﺮﻳﺶ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﺎﻫﻬﻢ ،وﻳﻘﺎل ﻟﻬﻢ وﻫﻢ ﻳﻤﺎرﺳﻮن ﻫﺬه اﻟﻄﻘﻮس "ﻋﻨﻔﺼﺔ" ،وﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﻘﻮاﻃﻲ واﻟﻌﺼﻲ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮﻧﻬﺎ ﻛﺎﻟﻄﺒﻮل ،وﺑﻌﺪ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺟﻮﻻﺗﻬﻢ ﻳﺘﺨﺎﻃﻔﻮن أﻛﻴﺎس اﻟﻘﺮﻗﻴﻌﺎن ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎً ﻓﻲ ﻣﺮح وﺑﻬﺠﺔ. وﻗﺒﻞ ﺗﻨﺎول وﺟﺒﺔ اﻟﺴﺤﻮر ﻛﺎن "أﺑﻮ ﻃﺒﻴﻠﺔ" )اﻟﻤﺴﺤﺮاﺗﻲ( ﻳﺠﻮب اﻟﺸﻮارع ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﻹﻳﻘﺎظ اﻟﻨﺎﺋﻤﻴﻦ ،ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻌﺪوا ﻟﻠﻄﻌﺎم ﻗﺒﻞ اﻟﻔﺠﺮ ﺑﻮﻗﺖ ٍ ﻛﺎف ،وﻫﻲ ﻋﺎدة ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،أﻣﺎ اﻵن ﻓﻘﺪ اﻧﺤﺼﺮت ﻓﻘﻂ ﻋﻠﻰ اﻷﺣﻴﺎء اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺑﻠﺪان اﻟﺨﻠﻴﺞ ،وﻛﺎن ﻳﻨﺎدي وﻳﺼﻴﺢ ﻗﺎﺋﻼ :ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﻟﻠﻪ /ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ /اﻟﺴﺤﻮر ﻳﺮﺣﻤﻜﻢ اﻟﻠﻪ /ﻗﻮﻣﻮا ﺣﺎن وﻗﺖ اﻟﺴﺤﻮر ..وﻫﻜﺬا ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﻹﻳﻘﺎظ اﻷﻫﺎﻟﻲ ،ﻓﻴﻘﺪﻣﻮن ﻟﻪ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺮاب ﺑﺪورﻫﻢ ﺣﺘﻰ آﺧﺮ ﻟﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﻟﻴﺎﻟﻲ اﻟﺸﻬﺮ اﻟﻜﺮﻳﻢ .وﻓﻲ آﺧﺮ ﻟﻴﻠﺔ ﻳﺼﻴﺢ ﻣﻮدﻋﺎ اﻟﺸﻬﺮ ﺑﻘﻮﻟﻪ :اﻟﻮداع /اﻟﻮداع ﻳﺎ رﻣﻀﺎن /وﻋﻠﻴﻚ اﻟﺴﻼم /ﻳﺎ ﺷﻬﺮ اﻟﺼﻴﺎم
وﻳﺬﻫﺒﻮن ﻟﺼﻼة اﻟﻤﻐﺮب .وﺑﻌﺪ اﻧﺘﻬﺎء اﻟﺼﻼة ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻄﻌﺎم ﻣﻦ ﺑﻠﺪ إﻟﻰ آﺧﺮ ،ﻓﻔﻲ اﻟﻜﻮﻳﺖ ﻣﻐﺮﻣﻮن ﺑﺄﻛﻠﺔ "اﻟﺒﻠﻌﺔ" ،ﻓﻤﺎ أن ﻳﻌﻮدوا ﻟﻠﺒﻴﺖ ﺑﻌﺪ اﻟﺼﻼة ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻜﻤﻠﻮا إﻓﻄﺎرﻫﻢ ﺑﺘﻨﺎول "اﻟﺘﺸﺮﻳﺐ"، وﻫﻲ رﻗﺎﺋﻖ ﻣﺨﺒﻮزة ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺎج ﻣﺸﺮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻤﺮق .أو أﻛﻞ "اﻟﻤﺠﺒﻮس" وﻫﻮ اﻷرز ﺑﺎﻟﺪﺟﺎج أو اﻟﻠﺤﻢ ،أو اﻷرز ﻣﻊ اﻟﺴﻤﻚ "ﻣﻄﺒﻖ اﻟﺴﻤﻚ"، وﻫﻨﺎك ﺑﻴﻮت ﻛﻮﻳﺘﻴﺔ ﺗﺼﻨﻊ ﻣﺮﻗﺔ ﻣﻦ دون اﻳﺪام ﺗﻌﺮف ﺑﺎﺳﻢ )ﻣﺮﻗﺔ ﻫﻮاء( .وﻳﺮﻛﺰ اﻟﻤﻄﺒﺦ اﻟﺒﺤﺮﻳﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻷرز أو اﻟﻌﻴﺶ ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ، وﻳﻌﺪ إﺳﺮاﻓﻬﻢ ﻓﻲ أﻛﻞ اﻟﺮز دﻟﻴﻼ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﺛﺮﻫﻢ ﺑﺎﻟﻤﻄﺒﺦ اﻟﻬﻨﺪي، ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻄﺒﺨﻮن أﻛﻠﺔ اﻟﺴﺎﻗﻮ اﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ ،وأﻛﻠﺔ اﻟﻤﺠﺒﻮس ذات اﻷﺻﻞ
اﻟﺴﻌﻮدي ،واﻟﺒﻌﺾ ﻳﺸﺒﻬﻬﺎ ﺑﺎﻟﻜﺒﺴﺔ اﻟﻤﻌﺘﺎدة .وﻓﻲ ﻋﻤﺎن ﺗﻘﻮم ﻛﻞ أﺳﺮة ﺑﻄﺒﺦ اﻟﻌﺮﺳﻴﺔ أو اﻟﺪرﻧﺔ ،وأﻳﻀﺎ اﻟﻘﺒﻮﻟﻲ .وﺗﺘﻀﻤﻦ اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﻌﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﻓﻄﺎر ﺻﺤﻨﺎً ﻣﻦ اﻟﺮﻃﺐ واﻟﻠﺒﻦ. وﻓﻲ اﻹﻣــﺎرات ﺗﺄﺛﺮ ﻛﺒﻴﺮ ﺑﺎﻟﻤﻄﺒﺦ اﻟﻬﻨﺪي واﻟﻌﻤﺎﻧﻲ واﻟﺴﻌﻮدي واﻵﺳﻴﻮي ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم ،ﻧﻈﺮا ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻤﻨﻔﺘﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻟﺠﻨﺴﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﻬﺎ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻟﺬﻟﻚ ﺗﺘﻨﻮع اﻷﻃﻌﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮاﺋﺪ ،ﻓﻬﻨﺎك اﻟﺒﺎﺷﻤﻴﻞ واﻟﺪﺟﺎج اﻟﻤﺸﻮي وأﻧﻮاع اﻷﺳﻤﺎك اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮزق ﺑﻬﺎ اﻹﻣﺎرات ﻣﻦ ﺳﻮاﺣﻠﻬﺎ اﻟﻤﻤﺘﺪة ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ أﻧﻮاع اﻟﻜﺒﺔ اﻟﺸﺎﻣﻴﺔ ،ﻛﻜﺒﺔ اﻟﺒﺮﻏﻞ واﻟﺒﻄﺎﻃﺎ واﻷرز واﻟﺨﻀﺮاوات.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
109
ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب
ǣƞƲLjǖČ ƧǥǗƯǖČ ǣǍ ĦƜƿǙĖ د .واﺋﻞ إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺪﺳﻮﻗﻲ
ﻓﻲ أﺟﻮاء روﺣﺎﻧﻴﺔ ﻋﺬﺑﺔ ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ أﻫﻞ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺷﻬﺮ رﻣﻀﺎن اﻟﻤﺒﺎرك ﺑﻤﺸﺎﻋﺮ ﻳﻤﻸﻫﺎ اﻟﺤﺐ واﻟﻮد واﻟﺮﺣﻤﺔ ،وﻳﻌﺪ ﻫﺬا اﻟﺸﻬﺮ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ وإﺣﻴﺎء ﻋﺎدات وﻣﻮروﺛﺎت اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﻤﻴﺰوا ﺑﻬﺎ ،ﺗﺘﺠﺴﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻴﻢ اﻟﻤﺤﺒﺔ واﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،وﺗﻨﻢ ﻋﻦ اﻟﺘﺠﺎﻧﺲ واﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﺑﻴﻦ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ .ﻓﻤﺎ أن ﻳﻘﺘﺮب رﻣﻀﺎن ﺣﺘﻰ ﺗﺒﺪأ اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﻄﺒﻘﺎت ﻓﻲ اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻪ ،وﻳﻤﻸن دار اﻟﭽﻴﻞ )ﻣﺨﺰن اﻟﻄﻌﺎم( ﺑﺎﻟﻤﺎﭼﻠﺔ )اﻟـﺰاد( ﻣﻦ ﺣﺒﻮب ورﻗﺎق وﺳﻤﻦ وﺗﻤﺮ وﺗﻮاﺑﻞ وﺧﻀﺮاوات ﺑﺸﺘﻰ أﻧﻮاﻋﻬﺎ .وﻗﺪﻳﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺴﺎء ﻳﺠﺘﻤﻌﻦ ﻓﻲ ﻣﻨﺰل إﺣﺪاﻫﻦ وﻳﺘﻨﺎوﺑﻦ ﻋﻠﻰ دق اﻟﻬﺮﻳﺲ واﻟﺠﺮﻳﺶ "اﻟﺤﻨﻄﺔ" .وﻣﺎ أن ﻳﺒﺪأ اﻟﺸﻬﺮ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻌﻴﺪ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﺣﻴﻮﻳﺘﻪ، ﻓﻴﺘﺒﺎدل اﻷﻫﻞ واﻟﻤﻌﺎرف اﻟﺘﻬﺎﻧﻲ واﻟﺰﻳﺎرات ،وﻳﻤﺮ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻟﺘﻬﻨﺌﺘﻪ ،ﻓﺘﺘﺼﻞ اﻷرﺣﺎم ،وﺗﺤﻴﺎ ﻣﻌﻪ ﻛﺎﻓﺔ ﻣﻈﺎﻫﺮ وﻋﺎدات اﻟﺸﻬﺮ اﻟﻤﺘﻮارﺛﺔ ﺟﻴﻼ ﺑﻌﺪ ﺟﻴﻞ. وﻳﻬﺘﻢ أﻫﻞ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻫﺘﻤﺎﻣﺎ ﻛﺒﻴﺮا ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ اﻟﺼﺪﻗﺎت ﺧﻼل أﻳﺎم رﻣﻀﺎن، ﻓﻴﺘﺼﺪﻗﻮن ﺑﺎﻟﻤﺎء واﻟﻄﻌﺎم اﻟﻤﻄﺒﻮخ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﺮاء ،وﻳﻌﺮف ذﻟﻚ ﺑﺎﺳﻢ "اﻟﻨﺎﻓﻠﺔ" .ﻛﻤﺎ ﺟﺮت اﻟﻌﺎدة ﻋﻠﻰ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﺑﺄﺳﻤﺎء اﻟﻤﻮﺗﻰ ﺧﻼل 108
رﻣﻀﺎن ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ
أﻳﺎم اﻻﺛﻨﻴﻦ واﻟﺨﻤﻴﺲ .وﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟﻚ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﻘﺪﻣﻮن "اﻟﻨﻘﺼﺔ" إﻟﻰ اﻟﺠﻴﺮان ،وﻫﻲ ﺣﻠﻮى وﻣﺄﻛﻮﻻت .وﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ﺗﻬﺘﻢ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻀﻴﻮف اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎص ﺧﻼل أﻳﺎم اﻟﺸﻬﺮ ،ﺑﺮﻋﺎﻳﺔ ﻣﺸﺮوﻋﻲ "ﺿﻴﻮﻓﻨﺎ ﺻﺎﺋﻤﻮن" و"ﻣﺼﺎﺑﻴﺢ رﻣﻀﺎﻧﻴﺔ" ،واﺳﺘﻀﺎﻓﺔ آﻻف اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ واﻟﻤﻘﻴﻤﻴﻦ ﻟﻺﻓﻄﺎر ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺋﺪ ﺗﺘﺴﻊ ﻟﻬﻢ وﺗﺰﻳﺪ ﺗﺤﺖ ﺷﻌﺎر "ﻣﻮروث زاﻳﺪ اﻟﺨﻴﺮ" ،وﺗﺘﻜﺎﺗﻒ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻬﻴﺌﺎت اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ وﻏﻴﺮ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ ،ﻓﻨﺠﺪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﺧﻴﺎم اﻹﻓﻄﺎر اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻴﻤﻬﺎ اﻟﻮزارات واﻟﻤﺆﺳﺴﺎت واﻟﺸﺮﻛﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ واﻟﺨﺎﺻﺔ ﻟﻤﻮﻇﻔﻴﻬﺎ وﻟﻐﻴﺮﻫﻢ ،وأﻳﻀﺎ اﻷﻓﺮاد ﻣﻦ ﻣﻴﺴﻮري اﻟﺤﺎل. وﻣﺎ زال أﻫﻞ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻳﺴﻤﻌﻮن ﻋﻨﺪ ﻏﺮوب اﻟﺸﻤﺲ ﺻﻮت ﻣﺪﻓﻊ رﻣﻀﺎن .ﻓﻔﻲ اﻟﻜﻮﻳﺖ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻨﺪ ﻗﺼﺮ ﻧﺎﻳﻒ ﻣﻨﺬ اﻟﻌﺼﺮ، وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻨﻄﻠﻖ اﻟﻤﺪﻓﻊ ﻳﺄﺧﺬون ﻓﻲ اﻟﺘﻜﺒﻴﺮ ،وﺗﻌﺮف ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎدة ﺑﺎﺳﻢ "اﻟﻮاردة" .وﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ﻫﻮ ﺑﺸﺎرة ﺧﻴﺮ ﻳﻔﺮح ﺑﻪ اﻟﺼﻐﻴﺮ واﻟﻜﺒﻴﺮ، ﻓﻔﻲ دﺑﻲ ﺗﻮزع اﻟﺸﺮﻃﺔ ﻣﺪﻓﻊ رﻣﻀﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺣﺎت واﻟﺸﻮارع ،ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺪ ﻣﻦ أﻫﻢ ﻃﻘﻮس اﻟﺸﺎرﻗﺔ ،ﻳﺘﺮﻗﺒﻪ اﻟﻨﺎس ﺑﺸﻐﻒ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻤﺠﺎز ﻋﻠﻰ ﺑﺤﻴﺮة ﺧﺎﻟﺪ ،وﻳﺪوي ﺻﻮﺗﻪ اﻟﻬﺎدر ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ ﻣﺴﺠﺪ زاﻳﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ. وﺑﻌﺪ ﺳﻤﺎع أذان اﻟﻤﻐﺮب ﻳﺘﻨﺎول اﻟﺼﺎﺋﻢ اﻟﺘﻤﺮ اﻟﺬي ﺳﺒﻖ ﻋﺠﻨﻪ ﻣﻊ اﻟﺴﻤﻦ واﻟﻬﺮدة ،أو اﻟﺘﻤﺮ اﻟﺴﺎدة ﻣﻊ اﻟﻤﺎء أو اﻟﻠﺒﻦ ،ﺛﻢ اﻟﺸﻮرﺑﺔ،
أﺛﺮ اﻟﻌﺎﺑﺮ
džǚƣƩǚǖČĨ ĔƲǎǖČ (2/2 ƲǥƥƖƣǖČĨ ƠǍƲLjǚǖČ ƠǂǗƵ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻵﺧﺮ ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﻣﻴﺸﻴﻞ ﻓﻮﻛﻮ ﻧﺠﺪ أن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻫﻮ اﻟﻌﺎ ِﻣﻞ اﻟ ُﻤﺴﺎﻋﺪ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻻﻛﺘﺸﺎف ذاﺗِﻪ ،ﻳﻘﻮل آدم ﺳﻤﻴﺚ» :ﻟﻮ اﻓﺘﺮﺿﻨﺎ أن ﺑﻮﺳﻊِ َﻣﺨﻠﻮقٍ ﺑﺸﺮي أن ﻳﻨﻤﻮ إﻟﻰ ﺳﻦ اﻟﻨﻀ ِﺞ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﱟ ﻣﻨﻌﺰل ﻣﻦ دون أي اﺗﺼﺎل ﻣﻊ اﻟﺒﺸﺮ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻛﺸﺨﺺ أو ﺑﻤﺪى ﻟﻴﺎﻗﺔ ﻣﺸﺎﻋﺮه وﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻪ أو ﺳﻮﺋﻬﺎ ،أو ﺑﺮﺟﺎﺣ ِﺔ أو ﺗﺨﻠ ِﱡﻒ َﻋﻘﻠِ ِﻪ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺑﺤﺴﻦ أو ﻗﺒﺢ وﺟﻬﻪ. ﻫﺬه ﻛﻠﻬﺎ أﺷﻴﺎء ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ رؤﻳﺘﻬﺎ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ،ﺣﻴﺚُ -ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺤﺎل- ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﻼ ﻣﺮآة ﻳﺴﺘﻄﻴ ُﻊ اﺳﺘﺨﺪا َﻣ َﻬﺎ ﻟﻬﺬه اﻟﻐﺎﻳﺔ، ﻓﺈذا ﻣﺎ ﻧﻘﻠﺘﻪ ﻟﻠﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ،ﻓﺴﺘﺘﻮﻓﺮ ﻟﻪ ﻓﻮ ًرا اﻟﻤﺮآ ُة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻴﻬﺎ ،وﻫﻲ ﻣﻮﺟﻮدة ﻓﻲ اﻧﻔﻌﺎﻻت اﻟﻤﺤﻴﻄﻴﻦ ﺑﻪ وﺳﻠﻮﻛﻬﻢ، واﻟﺘﻲ ﺗﺪل داﺋ ًﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻔﺎﻋﻠﻮن ﻣﻊ ﻣﺸﺎﻋﺮه أو ﻳﺮﻓﻀﻮﻧﻬﺎ ،وﺣﺴﻦ أو ﻗﺒﺢ ﻋﻘﻠﻪ«).(1ﺑﻬﺬه اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ ﻳﺼﺒﺢ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﺴﺎﻋ ًﺪا ﻟﻠﻔﺮد ،ﻳﻘﻞ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻫﻨﺎ ،وﻋﻦ ﻣﻮاﺟﻬﺘﻬﺎ أو ﻣﻘﺎوﻣﺘﻬﺎ ،ﺑﻞ ﺳﻨﺠﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮف اﻵﺧﺮ اﻧﺘﻘﺎ ًدا ﻳﻮﺟﻪ ﻟﻸﻓﻜﺎر اﻟﻠﻴﺒﺮاﻟﻴﺔ ﺑﺸﺄن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﺑﺎﻟ ُﺮﻏﻢِ ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻋﻮﻧﻪ ﻣﻦ ﺗﺮك اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻟﻠﻔﺮد، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻋﻠﻰ ﺑﺮﻣﺠﺔ اﻷﺷﺨﺎص ،ﻓﻬﺬا اﻟﺨﻄﺎب ﻋﻦ اﻟﻔﺮدﻳﺔ وﻋﻦ اﻟﻨﻈﺮ ﻟﻠﻔﺮدﻳﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣﻨﻈﻮ ًرا ﻳﺘﻢ ﺑﻪ إدراك اﻟﻮاﻗﻊ واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،ﻫﻮ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أﺣﺪ ﺳﺒﻞ ﺧﻄﺎب ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻌﻘﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻤﺴﻚ ﺑﻀﻮاﺑﻂ اﻟﺴﻠﻄﺔ وﻳﺘﻄﺎﺑﻖ ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ ﻣﻊ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮﻫﺎ ،ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻳﻈﻦ ﻓﻴﻪ أﻳﻀً ﺎ أﻧﻪ ﻳﺘﻤﺴﻚ ﺑﻬﻮﻳﺘﻪ(2).وﻣﺜﻠﻤﺎ اﺧﺘﻠﻔﺖ وﺟﻬﺘﺎ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ واﻟﻔﺮد ﻓﻲ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ﺑﻌﻀً ﺎ، اﺧﺘﻠﻔﺖ أﻳﻀً ﺎ ﻓﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻛﻞٍ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻟﻶﺧﺮ ،ﻓﺎﻟ َﻤﺪ َرﺳ ُﺔ اﻟﻴﺴﺎرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻴﻬﺎ ﻏﺎﻟﺒﻴ ُﺔ ُﻣﻔﻜﱢﺮي ﻓﺮﻧﺴﺎ وﻣﻨﻬﻢ ﻓﻮﻛﻮ ،وﻟﻴﻔﻲ ﺷﺘﺮاوس، ﺷﺎﻣﻼ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﺧﻼ ِل ِ اﻟﺼﺮا ِع وﺣﺘﻰ روﻻن ﺑﺎرت ،ﺗﺘﺒﻨﻰ ﺗﻐﻴﻴ ًﺮا ً اﻟﺴﻠﻄ ِﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ إزاﺣﺔ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ وﺗﻐﻴﻴﺮ ﺷﺒﻜﺘﻬﺎ وﻋﻼﻗﺘﻬﺎ َﻣ َﻊ ُ وﻋﻲ اﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ– ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ ،وﻫﻮ ذﻟﻚ اﻟﺬي ﻳَﺤ ُﺪثُ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻐﻴ ُﺮ ُ ﻻﺣﻆ أﻳﻀً ﺎ اﻋﺘﻤﺎدﻫﻢ ﻋﻠﻰ أﻓﻜﺎر اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻈﻮر اﻟﺠﻤﻌﻲ وﻟﻴﺲ اﻟﻔﺮدي – ﻟﻨﺘﺤﻮل ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﻘﺎﺋﻢ ،إﻟﻰ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﻤﻤﻜﻦ ،وﻫﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﻮال اﻟﺘﻲ ﺗﺆدي إﻟﻰ اﻟﺜﻮرات ،واﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻟﺸﻜﻞ وﻋﻼﻗﺎت اﻟﺴﻠﻄﺔ أو اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ أن ﺗﺴﺘﻤﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﻞ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺠﻤﻌﻲ (3).ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻧِ ِﺐ اﻵﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻠﻴﺒﺮاﻟﻴﺔ ودﻋﺎة ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﻳﺨﺘﻠﻒ اﻷﻣﺮ ،ﻓﻤﺎ ﻣﻦ دا ٍع ﻟﺘﻐﻴﻴﺮ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﻬﺬه اﻟﻘﺴﻮة ،إذ
ﺣﻤﺰة ﻗﻨﺎوي* @ ﺷﺎﻋﺮ وﻛﺎﺗﺐ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ
ﻣﻦ اﻷﺳﺎس ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎك دا ٍع ﻻﺗﺒﺎع ﺟﻤﻴﻊ اﺷﺘﺮاﻃﺎت وﻗﻴﻮد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻳﻮﺿﺢ ﺟﻮن ﺳﺘﻴﻮارت ﻣﻴﻞ ذﻟﻚ ﻓﻴﻘﻮل» :ﻣﻦ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ أو ﻟﻠﺠﺰء ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺬي ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎ ِر ﺧﻄﺘﻪ ﻟﻠﺤﻴﺎة ،ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻪ ﻟﻘﺪرة أﺧﺮى ﻋﺪا ﻗﺪرة اﻟﻔﺮد ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ .وﻣﻦ ﻳﺨﺘﺮ ﺧﻄﺘ ُﻪ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻛﻞ ﻗﻮاه .إﻧﻪ ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻗﺪرة اﻟﻤﻼﺣﻈﺔ واﻟﺘﻔﻜﻴﺮ واﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﻮر ﻟﻠﺘﻨﺒﺆ ﺑﺎﻷﺣﺪاث ،واﻟﻨﺸﺎط ﻟﺠﻤﻊ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻻﺗﺨﺎذ اﻟﻘﺮار، واﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﻓﻲ اﻟﺨﻴﺎرات ﻻﺗﺨﺎذ اﻟﻘﺮار ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﺨﺬ ﻗﺮاره ،ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ اﻟﺤﺰم وﺿﺒﻂ اﻟﻨﻔﺲ ﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺔ ﺗﻨﻔﻴﺬ ﻗﺮاره اﻟﻤﺪروس«(4). إن ﻛﻼ اﻻﺗﺠﺎﻫﻴﻦِ اﺗﻔﻘﺎ ﻋﻠﻰ ﺿﺮورة اﻻﻧﻀﺒﺎط واﻟﺤﺰم ﻓﻲ ﺗﺒﻨﻲ اﻟﻤﺴﺎر اﻟﻔﺮدي أو اﻟﺠﻤﻌﻲ ،وﻟﻜﻦ اﺧﺘﻠَﻔَﺎ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻳﺤﺘﺎج اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻟﺜﻮرة ﻣﺠﺘﻤﻌﻴﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﻴﺴﺎرﻳﺔ ،ﻻ ﻳﺤﺘﺎج اﻷﻣﺮ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻹﺻﺮار وﻋﺪم اﻻﻧﺼﻴﺎع ﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ اﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﻠﻴﺒﺮاﻟﻴﺔ ،وﻛﻼ اﻟﻄﺮﻓﻴﻦ ﻳﺘﺒﺎدﻻن اﻻﺗﻬﺎﻣﺎت ﺑﺄن رؤﻳﺔ اﻵﺧﺮ ﺗﻌﻮق إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ إﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻟﻠﻔﺮد ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻫﻮاﻣﺶ:
- 1آدم ﺳﻤﻴﺚ" ،اﻟﻌﺪل واﻹﺣﺴﺎن" ،ﺿﻤﻦ :اﻟﻔﺮدﻳﺔ واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺪﻧﻲ.28 ، - 2ﻓﻮﻛﻮ ،ﺗﺮﺟﻤﺔ :د.اﻟــﺰواوي ﺑﻘﻮرة ،ﻳﺠﺐ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ: دروس أﻟﻘﻴﺖ ﻓﻲ اﻟﻜﻮﻟﻴﺞ دي ﻓﺮاﻧﺲ ﺳﻨﺔ 1976م) .ﺑﻴﺮوت :دار اﻟﻄﻠﻴﻌﺔ.63 ،(2003 ، - 3ﻟﻮﺳﻴﺎن ﺟﻮﻟﺪﻣﺎن" ،اﻟﻮﻋﻲ اﻟﻘﺎﺋﻢ واﻟﻮﻋﻲ اﻟﻤﻤﻜﻦ" ،ﺗﺮﺟﻤﺔ: ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺮادة ،ﺿﻤﻦ :اﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ اﻟﺘﻜﻮﻳﻨﻴﺔ واﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ) .ﺑﻴﺮوت: ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻷﺑﺤﺎث اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ.33 ،(1984 ، - 4ﺳﻴﺘﻮارت ﻣﻴﻞ" ،ﻋﻦ اﻟﻔﺮدﻳﺔ" ،ﺿﻤﻦ :اﻟﻔﺮدﻳﺔ واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺪﻧﻲ. )اﻷردن :رﻳﺎض اﻟﺮﻳﺲ ﻟﻠﻜﺘﺐ واﻟﻨﺸﺮ.97 ،(2008 ،
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
107
ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب
ﻛﺎﻟﺪﻋﺎء ﺑﺎﻹﻧﺠﺎب ﻟﻤﻦ ﺗﺄﺧﺮ ﺣﻤﻠﻬﺎ ،وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﺎﻧﻲ. ﻳﺘﺠﻤﻊ اﻟﻜﻞ رﺟﺎﻻ ،وﻧﺴﺎء ،وأﻃﻔﺎﻻ ،ﻣﻨﺬ اﻟﺼﺒﺎح ،ﻳﻨﺰل اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺒﺤﺮ ﻃﻮال اﻟﻴﻮم ،وﺗﺠﻠﺲ اﻟﻨﺴﺎء ﻳﺘﺎﺑﻌﻦ اﻟﻤﺸﻬﺪ أو ﻳﻨﺰل ﺑﻌﻀﻬﻦ اﻟﻤﺎء، ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪ ﻏﺮوب اﻟﺸﻤﺲ ﻳﻨﺰل اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﺎء اﻟﺒﺤﺮ وﻳﻐﺘﺴﻠﻮن ﻓﻴﻪ وﻫﻢ ﻳﺒﺘﻬﻠﻮن ﺑﺄدﻋﻴﺘﻬﻢ وآﻣﺎﻟﻬﻢ ،ﺑﻞ إن ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻗﺪ ﻳﺤﺎول إﻧﺰال ﺣﻴﻮاﻧﺎﺗﻬﻢ اﻟﻤﺎء ﻛﺎﻟﺒﻐﺎل أو اﻟﻜﻼب ﻓﻲ ﻃﻘﺲ اﺣﺘﻔﺎﻟﻲ ،ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳﻨﺼﺮﻓﻮن إﻟﻰ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ. وﻟﻌﻞ رﻣﺰ اﻟﺘﻄﻬﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺎء واﻻﻏﺘﺴﺎل ﻓﻴﻪ ﻃﻘﺲ إﻧﺴﺎﻧﻲ ﻋﺎم ،ﻣﻨﻪ ﻃﻘﺲ اﻟﺘﻌﻤﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻨﺰول إﻟﻰ اﻟﻨﻬﺮ اﻟﻤﻘﺪس ﻣﺜﻞ ﻧﻬﺮ اﻟﺠﺎﻧﺞ .إن ﻗﺼﺔ ﻧﺒﻲ اﻟﻠﻪ أﻳﻮب اﻷﺳﻄﻮرﻳﺔ اﻟﺘﻲ أﻋﺎد ﺷﻌﺐ ﺳﻴﻨﺎء ﺗﺸﻜﻴﻠﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﻨﺎﺳﺐ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ :اﻟﺒﺤﺮ_ ﺣﻴﺚ ﻳﻨﺴﺒﻮن أﺣﺪاث اﻟﻘﺼﺔ ﻷﻣﺎﻛﻦ ﺳﻴﻨﺎﺋﻴﺔ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻃﺊ اﻟﺒﺤﺮ .ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻨﻈﺮ إﻟﻰ ذاﻛﺮة اﻟﺸﻌﻮب اﻷﺻﻠﻴﺔ ﻧﻈﺮة ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻤﺤﺎوﻟﺔ ﺗﻔﺴﻴﺮ وﺗﺄوﻳﻞ ﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﻤﺪﻫﺸﺔ. ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻄﻘﺲ اﻻﺣﺘﻔﺎﻟﻲ اﻟﻤﺒﻬﺞ اﻟﺬي ﻳﺘﻄﻬﺮ ﻓﻴﻪ اﻹﻧﺴﺎن رﻣﺰﻳًﺎ ﻓﻲ ﻣﺎء اﻟﺒﺤﺮ ،ﻳﻔﺮغ ﻗﻠﻘﻪ اﻟﺮوﺣﻲ أﻣﺎم اﻟﺒﺤﺮ _ﻫﺬا اﻟﺘﺠﻠﻲ اﻟﺮﻣﺰي ﻟﺸﻔﺎء أﻳﻮب وإﺳﺒﺎغ اﻟﻨﻌﻤﺔ ﻋﻠﻴﻪ_ ﻳﻤﻨﺤﻪ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ إﻛﻤﺎل ﻣﺴﻴﺮة 106
ﻃﻘﺲ "أرﺑﻌﺎء أﻳﻮب" ﻓﻲ ﺳﻴﻨﺎء اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ
ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺑﺎﻧﺴﺠﺎم .ﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﻫﺠﻤﺔ اﻟﺘﺸﺪد اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﺴﻠﻔﻲ _ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻋﺎﻣﺔ وﺳﻴﻨﺎء ﺧﺎﺻﺔ_ ﻓﻘ َﺪ ﻫﺬا اﻟﻄﻘﺲ اﻻﺣﺘﻔﺎﻟﻲ ﺑﺮﻳﻘﻪ ،ﻣﻤﺎ أدى إﻟﻰ ﺗﻨﺎﻗﺺ اﻟﻤﺤﺘﻔﻠﻴﻦ ﺑﻪ ﺑﻞ ﻧﺪرﺗﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﻟﻲ ) (1ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب ،ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻜﻮﻳﺘﻴﺔ اﻟﻌﺪد .223 ) (2ﺗﺎرﻳﺦ ﺳﻴﻨﺎ اﻟﻘﺪﻳﻢ واﻟﺤﺪﻳﺚ وﺟﻐﺮاﻓﻴﺘﻬﺎ ،ﻧﻌﻮم ﺷﻘﻴﺮ ،اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻘﺼﻮر اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺳﻠﺴﻠﺔ ذاﻛﺮة اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ.
اﻟﻨﺬور اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ،ﻛﺎﻟﺸﻤﻮع واﻟﺨﻴﻮط واﻟﻌﻤﻼت اﻟﻤﻌﺪﻧﻴﺔ وﻏﻴﺮﻫﺎ، ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ أﻣﻨﻴﺎﺗﻬﻦ ودﻋﻮاﺗﻬﻦ .وﻳﺰور اﻟﺒﺪوي اﻟﺒﺤﺮ وﻳﻘﻀﻲ ﻳﻮﻣﺎ أو ﻳﻮﻣﻴﻦ ﻋﻨﺪ ﺷﺎﻃﺌﻪ ،ﻳﻨﺤﺮ اﻟﺬﺑﺎﺋﺢ ﺛﻢ ﻳﺮﻣﻲ رأس اﻷﺿﺤﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ وﻗﺎﺋﻼ :ﻫﺬا ﻋﺸﺎك ﻳﺎ ﺑﺤﺮ. ﻣﻦ اﻟﻄﻘﻮس اﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﺟﺬر أﺳﻄﻮري وﻳﻤﺘﺪ ﻋﻤﻴﻘﺎ ﻓﻲ أﺧﺪود اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﻟﻠﻤﻨﻄﻘﺔ ،وﻳﺘﺠﻠﻰ ﺑﺄﺻﺪاﺋﻪ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺎﺿﺮ اﻟﻘﺮﻳﺐ؛ ﻃﻘﺲ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﺄرﺑﻌﺎء أﻳﻮب أو "أرﺑﻌﺔ أﻳﻮب" ﻛﻤﺎ ﻳﻨﻄﻘﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﻫﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﻴﻨﺎء ،ﻣﻴﻘﺎت ﻫﺬا اﻟﻄﻘﺲ ﻣﺴﺎء ﻳﻮم اﻟﺜﻼﺛﺎء اﻟﺬي ﻳﺴﺒﻖ ﻋﻴﺪ اﻟﺮﺑﻴﻊ أو "ﺷﻢ اﻟﻨﺴﻴﻢ" ،وﻫﻮ ﻋﻄﻠﺔ ﻣﺼﺮﻳﺔ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺑﺪاﻳﺔ ﻓﺼﻞ اﻟﺮﺑﻴﻊ ،وﻣﻮﻋﺪه داﺋﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ﻟﻌﻴﺪ اﻟﻔﺼﺢ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲ اﻟﺸﺮﻗﻲ اﺗﺒﺎ ًﻋﺎ ﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ أﻛﺒﺮ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﺴﻴﺤﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻼد ،وﻫﻲ اﻟﻘﺒﻄﻴﺔ اﻷرﺛﻮذﻛﺴﻴﺔ .وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم ،ﻳﺘﺠﻤﻊ أﻏﻠﺐ اﻟﺴﻜﺎن ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻃﺊ اﻟﺒﺤﺮ ﻣﻦ أول اﻟﻨﻬﺎر ﺣﺘﻰ ﻏﺮوب اﻟﺸﻤﺲ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻳﻨﺰﻟﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﺎء ﺟﻤﻴﻌﺎ. ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺪس اﻟﺪﻳﻨﻲ "اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ،واﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ" ،ﺗﺘﺠﻠﻰ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻧﺒﻲ اﻟﻠﻪ أﻳﻮب ،ذﻟﻚ اﻟﻌﺒﺪ اﻟﻤﺒﺘﻠﻰ ﺑﺎﻟﻤﺮض اﻟﻌﻀﺎل وﻓﻘﺪ اﻷﻫﻞ واﻟﻤﺎل ،ﺛﻢ ﻳﻤ ّﻦ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺸﻔﺎء ﺑﺄن اﻏﺘﺴﻞ وﺷﺮب ﻣﻦ ﻋﻴﻦ اﻟﻤﺎء ﻮب اﻟﺒﺎرد ،ورد اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ أﻫﻠﻪ وﻣﺎﻟﻪ .ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻲَ " :وا ْذﻛُ ْﺮ َﻋ ْﺒ َﺪﻧَﺎ أَﻳﱡ َ
َاب* ا ْرﻛ ُْﺾ ِﺑ ِﺮ ْﺟﻠِ َﻚ إِ ْذ ﻧَﺎ َدى َرﺑﱠ ُﻪ أَﻧﱢﻲ َﻣ ﱠﺴ ِﻨ َﻲ اﻟﺸﱠ ﻴْﻄَﺎ ُن ِﺑ ُﻨ ْﺼ ٍﺐ َو َﻋﺬ ٍ اب* َو َو َﻫ ْﺒ َﻨﺎ ﻟَ ُﻪ أَ ْﻫﻠَ ُﻪ َو ِﻣﺜْﻠَ ُﻬﻢ ﱠﻣ َﻌ ُﻬ ْﻢ َر ْﺣ َﻤ ًﺔ ﱢﻣ ﱠﻨﺎ َﻫﺬَا ُﻣ ْﻐﺘَ َﺴ ٌﻞ ﺑَﺎ ِر ٌد َوﺷَ َﺮ ٌ ﺎب" .إن ﻗﺼﺔ أﻳﻮب ﻓﻲ اﻟﻼوﻋﻲ اﻟﺠﻤﻌﻲ ﺟﻌﻠﺖ َو ِذﻛْ َﺮى ﻷُ ْوﻟِﻲ اﻷَﻟْ َﺒ ِ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ _اﻟﺬي ﻳﺤﺪ ﺳﻴﻨﺎء ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺎل_ ﻫﺬا اﻟﻤﺴﻄﺢ اﻟﻤﺎﺋﻲ ﻣﻌﺎدﻻ ﻣﻮﺿﻮ ًﻋﻴﺎ ﻟﻠﻤﻐﺘﺴﻞ اﻟﺒﺎرد اﻟﺬي ﻧﺠﻰ أﻳﻮب ﻣﻦ ﻛﺮﺑﻪ، ً اﻟﻬﺎﺋﻞ، ﻫﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﺗﺒ ّﺮك أﻫﻞ ﺳﻴﻨﺎء ﺑﻬﺬا اﻟﺮﻣﺰ ،ﻓﻴﺘﻘﺪﻣﻮن ﻟﻠﺒﺤﺮ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء ،وأﻣﺎﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﺸﻔﺎء ﻣﻦ اﻷﻣﺮاض ،واﻷﻣﻨﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻤﻞ اﻟﻜﺜﻴﺮ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
105
ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب
ǘǥƶǝǖČ ǘƸ ǕƟǐ ƲƬƟǖČ ǣǍ ĤƜƶƣNJǬČ
ƠǤƲƼǚǖČ ĆƜǝǥƵ ǣǍ čǡǤĈ ĆƜLjƞĖĈ ƴǑǁ
ﺳﺎﻟﻢ اﻟﺸﺒﺎﻧﻪ
اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻣﻨﺘﺞ إﻧﺴﺎﻧﻲ ﺗﺸﺘﺮك ﻓﻴﻪ ﻛﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﺪﻳﻤﻬﺎ وﺣﺪﻳﺜﻬﺎ؛ "ﻓﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺗﺘﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﻘﻴﻢ واﻟﻤﻌﺘﻘﺪات واﻟﻤﻌﺎﻳﻴﺮ واﻟﺘﻔﺴﻴﺮات اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ واﻟﺮﻣﻮز واﻷﻳﺪوﻟﻮﺟﻴﺎت وﻣﺎ ﺷﺎﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ، ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ اﻟﻨﻤﻂ اﻟﻜﻠﻲ ﻟﺤﻴﺎة ﺷﻌﺐ ﻣﺎ واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺑﻴﻦ أﻓﺮاده وﻛﺬﻟﻚ ﺗﻮﺟﻬﺎﺗﻬﻢ") (1ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﺗﺮﺗﺒﻂ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﻨﺘﺠﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺎدﻳﺎ :اﻟﻌﻤﺎرة ،اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ،اﻟﻄﻌﺎم ،اﻷزﻳﺎء ،اﻟﻔﻨﻮن اﻟﻘﻮﻟﻴﺔ واﻟﺠﺴﺪﻳﺔ ،أﻳﻀﺎ ﺗﺼﻮر ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻦ اﻟﻜﻮن واﻟﻮﺟﻮد: اﻟﻌﺎدات ،اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ،واﻷدﻳﺎن. إن اﻟﺸﻌﻮب اﻷﺻﻠﻴﺔ؛ ﻫﻲ ﻣﺨﺰن اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﺗﺮﺳﺐ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺼﻮر ﻋﻦ اﻟﻜﻮن ،ورؤﻳﺘﻬﺎ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ وﺗﻔﺎﻋﻠﻬﺎ ﻣﻌﻬﺎ، ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﺎداﺗﻬﺎ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﺎ اﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ،ﻓﻬﺬه اﻟﺸﻌﻮب ﺗﻘﺪس ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وﺗﺮﺑﻄﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﻮى اﻟﺮوﺣﻴﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ أﻧﻬﺎ اﻟﻤﺤﻴﻂ اﻟﺤﻴﻮي اﻟﺬي ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ وﺟﻮدﻫﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ورؤﻳﺘﻬﺎ اﻟﻤﻴﺘﺎﻓﺰﻳﻘﻴﺔ. 104
ﻃﻘﺲ "أرﺑﻌﺎء أﻳﻮب" ﻓﻲ ﺳﻴﻨﺎء اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ
وﻟﻌﻞ ﺷﻌﺐ ﺳﻴﻨﺎء )ﺷﻤﺎل ﺷﺮﻗﻲ ﻣﺼﺮ( اﻟﺬي ﻳﻘﻄﻦ أرﺿﻬﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺮون اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ اﻟﻤﻮﻏﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺰﻣﻦ؛ ﻫﻮ أﺣﺪ اﻟﺸﻌﻮب اﻷﺻﻠﻴﺔ اﻟﺬي ﻛ ّﻮن ﻋﺒﺮ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ رؤﻳﺔ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ ﺗﻌﻠﻲ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ وﺗﻘﺪس ﻣﻈﺎﻫﺮﻫﺎ ،ﻣﺨﺘﻠﻔًﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻦ اﻟﻤﺤﻴﻂ اﻟﺬي أﻧﺘﺞ اﻟﺤﻀﺎرات اﻟﺰراﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ واﻟﻬﻼل اﻟﺨﺼﻴﺐ ،ﺣﻴﺚ أﻧﺘﺞ آﻟﻬﺔ وأدﻳﺎﻧًﺎ ﻧﻔﻌﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ أو ﺑﺂﺧﺮ ،أﻛﺜﺮ ﺗﺄﺛﻴﺮا ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،وأﺷﺪ ﺛﻘﻼ وﺣﻀﻮرا. ﺣﺘﻰ ﻋﻬﺪ ﻗﺮﻳﺐ ،ﻛﺎن اﻟﺒﺪوي ﻓﻲ ﺳﻴﻨﺎء ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺪﻳﻦ ﻃﺒﻴﻌﻲ أﻗﺮب ﻟﻠﻔﻄﺮة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ رﻏﻢ اﻧﺘﻤﺎﺋﻪ ﻟﻺﺳﻼم ،ﻛﻤﺎ ﻛﺘﺐ ﻧﻌﻮم ﺷﻘﻴﺮ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺗﺎرﻳﺦ ﺳﻴﻨﺎء" :واﻟﺮوح اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻓﻲ ﺑﺪو ﺳﻴﻨﺎء ﻻ ﻳﺰال ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻄﺮة ﻓﺈذا وﻗﻊ أﺣﺪﻫﻢ ﻓﻲ ﺿﻴﻖ ﺛﻢ ﻓُ ّﺮج ﻋﻨﻪ ﻗ ّﺒﻞ اﻷرض وﻗﺎل: "ﻳﻮم ﻣﺎ ﻧﻄﻮل ﺳﻤﺎه ﻧﻘﺒﻞ وﻃﺎه").(2 ﻗ ّﺪس اﻟﺒﺪوي ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ :اﻷﺷﺠﺎر ،اﻟﺼﺨﻮر ،اﻟﺒﺤﺮ ،وﻗﺒﻮر اﻷوﻟﻴﺎء؛ ﻳﻨﺤﺮ ﻟﻬﺎ اﻷﺿﺎﺣﻲ وﻳﻘﻴﻢ اﻟﻄﻘﻮس اﻻﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ ﻛﺎﻟﺮﻗﺺ واﻟﻐﻨﺎء ،وﺗﺘﻘﺮب اﻟﻨﺴﺎء إﻟﻰ ﺑﻌﺾ اﻷﺷﺠﺎر وﺗﺘﺒﺮك ﺑﻬﺎ ،ﻳﻌﻠﻘﻦ ﺑﻬﺎ
ﻓﺎﻟﻴﺮي .وﻣﻴﺰة اﻟﻨﺺ اﻟﺮﻣﺰي إﺟﻤﺎﻻً ،أن أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮن اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﺑﺎﻟﺮﻣﺰ أو اﻹﻳﺤﺎء أو اﻹﺷﺎرة ﻓﻲ ﻧﺼﻮﺻﻬﻢ اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺒﻨﻮﻧﻬﺎ ﺑﻨﺎء ﻟﻐﻮﻳﺎً ﻣﺤﻜﻢ اﻟﻨﺤﺖ ،واﻧﻄﻼﻗﺎً دوﻣﺎً ﻣﻦ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ اﻟﻘﻠﻘﺔ واﻟﻤﻀﻄﺮﺑﺔ واﻟﺪاﻋﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﺘﻤﺮد ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ،ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻣﺤﻤﻮﻻت اﻟﻘﻴﻢ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﺴﺎﺋﺪة ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ .وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﻈﻬﻮر اﻟﺴﻮرﻳﺎﻟﻴﺔ وﺛﻮرة اﻟﺤﺪاﺛﺔ وﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ واﻷدب واﻟﻔﻦ ،ﻋﺎﻟﻤﻴﺎً وﻋﺮﺑﻴﺎً. ﻗﺮأ ﺑﺸﺮ ﻓﺎرس ﻧﺘﺎج اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻴﻦ اﻟﻜﺒﺎر ﺑﻠﻐﺘﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻣﺘﻀﻠﻌﺎً ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻀﻠﻌﻪ ﻣﻦ ﻟﻐﺘﻪ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻷم ،ووﻃّﻦ ﻧﻔﺴﻪ أن ﻳﻜﺘﺐ ﺑﻠﻐﺔ اﻟﻀﺎد ﻧﺼﻮﺻﺎً إﺑﺪاﻋﻴﺔ رﻣﺰﻳﺔ ﻣﻮﺷﺤﺔ ﺑﺎﻟﻐﻤﻮض واﺷﺘﺒﺎك اﻟﻌﻘﻞ ﻣﻊ اﻟﺸﻌﻮر وﺧﻠﻖ ﻋﻼﻗﺎت ﺟﺪﻳﺪة ﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻣﺜﻞ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ: "أﻧﺸﻮدة اﻟﻔﻼح": وﻏﺪﻳﺮ ﺟﺮى ﺑﺪﻣﻲ ﻧﺤﻮ ﺣﻘﻞ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻦ ﻧﺰﻫﺔ اﻷرض ﻣﻦ ﺳﻘﻤﻲ أﻧﺎ أﺳﻄﻮرة اﻟﺰﻣﻦ ﻧﺤﻮ ﺣﻘﻞ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻦ ّ ﺧﻒ ﻫﺎج ﻧﺸﻮان ﻣﻦ ﻣﺤﻨﻲ رف ﻣﻊ ّ ﻫﻮ ﻳﺤﻴﺎ وﻟﻲ ﻋﺪﻣﻲ ﻧﺰﻫﺔ اﻷرض ﻣﻦ ﺳﻘﻤﻲ ﻣﻦ ﻏﺮاﻣﻲ ﺑ ُﻤﻤﺘﻬﻨﻲ أﻣﻠﻲ ﻣﻀﻐﺔ اﻟ ّﻨﻪ ﻟﻔﻨﻲ اﻟﺨﺼﺐ ﻓﻲ ﻛﻔﻨﻲ أﻧﺎ أﺳﻄﻮرة اﻟﺰﻣﻦ وﻋﻠﻰ ﻏﺮار اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺮﻣﺰﻳﻴﻦ اﻟﻜﺒﺎر ،ﻳﺘﻔﻨﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑﺸﺮ ﻓﺎرس ﺑﻮﺿﻊ ﻗﺼﺎﺋﺪ رﻣﺰﻳﺔ ذات ﺻﻮر ﺗﻌﺒﻴﺮﻳﺔ ﻣﺮﻛّﺒﺔ وﻟﻴﺴﺖ ﺳﺒﺒﻴﺔ ،ﺗﻠﺘﺒﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﺎد واﻟﺸﺎرﺣﻴﻦ ﻛﻤﺜﻞ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ "إﻟﻰ زاﺋﺮة": ﻟﻮﻛﻨﺖ ﻧﺎﺻﻌﺔ اﻟﺠﺒﻴﻦ ﻫﻴﻬﺎت ﺗﻨﻔﻀﻨﻲ اﻟﺰﻳﺎرة ﻣﺎ روﻋﺔ اﻟﻠﻔﻆ اﻟﻤﺒﻴﻦ اﻟﺴﺤﺮ ﻣﻦ وﻋﻲ اﻟﻌﺒﺎرة ِﻇ ٌﻞ ﻋﻠﻰ وﻫﺞ اﻟﺤﻨﻴﻦ رﺳﻤﺘﻪ ﻣﻌﺠﺰة اﻹﺷﺎرة ﺧﻂ ﺗﺴﺎﻗﻂ ﻛﺎﻟﺤﺰﻳﻦ أرﺧﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺰم اﻧﻜﺴﺎره ﻣﺎذا ﺑﻮﺟﺪ اﻟﻤﺤﺼﻨﻴﻦ ﺻﻮت ﺷﺞ ﺧﻠﻒ اﻟﺴﺘﺎره ﻏُﻴﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﻌﺠﺐ اﻟﺪﻓﻴﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﺑﺮاﻋﺘﻪ اﻟﺒﻜﺎره د ّرا ً ﻳﻔﻮت اﻟﻨﺎﻇﻤﻴﻦ وﻧﻬﻀﺖ ﺗﻬﺪﻳﻨﻲ ﺑﺤﺎره وﻫﺐ ﺗُﻌﻤﻴﻪ اﻟﻄﻬﺎره ﺧﻄﻮات وﺳﻮاس رزﻳﻦ ّ ﺣﻮل ﻫﺬه اﻟﻘﺼﻴﺪة ﺑﺎﻟﺬات ،ﻛﻨﺖ ﺳﺄﻟﺖ اﻟﻨﺎﻗﺪ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ إﻳﻠﻴﺎ ﺣﺎوي )ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﺻﺤﺎﻓﻲ أﺟﺮﻳﺘﻪ ﻣﻌﻪ وﻧﺸﺮﺗﻪ ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﻜﻔﺎح اﻟﻌﺮﺑﻲ" اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ ﻋﺎم (1979أن ﻳﻘﺪم ﺗﻌﻠﻴﻘﺎً ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻫﻮ ﻟﻪ ﻣﺎ ﻟﻪ ﻓﻲ اﺳﺘﻴﻌﺎب اﻟﺸﻌﺮ وﻧﻘﺪه وﺗﻔﻜﻴﻚ ﻣﻌﻨﺎه وﻣﺒﻨﺎه ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻨﻲ :ﻧﻌﻢ
ﻫﻲ ﻗﺼﻴﺪة اﻟﺘﺒﺎﺳﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻧﻔﺴﻪ ،وﺧﺼﻮﺻﺎً إذا ﻣﺎ ﻗﺮر ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻗﺮاءة ﻧﺼﻪ ﺑﻌﻴﺪا ً ﻣﻦ اﻟﻈﺮوف اﻟﺘﻲ دﻓﻌﺘﻪ إﻟﻰ إﻧﺸﺎﺋﻪ. وأردف :اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻳﻘﻮل إﻧﻪ ﻻ ﻳﻘﻮى أن ﻳُــﺰ ّور اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ وﻳﻘﻴﻢ ﻓﻲ وﻳﺘﻘﺼﻰ ﻓﻴﻬﺎ وﻳﺤﺘﻮﻳﻬﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻧﺎﺻﻌﺔ اﻟﺠﺒﻴﻦ ،ﺑﻞ ﺣﻀﺮﺗﻬﺎ ّ ﻣﻤﻮﻫﺔ ،ﻏﺎﻣﻀﺔ ،ﻫﺎرﺑﺔ .واﻟﻠﻔﻆ اﻟﺬي ﻳﺘﻮﺳﻠﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﻘﺼﺮ ﻋﻨﻬﺎ ،ﻷن ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ ﺗﺒﺎﻳﻦ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ .واﻟﻌﺒﺎرة اﻟﻤﺼﺎﻏﺔ ﻋﻠﻰ وزﻧﻬﺎ ﻳُ َ وﻧﻐﻤ ّﻴﺘﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻮﺣﻲ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ ذﻟﻚ .واﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ ﻻ ﺗﻌﺪو اﻟﻈﻼل اﻟﻤﻤﻮﻫﺔ ،وﻻ ﻗﺒﻞ ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ ﺑﻬﺎ ،إﻻ إذا وﻓّﻖ إﻟﻰ اﻹﺷﺎرة؛ ﺘﻮﺳﻢ ﻓﻴﻬﺎ .واﻟﺨﻂ ﻫﻨﺎ ،ﻫﻮ ﻛﻨﺎﻳﺔ ﻋﻦ أي إﻟﻰ اﻟﺮﻣﺰ واﻟﺨﻂ اﻟﺬي ﻳُ ّ اﻷﻣﺮ اﻟﻤﺤﺪد واﻟﻮاﺿﺢ .إن ذﻟﻚ اﻟﺨﻂ ﺗﺴﺎﻗﻂ ﻛﺎﻟﺤﺰﻳﻦ ،ﻷﻧﻪ ﻻ ﻗﺒﻞ ﻟﻪ ﺑﺄن ﻳﻨﺎل ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ،وﺣﺰﻧﻪ ﻳﻌ ّﺒﺮ ﻋﻦ اﻟﺤﺴﺮة اﻟﺪاﺋﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺎﻧﻴﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻟﺠﻬﺔ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻗﺒﺾ اﻟﻴﻘﻴﻦ. وﻫﻜﺬا ﺗﺘﻠﻔّﻊ ﻧﻔﺲ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑﺎﻷﺳﻰ ،ﻷﻧﻪ ﻳﺴﻤﻊ ﺻﻮت اﻷﺷﻴﺎء وﻻ ﻳﺮاﻫﺎ ﺑﺄم ﻋﻴﻨﻪ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﺤﺠﺒﺖ ﻋﻨﻪ ﺧﻠﻒ ﺑﺮاﻗﻌﻬﺎ وﻓﻘﺎً ﻟﻠﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ وﺗﺪاﻋﻴﺎﺗﻬﺎ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
103
ﻗﻠﺐ اﻟﻜﻼم
ĘĖƜǍ Ʋƹƞ čƲLjǖČ ǛǥǤƳǙƲǖČ ĔČĨı Ė ǛǙ ﻳُﻌﺪّ اﻟﺸﺎﻋﺮ واﻟﻘﺎص واﻟﻤﺴﺮﺣﻲ اﻟﻤﺼﺮي ﻣﻦ أﺻﻞ ﻟﺒﻨﺎﻧﻲ ﺑﺸﺮ ﻓﺎرس، أﺣﺪ رواد اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ اﻟﻜﺒﺎر ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ واﻷدب اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ أﺳﻤﺎء ﺷﻌﺮﻳﺔ وأدﺑﻴﺔ ﻣﺤﻮرﻳﺔ ﺳﺎﻃﻌﺔ ﻣﻦ ﻃﺮاز :ﺳﻌﻴﺪ ﻋﻘﻞ، أﺣﻤﺪ زﻛﻲ أﺑﻮﺷﺎدي ،أدﻳﺐ ﻣﻈﻬﺮ ،ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺷﻜﺮي ،ﺻﻼح ﻟﺒﻜﻲ، ﻳﻮﺳﻒ ﻏﺼﻮب ،ﺻﻼح ﻋﺒﺪ اﻟﺼﺒﻮر وﻏﻴﺮﻫﻢ ..وﻏﻴﺮﻫﻢ. وﺑﺸﺮ ﻓﺎرس اﻟﺬي وﻟﺪ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻟﺒﻨﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ اﻟﻤﺎروﻧﻴﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم 1906وﺗﻮﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم ،1963ﻛﺎن ﻣﻨﻔﺘﺤﺎً ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ وﻣﻨﺘﺼﺮا ً ﻟﻬﻮﻳﺘﻪ اﻟﻌﺮوﺑﻴﺔ اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ ﻓﻲ ﻛﻨﻔﻬﺎ أﺗﺒﺎع اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت واﻟﻄﻮاﺋﻒ ،وﺣﺘﻰ اﻹﺗﻨﻴﺎت ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻓﻲ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ .وﻷﺟﻞ ذﻟﻚ ﻗﺎم ﺷﻴﺦ اﻟﻌﺮوﺑﺔ اﻷول وأﺣﺪ رﻣﻮز اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻷدﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ أﺣﻤﺪ زﻛﻲ ﺑﺎﺷﺎ )– 1867 (1934ﺑﺘﺒﺪﻳﻞ إﺳﻢ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ اﻷﺻﻠﻲ ﻣﻦ "إدوارد" إﻟﻰ "ﺑِﺸﺮ" )ﻛﺈﺳﻢ أدﺑﻲ( ،ﻓﺮاق اﻷﻣﺮ ﻛﺜﻴﺮا ً ﻟﺸﺎﻋﺮﻧﺎ وأدﻳﺒﻨﺎ واﻋﺘﺒﺮه أﻣﺮا ً ﻳﺸ ّﺮﻓﻪ ﻛﻌﺮﺑﻲ أﺣﺐ أرض اﻟﻜﻨﺎﻧﺔ :ﻣﺼﺮ ،واﻧﺘﻤﻰ إﻟﻴﻬﺎ ،وراح ﻳﻮﻗّﻊ ﺑﺈﺳﻢ "ﺑِﺸﺮ" ﻋﻠﻰ ّ ﻗﺼﺎﺋﺪه وﻗﺼﺼﻪ وﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻜﺘﺒﻪ. وﻷﻧﻪ ﺗﺮﺑﻰ ﻓﻲ ﻛﻨﻒ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻟﺒﻨﺎﻧﻴﺔ ﻏﻨﻴﺔ ﻫﺎﺟﺮت إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ،ﺗﻤﻜّﻦ ﺑﺸﺮ ﻓﺎرس ﻣﻦ ﺗﺤﺼﻴﻞ ﻋﻠﻤﻲ ﺟﻴﺪ ﻓﻲ أرﻗﻰ اﻟﻤﻌﺎﻫﺪ واﻟﺠﺎﻣﻌﺎت ،ﺑﺪءا ً ﻣﻦ ﻣﺪرﺳﺔ اﻵﺑﺎء اﻟﻴﺴﻮﻋﻴﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،واﻧﺘﻬﺎء ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﺴﻮرﺑﻮن ﻓﻲ ﺑﺎرﻳﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺮج ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺸﻬﺎدة دﻛﺘﻮراة دوﻟﺔ ﻋﻦ ﻣﻮﺿﻮع "اﻟ ِﻌ ْﺮض ﻋﻨﺪ ﻋﺮب اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ" .وﻳﻘﺎل إن أﺣﻤﺪ زﻛﻲ ﺑﺎﺷﺎ، ﻫﻮ اﻟﺬي ﻛﺎن وراء ﺗﺸﺠﻴﻌﻪ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻴﺎر ﻫﺬا اﻟﻤﻮﺿﻮع ،وﻫﻮ اﻟﺬي زوده ﻣﻦ ﻣﻜﺘﺒﺘﻪ ﺑﺎﻟﻤﺮاﺟﻊ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﺣﻮﻟﻪ ،ﺣﻴﺚ اﺳﺘﻔﺎد ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺸﺮ ﻓﺎرس ﻓﻲ رﺳﺎﻟﺘﻪ ﻟﻠﺪﻛﺘﻮراة اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺪرﺟﺔ ﻣﺸ ّﺮﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم .1932 ﻓﻲ أﺛﻨﺎء إﻗﺎﻣﺘﻪ ﻓﻲ ﺑﺎرﻳﺲ ،اﻃّﻠﻊ ﺑﺸﺮ ﻓﺎرس ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻧﺘﺎج اﻟﺮﻣﺰﻳﻴﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ واﻟﻨﺜﺮ ،وﺗﺄﺛﺮ ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﻤﻴﻢ ،وﺟﻌﻞ اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻣﺬﻫﺒﻪ ﻓﻲ اﻟﺘﻮﺟﻪ اﻹﺑﺪاﻋﻲ اﻟﺬي ﺗﻨ ّﻮع 102
ﺑﺸﺮ ﻓﺎرس ﻣﻦ ر ّواد اﻟﺮﻣﺰﻳﻴﻦ اﻟﻌﺮب
أﺣﻤﺪ ﻓﺮﺣﺎت * @ ﻛﺎﺗﺐ وﺑﺎﺣﺚ ﻣﻦ ﻟﺒﻨﺎن
ﻟﺪﻳﻪ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﻘﺼﺔ واﻟﺸﻌﺮ واﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ؛ ﻓﺄﻟﻒ ﻓﻲ اﻟﻘﺼﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺑﻌﻨﻮان" :ﺳﻮء ﺗﻔﺎﻫﻢ" ،وﻓﻲ اﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ أﻟّﻒ ﻋﻤﻠﻴﻦ ﻫﻤﺎ: "ﻣﻔﺮق اﻟﻄﺮﻳﻖ" و"ﺟﺒﻬﺔ اﻟﻐﻴﺐ" .ﻛﻤﺎ ﻧﻈﻢ أﺷﻌﺎرا ً ﺟﻤﻌﺖ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﻲ دﻳﻮان ﺑﻌﻨﻮان" :ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﺬﻛﺮى" ،ﺿ ّﻤﺖ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻛﺘﺐ أﻏﻠﺒﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ،وﻣﻦ أﺑﺮزﻫﺎ" :اﻟﺨﺮﻳﻒ ﻓﻲ ﺑﺎرﻳﺲ" و"إﻟﻰ زاﺋﺮة" و"اﻟﺬﻛﺮى" و"إﻟﻰ ﻓﺘﺎة" ...إﻟﺦ .وﻟﺒﺸﺮ ﻓﺎرس ﻛﺘﺐ أﺧﺮى ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ اﻷدﺑﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ واﻟﻔﻨﻲ ﻣﺜﻞ "ﻣﻨﻤﻨﻤﺔ دﻳﻨﻴﺔ"، وﻫﻮ ﻛﺘﺎب ﻳﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻓﻦ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﺒﻐﺪادي اﻟﺬي ﻋﻜﺲ ﺻﻮرة زاﻫﻴﺔ ﻋﻦ ﺣﻴﺎة اﻟﻌﺮب ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻧﻴﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ واﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﻴﻼدي. وﻟــﻢ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮﻳﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻠﻬﺎم اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وﺣﺪﻫﺎ، ﺑﻞ ﺷﻐﻒ ﻓﻨﺎﻧﻮﻧﻬﺎ ﺑﻤﻔﺮدات واﺻﻄﻼﺣﺎت رﻣﺰﻳﺔ ذات ﺧﻠﻔﻴﺎت ﻋﻘﺪﻳﺔ دﻳﻨﻴﺔ ﺗﺠﻠﺖ، ﻋﻠﻰ رﻏﻢ ﺗﻌﺪد ﻣﺪارﺳﻬﺎ وأﺷﻜﺎﻟﻬﺎ اﻟﻔﻨﻴﺔ، ﺑﻮﺣﺪة اﻷﺳﻠﻮب وﺗﺠﺎﻧﺲ اﻷﺑﻌﺎد واﻷﻫﺪاف اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ. ﺷﻌﺮه اﻟﺮﻣﺰي
اﻟﻤﻌﺮوف ﻋﻦ اﻟﻤﺬﻫﺐ اﻟﺮﻣﺰي ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ واﻷدب ،أﻧﻪ ﺗﻴﺎر ﻧﺸﺄ ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻋﺎم 1886 ﻛﺮد ﻓﻌﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺬﻫﺐ اﻟﻮاﻗﻌﻲ اﻟــﺬي ﻛﺎن ﺳﺎﺋﺪا ً ﺣﺘﻰ اﻟﺜﻤﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد .وﻣﻦ أﺑﺮز ﺷﻌﺮاء اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻧﺬﻛﺮ :ﺷﺎرل ﺑﻮدﻟﻴﺮ وﺳﺘﻴﻔﺎن ﻣﺎﻻرﻣﻴﻪ وﺑﻮل
اﻟﺴﻨﺔ ﻫﻜﺬا ﻟﻮﺟﻪ اﻟﻠﻪ .اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﺘﺮﺟﻢ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻫﻲ ﺑﺎب رزﻗﻪ ،وﻻ ﻳﺘﺮﺟﻢ ﻣﻦ دون أن ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎل اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ .ﻫﺬا اﻟﻤﺎل ﻳﺄﺗﻲ إﻣﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺪﻓﻌﻪ ﻟﻠﻤﺘﺮﺟﻢ ،أو ﻳﺤﺼﻞ اﻟﻤﺘﺮﺟﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺤﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺎت ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﻮﺟﻮدة ﻟﺪﻋﻢ ﻧﻘﻞ اﻵداب اﻷورﺑﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻠﻐﺎت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ أو اﻟﻌﻜﺲ .وﻓﻲ ﻏﺎﻟﺐ اﻷﺣﻴﺎن ﺗﻘﻮم دور اﻟﻨﺸﺮ ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑﺎﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻳﺪ ﺗﺮﺟﻤﺘﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻠﻐﺎت اﻷوروﺑﻴﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﺘﻢ اﺧﺘﻴﺎر اﻟﻜﺘﺐ واﻟﺮواﻳﺎت ﻋﺒﺮﻋﻼﻗﺎت اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻤﺘﺮﺟﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻠﺪان أو اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻊ دور اﻟﻨﺸﺮ اﻷوروﺑﻴﺔ ،أو ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻼﻗﺔ دور اﻟﻨﺸﺮ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺪور اﻟﻨﺸﺮ اﻷوروﺑﻴﺔ ﻋﺒﺮ ﻣﺘﺮﺟﻤﻴﻦ وﺳﻄﺎء ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻇﻬﻮر ﺟﻮاﺋﺰ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﻌﺪدة وﻣﻜﺎﻓﺄﺗﻬﺎ ﺑﺘﺮﺟﻤﺔ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻔﺎﺋﺰة .ﻳﻌﻨﻲ ﻣﻠﺨﺺ اﻟﻜﻼم :إن ﻣﺎ ﻳﺘﺮﺟﻢ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ أﻓﻀﻞ ﻧﻤﺎذج ﻟﻸدب اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺎﻟﻀﺮورة، وأﻗﻮﻟﻬﺎ ﺑﺪون ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ ،ﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎك ﻣﺘﺮﺟﻢ ﻏﺮﺑﻲ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﻃﻮاﻋﻴﺔ وﺣﺒﺎً ﺑﺄدﻳﺐ ﻣﺎ أو رواﻳﺔ ﻣﺎ ﻟﻴﺘﺮﺟﻤﻬﺎ ﻣﺠﺎﻧﺎً وﺑﺪون اﺗﻔﺎق ﻣﺎدي ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺟﻤﺘﻬﺎ ،ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﻤﺨﻔﻲ ﻣﻦ ﺗﺮﺟﻤﺔ اﻷﻋﻤﺎل إﻟﻰ اﻟﻠﻐﺎت اﻷﺧﺮى ،وﻷﻛﻮن ﻣﻨﺼﻔﺎً ،ﻓﻘﺪ ﻳﺤﺪث ﺑﻌﺪ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﻤﻞ ﻣﺎ وﻧﺠﺎﺣﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﻮق اﻷورﺑﻴﺔ أن ﺗﺒﺎدر دور اﻟﻨﺸﺮ ﻟﺘﺮﺟﻤﺔ أﻋﻤﺎل اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﻤﻌﻨﻲ اﻟﻼﺣﻘﺔ .ﻧﺎﻫﻴﻚ ﻋﻦ ﻏﻴﺎب ﻣﺆﺳﺴﺎت ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺗﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﻣﻦ وإﻟﻰ اﻟﻠﻐﺎت اﻷﺧﺮى. اﻟﻤﻜﺎن ﺑﻨﻴﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎن ﻣﺘﺨﻴﻼً ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﻤﺜﻞ ﻣﺴﺮح اﻷﺣــﺪاث ﻓﻘﻂ ،وإﻧﻤﺎ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻹﻃﺎر اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻟﻠﺸﺨﺼﻴﺔ ،وﺗﻮﺳﻴﻊ اﻟﻨﺴﻴﺞ اﻟﺤﻜﺎﺋﻲ ،ﻓﻬﻞ ﺗﺤﻘﻘﺖ ﻫﺬه اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ داﺧﻞ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻚ اﻟﺮواﺋﻴﺔ؟ ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﻤﻜﺎن .اﻟﻮﺟﻮد ﻣﻜﺎن .ﻟﻜﻨﻨﻲ أﺗﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﻤﻜﺎن وﻓﻖ اﻟﻀﺮورة اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ .وﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻤﻜﺎن ،أﻛﺎن واﻗﻌﻴﺎً أو ﻣﻜﺎﻧﺎً
ﻏﺮاﺋﺒﻴﺎً ،ﻋﺠﺎﺋﺒﻴﺎً ،ﻓﻬﻮ ﻳﺘﺸﻜﻞ ﻣﻦ ﻣﻔﺮدات اﻟﻮاﻗﻊ .ﻧﺎﻫﻴﻚ أﻧﻨﻲ أﻫﺘﻢ ﺑﺎﻟﻤﻜﺎن اﻟﻮاﻗﻌﻲ ،ﻓﻘﺒﻞ أن أﺑﺪأ ﺑﻜﺘﺎﺑﺔ أﻳﺔ رواﻳﺔ ﻟﻲ ،وأﻋﺮف ذﻫﻨﻴﺎً أن أﺣﺪاﺛﻬﺎ ﺳﺘﺠﺮي ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ أو ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ،ﻓﺄﻧﻨﻲ أﻗﻮم ﺑﺰﻳﺎرة ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪن واﻟﺒﻠﺪان وأﺣﺪد اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺴﺠﻢ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ وﻣﺰاج اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت .أﻗﺮأ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪن واﺷﺘﺮي اﻟﺒﻮﻣﺎﺗﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ وأﻟﺘﻘﻂ ﻟﻬﺎ وﻟﻸﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﻲ أﺧﺘﺎرﻫﺎ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﻣﺌﺎت اﻟﺼﻮر .ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻜﻮن اﻟﻤﻜﺎن ﻓﻲ ذﻫﻨﻲ ﻟﺤﻈﺔ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺣﺎﺿﺮا ً ﻗﺒﻞ ﺣﻀﻮر اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت. ﻳﻈﻬﺮ ﻛﻞ ﻓﺘﺮة ،ﻣﺼﻄﻠﺢ ﻧﺴﺘﻬﻠﻜﻪ ﻣﻦ اﻟﻐﺮب ﺑﻨﻬﻢ ،وﻗﺪ ﻇﻬﺮت ﻣﻨﺬ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ،وﻛﺎن راﺋﺪﻫﺎ ﻣﻴﻼن ﻛﻮﻧﺪﻳﺮا ،وأﺻﺒﺤﺖ ﻛﺘﺎﺑﺎت دان ﺑﺮوان ﻣﺜﻞ ﺷﻴﻔﺮة داﻓﻨﺸﻲ ﻣﺜﺎﻻً ﻟﻠﺮواﻳﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ،ﻟﻤﺎذا ﻻ ﻧﺴﺒﻖ اﻟﻐﺮب ،وﻧﻨﺸﻰء ﺷﻜﻼً ﻣﻐﺎﻳﺮاً ،ﻳﻘﺘﺒﺴﻪ اﻵﺧﺮ ،وﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻪ؟ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﺨﺺ "اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ" أﻋﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﺗﻮﺻﻴﻒ دﻗﻴﻖ ﺑﺮع ﻓﻴﻪ ﻛﻮﻧﺪﻳﺮا ﺑﺎﻣﺘﻴﺎز ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﺆﺳﺴﻪ .وﻫﻮ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﻣﻤﺘﺎز ﻟﺘﺼﻨﻴﻒ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺮواﺋﻴﺔ .أﻻ ﺗﻌﺘﻘﺪ أن "أﻟﻒ ﻟﻴﻠﺔ وﻟﻴﻠﺔ" ﻧﺺ ﻣﻌﺮﻓﻲ ﺑﺎﻣﺘﻴﺎز؟ ﻧﺎﻫﻴﻚ أن أي رواﻳﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻌﺎرﻓﻬﺎ ﻣﻌﻬﺎ .ﻟﻜﻦ ﻣﺼﻄﻠﺢ "اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ" ﻳﺨﺺ ﺗﻠﻚ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﺴﺮد اﻷﺣﺪاث وإﻧﻤﺎ ﺗﺘﻮﻏﻞ ﺳﻮاء ﻋﺒﺮ اﻟﺮاوي اﻟﻌﻠﻴﻢ أو ﻋﺒﺮ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت إﻟﻰ ﺣﻘﻮل ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ ﺗﻀﻴﻒ ﻟﻠﻘﺎرئ .أﻟﻴﺴﺖ رواﻳﺎت دﺳﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ ،أو رواﻳﺎت ﺗﻮﻟﺴﺘﻮي ،أو أﻣﻴﻞ زوﻻ ،أو ﻫﻴﻐﻮ ،وﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ ،وﺣﻨﺎ ﻣﻴﻨﻪ ،وﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻣﻨﻴﻒ وﻏﻴﺮﻫﻢ؟ ﻛﻞ ﻧﺺ ﺣﻘﻴﻘﻲ وأﺻﻴﻞ ﻫﻮ ﻧﺺ ﻣﻌﺮﻓﻲ .وﺷﺨﺼﻴﺎً أﻣﻴﻞ ﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ .واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ إن اﺷﺘﻘﺎق اﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎت أﻣﺮ ﻻ ﻳﻌﻨﻴﻨﻲ ﻓﻬﻮ ﻣﻬﻤﺔ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ واﻟﻨﻘﺎد .ﻣﻊ أﻧﻲ أﻣﻴﻞ ﻟﻠﺮواﻳﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ .ﻓﺄﻳﺔ رواﻳﺔ ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺤﻜﺎﻳﺔ وﻻ ﺗﻀﻴﻒ ﻟﻲ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻌﺮﻓﻴﺎً ،ﺣﺘﻰ وﻟﻮ ﻛﺸﻔﺎً ﻣﻌﺮﻓﻴﺎً ﻟﻠﺴﻠﻮك اﻟﺒﺸﺮي أﻋ ّﺪﻫﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﻓﻘﺔ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
101
ﺣﻮار ﺧﺎص
اﻟﺴﺮﻳﻊ ﻳﻨﺘﺞ رواﻳﺎت ﺿﺨﻤﺔ .وﻻ ﻳﻨﻈﺮ ﻟﻠﺤﺠﻢ .ﺛﻢ ﻣﻦ ﻗﺎل إن ﻋﺼﺮﻧﺎ ﻳﺮﻓﺾ اﻟﻤﻠﺤﻤﻴﺔ! ﺑﻮل أوﺳﺘﺮ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻷﻣﻴﺮﻛﻲ اﻟﺬي ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ أﻛﺜﺮ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﺳﺮﻋﺔ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ اﻹﻳﻘﺎع ،واﻟﺬي اﺷﺘﻬﺮ ﺑﺮواﻳﺎﺗﻪ اﻟﻘﺼﻴﺮة ﺟﺪا ً ﺣﻴﺚ إن ﺛﻼﺛﻴﺘﻪ " ﺛﻼﺛﻴﺔ ﻧﻴﻮﻳﻮرك" ﺗﺠﻤﻊ ﻋﺎدة ﻓﻲ ﻛﺘﺎب واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻊ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ أو ﺣﺘﻰ اﻟﻘﻄﻊ اﻟﺼﻐﻴﺮ ،ﻟﻜﻦ آﺧﺮ ﻋﻤﻞ ﻟﻪ رواﻳﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﺟﺎءت ب 1250ﺻﻔﺤﺔ . ﻛﻤﺎ أن ﻛﻞ دور اﻟﻨﺸﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻻ ﺗﺰال ﺗﻨﺸﺮ رواﻳﺎت دﺳﺘﻮﻳﻔﺴﺴﻜﻲ ذات اﻷﺟ ـﺰاء اﻟﻤﺘﻌﺪدة ﻛﺎﻷﺧﻮة ﻛﺎراﻣﺎزوف واﻷﺑﻠﻪ واﻟﻤﺮاﻫﻖ واﻟﻤﻤﺴﻮﺳﻴﻦ ،وﻛﺬا رواﻳﺎت ﺗﻮﻟﺴﺘﻮي اﻟﻀﺨﻤﺔ .ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺛﻼﺛﻴﺔ ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ ﻻ ﺗﺰال ﻣﻘﺮوءة ﺟﺪا ً ،وﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻘﺮأﻫﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ اﻟﻘﻮل إﻧﻪ ﻳﻌﺮف أدب ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ. ﻓﻲ اﻟﻤﺘﺎﻫﺎت )ﻣﺘﺎﻫﺔ آدم ،ﺣﻮاء ،اﻟﺸﻴﻄﺎن ،ﻗﺎﺑﻴﻞ ،اﻟﻌﻤﻴﺎن( ﺳﺆال ﻓﻠﺴﻔﻲ ﻗﺪﻳﻢ ،وﺟﺪﻳﺪ ﻓﻲ آن واﺣﺪ ،ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أﺣﺪ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻴﻪ، ﻫﻞ ﻣﺘﺎﻫﺎﺗﻚ أﺟﺎﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال ،أم وﺿﻌﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﺮة ﻣﺮة أﺧﺮى؟ أﻧﺎ أؤﻣﻦ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ .وأﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻹﻧﺴﺎن ﻛﻜﺎﺋﻦ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻲ .ﺗﻮﻗﻔﻲ ﻋﻨﺪ آدم وﺣﻮاء وﻗﺎﺑﻴﻞ وإﺑﻠﻴﺲ ﻫﻮ وﻗﻮف ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺮﺟﻌﻴﺔ اﻷﺳﻄﻮرﻳﺔ اﻟﺴﺤﺮﻳﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺣﻮل اﻹﻧﺴﺎن .ﻟﻴﺲ ﻓﻲ اﻟﻤﺘﺎﻫﺎت أﺟﻮﺑﺔ وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺗﺤﺮض ﻋﻠﻰ اﻷﺳﺌﻠﺔ .اﻟﻤﺘﺎﻫﺎت ﻣﻦ ﺧﻼل ﺷﺨﺼﻴﺎﺗﻬﺎ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻋﻨﺪ ﻗﺼﺔ آدم ﻓﻲ اﻷدﻳﺎن ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،وإﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﺑﻨﻲ آدم ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ. وﻛﺬﻟﻚ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ ﺳﺆال اﻟﺨﻴﺮ واﻟﺸﺮ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺷﺨﺼﻴﺔ إﺑﻠﻴﺲ. ﻓﻲ اﻟﺘﻮراة اﻟﺸﺮ ﻣﻮﺟﻮد ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ .ﻓﻲ ﺷﺠﺮة اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ .ﻓﻔﻲ ِﺳﻔﺮ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ أﻣﺮ اﻟﺮب آدم وزوﺟﻪ أﻻ ﻳﻘﺘﺮﺑﺎ ﻣﻦ ﺷﺠﺮة اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﺷﺠﺮة اﻟﺨﻴﺮ واﻟﺸﺮ، وﻫﺬا ورد ﺑﺎﻟﻨﺺ اﻟﺤﺮﻓﻲ) .ﺷﺠﺮة اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ. ﺷﺠﺮة اﻟﺨﻴﺮ واﻟﺸﺮ( وﻓﻲ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮآﻧﻲ ﻧﺠﺪ آﻳﺔ ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻟﺒﻘﺮة ﺗﻨﺺ ) َوإ ْذ ﻗ ََﺎل ِ اﻷرض رﺑﱡ َﻚ ﻟﻠ َﻤﻼﺋِﻜـ ِﺔ إﻧـﱢﻲ َﺟـﺎ ِﻋ ٌـﻞ ﻓﻲ أﺗﺠﻌـﻞ ِﻓﻴﻬـﺎ َﻣﻦ ﻳُ ِ ﻔﺴ ُﺪ ُ َﺧﻠِﻴﻔــ ًﺔ ﻗَﺎﻟُـﻮا ِﻓﻴ َﻬـﺎ وﻳَ ْﺴ ِﻔ ُﻚ اﻟ ﱢﺪ َﻣــﺎ َء َوﻧﺤــ ُﻦ ﻧُﺴﺒﱢ ُﺢ ﺑﺤ ْﻤ ِـﺪ َك َوﻧُﻘُـ ﱢﺪ ُس ﻟ ََﻚ ﻗ ََﺎل إﻧـﱢﻲ أَ ْﻋـﻠ ُﻢ َﻣﺎ ﻻَ ﺗَ ْﻌــﻠَ ُﻤـﻮن( أي أن ﺧﻠﻖ آدم ﻛﺎن ﻣﻘﺮ ًرا ﻟﻴﻜﻮن ﻓﻲ اﻷرض ،وﺣﻴﻦ اﻋﺘﺮﺿﺖ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻗﺎل اﻟﺮب إﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن .ﻓﺎﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺑﺴﺒﺐ ﺧﻄﻴﺌﺔ آدم .ﻟﻜﻦ ﺛﻤﺔ آﻳﺎت أﺧﺮى ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﻗﺼﺔ اﻟﺸﺠﺮة اﻟﺘﻮراﺗﻴﺔ .ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ آﺧﺮ ﻓﺈن آدم ﻫﻮ ﻃﺮﻳﺪ اﻟﻔﺮدوس وﻓﻖ اﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،وﻣﺘﺎﻫﺘﻪ ﺗﺒﺪأ ﻣﻦ اﻟﺒﺎب اﻟﺨﻠﻔﻲ ﻟﻠﻔﺮدوس .وﺗﻤﺘﺪ إﻟﻰ آﺧﺮ 100
ً ﻣﻌﺮﻓﺔ وﻻ ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﺑﺮﻫﺎن ﺷﺎوي :ﻋﻠﻰ اﻟﺮواﻳﺔ أن ﺗﻀﻴﻒ
آدم وﺣﻮاء ﻋﻠﻰ اﻷرض .وإذا ﻣﺎ ﺗﻮﻗﻔﻨﺎ ﻋﻨﺪ )ﺧﻄﻴﺌﺔ آدم( ﺑﻤﺮﺟﻌﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﺳﻨﺠﺪ أﻧﻔﺴﻨﺎ أﻣﺎم أﺳﺌﻠﺔ أﺧﻼﻗﻴﺔ ﺗﻀﻊ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺨﻴﺮ واﻟﺸﺮ واﻟﻌﺪاﻟﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ أﻣﺎم اﻟﺸﻚ .ﻓﻠﻤﺎذ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺤﻜﻮم ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺨﻄﻴﺌﺔ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻪ ﺑﻬﺎ؟ وﻟﻤﺎذا اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﺎﻟﺠﻨﺲ؟ أو اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻮراة؟ وﻟﻤﺎذا ﺧﻠﻖ اﻟﻠﻪ اﻷﻋﻀﺎء اﻟﺘﻨﺎﺳﻠﻴﺔ ﻟﺤﻮاء وآدم إذا ﻛﺎن ﻳﻨﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﺧﻄﻴﺌﺔ؟ اﻟﻤﺘﺎﻫﺎت إذن ﺑﺸﺨﺼﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻗﺎرﺑﺖ 258ﺷﺨﺼﻴﺔ ،ﺑﻴﻨﻬﺎ 106ﺣﻮاء و 152آدم وأﺣﻴﺎﻧﺎً ﻗﺎﺑﻴﻞ أو ﻫﺎﺑﻴﻞ ،ﺗﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ أن اﻟﺨﻴﺮ واﻟﺸﺮ ﻻ ﻳﻮﺟﺪان إﻻ ﻛﻤﻔﻬﻮﻣﻴﻦ ذاﺗﻴﻴﻦ واﺟﺘﻤﺎﻋﻴﻴﻦ ،ﻓﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﻨﻔﻊ اﻹﻧﺴﺎن وﻳﺮﺿﻴﻪ وﻳﺤﻘﻖ ﻟﻪ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﻫﻮ ﺧﻴﺮ ،وﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺴﺒﺐ ﻟﻪ اﻷﻟﻢ ﻫﻮ اﻟﺸﺮ ،وﻛﺬا اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻫﻮ ﻳﻄﻠﻖ ﻟﻔﻆ اﻟﺨﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﻔﻆ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وﺷﺮا ً ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻀﺮ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. ﻧﺎﻫﻴﻚ أن ﻣﺎ ﻧﺮاه ﺷﺮا ً ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻧﺠﺪه ﻟﻴﺲ ﺷﺮا ﻋﻨﺪ ﻣﺠﺘﻤﻊ آﺧﺮ ،وﻟﻮ ﺗﻮﻏﻠﻨﺎ أﺑﻌﺪ ﻓﺎﻟﺨﻴﺮ واﻟﺸﺮ داﺧﻞ اﻹﻧﺴﺎن. اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﻫﺮﻣﺎن ﻫﺴﻪ ﻓﻲ رواﻳﺘﻪ "ﺳﻴﺪ ﻫﺎرﺗﺎ" ﺗﺮك اﻟﻤﺬاﻫﺐ اﻟﺮوﺣﻴﺔ واﻟﻔﻜﺮ اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ،واﻧﻐﻤﺲ ﻓﻲ ﻣﻠﺬات اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﺎدﻳﺔ، وﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ وﺻﻞ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻧﻔﺴﻪ ،وأﻧﺖ ﺗﺴﻠﻚ اﻟﻤﺴﻠﻚ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ رواﻳﺎﺗﻚ ،ﻫﻞ ﻫﻲ ﻣﺼﺎدﻓﺔ ،أم أﻧﻚ ﻣﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ؟ ﻓﻲ "ﺳﻴﺪ ﻫﺎرﺗﺎ" ﻟﻢ ﻳﺘﺮك ﻫﻴﺴﻪ اﻟﻘﻠﻖ اﻟﺮوﺣﻲ ﻟﻴﻨﻐﻤﺲ ﻓﻲ ﻣﻠﺬات اﻟﺤﻴﺎة ،وﻻ وﺻﻞ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ،وإﻧﻤﺎ وﺻﻞ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﺪم ﺧﻮﻓﻪ ﻣﻦ اﻟﺴﺆال ﻋﻦ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺤﻴﺎة وﻋﻦ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻮﺟﻮد .واﻛﺘﺸﻒ أن ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺴﺎﻳﺮ اﻟﻨﻬﺮ ،وأن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺜﻞ رﻗﺎص اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺠﺪارﻳﺔ ﻳﺘﺄرﺟﺢ ﻳﻤﻴﻨﺎً وﻳﺴﺎرا ً ﺑﻴﻦ اﻟﺮوح واﻟﺠﺴﺪ .وﻫﺬه اﻟﻤﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻊ " ﺳﻴﺪ ﻫﺎرﺗﺎ " ﻫﻴﺮﻣﺎن ﻫﻴﺴﻪ ﺗﺸﺮﻓﻨﻲ .أﻣﺎ ﻋﻦ اﻟﺘﺄﺛﺮ ﻓﺈﻧﻨﻲ ﻣﺘﺄﺛﺮ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻗﺮأت ﻃﻮال ﻋﻤﺮي ﺳﻮاء ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ أو اﻟﻠﻐﺎت ﻏﻴﺮ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻣﺮﺟﻌﻴﺎﺗﻲ اﻷدﺑﻴﺔ ﺑﺎﺧﺘﺼﺎر ﺷﺪﻳﺪ ﻫﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﺮأت، وﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﺸﺘﻪ وﺧﺒﺮﺗﻪ وﻣﺎ ﻋﻠﻤﺘﻨﻴﻪ اﻟﺤﻴﺎة. ﺗﺘﺸﺎﺑﻪ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ إﻟﻰ ﺣﺪ ﺑﻌﻴﺪ ﻣﻊ اﻟﺮواﻳﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ،وﻳﻮﺟﺪ رواﻳﺎت ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺗﻀﺎﻫﻰ أﻋﻈﻢ اﻟﺮواﻳﺎت ﺷﻬﺮة ،ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﻳﺄﺧﺬ اﻷدب اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﻓﻲ اﻻﻧﺘﺸﺎر ﻋﺎﻟﻤﻴﺎً؟ ﻫﻨﺎك أﺳﺒﺎب ﻋﺪﻳﺪة ﻟﻌﺪم اﻧﺘﺸﺎر اﻷدب اﻟﻌﺮﺑﻲ .ﻓﻮاﻗﻊ اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ إﻟــﻰ اﻟﻠﻐﺎت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﻳﺨﻀﻊ ﻟﺸﺮوط ﻟﻴﺴﺖ ﺳﻬﻠﺔ .ﻟﻦ ﺗﺠﺪ ﻣﺘﺮﺟﻤﺎً أوروﺑﻴﺎً ﻳﺒﺎدر ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء ﻧﻔﺴﻪ ﻟﺘﺮﺟﻤﺔ رواﻳﺔ ﻳﻘﻀﻲ ﻓﻲ ﺗﺮﺟﻤﺘﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻘﺎرب
اﻷﺑﻨﺎء واﻷﺣﻔﺎد اﻟﺬﻳﻦ وﻟﺪوا ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻚ ﻫﻮ اﻟﻤﻨﻔﻰ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﻢ ﻫﻮ اﻟﻮﻃﻦ ﻓﻼ ﻳﺸﻌﺮون ﺑﺎﻻﻧﺘﻤﺎء ﻟﻐﻴﺮﻫﺎ .ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻟﺪﻳﻚ ﺳﻮى اﻟﺬاﻛﺮة .اﻟﻮﻃﻦ ﻫﻮ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ ﻣﻌﻚ أﻧّﻰ اﺗﺠﻬﺖ. ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺣﻆ ،اﺳﺘﺪﻋﺎء اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺒﺸﺮي ﻛﻠﻪ ﻓﻲ ﺻﻴﻐﺔ ﻣﺘﺎﻫﺔ ،ﻣﺘﺎﻫﺔ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻤﻬﻴﻤﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻗﺒﻞ اﻟﺠﺴﺪ ،ﻫﻞ ﻣﺘﺎﻫﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ اﻟﺴﺆال ،أم اﻟﺮﻛﻮن إﻟﻰ إﺟﺎﺑﺔ ﻣﻘﻨﻌﺔ ﺗﻨﺎﺳﺐ أي ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺑﺸﺮﻳﺔ؟ أم أن اﻟﺴﺆال ،واﻟﻘﻠﻖ ﺿﺮورة ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ؟ أﻧﺎ أﻧﻈﺮ ﻟﻠﺴﺆال ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻣﺘ ًﻨﺎ واﻹﺟﺎﺑﺎت ﻫﺎﻣﺸً ﺎ .اﻟﺴﺆال واﺣﺪ واﻹﺟﺎﺑﺎت ﻣﺘﻌﺪدة .اﻟﺴﺆال ﻧﺺ ..واﻹﺟﺎﺑﺎت ﺗﻔﺴﻴﺮ .وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻣﺘﺎﻫﺔ
اﻹﻧﺴﺎن ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ اﻟﺴﺆال اﻟﺬي ﻳﻘﻮدك إﻟﻰ ﻣﺘﺎﻫﺔ ﺗﻌﺪد اﻷﺟﻮﺑﺔ، ﺑﻞ وإﻟﻰ ﻣﺘﺎﻫﺔ اﻟﻴﻘﻴﻦ اﻟﻤﺨﻴﻒ أو ﻣﺘﺎﻫﺔ اﻟﻼﺟﻮاب .اﻟﺴﺆال ﻟﺤﻈﺔ وﻋﻲ وﺟﻮدي. رواﻳﺎﺗﻚ ﻣﻠﺤﻤﻴﺔ ،ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺟﻬﺎ ،ﻋﺼﺮ ﻳﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﺴﺮﻋﺔ اﻟﺸﺪﻳﺪة ،ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻴﻘﻚ؟ ﻣﻦ ﻗﺎل إن ﻋﺼﺮﻧﺎ ﻻ ﻳﺤﺘﺎج اﻟﻤﻠﺤﻤﻴﺔ .اﻟﺴﺎﻧﺪوﻳﺘﺶ ﻟﻴﺲ وﺟﺒﺔ، وأﻧﻤﺎ أﻛﻠﺔ ﺳﺮﻳﻌﺔ .ﻟﻴﺲ ﻃﻌﺎ ًﻣﺎ وأﻧﻤﺎ ﻃﻌﺎم ﺳﺮﻳﻊ" ﻋﺎﻟﻤﺎﺷﻲ". وأﺻﺎﻟﺔ اﻟﻨﺺ اﻟﺮواﺋﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺤﺠﻤﻪ وﺑﻄﻮﻟﻪ أو ﺑﺎﺧﺘﺼﺎره وﻗﺼﺮه. ﻓﺮواﻳﺎت اﻟﺴﺎﻧﺪوﻳﺘﺶ ﻻ ﺗﻌﻨﻲ ﻫﻲ اﻷﻛﺜﺮ ﺣﺪاﺛﺔ وﻣﻌﺎﺻﺮة .ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﺑﻄﻴﺌﺔ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻧﻠﻬﺚ وراء رواﻳﺎت اﻟﺴﺎﻧﺪوﻳﺘﺶ ،واﻟﻐﺮب ﺑﻜﻞ إﻳﻘﺎﻋﻪ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
99
ﺣﻮار ﺧﺎص
ǞǖƜǚLJĈ ǣǍ ĪƲƹƟǖČ ƭǤĖƜƣǖČ ƠNJƜǥƻ ưǥLjǤ
ĪĨƜƸ ĦƜǟƲƞ
ƠǤƜǔƬǖƜƞ ǣǎƣǔƢ ǬĨ īƠǍƲLjǙ njǥƿƢ ĦĈ ƠǤČĨƲǖČ ǢǗLJ ﺣﺎوره -ﻣﻤﺪوح ﻋﺒﺪ اﻟﺴﺘﺎر
ذﻛّﺮﻧﻲ اﻟﺮواﺋﻲ ،واﻟﻤﻔﻜﺮ ،واﻟﻤﺘﺮﺟﻢ ﺑﺮﻫﺎن ﺷﺎوى ﺑﺒﻄﻞ رواﻳﺔ "ﻋﺼﻔﻮر ﻣﻦ اﻟﺸﺮق" ﻟﻸدﻳﺐ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺗﻮﻓﻴﻖ اﻟﺤﻜﻴﻢ ،اﻟﻮاﻗﻒ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺘﺼﻒ ﺑﻴﻦ ﺣﻀﺎرﺗﻴﻦ ،أو ﺑﻴﻦ أﺳﻠﻮﺑﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة وﻓﻲ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ، اﻟﺒﻄﻞ ﻣﻨﺒﻬﺮ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة وﺳﻠﻮك اﻵﺧﺮ ،واﻵﺧﺮ ﻣﻨﺒﻬﺮ ﺑﺤﻴﺎة وﺳﻠﻮك ﺑﻄﻞ ﻋﺼﻔﻮر ﻣﻦ اﻟﺸﺮق. ﻳﻘﺒﻊ ﺑﺮﻫﺎن ﺷﺎوي ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻜﻮث اﻹﺟﺒﺎري ،واﻟﻨﻔﻲ اﻻﺧﺘﻴﺎري ،ﻳﺤﺪد ﺑﻮﺻﻠﺘﻪ اﻟﺴﺮدﻳﺔ واﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﺴﺆال اﻟﺪاﺋﻢ ،وﻳﻤﺸﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﻨﺼﻞ اﻟﺪاﻣﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﻄﺮﻳﻘﻴﻦ ،وﻳﻨﺰف ﻣﻦ دﻣﻪ ،وﻳﺘﻮﺟﻊ ﻃﺎﻟﺒﺎً اﻟﻤﺰﻳﺪ ،وﻳﻨﺤﻨﻲ ﻳﻠﺜﻢ ﺟﺮﺣﻪ ﺑﺮواﻳﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺘﻮار، وﻳﻜﻮن ﺟﺴﺪه ﻣﺼﻠﻮﺑﺎً ﻟﺘﺘﻄﻬﺮ روﺣﻪ ،وﻳﻨﻌﺘﻖ ﻓﻜﺮه اﻟﺠﺎﻣﺪ ،وﻳﻜﻮن ُﺣ ّﺮاً ﻛﻌﺼﻔﻮر. 98
ً ﻣﻌﺮﻓﺔ وﻻ ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﺑﺮﻫﺎن ﺷﺎوي :ﻋﻠﻰ اﻟﺮواﻳﺔ أن ﺗﻀﻴﻒ
وﺑﻴﻦ اﻟﺮﻏﺒﺔ واﻟﻔﻜﺮ واﻟﺠﺴﺪ ﺳﺆال ،وﺑﻴﻦ اﻹﺟﺎﺑﺔ واﻟﺴﺮد ﻧﺰﻳﻒ ﻣﺴﺘﻤﺮ .اﻟﺘﻘﺖ ﺑﻪ ﻣﺠﻠﺔ ﺗﺮاث ،وﻛﺎن ﻣﻌﻪ ﻫﺬا اﻟﺤﻮار: أﻧﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻔﻰ اﻟﺬي اﺧﺘﺮﺗﻪ ﺑﻨﻔﺴﻚ ،وﺗﻌﻴﺶ ﺣﻴﺎﺗﻚ ﺑﺼﻴﻐﺔ ﻏﺮﺑﻴﺔ، ورﻏﻢ ذﻟﻚ ﺗﺴﺤﺒﻚ اﻟﺬاﻛﺮة ،واﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﺎ ﻣﻀﻰ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻚ ﻓﻲ اﻟﻌﺮاق ،ﻫﻞ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ﺗﻜﺘﺒﻚ ،أم أﻧﻚ ﺗﻤﻠﻜﻬﺎ ،وﺗﻮﻇﻔﻬﺎ ﻟﺘﻄﻔﻰء ﻫﺬا اﻟﻘﻠﻖ اﻟﺬي ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻔﺮار ﻣﻨﻪ؟ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﻤﻨﻔﻰ اﺧﺘﻴﺎرا ً ﺑﻞ اﺿﻄﺮارا ً ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻫﺰﻳﻤﺔ وﻫﺮوﺑﺎً ﺳﻴﺎﺳﻴﺎً ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺔ دﻛﺘﺎﺗﻮرﻳﺔ ،واﺳﺘﺒﺪادﻳﺔ ﻻ ﺗﺮﺣﻢ ،ﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ اﻻﺳﺘﻘﺮار ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻔﻰ واﻟﺘﺠﻨﺲ ﺑﺠﻨﺴﻴﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻠﺪان ،واﻟﺪراﺳﺔ وﺗﻌﻠﻢ اﻟﻠﻐﺎت ،وﺣﻴﺚ ﻃﺎل اﻟﻤﻨﻔﻰ ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﻌﻤﺮ ﻳﻤﺮ ،ﻟﺬا ﺣﻴﻦ ﺗﻐﻴﺮت اﻷوﺿﺎع ،وأزﻳﺢ اﻟﺪﻛﺘﺎﺗﻮر ﺑﺎﻟﻘﻮة -ﻟﻜﻦ ﺑﺜﻤﻦ ﻣﺨﻴﻒ ﻫﻮ :اﺣﺘﻼل اﻟﺒﻼد -وﻣﺠﻲء ﻗﻮى أﺧﺮى ،وﺟﺪ اﻟﻤﺮء أن اﻟﺰﻣﻦ ﻗﺪ ﻃﻤﺲ ﺣﻘﻮل ﻋﻤﺮه ﺑﺎﻟﺮﻣﻞ .ﻓﻼ ﻣﺠﺎل ﻟﻌﻮدة ﻛﻠﻜﺎﻣﺶ ،أو أدوﻳﺴﻮس ،إذ ﺣ ّﻮﻟﻚ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎل )إن وﺿﻊ اﻷداة رﻫﻴﻦ ﻓﻲ وﺟﻮده ﺑﻮﺟﻮد ﻧﺸﺎط رﻣﺰي(، ﻟﻴﺴﺘﻄﻴﻊ ﺑﺬﻟﻚ إﻧﺘﺎج ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﺗﺠﺎرﺑﻪ وﺛﻘﺎﻓﺘﻪ اﻟﻤﺘﻨﺎﻣﻴﺔ. وﻟﻌﻞ ذﻟﻚ ﻳﺘﻤﺎﺷﻰ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻃﺮﺣﻪ داﻓﻴﺪ ﻟﻮﺑﺮوﺗﻮن ﻓﻲ )ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺠﺴﺪ( ،ﺿﻤﻦ ﻣﺎ أﺳﻤﺎه )اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻨﺘﻮج ﺟﺴﺪه( ،ﻟﻴﻘﺪم ﺑﺬﻟﻚ ﺗﻮﺟﻬﺎً ﻓﻜﺮﻳﺎً ﻳﻘﻮل ﺑﺄن )اﻟﺨﺎﺻﻴﺎت اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻣﺎ ﻫﻲ إﻻ ﺣﻘﻪ اﻟﻨﺰﻳﻪ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻌﻪ ﺿﻤﻦ اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ( ،ﻟﻴﻜﻮن ﺑﺬﻟﻚ ﻗﺪ ﻗﺮر ﺑﺄن اﻟﻮﺿﻌﻴﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻫﻲ ﻣﻨﺘﻮج ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻟﻠﺠﺴﺪ ،ﻟﻴﺼﻞ إﻟﻰ أن اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻓﻲ اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻌﻮب واﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻫﻮ اﻟﺘﺄﺛﻴﺮات اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ وﻳﻘﺮر ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺑﺤﺜﻪ ﻫﺬا أن )ﻣﺼﻴﺮ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻜﺘﻮب ﻣﻦ اﻟﺒﺪء ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻠﻪ اﻟﺨﺎرﺟﻲ(. إن ﻓﻜﺮة اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﻬﺎ ﻟﻮﺑﺮوﺗﻮن ﻫﻨﺎ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ،وﻫﻮ ﻓﻲ ﻫﺬا ﻳﺮﺟﻰء اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻜﻞ اﻟﺨﺎرﺟﻲ واﻟﻬﻴﺌﺔ وﻋﻼﻣﺎت اﻟﺠﺴﺪ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﺳﺘﻨﺘﺎج وﺗﺄوﻳﻞ ﻣﺰاﻳﺎه إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺨﺎﺿﻊ ﻟﻠﻨﻈﺎم اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ،واﻟﺬي ﺗﺄﺳﺲ ﻓﻲ اﻷﺻﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻜﺮ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎري اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻓﻜﺮة ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻌﻮب اﻟﺘﻲ )ﺗﻮﻟﺪ ﻟﺘﻌﻴﺶ ﺗﺤﺖ وﺻﺎﻳﺔ اﻷﺟﻨﺎس اﻷﻛﺜﺮ ﺗﻘﺪﻣﺎ( ـ ﺑﺤﺴﺐ ﻟﻮﺑﺮوﺗﻮن ـ ﻟﻴﻜﻮن اﻟﺠﺴﺪ ﺑﻌﻼﻣﺎﺗﻪ ﺷﺎﻫﺪا ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﻮﻳﻪ ﻟﻴﺒﻘﻰ اﻹﻧﺴﺎن ﺿﻌﻴﻔﺎ ﺿﺪ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﺒﺜﻖ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻫﻮ أﻣﺮ ﻗﺪ ﻳﺘﺼﺎدم ﻣﻊ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻓﻲ ﺗﺄوﻳﻞ اﻟﻌﻼﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﻛﻮن اﻟﺠﺴﺪ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻋﻼﻣﺔ ذات دﻻﻻت اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻋﺪة. ﻳﺤﺪﺛﻨﺎ داﻧﻴﺎل ﺳﺎروﻳﺘﺰ وﺑﺮادن اﻟﻠﻨﺒﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻬﻤﺎ )ﺣﺎﻟﺔ اﻵﻟﺔ. اﻹﻧﺴﺎن( ﻋﻦ ﻣﺘﺤﻒ )ﻫﺸﺎﺷﺔ اﻹﻧﺴﺎن( اﻟﺬي ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﻣﺼﻨﻊ ﻗﺪﻳﻢ أﻋﻴﺪ ﺗﺄﻫﻴﻠﻪ ﻓﻲ وﺳﻂ ﻣﺪﻳﻨﺔ رﺳﺖ ﺑﻠﺖ ﻓﻲ أﻋﺎﻟﻲ وﻻﻳﺔ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ،وﻗﺪ ﺣﺪد اﻟﻘﺎﺋﻤﻮن ﻋﻠﻴﻪ ﻫﺪﻓﺎً رﺋﻴﺴﺎً ﻣﻦ إﻧﺸﺎﺋﻪ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﻴﺐ اﻟﺘﺮوﻳﺠﻲ اﻟﺨﺎص ﺑﻪ ،ﻫﻮ ـ ﻛﻤﺎ ﻳﺨﺒﺮاﻧﺎ ـ )ﻣﺴﺎﻋﺪة اﻷﻃﻔﺎل ﻣﻦ ﻛﻞ اﻷﻋﻤﺎر ﻋﻠﻰ ﻓﻬﻢ ﺗﻨﺎﻗﻀﺎﺗﻬﻢ اﻟﺬاﺗﻴﺔ وﻣﺤﺪداﺗﻬﻢ اﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ واﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ( ،وﻫﻮ أﻣﺮ ﻳﺒﺪو ﺟﻠﻴﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل أﻗﺴﺎم اﻟﻤﺘﺤﻒ وﻏﺮﻓﻪ وأﺟﻨﺤﺘﻪ وأروﻗﺘﻪ )ﻏﺮﻓﺔ اﻟﺬاﻛﺮة ،وﺟﻨﺎح اﻟﻴﻮﺗﻮﺑﻴﺎ ،ورواق اﻟﺴﻠﻄﺔ، وﻗﺎﻋﺔ اﻟﻤﻨﺎخ(...واﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪم ﻣﻨﺎﺧﺎ ﻣﺘﻔﺎﻋﻼ ﻣﻊ اﻟﺰاﺋﺮ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺸﺪﻫﺎ اﻟﻤﺘﺤﻒ. إن اﻟﺰاﺋﺮ ﻟﻬﺬا اﻟﻤﺘﺤﻒ ﺳﻴﻨﺘﺎﺑﻪ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺗﻄﻮاﻓﻪ ـ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﻟﻨﺎ
ﺳﺎروﻳﺘﺰ واﻟﻠﻨﺒﻲ ـ اﻟﺸﻌﻮر)ﺑﺈﺣﺴﺎس ﻣﺘﻨﺎم ﻣﻦ اﻟﻜﺮم اﻟﻌﺎﻃﻔﻲ ﺗﺠﺎه ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت ﻏﻴﺮ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺒﺸﺮي( ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ رؤﻳﺔ اﻟﻤﺘﺤﻒ واﺿﺤﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺪرة اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺪﻣﻬﺎ اﻟﺠﺴﺪ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺳﻌﻴﻪ ﻟﺼﻘﻞ ﻣﻌﺎرف زاﺋﺮﻳﻪ وزﻳﺎدة اﻧﺨﺮاﻃﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ اﻟﺬي ﻳﺤﻴﻮن ﻓﻴﻪ وﻳﺘﻔﺎﻋﻠﻮن ﻣﻌﻪ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻓﻀﺎﺋﻬﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ. إن اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ اﻟﺠﺴﺪ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻳﺘﺨﺬ أﺑﻌﺎدا ً ﻋﺪة ﻣﻦ اﻟﻨﻮاﺣﻲ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،وﻫﻮ أﻣﺮ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺘﺴﺎءل دوﻣﺎ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﻤﺎط اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺪﻣﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﺗﻠﻚ اﻟﻤﻌﺎرف اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺤﺘﺮم اﻟﺠﺴﺪ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ وﻧﻌﺘﺮف ﺑﻘﺪرﺗﻪ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺄﺳﺲ ﺿﻤﻨﻬﺎ ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﻠﻰ إﻳﺠﺎد ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻄﻠﻌﺎت اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ذات اﻟﺒﻨﺎء اﻟﻌﻼﻣﺎﺗﻲ ،وﻟﻌﻞ ﻫﺬا ﻣﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﺘﺤﻒ )ﻫﺸﺎﺷﺔ اﻹﻧﺴﺎن( ﻳﺨﺘﻠﻔﻮن ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻋﺮض ﻟﻺرﻫﺎب ﻓﻲ ﺣﻔﻞ اﻓﺘﺘﺎح اﻟﻤﺘﺤﻒ ـ ﻛﻤﺎ ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ ﺳﺎروﻳﺘﺰ واﻟﻠﻨﺒﻲ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
97
ﺳﻴﻤﻴﺎء
ǣǠƹǖČ ǛǚǔǚǖČĨ ƷǠǖČ ǛƚƜǔǖČ )ﺑﻘﻤﻊ اﻟﺠﺴﺪ وردﻋﻪ وﻛﺒﺤﻪ ﺗﺴﺘﺮد اﻟﺮوح ﻫﻮﻳﺘﻬﺎ ﻛﺄﻣﻴﺮة ﺣﺎﻛﻤﺔ، وﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ وﺟﻮدﻫﺎ وﺗﺜﺒﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ وﺗﺴﺘﺨﻠﺺ ذاﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻀﺔ اﻟﻄﻴﻦ، وﺗﺼﺒﺢ ﺟﺪﻳﺮة ﺑﺠﻨﺘﻬﺎ وﻣﻴﺮاﺛﻬﺎ(... ﻓﻲ ﻫﺬا ﻳﻌﺒﺮ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﻮد ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺮوح واﻟﺠﺴﺪ ،ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻘﻬﺎ ﺑﺸﻬﻮات اﻟﺤﻴﺎة أو ﺗﺨﻠﻴﻬﺎ ﻋﻨﻬﺎ ،ﻓﺎﻟﺠﺴﺪ ﻫﻮ ﻣﻜﻤﻦ اﻟﺸﻬﻮات اﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ،وﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن ﻛﺒﺢ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻬﻮات ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻟﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ وردﻋﻬﺎ ﻻ ﺑﺘﻠﺒﻴﺔ ﻣﻄﺎﻟﺒﻬﺎ. ﻫﻜﺬا ﺳﻨﺠﺪ أن اﻟﺠﺴﺪ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺷﻜﱠﻞ ﻟﻐﺰا ً ﻟﻠﻔﻼﺳﻔﺔ واﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ ﻣﻨﺬ ﻗﺪﻳﻢ اﻷزل ،وﻻ ﻧﺮﻳﺪ ﻫﻨﺎ أن ﻧﺨﻮض ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻵراء اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺎﻳﻨﺖ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺠﺴﺪ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﺮوح ﻋﻠﻰ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ،إﻻ أﻧﻨﺎ ﻧﻨﺸﺪ ﻫﻨﺎ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻻﻻت اﻟﺘﻲ ﻳﺪل ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺠﺴﺪ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻋﻼﻣﺔ داﻟﺔ ،ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻌﺮف اﻟﻤﺮء ﺑﻬﻴﺌﺘﻪ اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ ،وﻧﻌﺮف ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ وﻣﺴﺘﻮى ﻣﻌﻴﺸﺘﻪ اﻻﻗﺘﺼﺎدي وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻫﻴﺌﺘﻪ أﻳﻀﺎ. إﻻ أن اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ اﻟﺠﺴﺪ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ وﻫﻴﺌﺘﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﺼﻠﻪ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻦ اﻟﺮوح وإن اﺟﺘﻬﺪﻧﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ ،ﻷن اﻟﺮوح ﺗﻨﻌﻜﺲ دوﻣﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن ،وﺑﺬﻟﻚ ﺳﻨﺠﺪ أن اﻟﺸﻴﻔﺮات اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ ﻫﻲ واﺣﺪة ﻣﻦ أﻧﻤﺎط اﻟﺸﻔﺮات اﻟﺘﻲ ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ اﻟﺴﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن )اﻟﺸﻴﻔﺮات واﻟﻘﻮاﻋﺪ واﻟﻘﻴﻮد اﻟﻤﺴﺘﺘﺮة اﻟﻤﺴﺆوﻟﺔ ﻋﻦ إﻧﺘﺎج وﺗﻔﺴﻴﺮ اﻟﻤﻌﻨﻰ( ـ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل داﻧﻴﺎل ﺗﺸﺎﻧﺪﻟﺮ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ أﺳﺲ اﻟﺴﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ـ ،ﻟﻬﺬا ﻓﺈن ﻫﺬه اﻟﺸﻔﺮات ﺗﺘﺤﺪد ﺿﻤﻦ أﻧﺴﺎق اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻓﺘﺮاﺿﺎت أﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺗﻌﻴﻨﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ،اﻟﺘﻲ ﺗ ُﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﻤﺎط واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻤﺘﺪاﺧﻠﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮﻳﺔ واﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت. إن اﻟﺸﻔﺮات اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻋﻼﻣﺎت داﻟﺔ ﺗﺸﻜﻞ إﻧﺘﺎﺟﺎ ﻟﻠﻤﻌﻨﻰ اﻟﺬي ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺠﺴﺪ ﺑﺮوﺣﻪ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ وﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﻤﺎ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ أﻧﻤﺎط ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ،وﻟﻬﺬا ﺳﻨﺠﺪ أن )اﻟﺘﻤﺎس اﻟﺠﺴﺪي، واﻟﺘﺠﺎور ،واﻟﺘﻮﺟﻪ اﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻲ ،واﻟﻤﻈﻬﺮ ،واﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﺑﺎﻟﻮﺟﻪ ،وإﻳﻤﺎءات اﻟﺮأس ،واﻹﻳﻤﺎءات ،واﻟﻮﺿﻌﻴﺎت(ـ ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪدﻫﺎ ﺗﺸﺎﻧﺪﻟﺮـ ﻛﻠﻬﺎ ﺷﻔﺮات ذات أﺑﻌﺎد ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﺗﺘﺒﻊ ـ ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ ﻳﻘﻮل ـ ﻃﺮزا ﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻣﺸﻔﱠﺮة ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻷﺻﻮات اﻟﻜﻠﻤﺎت وﺟﻤﻞ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ .ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ )ﺗﻘﻨﻴﺎت اﻟﺠﺴﺪ .ﻣﻘﺎﻻت إﻧﺎﺳﻴﺔ أﺧﺮى( ﻳﻘﺪم ﻣﻮس ﻣﻔﻬﻮﻣﺎً ﺟﺪﻳﺪا ً ﻓﻴﻤﺎ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ )ﺗﻘﻨﻴﺎت اﻟﺠﺴﺪ( ﻣﺎرﺳﻴﻞ ّ اﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ )دراﺳﺔ اﻟﺠﺴﺪ(؛ إذ ﻳﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻨﺎس 96
اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻟﻬﺶ واﻟﻤﻜﻤﻦ اﻟﺸﻬﻲ
اﻟﺪرﻣﻜﻲ** ﻋﺎﺋﺸﺔ اﻟ ﻜ ﺸﺔ ﺎﺋﺸ @ ﺑﺎﺣﺜﺔ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻋﻤﺎن
ﻣﻮس ﻓﻲ ﻷﺟﺴﺎدﻫﻢ ،وﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺣﻮال اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈن ّ رؤﻳﺘﻪ ﻫﺬه ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ اﻟﻤﻠﻤﻮس ﻧﺤﻮ اﻟ ُﻤﺠﺮد ،وﻫﻮ ﺑﺬﻟﻚ ﻳﻘﺪم ﺗﺼﻨﻴﻔﺎ ﻧﻔﺴﻴﺎ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎ ﺑﻬﺪف ﺗﻨﻈﻴﻢ ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺠﺴﺪ ﻣﻮس وروﺣﻪ وﻋﻼﻗﺎﺗﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻟﻠﻌﻘﻞ؛ وﻫﻮ ﻛﻤﺎ ﻳﻔﺴﺮه ّ )اﻟﻤﻔﻬﻮم اﻟﺬي ﻧﻨﻈﺮ ﺑﻪ إﻟﻰ ﻧﺸﺎط اﻟﻮﻋﻲ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻧﻈﺎﻣﺎً ﻣﻦ اﻟﺘﺮﻛﻴﺒﺎت ﻣﻮس ﻓﻲ أﻃﺮوﺣﺘﻪ ﻫﺬه ﻣﺒﺎدىء اﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎم اﻷول(.وﻟﻘﺪ ﻗﺪم ّ ﺗﺼﻨﻴﻒ ﺗﻘﻨﻴﺎت اﻟﺠﺴﺪ اﻟﺘﻲ ﻳﻔﺮق ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﺗﻠﻚ اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت ﻓﻲ وﺿﻌﻴﺎت اﻟﺠﺴﺪ ﺑﻴﻦ اﻟﺠﻨﺴﻴﻦ وﺗﻐﻴﺮ ﺗﻘﻨﻴﺎت اﻟﺠﺴﺪ ﺣﺴﺐ اﻟﻌﻤﺮ، وﺗﺮﺗﻴﺐ ﺗﻘﻨﻴﺎﺗﻪ ﺑﺤﺴﺐ اﻟﻤﺮدودﻳﺔ .وﻫﻜﺬا ﻳﻤﻀﻲ ﻓﻲ ﺣﺼﺮ ِﺳ َﻴﺮي ﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺠﺴﺪ ﻳﻘﺪم ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺎﺑﻊ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﺨﺘﻠﻒ أﻋﻤﺎر اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﺧﻼل ﺳﻴﺮة )ﻓﺮد ﻋﺎدي( ،ﺑﻬﺪف )ﺗﺼﻨﻴﻒ ﺗﻘﻨﻴﺎت اﻟﺠﺴﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺼﻪ أو اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻌﻠﻤﻬﺎ( ـ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﻴﺮه ـ ،ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻋﺒﺮ إﺑﺮاز ﻣﺪى ﺗﺪﺧﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺘﻲ ﺗ ُﺆ ِﻣﻦ اﻟﺤﺮﻛﺎت اﻟﺠﺎﻫﺰة وﻛﻴﻔﻴﺔ ﻫﻴﻤﻨﺔ اﻟﻮﻋﻲ ﻋﻠﻰ اﻻﻧﻔﻌﺎل واﻟﻼوﻋﻲ. وﻷن ﺗﺪﺧﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻓﻲ ﺗﻘﻨﻴﺎت اﻟﺠﺴﺪ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻈﻮاﻫﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺆﺳﺴﻬﺎ ﺿﻤﻦ ﺛﻘﺎﻓﺘﻬﺎ وﻣﺮﺟﻌﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﻤﺘﻌﺪدة ،ﻓﺈن اﻟﺠﺴﺪ ﺿﻤﻦ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻳُﻨﺸﻰء ﻟﻪ أﺷﻜﺎﻻ رﻣﺰﻳﺔ ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻮاﻗﻊ واﻟﻤﺆﺳﺴﺎت واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﻤﻼﺑﺲ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﻧﻤﺎط اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺸﻒ اﻟﺘﺠﺎرب اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻺﺑﻼغ اﻟﺪﻻﻟﻲ، وﻟﻬﺬا ﻳﻘﻮل أﻣﺒﺮﺗﻮ إﻳﻜﻮ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ )اﻟﻌﻼﻣﺔ .ﺗﺤﻠﻴﻞ اﻟﻤﻔﻬﻮم وﺗﺎرﻳﺨﻪ(، أن )وﺟﻮد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ رﻫﻴﻦ ﺑﻮﺟﻮد ﺗﺠﺎرة ﻟﻠﻌﻼﻣﺎت(؛ ذﻟﻚ ﻷن اﻹﻧﺴﺎن اﺳﺘﻄﺎع ﺑﻔﻀﻞ اﻟﻌﻼﻣﺎت )أن ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ اﻹدراك اﻟﺨﺎم( ،ﻟﻴﺴﺘﻄﻴﻊ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺎرب واﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ أﻧﻤﺎط ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﻮس ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺟﺪﻳﺪة .وﻟﻬﺬا ﻓﺈن )ﺗﻘﻨﻴﺎت اﻟﺠﺴﺪ( اﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻨﻬﺎ ّ أن ﺗﺘﺄﺳﺲ دوﻧﻤﺎ ﺗﺠﺎرب ﻣﺠﺘﻤﻌﻴﺔ ﺗﺴﻬﻢ ﻓﻲ إﻧﺘﺎج أﻧﻤﺎط ﺟﺴﺪﻳﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ وﻣﺘﻐﻴﺮة ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى وﻫﻮ أﻣﺮ أﺻﺮ ﻋﻠﻴﻪ إﻳﻜﻮ
إﺿﺎءة إﺿﺎءة
ƠǤǡNjǗǖČ ƠƩǙƲƟǗǖ ċƲƣǠǚǖČ ĐĖǪČ ƠǥƟǗƶǖČ ƠǥƟƼLjǖČ اﻟﺒﺮﻣﺠﺔ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ إرث ﻣﻬﺘﺮئ .ﻓﻬﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﻄﺮق واﻟﺤﻴﻞ واﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﻬﺠﻬﺎ اﻟﻔﺮد ﻓﻲ ﺷﺘﻰ ﻣﻨﺎﺣﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻌﺘﺎد وﻳﺘﺄﻗﻠﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ إرث ﻣﻜﺘﺴﺐ .ﻓﺒﺮﻣﺠﺔ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺒﺎﻃﻦ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ آﻟﻴﺔ اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺑﻴﻦ ﻣﻨﻄﻖ اﻟﻔﺮد وﻟﻐﺘﻪ ﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﺆﺛﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻠﺒﺎً .ﻓﻬﺬه اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ واﻟﻘﻮﻟﺒﺔ اﻟﺬاﺗﻴﺔ ﺗﺼﺒﺢ ﻃﺎﺑﻌﺎ ﺧﺎﺻﺎ ﻳﺘﺴﻢ ﺑﻪ اﻟﻔﺮد ذاﺗﻪ ،ﻓﻴﺼﺒﺢ أﺳﻴﺮ ﻧﻔﺴﻪ وﺳﺠﻴﻦ ذاﺗﻪ .ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﺄﻣﻞ ﺗﺠﺪ ﺑﻌﺾ اﻷﻧﺎس ﻣﺒﺮﻣﺠﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻗﻮل "ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ – اﺳﺘﺤﺎﻟﺔ" أو ﻳﺘﺼﺮﻓﻮن دوﻣﺎ ﺑﻄﺮق ﻏﻴﺮ ﻻﺋﻘﺔ وﻏﻴﺮ إﻳﺠﺎﺑﻴﺔ إرادﻳﺎ وﻻ إرادﻳﺎ .وﻫﺬه إﺣﺪى ﺑﺼﻤﺎت اﻟﺸﺤﺼﻴﺔ اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ اﻟﻤﻮروﺛﻪ اﻛﺘﺴﺎﺑﺎ. وﺗﻜﻤﻦ ﺧﻄﻮرة اﻟﺒﺮﻣﺠﺔ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﻓﻲ اﻻﻋﺘﻴﺎد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﻐﺮ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻨﻤﻮ ﻫﺬه اﻟﻌﺎدات وﺗﻜﺒﺮ ﻣﻊ اﻟﻔﺮد وﺗﺴﺘﻔﺤﻞ إﻟﻰ أن ﺗﺘﺄﺻﻞ وﺗﺼﺒﺢ ﻧﻤﻂ ﺣﻴﺎة وﻳﺼﺎب اﻟﻤﺮء ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺪاء اﻟﺒﻼدة واﻟﻀﻌﻒ وﻋﺪم اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻳﺤﺘﺎج اﻟﻤﺮء وﻗﻔﺔ ﺣﺎزﻣﺔ ﻣﻊ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﻬﺪف اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ واﻻﻧﺨﺮاط ﻓﻲ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﺒﺮﻣﺠﺔ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ،ﻓﺘﺘﺤﻮل ﺳﻠﺒﻴﺎﺗﻪ إﻟﻰ إﻳﺠﺎﺑﻴﺎت وﻳﻨﺠﻮ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺸﺮك اﻟﻤﺨﻴﻒ ﻣﺘﻨﻌﻤﺎ ﺑﺤﻴﺎﺗﻪ ،وذﻟﻚ ﺑﻔﻀﻞ اﻟﻌﺰﻳﻤﺔ اﻟﻔﻮﻻذﻳﺔ واﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﻄﺎﻗﺎت اﻟﺪﻓﻴﻨﺔ .ﻓﺎﻟﺜﻘﺔ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ واﻟﻤﺜﺎﺑﺮة واﻻﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ وﺻﻔﺔ ﺳﺮﻳﺔ ﻟﻠﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻵﻓﺔ اﻟﺘﻰ ﻗﺪ ﺗﻬﻠﻚ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ .وﻗﺪﻳﻤﺎ ﻗﺎﻟﻮا" :ﻋﺰﻳﻤﺔ اﻟﻤﺜﺎﺑﺮة ﺗﻬﺪ اﻟﺠﺒﺎل". وﺗﻬﺘﻢ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺑﻬﺬه اﻹﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻘﻮم ﺑﻔﻚ ﺷﻔﺮة ﻫﺬا اﻟﺘﻌﻘﻴﺪ اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻌﻼج اﻟﻨﻔﺴﻲ اﻟﺴﻠﻮﻛﻲ ﻹرث اﻟﺬات اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻘﻮم ﺑﻪ اﻟﻔﺮد ذاﺗﻪ ﺣﻼ ﻟﻬﺬه اﻷزﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺮﻳﻪ ﻓﻲ ﻣﻌﺘﺮك ﺣﻴﺎﺗﻪ .واﻟﺠﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ أن ﺳﺒﺮ أﻏﻮار اﻟﻨﻔﺲ وﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﻮاﻃﻦ
أﻣﻴﺮ اﻟﻌﺰب * @ ﻣﺤﺎﺿﺮ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﻮﻳﺎت ودراﺳﺎت اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ
اﻟﺨﻠﻞ ﻫﻲ إﺣﺪى اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﺎﺟﻌﺔ ﻓﻲ ﺗﺸﺮﻳﺢ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻘﻀﻴﺔ، وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻳﺘﻤﻜﻦ اﻟﻤﺮء ﻣﻦ ﺑﺮﻣﺠﺔ ﻣﺎﺿﻴﻪ وﺣﺎﺿﺮه وﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻪ ،ﻓﻴﺤﻴﺎ ﻓﻲ رﻏﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻴﺶ ﻣﺤﺮرا ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻀﺔ اﻟﻔﺸﻞ اﻟﻤﻮروﺛﺔ اﻛﺘﺴﺎﺑﺎً. ﻓﺎﻟﺮﺟﻞ اﻹﺳﻔﻨﺠﻲ واﻟﻤﺮأة اﻹﺳﻔﻨﺠﻴﺔ ﻣﻔﻬﻮﻣﺎن ﻇﻬﺮا ﺣﺪﻳﺜﺎ ﻋﺎم 2013م ﻛﺄﺣﺪ ﺻﻮر إرث اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ اﻟﻤﻜﺘﺴﺐ ،وﻟﻜﻦ ﺟﺬورﻫﻤﺎ ﺿﺎرﺑﺎن ﻓﻲ اﻟﻘﺪم ﻓﻲ ﺗﺮاث ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ .ﻓﻈﻼل ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻔﻬﻮم ﺗﻮﺣﻲ ﺑﺎﻟﺘﺒﻌﻴﺔ واﻻﻧﻘﻴﺎد وراء اﻵﺧﺮﻳﻦ ،ﻓﻴﺠﻌﻞ اﻹﻧﺴﺎن – رﺟﻼً ﻛﺎن أو اﻣﺮأة – ﻣﻨﺎﻋﺘﻪ اﻟﺬاﺗﻴﺔ ﺗﺴﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺑﻤﺤﺾ إرادﺗﻪ ،ﻓﻴﺼﺒﺢ إﻣﻌﺔ ﻻ ﻗﺮار ﻟﻪ وﻳﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ أﻳﺪي اﻵﺧﺮﻳﻦ وﻳﻤﺪ ﻋﻴﻨﻴﻪ إﻟﻴﻬﻢ وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻻ ﻳﺸﺒﻊ وﻻ ﺗﻬﺪأ ﺛﺎﺋﺮة ﻧﻔﺴﻪ .وﻫﺬا ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﺮض ﻧﻔﺴﻲ ﻋﻀﺎل ﻳﺆرق ﺻﺎﺣﺒﻪ وﻳﺪﻓﻌﻪ ﻟﻠﺘﻘﻠﻴﺪ اﻷﻋﻤﻰ ،ﻓﻴﺴﻴﺮ ﻣﻊ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﺔ وﻛﻞ ﻧﺎﻋﻖ .وﻫﻮ ﺑﻬﺬا ﻳﻐﺮد ﺧﺎرج ﺳﺮب اﻟﻨﺠﺎح ،ﻓﻬﻨﺎك ﺗﻐﺮﻳﺪات ﻟﻠﻔﺸﻞ ﺗﻮدي ﺑﺼﺎﺣﺒﻬﺎ إﻟﻰ ﻓﻘﺪان اﻟﻬﻮﻳﺔ وأﺣﻴﺎﻧﺎ اﻟﻬﻼك .وﺧﻄﻮرة اﻷﻣﺮ أن اﻹﻧﺴﺎن ﻳﺠﺮد ﻣﻦ ﺳﻴﺎدﺗﻪ ﻟﻘﺮاره ورﻳﺎدﺗﻪ ﻟﻸﻣﻮر ،ﻓﺘﻄﻤﺲ ﺑﺼﻤﺘﻪ ،وﺑﻬﺬا ﻳﻐﻴﺐ ﻓﻲ ﻣﺘﺎﻫﺎت وﻏﻴﺎﻫﺐ اﻟﺘﺒﻌﻴﺔ واﻟﺘﻄﻔﻞ ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻓﻴﺼﺒﺢ ﻛﺎﻹﺳﻔﻨﺠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺺ ﻗﺎذورات وﻋﻔﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ، وﻫﺬا ﺿﺮب ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺴﻼم واﻟﻬﻮان وﻓﻘﺪان اﻟﻤﺒﺎدرة واﻟﻠﻴﻮﻧﺔ اﻟﻌﻔﻨﺔ وﻗﺼﺮ اﻟﻨﻈﺮ .ﻓﻌﻠﻰ ﻗﺪر اﻟﺘﺸﺒﻊ واﻻﻛﺘﺴﺎب ﺗﺘﻔﺎﻗﻢ اﻟﺨﻄﻮرة .وﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻷﺧﺮى ،ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻵﻓﺎت واﻟﺮزاﻳﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺸﺮﺑﺘﻬﺎ واﻣﺘﺺ اﻟﺠﺴﺪ ﺳﻤﻮﻣﻬﺎ وﺗﺠﺮع ﻣﺮارﺗﻬﺎ، ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﻛﺎﻟﻨﻴﻜﻮﺗﻴﻦ اﻟﻨﻔﺴﻲ ،وﻟﻜﻦ ﻳﺒﻘﻰ اﻟﺤﻞ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺬات وﺗﺸﺮﻳﺢ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ واﻟﺼﺒﺮ اﻟﺠﻤﻴﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺮواﺳﺐ وإزاﻟﺘﻬﺎ ﺑﻤﺴﺤﻮق اﻻﻗﺘﻨﺎع واﻟﻘﻨﺎﻋﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ وﻋﺰﻳﻤﺔ اﻟﻤﺜﺎﺑﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺪ اﻟﺠﺒﺎل .ﻓﻜﻢ ﻫﻲ ﺿﻌﻴﻔﺔ اﻟﻤﺴﺎم اﻹﺳﻔﻨﺠﻴﺔ وﻛﻢ ﻫﻲ ﻓﺘﺎﻛﺔ ﻃﺎﻗﺎت اﻟﻌﺰﻳﻤﺔ اﻟﺪﻓﻴﻨﺔ! ﻗﻢ ﺑﺈﺳﻘﺎط اﻷﻗﻨﻌﺔ اﻟﺰاﺋﻔﺔ واﻟﺤﺬر اﻟﺤﺬر ﻣﻦ زﺧﺎرف اﻟﻤﺘﻊ اﻟﺠﻮﻓﺎء اﻟﺘﻲ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﻗﺪ ﺗﻨﺪم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
95
ّ اﻟﺬاﻛﺮة ُﻛﺘﺐ ﻓﻲ
اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻀﺢ اﻟﻤﻌﻨﻰ ،وﻻ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺤﻮ واﻟﺒﻼﻏﺔ ﻏﺎﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻤﺎ وﺳﻴﻠﺔ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺼﻮر وﺟﻼﺋﻬﺎ وإﻳﻀﺎح ﻣﻜﺎﻣﻦ اﻟﺒﻼﻏﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﻮل ،وﻟﺬﻟﻚ ﻳﻨﺘﻘﺪ ﻣﻌﺎﺻﺮﻳﻪ، واﻟﺴﺎﺑﻘﻴﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﺔ دراﺳﺘﻬﻢ ﻟﻠﺒﻼﻏﺔ وﻓﻬﻤﻬﻢ ﻟﻤﻘﺼﺪﻫﺎ .وﻣﻦ آراﺋﻪ ﻟﻴﺲ ﻛﻞ ﻛﻼمٍ ﺗﺤﻘﱠﻘﺖ ﻓﻴﻪ أرﻛﺎن ﻗﺴﻢ ﻣﻦ أﻗﺴﺎم ﻓﻨﻮن اﻟﺒﻼﻏﺔ ﻳﻌ ﱡﺪ ﺑﻠﻴﻐًﺎ. وﻓﻲ ﺗﺠﺪﻳﺪه ﻟﻌﻠﻮم اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻢ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺤﻮ واﻟﺼﺮف واﻟﺒﻼﻏﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺗﻜﻠّﻢ ﻋﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﺘﺮﺳﻞ ،وﻣﺎ أﺳﻤﺎه ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻹﻧﺸﺎء أو ﺻﻨﺎﻋﺔ ّ اﻟﺸﻌﺮ .وﻣﻘﻴﺎس اﻟﺠﻮدة ﻋﻨﺪه "ﺻﺤﺔ اﻟﻤﻌﻨﻰ وﺷﺮﻓﻪ ،وﺗﺨﻴﺮ اﻷﻟﻔﺎظ ﻓﻲ أﻧﻔﺴﻬﺎ ،وﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺗﺠﺎورﻫﺎ ،وﻣﻮاﻓﻘﺘﻬﺎ ﻟﻠﻤﻘﺎم وإﺟﺎدة اﻟﺘﺮﻛﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺷﺮح ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ وﻏﻴﺮه ،ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻜﻮن اﻷﻟﻔﺎظ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻄﻖ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻨﺎﻓﺮ وﺷﺪة اﻟﻐﺮاﺑﺔ ،ﻳﺄﻟﻒ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀً ﺎ ،ﺣﺘﻰ ﺗﻜﻮن اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻤﺘﻮاﻟﻴﺔ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪة ،وﺗﻜﻮن اﻷﻟﻔﺎظ اﻟﺘﻲ ﺗﻮردﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎم اﻟﺤﻤﺎﺳﺔ ﻟﻴﺲ ﻛﺎﻷﻟﻔﺎظ اﻟﺘﻲ ﺗﻮردﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺎم اﻟﻐﺰل واﻟﺘﺸﺒﻴﺐ ،ﻓﻠﻜﻞ ﻓﻦ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻨﻮن أﻟﻔﺎظ ﺗﻮاﻓﻘﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺷﺪﺗﻬﺎ وﻟﻴﻨﻬﺎ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﺗﺴﻤﻌﻬﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮن اﻟﺠﺰل اﻟﺮﻗﻴﻖ" )اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ج ،2ص .(463 ﻣﻨﻬﺞ اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ
ﻛﺎن اﻟﻤﺮﺻﻔﻲ ﻳﻌﺮض اﻟﻨﺼﻮص اﻷدﺑﻴﺔ وﻳﻨﻘﺪﻫﺎ ،وﻳﻮازن ﺑﻴﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ واﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،ﻣﻮازﻧﺎت ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ ذوق ذﻟﻚ اﻟﻌﺼﺮ. ﻟﻔﺘﺖ اﻧﺘﺒﺎه ﻃﻼب وﻛﺎﻧﺖ ﻃﺮﻳﻘﺘﻪ ﻓﻲ اﻷزﻫﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ُﻣﺪ ﱢر ًﺳﺎ ،ﻗﺪ ْ اﻟﻌﻠﻢ ،ﻓﺄﻗﺒﻠﻮا ﻋﻠﻰ َد ْر ِﺳ ِﻪ ﻳﺴﺘﻤﻌﻮن إﻟﻴﻪ ،ﻟﻤﺎ أﻟﻔﻬﻮه ﻣﻦ ﻣﻨﻬﺞ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻌﻮه ﻣﻦ ﺷﻴﻮخ اﻷزﻫﺮ .وﻗﺪ ﺟﺎء ﻧﻬﺞ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺞ ﻛﺘﺎب اﻷﻣﺎﻟﻲ ﻷﺑﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﻟﻲ ،ﺳﻮاء ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﻜﻮﻳﻨﻪ ،أو ﻃﺮﻳﻘﺘﻪ ،ﻓﻘﺪ أﻣﻠﻰ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻤﺮﺻﻔﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻴﺦ ﺣﺴﻦ أﺑﻮ زﻳﺪ ﺳﻼﻣﺔ. ﻓﻲ ﻛﺘﺎب اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻜﻴﻢ راﺿﻲ":اﻟﻨﻘﺪ اﻹﺣﻴﺎﺋﻲ وﺗﺠﺪﻳﺪ اﻟﺸﻌﺮ ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﺘﺮاث :[1].اﻻﺳﺘﻤﺪاد اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث ".ﻳﺨﺼﺺ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻛﺎﻣﻼً ﻟﺪراﺳﺔ ﻛﺘﺎب اﻟﻤﺮﺻﻔﻲ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان" :اﻻﻧﺘﻘﺎء ﻗﺴﻢ اﻟﻤﻮﻗﻒ واﻻﻧﺘﻘﺎء :اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻷدﺑﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ " ،وﻛﺎن ّ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﺘﺮاث إﻟﻰ اﺗﺠﺎﻫﻴﻦ :أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺘﺴﻠﻴﻢ واﻻﻧﻘﻴﺎد، وﻣﺜّﻞ ﻟﻪ ﺑﻜﺘﺎب )ارﺗﻴﺎد اﻟﺴﻌﺮ( ﻟﻤﺤﻤﺪ ﺳﻌﻴﺪ ،و)اﻟﻤﻮاﻫﺐ اﻟﻔﺘﺤﻴﺔ( ﻟﺤﻤﺰة ﻓﺘﺢ اﻟﻠﻪ ،و)ﻋﻠﻢ اﻷدب /ﻣﻘﺎﻻت( ﻟﺸﻴﺨﻮ ،و)دﻟﻴﻞ اﻟﻬﺎﺋﻢ( ﻟﻠﺒﺘﻠﻮﻧﻲ .أﻣﺎ اﻻﺗﺠﺎه اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وﻫﻮ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﻻﻧﺘﻘﺎء واﻻﻧﺘﻘﺎد، وﻋ ّﺮﻓﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺼﺪر ﻋﻦ اﺣﺘﺮام اﻟﺘﺮاث ﺷﺄﻧﻪ ﺷﺄن اﻻﺗﺠﺎه اﻷول ،ﻓﺈﻧﻪ 94
اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ا%دﺑﻴّﺔ ﻟﺤﺴﻴﻦ اﻟﻤﺮﺻﻔﻲ
ﻻ ﻳﻨﻘﺎد ﻟﻪ ﻛﻞ ﻫﺬا اﻻﻧﻘﻴﺎد اﻟﺬي رأﻳﻨﺎه ،وﻻ ﻳﺴﻠﻢ ﻟﻪ ﻛﻞ اﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ،وإﻧﻤﺎ ﻳﺘﻨﺎوﻟﻪ وﻳﻔﺤﺼﻪ ،ﺛﻢ ﻳﺴﺘﻤﺪ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻳﺘﻼءم ﻣﻊ ﺣﺎﺟﺔ ﻋﺼﺮه ،ﺑﻞ ورﺑﻤﺎ ﻳﺤﺎول أن ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﺠﺪل ﺑﻴﻦ ﻧﺼﻮص اﻟﺘﺮاث وﻋﻘﻠﻴﺔ اﻟﻘﺎرئ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻣﺼﺪ ًرا ﻹﻧﺘﺎج دﻻﻻت أﻛﺜﺮ ﺛﺮاء وأﻗﺮب إﻟﻰ روح اﻟﻌﺼﺮ ،وأوﺿﺢ ﻣﺜﺎل ﻟﻪ ﻛﺘﺎب "اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻷدﺑﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ" )ص (66وﻗﺪ أﺷﺎد ﻃﻪ ﺣﺴﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻛﺘﺎﺑﻪ "ﺗﺠﺪﻳﺪ ذﻛﺮي أﺑﻲ اﻟﻌﻼء" ﺑﻤﻨﻬﺞ اﻟﻤﺮﺻﻔﻲ، وﻗﺪ ﻗﺎرﻧﻪ ﺑﻤﻨﻬﺞ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳُﺪ ﱢر ُس ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻗﻮن ،ﻓﻴﻘﻮل" :ﻣﺬﻫﺐ اﻷﺳﺘﺎذ اﻟﻤﺮﺻﻔﻲ ﻧﺎﻓﻊ اﻟﻨﻔﻊ ﻛﻠﻪ ،إذا أرﻳﺪ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﻣﻠﻜﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ وﺗﺄﻟﻴﻒ اﻟﻜﻼم ،وﺗﻘﻮﻳﺔ اﻟﻄﺎﻟﺐ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ وﺣﺴﻦ اﻟﻔﻬﻢ ﻵﺛﺎر اﻟﻌﺮب ،وﻟﻴﺲ ﻳﺮﻳﺪ اﻷﺳﺘﺎذ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ" وﻣﻊ إﺷﺎدﺗﻪ ﺑﻤﺬﻫﺒﻪ ،إﻻ أﻧﻪ ﻳُﻌﻘّﺐ ﻗﺎﺋﻼً":وﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﺬﻫﺐ وﺣﺪه ،ﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﻹﺟﺎدة اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻵداب وﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﻬﺞ اﻟﺤﺪﻳﺚ" )ﺗﺠﺪﻳﺪ ذﻛﺮى أﺑﻲ اﻟﻌﻼء :ص (8وﻣﻦ اﻷﻗﻮال اﻟﺘﻲ ﺗﺆﻛﺪ اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻟﻠﻜﺘﺎب ،ﻣﺎ ذﻛﺮه اﻟﻤﺴﺘﻌﺮب اﻹﻳﻄﺎﻟﻲ ﺑﻴﻴﺮ ﻛﺎﻛﻴﺎ ﻓﻲ ﺑﺤﺜﻪ »ﺗﻄﻮر اﻟﻘﻴﻢ اﻷدﺑﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ واﻟﺘﻄﺒﻴﻖ« ﺣﻴﺚ ﻗﺎل إن اﻟﺸﻴﺦ ﺣﺴﻴﻦ اﻟﻤﺮﺻﻔﻲ »أدﺧﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ اﻷدﺑﻲ ،ﻣﺎ أدﺧﻠﻪ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪه ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ اﻟﺪﻳﻨﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،وﻟﻜﻠﻴﻬﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻓﻀﻞ ﻻ ﻣﺮاء ﻓﻴﻪ«. وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد ﻳﻘﻮل اﻷﺳﺘﺎذ اﻟﺮاﻓﻌﻲ ":إﻧﻪ اﻟﻜﺘﺎب اﻷ ّول اﻟﺬي اض ﺧﻴﺎل ﺷﻮﻗﻲ وﺻﻘ ََﻞ ﻃﺒﻌﻪ وﺻ ّﺤﺢ ﻧﺸﺄﺗﻪ اﻷدﺑﻴﺔ ،ﻫﻮ ﺑﻌﻴﻨﻪ ر َ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﻪ ﺑﺼﻴﺮة ﺣﺎﻓﻆ" .أﻣﺎ اﻷﻣﻴﺮ ﺷﻜﻴﺐ أرﺳﻼن ﻓﻴﻘﻮل.." : واﻟﻈﺎﻫﺮ أن اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻷدﺑﻴﺔ ﻟﻠﻤﺮﺻﻔﻲ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ ﺷﻮﻗﻲ ،ﻗﺪ أﻧﺸﺄت أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺷﻮﻗﻲ وﺣﺎﻓﻆ وﺑﻌﺜﺖ اﻟﺸﻌﺮ ﻣﻦ ﻣﺮﻗﺪه ،وأﺣﻴﺖ ﻟﻸدب اﻟﻌﺮﺑﻲ دوﻟﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻳﻈﻨﻮن أن اﻟﺸﻌﺮ ﻫﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ اﻟﻨﻜﺘﺔ" )ﺷﻮﻗﻲ أو ﺻﺪاﻗﺔ أرﺑﻌﻴﻦ ﺳﻨﺔ ،ص .(100ﻳﺼﻒ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻨﺪور ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻜﺘﺎب ﺑﺄﻧﻪ" :ﺑﻼ ﺷﻚ ﻣﻦ رواد اﻟﺒﻌﺚ اﻷدﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ،وﻣﻦ ﺑﻨﺎﺗﻪ اﻷﺻﻠﻴﻴﻦ" وﻳﺮى أن أﻫﻢ ﻣﺎ ﺗﻤﻴّﺰ ﺑﻪ اﻟﻤﺮﺻﻔﻲ ﻫﻮ وﺳﻴﻠﺘﻪ واﻟﻤﻨﻬﺞ اﻟﺬي رﺳﻤﻪ ﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻪ وﺗﻼﻣﻴﺬه ﻟﺘﺠﻮﻳﺪ إﻧﺘﺎﺟﻬﻢ اﻟﺸﻌﺮي واﻟﻨﺜﺮي واﻟﺴﻤﻮ ﺑﻪ إﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ اﻷدب اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﺒﺎﻟﻎ اﻟﺮوﻋﺔ واﻟﺠﻤﺎل .ﻓﻤﺜﻼً ﻫﻮ ﻳﻮﺻﻲ ﺷُ َﺪاة اﻟﺸّ ﻌﺮ ﺑﺄ ْن ﻳﺤﻔﻈﻮا أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺠﺰل اﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻣﻀﻴﻔًﺎ – وﻫﻨﺎ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺠﺪة واﻟﻄﺮاﻓﺔ )ﺑﺘﻌﺒﻴﺮ ﻣﻨﺪور( – أن ﻳﻨﺴﻮا ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﺣﻔﻈﻮه ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻈﻠﻮا ﻋﺒﻴ ًﺪا ﻟﻪ ،وﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺷﻌﺮﻫﻢ إﻟﻰ ﺗﺮﻗﻴﻊ ﻣﻦ اﻟﺬاﻛّﺮة ،ﺑﺪل أن ﻳﻜﻮن ﺷﻌﺮ ﺣﻴﺎة وﻣﻌﺎﻧﺎة".ﻳﻜﻔﻲ اﻟﻜﺘﺎب وﺻﺎﺣﺒﻪ أﻧﻬﻤﺎ ﺑﻌﺚ اﻟﻨﻘﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،وﺳﺎﻋﺪا ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺒﻌﺚ اﻹﺣﻴﺎﺋﻲ
1982ﻋﻦ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب .وﻛﺘﺐ ﻟﻪ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺟﺪﻳﺪة اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﺪﺳﻮﻗﻲ. ﺟﺎء اﻟﺠﺰء اﻷ ّول ﺑﻌﻨﻮان )اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻷدﺑﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ( ،وﻫﻮ ﺻﻐﻴﺮ اﻟﺤﺠﻢ ) 215ﺻﻔﺤﺔ( ،وﺗﺤ ّﺪث ﻓﻴﻪ ﻋﻦ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺘﻲ وﺟﺪ أﻧﻬﺎ ﺿﺮورﻳﺔ وﻣﻬ ّﻤﺔ ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ واﻟﻨﺎﻗﺪ ،ﻛﻤﺎ ﻋﺮف اﻷدب ،وﺗﺤﺪث ﻋﻦ ﻋﻠﻢ اﻟﻤﻨﻄﻖ ،وﺑ ّﻴﻦ أﻗﺴﺎم اﻟﻠﻔﻆ ﺑﺤﺴﺐ اﻟﻮﺿﻊ واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ واﻟﻤﺠﺎز، وﺗﺤﺪث ﻋﻦ اﻟﻨﺤﻮ وأوﺿﺢ أﺑﻮاﺑﻪ ،وﺧﺘﻢ اﻟﺠﺰء ﺑﺒﺎب ﺗﺤﺪث ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺗﺤﺼﻴﻞ ﻋﻠﻮم اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﺧﺘﻼف ذﻟﻚ ﺑﺤﺴﺐ اﻟﻌﺼﻮر .أﻣﺎ اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻧﻲ وﻫﻮ اﻷﻛﺒﺮ ﺣﺠ ًﻤﺎ واﻷﻋﻈﻢ ﻗﻴﻤﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺒﻠﻎ ﺣﺠﻤﻪ ) 703ﺻﻔﺤﺎت( وﻓﻴﻪ ﻋﺮض ﻟﻌﻠﻮم اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﺮﺿً ﺎ ﺟﺪﻳ ًﺪا ﺑﺄﺳﻠﻮب ﺟﺪﻳﺪ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻋﻠﻮم اﻟﺒﻼﻏﺔ ُﻣﺒﻴ ٍّﻨﺎ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻘﺪ اﻟﻜﻼم ،ﻓﻘﺪ ﺗﻐﻴّﺮ ﻋﻨﻮاﻧﻪ إﻟﻰ )اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻷدﺑﻴﺔ ﻟﻠﻌﻠﻮم اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ( وﺑ ّﺪل "إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ" .وﺗﺤﺪث ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﻓﻨﻮن اﻟﺒﻼﻏﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ اﻟﺒﻴﺎن واﻟﻤﻌﺎﻧﻲ؛ ﻓﺘﺤ ّﺪث ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺎن ،ﻋﻦ اﻟﻤﺠﺎز واﻻﺳﺘﻌﺎرة واﻟﻜﻨﺎﻳﺔ، وﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺗﺤ ّﺪث ﻋﻦ أﺟﺰاء اﻟﺠﻤﻠﺔ ،واﻟﺬﻛﺮ واﻟﺤﺬف ،واﻟﺘﻘﺪﻳﻢ واﻟﺘﺄﺧﻴﺮ ،واﻟﺘﻌﺮﻳﻒ واﻟﺘﻨﻜﻴﺮ ،وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﺒﺎﺣﺚ ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ ،ﺛﻢ
ă ƠǥƞƲLjǖČ ĥǡǗLjǖČ ǢǖĊ ƠǥƞĔǨČ ƠǗǥƵǡǖČ čƜƣǓ ƭǥƹǖČ ƜǠǥǑǗįǤ ĦƜǓ ǣƣǖČ ďČƲƾƜƬǚǖČ ĎƲǚƥ ǡǟ ǣǍ ĥǡǗLjǖČ ĖČĔ čǭǁ ǢǗLJ ǣǎƻƲǚǖČ Ǜǥƶƫ ĞǡƟƵĈ ǕǓ ǛǙ ĆƜLjƞĖǨČĨ ưƫǨČ ǣǙǡǤ ﺗﺤ ﱠﺪث ﻋﻦ ﻓﻦ اﻟﺒﺪﻳﻊ ﻓﺎﺳﺘﻮﻓﻰ اﻟﻜﻼم ﻋﻠﻰ أﻗﺴﺎﻣﻪ. ﺛﻢ اﻧﺘﻘﻞ إﻟﻰ ﻋﻠﻢ اﻟﻌﺮوض واﻟﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺤ ّﺪث ﻋﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﻹﻣﻼء واﻹﻧﺸﺎء ،وﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺸﻌﺮ ووﺟﻪ ﺗﻌﻠّﻤﻪ ،وﺳﺎق ﻧﻤﺎذج ﻟﻠﺸﻌﺮاء اﻟﻘﺪﻣﺎء ،وذﻛﺮ ﻧﻤﺎذج ﻣﻦ ﺷﻌﺮ اﻟﻤﺤﺪﺛﻴﻦ ،وﻛﺎن ﻣﻌﺠ ًﺒﺎ ﺟ ٍّﺪا ﺑﺎﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﻮد ﺳﺎﻣﻲ اﻟﺒﺎرودي ،وﻟﺬﻟﻚ ذﻛﺮ أﻣﺜﻠﺔ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ اﻟﺒﺎرودي ،ووازن ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻬﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﺷﻌﺮ اﻟﻘﺪﻣﺎء. ِ ﻳﻜﺘﻒ ﺑﻤﺎ ﺳﺒﻖ وإﻧﻤﺎ "ﻋﻤﺪ وﻳﺬﻛﺮ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻋﻤﺮ اﻟﺪﺳﻮﻗﻲ ،أﻧﻪ ﻟﻢ إﻟﻰ اﻟﺘﻄﺒﻴﻖ ،وﺻ ّﺤﺢ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﻤﺎ أﺧﻄﺄ ﻓﻴﻪ اﻟﻘﺪﻣﺎء ،وﻛﺎن ﻟﻪ ذوق ُﻣﺮ َﻫﻒ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﻮاﻃﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﻓﻲ اﻟﻜﻼم" .ﻓﻴﺒﺪأ ﻧﻘﺪه ﺑﺘﻔﺴﻴﺮ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
93
ّ اﻟﺬاﻛﺮة ُﻛﺘﺐ ﻓﻲ
ǣǎƻƲǚǖČ ǛǥƶƬǖ Ơǥı ƞĔǨČ ƠǗǥƵǡǖČ ﻣﻤﺪوح ّ ﻓﺮاج اﻟﻨﺎﺑﻲ
ﻳُﻌﺪّ ﻛﺘﺎب "اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻷدﺑ ّﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻌﺮﺑ ّﻴﺔ" أﺣﺪ أﻫﻢ اﻟﻜﺘﺐ اﻷﺳﺎﺳ ّﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﻨﻘﺪي اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻊ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻣﺆﻟﻔﻪ ﺣﺴﻴﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﺮﺻﻔﻲ ﻛﻤﺎ ﻋ ّﺮﻓﻪ ﺟﻮرج زﻳﺪان ﻓﻲ اﻟﺠﺰء اﻟﺮاﺑﻊ ﻣﻦ "ﺗﺎرﻳﺦ آداب اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ" .ﺟﺎءت ﺗﺮﺟﻤﺔ زﻳﺪان ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ ﻣﺒﺎرك ﻋﻨﻪ ﻣﻘﺘﻀﺒﺔ ،وﻫﻲ ﻓﻲ اﻷﺻﻞ ﻣﺄﺧﻮذة ﻣﻦ ﻛﺘﺎب ّ )اﻟﺨﻄﻂ اﻟﺘﻮﻓﻴﻘﻴﺔ ج ،(4ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﺸﺮ إﻟﻰ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﻮﻟﺪه ،وإﻧﻤﺎ ﻛﻔﻴﻒ اﻟﺒﺼﺮِ ،وﺑﻠﻎ ﻣﻦ اﻛﺘﻔﻰ ﺑﻘﻮﻟﻪ" :ﺗﻠﻘﻰ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ اﻷزﻫﺮ ،وﻛﺎن َ ذﻛﺎﺋﻪ واﺟﺘﻬﺎده أﻧﻪ ﺗﻮﻟّﻰ اﻟﺘﺪرﻳﺲ ﻓﻴﻪ".
ﻣﻨﻄﻖ أرﺳﻄﻮ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺪ ّرس ﻓﻲ اﻷزﻫﺮ ﻓﻲ وﺗﻮﺳﻊ ﻓﻲ اﻻﻃﻼع ﻋﻠﻰ أﻣﻬﺎت اﻟﻜﺘﺐ اﻷدﺑ ﱠﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ،ﱠ وﻋﺎﻳﺶ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ دراﺳﺔ وﺗﻤﺜّﻼً .وﻣﻊ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﻣﺪرﺳﺔ اﻟ ُﻌﻤﻴﺎن واﻟﺨُﺮس ﻟﻠﺒﻨﻴﻦ واﻟﺒﻨﺎت ،ﻓﻲ ﻛﺎﻧﻮن اﻟﺜﺎﻧﻲ )ﻳﻨﺎﻳﺮ( ﻋﺎم 1875م ،اﻧﺘُ ِﺪ َب اﻟﻤﺮﺻﻔﻲ ﻟﻠﺘﺪرﻳﺲ ﺑﻬﺎ ،ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻋﻤﻠﻪ ﻓﻲ دار اﻟﻌﻠﻮم ،وﺗﻌﻠﱠﻢ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴّﺔ ،وأﺟﺎدﻫﺎ ،وﺗﺮﺟﻢ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻋﻠﻰ ﻳﺪ زﻣﻴﻠﻪ اﻟﻤﺴﻴﻮ )أورﺑﺎن( اﻟﺬي أﺳﻠﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،وﺗﺴ ﱠﻤﻰ ﺑﺎﺳﻢ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ أﻓﻨﺪي .وﺟﺎء ﺗﻌﻠّﻤﻪ ﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻋﺎﻣﻞ ﻧﻔﺴﻲ ﻫﻮ اﻟﻐﻴﺮة ،ﻓﻘﺪ رأي اﻟﺸﻴﺦ ﺣﺴﻴﻦ اﻟﻤﺮﺻﻔﻲ أن ﻣﻮاﻃﻨﻪ اﻟﺸﻴﺦ زﻳﻦ اﻟﻤﺮﺻﻔﻲ وزﻣﻴﻠﻪ ﻓﻲ ﻋﻀﻮﻳﺔ اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﻌﺎﻟﻲ ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ ،ﻳُﻠ ﱡﻢ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻠﻐﺎت وﻳﺠﻴﺪ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ،ﻓﺂﺛﺮ أن ﻳﺘﻌﻠﱠ َﻢ ذﻟﻚ اﻟﻠﺴﺎن اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻐﺮب ﺑﻪ اﻟﺸﻴﺦ زﻳﻦ اﻟﻤﺮﺻﻔﻲ ﻋﻠﻰ ﺷﻴﻮخ اﻷزﻫﺮ" ،وﻗﺪ ﻧﺴﺐ ﻋﻦ زﻳﻦ أﻧﻪ ﺗﺮﺟﻢ ﻋﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺑﻌﺾ ﺣﻜﺎﻳﺎت "ﻻﻓﻮﻧﺘﻴﻦ" )ﻋﻤﺮ اﻟﺪﺳﻮﻗﻲ ،ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﻜﺘﺎب( .اﻟﻐﺮﻳﺐ أن "ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻨﺪور" ﻻ ﻳﻘﺒﻞ ﺑﺎﺗﻘﺎﻧﻪ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﺣ ّﺪ ﻗﻮﻟﻪ "ﻟﻢ ﻳﺠﺪ أﺛ ًﺮا ﻟﺜﻘﺎﻓﺘﻪ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴّﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻷدﺑﻴﺔ .وﻳﻘﻮل ﻓﻤﻦ اﻟﻤﺆﻛﺪ أﻧﻪ ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﺸﻴﺦ ﺣﺴﻴﻦ ﻗﺪ ﺗﻌ ّﻤﻖ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺣﻘٍّﺎ ﻻﺳﺘﻄﺎع أن ﻳﻤ ّﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﻋﻠﻮم اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،وأن ﻳﻨﺰل ﻛﻼ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻨﺰﻟﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺿﻮء ﻣﺎ اﺳﺘﻘﺮت ﻋﻴﻠﻪ ﻋﻠﻮم اﻟﻠﻐﺎت اﻷوروﺑ ّﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ".
وﻗﺪ ﻧﺴﺐ زﻳﺪان إﻟﻴﻪ ﻛﺘﺎﺑﻴﻦ ،ﻫﻤﺎ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺜﻤﺎن )ﻃﺒﻊ ﺑﻤﺼﺮ ﻋﺎم 1298ﻩ( ،واﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻷدﺑﻴﺔ )ﻃﺒﻊ ﺑﻤﺼﺮ ﻋﺎم 1296ﻩ( .وﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أﻫﻤﻞ زﻳﺪان ﻛﺘﺎﺑًﺎ ﺛﺎﻟﺜًﺎ ﻟﻠﻤﺮﺻﻔﻲ ﻫﻮ "دﻟﻴﻞ اﻟﻤﺴﺘﺮﺷﺪ ﻓﻲ ﺧﺼﻪ ﺑﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﻓﻦ اﻹﻧﺸﺎء ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺠﻠﺪات" .ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺬي ّ ﻣﻨﺪور ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ" :اﻟﻨﻘﺪ واﻟﻨﻘﺎد اﻟﻤﻌﺎﺻﺮون" ﻳﺬﻛﺮ ﺗﺎرﻳﺦ وﻓﺎﺗﻪ، ﻓﻴﺜﺒﺘﻪ ﻫﻜﺬا )ﺗﻮﻓﻲ ﻓﻲ 5ﺟﻤﺎدى اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺳﻨﺔ 1307ﻩ1889 -م(. ﻳﺘﻌﺮض اﻟﺸﻴﺦ اﻷزﻫﺮي ﻓﻲ ﻛﺘﺎب "اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺜﻤﺎن" ،إﻟﻰ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﻛﻠﻤﺎت ﻫﻲ :اﻷﻣﺔ ،اﻟﻮﻃﻦ ،اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ،اﻟﻌﺪل ،اﻟﻈﻠﻢ ،اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ، اﻟﺤﺮﻳﺔ ،اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ .وﺗﻌ ﱡﺪ ﺗﻠﻚ أ ّول ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻣﺼﺮﻳﺔ ﻟﻠﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺎت ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎن اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﻗﺪ ﺷﺎع ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ .اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻷدﺑﻴﺔ وﻧﺎﻗﺶ ﻓﻴﻪ أﻫﻢ ﻣﺸﺎﻛﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺼﺮي وأﺳﺒﺎب اﻧﺤﻄﺎﻃﻪ ،ﻓﺄﺷﺎر ﻛﺘﺎب "اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻷدﺑﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ" ،ﻫﻮ ﺛﻤﺮة اﻟﻤﺤﺎﺿﺮات إﻟﻲ ﻏﻴﺎب اﻟﺘﺸﺎور ،واﻟﺘﻔ ﱡﺮق اﻟﺪﻳﻨﻲ ،وﺳﻄﻮة اﻟﻌﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻼﺣﻴﻦ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳُﻠﻘﻴﻬﺎ اﻟﺸﻴﺦ ﺣﺴﻴﻦ اﻟﻤﺮﺻﻔﻲ ﻋﻠﻰ ﻃﻼب دار اﻟﻌﻠﻮم ّ وﻇﻠﻤﻬﻢ .ﻛﻤﺎ اﻧﺘﻘﺪ اﻟﻮﻋﺎظ واﻟﺨﻄﺒﺎء ،اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪﻋﻮن اﻟﻨﺎس إﻟﻰ ﻋﺪم ﻓﻲ ﻳﻮﻣﻲ اﻷﺣﺪ واﻷرﺑﻌﺎء ﻣﻦ ﻛﻞ أﺳﺒﻮع .وﻛﺎﻧﺖ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﻨﻮاة اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،واﻧﺘﻘﺪ اﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ وﻣﺎ أدﺧﻠﻮه ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ،وﻛﺬﻟﻚ ﻹﻧﺸﺎء ﻣﺪرﺳﺔ »دار اﻟﻌﻠﻮم« ،ورأى أن ﺗﻜﻮن ﻫﺬه اﻟﺪروس ﻣﻨﻬ ًﺠﺎ اﻧﺘﻘﺪ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺘﺪرﻳﺲ وﻧﻈﺎم اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ،وذﻛﺮ أن وﺳﺎﺋﻠﻬﺎ ﻋﻔﻰ دراﺳ ٍّﻴﺎ ﻟﻤﻌﻬﺪ ﺟﺪﻳﺪ اﻗﺘﺮﺣﻪ »ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ ﻣﺒﺎرك« ﺳﻨﺔ ،1822وﻣﻦ ﻗﺼ ُﺐ ذﻟﻚ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺗﺮك اﻟﺸﻴﺦ »ﺣﺴﻴﻦ اﻟﻤﺮﺻﻔﻲ« ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺰﻣﻦ .وﻣﻦ ﺛﻢ ﻛﺎن ﻟﻠﻤﺮﺻﻔﻲ َ اﻟﺴ ْﺒﻖ ﻓﻲ ﺗﺤﺮﻳﺮ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻣﻦ اﺣﺘﻜﺎر ĚǡƼǝǖČ ěƲLjǤ ǣǎƻƲǚǖČ ĦƜǓاﻟﺘﺪرﻳﺲ ﺑﺎﻷزﻫﺮ ،ﻟﻴﻜﻮن أ ّول أﺳﺘﺎذ ﻟﻸدب اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ .ﺗﻤﻴﺰت ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ ﻛﻤﺎ ﺟﺎء ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻟﻨﻘﺪ ﻓﻲ »دار اﻟﻌﻠﻮم« وﻳﻜﻮن ĦėČǡǤĨ ăƜǟưǑǝǤĨ ƠǥƞĔǨČ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ ﻣﺒﺎرك ﺑﺄﻧﻬﺎ أزﻫﺮﻳﺔ ،ﺣﻴﺚ "ﺣﻔﻆ راﺋ ًﺪا ﻟﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ .اﻟﻜﺘﺎب ﻋﺒﺎرة ّ ƠǚǤưǑǖČ ĚǡƼǝǖČ ƽLjƞ Ǜǥƞ اﻟﻘﺮآن واﻟﻤﺘﻮن واﻟﺘﺤﻖ ﺑﺎﻷزﻫﺮ ،وﻛﺎن واﻟﺪه ﻋﻦ ﻣﺠﻠﺪﻳْﻦ ،ﻃﺒﻊ اﻟﺠﺰء اﻷول ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﻋﺎم ƜǠǍƲLjǤ ǘǖ ďƜǜėČǡǙ ăƠƦǤưƬǖČĨ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﻌﻠﻤﺎء" .وﻗﺪ ﺑﺮع ﻓﻲ ﻋﻠﻮم اﻟﻠﻐﺔ 1875م ،وﻃﺒﻊ اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻋﺎم 1879م. ƲƼLjǖČ ǒǖĕ ĢĨĕ ﻣﻦ ﻧﺤﻮ وﺻﺮف وﺑﻴﺎن وﻣﻌﺎن وﺑﺪﻳﻊ ،و َﻋ َﺮ َف وﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ أﻋﻴﺪت ﻃﺒﺎﻋﺘﻪ ﻋﺎم 92
اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ا%دﺑﻴّﺔ ﻟﺤﺴﻴﻦ اﻟﻤﺮﺻﻔﻲ
أن ﻳﺘﺪاوﻟﻮﻫﺎ .وﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﻣﺪى اﻟﻀﺮر اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﻔﺎدح اﻟﺬي ﺳﺒﺒﺘﻪ اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ ﻓﻲ أﻣﻴﺮﻛﺎ ﺣﻴﻦ ﺻﻤﻢ اﻟﺒﻴﺾ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺰﻋﻢ اﻟﺘﻔﻮق اﻟﻌﻘﻠﻲ ﻋﻠﻰ اﻹﺧﻀﺎع اﻟﻘﺴﺮي ﻟﻘﻄﺎع اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﺆﺛﺮ ﺑﻘﻮة ﻓﻲ ﻣﺴﺎر اﻟﺤﻴﺎة اﻻﻣﻴﺮﻛﻴﺔ أﻻ وﻫﻢ اﻟﺰﻧﻮج ذوي اﻷﺻﻮل اﻟﺴﻮداء .ﻟﻘﺪ زرع اﻟﺒﻴﺾ ﻓﻲ ﻧﻔﻮس اﻟﺴﻮد أﺣﺎﺳﻴﺲ اﻟﺬﻟﺔ واﻟﻤﺴﻜﻨﺔ ﻗﺮوﻧﺎً ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﺘﻘﺒﻠﻮن اﻟﻤﻬﺎﻧﺔ واﻟﺘﺤﻘﻴﺮ واﻟﻬﺰء ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻗﺪرا ً ﻻﻣﻔﺮ ﻣﻨﻪ وﺟﺰءا ً ﻻﻳﺘﺠﺰأ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ .أﻣﺎ ﺛﺎﻟﺜﺔ اﻷﺛﺎﻓﻲ وﻣﺼﻴﺒﺔ اﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻓﻘﺪ ﺗﻤﺜﻠﺖ ﻓﻰ ﺗﺸﺘﻴﺖ أﻓﺮاد اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﻮاﺣﺪة وﺗﻤﺰﻳﻖ أوﺻﺎﻟﻬﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻷﺳﺮﻳﺔ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺒﻴﺾ اﻟﻰ ﺣﺪ إﻧﻜﺎر ﺣﻖ اﻟﻌﺒﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﺘﻤﺘﻊ ﺑﻐﺮاﺋﺰ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻛﺎﻷﻣﻮﻣﺔ واﻷﺑﻮة .واﻷدﻫﻰ واﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻛﺎن ﻫﻮ اﻟﻜﺎرﺛﺔ اﻟﻸﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﺘﻲ وﻟﺪﺗﻬﺎ ﻋﺒﻮدﻳﺔ اﻟﺴﻮد ﻓﻲ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻓﻘﺪ ﺣﻴﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺒﻴﺪ وﺑﻴﻦ ﺳﺒﻞ اﻻرﺗﻘﺎء اﻟﺨﻠﻘﻲ واﻟﺴﻤﻮ اﻟﻤﻌﻨﻮي اﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻧﻰ اﻟﺤﺐ واﺣﺘﺮام اﻟﺬات واﻷﻣﺎﻧﺔ واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ وإﻧﻜﺎر اﻟﺬات .ﺑﻞ ﻟﻘﺪ ﺑﺬل اﻟﺒﻴﺾ ﻛﻞ ﻣﺎﻓﻲ اﻟﻮﺳﻊ ﻟﺤﻔﺰ اﻟﻌﺒﻴﺪ اﻟﺴﻮد ﻋﻠﻰ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺠﻨﺲ ﻣﻦ دون ﺗﻤﻴﻴﺰ وﻋﻠﻰ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺴﺮﻗﺔ وﻋﻠﻰ إﺿﺮام اﻟﺤﺮاﺋﻖ واﻟﻌﺪوان ﻋﻠﻰ اﻟﻐﻴﺮ وﻗﺘﻠﻬﻢ ﺑﻞ وﻗﺘﻞ اﻹﺧﻮة واﻷﺧﻮات وأﺧﻴﺮا ً وﻟﻴﺲ آﺧﺮا ً ﻗﺘﻞ اﻟﻨﻔﺲ اﻧﺘﺤﺎرا ً .وﻛﺎن اﻋﺘﺒﺎر اﻹﻣﺎء اﻟﺴﻮداوات أوﻋﻴﺔ ﻟﻠﺘﻜﺎﺛﺮ واﻹﻧﺠﺎب ﻗﺎﻋﺪة ﻣﻘﺮرة ﻣﻦ دون أدﻧﻰ ﻣﻮارﺑﺔ واﺳﺘﺨﺪم اﻟﺒﻴﺾ ﻛﻞ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﻓﻲ ﺗﺸﺠﻴﻊ زﻳﺎدة ﻧﺴﻞ
اﻟﻌﺒﻴﺪ اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﻴﻦ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﺠﺎرة. وﻛﺎن اﺳﺘﻘﺮار اﻟﻌﻮاﺋﻞ اﻟﺴﻮداء أﻣﺮا ً ﻋﺼﻲ اﻟﻤﻨﺎل ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻷى زﻳﺠﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺳﻨﺪ ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻶﺑﺎء واﻷﻣﻬﺎت اﻟﻤﺴﺘﻌﺒﺪﻳﻦ أدﻧﻰ وﻻﻳﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ أوﻻدﻫﻢ.وﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ﻓﻘﺪ ﺑﺎت اﺧﺘﻼط اﻷﻧﺴﺎب ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺮﻗﻴﻦ اﻷﺑﻴﺾ واﻷﺳــﻮد أﻣـﺮا ً ﻳﻤﺎرس ﻣﻦ دون ﻫــﻮادة ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب اﻷﻣﻴﺮﻛﻲ ﻣﻦ دون ارﺗﺒﺎط زوﺟﻲ ﺷﺮﻋﻲ إﻣﺎ ﻋﺒﺮ اﻻﻏﺘﺼﺎب أو ﺑﺎﻟﻐﻮاﻳﺔ واﻹﻏﺮاء .وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﻘﺪ ﻇﻬﺮ ﻟﻠﻮﺟﻮد ﻓﻲ أﻧﺤﺎء اﻟﺠﻨﻮب اﻷﻣﻴﺮﻛﻲ أﻋﺪادا ً ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺴﻮد ذوى اﻟﺒﺸﺮة اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻼﺳﻴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻻﻫﻢ ﺳﻮد ﻋﻠﻰ ﺟﻬﺔ وﻻﻫﻢ ﺑﻴﺾ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى وإﻧﻤﺎ ﻫﻢ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻨﺰﻟﺘﻴﻦ.وﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺒﻴﺾ ﻫﻢ ﻣﻦ ﻳﺸﺒﻌﻮن ﻏﺮاﺋﺰﻫﻢ اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻣﻊ اﻟﻨﺴﻮة اﻟﺴﻮداوات ﻓﻘﻂ ﺑﻞ اﻣﺘﺪ اﻷﻣﺮ ﻟﻴﺸﻤﻞ اﻟﻨﺴﻮة اﻟﺒﻴﻀﺎوات اﻟﻼﺋﻲ أﻗﺒﻠﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺠﻨﺲ ﻣﻊ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺴﻮد اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﺤﻮﻟﻮن ﺟﺮاء ذﻟﻚ وﻋﻠﻰ اﻟﺪوام إﻟﻰ ﻛﺒﺎش ﻓﺪاء ﻋﻠﻰ ﻣﺬﺑﺢ اﻻﺗﻬﺎم ﺑﺎﻻﻏﺘﺼﺎب ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺴﺎدة اﻟﺒﻴﺾ .ﻟﻘﺪ أﻟﺤﻖ ﻫﺬا اﻟﻨﻐﻞ وذﻟﻚ اﻟﺴﻔﺎح اﻟﺠﻨﺴﻲ اﻟﺬي اﺳﺘﻤﺮ ﻃﻴﻠﺔ ﺛﻼﺛﺔ ﻗﺮون ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن ﺗﻠﻮﻳﺜﺎً ﻣﻤﻨﻬﺠﺎً ﺑﺎﻟﻌﺮق اﻷﺳﻮد ﻣﺎ أﻓﻘﺪه ﺟﺬوره اﻷﻓﺮﻳﻘﻴﺔ اﻷﺻﻠﻴﺔ وﻫﺪد ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻛﺒﻴﺮ ﺑﻤﺤﻮ اﻟﺒﺸﺮة اﻟﺴﻮداء اﻷﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
91
إﺿﺎءة
ĔǡƵǨČ ƴǝƩǖČ ĔƜǠǂƾČĨ ĢƲǖČ ĥƜƵ ǘLjǖČ Ĕǭƞ ǣǍ ﻓﻲ ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ اﻷﻓﺮوأﻣﺮﻳﻜﻲ ﻟﻲ روي ﺟﻮﻧﺰ ﺑﻌﻨﻮان "اﻟﻌﺒﺪ" ﻳﻬﺎﺟﻢ أﺣﺪ اﻟﺒﻴﺾ اﻟﻌﻨﺼﺮﻳﻴﻦ ﺧﺼﻤﻪ ووﻛﺮ وﻫﻮ ﻋﺒﺪ أﺳﻮد ﺳﺒﻖ اﻋﺘﺎﻗﻪ ﻗﺎﺋﻼً" :ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﺗﺪﻋﻮ إﻟﻰ ﻗﺘﻞ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﺒﻴﺾ ﻳﺎ ووﻛﺮ" .ﻓﻴﺮد ووﻛﺮ" :ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ أوﺟﻪ ﺻﺮﺧﺎﺗﻲ إﻟﻰ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻬﺮ ﻻ إﻟﻰ ﻫﺬا أو ذاك ﻣﻦ اﻷﻓﺮاد" .ﻟﻘﺪ ﺗﺮﻛﺖ اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ ﻓﻲ أﻣﻴﺮﻛﺎ آﺛﺎرا ً ﻻإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻏﺎﺋﺮة ﻓﻲ ﻧﻔﻮس ﻣﻦ وﻗﻊ ﻓﻲ ﺣﺒﺎﺋﻠﻬﺎ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻮاء ﻣﺠﺒﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻞ دون ﻣﻘﺎﺑﻞ وﻋﻠﻰ اﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺔ ﻳﺘﺤﻜﻢ اﻷﺳﻴﺎد واﻟﻤﻼك ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﻣﻘﺎﻟﻴﺪﻫﺎ .ﻟﻘﺪ أﻛﺮه اﻟﺰﻧﻮج اﻟﻌﺒﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﻮل اﻟﺘﻮﻃﻦ ﻓﻲ ﺑﻘﺎع ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ وﺗﻢ اﻗﺘﻼﻋﻬﻢ ﻗﺴﺮا ً ﻣﻦ ﺟﺬورﻫﻢ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﺎ ﻧﺠﻢ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻤﻄﺎف ﺣﺮﻣﺎﻧﻬﻢ ﻣﻦ أﺻﻮﻟﻬﻢ اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﻤﺴﺘﻌﺒﺪة ﻋﺮﺿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ﻟﺘﺸﺘﺖ أﻓﺮادﻫﺎ ﺑﺒﻴﻊ اﻷﻃﻔﺎل واﻷب واﻷم .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺴﻮة اﻟﺴﻮداوات ﻣﺠﺒﺮات ﻋﻠﻰ ﻣﻀﺎﺟﻌﺔ أﺳﻴﺎدﻫﻦ اﻟﺒﻴﺾ واﻟﺤﻤﻞ وإﻧﺠﺎب اﻷوﻻد ﺟﺮاء ﻫﺬه اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ .ﻟﻘﺪ ﻓﻘﺪ اﻷب اﻟﻤﺴﺘﺮق ﺳﻠﻄﺘﻪ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ أدﻧﻰ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻓﻲ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻣﺼﻴﺮ وﻣﺴﺘﻘﺒﻞ زوﺟﺘﻪ أو أوﻻده .واﻷﻧﻜﻰ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻋﺎﺟﺰا ً ﻋﻦ دﻓﻊ اﻷذى ﻋﻨﻬﻢ وﺣﻤﺎﻳﺘﻬﻢ ﻣﻦ أي ﺧﻄﺮ أو أذى ﻣﺤﻴﻖ.ﻟﻘﺪ ﺑﺪأت ﺗﺠﺎرة اﻟﺮﻗﻴﻖ ﻓﻲ أﻣﻴﺮﻛﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم .1619وﺑﺮﻏﻢ ﻧﺸﻮب اﻟﺜﻮرة اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ 1775-1765وإﻋﻼن اﻹﺳﺘﻘﻼل ﻓﻲ اﻟﻌﺎم 1776وإﻋﻼن أﺑﺮاﻫﺎم ﻟﻴﻨﻜﻮن ﺗﺤﺮﻳﺮ اﻟﻌﺒﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم 1863 ﻓﻘﺪ ﺗﻮاﺻﻞ ازدﻫﺎر ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺠﺎرة .ﻟﻘﺪ أﻟﺤﻖ اﻟﺮق ﻓﻲ أﻣﻴﺮﻛﺎ ﺑﺎﻟﺰﻧﻮج اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﻴﻦ أﺿﺮارا ً ﻓﺎدﺣﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺪ .أول ﻫﺬه اﻟﻨﻜﺒﺎت ﻫﻮ ﻣﺎ ﻃﺎل اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﺮﻗﻴﺔ اﻟﺴﻼﻟﻴﺔ ﻟﻠﺰﻧﻮج اﻟﻤﺴﺘﻌﺒﺪﻳﻦ. ﻟﻘﺪ ﺑﺪأ ﺗﻘﺰﻳﻢ آدﻣﻴﺔ اﻟﻌﺒﻴﺪ اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﻴﻦ ﻓﻲ ذات اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻰ اﻋﺘﺒﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺒﻴﺾ أوﻟﺌﻚ اﻟﺴﻮد "ﻣﺠﺮد أﺷﻴﺎء ﻳﻤﻠﻜﻮﻧﻬﺎ" .ﻓﻘﺪ ﺣﻮﻟﻬﻢ ذﻟﻚ اﻟﺘﺼﻮر إﻟﻰ وﺿﻊ أﺷﺒﻪ ﺑﻮﺿﻊ اﻟﻤﻠﻜﻴﺎت اﻟﻌﻘﺎرﻳﺔ ﻓﻬﻢ ﻳﺒﺎﻋﻮن وﻳﺸﺘﺮون وﻳﺘﻢ اﻟﻤﻘﺎﻳﻀﺔ ﺑﻬﻢ وﺗﺄﺟﻴﺮﻫﻢ وﻳﻘﺪﻣﻮن ﻛﻬﺪاﻳﺎ وﻳﺪرﺟﻮن ﻓﻲ وﺻﺎﻳﺎ ﺳﺎدﺗﻬﻢ ﻛﻤﻮارﻳﺚ ﺗﻮزع ﻋﻠﻰ اﻟﻮرﺛﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ وﻓﺎة اﻟﺴﺎدة اﻟﻤﺎﻟﻜﻴﻦ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﻨﻮك ﺗﻘﺪم اﻟﻘﺮوض ﻟﻠﺒﻴﺾ ﻟﺸﺮاء اﻟﻌﺒﻴﺪ وﺗﻘﺒﻞ اﻟﻌﺒﻴﺪ ﻛﻀﻤﺎن ﻷي ﻗﺮوض ﺗﻘﺪﻣﻬﺎ ﻟﻠﺴﺎدة اﻟﺒﻴﺾ .وﻛﺎن ﺗﺠﺎر اﻟﻌﺒﻴﺪ ﺷﺄﻧﻬﻢ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺷﺄن اﻟﻮﻛﻼء واﻟﺴﻤﺎﺳﺮة اﻟﻌﻘﺎرﻳﻴﻦ ﻳﺘﻘﺎﺿﻮن أﺟﻮرا ً ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﻋﻤﻠﻴﺎت ﺷﺮاء وﺑﻴﻊ اﻟﻌﺒﻴﺪ اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﻴﻦ .وﺷﺎع ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ ﻣﺒﺪأ اﻟﻤﺴﺎواة ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺒﻴﺪ واﻟﻤﺎﺷﻴﺔ ﻓﻲ أﺳﻮاق اﻟﺒﻴﻊ واﻟﺸﺮاء .وﻛﺬا 90
اﻟﺮق واﺿﻄﻬﺎد اﻟﺠﻨﺲ ا%ﺳﻮد ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻌﻢ ﺳﺎم
د.ﺻﺪﻳﻖ ﻣﺤﻤﺪ ﺟﻮﻫﺮ أﺳﺘﺎذ ا%دب ا ﻧﺠﻠﻴﺰي واﻟﻨﻘﺪ – ﺟﺎﻣﻌﺔ ا ﻣﺎرات
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻷى ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻣﺼﻴﺮه ﺑﺄي ﺣﺎل ﻣﻦ اﻷﺣﻮال وﻛﺎن ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺘﻨﺎﺳﻞ واﻟﺘﻜﺎﺛﺮ ﺣﺘﻰ ﺗﺰداد أﻋﺪاد اﻟﻌﺒﻴﺪ .وﺣﺴﺐ اﻟﻤﺆرخ ﻓﺮاﻧﺴﻴﺲ ﺳﻤﻴﺚ ﻓﻮﺳﺘﺮ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺒﻴﺾ ﻳﻌﻤﺪون إﻟﻰ ﺗﻘﻴﻴﺪ أرﺟﻞ اﻟﻌﺒﻴﺪ وﺗﻌﻠﻴﻘﻬﻢ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺘﺪﻟﻰ أﻳﺎدﻳﻬﻢ ﺻﻮب اﻷرض ﻟﺴﺎﻋﺎت وﺳﺎﻋﺎت ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻮﺿﻌﻮن داﺧﻞ ﺑﺮاﻣﻴﻞ ﻣﺘﻬﺎﻟﻜﺔ وﻳﺘﻢ اﻟﺪﻓﻊ ﺑﻬﻢ ﻣﻦ أﻋﻠﻰ اﻟﺘﻼل ﺻﻮب اﻟﺴﻔﻮح وﻛﺎن ﺳﺎدﺗﻬﻢ اﻟﺒﻴﺾ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺟﻠﻮدﻫﻢ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺪ اﻟﺴﺎﺧﻦ اﻟﻤﺤﻤﻰ وﻳﺸﻮﻫﻮن أﺟﺴﺎدﻫﻢ ﺑﻨﺰع اﻷﻇﺎﻓﺮ وﻓﻘﺄ اﻟﻌﻴﻮن وﻗﻄﻊ اﻵذان .وﻛﺎن اﻟﺴﺎدة اﻟﺒﻴﺾ ﻳﺠﺒﺮون ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺮع اﻟﺴﻮاﺋﻞ اﻟﻜﺮﻳﻬﺔ وأﻛﻞ اﻟﺪﻳﺪان وﺑﻌﻀﻬﻢ اﻵﺧﺮ ﻛﺎن ﻳﺘﻢ ﺗﻮﺛﻴﻘﻬﻢ إﻟﻰ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎً أو ﻳﺠﺮون ﺑﺄرﺟﻠﻬﻢ أﺛﻘﺎﻻً ﺛﻢ ﻳُﻜﺮﻫﻮن ﻋﻠﻰ أداء ﺣﺼﺘﻬﻢ ﻓﻰ اﻟﻌﻤﻞ. وﻳﻌﺘﻘﺪ ﻓﻮﺳﺘﺮ أن اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ اﻟﺘﻰ ﻃﺎل أﻣﺪﻫﺎ ﻓﻰ أﻣﻴﺮﻛﺎ ﺟﺮدت اﻟﺴﻮد ﻣﻦ ﻛﻞ راﺑﻄﺔ ﻗﺒﻠﻴﺔ أو ﻋﺎﺋﻠﻴﺔ ،ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن اﻷﺳﻮد اﻷﻣﻴﺮﻛﻲ ﻫﻮ اﻣﺮؤ ﻻاﺳﻢ ﻟﻪ وﻻ ﻣﻮروث وﻻ ﻛﺒﺮﻳﺎء .ﻟﻘﺪ ﺟﺬرت ﺑﻴﺌﺔ اﻟﻌﻴﺶ ﻓﻰ أﻣﻴﺮﻛﺎ اﻟﺒﻴﻀﺎء ﻓﻰ أﻋﻤﺎق اﻟﺰﻧﻮج أﺣﺎﺳﻴﺲ اﻟﻌﺎر واﻟﺨﺰى وﻣﺸﺎﻋﺮ اﻟﺮﻓﺾ واﻹﻧﻜﺎر ﻟﻤﺎﺿﻴﻬﻢ اﻹﻓﺮﻳﻘﻲ .ﻟﻘﺪ ﺻﻮرت أﻣﻴﺮﻛﺎ اﻟﺒﻴﻀﺎء أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻛﺄرض ﻟﻠﺠﻬﻞ وﻣﺄوى ﻟﻠﻬﻤﺞ اﻟﻮﺛﻨﻴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﺮﻫﻮن اﻟﻐﺮب وﻳﻜﻨﻮن ﻟﻪ اﻟﻌﺪاء .وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﻘﺪ آل أﻣﺮ اﻟﺴﻮد ﻓﻰ أﻣﻴﺮﻛﺎ إﻟﻰ اﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ اﻻﻟﺘﻔﺎت ﺻﻮب أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻃﻠﺒﺎً ﻟﻠﺰاد اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻛﻤﺎ ﺣﻴﻞ ﺑﻴﻨﻬﻢ وﺑﻴﻦ اﻟﻨﻬﻞ ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ ﻃﻴﻠﺔ ﻗﺮون ﺧﻠﺖ .وﻛﺎن ﻣﻦ ﻧﺘﻴﺠﺔ ذﻟﻚ أﻧﻬﻢ ﺷﻜﻠﻮا ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻓﺮﻋﻴﺔ ووﺿﻌﻮا ﺷﻜﻼً ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ اﻟﺴﻮداء ﻧﺄت ﺑﻬﻢ روﻳﺪا ً روﻳﺪا ً ﻋﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ اﻟﺴﺎﺋﺪة .ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻹﻧﺴﺎن اﻷﺳﻮد ﻣﺤﺮوﻣﺎً ﻣﻦ ﺗﺤﺼﻴﻞ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﺤﺴﺐ ﺑﻞ ﻛﺎن ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ ﻣﻘﻄﻮع اﻟﺼﻠﺔ ﺑﺎﻷدب وﻛﺎﻓﺔ ﺻﻮر اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ اﻟﻔﻨﻲ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻫﻲ اﻟﺼﻮرة اﻟﻮﺣﻴﺪة ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ اﻟﻔﻨﻲ اﻟﺘﻲ أﻣﻜﻦ ﻟﻠﻌﺒﻴﺪ اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﻴﻦ
أﺛﺮ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ
lǣǑǎǖČ ƲǥƟLJz ǢǗǥǖ ﻟﺪي ﻣﺨﻔﻲ /ﺣﻴﻦ أرﻏﺐ ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ إﻇﻬﺎره ،أﺻﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﺨﻠﺐ ﺣﺎ ّد ) ّ ٌ ّ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﺜﻠﻜﻢ ذﺋﺒﺔ( ،ﻫﻜﺬا ﺗﺒﺪأ اﻟﺸﺎﻋﺮة اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻋﺒﻴﺮ اﻟﻔﻘﻲ دﻳﻮاﻧﻬﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪ )اﺳﻤﻲ ﻟﻴﺲ ﻟﻴﻠﻰ( ،اﻟﺼﺎدر ﻋﻦ دار )ﻫﻦ( ﺑﺎﻻﺷﺘﺮاك ﻣﻊ )ﺑﻴﺖ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺴﻮﻣﺮي( ،ﺗﺒﺪأه ﺑﻌﺪواﻧﻴﺔ ﺗﺤﺬﻳﺮﻳﺔ ﻟﻤﻦ ﻳﺴﺘﻬﻴﻨﻮن ﺑﻮﺟﻮدﻫﺎ "اﻟﺸﺮﻋﻲ" ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻌﺮاء ،ﺑﺘﻮﻛﻴﺪ )ﻛﻞ اﻷﺷﻴﺎء ﺗﺘﻐﻴﺮ إﻻ ﻟﺪي /ﻓﻠﻤﺎذا أﻧﺎ /أﻧﺰﻟﻖ ﻋﻤﻴﻘﺎً إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ( ،ﻓﻬﻲ )ﻋﺰﻻء /ﻻ ﻣﻴﺮاث ّ ﺗﻔﺰﻋﻜﻢ اﻣﺮأة ﺧﺎﺋﺒﺔ( ،ﺗﻮد ﺟﺮح اﻟﻘﻠﻮب ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺳﺄﻟﻬﺎ أﺣﺪﻫﻢ )ﻛﻴﻒ ِ ﺣﺎﻟﻚ اﻟﻴﻮم( ،ﻫﻲ إذن ﻣﺜﻘﻠﺔ ﺑﻐﻀﺐ ﺗﺤﺒﺴﻪ ﻓﻲ ﺻﺪرﻫﺎ ،ﻣﻦ دون إﻇﻬﺎر أي ﻧﺪم. ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪة )اﻟﺒﻬﻠﻮاﻧﺎت( ،ﺗﺮﺛﻲ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﺑﺮاءة ﻟﺌﻴﻤﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻻ وﻗﺖ ﻟﻤﻮاﺳﺎة أﺣﺪ ،ﻓﻤﻊ أﻧﻬﻢ ﻳﺴﻴﺮون ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺒﻞ ﺑﺨﻔﺔ ،إﻻ أﻧﻬﻢ ﺑﻼ ﻛﺮاﻣﺔ ،ﺗﺤﺒﺒﺎً ﻟﺮﺿﺎ اﻷﺳﻴﺎد ،واﻧﺘﻬﺎﺑﺎً ﻟﻔﺮﺻﺔ اﻟﻨﺠﺎة أﻻ ﻳﺼﺒﺤﻮا ﻃﻌﺎﻣﺎً ﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﺴﻴﺮك ،ﻟﻜﻦ اﻟﻔﻘﻲ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪة )ﻻ أﺟﻴﺪ اﻟﻮداﻋﺎت اﻟﺘﺪرﻳﺠﻴﺔ( ﺗﻘﻮﻟﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ أﻓﺼﺢ ،ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﺠﻴﺪ اﻟﺮﺣﻴﻞ اﻟﻤﺠﺰأ وﻻ اﻟﻤﻮت اﻟﺒﻄﻲء وﻻ اﻟﻘﺮار اﻟﻤﺆﺟﻞ ،ﺗﺸﻄﺐ اﻷﺳﻤﺎء ﻣﻦ اﻟﺬاﻛﺮة، وﺗﻔﻀﻞ أن ﺗﻐﻠﻖ اﻟﺒﺎب ﻣﻦ دون رﺟﻌﺔ ،ﻓﺎﻟﻨﻬﺎﻳﺎت ﻗﺎﻃﻌﺔ ،ﺗﻤﻸ اﻷﻟﻢ ﻣﺮارة ،ﺗﻌﺠﺰ ﻣﻌﻬﺎ ﻋﻦ اﺳﺘﻜﻤﺎل ﺣﺘﻰ اﻟﻘﺼﻴﺪة. ﻳﻐ َّﺺ اﻟﺪﻳﻮان ﺑﺴﺮد ﺣﻜﺎﺋﻲ ،ﻣﻄ ّﻌﻢ ﺑﺄﺳﺎﻃﻴﺮ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺴﻤﻴﻬﺎ "اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ" ،ﻓﻼ ﺗﻌﻨﻴﻬﺎ اﻟﺨﺮاﻓﺔ إﻻ ﻓﻲ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻣﻬﺪا ً ﻟﺒﺪاﻳﺔ اﻟﻘﺼﻴﺪة، ﺛﻢ ﺗُﻠﺤﻤﻬﺎ وإن ﻋﻨﻮة أﺣﻴﺎﻧﺎً ﺑﻠﺤﻢ ِ اﻟﺸﻌﺮ ،ﺣﺘﻰ ﺗﺘﺤ ّﻨﻦ إﻟﻰ ﻗﺎرئ ﺟﺪﻳﺪ ﻗﺪ ﻳﺮاﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ اﻷﺻﻠﻴﺔ ،ﻓﻬﻲ ﺗﺤﻠﻢ ﺑﻐﺎﺑﺔ آﻣﻨﺔ ،ﻛﻞ )ﻟﺴﺖ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ(، أﺣﻼﻣﻬﺎ ﺟﻤﻴﻠﺔ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻜﺮر ُ ﻓﻲ اﺳﺘﺬﻛﺎرﻫﺎ ﻫﻴﻜﻞ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻟﻢ ﺗﺮﺗﻜﺒﻬﺎ ،ﻣﻊ ذﻧﺐ َﺟ َﻨﺘﻪ، أﻧﻬﺎ ﺗُﺘّﻬﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻠﺔ اﻟﺸﻨﻌﺎء ﻣﻦ دون ٍ وﻫﻜﺬا )ﺗﺬﺑﺢ ﻧﺼﺎً ﻛﻞ ﻳﻮم( ﻓﻲ ﻣﺘﻦ ﻗﺼﻴﺪﺗﻬﺎ ﺗﻤﺴﺪ ﺑﺪﻣﺎﺋﻬﺎ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ،أو ﺗﺒﻜﻲ )ﻗﺮﺑﺎن(ّ ، ﻷرﺑﺎب ﻗﺴﺎة ﻳﺘﻮ ّﻋﺪوﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ﻓﻲ )ﻃﺎﺑﻮر اﻟﻌﻴﺶ( ،ﻣﻊ أﻧﻬﺎ ﺗﺘﻠﺒﺲ روح ﻧﻤﺮة ،ﺗﻔﺮ ﻣﻦ ﻏﺎﺑﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى ،ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﺴﺒﻚ اﻷﺳﻄﻮرة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻛﻲ ﺗﺤﻔﺮ ﻣﻜﺎﻧﺎً ،وﻟﻮ ﺛﻤﻨﺎً ﻟﺮﻏﻴﻒ وﻫﻲ ﺗﺘﺄﻟﻢ ﻃﻴﻠﺔ اﻟﻮﻗﺖ. ﺗﺤﺐ اﻟﺸﺎﻋﺮة ،ﻻ ﺗﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ وﺣﻴﻦ ّ ﺑﺎﺋﺴﺔ ﻣﺮﻳﻀﺔ ،ﺑﻞ ﺗ ُﺤﻴﻞ اﻟﻌﺎﺷﻖ إﻟﻰ ﻣﺠﺮد ﻣﺎدة ﻟﻤﻞء اﻟﻔﺎﺋﺾ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ،ﺗﺴﺘﻌ ّﺪ ﻟﻠﺴﻔﺮ
ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻴﺪ اﺑﺮاﻫﻴﻢ* @ ﺷﺎﻋﺮ وﻣﺘﺮﺟﻢ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ
ﺣﻞ رﺑﻴ ٌﻊ ﻳﻠ ّﻮح اﻟﻘﺎدم إﻟﻴﻪ ،ﻣﻊ أﻧﻪ ﻋﺎﺷﻖ ﺟﺎﺣﺪ )ﻋﻴﻨﻪ زاﺋﻐﺔ( ،وﻛﻠﻤﺎ ّ ٍ ﺑﺈﺣﺴﺎس ﺧﺎﻃﺊ أﻧﻪ ﻗﺪ ﻓﺎت اﻷوان ،ﻛﺄﻧﻪ )وﺟﺒﺔ ﻏﺎﻓﻠﺔ(، ﻣﻮدﻋﺎً، ﻳﻨﺘﻈﺮ اﻟﺼﻴﺪ أن ﻳﺄﺗﻴﻪ ﻛﻞ ﻳﻮم ،وﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ أﺧﻀﺮ ،ﺻﺎر ﻗﺸّ ﺔ ﻻ ﻳﻌﻠَﻖ ﺑﻬﺎ أﺣﺪ ،ﻓﺘﺨﺘﺒﺊ أﺣﻴﺎﻧﺎً ﺑﺪاﺧﻠﻪ ﺧﺸﻴ َﺔ ﺣﻤﻘﻰ ﻳﺤﺎوﻟﻮن اﻟﻠﺤﺎق ﺑﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ وﻫﻲ ﺗﺮﻗﺺ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎء ،أو ﺗﺘﻈﺎﻫﺮ ﺑﺎﻟﻨﻮم ﻛﺠﺜﺔ ،ﻟﺘﺠﺎوز اﻟﺨﺮاب ،وﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻗﺪ ﺗﺮاه ،ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮل )ﻳﺄﻛﻠﻨﻲ /وﺑﺎﻟﻜﺎد ﻧﺠﻮت(. وﻷن اﻟﻔﻘﻲ ﺗﺼﺒﺢ أﺣﻴﺎﻧﺎً )ﻣﺎزوﺧﻴﺔ( ،ﺗﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﻤﻦ ﻳﻬﺒﻬﺎ اﻷﻟﻢ ،ﺗﻘﻮل ﺷﻬﻲ/ ّ )ﺣﻞ ﺑﺮوﺣﻲ ﺛﻢ رﺣﻞ /أﻣﻨﺤﻪ وردة ﻓﻴﻘﺘﻠﻊ ﻛﻠﻤﺎﺗﻲ ﺑﺼﻮت ّ ﺗﺤﺐ ﺑﻤﺎ ﻳﻜﻔﻲ ،دون ﻋﻨﺎق أﺧﻴﺮ /أﻣﺎ َﺣﺠﺮك اﻟﺜﻤﻴﻦ ﻓﻠﻦ ﻳﻐﻴﺮ ﻣﻦ ّ ﻋﻔﻮﻧﺔ اﻟﻤﺎء /أﻧﺎ ﺷﻤﻌﺔ ﺗﺬوب ،ﺣﺘﻰ ﻳﺠﻲء ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺮﺣﻴﻞ /ﻧﻤﺎرس أﻧﺖ وﻻ أﻧﺎ(، اﻟﺤﺐ ﻛﻌﺪ ّوﻳﻦ ﻳﻘﺘﺘﻼن /وﻗﺪ ﺿﻠﻠﻨﺎ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻨﺞ ﻻ َ ّ ﻣﺤﺎوﻻت ﻻ ﺗﻘﺎوم ﺑﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﺗﺮوﻳﻬﺎ وﺗﺬﺑﻞ ،ﻟﻜﻦ ﺗﻔﺘﺶ داﺋﻤﺎً ﻋﻦ ٍﻳﺪ ﺗﺮﺑّﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻠﺐ ،ﻋﻦ ﺣﻀﻦ ﺗﻀ ّﻢ ﺑﻪ رﻓﺎتَ اﻟﻄﻴﻮر اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ ﻛ َِﺴﻴﺮة )اﻟﺤﺐ ﺣﺘﻰ اﻟﻤﻮت( ﻻ ﻳﻌﻨﻲ اﻟﺠﻨﺎح ،وﺷﻌﺎرﻫﺎ ّ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻏﻴﺮ )ﻣﻮت اﻟﺤﺐ( ،ﺣﺘﻰ ﻣﻊ )اﻟﻔﺮﺻﺔ اﻷﺧﻴﺮة( ،وﻫﻲ ﺗﺒﺘﻌﺪ ،ﻛﻨﻘﻄﺔ ﺣﺒﺮ ﺳﻘﻄﺖ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺔ ﺑﻴﻀﺎء ،ﺗﻔﺴﺪﻫﺎ ،ﺑﺪﻻً ﻣﻦ أﺛﺮ ﻧﺎﺑﺾ ﻏ ّﻴﺒﻪ اﻟﺼﻮت واﻟﻠﻮن. ﺗﻨﻜﺮ اﻟﺸﺎﻋﺮة أن اﺳﻤﻬﺎ )ﻟﻴﻠﻰ( ،ﻣﺼﺪاﻗﺎً ﻟﺒﻐﻀﻬﺎ اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ اﻟﺘﻲ أﺷﺒ َﻌﺖ اﻟﻨﺎس آﻣﺎﻻً زاﺋﻔﺔ ،ﻓﻬﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺼﺪ ﻟﻴﻠﻰ اﻟﻌﺎﻣﺮﻳﺔ وﺧﺬﻻﻧﻬﺎ اﺑﻦ اﻟﻤﻠ ّﻮح ،أم ﻟﻴﻠﻰ اﻻﺳﻢ اﻟﻤﺸﺘﻖ ﻣﻦ )ﻟﻴﻠﻴﺚ( زوﺟﺔ آدم اﻷوﻟﻰ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮل اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، أم ﻟﻴﻠﻰ ﻣﺮاد ﺑﻤﺎ ﻳﻤﻸ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ دراﻣﺎ ،ﻋﻠﻰ رﻏﻢ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﻤﻼﺋﻜﻲ؟ وﻓﻲ اﻟﻨﺺ ﺟﻮاب ﻗﺮﻳﺐ: ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻳﻮﻣﺎً /وﻟﻢ ﻳﺮض ﻋﻨﻬﺎ أﺣﺪ(! )ﻟﻢ ﺗ ُﺮح َ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
89
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
ﺑﻤﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻤﻌﻴﺶ ،اﻷب واﻷم وأﺧﻮﺗﻬﺎ وﺑﻘﻴﺔ ﺷﺨﺼﻴﺎت اﻟﻮاﻗﻊ ،وﻣﻦ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ اﻻﻓﺘﺮاﺿﻲ ،ﺣﻴﺚ اﻟﻌﻤﻼء اﻻﻓﺘﺮاﺿﻴﻴﻦ: "اﻟﻌﺰﻳﺰة س .أﺷﻜﺮك ﻋﻠﻰ اﻫﺘﻤﺎﻣﻚ ﺑﻤﺸﺮوﻋﻲ ،وﻧﻈ ًﺮا ﻷﻧﻨﺎ ﻧﺤﺘﺎﺟﻪ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺴﺮﻋﺔ ،ﻓﺈن ال deadlineأﺳﺒﻮ ًﻋﺎ وﺳﺄﺗﺮك ﻟﻚ ﻋﺪد اﻟﺴﺎﻋﺎت ﻣﻔﺘﻮ ًﺣﺎ ،اﻷﺟﺰاء اﻟﻤﻈﻠﻠﺔ ﺑﺎﻟﻠﻮن اﻷﺻﻔﺮ ﻻ ﺗﺤﺘﺎج ﻟﺘﺮﺟﻤﺔ، اﻟﺮﺳﻮﻣﺎت اﻹﻳﻀﺎﺣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﻟﻚ ﺻﻌﻮﺑﺔ ،ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺮﻛﻬﺎ دون ﺗﺮﺟﻤﺔ ،اﻟﺠﻤﻞ واﻟﻔﻘﺮات اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺠﺪﻳﻦ ﻟﻬﺎ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﻈﻠﻴﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻠﻮن اﻷﺧﻀﺮ ،ﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻔﺴﺎرات ﺳﺄﻛﻮن دو ًﻣﺎ ﻣﺘﺼﻼ، ﻻ ﺗﺘﺮددي ﻓﻲ اﻻﺗﺼﺎل ﺑﻲ ﻓﻲ أي وﻗﺖ ﺗﺸﺎﺋﻴﻦ .ﻳﻮ ًﻣﺎ ﺳﻌﻴ ًﺪا .ﻓﻴﻜﺘﻮر. "ﻋﺰﻳﺰي ﻓﻴﻜﺘﻮر .ﺷﻜ ًﺮا ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺘﻚ واﺧﺘﻴﺎرك ﻟﻲ ،ﺣﺎﻟ ًﻴﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﺪي أي اﺳﺘﻔﺴﺎرات ،وﺳﺄﺑﺪأ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر ،ﻋﻠﻰ أن ﺗﺠﺪ اﻟﻤﻠﻒ ﻛﺎﻣﻼ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻔﺘﺢ ﺑﺮﻳﺪك ﺻﺒﺎح اﻟﺴﺒﺖ اﻟﻘﺎدم ،أﺗﻤﻨﻰ ﻟﻚ أوﻗﺎﺗ ًﺎ ﺳﻌﻴﺪة" ﻟﻐﺔ اﻟﺮواﻳﺔ ﻣﺎ ﻳﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮﻳﺔ واﻟﻤﺤﻜﻴﺔ ﺗﺘﺮاوح ﻟﻐﺔ اﻟﺮواﻳﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮﻳﺔ اﻟﺸﺪﻳﺪة ذات اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺎت اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﻮاﺿﺤﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ ﺣﺪ إﺿﺎﻓﺔ أﺑﻴﺎت ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻣﻌﺒﺮة ﻋﻦ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺒﻄﻠﺔ ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ ﻣﻦ ﺗﺄﻟﻴﻒ اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ،وﺑﻴﻦ اﻟﻠﻬﺠﺔ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻮار ﺑﻴﻦ أﺑﻄﺎل اﻟﻌﻤﻞ ،ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺪ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ﻣﺴﺎﺣﺔ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺮد ﻓﺘﻜﺴﺮ ﺣﺪة اﻟﻔﺼﺤﻰ: "ﺑﺪﻗﺔ ﺻﺎرﻣﺔ،ﻛﻤﺎ اﻋﺘﺪت أن أﺣﺴﺐ اﻟﻤﺴﺎﻓﺎت ،ﻣﺎل اﻟﺬي اﻟﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﻚ اﻟﻌﺴﻠﻴﺘﻴﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﺮﺷﻔﺎت اﻷوﻟﻰ :ﺑﺤﺮان ﻣﻦ اﻟﻌﺴﻞ .ﻫﻜﺬا ﻛﻨﺖ أردد داﺧﻠﻲ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺛﻤﺔ ﻗﻮة ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻈﻮرة ﺗﻄﻔﻮ ﻓﻮق اﻟﻤﻜﺎن واﻟﺰﻣﺎن ،ﻟﺘﻮﻃّ ّﻨﻲ داﺧﻠﻚ ،ﻫﻞ ﻷن وﺟﻬﻲ اﻟﻐﺎﺿﺐ؟ ﺑﺤﺮان ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ /رﺑﻤﺎ ﻻ ﺗﺼﺪﻗﻨﻲ /ﻋﻴﻨﺎك ﺑﺤﺮان.. ﺣﻠﻴﺐ ﺑﻠﻮن اﻟﻌﺴﻞ /ﻓﻴﻤﺎ أﻧﺴﺤﺐ ﺷﻴﺌﺎ ﻓﺸﻴﺌﺎ ﺗﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﻛﻮﺑﻲ رﺷﻔﺘﻴﻦ وﺣﺪك ﺗﻌﺮف ﻣﺼﻴﺮﻫﻤﺎ. ﻻ ﺷﻚ أن ﻫﺬا ﻣﺎ ﺣﺪث؛ ﻓﻬﻞ أﻧﺖ ﺗﻤﺴﻚ ﻳﺪي ،وأﻛﺘﺸﻒ أن ﻟﻠﺠﺴﻢ ﻃﺎﻗﺔ ،أﻣﺴﻚ ﺑﻬﺎ واﺗﺮﻛﻨﻲ ﻋﻠﻰ راﺣﺘﻲ أﺗﻤﺮغ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻟﻬﺎ اﻷﺛﻴﺮي، أﻗﺒﻀﻬﺎ ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﻲ اﻟﻌﺸﺮ ،ﻛﻤﺎ ﻟﻮ أن روﺣﻲ ﺗﻔﻠّﺘﺖ ﻣﻦ ﻋﺠﻠﺔ اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ، وﺗﺘﺤﻮل اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ـ اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﻤﺎ وﻟﻌﺖ ﺑﻬﺎ ـ إﻟﻰ واﻗﻊ ،أﺣﺘﻔﻆ ﺑﺄﺑﻌﺎدﻫﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻲ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ أﺗﺮك ﻟﻘﻠﺒﻲ ﺧﺎﺻﻴﺔ اﻟﺤﻠﻢ، ﻓﻴﻀﺎﻋﻒ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء ﻗﺪر ذاﺋﻘﺘﻪ". راﻫﻨﺖ اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻋﺮﻳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﺷﺎﻋﺮﻳﺔ اﻟﺮؤﻳﺔ ،ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﺷﺎﻋﺮﻳﺔ اﻟﻠﻐﺔ ،إﻧﻬﺎ ﺗﺮاﻫﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺷﺎﻋﺮي وﻓﻠﺴﻔﻲ ﻓﻲ آن ﻟﺘﻜﺸﻒ ﻋﻦ وﻋﻲ ﺑﻄﻠﺘﻬﺎ اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ: "ﻧﺤﻦ اﻵن ﻗﺎب ﻗﻮﺳﻴﻦ ﻏﻴﺮ أن اﻟﺒﻴﻮت ﻓﻲ أﻣﺎﻛﻨﻬﺎ واﻟﻌﺮﺑﺎت ﺗﻤﺮ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻨﺎ واﻟﻌﻼﻣﺎت اﻟﺘﻲ اﺗﺒﻌﻨﺎﻫﺎ ﺑﻌﻠﺐ ﻓﺎرﻏﺔ وﺷﺪدﻧﺎ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺮﺣﺎل ٍ
88
اﻟﻜﺮﻧﻔﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ رواﻳﺔ "ﻓﻴﺪﺑﺎك" ﻟﺴﻨﺎء ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ
ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻨﺎ". ﻓﻲ ﺣﻴﻦ أﻧﻬﺎ أدارت اﻟﺤﻮارات ﺑﻴﻦ ﻣﻌﻈﻢ ﺷﺨﺼﻴﺎت اﻟﺮواﻳﺔ، وﺧﺎﺻﺔ ﺷﺨﺼﻴﺎت اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻤﻌﻴﺶ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻤﺤﻜﻴﺔ ﻣﻦ دون أن ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻃﺎﻗﺎت ﺷﻌﺮﻳﺔ وﺑﻼﻏﻴﺔ ﻟﺘﺤﺸﺪﻫﺎ ﺑﻬﺎ ،رﺑﻤﺎ ﻟﺒﺤﺜﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﺼﺪاﻗﻴﺔ أن ﺗﻨﻄﻖ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت ﺑﻠﻐﺔ ﺗﻨﺎﺳﺐ وﻋﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ" :ﻓﺎﺗﻨﻲ ﻗﻄﺮ اﻟﺰواج ،ﻫﻞ ﺗﺒﻄّﺮتُ ﻋﻠﻰ اﻻﺛﻨﻴﻦ اﻟﻠﺬﻳﻦ ﺗﻘﺪﻣﺎ ﻟﺨﻄﺒﺘﻲ؟ ﻛﺎﻧﺎ ﻋﺪﻳﻤﻲ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ،ﻻ ﻟﻮن ﻻ ﻃﻌﻢ ﻻ راﺋﺤﺔ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻨﺪم وﻻ زﻟﺖ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻜﺌﻴﺐ! أﺣﻤﺪ ﻛﻮﻳﺲ .وﻛﺎن ﻟﻪ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ،زﻣﺎﻧﻪ ﺑﻘﻰ ﻣﺤﺎﻣﻲ ﻣﻌﺮوف .زﻣﺎﻧﻪ اﺗﺠﻮز وﺧﻠّﻒ ﻃﺒﻌﺎ .وﻋﺎدل راﺧﺮ ﻛﺎن ﻣﺎﻟﻪ .إﻳﻪ ﻳﻌﻨﻲ ﻃﻴﺐ ﺷﻮﻳﺔ؟ اﻟﻠﻪ ﻳﺨﺮب ﺑﻴﺖ ﻗﻠﺔ اﻟﻌﻘﻞ .أﻋﻤﻞ إﻳﻪ دﻟﻮﻗﺘﻲ؟ واﻧﺨﺮﻃﺖ ﻓﻲ اﻟﺒﻜﺎء؟" ﻫﻜﺬا ﺗﻤﻜﻨﺖ ﺳﻨﺎء ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻣﻦ ﺻﻨﻊ ﺑﻨﺎء ﺟﻤﺎﻟﻲ ﻳﻨﻬﺾ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺮﻧﻔﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ،وﺗﺸﻈﻲ اﻟﺴﺮد وﺗﻌﺪد ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت اﻟﻠﻐﺔ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ،ﻣﻊ رﺳﻢ ﺟﻴﺪ ﻟﻠﺸﺨﺼﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻮﻋﺖ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻻﻓﺘﺮاﺿﻲ واﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻮاﻗﻌﻲ؛ ﻟﺘﺮﺻﺪ ﻟﻨﺎ اﻟـ "ﻓﻴﺪﺑﺎك" أو ردود اﻷﻓﻌﺎل ﺗﺠﺎه اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وردود أﻓﻌﺎل اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺗﺠﺎه اﻟﺬوات اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺺ
اﻟﺬﻳﻦ ﻧﺰﺣﻮا ﻗﺒﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،اﻧﺘﻘﺎﻣﺎ ﻣﻦ أﺑﻲ اﻟﺬي ﻳﻜﺴﺐ ﻗﻮﺗﻪ ﺑﺎﻟﻜﺎد ﻣﻦ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﻬﻨﺔ". ﺗﺸﻈﻲ اﻟﺴﺮد ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻋﺎﻟﻤﻴﻦ
ﺗﺤﻜﻲ اﻟﺮواﻳﺔ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻓﺘﺎة ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻲ زﻣﻦ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ،ﺗﻌﻴﺶ اﻟﺴﺎردة ﺑﻴﻦ ﻋﺎﻟﻤﻴﻦ ،أوﻟﻬﻤﺎ اﻟﻮاﻗﻊ ﺑﻜﻞ ﻗﺒﺤﻪ وﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻪ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻌﻴﺶ وﺳﻂ أﺳﺮﺗﻬﺎ اﻟﻔﻘﻴﺮة ،ﻓﻲ ﺣﻲ ﻣﻦ أﺣﻴﺎء اﻟﺒﻴﺌﺎت اﻟﺒﻴﻨﻴﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺎﻫﺮة واﻟﺮﻳﻒ ،وواﻗﻊ اﻓﺘﺮاﺿﻲ ،ﺣﻴﻨﻤﺎ أﺗﺎﺣﺖ ﻟﻬﺎ اﻟﻤﻴﺪﻳﺎ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﻻﻧﻔﺘﺎح ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،واﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻛﻤﺘﺮﺟﻤﺔ ﻣﺤﺘﺮﻓﺔ ،ﺗﺘﻌﺎﻗﺪ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻳﺮﻏﺒﻮن ﻓﻲ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻧﺼﻮﺻﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ إﻟﻰ ﻟﻐﺎت أﺧﺮى أو اﻟﻌﻜﺲ ،وﻳﺮﺳﻠﻮن ﻟﻬﺎ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ اﻟﻤﺎدي واﻷدﺑﻲ ﻋﺒﺮ اﻟﻔﻀﺎءات اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ .ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻮاﻗﻌﻴﻦ ﺗﺴﻴﺮ ﺣﻴﺎة اﻟﺒﻄﻠﺔ اﻟﺘﻲ أﻋﻄﺘﻬﺎ رﻣﺰ )س( وﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﻤﻌﺎدل اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ﻟﻠﻤﺆﻟﻔﺔ. ﺗﻈﻞ اﻟﺴﺎردة أو اﻟﺒﻄﻠﺔ اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻮاﻗﻌﻴﻦ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ردود اﻷﻓﻌﺎل ﻟﻶﺧﺮ ،أﻳًﺎ ﻛﺎن ﺗﻤﻮﺿﻊ ﻫﺬا اﻵﺧﺮ ،ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﺮﺳﻞ ﻟﻬﺎ )ﻓﻴﺪﺑﺎك( ،وﻗﺪ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻫﺬا ﻓﻲ ﻧﺠﻮم ﻟﻠﺘﻘﻴﻴﻢ أو ﻣﻜﺎﻓﺂت ﺗﺮﺳﻞ ﻋﺒﺮ وﺳﺎﺋﻞ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻷﻣﻮال إﻟﻜﺘﺮوﻧ ًﻴﺎ .اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﺗﻘﻨﻴﺔ اﻟﺴﺮدﻳﺎت اﻟﻘﺼﻴﺮة اﻟﻤﺘﺘﺎﻟﻴﺔ ﻟﺘﻌﺒﺮ ﻋﻤﺎ ﺗﻌﺎﻧﻴﻪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ وﻋﻼﻗﺘﻬﺎ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
87
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
ƳǤƳLjǖČ ưƟLJ ĆƜǝƶǖ lģƜƞưǥǍz ƠǤČĨĖ ǣǍ ƠǥǖƜǎǜƲǔǖČ د .ﻫﻮﻳﺪا ﺻﺎﻟﺢ
ﺗﻨﻬﺾ ﻟﻐﺔ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻨﻮع ،وﺗﻌﺪد ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت اﻟﻠﻐﺔ ،ﻓﺎﻟﻠﻐﺔ ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺎت ﻟﻐﺎت ،واﻷﺳﻠﻮب أﺳﺎﻟﻴﺐ. وﻟﻠﺘﻌﺪّ د ﻓﻲ اﻟﻔﻦ اﻟﺮواﺋﻲ أوﺟﻪ ﺷﺘﻰ ،ﻣﻨﻪ أن اﻟﺮواﺋﻲ ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ داﺧﻞ ﻋﻤﻠﻪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ اﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺔ واﻟﺼﻮﺗﻴﺔ ﻟﻠﻐﺔ اﻷدﺑﻴﺔ وﻏﻴﺮ اﻷدﺑﻴﺔ ،ﻣﻦ دون أن ﻳﻀﻌﻒ ﻋﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﺟﺮاء ذﻟﻚ ،ﺑﻞ ﻳﺼﻴﺮ أﻛﺜﺮ ﻋﻤﻘًﺎ ،وﺗﺮﺳﻢ ﻫﺬه اﻟﻜﺮﻧﻔﺎﻟﻴﺔ ﻟﻠﻐﺎت اﻟﻤﻨﺤﺪرة ﻣﻦ اﻧﺘﻤﺎءات ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وﻣﻦ ﻃﺒﻘﺎت اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﺘﻌﺪدة ﺻﻮرة اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﻨﻤﻮذﺟﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﻣﻴﺨﺎﺋﻴﻞ ﺑﺎﺧﺘﻴﻦ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ اﻟﻜﺮﻧﻔﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﺮد ،ﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺘﺮدد ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻘﺎد ﻓﻲ إﻃﻼق ﺻﻔﺔ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻫﻢ ﻳﻘﺼﺪون ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺤﻮارﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻨﺤﻬﺎ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺮواﺋﻲ ﻟﻠﺸﺨﺼﻴﺎت ﺣﺘﻰ ﺗﻌ ّﺒﺮ ﺑﺄﺻﻮاﺗﻬﺎ ﻋﻦ ﻫﻤﻮﻣﻬﺎ. ﻗﺒﻼ ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﺮي واﻟﻜﺮﻧﻔﺎﻟﻴﺔ أو ﺗﻌﺪد اﻷﺻﻮات اﻟﺘﻲ أﻃﻠﻘﻬﺎ ﺑﺎﺧﺘﻴﻦ ً ﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮد ﺗﻌﺪد ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ،أو ﺗﻌﺪد ﻓﻲ اﻟﺮواة داﺧﻞ اﻟﻨﺺ اﻟﻮاﺣﺪ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻫﻲ ﻋﺮض ﻟﻮﺟﻬﺎت اﻟﻨﻈﺮ اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﺳﻮاء ﻛﺎن اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺮواﺋﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺒﻨ ًﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻓﺼﻮل ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ ،ﺗﺮوي ﻛﻞ ﻓﺼﻞ ﻓﻴﻬﺎ إﺣﺪى اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت ،وﺑﺬﻟﻚ ﱠ ﻳﻘﻊ ﺗﻘﻮﻳﻤﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﻣﻔﺮدة، أو ﺗ ُﻘ ﱠﺪم وﺟﻬﺎت اﻟﻨﻈﺮ اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﻫﺬه ٍ أﺻﻮات أﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴ ًﺔ ﻣﺘﺴﺎوﻳ ًﺔ اﻟﺼﻮرة ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻓﻲ اﻷﺳﺎس ،وﻫﻲ اﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻴﺨﺎﺋﻴﻞ ﺑﺎﺧﺘﻴﻦ )اﻟﺒﻮﻟﻮﻓﻮﻧﻴﺔ( أي اﻟﺮواﻳﺔ ذات اﻷﺻﻮات اﻟﻤﺘﻌﺪدة ،وﻗﺪ وﻗﻒ ﺑﻮرﻳﺲ أوﺳﺒﻨﺴﻜﻲ أﻣﺎم ﺗﺴﺎؤل ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ اﻷﻫﻤﻴﺔ وﻫﻮ :ﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ َﻣﻦ ﻳﺘﺒﻨﺎﻫﺎ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﺣﻴﻦ ﻳﻘ ﱢﻮم اﻟﻌﺎﻟ َﻢ اﻟﺬي ﻳﺼﻔﻪ وﻳﺪرﻛﻪ أﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟ ًﻴﺎ؟ وﻗﺪ ﺗﻜﻮن وﺟﻬﺔ اﻟﻨﻈﺮ ﻫﺬه -ﺳﻮاء أﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﺘﺮ ًة أم ﻣﺼ ﱠﺮﺣﺎ ﺑﻬﺎ -ﺗﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻧﻔﺴﻪ ،أو ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﺟــﺰءا ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﻤﻌﻴﺎرﻳﺔ ﻟﻠﺮاوي ،ﺑﻤﻌﺰل ﻋﻦ اﻟﻤﺆﻟﻒ ،أو ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﺗﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ إﺣﺪى اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت ،ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻀﻤﻴﻦ اﻟﻨﺺ ﻋﺪدا ﻣﻦ وﺟﻬﺎت اﻟﻨﻈﺮ 86
اﻟﻜﺮﻧﻔﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ رواﻳﺔ "ﻓﻴﺪﺑﺎك" ﻟﺴﻨﺎء ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ
اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ .ﻫﺬه اﻟﻜﺮﻧﻔﺎﻟﻴﺔ ﻫﻲ رﻫﺎن رواﻳﺔ "ﻓﻴﺪﺑﺎك" ﻟﻠﺸﺎﻋﺮة واﻟﻤﺘﺮﺟﻤﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﺳﻨﺎء ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ،اﻟﺼﺎدرة ﻋﻦ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺑﺘﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ،واﻟﺤﺎﺻﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻷول ﻓﻲ ﺟﺎﺋﺰة اﻟﻄﻴﺐ ﺻﺎﻟﺢ ﻋﺎم .2017 راﻫﻨﺖ ﺳﻨﺎء ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﺧﻼل إﻓﺮاد ﻣﺴﺎﺣﺎت ﻟﻮﺟﻬﺎت ﻧﻈﺮ ﻣﺘﻌﺪدة ﻟﺸﺨﺼﻴﺎﺗﻬﺎ داﺧﻞ اﻟﻨﺺ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻨﻔﺮد أو ﺗﻬﻴﻤﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺺ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ اﻟﺴﺎردة اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ ،إﻧﻤﺎ ﺟﻌﻠﺖ رواة ﻋﺪﻳﺪﻳﻦ ﻳﻨﻬﻀﻮن ﺑﺎﻟﺴﺮد ،وﻳﻌﺮﺿﻮن ﻟﻮﺟﻬﺎت ﻧﻈﺮﻫﻢ ﻓﻲ أﺣﺪاث ﻣﺘﻌﺪدة ورﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﺣﺪث واﺣﺪ ﻳﻌﺮض ﻣﻦ زواﻳﺎ رؤﻳﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ" ﺗﻤﻨﺢ اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﺸﺨﺼﻴﺎت اﻟﺮواﻳﺔ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﻋﻤﺎ ﻳﺠﻮل ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ ،وﻋﻦ ﻋﻼﻗﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﺒﻄﻠﺔ اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ )س( ،وﻋﻦ ﺑﻴﺖ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ وﻣﺎ ﻳﺪور ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻼت ،ﻣﻤﺎ ﻳﺤﻘﻖ ﻓﻜﺮة اﻟﻜﺮﻧﻔﺎﻟﻴﺔ ،ﺗﻘﻮل ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن )س(" :ﻛﻤﺎ ﺗﺮون ﺑﺄﻋﻴﻨﻜﻢ ﻓﻬﺪﻓﻲ ﻧﺒﻴﻞ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻴﻪ ﻛﺎن وﻋ ًﺮا ﻳﺸﺒﻪ ﻣﺘﺎﻫﺔ آدم وﺣﻮاء ﺑﻌﺪ ﺳﻘﻮﻃﻬﻤﺎ اﻟﻤﺮﻳﻊ ﻣﻦ اﻟﺠ ّﻨﺔ ،زوﺟﻲ ﻳﻌﺸﻖ ﻓﻴﻠﻢ "اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺔ" ،ﻳﺮاﻧﻲ "ﻋﻨﺎن" اﻟﻤﺮأة اﻷﺳﻄﻮرﻳﺔ ،وأﻧﺎ أواﻓﻘﻪ ﻓﻲ ﺗﺸﺎﺑﻬﻨﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﻐﺘﺎﺗﺔ! ﻣﻦ ﻣ ﱠﻨﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻌﻴﺶ ﻣﺸﻄﻮ ًرا، ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻗﻮﻟﻮا ﻟﻲ ،ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﻠﺴﻌﺔ اﻟﻬﻮاء ﻋﻠﻰ ﺣﻮاف ﺷﻘﻲ اﻟﻮﺣﻴﺪ ،ﻛﻨﺖ ﻛﺎﻟﻄﻔﻞ اﻟﻀﺎﺋﻊ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ أﻫﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺰﺣﺎم ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﺼﻮص اﻟﻄﺮﻳﻖ أﺑﻄﺌﻮﻧﻲ ،وﻛﺪت أن أﻋﻮد، ﻟﻮﻻ ﻇﻬﻮر"واو" اﻟﻘﺪري!". وﺣﻴﻦ ﺗﻤﺎرس ﻟﻴﺒﺮاﻟﻴﺔ اﻟﺴﺮد ،وﺗﻤﻨﺢ إﺣﺪى اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت أن ﺗﻌﺮض ﻟﺰاوﻳﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺗﻘﻮل ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن ) ُﻫﻞ(" :اﺳﻤﻲ ُﻫﻞ ﻫﻜﺬا ﻳﻨﺎدﻳﻨﻲ أﺑﻲ .ﺧﺮﻃﻨﻲ ﺧﺮاط اﻟﺒﻨﺎت ﻓﻲ ﺳﻦ ﻣﺒﻜﺮة .ﻧﺒﺖ ﻟﻲ ﺑﺮﻋﻤﺎن أﺳﻔﻞ إﺑﻄﻲ وأﻧــﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ،ﺗﻘﺎرﺑﺎ واﺳــﺘــﺪارا ،وﺑــﺎن ﻟﻮﻧﻬﻤﺎ اﻟــﻮردي أﺳﻔﻞ ﻫﺪوﻣﻲ ،ﻓﺎﺿﻄﺮرت ﻹﺣﺠﺎﻣﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﺸﺪ ﻗﻤﺎﺷﻲ ﻣﻦ ﺻﻨﻊ أﻣﻲ ،ﻟﻤﺎذا ﻳﺼﻨﻌﻨﺎ اﻟﻠﻪ ﻫﻜﺬا أﻣﺎم أﻋﻴﻦ اﻟﻐﺮﺑﺎء؟! أﻣﻲ ﺧﻴﺎﻃﺔ ،وﺑﺮﻏﻢ أﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ دﻗﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻬﺎ؛ ﺗﻜﺴﺐ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أﺑﻲ، وﻟﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪ اﺣﺘﺪام اﻟﻤﻮﻗﻒ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،ﺗﺤﻤﻞ أﻣﻲ ﻛﻞ ِﻋﺰال اﻟﺸﻘﺔ وﺗﺨﺰﻧﻪ ﻋﻨﺪ أﻗﺎرﺑﻬﺎ
اﻟﺬﻳﻦ ﺳﻤﻮا آﻧﺬاك ﺑﺎﻟﻔﻼﺣﻴﻦ.وﻓﻲ ﻫﺬا ﻳﻤﻜﻦ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ ﻧﻘﻄﺔ ﻗﺪ ﺗﺒﺪو ﻟﻠﺒﻌﺾ ﻣﻤﻦ ﻻ ﻳﻘﺮأون اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﻌﻴﻦ ﻓﺎﺣﺼ ٍﺔ ﻣﺘﺄﻧﻴﺔ أﻣ ًﺮا ﻫﻴ ًﻨﺎ، وﻫﻲ أن ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺟﻬﻴﻨﺔ )ﻗﺒﻴﻠﺔ اﺑﻦ واﺻﻞ( ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺤﺎﻟﻔ ًﺔ ﻣﻊ "أﺑﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻌﻤﺮي" اﻟﺬي ﻛﺎن -ﻛﻤﺎ ذﻛﺮ اﻷﺳﺘﺎذ أﺣﻤﺪ ﻓﺆاد ﺑﻠﻴﻎ ﻓﻲ ﻣﺆﻟﻔﻪ )ﻣﻌﺎﻫﺪة اﻟﺒﻘﻂ( -ﻗﺎﺋ ًﺪا ﺣﺮﺑ ًﻴﺎ ﻣﻦ ﻗﻮاد اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن واﻧﻘﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻤﺎ أرﺳﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﺼﻌﻴﺪ ﻹﺣﻜﺎم اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺪود .وﻋﻠﻴﻪ، ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل إن ﻧﺰﻋﺎت اﻟﺘﻤﺮد ﻗﺪ ﺑﺪأت ﻋﻨﺪ "ﺟﻬﻴﻨﺔ" ﻣﻨﺬ أﻳﺎم "أﺑﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻌﻤﺮي" واﺳﺘﻤﺮت ﻣﺨﺘﺒﺌﺔ ﺣﺘﻰ اﺗﻘﺪت وﺗﻄﻮرت ﺑﺤﺮﻛﺔ "ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ واﺻﻞ اﻟﺠﻬﻨﻲ" ،رﻏﻢ اﺗﺴﺎع اﻟﻔﺎرق اﻟﺰﻣﻨﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﺮﺟﻠﻴﻦ؟! إن ﺣﺮﻛﺔ ﺷﻴﺦ اﻟﻌﺮب "ﻫﻤﺎم ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻬﻮاري" ﻛﺎﻧﺖ اﻛﺘﻤﺎﻻ ﻟﺴﻠﺴﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺮد اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺳﺒﻘﺘﻪ ﻓﻲ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ ً ﺿﺪ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻫﺮة .إن ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ "ﻫﻤﺎم" ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻣﺎ اﺗﺨﺬه ﻣﻦ اﺟﺮاءات وﺳﻌﻰ إﻟﻴﻪ ﺑﻮﻋﻴﻪ وﻓﻜﺮه واﻃﻼﻋﻪ ﻓﻌﺎﻟﺞ أﺧﻄﺎء أﻣﺮاء اﻟﻬﻮارة ﻣﻤﻦ ﺳﺒﻘﻮه وﻋﻘﺪ ﺗﺤﺎﻟﻔًﺎ ﻣﻊ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب ﻓﻲ اﻟﺼﻌﻴﺪ ﻣﺤﻘﻘًﺎ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ دوﻟﺘﻪ ﻧ ًﺪا ﻗﻮﻳًﺎ ﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻘﺎﻫﺮة اﻟﻤﺮﻛﺰي. وﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻷﺳﺘﺎذ إﻳﻬﺎب اﻟﻤﻼح دﻗﻴﻘًﺎ ﻓﻲ ذﻛﺮه أن اﻷﻣﻴﺮ ﻫﻤﺎم ﺗ ُﻮﻓﻲ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﻗﻤﻮﻟﺔ وﻓﻘًﺎ ﻟﻨﻘﻞٍ ﻇﺎﻫﺮي أﺟﺮاه ﻣﻦ ﻣﺮاﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ .ﺑﻴﺎن ذﻟﻚ أﻧﻪ ﻟﻤﺎ وﻗﻌﺖ اﻟﺨﻴﺎﻧﺔ ﻓﻲ ﺻﻔﻮف ﺟﻴﺶ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﺈﻧﻪ ﻟﺠﺄ إﻟﻰ
ﺣﻠﻔﺎﺋﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﻋﺮب اﻟﻤﻄﺎﻋﻨﺔ ﺷﻤﺎﻟﻲ اﺳﻨﺎ ،وﺗ ُﻮﻓﻲ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ )ﻛﻴﻤﺎن اﻟﻤﻄﺎﻋﻨﺔ( اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺪ ﻋﻦ اﺳﻨﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺸﻤﺎل ﺣﻮاﻟﻲ 15ﻛﻴﻠﻮ ﻣﺘ ًﺮا ،وﻻ ﻳﺰال ﺑﻘﻴﺔ ﻣﻦ أﺣﻔﺎد ﺣﺎﺷﻴﺘﻪ اﻟﺘﻲ راﻓﻘﺘﻪ آﻧﺬاك ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ اﻵن .وﻣﻤﺎ ﻫﻮ راﺳ ٌﺦ ﻓﻲ وﺟﺪان أﻫﺎﻟﻲ اﻟﻘﺮﻳﺔ أن اﻟﻬﻮارة أﺻﺮوا ﻋﻠﻰ دﻓﻦ "ﻫﻤﺎم" ﻓﻲ ﺑﻼدﻫﻢ ﻓﺨﺮﺟﺖ ﺟﻨﺎزﺗﻪ ﻣﻬﻴﺒﺔ ﻛﺜﻴﻔﺔ اﻟﻌﺪد وﺷﻴﻌﻪ ﺣﻠﻔﺎؤه ﺣﺘﻰ أوﺻﻠﻮا اﻟﺠﺜﻤﺎن إﻟﻰ ﺷﻂ ﺑﺤﺮ اﻟﻨﻴﻞ اﻟﻘﺮﻳﺐ ،وﻋﺎدوا ﻟﻴﻄﻠﻘﻮا اﺳﻤﻪ ﻋﻠﻰ زﻣﺎم اﻟﺰراﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﻣﺮت ﺟﻨﺎزﺗﻪ ﺑﺠﻮارﻫﺎ ،وأﻗﺎﻣﻮا ﻓﻲ وﺳﻂ اﻟﺰﻣﺎم ﺿﺮﻳ ًﺤﺎ ﺗﺨﻠﻴ ًﺪا ﻟﺬﻛﺮاه! وﻛﺘﺐ اﻟﺠﺒﺮﺗﻲ ﻓﻲ )ﺗﺎرﻳﺦ ﻋﺠﺎﺋﺐ اﻵﺛﺎر(" :ﻓﻌﻨﺪ ذﻟﻚ ﻋﻠﻢ ﻫﻤﺎم أﻧﻪ وﺧﺼﻮﺻﺎ ﻣﻊ ﻣﺎ وﻗﻊ ﻣﻦ ﻓﺸﻞ ﻛﺒﺎر اﻟﻬﻮارة ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻣﻄﻠﻮﺑًﺎ ﻟﻬﻢ ﺳﻮاه ً وأﻗﺎرﺑﻪ وﻧﻔﺎﻗﻬﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﺴﻌﻪ إﻻ اﻻرﺗﺤﺎل ﻣﻦ ﻓﺮﺷﻮط وﺗﺮﻛﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻴﺮات وذﻫﺐ إﻟﻰ ﺟﻬﺔ اﺳﻨﺎ ﻓﻤﺎت ﻓﻲ ﺛﺎﻣﻦ ﺷﻌﺒﺎن ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ ودﻓﻦ ﻓﻲ ﺑﻠﺪة ﺗﺴﻤﻰ ﻗﻤﻮﻟﺔ ﻓﻘﻀﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻬﺎ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ". وﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻧﺸﻴﺮ إﻟﻰ أن ﻣﻮﺿﻊ )دارة ﻫﻤﺎم اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ( اﻟﺘﻲ اﺗﺨﺬﻫﺎ ﻗﻠﻌ ًﺔ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﻳﻤﺎرس ﻓﻴﻬﺎ أﺑﻨﺎء اﻟﻬﻮارة وﺣﻠﻔﺎؤﻫﻢ اﻟﺘﺪرﻳﺒﺎت اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ،ﻛﺎن ﺟﻨﻮﺑﻲ ﻓﺮﺷﻮط ﺑﻘﻨﺎ ،ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺗﺴﻤﻰ )اﻟﻌﺮﻛﻲ( ﻧﺴﺒ ًﺔ إﻟﻰ َﻋ َﺮك؛ ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻟﺜﺎﺋﺮ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻋﻠﻰ ﻫﻤﺎم اﻟﻬﻮاري؛ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ واﺻﻞ ،ﺗ ُﺮى :أﻛﺎن اﻷﻣﻴﺮ ﻫﻤﺎم ﻳﻘﺼﺪ ﻣﻦ ذﻟﻚ أن ﻳﻘﻮل ﻟﻠﻤﻤﺎﻟﻴﻚ إن ﺟﺬوة اﻟﺜﻮرة اﻷوﻟﻰ ﻗﺎﺋﻤﺔ ،ﻣﺸﺘﻌﻠﺔ ،ﻣﺘﻄﻮرة؟!
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
85
إﺿﺎءة
ǞǍƲLjǜ ƜǚǓ lĪĖČǡǠǖČ ĥƜǚǟz ﺑﺘﺎرﻳﺦ 22ﻓﺒﺮاﻳﺮ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﻧﺸﺮ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﺼﺤﻔﻲ إﻳﻬﺎب اﻟﻤﻼح ﻣﻘﺎﻻً ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺔ أﻛﺘﻮﺑﺮ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،ذﻛﺮ ﻓﻴﻪ أ ّن أﻣﻴﺮ ﺑﻼد اﻟﺼﻌﻴﺪ، اﻷﺟﻞ؛ "ﻫﻤﺎم ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻬﻮاري" ﻫﻮ ﺻﺎﺣﺐ أول ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻟﺸﻴﺦ ّ ﺛﻮرﻳﺔ اﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺴﺎد اﻟﻤﺘﻐﻠﻐﻞ ﻓﻲ أوﺻﺎل اﻟﺤﻜﻢ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎري اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻲ .وﻫﺬا اﻟﻤﻘﺎل ذو اﻟﻌﺒﺎرات اﻟ ُﻤﺒَ ّﺴﻄﺔ ﻟ ْﻢ ﻳُﺼﺐ ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻫﺬا اﻟﺴﺒﻖ ﻟﻸﻣﻴﺮ اﻟﺼﻌﻴﺪي و)دوﻟﺘﻪ( اﻟﻮﻟﻴﺪة. وﺗﻘﺪﻳﺮ اﻟﺴﺒﻖ أو اﻷﺳﺒﻘﻴﺔ ﻣﻬﻢ ﻟﻔﻬﻢ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ .وﻋﻠﻰ ﻣﺪار ﻣﺎ ﻳﻘﺎرب اﻟﺜﻼث ﺳﻨﻮات ،ﺷُ ﻐﻔﺖ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺑﺘﺘﺒﻊ أﺧﺒﺎر ِ وﺳﻴﺮ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻨﺬ ﺑﺪاﻳﺎت ﻫﺠﺮﺗﻬﺎ إﻟﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ ﺣﺘﻰ اﻵوﻧﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة. ورﺻﺪتُ -ﺑﺤﻜﻢ ﻋﻤﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﻀﺎء -اﻧﻄﻮاء ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺜﺄر ﻓﻲ اﻟﺼﻌﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﺰﻋﺔ دﻓﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﻋﺪم اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺴﻠﻄﺎن اﻟﻘﺎﻧﻮن ،ﻓﻌﺪم اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺴﻠﻄﺎن اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺨﺼﻮص. ٍ وﺑﺎﻟﺮﺟﻮع زﻣﻨﻴًﺎ إﻟﻰ اﻟﻮراء ،ﻛﻲ ﻧﻘﻒ ﻋﻠﻰ إﺟﺎﺑﺔ ﻟﻠﺘﺴﺎؤل اﻟﻤﺒﻨﻲ أﺻﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺄﻣﻞ ﺑﺎﻷﺳﺎس ،وﻫﻮ :ﻫﻞ ﻛﺎن ﻟﻬﺬه اﻟﻨﺰﻋﺎت اﻟﺪﻓﻴﻨﺔ ﺣﺎﻟ ًﻴﺎ ٌ أﻛﺜﺮ ﺑﺮوزًا ووﺿﻮ ًﺣﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ؟ إن ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﺳﺘﻘﻮدﻧﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺴﻤﻴﺘﻪ )ﺣﺮﻛﺎت اﻟﺘﻤﺮد ﻓﻲ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ( .وﻓﻘًﺎ ﻟﻤﺎ ذُﻛﺮ ﻓﻲ )اﻟﺒﻴﺎن واﻹﻋﺮاب( ﻟﻠﻤﻘﺮﻳﺰي ،و)اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ( ﻻﺑﻦ اﻟﺠﺰري، و)اﻟﻨﺠﻮم اﻟﺰاﻫﺮة( ﻻﺑﻦ ﺗﻐﺮي ﺑﺮدي ،و)ﺑﺪاﺋﻊ اﻟﺰﻫﻮر( ﻻﺑﻦ إﻳﺎس، ﻓﺈن اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﻴﻦ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺣﻜﻤﻮا ﻣﺼﺮ أﻏﺪﻗﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ٍ ﻋﻄﺎءات ﺑﺎﻟﻐﺔ وﻣﻜﻨﻮﻫﻢ وﺳﻴّﺪوﻫﻢ ،وﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﺳﻴﺎﺳﻴًﺎ اﻟﺼﻌﻴﺪ ﻣﺤﻀً ﺎ ،وأﻧﻪ ﻟﻤﺎ ﺟﺎء اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ﻓﺈن اﻷﻣﻮر اﻧﻘﻠﺒﺖ ،وأُﻧﻬﻴﺖ اﻣﺘﻴﺎزات ﻋﺮﺑﺎن اﻟﺼﻌﻴﺪ؛ ﻓﺒﺪأت ﺑﻮادر اﻟﺘﻤﺮد اﻟﺬي ﺳﺎﻋﺪ ﻋﻠﻴﻪ وﻗ ّﻮى ﺟﺬوﺗﻪ اﻟﻤﻴﻞ ﻟﺪى ﻋﺮب اﻟﺼﻌﻴﺪ – ﺑﺤﻜﻢ ﻧﺸﺄﺗﻬﻢ اﻟﺒﺪوﻳﺔ آﻧﺬاك- ذﻟﻚ ُ إﻟﻰ اﻟﺨُﻠﻒ واﻻﺧﺘﻼف واﻟﻨﻔﻮر واﻟﻘﺘﺎلُ . وأول اﻟﻤﺤﺎوﻻت اﻟﺘﺤﺮرﻳﺔ ﻣﻦ ﺣﻜﻢ اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ﺗﻤﺖ ﺗﺤﺖ زﻋﺎﻣﺔ اﻷﻣﻴﺮ "ﺣﺼﻦ اﻟﺪﻳﻦ ﺛﻌﻠﺐ اﻟﺠﻌﻔﺮي" اﻟﺬي ﺟﻤﻊ ﻋﺮب اﻟﺼﻌﻴﺪ وﻟﺨّﺺ ﺑﻤﻘﻮﻟ ٍﺔ ﻣﻨﻪ أﺻﻞ اﻟﺼﺮاع ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻧﺎدى ﻓﻲ اﻟﻨﺎس) :ﻧﺤﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﺒﻼد ،ﻧﺤﻦ أﺣﻖ ﺑﺎﻟﻤﻠﻚ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ(.وﺑﻤﻘﻮﻟﺘﻪ ﻫﺬه ﻛﺸﻒ ﺑﻌ ًﺪا ﻷﺳﺎس اﻟﺼﺮاع ﺑﻴﻦ اﻟﻔﺮﻳﻘﻴﻦ، أو رﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﻫﻮ ﻣﻦ ﻗﺮره ﻷول ﻣﺮة! ﻛﺎن ﻋﺮب اﻟﺼﻌﻴﺪ ﻳﺮون ﻋﺪم أﻫﻠﻴﺔ اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ -اﻟﻌﺒﻴﺪ -أن ﻳﺤﻜﻤﻮا ﺳﺎد ًة ﻣﻘﺎﺗﻠﻴﻦ ﻣﺜﻠﻬﻢ .وإﻋﻼﻧًﺎ ﻟﺘﻤﺮده ﻓﻘﺪ ﻣﻨﻊ "ﺣﺼﻦ اﻟﺪﻳﻦ ﺛﻌﻠﺐ" ﺟﻨﺪ اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ﻣﻦ ﺗﻨﺎول اﻟﺨﺮاج ،وﺷﻜﻞ ﺟﻴﺸً ﺎ ﻳﻮاﺟﻪ ﺑﻪ أﻋﺪاﺋﻪ .إﻧﻪ ﻳﺴﻌﻰ ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ دوﻟﺔ! ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻹﻃﺎﺣﺔ ﺑﺎﻟﺤﺮﻛﺔ وزﻋﻴﻤﻬﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺣﻴﻞ اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ودﻫﺎءﻫﻢ. ﻓﻲ ﻣﺆﻟﻔﻪ )دراﺳﺎت ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺮوﺑﺔ ﻓﻲ وادي اﻟﻨﻴﻞ( ﻧﻘﻞ اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺠﻴﺪ ﻋﺎﺑﺪﻳﻦ ﻣﺎ ﺣﺪث ﺑﻴﻦ اﻟﻔﺮﻳﻘﻴﻦ" :واﺟﺘﻤﻊ اﻟﻌﺮب، 84
"ﻫﻤﺎم اﻟﻬﻮاري" ﻛﻤﺎ ﻧﻌﺮﻓﻪ
وﻟﻴﺪ ﻣﻜﻲ* @ ﻛﺎﺗﺐ ورواﺋﻲ ﻣﺼﺮي
وﻫﻢ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﻓﻲ ﻛﺜﺮة ﻣﻦ اﻟﻤﺎل واﻟﺨﻴﻞ واﻟﺮﺟﺎل ،إﻟﻰ اﻷﻣﻴﺮ ﺣﺼﻦ اﻟﺪﻳﻦ ﺛﻌﻠﺐ ،وﻫﻮ ﺑﻨﺎﺣﻴﺔ دﻫﺮوط ﺻﺮﺑﺎن ،وأﺗﻮا ﻣﻦ أﻗﺼﻰ اﻟﺼﻌﻴﺪ، وأﻃﺮاف ﺑﻼد اﻟﺒﺤﻴﺮة واﻟﺠﻴﺰة واﻟﻔﻴﻮم ،وﺣﻠﻔﻮا ﻟﻬﻢ ﻛﻠﻬﻢ ،ﻓﺒﻠﻎ ﻋﺪد اﻟﻔﺮﺳﺎن أﺛﻨﻰ ﻋﺸﺮ أﻟﻒ ﻓﺎرس ،وﺗﺠﺎوزت ﻋﺪة اﻟﺮﺟﺎﻟﺔ اﻹﺣﺼﺎء، ﻟﻜﺜﺮﺗﻬﻢ ،ﻓﺠﻬﺰ إﻟﻴﻬﻢ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻤﻌﺰ أﻳﺒﻚ اﻷﻣﻴﺮ ﻓﺎرس اﻟﺪﻳﻦ أﻗﻄﺎي اﻟﺠﻤﺪار ،واﻷﻣﻴﺮ ﻓﺎرس اﻟﺪﻳﻦ أﻗﻄﺎي اﻟﻤﺴﺘﻌﺮب ،ﻓﻲ ﺧﻤﺴﺔ آﻻف ﻓﺎرس ،ﻓﺎﻗﺘﺘﻞ اﻟﻔﺮﻳﻘﺎن ،واﻧﻬﺰم ﺣﺼﻦ اﻟﺪﻳﻦ". وﻣﻦ واﻗﻊ اﻟﺘﻮارﻳﺦ اﻟﺘﻲ أﺛﺒﺘﺘﻬﺎ اﻟﻤﺮاﺟﻊ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻓﺈن ﺣﺮﻛﺔ "ﺣﺼﻦ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺠﻌﻔﺮي" ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺎﺑﻘ ًﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻛﺔ اﻷﻣﻴﺮ "ﻫﻤﺎم اﻟﻬﻮاري" ﺑﺤﻮاﻟﻲ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻋﺎم! واﻟﻤﺮاﺟﻊ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ذاﺗﻬﺎ ﺗﺴﺮد ﻟﻨﺎ أﻧﻪ ﺑﻌﺪ اﻧﻬﺰام ﺣﺼﻦ اﻟﺪﻳﻦ، رﺟﻞ ﻣﻦ ﺟﻬﻴﻨﺔ وﺷﻨﻘﻪ ﺑﺎﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﺑﺤﻮاﻟﻲ ﻣﺌﺔ ﻋﺎمٍ أو ﻳﺰﻳﺪ ﻗﺎم ٌ ﻳﺴﻤﻰ "ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ واﺻﻞ اﻟﻌﺮﻛﻲ" ﺑﺘﻮﺣﻴﺪ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮب ﻓﻲ اﻟﺼﻌﻴﺪ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ واﻟﺘﻤﺮد ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون. وﻛﺘﺐ اﻟﻤﻘﺮﻳﺰي" :واﺳﺘﻤﺮت ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﺣﻮاﻟﻲ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮات أو أﻛﺜﺮ "754 - 749ﻩ" ﺑﺰﻋﺎﻣﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ واﺻﻞ اﻟﻌﺮﻛﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻠﻘﺐ ﺑﺎﻷﺣﺪب ،ﻟﻄﻮﻟﻪ واﻧﺤﻨﺎء ﻗﺎﻣﺘﻪ ،وﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﻗﻮﺗﻪ أن ﻧﺎدى ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺔ ﻟﻨﻔﺴﻪ ،وﺟﻠﺲ ﻓﻲ ﺟﺘﺮ ،وﺟﻌﻞ ﺧﻠﻔﻪ اﻟﻤﺴﻨﺪ ،وأﺟﻠﺲ اﻟﻌﺮب ﺣﻮﻟﻪ ،وﻣﺪ اﻟﺴﻤﺎط ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ،وأﻧﻔﺬ أﻣﺮه ﻓﻲ اﻟﻔﻼﺣﻴﻦ". وﻗﺪ أرﺟﻊ اﻟﻤﻘﺮﻳﺰي ﺑﺪاﻳﺎت ﻫﺬه اﻟﺤﺮﻛﺔ إﻟﻰ ﺗﺪﺧﻞ اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ ﻓﻲ ﻧﺰاع ﺑﻴﻦ ﻗﺒﻴﻠﺘﻲ ﺑﻨﻲ ﻫﻼل وﺟﻬﻴﻨﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺘﻴﻦ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻷوﻟﻰ ،ﻣﻤﺎ رﺗ ّﺐ ﻋﺪا ًء ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ وﺟﻬﻴﻨﺔ .ﻏﻴﺮ أن ﻫﺬا اﻟﺪاﻓﻊ وﺣﺪه ﻻ ﻳﻜﻮن ﻛﺎﻓﻴًﺎ ﻟﺘﺴﺘﻤﺮ ﺟﺬوة اﻟﺘﻤﺮد ﺑﺎﻗﻴ ًﺔ ﻃﻴﻠﺔ ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻤﺬﻛﻮرة ،وﻻ ﻳﻜﻔﻲ أﻳﻀً ﺎ ﻟﺘﻔﺴﻴﺮ اﻧﻀﻤﺎم اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﺤﺮﻛﺔ اﺑﻦ واﺻﻞ اﻟﻌﺮﻛﻲ، وﻻ ﻳﻔﺴﺮ ﻛﺬﻟﻚ َ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﻲ اﺗﺨﺬﻫﺎ اﻷﺧﻴﺮ وﻣﻦ ﻣﻌﻪ ﺑﻤﻨﻊ اﻟﺨﺮاج وﻃﺮد اﻟﻮﻻة واﻻﺷﺘﺪاد ﻋﻠﻰ ﺳﺎﻛﻨﻲ اﻟﺪﻳﺎر ﻣﻦ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ
إﺿﺎءة
ƠǗǤưƟǖČ ƠǂƯǖČĨ ǣǎƯǚǖČ ƳǝǔǖČ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻤﺮ ﺑﻨﺎ ﺧﺒﺮ ﻋﻦ ﻗﻴﺎم أﺣﺪ رﺟﺎل اﻷﻋﻤﺎل واﻷﺛﺮﻳﺎء ﺑﺸﺮاء ﻟﻮﺣﺔ ﻓﻨﻴﺔ أو ﻣﺠﺴﻢ ﻓﻨﻲ ﻗﺪﻳﻢ ،ﺑﻤﻼﻳﻴﻦ اﻟﺪوﻻرات ،ﻧﺴﺘﻐﺮب ،واﻟﺒﻌﺾ ﻳﻌﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﻧﺒﺎء ﺑﺎﻟﺘﻬﻜﻢ وﻧﻌﺘﺒﺮه اﺳﺮاﻓﺎً وﺗﺒﺬﻳﺮا ً ﻟﻠﻤﺎل، وﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺸﻬﻴﺮ اﻟﺬي ﻳﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻲ :اﻟﻠﻰ ﻣﻌﺎه ﻗﺮﺵ ﻣﺤﻴﺮه ﻳﺠﻴﺐ ﺣﻤﺎﻡ ﻭﻳﻄﻴﺮه. ﻟﻜﻦ ﻟﻠﻤﻮﺿﻮع ﺟﺎﻧﺒﺎً آﺧﺮ ﻏﻴﺮ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺴﻄﺤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺮاﻫﺎ وﻧﺤﻜﻢ وﻓﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮاﻫﺎ اﻟﺒﻌﺾ ﺻﺮﻓﺎً ﻟﻸﻣﻮال ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﻠﻬﺎ وﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ وﻳﺮاﻫﺎ أﺻﺤﺎب اﻟﺸﺄن واﻟﻤﻄﻠﻌﻴﻦ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر ،ﻧﻌﻢ ﻫﻮ اﺳﺘﺜﻤﺎر ..ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻢ اﻟﻤﺰاﻳﺪة ﻋﻠﻰ ﻟﻮﺣﺔ ﻓﻨﻴﺔ ﻧﺎدرة ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺄﺳﺮه أو ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺴﻢ او ﻧﺤﻮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺘﻨﻴﺎت اﻟﺜﻤﻴﻨﺔ ،ﻟﻴﺲ اﻟﻬﺪف ﻫﻮ ﺣﺐ اﻟﻔﻦ أو اﻟﻌﺸﻖ ﻟﻺﺑﺪاع اﻟﺒﺸﺮي وﺣﺴﺐ ،ﻷﻧﻨﺎ ﻧﻌﻠﻢ أن ﻫﻨﺎك اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﻤﺎل واﻷﻋﻤﺎل ﻣﻦ ﻫﻢ أﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻋﻦ اﻟﻔﻦ وﻋﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺘﺤﻒ اﻟﻔﻨﻴﺔ وﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ اﻟﻀﺎرب اﻟﻌﻤﻖ ﻓﻲ اﻟﺰﻣﻦ ،ﻟﻜﻨﻪ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر. أﻏﻠﺐ اﻷﺛﺮﻳﺎء ورﺟﺎل اﻟﻤﺎل اﻟﻨﺎﺟﺤﻴﻦ ﻟﻢ ﻳﺠﻤﻌﻮا ﺛﺮواﺗﻬﻢ وﻟﻢ ﻳﺘﺮﺑﻌﻮا ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻬﺮم اﻟﻤﺎﻟﻲ ﻣﻦ ﻓﺮاغ ﺑﻞ إﻧﻬﻢ ﺗﻌﺒﻮا وواﺻﻠﻮا اﻟﻠﻴﻞ ﺑﺎﻟﻨﻬﺎر ﻓﻲ ﻋﻤﻞ ﻣﻀﻦٍ ﻣﺮﻫﻖ ،ﻟﺬا ﻫﻢ أﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎس ﻣﻌﺮﻓﺔ ودراﻳﺔ أﻳﻦ ﺗﻮﺿﻊ اﻣﻮاﻟﻬﻢ وﻣﺪﺧﺮاﺗﻬﻢ. ﻟﻘﺪ ﺗﻌﻠﻢ ﻫﺆﻻء ﻃﻮال ﺗﺎرﻳﺨﻬﻢ دوﻣﺎ أﻫﻤﻴﺔ وﺿﻊ ﺧﻄﻂ ﺑﺪﻳﻠﺔ ،ﻟﺬا اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺨﺘﻠﻒ، أوﻟﺌﻚ اﻷﺛﺮﻳﺎء ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺎﻗﺘﻨﺎء ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻜﻨﻮز اﻷﺛﺮﻳﺔ اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﻀﺎرﺑﺔ اﻟﻌﻤﻖ ﻓﻲ اﻟﺰﻣﻦ ﻟﺴﺒﺐ وﺟﻴﻪ وذﻛﻲ وﻣﻨﻄﻘﻲ ،ﻓﻬﻢ داﺋﻤﻮ اﻟﻌﻤﻞ وﻣﺴﺘﻤﺮون ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻓﺮص اﺳﺘﺜﻤﺎرﻳﺔ وﻫﻢ ﻣﺴﺘﻤﺮون ﻓﻲ اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ ﺻﻔﻘﺎت ﻣﺘﻌﺪدة وﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻟﻠﺒﻌﺾ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺨﺎﻃﺮ ﻋﺎﻟﻴﺔ وﺣﻴﺎﺗﻬﻢ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺮوض اﻟﻜﺒﻴﺮة ،واﻟﺘﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ ﺧﺴﺎرﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻳﻮم واﺣﺪ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﺗﻌﺮﻳﺾ أﻧﻔﺴﻬﻢ وأﺳﺮﻫﻢ إﻟﻰ اﻹﻓﻼس وﺗﺠﻤﻴﺪ اﻟﺤﺴﺎﺑﺎت اﻟﺒﻨﻜﻴﺔ ،ﻫﻨﺎ ﻳﺄﺗﻲ
ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻤﺰروﻋﻲ* @ ﻛﺎﺗﺒﺔ ﻣﻦ ا ﻣﺎرات
دور ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺤﻒ واﻟﻤﻘﺘﻨﻴﺎت واﻟﻠﻮح اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﺜﻤﻴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪر ﺑﻤﻼﻳﻴﻦ اﻟﺪوﻻرات ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻌﻴﺪة وﺧﺎﻓﻴﺔ وﻏﻴﺮ ﻣﺪرﺟﺔ ﺿﻤﻦ أﺻﻮﻟﻬﻢ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ،ﺗﺼﺒﺢ ﻫﺬه اﻟﻤﻘﺘﻨﻴﺎت ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺗﺬﻛﺮة ﻋﻮدة اﻟﻰ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻷﺳﻮد .ﻫﺬه اﻟﻤﻘﺘﻨﻴﺎت اﻟﺒﺎﻫﻈﺔ اﻟﺜﻤﻦ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻃﻮق ﻧﺠﺎة ﻓﻲ أﺣﻠﻚ اﻟﻈﺮوف ،ﻫﺬه ﺧﻄﺔ ﺑﺪﻳﻠﺔ وﺳﺮﻳﻌﺔ ..ﻟﻮ ﻓﻜﺮﻧﺎ ﺑﻌﻘﻞ ﻣﻦ ﻳﻤﻠﻚ اﻟﺜﺮوة وﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻤﻴﺘﻬﺎ واﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻘﻠﺒﺎت أﺳﻮاق اﻟﻤﺎل واﻟﻌﻘﺎر ،ﻟﻜﺎن ﻫﻤﻨﺎ إﻳﺠﺎد ﻃﺮق ﻣﺘﻌﺪدة وﺳﻼل ﻛﺜﻴﺮة وﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺼﻴﻨﻲ :ﻻ ﺗﻀﻊ اﻟﺒﻴﺾ ﻓﻲ ﺳﻠﺔ واﺣــﺪة .ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻨﻈﺮة ﻧﺪرك وﻧﻔﻬﻢ ﻟﻤﺎذا ﻧﺴﻤﻊ وﻧﻘﺮأ ﻋﻦ اﺳﺘﺜﻤﺎرات ﻳﺘﻮﺟﻪ ﻟﻬﺎ اﻷﺛﺮﻳﺎء وﻧﻌﺘﺒﺮﻫﺎ اﺳﺘﺜﻤﺎرات ﻏﻴﺮ ﻣﺠﺪﻳﺔ واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻏﻴﺮ ﻫﺬا ﺗﻤﺎﻣﺎ، ﻷﻧﻬﺎ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻛﻨﻮز ﻣﺨﻔﻴﺔ .اﻟﺴﺆال اﻟﺬي ﻣﻦ اﻟﺒﺪﻳﻬﻲ أن ﻧﻄﺮﺣﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق، ﻫﻞ ﻗﺎم أي واﺣﺪا ﻣﻨﺎ ﺑﻮﺿﻊ ﻛﻨﻮز ﻣﺨﻔﻴﺔ أو رﺳﻢ ﺧﻂ ﻋﻮدة ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺤﻠﻚ وﺗﻈﻠﻢ اﻷﻳﺎم؟ أﻋﺘﻘﺪ أﻧﻬﻢ ﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻳﺴﻴﺮون ﻣﻦ دون ﺧﻄﺔ ﺑﺪﻳﻠﺔ. ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺤﺎل ﻻ أﻗﺼﺪ أن ﻳﻘﻮم أﺣﺪﻧﺎ ﺑﺸﺮاء ﺗﺤﻒ اﺛﺮﻳﺔ ﺑﻤﻼﻳﻴﻦ اﻟﺪوﻻرات، إﻧﻤﺎ اﻟﺬي أﺷﻴﺮ ﻟﻪ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ اﻟﺠﺪي ﻓﻲ أن ﻳﻜﻮن ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺧﻄﻂ ﺑﺪﻳﻠﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ، ﻳﺠﺐ أن ﻧﻔﻜﺮ ﻓﻲ أن اﺳﻮأ اﻷﻣﻮر ﻗﺪ ﺗﺤﺪث ،وﻗﺪ ﻳﺴﻤﻲ اﻟﺒﻌﺾ ﻫﺬه ﻧﻈﺮة ﺳﻮداوﻳﺔ ،واﻟﺤﺎل ﻟﻴﺲ ﻫﻜﺬا ﺑﻘﺪر أن ﻳﻜﻮن اﻟﺸﺨﺺ أﻗﻮى ﻣﻦ ﻋﻮاﺋﻖ وﻋﻘﺒﺎت اﻟﺤﻴﺎة ،وﻣﺴﺘﻌﺪ ﻷي ﻇﺮف ﻗﺪ ﻳﺤﺼﻞ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
83
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﺗﺤ ّﺮرﻫﺎ ﻣﻦ ﻗﻴﻮد اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ؛ ووﻟﻮﺟﻬﺎ ﺣﻴﺰ اﻟﻔﺮدﻳﺔ ،واﻧﻔﺼﺎﻟﻬﺎ اﻟ ّﻨﺴﺒﻲ ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺬّوات ،ﻓﺎﻟﻔﺮدﻳّﺔ وﻣﻦ وراﺋﻬﺎ اﻟﺤﺮﻳّﺔ ﻣﺆﺷﺮان ﺿﺮورﻳﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺟﻮد. ﻣﺎ ﱠ اﻧﻔﻚ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻳﺴﻄﱢﺮ ﻣﺴﺎﻋﻲ اﻹﻧﺴﺎن إﻟﻰ اﻣﺘﻼك اﻟﺤﺮﻳﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ أﺛﻤﻦ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻮد ،ﻓﺒﻬﺎ ﻳﺸﻌﺮ اﻟﻤﺮء ﺑﺬاﺗﻪ اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ،وﺑﻬﺎ ﻳﻜﻤﻦ اﻻﻧﺘﻘﺎل ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ إﻟﻰ اﻟﻮاﻗﻊ ،وﻣﻦ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﻌﺰﻟﺔ إﻟﻰ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﻮﺟﻮد ،ﻓﻐﺎﻳﺔ اﻟﻤﻮﺟﻮد أن ﻳﺠﺪ ذاﺗﻪ وﺳﻂ اﻟﻮﺟﻮد. اﻟﺘﻌﻄﺶ إﻟﻰ اﻟﻮﺟﻮد
إن ﺗﻌﻄﺶ ﻋﺮﺑﻲ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم إﻟﻰ اﻟﻮﺟﻮد ﻓﻲ زﻣﻦ ﺑﺎﺗﺖ ﻟﻐﺔ اﻟﻌﻨﻒ ﻓﻴﻪ اﻷﻗﻮى دﻟﻴﻞ ﺳﻌﻴﻪ إﻟﻰ اﻻﻧﺘﺼﺎر ﻋﻠﻰ ﺗﺠﻠﻴﺎت اﻟﻔﻨﺎء اﻟﻤﺘﺒﺎﻳﻨﺔ إﺛﺒﺎﺗﺎً ﻟﻠﻮﺟﻮد ودﺣﺮا ً ﻟﻠﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﻌﺪم. رﺳﻢ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺸﻌﺮي اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﻟﻮﺣﺎت ﺗﺠﻠﻲ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺼﺮاع ﺑﻴﻦ اﻟﻮﺟﻮد واﻟﻌﺪم ،ﻓﻲ ﺻﻮر ﻓﻨ ّﻴﺔ ﺗﻨ ﱠﻮﻋﺖ ﺗﻨﻮع اﻟﻤﺮاﺣﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻤﻌﻴﺸﺔ.ﻓﺎﻟﺬات اﻟﻤﻮﺟﻮدة اﻟﺤﺮة ﻫﻲ اﻟﻤﺒﺘﻐﻰ ،واﻹرادة ﺳﺒﻴﻞ ﺑﻠﻮغ اﻟﻬﺪف ،وﺟﺴﺮ اﻟﻌﺒﻮرإﻟﻰ اﻟﻔﻌﻞ واﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ .ﺻﺎرع اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ 82
ﺟﺪﻟﻴﺔ اﻟﻮﺟﻮد واﻟﻌﺪم ﻋﻨﺪ ﺷﻌﺮاء ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ا ﺳﻼم
اﻟﺰﻣﻦ ،وﺳﻌﻰ إﻟﻰ اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﺎﻋﻴﻠﻪ؛ ﺑﺎﻟﺮﺣﻴﻞ ﺗﺎرة ،ﺑﺤﺜﺎً ﻋﻦ اﻟﺬات اﻟﻀﺎﺋﻌﺔ ﻓﻲ ﻏﻴﺎﻫﺐ اﻟﻤﺠﻬﻮل ﺗﺎرة أﺧﺮى. ﻓﺈرادة اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﺒﻘﺎء وﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻌﺪم ﻛﺎﻧﺖ واﺿﺤﺔ ،ﻧﺰع – ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ-اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ إﻟﻰ ﻣﺤﺎﻛﺎة اﻟﻮﺟﻮد ﻋﺒﺮ اﻟﺨﻠﻮد ،ﻓﺄﻋﻤﻞ ﻓﻜﺮه ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﺮﻛﻪ ﻣﻦ أﺛﺮ ﻳﻀﻤﻦ ﻟﻪ اﻟﻮﺟﻮد ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت. إن اﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﻌﻘﻠﻲ اﻟﺬي ﻻزم اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻦ ﺧﻼل إﺣﺎﻻﺗﻪ اﻟﻤﻌﺎﻧﺎة إﻟﻰ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ،ﺟﻌﻠﺖ ﻗ ّﻮة ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻟﻠﺨﺎﻟﻖ ﻫﻲ أﺣﺪ أﻫﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻟﻪ ،وإﺣﺎﻟﺔ اﻷﺳﺒﺎب اﻧﻄﺒﺎﻋﺎت اﻟﺸﺎﻋﺮ ّ اﻟﻨﺺ ﻨﻪ ﻤ ﺗﻀ ﻣﺎ ﺑﺪﻟﻴﻞ ﺑﺎﻟﺪﻫﺮ. اﻟﻤﻨﻌﻮﺗﺔ اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻘ ّﻮة ّ ّ اﻟﻘﺮآﻧﻲ ﻣﻦ ر ّد ﻋﻠﻰ أﺻﺤﺎب اﻟﺪﻫﺮﻳﺔ "ﻗﺎﻟﻮا ﻣﺎﻫﻲ إﻻ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ اﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻧﻤﻮت وﻧﺤﻴﺎ وﻣﺎ ﻳﻬﻠﻜﻨﺎ ّاﻻ اﻟﺪﻫﺮ").اﻟﺠﺎﺛﻴﺔ ..(24،ﺑﺮز اﻟﻌﺪم ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻫﺪ اﻟﻤﻮت واﻹﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﻔﻨﺎء ،ﻣﻦ ﺧﻼل ﺻﻮر اﻟﻐﺮﺑﺔ واﻟﺸﻴﺐ واﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ ،وﺻﻮر اﻟﻠﱠﻴﻞ واﻟﺴ ّﻴﻞ اﻟﺬي رﻣﺰ ﻟﻠﺪﻫﺮ اﻟ ُﻤﻔْﻨﻲ واﻟ ُﻤ ْﻬﻠِﻚ. اﻟﺴﺆال اﻟﺬي ﺷﻐﻞ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ،ﻫﻮ :ﻫﻞ ﻫﻨﺎك ﺣﻴﺎة أﺧﺮى ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت؟ ﺑﻞ ﻣﺎ ﺟﺪوى اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ إذا ﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻤﻮت ﺑﺎﻧﺘﻈﺎره؟! اﻟﻤﻮت ﻫﻮ اﻟﻬﺎﺟﺲ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻬﺪأ إﻻّ ﺑﺎﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺑﻪ ،ﻓﻜﺎن اﻟﺤﻞ اﻷﻣﺜﻞ -اﻟﺬي رآه ﺑﻌﺾ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﻴﻦ ،وآﻣﻨﻮا ﺑﻪ اﻟﺴﻌﻲ وراء اﻟﻤﻠﺬات ،وإﺛﺒﺎت اﻟﺬات ﺑﺎﻟﺒﻄﻮﻟﺔ، ﻟﻠﻬﺮوب ﻣﻦ آﺛﺎره ّ ﻓﺒﺎﻟﺴﻌﻲ إﻟﻰ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ ﻳﺨﻠﺪ ﻓﻬﻤﺎ اﻟﺴﺒﻴﻞ إﻟﻰ ﻧﺴﻴﺎن اﻟﻤﻮت ،ﻣﺆﻗﺘﺎً؛ ّ ذﻛﺮ اﻟﻤﺮء ،واﻟﺨﻠﻮد ﻟﺪﻳﻪ – اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ – اﻗﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺘﺮﻛﻪ اﻟﻤﺮء ﺑﻌﺪه ﻣﻦ أﻓﻌﺎل ﺗﺨﻠّﺪه ،ﺑﻬﺎ ﻳﻨﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﺘﻤﻴﺔ اﻟﻤﻮت ،وﺑﻬﺎ ﻳﻤﻨﺢ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﺤﺰﻳﻨﺔ ﺑﺎرﻗﺔ ﻣﻦ أﻣﻞ اﻟﻮﺟﻮد * أﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ ﺳﻮرﻳﺔ
ﺳﻮى اﻟﻤﻮت .وﻟﻢ ﺗﻘﻒ ﻧﺰﻋﺎت اﻟﺘﺸﺎؤم ﻓﻲ ﺣﻀﻮر اﻟﺬات اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺿﻤﻦ ﺟﺪﻟﻴﺔ اﻟﻮﺟﻮد واﻟﻌﺪم ﻋﻠﻰ أﺻﺤﺎب اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺬاﺗﻴﺔ اﻟﺘﻲ رﻛّﺰت ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن ﻛﻤﻮﺟﻮد ﻓﺎﻋﻞ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻮد، ﺑﻞ ﻟﻘﺪ ﺳﺎر ﻓﻲ ﻣﻮازاﺗﻬﺎ واﻟﺼﺮاع ﻣﻌﻬﺎ أﺻﺤﺎب ﻣﻮت اﻹﻧﺴﺎن، واﻟﺬﻳﻦ وﺟﺪوا اﻟﻈﺮوف اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن ﻫﻲ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﺤﺎﺳﻢ ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﺼﻴﺮ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،ﺣﻴﺚ أﻟﻐﻲ دور اﻟﺬات اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ، وﺗﻨﻮﻋﺖ اﻟﻔﻠﺴﻔﺎت اﻟﻌﺪﻣﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ وﻣﻌﺮﻓﻴﺔ ووﺟﻮدﻳﺔ وأﺧﻼﻗﻴﺔ وﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻣ ّﻴﺰت ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﺑﻴﻦ اﻹﻟﺤﺎد اﻟﻮﺟﻮدي اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ وﺟﻮد اﻹﻟﻪ )ﺟﺎن ﺑﻮل ﺳﺎرﺗﺮ( واﻟﻌﺪﻣﻲ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻌﻨﻴﻪ اﻷﻣﺮ وﻻ ﻳﺠﺪ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺟﻠﺘﻪ ﻓﺎﺋﺪة ﺗﺬﻛﺮ ،ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﻄﻲ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻗﻴﻤﺔ .وﻣﻦ ﻣﻨﻈﺮي اﻟﻌﺪﻣﻴﺔ اﻟﻨﺎﻗﺪ واﻟﺸﺎﻋﺮ ﺟﻮﺗﻔﺮﻳﺪ ﺑﻦ ) (1956_1866اﻟﺬي اﻋﺘﺒﺮ اﻟﻌﺪﻣﻴﺔ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﺻﺮﻳﺤﺔ ﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺤﻴﺎة ،وﻣﺜﻠﻪ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ إﻣﻴﻞ ﺳﻴﻮران ) (1995_1911ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ )اﻟﻤﻴﺎه ﻛﻠﻬﺎ ﺑﻠﻮن اﻟﻐﺮق( ،واﻟﻤﻌﺒّﺮ اﻷول اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻋﻦ اﻟﻌﺪﻣﻴﺔ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻟﻪ اﻷدﺑﻴﺔ ﻫﻮ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺟﻮﺳﺘﺎف ﻓﻠﻮﺑﻴﺮ ) (1880_1821وﺑﻴﻦ اﻟﻌﺮب ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﻧﻌﺖ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف أﺑﻮ اﻟﻌﻼء اﻟﻤﻌ ّﺮي ﺑﺎﻟﻌﺪﻣﻴﺔ ) .(1057_973ﻳـﺆﻛـﺪ اﻟـﻮﺟـﻮدﻳـﻮن –إذن-أن ﻻﻗﻴﻤﺔ ﻟـﻮﺟـﻮد اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻌﻴﺪا ً ﻋﻦ اﻟﺤﺮﻳﺔ؛ ﻓﺎﻟﻮﺟﻮد واﻟﺤﺮﻳﺔ ﻣﺘﻼزﻣﺎن ﻻ ﻳﻨﻔﺼﻼن ،واﻟﻤـﻮﺟـﻮد إﻹﻧـﺴـﺎﻧـﻲ اﻷﺻـﻴـﻞ اﻟــﺬي ﻳﻤﺘﻠﻚ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻳﺴﻌﻰ داﺋﻤﺎً إﻟـﻰ ﺑﻨﺎء ذاﺗـﻪ اﻟﻤﺘﻔﺮدة وﻳﺠﻬﺪ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ أﻧﺎه اﻟﺨﺎﺻﺔ ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻛﺎن ﺳﻌﻲ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ ﻣ ﱢﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ إﻟﻰ اﻣﺘﻼك اﻟﺤﺮﻳﺔ ؛ ﻷﻧﻪ رأى ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻴﻦ اﻟﻮﺟﻮد ،ﻓﺒﻬﺎ ﻳﻜﻤﻦ اﻻﻧﺘﻘﺎل ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ إﻟﻰ اﻟﻮاﻗﻊ ،وﻣﻦ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﻌﺰﻟﺔ إﻟﻰ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺬات وﺳﻂ اﻟﻤﺠﻤﻮع ؛ ﻷ ﱠن ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻤﻮﺟﻮد أن ﻳﺠﺪ ذاﺗﻪ وﺳﻂ اﻟﻮﺟﻮد .ﻳﻜﻤﻦ وﺟﻮد اﻟﺬّات اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ –إذن -ﻓﻲ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
81
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﻳﻌﻨﻲ أن ﺗﺨﻠﻖ اﻟﺬات ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ،وﺗﺤﺎول أن ﺗﻌﻠﻮ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ، ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ "ﻣﺸﺮوع وﺟﻮد" ،أو إرادة ﻻ ﺗﺄﻟﻮ ﺟﻬﺪا ً ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻛﺘﺴﺎب ﻣﺎﻫ ّﻴﺘﻬﺎ" .إ ّن ﻣﺎ ﻳﻤ ّﻴﺰ اﻟﺬات ﻟﻴﺲ ﺗﻔ ّﺮدﻫﺎ ،واﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺬّوات ،ﺑﻞ ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ أﻣﺎم اﻵﺧﺮﻳﻦ ،وﻣﺎ ﺗﺘﺼﻒ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻗﺪرة ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﺷﺘﻰ اﻟﻈﺮوف، ﻓﺎﻟﺬّات ﺣﺰﻣﺔ ﻣﻮاﻫﺐ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺜﻤﺎرﻫﺎ")اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻮﺟﻮدﻳﺔ ،زﻛﺮﻳﺎ اﺑﺮاﻫﻴﻢ.(55، اﻟﻮﺟﻮد اﻷﺻﻴﻞ واﻟﻮﺟﻮد اﻟﻤﺒﺘﺬل
"اﻟﻤﻮﺟﻮد ﻟﺬاﺗﻪ ﻫﻮ اﻧﺒﺜﺎق ﺣ ّﺮ ،ﻓﻴﻪ ﻳﺨﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎن ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ. و ﻳﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﺣﺎل اﻹﻣﻜﺎن إﻟﻰ ﺣﺎل اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ،ﻓـ "اﻟﺤﺮﻳّﺔ ﻫﻲ اﻟﺼﻔﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟﻮﺟﻮد اﻟﺬات" .وﻳﺮى "ﻳﺴﺒﺮز" أن اﻟﻌﺪم ﺛﻐﺮة اﻟﻮﺟﻮد ،ﻓﺎﻟﻌﺪم داﺧﻞ ﻓﻲ ﻧﺴﻴﺞ اﻟﻮﺟﻮد ،ووﺟﻪ آﺧﺮ ﻟﻪ ،وﻫﻮ اﻷﺻﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﺮﻳّﺔ؛ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻋﻤﻠﻴﺔ داﺧﻠﺔ ﻓﻲ ﻧﺴﻴﺞ اﻟﻮﺟﻮد ،وﻣﻜ ّﻮن أﺳﺎس ﻣﻦ ﻣﻜﻮﻧﺎﺗﻪ؛ ﻣﺎ ﻳﺆﻛﺪ أ ّن ﻗﻴﺎم اﻟﺬات اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ وﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺤﻘﻮق ،واﺧﺘﻴﺎر اﻷﺷﻴﺎء ،واﻹﻓﺼﺎح ﻋ ّﻤﺎ ﺗﺮﻳﺪ ،واﻟﺘﺴﺎؤل ﻋ ّﻤﺎ ﺗﺠﻬﻞ ،واﺗﺨﺎذ اﻟﻘﺮارات ﺑﺤﺮﻳﺔ وإرادة ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻤ ّﻴﺰﻫﺎ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ .واﻹرادة -وﻓﻖ ﺷﻮﺑﻨﻬﻮر- "ﺟﻮﻫﺮ وﺟﻮد اﻹﻧﺴﺎن ،ﻓﻔﻴﻬﺎ ﻳﺠﺪ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﺘﺄ ّﻣﻞ اﻟﺒﺎﻃﻦ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ اﻟﺠﻮﻫﺮ اﻟﺒﺎﻃﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻺﻧﺴﺎن ،اﻟﺬي ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻔﻨﻰ ،وﻫﻲ اﻟﺒﺬرة اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻔﻨﺎء ﻋﻨﺪ اﻹﻧﺴﺎن ،وﻫﻲ ﻣﺒﺪأ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻴﻪ")ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ،ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﺪوي.(34 /2 : أﻣﺎ ﺟﺒﺮﻳﻴﻞ ﻣﺎرﺳﻞ ،ﻓﻴﺮى "أ ّن اﻟﻮﺟﻮد -ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﺬات -إﻧﻤﺎ
80
ﺟﺪﻟﻴﺔ اﻟﻮﺟﻮد واﻟﻌﺪم ﻋﻨﺪ ﺷﻌﺮاء ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ا ﺳﻼم
وﻣﻦ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻮﺟﻮدﻳﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻨﺎوﻟﻮا اﻟﻮﺟﻮد ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ اﻟﻮﺟﻮدي )ﻛﺎﻧﺖ وﻧﻴﺘﺸﻪ ،وﻫﻴﻐﻞ ،وﺷﻮﺑﻨﻬﺎور( ،وﻫﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻳﺮون أن اﻷﻧﺎ اﻟﻤﻮﺟﻮدة اﺳﺘﻘﺮت ﻋﻠﻰ ﻧﻤﻄﻲ اﻟﻮﺟﻮد؛ اﻟﻮﺟﻮد اﻷﺻﻴﻞ اﻟﻤﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﺤ ّﺮﻳﺔ ،واﻟﻮﺟﻮد اﻟﻤﺒﺘﺬل اﻟﺬي اﻧﻐﻤﺴﺖ اﻷﻧﺎ ﻓﻴﻪ ﻹﺛﺒﺎت اﻟﻮﺟﻮد ﺑﻜﻞ ﻣﺎﻫﻮ زاﺋﻒ ،وﻫﻮ ﻣﺎ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ أﺻﺤﺎب اﻟﻤﺬﻫﺐ اﻟﻮﺟﻮدي ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺪاﺛﻲ ﺑﻤﻮت اﻹﻧﺴﺎن. وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮﻛﺔ ﺑﺮوز ﻟﻤﻈﺎﻫﺮ اﻟﻌﺪم اﻟﻤﺘﺼﺎرع ﻣﻊ اﻟﻮﺟﻮد اﻟﻤﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﺤ ّﺮﻳﺔ ،ﻓﻜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺒﺪﻻت اﻟﺪراﻣﺎﺗﻴﻜﻴﺔ ﻓﻲ ﻗﺮاءة اﻟﻮﺟﻮد اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﺎﻟﻮاﻗﻊ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ وﺣﺮﻛﺘﻪ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻧﻘﻠﺖ اﻟﺼﺮاع ﻣﻦ اﻟﺘﺄﻣﻞ اﻟﺤ ّﺮ إﻟﻰ اﻟﺤﻴّﺰ اﻟﻤﺒﺎح ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎت اﻟﻮﺟﻮدﻳﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن، واﻟﺘﻲ أﺳﻬﻤﺖ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺘﻬﺎ اﻵﺛﺎر اﻟﻤﺪ ّﻣﺮة ﻟﻠﺤﺮوب واﻟﻠﻬﺎث ﺧﻠﻒ اﻟﺜﺮوة ،ﻣﻤﺎ أﻧﺘﺞ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻴﺄس اﻟﻮﺟﻮدي وﺛﻘﺎﻓﺔ ﻣﺎﺑﻌﺪ اﻟﺤﺪاﺛﺔ .إن أﻛﺜﺮ ﻓﻼﺳﻔﺔ اﻟﺘﺸﺎؤم اﻷوروﺑﻴﻴﻦ وﻣﻨﻈّﺮي اﻹﺣﺒﺎط ﻫﻮ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف "آرﺛﺮ ﺷﻮﺑﻨﻬﺎور" ) (1860_1788اﻟﺬي وﺟﺪ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺗﺼ ّﻮرا ً وﻓﻜﺮة ﻟﻠﺼﺮاع ﻣﻊ اﻟﻤﻮت واﻟﻔﻨﺎء ،ﻓﻼ ﺷﻲء –ﺑﺮأﻳﻪ -ﻳﻮﻗﻒ آﻻم اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ
وإﻟــﻰ اﻟﻮﺟﻮدﻳﺔ اﺣﺘﻜﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﻮﺟﻮدﻳﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ وﺟﻮد اﻟﻤﻮﺟﻮد اﻟﺬي ﻳﺼﺪق ﻋﻠﻴﻪ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻮﺟﻮد ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺗﺠﺎوز ذاﺗﻪ ،أﻣﺎ اﻟﻤﻮﺟﻮدات اﻷﺧﺮى؛ ﻓﻬﻲ إﻣﺎ ﻣﻮﺟﻮدات ﻻ ﻧﻌﺮف ﻛﻨﻪ وﺟﻮدﻫﺎ" ،ﻛﺎﻟﻠﻪ واﻟﻤﻼﺋﻜﺔ واﻟﻌﺎﻟﻢ" ،وإﻣﺎ ﻣﺠﺮد ﻛﺎﺋﻨﺎت ﻛﺎﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت واﻟﺠﻤﺎدات ،وﻛﻼﻫﻤﺎ ﻻ ﻳﻤﺘﻠﻚ ﺗﺠﺎوز ذاﺗـﻪ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار ﻛﺎﻹﻧﺴﺎن، ﻟﺬﻟﻚ ﺧﺺ ﻣﻌﻈﻢ اﻟـﻮﺟـﻮدﻳـﻴﻦ اﻟـﻮﺟـﻮد ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن وﺣـﺪه .وﻫﻮ ﻣﺎ ُﺳﻤﻲ ﺑﺎﻟـﻮﺟـﻮد اﻟﻤﺎﻫﻮي ،أي أن اﻟﻤﺎﻫ ﱠﻴﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻮﺟﻮد اﻹﻧﺴﺎن ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺗﺠﺎوز ذاﺗـﻪ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ،داﺋﻤﺎً ،ﻧﺤﻮ اﻟﻤﻤﻜﻦ ،وﻳُﺴﻤﻰ: اﻟﻮﺟﻮد اﻷﺻﻴﻞ ،واﻟﻮﺟﻮد اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻫﻮ ﻣﻌﻴﺎر ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻮﺟﻮد ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺬات .اﻧﻄﻠﻖ ﻫﻴﺪﻏﺮ ﻓﻲ ﺗﻌﺮﻳﻒ "اﻟﻮﺟﻮدﻳﺔ" ﻣﻦ أﺻـﻞ اﻟﻔﻌﻞ )ﻳﻮﺟﺪ( ،وﻫﻮ ﻓﻲ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ "اﻟﺘﻤﺮد ﻋﻠﻰ اﻟﻮاﻗﻊ ،واﻟﺜﻮرة ﻋﻠﻴﻪ ،واﻻﻧﺒﺜﺎق ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ" ،وﺣ ّﺪد ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻮﺟﻮد اﻋﺘﻤﺎدا ً ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻮﻟﺔ )اﻟﻮﻗﻮف ﺧﺎرج اﻟـﺬات( أي ﻗﺪرة اﻟـﺬات ﻋﻠﻰ ﺗﺠﺎوز ﻧﻔﺴﻬﺎ داﺋﻤﺎً ،وﺗﺠﺪدﻫﺎ ،وإﻟﻘﺎﺋﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﺰ اﻟﻤﻤﻜﻦ اﻷﻓـﻀـﻞ ،وﻋـﺪم اﻟﺜﺒﺎت واﻟﺴﻜﻮن واﻟـﻮﻗـﻮف ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ واﺣﺪة. ﻳﺮى ﻫﻴﺪﻏﺮ أن ﻟﻠـﻮﺟـﻮد اﻟﺰﻣﻨﻲ ﻣﻌﻨﻴﻴﻦ" :اﻟﻮﺟﻮد ﻫﻨﺎك"؛ أي وﺟﻮد اﻹﻧـﺴـﺎن ﻣﺮﻏَﻤﺎً ،ﻣﻦ ﻏﻴﺮ إرادة ﻣﻨﻪ ،ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ ﻇﺮوف، و"اﻟﻮﻗﻮف ﻫﻨﺎ"؛ أي ﺿﺮورة اﻟﺘﺠﺎوز ﺑﺎﻟﺬات ﻧﺤﻮ اﻟﻤﻤﻜﻦ ،وﻋﺪم اﻻﺳﺘﺴﻼم وﺻﻮﻻً إﻟﻰ اﻟﻮﺟﻮد اﻟﻤﺎﻫﻮي وإﻧﺴﺎﻧﻴﺘﻪ .وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ
اﻟﻮﺟﻮدﻳﻮن "اﻟﺘﻌﺎﻟﻲ"؛ أي ﺗﺠﺎوز اﻟﺬات اﻟﻔﻌﻠﻲ واﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻟﺬاﺗﻬﺎ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ "ﻧﻴﺘﺸﻪ" اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﺘﻤﻴﱢﺰ )اﻟﺴﻮﺑﺮﻣﺎن(. ﻋﻨﺪ "ﻫﻴﺪﻏﺮ" ﻳﻨﻜﺸﻒ اﻟﻮﺟﻮد ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﺣﻀﻮر وﻏﻴﺎب ﻣﻌﺎً، واﻧﻜﺸﺎف واﺣﺘﺠﺎب ﻣﻌﺎً )اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻮﺟﻮدﻳﺔ ،زﻛﺮﻳﺎ اﺑﺮاﻫﻴﻢ-12 : .(13وﻋﻨﺪ ﺳﺎرﺗﺮ" :أن اﻟﻌﺪم ﻧﺴﻴﺞ اﻟﻮﺟﻮد اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ،و أ ّن ﻣﺎ ﻳﻤ ّﻴﺰ اﻟﻤﻮﺟﻮد ﻟﺬاﺗﻪ ﻫﻮ اﻧﻔﺼﺎﻟﻪ ﻋﻦ ذاﺗﻪ ،وﺧﻠﻘﻪ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ )اﻟﻮﺟﻮد واﻟﻌﺪم ،(9وﻳﺮى أن اﻟﺤﺮﻳّﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺳﻮى ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ أن
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
79
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ĥưLjǖČĨ ĔǡƨǡǖČ Ơǥǖưƨ ĥǭƵǪČ ǕƟǐ ƜǙ ĆČƲLjƸ ưǝLJ د.ﻏﻴﺜﺎء ﻋﻠﻲ ﻗﺎدرة*
ﺑﻌﻴﺪاً ﻋﻦ اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ اﻻﺳﺘﺸﺮاﻗﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎﺳﺖ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻮﺟﻮد اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺤﻴﺎة اﻟﺒﺪاوة ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻧﻴﻦ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ واﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ،واﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ اﻟﺮؤﻳﺔ اﻟـﻈـﺎﻫـﺮاﺗـﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺒﻄﻦ اﻟﻈﺎﻫﺮة وﺻﻮﻻً إﻟﻰ ﻣﺎﻫﻴﺘﻬﺎ ﻛﺎن اﻟﺴﻔﺮ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻫﻴﻞ اﻟﻮﺟﻮد واﻟﻌﺪم ﻋﻨﺪ ﻋﺮﺑﻲ ﻣﺎﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم اﻟﺬي ﻋﺎش ﺗﺪاﺧﻞ اﻟﻮﺟﻮد واﻟﻌﺪم ﺗﺎرة، واﻧﻔﺼﺎﻟﻬﻤﺎ ﺗﺎرة أﺧﺮى ،ﻋﺎش ﺻﺮاﻋﺎً ﻣﺘﻮاﺻﻼً ﺑﻴﻦ ﻃﺮﻓﻴﻦ ﻣﺘﺒﺎﻋﺪﻳﻦ ﻻ ﻳﻠﺘﻘﻴﺎن إﻻ ﻟﻴﺘﺼﺎرﻋﺎ ﺣﻮل أﺣﻘﻴﺔ وﺟﻮد اﻷول ﻓﻲ ﻧﻔﻲ اﻟﺜﺎﻧﻲ .ﻓﻤﻦ ﺟﺪﻟﻴﺔ اﻟﺼﺮاع اﻟﻮﺟﻮدي ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺔ ﻓﺮﺿﺖ ﻣﻌﻄﻴﺎﺗﻬﺎ ﻧﻤﻄﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة ﻛﺎن اﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﻮﺟﻮدﻳﺔ ،واﻻﻧﻄﻼق ﻣﻦ اﻟﻮﺟﻮد اﻟ ُﻤﺪ َرك ،وﻫﻮ اﻟﻮﺟﻮد اﻟﺬي ﻳﺴﺒﻖ اﻟﻤﺎﻫﻴﺔ ﻋﻠﻰ وﻓﻖ ﻣﺎ أﻛﺪﺗﻪ ﻓﻠﺴﻔﺔ"اﻟﻮﺟﻮدﻳﺔ" ،اﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮت ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،وﻧﺎدت ﺑﺄﻫﻤﻴَﺔ وﺟﻮد اﻟﻔﺮد اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻗﻴﻤﺘﻪ ،واﻧﺘﺸﺮت ﻓﻲ ﺛﻼﺛﻴﻨ َﻴﺎت وأرﺑﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ .وﻳﻤﻜﻦ اﻹﻗﺮار ﺑﺄن اﻟﻮﺟﻮدﻳَﺔ ﺟﺎءت ر ﱠدة ﻓﻌﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺧﻠﻔﺘﻪ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤ َﻴﺔ ﻣﻦ دﻣﺎر وﻓﻨﺎء. ﺗﻜﺮس اﻟﻮﺟﻮدﻳﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻓﺮدا ً ﻳﻘﻮم ﺑﺘﻜﻮﻳﻦ ﺟﻮﻫﺮ ﻟﺤﻴﺎﺗﻪ وﻣﻌﻨﻰ ،وﺗﻮﺿﺢ أن ﻏﻴﺎب اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ﻟﻘﻮة ﺧﺎرﺟﻴﺔ )اﻹﻟﻪ( ﻳﻌﻨﻲ ﺑﺄن اﻟﻔﺮد ﺣﺮ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ،وﻫﻮ ﻣﺴﺆول ﻋﻦ أﻓﻌﺎﻟ ِﻪ ،وﻋﻦ ﺧﻴﺎراﺗﻪ ،وأﻓﻜﺎره ،وﺗﻜﻮﻳﻦ ﻣﻌﺘﻘﺪاﺗﻪ ﺑﻌﻴﺪا ً ﻋﻦ أي ﻧﻈﺎم .وﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ اﻟﻮﺟﻮد اﻟﺬاﺗﻲ اﻟﺤﺮ ﻫﻲ اﻟﻜﻔﻴﻠﺔ ﻟﻠﻨﻬﻮض ﻓﻮق اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻤﻔﺘﻘﺮة ﻟﻠﻤﻌﻨﻰ.
78
ﺟﺪﻟﻴﺔ اﻟﻮﺟﻮد واﻟﻌﺪم ﻋﻨﺪ ﺷﻌﺮاء ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ا ﺳﻼم
وﻟﻴﺲ ﻟﺪﻳﻪ ﻧﻴﺔ اﻻﺳﺘﻐﻨﺎء ﻋﻨﻬﺎ – وﻟﻮ ﻛﺎن ﻣﻘﺼﺮا ﻣﻔﺮﻃﺎ ﻓﻲ أﻣﻮ ٍر دﻳﻨﻴﺔ أو ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻠﻮﻛﻴﺎت اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﻘﻮﻳﻤﺔ. ﻓﺎﻟﻤﺘﻠﻘﻲ اﻟﻌﺎدي ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أن ﻳﻔﻬﻢ ﻟﻤﺎذا ﻳﺤﺮص ﻣﻌﻈﻢ دﻋﺎة اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﻌﺮب ﻋﻠﻰ رﺑﻄﻪ -أي اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ -ﺑﺎﻹﻟﺤﺎد أو اﻟﺘﺠﺮؤ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺘﻘﺪات اﻟﺒﺴﻄﺎء وﺛﻘﺘﻬﻢ اﻟﻼﻣﺤﺪودة ﻓﻲ اﻟﻤﻮروث. دﻳﻨﻰ وﻛﻼﻣﻲ ﻻ ﻳﻌﻨﻰ أﻧﻨﻲ أود أن ﻳﺘﺤﻮل اﻷدب واﻟﻔﻨﻮن إﻟﻰ ﻣﻨﺒﺮ ّ وﻋﻈﻲ ،ﺑﻞ إﻧﻨﻲ – ﺷﺨﺼ ٍّﻴﺎ – ﻟﺴﺖ ﻣﻤﻦ ﻳﺘﻘ ّﺒﻠﻮن اﻟﻤﻮروث ﻣﻦ دون وﻋﻲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻣﻮروﺛﺎ ،ﻟﻜﻦ ﺻﺪﻣﺔ اﻟﻌﻮام اﻟﺒﺴﻄﺎء ﻛﺎرﺛﺔ . أراد اﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻳﻮن – وﻟﻴﺴﻮا ﻣﻦ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻓﻲ ﺷﻲء – أن ﻳُﺤﺪﺛﻮا ﻗﻄﻴﻌﺔ ﻣﻊ اﻟﻤﻮروث ﻓﺄﺣﺪﺛﻮا ﻗﻄﻴﻌﺔ ﻣﻊ اﻟﻤﺘﻠﻘﻲ ﻏﺎﻓﻠﻴﻦ أو ﻣﺘﻐﺎﻓﻠﻴﻦ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻣﻔﺎدﻫﺎ أن اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮاه اﻟﺸﺨﺼﻲ ﻣﻔﺮﻃﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ أﻣﻮر دﻳﻨﻪ وﺑﻌﺾ اﻷﻣﻮر اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﻤﺴﺎس ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻸ . وﻛﻢ ﻛﺎن أدﻳﺐ ﻣﺼﺮ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ راﺋﻌﺎ ﺳﺎﺑﻘًﺎ زﻣﻨﻪ! ﺣﻴﻦ رﺳﻢ ﺷﺨﺼﻴﺔ "اﻟﺴﻴﺪ أﺣﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺠﻮاد" ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻨﺎﻗﻀﺎت ﻓﻲ ﺛﻼﺛﻴﺘﻪ اﻟﺨﺎﻟﺪة .وﻟﻦ أﻛﻮن ﻣﺒﺎﻟﻐﺎ إذا ادﻋﻴﺖ أن ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎت اﻋﺘﺮﻓﺖ ﺑﻬﺎ اﻟﺮﺳﺎﻻت اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ ،ﻳﻜﻔﻴﻨﺎ ﻗﻮﻟﻪ ﻋﺰ وﺟﻞ )وﻧﻔﺲ وﻣﺎ ﺳﻮاﻫﺎ ﻓﺄﻟﻬﻤﻬﺎ ﻓﺠﻮرﻫﺎ وﺗﻘﻮاﻫﺎ( ،وﻗﻮﻟﻪ )إن اﻟﻨﻔﺲ ﻷﻣﺎرة ﺑﺎﻟﺴﻮء( ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﺑﻄﺒﻌﻪ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻃﻴ ًﻌﺎ أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻟﻨﺪاءات ﻧﻔﺴﻪ اﻷﻣﺎرة ﺑﺎﻟﺴﻮء ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻀﺮورة أن ﻳﻨﺼﺖ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﻨﺎدي ﺑﺎﻟﺘﺸﻜﻴﻚ ﻓﻲ ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻪ. وﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻻ أﻋﺮض ﻣﻘﺎﻻ أداﻓﻊ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﺛﻮاﺑﺘﻨﺎ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ وﻻ أﻧﺘﻘﺪ ﺣﺘﻰ اﻟﻤﻨﺘﻘﺪﻳﻦ واﻟﻤﺸﻜﻜﻴﻦ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻟﻜﻨﻨﻲ أﺣﺎول أن أﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﺳﺮ ﻗﻄﻴﻌﺔ اﻟﻤﺒﺪع أو اﻟﻤﺜﻘﱠﻒ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ واﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ آﺧﺮ . ورﻏﻢ أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺎدات ﺷﺒﻪ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻟﻠﻨﺨﺐ اﻟﻤﺴﺘﻨﻴﺮة ﻓﻲ ﺟﺰرﻫﻢ اﻟﻤﻨﻌﺰﻟﺔ أن ﻳﻨﺘﻘﺪوا اﻟﺴﻠﻔﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺻﻮرﻫﺎ ،ﻓﺈﻧﻪ وﻣﻦ دون ﻗﺼﺪ ﻣﻨﻬﻢ وﻗﻌﻮا ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﺨﻄﺄ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺘﻘﺪون ﻏﻴﺮﻫﻢ ﺑﺴﺒﺒﻪ وﻫﻮ ﺳﻠﻔﻴﺔ اﻟﻔﻜﺮ ،ﻓﻔﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬى ﻳﻨﺎدي ﻓﻴﻪ ﻛﻞ ﻣﺒﺪع ﺣﻘﻴﻘﻲ، وﻣﺜﻘﱠﻒ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﺑﺤﻮار اﻟﺤﻀﺎرات ،واﺣﺘﺮام اﻟﻌﻠﻢ ،واﻟﺘﻌﻈﻴﻢ ﻣﻦ ﺷﺄن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﺧﺘﻴﺎراﺗﻪ وﻣﻌﺘﻘﺪاﺗﻪ ،وﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﺷﻲء اﻟﺤﺮﻳﺔ، ﻧﻌﻢ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﺑﻜﻞ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ وﻣﻜﺘﺴﺒﺎﺗﻬﺎ ...ﻧﺠﺪ ﺑﻌﺾ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺨﺒﻮﻳﻴﻦ ﺣﻴﻦ ﻳﻨﺘﻘﺪون أﻫﻞ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺴﻠﻔﻲ ﺑﺴﺒﺐ رﺟﻌﻴﺘﻬﻢ واﺣﺘﻜﺎرﻫﻢ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ -وﻫﻢ ﻣﺤﻘﻮن -ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﻤﺎرﺳﻮن اﺣﺘﻜﺎر اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮﻫﻢ ،وﺑﻨﻔﺲ آﻟﻴﺎت اﻷﺳﻠﻮب اﻟﺴﻠﻔﻲ وﻟﻴﺲ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺴﻠﻔﻲ ﻷﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻓﻜ ًﺮا. ﻫﻨﺎ ﺗﺠﺪ ﻟﻬﺆﻻء اﻟﻨﺨﺒﻮﻳﻴﻦ ﺳﻠﻔﻴﺘﻬﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ واﻟﻘﺎﺋﻤﺔ أﻳﻀﺎ ﻋﻠﻰ
اﻟﺘﺒﻌﻴﺔ واﻟﺴﻤﻊ واﻟﻄﺎﻋﺔ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺳﻠﻔﻴﺔ ﻣﺴﺘﻤ ﱠﺪة ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻏﺮﺑﻲ، ﺳﻠﻔﻴﺔ ﻋﻤﺮﻫﺎ ﻟﻴﺲ أﻟﻔﺎ وأرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﺑﻞ ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن. وﻟﺴﺖ أﺣﻤﻖ ﻷﺟﺤﺪ دور اﻟﺤﻀﺎرة اﻷوروﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة، ٍ ﺑﺨﺎف ﻋﻠﻰ وﻣﺎ ﻗﺎم ﺑﻪ "ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ" اﺳﺘﻐﻼﻻ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺤﻀﺎرة ﻟﻴﺲ أﺣﺪ ،ﻟﻜﻦ ﻛﺎن ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺘﺠﺎوز ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ واﻟﻨﻘﻞ واﻻﺗﺒﺎع وﻟﻮ ﺑﻌﺪ ﻗﺮن ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن ،ﻟﻜﻦ أن ﻧﻈﻞ أﺳﺮى ﺗﺒﻌﻴﺔ ﻛﻞ ﻣﺎﻫﻮ واﻓﺪ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ اﻹﺑﺪاع ،ﻓﻬﺬا ﻣﺎ ﻻ ﻳﻘﺒﻠﻪ ﻣﻨﻄﻖ ،وﻛﺜﻴﺮا ﻣﺎ اﺳﺘﻨﻜﺮه ﻣﻔﻜﺮﻧﺎ اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺮاﺣﻞ د .ذﻛﻲ ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻤﻮد ،ﺑﻞ إن ﺑﻌﺾ ﻧﺨﺒﺘﻨﺎ ﻣﻤﻦ ﻳﺆﻣﻨﻮن ﺑﺎﻟﻘﻮﻣﻴﺔ – وﻫﻲ ﺗﺴﺘﺤﻖ أن ﻧﺆﻣﻦ ﺑﻬﺎ – ﺗﺠﺪﻫﻢ أﺳﺮى ﺣﻘﺒﺔ اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت واﻟﻌﻬﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮي ،أﻟﻴﺴﺖ ﺗﻠﻚ ﺳﻠﻔﻴﺔ أﻳﻀً ﺎ! ورﻏﻢ ﺗﺒﻌﻴﺘﻬﻢ ﺗﻠﻚ ﻓﺈن ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺨﺐ ﺗﻌﻴﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻣﻮروﺛﻪ أو ﺗﺎرﻳﺨﻪ ﻧﻈﺮة إﻛﺒﺎر وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻮروث اﻟﺪﻳﻨﻲ! واﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ داﺧﻞ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﻳﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﺪﻳﻦ ﺗﻌﺎﻣﻞ اﻟﻄﻔﻞ ﻣﻊ اﻟﺜﻮاب واﻟﻌﻘﺎب ،ﻣﻊ اﻟﺨﻮف واﻷﻣﺎن ،وﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﻨﺼﺖ ﻧﺼﺎ ﻟﻤﻦ ﻳﺪﻋﻮه إﻟﻰ اﻋﺘﺒﺎر ﺗﺎرﻳﺨﻪ ﻣﺘﺤﻔًﺎ ،أو اﻋﺘﺒﺎر ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻤﻘﺪس ٍّ ﺗﺎرﻳﺨ ٍّﻴﺎ ،ﻣﻦ ﻫﻨﺎ وﺟﺪ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺿﺎﻟﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺎت، وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻰ ،وﻓﻘﺪ اﻟﺜﻘﺔ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻤﻦ ﻳﻌﺘﺒﺮون أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻧﺨﺒﺔ ،واﻛﺘﻔﻰ ﺑﺎﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻣﻊ ﻣﺤﺎوﻻت ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻌﺾ ﺑﺘﺜﻘﻴﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺑﻌﺪﻣﺎ اﺧﺘﻔﺖ اﻟﻨﺨﺒﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ واﻟﻤﺴﺘﻨﻴﺮون اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﻮن ،ﺑﻌﺪﻣﺎ اﺧﺘﻔﻰ اﻟ ُﻤﺜَﻘﱠﻒ اﻟ ُﻤﺜَﻘﱠﻒ وﺗﺼﺪر اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﻤﺜﻘّﻒ اﻟﺴﻠﻔﻲ ﻓﻲ ﻋﺰﻟﺘﻪ ّ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
77
إﺿﺎءة
ƠƟƯǝǖČ ƠǖƳLJ داﺋﻤﺎ أﺷﻌﺮ ﺑﺮﻳﺒﺔ ،وﻋﺪم ارﺗﻴﺎح ﺗﺠﺎه ﻣﻘﻮﻟﺔ "اﻟﻨﺨﺒﺔ اﻟﻤﺜﻘﱠﻔﺔ"؛ رﺑﻤﺎ ﻟﺸﻌﻮرى ﺑﻌﻨﺼﺮﻳﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ُﺳﻴﻌﺘﺒﺮ ﺧﻤﺴﺔ وﺗﺴﻌﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﺳﻜﺎﻧﻪ ﻋﻮا ًﻣﺎ ﺑﻨﺎ ًء ﻋﻠﻰ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻨﺨﺒﺔ ذﻟﻚ . وﻟﻌﻞ ﻣﺒﻌﺚ رﻳﺒﺘﻲ أﻧﻨﺎ ﻓﻲ وﻃﻨﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ وﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﺗﺤﺪﻳ ًﺪا ﻗﺪ ّ ﻳﻜﻮن اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻗﺪ اﺧﺘﻠﻂ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻷﻣﺮ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﻣﻘﻮﻟﺔ ُﻣﺜﻘﱠﻒ ،ﻓﺘﺎر ًة ﻳﺨﻠﻄﻮﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﺒﺪع ،وﺗﺎر َة ﻳﻘﺼﺮوﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﺎرئ اﻷدب أو اﻟﺘﺎرﻳﺦ أو وﻋﻰ ﻗﺎﺻﺮ إن اﻟﻤﻬﺘﻢ ﺑﺎﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ واﻟﻔﻦ اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻰ وﻻ ﺷﻚ أن ﻫﺬا ٌ اﻋﺘﺒﺮﻧﺎه وﻋﻴﺎ . ﻓﺎﻟﻤﺒﺪع ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻣﺒﺪﻋﺎ وﻓﻖ ﻣﻮﻫﺒﺘﻪ اﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﻟﻜﻨﻪ إن ﻟﻢ ﻳﺼﻘﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﺪراﺳﺔ واﻟﺪرﺑﺔ اﻟﻼزﻣﻴﻦ ،ﻓﺴﺘﻨﺰوي ُﺟﺬْوة ﻣﻮﻫﺒﺘﻪ ﻷﻧﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﺜﻘﻒ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺴﻘﻂ ﻋﻨﻪ ﺣﻘﻪ ﻓﻲ وﺻﻔﻪ ﺑﺎﻟﻤﺜﻘﻒ. أﻣﺎ اﻟﻘﺎرئ اﻟﻨﻬﻢ أو اﻟﻤﻬﺘﻢ ﺑﺎﻟﻔﻨﻮن ﻋﻤﻮﻣﺎ ﻓﻼﺷﻚ أن ﻟﻪ ﻗﻴﻤﺘﻪ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻗﻴﻤﺔ ﺗﺤﺼﻴﻠﻴﺔ وﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻀﺮورة أﻧﻪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺤﺼﻠﺔ وﻳﺴﺘﻐﻠﻬﺎ اﺳﺘﻐﻼﻻ اﻳﺠﺎﺑﻴﺎ ﻣﻨﺘ ًﺠﺎ رﻏﻢ أﻧﻪ ﻳﺤﻤﻞ ذاﻛﺮة ﻧﻔﻴﺴﺔ ﺗﺤﻔﻆ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﻦ اﻟﻤﻠﻔﺎت اﻟﺮاﻗﻴﺔ! وﻓﻲ ﺗﺼ ّﻮري أن اﻟﻤﺜﻘﱠﻒ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻫﻮ ذﻟﻚ اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻟﻌﻀﻮي اﻟﻤﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻨﻤﻴﺔ رﺻﻴﺪ اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وﻟﻮ ﺑﺴﻠﻮﻛﻪ اﻻﻳﺠﺎﺑﻲ ﻓﺤﺴﺐ، واﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ ﺗﺒﻨﻲ رؤى ،وﺗﻜﻮﻳﻦ آراء ﻷﺳﺒﺎب وﺟﻴﻬﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ،ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻗﺎدر ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻜﻔﺎءة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺨﻠّﻲ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻵراء ﻟﻮ ﺗﺒﻴﻦ ﻟﻪ ﺻﺤﺔ ذﻟﻚ .وﻳﺰداد اﻷﻣﺮ ﺣﺴﻨﺎ ﻟﻮ ﻛﺎن ذﻟﻚ اﻟﻤﺜﻘﻒ اﻟﻌﻀﻮي اﻟﻔ ّﻌﺎل ﻣﺒﺪ ًﻋﺎ، أو ﻣﺘﺎﺑﻌﺎ ﻟﻶداب واﻟﻔﻨﻮن واﻟﻔﻠﺴﻔﺎت . ﻓﺈذا ﻟﻢ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻓﻨﺤﻦ إذن أﻣﺎم ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻮام ﺗﻨﺎﻣﺖ ﻓﻴﻪ ﻗــﺪرات ذاﻛــﺮة وﻟﺴﺎن اﻟﺒﻌﺾ؛ ﻓﻈﻨﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻧﺨﺒﺔ ﻣﻨﺘﻘﺎة وﺣﺠﺘﻬﻢ ﻓﻲ ذﻟﻚ :أﻧﻬﻢ ﻗﺮاء ﻷدوﻧﻴﺲ وروﻻن ﺑﺎرت وﺟﻼل اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺮوﻣﻲ وﻧﻴﺘﺸﺔ وﺑﻮدﻟﻴﺮ .....إﻟﺦ ،وﻻ ﺷﻚ أﻧﻬﺎ ﻗﺮاءات راﻗﻴﺔ أو أﻧﻬﻢ ﻳﺴﺘﻤﻌﻮن إﻟﻰ ﻣﻮﺗﺴﺎرت أو دارﺳﻮن ﻟﻠﻔﻦ اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻰ ﻣﻨﺬ ﻋﺼﺮ اﻟﻨﻬﻀﺔ ﺣﺘﻰ ﺳﻠﻔﺎدور داﻟﻲ أو أﻧﻬﻢ ﻳﺪرﻛﻮن ﺟﻴﺪا اﻟﻔﻮارق ﺑﻴﻦ ﻋﺼﺮي اﻟﺤﺪاﺛﺔ وﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺪاﺛﺔ. وﻫﻨﺎ أﺳﻮق اﻓﺘﺮاﺿﺎ ﺧﻴﺎﻟﻴﺎ ،وﻫﻮ :ﻟﻮ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺷﺮﻳﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﺎﺋﺔ ﻓﺮد ﻳﻌﺎﻧﻮن اﻟﺠﻮع اﻟﺸﺪﻳﺪ ،ﻣﻨﻬﻢ ﺧﻤﺴﺔ أﻓﺮاد ﻳﺤﻔﻈﻮن ﻋﻦ ﻇﻬﺮ ﻗﻠﺐ أﺳﻤﺎء ووﺻﻔﺎت أﺷﻬﺮ اﻟﻤﺄﻛﻮﻻت ﻋﻨﺪ أﻗﻮام آﺧﺮﻳﻦ ﻳﻜﺎدون أن ﻳُﺘﺨﻤﻮا ﻣﻦ ﺷﺪة وﻛﺜﺮة اﻷﻛﻞ ،ﻓﻬﻞ ﻫﺆﻻء اﻟﺨﻤﺴﺔ أﻓﻀﻞ ﺣﺎﻻ ﻣﻦ اﻟﺨﻤﺴﺔ وﺗﺴﻌﻴﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ؟! ﺑﺎﻟﻘﻄﻊ ﻻ ،ﻓﻬﻢ ﻳﺘﺤﺪﺛﻮن ﻋﻦ أﻃﻌﻤﺔ اﻟﻐﻴﺮ ،وﻻ ﻳﻨﺘﺠﻮن ﻃﻌﺎﻣﺎ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ وﻻ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ. 76
ﻋﺰﻟﺔ اﻟﻨﺨﺒﺔ
ﻋﻤﺮو اﻟﺸﻴﺦ
وﺑﻨﻈﺮة ﺳﺮﻳﻌﺔ إﻟﻰ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﺳﻨﺠﺪ أن ذﻟﻚ ﺣﺎل ﻣﻌﻈﻢ ﻣﻦ ﻳﺘﺼﻮرون أﻧﻬﻢ "ﻧﺨﺒﺔ" ،وﻳﺘﺼﺮﻓﻮن ﺑِﻨﺎ ًء ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺼﻮر اﻟﺴﺎﺑﻖ ﺑﺎﻧﻌﺰال ﻋﻦ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﻢ ﻳﺨﻔﻰ ﻓﻲ ﻃﻴﺎﺗﻪ اﺳﺘﻌﻼ ًء. ﻫﺬا اﻻﻧﻌﺰال وﻫﺬا اﻻﺳﺘﻌﻼء ﻻﺷﻚ ﻳﻤﻨﻌﺎن ﺣﺪوث أي ﺗﻔﺎﻋﻞ إﻳﺠﺎﺑﻲ ﺑﻴﻦ ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﺗﻠﻚ اﻟﻨﺨﺒﺔ .وﻳﻜﻔﻴﻚ أن ﺗﻄﺎﻟﻊ ﻋﻦ ﻗﺮب ﻗﺎﻋﺎت ﻗﺮب اﻟﻨﺪوات اﻷدﺑﻴﺔ واﻟﻔﻨﻴﺔ وﻣﻌﺎرض اﻟﻔﻦ اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻲ ﻟﺘﺪرك ﻋﻦ ٍ ﺣﺠ َﻢ اﻟﻮﻫﻢ اﻟﺬي ﻳﻌﻴﺸﻪ ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺨﺒﻮﻳﻮن. ﻓﻤﻨﺬ ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﺸﺎرﻛﺎﺗﻲ ﻓﻲ اﻷوﺳﺎط اﻷدﺑﻴﺔ واﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﻊ ﻣﻄﻠﻊ اﻟﺘﺴﻌﻴﻨﻴﺎت وﺣﺘﻰ اﻵن ،وأﻋﺪاد ﺣﻀﻮر اﻟﺠﻤﻬﻮر ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺴﻴﺎت ﻓﻲ ﺗﻨﺎﻗﺺ ﻣﺴﺘﻤﺮ ،واﻟﺘﻌﺪد اﻟﻨﻮﻋﻲ ﻓﻲ اﻧﻘﺮاض ﻣﺴﺘﻤﺮ، ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﻓﻲ ﻣﻄﻠﻊ اﻟﺘﺴﻌﻴﻨﻴﺎت ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻨﺘﺪﻳﺎت اﻷدﺑﻴﺔ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺴﺘﻀﻴﻒ ﺧﻤﺴﺔ أو ﺳﺘﺔ ﺷﻌﺮاء ،وﻳﻜﻮن ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻀﻮر ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل ﻧﺎﻗﺪان ورواﺋﻲ وﻛﺎﺗﺐ ﻣﺴﺮح وﺻﺤﻔﻴﺎن وﻗﺮاﺑﺔ اﻟﺜﻼﺛﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﻬﻮر اﻟﻌﺎدي ﻟﻸدب ،أو ﻗﻞ ﻫﻢ اﻟﻤﺜﻘﻔﻮن اﻟﻤﺘﻮﻗﻌﻮن ،واﻟﻤﻨﺘﻈﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ أن ﻳﺆﺛﺮ ﻓﻲ داﺋﺮﺗﻪ اﻟﻀﻴﻘﺔ وﻟﻮ ﺑﺼﻮرة ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻌﻤﺪة .ﻟﻜﻦ ﻣﺘﻰ وﻛﻴﻒ ﺣﺪﺛﺖ اﻟﻘﻄﻴﻌﺔ؟! أو ﺷﺒﻪ اﻟﻘﻄﻴﻌﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺘﺼﻮر أﺣﺪ أﻧﻨﻰ أﺑﺎﻟﻎ. أﻇﻦ أﻧﻪ ﻣﻊ ﺛﻮرة اﻻﺗﺼﺎﻻت ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ودﺧﻮل اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺎت إﻟﻰ ﻛﻞ ﺑﻴﺖ ﻋﺮﺑﻲ ،ووﺻﻮل وﺳﺎﺋﻞ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ إﻟﻰ ﻳﺪ ﻛﻞ ﻃﻔﻞ وﺷﺎب ورﺟﻞ واﻣﺮأة وﺷﻴﺦ وﻋﺠﻮز ﻣﻦ اﻟﻤﺤﻴﻂ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻻﺷﻚ أن ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ أﺛﺮا ﺑﺎﻟﺴﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﻛﺘﻔﺎء اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺬاﺗﻪ واﻧﻜﻔﺎﺋﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ. وﻻ ﺷﻚ أﻳﻀﺎ أن ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻗ ّﺮﺑﺎ ﺻﻮرة اﻟﻤﺒﺪع أو اﻟﻨﺨﺒﻮي ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺒﻮن أن ﻳﻄﻠﻘﻮا ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻦ وﻋﻲ اﻟﻤﺘﻠﻘﻲ اﻟﻌﺎدي ،ﻫﺬا اﻟﻘُﺮب ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﻤﺒﺪع ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم. ﻣﺨﻠﺼﺎ أو ﻇﺎﻫﺮﻳﺎ ﻷن اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﻤﻮﻣﺎ ﻣﺤﺎﻓﻆ ﺑﻄﺒﻌﻪ – ً – ﻣﺘﻤﺴﻚ ﺑﺠﺬوره وﻫﻮﻳﺘﻪ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪه وﻃﻘﻮﺳﻪ – ﺧﺎﺻﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ –
ﻓﺎﻣﻴﻠﻴﺎ ،اﻟﻀﺨﺎﻣﺔ ﻣﻮﺟﻮدة ،ﻟﻜﻦ اﻹﻧﺎرة اﻟﺪاﺋﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻣﺮﺗﺎدﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻮﻗﺖ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻻ ﺗﺒﺪو ﻣﻌﻨﻴﺔ ﺑﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﻐﻤﻮض اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ .ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺠﻮﻟﺔ ﻣﻦ ﺑﻮاﺑﺔ اﻟﻤﻴﻼد ،ﺣﻴﺚ ذﻟﻚ اﻟﻔﻴﺾ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻜﻮر اﻟﻤﺘﺪاﺧﻞ .ﺗﺤﺖ أﺑﺮاج ﻗﻮﻃﻴﺔ ،ﺗﻮﺣﻲ ﺑﺒﻌﺾ ﺗﺄﺛﻴﺮات ﻣﻦ أﺑﺮاج اﻟﻤﻌﺎﺑﺪ اﻵﺳﻴﻮﻳﺔ ،ﻣﻊ روح اﻟـ »اﻵرت ﻧﻴﻔﻮ«. ﻣﻨﺤﻮﺗﺎت اﻟﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻤﺒﺘﻬﺠﺔ ﺗﺼﻮر ﻗﺼﺔ اﻟﻤﻴﻼد ﺑﺄﺳﻠﻮب ﻛﻼﺳﻴﻜﻲ، ﻣﻊ اﻟﺒﺬخ ﻓﻲ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ .اﻟﻤﻠﻮك اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،واﻟﻔﻼﺣﻴﻦ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ وﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ اﻷم واﻻﺑﻦ ،ﻓﻲ اﻟﻤﺸﻬﺪ وﻓﺮة ﻓﻲ اﻟﻔﻮاﻛﻪ وأوراق اﻟﺸﺠﺮ. ﻛﻤﺎ ﺗﻐﻄﻲ اﻟﻮرود ﺧﺸﺐ اﻟﺒﻮاﺑﺔ .ﻣﻊ ﻋﺒﻮر اﻟﺒﻮاﺑﺔ ﻳﺠﺪ اﻟﺰاﺋﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺑﻬﻮ اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻀﻢ ﻣﺼﻠﻴﺎت ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻴﻪ ﻛﺎﻟﻌﺎدة ،وﻻ ﻳﻔﺘﻘﺪ اﻟﺰاﺋﺮ ﺿﻮء اﻟﺸﺎرع ،ﺑﻞ إذا دﺧﻞ ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ ﻳﻐﻤﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻈﻞ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﺘﻲ دﺧﻞ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﺴﻮف ﻳﻜﺘﺸﻒ أن ﻧﻮر اﻟﺪاﺧﻞ أﻋﻠﻰ ﻣﻦ اﻟﻨﻮر اﻟﺬي ﺗﺮﻛﻪ وراءه ﻓﻲ ﻓﻀﺎء اﻟﺸﺎرع اﻟﻤﻔﺘﻮح ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻤﺎء .ﻧﻮر ﻣﻠﻮن اﺣﺘﻔﺎﻟﻲ .وﻗﺪ اﺧﺘﺎر ﻏﺎودي أن ﻳﺠﻌﻞ اﻟﺰﺟﺎج اﻟﻤﻌﺸﻖ اﻟﺬي ﻳﻤﺮ ﻋﺒﺮه اﻟﻨﻮر ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺑﻮاﺑﺔ اﻟﻤﻴﻼد ﺑﺄﻟﻮان ﺑﺎردة ﺗﻮﺣﻲ ﺑﺎﻷﻣﺎن واﻟﻔﺮح ،ﻣﻦ اﻷزرق واﻷﺧﻀﺮ اﻟﻔﺎﺗﺢ ،وﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻳﻌﺒﺮ اﻟﻀﻮء ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺑﻮاﺑﺔ اﻟﺼﻠﺐ ،ﻋﺒﺮ اﻟﺰﺟﺎج اﻷﺣﻤﺮ واﻟﺒﺮﺗﻘﺎﻟﻲ .إﺿﺎءة ﻣﺘﻮﺗﺮة ﺗﻨﻘﻞ اﻟﺨﻄﺮ .اﻷﻋﻤﺪة ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺒﻬﻮ ﺗﺒﺪو ﺟﺬوع أﺷﺠﺎر ﻣﻠﺴﺎء ﺗﺘﻔﺮع ﻓﻲ اﻷﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻠﻬﻤﺔ ﻣﺸﻬﺪ اﻟﻐﺎﺑﺔ ،ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﺠﺮﻳﺪﻳﺔ، ﻷﻓﺮع اﻟﺸﺠﺮة ﻫﻲ اﻟﺘﻲ رأﻳﻨﺎﻫﺎ ﻻﺣﻘًﺎ ﻓﻲ ﺑﻨﺎءات اﻟﺰﺟﺎج واﻟﻤﻌﺪن اﻟﺤﺪاﺛﻴﺔ ،وﻳﺒﺪو أﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺘﺼﻤﻴﻢ ﻏﺎودي ،اﻟﺬي ﺳﺒﻖ ﻋﻤﺎرة اﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ اﻟﺤﺪاﺛﻴﺔ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻤﺴﺎﺣﺎت اﻟﺰﺟﺎﺟﻴﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﻮاﺟﻬﺎت. ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﺑﻮاﺑﺔ اﻟﻤﻴﻼد اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﺻﻤﻤﺖ اﻟﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ؛
واﺟﻬﺔ اﻟﺼﻠﺐ أو واﺟﻬﺔ »آﻻم اﻟﻤﺴﻴﺢ« ﺑﺘﻘﺸﻒ ورﻣﺰﻳﺔ ﺗﻮﺣﻲ ﺑﺎﻟﻜﺂﺑﺔ .ﺗﺘﺼﺪر اﻟﻮاﺟﻬﺔ ﻣﻨﺤﻮﺗﺎت ﺗﺠﺮﻳﺪﻳﺔ ﻟﻘﺼﺔ اﻟﺼﻠﺐ ،وﻋﻠﻰ اﻷرﺿﻴﺔ ﺗﺨﻄﻴﻄﺎت ﺑﺴﻴﻄﺔ؛ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﻮﻗﺖ ﻟﻴﺲ وﻗﺖ اﻟﺒﺬخ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ اﻟﺬي ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻔﺮح ﺑﺎﻟﺒﺸﺎرة .اﻟﺒﻮاﺑﺔ ﺗﺰﻳﻨﻬﺎ ﻛﻠﻤﺎت ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪس ﺑﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﻠﻐﺎت ﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻟﻮرود ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺘﺰﻳﻦ اﻟﺒﻮاﺑﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ،ﺑﻮاﺑﺔ اﻟﻤﺠﺪ ﺑﺄﻗﻮال اﻟﺮﺳﻞ ،وﻫﻲ اﻟﺒﻮاﺑﺔ اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ واﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﻨﺘﻪ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ. ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻤﺮﺗﺎد ﻫﺬه اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ،أن ﻳﻘﻀﻲ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻳﺤﻠﻮ ﻟﻪ ،وﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎك اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﺑﺎﻟﺪاﺧﻞ ،ﻟﻜﻦ ﻛﻞ ﻣﻔﺮدة ﺑﺴﻴﻄﺔ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺗﺄﻣﻞ ،ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻤﻴﻤﺎت اﻟﻤﻘﺎﻋﺪ ،ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ واﻟﺠﻤﺎل ،وﻛﻠﻬﺎ ﺗﺸﻲ ﺑﺎﻹﺗﻘﺎن اﻟﺬي ﻳﻌﺸﻘﻪ ﻣﺒﺪﻋﻬﺎ. وﻣﻦ اﻟﻤﺤﺘﻤﻞ أن ﻣﺎ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﺰاﺋﺮ ﺑﻌﺪ اﻻﻧﺼﺮاف ﻫﻮ ﻋﻈﻤﺔ اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻟ ُﻤﺨﺘﻠﻒ ﻋﻠﻴﻪ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
75
ارﺗﻴﺎد اﻵﻓﺎق
اﻟﺘﻲ ﻛﺮس ﻟﻬﺎ اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺨﻤﺴﺔ ﻋﺸﺮ اﻷﺧﻴﺮة ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،اﻟﺘﻲ اﻧﺘﻬﺖ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻋﺒﺜﻴﺔ ﺗﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ ﺟﻨﻮﻧﻪ ،إذ دﻫﺴﻪ ﺗﺮام ،ودﻓﻦ ﻓﻲ اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺑﺪﻋﻬﺎ! ﻻﻳﺰال اﻟﻌﻤﻞ ﻳﺠﺮي ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ،وﺗﺰﻳﻴﻨﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﺘﻢ اﻓﺘﺘﺎﺣﻬﺎ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻋﺎم 2026ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻣﺮور 100ﺳﻨﺔ ﻋﻠﻰ رﺣﻴﻞ ﻏﺎودي .ﻟﻜﻨﻬﺎ وﺳﻂ اﻟﻌﻤﻞ ﺗﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺴﻴﺎح واﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ. ﺑﺨﻮر اﻟﺼﻠﻮات ﻓﻲ اﻟﻘﺒﻮ وإﻟﺘﻤﺎﻋﺎت ﺿﻮء اﻟﻜﺎﻣﻴﺮات ﻓﻲ اﻟﺒﻬﻮ اﻟﻤﺘﻔﺎﺧﺮ ﺑﺠﻤﺎﻟﻪ وأﻣﺎم ﺑﻮاﺑﺎﺗﻬﺎ اﻟﺜﻼث اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ .ﻻ أﺣﺪ ﻳﻌﺮف ﻋﺪد اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺼﻠﻮن ﻓﻲ ﻗﺒﻮ ﺳﺎﻏﺮادا ﻓﺎﻣﻴﻠﻴﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻋﺪد اﻟﺴﻴﺎح ﻣﻌﺮوف ﻣﻦ ﺑﻄﺎﻗﺎت اﻟﺪﺧﻮل ،وﻫﻮ ﻳﺘﺠﺎوز اﻟﻤﻠﻴﻮﻧﻲ ﺳﺎﺋﺢ ﺳﻨﻮﻳًﺎ، وﺛﻤﻦ ﻫﺬه اﻟﺒﻄﺎﻗﺎت ﻫﻮ أﻫﻢ ﻣﺼﺎدر ﺗﻤﻮﻳﻞ اﻟﺒﻨﺎء اﻵن ﻣﻊ اﻟﺘﺒﺮﻋﺎت اﻷﻫﻠﻴﺔ. ﻟﻤﻦ ﻛﺎن ﻳﺒﻨﻲ؟
اﻛﺘﻤﻞ ﻓﻲ ﺣﻴﺎة أﻧﻄﻮﻧﻴﻮ ﻏﺎودي اﻟﻘﺒﻮ واﻟﻤﺬﺑﺢ واﻟﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﺑﻮاﺟﻬﺔ "اﻟﻤﻴﻼد" ،ﻟﻜﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻳﺘﻮاﺻﻞ ﻋﻠﻰ أﻳﺪي ﻓﻨﺎﻧﻴﻦ ﻛﺒﺎر ،ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ رﺳﻮﻣﻪ وﻣﺠﺴﻤﺎﺗﻪ .وﻗﺪ اﻫﺘﻢ ﻏﺎودي ،ﻟﻴﺲ ﻓﻲ اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ وﺣﺪﻫﺎ ،ﺑﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻨﺸﺂﺗﻪ ،ﺑﺘﺼﻤﻴﻢ ﻛﻞ ﺷﻲء :اﻟﻤﺒﻨﻰ، وزﺧﺎرﻓﻪ ،واﻷﺛﺎث ،واﻷﺑﻮاب وزﺟﺎج اﻟﻨﻮاﻓﺬ ،وﺣﺘﻰ ﻣﻘﺎﺑﺾ اﻟﺒﻮاﺑﺎت واﻟﺨﺰاﺋﻦ .وراء ﻛﻞ ﺷﻲء ﻓﻲ اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ﻓﻜﺮة ،وﻓﻲ ﺿﻮء ﻫﺬه اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ وﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺒﺪء ﻓﻲ إﻧﺸﺎء اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ أﻳﻀً ﺎ ،ﻳﺼﺒﺢ اﻟﺴﺆال ﻣﺸﺮو ًﻋﺎ :ﻟﻤﻦ ﺻﻤﻢ أﻧﻄﻮﻧﻴﻮ ﻏﺎودي اﻟﻤﺒﻨﻰ؟ ﻟﻠﺮب أم ﻟﻨﻔﺴﻪ وﻟﺼﺎﻟﺢ ﻣﺠﺪه اﻟﺸﺨﺼﻲ. 74
"ﻏﺎودي" وﻋﺠﺎﺋﺒﻪ اﻟﺴﺒﻊ ﻓﻲ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ
ﺗﺘﻀﻤﻦ ﻣﺎدة اﻟﺪﻟﻴﻞ اﻵﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ ﺗﺪﻳﻦ ﻏﺎودي وإﺧﻼﺻﻪ ﻟﻠﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﻓﺎرﻗﺎً ﻳﺠﺐ أن ﻧﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ ﺑﻴﻦ ﻣﻌﻤﺎري أﻧﺠﺰ ﻋﻤﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ ،وآﺧﺮ أﻧﺠﺰ ﻋﻤﻠﻪ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ،أي ﻓﻲ زﻣﻦ أﺻﺒﺢ اﻟﻤﻌﻤﺎري ﻳﻌﺮف ﻓﻴﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺼﻔﺔ اﻟﻔﻨﺎن ﻻ اﻟﺤﺮﻓﻲ ،وﺣﻴﺚ ﻳﺘﺼﺎﻋﺪ اﻟﻄﻤﻮح إﻟﻰ ﺑﻘﺎء اﻟﺬﻛﺮ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة ﻟﺰﻣﻦ ﻃﻮﻳﻞ ،وﻟﻴﺲ اﻟﺨﻠﻮد اﻟﺬي ﻳﻀﻤﻨﻪ اﻟﻮرع ﻓﻲ ﺣﻴﺎة أﺧﺮى ،ﻛﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻐﻔﻞ أن ﻓﻜﺮة اﻟﻤﺘﺤﻒ اﻟﺘﻲ وﻟﺪت ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻨﻬﻀﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ اﺳﺘﻘﺮت ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ ﻗﺮون ﻣﻦ ﺑﺪاﻳﺔ ﺗﺄﺳﻴﺲ اﻟﻤﺘﺎﺣﻒ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ. ﻛﺎن ﻣﻌﻤﺎري اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ وﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﻳﺒﻨﻲ وﻓﻲ ذﻫﻨﻪ اﻟﻮﻇﻴﻔﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻟﻠﻤﺒﻨﻰ ،وﻗﺪ أﻧﺘﺠﺖ اﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺔ ﻓﻲ اﻟﻀﺨﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻌﺮ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻀﺂﻟﺘﻪ ،واﻟﻀﻮء اﻟﺸﺤﻴﺢ اﻟﺬي ﻳﻮﺣﻲ ﺑﺎﻟﺴﺮ ،ﻓﻲ ﺳﺎﻏﺮادا
أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻼزم .وﻓﻲ ﻋﺎم 1936ﺗﻢ ﺗﺪﻣﻴﺮ ﻣﺤﺘﺮف ﻏﺎودي ﺿﻤﻦ .1956وﻓﻲ اﻟﻌﺎم 1976أﻗﻴﻢ ﻣﻌﺮض آﺧﺮ ﻃﺎف اﻟﻌﺎﻟﻢ .ﻋﻨﺪ ﺗﺨﺮﺟﻪ، أﺣﺪاث اﻟﺤﺮب اﻷﻫﻠﻴﺔ ،وﺿﺎع اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ وﺗﻌﺮﺿﺖ ﻣﺠﺴﻤﺎﺗﻪ ﻗﺎل ﻣﺪﻳﺮ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ اﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ ﻟﻘﺪ ﻣﻨﺤﻨﺎ اﻟﻴﻮم ﺷﻬﺎدة ﻟﺸﺨﺺ ﻗﺪ ﻟﻠﺘﺪﻣﻴﺮ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻳﺤﺐ ﺑﻨﺎء اﻟﻨﻤﺎذج اﻟﻤﺼﻐﺮة ﺑﺪﻻً ﻣﻦ اﻟﺮﺳﻢ .ﻳﻜﻮن ﻋﺒﻘﺮﻳًﺎ أو ﻣﺠﻨﻮﻧًﺎ .وﻳﺒﺪو أن ﻏﺎودي ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺼﻔﺘﻴﻦ! وﻟﻢ ﻳﺴﺘﻌﺪ ﻏﺎودي اﻻﻫﺘﻤﺎم إﻻ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﺨﻤﺴﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻠﻂ ﺳﻠﻔﺎدور داﻟﻲ ،اﻟﺮﺳﺎم ذاﺋﻊ اﻟﺼﻴﺖ واﻟﻤﻌﻤﺎري ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻋﺎدت اﻟﻜﺘﻼﻧﻲ ﺟﻮزﻳﻒ ﻟﻮﻳﺲ ﺳﺮت اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺎﻟﻪ .ﻓﻲ ﻋﺎم 1952ﻋﺎم 1882ﺷﺮع ﻏﺎودي ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ اﻟﻀﺨﻢ ﺳﺎﻏﺮادا ﻓﺎﻣﻴﻠﻴﺎ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺮس ﺗﺄﺳﺴﺖ ﺟﻤﻌﻴﺔ ﻣﺤﺒﻲ ﻏﺎودي ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻣﺮور ﻣﺌﺔ ﺳﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻴﻼده ،ﻟﻬﺎ أﺧﺮ ﺧﻤﺲ ﻋﺸﺮة ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،وﻧﻘﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺸﻐﻠﻪ ،وﺑﺎﻟﻘﺮب وﺑﺪأت ﻓﻲ اﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻪ ،وﻧﺠﺤﺖ دﻋﻮﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻦ ﺑﻮاﺑﺘﻬﺎ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،أﻗﺎم ﻣﺪرﺳﺔ ﻷﺑﻨﺎء اﻟﺤﻲ واﻟﻌﻤﺎل ،وﺗﻤﺜﻞ ﺑﺎدرة ﺗﺄﺳﻴﺲ ﻛﺮﺳﻲ ﻟﻐﺎودي ﻓﻲ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ اﻟﻜﺘﻼﻧﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ أﻗﺎﻣﻮا اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻤﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﺳﻤﺔ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻟﻪ ،ﻛﻤﺎ أراد ﻣﻦ ﺧﻼل ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﻣﻌﺮﺿً ﺎ اﺳﺘﻌﺎدﻳًﺎ ﻟﻪ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻜﻔﻞ ﻣﻌﺮض ﻋﺎﻟﻤﻲ ﻷﻋﻤﺎﻟﻪ ﻓﻲ ﻣﺘﺤﻒ اﻻﺳﺘﻘﺮار ﻟﻠﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﺑﺎﻟﻜﻨﻴﺴﺔ .ﺗﺼﻴﺐ اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ زاﺋﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﺪﻫﺸﺔ اﻟﻔﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﻨﻴﻮﻳﻮرك ﻓﻲ إﻋﺎدة إﻋﻼء ذﻛﺮه وﻣﻜﺎﻧﺘﻪ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻋﺎم اﻟﺘﻲ ﻳﻼﻗﻲ ﺑﻬﺎ اﻟﻬﺮم زواره .اﻟﻮﻗﻮف داﺧﻞ ﻛﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ﺳﺎﻏﺮادا ﻓﺎﻣﻴﻠﻴﺎ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
73
ارﺗﻴﺎد اﻵﻓﺎق
اﻟﻔﻦ اﻟﻤﺪﺟﻦ ،وﻫﻮ ﻓﻦ اﻟﻌﺮب اﻟﺬﻳﻦ ﺑﻘﻮا ﻓﻲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻟﻤﻨﻘﻠﺒﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم، واﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮن اﻟﻤﻔﺮدات اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺎرة ،ﻣﻊ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺗﻤﻮﻳﻬﻬﺎ ،ﻋﺒﺮ اﻟﻤﺰج ﻣﻊ ﺧﻄﻮط ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ أﺧﺮى. »ﻛﺎزا ﺑﺎﺗﻴﻮ« ﺑﻴﺖ ﺑﻮاﺟﻬﺔ زرﻗﺎء ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﻔﻦ اﻟﺠﺪﻳﺪ »آرت ﻧﻴﻔﻮ« واﺟﻬﺘﻪ ﻣﻮزاﻳﻴﻚ ﻣﺘﻮﺳﻄﻲ أزرق ،وﻳﺘﺠﻠﻰ ﻓﻴﻪ اﻟﻬﻮس ﺑﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﻨﺒﺎﺗﺎﺗﻬﺎ وﺣﻴﻮاﻧﺎﺗﻬﺎ .ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻳﺒﺪو »ﻛﺎزا ﻣﻴﺎ« أو »ﺑﻴﺖ اﻟﺼﺨﺮة« ﺑﺎروﻛﻴًﺎ ﻓﻲ ﺿﺨﺎﻣﺘﻪ وﻋﻨﺎﻳﺘﻪ ﺑﺎﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ،ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ دﻳﻜﻮره ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﻦ ﻏﺼﻮن اﻟﺸﺠﺮ وأﺷﻜﺎل اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺜﻘﻞ ﺳﻄﺤﻪ ﺑﺼﺨﻮر ﺿﺨﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﺨﻮر واﻷﺻﺪاف اﻟﺘﻲ ﻟﻢ أﺟﺪ ﻃﺮﻳﻘًﺎ ﻟﺤﺒﻬﺎ ،وﻳﺸﻴﺮ ﺑﻬﺎ إﻟﻰ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ :اﻟﻤﺎء، اﻟﻬﻮاء ،واﻟﻨﺎر .ﻓﻲ اﻟﺼﺨﻮر ﻓﺘﺤﺎت ﺗﺼﻨﻊ أﺻﻮات ﻫﺬه اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻣﻊ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺮﻳﺢ .أﻣﺎ اﻟﻌﻠﻴﺔ ﺗﺤﺖ ﻫﺬا اﻟﺴﻘﻒ اﻟﻤﺜﻘﻞ؛ ﻓﻤﺴﺘﻮﺣﺎة ﻣﻦ ﻗﺼﺔ ﻳﻮﻧﺲ ﻓﻲ ﺑﻄﻦ اﻟﺤﻮت .اﻟﺴﻘﻒ ﻣﻦ اﻵﺟﺮ اﻟﻤﺘﺮاص ﻓﻲ أﻗﻮاس ﺑﺎروﻛﻴﺔ ،ﻳﺒﺪو اﺗﺼﺎﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺘﺼﻒ اﻟﻌﻤﻮد اﻟﻔﻘﺮي ﻟﻠﺤﻮت ،وﺗﻮﺣﻲ اﻟﻈﻠﻤﺔ واﻟﺴﻜﻮن داﺧﻠﻪ ﺑﺎﻟﻌﺰﻟﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻃﻮاﺑﻖ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻣﻀﺎءة ﺑﺼﻮرة ﺟﻴﺪة ﻣﺴﺘﻔﻴﺪة ﻣﻦ اﻟﻔﻨﺎء اﻟﺪاﺧﻠﻲ واﻟﺸﻮارع. ﻓﻲ ﻗﺎﺋﻤﺔ أﻋﻤﺎل ﻏﺎودي ﺑﻴﻮت وﺗﺮﻣﻴﻢ ﻛﻨﺎﺋﺲ وﺗﻄﻮﻳﺮﻫﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻛﻨﻴﺴﺘﻪ »ﺳﺎﻏﺮادا ﻓﺎﻣﻴﻠﻴﺎ« ﻫﻲ أﺳﻠﻮﺑﻪ اﻟﻤﺘﺄﺧﺮ اﻟﺬي ﻳﻀﻢ ﻛﻞ أﻟﻌﺎﺑﻪ وﺣﻴﻠﻪ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ. ﺳﻨﻮات اﻹﻫﻤﺎل واﻟﺒﻌﺚ
ﻻﻗﺖ أﻋﻤﺎل ﻏﺎودي اﻹﻫﻤﺎل ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻪ؛ ﺣﻴﺚ ﻧﺸﺄت ﻓﻲ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ ﺣﺮﻛﺔ ﺣﺪاﺛﻴﺔ ﻣﺘﻨﺎﻏﻤﺔ ﻣﻊ ﺣﺮﻛﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ،رأت ﻫﺬه اﻷﻋﻤﺎل ﺑﺎروﻛﻴﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻼزم ،وﺧﻴﺎﻟﻴﺔ
72
"ﻏﺎودي" وﻋﺠﺎﺋﺒﻪ اﻟﺴﺒﻊ ﻓﻲ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ
وﻫﻨﺎك اﺧﺘﻼف ﻋﻠﻰ ﻋﺪد آﺛﺎر ﻏﺎودي اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺤﻖ اﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ ﻓﻲ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ وﺿﻮاﺣﻴﻬﺎ ،ﺣﺴﺐ اﺧﺘﻼف ﻧﻘﺎد اﻟﻌﻤﺎرة ﻓﻲ اﻟﺘﻘﻴﻴﻢ .ﻟﻜﻦ ﺗﻢ اﻻﺳﺘﻘﺮار ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻌﺔ أﻋﻤﺎل ﻣﻨﺪرﺟﺔ ﻓﻲ إﻃﺎر اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻔﺎد ﻓﻴﻬﺎ ﻏﺎودي ﻣﻦ ﻓﻨﻮن اﻟﻨﺤﺖ واﻟﺘﺼﻤﻴﻢ واﻟﺘﺰﻳﻴﻦ اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮه ،واﻟﺘﻲ أﺿﺎف ﻓﻴﻬﺎ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻨﻮن ﺑﺬات اﻟﻘﺪر .ﻫﻨﺎك داﺋ ًﻤﺎ اﺧﺘﻼف ﻋﻠﻰ ﻋﺠﺎﺋﺒﻴﺔ ﻫﺬا اﻷﺛﺮ أو ذاك ،ﻟﻜﻦ اﻻﺧﺘﻼف ﺣﻮل ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻫﺬه اﻟﻤﺒﺎﻧﻲ أﻛﺒﺮ. ﻋﻦ اﻻﺳﺘﻘﺮار واﻟﺤﻴﺮة
ﻛﺎن ﻏﺎودي ﻣﻌﺘ ًﺪا ﺑﺤﻀﺎرة اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ وأﺟﻮاﺋﻪ اﻟﻤﻀﻴﺌﺔ، ﻳﻘﻮل» :أورﻳﺴﺘﻴﺲ ﻳﻌﺮف ﻃﺮﻳﻘﻪ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﺎﻣﻠﺖ ﺗﻤﺰﻗﻪ اﻟﺸﻜﻮك« وأورﻳﺴﺘﻴﺲ ﻫﻮ اﺑﻦ ﻛﻠﻴﺘﻴﻤﻨﻴﺴﺘﺮا وأﻏﺎﻣﻤﻨﻮن اﻟﺬي ارﺗﺒﻂ ﻓﻲ
اﻟﻤﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻹﻏﺮﻳﻘﻴﺔ ﺑﺎﻟﺠﻨﻮن واﻟﻨﻘﺎء ،وﻗﺪ ﻗﺘﻞ أﻣﻪ اﻧﺘﻘﺎ ًﻣﺎ ﻷﺑﻴﻪ. وﻓﻲ دراﻣﺎ ﺷﻜﺴﺒﻴﺮ اﻷﻛﺜﺮ ﺗﺄﺛﻴ ًﺮا ﻓﻲ اﻷدب اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ،ﻳُﻘﺪم ﻫﺎﻣﻠﺖ ﻛﺬﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻻﻧﺘﻘﺎم ،ﻟﻜﻦ ﻏﺎودي رأى ﻓﻲ أورﻳﺴﺘﻴﺲ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻳﻌﺮف ﻃﺮﻳﻘﻪ ،ﻣﻦ دون أن ﺗﺪﻣﺮه اﻟﺸﻜﻮك اﻟﺘﻲ دﻣﺮت ﻫﺎﻣﻠﺖ. وﻧﺤﻦ ﻟﺴﻨﺎ ﻣﺠﺒﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﺪﻳﻖ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ اﻟﻤﺒﺪﻋﻮن ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ، أو ﺑﻨﺎء ﺗﺤﻠﻴﻠﻨﺎ ﻷﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻮﻻﺗﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻓﻲ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن ﻣﺠﺮد أﻣﻨﻴﺎت ﺻﺎدﻗﺔ ،ﻓﻤﺎ ﻳﺒﺪو ﻓﻲ أﻋﻤﺎل ﻏﺎودي رﺑﻤﺎ ﻳﻘﻮد إﻟﻰ اﻋﺘﺒﺎره ﺿﺤﻴﺔ اﻟﺤﻴﺮة ﻣﺜﻞ ﻫﺎﻣﻠﺖ وﻟﻴﺲ إﻟﻰ ﺛﺒﺎت أورﻳﺴﺘﻴﺲ .ورﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻏﺎودي ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ أو ذاك وإﻧﻤﺎ ﻻﻋﺐ ﻣﺤﺘﺮف ﻳﺮﺿﻲ ﻏﺮور ﻧﻔﺴﻪ ،وﻳﺤﺎول إﺑﻬﺎر ﻃﺎﻟﺒﻲ ﺧﺪﻣﺎﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎر اﻷﻏﻨﻴﺎء ،ﺑﺨﻠﻂ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻮط واﻟﻄﺮز اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ. »ﻛﺎزا ﺑﻴﺴﻨﺲ« ﻣﺜﻼً ﻫﻮ ﺑﻴﺖ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ ﻃﺮاز ﻣﻮدﻳﺨﺎر ،أي
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
71
ارﺗﻴﺎد اﻵﻓﺎق
ƠǜǡǗƸƲƞ ǣǍ džƟƶǖČ ǞƟƚƜƩLJĨ ĪĔĨƜNJ
ąĦǡǝƩǚǖČ njƼǜ ĪƲǑƟLjǖČ njƼǜ ǕƨƲǖČ ČƱǟ ǣǝƟǤ ĦƜǓ Ǜǚǖ ﻋﺰت اﻟﻘﻤﺤﺎوي
ﻷن ﻛﺮة اﻟﻘﺪم ﻫﻲ اﻟﻨﺸﺎط اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ اﻷﻛﺜﺮ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻓﺈن اﺳﻢ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ ،ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻤﻠﻴﺎرات ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺮ ﻻ ﻳﺤﻴﻞ إﻻ إﻟﻰ ﻧﺎدﻳﻬﺎ اﻟﺮﻳﺎﺿﻲ ،اﻟﺬي ﻳُﻌﺪ واﺣﺪً ا ﻣﻦ اﻷﻧﺪﻳﺔ اﻷﻋﻈﻢ واﻷﺷﻬﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ. ﻟﻜﻦ ﻫﺬه ﻣﺠﺮد ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ واﺣﺪة ،أو وﺟﻪ واﺣﺪ ﻣﻦ وﺟﻮه اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﺘﻌﺪدة اﻟﻮﺟﻮه. ﻫﻲ ،وﻟﻴﺲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﻣﺪرﻳﺪ ،أﻛﺒﺮ ﻣﺪن إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ اﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ ،واﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى أوروﺑﺎ ﺑﻌﺪ ﺑﺎرﻳﺲ وﻟﻨﺪن .وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻫﻜﺬا ،إﻻ ﺑﻔﻀﻞ ﺗﻌﺪد وﺟﻮﻫﻬﺎ ،ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺴﺎﺋﺢ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻲ اﻟﻨﺰﻋﺔ أن ﻳﺮﻛﺾ ﺑﻴﻦ ﻣﺘﺎﺣﻔﻬﺎ وﻣﻨﺸﺂﺗﻬﺎ اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ وﻣﻄﺎﻋﻤﻬﺎ اﻟﻤﺘﻤﻴﺰة وأﺳﻮاﻗﻬﺎ وﺣﺪاﺋﻘﻬﺎ وﻳﺘﺄﻣﻞ ﻣﻌﻤﺎرﻫﺎ وﺗﺨﻄﻴﻄﻬﺎ اﻟﺮاﺋﻊ ،وﻣﻬﻤﺎ ﻗﻀﻰ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ ،ﻓﻠﺴﻮف ﻳﻌﻮد ﺑﺈﺣﺴﺎس ﻋﻈﻴﻢ ﺑﺎﻟﺮﺿﺎ ،وﺑﺤﺼﻴﻠﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت اﻟﻬﺸﺔ واﻟﻠﺤﻈﺎت اﻟﺴﻌﻴﺪة اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻤﺤﻮ. 70
"ﻏﺎودي" وﻋﺠﺎﺋﺒﻪ اﻟﺴﺒﻊ ﻓﻲ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ
ﻣﻦ اﻷﻓﻀﻞ ﻟﺰاﺋﺮ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ أن ﻳﺴﻠﻚ ﻃﺮﻳﻘًﺎ واﺣ ًﺪا؛ ﻓﻴﺮﻛﺰ ﻋﻠﻰ وﺟــﻪ ﻣﻦ وﺟﻮﻫﻬﺎ .وأﺣــﺪ أﻛﺜﺮ وﺟﻮﻫﻬﺎ ﺟﻤﺎﻻً ﻫﻮ اﻟﻌﻤﺎرة .وﻫﻲ ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻤﺪن اﻟﺘﻲ ﺣﺎﻓﻈﺖ ﻋﻠﻰ ﻃﺮزﻫﺎ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ اﻟﻤﺘﻌﺪدة وﻋﻤﺎرﺗﻬﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ،ﺣﺘﻰ أن ﺗﻮم ﺗﻴﻜﻮﻳﺮ ﻣﺨﺮج ﻓﻴﻠﻢ "اﻟﻌﻄﺮ" ،ﻃﺎف أوروﺑﺎ ﻗﺒﻞ اﺧﺘﻴﺎر ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻳﺼﻮر ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻴﻠﻤﻪ ،وﻟﻢ ﻳﺠﺪ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ ﻹﻗﻨﺎع اﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﺑﺒﺎرﻳﺲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ ﺣﻴﺚ ﺗﺪور أﺣﺪاث رواﻳﺔ ﺑﺎﺗﺮﻳﻚ زوﺳﻜﻴﻨﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻌﻨﻮان ذاﺗﻪ .ﻓﻲ زﻳﺎرﺗﻲ اﻷوﻟﻰ ﻟﻬﺬه اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﺘﻮﺳﻄﻴﺔ، اﺳﺘﻤﺘﻌﺖ ﻋﻴﻨﺎي ﺑﻤﺎ اﺳﺘﻤﺘﻌﺖ ﺑﻪ ﻛﺎﻣﻴﺮا اﻟﻤﺨﺮج ﻣﻦ ﻃﺮز اﻟﻌﻤﺎرة ﻣﻦ اﻟﻘﻮﻃﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﺒﺎروﻛﻴﺔ واﻟﻨﻴﻮﻛﻼﺳﻴﻚ اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻬﺎ ،ﻟﻜﻨﻨﻲ اﺧﺘﺮت اﻟﻐﻮص ﻓﻲ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺟ ًﺪا؛ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ أﻧﻄﻮﻧﻴﻮ ﻏﺎودي )1852ـ (1926اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻟﺬي ﺗﺮك أﺛ ًﺮا ﻓﻲ ﺿﺨﺎﻣﺔ ﻫﺮم ﺧﻮﻓﻮ ﻫﻮ ﻛﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ﺳﺎﻏﺮادا ﻓﺎﻣﻴﻠﻴﺎ »اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ« وﻋﺪ ًدا ﻣﻦ ﺑﻴﻮت اﻟﻌﺎﺋﻼت اﻟﺒﺮﺟﻮازﻳﺔ وﺣﺪﻳﻘﺔ ﺿﺨﻤﺔ ،ﻫﻨﺎك اﺗﻔﺎق ﻋﻠﻰ ﻋﺠﺎﺋﺒﻴﺘﻬﺎ.
Í Ëí ¡ ì ¥
ƠǜǡǗƸƲƞ ǣǍ džƟƶǖČ ǞƟƚƜƩLJĨ ĪĔĨƜNJ ąĦǡǝƩǚǖČ njƼǜ ĪƲǑƟLjǖČ njƼǜ ǕƨƲǖČ ČƱǟ ǣǝƟǤ ĦƜǓ Ǜǚǖ
69
2019 ﻣﺎﻳﻮ235 اﻟﻌﺪد/ ﺗﺮاث
وﺟﻬﺔ ﺳﻔﺮ
ǞƣǍƲLJ ĬĤĨƎ Ĉ ĬƧǥǗƮ ǛǤƲƬƟǖČ ﺗﺮﻛﺖ ﻧﺎﻓﺬة ﺣﺠﺮﺗﻲ ﺑﺎﻟﻔﻨﺪق ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ،ﻧﺎﺳ ًﻴﺎ إﻳﱠﺎﻫﺎ أﺛﻨﺎء اﺳﺘﻌﺪادي ﻟﻠﺨﺮوج ،ﻫﺒﻄﺖ ﺳﺮﻳ ًﻌﺎ ﻟﻠﱠﺤﺎق ﺑﻤﻮﻋﺪ ﻧﺪوة ﺿﻤﻦ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﺬي ﺣﻀﺮﻧﺎ ﻟﺘﻐﻄﻴﺘﻪ ،ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻓﺘﺤﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﻔﻀﻮل ،واﺳﺘﻨﺸﺎق ﻫﻮاء ﻃﺒﻴﻌﻲ .ﻋﻨﺪ ﻋﻮدﺗﻲ ﻓﻲ وﻗﺖ ﻣﺘﺄﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻠﻴﻞ ﻫﺎﻟﻨﻲ ﻣﺎ وﺟﺪﺗﻪ ﺑﺎﻟﻐﺮﻓﺔ :اﻟﺤﻮاﺋﻂ ﺗﺴﻴﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻴﺎه ﻻ أﻋﺮف ﻣﺼﺪرﻫﺎ ،اﻟﺴﺮﻳﺮ ﻏﺎرق ﻓﻲ اﻟﻤﻴﺎه أﻳﻀً ﺎ ،ﺣﺘﻰ اﻟﻤﻨﻀﺪة اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻗﺮب اﻟﻨﺎﻓﺬة ﺗﻠﻤﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﺒﺎت اﻟﻤﻴﺎه ﺑﻮﺿﻮح! ﻃﻠﺒﺖ إدارة اﻟﻔﻨﺪق ،وﺳﺄﻟﺘﻬﻢ إن ﻛﺎن ﺑﺎﻹﻣﻜﺎن ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ اﻟﻤﻮﻗﻒ؛ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺴﻨﻰ ﻟﻲ اﻟﻨﻮم ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺮ ﺟﺎف .ﺣﻴﻨﻤﺎ اﺳﺘﻔﺴﺮت ﻋﻦ ﺳﺮ ﻣﺎ ﺣﺪث ،أﺧﺒﺮﻧﻲ ﺻﺪﻳﻖ ﺑﺤﺮﻳﻨﻲ أن ﻣﺎ ﺣﺪث ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﻫﻮ ﺗﻜﺜﻴﻒ ﻟﺒﺨﺎر اﻟﻤﺎء اﻟﻜﺜﻴﻒ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻫﻮاء اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ )ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﺪ ﺻﺎرت ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ(؛ ﺑﺴﺒﺐ ارﺗﻔﺎع ﻧﺴﺒﺔ اﻟﺮﻃﻮﺑﺔ اﻟﺒﺎﻟﻎ ﻓﻲ اﻟﺠﻮ ،وﺣﻴﻨﻤﺎ دﺧﻞ اﻟﻬﻮاء اﻟﺴﺎﺧﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺮة اﻟﺒﺎردة ﺑﻔﻌﻞ ﻣﻜﻴﻒ اﻟﻬﻮاء اﻟﺬي ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺗﺮﻛﺘﻪ ﻳﻌﻤﻞ؛ ﺗﻜﺜﱠﻒ اﻟﺒﺨﺎر ،ﻣﺘﺤ ﱢﻮﻻً إﻟﻰ ﻣﺎء ،ﻛﻤﺎ رأﻳﺘﻪ ﻣﺘﻨﺎﺛ ًﺮا ﻓﻲ أرﺟﺎء ﺣﺠﺮﺗﻲ! اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ :ﻋﺎم ،2000وواﺣﺪة ﻣﻦ اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻜﺜﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﻗﻤﺖ ﺑﺰﻳﺎرة ﺑﻠﺪان ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﺘﻐﻄﻴﺘﻬﺎ إﻋﻼﻣﻴﺎ؛ ﻛﻮﻧﻲ أﻋﻤﻞ ﻣﺬﻳﻌﺎ ﺑﺎﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮن اﻟﻤﺼﺮي ،ﻗﺒﻠﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻼﻗﺘﻲ ﺑﺎﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ﻣﻨﺤﺼﺮة ﻓﻲ ﺑﻀﻊ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت اﺳﺘﻘﻴﺘﻬﺎ ﻣﻦ دراﺳﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،وﻣﻦ ﻗﺮاءات ﻣﺤﺪودة ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك ﻋﻦ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺘﻪ، وﻃﺒﻴﻌﺔ ﺟ ﱢﻮﻩ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ أﺳﻤﻌﻪ ﻣﻦ أﺻﺪﻗﺎء ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻫﻨﺎك ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻌﻤﻞ ،أﺛﻨﺎء زﻳﺎراﺗﻬﻢ اﻟﺴﻨﻮﻳﺔ ﻟﻤﺼﺮ .ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،ﻣﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ اﻹﻧﺘﺮﻧﺖ وﻣﻮاﻗﻌﻪ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻗﺪ اﻧﺘﺸﺮت ﺑﻬﺬه اﻟﻜﺜﺎﻓﺔ؛ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻋﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي ﺗﺰﻣﻊ زﻳﺎرﺗﻪ ﻗﺒﻠﻬﺎ ،وأﻧﺎ أﺣﺐ اﻟﻤﻔﺎﺟﺂت ﻓﻲ اﻟﻌﺎدة! ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻘﺎرن ﺑﻴﻦ ﻣﻜﺎﻧﻴﻦ ﻳﻔﻮﺗﻚ أﺷﻴﺎء ﻛﺜﻴﺮة ،ﻣﻨﻬﺎ اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠﻘﻬﺎ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ ،ورﺑﻤﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ أﻳﻀً ﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ، ﻓﺘﻘﻊ ﻓﻲ ﺷَ َﺮك اﻟﻤﻘﺎرﻧﺎت ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻨﻄﻘﻴﺔ، وﻫﻮ ﻣﺎ وﻗﻌﺖ ﺑﻪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن إﻟﻰ آﺧﺮ ﻫﻨﺎك ،ﻓﺄن ﺗﻜﻮن ﻋﻠﻰ 68
ﺧﻠﻴﺞ أوﱠ ٌل ﻋﺮﻓﺘﻪ! اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ.. ٌ
ﻣﺤﻤﻮد ﺷﺮف * @ ﺷﺎﻋﺮ وإﻋﻼﻣﻲ ﻣﺼﺮي
ﻃﺮﻳﻖ واﺣﺪ ﻳﻨﺘﻈﻢ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺒﺎنٍ ﻣﺼﻄﻔﱠﺔ وﺗﻮاﺟﻬﻚ ﻻﻓﺘﺔ ﺗﻌﻠﻦ ﻋﻦ دﺧﻮﻟﻚ ﻣﺪﻳﻨﺔ أﺧﺮى ﻏﻴﺮ اﻟﺘﻲ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻣﻦ دون ﻓﻮاﺻﻞ ﻣﻌﺘﺎدة ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻣﺜﻼ؛ ﻛﺎن ﻣﺪﻫﺸً ﺎ ﺣﻴﻨﻬﺎ .ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ وﺟﺪت ذﻟﻚ ﻣﺘﻜﺮ ًرا ﻓﻲ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺗﻜﻮن اﻟﻼﻓﺘﺔ ﻫﻲ اﻟﺤﺪ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﻴﻦ دوﻟﺘﻴﻦ ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﻤﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻧﺠﺪ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺑﺄوروﺑﺎ ،ﻟﻜﻦ وﻗﺘﻬﺎ ﻛﺎن اﻧﺸﻐﺎﻟﻲ ﻟﺒﺮﻫﺔ ﻗﺼﻴﺮة ﻋﻦ ﻣﺮاﻗﺒﺔ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺗﺠﻌﻞ اﻧﺘﻘﺎﻟﻲ ﻣﻦ »اﻟﻤﻨﺎﻣﺔ« إﻟﻰ »اﻟﻤﺤﺮق« ﻳﻔﻮﺗﻨﻲ! أﺑﻨﺎء »اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ« أﻧﺎس ﻃﻴﱢﺒﻮن ﻓﻲ ﻋﻤﻮﻣﻬﻢ ،ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻛﻴﻒ ﻳﺤﺘﻮون اﻟﻐﺮﻳﺐ ،رﺑﻤﺎ ﻟﺘﺎرﻳﺨﻬﻢ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎرة؛ ﻛﻮﻧﻬﻢ أﺑﻨﺎء أرﺧﺒﻴﻞ ﻳﻌﻤﻞ ﺳﻜﱠﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﺻﻴﺪ اﻟﻠﺆﻟﺆ وﺗﺠﺎرﺗﻪ ﻣﻨﺬ اﻟ ِﻘ َﺪم ،ﻓﻬﻢ ﻳﺤﻨﻮن ﻋﻠﻴﻪ ،وﻳﻌﺎﻣﻠﻮﻧﻪ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﺻﺎﺣﺐ ﻣﻜﺎن، ﻛﻤﺎ ﺳﺘﺴﻤﻊ ﻫﺬه اﻟﺠﻤﻠﺔ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﻨﻬﻢ .ﻓﻲ ﺷﺮﻓﺔ اﻟﻤﻄﻌﻢ اﻟﻤﻄﻠﱠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﺘﻲ ﺿ ﱠﻤﺘﻨﻲ وواﺣﺪ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر ﺷﻌﺮاء اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ؛ ﻋﻠﻲ اﻟﺸﺮﻗﺎوي ،اﻟﺬي ﻛﻨﺖ أﻋﺮﻓﻪ ﻗﺒﻞ ﺳﻨﻮات ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺘﺎرﻳﺦ؛ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﺻﺪﻳﻘًﺎ ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ ﻷﺑﻲ ،أراد اﻟﺮﺟﻞ أن ﻳﺮ ﱢﺣﺐ ﺑﻲ ﻓﻲ زﻳﺎرﺗﻲ اﻷوﻟﻰ ﻟﺒﻠﺪﻫﻢ ،ﻓﺪﻋﺎﻧﻲ ﻟﺘﻨﺎول اﻟﻌﺸﺎء اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻜ ﱠﻮﻧًﺎ ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻢ اﻟﻤﺸﻮي ﺳ ﱠﻤﺎه »ﺷُ ﻘَﻒ«، وﺧﺒﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻹﻳﺮاﻧﻴﺔ ،أﻋﺠﺒﻨﻲ ،ﺳﺄﻟﺘﻪ إن ﻛﺎن ﻳﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﻔﻀﺎء اﻟﻤﻌﺰول اﻟﺬي ﻳﺤﻴﻮن ﻓﻴﻪ ﻫﻨﺎ )ﻗﺼﺪت اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻤﻐﻠﻘﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﺣﺮارة اﻟﺠﻮ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻌﺎم( ﺗﺼﻠﺢ ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ ،أﺟﺎﺑﻨﻲ ﺑﻬﺪوء :أﻧﺎ ﻫﻨﺎ ،وﻗﺎﺳﻢ ﺣﺪاد ،وﻗﺒﻠﻨﺎ إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﻌﺮﻳﺾ ،وﺟﺪﻧﺎ ﻃﺮﻓﺔ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺪ ،ﻓﻤﺎذا ﺗﺮى؟ رﻧﻮت إﻟﻰ ﻣﻮﺟﺔ أﻃﻠﱠﺖ وﺻﻤﺖ! ﺑﻬﺪوء ﻣﻦ ﺟﻮف اﻟﺨﻠﻴﺞ، ﱡ
ﻣﻦ ا ٔﻋﻤﺎل ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﺴﻴﻮﻧﻲ
ﻣﻦ أﻋﻤﺎل راﻧﻴﺎ ﻋﺎﻃﻒ
وﻧﺸﺮ اﻟﻠﻮن اﻷﺧﻀﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،واﻟﺘﺼﺎﻟﺢ ﻣﻊ اﻟﺒﻴﺌﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﺻﺪﻗﺎء .وﻗﺪ ﺗﻮﺻﻠﺖ أﻓﺮودﻳﺖ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻤﻠﻬﺎ ﻓﻲ إﻋﺎدة ﺗﺪوﻳﺮ اﻟﺰﺟﺎج إﻟﻰ أن اﻟﻘﻤﺎﻣﺔ ﻫﻲ ﻣﻮارد ُﻣﻬﺪرة ،وﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺜﻤﺎرﻫﺎ ﻓﻨﻴٍّﺎ وﺟﻤﺎﻟﻴٍّﺎ واﻗﺘﺼﺎدﻳٍّﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ إﻋﺎدة اﻟﺘﺪوﻳﺮ ،وﺻﻴﺎﻏﺔ ﺗﺸﻜﻴﻼت ﻣﺮﻛﺒﺔ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ واﻷﻓﻜﺎر اﻟﻤﺴﺘﺤﺪﺛﺔ. ﺗﻤﻜﻨﺖ أﻓﺮودﻳﺖ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ إذاﺑﺔ اﻟﺰﺟﺎﺟﺎت وإﻋــﺎدة ﺗﺸﻜﻴﻠﻬﺎ ﻣﺜﻼ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﺟﺬع ﺷﺠﺮة ﻏﻀﺔ، ﺑﻤﻌﻄﻴﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻛﺄن ﺗﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ً وﺗﺴﺘﻐﻞ أﻓﺮودﻳﺖ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﻌﺎدﻳﺔ واﻟﻴﻮﻣﻴﺔ واﻟﻤﺠﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﻫﺪرﻫﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،وﻣﻦ أﺟﻞ إﻃﻼق ﻃﺎﻗﺎت ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى .ﺣﺼﻠﺖ أﻓﺮودﻳﺖ اﻟﺴﻴﺴﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﺟﺴﺘﻴﺮ ﻓﻲ ﻓﻦ اﻟﺰﺟﺎج ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺣﻠﻮان ﻓﻲ ﻋﺎم ،2016وﺗﺴﻌﻰ داﺋ ًﻤﺎ إﻟﻰ اﻛﺘﺸﺎف اﺗﺠﺎﻫﺎت ﺟﺪﻳﺪة ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ ،ﺑﺈﺿﺎﻓﺔ ﻃﺎﺑﻊ ﺟﺪﻳﺪ وأﺷﻜﺎل ﻣﺒﺘﻜﺮة ﻷﻋﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﻔﻨﻴﺔ ﺗﻤﻴﺰﻫﺎ ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻤﻤﺜﺎﻟﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ .ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻬﺎ، ﺗﻘﺪم اﻟﻔﻨﺎﻧﺔ راﻧﻴﺎ ﻋﺎﻃﻒ ﺗﺼﻮ ٍّرا ﺣﺪاﺛ ٍّﻴﺎ ﻟﻠﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﺼﺮﻳﺔ ،اﻻﺳﺘﻬﻼﻛﻴﺔ، اﻟﻤﺰدﺣﻤﺔ ،ذات اﻟﺒﻴﻮت اﻟﻜﺮﺗﻮﻧﻴﺔ اﻟﻤﺘﻼﺻﻘﺔ ،وﻗﺪ ﺣﺠﺒﺖ ﺳﻤﺎءﻫﺎ ُ أﻃﺒﺎق اﺳﺘﻘﺒﺎل اﻹﺷﺎرات اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮﻧﻴﺔ اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ ،ﻓﻤﻨﻌﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ اﻟﻬﻮاء وأﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ .ﻫﺬه اﻟﺜﻮرة اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻴﺔ واﻻﺗﺼﺎﻻﺗﻴﺔ وﻓﻖ اﻟﻔﻨﺎﻧﺔ ﻫﻲ اﻟﻐﺰوة اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺒﺮﻳﺌﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﻌﻴﺪ إﻟﻰ اﻷذﻫﺎن ﺳﻘﻮط اﻟﻤﺪن ﻓﻲ أﻳﺪي اﻟﻐﺰاة واﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﻓﺎﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻟﻴﻮم ﻫﻮ اﻷﻟﻴﻨﺔ واﻟﻤﻴﻜﻨﺔ واﻟﺮﻗﻤﻴﺔ اﻟﺨﺎﻧﻘﺔ وﻓﻘﺪان اﻷﺻﺎﻟﺔ واﻟﻤﻼﻣﺢ واﻟﻬﻮﻳﺔ .راﻧﻴﺎ ﻋﺎﻃﻒ، ﻓﻨﺎﻧﺔ ﺗﺼﻮﻳﺮﻳﺔ ورﺳﺎﻣﺔ ،ﺗﺘﺴﻢ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ ﺑﻤﺴﺤﺔ ﺳﻮرﻳﺎﻟﻴﺔ ،وﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺰج ﺑﻴﻦ اﻟﺮﺳﻢ واﻟﻨﺤﺖ واﻷﺷﻜﺎل اﻟﺘﻮﺿﻴﺤﻴﺔ ،وﺗﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ ٍ ﺧﺎﻣﺎت ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻮرق واﻟﺴﻠﻚ واﻟﻄﻴﻦ وﻏﻴﺮﻫﺎ، أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﻤﺮﻛﺒﺔ وﻗﺪ ﺷﺎرﻛﺖ ﻓﻲ ﻣﻌﺎرض وﻣﻬﺮﺟﺎﻧﺎت ﻣﺤﻠﻴﺔ ودوﻟﻴﺔ ﻣﺘﻌﺪدة .وﻓﻲ ﺧﺎﺻﺎ ﻟﺠﺬوع ﺗﻜﻮﻳﻨﺎﺗﻬﺎ اﻟﺒﺼﺮﻳﺔ ،ﺗﻌﻄﻲ اﻟﻔﻨﺎﻧﺔ ﻣﻠﻴﻜﺔ ﺣﺴﻦ اﻫﺘﻤﺎ ًﻣﺎ ٍّ اﻷﺷﺠﺎر وﺟﺬورﻫﺎ وأﻏﺼﺎﻧﻬﺎ وأوراﻗﻬﺎ ،ﻓﺒﻤﻘﺪور اﻟﺸﻜﻞ اﻟﻔﻨﻲ أن ﻳﻜﻮن أﻳﻀً ﺎ ﻣﻨﺘ ًﺠﺎ ﻟﻪ ﻓﻮاﺋﺪ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ وﺻﺪﻳﻘًﺎ ﻟﻠﺒﻴﺌﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻓﻲ أﺑﺎﺟﻮرة
ذات إﺿﺎءة ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﺻﻤﻤﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ اﻷﺷﺠﺎر ﺗﻼﺋﻢ ﻏﺮﻓﺔ ﻣﻜﺘﺐ ﻣﺜﻼ ﺑﺄرﺿﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺎرﻛﻴﻪ .ﺗﺴﺘﺨﺪم اﻟﻔﻨﺎﻧﺔ ﻣﻠﻴﻜﺔ ﺣﺴﻦ وﺳﺎﺋﻞ ﺗﺼﻨﻴﻊ ً ﻓﻌﺎﻟﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ إﺣﻴﺎء ﺗﺮاث اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺔ ﻳﺪوﻳٍّﺎ ،وﺗﺴﻌﻰ اﻟﻔﻨﺎﻧﺔ إﻟﻰ ﺗﺼﻤﻴﻢ واﺧﺘﺒﺎر وﻋﺮض اﻻﺣﺘﻤﺎﻻت اﻟﻤﻤﻜﻨﺔ ﻟﻠﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﺨﺎﻣﺎت ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺘﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﺗﺼﻤﻴﻤﺎﺗﻬﺎ. ﺗﺘﻤﻴﺰ اﻟﻄﺎوﻻت واﻟﻤﻘﺎﻋﺪ اﻟﺨﺸﺒﻴﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﺻﻤﻤﺘﻬﺎ ﻣﻠﻴﻜﺔ ﺣﺴﻦ ﺑﺘﻨﺎﺳﻖ وﺟﻤﺎل اﻟﻤﻨﻈﺮ ،وﺗﺒﺪو اﻷﻏﺼﺎن واﻷﻟﻮاح اﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻜﺔ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ ﻣﺼﻤﻤﺔ ﺑﺒﺮاﻋﺔ ﻟﺘﺼﻴﺮ أدوات ﻣﻨﺰﻟﻴﺔ ﻣﻬﻴﺌﺔ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪام، وﻓﻲ اﻵن ذاﺗﻪ ﺗﻮﻓﺮ اﻟﺮاﺣﺔ وﺗﺮوج ﻟﻼﻋﺘﻨﺎء ﺑﺎﻟﺒﻴﺌﺔ واﺗﺒﺎع أﺳﻠﻮب ﺣﻴﺎة أﻛﺜﺮ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺔ إزاء اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ .ﺗﺴﺘﻤﺪ ﻣﻠﻴﻜﺔ ﺣﺴﻦ اﻹﻟﻬﺎم اﻟﻔﻨﻲ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻮاد وﺧﺎﻣﺎت ﻟﻬﺎ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺚ رﺳﺎﺋﻞ ﺧﺎﺻﺔ ﻣﺜﻴﺮة إﺑﺪاﻋﻴٍّﺎ ﻟﺨﻴﺎل اﻟﻔﻨﺎن ،وﻗﺪ ﺣﺼﻠﺖ ﻣﻠﻴﻜﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻜﺎﻟﻮرﻳﻮس اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ،وﺗﺨﺼﺼﺖ ﻓﻲ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ ،وﻧﺎﻟﺖ دﺑﻠﻮﻣﺎً ﻓﻲ ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت .ﺗﻤﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﺑﺄﺻﺎﻟﺘﻬﺎ واﺑﺘﻜﺎرﻫﺎ وإﻧﺴﺎﻧﻴﺘﻬﺎ ،دﻓﻘﺔ ﺣﻴﺎة ﺗﻌﻴﺪ إﻟﻰ اﻷﺷﻴﺎء أﻓﻀﻠﻴﺘﻬﺎ وﺣﺴﺎﺳﻴﺘﻬﺎ وﻃﺎﻗﺘﻬﺎ ،ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ٍ ﻗﺎس ﻳﻬﺪر ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺟﻤﻴﻞ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﻣﺨﺠﻠﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
67
ﻗﺮاﺋﻦ اﻟﺘﺮاث
ĐĨĖǡǚǖČ ĦƲƩı ǎįǤ ďČƲǙİ ƜNjǙį ﺷﺮﻳﻒ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ
ﻟﻴﺴﺖ ﻫﻨﺎك وﺻﻔﺔ ﺟﺎﻫﺰة ﻟﻺﺑﺪاع ،وﻻ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﻣﺤﺪدة ﻟﻠﺠﻤﺎل، ﻓﺒﺈﻣﻜﺎن اﻟﻔﻦ داﺋ ًﻤﺎ ﻓﺮض رؤاه وﻣﻌﻄﻴﺎﺗﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ،وﺗﺨﻠﻴﻖ ﻋﻮاﻟﻢ ﻣﺪﻫﺸﺔ ﻃﺎزﺟﺔ ،ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﻣﺜﺎل ﻣﺴﺒﻮق .وﻳﺒﻘﻰ اﻟﺘﺸﻜﻴﻞ داﺋ ًﻤﺎ ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻔﻨﻮن ﻗﺪرة ﻋﻠﻰ إﺣﺪاث اﻧﺰﻳﺎﺣﺎت وﻣﻔﺎﺟﺂت ﺗﺘﺠﺎوز اﻟﻌﺎدي واﻟﻤﺄﻟﻮف ،اﻧﻄﻼﻗًﺎ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ اﻟﻮاﻗﻊ وﻛﺒﺪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،وﺑﻐﻴﺮ ﻗﻄﻊ اﻟﺼﻠﺔ ﻣﻊ اﻟﻤﻮروث اﻷﺻﻴﻞ ،ﺑﺈﻋﺎدة ﺗﻔﺠﻴﺮه ﺑﺼﻴﻎ ﻣﻐﺎﻳﺮة ﻣﺘﺠﺪدة. وﻓﻖ ﻫﺬا اﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ،ﻳﺄﺗﻲ ﻣﺸﺮوع ﺑﺼﺮي ﺟﻤﺎﻋﻲ ﻫﻮ أﻗﺮب إﻟﻰ ﻣﻐﺎﻣﺮة ﻓﻨﻴﺔ ،ﻋﻠﻰ أﻳﺪي أرﺑﻊ ﻓﻨﺎﻧﺎت ﺗﺸﻜﻴﻠﻴﺎت ﻣﺼﺮﻳﺎت ﺟﻤﻌﻬﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻟﻘﺎء وﻣﻌﺮض ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،ﺣﻴﺚ اﺳﺘﻄﻌﻦ أن ﻳﻔﺮﺿﻦ ﻛﻠﻤﺘﻬﻦ اﻟﻤﺘﻤﺮدة ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻃﻲ ﻣﻊ اﻟﻤﻮاد اﻟﻤﻬﻤﻠﺔ واﻟﻘﺪﻳﻤﺔ واﻟﺒﺎﻟﻴﺔ، وإﻋﺎدة ﺻﻴﺎﻏﺘﻬﺎ ﻓﻲ أﻋﻤﺎل ﻣﺮﻛﺒﺔ ،ﺗﺸﻊ ﺣﻴﻮﻳﺔ ووﺿﺎءة. اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺒﺪﻳﻞ ﻟﻠﻮﻃﻦ؛ ﻫﻮ ذﻟﻚ اﻟﻜﺎﺋﻦ ﺧﺎرج اﻟﺒﻨﺎﻳﺎت اﻷﺳﻤﻨﺘﻴﺔ اﻟﻤﺘﺮاﺻﺔ ﻛﻌﻠﺐ اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ اﻟﻀﻴﻘﺔ .اﻟﻮﻗﻮد اﻟﺼﺪﻳﻖ ﻟﻠﺒﻴﺌﺔ؛ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻨﻴﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻳﺸﻌﻞ اﻷرواح .اﻟﺰﺟﺎﺟﺎت اﻟﻤﺬاﺑﺔ؛ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻷن ﺗﻜﻮن ﺷﺠﺮة ورﺳﺎﻟﺔ ﺧﻀﺮاء ﻹﻧﻘﺎذ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ .اﻟﻬﻮاﺋﻴﺎت واﻷﻃﺒﺎق ﻓﻮق أﺳﻄﺢ اﻟﻌﻤﺎﺋﺮ؛ ﻫﻲ ﺷﻮاﻫﺪ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻟﺘﻘﻨﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪ وﺳﻘﻮط اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻓﺮاﺋﺲ ﻟﻠﻤﻴﻜﻨﺔ .ﻫﻜﺬا ،ﺗﻨﻔﺘﺢ أﻋﻤﺎل اﻟﻔﻨﺎﻧﺎت اﻟﻨﺎﺑﻬﺎت :ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﺴﻴﻮﻧﻲ ،راﻧﻴﺎ ﻋﺎﻃﻒ ،أﻓﺮودﻳﺖ اﻟﺴﻴﺴﻲ، ﻣﻠﻴﻜﺔ ﺣﺴـﻦ ،ﻋﻠﻰ رواﻓﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﻤﻜﺎﻣﻦ اﻟﺠﻮﻫﺮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻮد وﻣﻌﻄﻴﺎت اﻟﺤﺎﺿﺮ اﻟﻤﻌﻴﺶ ،ﺧﺎرج اﻷﻃﺮ اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ واﻟﻤﻔﺮدات اﻟﺠﺎﻫﺰة .وﺗﺘﺮﺟﻢ أﻋﻤﺎﻟﻬﻦ اﻟﻤﺮﻛﺒﺔ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻣﺸﺮوع ﻓﻨﻲ ﻛﺒﻴﺮ ﺑﻌﻨﻮان "ﻣﻦ اﻟﻤﻬﻤﻞ إﻟﻰ اﻟﺜﻤﻴﻦ" ،ﻫﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ إرﺷﺎدي ﻹﻋﺎدة اﻟﺘﺪوﻳﺮ واﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺠﺮي اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ اﻟﻔﻨﻲ اﻻﺑﺘﻜﺎري ﻣﻊ ﺑﻘﺎﻳﺎ اﻷﺛﺎث واﻷﺷﺠﺎر واﻟﺨﺎﻣﺎت واﻟﻤﻮاد اﻟﻤﻬﻤﻠﺔ واﻟﺒﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻷﻗﻤﺸﺔ واﻟﻜﺮﺗﻮن واﻟﻮرق واﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ واﻟﺰﺟﺎج واﻟﺨﺸﺐ واﻟﻤﻌﺎدن وﻏﻴﺮﻫﺎ. ﻟﻴﺲ ﻣﻦ أﻫﺪاف ﻫﺆﻻء اﻟﻔﻨﺎﻧﺎت اﻟﻤﻐﺎﻣﺮات ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻣﻌﺎدل ﺗﺸﻜﻴﻠﻲ ﻟﻨﻈﺮﻳﺔ "ﺟﻤﺎﻟﻴﺎت
66
ُﻔﺠﺮن اﻟﻤﻮروث ﻐﺎﻣﺮات ﻳ ّ ﻣُ ِ
اﻟﻘﺒﺢ" ،ﻓﻮﻓﻘًﺎ ﻟﺘﺼﻮراﺗﻬﻦ؛ ﻛﻤﺎ ﻳﺒﺪو ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻟﻬﻦ؛ ﻓﺈن أﺻﺎﺑﻊ اﻟﻔﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻨﻊ اﻟﺠﻤﺎل ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﻘﺒﺢ ،ﺑﻞ إﻧﻪ ﻗﺪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻗﺒﻴﺢ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﻤﻄﻠﻖ ،إﻧﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﺣﺎﻻت ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺗﺼﻴﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻋﺸﻮاﺋﻴﺔ أو ﻏﻴﺮ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ ﺑﺎﻟﻤﻔﻬﻮم اﻷوﻟﻲ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ،وﺑﺈﻋﺎدة ﺻﻬﺮﻫﺎ وﺻﻴﺎﻏﺘﻬﺎ وﺗﺮﻛﻴﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮر ﻣﻐﺎﻳﺮ ّ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎت ﺟﺪﻳﺪة ،ﺗﺘﻜﺸﻒ إﻣﻜﺎﻧﺎت واﺣﺘﻤﺎﻻت ﻻﻧﻬﺎﺋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﺎل. ﺗﻘﺪم اﻟﻔﻨﺎﻧﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﺴﻴﻮﻧﻲ ﻋﺪ ًدا ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل واﻟﺘﻜﻮﻳﻨﺎت اﻟﻤﺠﺴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺤﺚ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﻌﺎنٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻠﻮﻃﻦ ،ﻃﺎرﺣﺔ ّ أﺳﺌﻠﺔ ﻋﻦ ﻋﻼﻗﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺒﻴﺘﻪ )وﻃﻨﻪ اﻟﺼﻐﻴﺮ( وﺑﻼده )وﻃﻨﻪ اﻷﻛﺒﺮ(، وﻟﻤﺎذا ﻳﻀﻄﺮ اﻟﺒﻌﺾ إﻟﻰ اﻟﻬﺠﺮة وﻣﻐﺎدرة اﻟﺪﻳﺎر ﻻﻧﻌﺪام اﻷﻣﺎن ﻓﻲ ﺑﻼدﻫﻢ ،وﻫﻢ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻬﺠﺮة ﻳﺘﺨﻠﻮن ﻋﻦ ذواﺗﻬﻢ وأﻣﺎﻧﻬﻢ اﻟﺪاﺧﻠﻲ. ﺗﻘﻴﻢ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﺴﻴﻮﻧﻲ ﻋﺎﻟﻤﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﺮﺗﻮن واﻟﻮرق اﻟﻤﻘﻮى واﻷﺳﻼك اﻟﻤﻌﺪﻧﻴﺔ وﻗﺼﺎﺻﺎت اﻷﻗﻤﺸﺔ وﻧﺜﺎرات اﻟﺨﺸﺐ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺎﻣﺎت، اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﺑﺤﺴﺎﺳﻴﺔ ﻹﺑﺮاز اﻧﻔﻌﺎﻻت اﻹﻧﺴﺎن وﺗﻮﺗﺮاﺗﻪ ﺣﺎل إﻗﺎﻣﺘﻪ ﻓﻲ ﺑﻼده ،أو ﻋﻨﺪ ﻧﺰوﺣﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻬﺎﺟ ًﺮا أو ﻣﻨﻔ ٍّﻴﺎ .ﺗﻠﺠﺄ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﺴﻴﻮﻧﻲ إﻟﻰ اﻟﻔﺎﻧﺘﺎزﻳﺎ ﻓﻲ ﻃﺮح ﺗﺼﻮرات ﺗﺸﻜﻴﻠﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ،ﻛﺄن ﺗﺸﺨّﺺ اﻟﻤﻨﺎزل ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﻋﺮﺑﺎت ﻣﺘﺤﺮﻛﺔ ﻟﻬﺎ ﻋﺠﻼت ،ﻣﻌﺒﺮة ﻋﻦ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ رﺣﻴﻞ اﻟﺒﻴﺖ أو اﻟﻮﻃﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻜﻞ ﻣﻦ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺑﺸﺮ ،واﻧﺘﻘﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻊ إﻟﻰ آﺧﺮ ﻓﻲ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ أو اﻟﺘﺎرﻳﺦ. ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى ،ﺗﻘﺪم ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﺴﻴﻮﻧﻲ اﻟﻤﺴﺎﻛﻦ اﻟﻮرﻗﻴﺔ اﻟﻤﻬﺠﻮرة ﻛﻤﻌﺎدل ﻧﻔﺴﻲ ﻟﻠﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ ،إذ ﻗﺪ ﻳﻀﻄﺮ اﻟﻤﺮء إﻟﻰ اﻟﺬﻫﺎب إﻟﻴﻬﺎ ﺗﺤﺖ وﻃــﺄة اﻟــﻈــﺮوف اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ،أﻣـ ًـﻼ ﻓﻲ اﻟﺴﻜﻮن واﻟﺮاﺣﺔ ،وﻫﺮﺑًﺎ ﻣﻦ ﻓﻮﺿﻰ اﻟﺤﻴﺎة وﺿﻮﺿﺎﺋﻬﺎ .ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﺴﻴﻮﻧﻲ ،ﻓﻨﺎﻧﺔ ﺑﺼﺮﻳﺔ وﻣﺼﻮرة ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ،ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻜﺎﻟﻮرﻳﻮس ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻨﻮﻏﺮاﻓﻴﺎ ﻣﻦ ﻛﻠﻴﺔ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ﻓﻲ ﻋﺎم ،2009وﻋﻤﻠﺖ رﺳﺎﻣﺔ ﻟﻜﺘﺐ وﻣﺠﻼت اﻷﻃﻔﺎل ،وﺷﺎرﻛﺖ ﻓﻲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎرض اﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ وﺧﺎرﺟﻬﺎ. وﺑﻌﻨﻮان "أﺧﻀﺮ" ،ﺗﻘﺪم اﻟﻔﻨﺎﻧﺔ أﻓﺮودﻳﺖ اﻟﺴﻴﺴﻲ ﺗﻜﻮﻳ ًﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﺷﺠﺮة ،ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ ﻧــﺜــﺎرات ﺧﻀﺮاء ﻣﻦ أوراق اﻷﺷﺠﺎر، وﺗﻘﻮد ﻓﻠﺴﻔﺔ اﻻﺧﻀﺮار إﻟﻰ ﺗﻮﺟﻴﻪ رﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ أﻋﻤﺎل ﻣﻠﻴﻜﺔ ﺣﺴﻦ إﻟﻰ اﻟﻤﺘﻠﻘﻲ ﺑﻀﺮورة اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ،
ﻟﻮﺣﺔ ﺗﻤﺜﻞ أﻧﺠﻠﻮر ﻋﻨﺪ ﺻﻠﺢ اﻟﺪﻳﻦ
إرﺛﻪ ،وﺣﻤﻞ ﻓﺪﻳﺘﻪ اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻋﻠﻰ داﺑﱠﺘَﻴْﻦ ،وﻋﺎد ﻟﻤﻼﻗﺎة ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ اﻷﻳﻮﺑﻲ ،ﺳﺎﻟِﻜًﺎ ﻃﺮﻳﻘًﺎ ﺻﻌﺒﺔ ،اﺧﺘﺮق ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺟﻨﻮب أوروﺑﺎ ،إﻟﻰ ﺗﺮﻛﻴﺎ اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ،وﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ وﻣﺼﺮ .وﺗﻌ ﱠﺮض ﺧﻼل ﺳﻔﺮه إﻟﻰ ِﻣ َﺤﻦٍ ﺻﻌﺒﺔ واﻋﺘﺪاءات ،واﺟﻬﻬﺎ ﺑﺸﺠﺎﻋﺔ وﺻﻼﺑﺔ ،ﺣﺘﻰ أﺻﻴﺐ ﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﻤﻌﺎرك إﺻﺎﺑ ًﺔ ﺧﻄﻴﺮة أﻓﻘﺪﺗﻪ إﺣﺪى ﻋﻴﻨﻴﻪ ،وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ، ﺗﻤﻜﱠﻦ ﻣﻦ إﻧﻘﺎذ ﺛﺮوﺗﻪ ﻣﺮا ًرا ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻌﺼﺎﺑﺎت ،ﻓﻮاﺻﻞ رﺣﻠﺘﻪ اﻟﺸﺎﻗﱠﺔ ،ﺣﺘﻰ وﺻﻞ .وﺣﻴﻦ ﻗﺎﺑﻞ اﻟﻘﺎﺋﺪ ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻔﺎرس »ﺑﻴﻴﺮ داﻧﻐﻠﻮر« ،وﺗﻘﺪﻳ ًﺮا ﻟﻮﻓﺎﺋﻪ ،وﻟﺸﺠﺎﻋﺘﻪ اﻟﻨﺎدرة ،وﻣﺮاﻋﺎ ًة ﻷﺣﻮاﻟﻪ وﻣﺎ ﻋﺎﻧﺎه ﺧﻼل رﺣﻠﺘﻪ؛ اﻣﺘﻨﻊ ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ ﻗﺒﻮل اﻟﻔﺪﻳﺔ ،وأرﺟﻌﻬﺎ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﻔﺎرس ،وﻣﻨﺤﻪ ﺣﺮﻳﺘﻪ ﻣﻦ دون ﻣﻘﺎﺑﻞ ،واﺷﺘﺮط ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳَﻜ ﱠُﻒ ﻳ َﺪه ﻋﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ وﻳﻨﺴﺤﺐ ﻣﻦ اﻟﺤﺮب ،وﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﻣﻮﻃﻨﻪ وأﻫﻠﻪ ،ﻳﺘﻔ ﱠﺮغ ﻟﺤﻴﺎﺗﻪ اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ،وﻳﺤﺮص ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻟﺨﺼﻮم ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ اﻹﺳﻼم ،وﻳﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﺤﻮ اﻟﺼﻮرة اﻟﻨﻤﻄﻴﺔ اﻟﺨﺎﻃﺌﺔ اﻟﺘﻲ ر ﱠوﺟﺘﻬﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ واﻟ َﻜ َﻬ َﻨ ُﺔ ﻋﻦ اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ .ﻋﻨﺪﻣﺎ رﺟﻊ اﻟﻔﺎرس إﻟﻰ ﺑﻠﺪه ،ﻗ ﱠﺮر ﻃﻮاﻋﻴَﺔ ﺣﻤﻞ ﻟﻘﺐ ﺧﺼﻤﻪ؛ اﻋﺘﺮاﻓًﺎ ﺑﺎﻟﻮﻻء ﻟﻪ ،ﻓﺘﺴ ﱠﻤﻰ »ﺑﻴﻴﺮ ﺻﺎﻻدﻳﻦ داﻧﻐﻠﻮر« ،وﺑﺬﻟﻚ ﱠأﺳﺲ ﻓﺮع اﻷﺳﺮة اﻟﺤﺎﻣﻞ ﻟﻠﻘﺐ ﻟﻜﻞ ﻧ َْﺴﻠِ ِﻪ اﻟﻤﻨﺤﺪر ﻣﻨﻪ ،ﻓﺄﺻﺒﺢ اﺳﻢ »ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ« ،وأورث اﻟﻠﻘﺐ ﱢ اﻟﻔﺮع اﻟﻌﺎﺋﻠﻲ اﻟﻤﻨﺒﺜﻖ ﻣﻨﻪ ) ،(Saladin D'Anglureواﺳﺘﺒﺪل ﻓﻲ ﻟﻮاء أﺳﺮﺗﻪ ﻛﻞ اﻟﺮﻣﻮز اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ،ووﺿﻊ ﺑﺪﻟﻬﺎ ﻣﺸﻜﺎة ﻣ ﱠﻤﺎ ﺗﺘﺰﻳﱠﻦ
وﻫﻼﻻ ﻳﺮﻣﺰ ﻟﻺﺳﻼم .وﻗﺎم ﺑﺒﻨﺎء أ ﱠول ﻣﺴﺠﺪ ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ً ﺑﻪ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ، ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ اﻟﺨﺎص ،ﺳ ﱠﻤﺎه »ﻣﺤﻤﺪ« وأوﻗﻔﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻟﻠﺼﻼة ﻓﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻌﺮف ﻣﻮﻃﺄ ﻟﻘﺪم ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ أﺑ ًﺪا .ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺠﺪ، ﻛﺎن ُﻣﺮﺑﱠﻊ اﻟﺸﻜﻞ ،اﺳﺘﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺋﻪ اﻟﺤﺠﺎرة اﻟﻤﻨﺤﻮﺗﺔ ،ﻋﻠﻰ ﻗُ ﱠﺒ ِﺘﻪ ﻫﻼل ُﻣ َﺬ ﱠﻫ ٍﺐ .واﻟﺸﺎرع اﻟﺬي ﻳﻘﻊ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ زال ﻳﺤﻤﻞ إﻟﻰ اﻟﻴﻮم اﺳﻢ »ﺷﺎرع ﻣﺤﻤﺪ« ،ﺷﺎﻫ ًﺪا ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺪث ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺗ ﱠﻢ ﻇﻞ ﻃﻴﻠﺔ ﻋﺪة ﻗﺮون ﺻﺮ ًﺣﺎ ﻗﺎﺋِ ًﻤﺎ ﻳﺸﻬﺪ ﻫﺪﻣﻪ ﻋﺎم ،(4)1830ﺑﻌﺪﻣﺎ ﱠ ﺑﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﻘﺎﺋﺪ ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ اﻷﻳﻮﺑﻲ وﺳﻤﺎﺣﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻟﻬﻮاﻣﺶ:
) (1راﻧﺴﻴﻤﺎن ،ﺳﺘﻴﻔﻦ :ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ )ﺗﺮﺟﻤﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮر اﻟﺴﻴﺪ اﻟﺒﺎز اﻟﻌﺮﻳﻨﻲ( ﺑﻴﺮوت ،1982ج 3ص.106 ) (2أﺑﻮ ﺷﺎﻣﺔ :ﻋﻴﻮن اﻟﺮوﺿﺘﻴﻦ ﻓﻲ أﺧﺒﺎر اﻟﺪوﻟﺘﻴﻦ اﻟﻨﻮرﻳﺔ واﻟﺼﻼﺣﻴﺔ، )ﺗﺤﻘﻴﻖ أﺣﻤﺪ ﺑﻴﻮﻣﻲ( اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،دﻣﺸﻖ ،ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻷﺳﺪ،1992 ، ص272 ) (3اﺑﻦ واﺻﻞ :ﻣﻔ ﱢﺮج اﻟﻜﺮوب ﻓﻲ أﺧﺒﺎر ﺑﻨﻲ أﻳﻮب )ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺸﻴﺎل، ورﺑﻴﻊ( اﻟﻘﺎﻫﺮة ،1986ج 2ص.374 )Guide pittoresque du voyageur en France, paris, (4 Didot frères, 1838, T5, departement des Ardennes, P21
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
65
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ǣƶǜƲǎǖČ ǛǤưǖČ Ēǭƻ ħƖƹǜĈ
ĤĨǨČ ƜƶǜƲǍ ưƩƶǙ ƠǤƜǔƫ اﻟﺰﺑﻴﺮ ﻣﻬﺪاد
ﻟﻠﺴﻠﻢ ،ﻳﻔﺘﺢ ﺑﺎب اﻟﺘﻔﺎوض واﻟﺤﻮار ﻛﺎن ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ اﻷﻳﻮﺑﻲ ﻣ ﱠﻴ ًﺎﻻ ﱠ ﻗﺒﻞ ﺧﻮض أي ﻣﻌﺮﻛﺔ ،وﻹﺛﺒﺎت ﺣﺴﻦ اﻟﻨﻴﺔ ،ﺑﻌﺪ اﻧﺘﺼﺎره ﻓﻲ ﺣﻄﻴﻦ، أﻓﺮج ﻋﻦ اﻷﺳﺮى اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ،وﻣﻨﻬﻢ اﻟﻤﻠﻚ »ﺟﻲ دي ﻟﻮﻳﺰﻳﻨﻴﺎن«، ﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﺤﻠﻔﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﱠأﻻ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮا اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﺮة أﺧﺮى .ﱠإﻻ أن اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﻟﻢ ﻳﻘﺎﺑﻠﻮا ﺗﺴﺎ ُﻣ َﺢ ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ ﺑﺨﻄﻮة ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ،ﺑﻞ ﻋﺎودوا اﻟﻜَ ﱠﺮ َة ﻣﺮة أﺧﺮى ﻷﺟﻞ اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺪس. ﺗﺪﻓﱠﻘﺖ اﻟﺠﻴﻮش اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ وﺳﻮاﺣﻠﻬﺎ ،وﺣﻮﺻﺮت ﻋﻜﺎ، وﺗ ﱠﻢ اﻟﺘﻨﻜﻴﻞ ﺑﺴﻜﱠﺎﻧﻬﺎ ﺑﻘﻴﺎدة اﻟﻤﻠﻚ »رﻳﺘﺸﺎرد« ،وأﻣﺮ ﺑﺎﻹﺟﻬﺎز ﻋﻠﻰ 2700أﺳﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺑﻘﻮا ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ ﺣﺎﻣﻴﺔ ﻋﻜﺎ).(1 وﺷﺘﱠﺎن ﺑﻴﻦ ﻫﺬا اﻟﺴﻠﻮك ،وﺑﻴﻦ ﻣﺎ اﺗ ﱠﺒﻌﻪ ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻘﺐ اﻧﺘﺼﺎره ﻓﻲ ﺣﻄﱢﻴﻦ ،وﺗﺤﺮﻳﺮه ﻣﺪن اﻟﺸﺎم ﻣﻦ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ،إذ ﺣﺮص ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻤﺎح ﻷﻫﻞ اﻟﻤﺪن اﻟﺘﻲ ﺣ ﱠﺮرﻫﺎ ﺑﻤﻐﺎدرﺗﻬﺎ ﺳﺎﻟﻤﻴﻦ ،وﻣﻨﻊ رﺟﺎﻟﻪ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﺪاء ﻋﻠﻴﻬﻢ أو اﻟﺘﻌ ﱡﺮض ﻟﻬﻢ .ﻛﺎن ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ ﻳﺮ ﱢﺣﺐ ﺑﻜﻞ ﻣﺒﺎدرات اﻟﺼﻠﺢ واﻟﻤﻔﺎوﺿﺎت ،وأﻣﺎم ﺗﻌﺜﱡﺮﻫﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻔﺼﻞ ﻟﻠﻤﻌﺎرك ،اﻟﺘﻲ واﺟﻬﻬﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺑﺼﺮاﻣﺔ وﻗﻮة و ُﺣ ْﺴﻦِ ﺗﺪﺑﻴﺮ ،ﻣﺎ ﻣﻜﱠﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﻮاﺻﻠﺔ اﻧﺘﺼﺎراﺗﻬﻢ ،دﻓﻌﺖ »رﻳﺘﺸﺎرد« إﻟﻰ اﻟﺮﺿﻮخ وﻗــﺒــﻮل اﻟــﺘــﻔــﺎوض؛ ﻟﻀﻤﺎن أﻣــﻦ وﺳﻼﻣﺔ اﻟﻤﺪﻧﻴﻴﻦ ،واﻟﺴﻤﺎح ﻟﻬﻢ ﺑﻤﻤﺎرﺳﺔ ﺷﻌﺎﺋﺮﻫﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،وزﻳﺎرة اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻤﻘ ﱠﺪﺳﺔ ﻓﻲ أﻣﺎن).(2 وﺗﺄﺛ ﱠﺮ اﻟﺼﻠﻴﺒ ﱡﻴﻮن ﺑﺮوح اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﺘﻲ أﺑﺪاﻫﺎ ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻪ ﻟﻬﻢ ،ﺣﺘﻰ إن اﻟﻤﻠﻚ »رﻳﺘﺸﺎرد« ﺗﻤ ﱠﻨﻰ ﻟﻘﺎء ﺧﺼﻤﻪ ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ ﻧﻔﺴﻪ).(3 ﺟﻤﻊ ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻴﻦ اﻟ ﱡﻨﺒﻞ واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ، ﻓﻜﺎن ﻣﺜﺎﻻً ﻟﻠﻔﺎرس اﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﻨﺒﻴﻞ ،ﻓ َِﺼﻴﻐَﺖ ﺣﻮل ﺷﺨﺼ ﱠﻴﺘﻪ أﻧﻤﺎط ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺺ واﻷﺳﺎﻃﻴﺮ واﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﻘﻲ إﻟﻰ درﺟﺔ اﻷﺳﻄﻮرة. 64
ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻣﺴﺠﺪ ﻓﺮﻧﺴﺎ ا%ول
ﻗﺼﺔ ﺑﻨﺎء اﻟﻤﺴﺠﺪ
وﻣﻦ أﻫ ﱢﻢ اﻟﻘﺼﺺ اﻟﺘﻲ ﺗﻮارﺛﻬﺎ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﱡﻮن ﻋﻦ ﻧُﺒْﻞِ ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ اﻷﻳﻮﺑﻲ ،ﻣﺎ ﻳﺤﻜﻮﻧﻪ ﻋﻦ ﻣﻮﻗﻔﻪ ﻣﻦ ﻣﻮاﻃﻨﻬﻢ »ﺑﻴﻴﺮ داﻧﻐﻠﻮر« Pierre ،D'Anglureاﻟ ُﻤﻠَﻘﱠﺐ ﺑـ »أوﺟﻴﻲ اﻷول« ) ،(Ogierأﺣﺪ ﻧﺒﻼء »ﺳﺎﻧﺖ ﺷﻴﺮون« اﻟﻤﺴ ﱠﻤﺎة »أﻧﻐﻠﻮر« ) ،(Anglurاﻟﻤﺘﻮﻓﱠﻰ ﻓﻲ أول أﻛﺘﻮﺑﺮ ﻣﻦ ﻋﺎم .1205ورث »أوﺟﻴﻲ اﻷول« اﻟ ﱡﻨ ْﺒ َﻞ ﻣﻦ أﺳﺮﺗﻪ اﻟﻌﺮﻳﻘﺔ، اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺤﺪر ﻣﻨﻬﺎ ﻋﺪد ﻣﻦ أﺳﻴﺎد وﻧﺒﻼء وﻓﺮﺳﺎن ﻣﻨﻄﻘﺔ »ﺷﻤﺒﺎﻧﻴﺎ« اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ،اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻮﻟﱠﻮا ﻣﻨﺎﺻﺐ اﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﺔ اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ واﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻣﺤﻠﱢﻴٍّﺎ وﺣﻜﻮﻣﻴٍّﺎ. وﻓﺎرﺳﺎ ﻣﺸﻬﻮ ًدا ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻹﻗﺪام، ﻧﺒﻴﻼ ﻛﺎن »أوﺟﻴﻲ اﻷول« ً ً ُﻣ ِﻨ َﺢ وﺳﺎم »اﻟﻘﺪﻳﺲ ﻳﻮﺣ ﱠﻨﺎ«؛ ﺗﻜﺮﻳ ًﻤﺎ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ اﻧﺨﺮاﻃﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ .ﻫﺬا اﻟﻔﺎرس ﺗﻠﻘﱠﻰ ﺑﺎﻟﻘﺒﻮل دﻋﻮة رﺋﻴﺲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ اﻟﺒﺎﺑﺎ »ﻏﺮﻳﻐﻮري اﻟﺜﺎﻣﻦ« ،اﻟﺬي اﺟﺘﻬﺪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺗﻌﺒﺌﺔ اﻟﻤﺠ ﱠﻨﺪﻳﻦ، وﺣﺸﺪ اﻹﻣﻜﺎﻧﺎت اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ،وﺗﺠﻴﻴﺶ اﻟﻨﺎس ،وإﺛﺎرة ﻋﻮاﻃﻔﻬﻢ ﻟﻠﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺮب اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ،وﻛﺎن ﻻ ﻳﻔﺘﺄ ﻳﻮزﱢع اﻟﻮﻋﻮد ﺑﺎﻟﻤﻐﻔﺮة واﻟﺠﻨﺔ ﻟﻜﻞ اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﺮوب اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻓﻊ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﺷﻌﺎ ًرا ﻟﻬﺎ. ﺳﺎﻓﺮ ﺑﻴﻴﺮ داﻧﻐﻠﻮر إﻟﻰ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﺿﻤﻦ ﻓﻠﻮل اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ اﻟﻤﺘﻄ ﱢﻮﻋﻴﻦ، وﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﻘﺪس ،وأﺛﻨﺎء اﻟﻤﻮاﺟﻬﺎت ،أﺻﻴﺐ ﺑﺠﺮوح ،وﺳﻘﻂ أﺳﻴ ًﺮا ﻓﻲ ﻳﺪ ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ وﻟﻠﺤﻖ اﻷﻳﻮﺑﻲ .وﻣﺮاﻋﺎة ﻟﻠﻜﺮاﻣﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﱢ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة ،ﺗﻠﻘﱠﻰ اﻟﻔﺎرس اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺬي أﻣﺮ ﺑﻌﻼﺟﻪ ﻓﻲ أَ ْﺳﺮِه، وإﺗﺎﺣﺔ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻪ ﻟﻠﺘﺤ ﱡﺮر إن رﻏﺐ ﻓﻲ دﻓﻊ اﻟﻔﺪﻳﺔ. اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ اﻟﻔﺎرس ﻗﺎﺑﻞ ﻋﺎﻓﻴﺘﻪ، اﺳﺘﻌﺎدﺗﻪ وﺑﻌﺪ ﱡ اﻟﻘﺎﺋ َﺪ ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ اﻷﻳﻮﺑﻲ ،واﻟﺘﻤﺲ ﻣﻨﻪ إﻃﻼق ﺳﺮاﺣﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﺑﻠﺪه؛ ﻷﺟﻞ إﺣﻀﺎر اﻟﻤﺎل ﻟﺪﻓﻊ ﻓﺪﻳﺘﻪ ،وﺗﻌ ﱠﻬﺪ ﺑﺸﺮﻓﻪ ﻋﻠﻰ أن ﻳﻌﻮد ﻣﺼﺤﻮﺑًﺎ ﺑﻘﻴﻤﺔ اﻟﻔﺪﻳﺔ .واﻓﻖ ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ وأﻃﻠﻖ ﺳﺮاﺣﻪ ،ﻓﺴﺎﻓﺮ »ﺑﻴﻴﺮ ﺻﻮرة ﻟﺼﻼح اﻟﺪﻳﻦ داﻧﻐﻠﻮر« ﻋﺎﺋ ًﺪا إﻟﻰ ﺑﻠﺪه ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وﺑﺎع ﺟﺰ ًءا ﻣﻦ
ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺧﻼل ﻋﻮدﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺞ وﻳﺸﺒﻪ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﻲ ﺗﺼﻤﻴﻤﻪ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻜﺒﻴﺮ )ﺟﻨﺠﻮرﺑﻴﺮ( ﻓﻲ ﺗﻨﺒﻜﺖ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺌﺬﻧﺘﻪ ﻫﺮﻣﻴﺔ اﻟﺸﻜﻞ ،وﻫﺬه أول ﻣﺌﺬﻧﺔ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻄﺮاز ﺗﺪﺧﻞ ﻏﺮب أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ .وﺑﻨﻰ اﻟﺴﺎﺣﻠﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻣﻦ اﻵﺟﺮ )اﻟﻄﻮب اﻟﻤﺤﺮوق( ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺪة ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎرة ﺗﺘﻮﺳﻄﻬﺎ أﻗﻮاس ﻧﻘﺸﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ آﻳﺎت ﻗﺮآﻧﻴﺔ ،وﻛﺎن ﻣﻮﻗﻌﻪ ﺧﺎرج اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻟﻜﻦ ﻣﻊ اﺗﺴﺎع ﻋﻤﺮاﻧﻬﺎ وﻧﺸﺎﻃﻬﺎ اﻟﺘﺠﺎري أﺻﺒﺢ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﺣﻲ اﻟﺒﻴﻀﺎن اﻟﺬي ﺗﻘﻄﻦ ﺑﻪ اﻟﺠﺎﻟﻴﺎت اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ،وﻗﺪ ﻋﻤﺮ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻧﺤﻮ ﺛﻼﺛﺔ ﻗﺮون وﻻ ﺗﺰال أﻃﻼﻟﻪ ﺑﺎﻗﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻴﻮم ﻣﻨﻬﺎ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺮاب .وﻛﺎن ﻟﻠﻨﺴﺎء ﺑﺼﻤﺘﻬﻦ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻓﻲ ﻏﺮب أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،ﺣﻴﺚ ﺷﻴﺪت ﺳﻴﺪة ﺛﺮﻳﺔ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺨﻴﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ اﻷﻏﻼل )اﻷﻗﻼل( اﺳﻤﻬﺎ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺔ 726ﻫـ1325 /م ،ﻣﺴﺠﺪ ﺳﻨﻜﺮي ﺷﻤﺎل ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﻨﺒﻜﺖ ،واﻟﺬي ﻳﻌﺪ ﻣﻦ أﺷﻬﺮ ﻣﺴﺎﺟﺪ ﻏﺮب أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ، وﺷﻴﺪ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﻤﻂ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻜﺘﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺮاﻛﺶ ،وﺗﻌﺮض ﻟﻠﺘﺠﺪﻳﺪ واﻟﺘﻮﺳﻌﺔ ﻓﻰ ﻋﻬﺪ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﺻﻨﻐﻲ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ اﻟﻘﺎﺿﻰ اﻟﻌﺎﻗﺐ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﻮد ﺳﻨﺔ 989ﻫـ 1578/م ﻋﻘﺐ ﻋﻮدﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺞ ،ﺣﻴﺚ أﻋﺎد ﺗﺸﻴﻴﺪه ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ واﻟﺠﺒﺲ ،وذﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ اﻟﺨﺎص وﺟﻌﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺲ ﻗﻴﺎﺳﺎت اﻟﻜﻌﺒﺔ اﻟﺘﻲ أﺧﺬ ﻗﻴﺎﺳﻬﺎ ﺑﺤﺒﻞ ﺧﻼل وﺟﻮده ﻓﻲ ﻣﻜﺔ، وأﺻﺒﺢ ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺟﺎﻣﻌﺔ إﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗﻀﺎﻫﻲ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ
ﻟﺪى اﻷﻓﺎرﻗﺔ اﻷزﻫﺮ اﻟﺸﺮﻳﻒ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ وﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ﻓﻲ ﻓﺎس. وﻓﻲ اﻟﺨﺘﺎم ،ﻟﻢ ﻧﺴﺮد ﻛﻞ ﺣﻜﺎوي اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻓﻲ ﻏﺮب أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ، ﻓﺎﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻋﻤﺮت ﺑﻬﺎ وﺑﻘﻠﻮب ﺗﻌﻠﻘﺖ ﺑﺠﺪراﻧﻬﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻌﻠﻨﺎ اﻫﺘﺪﻳﻨﺎ ﺑﺴﻄﻮر ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻓﻲ ﻟﻴﻞ اﻟﻘﺎرة اﻟﺴﻤﺮاء ﻟﺘﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﺘﻮا ٍر ﻣﻦ ﺟﻤﺎل إﻧﺴﺎﻧﻬﺎ وﺣﻀﺎرﺗﻬﺎ
ﻣﺴﺠﺪ ﻻراﺑﺎﻧﻐﺎ ،أﺣﺪ أﻗﺪم اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻏﺎﻧﺎ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
63
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ﻣﻨﻈﺮ ﺧﺎرﺟﻲ ﻟﻤﺴﺠﺪ أﻓﺎ ﻋﺠﻮرة -ﺗﺎﻣﺎﻟﻲ ،ﻏﺎﻧﺎ
ﺧﺎرﺟﻲ .ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى ،أﻗﺒﻞ ﻋﺎم 725ﻫـ1325 /م ﺣﺎﻣﻼ ﻓﻲ ﻃﻴﺎت أﻳﺎﻣﻪ ﺣﺎﻟﺔ ﻓﺮﻳﺪة ﻓﻲ ﺣﻮادﻳﺖ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻓﻲ ﻏﺮب أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،ﻓﺴﻠﻄﺎن ﻣﺎﻟﻲ ﻣﻨﺴﺎ ﻣﻮﺳﻰ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻔﻌﻤﺎ ﺑﺎﻷﺟﻮاء اﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻟﺮﺣﻠﺔ ﺣﺠﻪ اﻷﺳﻄﻮرﻳﺔ ،ﻗﺮر أن ﻳﺒﻨﻲ ﻣﺴﺠﺪا ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ ﻣﺪن دوﻟﺘﻪ ﺗﺪرﻛﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺻﻼة اﻟﺠﻤﻌﺔ ﺧﻼل ﻃﺮﻳﻖ ﻋﻮدﺗﻪ ﻟﻌﺎﺻﻤﺘﻪ ﻧﻴﺎﻧﻲ ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻣﻨﺒﻬﺮة ﺑﻜﻤﻴﺎت اﻟﺬﻫﺐ اﻟﻀﺨﻤﺔ اﻟﺘﻲ أﻧﻔﻘﻬﺎ ﻣﻮﺳﻰ ﺧﻼل ﻣﺮوره ﺑﻬﺎ ،ﻛﺎن ﻫﻮ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻣﻨﺒﻬ ًﺮا ﺑﺠﻤﺎل اﻟﻘﺎﻫﺮة وﻋﻤﺎرﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺼﻮر وﻣﺴﺎﺟﺪ .وﻗﺮر ﻣﻮﺳﻰ اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻤﺮاﻓﻘﻪ اﻟﺬي اﻟﺘﻘﺎه ﻓﻲ اﻟﺤﺞ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ اﻟﻤﻬﻨﺪس أﺑﺎ إﺳﺤﺎق إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺴﺎﺣﻠﻰ اﻟﻤﻌﺮوف ﺑﺎﻟﻄﻮﻳﺠﻦ ﻟﻴﺤﻘﻖ ﻟﻪ ﺣﻠﻤﻪ ﻓﻰ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻋﻤﺎرة ﺳﻠﻄﻨﺘﻪ ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻟﻠﻤﺴﺎﺟﺪ ﺣﻆ واﻓﺮ ﻣﻨﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ أدﺧﻞ اﻟﺴﺎﺣﻠﻲ ﻓﻦ اﻟﺒﻨﺎء وزﺧﺮﻓﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮاز اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ – اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ ،وﻓﻦ اﻟﺒﻨﺎء ﺑﺎﻟﻄﻮب اﻟﻤﺤﺮوق "اﻵﺟﺮ" ،واﺳﺘﺨﺪام اﻟﻄﻴﻦ اﻟﻤﻀﻐﻮط اﻟﻤﻘﻮى ﺑﺎﻷﺧﺸﺎب ،ﺧﻼﻓﺎ ﻟﻤﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻈﺎم اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻓﻲ ﻣﺎﻟﻲ ،وﻫﻮ أﻧﻪ ﻳﺒﻨﻰ ﻧﺼﻒ ذراع ﺑﺎﻟﻄﻴﻦ ﺛﻢ ﻳﺘﺮك ﺣﺘﻰ ﺗﺠﻒ ﺛﻢ ﻳﺒﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺜﻠﻪ وﻫﻜﺬا ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺘﻬﻰ اﻟﺒﻨﺎء واﻷﺳﻘﻒ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ .وﻗﺪ ﻛﺸﻔﺖ اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻋﻦ ﻣﺴﺠﺪﻳﻦ ﺷﻬﻴﺮﻳﻦ ﺷﻴﺪﻫﻤﺎ اﻟﺴﺎﺣﻠﻲ ﺑﺄﻣﺮ ﻣﻦ ﻣﻨﺴﺎ ﻣﻮﺳﻰ وﻫﻤﺎ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺗﻨﺒﻜﺖ وﻣﺴﺠﺪ ﺟﺎو.
اﻟﺴﺎﺣﻠﻰ ﺑﺒﻨﺎﺋﻪ ﺑﻌﺪ ﻋﻮدﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺞ واﺳﺘﻴﻼﺋﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،وﻛﻠﻤﺔ ﺟﻨﺠﻮرﺑﻴﺮ )ﺟﻨﻜﺮى( ﺗﻌﻨﻲ ﻓﻲ ﻟﻐﺔ ﺻﻨﻐﻰ )اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ( ،وﻳﻘﻊ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﻰ وﺳﻂ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺲ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﻜﻌﺒﺔ ،وﺷﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎرة واﻟﺠﻴﺮ وﺳﻘﻔﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ اﻟﻤﺘﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻧﻤﻂ اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ،وﻳﺮﺟﺢ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ أﻧﻪ ﺑﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻣﺴﺠﺪ ﻗﺪﻳﻢ ﻳﻌﻮد ﻟﻠﻘﺮن اﻟﺴﺎدس اﻟﻬﺠﺮي ،وﺑﻌﺾ أﺟﺰاء ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺬي ﺷﻴﺪه ﻣﻮﺳﻰ ﺑﺎﺗﺖ ﺟﺰءا ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺎﻟﻲ اﻟﺬي ﻳﺘﻜﻮن ﻣﻦ ﺻﺤﻨﻴﻦ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻛﺒﻴﺮ واﻵﺧﺮ ﺻﻐﻴﺮ ﻣﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﻤﺌﺬﻧﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ ﺧﻤﺴﺔ أروﻗﺔ ﺗﻤﺘﺪ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺎل إﻟﻰ اﻟﺠﻨﻮب ﻋﻠﻰ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﺻﻔﻮف وﻟﻪ ﺧﻤﺴﺔ أﺑﻮاب ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ وﺑﺎﺑﺎن ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ. وﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﺻﻨﻐﻲ ﻗﺎم اﻟﻘﺎﺿﻰ اﻟﻌﺎﻗﺐ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﻮد ﺳﻨﺔ 976ﻫـ1568 /م ﺑﺈﻋﺎدة ﺑﻨﺎء اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﻌﺪ أن أﺿﺎف إﻟﻴﻪ اﻟﻘﺒﻮر اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻪ ﺑﻌﺪ ﺗﺴﻮﻳﺘﻬﺎ وزاد ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ زﻳﺎدة ﻛﺒﻴﺮة ﻛﻠﻔﺘﻪ ﻳﻮﻣﻴﺎ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ اﻟﺨﺎص 67ﻣﺜﻘﺎﻻً إﻻ ﺛﻠﺚ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ )ﺣﻮاﻟﻰ 500ﺟﺮام( ﻓﻲ ﻋﻬﺪ أﺳﻜﻴﺎ داود اﻟﺬي أﺳﻬﻢ ﻓﻰ ﺗﺤﻤﻞ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﺗﻜﻠﻔﺔ اﻟﺒﻨﺎء واﻹﻣــﺪاد ﺑﺄرﺑﻌﺔ آﻻف ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ،وﺗﻌﺮض اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﻌﻤﻠﻴﺎت ﺗﺮﻣﻴﻢ ﻋﺪة ﻻﺣﻘﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺟﺮت ﻋﺎﻣﻲ ﻋﺎم 1325ﻫـ 1709 /م و 1149ﻫـ1736 /م.
اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻜﺒﻴﺮ -ﺟﻨﺠﻮرﺑﻴﺮ ﻓﻲ ﺗﻨﺒﻜﺖ
ﻣﺴﺠﺪ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺟﺎو
ﻳﻌﺪ ﺟﺎﻣﻊ ﺟﻨﺠﻮرﺑﻴﺮ أﻛﺒﺮ ﻣﺴﺎﺟﺪ ﺗﻨﺒﻜﺖ وأﻣﺮ ﻣﺎﻧﺴﺎ ﻣﻮﺳﻰ رﻓﻴﻘﻪ 62
ﺣﻜﺎوي اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻓﻲ ﻏﺮب أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ
أﻣﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺎﻧﺴﺎ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﺒﻨﺎﺋﻪ –ﻛﻌﺎدﺗﻪ -ﺑﻌﺪ أداﺋﻪ ﺻﻼة اﻟﺠﻤﻌﺔ
ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻄﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺎﻟﻲ
ﻣﺴﺠﺪأ أﺣﺪﻫﺎ ﺟﺎﻣﻊ ﻛﺒﻴﺮ. وﺑﺪءا ً ﻣﻦ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻬﺠﺮي اﻋﺘﻨﻖ ﻣﻠﻮك ﻏﺮب أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺗﺒﺎ ًﻋﺎ اﻹﺳﻼم إﻻ أن إﺷﺎرات اﻟﻤﺼﺎدر ﺗﻜﺎد ﺗﻨﻌﺪم ﺣﺘﻰ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ اﻟﻬﺠﺮي ﻋﻦ ذﻛﺮ ﻣﺎ ﺷﻴﺪه ﻫﺆﻻء اﻟﺤﻜﺎم اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺟﺪ، رﻏﻢ ﺗﻄﺒﻴﻘﻬﻢ ﻟﺸﺮاﺋﻊ اﻹﺳﻼم وﺗﻨﺎﻓﺴﻬﻢ ﻋﻠﻰ إﻋﻼن ﺗﺒﻌﻴﺘﻬﻢ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻌﻤﺮاﻧﻲ اﻟﺬي ﺷﻬﺪﺗﻪ ﻋﻮاﺻﻢ وﻣﺪن اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ وﺗﺄﺛﺮﻫﺎ ﺑﻨﻤﺎذج ﺑﻨﺎء اﻟﻤﺪن اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻫﻮ ﻣﺤﻮر اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ وﺣﻮﻟﻪ ﺗﺒﻨﻰ اﻟﻤﺤﻼت اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻴﻊ وﺗﺼﻨﻊ اﻟﺴﻠﻊ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .ﻛﻤﺎ ﻧﺠﺪ أن ﻗﺼﺮ ﻣﻠﻚ ﻏﺎﻧﺔ اﻟﻤﺴﻠﻢ واﻟﺬي ﺷﻴﺪ ﻋﺎم
ﻣﺴﺠﺪ ﻣﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﻏﺎﻧﺎ
510ﻫــ ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺔ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﺠﺮ "ﻗﺪ أوﺛﻖ ﺑﻨﻴﺎﻧﻪ وأﺣﻜﻢ إﺗﻘﺎﻧﻪ وزﻳﻨﺖ ﻣﺴﺎﻛﻨﻪ ﺑﻀﺮوب ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮﺷﺎت واﻷدﻫﺎن وﺷﻤﺴﻴﺎت اﻟﺰﺟﺎج" ،وﻳﻘﺎل أن ﻃﺮاز ﻫﺬا اﻟﻘﺼﺮ وزﺧﺎرﻓﻪ وﺗﺤﻔﻪ اﺳﺘﻮردت ﻣﻦ ﻣﺼﺮ وﺳﺒﺘﻪ وﺻﻘﻠﻴﺔ ،وﻻ ﺷﻚ أن ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﺬي ﻳﻌﺪ أﻏﻨﻰ ﻣﻠﻮك اﻷرض ﺑﻤﺎ ﻳﻤﻠﻜﻪ ﻣﻦ ذﻫﺐ ﻟﻢ ﻳﺘﻮان ﻋﻦ ﺗﺸﻴﻴﺪ ﻣﺴﺠﺪ ﻣﺤﻜﻢ اﻟﺒﻨﺎء ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻪ وﺑﻤﻤﻠﻜﺘﻪ إﻻ أن اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﺿﻨﺖ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﻮﺻﻔﻪ، وﻫﻮ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺠﺪ أﺳﻼﻓﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻠﻮك اﻟﻮﺛﻨﻴﻴﻦ ﻏﻀﺎﺿﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﻣﺴﺠﺪ ﻗﺮب اﻟﻘﺼﺮ اﻟﻤﻠﻜﻲ ﻟﻠﻮاﻓﺪﻳﻦ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ. أﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺟﻨﻲ ،ﻓﻤﺮ ﺗﺸﻴﻴﺪ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺑﻬﺎ ﺑﻤﻨﻌﻄﻒ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻰ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس اﻟﻬﺠﺮى /اﻟﺜﺎﻧﻰ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﻴﻼدى ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺧﺮب ﺣﺎﻛﻤﻬﺎ "ﻛﻨﺒﺮ" اﻟﻮﺛﻨﻲ ﻗﺼﺮه وﺷﻴﺪ ﺑﺪﻻً ﻣﻨﻪ ﻣﺴﺠ ًﺪا ﻋﻠﻰ ﻧﺴﻖ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮام ﻓﻲ ﻣﻜﺔ ﻋﻘﺐ إﻋﻼﻧﻪ إﺳﻼﻣﻪ أﻣﺎم اﻵﻻف ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎر واﻟﺪﻋﺎة اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،وأداﺋﻪ ﻣﻨﺎﺳﻚ اﻟﺤﺞ ،وﻗﺪ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ 50x 50م ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ وﺻﻤﻤﻪ رﺟﻞ ﻋﺮﺑﻲ ﻳﺪﻋﻰ اﻟﻤﻌﻠﻢ إدرﻳﺲ ،وﻫﻮ اﻟﺬي أدﺧﻞ ﻟﺠﻨﻲ ﻓﻦ ﺑﻨﺎء اﻟﻤﻨﺎزل وزﺧﺮﻓﺘﻬﺎ وﻓﻖ أﺳﺎﻟﻴﺐ ﻋﺮﺑﻴﺔ إﺳﻼﻣﻴﺔ. وﺷﻬﺪ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻋﻤﻠﻴﺔ إﻋﺎدة ﺑﻨﺎء ﻓﻰ ﻋﻬﺪ ﺳﻠﻄﺎن ﺻﻨﻐﻲ اﻷﺳﻜﻴﺎ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻋﺎم 906ﻫـــ1500 /م ﻟﻴﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﻃﺮاز اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ،وأﺻﺒﺢ ﻳﺘﻜﻮن ﻣﻦ ﺳﺎﺣﺔ ﻟﻠﺼﻼة واﺳﻌﺔ ﻣﻐﻠﻘﺔ وﻟﻬﺎ ﺳﻘﻒ ﻣﺮﻓﻮع ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺪة ،وﻳﺠﺎورﻫﺎ ﺻﺤﻦ ﻣﻜﺸﻮف ،وﻟﻠﻤﺴﺠﺪ ﺛﻼﺛﺔ أﺑﻮاب أﺣﺪﻫﻢ اﻟﺒﺎب اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻓﻲ ﺷﺮق اﻟﻤﺴﺠﺪ ،وﻳﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﺳﻮر
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
61
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ĎĖƜƩƫĨ čǡǗǐ ǢǗLJ ďƜǐĔ
ƜǥǑǤƲǍĈ čƲNJ ǣǍ ưƨƜƶǚǖČ ĪĨƜǔƫ ﻋﻤﺮو ﻣﻨﺼﻮر
ﺧﻠﻒ أﻟﻒ ﻛﻴﻠﻮ ﻣﺘﺮ ﻣﻦ رﻣﺎل ﺻﺤﺮاء أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﻜﺒﺮى اﻟﻘﺎﺣﻠﺔ، ﺗﻨﺎﺛﺮت ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻬﺠﺮي /اﻟﺘﺎﺳﻊ اﻟﻤﻴﻼدي ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺎف ﻧﻬﺮي اﻟﻨﻴﺠﺮ واﻟﺴﻨﻐﺎل ﺗﺮوي ﺟﺪراﻧﻬﺎ ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮوي ﺑﻌﻤﺎرﺗﻬﺎ أرواح أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﻣﻦ أﻓﺎرﻗﺔ ﺟﻨﻮﺑﻴﻴﻦ وﻋﺮب وأﻣﺎزﻳﻎ. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺴﻄﺎط واﻟﻘﻴﺮوان وﺗﺎﻫﺮت وﺳﺠﻠﻤﺎﺳﺔ وﻓﺎس واﻟﻘﺎﻫﺮة ،ﺣﻴﺚ اﻧﻄﻠﻖ اﻟﺘﺠﺎر ﺑﻘﻮاﻓﻠﻬﻢ اﻟﻤﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ آﻻف اﻟﺠﻤﺎل ﻳﺘﻠﻬﻔﻮن أن ﺗﺤﻂ رﺣﺎﻟﻬﺎ ﺟﻨﻮﺑًﺎ ﻓﻲ ﻣﺪن ﻛﻮﻣﺒﻲ وﺟﺎو واﻟﺘﻜﺮور ﻋﻮاﺻﻢ ﻣﻤﺎﻟﻚ ﻏﺎﻧﺔ وﺻﻨﻐﻲ واﻟﺘﻜﺮور ﻛﺒﺮى ﻣﻤﺎﻟﻚ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻐﺮب اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ ﻟﺸﺮاء اﻟﺬﻫﺐ وﻏﻴﺮه ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻊ اﻷﺧﺮى ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ وﺿﻌﺖ اﻟﻠﺒﻨﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﻤﺴﺎﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ .وﻗﺪ ﺟﺴﺪ ﻣﻠﻮك اﻟﻐﺮب اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ اﻟﻮﺛﻨﻴﻮن ﻧﻤﻮذ ًﺟﺎ ﻓﺮﻳﺪً ا ﻟﻠﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﺪﻳﻨﻲ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﺪﻳﻬﻢ أي ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ ﻫﺆﻻء اﻟﺘﺠﺎر اﻟﻘﺎدﻣﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺎل ﻟﺸﻌﺎﺋﺮﻫﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،واﻟﺬﻳﻦ ﺑﺪت ﺣﺎﺟﺘﻬﻢ ﻟﺒﻨﺎء اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻷداء ﺻﻠﻮاﺗﻬﻢ ﺑﺮﻓﻘﺔ ﻣﻦ أﺳﻠﻤﻮا ﻋﻠﻰ أﻳﺪﻳﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺎن اﻟﻤﺤﻠﻴﻴﻦ ،ﻻﺳﻴﻤﺎ ﻣﻊ ﺗﺰاﻳﺪ أﻋﺪاد اﻟﺘﺠﺎر واﺳﺘﻘﺮار ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓﻰ ﻋﻮاﺻﻢ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ.
وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻛﻮﻣﺒﻲ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻏﺎﻧﺔ -ﻛﻐﺎﻟﺒﻴﺔ ﻋﻮاﺻﻢ ﻣﻤﺎﻟﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ- ﺗﻨﻘﺴﻢ إﻟﻰ ﻗﺴﻤﻴﻦ :ﻗﺴﻢ ﻣﻠﻜﻲ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ اﻟﻤﻠﻚ وﻣﻮاﻃﻨﻮ دوﻟﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻮﺛﻨﻴﻴﻦ وﻗﺴﻢ آﺧﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ 6أﻣﻴﺎل ﻣﻨﻪ ﻣﺨﺼﺺ ﻟﻠﺘﺠﺎر اﻷﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،وﻗﺪ أﺛﺒﺘﺖ اﻟﺒﺤﻮث اﻷرﻛﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ أن أﻗﺪم ﻣﺴﺠﺪ ﻓﻰ ﻛﻮﻣﺒﻲ ﻳﻌﻮد ﻟﻠﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﻬﺠﺮى /اﻟﺘﺎﺳﻊ اﻟﻤﻴﻼدى ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺮ اﻟﻤﻠﻜﻲ .وأُﻧﺸﺊ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻘﺔ اﻟﻤﻠﻚ أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﺑﺮﻋﺎﻳﺘﻪ ﻟﻴﺴﻬﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﻔﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎر وﻛﺬﻟﻚ رﺟﺎل دوﻟﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ وزراء وﺗﺮاﺟﻤﺔ وﻣﺴﺆوﻟﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﺎل ﻣﻤﺎرﺳﺔ ﺷﻌﺎﺋﺮﻫﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ .وﻗﺪ اﺗﺴﻢ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﺨﺼﺎﺋﺼﻪ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﺮﺟﺢ أﻧﻪ ﺷﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎرة وﺧﺸﺐ اﻟﺴﻨﻂ ﻛﺤﺎل اﻟﻘﺼﺮ اﻟﻤﻠﻜﻲ .أﻣﺎ اﻟﻘﺴﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﻛﻮﻣﺒﻲ ﻓﻜﺎن ﺑﻪ ﻋﻨﺪ ﻣﻄﻠﻊ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ اﻟﻬﺠﺮي /اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ اﻟﻤﻴﻼدي اﺛﻨﺎ ﻋﺸﺮ
ﻣﺴﺠﺪ Djinguereberﻓﻲ ﺗﻤﺒﻜﺘﻮ ،ﻣﺎﻟﻲ
60
ﺣﻜﺎوي اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻓﻲ ﻏﺮب أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ
ﻓﻲ ﺻﻔﻮف ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺒﺴﻄﺎء اﻟﻴﻤﻨﻴﻴﻦ. ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ﻣﺎ ﻳﺸﻴﻊ ﻋﻦ ﻋﻴﻦ اﻟﻤﺎء اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒﻊ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻞ اﻟ ُﻤ ِﻄ ﱢﻞ ﻋﻠﻰ ﺿﺮﻳﺢ »اﺑﻦ ﻋﻠﻮان« ،وﺗ ُﺴ ﱠﻤﻰ ﺑـ »ﻋﻴﻦ ﻋﻠﻲ« ،اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺼﺪﻫﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺰاﺋﺮﻳﻦ ﻟـ »ﻳﻔﺮس« ﻟﻼﻏﺘﺴﺎل ،وﻳُﻘﺎل إﻧﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﺣﻔﺮﻫﺎ أو ﺗﺸﻔﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﺮاض ،وﻳﻨﺴﺐ ُ ﺷﻘﱠﻬﺎ إﻟﻰ اﻹﻣﺎم »ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ« ،وﺗﻘﻮل اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ إن اﻹﻣﺎم »ﻋﻠ ٍّﻴﺎ« ﻣ ﱠﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺠﺒﻞ واﺣﺘﺎج ﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء وﻟﻢ ﻳﺠﺪ ،ﻓﻀﺮب ﺑﺴﻴﻔﻪ اﻟﺼﺨ َﺮ ﻓﺨﺮﺟﺖ ﻫﺬه اﻟﻌﻴﻦ .ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺮى أﻧﺎس آﺧﺮون أن ﻣﺎء ﻫﺬه اﻟﻌﻴﻦ ﻳﺄﺗﻲ ﻋﺒﺮ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺟﺒﻠﻴﺔ ﻣﺘﺮاﺑﻄﺔ ﻣﻦ ﺑﺌﺮ زﻣﺰم ،وأن اﻹﻣﺎم »ﻋﻠ ٍّﻴﺎ« ﺣﻴﻦ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ اﻟﻤﺎء ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺠﺒﻞ دﻋﺎ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﺄﻣ ﱠﺪه ﺑﺎﻟﻤﺎء ﻋﺒﺮ ﻫﺬه اﻟﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺑﺌﺮ زﻣﺰم ،وﻳﺸ ﱢﺪدون ﻋﻠﻰ أن ﻃﻌﻢ اﻟﻤﺎء ﻓﻴﻬﺎ ﻳﻤﺎﺛﻞ إﻟﻰ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﻃﻌ َﻢ ﻣﻴﺎه زﻣﺰم ،وﻳﺴ ﱡﻤﻮﻧﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ »زﻣﺰم اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ«. وﻗﺪ أﻛﺴﺒﺖ ﻫﺬه اﻷﺳﻄﻮرة وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻫﺬا اﻟ َﻤ ْﻌﻠَ َﻢ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ﻋﺪا ًء ﻣﺘﻨﺎﻣ ًﻴﺎ ﻣﻦ ِﻗ َﺒﻞ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﻓﺮاد ﱠ واﻟﺠﻤﺎﻋﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي اﻧﻌﻜﺲ ﺳﻠ ًﺒﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﻠﻢ اﻷﺛﺮي ،ﻟﻴﺒﻘﻰ ُﻣ ْﻬ َﻤ ًﻼ وﺑﺪون أي ﺻﻴﺎﻧﺔ أو ﺗﺮﻣﻴﻢ ﻣﻨﺬ ﻋﻘﻮد ﻃﻮﻳﻠﺔ .وإن ﻛﺎن اﻟﻤﺆ ﱢرﺧﻮن ﻳﺆﻛﱢﺪون أن اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻗﺪ ﺣﻈﻲ ﻓﻲ ﻓﺘﺮات ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ِﻗﺒَﻞ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻗَ َﺒﺖ ﻋﻠﻰ ُﺣﻜْﻢِ اﻟﻴﻤﻦ ﻣﻨﺬ ﻋﻬﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮﺳﻮﻟﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻟﻠﻬﺠﺮة ،وﺣﺘﻰ ﻋﻬﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،وﺗﺸﻴﺮ اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ إﻟﻰ أﻧﻪ ،وﻋﻨﺪ دﺧﻮل اﻷﺗﺮاك إﻟﻰ اﻟﻴﻤﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟـ 18ﻟﻠﻤﻴﻼد ،ﻛﺎن اﻟ ُﻮﻻ ُة اﻟ ُﻤ َﻌ ﱠﻴﻨﻮن ﻣﻦ اﺳﻄﻨﺒﻮل ﻳﻌﻈﱢﻤﻮن اﻟﺸﻴﺦ »اﺑﻦ ﻋﻠﻮان« ،ﺣﺘﻰ إن اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ﻛﺎن إذا ﺗ ﱠﻢ ﺗﻌﻴﻴﻨﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻤﻦ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣــﺮوره ﻋﻠﻰ »ﻳﻔﺮس« وزﻳﺎرﺗﻪ ﻟﻀﺮﻳﺢ اﻟﺸﻴﺦ أﻣ ًﺮا ﻻ ﺑُ ﱠﺪ ﻣﻨﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﺴﻠﱠﻢ ﻣﻘﺎﻟﻴﺪ اﻷﻣﻮر ﻓﻲ اﻟﺒﻼد ،وﻛﺬا ﻛﺎن ﻳﻔﻌﻞ ﺣﻴﻦ ﻳﺘﻢ اﺳﺘﺒﺪاﻟﻪ ﺑﺤﺎﻛﻢ آﺧﺮ ،ﻓﻘﺒﻞ أن ﻳﻐﺎدر اﻟﺒﻼد ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ اﻻﺗﺠﺎه إﻟﻰ »ﻳﻔﺮس« ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﻋﻮدﺗﻪ إﻟﻰ ﻣﻘ ﱢﺮه اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وﻗﺪ اﻧﻌﻜﺲ ﻫﺬا اﻟﺤﺐ واﻻﻫﺘﻤﺎم إﻳﺠﺎﺑﻴٍّﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺒﻨﻰ اﻟﺠﺎﻣﻊ ،وﺧﻀﻊ ﻟﺘﺮﻣﻴﻤﺎت ﻣﻬ ﱠﻤﺔ ﻓﻴﻪ ،وﺗﻮﺿﱢ ﺢ اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﺑﺄن اﻟﻮزﻳﺮ اﻷﻋﻈﻢ ﻣﺮاد ﺑﺎﺷﺎ ،اﻟﺬي ُﻋﻴﱢﻦ واﻟﻴًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻤﻦ ﻋﺎم 983ﻫـ ﻗﺎم ﺑﺘﺤﺪﻳﺜﺎت ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻊ .ﻫﺬا اﻻﻫﺘﻤﺎم -ﻛﻤﺎ
ﻳﻘﻮل اﻟﻤﺆ ﱢرخ اﻟﻴﻤﻨﻲ »ﻋﺒﺪ اﻟﺠﺒﺎر ﻧﻌﻤﺎن« -ﻛﺎن ﺳﻴﺎﺳﻴٍّﺎ ﺑﺎﻣﺘﻴﺎز، دﻳﻨﻲ ،وإﻧﻤﺎ ﻟﻜﺴﺐ رﺿﺎ اﻟﻨﺎس ،واﻟﺘﻤﺎﺷﻲ ﻣﻊ وﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖٍ ﱟ رﻏﺒﺎﺗﻬﻢ وﻣﻴﻮﻟﻬﻢ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﻦ .وﺑﺼﺮف اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ اﻟﺠﺪل اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻳﻈﻞ اﻟﻤﺘﺠ ﱢﺪد اﻟﺬي أﺛﻴﺮ ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ وﻻ ﻳﺰال ﺣﻮل ﺟﺎﻣﻊ »اﺑﻦ ﻋﻠﻮان« ،ﱡ ﻫﺬا اﻟﺼﺮح أﺣ َﺪ أﺑﺮز اﻟﻤﻌﺎﻟﻢ اﻷﺛﺮﻳﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻠﻐﺖ ﺷﻬﺮﺗ ُﻬﺎ اﻵﻓﺎق ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻴﻤﻦ واﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻋﻤﻮ ًﻣﺎ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
59
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ĥƜLJ 700 ƱǝǙ ƲǥǁƜƵǨČ ǞǂǥƬƢ
ǛǚǥǖČ ǣǍ lĦČǡǗLJ ǛƞČz ưƩƶǙ زﻫﻮر ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ
ُﻳ ْﺠ ِﻤ ُﻊ اﻟﻤﺆ ﱢرﺧﻮن ﻋﻠﻰ أن اﻟﺸﻴﺦ »أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻮان« ﻫﻮ إﻣﺎم اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ وﻓﻴﻠﺴﻮﻓﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺮﺳﻮﻟﻲ )اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮﺳﻮﻟﻴﺔ أو ﺑﻨﻮ رﺳﻮل وﻫﻢ ﺳﻼﻟﺔ ﺣﻜﻤﺖ ﺑﻼد اﻟﻴﻤﻦ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة ﻣﻦ 1229 إﻟﻰ 1454م( ،ﺣﻴﺚ ﻧﺸﺄ ﻓﻲ أﺣﻀﺎن اﻟﺮﺋﺎﺳﺔ واﻟﻌﻠﻢ ،وﻛﺎن واﻟﺪه ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﻛﺎﺗ ًﺒﺎ ﻟﺪى اﻟﻤﻠﻚ »ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ اﻟﻜﺎﻣﻞ اﻷﻳﻮﺑﻲ« ،ﻓﻌﺎش ﻓﻲ ﺗَ َﺮ ٍف ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻨﺘﻬﺞ ﻃﺮﻳﻖ واﻟﺪه ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺑﻼط اﻟﺤﻜﻢ ،ﺑﻞ ﺗﺤ ﱠﻮل إﻟﻰ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﺼ ﱡﻮف ،وﻟَ ـ ِﺰ َم اﻟﻌﺒﺎدة واﻟ ﱡﺰﻫْﺪ ،واﺷﺘﻬﺮ ﺑ ُﺤ ْﺴﻦِ اﻟﻮﻋﻆ .وﻛﺎن ﻳﺴﻠﻚ ﻓﻲ وﻋﻈﻪ ﻃﺮﻳﻘﺔ اﺑﻦ اﻟﺠﻮزي ،وﻟﻪ رﺳﺎﺋﻞ ﻛﺜﻴﺮة و ُﻣ َﺆﻟﱠﻔﺎت ُﺟ ِﻤ َﻌﺖ ﻓﻲ ُﻣﺠﻠﱠﺪات ،ﻣﻨﻬﺎ: ﻛﺘﺎب »اﻟﻔﺘﻮح اﻟﻤﺼﻮﻧﺔ واﻷﺳﺮار اﻟﻤﺨﺰوﻧﺔ«. ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻪ ﺻﺎر ﻟﻀﺮﻳﺤﻪ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻣﻘ ﱠﺪﺳﺔ ،ﺗﻘﺎم ﻟﻪ زﻳﺎرة ﺳﻨﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺷﻬﺮ رﺑﻴﻊ اﻷول ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺎم ،ﺳ ﱠﻤﺘﻬﺎ اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﺑﺎﺳﻢ »ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻊ اﻟﻤﺒﺎرك« ،وﻳُ َﻌ ﱡﺪ ﻫﺬا اﻟﻀﺮﻳﺢ ﻣﻦ اﻵﺛﺎر اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻤﺘﻤ ﱢﻴﺰة ﻓﻲ ﻃﺮازﻫﺎ اﻟﻤﻌﻤﺎري واﻟﺰﺧﺮﻓﻲ .وﺗﻘﻮل اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﺑﺄن اﻟﻤﻠﻚ »ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب« ﺑﻌﺪ زﻣﻦ ﻃﻮﻳﻞ ﻣﻦ وﺟﻮد اﻟﻀﺮﻳﺢ )ﺳﻨﺔ 921ﻫـ( أﻣﺮ ﺑﺒﻨﺎء ﻣﺴﺠﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﻪ ،ﻛﻤﺎ أﻣﺮ اﻟﻤﺨﺘﺼﻮن ﻓﻲ اﻟﺒﻨﺎء ﺑﺒﻨﺎء ﻗُ ﱠﺒﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﱠ ٍﺔ ﺑﺒﺎب ﻋﻠﻰ اﻟﻀﺮﻳﺢ ،وﻳﻘﻮل ﱡ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي اﻟﻴﻤﻨﻲ إن ﺑﻨﺎء اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺟﺎء ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺎم ﺗﺨﻄﻴﻂ اﻟﻤﺪارس اﻟﺬي ﺳﺎد ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺮﺳﻮﻟﻲ. ﻣﺰار ﺳﻨﻮي
وﻳﻘﻊ ﺟﺎﻣﻊ »اﺑﻦ ﻋﻠﻮان« ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ »ﻳﻔﺮس« ،ﺑﻤﺪﻳﺮﻳﺔ »ﺟﺒﻞ ﺣﺒﺸﻲ« ،إﻟﻰ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ »ﺗﻌﺰ« ،وﻳﻌﺪ واﺣ ًﺪا ﻣﻦ أﺑﺮز اﻟﻤﻌﺎﻟﻢ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ وﻣﻨﻄﻘﺔ ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. وﻳﺤﻈﻰ اﺑﻦ ﻋﻠﻮن ﺑﺸﻬﺮة واﺳﻌﺔ ﺑﻴﻦ أوﺳﺎط اﻟﻨﺎس ،ﺣﺘﻰ ﺳﺎد اﻻﻋﺘﻘﺎد ﻋﻨﺪ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺎ ﱠﻣﺔ واﻟﺒﺴﻄﺎء أن ﺿﺮﻳﺤﻪ اﻟ ُﻤﺴ ﱠﺠﻰ ﻓﻲ ﺣﺮم اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ اﻟﻨﻔﻊ واﻟﻀ ﱡﺮ ،وأﻧﻪ ﻳﺸﻔﻲ اﻷﻣﺮاض اﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻴﺔ ،وﻳَ َﻬ ُﺐ اﻟ ﱡﺬ ﱢرﻳﱠ َﺔ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻟﻠﻤﺤﺮوﻣﻴﻦ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﺎب ،وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺠﺰات اﻟﺘﻲ ﻻ
58
ﻣﺴﺠﺪ »اﺑﻦ ﻋﻠﻮان« ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ
زاﻟﺖ إﻟﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻣﻨﺘﺸﺮ ًة ﻋﻠﻰ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻣﺤﻞ ذات اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻤﺤﺪود ،ﻣﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﺠﺎﻣﻊ وﺿﺮﻳﺤﻪ اﻟﺸﻬﻴﺮ ﱠ ﻫﺠﻮم داﺋﻢ ﻣﻦ ِﻗ َﺒﻞِ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت ،وﺣﺘﻰ ﻣﻦ ِﻗ َﺒﻞ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ اﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﻋﻠﻰ ُﺣﻜْﻢِ اﻟﺒﻼد ،واﻟﺘﻲ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ أﺣﺪﺛﺖ أﺿﺮا ًرا ﻓﻲ ِﻗﺒﺎب اﻟﺠﺎﻣﻊ وﺿﺮﻳﺢ ﺻﺎﺣﺒﻪ ،وﻟﻌﻞ أﺑﺮز ﺗﻠﻚ اﻟﻬﺠﻤﺎت اﻟﺘﻲ أﺧﺬت ﻃﺎﺑ ًﻌﺎ رﺳﻤ ٍّﻴﺎ ﻣﺎ ﻗﺎم ﺑﻪ اﻹﻣﺎم »أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ اﻟﺪﻳﻦ« ﺳﻨﺔ 1348ﻫـ ،وﻛﺎن ﺣﻴﻨﻬﺎ وﻟﻴٍّﺎ ﻟﻠﻌﻬﺪ إﺑﱠﺎن ﺣﻜﻢ اﻷﺋﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ،وﻗﺪ ﻗﺎم اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﺑﺈزاﻟﺔ اﻟﺘﺎﺑﻮت ﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﺿﺮﻳﺢ »اﺑﻦ ﻋﻠﻮان« ،وذﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﺴﻌﻰ ﻟﻠﺤ ﱢﺪ ﻣﻦ اﻋﺘﻘﺎد اﻟﻌﺎ ﱠﻣﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻀﺮﻳﺢ ،ﻟﻜﻦ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺆﺛ ﱢﺮ -ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﺴﻜﺎن اﻟﻤﺤﻠﱢ ﱡﻴﻮن -ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ واﻟﻀﺮﻳﺢ ﻓﻲ ﻧﻔﻮس اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻮاﻓﺪون إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ أﻧﺤﺎء اﻟﺒﻼد ﻟﻠﺘﺒ ﱡﺮك وﻧَ ْﻴﻞِ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻛﺮاﻣﺎت اﻟﺸﻴﺦ »اﺑﻦ ﻋﻠﻮان«. / ﻣﺴﺘﻤﺮة أﺳﺎﻃﻴﺮ
ﻟﻢ ﺗﺘﻮﻗﱠﻒ اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ واﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺪاوﻟﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﺟﺎﻣﻊ وﺿﺮﻳﺢ »اﺑﻦ ﻋﻠﻮان« ﻳﻮ ًﻣﺎ ،وﻳﺆﻛﱢﺪ اﻟﺒﺎﺣﺚ واﻟﻤﺆ ﱢرخ اﻟﻴﻤﻨﻲ »ﻋﺒﺪ اﻟﺠﺒﺎر ﻧﻌﻤﺎن« أن ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺺ ﻋﻦ ﻛﺮاﻣﺎت اﻟﺸﻴﺦ »اﺑﻦ ﻋﻠﻮان« ﺑﺪأت ﻓﻲ اﻻﻧﺘﺸﺎر ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻴﻤﻨﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ وﻓﺎﺗﻪ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺪي إﻟﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ وﺗﺤﻈﻰ ﺑﺸﻌﺒﻴﺔ ﺗﺘﻮﻗﱠﻒ أﺑ ًﺪا ،وﻇﻠﱠﺖ ﻓﻲ ﻣﺴﺎر ﺗﺼﺎ ُﻋ ﱟ
اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻌﻤﺮي ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻷﻳﻮﺑﻴﻴﻦ
ﻇﻞ اﻟﻮﺿﻊ ﻫﻜﺬا ﻃﻴﻠﺔ 87ﻋﺎ ًﻣﺎ ،ﺣﺘﻰ ﺟﺎء ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ اﻷﻳﻮﺑﻲ ﱠ ﻋﺎم ،1178ﻣﻦ ﻣﺼﺮ ﻋﻘﺐ ﻫﺰﻳﻤﺘﻪ ﻟﻠﻔﺎﻃﻤﻴﻴﻦ ،وأﻋﺎد »اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻌﻤﺮي« ﻟﻮاﺟﻬﺘﻪ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ .وﺻﻠﻰ ﺻﻼﺗﻪ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﻓﻴﻪ. ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ ،اﻧﻘﺴﻤﺖ دوﻟﺘﻪ إﻟﻰ ﻣﻤﻠﻜﺘﻴﻦ :اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ، ﺗﻀ ﱡﻢ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ وﺑﻼد اﻟﺸﺎم ،واﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ،ﺗﻀ ﱡﻢ ﻣﺼﺮ وﺷﻤﺎل إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ، ﺟﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ أن اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﻟﻢ ﻳﻨﺴﺤﺒﻮا ﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ،ﺑﻞ ﺑﻘﻴﺖ ﻗﻮاﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻮاﺣﻞ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻦ -ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء ﻏﺰة -اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘ ﱡﺪ ﻣﻦ ﻳﺎﻓﺎ إﻟﻰ ﺻﻮر ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن .وﺣﺘﻰ ﻳُﺒﻌﺪ اﻷﻳﻮﺑﻴﻮن اﻟﺸﺎﻣ ﱡﻴﻮن ﺧﻄ َﺮ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ ﻋﻨﻬﻢ ،ﻓﻘﺪ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺘﺴﻠﻴﻢ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﻛﺎﻓﱠﺔ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﺑﻤﺎ وﺳ ﱢﻤﻴَﺖ ﺑﺎﻟﺤﻤﻠﺔ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻏﺰة واﻟﻘﺪس وﻧﺎﺑﻠﺲ ورام اﻟﻠﻪُ ، اﻟﺴﺎدﺳﺔ .ﻓﺘﺤ ﱠﻮل »اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻌﻤﺮي« ﻣﺮة أﺧﺮى ﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ُﺳ ﱢﻤﻴَﺖ ﺑﻜﻨﻴﺴﺔ »ﻣﺎر ﻳﻮﺣ ﱠﻨﺎ« ،ﺣﺘﻰ ﻫﺰم اﻷﻳﻮﺑ ﱡﻴﻮن اﻟﻤﺼﺮﻳﱡﻮن اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﻋﺎم 1244وﻧﺠﺤﻮا ﻓﻲ ﻃﺮدﻫﻢ ﻣﻦ ﻛﺎﻓﱠﺔ أراﺿﻲ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﻌﺮﻛﺔ دارت ﻓﻲ زواﻳﺎ »اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻌﻤﺮي«ُ ،ﺳ ﱢﻤ َﻴﺖ ﺑﻤﻌﺮﻛﺔ »ﻏﺰة اﻟﻜﺒﺮى«. ﻛﺎن »اﻟﻈﺎﻫﺮ ﺑﻴﺒﺮس« ﻗﺎﺋ ًﺪا ﻟﻠﺠﻴﺶ وﻗﺘﻬﺎ ﻣﻦ ِﻗ َﺒﻞ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻧﺠﻢ اﻟﺪﻳﻦ اﻷﻳﻮﺑﻲ ،ﺛﻢ أﺻﺒﺢ ﺳﻠﻄﺎﻧًﺎ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻷﻳﱡﻮﺑﻴﱠﺔ ،وأﻧﺸﺄ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ داﺧﻞ اﻟﻤﺴﺠﺪ ،ﻣﺎ زاﻟﺖ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺣﺘﻰ اﻵن. / ﻣﺠﺪ ًدا! اﻟﻤﺌﺬﻧﺔ
ﺟﺎء ﺣﻜﻢ اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ اﻟﺬﻳﻦ اﻧﻘﻠﺒﻮا ﻋﻠﻰ اﻷﻳﻮﺑﻴﻴﻦ ،وو ﱠﺣﺪوا ﻣﺼﺮ ﻣﻊ
ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ،واﻫﺘ ﱡﻤﻮا ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻌﻤﺮي ،وأﻋﺎدوا إﻧﺸﺎء ﻣﺌﺬﻧﺔ اﻟﺠﺎﻣﻊ. ﻛﺎﻧﺖ ﻏﺰة ﺣﻠﻘﺔ وﺻﻞ ﺑﻴﻦ ﻋﺎﺻ َﻤﺘَ ْﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻴﺔ )دﻣﺸﻖ إﻗﺒﺎﻻ ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،إ ﱠﻣﺎ ﺑﻘﺼﺪ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ واﻟﻘﺎﻫﺮة( ،وﻗﺪ ﺷﻬﺪت ً ُ ِ »اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻜﻤﺎﻟﻴﺔ« اﻟﻤﻼﺻﻘﺔ ﻟﻠﻌﻤﺮي ،اﻟﺘﻲ أﻧﺸﺌَﺖ ﺑﻌﻬﺪ اﻷﻳﻮﺑﻴﻴﻦ ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻓﻜﺮ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﻴﻦ اﻟﺸﻴﻌﺔ ،أو ﻟﻠﺘﺠﺎرة ﺑﻴﻦ ﻣﺼﺮ وﺳﻮرﻳﺎ، أو ﺿﻴﻮﻓًﺎ ﻟﻸرض اﻟﻤﻘ ﱠﺪﺳﺔ ،ﻣﺎ دﻋﺎ ﻟﺘﻜﺒﻴﺮ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻻﺳﺘﻴﻌﺎب اﻟﻤﺼﻠﻴﻦ .ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺗﻘﺎﺳﻤﺖ »ﻛﻨﻴﺴﺔ ﺑﺮﻓﻮرﻳﻮس« ﺟﺪراﻧﻬﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،وﺗﺤﺪﻳ ًﺪا ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻲ ﺳﻴﻒ اﻟﺪﻳﻦ ﻗﻼوون ،ﻏﻴﺮ أن زﻟﺰاﻻً ﺿﺮب اﻟﻤﻜﺎن ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ أﻟﺤﻖ ﺿﺮ ًرا ﻛﺒﻴ ًﺮا ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣ ًﻌﺎ ،ﺗﻌﺬﱠر إﺻﻼﺣﻪ؛ ﻓﺘﺤ ﱠﻮل اﻟﺠﺰء اﻟﻤﺘﻀ ﱢﺮر إﻟﻰ ﺷﺎرع ﻳﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ واﻟﻤﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﻘﺘﻄﻌﺔ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﻓﺒﻘﻲ اﻷول اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻌﻤﺮي ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ اﻵن ،ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻵﺧﺮ ﺗﺤ ﱠﻮل ﻟﻤﺴﺠﺪ »ﻛﺎﺗﺐ وﻻﻳﺔ«. وﻣﻦ داﺧﻞ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻧﺸﺄت ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﻟﻠﺤﻤﻠﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ اﻟﺨﻠﻴﺔ اﻟﺠﻬﺎدﻳﺔ ﻟﻺﻃﺎﺣﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻣﻦ داﺧﻞ »اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻌﻤﺮي« ،ﺑﻘﻴﺎدة »ﺳﻠﻴﻤﺎن اﻟﺤﻠﺒﻲ« ،اﻟﺬي ﻇﻞ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ –داﺧﻞ اﻟﻤﺴﺠﺪ- ﻳﺮﺳﻢ اﻟﺨﻄﻂ ﻟﻠﺘﺨﻠﱡﺺ ﻣﻦ اﻻﺣﺘﻼل اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻟﻠﺒﻼد. وﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﻴﻦ ﺑﺪأت أول ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺮﻣﻴﻢ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ اﻟﻌﻤﺮي وﻟﻠﻤﺴﺎﺟﺪ اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻪ ﻣﻦ آﺛــﺎر اﻟﺰﻟﺰال ﻋﺎم 1895ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﻴﻦ ،ﺣﻴﺚ ﺗ ﱠﻢ إﺣﻀﺎر ﻧﻔﺲ اﻟﻨﺴﺨﺔ ﻣﻦ اﻷﺣﺠﺎر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﻦ اﺳﻄﻨﺒﻮل ،وﺑﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
57
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ĎƳƎ NJ ǣǍ ĪƏ Ʋİ ǚĮ Ljį ǖČ ưƩƶǚǖČ
ĐČưƫĈ džį ǜİ ƜƻĨ ƭǤĖƜƎƣǖČ ǢǗLJ Ĭưǟİ ƜƸ ﻣﻴﺴﻮن ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻴﻢ
ﻣﻌﺒﺪ ﻛﻨﻴﺴﺔ ،ﻣﺴﺠﺪ
ﻗﺒﻞ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻦ دارت ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻓﻲ أروﻗﺔ »اﻟ ُﻌ َﻤﺮ ﱢِي« ﺑﻴﻦ اﻟﺮوم واﻟﻔﺮس ،اﻧﺘﺼﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺮوم ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﻀ ﱠﺮرت أﺟﺰاء ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻌﻤﺮي ،وﻗﺘﻬﺎ ﻛﺎن ﻣﺎ ﻳﺰال ﻛﻨﻴﺴﺔ. ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ،وﺑﻘﻴﺎدة ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص دﺧﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻏﺰة ،وﻛﺎن أول ﻣﺎ ﻗ ﱠﺪﻣﻪ أﻫﻞ ﻏﺰة ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻫﻮ ﻣﻘﺎﺳﻤﺘﻬﻢ ﻧﺼﻒ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﻟﻴﺼﺒﺢ ﺟﺰ ًءا ﻣﻨﻬﺎ »اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻌﻤﺮي اﻟﻜﺒﻴﺮ« ،واﻟﻨﺼﻒ اﻵﺧﺮ ﻛﻨﻴﺴﺔ »ﺑﺮﻓﻮرﻳﻮس« .وﻟﺤﻖ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﺑﺠﻴﺸﻪ اﻟﺬي ﻓﺘﺢ ﻏﺰة ،وﺻﻠﱠﻰ ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ »اﻟﻌﻤﺮي« اﻟﺬي ﻛﺎﻣﻼ ﻳﺠ ﱢﻬﺰ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ اﻟﺠﻴﺶ ُﺳ ﱢﻤﻲ ﻋﻠﻰ اﺳﻤﻪ ،واﺳﺘﻘ ﱠﺮ ﺑﺰواﻳﺎه ﻋﺎ ًﻣﺎ ً ﻻﺳﺘﻜﻤﺎل اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺪس ﺛﺎﻧﻴﺔ اﻟﻤﺪن اﻟﺘﻲ ﺗُﻔﺘَﺢ.
ﻫﻮ ﻟﻴﺲ اﻟﻤﺴﺠﺪَ اﻷ ﱠول ﻓﻲ ﻗﻄﺎع ﻏ ﱠﺰة ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ أ ﱠول اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﻋﺎ ﱠﻣ ًﺔ ،ﻣﻨﺬ اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﻬﺎ ،ﻳﻘﻒ ﺷﺎ ِﻫﺪً ا ﻋﻠﻰ ﺗﻘﻠﱡﺒﺎت اﻟﺪﻫﺮ ،وﻛ ﱢﺮ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ،ﻣﻨﺬ أن ﻛﺎن ﻣﻌﺒﺪً ا ﻳُﻌ َﺒﺪ ﻓﻴﻪ اﻹﻟﻪ »زﻳﻮس« ،وﺣﺘﻰ وﺻﻮﻟﻪ ﻟﻤﺎ ﺻﺎر ﻋﻠﻴﻪ :ﻣﺴﺠﺪً ا ﺗﺮوى ﻋﻨﻪ ﻋﺸﺮات اﻟﻘﺼﺺ اﻟﻤﺬﻫﻠﺔ ،ﻓﻤﻦ أرﺿﻪ ﺑﺪأت اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت ﺗﺴﺮي ﻓﻲ أرﺟﺎء ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ،وﻣﻨﻪ اﻧﻄﻠﻘﺖ ُﺟ ﱡﻞ ﺣﺮﻛﺎت اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻮﻏﱡﻼت اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻋﺒﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻘﺪﻳﻢ. ﻳﻘﻊ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ ﺣﻲ اﻟﺰﻳﺘﻮن وﺳﻂ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻏ ـ ﱠﺰة ،ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺣﺔ 6500ﻣﺘﺮ ﻣﺮﺑﱠﻊ ،وﻫﺬه آﺧﺮ ﺑﻘﻌﺔ ﺛﺒﺘﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﻌﺪ اﻗﺘﻄﺎع أﺟﺰاء ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻨﻬﺎ ﺧﻼل اﻟﺤﺮوب واﻟﻤﻌﺎرك اﻟﺘﻲ ﺗﻌ ﱠﺮﺿﺖ ﻟﻬﺎ ﻏ ﱠﺰة ﻋﺒﺮ ﻗﺮون ،أو ﻣﻦ ﺧﻼل ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻮادث اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻮن واﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻌﻤﺮي ﺗﻢ ﺿﻢ ﻛﺎﻟﺰﻻزل ،ﻓﻘﺪ ﺟﺮى اﻗﺘﻄﺎع أﺟﺰاء ﻣﻦ أرﺿﻪ ﻣ ﱠﺮات ،وﻣ ﱠﺮات ﱠ ﻣﺴﺎﺣﺎت ﻟﻪ .ﺣﺮﻛﺎت إﺿﺎﻓﺔ وﺣﺬف ،ﻇﻠﱠﺖ ﻣﺘﺮاوﺣﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﻌﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﺗ ُﻘﺴﻢ ﻟﻘﺴﻤﻴﻦ ،ﺷﻤﺎﻟﻴﺔ وﺟﻨﻮﺑﻴﺔ ،ﺗﻤﻜﱠﻦ "اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﱡﻮن اﻟﺸﻴﻌﺔ" ﻣﻦ اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻰ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ. اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺪس ﺷﺮﻗًﺎ ،وﻣﺪﻳﻨﺔ ﻏﺰة ﻏﺮﺑًﺎ ،ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺘﻴﻦ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ واﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺑﻴﺪ »اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ ﻋﺎم ..أو ﺗﺰﻳﺪ! أﻟﻔﺎ ٍ َ اﻟﺴ ﱠﻨﺔ« ،اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺒﻌﻮن اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ﺑﺒﻐﺪاد ،واﺗ ﱠﺨﺬ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﻮن ْ أﻛﺒﺮ ﺳﺘﺠﺪ ﻛﻨﺖ ، ﻗﻴﻼ ً أﻛﺜﺮ أو ﻋﺎم، َﻲ ﻔ ﻟ أ ﻣﻨﺬ ﺑﺎﻟﻤﻜﺎن ﻟﻮ ﻣﺮرتَ َ ﱡ ْ اﻟﻤﺨﺼﺼﺔ ﻟﻌﺒﺎدة اﻹﻟﻪ »زﻳﻮس« ،ﻛﺒﻴﺮ اﻵﻟﻬﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﻴﻦ ،اﻟﻤﺴﺠ َﺪ اﻟﻌﻤﺮي ﻣﺮﻛ ًﺰا رﺋﻴﺴﺎً ﻟﻠﺸﻴﻌﺔ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ. اﻟﻤﻌﺎﺑﺪ ﱠ اﻟﺬي ﻋﺒﺪه اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن واﻟﺸﱠ ﺎﻣ ﱡﻴﻮن أﻳﻀً ﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻏﺰة آﺧﺮ اﻟﻤﺪن اﻧﺘﺸﺮت اﻟﺨﺮاﻓﺎت ﺣﻮل اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺮة ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺨﻞ ﻋﻨﻪ إﻟﻰ اﻟﻌﺎم 400اﻟﻨﺴﻮة اﻟﻌﻮاﻗﺮ ﻳﺤﻤﻠﻦ ﻣﻴﺎه اﻟﺒﺤﺮ ﻟﻼﻏﺘﺴﺎل ﻋﻠﻰ ﻋﺘﺒﺎت اﻟﻤﺴﺠﺪ؛ ﺗﻤﺴﻜًﺎ ﺑﻌﺒﺎدﺗﻪ ،وﻟﻢ ﱠ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ واﻟﺸﺎﻣﻴﺔ ﱡ اﻟﻤﻴﻼدي ،ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺣ ﱠﻮﻟﺖ »أﻓﻈﻮﻛﺴﻴﺎ« ،أو »ﻫﻴﻼﻧﺎ« ،زوﺟﺔ اﻻﻣﺒﺮاﻃﻮر ﻛﻲ ﻳﻨﺠﺒﻦ ،ﻓﻲ ﻃﻘﺲ ُﻋﺮف ﺑﺎﺳﻢ» :أرﺑﻌﺎء أﻳﻮب« ،وﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﺑﻌﺾ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ »ﺛﻴﻮدودﻳﻮس« اﻟﻤﻜﺎن ﻷ ﱠول ﻛﻨﻴﺴﺔ ﺗﻘﺎم ﺑﻐﺰة ،وأﻋﻠﻨﺖ اﻟﺮﺟﺎل ﻟﺪﻓﻊ اﻟﺴﺤﺮ ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ وﻋﻦ ذوﻳﻬﻢ وأﺳﺮﻫﻢ ،ﻳﺄﺗﻮن ﺑﻜﺒﺶ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ دﻳ ًﻨﺎ رﺳﻤﻴﺎ ﻟﻠﺒﻼد ،ﺑﻌﺪ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻛﺒﻴﺮة ،وﻧ ﱢُﺼﺐ »ﺑﺮﻓﻮرﻳﻮس« ﻳﺬﺑﺤﻮﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﺘﺒﺎت اﻟﻤﺴﺠﺪ. راﻫ ًﺒﺎ ﻟﻤﺴﻴﺤ ﱢﻴﻲ ﻏ ﱠﺰة َﺧﻠَﻔًﺎ ﻟﻠﻘﺪﻳﺲ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ اﻷول »ﻫﻴﻼرﻳﻮن« ﻋﺎد اﻟﺼﻠﻴﺒ ﱡﻴﻮن ﻻﺣﺘﻼل اﻟﺒﻼد ﻣﺠ ﱠﺪ ًدا ﻣﻊ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻗﺪ ﻫﺮب إﻟﻰ ﻗﺒﺮص ﺧﻮﻓًﺎ ﻣﻦ ﺑﻄﺶ اﻟﻮﺛﻨﻴﻴﻦ ،وﺗﻮﻓﱢﻲ اﻟﻤﻴﻼدي ،وﻣﻊ ﻋﻮدﺗﻬﻢ ﺗﺤ ﱠﻮل اﻟﻤﺴﺠﺪ إﻟﻰ ﻛﻨﻴﺴﺔ »اﻟﻘﺪﻳﺲ ﻳﻮﺣﻨﺎ«، ﻫﻨﺎك .ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﻌﺒﺪ /اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ –وﻗﺘﻬﺎ 70 -دوﻧ ًﻤﺎ ) 70أﻟﻒ وأﺻﺒﺢ ﺑﺎﻟﻤﻜﺎن ﻛﻨﻴﺴﺘﺎن ﻣﺘﻼﺻﻘﺘﺎن ،اﻷوﻟﻰ ﻛﻨﻴﺴﺔ »ﺑﺮﻓﻮرﻳﻮس« ﻣﺘﺮ ﻣﺮﺑﻊ( ،وﺣﻤﻠﺖ اﺳﻢ اﻻﻣﺒﺮاﻃﻮرة ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ،ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺤ ﱠﻮل اﻟﺘﻲ رﻓﻀﻮا ﺗﻮﺣﻴﺪﻫﺎ ﻣﻊ ﻛﻨﻴﺴﺔ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ؛ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺟﺎءت ﺗﺤﺖ »اﻻﺣﺘﻼل اﻷوروﺑﻲ« ﻟﻸراﺿﻲ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ. اﻻﺳﻢ ﻣﻦ ﻋﺎم 405اﻟﻤﻴﻼدي إﻟﻰ ﻛﻨﻴﺴﺔ اﻟﻘﺪﻳﺲ »ﺑﺮﻓﻮرﻳﻮس«. 56
اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻌُ َﻤ ِﺮي jﻓﻲ ﻏ ﱠﺰة
ﻮﺳ ْﻒ« ﻟﻌﻼج اﺿﻄﺮاﺑﺎت اﻟﻨ »ﺟ ْ زﻳﺎرة َ ﻤﻮ ﺎﻣ ُﻌ َ
ﻌﻮﺳ ْﻒ« ﺗ ُﻨﻄﻖ ﻫﻜﺬا؛ ﺗﺨﻔﻴﻔًﺎ ،وﻫﻲ ﺗﺴﻤﻴﺔ أﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ ،أﺻﻠﻬﺎ » َﺟﺎ ْﻣ َ اﻟﺴ ْ ﻮف« أي ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻮادي .وﻫﻮ ﻣﺴﺠﺪ ﻛﺎن ﻳﻘﺼﺪه »اﻟﺠﺎ َﻣ ْﻊ َن ﱡ اﻋﺘﻞ أو ﺻﺒﻲ أو ﱠ اﻟ ﱠﻨﺎس إﻟﻰ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ إذا ﺗﻌﻄﱠﻞ ﻧﻤ ﱡﻮ ﱟ اﻟﺼﺒﻲ ﻳﻨﺎم ﺑﻤﻘﺎم اﻟﻮﻟﻲ ،وﻳﻀﻌﻮن ﻓﻲ ﻳﺪه اﻟﻴﻤﻨﻰ ﻫ ُﺰ َل .ﻳﺠﻌﻠﻮن ﱠ ﻳﺘﻲ ﻋﻨﺪ رأﺳﻪ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﻌﺾ »اﻟﺒﺴﻴﺴﺔ« ،وﻳﻮﻗﺪون اﻟﻤﺼﺒﺎح اﻟ ﱠﺰ ﱠ اﻟﺼﺒﻲ ﻳﻨﺰﻋﻮن ﻋﻨﻪ ﺛﻴﺎﺑَﻪ ﺗﻠﻚ وﻳﺠﻌﻠﻮﻧﻪ ﻳﻐﺘﺴﻞ وﻳُﻠﺒﺴﻮﻧﻪ ﻳﻔﻴﻖ ﱠ أﺛﻮاﺑًﺎ ﺟﺪﻳﺪة ،وﻳﺤﺮﻗﻮن اﻷوﻟﻰ. / واﻟﺰواج اﻟﺤﻆ »أﻣﻴَ ِﺜﻲ« ..ﺟﻠﺐ ِ
ﺗﻄﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺮ »أ ِﻣ َﻴ ِﺜﻲ« ،أو »ﺳﻴﺪي ﻳﺄﺗﻲ« ،ﻣﺴﺠﺪ ﻋﻠﻰ رﺑﻮة ﱡ وﺧﺎﺻﺔ ﻟﻠ ﱠﺰواج .ﻓﺎﻟﻔﺘﺎة اﻟﻌﺎﻧﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﻣﺒﺎﺷﺮة ،ﻳُﺰار ﻟﺠﻠﺐ اﻟﺤﻆﱢ، ﱠ ﺗﺰور اﻟﻤﺴﺠﺪ وأن ﺗﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﻄﺒﺔ وﺳﻂ ﺑﻴﺖ اﻟﺼﻼة ﻛﺎن ﻳﺠﻠﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺸﻴ ُﺦ ﺣﻴﻦ ﻳﻠﻘﻲ درﺳﻪ ،ﺛ ﱠﻢ ﺗﻘﻮم ﺑﻜﻨﺲ ﺑﻴﺖ اﻟﺼﻼة وﻓﻨﺎء اﻟﻤﺴﺠﺪ وﺣﻤﻞ ﻣﺎ ﺟﻤﻌﺘﻪ ﻣﻦ أﺗﺮﺑﺔ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ واﻟﺘﻮ ﱡﺟﻪ إﻟﻰ اﻟﻘﺒﻠﺔ ﺧﺎرج اﻟﻤﺴﺠﺪ واﻟﻤﻨﺎداة ﺛﻼﺛ ًﺎ ﺑﻠﻐﺔ أﻣﺎزﻳﻐﻴﱠﺔ »أﻳَﻠْﺒَ ْﺨ ِﺘ ْﻮ َﻣﺎﻧِﻲ ﺗﻠﱢﻴﺬْ« ،ﺑﻤﻌﻨﻰ» :ﻳﺎ ﻣﻜﺘﻮﺑﻲ أو ﻳﺎ ﺑﺨﺘﻲ أو ﻳﺎ زوﺟﻲ أﻳﻦ أﻧﺖ؟«، ﻛﻞ َﻣﻦ ﻳُﺼﺎدف أن ﻳﺴﻤﻌﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﻮل ﺑﺼﻮت ﻋﺎ ٍل وﻳُﻔﺘﺮض أن ﻳُﺠﻴﺒﻬﺎ ﱡ ﺛﻼﺛ ًﺎ» :ﻫﺎ إﻧﱢﻲ ﻗﺎدم«! وﻳُﻌﺘﻘﺪ أﻧﱠﻪ ﻏﺎﻟ ًﺒﺎ ﺗﺘﺰ ﱠوج اﻟﻌﺎﻧﺲ ﻓﻲ وﻗﺖ ﻗﺼﻴﺮ.
ﻟﻤﻤﺎرﺳ ٍﺔ ﻳُﻌﺘﻘﺪ أﻧﱠﻬﺎ ﻛﻔﻴﻠﺔ ﱢ ﺑﻔﻚ أﺳﺮ اﻷﺳﻴﺮ أو ﻏﻴﺒﺘﻪ ﻳﻌﻮد ،وإ ﱠﻣﺎ َ اﻟﻤﺴﺠﻮن .ﻓﻔﻲ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻷوﻟﻰ ﺗﺬﻫﺐ ﻏﺎﻟﺒًﺎ أ ﱡم اﻟﻤﺴﺎﻓﺮ أو زوﺟﺘﻪ إﻟﻰ ﻣﺴﺠﺪ ﺳﻴﺪي ﻋﻴﺴﻰ وﺗﺴﺘﻌﻴﺮ ﻣﻨﻪ ﻣﺼﺒﺎ ًﺣﺎ زﻳﺘﻴٍّﺎ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺑﻴﺤﻪ وﺗﻌﻮد ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﺒﻴﺖ وﺗﻮﻗﺪه ﺛﻼث ﻟﻴﺎل ﻣﺘﺘﺎﻟﻴﺔ ﻋﻨﺪﻫﺎ؛ ﻓﻼ ﺗﺘﺄﺧﱠﺮ ﻋﻮدة اﻟﻤﻐﺘﺮب .أ ﱠﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﺘﺬﻫﺐ أ ﱡم اﻟﺴﺠﻴﻦ أو زوﺟﺘﻪ أو إﺣﺪى ﻗﺮﻳﺒﺎﺗﻪ أو أﻛﺜﺮ إﻟﻰ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺴﺠﺪ ،وﻳﻘﻊ إﻳﻘﺎد اﻟﻤﺼﺎﺑﻴﺢ اﻟ ﱠﺰﻳﺘ ﱠﻴﺔ أو اﻟﺸﱡ ﻤﻮع اﻵن واﻟﻘﻮل ﺑﺼﻮت ﻋﺎل وﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻷﻣﺎزﻳﻐ ﱠﻴﺔ: »أﻳَ ِﻤﻲ ِﻋﻴﺴﻰ ِ ...ﻣﻴ ْﺮ أَﻟَ ْﻘﻔ ْ ُﻮل َﺳﺘْ ِﻨ َﺲ« ،وﻣﻌﻨﺎه اﻟﺤﺮﻓﻲ» :ﻳﺎ ﺳﻴﺪي اﻓﺘﺢ اﻷﻗﻔﺎل ﺑﺎﻟﻤﻔﺎﺗﻴﺢ« ،وﻳُ ْﻌﺘَ َﻘ ُﺪ أﻧﱠﻪ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻻ ﻳﺘﺄﺧﱠﺮ إﻃﻼق ﻋﻴﺴﻰ ْ ﺳﺮاح اﻟﻤﺴﺠﻮن. ْ اﺳﺤﺎق« ﻟﻜﺒﺢ ﺟﻤﺎح / اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻐﻴﻮر »أﻣﻲ ِ
»أﻣﻲ إﺳﺤﺎق« ﺑﺎﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﱠﺔ ،أو »ﻣﺴﺠﺪ ﺳﻴﺪي إﺳﺤﺎق« ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﺗﺰوره اﻟﻤﺮأة -ﻋــﺎ َدةً -ﺧﻠﺴ ًﺔ ﻋﻦ زوﺟﻬﺎ إذا ﻛﺎن ﺻﻌﺐ اﻟﻤﺮاس ﻏﻠﻴﻆ اﻟﻄﱢﺒﺎع ﻋﻨﻴﻔًﺎ أو ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻐﻴﺮة ،ﻓﺘﺤﻔﺮ ﺣﻔﺮة وﺗﻘﻮم ﺑﺘﻐﻄﻴﺔ رﺟﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺮاب ﻟﻮﻗﺖ ،ﺛ ﱠﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻬ ﱡﻢ ﺑﺎﻟ ﱡﻨﻬﻮض ﺗ ُ ْﻌﻄَﻰ ﻟﻬﺎ ﺟﺮﻳﺪة أﻣﺎزﻳﻐﻲ ﻣﺴﻤﻮع» :أَﻳَ ِﻤﻲ ﻧﺨﻞ ﻓﺘﺸﻄﺮﻫﺎ ﻧﺼﻔﻴﻦ وﻫﻲ ﺗﻘﻮل ﺑﺼﻮت ﱟ ْ ـﺲ ِو َﺣ ﱠﻤ ْﻖ« ،وﻣﻌﻨﺎه اﻟﺤﺮﻓﻲ» :ﻳﺎ ﺳﻴﺪي »أﻣﻲ ِﻋﻴﺴﻰ« .. وﻓﻚ اﻷﺳﻴﺮ اﻟﻤﺘﻐﺮب رد ﺎس إِ ِﻣـ ْ اﺳﺤﺎق ...أﻗ َْﺴ ْ ِ »أ ِﻣﻲ ﻋﻴﺴﻰ« ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ أو ﻣﺴﺠﺪ »ﺳﻴﺪي ﻋﻴﺴﻰ« ﺑﺎﻟﻌﺮﺑ ﱠﻴﺔ ،إﺳﺤﺎق ...أﻏﻠﻖ ﻟﻪ ﻓﻤﻪ ﺣﺘﱠﻰ ﻻ ﻳُﻜﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺘﺎب واﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ« ،وﺗﻌﻮد ﻳُﺰار إ ﱠﻣﺎ ﺑﻐﺎﻳﺔ أداء ﻃﻘﻮس ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺠﻌﻞ اﻟﻤﺴﺎﻓﺮ اﻟﺬي ﻃﺎﻟﺖ ﻓَ ِﺮ َﺣ ًﺔ ﻣﺴﺮورة وﻛﻠﱡﻬﺎ اﻋﺘﻘﺎ ٌد ﻓﻲ أ ﱠن زوﺟﻬﺎ ﺳﻴﺼﻴﺮ ودﻳ ًﻌﺎ ﻟﻄﻴﻔًﺎ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
55
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ĩƲƮĈ čĖƕǙĨ ƠƟǐČƲǚǗǖĨ ưƟLjƣǗǖ
ƠǥƎ ƶǜǡƣǖČ lƠƞƲƨz ĎƲǤƳƨ ưƨƜƶǙ / ﻣﻌﻤﺮ ﻓﺘﺤﻲ ﺑﻦ
ﻋﺮﻓﺖ ﺟﺰﻳﺮة »ﺟﺮﺑﺔ« )ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻴﺞ ﻗﺎﺑﺲ ﺟﻨﻮب ﺷﱠ ﺮﻗﻲ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﱠﻳﺔ اﻟﺘﻮﻧﺴﻴﺔ( ،ﺣﻀﺎرات ﻋﺪﻳﺪة ،ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺤﻀﺎرة »اﻷﻳﺠ ﱠﻴﺔ« 6000 3000- ﺛﻢ اﻟﺤﻀﺎرة »اﻟﻔﻴﻨﻴﻘﻴﺔ« ،ﻓﺎﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ،ﻓﺎﻟﻌﺮﺑ ﱠﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ق.م ،ﱠ ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ » ُر َوﻳْ ِﻔﻊ ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ اﻷﻧﺼﺎري« ﺳﻨﺔ 47ﻫـ. وﻟﻠﺠﺰﻳﺮة ﺛﺮاء ﻋﺠﻴﺐ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ،ﺗﺬﻛﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺼﺎدر أ ﱠن ﻋﺪدﻫﺎ 300أو 360ﻣﺴﺠ ًﺪا ،أو ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ ال .500وأﻳٍّﺎ ﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺨﻠﻮ ﻗﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺠﺪ أو ﻣﺴﺎﺟﺪ ﻗﺪ ﻳﺘﺠﺎوز ﻋﺪدﻫﺎ ﻋﺪ َد أﺻﺎﺑﻊ اﻟﻴﺪ .وﻳﺒﺪو ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗَ َﻤ ْﻮﻗُﻊِ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻨﻬﺎ أﻧﱠﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ -ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ دورﻫﺎ اﻟﺘﻌ ﱡﺒﺪي -ﺗﻘﻮم ﺑﺪور ﺑﺮوج اﻟﻤﺮاﻗﺒﺔ ،ﻓﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺑُﻨﻲ ﻋﻠﻰ رﺑﻮة ﺷﺎﻃﺌﻴﱠﺔ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻠﻮاﻗﻒ ﻓﻲ أﻋﻠﻰ اﻟﺼﻮﻣﻌﺔ ﺑﻤﺴﺢ ﻣﺠﺎل ﺑﺤﺮي واﺳــﻊ ،ﻣﺜﻞ ﻣﺴﺠﺪ »ﺳﻴﺪي ﻳﺄﺗﻲ« ﺑﻘﺮﻳﺔ اﻟﻔﺎﻫﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﱟ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻟﻠﺠﺰﻳﺮة .إﻟﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺗﻘﺮﻳ ًﺒﺎ ،ﻛﺎﻧﺖ وﻟﻌﻞ ﻣﻦ أﺷﻬﺮﻫﺎ ﻣﺪرﺳﺔ ﻫﺬه اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻘﻮم ﺑﺪور ﻣﺪارس ﻋﻠﻤ ﱠﻴﺔ ،ﱠ »اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻜﺒﻴﺮ« ،اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﺑـ »ﻣﺪرﺳﺔ أﺑﻲ ﻣﺴﻮر« ،ﱠأﺳﺴﻬﺎ »أﺑﻮ ﻣﺴﻮر اﻟﻴﻬﺮاﺳﻨﻲ« ،واﺳﺘﻤ ﱠﺮ ﻧﺸﺎﻃﻬﺎ ﻗﺮاﺑﺔ 11ﻗﺮﻧًﺎ .وﻣﺪرﺳﺔ »ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺼﺒﻴﻴﻦ« ﺑـ »ﻗﻼﻟﺔ« ،وﻣﺪرﺳﺔ »ﺟﺎﻣﻊ ﺗﺎﺟﺪﻳﺖ« ﺑﻘﺮﻳﺔ »ﻓﺎﺗﻮ«. إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ »ﻣﺴﺠﺪ اﺑﻦ ﺑﻴﺎن« اﻟﻮاﻗﻊ ﺑﻴﻦ ﻗﺮﻳﺘَ ْﻲ »ﺑﺎزﻳﻢ« و»ﺟﻌﺒﻴﺮة«، اﺗﺴﻊ واﻟﺬي ﻳﻀ ﱡﻢ ﻏﺎ ًرا ﻳُﺴ ﱠﻤﻰ »ﻏﺎر ﻣﺠﻤﺎج« ،وﻫﻮ ﻏﺎر ﻣﺴﺘﻄﻴﻞَ ، رﺟﻼ اﺟﺘﻤﻌﻮا وأﻟﱠﻔﻮا »دﻳــﻮان اﻷﺷﻴﺎخ« ،أو »دﻳﻮان ﻻﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ ً اﻟﻌ ﱠﺰاﺑﺔ« ،وﻫﻮ ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ ﻓﻘﻬﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺒﺎدات واﻟﻤﻌﺎﻣﻼت واﻷﺣﻜﺎم، ﺣﻮاﻟﻲ ﺳﻨﺔ 405ﻫـ. ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎدة إﻟﻰ اﻟﺨﺮاﻓﺔ إﻟﻰ / اﻟﺘ َﻄ ﺒﺐ
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻷدوار اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﻤﺴﺎﺟﺪ ﺟﺮﺑﺔ ﺣﻜﺎﻳﺎت وﺧﺮاﻓﺎت ،و ُﻣﻮر َِﺳﺖ ،وﺗ ُﻤﺎرس إﻟﻰ اﻵن ﻓﻴﻬﺎ أو ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﺎدات اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﻟﻼﺳﺘﺸﻔﺎء أو اﻟﺘﺒ ﱡﺮك أو ﻟﺪﻓﻊ اﻟﻀﱠ ﺮر أو اﻟﺨﻮف .وإن ﻛﺎن ﺧﺎﺻﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺻﺎر اﻟﻴﻮم ﻣﻬﺠﻮ ًرا أو أﺛ ًﺮا ﺑﻌﺪ ﻋﻴﻦ ،ﱠ أﺿﺤﺖ ﺧﺎرج ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﻌﻤﺮان ،ﻓﻲ اﻷراﺿﻲ اﻟﻔﻼﺣﻴﺔ اﻟﺒﻌﻴﺪة ﻋﻦ
54
ﻣﺴﺎﺟﺪ ﺟﺰﻳﺮة »ﺟﺮﺑﺔ« اﻟﺘﻮﻧﺴﻴﱠﺔ
اﻟﻘﺮى ،ﻛـ »ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺤﺎرة« اﻟﺬي ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺼﻠﱡﻮن ﻓﻴﻪ ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺼﺎد أو ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻢ ﺟﻨﻲ اﻟ ﱠﺰﻳﺘﻮن أو اﻟﺘﱡﻤﻮر .ﻛﻤﺎ ُﻫ ِﺠ َﺮ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺗﺄﻣﻴﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ وﺗﻨﻈﻴﻢ أﻣﻮر اﻟﺼﻼة واﻹﻣﺎﻣﺔ، اﻟ ﱠﺪوﻟﺔ ﻟﻠﻤﺴﺎﺟﺪ وﻟﻸوﻗﺎف ﱠ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ زﻳﺎرة ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﻄﱡﻘﻮس واﻟﻌﺎدات .ﻓﻘﺪ اﻟﻌﺮوس اﻟﻤﺴﺠ َﺪ اﻟﻘﺮﻳﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺰل أو –ﻣﺜﻼ -أن ﺗﺰور ﺟﺮت اﻟﻌﺎدة ً ُ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺬي ﻳُ ْﻌﺘَ َﻘ ُﺪ أﻧﱠﻪ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﻋﺮﺷﻬﺎ أو أ ﱠن ﻋﺮﺷﻬﺎ ﻳﻨﺘﺴﺐ إﻟﻰ ﺗﺼﺐ اﻟﺸﱠ ﻴﺦ ﱢ اﻟﻤﺆﺳﺲ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ أو اﻟﻤﺪﻓﻮن ﻓﻴﻪ؛ ﻟﺘﺸﻌﻞ ﺷﻤﻮ ًﻋﺎ أو ﱠ زﻳﺘًﺎ ﻓﻲ ﻣﺼﺎﺑﻴﺤﻪ اﻟ ﱠﺰﻳﺘﻴﺔ وﺗﺘﺒ ﱠﺮك ﺛ ﱠﻢ ﺗﻌﻮد. »ﺟﺎﻣﻊ / اﻟﻠﻴﻞ« ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ واﻷﺳﻄﻮرة
اﻟﺼﻐﻴﺮ اﻟﻮاﻗﻊ ﻳﺘﺮ ﱠدد ﺑﻴﻦ اﻟ ﱠﻨﺎس إﻟﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا أ ﱠن ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺠﺪ ﱠ ﻋﻠﻰ ﻗﺎرﻋﺔ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻗﺪ ﺑﻨﺎه اﻟﺠ ﱡﻦ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ واﺣﺪة ،ﺣﻴﺚ ﻧﺎم اﻟﻘﻮم اﻟﺼﻮتَ ﻣﻦ دون ﻣﺴﺠﺪ وأﻓﺎﻗﻮا ﻋﻨﺪ اﻟﻔﺠﺮ ﻋﻠﻰ اﻷذان ،وﻟ ﱠﻤﺎ ﺗﺘ ﱠﺒﻌﻮا ﱠ وﺟﺪوا اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻗﺎﺋ ًﻤﺎ وﻻ ُﻣ َﺆذﱢن وﻻ ُﻣ َﺼ ﱟﻞ ،ﻓﺄﻗﺎﻣﻮا اﻟﺼﻼة ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻳﻮﻣﻪ ،وﺻﺎر ﻣﺴﺠ ًﺪا ،وﻧﻈ ًﺮا ﻟﻮﺟﻮد ﻫﺬا اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄ ﱠن اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻗﺪ ﺑﻨﺎه ُﺻ ﱠﻼح اﻟﺠ ﱢﻦ؛ ﻓﺎﻟ ﱠﻨﺎس إﻟﻰ اﻟﻴﻮم ﻳﺘﺠ ﱠﻨﺒﻮن دﺧﻮﻟﻪ ﻣﻨﻔﺮدﻳﻦ أو ﻟﻴﻼ .واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﱠﺎرﻳﺨﻴﺔ أ ﱠن ﺷﻴﺨًﺎ اﻟﻤﺮور أﻣﺎﻣﻪ وﻗﺖ اﻟﻈﱠﻬﻴﺮة أو ً ﻟﻴﻼ اﺳﻤﻪ »ﺣ ﱡﻤﻮدة ﺑﻦ ﻋﻤﺮ اﻟ ﱢﺰﻧﻜﺮي« ﻫﻮ َﻣﻦ أﺣﺪث اﻟﺠﺎﻣﻊ وﺑﻨﺎه ً ﺑﺤﻮﻣﺔ »اﻟﺼﺮﻧﺪي«؛ ﺧﻮﻓًﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﺮﺿﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎﺋﻪ ﻟﻴﻠﺔ 27رﺟﺐ ﺳﻨﺔ 1167ﻫـ اﻟﻤﻮاﻓﻖ 1754م.
ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ..ﻣﻨﺎرة اﻟﻌﻠﻢ
ﻣﺆﺳﺴ ًﺔ اﺳﺘﻘﻄﺒﺖ اﻫﺘﻤﺎم اﻟﻤﻔﻜﱢﺮﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﻌﺮف اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﱠ وﻟﻌﻞ ﻣﺼﺪر ﻫﺬا اﻻﻫﺘﻤﺎم ﻫﻮ أن اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ﻣﺜﻞ ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ،ﱠ ﺟﺎﻣ ًﻌﺎ وﺟﺎﻣﻌﺔ -ﻧﻬﻀﺖ ﻣﻨﺬ أن اﻧﺘﺸﺮ اﻹﺳﻼم وﻟﻐﺘﻪ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲاﻟﻤﻐﺮب واﻷﻧﺪﻟﺲ واﻟﻘﻴﺮوان ،ﻓﺘﺴ ﱠﻨﻰ ﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ﺑﻔﺎس أن ﻳﺮث ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰﺧﺮ ﺑﻪ ﻫﺬه اﻟﺒﻠﺪان ،اﻟﺘﻲ ﻳﻮ ﱢﺣﺪﻫﺎ ﺣﻜﻢ ﺳﻴﺎﺳﻲ واﺣﺪ، وﻫﺬا أﻣﺮ ﻃﺒﻴﻌﻲ؛ ﻷﻧﻪ إذا ﻛﺎن ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ﻗﺪ ﻗﺎم ﺑﻮﻇﻴﻔﺘﻪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻋﺒﺮ اﻟﻌﺼﻮر ،ﻓﺈن ﻣﺴﺎﺟﺪ اﻷﻧﺪﻟﺲ وﺗﻮﻧﺲ وﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻐﺮب اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻗﺪ ﻧﻬﻀﺖ ﺑﺎﻟ َﻤ َﻬ ﱠﻤﺔ ذاﺗﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺠﻠﱠﺖ ﻓﻲ اﻹﺷﻌﺎع اﻟﻌﻠﻤﻲ واﻟﻔﻜﺮي ،ﻓﻘﺪ اﺗﱠﺨﺬﻫﺎ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﻘﻬﺎء واﻟﻠﻐﻮﻳﻮن ﻣﺮاﻛِ َﺰ اﻟﺒﺤﺚ واﻟﺘﺪرﻳﺲ ،ﻓﺘﻄ ﱠﻮرت رﺳﺎﻟﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ واﻟﺠﺎﻣﻊ ،ﻟﺘﺼﺒﺢ -ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ َﻣ َﻬ ﱠﻤﺘﻬﺎ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ -أﻣﺎﻛِ َﻦ ﻟﻠﺪراﺳﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،ﻳﻠﺘﻘﻲ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻮاﻓﺪون ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف ﻣﻮاﻃﻨﻬﻢ وﻟﻐﺎﺗﻬﻢ؛ ﻗ َْﺼ َﺪ اﻟﻌﺒﺎدة وﺗﻠﻘﱢﻲ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ .ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻷﺳﺎس ﻇﻬﺮ ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ دوﻟﺔ اﻷدارﺳﺔ ،ﻟﻴﺼﺒﺢ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻟﻠﻌﺒﺎدة ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،وﻣﺮﻛ ًﺰا ﻟﻺﺷﻌﺎع اﻟﻌﻠﻤﻲ واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﺤﻀﺎري ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى ،ﻛﻤﺎ أﺗﻴﺢ ﻟﻪ أن ﻳﺘﻔ ﱠﺮد ﺑﻨﺘﺎﺋﺞ ﻫﺬا اﻹﺷﻌﺎع؛ وذﻟﻚ ﺑﻔﻀﻞ اﻟﻬﺠﺮة اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻤﺎء ﺑﺎرزون ،وﻓﺪوا إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﻮاﺿﺮ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻗ َِﺪ َم إﻟﻴﻪ ﻋﻠﻤﺎء إﺣﺪى ﻋﻮاﺻﻢ اﻟﻌﻠﻢ آﻧﺬاك اﻟﻤﺘﺠﻠﱢﻴﺔ ﻓﻲ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻟ ﱠﻤﺎ ﺿﺎق ﺑﻬﻢ اﻟﻤﻘﺎم ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻷﻣﻮﻳﻴﻦ ﻫﻨﺎك ،ﻓﺄﺻﺒﺤﻮا أﺳﺎﺗﺬة ﺑﺎﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ،وأﺳﻬﻤﻮا ﻓﻲ إﺷﻌﺎﻋﻪ ،ﻛﻤﺎ اﻧﻀﺎف إﻟﻴﻬﻢ ﻧﻈﺮاؤﻫﻢ اﻟﻘﺎدﻣﻮن ﻣﻦ ﺗﻮﻧﺲ إﺛﺮ اﻷزﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻠﱠﺖ ﺑﺎﻷﻏﺎﻟﺒﺔ ﺣﻜﱠﺎم اﻟﻤﻐﺮب اﻷوﺳﻂ ،ﻓﻮﺟﺪوا ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ َﻣﻦ ﻳﺴﺎﻧﺪﻫﻢ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻹﺷﻌﺎع اﻟﻌﻠﻤﻲ؛ ذﻟﻚ أن ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻓﺎس ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ َﻣ ﱢﺮ اﻟﻌﺼﻮر ﺑﻴﺌ ًﺔ ﻣﻨﻔﺘﺤ ًﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻜﻞ ﺗﺒﺎ ُد ٍل وﻋﻄﺎء ﻓﻜﺮي ،وﺑﻮﺗﻘﺔ ﺗﻨﺼﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت واﻟﻤﻌﺎرف )اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ،واﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ(؛ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي أَ ﱠﻫ َﻞ ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ﻟﻴﺼﺒﺢ ﺟﺎﻣﻌﺔ إﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ،ﻓﻼ َﻏ ْﺮ َو إذن أن ﻳﻨﻬﻞ ﻣﻦ َﻣﻌﻴﻨﻬﺎ ُ أﻣﺜﺎل اﻷﺳﻘﻒ ﺟﻴﺮﺑﻴﺮ /GERBERTاﻟﺬي اﻋﺘﻠﻰ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺒﺎﺑﻮﻳﺔ آﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﻴﻼدي اﻟﻌﺎﺷﺮ /اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻬﺠﺮي ،ﺣﻴﺚ درس ﻓﻲ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ أﻳﱠﺎ َم ﻛﺎﻧﺖ أوروﺑﺎ ﺗﻌﻴﺶ ﻋﺼﻮ َرﻫﺎ اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ،وﻣ ﱠﻤﺎ ﻳُ ْﺬﻛَ ُﺮ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻹﻃﺎر أن ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ﻗﺪ ﻋﺮف اﻟﻨﻮر ﻗﺒﻞ ﺟﺎﻣﻊ اﻷزﻫﺮ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﺗﺄﺳﺲ أواﺳﻂ اﻟﻘﺮن اﻟﻬﺠﺮي اﻟﺜﺎﻟﺚ ،ﻟﻜﻦ ﻧﺸﺎﻃﻪ ﺑﺤﻮاﻟﻲ ﻗﺮن؛ ﻓﻘﺪ ﱠ اﻟﺠﺎﻣﻌﻲ ﻟﻢ ﻳﻌﺮف اﻟﻨﻮر إﻻ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ اﻟﻬﺠﺮي ،وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ﺳﺎد ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺆ ﱢرﺧﻴﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ واﻷﺟﺎﻧﺐ أن ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ أﻗﺪم ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺟﺎﻣﻌﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ،وأن اﻟﻌﻠﻮم واﻟﻔﻨﻮن واﻵداب اﻟﻌﻠﻤﻲ ازدﻫﺎ َر ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺪرس ﺑﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ واﻛﺐ ﻫﺬا اﻹﺷﻌﺎع ﱡ ﺗﺪرﻳﺲ اﻟﻄﺐ ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ،ﻇﻬﺮت اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ دراﺳﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ،وذﻟﻚ ﺑﺘﺨﺼﻴﺺ ﺣﺼﺔ ﺿﻤﻦ اﻟﻤﻨﺎﻫﺞ اﻟﺪراﺳﻴﺔ .وﻗﺪ ﺑﺮز اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻄﺐ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺰﻳﺘﻮﻧﺔ ﺑﺘﻮﻧﺲ ،وﺟﺎﻣﻊ
اﻷزﻫﺮ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،ﻛﻤﺎ ﻋﺎﺻﺮ ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ وﺟﺎﻣﻌﺘﻪ ﺑﻌﺾ ﻣﺪارس اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﺟﻨﻮب اﻟﻤﻐﺮب ،ﻛﻤﺪرﺳﺔ »وﺟﺎج« اﻟﻌﺘﻴﻘﺔ ،اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﺗﺰﻧﻴﺖ« )اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻐﺮﺑﻲ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ( ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻤﺪرﺳ ُﺔ اﻟ ﱠﻨﻮا َة اﻷوﻟﻰ ﻟﺴﻠﺴﺔ ﻣﺪارس اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ وﺻﻠﻬﺎ إﺷﻌﺎع اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ،وﻧﻈ ًﺮا ﻟﺸﻬﺮة ﻫﺬا اﻷﺧﻴﺮ اﻟﺬي آل إﻟﻰ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺗ ُ ْﺪ َر ُس ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻌﻠﻮم واﻟﻔﻨﻮن ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻳﺘﻠ ﱠﻬﻔﻮن ﻟﻸﺧﺬ ﻣﻨﻬﺎ ،واﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﺷﻬﺎدﺗﻬﺎ؛ اﻧﺘﻘﻠﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﺳﻤﺎء، اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﻤﺨﺘﺎر اﻟﺴﻮﺳﻲ ،اﻟﺬي ﻧﻬﻞ ﻣﻦ ﻧﺬﻛﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب :ﱠ ﻣﺪارس اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻌﺘﻴﻘﺔ ﺑﺎﻟﺠﻨﻮب ،ﺛﻢ اﺗ ﱠﺠﻪ إﻟﻰ ﻓﺎس ﻻﺳﺘﻜﻤﺎل دراﺳﺘﻪ. ﻧﺴﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺧﻼل رﺣﻠﺔ ﻫﺬا اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻷدﻳﺐ أن اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ﻳُﻘ َْﺼ ُﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺘﻮﻳﺞ ﻣﺮاﺣﻞ اﻟﺪراﺳﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﻄﻌﻬﺎ اﻟﻘﺎﺻﺪون إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻮس .واﻟﻮاﻗﻊ أن ﺛ ﱠﻤﺔ ﺟﻮاﻣﻊ أﺧﺮى ﺑﺮزت ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب ﻋﺼﺮﺋ ٍِﺬ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ،ﻧﺬﻛﺮ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺟﺎﻣﻊ اﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻤﺮاﻛﺶ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻟﻪ أﻳﻀً ﺎ إﺷﻌﺎﻋﻪ اﻟﻌﻠﻤﻲ واﻟﺤﻀﺎري، اﻧﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﻐﺮب ﻛﺎﻓﱠﺔ ،وﻻ ﺳ ﱠﻴﻤﺎ اﻟﺠﻨﻮب ،إذ ﺗﺨ ﱠﺮج ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻤﺎء وأدﺑﺎء ،ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻛﻠﺔ ﻣﻦ ﺗﺨ ﱠﺮﺟﻮا ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﱢﻴﻦ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
53
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ﺑُﻨﺎة ُﻣ ُﺪنٍ ،ﺣﻴﺚ ﻻ ﺗﺰال اﻟﻤﻨﺎرة اﻟﻤﺮﺑﻌﺔ اﻟﺘﻲ أﺿﺎﻓﻬﺎ اﻟﺰﻧﱠﺎﺗﻴﻮن ﻗﺎﺋِﻤ ًﺔ إﻟﻰ اﻵن ،ﻛﺬﻟﻚ ﻣﺎ ﺗﺰال اﻟﺜﺮﻳﱠﺎ اﻟﺘﻲ أﺿﻴﻔﺖ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ دوﻟﺔ اﻟﻤﻮ ﱢﺣﺪﻳﻦ ﺗﺰﻳﱢﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ إﻟﻰ اﻟﻴﻮم. ﻳﺤﺘﻮي اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﺑﺎﺑًﺎ ،ﻳﺘﻀ ﱠﻤﻦ ﺟﻨﺎﺣﻴﻦ ﻳﻠﺘﻘﻴﺎن ﻓﻲ ﻳﺘﻮﺳﻂ اﻟﻤﺴﺠﺪ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺘﻮي ﻛﻞ ﺟﻨﺎح ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻓﻲ اﻟﺼﺤﻦ اﻟﺬي ﱠ ﻣﻜﺎن ﻟﻠﻮﺿﻮء ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎم ﻳﺸﺒﻪ ذﻟﻚ اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ اﻟﺬي ﻳﻤﻴﱢﺰ اﻟﺼﺤﻦ اﻷﺳﻮد ﻓﻲ ﻗﺼﺮ اﻟﺤﻤﺮاء ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،وﺧﻼل اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﺮاﺑﻄﻲ ﺣﻈﻲ ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم اﻷﻣﻴﺮ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﻴﻦ ،اﻟﺬي ﻗﺎم ﺑﺘﻮﺳﻌﺔ ﻛﺒﺮى ،ازدادت ﻣﻌﻬﺎ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺘﻴﻦ :اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ واﻟﻔﻨﻴﺔ ،ﺗﺠﻠﱠﺖ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﺄﺛﻴﺮات اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻟ ُﻘﺒﱠﺔ ﻋﻜﺴﺘﻪ زﺧﺎر ُِف وﻧﻘﻮش اﻟﻤﺤﺮاب واﻟﻘﺒﺔ اﻟﻤﻘﺮﺑﺼﺔً ، ﻛﻼ ﻣﻦ اﻟﺒﻼﻃَﻴْﻦ :اﻟﺜﺎﻧﻲ واﻟﺜﺎﻟﺚ ﺑﺎﻟﺒﻼط اﻟﻤﻘﺮﺑﺼﺔ اﻟﻜﺒﺮى اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻂ ٍّ اﻟﻤﺤﻮري ،ﺣﻴﺚ ﻳﺪور ﺑﺄﺳﻔﻠﻬﺎ ﻧﻘﺶ ﺗﺴﺠﻴﻠﻲ ﻳﻔﻴﺪ ﺑﺘﻠﻚ اﻷﻋﻤﺎل ﻋﻦ أﻣﺮ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﻴﻦ ﻋﺎم )531ﻫـ/
52
ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ِ
1136م( ،ﻛﻤﺎ ﻧﺠﺪ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺗﺠﻠﻴﺎت ﻫﺬه اﻟﺘﺄﺛﻴﺮات اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻴﺠﺎن اﻟﻤﺠﻠﻮﺑﺔ ﻣﻦ أﻃﻼل ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺰﻫﺮاء اﻟﻘﺮﻃﺒﻴﺔ ،ﺗﺠﻠﱠﺖ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻬ ﱠﻤﺔ وﻣﺘﻨ ﱢﻮﻋﺔ ،ﺗﻌﻠﻮ اﻟﺴﻮاري اﻷرﺑﻊ اﻟﺤﺎﻣﻠﺔ ﻟ ُﻌﻘَﺪ اﻟﻤﺤﺮاب ،وأﺧﺮى ﺗﻌﻠﻮ ﺳﻮاري أﺑﻮاب ﻣﺼﻠﻰ اﻟﺠﻨﺎﺋﺰ ،وﺛﺎﻟﺜﺔ ﺗﻌﻠﻮ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻮاري اﻟﺤﺎﻣﻠﺔ ﻟِ ُﻘﺒﱠﺔ ﻫﺬا اﻟ ُﻤﺼﻠﱠﻰ اﻟﺠﻨﺎﺋﺰي .ﺑﻬﺬا ﺣﺮص اﻷﻣﻴﺮ اﻟﻤﺮاﺑﻄﻲ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ ﻋﻠﻰ ﺗﺰﻳﻴﻦ ﻣﺂﺛﺮه اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮب ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺘﺤﻒ اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﺜﻤﻴﻨﺔ اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﻔﻦ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ اﻟﻘﺮﻃﺒﻲ، وإﺣﻴﺎ ًء ﻟﺬﻛﺮى ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﻮى ﻋﻬ َﺪﻫﺎ اﻟﻨﺴﻴﺎ ُن ﺑﻤﺮور اﻟﺰﻣﺎن ،ﻛﻤﺎ ﺗﺮ ﱠد َدت أﻳﻀً ﺎ أﺻﺪاء ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻨﻮز اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺰﺧﺮ ﺑﻬﺎ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺰﻫﺮاء اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ ﺑﻤﺴﺎﺟﺪ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﻮﺣﺪي ،ﻟﺘﺸﻤﻞ ٍّ ﻛﻼ ﻣﻦ ﺟﺎ ِﻣ َﻌ ْﻲ اﻟ ُﻜﺘُﺒﻴﱠﺔ واﻟﻘﺼﺒﺔ ﺑﻤﺮاﻛﺶ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻜﺘﻨﻒ ﺣﻨﻴﺔ ﻣﺤﺮاب ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻜﺘﺒﻴﺔ واﻟﻤﺪﺧﻠﻴﻦ اﻟﻮاﻗﻌﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻤﻴﻦ واﻟﻴﺴﺎر ﻣﻨﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻮاري اﻟﺮﺧﺎﻣﻴﺔ ﻣﺘﻌ ﱢﺪدة اﻷﻟﻮان ،ﻳﻌﻠﻮﻫﺎ ﺗﻴﺠﺎن ﻣﺠﻠﻮﺑﺔ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺰﻫﺮاء ،وﻓﻖ ﻧﻈﺎﺋﺮﻫﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﱢﻦ ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ﺑﻔﺎس .أ ﱠﻣﺎ ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺼﺒﺔ ﺑﻤﺮاﻛﺶ ،ﻓﻘﺪ ﺣﻈﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﺑﺒﻌﺾ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺘﺤﻒ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺟﻊ إﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺰﻫﺮاء اﻟﻘﺮﻃﺒﻴﺔ ،إذ ﻳﻜﺘﻨﻒ ﺗﺠﻮﻳﻔ َﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻮاري اﻟﻤﺤﺮاب ٍّ وﻛﻼ ﻣﻦ اﻟﻤﺪﺧﻠﻴﻦ اﻟﻮاﻗﻌﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻴﻪ ُ اﻟﺮﺧﺎﻣﻴﺔ اﻟﻤﺘﻌ ﱢﺪدة اﻷﻟﻮان ،ﺗﺘﻮزﱠع ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻷﺧﻀﺮ اﻟﺪاﻛﻦ ،اﻷﺣﻤﺮ اﻟﺸﺎﺣﺐ ،اﻟﺒﻨﻲ اﻟﻘﺎﺗﻢ ،واﻷﺳﻮد اﻟ ُﻤﺠ ﱠﺰع ،ﺗﻌﻠﻮﻫﺎ أﻳﻀً ﺎ ﻧﻤﺎذج ﻣﺘﻨ ﱢﻮﻋﺔ ﻛﻼ ﻣﻦ ﺗﻴﺠﺎن ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺰﻫﺮاء ،وﻟﻮﺣﺎت ﻋﻠﻰ ﻏﺮار ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﱢﻦ ٍّ ﻣﻦ ﺟﺎ ِﻣ َﻌ ْﻲ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ﺑﻔﺎس واﻟﻜﺘﺒ ﱠﻴﺔ ﺑﻤﺮاﻛﺶ ،ﱠإﻻ أن ﺳﻮاري ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺼﺒﺔ ﺣﻈﻴﺖ ﺑﻤﺰﻳﺪ ﺛﺮا ٍء وﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ارﺗﻜﺎزﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻮاﻋﺪ ﺣﺠﺮﻳﺔ ،ﻣﺼﺪرﻫﺎ أﻳﻀً ﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ :اﻟﺰﻫﺮاء ،وﻗﺪ ﺷﺎﺑﻬﺖ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﻣﺴﺠﺪ ﻗﺮﻃﺒﺔ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺒﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻤﺖ ،ﺛﻢ ﻇﻬﺮ ﺑﻌﺪ ﺗﻘ ﱡﺪم ﻋﻠﻢ اﻟﻔﻠﻚ ﺿﺒﻂ اﻟﺴﻤﺖ ،ﻣﻴﻞ اﻟﻘﺒﻠﺔ ،ﻓ ُﺮ ِﺳ َﻤﺖ اﻟﻘﺒﻠﺔ وﺳﻊ اﻟﺰﻧﺎﺗﻴﱡﻮن ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ اﻟﺼﻐﻴﺮة ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ اﻻﻧﺤﺮاف ،وﺣﻴﻦ ﱠ زادوا ﺑﻬﺎ ،وﻧﻘﻠﻮا اﻟﺨﻄﺒﺔ إﻟﻴﻬﺎ ،وﻫﺪﻣﻮا اﻟﺼﻮﻣﻌﺔ اﻷوﻟﻰ ،وﺑﻨﻮا ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ أﺧﺮى ،وﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎرة ﺑﻴﺖ ﻟﻠﻤﺆﻗﱢﺖ ورﺧﺎﻣﺔ ﺷﻤﺴﻴﺔ وﺳﺎﻋﺎت رﻣﻠﻴﺔ. وﻓﻲ ﺳﻨﺔ 388ﻫـ ﺻﻨﻊ اﻟﻤﻈﻔﺮ ﺑﻦ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﺑﻦ أﺑﻲ ﻋﺎﻣﺮ ﻣﻨﺒ ًﺮا ﻟﻠﻘﺮوﻳﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﻮد اﻷﺑﻨﻮس واﻟ ُﻌ ﱠﻨﺎب ﺣﺴﺒﻤﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺴﺎﺋﺢ ﻓﻲ ﻛﺘﺒﻪ ﻋﻦ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ .أ ﱠﻣﺎ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﻴﻦ اﻟﻤﺮاﺑﻄﻲ ،ﻓﻘﺪ ﺗ ﱠﻤﺖ زﻳﺎدات أﺧﺮى ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻗﺎم ﺑﺸﺮاء أﻣﻼك ﺟﺪﻳﺪة ،ﻟﻴﺼﺒﺢ ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ﻳﺘﺄﻟﱠﻒ ﻣﻦ 16أﺳﻜﻮﺑًﺎ و 11ﺑﻼﻃًﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﻤﺮاﺑﻄﻴﻦ ﻗﺪ ﻏﻴﱠﺮوا ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﻦ ﺷﻜﻞ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ أﻳﺎم اﻟﺰﻧﺎﺗﻴﻴﻦ ،ﻓﺈﻧﻬﻢ ﺑﺬﻟﻮا ﺟﻬ ًﺪا ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻷﺻﻮل اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﺠﺎﻣﻊ ،ﺣﻴﺚ ﺣﺎﻓﻈﻮا ﻋﻠﻰ ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﺒﻼﻃﺎت اﻟﻤﻮازﻳﺔ ﻟﺠﺪار اﻟﻘﺒﻠﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺻﻨﻌﻮا ﻣﻨﺒ ًﺮا ﺟﺪﻳ ًﺪا ﻟﻠﻘﺮوﻳﻴﻦ َﺧﻠَﻔًﺎ ﻟﻠﻤﻨﺒﺮ اﻟﺰﻧﺎﺗﻲ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺬﻛﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻬﺎدي اﻟﺘﺎزي ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ» :ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ« ،اﻟﻤﺠﻠﺪ اﻷول ،ﺑﻴﺮوت :دار اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ.1972 ،
ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ وﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻔﻬﺮﻳﺔ
ارﺗﺒﻂ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ﺑﺎﻟﺴﻴﺪة ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻔﻬﺮي )ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻔﻬﺮﻳﺔ( ،اﻟﻤﻠﻘﱠﺒﺔ ﺑﺄم اﻟﺒﻨﻴﻦ .ﺷ ﱠﻴ َﺪﺗ ْﻪ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ورﺛﺖ ﻣﻦ ﻣﺎل ﻋﻦ أﺑﻴﻬﺎ، أﺧﺬ اﺳﻤﻪ ﻣﻨﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻌﻮد أﺻﻮﻟﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﻴﺮوان ﺑﺘﻮﻧﺲ ،وﻛﺎن أﻫﻞ اﻟﻘﻴﺮوان اﻟﺬﻳﻦ اﺳﺘﻘ ﱡﺮوا ﺑﻔﺎس ﻳُﻜ ﱠﻨﻮن ﺑﺎﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ،وﻗﺪ ﻣﻀﻰ اﻟﻴﻮم ﻋﻠﻰ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻧﺤﻮ 12ﻗﺮﻧًﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن ،ﻋﺒﺮﺗﻪ أﺟﻴﺎل ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﺪارﺳﻴﻦ ،أﻓﺎدت واﺳﺘﻔﺎدت ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﺟﻌﻠﻪ واﺣ ًﺪا ﻣﻦ أﻫﻢ ﻣﻨﺎﺑﻊ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ .ارﺗﺒﻂ اﺳﻤﻪ ﺑﻘﺎﻣﺎت ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻣﺆﺳﺲ ﻋﻠﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،واﻟﻨﺤﻮي اﺑﻦ آﺟﺮوم، ﺷﺎﻣﺨﺔ ﻣﺜﻞ :اﺑﻦ ﺧﻠﺪون ﱢ واﺑﻦ اﻟﺒ ﱠﻨﺎء اﻟﻤﺮاﻛﺸﻲ أﺷﻬﺮ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﺤﺴﺎب ﻓﻲ ﻋﺼﺮه ،وﻟﺴﺎن اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺨﻄﻴﺐ ،واﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ اﻟﺤﻜﻴﻢ )ﻳﻀﺎف اﻟﺤﻜﻴﻢ ﻟﻌﺪم اﻟﺨﻠﻂ ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻦ اﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺼﻮﻓﻲ( ،ﻛﻤﺎ ﻧﺠﺪ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ أﺑﺮز ﻫﺬه اﻷﺳﻤﺎء ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺳﻴﻠﻔﺴﺘﺮ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،اﻟﺬي ﺷﻐﻞ ﻣﻨﺼﺐ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﻋﺎم 999ﻣﻴﻼدﻳﺔ، ﻛﻤﺎ ﺗ ُ َﻌ ﱡﺪ اﻟﻜﺮاﺳﻲ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻣﻦ أﺑﺮز ﻣﻮاﺻﻔﺎت ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ؛ ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻣﺘﺨﺼﺼﺔ ،ﺣ ﱠﻮﻟَﺖ ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻣﻊ إﻟﻰ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﺘﻌ ﱢﺪدة ﻛﺮاﺳﻲ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﱢ اﻟﺘﺨﺼﺼﺎت. ﱡ
اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻮاﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻢ ﺑﻼد اﻟﻤﻐﺮب ،ﺣﻴﺚ ﺣﺮص اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻠﻰ إﺿﺎﻓﺔ ﻟﻤﺴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﺠﺎﻣﻊ ،ﻓﺘ ﱠﻢ ﺗﻮﺳﻴﻌﻪ ﺧﻼل ﻋﻬﺪ دوﻟﺔ اﻟﻤﺮاﺑﻄﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻧﻴﻦ اﻟﺨﺎﻣﺲ واﻟﺴﺎدس اﻟﻬﺠﺮﻳﻴﻦ )1147 1056- ﻟﻠﻤﻴﻼد( ،ﻛﻤﺎ أﺿﺎف اﻷﻣﺮا ُء اﻟﺰﻧﱠﺎﺗﻴﻮن ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ﻣﺘﺮ ﻣﺮﺑﻊ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ، ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺰﻧﱠﺎﺗﻴﻮن ﻗﺒﺎﺋِ َﻞ ﻛﺒﻴﺮ ًة ﻣﻦ ﺷﻤﺎﻟﻲ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،ﻳﻬﺘ ﱡﻤﻮن ﺑﺎﻟﻬﻨﺪﺳﺔ واﻟﻌﻤﺮان ،ﻣ ﱠﻤﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﻤﺆ ﱢر َخ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﺧﻠﺪون ﻳﺼﻔﻬﻢ ﺑﺄﻧﻬﻢ
ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ واﻟﻤﻌﻤﺎر اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ
ﻧﺎل ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺠﺪ ،اﻟﺬي ﺑُ ِﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮاز اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ ،رﻋﺎﻳ َﺔ اﻟﺤﻜﺎم ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
51
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ƜǠǥƞĈ ǛLJ ơƥĖĨ ƜǙ Ǖǔƞ lǛǥǝƟǖČ ĥĈz ǞIJƢưĮ ǥƎ Ƹ
ǛǥǤĨƲǑǖČ džǙİ Ɯƨ
ǘǖƜLjǖČ ǣǍ ďƜLjǙƜƩǖČ ĥưǐĈ ǛǙ lƴǥǝǥNJz Ǟƣǎǝƻ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻮ ﻋﻴﻄﺔ
ﻳﺤﻖ ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﺎس اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ أن ﺗﻔﺘﺨﺮ ﺑﻌﺮاﻗﺘﻬﺎ اﻟﻤﻮ ِﻏﻠَﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﻬﺬه اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ أﻗﺪم ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﱡ ﺑﺠﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ،ﻓﻘﺪ اﻣﺘﺪﱠ ﺗﺎرﻳﺦ ﺑﻨﺎء ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻣﻊ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻘﺎرب 12ﻗﺮﻧًﺎ )ﺣﻮاﻟﻲ 859ﻣﻴﻼدﻳﺔ( ،ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻋﺎدي ﻟﻠﺼﻼة وﺣﻔﻆ اﻟﻘﺮآن وﻣﺎ ارﺗﺒﻂ ﺑﻪ ﺑﻨﺖ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻔﻬﺮي )ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻔﻬﺮﻳﺔ( ،ﻟﺘﺤ ﱢﻮل ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ﻣﻦ ﻣﺴﺠ ٍﺪ ﱟ ﻣﻦ ﻋﻠﻮم ،إﻟﻰ ﺻﺮح ﺟﺎﻣﻌﻲ وﻣﻨﺎرة ﻟﻠﻌﻠﻢ ،ﺗﺨ ﱠﺮج ﻓﻴﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ رﻣﻮز اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ واﻟﺪﻳﻦ واﻷدب اﻟﻌﺮﺑﻲ ،إﺿﺎﻓﺔ ﻛﺬﻟﻚ إﻟﻰ ﺷﺨﺼﻴﺎت ﻏﺮﺑﻴﺔ ﺑﺎرزة .ﺟﻌﻞ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ﻓﻲ ﻓﺎس )ﺑﻤﺴﺠﺪﻫﺎ وﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﺮاﻓﻘﻪ( ،ﻣﻦ أﻗﺪم اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻓﻖ ِﺳﺠِ ﱢﻞ »ﻏﻴﻨﻴﺲ« ﻟﻸرﻗﺎم اﻟﻘﻴﺎﺳﻴﺔ.
50
ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ ِ
واﻟﺘﻲ ورﺛﺘﻬﺎ ذﻫﻨ ﱠﻴﺘﻬﻢ ﻣﻨﺬ ﻗﺮون ﻃﻮﻳﻠﺔ ،وﻳﻤﻜ ُﻦ إرﺟﺎ ُع ذﻟﻚ ﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻏﻴﺎب وﺛﺎﺋﻖ وﻧﺼﻮص ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ واﺿﺤﺔ ﺣﻮل اﻟﻤﻄﻔﻴﺔ ،وإﻟﻰ اﻧﻌﺪام اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻣﻨﺬ ﻗﺮون ﻋﺪﻳﺪة .ﻫﻨﺎك َﻣﻦ أورد أن اﻟﻤﻄﻔﻴﱠﺔ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ دور ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﺧ ﱠﺰاﻧًﺎ ﻟﻠﺤﺒﻮب ،أو أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺒ ًﺪا ﻟﻠﺸﻤﺲ ﻋﻨﺪ اﻟﺮوﻣﺎن ﻗﺒﻞ ﺑﻨﺎﺋﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ؛ وﺧﺎﺻﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ،ﺑﺨﻼف ﻻرﺗﺒﺎط اﻟﺠﺎﻣﻊ وﺗﺎرﻳﺨﻪ ﺑﺎﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻘﺪﻳﻢ، ﱠ ﻣﺎ اﻋﺘﻘﺪ ُه اﻷﺳﺘﺎذ »أﺧﺮﻳﻒ« ،اﻟﺬي ﻳﺮى أﻧﻬﺎ ﺧ ﱠﺰا ٌن ﺑُ ِﻨ َﻲ ﻷﺟﻞ ﺗﺠﻤﻴﻊ اﻟﻤﻴﺎه ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ )ﺧﻼل اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻤﺮﻳﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻷرﺟﺢ(، ﻧﻈ ًﺮا ﻟﻮﺟﻮد »ﻗﺎدوس ﺑﻘﻄﺮ 15ﺳﻢ ﺧﺎرج ﻣﻦ اﻟﻤﻄﻔﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﻌﺮﻫﺎ، ﻣﺘﱠﺠِﻪ ﻧﺤﻮ ﺑﺌﺮ اﻛْﺘُ ِﺸ َﻒ ﺻﺪﻓﺔ ﺑﺠﺎﻧﺐ اﻟﻤﻄﻔﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ،10.50 وﻫﻮ ﻋﺎﻣﻞ ﻳﺰﻳﻞ اﺣﺘﻤﺎل ﻛﻮﻧﻪ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻟﺨﺰن اﻟﺤﺒﻮب ،أو ﻛﻮﻧﻪ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻟﻠﻌﺒﺎدة« .ﺷﻜﱠﻠﺖ ﻫﺬه اﻟﺘﺼ ﱡﻮرات اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﻌﺒﺎدة واﻵﻟﻬﺔ ﻟﺪى اﻟﺮوﻣﺎن أرﺿ ﱠﻴ ًﺔ ﺧﺼﺒﺔ ﻟﺒﺮوز اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﺎل ﺣﻮل ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﺠﺎﻣﻊ وﺣﻮل ﺗﺎرﻳﺨﻪ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺨﺒﺔ واﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﺑﺎﻷﺳﺎس ،وذﻟﻚ ﻣﻨﺬ ﻣﺪة ﻃﻮﻳﻠﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻧ ُِﺴ َﺠﺖ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت واﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻣﻊ واﻟﻤﻄﻔﻴﱠﺔ ﻓﻲ اﻟ ُﻤ َﺨﻴﱢﻠَﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﺑﻞ وﺣﺘﻰ ﻓﻲ اﻟ ُﻤﺨﻴﱢﻠﺔ اﻟﻨﺨﺒﻮﻳﱠﺔ. أﻗﺎوﻳﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ أن اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻮق ُ و ُر ﱢو َﺟﺖ ﻣﻨﺬ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺒﻌﻴﺪ ﻛﻨﺴﻴﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ،وزاد اﺣﺘﻤﺎل ﻫﺬا اﻟﺮأي ﺑﻌﺪ ﻇﻬﻮر اﻟﻨﻘﻴﺸﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ اﻟﺴﻜﱠﺎ ُن ﻛﺬﻟﻚ اﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ واﻹﻏﺮﻳﻘﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﺳﺒﻖ اﻟﺬﻛﺮ ،و َرﺑَﻄَﻬﺎ ﱡ ﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ واﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ أﻧﻬﺎ رﺑﻤﺎ ﺗﻌﻮد ﻟﻤﻌﺒﺪ ﻣﺴﻴﺤﻲ .ﻛﻤﺎ ﻇﻬﺮت ﺧﻼل اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ أﺳﻄﻮرة ﺗﺮﺑ ُﻂ وﺟﻮد ﱟ اﻟﻤﻄﻔﻴﺔ ﺑﻨﻬﺮ »اﻟﻠﻮﻛﻮس« اﻟﻘﺮﻳﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑُ ْﻌ ِﺪ ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮ واﺣﺪ، واﻟﺬي ﻧ ُِﺴ َﺠﺖ ﺣﻮﻟﻪ أﻳﻀً ﺎ أﺳﺎﻃﻴﺮ ﻛﺜﻴﺮة ﻣﻦ ﺧﻼل أﺳﻄﻮرة إﻏﺮﻳﻘﻴﺔ ﺣﻮل »ﻫﺴﺒﺮﻳﺪﻳﺲ« :ﺣﺪاﺋﻖ اﻟﺘﻔﱠﺎح اﻟﺬﻫﺒﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﺆ ﱢرخ ﻟﺒﻌﺾ ﻫﺬه
اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺑﻨﻬﺮ »ﻟﻮﻛﻮس« اﻟﻘﺮﻳﺐ ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻣﻊ ،ﻓﺎﻋﺘﻘﺪ ﺳﻜﱠﺎ ُن اﻟﻘﺼﺮ ٍ ﻟﺴﻨﻮات ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺑﺄن اﻟﻨﻬﺮ ﻳﺘﱠﺼﻞ ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻊ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻗﻨﺎة أرﺿﻴﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮ واﺣﺪ ،وﻇﻠﱠﺖ اﻻﺳﺘﻔﻬﺎﻣﺎت داﺋ ًﻤﺎ ﺗﻄﺮح ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻦ ﻧﻘﻄﺔ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ﻋﺒﺮ اﻟﻨﻬﺮ اﻟﺘﻲ أﻃﻠﻘﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ اﺳﻢ اﻟﻤﺤﺮاب، ﻓﺴﺮوه ﻋﻠﻰ ﻏﺮار اﻟﻤﺤﺮاب اﻟﺬي ﻳﻠﺘﻘﻲ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﻬﺮ ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﱠ ﺑﻜﺜﺮة اﻟﻤﻴﺎه وﺗﺪﻓﱡﻘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻔﻴﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ ﺧﻼل ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء. وﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺒﺮح اﻟﺬﻫﻨﻴﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﺣﻮل اﻟﻤﻄﻔﻴﺔ، وﻟﺴﻨﻮات ﻃﻮﻳﻠﺔ :اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﺤﻮي ﺿﻔﺎدع ﻋﻤﻼﻗﺔ وأﺳﻤﺎﻛًﺎ ﻛﺒﻴﺮة وﻏﺮﻳﺒﺔ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻜﻞ اﻟﻤﻴﺎه ﺗﺤﺖ اﻷرض ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻔﻴﺔ ،وﺑﺄن اﻟﻀﻔﺎدع اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺸﺮ أﻳﺎم اﻟﻔﻴﻀﺎﻧﺎت ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻟﻴﺴﺖ إﻻ ﻧ َْﺴ ًﻼ ﻣﻨﺤﺪ ًرا ﻣﻦ اﻟﻀﻔﺎدع اﻟﻌﻤﻼﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ ﺗﺤﺖ اﻷرض. وارﺗﺒﺎﻃًﺎ ﺑﻬﺬه اﻷﺳﻄﻮرة ،ﻧ ُِﺴ َﺠﺖ أﺳﻄﻮرة ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﺗﻘﻮل ﺑﻮﺟﻮد أرواح أﺳﺎﺳﺎ ﺷﺮﻳﺮة ﻣﺨﻴﻔﺔ ﺑﺎﻟﻤﻄﻔﻴﺔ ،وﺑﺄن اﺗﺼﺎﻟﻬﺎ ﺑﻨﻬﺮ »ﻟﻮﻛﻮس« ﻳﺮﺟ ُﻊ ً ﻻزدﻳﺎد ﻋﺪد اﻟﻐﺮﻗﻰ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺮ ﺧﻼل ﻓﺼﻞ اﻟﺼﻴﻒ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺼﻴ ُﺮ اﻟﻨﻬﺮ ِﻗ ْﺒﻠَ َﺔ اﻟﺸﺒﺎب ﻷﺟﻞ اﻻﺳﺘﺠﻤﺎم واﻟﺘﺮوﻳﺢ ﻋﻦ اﻟ ﱠﻨﻔﺲ ﻣﻦ ﻗﻴﻆ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ. وﻟﻢ ﺗﺴﻠﻢ ﺣﺘﻰ أﺑﻨﻴﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت واﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ،ذﻟﻚ أن ﻟﻴﻼ؛ ﻣﺎ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻳﺰﺧ ُﺮ ﺑﺜﻼث ﺳﻮا ٍر )أﻋﻤﺪة( ﻳﻨﺒﻌﺚ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻀﻮء ً ﺟﻌﻞ اﻟﺒﻌﺾ ﻳﻌﺘﻘﺪ أن ﺳﺎرﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻮاري اﻟﺜﻼث ﺗ ُِﺸ ﱡﻊ ﺑﻨﻮر اﻟﻠﻪ، وﺑﺄن اﻟﻠﻪ ﻫﻮ َﻣﻦ ﻳﺒﺎرك اﻟﻤﻜﺎن
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
49
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ƠǚǤưǑǖČ ďČĖƜƿƬǖČ ƲǥǁƜƵĈ džǚƩǤ
ƲǥƟǔǖČ ƲƼǑǖƜƞ ǘDžLJǨČ džǙƜƩǖČ د .أﻧﺲ اﻟﻔﻴﻼﻟﻲ
ُﻋﺮ َِف اﻟﻤﻐﺮب ﻋﺒﺮ ﺗﺎرﻳﺨﻪ ﺑﻌﻤﺎرﺗﻪ اﻟﺪﻳﻨ ﱠﻴﺔ ،وﺑﻜﺜﺮة ﻣﺴﺎﺟﺪه وزواﻳﺎه وأﺿﺮﺣﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺪن واﻟﻘﺮى ،وﺳﻂ ذﻟﻚ ﻳﻜﺘﺴﻲ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﻋﻈﻢ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺼﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ أﻫﻤﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻟﻄﺒﻴﻌﺘﻪ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ واﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ اﻟﻔﺮﻳﺪَ ة ،وإﻧﻤﺎ ﻟﺪوره ﻓﻲ إذﻛﺎء ﺣﻤﺎس اﻟﻤﺠﺎﻫﺪﻳﻦ وﺗﻜﺮﻳﺲ ﺧﺎﺻ ًﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ وادي اﻟﻤﺨﺎزن اﻟﺸﻬﻴﺮة واﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﺧﻼل اﻟﻘﺮن ﺧﻴﺎر ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﺒﺮﺗﻐﺎﻟﻲ ،ﱠ اﻟﺴﺎدس ﻋﺸﺮ ،وﺧﻼل ﻓﺘﺮة اﻻﺣﺘﻼل اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ﻟﺸﻤﺎل اﻟﻤﻐﺮب ،إذ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻨﻪ ﻣﻈﺎﻫﺮة ﺿﺪﱠ اﻟﻤﺤﺘﻞ ﺳﻨﺔ 1956م .وﻛﺬﻟﻚ ﻻرﺗﺒﺎﻃﻪ اﻟﺪاﺋﻢ ﻓﻲ أذﻫﺎن اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻷﺳﻄﻮرة ،اﻟﺘﻲ ﻇﻠﺖ ﱢ ﻫﺬا ﻣﻬﻴﻤﻨﺔ ﻣﻨﺬ ﻗﺮون ﻋﺪﻳﺪة وﻇﻠﱠﺖ ﺗﺘﻄ ﱠﻮر وﺗﺘﻠ ﱠﻮن داﺧﻞ اﻟﺬﻫﻨﻴﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ. اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﺒﺤﺚ اﻷﺛﺮي
ﻳﻘﻊ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺗﻘﺪر ﺑﺤﻮاﻟﻲ 2600م ،ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻫﻨﺪﺳﺘﻪ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻋﻦ ﻫﻨﺪﺳﺔ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ وﺧﺎﺻﺔ ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﻳﻴﻦ اﻟﺸﻬﻴﺮ ﺑﻔﺎس .ﺗﻮازي واﻟﺠﻮاﻣﻊ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻮﺳﻴﻂ، ﱠ أﻋﻤﺪﺗﻪ وﺑﻼﻃﺎﺗﻪ اﻟﻘﺒﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار ﻣﺴﺎﺟﺪ أﺧﺮى ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب واﻷﻧﺪﻟﺲ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة ﻧﻔﺴﻬﺎ .وﺣﻮل ﺗﺎرﻳﺦ ﺑﻨﺎﺋﻪ أورد اﻷﺳﺘﺎذ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻮﺧﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻤﻮﺳﻮم ﺑــ»اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻘﺼﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ« اﻟﺼﺎدر ﺳﻨﺔ ،1972أن اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺑُﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻮﺳﻴﻂ ،ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻳﻌﻘﻮب اﻟﻤﻨﺼﻮر اﻟﻤﻮ ﱢﺣﺪي، ﺧﻼل ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ اﻟﻬﺠﺮي ،ﻗﺒﻞ ﺗﻮﺳﻴﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻤﺮﻳﻨﻲ .وﻳﺮﺟﻊ ﺑﺎﺣﺜﻮن آﺧﺮون اﻟﺒﻨﺎء إﻟﻰ أواﺧﺮ ﻋﻬﺪ اﻷدارﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ اﻟﻬﺠﺮي /اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ اﻟﻤﻴﻼدي، اﻋﺘﻤﺎ ًدا ﻋﻠﻰ ﻧﺼﻮص ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ وﺟﻐﺮاﻓﻴﺔ أﺷﺎرت إﻟﻴﻪ .وﻗﺪ ﻛﺎن »ﺷﺎرل ﺗﻴﺴﻮ« CharlesTissot أ ﱠو َل َﻣﻦ ﺣ ﱠﺪد ﻣﻮﻗﻊ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﻬﻞ ﻋﻨﻬﺎ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء اﺳﻤﻬﺎ ،اﻟﺬي ﻳﻌﻨﻲ اﻟﻘﻠﻌﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،أي :أوﺑﻴﺪوﻣﻨﻮﻓﻮم ﺑﺎﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ ،و َر ّﺟﺢ اﻟﺒَ ْﻌ ُﺾ أﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺼﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ،أو ﺗﺤﺖ أﻧﻘﺎض اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ وﻣﺒﺎﻧﻴﻬﺎ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ .وﻫﻮ اﻟﺮأي اﻟﺬي ﻋﺰزﺗﻪ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺛﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻋ ﱠﺪة أﺑﺤﺎث أﺛﺮﻳﺔ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻣﻊ وﻣﻌﻄﻴﺎت وﻛﺸﻮف ﻣﻴﺪاﻧﻴﺔ ﻋﺰزت اﻟﺮأي اﻟﺬي ﻳﺸﻴ ُﺮ إﻟﻰ أ ﱠن ﻣﻮﻗﻊ أوﺑﻴﺪوم ﻧﻮﻓﻮم ﻳﻮﺟﺪ ﺗﺤﺖ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺼﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﺮواﺳﺐ اﻟﻤﺘﺘﺎﻟﻴﺔ ﻟﻔﻴﻀﺎﻧﺎت )اﻟﻠﻜﻮس( ،واﻟﺘﻲ ﺗﺴ ﱠﺒ َﺒﺖ ﻓﻲ ﺗﻐﻄﻴﺔ ﺑﻨﺎﻳﺎت اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺧﻼل ﻗﺮون ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم«. اﻷﺳﻄﻮرة واﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻘﺪﻳﻢ
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ اﻟﻔﺮﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻤ ﱠﻴﺰ ﺑﻬﺎ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻣﻦ داﺧﻠﻪ ،واﻟﻤﻮاد اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ُﻋ ِﺜ َﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وأﻫﻤﻴﺔ اﻟﻤﻄﻔﻴﺔ )ﺣﻮض اﻟﻤﺎء( اﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ أﻫﻤﻴﺔ ﻣﺘﻤ ﱢﻴﺰة وﻣﺘﻔ ﱢﺮدة ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ وﻫﻨﺪﺳﺘﻬﺎ وأدوارﻫﺎ ،واﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻣﺜﻴﻠﺘﻬﺎ اﻟﺘﻲ أﻧﺸﺄﻫﺎ اﻻﺣﺘﻼل اﻟﺒﺮﺗﻐﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،ﺗﺒﺮز ﺑﻘﻮة ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻷﺳﻄﻮرة اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺴﺠﻬﺎ ﺳﻜﺎن اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻣﻊ، 48
اﻟﺠﺎﻣﻊ ا%ﻋﻈﻢ ﺑﺎﻟﻘﺼﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ
إﻟﻰ ﺗﺠﻠﻴﺎت ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻟﺸﺮق اﻹﺳﻼﻣﻲ وﻓﻨﻮن اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ازدﻫﺮت ﺧﻼل اﻟﻘﺮﻧﻴﻦ 10و 11م ﺑﺒﻼد اﻟﻤﻐﺮب وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻤﺼﺮ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺠﻠﱠﻰ ذﻟﻚ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺷﻜﻞ اﻷﺑﻮاب اﻟﻀﺨﻤﺔ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺒﺮوز ،واﻟﻤﻤﺮ اﻟﻤﻮازي ﻟﺠﺪار اﻟﻘﺒﻠﺔ ﺑﻘﺒﺎﺑﻪ اﻟﺜﻼث )واﺣﺪة أﻣﺎم اﻟﻤﺤﺮاب ،واﻷﺧﺮﻳﺎن ﻓﻲ اﻷﻃﺮاف( ،ﻛﻤﺎ أن ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻛﻼ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻤﻐﺮب اﻟﻤﻌﻤﺎر اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ ﺑﺎرز ﻛﺬﻟﻚ؛ ﻧﻈ ًﺮا ﻷن ٍّ وﺑﻼد اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﺗﺤﺖ ﺳﻠﻄﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺧﻼل اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻤﺮاﺑﻄﻴﺔ واﻟﻤﻮﺣﺪﻳﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺒﺮز ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻟﻘﺮﻃﺒﺔ )ﻋﻬﺪ اﻟ َﺤﻜَﻢ 966 961-م( ﺑﺸﻜﻞ واﺿﺢ ﻣﻦ ﺧﻼل اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻌﻘﻮد ﻣﺘﻌ ﱢﺪدة اﻟﻔﺼﻮص ،وﻣﻌﺎﻟﺠﺔ اﻟﻤﺤﺮاب ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺣﺠﺮة ﺻﻐﻴﺮة .ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻧﻔﺲ ﻫﺬا اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﺤﺮاب اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺑﺘﻠﻤﺴﺎن ﺑﺎﻟﺠﺰاﺋﺮ)1136م(، ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻤﻴﱠﺰ زﺧﺮﻓﺔ اﻟﺠﺺ -ﺳﻮاء اﻟﻤﻨﻘﻮﺷﺔ ﻣﻨﻬﺎ أو اﻟﻤﺼﺒﻮﺑﺔ- ﺑﺎﻟ ﱢﺪﻗﱠﺔ أﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ ﻛﻠﱠﻤﺎ اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺮاب )ﺑﺎﻃﻦ اﻟﻌﻘﻮد، زﺧﺮﻓﺔ اﻟﺘﻴﺠﺎن( ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺸﺄن ﻓﻲ ﻗﺮﻃﺒﺔ وﺗﻠﻤﺴﺎن ،وﻣﺮاﻛﺶ )ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻜﺘﺒﻴﺔ 1158م( .ﻟﻘﺪ ﺷ ﱠﻜﻠَﺖ ﻫﺬه اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ وﻏﻴﺮﻫﺎ )اﻟﺘﺸﺎﺑﻴﻚ واﻟﺰﻫﻮر واﻟﻨﺠﻮم( أﻫ ﱠﻢ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﺪراﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ اﻟﺒﺎﺣﺚ »س .إﻳﻔﻴﺮت« ،ﺣﻴﺚ أﻗﺎم ُﻣﻘﺎ َرﺑﺎت ﺑﻴﻦ زﺧﺮﻓﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻷﻋﻈﻢ ﺑﺘﻴﻨﻤﻞ وزﺧﺮﻓﺔ ﻣﺌﺬﻧﺔ »اﻟﺠﻴﺮاﻟﺪا اﻟﻤﻮﺣﺪﻳﺔ« ﺑﺄﺷﺒﻴﻠﻴﺔ )1198 1184-م( ،وﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ؛ ﻟﻴﺆﻛﱢﺪ ﻋﻠﻰ أن ُﻣ َﻘ ْﺮﻧ ََﺺ اﻟ ُﻘ ﱠﺒﺔ أﻣﺎم اﻟﻤﺤﺮاب ﻳﺸﻜﱢﻞ أﺣﺪ أﻫﻢ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﺰﺧﺮﻓﺔ اﻟﻤﻮﺣﺪﻳﺔ ﻣﻊ زﺧﺮﻓﺔ ﻣﺴﺠﺪ »ﺗﻠﻤﺴﺎن« ،ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء ﺷﺮﻳﻂ ﺻﻐﻴﺮ ﺑﺰﺧﺮﻓﺔ ﺷﺒﻪ ﻛﻮﻓﻴﺔ ﺑﻘﺎﻋﺪة اﻟﻘ ﱠﺒﺔ ،ﻻ ﻧﺠﺪ أي ﻧﻘﻴﺸﺔ ﺗ ُ ْﻐ ِﻨﻲ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺰﺧﺮﻓﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺮﺗﻜﺰ اﻟﻘﺒﺎب اﻟﺜﻼث اﻟﻤﺰﺧﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﻤﻘﺮﻧﺺ اﻟﺠ ﱢِﺼﻲ اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﺑﺠﺪار اﻟﻘﺒﻠﺔ ،ﻋﻠﻰ أرﺑﻌﺔ ﺣﻨﻴﺎت رﻛﻨﻴﺔ ِ ﻣﻘﺮﻧﺼﺎت اﻟﺠﺰ ِء اﻟﻌﻠﻮي ﻣﺰﺧﺮﻓﺔ ﻫﻲ اﻷﺧﺮى ﺑﺎﻟﻤﻘﺮﻧﺺ ،ﺗﺪ ﱢﻋﻢ اﻟﺜﻤﺎﻧﻲ ﻗ ﱠﺒ ٌﺔ ﻧﺠﻤ ﱠﻴ ٌﺔ ذات ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ رؤوس ،ﻛﻤﺎ ارﺗﺒﻂ ﻫﺬا اﻟﺘﻨﻈﻴﻢ اﻟﻬﻨﺪﺳﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﺑﻨﻤﻮذج ﻋﺮاﻗﻲ ﻟﻠﻘﺮن 11م ،ﺗﺠﻠﱠﻰ ﺑﺸﻜﻞ واﺿﺢ ﻓﻲ ﺿﺮﻳﺢ اﻹﻣﺎم »دور« ﺑﺴﺎﻣ ﱠﺮاء ) ،(1085أ ﱠﻣﺎ ﻣﺌﺬﻧﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻷﻋﻈﻢ ﺑﺘﻴﻨﻤﻞ ﻓﺘﺤﺘﻞ ﻣﻮﺿ ًﻌﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺄﻟﻮف ،ﺣﻴﺚ ﺗﻘﻊ ﺧﻠﻒ ﱡ اﻟﻤﺤﺮاب ،وﻳﻌﺘﺒﺮ ﻫﺬا اﻷﺧﻴﺮ ﺟﺰ ًءا ﻣﻦ أﺟﺰاﺋﻬﺎ ،ﺗﺘﻤﻴﱠﺰ ﺑﻤﻘﻄﻊ ﻣﺮﺑﱠﻊ اﻟﺰواﻳﺎ ﻳﺘﺠ ﱠﺰأ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻈﻬﺮه اﻟﺨﺎرﺟﻲ اﻟﻀﺨﻢ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻤﻨﺢ زﺧﺮﻓﺘﻪ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ اﻟﻤﻜ ﱠﻮﻧﺔ ﻣﻦ أﻗﻮاس ﻛﺎذﺑﺔ وﻏﻴﺎب اﻟﺰﺧﺮﻓﺔ اﻟﺠﺼ ﱠﻴﺔ ﻣﻈﻬ ًﺮا ﺻﺎر ًﻣﺎ ﻳﻮﺣﻲ ﺑﺎﻟﻌﻤﺎرة اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ .ﻟﻘﺪ ﺷﻜﱠﻞ ﻫﺬا ﱢ اﻟﻤﺴﺠ ُﺪ ﻧﻤﻮذ ًﺟﺎ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ اﻟﻤﻮﺣﺪي ﺑـ »ﻣﻴﺮﺗﻮﻻ« )اﻟﺒﺮﺗﻐﺎل(. وﻗﺪ اﻧﻬﺎر ﺟﺰء ﻣﻦ ﺻﻮﻣﻌﺔ ﻣﺴﺠﺪ »ﺗﻴﻨﻤﻞ« ﺑﻔﻌﻞ ﻋﻮاﻣﻞ »ﺣﺴﺎن« اﻟﺰﻣﻦ ،وﻛﺬا اﻟﺼﺮاﻋﺎت ،وأﺿﺤﺖ ﺷﺒﻴﻬ ًﺔ ﺑﺼﻮﻣﻌﺔ ﱠ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺮﺑﺎط
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
47
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
»ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻮﻣﻦ اﻟﻤﻮﺣﺪي« أﻧﻪ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻛﺎن ُﻣ ِﺤ ٍّﺒﺎ ﻟﻠﺠﻬﺎد واﻟ ﱠﺬ ْو ِد ﻋﻦ ﺣﻮزة اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ اﺳﺘﻔﺎد ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻷﺻﻴﻞ، ﺳﻮاء اﻟﺬي وﺟﺪه ﺑﺎﻷﻧﺪﻟﺲ؛ ﻣﻨﺒﻊ اﻟﻌﻠﻢ واﻷدب واﻟﻔﻦ ،أو اﻟﺬي ﺻﺎدﻓﻪ ﺑﺎﻟﻘﻴﺮوان وﻃﺮاﺑﻠﺲ ،ﻓﺎﻧﺪﻓﻊ ﻳﻘﺘﺒﺲ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻤﺘﻤﻴﱢﺰة ،وﻳُﻨﺸﺊ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ واﻟﻘﺼﻮر واﻟﺼﻮاﻣﻊ واﻟﻤﺪن ،ﺣﻴﺚ ﺳﺎر ﻛﻞ ﻣﻦ :وﻟﺪه ﻳﻮﺳﻒ ،وﻛﺬا ﺣﻔﻴﺪه ﻳﻌﻘﻮب اﻟﻤﻨﺼﻮر اﻟﺬي ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻮاﻟﻪ ﱞ ﻣﻌﻤﺎري ﺑ ﱠﻨﺎء ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﻮﺣﺪي .ﺑﻬﺬا ﺧﻠﱠﻔَﺖ اﻟﺤﻀﺎرة ﻳُ ْﻌﺘَ َﺒ ُﺮ أﻛﺒﺮ ﱟ اﻟﻤﻮﺣﺪﻳﺔ ﻣﺂﺛِ َﺮ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﺑﺎرزة ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺷﺄن ﻣﻨﻄﻘﺔ »ﺗﻴﻨﻤﻞ« اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻈﻰ ﺑﻤﻜﺎﻧﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪ اﻷﻣﻴﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻮﻣﻦ ،ﺣﻴﺚ ﺿ ﱠﻤﺖ ﻗﺒ َﺮ رﻓﻴﻘﻪ وإﻣﺎﻣﻪ ،ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ َﻣﺪﻋﺎ ًة ﻟﻴﺄﻣﺮ ﺳﻨﺔ 548ﻫـ1154 /م ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ ﻣﺴﺠﺪ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﺘﻴﻨﻤﻞ .ﻣﻜﺎن اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻷول اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﺘﻮاﺿ ًﻌﺎ ﻓﻲ ﺑﻨﻴﺘﻪ اﻟﻌﻤﺮاﻧﻴﺔ .ﺟﻌﻞ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ أﻛﺜﺮ اﺗﺴﺎ ًﻋﺎ وأﺣﻜﻢ ﺑﻨﺎ ًء، ﻋﻮي واﻟﺘﻌ ﱡﺒﺪي ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻟﻠﺘﻌﻠﱡﻢ واﻟﺪرس إذ ﻛﺎن إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ دوره اﻟ ﱠﺪ ﱢ واﻟﺘﺤﺼﻴﻞ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻳﺄﺗﻮن إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﺟﻬﺎت اﻟﻤﻐﺮب، وﻣﻦ ﻋﺪوة اﻷﻧﺪﻟﺲ؛ ﻟﺘﺪرﻳﺲ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻤﻮاﻓﻘﺔ ﻟﻠﺪﻋﻮة »اﻟﺘﻮﻣﺮﺗﻴﺔ« )ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﻬﺪي ﺑﻦ ﺗﻮﻣﺮت( ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻀﻢ ﺧﺰاﻧﺔ ﻛﺘﺐ ﻣﻬ ﱠﻤﺔ، ﻳﻤﻜﻦ اﻹﺷﺎرة ﻓﻲ ﻫﺬا اﻹﻃﺎر إﻟﻰ »أﺣﻤﺪ اﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻣﻀﺎء اﻟﻘﺮﻃﺒﻲ« اﻟﺬي ﻟﺤﻖ ﺑﺠﺒﻞ »ﺗﻴﻨﻤﻞ« ﺳﻨﺔ 540ﻫـ1145 /م ،ﻓﺎﺳﺘﻘ ﱠﺮ ﺑﻪ ُﻣﺪ ﱢر ًﺳﺎ ﻟﻠﻌﻠﻢ ،ﻧﺎﺷ ًﺮا ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ ﻣﻌﺎرف ﻋﻠﻰ ﻋﻬﺪ »ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻮﻣﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ« .ﻫﻜﺬا اﺳﺘﻤ ﱠﺮت »ﺗﻴﻨﻤﻞ« ﻣﺰدﻫﺮ ًة ﻃﻴﻠﺔ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﻮﺣﺪي، ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻧﺘﻘﺎل اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻤﻮﺣﺪﻳﻦ ﺑﻌﺪ »اﻟﻤﻬﺪي ﺑﻦ ﺗﻮﻣﺮت« إﻟﻰ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻣﺮاﻛﺶ ،ﻣﺤﺘﻀﻨ ًﺔ ﻟﻤﺴﺠﺪ ﻣﺘﻔ ﱢﺮد ﻓﻲ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻋﻤﺎرﺗﻪ وﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﺑﻨﺎﺋﻪ.
ﺗﺘﻜ ﱠﻮن ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺼﻼة ﻣﻦ ﺗﺴﻌﺔ أروﻗﺔ ﻣﻮ ﱠﺟﻬﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﻘﺒﻠﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺸﻜﱢﻞ ﺷﻜﻼ ﻫﻨﺪﺳ ٍّﻴﺎ اﻟﺘﻘﺎء اﻟﺒﻼط اﻟﻤﺤﻮري واﻟﺮواق اﻟﻤﻮازي ﻟﺠﺪار اﻟﻘﺒﻠﺔ ً ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ اﻟﺤﺮف اﻟﻼﺗﻴﻨﻲ .Tأ ﱠﻣﺎ ﻗﺒﺎﺑﻪ اﻟﺜﻼث ﻓﺘﺘﻮزﱠع ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻨﺘﻈﻢ ﻳﺘﺒﻖ ﻣﻨﻬﺎ إﻻ واﺣﺪة ﻓﻲ اﻟﺰاوﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻃﻮل رواق اﻟﻘﺒﻠﺔ ،إﻻﱠ أﻧﻪ ﻟﻢ ﱠ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ .ﺗﺮﺗﻜﺰ أروﻗﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻋﻠﻰ دﻋﺎﻣﺎت ﻣﺒﻨﻴﺔ ﻣﻦ اﻵﺟﺮ ﺑﻮاﺳﻄﺔ أﻗﻮاس ﻣﺘﻨ ﱢﻮﻋﺔ اﻟﺸﻜﻞ ،ﺗﺴﺎﻫﻢ ﺑﺪورﻫﺎ ﻓﻲ إﻋﻄﺎء اب ﺻﻮﻣﻌ ٌﺔ ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻘﺎﻋﺔ اﻟﺼﻼة ،ﻛﻤﺎ ﺗﻌﻠﻮ اﻟﻤﻨﺒ َﺮ واﻟﻤﺤﺮ َ ﻣﺴﺘﻄﻴﻠﺔ اﻟﺸﻜﻞ ،ﻣ ﱠﻤﺎ ﻳﻌﺘﺒﺮ اﺳﺘﺜﻨﺎ ًء ﻓﻲ ﻫﻨﺪﺳﺔ اﻟﺠﻮاﻣﻊ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮب. أ ﱠﻣﺎ اﻟﺼﺤﻦ ﻓﻴﻤﺘ ﱡﺪ ﺷﻤﺎل ﻏﺮب ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺼﻼة ،وﻫﻮ ُﻣﺤﺎ ٌط ﺑﺄروﻗﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺰﺧﺮﻓﺔ ،ﻟﻴﺸﻜﱢﻞ ﻣﺤﺮاب »ﺗﻴﻨﻤﻞ« إﺣﺪى رواﺋﻊ اﻟﻔﻦ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮب. ﺗﺠﻠﻴﺎت اﻟﻔﻦ اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻟﻤﺸﺮﻗﻲ واﻷﻧﺪﻟﺴﻲ
ﻳﺘﻜ ﱠﻮن ﻣﺴﺠﺪ »ﺗﻴﻨﻤﻞ« ﻣﻦ ﺑﺎب ﻳﻘﻊ ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺎل ،ﻳﺸﻜﱢﻞ اﻟﻤﺤﻮر اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻟﻠﺒﻨﺎﻳﺔ .وﺳﺘﺔ أﺑﻮاب ﺟﺎﻧﺒﻴﺔ ،اﺛﻨﺎن ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺆ ﱢدﻳﺎن إﻟﻰ اﻟﻔﻨﺎء، واﻷرﺑﻌﺔ اﻷﺧﺮى إﻟﻰ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺼﻼة .ﺗﻮﺟﺪ ﻫﺬه اﻷﺧﻴﺮة ﺧﻠﻒ اﻟﻔﻨﺎء، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻋﺎدة ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ اﻟﻤﻐﺎرﺑﻴﺔ ﺧﻼل ﻓﺘﺮة اﻟﻤﺮاﺑﻄﻴﻦ، ﻛﻤﺎ ﻳﻀ ﱡﻢ ﺗﺴﻊ ﺑﻼﻃﺎت ﻣﻮازﻳﺔ ﻟﺠﺪار اﻟﻘﺒﻠﺔ ،ﺗﺴﺘﻨﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻤ ﱟﺮ ﻋﺮﻳﺾ. إﻧﻪ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﺧﺎص ﺑﻤﺴﺎﺟﺪ إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻨﺬ ﻓﺘﺮة »اﻷﻏﺎﻟﺒﺔ« .ﻛﻤﺎ ﻳﺸﻜﱢﻞ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻷﻗﺼﻰ اﻷﻣﻮي ،دون ﺷﻚ ،أﺣ َﺪ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟﻬﺬا اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻤﻌﻤﺎري ،اﻟﺬي أﻋﻴﺪ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ﺑﻤﺴﺠﺪ ﺳﺎﻣ ﱠﺮاء )اﻟﻌﺮاق( ﺧﻼل اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻤﻴﱠﺰ ﺑﺒﻼﻃﺎت ﺟﺎﻧﺒﻴﺔ ِﺟ ﱡﺪ ﻣﺘﱠﺴﻌﺔٌ ،ﺗﻤﺘ ﱡﺪ ﻟﺘﻜ ﱢﻮن رواﻗﻴﻦ ﺟﺎﻧﺒﻴﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻔﻨﺎءُ .ﺟ ﱢﺴﺪت اﻟﺒﻼﻃﺎت واﻟﻤﻤ ﱡﺮ ﺑﻮاﺳﻄﺔ أﻋﻤﺪة ﻣﻦ اﻵﺟﺮ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣﻮا ﱠد ﺷﺮﻗﻴﺔ ُﻣﺤﺎﻃﺔ ﺑﺄﻧﺼﺎف أﻋﻤﺪة اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ اﻟﻤﻌﻤﺎري ﻟﻤﺴﺠﺪ ﺗﻴﻨﻤﻞ ﺑﺎرزة .ﻟﻘﺪ ﺗ ﱠﻢ اﺳﺘﻌﻤﺎل ﻫﺬه اﻷﻋﻤﺪة ﻣﻨﺬ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ أﻋﻴﺪ ﺑﻨﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﺘﺼﻤﻴﻢ ذي ﺷﻜﻞ ﻣﺴﺘﻄﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻃﻮﻟﻬﺎ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺧﻼل اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﻄﻮﻟﻮﻧﻴﺔ وﻛﺬا اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﺔ .ﺑﻬﺬا، ٍ ﺗﺠﺪﻳﺪات ﺷﻜﻠﻴﱠ ًﺔ وﻫﻨﺪﺳﻴﺔ ،ﺗﺸﻴﺮ 48,10ﻣﺘﺮ ،وﻋﺮﺿﻬﺎ 43,60ﻣﺘﺮ .ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﺳﻮر ﻣﺮﺗﻔﻊ ﺗﻌﻠﻮه ﺷﺮﻓﺎت ،ﺗﻘ ﱢﺪم ﺑﻨﺎﻳ ُﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻷﻋﻈﻢ ﻟﺘﻴﻨﻤﻞ
46
ﻗﺼﺔ ﻣﺴﺠﺪ ﺑﺎ%ﻃﻠﺲ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ »ﺗﻴﻨﻤﻞ« ﱠ
ﺧﻼل ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ،ﱠإﻻ أن ﻣﺴﺠﺪ »ﺗﻴﻨﻤﻞ« اﻷﻋﻈﻢ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺰال ﻗﺎﺋ ًﻤﺎ إﻟﻰ اﻟﻴﻮم ،ﻳﺒﻘﻰ ﺷﺎ ِﻫ ًﺪا ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻋﺮﻓﺘﻪ ﻫﺬه اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ ازدﻫﺎر ﻋﻤﺮاﻧﻲ وﺗﻄ ﱡﻮر ﺣﻀﺎري .ﻳﻘﻊ ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﺎﺋﺔ ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﺸﺮﻗﻲ ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ »ﻣﺮاﻛﺶ« .ﻟﻴﺲ ﻫﻴﱢ ًﻨﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﻌﺾ ﻣﻘﺘﻔﻲ اﻟﻤﺂﺛﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ واﻟﻤﻬﻮوﺳﻴﻦ ﺑﺎﻟﺘﺮاث اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ أن ﻳﻘﺎوم ﻫﺬا اﻟﺼﺮح اﻟﺘﺮاﺛﻲ ﺗﻘﻠﱡﺒﺎت ﺗﻠﻚ اﻷزﻣﺔ واﻟﻌﺼﻮر. ُﻄﻞ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺿَ ْﻴ ٍ ﻌﺎت ﻳﻘﻊ ﻣﺴﺠﺪ »ﺗﻴﻨﻤﻞ« ﻓﻮق رﺑﻮة ﺗ ﱡ وﺣﺪاﺋﻖ ﺧﻀﺮاء ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﻤﺆدﻳﺔ إﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﺗﺎروداﻧﺖ« )اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻟﻠﻤﻐﺮب( ﻋﺒﺮ ﻣﻤ ﱢﺮ »ﺗﻴﺰي ﻧﺘﺎﺳﺖ« ﺑﺎﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ )اﻟﻤﻤﺮ اﻟﺠﺒﻠﻲ ﺗﺎﺳﺖ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ(. ﻣﺴﺠﺪ »ﺗﻴﻨﻤﻞ« واﻟﻘﺎﺋﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻮﻣﻦ
ارﺗﺒﻂ ﻣﺴﺠﺪ »ﺗﻴﻨﻤﻞ« ﺑﺎﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ »ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻮﻣﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻜﻮﻣﻲ« ) 1130م1163 -م( ،أول ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ »اﻟﻤﻮﺣﺪﻳﺔ« .ﺧﻠﱠﺪ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ اﻟﻤﺆﺳﺲ اﻟﺮوﺣﻲ ﻟﻠﺪﻋﻮة »اﻟﻤﻮﺣﺪﻳﺔ« واﻟ ُﻤ ْﺼﻠﺢ اﻟﺪﻳﻨﻲ
»اﻟﻤﻬﺪي ﺑﻦ ﺗﻮﻣﺮت« ،ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﺬﻫﺐ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﺬي ﻳﺪﻋﻮ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ إﻟﻰ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ واﻹﺻﻼح اﻷﺧﻼﻗﻲ اﻟﺼﺎرم .ﻟﻬﺬه اﻟﻤﻜﺎﻧﺔ؛ ﺑﻨﻰ اﻟﻘﺎﺋﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻮﻣﻦ ﻣﺴﺠﺪ »ﺗﻴﻨﻤﻞ« ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻗﺒﺮ »اﻟﻤﻬﺪي ﺑﻦ ﺗﻮﻣﺮت« ﺳﻨﺔ 1130م .ﺷُ ﱢﻴﺪ ﺟﺎﻣﻊ »ﺗﻴﻨﻤﻞ« ﻓﻲ ﺑﻠﺪة »ﺗﻨﻤﻞ« وﺳﻂ ﺟﺒﺎل اﻷﻃﻠﺲ ،ﻗﺮب ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﺮاﻛﺶ ،ﻣ ﱠﻤﺎ ﻳﺆﻛﱢﺪ أن ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻮﻣﻦ ﻟﻢ ﻳَ ْﻨ َﺲ ﻗﺮﻳﺔ »ﺗﻴﻨﻤﻞ«؛ ﻣﻬﺪ اﻟﺪﻋﻮة اﻟﻤﻮﺣﺪﻳﺔ ،ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺒﻨﺎء واﻟﺘﺸﻴﻴﺪ واﻟﻌﻤﺎرة؛ إﻛﺮا ًﻣﺎ ﻟﺬﻛﺮى »اﻟﻤﻬﺪي ﺑﻦ ﺗﻮﻣﺮت« ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، وﻟِ َﻤﺎ ﻗ ﱠﺪ َﻣﺘْﻪ ﻫﺬه اﻟﻘﺮﻳ ُﺔ ﻣﻦ دﻋﻢ وﻣﺆازرة ﻟﻠﺪﻋﻮة اﻟﻤﻮ ﱢﺣﺪﻳﱠﺔ ﻣﻨﺬ ﺑﺪاﻳﺎﺗﻬﺎ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى .وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺑﺴﺎﻃﺔ ﻣﻌﻤﺎر ﻣﺴﺠﺪ »ﺗﻴﻨﻤﻞ« ،ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﺒﺎﻗﻲ اﻟﻤﺂﺛﺮ اﻟﺘﻲ ﺷﻴﱠﺪﻫﺎ اﻟﻤﻮ ﱢﺣﺪون ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ،ﻓﺈن أﻏﻠﺐ اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﺗﺆﻛﱢﺪ ﻋﻠﻰ أن ﻣﺌﺬﻧﺘﻪ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻣﺂذن اﻟﻤﻮ ﱢﺣﺪﻳﻦ اﻷﺧﺮى ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ زﺧﺎرف اﻟﻘﺎﻋﺪة ﺗﻘﺘﺮب ﻣﻦ ﻣﺌﺬﻧﺔ ﺟﺎﻣﻊ »اﻟ ُﻜﺘُ ِﺒ ﱠﻴﺔ« ﺑﻤﺮاﻛﺶ ،ﻛﻤﺎ ﻳُ ّﻌ ﱡﺪ ﻣﺤﺮاب ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ ﻣﺤﺎرﻳﺐ ﻫﺬه اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺘﺠﻠﱠﻰ ﻓﻴﻪ اﻟﺰﺧﺮﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻳﺴﺘﺸﻒ اﻟﺒﺎﺣﺜﻮن ﻣﻦ ﺳﻴﺮة اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﺘﻨﺎﺳﻘﺔ اﻷﺷﻜﺎل واﻷﻟﻮان. ﱡ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
45
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
lǕǚǝǥƢz
ƲǥƟǔǖČ ǣƞƲNjǚǖČ ƴǗǁǨƜƞ ưƩƶǙ ƠƼƎ ǐ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻮ ﻋﻴﻄﺔ
ﺗﻤﺘﺪﱡ ذاﻛﺮة »ﺗﻴﻨﻤﻞ« ﺑﻤﺎ ﺗﺨﺘﺰﻧﻪ ﻣﻦ إرث ﺗﺎرﻳﺨﻲ ،إﻟﻰ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم .اﺷﺘﻬﺮت ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس اﻟﻬﺠﺮي )اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﻴﻼدي( ﻣﻊ ﻇﻬﻮر »اﻟﻤﻬﺪي اﺑﻦ ﺗﻮﻣﺮت« .ﻣ ﱠﻤﺎ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺗ ﱠﺘ ِﺴ ُﻢ ﺑﻤﻜﺎﻧﺔ أوﺻﻠﺘﻬﺎ إﻟﻰ ﺣﺪﱢ اﻟﺘﻘﺪﻳﺲ اﻟﺬي اﺳﺘﻠﻬﻤﺘﻪ ﻣﻦ ﻣﺪﻓﻦ زﻋﻴﻤﻬﺎ اﻟﺮوﺣﻲ .اﺧﺘﻠﻒ اﻟﺒﺎﺣﺜﻮن ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺸﺄن ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ أﺳﻤﺎء اﻷﻋﻼم واﻟﻤﻮاﻗﻊ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ رﺳﻢ وﻧُﻄْ ِﻖ ﻛﻠﻤﺔ »ﺗﻴﻨﻤﻞ« ،ﺣﻴﺚ ﻛُ ِﺘ َﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﺼﺎدر ﺑﺄﺷﻜﺎل ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ» :ﻧﻴﻨﻤﻞ«» ،ﺗﺎﻧﻤﻠﻠﺖ«» ،ﺗﺎﻣﻠﻠﺖ«» ،ﺗﺎﻧﻤﻠﻞ«، و»ﺗﻴﻦ -ﻣﻠﻞ« .ﻫﺬه اﻷﺧﻴﺮة اﻟﺘﻲ ذﻫﺐ اﻟﺒﻌﺾ إﻟﻰ أﻧﻬﺎ ﻛﻠﻤﺔ ُﻣﺮﻛﱠﺒﺔ ﻣﻦ» :ﺗﻴﻦ« و»إﻳﻤﻴﻼل«. وﻣﻌﻨﺎﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ :اﻷرض ذات اﻟﻤﺪارج ،أو اﻟﻤﺪرﺟﺎت اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎﻻت اﻟﺠﺒﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﻓﻲ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺰراﻋﻲ .أ ﱠﻣﺎ ُﺳﻜﱠﺎن اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،ﻓﻴﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ »ﺗﻴﻨﻤﻞ«. ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻳﺆﻛﱢﺪ اﻟﺒﺎﺣﺚ »ﺻﺪﻗﻲ أزاﻳﻜﻮ« ﻋﻠﻰ أن اﻟﻨﻄﻖ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ ﻫﻮ »ﺗﻴﻨﻤﻴﻼن« ،اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﺑﺎﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ: ﺤﺞ .وﺑﺬﻟﻚ ﻳُﺮ ﱠﺟﺢ أن ﻗﺪاﺳﺔ »ﺗﻴﻨﻤﻞ« و ُﺣ ْﺮ َﻣﺘﻬﺎ اﻟ َﻤﺰار أو اﻟ َﻤ ﱠ ﻟﻢ ﺗﻜﺘﺴﺒﻬﻤﺎ ﻣﻦ اﺳﺘﻘﺮار »اﻟﻤﻬﺪي ﺑﻦ ﺗﻮﻣﺮت« ﺑﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﺨﺎﺻﻴﺔ ﻣﻌﺮوﻓ ًﺔ ﻗﺒﻞ ﻇﻬﻮر »اﻟﻤﻮ ﱢﺣﺪﻳﻦ« ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ُﻣﻘ ﱠﺪ ًﺳﺎ ﺗﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻟﻌﻘﺪ اﻟﻤﻮاﺛﻴﻖ واﻟﻌﻬﻮد ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ، وﻳﺤﺘﻤﻞ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻬﺬه اﻟﻮﻇﻴﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻟـ »ﺗﻴﻨﻤﻞ« ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ دور ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﻗﺪوم »اﺑﻦ ﺗﻮﻣﺮت« إﻟﻴﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ اﺧﺘﺎرﻫﺎ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻷﺧﺮى ﻟﻴﺘﺴﻨﻰ ﻟﻪ ﻧﺸﺮ دﻋﻮﺗﻪ ﺑﻴﻦ ﻗﺒﺎﺋﻞ »اﻟﻤﺼﺎﻣﺪة«. ﺣ ﱠﺪدت ﻣﻮرﻓﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﻤﻜﺎنِ ﻃﺎﺑَ َﻊ َﻋﻴْ ِﺶ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ،وأﺛ ﱠﺮت ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﻓﻲ اﻟﻄﺒﺎﺋﻊ واﻟﻌﻘﻠﻴﺎت .ﻳُﻌﺪ ﻣﺠﺎل »ﺗﻴﻨﻤﻞ« ﺣﺴﺐ »اﺑﻦ ﺧﻠﺪون« ﻣﻦ أﻋﻈﻢ ﺟﺒﺎل اﻟﻤﻌﻤﻮرة ،أ ﱠﻣﺎ ﻋﻦ »اﻟﻤﺼﺎﻣﺪة« ،ﻓﻘﺪ أﺷﺎر إﻟﻰ أﻧﻬﻢ »أﻣﻢ ﻻ ﻳﺤﺼﻴﻬﻢ إﻻ ﺧﺎﻟﻘﻬﻢ ،ﻓﻘﺪ اﺗ ﱠﺨﺬوا اﻟﻤﻌﺎﻗﻞ واﻟﺤﺼﻮن ،وﺷ ﱠﻴﺪوا اﻟﻤﺒﺎﻧﻲ واﻟﻘﺼﻮر ،واﺳﺘﻐﻨﻮا ِﺑ ُﻘﻄْﺮﻫﻢ ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ 44
ﻗﺼﺔ ﻣﺴﺠﺪ ﺑﺎ%ﻃﻠﺲ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ »ﺗﻴﻨﻤﻞ« ﱠ
أﻗﻄﺎر اﻟﻌﺎﻟﻢ« .أ ﱠﻣﺎ »اﻟﺤﺴﻦ اﻟﻮزﱠان« )اﻟﻤﺸﻬﻮر ﺑﻠﻴﻮن اﻹﻓﺮﻳﻘﻲ( ،ﻓﻘﺪ وﺻﻒ »ﺗﻴﻨﻤﻞ« ﺑﺄﻧﻬﺎ» :ﺟﺒﻞ ﻋﺎل ﺟ ٍّﺪا ،ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺒﺮودة ،ﻳﺰدﺣﻢ اﻟﺴﻜﺎن ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﻬﺔ ،وﻋﻠﻰ ﻗﻤﺘﻪ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﺤﻤﻞ اﺳﻤﻪ ﻣﺰداﻧﺔ ﺑﻤﺴﺠﺪ ﺟﻤﻴﻞ وﻳﺨﺘﺮﻗﻬﺎ ﻧﻬﺮ ﺟﺎرٍ«. ﺗﻴﻨﻤﻞ :أﺛﺮ ﺑﻌﺪ ﻋﻴﻦ
ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ارﺗﺒﺎط ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﺗﻴﻨﻤﻞ« ﺗﺎرﻳﺨﻴٍّﺎ ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ »اﻟﻤﻮ ﱢﺣﺪﻳﱠﺔ« اﻟﻘﻮﻳﺔ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ اﻟﻴﻮم ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻣﺪﻳﻨﺔ ،ﺑﻌﺪ أن ﺣ ﱠﻮﻟﺘﻬﺎ دوﻟﺔ »ﺑﻨﻲ ﻣﺮﻳﻦ« إﻟﻰ أﺛﺮ ﺑﻌﺪ ﻋﻴﻦ .ﺑﻘﻴﺖ أﻃﻼل ﻫﺬه اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺷﺎﻫ ًﺪا ﺣ ٍّﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺸﺎﻋﺔ اﻟﺤﺮوب واﻟﺼﺮاﻋﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺑﻴﻦ َﻣﻦ ﺗﻌﺎﻗﺒﻮا ﻋﻠﻰ اﻟ ُﺤﻜْﻢِ
ﺷﻜﻼ ﺛ ُﻤﺎﻧِﻴٍّﺎ ﻳُﺸﺒﻪ ﻓﻰ ﺑﻨﺎﺋﻪ ﻣﺴﺠﺪ ﻗﺒﺔ اﻟﺼﺨﺮة، ﻣﺘ ًﺮا ،ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﱠﺨﺬ اﻟﻤﺴﺠﺪ ً ﺣﻴﺚ ﺑﻠﻐﺖ ﺗﻜﻠﻔﺘﻪ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﺼﻒ ﻣﻠﻴﻮن دوﻻر أﻣﺮﻳﻜﻲ .اﻟﻤﺴﺠﺪ َﻣ ْﺒ ِﻨ ﱞﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺑﻴﺾ ،ﻣﻊ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻷﺣﺠﺎر ذات اﻟﻠﻮن اﻷﺳﻮد ،ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻌﺘﻠﻲ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ اﻟﻘﺮآﻧﻴﺔ ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ( ﻋﻨﺪ ﻣﺪﺧﻠﻪ اﺳﻢ )ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻤﺴﻴﺢ l h hk اﻵﻳﺔ hk i l h i ŷļi ųjh ȣh b jh ĬA h h i i h l h h i ﻣﻦ ﺳﻮرة hاﻟﻨﺴﺎء^źŎK űɆŋɊ ŴȨA żŏɀjŠ ŃžjŏųɉA ĵųȫj?Ā : h hlh k Gb f Ki b h ż ů? ĵŸĵ h űh Ɇh ŋl Ɋ ...ŷi lŶjŲ j ŪůɁ ﺗﺒﻠﻎ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻧﺤﻮ 1000ﻣﺘﺮ ﻣﺮﺑﱠﻊ ،ﻋﻠﻰ أرض ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ 1129 اﻟﺨﺸﺒﻲ ﻣﺘ ًﺮا ﻣﺮﺑﱠ ًﻌﺎ ،وﻫﻮ ُﻣ َﻜ ﱠﻮ ٌن ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﻃﻮاﺑﻖ ،وﻳﻮﺟﺪ ﻓﻮق اﻟﻤﺤﺮ اب h h h h h hk i ĵŹh lžŰŠ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ lاﻵﻳﺔ اﻟﻘﺮآﻧﻴﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻣﻦ ﺳﻮرة آل ﻋﻤﺮانŮŇI ĵųh ŰŬĀ : e h h l h Š ʼnh Łh bh BA h ŋh Ņ ųj ɉA ĵɆk ŋj ȡLh .Ă..ĵũLl jK ĵŸh ʼnŶjﻳﻮﺟﺪ أﻳﻀً ﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺪران اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻋ ﱠﺪة ﻟﻮﺣﺎت ﻗﺮآﻧﻴﺔ ﻣﻜﺘﻮب ﻋﻠﻴﻬﺎ اﺳﻢ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢh ،ﻣﻨﻬﺎ hﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻦ ﺳﻮرة آل ﻋﻤﺮان: اﻟﺴﻼم ،وردت ﻓﻲ h h l h h hk h h h h l h k k i h l h h i h h h l h h l j]ĵŧśŔAb j]ŋŹŚb h j]ĵŧśŔA ĬA `j? űɆŋɊ ĵŽ Ĺŭjɋƅh ųɉA l ĺ j ůĵũ J˯Ā h ʼnŶjŠ ż ŏɀj ĂŴžوﻛﺬﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰh `k ?Ā : h Š Ůh Ŀh Ų h ųj ɉĵšh ůA j;ĵŏjh ȸ ż hŰŠh j i h h h h h h h h hk hi ،ĂBAوﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻵﻳﺎت اﻟﻘﺮآﻧﻴﺔ اﻟﻤﺬﻛﻮر g ŋĻ ŴjŲ ŷŪŰŇ ð _I< Ůj ĿųŬ jĬA ﻓﻴﻬﺎ اﺳﻢ ﻧﺒﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ،وأﻣﻪ ﻣﺮﻳﻢ ،ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺴﻼم .واﻟﻮاﻗﻊ أن اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺸﺎﻫﻖ اﻟﺒﻴﺎض ﻳﻘﻒ ﺳﺎﻣﻘًﺎ وﺳﻂ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﻌﺮﻳﻘﺔ، ﺑﻤﺌﺬﻧﺘﻪ اﻟﺸﺎﺧﺼﺔ َﺻ ْﻮ َب اﻟﺴﻤﺎء ،وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻬﻤﺲ ﻗﺎﺋﻠﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ» :ﻧﺤﻦ ﻛﻞ ﻣ ﱠﻨﺎ رب اﻟﺴﻤﺎوات واﻷرض ..ﻳﺎ ﺧﺎﻟﻖ اﻟﻜﻮن اﻟﻌﻈﻴﻢ ..ﱞ ُﻣ َﻮ ﱢﺣﺪون ﺑﻚ ﻳﺎ ﱠ ﻓﺴﺘﻈﻞ ﺑﻴﻮﺗﻚ دو ًرا ﱡ ﻳﺮاك ﻋﺒﺮ ﻣﻨﻈﻮره ،وﻳُﻜﺒﱢﺮ اﺳ َﻤﻚ ،وﻳُﻤ ﱢﺠﺪ ﺻﻨﻴﻌﻚ، ﻟﻠﻌﺒﺎدة ﺗﺠﻤﻊ اﻟﺸﻤﻞ ﻋﻠﻰ َﻣ ﱢﺮ اﻟﺰﻣﺎن«... ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
43
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ǣǝǤưǖČ ƪǙį ƜƶƣǖČĨ ǣƮƕƣǖČ ƳǙĖ
ĦĔĖǨƜƞ lǘǤƲǙ Ǜƞ ǢƶǥLJ ƪǥƶǚǖČz ưƩƶǙ ﺷﻴﺮﻳﻦ ﻣﺎﻫﺮ
ﺗﺤﺘﻀﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﻣﺄدﺑﺎ« اﻷﺛﺮﻳﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ،اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺟﻨﻮب اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻷردﻧﻴﺔ -اﻟﺘﻲ ُﺳ ﱢﻤ َﻴﺖ ﺑـ »ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻔﺴﻴﻔﺴﺎء« -ﻣﺴﺠﺪ »اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ« ،اﻟﺬي أﻗﻴﻢ ﻋﺎم 2008ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺄﻣﻮﻧﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺑﻀﺎﺣﻴﺔ »ﺣﻨﻴﻨﺎ« ،ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻊ ﻛﻨﻴﺴﺔ اﻟﺮوح اﻟ ُﻘﺪُ س ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ،ﻟﻴﻜﻮن اﻟﺘﺠﺎور ﻣﺎﺛِ ًﻼ ﻟﻠ َﻌﻴﺎن ﻓﻲ ﻛﻞ ﺠﺴﺪً ا ُﻋ ْﻤ َﻖ اﻟﺘﺂﺧﻲ اﻟﺪﻳﻨﻲ ،ﻛـ »ﻧﻤﻮذج« ﻓﺮﻳﺪ أرﺟﺎء اﻟﻤﺪﻳﻨﺔُ ،ﻣ ﱢ اﻟﺴﻠْ ِﻤ ﱢﻲ واﻟﻮﺋﺎم ﺑﻴﻦ اﻷدﻳﺎن اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ. ﻟﻠﺘﻌﺎﻳُﺶ ﱢ واﻟﻮاﻗﻊ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ اﻟﺼﺪﻓﺔ أن ﻳُﺴ ﱠﻤﻰ أﺣﺪ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺑﺎﺳﻢ ﺳﻴﺪﻧﺎ »ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ« ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم؛ ﻓﺎﻟ ﱢﺪﻳﻦ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﻮﻗﱢﺮ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻧﺒﻴﺎء ،وﻳﺆﻣﻦ ﺑﻬﻢ؛ ُر ُﺳ ًﻼ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ،ﺣﻴﺚ ﺗَﺒُﺚﱡ ﻫﺬه اﻟﺘﺴﻤﻴﺔ رﺳﺎﻟ َﺔ ﺗﺴﺎ ُﻣ ٍﺢ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢُ ،ﻣﻔﺎدﻫﺎ أن اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻳُﻜ ﱡﻨﻮن ﻛﻞ اﻻﺣﺘﺮام ﻟﻺﺧﻮة اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ،وﻟﻠﺴﻴﺪ اﻟﻤﺴﻴﺢ ،ﺣﻴﺚ ﻟﻘﻴﺖ ﻣﺒﺎدرة ﺗﺴﻤﻴﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﻬﺬا اﻻﺳﻢ ﺗﺮﺣﻴ ًﺒﺎ واﺳ ًﻌﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺎدات اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﻓﻲ اﻷردن، واﻋﺘﺒﺮﺗﻬﺎ ﺑﺎدرة ﻟ ُﺤ ْﺴﻦِ اﻟ ﱢﻨ ﱠﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻷﻏﻠﺒﻴﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﺔ .وﻳُ َﻌ ﱡﺪ ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ اﺳﻢ ﻧﺒﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم .ﻣ ﱠﻤﺎ ﻻ ﱠ ﺷﻚ ﻓﻴﻪ ،ارﺗﺒﻄﺖ ﻫﺬه اﻟﺘﺴﻤﻴﺔ ﺑﺮواﻳﺎت َ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ اﻟﺪاﻓﻊ واﻟ ُﻤﺤ ﱢﺮك ﺧﻠﻒ اﻧﺘﻘﺎء ﻫﺬا اﻻﺳﻢ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ ،ﻓﻤﻨﺬ ﻣﺎ ﻳﻘﺮب ﻣﻦ 60ﻋﺎ ًﻣﺎ ،ﺗﻌ ﱠﺮض إﻣﺎم أﺣﺪ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﻣﺄدﺑﺎ« ﻟﻮﻋﻜﺔ ﻣﺮﺿﻴﺔ ﺷﺪﻳﺪة ،أرﻗﺪﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻔﺮاش ﺧﻼل ﺷﻬﺮ رﻣﻀﺎن ،ﻓﻠﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أن ﻳﺆذﱢن ﻓﻲ اﻟﻨﺎس وﻗﺖ اﻟﻤﻐﺮب .ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﻧﻈﺎم ﻟﻸذان اﻟﻤﻮ ﱠﺣﺪ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﻛﻞ إﻣﺎم ﻣﺴﺠﺪ ﻳﺼﻌﺪ ﺳ ﱠﻤﺎﻋﺎت ﻣﺜﺒﺘﺔ ﻓﻲ أﻋﻠﻰ اﻟﻤﺂذن ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﱡ درﺟﺎت اﻟﻤﺌﺬﻧﺔ اﻟﻤﺪ ﱠورة ،ﺣﺘﻰ ﻳﺮﻓﻊ اﻷذان ﺑﺄﻋﻠﻰ ﺻﻮﺗﻪ ،ﻣﻨﺎدﻳًﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﺎس ﻟﻠﺼﻼة.ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ اﻹﻣﺎم أن ﻳﻨﻬﺾ ﻣﻦ ﻓﺮاﺷﻪ ﻟﻜﻲ ﻳﺆذﱢن وﻳﺼﻠﻲ ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ وﻳُﻌﻠِﻢ اﻟﺼﺎﺋﻤﻴﻦ ﺑﺄن ﻣﻮﻋﺪ اﻹﻓﻄﺎر ﻗﺪ ﺣﺎن ،وإذ ﻻﺣﻆ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ راﻋﻲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﺠﺎورة ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ ،وﻋﻠﻢ ﺑﺄن َﺧﻄْ ًﺒﺎ ﻣﺎ ﻗﺪ ﺣﺪث ﻟﺠﺎره اﻟﻤﺴﻠﻢ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ إﻻ أن ذﻫﺐ ﻹﻣﺎم اﻟﻤﺴﺠﺪ وﻗ ﱠﺪم ﻟﻪ اﻟ َﻌ ْﻮ َن ،وﺳﺎﻋﺪه ﻓﻲ إﺧﻄﺎر اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﻤﻮﻋﺪ اﻹﻓﻄﺎر ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن راﻋﻲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻳﻤﻠﻚ ﺟﻬﺎز رادﻳﻮ ﺻﻐﻴﺮ »ﺗﺮاﻧﺰﺳﺘﻮر« ،ﻳﻘﻮم 42
ﻣﺴﺠﺪ »اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ« ﺑﺎ%ردن
ﺑﻔﺘﺤﻪ ﻋﻠﻰ إذاﻋﺔ »ﻋﻤﺎن« ﻟﻜﻲ ﻳﻌﺮف ﻣﻴﻌﺎد أذان اﻟﻤﻐﺮب وﻣﻮﻋﺪ اﻹﻓﻄﺎر ،وﻓﻮر اﻧﻄﻼق أذان اﻟﻤﻐﺮب ﻓﻲ اﻹذاﻋﺔ ،ﻳﻘﻮم ﺑﻘﺮع أﺟﺮاس اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﻓ ُﻴ ْﻌﻠِ ُﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻟﺼﺎﺋﻤﻴﻦ أن ﻣﻴﻌﺎد اﻹﻓﻄﺎر ﻗﺪ ﺣﺎن. وﺗﻜ ﱠﺮرت اﻟﻘﺼﺔ ﻓﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮة ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗ ُﻘ َﺮع أﺟﺮاس اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻟﻺﻓﻄﺎر ﻓﻲ ﺣﺎل وﻗﻮع ُﻋ ْﺬ ٍر أﺻﺎب اﻹﻣﺎم .وﻓﻲ ﻋﺎم 2008ﺟﺎءت ﻓﻜﺮة ﺑﻨﺎء ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺴﻴﺪ »ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ« ،اﻟﺘﻰ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﺷﺨﺺ ﻳُﺪﻋﻰ »ﻏﺎﻟﺐ اﻟﻌﺘﻴﺒﻲ« -أﺣﺪ رﺟﺎل اﻷﻋﻤﺎل اﻷردﻧﻴﻴﻦ ﻣﻦ ﻣﻮاﻃﻨﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﻣﺄدﺑﺎ« -اﻟﺬي ﻓﻜﱠﺮ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﻣﺴﺠﺪ ﺑﻤﺴﻘﻂ رأﺳﻪ ،ﻓﺎﻗﺘﺮح ﻋﻠﻴﻪ أﺣﺪ اﻟﺸﻴﻮخ ﺑﺎﻷردن -وﻳُ ْﺪ َﻋﻰ »ﺟﻤﺎل اﻟﺴﻔﺮﺗﻲ« -ﺗﺴﻤﻴﺔ ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﻬﺬا اﻻﺳﻢ؛ ﻟﻴﻜﻮن أ ﱠو َل ﻣﺴﺠﺪ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻳﺤﻤﻞ اﺳﻢ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ ،ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ..ﻳﻘﻮل »اﻟﺴﻔﺮﺗﻲ« ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن» :ﻣﺎ دﻓﻌﻨﻲ إﻟﻰ إﻃﻼق اﺳﻢ اﻟﺴﻴﺪ ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ ﻋﻠﻰ ﱠﻠﺖ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻓﻲ اﻟﺪول اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻓﻮﺟﺪت ﻣﺴﺎﺟﺪ اﻟﻤﺴﺠﺪ ،ﻫﻮ أﻧﻨﻲ ﺗﻨﻘ ُ ﺑﺄﺳﻤﺎء ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻧﺒﻴﺎء ،ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء اﻟﺴﻴﺪ اﻟﻤﺴﻴﺢ؛ ﻟﺬا ﺷﻌﺮتُ ﺑﺎﻟﺘﻘﺼﻴﺮ، وﻗ ﱠﺮرتُ ﺗﺒ ﱢﻨﻲ اﻟﻔﻜﺮة« .وﻣﻦ اﻟﻤﺜﻴﺮ ﻟﻼﻫﺘﻤﺎم أن اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ أﻣﻮر اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻳﺆﻛﱢﺪ أن اﻟﻌﺎﺋﻼت اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺗﻨﺎﻓﺲ اﻟﻌﺎﺋﻼت اﻟﻤﺴﻠﻤﺔ ﻓﻰ اﻟﺘﺒ ﱡﺮع ﺑﺈﻓﻄﺎر أول ﻳﻮم ﻣﻦ رﻣﻀﺎن ،وﺗﺸﺎرك اﻟﺼﺎﺋﻤﻴﻦ وﺟﺒﺔ اﻻﻓﻄﺎر، ﻣﺎ زاد ﻣﻦ اﻟﺘﺂﻟُﻒ ﺑﻴﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺳﻜﺎن اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،وأﺿﻔﻰ إﻟﻴﻬﺎ أﺟﻮاء روﺣﺎﻧﻴﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ .وﻫﺎ ﻫﻮ ﻣﺴﺠﺪ »ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ« ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻤ ﱠﻴ ًﺰا ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺣﻮاﻟﻲ 150ﻣﺴﺠ ًﺪا ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ »ﻣﺄدﺑﺎ«؛ ﻧﻈ ًﺮا ﻻﺳﻤﻪ وﻣﺌﺬﻧﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﺗ ُ َﻌ ﱡﺪ أﻃﻮل ﻣﺌﺬﻧﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﺂذن ﻣﺴﺎﺟﺪ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،واﻟﺒﺎﻟﻎ ﻃﻮﻟﻬﺎ 60
ﻣﺘﱠﺼﻠﺔ ﺑﺴﻘﻒ اﻟﻤﺴﺠﺪ؛ ﻓﺘﺤﺎر اﻟﻌﻴﻮن ﻓﻲ ﺗﻔﺎ ُوت ارﺗﻔﺎﻋﻬﺎ ،ﻓﻤﺎ أرى وﺗﻌﻤﻴ ًﺮا ﻳُ ْﺬ ِﻫ ُﻞ ﺑﻤﻌﻤﺎرﻳﱠ ِﺘﻪ ﺑﺼ َﺮ اﻟﺮاﺋﻲ ،وﻳﻤﻀﻲ ﺑﺒﺼﻴﺮﺗﻪ إﻟﻰ ﻣﺎ وراء ﻓﻲ اﻷرض أﻃﻮل أﻋﻤﺪة ﻣﻨﻪ وﻻ أﻋﻠﻰ ﺳﻘﻔًﺎ«(11).أ ﱠﻣﺎ »اﺑﻦ ﺑﻄﻮﻃﺔ« اﻷﺣﺪاث اﻟﺘﻲ ﻣ ﱠﺮت ﻋﻠﻴﻪ ،ﻋﻠﱠﻪ ﻳﻬﺘﺪي ﻓﻮﺻﻒ اﻟﻜﻮﻓﺔ وﺟﺎﻣﻌﻬﺎ »اﻷﻋﻈﻢ ﺟﺎﻣﻊ ﻛﺒﻴﺮ ﺷﺮﻳﻒ ،ﺑﻼﻃﺎﺗﻪ ﺳﺒﻌﺔ، ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻮاري ﺣﺠﺎرة ﺿﺨﻤﺔ ﻣﻨﺤﻮﺗﺔ ﻗﺪ ﺻﻨﻌﺖ ﻗﻄ ًﻌﺎ ،ووﺿﻊ اﻟﻤﺮاﺟﻊ: ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ وأﻓﺮﻏﺖ ﺑﺎﻟﺮﺻﺎص ،وﻫﻲ ﻣﻔﺮﻃﺔ اﻟﻄﻮل ،وﺑﻬﺬا - 1اﻟﺠﻤﺎﻫﺮ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺠﻮاﻫﺮ :اﻟﺒﻴﺮوﻧﻲ -ﺣﻴﺪر آﺑﺎد. اﻟﻤﺴﺠﺪ آﺛﺎر ﻛﺮﻳﻤﺔ ،ﻓﻤﻨﻬﺎ ﺑﻴﺖ إزاء اﻟﻤﺤﺮاب ﻋﻠﻰ ﻳﻤﻴﻦ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ - 2اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﻮﻓﺔ :ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻄﺮﻳﺤﻲ. اﻟﻘﺒﻠﺔ ﻳﻘﺎل إن اﻟﺨﻠﻴﻞ )ﺻﻠﻮات اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ( ﻛﺎن ﻟﻪ ﻣﺼﻠﻰ ،وﻋﻠﻰ - 3ﺗﺎرﻳﺦ اﻷﻣﻢ واﻟﻤﻠﻮك :اﻟﻄﺒﺮي ،ج ،4ص .51/52 ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﻪ ﻣﺤﺮاب ﻣﺤﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺄﻋﻮاد اﻟﺴﺎج ﻣﺮﺗﻔﻊ ،وﻫﻮ ﻣﺤﺮاب - 4اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﻮﻓﺔ :اﻟﻄﺮﻳﺤﻲ ،ص .24 ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ...وﻓﻲ اﻟﺰواﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻼط ﻣﺴﺠﺪ ﺻﻐﻴﺮ ﻳُﺬﻛﺮ أﻧﻪ - 5اﻟﺒﻠﺪان :اﺑﻦ اﻟﻔﻘﻴﻪ ،ص .164 اﻟﻤﻮﺿﻊ اﻟﺬي ﻓﺎر ﻣﻨﻪ اﻟﺘﻨﻮر ﺣﻴﻦ ﻃﻮﻓﺎن ﻧﻮح ،وإزاءه ﺑﻴﺖ ﻳﺰﻋﻤﻮن - 6ﻓﺘﻮح اﻟﺒﻠﺪان :اﻟﺒﻼذري ،ص .340 أﻧﻪ ُﻣﺘﻌ ﱠﺒﺪ إدرﻳﺲ«) .(12وﻳﺬﻛﺮ أن اﻟﻘﺮاﻣﻄﺔ ﻗﺪ اﺗ ﱠﺨﺬوا اﻟﻤﺴﺠﺪ - 7ﺗﺮاث اﻹﺳﻼم :ﺗﺮﺟﻤﺔ زﻛﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻦ ،اﻟﻘﺎﻫﺮة ،1926 ،ص ٍّ ﻣﺤﻼ ﻻﺟﺘﻤﺎﻋﺎﺗﻬﻢ إﺑﱠﺎن ﻧﺸﺮ دﻋﻮﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﺳﻮاد اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺼﻒ .188 اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻟﻠﻬﺠﺮة ،وﺑﻌﺪ اﺳﺘﻴﻼﺋﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺔ ﻋﻨﻮ ًة ﻧُ ِﻘ َﻞ - 8اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ وﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ :دﻳﻼس أوﻟﻴﺮي ،ص 94/95 اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد ﻣﻦ اﻟﻜﻌﺒﺔ اﻟﻤﻘ ﱠﺪﺳﺔ ﺳﻨﺔ 317ﻫـ إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ،ﺛﻢ - 9ﻓﺘﻮح اﻟﺒﻠﺪان ،ص .240 اﻟﻨﺎس ﻟﻠﺤﺞ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺪﻻً ﻣﻦ - 10اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﻮﻓﺔ ،ص .67 ﻧﻘﻠﻮﻫﺎ إﻟﻰ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻜﻮﻓﺔ ،ودﻋﺎ اﻟﻘﺮاﻣﻄ ُﺔ َ ﻣﻜﺔ) ،(13وﻋﻠﱠﻘﻮه ﻋﻠﻰ اﻻﺳﻄﻮاﻧﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ أﺳﺎﻃﻴﻦ اﻟﺠﺎﻣﻊ ،ﺛﻢ - 11م .ن ،ص .67 ر ﱡدوه ﺑﺤ ﱠﺠﺔ ﻏﻴﺒﻴﺔ زاﺋﻔﺔ اﺑﺘﺪﻋﻮﻫﺎ ﻛﻲ ﻳﺒ ﱢﺮروا ﻓﻌﻠﺘﻬﻢ. - 12ﺗﺤﻔﺔ اﻟﻨﻈﺎر ،دار ﺻﺎدر ،ﺑﻴﺮوت ،ص .219/220 وﻣﺎزال ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻜﻮﻓﺔ وﻫﻮ ﻳﺴﺘﻘﺮئ ﺗﻌﺎﻗ َُﺐ اﻟﻘﺮون ﻋﻠﻴﻪ ﻫﺪ ًﻣﺎ - 13اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﻮﻓﺔ ،ص .62 ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
41
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ﻗﺼﺮ اﻹﻣﺎرة ﻣﻼﺻﻘًﺎ ﻟﻪ ،وﻛﺎن ارﺗﻔﺎع ﺟﺪران اﻟﻘﺼﺮ ﻧﺤﻮ 17ﻣﺘ ًﺮا ،وﻛﺎن ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻣﻤ ﱞﺮ ِﺳ ﱢﺮ ﱞي ﻳُﻔْﻀﻲ إﻟﻰ ﺑﺎب ﻳﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ ﺳ ﱠﺪ ٍة ﻓﻮق ﻣﺤﺮاب اﻟﻤﺴﺠﺪ ،وأﻛﱠﺪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺆ ﱢرﺧﻴﻦ أن اﻟﻤﺴﺠﺪ اﺳﺘﻔﺎد ﻣﻦ أﺑﻨﻴﺔ اﻷﻛﺎﺳﺮة وﻣﻦ آﺟﺮ ﻗﺼﻮر اﻟﺤﻴﺮة ،ﻛﺎﻟﻄﺒﺮي ،واﻟﺒﻼذري اﻟﺬي ﻗﺎل» :ﺣ ﱠﺪﺛﻨﻲ ﺷﻴﺦ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺤﻴﺮة ﻗﺎل :وﺟﺪ ﻓﻲ ﻗﺮاﻃﻴﺲ ﻫﺪم ﻗﺼﻮر اﻟﺤﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻵل اﻟﻤﻨﺬر إن اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺑُ ِﻨﻲ ﺑﺒﻌﺾ ﻧَﻘ ِْﺾ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﻮر و ُﺣ ِﺴ َﺒﺖ ﻷﻫﻞ اﻟﺤﻴﺮة )اﻟﻨﺼﺎرى( ﻗﻴﻤﺔ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺟﺰﻳﺘﻬﻢ«) ،(6وﻋﻠﻰ ﺿﻮء ﻫﺬا اﻟﺘﻮﻛﻴﺪ ذﻛﺮ »ﺑﺮﻳﻜﺰ« ﻓﻲ ﺑﺤﺜﻪ ﻋﻦ ﻓﻦ اﻟﻌﻤﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ »أن ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻛﺎن ﻣﺮﻓﻮ ًﻋﺎ ﻋﻠﻰ َﻋ َﻤ ٍﺪ ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎم ،ﻗﺪ أُﺗِﻲ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺼﻮر ﻣﻠﻮك اﻟﻔُﺮس ﻓﻲ إﻗﻠﻴﻢ اﻟﺤﻴﺮة ،وﻛﺎن ُﻣﺮﺑﱠ َﻊ اﻟﺸﻜﻞ ،وﺗﺤﻴﻂ ﺑﻪ اﻟﺨﻨﺎدق ﺑﺪﻻً ﻣﻦ اﻟﺤﻮاﺋﻂ« ) .(7وﻳﺆﻛﱢﺪ اﻵﺛﺎري اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ أن اﻟﺬاﺋﻘﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﺄﺛ ﱠﺮت ﺑﺎﻟﻄﺮاز اﻟﻤﻌﻤﺎري ﻟﺒﻼد ﻓﺎرس؛ ﻟﺬا ﺑُ ِﻨﻲ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻜﻮﻓﺔ »ﻋﻠﻰ ﻃﺮاز اﻟﻤﺒﺎﻧﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗ ُْﺴﺘَ ْﺨ َﺪ ُم ﻓﻌﻼ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﻣﻠﻮك اﻟﺴﺎﺳﺎﻧﻴﻴﻦ ،ﱠ ً وﻇﻞ اﻟ ُﻤﺮﺑﱠﻊ اﻟ ُﻤ َﺴ ﱠﻮر ﻣﻮﺟﻮ ًدا ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺠﺪ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺸﻜﻞ اﻟﺮﺑﺎﻋﻲ ﻗﺪ أﺣﻴﻂ ﺑﺒﺎﺋِ َﻜ ٍﺔ ﻓﻲ ﺻﻮرة ﺑﻬﻮ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺛﻼﺛﻴﻦ ذرا ًﻋﺎ ،وﻫﻲ ﻣﻦ ﻛُﺘَﻞ اﻟﺤﺠﺮ ذي أﻋﻤﺪة ،ﻳﺒﻠﻎ ارﺗﻔﺎع ﱟ اﻟﻤﻮﺻﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ وﻧﻀﺎﺋﺪ اﻟﺼﻠﺐ ...وﻇﻞ ﻛﺬﻟﻚ إﻟﻰ أﻳﺎم اﻟﺘﺮك ،ﺣﻠﱠﺖ ﻣﺤﻠﻪ اﻷﺑﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﺎل اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﺔ ذات اﻟﻘﺒﺎب ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟ ُﻘﺒﱠﺔ ﺗ ُﺴﺘَ ْﻌ َﻤ ُﻞ ﻓﻲ اﻟﺰﻣﻦ اﻷول ﻟﺘﻐﻄﻲ ﺿﺮﻳ ًﺤﺎ ﻣﺘﻮﺳﻂ ﻓﻘﻂ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻨﻌﺰﻟ ًﺔ أو ُﻣﻠﺤﻘ ًﺔ ﺑﻤﺴﺠﺪ«) .(8وﻛﺎن ُﻣﺮﺑﱠﻊ ﱢ ﻃﻮل ﻛﻞ ﺿﻠﻊ ﻣﻨﻪ 55ﻣﺘ ًﺮا ،وﻋﻠﻰ ﻣﺒﻌﺪة اﻟﻐﻠﻮة ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ أﻃﺮاﻓﻪ، ﻓﻜﺎن ﺻﺤﻨﻪ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻟﻠﻘﻴﺎدة واﻟﺘﺠﺎرة وﺗ َ َﺠ ْﻤ ُﻬﺮ اﻟﻨﺎس ،وﺷُ ﱢﻴﺪ أ ﱠو ًﻻ ﺑﺎﻟﱠﻠﺒِﻦ واﻟﻘﺼﺐ ،ﺛﻢ ﺑﺎﻵﺟﺮ ،وﺑﻌﺪ أن اﺗﺨﺬﻫﺎ اﻹﻣﺎم ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ –رﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ -ﻣﺮﻛ ًﺰا ﻟﺤﻜﻮﻣﺘﻪ ﺻﺎر ﻟﻤﺴﺠﺪﻫﺎ ﻗﺪاﺳﺔ أﺧﺮى، ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻳُﺼﻠﱢﻲ ﻓﻴﻪ ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ،وﻳﺨﻄﺐ ﻓﻴﻬﻢ ،ﻛﻤﺎ اﺗ ﱠﺨﺬ ﺑﺠﺎﻧﺐ أﺳﻄﻮاﻧﺔ ﻗﺼﻴﺮة دﻛﺔ ﻟﻠﻘﻀﺎء ،وﻗﺪ ﺗﻨﺎﻗﻠﺖ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ وﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﺟﺰ اﻟﺘﻲ ﺻﺎرت ﺟﺰ ًءا ﻣﻦ ﺗﺄرﻳﺨﻬﺎ ،وﻣﻨﻬﺎ: »ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن اﻹﻣﺎم ﻋﻠﻲ –رﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ -ﻳﺨﻄﺐ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ إذ ﻇﻬﺮ ﺛﻌﺒﺎ ٌن ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻤﻨﺒﺮ ،وﺟﻌﻞ ﻳﺮﻗﻰ ﺣﺘﻰ دﻧﺎ ﻣﻦ اﻹﻣﺎم ،ﻓﺎرﺗﺎع
40
j اﻟﺘﻤﺜﻼت اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﱠﺔ ﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻜﻮﻓﺔ
اﻟﻨﺎس ،وﻫ ﱡﻤﻮا أن ﻳﺪﻓﻌﻮه ،ﻓﺄوﻣﺄ ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﻜ ﱢَﻒ ﻋﻨﻪ ،ﺛﻢ اﻧﺤﻨﻰ اﻹﻣﺎم ﻳﺤ ﱢﺪﺛﻪ ﻓﺘﻄﺎول اﻟﺜﻌﺒﺎن إﻟﻴﻪ ﺣﺘﻰ اﻟﺘﻘﻢ أذﻧﻪ ﻓﺴﻤﻊ َﻣﻦ ﻛﺎن ﻗﺮﻳﺒًﺎ ﻣﻨﻪ ﻛﻼم اﻟﺜﻌﺒﺎن ،ﺛﻢ اﻧﺼﺮف اﻟﺜﻌﺒﺎن وﻋﺎد اﻹﻣﺎم إﻟﻰ ﺧﻄﺒﺘﻪ وﺗ ﱠﻤﻤﻬﺎ، ﻓﺘﺤﻴﱠﺮ اﻟﻨﺎس ،وﻟﻜﻦ ﺟﻮاب اﻹﻣﺎم أزال ﺣﻴﺮﺗﻬﻢ ﺣﻴﻦ ﻗﺎل :إن ﻫﺬا ﺣﺎﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﺠ ﱢﻦ اﻟﺘﺒﺴﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﻀﻴﺔ ﻓﺠﺎء ﻟﻴﺴﺘﻔﻬﻤﻬﺎ ﻓﺄﻓﻬﻤﺘﻪ إﻳﱠﺎﻫﺎ، ﻓﺴ ﱢﻤﻲ اﻟﺒﺎب اﻟﺬي دﺧﻞ ﻣﻨﻪ :ﺑﺎب اﻟﺜﻌﺒﺎن ،وﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻨﺎرة ﻣﺎ زاﻟﺖ إﻟﻰ ُ اﻵن ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻨﻘﻮش اﻟﻤﺰﻳﻨﺔ ﻟﻮاﺟﻬﺘﻬﺎ ،أ ﱠﻣﺎ اﻷﺑﻮاب اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻖ ﺳﻮى آﺛﺎرﻫﺎ ﻓﻬﻲ :ﺑﺎب اﻟﺴ ﱠﺪة ،وﺑﺎب ﻛﻨﺪة ،وﺑﺎب اﻷﻧﻤﺎط، ﻟﻢ َ وﻣﺎ زاﻟﺖ )اﻟﻤﺰوﻟﺔ( اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺪل ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﻗﻴﺖ اﻟﺼﻼة ،وﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻋﻤﻮد ﻣﻦ اﻟﻤﺮﻣﺮ ،وﺗﺸﺎء اﻟﻤﻘﺎدﻳﺮ أن ﺗﻐﺘﺎل اﻹﻣﺎم ﻳﺪ ﺧﺎرﺟﻴﺔ وﻫﻮ ﻳﺼﻠﻲ ﻓﻴﻪ«.وﺣﻴﻦ ﺗﻮﻟﱠﻰ »زﻳﺎد ﺑﻦ أﺑﻴﻪ« زﻣﺎ َم اﻟﻜﻮﻓﺔ أﻣﺮ ﺑﺈﻋﺎدة ﺗﺸﻴﻴﺪه ،ودﻋﺎ اﻟﺒ ﱠﻨﺎﺋﻴﻦ إﻟﻰ ﺗ َﻤﺜﱡﻠﻪ ﺑﻄﺮاز ﻣﻌﻤﺎري ﻳﺤﺎﻛﻲ ﻣﺎ ﻳﺪور ﻓﻲ َﺧﻠَﺪه وﻗﺎل» :أﺷﺘﻬﻲ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺷﻴﺌًﺎ ﻻ أﻗﻊ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺘﻪ ،ﻟﻪ ﺑﻨﺎء ﻗﺪ ﻛﺎن ﺑﻨﺎء ﻟﻜﺴﺮى ،ﻻ ﻳﺠﻲء ﻫﺬا إﻻ ﺑﺄﺳﺎﻃﻴﻦ ﻣﻦ ﺟﺒﺎل اﻷﻫﻮاز، ﺗ ُ ْﻨ َﻘ ُﺮ ﺛﻢ ﺗُ ْﻨﻘ َُﺐ ﺛﻢ ﺗ ُ ْﺤﺸَ ﻰ ﺑﺎﻟﺮﺻﺎص ،وﺑﺴﻔﺎﻓﻴﺪ اﻟﺤﺪﻳﺪ ،ﻓﺘﺮﻓﻌﻮﻧﻪ ﺛﻼﺛﻴﻦ ذرا ًﻋﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ،ﺛﻢ َﺳﻘﱢﻔﻮه ،واﺟﻌﻠﻮا ﻟﻪ ُﻣﺠ ﱠﻨﺒﺎت وﻣﻮاﺧﻴﺮ؛ ﻓﻴﻜﻮن أَﺛْﺒَ َﺖ ﻟﻪ«) .(9ﻓﻠﻤﺎ اﻧﺘﻬﻮا ﻣﻦ اﻟﺒﻨﺎء ﻗﺎل» :ﻫﺬه اﻟﺼﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﺗﻨﺎزﻋﻨﻲ إﻟﻴﻬﺎ ،وﻟﻢ ﺗﺠﺪﻫﺎ« .وﻗﺪ زاد »زﻳﺎد« ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻋﺸﺮﻳﻦ ذرا ًﻋﺎ ،وأﻣﺮ ﺑﺘﺸﻴﻴﺪ أﺳﻮار وأﺑﻮاب ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ).(10 و َﺧ ْﻴ ُﺮ َﻣﻦ َﺻ ﱠﻮر اﻟﻜﻮﻓﺔ وﻣﺴﺠ َﺪﻫﺎ :اﻟﺮ ﱠﺣﺎﻟﺔ »اﺑﻦ ﺟﺒﻴﺮ« ﻋﻨﺪ زﻳﺎرﺗﻬﺎ ﺳﻨﺔ 578ﻫـ ،ﻓﻘﺎل» :إن ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻊ دار ﻧﻮ ٍح ،ور ًﺣﻰ ذﻛﺮ أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ أن ﻧُﻮ ًﺣﺎ ﻧﺤﺖ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺑﻬﺎ ،وﺑﻬﺎ ﻣﻘﺎم إدرﻳﺲ ،وﻗﺒﺮ ﻳﻮﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺘﱠﻰ، وﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻵل واﻷﺻﺤﺎب .واﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻌﺘﻴﻖ آﺧﺮﻫﺎ ﻣ ﱠﻤﺎ ﻳﻠﻲ ﺷﺮﻗﻲ اﻟﺒﻠﺪ ،وﻻ ﻋﻤﺎرة ﺗﺘﱠﺼﻞ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺸﺮق ،وﻫﻮ ﺟﺎﻣﻊ ﻛﺒﻴﺮ ،ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﻘﺒﻠﻲ ﻣﻨﻪ ﺧﻤﺴﺔ أﺑﻠﻄﺔ ،وﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺠﻮاﻧﺐ ﺑﻼﻃﺎن ،وﻫﺬه اﻟﺒﻼﻃﺎت ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺪة ﻣﻦ اﻟﺴﻮاري اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺔ ﻣﻦ ُﺻ ﱢﻢ اﻟﺤﺠﺎرة اﻟﻤﻨﺤﻮﺗﺔ ﻗﻄﻌ ًﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﻄﻌﺔ ،ﻣﻔ ﱠﺮﻏﺔ ﺑﺎﻟﺮﺻﺎص ،وﻫﻲ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻄﻮل
وﺻ ْﻨ َﻌﺔ اﻷدب وﺣﺮﻓﺔ اﻟﺤﻜﻲ واﻟﺠﺪل اﻟﻤﻨﻄﻘﻲ؛ ﻓﺼﺎر ﻣﻨﺘﺠ ًﻌﺎ ﺛﻘﺎﻓ ٍّﻴﺎ َ ﻳﺘﺪاول ر ﱠوا ُده ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟ ُﻮ ﱠﻋﺎظ واﻟ ُﻘ ﱠﺮاء واﻟﺸﻌﺮاء -أﻃﺮ َاف اﻟﺤﺪﻳﺚ وﺧﺎﺻ ًﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﻣﺮﻛ ًﺰا ﺗﺠﺎرﻳٍّﺎ ﺗ ُ ْﻌ َﻘ ُﺪ ﻓﻴﻪ ﻓﻲ ﺷﺘﱠﻰ اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ، ﱠ اﻟﺼﻔﻘﺎت ،ﺣﺘﻰ إن ذﺧﻴﺮة ﻛﺴﺮى ﺑﻴ َﻌﺖ ﻓﻴﻪ ،اﺑﺘﺎﻋﻬﺎ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﺣﺮﻳﺚ ﺑﺄﻟﻔ َْﻲ درﻫﻢ ،وﺑﺎﻋﻬﺎ ﻓﻲ أرض اﻷﻋﺎﺟﻢ ﺑﺄرﺑﻌﺔ آﻻف درﻫﻢ)،(1 ﻓﺼﺎرت ﻓﻲ ﻛﻞ زاوﻳﺔ ﻣﻦ زواﻳﺎه ﺧﻠﻴﺔ ﻋﻠﻢ ،وﺗﺤﺖ ﻛﻞ ﺳﺎرﻳﺔ ﻣﻨﻪ ﺗﺨﺼ ِﺼﻪ ﻃ ﱠُﻼﺑُﻪ؛ ﻓﺴﺎرﻳﺔ »اﻟﺜﻮري« ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ، ﻋﺎﻟِ ٌﻢ ﻳﻤﺘﺢ ﻣﻦ وﻋﺎء ﱡ و»اﻟﻜﺴﺎﺋﻲ« ﻓﻲ اﻟﻨﺤﻮ ،ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻟﻠﻜﻮﻓﺔ ﻣﺪرﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺤﻮ .وﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﺗﺄﺛ ﱡﺮ اﻟﻌﺮب ﺑﺎﻟﻮﻋﻲ اﻟﻤﻌﻤﺎري ﻟﻠﺤﻀﺎرات اﻷﺧﺮى ،وﺳﻌﻴﻬﻢ إﻟﻰ أن ﺗﻜﺘﺴﻲ ﻣﺴﺎﺟﺪﻫﻢ ﺑﻄﺎﺑﻊٍ ﻋﻤﺮاﻧﻲ ِﺣ ﱢﺴ ﱟﻲ ﻳﻮازي ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ اﻟﺮوﺣﻴﺔ- ﻇﻞ اﻟﻬﺎﺟﺲ اﻟﺮوﺣﻲ ﻳﻨﻈﺮ ﺑﻌﻴﻦ ﻻ ﺗَﺄَﺑْ ُﻪ ﻟﻈﺎﻫﺮﻫﺎ اﻟﻌﻤﺮاﻧﻲ وﺑﻼﻏﺘﻪ ﱠ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ،ﺑﻞ اﻋﺘﺎدت اﻟﺒﺴﺎﻃﺔ ﻓﻲ ﺗ َ َﻤﺜﱡﻞ ﻋﻈﻤﺔ اﻷﺷﻴﺎء ،ﻓﺬا ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺣﻴﻦ ﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺘﱠﻤﺜﱡﻼت اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ اﻷﻣﻮي ﺑﺪﻣﺸﻖ ،ﻗﺎل» :ﻟﻘﺪ َﻫ َﻤ ْﻤ ُﺖ أن أﻋﻤﺪ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺴﻴﻔﺴﺎء ،وذﻟﻚ اﻟﺮﺧﺎم ﻓﺄﻗﻠﻌﻪ ،وأﺟﻌﻞ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻃﻮﺑًﺎ ،وأﻧﺰع ﻣﻜﺎﻧﻪ اﻟﺴﺘﺎﺋﺮ ﻓﺄﺑﻴﻊ ذﻟﻚ وأُ ْد ِﺧﻠُﻪ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﺎل«) .(2وﻫﺬا ﻗﺪ ﻧﺴﺘﻘﺮﺋﻪ ﺑﺎﻟﺸﻮاﻫﺪ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﻤﺮﺗﻬﺎ اﻟﺘﻐﻴﻴﺮات اﻟﺘﻲ أﺟﺮاﻫﺎ اﻟﺴﻴﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺤﺮ اﻟﻌﻠﻮم ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺑﻌﺪ زﻳﺎرة اﻟﺮ ﱠﺣﺎﻟﺔ »ﻧﻴﺒﻮر« ﻟﻬﺎ ﺳﻨﺔ 1765م ،وﻗﺪ ﺷﺎﻫﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎب اﻟﺜﻌﺒﺎن ،وﻣﻮﺿﻊ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ،وﺑﻌﺾ ﻣﻘﺎﻣﺎت اﻷﻧﺒﻴﺎء ،وﻣﺤﺎرﻳﺐ
اﻷوﻟﻴﺎء ،ورأى ﺻﺨﺮة ﻛُ ِﺘ َﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ آﻳﺔ اﻟﻜﺮﺳﻲ ﺑﺎﻟﺨﻂ اﻟﻜﻮﻓﻲ ،وﻓﻲ داﺧﻞ اﻟﺠﺪران اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﻀﻌﺔ أﻋﻤﺪة ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺎﻟﺠﺪران.وﻧﺸﺄة ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻜﻮﻓﺔ ُﻣﺘﱠﺼﻠﺔ ﺑﻨﺸﺄة اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ؛ ﻓﺒﻌﺪ ﻓﺘﺢ اﻟﻌﺮاق ﻣﻦ ِﻗ َﺒﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﻘﻴﺎدة ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ وﻗﺎص ﻗﺪم وﻓﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺎرﺑﻴﻦ اﻟﻔﺎﺗﺤﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب – رﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ -ﻓَ َﺮا َﻋﻪ ﺗﻐﻴﱡﺮ ﻫﻴﺌﺎﺗﻬﻢ وأﻟﻮاﻧﻬﻢ ،ﻓﻘﺎل» :ﻣﺎ ﻏﻴﱠ َﺮﻛُﻢ؟«، ﻗﺎﻟﻮاُ » :وﺧﻮ َﻣ ُﺔ اﻟﺒﻼد«) (3اﻟﺘﻲ ﻧﺰﻟﻮﻫﺎ ،ﻓﻜﺘﺐ -رﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ -إﻟﻰ ﺳﻌﺪ أن ﻳﺒﻌﺚ ر ﱠوا ًدا ﻳﺮﺗﺎدون ﻣﻨﺰﻻً ﺑ ﱢﺮﻳٍّﺎ ﺑﺤﺮﻳٍّﺎ ،ﻓﺈن اﻟﻌﺮب ﻻ ﻳﺼﻠﺤﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان إﻻ ﻣﺎ ﻳﺼﻠﺢ اﻹﺑﻞ) ،(4وﺷﺎءت اﻟﻤﻘﺎدﻳﺮ أن ﺗﻜﻮن اﻟﻜﻮﻓﺔ اﻟﻤﻜﺎ َن اﻟﺬي اﻧﻘﺎدت ﻟﻪ اﻟﻘﻠﻮب؛ ﻟﻤﺎ ﺗﺘﻤﺘﱠﻊ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻊ اﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻲ، وﻃﺒﻴﻌ ٍﺔ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﻋﺬوﺑﺔ اﻟﺮﻳﻒ وﻫﻮاء اﻟﺒﺎدﻳﺔ ،إذ وﺻﻔﻬﺎ اﻷﺣﻨﻒ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ» :ﻧﺰل أﻫﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺎزل ﻛﺴﺮى ﺑﻴﻦ اﻟﺠﻨﺎن اﻟﻤﻠﺘﻔﱠﺔ واﻟﻤﻴﺎه اﻟﻐﺰﻳﺮة واﻷﻧﻬﺎر اﻟ ُﻤﻄﱠﺮدة ،ﺗﺄﺗﻴﻬﻢ ﺛﻤﺎرﻫﻢ ﻏﻀﱠ ًﺔ ﻟﻢ ﺗُﺨَﻀﱠ ْﺪ وﻟﻢ ﺗﻔﺴﺪ«) .(5وﺣﻴﻦ دﺧﻠﻬﺎ ﺳﻌﺪ ﺳﻨﺔ 17ﻫـ ،ورام ﺗﺨﻄﻴﻄﻬﺎ ،ﻛﺎن أول ﺷﻲء ﺧﻄﱠﻂ ﻟﻪ ﻫﻮ ﺑﻨﺎء اﻟﻤﺴﺠﺪ ،وﺣﻴﻦ اﻧﺘﻬﻰ إﻟﻰ اﻟﻤﻮﺿﻊ رﺟﻼ ﺷﺪﻳﺪ اﻟ ﱠﻨ ْﺰع أن ﻳﺮﻣﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺟﻬ ٍﺔ ﺑﺴﻬﻢ، اﻟﺬي أﻗﻴﻢ ﻓﻴﻪ أﻣﺮ ً وأﻋﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻗﻌﻪ ،وأﻣﺮ أن ﻳُ ْﺒ َﻨﻰ ﻣﺎ وراء ذﻟﻚ ،وﺑﻨﻰ ﻇُﻠﱠ ًﺔ ﻓﻲ ﻣﻘ ﱢﺪﻣﺔ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺎﻃﻴﻦ رﺧﺎمٍ ﻣﻦ ﺑﻨﺎء اﻷﻛﺎﺳﺮة ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺮة، ﻟﺌﻼ ﻳﻘﺘﺤﻤﻪ أﺣ ٌﺪ ﺑﺒﻨﻴﺎن ،وﺑﻨﻮا إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ وﺟﻌﻠﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺤﻦ ﺧﻨﺪﻗًﺎ ﱠ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
39
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ƠǥƎ ƟLjƹǖČ ĎƲǓČƎƱǖČĨ ƠǖƜƫƎ ƲƎ ǖČ ďƜǜĨƎ ưǙį ƲƟLJ
ƠǍǡǔǖČ ưƩƶǚǖ ƠǤƎ ĖƜǚLjǚǖČ ďǭƏƦǚƣǖČ د .ﻣﺤﻤﺪ ﺣﻤﺰة اﻟﺸﻴﺒﺎﻧﻲ
أﻏﻠﺐ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗﺮﻛﺖ ﻓﻲ ذاﻛﺮة اﻟﻨﺎس ﻣﻮروﺛًﺎ ﺣﻜﺎﺋ ٍّﻴﺎ ﻣﺎ زال ﻳﺴﺘﺜﻤﺮه اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻓﻲ ﺗﻀﺨﻴﻢ اﻻﺳﺘﺪﻻل ﻋﻠﻰ ﻗﺪاﺳﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺳﺮد اﻟﻤﺮوﻳﱠﺎت اﻟﺘﻲ راﻓﻘﺖ ﻧﺸﻮﺋﻬﺎ ،واﻟﻜﺮاﻣﺎت اﻟﺘﻲ اﺗﺼﻠﺖ ﺑﻬﺎ ،واﻷوﻟﻴﺎء اﻟﺬﻳﻦ أﻗﺎﻣﻮا ﻓﻴﻬﺎ ،أو ﺗﻌ ﱠﺒﺪوا ﻓﻴﻬﺎ ،واﻷﺣﺪاث اﻟﺘﻲ اﻗﺘﺮﻧﺖ ﺑﻬﺎ ،وﺗﺄوﻳﻞ ﻣﻮﺟﻬﺎﺗﻬﺎ ،ﻣﻦ دون اﻷﺧﺬ ﺑﻨﻈﺮ اﻻﻋﺘﺒﺎر أﻧﺴﺎﻗﻬﺎ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ وﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﻮﻫﱡﺞ ﺟﻤﺎﻟﻲ ﻳﻀﻲء ﻗﺪاﺳﺔ اﻟﻤﻜﺎن ﺟﺎﻧﺐ ﻓﻨﻲ ،وﺗﻔﺴﻴﺮ ﻫﺬا اﻟﺘﻮﻫﱡﺞ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ إﺷﺮاﻗﺎت ِﺣ ّﺴ ﱠﻴﺔ، ﻣﻦ ٍ ﻒ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻟﺮوﺣﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻮاس ﻓﻲ ﺗﺄﻣﻞ و ُﻣ َﻮ ﱢﺟﻬﺎت ﺑﻼﻏﻴﺔ ﺗ ُْﺴ ِﻌ ُ اﻧﻌﻜﺎﺳﺎﺗﻪ ،وآﺛﺎرﻫﺎ ﻓﻲ إﺛﺮاء اﻟﺘﻮﺛﻴﻖ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ واﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ذﻟﻚ اﻟﻤﻮروث ،ﻋﻠ ًﻤﺎ أن أﻏﻠﺐ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ اﻗﺘﺮﻧﺖ ﺑﺘﺮاث اﻟﻤﺪن اﻟﺘﻲ أﻗﻴﻤﺖ ﻓﻴﻬﺎ؛ ﻓﻤﺴﺠﺪ اﻟﻜﻮﻓﺔ ً –ﻣﺜﻼ -ﻫﻮ ﺗﺄرﻳﺨﻬﺎ ،واﻟﻘﻄﺐ اﻟﺬي ﺗﺮﺗﺪ إﻟﻴﻪ ،وﺗﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻪ ،وﺗﺴﺘﻈﻬﺮ ﻗﻮة ُﺳﻠْﻄَ َﺘ ْﻴﻬﺎ :اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، اﺳﺘﻈﻬﺎ ًرا ﻳﻨﻄﻮي ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﻋﻠﻰ ﻧﺰﻋ ٍﺔ دﻧﻴﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺑﻠﻮغ أﻫﺪاﻓﻬﺎ ،وﻟﻮ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﻟ ِﻘ َﻴﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﻴﻤﺖ ﻣﻦ أﺟﻠﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻫﻮ اﻟﻤﻨﺘﺪى اﻟﺬي ﻏ َِﺸ َﻴﻪ اﻟﻌﺎ ﱠﻣ ُﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس .واﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣ ﱠﻤﻦ ﺑﻪ َﻣ ْﻴ ٌﻞ ﻟﺘﺪﺑﱡﺮ اﻟﻘﺮآن واﻟﻔﻘﻪ.
38
j اﻟﺘﻤﺜﻼت اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﱠﺔ ﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻜﻮﻓﺔ
اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟ ُﻤ ْﻜﺘَﺸَ ﻒ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ .وﺳﺄﻟﻨﺎ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺣﺴﻦ ﺟﺎﺳﻢ أﺷﻜﻨﺎﻧﻲ أﺳﺘﺎذ اﻵﺛﺎر واﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻜﻮﻳﺖ ،واﻟﺒﺎﺣﺚ اﻟﻜﻮﻳﺘﻲ اﻟﺬي ﻗﻀﻰ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات ﻓﻲ ﻟﻠﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ »ﻓﻴﻠﻜﺎ« وآﺛﺎرﻫﺎ ،ﻓﻘﺎل إن اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة ﱡ اﻟﻤﻜﺘﺸﻒ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ أﻗﺪم ﻣﺴﺎﺟﺪ اﻟﻜﻮﻳﺖ ﻋﻤﻮ ًﻣﺎ ،واﻟﺘﻲ ﻳﻌﻮد ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ وﻣﺎ ﺗﻼه. ﻣﻘﺎم اﻟﺨﻀﺮ
ﺑﺎﻟﺘﱠﻮازي ﻣﻊ ﻋﺮاﻗﺔ ﻣﺴﺎﺟﺪ »ﻓﻴﻠﻜﺎ« ﺛ ﱠﻤﺔ ﺻﻮر أﺧﺮى ﻟﻠﺪﻳﻦ اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﺸﺎﺋﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻮا ﱢم ﻓﻲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻳُ َﻌ ﱡﺪ »ﻣﻘﺎم اﻟﺨﻀﺮ« ﻣﻦ أﺷﻬﺮ ﻣﻌﺎﻟﻢ ﺟﺰﻳﺮة »ﻓﻴﻠﻜﺎ« ،واﺷﺘﻬﺮ ﺑﻤﻜﺎﻧﺘﻪ اﻟﻜﺒﻴﺮة ،ﺣﻴﺚ اﻋﺘﺎد اﻟﻌﻮام اﻟﺰﻳﺎرة واﻟﺘﱠﺒ ﱡﺮك وﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻤﺄﻛﻮﻻت أﻣﻼ ﻓﻲ اﻹﻧﺠﺎب أو ﺗﺤﻘﻴﻖ رﻏﺒﺎﺗﻬﻢ. واﻟﺤﻠﻮى واﻟﻨﺬور؛ ً وﺛ ﱠﻤﺔ ﻛﺘﻴﱢ ٌﺐ ﻣﻦ دون ﺗﺎرﻳﺦ ،ﺑﻌﻨﻮان »ﺟﺰﻳﺮة ﻓﻴﻠﻜﺎ وﺧﺮاﻓﺔ أﺛﺮ اﻟﺨﻀﺮ ﻓﻴﻬﺎ« ،ﺗﺄﻟﻴﻒ »أﺣﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺼﻴﻦ« ،ﺗﻀ ﱠﻤﻦ ﻓﺘﻮى ﻟﻠﺸﻴﺦ »ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺣﻤﻴﺪ« اﻟﻤﺸﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮام ،ﻣ ﱠﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻴﻬﺎ: »ﺳﺄﻟﻨﻲ ﺑﻌﺾ إﺧﻮاﻧﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻜﻮﻳﺖ ﻋ ﱠﻤﺎ ﺗﻌﺘﻘﺪه اﻟﻌﺎ ﱠﻣﺔ ﻓﻲ ﺟﺰﻳﺮة )ﻓﻴﻠﻜﺎ( ﻋﻦ أﺛﺮ وﻗﻮف ﻣﺰﻋﻮمٍ ﻟﻠﺨﻀﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ،ﺣﻴﺚ ﺑُ ِﻨ َﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻗُﺒﱠﺔ ،واﺗ ِﱡﺨ َﺬ ﻣﺰا ًرا ﻳﺬﺑﺤﻮن ﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻷﺛﺮ وﻳﻄﻴﱢﺒﻮﻧﻪ ﺑﺄﻏﻠﻰ أﻧﻮاع اﻟﻄﻴﺐ ،وﻳﻘ ﱢﺪﻣﻮن ﻟﻪ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ وﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺜﻤﻴﻨﺔ، ﻓﻬﻞ ﻟﻬﺬا أﺻﻞ أم ﻻ؟« .وﻧﻔﻰ اﻟﺸﻴﺦ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ إﺛﺒﺎت ﻣﺮور اﻟﺨﻀﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ،ﻣﻌﺘﺒ ًﺮا أﻧﻪ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺛﺒﺖ ﻣﺮوره ﻓﻀﻼ ﻋ ﱠﻤﺎ ﺳﻮاه.ﺑﺪوره اﺳﺘﻨﻜﺮ اﻟﺸﻴﺦ »ﻋﺒﺪ ﻓﻬﺬا ﻻ ﻳﻤﻨﺢ اﻟﻤﻜﺎن ً اﻟﻠﻪ اﻟﻨﻮري« رﺋﻴﺲ ﻟﺠﻨﺔ اﻟﻔﺘﻮى ﻓﻲ اﻟﻜﻮﻳﺖ آﻧﺬاك ،اﺗ ﱢﺨﺎذ ﻗُ ﱠﺒﺔ اﻟﺨﻀﺮ ﻣﺰا ًرا ﺗُﺸَ ﱡﺪ إﻟﻴﻪ اﻟﺮﺣﺎل ﺑﺎﻟﻨﻘﻮد واﻷﻃﻌﻤﺔ واﻟﺬﺑﺎﺋﺢ ،وﻳﻘﻴﻢ اﻟﻤﺮﻳﺪون ﻃﻴﻠﺔ ﻟﻴﺎل وأﻳﺎم .وأﺷﺎر إﻟﻰ وﺟﻮد أﺿﺮﺣﺔ ﺑﺎﺳﻤﻪ أﻳﻀً ﺎ »ﻓﺄي ﻫﺬه اﻟﻤﻘﺎﻣﺎت ً ﻓﻲ اﻟﻌﺮاق واﻟﺸﺎم وﻣﺼﺮ واﻷردن.. ﻣﺘﺴﺎﺋﻼ :ﱡ ﺻﺤﻴﺢ؟« .ﻣﻊ ذﻳﻮع ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺎوى ،وﻏﻀﺐ اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺎﺣﺐ زﻳﺎرة اﻟﻤﻘﺎم ،ﻗ ﱠﺮرت اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻫﺪﻣﻪ ﺳ ٍّﺮا ﻓﻲ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﻟﻴﺼﺒﺢ أﺛ ًﺮا ﺑﻌﺪ ﻋﻴﻦ .ﻋ ﱠﻤﺎ ﻳﻌﻨﻴﻪ ازدﻫﺎر اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﺮوﺣﻴﺔ ﻓﻲ »ﻓﻴﻠﻜﺎ« ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻣﻌﺎﺑﺪ وﺛﻨﻴﺔ وﻛﻨﺎﺋﺲ وﻣﺴﺎﺟﺪ وأﺿﺮﺣﺔ ﻗﺎل أﺷﻜﻨﺎﻧﻲ» :ﻧﺤﻦ ﻧﺘﻜﻠﱠﻢ ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ ﺳﺤﻴﻖ ﻣﻤﺘ ﱟﺪ ﻷرﺑﻌﺔ آﻻف ﻋﺎم ،ﺷﻬﺪ ﻫﺠﺮ ٍ ات ﺑﺸﺮﻳﱠ ًﺔ ﻣﺘﻨ ﱢﻮﻋﺔً، إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻔﺮﻳﺪ ﺑﻴﻦ ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ، وﻛﺬﻟﻚ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﻳﺎت اﻟﻜﺒﻴﺮة اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻬﺎ« .ﻻﻓﺘًﺎ إﻟﻰ أن ازدﻫﺎر اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﺮوﺣﻴﺔ وﺗﻨ ﱡﻮﻋﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺘﺰاﻣ ًﻨﺎ ﺑﻞ ﻣﺘﻌﺎﻗ ًﺒﺎ ﻋﺒﺮ اﻟﻌﺼﻮر. وأﻛﱠﺪ أﺷﻜﻨﺎﻧﻲ أن ﻫﺬا اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺮﻳﻖ ﺟﻌﻞ »ﻓﻴﻠﻜﺎ« ،رﻏﻢ ِﺻﻐَﺮ ﺣﺠﻤﻬﺎ ،ﻣﻠﺘﻘًﻰ ﻟﻸدﻳﺎن اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺑﺼﻮرة ﻻ ﻣﺜﻴﻞ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﻣﺪن وﺟﺰر اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ
ﻣﺌﺬﻧﺔ ﺟﺎﻣﻊ ﻓﻴﻠﻜﺎ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
37
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ưƞƜLjǙĨ ƴƚƜǝǓĨ ưƨƜƶǙ
ĦƜǤĔǨČ ǢǑƣǗǙ lƜǔǗǥǍz ĎƲǤƳƨ ﺷﺮﻳﻒ ﺻﺎﻟﺢ
"ﻓﻴﻠﻜﺎ" ﺟﺰﻳﺮة ﺻﻐﻴﺮة ﺳﺎﺑﺤﺔ وﺳﻂ ﻣﻴﺎه اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺗﺒﻌﺪ ﻋﻦ ﺳﺎﺣﻞ دوﻟﺔ اﻟﻜﻮﻳﺖ ﺑﺤﻮاﻟﻲ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻛﻴﻠﻮ ﻣﺘ ًﺮا ،وﺗﻘﺪﱠ ر ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ ﺑﺤﻮاﻟﻲ 43ﻛﻢ .ﺗﺸﻤﻞ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮى اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ أﺳﻤﺎء ﻟﻬﺎ دﻻﻻت وﻗﺼﺺ ،ﻣﺜﻞ ﻗﺮى :ﺳﻌﺪ ،وﺳﻌﻴﺪ ،وﺳﻌﻴﺪة ..ﺗﺮوي اﻷﺳﻄﻮرة أﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﺛﻼﺛﺔ إﺧﻮة ،ﺛﻢ اﻓﺘﺮق اﻷَﺧَﻮان ﻋﻦ أﺧﺘﻬﻤﺎ. وﺑﻌﺪ أرﺑﻌﺔ آﻻف ﻋﺎم ..ﺗﺤ ﱠﻮﻟَﺖ »ﻓﻴﻠﻜﺎ« إﻟﻰ ﻛﻨﺰ أﺛﺮى وﻣﺘﺤﻒ ﻣﻔﺘﻮح ،ﺗﺄﺗﻴﻪ اﻟﺒﻌﺜﺎت ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻠﻜﺸﻒ ﻋ ﱠﻤﺎ ﺗﺮﻛﺘﻪ اﻟﻬﺠﺮات اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﻋﺮب ﻧﺰﺣﻮا إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺠﺪ واﻹﺣﺴﺎء واﻟﺒﺤﺮﻳﻦ واﻟﺒﺼﺮة و ُﻋﻤﺎن ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ َﻣﻦ َﻗ ِﺪﻣﻮا ﻣﻦ ﺑﻼد ﻓﺎرس ،واﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ اﻟﻔﺎ ﱢرﻳﻦ ﺑﺪﻳﻨﻬﻢ ﺑﺤﺜًﺎ ﻋﻦ اﻷﻣﺎن ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻘﻌﺔ اﻟ ُﻤﺴ ﱠﻴﺠﺔ ﺑﺎﻟﻤﻴﺎه ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺠﻬﺎت. اﻓﻲ ﺻﻐﻴﺮ ﻫﻮ دﻟﻴﻞ إن ﺗﻨ ﱡﻮع دور اﻟﻌﺒﺎدة اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﺣ ﱢﻴ ٍﺰ ﺟﻐﺮ ﱟ ﺳﺎﻃﻊ ﻋﻠﻰ ِﻗ َﻴﻢ اﻟﺘﻌﺎﻳﺶ واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ .ﻓﺎﻷﻣﺮ ﻓﻲ ﻓﻴﻠﻜﺎ ﻻ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ،وﻻ ﻋﻠﻰ اﻛﺘﺸﺎف أﻛﺒﺮ ﻛﻨﻴﺴﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﺑﻴﻦ أﻧﻘﺎﺿﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻳﺘﻌ ﱠﺪاه إﻟﻰ ﻣﻌﺎﺑﺪ وﺛﻨﻴﺔ أﻳﻀً ﺎ ،أﺷﻬﺮﻫﺎ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻣﻌﺒﺪﻳﻦ ﻳﻮﻧﺎﻧﻴﻴﻦ ﻳﻌﻮدان إﻟﻰ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻬﻴﻠﻴﻨﻲ ﻗﺒﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أﻟﻔﻲ ﻋﺎمُ ،ﻋ ِﺜ َﺮ داﺧﻠﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ أَوانٍ ﻣﻘﺎم اﻟﺨﻀﺮ 36
ﺟﺰﻳﺮة »ﻓﻴﻠﻜﺎ« ﻣﻠﺘﻘﻰ ا%دﻳﺎن
وﺗﻤﺎﺛﻴﻞ وﻋﻤﻼت ﻓﻀﻴﺔ .ﻛﻤﺎ ُﻋ ِﺜﺮ ﻓﻲ »ﺗﻞ ﺳﻌﻴﺪ« ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻣﻌﺒﺪﻳﻦ ﻟﻺﻟﻪ »إﻧﺰاك« ﻛﺒﻴﺮ آﻟﻬﺔ أرض دﻟﻤﻮن ،واﻟﻤﻌﺒﺪان ﻳُﻌ ﱠﺪان ﻣﻦ أﻗﺪم اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﺮوﺣﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻌﻮد ﺗﺎرﻳﺨﻬﻤﺎ إﻟﻰ ﻧﺤﻮ أرﺑﻌﺔ آﻻف ﻋﺎم .وﻣﻦ أﻫﻢ اﻵﺛﺎر اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ُﻋﺜﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻧﺴﺨ ٌﺔ ﻣﻦ ﻛﺘﺎب »اﻟ ُﻤﻮﻃﱠﺄ« ﻟﻺﻣﺎم ﻣﺎﻟﻚ ،ﺑﺮاوﻳﺔ »ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ اﻟﻠﻴﺜﻲ« ،وﻗﺪ ﻛﺘﺒﻪ »ﻣﺴﻴﻌﻴﺪ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ« ﺳﻨﺔ .1682 ﻋﻠﻰ ﻣﺪى اﻟﻘﺮون اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ،وﻣﻊ آﺧﺮ ﻣﻮﺟﺔ ﺑﺸﺮﻳﺔ ﻋﺎﺷﺖ ﻓﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة ،ﺗ ﱠﻢ إﻧﺸﺎء اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻣﺜﻞ »ﻣﺴﺠﺪ ﺷﻌﻴﺐ« أﺣﺪ أﻗﺪم ﻣﺴﺎﺟﺪ اﻟﺠﺰﻳﺮة ،وﻳُ ْﻨ َﺴ ُﺐ إﻟﻰ »آل ﺷﻌﻴﺐ« ،ﺣﻴﺚ اﺷﺘﻬﺮت ﻫﺬه اﻷﺳﺮة ﺑﺎﻟﻐﻮص واﻟﺼﻴﺪ واﻟﺴﻔﺮ ،وﻣﻦ أﺑﺮز أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ »ﻋﻠﻲ اﻟﺸﻌﻴﺐ« اﻟﺬي ﻋﺎش ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ،وﻛﺎن ﻳﻤﻠﻚ ﻣﺎﻻً وﻓﻴ ًﺮا، وﻛﺬﻟﻚ »ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺸﻌﻴﺐ« اﻟﺬي وﺿﻊ ﻣﺆﻟ ٍ ﱠﻔﺎت ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺒﺤﺎر وﻣﺴﺎﻟﻜﻬﺎ .وﻛﺎن اﻣﺘﻼك اﻟﺴﻔﻦ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺑﻨﺎء ﻣﺴﺠﺪ ،دﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎﻧﺔ وﺛﺮاء اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ،وﻣﻦ أﺷﻬﺮ أﺋ ﱠﻤﺔ ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺠﺪ »اﻟ ُﻤ ﱠﻼ ﻣﻌﺮوف«. ﻫﻨﺎك أﻳﻀً ﺎ »ﻣﺴﺠﺪ ﻓﻴﻠﻜﺎ« اﻟﺬي ﻳﻘﻊ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻗﺮب ﻣﺴﺎﻛﻦ اﻟﺸﻴﻮخ ،وﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﻣﻄﻠﻊ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،ﺣﻴﺚ أﺳﻬﻢ ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺋﻪ اﻟﺸﻴﺦ ﺟﺎﺑﺮ اﻟﺼﺒﺎح اﻟﺬي ﺳﻜﻦ اﻟﺠﺰﻳﺮة ،وﺑﻨﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺼ ًﺮا ﻻ ﺗﺰال آﺛﺎره ﺑﺎﻗﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻴﻮم ،وﻗﺪ ﺷﺎرك ﻣﻌﻪ اﻷﻫﺎﻟﻲ ﺗﻄ ﱡﻮ ًﻋﺎ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﻤﺴﺠﺪ .ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻨﺎك ﻣﺴﺠﺪ ﻗﺮﻳﺔ »اﻟﺪﺷﺖ« اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺆ ﱡم اﻟﺼﻼ َة ﻓﻴﻪ اﻟﺸﻴﺦ »ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﺳﻨﺪ اﻟﻮاﺋﻠﻲ« اﻟﻤﻮﻟﻮد ﺣﻮاﻟﻲ ﻋﺎم 1766 واﻟﺬي ﺗﻌﻮد أﺻﻮﻟﻪ إﻟﻰ ﻧﺠﺪ ،وﻳُ َﻌ ﱡﺪ ﻣﻦ أﻋﻼم ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ آﻧﺬاك ،واﺷﺘﻬﺮ ﺑﺄﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺨﺎف ﻣﻦ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺔ ،وﻳﺤﺐ أن ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ اﻟﺴﻬﻮل ،واﻋﺘﺎد ﻋﻘﺐ اﻟﺼﻼة ﻋﻠﻰ إﻗﺎﻣﺔ دروس ﻓﻲ اﻟﻔﻘﻪ. ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻘﺮﻳﺔ ،وﻗﺒﻞ أﺳﺎﺑﻴﻊ أﻋﻠﻨﺖ »أﻏﻨﻴﺴﻜﺎ ﺑﻴﻨﻜﻮﺳﻜﺎ« رﺋﻴﺴﺔ اﻟﺒﻌﺜﺔ اﻟﺒﻮﻟﻨﺪﻳﺔ ﻟﻠﺘﻨﻘﻴﺐ ﻋﻦ اﻛﺘﺸﺎف أﻃﻼل ﻣﺴﺠﺪ ،وأﺷﺎرت إﻟﻰ أن اﻟﻤﺒﻨﻰ اﻟﻤﺮﺑﱠﻊ اﻟﻀﺨﻢ ﻳﺒﻠﻎ ﻃﻮل ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻨﻪ 20ﻣﺘ ًﺮا ،وﻳﺘﻜ ﱠﻮن ﻣﻦ ﻓﻨﺎء ﻛﺒﻴﺮ ﻳﺒﻠﻎ ﺣﻮاﻟﻲ 200ﻣﺘﺮ ﻣﺮﺑﱠﻊ ،وﻫﻨﺎك ﺑﻘﺎﻳﺎ أرﺑﻌﺔ أﻋﻤﺪة ﻛﺒﻴﺮة ﻟﺘﺪﻋﻴﻢ اﻟﺴﻘﻒ .ﻛﻤﺎ ﺗ ﱠﻢ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﺛﻨﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺎرﻳﺐ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺠﺪار .وﻗﺎل ﻣﺮاﻗﺐ اﻵﺛﺎر ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻨﻮن واﻵداب اﻟﻜﻮﻳﺘﻲ د .ﺣﺎﻣﺪ اﻟﻤﻄﻴﺮي إن اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑُ ِﻨﻲ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة اﻟ ُﻤﺸﺬﱠﺑﺔ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ،وﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ وﻣﻌﺰوﻟﺔ وﻳﻄﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺮ ،وأﻧﻪ ﻗﺪ ﺗﻌ ﱠﺮض ﻟﻠﺘﺮﻣﻴﻢ ﻋﻦ ﺑﻴﻮت اﻷﻫﺎﻟﻲ ،ﱡ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮة .وﺑﻴﱠﻦ اﻟﻤﻄﻴﺮي أﻧﻪ وﺑﺤﺴﺐ اﻷدﻟﱠﺔ اﻟﻤﺘﻮﻓ ﱠﺮة ﻓﺈن
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
ﺧﺎدم اﻟﻤﺴﺠﺪ أﻣﺎم ﺑﺌﺮ اﻟﻤﺎء
ﺣﺠﺮي ،اﻟﻐﺮض ﻣﻨﻬﺎ أن ﻳﺼﻌﺪ أﻋﻼﻫﺎ أﺣﺪ ﻋﺮﻳﻖ ،وﻣﺎء ﻻ ﻳﻨﻘﻄﻊ ،وﺑﺮﻛﺎت ﻻ ﺗ ُ ْﺤ َﺼﻰ« ،وﻛﻤﺎ ﻛﺘﺐ ﻓﻮق ﺑﺎب ﺑﺴﻠﱠﻢٍ ﱟ وﻳُ ْﺼ َﻌ ُﺪ إﻟﻴﻬﺎ ُ اﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ ،وﻳﻘﻮم ﺑﺘﺮدﻳﺪ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ إﻣﺎم اﻟﻤﺴﺠﺪ أﺛﻨﺎء اﻟﺼﻼة ﺿﺮﻳﺤﻪ: ﻓﻲ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ﻹﻳﻮان اﻟ ِﻘ ْﺒﻠَﺔ ،وذﻟﻚ ﻗﺒﻞ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻤﻴﻜﺮوﻓﺎت. ﺒﻰ َﻣﻦ اﻧْ َﺘ َﻤﻰ ﻟَﻚَ ﻻ ﻳُﻀﺎ ُم َودا َم ﻓﻲ َﻋ ْﻴ ٍﺶ َر َﻏـــﺪْ ﻳﺎ ﻧ َْﺴ َﻞ ِﺻﺪﱢ ِ ﻳﻖ اﻟ ﱠﻨ ﱢ وﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻊ ﻛﺮﺳﻲ ﻣﻘﺮئ ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ،وﻋﻠﻴﻪ زﺧﺎرف ﻫﻨﺪﺳﻴﺔ ﻻ ِﺳ ﱠﻴﻤــــﺎ َﻣﻦ زَا َر َر ْوﺿَ ﻚَ ﻗﺎﺋِ ًﻼ ﻳﺎ ﺷَ ْﻤ َﺲ ِدﻳﻦِ اﻟﻠ ِﻪ ..ﻳﺎ َﺣ َﻨ ِﻔﻲ َﻣﺪَ ْد ﺑﺪﻳﻌﺔ ،أ ﱠﻣﺎ اﻟﻤﻨﺒﺮ ﻓﻤﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ،ﻣﻨﻘﻮش ﻋﻠﻴﻪ زﺧﺎرف ﻧﺺ ﻫﻨﺪﺳﻴﺔ ،وﺣﺮوف ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ،وأﻫﻢ ﻣﺎ ﻳﻤﻴﱢﺰ ﻫﺬا اﻟﻤﻨﺒﺮ وﺟﻮ ُد ﱟ ﻣﻜﺘﻮب ﻳﺘﻀ ﱠﻤﻦ اﺳﻢ اﻟ ُﻤ ْﻨ ِﺸﺊ ،وﻫﻮ ﺧﺪﻳﻮ ﻣﺼﺮ »ﻋﺒﺎس ﺣﻠﻤﻲ اﻟﺜﺎﻧﻲ« .وﻗﺪ أﻗﻴﻤﺖ ﻣﺌﺬﻧﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻃﺮاز اﻟﻤﺂذن اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤ ﱠﻴﺰ ﺑﺎﻟﺸﱡ ُﺮﻓﺎت اﻟﻤﺤﻤﻮﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﻮف ﻣﻦ اﻟ ُﻤ َﻘ ْﺮﻧَﺼﺎت. واﻟﺸﻴﺦ »اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺤﻨﻔﻲ« ﻟﻪ ﻛﺘﺎب »اﻟـ ﱠﺮ ْوض اﻟ ﱠﻨﺴﻴﻖ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻟﺘﺼ ﱡﻮف« ،وﻛﺎن -رﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ -ﻳﻘﻮل» :إﻳﱠﺎﻛُﻢ وﻛﺮاﻣﺎت اﻷوﻟﻴﺎء واﻟﺴ ﱠﻨﺔ ،وﺧﺮق اﻟﻌﺎدة ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ أن ﺗﻨﻜﺮوﻫﺎ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب ﱡ اﻟﺴ ﱠﻨﺔ واﻟ َﺠﻤﺎﻋﺔ«. اﻟﻜﺮاﻣﺔ ﻷﻫﻞ اﻟﻮﻻﻳﺔ ﺟﺎﺋِ ٌﺰ ﻋﻨﺪ أﻫﻞ ﱡ ﺳﻴﻈﻞ ﻣﺴﺠﺪ »اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺤﻨﻔﻲ« ﺗﺤﻔ ًﺔ ﻣﻌﻤﺎرﻳﱠﺔً ،و»اﻟﺴﻠﻄﺎن ﱡ ﺳﺘﻈﻞ ﺣﻜﺎﻳﺘﻪ وﻧﺸﺄﺗﻪ وﺗﻜﻮﻳﻨﻪ وﻛﺮاﻣﺎﺗﻪ ،ﻣﺜﺎ َر َد ْﻫﺸَ ٍﺔ، ﱡ اﻟﺤﻨﻔﻲ« ذاﺗﻪ و َﺟ َﺪ ٍل وﻋﺸﻖ ﻟﻬﺬه اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ ،ﻓﻬﻮ ﻛﻤﺎ ﻳُﻘﺎل ﻋﻨﻪ» :ﺗﺎرﻳﺦ
35
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
وﻗﺎل ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ» :إ ْن ﻟﻢ ﺗﺨﺮج وإﻻﱠ ِﻫ َﻴﻪ«، ﻓﻘﺎل اﻟﺸﻴﺦ» :ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ِﻫﻴَﻪ إﻻﱠ اﻟﻘﻄﻴﻌﺔ«، ﻓﺨﺮج إﻟﻰ اﻟﺰاوﻳﺔ ،ﻓﻜﺎن ﻳﺠﻠﺲ ﻳَ ِﻌ ُﻆ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﻋﺪ ،ﻓﻴﺠﻲء اﻟﻨﺎس ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻠﺆوا زاوﻳﺘﻪ .وذاﻋﺖ ﺷﻬﺮﺗﻪ .وﻳﻨﺘﺴﺐ »اﻟﺤﻨﻔﻲ« إﻟﻰ ﺳﻴﺪﻧﺎ »أﺑﻲ ﺑﻜﺮ اﻟﺼ ﱢﺪﻳﻖ« رﺿﻲ اﻟﻠﻪ، وﻫــﻮ ﻣﻦ أﻫــﻞ اﻟﺒﻴﺖ؛ إذ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻧﺴﻞ »اﻟﺼ ﱢﺪﻳﻖ« ﻣﻊ اﻟﺮﺳﻮل ﻓﻲ اﻟ َﺠ ﱢﺪ اﻟﺴﺎدس. ﱢ وﻣﺴﺠﺪ »اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺤﻨﻔﻲ« ،أﻧﺸﺄه ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ اﻟﺸﻴﺦ »ﺷﻤﺲ اﻟﺪﻳﻦ أﺑﻮ ﻣﺤﻤﻮد ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺤﻨﻔﻲ« ﺑﺠﻮار داره ﻓﻲ ﺳﻨﺔ 817ﻫـ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺬﻛﺮ اﻟﻤﺆ ﱢرخ اﻟﺸﻬﻴﺮ »اﻟﻤﻘﺮﻳﺰي«. ﻧﺒﻮءة ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻴﻼد
ﻗﺒﻞ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ،وﺣﺘﻰ ﻗﺒﻞ ﻣﻴﻼد »اﻟﺴﻠﻄﺎن وﻧﻘﻼ ﻋﻦ اﻟﺤﻨﻔﻲ« ،ﻛﺎن ﺗﻮﺟﺪ »ﻧﺒﻮءة« ﺑﻤﺠﻴﺌﻪ ،ﺣﻴﺚ ﻳُ ْﺬﻛَ ُﺮً ، »اﺑﻦ ﻋﻄﺎء اﻟﻠﻪ اﻟﺴﻜﻨﺪري« ،ﻋﻦ أﺑﻲ اﻟﻌ ﱠﺒﺎس اﻟﻤﺮﺳﻲ ،ﻋﻦ اﻟﻘﻄﺐ اﻟﺼﻮﻓﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ أﺑﻲ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺸﱠ ﺎ ُذﻟﱢﻲ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﻘﻮل» :ﺳﻴﻈﻬﺮ ﺑﻤﺼﺮ رﺟﻞ ﻳﻌﺮف ﺑـ )ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺤﻨﻔﻲ( ،ﻳﻜﻮن ﻓﺎﺗ ًﺤﺎ ﻟﻬﺬا اﻟﺒﻴﺖ ،وﻳﺸﺘﻬﺮ ﻓﻲ ﺷﺎب زﻣﺎﻧﻪ ،وﻳﻜﻮن ﻟﻪ ﺷﺄن ﻋﻈﻴﻢ« ،وﻓﻲ رواﻳﺔ أﺧﺮى» :ﻳﻈﻬﺮ ﺑﻤﺼﺮ ﱞ ﻳُ ْﻌ َﺮ ُف ﺑﺎﻟﺸﺎب اﻟﺘﺎﺋﺐ ،ﺣﻨﻔﻲ اﻟﻤﺬﻫﺐ ،اﺳﻤﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺴﻦ، وﻋﻠﻰ ﺧ ﱢﺪه اﻷﻳﻤﻦ ٌ ﺧﺎل ،وﻫﻮ أﺑﻴﺾ اﻟﻠﻮن ُﻣﺸ ﱠﺮب ﺑ ُﺤ ْﻤ َﺮة ،وﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﻪ َﺣ َﻮر ،وﻳُﺮﺑﱠﻰ ﻳﺘﻴ ًﻤﺎ ﻓﻘﻴ ًﺮا« .وﻗﺪ أﺧﺬ »اﻟﺤﻨﻔﻲ« اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﻌﺪ أن ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻮة ﻋﻦ اﻟﺸﻴﺦ ﻧﺎﺻﺮ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ اﻟ َﻤ ْﻴﻠَﻖ ،ﻋﻦ َﺟ ﱢﺪه ﺷﻬﺎب اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ اﻟﻤﻴﻠﻖ ،ﻋﻦ ﻳﺎﻗﻮت اﻟ َﻌ ْﺮ ِﺷ ﱢﻲ ،ﻋﻦ اﻟ ُﻤ ْﺮ ِﺳﻲ ،ﻋﻦ اﻟﺸﺎ ُذﻟﱢﻲ رﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ؛ ﻟﺬا ﻛﺎن اﻟﺸﺎذﻟﻲ ﻳﻘﻮل» :اﻟﺤﻨﻔﻲ ﺧﺎﻣﺲ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪي«. اﻟﻜﺮاﻣﺎت وﺑﺌﺮ اﻟﻤﺎء اﻟﻌﺠﻴﺒﺔ
وﻳﻄﻠﺐ ﺣﺎﺟﺘﻪ أَﻗ ِْﻀﻬﺎ ﻟﻪ ،ﻓﺈ ﱠن ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻲ وﺑﻴﻨﻜﻢ ﻏﻴﺮ ذراع ﻣﻦ ﺗﺮاب«. وﻳﻘﻮل اﻟﻌﻢ »ﻓﻮزي« ﻋﻦ اﻟﺒﺌﺮ» :ﻫﻲ ﺑﺌﺮ ﻋﺎدﻳﺔ ،وﻋﻤﺮﻫﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 650ﺳﻨﺔ ،وﻳﺄﺗﻲ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ داﺧﻞ وﺧﺎرج ﻣﺼﺮ ،ﻳﺘﺒ ﱠﺮك اﻟﻨﺎس ﺑﻤﺎﺋﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ إﻧﱠﻬﺎ ﻻ ﺗﻨﻘﻄﻊ ،وﻟﻢ ﺗﻨﻀﺐ ذات ﻳﻮم ،وﺗﻨﺘﺸﺮ ﺣﻮﻟﻬﺎ اﻟﺸﺎﺋﻌﺎت، وﻳﺆﻣﻦ ﻋﺪد ﻟﻴﺲ ﺑﻘﻠﻴﻞ أن ﻣﺎءﻫﺎ ﻣﻦ )ﺑﺌﺮ زﻣﺰم( ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺸﺮب رﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺰواج ِ وﺳ َﻌ ِﺔ اﻟﺮزق واﻟﺸﻔﺎء ،ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻛﺜﻴﺮون أن اﻟﺒﺌﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺪاﻳﺔ ﻇﻬﻮر ﻛﺮاﻣﺎت اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺤﻨﻔﻲ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ .ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎء ،وﻗﺪ ﺣﺎول ﺑﻌﺾ اﻷﺷﺨﺎص إﻏﻼﻗﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات ،ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮﻟﻮن إﻧﻬﺎ ﻣﻴﺎه ﺻﺮف ﺻﺤﻲ ،ﻟﻜﻦ أﺣﺪ أﻋﻀﺎء ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺸﻌﺐ ﻗﺒﻞ ﺛﻮرة ﻳﻨﺎﻳﺮ ،أﻣﺮ ﺑﻔﺘﺤﻬﺎ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺬ ﱠوﻗﻨﺎ اﻟﻤﻴﺎه وﺟﺪﻧﺎﻫﺎ ﻋﺬﺑﺔ وراﺋﺤﺘﻬﺎ ﺟﻤﻴﻠﺔ« .وﻳﺮوي »اﻟﺸﻌﺮاﻧﻲ« ﻓﻲ »اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﻜﺒﺮى« أن اﻟﻔﻘﺮاء ﻃﻠﺒﻮا ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﺸﻴﺦ »اﻟﺤﻨﻔﻲ« »ﺑﺎﻟﻮﻋﺔ ﻟﻠﻤﻴﻀﺄة« ،ﻓﻐﺮز »اﻟﺤﻨﻔﻲ« ُﻋﻜﱠﺎزه وﻗﺎل» :ﻫﺬه ﺑﺎﻟﻮﻋﺔ«، ﻓﻬﻲ إﻟﻰ اﻵن ﻳﻨﺰل ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎء اﻟﻮﺿﻮء ،وﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن إﻟﻰ أﻳﻦ ﻳﺬﻫﺐ. ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻤﺴﺠﺪ
ﻛﺎن اﻟﻬﺪف ﻣﻦ ﺑﻨﺎء اﻟﻤﺴﺠﺪ ،أن ﻳﻘﻮم اﻟﺸﻴﺦ »ﺷﻤﺲ اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺤﻨﻔﻲ« ﺑﺈﻟﻘﺎء دروﺳﻪ ﻟﻠﻨﺎس ،وﻛﺎن اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻳﺠﺪ ﻓﻴﻪ اﻟﻔﻘﺮاء ﻣﺄوى وﻃﻌﺎ ًﻣﺎ وﺷﺮاﺑًﺎ ،وﺗﺨ ﱠﺮج ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻊ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 400ﻣﻦ اﻟﻤﺮﻳﺪﻳﻦ ﻣﻦ أوﻟﻴﺎء اﻟﻠﻪ ،ﻛﻠﱡﻬﻢ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺎﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ. ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﻣﻜﺎن اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺎﻟﻲ ﻛﺎن ﻳﻘﻴﻢ اﻟﺸﻴﺦ »ﺷﻤﺲ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺤﻨﻔﻲ« ﻓﻲ ﺧﻠﻮة ،ﺛﻢ ﺗ ﱠﻢ ﺑﻨﺎء زاوﻳﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﻜﺎن ﻓﻲ ﻓﺘﺮة ﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻟﺰاوﻳﺔ. ﻻﺣﻘﺔ ،وﺑُ ِﻨ َﻲ ﻣﺴﺠ ًﺪا ﻋﺎم 817ﻫـ 1414/م ً وﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ ) 1805م 1848م( ﺗ ﱠﻢ ﺗﺠﺪﻳﺪ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ اﻷﻣﻴﺮ ﺳﻠﻴﻤﺎن أﻓﻨﺪي ﻋﺎم 1237ﻫـ 1821/م .واﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﺸﻜﻠﻪ اﻟﺤﺎﻟﻲ ﻣﻦ إﻧﺸﺎء اﻟﺨﺪﻳﻮ ﻋﺒﺎس ﺣﻠﻤﻲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وﺗ ﱠﻢ اﻻﻧﺘﻬﺎء ﻣﻦ ﺑﻨﺎﺋﻪ ﻋﺎم 1333ﻫـ 1914/م ،وﻗﺪ َﺻ ﱠﻤ َﻢ اﻟﻤﺴﺠ َﺪ ﻣﺤﻤﻮد ﻓﻬﻤﻲ ﺑﻚ ﻣﻬﻨﺪس وزارة اﻷوﻗﺎف ،وﻗﺎم ﺑﺘﺸﻴﻴﺪه اﻟﻤﻬﻨﺪس أﺣﻤﺪ ﻋﺰﻣﻲ ﺑﻚ.
ﻣﺴﺠﺪ »اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺤﻨﻔﻲ« ﻻ ﺗ ُ ْﻐﻠ َُﻖ أﺑﻮاﺑﻪ ﺑﻴﻦ اﻟﺼﻠﻮات ،ﺣﻴﺚ ﻳﺄﺗﻲ وﺧﺎﺻ ًﺔ ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ ،وﻳﻜﻮن اﻟﺤﻀﻮر ﻏﻔﻴ ًﺮا، ﻟﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟ ﱡﺰ ﱠوار، ﱠ واﻟﺰﺣﺎم ﻛﺒﻴ ًﺮا ،ﺧﺎﺻﺔ اﻟﻄﺎﻟﺒﻴﻦ زﻳﺎرة اﻟﻀﺮﻳﺢ أو ﻟﻠﺸﺮب ﻣﻦ ﻣﻴﺎه اﻟﺒﺌﺮ .وﻫﻲ ﻋﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻦ اﻷرض ،ﺑﺠﻮار اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﻤﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺒﺮ، وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﺨﺘﻔﻴﺔ اﻵن أﺳﻔﻞ ﺳ ﱠﺠﺎد اﻟﻤﺴﺠﺪ. وﻗﺪ ر ﱠﺣﺐ ﺑﻨﺎ اﻟﻌﻢ »ﻓﻮزي« ،وﻫﻮ أﺣﺪ اﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات ،و َﺟ َﻌﻠَﻨﺎ ﻧﺮى اﻟﺒﺌﺮ ،وﻧﺠﻠﺲ ﺑﺠﻮار اﻟﻤﻘﺎم. وﻳﺬﻛﺮ اﻟﻌﻢ »ﻓﻮزي« أن ﺿﺮﻳﺢ »اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺤﻨﻔﻲ« ﻳﺆ ﱡﻣﻪ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ / ُ اﻟﺰاﺋﺮﻳﻦ ،ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻷﻗﻄﺎر ،ﻳﻘﺮأون اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ،وﻳﺘﺒ ﱠﺮﻛﻮن ﺑﻪ ،وﺑﻤﺎء »دﻛﺔ اﻟﻤﺒَ ﻠﻎ« اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ِ ِ اﻟﺒﺌﺮ أﺳﻔﻞ ﻣﺴﺠﺪه ،وﻳﻮﺿﱢ ﺢ أن دوره ﻣﻤﺪود ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻪ ،ﺗﺎرﻛًﺎ ﺗﻠﻚ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ ،وأﻣﺎم اﻟﻘﺒْﻠَﺔ ﻣﺒﺎﺷﺮةً ،ﻳﻮﺟﺪ »دﻛﱠﺔ اﻟ ُﻤﺒَﻠﱢﻎ«، ِ ﻓﻠﻴﺄت إﻟﻰ ﻗﺒﺮي اﻟﻤﺰﺧﺮﻓﺔ ﺑﺰﺧﺎرف ﻫﻨﺪﺳﻴﺔ ﺑﺪﻳﻌﺔ ،وﻣﺤﻤﻮﻟﺔ ﻋﻠﻰ 12ﻋﻤﻮ ًدا ﻗﺼﻴ ًﺮا، اﻟﻌﺒﺎرة اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﱢﻦ ﻣﺴﺠﺪهَ » :ﻣﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﺣﺎﺟﺔ 34
اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺤﻨﻔﻲ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ﻣﺴﺠﺪ j
ﻗﻤﺖ ﺑﺰﻳﺎرﺗﻪ ﻣﺆ ﱠﺧ ًﺮا ﻓﻲ ﺻﻼة اﻟﻔﺠﺮ ،ﻓﻮﺟﺌﺖ ﺑﺄن ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﻦ اﻟﻄﻘﻮس ﻛﻞ ﻗﺪ ﺗﻐ ﱠﻴﺮت أو ﺗﻼﺷﺖ ،ﻓ َﻤﺜ ًَﻼ :اﻟﺤﻀﺮة اﻷﺳﺒﻮﻋﻴﺔ أﺻﺒﺤﺖ ﺗ ُﻘﺎم ﱠ ﻳﻈﻞ اﻟﻤﻜﺎن ِﻗﺒْﻠَ ًﺔ ﻟﻜﻞ اﻟ ﱡﺰ ﱠوار وﻃ ﱠُﻼب اﻷزﻫﺮ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﻬﺮ ،ﻟﻜﻦ ﱡ ﺧﺎﺻ ًﺔ ﺑﻌﺪ ﺻﻼة اﻟﺠﻤﻌﺔ. ﺷﺮق آﺳﻴﺎ ،ﱠ ْ أﺳﻤﺎء ﻛﺜﻴﺮة ﺗُﻄﻠ َُﻖ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺑﻬﺎ اﻟﻤﺴﺠﺪ ،ﻓﺤﺎرات اﻟﺤﻲ اﻟﻌﺘﻴﻖ ،وﻃُ ُﺮ ِﻗﻪ ،ﻟﻬﺎ أﺳﻤﺎء ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻣﺜﻞ :ﺳﻮق اﻻﺛﻨﻴﻦ، ﻫﺬا ﱢ ﻣﻨﻄﻘﺔ »اﻟﻨﺎﺻﺮﻳﺔ« ،ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻗﻼوون ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺑﺮﻛﺔ أو ﺑﺤﻴﺮة ﺑﺪﻳﻌﺔ ذات ﻳﻮم ،ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﻨﻄﺮة »ﺳﻨﻘﺮ« ،وﻫﻲ ﻣﻦ أﺷﻬﺮ اﻟﻘﻨﺎﻃﺮ اﻟﺘﻲ أﻗﻴﻤﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻨﺎﺻﺮي، وﻛﺎن ﺗ ُﺴ ﱠﻤﻰ أﻳﻀً ﺎ درب اﻟﻨﻮر؛ ﻟﻜﺜﺮة اﻷوﻟﻴﺎء ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗ ُ ْﻌ َﺮ ُف أﻳﻀً ﺎ ﺑﺎﺳﻢ »درب أﺑﻮ ﻟﺤﺎف«؛ ﻟﻮﺟﻮد اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ »اﻟﻤﻨ ﱢﺠﺪﻳﻦ« واﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﺑﺘﺠﺎرة اﻟﻘﻄﻦ .ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺎرة اﻟﻤﺘﻌ ﱢﺮﺟﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻬﺎ ﻣﺴﺠﺪ ﻟﺪى اﻟﺴﻼﻃﻴﻦ ،وﻟُﻘﱢﺐ ﺑـ »اﻟﺤﻨﻔﻲ« ﻟﺴﻴﺮه ﻋﻠﻰ َﻫ ْﺪ ِي اﻹﻣﺎم »أﺑﻲ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺤﻨﻔﻲ ﺗُﺴ ﱠﻤﻰ »ﺣﺎرة ﻗﻮارﻳﺮ« ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﺴﻮق ﺣﻨﻴﻔﺔ اﻟﻨﻌﻤﺎن«ُ .وﻟﺪ ﻳﺘﻴ َﻢ اﻷب واﻷم ،ﺳﻨﺔ 775ﻫﺠﺮﻳﺔ ،وﺗﻮﻓﱢﻲ ﺳﻨﺔ ﻟﻠ ِﻌﻼﻓَﺔ ،واﻵن أﺻﺒﺤﺖ ﺑﺎﺳﻢ »اﻟﺤﻨﻔﻲ«. 847ﻫـ ،وﻋﺎش 72ﻋﺎ ًﻣﺎ و ُد ِﻓﻦ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻌﺘﻴﻖ ،واﻟﺒﺪﻳﻊ، وﻗﺪ ﺣﻔﻆ اﻟﻘﺮآن ﻓﻲ اﻟ ُﻜﺘﱠﺎب ،ﻗﺒﻞ أن ﻳﺒﻴﻊ اﻟﻜﺘﺐ ﻓﻲ اﻟﺴﻮق ،وذات ْﺖ« ،ﻓﺪﺧﻞ اﻟﺨﻠﻮة ﺗﺤﺖ أي ﺳﻠﻄﺎن؟ ﻳﻮم ﻣ ﱠﺮ ﺑﻪ رﺟﻞ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ» :ﻣﺎ ﻟﻠ ﱡﺪﻧﻴﺎ ُﺧﻠِﻘ َ اﻟﺴﻠﻄﺎن .. وﻇﻞ ﻓﻲ ﺧﻠﻮﺗﻪ 7أﻋﻮام ،وﻟﻢ ﻳﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ ﻫﻮ »ﺷﻤﺲ اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺤﻨﻔﻲ« ،اﻟ ُﻤﻠﻘﱠﺐ ﺑـ »اﻟﺴﻠﻄﺎن« ،وﻟُﻘﱢﺐ ﺑـ اﻷرض وﻫﻮ اﺑﻦ 14ﻋﺎ ًﻣﺎ ،ﱠ »اﻟﺴﻠﻄﺎن« ﻷن اﻟﻠﻪ ﺟﻌﻞ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻓﻀﻠﻪ وﻧﻔﻮذه ﻣﺎ ﺟﻌﻞ ﻟﻪ رأﻳًﺎ ﻧﺎﻓﺬًا ﺣﺘﻰ ﺳﻤﻊ ﻫﺎﺗﻔًﺎ ﻳﻘﻮل» :ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ اﺧﺮج اﻧﻔﻊ اﻟﻨﺎس« ﺛﻼث ﻣ ﱠﺮات، ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
33
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ƠƟǥƩLJ ĆƜǙ ƲƛƞĨ ďƜǙČƲǓ
ĎƲǟƜǑǖƜƞ ǣǎǝƬǖČ ĦƜǂǗƶǖČ ưƩƶǙ Ə ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺴﺘﺠﺎب
اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺤﻨﻔﻲ« .ﻟﻢ » َﻣﺪَ د ﻳﺎ ﺣﻨﻔﻲَ ،ﻣﺪَ د«َ » .ﻋﻤﺎر ﺑِﻴﻨﻲ وﺑِﻴﻦ ﱡ أﺟﺪ ﻏﻴﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺒﺎرات ،ﻛﻤﺪﺧﻞ ﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺷﺨﺼ ﱠﻴﺘﻪ وﻣﺴﺠﺪه، ﻓﻤﻨﺬ ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ ،ﻛﺎن ﻳﺼﺤﺒﻨﻲ »ﺟﺪﱢ ي ﻣﺤﻤﻮد -واﻟﺪ أ ﱢﻣﻲ« وﻛﺎن ﻛﻔﻴﻔًﺎ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ،ﻟﻬﺬا اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺒﺪﻳﻊ؛ ﻷداء ﺻﻼة اﻟﺠﻤﻌﺔِ ، »ﺷﻲ ﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﺣﻨﻔﻲ« ،ﻋﺒﺎرة ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺮدﱠد ﻓﻲ ﻓﻢ ﺟﺪي ،ﻛﻠﱠﻤﺎ ِﺳ ْﺮﻧﺎ واﺗﱠﺠﻬﻨﺎ ﻋﺒﺮ ﺣﻮاري ﺿ ﱢﻴﻘﺔ ،ﻗﺎدﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﺷﺎرع ﻣﺠﻠﺲ اﻷﻣﺔ ،ﻣﺨﺘﺮﻗﻴﻦ ﺣﺎرة »أﺑﻮ ﻃﺒﻖ« ،ﺣﺘﻰ ﻧﺼﻞ ﻟﺒﺪاﻳﺎت ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻨﺎﺻﺮﻳﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺑﻬﺎ ﻣﺴﺠﺪ »اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺤﻨﻔﻲ« ،ﺑﺴﺎﺣﺘﻪ اﻟﻜﺒﺮى ،وﻣﻮاﺿﺌﻪ اﻟ ُﻤ ﱠﺘﺴﻌﺔ وﺗﻘﺴﻴﻤﺎﺗﻪ اﻟﻬﻨﺪﺳﻴﺔ اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ،وﺻﺤﻨﻪ اﻟ ُﻤ ﱠﺘﺴﻊ ﻓﻲ ﺑﻬﺎء و َﻋﻈَﻤﺔ ،واﻟﻀﺮﻳﺤﻴﻦ اﻟﻠ َﺬﻳْﻦ ﻳﺘﻮاﺟﺪان أﻣﺎم ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ﺑﺪاﺧﻠﻪ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﻘﺎم »اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺤﻨﻔﻲ« ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻤﻴﻦ ،وﻣﻘﺎم زوج اﺑﻨﺘﻪ »اﻟﺸﻴﺦ ﻋﻤﺮ اﻟ ﱡﺮﻛﻦ« ﻋﻠﻰ اﻟﻴﺴﺎر. / ﻧﺰﻫﺔ ُر / ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ وﺣﻴﺔ
ﻓﻲ ﺻﺤﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺠﺪ ،وﺑﺠﻮار ﺿﺮﻳﺤﻪ اﻟﺒﺪﻳﻊ ،ﺷﺎﻫﺪتُ أﺷﻴﺎء ﻓﻤﺜﻼ -وﻫﺬا اﻟﻜﻼم ﻛﺎن ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﻟﻢ أرﻫﺎ ﻓﻲ أي ﻣﻜﺎن آﺧﺮً ، ﻛﻨﺖ أﻧﺎ وﺟ ﱢﺪي ﻧﺬﻫﺐ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ ﺗﺤﺪﻳ ًﺪاُ - ﻟﺼﻼة اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻣﺒ ﱢﻜ ًﺮا ،وﻧﻈﻞ ﺟﺎﻟﺴﻴﻦ ﺑﺠﻮار اﻟﻀﺮﻳﺢ إﻟﻰ ﻣﻴﻌﺎد
32
اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺤﻨﻔﻲ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ﻣﺴﺠﺪ j
اﻟﺼﻼة ،وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺎن اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﻘﺮأ ﺳﻮرة اﻟﻜﻬﻒ ،واﻟﺒﻌﺾ ﻛﺎن ﻳﻘﻮم ﺑﺘﺮﺗﻴﻞ اﻟﻘﺮآن وﻳﺮ ﱢدد ﺧﻠﻔﻪ ﺑﻌﺾ اﻟ ُﻤﺮ ﱢددﻳﻦ ،ﺣﺘﻰ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺼﻼة ،وﺑﻌﺪ اﻟﻔﺮاغ ﻣﻦ ﺻﻼة اﻟﺠﻤﻌﺔ ،ﻧﻌﻮد ﻟﻨﺠﻠﺲ ﺑﺠﻮار اﻟﻀﺮﻳﺢ، ﺣﻴﺚ ﻳﺰدﺣﻢ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟ ﱡﺰ ﱠوار ،وﻓﻲ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﻀﺮﻳﺢ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﺗﻲ ﺳﻴﺪة ﻋﺠﻮز ﻓﻲ ﻣﻼﺑﺲ رﻳﻔﻴﺔ ،وﻣﻌﻬﺎ ﻣﻮﻗﺪ ،وﺗﻘﻮم ﺑﺈﺷﻌﺎﻟﻪ ووﺿﻊ ﺑ ﱠﺮا ٍد ﺑﻪ ﻣﺸﺮوب اﻟ ِﻘ ْﺮﻓَﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘ ﱢﺪم ﻟﻨﺎ ﺑﻌﺾ اﻷﻛﻮاب، وﺗﻘ ﱢﺪﻣﻬﺎ ﻟﻜﻞ َﻣﻦ ﻳﻤ ﱡﺮ ﺑﺠﻮار اﻟﻀﺮﻳﺢ ،ﻣ ﱠﺠﺎﻧًﺎ ،وﺧﻼل اﻟﻔﺘﺮة ﻣﻦ اﻧﺘﻬﺎء ﻛﻨﺖ ﺳﺘﺠﺪ َﻣﻦ ﻳﻀﻊ ﻓﻲ ﻳﺪك ﺻﻼة اﻟﺠﻤﻌﺔ ﺣﺘﻰ أذان ﺻﻼة اﻟﻌﺼﺮَ ، رﻏﻴﻒ ﺧﺒﺰ ﻣﻤﺘﻠﺊ ﺑﺎﻷرز وﻗﻄﻌﺔ ﻟﺤﻢ ،أو ﻳﻘ ﱢﺪم ﻟﻚ أو ِﺣ ْﺠ ِﺮ ﺟﻠﺒﺎﺑﻚَ ، »ﺳﻠﻄﺎﻧﻴﺔ ﻓﺨﺎرﻳﱠﺔ« ﺑﻬﺎ أرز ﺑﺎﻟﻠﺒﻦ ،وﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أﺣﺪ أن ﻳﺮ ﱠد أو ﻳﺮﻓﺾ ﺗﻠﻚ اﻷﺷﻴﺎء ،ﺳﻮاء ﻛﺎن ﻏﻨﻴٍّﺎ أو ﻓﻘﻴ ًﺮا. ﻧﻈﻞ ﺟﺎﻟﺴﻴﻦ ﺑﺠﻮار اﻟﻤﻘﺎم ،ﻧﻘﺮأ اﻟﻘﺮآن ﻓﺮادى وﻛُ ﱠﻨﺎ ﺧﻼل ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﱡ أو ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ،إﻟﻰ أن ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻴﻌﺎد ﺻﻼة اﻟﻌﺼﺮ ،ﻓﻨﻨﻬﺾ ﻟﺼﻼﺗﻬﺎ، وﺑﻌﺪ أداء ﺻﻼة اﻟﻌﺼﺮ ،ﺗﺒﺪأ اﻟﺤﻀﺮة ،وﻫﻲ اﺑﺘﻬﺎﻻت ﺻﻮﻓﻴﻪ ﺷﺠ ﱠﻴﺔ، ﻣﻊ ﻧﻐﻤﺎت وآﻫﺎت واﺑﺘﻬﺎﻻت وﺗﺮﺗﻴﻞ ﺑﺪﻳﻊ ذي ﺷﺠﻦ ،ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أﻧﺴﺎه ،إﻟﻰ ﻣﻴﻌﺎد ﺻﻼة اﻟﻤﻐﺮب. وﺳﻂ ﻫﺬه اﻟﻄﻘﻮس ،وﺑﺠﻮار ﻣﻘﺎم اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺤﻨﻔﻲ ﻧﺸﺄتُ ،وﻣﺎ زﻟﺖ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪ أﺣﻤﻞ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺮﻳﺎت ﻟﻠﻤﻜﺎن ،رﻏﻢ اﺑﺘﻌﺎدي ﻋﻨﻪ ،ﱠ زﻟﺰال ﻣﺼﺮ ﻋﺎم ،1992اﻟﺬي ﺗﺴﺒﱠﺐ ﻓﻲ إزاﻟﺔ ﺑﻴﺖ ﺟﺪي ،ﻛﻤﺎ أ ﱠدى إﻟﻰ ﺳﻘﻮط ﻣﺌﺬﻧﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ. ﻇﻞ »ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺤﻨﻔﻲ« ،ﺑﺬﻛﺮﻳﺎﺗﻪ ،ﻳﻨﺎوش ذاﻛﺮﺗﻲ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﱠ
ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺪﻣﺮداش وﺧﻠﻮات اﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ
ﺗﻘ ﱡﺮﺑًﺎ إﻟﻰ اﻟﻠﻪ ،وﺗﺤ ﱡﺒ ًﺒﺎ ﻓﻲ رﺟﺎﻻﺗﻪ وﻣﺮﻳﺪﻳﻪ. وﻓﻰ ﻃﺒﻘﺎت اﻟﺸﻌﺮاﻧﻲ ﻳﻘﻮل» :إن ﺳﻴﺪي اﻟﺸﻴﺦ دﻣﺮداش اﻟﻤﺤﻤﺪي رﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ أﺣﺪ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺳﻴﺪي ﻋﻤﺮ روﻳﺸﻴﻦ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﺗﻮرﻳﺰ اﻟﻌﺠﻢ ،ﻛﺎن رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻗﺪم اﻟﺴﻠﻒ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻣﻦ اﻷﻛﻞ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﻳﺪه واﻟﺘﺼ ﱡﺪق ﺑﻤﺎ ﻓﻀﻞ وﻋﻤﻞ اﻟﻐﻴﻂ اﻟﻤﺠﺎور ﻟﺰاوﻳﺘﻪ ﺧﺎرج ﻣﺼﺮ ،ﻓﺄﻗﺎم ﻫﻮ وزوﺟﺘﻪ ﻓﻰ ﺧ ﱟُﺺ ﻳﻐﺮﺳﻮن ﻓﻴﻪ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻴﻦ، أﻛﻠﺖ ﻣﻨﻪ وﻻ واﺣﺪة؛ ﻷﻧﻲ زرﻋﺘﻪ وﻗﺎل ﻟﻲ :ﻣﺎ ُ ﻋﻠﻰ اﺳﻢ اﻟﻔﻘﺮاء واﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ واﺑــﻦ اﻟﺴﺒﻴﻞ واﻟﺴﺎﺋﻠﻴﻦ ،وﻛﺎن ﻻ ﻳﻨﺎم ﻣﻦ اﻟﻠﻴﻞ إﻻ ﻳﺴﻴ ًﺮا ،ﺛﻢ ﻳﻘﻮم وﻳﺘﻮﺿﱠ ﺄ وﻳﺼﻠﻲ ،ﺛﻢ ﻳﺘﻠﻮ اﻟﻘﺮآن ،ﻓﺮﺑﻤﺎ وﺻﻮﻻ إﻟﻰ ﺧﺎﺗﻤﺘﻪ ،ﻗﺒﻞ اﻟﻔﺠﺮ، ً ﻳﻘﺮأه ﻛﺎ ِﻣ ًﻼ، وﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﺛ ﱠﻤﺔ أﺣﻠﻰ ﻣﻦ ﺛﻤﺮة ﻏﻴﻄﻪ، ﻗﺴﻤﻬﺎ ﺑﻬﺬا اﻟﺸﻜﻞ :ﺛﻠﺚٌ ﻳُ َﺮ ﱡد ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺎﻟﺢ وﻗﺪ ﱠ اﻟﻐﻴﻂ ،وﺛﻠﺚ ﻟﻠ ﱡﺬ ﱢرﻳﱠﺔ ،وﺛﻠﺚ ﻟﻠﻔﻘﺮاء اﻟﻘﺎﻃﻨﻴﻦ ﺑﺰاوﻳﺘﻪ ،ورﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻛﻞ ﻳﻮم ﺧﺘ ًﻤﺎ ﻳﺘﻨﺎوﺑﻮﻧﻪ«. ﻣﻦ ُﻣﺆﻟﱠﻔﺎت اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺪﻣﺮداش ﻛﺘﺎب »اﻟﻘﻮل اﻟﻄﻼب ﻓﻲ اﻟﻔﺮﻳﺪ ﻓﻲ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ« ،وﻛﺘﺎب »ﺗﺤﻔﺔ ﱠ ﺣﻀﺮة اﻟ َﻮ ﱠﻫﺎب« ،وﻛﺘﺎب »ﺟﻤﻊ اﻷﺳﺮار وﻛﺸﻒ اﻷﺳــﺮار« .وﻗﺪ ﺗ ُﻮﻓﱢﻲ اﻟﺪﻣﺮداش ﻋﺎم 929ﻫـ. وﻳﺬﻛﺮ ﻋﻠﻲ ﻣﺒﺎرك ﻓﻲ ﻛﺘﺎب »اﻟﺨﻄﻂ اﻟﺘﻮﻓﻴﻘﻴﺔ« أن ﻟﻠﺸﻴﺦ اﻟﺪﻣﺮداش » َﻣﻮﻟ ًﺪا ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ ،ﻳُﻘﺎم ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺷﻌﺒﺎن ،وﻳﺴﺘﻤﺮ ﻟﻤﺪة ﺛﻼﺛﺔ أﻳﺎم ،وﺣﻴﻨﺌﺬ ﻳﺪﺧﻞ ﺻﻮﻓﻲ ﺧﻠﻮﺗ َﻪُ ،ﻣ ْﻨﺸَ ِﻐ ًﻼ ﺑﺎﻟﺼﻴﺎم واﻟﻘﻴﺎم ﻛﻞ ﱟ واﻷوراد واﻟﻌﺰﻟﺔ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس .ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﻟﻠﺘﺮﻳﱡﺾ، ﺗﺎرﻛﻴﻦ اﻟﺸﺒﻊ واﻟﻨﻮم و ُﻣﺨﺎﻟَﻄﺔ اﻟﻨﺎس ،وﻻ ﻳﺨﺮﺟﻮن إﻻ ﻟﻠﺼﻼة ﻣﻊ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ،ﻓﺈذا ﻛﺎن آﺧﺮ ﻟﻴﻠﺔ ﺧﺮﺟﻮا ﻟﻤﺠﺎﻟﺲ اﻟﺬﱢﻛﺮ وﻣﺼﺎﻓﺤﺔ اﻟﻨﺎس«. وﻗﺪ ﺧﻠﻒ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺪﻣﺮداش ﻓﻲ ﻣﺸﻴﺨﺔ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺪﻣﺮداﺷﻴﺔ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء ﺣﺘﻰ اﻧﺘﻬﺖ إﻟﻰ اﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻴﻢ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺻﺎﻟﺢ ،اﻟﻤﻌﺮوف ﺑﺎﻟﺪﻣﺮداش ﺑﺎﺷﺎ ،اﻟﺬي أﻧﺸﺄ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ اﻟﺪﻣﺮداش، وﺟﻌﻠﻪ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﻣﺠﺎﻧﱢ ٍّﻴﺎ ﻳﻌﺎﻟَﺞ ﻓﻴﻪ اﻟﻔﻘﺮاء ﻣﻦ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ ،وﻣﺎ زال ﻣﺴﺘﻤ ٍّﺮا ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم ،وﻗﺪ أﻧﺠﺐ اﻟﺪﻣﺮداش ﺑﺎﺷﺎ اﺑﻨ ًﺔ ﺻﺎرت أدﻳﺒ ًﺔ ﻻ ِﻣﻌ َﺔ اﻟﺼﻴﺖ ،ﻫﻲ ﻗﻮت اﻟﻘﻠﻮب اﻟﺪﻣﺮداﺷﻴﺔ ،وﻫﻲ ﻣﻦ أﺷﻬﺮ اﻟﻜﺎﺗﺒﺎت اﻟﻤﺼﺮﻳﺎت اﻟﻼﺗﻲ أَﺑْ َﺪ ْﻋ َﻦ أدﺑَﻬ ﱠﻦ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
31
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ƲƯƼǖƜǓ ơǜĈ ęƜǁ ƲǙİ ĔĮ
ĎƲǟƜǑǖƜƞ ęČĔƲǙưƐ ǖČ ưƩƶǙ ƠǤƜǔƫ ﺳﻌﺎد ﺳﻌﻴﺪ ﻧﻮح
» َد ِﻣﺮ ﻃﺎش ..أﻧﺖ ﻛﺎﻟﺼﺨﺮ« ..ﻫﻜﺬا ﺻﺮخ -ﻣﻠﻬﻮﻓًﺎ وﻣﺘﻌ ﱢﺠ ًﺒﺎ -اﻷﺷﺮف ﻗﺎﻳﺘﺒﺎي ،ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،ﺣﻴﻨﻤﺎ رأى اﻟﺮﺟﻞ واﻗﻔًﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ اﻟﺸﺪﻳﺪة واﻟﺼﻘﻴﻊ اﻟﻘﺎرس ﻣﺘﻌ ﱢﺒﺪً ا ﻣﺘﺒ ﱢﺘ ًﻼ ﻣﻦ دون أن ﺗﺆﺛﱢﺮ ﻓﻴﻪ اﻟﻌﻮاﺻﻒ .ﺣﻴﻦ اﻧﺘﺒﻪ اﻟﺸﻴﺦ إﻟﻰ ﺟﻤﻠﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻤﻠﻬﻮﻓﺔ ﺳﻠﱠﻢ ﻋﻦ ﻳﻤﻴﻦ وﻋﻦ ﻳﺴﺎر ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﻪ» :ﻣﻮﻻي ،ﻣﺎ اﻟﺬي أﺧﺮﺟﻚَ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ؟!«. ﺧﺮﺟﺖ ﺑُ ْﻐ َﻴ َﺔ أن أﻋ ﱢﻨﻔﻚَ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺼﻴﺮك ﻓﻲ ُ ﻓﻘﺎل اﻟﺴﻠﻄﺎن» :إﻧﻤﺎ ﺣﺮاﺳﺔ اﻟﻘﺼﺮ ﺑﻌﺪ أن وﺷﻰ ﺑﻚ اﻟ ُﻮﺷﺎةُ ،ﻓﻤﺎ وﺟﺪﺗُﻚَ ﱠإﻻ ﻋﺎﺑﺪً ا ﻣﺘﺒ ﱢﺘ ًﻼ ﻻ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﺪور ﺣﻮﻟَﻚَ «. إﻧﻪ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺰاﻫﺪ اﻟﻌﺎرف ﺑﺎﻟﻠﻪ أﺑﻮ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺷﻤﺲ اﻟﺪﻳﻦ ،اﻟﺸﻬﻴﺮ ﺑﺎﻟﻤﺤﻤﺪي ،واﻟ ُﻤﻠَﻘﱠﺐ ﺑﺎﻟﺪﻣﺮداش .واﻟﺪﻣﺮداش ﺗﺤﺮﻳﻒ ﻟ ُﺠﻤﻠَ ِﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻷﺷﺮف » َد ِﻣ ْﺮ ﻃﺎش« اﻟﺘﻲ ﺧﺎﻃﺐ ﺑﻬﺎ اﻟﺸﻴ َﺦ ﺣﻴﻦ وﺟﺪه ﻣﻨﻬﻤﻜًﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺒﺎدة رﻏﻢ اﻟﺒﺮد اﻟﻘﺎرس ،وﻫﻲ ﻓﺎرﺳﻴﺔ وﺗﻌﻨﻲ "أﻧﺖ ﻛﺎﻟﺼﺨﺮ" ،وﻗﺪ ﻛﻠﱠ َﻤﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﺎﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ ﻷﻧﻪ ﻣﻦ أﺻﻞ ﻓﺎرﺳﻲ، وﻛﺎن "اﻷﺷﺮف" ﻳﺠﻴﺪ اﻟﻔﺎرﺳﻴﺔ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔُ .وﻟِ َﺪ أﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺷﻤﺲ اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﺒﺮﻳﺰ ﺑﺈﻳﺮان ﺳﻨﺔ 857ﻫـ1453 -م. ﻫﺎﺟﺮ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ،واﺳﺘﻘ ﱠﺮ ﺑﻬﺎ واﻧﻀ ﱠﻢ إﻟﻰ ﻣﻌ ﱠﻴﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻷﺷﺮف، وﻛُﻠﱢﻒ ﺑﺤﺮاﺳﺘﻪ .أﺣ ﱠﺒﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﻟﻜ ﱠﻦ ِ ﺣﺎﺳﺪﻳﻪ ﻛﺎدوا ﻟﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن، ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ،ﻣ ﱠﻤﺎ ﻳﻌ ﱢﺮض ﻓﺄوﻏﺮوا ﺻﺪره زاﻋﻤﻴﻦ أﻧﻪ ﻳﺘﺮك اﻟﺤﺮاﺳﺔ ﱠ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻟﻠﺨﻄﺮ .وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻏﻀﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن وﻗ ﱠﺮر أن ﻳﺨﺮج إﻟﻴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﺎﻗﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺼﻴﺮه ،وﺣﻴﻦ وﺟﺪه واﻗﻔًﺎ ﻓﻲ ﻣﺤﻞ اﻟﺤﺮاﺳﺔ ﻳﺘﻌ ﱠﺒﺪ ﻟﻠﻪ ،ﻗﺎل ﻟﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﻠﺔ اﻟﺸﻬﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺤ ﱠﻮﻟﺖ ﻟﺘﺼﻴﺮ ﻟَ َﻘ ًﺒﺎ ﻟﻪَ » :د ِﻣ ْﺮ ﻃﺎش« ،ﺑﻌﺪ أن ﺗ ﱠﻢ ﺗﺤﻮﻳﺮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ إﻟﻰ دﻣﺮداش.ﻇﻞ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺼﻮﻓﻲ ﻓﻲ َﻣﻌ ﱠﻴﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وﺗﺮﻗﱠﻰ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎزل ﱠ ﻋﻨﺪه ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻣﻦ رﺟﺎﻟﻪ اﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ ،ﺣﺘﻰ إن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻟﻢ ﻳﺄﺗﻤﻦ ﻏﻴﺮه ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﻓﻠﺔ اﻟﻤﺘﻮ ﱢﺟﻬﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻀ ﱡﻢ ﻣﻌﻤﺎرﻳﱢﻴﻦ وﺑَ ﱠﻨﺎﺋﻴﻦ وﺣ ﱠﺪادﻳﻦ؛ ﻹﻋﺎدة إﻋﻤﺎر اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻨﺒﻮي ﺑﻌﺪ أن اﺣﺘﺮق إﺛﺮ ﺻﺎﻋﻘﺔ ﺿﺮﺑﺘﻪ .ﻳﻘﻮل اﺑﻦ إﻳﺎس ﻓﻲ »ﺑﺪاﺋﻊ اﻟﺰﻫﻮر 30
اﻟﺪﻣﺮداش ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻣﺴﺠﺪ ﱢ
ﻓﻲ وﻗﺎﺋﻊ اﻟﺪﻫﻮر« إن »اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻨﺒﻮى اﻟﺸﺮﻳﻒ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة اﺣﺘﺮق ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ وﻟﻢ ﻳﺴﻠﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺳﻮى اﻟﻘﺒﺔ اﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ،ﻓﻠ ﱠﻤﺎ ﺳﻤﻊ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻗﺎﻳﺘﺒﺎي ﺑﺬﻟﻚ ﺑﻜﻰ ،وﺑﻜﻰ َﻣﻦ ﻛﺎن ﺣﻮﻟﻪ ،وﺷﺮع ﻓﻲ ﺗﺠﺪﻳﺪ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺸﺮﻳﻒ ،ﻓﺄرﺳﻞ اﻹﻣﺪادات إﻟﻰ أﻫﻞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،وأرﺳﻞ ﻣﻌﻬﻢ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﱢﻴﻦ اﻟ َﻤ َﻬ َﺮة .وﻛﺎن ﻋﻠﻰ رأس ﻫﺬه اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ أﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺷﻤﺲ اﻟﺪﻳﻦ؛ ﻟِ َﻤﺎ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ ُﺣﺒﱢﻪ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻟﻠﻤﺼﻄﻔﻰ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ .وﻫﻨﺎك ﺗﻔﺎﻧﻰ اﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ إﻋﻤﺎر ﻣﺴﺠﺪ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ ،وأﻛﺮم أﻫﻞ ﻣﺪﻳﻨﺘﻪ ﻣﻦ ﻋﻄﺎﻳﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻤﺼﺮي اﻷﺷﺮف ﻗﺎﻳﺘﺒﺎي، ﺣﺘﻰ إن اﻟﻨﺎس أﻃﻠﻘﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻘﺐ )اﻟﻤﺤ ﱠﻤﺪي( ،ﻧﺴﺒ ًﺔ إﻟﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ...وﺑﻌﺪ ﻋﻮدﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة ﺟﻌﻠﻪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺧﻄﻴ ًﺒﺎ ﻟﻤﺴﺠﺪه اﻟﺨﺎص ،ﻓﺨﻄﺐ ﻓﻲ وﺟﻮد اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺧﻄﺒ ًﺔ ﺑﻠﻴﻐﺔً ،ﺟ ﱢﻴﺪ َة اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ،و َﺣ َﺴ َﻨ َﺔ اﻟﻠﻐﺔ واﻟﺒﻼﻏﺔ ،ﻓﺄُﻋﺠﺐ ﺑﻬﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎن وﻣﻨﺤﻪ أرﺿً ﺎ ،ﺑﻨﻰ ﻓﻲ وﺳﻄﻬﺎ زاوﻳﺔ ﻟﻪ ،واﺳﺘﻘﺎل ﻣﻦ وﻇﻴﻔﺘﻪ ،واﻧﻘﻄﻊ ﻟﻠﻌﺒﺎدة وزراﻋﺔ اﻷرض .وﺑﻨﻰ ﻋﺪ ًدا ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻮات ﻷﺗﺒﺎﻋﻪ وﻣﺮﻳﺪﻳﻪ. وﻗﺪ أﻓﺎض اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻧﻌﻤﺘﻪ ،ﻓَ َﻜﺜُ َﺮ ﻣﺎﻟﻪ ،ﻓﺄوﻗﻒ ﺛـُﻠُﺜ َْﻲ ﻣﺎﻟﻪ ﻋﻠﻰ إﺣﻴﺎء ﻃﺮﻳﻘﺘﻪ وﻣﻘﻴﻤﻲ ﺷﻌﺎﺋﺮﻫﺎ ،واﻟﻤﺴﺘﺤﻘﱢﻴﻦ ﻣﻦ ﻣﺮﻳﺪﻳﻪ ،وﺗﺮك اﻟﺜﻠﺚ اﻟﺒﺎﻗﻲ ﻷﺑﻨﺎﺋﻪ وأﺳﺮﺗﻪ« .ﻗ ﱠﺮر اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻤﺤ ﱠﻤﺪي اﻟﺪﻣﺮداش أن ﻳﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻷرض ﻣﺴﺠ ًﺪا ﻳﻘﻒ ﻟﻶن ﺷﺎ ِﻫ ًﺪا ﻋﻠﻰ ﺟﻤﺎل اﻟﻌﻤﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ُﻣ َﻘ ْﺮﻧَﺼﺎت و ُﻣ َﻨ ْﻤ َﻨ ٍ ﻤﺎت وﻓُ ُﺮش ُﻣ ْﺒ ِﻬ َﺮة .وﺟﺎﻣﻊ اﻟﺪﻣﺮداش ﻟﻪ ﺳﻘﻒ ،وﻣﻘﺼﻮرة ،وﻗﺒﱠﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻊ ﺑﻮاﺋِ َﻚ ،وﻣﻨﺒﺮ ﺳﻤﺎوي ،ﻣﻔﺮوش ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ ،ودﻛﱠﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ .وﺻﺤﻨﻪ ﻣﻜﺸﻮف ﱞ ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ ،وﻓﻰ وﺳﻂ ﻣﻘﺼﻮرﺗﻪ ﻣﻴﻀﺄة ،وﺑﺠﻮاﻧﺒﻪ اﻟﺨﻠﻮات اﻟﺘﻲ أﻗﺎﻣﻬﺎ ﻷﺗﺒﺎﻋﻪ ،وﻗﺪ ﺗﻮ ﱠز َﻋﺖ اﻟﺨﻠﻮات اﻟﺨﻤﺴﻮن ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧِ َﺒ ْﻲ ﺻﺤﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ :ﺧﻤﺲ وﻋﺸﺮون ﺧﻠﻮة ﻋﻠﻮﻳﺔ ،وﻣﺜﻠﻬﺎ ﺳﻔﻠﻴﺔ ،ﻛﺎن ﻳﺴﻜﻨﻬﺎ أﺗﺒﺎ ُع اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺪﻣﺮداﺷﻴﺔ .وﻟﻠﻤﺴﺠﺪ ﻣﺌﺬﻧﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ،وﻟﻠﺸﻴﺦ ﻣﻘﺎم ﻋﻦ ﺷﻤﺎل اﻟﻤﻨﺒﺮ ،ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻘﺼﻮرة ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ،وﻳﻘﺼﺪه اﻟ ﱡﺰ ّوار و ُﻣﺤ ﱡﺒﻮ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم.ﻛﺎن اﻟﻔﻘﺮاء واﻟ ُﻤ ْﻌ َﻮزون ﻳﻠﺠﺆون إﻟﻰ اﻟﺨﻠﻮات ﺧﺼﺼﻬﺎ اﻟﺸﻴﺦ ﻟﺘﻜﻮن ﻣﺄوى ﻟﻠﻐﺮﺑﺎء واﻟﻮاﻓﺪﻳﻦ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ،وأﺑﻨﺎء اﻟﺘﻲ ﱠ اﻟﺴﺒﻴﻞ ،و َﻣﻦ ﻻ ﻳﺠﺪون ﻣﻘﺎ ًﻣﺎ ﻟﻬﻢ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺘﻠﺊ ﺑﻬﻢ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻮﻗﺖ، وﺣﻴﻦ ﻛﺎن ﻳﺆذن ﻟﻠﺼﻼة ﻳﺨﺮﺟﻮن ﻓﺮادى وﺟﻤﺎﻋﺎت ﻣﻦ أﺑﻮاب اﻟﺨﻠﻮات اﻟﺨﻤﺴﻴﻦ ،ﻓﻴﻘﻒ اﻟﺸﻴﺦ ﻳﺘﺄ ﱠﻣﻠﻬﻢ وﺗﻔﻴﺾ ﻋﻴﻨﺎه ﺑﺎﻟﺪﻣﻊ
ﻓﺰاد ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﻳُ ْﻌ َﺮ ُف ﺣﺎﻟﻴًﺎ ﺑﺎﻟﺰﻳﺎدات. وﻟﻜﻦ ﻣﻦ أﻳﻦ ﺣﺼﻞ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎل اﻟﺬي ﺑﻨﻰ ﺑﻪ اﻟﻤﺴﺠﺪ؟ ﻗﻴﻞ إﻧﻪ ﻓﻲ أﺛﻨﺎء ﺳﻴﺮ ﻗﺎﻓﻠﺔ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﺳﻘﻂ ﻏﻼﻣﻪ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺳﺎﺧﺖ ﻗﺪم ﺣﺼﺎﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﺮﻣﺎل ﻓﺘﻮﻗﱠﻒ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﻟﻴﺮى ﻣﺎذا ﺣﺪث؟ ﻓﺮأى ﺗﺤﺖ ﻗﺪم ﺣﺼﺎن ﻏﻼﻣﻪ ﻓَﺘْﻘًﺎ، ﻓﻠ ﱠﻤﺎ ﻓﺘﺤﻪ وﺟﺪ ﻛﻨ ًﺰا ﻳﻘﺎرب ﻣﻘﺪاره أﻟﻒ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﺳﻮى أن ﺑﻨﻰ ﻣﻨﻪ اﻟﺒﻴﻤﺎرﺳﺘﺎن ﻟﻌﻼج اﻟﻤﺮﺿﻰ، وﻣﻦ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ وﺟﺪ ﻛﻨ ًﺰا آﺧﺮ ﺑﻨﻰ ﻣﻨﻪ ﻣﺴﺠﺪه ﻫﺬا. ﺣﻠﻢ اﻟﺘﺠﻠﻲ وﺗﻔﺴﻴﺮه
وﻗﺪ ﺣﻜﻰ اﻟﻤﺆرﺧﻮن أن اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﻟﻤﺎ أﺗ ﱠﻢ اﻟﺒﻨﺎء رأى ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻣﻪ ﻛﺄن اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ﺗﺠﻠﱠﻰ ﻟﻠﺒﻴﻮت اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺣﻮل ﻳﺘﺠﻞ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ ،ﻓﺄﺻﺎﺑﻪ اﻟﻘﻠﻖ وﺳﺄل اﻟ ُﻤ َﻌﺒﱢﺮﻳﻦ، اﻟﻤﺴﺠﺪ وﻟﻢ ﱠ ﻓﻔﺴﺮوا ﻟﻪ رؤﻳﺎه ﻗﺎﺋﻠﻴﻦ» :ﻳﺨﺮب ﻣﺎ ﺣﻮل اﻟﻤﺴﺠﺪ وﻳﺒﻘﻰ ﻫﻮ ﱠ ﻗﺎﺋ ًﻤﺎ وﺣﺪه« .ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ رأى ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻣﻪ ﻛﺄن ﻧﺎ ًرا ﻧﺰﻟﺖ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﺄﺧﺬت اﻟﺠﺎﻣﻊ وﺗﺮﻛﺖ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮان ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗ ﱠَﺺ رؤﻳﺎه ﻗﺎﻟﻮا :أَﺑْ ِﺸ ْﺮ ﺑﻘﺒﻮل اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻤﺒﺎرك؛ ﻷن ﻧﺰول اﻟﻨﺎر ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻲ اﻷﺛﺮ دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﻮل اﻟﻠﻪ ﻟﻠﻘﺮاﺑﻴﻦ. وﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﺷ ﱠﺪة ﺣﺐ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﻟﻤﺴﺠﺪه أﻧﻪ ﺟﻌﻞ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺑﺎﺑًﺎ ﺑﺠﻮار اﻟﻤﺤﺮاب اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻓﻲ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ،وﻛﺎن ﻳﺨﺮج وﻳﺪﺧﻞ ﻣﻨﻪ إﻟﻰ دار اﻹﻣﺎرة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻼﺻﻘ ًﺔ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ؛ وذﻟﻚ ﻟﻴﻐ ﱢﻴﺮ ﺛﻴﺎﺑﻪ ،أو ﻳُﺠ ﱢﺪد وﺿﻮءه ،أو ﻟﻴﺄﺧﺬ ﻗﺴﻄًﺎ ﻣﻦ اﻟﺮاﺣﺔ ﺛﻢ ﻳﻌﻮد ﻓﻴﺪﺧﻞ إﻟﻰ اﻟﺼﻒ اﻷول ،ﻣﻦ دون أن ﻳﺘﺨﻄﱠﻰ ﺟﻤﻮع اﻟ ُﻤ َﺼﻠﱢﻴﻦ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﺴﺠﺪ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن اﻟﺬي ﺗﻮﻓﱢﻲ ﻋﺎم 270ﻫـ884 -م رﻣ ًﺰا ﻟﻠﺘﺴﺎ ُﻣﺢ وﺗﺠﻠﱢ ًﻴﺎ ﻟﻪ ﻓﻲ أﺑﻬﻰ ﺣﺎﻻﺗﻪ ،ﺣﻴﺚ ﺻ ﱠﻤﻤﺘﻪ وﺑَ َﻨﺘْ ُﻪ ﻳﺪ ﻓﻨﺎن ﻣﻌﻤﺎري ﻗﺒﻄﻲ ﻟﺤﺎﻛﻢ ﻣﺴﻠﻢ ..ﻓﺄﻋﻄﻰ أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻪ وأﺟﺰل ﻓﻲ اﻟﻌﻄﺎء ﻛﻼﻫﻤﺎ ﻟﻶﺧﺮ َ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
29
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ﻗُ ﱠﺒﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ رﻗﺒﺔ ُﻣﺜ ﱠﻤﻨﺔ ﺑﺄرﺑﻌﺔ ﻋﻘﻮد ،وﻳﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﺼﺤﻦ أرﺑﻌﺔ أروﻗﺔ ،أﻛﺒﺮﻫﺎ رواق اﻟﻘﺒﻠﺔ اﻟﺬي ﻳﻀ ﱡﻢ ﺧﻤﺴﺔ ﺻﻔﻮف ،وﺻﻔﱠﻴﻦ ﻳﺤﺘﻞ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺳﺘﺔ أﻓﺪﻧﺔ وﻧﺼﻒ ﻷروﻗﺔ اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ .ﱡ اﻟﻔﺪان ،وﻳﺒﻠﻎ ﻃﻮﻟﻪ ﻣﺎﺋﺔ وﺛﻤﺎﻧﻴﺔ وﺛﻼﺛﻴﻦ ﻣﺘ ًﺮا ،وﻋﺮﺿﻪ ﻣﺎﺋﺔ وﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮ ﻣﺘ ًﺮا ،وﻳﻠﻔﱡﻪ ﻣﺎﺋﺔ وﺛﻤﺎﻧﻴﺔ وﻋﺸﺮون ﺷ ﱠﺒﺎﻛًﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺎﺗﻪ اﻷرﺑﻊ. وﺗﺮﺗﻔﻊ ﻣﺌﺬﻧﺘﻪ ﻓﺮﻳﺪة اﻟﻄﺮاز ﻋﻦ ﺳﻄﺢ اﻷرض ﺑﻤﻘﺪار أرﺑﻌﻴﻦ ﻣﺘ ًﺮا. ﻣﺪﺧﻼ ،وﻟﻜﻨﻪ وﺑﻤﺮور اﻟﺰﻣﻦ أُ ْﻏﻠِﻘَﺖ ﻣﻌﻈﻢ ﻫﺬه ً وﻟﻪ ﺗﺴﻌﺔ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﺪاﺧﻞ ،ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻣﺪﺧﻠﻪ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻫﻮ ذﻟﻚ اﻟﻤﺠﺎور ﻟﻤﺘﺤﻒ »ﺟﺎﻳﺮ أﻧﺪرﺳﻮن« .وﻗﺪ ﺑﻠﻎ اﻟﺴﺨﺎء ﻣﻦ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﻣﺒﻠﻐَﻪ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ زﺧﺎرف اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺗ ُ َﺰ ْرﻛ َُﺶ ﺑﺎﻟﻤﻌﺎدن اﻟﻨﻔﻴﺴﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﱠ ﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻛﻞ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﻮاﻓﻴﺮ ﺗُ ْﻤ َﻸ ﺑﺎﻟﺰﺋﺒﻖ ،وﻗﺪ ﺗ ﱠﻢ إﺣﺪاث ﺛﻼث زﻳﺎدات ،ﻋﺮض ﱢ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺴﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻣﺘ ًﺮا؛ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ واﻟﻐﺮﺑﻴﺔ واﻟﻘﺒﻠﻴﺔ. اﻷوروﺑﻴﻮن اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﺎﻟﺴﺮج اﻟﺬي ﻳﺤﺘﻀﻦ ﻓﻨ ﱠﺰ ْﻫﺘُﻪ ﻋﻨﻬﺎ ،وأ ﱠﻣﺎ اﻟﻤﻴﻀﺄة ﻓﺈﻧﻲ ﻧﻈﺮت ﻓﻮﺟﺪت ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﺑﻬﺎ ﻣﻦ وﻗﺪ ﺷ ﱠﺒﻪ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﻮن َ اﻟﺤﺼﺎن ،ورﺑﻤﺎ ﻳﻌﻮد ذﻟﻚ ﻛﻮن اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻣﺆﺳﺴﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺗﺼﺎﻣﻴﻢ اﻟﻨﺠﺎﺳﺎت ﻓﻄ ﱠﻬ ْﺮﺗ ُﻪ ﻋﻨﻬﺎ ،وﻫﺎ أﻧﺎ أﺑﻨﻴﻬﺎ ﺧﻠﻔﻪ ،وأﻣﺮ ﺑﺒﻨﺎﺋﻬﺎ. َُﱠ ً اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻓﻲ ﺳﺎﻣ ﱠﺮاء اﻟﻌﺮاﻗﻴﺔ ،وﻫﺬا ﻣﺎ أﻛﱠﺪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻤﺆ ﱢرخ اﻟﺮاﺣﻞ اﻟﻜﺒﻴﺮ دﻛﺘﻮر ﻋﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب اﻟﻤﺴﻴﺮي ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ» :إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﺤﻴﱡﺰ ﻓﻲ ﻫﻞ ﺑﻨﺎه اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﺑﻜﻨﺰ ﻋﺜﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﺒﻞ؟ اﻟﻔﻦ واﻟﻌﻤﺎرة«. وﻣﻦ اﻟﻤﻮاﻗﻒ اﻟﺘﻲ أﺛ ﱠﺮت ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﺗﺄﺛﻴ ًﺮا ﺷﺪﻳ ًﺪا ..ﺣﻴﻦ رﻓﺾ اﻟﻨﺎس اﻟﺼﻼة ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﻌﺪﻣﺎ اﻛﺘﻤﻞ ﺑﻨﺎؤه واﻓْﺘُ ِﺘ َﺢ ﻟﻠﺼﻼة؛ ﻣﺤﺮاﺑﻪ ﺻﻐﻴﺮ وﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﻋﻤﻮد وﻻ ﻣﻴﻀﺄة! ﻇ ٍّﻨﺎ ﻣﻨﻬﻢ أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻣﺼﺪر اﻟﻤﺎل اﻟﺬي ﺑُ ِﻨﻲ ﺑﻪ .ﻓﺤﺰن اﺑﻦ وﻟ ﱠﻤﺎ اﻛﺘﻤﻞ ﺑﻨﺎء اﻟﻤﺴﺠﺪ أﻣﺮ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﺑﻌﻀً ﺎ ﻣﻦ ﺣﺎﺷﻴﺘﻪ أن ﻳﻤﺸﻮا ﻃﻮﻟﻮن أﻳﱠﻤﺎ ُﺣ ْﺰنٍ ،ﻓﺄﻣﺮ ﻓ ُﺠﻤﻊ ﻟﻪ اﻟﻨﺎس ﻓﺨﻄﺐ ﻓﻴﻬﻢ ،وأﻗﺴﻢ ﺑﺎﻟﻠﻪ وﺳﻂ اﻟﻌﻮام ﻟﻴﻌﺮﻓﻮا آراء اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺳﻠﺒًﺎ أو إﻳﺠﺎﺑًﺎ .ﻓﻘﺎل أﻧﻪ ﻣﺎ ﺑﻨﻰ ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻣﻊ )وﻳﺪه ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻴﻪ( ﺑﺸﻲء ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ ،وأﻧﻪ ﺑﻌﻀﻬﻢ :إن ﻣﺤﺮاﺑﻪ ﺻﻐﻴﺮ ،وأﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﻋﻤﻮد ،أو َﻣﻴْﻀَ ﺄَة ،ﻓﺠﻤﻊ ﺑﻨﺎه ﺑﻜﻨﺰ ﻋﺜﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﺒﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ،وأن اﻟﻌﺸﺎرى اﻟﺬي ﻧﺼﺒﻪ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن اﻟﻨﺎس ً ﻗﺎﺋﻼ :أ ﱠﻣﺎ اﻟﻤﺤﺮاب ،ﻓﻘﺪ رأﻳﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺌﺬﻧﺘﻪ وﺟﺪه ﻓﻲ اﻟﻜﻨﺰ ،ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﻛﻤﻞ اﻟﺨﻄﺒﺔ وﻫﻮ وﻗﺪ اﻟﻨﻤﻞ ﻓﺮأﻳﺖ وأﺻﺒﺤﺖ ﻣﻨﺎﻣﻲ، ﻓﻲ ﻟﻲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وﻗﺪ ﺧﻄﱠﻪ ُ ﻣﺘﺄﺛ ﱢﺮ ،ﻓﻠ ﱠﻤﺎ ﺳﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻛﻼﻣﻪ ﺗﺄﺛ ﱠﺮوا ،وﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ اﺟﺘﻤﻊ ﺧﻠﻖ ﻛﺜﻴﺮ ﻃﺎف ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي ﺧﻄﱠﻪ ﻟﻲ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ،وﺻﻠﱡﻮا اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ،ﺧﺎﺻﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺳﻤﻌﻮا ﺣﻜﺎﻳﺔ وأ ﱠﻣﺎ اﻟﻌﻤﻮد ﻓﻘﺪ ﺑَ َﻨ ْﻴ ُﺖ ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻣﻦ ﻣﺎل ﺣﻼل ،وﻫﻮ اﻟﻜﻨﺰ ،وﻣﺎ اﻟﻤﺤﺮاب اﻟﺬي رآه ﻓﻲ اﻟﺤﻠﻢ وﺧﻄﻪ اﻟﻨﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ،ﺣﺘﻰ ﺿﺎق ﻛﻨﺖ ﻷﺷﻮﺑﻪ ﺑﻐﻴﺮه ،وﻫﺬه اﻟ َﻌ َﻤ ُﺪ إ ﱠﻣﺎ أن ﺗﻜﻮن ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ أو ﻛﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﺎﻟﻤﺼﻠﱢﻴﻦ ،ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻻﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﻧﺮﻳﺪ أن ﺗﺰﻳﺪ ﻟﻨﺎ ﻓﻴﻪ زﻳﺎدة،
28
اﻟﻤﻌ ﱠﻠﻖ وﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﻜﻨﺰ واﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ﺟﺎﻣﻊ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ُ
ﻟﻬﻢ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ إﻻﱠ ﺑﺎﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺜﻠﺜﻤﺎﺋﺔ ﻋﻤﻮد ﻗ ﱠﺪروﻫﺎ ﻹﻗﺎﻣﺘﻪ ،وﻫﺬه اﻷﻋﻤﺪة ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻮﺟﻮد ًة ﺳﻮى ﻓﻲ اﻷﺑﻨﻴﺔ اﻟﻤﺘﻬ ﱢﺪﻣﺔ واﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟ َﺨﺮِﺑﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ أﺑﻰ أن ﻳﻘﻴﻢ ﺑﻴﺘًﺎ ﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ أﻧﻘﺎض ﺑﻴﺖ آﺧﺮ. ﻗﺒﻄﻲ ﻓﻲ ﺳﺠﻮن اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ،ﻳُﻘﺎل إﻧﻪ ﺳﻌﻴﺪ ﻣﻬﻨﺪس ﻓﺴﻤﻊ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺨﺒ ِﺮ ٌ ﱞ ﺑﻦ ﻛﺎﺗﺐ اﻟﻔﺮﻏﺎﻧﻲ ،واﻟﺬي اﺷﺘﻬﺮ ﺑﻤﻬﺎرﺗﻪ ﻓﻲ ﻓﻦ اﻟﻌﻤﺎرة واﻟﺒﻨﺎء ،وﻫﻮ ﻣﻦ أﻧﺸﺄ ﻻﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن اﻟﻘﻨﺎﻃﺮ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﺳﻤﻪ ،وﺣﻔﺮ ﻟﻪ ﺑﺌ ًﺮا ﻋﻨﺪ ﺑﺮﻛﺔ »ﺣﺒﺶ« ﻟﻴﻤ ﱠﺪ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﻄﺎﺋﻊ ﺑﺎﻟﻤﺎء .ﺣﻴﻦ ﻧﻤﺎ إﻟﻰ ﻋﻠﻢ »ﺳﻌﻴﺪ« ﻣﺎ اﻧﺘﻮاه اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن أرﺳﻞ إﻟﻴﻪ ُﻣﻌﻠ ًﻨﺎ أن ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ ﺗﺤﻘﻴﻖ رﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺬي ﻳﺤﻠﻢ ﺑﻪ، وﺑﻌﻤﻮدﻳﻦ اﺛﻨﻴﻦ ﻓﻘﻂ ﻳﺠﻌﻠﻬﻤﺎ ﻟﻠﻘﺒﻠﺔ ،ﻓﺄرﺳﻞ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﻓﻲ ﻃﻠﺒﻪ ،ﻓﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ وﻗﺪ ﻃﺎل ﺷﻌﺮه ﺣﺘﻰ ﻏﻄﱠﻰ وﺟﻬﻪ ﻣﻦ ﻃﻮل ﻓﺘﺮة ﺳﺠﻨﻪ ،ﻓﺄراه رﺳ ًﻤﺎ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ ،ﻓﺎﺳﺘﺤﺴﻨﻪ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ،وﺑﻨﺎه ﻟﻪ ﻋﻠﻰ أﻛﻤﻞ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻓ َُﺴ ﱠﺮ ﺑﻪ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﻛﺜﻴ ًﺮا. / ﻣﻌﻤﺎرﻳﺔ ﺗﺤﻔﺔ
ﻓُ ِﺘﻦ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺬي ﺑﻨﺎه ﺳﻌﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﻣﺜﺎل ،ﻓﺠﺎء ﺗﺤﻔ ًﺔ ﻣﻌﻤﺎرﻳﺔ ﺗ َُﺴ ﱡﺮ اﻟﻨﺎﻇﺮﻳﻦ ،ﻓﻘﺪ ﺟﻌﻠﻪ ُﻣ َﻌﻠﱠﻘًﺎ ،أي ﻳﺘ ﱡﻢ اﻟﺼﻌﻮد إﻟﻰ أﺑﻮاﺑﻪ وﻳﺘﻮﺳﻄﻪ ﺻﺤﻦ ﻣﺮﺑﱠ ٌﻊ ﻣﻜﺸﻮف ،ﻓﻲ وﺳﻄﻪ ﻋﺒﺮ درﺟﺎت داﺋﺮﻳﺔ اﻟﺸﻜﻞ، ﱠ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
27
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ǛǥǝƥČ ǛǤĔǡǚLJ ǢǗLJ ǣǂƟǐ ħƜǝƞ
ǏƎǗLjǚį ǖČ Ħǡǖǡǁ ǛƞČ džǙƜƨ ƠƟǥƩLjǖČ ƠǤĉƲǖČĨ ƳǝǔǖČ ƠǑǥǑƫ ﺻﻔﺎء اﻟﺒﻴﻠﻲ
أﺛﻨﺎء ﺗﺠﻮاﻟﻚ ﻋﺒﺮ ﻫﺬا اﻟﺼﺮح اﻟ ُﻤﺴ ﱠﻤﻰ ﺑﺠﺎﻣﻊ »اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن« وﻏﻴﺮه ﻣﻦ ﺻﺮوح ﻣﺼﺮ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﻳﻠﺰ ُﻣﻚَ ﱠأﻻ ﺗﺘﻐﺎﻓﻞ ﻋ ﱠﻤﺎ ذﻛﺮه دﻟﻴﻞ، اﻟﻤﺆ ﱢرﺧﻮن ﻓﻲ ﻛﺘﺒﻬﻢ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﻦ أن ﺑﻨﺎء اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ وإﻋﻤﺎرﻫﺎ ٌ ﺑﻞ ﺷﺎ ِﻫﺪٌ ،ﻋﻠﻰ ازدﻫﺎر ﻋﺼﺮ ﺑﺎﻧﻴﻬﺎ ،وﻧﺠﺎﺣﻪ ﻓﻲ إدارة ﺷﺆون اﻟﺒﻼد، وﻧﺸﺮه اﻟﻌﺪل واﻟﻌﻤﺎر واﻟﺮﺧﺎء ﻓﻲ أرﺟﺎﺋﻬﺎ؛ ﻟﺬا ﻳﺤﺮص اﻟﺤﻜﺎم ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ وﺣﺪﻳﺜًﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎء اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ وإﻋﻤﺎرﻫﺎ ﻋﻠﻰ أﺑﻬﻰ ﺻﻮرة ﻟﺘﻜﻮن ﻟﻪ ﺷﺎﻫﺪً ا ً ودﻟﻴﻼ ﻋﻠﻰ رﺧﺎء ﻓﺘﺮة ﺣﻜﻤﻪ.
ﻓﻮق رﺑﻮة ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻞ
ﺣﻲ ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻷﺣﻴﺎء اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺷﻬﺮ ًة واﻋﺘﺰازًا ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس: ﻓﻲ وﺳﻂ ﱟ ﻣﺆﺳﺲ ﺣﻲ »اﻟﺴﻴﺪة زﻳﻨﺐ« اﻟﻌﺘﻴﻖ ﺑﻨﻰ »أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن« ﱢ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻄﻮﻟﻮﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ،ﻣﺴﺠ َﺪه ﻣﻦ اﻟﻄﻮب اﻷﺣﻤﺮ ﻓﻮق رﺑﻮة ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻞ »ﻳﺸﻜﺮ« ﺑﻘﻠﻌﺔ اﻟﻜﺒﺶ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﻄﺎﺋﻊ ﺑﻤﺼﺮ ﻋﺎم 263ﻫـ877 -م ،واﻟﺬي ﻳُﻌﺮف ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم ﺑﺎﺳﻤﻪ ،ﺑﻌﺪ أن ﺿﺎق وﻇﻞ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻘﻄﺎﺋﻊ ﻋﻠﻰ اﻟ ُﻤﺼﻠﱢﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ واﻟﺠﻨﻮد ،ﱠ ﺑﺒﻬﺎﺋﻪ وﻣﻌﻤﺎره اﻟﺒﺪﻳﻊ اﻟﻤﺪﻫﺶ ﺷﺎ ِﻫ ًﺪا ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺎل ﺻﺎﺣﺒﻪ وآﺛﺎره وﺟﻬﻮده .وﻗﺪ اﺳﺘﻤ ﱠﺮ ﺑﻨﺎؤه ﻋﻠﻰ ﻣﺪار ﻋﺎﻣﻴﻦ ،وﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺳﺘﺔ أﻓﺪﻧﺔ وﻧﺼﻒ اﻟﻔﺪان ،وﻓﻲ وﺳﻂ ﺣﻲ اﻟﺴﻴﺪة زﻳﻨﺐ ﺑﻨﻰ اﻟﻤﺴﺠﺪ، اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أ ﱠو َل اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ اﻟﺘﻲ ﺑُ ِﻨ َﻴﺖ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،ﻓﻘﺪ ﺳﺒﻘﻪ ﺟﺎ ِﻣ َﻌﺎ: اﻟﻌﺴﻜﺮ ،وﺟﺎﻣﻊ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻓﻲ اﻟﻔﺴﻄﺎط ،ﻗﺎﺻ ًﺪا أن ﻳﻜﻮن ﺟﺎﻣﻌﻪ اﻟﺠﺪﻳﺪ رﻣ ًﺰا ﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻪ ﻋﻦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ،وﻗﺪ وﺻﻠﺖ ﻛﻠﻔﺔ ﺑﻨﺎﺋﻪ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﺮب ﻣﻦ 120أﻟﻒ دﻳﻨﺎر.
ﺗﺮﺟﻊ أﺻﻮل أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن إﻟﻰ ﻗﺒﻴﻠﺔ »اﻟﺘﻐﺰﻏﺰ« اﻟﺘﺮﻛﻴﺔ ،أ ﱠﻣﺎ أﺑﻮه »ﻃﻮﻟﻮن« ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻤﻠﻮﻛًﺎ ﻟﻨﻮح ﺑﻦ أﺳﺪ اﻟﺴﺎﻣﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﺣﺎﻛ ًﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺨﺎرى وﺧﺮاﺳﺎن ،ﻓﺄرﺳﻠﻪ ﻫﺪﻳﺔ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﺄﻣﻮن ﻓﻲ ﻋﺎم 200ﻫـ816 -م ﻣﻊ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ اﻷﺗـﺮاك .وﻛﺎن ﻣﻨﺬ وﻻدﺗﻪ 220ﻫـ835 -م ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد ﺑﺎﻟﻌﺮاق ﻳﻌﺎف اﻟﻠﻬﻮ واﻟﻌﺒﺚ ،واﺷﺘﻬﺮ ﺑﻤﻜﺎرم اﻷﺧﻼق ،وﺑﻌﺪ وﻓﺎة أﺑﻴﻪ وﻫﻮ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ﻓ ﱠﻮض إﻟﻴﻪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ اﻟﻤﺘﻮﻛﱢﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻷﺑﻴﻪ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ، ﻓﺄ ﱠداﻫﺎ ﻋﻠﻰ أﻛﻤﻞ وﺟﻪ ،ﺛﻢ ﺗﺪ ﱠرج ﺑ ُﺤ ْﺴﻦِ ﺧﻠﻘﻪ ورﺟﺎﺣﺔ ﻋﻘﻠﻪ ﻟﻴﻨﺎل ﺛﻘﺔ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ،وﻳﺼﻞ إﻟﻰ ُﺳ ﱠﺪة اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ. ﻓﺎﺳﺘﻘﻞ ﺑﻬﺎ وﺿﺮب ﱠ وﻗﺪ اﺳﺘﻄﺎع اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن إﺣﻜﺎم ﻗﺒﻀﺘﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ، اﻟﺪﻳﻨﺎر اﻷﺣﻤﺪي ،وأوﻟﻰ ﺷﺆوﻧﻬﺎ اﻫﺘﻤﺎ ًﻣﺎ ﺷﺪﻳ ًﺪا ،ﻓﺄﻧﺸﺄ دوﻟﺔ ﻗﻮﻳﺔ، وأﺻﻠﺢ ﺳﺎﺋﺮ أﻣﺼﺎرﻫﺎ ،وﺑﻨﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﻄﺎﺋﻊ ،وأﻗﺎم اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎت واﻟﻤﻼﺟﺊ وﻗﻨﺎﻃﺮ اﻟﻤﻴﺎه ،وﺷ ﱠﻴﺪ اﻟﻘﺼﻮر ،وﺷ ﱠﺠﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺰراﻋﺔ ،وﻋﻤﻞ ﻋﻠﻰ إﺻﻼح اﻟﺴﺪود وﺷَ ﱢﻖ اﻟﺘﱡﺮع واﻟﻘﻨﻮات ،وأﺧﺬ ﺻﻒ اﻟﻔﻼﺣﻴﻦ إزاء / ﺟﺒﺎ ِة اﻟﻀﺮاﺋﺐ ،وأﺻﻠﺢ ﻣﻘﻴﺎس اﻟﻨﻴﻞ ﺑﺎﻟﺮوﺿﺔ .ﻛﻤﺎ ازدﻫﺮت ﻓﻲ إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﺒﻨﺎء ﻇُﻠْﻢِ ُ ﺣﻴﻨﻤﺎ أﺑﺪى اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن رﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﻣﺴﺠﺪ أﻛﱠﺪوا ﻟﻪ أﻧﻪ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻋﻬﺪه اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ،ﻓﺎﺷﺘﻬﺮت ﻣﺼﺮ ﺑﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﻨﺴﻴﺞ. 26
اﻟﻤﻌ ﱠﻠﻖ وﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﻜﻨﺰ واﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ﺟﺎﻣﻊ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ُ
ﻳﺘﻮﺳﻂ ﺻﺤﻦ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺣﺘﻰ اﻵن. ﻳﻌﻠﻮه ﻗﺒﱠﺔ .وﻣﺎ ﻳﺰال ﺑﻴﺖ اﻟﻤﺎل ﱠ وﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ زاد ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ واﻟﻲ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ِﻗ َﺒﻞ أﺑﻲ ﻋﺒﺎس اﻟﺴﻔﱠﺎح ،وذﻟﻚ ﺑﺈﺿﺎﻓﺔ أرﺑﻌﺔ أﺳﺎﻃﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺆﺧﱢﺮﺗﻪ، وذﻟﻚ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ 133ﻫـ .وﻓﻲ ﻋﺎم 212ﻫـ أﻣﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﺑﻦ ﻃﺎﻫﺮ أﻣﻴﺮ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ِﻗ َﺒﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﺄﻣﻮن ﺑﺎﻟﺰﻳﺎدة ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺠﺎﻣﻊ، ﻓﺘ ﱠﻤﺖ ﺗﻮﺳﻌﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،وأﺻﺒﺤﺖ ﻣﺴﺎﺣﺘﻪ 112.5ﻣﺘﺮ ﻋﺮﺿً ﺎ ،و 120.5ﻣﺘﺮ ﻃﻮﻻً ،وﻫﻲ ﻣﺴﺎﺣﺘﻪ اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ .وﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻄﻮﻟﻮﻧﻴﺔ وﻗﻊ ﺣﺮﻳﻖ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ د ﱠﻣﺮ اﻟﺰﻳﺎدة اﻟﺘﻲ أﺿﺎﻓﻬﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻃﺎﻫﺮ ،ﻓﺄﻣﺮ ﺧﻤﺎروﻳﻪ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﺑﻌﻤﺎرﺗﻪ ،وأﻧﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﺘﺔ آﻻف وأرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ دﻳﻨﺎر .وﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻹﺧﺸﻴﺪي ﻧُ ِﻘ َﺶ أﻛﺜﺮ اﻟ َﻌ َﻤﺪ ،وﻃُ ﱢﻮﻗَﺖ ﺑﺄﻃﻮاق ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ؛ ﺣﺘﻰ إذا ﻣﺎ ﺟﺎء ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻬﺠﺮي ،ﺑﻠﻎ اﻟﻤﺴﺠﺪ أَ ْو َﺟﻪ ﻣﻦ اﻟﺰﺧﺮف ،ﻣﻦ ﺗﺬﻫﻴﺐ وﻧﻘﺶ وﺗﻄﻮﻳﻖ ﻟﻠﻌﻤﺪ .وﻗﺪ زاره ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺮ ﱠﺣﺎﻟﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻤﻘﺪﺳﻲ ﻓﻘﺎل» :إﻧﻪ أﺣﺴﻦ اﻟﺒﻨﺎء ،وﻓﻲ ﺣﻴﻄﺎﻧﻪ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻔﺴﻴﻔﺴﺎء ،ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺪة رﺧﺎم ،وﻫﻮ أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻊ دﻣﺸﻖ ،وﻫﻮ أﻋﻤﺮ ﻣﻮﺿﻊ ﺑﻤﺼﺮ« .وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷزﻫﺮ ﻛﺎن ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮﺳﻤﻲ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﺔ ،إﻻﱠ أن ﺟﺎﻣﻊ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﺣﻈﻲ ﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﻴﻦ ،ﻓﻴﺤ ﱢﺪﺛﻨﺎ اﻟﻤﻘﺮﻳﺰي أن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺛﺎﻧﻲ ﺧﻠﻔﺎء اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﺔ أﻣﺮ وزﻳﺮه ﻳﻌﻘﻮب ﺑﻦ ﻛﻠﺲ أن ﻳﺰﻳﺪ ﻓﻴﻪ اﻟﻔﻮارة اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺖ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﺎل؛ وﻫﻮ أول َﻣﻦ ﺻﻨﻊ ﻓﻴﻪ ﻓ ﱠﻮارة ،ﻛﻤﺎ ﺻﻨﻊ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ ﻣﺴﺎﻗﻒ اﻟﺨﺸﺐ اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﺟ ﱠﺪد ﺑﻴﺎض اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻋﺎم 387ﻫـ .ﻛﻤﺎ أرﺳﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺗ ﱡﻨﻮ ًرا )ﺛﺮﻳﺎ( ﻣﻦ اﻟﻔﻀﱠ ﺔ ،ﻳﺒﻠﻎ ﻗﻴﻤﺘﻪ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ درﻫﻢ ﻓﻀﺔ ،ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ اﻟﻨﺎس ،وﻟﻢ ﻳُ ْﻤ ِﻜ ْﻦ إدﺧﺎﻟﻪ ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ إﻻﱠ ﺑﻌﺪ أن ﻗُﻠِ َﻌ ْﺖ َﻋﺘَﺒَﺘﺎ اﻟﺒﺎب ﺣﺘﻰ أدﺧﻞ ﺑﻪ .ﻛﻤﺎ أﻣﺮ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﻠﻪ ﺑﻌﻤﻞ رواﻗﻴﻦ
ﻓﻲ ﺻﺤﻦ اﻟﺠﺎﻣﻊ .وﻗﺪ زار اﻟﺮ ﱠﺣﺎﻟﺔ اﻟﻔﺎرﺳﻲ ﻧﺎﺻﺮ ﺧﺴﺮو ﻣﺼﺮ ﺳﻨﺔ 439ﻫـ وﻗﺪ وﺻﻒ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺑﻘﻮﻟﻪ» :واﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻌﺘﻴﻖ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﻋﻤﻮد ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎم ،واﻟﺠﺪار اﻟﺬي ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻤﺤﺮاب ُﻣ َﻐﻄﱠﻰ ﻛﻠﻪ ﺑﺄﻟﻮاح اﻟﺮﺧﺎم اﻷﺑﻴﺾ اﻟﺘﻲ ﻛُ ِﺘ َﺒﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ آﻳﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮآن ﺑﺨ ﱟﻂ ﺟﻤﻴﻞ، ُ اﻷﺳﻮاق ﻣﻦ ﺟﻬﺎﺗﻪ اﻷرﺑﻊ ،وﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻔﺘﺢ أﺑﻮاﺑﻪ. وﺗﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ وﻟ ﱠﻤﺎ أُ ْﺣ ِﺮﻗَﺖ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻔﺴﻄﺎط ﺳﻨﺔ 564ﻫـ ﺧﻮﻓًﺎ ﻣﻦ اﺳﺘﻴﻼء اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،واﺳﺘﻤ ﱠﺮت اﻟﻨﻴﺮان ﻣﺴﺘﻌﺮة 54ﻳﻮ ًﻣﺎ -ﺗﻬ ﱠﺪﻣﺖ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ وﺗﺨ ﱠﺮﺑﺖ ﻣﺒﺎﻧﻴﻬﺎ ،وﺗﺼ ﱠﺪع ﺟﺎﻣﻊ ﻋﻤﺮو ،وﻟ ﱠﻤﺎ َوﻟِ َﻲ ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ ُﺣ ْﻜ َﻢ ﻣﺼﺮ ﻗﺎم ﺑﺘﺠﺪﻳﺪ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻌﺘﻴﻖ ﺳﻨﺔ 568ﻫـ .وﻳﺼﻒ ﻟﻨﺎ اﺑﻦ إﻳﺎس آﺧﺮ ﻋﻤﺎرة أﺟﺮﻳﺖ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻲ ،ﻓﻴﻘﻮل ﻓﻲ ﺣﻮادث ﺳﻨﺔ 876ﻫـ» :وﻓﻴﻪ رﻛﺐ اﻟﺴﻠﻄﺎن وﻧﺰل ﻣﻦ اﻟﻘﻠﻌﺔ وﺗﻮ ﱠﺟﻪ إﻟﻰ ﺟﺎﻣﻊ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ،وﻛﺸﻒ ﻋ ﱠﻤﺎ ﺗﻬ ﱠﺪم ﻣﻦ ﺣﻴﻄﺎﻧﻪ وﺳﻘﻮﻓﻪ ،وأﻣﺮ ﺑﺒﻨﺎﺋﻪ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ ،وﺷﺮع ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﺤﺎل« .وﻟ ﱠﻤﺎ ﺟﺎءت اﻟﺤﻤﻠﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺟﺮى ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺠﺪ ﻋﻤﺮو ﻣﺎ ﺟﺮى ﻟﻐﻴﺮه ﻣﻦ اﻟﻬﺪم واﻟﺘﺨﺮﻳﺐ ،ﻓﻘﺪ أُ ِﺧﺬَت أﺧﺸﺎﺑُﻪ ،ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﻋﻠﻲ ﻣﺒﺎرك» :ﺑﻠﻘﻌﺎً أَﺷْ َﻮ َه ﻣ ﱠﻤﺎ ﻛﺎن« .ﻟﻢ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﺟﺎﻣﻊ ﻋﻤﺮو ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻼة ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﺟﺎ ِﻣ َﻌ ًﺔ ﺗ ُ ْﻌ َﻘ ُﺪ ﻓﻴﻪ ﺣﻠﻘﺎت اﻟﺪرس ﻋﻠﻰ ﻛﺒﺎر اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﻘﻬﺎء ،وذﻟﻚ ﻗﺒﻞ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷزﻫﺮ ﺑﺄرﺑﻌﺔ ﻗﺮون ،ﻟﻜﻦ دروﺳﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻄ ﱡﻮ ًﻋﺎ وﺗﺒ ﱡﺮ ًﻋﺎ ﻣﻦ اﻷﺋ ﱠﻤﺔ واﻟﻤﺘﺼ ﱢﻮﻓﻴﻦ وﻛﺒﺎر اﻟﻔﻘﻬﺎء ،وﻟﻴﺴﺖ ﺑﺘﻜﻠﻴﻒ ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ. وﻛﺎن ﻳُﻘﺎم ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻊ ﺣﻠﻘﺎت دروس ووﻋﻆ ﻟﻠﺴﻴﺪات ،ﺗﺼ ﱠﺪ َرﺗ ْﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﺔ وا ِﻋﻈَ ُﺔ زﻣﺎﻧﻬﺎ :أ ﱡم اﻟﺨﻴﺮ اﻟﺤﺠﺎزﻳﺔ .وﻟﻢ ﺗﻨﻘﻄﻊ أﺧﺒﺎر اﻟﺘﺪرﻳﺲ ﺑﻬﺬا اﻟﺠﺎﻣﻊ ﱠإﻻ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ اﻟﻬﺠﺮي .ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﺴﺠﺪ ﻋﻤﺮو ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻟﺠﻠﻮس اﻟﻘﻀﺎة ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُ ْﻌ َﻘ ُﺪ ﺑﻪ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﻟِﻔ ﱢَﺾ اﻟﻤﻨﺎزﻋﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻮﺟﺪ ﺑﻪ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﺎل أﻣﺎم اﻟﻤﻨﺒﺮ ،وﻛﺎن أَﺷْ َﺒ َﻪ ِﺑ ُﻘ ﱠﺒ ٍﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺑﻮاب ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ
ﺟﺎﻣﻊ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
25
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ƜǥǑǤƲǍĈ ǣǍ ưƩƶǙ ĤĨƎ Ĉ
ĎƲǟƜǑǖƜƞ ĚƜLjǖČ Ǜƞ ĨƲǚLJ ưƩƶǙ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻴﻮﻣﻲ
ﺳﻨﺔ 21ﻫـ دﺷﱠ ﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﺑﻤﺼﺮ ِ ﺣﺎﺿﺮ ًة ﺟﺪﻳﺪة ،ﺣﻴﺚ ﻋﺴﻜﺮت ﻗﻮات اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ،وأﺳﻤﺎﻫﺎ اﻟﻔﺴﻄﺎط .وﺗﻘﻊ ﻋﻨﺪ رأس اﻟﺪﻟﺘﺎ ،ﻟﺘﻜﻮن ﻓﻲ ﻣﺄﻣﻦ ﻣﻦ ﻫﺠﻤﺎت اﻟﻌﺪو ،وﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻷراﺿﻲ اﻟﺰراﻋﻴﺔ ﻟﻴﺴﻬﻞ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺆن واﻷﻗﻮات .وﻳﺤﻤﻴﻬﺎ ﺟﺒﻞ اﻟﻤﻘﻄﱠﻢ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺸﺮق. ﻣﻦ اﻟﻌﺪو وﻣﻦ ﻓﻴﻀﺎن اﻟﻨﻴﻞ ُ أﻗﻴﻢ وﺳﻂ اﻟﻔﺴﻄﺎط ﻣﺴﺠﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺎﺣﺘﻪ ﻓﻲ أول أﻣﺮه ﺧﻤﺴﻴﻦ ذرا ًﻋﺎ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﻴﻦ ذرا ًﻋﺎ .وﻗﺪ روى اﻟﻜﻨﺪي ﻋﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺣﺒﻴﺐ: »ﺳﻤﻌﺖ أﺷﻴﺎﺧﻨﺎ ﻣ ﱠﻤﻦ ﺣﻀﺮ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻔﺘﺢ )ﺟﺎﻣﻊ ﻋﻤﺮو( ﻳﻘﻮﻟﻮن رﺟﻼ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب وﻗﻒ ﻋﻠﻰ إﻗﺎﻣﺔ ﻗﺒﻠﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺛﻤﺎﻧﻮن ً رﺳﻮل اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ،ﻣﻨﻬﻢ :اﻟﺰﺑﻴﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﻮام ،واﻟﻤﻘﺪاد وﻋﺒﺎدة ﺑﻦ اﻟﺼﺎﻣﺖ وأﺑﻮ اﻟﺪرداء ،وﻓﻀﺎﻟﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ وﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ، رﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ .وﻗﺪ أﻗﺎم اﻟﻤﺤﺮاب ﻋﺒﺎدة ﺑﻦ اﻟﺼﺎﻣﺖ وراﻓﻊ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ .وﻗﺪ ﺑﻌﺚ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص رﺑﻴﻌ َﺔ اﺑﻦ ﺷﺮﺣﺒﻴﻞ ﺑﻦ ﺣﺴﻨﺔ، و َﻋ ْﻤ ًﺮا ﺑﻦ ﻋﻠﻘﻤﺔ اﻟﻘﺮﺷﻲ ﻳﻘﻴﻤﺎن اﻟﻘﺒﻠﺔ ،وﻗﺎل ﻟﻬﻤﺎ :ﻗُﻮ َﻣﺎ إذا اﻧﺘﺼﻔﺖ اﻟﺸﻤﺲ ﻓﺎﺟﻌﻼﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﺟﺒَﻴْﻜُﻤﺎ ،ﻓﻔﻌﻼ ،وﻛﺎن ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻳَ ُﻤ ﱡﺪ اﻟﺤﺒﺎل ﺣﺘﻰ أُﻗﻴﻤﺖ ﻗﺒﻠﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﻬﺎ .وﻫﻮ أول ﻣﺴﺠﺪ ﺑُ ِﻨ َﻲ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ وأﻓﺮﻳﻘﻴﺎ«.وﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﻋﻤﺮو ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ ﺑﺎﺑﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ داره ،وﺑﺎﺑﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ،وﺑﺎﺑﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ .وﻛﺎن 24
ﻣﺴﺠﺪ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة
ﺳﻘﻔﻪ ﻣﻨﺨﻔﻀً ﺎ ﺟ ٍّﺪا ،وﻻ ﺻﺤﻦ ﻟﻪ ،ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﺼﻴﻒ ﺟﻠﺲ اﻟﻨﺎس ﺑﻔﻨﺎﺋﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻧﺎﺣﻴﺔ.وأول َﻣﻦ زاد ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻊ ﻋﻤﺮو ﻫﻮ ﻣﺴﻠﻤﺔ ﺑﻦ ﻣﺨﻠﺪ اﻷﻧﺼﺎري ،واﻟﻲ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ِﻗﺒَﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎن، وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﺎم 53ﻫـ . ،ﻛﻤﺎ أﺿﺎف ﻣﺴﻠﻤﺔ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ اﻟﺠﺎﻣﻊ أرﺑﻊ ﺻﻮاﻣﻊ ﻓﻲ أرﻛﺎﻧﻪ اﻷرﺑﻌﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻓﺮش اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺑﺎﻟ ُﺤﺼﺮ ،وﻛﺎن ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻣﻔﺮوﺷً ﺎ ﺑﺎﻟﺤﺼﺒﺎء.وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺰﻳﺎدة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻦ ٍ ﻳﻮﻣﺌﺬ أﻣﻴﺮ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﺮوان ،ﻓﻘﺪ ﻫﺪﻣﻪ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ 79ﻫـ ،وﻫﻮ أﺧﻴﻪ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان,ﻛﺬﻟﻚ أﻣﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺮوان واﻟﻲ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﺧﻴﻪ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﺮﻓﻊ ﺳﻘﻒ اﻟﺠﺎﻣﻊ ،وﻛﺎن ﻣﻨﺨﻔﻀً ﺎ ،وذﻟﻚ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ 89ﻫـ .ﺛﻢ إن »ﻗﺮة ﺑﻦ ﺷﺮﻳﻚ اﻟﻌﺒﺴﻲ« ﻣﺴﺘﻬﻞ ﺳﻨﺔ 92ﻫـ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ وﻓﺮغ ﱢ ﻫﺪم اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻓﻲ ﻣﻦ إﻋﺎدة ﺑﻨﺎﺋﻪ ﺳﻨﺔ 93ﻫـ ،وﻧﺼﺐ اﻟﻤﻨﺒﺮ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ 94ﻫـ، وﻧﺰع اﻟﻤﻨﺒﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻣﻦ ﻋﻬﺪ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص .وﻛﺎن ﻣﻨﺒﺮ ﻋﻤﺮو ﻫﻮ اﻟﻤﻨﺒﺮ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺟﺪ ﻣﺼﺮ؛ إذ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺨﻄﺐ ﻓﻲ اﻟﻘﺮى إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺼﺎ ،وأﻣﺮ »ﻗُ َﺮة ﺑﻦ ﺷُ َﺮﻳْﻚ« ﺑﻌﻤﻞ اﻟﻤﺤﺮاب اﻟ ُﻤﺠ ﱠﻮف ﻋﻠﻰ ﻏﺮار اﻟﻤﺤﺮاب اﻟﺬي ﺻﻨﻌﻪ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻨﺒﻮي ،وﻫﻮ اﻟﻤﺤﺮاب اﻟﻤﻌﺮوف ﺑﺎﺳﻢ ﻣﺤﺮاب ﻋﻤﺮو؛ ﻷﻧﻪ ﻓﻲ ِﺳ ْﻤ ِﺖ ﻣﺤﺮاب اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﺬي ﺑﻨﺎه ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ،ﻛﻤﺎ َذ ﱠﻫﺐ ﺗﻴﺠﺎن اﻷﻋﻤﺪة اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻘ ﱠﺪم اﻟﻤﺤﺮاب .وﻓﻲ ﺧﻼﻓﺔ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺳﻨﺔ 97ﻫـ ﺑﻨﻰ أﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ ﻳﺰﻳﺪ اﻟﺘﻨﻮﺧﻲ ُ -ﻣﺘَ َﻮﻟﱢﻲ اﻟﺨﺮاج -ﺑﻴﺖ اﻟﻤﺎل اﻟﺬي ﻳﻌﻠﻮ اﻟﻔﻮارة ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻊ ،وﻫﻲ ﺑﻨﺎء
ﻋﺎ ﱠﻣﺔ ،ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﻃﺎﺑﻊ ﺷﺨﺼﻲ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺘﱠﻔﻖ ﻣﻊ آراء اﻟﺒﺪوي ،وﻗﺪ و ﱠﺟﻬﻬﺎ إﻟﻰ ﺗﻠﻤﻴﺬه ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺎل ﻟﺘﻜﻮن دﺳﺘﻮ ًرا ﻟﻪ وﻷﺗﺒﺎﻋﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه و ُﻣﺮﻳﺪﻳﻪ. اﻷﺧﺒﺎر ﻓﻲ ﺣﻞ أﻟﻔﺎظ ﻏﺎﻳﺔ اﻻﺧﺘﺼﺎر :وﻫﻮ ﻣﺨﻄﻮط ﻛﺘﺒﻪ ﺷﺨﺺﻳُ ْﺪ َﻋﻰ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ،ﺳﻨﺔ 639ﻫـ ،ﺑﻌﺪ ﻧﺰول اﻟﺒﺪوي ﺑﻄﻨﻄﺎ ﺑﺴﻨﺘﻴﻦ، وﻳُﺮ ﱠﺟﺢ أن ﻳﻜﻮن إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻫﺬا أﺣﺪ اﻟﻤﺮﻳﺪﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻜﺘﺒﻮن ﻃﻮﻳﻼ ﻓﻲ اﻟﻔﻘﻪ واﻟ ُﻤﻌﺎ َﻣﻼت ﻟﻠﺒﺪوي رﺳﺎﺋﻠﻪ وﻣﺆﻟﱠﻔﺎﺗﻪ ،وﻳﺘﻀ ﱠﻤﻦ ﺷﺮ ًﺣﺎ ً واﻷﺣﻮال اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺬﻫﺐ اﻹﻣﺎم اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ. ﻣﺴﻴﺮة ﻣﺴﺠﺪ
ﺑﺪأ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﺣﻤﺪي ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ُﺧﻠْ َﻮ ٍة ﺑﻨﺎﻫﺎ أ ﱠو ُل أﺗﺒﺎع اﻟﺴﻴﺪ اﻟﺒﺪوي: »ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺎل« ،وذﻟﻚ ﺑﺠﺎﻧﺐ اﻟﻘﺒﺮ اﻟﺬي ﺑﻨﺎه ﻷﺳﺘﺎذه ،وﻫﻮ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي ﻋﺎش ﻓﻴﻪ أﺣﻤﺪ اﻟﺒﺪوي وﻣﺎت :دار »اﺑﻦ ﺷﻤﻴﻂ«، ﺛﻢ ﺗﺤ ﱠﻮﻟَﺖ ﻫﺬه اﻟﺨُﻠﻮ ُة إﻟﻰ زاوﻳﺔ ﻟﻸﺣﻤﺪﻳﺔ ،ﺑﻨﺎﻫﺎ »ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺎل« ﺑﺈﺷﺮاﻓﻪ ،وﺑﻨﻰ ﻟﻬﺎ اﻟﻤﻨﺎرات واﻟﻘﺒﺎب ،واﺳﺘﻤ ﱠﺮ اﻟﻮﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎل ُﻣ ﱠﺪ َة ﻗﺮﻧﻴﻦ ورﺑﻊ اﻟﻘﺮن ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن ،ﺣﺘﻰ ﻛﺎن ﻋﺼﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻗﺎﻳﺘﺒﺎي، ﻛﻤﺎ ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻲ ذﻟﻚ اﺑﻦ إﻳﺎس ﻓﻲ ُﻣ َﺆﻟﱠ ِﻔﻪ »ﺑﺪاﺋﻊ اﻟﺰﻫﻮر« ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺬﻛﺮ ﺣﻮادث ﻋﺎم 901ﻫـ ،وﻣﺎ أﻧﺸﺄه اﻷﺷﺮف ﻗﺎﻳﺘﺒﺎي ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻴﺎن ،وﺟ ﱠﺪد ووﺳﻌﻪ. ﻣﻘﺎم اﻟﺴﻴﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﺒﺪوي وﺑﻨﺎه ﺑﻨﺎ ًء ﺣﺎ ِﻓ ًﻼ ،ﱠ وﻟ ﱠﻤﺎ َوﻟِ َﻲ أَ ْﻣ َﺮ ﻣﺼ َﺮ »ﻋﻠﻲ ﺑﻚ اﻟﻜﺒﻴﺮ« )1186 1182-ﻫـــ( ،وﻗﺒﻞ أن ﻳﻌﻠﻦ اﺳﺘﻘﻼﻟﻪ ﻋﻦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،وﻣﺤﺎوﻟ ًﺔ ﻣﻨﻪ ﻻﺳﺘﻤﺎﻟﺔ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ،واﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ رﺟﺎل اﻟﺪﻳﻦ ،ﺑﻤﺎ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ ﺿﺪ ﱡ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻧﻔﻮذ ﻓﻲ ﻗﻠﻮب اﻟﻌﺎ ﱠﻣﺔ؛ ﻛﺎن اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺰاوﻳﺔ اﻷﺣﻤﺪي وﺗﺤﻮﻳﻠﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﺴﺠﺪ ﻓﺨﻢ ﻟﻪ ﺛﻼث ﻗﺒﺎب ،أﻛﺒﺮﻫﺎ ﻟﻠﺒﺪوي ،واﻟ ُﻘ ﱠﺒﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻟﻌﺒﺪ اﻟﻌﺎل ،واﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻟﻠﺸﻴﺦ ﻣﺠﺎﻫﺪ ،ﺷﻴﺦ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ »ﻋﻠﻲ ﺑﻚ اﻟﻜﺒﻴﺮ« .وﺿﺮب ﻋﻠﻰ اﻟﻀﺮﻳﺢ ﻣﻘﺼﻮر ًة ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس ،ﻧُ ِﻘﺸَ ﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻧ ََﺴﺒِﻪ ،وأُ ﱢرﺧَﺖ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺘﻬﺎ ﺑﺴﻨﺔ 1186ﻫـ؛ إﺷﺎر ًة إﻟﻰ ﻋﻬﺪ »ﻋﻠﻲ ﺑﻚ اﻟﻜﺒﻴﺮ« ،اﻟﺬي أوﻗﻒ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ أﻳﻀﺎً أوﻗﺎﻓﺎً ﻛﺜﻴﺮة ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻤﻮارد اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ ،ﻛﻤﺎ ﺑﻨﻲ ﺳﺒﻴﻼً ﺧﺎرج اﻟﻤﺴﺠﺪ. وﺻ ِﻨ َﻊ وﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺨﺪﻳﻮي »ﻋﺒﺎس اﻷول« ا ْﻋﺘُ ِﻨ َﻲ ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ اﻷﺣﻤﺪيُ ، ﻟﻪ ﻣﻨﺒ ٌﺮ ُو ِﺿ َﻌﺖ ﻓﻴﻪ أﻋﻤﺪة ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎم ﻳﺒﻠﻎ ﻋﺪدﻫﺎ 58ﻋﻤﻮ ًدا ،وﻗﺪ َﺻ َﻨ َﻊ ﻫﺬا اﻟﻤﻨﺒ َﺮ اﻟﺪﻗﻴﻖ اﻟﺼﻨﻊ ،اﻟﺮاﺋﻊ اﻟﻨﻘﺶ ،أﺣﺪ ُﺻ ﱠﻨﺎع ﻣﺼﺮ ،ﻛﻤﺎ اﻟﺼ ﱠﻨﺎع ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺨﺪﻳﻮي »ﻋﺒﺎس ﺣﻠﻤﻲ اﻟﺜﺎﻧﻲ« 1320ﻫـ ﻗﺎم أﺣﺪ ﱡ ﺮ ﻤ اﻟ اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ، ﺑﺎﻟﺮﺳﻮم اب ﺮ اﻟﻤﺤ ﺑﺈﻋﺪاد ﺑﺎﻟﺼ َﺪف اﻟ ُﻤﻠ ﱠﻮن ،ﻓﻲ ﻌﺔ ﺻ ﱠ َُﱠ ﺗﻨﺎﺳﻖ وﺗﺠﺎﻧ ٍُﺲ؛ ﻣ ﱠﻤﺎ ﺟﻌﻠﻬﺎ راﺋﻌﺔ اﻟﻤﻨﻈﺮ ،وذﻟﻚ أﺛﻨﺎء ﺗﺤﺴﻴﻦ وﺗﻘﻮﻳﺔ ﺑﻨﻴﺎن اﻟﻤﺴﺠﺪ ،وﻗﺪ ﺗ ﱠﻢ إﻋﺎدة ﺑﻨﺎء اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺨﺪﻳﻮي »إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ«؛ ﻧﻈ ًﺮا ﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﺣﻤﺪي .وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﺘﻄ ﱡﻮر اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻛﻘﻠﺐ ﻟﻠﺪﻟﺘﺎ :اﻗﺘﺼﺎدﻳٍّﺎ واﺟﺘﻤﺎﻋ ٍّﻴﺎ وﻋﻠﻤ ٍّﻴﺎ ،ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ٍ اﻷﺧﻴﺮة؛ ﻓﻘﺪ اﻫﺘ ﱠﻢ اﻟﻤﺴﺆوﻟﻮن ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﺣﻤﺪي ،وﺟﺮى ﺗﻮﺳﻴﻌﻪ
وﺗﺠﺪﻳﺪه ﻣ ﱠﺮﺗﻴﻦ :أوﻻﻫﻤﺎ ﻋﺎم 1979م ،ﺣﻴﺚ ﺗ ﱠﻤﺖ ﺗﻮﺳﻌﺔ اﻟﺠﺎﻣﻊ وإﻋﺎدة ﺗﺸﻴﻴﺪه ﺑﺎﻟﺼﻮرة اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ،واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﺎم 2008م ،ﺣﻴﺚ ﺑﺪأت أﻋﻤﺎل ﺗﺮﻣﻴﻢ وﺗﻘﻮﻳﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، ﻣﻊ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻲ روح اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ .أ ﱠﻣﺎ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻷﺣﻤﺪي ﻛﺠﺎﻣﻌﺔ إﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻓﺈن ﺗﺎرﻳﺦ وﺟﻮد اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻴﻪ ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻰ أواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ اﻟﻬﺠﺮي ،ﺣﻴﺚ وﺟﺪ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ َوﻗْﻔﻴﱠﺎت اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﻤﺆ ﱠرﺧﺔ ﺳﻨﺔ 814ﻫـ ﻣﺎ ﻳُﻔ َﻬﻢ ﻣﻨﻪ أن ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻛﺎن ﺑﻪ ﺑﻌﺾ ﻃﻠﺒﺔ اﻟﻌﻠﻢ، وأﺧﺬ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻷﺣﻤﺪي ﻳﺘﺤ ﱠﻮل إﻟﻰ ﻣﺪرﺳﺔ إﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻤﻂ اﻷزﻫﺮ ﺧﺼﺺ ﺑﻌﺾ اﻟﻔﻘﻬﺎء واﻟﻤﺪ ﱢرﺳﻴﻦ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ »ﻋﻠﻲ ﺑﻚ اﻟﻜﺒﻴﺮ« ،ﺣﻴﺚ ﱠ ﻟﻠﺘﺪرﻳﺲ ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻊ ،وأَ ﱠﻣﻪ ﻋﺪ ٌد ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻄﻼب ﺧ ﱢُﺼ َﺺ ﻟﻬﻢ» :ﺧﺒﺰ وﺟﺮاﻳﺎت وﺣﺴﺎء ﻳُ ْﺼ َﺮف ﻳﻮﻣ ٍّﻴﺎ« .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪراﺳﺔ دﻳﻨ ﱠﻴ ًﺔ ﻟﻐﻮﻳﱠﺔً ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺤﺎل ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﻴﻦ ،ﻓﺸﻤﻠﺖ :اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ واﻟﺤﺪﻳﺚ واﻟﻔﻘﻪ واﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ،وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻠﻐﻮﻳﺔ .وﻛﺎﻧﺖ -وﻻ زاﻟﺖ- ﺷُ ْﻬ َﺮ ُة ﻃﻨﻄﺎ ﻓﻲ ﺗﺤﻔﻴﻆ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺗ ُﻤﺎﺛِ ُﻞ ﺷﻬﺮة اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻓﻲ أﺣﻤﺪي ،وﻣﺎ ﻋﻠﻮم ﱠإﻻ دراﺳﺔ ﻋﻠﻮم اﻟﺪﻳﻦ ،وﻗﺪ ﻗﻴﻞ» :ﻣﺎ ﻗﺮآن ﱠإﻻ ﱞ أزﻫﺮﻳﺔ« .أﺣﻤﺪي ﻧﺴﺒﻪ إﻟﻰ ﻣﺴﺠﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﺒﺪوي ﺑﻄﻨﻄﺎ ﺣﻴﺚ ﻛﺎن أﺷﻬﺮ ﻣﻜﺎن ﻟﺘﺤﻔﻴﻆ اﻟﻘﺮآن ،وﻣﺎ ﻳﺰال ﻛﺬﻟﻚ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
23
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ﻋﻤﺎﻣﺔ-اﻟﺴﻴﺪ-اﻟﺒﺪوي
اﻟﺴﺒﻴﻞ اﻟﺬي ﺑﻨﺎه ﻋﻠﻰ ﺑﻚ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺑﺠﻮار اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻻﺣﻤﺪي
22
اﻟﻤﺴﺠﺪ ا%ﺣﻤﺪي ﺑﻄﻨﻄﺎ
ﻳُﺰار ،وﻫﻮ أﺷﻬﺮ أﻋﻼم ﻃﻨﻄﺎُ .وﻟِ َﺪ اﻟﺒﺪوي ﻋﺎم 596ﻫـ ،ﻓﻲ أُ ْﺳ َﺮ ٍة ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻫﺎﺟﺮت إﻟﻰ اﻟﻤﻐﺮب ،وﻛﺎن أﺣﻤﺪ اﻟﺒﺪوي ﺳﺎ ِﺑ َﻊ إﺧﻮﺗﻪ ﻷﺑﻴﻪ اﻟﺸﺮﻳﻒ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻋﺜﻤﺎن ،وﻗﺪ ﺣﻔﻆ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻋﻨﺪ ﺑﻠﻮﻏﻪ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه، وﺑﺪأ ﻳﺘﻔﻘﱠﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ ،وﻳﺼﺎﺣﺐ واﻟﺪه إﻟﻰ ﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﻌﻠﻢ ،ﻳﺴﻤﻊ وﻳﺘﻌﻠﻢ وﻳﺤﻔﻆ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻘﺎل أﻣﺎﻣﻪ ،إﻟﻰ أن ﻋﺎد أﻓﺮاد اﻷﺳﺮة إﻟﻰ ﻣﻮﻃﻨﻬﻢ اﻷﺻﻠﻲ :ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ ،وﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻣﻜﺜﻮا ﺑﻤﺼﺮ ﻣﺪة ﻋﺎﻣﻴﻦ، اﻟﺒﺪوي ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻟﻤﻬﺎ ،ﺛﻢ واﺻﻞ اﻟﺮﺣﻴﻞ إﻟﻰ ﺗﻌ ﱠﺮف ﺧﻼﻟﻬﻤﺎ ﱡ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ ،وﻣﻜﺚ ﺑﻬﺎ إﻟﻰ أن ﻣﺎت أﺑﻮه وأﺧﻮه ﻣﺤﻤﺪ ،ﻓﺎﺳﺘﻘ ﱠﺮ ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺎز ،وأﺧﺬ ﻳﺨﺎﻟﻂ ﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻤﻜﺔ واﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،ﻳﺘﻌﻠﱠﻢ اﻟﻔﻘﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺬﻫﺐ اﻹﻣﺎم اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ،ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎن ﻳﺘﻌﻠﱠﻤﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﻟﻜﻴﺔ، وﻣﺎل إﻟﻰ اﻟ ﱡﺰﻫﺪ ﻣﻨﺬ ِﺻ َﻐﺮِه ،ﺣﺘﻰ اﺷﺘﻬﺮ ﺑﻴﻦ ﻗﻮﻣﻪ ﺑﺎﻟﺸﻴﺦ »أﺣﻤﺪ اﻟﺰاﻫﺪ« ،وﻓﻲ ذات اﻟﻮﻗﺖ ﺗﻌﻠﱠﻢ اﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻗﺎل ﻋﻨﻪ أﺧﻮه اﻟﺸﺮﻳﻒ ﺣﺴﻦ» :ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﻣﻜﺔ واﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﺳﺎن أﺷﺠ َﻊ وﻻ أَﻓْ َﺮ َس ﻣﻦ أﺧﻲ أﺣﻤﺪ« .وﻗﺪ ﻣﺎل اﻟﺒﺪوي ﻟﻠ ُﻌ ْﺰﻟَﺔ ،واﻣﺘﻨﻊ ﻋﻦ اﻟﺰواج ،وآﺛﺮ اﻟﺼﻤﺖ، وﻗ ﱠﺮر اﻟﺮﺣﻴﻞ إﻟﻰ اﻟﻌﺮاق ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺷﺮ ﻣﻦ ﺷﻬﺮ ﻣﺤﺮم 634ﻫـ -1237م، ﻣﻊ ﺷﻘﻴﻘﻪ اﻷﻛﺒﺮ ﺣﺴﻦ ،واﻧﺘﻬﻰ ﺑﻬﻤﺎ اﻟﻤﻄﺎف إﻟﻰ ﺑﻐﺪاد اﻟﻜﺎﻇﻤﻴﺔ ،ﺛﻢ اﺗ ﱠﺠﻬﺎ إﻟﻰ »أم ﻋﺒﻴﺪة« ،ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺮﻓﺎﻋﻴﺔ ،ﺛﻢ ﺗﺮﻛﻪ أﺧﻮه وﻋﺎد إﻟﻰ ﻣﻜﺔ .وﻗﺪ اﻣﺘﺎز اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ اﻟﻬﺠﺮي اﻟﺬي ﻋﺎش ﻓﻴﻪ اﻟﺴﻴﺪ اﻟﺒﺪوي ﺑﺄﺣﺪاث ﺟﺴﻴﻤﺔ ،إذ ﺳﻘﻄﺖ ﺑﻐﺪاد ﻓﻲ ﻳﺪ اﻟﺘﺘﺎر ﺑﻌﺪ زﻳﺎرة اﻟﺒﺪوي ﺑﺤﻮاﻟﻲ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻋﺎ ًﻣﺎ 656ﻫـ ،وﺗﻌ ﱠﺮﺿَ ﺖ ﻣﺼﺮ ﻟﺨﻄﺮ اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻴﻦ ﻋﺎم 647ﻫـ أﻳﱠﺎ َم اﻷﻳﻮﺑﻴﱢﻴﻦ ،واﺿﻄﺮﺑﺖ أﺣﻮال اﻟﺸﺎم واﻟﻤﻐﺮب وﻛﺜﻴ ٍﺮ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ .وﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺪ اﻟﺒﺪوي إﻻ أن رﺣﻞ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ، واﺳﺘﻘ ﱠﺮ ﻓﻲ ﻃﻨﻄﺎ ﻣﻊ ﺑﺪاﻳﺔ ﻋﺼﺮ اﻟﻤﻤﺎﻟﻴﻚ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ،ﺑﻌﺪ ﺳﻘﻮط اﻟﺪوﻟﺔ ﻧﻔﻮﺳﺎ اﻷﻳﻮﺑ ﱠﻴﺔ )648ﻫـــ-1250م( ،ﺣﻴﺚ اﺳﺘﻄﺎع ﻓﻲ ﻃﻨﻄﺎ أن ﻳﺮﺑﱢﻲ ً ﻣﺆﻣﻨﺔ ،ﺷﺎرﻛﺖ ﻓﻲ ﻗﺘﺎل ﺣﻤﻠﺔ »ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺘﺎﺳﻊ« ،وأَ َﺳ َﺮﺗ ْ ُﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺼﻮرة 647ﻫـ ،أي ﺑﻌﺪ وﺻﻮﻟﻪ ﻟﻠﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﺸﺮة أﻋﻮام ،وﻛﺎﻧﺖ أ ﱠول دار ﻧﺰل ﺑﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪ اﻟﺒﺪوي ﻓﻲ ﻃﻨﻄﺎ ﻫﻲ دار اﻟﺸﻴﺦ »رﻛﻦ اﻟﺪﻳﻦ« ،اﻟﺘﻲ ﻗﻀﻰ ﺑﻬﺎ اﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ ﻋﺎ ًﻣﺎ ،وﻟ ﱠﻤﺎ ﻣﺎت »رﻛﻦ اﻟﺪﻳﻦ« اﻧﺘﻘﻞ اﻟﺒﺪوي إﻟﻰ دار أﺧﺮى ﻣﺠﺎورة ،ﻫﻲ دار »اﺑﻦ ﺷﻤﻴﻂ« ،وﻣﻜﺚ ﺑﻬﺎ 26ﻋﺎ ًﻣﺎ ،ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻓﱠﺎه اﻟﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ رﺑﻴﻊ اﻷول ﻋﺎم 657ﻫـ ،و ُد ِﻓ َﻦ ﺑﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ أﻗﻴﻢ اﻟﻀﺮﻳﺢ اﻟﺤﺎﻟﻲ ،وﺷُ ﱢﻴ َﺪ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺠﻮار ﻗﺒﺮه ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﻤﻠﻚ »اﻟﻈﺎﻫﺮ ﺑﻴﺒﺮس اﻟﺒﻨﺪﻗﺪارى«. وﻗﺪ ﺗﺮك اﻟﺒﺪوي ﻋﺪ ًدا ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻟﱠﻔﺎت اﻟﺘﻲ أﺷﺎر إﻟﻴﻬﺎ ِ واﺿﻌﻮ داﺋﺮة اﻟﻤﻌﺎرف اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻫﻲ: ﺻﻠﻮات :وﻫﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷدﻋﻴﺔ واﻟﺼﻠﻮاتُ ،و ِﺿ َﻌﺖ ﻟﻸﺗﺒﺎعواﻟﻤﺮﻳﺪﻳﻦ ،وﻗﺪ ﺷﺮﺣﻬﺎ وﻧﺸﺮﻫﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻋﻴﺪروس، أﺣﺪ ﻣﺸﺎﻫﻴﺮ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ،ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ ﻓﻲ رﺳﺎﻟﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺑﻌﻨﻮان: »ﻓﺘﺢ اﻟﺮﺣﻤﻦ«. -وﺻﺎﻳﺎ :وﻫﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ واﻟ ِﻌﻈﺎت ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ُﺟ َﻤﻞٍ وﻋﺒﺎرات
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
21
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ƠLjǙƜƨĨ džǙƜƨ ǢǖĊ ĎǡǗƮ ǛǙ
Ɯǂǝǂƞ ĪưǚƫǨČ ưƩƶǚǖČ ﺻﻼح ﻋﺒﺪ اﻟﺴﺘﺎر ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺸﻬﺎوي
أﻃﻠﻖ اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﻃﻨﻄﺎ )93ﻛﻢ ﺷﻤﺎل اﻟﻘﺎﻫﺮة- وﻋﺎﺻﻤﺔ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ( اﺳﻢ »ﺗﻨﺎﺳﻮ« وﻛﺎﻧﺖ إﺣﺪى ﺑﻼد اﻟﻤﻘﺎﻃﻌﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻃﻌﺎت اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺒﺤﺮي ﻓﻲ ﻣﺼﺮ اﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ .وﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻴﻼد أﺳﻤﺎﻫﺎ اﻹﻏﺮﻳﻖ »ﺗﺎﻧﻴﺘﺎد« ،وﻟﻤﺎ آﻟﺖ ﻣﺼﺮ إﻟﻰ اﻟﺮوﻣﺎن ﻋﺮﻓﺖ ﺑﺎﺳﻢ »ﻃﻨﺘﺜﻨﺎ« ،وﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻲ ﻗﺒﻞ اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ -أُﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ »ﻃﻮ« ،وﻛﺎن اﺳﻤﻬﺎاﻟﻘﺒﻄﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ »ﻃﻨﻴﻄﺎد«. وﻛﻤﺎ ﺗﺮﻛﺖ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﺼﻤﺎﺗﻬﺎ واﺿﺤ ًﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻴﻦ ﻃﻨﻄﺎ ،ﺗﺮﻛﺖ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ أﻳﻀً ﺎ آﺛﺎ ًرا ﻻ ﺗ ُ ْﻤ َﺤﻰ؛ »اﻟﺼﺎﻏﺔ« ﺑﻄﻨﻄﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﻛﻨﻴﺴﺔ اﻷﻗﺒﺎط ﻓﻔﻲ ﺣﻲ ﱠ ً اﻟﻜﺒﺮى ،واﻟﺘﻲ ﺗ ُ ْﻌﺘَﺒَ ُﺮ ﺗﺤﻔﺔ ﻓ ﱢﻨﻴﱠﺔً ،وﻛﺬﻟﻚ ﻛﻨﻴﺴﺔ ﻟﻮﻳﺲ، وﻛﻨﻴﺴﺔ ﻣﺎري ﺟﺮﺟﺲ ﺑـ»ﻛﻔﺮة أﺑﻮ اﻟﻨﺠﺎ« ،وﻛﻨﻴﺴﺔ اﻟﺮوم اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ اﻷﺛﺮﻳﺔ ﺑﺸﺎرع »اﻟﻘﻨﻄﺮة« ،وﻛﻨﻴﺴﺔ اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻄﺮس ﻟﻸﻗﺒﺎط اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﺑﺸﺎرع »اﻟﺒﺤﺮ«. اﻟﻌﺮب ﻣﺼ َﺮ ﻋﺎم )20ﻫـ641 /م( ُﺣ ﱢﺮ َف اﻻﺳﻢ وﻟ ﱠﻤﺎ ﻓﺘﺢ ُ واﺿﻤﺤﻞ ﺷﺄﻧﻬﺎ ،وأﺻﺒﺤﺖ ﺿﺎﺣﻴﺔ ﻣﻦ ﱠ إﻟﻰ »ﻃﻨﺘﺪا«، ﺿﻮاﺣﻲ »ﺳﺒﺮﺑﺎى«؛ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻗﺮﻳﺔ ﺗﻀ ﱡﻢ ﺑﻀﻌﺔ ﻣﻨﺎزل وأﻛﻮاخ ﻣﺘﻨﺎﺛﺮة ﺑُ ِﻨﻴَﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎرة واﻟﻄﻮب اﻷﺧﻀﺮ )اﻟﱠﻠﺒِﻦ( ،وﺑﻬﺎ ﺟﺎﻣﻊ وﺣﻤﺎم وﺳﻮق وأﺳﻘﻔﻴﺔ. وﻓﻲ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ اﻟﻬﺠﺮي ،اﻟﻤﻮاﻓﻖ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺎﺷﺮ اﻟﻤﻴﻼدي ،أﺣﺪث اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﺴﺘﻨﺼﺮ ﺑﺎﻟﻠﻪ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ )427ﻫـ487 -ﻫـ( ﺗﻐﻴﻴ ًﺮا ﻛﻠﱢﻴٍّﺎ ﻓﻲ ﺣﺪود اﻷﻗﺴﺎم اﻹدارﻳﺔ ﺑﺎﻟﻘُﻄﺮ اﻟﻤﺼﺮي، ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺒﺤﺮي ﻳﻨﻘﺴﻢ إﻟﻰ إﻗﻠﻴﻤﻴﻦ ﻛﺒﻴﺮﻳﻦ: إﻗﻠﻴﻢ »ﻣﺼﺮ« وإﻗﻠﻴﻢ »أوﺟﻴﺴﺘﺎ« ،وﻛﻞ ﻣﻦ ﻫﺬﻳﻦ ﻘﺴ ًﻤﺎ إﻟﻰ دوﻗ ﱠﻴﺘَ ْﻴﻦ :دوﻗ ﱠﻴﺔ ﻗﺴﻢ أول، اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﻦ ﻛﺎن ُﻣ ﱠ ودوﻗ ﱠﻴﺔ ﻗﺴﻢ ﺛﺎنٍ ،ﺛﻢ ﺗﻨﻘﺴﻢ ﻛﻞ دوﻗ ﱠﻴﺔ )وﻻﻳﺔ( إﻟﻰ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟ ُﻜ َﻮر أو اﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻹدارﻳﺔ .ﻓﺄﻟﻐﻰ اﻟﻤﺴﺘﻨﺼﺮ 20
اﻟﻤﺴﺠﺪ ا%ﺣﻤﺪي ﺑﻄﻨﻄﺎ
اﻟﺴﺖ وأرﺑﻌﻴﻦ ﻛﻮرة ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻪ اﻷﻗﺎﻟﻴ َﻢ ،ﻛﻤﺎ أﻟﻐﻰ ﱠ ﻣﺤﻞ اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﺗﻘﺴﻴ ٌﻢ آﺧﺮ ﺟﻌﻞ وﺣﻞ ﱠ اﻟﺒﺤﺮي ،ﱠ اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺒﺤﺮي 22إﻗﻠﻴ ًﻤﺎ ،ﻣﻨﻬﺎ إﻗﻠﻴﻢ »اﻟﻄﻨﺪﺗﺎوﻳﺔ« ﻧﺴﺒ ًﺔ إﻟﻰ »ﻃﻨﺪﺗﺎ«؛ اﻻﺳﻢ اﻟﺬي أﻃﻠﻘﻪ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ ،واﺗﺨﺬوﻫﺎ ﻗﺎﻋﺪة ﻟﺬﻟﻚ اﻹﻗﻠﻴﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وﻋﻴﱠﻨﻮا ﻋﺎﻣﻼ أو واﻟﻴًﺎ ﻛﺎن ﻳﺘﻮﻟﱠﻰ أﻣﺮ اﻟﺨﺮاج واﻟﺸﺮﻃﺔ ﻋﻠﻴﻪ ً واﻟﺼﻼة .وﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺤﻴﻦ ﺑﺪأ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻬﺬه اﻟﻘﺮﻳﺔ. وﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻷﻳﻮﺑﻲ وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺣﻜﻢ ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ اﻷﻳﻮﺑﻲ ازداد اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻘﺮﻳﺔ »ﻃﻨﺪﺗﺎ« ،واﺗ ﱠﺴﻊ ﻋﻤﺮاﻧﻬﺎ. وأﺻﺒﺤﺖ ﻗﺮﻳ ًﺔ ﻛﺒﻴﺮة ،زِﻣﺎ ُﻣﻬﺎ ﺣﻮاﻟﻲ اﻟﻤﺎﺋﺔ ﻓﺪان )اﻟﻔﺪان 4200ﻣﺘﺮ ﻣﺮﺑﻊ( .وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺼﺮ )اﻷﻳﻮﺑﻲ( وﻓﻰ ﻋﻬﺪ اﻟﻤﻠﻚ »اﻟﻌﺎدل أﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﺜﺎﻧﻲ« ،اﺑﻦ اﻟﻤﻠﻚ »اﻟﻜﺎﻣﻞ اﻷﻳﻮﺑﻲ« اﺳﺘﻘ ﱠﺮ ﺑﻄﻨﻄﺎ اﻟﺴﻴﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﺒﺪوي، اﻟﻘﻄﺐ اﻟﺼﻮﻓﻲ اﻟﻤﻌﺮوف ﺑﺸﻴﺦ اﻟﻌﺮب ،ﺳﻨﺔ )637ﻫـ/ 1240م( ﻗﺎد ًﻣﺎ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻓﺎس ﺑﻤﺮاﻛﺶ )اﻟﻤﻐﺮب(، اﻟﺘﻲ ُوﻟِ َﺪ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ أﺳﺮة ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺗﻌﻮد ﺑﺎﻟﻨﺴﺐ إﻟﻰ اﻹﻣﺎم ﻋﻠﻲ -رﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ .وﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﺑﺪأ ﺷﺄن ﻫﺬه ﱟ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻳﻌﻈﻢ ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻛﺒﻴﺮة ذات ﺷﺄن. ﺗﺎﺑﻌﻲ ﻣﺸﻬﻮر ﺑﺎﻟﺘﱡﻘﻰ واﻟ ﱡﺰﻫﺪ، واﻟﺴﻴﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﺒﺪوي، ﱞ وﻛﺎن أﺣ َﺪ أﻗﻄﺎب اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ اﻷرﺑﻌﺔ ،وﻣﻘﺎﻣﻪ ﻓﻲ ﻃﻨﻄﺎ
ƠǚǤưǑǖČ ƠǤƲƼǚǖČ ĎĖƜƿƬǖČ ơǓƲƢ ƜǚǓ ƠǥƬǥƶǚǖČ ơǓƲƢ ăƜǂǝǁ ǛǥƟƨ ǢǗLJ īƠƬƾČĨ ƜǠƢƜǚƼƞ ưƨǡƢ Ɯǂǝǂƞ lƠNJƜƼƎ ǖČz ǣƫ ǣǎǍ ĄǢƬĮ ǚIJ įƢ Ǭ ČĖī Ɯƥć ƜīƿǤĈ ăīƠǥƎ ǝƐ Ǎ īƠǎƬƢ įƲƟĮ ƣĮ LjIJ įƢ ǣƣǖČĨ ăĩƲƟǔǖČ ĜƜƟǐǨČ ƠƶǥǝǓ ƴƨƲƨ ĪĖƜǙ ƠƶǥǝǓĨ ăƴǤǡǖ ƠƶǥǝǓ ǒǖƱǓĨ ƠǤƲƥǨČ ǒǥǖǡƥƜǔǖČ ĥĨƲǖČ ƠƶǥǝǓĨ ălƜƩǝǖČ ǡƞĈ ĎƲǎǓzĠƞ ĘƲǂƞ ƴǤưǑǖČ ƠƶǥǝǓĨ ălĎƲǂǝǑǖČz ĞĖƜƹƞ lƲƬƟǖČz ĞĖƜƹƞ ǒǥǖǡƥƜǔǖČ ĜƜƟǐǩǖ
درب اﻟﺴﺒﺎع
وﻗﻮاﺋﻤﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ اﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ،وﻳﻀ ﱡﻢ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺠﺮ َة اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻨﺎﻫﺎ اﻟﺨﺪﻳﻮ ﻋﺒﺎس ﺣﻠﻤﻲ ،وﺗﻀ ﱡﻢ ﺑﻌﺾ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت اﻟﺮﺳﻮل ﻣﺤﻤﺪ، وﺟﺰ ًءا ﻣﻦ ﻛﺴﻮة اﻟﻜﻌﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗ ُْﺼ َﻨ ُﻊ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،وﻣﺼﺤﻒ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن اﻟﺬي ﻳَ ِﺰ ُن 80ﻛﻴﻠﻮ ﺟﺮا ًﻣﺎ ،وارﺗﻔﺎﻋﻪ 40ﺳﻢ، وﻳﻌﻮد ﺗﺎرﻳﺨﻪ إﻟﻰ اﻟﻘﺮن اﻷول اﻟﻬﺠﺮي.
ﺑُ ِﻨ َﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﻣﺴﺎﺟﺪ آل اﻟﺒﻴﺖ ﺑﻌﺪ ﺗﺸﻴﻴﺪ اﻟﻘﺒﺎب ﺣﻮل أﺿﺮﺣﺘﻬﻢ .واﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺮﻛﱠﺰ ﺑﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻘﻊ ﺟﻨﻮب اﻟﻘﺎﻫﺮة ،وﺗﺒﺪأ ﻣﻦ "اﻟﺴﻴﺪة زﻳﻨﺐ" وﺗﻤﺘ ﱡﺪ إﻟﻰ "اﻟﺴﻴﺪة ﻧﻔﻴﺴﺔ" ،و"اﻟﺴﻴﺪة ﻋﺎﺋﺸﺔ" .وﻫﻨﺎك ﻃﺮﻳﻖ ﺗﻌ َﺮف ﺑـ »ﻃﺮﻳﻖ آل اﻟﺒﻴﺖ« ،ﺗﺒﺪأ ﺑﻤﻘﺎم اﻹﻣﺎم ﻋﻠﻲ زﻳﻦ اﻟﻌﺎﺑﺪﻳﻦ ،وﻳﻤﺮ ﺑﻤﺴﺎﺟﺪ وﻣﺮاﻗﺪ اﻟﺴﻴﺪة ﻧﻔﻴﺴﺔ ،واﻟﺴﻴﺪة ﻋﺎﺋﺸﺔ، واﻟﺴﻴﺪة ﺳﻜﻴﻨﺔ ﺑﻨﺖ اﻟﺤﺴﻴﻦ ،واﻟﺴﻴﺪة رﻗﻴﺔ ﺑﻨﺖ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ،وﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﺼﺎدق ،وﻳﻨﺘﻬﻲ ﺑﻤﺴﺠﺪ وﻣﻘﺎم اﻟﺴﻴﺪة زﻳﻨﺐ ﺑﻨﺖ ﻋﻠﻲ ﺷﻘﻴﻘﺔ اﻟﺤﺴﻴﻦ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﺒﺎع«، ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺗ ُﻌﺮف ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ ﺑـ »درب ﱢ ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ ﻗﻨﻄﺮة ﺷﻴﱠﺪﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻲ اﻟﺴﻠﻄﺎ ُن »اﻟﻈﺎﻫﺮ ﺑﻴﺒﺮس اﻟﺒﻨﺪﻗﺪارى» )658 ﻫﺠﺮﻳٍّﺎ( ،ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻤﺼﺮي ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻤ ﱡﺮ أﻣﺎم ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺴﻴﺪة زﻳﻨﺐ ،وﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻫﺬه ﻟﻠﺴﺒﺎع ،وﻫﻮ ﺷﻌﺎر ﺑﻴﺒﺮس. اﻟﻘﻨﻄﺮة رﺳ ٌﻢ ﱢ
ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺴﻴﺪة زﻳﻨﺐ
أ ﱠﻣــﺎ ﺛﺎﻧﻲ ﻣﺴﺎﺟﺪ آل اﻟﺒﻴﺖ ﻓﻬﻮ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺴﻴﺪة زﻳﻨﺐ ،واﻟــﺬي ﺗﻔﻮح ﻣﻨﻪ راﺋﺤﺔ اﻟﻤﺴﻚ واﻟﻌﻨﺒﺮ ،وﻳﻨﺴﺎب اﻟﻀﻮء اﻷﺧﻀﺮ ﻣﻦ داﺧﻞ اﻟﻀﺮﻳﺢ ﻟﻴﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻴﺎج اﻟﻔﻀﻲ اﻟﻤﺘﻘﺎﻃﻌﺔ أﻋﻤﺪﺗﻪ؛ ﻓﻴﺘﻸﻷ.ﺑﻨﺎه »اﻟ ُﻤﻌ ﱡﺰ ﻟﺪﻳﻦ اﻟﻠﻪ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ« ،وﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺎﺷﺮ اﻟﻬﺠﺮي أﻋﺎد ﺗﻌﻤﻴﺮه وﺗﺸﻴﻴﺪه اﻷﻣﻴﺮ اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻲ »ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻛﺘﺨﺪا« ،اﻟﺬي ﻛﺎن ُﻣﻐ َﺮ ًﻣﺎ ﺑﻔﻨﻮن اﻟﻤﻌﻤﺎر ،واﻫﺘ ﱠﻤﺖ أﺳﺮة »ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ« ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ وﺟ ﱠﺪ َدﺗﻪ ﻋ ﱠﺪة ﻣﺮات ،وﻗﺪ أﻫﺪت ﻃﺎﺋﻔﺔ »اﻟ َﺒ َﻬ َﺮة« ﻣﻘﺼﻮر ًة ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ اﻟﻤﻜﺘﻮب ﻋﻠﻴﻬﺎ آﻳﺎت ﻗﺮآﻧﻴﺔ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ اﻟﺨﺎﻟﺺ ﻟﺘﺤﻴﻂ ﺑﻤﺮﻗﺪ اﻟﺴﻴﺪة زﻳﻨﺐ.
ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺤﺴﻴﻦ
ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺴﻴﺪة ﻧﻔﻴﺴﺔ
ﻣﺌﺬﻧﺔ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻫﺮة
ﻳُﻌﺘَﺒﺮ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺟﻮﻫﺮة ﻫﺬه اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ، وأﻛﺜﺮﻫﺎ ﺟﺬﺑًﺎ ﻟﻠﺰ ﱠوار ،وﻗﺪ ﺑُ ِﻨﻲ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﻴﻦ ،ﺳﻨﺔ 549ﻫﺠﺮﻳﺔ ،اﻟﻤﻮاﻓﻖ ﻟﺴﻨﺔ 1154ﻣﻴﻼدﻳﺔ ،ﺗﺤﺖ إﺷﺮاف اﻟﻮزﻳﺮ »اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻃﻼﺋﻊ« ،وﻳﻀ ﱡﻢ ﺛﻼﺛﺔ أﺑﻮاب ﻣﺒﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟ ﱡﺮﺧﺎم ُﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﺧﺎن اﻟﺨﻠﻴﻠﻲ ،وﺑﺎﺑًﺎ آﺧﺮ اﻷﺑﻴﺾ ،ﺗ ﱡ ِ ﺑﺠﻮار اﻟﻘﺒﱠﺔ ﻳُﻌ َﺮف ﺑﺎﻟﺒﺎب اﻷﺧﻀﺮ ،ﺑُﻨ َﻲ ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ اﻷﺣﻤﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮاز »اﻟﻐﻮﻃﻲ« ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺑُﻨ َﻴﺖ ﻣﻨﺎرﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻤﻂ اﻟﻤﺂذن اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ، أﺳﻄﻮاﻧﻴﺔ اﻟﺸﻜﻞ ،وﻟﻬﺎ دورﺗــﺎن ،وﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﻤﺨﺮوط .وﻟﻠﻤﺸﻬﺪ ﺛﻼﺛﺔ أﺑــﻮاب ﺑﺎﻟﻮﺟﻬﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،وﺑــﺎب ﺑﺎﻟﻮﺟﻬﺔ اﻟﻘﺒﻠﻴﺔ ،وآﺧﺮ ﺑﺎﻟﻮﺟﻬﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ،ﻳﺆ ﱢدي إﻟﻰ ﺻﺤﻦ ﺑﻪ ﻣﻜﺎن اﻟﻮﺿﻮء ،وﻣﻜﺘﻮب ﻋﻠﻰ أﺣﺪ أﺑﻮاﺑﻪ» :أ ﱠﺣ ُﺐ إﻟﻲ اﻟﺤﺴﻦ واﻟﺤﺴﻴﻦ« .وﺑﺪاﺧﻞ أﻫﻞِ ﺑﻴﺘﻲ ﱠ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺛﺮﻳﺎ ﻳﺼﻞ وزﻧﻬﺎ إﻟﻰ ﺧﻤﺴﺔ أﻃﻨﺎن ﻣﻦ اﻟﻜﺮﻳﺴﺘﺎل اﻟ ُﻤ َﺤﻠﱠﻰ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ اﻟﺨﺎﻟﺺ،
ﺛﺎﻟﺚ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺷﻬﺮ ًة وﺟﺬﺑًﺎ ﻟﻠﺰاﺋﺮﻳﻦ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺴﻴﺪة ﻧﻔﻴﺴﺔ .وﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻫﻲ اﻟﺴﻴﺪة ﻧﻔﻴﺴﺔ اﺑﻨﺔ اﻟﺤﺴﻦ اﻷﻧﻮر ﺑﻦ زﻳﺪ اﻷﺑﻠﺞ ﺑﻦ اﻹﻣﺎم اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ،أﻗﺎﻣﺖ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮات ،واﺷﺘﻬﺮت ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺻﺎﺣﺒﺔ ﻛﺮاﻣﺎت؛ ﻓﺈذا ﺷﻜﺎ اﻟﻨﺎس ﻟﻬﺎ ِﻗﻠﱠﺔ ﻣﻴﺎه اﻟﻨﻴﻞ دﻋﺖ اﻟﻠﻪ؛ ﻓﺘﺰﻳﺪ اﻟﻤﻴﺎه .وﻗﺪ ﺗﻮﻓﱢﻴﺖ ﻓﻲ رﻣﻀﺎن ﻋﺎم 208ﻫﺠﺮﻳﺔ ،و ُد ِﻓ َﻨﺖ ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ، ﺣﻴﺚ ﺣﻔﺮت ﻗﺒﺮﻫﺎ ﺑﻴﺪﻫﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺰل ﻓﻴﻪ وﺗﺼﻠﱢﻲ وﺗﻘﺮأ اﻟﻘﺮآن ،وﺑُ ِﻨﻲ ﻓﻮﻗﻪ ﺿﺮﻳﺤﻬﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،وأُﻋﻴﺪ ﺑﻨﺎء ﺿﺮﻳﺤﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﺔ إﺑﱠﺎن ُﺣﻜﻢ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ »اﻟﺤﺎﻓﻆ ﻟﺪﻳﻦ اﻟﻠﻪ« ،ﻋﺎم 482ﻫﺠﺮﻳﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ُﻣﺪ ﱠون ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻮح اﻟﺮﺧﺎﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﺎب اﻟﻀﺮﻳﺢ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
19
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ĞČưƞǫǖ džƟǝǙĨ ƠƟƎ ƬǙ ďČĖƜǝǙ
ĎƲǟƜǑǖƜƞ ơǥƟǖČ Ĥć ưƨƜƶǙ ﻣﺤﻤﺪ زﻳﻦ اﻟﻌﺎﺑﺪﻳﻦ
ﻋﻠﻰ اﻣﺘﺪاد اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺷﻬﺪت ﻣﺴﺎﺟﺪ آل اﻟﺒﻴﺖ ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،ﺻﻠﻮات وﺣﻠﻘﺎت ذﻛﺮ وﺣﻀﺮات ﺻﻮﻓﻴﺔ ،وﺣﻮل أﺳﻮارﻫﺎ ﻋﺎش اﻟ ُﻌ ﱠﺒﺎ ُد واﻟ ﱡﺰﻫﱠﺎ ُد واﻟﻤﺘﺼ ﱢﻮﻓﺔ ،وﻫﺎ َم اﻟﺪر ُ واﻟﻤﺠﺎذﻳﺐ ﻣﻤﻦ اﻣﺘﻸت ﺑﺤﻜﺎﻳﺎﺗﻬﻢ اوﻳﺶ ُ اﻟﻜﺘﺐ واﻟﺮواﻳﺎت ﻣﺴﺠﻠ ًﺔ ﻋﺠﺎﺋﺒﻬﻢ وﻗﻮة َﺣﺪْ ِﺳﻬﻢ وﺻﻔﺎء ﺳﺮاﺋﺮﻫﻢ، وﻣﺘﺘﺒﻌﺔ اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﺪان اﻟﺸﻌﺒﻲ ،وﺧﺼﻮﺻﻴﺔ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻬﺎ. ﻣﻦ أﺷﻬﺮ َﻣﻦ ﻋﺎﺷﻮا ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺟﺪ آل اﻟﺒﻴﺖ واﺳﺘﻠﻬﻤﻮا ﻣﻦ َﻋﺒَﻖ أﺟﻮاﺋﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻬﻢ ،اﻷدﻳﺒﺎن اﻟﻜﺒﻴﺮان ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ وﻳﺤﻴﻰ ﺣﻘﱢﻲ، ﻓﻌﻤﻴﺪ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ ﻋﺎش ﻓﻲ ﺣﻲ »اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ« ﺑﺠﻮار ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺤﺴﻴﻦ ،واﺳﺘﻮﺣﻰ ﻣﻦ أﺟﻮاﺋﻪ ﺛﻼﺛﻴﺘﻪ اﻟﺸﻬﻴﺮة، ﺣﻲ ﻋﺮﻳﻖ ورواﻳﺘﻪ اﻟﺨﺎﻟﺪة» :ﺧﺎن اﻟﺨﻠﻴﻠﻲ« اﻟﺘﻲ ﺧﻠﱠﺪت أﺷﻬﺮ ﱟ ﻣﺠﺎور ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ .وﻣﻦ أﺷﻬﺮ اﻟﻌﺒﺎرات اﻟﺘﻲ ﺧﻠﺪﻫﺎ ﻣﺤﻔﻮظ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﻴﱠﺘﻪ ﻣﺎ رددﺗﻪ »اﻟﺴﺖ أﻣﻴﻨﺔ« ،ﻓﻲ اﻟﻔﻴﻠﻢ اﻟﻤﺄﺧﻮذ ﻋﻦ اﻟﺮواﻳﺔ »ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺼﺮﻳﻦ« ،ﺑﻌﺪ أن ﻏﺎﻣﺮت ﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ زوﺟﻬﺎ "ﺳﻲ اﻟﺴﻴﺪ" ﺗﻠﺒﻴﺔ ﻟﺪﻋﻮة »ﺳﻴﺪﻧﺎ اﻟﺤﺴﻴﻦ«» :اﻟﺤﺴﻴﻦ دﻋﺎﻧﻲ ﻗﻤﺖ ﻟ ﱢﺒﻴﺖ« .وﻳﻘﻮل »ﻣﺤﻔﻮظ« ﻣﻌﺒ ًﺮا ﻋﻦ ﻋﻤﻖ ارﺗﺒﺎﻃﻪ ﺑﺎﻟﻤﻜﺎن» :ﻣﻨﺬ ﻣﻮﻟﺪي ﻓﻲ ﺣﻲ اﻟﺤﺴﻴﻦ وﻫﺬا اﻟﻤﻜﺎن ﻳﺴﻜﻦ ﻓﻲ وﺟﺪاﻧﻲ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺳﻴﺮ ﻓﻴﻪ أﺷﻌﺮ ﺑﻨﺸﻮة ﻏﺮﻳﺒﺔ ﺟ ٍّﺪا ،أﺷﺒﻪ ﺑﻨﺸﻮة اﻟﻌﺸﱠ ﺎق« .وﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮوف أﻧﻪ أوﺻﻰ ﻗﺒﻞ رﺣﻴﻠﻪ ﺑﺘﺸﻴﻴﻊ ﺟﻨﺎزﺗﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺤﺴﻴﻦ، وﻫﻮ ﻣﺎ أوﺻﻰ ﺑﻪ أﻳﻀً ﺎ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻨﻴﻦ ﻫﻴﻜﻞ. وﻣﻦ أﺑﺮز َﻣﻦ ﺳﻜﻨﻮا ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﻓﻲ ﻓﺘﺮة ﺧﺼﺒﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻋﻤﻴﺪ اﻷدب اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻃﻪ ﺣﺴﻴﻦ ،واﻟﺮواﺋﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺟﻤﺎل اﻟﻐﻴﻄﺎﻧﻲ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ُﻣﻐﺮ ًﻣﺎ ﺑﻌﻤﺎرة اﻟﻤﺴﺠﺪ ،واﺳﺘﻮﺣﻰ ﻣﻦ ﻋﺸﻘﻪ ﻟﻠﻤﻜﺎن ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﺧﻄﻂ اﻟﻐﻴﻄﺎﻧﻲ«.ﻋﻦ ﻧﺸﺄﺗﻪ ﺑﺤﻲ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﻳﻘﻮل اﻟﻐﻴﻄﺎﻧﻲ» :ﺷﺎء ﻟﻲ ﺣﻈﻲ أن أﺑﺪأ ﺳﻌﻴﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة ﻋﻠﻲ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺠﺪه اﻟﺬي ﻳﺤﻮي ﺿﺮﻳ ًﺤﺎ ﻳﻀ ﱡﻢ رأﺳﻪ اﻟﺸﺮﻳﻒ؛ ﻓﺎرﺗﺒﻄﺖ ﺣﻮاﺳﻲ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﻪ ،ﺑﻤﻌﺎﻟﻤﻪ وﻧﻘﻮﺷﻪ وﻣﻌﻤﺎره وﻣﺎ ﻳﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ أرﺟﺎﺋﻪ، ذﻟﻚ اﻟﻌﻄﺮ اﻟﺨﻔﻲ ،واﻟﻈﻼل اﻟﻬﺎدﺋﺔ ،وﻃﻮاﺑﻴﺮ اﻟﺴﺎﻋﻴﻦ إﻟﻲ اﻟﺼﻼة ﻟﻴﻼ أو ﻧﻬﺎ ًرا، ﻓﻲ رﺣﺎﺑﻪ ،وزﻳﺎرة ﻣﺮﻗﺪ اﻟﺮأس اﻟﺸﺮﻳﻒ ،ﻻ ﻳﻨﻘﻄﻌﻮن ً 18
ﻣﺴﺎﺟﺪ آل اﻟﺒﻴﺖ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة
ﻳﺴﻌﻮن إﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﺮى اﻟﻨﺎﺋﻴﺔ ،واﻟﻮاﺣﺎت اﻟﻤﻌﺰوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء، وﺗﻨﺘﻈﻢ ﺣﻮﻟﻪ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ أﺟﻤﻞ ﻣﺸﺎﻫﺪﻫﺎ«. أ ﱠﻣﺎ اﻷدﻳﺐ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻳﺤﻴﻰ ﺣﻘﻲ ﻓﻘﺪ ﺗﺄﺛ ﱠﺮ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﺑﻨﺸﺄﺗﻪ ﻓﻲ ﺣﻲ اﻟﺴﻴﺪة زﻳﻨﺐ ،ﺑﺠﻮار ﻣﺴﺠﺪ »رﺋﻴﺴﺔ اﻟﺪﻳﻮان ،اﻟﻄﺎﻫﺮة« و»أم اﻟﻌﻮاﺟﺰ« و»أم ﻫﺎﺷﻢ«؛ وﻛﻠﻬﺎ أﻟﻘﺎب ارﺗﺒﻄﺖ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﺪان اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺑﺎﻟﺴﻴﺪة زﻳﻨﺐ، ﺷﻘﻴﻘﺔ ﺳﻴﺪﻧﺎ اﻟﺤﺴﻴﻦ .وﻗﺪ اﺳﺘﻮﺣﻰ ﻳﺤﻴﻰ ﺣﻘﻲ أﺟﻮاء اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﻤﺴﺠﺪ اﻟﺴﻴﺪة زﻳﻨﺐ ،وأﻃﻠﻖ ﺑﻌﺾ أﻟﻘﺎﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺎﻟﻪ اﻟﻘﺼﺼﻴﺔ ،وأﺷﻬﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ» :أم اﻟﻌﻮاﺟﺰ« ،و»ﻗﻨﺪﻳﻞ أم ﻫﺎﺷﻢ«. وﻣﺜﻠﻤﺎ ﺳﺎﻋﺪت ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ اﻟﻤﻜﺎن ،ﻣﺘﻤﺜﱢﻠ ًﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺟﺪ آل اﻟﺒﻴﺖ ،ﻋﻠﻰ ﺗﻮ ﱡﻫﺞ ﻣﻮاﻫﺐ أدﺑﻴﺔ ،ﻓﻔﻲ أﺣﻀﺎﻧﻬﺎ ﺗﻮ ﱠﻫ َﺠﺖ أﻳﻀً ﺎ ﻣﻮاﻫﺐ ﻓﻨﻴﺔ، ﺗَ َﻤﺜﱠﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻲ أﺻﺤﺎب اﻟﺼﻮت اﻟﻌﺬب ﻣﻦ ﻗﺎرﺋﻲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ واﻟﻤﺆذﱢﻧﻴﻦ ،واﻟﺬﻳﻦ اﺗﺠﻪ ﺑﻌﻀﻬﻢ إﻟﻰ اﻹﻧﺸﺎد واﻟﻤﺪاﺋﺢ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ أو اﻟﻐﻨﺎء أو اﻟﺘﻠﺤﻴﻦ ،وﻣﻦ أﺷﻬﺮ ﻫﺆﻻء :اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻴﺪ ﻣﻜﺎوي اﻟﺬي ﻧﺸﺄ ﻣﺜﻼ ﻋﻦ اﻟﻤﻄﺮب ﻋﺒﺪه اﻟﺤﺎﻣﻮﻟﻲ أﻧﻪ ﻓﻲ ﺣﻲ اﻟﺴﻴﺪة زﻳﻨﺐ ،واﺷﺘﻬﺮ ً ﻳﺤﺐ أن ﻳﺼﻌﺪ ﻣﺌﺬﻧﺔ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺤﺴﻴﻦ وﻳﻨﺸﺪ اﻟﺘﺴﺎﺑﻴﺢ ﺑﻌﺪ ﻛﺎن ﱡ أذان اﻟﻌﺸﺎء.
ﺗﺤﺘﻮﻳﻪ ﻣﻦ ﺗﻴﺠﺎن ﺗﺸﻜﱢﻞ زﺧﺎرف ﻣﻌ ﱠﻴﻨﺔ ،وأﻧﻤﺎﻃًﺎ ،ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ أوراق ﻧﺒﺎﺗﻴﺔ ،وأﺷﻜﺎل أﺧﺮى ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺰﺧﺮﻓﺔ«. وﻋﻦ ﻣﻮﻗﻌﻪ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ أﺑﻮ ﻇﺒﻲ ﺗﻘﻮل ﻣﻜﻲ» :ﻣﻮﻗﻌﻪ ﻣﺜﻞ اﻟﻘﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﺠﺴﺪ؛ ﻷن اﺧﺘﻴﺎر اﻟﻤﻜﺎن أﻳﻀً ﺎ ﻟﻪ أﻫﻤﻴﺔ :اﻟﻤﻜﺎن اﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻲ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ ﻛﺄﻧﻪ اﻟﻘﻠﺐ ﻓﻲ اﻟﺠﺴﺪ ،ﻛﻤﺎ أن اﻟﻠﻮن اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻷﺑﻴﺾ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ ﻳﻌﻄﻲ رﻣﺰﻳﺔ ﻟﻠﺴﻼم واﻟﻤﺤﺒﺔ واﻷﺧ ﱠﻮة؛ ﻟﻠﻌﻄﺎء اﻟﻤﻮﺟﻮد ﺑﺎﺳﻢ زاﻳﺪ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺸﻜﱢﻞ اﻟﻠﻮن اﻟﺬﻫﺒﻲ رﻣﺰﻳﺔ أﺧﺮى ،وﻫﻲ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﻻﺳﻢ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ،اﻟﺘﻲ ﺻﺎرت ﺗﻌﺎدل ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻤﻌﺪن اﻟﻨﻔﻴﺲ، اﻟﺬي ﻻ ﻳﺒﻠﻰ أﺑ ًﺪا«. ُﺳﻤﻌﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ
ﺑﺪورﻫﺎ ﺗﺆﻛﱢﺪ اﻟﻔﻨﺎﻧﺔ اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻴﺔ ﺧﻠﻮد اﻟﺠﺎﺑﺮي ﻋﻠﻰ أن ﻣﺸﺮوع ﻣﺴﺠﺪ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻫﻮ ﻣﺸﺮوﻋﻪ اﻷﻛﺒﺮ واﻟﻔﺮﻳﺪ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻪ، ﻳﺠﺴﺪ رﺳﺎﻟﺔ اﻹﺳﻼم اﻟﻤﺘﻤﺜﱢﻠﺔ ﻓﻲ ﻓﻘﺪ أﻣﺮ ﺑﺒﻨﺎء اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻟﻴﻜﻮن رﻣ ًﺰا ﱢ اﻟﺴﻼم واﻟﺘﺴﺎ ُﻣﺢ واﻟﺘﻌﺎﻳُﺶ ﻣﻊ اﻵﺧﺮ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻟﻪ رؤﻳﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻓﺘ ﱠﻢ ﺗﺼﻤﻴﻤﻪ ﻟﻴﻜﻮن ﻣﺮﺟ ًﻌﺎ ﺣ ٍّﻴﺎ ﻟﻠﻌﻤﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻂ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﺑﺎﻟﺤﺎﺿﺮ ،وأن ﻳﻜﻮن ﻣﻨﺎرة ﻟﻠﻌﻠﻮم اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﻟﻤﻨﻬﺠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻜﺲ اﻟ ِﻘ َﻴ َﻢ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻷﺻﻴﻠﺔ. ﺗﻘﻮل» :ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ ﻛﻔﻨﺎﱠﻧﺔ ﺗﺸﻜﻴﻠﻴﺔ ،ﻓﺎﻟﻤﺴﺠﺪ ﻳﺬﻛﱢﺮﻧﻲ ﺑﺎﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻧﻔﺴﻪ؛ ﺗﺨﻠﻴ ًﺪا ﻟﺬﻛﺮاهِ ، وﺑﺤ ْﻜ َﻤ ِﺘﻪ ،وﻣﺪى وﺑُ ْﻌ ِﺪ ﻧﻈﺮﺗﻪ ﻟﻠﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺠﺪ ،وأﻳﻀً ﺎ اﻟﻤﻜﺎن ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ ﻣﻜﺎن ُﻣﻠْ ِﻬ ٌﻢ ﺟ ٍّﺪا وﻣﻜﺎن
ﻟﻠﺘﺄ ﱡﻣﻞ ﻓﻲ ﻋﻈﻤﺔ اﻟﻔﻦ اﻹﺳﻼﻣﻲ ،وﻓﻜﺮة ﺣﻜﻴﻤﺔ واﻟﺘﺤﺎم ﺟﻤﻴﻞ ﻟﻠﻔﻨﺎﻧﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ واﻟﻤﻬﻨﺪﺳﻴﻦ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﻴﻦ ﻟﻴﻀﻌﻮا ﺑﺼﻤﺔ ﻓﺮﻳﺪة ﻓﻲ اﻟﺰﺧﺎرف اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﺪارس واﻟﻌﻤﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﺼﻤﻴﻢ وﻫﻨﺪﺳﺔ وإﺿﺎءة ،ﻟﻴﺨﺮﺟﻮا ﺑ َﻤ ْﻌﻠَﻢٍ ﻣﻌﻤﺎري ﻓﺮﻳﺪ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻪ. وﻫﻮ ﻣﻜﺎن ﻷداء اﻟﺼﻠﻮات اﻟﺨﻤﺲ ﻳﻮﻣ ٍّﻴﺎ ،وﺑﻨﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﺰار ﻓﻴﻪ ُﻣ ِﻬ ﱞﻢ ﻟﻠﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ واﻟﻤﻘﻴﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﺪوﻟﺔ وﻟﺰ ﱠوار اﻹﻣﺎرات أﻳﻀً ﺎ، ﺣﻴﺚ ﻳُ َﻌ ﱡﺪ اﻟﻤﻌﻠﻢ اﻷﺑﺮز ﻟﻠﺴﻴﺎﺣﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ أﺑﻮ ﻇﺒﻲ ،وﻗﺪ أﺧﺬ ﻫﺬا اﻟﻤﺴﺠﺪ ُﺳﻤﻌ ًﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﻛﺘﺤﻔﺔ ﻣﻌﻤﺎرﻳﺔ وﻓﻨﻴﺔ ﻓﺮﻳﺪة ،وﻣﻜﺎنٍ ﻟﻠﺘﺄ ﱡﻣﻞ واﻟﺪراﺳﺔ ﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ«
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
17
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ُﺻ ﱠﻨﺎع ﺣﻀﺎرة ،وﺳﻴﺸﻬﺪ ﻟﻨﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﻜﻞ أﺳﻤﺎء اﻟﻠﻪ اﻟﺤﺴﻨﻰ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺮاب »إﻧﻪ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ أﺑﻨﻴﺔ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻫﺬا اﻟﺸﻜﻞ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺠﺰات اﻟﻌﻈﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻄﱠﺮﻫﺎ أﺑﻨﺎء اﻹﻣﺎرات ﺑﺮؤﻳ ٍﺔ ودﻋﻢٍ ﻣﻦ أن ﻳﺘﻜ ﱠﺮر ،وﻫﻮ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺛ ُﺮﻳﱠﺎﺗﻪ ،واﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﺤﺮاﺑﻪ ،واﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﻘﻴﺎدة اﻟﺮﺷﻴﺪة ﻟﻠﺪوﻟﺔ ،وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻦ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺣﺘﻪ ،وزاﻳﺪ اﻟﺮاﺋﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻟﻪ وإﻧﺴﺎﻧﻴﺘﻪ وﺻﻔﺎﺗﻪ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ -ﺣﻔﻈﻪ اﻟﻠﻪ.«- اﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﻴﺮ واﻟﻌﻄﺎء« ،ﻫﻜﺬا وﺻﻒ اﻟﻔﻨﺎن »ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻨﺪي« ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ،و»ﻣﻨﺪي« واﺣﺪ ﻣ ﱠﻤﻦ ﺷﺎرﻛﻮا ﻓﻲ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻔﻨﻴﺔ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﺴﻼم واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ٍ ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ ،ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻟﻮﺣﺎت ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺪراﻧﻪ ،وﻧﻘﻮش وﻛﺘﺎﺑﺎت وﺟﻤﺎﻟﻴﺎت ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ اﻟﻤﺘﻌ ﱢﺪدة اﻟﺘﻲ ﺗﺮاﻫﺎ اﻟﻌﻴﻮن ،دﻓﻌﺖ راﺋﻌﺔ ﺑﻤﺤﺮاﺑﻪ .ﺣﻮل ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻬﺬا اﻟﺼﺮح اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻳﺬﻛﺮ ﻋﺎزﻓﺔ اﻟﺒﻴﺎﻧﻮ إﻳﻤﺎن اﻟﻬﺎﺷﻤﻲ ﻟﺘﻘﻮل» :ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ ﻣﺠﺮد اﺳﻢ ﻣﺴﺠﺪ ﺧﺎﺻ ًﺔ وداﻓﺌﺔ ﺗﺤﻤﻞ ذﻛﺮﻳﺎت ﻻ ﻣﻨﺪي أن اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻪ ﻛﺎن ﻳﻤﺜﱢﻞ ﻟﻪ ﺣﻠ ًﻤﺎ ﻛﺒﻴ ًﺮا ،ﻳﻘﻮل» :أ ﱠوﻻً ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻳُﻀﻔﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻠﺐ ﻟﻤﺴ ًﺔ ﱠ أﻣﻨﻴﺘﻲ وﺣﻠﻤﻲ أن أﺿﻊ ﺑﺼﻤﺎﺗﻲ ﺑﻔﻦ اﻟﺨﻂ ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ،ﺗﻤﻮت ﻟﻤﺆﺳﺲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات وﺑﺎﻧﻴﻬﺎ ،وواﻟﺪﻧﺎ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ .وﻫﺬا اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻳﻤﺜﱢﻞ ﻟﻲ روح زاﻳﺪ ،و َﻣﻦ ﻳﻤﺜﱢﻠﻬﻢ زاﻳﺪ ،آل ﻧﻬﻴﺎن )ﻃ ﱠﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه( ،ﻻ زال ﻳﻌﻴﺶ وﺳﻴﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ إﻟﻰ و َﻣﻦ ﻳﺤﺐ زاﻳﺪ ،وﻳﺎ ﺣ ﱠﻆ ﻣﻦ وﺿﻊ ﺑﺼﻤﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ زاﻳﺪ ،ﺳﻮاء اﻷﺑﺪ ،ﻧﺎﻫﻴﻚ ﻋﻦ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻌﻤﺮاﻧﻲ واﻟﻬﻨﺪﺳﺔ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﻓﻲ ﻛﺎن ﺷﻌﺮا أو ﻣﻦ ﻛﻼم رب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ،ﻛﺎن ذﻟﻚ ﺣﻠﻤﻲ ،واﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻫﺬا اﻟﺼﺮح اﻟﻔﻨﻲ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻳﺒﺪو ﻣﺜﻞ ﻟﻮﺣﺔ ﻓﻨﻴﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﱠﺔ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ، اﻟﺬي ﺣﻘﱠﻖ ﻟﻲ ﻫﺬه اﻷﻣﻨﻴﺔ؛ ﺑﺄن أﺿﻊ ﺑﺼﻤﺎﺗﻲ ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﻬﺎ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات وﺣﺪﻫﺎ ،وﺗﻔﺘﺨﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ أﺑﻮ ﻇﺒﻲ«. وﻓﻲ اﻟﻤﺤﺮاب ،داﺧﻞ اﻟﻤﺴﺠﺪ«. إﻳﻤﺎن اﻟﻬﺎﺷﻤﻲ ﺗﺎﺑﻌﺖ ﻗﺎﺋﻠﺔ» :ﻫﺬا اﻟﻤﻌﻠﻢ اﻟﻤﻌﻤﺎري اﻟﺮاﺋﻊ ،ﻫﻮ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻃﺎﺑﻌﻪ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻷﺻﻴﻞ وﺟﻤﺎﻟﻪ اﻟﻔﺘﱠﺎن اﻟﻤﻬﻴﺐ ،ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻮﺟﻬﺎت اﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ،ﺑﻞ ﻳُﻌ ﱡﺪ ﻣﺪرﺳﺔ ﺣﻀﺎرﻳﺔ اﻹﻣﺎرات ..ﺻﺎﻧﻌﺔ ﺣﻀﺎرة اﻟﺸﺎﻋﺮ واﻹﻋﻼﻣﻲ ﺧﺎﻟﺪ اﻟﻈﻨﺤﺎﻧﻲ )رﺋﻴﺲ ﺟﻤﻌﻴﺔ اﻟﻔﺠﻴﺮة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ واﻟﺤﺎﺿﺮ ،وﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻃ ﱠﻴﺎﺗﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ( أﻳﻀً ﺎ ﻳﺮى أن ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻳﻌ ﱡﺪ ﻣﻨﺎرة ﻟﻠﻔﻜﺮ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺗﺤﺖ ﺳﻘﻒ ﻃﺎﻫﺮ واﺣﺪ ﺑﺎﺳﻢ واﻟﺪﻧﺎ اﻟﻐﺎﻟﻲ )زاﻳﺪ واﻟﺴﻼم واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﻠﻴﺞ واﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ» ،ﺣﻴﺚ أﺛﺒﺖ رﺣﻤﺔ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ( ﻟﻴﻜﻮن ﻣﺪرﺳﺔ ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ﻟﻜﻞ زﻣﺎن وﻣﻜﺎن«. ﺣﻀﻮ ًرا ﻓﻜﺮﻳٍّﺎً وﺛﻘﺎﻓﻴٍّﺎ راﺋ ًﺪا ﻓﻲ ﺗﺮﺳﻴﺦ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ وﻧﺸﺮ ﺻﻮرة اﻹﺳﻼم اﻟﺴﻤﺤﺎء ،ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺗﻜﺮﻳﺲ ﻗﻴﻢ اﻹﺧﺎء واﻟﺤﻮار ﺑﻴﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﻟﻘﻠﺐ ..اﻟﺬي ﻓﻲ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل أﻧﺸﻄﺘﻪ اﻟﻤﺘﻨ ﱢﻮﻋﺔ ،ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ أﻧﻪ واﺣﺪ ﻣﻦ أﻫﻢ وﺣﻮل اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ ﻟﻤﺴﺠﺪ زاﻳﺪ وﻣﺎ ﻳﺸﻜﱢﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﻌﺎﻟﻢ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻌﻤﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺗﻘﻮل اﻟﻔﻨﺎﻧﺔ ﻧﺠﺎة ﻣﻜﻲ» :ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺗﺰﺧﺮ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺗﻨ ﱡﻮع ،وﻣﺎ ﺗﻨﻄﻮي ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻓﻨﻮن ﺗﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺗﺤﻔﺔ ﻣﻌﻤﺎرﻳﺔ ﻓﺮﻳﺪة ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﺣﻀﺎرات وﺛﻘﺎﻓﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ اﻧﺴﺠﻤﺖ وﺗﺪا َﺧﻠَﺖ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ وﺗﺠﻠﱠﺖ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﻠﻴﺞ واﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻛﻜﻞ ،ﻟِ َﻤﺎ ﻳﺤﺘﻮﻳﻪ ﻣﻦ زﺧﺎرف وآﻳﺎت واﺿﺤ ًﺔ ﻓﻲ ﺻﺮح اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﻜﺒﻴﺮ« .وﻳﻀﻴﻒ اﻟﻈﻨﺤﺎﻧﻲ أن اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻗﺮآﻧﻴﺔ أو ﺧﻄﻮط ﺗﺰﻳﱢﻦ اﻟﺠﺪران واﻟﻤﺤﺮاب ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻟﺮوﻋﺔ اﻟﺠﻤﺎل »ﻳﺸﻜﱢﻞ ﻧﻘﻄﺔ ﺗﻼقٍ ﻟﺤﻮار اﻟﺤﻀﺎرات؛ ﺑﻤﺎ ﻳﻤﺜﱢﻠﻪ ﻣﻦ ﺑﻴﺌﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ اﻟﻔﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ اﻟﻤﻌﻤﺎري ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ ،ﺳﻮاء اﻟﻘﺒﺎب أو اﻷﻋﻤﺪة وﻣﺎ وﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﺘﻔﺘﱢﺤﺔ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻮﻓﱢﺮ اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻄﺮح اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ واﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻐﻞ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻴﻮم ﻟﺘﺠﺴﻴﺪ رؤى اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن ،ﻃ ﱠﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه ،ﻓﻲ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ وﻗﺒﻮل ﺣﻀﺎري اﻵﺧﺮ« .وﻳﺬﻫﺐ ﺧﺎﻟﺪ اﻟﻈﻨﺤﺎﻧﻲ إﻟﻰ أن اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻫﻮ » َﻣ ْﻌﻠَ ٌﻢ ﱞ ﻓﻲ دوﻟﺔ ﺣﻀﺎرﻳﺔ ،أﺿﺤﺖ اﻟﻴﻮم ﻣﺠﺘﻤ ًﻌﺎ ﻋﺎﻟﻤ ٍّﻴﺎ ﺗﻠﺘﻘﻲ ﻓﻴﻪ ﺛﻘﺎﻓﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺤﺘﻀﻦ ﻋﻠﻰ أرﺿﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 200ﺟﻨﺴﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ دول اﻟﻌﺎﻟﻢ« ،ﻣﻀﻴﻔًﺎ »أﻧﻨﺎ ﻧﻌﻴﺶ ﻣﻨﺠ ًﺰا ﺣﻀﺎرﻳٍّﺎ وﻣﻌﺮﻓﻴٍّﺎ وﺛﻘﺎﻓﻴٍّﺎ ﻓﻲ دوﻟﺘﻨﺎ اﻟﺤﺒﻴﺒﺔ؛ ذﻟﻚ أﻧﻨﺎ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ﻧﺼﻨﻊ ﺣﻀﺎرة وﻧﺮﺳﻢ ﻣﻌﺎﻟﻢ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺤﺪﻳﺚ. ﻗﺎﺋﻼ» :وﻫﻨﺎك ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺤﺎل ﻓﺮق ﺑﻴﻦ َﻣﻦ ﻳﺼﻨﻊ وﻳﺨﺘﺘﻢ اﻟﻈﻨﺤﺎﻧﻲ ً اﻟﺘﺎرﻳﺦ وﺑﻴﻦ ﻣﻦ ﻳﻜﻮن ﺟﺰ ًءا ﻣﻜ ﱢﻤ ًﻼ ﻟﻠﺘﺎرﻳﺦ ،إﻻﱠ أﻧﻨﺎ اﻟﻴﻮم ﻓﻲ دوﻟﺔ 16
ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻣﻨﺎرة ﻋﻠﻤﻴﺔ وﺗﺤﻔﺔ ﻣﻌﻤﺎرﻳﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
15
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
ĆƜƞĔĈĨ ǛǥǜƜǝǍ ĦǡǥLjƞ
ưǤČė ƭǥƹǖČ ưƩƶǙ
ƠǤĖƜǚLjǙ ƠǎƬƢĨ ƠǥǚǗLJ ĎĖƜǝǙ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻋﻄﻔﺔ
ﺣﻴﻨﻤﺎ و ﱠﺟﻪ -اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ -اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ،اﻷب واﻟﻘﺎﺋﺪ ،ﺑﺒﻨﺎء »ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ« ﺑﺄﺑﻮﻇﺒﻲ، ﻋﺎم ،1986ﻛﺎن ﻳﺮﻣﻲ إﻟﻰ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻤﺴﺠﺪ واﺣﺪً ا ﻣﻦ اﻟﺼﺮوح اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻜﺒﺮى؛ ﻟﻜﻲ ﻳﺆﻛﱢﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﻢ اﻹﺳﻼم اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ،وﻟﻴﻜﻮن ﻣﻨﺎرة ،وﺗﺤﻔﺔ ﻣﻌﻤﺎرﻳﺔ راﺋﻌﺔ ،ﺗﺘ ﱢﻮج اﻟﻤﺠﻬﻮدات اﻟﻜﺒﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﺑﺬﻟﻬﺎ –رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ -ﻓﻲ اﻟﻨﻬﻮض ﺑﺪوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة. ﺑﺪأت أﻋﻤﺎل اﻟﺒﻨﺎء ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ ﻋﺎم ،1998واﻓﺘﺘﺢ ﻋﺎم ،2007ﺣﻴﻦ أﻗﻴﻤﺖ أوﻟﻰ اﻟﺼﻠﻮات ﺑﻪ وﻗﺘﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺻﻼة ﻋﻴﺪ اﻷﺿﺤﻰ اﻟﻤﺒﺎرك ،وﻣﻨﺬ ﻫﺬا اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻧﻀﻢ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻟﻘﺎﺋﻤﺔ أﻛﺒﺮ ﻋﺸﺮة ﻣﺴﺎﺟﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺒﻨﺎء ،وﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ ﻳﺼﻌﺪ ﻟﻴﻜﻮن ﺿﻤﻦ أﻛﺒﺮ ﺧﻤﺴﺔ ﻣﺴﺎﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ )ﺗﺒﻠﻎ اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ اﻹﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ ﺣﻮاﻟﻲ 412,22ﻣﺘ ًﺮا ﻣﺮﺑﱠ ًﻌﺎ ،دون اﻟﺒﺤﻴﺮات اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻪ( .وﺑﻌﻴ ًﺪا ﻋﻦ اﻟﻤﺴﺎﺣﺎت ،ﻓﺈن اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ اﻟﻤﻌﻤﺎري ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ ﻳﺒﻠﻎ ﻣﻦ اﻟﺮوﻋﺔ ﻣﺒﻠﻐًﺎ ﻛﺒﻴ ًﺮا ،ﺣﻴﺚ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ أرﺑﻌﺔ وﻋﺸﺮﻳﻦ ﻋﻤﻮ ًدا ،وأرﺑﻊ ﻣﺂذن ،وﺑﻪ أﻛﺒﺮ ﻗﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻛﻤﺎ أن أرﺿﻴﺘﻪ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ ﻣﻐﻄﱠﺎة ﺑﺄﻛﺒﺮ ﺳﺠﺎدة ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﺗﺒﻠﻎ ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ 5627ﻣﺘ ًﺮا ﻣﺮﺑﱠ ًﻌﺎ ،وﺗﺰﻳﱢﻨﻪ اﻟﻨﻘﻮش واﻷﻋﻤﺎل اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ. ﺣﻮل ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ،ورؤﻳﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ ﻟﻘﻴﻤﺘﻪ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻛﺎن ﻟﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﺤﻮار:
14
ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻣﻨﺎرة ﻋﻠﻤﻴﺔ وﺗﺤﻔﺔ ﻣﻌﻤﺎرﻳﺔ
ďƜǤƜǔƫĨ ƭǤĖČǡƢ ưƨƜƶǚǖČ njǗǚǖČ
ƠǎǂLJ ƠǚǁƜǍ q ƠǤĖƜǚLjǙ ƠǎƬƢĨ ƠǥǚǗLJ ĎĖƜǝǙ ưǤČė ƭǥƹǖČ ưƩƶǙ 14 ǛǤưƞƜLjǖČ ǛǤė ưǚƬǙ ĞČưƞǫǖ džƟǝǙĨ ƠƟƎ ƬǙ ďČĖƜǝǙ ĎƲǟƜǑǖƜƞ ơǥƟǖČ Ĥć ưƨƜƶǙ 18 ĪĨƜǠƹǖČ Ēǭƻ q ƠLjǙƜƨĨ džǙƜƨ ǢǖĊ ĎǡǗƮ ǛǙ Ɯǂǝǂƞ ĪưǚƫǨČ ưƩƶǚǖČ 20 ǣǙǡǥƞ ưǖƜƮ ƜǥǑǤƲǍĈ ǣǍ ưƩƶǙ ĤĨƎ Ĉ ĎƲǟƜǑǖƜƞ ĚƜLjǖČ Ǜƞ ĨƲǚLJ ưƩƶǙ 24 ǣǗǥƟǖČ ĆƜǎƻ ƠƟǥƩLjǖČ ƠǤĉƲǖČĨ ƳǝǔǖČ ƠǑǥǑƫ ăǏƎǗLjǚį ǖČ Ħǡǖǡǁ ǛƞČ džǙƜƨ 26 Ēǡǜ ưǥLjƵ ĔƜLjƵ ĎƲǟƜǑǖƜƞ ęČĔƲǙưƐ ǖČ ưƩƶǙ ƠǤƜǔƫ ƲƯƼǖƜǓ ơǜĈ 30 čƜƩƣƶǙ ưǚƬǙ ưǚƬǙ q ƠƟǥƩLJ ĆƜǙ ƲƛƞĨ ďƜǙČƲǓ ăĎƲǟƜǑǖƜƞ ǣǎǝƬǖČ ĦƜǂǗƶǖČ ưƩƶǙ 32 Ə ƪǖƜƻ njǤƲƸ q ƲǥǁƜƵǨČĨ ĦƜǤĔǨČ ǢǑƣǗǙ ăƠǥƣǤǡǔǖČ ƜǔǗǥǍ ĎƲǤƳƨ 36 ǣǜƜƟǥƹǖČ ĎƳǚƫ ưǚƬǙ Ĕ q ƠǍǡǔǖČ ưƩƶǚǖ ƠǤƎ ĖƜǚLjǚǖČ ďǭƏƦǚƣǖČ 38 ƲǟƜǙ ǛǤƲǥƸ ĦĔĖǨƜƞ ǘǤƲǙ Ǜƞ ǢƶǥLJ ƪǥƶǚǖČ ưƩƶǙ 42 ƠǂǥLJ ǡƞ ưǚƬǙ ƲǥƟǔǖČ ǣƞƲNjǚǖČ ƴǗǁǨƜƞ ưƩƶǙ ƠƼƎ ǐ ă ǕǚǝǥƢ 44 ǣǖǭǥǎǖČ ƴǜĈ Ĕ ƠǚǤưǑǖČ ďČĖƜƿƬǖČ ƲǥǁƜƵĈ džǚƩǤ ǘDžLJǨČ džǙƜƩǖČ 48 ƠǂǥLJ ǡƞ ưǥLjƵ ƜǠǥƞĈ ǛLJ ơƥĖĨ ƜǙ Ǖǔƞ ǛǥǝƟǖČ ĥĈ ǞIJƢưĮ ǥƎ Ƹ ăǛǥǤĨƲǑǖČ džǙİ Ɯƨ 50 ƲǚƎ LjǙ Ǜƞ ǣƬƣǍ ƠƞƲƨ ĎƲǤƳƩƞ ƠƟǐČƲǚǖČĨ ưƟLjƣǗǖ ưƨƜƶǙ 54 ǘǥƫƲǖČ ưƟLJ ĦǡƶǥǙ ĐČưƫĈ džį ǜİ ƜƻĨ ƭǤĖƜƎƣǖČ ǢǗLJ Ĭưǟİ ƜƸ ăĎƎƳNJ ǣǍ ĪƏ Ʋİ ǚĮ Ljį ǖČ ưƩƶǚǖČ 56 ƔČ ưƟLJ Ėǡǟė ĥƜLJ 700 ƲǥǁƜƵĈĨ ăǛǚǥǖČ ǣǍ lĦČǡǗLJ ǛƞČz ưƩƶǙ 58 ĖǡƼǝǙ ĨƲǚLJ q ƜǥǑǤƲǍĈ čƲNJ ǣǍ ưƨƜƶǚǖČ ĪĨƜǔƫ 60 ĔČưǠǙ ƲǥƞƳǖČ ĤĨǨČ ƜƶǜƲǍ ưƩƶǙ ƠǤƜǔƫ 64 13
2019 ﻣﺎﻳﻮ235 اﻟﻌﺪد/ ﺗﺮاث
ﻗﺼﻴﺪ
žĴġŶŰ ŷƀŜ Ǯ ūǣļǨė ĸŶŀ Ęſ ǣŵ ﻫــﻼ ﻳــﺎ ﺷــﻬــﺮ اﻹﺳــــﻼم ﻟــﻲ ﻓــﻴــﻪ ﺗﻬﺘﺪي
ﺿــــﻮا واﺻـــﺒـــﺤـــﻮا ﻛـــﻞ اﻟـــﻌـــﺒـــﺎد ﺻــﻴــﺎم
ﺷﻬﺮ داﻓـــﻊ اﻟﺤﺴﻨﻪ ﺷﻬﺮ ﻣﺨﻠﺺ اﻟﺮﺿﺎ
وﻣــــﻦ ذاق ﻗــﻮﺗــﻪ ﻓـــﻲ اﻟــﻨــﻬــﺎر ﺣـــﺮام
ﺷﻬﺮ ﻟﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺷﺎﻓﻬــــــــــﺎ ﻧﺎل ﻣﻘﺼـــــــﺪه
وﻧـــــﺰل ﻓــﻴــﻪ ﻣـــﻦ ﻋــﻨــﺪ اﻹﻟـــــﻪ ﻋــﻈــﺎم
ﻓﻴﻪ اﻧﺰﻟـــــــــــــــــﺖ ﻋﻢ وﻳﺲ م اﻟﺴﻤـــــﺎ
وﺗـــﺒـــﺎرك وﺗــﻜــﻤــﻴــﻞ اﻟــﻜــﺮﻳــــــــــــــﻢ ﺗــﻤــﺎم
ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻲ ﺧﺼــــــــــــــــﻪ اﻟﻠﻪ ﺑﺎﻟﻬـــــﺪى
ﺷـــﻔـــﻴـــﻊ اﻷﻣـــــــــﺔ ﺳــــﻴــــﺪ اﻷﻧـــــــــــﺎم
ﻋﺴﻰ ﺣــﻦ ﻋﻠﻰ ﺳﻨﺔ اﻟﻠﻪ ﻧﻬﺘــــــــﺪي
وﺗــــﻐــــﺪي ﺟـــﻤـــﻮع اﻟــﻤــﺘــﻘــﻴــﻦ ﺿــﺨــﺎم
ﺗـــﺮى اﻟــﺪﻳــﻦ ﻧـــﻮر ﻛــﺎﺷــﻒ واﺿـــﺢ اﻟﻨﻘﺎ
وﺗــــﺮى اﻟــﻜــﻔــﺮ ﻏــــﺪر واﻟـــﻄـــﺮﻳـــﻖ ﻇــﻼم
أﻻ ﻳـــﺎ ﻏـــــﺮور اﻟــﻨــﻔــﺲ ﻻ ﻋـــﻦ ﺗــﻐــﺮك
ﺗﻤﺴﻚ ﺑﺪﻳﻨﻚ واﻋﺘﺒـــــــــــــــﺮ ﻟ ﱠﻴــــــــــــﺎم
ﺗـــﺮاﻛـــﻢ ﻛــﻤــﺎ زرع ﺑـــﻪ اﻟـــﻮﻗـــﺖ ﺻــﺎﻳــﻒ
وﻣــــﺎ ﺑــﻘــﻰ ﻣــﻨــﻜــﻢ ﺣــﺸــﻪ اﻟــﺼـــــــــــ ّﺮام
وﻻ ﺗــﺼــﻴــﺮ ﻣـــﻊ ﻧــﻔــﺴــﻚ ﻋــﻮﻳــﻦ ﻟــﺬﻟــﻬــﺎ
ﺗــﻌــﻄــﻰ ﻛــﺘــﺎﺑــﻚ ﺑــﺎﻟــﻴــﺴــﺎر ﺷﻤـــــﺎم
وﻻ ﺗــﺼــﻴــﺮ ﻣــﻐــﻠــﻮل ذﻟــﻴــﻞ ﻣـــﻦ اﻟــﻌــﻄــﺎ
ﺗــــﺮى اﻟــ ُﺒــﺨــﻞ ﻏــﺼــﻦ ﻟــﻠــﺠــﺤــﻴــﻢ ﻃــﻌــﺎم
وﺗـــﺮى اﻟــﺼــﺪق ﺗﺤﻴﺎ ﺑــﻪ ﺟﺜﻴﺚ ﺑــﻼ ﺣﻴﺎ
ورﻣــــﺲ ﻃــﻔــﻞ ﻣــﺮﻳــﻢ ﻟـــﻲ ﻋــﻠــﻴــﻪ ﻏــﻤــﺎم
رﻣـــﺲ ﻟــﻪ ﺑﺴﻤﻌﻪ واﻟــــﺬي ﺷـــﺎف ﻧــﺎﻇــﺮه
ﺗــﻜــﻠــﻢ وﻋــــــــــــــﺎده ﺑـــﻮﺛـــﻼث أﻳـــــﺎم
ﻋــﻠــﻴــﻪ اﻟــﻮﺣــﻲ ﻣــﻦ واﻟــــﻰ اﻟــﻤــﻠــﻚ ﻧــﺎزل
ﺷــﻬــﺪ ﻟــﻪ إﻟــﻴــﻨــﺎ ﻧــﺠــﺎه م اﻟﻈــــــﻼم
Ê Î' Û РpÉ. ]Û ¸/ ~ Í/ÎÙ Û 1935 & Û# / Û p#. ]Û$Ù Ê# p( ' Û$ ±$# pÙ Ê# Û )Ù¹ } ,ã ÊÍ. $# Ï . ]- °. * ½ Û %Ù£Î# ª ÛÎ . % è 1 . Û Ù¼ Ë ° ÙÉ #
' 1$ /½# Û %( # Ì # . # Ù ±# * / ° (#. .-' Â Ê - } - p b Ð' 1 Ã# pã Ê# ºÃ Ø Ï . ] Ù½ Ø ±# - Ø /+ }p . ÃÎ# Ð Û # ±# Û ) Õ#Õ$#
° Ð' " . Û ¸/ } Û %ã Ê# ° $ ' / } Ðئ# Ð' /+. ]Û Î (# °}. Û$+ # ±# pÙ Ê# " É pÉ. .© Ã$ # . ¥è ' p Û ±' -# Í . (# . ±(# pã É Ê Î(# b ' .%ÙµÃ# Ï µ' ,° &.pÊ
12
ﻫﻼ ﻳﺎ ﺷﻬﺮ ا ﺳﻼم ﻟﻲ ﻓﻴﻪ ﻧﻬﺘﺪي
واﻹﻣﺎراﺗﻴﻴﻦ؛ اﻟﺬﻳﻦ أﺑﺪوا إﻋﺠﺎﺑﻬﻢ ﺑﺎﻹﺻﺪارات اﻟﻨﻮﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺮﺿﻬﺎ اﻟﺠﻨﺎح ،وﻋﺒﺮوا ﻋﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮﻫﻢ ﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻣﻤﺜﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ رﺋﻴﺲ اﻟﻨﺎدي ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮص اﻟﺮاﻗﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮروث اﻟﻮﻃﻨﻲ واﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﻨﻮﻋﻲ ﺑﺤﻔﻆ اﻟﺘﺮاث وﺗﻮﺛﻴﻘﻪ ﻋﺒﺮ اﻟﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث واﻟﺪواوﻳﻦ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ. ...وﺗﻜﺮﻳﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﺨﻀﺮم ﻛﻤﻴﺪش اﻟﻜﻌﺒﻲ
ﻧﻈﻢ ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻨﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات اﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ ﺗﻜﺮﻳﻤﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﺨﻀﺮم ﻛﻤﻴﺪش ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻮاﺣﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻧﻌﻤﺎن اﻟﻜﻌﺒﻲ ،ﺣﻀﺮﻫﺎ ﻣﻌﺎﻟﻲ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻃﺤﻨﻮن آل ﻧﻬﻴﺎن واﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﻜﺮم ،وﻣﺤﻤﺪ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﺮﻣﻴﺜﻲ ﻣﺪﻳﺮ ﻓﺮع اﻟﻬﻼل اﻷﺣﻤﺮ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ،واﻟﻔﻨﺎن ﺧﺎﻟﺪ ﻣﺤﻤﺪ ،وﻓﺎﻃﻤﺔ ﻣﺴﻌﻮد اﻟﻤﻨﺼﻮري ﻣﺪﻳﺮة اﻟﻤﺮﻛﺰ ،وﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء واﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﻴﻦ وﺟﻤﻬﻮر ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ واﻟﻤﻬﺘﻤﻴﻦ وأﻫﺎﻟﻲ اﻟﻌﻴﻦ ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﻓﻲ ﻧﺪوة اﻻﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ. وأﺛﻨﻰ ﻣﻌﺎﻟﻲ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻃﺤﻨﻮن آل ﻧﻬﻴﺎن ﻋﻠﻰ اﻻﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ وﻣﺎ ﺗﺨﻠﻘﻪ ﻣﻦ آﺛﺎر ﻃﻴﺒﺔ وﻣﺆﺛﺮة ،ﻣﻘﺪرا ﺟﻬﻮد ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻣﻤﺜﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ رﺋﻴﺲ
اﻟﻨﺎدي ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻣﻮروﺛﻨﺎ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ ﻣﻜﻮﻧﺎﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺪ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻣﻦ أﻫﻤﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ أﺛﻨﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﺤﺘﻔﻰ ﺑﻪ وﻋﻠﻰ ﻧﺘﺎﺟﺎﺗﻪ وﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻹﻣﺎراﺗﻲ. وﻗﺎﻟﺖ ﻣﺪﻳﺮة اﻟﻤﺮﻛﺰ ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻤﻨﺼﻮري إن اﻻﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ ﺗﺄي ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﺘﺰام ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث ﺑﺪوره ﻓﻲ إﺛﺮاء اﻟﺤﺮاك اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻋﻠﻰ اﻣﺘﺪاد ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻮﻃﻦ ،وﺧﺪﻣﺔ ﺗﺮاﺛﻨﺎ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ ﻣﺠﺎﻻﺗﻪ وﻋﺒﺮ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺴﺒﻞ واﻟﻮﺳﺎﺋﻞ .ﻣﺸﻴﺮة إﻟﻰ أن اﻟﻨﺪوة اﺳﺘﻤﺮار ﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ﺗﻜﺮﻳﻢ اﻟﻤﺮﻛﺰ ﻟﺴﺎدة اﻟﺸﻌﺮ اﻹﻣﺎراﺗﻲ وﺗﻮﺛﻴﻖ أﺷﻌﺎرﻫﻢ وﺣﻔﻈﻬﺎ وﺗﻘﺪﻳﻤﻬﺎ ﻟﻠﻘﺮاء ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ رﻛﻨﺎ ﻫﺎﻣﺎ ﻣﻦ أرﻛﺎن ﻣﻮروﺛﻨﺎ ،ﺟﺬوة أﺻﺎﻟﺘﻨﺎ وأﺻﻞ ﻫﻮﻳﺘﻨﺎ .ﺗﻀﻤﻨﺖ اﻻﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ ﻋﺮوﺿﺎ ﻓﻨﻴﺔ ﻟﻔﺮﻗﺔ ﺑﻦ ﻧﻌﻤﺎن اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ، وﻣﻌﺮﺿً ﺎ ﻹﺻﺪارت اﻟﻨﺎدي ﻣﻦ دواوﻳﻦ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ ،وﻣﻨﻬﺎ دﻳﻮان اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﻜ ّﺮم اﻟﺬي وﻗﱠﻊ ﻣﻨﻪ ﻋﺪدا ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺦ ﻟﺤﻀﻮر اﻻﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ. وﻣﻌﺮض ﺻﻮر ﻟﻌﺪد ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﺸﻬﻮرة ،وﻟﻸﻧﺸﻄﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﻈﻤﻬﺎ اﻟﻨﺎدي .وأﻟﻘﻰ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻣﺨﺘﺎرة ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ، وﺗﻐﻨﻰ اﻟﻔﻨﺎن ﺧﺎﻟﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻜﻠﻤﺎت ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ ﻏﻨﺎﻫﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻔﻨﺎن ﻋﻠﻲ ﺑﺎﻟﺮوﻏﺔ .وﺳﻠﻄﺖ ﻧﺨﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ ﻣﺴﻴﺮة اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻜﻌﺒﻲ وﺧﺼﻮﺻﻴﺔ إﺑﺪاﻋﺎﺗﻪ ،ﻣﻨﻬﻢ اﻟﺪﻛﺘﻮر راﺷﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﺰروﻋﻲ، واﻟﺒﺎﺣﺚ ﻣﺆﻳﺪ اﻟﺸﻴﺒﺎﻧﻲ ،واﻟﺸﺎﻋﺮﺧﻠﻔﺎن ﺑﻦ ﻧﻌﻤﺎن اﻟﻜﻌﺒﻲ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
11
ﺗﺮاث اﻟﺸﻬﺮ
...وﺗﺘﻮﻳﺞ اﻟﻔﺎﺋﺰﻳﻦ ﺑﻜﺄس ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﻠﻤﺤﺎﻣﻞ اﻟﺸﺮاﻋﻴﺔ
ﻛﻤﺎ اﺧﺘﺘﻤﺖ ﺧﻼل اﻟﺸﻬﺮ ﻣﻨﺎﻓﺴﺎت ﻛﺄس ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﻠﻤﺤﺎﻣﻞ اﻟﺸﺮاﻋﻴﺔ ﻓﺌﺔ 60ﻗﺪﻣﺎً ،اﻟﺬي ﻧﻈﻤﻪ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﺗﺤﺖ رﻋﺎﻳﺔ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻣﻤﺜﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ رﺋﻴﺲ اﻟﻨﺎدي. ﻣﺤﻤﻼ ﻋﻠﻰ ﻣﺘﻨﻬﺎ ﻧﺤﻮ أﻟﻒ ً ﺷﻬﺪ اﻟﺴﺒﺎق ﻣﻨﺎﻓﺴﺎت ﺷﺪﻳﺪة ﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻦ و 600ﺑﺤﺎر وﻧﻮﺧﺬة ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﺪوﻟﺔ ،ﺧﺎﺿﻮا ﺗﺤﺪﻳﺎً ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً ﻻﺟﺘﻴﺎز ﻣﺴﺎﻓﺔ اﻟﺴﺒﺎق اﻟﺘﻲ ﺑﻠﻐﺖ 17ﻣﻴﻼً ﺑﺤﺮﻳﺎً. وﻧﺎل ﻛﺄس اﻟﺴﺒﺎق اﻟﻘﺎرب "ﺑﺮق" ﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم ،واﻟﻨﻮﺧﺬة ﺟﺎﺑﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺟﺎﺑﺮ اﻟﺤﻤﺎدي ،وﺗﻮج اﻟﻘﺎرب "اﻟﻌﺪﻳﺪ" ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ ﺳﻌﺎدة ﻣﺤﻤﺪ راﺷﺪ ﻣﺼﺒﺢ اﻟﺮﻣﻴﺜﻲ واﻟﻨﻮﺧﺬة ﺧﻤﻴﺲ ﻋﺒﻴﺪ اﻟﺮﻣﻴﺜﻲ .وﺗﻮج اﻟﻘﺎرب "زﻳﻮرخ" ﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم ،واﻟﻨﻮﺧﺬة ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻣﻬﻴﺮ اﻟﻤﺮزوﻗﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺜﺎﻟﺚ. ﺗﻢ اﻟﺘﺘﻮﻳﺞ وﺳﻂ أﺟﻮاء اﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ اﻧﺘﺸﺮت ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ أرﺟﺎء اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﺑﻜﺎﺳﺮ اﻷﻣﻮاج ،أﺑﻮﻇﺒﻲ ،ﺑﺤﻀﻮر ﺳﻌﺎدة ﺣﻤﻴﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻮﻻﺣﺞ اﻟﺮﻣﻴﺜﻲ اﻟﻤﺪﻳﺮ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬي ﻟﻸﻧﺸﻄﺔ واﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت ﻓﻲ اﻟﻨﺎدي ،وﺳﻌﻴﺪ ﻋﻠﻲ اﻟﻤﻨﺎﻋﻲ ﻣﺪﻳﺮ إدارة اﻷﻧﺸﻄﺔ واﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت ،وﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻨﺎدي وﺟﻤﻬﻮر ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺎرة وﻣﺤﺒﻲ ﻫﺬه اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ.
اﻟﺬﻳﻦ ﺟﺬﺑﺘﻬﻢ أرﻛﺎن اﻟﺠﻨﺎح اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ واﻟﻌﺮوض اﻟﺤﻴﺔ ﻟﻠﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ وﻋــﺮوض اﻟﻔﺮق اﻟﻔﻠﻜﻠﻮرﻳﺔ ،وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﻗﺪﻣﺖ ﺻﻮ ًرا ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﻔﺮدات ﻣﻮروث اﻹﻣﺎرات اﻟﻮﻃﻨﻲ. وﺷﺎرك ﻣﺪﻳﺮ إدارة اﻷﻧﺸﻄﺔ ﺑﻨﺎدي اﻹﻣﺎرات ﺳﻌﻴﺪ ﻋﻠﻲ اﻟﻤﻨﺎﻋﻲ ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻷﻳﺎم اﻟﺸﺎرﻗﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﺑﻤﺤﺎﺿﺮة ﺣﻮل دور اﻟﻨﺎدي ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺘﺮاث ،ﺷﺎرﻛﺘﻪ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻧﺨﺒﺔ ﻣﻦ ﺣﺮﻓﻴﺎت اﻟﻨﺎدي اﺳﺘﻌﺮﺿﻦ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ وﺗﺤﺪﺛﻦ ﻋﻦ دﻋﻢ اﻟﻨﺎدي ﻟﻬﻦ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻧﻘﻞ ﺧﺒﺮاﺗﻬﻦ إﻟﻰ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﺸﺎﺑﺔ .،ﻓﻲ ﻣﺤﺎﺿﺮﺗﻪ ﺗﺤﺪث اﻟﻤﻨﺎﻋﻲ ﻋﻦ ﻣﺴﻴﺮة اﻟﻨﺎدي ﻣﻨﺬ ﺗﺄﺳﻴﺴﻪ ﻣﺴﺘﻌﺮﺿﺎ أﻫﺪاﻓﻪ ووﺳﺎﺋﻠﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﺒﺮﻫﺎ ﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻤﻮروث اﻟﻮﻃﻨﻲ ﺑﺎﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻪ وﺗﻌﺰﻳﺰ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻪ ﻟﺪى اﻟﻨﺶء وإﺑﺮاز ﻗﻴﻤﻪ اﻷﺻﻴﻠﺔ وﺗﻌﺮﻳﻒ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﺑﻬﺎ ،وأﺷﺎد اﻟﻤﻨﺎﻋﻲ ﺑﺪور اﻷب اﻟﻤﺆﺳﺲ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ "ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه" ﻓﻲ اﻟﺘﺸﺠﻴﻊ ﻋﻠﻰ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﺘﺮاث وﺣﺜﻪ ودﻋﻤﻪ ﻟﻜﻞ اﻟﺠﻬﻮد اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث ،ﻣﺒﻴﻨﺎ أن اﻟﻠﻪ ﺣﺒﺎﻧﺎ ﺑﻘﻴﺎدة واﺻﻠﺖ ﺟﻬﻮده ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه" ﻓﺴﺎر ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺠﺔ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ وإﺧﻮاﻧﻪ ﺣﻜﺎم اﻹﻣﺎرت ،ﻣﺸﻴﺮا إﻟﻰ دور اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ ﻣﻤﺜﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ رﺋﻴﺲ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﺣﺎرس اﻟﻤﻮروث ووﻗﻮف ﺳﻤﻮه وراء ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺠﺎﺣﺎت اﻟﺘﻲ ﺣﻘﻘﻬﺎ اﻟﻨﺎدي ﺧﻼل25ﻋﺎﻣﺎً. ...وﻣﺸﺎرﻛﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺣﻔﻞ "اﻟﺨﻮارزﻣﻲ"
وﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﺘﻌﺎون أﻳﻀً ﺎ ﺷﺎرك ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺮض ﺟﻨﺎح ﻣﻤﻴﺰ وﻣﺤﺎﺿﺮة ﻓﻲ أﻳﺎم اﻟﺸﺎرﻗﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﺣﻘﻖ ﺟﻨﺎح ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﺪورة اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮة اﻟﻤﺼﺎﺣﺐ ﻻﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ اﻟﺤﺼﺎد اﻹﻋﻼﻣﻲ 2019اﻟﺘﻲ ﻧﻈﻤﺘﻬﺎ ﻛﻠﻴﺔ ﻣﻦ أﻳﺎم اﻟﺸﺎرﻗﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻈﻤﻬﺎ ﻣﻌﻬﺪ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﻟﻠﺘﺮاث ﺧﻼل اﻟﺨﻮارزﻣﻲ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺎﻫﻴﺔ -أﺑﻮﻇﺒﻲ ،واﺳﺘﻘﻄﺐ اﻟﺸﻬﺮ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﻧﺠﺎ ًﺣﺎ ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻓﻲ اﺳﺘﻘﻄﺎب اﻟﺰوار ووﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم ،ﺑﺠﻨﺎﺣﻪ اﻟﺘﺮاﺛﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺤﻀﻮر واﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ وإدارة اﻟﻜﻠﻴﺔ وﻛﺒﺎر اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت ،واﺳﺘﻮﻗﻒ ﻛﺜﻴﺮا ً راﻋﻲ اﻟﺤﻔﻞ اﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﻴﺪ ﺑﻦ ﺳﻬﻴﻞ ﺑﻦ ﺑﻄﻲ آل ﻣﻜﺘﻮم اﻟﺬي ﺗﺤﺪث ﻣﻊ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﺴﻴﺪات واﻟﺨﺒﺮاء اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺎح. ...وﻣﺸﺎرﻛﺔ ﻧﻮﻋﻴﺔ ﺑﻤﻌﺮض أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب
ﺷﺎرك ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﻣﻤﺜﻼ ﺑﻤﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﺪورة اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻣﻌﺮض أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب اﻟﺘﻲ أﻧﻬﺖ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻠﻤﻌﺎرض ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﺸﻬﺮ اﻟﻤﺎﺿﻲ. وﻋﺮض اﻟﻨﺎدي ﻋﺒﺮ ﺟﻨﺎﺣﻪ اﻟﺘﺮاﺛﻲ ﻋﺸﺮات اﻟﻌﻨﺎوﻳﻦ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺴﺪ ﺟﻬﻮدا ﺑﺤﺜﻴﺔ ﻧﻮﻋﻴﺔ ﻟﻨﺨﺒﺔ واﺳﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ اﻟﺘﺮاﺛﻴﻴﻦ واﻟﻤﺨﺘﺼﻴﻦ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ دواوﻳﻦ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺛﻖ ﻟﻠﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات .واﺳﺘﻘﻄﺐ ﺟﻨﺎح اﻟﻨﺎدي زوار اﻟﻤﻌﺮض ﻣﻦ اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﻴﻦ واﻟﻜﺘﺎب واﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ واﻹﻋﻼﻣﻴﻴﻦ اﻟﻌﺮب واﻷﺟﺎﺗﺐ 10
ﻧﺎدي ﺗﺮاث ا ﻣﺎرات ﻳﻮاﺻﻞ دوره ﻓﻲ ﺻﻮن ﻣﺎﺿﻲ اuﺑﺎء واuﺟﺪاد
اﻹﻣﺎراﺗﻲ اﻟﻌﺮﻳﻖ وﻗﻀﺎء وﻗﺖ ﻣﻤﺘﻊ ﺿﻤﻦ أﺟﻮاء ﺗﺮاﺛﻴﺔ وﻋﻠﻤﻴﺔ ورﻳﺎﺿﻴﺔ .وﻳُﻨﻈﻢ ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻟﺜﺮﻳﺎ ﺳﻨﻮﻳًﺎ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ اﻹﺟﺎزة اﻟﺮﺑﻴﻌﻴﺔ ﻟﻄﻠﺒﺔ اﻟﻤﺪارس ،ﺑﻬﺪف اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث واﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ وﻏﺮﺳﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﻮس اﻟﻨﺶء .وأﺑﺪى ﻣﺪﻳﺮ اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ اﻟﺴﻴﺪ راﺷﺪ ﺧﺎدم اﻟﺮﻣﻴﺜﻲ رﺋﻴﺲ ﻗﺴﻢ ﺷﺆون اﻟﻤﺮاﻛﺰ ﺑﻨﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات رﺿﺎه ﻋﻦ اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻣﻊ أﻧﺸﻄﺔ اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ اﻟﻤﻨ ّﻮﻋﺔ واﻟﻬﺎدﻓﺔ ﺑﻴﻦ أﺣﻀﺎن اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻓﻲ ﺟﺰﻳﺮة اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ. ...واﺧﺘﺘﺎم ﺑﻄﻮﻟﺔ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ ﻟﻘﻔﺰ اﻟﺤﻮاﺟﺰ
واﺧﺘﺘﻤﺖ ﺧﻼل اﻟﺸﻬﺮ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﺑﻄﻮﻟﺔ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻟﻘﻔﺰ اﻟﺤﻮاﺟﺰ اﻟﺘﻲ ﻧﻈﻤﻬﺎ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺨﺘﻢ ،ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون واﻟﺘﻨﺴﻴﻖ ﻣﻊ اﺗﺤﺎد اﻹﻣﺎرات ﻟﻠﻔﺮوﺳﻴﺔ ورﻋﺎﻳﺔ ﻟﻮﻧﺠﻴﻦ ،ﺑﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻧﺨﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﺳﺎن واﻟﺠﻴﺎد ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﺳﻄﺒﻼت وأﻧﺪﻳﺔ اﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ .وﺗﻮج ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻬﻴﺮ اﻟﻤﺰروﻋﻲ ﻣﺪﻳﺮ إدارة ﻗﺮﻳﺔ واﺳﻄﺒﻼت ﺑﻮذﻳﺐ ﻟﻠﻔﺮوﺳﻴﺔ اﻟﻔﺎﺋﺰﻳﻦ ﻓﻲ ﺟﻮﻻت اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻤﺴﺎﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺜﻠﺖ ﺧﺘﺎم ﻣﻨﺎﻓﺴﺎت اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ.
ﻋﻠﻰ أرض اﻟﺪوﻟﺔ .ﺣﻀﺮ ﺣﻔﻞ اﻟﺘﻜﺮﻳﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻬﻴﺮ اﻟﻤﺰروﻋﻲ ﻣﺪﻳﺮ إدارة ﻗﺮﻳﺔ واﺳﻄﺒﻼت ﺑﻮذﻳﺐ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻟﻠﻔﺮوﺳﻴﺔ ،وﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻨﺎدي وﺟﻤﻬﻮر ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﻲ ﻫﺬه اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ. وﺗﻌﻤﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺎت ﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﻘﺪرة اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﺪى اﻟﺤﺼﺎن واﺳﺘﻌﺪاده ﻟﻸداء ،ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺤﻘﻖ أﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى أداء ﺣﺼﺎن ﺳﺒﺎق؛ ﻓﻴﻘﻮم ﺑﺄداء اﻟﺘﺤﺮﻛﺎت اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ ﺗﻠﻘﺎﺋ ًﻴﺎ ،ﻣﺴﺘﺠﻴﺒﺎً إﻟﻰ ﺣﺮﻛﺎت اﻟﻤﺴﺎﻋﺪة اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﻣﻦ ﻓﺎرﺳﻪ اﻟﺬي ﻳﻤﺘﻄﻴﻪ ،وﻻ ﻳﺒﺪو ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺬل أي ﻣﺠﻬﻮد .وﻳﺘﻢ ﺗﻘﻴﻴﻢ ﻣﻬﺎرات اﻟﻔﺎرس ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺑﻘﺎت ﺗﺮوﻳﺾ اﻟﺨﻴﻮل اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﺧﺘﺒﺎرات ﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺤﺪدة ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺮﻛﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﺆدﻳﻬﺎ اﻟﺤﺼﺎن ﻓﻲ ﺣﺪود ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ.
...وﺑﻄﻮﻟﺔ "اﻟﺪرﻳﺴﺎج" ﺗﻮاﺻﻞ ﻧﺠﺎﺣﺎﺗﻬﺎ
وﺧﻼل اﻟﺸﻬﺮ ،ﻛﺮم ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات اﻟﻔﺎﺋﺰﻳﻦ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻓﺴﺎت ﺑﻄﻮﻟﺔ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻟﻠﺘﺮوﻳﺾ )اﻟﺪرﻳﺴﺎج(، اﻟﺘﻲ ﻧﻈﻤﻬﺎ اﻟﻨﺎدي ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون واﻟﺘﻨﺴﻴﻖ ﻣﻊ اﺗﺤﺎد اﻹﻣﺎرات ﻟﻠﻔﺮوﺳﻴﺔ، ﺑﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ ﻧﺨﺒﺔ ﻣﻦ ﻓﺮﺳﺎن اﻹﻣﺎرات واﻟﺠﻨﺴﻴﺎت اﻟﻤﻘﻴﻤﺔ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
9
ﺗﺮاث اﻟﺸﻬﺮ
ưƸČĖ Ǜƞ ĦČưǚƫ ƠƶƵƗǙ ĎƳƚƜƩƞ ėƜǍ
ďČĖƜǙǪČ ĐČƲƢ ĪĔƜǜ
ĔČưƨǨČĨ ĆƜƞǦČ ǣƾƜǙ Ħǡƻ ǣǍ ħĖĨĔ ǕƻČǡǤ أﺑﻮﻇﺒﻲ – ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻔﺘﺎح
ﺣﻔﻠﺖ أﺟﻨﺪة ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﺧﻼل ﺷﻬﺮ أﺑﺮﻳﻞ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث ،ﺗﺼﺪّ رﻫﺎ ﺧﺒ ُﺮ ﻓﻮزه ﺑﺠﺎﺋﺰة ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ راﺷﺪ ﻟﻸداء اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ اﻟﻤﺘﻤﻴﺰ ﻋﻦ ﻓﺌﺔ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪاﻋﻤﺔ ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ ،ﻓﻲ دورﺗﻬﺎ اﻟـ .21ﻋﻦ ﻣﺒﺎدرﺗﻪ اﻟﻬﺎدﻓﺔ "ﺗﺮاﺛﻨﺎ ﻫﻮﻳﺘﻨﺎ ﻟﻄﻠﺒﺔ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ".
ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺘﺤﻘﻴﻖ اﻷوﻟﻮﻳﺎت اﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ ﻟﻠﻨﺎدي وﺗﺪﻋﻢ رؤﻳﺔ ﺣﻜﻮﻣﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ .ورﻓﻊ ﺳﻌﺎدة ﺣﻤﻴﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻮﻻﺣﺞ اﻟﺮﻣﻴﺜﻲ اﻟﻤﺪﻳﺮ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬي ﻟﻸﻧﺸﻄﺔ واﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت ﺑﺎﻟﻨﺎدي أﺳﻤﻰ آﻳﺎت اﻟﺘﻬﺎﻧﻲ واﻟﺘﺒﺮﻳﻜﺎت إﻟﻰ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻣﻤﺜﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ رﺋﻴﺲ اﻟﻨﺎدي ،ﻣﺜﻤ ًﻨﺎ دور ﺳﻤﻮه ﻓﻲ دﻋﻢ أﻧﺸﻄﺔ اﻟﻨﺎدي واﻟﻔﻮز ﺑﺎﻟﺠﺎﺋﺰة وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻮاﺋﺰ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ .ﻛﻤﺎ أﺷﺎد ﺑﻮﻻﺣﺞ ﺑﺪﻋﻢ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ راﺷﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم ﻧﺎﺋﺐ ﺣﺎﻛﻢ دﺑﻲ وزﻳﺮ اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻤﺆﺳﺴﺔ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ راﺷﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم ﻟﻸداء اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ اﻟﻤﺘﻤﻴﺰ وﺟﻬﻮده ﻓﻲ ﻣﺴﺎﻧﺪة اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ورﻋﺎﻳﺔ اﻟﻤﻮﻫﻮﺑﻴﻦ واﻟﻤﺒﺘﻜﺮﻳﻦ واﻟﻤﺒﺪﻋﻴﻦ .
وﻳﺘﻤﺜﻞ ﻫﺪف اﻟﻤﺒﺎدرة اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻓﻲ ﺗﻬﻴﺌﺔ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﺘﻜﻮن ﻣﺼﺪرا ً ﻟﺘﻌﺰﻳﺰ اﻟﺼﻼت ﺑﻴﻦ اﻟﻄﻠﺒﺔ واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺤﻠﻲ ﻟﻠﺘﻮﻋﻴﺔ ﺑﺄﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ورﺑﻄﻪ ﺑﺎﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ،ﻋﺒﺮ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻷﻫﺪاف اﻟﺘﻔﺼﻴﻠﻴﺔ ﺗﺴﺘﻬﺪف :ﺗﻌﻤﻴﻖ ﻣﻔﺮدات اﻟﻮﻻء واﻻﻧﺘﻤﺎء اﺧﺘﺘﺎم ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻟﺜﺮﻳﺎ اﻟﺘﺮاﺛﻲ 2019 ﻟﻠﻮﻃﻦ وﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ واﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ،واﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ اﺧﺘﺘﻤﺖ اﻟﺸﻬﺮ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻟﺜﺮﻳﺎ اﻟﺘﺮاﺛﻲ ،2019اﻟﺬي ﺑﻨﺎء ﺷﺨﺼﻴﺔ اﻟﻄﺎﻟﺐ وﺗﺄﺻﻴﻞ اﻟﻘﻴﻢ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﺑﻬﺎ ،وﺟﻌﻞ اﻟﻤﺤﺎﺿﺮات اﺳﺘﻤﺮ أﺳﺒﻮﻋﻴﻦ ،ﺑﻤﺸﺎرﻛﺔ واﺳﻌﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﺘﺴﺒﻲ ﻣﺮاﻛﺰ اﻟﻨﺎدي ،وﺑﻌﺾ واﻟﻤﻌﺎرض اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﻤﺪرﺳﻴﺔ أدﻟﺔ ﻣﻔﻴﺪة ﻟﻠﻤﻌﻠﻤﻴﻦ .وﻛﻠﻬﺎ أﻫﺪاف اﻟﻔﺌﺎت اﻟﺸﺒﺎﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺆﺳﺴﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺑﻬﺪف ﺗﻌﺮﻳﻔﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﺮاث
8
ﻧﺎدي ﺗﺮاث ا ﻣﺎرات ﻳﻮاﺻﻞ دوره ﻓﻲ ﺻﻮن ﻣﺎﺿﻲ اuﺑﺎء واuﺟﺪاد
98
_$L Q# H
:ﺑﺮﻫﺎن ﺷﺎوي
ĞŔŹűŬ ĞƀŜĘšĤ ĞƀĤėĸĠ
ً ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺮواﻳﺔ أن ﺗﻀﻴﻒ وﻻ ﺗﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺤﻜﺎﻳﺔ
:ﺗﺼﺪر ﻋﻦ أﺑﻮﻇﺒﻲ، ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات- ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث
Ðã Ï Íè 1# ¹Í}. ])$ # Ð'Ô} Í} ... Ð
%Ù É. %Ù É /444 . & pÎ ÛÃÉ/ .Û /#/Ù
44Ø /44 4 4 æ Ù (# p44Î44 Á/444É. /44+ 44Ù44$44 .
Û Ø . ÛÂ Ù# .Ï Íè "/ ÙÎØp# . Ø #
رﺋﻴﺲ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ
źĴűĔōŤē İũĨ ĚĹũļ
+ (# . $ä æ 1$ ³ Û+ (Í . / } " + (# "
& ÛÎ Ù# ° . ] , Ð' Ï Ø æ ÛÂ & É pÎ ÃÉ/ , Ù £° "3¢ Ð'
. Ù$ Ù £° "3¢ Ð' ±# . Ù£# " Õ pÎ ÄÉ/ !#¦ . . ÙÍ , Ð'
# p .p(' -* .
ﻣﺪﻳﺮ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ
ŮŻİŤē ĆǙŐ İżŤŴ
114
اﻹﴍاف اﻟﻌﺎم
5$¤ 7}
źijŵŁŭũŤē įŵőĹŨ ĚũňĔŘ ŽŐijİŤē ŽťŐ łŻŵŐ ęĵŵŨ
ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻼت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ
اﻹﺧﺮاج واﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ģĔĥĨ ęįĔŔ
ūĔėőļ ŹřʼnŁŨ :ﻣﺼﻮر ūēŴİŐ ŧĔĽű :رﺳﻮم
:اﳌﻮﻗﻊ ﻋﲆ اﻹﻧﱰﻧﺖ www.mags.ae
ﻋﻨﺎوﻳﻦ اﳌﺠﻠﺔ
/( ' / # . p$# pØ © ª ' ÛÎ ÊØ
+ © % ' % ( Ù'3 è 3( # Ð' ªÙ('
Ø/'æ ÐÙ Â3£# ÐÙ Ù'3 è #.p# / .
½(# . Ë ±(# ÛÂ 3Ø. Ð' ,¸ '. ] Ù # .
ÙÍ ' # . Ø Ã # . Ø + # . # ¼æ . æ . ] Ù #pÍæ ]Û'3 è
] Ù /$((# . Ù /Øæ . Ù( Ã# . ÙÍ p( # . ØpÙ±¢è . ÙÍ/#/ # . Ø/ͪ½# .  ´ . ÙÍ ( # Â3£#  1# 0 ¢}. ]Ð(Ù# Û Øpت# #.p# 1# / 3( . b Ù # $((# Û #. p ' Í ( # $Ø/ ) ) Á p Í $( 1# )+ . ] Ù +¥ ÙÍ Í 1# ( ÊÍ . ÙÎ Ê(# /Î pÉ. . +pÙ / % É Ø / #
Û p# Û$ Ø/ ©/' ,Ú / Î(# / ' (  - تÍ. / '. ÙµÂ
: Ø # . 2 Û ¸/ ࢫ p (# Ù # '2
turath@sbzc.ae : Ø # Øp' 026666130 :Ä +
اﻻﺷﺘﺮاﻛﺎت
p( } : Ø©/ # ".Õ '
b : #.p# ¢ Ð' Âç# / (+ 150 : 'è #. %¢ Âç# b Õ($# / (+ 150 : #.p# %¢ Õ($# - 2. 200
marketing@cmc.ae +971 56 3150303 Ø©/ $# 'è
7
2019 ﻣﺎﻳﻮ235 اﻟﻌﺪد/ ﺗﺮاث
. 2. 200 #.p# ¢
ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﻌﺪد
ñ ¥ 5#R ó ó §qz$] # xŭů^ ī 9 Ű # ů?y $u ô 66 ö ü >¤ L ćć ŭůG/ # 68 wR^ M G ī Č 7zRr ö ' J¤] # ů r ī /K # Tr 76 §r Űű # j$z ī ¥N/ # iK # §yK # T # 83 § N¤ ī zRq $ Ė¦Ű# # $ Ė 84 F $b #N¥ ćM ī Tŭűq # N/r °$ Y Ė $0N¤zĖ ¥# Ű §z ¤ $y R # 86 ¤ #R0) N¤r N G ī Ė§}y # R¤/rĖ ¤ 89 R @ |¥Nb ćM ī $Z q # M²0 §z M Zµ# X ? # M$ if# {ů # 90 ñ ñ §0$ # =#Rz E N ćM ī §ybR # ¤YG ¤0Mµ# ¤Z # 92 -Tq # R¤ ' Ŀ Č ¤/ Y # ¤/aq # ¥ u # ? R/ ¨ů7 # 9Q·# 95 § QN # ]«$r ī § ] # # \ # «$ # 96 ñ 5$HRz N H' ī -Rq # ¤ŭű R # M# Ű WQ$z R]0 102 $/] # $Z ī ŭůa # °$ ¤Z §z Ė- ¥' °$qŨŰ'Ė X}j 104 ¦ $ ~ T H ī R¤<(7 # zRq # i Z ćp 7? # MRy # 107 §~ ZN # ¤ #R0) «# ćM ī §Ũůq # >¤ K # §z $e Q 108 ñ ò YH § r Q$ r ćM ī Q$ Gü Y # 111 ¦ů/b E²b @R8 ī HR # MQ$i # 112 ez E²b ćM ī N@# ů<& ŭůG/ # §z 122 u # NŭŲ 0 ćM ī Ħ¦M$ # R¤v §z$}; # 9#R7 §}ŭůz·# NbR #ħ 124 X¥ r N G Ĉ ¥N0$q # ŭŲ N G ī R $} $0 ¤8 N §z $ z ¤Ũůq # 126 ¦ů q # N z ī 5#Q$ ·$0 §i/ # Rq] # §z S$u µ# z 128 §r Űű # N H j$zćM īċR Y # Ų ? # Ų # R; ¥ 130
108
54
1118 1124 أﺳﻌﺎر اﻟﺒﻴﻊ
114
8
ÐØ # $(' - Ù 800 Ï ( Î $ - p . ÎØ Ø/ # - 2 Ø 10 Ø / # Ù # $((# - )+ 10 : p (# Ù # 'è b Ï ÎØ Ù(° ,# ÙÍ æ $((# - Ù# 100 Ø / - Ù# 5000 Ï Î # - ,ÙÎ 250 Ï / # - ,ÙÎ 5 ' - " Ø 200 Ð(Ù# - p . ÎØ b 20 Ù ½(# $((# - Ï ÎØ ÐÙ $Â - ÎØ 2500 Ë # 3 ÙÍ Ø - Ï ÎØ Ù Í/ # Ø /,( # - ÙÍ Í 4 Ù Ù$# Ø Ù+ ( # - (+
. 2. 5 pÎ . Ù Ù'æ p (# Ø2/# - . /Ø 4 Û . .æ 2 ". - Í Â 7 Ø/ - ,ÙÎ
'è Ú Í .} Ø # äÙ+ . µ# Ø 2. # Ð Ø p # ¦+ ÛÂ . '
ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﻌﺪد
6
ķĸĭŭŨė ŲŬ
69
{$z³# M$¤8Q# {$z³
»ﻏﺎودي« وﻋﺠﺎﺋﺒﻪ اﻟﺴﺒﻊ ﻓﻲ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ Î # \Ï/Î (# Ä Í Ú Ê # Ä Í % # ¦+ ÛÎ Ø Ï Ð(# Î .} ]), ÃÍ} Ð Ï/ p (# -#/ÊØ ' ÌØp 1$ ÐØ ' . ±($# b ( " Ø . ¤Ø / ^p (# " p # ¦+ Ä$' Û ~Ø
# )# / 1# "/¢p# /+. ] Ê # + p } "3¢ " " - }p Ú¦#
Ð' . /(# . ¤Ø # É . ] #2p# ±' / "3¢ Ð' .} Î,' .} '3 .} } .} Íb ' Ï/ pÉ Û # / # !$ "344¢ . + Ù¼ ¦+ " ( % } Ð' # ÐÙÙÎ (# % # pÎ# Ð' %(Í Ð#.
# ÐÙ É3 # Ù pÙ Ø Ï} -Í~° Ð' Ú¦44# %( # Ð' Ï/$#
Ù # ÛÂ Ï/ pÉ Û # ), 2/Ê' 1$ Î ),# ( æ Î$Ù$
Ú . ¼ " ( } ÛÂ .p Ø (Â ] É ÙÎ'} ' Ï Ù æ Ð'
1# Ù#. $' + % ' Ù # Ù ´ * 1# /ÊØ (
¥ .} % # ¦44+ Ú . 44¼ Ï/ Ø 2 ( . . Ù Ø .}
Û # , ". Ø. ]- ÃÍ . ¼ Û´ Ø Á ' 2 (Í .
© # . / £# Ð' Ù # $£ ] Ùμæ # Ð' - 'p¢ Ú. (Ê# ª ... Ø ( (#
)44+ 44Ù44 44 }. )44,44 2/44 44 . ), Ø 44±44 44# . 44Ù44Â 44½44 44# . ¤44Ø 44 44# .
. '. ,Î' ' )+ Â}. ), /( . ),'3 }.
b - Î(# ]¯ ÊÎ# . ÌÙ / $# 3¢p' "p (# " Í ¢ p # ¦+ Û p (# %½± Û # . ÎÙ$ $ Û # %ÙµÃ# Ï µ' ,° /44 d 4 }
. ÃÎ$# '. p / } Ð' - %à ( -Î' $Ê# ´/' . Ù # 1Î ' Û ¹Î# 'è #.p p (# p } Ð' p /# p # Á3¼ / Í ¢ pÉ. 1$ Ú¦44# . ]ÐÙ # ÎØp( ÃÙ$¢ ¤Ù±# p ' /+. ] p (# Ù # b b ı ÐÙ ]³ æ *¦+ ¤Ø . ÊÙ . - p
ÎØp' Û p ' &pÉ} Ø Ê Ù ~ # . à # " ( } "3¢ ê ¢ & Ä#} } 1# -£Ø / Ø. (*3 } / # ) ]Ð $# / # ÛÎ ' ÐÙ #
$É Ø Ê % ( ÙÎ } 3 . ] Ù # Â3£# Ð' (# Ã# "3¢ ]
,Í Ï 0 ¢æ ÙÎ æ Ð' pØp # . %Ù£Í ÐÙ . Ð $# / # Ð' . ,Î' Ê# +/Î 3Â} Ð' ¦ # * Ù(# Ð' ), Ù 1$ Ï/$ Ø
ﺟﺪﻟﻴﺔ اﻟﻮﺟﻮد واﻟﻌﺪم ﻋﻨﺪ ﺷﻌﺮاء ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم
Ú µ ª ( Ù(# # Ø £# 1$ ÐÙ # ÎØp' Í ' ©ª Ø Ä± /+.
Ð'© ÛÂ / /# 1# &344 è % É ' Û ² Ï
'è #.p# ),(# .p# 1$ p ÕØ. .1#.æ Ù'3 è / # ¦Î' . (,' Ø µ Ã( ÙÍ Íè µ # Û p (# Ù # Û â É p Ø Ï} %'~Í ( ] pÙ %( ¦ Ä$(# Ï/ Ø Ï} %'~Í .-É.¥ Û´ Ø ' /Î (# p # /' É . Ä$(# ¦+
5
78
°#Q% °#Q% $¥$e~
2019 ﻣﺎﻳﻮ235 اﻟﻌﺪد/ ﺗﺮاث
Ù$ 1$ Í2 1# -Ù %Ù# 0/Éæ -ÙÂ ÄÎ # ½# b 4 . / /$# b ) .&p # / ±$# 44 ÎØ (# ÎÃ# 44 44# Ù$( Û$ 44 /44# Û$+ # Ú 44 44±44# 44 44£44# % (# /Î Č/Î ÙÎÂ h /44 ÛÂ ]&p44 44# . /44 /44# ÐÙ
É Û$ Ù¼. ... ±Ù (# Ù ( 2
ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﻌﺪد ﻟﻌﺪد اﻟﻌﺪدﻟﻌ ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت
14 26 4
69
ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﻌﺪد
108
»ﻏﺎودي« وﻋﺠﺎﺋﺒﻪ اﻟﺴﺒﻊ ﻓﻲ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ -ص 69
إﺻﺪارات ﻣﺮﻛﺰ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ
cmc.ae
cmc_ad
cmc_ad
cmc.ae
turath_cmc
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺗﻮارﻳﺦ وﺣﻜﺎﻳﺎت
turath_cmc
ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﻨﻮﻋﺔ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ
ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺪد 235ﻣﺎﻳﻮ 2019
ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﻨﺎرة ﻋﻠﻤﻴﺔ وﺗﺤﻔﺔ ﻣﻌﻤﺎرﻳﺔ
»أﻧﺖ ﻛﺎﻟﺼﺨﺮ!« ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺪﻣﺮداش ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ﱢ
ﻋﻤﻼت إﺳﻼﻣﻴﺔ ﻧﺎدرة ﺿﻤﻦ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث
ﻣﻦ ﻳﻨﺜﺮ اﻟﻠﻮز واﻟﺠﻮز واﻟﺴﻜﺮ؟ ﻓﻦ ا6ﻟﻐﺎز ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ ﺑﺎ1ﻣﺎرات
رﻣﻀﺎن ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ