إﺻﺪارات ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث -ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،أﺑﻮﻇﺒﻲ
أﻋﻠﻦ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن رﺋﻴﺲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﳌﺘﺤﺪة »ﺣﻔﻈﻪ اﻟﻠﻪ« »ﻋﺎم » «٢٠١٩ﻋﺎﻣﺎ ﻟﻠﺘﺴﺎﻣﺢ« ﻳﺮﺳﺦ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻋﺎﳌﻴﺔ ﻟﻠﺘﺴﺎﻣﺢ وﺗﺄﻛﻴﺪ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻋﻤﻼ ﻣﺆﺳﺴﻴﺎ ﻣﺴﺘﺪاﻣﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﴩﻳﻌﺎت واﻟﺴﻴﺎﺳﺎت اﻟﻬﺎدﻓﺔ إﱃ ﺗﻌﻤﻴﻖ ﻗﻴﻢ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ واﻟﺤﻮار وﺗﻘﺒﻞ اﻵﺧﺮ واﻻﻧﻔﺘﺎح ﻋﲆ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﳌﺨﺘﻠﻔﺔ ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻟﺪى اﻷﺟﻴﺎل اﻟﺠﺪﻳﺪة مبﺎ ﺗﻨﻌﻜﺲ آﺛﺎره اﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻋﲆ اﳌﺠﺘﻤﻊ ﺑﺼﻮرة ﻋﺎﻣﺔ
ﺑﺮزة ﺗﺮاث
ƴǤƲǠǖČ ƪǤưǙ ǣǍ ﻟﻢ ﺗﻨﻞ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻄﻌﺎم وﺗﺎرﻳﺨﻪ اﻫﺘﻤﺎﻣﺎ ﻛﺒﻴﺮا ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﻛﻤﺎ ﺣﻈﻴﺖ اﻟﻔﻨﻮن واﻵداب واﻟﻌﻠﻮم اﻟﺘﻲ ﻧﺎﻟﺖ ﻧﺼﻴﺒﺎ واﻓﺮا ،ﻟﻮﻻ ﻣﺎ ﺻﺪر ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﺿﻮع ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﻣﻦ ﻣﺸﺮوع ﻛﻠﻤﺔ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ،وﺳ ّﺪت ﺑﺬﻟﻚ ﻓﺮاﻏﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻫﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﻦ اﺧﺘﻴﺎرﻫﺎ وﺟﻮدة ﺗﺮﺟﻤﺘﻬﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻛﺘﺐ ﻗﻠﻴﻠﺔ. اﻟﻄﻌﺎم ﻫﻮ ﺣﺎﺟﺔ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ ،ﻗﻮام ﺣﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎن ،ﻓﺪوره ﻳﺒﺪأ ﻣﻦ ﺳ ّﺪ اﻟﺠﻮع ،ﻣﺮورا ﺑﺎﻟﺘﻔﻨﻦ ﻓﻲ ﺻﻨﻌﻪ ،ﺑﺎﻟﺘﻠﺬذ ﻓﻲ أﻛﻠﻪ ،واﻟﺘﻐﺰل ﻓﻲ وﺻﻔﻪ .ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻛﺎن دوﻣﺎ اﻟﻤﻘﺪم ﻟﻠﻀﻴﻒ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪﺗﻪ دارت أﻫﻢ اﻷﺣﺎدﻳﺚ ،اﺗﺨﺬت ﻗﺮارات ﻛﺜﻴﺮة،واﻧﺘﻬﺎء ﺑﻤﺎ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﻼﻣﺢ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ ﻟﻠﺤﻀﺎرات .ﺣﻤﻞ ﻣﻌﻪ ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻧﺴﺎن ،ﺑﺪءا ﻣﻦ اﻧﺘﻘﺎل اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت ﻣﻦ ﺧﻀﺮوات وﻓﻮاﻛﻪ وﻣﻜﺴﺮات واﻷﻋﺸﺎب ،وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ اﻟﺒﻬﺎرات. ﺟﺎﻟﺖ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن إﻟﻰ آﺧﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﺟﺮى ﻟﻸﻃﺒﺎق واﻟﻮﺻﻔﺎت ﺗﻌﺪﻳﻞ أوﺗﻐﻴﻴﺮ ﻋﺒﺮ اﻟﺤﻀﺎرات ،وﺣﺘﻰ اﻻﺧﺘﻼف ﻓﻲ إﻋﺪادﻫﺎ ﺑﻴﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ وأﺧﺮى. واﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻄﻌﺎم ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة أﻣﺮ ﻣﻤﺘﻊ ،ﻓﻤﻊ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ دﺧﻠﺖ اﻷﻃﺒﺎق اﻟﺸﺎﻣﻴﺔ واﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻟﺘﺘﺠﺎور ﻣﻊ اﻷﻃﺒﺎق اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﻻﺋﻢ واﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت.وأﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻋﺎم 2000دﺧﻠﺖ ﺑﻌﺾ أﻃﺒﺎق اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ واﻷوروﺑﻴﺔ.ﻛﻤﺎ أن اﻷﻃﺒﺎق اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻷﺻﻴﻠﺔ ﻃﺮأ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﻀﻬﺎ اﻟﺘﻌﺪﻳﻞ وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻘﺪﻳﻢ ،ﻟﻜﻦ ﺑﻘﻴﺖ ﻣﻜﻮﻧﺎﺗﻬﺎ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ،ﻣﻤﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﻣﺪى اﻧﻔﺘﺎح اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﺗﻮاﺻﻠﻪ ﻣﻊ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﻷﺧﺮى ،ﺣﻴﺚ ﺗﻘﺒﻞ اﻟﻤﺄﻛﻮﻻت اﻟﺠﺪﻳﺪة، ﻣﺠﺮﻳﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻐﻴﻴﺮاﻟﺒﺴﻴﻂ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،دون أن ﻳﻤﺲ ﺟﻮﻫﺮﻫﺎ .اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻫﻨﺎ ﻳﻌ ّﺪ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺘﻜﻴﻒ ﻣﻌﻬﺎ ﺣﺴﺐ اﻟﺬوق اﻟﺴﺎﺋﺪ ،ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺘﻜﻴﻒ واﻟﺒﻴﺌﺔ. ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ اﻟﺘﺜﺒﺖ ﻣﻦ أﺻﻮل اﻟﻤﺄﻛﻮﻻت واﻧﺘﻘﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن إﻟﻰ آﺧﺮ؛ ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻣﻦ اﻟﻬﻨﺪ واﻟﺪول اﻵﺳﻴﻮﻳﺔ ،و رﺑﻤﺎ ﻟﻮ ﺗﺘﺒﻌﻨﺎ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ ﺗﺄﺛﻴﺮا ﻣﺘﺒﺎدﻻ ﺑﻴﻦ ﻫﺬه اﻟﺪول ودول اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻦ أﻛﻠﻒ ﻧﻔﺴﻲ ﻋﻨﺎء اﻟﺒﺤﺚ ﻛﺜﻴﺮا ﻋﻦ ذﻟﻚ ،ﻏﻴﺮ أﻧﻨﻲ أﺗﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺄﻛﻮﻻت اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ وردت ﻓﻲ ﻛﺘﺎب اﻟﻄﺒﻴﺦ ﻟﻤﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﺒﻐﺪادي ،اﻟﺬي ﻛُﺘﺐ ﻗﺒﻞ ﺣﻮاﻟﻲ أﻟﻒ ﻋﺎم .وﻣﻦ أﺑﺮز ﻫﺬه اﻟﻤﺄﻛﻮﻻت اﻟﻬﺮﻳﺲ واﻟﻌﺮﺳﻴﺔ واﻟﻌﺼﻴﺪة 130
ﻓﻲ ﻣﺪﻳﺢ اﻟﻬﺮﻳﺲ
د.ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺣﻤﺪ اﻟﻤﺰروﻋﻲ*
ŦŌƈōǙȑŌ ǛǙ dzŬŽōşǶ dzŞũōlj
واﻟﺨﺒﻴﺺ واﻟﺨﺒﺰ اﻟﻤﻔﺮوك. اﻟﻬﺮﻳﺲ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ أﺳﺎﺳﻪ ﺣﺒﻮب اﻟﻘﻤﺢ واﻟﻠﺤﻢ واﻟﻤﻠﺢ،و أﻣﺎ اﻟﻬﺮﻳﺴﺔ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ،ﻓﻬﻲ ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﺤﻠﻮﻳﺎت أﻗﺮب إﻟﻰ اﻟﺒﺴﺒﻮﺳﺔ ،ﻏﻴﺮ أن ﻫﺬه اﻟﺤﻼوة ﺗﺼﺒﺢ ﻃﻌﻤﺎ ﺣﺎرا ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ، ﻓﺎﻟﻬﺮﻳﺴﺔ ﻫﻨﺎك ﻫﻲ ﻣﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻠﻔﻞ اﻟﺤﺎر.ﻳﻜﺎد اﻟﻬﺮﻳﺲ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻳﺘﻄﺎﺑﻖ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻋﻤﻠﻪ ﻣﻊ ﻣﺎ ذﻛﺮة ﻣﺆﻟﻒ ﻛﺘﺎب اﻟﻄﺒﻴﺦ، ﻟﻮﻻ أﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻀﻴﻔﻮن ﻟﻪ ﻗﺒﻞ اﺳﺘﻮاﺋﻪ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻗﻄﻊ اﻟﺪﺟﺎج وﻗﻠﻴﻼ ﻣﻦ ﻋﻴﺪان اﻟﻘﺮﻓﺔ .ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ ﻣﻜﻮﻧﺎت وﻃﺮﻳﻘﺔ إﻋﺪاد ﺑﻘﻴﺖ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ .أذﻛﺮ ﻫﻨﺎ أن ﺗﺰﻳﻴﻦ وﺟﻪ ﻃﺒﻖ اﻟﻬﺮﻳﺲ ﺑﺎﻟﻘﺮﻓﺔ اﻟﻤﻄﺤﻮﻧﺔ ﺗﺸﺘﻬﺮ ﺑﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﺪول ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل دوﻟﺔ اﻟﻜﻮﻳﺖ ،ﻓﻲ ﺣﻴﻦ أن ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺪن ﻓﻲ اﻟﻌﺮاق ﻳﻘﺪم ﺑﻌﺪ اﻟﻄﻌﺎم ،ﻣﻀﺎﻓﺎ إﻟﻴﻪ اﻟﺴﻜﺮ ﻋﻨﺪ ﺗﻨﺎوﻟﻪ .وﻳﻌﻴﺒﻮن وﺟﻮد اﻟﻜﺘﻞ ﻓﻲ اﻟﻬﺮﻳﺲ ،ﻓﻼﺑﺪ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺘﺠﺎﻧﺴﺎ ﺧﺎﻟﻴﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻜﺘﻼت ﺑﻀﺮﺑﻬﺎ ﺟﻴﺪا ،وﻛﺬﻟﻚ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻌﺮﺳﻴﺔ .ﻟﻘﺪ أﻋﺠﺒﻨﻲ ﻓﺼﻞ اﻟﺨﺒﻴﺼﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب اﻟﻄﺒﻴﺦ ،ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺨﺒﻴﺼﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ،وﻫﻨﺎك ﻋﺪة أﻧﻮاع أﺧﺮى ﻣﺜﻞ اﻟﻤﻄﺒﻮﺧﺔ ﺑﺎﻟﻠﻮز ،ﺑﺎﻟﻘﺮع ،واﻟﺠﺰر ،رﺑﻤﺎ ﺗﻜﻮن ﺟﺪﻳﺮة ﺑﺘﺠﺮﺑﺘﻬﺎ. وإذا ﻛﺎن اﻟﻬﺮﻳﺲ ﻳﺘﻮﺳﻂ اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻓﻲ ﺷﻬﺮ رﻣﻀﺎن اﻟﻤﺒﺎرك و اﻷﻋﻴﺎد واﻷﻋﺮاس ،ﻓﺈن ﻃﺒﻖ اﻟﻠﻘﻴﻤﺎت ﻻﺑﺪ أن ﻳﺤﻀﺮ ﺑﻌﺪ وﺟﺒﺔ اﻟﻔﻄﻮر ،أﻣﺎ ﻃﺒﻖ اﻟﺴﻤﺒﻮﺳﺔ ﻓﺤﺎﺿﺮ داﺋﻤﺎ ،وإن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻃﺒﻘﺎ ﺷﻌﺒﻴﺎ ﻣﻌﺮوﻓﺎ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ﻣﻨﺬ زﻣﻦ ﻃﻮﻳﻞ .ﻳﺬﻛﺮ اﻟﺒﻐﺪادي اﻟﺴﻤﺒﻮﺳﺔ ﺑﺎﺳﻢ ﺳﻨﺒﻮﺳﺞ ،ﻣﻘﺴﻤﺎ إﻳﺎﻫﺎ إﻟﻰ ﻧﻮع ﻳﺤﺸﻰ ﺑﺎﻟﻠﺤﻢ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻣﺜﻠﺚ ،وﻫﻮ اﻟﻨﻮع اﻟﻤﺸﻬﻮر ،وﻫﻨﺎك اﻟﻨﻮع اﻟﺤﻠﻮ ،اﻟﺬي ﻳﺤﺸﻰ ﺑﺎﻟﺴﻜﺮ واﻟﻠﻮز اﻟﻤﻄﺤﻮن ،ﻛﻼﻫﻤﺎ ﻳﻘﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﺰﻳﺖ ،ﻏﻴﺮ أن اﻟﻨﻮع اﻟﺤﻠﻮ ﻣﻨﻪ ﻳﻮﺿﻊ ﻓﻲ اﻟﺠﻼب ﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻪ ،وﻳﺮش ﺑﺎﻟﺴﻜﺮ .واﻟﺤﺪﻳﺚ ﻳﻄﻮل ،ﻟﻜﻦ ﻳﺒﻘﻰ ﻟﻠﻄﻌﺎم ﺗﺎرﻳﺨﻪ اﻟﺸﺎﺋﻖ ،وﻗﺼﺺ ﻻﺗﻨﺘﻬﻲ
ﻣﺘﺤﻒ ام اﻟﻘﻴﻮﻳﻦ ﻣﺘﺤﻒ ﻓﻠﺞ اﻟﻤﻌﻼ
ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻣﺘﺤﻒ ﻣﻠﻴﺤﻪ ﻓﻲ إﻣﺎرة اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﻓﻲ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﻲ ﻋﺮض اﻟﻤﻘﺘﻨﻴﺎت ،إذ ﺗ ُﻌﺮض ﻋﻠﻰ ﺷﺎﺷﺎت ﻛﺒﻴﺮة ﻗﺼﺔ ﺣﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﺳﻨﺔ ،وﺗﺴﻠﺴﻞ اﻟﺤﻘﺒﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ..ﺛﻢ ﻳﻤﻜﻨﻚ اﻟﺘﺠﻮل ﻻﺳﺘﻌﺮاض ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت و ﻣﺼﻜﻮﻛﺎت ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻴﻼد .وﻳﻘﻮل اﻟﺰﻋﺎﺑﻲ: ﻟﻘﺪ ﺻﻜﺖ اﻹﻣﺎرات ﻋﻤﻼت ﻧﻘﺪﻳﺔ ﺣﻮاﻟﻲ 200ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻴﻼد ﺑﺜﻼث ﻓﺌﺎت: أوﺑﻠﺰ ،دراﺧﻤﻪ ،و رداﺧﻤﻮه رﺑﺎﻋﻴﺔ ،وﻫﺬه ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻣﻮﺛﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻼت اﻟﻤﻌﺮوﺿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺘﺤﻒ ،وﻓﻲ ﻗﺎﻟﺐ ﺻﻚ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﺬي ﻋﺜﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻣﻠﻴﺤﻪ. ﻣﺘﺤﻒ اﻟﻤﺼﺮف اﻟﻤﺮﻛﺰي ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ
ﻣﺘﺤﻒ أم اﻟﻘﻴﻮﻳﻦ
وﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻣﺘﺼﻞ ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﻣﺮﻳﻢ ﻏﻠﻮم إﺧﺼﺎﺋﻲ إﺻــﺪار ﻋﻤﻼت ﻓﻲ اﻟﻤﺼﺮف اﻟﻤﺮﻛﺰي ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻋﻦ ﻣﺘﺤﻒ اﻟﻤﺼﺮف اﻟﻤﺮﻛﺰي اﻟﺬي ﻳﺘﻴﺢ اﻟﻤﺠﺎل ﻟﻠﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻌﻤﻼت اﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﺗﺪاوﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻗﺒﻞ اﻻﺗﺤﺎد ،وﻣﺮاﺣﻞ ﺗﻄﻮر اﻟﻌﻤﻠﺔ ،وﺗﻘﻮل إن ﺿﻤﻦ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت اﻟﻤﺘﺤﻒ إﺻﺪارات اﻟﻤﺼﺮف ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻮرﻗﻴﺔ واﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻤﻌﺪﻧﻴﺔ واﻟﻤﺴﻜﻮﻛﺎت اﻟﺘﺬﻛﺎرﻳﺔ وأول أﺟﻬﺰة اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﻟﻌﺪ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻮرﻗﻴﺔ واﻟﻤﻌﺪﻧﻴﺔ ،ﻛﺬﻟﻚ أول ﻣﻴﺰان ﻟﻮزن اﺣﺘﻴﺎﻃﻲ اﻟﺬﻫﺐ ،وأول ﺳﺎﻋﺔ اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﺼﺮف، و ﻫﻨﺎك ﺟﺎﻧﺐ ﻣﺨﺼﺺ ﻟﻠﻬﻮاة اﻻﻣﺎراﺗﻴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻏﺒﻮن ﺑﻌﺮض ﻣﻘﺘﻨﻴﺎﺗﻬﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻟﺰوار اﻟﻤﺘﺤﻒ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
129
ﻣﺮﺻﺪ
ﻣﺘﺤﻒ ﻓﻠﺞ اﻟﻤﻌﻼ ﻓﻲ إﻣﺎرة ام اﻟﻘﻴﻮﻳﻦ
njƫƜƣǚǗǖ ǣǚǖƜLjǖČ ĥǡǥǖČ ǡǤƜǙ 18 أﺑﻮﻇﺒﻲ -ﺗﻘﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺮي
ﻣﺘﺤﻒ اﻟﺼﻴﻌﺮي
وﻳﻘﻮل اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث وﻣﺆﺳﺲ "ﻣﺘﺤﻒ اﻟﺼﻴﻌﺮي اﻟﺘﺮاﺛﻲ" ﻋﺒﺪاﻟﻠﻄﻴﻒ اﻟﺼﻴﻌﺮي :إن اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ واﺟﺐ ووﺻﻴﺔ واﻟﺪﻧﺎ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن ،وﻧﺤﻦ ﻛﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ ﻧﻔﺨﺮ ﺑﺄن ﻧﺤﺘﻔﻆ وﻧﻨﻘﺐ وﻧﻨﻜﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺗﺮاث أﺟﺪادﻧﺎ. وﺣﻮل ﻣﺘﺤﻔﻪ اﻟﺬي دأب ﻋﻠﻰ ﺗﺄﺳﻴﺴﻪ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات ،ﻳﻘﻮل" :اﺳﺘﻘﻄﻌﺖ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﺰﻟﻲ أﻟﺒﺴﺘﻬﺎ ﺛﻮب اﻟﺘﺮاث وﺟﻌﻠﺘﻬﺎ ﺗﻨﺒﺾ ﺑﺮوح اﻟﻤﺎﺿﻲ وﺗﻔﻮح ﺑﻌﺒﻘﻪ" .وﻳﻀﻢ ﻣﺘﺤﻒ اﻟﺼﻴﻌﺮي أﻗﺴﺎﻣﺎً ﻋﺪة ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻌﻤﻼت، وأدوات اﺳﺘﺨﺪﻣﻬﺎ اﻟﺮﺟﻞ واﻟﻤﺮأة ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وﻣﺴﻴﺮة اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﺟﻬﻮد زاﻳﺪ ﻓﻲ ﻣﺤﻮ اﻷﻣﻴﺔ وﺗﺜﻘﻴﻒ اﻟﺸﻌﺐ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻀﻢ ﻗﺴﻤﺎ ﻟﺤﻴﺎة اﻟﺒﺤﺮ وﻣﻬﻨﺔ اﻟﻐﻮص ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ "دﻛﺎن ﺷﻌﺒﻲ" وﻣﺠﻠﺲ ﺑﺪﻳﻜﻮر ﻗﺪﻳﻢ ﺗﺰﻳﻨﺖ ﺑﻪ اﻟﻤﺠﺎﻟﺲ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ .ﻛﻤﺎ ﻳﻀﻢ ﻣﻌﺪات ﺗﺼﻮﻳﺮ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺗﺴﻤﻰ "اﻟﻌﻜﻮس" ﻣﻦ اﻧﻌﻜﺎس اﻟﺼﻮر.
ﻳﺤﺘﻔﻞ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ 18ﻣﻦ ﺷﻬﺮ ﻣﺎﻳﻮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺎم ﺑﺎﻟﻴﻮم اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻠﻤﺘﺎﺣﻒ اﻟﺬي أﻗﺮﺗﻪ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻤﺠﻠﺲ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻠﻤﺘﺎﺣﻒ " "ICOMﻋﺎم 1977ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻜﻮ. وﺗﺸﻴﺮ ﻋﻠﻴﺎء اﻟﻐﻔﻠﻲ ﻣﺪﻳﺮ ﻋﺎم داﺋﺮة اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ واﻵﺛﺎر ﺑﺄم اﻟﻘﻴﻮﻳﻦ إﻟﻰ اﻟﺘﻐﻴﺮات ﻓﻲ أﺳﺎﻟﻴﺐ ﻋﻤﻞ اﻟﻤﺘﺎﺣﻒ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﺘﻄﻮر اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ، ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ﻣﻤﺎ ﻋﺰز ﻣﻦ دور اﻟﻤﺘﺎﺣﻒ وأﺛﺮى وﻇﻴﻔﺘﻬﺎ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ .وﺗﻀﻢ أم اﻟﻘﻴﻮﻳﻦ ﻣﺘﺤﻔﻴﻦ ﻫﻤﺎ "ﻣﺘﺤﻒ أم اﻟﻘﻴﻮﻳﻦ اﻟﻮﻃﻨﻲ" و"ﻣﺘﺤﻒ ﺣﺼﻦ ﻓﻠﺞ اﻟﻤﻌﻼ" ،ﻳﻀﻤﺎن ﻋﺪدًا ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻊ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻣﺎرة ﻣﻦ أدوات ﺻﻴﺪ وأوانٍ ﻣﻨﺰﻟﻴﺔ وأﺳﻠﺤﺔ ،وﻣﻘﺘﻨﻴﺎت ﻟﻸﺳﺮة اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ .ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻏﺮﻓﺔ ﻟﻶﺛﺎر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺘﺤﻒ .وﻗﺎﻟﺖ اﻟﻐﻔﻠﻲ إن داﺋﺮة اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ واﻵﺛﺎر ﺑﺄم اﻟﻘﻴﻮﻳﻦ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺰﻳﺰ اﻟﻤﻮروث اﻟﺤﻀﺎري واﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ اﺛﻴﺔ ﻟﻺﻣﺎرة ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ واﻟﻤﻌﺎرض واﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت اﻷﺛﺮﻳﺔ واﻟﺘﺮ ﻣﺘﺤﻒ ﻣﻠﻴﺤﻪ واﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ واﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻮﻃﻨﻴﺔ. وﻳﺤﺪﺛﻨﺎ اﻟﺨﺒﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻼت اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻦ اﻟﺰﻋﺎﺑﻲ ﻋﻦ 128
"18ﻣﺎﻳﻮ" اﻟﻴﻮم اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻠﻤﺘﺎﺣﻒ
ﺳﻌﺪ زﻏﻠﻮل وﻛﺎن ﻟﻪ دوره اﻟﺜﻮري اﻟﻤﻬﻢ ﻓﻲ أﺣــﺪاث اﻟﺜﻮرة ﺑﻤﺪﻳﺮﻳﺔ ﺑﻨﻲ ﺳﻮﻳﻒ ﻋﺎم 1919م ،وﺣﻴﻨﻤﺎ اﺗﻔﻖ زﻋﻴﻢ اﻷﻣﺔ ﺳﻌﺪ زﻏﻠﻮل ﻋﻠﻲ ﺿﻢ أﻋﻀﺎء ﻟﻠﻮﻓﺪ ﻳﻤﺜﻠﻮن إرادة اﻷﻣﺔ وﺗﻤﺜﻞ ﻛﺎﻓﺔ ﻋﻨﺎﺻﺮﻫﺎ ﺿﻤﻪ ﻣﻊ ﺳﺒﻌﺔ زﻋﻤﺎء آﺧﺮﻳﻦ. ﻣﻜﺘﺴﺒﺎت ﺛﻮرة 19
اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺼﻄﻔﻰ اﻟﻔﻘﻲ رﺋﻴﺲ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ،ﺛ ّﻤﻦ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻟﺜﻮرة 1919م ،وﻗﺎل إﻧﻬﺎ اﻟﺜﻮرة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺼﺮ ،إذ ﺷﺎرﻛﺖ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻔﺌﺎت ،ﻓﻲ ﻣﺎراﺛﻮن ﺷﻌﺒﻲ ،ﺳﻴﻈﻞ ﻣﻠﻬ ًﻤﺎ وﻣﻀﻴﺌﺎ ﻟﻠﻄﺮﻳﻖ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻠﻜﻬﺎ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،ﻟﻠﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﻮﻳﺘﻬﺎ وﺣﻀﺎرﺗﻬﺎ اﻟﺮاﺳﺨﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﻴﺮة اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ .وأَﺷﺎرإﻟﻰ أن ﻣﻜﺘﺴﺒﺎت ﺛﻮرة ،19ﻣﺎزاﻟﺖ ﺣﺘﻰ اﻵن ﺗﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﺣﻀﻮرﻫﺎ ﺑﻘﻮة ،ﻓﻲ ﺷﺘﻰ اﻟﻤﺠﺎﻻت اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ ﻟﻠﻜﻴﺎن اﻟﻤﺼﺮي، ﻣﻀﻴﻔًﺎ أن اﻟﺜﻮرات اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺣﺪﺛ ًﺎ ﻳﻤﺮ ،ﺑﻞ ﺣﺪﺛ ًﺎ ﻳﺘﺮك أﺛ ًﺮا ﻣﺮﺋﻴﺎً ،وﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ ﺛﻮرة 1919ﻓﻤﻌﻬﺎ ﻧﻬﻀﺖ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ﻛﺒﻮة أﻟﻤﺖ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺪ اﻻﺣﺘﻼل اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ،ﻓﻜﺎن ﻓﻌﻠﻬﺎ ﻓﻌﻞ اﻟﺴﺤﺮ؛ ﻧﺮاه ﻓﻲ ﺗﻤﺜﺎل ﻧﻬﻀﺔ ﻣﺼﺮ اﻟﺬي ﻳﻌﺒﺮ ﻓﻲ رﻣﺰﻳﺘﻪ ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﺜﻮرة ،وﻧﺮاه ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ واﻷدب وﻓﻲ ﺑﻨﻚ ﻣﺼﺮ ،وﻓﻲ ﻃﺒﻘﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﺘﻤﺮﺳﺔ ،وﻧﺮاه أﻳﻀﺎ ﻓﻲ
اﻟﺪور اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬي ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻪ ﻧﺴﺎء راﺋﺪات ،اﺳﺘﻄﻌﻦ أن ﻳﺒﺮزن ﻗﻮة اﻟﻤﺮأة اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ. واﺧﺘﺘﻢ رﺋﻴﺲ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﺑﺎﻟﻘﻮل :إن ﻛﻞ اﻟﺜﻮرات اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ،ﺗﻨﺘﺞ ﻓ ًﻨﺎ ﻋﻈﻴ ًﻤﺎ ،واﻟﺜﻮرة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻨﺘﺞ ﻓ ًﻨﺎ ،وﻓﻜﺮا ً ﺗﻌﺪ ﺛﻮرة ﻧﺎﻗﺼﺔ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺛﻮرة 1919ﻫﻲ اﻷﻛﺜﺮ ﺗﻌﺒﻴﺮا ً ﻋﻦ اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ، وﻗﺪ اﺗﻀﺢ ﻫﺬا ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺪﻫﺶ ﻓﻲ اﻟﻔﻦ اﻟﺬي أﻧﺘﺠﺘﻪ ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ ،ﺳﻨﺴﺘﻌﻴﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻐﻨﺎﺋﻲ واﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻲ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻟﺴﻴﺪ دروﻳﺶ ،وﺳﺘﻈﻞ ﻣﻨﺤﻮﺗﺎت ﻣﺤﻤﻮد ﻣﺨﺘﺎر ﻣﻌﺒﺮة ﻋﻦ ﻋﻈﻤﺔ ﻫﺬه اﻟﺜﻮرة ،ﺗﻠﻚ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﺻﺎﻏﻬﺎ ﻣﺨﺘﺎر ،وﻫﻮ ﻣﻔﻌﻢ ﺑﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﻫﻮﻳﺘﻨﺎ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،وﻟــﻦ ﻧﻨﺴﻰ أﻳﻀﺎ اﻟﺼﺤﻮة اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﻃﻠﻌﺖ ﺣﺮب ،ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﺜﻮرة ﺻﺤﻮة ﺷﻌﺒﻴﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﺗﺨﺘﻠﻒ وﺗﺘﻤﻴﺰ ﻋﻦ ﻛﻞ اﻻﻧﺘﻔﺎﺿﺎت اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪﺗﻬﺎ ﻣﺼﺮ ،أﻟﻬﻤﺘﻨﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮ ،وأرﺷﺪﺗﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،وﻋﻠﻤﺘﻨﺎ أن إرادة اﻟﺸﻌﺐ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﻨﺘﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ.ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺮ ﻣﺤﺎﺻﺮة ﻣﻦ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﺠﻬﺎت؛ اﺣﺘﻼل ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ،ﻓﺴﺎد اﻟﻘﺼﺮ، ﻗﻮى ﺧﺎرﺟﻴﺔ ﺗﺤﺎول اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻴﻨﺎ ،وﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻛﻞ ﻫﺬا ،ﺧﺮﺟﺖ ﺟﻤﻴﻊ ﻓﺌﺎت اﻟﺸﻌﺐ ،ﻟﺘﺴﺤﻖ ﻛﻞ ﻗﻮى اﻟﺸﺮ ،واﻵن ﻣﺼﺮ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺣﺼﺎر ﺷﻴﻄﺎﻧﻲ ﺟﺪﻳﺪ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﻘﻮل إﻧﻨﺎ ﻧﻨﺘﺼﺮ داﺋﻤﺎ ،ﻫﻜﺬا أﻛﺪت ﺛﻮرة .1919إﻧﻬﺎ ﺛﻮرة اﻟﻮﺣﺪة اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪت ﻗﻤﺔ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻟﻤﺒﺪأ اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
127
ﻣﺮﺻﺪ
ƠǤĖưǝǔƵǪČ ƠƟƣǔǙ ĎƲǓČĕ ǣǍ
1919 ĎĖǡƥ ǢǗLJ ĥƜLJ ƠƚƜǙ اﻷﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ -ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻃﺎﻫﺮ
ﺗﺤﺘﻔﻞ ﻣﺼﺮ ﻫﺬا اﻟﻌﺎم ﺑﺎﻟﻤﺌﻮﻳﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟﺜﻮرة 1919م ،ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ واﺣﺪة ﻣﻦ أﺑﺮز اﻟﺜﻮرات اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،أﺳﻬﻤﺖ ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﻤﻼﻣﺢ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﻬﻮﻳﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،وأﻓﺮزت ﻧﺨﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎدت ﻣﺴﻴﺮة ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﺷﺘﻰ اﻟﻤﺠﺎﻻت. ﻓﻲ إﻃﺎر دورﻫﺎ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮي اﻟﺮاﺋﺪ اﺣﺘﻔﺖ "ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ" ﺑﺜﻮرة ،1919وأﻋﻠﻨﺖ ﻋﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺎت ﺗﻀﻢ وﺛﺎﺋﻖ ﺗﻨﺸﺮ ﻷول ﻣﺮة ،ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻼت ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺎﺷﺎ ﻣﺤﻤﻮد ،واﻟﻨﻘﺮاﺷﻲ ﺑﺎﺷﺎ ،وواﺻﻒ ﻏﺎﻟﻲ. واﺣﺘﻔﻰ اﻟﻌﺪد 36ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺔ "ذاﻛﺮة ﻣﺼﺮ" اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻷﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﺑﺎﻟﺜﻮرة ﻓﻲ ﻣﺌﻮﻳﺘﻬﺎ اﻷوﻟﻰ ،إذ ﺗﻀﻤﻦ ﻋﺪ ًدا ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺎت واﻟــﻤــﻘــﺎﻻت ﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣــﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ واﻟﻜﺘﺎب ﻗﺪﻣﻮا رؤﻳﺔ ﺗﻌﺮﻳﻔﻴﺔ وﺗﺤﻠﻴﻠﻴﺔ ﻟﺜﻮرة 19وأﺣﺪاﺛﻬﺎ وزﻋﻤﺎﺋﻬﺎ. رﺋﻴﺲ ﺗﺤﺮﻳﺮﻣﺠﻠﺔ "ذاﻛﺮة ﻣﺼﺮ" ،ورﺋﻴﺲ إدارة اﻟﻤﺸﺮوﻋﺎت ﺑﻤﻜﺘﺒﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺧﺎﻟﺪ ﻋﺰب ﻗﺎل :ﺳﻌﻴﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺪد اﻟﺘﺬﻛﺎري ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺔ "ذاﻛﺮة ﻣﺼﺮ"، ﻟﻠﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻓﻠﺴﻔﺔ اﻟﺜﻮرة ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ ﻣﻨﺬ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﺣﺘﻰ أﺣــﺪاث ﺛﻮرة 1919اﻟﺘﻲ أﻋــﺎدت اﻟﺮوح ﻟﻤﺼﺮ ﺑﻌﺪ أن ﺳﻠﺒﻬﺎ اﻻﺣﺘﻼل اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي إرادﺗﻬﺎ .وأﺿﺎف :ﺑﻨﻴﻨﺎ اﻟﻌﺪد ﻋﻠﻲ اﻟﻨﻘﺪ واﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ،ﻷن ﺛﻮرة 1919ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺠﺮد ﺣﺪث ﻋﺎﺑﺮ ،ﺑﻞ ﻧﺘﺎج ﺗﺮاﻛﻢ ووﻋﻲ وﻃﻨﻲ، وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻛﺎن اﻟﻨﻘﺎش ﺣﺘﻰ ﺑﻴﻦ ﻣﻦ ﺷﺎرﻛﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻮﻳًﺎ. وﻗﺎل ﻋﺰب :ﺗﻀﻤﻦ ﻋﺪد اﻟﻤﺠﻠﺔ وﺛﺎﺋﻖ ﻣﺼﺮﻳﺔ وﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﺗﻨﺸﺮ ﻷول ﻣﺮة ،ﻣﺜﻞ 126
ﻓﻲ ذاﻛﺮة ﻣﻜﺘﺒﺔ ا'ﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم ﻋﻠﻰ ﺛﻮرة 1919
ﻣﻨﺎﻗﺸﺎت ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻌﻤﻮم اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﺣﻮل اﻟﺜﻮرة ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،ووﺛﻴﻘﺔ ﺗﻔﻮﻳﺾ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺤﻤﻮد ﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة ،وﻗﺪم ﻗﺮاءات ﻛﺎﺷﻔﺔ ﻟﻠﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث. واﺳﺘﻌﺮض ﻋﺰب ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﻌﻠﻤﻲ اﻟﺬي ﺳﻴﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻤﻜﺘﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺪار اﻟﻌﺎم ﻟﺘﻮﺛﻴﻖ ﺛﻮرة ،1919وﻳﺸﻤﻞ ﻋﻤﻠﻴﺎت ﺟﻤﻊ ﻟﻠﻮﺛﺎﺋﻖ واﻟﺼﻮر واﻷرﺷﻴﻒ اﻟﺼﺤﻔﻲ ﻟﻠﺤﺪث اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ ،ﻟﺘﻮﻓﻴﺮﻫﺎ ﻋﺒﺮ ﻣﻮﻗﻊ ذاﻛﺮة ﻣﺼﺮ ﻋﺒﺮ اﻹﻧﺘﺮﻧﺖ ،ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻷرﺷﻴﻔﺎت اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻼت ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺎﺷﺎ ﻣﺤﻤﻮد ،وواﺻﻒ ﻏﺎﻟﻲ، واﻟﻨﻘﺮاﺷﻲ ﺑﺎﺷﺎ ،ووﺛﺎﺋﻖ اﻷرﺷﻴﻒ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ،وﺟﻠﺴﺎت اﻻﺳﺘﻤﺎع ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻌﻤﻮم اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﺣﻮل أﺣﺪاث ﻣﺼﺮ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻋﺎﻣﻲ 1919و .1924وأﺷﺎر إﻟﻰ أن اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ ﺑﺪأت ﻓﻲ أرﺷﻔﺔ اﻟﺼﺤﻒ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺎﺻﺮت أﺣﺪاث ﺛﻮرة 1919واﺧﺘﻔﻰ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺤﻜﻢ ااﻟﺰﻣﻦ، وأﺿﺎف :ﺗﺤﺎول اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ ﺣﺎﻟﻴًﺎ ﺟﻤﻊ ﻫﺬه اﻟﺼﺤﻒ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ رﺻﺪ أﺻﺪاءاﻟﺜﻮرة ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ وﻓﺮﻧﺴﺎ واﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ. وﻗﺎل ﻋﺰب :إن اﻟﺰﻋﻴﻢ اﻟﻬﻨﺪي "ﻧﻬﺮو" ﻛﺘﺐ ﻋﺪ ًدا ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺎﻻت ﺣﻮل ﺛﻮرة ،1919 ﻛﻤﺎ ﺗﺄﺛﺮت أﻳﺮﻟﻨﺪا ﻓﻲ ﺛﻮرﺗﻬﺎ ﺿﺪ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﺑﻤﺠﺮﻳﺎت أﺣﺪاث اﻟﺜﻮرة. وﺣﻮل ﻣﺸﺮوﻋﺎت اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻷرﺷﻴﻔﻴﺔ ،أﻛﺪ ﻋﺰب أن اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻣﻦ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻷﺳﺮ اﻟﻌﺮﻳﻘﺔ، وﻣﻦ اﻷﻓ ـﺮاد ،اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ ﻧﺴﺦ رﻗﻤﻴﺔ ﻣﻦ أرﺷﻴﻔﺎﺗﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ أن أﺗﻴﺤﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻢ ﺗﺼﻮﻳﺮ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷرﺷﻴﻔﺎت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺣﺼﻠﺖ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ ﻣﺆﺧﺮا ً ﻋﻠﻰ وﺛﺎﺋﻖ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ أﺳﺮة اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻳﻮﻧﺎن ﻟﺒﻴﺐ رزق ،وﻣﻦ أﺑﺮز اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪﻣﻬﺎ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ ﻃﻮال ﻫﺬا اﻟﻌﺎم ،اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻟﻌﺎﺋﻠﺔ واﺻﻒ ﺑﺎﺷﺎ ﻏﺎﻟﻲ ،اﻟﺬي ﻋﻤﻞ وزﻳـ ًﺮا ﻟﻠﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻋﺎم 1924ﻓﻲ أول وزارة ﻟﻼﺳﺘﻘﻼل ﺑﺮﺋﺎﺳﺔ
إﻟﻰ 40ﻓﻮت ،واﻟﻌﺮض 15إﻟﻰ 17ﻓﻮت ،وﺗﺤﻤﻞ ﻣﻦ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺸﻮﻳﺮ اﻟﻨﻮﺧﺬا ﻓـــﻲ ﺑﻄﻦ ﻛﻴﺘﻪ ﻣﺎ ﻳﺮوف ﺑْﺤﺎل ﻣﺴﻜﻴﻦٍ ﻣﺴﺎﻳﻒ ﺣﻮاﻟﻲ 20ﺷﺨﺼﺎً. اﻟﺪﻧﻘ ّﻴﺔ وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ أﺣﻤﺪ ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﻬﺎﻣﻠﻲ: ﻻ ﺷﺒﻪ ﻫــــــﻮري وﻻ ﺑﻘّـــﺎره وﺗﻠﻔﻆ داﻧﻘﻴﺔ ،ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺴﻔﻦ ،وﺗﺸﺒﻪ ﺳﻔﻴﻨﺔ "ﺑْﻐﻠﺔ" اﻟﻜﻮﻳﺘﻴﺔ ،وﺗﻌﺪ ﻣﺠﺪّ وا ﻳﺎ ﺻـــــــﺎح ﺟﺎﺳﻮره اﻟﺼﻤﻌﺎ ﻣﻦ أﻛﺒﺮ أﺣﺠﺎم اﻟﺴﻔﻦ .وﻳﻘﻮل ﺷﺎﻋﺮ ﻣﺠﻬﻮل: ﻳﺘﺮاوح ﻃﻮل اﻟﺒﻴﺺ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻴﻦ 20و 30ﻓﻮت إﻟﻰ 70ﻓﻮت ،واﻟﺼﻐﻴﺮ و ّد ْرت أﻧــــــﺎ ﺷﻐﻞ اﻟﺪﻧـــﺎﺟﻲ وا ْﺑﻌﺪّ ت ﻓﻲ ﻣـــﻴﻞ اﻟﻄﺮﻧﺸﻴﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﻻ ﻳﺘﺠﺎوز 20ﻓﻮت ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ،أﻣﺎ اﻟﻌﺮض ﻓﻬﻮ ﺷﺒﻴﻪ ﺑﺎﻟﺴﻤﺒﻮك وﻳﺘﺮاوح ﺑﻴﻦ 15ﻓﻮت و 17ﻓﻮت ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ. اﻟﺒ ّﺘﻴﻞ ﻣﻦ أﻗﺪم ﻣﺤﺎﻣﻞ اﻟﻐﻮص ،ﺣﻤﻮﻟﺘﻬﺎ ﺑﻴﻦ 20و 50ﻃﻨﺎً ،ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ ﻓﻲ وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ رﺑ ّﻴﻊ ﺑﻮ ﺳ ّﻨﺎد وﺳــــﻂ ﺻﻤﻌﺎه اﺳﺘﺨﺮاج اﻟﻠﺆﻟﺆ ،وﻫﻮ ﻣﺤﻤﻞ ﻣﺘﻮﺳﻂ اﻟﺤﺠﻢ ،ذات ﺷﺮاﻋﻴﻦ .وﻳﻘﻮل إﺣﺼﻠﺖ ﻳﺎﻟﺸﺎﻋﺮ وﻻ ﺗْﺜــــﻮر وآزم ﻃـــﺮﻳﺤﻪ ْ اﻟﺸﺎﻋﺮ راﺷﺪ ﺑﻦ ﻃ ّﻨﺎف ﻓﻲ ﻗﺎرﻋﺔ ﺑﻴﺖ ﻟﻪ ﻳﺨﺎﻃﺐ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻜﻮﺗ ّﻴﺔ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻫﻨﺪﻳﺔ اﻷﺻﻞ ﺗﻌﺮف ﻣﺤﻠﻴﺎ ﺑﺎﻟﺪﻧﻘﻴّﺔ ،وإذا زاد ﻓﻴﻬﺎ ﻃﻮل اﻟﺒﻴﺺ اﻟﻜﻮس: ﻋﻦ 100ﻓﻮت ﺳﻤ ّﻴﺖ ﺑْﻐﻠﺔ ،وﺣﻤﻮﻟﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﺷﺨﺎص ﻣﻦ 15إﻟﻰ 20واﻧﺘﻪ ﺷﺮى اﻟﺒﺘّﻴﻞ واﺗﺸﻮح ﺷﺨﺼﺎً. وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻳﻌﻘﻮب اﻟﺤﺎﺗﻤﻲ: ﻧﺼـﻒ ﻳﻮﻧ ّﻴﻪ واﻟﻜﻞ ﻣ ْﻨﻬﻢ ﻟﻪ ّ ﻛﻞ ﺳﺒﻌ ٍﺔ ﻗﺎﻟﻮا ارﻛـﺒﻮا ﻛﻮﺗ ّﻴﻪ ْ اﻟﺸﺎﺷﺔ ﻣﺮﻛﺐ ﺻﻐﻴﺮ ﺑﺪاﺋﻲ ،ﻳﺼﻨﻊ ﻣﻦ ﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﻴﻞ ،ﺗﺮﺑﻂ أﺟﺰاؤه ﺑﺎﻟﺤﺒﺎل ﺛﻢ ﻳﻤﻸ اﻟﻬﻴﻜﻞ ﺑﻠﺤﺎء ﺷﺠﺮ اﻟﻨﺨﻴﻞ وأﻟﻴﺎف ﺟﻮز اﻟﻬﻨﺪ وأﻏﺼﺎن اﻟﻨﺨﻴﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺎﻋﺪ ﺑﺪورﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻔﻮ. وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﺎﺟﺪي ﺑﻦ ﻇﺎﻫﺮ: وراس اﻟﻤﺎل ﺷـﺎﺷﻪ ﻣـﻦ ﻳـﺮﻳــﺪ ﺑﻄ ّﺒ ْﻌﻬــﺎ ْوﺑﺨﻠّﻲ اﻟﻜﺮب ﻏـﺎﻓـﻲ ﻫﻮري ﻗﺎرب ﺻﻐﻴﺮ ﻣﻨﺤﻮت ﻣﻦ ﺟﺬوع اﻷﺷﺠﺎر ،ﻳﺘﺮاوح ﻃﻮﻟﻪ ﺑﻴﻦ 10إﻟﻰ 20ﻗﺪﻣﺎً .وﻳﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ ﺻﻴﺪ اﻷﺳﻤﺎك وﻧﻘﻞ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻟﺨﻔﻴﻔﺔ إﻟﻰ ﻣﺴﺎﻓﺎت ﻗﺼﻴﺮة. وﻳﻘﻮل ﺷﺎﻋﺮ ﻣﺠﻬﻮل: ﻳﺮﻛﺲ ْﺑﻐـــــــﺎدوف وﻳﻌﻠّﻲ رﻳﺖ ﻣﺮﻛﺐ ﻳﻘﻠـــﺼﻪ ﻫﻮري ﻣــــــــــﺎ ﻳﺨﺎف ﻳْﺪم وﻳْﻮﻟّﻲ ﻛﻴﻒ ﻳﻌــــﻠﻲ واﻟﻬﻮا ﺻﻮري ﻛﻴﺖ ﻫﻮ اﻟﺠﺎﻟﺒﻮت اﻟﻮِﺿْ ﻊ ،وﻛﻠﻤﺔ اﻟﻮِﺿْ ﻊ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﺼﻐﻴﺮ اﻟﺬي ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ارﺗﻔﺎع ،وأﻃﺮاﻓﻪ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ وﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ،وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﺿﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮري:
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
125
أوراق ﺷﻌﺒﻴﺔ
lǕǙƜƬǚǖČz ǣƢČĖƜǙǪČ ǣǂƟǝǖČ ƲLjƹǖČ ǣǍ ﺷﻜﻠﺖ اﻟﻤﺤﺎﻣﻞ اﻟﺸﺮاﻋﻴﺔ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣــﺎرات أﻫﻤﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،إذ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﺘﻨﻘﻞ ﺑﺤ ًﺮا إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻻ ﺳ ّﻴﻤﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺪول اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﻣﻌﻬﺎ ﺗﺠﺎرﻳﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﻬﻨﺪ ﺷﺮﻗﺎ وﺳﻮاﺣﻞ إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻏﺮﺑﺎ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺴﻔﺮ ﺑﻐﺮض اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ واﻟﻌﻼج ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻷﻛﺒﺮ واﻷﻫﻢ وﻫﻮ رﺣﻠﺔ اﻟﻐﻮص .وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺘﻌﺪد اﻷﻏﺮاض ﺗﻌﺪدت اﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﻤﺤﺎﻣﻞ، ﻓﻬﻨﺎك اﻟﻤﺤﻤﻞ اﻟﻘﻄﺎع واﻟﺨﺎص ﻟﻨﻘﻞ اﻷﻣﺘﻌﺔ ﺑﻐﺮض اﻟﺘﺠﺎرة، واﻟﻤﺤﻤﻞ اﻟﺴﻔّﺎر ﺑﻐﺮض اﻟﺴﻔﺮ واﻟﺴﻴﺎﺣﺔ واﻟﻌﻼج ،وﻣﺤﺎﻣﻞ اﻟﻐﻮص وﻫﻲ اﻷﻛﺜﺮ اﻧﺘﺸﺎرا ً. وﻟﻜﻞ ﻣﺤﻤﻞ وﺷﺮﺗﻪ )ﺻﻨﻌﺘﻪ( اﻟﺨﺎﺻﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﺰه ﻋﻦ ﻏﻴﺮه ،وﻫﻨﺎ ﻳﺄﺗﻲ دور اﻟ َﺠ ّﻼف وﻫﻮ اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ )وﺷﺮة( أي ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻤﺤﺎﻣﻞ. وأﺻﺒﺢ اﻟﺠﻼف اﺳﻢ ﺻﻔﺔ وﻣﻬﻨﺔ وﻟﻘﺒﺎ ﻟﻠﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﺋﻞ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ،وﻓﻲ اﻟﺠﻼف ﻳﻘﻮل ﺷﺎﻋﺮ ﻣﺠﻬﻮل ،وﻫﻲ ﻣﺤﺎورة ﺑﻴﻦ رﺟﻞ واﻣﺮأة ،ﻳﻘﻮل اﻟﺮﺟﻞ: وﻟﺪ اﻟﻬﻮى ﻣـــــــــــــﺎ ﻳﺎز ﺟﻼّف ﻛـــــــﻞ ﻳﻮم ﻳﺘﻐﺪّ ى ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻴﻒ ﻧﺎس أ ْوﻻف ﻋﻦ اﻟﻬـــــــــــﻮى ﻟﻪ ٍ ﻳﺨﺮف رﻃﺐ ﻟﻲ ف اﻟﻤـــﺨﺎرﻳﻒ ﻓﺘﻘﻮل اﻟﻤﺮأة: ﻻ ﺗﺴﺘـــــــــــــﻮي ﻟﻠﺸ ّﺮ ﻣ ّﻨﻘﺎف آﻫﺎ وﻻ ﺗْﺴﺐ اﻟﺠﻼﻟـــــــــــــﻴﻒ ﻧﺎس أﺷْ ﺮاف ﻣــــــــﻊ ٍ ﻫﺬا ﻳْﺨﺪم ْ ﻫﺬاك ﻳﺘﻐﺪى ﻋـــــــــﻠﻰ اﻟﺴﻴﻒ اﻟﺠﺎﻟﺒﻮت ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺎﻣﻞ اﻟﺸﺮاﻋﻴﺔ ﻣﺤﻠﻴﺔ اﻟﺼﻨﻊ ،ﻳﺘﺮاوح ﻃﻮﻟﻪ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻋﺸﺮﻳﻦ إﻟﻰ أرﺑﻌﻴﻦ ﻗﺪﻣﺎ ،وﻋﺮﺿﻪ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺧﻤﺴﺔ إﻟﻰ أرﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﺪﻣﺎ، وارﺗﻔﺎﻋﻪ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ إﻟﻰ ﺳﺒﻌﺔ أﻗﺪام ،ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻐﻮص ﻋﻠﻰ اﻟﻠﺆﻟﺆ وﺻﻴﺪ اﻷﺳﻤﺎك وﻧﻘﻞ اﻟﺮﻛﺎب .ﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺧﻠﻒ اﻟﻌﺘﻴﺒﺔ: ٍ ﺟﺎﻟﺒﻮت ﻛﺎﺳـــــــﻲ ﺷْ ﺮاﻋﻪ ﻳﺎ ﻧﺪﻳﺒﻲ ﻓﻲ ﺑﻄﻦ ﺳــــــــــﺎﻋﻲ اﻟﺸﻮﻋﻲ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﻣﻞ ﺻﻴﺪ اﻷﺳﻤﺎك واﻟﻐﻮص ،وﺗﺼﻞ إﻟﻰ ﻣﻮاﻧﺊ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ. وﻳﻘﻮل ﺷﺎﻋﺮ ﻣﺠﻬﻮل: 124
»اﻟﻤﺤﺎﻣﻞ« ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ ا'ﻣﺎراﺗﻲ
ﻓﻬﺪ اﻟﻤﻌﻤﺮي* ŦŌƈōǙȑŌ ǛǙ ūŽōş
ﻃ ّﺒﻌ ّﻨﻪ ﺳـــ ْﺒﻊ ﻣـــــــــــــﻮﻳﺎﺗﻪ وارﻛﺒـــﻦ ﻟﻪ ﻓـــــــــــﻮق ﻓ ّﻨﺎﺗﻪ
ﺷﻮﻋﻲ ﻇﻬــــــــــﺮ ﻳﻠﺠﻲ ﻛﻢ ّ ﱟ ﻃ ّﺒﻌ ّﻨﻪ واﻟﺒﺤــــــــــﺮ ﻳﺴﺠﻲ اﻟﺴﻨﺒﻮك وﻳﻠﻔﻈﻪ أﻫﻞ اﻹﻣﺎرات اﻟﺴﻨﺒﻮق ،ﻣﻦ ﻣﺤﺎﻣﻞ اﻟﻐﻮص اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ ،وﻣﻦ أﻗﺪم اﻟﻤﺤﺎﻣﻞ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﻬﺎ أﻫﻞ اﻹﻣﺎرات ،وأﻓﻀﻠﻬﺎ وأﻛﺜﺮﻫﺎ ﺷﻴﻮﻋﺎً ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ ،ﻟﻢ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻴﺪ واﻟﻐﻮص ﺑﻞ اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎرة ﺑﻴﻦ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻟﻬﻨﺪ .واﻟﻌﻤﻮد اﻷﻣﺎﻣﻲ ﻟﻠﺴﻨﺒﻮك ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻗﻄﻌﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ اﻟﺴﺎج ﻣﺘﺼﻠﺘﻴﻦ وﻣﻜﻮﻧﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﻋﺪة ﺑﺰاوﻳﺔ 45وﺑﻬﺎ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺪارة ﻟﻠﺨﺎرج ،ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﻄﺮف ﻋﻠﻮي ذي ﺷﻜﻞ ﻣﻤﻴﺰ ﻳﺪﻋﻰ اﻟﺴﺎﻃﻮر ،وﻣﺆﺧﺮة اﻟﺴﻨﺒﻮك ﻋﺎدة ﻣﺎ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﺮﻗﻌﺔ ﻣﺰﻳﻨﺔ ﺑﺎﻟﻨﻘﻮش. وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﺎﻟﻢ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﺪﻫﻤﺎﻧﻲ ﻣﻜﻨ ّﻴﺎ ﻓﻲ أوﺻﺎف ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻪ، وﻗﺪ ﺟﺎء ﺑﺎﻟﺴﻨﺒﻮك ﻗﺎﺋﻼ: ﻳﻨﺐ اﻟﻠﺒﻴﺐ ﺗْﻘــــﻮل ﺷﺮﺷﻒ واﻟﺼـــﺪر ﻛ ّﻨﻪ ْﺳﻄـــﺎح ﺳﻤﺒﻮق اﻟﺒﻮم ﻳﺘﺮاوح ﻃﻮل اﻟﺒﻴﺺ ـ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﻤﺤﻤﻞ واﻟﺨﺸﺒﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺷﻊ ﻟﻮﺷﺮﺗﻪ ـ ﻓﻴﻪ 60إﻟﻰ 80ﻓﻮت واﻟﻌﺮض ﺑﻴﻦ 30إذا ﻛﺎن ﻃﻮل اﻟﺒﻴﺺ 70ﻓﻮت و 34ﻓﻮت إذا ﻛﺎن ﻛﻮل اﻟﺒﻴﺺ 80ﻓﻮت ،وﺣﻤﻮﻟﺔ اﻷﺷﺨﺎص ﻓﻴﻪ ﺗﺘﺮاوح ﻣﺎ ﺑﻴﺖ 15إﻟﻰ 20ﺷﺨﺼﺎ ،وأﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات واﻟﻜﻮﻳﺖ. وﻳﻘﻮل ﺷﺎﻋﺮ ﻣﺠﻬﻮل: إدﺑﺮ وﺧﻠّﻪ واﻗْﻠــــــــﺺ اﻟﺒﻮم واﺑْـــــﻌﺪ ﺑﻨﻔْﺴـــﻚ ﻋـﻦ ﺑﻼﻳﺎه اﻟﺒﻘّﺎرة ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻗﺒﻞ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺸﺎﺣﻮف ،وﻳﺘﺮاوح ﻃﻮل اﻟﺒﻴﺺ 30
إﺿﺎءة
ǘǤưǑǖČ ǣǍƲLjǚǖČ ĆƜLJǡǖČ ﻻ ﻳﻌﺮف ﺗﺤﺪﻳﺪا ً ﻛﻴﻒ ﺑﺪأ ﻣﺎ ﻳﻌﺮف ﺑﺎﻷﻣﺜﺎل ،ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻢ اﻻﺗﻔﺎق ﻋﻠﻰ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻧﺘﺸﺎرﻫﺎ وأﻳﻦ ﻇﻬﺮت .وﻳﺮﺟﻊ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺳﺒﺐ ﻋﺪم اﻻﺗﻔﺎق ﻋﻠﻰ ﺗﺎرﻳﺦ ﺗﻘﺮﻳﺒﻲ ﻟﻸﻣﺜﺎل ،أو ﻣﻦ أي اﻟﺸﻌﻮب واﻟﺤﻀﺎرات اﻧﺤﺪرت، إﻟﻰ ﻗﺪﻣﻬﺎ وﻋﻤﻖ اﺳﺘﺨﺪام اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻬﺎ .ﻳﻌﺘﻘﺪ اﻟﺒﻌﺾ أن اﻷﻣﺜﺎل وﻟﺪت ﻣﻊ اﻹﻧﺴﺎن ،ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻬﺎ ﻇﻬﺮت ﻣﻨﺬ أن ﺑﺪأ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻠﻐﺔ وﻣﻦ ﺛﻢ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ .وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺘﺎﺟﺎً ﻃﺒﻴﻌﻴﺎً ﻷﺣﺪاث وﻣﻮاﻗﻒ، وﻳﺼﺢ اﻟﻘﻮل ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﺑﺄﻧﻪ اﻗﺘﺮن ﻋﻤﺮﻫﺎ ﻣﻊ ﻋﻤﺮ اﻟﻠﻐﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ. ﺗﻌﺮف اﻷﻣﺜﺎل ﺑﺄﻧﻬﺎ ذاﻛﺮة اﻷﻣﻢ واﻟﺸﻌﻮب ،وﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺳﺠﻞ ﻟﻮﻗﺎﺋﻊ وأﺣﺪاث ﺟﺴﺎم ﺗﻢ اﺧﺘﺰاﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺎت ﻗﺼﻴﺮة ،ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻛﺒﻴﺮة، اﻟﺒﻌﺾ ﻳﻌﺘﺒﺮﻫﺎ ﻗﺪ ﺟﺎءت ﻣﻠﺒﻴﺔ ﻟﺤﺎﺟﺔ اﻹﻧﺴﺎن .وﻗﺪ ﺣﺎول اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺳﻤﻴﺮ ﻋﺒﺪه ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻟﻸﻗﻮال اﻟﻤﺄﺛﻮرة ،أن ﻳﻮﺿﺢ وﻇﻴﻔﺔ اﻷﻣﺜﺎل ﻓﻘﺎل" :اﻷﻗﻮال اﻟﻤﺄﺛﻮرة ﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺣﻈﺎت ﻛ ّﻮﻧﻬﺎ أﺷﺨﺎص ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺧﺒﺮاﺗﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎﻻت اﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻓﻤﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﻀﻤﻦ اﻟﻨﺼﺎﺋﺢ واﻟﺤﻜﻢ ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﻀﻤﻦ اﻷﺳﺒﺎب أو اﻟﺘﻔﺴﻴﺮات ﻟﺴﻠﻮك ﻣﻌﻴﻦ ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻀﻊ ﺷﺮوﻃﺎ ﻣﺴﺒﻘﺔ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺳﻠﻮﻛﻴﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ،ﻓﺎﺳﺘﻌﻤﺎل اﻷﻗﻮال اﻟﻤﺄﺛﻮرة ﻓﻲ اﻟﻈﺮف اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻳﺪل أوﻻً ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻬﻢ ﺻﺤﻴﺢ ﻟﻬﺎ ،وﻳﺪل ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻴﻌﺎب ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻟﻸﻗﻮال اﻟﻤﺄﺛﻮرة اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺸﺄ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻔﺮد ،ﻛﻤﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻘﻮل ّ اﻟﺪال ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺰام اﻟﻔﺮد ﺑﺎﺗﺠﺎه ﻣﺎ .إن اﻷﻗﻮال اﻟﻤﺄﺛﻮرة ﺗﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ ﻋﺪة ﻛﻠﻤﺎت ﺗﺆﻟﻒ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﺟﻤﻠﺔ ﻗﺼﻴﺮة ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ
ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻤﺰروﻋﻲ* ŦŌƈōǙȑŌ ǛǙ dzŞũōlj
ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻮك ﻟﻪ ﻣﻌﻨﻰ أوﺳﻊ ﻓﻲ اﻟﺨﺒﺮة أو اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﻤﻌﻴﻦ اﻟﺬي ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻴﻪ اﻷﻟﻔﺎظ" .اﻟﺪﻛﺘﻮرة ﻣﻮزة ﻏﺒﺎش ،ﻗﺪﻣﺖ ﺗﻌﺮﻳﻔﺎً ﻋﻦ اﻷﻣﺜﺎل اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﻫﻮ اﻷﻛﺜﺮ ﻋﻤﻘﺎً وإﺣﺎﻃﺔ ،وﻟﻌﻞ ﻫﺬا ﻳﻌﻮد ﻟﻠﺴﻨﻮات اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﻀﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻷﺑﺤﺎث واﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،وأﻳﻀﺎ ﻻﻫﺘﻤﺎﻣﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺮاث واﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﺗﻌﺮﻳﻔﻬﺎ: "اﻷﻣﺜﺎل اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ اﻟﻠﻔﻈﻲ واﻟﻤﺘﺪاول ﺑﻐﻴﺮ ﺗﺒﺪﻳﻞ أو ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻓﻲ ﻟﻔﻈﻪ اﻟﺤﺮﻓﻲ ،واﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﺑﻤﺎ ﺗﻨﻄﻮي ﻋﻠﻴﻪ ﻧﺼﻮﺻﻬﺎ وأﻟﻔﺎﻇﻬﺎ ﻣﻦ اﺳﺘﺨﻼص ﻟﻠﺘﺠﺮﺑﺔ ،واﺳﺘﻘﺮار ﻟﻠﻮاﻗﻊ ،وﺗﺮاﻛﻢ ﻟﻠﺨﺒﺮة واﻟﻤﻌﺎﻧﺎة اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ،وﻫﻲ ﻗﺪ ﺗﺸﺒﻪ اﻟﻘﻮاﻋﺪ واﻟﺨﻄﻮط اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻟﻠﺴﻠﻮك اﻟﻌﻠﻤﻲ" .ﻳﺒﻘﻰ ﺗﺴﺎؤل ﻛﺒﻴﺮ ﻫﻮ :ﻟﻤﺎذا وﺣﺪﻫﺎ اﻷﻣﺜﺎل ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﺑﺴﻼﺳﺔ وﺳﻬﻮﻟﺔ ﻣﻦ ﺟﻴﻞ إﻟﻰ آﺧﺮ ﻋﻠﻰ اﻣﺘﺪاد اﻟﻌﺼﻮر واﻟﻌﻘﻮد ،ﻣﻦ دون ﻋﻘﺒﺎت أو ﺗﻤﺤﻴﺺ أو رﻓﺾ وإﻧﻜﺎر؟ ﻫﻨﺎك ﻋﺪة إﺟﺎﺑﺎت اﻫﺘﻢ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺑﺘﺤﻠﻴﻠﻬﺎ وﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻟﻮﺻﻮل ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﺣﻮﻟﻬﺎ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ،وﻓﻲ أﻓﻀﻞ اﻷﺣﻮال ﻓﺈﻧﻬﺎ اﺟﺘﻬﺎدات ﻟﺪارﺳﻴﻦ وﻣﺘﺨﺼﺼﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. وﻳﺒﻘﻰ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻛﺪ أن ﻣﻼﺻﻘﺔ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺜﺎل ﻟﺤﻴﺎة اﻟﻨﺎس اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ وﺧﺮوﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻮﺗﻘﺔ ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة وﻣﻦ ﻋﻤﻖ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ واﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﻳﻜﺘﻨﻔﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻷﻟﻢ واﻟﺤﺰن ،أﻣﺮ ﻳﺠﻌﻞ اﻷﻣﺜﺎل اﻟﺴﺎﺋﺮة ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ،ﺑﻞ ﻣﻔﻴﺪة ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺨﻮﺿﻮا ﺗﺠﺎرب ﻗﺎﺳﻴﺔ أو ﺗﺠﺎرب ﺣﻴﺎﺗﻴﺔ ﺻﺎدﻣﺔ ،ﻳﺄﺗﻲ اﻟﻤﺜﻞ ﻓﻴﺨﺘﺼﺮ ﻋﻠﻴﻚ ﻫﺬه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ، وﻳﻜﻮن واﺿﺤﺎً وﻗﺎﻃﻌﺎً ﻓﻲ دﻻﻻﺗﻪ .ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ ﻟﻢ ﻳﺼﺪر ﻋﺒﺜﺎً وﻟﻢ ﻳﺄت ﻋﻔﻮﻳﺎ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺤﻴﺎة زاﺧﺮة ،ﻟﺬﻟﻚ اﺟﺘﻬﺪ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻪ ،وﺗﺨﺰﻳﻨﻪ ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻪ ،وﻧﻘﻠﻪ إﻟﻰ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﺪورﻫﺎ ﺑﻤﻬﻤﺔ ﻧﻘﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺘﺎﻟﻲ .ﻳﺼﺢ اﻟﻘﻮل ﺑﺄن اﻷﻣﺜﺎل ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ وﻋﺎء ﻣﻌﺮﻓﻲ ﺣﻔﻆ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺮات اﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ اﻟﻤﻬﻤﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
123
ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب
ﺛﻢ »اﻷﺣ ـﺮاش« ،اﻟﺬي ﻳﺼﻨﻊ ﻣﻦ ﻟﺤﻢ ﻣﺪﻗﻮق ﻣﻊ اﻷﺑﺰر واﻟﺜﻮم، وﻳﺴﻤﻰ أﻳﻀﺎ ﻓﻲ ﻣﺮاﻛﺶ »اﻹﺳﻔﻴﺮﻳﺎ« وﻫﻮ ﻋﻠﻰ أﺷﻜﺎل ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ).(5 و»اﻟﺒﺮاﻧﻴﺔ« اﻟﺬي ﻳﺼﻨﻊ ﻣﻦ ﻟﺤﻢ اﻟﺒﻘﺮ أو اﻟﻐﻨﻢ أو اﻟﺪﺟﺎج واﻟﺒﺎذﻧﺠﺎن واﻟﺘﻮاﺑﻞ واﻟﺒﻴﺾ) .(6وﻳﻌﺘﺒﺮ»اﻟﻜﺴﻜﺴﻮ« ﻣﻦ اﻷﻃﻌﻤﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻷﻛﺜﺮ ﺷﻴﻮﻋﺎً ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب وﻣﻨﻪ اﻧﺘﻘﻞ إﻟﻰ اﻻﻧﺪﻟﺲ ،وﻳﻘﺪم اﻟﺘﺠﻴﺒﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﻓﻀﺎﻟﺔ اﻟﺨﻮان« ﺧﻤﺲ وﺻﻔﺎت ،أرﺑﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻨﻮﻳﻌﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺻﻔﺔ اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻄﺒﺨﺔ ) .(7وﻫﻨﺎك ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ ﻳﺴﻤﻰ »اﻹﺳﻔﻨﺞ« وﻫﻮ ﻣﻌﺮوف ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب ﺣﺘﻰ اﻵن ،واﻻﺳﻔﻨﺞ ﻳﻘﺪم ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت واﻷﻋﻴﺎد واﻟﺤﻔﻼت .وﻣﻤﺎ ﻻﺷﻚ ﻓﻴﻪ أن اﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ ﺑﺮﻋﻮا ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺷﺘﻰ أﺷﻜﺎل اﻟﺤﻠﻮﻳﺎت ،ﻛﺎﻟﻜﻨﺎﻓﺔ واﻟﻘﻄﺎﺋﻒ واﻟﺴﻨﺒﻮﺳﻚ، واﻟﺨﺒﻴﺰات ،وﻛﻌﺐ اﻟﻐﺰال. اﻷﻃﻌﻤﺔ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ ذات اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ
ﺗﺸﻴﺮ اﻟﻤﺼﺎدر إﻟﻰ أن أﻫﻞ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺘﻤﺪون ﻓﻲ أﻃﻌﻤﺘﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺒﻮب ﻣﻦ ﻗﻤﺢ وﺷﻌﻴﺮ وذرة ،وﻳﺬﻛﺮ ﻟﺴﺎن اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﻴﺐ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »اﻹﺣﺎﻃﺔ ﻓﻲ أﺧﺒﺎر ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ« أن اﻟﻔﻘﺮاء وأﻫﻞ اﻟﺒﺎدﻳﺔ واﻟﻌﻤﺎل ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﺘﺎﺗﻮن اﻟﺬرة وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء ) .(8وﻗﺪ اﻣﺘﺪح اﺑﻦ ﺧﻠﺪون ،ذﻟﻚ ،ﻗﺎﺋﻼً» :وأﻫﻞ اﻷﻧﺪﻟﺲ اﻟﺬﻳﻦ ﻏﻠﺐ ﻋﻴﺸﻬﻢ اﻟﺬرة واﻟﺰﻳﺖ ،ﻓﺈن ﻫﺆﻻء ،وإن أﺧﺬﺗﻬﻢ اﻟﺴﻨﻮن واﻟﻤﺠﺎﻋﺎت ،ﻓﻼ ﺗﻨﺎل ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺎ ﺗﻨﺎل ﻣﻦ أوﻟﺌﻚ ،وﻻ ﻳﻜﺜﺮ ﻓﻴﻬﻢ اﻟﻬﻼك ﺑﺎﻟﺠﻮع ﺑﻞ وﻻﻳﻨﺪر« ).(9 وﻣﻦ اﻷﻃﻌﻤﺔ اﻟﺘﻰ ﺗﺮد أﺳﻤﺎؤﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺼﺎدر ،وﺑﺼﻔﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﺗﺪﻋﻰ »اﻟﻤﺘﻠﺚ« وﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻌﻤﻞ ﻫﺬه ﻣﻦ ﻟﺤﻢ اﻟﺒﻘﺮ أو اﻟﻀﺄن ،وﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﻜﺜﺮة إﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺰﻋﻔﺮان ﺑﻬﺎ ) .(10وﻫﻨﺎك أﻃﻌﻤﺔ )ﺣﺴﻮ( ﺗﺸﺒﻪ اﻟﻌﺼﻴﺪة ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮف ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺑﺎﺳﻢ »زﺑﺰﻳﻦ أو زﺑﻴﻨﺎ« ).(11 وﻫﻨﺎك أﻧــﻮاع ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺒﻨﺎت ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻔﻀﻠﺔ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ أرﺟــﺎء اﻷﻧﺪﻟﺲ، ﻛﺘﻠﻚ اﻟﺘﻰ ﺗﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻄﻠﻴﻄﻠﺔ ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻃﻠﻴﻄﻠﺔ ) .(12وﻗﺪ ﺗﻤﻴﺰت اﻷﻃﻌﻤﺔ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻌﺪد واﻟﺘﻨﻮع ،وﺳﻨﻜﺘﻔﻰ ﺑﻤﺎﺳﻠﻒ ذﻛﺮه. وﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻄﺒﺦ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ ،ﻫﻲ ﻛﺜﺮة اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺒﻴﺾ ﻓﻲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ أﺻﻨﺎف اﻟﻄﻌﺎم اﻟﻤﻄﺒﻮخ ،وﻗﺪ ﻳﻤﺰج ﻣﻊ اﻟﺪﻗﻴﻖ ،ﺛﻢ ﻳﺮش ﻓﻮﻗﻪ اﻟﺪﻗﻴﻖ .وﺑﺮع أﻫﻞ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻗﺎﻃﺒﺔ ﻓﻲ إﻋﺪاد أﻧــﻮاع ﻛﺜﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺤﻠﻮى ،ﻛﺎﻟﻔﺎﻟﻮذج ،اﻟﺬي ﻳﺼﻨﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﺴﻞ اﻟﻤﺼﻔﻰ واﻟﻨﺸﺎ واﻟﺰﻋﻔﺮان واﻟﻠﻮز اﻟﻤﻘﺸﺮ وﺣﻼوة ﺑﺎﻟﺘﻤﺮ واﻟﻌﺴﻞ واﻟﻠﻮز واﻟــﺠــﻮز) .(13ﻛﻤﺎ ﻋﺮف اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﻮن أﻧﻮاع ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ اﻟﻤﻄﺒﻮخ ﻓﻲ اﻟﺘﻨﻮر ،واﻟﺨﺒﺰ اﻟﻤﻄﺒﻮخ ﻓﻲ اﻟﻤﻠﺔ أو ﺧﺒﺰ اﻟﻔﻄﻴﺮ .وﻗﺪ ﺑﺎﻟﻎ 122
ﻓﻨﻮن اﻟﻄﺒﺦ ﻓﻲ ا0ﻧﺪﻟﺲ
اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﻮن ﻓﻲ اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺘﻮاﺑﻞ واﻟﺨﻠﻮل. أﻣﺎ اﻷدوات اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺒﺦ ،ﻓﻬﻲ أﻧﻮاع وأﺷﻜﺎل أﻣﺜﺎل: اﻟﻤﻮﻗﺪ )ﻛﺎﻧﻮن اﻟﻨﺎر( واﻟﺘﻨﻮر واﻟﻔﺮن ،أﺟﻬﺰة ﻟﻠﻄﺒﺦ ،اﻟﻘﺪور أﺣﺠﺎم ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺨﺎر واﻟﻨﺤﺎس اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ: .1د .ﺣﺴﻦ ﻳﻮﺳﻒ دوﻳﺪار :اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻷﻣﻮي، ﻣﻄﺒﻌﺔ اﻟﺤﺴﻴﻦ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷوﻟﻰ1414 ،ﻫـ 1994/م ،ﻣﻦ ص 289إﻟﻰ ص.290 .2ﻣﺆﻟﻒ ﻣﺠﻬﻮل :اﻟﻄﺒﻴﺦ ﻓﻲ اﻟﻤﻐﻠﺮب واﻷﻧﺪﻟﺲ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻤﻮﺣﺪﻳﻦ ،ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻣﺒﺮوزوﺑﻮ أوﻳﺜﻲ ،ﻣﻴﺮاﻧﺪا ،ﻣﺪرﻳﺪ ،1960ص/193 أﺣﻤﺪ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻄﻮﺧﻲ :ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺤﻀﺎرة ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﺑﻨﻲ اﻷﺣﻤﺮ ،ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺷﺒﺎب اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ،ص. 90 .3ﻣﺆﻟﻒ ﻣﺠﻬﻮل :اﻟﻄﺒﻴﺦ ،ص.192 .4اﺑﻦ رزﻳﻦ اﻟﺘﺠﻴﺒﻲ :ﻓﻀﺎﻟﺔ اﻟﺨﻮان ﻓﻲ ﻃﻴﺒﺎت اﻟﻄﻌﺎم واﻷﻟﻮان، ﺗﺤﻘﻴﻖ وﺗﻘﺪﻳﻢ ،ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺷﻘﺮون ،دار اﻟﻐﺮب اﻹﺳﻼﻣﻲ ص /16دﻳﻔﺪ واﻳﻨﺰ) :اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﺗﺤﺮﻳﺮ د .ﺳﻠﻤﻰ اﻟﺨﻀﺮاء اﻟﺠﻴﻮﺳﻲ ،ﻣﺮﻛﺰ دراﺳﺔ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،اﻟﺠﺰء اﻟﺜﺎﻧﻲ( ﻓﻨﻮن اﻟﻄﺒﺦ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﻣﻦ ص 40إﻟﻰ .48 .5د .إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﻘﺎدري ﺑﻮﺗﺸﻴﺶ :اﻟﻤﻐﺮب واﻷﻧﺪﻟﺲ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻤﺮاﺑﻄﻴﻦ؛ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،اﻟﺬﻫﻨﻴﺎت ،اﻷوﻟﻴﺎت ،دار اﻟﻄﻠﻴﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، ﺑﻴﺮوت ،اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻷوﻟﻰ ،1993 ،ص 71و .72 .6اﻟﺘﺠﻴﺒﻲ :ﻓﻀﺎﻟﺔ ،ص96ـ .97 .7اﻟﺘﺠﻴﺒﻲ :ﻓﻀﺎﻟﺔ ،ﻣﻦ ص 87إﻟﻰ ص /89داﻳﻔﺪ واﻳﻨﺰ :اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ج ،2ص.1034 .8ﻟﺴﺎن اﻟﺪﻳﻦ اﺑﻦ اﻟﺨﻄﻴﺐ :اﻹﺣﺎﻃﺔ ﻓﻲ أﺧﺒﺎر ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ ،ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﺎن ،اﻟﺠﺰء اﻷول، ص143ـ .369 .9ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﺑﻦ ﺧﻠﺪون ،اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ،ﻃﺒﻌﺔ ﺑﻴﺮوت ،ص /88اﻟﻄﻮﺧﻲ :ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺤﻀﺎرة ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ص 88ـ. 89 .10داﻳﻔﺪ واﻳﻨﺰ :اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ، ج ،2ص.1031 .11اﻟﺘﺠﻴﺒﻲ :ﻓﻀﺎﻟﺔ ،ص.60 .12اﻟﺘﺠﻴﺒﻲ :ﻓﻀﺎﻟﺔ ،ص 82ـ /83داﻳﻔﺪ واﻳﻨﺰ: اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ج 2ص.1030 .13ﻣﺆﻟﻒ ﻣﺠﻬﻮل :اﻟﻄﺒﻴﺦ ،ص 194 :ـ 197 ـ 198ـ 208داﻳﻔﺪ واﻳﻨﺰ :اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ج ،2ص.1031
)اﻟﻨﻘﺎﻳﺎ( .واﺑﺘﻜﺮ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﻠﻴﺔ ،ﺗﻌﺮف ﺑﺘﻘﻠﻴﺔ زرﻳﺎب .ﻛﻤﺎ ﻋﻤﻞ زرﻳﺎب ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻃﺮﻳﻘﺔ إﻋﺪاد اﻟﻤﺎﺋﺪة ،وﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻄﻌﺎم ﻋﻠﻴﻬﺎ، وﻗﺪ ﺷﺎﻋﺖ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ زرﻳﺎب وﻣﺒﺘﻜﺮاﺗﻪ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺮاب، وآداب اﻟﻤﺎﺋﺪة وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ أوﺳﺎط اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ اﻷﻣﺮاء واﻟﺨﻠﻔﺎء).(1 وﻣﻦ أﻃﻌﻤﺔ اﻟﻌﺮب اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،اﻟﺜﺮﻳﺪ ،اﻟﺨﺮﻳﺰة واﻟﻌﺼﻴﺪة واﻟﺮﺑﻴﻜﺔ واﻟﺴﺨﻴﻨﺔ . .و«اﻟﺠﺸﻴﺸﺔ اﻟﻤﻠﻮﻛﻴﺔ«) .(2وﻫﻨﺎك ﻃﺒﻖ ﻳﻌﺮف »ﺑﺎﻟﻬﺮﻳﺴﺔ«) .(3وﻫﻨﺎك ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم اﻟﺸﺎﺋﻊ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻳﺪﻋﻰ »اﻟﺜﺮﻳﺪ« وﻟﻌﻞ أﺷﻬﺮ ﻫﺬا اﻟﺼﻨﻒ اﻟﺬي ﻳﺪﻋﻰ »ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ« وﻳﺘﻜﻮن ﻣﻦ ﻋﺪة أﻧﻮاع ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻢ واﻟﺪﺟﺎج و ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻮاﺑﻞ).(4 أﻃﻌﻤﺔ ﻣﻐﺮﺑﻴﺔ ﺗﺤﻀﺮ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻟﻘﺪ ﺷﻜﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ واﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ،ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ،وﺣﺪة ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ واﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ وﺟﺴﺮا ً ﻟﺘﻼﻗﺢ اﻟﺤﻀﺎرات ،ﻧﻈﺮا ً ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ اﻟﻮﻃﻴﺪة اﻟﺘﻰ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،ﻓﻘﺪ أدى اﻟﻘﺮب اﻟﺠﻐﺮاﻓﻰ إﻟﻰ ﺗﺴﻬﻴﻞ اﻹﺗﺼﺎل واﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻓﻲ ﺷﺘﻰ اﻟﻤﺠﺎﻻت .وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺼﺪد ،ﻓﺈن ﺻﻨﻮف اﻟﻄﻌﺎم وﺗﻘﺎﻟﻴﺪه ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب واﻷﻧﺪﻟﺲ ﻧﺠﺪ ﺻﺪاه ﻓﻲ ﻛﻼ اﻟﺒﻠﺪﻳﻦ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن ﻟﻜﻞ دوﻟﺔ ﺧﺼﻮﺻﻴﺘﻬﺎ وﻣﻤﻴﺰاﺗﻬﺎ ،وﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﻷﻃﻌﻤﺔ اﻟﻜﺜﻴﺮة اﻟﺘﻰ ﻧﻘﻠﻬﺎ اﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ إﻟﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ » :اﻟﻤﺮﻗﺎس« وﻫﻲ أﻣﻌﺎء ﻣﺤﺸﻮة،
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
121
ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب
ƴǖưǜǨČ ǣǍ ƭƟǂǖČ ĦǡǝǍ ﻣﻮﻟﻮد ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻮﺳﻲ
ﻛﺜﻴﺮة ﻫﻲ ﺻﻨﻮف اﻟﻄﻌﺎم واﻟﻤﺬاق وأﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﻄﺒﺦ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن أﻫﻞ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻳﺸﺘﺮﻛﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻊ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻋﻠﻰ اﻣﺘﺪاد اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻻﺳﻼﻣﻲ. ﻛﻤﺎ ﻳﺼﻌﺐ اﻟﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻄﺒﺦ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ واﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ ،ﻧﻈﺮا ﻟﻮﺣﺪة ﺗﺎرﻳﺨﻬﻤﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ،واﻟﻤﺼﺪري وﻗﺮﺑﻬﻤﺎ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻲ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻻﻳﻨﻔﻲ ﻣﻦ وﺟﻮد ﺧﺼﻮﺻﻴﺎت ﻛﻞ ﺑﻠﺪ ﻋﻠﻰ ﺣﺪة. ﻟﻴﺴﺖ ﻛﺘﺐ اﻟﻄﺒﺦ وﺣﺪﻫﺎ ،ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،اﻟﻤﺼﺪر اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻧﺴﺘﻘﻲ ﻣﻨﻪ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺣﻮل ﻣﺎ ﺷﺎع ﻓﻲ اﻟﻘﺮون اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻣﻦ أذواق وﻣﻮاﻗﻒ ﺗﺠﺎه اﻟﻄﻌﺎم ،ﻓﺈﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻓﺼﻮل ﻋﻦ اﻟﺘﻐﺬﻳﺔ واﻟﺼﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺘﻤﻠﻬﺎ اﻟﺘﺼﺎﻧﻴﻒ اﻟﻄﺒﻴﺔ اﻟﻜﺒﺮى ،ﺛﻤﺔ ﻛﺘﺐ ﺗﺨﺼﺼﺖ ﻓﻲ اﻟﻐﺬاء ﺗﺼﻒ ﺧﻮاص اﻷﻏﺬﻳﺔ وﻓﻮاﺋﺪ وﻣﻀﺎر اﻷﻃﻌﻤﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻷﻃﻌﻤﺔ اﻟﻤﻄﺒﻮﺧﺔ .وﻫﻨﺎك ﻛﺘﺐ اﻷدب اﻟﺘﻲ ﺿﻤﺖ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﻦ اﻟﻄﻌﺎم ﻋﻨﺪ أﻫﻞ اﻟﻤﺪن وﻋﻠﻴﺔ اﻟﻘﻮم ،ﻣﺜﻞ ﻛﺘﺎب »اﻟﻌﻘﺪ اﻟﻔﺮﻳﺪ ﻻﺑﻦ ﻋﺒﺪ رﺑﻪ« )ت 325ﻫـ940 /م(. 120
ﻓﻨﻮن اﻟﻄﺒﺦ ﻓﻲ ا0ﻧﺪﻟﺲ
أﻃﻌﻤﺔ ﻣﺸﺮﻗﻴﺔ ﺗﺤﻀﺮ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ
ﻟﻘﺪ ﺟﺮت اﻟﻌﺎدة ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺒﺦ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ ،ﻋﻠﻰ إﻋﺪاد أﺻﻨﺎف ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم ،ذات اﻷﺻﻞ اﻟﻤﺸﺮﻗﻲ ،ﻛﻤﺎ ورد ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ اﻟﻄﺒﺦ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ .ﻓﻤﻊ ﻓﺘﺢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻟﻸﻧﺪﻟﺲ ،اﻋﺘﻤﺪ اﻟﻔﺎﺗﺤﻮن ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻃﻌﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﻮﻫﺎ ﻓﻲ ﺑﻼدﻫﻢ ،ﻟﻜﻦ ﻣﻊ اﺳﺘﻘﺮار واﺧﺘﻼط اﻟﻔﺎﺗﺤﻮن ﺑﺎﻷﻧﺪﻟﺴﻴﻴﻦ ،ﺗﻌﺮﻓﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ أﻟﻮان اﻷﻃﻌﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺟﻮدة ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺒﻼد ،ﺷﻴﺌﺎ ﻓﺸﻴﺌﺎ ،ﻓﺄﺧﺬت أﻃﻌﻤﺘﻬﻢ ﺗﺘﻐﻴﺮ وﺗﺘﻌﺪد أﻟﻮاﻧﻬﺎ .وﺑﻤﻀﻲ اﻟﺰﻣﻦ وﺑﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻻﺧﺘﻼط واﻟﺘﺰاوج ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ واﻷﺳﺒﺎن أﺧﺬت أﻧﻮاع ﻣﻦ اﻷﻃﻌﻤﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺗﻌﺮف ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﻮاﺋﺪ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ .وﺑﺪأت أﻟﻮان ﻣﻦ اﻟﺘﺮف واﻟﺒﺬخ ﻳﺘﺴﺮب إﻟﻰ أﻃﻌﻤﺔ اﻷﻣﺮاء واﻟﺨﻠﻔﺎء واﻟﺨﺎﺻﺔ ،وﻛﺎن ﻟﺪﺧﻮل زرﻳﺎب إﻟﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ وﺧﺎﺻﺔ إﻟﻰ ﻗﺮﻃﺒﺔ )206ﻫـ ﺣﺘﻰ وﻓﺎﺗﻪ 243ﻫـ( ،ﻋﻬﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻷوﺳﻂ ،ﺛﻮرة ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻘﺮﻃﺒﻲ ﻋﺎﻣﺔ ،ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻓﻲ ﻓﻨﻮن اﻟﻐﻨﺎء واﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ واﻟﻔﻨﻮن اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﺑﻞ أدﺧﻞ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ أﻟﻮان اﻟﻄﻌﺎم اﻟﺒﻐﺪادي ،وأﺧﺬ ﻋﻨﻪ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﻮن ﻃﺮق ﻃﻬﻴﻪ ،واﺑﺘﺪع أﻟﻮان أﺧﺮى ﻣﻦ اﻷﻃﻌﻤﺔ ﻛﻤﺎ أدﺧﻞ ﻟﻮﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم ،أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﺳﻢ
أﺛﺮ اﻟﻌﺎﺑﺮ
ƠǑǎǗǚǖČ ƠƞƜƣǔǖČ ﻣﻦ أﺑﺮز اﻟﻐﺎﻳﺎت اﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ اﻟ ُﺤﺮ ﻋﻦ اﻹﻧﺴﺎن وﺗﻤﺜﱡﻠﻪ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ واﺷﺘﺒﺎﻛﻪ ﻣﻌﻪ )ﻟﻐ ًﺔ وﺗﺪوﻳﻨﺎً( ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﺿﺪ اﻟﻨﺴﻴﺎن واﻟﻘﺒﺢ وﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻬﺪد وﺟﻮده وﻗﻴﻤﻪ وأﻓﻜﺎره.. ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻫﻲ اﻟﺴﺠﻞ اﻟﻤﺮآوي اﻟﺤﻲ ﻟﻺﻧﺴﺎن وأﺣﺪ أﺷﻜﺎ ِل َﺻﻮنِ اﻟﺬاﻛﺮة ورﻓﺾ اﻻﺳﺘﺴﻼم ﻟﻠﻔﻨﺎء واﻟﻌﺪم ﻓﺤﺴﺐ ،إﻧﻤﺎ ﻓﺮﺿﺖ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ اﻟ ُﻤﻼزِﻣ ُﺔ ﻟﻠﻔَﻜ ِﺮ واﻟﺘﺨﻴﻴﻞ أن ﺗﻜﻮن ﺷﺮﻳﻜﺎً ﺣﻘﻴﻘﻴﺎً ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺮﺣﻠﺔ/اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻋﺒﺮﻫﺎ أﻣﻨﻴﺎﺗﻪ وﺗﻄﻠﻌﺎﺗﻪ وﺗﻮﻗﻪ ﻟﻠﻤﺴﺘﺤﻴﻞ واﻟﻨﺒﻴﻞ واﻟﻨﺎدر ،وأﺿﺤﺖ أﺣﺪ ﺳﺒﻞ ﺧﻠﻖ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﻮازي اﻟﻤﺄﻣﻮل واﻟ ُﻤﺘﻄﻠﻊ إﻟﻴﻪ ،وﻟﻌﻞ رواﻳ ًﺔ ﺛﺮﻓﺎﻧﺘﺲ "دون أدﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻳُﺠﺴﺪ ﻫﺬه ﻛﻴﺸﻮت" أﻫ ُﻢ ﻋﻤﻞٍ ﱟ اﻟﻔﻜﺮة ،ﻓﻲ ﺗﺘﺒﻌﻬﺎ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻨﺒﻞ واﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ وﺗﻄﻠﱡﻊ اﻹﻧﺴﺎن إﻟﻰ ﻗﻴﻢ اﻟﻮﻓﺎء وﺗﺘﺒﻊ اﻟﺤﻖ واﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺤﺐ واﻟﺤﺮﻳﺔ ﻋﺒﺮ اﻧﺘﻬﺎج اﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ، ﺣﺘﻰ وإن ﺑﺪا "ﻓﺎرﺳﺎً ﺣﺰﻳﻨﺎً ﻟﻠﻈﻞ" ﻻ ﻳﺤﺼﺪ ﻓﻲ رﺣﻠﺘﻪ ﺳﻮى ﻣﻘﺎرﻋﺔ ﻃﻮاﺣﻴﻦ اﻟﺮﻳﺎح وﺳﺨﺮﻳﺔ اﻵﺧﺮﻳﻦ. إن رواﻳ ًﺔ ﻛﻬﺬه ُدﻟﻞ ﺑﻬﺎ ﻋﺒﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﺤﻤﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴ ِﺔ ﻓﻲ ﺻﺮاع اﻟﺨﻴﺮ واﻟﺸﺮ واﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ واﻟﺒﺮاءة واﻟﺤﻘﻴﻘﻲ واﻟﺰاﺋﻒ ،داﺋﻤﺎً ﻣﺎ ﺗﺴﺎورﻧﻲ أﻓﻜﺎ ٌر وﺗﺴﺎؤﻻتٌ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﺄﻣﻠﺖ ﻓﻲ ﻣﻌﻴﺎرﻳﺘﻬﺎ اﻟﻘﻴﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺎس ﻋﻠﻰ ﻣﻀﻤﻮﻧﻬﺎ ﻗﻀﺎﻳﺎ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻓﻲ ﺻﺮاﻋﻪ ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻴﻮم ،وإﻟﻰ أدﺑﻲ أن ﻳُﺠﺴﺪ أﺣﻼم وآﻣﺎل واﻧﻜﺴﺎرات أي ﻣﺪى اﺳﺘﻄﺎع ٌ ﻋﻤﻞ ﱞ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ رﺣﻠﺘﻪ ﻣﻊ -أو ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ -ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﺗﻘﻔﺰ ﺑﻲ اﻷﻓﻜﺎر ﻻ إرادﻳﺎً إﻟﻰ ﺻﻮرة اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﻴﻮم و"اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ" اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺮﺣﻬﺎ اﻷﻋﻤﺎل اﻷدﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻨﻮﻋﻬﺎ اﻟﺬي ﺗﺨﻄﻰ ﺣﻮاﺟﺰ اﻟﻨﻮﻋﻴﺔ واﻟﺤﺪاﺛﺔ وﻣﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ وﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ ،إﻟﻰ أي ﻣﺪى -رﻏﻢ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﺘﺼﻨﻴﻔﺎت اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ- اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﻫﺬه اﻷﻋﻤﺎل أن ﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﻧﻀﺎﻟﻪ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺑﻤﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺤﻴﺎة ،وﺗﺪﻟﻒ ﻣﺒﺎﺷﺮ ًة إﻟﻰ ﻫﻤﻮﻣﻪ وآﻻﻣﻪ وأﺣﺰاﻧﻪ وﺷﻌﻮره ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﻋﺎﻟﻢٍ ﻳﻀﻊ ﻗﻮاﻧﻴﻨﻪ وﻓﻖ أﻓﻜﺎر اﻟﻘﻮة واﻟﺘﻨﻤﻴﻂ وﺗﺸﻴﻴﺊ اﻹﻧﺴﺎن وﻣﻴﻜﻨﺘﻪ وﺗﺤﻮﻳﻠﻪ إﻟﻰ رﻗﻢٍ أو رﻣ ٍﺰ أو ﺻﻮر ٍة ﻓﻲ ﺣﻴﺎ ٍة ﻣﻜﺮر ٍة ﻻ ﻳﻤﻠﻚ أن ﻳﻐﻴﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ﺗﻐ ﱡﻮل ﺳﻠﻄﺔ رأس اﻟﻤﺎل ٌ ﺣﻲ وﺻﺎدق وﻣﻌﻨﻮي؟ واﻟﻌﻮﻟﻤﺔ وﺗﺴﻠﻴﻊ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﱞ إن ﻋﺎﻟﻤﺎً ﻛﻬﺬا ..ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ أن ﻳُﻨ ِﺘ َﺞ ﻛﺘﺎﺑ ًﺔ ﺗﺸﺒﻬﻪ ،ﻓﻲ ِ ﺷﺮﻃﻬﺎ اﻟﻤﺮآوي اﻟﻌﺎﻛﺲ ﻷﺣﻮال إﻧﺴﺎن اﻟﻌﺼﺮ وﺷﻜﻞ ﺣﻀﺎرﺗﻪ وإﻳﻘﺎﻋﻬﺎ اﻟﻼﻫﺚ وﻗﻀﺎﻳﺎه اﻟﻤﻨﻤﻄﺔ ،ﻓﻈﻬﺮت ﻛﺘﺎﺑﺎتٌ ﻻ ﺗﻬﺘ ﱡﻢ ﺑﺠﻮﻫﺮ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﺷﻴﺌﺎً ُ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ وﻇﻴﻔﺘﻬﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ أو ﻫﺪﻓﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ وﻻ
ﺣﻤﺰة ﻗﻨﺎوي* ƉƚǙ ǛǙ ŝũōljǶ ƉƫōƗ
ﻣﻦ ﻧﺒﻞ ﻗﻴﻤﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ ﻓﻲ ِ ﻃﻴﺎت ﻛﻴﻨﻮﻧﺘﻬﺎ :اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺧﻼص اﻹﻧﺴﺎن وﻣﺤﺎورة ﻫﻤﻮم ﻋﺼﺮه ،وﺗﺠﺴﻴﺪ أﺣﺰاﻧﻪ واﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺎﺻﺮه رﻏﻤﺎً ﻋﻨﻪ ،وﻣﺤﺎوﻟﺘﻪ اﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﻣﻊ ﺟﻨﻮن أﻓﻜﺎ ٍر وواﻗﻊٍ ﻓُﺮض ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺮﺿﺎً ﺑﻘﻮة اﻟﺴﻠﻄﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎد وأﻓﻜﺎر اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﺳﻌﺎر اﻻﺳﺘﻬﻼك واﻧﻔﺼﺎل اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻦ ﻧﻔﺴ ِﻪ وواﻗﻌﻪ "اﻟﻤﻔﺘﺮض". أﻗﻞ ﻣﺎ ﺗﻮﺻﻒ ﺑﻪ أﻧﻬﺎ " ُﻣﻠﻔّﻘﺔ"، وﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻤﺴﺎرات ُوﻟﺪت ﻛﺘﺎﺑﺎتٌ ُ ﻻ ﺗﻘﺘﺮب ﻣﻦ ﻫ ّﻢ اﻹﻧﺴﺎن وﻻ ﺗﺤﺎور ﺗﻮﻗﻪ وﺗﻄﻠﻌﺎﺗﻪ إﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢٍ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﺬي ﻓُﺮض ﻋﻠﻴﻪ ،ﻻ ﺗﻄﺮح أﻓﻜﺎره وﻗﻀﺎﻳﺎ ﻃﺒﻘﺘﻪ وﻫﻤﻮﻣﻬﺎ ،أو ﻣﺎ ﻳﻔﺘﺮض أن ﻳﻜﻮن ﻓﻲ ﻃﻠﻴﻌﺔ ﺳﻠﻢ أوﻟﻮﻳﺎﺗﻪ ﻛﺈﻧﺴﺎنٍ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﺗﺸﻴﻴﺌﻪ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢٍ ﻻ ﻳﺮاه ،ﻛﺘﺎﺑﺎت ﻻ ﻳﻜﺘﺮث ﻣﺆﻟﻔﻮﻫﺎ إﻟﻰ أﻫﻤﻴﺔ وﺿﺮورة ارﺗﻜﺎز ﻫﺬه اﻷﻋﻤﺎل واﻟﻜﺘﺎﺑﺎت ﻋﻠﻰ ﻗﻴﻢ ﻛﺎﻟﺨﻴﺮ اﻷﺳﻤﻰ واﻟﺤﻖ واﻟﻌﺪل وﺗﻠ ﱡﻤﺲ اﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ وﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻘﺒﺢ وﺗﻔﻜﻚ اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﻘﻴﻤﻴﺔ وﺗﺠﻠﻲ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻟﻐﺔ اﻹﻧﺴﺎن وﺳﻠﻮﻛﻪ وﻋﻼﻗﺎﺗﻪ ﺑﺎﻵﺧﺮﻳﻦ وﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﻔﻜﻴﺮه وﻣﻔﺎﺿﻠﺔ اﻟﻤﺎدة ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻴﻤﺔ ﻛﻤﻌﻴﺎرﻳﺔ ﻟﻘﻴﺎس اﻷﺷﻴﺎء. إن ﻛﺜﻴﺮا ً ﻣﻦ "اﻟﺮواﻳﺎت" اﻟﻴﻮم ﻻ ﻳُﻨﺘﺴﺐ ﺿﻌﻔﻬﺎ ﻛﻌﻤﻞ أدﺑﻲ إﻟﻰ ﺗﺤﻤﻞ ﻛﺜﻴﺮا ً ﻣﻦ اﻟﻜﻼم اﻟﻤﺮﺳﻞ واﻟﺴﺮد اﻟﺬاﺗﻲ اﻟﻤﺤﺾ أﺣﺎدي ﻛﻮﻧﻬﺎ ُ ﻋﻴﻮب اﻻﺗﺠﺎه اﻟﺬي ﻻ ﻳﺘﻘﺎﻃﻊ واﻵﺧﺮﻳﻦ وﻫﻤﻮﻣﻬﻢ وأﺣﻼﻣﻬﻢ ،ﻓﻬﺬه ٌ ﻓﻨﻴ ٌﺔ ﻳُﻤﻜ ُﻦ أن ﺗﺨﺘﻔﻲ ﻣﻊ ﻧﻀﺞ وﺗﻤﺮس اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﻊ اﻟﻮﻗﺖ ،إﻧﻤﺎ ﻳﻜﻤﻦ ﺿﻌﻔﻬﺎ -ﻓﻲ ﺗﺼﻮري -أﻧﻬﺎ ﺗﺤﻠّﻖ ﺑﻌﻴﺪا ً ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺻﺮاﻋﺎت اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻧﺸﺪاﻧﻪ اﻟﺨﻼص وﺗﻮﻗﻪ إﻟﻰ اﻻﻧﻌﺘﺎق وﺑﺤﺜﻪ ﻋﻦ ذاﺗﻪ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻲ رﺣﻠ ٍﺔ وﺟﻮدﻳ ٍﺔ ﻛﻬﺬه اﻟﺘﻲ ﺧﺎﺿﻬﺎ أﻟﻮﻧﺴﻮ ﻛﻴﺨﺎﻧﻮ اﻟﺤﺎﻟﻢ"دون ﻛﻴﺸﻮت" ﻣﻊ ﺟﺎره ،ﺗﺎﺑﻌﻪ ،ﺳﺎﻧﺸﻮ ﺑﺎﻧﺜﺎ ،ﻣﺴﺎﻋﺪه ﺣﺎﻣﻞ اﻟﺪرع اﻟﺒﺮيء ،وﻫﻤﺎ ﻳﺘﻜﺌﺎن ﻋﻠﻰ ﺧﻴﺎﻟﻬﻤﺎ اﻟ ُﺤﺮ ﻓﻲ رؤﻳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺴﺨﺮﻳ ِﺔ ﺑﺎﻟﺘﻔﻜﱡﺮ وﺗﺸﺨﻴﺼﻪ وﻣﻌﺎدﻟﺘﻪ وﻓﻖ ﻣﺎ ﻳﺆﻣﻨﺎنِ ﺑﻪ ،ﻣﺎزﺟﻴﻦِ ُ وﺗﺄ ﱡﻣﻞ أﺣﻮال اﻟﺒﺸﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﺘﻤﻞ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻬﻤﺎ ﻣﻦ أﺳﺎﻃﻴﺮ وﻣﻌﺘﻘﺪات ﺗﻨﺘﺼﺮ ﻟﻺﻧﺴﺎن ،وﻣﺤﺎرﺑﺔ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻠﻔّﻖ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻪ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
119
ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب
وﻫﻨﺎك ﻳﺠﺘﻤﻊ اﻟﻔﻼﺣﻮن ﻟﺘﻘﺴﻴﻢ اﻟﻤﺎء ﺣﺴﺐ ﻣﺴﺎﻫﻤﺔ ﻛﻞ ﻓﺮد ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ إﻧﺠﺎز اﻟﻔﻘﺎرة ،وﻳﺘﻢ اﻹﻋﻼن ﻋﺒﺮ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ وﻓﻲ اﻷﺳﻮاق أن اﻟﻘﺼﺮﻳﺔ اﻟﻔﻼﻧﻴﺔ ﺳﻴﺘﻢ "ﺗﻜﻴﺎﻟﻬﺎ" ﻟﻴﺤﻀﺮ أﺻﺤﺎب اﻟﺒﺴﺎﺗﻴﻦ وﻣﺎﻟﻜﻲ اﻷﺳﻬﻢ وﻛﻞ ﺷﺨﺺ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﺑﻴﻊ أﺳﻬﻤﻪ أو ﺗﺤﻮﻳﻠﻬﺎ ،وﻓﻲ اﻟﻌﺎدة ﻳﺘﻢ "ﺗﻜﻴﺎل" اﻟﻤﺎء ﻣﺮة ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ وأﺣﻴﺎﻧﺎ ﻣﺮة ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺘﻴﻦ ،وﺗﺠﺪر اﻹﺷﺎرة ﻫﻨﺎ إﻟﻰ أن ﻣﻴﺎه اﻟﻔﻘﺎرة ﻻ ﻳﺘﻢ ﺗﻜﻴﺎﻟﻬﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﺿﻌﻴﻔﺔ أو ﻗﻮﻳﺔ وإﻧﻤﺎ ﻳﺘﻢ اﻻﻧﺘﻈﺎر ﺣﺘﻰ ﺗﺼﺒﺢ ﻣﻌﺘﺪﻟﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻈﻠﻢ أﺣﺪ. "ﻛﻴﺎل اﻟﻤﺎء" ﻛﻨﺰ ﻣﻬﺪد ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض
ﻳﺘﻮﻟﻰ ﺷﺨﺺ ذو ﻋﻠﻢ وأﺧﻼق ﻳﺴﻤﻰ "اﻟﻜﻴﺎل" ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﻜﻴﻴﻞ اﻟﻤﺎء أي ﻗﻴﺎﺳﻪ وﺗﻘﺴﻴﻤﻪ وﻓﻖ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻀﻮاﺑﻂ اﻟﻤﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻬﺎ، وﻓﻲ اﻟﻌﺎدة ﻳﺴﺎﻋﺪ اﻟﻜﻴﺎل ﺷﺨﺼﺎن آﺧﺮان ﻫﻤﺎ "اﻟﺰ ّﻣﺎم" و"اﻟﺤﺴﺎب"، واﻟﺰ ّﻣﺎم اﻟﺬي ﻳﺴﻤﻰ ﻛﺬﻟﻚ "اﻟﺸﺎﻫﺪ" أو "ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺠﺮﻳﺪة" ،ﻫﻮ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻳﻨﺎط ﺑﻪ ﺗﺪوﻳﻦ وﺗﻮﺛﻴﻖ ﻛﻞ اﻟﺤﺴﺎﺑﺎت اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻜﻤﻴﺔ ﻣﻴﺎه اﻟﻔﻘﺎرة وﺣﺼﺺ ﻛﻞ "ﻋﺮش" ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ وﺛﻴﻘﺔ ﺗﺪﻋﻰ "زﻣﺎم اﻟﻔﻘﺎرة" ﺗﻔﺎدﻳﺎ ﻷي ﺧﻼف أو ﻧﺰاع ﻗﺪ ﻳﻨﺸﺐ ﺑﻴﻦ اﻷﻋﺮاش ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻨﻪ وﺛﻴﻘﺔ ﺣﺴﺎﺳﺔ وﻣﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺰﻳﺰ اﺳﺘﻘﺮار اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻟﺬﻟﻚ ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﻢ اﻻﺣﺘﻔﺎظ ﺑـ "اﻟﺰﻣﺎم" ﻋﻨﺪ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺗﺤﻈﻰ ﺑﺎﺣﺘﺮام "اﻟﺤﺴﺎب" ﻓﻬﻮ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻳﺤﺴﺐ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﺜﻞ إﻣﺎم اﻟﻤﺴﺠﺪ ،أﻣﺎ َ ﻣﻘﺪار ﻛﻞ ﺷﺨﺺ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء اﻋﺘﻤﺎدا ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺮد ﻓﻲ "زﻣﺎم اﻟﻔﻘﺎرة". ﻳﺴﺘﺨﺪم اﻟﻜﻴﺎل آﻟﺔ ﺧﺎﺻﺔ وﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺻﻔﻴﺤﺔ ﻧﺤﺎﺳﻴﺔ ﻣﺴﺘﻄﻴﻠﺔ أو داﺋﺮﻳﺔ ذات ﺛﻘﻮب ﻋﺪﻳﺪة ﻣﺘﻔﺎوﺗﺔ اﻟﻘﻄﺮ وﻣﺘﺪرﺟﺔ ﻣﻦ اﻷﺻﻐﺮ إﻟﻰ اﻷﻛﺒﺮ ﻟﻴﻤﺮ ﻋﺒﺮﻫﺎ اﻟﻤﺎء وﺗﺴﻤﺢ ﺑﺤﺴﺎب ﻛﻤﻴﺘﻪ .وﻟﻬﺎ ﻋﺪد ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﺴﻤﻴﺎت ﺣﺴﺐ ﻛﻞ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻓﺘﺴﻤﻰ "اﻟﻜﻴﺎﻟﺔ" أو "اﻟﻌﺒﺎرة" أو "اﻟﺸﻘﻔﺔ" أو "اﻟﺼﺒﺎرة" أو "اﻟﻤﺸﻠﺔ" أو "اﻟﺤﻼﻓﺔ" وﻫﻲ ﺻﻴﻐﺔ ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻠﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪل واﻟﻤﺴﺎواة .وﻟﺘﻮزﻳﻊ ﻣﻴﺎه اﻟﻔﻘﺎرة ﻋﻠﻰ ﻣﻼﻛﻬﺎ وﺣﺪة أﺳﺎﺳﻴﺔ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى ﻟﻜﻦ أﺻﻠﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻳﺴﻤﻰ "اﻟﺤﺒﺔ" ،وﻣﻦ ﻣﺴﻤﻴﺎﺗﻬﺎ "اﻟﻌﻮد" و"اﻟﺼﺒﻊ" و"اﻟﺨﺮﻗﺔ" ،وﺑﻬﺎ
118
»ﻛﻴﺎﻟﻴﻦ اﻟﻤﺎء« ﻓﻲ واﺣﺎت »ﺗﻮات« اﻟﺠﺰاﺋﺮﻳﺔ
ﻳﻜﻮن ﻗﻴﺎس ﻣﺎء اﻟﻔﻘﺎرة إﺟﻤﺎﻻ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻔﻘﺎرة 100ﺣﺒﺔ ﻣﺎء أو 200ﺣﺒﺔ ﻣﺎء وﻣﺎ إﻟﻰ ذﻟﻚ ،واﻷﺳﺎس اﻟﺬي اﻋﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻫﻮ ﻣﻘﺪار ﺗﺪﻓﻖ اﻟﻤﺎء ﻓﻲ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ وﻳﻤﻜﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻣﻌﺪل ﺻﺐ اﻟﺤﺒﺔ ﺑﺜﻼث ﻟﺘﺮات وﻧﺼﻒ ﻓﻲ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ .واﻟﺤﺒﺔ ﺗﻌﺎدل أرﺑﻌﺔ وﻋﺸﺮون ﻗﻴﺮاﻃﺎ أو ﺳﺘﺔ وﺗﺴﻌﻴﻦ درﻫﻤﺎ ،أرﺑﻌﺔ دراﻫﻢ ﻟﻜﻞ ﻗﻴﺮاط ،أو ﻣﺌﺔ وأرﺑﻌﺔ وأرﺑﻌﻮن ﺧﺮوﺑﺔ ،ﺳﺖ ﺧﺮوﺑﺎت ﻟﻜﻞ ﻗﻴﺮاط ،أو ﺧﻤﺲ ﻣﺌﺔ وﺳﺘﺔ وﺳﺒﻌﻮن ﻣﻮزوﻧﺔ ،ﺳﺘﺔ ﻣﻮزوﻧﺎت ﻟﻠﺪرﻫﻢ أو أرﺑﻌﺔ ﻣﻮزوﻧﺎت ﻟﻠﺨﺮوﺑﺔ .ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻳﺘﻢ "ﺗﻜﻴﺎل" ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻤﺎء اﻹﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻘﺎرة ،وﻳﻌﺘﻤﺪ ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻧﺼﻴﺐ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ ﻋﻠﻰ ﺣﺠﻢ ﻣﺴﺎﻫﺘﻪ اﻟﻔﻘﺎرة ،أي أن ﻧﺼﻴﺐ اﻟﻤﺎء ﻳﺤﺪد ﺑﺤﺴﺐ ﻋﺪد اﻷﺳﻬﻢ ،ﻓﻜﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﻋﺪد اﻷﺳﻬﻢ ﻛﺒﻴﺮا ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻨﺼﻴﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺎه أﻛﺜﺮ واﻟﻌﻜﺲ ﺻﺤﻴﺢ ،ﻓﻤﺜﻼ إذا ﻛﺎن ﻧﺼﻴﺐ اﻟﺸﺨﺺ اﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ ﻗﻴﺮاﻃﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺮاط ﻓﻨﺼﻴﺒﻪ ﻳﺴﺎوي 1/2ﻗﻴﺮاط ،وإذا ﻛﺎن ﻟﻪ أرﺑﻌﺔ ﻗﺮارﻳﻂ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺮاط ﻓﻬﻮ ﻳﻤﻠﻚ 1/6ﻗﻴﺮاط ﻓﺎﻟﺘﻘﺴﻴﻢ ﻳﻜﻮن ﺑﺸﻜﻞ ﺗﻨﺎزﻟﻲ ﻣﻦ أﻛﺒﺮ وﺣﺪة وﻫﻲ "اﻟﺤﺒﺔ" إﻟﻰ أﺻﻐﺮ وﺣﺪة وﻫﻲ "ﻗﻴﺮاط ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺮاط" وﺗﺴﺠﻞ اﻟﻤﻌﺎﻣﻼت ﺗﺒﺎﻋﺎ ﻓﻲ "زﻣﺎم اﻟﻔﻘﺎرة" ،ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻢ ﺗﺴﺠﻴﻞ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻄﺮأ ﻣﻦ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻓﻲ ﺳﻬﻢ اﻟﻤﺎﻟﻚ ،أو ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺗﺮﻛﺘﻪ ﻋﻠﻰ ورﺛﺘﻪ ،أو دﺧﻮل ﻣﺎﻟﻚ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﻌﺪ أﺷﻐﺎل ﺗﻮﺳﻌﺔ أو ﺗﺮﻣﻴﻢ ﻣﺜﻼ .وﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺎﻟﻚ ﻧﻘﻞ ﺳﻬﻤﻪ أو ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﺳﺎﻗﻴﺔ اﻷﺧﺮى أو ﻣﻦ ﻓﻘﺎرة اﻷﺧﺮى .ﻳﺘﻢ دﻓﻊ أﺗﻌﺎب "ﻛﻴﺎل اﻟﻤﺎء" وﻣﻦ ﻣﻌﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﻔﻼﺣﻴﺔ ﻛﺎﻟﺘﻤﻮر واﻟﺨﻀﺮ وﻧﺎدرا ﻣﺎ ﻳﺘﻢ دﻓﻌﻬﺎ ﺑﺤﺼﺔ ﻣﻦ ﻣﺎء اﻟﻔﻘﺎرة .وﺑﻌﺪ ﺗﻜﻴﺎل اﻟﻤﺎء ﺑﺘﻢ ﺗﺴﻴﻴﺮه ﻋﺒﺮ "اﻟﺴﺎﻗﻴﺔ" ﻟﻴﺴﺘﻘﺮ ﻓﻲ "اﻟﻤﺎﺟﻦ" ،وﻫﻲ ﺣﻮض ﻃﻴﻨﻲ ﺗﺠﻤﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﻤﻴﺎه اﻵﺗﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺎرة ،وﻋﻨﺪ اﻣﺘﻼﺋﻪ ﻳﻘﻮم ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺒﺴﺘﺎن ﺑﻔﺘﺤﻪ ﻟﻴﺴﻤﺢ ﻟﻠﻤﺎء ﺑﺎﻟﺘﺪﻓﻖ ﻟﺴﻘﻲ اﻟﻤﺴﺎﺣﺎت اﻟﻤﺰروﻋﺔ وواﺣﺎت اﻟﻨﺨﻴﻞ.وﻫﻜﺬا أﺛﺒﺘﺖ ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻟﺘﻜﻴﺎل اﻟﻤﺎء واﻟﺘﻲ اﺑﺘﻜﺮﻫﺎ ﺳﻜﺎن واﺣﺎت اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻐﺮﺑﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮي ﻧﺠﺎﻋﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻤﻴﺎه ﺑﺎﻟﺘﺮاﺿﻲ واﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ وﺗﻘﻮﻳﺔ اﻟﺘﻀﺎﻣﻦ ﺑﻴﻦ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﺳﺎﻫﻤﺖ ﻓﻲ ازدﻫﺎر اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ واﺳﺘﺪاﻣﺔ ﻣﻮاردﻫﺎ ﻋﺒﺮ اﻟﻘﺮون ،إﻻ أن اﻟﻤﻌﺎرف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﻔﻘﺎرة وﺻﻴﺎﻧﺘﻬﺎ وﺗﻜﻴﺎل اﻟﻤﺎء ﺗﻌﺎﻧﻲ اﻟﻴﻮم ﻣﻦ اﻹﻫﻤﺎل ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻋﺪم إﻗﺒﺎل اﻟﺸﺒﺎب ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻠﻤﻬﺎ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻣﺖ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻬﻴﺌﺎت اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ وﻏﻴﺮ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﺑﺎﺗﺨﺎذ ﺧﻄﻮات ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﻴﺚ ﺗﻢ اﺳﺘﺤﺪاث ﺗﺨﺼﺺ ﺗﻜﻮﻳﻨﻲ ﻟﺼﻴﺎﻧﺔ اﻟﻔﻘﺎرة ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﻣﺮاﻛﺰ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ اﻟﻤﻬﻨﻲ ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﺴﻴﻖ ﻣﻊ ﻣﺮﺻﺪ اﻟﻔﻘﺎرة ﺑﺄدرار )ﻣﺆﺳﺴﺔ رﺳﻤﻴﺔ( ﻟﻀﻤﺎن اﻟﺘﺄﻃﻴﺮ اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ ﻟﻠﻤﺘﺮﺑﺼﻴﻦ ﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻲ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ ورﺷﺎت ﺗﺪرﻳﺒﻴﺔ داﺧﻞ اﻟﻔﻘﺎرات ﻟﺘﺰوﻳﺪﻫﻢ ﺑﺎﻟﺨﺒﺮة واﻟﻤﻬﺎرة اﻟﻜﺎﻓﻴﺔ ﻹﻋﺪاد ﻓﺮﻳﻖ ﻣﺘﺨﺼﺺ وﻣﺆﻫﻞ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻧﺔ "اﻟﻔﻘﺎرة" و"ﺗﻜﻴﺎل اﻟﻤﺎء" * ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﺎﺗﻨﺔ ،اﻟﺠﺰاﺋﺮ
"اﻟﻔﻘﺎرة" ﻫﻨﺪﺳﺔ ﻣﺒﺘﻜﺮة ﻟﺠﻠﺐ اﻟﻤﺎء
اﺧﺘﻠﻒ ﻓﻲ أﺻﻞ ﻛﻠﻤﺔ ''اﻟﻔﻘﺎرة'' ﺣﻴﺚ ﻳﺮى اﻟﺒﻌﺾ أﻧﻬﺎ ﻣﻦ "اﻟﻔﺠﺎرة" ﺑﺎﻟﺠﻴﻢ ،ﻣﻦ ﻓﺠﺮ ﻳﻔﺠﺮ ﻓﺠﺮا ً ،ذﻟﻚ أن اﻟﻌﺮب ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻓﻲ ﻛﻼﻣﻬﻢ: اﻧﻔﺠﺮ اﻟﻤﺎء وﺗﻔﺠﺮ :ﺳﺎل ،وﻓ ّﺠﺮه أي أﺳﺎﻟﻪ .ﺛﻢ ﺗﺤﻮﻟﺖ اﻟﺠﻴﻢ ﺑﺎﻻﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻌﺎﻣﻲ إﻟﻰ ﻗﺎف ﻣﻌﺠﻤﺔ ،ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ''اﻟﻔﺠﺎرة'' ''ﻓٌﻘﺎرة''، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺮى اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ أن اﻻﺳﻢ ﻣﺸﺘﻖ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮ اﻟﺬي ﻳﻌﻨﻲ اﻟﺤﻔﺮ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻚ ﻓﻘﺮ ﻛﺬا أي َﺣﻔﺮه .اﻟﻔﻘﺎرة ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻵﺑﺎر ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﻣﻦ اﻷﺳﻔﻞ ﺑﻤﻤﺮات ﺟﻮﻓﻴﺔ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻋﺒﺮﻫﺎ اﻟﻤﻴﺎه ﻣﻦ ﺑﺌﺮ إﻟﻰ ﺑﺌﺮ أﻗﻞ ﻣﻨﻬﺎ اﻧﺨﻔﺎﺿﺎ إﻟﻰ أن ﺗﺨﺮج إﻟﻰ ﺳﻄﺢ اﻷرض ﺛﻢ ﺗﺠﺮي ﻓﻲ اﺗﺠﺎه واﺣﺎت اﻟﻨﺨﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺎل إﻟﻰ اﻟﺠﻨﻮب ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ،وﻳﺘﻢ اﻟﺒﺪء ﺑﺤﻔﺮ اﻟﺒﺌﺮ اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻰ "اﻟﺮاس" ﻣﻦ ﻧﻘﻄﺔ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﺗﺤﺪد ﻣﺴﺒﻘﺎ وﺗﻜﻮن ﻫﻲ اﻷﻋﻤﻖ إذ ﻗﺪ ﻳﺼﻞ ﻋﻤﻘﻬﺎ إﻟﻰ 40م ،ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳﺘﻢ ﺣﻔﺮ ﻗﻨﺎة ﺑﺎﺗﺠﺎه اﻟﻤﺼﺐ وﺗﺴﻤﻰ "اﻟﻨﻔﺎذ" ﻣﻊ ﻣﺮاﻋﺎة أن ﺗﻜﻮن اﻟﻘﻨﺎة ﻣﺎﺋﻠﺔ ﺑﻨﺴﺒﺔ ﻣﺤﺪدة ﻟﺘﺴﻬﻴﻞ ﺟﺮﻳﺎن اﻟﻤﺎء ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ ،ﻋﻠﻰ أن ﻻ ﻳﻜﻮن اﻟﻤﻴﻞ ﻗﻠﻴﻼ ﻓﻴﺮﻛﺪ اﻟﻤﺎء وﻻ ﺷﺪﻳﺪا ﻓﻴﺆدي إﻟﻰ ﺟﺮف اﻟﻘﻨﺎة وﻣﻦ ﺛﻢ اﻧﻬﻴﺎرﻫﺎ ،ﺛﻢ ﻳﺘﻢ ﺣﻔﺮ آﺑﺎر ﻟﻠﺘﻬﻮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻓﺎت ﻣﺘﺴﺎوﻳﺔ ﺑﻴﻦ 5م إﻟﻰ 12م ،وﻫﻜﺬا ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻞ اﻟﻘﻨﺎة إﻟﻰ اﻟﻤﺼﺐ وﺗﺨﺮج اﻟﻤﻴﺎه ﻓﻮق ﺳﻄﺢ اﻷرض وﺗﺘﺠﻤﻊ ﻓﻲ ﺣﻮض
ﻛﺒﻴﺮ ﻳﺴﻤﻰ ''اﻟﻘﺼﺮﻳﺔ'' ،وﻣﻨﻬﺎ ﺗﺨﺮج ﻋﺒﺮ "اﻟﻤﺸﻄﺔ" وﻫﻲ ﺻﺨﺮة ﻣﻨﺤﻮﺗﺔ ﻓﻲ ﺟﺰﺋﻬﺎ اﻟﺴﻔﻠﻲ ﻣﺜﻞ ﻣﺸﻂ اﻟﺸﻌﺮ ،ﻟﺘﺼﺐ ﻓﻲ ﺳﻮاﻗﻲ ﻣﺘﻔﺮﻋﺔ ﺗﻮزع ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﻴﺎه اﻟﻔﻘﺎرة. " اﻟﺘﻜﻴﺎل" ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ اﻟﺤﺴﺎب واﻟﺘﻮزﻳﻊ
ﻳﺘﻢ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﻣﻴﺎه اﻟﻔﻘﺎرة اﻋﺘﻤﺎدا ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺣﺴﺎﺑﻴﺔ دﻗﻴﻘﺔ ﺗﺮاﻋﻲ ﻣﺴﺎﻫﻤﺔ ﻛﻞ ﻓﺮد ،ﻣﻊ ﻣﺮاﻋﺎة أوﻟﻮﻳﺔ اﻻﺳﺘﻬﻼك اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮه، ﻓﺒﻌﺪ وﺻﻮل اﻟﻤﻴﺎه إﻟﻰ ﻣﺸﺎرف "اﻟﻘﺼﺮ" أي اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺗﺸﻖ ﻟﻬﺎ "اﻟﺴﺎﻗﻴﺔ" وﻫﻲ ﻗﻨﺎة ﻣﺎﺋﻴﺔ ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ وﻣﺘﺎﺣﺔ ﻟﻠﻌﻤﻮم ﻟﻴﺘﻤﻜﻦ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﺮب واﻷﻏﺮاض اﻟﻤﻨﺰﻟﻴﺔ ،ﺛﻢ ﺗﻮاﺻﻞ "اﻟﺴﺎﻗﻴﺔ" ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﺤﻘﻮل واﻟﺒﺴﺎﺗﻴﻦ، ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
117
ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب
ƠǤƲƚČƳƩǖČ lďČǡƢz ďƜƫČĨ ǣǍ lĆƜǚǖČ ǛǥǖƜǥǓz د .ﻣﺒﺮوك ﺑﻮﻃﻘﻮﻗﺔ
ﺷﻜﻞ اﻟﻤﺎء ﻋﺼﺐ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻨﺬ وﺟﺪ اﻻﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ اﻷرض ،وﻋﻠﻰ ﺿﻔﺎف اﻷﻧﻬﺎر اﻧﺒﺜﻘﺖ ﺗﺒﺎﻟﻴﺞ اﻟﺤﻀﺎرات اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ اﻷوﻟﻰ ،وذﻟﻚ ﻟﻜﻮن اﻟﻤﺎء ﻣﺎدة أﺳﺎﺳﻴﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻧﺸﺎﻃﺎت اﻻﻧﺴﺎن وأﻋﻤﺎﻟﻪ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ ﻓﻴﻜﺘﺴﺐ اﻟﻤﺎء ﻗﻴﻤﺔ ﺗﺒﻠﻎ ﺣﺪ اﻟﻘﺪاﺳﺔ ﻟﻨﺪرﺗﻪ وﻗﻠﺔ ﺗﻮاﺟﺪه وﺻﻌﻮﺑﺔ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻪ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻃﻮر ﺳﻜﺎن اﻟﺼﺤﺮاء ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻟﻠﺠﺰاﺋﺮ وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ "ﺗﻮات" ﻧﻈﺎﻣﺎً ﻓﺮﻳﺪاً ﻟﻼﺳﺘﻐﻼل اﻟﻤﺸﺘﺮك ﻟﻠﻤﻴﺎه ﻣﻦ ﺧﻼل اﺳﺘﺨﺪام ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻻﺳﺘﺨﺮاج اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ وﻧﻘﻠﻬﺎ ﻟﻤﺴﺎﻓﺎت ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﺮب واﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻟﻤﻨﺰﻟﻴﺔ وﺳﻘﻲ واﺣﺎت اﻟﻨﺨﻴﻞ واﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ اﻟﺰراﻋﻴﺔ ،وذﻟﻚ ﻋﺒﺮ ﻗﻨﻮات ﺗﺤﺖ أرﺿﻴﺔ ﺗﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﻗﻮة اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ اﻷرﺿﻴﺔ ﻟﺘﺴﻴﻴﺮ اﻟﻤﺎء ﻧﺤﻮ اﻟﺴﻄﺢ ﻟﺘﺴﻬﻞ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻨﻪ ﺗﺴﻤﻰ "اﻟﻔﻘﺎرة" ،وﻳﺘﻢ ﺣﺴﺎب وﺗﻘﺴﻴﻢ 116
»ﻛﻴﺎﻟﻴﻦ اﻟﻤﺎء« ﻓﻲ واﺣﺎت »ﺗﻮات« اﻟﺠﺰاﺋﺮﻳﺔ
ﻣﻴﺎه "اﻟﻔﻘﺎرة" وﻓﻖ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺗﺴﻤﻰ "ﺗﻜﻴﺎل اﻟﻤﺎء" ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻤﺎء ﺣﺴﺐ ﻣﺴﺎﻫﻤﺔ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ ﻓﻲ ﺣﻔﺮ "اﻟﻔﻘﺎرة" وﺻﻴﺎﻧﺘﻬﺎ ،وﻧﻈﺮا ﻷﻫﻤﻴﺔ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﻳﺸﻜﻞ ﻣﺤﻮر ﺣﻴﺎة ﺳﻜﺎن اﻟﻮاﺣﺎت ﻓﻘﺪ ﺻﺎر ﺗﺮاﺛﺎً ﺣﻀﺎرﻳﺎً ﺛﻘﺎﻓﻴﺎً اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎً اﻗﺘﺼﺎدﻳﺎً ﻣﺘﻜﺎﻣﻼ ﺗﻮارﺛﺘﻪ أﺟﻴﺎل ﻣﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﻟﻌﺸﺮات اﻟﻘﺮون ﻛﻤﺼﺪر ﻟﻌﻴﺶ ﻟﺴﻜﺎن اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ووﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ وﻃﺮﻳﻘﺔ ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮارد اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ واﺳﺘﺪاﻣﺘﻬﺎ ،ﻟﺬا ﺻﻨﻔﺖ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻟﻠﻴﻮﻧﻴﺴﻜﻮ اﻟﻌﻨﺼﺮ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ "ﻛ ّﻴﺎﻟﻴﻦ اﻟﻤﺎء" ﺿﻤﻦ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ اﻟﺘﻤﺜﻴﻠﻴﺔ ﻟﻠﺘﺮاث ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي ﻟﻺﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وأﺛﻨﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻌﻨﺼﺮ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻤﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﺘﺴﻴﻴﺮ اﻟﺪﻗﻴﻖ ﻟﻠﻤﺎء ﻣﻦ ﻗﺒﻞ "ﺳﻜﺎن ﺗﻮات" ،ﻣﻮﺟﻬﺔ ﺷﻜﺮﻫﺎ ﻟﻠﺠﺰاﺋﺮ اﻟﺘﻲ أدرﻛﺖ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻟﻜﻴﻔﻴﺔ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻤﺎء ،ﻛﻞ ذﻟﻚ دﻓﻌﻨﺎ ﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﺿﻮع ﻗﺼﺪ ﺷﺮح ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث اﻟﻔﺮﻳﺪ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻪ.
ﻓﻲ وﺻﻒ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ ﺗﺪﻓﻘﻬﺎ وﺳﺮﻳﺎﻧﻬﺎ ،ﻟﻨﺼﻞ ﻣﻊ ﻓﻴﺮوﻧﻴﻜﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﻮل )إن اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻛﺎﻟﻤﺎء ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﺳﺎﺋﻠﺔ اﻧﺴﻴﺎﺑﻴﺔ داﺋﻤﺔ؛ﺗﺮﺷﺢ وﺗﺴﻴﻞ وﺗﻔﻴﺾ وﺗ ُﻐﺮق ،ﺣﺘﻰ إﻧﻬﺎ ﺗﻐﺴﻞ اﻷدﻣﻐﺔ(. ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ )اﻟﻤﺎء واﻷﺣﻼم( ﻳﺤﺪﺛﻨﺎ ﻏﺎﺳﺘﻮن ﺑﺎﺷﻼر أﻳﻀﺎ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺎء واﻟﺨﻴﺎل ،وﻳﺘﺨﺬ ﺷﻮاﻫﺪه ﻣﻦ أﺷﻌﺎر إدﻏﺎر ﺑﻮ اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ﻣﺎدﺗﻪ اﻟﻤﻔﻀﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻣﺠﺎزاﺗﻪ ،ﻣﻌﺘﺒﺮا أن )اﻟﻤﺎء اﻟﺜﻘﻴﻞ( ﻫﻮ )أﻋﻤﻖ ،وأﻣﻮت ،وأﻧﻌﺲ ،ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﻤﻴﺎه ﻓﻲ ﺧﻴﺎل )ﺑﻮ( ﺗﻔﻀﻴﻞ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻤﺎﻫﻴﺔ ،اﻟﻤﺎﻫﻴﺔ اﻷم( -ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ،-و)اﻟﻤﺎء اﻟﺜﻘﻴﻞ( اﻟﺬي ﻳﺘﺒﻨﺎه )ﺑﻮ( ﻓﻲ أﺷﻌﺎره ﻳﻤﺜﻞ اﻟﻤﻮت واﻟﻔﻘﺪ وﻫﻮ ﻻ ﻳﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻧﻮع آﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ،إذ ﻻ ﻳﺼﻔﻮ ﻫﺬا )اﻟﻤﺎء اﻟﻌﺎﺗﻢ( أﺑﺪا، ﻓﻬﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ )ﻣﺎء ﺣﺰﻳﻦ ﻳﻤﻮت(؛ ﺣﻴﺚ )ﻳﺒﺪأ ﺣﻠﻢ اﻟﻴﻘﻈﺔ ،أﻣﺎم ﻣﺎء رﻗﺮاق ،وﻳﺪﺧﻞ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ﻓﻲ اﻧﻌﻜﺎس ﻓﺴﻴﺢ ،ﺿﺎ ٍج ﺑﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﺷﻔﺎﻓﺔ. وﻳﻨﺘﻬﻲ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ ﻣﺎء ﺣﺰﻳﻦ ﻋﺎﺗﻢ ،ﻓﻲ ُﻋﻤﻖ ﻣﺎء ﻳﻨﻘﻞ ﻫﻤﺴﺎت ﻏﺮﻳﺒﺔ وﺟﻨﺎﺋﺰﻳﺔ ،إذ إن ﺣﻠﻢ اﻟﻴﻘﻈﺔ ﻓﻲ ﺟﻮار اﻟﻤﺎء ،وﻫﻮ ﻳﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺗﺎه ،ﻳﻤﻮت ﻫﻮ أﻳﻀﺎ ﻣﻮت ﻛﻮن ﻏﺎرق( -ﻋﻠﻰ وﺻﻒ ﺑﺎﺷﻼر.- إن اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺎء واﻟﺨﻴﺎل ﻋﻼﻗﺔ ذات ﺑﻌﺪ إﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﻬﻲ )ﺗﻴﺎر ﺣﻴﺎة( ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻓﻲ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ )ﻧﻬﺮ ﻛﻴﻤﻲ( ﻓﻲ ﻓﻨﻠﻨﺪا ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﻤﺜﻼ ﻟﻠﻘﻮة واﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺪاﺋﻤﺔ .وﻫﻜﺬا ﺳﻨﺠﺪ أن اﻷﻣﻢ ﻋﺒﺮ ﻗﺪﻳﻢ اﻷزﻣﻨﺔ اﺗﺨﺬت ﻣﻦ اﻟﻤﺎء رﻣﺰا ً ﻟﻠﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻄﻘﻮس واﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻓﻲ ﻃﻘﺲ اﻟﺴﺒﺎﺣﺔ ﻓﻲ اﻷﻧﻬﺎر اﻟﻤﺘﺠﻤﺪة واﻟﺒﺎردة اﻟﺬي ﻳﺘﻢ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻷوروﺑﻴﺔ اﺳﺘﻘﺒﺎﻻً ﻟﻠﻌﺎم اﻟﺠﺪﻳﺪ ،ﻛﻤﺎ اﻟﻘﻮل ﻓﻲ اﻻﻏﺘﺴﺎل ﻣﻦ اﻟﻌﺎر واﻟﺬﻧﻮب وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﻘﻮس أو اﻷﻗﻮال اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺸﻒ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺎء وﻓﻜﺮ اﻹﻧﺴﺎن وﺣﻴﺎﺗﻪ. ﻟﺬا ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﻟﻤﺎء ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ آﻓﺎق؛ ﻓﺎﻟﻤﺎء ﻻ ﻳﻤﺜﻞ ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ وﺣﺴﺐ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﻬﻮ ﺳﻠﻄﺔ ذات أﺑﻌﺎد ﻓﻮﻗﻴﺔ ،ﻳﻤﺘﻠﻜﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ )ﺷﺮﻳﺎن اﻟﺤﻴﺎة( ،إذا ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻖ اﻷﻣﺮ ﺑﻘﺪرة اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﺤﻮاذ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎﺑﻊ اﻟﻤﻴﺎه واﻟﻤﻤﺮات اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﻣﻨﺎﻓﺬ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻣﻬﻤﺔ. وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﻤﺎء اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻮردا ً ﻃﺒﻴﻌﻴﺎً ﻋﺎﻣﺎً إﻻ أﻧﻪ ﻳﺪﺧﻞ ﺿﻤﻦ إﻃﺎر اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﻴﻦ اﻟﺜﺮوة واﻟﺴﻠﻄﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ،
ﻓﻼ ﺷﻲء ﻳﺤﺪث دون اﻟﻤﺎء ،وﻻ ﺷﻲء ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺘﺤﻘﻖ دوﻧﻪ ،ﻓﻠﻠﻤﺎء ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻗﻮي ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ) ،ﻓﻬﻮ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻌﻴﻞ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻤﺎدي وﻣﻦ ﺛﻢ إﻧﺘﺎج اﻟﺜﺮوة اﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺔ واﻟﺮﻓﺎﻫﻴﺔ ،ﻟﻠﻘﺎدرﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﺗﺪﻓﻘﺎﺗﻬﺎ( ـ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮل ﻓﻴﺮوﻧﻴﻜﺎ ـ إﻧﻪ اﻟﻤﺎء ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺨﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺳﺮﻧﺎ ﺑﺮﻗﺘﻬﺎ وﺧﻔﻘﺎﻧﻬﺎ ،وﺗﻘﺘﻠﻨﺎ ﻏﺮﻗﺎ ،إﻧﻬﺎ ﺳﻠﻄﺔ اﻟﺠﻤﺎل وﻓﺘﻨﺘﻪ ،اﻟﻤﺄوى اﻟﺬي ﻧﻠﻮذ ﺑﻪ ﺣﺰﻧﺎ وﻓﺮﺣﺎ، ﻋﻄﺸﺎً وﻟﺬة
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
115
ﺳﻴﻤﻴﺎء
ǏǍưƣǖČ ƠǂǗƵĨ ėƜƩǚǖČ ƠǝƣǍ ĆƜǚǖČ ﻓﻲ ﺑﺤﻮﺛﻪ اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﺤﻴﻮان ﻻﺣﻆ ﻛﻠﻮد ﻟﻴﻔﻲ ﺷﺘﺮاوس ﻗﺒﻞ ﻧﺼﻒ ﻗﺮن ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن أن اﻟﺒﺸﺮ ﻳﻮﻇﻔﻮن اﻻﺳﺘﺨﺪام اﻟﺨﻴﺎﻟﻲ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺎدي ﺑﻐﻴﺔ ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﻤﺠﺎز ،وﻟﻌﻞ اﻗﺘﺮاح ﻏﺎﺳﺘﻮن ﺑﺎﺷﻼر ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ )اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻟﻠﻨﺎر( ﺗﺴﺠﻴﻞ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻧﻤﺎذج اﻟﺨﻴﺎل ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻼﻣﺔ )اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﻤﺎدﻳﺔ( اﻟﺘﻲ أﻟﻬﻤﺖ اﻟﻔﻠﺴﻔﺎت اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ وﻋﻠﻤﺎء اﻟﻔﻠﻚ اﻟﻘﺪﻣﺎء ،ﻳﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ "ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻨﺎ أن ﻧﺜﺒﺖ ﺿﻤﻦ إﻃﺎر اﻟﺨﻴﺎل ،ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺼ ﱢﻨﻒ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺿﺮوب اﻟﺨﻴﺎل اﻟﻤﺎدﻳﺔ ﺑﺤﺴﺐ ارﺗﺒﺎﻃﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺎر واﻟﻬﻮاء واﻟﻤﺎء أو اﻟﺘﺮاب" ،ﺟﺪﻳﺮة ﺑﺎﻟﺘﺄﻣﻞ إذا ﻣﺎ أﺧﺬﻧﺎ ﺑﻌﻴﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎر ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻂ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻤﺎ ﺣﻮﻟﻪ. وﻟﻮ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﺣﻮﻟﻨﺎ ﺑﻞ ﻓﻲ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ ﻣﻘﺪار ﻣﺎ ﻧﻤﺜﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء، وﻣﻘﺪار ﻳﻮﺟﺪ ﺣﻮﻟﻨﺎ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺘﺪﻓﻖ اﻟﻤﺎء ﻓﻴﻨﺎ أو ﺣﻮﻟﻨﺎ ﻟﻴﺲ ﻓﻌﻼً ﻓﻴﺰﻳﺎﺋﻴﺎً وﺣﺴﺐ ،ﺑﻞ ﻫﻮ ﻳﺘﻐﻠﻐﻞ ﻓﻲ ﺟﻮارﺣﻨﺎ وﻋﻮاﻃﻔﻨﺎ وﺧﻴﺎﻻﺗﻨﺎ، ﺑﻞ ﻓﻲ ﻣﻤﺎرﺳﺎﺗﻨﺎ اﻟﻄﻘﻮﺳﻴﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺑﻞ وﺣﺘﻰ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،وﻟﻴﺲ ﻣﺼﺎدﻓﺔ أن ﻳﻌﻨﻮن اﻟﻄﺒﻴﺐ أﺑﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻷزدي اﻟﻤﻌﺮوف ﺑﺎﺑﻦ اﻟﺬﻫﺒﻲ ﻣﺆﻟﻔﻪ ﺑـ )ﻛﺘﺎب اﻟﻤﺎء( وﻫﻮ أول ﻣﻌﺠﻢ ﻃﺒﻲ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻟﻴﻘﻴﻨﻪ ﺑﺄن اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺟﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء )ﻛﻞ ﺷﻲء ﺣﻲ(. ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺘﺪى اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻟﻠﻤﻴﺎه اﻟﺬي ُﻋﻘﺪ ﻓﻲ ﻣﺎرس ،2003 ﺟﻌﻠﺖ اﻟﻴﻮﻧﺴﻜﻮ اﻟﺪورة ﺑﻌﻨﻮان )اﻟﻤﺎء واﻟﺘﻨﻮع اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ،إذ ﺻﺮﺣﺖ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﺒﻴﺎن اﻟﺼﺎدر ﺑﻬﺬا اﻟﺸﺄن أن" ﻟﻠﻤﺎء ،ﻧﻈﺮا ﻟﺪوره اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑُﻌﺪا ﺛﻘﺎﻓﻴﺎ ﻣﻬﻤﺎ ،ودون ﻓﻬﻢ اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻤﺸﻜﻼت اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺘﻲ ﻧﻮاﺟﻬﻬﺎ ،وإﻳﻼء اﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﻮاﺟﺐ ﻟﻬﺎ ،ﻻ ﻳﻤﻜﻦ إﻳﺠﺎد ﺣﻞ داﺋﻢ" .وﻟﻘﺪ اﻋﺘﺒﺮت اﻟﻴﻮﻧﺴﻜﻮ أن ﻟﻠﺘﻨﻮع اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت دورا ً ﻣﻬﻤﺎً ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻓﻬﻢ اﻟﻤﻴﺎه وﺗﻘﺪﻳﺮ ﻗﻴﻤﺘﻪ وﻃﺮاﺋﻖ إدارﺗﻪ ،ﻛﻤﺎ أﻋﺪت أن ﻣﻤﺎرﺳﺎت إدارة اﻟﻤﻴﺎه ﻳﺠﺐ أن ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﻓﻬﻢ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻨﺒﻨﻲ اﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎت إدارة اﻟﻤﻴﺎه ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻮار اﻟﻤﺘﺒﺎدل ﺑﻴﻦ أﻓﺮاد ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﺑﺘﻨﻮع ﺛﻘﺎﻓﺘﻬﻢ ﺑﺎﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺄﺻﺤﺎب اﻟﺨﺒﺮة ﻣﻨﻬﻢ. وﻟﻌﻞ اﻟﻴﻮﻧﺴﻜﻮ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻗﺮرت ﻋﻘﺪ ﻫﺬا اﻟﻤﻨﺘﺪى ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻴﻦ أن اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻫﻲ اﻟﻤﺆﺳﺲ ﻟﻠﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ إدارة اﻟﻤﻴﺎه ،وﻫﻮ أﻣﺮ واﺿﺢ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ ،ﻓﻔﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﻨﺎ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ
114
اﻟﻤﺎء ﻓﺘﻨﺔ اﻟﻤﺠﺎز وﺳﻠﻄﺔ اﻟﺘﺪﻓﻖ
اﻟﺪرﻣﻜﻲ** ﺸﺔ اﻟ ﻜ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺎﺋﺸ ǚōǘƫ dzǜƢǔƓ ǛǙ dzŬŽōş
اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻧﺸﺄ ﻧﻈﺎم إدارة اﻟﻤﻴﺎه ﻓﻲ ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﻤﻴﺎه ﻋﻠﻰ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﺘﺴﺎوي ﺳﻮاء ﻟﻠﻤﻨﺎزل أو ﺳﻘﻲ اﻟﻤﺰارع وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻋﺒﺮ ﻧﻈﺎم ﻳﺴﻤﻰ )اﻟﺪوران( ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻓﻲ اﻷﻓﻼج ،ﻓﻬﻲ أﻧﻈﻤﺔ ﻣﺘﻮارﺛﺔ ﺗﺄﺳﺴﺖ ﻋﻠﻰ ﻓﻜﺮ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﺛﻘﺎﻓﺘﻪ وﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ. وﻷن اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ أو اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺗﺮﺗﺒﻂ ارﺗﺒﺎﻃﺎً وﺛﻴﻘﺎً ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﻟﻤﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻓﻲ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻓﺈن ﻣﺎ )ﻧﻌﺪه ﻃﺒﻴﻌﺔ ،ﻳُﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ،وﻳﺠﺮي اﺳﺘﻴﻌﺎﺑﻪ وﺗﻠ ُﻤﺴﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﺪﺳﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ"ـ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮل ﻓﻴﺮوﻧﻴﻜﺎ ﺳﺘﺮاﻧﻎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻬﺎ )اﻟﻤﺎء .ﻃﺒﻴﻌﺔ وﺛﻘﺎﻓﺔ(ـ ،ﻓﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ داﺋﻤﺎ ﻣﺎ ﺗﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﻤﺎدﻳﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻮﻋﻲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳُﻌﺮف ﺑـ )اﻟﺒﻴﻮﺛﻘﺎﻓﻲ( ،واﻟﻤﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺘﺒﺎدﻟﻴﺔ ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن واﻟﻤﻮاد ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ،ﻓﻜﻴﻒ إن ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻤﺎدة ﻫﻲ اﻟﻤﺎء ،اﻟﺬي ﻳﻐﺬي ﺟﺴﺪ اﻹﻧﺴﺎن ودﻣﺎﻏﻪ ﺑﻞ ووﺟﺪاﻧﻪ ،ﻟﻴﺼﺒﺢ ﻓﻜﺮه ﻣﺸﺒﻌﺎ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺨﻴﺎل واﻹﺑﺪاع. ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﻓﻴﺮوﻧﻴﻜﺎ ﺳﺘﺮاﻧﻎ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺎء واﻟﺨﻴﺎل ،اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﺪرة اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ ﻓﻬﻢ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وإدراﻛﻪ ،وﻛﻴﻒ ﻟﻠﻤﺮء أن ﻳﺪﻣﺞ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺎدي ﻓﻲ ﺗﻔﻜﻴﺮه ﻟﻴﺨﻠﻖ )اﻟﻤﺠﺎز( ،وﻫﻲ ﻓﻲ ﻫﺬا ﺗﺴﺘﺸﻬﺪ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺎزات اﻟﺘﻲ ﻳﻄﻠﻘﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻴﺎه وﻣﺼﺎدرﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ)اﻟﻤﺼﺒﺎت اﻟﻨﻬﺮﻳﺔ ،وأﺳﻄﺢ اﻟﻤﻨﺤﺪرات، وأﻋﻨﺎﻗﻬﺎ ،وأﻛﺘﺎﻓﻬﺎ ،ورؤوس اﻟﻮدﻳﺎن وأذرﻋﻬﺎ وﻏﻴﺮﻫﺎ( .واﻷﻣﺮ ﻋﻨﺪ ﻓﻴﺮوﻧﻴﻜﺎ ﻻ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺠﺎزات ﺑﻞ ﺗﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ اﻟﺪاﺋﻢ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺎء واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺟﻌﻠﻬﻤﺎ ﻣﺘﻼزﻣﻴﻦ ،إذ ﺗﻌﺮض ﻟﻨﺎ رأي ﺗﻮم ﻣﻜﻠﻴﺶ اﻟﺬي ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ )ﺗﺪﻓﻖ ﺟﺮﻳﺎن اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﻓﻴﺰﻳﺎﺋﻲ ﺟﺰﻳﺌﻲ ﻣﻊ اﻟﻤﺎء ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ إدﻣﺎج اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻓﻲ اﻟﻤﺎدة ﻋﺎﻣﺔ وﻓﻲ اﻟﻤﺎدة اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ( ،إذ ﻳﻮﻓﺮ اﻟﻤﺎء ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺜﺎﻟﻴﺔ ﻟﻠﻤﺠﺎز ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ
اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،1971 ،ص.206 - 4اﻟﻤﻘﺮي ،اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.480 - 5اﺑﻦ ﻋﺬاري ،أﺑﻮ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﺮاﻛﺸﻲ ،اﻟﺒﻴﺎن اﻟﻤﻐﺮب ﻓﻲ أﺧﺒﺎر اﻻﻧﺪﻟﺲ واﻟﻤﻐﺮب ،ج ،2ﺗﺤﻴﻖ وﻣﺮاﺟﻌﺔ:ج.س.ﻛﻮﻻن وإ.ﻟﻴﻔﻲ ﺑﺮوﻓﻨﺴﺎل ،ﺑﻴﺮوت ،دار اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،1983 ،ص .26 - 6اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻣﺠﻬﻮل ،أﺧﺒﺎر ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﻓﺘﺢ اﻷﻧﺪﻟﺲ وذﻛﺮ أﻣﺮاﺋﻬﺎ رﺣﻤﻬﻢ اﻟﻠﻪ و اﻟﺤﺮوب اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺑﻬﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،ﺗﺤﻘﻴﻖ:إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻷﺑﻴﺎري، ط ،2ﺑﻴﺮوت ،دار اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ،1989 ،ص .31اﻧﻈﺮ اﻳﻀﺎً :اﻟﺤﻤﻴﺮي، أﺑﻮ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻨﻌﻢ ،ﺻﻔﺔ ﺟﺰﻳﺮة اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻣﻨﺘﺨﺒﺔ ﻣﻦ ﻛﺘﺎب اﻟﺮوض اﻟﻤﻌﻄﺎر ﻓﻲ ﺧﺒﺮ اﻷﻗﻄﺎر ،ﻋﻨﻲ ﺑﻨﺸﺮﻫﺎ و ﺗﺼﺤﻴﺤﻬﺎ و ﺗﻌﻠﻴﻖ ﺣﻮاﺷﻴﻬﺎ أ .ﻻﻓﻲ ﺑﺮوﻓﻨﺼﺎل ،د.م ،د.ن،1970 ، ص.156 - 7اﺑﻦ ﻋﺬاري ،اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص .66 - 8اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص .70 - 9ﻧﻔﺴﻪ ،ص.139-140 - 10ﻧﻔﺴﻪ ،ص .211 - 11ﻧﻔﺴﻪ ،ص .213 - 12ﺳﺎﻟﻢ ،اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ،ص.199-200 - 13اﺑﻦ ﻋﺬاري ،اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.288 - 14ﻓﻜﺮي ،أﺣﻤﺪ ،ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺗﺎرﻳﺦ وﺣﻀﺎرة، اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ،ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺷﺒﺎب اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ،1983 ،ص.175-176 - 15اﻧﻈﺮ اﻟﻤﻮﺳﻮﻋﺔ اﻟﺤﺮة وﻳﻜﻴﺒﻴﺪﻳﺎ :ﻗﻨﻄﺮة _ﻗﺮﻃﺒﺔ https:// /ar.wikipedia.org/wiki
- 16ﺳﺮاج اﻟﺪﻳﻦ أﺑﻲ ﺣﻔﺺ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﻮردي،ﺧﺮﻳﺪة اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ وﻓﺮﻳﺪة اﻟﻐﺮاﺋﺐ.ﻧﺴﺨﺔ إﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ:اﻟﻤﻮﺳﻮﻋﺔ اﻷﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ: http://islamport.com - 17اﻷدرﻳﺴﻲ ،أﺑﻮ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ أدرﻳﺲ، ﻧﺰﻫﺔ اﻟﻤﺸﺘﺎق ﻓﻲ اﺧﺘﺮاق اﻵﻓﺎق ،ﻣﺞ ،2ﺑﻮرﺳﻌﻴﺪ ،ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،1980 ،ص.579 - 18ﻣﺆﻟﻒ ﻣﺠﻬﻮل ،وﺻﻒ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻘﺮﻃﺒﺔ اﻷﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻧﺸﺮه ﺣﺴﻴﻦ ﻣﺆﻧﺲ ،ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻣﻌﻬﺪ اﻟﺪراﺳﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺪرﻳﺪ ،ﻣﺪرﻳﺪ ،ﻣﻌﻬﺪ اﻟﺪراﺳﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻣﺞ ،1965-1966 ،13ص.165 - 19اﺑﻦ اﻟﺸﺒﺎط ،ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺸﺒﺎط اﻟﻤﺼﺮي اﻟﺘﻮزري ،ﺻﻠﺔ اﻟﺴﻤﻂ وﺳﻤﺔ اﻟﻤﺮط،ﻧﺸﺮه وﺣﻘﻘﻪ:أﺣﻤﺪ ﻣﺨﺘﺎر اﻟﻌﺒﺎدي،ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻣﻌﻬﺪ اﻟﺪراﺳﺎت اﻻﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻣﺪرﻳﺪ ،ﻣﺞ1967- ،14 ،1968ص.114 - 20اﻟﺤﻤﻴﺮي،اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.156 - 21اﻟﻤﻘﺮي ،اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.480 - 22ﻳﺬﻛﺮ اﻟﺪﻛﺘﻮر إﺣﺴﺎن ﻋﺒﺎس ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﻜﺘﺎب ﻧﻔﺢ اﻟﻄﻴﺐ، ﻛﻤﺎ ورد ﻓﻲ اﻟﻬﺎﻣﺶ رﻗﻢ ) ،(2ﻣﻦ اﻟﻤﺠﻠﺪ اﻷول ":أن ﻫﻨﺎك ﻛﺘﺎب ﺑﺎﺳﻢ "ﻣﺒﺎﻫﺞ اﻟﻔﻜﺮ وﻣﻨﺎﻫﺞ اﻟﻌﺒﺮ"ل ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ اﻷﻧﺼﺎري، ﻋﺎد ﻓﺬﻛﺮه ﺣﺎﺟﻲ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﺎﺳﻢ "ﻣﻨﺎﻫﺞ اﻟﻔﻜﺮ" ،وﻗﺎل أن اﻷﺳﻢ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﺑﺎﻟﻨﻮن ،وﻣﺆﻟﻔﻪ ﺟﻤﺎل اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﻮﻃﻮاط". اﻟﻤﻘﺮي ،اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.159 - 23اﻟﻤﻘﺮي ،اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص.480 - 24اﻟﻤﺼﺪر ﻧﻔﺴﻪ ،ص.559 ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
113
ﻋﻤﺮان
ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ وﺟﻮد ﻫﺬه اﻟﻘﻨﻄﺮة ﻟﺘﺄدﻳﺔ وﻇﻴﻔﺘﻬﺎ .وﺗﺠﺪر اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ﻫﺬه اﻟﻘﻨﻄﺮة ﻣﺎزاﻟﺖ ﻗﺎﺋﻤﺔ إﻟﻰ اﻟﻴﻮم ،وﻳﺒﻠﻎ ﻃﻮﻟﻬﺎ 223 ﻣﺘﺮا ً وﻋﺮض ﺳﻄﺤﻬﺎ ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﻣﺘﺎر وارﺗﻔﺎع ﻋﻘﻮدﻫﺎ ﻓﻮق اﻻرﺟﻞ ﻗﺮﻳﺒﺎ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﺸﺮ ﻣﺘﺮا ً ،وﻫﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﺌﻴﺔ اﻟﺘﻲ وﺻﻔﻬﺎ ﺑﻬﺎ اﻟﻤﺆرﺧﻮن واﻟﺮﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌﺮب (14).واﻟﺠﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ ﻓﻲ 2006ﺗﻢ ﺗﺮﻣﻴﻢ ﻗﻨﻄﺮة ﻗﺮﻃﺒﺔ وﻗﺪ ﺗﻢ اﻗﻔﺎل اﻟﺠﺴﺮ واﻧﻬﺎء ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻤﺮور ﻟﻤﺪة ﺳﻨﺘﻴﻦ ﻻﻋﻤﺎل اﻟﺼﻴﺎﻧﻪ وﻗﺪ ﺗﻢ اﻻﻧﺘﻬﺎء ﻣﻦ اﻟﺘﺮﻣﻴﻢ ﻓﻲ 9ﻳﻨﺎﻳﺮ .(15)2008
اﻟﺸﻜﻞ إﻟﻰ اﻟﺸﻜﻞ،وﺟﺎءت ﻛﺎﻟﻔﺮع ﻟﺬﻟﻚ اﻷﺻﻞ"(19).
• اﻟﺤﻤﻴﺮي ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔ" اﻟﺮوض اﻟﻤﻌﻄﺎر ﻓﻲ ﺧﺒﺮ اﻷﻗﻄﺎر"" :ﻗﻨﻄﺮة ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺒﻨﻴﺎن ﻗﺪرا ً وأﻋﻈﻤﻪ ﺧﻄﺮا ً ،وﻫﻲ ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻓﻲ ﻗﺒﻠﺘﻪ ،وﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻨﻪ ،ﻓﺎﻧﺘﻈﻢ ﺑﻬﺎ اﻟﺸﻜﻞ .ﻗﺎﻟﻮا :وﺑﺄﻣﺮ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻗﺎم ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺮ ﻗﺮﻃﺒﺔ اﻟﺠﺴﺮ اﻷﻋﻈﻢ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻌﺮف ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺜﻠﻪ"(20). • اﻟﻤﻘﺮي ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ "ﻧﻔﺢ اﻟﻄﻴﺐ ﻣﻦ ﻏﺼﻦ اﻻﻧﺪﻟﺲ اﻟﺮﻃﻴﺐ": "واﻟﻘﻨﻄﺮة اﻟﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻨﻬﺮ ﻋﻨﺪ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ آﺛﺎر اﻷﻧﺪﻟﺲ وأﻋﺠﺒﻬﺎ ،أﻗﻮاﺳﻬﺎ ﺳﺒﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﻮﺳﺎً") .(21وﻗﺎل ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻫﺞ اﻟﻔﻜﺮ):(22 ﻗﻨﻄﺮة ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎت اﻟﻤﺆرﺧﻴﻦ ﻟﻘﺪ ﺣﻈﻴﺖ ﻗﻨﻄﺮة ﻗﺮﻃﺒﺔ ﺑﺈﻋﺠﺎب اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺆرﺧﻴﻦ واﻟﺮﺣﺎﻟﺔ "إن ﻗﻨﻄﺮة ﻗﺮﻃﺒﺔ إﺣﺪى ﻋﺠﺎﺋﺐ اﻟﺪﻧﻴﺎ...ﻃﻮﻟﻬﺎ ﺛﻤﺎﻧﻤﺎﺋﺔ ذراع، اﻟﻌﺮب ،اﻟﺬﻳﻦ أﻓﺎﺿﻮا ﻓﻲ ذﻛﺮﻫﺎ وﺷﺮح ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ ،وﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ وﻋﺮﺿﻬﺎ ﻋﺸﺮون ﺑﺎﻋﺎً ،وارﺗﻔﺎﻋﻬﺎ ﺳﺘﻮن ذراﻋﺎً ،وﻋﺪد ﺣﻨﺎﻳﺎﻫﺎ ﺛﻤﺎﻧﻲ وأﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻘﺮﻃﺒﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎص واﻻﻧﺪﻟﺲ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم ،وﻣﻦ ﻋﺸﺮة ﺣﻨﻴﺔ ،وﻋﺪد أﺑﺮاﺟﻬﺎ ﺗﺴﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﺑﺮﺟﺎ ً"(23). ﻫﺬه اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﺘﺎﻟﻲ: • اﺑﻦ اﻟــﻮردي ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ "ﺧﺮﻳﺪة اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ وﻓﺮﻳﺪة اﻟﻐﺮاﺋﺐ" :أﻗﻮال ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺆرﺧﻴﻦ "وﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﻗﺮﻃﺒﺔ اﻟﻘﻨﻄﺮة اﻟﻌﺠﻴﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻓﺎﻗﺖ ﻗﻨﺎﻃﺮ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﺴﻨﺎً ﻗﺎل ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺆرﺧﻴﻦ ﻧﻘﻼً ﻋﻦ اﻟﻤﻘﺮي" :وأﻣﺎ اﻟﻘﻨﻄﺮة اﻟﺘﻲ ﺑﻘﺮﻃﺒﺔ وإﺗﻘﺎﻧﺎً ،وﻋﺪد ﻗﺴﻴﻬﺎ ﺳﺒﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﻮﺳﺎً ،ﻛﻞ ﻗﻮس ﻣﻨﻬﺎ ﺧﻤﺴﻮن ﺷﺒﺮا ً ﻓﻬﻲ ﺑﺪﻳﻌﺔ اﻟﺼﻨﻌﺔ ،ﻋﺠﻴﺒﺔ اﻟﻤﺮأى ،ﻓﺎﻗﺖ ﻗﻨﺎﻃﺮ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﺴﻨﺎً ،وﻋﺪد ِﻗﺴ ِﻴ ّﻬﺎ ﺳﺒﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﻮﺳﺎً ،ﺳﻌﺔ ﻛﻞ ﻗﻮس ﻣﻨﻬﺎ ﺧﻤﺴﻮن ﺷﺒﺮا ً وﺑﻴﻦ ﻛﻞ وﺑﻴﻦ ﻛﻞ ﻗﻮﺳﻴﻦ ﺧﻤﺴﻮن.ﺷﺒﺮا ً(16)". • اﻹدرﻳﺴﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ "ﻧﺰﻫﺔ اﻟﻤﺸﺘﺎق ﻓﻲ اﺧﺘﺮاق اﻵﻓﺎق"" :وﻟﻘﺮﻃﺒﺔ ﻗﻮﺳﻴﻦ ﺧﻤﺴﻮن ﺷﺒﺮا ً ،وﺑﺎﻟﺠﻤﻠﺔ ﻓﻤﺤﺎﺳﻦ ﻗﺮﻃﺒﺔ أﻋﻈﻢ ﻣﻦ أن ﻳﺤﻴﻂ اﻟﻘﻨﻄﺮة اﻟﺘﻲ ﻋﻠﺖ اﻟﻘﻨﺎﻃﺮ ﻓﺨﺮا ً ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ وإﺗﻘﺎﻧﻬﺎ وﻋﺪد ﻗﺴﻴﻬﺎ ﺑﻬﺎ وﺻﻒ" (24).ﻳﺘﻀﺢ أن ﻗﻨﻄﺮة ﻗﺮﻃﺒﺔ إﺣﺪى وﺳﺎﺋﻞ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻊ ﻋﺸﺮة ﻗﻮﺳﺎً ﺑﻴﻦ اﻟﻘﻮس واﻟﻘﻮس ﺧﻤﺴﻮن ﺷﺒﺮا ً وﺳﻌﺔ اﻟﻘﻮس ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺑﻂ ﻗﺮﻃﺒﻪ ﺑﺎﻷﺟﺰاء اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻀﺢ أﻳﻀﺎً أن ﻋﺪد أﻗﻮاس ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ ﺧﻤﺴﻮن ﺷﺒﺮا ً وﺳﻌﺔ ﻇﻬﺮﻫﺎ اﻟﻤﻌﺒﻮر ﻋﻠﻴﻪ ﺛﻼﺛﻮن ﺷﺒﺮا ً وﻟﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﻘﻨﻄﺮة ﻛﻤﺎ ورد ﻋﻨﺪ اﻻدرﻳﺴﻲ واﺑﻦ اﻟﻮردي ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﻮﺳﺎً، ﺳﺘﺎﺋﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﻬﺔ ﺗﺴﺘﺮ اﻟﻘﺎﻣﺔ وارﺗﻔﺎع اﻟﻘﻨﻄﺮة ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻤﺸﻲ أﻣﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﻘﺮي ﺳﺒﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﻮﺳﺎً .أﻣﺎ ﻋﻨﺪ ﺻﺎﺣﺐ ﻣﻨﺎﻫﺞ اﻟﻔﻜﺮ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﻮﺳﺎً .ﻛﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﺪى اﻫﺘﻤﺎم إﻟﻰ وﺟﻪ اﻟﻤﺎء ﻓﻲ أﻳﺎم ﺟﻔﻮف اﻟﻤﺎء وﻗﻠﺘﻪ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﻬﺬه اﻟﻘﻨﻄﺮة ﻹدراﻛﻬﻢ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﺛﻼﺛﻮن ذراﻋﺎً وإذا ﻛﺎن اﻟﺴﻴﻞ ﺑﻠﻎ اﻟﻤﺎء ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺄدﻳﺔ ﺧﺪﻣﺎت ﻟﻠﺪوﻟﺔ واﻟﺴﻜﺎن ورﺑﻂ إﻟﻰ ﻧﺤﻮ ﺣﻠﻮﻗﻬﺎ وﺗﺤﺖ اﻟﻘﻨﻄﺮة ﻳﻌﺘﺮض اﻟﻤﺪن ﺑﻨﻮاﺣﻴﻬﺎ ،ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﻪ اﻷﺛﺮ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟــﻮادي رﺻﻴﻒ ﺳﺪ ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻷﺣﺠﺎر اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻘﺒﻄﻴﺔ واﻟﻌﻤﺪ اﻟﺨﺎﺷﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎم وﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺴﺪ ﺛﻼﺛﺔ ﺑﻴﻮت أرﺣﺎء ﻓﻲ ﻛﻞ ﺑﻴﺖ * ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث ﻣﻨﻬﺎ أرﺑﻊ ﻣﻄﺎﺣﻦ وﻣﺤﺎﺳﻦ ﻫﺬه اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ وﺷﻤﺎﺧﺘﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أن ﻳﺤﺎط ﺑﻬﺎ ﺧﺒﺮا ً ")(17 ﻫﻮاﻣﺶ: • ﻣﺆﻟﻒ ﻣﺠﻬﻮل ﻧﻘﻼً ﻋﻦ اﻟﺮازي" :ﻗﻨﻄﺮة ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻋﺠﻴﺒﺔ اﻟﺒﻨﺎء،ﺑﻨﺎﻫﺎ اﻟﺴﻤﺢ ﺑﺄﻣﺮ أﻣﻴﺮ - 1اﻟﻤﻘﺮي ،أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ،ﻧﻔﺢ اﻟﻄﻴﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻴﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻌﺰﻳﺰ رﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻏﺼﻦ اﻷﻧﺪﻟﺲ اﻟﺮﻃﻴﺐ ،ﻣﺞ ،1ﺗﺤﻘﻴﻖ:إﺣﺴﺎن ﻋﻨﻪ ،وﻫﻲ أﺣﺪ ﻏﺮاﺋﺐ اﻷرض ﻓﻲ اﻟﺼﻨﻌﺔ ﻋﺒﺎس ،ﺑﻴﺮوت ،دار ﺻﺎدر ،1968 ،ص.153 واﻹﺣﻜﺎم").(18 - 2اﻧﻈﺮ ﻣــﺎدة ﻗﻨﻄﺮةhttp://www. : • اﺑﻦ اﻟﺸﺒﺎط ﻓﻲ ﻛﺘﺎب "ﺻﻠﺔ اﻟﺴﻤﻂ .baheth وﺳﻤﺔ اﻟﻤﺮط"" :ﻗﻨﻄﺮة ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺣﺼﻴﻨﺔ ﻣﻦ - 3ﺳﺎﻟﻢ ،اﻟﺴﻴﺪ ﻋﺒﺪاﻟﻌﺰﻳﺰ ،ﻗﺮﻃﺒﺔ ﺣﺎﺿﺮة أﺟﻞ اﻟﺒﻨﻴﺎن ﻗﺪرا ً وأﻋﻈﻤﺔ ﺧﻄﺮا ،وﻫﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ "دراﺳﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻋﻤﺮاﻧﻴﺔ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻓﻲ ﻗﺒﻠﺘﺔ وﺑﺎﻟﻤﻐﺮب ﻣﻨﻪ،ﻓﺎﻧﺘﻈﻢ ﺑﻬﺎ أﺛﺮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ" ،ج ،1ﺑﻴﺮوت ،دار 112
ﻗﻨﻄﺮة ﻗﺮﻃﺒﺔ
ﻣﻮﺟﻮدة ﻗﺒﻞ اﻟﻔﺘﺢ اﻻﺳﻼﻣﻲ .وﺧﻼل وﻻﻳﺔ اﻟﺴﻤﺢ اﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ اﻟﺨﻮﻻﻧﻲ )102 - 100ﻫـ721 - 719/م( ﺗﻢ إﻋﺎدة ﺑﻨﺎء وﺗﺮﻣﻴﻢ ﻫﺬه اﻟﻘﻨﻄﺮة، ﺣﻴﺚ ﻛﺘﺐ اﻟﺴﻤﺢ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ اﻷﻣﻮي ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻌﺰﻳﺰ )99 101ﻫـ720 - 717/م() ،ﻳﺴﺘﺸﻴﺮه وﻳﻌﻠﻤﻪ أن ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﺗﻬﺪﻣﺖﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻏﺮﺑﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﺟﺴﺮ ﻳُﻌﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺮﻫﺎ ووﺻﻔﻪ ﺑﺤﻤﻠﻪ واﻣﺘﻨﺎﻋﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﻮض ،اﻟﺸﺘﺎء ﻋﺎﻣﺔ" .ﻓﺈن أﻣﺮﻧﻲ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﺒﻨﻴﺎن ﻓﻌﻠﺖ ،ﻓﺈن ِﻗﺒﻠﻲ ﻗُﻮة ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﺮاﺟﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻋﻄﺎﻳﺎ ﺳﻮر اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ُ ﻓﺒﻨﻴﺖ أﺣﺐ ﺻﺮﻓﺖ ﺻﺨﺮ ذﻟﻚ اﻟﺴﻮر ُ اﻟﺠﻨﺪ وﻧﻔﻘﺎت اﻟﺠﻬﺎد ،وإن ﱠ ﺟﺴﺮﻫﺎ" .ﻓﻴﻘﺎل إن ﻋﻤﺮ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ أﻣﺮ ﺑﺒﻨﻴﺎن اﻟﻘﻨﻄﺮة ﺑﺼﺨﺮ اﻟﺴﻮر، وأن ﻳُﺒﻨﻰ اﻟﺴﻮر ﺑﺎﻟﻠﺒﻦ إذ ﻻ ﻳﺠﺪ ﻟﻪ ﺻﺨﺮا ً ﻓﻮﺿﻊ ﻳﺪا ً ﻓﺒﻨﻰ اﻟﻘﻨﻄﺮة ﻓﻲ ﺳﻨﺔ إﺣﺪى وﻣﺎﺋﺔ().(6 ﻗﻨﻄﺮة ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻹﻧﻬﻴﺎر واﻟﺘﺮﻣﻴﻢ
ﻛﺜﻴﺮا ً ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺸﺘﺪ ﻓﻴﻀﺎن اﻟﻨﻬﺮ ،أو ﻳﻌﻈﻢ اﻟﺴﻴﻞ ،ﻓﺘﺘﺼﺪع اﻟﻘﻨﻄﺮة أو ﺗﻬﺪم أﺟﺰاء ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﻜﺎن اﻷﻣﺮاء واﻟﺨﻠﻔﺎء ﻳﺄﻣﺮون ﺑﺈﺻﻼﺣﻬﺎ وﺗﺪﻋﻴﻤﻬﺎ ﻷﻫﻤﻴﺔ وﺟﻮدﻫﺎ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺗﺆدي وﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ،وﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎﻳﻠﻲ: • ﻓﻲ ﺳﻨﺔ 161ﻫـ 777 /م ﺗﻌﺮﺿﺖ اﻟﻘﻨﻄﺮة ﻟﺴﻴﻞ ﺟﺎرف ﺳﺪ ﺣﻨﺎﻳﺎﻫﺎ وﻫﺪم ﺑﻌﻀﻬﺎ وزﻟﺰل ﺑُﻨﻴﺎﻧﻬﺎ ،وﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ اﻷﻣﻴﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺪاﺧﻞ )172 - 138ﻫـ788 - 756/م( ﻣﻦ ﺗﺮﻣﻴﻤﻬﺎ وﺗﺠﺪﻳﺪﻫﺎ ﻻﻧﺸﻐﺎﻟﻪ ﻓﻲ ﻗﻤﻊ اﻟﺜﻮرات اﻟﻤﺘﻮاﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﺷﺘﻌﻠﺖ ﺿﺪه ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ أﻧﺤﺎء اﻷﻧﺪﻟﺲ وﻗﺎم ﺑﺘﺮﻣﻴﻤﻬﺎ وإﻋﺎدة ﺑﻨﺎء ﻣﺎﺗﻬﺪم ﻣﻨﻬﺎ إﺑﻨﻪ اﻷﻣﻴﺮ ﻫﺸﺎم اﻟﺬي ﻧﻈﺮ
ﻓﻲ ﺑﻨﻴﺎن ﻗﻨﻄﺮة ﻗﺮﻃﺒﺔ ،وأﻧﻔﻖ ﻓﻲ اﺻﻼﺣﻬﺎ أﻣﻮاﻻً ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وﺗﻮﻟﻰ ﺑﻨﺎءﻫﺎ ﺑﻨﻔﺴﻪ(7). • ﻛﻤﺎ ﺗﻌﺮﺿﺖ اﻟﻘﻨﻄﺮة ﻣﺮة أﺧﺮى ﻟﺴﻴﻞ ﺟﺎرف ﺳﻨﺔ 182ﻫـ 798 / م ﺗﺮﻛﻬﺎ ﻣﺘﺪاﻋﻴﺔ ،وﻗﺪ أﺷﺎر اﺑﻦ ﻋﺬاري إﻟﻰ ذﻟﻚ )وﻓﻲ ﺳﻨﺔ ،182ﻛﺎن اﻟﺴﻴﻞ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﺑﻘﺮﻃﺒﺔ ،ذﻫﺐ ﺑﺮﺑﺾ اﻟﻘﻨﻄﺮة؛ و ﻟﻢ ﻳُﺒﻖ ﻓﻴﻪ دارا ً اﻟﺴﻴﻞ ﺷﻘُﻨﺪة() .(8ﺛﻢ ُ إﻻ ﻫﺪﻣﻬﺎ ،ﺣﺎﺷﻰ ﻏُﺮﻓﻪ ﻋﻮن اﻟﻌﻄﺎر ،وﺑﻠﻎ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟﺴﻴﻞ آﺧﺮ ﺳﻨﺔ 288ﻫـ 900 /م ،ﻫﺪم إﺣﺪى دﻋﺎﺋﻤﻬﺎ وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺑﻘﻴﺖ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺗﺆدي وﻇﻴﻘﺘﻬﺎ ﻓﻲ وﺻﻞ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﺑﻀﺎﺣﻴﺘﻬﺎ ﺷﻘﻨﺪة (9). • أﻣﺮ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﺒﺪاﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻨﺎﺻﺮ )350 - 300ﻫـ961 - 912/م( ﺑﺈﺻﻼﺣﻬﺎ ﻣﺮﺗﻴﻦ ﻓﻲ ﺳﻨﺘﻲ 331و334ﻫــــ 942/و .945ﺣﻴﺚ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ اﻷوﻟﻰ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺪ ﻧﻬﺮ ﻗﺮﻃﺒﺔ إﻟﻰ ﺗﺜﻠﻢ أﺟﺰاء ﻣﻦ اﻟﻘﻨﻄﺮة) ،(10أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻘﺪ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻟﺴﻴﻞ ﻋﻈﻴﻢ أدى إﻟﻰ ﻫﺪم اﻟﻘﻨﻄﺮة ﻣﻦ آﺧﺮﻫﺎ وﺛﻠﻢ اﻟﺮﺻﻴﻒ(11). • أﻣﺮ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻤﺴﺘﻨﺼﺮ ﺑﺎﻟﻠﻪ )-366 350ﻫـ979 - 961/م( ﻓﻲ ﻋﺎم 360ﻫـ 972/ﺑﺘﺪﻋﻴﻢ وﺗﻘﻮﻳﺔ أرﺟﻠﻬﺎ .وﻛﺎن ﻳﺮاﻗﺐ اﻷﻋﻤﺎل ﺑﻨﻔﺴﻪ وﻳﺴﺘﺤﺚ اﻟﻌﻤﺎل ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺠﻴﻞ اﺗﻤﺎﻣﻬﺎ(12). • ﻳﺬﻛﺮ أﻳﻀﺎً أن اﻟﻤﻨﺼﻮر ﺑﻦ أﺑﻰ ﻋﺎﻣﺮ )392 - 366ﻫـ1002 - 976/م( ﺟﺪد ﺑﻨﺎء ﻗﻨﻄﺮة ﻗﺮﻃﺒﺔ وأﻋﺎد ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﺳﻨﺔ 378ﻫـ988/م ،واﺳﺘﻐﺮق ﺑﻨﺎؤﻫﺎ ﺳﻨﺔ وﻧﺼﻒ وأﻧﻔﻖ ﻟﺬﻟﻚ ﻣﺎﺋﺔ وأرﺑﻌﻴﻦ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر(13). ﻳﺘﻀﺢ ﻣﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﻣﺪى اﻫﺘﻤﺎم أﻣﺮاء وﺧﻠﻔﺎء ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
111
ﻋﻤﺮان
ƠƟǁƲǐ ĎƲǂǝǐ
ǛǥƮĖƗǚǖČ ďƜƞƜƣǓ ǣǍĨ ƠǥǙĈ ǣǝƞ ĆƜǎǗƮ ǛǙ ǕƻČǡƣǙ ĥƜǚƣǟČ ﻣﻮزة ﻋﻮﻳﺺ ﻋﻠﻲ اﻟﺪرﻋﻲ
ﻗﺮﻃﺒﺔ ،ﻣﻦ اﻟﻤﺪن اﻟﺘﻲ ﻓﺘﺤﻬﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻓﻲ 92ﻫـ711/م وذﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻷﻣﻮي اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻠﻚ )96 - 86ﻫـ 705/ 715م( ،ﻟﺘﺼﺒﺢ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﻔﺘﺢ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ ﻣﺪن اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻗﺎﻃﺒﺔ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ –ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ -وﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺣﻈﻴﺖ ﻫﺬه اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﺎﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎوﻟﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻮاﻧﺐ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺳﻮاء ﻣﻦ اﻟﻨﻮاﺣﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻵﺛﺎرﻳﺔ واﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ ...إﻟﺦ. وﻫﻨﺎ ﻧﺴﻠﻂ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ أﺣﺪ اﻟﻤﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻗﺮﻃﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﺰت ﺑﻬﺎ ،أﻻ وﻫﻲ ﻗﻨﻄﺮة ﻗﺮﻃﺒﺔ اﻟﺘﻲ ُﻋﺮﻓﺖ أﻳﻀﺎً ﺑﺎﺳﻢ "ﻗﻨﻄﺮة اﻟﻮادي" " ،وﻗﻨﻄﺮة اﻟﺪﻫﺮ" .أو ﻛﻤﺎ ﺗﺴﻤﻰ اﻵن )Puente .(romanoوﻗﺪ أﻧﺸﺪ أﺣﺪ اﻟﺸﻌﺮاء ﻗﺎﺋﻼً: ﺑﺄرﺑﻊ ﻓﺎﻗﺖ اﻷﻣﺼـــﺎر ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻣﻨﻬﻦ ﻗﻨﻄﺮة اﻟﻮادي ،وﺟــــﺎﻣﻌﻬﺎ ﻫﺎﺗﺎن ﺛﻨﺘﺎن ،واﻟﺰﻫﺮاء ﺛﺎﻟـــﺜﺔ واﻟﻌﻠﻢ أﻋﻈﻢ ﺷﻲء ،وﻫﻮ راﺑﻌﻬﺎ)(1
110
ﻗﻨﻄﺮة ﻗﺮﻃﺒﺔ
واﻟﻘﻨﻄﺮة ﻛﻤﺎ ﺟﺎءت ﻓﻲ ﻣﻌﺎﺟﻢ اﻟﻠﻐﺔ ،ﻫﻲ اﻟﺠ ِْﺴ ُﺮ؛ وﻗﻴﻞ ﻣﺎ ارﺗﻔﻊ ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻴﺎن) .(2واﻟﻘﻨﻄﺮة إﺣﺪى ﻣﻔﺎﺧﺮ ﻗﺮﻃﺒﺔ ،وﺗﻘﻊ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﻘﺒﻠﻲ ﻓﻲ ﺷﻤﺎﻟﻲ ﺑﺎب ﻗﺮﻃﺒﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ،واﻟﺬي ُﻋﺮف ﺑﺎﺳﻢ ﺑﺎب اﻟﻘﻨﻄﺮة ﻧﺴﺒﺔ ﻟﻘﻨﻄﺮة ﻗﺮﻃﺒﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻮادي اﻟﻜﺒﻴﺮ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﻨﻄﺮة ﻣﻦ ﺑﻨﺎء اﻷﻣﺒﺮاﻃﻮر أوﻏﺴﻄﺲ ﻗﻴﺼﺮ ،وﻗﺪ ﺗﻬﺪﻣﺖ ﻗﺒﻞ اﻟﻔﺘﺢ اﻻﺳﻼﻣﻲ وﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻮى دﻋﺎﺋﻤﻬﺎ اﻟﺮاﻛﺒﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻬﺮ) .(3وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﻞ ﺑﻴﻦ ﻗﺮﻃﺒﺔ وﺷﻘﻨﺪة. وﻳﻘﻮل اﻟﻤﻘﺮي)ت 1041ﻫـ1631 /م(» :وﻗﻴﻞ :إﻧﻪ ﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻜﺎن ﻗﻨﻄﺮة ﻣﻦ ﺑﻨﻴﺎن اﻷﻋﺎﺟﻢ ﻗﺒﻞ دﺧﻮل اﻟﻌﺮب ﺑﻨﺤﻮ ﻣﺎﺋﺘﻲ ﺳﺘﺔ أﺛﺮت ﻓﻴﻬﺎ اﻷزﻣﺎن ﺑﻤﻜﺎﺑﺪة اﻟﻤﺪود ﺣﺘﻰ ﺳﻘﻄﺖ ﺣﻨﺎﻳﺎﻫﺎ ،وﻣﺤﻴﺖ أﻋﺎﻟﻴﻬﺎ ،وﺑﻘﻴﺖ أرﺟﻠﻬﺎ وأﺳﺎﻓﻠﻬﺎ ،وﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻨﻰ اﻟﺴﻤﺢ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ إﺣﺪى وﻣﺎﺋﺔ«) .(4وﻳﻘﻮل اﺑﻦ ﻋﺬاري ﻛﺬﻟﻚ إﻟﻰ أن اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﺘﺤﻮا ﻗﺮﻃﺒﺔ وﺟﺪوا ﺑﻬﺎ آﺛﺎر ﻗﻨﻄﺮة ﻓﻮق ﻧﻬﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻨﺎﻳﺎ وﺛﺎﺋﻖ اﻻرﻛﺎن ﻣﻦ ﺗﺄﺳﻴﺲ اﻷﻣﻢ اﻟﺪاﺛﺮة ،وﻗﺪ ﻫﺪﻣﻬﺎ ﻣﺪود اﻟﻨﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻷزﻣﺎن).(5 وﻫﺬا اﻟﻘﻮل ﻳﺪل ﻋﻠﻰ أن ﻗﻨﻄﺮة ﻗﺮﻃﺒﺔ ،ﻗﻨﻄﺮة ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺟﺪا ً وﻛﺎﻧﺖ
ﺑﻨﺎ اﻟﻰ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ.ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻼﻗﺘﻲ ﺑﺎﻟﺪﻛﺘﻮر ﻧﺼﺮ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﻓﺘﺮة اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﻠﺘﻘﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﺰل أﺳﺘﺎذﻧﺎ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺮ اﻷﻫﻮاﻧﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻘﺪر ﻧﺒﻮﻏﻪ واﺟﺘﻬﺎده ،وﻟﻢ ﻳﻌﺮف ﻋﻨﻪ ﺣﻴﻨﺌﺬ أي ﺗﻤﺮد ﻓﻜﺮي أو ﺷﻄﻂ ﻣﻨﻬﺠﻲ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻼﻗﺘﻲ ﺑﻐﺮﻳﻤﻪ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻋﺒﺪ اﻟﺼﺒﻮر ﺷﺎﻫﻴﻦ أﻗﺪم ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺰاﻣﻠﻨﺎ ﻣﻌﻴﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﻛﻠﻴﺔ دار اﻟﻌﻠﻮم وﻗﺎﻣﺖ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﺻﺪاﻗﺔ وﻃﻴﺪة ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ أﻧﻬﺎﻫﺎ ﺑﻤﺴﺎره ﻓﻲ ﺗﻴﺎر اﻻﺳﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ واﺳﺘﻤﺮأ اﻟﺸﻬﺮة واﻟﻜﺴﺐ ،ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻠﺒﺚ أن ﺗﻮرط ﻣﻊ رﺟﺎل ﺗﻮﻇﻴﻒ اﻷﻣﻮال ﻓﺘﻌﺮض ﻟﻨﻘﺪ ﺷﺪﻳﺪ اﺷﺘﺮك ﻓﻴﻪ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻧﺼﺮ ،واﻧﺘﻬﺰ ﻋﺒﺪ اﻟﺼﺒﻮر ﻓﺮﺻﺔ ﻋﻀﻮﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﻟﺠﻨﺔ ﺗﺮﻗﻴﺔ اﻷﺳﺎﺗﺬة ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺎﻫﺮة وﺗﺬرع ﺑﻮرود ﻣﺼﻄﻠﺢ ﻧﻘﺪي ﻛﻨﺖ أول ﻣﻦ اﺳﺘﺨﺪﻣﻪ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺎل ﻟﻲ ﺑﻤﺠﻠﺔ ﻓﺼﻮل ﻋﺎم 1980 ﺑﻌﻨﻮان "إﻧﺘﺎج اﻟﺪﻻﻟﺔ ﻓﻲ ﺷﻌﺮ أﻣﻞ دﻧﻘﻞ" وﺧﻄﻒ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻧﺼﺮ ﻫﺬا اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﻓﻘﺎل ﻋﻦ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ إﻧﻪ "إﻧﺘﺎج ﺛﻘﺎﻓﻲ" ﻓﺎﻋﺘﻤﺪ ﺷﺎﻫﻴﻦ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻟﻴﺪﻋﻲ أن ﻧﺼﺮ ﻳﻘﺼﺪ أن اﻟﻘﺮآن ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﺒﺸﺮ وﻟﻴﺲ وﺣﻴﺎً إﻟﻬﻴﺎً ،ﻣﻊ أن اﻟﻘﺮآن ذاﺗﻪ ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ "إﻧﻪ ﻟﻘﻮل رﺳﻮل ﻛﺮﻳﻢ" ﻣﻦ دون أن ﻳﻄﻌﻦ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﺼﺪره اﻹﻟﻬﻲ. اﻧﺘﻬﺰ ﺗﺠﺎر اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻴﺸﻮن ذروة ﻣﺎ أﺳﻤﻮه "اﻟﺼﺤﻮة" اﻟﺘﻲ ﺻﺤﺒﺖ اﻟﻤﻮﺟﺔ اﻹرﻫﺎﺑﻴﺔ اﻟﻤﺪﻣﺮة ،ﻫﺬا اﻟﺨﻼف ﻓﻲ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ وأﺷﺎﻋﻮا ﺗﻜﻔﻴﺮ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻧﺼﺮ ورﻓﻌﻮا دﻋﻮاﻫﻢ اﻟﺸﻬﻴﺮة ﺑﻔﺼﻠﻪ ﻛﺮﻫﺎً ﻋﻦ زوﺟﺘﻪ ،ﻋﻨﺪﺋﺬ ﻧﺸﺮتُ وﺛﻴﻘﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﺟﺮﻳﺪة "أﺧﺒﺎر اﻷدب" اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻗﺪ أﺳﺴﻬﺎ وﻳﺪﻳﺮﻫﺎ اﻟﺼﺪﻳﻖ اﻟﺮاﺣﻞ ﺟﻤﺎل اﻟﻐﻴﻄﺎﻧﻲ أﺣﺬر ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻐﺒﺔ اﻧﺘﻘﺎل اﻟﺼﺮاع ﻣﻦ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ إﻟﻰ اﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ وأن اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﺗﻮﺷﻚ ﻋﻠﻰ اﻻﻧﺤﺪار إﻟﻴﻪ ،وﻫﻮ "ﺣﺮب اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ" واﻟﻤﻨﺎﺑﺮ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﺴﺘﻮى ﻳﺆذن ﺑﺎﻟﺨﻄﺮ ،ﻷﻧﻪ ﻳﻨﺘﻘﻞ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻔﻜﺮي واﻟﻔﻘﻬﻲ إﻟﻰ إﺛﺎرة اﻟﻌﻮام وﺗﺤﻜﻴﻤﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺠﻬﻠﻮن. ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﺗﺠﻤﻞ رؤﻳﺘﻲ ﻟﻤﺸﻜﻠﺔ إﺻﻼح اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺪﻳﻨﻲ ﺣﻴﻨﺌﺬ وﻟﻌﻞ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ أﻓﻜﺎر ﻫﻮ اﻟﺬي ﻗﻤﺖ ﺑﺘﻨﻤﻴﺘﻪ وﺗﻄﻮﻳﺮه ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ إﻋﺪادي ﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻷزﻫﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮﻳﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺠﺪﻳﺪ، وﻫﺬا ﻣﺎ دﻋﺎﻧﻲ إﻟﻰ ﻧﺸﺮ ﻫﺬه اﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﻣﻠﺤﻘﺔ ﺑﻮﺛﺎﺋﻖ
اﻷزﻫﺮ ،وﻗﺪ ﺗﻄﻮرت ﻟﺪي ﻫﺬه اﻟﺮؤﻳﺔ ﻓﻲ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻠﻘﺎءات اﻹﻋﻼﻣﻴﺔ أﺷﺮت ﻓﻴﻬﺎ إﻟﻰ أن ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻤﺠﻤﺪة وﻏﻴﺮ اﻟﻤﻌﻤﻮل ﺑﻬﺎ ﺣﺎﻟﻴﺎً ﺗﺸﻤﻞ ﻛﻤﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﻌﻘﻮﺑﺎت اﻟﺒﺪﻧﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺪود وﻧﺼﻮص اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ واﻟﺠﻬﺎد ﻓﻲ اﻟﺤﺮوب ،وﻛﺬﻟﻚ ﻧﺼﻮص اﻟﺮق وﻣﻠﻚ اﻟﻴﻤﻴﻦ ،وﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ أﺳﻔﺮت ﻋﻨﻪ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﺎ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺎﺑﻘﺔ إﻟﻰ ﺗﻤﺠﻴﺪ اﻟﺤﺮﻳﺔ وﺗﻌﻈﻴﻢ اﻟﻜﺮاﻣﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻟﺒﻨﻲ آدم ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺺ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺟﺎءت ﻓﻜﺮﺗﻲ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﻋﺘﻤﺪت ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺤﺮﻳﺮ وﺛﺎﺋﻖ اﻷزﻫﺮ وﻫﻲ اﻋﺘﺒﺎر اﻟﻤﻮاﺛﻴﻖ واﻟﻌﻬﻮد اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻜﻤﻠﺔ وﺷﺎرﺣﺔ وﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ﻣﻊ اﻟﻨﺼﻮص واﻻﺟﺘﻬﺎدات اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﻤﺠﺪد اﻟﻘﻮﻳﻢ. وﻣﻦ اﻟﻄﺮﻳﻒ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺪﻛﺘﻮر ﻧﺼﺮ أﺑﻮ زﻳﺪ رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ أﻧﻨﺎ ﻗﻤﻨﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺼﺤﺒﺔ ﻛﻮﻛﺒﺔ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ ﺑﺰﻳﺎرة ﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ـ وﻛﺎن ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻳﻘﻴﻢ ﻓﻲ ﻣﻨﻔﺎه اﻻﺧﺘﻴﺎري ﻓﻲ ﻫﻮﻟﻨﺪا ـ ﻓﻼﺣﻈﺖ ﺗﻘﻮاه وورﻋﻪ وﺣﺮﺻﻪ ﻋﻠﻰ أداء اﻟﺼﻠﻮات ﻓﻲ ﻣﻮاﻋﻴﺪﻫﺎ واﻟﺼﻴﺎم ﺣﺘﻰ ﺧﻼل اﻟﺴﻔﺮ ﻣﻦ دون اﺳﺘﺨﺪام رﺧﺼﺔ اﻹﻓﻄﺎر ﻣﺜﻠﻨﺎ ،ﻓﻌﺠﺒﺖ ﻣﻦ ﻣﻔﺎرﻗﺎت اﻟﺰﻣﻦ وﻛﻴﻒ اﺷﺘﻂ اﻷﺻﻮﻟﻴﻮن ﻓﻲ اﺗﻬﺎﻣﻪ وﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﺪﺧﺮ ﺟﻬﺪا ً ﻓﻲ ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺪﻳﻨﻲ ،وإن ﻛﺎن ﺗﻮﻇﻴﻔﻪ ﻟﻤﺼﻄﻠﺢ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻨﻘﺪي إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﺪم ﺗﻤﺮﺳﻪ ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻷزﻫﺮﻳﺔ وﻟﻐﺘﻬﺎ ﻗﺪ ﺟ ّﺮ ﻋﻠﻴﻪ وﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺎخ ﻛﻠﻪ ﻫﺬه اﻟﻮﻳﻼت اﻟﺘﻲ ﻻزﻟﻨﺎ ﻧﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ آﺛﺎرﻫﺎ ﻓﻲ ﺗﻌﻮﻳﻖ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ واﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺮﺷﻴﺪة
ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ
ﻧﺼﺮ ﺣﺎﻣﺪ أﺑﻮ زﻳﺪ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
109
ﺻﺪى اﻟﺬاﻛﺮة
ǣǍƜǑƦǖČ ĖƜǥƣǖČ ƠƩǖ ǣǍ ĜČƲƯǜǬČ ﻗﺮأ ﻋﻤﻲ اﻟﺤﻘﻮﻗﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺸﻐﻞ ﻣﻨﺼﺐ ﻣﺪﻳﺮ ﺑﻨﻚ اﻟﺘﺴﻠﻴﻒ اﻟﺰراﻋﻲ ﺑﺎﻟﻔﻴﻮم ﺗﻌﻠﻴﻘﻲ ﻓﻲ اﻷﻫﺮام ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺆون اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺴﻌﻴﻨﻴﺎت ﻓﺎﺑﺘﺴﻢ وﻗﺎل ﻟﻲ ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻦ ﻗﺎدة اﻟﺮأي ﻓﻲ ﻣﺼﺮ؛ أﺟﻔﻠﺖ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺣﻈﺔ وﺗﺬﻛﺮت ﻛﺘﺎب ﻃﻪ ﺣﺴﻴﻦ ﻋﻦ ﻗﺎدة اﻟﻔﻜﺮ ووﻗﻊ ﻓﻲ وﻫﻤﻲ أن اﻻﻋﺘﺼﺎم ﺑﺄﺳﻮار اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻣﻦ دون ﺧﻮض ﻋﺒﺎب اﻟﺤﻴﺎة وﺗﺤﻤﻞ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺔ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺤﻲ ذرﻳﻌﺔ اﻟﺠﺒﻨﺎء واﻟﻤﺘﺨﺎذﻟﻴﻦ ،وﻗﺮرت ﻣﻨﺬ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ أن أﺗﺼﺪى ﺑﻤﺎ أﻣﻠﻚ ﻣﻦ أدوات ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ وﻧﻘﺪﻳﺔ ﻟﺘﻮﺟﻴﻪ ﺳﻔﻴﻨﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻊ ﻏﻴﺮي ﻣﻬﻤﺎ ﻛﻠﻔﻨﻲ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺗﻀﺤﻴﺎت أﻫﻤﻬﺎ ﻋﺪم رﺿﺎ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻋﻨﻲ وﻋﺪم رﻏﺒﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﺰﻟﻔﻰ واﻟﻨﻔﺎق. أﻇﻦ أﻧﻨﻲ ﺣﺎوﻟﺖ ذﻟﻚ ﺑﻘﺪر ﻃﺎﻗﺘﻲ اﻟﻤﺤﺪودة اﻟﻨﺎﻓﺮة ﻣﻦ اﻟﺼﺮاع، وأﺣﺴﺐ أﻧﻨﻲ ﻓﻄﻤﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﺮﺗﻴﻦ اﺑﺘﻐﺎء ﻫﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ؛ إﺣﺪاﻫﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﻄﻠﻊ اﻟﺸﺒﺎب ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺮرت اﻟﻌﻮدة اﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﺑﻌﺪ ﺣﺼﻮﻟﻲ و زوﺟﺘﻲ اﻟﺮاﺣﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻛﺘﻮراه ،وﻛﻨﺖ ﺣﻴﻨﻬﺎ أﻋﻤﻞ أﺳﺘﺎذا ً ﻣﺴﺎﻋﺪا ً ﻟﻸدب واﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﻓﻲ ﻛﻠﻴﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ واﻵداب ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﻣﺪرﻳﺪ اﻟﻤﺮﻛﺰﻳﺔ، و أﻗﺎم ﻟﻲ زﻣﻼﺋﻲ ﻓﻲ اﻟﻜﻠﻴﺔ ﺣﻔﻞ وداع ﻓﻲ ﻣﻄﻌﻢ اﻟﻤﻨﻴﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ وﻗﺎل ﻟﻲ ﺻﺪﻳﻘﻲ اﻻﻛﺒﺮ "ﺑﺪروﻣﺎرﺗﻴﻨﻴﺜﻤﻮﻧﺘﺎﺑﺚ" إن أﺣﺪا ً ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻲ ﻟﻢ ﺗﺘﺢ ﻟﻪ ﻓﺮﺻﺔ ذﻫﺒﻴﺔ ﻟﻠﺘﺮﻗﻴﺔ أﺳﺘﺎذا ً ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ واﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ وﻛﻞ اﻟﻤﻴﺰات اﻷﺧﺮى ﻣﺜﻠﻲ ،وأﻧﻪ ﻻ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﺮض اﻟﺤﻨﻴﻦ اﻟﻤﺼﺮي ﻟﻠﻮﻃﻦ ،ورددت ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻗﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ إن ﻫﻨﺎك دورا ً ﻳﻨﺘﻈﺮﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ أﺳﺘﺄﻧﻒ ﺑﻪ ﻣﺴﻴﺮة ﻗﺪوﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﻣﻦ دون أن أﺻﺮح ﺑﺄن أﺳﻤﺎءﻫﻢ ﺗﺸﻤﻞ ﻃﻪ ﺣﺴﻴﻦ واﻟﻌﻘﺎد واﻟﺤﻜﻴﻢ وﻣﻨﺪور وﻟﻮﻳﺲ ﻋﻮض ﺣﺘﻰ ﻻ أﻛﺸﻒ ﻃﻤﻮﺣﻲ اﻟﻤﺒﻜﺮ وأﻧﻨﻲ أﻋﺮف أن ﻫﺬا ﺳﻴﻜﻠﻔﻨﻲ ﻛﺜﻴﺮا ً ﻣﻦ اﻟﺘﻀﺤﻴﺎت واﻟﻤﺸﺎق ،وﻛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻫﻈﺔ وﻣﺮﻳﺮة.أﻣﺎ اﻟﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻛﻤﻠﺖ أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ﻓﻲ أول وآﺧﺮ إﻋﺎرة ﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ،ﺑﻌﺪ أن أﺳﺴﺖ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺘﻬﺎ ﻗﺴﻢ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻌﻠﻴﺎ وأﻗﻤﺖ ﻣﻊ رﻓﺎﻗﻲ أﻛﺒﺮ ﻣﺆﺗﻤﺮ ﻟﻠﻨﻘﺪ اﻟﺤﺪﻳﺚ وﻋﻤﻠﺖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻀﺎﻓﺔ زﻣﻼﺋﻲ ﻣﻦ ﻧﻘﺎد اﻟﺤﺪاﺛﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻣﺜﻞ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم اﻟﻤﺴﺪي وﻛﻤﺎل أﺑﻮ دﻳﺐ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ أﺑﺪﻳﺖ رﻏﺒﺘﻲ ﻓﻲ إﻧﻬﺎء ﺗﻌﺎﻗﺪي واﺧﺘﻴﺎرﻳﺎً ،ﻫﻤﺲ ﻟﻲ أﺣﺪ ﻛﺒﺎر اﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﻦ إﻧﻪ ﻻ ﻣﺒﺮر ﻟﺬﻟﻚ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن "اﻟﻤﺎء ﻗﺪ دﺧﻞ أذﻧﻲ" وﻳﻘﺼﺪ ﺑﺬﻟﻚ -ﻋﻠﻰ ﻋﺎدة ﻋﻠﻲ أﻫﻞ اﻟﺴﻮاﺣﻞ -ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻬﻮاﺟﺲ اﻟﺘﻲ أﺻﺎﺑﺘﻨﻲ ،وﻋﺮض ﱠ ﺗﻮﻟﻲ أﺣﺪ اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ اﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ ﻓﺎﻋﺘﺬرت ﻟﻪ ﺑﺄن أﺳﺒﺎﺑﻲ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ 108
اﻻﻧﺨﺮاط ﻓﻲ ﻟﺠﺔ اﻟﺘﻴﺎر اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ
د .ﺻﻼح ﻓﻀﻞ* ǼƉƚǙ ƉLjƲǙ Ƕ ƃǃōǝ
ذﻟﻚ وﻻ ﺑﺪ ﻟﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﻮدة ﻟﻤﺼﺮ ،وﻛﻨﺖ أﻋﺮف أن اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺗﻌﺎﻗﺐ ﺑﻘﺴﻮة ﻣﻦ ﻳﺒﺘﻌﺪ ﻋﻨﻬﺎ وﻳﺆﺛﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺮﺧﺎء اﻟﻤﺎدي واﻟﺘﻘﺪم اﻟﺤﻀﺎري ﻓﻲ اﻟﻐﺮب ،ﻻ ﺑﺪ ﻟﻜﻞ ﻣﺼﺮي أن ﻳﺘﺤﻤﻞ ﺷﻈﻒ اﻟﻌﻴﺶ وﻣﺮارة اﻟﺼﺮاع وﺑﺆس اﻹﻣﻜﺎﻧﺎت ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻟﻘﺐ اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ اﻟﺼﺒﻮر وﻻ ﻳﺮﻣﻰ ﺑﺎﻟﻌﻘﻮق ،وﻣﺎ زال ﻫﺬا ﻫﻮ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻌﻘﻮﺑﺎت اﻷدﺑﻴﺔ اﻟﻤﻌﻤﻮل ﺑﻪ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم ،ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﻌﺘﺮف ﺑﻜﺒﺎر اﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ واﻟﻤﺒﺪﻋﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻬﺠﺮوﻧﻬﺎ وﻳﺆﺛﺮون ﻋﻠﻴﻬﺎ رﻏﺪ اﻟﺤﻴﺎة ،ﻫﻜﺬا ﻋﻮﻗﺐ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﺪوي وإﻳﻬﺎب ﺷﺎﻛﺮ وﻣﺼﻄﻔﻰ ﺻﻔﻮان وﻏﻴﺮﻫﻢ ﺣﺘﻰ ﻣﻤﻦ وﺻﻠﻮا ﻟﻠﺬرة ﻣﺜﻞ زوﻳﻞ اﻟﺬي ﻣﺎت ﺑﺤﺴﺮة ﻫﺬا اﻟﻨﻜﺮان وﻟﻢ ﺗﻔﻠﺢ ﺟﻬﻮده اﻟﻤﺴﺘﻤﻴﺘﺔ إﻋﻼﻣﻴﺎً ﻓﻲ ﺗﻮﻃﻴﻨﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى. اﻟﻤﻬﻢ أﻧﻲ ﻋﺪت ﻧﻬﺎﺋﻴﺎً ﻟﻠﻮﻃﻦ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺘﺴﻌﻴﻨﻴﺎت راﻓﻀﺎً ﻛﻞ اﻟﻌﺮوض اﻟﺘﻲ ﺗﻠﻘﻴﺘﻬﺎ ﻟﻠﺨﺮوج ﻣﺮة أﺧﺮى ،اﻟﻠﻬﻢ اﻹ ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺎت اﻟﻌﺎﺑﺮة ﻋﺮﺑﻴﺎً وأوروﺑﻴﺎً ﻓﻮﺟﺪت ﻣﻨﺎخ اﻟﺼﺮاع اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻣﺸﺘﻌﻼً ﺑﻴﻦ اﻟﺘﻴﺎرات اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﻤﺘﻄﺮﻓﺔ وﻗﻮى اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﻤﻜﺎﻓﺤﺔ ،وﻛﻨﺖ أﻋﺮف أن ﻣﻘﺘﻞ ﻓﺮج ﻓﻮدة ﻋﺎم 1992ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﻼﻣﺎت اﻟﻜﺎﺷﻔﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﺼﺮاع .ﺑﺎﺷﺮت ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر ﻧﺸﺎﻃﻲ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺑﺎﺳﺘﺌﻨﺎف ﻣﺨﺘﺒﺮ اﻹﺑﺪاع ووزﻋﺖ ﺟﻬﺪي ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻌﻴﺔ اﻟﻨﻘﺪ اﻷدﺑﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻘﻮدﻫﺎ ﺑﺼﺮاﻣﺘﻪ اﻟﻤﻌﻬﻮدة ﺻﺪﻳﻘﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻋﺰ اﻟﺪﻳﻦ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ راﻓﻀﺎً ﻓﻲ اﻵن ذاﺗﻪ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ أﺧﻲ ﺟﺎﺑﺮ ﻋﺼﻔﻮر اﻟﺬي ﻛﺎن ﺧﺼﻴﻤﻪ ﻓﺘﻮﻟﻴﺖ ﻟﺠﻨﺔ اﻟﺪراﺳﺎت اﻷدﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﺠﻠﺲ اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ ﻣﻌﻪ ﻷﺳﻬﻢ ﻓﻲ ﻋﻘﺪ اﻟﻨﺪوات واﻟﻤﺆﺗﻤﺮات اﻟﺘﻲ ردت ﻟﻤﺼﺮ وﺟﻬﻬﺎ اﻟﻌﺮوﺑﻲ ورﻳﺎدﺗﻬﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،وﻷﺳﻬﻢ ﺑﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ دﻓﻊ اﻟﺤﺮاك اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺠﺎد؛ وإذ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﻧﺸﺒﺖ ﻣﻌﺮﻛﺘﺎن ﻗﻤﺖ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﺑﺪور ﺣﻴﻮي ﻫﻤﺎ ﻗﻀﻴﺔ ﺗﻜﻔﻴﺮ ﺻﺪﻳﻘﻨﺎ ﻧﺼﺮ ﺣﺎﻣﺪ أﺑﻮ زﻳﺪ ،وﻗﻀﻴﺔ اﻻﻋﺘﺪاء ﻋﻠﻰ ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ وﺻﻌﻮد اﻟﺘﻴﺎر اﻷﺻﻮﻟﻲ اﻟﺬي ﻳﺴﻌﻰ ﻟﺨﻨﻖ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺮأي واﻹﺑﺪاع وﻳﺮﺗﺪ
أول اﻧﺘﻔﺎﺿﺔ ﻟﻠﺮق واﻻﺳﺘﻌﺒﺎد ﻃﻨﺠﺔ ﻣﻌﺸﻮﻗﺔ اﻟﺠﻤﻴﻊ. ﺣﻜﺎﻳﺎﺗﻲ أﺧﺬت ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻨﺒﺾ ﺑﻪ ﻃﻨﺠﺔ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ ﺿﺎرب ﻓﻲ اﻟﻘﺪم وﻣﻦ ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ أﺳﺎﻃﻴﺮﻫﺎ وﺣﻜﺎﻳﺎﺗﻬﺎ أﺧﺬت ﻣﻨﻬﺎ رﺣﻼت اﺑﻦ ﺑﻄﻮﻃﺔ وﻣﻐﺎﻣﺮات ﺛﻌﻠﺐ ﺟﺒﺎﻟﺔ ﻣﻮﻻي أﺣﻤﺪ اﻟﺮﻳﺴﻮﻧﻲ وﻣﻌﺎﻧﺎت ﻣﺤﻤﺪ ﺷﻜﺮي وزرﻗﺔ ﻟﻮﺣﺎت ﻫﻨﺮي ﻣﺎﺗﻴﺲ وأﻟﻮان أوﺟﻴﻦ دوﻻﻛﺮوا وأﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ ﺳﻴﻔﺎﻛﺲ وﺣﻜﺎﻳﺎت ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﺮاﺑﻂ وﺑﻮل ﺑﻮﻟﺰ ،ﻣﺮاﺳﻼت واﻟﺘﺮ ﻫﺎرﻳﺲ ،ﻟﻜﻨﺘﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﻤﻤﻴﺰة اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻜﻦ اﻟﻌﻘﻮل وﺗﺴﺤﺮ اﻷﻟﺒﺎب ،ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻨﺎزﻟﻬﺎ اﻟﻤﻮرﻳﺴﻜﻴﺔ ﻣﻮﻗﻌﻬﺎ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻲ وﻣﻨﺎﺧﻬﺎ اﻟﻠﺬان ﻳﺠﻌﻼﻧﻚ ﺗﻘﻒ ﻣﺸﺪوﻫﺎ ﻟﺴﺎﻋﺎت ﺗﺮاﻗﺐ زرﻗﺔ ﻣﻴﺎه ﺑﺤﺮﻳﻬﺎ، ﻃﺎﺑﻌﻬﺎ اﻟﻤﺘﺴﺎﻣﺢ ﺗﺮﺗﻔﻊ ﺑﻚ ﻓﻲ اﻷﻋﺎﻟﻲ اﻟﺴﺎﻣﻘﺎت ﺑﻤﺠﺮد ﻣﺎ ﺗﺮﻓﻊ ﻋﻴﻨﻴﻚ ﻟﺘﺼﻮل وﺗﺠﻮل ﻣﺎﺑﻴﻦ اﻟﺼﻮاﻣﻊ واﻟﻤﺂذن ،ﺑﻴﻦ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ واﻟﻤﻌﺎﺑﺪ ،ﺗﻌﺪد اﻟﻠﻐﺎت ﺑﺘﻌﺪد اﻟﻌﻤﻼت ،ﺗﻌﺪد اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت)ﻛﺘﺎب،أدب
اء،ﻓﻨﺎﻧﻴﻦ،ﺟﻮاﺳﻴﺲ،ﻫﺎرﺑﻮن ﻣﻦ اﻟﻌﺪاﻟﺔ(... ﻫﻞ ﻣﺎزال ﻟﻠﺤﻜﻮاﺗﻲ ﻏﺪ ﻓﻲ ﻣﺸﻬﺪﻧﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ؟ اﻟﺤﻜﻮاﺗﻲ ﺳﻠﻴﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﻫﻮ ﻳﻮﺛﻖ ﺑﺴﺮده ﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻔﺌﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺎﺻﺮﻫﺎ وﻫﻮ ﺣﺎﻓﻆ ﻟﻠﺬاﻛﺮة اﻟﺤﻴﺔ وﻟﻜﻨﻪ ﻣﻀﻄﺮ اﻟﻰ اﻟﺘﻼؤم ﻣﻊ ﻋﺼﺮه وﺗﻄﻮﻳﺮ أﺳﺎﻟﻴﺐ ﻋﻤﻠﻪ ﻟﻴﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ داﺧﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﻻ ﻳﻔﻘﺪﻫﺎ ﻛﻤﺎ ﺻﺎر ﺣﺎﻟﻪ اﻵن. وﻫﻞ ﻣﺎزال أﻃﻔﺎل اﻟﻴﻮم ﻳﺘﻘﺒﻠﻮن اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﺑﻨﻔﺲ ﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻣﻦ روح؟ اﻷﻃﻔﺎل ﻳﺘﻘﺒﻠﻮن اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﺑﺼﺪر رﺣﺐ وﺗﻔﺎﻋﻞ ﻛﺒﻴﺮ وإن ﺧﻴﺮ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ وأﺣﺪث وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﺮﻓﻴﻪ ﻻﺧﺘﺎر اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻟﻤﺎ ﺗﺘﺮﻛﺰ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ارﺗﻴﺎح وﺗﻔﺎﻋﻞ وآﺛﺎر اﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﺗﻨﻢ ﻋﻦ اﺣﺘﻴﺎﺟﻪ اﻟﻌﻤﻴﻖ ﻟﻬﺎ، اﻟﻤﺸﻜﻞ ﻓﻲ اﻟﻜﺒﺎر اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻐﻴﺒﻮن أﻃﻔﺎﻟﻬﻢ ﻋﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن وﻫﺬا ﻻﻣﺴﺘﻪ وﻋﺎﻳﺸﺘﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺠﺮﺑﺘﻲ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
107
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
أﻏﻴﺮ اﻟﻤﺴﺎر وأﺣﺎول أﻋﺎدة اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺠﻤﻴﻞ. ﻣﺎ ﻃﻤﻮﺣﺎﺗﻚ ﻛﺤﻜﻮاﺗﻴﺔ وﻛﻴﻒ ﺗﺼﻨﻌﻴﻦ ﻋﺎﻟﻤﻚ اﻟﺤﻜﺎﺋﻲ؟ أﻃﻤﺢ إﻟﻰ ﺗﻮﺛﻴﻖ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﻤﻨﺪﺛﺮة واﻟﺘﻲ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﺤﺘﻔﻆ ﺑﻬﺎ اﻟﻘﻠﺔ اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺤﻴﺔ وأﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻜﻨﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﻋﺘﻠﺘﻬﺎ ﺷﻮاﺋﺐ اﻟﻬﺠﺮة اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ وأن ﺗﺼﻞ ﺣﻜﺎﻳﺎﺗﻲ إﻟﻰ أﺑﻌﺪ اﻟﺒﻠﺪان وﺗﻜﺴﺮ اﻟﻘﻴﻮد وﺗﺘﺠﺎوز اﻟﺤﺪود وأن ﺗﺼﻴﺮ ﺣﺪﻳﺚ ﻛﻞ اﻟﺠﻠﺴﺎت وﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻟﺴﺎن ،أن ﺗﻌﻤﻢ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﺑﺎﻟﻤﺪارس ﻟﻤﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻴﻢ وأﻫﺪاف وﻳﻌﺎد ﺑﺮﻳﻖ اﻟﺴﺎﺣﺎت اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ )اﻟﺴﻮق دﺑﺮا ،ﺳﻮق اﻟﺪاﺧﻞ، ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻤﺸﻮر.(... أرﻛﺰ ﻓﻲ ﻋﺮوﺿﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻣﺘﺪاوﻟﺔ ﺑﺤﻜﻢ اﻟﻬﺠﺮة واﻟﺰﺣﻒ اﻻﺳﻤﻨﺘﻲ واﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻣﻞ وأﺳﺘﻠﻬﻢ ﺣﻜﺎﻳﺎﺗﻲ ﻣﻦ رﺻﻴﺪ ﻣﻌﺮﻓﻲ وﺗﻜﻮﻳﻦ أﺳﺎﺳﻲ ﺗﻠﻘﻴﺖ أوﻟﻰ ﺣﺮوﻓﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﺪة
106
ﺣﻜﻮاﺗﻴﺔ ﻃﻨﺠﺔ
)ﻣﺎﻣﺎ اﻟﺤﺒﻴﺒﺔ( ﻗﻤﺖ ﺑﺘﺰﻛﻴﺘﻪ ﺑﺒﺤﺚ ﻣﻴﺪاﻧﻲ ﻟﻠﺬاﻛﺮة اﻟﺤﻴﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺟﻤﻊ وﺗﻮﺛﻴﻖ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺘﺪاوﻻ ﺑﺎﻷﻣﺴﻴﺎت واﻟﺠﻠﺴﺎت ﻓﻲ ﻓﺘﺮة اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺠﻤﻴﻞ وﻣﻌﻈﻢ ﺟﻠﺴﺎﺗﻲ اﻵن ﻫﻲ ﻣﻊ ﻛﺒﺎر أو ﻛﺒﺮﻳﺎت اﻟﺴﻦ ﻓﻠﻬﻢ ﻓﻴﻨﺎ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﺑﺄﻟﻒ ﺣﻜﺎﻳﺔ. ﻣﺎذا أﺧﺬت ﺣﻜﺎﻳﺎﺗﻚ ﻣﻦ ﻃﻨﺠﺔ؟ ﻃﻨﺠﺔ اﻟﻤﺤﺮوﺳﺔ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻫﻲ اﻟﺒﺼﻤﺔ واﻟﻄﺎﺑﻊ ﻫﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻓﺤﻈﻮرﻫﺎ ﺿﺮوري وان ﻏﺎﺑﺖ ﻏﺎﺑﺖ ﻣﻌﻬﺎ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ واﻧﺪﺛﺮت ﻓﻤﺎﻟﻨﺎ ﻏﻴﺮ ﻃﻨﺠﺔ... ﻃﻨﺠﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻣﻼذ اﻟﻜﺘﺎب واﻷدﺑﺎء واﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ واﻟﻤﻠﻮك واﻷﻣﺮاء واﻟﻬﺎرﺑﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻌﺪاﻟﺔ واﻷﺛﺮﻳﺎء واﻟﺠﻮاﺳﻴﺲ واﻟﺸﻮاذ واﻟﻨﺒﻼء واﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ واﻟﺮﺳﺎﻣﻴﻦ ﻃﻨﺠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪث ﻋﻦ ﺣﻜﺎﻳﺎﺗﻬﺎ ﺑﻮل ﺑﻮﻟﺰ ﻃﻨﺠﺔ اﻟﺘﻲ رﺛﺎ ﻟﺤﺎﻟﻬﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺷﻜﺮي ﻃﻨﺠﺔ اﻟﺘﻲ أﺣﺒﻬﺎ ﺑﻴﺮدﻳﻜﺎرﻳﺲ ﻃﻨﺠﺔ اﻟﺘﻲ رﺳﻤﻬﺎ ﻣﺎﺗﻴﺲ ودوﻻﻛﺮوا ﻃﻨﺠﺔ ذات اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ﻃﻨﺠﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺖ
ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ زﻳﺎرﺗﻨﺎ وﻳﺴﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ ﻓﺤﻮى اﻟﻘﺼﺺ ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻢ اﻗﺮأﻫﺎ وﺑﻌﺪ إﻟﺤﺎﺣﻪ ﺑﺪأت أﻗﺺ وأﺣﻜﻲ ﻟﻪ ﻣﺎ ﻓﻬﻤﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺼﻮر ﻣﻤﺰوﺟﺎً ﺑﻤﺎ ﺗﺮﺳﺐ ﻓﻲ ذﻫﻨﻲ ﻣﻦ ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﺠﺪة وﻫﻮ ﻃﺒﻌﺎ ﻳﺴﺎﻳﺮﻧﻲ وﻳﺘﻌﺠﺐ وﻳﺸﺠﻊ ﺟﺴﺪي ﺑﺎﻟﺤﺮﻛﺎت وﺗﺎرة ﺑﺘﻐﻴﻴﺮ اﻟﺼﻮرة ...ﺛﻢ وﻳﺼﻔﻖ وﻳﺮﺷﺪ ﺗﺎرة ﻳﻘﻮل ّ اﺳﺘﻤﺮ ﺷﻐﻔﻲ ﺑﺎﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻷﺗﺎﺑﻊ ﻋﺮوﺿﺎ اﻟﻤﺪرﺳﻴﺔ واﻟﺸﺒﺎﺑﻴﺔ واﻹﻋﻼﻣﻴﺔ وﻷﺗﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﺴﻴﻨﻐﺎﻟﻲ ﺑﻮﺑﻜﺮ ﻧﺪاي وﺑﺎﻟﺤﻜﻮاﺗﻴﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ دﻧﻴﺲ أﺳﻌﺪ. ﻛﻴﻒ اﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻦ ﺷﻐﻮﻓﺔ ﺑﻤﺘﺎﺑﻌﺔ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت إﻟﻰ ﺣﻜﻮاﺗ ّﻴﺔ ﺗﻤﺎرس ﺑﺪورﻫﺎ اﻟﺤﻜﻲ؟ أردت أن أﺷﺎرك ﻣﺎﺗﺒﻴﻦ ﻟﻲ إﻧﻨﻲ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻠﻪ ﻓﺒﺪأت أﺣﻜﻲ ﺑﺎﻟﻤﻌﻬﺪ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺣﻜﺎﻳﺎت ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﻳﺸﺠﻊ اﻷﻃﻔﺎل ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺮاءة وﺣﻘﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺮﺑﺔ راﺋﻌﺔ اﻣﺘﺪت ﻟﺴﻨﻮات وﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻴﺪان ﺗﺪرﻳﺒﻲ ﻣﻊ اﻟﻌﻠﻢ إﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﺣﻜﻲ ﺑﺘﻠﻘﺎﺋﻴﺔ وﻋﻔﻮﻳﺔ ﻣﺴﺘﻤﺪة ﻃﺎﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺪة)ﻣﺎﻣﺎ اﻟﺤﺒﻴﺒﺔ(و اﻟﺨﺎل اﻟﺬي ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ ﺛﻢ إﻟﻰ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﺘﺘﻮاﻟﻰ اﻟﺪﻋﻮات وﺗﺘﺮاﻛﻢ اﻟﺘﺠﺎرب ﻣﺎﺑﻴﻦ ﻣﺪارس وﻣﺆﺳﺴﺎت ﺑﻌﺪﻫﺎ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
105
ﺣﻮار ﺧﺎص
ƠƩǝǁ ƠǥƢČǡǔƫ
ƠǤƜǔƬǖČ ƜǠLjǙ ơƞƜNJ ƠƩǝǁ ơƞƜNJ ĦĊ ĪĖĨƳǚǖČ ĤƜǙĈ ﺣﺎورﻫﺎ -رﻳﺎض ﺧﻠﻴﻒ
"ﻛﺎن ﻳﺎ ﻣﻜﺎن ﻛﻠﻤﺔ ﻟﻬﺎ ﺻﺪى ورﻧﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ وذان وﻛﺎﻳﻦ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن وﻣﺎ ﺗﻜﻮن اﻟﺠﻠﺴﺔ وﻻ ﻳﺤﻠﻰ اﻟﻜﻼم ﺣﺘﻰ ﻧﺼﻠﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻜﺎﺋﻲ ﺳﻴﺪﻧﺎ اﻟﻨﺒﻲ اﻟﻌﺪﻧﺎن."...ﻫﻜﺬا ﺗﻔﺘﺘﺢ أﻣﺎل ﻣﺰوري ﻣﺠﻠﺴﻬﺎ ّ ﺷﻖ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ ﺟﻤﻬﻮرﻫﺎ وﻣﻨ ّﺒﻬﺔ ﻟﺒﺪاﻳﺔ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻣﻮاﺻﻠﺔ ّ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺟﻴﻠﻬﺎ اﻟﻤﻐﺮم ﺑﺎﻷﺷﻜﺎل اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ وﻣﻮﻏﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﺎﺋﻲ .ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﺣﻜﻮاﺗ ّﻴﺔ ﻃﻨﺠﺔ اﻟﺸﺎﺑﺔ اﻟﻤﻨﺪﻓﻌﺔ ﻋﻮاﻟﻢ اﻟ ّﺘﺮاث ّ ﺑﺤﻤﺎس ﻧﺤﻮ ﻧﺤﺖ ﺗﺠﺮﺑﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻴﺪان اﻟﺬي ﻳﻤﻴﻞ إﻟﻰ اﻻﻧﻘﺮاض ﻣﻨﻄﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﺳﺎﺣﺎت ﻃﻨﺠﺔ وأزﻗﺘﻬﺎ وﻋﺠﺎﺋﺒﻬﺎ ﻧﺤﻮ اﻷﻓﻖ اﻟﺮﺣﺐ ﻟﺘﺠﻮب ﻣﺪن ﻣﻐﺮﺑﻴﺔ ﻛﺜﻴﺮة وﻳﻨﺘﻘﻞ ﺻﺪاﻫﺎ إﻟﻰ اﻟﻔﻀﺎءات اﻟﻌﺮﺑ ّﻴﺔ .ﻋﻦ ﺣﻜﺎﻳﺘﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ وﻋﻦ ﻃﻨﺠﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﻛﺎن ﻟﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ. ﻟﻌﻞ اﺧﺘﻴﺎر اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻔﻮي ﻣﻴﺪاﻧﺎ ﻟﻺﺑﺪاع ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﻦ ﻳﻌ ّﺪ ﻋﻼﻣﺔ ّ اﺧﺘﻼف وﺧﺮوج ﻋﻦ اﻟﺴﺮب .ﻓﻜﻴﻒ اﺧﺘﺮت اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻣﺠﺎﻻً إﺑﺪاﻋﻴﺎً؟ 104
ﺣﻜﻮاﺗﻴﺔ ﻃﻨﺠﺔ
ﻻ أدري ﻛﻴﻒ اﺧﺘﺮت اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻛﺘﻌﺒﻴﺮ ﺛﻘﺎﻓﻲ أم اﻷﺻﺢ ﻫﻲ ﻣﻦ اﺧﺘﺎرﺗﻨﻲ وﺣﺮﻛﺖ ﻫﻮاﺟﺴﻲ ﺣﺘﻰ ﺻﺮت أﺳﻴﺮة ﻟﻬﺎ وﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺠﺮﺑﺘﻲ اﻟﻤﺘﻮاﺿﻌﺔ ﻓﻬﻲ أﺑﻠﻎ ﺳﺒﻴﻞ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺠﻤﻊ ﻣﺎ ﺗﻔ ّﺮق ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺎﻻت اﻹﺑﺪاﻋﻴّﺔ .ﻓﻔﻴﻬﺎ اﻟﺴﺮد واﻻرﺗﺠﺎل واﻟﺸﻌﺮ واﻟﺰﺟﻞ واﻟﺮﺑﺎﻋﻴﺎت واﻷﻣﺜﺎل. ﻛﻴﻒ ﻛﺎن ﻟﻘﺎؤك اﻷول ﺑﺎﻟﺤﻜﺎﻳﺔ؟ وﻣﺎذا ﻋﻦ ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ؟ ﻛﻨﺖ داﺋﻤﺔ اﻟﺘﺤﺎﻳﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ ﻟﻠﺬﻫﺎب إﻟﻰ اﻟﺠﺪة ﻟﻜﻲ اﺳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺤﻜﺎﻳﺎﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻤﻞ.ﻛﺎﻧﺖ ذاﻛﺮة ﺣﻴﺔ وﻛﻨﺰا ﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﺑﺎرك اﻟﻠﻪ ﻟﻲ ﻓﻲ ﻋﻤﺮﻫﺎ .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ ﻋﻤﺘﻲ ﻏﻮﻳﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺰﻧﻘﺔ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻋﻦ رﺣﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺰﻧﻘﺔ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ وﻋﻦ رﺣﻤﺔ رﺑﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪث ﺟﻠﺒﺔ ﻓﻨﺨﺎف وﻧﻠﺘﺤﻒ ﻣﻨﺪﻳﻠﻬﺎ وﻧﻨﺎم.وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ أﻳﻀﺎ ﻋﻦ ﻃﻨﺠﺔ ﻋﻦ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ﻋﻦ ﺛﻮرة اﻟﻤﻠﻚ واﻟﺸﻌﺐ وﻋﻦ اﻟﺤﺮب اﻷﻫﻠﻴﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﻋﻦ زﻗﺎق وﺣﺎرات اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻋﻦ اﻷﻓﺮان اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ وﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﻤﻌﻠﻢ ﻣﻊ اﻟﻄﺮاح ﻋﻦ ﻫﺮﻗﻞ اﻟﺬي ﺷﻖ اﻟﺒﺤﺮ ﺑﻀﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﻳﺪه ﻓﻔﺮق أوروﺑﺎ ﻋﻦ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻛﻲ ﻳﺴﺘﺤﻢ .ﻫﺬا اﻟﻐﺮام ﺑﺎﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﺳﻴﺆﺟﺠﻪ اﻟﺨﺎل وﻳﺆﻃﺮه. ﺳﻴﻬﺪﻳﻨﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻗﺼﺼﻴﺔ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻧﺠﺎﺣﻲ وﺑﻴﻦ اﻟﻔﻴﻨﺔ واﻷﺧﺮى
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺬﻫﺐ إﻟﻰ اﻟﺤﺮوب ﻣﻊ اﻟﺮﺟﺎل ،وﺗﻜﻮن ﻟﻬﻢ ﻋﻮﻧﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺰاة وﺗﻀﻤﻴﺪ اﻟﺠﺮوح اﻟﺪاﻣﻴﺎت؛ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺮأة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﺳﻴﺪة ﻣﻌﺘﺒﺮة وﺣﺎﻛﻤﺔ وﺷﺎﻋﺮة ﻣﻘﺪاﻣﺔ ﺗﺆﻛﺪ ﺑﺜﻘﺔ ﺣﻀﻮرﻫﺎ اﻟﻔﺬ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﻮم .ﻫﻜﺬا ،ﻓﺈ ّن ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ ﺗﺨﻠﻔﺖ ﺣﻀﺎرﻳﺎً ﺑﺄﺷﻮاط ﻋﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻷﻣﺲ ،وﻻ ﺑ ّﺪ إذا ً ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺮﻳﺮ اﻟﻤﺮأة اﻟﻴﻮم ،واﻟﺨﺮوج ﻣﻦ أﻓﻖ ﺗﻤﻨﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ ،ﺧﺼﻮﺻﺎً ﻓﻲ ﺣﺎل أﻗﺪﻣﻨﺎ ﺟﺪﻳﺎً ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن اﻹﺻﻼﺣﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ وﺣﻘﻘﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﺧﻄﻮات ﺟﺮﻳﺌﺔ ،ﻓﺎﻟﻤﺮأة ﺗﺴﺘﺤﻖ أﻻّ ﺗﻜﻮن ﺳﻠﻌﺔ ﺗ ُﺒﺎع وﺗُﺸﺮى ،وأداة ﺑﻜﻤﺎء ﻃﻴﻌﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻟﺮﺟﻞ ﻻ رأي ﻟﻬﺎ وﻻ إرادة وﻻ ﻃﻤﻮح. واﻟﺮﺻﺎﻓﻲ اﻟﺬي ﻋﺎش ﻓﺘﺮة ﻓﻲ ﺑﻴﺮوت ﻣﻄﺎﻟﻊ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﻛﺎن ﻗﺪ اﺗﻔﻖ ﻣﻊ "اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻷﻫﻠﻴﺔ" ﻋﻠﻰ ﻧﺸﺮ أﺷﻌﺎره ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﺼﺪرت اﻷﺷﻌﺎر ﻋﺎم 1910ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان "دﻳﻮان اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ" ،ﺣﻴﺚ ﺗﻠﻘﻔﻪ ﺟﻤﻬﻮر اﻟﺸﻌﺮ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن واﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺤﻤﺎﺳﺔ ﺷﺪﻳﺪة .ﻛﻤﺎ ﻛﺘﺐ ﻋﻨﻪ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﺎد واﻟﺪارﺳﻴﻦ اﻟﻜﺒﺎر أﻣﺜﺎل اﻷب ﻟﻮﻳﺲ ﺷﻴﺨﻮ واﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪاﻟﻘﺎدر اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ،واﻷدﻳﺐ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﺎرون ﻋﺒﻮد وﻏﻴﺮﻫﻢ ..وﻏﻴﺮﻫﻢ. و"دﻳﻮان اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ" اﻟﺬي ﺗﻀﺨّﻤﺖ أﻋﺪاد ﺻﻔﺤﺎﺗﻪ ﻣﻊ اﻟﺰﻣﻦ ،وﻃﺒﻊ ﻣﻨﻪ 14ﻃﺒﻌﺔ ،ﻟﻴﺲ وﺣﺪه ﻣﻦ ﺟﻌﻠﻪ رﻣﺰا ً ﻣﻬ ّﻤﺎً وﻣﻌﺮوﻓﺎً ﺗﺘﺪاول ﺳﻴﺮﺗﻪ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ .ﻓﻬﻨﺎك ﻛﺘﺐ ﻋﺪة ﻣﻬ ّﻤﺔ ﻟﻠﺮﺻﺎﻓﻲ ﻟﻢ ﺗﺨﺮج ﻣﺨﻄﻮﻃﺎﺗﻬﺎ ﻟﻠﻌﻠﻦ إﻻ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات ﻗﻠﻴﻠﺔ ،ﻓﻲ ﻃﻠﻴﻌﺘﻬﺎ ﻛﺘﺎﺑﻪ "اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ" ،واﻟﺬي ﻫﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺑﺤﺚ ﺗﺤﻠﻴﻠﻲ ﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺟﺎء ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻗﺮاءات اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ اﻟﻤﻄﻮﻟﺔ واﻟﻤﻌﻤﻘﺔ ﻟﻤﺨﺘﻠﻒ ﻛﺘﺐ اﻟﺴﻴﺮة اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ .وﻛﺎن ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ ﻗﺪ ﺑﺪأ ﺑﺘﺄﻟﻴﻒ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻤﺬﻛﻮر ﺑﻴﻦ ﻋﺎﻣﻲ 1933و ،1941وﺛﻤﺔ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﺼﻮرة ﻣﻨﻪ ﺑﺨﻂ ﻳﺪ اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﻤﺠﻤﻊ اﻟﻌﻠﻤﻲ اﻟﻌﺮاﻗﻲ ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد. وﺑﺎﻟﻌﻮدة إﻟﻰ دﻳﻮاﻧﻪ اﻟﺬي ﻳﻌﺮف أﻳﻀﺎً ﺑـ"اﻟﺮﺻﺎﻓﻴﺎت" ،ﻓﻠﻘﺪ ُرﺗ ّﺐ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ ﻋﺸﺮ ﺑﺎﺑﺎً ﻫﻲ :اﻟﻜﻮﻧﻴﺎت ،اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎت ،اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺎت ،اﻟﻮﺻﻔﻴﺎت، اﻟﺨﺮﻳﻔﻴﺎت ،اﻟﻤﺮاﺛﻲ ،اﻟﻨﺴﺎﺋﻴﺎت ،اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺎت ،اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺎت ،اﻟﺤﺮﺑﻴﺎت واﻟﻤﻘﻄﻌﺎت .وﻫﻮ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺳﺎﻋﺪ ﻛﺜﻴﺮا ً ﻗ ّﺮاء ﺷﻌﺮه ودارﺳﻲ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺮ. وﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰ دﻳﻮان اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ ﺑﻘﻮة ،ﻫﻮ وﺟﻮد ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻗﺼﺼﻴﺔ ﻋﺪة ﻓﻴﻪ، روى ﺧﻼﻟﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ وﻗﺎﺋﻊ اﻟﻔﻘﺮ واﻟﺒﺆس ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺮح اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﺮاﻗﻴﺔ واﻟﻤﺸﺮﻗﻴﺔ ﻋﻤﻮﻣﺎً .وﻣﻦ أﺷﻬﺮ ﻣﺎ رواه ﺷﻌﺮا ً ﻣﻦ ٍ ﻣﺂس ،ﻗﺼﺔ ﺑﺸﻴﺮ وأﺧﺘﻪ ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻜﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ "اﻟﻔﻘﺮ واﻟﺴﻘﺎم" ،وﻗﺼﺺ أﺧﺮى ﻓﻲ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻣﺜﻞ "اﻟﻴﺘﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﺪ" و"اﻟﻔﻘﺮ واﻟﺴﻘﺎم" و"أم اﻟﻄﻔﻞ ﻓﻲ ﻣﺸﻬﺪ ﺣﺮﻳﻖ" ..إﻟﺦ.
ﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ أن ﻣﺤﺮﺿﻪ اﻷول ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﺸﻌﺮ ،ﻛﺎن واﻗﻊ اﻟﻔﻘﺮ واﻟﺒﺆس اﻟﺬي ﻋﺎﻳﻨﻪ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﻪ اﻟﻌﺮاﻗﻲ وﺳﺎﺋﺮ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻀﻮي ﺗﺤﺖ ﺳﻠﻄﺔ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺤﻤﻴﺪي اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ اﻻﺳﺘﺒﺪادي .وﻋﺒﺮ "ﺳﺮده" ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﺤﺰن واﻵﻟﻢ واﻟﺤﺮﻣﺎن ،ﺣﺎول اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑﺚّ آراﺋﻪ اﻹﺻﻼﺣﻴﺔ اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ واﻧﺘﻘﺎداﺗﻪ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮة ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺣ ّﻮﻟﺖ اﻟﺒﻼد إﻟﻰ ﺳﺠﻮن ﻛﺒﺮى واﻟﻌﺒﺎد ﻓﻴﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﻮﺗﻰ أﺣﻴﺎء ..وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺳ ّﻤﺎه اﻟﺒﻌﺾ ﺑـ"ﺷﺎﻋﺮ اﻟﺒﺆﺳﺎء" ،ﻟﻜﻨﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺬي ﻣﺎ ﻫﺎدن ﻳﻮﻣﺎً ﻣﺴﺘﺒﺪا ً ﻋﺜﻤﺎﻧﻴﺎً ،وﻻ ﺧﻀﻊ ﻳﻮﻣﺎً ﻹﻏﺮاء ﻣﺎدي ﻣﻨﻪ. واﻧﺘﻬﻰ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻛﻤﺎ ﺻ ّﺮح ﻓﻲ وﺻﻴﺘﻪ" :ﻻ أﻣﻠﻚ ﺳﻮى ﻓﺮاﺷﻲ اﻟﺬي أﻧﺎم ﻓﻴﻪ وﺛﻴﺎﺑﻲ اﻟﺘﻲ أﻟﺒﺴﻬﺎ ،وﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﺪا ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﺛﺎث اﻟﺤﻘﻴﺮ اﻟﺬي ﻓﻲ ﻣﺴﻜﻨﻲ ﻟﻴﺲ ﻟﻲ ،ﺑﻞ ﻫﻮ ﻣﺎل أﻫﻠﻪ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺎﻛﻨﻮﻧﻲ"
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
103
ﻗﻠﺐ اﻟﻜﻼم
ǣǍƜƻƲǖČ ġĨƲLjǙ lĆƜƵƗƟǖČ ƲLJƜƸz ُﻋﺮِف ﻋﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﺮاﻗﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﻌﺮوف اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ )(1945 – 1875 أﻧﻪ ﻛﺎن ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺷﻌﺮاء اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺤﺎرﺑﻮن اﻟﺘﺰﻣﺖ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﻤﻔﺮط واﻟﻌﺼﺒ ّﻴﺎت اﻟ ِﻌﻘﺪﻳﺔ اﻟﻤﺮﻳﻀﺔ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼﻓﻬﺎ، وﻛﺎن ﺣﺎﺳﻤﺎً ﻓﻲ ذﻟﻚ ،ﺧﺼﻮﺻﺎً ﺗﺠﺎه أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﺣ ّﻮﻟﻮا اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺤﻨﻴﻒ إﻟﻰ ﻣﺠﺮد ﺣﺰب ﺳﻴﺎﺳﻲ ﺿﻴّﻖ ﻳﻘﻴﺴﻮﻧﻪ ﺑﺄﻗﻴﺴﺔ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ اﻟﻀﻴﻘﺔ واﻟﻤﺸﻮﻫﺔ ﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻤﻪ اﻟﺴﻤﺤﺎء. ﻛﻤﺎ ﺣﺎرب اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ اﻟﺠﻤﻮد اﻟﻔﻜﺮي واﻟﻤﺮاوﺣﺔ ﻓﻲ دواﺋﺮ اﻟﺠﻬﻞ واﻟﺘﺨﻠﻒ وﻫﺠﺮ أﻧﻮار اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺮؤﻳﻮي اﻟﺤﺮ واﻟﻤﺴﺆول .وﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻣﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﻴﺎﻣﺔ ﺟﻮﻗﺎت اﻟﺘﻌﺼﺐ اﻟﻜﺮﻳﻪ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺪﻳﻦ ،داﺧﻞ اﻟﻌﺮاق وﺧﺎرﺟﻪ ،واﺻﻤﺔ إﻳﺎه ﺑﺎﻟﻜﻔﺮ واﻟﻤﺮوق. واﻛﺘﻤﻠﺖ اﻟﺤﻤﻼت ﻋﻠﻰ ﺗﻜﻔﻴﺮ اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ ﺑُﻌﻴﺪ إﺻﺪاره ﻛﺘﺎﺑﺎً ﺻﻐﻴﺮا ً ﺑﻌﻨﻮان":رﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎت" ﻣﻄﻠﻊ اﻟﻌﺎم ،1944ﺣﻴﺚ اﺗﻬﻤﻪ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺾ رﺟﺎل دﻳﻦ ﻣﺘﻄﺮﻓﻴﻦ ﺑﺎﻟﺘﺠﺪﻳﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻳﻦ واﻹﺳﺎءة ﻟﻠﺮﺳﻮل اﻟﻜﺮﻳﻢ. وإزاء ذﻟﻚ ،وﺑﻌﺪ ﺗﻌﺎﻇﻢ اﻟﺤﻤﻼت اﻟﺪﻋﺎﺋﻴﺔ ﺿﺪه ،ﻋﻬﺪت اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻌﺮاﻗﻴﺔ آﻧﺬاك إﻟﻰ ﻣﺪﻳﺮ اﻷوﻗﺎف اﻟﻌﺎم ﺑﺎﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺿﻮع وﺗﺒﻴﺎن اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﻋﺪﻣﻬﺎ .وﻗﺎم اﻟﻤﺪﻳﺮ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻄﻠﻮب ﻣﻨﻪ، ﻣﺴﺘﻄﻠﻌﺎً آراء ﻋﻠﻤﺎء دﻳﻦ ﺛﻘﺎة ،ﻗﺮأوا اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﺬﻛﻮر ﻣﻠ ّﻴﺎً ،وﺧﺮﺟﻮا ﻳﻤﺲ اﻟﺪﻳﻦ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﺸﻲء ،وﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺑﺨﻼﺻﺔ ﺗﻘﻮل إن اﻟﻜﺘﺎب ﻻ ّ أي اﻓﺘﺌﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺳﻮل ﻣﺤﻤﺪ )ص( .أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،وﺟﺪوا اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ ﻓﻲ "رﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻌﻠﻴﻘﺎت" ﻗﻮي اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺎﻟﻠﻪ ورﺳﻮﻟﻪ وﻗﺮآﻧﻪ اﻟﻜﺮﻳﻢ. ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻪ ،وﺗﻌﻠﻴﻘﺎً ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺟﺮى ،ذﻛﺮ اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ ﻓﻲ وﺻﻴﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻋﻠﻲ ﻛﺘﺒﻬﺎ ﻗﺒﻞ وﻓﺎﺗﻪ ﺑﺴﻨﺔ وﻟﻢ ﺗﻨﺸﺮ إﻻ ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻪ" :أراﻫﻢ ﻳُﻬ ّﻴﺠﻮن ّ اﻟﻌﻮام ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺪﻳﻦ ،وﻻ أﻇﻨﻬﻢ ﻳﺘﺮﻛﻮﻧﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻲ ،وﻟﻴﺲ ﻟﻲ ﻣﻦ أﻟﺘﺠﻰء إﻟﻴﻪ ﺳﻮى اﻟﻠﻪ .وﻛﻔﻰ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺣﺎﻓﻈﺎً وﺣﺴﻴﺒﺎً .أﻧﺎ واﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻣﺴﻠﻢ ﻣﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ وﺑﺮﺳﻮﻟﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ إﻳﻤﺎﻧﺎً ﺻﺎدﻗﺎً ﻻ أداﺟﻲ ﻓﻴﻪ".
أﺣﻤﺪ ﻓﺮﺣﺎت * ǚōǜŞǕ ǛǙ ūŽōşǶ ŝũōlj
وﺗﻄﻮر وأن اﻟﺪﻳﻦ ﻳﺪﻓﻊ إﻟﻰ اﻟﺤﺮﻛﺔ واﻟﺘﻄﻮر واﻷﺧﺬ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ أداة ﻟﺬﻟﻚ: ﻓﻴﺎ ﻗﻮﻣـــــــﻨﺎ إنّ اﻟﻌﻠﻮم ﺗﺠـﺪدت ﻓﺈن ﻛﻨﺘﻢ ﺗﻬـﻮوﻧﻬﺎ ﻓﺘـــــــــﺠﺪدوا وﺧﻠﻮا ﺟﻤﻮد اﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ أﻣﺮ دﻳﻨﻜﻢ ﻓﺈن ﺟﻤﻮد اﻟﻌــــﻘﻞ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻣﻔﺴـﺪ وﻻ ﺗﻘﺒﻠﻮا ﻗﻴـﺪاً ﺑﻘﻮلٍ ﻣﺠــــــــــﺮد ﻓﻤـــــــــــﺎ ﻗ ّﻴﺪ اﻷﺣﺮار ﻗﻮل ﻣﺠﺮد وﻳﺘﺴﺎءل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺴﺘﻐﺮﺑﺎً ذﻟﻜﻢ اﻟﺘﻌﺎدي اﻟﻤﺴﻴّﺲ ﺑﻴﻦ اﻷدﻳﺎن ،وﻳﺮاه ﻋﺪواﻧﺎً ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻳﻌﺘﺒﺮ ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﺘﻔﺮﻗﺔ واﻟﺘﻨﺎﺣﺮ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺪﻳﻦ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻛﺒﺮى وﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻠﺪﻳﻦ أﺻﻼً ،وﻫﻲ ﺗﺰوﻳﺮ ﻟﻪ: ﻋﻼم اﻟﺘﻌﺎدي ﻻﺧﺘﻼف دﻳــــــــﺎﻧﺔ وإن اﻟﺘﻌﺎدي ﻓـــﻲ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﻋـﺪوان ﻓﺄي اﻋﺘﻘﺎد ﻣﺎﻧــــــــــﻊ ﻣﻦ أﺧﻮة ﺑﻬﺎ ﻗﺎل إﻧﺠﻴﻞ ﻛــــــــﻤﺎ ﻗﺎل ﻗﺮآن ﻓﻤﻦ ﻗﺎم ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺪﻳﻦ ﻳﺪﻋﻮ ﻣﻔـﺮﻗﺎً ﻓﺪﻋﻮاه ﻓﻲ أﺻـــــﻞ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﺑﻬﺘﺎن اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ واﻟﻤﺮأة
داﻋﻴﺔ إﺻﻼح ﺟﺮيء وﻋﻨﻴﺪ ،ﻛﺎن اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻌﺮوف اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ .ﻳﺒﺪأ اﻹﺻﻼح ﻋﻨﺪه ﻣﻦ ﻋﻨﻮان اﻟﻤﺮأة وﺷﺮط إﻋﻄﺎﺋﻬﺎ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ وﻣﺴﺎواﺗﻬﺎ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﻌﻘﻼﻧﻲ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻄﻠﻊ أﻓﻜﺎر اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ وآراءه وﻣﻮاﻗﻔﻪ ،ﻧﺜﺮا ً وﺷﻌﺮا ً ،ﻳﺠﺪ أن ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ ،ﻛﻴﻒ ﻻ وﻫﻲ ﺧُﻠﻘﺖ ﻛﺎﻟﺮﺟﻞ ﻟﻠﻌﻤﻞ ،واﻹﺳﻬﺎم ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻛﺎن ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺻﺎدق اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺪﻳﻨﻪ اﻹﺳﻼﻣﻲ وﻳﻔﻬﻢ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺗﻄﻮر اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت وﺑﻨﺎء اﻷوﻃﺎن واﻟﺬود ﻋﻨﻬﺎ .وﻟﺬﻟﻚ رأﻳﻨﺎه رﺳﺎﻟﺔ اﻹﺳﻼم ﻓﻬﻤﺎً ﻋﻘﻼﻧﻴﺎً ﻋﻤﻴﻘﺎً .ﻛﺎن ﻳﺮى ،ﻣﺜﻼً ،أن اﻟﺤﻴﺎة ﺣﺮﻛﺔ ﻳﻘﺎرن ﺑﻴﻦ ﺣﺎل اﻟﻤﺮأة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﺔ اﻟﻴﻮم وﺣﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻷﻣﺲ ،أﻳﺎم
102
ﻣﻌﺮوف اﻟﺮﺻﺎﻓﻲ »ﺷﺎﻋﺮ اﻟﺒﺆﺳﺎء«
إﺿﺎءة
ƠƞĨƲı ƯǖČ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن ﻋﻤﻲ ،ﻛﺎﻧﺖ أول ﻣﺮة أﺳﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﺳﻢ "اﻟﺨﺮوﺑﺔ" ،وﻛﻨﺖ أﺣﺴﺒﻪ ﻳﻮﻣﻬﺎ ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ واﺣﺪة ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺜﻤﺎر اﻟﺴﻮداء ،اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺎ ﻧﺸﺘﺮﻳﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﻟﺪ ﻣﻊ اﻟﺤﻤﺺ واﻟﻔﻮل واﻟﺤﻠﻮى ،ﻟﻜﻨﻨﻲ ﺣﻴﻦ رأﻳﺘﻪ ﻳﻘﺒﺾ ﻳﺪه ،ﺛﻢ ﻳﻔﺮد إﺑﻬﺎﻣﻪ ﻋﻦ آﺧﺮه ،وﻳﺸﻴﺮ ﻓﻲ ﺻﺮاﻣﺔ إﻟﻰ اﻷرض اﻟﻘﺎﺣﻠﺔ ،أدرﻛﺖ أﻧﻪ ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﺷﻲء آﺧﺮ ﻏﻴﺮ ﻣﺎ آﻛﻠﻪ. ﻛﻨﺖ أرى اﻟ ِﻘﺼﺎب ﻓﻲ أﻳﺪي اﻟﻔﻼﺣﻴﻦ ،ﻳﻘﻴﺴﻮن ﺑﻬﺎ اﻷرض ﺑﻌﺪ ﻣﻮاﺳﻢ اﻟﺤﺼﺎد ،أو ﻗﺒﻞ أﻳﺎم ﻣﻦ اﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻬﺎ زرع ﺟﺪﻳﺪ .واﻟﻘﺼﺒﺔ ﻓﺎرﻋﺔ اﻟﻄﻮل ،اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻒ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﻞ رﺟﻞ ﻣﺘﻌﺪﻳﺔ رأﺳﻪ ،ﻃﺎﻋﻨﺔ اﻟﻔﻀﺎء ﻓﻮﻗﻪ ﻓﻲ ﺛﻘﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺛﻼﺛﺔ أﻣﺘﺎر وﻧﺼﻒ اﻟﻤﺘﺮ وﺧﻤﺴﺔ ﺳﻨﺘﻴﻤﺘﺮات. ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺼﺒﺔ وﺣﺪة اﻟﻘﻴﺎس اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ،أﻣﺎ ﻣﺎ ﻟﻢ أﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﻃﻮﻟﻪ إﻻ ﻓﻲ اﻷﺣﺎدﻳﺚ ﺑﻴﻦ اﻟﻔﻼﺣﻴﻦ ﻓﻬﻮ اﻟﺴﺤﺘﻮت ،وﻗﺎل ﻟﻲ ﺟﺪي: ـ ﻫﻮ أﺻﻐﺮ ﻣﻘﺎس ﻋﺮﻓﻨﺎه. ﻛﺎن اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳُﻘ ِْﺴﻢ ﺑﻪ ﺣﻴﻦ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻌﻠﻦ ﻋﻠﻰ رؤوس اﻷﺷﻬﺎد ﺗﻤﺴﻜﻪ ﺑﺄرﺿﻪ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،ﺣﻴﻦ ﻳﺘﻨﺎزع ﻣﻊ ﺟﺎره ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺪود اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻘﻮل ،ﻓﻴﺠﻴﻞ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻋﻴﻮن اﻟﻮاﻗﻔﻴﻦ ،وﻳﻘﻮل ﺑﻤﻞء ﻓﻴﻪ: ـ ﻟﻦ أﺗﻨﺎزل ﻋﻦ ﺳﺤﺘﻮت واﺣﺪ. اﻟﺨﺮوﺑﺔ ﻇﻬﺮت أﻣﺎﻣﻲ ذات ﻳﻮم ﺟﻠﻴﺔ ،ﺣﻴﻦ ﻓﺮغ ﻋﻤﻲ ﻣﻦ ﻗﻴﺎس أرﺿﻪ ﺑﺎﻟﻘﺼﺒﺔ اﻟﻤﺸﺮﻋﺔ ،وﺑﻘﻲ ﺟﺰء ﺿﺌﻴﻞ ﻣﻦ اﻷرض ﻻ ﻣﻘﺎس ﻟﻪ، ﻓﺠﺜﺎ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﻴﻪ ،وﻗﺒﺾ ﻳﺪه ،وﻣﺪ إﺑﻬﺎﻣﻪ ،وراح ﻳﻄﺒﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض، وﻳﻌﻴﺪ ﻃﺒﺎﻋﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮاﻟﻲ ،ﺛﻢ وﻗﻒ وﻗﺎل ﻟﻤﻦ ﻳﺘﺎﺑﻌﻮﻧﻪ: ـ ﻋﺸﺮون ﻗﺼﺒﺔ وﺳﺒﻊ ﺧﺮارﻳﺐ. وﻓﻲ ﻳﻮم دارت ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻃﺎﺣﻨﺔ ُرﻓﻌﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺼﻲ واﻟﺸﻮم واﻟﻔﺆوس واﻟﻤﻨﺎﺟﻞ ،ﻓﺸُ ﺠﺖ رؤوس ،وﻛُﺴﺮت أذرع ،و ُﻣﺰﻗﺖ ﺟﻼﺑﻴﺐ ،ﺣﻴﻦ اﺧﺘﻠﻒ ﺟﺎران ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺛﺔ ﺧﺮارﻳﺐ .ﻗﺎل أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻟﻶﺧﺮ: ﻋﻠﻲ اﻟﺤﺪ. ـ ﻗﻠﺒﺖ ﱠ وأﺧﺮج ﻣﻦ ﺟﻴﺒﻪ ورﻗﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻣﺘﺂﻛﻠﺔ أﻃﺮاﻓﻬﺎ ،وراح ﻳﻤﺮرﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻮن اﻟﻮاﻗﻔﻴﻦ وﻳﻘﻮل: ـ ﻃﻮل أرﺿﻲ ﻛﺎن ﺛﻼﺛﻴﻦ ﻗﺼﺒﺔ وأرﺑﻊ ﺧﺮارﻳﺐ ﺣﻴﻦ ﻗﺴﻨﺎﻫﺎ ﻗﺒﻞ زراﻋﺔ اﻟﻘﻄﻦ. وﺣﺒﺴﺖ اﻷرض أﻧﻔﺎﺳﻬﺎ ،وﺗﻄﺎﻳﺮ ﺷﺮر ﻣﻦ اﻟﻌﻴﻮن ،واﺷﺘﺒﻚ اﻟﺮﺟﻼن، وﺟﺎء إﻟﻰ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ أﻗﺮﺑﺎؤه ،ﻓﺎﺗﺴﻊ ﻣﻴﺪان اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ،وﺗﻘﺎﻃﺮ دم ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻴﻦ ،وﺗﻠﺒﺪ اﻟﺠﻮ ﺑﺼﺮاخ وزﻋﻴﻖ .وﻟﻢ ﻳﻨﺘﻪ اﻟﻌﺮاك إﻻ ﺣﻴﻦ
د.ﻋﻤﺎر ﻋﻠﻲ ﺣﺴﻦ* ǼƉƚǙ ƉLjƲǙǶ ŝǿƂŐ
ﺗﺪﺧﻞ رﺟﻞ ﺣﻜﻴﻢ ﻣﻦ أﻫﻞ ﻗﺮﻳﺘﻨﺎ ،وﻗﺎل ﻟﻠﺸﺎﻛﻲ: ـ ﻟﻢ ﻳﻘﻠﺐ اﻟﺤﺪ ﻋﻠﻴﻚ ،أرﺿﻪ أﻋﻠﻰ ﻣﻦ أرﺿﻚ ،واﻟﻤﻴﺎه ﺗﻄﻢ وﺗﻨﺤﺮ ﻣﺎ ﻳﻔﺼﻞ ﺑﻴﻨﻜﻤﺎ ﻓﺘﺰﻳﺤﻪ. وﻗﻴﺴﺖ ﻗﻄﻌﺘﺎ اﻷرض ﻋﻠﻰ ﻣﻬﻞ ،ﺑﺎﻟﻘﺼﺒﺔ ،ﻟﺘﺒﻘﻰ اﻟﺨﺮارﻳﺐ ﻓﺎﺻﻠﺔ ﺑﻴﻦ اﻻﺛﻨﻴﻦ .وﻷن ﻋﻤﻲ ﻛﺎن أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻳﻔﻬﻢ ﻓﻲ "ﻋﻠﻢ اﻟﺨﺮوﺑﺔ" وﻳﺒﺪي إﺧﻼﺻﻪ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻟﻪ ،ﺣﺘﻰ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﻌﺮف ﻃﻮل ﺣﻘﻠﻪ وﻋﺮﺿﻪ ﺑﺎﻟﺨﺮوﺑﺔ واﻟﺴﺤﺘﻮت ،وﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻘﺼﺒﺔ أو اﻟﻤﺘﺮ ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺪﻋﻮه ،ﻓﺠﺎء ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ،وﺟﺜﺎ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﻴﻪ وﻗﺘًﺎ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻘﺼﻴﺮ ،ﻳﺰﺣﻒ وﻳﻘﻴﺲ ﺣﺘﻰ اﻧﺘﻬﻰ ،وﺣﻜﻢ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺘﻌﺎرﻛﻴﻦ ،ﻓﺮﺿﻮا ﺑﻤﺎ ﺣﻜﻢ ،واﻧﺘﻬﻰ اﻷﻣﺮ إﻟﻰ ﺳﻼم. ﻣﺎت ﻋﻤﻲ ﻓﻮق أرﺿﻪ ،ﺗﺎرﻛًﺎ ﺧﺮارﻳﺒﻪ ﻟﻮرﺛﺘﻪ ،وﻣﺎﺗﺖ اﻟﻘﺼﺒﺔ ،وﻧﺴﻲ أﻫﻞ ﻗﺮﻳﺘﻲ اﻟﺨﺮوﺑﺔ واﻟﺴﺤﺘﻮت ﺑﻌﺪ أن أﻃﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ ذﻟﻚ اﻟﺨﻴﻂ ﻃﻮﻳﻼ ،ﻣﻘﺴ ًﻤﺎ إﻟﻰ ﺳﻨﺘﻴﻤﺘﺮات. ً اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻜﻲ اﻟﻤﻘﻮي اﻟﺬي ﻳﻤﺘﺪ اﺷﺘﺮﻳﻨﺎه ﻣﻦ اﻟﺒﻨﺪر ،ﻓﺼﺮﻧﺎ ﻧﻘﻴﺲ أرﺿﻨﺎ ﺑﺎﻟﻤﺘﺮ وأﺟﺰاﺋﻪ. وﺣﻴﻦ ﻳﺠﺮي ﺗﻨﺎزع ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻳﻠﺠﺄ اﻟﻨﺎس إﻟﻰ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ ﻓﺘﺮﺳﻞ ﻣﻮﻇﻔﻴﻬﺎ ﻣﺴﻠﺤﻴﻦ ﺑﻤﻘﺎﺳﺎﺗﻬﻢ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ،ﻳﻔﺮدوﻧﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻐﻴﻄﺎن، ﻓﺘﻠﻤﻊ ﻓﻲ ﺻﻬﺪ اﻟﺸﻤﺲ ،وﺗﺘﺎﺑﻌﻬﺎ اﻟﻌﻴﻮن ﻓﻲ ﻋﺠﺐ ،ﻣﺘﻨﻘﻠﺔ ﺑﻴﻦ ذﻟﻚ اﻟﺨﻴﻂ اﻟﺪﻗﻴﻖ اﻟﻤﻔﺮود ﻋﻠﻰ اﻷرض ،وﺗﻠﻚ اﻟﺨﺮاﺋﻂ اﻟﻤﺴﺠﻠﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﺣﻘﻮﻟﻨﺎ ﺑﺪﻗﺔ. ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻣﻦ اﻟﺨﺮوﺑﺔ ﺳﻮى اﺳﻢ ﻣﺒﻬﻢ ﻟﺠﻴﻞ ﺟﺪﻳﺪ ،أﻣﺎ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻓﻜﺎن ﻳﺘﺤﺪث ﺑﻬﺎ ﻣﻦ دون أن ﻳُ ﱢﻌﻴﻨﻬﺎ ﺑﺪﻗﺔ ،ﻓﺼﺎرت ﻟﻤﻦ ﻳﺴﻤﻌﻮن أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﻌﻨﻘﺎء واﻟﺨﻞ اﻟﻮﻓﻲ ،ﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ أﺧﻠﺼﻮا ﻟﻠﻘﺴﻢ اﻟﻘﺪﻳﻢ، ﻧﻘﺼﺎ ﻓﻲ ﺣﻘﻠﻪ ﺑﻌﺪ ﻣﻮاﺳﻢ اﻟﺤﺼﺎد ،وﻗﻒ ﻓﺎر ًدا ﻓﺈن وﺟﺪ أﺣﺪﻫﻢ ً ﻃﻮﻟﻪ ﻓﻲ ﻋﻴﻮن ﻣﺘﺎﺑﻌﻴﻪ ،وﺻﺮخ: ـ ﻟﻦ أﺗﻨﺎزل ﻋﻦ ﺧﺮوﺑﺔ واﺣﺪة ،وﻻ ﺣﺘﻰ ﺳﺤﺘﻮت
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
101
ﺣﻮار ﺧﺎص
ﺳﻨﺎﺑﻚ اﻟﻤﻔﺮدات ،واﻟﺘﺮاﻛﻴﺐ .ﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻻ ﻳﻤﻨﻊ أن أﻛﻮن ﻓﻲ ﻛﻞ دﻳﻮان ﻣﺠﺮﺑﺎً ،أﺟﺮب ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻘﺘﻰ اﻟﺨﺎﺻﺔ اﻟﻘﺪر َة ﻋﻠﻰ اﺻﻄﻴﺎد اﻟﺸﻌﺮ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻣﻨﻪ اﻟﻤﺘﻌﺪدة ،ﻓﺎﻟﺸﻌﺮ ﻻ ﻳﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﻣﺤﺪد ﺳﻠﻔﺎً وأﻋﺠﺐ ﻣﻤﻦ ﻳﺤﺎﺻﺮوﻧﻪ أو ﻳﺤﺼﺮوﻧﻪ ﻓﻲ ﺧﺎﻧﺔ ﺿﻴﻘﺔ . ﺗﺮﺑﻄﻚ ﻋﻼﻗﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﺆاد ﺣﺪاد اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻟﻘﺐ "واﻟﺪ اﻟﺸﻌﺮاء" ،ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ ذﻟﻚ. ﺗﻈﻞ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻓﺆاد ﺣﺪاد واﺣﺪة ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻃﺮﺣﺎ ﻟﻠﻘﻀﺎﻳﺎ اﻹﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ،إذ إﻧﻬﺎ ﺗﺸﺘﺒﻚ اﺷﺘﺒﺎﻛﺎً ﺗﻤﺘﺪ ﺧﻴﻮﻃﻪ ﻣﺮاوﺣﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺮاث واﻟﻤﺄﺛﻮر اﻻﻧﺴﺎﻧﻲ ،اﻟﻌﺮﺑﻲ ،اﻟﺸﻌﺒﻲ ،ﻫﺬه اﻟﻤﺮاوﺣﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺒﺒﺎً ﻣﺒﺎﺷﺮا ً ﻓﻲ ﺧﻮف اﻟﻨﻘﺎد واﻟﺪارﺳﻴﻦ ﻣﻦ اﻻﻗﺘﺮاب ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻤﻪ ﻟﻔﻚ ﺗﺪاﺧﻼﺗﻬﺎ ،وﻓﺼﻞ أﻧﺴﺠﺘﻬﺎ اﻟﻤﻠﺘﺤﻤﺔ ،ﻓﻌﺎﻟﻢ ﺣﺪاد ﻳﺴﺘﻌﺼﻲ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﻋﺎرف ﺑﺤﺪود ﻋﻮاﻟﻤﻪ ،ﻣﻮﺳﻴﻘﺎه، اﺳﺘﻠﻬﺎﻣﺎﺗﻪ ،ﻓﻌﺎﻟﻤﻪ اﻟﺜﺮي ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻈﺎﻫﺮة اﻟﺘﻨﺎص ﻣﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﻔﻮﻟﻜﻠﻮرﻳﺔ وآﻟﻴﺎت ﺗﺸﻜﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻨﻴﺔ اﻟﻨﺺ اﻟﺸﻌﺮي، وﺗﺠﺮﺑﺘﻪ ﻻ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻲ اﻻﺳﺘﻠﻬﺎﻣﺎت اﻟﻔﻮﻟﻜﻠﻮرﻳﺔ وﺣﺴﺐ ،واﻧﻬﺎ ﺗﺘﻌﺪاﻫﺎ ﻟﺘﺘﻨﺎص ﻣﻊ ﺗﺮاﺛﺎت ﻋﺪة ﺗﻄﺮح أﺳﺌﻠﺔ ﺣﻮل اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺸﺎﺋﻜﺔ ﺑﻴﻦ ﻧﺼﻪ اﻟﺸﻌﺮي /اﻟﻔﺮدي ،واﻟﻨﺼﻮص اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ /ﻧﺼﻮص اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ، ﻓﺎﻟﻘﺎريء ﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺷﺎﻋﺮﻧﺎ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﺆاد ﺣﺪاد ﺳﻴﻮاﺟﻪ ﺗﻨﻮﻋﺎت ﻣﻦ اﻟﻤﻮﺗﻴﻔﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﻓﻼ ﺗﻜﺎد ﺗﺨﻠﻮ ﻗﺼﻴﺪة ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪه ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻓﻮﻟﻜﻠﻮرﻳﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﺗﻘﻴﻢ ﺣﻮارا ﻣﻊ ﺑﻨﻲ اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﻟﺘﻠﻘﻲ ﺑﻘﺎرﺋﻬﺎ ﻋﻠﻰ
100
ﻣﺴﻌﻮد ﺷﻮﻣﺎن :ا'ﺑﺪاع ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ إﻧﺘﺎج وﻋﻲ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﺘﺮاث
ﻧﺺ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،وﻫﻲ إذ ﺗﻘﻴﻢ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺮاوح ﺑﻴﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ آﻟﻴﺔ ،ﻣﺮة ﺗﺤﺎول اﻟﺤﻠﻮل ﻣﺤﻞ ﻧﺺ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻣﺴﺘﺪﻋﻴﺔ ﺷﻜﻠﻪ ،وأﺧﺮى ﺗﺤﺎول إﻗﺼﺎء ﻧﺺ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺑﻌﻴﺪا ﻋﻦ ﻣﺘﻨﻬﺎ ،وﺛﺎﻟﺜﺔ ﺗﺤﺎول ﺗﺜﺒﻴﺖ آﻟﻴﺎﺗﻬﺎ اﻋﺘﻤﺎدا ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺳﻮخ اﻟﺬي ﺻﻨﻌﺘﻪ ،واﻛﺘﺴﺎب ﺑﻌﺾ أرﺿﻬﺎ اﻟﺘﻲ اﻣﺘﻠﻜﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﻘﺎدم ،أو ﺑﻨﺰع ﻣﻠﻜﻴﺘﻬﺎ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ. ﻓﺎز ﻛﺘﺎﺑﻚ اﻟﻨﻘﺪي ﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﺑﺠﺎﺋﺰة أﺣﻤﺪ ﻓﺆاد ﻧﺠﻢ ،ﻣﺎ ﺗﻘﻴﻴﻤﻚ ﻷول ﺟﺎﺋﺰة ُوﺿﻌﺖ ﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،وﻛﻴﻒ ﺗﺮى ﻓﻮزك ﺑﻬﺎ؟ ﻃﻮﻳﻼ، ﺗﻌﺪ ﺟﺎﺋﺰة أﺣﻤﺪ ﻓﺆاد ﻧﺠﻢ رد اﻋﺘﺒﺎر ﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ اﻟﺬي ﻇﻠﻢ ً وﻫﻤﺶ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ .ﻟﻘﺪ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺟﻮاﺋﺰ ﻛﺜﻴﺮة ،ﻟﻜﻦ ﻟﻬﺬه اﻟﺠﺎﺋﺰة ﻣﺬاﻗﺎً ﺧﺎﺻﺎً ،ﻓﻘﺪ ﻣﺎت اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﺆاد ﺣﺪاد ﻣﻦ دون أن ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺋﺰة ﺗﺬﻛﺮ إﻻ ﻧﺠﺎح ﺷﻌﺮه واﺳﺘﻤﺮاره ﺣﺘﻰ اﻵن ﺷﺎﻫﺪا ً ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻫﺒﺘﻪ اﻟﻜﺒﻴﺮة .وﻗﺪ ﻛﺎن اﺳﺘﻘﺒﺎل اﻷوﺳﺎط اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب اﺳﺘﻘﺒﺎﻻً ﺣﺎﺷﺪا ً ﻓﻲ ﻇﻞ ﻧﺪرة اﻟﺪراﺳﺎت ﻋﻦ ﺷﻌﺮ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ، وﻗﺪ ﻗﺪم اﻟﻜﺘﺎب ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻹﻧﺼﺎف ﻫﺬا اﻟﻠﻮن ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ ﺣﻴﺚ ﻗﺪم ﻣﻘﺎرﺑﺎت ﻧﻘﺪﻳﺔ ﻋﻦ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء ﻣﻨﻬﻢ :ﺑﻴﺮم اﻟﺘﻮﻧﺴﻲ ،ﺻﻼح ﺟﺎﻫﻴﻦ ،ﺳﻤﻴﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺒﺎﻗﻲ ،أﺣﻤﺪ ﻓﺆاد ﻧﺠﻢ وﻋﺒﺪاﻟﺮﺣﻤﻦ اﻷﺑﻨﻮدي ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻋﺪد ﻣﻦ ﺷﻌﺮاء اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت واﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت ،ﻛﻤﺎ ﻗﺪم ﻛﺸﺎﻓﺎً ﻋﻦ دواوﻳﻦ ﺷﻌﺮ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻋﺎم ،2015ﻟﻴﻘﺪم إﺷﺎرة ﻟﻠﻨﻘﺎد ﺑﺄن ﺷﻌﺮ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﻗﺪم إﻧﺠﺎزا ً ﺟﻤﺎﻟﻴﺎً وﻣﺘﺴﻌﺎً وﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﺎد ﻣﻼﺣﻘﺘﻪ ﻧﻘﺪﻳﺎً
اﻟﺬﻳﻮع واﻻﻧﺘﺸﺎر رﻏﻢ أﻫﻤﻴﺔ وﺟﻤﺎل أزﺟﺎﻟﻬﻢ ،واﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺰﺟﻠﻲ ﻟﻤﺼﺮ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﻨﺴﻲ ﻣﻦ ذاﻛﺮة اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ،وﻧﺤﻦ ﻧﺮى أﻫﻤﻴﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻟﻠﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺬي ﻳﻤﺜﻞ وﺛﻴﻘﺔ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﻠﻐﺔ واﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ واﻟﺘﺸﻜﻴﻞ ،ﻓﻀﻼ ﻋﻤﺎ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﻗﻴﻢ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﺗﻮارﻳﺦ ﻣﻬﻤﺔ ﻟﻢ ﻳﻮﺛﻘﻬﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺮﺳﻤﻲ ،وﻫﻲ ﺑﻬﺬا ﺗﺴﺪ اﻟﺜﻐﺮات اﻟﺘﻲ ﺗﻐﺎﻓﻞ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻤﻜﺘﻮب ﻓﻲ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث واﻟﻈﻮاﻫﺮ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. "ﻣﻌﺠﻢ اﻟﺸﺘﺎﺋﻢ واﻟﺴﺒﺎب واﻟﻠﻌﺎن ،ﻟﻐﺔ اﻟﺸﺎرع اﻟﻤﺼﺮي ﻣﻦ اﻟﺴﺮﻳﺔ إﻟﻰ ﻟﻐﺔ اﻟﺮوﺷﻨﺔ" ﻋﻨﻮان ﻻﻓﺖ ﻟﻠﻨﻈﺮ ..ﻟﻤﺎذا ﺑﺤﺜﺖ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﺿﻮع اﻟﻤﺜﻴﺮ ﻟﻠﺠﺪل؟ ﻟﻔﺖ ﻧﻈﺮي ﻓﻲ ﻣﺎ ﻗﻤﺖ ﺑﺠﻤﻌﻪ ﻣﻴﺪاﻧ ًﻴﺎ ﻣﻦ ﺷﺘﺎﺋﻢ ،أن ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﻳﺘﻌﻤﺪ اﺳﺘﺨﺪام اﻷم ﻟﻺﻫﺎﻧﺔ ،وﻗﺪ ﻗﻤﺖ ﺑﺈﻋﺪاد ﻣﻌﺠﻢ ﻟﺸﺘﺎﺋﻢ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ ،وﻛﺎن ﻣﺼﺪره اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻫﻮ اﻟﻤﺸﺎﺟﺮات .وﻗﺪ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻣﻦ ﺟﻤﻊ وﺗﺴﺠﻴﻞ 20أﻟﻒ ﺷﺘﻴﻤﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،إن ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺘﺎﺋﻢ ﻟﻬﺎ ﻣﺠﺎزاﺗﻬﺎ وأﺑﻌﺎدﻫﺎ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ،وﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎﺣﺚ أن ﻳﻘﺮأ اﻟﺴﻴﺎﻗﺎت اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺼﻔﻬﺎ ،ﻓﺈن اﻟﺸﺘﻴﻤﺔ ﺗﺴﺘﺤﻀﺮ اﻟﻠﻐﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻴﺔ اﻟﻘﺎدرة ﺑﺪورﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻘﻞ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ واﻻﻧﻔﻌﺎل ﺑﺸﻜﻞ ﻳﺘﺠﺎوز ﻗﺪرة اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺎدﻳﺔ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮة وﻫﻨﺎ ﺗﻜﻤﻦ ﺟﻤﺎﻟﻴﺎت اﻟﺸﺘﻴﻤﺔ ،ﻓﻲ ﻛﻨﺎﻳﺎﺗﻬﺎ وﻣﺠﺎزاﺗﻬﺎ وﻃﺮﻳﻘﺔ أداﺋﻬﺎ. ﻛﻴﻒ ﺗﺮى ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ واﻟﺸﻌﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ ،وﻫﻞ ﺗﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻔﺎﻫﻲ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻟﻼﻧﻘﺮاض؟ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺗﺮﺳﻢ ﺣﺎﺿﺮ وﻣﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻤﺄﺛﻮر اﻟﺸﻌﺒﻲ، وﻫﻨﺎك اﺗﺴﺎق ﺑﻴﻦ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻬﺎ وإﻧﺘﺎﺟﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ ﺗﺒﺪع ﺿﻤﻦ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﻢ واﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ،وﻻ أﺗﺼﻮر أن اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻟﻼﻧﻘﺮاض ﻷﻧﻪ ﻗﺮﻳﻦ ﺟﻤﺎﻋﺘﻪ وﻫﻲ ﻣﺎ ﺗﺰال ﺗﺒﺪع ﺗﺸﻜﻴﻼ وﻏﻨﺎء ِ وﺣ َﺮﻓﺎ ...إﻟﺦ .واﻟﻤﻴﺪان ﻫﻮ اﻟﻤﻌﻠﻢ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ وﻟﻴﺲ اﻟﻜﺘﺐ ،وﻻ ﺗﺼﻠﺢ ﺗﺠﺎرب اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻟﺘﻜﻮن ﻣﻌﻴﻨﺎً ﻓﻲ اﻟﻤﻴﺪان ،ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻻ أﺗﺼﻮر أن اﻟﺸﻔﺎﻫﻴﺔ ﺳﺘﻨﺘﻬﻲ أﺑﺪا ً وﺳﺘﻈﻞ اﻟﻘﻴﻢ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ ﻣﻮﺟﻮدة ﺑﻮﺟﻮد اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي ﻟﻦ ﻳﻜﻒ ﻋﻦ إﻧﺘﺎج اﻟﺤﻜﻤﺔ واﻟﺸﻌﺮ. ﺗﺘﻨﻮع رواﻓﺪ إﺑﺪاﻋﻚ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻌﺮ واﻟﺒﺤﺚ واﻟﻨﻘﺪ ..أي ﻫﺬه
اﻟﻤﺠﺎﻻت أﻗﺮب إﻟﻰ روﺣﻚ؟ اﻟﺸﺎﻋﺮ رﺣﻠﺔ ﺑﺤﺚ ﻣﺴﺘﻤﺮة ودؤوﺑــﺔ ﻟﻤﻜﺎﺷﻔﺔ ذاﺗــﻪ ﺑﻘﺒﺤﻬﺎ وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ،وأﻧﺎ ﻣﻦ أﺷﺪ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﻤﻘﻮﻟﺔ "ﻣﺎ اﻷﺳﺪ إﻻ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺧﺮاف ﻣﻬﻀﻮﻣﺔ" ،ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﺎﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺧﺮاف ﺣﻴﺎﺗﻴﺔ وﺛﻘﺎﻓﻴﺔ وﻣﺸﺎﻋﺮﻳﺔ ﻣﻬﻀﻮﻣﺔ ،وﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ أﺑﺤﺚ ﻋﻦ ذاﺗﻲ اﻟﺘﻲ ﻇﻠﺖ ﻣﻨﺴﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺮﻳﺐ اﻟﻠﻐﻮي واﻟﺼﻮري ،أﺣﺎول اﻟﻠﺤﺎق ﺑﻬﺎ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺪوﺳﻬﺎ
اﻟﺸﺎﻋﺮ أﺣﻤﺪ ﻓﺆاد ﻧﺠﻢ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
99
ﺣﻮار ﺧﺎص
ﻣﺮ اﻟﺴﻨﻴﻦ ،وﺗﺤﻘﻖ ﻋﺪد ﻳﺴﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ ،وإﻋﺪاد ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺎت واﻷﺑﺤﺎث اﻟﻤﻌﻤﻘﺔ ﺣﻮل اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﻟﻐﺔً ،إﻻ أن ﻣﺠﻤﻊ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة -وﺿﻤﻨﻪ ﻟﺠﻨﺔ اﻟﻠﻬﺠﺎت -ﻟﻢ ﻳﺼﺪر ﻛﺘﺎﺑﺎً ﻣﺠﻤﻌﺎً ﻳﻀﻤﻬﺎ إﻻ ﺑﻌﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺼﻒ ﻗﺮن ﻣﻦ إﻧﺸﺎﺋﻪ ،ﺛﻢ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺬي أﻧﺸﻰء ﻓﻲ ﻋﺎم ،1957وﻗﺎم ﺑﺈﺻﺪار ﺛﻼﺛﺔ أﻋﺪاد ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،وﻗﺪ ﺗﻘﺪﻣﺖ ﺑﻤﺸﺮوع ﺑﺤﺜﻲ أراه ﻣﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻟﻄﺎﻗﺎت اﻟﺨﻼﻗﺔ ﻓﻲ ﺗﺮاﺛﻨﺎ اﻟﻤﻜﺘﻮب ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﺳﻮاء ﻛﺎن ﺷﻌ ًﺮا أم ﻧﺜ ًﺮا، ﻓﻀﻼً ﻋﻤﺎ ﻳﺴﺘﺠﺪ ﻣﻦ ﺗﺼﻨﻴﻔﺎت ﻧﻮﻋﻴﺔ ﺗﺘﻴﺤﻬﺎ اﻟﻤﺎدة اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ، واﺿﻌﺎ ﻫﺪﻓﺎ ﺗﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺣﺼﺮ اﻟﺠﺮاﺋـﺪ واﻟﻤﺠﻼت اﻟﺴﻴﺎرة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﻐﻮﻟﺔ ﺑﻨﺸﺮ اﻟﻌﺎﻣﻴﺎت ،وإﺛﺒﺎت ﺗﺎرﻳﺦ ﺻﺪورﻫﺎ وﺗﺎرﻳﺦ ﺗﻮﻗﻔﻬﺎ، وأﺻﺤﺎب اﻻﻣﺘﻴﺎز ،وﻛﺘﺎﺑﻬﺎ ،ﺗﻤﻬﻴ ًﺪا ﻟﺠﻤﻊ اﻟﻤﺎدة اﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻮﻓﺮ واﻟﻤﺘﺎح ﻣﻦ اﻟﺠﺮاﺋﺪ واﻟﻤﺠﻼت اﻟﺴﻴﺎرة اﻟﺘﻲ ﺻﺪرت ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ،وأواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،وﻫﻲ ﻓﺘﺮة زﻣﻨﻴﺔ ﺗﻘﺎرب ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم. ﻣﻨﺬ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ رﺑﻊ ﻗﺮن وأﻧﺖ ﺗﻌﺪ ﺑﺒﻠﻴﻮﺟﺮاﻓﻴﺎ ﺷﻌﺮ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ، ﻫﻞ ﺗﻮﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺘﻰ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻀﻊ أﻳﺪﻳﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺠﺰه وأﻫﻢ ﻣﻼﻣﺤﻪ؟ ﻳﺸﻴﺮ اﻟﺮﺻﺪ اﻟﺒﺒﻠﻴﻮﺟﺮاﻓﻲ إﻟــﻰ ﻋــﺪد ﻣﻦ اﻟﻨﻘﺎط ﺷﺪﻳﺪة اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﻘﻲ ﺑﻨﺎ ﻓﻲ ﺟﺐ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ﻣﻌﺎ ،وﺗﻌﻜﺲ ﻧﻈﺮة اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻪ ﻟﻬﺬا اﻟﻠﻮن اﻹﺑﺪاﻋﻲ ،ﻟﻢ ﻧﻜﺘﻒ ﺑﻤﺠﺮد اﻟﺮﺻﺪ اﻟﺘﻮﺛﻴﻘﻲ ،رﺻﺪﻧﺎ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ أﻟﻒ دﻳﻮان ﺗﺮاوﺣﺖ ﺑﻴﻦ ﺷﻌﺮ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ واﻟﺰﺟﻞ وﻫــﻲ ﻧﺴﺒﺔ زادت ﻋﻠﻰ ﻣﺎ أﻧﺘﺠﺘﻪ اﻟﻤﻄﺎﺑﻊ ﻣﺠﺘﻤﻌﺔ ،ﻟﻘﺪ ﺑﻠﻐﺖ ﻧﺴﺒﺔ ﻣﺎ ﻧﺸﺮﺗﻪ ﻣﺴﻌﻮد ﺷﻮﻣﺎن اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ﺣﻮاﻟﻲ % 70 98
ﻣﺴﻌﻮد ﺷﻮﻣﺎن :ا'ﺑﺪاع ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ إﻧﺘﺎج وﻋﻲ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﺘﺮاث
ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻞ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﺸﻌﺮي ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺘﻲ وﺛﻘﻨﺎﻫﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻘﺼﻮر اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ – اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب – اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ ،وﺟﺎءت اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻘﺼﻮر اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺮت ﺷﻌﺮ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ واﻟﺰﺟﻞ ـ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻨﺸﺮ اﻟﻤﺮﻛﺰي ﻋﺒﺮ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺴﻼﺳﻞ ﺷﺒﻪ اﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ وﻛــﺬا اﻟﻨﺸﺮ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ اﻟﺬي ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻴﻪ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ وﻓﺮوع اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺑﺎﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺎت ،ﺣﻴﺚ ﺑﻠﻐﺖ ﻧﺴﺒﺔ ﻣﺎ ﻧﺸﺮﺗﻪ ﻗﺼﻮر اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺣﻮاﻟﻲ % 32ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﺗﻢ ﻧﺸﺮه ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻧﺸﺮت اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب ﺣﻮاﻟﻲ % 8ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﻧُﺸﺮ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ ﻏﻠﺒﺔ ﻧﺸﺮ اﻟﻔﺼﺤﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺆﺳﺴﺔـ ﻟﻴﺲ ﻟﺪﻳﻨﺎ إﺣﺼﺎء أو رﺻﺪ ﻟﺪواوﻳﻦ ﺷﻌﺮ اﻟﻔﺼﺤﻰ ـ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﻌﻜﺲ اﻫﺘﻤﺎﻣﺎً ﻣﻦ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻗﺼﻮر اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻠﻮن ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻧﺘﺸﺎر ﺷﻌﺮاﺋﻪ ﻓﻲ أﻗﺎﻟﻴﻢ ﻣﺼﺮ ،وﻫﻲ ﻣﻌﻨﻴﺔ ﺑﺘﺒﻨﻲ وﻧﺸﺮ أﻋﻤﺎل اﻟﻤﺒﺪﻋﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﺘﺒﻮن ﻫﺬا اﻟﻨﻮع اﻹﺑﺪاﻋﻲ ،أﻣﺎ ﻧﺴﺒﺔ ﻣﻦ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺎﻟﻨﺸﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻘﺘﻬﻢ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺤﻮ ،% 23ورﺑﻤﺎ ﺗﺰﻳﺪ ﻫﺬه اﻟﻨﺴﺒﺔ إذا وﺿﻌﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﺴﺎﺑﺎﺗﻨﺎ دور اﻟﻨﺸﺮ اﻟﺨﺎﺻﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻟﺖ ﻧﺸﺮ أﻋﻤﺎل ﺑﻌﺾ ﺷﻌﺮاء اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ وﺣﺼﻠﺖ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺗﻜﻠﻔﺔ اﻟﻄﺒﺎﻋﺔ ﻧﻈﻴﺮ وﺿﻊ اﺳﻢ اﻟﺪار ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺘﺎب. ﻫﻞ أﻧﺠﺰت ﺷﻴﺌﺎً ﺿﻤﻦ ﻣﺸﺮوع ﺟﻤﻊ ﺗﺮاث اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ اﻟﻤﻨﺸﻮر ﻓﻲ اﻟﺪورﻳﺎت؟ ﻧﻌﻢ ﺑــﺪأت ﻓﻲ ﺟﻤﻊ وﺗﻮﺛﻴﻖ ﺳﻴﺮ ﻋﺪد ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ زﺟﺎﻟﻰ ﻣﺼﺮ وأزﺟﺎﻟﻬﻢ ،واﻟﺰﺟﻞ ﻧﻮع أدﺑﻲ أﻫﻤﻠﻪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻷدﺑــﻲ ،وأﻫﻤﻠﺘﻪ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ،واﺣﺘﻘﺮه ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺸﻌﺮاء ـ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻘﺒﻴﺢ ﻣﺼﻄﻠﺢ اﻟﺰﺟﻞ ،واﻟﺘﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺎ ﻳﻜﺘﺐ ﺗﺤﺘﻪ ـ ﺑﺪﻋﻮى أﻧﻪ ﻳﺠﺎﻓﻲ اﻟﻘﻴﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺮﺣﻬﺎ اﻟﺤﺪاﺛﺔ وﻣﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ ،وﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮﻧﺎ ﻟﺪراﺳﺘﻪ أو اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻘﻴﻢ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ ﻧﻤﺎذﺟﻪ .إﻻ أن اﻟﺰﺟﻞ وﺛﻴﻘﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﻮﻧﻪ وﺛﻴﻘﺔ ﻟﻐﻮﻳﺔ وﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺪرة اﻟﻤﺒﺪع اﻟﻔﺮد ﻋﻠﻰ اﻻرﺗﺤﺎل داﺧﻞ اﻷﺷﻜﺎل ﺑﺤﺮﻳﺔ ﻛﺒﻴﺮة ،ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻌﺪد اﻟﻘﻮاﻓﻲ واﻷﻗﻔﺎل واﻟﻤﻘﺎﻃﻊ .ﻫﻨﺎك ﺻﻮرة ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻃﺮﺣﻬﺎ زﺟﺎﻟﻮن ﻣﺼﺮﻳﻮن ﻣﻦ ﻃﺮاز ﻓﺮﻳﺪ ،ﺧﺎﺿﻮا ﻣﻌﺎرك ﻣﻬﻤﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل أزﺟﺎﻟﻬﻢ ﻟﻴﻨﺘﺼﺮوا ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﺮ واﻟﻘﺒﺢ واﻻﺣﺘﻼل ﺑﺄﻧﻮاﻋﻪ ،وﺳﺠﻠﻮا ﺷﻬﺎداﺗﻬﻢ زﺟﻼ ﻣﺎ ﻳﺰال ﻳﻄﺮح ﻗﻴﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﻌﺎدﺗﻬﺎ. وﻗﺪ اﺷﺘﻬﺮ ﺑﻌﻀﻬﻢ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﻟﺒﻌﻀﻬﻢ
ﺑﺄﺻﻮاﺗﻪ ورواﺋﺤﻪ ﻓﻲ ﻣﻜﻤﻦ ﺣﻲ ﺗﺸﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﺎﻟﺠﻤﺎل واﻟﻔﻦ، ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻘﻴﺮة ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺜﺮاء ﺑﺄﻟﻮاﻧﻬﺎ وﻣﻮﺳﻴﻘﺎﻫﺎ وأﻏﻨﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﻤﻨﺴﺎﺑﺔ ﻛﻨﻬﺮ ﻻ ﻳﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﺘﺪﻓﻖ ،ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺎﻫﻤﺔ اﻟﻤﻜﺎن واﻷﺳﺮة ﻓﻲ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻛﺒﻴﺮة ،ﺑﻞ ﻋﻈﻴﻤﺔ ،وﻗﺪ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﺪور ﻓ ّﻌﺎل ﻓﻲ اﻛﺘﻨﺎز ﺣﻘﻴﻘﺘﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ ،واﻛﺘﺴﺎﺑﻲ ﻟﻜ ّﻢ ﻫﺎﺋﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺣﻜﺎﻳﺎت أﻣﻲ ،وإﻳﻤﺎﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﺎدات واﻟﻤﻌﺘﻘﺪات اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﻓﻬﺬه اﻟﻤﻌﺘﻘﺪات اﻟﺘﻲ اﺧﺘﺎرت اﺳﻤﻲ ،ﺑﻞ وﺗﻮﺟﻬﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﻔﻮﻟﻜﻠﻮر ،ورﺑﻤﺎ ﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺷﻌﺮ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﺗﺤﺪﻳ ًﺪا ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺟﺪي اﻟﺬي ﻛﺎن واﺣ ًﺪا ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﻤﺮﻳﺪﻳﻦ ﻟﻠﻤﻮاﻟﺪ اﻟﻜﺒﺮى وﻛﺎن ﻳﺼﺤﺒﻨﻲ إﻟﻴﻬﺎ ،وﻟﻢ أﻛﻦ ﺑﻌﻴ ًﺪا ﻋﻦ ﻗﻠﺐ وروح اﻟﻤﺸﻬﺪ، ﻟﺬا ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﻧﺠﺬب ﻟﺤﻠﻘﺎت اﻟﺬﻛﺮ ﻣﺴﺘﻤ ًﻌﺎ وﻣﺴﺘﻤﺘ ًﻌﺎ ﺑﺎﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ اﻷداء وأﺻﻮات "اﻟﺼﻴﻴﺖ" اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺼﺎﻋﺪ ﻣﺤﺪﺛﺔ ﻧﺸﻮة ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ ﻋﻠﻲ ..ﻛﻞ ﻧﻔﻮس اﻟﻤﺮﻳﺪﻳﻦ ،وﻗﺪ ﺣﺪث أن وﻗﻌﺖ ﻓﻰ إﺣﺪاﻫﺎ ﻣﻐﺸ ًﻴﺎ ﱠ ﻫﺬه اﻟﺼﻮر واﻟﻤﺸﺎﻫﺪات واﻷﺻﻮات واﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ دﻓﻌﺘﻨﻲ إﻟﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺪراﺳﺔ ﻓﺎﻟﺘﺤﻘﺖ ﺑﺎﻟﻤﻌﻬﺪ اﻟﻌﺎﻟﻲ ﻟﻠﻔﻨﻮن اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺑﺄﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ اﻟﻔﻨﻮن ،ﺛﻢ اﻟﻤﻌﻬﺪ اﻟﻌﺎﻟﻲ ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﻋﻠﻲ وﻟﻢ ﻷدرس اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺳﺎﻋﻴﺎ ﻻﺳﺘﺠﻼء ﻣﺎ اﺳﺘﻐﻠﻖ ﱠ أﺟﺪ ﻟﻪ ﺗﻔﺴﻴ ًﺮا. ﻟﻚ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻤﻴﺪاﻧﻲ ﻓﻲ إﺛﺮاء دراﺳﺎت اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ ،ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺣﻼﻳﺐ ،ﻛﻴﻒ ﺗﺼﻔﻬﺎ؟
أﻧﺎ ﻣﺆﻣﻦ ﺑﺄﻧﻨﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺷﺪﻳﺪة إﻟﻰ إﻋﺎدة "وﺻﻒ ﻣﺼﺮ" ﻫﻨﺎ واﻵن ﻣﻦ ﺧﻼل ﺑﻌﺜﺎت ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻣﻴﺪاﻧﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ واﻷدﺑﺎء واﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ واﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﻄﻘﺔ "ﺣﻼﻳﺐ")أﻗﺼﻰ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﺸﺮﻗﻰ ﻟﻤﺼﺮ( اﻟﻨﻤﻮذج اﻷﻣﺜﻞ ﻟﻤﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ،ﺷﺨﺼﻴًﺎ رﺣﺖ أﺟﻤﻊ دارﺳﺎ وﻣﺤ ًﺒﺎ ﻟﺒﻜﺎرة وﻏﻨﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺷﺎرﻛﺖ ﻧﺼﻮص اﻟﺮواة ً – ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻮﻗﻌﻲ ﺑﻮزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ -ﻗﻮاﻓﻞ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ أن ﺗﺨﺮج اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻣﻦ "ﺑﻴﻮت اﻟﺒﺮش" وﻫﻮ اﺳﻢ ﻣﺴﺎﻛﻨﻬﻢ ،ﻟﻴﺮﻗﺼﻮا وﻳﺘﻌﺮﻓﻮا ﻋﻠﻰ أﺧﻮﺗﻬﻢ ﻓﻲ دﻟﺘﺎ ﻣﺼﺮ ،ﻓﻬﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻋﻄﺸﻰ ،وﻛﺎن اﻟﺴﺆال اﻟﺬي ﻗﺎد ﺑﺤﺜﻲ :ﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮن رﻳﻬﺎ ﻋﻤﻼ ﻣﻬ ًﻤﺎ ،وﺳﻌﻴﻨﺎ ﻟﻠﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ وﻣﻦ ﻳﺮوﻳﻬﺎ وﺑﺄي آﻟﻴﺎت؟ أﻧﺠﺰﻧﺎ ً ﻣﻌﺎرف وﺧﺒﺮات وﺗﺼﻮرات ﻗﺒﺎﺋﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻟﻨﻀﻴﻔﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﺨﺰوﻧﻨﺎ اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ،وﻫﻮ ﺟﻬﺪ ﺗﺄﺳﻴﺴﻲ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ وﻟﻜﻦ - وﻓﻖ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ اﻟﺘﺮاﺛﻲ "أول اﻟﻐﻴﺚ ﻗﻄﺮة". ﻣﺎ اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺪﻗﻴﻖ ﻟﻤﺼﻄﻠﺢ "اﻹﺑﺪاع ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﻴﺔ"؟ ﻳﺘﺴـﻊ ﻣﻔﻬﻮم "اﻹﺑﺪاع ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﻴﺔ" ﻟﻴﻀﻢ ﺗﺤﺘﻪ اﻟﺸﻔﺎﻫﻲ واﻟﻜﺘﺎﺑﻲ، اﻟﻔﺮدي واﻟﺸﻌﺒﻲ ،ﻫﺬا اﻟﻤﻔﻬﻮم اﻟﻤﺘﺴﻊ واﻟﻤﺘﺴﺎﻣﺢ ﻳﺪﻋﻮﻧﺎ ﺑﺪاﻳﺔ ﻟﺘﺄﻣﻞ اﻟﻤﺸﻬﺪ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ،وﻧﻌﻴﺪ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻤﺎ أﻧﺘﺞ ﻣﻦ اﺻﻄﻼﺣﺎت، ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻬﻢ ﻣﺴﺎﻫﻤﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻋﻦ ﺗﺮاث اﻹﺑﺪاع ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﺑﺸﻘﻴﻪ )اﻟﺸﻌﺒﻲ -اﻟﻔﺮدي( ،وﻣﺎ ﻳﻨﺪرج ﺗﺤﺖ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ أﺟﻨﺎس وأﻧﻮاع ﺳﺮدﻳﺔ وﺷﻌﺮﻳﺔ ،وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺻﺪور ﻗﺮارات ﻣﻬﻤﺔ ﻋﻠﻰ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
97
ﺣﻮار ﺧﺎص
ƲƼǙ njƻĨ ĎĔƜLJƘƞ ƝǖƜǁ Į
ĦƜǙǡƸ ĔǡLjƶǙ
ĐČƲƣǖƜƞ ưǤưƨ ǣLJĨ đƜƣǜĊ ǢǗLJ ĖĔƜǐ ƠǥǙƜLjǖƜƞ ĞČưƞǪČ ﺣﺎورﺗﻪ -ﻳﺎﺳﻤﻴﻦ ﻣﺠﺪي
ﺑﻴﻦ ﺟﻤﺮ اﻟﺸﻌﺮ وﻃﺮﻗﺎت اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث واﻟﻤﺄﺛﻮر اﻟﺸﻌﺒﻲ ً واﺻﻼ ﺑﻴﻦ ﻧﻬﺮﻳﻬﻤﺎ ،ﻓﺒﺎت ﺷﺎﻋ ًﺮا ﺑﺎﺣﺜًﺎ ﻳﺘﺤﺮك ﻣﺴﻌﻮد ﺷﻮﻣﺎن، وﺑﺎﺣﺜًﺎ ﺷﺎﻋ ًﺮا ،ﻛﻨﺰه اﻟﻨﺎس وﻣﺎ ﻳﻤﻠﻜﻮن ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﺗﺜﻴﺮ ﺷﻬﻮﺗﻪ ﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺔ واﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ أﻋﻤﺎق اﻟﺮوح اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ. ﻟﺸﻮﻣﺎن ،اﻟﺤﺎﺋﺰ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺋﺰة "ﻧﺠﻢ" ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺪ ﻋﻦ ﻛﺘﺎﺑﻪ "اﻟﻤﺆﺗﻠﻒ واﻟﻤﺨﺘﻠﻒ -ﻗﺮاءات ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ" ،واﻟﺤﺎﺋﺰ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺋﺰة أﻓﻀﻞ دﻳﻮان ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﺑﻤﻌﺮض اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻟﻠﻜﺘﺎب اﻟﺪوﻟﻲ ،ﻋﺪ ٌد ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻬﺎﻣﺔ ﻣﻨﻬﺎ" :اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺸﻌﺮي ﻓﻲ اﻟﻤﻮال -دراﺳﺔ ﺗﺤﻠﻴﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻨﻤﺎذج اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ" ،و"ﻣﺮﺑﻌﺎت اﺑﻦ ﻋﺮوس- دراﺳﺔ وﺗﺤﻘﻴﻖ"" ،ﻣﺴﺎﺣﺎت اﻻﻟﺘﺒﺎس واﻟﻮﻋﻲ ﺑﺎﻟﻨﺺ اﻟﺸﻌﺒﻲ"، و"ﻧﺪاءات اﻟﺒﺎﻋﺔ -دراﺳﺔ إﺛﻨﻮﺟﺮاﻓﻴﺔ" ،و"ﻣﻌﺠﻢ اﻟﺸﺘﺎﺋﻢ واﻟﺴﺒﺎب واﻟﻠﻌﺎن -ﻟﻐﺔ اﻟﺸﺎرع اﻟﻤﺼﺮي ﻣﻦ اﻟﺴﺮﻳﺔ إﻟﻰ ﻟﻐﺔ اﻟﺮوﺷﻨﺔ"ً ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ" اﻟﻤﻮﺳﻮﻋﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻷﻏﻨﻴﺎت اﻟﻄﻔﻞ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ" اﻟﺘﻲ ﺣﺎزت ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺋﺰة اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ اﻵداب. 96
ﻣﺴﻌﻮد ﺷﻮﻣﺎن :ا'ﺑﺪاع ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ إﻧﺘﺎج وﻋﻲ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﺘﺮاث
رﺳﺨﺖ ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ واﺣ ًﺪا ﻣﻦ أﺑﺮز وﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ أﺻﺪر ﻋﺪ ًدا ﻣﻦ اﻟﺪواوﻳﻦ ّ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻤﺠﺪدﻳﻦ -ﻣﻊ ﻣﺠﺎﻳﻠﻴﻪ ﻣﻤﻦ أﺿﺎﻓﻮا إﻟﻰ ﺷﻜﻞ وﻣﻀﻤﻮن اﻟﻘﺼﻴﺪة اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ .وﻗﺪ أﺻﺪر ﻋﺸﺮة دواوﻳﻦ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ : "أول ﺑﺮوﻓﺔ ..دﻳﻮان اﻟﻔﺘﺎﻓﻴﺖ" ،و"ﺑﻴﺠﺮب اﻟﻤﺸﻲ ﻋﻠﻰ رﺟﻞ واﺣﺪة"، و"رﺟﻠﻲ أﺗﻘﻞ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ " ،"67ﻗﺒﻞ ﻣﺎ ﻳﺮدﻣﻮا اﻟﺒﺤﻴﺮة" و"اﺧﻠﺺ ﻟﺒﺤﺮك "و"ﻋﺎرف ﻳﺎ رب" .إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ دﻳﻮان ﺷﻌﺮي ﻣﻮﺟﻪ ﻟﻸﻃﻔﺎل ﺑﻌﻨﻮان: "اﻟﺪﻳﻚ اﻟﻔﻨﺎن" .إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺸﻌﺮ واﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﻟﺸﻮﻣﺎن ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺛﺮﻳﺔ ﻣﻤﺘﺪة ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ؛ إذ أدار وﺗﺮأس ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻋﺪة إﺻﺪارات ﻣﺘﺨﺼﺼﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻠﺴﻠﺔ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺘﺬﻛﺎري ،وﺳﻠﺴﻠﺔ ﻛﺘﺎب اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،وﺳﻠﺴﻠﺔ ذاﻛﺮة اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،وﻣﺠﻠﺔ اﻟﻜﺮﻣﺔ ،وﺟﺮﻳﺪة ﻣﺴﺮﺣﻨﺎ ،وﻣﺠﻠﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة. ﻛﻴﻒ ﺑﺪأت ﻋﻼﻗﺘﻚ ﺑﺪراﺳﺔ اﻟﻔﻠﻜﻮر؟ ﻓﻲ أﺟﻮاء ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻷﻟﻌﺎب اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،وﻃﻘﻮس اﻟﻤﻮاﻟﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻷذن ﺗﺘﺴﻤﻊ ﻟﻨﻘﺮات ﻃﺒﻮل اﻟﻨﻘﺮزان واﻟﻌﻴﻦ ﺗﺘﺸﻮف ﺟﺪارﻳﺎت اﻟﺤﺞ وأﻳﻘﻮﻧﺎت اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ،وﺗﺘﻘﺎﻓﺰ اﻟﺮوح وﺳﻂ آداءات ﺗﺤﻔﻞ ﺑﺎﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﻟﻤﻜﺎن ﻟﻨﺮﺟﺴﻴﺔ أو وﺣﺪة ،إﻧﻪ ﻋﺎﻟﻢ اﻻﺷﺘﺒﺎك ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ
أﺛﺮ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ
ǘLjǝǚǖČ ưƟLJ ưǚƫĈ ĥǭƫĈ ﺧﻤﻨﺖ أﻧﻪ ﻣﺎ )ﻻ أرى ﻫﺪﻓﻲ ﺑﺸﻜﻞ واﺿﺢ ،ﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﻫﺪﻓﺎً أﺗﻌﻘﺒﻪ، ُ ﻳﺰال ﺑﻌﻴﺪا ً ،ﺧﺎرج ﻣﺠﺎل رؤﻳﺘﻲ ،ﻟﻜﻨﻲ ﺳﺄﻋﺮﻓﻪ ﻓﻮر أن أﻟﻤﺤﻪ( ،ﻫﻜﺬا ﻳﺨﺘﺎر أﺣﻼﻣﻪ ،وﻃﻤﻮﺣﻪ أن ﻳﺤﻘﻖ ﻫﺬه اﻷﺣﻼم ،أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻳﺰرﻋﻬﺎ، ﻋﻠﻰ أﻣﻞ أن ﺗ ُﻨﺒﺖ ذات ﻳﻮم أﺣﻼﻣﺎً ،وﻳﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﺳﻬﺎ ،أو ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ ﻟﻠﻤﻮاﺻﻔﺎت ،ﺣﺘﻰ ﻻ )أﻗﺬف ﺑﺮوﺣﻲ ﺧﺎرج ﺟﺴﺪي( ،ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل أﺣﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻨﻌﻢ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺠﺪﻳﺪ )أﺣﻼم اﻟﺪوﺑﻠﻴﺮ( ،اﻟﺼﺎدر ﻋﻦ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﻜﺘﺎب 116 ،ﺻﻔﺤﺔ ،ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ أﺑﻮاب ،وأرﺑﻊ ﻋﺸﺮة ﻗﺼﺔ ﻗﺼﻴﺮة. وﻣﻊ أن ﺗﻘﺴﻴﻤﺔ اﻟﻜﺘﺎب ﺗﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ ﺗﺮاث اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ) :ﺑﺎب اﻷﺣﻼم، ﺑﺎب اﻟﻜﻮاﺑﻴﺲ ،وﺑﻴﻦ اﻟﺤﻠﻢ واﻟﻜﺎﺑﻮس( ،إﻻ أن اﻟﻜﺎﺗﺐ ﺑﻌﻴﺪ ﻛﻞ اﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﺘﺮاث وﻫﻴﺌﺘﻪ ﺑﻞ وﻫﻴﺒﺘﻪ ،ﻓﻬﻮ ﻳﻨﺨﺮط ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻴﻮم ،ﺑﻮاﻗﻌﻴﺘﻪ واﺳﺘﻔﻬﺎﻣﺎﺗﻪ وﺑﺮاﺟﻤﺎﺗﻴﺘﻪ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ وﻧﻘﺪه ﻟﻠﺮوﻣﺎﻧﺴﻴﺔ أو اﻷﺻﺢ ﻧﻘﻀﻪ ﻟﻬﺎ ،ﻣﻊ ﺗﻌﻤﻴﻖ رﻏﺒﺘﻪ واﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻟﻨﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ، ﺑﺎﻟﺴﺨﻂ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻻ ﻟﻠﺘﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺟﺪواﻫﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻤﺤﺎوﻟﺔ اﻟﻔﻬﻢ واﻟﺪرس أي ﻓﻦ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم. واﻟﻬﻀﻢ واﻟﺘﻤﺜﻞ ،ﻓﻬﻮ اﻟﻐﺮض اﻷﺳﻤﻰ ﻣﻦ ّ ﻛﻞ أو ّ ﻓﻲ )ﺑﺎب اﻷﺣــﻼم( ،ﻳﺮﺳﻢ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ دواﺋــﺮ ،ﻣﺴﺘﻔﻴﺪا ً ﻣﻦ ﻋﻮاﻟﻢ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎء ،ﺑﺼﻮر ﻃﻔﻮﻟﻴﺔ ،ﺗﻔﺸﻞ داﺋﻤﺎً ﺑﺘﻘﻮﺳﺎﺗﻬﺎ واﻋﻮﺟﺎﺟﻬﺎ ،ﻓﻼ ﺗﻮﺟﺪ داﺋﺮة ﻣﻨﻀﺒﻄﺔ أو ﻣﻜﺘﻤﻠﺔ إﻻ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺨﻴﺎل ،ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻊ اﻟﺤﺐ ﺷﺨﻮص ﺗﺴﻌﻰ ﻟﺮأب ﺻﺪوﻋﻬﺎ وﻋﻴﻮﺑﻬﺎ .ﺛﻢ ﻳﺘﻘﺪم ﺣﺜﻴﺜﺎً ﻟﺮﺳﻢ ّ ﻋﻠﻰ رﻗﻌﺔ ِﺷﻄﺮﻧﺞ ﺑﺎﻟﺘﻼﻋﺐ ﺑﻪ ،وﻓﻴﻪ ﺗﻨﻄﻮي اﻷﻧﺜﻰ ﺑﻬﻴﻜﻠﻬﺎ اﻟﻌﺎدي ﻟﻜﻦ اﻟﺤﻤﺎﺳﻲ ﻣﻨﻪ ،ﻓﻴﺘﺼﺒﺐ ﻋﺮﻗﺎً وﻛﻠﻪ ﺣﻨﻴﻦ ،إذ ﺗﻤﺘﻠﺊ ﻧﺼﻮﺻﻪ ﺑﺎﻷﺣﻀﺎن ،ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﺜﺪي )ﻧﺎﻓﺮا ً( ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻤﻨﻰ داﺋﻤﺎً ،وﻓﻲ اﻟﺤﻔﻞ اﻟﻤﺒﻨﻲ ﻟﻠﻤﺠﻬﻮل إﻫﺎﻧﺎت وﺿﺤﻜﺎت وﺧﻔﺔ ﺛﻘﻴﻠﺔ اﻟﻮزن ﻣﻤﻦ ﻳﺮﻣﻘﻪ ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك ،وﻷن اﻟﺤﻔﻞ ﺻﺎﺧﺐ ﻛﻤﻦ ﻳﻨﺨﺮط ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،ﻓﻼ أﺣﺪ ﻳﺤﻔﻞ ﺑﻪ دﺧﻮﻻً أو ﺧﺮوﺟﺎً ،إﻧﻪ اﻟﺒﻄﻞ اﻟﻤﻐﻮار ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺒﺚ اﻟﺤﻨﻖ ﻓﻲ اﻟﺠﻤﻴﻊ ،ﻳﻬﺮول أو ﻳﻬﺪأ ،ﻳﺘﺴ ّﻤﺮ أو ﻳﻠﺘﻔﺖ، ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﺷﻲء وﻗﺪ ﺗﺪ َﻫﺴﻪ ﺑﺤﺬاﺋﻚ. ﻓﻲ )ﺑﺎب اﻟﻜﻮاﺑﻴﺲ( ،دﺧﻮل ﻓﻲ اﻟﺸﺮ ،ﻓﺎﻟﻤﺒﺎراة ﻃﻮﻳﻠﺔ وﺛﻤﺔ ﺣﻜَﻢ ﻟﻜﻦ ﻻ ﻛﺮة وﻻ ﺧﻄﺔ ﺑﻞ ﺻﺮاخ ﻣﺒﺤﻮح ﻣﻦ ﺟﻤﻮع ﻓﺎﺗﻬﺎ ﺳﺆال )ﻳﺘﺒﻊ ﻓﺮﻳﻖ ﻣــﻦ؟( ،ﺣﺘﻰ ﻟﻴﺼﻴﺒﻪ اﻟﻔﺮح ﺑﺎﻟﺼﺪاع، َ ﻓﻴﺮوح ﻓﻲ اﻟﺴﺒﺎت ،ﻫﻨﺎ ﻳﺒﺪأ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﺗﻤﺜﻞ
ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻴﺪ اﺑﺮاﻫﻴﻢ* ƉƚǙ ǛǙ ǗŵƉŨǙǶ ƉƫōƗ
ﻋﻮاﻟﻢ ﻛﺎﻓﻜﺎ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺒﺪو اﻻﺿﻄﻬﺎد ﻓﻲ ﻋﻴﻦ اﻟﻀﺎﺑﻂ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺪ ّوي ﻓﻲ اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺮاﻫﺎ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺧﺎﺿﻌﻴﻦ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ دون اﺳﺘﻔﻬﺎم أو ﺗﻤﺮد ﻣﻤﻬﻮر ًة داﺋﻤﺎً ﺑﺤﺮف )ﻻ( ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻓﻌﻞ ﻏﺮﻳﺐ ﻻ ﻳﻄﻤﺌﻦ إﻟﻴﻪ أﺣﺪ ،ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻘﻨﻌﺎً ،وﺣﻴﻦ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﺣﺠﺮﺗﻪ ﺗﺘّﺴﻊ اﻟ َﻮﺣﺸﺔ ،ﻃﺎﻟﺒﺎً اﻟﻌﻮن ﻣﻦ اﻟﻨﻮم ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻛﺎﺑﻮس ،ﻳﻘﺪم ﻟﻪ أﻻﻋﻴﺐ ﻟﻐﻮﻳﺔ، ﻳﻨﺤﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻴُﺴ َﺠﻦ ،وﺛﻤﻦ اﻹﻓﺮاج ﻋﻨﻪ ﺑﺎﻫﻆ ،ﻻ ّ ﺣﺘﻰ ﻣﻊ اﻓﺘﻀﺎض اﻟﻜﺎﺑﻮس ،ﻫﻨﺎ ﻳﺘﻨﺎص ﻣﻊ )ﻣﺤﺎﻛﻤﺔ ﻛﺎﻓﻜﺎ( وﻏﻠﺒﺔ )ﺟﻮزﻳﻒ ك( ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻬﻮ )ﻳﻮﺳﻒ ك( ،ﻟﻜﺄﻧﻪ ﻳﺴﺘﻜﻤﻞ ﻣﺎ ﺻﺎر ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻨﻘﻮص ،ﺑﺤﻴﺮﺗﻪ وﻧﻜﻮﺻﻪ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﻻ أدرﻳ ٍﺔ أﺧﺮى ﺗﻮﺣﻲ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻨﻮم ،وﻳﺴﺘﻤﺮ ﻟﻸﺑﺪ. ﻓﻲ اﻟﻘﺴﻢ اﻷﺧﻴﺮ )ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻠﻢ واﻟﻜﺎﺑﻮس( ،ﻳﻮاﺻﻞ ﻟﻌﺒﺘﻪ اﻟﻔﻨﻴﺔ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺴﺘﻜﻤﻞ أﻳﻀﺎً رواﻳﺔ )ﻣﻴﺮاﻣﺎر( ﻟﻨﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ ،ﺳﺎردا ً ﻣﺼﻴﺮ اﻟﺒﻄﻠﺔ اﻟﻤﻨﺴﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺰداد ﺑﺆﺳﺎً ﻋﻠﻰ )زُﻫﺮة( ،ﻓﻴﻌﺘﺒﺮه اﻟﻔﺼﻞ ّ ﺑﺆس ،ﺣﻴﺚ ﺗﺰول ﺑﺮاءﺗﻬﺎ اﻟﺮﻳﻔﻴﺔ ،وﺗﻜﺴﻮ ﻣﻼﻣﺤﻬﺎ ﻗﺴﻮة اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺮﺣﻢ، ﻻ ﺗﺮﺣﻤﻬﺎ وﻻ ﺗﺮﺣﻢ أوﻻدﻫﺎ ،وﻳﻤﻮت اﻟﺰوج ﻣﻘﻬﻮرا ً ﻣﻔﻠﺴﺎً ،وﺗﺴﺘﻤﺮ ﺣﻴﺎة اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻓﻲ اﻟﺪاﺋﺮة اﻟﻤﺠ َﻬﻀﺔ ،ﺗﻮزع اﻟﻠﻌﻨﺎت ،ﻟﻜﻦ اﻟﻤﻄﺮ ﻻ ﻳﺘﻮﻗﻒ ،ﻣﻨﻪ ﻗﺪ ﻧﺴﺘﺸﻒ ﺑﺬور اﻷﻣﻞ ،ﻣﻊ ﺿﺒﺎﺑﻴﺔ اﻷﺣــﻮال .ﻓﻲ اﻟﻘﺼﺔ اﻷﺧﻴﺮة )ﻫﻴﺎج اﻟﺪوﺑﻠﻴﺮ( ،اﺳﺘﻜﻤﺎل ﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻓﻴﻠﻢ ﻗﺪﻳﻢ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺴﻌﻰ )اﻟﺒﺪﻳﻞ( ﻷداء دوره اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ،وﻳﺘﻢ ﻃﺒﻌﺎً ﺑﺄﻋﻨﻒ ﺻﻮرة ،ﻓﻠﻦ ﻳﺤﺪث ﻫﻨﺎ إﻻ ﺑﻘﺘﻞ اﻟﺒﻄﻞ ،وﻫﻲ ﻧﺒﻮءة أﻧﻪ ﺳﻴﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺤﺪ اﻟﺤﻠﻢ ﻣﻊ اﻟﻜﺎﺑﻮس، وﺗﺼﺒﺢ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺤﺎﻟﻢ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
95
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
وﻗﺪ أﻧﻔﻖ اﻟﻤﻬﺪي ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺤﺠﺔ ﻣﺎﻻً ﻋﻈﻴﻤﺎً ﻗﺪم ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺮاق، ﻳﺒﻠﻎ ﺛﻼﺛﻴﻦ أﻟﻒ أﻟﻒ درﻫﻢ ،ﺳﻮى ﻣﺎ وﺻﻞ اﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ ،وﻫﻮ ﻣﺒﻠﻎ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر ،وﻣﻦ اﻟﻴﻤﻦ ﻣﺎﺋﺘﻲ أﻟﻒ دﻳﻨﺎر ،وﻗﺪ ﻓﺮق ﻛﻞ ﻫﺬه اﻷﻣﻮال ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺠﺎج وﻓﻘﺮاء اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ وﻣﻌﻬﺎ أﻟﻒ وﺧﻤﺴﻮن أﻟﻒ ﺛﻮب .ووﺳﻊ اﻟﻤﻬﺪي – ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﻤﻘﺮﻳﺰي -ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺮﺳﻮل – § – وأﻣﺮ ﺑﺒﻨﺎء اﻟﻘﺼﻮر ﺑﻄﺮﻳﻖ ﻣﻜﺔ وﻛﺬا اﻷﺣﻮاض اﻟﺘﻲ ﻳﺠﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎء اﻟﻤﻄﺮ ،ﻛﻤﺎ ﺣﻔﺮ اﻵﺑﺎر ،وأﻗﺎم اﻟﺒﺮﻳﺪ ﺑﻴﻦ ﻣﻜﺔ واﻟﻤﺪﻳﻨﺔ واﻟﻴﻤﻦ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﺑﺮﻳﺪ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ.
اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﻴﺒﺮس ﻓﻲ ﻣﻜﺔ
وﻳﺘﺤﺪث اﻟﻤﻘﺮﻳﺰي ﻓﻲ رﺳﺎﻟﺘﻪ ﻋﻦ اﻟﻤﻠﻮك واﻟﺴﻼﻃﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺣﺠﻮا ﻣﻦ ﻣﺼﺮ ،وﻣﻨﻬﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻈﺎﻫﺮ ﺑﻴﺒﺮس اﻟﺒﻨﺪﻗﺪاري ،اﻟﺬي ﺣﺞ ﺳﻨﺔ 667ﻫـ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﻳﺨﻔﻲ ﻗﺼﺪه وﻗﺖ ﺧﺮوﺟﻪ ،وﻳﺘﻈﺎﻫﺮ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﻌﺮاق ،وﻗﺪ دﺧﻞ ﻣﻜﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻣﻦ ذي اﻟﺤﺠﺔ ،وأﻋﻄﻰ ﺧﻮاﺻﻪ ﺟﻤﻠﺔ أﻣﻮال ﻟﺘﺼﺮف ﻓﻲ اﻟﻨﺎس ﺳﺮا ،وﻋﻢ أﻫﻞ اﻟﺤﺮﻣﻴﻦ ﺑﺎﻟﻜﺴﻮة اﻟﺘﻲ ﻓﺮﻗﻬﺎ ،وﺻﺎر ﻓﻲ ﺣﺠﻪ ﻛﺄﺣﺎد اﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﺤﺠﺒﻪ أﺣﺪ وﻻ ﻳﺤﺮﺳﻪ اﻻ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﺑﻘﻲ ﻣﻨﻔﺮدا ً ﻳﺼﻠﻲ وﺣﺪه وﻳﻄﻮف وﺣﺪه وﻳﺴﻌﻰ وﺣﺪه ،ﻓﻼ ﻳﻌﺮﻓﻪ اﻻ ﻣﻦ ﻳﻌﺮﻓﻪ ،وﻏﺴﻞ اﻟﻜﻌﺒﺔ ﺑﻴﺪه ﺑﻤﺎء اﻟﻮرد ،وﺻﺎر ﺑﻴﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف ﻃﺒﻘﺎﺗﻬﻢ وﺗﺒﺎﻳﻦ أﺟﻨﺎﺳﻬﻢ ،وﻣﺎ ﻣﻨﻬﻢ اﻻ ﻣﻦ ﻳﺮﻣﻲ ﺣﺞ ﻫﺎرون اﻟﺮﺷﻴﺪ وﺑﻌﺪ اﻟﻤﻬﺪي ﺟﺎءت ﺧﻼﻓﺔ ﻫﺎرون اﻟﺮﺷﻴﺪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺛﻼﺛﺎ وﻋﺸﺮﻳﻦ اﻟﻴﻪ ﺑﺈﺣﺮاﻣﻪ ﻓﻴﻐﺴﻠﻪ ﺑﻴﺪه وﻳﻨﺎوﻟﻪ ﺻﺎﺣﺒﻪ. ﺳﻨﺔ ،ﻓﻜﺎن ﻳﻐﺰو ﺳﻨﺔ وﻳﺤﺞ ﺳﻨﺔ ،وﻟﻢ ﻳﺤﺞ ﺑﻌﺪه ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺑﻐﺪاد.. ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻗﺘﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻢ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﺑﺒﻐﺪاد اﻧﻘﻄﻊ اﻟﺤﺞ ﻣﻦ ﺗﻮاﺿﻊ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻗﻼوون اﻟﻌﺮاق ﻋﻦ ﻣﻜﺔ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ 655ﻫـ اﻟﻰ ﺳﻨﺔ 666ﻫـ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺮد ﻣﻦ ﻫﻨﺎك وﺣﺞ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﻗﻼوون ﻋﺎم 719ﻫـ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺣﺎج ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺪة .وﻟﻜﻦ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻤﻈﻔﺮ ﺷﻤﺲ اﻟﺪﻳﻦ ﻳﻮﺳﻒ ،وﻫﻮ ﻗﺪم ﻣﻜﺔ أﻇﻬﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻮاﺿﻊ واﻟﺬل واﻟﻤﺴﻜﻨﺔ أﻣﺮا ً زاﺋﺪا ً وﺳﺠﺪ ﻋﻨﺪ ﻣﻦ ﻣﻠﻮك اﻟﻴﻤﻦ ،ﺣﺞ ﺳﻨﺔ 659ﻫـ ،وﻏﺴﻞ اﻟﻜﻌﺒﺔ ﺑﻨﻔﺴﻪ وﻃﻴﺒﻬﺎ ﻣﻌﺎﻳﻨﺔ اﻟﺒﻴﺖ ﺳﺠﻮد ﻋﺒﺪ ذﻟﻴﻞ ،وﺗﻘﺪم اﻟﻴﻪ اﻟﻘﺎﺿﻲ اﺑﻦ ﺟﻤﺎﻋﺔ، وﻛﺴﺎﻫﺎ ﻣﻦ داﺧﻠﻬﺎ وﺧﺎرﺟﻬﺎ ،وﻛﺎن أول ﻣﻦ ﻛﺴﺎ اﻟﻜﻌﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻠﻮك وﺣﺴﻦ ﻟﻪ أن ﻳﻄﻮف راﻛﺒﺎً ﻓﺎن اﻟﻨﺒﻲ – § – ﻃﺎف راﻛﺒﺎً .ﻓﻘﺎل: ّ ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺘﻞ اﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻢ ،وﻗﺪ ﻗﺎم اﻟﻤﻈﻔﺮ ﺑﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﺤﺮم وأﻫﻠﻪ ،وأﻛﺜﺮ ﻳﺎ ﻗﺎﺿﻲ وﻣﻦ أﻧﺎ ﺣﺘﻰ أﺗﺸﺒﻪ ﺑﺎﻟﻨﺒﻲ §؟ واﻟﻠﻪ ﻻ ﻃﻔﺖ إﻻ ﻛﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﺪﻗﺎت وﻧﺜﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻌﺒﺔ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ. ﻳﻄﻮف اﻟﻨﺎس 94
ﺣﺞ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء واﻟﻤﻠﻮك اﻟﺬﻫﺐ اﻟﻤﺴﺒﻮك اﻟﻤﻘﺮﻳﺰي ﻳﺆرخ ﻟﻤﻦ ّ
وﺻﻔﻴﻦ .وﺗﺤﺪث اﻟﻤﻘﺮﻳﺰي ﻓﻲ رﺳﺎﻟﺘﻪ ﻋﻦ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء واﻷﻣﺮاء واﻟﻤﻠﻮك اﻟﺬﻳﻦ رﺣﻠﻮا اﻟﻰ ﻣﻜﺔ ﻟﻔﺮﻳﻀﺔ اﻟﺤﺞ ،ﻓﻘﺪ ﺣﺞ ﻣﻌﺎوﻳﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎن ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻋﺪة ﺳﻨﻴﻦ ،وﺣﺞ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺣﺠﺞ. وﺣﺞ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺳﻨﺔ إﺣﺪى وﺗﺴﻌﻴﻦ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺪم اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻏﺪا إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺑﻨﺎﺋﻪ وأﺧﺮج اﻟﻨﺎس ﻣﻨﻪ وﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻏﻴﺮ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﺴﻴﺐ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺴﺮ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﺮس ﻋﻠﻰ أن ﻳﺨﺮﺟﻪ ،ﻓﺄﺗﺎه اﻟﻮﻟﻴﺪ وﻣﻌﻪ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ واﻟﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻓﺴﻠﻢ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﻪ ،ﺛﻢ اﻧﺼﺮف وﻫﻮ ﻳﻘﻮل ﻟﻌﻤﺮ :ﻫﺬا ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻨﺎس. اﻟﻤﻬﺪي واﻟﺘﻮﺳﻌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺠﻴﺞ
وﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﺣﺞ أﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﻋﺪة ﺳﻨﻴﻦ ،وﺣﺞ اﻟﻤﻬﺪي أﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ 160ﻫـ ،وﺣﺞ ﻣﻌﻪ اﺑﻨﻪ ﻫﺎرون ﻓﻲ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ أﻫﻠﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺪم ﻣﻜﺔ ﻧﺰع اﻟﻜﺴﻮة ﻋﻦ اﻟﻜﻌﺒﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ رﻓﻊ إﻟﻴﻪ ﺳﺪﻧﺔ اﻟﺒﻴﺖ أﻧﻬﻢ ﻳﺨﺎﻓﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻌﺒﺔ أن ﺗﻨﻬﺪم ﻟﻜﺜﺮة ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﺴﻮة ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻜﺴﻮة ﻻ ﺗﻨﺰع ﻋﻦ اﻟﻜﻌﺒﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻋﺎم ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻵن ،ﺑﻞ ﺗﻠﺒﺲ ﻛﻞ ﺳﻨﺔ ﻛﺴﻮة ﻓﻮق اﻟﻜﺴﻮة اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻜﺎﺛﺮ اﻟﻌﻬﺪ وﻛﺜﺮ ذﻟﻚ ﺧﺎﻓﺖ اﻟﺴﺪﻧﺔ ﻋﻠﻰ اﻷرﻛﺎن أن ﺗﻨﻬﺪم ﻟﺜﻘﻞ ﻣﺎ ﺻﺎر ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﺴﻮة.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
93
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
ģǡƟƶǚǖČ ƝǟƱǖČ
ģǡǗǚǖČĨ ĆƜǎǗƯǖČ ǛǙ Ƨı ƫ Ǜǚǖ ēĖƗǤ ĪƳǤƲǑǚǖČ أﺣﻤـﺪ أﺑﻮ زﻳﺪ
اﻫﺘﻢ ﺷﻴﺦ اﻟﻤﺆرﺧﻴﻦ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ "أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻤﻘﺮﻳﺰي" ﺑﺎﻟﺘﺄرﻳﺦ ﻟﻌﺪد ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ رﺣﻼت اﻟﺤﺞ ،وﺧﺎﺻﺔ اﻟﺮﺣﻼت اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ اﻟﺨﻠﻔﺎء واﻟﻤﻠﻮك ،ﻓﻘﺪ أﻟﻒ ﻓﻲ ذي اﻟﻘﻌﺪة ﺳﻨﺔ 841ﻫـ رﺳﺎﻟﺔ ﺑﻌﻨﻮان "اﻟﺬﻫﺐ اﻟﻤﺴﺒﻮك ﻓﻲ ذﻛﺮ ﻣﻦ ﺣﺞ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء واﻟﻤﻠﻮك"، ﻧﺸﺮت ﻷول ﻣﺮة ﻋﺎم 1955م ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎم اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺟﻤﺎل اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺸﻴﺎل ﺑﻨﺸﺮﻫﺎ ﻋﻦ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت ﺑﻤﻜﺘﺒﺔ اﻷﺳﻜﻮﺑﺎل ،وﻣﻜﺘﺒﺔ وﻟﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﺎﺳﺘﺎﻧﺒﻮل ،واﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻷﻫﻠﻴﺔ ﺑﺒﺎرﻳﺲ ،ﺑﻌﺪ أن ﺣﻘﻘﻬﺎ وﻋﻠﻖ ﺣﻮاﺷﻴﻬﺎ وﻗﺪم ﻟﻬﺎ ووﺿﻊ ﻓﻬﺎرﺳﻬﺎ. ﺑﺪأ اﻟﻤﻘﺮﻳﺰي رﺳﺎﻟﺘﻪ ﺑﻔﺼﻞ ﻓﻲ ﺣﺠﺔ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ § اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻰ ﺣﺠﺔ اﻟﻮداع ،وﺣﺠﺔ اﻟﺒﻼغ ،وﺣﺠﺔ اﻹﺳﻼم ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺠﺔ اﻟﻮداع ﻷﻧﻬﺎ آﺧﺮ ﻣﺮة رأى ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﺒﻲ § ﻣﻜﺔ واﻟﺒﻴﺖ اﻟﺤﺮام ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﺠﺔ اﻟﺒﻼغ ﻷن اﻟﺮﺳﻮل ،§ ،أﺗﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻼغ رﺳﺎﻟﺘﻪ ﻟﻠﻨﺎس ،وﻛﺎﻧﺖ 92
ﺣﺞ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء واﻟﻤﻠﻮك اﻟﺬﻫﺐ اﻟﻤﺴﺒﻮك اﻟﻤﻘﺮﻳﺰي ﻳﺆرخ ﻟﻤﻦ ّ
ﺣﺠﺔ اﻹﺳﻼم ﻷن اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ أﻛﻤﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺪﻳﻦ ،وأﺗﻢ اﻟﻨﻌﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ .وﺑﻌﺪ ﺣﺠﺔ اﻟﻮداع ﻳﺆرخ اﻟﻤﻘﺮﻳﺰي ﻟﻤﻦ ﺣﺞ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء واﻟﻤﻠﻮك ،وﺗﻀﻢ رﺳﺎﻟﺘﻪ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﺸﺮ ﺧﻠﻴﻔﺔ ،أوﻟﻬﻢ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﻳﻖ، رﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ،وآﺧﺮﻫﻢ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﻠﻪ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس أﺣﻤﺪ ﺛﺎﻧﻲ ﺧﻠﻔﺎء ﺑﻨﻲ اﻟﻌﺒﺎس ﺑﻤﺼﺮ .وﻣﻦ اﻟﻤﻠﻮك ﺛﻼﺛﺔ ﻋﺸﺮ ،أوﻟﻬﻢ اﻟﺼﻠﻴﺤﻲ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻣﻠﻚ اﻟﻴﻤﻦ ،اﻟﺬي ﺣﺞ ﺳﻨﺔ 455ﻫـ ،وآﺧﺮ اﻟﻤﻠﻮك اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻋﺸﺮ اﻟﺬﻳﻦ وﺻﻒ اﻟﻤﻘﺮﻳﺰي رﺣﻠﺘﻬﻢ ﻟﻠﺤﺞ اﻟﻤﻠﻚ اﻷﺷﺮف ﺷﻌﺒﺎن ﺑﻦ ﺣﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون ،اﻟﺬي ﺗﻮﻟﻰ اﻟﻤﻠﻚ ﻓﻲ ﺷﻌﺒﺎن ﺳﻨﺔ 764ﻫـ. أﻣﺎ ﺣﺞ اﻟﺨﻠﻔﺎء – ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﻤﻘﺮﻳﺰي – ﻓﺄوﻟﻬﻢ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﻳﻖ اﻟﺬي ﺣﺞ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﺳﻨﺔ 12ﻫـ ،واﺳﺘﺨﻠﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن ،أﻣﺎ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻴﻦ وﻧﺼﻒ ،ﺣﺞ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ إﻻ اﻟﺴﻨﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻘﻂ ،ﻓﺎﻧﻪ ﺣﺞ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺘﺎب ﺑﻦ أﺳﻴﺪ .وﻛﺎﻧﺖ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﺜﻤﺎن اﺛﻨﺘﻲ ﻋﺸﺮة ﺳﻨﺔ ،وﻗﺪ ﺣﺞ ﺟﻤﻴﻊ ﺳﻨﻴﻦ ﺧﻼﻓﺘﻪ إﻻ اﻟﺴﻨﺔ اﻷوﻟﻰ واﻷﺧﻴﺮة .وأﻣﺎ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﻓﻠﻢ ﻳﺤﺞ ﻓﻲ ﺧﻼﻓﺘﻪ ﻻﺷﺘﻐﺎﻟﻪ ﺑﺤﺮب اﻟﺠﻤﻞ
ﻇﻨﻲ" ﻫﻜﺬا ﺗﺒﺪو ﺻﻮرة اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﻌﺮﻓﻲ ﻟﻠﺸﻴﻮخ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺒﺪو ﻣﺪى اﻟﺘﻮﺗﺮ اﻟﻨﺎﺷﻲء ﺑﻴﻦ ﺷﻄﺮي اﻟﻮاﺣﺔ ،وﻣﺎ ﻳﺪﻋﻲ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ اﻟﺘﻤﻴﺰ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮ ،وﻫﻮ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﺸﻌﻞ داﺋﻤﺎ ﻧﺎر اﻟﺤﺮب )اﻟﻤﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ( ﻛﺴﻤﺔ ﻏﺮاﺋﺒﻴﺔ ﻣﻦ ﺳﻤﺎت ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻤﻨﻌﺰﻟﺔ ،وﻣﺎ ﻳﺪور ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺻﺮاع ﺧﻔﻲ وﻣﻌﻠﻦ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ اﻟﺴﻮاء ،وﻫﻮ اﻟ ُﻌﺮف اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻧﺴﺎﺋﻴﺔ ﺗﻄﻔﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻄﺢ ﻣﻦ ﺧﻼل أزﻣﺔ ﻧﺎﺷﺌﺔ ﻋﻦ اﻟﻘﻀﺎء ﺑﺄن ﻳﺘﻢ اﻟﺘﺰاوج ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺸﻴﺮﺗﻴﻦ ﻟﻮﻗﻒ ﻧﺰﻳﻒ اﻟﺤﺮب واﻟﻘﺘﺎل ،ﻫﻲ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻣﻠﻴﻜﺔ إﺣﺪى أﻳﻘﻮﻧﺎت اﻟﻨﺺ اﻟﺮواﺋﻲ ،وﻫﺬه اﻟﺒﻴﺌﺔ ،ﺑﺪﺧﻮل ﻣﺒﺮز ﻟﻘﻀﻴﺔ وﺟﻮد اﻟﻤﺮأة ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﻘﺒﻠﻴﺔ اﻟﻤﺘﻮارﺛﺔ، واﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻜﺒﺶ ﻓﺪاء رﺑﻤﺎ ﻟﺮأب ﻫﺬا اﻟﺼﺪع ووﻗﻒ ﻧﻬﺮ اﻟﺪﻣﺎء ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻄﺮﻳﻦ" :ﻟﻜﻨﻲ أﻋﺮف أن ﻣﻠﻴﻜﺔ ﻟﻦ ﺗﻌﻮد ،وأﻋﺮف أن ﻓﻜﺮة اﻟﻤﻬﺪي ﻟﻮﻗﻒ اﻟﺤﺮوب ﻟﻦ ﺗﻔﻴﺪ ..ﻟﻦ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﺷﻲء ﻟﻮ ﺗﺰوج ﻛﻞ اﻟﺸﺮﻗﻴﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻐﺮﺑﻴﺎت أو اﻟﻌﻜﺲ ..ﻟﻦ ﻳﻨﺰع اﻟﺘﺰاوج ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺬرة اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﻮس ،وﻫﺎ ﻫﻮ زواج ﻏﺮﺑﻴﺔ واﺣﺪة ﻣﻦ ﺷﺮﻗﻲ ﻳﻨﺬر ﺑﺎﻟﺸﺮ ،وﻷﺳﺒﺎب أﻗﻞ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻴﻨﻜﻢ اﻟﺤﺮوب ..ﻟﻮ أﻧﻲ أﻋﺮف ﻟﻬﺬا اﻟﺤﻘﺪ اﻟﻤﻤﻴﺖ ﺳﺒﺒﺎ! ﻟﻮ أﻋﺮف ﻣﺎ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺄﺻﻠﻪ ،ﻟﻜﻦ ﻫﺎ ﻫﻢ ﻳﺘﺸﺎورون ..ﻳﺘﻈﺎﻫﺮون ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻳﺘﺸﺎورون" ﻫﻜﺬا ﻳﺘﺤﻮل اﻟﺨﺎص إﻟﻰ ﻋﺎم ﻣﺜﻴﺮ ﻟﻼﺷﺘﺒﺎك ﻣﻦ ﺧﻼل ﻃﻘﺲ ﻣﻦ ﻃﻘﻮس اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺒﺪاﺋﻲ اﻟﻘﺒﻠﻲ اﻟﺒﺪوي ﺑﺈﺛﺎرة ﺗﻠﻚ اﻷﺳﺌﻠﺔ واﻟﺘﺄﻣﻼت اﻟﺸﺎﻫﺪة ﻋﻠﻰ اﺿﻄﺮاب اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﻘﺒﻠﻴﺔ واﺳﺘﻨﺎد أﺣﻜﺎﻣﻬﺎ واﺣﺘﻜﺎﻣﺎﺗﻬﺎ إﻟﻰ ﻧﻮازع ﻣﺬﻣﻮﻣﺔ ﺗﻀﺮب ﻓﻲ ﻋﻤﻖ اﻟﻨﻌﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺚ داﺋﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻻﻧﻔﺼﺎل ،وﻻ ﺗﻌﻈﻢ ﻣﻦ اﻟﺪور اﻟﻤﻨﻮط ﺑﻪ اﻟﺤﻜﻢ أو اﻟﻘﻀﺎء اﻟﻔﺎﺻﻞ ﻓﻲ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﻤﺤﻮرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻌﺮض ﻟﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﻗﻤﻊ داﺧﻠﻲ ﻳﺘﻨﺎزﻋﻮن ﻓﻴﻪ ،وﻗﻤﻊ ﺧﺎرﺟﻲ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﺸﺎﻛﻠﻬﻢ ﻣﻊ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮ اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﺬي ﻻ ﺗﻔﻴﺪ ﻣﺠﺎﻟﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﻞ ﻣﺸﺎﻛﻠﻬﻢ ﻣﻌﻪ .وﻫﻜﺬا ﻳﺒﺪو دور اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﻠﻬﻢ )اﻟﻤﻬﺪي( ﻟﻴﻀﻊ أﺳﺎﺳﺎً ﻫﺸﺎً ﻟﻘﻀﺎﺋﻬﻢ وﻣﻼﻣﺢ اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻴﻬﻢ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺒﺪو اﻟﻬﺸﺎﺷﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬه اﻟﻘﻴﻢ اﻟﻤﻬﺘﺰة ﻓﻲ اﻟﻘﻀﺎء ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﻤﺘﻔﺮﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب ﺷﺨﻮص أﻛﺜﺮ اﻧﻬﺰاﻣﺎ وأﻛﺜﺮ ﻗﻮة ﻓﻲ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻫﺬه اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ واﻷﺣــﻜــﺎم اﻟﻌﺮﻓﻴﺔ اﻟﺒﺎﻟﻴﺔ اﻟﻤﺮﻓﻮﺿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﻴﻦ اﻟﺬاﺗﻲ واﻟﻌﻘﻴﺪي ،وﻫﻜﺬا ﺗﺒﺪو ﻏﺮاﺋﺒﻴﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﺮب وﻃﻘﻮﺳﻬﺎ وإﻓﻀﺎء ﻛﻞ ﻣﺤﺎوﻻت اﻟﻘﻀﺎء واﻟﺘﺤﻜﻴﻢ إﻟﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻧﺒﺮاﺳﺎً وﻋﻘﻴﺪة ﻋﻤﻴﺎء ﻳﺘﺴﻠﺢ ﺑﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻐﺮﻳﺐ اﻟﺬي ﻳﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﻫﻮس اﻟﻘﺒﻠﻴﺔ واﻟﻌﺮﻗﻴﺔ وﻫﻮس اﻟﺘﻠﺬذ ﺑﺎﻟﺪم واﻻﻧﺘﺼﺎر ﻷﺣﻜﺎم ﻗﻀﺎﺋﻴﺔ ﻻ ﺗﻘﺮﻫﺎ اﻷﻋﺮاف اﻟﻤﻌﺘﺎدة ﺑﻞ ورﺑﻤﺎ ﺟﻌﻠﺘﻬﺎ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺮاﺋﻢ
ﺿﺪ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻻ ﺗﻘﺮﻫﺎ أﺑﺪا ﺷﺮﻋﻴﺔ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺟﻮد. "ﺗﺜﻴﺮ ﺟﻨﻮﻧﻲ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﺤﺮوب ،ﺣﻔﻼت اﻟﺪم اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﻨﺘﻬﻲ إﻻ ﻟﺘﻌﻮد ،ﻳﺘﻠﻬﻔﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻷﻫﻮن اﻷﺳﺒﺎب ،أو ﺣﺘﻰ دوﻧﻤﺎ ﺳﺒﺐ ،ﻳﺘﺸﺎور أﺟﻮاد ﻛﻞ ﻋﺸﻴﺮة ﺛﻢ ﻳﺘﺸﺎورون ﻣﻌﺎ ،وﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ اﻟﺤﺮب! ﻣﺎ ﻫﺬا؟ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﺎه؟ ﺣﻔﻼت ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺰﻏﺎرﻳﺪ وﻓﻴﻬﺎ اﻟﻄﺒﻮل وﻫﺪاﻳﺎ أﻋﺮاﺳﻬﺎ اﻟﺠﺜﺚ واﻷﻃﺮاف اﻟﻤﺒﺘﻮرة ،ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻳﺴﺘﻌﺪون إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﺰل ..ﻳﺨﺘﺎرون ﻟﻬﺎ اﻟﺴﺎﻋﺔ وﻳﺤﺪدون اﻟﻤﻜﺎن واﻟﻘﺎﺿﻲ" ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻤﺎت واﻟﻮﻗﺎﺋﻊ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﻤﺜﺒﺘﺔ ،واﻟﺘﻲ ﻳﻤﺘﺪ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﺪ اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻲ ﻟﻴﻜﺮس ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻄﻘﻮس وﺗﻠﻚ اﻟﻌﺎدات اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻐﻠﺒﻬﺎ ﻗﺎﻧﻮن أو ﻋﺮف أو ﻗﻀﺎء ،وﺗﺒﺪو ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﻨﻈﺮة اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﻟﻠﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﺒﻴﺌﺔ واﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺠﺎف اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ دﻗﺎﺋﻖ اﻷﻣﻮر أﺳﺒﺎﺑﺎً ﻟﻠﻨﺰاع واﻓﺘﻌﺎل ﻧﺸﻮء ﻫﺬا اﻟﻔﺘﻴﻞ ﻟﻨﺎر اﻟﺤﺮب وإراﻗﺔ اﻟﺪﻣﺎء واﻟﺘﻠﺬذ ﺑﻤﺸﺎﻫﺪة ﺟﺜﺚ اﻟﻘﺘﻠﻰ أو ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻨﻬﻢ أو ﻣﺎ ﻓﻘﺪ ﻣﻦ أﻋﻀﺎء ﺑﺸﺮﻳﺔ ﻛﺎن ﻳﻔﺘﺮض ﻟﻬﺎ اﻟﻮﺟﻮد ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻘﺎء ،وﻟﻜﻨﻬﺎ اﻷﺣﻜﺎم واﻷﻋﺮاف اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮض ﺳﻠﻄﺘﻬﺎ اﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻮاء. "ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ ﺑﺴﺘﺎﻧﻲ ﻛﻨﺖ أﻓﻜﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ ،وأﺳﺄل ﻧﻔﺴﻲ أﻳﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ؟ ﻫﻞ رﺷﻘﺖ ﻣﻠﻴﻜﺔ اﻟﺴﻜﻴﻦ ﻓﻲ ﺻﺪرﻫﺎ ﺣﻘﺎ أم أﻧﺘﻢ اﻟﺬﻳﻦ أﻏﻤﺪﺗﻤﻮه ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻟﺘﺮﻓﻌﻮا ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎل أﺟﻮادﻛﻢ ،دﻧﺲ اﻟﻐﻮﻟﺔ ﻣﻦ اﻷرض؟ ..أﻳﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ وﻣﺎ ﺟﺪوى أن أﻋﺮﻓﻬﺎ اﻵن وﻗﺪ ﺿﺎﻋﺖ ﻣﻠﻴﻜﺔ؟ ﺿﺎﻋﺖ ﺑﻜﺬب اﻟﺮﺟﺎل ورﻋﺐ اﻟﻨﺴﺎء وﻏﺮور ﻫﺬا اﻟﻤﺄﻣﻮر اﻟﺬي ﻳﺄﻛﻠﻪ اﻟﺤﻘﺪ ..ﺿﺎﻋﺖ ﻓﻤﺎ أﻫﻤﻴﺔ أي ﺷﻲء" ﻓﻬﻮ ﻗﻀﺎء اﻟﺤﺮب اﻟﺬي أﻓﻀﻰ إﻟﻰ ﻗﻀﺎء ﻣﻌﻨﻮي ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﻘﻮﻧﺔ "ﻣﻠﻴﻜﺔ" ﺣﻴﺚ ﺣﺒﺴﺘﻬﺎ اﻷﻋﺮاف واﻟﻤﻮروﺛﺎت اﻟﻤﻮﻏﻠﺔ ﻓﻲ ﻋﺘﻤﺘﻬﺎ ،ﻓﻲ ﺛﻮب اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ )ﻏﻮﻟﺔ( ﺑﻌﺪ أن ﻓﻘﺪت زوﺟﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﺘﺎل ﻫﺬه اﻟﺤﺮب اﻟﻤﺰﻋﻮﻣﺔ اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺔ ،وﺑﻤﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻪ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﺮواﺋﻴﺔ واﻟﻤﻼﻣﺢ اﻟﺪاﻟﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﺗﺠﺬﻳﺮا ً ﻟﻸزﻣﺔ وﺗﺠﺴﻴﺪا ً ﻟﻬﺎ؛ ﻟﺘﻤﺜﻞ ﻋﻤﻘﺎً أﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎً آﺧﺮ ﻣﻦ أﻋﻤﺎق ﻫﺬه اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻌﻤﻴﺎء ﺑﻄﻘﻮﺳﻬﺎ وﻧﺎﻣﻮس ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ،واﻟﺘﻲ رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺎدﻻ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻐﻮﻟﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﺗﺄﻛﻞ اﻟﺒﺸﺮ اﻟﻤﺤﻴﻄﻴﻦ ﺑﻬﺎ أو ﺗﺜﻴﺮ ﻓﻴﻬﻢ رﻋﺒﺎً ﻋﻠﻰ أﻗﻞ ﺗﻘﺪﻳﺮ ،وإﻣﻌﺎﻧﺎً ﻓﻲ ﺻﻨﻊ اﻟﺤﺎﺟﺰ اﻟﻨﻔﺴﻲ اﻟﺮﻫﻴﺐ ،ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺷﺎﻫﺪا ً وﻧﻤﻮذﺟﺎً ﻟﻬﺬه اﻹﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺪرج ﺗﺤﺖ ﺑﻴﺌﺔ ﺗﺤﺒﻞ ﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺎت واﻟﻐﺮاﺋﺒﻴﺔ ،ارﺗﺒﺎﻃﺎ ﺑﺎﻟﺤﺮب اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﻗﻤﺔ اﻟﺼﺮاع ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺟﻮد ،واﻟﺘﻲ رﺑﻤﺎ ﺻﻴﻐﺖ ﻣﻦ أﺟﻠﻬﺎ اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ واﻷﻋﺮاف ،وإن ﻛﺎن اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻤﻬﺪا ً ﺑﺄﺷﻼء اﻟﺒﺸﺮ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
91
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
čƲƬǖČ ǣǍ ĪĨưƟǖČ ĆƜƿǑǖČ lčĨƲNjǖČ ƠƫČĨz ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻄﻴﺔ ﻣﺤﻤﻮد
ﻳﻤﺜﻞ اﻟﻘﻀﺎء اﻟﻌﺮﻓﻲ ﻣﻠﻤ ًﺤﺎ ﻣﺎﺋﺰا ً ﻣﻦ ﻣﻼﻣﺢ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺒﺪوي ،واﻟﺬي ﻳﺒﺪو اﻻﻗﺘﺮاب ﻣﻨﻪ ﺳﺒﺮا ً ﻟﻐﻮر اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻘﺒﺎﺋﻞ واﻟﻌﺸﺎﺋﺮ اﻟﺘﻲ رﺑﻤﺎ اﺑﺘﻌﺪت ﻛﻠﻴًﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺴﻖ اﻟﻤﺪﻳﻨﻲ اﻟﺮﺳﻤﻲ ﺑﻘﻮاﻧﻴﻨﻪ وﺳﻠﻄﺎﺗﻪ اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ،ﻟﻴﻜﻮن ﻟﻬﺎ أﻋﺮاﻓﻬﺎ وﺷﺄﻧﻬﺎ اﻟﺨﺎص اﻟﻤﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺎﻧﻌﺰاﻟﻬﺎ اﻟﻤﺨﺘﺎر ﻓﻲ أﻏﻠﺐ أﺣﻮاﻟﻬﺎ ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﺳﻤﺔ اﻟﺮﻓﺾ اﻟﺘﺎم ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻵﺧﺮ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﻢ ،ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻤﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺴﻤﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻸدب ﻣﻠﻤ ًﺤﺎ ﻣﺜﻴ ًﺮا ﻟﻠﺪﻫﺸﺔ وﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻤﻮﻏﻠﺔ ﻓﻲ ﺑﻘﺎع ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗﺒﺪو ﺑﻐﺮاﺑﺘﻬﺎ وﻏﺮاﺋﺒﻴﺘﻬﺎ ﻣﺜﺎ ًرا ﻟﻤﺎدة إﺑﺪاﻋﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗﺘﻌﺎﻧﻖ ﻣﻊ ﺳﺤﺮ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻘﺘﻄﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺴﺎﺣﺎت اﻟﻤﺸﻐﻮﻟﺔ ﺑﺒﺸﺮ ورﻣﻮز اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﻖ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻤﻐﺎﻳﺮة ،واﻟﺘﻲ ﻳﻤﺘﺢ اﻟﻨﺺ اﻷدﺑﻲ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻣﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻐﺎﻳﺮة اﻟﻤﻨﺸﻮد اﻟﺘﻌﺎﻧﻖ ﻣﻌﻬﺎ وﺳﺒﺮ ﻏﻮرﻫﺎ ﻛﻨﻤﺎذج إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺜﺮاء واﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ،وﺑﺎرزة اﻟﺤﻀﻮر واﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ.. ﻣﺠﻠﺲ اﻷﺟﻮاد
ﻓﻲ رواﻳﺔ "واﺣﺔ اﻟﻐﺮوب" ﻟﻠﺮواﺋﻲ اﻟﻤﺼﺮي ﺑﻬﺎء ﻃﺎﻫﺮ )اﻟﻄﺒﻌﺔ 90
»واﺣﺔ اﻟﻐﺮوب« اﻟﻘﻀﺎء اﻟﺒﺪوي ﻓﻲ اﻟﺤﺮب
اﻷوﻟﻰ ،دار اﻟﻬﻼل ،ﻣﺼﺮ وﻣﻨﻬﺎ اﻻﻗﺘﺒﺎﺳﺎت ﺑﻴﻦ ﻋﻼﻣﺎت اﻟﺘﻨﺼﻴﺺ( ﺗﺘﺠﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺸﺎﺋﻜﺔ واﻟﻤﻠﻐﺰة ﺑﻴﻦ ﻗﻴﻢ اﻟﻤﻮروث اﻟﻘﺒﻠﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮض وﺻﺎﻳﺘﻬﺎ /ﻗﻀﺎءﻫﺎ اﻟﻤﻠﺰم ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺨﻮص اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺗﺤﺖ ﺳﻴﻄﺮة اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ وﻧﺰﻋﺘﻬﺎ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻟﻤﺘﺮﺳﺨﺔ ،ﻧﺤﻮ ﺗﻜﺮﻳﺲ ﻣﻔﻬﻮم ﺗﺴﻴﻴﺪ ﻋﻘﻴﺪة اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻤﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﺮﻣﻮز اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ أو دﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻄﻴﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻫﺬا اﻟﺤﻖ ،وﻫﺬه اﻟﻤﺴﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺘﺮب ﺑﻘﻮة ﻣﻦ ﺳﻤﺔ اﻟﺘﻘﺪﻳﺲ ،وﺗﻐﻠﻴﺐ اﻟﻨﻌﺮة اﻟﻘﺒﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺤﺎول إﻳﻘﺎف ﺳﻴﻞ اﻟﻨﺰاع واﻟﺤﺮب اﻟﺘﻲ ﺑﺎﺗﺖ ﻣﻘﺪﺳﺔ وﻻزﻣﺔ ﻹﺛﺒﺎت ﻓﺮدﻳﺔ اﻟﻮﺟﻮد وأﺣﺎدﻳﺔ اﻟﻨﻈﺮة إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺬي ﻳﺨﺘﺰل ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺒﻘﻌﺔ اﻟﻤﻨﺴﻴﺔ ﻣﻦ اﻷرض ..ﺣﻴﺚ ﺗﻠﻮح ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ ﺗﻠﻚ ﻧﺬر وأﺷﺒﺎح اﻟﺤﺮب اﻟﻄﺎﺣﻨﺔ ﻟﻠﺒﻘﺎء ﺑﻴﻦ اﻟﺸﺮﻗﻴﻴﻦ واﻟﻐﺮﺑﻴﻴﻦ ﺑﻮاﺣﺔ ﺳﻴﻮة اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،أﺑﺎن اﻻﺣﺘﻼل اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﻟﻤﺼﺮ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ أﺣﺪ اﻷﺻﻮات اﻟﺴﺎردة اﻟﻤﺘﻌﺪدة ،ورﻣﻮزﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ ،وﻫﻮ "اﻟﺸﻴﺦ ﻳﺤﻴﻰ"" :ﻋﻨﺪﻣﺎ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﻣﺠﻠﺲ اﻷﺟﻮاد ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﺸﻴﺦ ﺻﺎﺑﺮ، ورأﻳﺘﻬﻢ ﻣﺘﺤﻠﻘﻴﻦ ﻫﻨﺎك ﺷﻤﻤﺖ ﻣﺮة أﺧﺮى راﺋﺤﺔ اﻟﺤﺮب واﻧﻘﺒﺾ ﻣﻘﺮﻓﺼﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻗﻠﺒﻲ ..رأﻳﺖ واﺣ ًﺪا ﻣﻦ ز ﱠﺟﺎﻟﺘﻨﺎ اﻟﻐﺮﺑﻴﻴﻦ ﻳﺠﻠﺲ ً ﺑﻌﻴ ًﺪا ﻋﻦ ﺣﻠﻘﺔ اﻟﺸﻴﻮخ .ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻐﻨﻲ أي ﻣﻦ أﺟﻮاد ﻋﺸﻴﺮﺗﻨﺎ أﻧﻪ ﺳﻴﺤﻀﺮ ،ﻓﻬﻞ ﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﺴﺮي ..اﻟﺰ ﱠﺟﺎﻟﺔ أﻳﻀً ﺎ ﻫﻢ ﺟﻨﺪ اﻷﺟﻮاد ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻘﺘﺎل وﻟﻬﻢ رأي ﻓﻲ اﻟﺤﺮب واﻟﺴﻠﻢ .ﻓﻠﻴﺨﻴﱢﺐ اﻟﻠﻪ
ﻣﻦ ﺧﻴﺎم وﺑﻴﻮت ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺪﻳﺮ ،وﻳﺼﻒ ﺳﻮق اﻟﺨﻀﺎر واﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﻪ ﻣﺆﻛﺪا ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻴﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻢ أﺑﻨﺎء ﻫﺬه اﻷﺳﺮة ﻣﺎ ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ ﻓﺴﺎد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ إن ﻟﻢ ﻳﺘﻨﺎزﻟﻮا ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﻗﻴﻤﻬﻢ أو ﻳﺒﺮروا ﻫﺬا اﻟﺘﻨﺎزل -ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ )ﻋﻠﻲ( ﻟﻴﺼﺒﺢ ﺗﺎﺟﺮا ً ﻛﺒﻴﺮا ً -ﻛﻤﺎ ﻳﻜﺮر اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﻌﺎﻧﻴﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺮأة اﻟﻔﻘﻴﺮة ﻟﺘﻌﻮل أﺳﺮﺗﻬﺎ ،واﻟﺰوج اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻤﺮئ ﻛﺪه زوﺟﺘﻪ ﻟﻴﺼﺮﻓﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﺬاﺗﻪ وﻳﻤﺎرس ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻌﻨﻒ اﻟﺒﺪﻧﻲ .وﻣﻦ ﻃﻘﻮس اﻟﺤﻴﺎة ﻳﺴﺘﻌﺮض اﻟﻜﺎﺗﺐ ﺑﻌﺾ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻌﻼج اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ )اﻟﻜﻲ ﺑﺎﻟﻨﺎر( ،وﺑﻘﺮاءة آﻳﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮآن ،ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻼت ﻧﻘﺪﻳﺔ ،ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻓﻌﻠﺖ اﻷم ﻋﻨﺪﻣﺎ راح ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻓﻰ ﻏﻴﺒﻮﺑﺔ) :ﺣﻠﺖ ﻋﻘﺪة ﻣﻦ ﻗﻄﻊ اﻟﻨﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﻃﺮف ﻣﻠﺤﻔﺘﻪ، وﺻﺒﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻳﻤﻴﻨﻬﺎ ،وﻗﺒﻀﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﺛﻢ ﺷﺮﻋﺖ ﺗﺮﺳﻢ ﺑﻴﺪﻫﺎ دواﺋﺮ ﺣﻮل رأس ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ،وﻫﻲ ﺗﻘﺮأ ﺑﺎﻹﺧﻼص واﻟﻤﻌﻮذﺗﻴﻦ ،وأدﻋﻴﺔ اﻟﺸﻔﺎء ،ﺛﻢ أﻋﻄﺖ زﻳﻨﺐ ﻗﻄﻌﺔ ،وﺧﺮﺟﺖ ﻟﺘﻮزع اﻟﺒﺎﻗﻲ ﻋﻠﻰ أﻃﻔﺎل اﻟﺠﻴﺮان( .أو ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﺳﻴﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺬي أﺗﻰ ﻣﻦ اﻟﺒﺎدﻳﺔ ﺧﺼﻴﺼﺎ ﻟـ)ﻳﻜﺘﺐ ﺑﻘﻠﻢ اﻟﻌﻮد وﺑﺤﺒﺮ اﻟﺰﻋﻔﺮان ﻓﻲ ورق أﺑﻴﺾ وﻫﻮ ﻳﻘﻠﺐ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﻤﺼﺤﻒ ،وﻳﺘﻤﺘﻢ ﺑﺂﻳﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮآن ﻳﻨﻘﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻮرﻗﺔ ،وﺑﺄدﻋﻴﺔ اﻟﺮﻗﻴﺎ ﻳﺴﻤﻌﻬﻢ ﺑﻌﻀﻬﺎ ،وﺑﻴﻦ اﻟﻔﻴﻨﺔ واﻷﺧﺮى ﻳﺮﻓﻊ ﻧﻈﺮاﺗﻪ ﻟﻴﺮﻛﺰﻫﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ اﻟﺬي ﻳﺘﻔﺼﺪ ﻋﺮﻗﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ،وﺣﻴﻦ ﻳﻤﻸ اﻟﻮرﻗﺔ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻳﻨﺎوﻟﻪ اﻟﻐﻮث ﻗﻨﻴﻨﺔ ﻣﻴﺎه اﻟﺸﺎﻓﻲ ،ﻓﻴﺴﻤﻲ اﻟﻠﻪ وﻳﻘﻄﻊ اﻟﻮرﻗﺔ وﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﻨﻴﻨﺔ ،وﻳﺘﺮﻛﻬﺎ ﺗﺘﺸﺮب اﻟﻤﺎء ،ﺛﻢ ﻳﺤﺮﻛﻬﺎ
ﺑﻌﻮد أراك ﻃﻮﻳﻞ ..ﻓﻴﺒﺪأ ﻟﻮن اﻟﻤﺎء ﻓﻲ اﻟﺘﻐﻴﺮ إﻟﻰ اﻷﺻﻔﺮ ،وﻳﺤﻜﻢ إﻏﻼق اﻟﻘﻨﻴﻨﺔ وﻳﺨﻀﻬﺎ ﺑﻘﻮة ،وﻳﻌﻄﻰ ﻟﻠﻐﻮث ﻟﻴﺨﻀﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﺤﻠﻞ ﻣﺰع اﻟﻮرق وﻳﺼﻔﺮ اﻟﻤﺎء ﻓﻴﺘﻨﺎوﻟﻬﺎ ﺳﻴﺪ أﺣﻤﺪ وﻳﺼﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﺄس ﻣﻦ ﻛﻮب وﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﻓﺘﺤﺘﻪ ﻣﺼﻔﺎة ﺣﺘﻰ ﻳﻤﺘﻠﺊ ،وﻳﺴﻤﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺛﻢ ﻳﻌﻄﻴﻪ ﻟﻪ وﻳﺄﻣﺮه أن ﻳﺸﺮﺑﻪ ...واﻟﺪه ﻳﻘﻮل :ﻫﺬا ﺣﺠﺎب ﻣﻦ واﻟﺪك ﺳﻴﺪ أﺣﻤﺪ ..وﻻ ﻳﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﺮده ..إن ﻓﻴﻪ ﺑﺮﻛﺔ وﺷﻔﺎء(. ﻫﺬه إﺷﺎرات ﻣﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻄﻘﻮس واﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ زﺧﺮت ﺑﻬﺎ رواﻳﺔ "د ّﺣﺎن" وﻣﻨﻬﺎ ﻋﺎدات وﻧﻈﻢ اﻟﺘﺪرﻳﺲ ﻓﻲ )اﻟﻤﺤﻈﺮة(. وﻋﺎدات اﻟﺨﻄﻮﺑﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
89
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
ﻃﻘﻮس اﻟﺤﻴﺎة
ﺗﻌﺎﻣﻞ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﻊ اﻟﻤﻮروث اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺑﻮﺻﻔﻪ اﻋﺘﻘﺎدا ً ﻳﻘﻴﻨﻴﺎً وﻣﻤﺎرﺳﺔ ﻳﻮﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎة ﺷﺨﺼﻴﺎت ﻋﻤﻠﻪ ،وﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮد ﺣﻠﻴﺔ ﻳﺰﻳﻦ ﺑﻬﺎ ﺳﺮده، أو أﻣﺮا ﻃﺮﻳﻔﺎ ﻳﻌﺮﺿﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎرئ اﻷﺟﻨﺒﻲ .وﻗﺪ ﻣﻨﺢ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ اﻟﺮواﻳﺔ رو ًﺣﺎ ﻣﻤﻴﺰة ،وﺟﻌﻠﻬﺎ ﻗﻄﻌﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎة ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻤﻨﺘﻤﻲ ﻧﺴﺒًﺎ إﻟﻰ اﻷﺷﺮاف ،واﻗﺘﺼﺎدﻳﺎ إﻟﻰ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻄﺤﻮﻧﺔ ،وﺟﻐﺮاﻓﻴﺎ إﻟﻰ ﻋﺸﻮاﺋﻴﺎت اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻴﺔ ﻧﻮاﻛﺸﻮط ،وﺗﻤﺘﺪ ﺟﺬوره إﻟﻰ اﻟﺒﺎدﻳﺔ .ﻛﺎن ﻟﻜﻞ ﻣﻜﺎن ﻃﻘﻮﺳﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻪ ،ﺿﻔﺮﻫﺎ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﻊ أﺣﺪاث ﺣﻴﺎة ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ،وﻣﺎ ﻳﺪور ﺑﻌﻘﻠﻪ ﻣﻦ أﻓﻜﺎر وﻫﻮاﺟﺲ. وﻗﺪ أﺟﺎد اﻟﻜﺎﺗﺐ ﺗﻮﻇﻴﻒ ﻃﻘﻮس اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ودﻗﺎﺋﻘﻬﺎ ،وﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ ذﻟﻚ وﺻﻔﻪ ﻟﻨﻌﻠﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ،واﻟﻘﺪﻳﻤﻴﻦ ،ووﺻﻔﻪ ﻟﺪراﻋﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﺰان ،اﻟﺘﻰ ﺗﺒﺪو ﺑﺤﺎﻟﺔ ﺟﻴﺪة رﻏﻢ ﻗﺪﻣﻬﺎ؛ ﻫﺬه اﻟﻤﻼﺑﺲ اﻟﻔﻘﻴﺮة اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ أﺿﻔﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺠﻞ ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻦ أﺑﻴﻪ ﺟﺪﻳﺪا ﻟﻤﻌﺮﻓﺘﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﺎﻧﻴﻪ ﻣﻦ ﻓﺎﻗﺔ ،وﻹﺣﺴﺎﺳﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻋﺎﻃﻞ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻰ ﻟﻪ أن ﻳﻄﻠﺐ .وﻣﻦ ذﻟﻚ ﺣﺮص اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻋﻠﻰ وﺻﻒ ﻣﺸﺮوب )اﻟﺰرﻳﻖ( اﻟﻤﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻤﺎء واﻟﻠﺒﻦ اﻟﺮاﺋﺐ وﻣﺴﺤﻮق اﻟﺤﻠﻴﺐ واﻟﺴﻜﺮ ،وﻫﻮ اﻟﻤﺸﺮوب اﻟﺬي ﺳﻘﺘﻪ ﻟﻪ اﻣﺮأة ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺻﻴﺐ ﺑﺠﺮح ﻓﻲ اﻟﻤﻈﺎﻫﺮة اﻟﻤﻨﺪدة ﺑﺄﻣﺮﻳﻜﺎ وإﺳﺮاﺋﻴﻞ؛ ﺑﻌﺪ أن ﺧﻀﺘﻪ
88
ﻗﺮاءة ﻓﻲ رواﻳﺔ )دﺣّ ﺎن( ﻟﻠﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻲ ﻣﺤﻤﺪ وﻟﺪ ﺳﺎﻟﻢ
ﺑﻤﺨﺾ ﻟﻴﺼﺒﺢ ﺻﺎﻟﺤﺎ ﻟﻠﺸﺮب .وﻛﻴﻒ ﻋﺎﻟﺠﺖ ﺟﺮﺣﻪ ﺑﺼﺐ ﻗﻄﺮات اﻟﻤﺴﻚ ﻋﻠﻴﻪ واﻟﺴﻌﻮط ورﺑﻄﺘﻪ ﺑﺠﺰء ﻣﻦ ﻣﻠﺤﻔﺘﻬﺎ .ﻛﺬﻟﻚ وﺻﻔﻪ ﻟﺨﻨﺎﻗﺎت اﻷﻣﻬﺎت ﻓﻲ اﻟﺸﻮارع دﻓﺎﻋﺎ ﻋﻦ أﺑﻨﺎﺋﻬﻦ ،ﻣﺸﻴﺮا إﻟﻰ اﻟﻠﻬﺠﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻛﺎﻟﺤﺴﺎﻧﻴﺔ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺪﺧﻞ ﺳﻜﻴﻨﺔ اﻷﺧﺖ اﻷﻗﺮب إﻟﻰ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ،ﻳﺼﻒ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻃﻘﻮس زﻳﺎرة اﻟﻤﺮﻳﺾ ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻨﺘﻘﻞ اﻷﻫﻞ ﺟﺰﺋﻴﺎ ﺑﻤﻌﻴﺸﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﻤﺮﻳﻀﺔ ،وﻳﺤﻀﺮون ﻣﻌﻬﻢ اﻟﻔﺮاش واﻟﻤﻮاﻋﻴﻦ واﻟﺴﻜﺮ واﻟﺸﺎى واﻟﺤﻠﻴﺐ واﻟﻜﺴﻜﺲ واﻟﻤﻌﻜﺮوﻧﺔ. وﻣﻦ ذﻟﻚ ﺣﺮص اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻋﻠﻰ وﺻﻒ ﻣﻼﻣﺢ اﻟﻤﻌﺘﻘﺪات اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺴﺪ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻪ اﻷم )اﻟﻨﺎه( ﺣﻴﻦ رﻏﺒﺖ ﺻﺪﻳﻘﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ رؤﻳﺔ ﺷﺒﻜﺔ ﺧﻄﻴﺐ ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻟﻬﺎ إذ راﺣﺖ )ﺗﺒﺴﻤﻞ وﺗﺴﺘﻌﻴﺬ ﻣﻦ اﻟﺸﻴﻄﺎن، وﺗﻨﻔﺚ رﻳﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﻳﻤﻨﺎﻫﺎ ،وﺗﺮﻣﻲ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﺮؤوس اﻟﺸﺎﺧﺼﺔ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻻﺗﺠﺎﻫﺎت ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﻄﺮد اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ( .إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ أو اﻟﺮاﺋﺠﺔ ﻛﻐﻨﺎء ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻟﻌﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻄﻔﻞ: )د ّﺣﺎﻧﻲ ﻳﺎ دﺣﺎﻧﻲ ..ﻳﺎ ﺷﻴﺦ اﻟﻘﻮﻣﺎن ..ﻻ ِه ﺗﺮﻓﻊ ﻟﻰ ﺷﺎﻧﻲ ..وﺗﺤﻘﻖ ﻟﻲ اﻷﻣﺎﻧﻲ( .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻀﻄﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻟﺘﻨﺎول ورﻗﺔ اﻻﻣﺘﺤﺎن ﻣﻦ ﻫﻴﻠﻴﻦ ﺑﻴﺪه اﻟﻴﺴﺮي ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺮى اﻟﻤﺰق ﻓﻲ ﻛُﻤﻪ ،ﻳﺘﺬﻛﺮ أن ﻫﺬا ﻣﺪﻋﺎة ﻟﻠﺘﺸﺎؤم ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺪﺗﻪ ﺗﻌﻠﻤﻪ أن ﻳﺮدد ﻗﺒﻞ دﺧﻮل اﻻﻣﺘﺤﺎن )رب أﻋﻄﻨﻲ ﻛﺘﺎﺑﻲ ﺑﻴﻤﻴﻨﻲ وﻻ ﺗﻌﻄﻴﻨﻴﻪ ﺑﺸﻤﺎﻟﻲ( وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻓﺾ أن ﺗﺘﻨﺎول أو ﻳﺘﻨﺎول أﺣﺪ ﻓﻲ ﺣﻀﺮﺗﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﺑﻴﺴﺮاه ،ﺣﺘﻰ إن أﺑﺎه رآه ﻳﺄﻛﻞ اﻟﻔﺴﺘﻖ ﺑﻴﺪه اﻟﻴﺴﺮى ﻓﻀﺮﺑﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻄﺎﻳﺮ اﻟﺤﺐ ﻣﻦ ﻳﺪه .وﻳﺼﻒ ﻃﻘﻮس ﺟﺪﺗﻪ ﻣﻌﻪ ﻗﺒﻞ ذﻫﺎﺑﻪ ﻟﻼﻣﺘﺤﺎن )ﺗﻀﻊ رأﺳﻪ ﻓﻲ ﺣﺠﺮﻫﺎ ،وﺗﻤﺮر ﻳﺪﻫﺎ ﻋﻠﻰ رأﺳﻪ ،وﺗﻘﺮأ آﻳﺎت اﻟﻔﺘﺢ واﻟﺤﻔﻆ ﺛﻢ ﺗﻨﻔﺚ رﻳﻖ دﻋﺎﺋﻬﺎ ﻓﻲ ﻳﺪﻫﺎ وﺗﻤﺴﺢ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ رأﺳﻪ وﺻﺪره ،ﻓﻼ ﻳﻤﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻲء إﻻ وﺣﻔﻈﻪ( .وﻻ ﻳﻐﻔﻞ اﻟﻜﺎﺗﺐ ذﻛﺮ أﻟﻌﺎب اﻷﻃﻔﺎل اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻌﺸﻮاﺋﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،ﻣﺜﻞ اﻟﻐﻤﻴﻀﺔ واﻟﺴﻴﻖ. وﻫﻮ ﻣﻬﺘﻢ ﺑﻮﺻﻒ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺔ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،ﺣﻴﺚ أﺳﻤﺎء اﻟﺸﻮارع ﺧﻠﻴﻂ ﻣﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ واﻟﺤﺪﻳﺚ واﻷﺟﻨﺒﻲ ،ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻬﺠﻴﻦ. وﻫﻮ ﻳﺼﻒ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻌﺸﻮاﺋﻴﺔ اﻟﺘﻰ ﻳﻘﻴﻢ ﺑﻬﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ
ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺘﺮﻛﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﻬﻴﻬﺎ؟ رﺑﻤﺎ ﻫﻨﺎك أﺳﺒﺎب ﻛﺜﻴﺮة ،ﺳﻨﻘﻒ ﻫﻨﺎ ﻋﻨﺪ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻨﻬﺎ: اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺘﻘﻨﻲ ،ورﺑﻂ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺑﻤﺼﻴﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻃﻘﻮس اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻤﻨﺒﺜﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺳﻄﻮر اﻟﻌﻤﻞ. ﺑﻴﻦ اﻟﺮاوي اﻟﻌﻠﻴﻢ وﺿﻤﻴﺮ اﻟﻤﺨﺎﻃﺐ
ă ĦƜƫı Ĕ ƠǤƜǔƫ ơǜƜǓ ĦĊ ưǖĨ ưǚƬǙ ǣǜƜƣǤĖǡǚǖČ ǣƚČĨƲǗǖ ƠƼǐ ǣǍ ĩĨƲƢ ĦĈ ǛǔǚǤ ăǘǖƜƵ ǀNjƾ ǘƢ ĦĊ ǭǥǍǡǜ ĨĈ ƠǗǤǡǁ ĪƱǖČ ƜǚǍ ǕǥƻƜǎƣǖČ ƽLjƞ ĎƲǥNjƼǖČ ƠǤƜǔƬǖČ ħƱǟ ǕLjƩǤ džǂǑǖČ ǛǙ ƠƬǎƻ 177 ĢƲNjƣƶƢ džǥǂƣƶƢ ǬĨ ƜǟĈƲǑƣǍ ăǀƵǡƣǚǖČ ąƜǠǥǠǝƢ Ǣƣƫ ƜǠǓƲƣƢ ĦĈ
اﺳﺘﺨﺪم اﻟﻜﺎﺗﺐ ﺗﻘﻨﻴﺔ "اﻟــﺮاوي اﻟﻌﻠﻴﻢ" ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺮواﻳﺔ ،إﻻ ﻣﻮﺿﻌﻴﻦ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺮاوي ﻣﻄﻠﻖ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﺑﻞ ﺑﺪا وﻛﺄﻧﻪ ِﻇـ ّـﻞ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ،وﻟﻮ اﺳﺘﺒﺪل ﺑﻀﻤﻴﺮ اﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ﻟﻤﺎ ﺗﻐﻴﺮ اﻷﻣﺮ ﻛﺜﻴﺮا ،ﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻻﺳﺘﺨﺪام ﻣﻨﺢ اﻟﺮاوي اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻓﻲ ذﻛﺮ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ وﺣﻜﺎﻳﺎت ﻟﻢ ﻳﺸﻬﺪﻫﺎ اﻟﺒﻄﻞ .واﻟﺮاوي ﻣﺘﻌﺎﻃﻒ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﻣﻊ اﻟﺒﻄﻞ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ، وﻇﺮوﻓﻪ اﻟﺼﻌﺒﺔ؛ إذ ﻳﺪﻓﻊ ﺛﻤﻦ اﻟﻔﺴﺎد ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ،واﻟﻔﻘﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،واﻹرﻫﺎب ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻈﻞ ﻣﺘﻤﺴﻜًﺎ ﺑﻘﻴﻤﻪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ وﻣﺜﺎﻟﻴﺎﺗﻪ .اﻧﺘﻘﻰ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ اﻟﻤﻮﺿﻌﻴﻦ اﻟﻠﺬﻳﻦ اﺳﺘﺨﺪم ﻓﻴﻬﻤﺎ ﺿﻤﻴﺮ اﻟﻤﺨﺎﻃﺐ ،اﻷول ﻫﻮ ﻓﺼﻞ )اﻟﻬﺠﺮة( اﻟﺬي ﻳﺼﻒ ﻓﻴﻪ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ ﻣﺤﻈﺮة اﻟ ُﻤﺮاﺑﻂ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس ،ﻣﻮﺟ ًﻬﺎ اﻟﺨﻄﺎب إﻟﻰ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻛﺄن ﻧﻔﺴﻪ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﺛﻪ -ﻟﺘﻌﻴﺪه إﻟﻰ اﻻﺗﺰان ﺑﻌﺪ اﻟﻐﻴﺒﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲﺑﻘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﺑﺨﺒﺮ ﺳﻔﺮ "ﻫﻴﻠﻴﻦ" وإﻏﻼق "ﻫﻴﺌﺔ اﻟﺴﻼم" وﺿــﻴــﺎع ﺣﻠﻤﻪ ﺑﺎﻟﺴﻔﺮ إﻟــﻰ اﻟــﻮﻻﻳــﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ .ﻓﻲ إﺷﺎرة ذﻛﻴﺔ إﻟﻰ ﺗﻐﻴﺮ ﺣﻴﺎة ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ؛ ﻓﻤﺎ ﻗﺒﻞ ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ ﻏﻴﺮ ﻣﺎ ﺑﻌﺪه .ﻓﻲ اﻟﺼﻔﺤﺎت اﻷﺧﻴﺮة ﻣﻦ ﻓﺼﻞ )ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻤﺸﻮار( ﻟﺠﺄ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﺮة ﺛﺎﻧﻴﺔ وأﺧﻴﺮة إﻟﻰ ﺿﻤﻴﺮ اﻟﻤﺨﺎﻃﺐ ،ﺧــﻼل ﻟﻘﺎء "ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ" اﻟﻌﺎﺋﺪ ﻣﻦ أﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﻣﻊ "ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ" ﻓﻲ اﻟﻤﺤﻈﺮة ،واﺿ ًﻌﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ ذاﺗــﻪ ،ﻟﻴﻌﺘﺮف ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺑﺄن اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻟﻤﺤﻈﺮة ﻏﻴﺮ ﻣﻼﺋﻤﺔ ﻟﻪ ،وﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﺐ اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ﻛﻤﺠﻨﻮن اﻟﻔﻴﺰﻳﺎء ﻟﻤﺠﺮد أن أﺑﺎه ذﻛﺮ ﻟﻬﻢ ﺑﺤﺴﻦ ﻧﻴﺔ اﻷﻳﺎم اﻟﺘﻲ دﺧﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻐﻴﺒﻮﺑﺔ .وﻫﻨﺎ ﺿﻤﻴﺮ اﻟﻤﺨﺎﻃﺐ ﻣﻨﺎﺳﺐ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺮاوي اﻟﻌﻠﻴﻢ، ﻓﻬﻮ ﻣﻮﻗﻒ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺬات .ﻟﻐﺔ اﻟﺮواﻳﺔ إﺧﺒﺎرﻳﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻣﻮﺻﻠﺔ ﻟﻠﻤﻌﻨﻰ ﺑﻼ ﺗﺰﻳﺪ، وﻗﺎدرة ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺒﻄﺎن ﻣﺎ
ﺑﺪاﺧﻞ ﻋﻘﻞ وﻗﻠﺐ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ،واﻟﺴﺮد ﻣﻨﺴﺎب ﺑﻼ ﻧﺘﻮءات ﺳﻮاء ﻣﻦ ﺿﻌﻒ ﻟﻐﻮي أو زﺧﺮﻓﺔ زاﺋﺪة .وإن ﺑﺪا اﻟﺤﻮار ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻘﺎﻃﻊ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻹﻳﺠﺎز ،ﻓﺎﻟﺤﻮار ﻣﻊ ﻣﺜﻼ ﻻ ﺿﺮورة ﻟﻪ اﻟﺴﻴﺪة ﻧﺰﻳﻠﺔ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻲ ً )ص ،(44ﻛﻤﺎ أن ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﻻ ﺗﺨﺪم ﻓﻜﺮة اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ ،وﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﻋﻦ ﻓﻘﺮ اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﻤﻬﻤﺸﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،أو ﻣﺎ ﻳﺪور ﻓﻲ ذﻫﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻣﻦ ﻫﻮاﺟﺲ ﻣﺘﻜﺮرة وﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ ،وﻫﻲ أﻣﻮر ﻛﺎﻧﺖ اﻹﺷﺎرة إﻟﻴﻬﺎ أﺑﻠﻎ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺼﻴﻞ. اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ وﻣﺼﻴﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ
ﺑﺒﺴﺎﻃ ٍﺔ رﺑﻂ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺑﻤﺼﻴﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﺪة ﻃﻔﻼ ﻓﻲ ﺗﻘﻨﻴﺎت ،ﻣﻨﻬﺎ اﻻﺳﺘﺮﺟﺎع إذ ﻳﺘﺬﻛﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻣﺸﺎرﻛﺎﺗﻪ ً ﻣﻈﺎﻫﺮات ﻣﺪرﺳﻴﺔ ﺧﺮﺟﺖ ﻟﻼﺣﺘﺠﺎج ﻋﻠﻰ ﻋﺪوان أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻋﻠﻰ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﺳﻨﺔ ،1986ﻣﺆﻛ ًﺪا ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ واﻟﻌﺮوﺑﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻮﺟﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻪ ﺣﻴﺎل "ﻫﻴﻠﻴﻦ" و"ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﺴﻼم" ،ﻛﻤﺎ أن وﻃﻨﻴﺘﻪ ﺗﺘﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﻃﺮده ﻣﻦ ﺷﺮﻛﺔ اﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺮﻓﺾ اﻹﻏﺮاءات اﻟﻤﺎدﻳﺔ اﻟﻤﻌﺮوﺿﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﺘﺰوﻳﺮ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺸﺮﻛﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻘﺐ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺑﻠﺪه ،وﻳﻮاﺟﻪ اﻟﻤﺪﻳﺮ اﻷﺟﻨﺒﻲ ﺑﺄن ﺑﻠﺪه ﻣﺴﺘﻘﻞ وأن اﻟﺸﺮﻛﺔ ﻣﺆﻣﻤﺔ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺒﻠﺪ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳُﻄﺮد ﻣﻦ ﺷﺮﻛﺔ ﺑﻼده ،ﻳﻄﺮده اﻷﺟﻨﺒﻲ، ﺑﺮﻏﻢ اﻻﺳﺘﻘﻼل واﻟﺘﺄﻣﻴﻢ .وﻳﻨﻌﻜﺲ ﺷﻐﻒ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﺎﻻﺳﺘﻤﺎع إﻟﻰ اﻟﺮادﻳﻮ ،وﻣﺘﺎﺑﻌﺔ أﺧﺒﺎر اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺮى ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ،ﻇﻬﺮ ﻫﺬا ﻓﻲ ﻣﻮاﺿﻊ أﻫﻤﻬﺎ أﺣﺪاث 11ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﺿﻴﺎع ﻓﺮﺻﺔ اﻟﺘﺤﺎﻗﻪ ﺑﺈﺣﺪى اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻛﻤﺎ وﻋﺪﺗﻪ ﻫﻴﻠﻴﻦ وﻫﻴﺌﺔ اﻟﺴﻼم ﻟﺘﻔﻮﻗﻪ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ،إذ أﻏﻠﻘﺖ اﻟﻬﻴﺌﺔ أﺑﻮاﺑﻬﺎ وﺳﺎﻓﺮت ﻫﻴﻠﻴﻦ ﻣﻦ دون أن ﺗﻮدع أﺣﺪا ً ،وأﻟﻘﻰ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺣﺬاءه ﻋﻠﻰ ﻣﻤﺜﻞ اﻟﻬﻴﺌﺔ ،وﺣﺎول ﻗﺘﻠﻪ ﻟﻮﻻ أن زﻣﻼءه أﻣﺴﻜﻮا ﺑﻪ ،ﻓﺪﺧﻞ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﻏﻴﺒﻮﺑﺔ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ أﻓﺎق اﻧﺘﻘﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﺤﻈﺮة.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
87
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
ǘǖƜƵ ưǖĨ ưǚƬǙ ǣǜƜƣǤĖǡǚǗǖ ( ) ƠǤČĨĖ ǣǍ ĎĆČƲǐ
ǘǖƜLjǖČ ďǬǡƬƢĨ ĎƜǥƬǖČ ĘǡǑǁ
ﻣﻨﻴﺮ ﻋﺘﻴﺒﺔ
ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ وﻟﺪ اﻟﻐﻮث اﻟﺸﻬﻴﺮ ﺑـ)د ّﺣﺎن( ،ﺷﺎب ذﻛﻲ ،ﻣﺠﺘﻬﺪ ﻓﻰ دراﺳﺘﻪ ﻣﻨﺬ ﺻﻐﺮه ،ﻫﻮ داﺋﻤﺎ اﻷول ،ﺣﻠﻤﻪ أن ﻳﺼﺒﺢ ﻣﻌﻴﺪاً ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ،ﻟﻜ ّﻦ ﻗﺮﻳ ًﺒﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻔﻮق ﻷﺣﺪ اﻷﺳﺎﺗﺬة ﻳﺴﺮق اﻟﺤﻠﻢ ﺑﺎﻟﻮاﺳﻄﺔ واﻟﺘﺪﻟﻴﺲ ،ﻳﻴﺄس ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻠﺘﺤﻖ ﺑﺪورة ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﻟﻤﺪة ﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ ،وﻳﺤﻠﻢ أن ﻳﺤﺼﻞ ﺑﻨﻬﺎﻳﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺤﺔ ﻟﻠﺪراﺳﺔ ﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،ﻓﺎﻟﺪورة ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﺴﻼم ،وﺗﻘﻮم ﺑﺎﻟﺘﺪرﻳﺲ ﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ "ﻫﻴﻠﻴﻦ" اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ اﻟﻤﺘﻌﺎﻃﻔﺔ ﻣﻌﻪ واﻟﻤﺆﻣﻨﺔ ﺑﻘﺪراﺗﻪ ،وﻫﻮ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﻫﻮاﻫﺎ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺸﻚ ﻓﻲ ﻧﻮاﻳﺎﻫﺎ وﻧﻮاﻳﺎ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﺴﻼم ،ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﻤﺎ واﺟﻬﺔ ﻟﺘﺠﻨﻴﺪ اﻟﺠﻮاﺳﻴﺲ ،وﻳﺄﺗﻲ ﺣﺎدث ﺿﺮب ﺑﺮﺟﻲ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺑﻨﻴﻮﻳﻮرك ﻓﻲ اﻟﺤﺎدى ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ،ﻓﺘﺮﺣﻞ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﺴﻼم وﻳﻀﻴﻊ اﻟﺤﻠﻢ.
86
ﻗﺮاءة ﻓﻲ رواﻳﺔ )دﺣّ ﺎن( ﻟﻠﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻲ ﻣﺤﻤﺪ وﻟﺪ ﺳﺎﻟﻢ
ﻳﺪﺧﻞ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻓﻲ ﻏﻴﺒﻮﻳﺔ ،ﺛﻢ ﻳﺸﻔﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺪرﻳﺠﻴﺎ ،وﻳﺬﻫﺐ إﻟﻰ ﻣﺤﻈﺮة )ﻣﻌﻬﺪ ﺗﻌﻠﻴﻤﻲ دﻳﻨﻲ( وﻳﻘﻀﻲ ﻫﻨﺎك ﻋﺎﻣﻴﻦ ﻳﺴﺘﻌﻴﺪ ﺧﻼﻟﻬﻤﺎ ﺣﻔﻈﻪ ﻟﻠﻘﺮآن وﻳﻨﺘﻈﻢ ﻓﻲ اﻟﺪراﺳﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻜﺘﺸﻒ أن أﻫﻞ اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻬﺎ اﻟﻤﺤﻈﺮة ﻳﻨﻈﺮون إﻟﻴﻪ ﻛﻤﺠﻨﻮن أﻛﻠﺖ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎء )ﺗﺨﺼﺼﻪ اﻟﺠﺎﻣﻌﻲ( ﻋﻘﻠﻪ ،ﻓﻴﻐﺎدر ﺑﺪون أﻣﻞ ﻧﻬﺎﺋﻲ ،ﻟﻜﻦ أﺧﺎه اﻟﺼﻐﻴﺮ )ﻋﻠﻲ( اﻟﺬي ﺗﺮك اﻟﺪراﺳﺔ واﺗﺠﻪ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺑﺴﻮق اﻟﺨﻀﺎر ﻳﻘﻨﻌﻪ ﺑﺄن ﻳﻌﻤﻞ ﻣﻌﻪ ﺣﻴﺚ ﺗﻮﺳﻌﺖ ﺗﺠﺎرﺗﻪ ،ﺛﻢ ﻳﺸﻌﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻌﺪم اﻟﺮﺿﺎ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻊ أﺧﻴﻪ ﻷﺳﺎﻟﻴﺒﻪ اﻟﻤﻠﺘﻮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﻊ ،ﻓﻴﺘﺮﻛﻪ، وﻳﺄﺗﻴﻪ اﻹﻧﻘﺎذ ﻣﻦ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﺳﻠﻴﻤﺎن اﻟﺬي ﻳﺠﺪ ﻟﻪ ﻓﺮﺻﺔ ﻋﻤﻞ ﻓﻲ ﺷﺮﻛﺔ ﻛﺒﺮى ﻟﻠﺘﻨﻘﻴﺐ ،وﻣﻦ أﺧﺘﻪ ﺳﻜﻴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﻓﻪ ﺑﻤﺮﻳﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺴﻴﻪ ﺑﺪورﻫﺎ ﻛﻞ أﺛﺮ ﻟﻬﻴﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﻋﻘﻠﻪ .إن ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻜﺎﻳﺔ )د ّﺣﺎن( ،ﻟﻠﺮواﺋﻲ اﻟﻤﻮرﻳﺘﺎﻧﻲ ﻣﺤﻤﺪ وﻟﺪ ﺳﺎﻟﻢ ،ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺮوى ﻓﻲ ﻗﺼﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ أو ﻧﻮﻓﻴﻼ -إن ﺗﻢ ﺿﻐﻂ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ -ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ ﻫﺬه اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة ﺗﺴﺘﻐﺮق 177ﺻﻔﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻊ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ،ﻓﺘﻘﺮأﻫﺎ وﻻ
اﻟﻜﺒﻴﺮ« ،وﻳﺴﻜﻦ ﻓﻲ ﺟﻨﺎ ٍح ر َاق ﻟﻪ ﻛﺜﻴ ًﺮا ،ﻓﻘﺎل ﻣﺨﺎﻃﺒًﺎ ﻧﻔﺴﻪ» :ﺳﺄﻋﻮد ﻏ ًﺪا أو ﺑﻌﺪه ﻷﻗﺮﺑﺎﺋﻲ وﺻﺪﻳﻘﻲ ﻓﻬﻴﻢ اﻟﻠﻴﺚ ﻓﻲ اﻟﺴﻮﻳﺪﻳﺔ« ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳَ ُﻌ ْﺪ ،ﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﻣﻔﺎﺟﺄة ﻏﻴﺮ ُﻣﺘ َﻮﻗﱠﻌﺔ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎره ﻓﻲ اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ﻟﻮﺻﻮﻟﻪ. ﺗﺄﺧﺬ اﻟﺮواﻳﺔ ﻣﺴﺎرﻫﺎ اﻟﺪراﻣﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻌﻴﺶ ﻗﺼﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻊ »رﺋﻴﻔﺔ وﺟــﺪان«، ﻓﻘﺪ أﺧــﺬه اﻹﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﻮﺣﺪة واﻟﻔﻘﺪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ» :وﺣﻴﺪ ،وﺣﻴﺪ ،أﻧﺖ واﻟﻜﺄس ،أﻧﺖ واﻟﻈﻼم ،وﻓﻲ اﻟﻈﻼم ﺣﺪﻳﺚ وﻻ ﻛﻼم ،وﺛﻤﺔ أﺷﻴﺎء ﺛﻼﺛﺔ ﺗﺘﺤ ﱠﺪث ﻣﻦ دون أن ﺗﺘﺤ ﱠﺪث: اﻟﻜﺄس واﻟﻨﺎر واﻟﻤﺮأة ،وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺠﻨﺎح اﻟﺒﺎذخ ﻻ اﻣﺮأة ،ﻻ ﻣﻮﻗﺪ وﻻ ﻧﺎر«. دﻓﻌﻪ ذﻟﻚ اﻟﺸﻌﻮر ﻟﻼﺗﺼﺎل ﺑﺮﺋﻴﻔﺔ ،اﺗﺼﻞ ﺑﺎﻟﺮﻗﻢ اﻟــﺬي أﻋﻄﺘﻪ إﻳــﺎه أﺛﻨﺎء ﻣﺮورﻫﻢ ﻳﺘﻠﻖ ر ٍّدا ﻋﻠﻰ اﻻﺗﺼﺎل. ﺑﺎﻟﺠﻤﺎرك ،ﻏﻴﺮ أﻧﻪ ﻟﻢ ﱠ ﺑﻌﺪ ﻣ ﱠﺪة ،وﻗﺒﻞ أن ﻳﻬ ﱠﻢ ﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻣﻦ ﺟﻨﺎﺣﻪ ﻓﻮﺟﺊ ﺑﺎﺗ ﱢﺼﺎل ،ﻟﻢ ﻳﺮد؛ إذ ﻇ ﱠﻦ أﻧﻪ أﺣﺪ اﻟﺨﺪم ،أﻏﻠﻖ اﻟﺒﺎب وﺧﺮج ﻏﻴﺮ آ ِﺑ ٍﻪ ﺑﺎﻟﻬﺎﺗﻒ» ،ﺧﺮج إﻟﻰ اﻟﺸﺎرع وﻗﻒ أﻣﺎم ﺑﺎب اﻟﻔﻨﺪق :ﻳﺬﻫﺐ ﻳﻤﻴ ًﻨﺎ أم ﻳﺴﺎ ًرا؟ ﺿﺤﻚ ﻓﻲ ﺳﺮه ،وﻗﺎل :ﻳﺎ ﺷﻘﻲ أﻣﻀﻴﺖ ﻋﻤﺮك ﻣﻊ اﻟﻴﺴﺎر ،ﻓﻬﻞ ﻳُﻌﻘﻞ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﻌﻤﺮ أن ﺗﺬﻫﺐ ﻳﻤﻴ ًﻨﺎ؟! إﻧﻤﺎ ﺑﻘﻲ ﺳﺆال واﺣﺪ ﻓﻲ ﻣﻄﺎوي اﻟﻐﻴﺐ :ﻣﺎذا ﻫﻨﺎك ﻓﻲ اﻟﻴﺴﺎر؟!«. ﻋﻨﺪ ﻋﻮدﺗﻪ أﺧﺒﺮه ﻋﺎﻣﻞ اﻟﻔﻨﺪق ﺑﺄن ﺳﻴﺪة اﺗﺼﻠﺖ ﺑﻪ ،ﻓﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ أن ﻳﺴﺄﻟﻬﺎ إن اﺗﺼﻠﺖ ﺛﺎﻧﻴﺔ أن ﺗﺄﺗﻴﻪ إﻟﻰ اﻟﻔﻨﺪق؛ ﻓﻬﻲ ﻣﺪﻳﺮة أﻋﻤﺎﻟﻪ، وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،ﺗﺄﺗﻴﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،وﻳﻠﺘﻘﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﻨﺎﺣﻪ وﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻬﺎ أن ﺗﻜﻮن ﻣﺪﻳﺮة أﻋﻤﺎﻟﻪ ،وﻳﺒﺪأ ﻓﻲ إﻏﻮاﺋﻬﺎ. ﻳﺄﺧﺬﻫﺎ »ﻧﻤﺮ« إﻟﻰ ﺑﻴﺘﻪ ،وﻳﻌ ﱢﺮﻓﻬﺎ إﻟﻰ زوﺟﺘﻪ اﻟﻘﻌﻴﺪة، وﺗﻨﺸﺄ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺻﺪاﻗﺔ ﺣﻤﻴﻤﺔ ،ﻟﺪرﺟ ٍﺔ ﺳﻤﺤﺖ ﻟﻬﺎ أن ﺗﺄﺧﺬ أي ﺷﻲء ﺛﻤﻴﻦ أو أﺛﺮي ﻳﺴﺘﻬﻮﻳﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺖ ،ﻣﻦ دون ﻣﻤﺎﻧﻌﺔ ﻣﻦ »ﻧﻤﺮ« أو زوﺟﺘﻪ ،ﺣﺘﻰ ﺗﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﺣﻘﺎﺋﺒﻬﺎ أﺷﻴﺎء ﻛﺜﻴﺮة ﻣﻦ ﻧﻮادر اﻷﺷﻴﺎء. ﻳﺼﺎب »ﻧﻤﺮ« ِﺑ ِﻌ ﱠﻨﺔ ﻣﺮﺿﻴﺔ ،ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺗﻘ ﱢﺮر »رﺋﻴﻔﺔ« اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ ﺗﺮﻛﻴﺎ ،وﻋﻨﺪ اﻟﻮداع ﺗﺒﻜﻲ ﻛﺜﻴ ًﺮا وﻫﻲ ﺗﻘﻮل ﻟﻨﻤﺮ ﺑﺎﻟﺘﺮﻛﻴﺔ» :أﺣﺒﻚ ..أﺣﺒﻚ ..أﺣﺒﻚ ..وﺳﺄﻋﻮد« ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺬﻫﺐ وﻻ ﺗﻌﻮد؛ ﻣﺎ ﻳﺪﻓﻊ ﺑﻨﻤﺮ ﻟﻼﺳﺘﻐﺮاق ﻓﻲ أﻟﻢ ﻋﺎﺻﻒ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ،وﺗﺮاوده ﻋﺪة ﺗﺴﺎؤﻻت وﺟﻮدﻳﺔ ﺣﻮل ﺟﺪوى اﻟﺤﻴﺎة ،واﻟﻬﺪف ﻣﻨﻬﺎ» :ﻟﻤﺎذا؟ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال ﺟﻮاب ﻟﻪ ،ﻓﻲ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻼﻣﺒﺎﻻة اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺒﺢ اﻟﺬي ﻻ َ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻌﻬﺎ ﺑﻐﻴﺮ ﻫﺪف ،ﺑﻐﻴﺮ ﻗﻀﻴﺔ ،و َﻣﻦ ﻻ ﻗﻀ ﱠﻴ َﺔ ﻟﻪ
ﻳﻨﺘﻔﻲ ﺣﻠﻤﻪ«. ﺗﻤﺘ ﱡﺪ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﻋﺒﺮ ﻓﺼﻮل اﻟﺮواﻳﺔ ﻟﺘﻘﻒ ﺑﻨﺎ أﻣﺎم اﻟﺸﱠ ﺮه اﻟﺒﺸﺮي ﻟﻠﻤﻠﺬﱠات ،واﻟﻌﺠﺰ اﻟﺬي ﻳﺼﻴﺐ اﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ أﺣﺎﻳﻴﻦ ﻛﺜﻴﺮة ،ﻓﻲ ﺿﻮء ﻛﺜﻴ ٍﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﻮاﻫﺪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ واﻟﻜﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﻤﺎ د ﱠﻋ َﻤﺖ ﻣﺸﺮوع »ﺣﻨﺎ ﻣﻴﻨﻪ« اﻟﺮواﺋﻲ، ذﻟﻚ اﻟﺴﻬﻞ اﻟﻤﻤﺘﻨﻊ ،اﻟﺬي ُﻋ ـﺮ َِف ﺑﻪ وﻫﻮ ﻳﺘﻨﺎول ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﺗﺘﺠﺎذﺑﻬﺎ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ وﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ وﻋﻠﻢ اﻹﺑﺪاع اﻟﺬي اﺷﺘﻐﻞ ﻋﻠﻰ ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ اﻷدوار اﻟﻤﺘﺒﺎدﻟﺔ واﻟﺤﻮارات اﻟﻤﺸﺒﻌﺔ ﺑﺎﻟﺮﻣﻮز ﺣﺘﻰ ﺗﺤﺪد ﺟﻮاﻧﺐ ﻣ ﱠﻤﺎ ﺗﻜ ﱠﻮﻧَﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺷﺨﺼﻴﺔ »ﻧﻤﺮ« و»رﺋﻴﻔﺔ« ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻤﺎرﺳﺎت ﺳﻠﻮﻛﻬﻤﺎ ﻏﻴﺮ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺮ اﻟﻤﺘﻌﺔ واﻻﺣﺘﻴﺎل واﻹﻏﺮاء ﻣﻦ أﺟﻞ رﻓﻊ ﻧﺴﺒﺔ اﻟﺮﺑﺢ أو ﺧﺎرﺟﻪ ﺣﻴﺚ اﻟﻤﻄﺎﻋﻢ واﻟﻤﺤﻼت ﻣﺎدي واﻷﺳﻮاق واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺰﻳﱠﺎ ِﺑﺰ ﱢِي اﻟﺨﺪاع واﻻﺳﺘﺴﻼم ﻟﻐﺮض ﱟ ﺗﺎرﻛًﺎ اﻟﺮاوي ﻟﻠﺬات أن ﺗﻌﺒﱢﺮ وﻓﻖ ﺷﺮﻃﻬﺎ اﻟﻠﻐﻮي اﻟﺬي ﺣ ﱠﺪد اﺗﺼﺎﻟﻬﺎ ﺑﻤﻮﺿﻮع ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻬﻞ أﻧﻬﺎ اﻣﺮأة ،وﻫﺬا ﻳﻌﻨﻲ أن اﻟﺬات »رﺋﻴﻔﺔ« ﻣﺘﱠﺼﻠﺔ ﺑﻤﻮﺿﻮﻋﻬﺎ اﻷﺳﺎﺳﻲ »اﻟﻤﺎل« ،وﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻓﺈن اﻟﺬات أﺳﺎﺳﺎ اﻷﺧﺮى »ﻧﻤﺮ« ﺷﻐﻔﻪ ﺑﺎﻟﺴﻔﺮ واﻟﺘﺪﺧﻴﻦ واﻟﺨﻤﺮ ،وﻫﻲ ﻣﺘﱠﺼﻠﺔ ً ﺑـ »اﻟﺠﻨﺲ« ،وﺣﺘﻰ ﺗﺴﺘﻘﻴﻢ اﻟﻤﻌﺎدﻟﺔ ﻛﺎن ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﺴﺮد اﻟﺠﻤﻴﻞ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﻟﻐﺔ ﻣﺘﻴﻨﺔ وﺳﻠﻴﻤﺔ ،ﻟﺘﺄﺧﺬﻫﺎ إﻟﻰ ﺿﻔﺎف إﺣﺪى ﺣﻜﺎﻳﺎت ذﻟﻚ اﻟﻤﺒﺪع اﻟﺬي ﺧﺮج ﻣﻦ ﺑﺤﺮ اﻟﻼذﻗﻴﺔ ﻟﻴﻜﻮن ﺳﻔﻴ َﺮ اﻟﻤﺎء واﻹﺑﺪاع وﻧﺒﺾ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺴﻴﺪة واﻟﻤﺴﻮدة إﻟﻰ اﻟﻴﺎﺑﺴﺔ وﻛﻞ ﻋﺸﺎق اﻟﺴﺮد اﻟﺮواﺋﻲ اﻟﺴﻬﻞ اﻟﻤﻤﺘﻨﻊ اﻟﻮاﻋﻲ واﻟﻤﻤﺘﻊ ﻋﻠﻰ ﺣ ﱟﺪ ﺳﻮاء
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
85
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
lĎĈƲǙČ ƜǠǜĈ ǕǠƩƢ ĎĈƲǙČzĨ ǞĠĠǝǥǙ ƜĠĠƎǝƫ ﻓﺮج ﻣﺠﺎﻫﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب
ﻓﻲ »اﻟﻼذﻗﻴﺔ« ،اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻷﺻــﻞُ ،و ِﻟــﺪَ ،ﻫﺎﺟﺮ ﻣﻦ »اﺳﻜﻨﺪورﻧﺔ« ،اﻟﺘﻲ اﻗ ُﺘ ِﻄ َﻌﺖ ﻣﻦ ﺷﻤﺎل ﺳﻮرﻳﺔ وأُ ْﻋ ِﻄ َﻴﺖ ﺑﻤﻮﺟﺐ اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ »ﺳﺎﻳﻜﺲ ﺑﻴﻜﻮ« اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﻳﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم 1939م ﻟﺘﺮﻛﻴﺎ .ﻋﺮﻓﺖ أﺣﻴﺎؤﻫﺎ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻃﻔﻮﻟ َﺔ اﻟﻄﻔﻞ اﻟ ُﻤ َﻬ ﱠﺠﺮ ﻣﻊ أﻫﻠﻪ ،ﻓﻌﻤﻞ أﺟﻴ ًﺮا ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﻬﻦ؛ ﻋﻤﻞ ﱠ ﺣﻼﻗًﺎ ،ﺑ ﱠﺤﺎ ًرا ،ﺣ ﱠﻤ ًﺎﻻ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻓﺄ -ﺣﺘﻰ ﺗﻔ ﱠﺠﺮ ﻣﻨﺼﺔ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻳﻨﺒﻮع اﻹﺑﺪاع ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻪ ،واﺳﺘﻮى ﻋﻠﻲ ﱠ أﻫﻢ اﻟﺮواﺋﻴﻴﻦ اﻟﻌﺮب ،ﺳﺎﻟِﻜًﺎ اﻟﺪروب اﻟﺼﻌﺒﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن واﺣﺪً ا ﻣﻦ ﱢ واﺣﺪً ا ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﻴﻦ اﻟﻤﻨﺎﺿﻠﻴﻦ اﻟﻘﺪاﻣﻰ ،رﻓﻊ راﻳﺔ اﻟﻨﻀﺎل ﺿﺪ اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮﻳﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻴﻦ ،وﺑﻮﺟﻪ اﻹﻗﻄﺎع؛ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻧﺼﺮة اﻟﻔﻘﺮاء واﻟ ُﻤﻌ ﱠﺬﺑﻴﻦ ﻓﻲ اﻷرض ،وﺿﺪﱠ ﺻﻨﻮف اﻻﺿﻄﻬﺎد واﻟﻘﻤﻊ؛ إﻳﻤﺎﻧًﺎ ﻣﻨﻪ ﺑﺄن اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺗﻌﺎ ُر ٍض داﺋﻢ ﻣﻊ اﻟﺴﻠﻄﺔ ،وﻫﺬا اﻟﺘﻌﺎرض ﻗﺎﺋِ ٌﻢ ﻣﻨﺬ اﻷزل ،ﻣﺘﺼﺎﻟِ ًﺤﺎ ﻣﻊ َﻣﻦ ﻗﺎل» :ﻗﻠﻤﻲ ..ﻻ ﺗَﻜُ ْﻦ ﻛﺎﻟﻌﺎﻫﺮات ﻟﻠﺬي ﻋﻨﺪه ﻓﻠﻮس ﻓﺘﺄﺗﻲ راﻛ ًﻌﺎ ﻃﺎﻣ ًﻌﺎ ،ﻓﺎﻟﻘﻠﻢ اﻟ ُﻤ َﺒ ْﺮ َﻣ ُﺞ ﻟﻴﺲ ﺑﻘﻠﻢ ،إﻧﻪ ﺧﺸﺒﺔ ﻧَ ِﺨ َﺮةٌ ،ﻣﺼﻴﺮﻫﺎ اﻟﺤﺮق«. إن ﻛﻞ ﻣﺎ أﺑﺪﻋﻪ اﻟﺮواﺋﻲ اﻟﺴﻮري اﻟﺮاﺣﻞ ﺣﻨﺎ ﻣﻴﻨﻪ )2018 - 1924م( ﻣﻦ رواﻳﺎت زادت ﻋﻠﻰ اﻷرﺑﻌﻴﻦ ،ﻛﺎن اﻧﺤﻴﺎزًا إﻟﻰ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻤﺴﺤﻮﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻀﻌﻔﺎء واﻟﻌﻤﺎل اﻟ ُﻤﺴﺘَ َﻐﻠﱢﻴﻦ ،وﺣﺎﻣﻞ ﻟﻮاء اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻨﻬﻢ ،ﺳﻮاء ﺑﻘﻠﻤﻪ أو ﺑﻤﺸﺎرﻛﺘﻪ اﻟﻨﻀﺎﻟﻴﺔ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﻋﻨﻪ ،واﻧﺤﻴﺎزًا ﻣﻄﻠَﻘًﺎ –ﻓﻲ ذات اﻟﻮﻗﺖ -ﻟﻌﺮوس اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ »اﻟﻼذﻗﻴﺔ«، اﻟﺘﻲ اﺣﺘﻀﻨﺘﻪ ﺻﻐﻴ ًﺮا وﻳﺎﻓ ًﻌﺎ ،ﻓﺘﻮﻟﱠﺪ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻌﺸﻖ اﻟﺬي ﻻ ﺣﺪود ﻟﻪ ،ﻟﻢ ﺗَﺨ ُْﻞ رواﻳﺔ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻣﻼﻣﺤﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﻄﻞ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻓﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ رواﻳﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻗﻴﻞ إﻧﻪ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﺧﺮج ﻣﻦ ﻟُ ﱠﺠﺔ ﺑﺤﺮ اﻟﻼذﻗﻴﺔ اﻟﺰرﻗﺎء ﻟﻴﻜﻮن ﺳﻔﻴ َﺮ اﻟﻤﺎء إﻟﻰ اﻟﻴﺎﺑﺴﺔ. ﻓﻲ رواﻳﺘﻪ »اﻣﺮأة ﺗﺠﻬﻞ أﻧﻬﺎ اﻣﺮأة« ،اﻟﺼﺎدرة ﻋﻦ دار اﻵداب ﻋﺎم 2009م ،ﻣﺜﻞ أﻛﺜﺮ أﻋﻤﺎﻟﻪ؛ ﻟﻢ ﺗﺨﺮج ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﻔﻀﺎء ،وإن أﺿﺎﻓﺖ ﻓﻀﺎ ًء آﺧــﺮ ،ﻫﻮ ﺟﺰء ﻣﻦ ﻣﺎﺿﻴﻪ وﻣﺎﺿﻲ أﺳﺮﺗﻪ، ﺑﻞ ووﻃﻨﻪ» :اﻟﺴﻮﻳﺪﻳﺔ« ،اﻟﺘﻲ ﺟﺎءﻫﺎ زاﺋ ًﺮا 84
ﺣ ﱠﻨــﺎ ﻣﻴﻨــﻪ ..و»اﻣﺮأة ﺗﺠﻬﻞ أﻧﻬﺎ اﻣﺮأة«
اﻟﺼﺪﻳﻖ ﻗﻴﺎدﺗ َﻬﺎ .ﻫﺬه ﻣﻊ ﺻﺪﻳﻘﻪ »ﻓﻬﻴﻢ اﻟﻠﻴﺚ« ﻓﻲ رﺣﻠﺔ اﺳﺘﻠﻢ ُ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻏﺎدرﻫﺎ وﻋﻤﺮه ﺛﻼث ﺳﻨﻮات ،ﻳﻌﻮد إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻴﻮم وﻫﻮ ﻳﻄﺮق أﺑﻮاب اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻦ ،ﻟﺘﻨﺴﺞ ﻣﻊ ﺧﻴﺎﻻﺗﻪ وأﺧﻴﻠﺘﻪ ﻓﺼﻮل أدب رواﻳﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﻮ ﱠز َﻋﺖ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﺸﺮ ً ﻓﺼﻼ ،ﺗﺠﺎ َوزَت ﺑﺒﻨﺎﺋﻬﺎ َ اﻟﺮﺣﻼت ،ﻛﻤﺎ ﻗﻔﺰت ﻋﻦ ﻣﺪار اﻟﺴﻴﺮة اﻟﺬاﺗﻴﺔ ،وإن ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ ﻛﺜﻴ ٍﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث واﻟﺬﻛﺮﻳﺎت اﻟﺘﻲ اﻧﺴﺎﺑﺖ ﺑﻴﻦ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت اﻟﺴﺮد، ﺳﻮاء ﻓﻲ »اﻟﺴﻮﻳﺪﻳﺔ« ،أو ﻓﻲ »اﻟﻼذﻗﻴﺔ« ،أو »دﻣﺸﻖ«؛ ﻟﺘﻠﺒﺲ زﻳٍّﺎ ﺟﺪﻳ ًﺪا ﻣﻦ آداب اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺮد ﻛﻞ ﺷﻲء ﺷﺨﺼﻲ وﺣﻴﺎﺗﻲ، وأﺳﺎﺳﻬﺎ ،وﻫﺬا ﻣﺎ وﻟﺘﻨﻔﺮد ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺤﻜﺎﻳ ٍﺔ ﺗﻜﻮن ﻣﺤﻮ َر اﻟﺮواﻳﺔ َ اﺷﺘﻐﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﺑ ِِﺤ ﱢﺲ اﻟﺮواﺋﻲ اﻟ ُﻤ ْﺒ ِﺤ ِﺮ ﻓﻲ ﻓﻀﺎء اﻟﺮواﻳﺔ اﻟ ُﻤﺘْ َﻘ َﻨﺔ ﱢ اﻟﺘﻲ ﻳﻜﺘﺒﻬﺎ ُﻣ ْﻐﻠ ََﻖ اﻟﻌﻴﻨﻴﻦ. ﺗﺒﺪأ اﻟﺮﺣﻠﺔ ﺑﻌﺪ ﻋﺒﻮر اﻟﺤﺪود اﻟﺴﻮرﻳﺔ ،ﻫﻨﺎك ﻳﺮ ﱢﺣﺐ رﺟﺎل اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺑﺎﻟﻜﺎﺗﺐ واﻟﺼﺤﻔﻲ اﻟﻤﻌﺮوف ﻟﺪى اﻟﺠﻤﻴﻊ» :ﻧﻤﺮ ﺻﺎﺣﺐ« ،وﻋﻠﻰ اﻟﺤﺪود اﻟﺘﺮﻛﻴﺔ ﻳﻠﺘﻘﻲ ﺑﻮاﺣﺪة ﻣﻦ »ﺗ ُ ﱠﺠﺎر اﻟﺸﱡ َﻨﻂ«» :رﺋﻴﻔﺔ وﺟﺪان«، وﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺘﺤﺎور ﻣﻊ رﺟﺎل اﻟﺠﻤﺎرك ﻳﺘﺪﺧﱠﻞ ﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺗﻬﺎ ،ﻟﺘﻌﻄﻴﻪ ﺑﻌﺪﻫﺎ وﻳﺤﻞ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ ﺿﻴﻘﺔ ﻗﻤﻴﺌﺔ ﺑﺄﺣﺪ ﱡ رﻗﻢ ﻫﺎﺗﻔﻬﺎ .ﻳﺘﺠﺎوز اﻟﺤﺪود اﻟﻔﻨﺎدق اﻟﺮدﻳﺌﺔ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﺣ ﱡﻆ ﺻﺪﻳﻘﻪ »ﻓﻬﻴﻢ اﻟﻠﻴﺚ« أﻓﻀﻞ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﻨﻪ؛ ﻓﻘﺪ ﻧﺰل ﻣﻊ زوﺟﺘﻪ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ واﺳﻌﺔ ،ﺗﺎرﻛﻴﻦ اﺑﻨﺘﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ أﺧﺮى ،ﺿﻴﻘﺔ أﻳﻀً ﺎ .و»ﻓﻬﻴﻢ« ﻫﺬا ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺸﺨﺼﻴﺔ ﺟﺬاﺑﺔ ،أﻫﻢ ﻣﺎ ﻳﺠﺬﺑﻚ إﻟﻴﻪ اﻻﺳﺘﻤﺘﺎ ُع ﺑﺤﺪﻳﺜﻪ ذي اﻟﺼﻔﺘﻴﻦ :اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ،واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﻠﻰ وزن اﻷﻣﻮر ﻗﺒﻞ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ. ﻳﻘﻮم »ﻧﻤﺮ« ﺑﺰﻳﺎرة ﻣﺎ ﺗﺒﻘﱠﻰ ﻣﻦ أﻗﺎرﺑﻪ ،اﻟﺬﻳﻦ ﺣﺎﻓﻼ؛ ﻓﺒﻌﺪ 80ﻋﺎ ًﻣﺎ ً اﺳﺘﻘﺒﺎﻻ ً ﻳﺴﺘﻘﺒﻠﻮﻧﻪ ﻳﻌﻮد إﻟﻴﻬﻢ ﻫﺬا اﻟﻘﺮﻳﺐ اﻟﻐﺎﺋﺐ ،ﻳﺴﺄﻟﻮﻧﻪ ﻋﻦ زوﺟﺘﻪ اﻟﻤﺮﻳﻀﺔ ،وأﺑﻨﺎﺋﻪ ،وﻳﻌﺮﺿﻮن ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ ﺿﻴﺎﻓﺘﻬﻢ ﻓﻴﺮﻓﺾ» :ﻻ أﺳﻜﻦ إﻻ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ أﺑﻲ ،وأﺑﻲ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺑﻴﺖ ﻓﻲ اﻟﺒﺮ أو اﻟﺒﺤﺮ؛ ﻟﺬﻟﻚ أُﻓﻀﱢ ﻞ اﻟﻨﺰول ﻓﻲ اﻟﻔﻨﺎدق داﺋ ًﻤﺎ«. ﻣﻮﻗﻒ ﻟﻢ ﻳﻌﺠﺐ اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ، ودﻓﻊ ﻓﺘﺎة ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻠﺘﺼﺮﻳﺢ ﺑﺄن ﻣﻮﻗﻔﻪ ﻳﻌ ﱡﺪ ﻧﻮ ًﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻜ ﱡﺒﺮ؛ ﻣ ﱠﻤﺎ ﺟﻌﻠﻪ ﻳﻐﺎدرﻫﻢ ﻷﻧﻪ ﺳﻴﺬﻫﺐ إﻟﻰ »أﻧﻄﺎﻛﻴﺎ« وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ﻳﻌﻮد إﻟﻴﻬﻢ ،ﻳﻐﺎدر ﺣ ﱠﻨــﺎ ﻣﻴﻨــﻪ ﻣﻊ ﺳﺎﺋﻖ ﺧﺎص ،وﻳﻨﺰل ﻓﻲ ﻓﻨﺪق »أﻧﻄﺎﻛﻴﺎ
ďƜǙǡǗLjǚǖČ ƲƼLJ ǣǍ ƠǤČĨƲǖČ أﺻﺒﺢ ﺟﻴﻠﻲ ﻣﻦ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﻤﺨﻀﺮم اﻵن ،ﻫﺬا اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺬي ﺑﺪأ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻷدﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﻮرﻗﺔ واﻟﻘﻠﻢ ،وﺑﻤﺠﺮد أن اﺷﺘﺮى اﻵﻟﺔ اﻟﻜﺎﺗﺒﺔ واﺳﺘﻘﺮت ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺘﺒﻪ ﺣﺘﻰ اﺧﺘﺮﻋﻮا ﻟﻪ اﻟﻜﻤﺒﻴﻮﺗﺮ ،وﺑﻤﺠﺮد أن ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻤﺒﻴﻮﺗﺮ ،ﺣﺘﻰ ﻫﺎﺟﻤﻪ اﻹﻧﺘﺮﻧﺖ ،ﻓﻔﺮح ﻟﺴﻬﻮﻟﺔ إرﺳﺎل ﻣﺎدﺗﻪ إﻟﻰ رؤﺳﺎء ﺗﺤﺮﻳﺮ اﻟﺼﺤﻒ واﻟﻤﺠﻼت واﻟﻨﺎﺷﺮﻳﻦ ،وﻟﻜﻨﻪ وﺟﺪ ﻧﻔﺴﻪ أﻣﺎم اﻟﻤﺌﺎت ﻣﻦ "رؤﺳﺎء ﺗﺤﺮﻳﺮ ِ أﻧﻔﺴﻬﻢ" ،ﻳﺘﺴﻴﺪون ﻣﻨﺼﺎت إﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ وﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻴﺔ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﺗﺠﻌﻠﻪ ﻳﻜﺎد ﻻ ﻳﺠﺪ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻟﻘﻠﻤﻪ ،أو ﺑﻤﻌﻨﻰ أﺻﺢ ﻟﻔﺄرﺗﻪ .أﺻﺒﺤﺖ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﺗﺘﺴﻜﻊ ﻫﺎﺋﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﻟﻴﻼ وﻧﻬﺎ ًرا ،ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺻﺤﻴﺤﺔ وأﺧﺮى ﻣﻀﺤﻜﺔ وأﺧﺮى ﺗﻢ اﻷزرق ً اﺧﺘﺮاﻋﻬﺎ ﻟﺘﺤﺮﻳﻚ ﺳﻴﺎﺳﻲ أو اﻗﺘﺼﺎدي أو ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻌﻤﺎري ﺣﺪﻳﺚ. ﺳﻴﻮﻟﺔ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﺟﻌﻠﺖ اﻟﻜﺮة اﻷرﺿﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎول اﻟﻴﺪ ،ﺗﻘﻔﺰ ﻋﻠﻰ ﻓﺄرات اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻣﻦ دون ﺟﻼل ﻳﻐﻠﻔﻬﺎ أو ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺘﻮﻗﻒ أﻣﺎﻣﻬﺎ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻳﻮﻣﻴﻦ ،و َﻣﻦ ﻳﺘﺄﻣﻞ اﻟﺘﺮﻳﻨﺪات ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻗﻊ ﻣﺜﻞ اﻟﻔﻴﺲ ِ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﻔﺎرﻗ َﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ ﺑﻮك ،ﺳﻴﻌﺮف أن اﻷﺣﺪاثَ اﻟﺠﺴﺎ َم أو ﻃﻮﻳﻼ؛ ﻟﻜﻲ ﻳﺤﻞ ﻣﺤﻠﻬﺎ ﺣﺪثٌ آﺧ ُﺮ أو ﻣﻌﻠﻮﻣ ٌﺔ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻟﻦ ﺗﺼﻤﺪ ً وﺣﺶ ﺟﺎﺋ ٌﻊ ﻋﻠﻰ اﻟــﺪوام ،وﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ اﻟﻤﺰﻳﺪ ٌ أﺧﺮى؛ ﻓﺎﻹﻧﺘﺮﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت واﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة ،وﻫﻮ ﻻ ﻳﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﻤﻞ ﺷﻲء ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ دﻗﺎﺋﻖ ﻣﻌﺪودة ﻓﻤﺎ ﺑﺎﻟﻚ ﺑﺘﺄﻣﻞ ﻫﺬا اﻟﺸﻲء أو ﺗﺤﻠﻴﻠﻪ اﻟﻮﺣﺶ اﻟﺠﺎﺋ َﻊ ﻟﻠﺠﺪﻳﺪ َ أو ﺣﺘﻰ إﻋﺎدة ﺻﻴﺎﻏﺘﻪ! وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻳﺆرق ﻫﺬا ٍ رواﻳﺎت ﻛﺒﺮى ،اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﻋﺒﻮ َر ﻋﺸﺮات اﻟﺴﻨﻴﻦ ﻟﺘﺼﻞ إﻟﻴﻨﺎ، ﺻﻤﻮ ُد ِ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ﻣﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﺑﺎﻵﻻف ﻓﻴﺠ َﺪ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﺣﻠﻮﻻً ﺷﺎﻓﻴﺔ ﻋﺒﺮ اﺧﺘﺮا ِع ﻳﺤﺐ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم ﻣﻦ اﻟﻌﺰﻟﺔ وﺛﻼﺛﻴﺔ ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ ﻟﻴﺘﺴﺎءﻟﻮاَ " :ﻣﻦ ﻻ ُ وﻛﻞ أﻋﻤﺎل ﺳﺎراﻣﺎﺟﻮ وﻣﻮﺳﻢ اﻟﻬﺠﺮة إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل وﻓﺴﺎد اﻷﻣﻜﻨﺔ ﱠ ﻣﺜﻠﻲ"؟ أو" :ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﺮواﻳﺎت اﻷﺷﻬﺮ ﻋﺒﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺘﺤﻤﻞ أن ﺗﻘﺮأ ﻣﻨﻬﺎ ﺻﻔﺤ ًﺔ واﺣﺪ ًة ﻣﺜﻠﻲ"؟ أو أﺧﻴ ًﺮا" :اذﻛﺮ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑﺄﻫﻢ اﻟﺮواﻳﺎت"؟ واﻟﺴﺆال اﻷﺧﻴﺮ ﺗﺤﺪﻳ ًﺪا ﻫﻮ اﻷﻛﺜﺮ ﺷﻴﻮ ًﻋﺎ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺮﺷﺤﻮن ٍ ﻋﺎدة رواﻳﺎت ﺟﺪﻳﺪة ﻣﺆﻫﻠﺔ ﻟﻠﻐﻴﺎب ﺑﻌﺪ أﻳﺎم ﻟﺘﺤﻞ ﻣﺤﻠﻬﺎ رواﻳﺎتٌ أﺧﺮى ،وﻫﻜﺬا ...ﻳﻘﻒ اﻟﺮواﺋﻲ ﺣﺎﺋ ًﺮا أﻣﺎم أ ﱠول ﺻﻮرة ﻟﻠﺜﻘﻮب اﻟﺴﻮداء، ﺛﻢ ﺗﺘﺠﺎوز وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم ﻫﺬا اﻟﺜﻘﺐ اﻷﺳﻮد إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻠﻴﻪ ﺑﻌﺪ أﺳﺒﻮع َ ﻟﻴﻨﻬﺎل ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺎﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺼﻮر؛ وﻷﻧﻪ ﻻ ﺷﻲ َء واﺣﺪ ﻓﻘﻂ ﻻ ﻏﻴﺮ، ﻛﻞ اﻟﻤﺘﻮاﻟﺪة ﺑﺤﻜﺎﻳﺎﺗﻪ اﻟﻮاﻗﻊ ﻳﻀﺎﻫﻲ اﻟﺼﻮرة أو ﻋﻴﻨﻲ أﻣﺎم ﺛﺎﻧﻴﺔ ﱠ ﱠ ِ َ ﺷﻼﻻت ﻟﻴﺘﻔﻮق ﻋﻠﻰ اﻟﺮواﺋﻲ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺘﺴﺎءل ﻣﺎ اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻨﻪ ﻛﺘﺎﺑﺘﻪ ِ ِ ِ اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺠﻴﺪ َة واﻟﺤﻜﺎﻳﺎت؟ وﻗﺪ ﻛﺎن ﻳﻈﻦ أن اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت واﻟﺼﻮر ﺧﺎﻟﺪة! إن اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﺣﺘﻔﻮا ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻷﻟﻔﻴﺔ
د .ﺳﻬﻴﺮ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ* ƉƚǙ ǛǙ dzŬŽōşǶ dzǾȃŌǶƈ
اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺑﺎﺗﺖ اﻵن َﻣﺪﻋﺎ ًة ﻟﻠﺴﺨﺮﻳﺔ ،ﻓﺄﺻﻐﺮ ﻃﻔﻞ ﻓﻲ اﻟﻘﻄﺐ اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ِ ﻣﺤﺮك ِ ﺑﺤﺚ ﺗﻠﻴﻔﻮﻧﻪ اﻟﺬﻛﻲ ﻟﻴﺮى ﻣﺎ ﻓﻲ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺑﺈﺻﺒﻌﻪ إدار َة أﻋﻤﺎق اﻟﻤﺤﻴﻄﺎت وﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺮات اﻟﺒﻌﻴﺪة ،ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ِ اﻟﺸﺨﻮص اﻟﻤﺤﺘﻤﻠ ِﺔ ﻟﺮواﻳﺎﺗﻪ أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ اﻟﺮواﺋﻲ ﻛﺘﺎﺑﺘﻪ ،وﻣﻌﻈﻢ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻬﻬﺎ ﺗﺘﺤﺮك أﻣﺎﻣﻪ ﻓﻲ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﻴﺪﻳﺎ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ؟! إﻟﻰ درﺟﺔ أن ﻗﺎﺋﻼ" :ﻟﻤﺎذا ﺟﻌﻠﺘﻨﻲ ﺟﺒﺎﻧًﺎ ﻫﻜﺬا"؟ أﺣﺪﻫﻢ ﻗﺪ ﻳﻘﺎﻃﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺘﻪ ً أو" :ﻻ .ﻟﻢ ﻳﺤﺪث ﻫﺬا أﺛﻨﺎء اﻟﺜﻮرة ،وإﻧﻤﺎ ﻫﺬا ﻫﻮ ﻣﺎ ﺣﺪث ﺑﺎﻟﺘﻔﺼﻴﻞ ﻳﻮاﺻﻞ اﻟﻘﺎرئُ اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﺷﻬﻴ ًﺮا ﺟﺮﺟﺮ َة رواﻳﺎت ﻋﻈﻴﻤﺔ ُ اﻟﻤﻤﻞ"؟ ﺛﻢ وﻛﻞ ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ. إﻟﻰ ﻣﻨﺼﺘﻪ ﻟﻤﺤﺎﻛﻤﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺎﻳﺘﻬﺎ وﺑﺪاﻳﺘﻬﺎ ﱢ أﺳﻠﻮب اﻟﺜﻮرة اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻴﺔ ،ﻟﻢ ﺗﺆ ِد إﻟﻰ ﺣﻴﺮة اﻟﺮواﻳﺔ ،وﺑﺤ ِﺜﻬﺎ ﻋﻦ ٍ ٍ ﺟﺪﻳﺪ ﻓﺤﺴﺐ ،وإﻧﻤﺎ أدت أﻳﻀً ﺎ إﻟﻰ ﺣﻴﺮة اﻟﺤﺪود اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ، ِ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﺛﺮو ُة ﻫﺬا اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ ﺧﺮاﺋﻄﻬﺎ .ﻳﻘﻮﻟﻮن إن ﻓﺤﺎوﻟﺖ َ ِ ِ واﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﻋﻠﻰ اﻣﺘﻼﻛﻬﺎ وﺑﻴﻌﻬﺎ أدى إﻟﻰ ﻓﻮﺿﻰ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺒﻮﻗﺔ، اﻟﻘﺮن، ُ َ ُ ﺣﺘﻰ إن اﻟﺮواﺋﻲ ﺻﺎر ﻳﺘﺨﺒﻂ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ،وﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﻼﺣﻘﺔ أي ﻃﻮﻳﻼ ﻟﻜﻲ ﻳُ َ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻂ ِء اﻟﺘﺄﻣﻞ أو اﻟﺘﻔﻜﻴ َﺮ ﻓﻴﻪ ً َ ﺷﻲء أو ﻀﺎف إﻟﻴﻪ ُ وﻓﻘًﺎ ﻟﻜﻮﻧﺪﻳﺮا
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
83
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﺛُ ﱠﻢ َوﻟّـــــــــــــــــﻰ ﻛَﺄَﻧﱠﻪُ ﺷَ ﻴﺦُ ﺳﻮ ٍء أَﺧ َﺮﺟﻮ ُه ِﻣــــــــــــﻦ َﻣﺤ َﺒ ٍﺲ ِﺑﻜَﻔﺎﻟَﻪ اﻟﺴﺮد اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻤﻞ اﻟﻘﻄﻌﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺗﻐﺮي ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ ﻣﻮﺳﻊ ﻵﻟﻴﺎت ﱠ داﺧﻠﻬﺎ ،ﻋﺒﺮ اﻟﺤﻮار واﻟﻤﻔﺎرﻗﺔ واﻟﺒﻌﺪ اﻟﻔﺎﻧﺘﺎزي واﻟﻬﺰﻟﻲ .وﻟﻜﻦ ﻟﻨﺪع ﻫﺬا ﺟﺎﻧ ًﺒﺎ ﻟﻨﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻻﻧﻔﺼﺎل ﻋﻦ اﻟﺒﻴﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺴﻜﻦ ﻓﻴﻪ ،ﻓﺘﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻄﻌﺔ ،وﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﺳﺮ ًدا ﻋﻦ اﻟﺤﺸﺮات، وﻣﺤﺾ اﻧﻄﺒﺎع ﻋﻦ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ اﻟﻌﺎﺑﺮة واﻟﻤﻬﻤﺸﺔ واﻟﻐﺮﻳﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﺰل ﻓﻲ رؤﻳﺘﻪ ﻟﻬﺎ رؤﻳﺔ ﻛﻠﻴﺔ ﻟﻠﻤﻜﺎن واﻟﺒﺸﺮ واﻷﺷﻴﺎء ،ﻓﻲ أﺳﻠﻮب ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ إﻇﻬﺎر ﻃﻮل ﻣﻌﺎﺷﺮﺗﻪ ﻟﻬﺬه اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت ،وﻣﻔﺎﺟﺄة ﻣﺘﻠﻘﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺄﻟﻒ ﺗﺪﺷﻴﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت ﻓﻲ اﻟﻨﺺ ﻟﺘﺼﺒﺢ ﻣﻨﺎط اﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ،ﻓﺘﺘﻢ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﺧﺘﺰال اﻟﻌﺎﻟﻢ ورؤﻳﺔ اﻟﺒﺸﺮ ﻓﻲ ﻣﺠﺮد اﻧﻄﺒﺎع ﻋﻦ ﻛﺎﺋﻨﺎت ﻫﺎﻣﺸﻴﺔ ،ﻣﻤﻌﻨﺔ ﻓﻲ ﺣﻘﺎرﺗﻬﺎ. ﻓﺎﻟﺒﻴﺖ اﻟﻔﺎرغ ﻣﻦ ﻣﺘﻊ اﻟﺤﻴﺎة إن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻔﺮداﺗﻬﺎ اﻷوﻟ ّﻴﺔ ،ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﻪ إﻻ وﺳﺎﺋﻞ ردﻳﺌﺔ ﻟﻠﻌﻴﺶ )اﻟﻨﻮى ،اﻟﻨﺨﺎﻟﺔ( ،وأﻳﻦ ﺳﺎﻛﻨﻮه ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺮ، ﻓﻲ ﻇﻞ ﻣﺴﺮح ﻣﻌﺪ ﻟﻤﻄﺎردة اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﻟﺒﻌﻀﻬﺎ ،وﺗﺤﺎور اﻟﻜﺎﺋﻦ ﻣﻊ ﺑﻘﻴﺘﻬﺎ ،ﺑﻌﺪ أن ﻫﺮﺑﺖ أﺧﺮﻳﺎت ﻣﻨﻬﺎ ،وﺗﻌﺬرت أﺳﺒﺎب اﻟﻌﻴﺶ وﺳﺎدت ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﻔﻘﺮ ،وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺄﻧﺲ ﺑﻤﻦ ﺣﻀﺮ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻳﺄﺳﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻫﺮب، ﺑﻌﺪ أن ﺣﺎول ﻣﻨﻌﻬﺎ .واﻟﺒﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﻳﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻋﻼﻣﺔ ﺳﻴﻤﻴﻮﻃﻴﻘﻴﺔ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﻴﻮﻣﻲ ﻓﻲ ﺑﻌﺪه اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ وﻣﺎ ﻫﻮ ﺟﻤﺎﻟﻲ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺗﺤﻮﻳﻼً ﻟﻌﻼﻣﺔ ﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻔﺮﻏﺔ ﻣﻦ ﻣﺪﻟﻮﻟﻬﺎ اﻟﺴﺎﺋﺪ ،وﻣﻦ دﻻﻟﺘﻪ اﻟﺴﻌﺎدة واﻷﻣﻦ إﻟﻰ دﻻﻟﺔ اﻟﺸﱠ ﻘﺎء واﻟﻤﻌﺎﻧﺎة؛ وﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺘﻀﻤﻦ ﻋﻠﻰ ﱠ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺴﻌﺎدة أو اﻷﻣﻦ أو ﺻﻔﺎت اﻻﻣﺘﻼء واﻟﻮﻓﺮة ،أو أﺳﺒﺎب اﻹﻗﺎﻣﺔ واﻻﺳﺘﻘﺮار ،ﻓﻼ ﺗﻌﻮﻳﻞ ﻋﻠﻴﻪ ،أو دﻓﺎع ﻋﻨﻪ ،أو ﺧﻮف ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻓﻴﻪ. وﻋﻨﺪ ﻫﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﺗﺘﺼﺎدى اﻟﻤﻘﻄﻌﺎت ﻓﻨﺠﺪ ﻫﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻋﻨﺪ أﺑﻲ اﻟﺸﻤﻘﻤﻖ وأﺑﻲ ﻓﺮﻋﻮن اﻟﺴﺎﺳﻲ .ﻓﺎﻟﺴﺮﻗﺔ أو إﻏﺎرة اﻟﻠﺺ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺰل ﻻ ﺗﻤﺜﻞ ﻓﻌﻼً ﻣﺆرﻗًﺎ ،رﺑﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺴﺎرق ﻫﻮ ﻣﻦ ﻳﺨﺸﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺪار اﻟﺒﻮار ،ﻗﺎل أﺑﻮ اﻟﺸﻤﻘﻤﻖ):(9 اﻟﺴ َﺮﻗﺎ ﻟ َ َﻴﺲ إِﻏﻼﻗﻲ ﻟِﺒﺎﺑﻲ أَنﱠ ﻟـــــــﻲ ﻓﻴ ِﻪ ﻣﺎ أَﺧﺸــــــﻰ َﻋﻠَﻴ ِﻪ َ وإِﻧﱠﻤـﺎ أَﻏﻠَﻘﺘُﻪُ ﻛَﻴــــــــــﻼ َﻳﺮى ﺳﻮ َء ﺣﺎﻟﻲ َﻣــــــﻦ َﻳ ُﻤ ﱡﺮ اﻟﻄُ ُﺮﻗﺎ َﻣﻨﺰ ٌِل أَ ِ َدﺧ ََﻞ اﻟﺴـــــــــﺎر ُِق ﻓﻴ ِﻪ ُﺳﺮِﻗﺎ وﻃ ُﻨﻪُ اﻟﻔَﻘــــــــــ َﺮ َﻓﻠَﻮ وﻫﺬا اﻟﺘﺮاﺑﻂ ﺑﻴﻦ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻋﺒﺮ ﺣﻴﺎزة اﻟﻮاﻗﻌﻲ وﺗﺮﻫﻴﻨﻪ ﺑﺸﻜﻮى اﻟﻔﻘﺮ ،وﻛﺴﺎد اﻟﺤﺎل ،ﻳﺒﺪو ﻋﺒﺮ ﺗﻠﻮﻳﻨﺎت ﻋﺪة ،ﺗﺠﺪ ﺳﺒﻴﻠﻬﺎ ﺑﻌﻴ ًﺪا ﻋﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻤﻨﺘﻘﺎة ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ،ﻟﺘﻌﺎﻧﻖ اﻟﺮﻛﻴﻚ واﻟﻌﺎدي ،ﻓﺘﺠﺮﺑﺔ اﻹﻓﻼس واﻟﻀﻴﻖ واﻟﻌﻮز ،أو ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻜﺪﻳﺔ واﻟﺘﺼﻌﻠﻚ واﻟﻤﺤﺎرﻓﺔ، ﺗﻠﻮﻳﻨﺎت ﻣﺘﺎﺧﻤﺔ أو ﻣﺘﻮاﺷﺠﺔ ﻣﻊ ﺗﻴﻤﺔ اﻟﻔﻘﺮ ،ﻻ ﺗﺤﺘﺎج – ﻓﻲ ﻇﻞ ﻫﺬا اﻟﻮﺿﻊ-إﻟﻰ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺮﺻﺎﻧﺔ اﻟﺼﻴﺎﻏﻴﺔ ،واﻧﺘﻘﺎء اﻟﻤﻌﺠﻢ وﺟﺰاﻟﺔ اﻷﻟﻔﺎظ؛ ﻓﺎﻷﺣﺪاث اﻟﻤﻔﺮﻃﺔ ﻓﻲ ﺑﺴﺎﻃﺘﻬﺎ ﻫﻲ رﻛﺎﺋﺰ اﻟﻴﻮﻣﻲ وﻣﻨﺒﻊ اﻧﺘﺸﺎره .وﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎك أﺑﺴﻂ ﻣﻦ ﺗﻌﺎﻣﺪ اﻟﺸﻌﺮ ﻣﻊ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺒﻴﻊ
82
ﱠ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻘﺪﻳﻢ وﻓﺎﻧﺘﺎزﻳﺎ اﻟﻔﻘﺮ
واﻟﺸﺮاء ،ﻓﻴﻨﻘﻞ ﻟﻨﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ-ﺗﺨﻴﻴﻠ ٍّﻴﺎ-ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺸﺘﺮﻳﻪ وﻣﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ،ﻗﺎل أﺑﻮ اﻟﺸﻤﻘﻤﻖ):(10 ﻴـــــــﻒ ﻟِ َﻨﻔـــــﺴﻲ َوأَﻧﺎ ﺿَ أﻧـــــﺎ ِﻣـــــــــﻦ زُوا ِر ﺑَﻴﺘﻲ ٌ ﻠـــــﺲ ِ ِﺣـــــــﺰ َﻣ َﺔ اﻟ َﺒﻘﻞِ ِﺑ ِﻔ ﻮم أَﺷﺘـــــَﺮي ﻓــــــﻲ ﻛ ﱢُﻞ ﻳَ ٍ ﻛـــــﺎنَ ِﻣـــــﻦ أَ ّﻳ ِﺎم ُﻋﺮﺳﻲ ﻗـــــﺖ ﺧ َّﻼً ُ َوإِذا ﻣــــــــﺎ ُذ ﻓﻬﻮ ﻳﺤﺪد ﻣﺎ ﻳﺸﺘﺮﻳﻪ وﻣﺎ ﻳﻄﻤﺢ ﻓﻲ ﺷﺮاﺋﻪ ،وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻮاﺿﻊ أﻃﻌﻤﺘﻪ )اﻟﺒﻘﻞ واﻟﺨﻞ( ،ودﻻﻟﺘﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻮز اﻟﺸﺪﻳﺪ ،وﻟﻜﻨﻬﻤﺎ ﻳﺘﻔﺎﺿﻼن-ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮه-وﻛﺄﻧﻪ ﻳﻤﻌﻦ ﻓﻲ اﻟﺘﺸﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﺎﻫﻲ اﻟﻤﻄﺎﻟﺐ وﻋﺴﺮ إدراﻛﻬﺎ .وﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ ذﻟﻚ ﻋﻦ ﻋﺪم اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ ﺷﺮاء اﻟﺨﺒﺰ ﻣﻦ ﺧﺎﺑﺰ ﻻ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﺮﻫﻦ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻘﻮل ﻓﻲ ﻣﻘﻄﻌﺔ أﺧﺮى).(11 ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﺘﻨﻮﻳﻌﺎت ﺣﻮل اﻟﻔﻘﺮ ﺗﺼﺒﺢ ﻣﺠﻠﻰ ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﻴﻮﻣﻲ ،ﻓﻲ أﺑﻌﺎده اﻟﺪاﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﻓﻼس اﻟﺬي ﻳﻐﺪو ﺑﺎﻟﺘﺒﻌﻴﺔ داﻻٍّ ﻟﻤﺪﻟﻮل آﺧﺮ، ﻳﻨﺸﺪ اﻟﺘﺸﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻐﺎﻳﺮة ﻟﻠﺴﺎﺋﺪ اﻟﺮﺳﻤﻲ ،أو اﻟ ُﻤﻘ َْﺼﻰ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻴﻪ ،ﻟﻴﺼﺒﺢ ﻣﻨﺎط ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻤﻘﻄﻌﺔ ،ﻓﺘﺴﺘﺜﻴﺮه .وﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺿﻮء أﺑﻌﺎد ﺗﺘﺮاﺑﻂ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻹﻓﻼس ﻣﻊ وﺿﻊ اﻹﻗﺼﺎء ،ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺬات أو اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،ﻓﺘﺒﺪو وﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﻨﻤﻂ اﻟﻤﺨﺎﻟﻒ ﻟﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺼﻤﺖ ﻋﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎت ﻫﻮاﻣﺶ: - 1د .ﻋﺰ اﻟﺪﻳﻦ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ :اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ،اﻟﺮؤﻳﺔ واﻟﻔﻦ ،ص .320 .Jonathan culler: Structuralist poetic, p 164- 2 .Ibid, 165 - 3 - 4إﻳﺮﻳﻚ ﻓﺮوم :اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻴﻦ اﻟﺠﻮﻫﺮ واﻟﻤﻈﻬﺮ ،ﺗﺮﺟﻤﺔ :ﺳﻌﺪ زﻫﺮان، ﻣﺮاﺟﻌﺔ :ﻟﻄﻔﻲ ﻓﻄﻴﻢ ،ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﻋﺪد 1989 ،140م، ص ،41ﺧﺎﺻﺔ ﻓﺼﻞ :اﻟﺘﻤﻠﻚ واﻟﻜﻴﻨﻮﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ. - 5ﻏﺮﻧﺒﺎوم :ﺷﻌﺮاء ﻋﺒﺎﺳﻴﻮن ،ص .131 - 6ﻳﻘﺎل :ﻣﺎ رزأﺗﻪ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﺮزﺋﺔ ورزأً :ﻣﺎ ﻧﻘﺼﺘﻪ .وﻣﺎ رزأﺗﻪ زﻳﺎﻻ :ﻣﺎ ﻧﻠﺖ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ ﺷﻴﺌﺎً وﻻ أﺻﺒﺖ ﻣﻨﻪ ﺧﻴﺮا ً .وإن ﻓﻼﻧﺎً ﻟﻘﻠﻴﻞ اﻟﺮزء ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎم :ﻗﻠﻤﺎ ﻳﻨﺎل ﻣﻨﻪ .اﻟﺰﻣﺨﺸﺮي :أﺳﺎس اﻟﺒﻼﻏﺔ ،ﻣﺎدة رزأ. - 7رﻳﻨﻴﻪ وﻳﻠﻚ واﺳﺘﻦ وارﻳﻦ :ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻷدب .ﺗﺮﺟﻤﺔ :د .ﻋﺎدل ﺳﻼﻣﺔ ،ص .305ورا :ﻏﺎﺳﺘﻮن ﺑﺎﺷﻼر :ﺟﻤﺎﻟﻴﺎت اﻟﻤﻜﺎن .ﺗﺮﺟﻤﺔ :ﻏﺎﻟﺐ ﻫﻠﺴﺎ .اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳﻊ – ﺑﻴﺮوت .ط2000 – 5م .ص .38 - 8ﻏﺮﻧﺒﺎوم :ﺷﻌﺮاء ﻋﺒﺎﺳﻴﻮن ،ص .149 - 9اﻟﺴﺎﺑﻖ :ص .47 - 10اﻟﺴﺎﺑﻖ :ص .47 - 11اﻟﺴﺎﺑﻖ :ص ،47واﻧﻈﺮ أﻳﻀً ﺎ اﻟﻤﻘﻄﻌﺔ رﻗﻢ ،16ﻓﻲ اﻟﺼﻔﺤﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ.
اﻟﻤﻜﺎن ،ﻓﺎﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺮﻣﺰي ﻟﻠﺒﻴﺖ-ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻋﻼﻣﺔ ﺳﻴﻤﻴﻮﻃﻴﻘﻴﺔ-ﻳﺘﺴﻢ ﻓﻲ ﺻﻮرﺗﻪ اﻷوﻟﻴﺔ واﻟﻤﺒﺎﺷﺮة ﺑﻘﺪرﺗﻪ ﻋﻠﻰ إﺣﺎﻟﺘﻨﺎ إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻷﻟﻔﺔ واﻟﺤﻤﻴﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺸﻜﻞ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻓﻌﻞ اﻹﻗﺎﻣﺔ واﻻﺳﺘﻘﺮار داﺧﻠﻪ. ﻓﺎﻟﺒﻴﺖ ﻟﻴﺲ ﻛﻴﺎﻧًﺎ ﻣﻜﺎﻧ ٍّﻴﺎ ﻣﻜﻮﻧًﺎ ﻣﻦ أﺑﻌﺎد ﻓﻴﺰﻳﺎﺋﻴﺔ ﺗﺤﺘﻮي اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﺪران ،إن اﻟﺒﻴﺖ ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻜﻒ ﻋﻦ اﻹﺷﺎرة اﻟﻤﺴﺘﻤﺮة إﻟﻰ ﺳﺎﻛﻨﻴﻪ ،وﻣﻈﺎﻫﺮ أُﻟْ َﻔ ِﺘﻬﻢ ﺑﻪ؛ "ﻓﺒﻴﺖ اﻟﺮﺟﻞ اﻣﺘﺪاد ﻟﺬاﺗﻪ ،وإذا وﺻﻔﺘﻪ ﻓﻘﺪ وﺻﻔﺖ اﻟﺮﺟﻞ ،ﻓﺎﻟﺒﻴﻮت ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ،وﺗﺆﺛﺮ ﻓﻲ اﻷﺷﺨﺎص اﻵﺧﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻻﺑﺪ أن ﻳﻌﻴﺸﻮا ﻓﻴﻬﺎ" ).(7 ﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ آﺧﺮ ﻗﺪ ﺗﺘﺸﻜﻞ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻷﻟﻔﺔ واﻟﺤﻤﻴﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﺒﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﺤ ٍﻮ ﻣﻐﺎﻳﺮ ،ﻓﺘﻜﺮﻳﺲ اﻟﻔﻘﺮ واﻟﺨﻮاء ﻻ ﻳﺘﺸﻜﻼن إﻻ ﻋﺒﺮ ﺗﻔﺮﻳﻐﻪ ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻷﻧﺲ ﺑﺎﻟﺒﺸﺮ ،ﻓﻐﺪا أﺷﺒﻪ ﺑﺠﺤﺮ أو ﻣﺮﺗﻊ ﻟﺘﻮاﻓﻪ اﻟﻄﻴﻮر اﻟﺴﻜﻦ واﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ. واﻟﺤﺸﺮات ،ﻛﻤﺎ ﺗﺨﺘﻔﻲ ﻓﻴﻪ أي ﺻﻮرة داﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﱠ ﻗﺎل أﺑﻮ اﻟﺸﻤﻘﻤﻖ):(8 ُﻠﺖ ﺣﻴ َﻦ أَﺟ َﺤــــــــﺮﻧﻲ اﻟ َﺒﺮ ُد َوﻟَﻘَﺪ ﻗ ُ ﻼب ﺛﻌﺎﻟَـــــﻪ ﻛَﻤﺎ ﺗَﺠ َﺤــــــ ُﺮ اﻟﻜـــــِ ُ ﻓـــــﻲ ﺑَ ٍ ﻴﺖ ﻣــــــــِ َﻦ اﻟﻐَﻀﺎ َر ِة ﻗَﻔ ٌﺮ َﻴﺲ ﻓﻴ ِﻪ إِ ّﻻ اﻟ َﻨـــــــــــﻮى َواﻟ ِﻨﺨﺎﻟَﻪ ﻟ َ َﻋﻄﱠﻠَﺘﻪُ اﻟﺠِ ﺮذانُ ِﻣــــــــﻦ ِﻗﻠﱠ ِﺔ اﻟﺨَﻴﺮ ﺑﺎب ﻧَﺤـ َﻮ زُﺑﺎﻟَﻪ َوﻃـــــــــــــــﺎ َر اﻟ ُﺬ ُ ﺧﺼﺐ ِﺑﺎت ِﻣﻨـــــــــــﻪُ إِﻟﻰ ﻛ ﱢُﻞ ﻫﺎر ٌ ٍ ﺣﻴ َﻦ ﻟَﻢ ﻳَﺮﺗَﺠﻴ َﻦ ِﻣﻨـــــــــــــﻪُ ﺑَﻼﻟَﻪ
اﻟﺴﻨﻮ ُر ﻓﻴ ِﻪ ﺑﺸــــــــــﺮ َوأَﻗـــــــﺎ َم ُ ﻳَﺴﺄَ ُل اﻟﻠَـــــــــــﻪَ ذا اﻟ ُﻌﻼ َواﻟ َﺠﻼﻟَﻪ أَن ﻳَــــــــــــــﺮى ﻓﺎ َر ًة َﻓﻠَﻢ ﻳَ َﺮ ﺷَ ﻴﺌﺎً أﺳﻪُ ﻟِﻄﻮلِ اﻟ َﻤﻼﻟَﻪ ﻧﺎ ِﻛﺴــــــــــــــﺎً َر َ ـــــــــــﺲ اﻟ َﺮأس ُﻠﺖ ﻟَ ّﻤﺎ َرأَﻳﺘُﻪُ ﻧﺎ ِﻛ ﻗ ُ َ ﻛَﺌﻴﺒﺎً ﻳَﻤﺸﻲ َﻋﻠــــــــــــﻰ ﺷَ ﱢﺮ ﺣﺎﻟَﻪ اﻟﺴﻨﺎﻧﻴ ِﺮ ﻗ ُ ُﻠﺖ َﺻــــــــــﺒﺮاً ﻧﺎ َز َرأس َ َو َﻋﻠَﻠﺘﻪُ ِﺑ ُﺤﺴـــــــــــــــﻦِ َﻣﻘـــــﺎﻟَﻪ َ َﻴـــــﻒ َﻣﻘﺎﻣﻲ ﻗﺎل ﻻ َﺻﺒــــ َﺮ ﻟﻲ َوﻛ َ ﻓـــــﻲ ِﻗـــــﻔﺎ ٍر ﻛَ ِﻤﺜﻞِ ﺑﻴ ٍﺪ ﺗُﺒﺎﻟَـــــﻪ أس ﺟـــــﻮﻋﺎ ﻗَﺪ أَراﻧﻲ أَﻧﻔ ُ ُـــــﺾ اﻟ َﺮ َ ﺛَ ﱠﻢ أَﻣﺸـــــﻲ ﻓﻲ اﻟ َﺒ ِ ﺸﻲ ﺧَﻴﺎﻟَﻪ ﻴﺖ َﻣ َ ُﻠﺖ ِﺳـــــــــﺮ ر ِاﺷﺪاً ﻓَﺨﺎ َر ﻟَﻚَ اﻟﻠﻪ ﻗ ُ َوﻻ ﺗَ ُﻌــــــــــﺪ ﻛَ َﺮ َﺑ ِﺞ اﻟ َﺒﻘـــــــــﺎﻟَﻪ ﻌﺖ أَﻧـــــﺎ ِﺑﺨَﻴ ٍﺮ َﻓﺈِذا ﻣـﺎ َﺳــــــــــ ِﻤ ُ َﻌﻴﻢ ِﻣـــــﻦ َﻋﻴﺸـﺔ َو َﻣﻨﺎﻟَﻪ ﻓــــــﻲ ﻧ ٍ ﻓَﺎﺋِ َﺘﻨﺎ ر ِاﺷـــــﺪاً َوﻻ ﺗَﻌــــــــــــﺪوﻧﺎ إِن َﻣــــــــــﻦ ﺟﺎ َز َرﺣﻠﻨﺎ ﻓﻲ ﺿَ ﻼﻟَﻪ َ ﻗﺎل ﻟـــــــــــــــﻲ ﻗَﻮﻟَ ًﺔ َﻋﻠَﻴﻚَ َﺳﻼ ٌم ُﻌﺐ ِﻣﻨـــــــــــــــﻪُ َوﻻ ِﺑ َﺒﻄﺎﻟَﻪ ﻏَﻴ َﺮ ﻟ ٍ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
81
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
وﻏﺎﻟ ًﺒﺎ ﻣﺎ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺻﻮرة اﻟﻔﻘﺮ ﻟﺪى أﺑﻲ اﻟﺸﻤﻘﻤﻖ ﺑﺘﻔﺮﻳﻎ ﺻﻮر اﻟﺘﻤﻠﻚ ﺟﻤﻴ ًﻌﺎ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺴﻴﺮ دو ًﻣﺎ ﻧﺤﻮ ﺗﺪﻣﻴﺮ ﻛﻞ اﻟﻮﺿﻌﻴﺎت اﻟﺪاﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎزة أي ﺷﻲء ،ورﺑﻤﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﺜﻞ ﻋﻤﻮ ًدا ﻓﻘﺮﻳٍّﺎ ﻻﺳﺘﻤﺮار اﻟﺤﻴﺎة، ﻳﻘﻮل ﻓﻲ ﻣﻘﻄﻌﺘﻪ اﻟﺸﻬﻴﺮة ):(5 َﻓﻠَﻢ َﻳ ْﻌ ُﺴ ْﺮ َﻋﻠﻰ أ َﺣ ٍﺪ ِﺣﺠــــــــــﺎﺑﻲ َﺑ َﺮز ُْت ﻣــــِ َﻦ اﻟ َﻤﻨﺎزِلِ واﻟ ِﻘﺒــــــــﺎب اﻟﺴﺤﺎب َﺳﻤﺎ ُء اﻟﻠَـــــــــــ ِﻪ أَو ُ ﻗﻄﻊ ﱠ ﻘﻒ ﺑَـــــﻴﺘﻲ َﻓ َﻤﻨﺰِﻟﻲ اﻟﻔَﻀــــﺎ ُء َو َﺳ ُ ﺑﺎب ﺟ َﻌﻠ ﱠَﻲ ُﻣﺴ ِﻠﻤﺎً ِﻣــــــــــــﻦ ﻏَﻴ ِﺮ ِ َ ِ َــــــﻠﺖ ﺑَﻴﺘﻲ َ دت َدﺧ ﻧــــﺖ إذا أ َر َ َﻓﺄَ َ اب ﺤﺎب إِﻟﻰ اﻟ ُﺘﺮ ِ اﻟﺴ ِ َﻳﻜﻮنُ ِﻣـــــــ َﻦ ﱠ ﺑـــــﺎب ﻷَﻧّﻲ ﻟَﻢ أَﺟِ ﺪ ﻣﺼـــــــــﺮاع ٍ ﻔﺖ اﻟ َﻬﻼكَ َﻋﻠـــــــــﻰ دَواﺑﻲ َوﻻ ِﺧ ُ َ ِﺑـــــﺎق َﻋﻠــــﻰ َﻋﺒﻴﺪي ﻔﺖ اﻹ َوﻻ ِﺧ ُ ـــــــــﺴﺎب ﺤﺎﺳ َﺒ ًﺔ َﻓﺄَﻏﻠ ََﻆ ﻓﻲ اﻟ ِﺤ ِ ُﻣ َ ـــــﺒﺖ ﻳَﻮﻣﺎً ﻗَﻬ َﺮﻣــــــــﺎﻧﻲ ُ ﺣﺎﺳ َوﻻ َ َﻓﺪَ أَب اﻟﺪَ ﻫـــــــــــﺮ ذا أَﺑَـﺪاً َوداﺑﻲ َوﻓﻲ ذا را َﺣـــــ ٌﺔ َو َﻓﺮا ُغ ﺑـــــــــــﺎلٍ ﻮت ِﻣﻦ ﺗ ِ ﻬﻢ اﻟﻤـــــ َـ ِ ﻴﺎب َﺤﺖ اﻟ ِﺜ ِ ﺑ َِﺴ ِ وإﺑﻄُﻚَ ﻗـــــﺎﺑ ُِﺾ اﻷَرواحِ ﻳَـــــﺮﻣﻲ اب َوﺧُﺒ ُﺰكَ ِﻋـــــــــــﻨﺪَ ُﻣﻨﻘ َِﻄﻊِ اﻟ ُﺘﺮ ِ اب إِذا َﻋ ِﻄــﺸﻨﺎ اﻟﺴـــــﺮ ِ ﺷَ ﺮاﺑُﻚَ ﻓﻲ َ ﺤﺎب َﺣ ِﺴ ُ اﻟﺴ ِ ﺒﺖ اﻟﺨُﺒ َﺰ ﻓــــــﻲ َﺟ ﱢﻮ َ ِ رأﻳﺖ اﻟﺨُﺒـــــﺰ َﻋ ﱠﺰ ﻟﺪَ ﻳـــــﻚَ َﺣ ّﺘﻰ ُ
80
ﱠ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻘﺪﻳﻢ وﻓﺎﻧﺘﺎزﻳﺎ اﻟﻔﻘﺮ
ﺑﺎب َوﻟَ ِﻜﻦ ِﺧ َ ﻔﺖ ْﻣـــــــــــﺮ ِزﺋَ َﺔ اﻟ ﱡﺬ ِ َوﻣـــــــــــﺎ َر ﱠو َﺣ َﺘﻨﺎ ﻟِ َﺘــــــ ُﺬ ﱠب َﻋ ّﻨﺎ ﻓﺎﻷﺑﻴﺎت أﺷﺒﻪ ﺑﺒﻴﺎن ﺧﺒﺮي ﺣﻮل اﻟﻔﺎﻗﺔ ،ﻋﺒﺮ ﺗﻌﺎرﺿﺎت اﻟﺘﻤﻠﻚ واﻻﺳﺘﻼب ،اﻟِﻐ َﻨﻰ واﻟﻔﻘﺮ ،ﻓﻼ ﺗﺤﻀﺮ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺜﺮاء واﻟﻨﻌﻴﻢ واﻷﻣﻦ ،إﻻ ﻟﻜﻲ ﺗ ُﺮﻣﻰ ﺑﺄﺿﺪادﻫﺎ اﻟﺪاﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﻘﺪان اﻟﺜﺮاء واﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ،ﺑﻞ إﻓﺮاز وﺿﻊ ﻻ ﻳﺠ ُﺪ ﻓﻴﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ إﻻ اﻟﺘﱠﺸﺘﱡ َﺖ ﻣﺼﻴ ًﺮا ،واﻟﺨﻮاء ﻳﻀﺮب ﺣﻮﻟﻪ ﺷﺒﺎﻛﻪ. اﻟﺴﻜﻦ واﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻓﻴﺒﺪأ أوﻻً ﺑﺘﻔﺮﻳﻎ ﺻﻮرة اﻟﺒﻴﺖ ﻣﻦ دﻻﻟﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﱠ واﻻﺣﺘﻮاء ،ﻟﻴﺸﻜﻞ ﺑﻴﺘًﺎ ﺧﻮا ًء ،ﺑﻼ أﺑﻮاب أو ﺳﻘﻒ ،أو ﺟﺪران ،ﻓﻤﻨﺰﻟﻪ واﻟﺴﺤﺐ ،ﺑﻤﺎ ﺗﺤﻤﻠﻪ اﻟﺼﻮرة ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺎء ،وﺳﻘﻔﻪ اﻟﺴﻤﺎء اﻟﻤﻤﺘﺪة ﱡ ﺑﻌﺪ ﺗﻬﻮﻳﻠﻲ وﻓﺎﻧﺘﺎزي ،ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﺑﺎب ﻟﻬﺬا اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻔﻀﺎﺋﻲ ّ اﻟﺪوال اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﺜﺮاء ،واﺣﺪ ًة ﺗﻠﻮ اﻟﻤﺘﺴﻊ؟ ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺴﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﺗﻔﺮﻳﻎ ﺧﻮف ﻋﻠﻰ ٍ اﻷﺧﺮى ،ﻓﻠﻴﺲ ﻫﻨﺎك ﺛﻤﺔ ٍ دواب ﻟﻢ ﺗﻮﺟﺪ أﺻﻼً، ﻋﺒﻴﺪ أو ﱟ وﻻ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﻟﺘﺎﺟﺮ اﻟﻘﻬﺮﻣﺎن ،ﺑﺼﻮرﺗﻪ اﻟﺠﺸﻌﺔ واﻟﻤﻐﺎﻟﻂ ﻓﻲ ﺣﺴﺎب اﻟﻤﻴﺰان أو اﻟﺴﻌﺮ ﺳﻴﺎن .وﻫﺬا اﻟﺘﻔﺮﻳﻎ ﻟﻠﺜﺮاء واﻟﺘﻤﻠﻚ ﻳﺤﻤﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﻬﻢ اﻟﺮﺿﺎ واﻟﻘﺒﻮل أو اﻟﺮاﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﺿﺮب ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺮﻳﻎ أﻳﻀً ﺎ ﻟﻤﺤﺘﻮى اﻟﺮاﺣﺔ .وﻛﺄن اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺗﺼﺮح ﺑﻌﻜﺲ ﻣﺎ ﺗﻘﻮل ،ﻓﺤﻴﻦ ﻳﺘﺤﻮل اﻟﺨﻄﺎب -إﻟﻰ اﻟﺬات أو إﻟﻰ آﺧﺮ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻄﻠﺐ – ﻳﻈﻞ اﻟﺘﺸﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺎﻗﺔ ،وﻃﻠﺐ أﻗﻞ اﻷﺷﻴﺎء ،ﻣﻤﺎ ﻳﻘﻮم ﺑﺎﻷود .ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻤﺎرس ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻌﻞ اﻟﺘﻔﺮﻳﻎ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺘﻮى، ﻓﺎﻟﺸﺮاب أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺴﺮاب ،واﻟﺨﺒﺰ ﻳﺨﺘﻠﻂ ﺑﺎﻟﺘﺮاب ،أو ﻫﻮ ﻓﻲ اﻟﺴﺤﺎب، ﻓﻼ وﺟﻮد ﻣﺘﻌﻴﻦ ﻟﻬﻤﺎ ،ﺑﻞ ﺣﻀﻮر اﻟﺨﺒﺰ ،ﻣﺮﻫﻮن ﺑﻤﺨﺎﻓﺔ اﻧﺘﻘﺎص )(6 ﻓﺘﺎﺗﻪ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺬﺑﺎب. وﺗﺤﻤﻠﻨﺎ وﺿﻌﻴﺔ اﻟﺒﻴﺖ ﺑﻮﺻﻔﻪ أﺣﺪ ﻣﻜﻮﻧﺎت اﻟﻤﺨﻴﺎل اﻟﻴﻮﻣﻲ ،ﻓﻲ ﻣﻘﻄﻌﺎت أﺑﻲ اﻟﺸﻤﻘﻤﻖ ،إﻟﻰ ﺗﻠﻤﺲ أﺑﻌﺎده اﻟﻤﺘﺎﺧﻤﺔ ﻟﻮﺻﻒ
ﺧﻄﺎب ﻻ ﻳﺒﺮ ُر ﻧﻔﺴﻪ إﻻ ﻓﻲ ﺳﻴﺎقِ ﺗﺠﺮﺑ ٍﺔ وﺛﻴﻘﺔ اﻟﺼﻠﺔ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ،ﻓﻬﻮ ٌ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻟﻪ دﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﺑﺮ ،أو اﻟﻤﺒﺘﺬل ،أو اﻟﺸﺎﺋﻊ .وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﱢ ﻻ ﻳﻤﺘﻠﻚ وﺿﻌﻴﺔ ﺗﻌﺎﻗﺪﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﻤﻮع ،أو ﻳﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ رﻛﻴﻦ، ﺑﻞ ﻳﻌﺪ ﻣﺠﺎﻻً ﻟﻠﺘﺤﺮك ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ .ﻓﻼ ﻳﻨﺒﻪ إﻟﻴﻪ إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل آﻟﻴﺎت اﻻﺳﺘﺒﻌﺎد ،وﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت ﻣﺘﻌﺪدة ،ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻳﺒﺮز ﻋﺒﺮ ﺳﻠﻮﻛﻴﺎت ﺗﻤﺘﺢ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﺎد ،وﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻷﺧﻼﻗﻲ ﺗﺘﺮاﻓﺪ ﻣﻊ اﻟﻤﻬﻤﺶ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻮك ،واﻟﻤﻌﺎرض ﻟﻠﺴﻠﻮك اﻟﻘﻮﻳﻢ واﻟﺨﻠﻖ اﻟﻔﺎﺿﻞ، وﻳﻠﺘﺤﻢ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﻠﻐﻮي واﻟﺘﻌﺒﻴﺮ اﻟﺸﻌﺮي ﻟ ُﻴﺪﻻّ أﻳﻀً ﺎ – ﻓﻲ ﻇﻞ ﻫﺬا اﻟﻮﺿﻊ-ﻋﻦ اﻟﻤﺴﺘﺒﻌﺪ ﻟﻐﻮﻳٍّﺎ وﺷﻌﺮﻳٍّﺎ. وﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻻﻧﺤﻴﺎز إﻟﻰ اﻟﻤﻘﻄﻌﺎت أﺣﺪ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﻴﻮﻣﻲ وﺗﺸﻐﻴﻞ وﺿﻌﻴﺎت اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺎدﻳﺔ ،ﻓﺎﻟﻤﻘﻄﻌﺎت ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻧﻮ ًﻋﺎ ﺷﻌﺮﻳٍّﺎ ﻣﻐﺎﻳ ًﺮا ﻟﻠﻘﺼﻴﺪة ﺣﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﻪ إﺑﺮاز ﺗﻐﻴﺮ اﻟﺬوق اﻟﻔﻨﻲ ،وﺗﺒﺪل اﻟﺤﺴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ،ﻓﻤﻦ ﺧﻼل اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﻌﻔﻮﻳﺔ أو إﺑﺪاع اﻟﺒﺪﻳﻬﺔ واﻻرﺗﺠﺎل-ﻣﻜﺘﻮﺑًﺎ أو ﺷﻔﻮﻳٍّﺎ-اﻟﺬي ﻳﻤﻴﻞ إﻟﻰ ﺻﺒﻎ اﻟﻜﻼم اﻟﺸﻌﺮي ﺑﺎﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﻔﻮرﻳﺔ ،ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻹﺑﺪاع اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻤﺲ اﻟﺮوﻳﺔ واﻷﻧﺎة – ﻓﻲ ﺑﻌﺪه اﻷوﻟﻲ-ﺗﻐﻴﺮت ﻣﻜﻮﻧﺎت اﻟﺒﻨﺎء اﻟﺸﻌﺮي ،ﻟﻴﻜﻮن ﺣﻘﻼً ﺧﺼ ًﺒﺎ ﻟﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ اﻟﻤﺄﻟﻮف ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ وﻟﻐﺘﻬﺎ. ﻓﺒﻌﻴﺪا ﻋﻦ أﺟﻮاء اﻟﺘﺮف وﺟﻤﺎل اﻟﺤﺪاﺋﻖ واﻟﺒﺴﺎﺗﻴﻦ ،واﻟﻠﻌﺐ واﻟﻠﻬﻮ
واﻟﻤﻐﺎﻣﺮة أو اﻟﻤﻄﺎردة واﻟﺘﻤﺘﻊ ،أو ﻋﻘﺪ ﻣﺄدﺑﺔ ﺷﻬﻴﺔ ،وﺳﻂ ﻧﻬﺮ أو ﻋﻠﻰ ﺑﺴﻂ ﻣﻔﺮوﺷﺔ ﻣﻌﺪة ﻷﺟﻮاء اﻟﻠﻬﻮ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺸﻴﺮ أﺷﻌﺎر ﻛﺜﻴﺮة ﻟﻠﻤﺤﺪﺛﻴﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﻄﻮال ،ﺗُﻔﺴﺢ اﻟﻤﻘﻄﻌﺎت اﻟﻤﺠﺎل ﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻳﻮﻣﻴﺔ ﺑﻌﻴﺪة ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﺮف اﻟﻴﻮﻣﻲ ﻟﺘﻌﺎﻧﻖ أﺟﻮاء ﺷﻈﻒ اﻟﻌﻴﺶ واﻟﻔﻘﺮ. ﻳﻜﻒ ﺷﻌﺮه وأﻛﺒﺮ ﻣﺜﺎل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ ﺷﻌﺮ أﺑﻲ اﻟﺸﻤﻘﻤﻖ ،ﻓﻼ ﱡ وﻣﻘﻄﻌﺎﺗﻪ ﻋﻦ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺮﺗ ًﻌﺎ ﺧﺼ ًﺒﺎ ﻟﻜﺸﻒ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻓﻲ أﻗﺼﻰ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎﺗﻬﺎ دوراﻧًﺎ وﺗﻌﺎﻗ ًﺪا ﻣﻊ أﺟﻮاء اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﺎدﻳﺔ ،وﻣﺎ اﻟﺼﻌﺐ أن ﻳﺘﻢ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﻗﺴﻮ ٍة ﻓﻲ ّ ﻇﻞ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﻔﻘﺮ واﻟﻌﻮز .ﻓﻤﻦ ﱠ ﺗﻠﻘﻲ ﻫﺬا اﻟﺤﺸﺪ ﻣﻦ اﻷوﺻﺎف اﻟﺪاﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﺒﺮم ﺑﺎﻟﻮﺿﻊ اﻟﻴﻮﻣﻲ ،وﺗﺤﻮل اﻟﻔﻘﺮ إﻟﻰ دا ٍل ﻳﺮﻣﻲ ﺑﺄﻃﺮاﻓﻪ ﻧﺤﻮ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﻓﻘﺪان أدﻧﻰ ﻣﻘﻮﻣﺎت اﻟﺤﻴﺎة ،ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻣﺤﺾ ﺗ َﻔ ﱡﻜ ٍﻪ ﻋﺎﺑﺮ ودﻋﺎﺑﺔ ﻻ أﻛﺜﺮ .ﻓﻌﺒﺮ اﻟﺘﺸﺪﻳﺪ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﺷﺒﻜﺔ ﻣﻦ اﻟﺪوال واﻟﺘﻴﻤﺎت اﻟﻤﺘﻀﺎﻓﺮة ،ﺗﺒﺮز ﺑﺼﻮرة ﺟﻠﻴﺔ وﺿﻌﻴﺔ داﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﻘﺪان ﺗﺎم ﻟﻠﺘﻤﻠﻚ ﺑﻮﺻﻔﻪ وﺟ ًﻬﺎ ﻣﻦ وﺟﻮه اﻟﻜﻴﻨﻮﻧﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،ﻓﻲ ﻇﻞ ﻋﺼﺮ ﻳﻌﺘﻤﻞ ﺑﻜﻞ وﺟﻮه اﻟﺘﺮف، وﺣﻴﺎزة اﻟﺮﺑﺢ ،ﻓﺎﻟﺘﻤﻠﻚ واﻟﻜﻴﻨﻮﻧﺔ" ،ﻳﻨﻌﻜﺴﺎن ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ")(4 وﻓﻲ ﺳﻠﻮك اﻷﻓـﺮاد ،وﻟﻌﻞ أﺷﺪ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﻫﺬه اﻟﻔﻘﺪان ﻳﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻟﻤﺎدﻳﺔ.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
79
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
Ǝ ƲǑǎǖČ ƜǤėƜƣǜƜǍĨ ǘǤưǑǖČ ƲLJƜƹǖČ
د .ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺣﺴﺎﻧﻴﻦ
ﻳﺨﻀﻊ دو ًﻣﺎ ﻟﺘﺤﺪﻳﺪات ﻳﺒﺪو ﻟﻲ أن اﻟﺸﻌ َﺮ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﻘﻮﻟ ًﺔ ﺟﻤﺎﻟﻴ ًﺔ، ُ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺗﻔﺮزﻫﺎ ﺣﺮﻛ ُﺔ اﻟﺘﺤﻮل ،وﻋﻤﻠﻴﺎت اﻻﻧﺘﻘﺎل ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻘﺐ اﻟﻔﻨﻴﺔ ،ﺣﺴﺐ ﺗﺒﺪّ ل داﺧﻠﻲ ﻳﺠﺮى ﻋﻠﻰ ُﺻ ُﻌ ٍﺪ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ؛ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺧﺎص ﺑﺎﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎت واﻟﺘﺠﺎرب اﻟﻤﺮﺻﻮدة ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ اﻟﻠﻐﺔ اﻷدﺑﻴﺔ أو اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ. وﻋﺒﺮ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﻌﺎرض ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺜﺎﻟﻲ واﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻴﻮﻣﻲ ،واﻟﻠﻐﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ واﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ،وﻣﺪى ﺳﻴﺎدة واﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ أو ﻓﻨﻴﺔ أو ﻋﻠﻰ ﻧﻮع دون آﺧﺮ ،ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﺤﻮل ورﺻﺪ ﺗﺸﻜﻞ اﻷﻧﻮاع ﻓﻲ ﺗﻌﺎرﺿﻬﺎ أو ﺗﺮاﻓﺪﻫﺎ. وﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺘﻌﺎﻗﺪ ﻣﻊ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،وﺟ ًﻬﺎ ﻣﻦ وﺟﻮه اﻟﺘﻘﺎﺑﻞ ﺑﻴﻦ اﻹﺑﺪاع اﻟﺸﻌﺮي ﻟﻠﻤﺤﺪﺛﻴﻦ واﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻓﻀﻼً ﻋﻦ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﻤﻮاﻛﺐ ﻟﻬﻢ؛ ﻓﻬﺬا اﻟﻨﻘﺪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻮازﻳًﺎ ﻟﻬﺬا ﻳﻌﻴﺶ ﺗﺠﺮﺑ َﺔ اﻟﻘﺪاﻣﺔ ﺑﺠﻌﻠﻬﺎ ﺗﺠﺮﺑ ًﺔ ﻣﺘﻌﺎﻟﻴ ًﺔ اﻹﺑﺪاع ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻛﺎن ُ ﻋﻠﻰ اﻟﺰﻣﻦ ،ﻓﻬﻲ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻤﺜﺎﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ" ،وﺑﻌﻀﻬﻢ
78
ﱠ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻘﺪﻳﻢ وﻓﺎﻧﺘﺎزﻳﺎ اﻟﻔﻘﺮ
آﺛﺮ أن ﻳﻌﺰل ﻗﻀﻴﺔ اﻹﺑــﺪاع اﻟﺸﻌﺮي ﻋﻦ ﺗﺠﺎرب اﻟﻌﺼﺮ ووﺟﻬﻪ اﻟﺤﻀﺎري وذوﻗﻪ اﻟﺨﺎص ،ﻣﺘﺸﺒﺜًﺎ ﺑﺎﻟﻨﻤﻮذج اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ﺑﻮﺻﻔﻪ اﻟﻤﺜﻞ اﻷﻋﻠﻰ اﻟﺸﻌﺮي ،اﻷوﻟﻮن آﺛﺮوا أن ﻳﺸﺘﻘﻮا ﻣﺜﻠﻬﻢ اﻷﻋﻠﻰ اﻟﺸﻌﺮي ﻣﻦ واﻗﻌﻬﻢ اﻟﻨﻔﺴﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺨﺎص ،واﻵﺧــﺮون ﺗﻤﺴﻜﻮا ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ اﻷﻋﻠﻰ اﻟﺸﻌﺮي اﻟﻘﺪﻳﻢ وﺗﻤﺜﻠﻮه ﻓﻮق اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻤﺘﻐﻴﺮ ،اﻷوﻟﻮن ﻛﺎﻧﻮا واﻗﻌﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﺗﻬﻢ واﻵﺧﺮون ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺜﺎﻟﻴﻴﻦ ،اﻷوﻟﻮن ﻳﻌﻴﺸﻮن اﻟﺰﻣﻦ، واﻵﺧﺮون ﻳﻌﻴﺸﻮن اﻟﻤﻄﻠﻖ").(1 وﻳﺮﺗﺒﻂ ﻧﺺ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮاه اﻟﻌﻤﻴﻖ ،ﺑﺎﻟﻮاﻗﻊ ،ﻣﻦ ﺧﻼل "اﺳﺘﺨﺪام ﻧﺺ اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،واﻟﺬي ﻳﺸﻴﻊ ﻋﺒﺮ ﻧﺼﺎ ،واﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﻣﺄﻟﻮﻓﻴﺘﻪ ،ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻳﺼﺒﺢ ﻓﻴﻪ ﻣﺠﻬﻮﻻً ﺑﻮﺻﻔﻪ ٍّ اﻷﻓﻀﻞ ﻟﺘﻌﺮﻳﻔﻪ ،ﻫﻲ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ ﻛﺨﻄﺎب ﻻ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺗﺒﺮﻳﺮ؛ ﻷﻧﻪ ﻣﺴﺘﻤﺪ ﻣﻦ ﺑﻨﻴﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﺒﺎﺷﺮة") ،(2ﺣﺘﻰ وإن ﺑﺪا ﻓﻲ ﻫﻴﺌﺔ ﺗ ُﺼ ﱢﻮر ﻋﺎﻟ ًﻤﺎ ﻳﻘﺘﺮب أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻣﻦ ﺣﺪود اﻟﻬﺰﻟﻲ واﻟﻔﺎﻧﺘﺎزي .ﻓﻤﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻨﺼﻮص-ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻘﻮل ﻛﻠﺮ-ﺗﺒﺮر ﻣﻔﺮداﺗﻬﺎ ﻋﺒﺮ اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ، وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﻘﻮل":وﻟﻜﻦ اﻷﺷﻴﺎء ﺗﺤﺪث ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ").(3 ﻳﺘﺸﻜﻞ اﻟﻴﻮﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟ ﱠﻨﺤﻮ ﻋﺒﺮ ﻛﻞ ﻣﻤﺎرﺳﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻬﺎ ﺻﻔﺔ ﻣﺜﺎﻟﻴﺔ أو ﺗﺮﻗﻰ إﻟﻰ اﺟﺘﻤﺎع ﺣﻮﻟﻬﺎ ،ﻟﺘﺼﺒﺢ ﻣﻌﺘﻤ ًﺪا ﺿﻤﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ
وأﻧﻪ ﺳﻮف ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻲ أن أﻛﻮن ﻣﺴﺘﻌ ٍّﺪا ﻟﻪ ﻟﻜﻲ أذﻫﺐ ﻓﻲ أﻳﺔ ﻟﺤﻈﺔ ﻷﻋﻤﻞ ﻣﻦ أﺟﻠﻪ أي ﺷﻲء ﻳﻘﻮﻟﻪ. أﻋﻄﻮﻧﻲ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش اﻟﻤﻘ ﱠﻮى ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ درع وﻣﻠﻮﻧﺔ ﺑﺄﻟﻮان اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ وﻋﻠﻴﻬﺎ ﺧﻤﺲ ﻧﺠﻤﺎت زرﻗﺎء. ﻗﺎﻟﻮا إﻧﻨﻲ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق اﻟﺬي ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ درع ﺑﻪ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﻨﺠﻮم .ﻗﺎﻟﻮا إن أﺣ ًﺪا ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻊ ﻣﻄﻠﻘًﺎ أن ﺻﺒ ٍّﻴﺎ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا أﺣﺴﺴﺖ ﺑﺄﻧﻨﻲ أﻧﺴﻰ وﺑﺄن ﻛﻞ اﻟﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﻨﺠﻮم. ُ ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ﻳﻨﺴﻰ ،ﺣﺘﻰ أﻣﻲ وأﺑﻲ ،وأن اﻟﺮب ﻳﻨﺴﻰ. ﻛﻨﺖ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺪ ﻣﻀﻰ ﻏﻴﺮ وﻗﺖ ﻗﺼﻴﺮ ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ُ واﺛﻘًﺎ أن ﻛﻞ واﺣﺪ ﻗﺪ ﺑﺪأ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻳﻨﺴﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻋﻤﺎ ﺣﺪث ،أن رﺋﻴﺲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ وﻣﺴﺘﺸﺎري اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ وأﻋﻀﺎء اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ اﻵﺧﺮﻳﻦ واﻷﻣﻬﺎت اﻷﺧﺮﻳﺎت واﻵﺑﺎء اﻵﺧﺮﻳﻦ وأﻣﻲ وأﺑﻲ ﻛﻠﻬﻢ ﺟﻤﻴ ًﻌﺎ ﻳﻨﺴﻮن ،ﺑﻞ وﺣﺘﻰ أﻧﺎ ﺑﺪأت أﻧﺴﻰ ،ﺣﺘﻰ وإن ﻛﻨﺖ أﺣﺎول ﺑﻜﻞ ﻃﺎﻗﺘﻲ أن أﻛﻮن اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﻂ .أﺣﺴﺴﺖ ﻛﺄن اﻟﺮب ﻣﺴﺘﺨ ٍﺰ ﻣﻨﻲ .أﺣﺴﺴﺖ ﻛﺄن اﻟﺮب آﺳﻒ ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي اﺻﻄﻔﺎه واﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺴﺘﻌﺪ ﻟﻜﻲ ﻳﺼﺒﺢ اﺧﺘﻴﺎ ًرا ﺟﺪﻳ ًﺪا واﻟﺬي ﻋﻠﻴﻪ اﻵن أن ﻳﺨﺘﺎر ﺻﺒ ٍّﻴﺎ آﺧﺮ ﻋﻠﻲ أن أﺳﺮع ﻗﺒﻞ أن ﻳﻔﻌﻞ اﻟﺮب ﻫﺬا، ﺑﺪﻻً ﻣﻨﻪ ،وأن ﱠ ﻋﻠﻲ أن أﺑﻴﻦ ﻟﻠﺮب ﺳﺮﻳ ًﻌﺎ أﻧﻨﻲ ﻣﺎ زﻟﺖ ﻣﺪﻫﺸً ﺎ وأن ﱠ ﻛﻨﺖ وأﻧﻨﻲ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أﻓﻌﻞ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﺎ ،أي ﺷﻲء آﺧﺮ. ﻣﺜﻠﻤﺎ ُ ﻛﺎن ﺷﻬﺮ أﻏﺴﻄﺲ /آب. أﺣﺴﺴﺖ ﺑﺄﻏﺮب إﺣﺴﺎس اﻧﺘﺎﺑﻨﻲ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻛﻠﻬﺎ .ﻛﻨﺖ واﻗﻔًﺎ ﻫﻨﺎك واﻟﺪي وﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻦ أﺗﻮا ﻟﺤﻀﻮر اﻟﻴﻮم اﻟﺮﻳﺎﺿﻲ وأﺣﺴﺴﺖ ﻣﻊ ﱠ ﺑﺄﻏﺮب إﺣﺴﺎس اﻧﺘﺎﺑﻨﻲ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻛﻠﻬﺎ. أﺣﺴﺴﺖ وﻛﺄﻧﻨﻲ راﻗﺪ ﻓﻲ اﻟﻤﻠﻌﺐ .أﺣﺴﺴﺖ وﻛﺄﻧﻨﻲ أﻗﺘﻞ ﻛﻞ اﻟﻨﺎس .أﺣﺴﺴﺖ وﻛﺄﻧﻨﻲ ﻣﺴﺘﻐﺮق ﻓﻲ اﻟﻨﻮم وأﻧﻨﻲ ﺑﻘﻴﺖ ﻧﺎﺋ ًﻤﺎ ﺣﺘﻰ واﻟﺪي ﻗﺪ ﻣﺎﺗﺎ وأﻧﻨﻲ ﻗﺪ ﺻﺮتُ ﻛﺒﻴ ًﺮا ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ أﺗﻰ ﺷﺨﺺ ﻣﺎ وأﺧﺒﺮﻧﻲ أن ﱠ وأن ﻫﻨﺎك رﺑٍّﺎ ﺟﺪﻳ ًﺪا ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء وأﻧﻪ ﻳﺤﺒﻨﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺮب اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻳﺤﺒﻨﻲ .ﻇﻞ واﻟﺪاي ﻳﺴﺄﻻﻧﻨﻲ إﻟﻰ أﻳﻦ أرﻳﺪ أن أذﻫﺐ اﻵن وﻣﺎذا أرﻳﺪ أن أﻓﻌﻞ .ﻇﻞ واﻟﺪاي ﻳﺤﺎوﻻن أن ﻳﺠﻌﻼﻧﻲ أﺧﺒﺮﻫﻤﺎ إﻟﻰ أﻳﻦ أﻋﺘﻘﺪ أن ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺟﻤﻴ ًﻌﺎ أن ﻧﺬﻫﺐ اﻵن وﻣﺎ اﻟﺸﻲء اﻟﺘﺎﻟﻲ اﻟﺬي ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺟﻤﻴ ًﻌﺎ ﻛﺄﺳﺮة أن ﻧﻔﻌﻠﻪ .وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﺮف ﻣﺎذا ﻳﻘﺼﺪان. أﺧﺬ واﻟﺪي اﻟﺪرع ﻣﻨﻲ وأﻣﺴﻜﻪ ﺑﻜﻠﺘﺎ ﻳﺪﻳﻪ وﻇﻞ ﻳﻘﻠﺒﻪ ﻓﻲ ﻳﺪﻳﻪ وﻳﺤﺪق ﻓﻴﻪ وﻳﺘﺤﺴﺴﻪ ﺑﻴﺪﻳﻪ ﻗﺎﺋﻼً إﻧﻪ ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش اﻟﻤﻘ ﱠﻮى واﻟﻠﺒﺎد .ﻇﻞ واﻟﺪي ﻳﺮدد أن اﻟﺪرع ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻴﺔ ﻣﻤﺘﺎزة ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش اﻟﻤﻘﻮى واﻟﻠﺒﺎد وﻟﻜﻦ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺒﺬل ﻗﺼﺎرى ﺟﻬﺪﻧﺎ ﻟﻜﻲ ﻻ ﻧﺠﻌﻠﻪ ﻳﺒﺘﻞ ﻷﻧﻪ ﺳﻮف ﻳﻔﺴﺪ ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ ﻋﻨﺪﺋﺬ.
ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﺮف ﻣﺎذا أﻓﻌﻞ. واﻟﺪي ﻻ ﻳﻌﺮﻓﺎن ﻣﺎذا ﻳﻔﻌﻼن. ﻛﻨﺖ واﺛﻘًﺎ أن ﱠ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻨﺎه أن وﻗﻔﻨﺎ ﻣﻊ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻬﻢ إﻟﻰ اﻟﺴﻴﺎرات اﻟﺘﻲ ﺳﺘﻘﻠﻬﻢ إﻟﻰ أﻣﺎﻛﻨﻬﻢ وﻛﻨﺖ واﺛﻘًﺎ أﻧﻨﺎ ،ﻛﺄﺳﺮة ،ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻧﻌﻠﻢ إن ﻛﺎن ﻫﺬا ﻫﻮ وﻗﺖ اﻧﺼﺮاﻓﻨﺎ. ﺟﺎء رﺋﻴﺲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ وﻗﺎل إﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺼﺎﻓﺤﻨﻲ ﺛﺎﻧﻴﺔ وأن ﻳﺼﺎﻓﺢ أﻧﺎﺳﺎ ﻣﺜﻞ أﻣﻲ وأﺑﻲ ،ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﻦ ﻋﻦ ﻣﻨﺢ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا ً اﻟﺼﺒﻲ اﻟﺮاﺋﻊ واﻟﺮﻳﺎﺿﻲ اﻟﻤﻮﻫﻮب .ﺻﺎﻓﺤﻨﻲ ﻣﺮة أﺧﺮى. أﺻﺎﺑﻨﻲ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﺪوار ،وﺻﺮتُ ﺷﺒﻪ ﻧﺎﺋﻢ. رأﻳﺖ أﻣﻲ وأﺑﻲ ﻳﺴﺘﻌﺪان ﻟﻤﺼﺎﻓﺤﺘﻪ .رأﻳﺖ أﺑﻲ ﻳﺒﻌﺪ اﻟﺪرع ﻋﻦ رأﻳﺖ أﻣﻲ ﺗﺄﺧﺬ اﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﺳﻴﺼﺎﻓﺢ ﺑﻬﺎ رﺋﻴﺲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮُ . ﺣﻘﻴﺒﺔ ﻳﺪﻫﺎ وﺗﻔﻌﻞ اﻟﺸﻲء ﻧﻔﺴﻪ .وﻟﻜﻦ رﺋﻴﺲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ﻇﻞ ﻳﻬﺰ ﻳﺪي ،ﺛﻢ ﺗﺮﻛﻬﺎ وﺗﻨﺎول ﻣﺮﻓﻖ أﺑﻲ ﺑﺈﺣﺪى ﻳﺪﻳﻪ وﻟﻤﺲ ﻛﺘﻔﻪ ﺑﺎﻟﻴﺪ اﻷﺧﺮى ﻗﺎﺋﻼً إﻧﻨﺎ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ أﻓﻀﻞ اﻟﻨﺎس ،ﺛﻢ ...ﻟﻘﺪ ﻓﻌﻞ ﻫﺬا ،ﻓﻌﻞ ﻫﺬا! ﺛﻢ ﻣﻀﻰ ﻟﺤﺎل ﺳﺒﻴﻠﻪ ﻫﻮاﻣﺶ: " ،"Gordon Lishﻛﺎﺗﺐ أﻣﺮﻳﻜﻲ ﻣﻮﻟﻮد ﻓﻲ .1934واﻟﻌﻨﻮاناﻷﺻﻠﻲ ﻟﻠﻘﺼﺔTHE DEATH OF ME :
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
77
ﺗﺮاث اﻷدب
ĬďǡǙ ǣǝƞƜƣǜČ ﺑﻘﻠﻢ :ﺟﻮردن ﻟﻴﺶ* ﺗﺮﺟﻤﺔ :ﺻﻼح ﺻﺒﺮي
ﺻﺮت ﻛﻨﺖ أرﻳﺪ أن أﺻﻴﺮ ﻣﺪﻫﺸً ﺎ .ﻣﺪﻫﺸً ﺎ ﺟﺪٍّ ا .ﻛﻨﺖ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻗﺪ ُ ﺳﺌﻤﺖ اﻟﺒﻘﺎء ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ اﻟﺤﺪ. ُ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻣﺪﻫﺸً ﺎ إﻟﻰ ﺣﺪﱟ ﻣﺎ .وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻛﻨﺖ أرﻳﺪ أن أﺗﺠﺎوز ذﻟﻚ اﻟﺤﺪ .أن أﻛﻮن ﻣﺪﻫﺸً ﺎ ﻷﺑﻌﺪ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺤﺪ اﻟﺬي ﺑﻠﻐ ُﺘﻪ .أن أﻓﻌﻞ ﺷﻴ ًﺌﺎ ﻳﺘﺠﺎوز ذﻟﻚ اﻟﺤﺪ ،ﺷﻴ ًﺌﺎ ﻳﺮاه اﻟﻨﺎس ﻓﻴﻘﻮﻟﻮن إﻧﻪ ﺷﻲء ﻳﺘﺠﺎوز ﻛﻞ ﺣﺪﱟ آﺧﺮ وﻟﻴﺲ ﺑﺎﺳﺘﻄﺎﻋﺔ أي أﺣ ٍﺪ أن ﻳﺘﺠﺎوزه ،وإﻧﻨﻲ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي اﺳﺘﻄﺎع أن ﻳﻔﻌﻠﻪ ،وإﻧﻨﻲ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﺑﻼ ﻣﻨﺎزع. ﻛﻨﺖ ذاﻫﺒًﺎ إﻟﻰ أﺣﺪ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮات اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ ،وﻫﻮ ﻣﻌﺴﻜﺮ ﻳﻘﻴﻢ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﺼﻴﻒ ﻳﻮ ًﻣﺎ رﻳﺎﺿﻴٍّﺎ ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ وأوﻟﻴﺎء أﻣﻮرﻫﻢ ،وﻳﺘﻜﻮن ﻫﺬا اﻟﻴﻮم ﻣﻦ ﺧﻤﺲ ﻣﺴﺎﺑﻘﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ أﻟﻌﺎب اﻟﻘﻮى ،وﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻃﻔﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ أن ﻳﺸﺎرك ﻓﻲ وﻛﻨﺖ أﻧﺎ اﻟﻔﺎﺋﺰ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺎت اﻟﺨﻤﺲ ﻣﺴﺎﺑﻘﺎت ﺟﻤﻴ ًﻌﺎ، ُ ﺟﺌﺖ ﻓﻲ ﻛﻨﺖ اﻟﻔﺎﺋﺰ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺴﺎﺑﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺪةُ ، اﻟﺨﻤﺲ ﺟﻤﻴ ًﻌﺎُ ، اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻷول ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺎت اﻟﺨﻤﺲ ﻛﻠﻬﺎ؛ ﺣﺘﻰ إن رﺋﻴﺲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ
76
ﻣﻮت! اﻧﺘﺎﺑﻨﻲ ٌ
وﻣﺴﺴﺘﺸﺎرﻳﻪ واﻷﻃﻔﺎل اﻵﺧﺮﻳﻦ واﻷﻣﻬﺎت اﻷﺧﺮﻳﺎت واﻵﺑﺎء اﻵﺧﺮﻳﻦ وأﻣﻲ وأﺑﻲ رأوا ﺟﻤﻴ ًﻌﺎ أﻧﻨﻲ أﻓﻀﻞ ﻃﻔﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ،اﻷﻓﻀﻞ ﻓﻲ ﺳﺒﺎق ﻋﺪو اﻟﻤﺴﺎﻓﺎت اﻟﻘﺼﻴﺮة ،واﻟﻤﺴﺎﻓﺎت اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ،واﻷﻓﻀﻞ ﻓﻲ اﻟﻮﺛﺐ اﻟﻌﺎﻟﻲ واﻟﻮﺛﺐ اﻟﻄﻮﻳﻞ واﻷﻓﻀﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎن ﻳُﺴ ﱠﻤﻰ ﺑـ"دﻓﻊ اﻟﺠﻠﺔ" ،ﺣﻴﺚ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻚ أن ﺗﻘﻒ ﺑﻤﺤﺎذاة ﺧﻂ ﺟﻴﺮي ﺛﻢ ﺗﻀﻊ إﺻﺒﻊ ﻗﺪﻣﻚ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺨﻂ وﻻ ﺗﺘﺠﺎوزه ﺛﻢ ﺗﻘﻮم ﺑﺮﻣﻲ اﻟـ"ﺟﻠﺔ" إﻟﻰ أﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺮﻣﻴﻬﺎ. ﻓﻌﻠﺖ ذﻟﻚ. ُ وﻓﺰتُ . وﻛﻨﺖ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ وﻛﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺷﺮة ﻣﻦ ﻋﻤﺮي ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻨﺔ 1944 ُ ُ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻃﻔﺎل ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ورﺑﻤﺎ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻃﻔﺎل ﻓﻲ أي ﻣﻌﺴﻜﺮ آﺧﺮ وﺟﻤﻴﻊ اﻷﻃﻔﺎل أﻳﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا. ﻛﺎن ﺷﻌﻮ ًرا راﺋ ًﻌﺎ إﻟﻰ درﺟﺔ ﻟﻢ أﺑﻠﻐﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ .ﻛﺪتُ أﻃﻴﺮ ﻓﺮ ًﺣﺎ أﺣﺴﺴﺖ ﻛﺄن اﻟﺮب ﻳﻬﻤﺲ ﻟﻲ داﺧﻞ رأﺳﻲ ﺑﺄﺷﻴﺎء ﺧﺎﺻﺔ. ﺑﻨﻔﺴﻲ. ُ ﺧﺎص أو أن أﺣﺴﺴﺖ ﻛﺄن اﻟﻠﻪ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻲ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻲ ﻣﻌﻪ ﺳ ﱞﺮ ﱞ ﻋﻠﻲ أن أﻇﻞ ﻣﺼﻐﻴًﺎ ﻟﻮﺻﺎﻳﺎه ﻳﻜﻮن ﻟﻲ ﻣﻌﻪ ﺗﺮﺗﻴﺒﺎت ﺳﺮﻳﺔ وأن ﱠ اﻟﺴﺮﻳﺔ ﻟﻲ داﺧﻞ رأﺳﻲ. أﺣﺴﺴﺖ ﻛﺄن اﻟﺮب ﻳﻘﻮل ﻟﻲ أن أﺗﺄﻛﺪ ﻣﻦ ُ ﺷﺨﺼﺎ ﺧﺎرﻗًﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أي ﺷﺨﺺ آﺧﺮ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ اﻹﻧﺴﺎن أﻧﻪ ﺟﻌﻠﻨﻲ ً
ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺒﺪ ﻏﻤﻮﺿً ﺎ ِ وﺳﺮﻳﱠﺔ ،ﻣﺤﻴﻂ ﻗﺪس اﻷﻗﺪاس .وﻫﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﱠﺘﻲ ﻟﻴﺲ ﺑﻮﺳﻊ ﻏﻴﺮ أﻗﺪم ،وأﻛﺒﺮ ،ﻛﻬﻨﺔ اﻟﻤﻌﺒﺪ دﺧﻮﻟﻬﺎ. ﻫﻮ وﺣﺪه اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻨﻪ ،ﺑﺎﻃﻤﺌﻨﺎن ،ﻓﻲ ﺧﻠﻮﺗﻪ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،دوﻧﻤﺎ إزﻋﺎج ،اﻟ ﱠﺰﺣﻒ داﺧﻞ ﻗﺒﻮ اﻹﻟﻪ ﺳﻮﺑﻚ ،واﻟ ﱠﻨﺤﺖ ،ﺑ َﺮوﻳﱠﺔ وﺻﺒﺮ، ﻟ ُﻴﺨﺮج ﺻﻠﻴﺐ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺑﻬﺬا اﻹﺗﻘﺎن .ﻟﻜﻬﻨﺔ اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ ،ﻓﻲ ﻗﺪس أﻗﺪاس ﻣﻌﺎﺑﺪﻫﻢ ،ﺣﻴﻞ وأﻻﻋﻴﺐ؛ وﻗﺪ ﻟﻘﻮا ﻋﻠﻰ ﻳﺪ اﻟ ﱡﺮوﻣﺎن اﻟﺤﻴﻒ. اﻓﺘﻘﺮوا ﻛﻤﺎ اﻓﺘﻘﺮ اﻟﺸﻌﺐ .ﻏﻴﺮ أ ﱠن اﻟﺸﱠ ﻌﺐ ﻻ ﻳﺜﻮر ﻛﻤﺎ ﺛﺎر ﻋﻠﻰ ﻣﺪى اﻟﻘﺮن اﻷﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺣﻜﻢ اﻟﺒﻄﺎﻟﻤﺔ اﻟ َﻤﻘﺪوﻧ ﱢﻴﻴﻦ .ﻫﻜﺬا ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺑﻤﻘﺪور ﻛﻬﻨﺔ اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ ﻏﻴﺮ اﻟ ﱠﻨﻔﺦ ﻓﻲ ﺟﺬوة اﻟ ﱢﺪﻳﻦ اﻟﺠﺪﻳﺪ َﻋﻠﱠﻪ ﻳﺰداد اﺷﺘﻌﺎﻻً ،وﻗﺪ رأوه دﻳ ًﻨﺎ ﻳﺰﻋﺞ أﺑﺎﻃﺮة روﻣﺎ ،ﺣﺘﱠﻰ أﻧﱠﻬﻢ ﻳﺤﺎرﺑﻮن ﻣﻌﺘﻨﻘﻴﻪ ﺑﻤﻨﻄﻖ :أﻛﻮن أو ﻻ أﻛﻮن! ﻓﻠﻴﺴﻮﻗﻮا اﻟﺸﱠ ﻌﺐ إذن ﻟﻠ ﱡﺪﺧﻮل َﺎﺻﺔ وأﻧﱠﻪ دﻳﻦ ﻳَﺘﱠﻔﻖ ﻓﻲ دﻳﻦ اﻟﻤﺴﻴﺢ أﻓﻮا ًﺟﺎ ﻛﻴ ًﺪا ﻓﻲ اﻟ ﱡﺮوﻣﺎن ،ﺧ ﱠ ﻣﻊ ﻋﺒﺎدﺗﻬﻢ ،رﺑﻤﺎ ﺑﺄﻛﺜﺮ ِﻣ ﱠﻤﺎ ﺗﻮاﻓﻘﻬﺎ َوﺛﻨ ﱠﻴﺔ روﻣﺎ! ﻓﻬﻨﺎ ﺛﺎﻟﻮث ُﻣﻘ ﱠﺪس ﻣﺜﻞ ﺛﺎﻟﻮﺛﻬﻢ ،وﻛﻨﻴﺴﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺪس أﻗﺪاس ﻣﺜﻞ ﻗﺪس أﻗﺪاﺳﻬﻢ ،وﻛﻬﻨﺔ ﻳﺬﻛﺮون اﺳﻢ اﻹﻟﻪ اﻟ ُﻤﻌﻈﱠﻢ آﻣﻮن ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺬﻛﺮوﻧﻪ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﺑﺪﻫﻢ ،ﻏﻴﺮ أﻧﱠﻬﻢ ﻳ َﺮﺗﱢﻠﻮن اﺳﻤﻪ :آﻣﻴﻦ .ذات ﺻﺒﺎح ،ﻗﺒﻞ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻗﺮﻧًﺎ ﻣﻦ اﻟ ﱠﺰﻣﺎن، وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳُﻘ ﱢﺪم ُر ﱠواد ﻣﻌﺒﺪ ﺳﻮﺑﻚ ،ﻓﻲ ﻛﺮاﻧﻴﺲ ،ﺻﻠﻮاﺗﻬﻢ وﻗﺮاﺑﻴﻨﻬﻢ ﻟﻺﻟﻪ اﻟﺤﺎﻣﻲ ،اﻟﺘﱢﻤﺴﺎح اﻟﻤﺤﺎرب ،اﻟﻔﺤﻞ ﺣﺘﱠﻰ أﻧﱠﻪ ﻳﻀﺎﺟﻊ إﻧﺎﺛﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻨﺎول ﻃﻌﺎﻣﻪ .ﺧﺮج ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻛﺒﻴﺮ ﻛﻬﻨﺔ اﻟﻤﻌﺒﺪ ﺑﻌﻴﻨﻴﻦ زاﺋﻐﺘﻴﻦ، ﺻﺎﺋ ًﺤﺎ ﺑﺼﻮت ﻣﺮﺗﻌﺶ ،وﻧﺒﺮة ﺧﺎﺷﻌﺔ :ﻳﺎ ﺷﻌﺐ اﻹﻟﻪ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﺳﻮﺑﻚ. إ ﱠن إﻟﻬﻜﻢ ﻳﺄﻣﺮﻛﻢ ﺑﺎﻋﺘﻨﺎق ﻫﺬا اﻟ ﱢﺪﻳﻦ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،اﻟﻮاﻓﺪ ﻣﻦ ﺟﻮف ُﺳﻮرﻳﱠﺎ .إ ﱠن ﺻﻠﻴﺐ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻇﻬﺮ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ ﻗﺒﻮ اﻹﻟﻪ ﺳﻮﺑﻚ .وأﻧﺎ أَ ﱠول ﻣﻦ ﻳﺴﻤﻊ ﻹﻟﻬﻨﺎ وﻳﻄﻴﻊ .وﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن ﺳﺒﺐ ﺧﺮاب ﻛﺮاﻧﻴﺲ ﻓﺈ ﱠن أﻃﻼﻟﻬﺎ ﺗﻨﻄﻮي ﻋﻠﻰ ﻟﻐﺰ ﻣﻌﺘﻢ ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﺸﱠ ﻤﺲ
ﺑﻘﺎﻳﺎ اﻟﺴﺠﻦ
اﻟﻤﻌﺒﺪ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻟ ٕﻼﻟﻪ ﺳﻮﺑﻚ
واﺟﻬﺔ ﻣﻌﺒﺪ اﻻٕﻟﻪ ﺳﻮﺑﻚ اﻟﺸﺮﻗﻲ
ﻣﻐﺴﻠﺔ اﻟﻤﻮﺗﻰ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
75
ارﺗﻴﺎد اﻵﻓﺎق
اﺳ ِﺘﻴﻄﺎﻧ ﱠﻴﺔ! وﻫﻮ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳَﺘ ّﻢ ،رﻏﻢ ﺗﻮاﻟﻲ َﻋﻤﻠ ﱠﻴﺎت اﻟﺘﱠﻨﻘﻴﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم .ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻳﺮﺑﺾ ،إﻟﻰ اﻵن ،ﻣﻌﺒﺪان ﻛﺒﻴﺮان ،ﻓﻮق أﻋﻠﻰ أرض ﺮﻋﻮﻧﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺳﻮﺑﻚ ،اﻟﺘﱢﻤﺴﺎح اﻟﺤﺎﻣﻲ، ﻣﻦ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺒﺎﺋﺪة ،ﻟﻺﻟﻪ اﻟ ِﻔ ّ ﻣﺆﻛﱢ َﺪﻳﻦ ِﺻ ﱠﺤﺔ اﻻﺣﺘﻤﺎل اﻟﺜﱠﺎﻧﻲ :اﻟ ُﻬﻮﻳﱠﺔ اﻟ ِﻤﺼﺮﻳﱠﺔ اﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﻟـﻜﺮاﻧﻴﺲ. ﺑﺜﻘﺔ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ َﺣ ﱢﺪ اﻟﻴﻘﻴﻦ. اﻻﻗﺘﺮاب ﻣﻦ ﺣﻞ اﻟﻠﻐﺰ!
ﻣﺎرس ﻛﻬﻨﺔ اﻟﻤﻌﺎﺑﺪ اﻟ ِﻔﺮﻋﻮﻧ ﱠﻴﺔ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻞ اﻟ ُﻤﻘ ﱠﺪﺳﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺎدي .وﻗﺪ ُﻋﺜﺮ ﺎﻋﻲ ،أو َ اﻻﻗﺘﺼ ّ أﻏﺮاض ُدﻧﻴﻮﻳﱠﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ ﱢ ﻴﺎﺳﻲ ،أو اﻻﺟﺘ َﻤ ّ اﻟﺴ ّ ﻨﺪﺳﻲ ُﻣﻌﻘﱠﺪ ،ﻣﻦ ﻏﺮف ﻗﺪس اﻷﻗﺪاس ﻋﻠﻰ ﻓﺠﻮات ﻧﺎﻓﺬة ،ﺑﺸﻜﻞ َﻫ ﱟ إﻟﻰ ﺳﺎﺣﺎت اﻟﻤﻌﺎﺑﺪ ،ﺗ ُﻄﻠﻖ ﺻﻮت اﻟﻜﺎﻫﻦ ﻣﻬﻴ ًﺒﺎ إﻟﻰ ُﻣﺘﻌ ﱢﺒﺪﻳﻨﻪ ﻋﻠﻰ أﻧﱠﻪ ﺻﻮت اﻹﻟﻪ ﺷَ ﺨﺼﻴٍّﺎ! ﻫﻜﺬا ﻛﺎن ﻣﻌﺒﺪ اﻟﻮﺣﻲ ﻓﻲ ﺳﻴﻮة أﻳﻀً ﺎ ،اﻟﱠﺬي ﻘﺪوﻧﻲ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ ﻛﻬﻨﺔ ﺗَ ﱠﻤﺖ ﻓﻲ أرﺟﺎﺋﻪ ﻃﻘﻮس ﺗﺄﻟﻴﻪ اﻹﺳﻜﻨﺪر اﻟ َﻤ ّ آﻣﻮن .وﻗﺪ ﻟﻔﺖ ﻋﻢ ُﻣﺤ ﱠﻤﺪ ،أﺣﺪ ﺣﺮاس ﺧﺮاﺋﺐ ﻛﺮاﻧﻴﺲ ،اﻧﺘﺒﺎﻫﻲ إﻟﻰ ﻣﺪﺧﻞ وﻃﻲء ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺪﺗ َﻲ ﻗﺪس أﻗﺪاس ﻣﻌﺒ َﺪي اﻹﻟﻪ ﺳﻮﺑﻚ، ﻗﺎﺋﻼ :ﻛﺎن اﻟﻜﻬﻨﺔ ﻳﺨﺘﺒﺌﻮن ﻫﻨﺎ ﻟﻴﺨﺎﻃﺒﻮا اﻟ ُﻤﺼﻠﱢﻴﻦ ﺑﺼﻮت اﻹﻟﻪ. ً أﺷﺎر وول دﻳﻮراﻧﺖ ،ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ِﻗ ﱠﺼﺔ اﻟﺤﻀﺎرة .وإﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻧﺼﺤﻲ ،ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ دراﺳﺎت ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺒﻄﺎﻟﻤﺔ .إﻟﻰ أ ﱠن اﻟﻜﻬﻨﺔ ﻄﻠﻤﻲ ،ﻓ ُﻔﺮِﺿﺖ اﻟ ِﻤﺼﺮﻳﱢﻴﻦ ﻻﻗﻮا ﻋﺴﻔًﺎ ﺷﺪﻳ ًﺪا ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻀﱠ ﻌﻒ اﻟﺒَ ّ
آﻧﻴﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ
74
ﻛﺮاﻧﻴﺲ ﻋﺘﻤﺔ ﻓﻲ ﺿﻮء ﱠ اﻟﺸﻤﺲ
ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺿﺮاﺋﺐ ﺑﺎﻫﻈﺔ ،ﺣﺘﱠﻰ أﻧﱠﻬﻢ أﺻﻴﺒﻮا ﺑﺎﻟﻔﻘﺮ ﻛ َﻌﺎ ﱠﻣﺔ اﻟﺸﱠ ﻌﺐ، ﻓﺎﺳﺘﺜﻴﺮت ﺣﻔﺎﺋﻈﻬﻢ درﺟﺔ ﺗ َﺰ ﱡﻋﻢ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻟﻠﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺜﱠﻮرات ﻄﻠﻤﻲ اﻟﻐﺎﺿﺒﺔ ،اﻟﱠﺘﻲ أﺳﻬﻤﺖ إﺳﻬﺎ ًﻣﺎ ﺑﺎﻟﻐًﺎ ﻓﻲ إﺻﺎﺑﺔ اﻟ ﱢﻨﻈﺎم اﻟﺒَ ّ ﺑﻮﻫﻦ ﻋﻠﻰ وﻫﻦ ،ﻟﻴﺴﻘﻂ أﺧﻴﺮا ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ أﻛﺘﻴﻮم ﺳﻘﻮﻃًﺎ ﻧِﻬﺎﺋﻴٍّﺎ، اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ،وﻳﻨﺘﺼﺮ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟ ﱡﺮوﻣﺎﻧﻲ ﻓﺘﻨﻬﺰم اﻟﻤﻠﻜﺔ اﻟ َﺒﻄﻠﻤ ﱠﻴﺔ ﻛﻠﻴﻮﺑﺎﺗﺮا ﱠ أوﻛﺘﺎﻓﻴﻮس ،ﻟﻴﻀﻢ ﻣﺼﺮ إﻟﻰ اﻹﻣﺒ َﺮاﻃﻮرﻳﱠﺔ اﻟ ﱡﺮوﻣﺎﻧ ﱠﻴﺔ اﻟﻮاﺳﻌﺔ .ﻳﻌﻮد ﺣﺎل اﻟﻜﻬﻨﺔ اﻟ ِﻤﺼﺮﻳﱢﻴﻦ ﻟﻼزدﻫﺎر ،ﻓﻲ أﺛﻨﺎء اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻤﺰدﻫﺮة ﻣﻦ ﺣﻜﻢ اﻟ ﱡﺮوﻣﺎن ﻟـﻤﺼﺮ ،ﻗﺒﻞ أن ﺗﺪور ذات داﺋﺮة اﻟﻮﻫﻦ ﻋﻠﻰ اﻟ ﱢﻨﻈﺎم اﻟ ﱡﺮوﻣﺎﻧﻲ ،ﻓﻴﻔﺮض ﺿﺮاﺋﺒﻪ اﻟﺒﺎﻫﻈﺔ ﻣﻦ دون ﺗﻔﺮﻳﻖ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﱠ ﻌﺐ ﺼﺮي وﻛﻬﻨﺘﻪ ،ﻣﺎ ﻧﺘﺞ ﻋﻨﻪ ﺛﻮرة ﻛَﻬﻨﻮﺗﻴﱠﺔ أﻓﺮزت ﺗ َﻮ ﱡﺟ ًﻬﺎ ﺣﺜﻴﺜًﺎ ﻧﺤﻮ اﻟ ِﻤ ّ ِﻘﺾ ﻣﻀﻄﺠﻊ اﻹﻣﺒ َﺮاﻃﻮرﻳﱠﺔ اﻟ ﱡﺮوﻣﺎﻧ ﱠﻴﺔ ذﻟﻚ اﻟ ﱢﺪﻳﻦ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،اﻟﺬي ﺑﺪأ ﻳ ّ اﻟ َﻮﺛﻨ ﱠﻴﺔ؛ دﻳﻦ اﻟﻤﺴﻴﺢ .داﺧﻞ ﺳﺎﺣﺔ أﺣﺪ ﻣﻌﺒ َﺪي اﻹﻟﻪ ﺳﻮﺑﻚ ،ﻓﻲ ﻛﺮاﻧﻴﺲ ،أﺷﺎر ﻋﻢ ُﻣﺤ ﱠﻤﺪ ﺑﺎﺗ ﱢﺠﺎه أﺣﺪ أﺑﻮاﺑﻪ اﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺒﻪ َﺮﺑﻲ .ﺣﻴﺚ ﻇﻬﺮت ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ أﻃﻼل ِﻃﻴﻨ ﱠﻴﺔ ﻻ ﺗﺰال ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻐ ّ أﻛﻤﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ .وﻗﺎل :ﻫﺬه ﺑﻮاﻗﻲ ﻛﻨﻴﺴﺔ .ﻛﺎن ﺑﻌﺾ ﻛﻬﻨﺔ ﻫﺬا اﻟﻤﻌﺒﺪ ﻗﺪ اﻋﺘﻨﻘﻮا اﻟ َﻤﺴﻴﺤﻴﱠﺔ ﺧﻔﻴﺔ ،وﻗﺪ أﻗﻴﻤﺖ ﻫﺬه اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﻤﻌﺮﻓﺘﻬﻢ ﻛ َّﻲ ﻳُﺼﻠﱡﻮا إﻟﻴﻬﺎ ِﺳ ٍّﺮا. ﺗﻘﻮل اﻟﻤﺮاﺟﻊ إن اﻋﺘﻨﺎق ﻣﺼﺮ ﻟﻠ َﻤﺴﻴﺤ ﱠﻴﺔ ُﺟﻮﺑِﻪ ،ﻣﻦ ِﻗﺒﻞ اﻷﺑﺎﻃﺮة اﻟ ﱡﺮوﻣﺎن اﻟ َﻮﺛﻨ ﱢﻴﻴﻦ ،ﺑﻤﻨﺘﻬﻰ اﻟﻌﻨﻒ .ﺣﺘﱠﻰ أ ﱠن دﻗﻠﺪﻳﺎﻧﻮس ﻓﻌﻞ ﺑ َﻤﺴﻴﺤ ﱢﻴﻴﻬﺎ اﻷواﺋــﻞ اﻷﻓﺎﻋﻴﻞَ :ﺣ ﱠﺮﻗﻬﻢ ،وأﻏﺮﻗﻬﻢ ،و َﻣﺜﱠﻞ ﺑﺠﺜﺜﻬﻢ، ﻟﻠﺴﺒﺎع اﻟﻤﻔﺘﺮﺳﺔ .ﻓﺘﻚ ﺑﻬﻢ ﻓﺘﻜًﺎ ُﻣﺮ ﱢو ًﻋﺎ .ﻣﻊ ذﻟﻚ وأﻟﻘﻰ ﺑﻬﻢ أﺣﻴﺎ ًء ﱢ اﻧﺘﻬﺖ اﻟﻤﻌﺎﻧﺎة ﺑﺎﻧﺘﺼﺎر ﻛﺎﺳﺢ ﻟﻠ َﻤﺴﻴﺤ ﱠﻴﺔ! ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗ َﺤ ﱠﻮل اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر ﻗﺴﻄﻨﻄﻴﻦ اﻷَ ﱠول ﻋﻦ اﻟ َﻮﺛﻨﻴﱠﺔ إﻟﻰ اﻟ َﻤﺴﻴﺤﻴﱠﺔ ،ﻣﻌﻠ ًﻨﺎ أﻧﱠﻬﺎ اﻟ ﱢﺪﻳﻦ اﻟ ﱠﺮﺳﻤﻲ ﻟﻺﻣﺒ َﺮاﻃﻮرﻳﱠﺔ .ﻓﻴﻨﻘﻠﺐ اﺗ ﱢﺠﺎه اﻟﻌﻨﻒ اﻟ ﱠﺪﻣﻮي اﻧﻘﻼﺑًﺎ ﻣﺰرﻳًﺎ ،ﻟﻴﺼﻴﺮ ﻌﺾ اﻟ َﻤﺴﻴﺤ ﱡﻴﻮن اﻟ َﻮﺛﻨ ﱢﻴﻴﻦ ،ﻳﻨﺘﻘﻤﻮن ُﻣﻌﺬﱠﺑﻮ اﻷﻣﺲ ُﻣﻌﺬﱢﺑﻲ اﻟﻴﻮم! ﻳَ ّ ﻣﻨﻬﻢ ،ﻓﻴﺴﺤﻠﻮﻧﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺸﱠ ﻮارع ،وﻳﻬﺪﻣﻮن ﻣﻨﺎزﻟﻬﻢ ،وﻳُﺪ ﱢﻣﺮون ﻣﻌﺎﺑﺪﻫﻢ ،ﻏﻴﺮ ُﻣﻔ ﱢﺮﻗﻴﻦ ﺑﻴﻦ َوﺛﻨ ﱢﻴﻲ روﻣﺎ و َوﺛﻨ ﱢﻴﻲ ﻣﺼﺮ. ـ وﺟﺪﺗُﻬﺎ. ﺴﻴﺤﻲ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ ﻗﺒﻮ اﻟﺼﻠﻴﺐ اﻟ َﻤ َﻮﺻ ُ ﻠﺖ إﻟﻰ ﻣﻦ ﻗﺎم ﺑﻨﺤﺖ ﱠ ﻫﻞ ﺗ ﱠ ّ ﺮﻋﻮﻧﻲ؟ ﺣﻔﻆ اﻹﻟﻪ اﻟ ِﻔ ّ ـ أﻇُ ّﻨﻨﻲ ﻓﻌﻠﺘﻬﺎ. اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻫﺬا ﺑﻨﺤﺖ ﻴﻦ ﻴ ﺴﻴﺤ ﻤ اﻟ ار ﻮ ﺜ اﻟ أﺣﺪ ﻗﻴﺎم ﺔ ﻴ ﺎﻟ ﱠ ﱡﱠ َ ﱢ ﺑﺎﺳﺘﺒﻌﺎد اﺣﺘ َﻤ ﱠ ﻛﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ اﻧﺘﺼﺎر اﻟ ﱢﺪﻳﻦ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،إذ ﻟﻮ ﻗﺼﺪ ذﻟﻚ ﻟﻘﺎم ﺑﻨﺤﺖ ﺻﻠﻴﺐ ﻠﻨﻲ ،ﻋﻠﻰ واﺟﻬﺔ اﻟﻤﻌﺒﺪ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ ،ﺣﺘﱠﻰ ﻟﻠ َﻤﺎ ﱠرة ،رؤﻳﺘﻪ ﻋﻤﻼقَ ،ﻋ ّ ﺑﻮﺿﻮح ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻧُﺤﺖ ﺻﻠﻴﺒﻨﺎ اﻟ ُﻤﻠﻐﺰ ﻓﻲ ﻏﻮر ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳُﺮى .ﺗﺮﺟﺢ ﻋﻨﺪي اﺣﺘ َﻤﺎﻟﻴﱠﺔ أﺧﺮىَ ،ﺟ ّﺪ ﻣﺪﻫﺸﺔ. ﻣﻦ ﻳﻌﺎﻳﻦ ﻗﺒﻮ ﺣﻔﻆ اﻹﻟﻪ ﺳﻮﺑﻚ ،ﺳﻴﺮى أ ﱠن أﺑﻌﺎده اﻟﺘﱠﻘﺮﻳﺒﻴﱠﺔ 60 ﺳﻨﺘﻴﻤﺘ ًﺮا ﻋﺮﺿً ﺎ ،ﻓﻲ 75ﺳﻨﺘﻴﻤﺘﺮ ارﺗﻔﺎ ًﻋﺎ ،ﻓﻲ 200ﺳﻨﺘﻴﻤﺘ ًﺮا ﻋﻤﻘًﺎ. ﻣﺮﺗﻔ ًﻌﺎ ﺑﻤﺠﻤﻠﻪ ﻋﻦ اﻷرض ﻟﻤﺴﺎﻓﺔ 120ﺳﻨﺘﻴﻤﺘ ًﺮا ﺗﻘﺮﻳ ًﺒﺎ ،ﻓﻲ أﻛﺜﺮ
ﺣﻮض ﺗﺤﻨﻴﻂ اﻟﻤﻮﺗﻰ
ﺮﺑﻲ ،ﺑﻴﻦ 2011و 2013اﻟ ِﻤﻴﻼدﻳﱠﻴﻦ ،ﺑﻌﺪ اﻟ َﻌ ّ ﻋﺠﺰ اﻟﺸﱡ ﺮﻃﺔ اﻟ ِﻤﺼﺮﻳﱠﺔ ﻋﻦ أداء أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ اﻷَﻣﻨ ﱠﻴﺔ ،أن اﻋﺘﺪى ﺑﻌﺾ اﻟﻄﱠﺎﻣﻌﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺜﱠﺮاء اﻟﺴﺮﻳﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺼﻮرة ﻗﺪس أﻗﺪاس اﻹﻟﻪ ﱠ ﺳﻮﺑﻚ ،ﻓ َﺤﻄﱠﻤﻬﺎ ﻣﻦ اﻟ ﱠﺪاﺧﻞ ،وﻧﻘﺐ أﺳﻔﻠﻬﺎ، ﺑﺤﺜًﺎ ﻋﻦ ﻛﻨﻮز رﺑﻤﺎ ُﺧﺒﱢﺌﺖ ،ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ ،ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ ﻛﻬﻨﺔ اﻟﻤﻌﺒﺪ. ﻓﺮﻋﻮﻧﻴﺔ اﻷﺻﻞ ،أم ﻳﻮﻧﺎﻧﻴﺔ؟
ﺑﻴﻨﻤﺎ أﻏﺎدر اﻟ َﻔﻴﱡﻮم ،ﻓﻲ ﻓﺠﺮ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﱠﺎﻟﻲ، ﻟﻢ أﻛﻦ ﻣﺸﻐﻮﻻً ﺑﻤﺎ آﻟﺖ إﻟﻴﻪ ﻧﺪوة ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ أﻋﻤﺎﻟﻲ اﻷَدﺑ ﱠﻴﺔ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﺷﻐﻠﺘﻨﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺒﺎﺋﺪة ،وﻗﺪ َﺻـ ﱠﺪر ﻟﻲ اﻟﻄﱠﻮاف ﺑﺨﺮاﺋﺒﻬﺎ أﺳﺌﻠﺔ ،رﺋﻴﺴﺔ ،ﺛﻼﺛﺔ ،وددت ﻟﻮ أﻋﺜﺮ ﻋﻠﻰ إﺟﺎﺑﺔ ﻟﻬﺎ :ﻫﻞ ﻛﺮاﻧﻴﺲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ِﻓﺮﻋﻮﻧ ﱠﻴﺔ اﻷﺻﻞ ،أم ﻳﻮﻧَﺎﻧﻴﱠﺔ؟ ﻛﻴﻒ ﺑﺎدت ،وأﻃﻼﻟﻬﺎ ﻣﺘﺮاﻣﻴﺔ اﻷﻃﺮاف ﺗﺸﻲ ﺑﺄﻧﱠﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻛﺒﻴﺮة ،ﻣﻦ دون ﺗ ُﻌ ﱢﺮﺿﻬﺎ ﻟﻜﻮارث ﻃَﺒﻴﻌﻴﱠﺔ؟ ﻣﺎ ﺴﻴﺤﻲ اﻟﻤﻨﺤﻮت ﻓﻲ ﻋﻤﻖ اﻟﺼﻠﻴﺐ اﻟ َﻤ ِﺳ ﱡﺮ ﱠ ّ ﺮﻋﻮﻧﻲ؟ َﻫﻠ ّﻢ إﻟﻰ اﻟﻜﺘﺐ .أﻧﻬﻴﺖ ﻗﺒﻮ اﻹﻟﻪ اﻟ ِﻔ ّ ﻗ ـﺮاءة ﻛﺘﺎﺑﻴﻦ واﻓﻴﻴﻦ ،أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻟﻠ َﻌ ﱠﻼﻣﺔ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻧﺼﺤﻲ ﺑﻌﻨﻮان دراﺳﺎت ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺒﻄﺎﻟﻤﺔ ،واﻵﺧــﺮ ﻟﻠ ﱡﺪﻛﺘﻮر اﻟﺴﻌﺪﻧﻲ ﺑﻌﻨﻮان ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺤﻤﻮد إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﱠ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﻋﺼ َﺮي اﻟﺒﻄﺎﻟﻤﺔ واﻟ ﱡﺮوﻣﺎن .ﻛﻤﺎ
ﻗﺮأت ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻪ وول دﻳﻮراﻧﺖ ،ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ِﻗ ﱠﺼﺔ ﻣﺘﻨﺎوﻻ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﺒﺔ اﻟﺘﱠﺎرﻳﺨ ﱠﻴﺔ ً اﻟﺤﻀﺎرة، ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ أﺟﺪ ،ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻗﺮأﺗﻪ ،ﺷﻴﺌًﺎ ﻳُﺬﻛَﺮ ﻋﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﻧﻮاﺣﻲ ﻓَﻴﱡﻮم اﺳﻤﻬﺎ ﻛﺮاﻧﻴﺲ .وﻻ ﻋﺠﺐ .إذ أَﻛﱠﺪت ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺘﺐ، ﻣﺴﺘﻨﺪة إﻟﻰ ﻣﺮاﺟﻊ ﻋﺪﻳﺪة أﻛﺜﺮ أَﻫ ﱢﻤﻴﺔ، ﻋﻠﻰ أ ﱠن ﻣﺼﺮ اﻟ ِﻔﺮﻋﻮﻧ ﱠﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﺤﻮ ،ﺑﻴﻦ ﺑﺤﺮﻳﻬﺎ وﻧﻴﻠﻬﺎ ،ﺳﻮى ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻳُﻮﻧﺎﻧ ﱠﻴﺔ وﺣﻴﺪة، ﻧﻘﺮاﻃﻴﺲ ،ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺮع اﻟﻜﺎﻧﻮﺑﻲ ﻣﻦ وادي اﻟ ﱢﻨﻴﻞ! ﻛﺎﻧﺖ دﻟﺘﺎ اﻟ ﱢﻨﻴﻞ ،ﻗﺒﻞ أﻟﻔَﻲ ﻋﺎم ﻓﻘﻂُ ،ﻣﺨﻠﱠﻠﺔ ﺑﻤﺮوﺣﺔ ﻧِﻴﻠﻴﱠﺔ ذات ﺳﺒﻌﺔ أﻓﺮع! ﻗﺒﻞ أن ﻳُﻀﺎف ﻟـﻨﻘﺮاﻃﻴﺲ ،ﻓﻲ ﻣﺼﺮ اﻟ َﺒﻄﻠﻤ ﱠﻴﺔ ،ﻣﺪﻳﻨﺘﺎن ﺟﺪﻳﺪﺗﺎن ،إﺳﻜَﻨﺪرﻳﱠﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﱠ ﻤﺎل ،وﺑﻄﻮﻟﻴﻤﻴﺲ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب .أي؛ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺎﻗﺐ اﻟﻘﺮون ﻟﻢ ﺗﺰد اﻟﻤﺪن ،أﺻﻴﻠﺔ اﻟ ﱠﻨﺸﺄة اﻟ ُﻴﻮﻧﺎﻧ ﱠﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،ﻋﻦ ﺛﻼﺛﺔ. ﻛﻤﺎ ذﻛﺮت ﻣﺮاﺟﻌﻲ أ ﱠن اﻟﺒﻄﺎﻟﻤﺔ اﻟ َﻤﻘﺪوﻧﻴﱢﻴﻦ، ﺑﺪ ًءا ﻣﻦ ﺑﻄﻠﻴﻤﻮس اﻷَ ﱠول وﺣﺘﱠﻰ ﺑﻄﻠﻴﻤﻮس اﻟ ﱠﺮاﺑﻊ ،ﺷَ ﱠﺠﻌﻮا اﻟﻴُﻮﻧﺎﻧﻴﱢﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺪوم إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﻛﻤﺤﺎرﺑﻴﻦ ﻣﺮﺗﺰﻗﺔ ،وأﻗﻄﻌﻮﻫﻢ ﻓﻴﻬﺎ إﻗﻄَﺎﻋ ﱠﻴﺎت ﺻﻐﻴﺮة اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ ،ﺑﻌﻴ ًﺪا ﻋﻦ اﻟﻤﺪن اﻟ ُﻴﻮﻧﺎﻧ ﱠﻴﺔ اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ .ﻛﻤﺎ أَﻛﱠﺪت ،ذات اﻟﻤﺮاﺟﻊ، ﻄﻠﻤﻲ ﻋﻠﻰ وﺟــﻮد َﻣــﺎ ﱠدة ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟ َﺒ ّ ﻮﻧﺎﻧﻲ ،اﻟ ُﻤﺤﺎل إﻟﻰ ﺗﻤﻨﺢ اﻟ َﺤ ﱠﻖ ﻟﻠﻤﻘﺎﺗﻞ اﻟﻴُ ّ
ﻣﺪﻣﺎك ﻣﻦ اﻟﻄﻮب اﻟﻠﺒﻦ ﻋﻤﺮه 4آﻻف ﺳﻨﺔ
ﻗﺪس أﻗﺪاس اﻻٕﻟﻪ ﺳﻮﺑﻚ
اﻟﻤﻌﺎش ﻟﺴﺒﺐ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب ،ﻓﻲ ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﺼﺮي اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺑﻴﺘﻪ! ﻣﻊ ﺗﺠﺮﻳﻢ اﻷﺧﻴﺮ ﻟﻮ اﻟ ِﻤ ّ ﻓﻌﻼ! ﻋﻠﻰ ﻫﺬا ﺗﺘﺄرﺟﺢ ﻗﻮﻻ ،أو ً اﻋﺘﺮض ً اﻟ ُﻬﻮﻳﱠﺔ اﻟ ُﻴﻮﻧﺎﻧ ﱠﻴﺔ ﻟـﻜﺮاﻧﻴﺲ ﺑﻴﻦ اﺣﺘﻤﺎﻟﻴﻦ ﻻ ﺛﺎﻟﺚ ﻟﻬﻤﺎ .أَ ﱠوﻟﻬﻤﺎ :رﺑﻤﺎ ﻧﺸﺄت ﻛﻤﺮﻛﺰ ﺗ َﺠ ﱡﻤﻊ إﻗﻄَﺎﻋﻴﱠﺎت ﻣﻘﺎﺗﻠﻲ اﻟﻴﻮﻧﺎن اﻟﻌﺎﻃﻠﻴﻦ ،اﻟﱠﺬﻳﻦ ﻏﻠﺒﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻛﺜﺮﺗﻬﻢ ﺑﻤﺮور اﻟﻮﻗﺖ ﻓﺪﻓﻌﺖ ﺑﻬﻢ ﻟﻠ ﱠﺰواج ﻣﻦ ِﻣﺼﺮﻳﱠﺎت ،ﻓﺘﻨﺸﺄ ﻛﺮاﻧﻴﺲ ﺮﻋﻮﻧﻲ ،ﻟﺘﺼﻄﺒﻎ ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ ﺑﺎﻟ ِﻔﺮﻋﻮﻧ ﱠﻴﺔ ﺑﺴﻤﺖ ِﻓ ّ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻷﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺣﻜﻢ اﻟﺒﻄﺎﻟﻤﺔ. ﺛﺎﻧﻴﻬﻤﺎ :رﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺮاﻧﻴﺲ ُﻣﺠ ﱠﺮد ﻗﺮﻳﺔ ِﻓﺮﻋﻮﻧ ﱠﻴﺔ ﺻﻐﻴﺮة ،ﻣﻬﻤﻠﺔ اﻟﺬﱢﻛﺮ .أﻧﺸﺌﺖ ﻓﻲ اﻟ ﱠﻨﻮاﺣﻲ اﻟﺸﱠ ﻤﺎﻟﻴﱠﺔ اﻟﺒﻌﻴﺪة ﻋﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺷﻴﺪت اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ،ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺘﱢﻤﺴﺎح ،واﻟﱠﺘﻲ ﺑﻨﺎﻫﺎ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻲ أﻣﻨﻤﺤﺎت اﻷَ ﱠول ﻛﺮاﻣﺔ و ُﺣ ٍّﺒﺎ ﻟﺰوﺟﺘﻪ أرﺳﻴﻨﻮي ،وﺗ َﻘ ﱡﺮﺑًﺎ وزﻟﻔﻰ ﻟﻺﻟﻪ ﺳﻮﺑﻚ. ﺛ ُـ ﱠﻢ ﺗﻜﺎﻟﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺟﻨﻮد اﻟﻴﻮﻧﺎن اﻟﻌﺠﺰة، ﻟﻴﺸﺎرﻛﻮا أﻫﻠﻬﺎ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ ﺗﻨﻔﻴﺬًا ﻟﻤﺎ ورد ﻓﻲ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺒﻄﺎﻟﻤﺔ اﻟ ُﻤﺤﺘﻠﱢﻴﻦ .ﻟﻮ أ ﱠن ﻛﺮاﻧﻴﺲ ﻧﺸﺄت ،ﺑﺎﻷﺳﺎس ،ﺗ َﺠ ﱡﻤ ًﻌﺎ ﻟﻠﺠﻨﻮد اﻟﻴُﻮﻧﺎﻧﻴﱢﻴﻦ أﺻﺤﺎب اﻹﻗﻄَﺎﻋﻴﱠﺎت ،ﻟ ُﻌ ِﺜﺮ ﺑﻴﻦ ﺧﺮاﺋﺒﻬﺎ وأﻧﻘﺎﺿﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻃﻼل ﻣﻌﺒﺪ ،أو اﺛﻨﻴﻦ ،ﻷَ ﱟي ﻣﻦ آﻟﻬﺔ اﻹﻏﺮﻳﻖ ،أو ﺣﺘﱠﻰ ﻟﻺﻟﻪ ﺳﻴﺮاﺑﻴﺲ ذي اﻟﻄﱠﺒﻴﻌﺘﻴﻦ ،اﻟ ِﻤﺼﺮﻳﱠﺔ واﻟ ُﻴﻮﻧﺎﻧ ﱠﻴﺔ ،اﻟ ُﻤﺒﺘﻜﺮ ﻣﻦ ِﻗﺒﻞ ﻣﻠﻮك اﻟﺒﻄﺎﻟﻤﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ أﻫﺪاف
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
73
ارﺗﻴﺎد اﻵﻓﺎق
ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺑﻜﻔﺎءة ﻋﺎﻟﻴﺔ ،ﻟﻌﺪم ﻗﺪرﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﺬل اﻟﺘﱠﻜﻠﻔﺔ اﻟﺒﺎﻫﻈﺔً ، اﻟﺼﻨﻒ واﻟ ﱠﻨﻘﺶ ﺣﻔﻆ ﺟﺜﺎﻣﻴﻨﻬﻢ ،ﺑﻌﺪ اﻟﺘﱠﺤﻨﻴﻂ ،ﻓﻲ ﺻﻨﺎدﻳﻖ ﺑﺎذﺧﺔ ﱢ واﻟ ﱠﻨﺤﺖ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻇﻬﺮت اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻇﻬﺮ اﻻﺑﺘﻜﺎر؛ اﺑﺘﻜﺮ أﺣﺪﻫﻢ ،وﻛﺎن َر ﱠﺳﺎ ًﻣﺎ إِﻏﺮﻳﻘﻴٍّﺎ ﻓﻘﻴ ًﺮا ،ﻳﺴﻌﻰ ﻟﻜﺴﺐ ﺑﻀﻌﺔ دراﺧﻤﺎت ،وﺳﻴﻠﺔ ﺟﺪﻳﺪة اﻟﺴﺮﻋﺔ ،وإن ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ اﻻﻧﻄﻼق ﺑﺎﻟ ُﻤﺘﻮﻓﱠﻰ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﻮد أﻳﻀً ﺎ ،وﺑﻨﻔﺲ ﱡ ﻘﻠﻴﺪي ﺑﺘﻜﻠﻔﺘﻬﺎ اﻟﻤﺘﻮاﺿﻌﺔُ .ﻣﺠ ﱠﺮد ﺻﻮرة اﻣﺘﺎزت ﻋﻦ اﻟﺘﱠﺤﻨﻴﻂ اﻟﺘﱠ ّ ﻮﻧﺎﻧﻲ اﻟ ﱠﺮﻗﻴﻖ ،واﻟ ﱠﺪﻗﻴﻖ ،ﻋﻠﻰ ﻟﻮﺣﺔ ﻣﻦ ﻟﻮﺟﻪ اﻹﻧﺴﺎن ،ﺗ ُﺮﺳﻢ ﺑﺎﻷداء اﻟ ُﻴ ّ ﺤﻞ اﻟﻮﺟﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﱠﺎﺑﻮت اﻟﱠﺬي ﻗﻤﺎش اﻟ ِﻜﺘﱠﺎن ،ﺗُﻠﺼﻖ ،ﺑﻌﺪ اﻟﻮﻓﺎة ،ﻋﻠﻰ َﻣ ﱢ ﺳﻴﻮﺿﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﺠﺜﻤﺎن! ﻫﻜﺬا ﺳﺘَﺘﻌ ﱠﺮف اﻟ ﱡﺮوح ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪﻫﺎ ﺑﺄﺳﺮع ِﻣ ﱠﻤﺎ ﻟﻮ ُوﺿﻊ ﻓﻲ ﺗﺎﺑﻮت ُﺻ ﱢﻤﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﱠﺮﻳﻘﺔ اﻟ ِﻔﺮﻋﻮﻧﻴﱠﺔ ﻣﺼﻤﺘﺔ اﻟﺘﱠﻌﺒﻴﺮ! راﻗﺖ اﻟﻔﻜﺮة ،زﻫﻴﺪة اﻟﺘﱠﻜﻠﻔﺔ ،ﻟﻤﻌﻈﻢ ﻗﺎﻃﻨﻲ ﻛﺮاﻧﻴﺲ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻣﻤﺎﻧﻌﺔ ﺗ ُﺬﻛﺮ ﻣﻦ ﻛﻬﻨﺔ ﺳﻮﺑﻚ اﻧﺘﺸﺮ ﻣﺎ ﺗ َ ﱠﻢ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻨﻪ ُﻣﺆ ﱠﺧ ًﺮا ﺑﺎﺳﻢ وﺟﻮه اﻟ َﻔ ﱡﻴﻮم .أو ﺑﻮرﺗﻴﺮﻳﻬﺎت اﻟ َﻔ ﱡﻴﻮم. اﻟﺤ ْﻔﺮ ﺑﻴﺖ ﺳﻮﺑﻚ أو ﺑﻴﺖ َ
ﻤﺖ ﺑﺼﻠﺔ ﻟﺒﻴﻮﺗﻬﺎ اﻷﺻﻴﻠﺔ رﻏﻢ ﻣﻈﻬﺮه أَ ﱠول ﺑﻴﺖ ،ﻓﻲ ﺻﺪر ﻛﺮاﻧﻴﺲ ،ﻻ ﻳَ ّ اﻟﻘﺪﻳﻢ! أﻗﺼﺪ ﺑﻴﺖ ﺳﻮﺑﻚ .وإن ﺷُ ﱢﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﺴﻘﻬﺎ اﻟﺒﺴﻴﻂ ،وﺑﺨﺎﻣﺎت ﺷﺒﻴﻬﺔ ﻟﺨﺎﻣﺎﺗﻬﺎ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ،ﻓﺎﻟ ِﻤﺼﺮﻳﱢﻮن اﻟﻘﺪﻣﺎء ،ﻓﻲ ﻋﺼﺮ أﻣﻨﻤﺤﺎت اﻷَ ﱠول ،ﻳﻠﻴﻬﻢ اﻟﻴُﻮﻧﺎﻧﻴﱡﻮن ،ﻫﻢ ﻣﻦ ﺑﻨﻮا ﺑﻴﻮت ﻛﺮاﻧﻴﺲ ﻣﻨﺬ ﻋﺸﺮات
اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﻦ داﺧﻞ ﻣﻌﺒﺪ ﺳﻮﺑﻚ
72
ﻛﺮاﻧﻴﺲ ﻋﺘﻤﺔ ﻓﻲ ﺿﻮء ﱠ اﻟﺸﻤﺲ
اﻟﻘﺮون ،ﻗﺒﻞ أن ﺗﺒﻴﺪُ ،ﻣﺒﻘﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺎﻛﻞ ﻧﺨﺮة ﻣﻦ ﻃﻮب ﻟﺒﻦ ،ﺗﺼﻔﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟ ﱢﺮﻳﺢ ،وﺗﺴﻔﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟ ﱢﺮﻣﺎل .ﺑﻴﻨﻤﺎ أَ ﱠول ﺑﻌﺜﺔ ﻹﺣﺪى اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت ﺘﺨﺼﺼﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﱠﻨﻘﻴﺐ ﻋﻦ اﻵﺛﺎر ،ﺟﺎءت إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﻜﺎن اﻷَﻣﺮﻳﻜﻴﱠﺔُ ،ﻣ ﱢ ﻓﻲ اﻟ ﱡﺮﺑﻊ اﻷَ ﱠول ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﻨﺼﺮم ،ﺳﻨﺔ 1924ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،ﻫﻲ اﻟﱠﺘﻲ أﻗﺎﻣﺖ ﺑﻴﺖ ﺳﻮﺑﻚ ،ﻟﻴﻜﻮن ﻣﺜﺎﺑ ًﺔ ﻷﻓﺮادﻫﺎ ،وأﻣ ًﻨﺎ ﻟﻬﻢ ،ﻳﻀﻌﻮن ﻓﻴﻪ ﺧﻄﻂ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ اﻟ َﺤﻔﺮﻳﱠﺔ ،وﻳُﻮﺛ ﱢﻘﻮن ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺗﻨﻔﻴﺬﻫﺎ ،وﻳﺄﻣﻨﻮن ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺷَ ﱢﺮ ﻏﻮاﺋﻞ اﻷﻓﺎﻋﻲ ،واﻟﻌﻘﺎرب ،وﻋﺼﻒ اﻟ ﱢﺮﻳﺢ ،وﺳﻔﻴﻒ اﻟ ﱠﺮﻣﻞ ،اﻟﺬي ﻻ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﺘﱠﺪﻓﱡﻖ .وﻟﻢ ﻳﻘﺼﺮ ﺑﻴﺖ ﺳﻮﺑﻚ َﻣﻬﺎ ﱠﻣﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻔﺮﻳﺎت اﻟﺴﺎﻣﻲ ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ أَ ﱠدى َﻣﻬﺎ ّم ِﺳﻴﺎﺳﻴﱠﺔ أﻳﻀً ﺎ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺗﱠﺨﺬه اﻟﻤﻨﺪوب ﱠ ِﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ،ﺳﻨﻲ اﺣﺘﻼل إﻧﺠﻠﺘﺮا ﻟـﻤﺼﺮ ،ﻣﻼذًا اﻋﺘﺎد زﻳﺎرﺗﻪ ،وﺳﻜﻨﺎه، اﻟﺒ ّ ﻷَﻳﱠﺎم ﻣﻌﺪودة ﻣﻦ ﻛ ُّﻞ ﺷﻬﺮ. ﻏﺎدرﻧﺎ ﺑﻴﺖ ﺳﻮﺑﻚ ،ﻟﻨﺠﺪ ،ﻟﺼﻴﻘًﺎ ﺑﻪ ،ﻣﺘﺤﻔًﺎ ﻣﻔﺘﻮ ًﺣﺎ ،ﺻﻐﻴﺮ اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ واﻟﻘﻴﻤﺔ! ﻟﻴﺲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺸﺮة أﻣﺘﺎر ﻓﻲ ﻋﺸﺮة أﻣﺘﺎر ،أُﻟﻘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﺾ وﻣﺴﻼت وﻗﻮاﻋﺪ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ ﱠ ﻗﻄﻊ َﺣﺠﺮﻳﱠﺔ ﺿﺨﻤﺔ ،ﻫﻲ ﺑﻮاﻗﻲ أﻋﻤﺪة ُﻣﺤﻄﱠﻤﺔ ،ﻛﻴﻔﻤﺎ اﺗ ﱠﻔﻖ ،دون ﺗﻨﺴﻴﻖ ،وﻗﺪ ﺛ ُ ﱢﺒﺘﺖ ﻓﻲ أﺣﺪ ﺟﻮاﻧﺒﻪ ﺛﻼث ﻟﻮﺣﺎت ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺘﻴﻦ ،اﻟ َﻌﺮﺑﻴﱠﺔ واﻹﻧﺠِﻠﻴﺰﻳﱠﺔ ،ﺗﺬﻛﺮ ﻧﺘﻒ ﺿﺌﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﻦ ﻣﺎ أﺳﻤﻮه ﻣﺘﺤﻒ ﻛﻴﻤﺎن ﻓﺎرس ،وﻫﻲ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻻ َﺨﺺ ﻛﺮاﻧﻴﺲ ،أو أﻃﻼﻟﻬﺎ ،ﺑﺎﻟ َﻤ ﱠﺮة. ﺗ ّ ﺗﺮﻛﻨﺎ اﻟﻤﺘﺤﻒ اﻟ ﱠﺪﺧﻴﻞ .ﻟﻨﺒﺪأ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻓﻲ ﺳﺒﺮ أﻏﻮار اﻟﺘﱠﺎرﻳﺦ ،ﻧﻤﺸﻲ ﻠﻜﻲ! ﻟﻨﺸﺎﻫﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﻮﻳﻨﻰ ﻓﻲ ﺷﺎرع ﻛﺎن َرﺋﻴﺴ ٍّﻴﺎ ،اﺳﻤﻪ اﻟﺸﱠ ﺎرع اﻟ َﻤ ّ ﺟﺎﻧﺒﻴﻪ ﻧﻬﺎﻳﺔ أﺻﺤﺎب اﻟﺒﺪاﻳﺔ .ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺣﺰﻳﻨﺔ .اﻟ ﱢﻨﻬﺎﻳﺎت ﺣﺰﻳﻨﺔ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻗَﻮﻳﱠﺔ ،ﻓﻜﻴﻒ ﺑﺎﻟﺤﺰن واﻟ ﱢﻨﻬﺎﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻧﺮاه ﻣﻦ ﺧﻮر وﻫﻮان؟ ﻔﺴﺦ ﻓﻲ أﻃﻼل ﻛﺮاﻧﻴﺲ ﺑﺄﺳﻄﻊ أﺷﻜﺎﻟﻪ! َﻣ ﱠﺰق ﺑﻴﻮﺗ ًﺎ اﺳﺘﺸﺮى اﻟﺘﱠ ﱡ ﻟﻄﺎﻟﻤﺎ اﻋﺘﺒﺮﻫﺎ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ أﻋﻀﺎ ًء ﻣﻦ أﺟﺴﺎﻣﻬﻢ ﺗﺴﺮي ﻓﻴﻬﺎ أرواﺣﻬﻢ. وﺑﻘﺎﻳﺎ ﺑﻨﺎﻳﺎت ﻟﻄﺎﻟﻤﺎ ﺷَ ﻜﱠﻠﺖ أَﻫ ﱢﻤﻴﺔ ﻗﺼﻮى ﻷﻫﻞ اﻟ ﱠﺰﻣﻦ اﻟ َﺤ ّﻲ اﻟﻐﺎﺑﺮ؛ ﻛﺎﻟﻤﻌﺎﺑﺪ ،واﻟ َﺤ ﱠﻤﺎﻣﺎت ،وﻣﻌﺎﺻﺮ اﻟ ﱠﺰﻳﺘﻮن واﻟﻜﺮوم ،وﻣﺨﺎزن اﻟﻐﻼل، واﻟﺴﺠﻦ! وﺣﺘﱠﻰ ﻣﻘﻠﺐ ﺗﺠﻤﻴﻊ واﻟﻤﻄﺎﺣﻦ ،وﻣﺼﺎﻧﻊ اﻟ َﻔﺨﱠﺎر ،واﻟ ﱡﺰﺟﺎج ،ﱢ اﻟﺴﻔﻴﻒ ،ﻛﺄﻧﱠﻬﺎ أذرع اﻟﻘﻤﺎﻣﺔ! أﻃﻼل ﺗ ّ َﻄﻞ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﺗﻼل اﻟ ﱢﺮﻣﻞ ﱠ ﻏﺮﻗﻰ ﺗﻨﺒﺜﻖ ﻣﻦ ﻗﻤﻢ اﻷﻣﻮاج ﺗﻄﻠﺐ اﻹﻧﻘﺎذ. ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﻣﻦ ﻛﺮاﻧﻴﺲ ﺗﺘﻨﺎﺛﺮ أواﻧﻲ ﺣﺠﺮﻳﱠﺔ ،اﻟﻤﺎﺋﻞ ﻣﻨﻬﺎ واﻟﻤﻨﻜﻔﺊ. أﺣﺠﺎر اﻟ ﱠﺮﺣﻰ اﻟﻤﺴﺘﺪﻳﺮة ﻣﺒﻌﺜﺮة ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎكَ .ﻣ ِ ﻌﺎﺻﺮ اﻟ ﱠﺰﻳﺘﻮن اﻟ َﻤﻨﺰﻟﻴﱠﺔ اﻷﺧﺮوي اﻟ ُﻤﻘ ﱠﺪس ﻟﻢ ﻣﻠﻘﺎة ﻋﻠﻰ ﻋﻮاﻫﻨﻬﺎ .ﺣﺘﱠﻰ ﻣﺎ ﻳﺨﺺ اﻟﺸﺄن ّ ﻳﺴﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺼﻴﺮ اﻟﺒﺎﺋﺲ ،ﻓﻬﺎ ﻫﻲ ﻣﻐﺴﻠﺔ اﻟﻤﻮﺗﻰ ﻣﻜﺴﻮرة ،وﺣﻮض اﻟﺘﱠﺤﻨﻴﻂ ﻣﺘﺂﻛﻞ اﻟ َﺤ ّ ﻮاف .ﻫﻨﺎ اﻟﺸﱠ ﺘﺎت ﻋﻨﻮان اﻟ ﱠﺪﻣﺎر اﻟﻤﺤﻴﻂ! ﻛﺄ ﱠن ﻛ ُّﻞ آﻟﻬﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻗﺪ أﺟﻤﻌﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺎب اﻹﻟﻪ ﺳﻮﺑﻚ ،ﻓﺴﺎرﻋﺖ ﺑﺘﻤﺰﻳﻖ ﻣﺪﻳﻨﺘﻪ ﺷَ ﱠﺮ ُﻣﻤ ﱠﺰق ،ﺑﻞ وإﻫﺎﻧﺘﻪ ﺷَ ﺨﺼﻴٍّﺎ ﻣﻬﻤﺎ اﻣﺘَ ّﺪ اﻟ ﱠﺰﻣﻦ ﻓﻔﻀﻼ ﻋﻦ أ ﱠن أﺣﺪﻫﻢ ﻗﺪ ﺗﺠﺮأ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﺖ ﺻﻠﻴﺐ اﻟ ﱢﺪﻳﺎﻧﺔ ً ﻣﺴﺘﻘﺒﻼ. اﻟ َﻤﺴﻴﺤﻴﱠﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻓﻲ ﻋﻤﻖ اﻟﻘﺒﻮ اﻟﱠﺬي ﻳُﺤﻔﻆ ﺑﻪ ،ﻓﻲ ﺣﻴﺎزة ﻗﺪس أﻗﺪاﺳﻪ ِ وﺳ ّﺮ أﺳﺮاره ،ﺣﺪث ﻓﻲ اﻷﻋﻮام اﻷوﻟﻰ ِﻣ ﱠﻤﺎ ُﺳ ﱢﻤﻲ ﺑـﺎﻟ ﱠﺮﺑﻴﻊ
اﻟﺼﻌﻮد إﻟﻰ اﻻٕﻟﻪ ﺳﻮﺑﻚ
ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﺧﺰاﺋﻨﻪ وﺿﻴﺎﻋﻪ وﻋﻘﺎراﺗﻪ .وﻓﻴﻬﺎ أﻫﺮاﻣﺎت ،وﻣﻌﺎﺑﺪ ،وﻗﺼﻮر اﻟﺴﻮاﻗﻲ اﻷﻋﺠﺐ .ﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ اﻟ َﻔ ﱡﻴﻮم أﻏﻨﻰ أرض ﺿﺨﻤﺔ .وﻓﻴﻬﺎ ﱠ ﻣﺼﺮ ،وﻗﺖ أن ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺮ أﻏﻨﻰ ﻣﻤﺎﻟﻚ اﻟﻌﺎﻟﻢ .أَ ﱠﻣﺎ اﻟﻴﻮم ،ﻓﻴﻤﺎ ﺗﺮزح اﻷﺧﻴﺮة ﺑﺄﻋﺒﺎﺋﻬﺎ ﻓﻲ رﻛﺐ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺜﱠﺎﻟﺚ ﻓﺈ ﱠن اﻟ َﻔ ﱡﻴﻮم أﻓﻘﺮ ﻧﻮاﺣﻴﻬﺎ. وﻛﺄ ﱠن اﻟ َﻔ ﱡﻴﻮم ،ﻛﻤﺎ وﺻﻔﻬﺎ ﺟﻤﺎل ﺣﻤﺪان ،ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻷﻋﻈﻢ "ﺷَ ﺨﺼ ﱠﻴﺔ ﻣﺼﺮ" ،ﻣﺮآة ﺗﻌﻜﺲ أﻃﻮار ﻣﺼﺮ اﻟﻤﺘﺄرﺟﺤﺔ ﺑﻴﻦ ازدﻫﺎر وﺷﺤﻮب؛ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا ﺻﺪﻗﺖ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﻣﻦ رأى اﻟ َﻔﻴﱡﻮم ﺻﻮرة ُﻣﺼﻐﱠﺮة ﻟـﻤﺼﺮ. ﺑﻌﺪ ﻋﺒﻮر ﺑَ ﱠﻮاﺑﺔ ﺗﺤﺼﻴﻞ اﻟ ﱡﺮﺳﻮم ﺿﻐﻄﺖ أزرار ﻫﺎﺗﻔﻲ ﻷﺗ ﱠﺼﻞ ﺑـﺎﻟﻤﻄﻮﻟﻲ ،اﻟﱠﺬي أﺧﺬ ﻳﺮﺷﺪﻧﻲ إﻟﻰ أن وﺻﻠﺖ إﻟﻴﻪ .ﻛﺎن ﻳﻨﺘﻈﺮﻧﻲ أﻣﺎم ﻣﻨﺸﺄة َﻋﻠﱠﻘﺖ ﻋﻠﻰ واﺟﻬﺘﻬﺎ ﻻﻓﺘﺔ ﻛُﺘﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ" :ﻣﺘﺤﻒ آﺛﺎر ﻛﻮم أوﺷﻴﻢ" .ﻗﻄﻌﻨﺎ ﺗﺬﻛﺮﺗَﻲ اﻟ ﱡﺪﺧﻮل ،واﺳﺘﺪرﻧﺎ ،ﻟﻴﻨﻔﺘﺢ اﻟﻤﺠﺎل أﻣﺎم ﻧﺎﻇ َﺮي رﺣ ًﺒﺎ ﺧﻠﻒ ﻣﺒﻨﻰ اﻟﻤﺘﺤﻒ ،ﻓﺄرى أَ ﱠول ﻣﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻟﻢ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﺨﺮاب؛ ﺑﻴﺖ ﺳﻮﺑﻚ .أو ﺑﻴﺖ اﻟ َﺤﻔْﺮ .أﻓﺎدﻧﻲ اﻟﻤﻄﻮﻟﻲ، ﻴﺎﺣﻲ ،ﺑﻤﻌﻠﻮﻣﺎت أَ ﱠوﻟﻴﱠﺔ ﻋﻦ ﻛﺮاﻧﻴﺲ؛ ُﻣﺘﻘ ﱢﻤ ًﺼﺎ ﺷَ ﺨﺼﻴﱠﺔ اﻟﻤﺮﺷﺪ ﱢ اﻟﺴ ّ إﻧﱠﻬﺎ ﻣﺪﻳﻨﺔ ِﻓﺮﻋﻮﻧﻴﱠﺔ ،ﺳﻜﻨﻬﺎ ﺟﻨﻮد اﻟﻴﻮﻧﺎن اﻟﱠﺬﻳﻦ اﺣﺘَﻠﱡﻮا ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﻋﺼﻮر اﻹﺳﻜﻨﺪر اﻷﻛﺒﺮ ،وﺑﻄﻠﻴﻤﻮس اﻷول ،وﻓﻴﻼدﻟﻔﻮس .ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﻮدوا ،ﻷﺳﺒﺎب ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻗﺎدرﻳﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺘﺎل ﻣﻊ ﺟﻴﻮﺷﻬﻢ .ﺑﻤﺮور اﻟﻮﻗﺖ ،وﺑﻔﻌﻞ اﻟﺘﱠﺰاوج وﻣﺼﺎﻫﺮة اﻟ ِﻤﺼﺮﻳﱢﻴﻦ ،ﺗ َﺤ ﱠﻮل ﻫﺆﻻء اﻟﺠﻨﻮد
ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ
إﻟﻰ ﻓ ﱠَﻼﺣﻴﻦ ،ﻓﻌﺎﺷﻮا ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ اﻟ ِﻤﺼﺮﻳﱡﻮن ،ﻓﻲ اﻟ ﱠﺰرع اﻟﺴ ﱢﻴﺪ ﺮﻋﻮﻧﻲ ﱠ واﻟﺤﺼﺎد .وﺗَﺪﻳﱠﻨﻮا ﺑﻌﺒﺎدة اﻟﺘﱢﻤﺴﺎح ﺳﻮﺑﻚ ،اﻹﻟﻪ اﻟ ِﻔ ّ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ ﻓَ ﱡﻴﻮم ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ .وﻋﻨﺪﻣﺎ أﺧﺬ أَﻋ ﱠﺰاؤﻫﻢ ﻳﻤﻮﺗﻮن أَ ﱡدوا ﻟﺠﺜﺎﻣﻴﻨﻬﻢ اﻟﻄﱡﻘﻮس اﻟ َﺠﻨﺎﺋﺰﻳﱠﺔ اﻟ ِﻔﺮﻋﻮﻧ ﱠﻴﺔ .ﻣﺎ ﻳﻌﻨﻲ أﻧﱠﻬﻢ َﺣ ﱠﻨﻄﻮا ﻣﻮﺗﺎﻫﻢ ،ﻟﻴﺼﻴﺮوا ﻣﻮﻣﻴﺎوات ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻸَﺑﺪﻳﱠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟ ﱠﻨﻬﺞ اﻷوزﻳﺮي، ﻻ اﻟ ﱢﺰﻳﻮﺳﻲ! وﻗﺪ واﺟﻪ اﻟﻔﻘﺮاء ،اﻟﻤﺪﻗﻌﻮن ،ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻛﺒﻴﺮة إزاء إرﺳﺎل ﻣﻮﺗﺎﻫﻢ إﻟﻰ ﻣﺜﺎوﻳﻬﻢ اﻷﺧﻴﺮة .ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻤﺴﺘﻄﺎﻋﻬﻢ ﺗﺤﻨﻴﻂ ﺟﺜﺜﻬﻢ
ﺻﻮرة ﻟﻠﺤﻤﺎم اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
71
ارﺗﻴﺎد اﻵﻓﺎق
ƴǥǜČƲǓ
ƴǚƹǖČ Ćǡƾ ǣǍ ƠǚƣLJ أﺷﺮف اﻟﺨﻤﺎﻳﺴﻲ
َﺎص ﺪاري اﻟﺨ ّ ﻏﺎﺻﺖ ذراع ﺻﺪﻳﻘﻲ اﻟﻤﻄﻮﻟﻲ إﻟﻰ ﻋﻤﻖ اﻟﻘﺒﻮ اﻟﺠِ ّ ﺑﺤﻔﻆ اﻹﻟﻪ ﺳﻮﺑﻚُ ،ﻣﻮ ﱢﺟ ًﻬﺎ إﺿﺎءة ﻛَﺸﱠ ﺎف ﻫﺎﺗﻔﻪ ﻧﺤﻮ ﻫﺬا اﻟﺸﱠ ﻲء ذي اﻟﻄﱠﺒﻴﻌﺔ اﻟﺪﱠ ﺧﻴﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻤﻜﺎن ،وﻫﻤﺲ ﻓﻲ أذﻧﻲ ﺑﺼﻮت ﺧﻔﻴﺾ :اﻧﻈﺮ ﻫﻨﺎكَ .ﺣﺪﱠ ﻗﺖ ﺟِ ﺪٍّ ا إﻟﻰ ﺣﻴﺚ ﻳﺸﻴﺮ ،ﻓﺈﺿﺎءة ﻛَﺸﱠ ﺎف اﻟﻬﺎﺗﻒ ﺧﺎﻓﺘﺔ ،ﻟﻴﺴﺖ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ ﻃﺮد ﻛﺜﺎﻓﺔ ﻇﻼم اﻟﻘﺒﻮ ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ، ﻟ َﺘ ﱠﺘﻀﺢ ﻟﻲ ﻣﻌﺎﻟﻢ ﻫﺬا اﻟﺸﱠ ﻲء ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ؛ إﻧﱠﻪ ﻗﺎﺋﻢ ُﻣ ّ ﺴﺘﺪق ،ﻃﻮﻟﻪ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﺸﺮة ﺳﻨﺘﻴﻤﺘ ًﺮا ﺗﻘﺮﻳ ًﺒﺎ ،ﻳﺘﻘﺎﻃﻊ أﻋﻼه ﻣﻊ ﻋﺎرض ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ِدﻗﱠﺘﻪ ،ﻃﻮﻟﻪ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﺘﻴﻤﺘﺮات ﺗﻘﺮﻳ ًﺒﺎ .إﻧﱠﻪ ﺻﻠﻴﺐ! ﺻﻠﻴﺐ اﻟ َﻤﺴﻴﺢ ﻣﻨﺤﻮت ﺑﺈﺗﻘﺎن ﻓﻲ اﻟﺠﺪار اﻟﻌﻤﻴﻖ اﻟ ُﻤﺤﺪﱢ د ﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻗﺒﻮ ﺣﻔﻆ اﻹﻟﻪ ﺮﻋﻮﻧﻲ .ﻛﺎن ﻣﺎ رأﻳﺘﻪ ﻣﺪﻫﺸً ﺎ ﻟﺪرﺟﺔ ﻋﺼﻔﺖ ﻣﻌﻬﺎ اﻟﺤﻴﺮة ﺑﺮأﺳﻲ، اﻟ ِﻔ ّ ﻣﺜﻴﺮة ﻟﺘﺴﺎؤﻻت ﻋﺪﻳﺪة ،أ َﻫ ﱡﻤﻬﺎ :ﻣﻦ اﻟﺬي ﺗﺠﺮأ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﺖ ﺻﻠﻴﺐ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ ﻗﺒﻮ اﻹﻟﻪ اﻟﺤﺎﻣﻲ ﺳﻮﺑﻚ! وﻟِ َﻢ؟
ﺑﻴﺖ ﺳﻮﺑﻚ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج
ِﻓﺮﻋﻮﻧﻴﱠﺔ ﻳُﻮﻧﺎﻧﻴﱠﺔ ﺑﺎﺋﺪة ،اﺳﻤﻬﺎ ﻛﺮاﻧﻴﺲ ،رأى أﻧّﻬﺎ ﺳﺘﺮوﻗﻨﻲ ،ﻟﻤﺎ ﻟﻤﺴﻪ، ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻟﻲ ﺗﻠﻚ ،ﻣﻦ وﻟﻊ ﺑﻘَﻀ ﱠﻴﺘَﻲ اﻟﻤﻮت واﻟﺨﻠﻮد .ﻃﻤﺄﻧﻨﻲ ﺑﺄ ﱠن اﻟﻄﱠﺮﻳﻖ ﺳﻬﻞ ،ﻓﻘﻂ ﺳﺄﻋﺒﺮ ﺑَ ﱠﻮاﺑﺔ ﺗﺤﺼﻴﻞ اﻟ ﱡﺮﺳﻮم ،ﻗﺒﻞ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﻛﻴﻠﻮ ﻣﺘ ًﺮا ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟ َﻔ ﱡﻴﻮم ،ﻷﻗﻄﻊ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺑﻀﻌﺔ ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮات أﺧﺮى ﺣﺘﱠﻰ واﻟﺴﺒﻌﻴﻦ .ﺛ ُ ﱠﻢ أﻋﻜﺲ اﻻﺗ ﱢﺠﺎه ﻟ ِﻌ ﱠﺪة أﻣﺘﺎر ،وﺳﺄﺟﺪه اﻟﻜﻴﻠﻮ اﻟﺜﱠﺎﻧﻲ ﱠ ﻳﻨﺘﻈﺮﻧﻲ ﻋﻨﺪ ﻣﺪﺧﻠﻬﺎ. اﻟﻔ tﻴﻮم ﺻﻮرة ُﻣ r َ ﺼﻐﺮة ﻟـﻤﺼﺮ
ﺘﺨﺼﺼﻴﻦ ﻋﻦ اﻟﻔﻴﻮم ﺿﺌﻴﻠﺔ ،ﻓﻴﻤﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟ ﱠﺪارﺳﻴﻦ اﻟ ُﻤ ﱢ ﺨﺺ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ اﻟ ُﻤﺘﺠﺬﱢر ﻷﻋﻤﻖ أﻋﻤﺎق اﻟﻘﺪم ،ﺣﺘﱠﻰ اﻋﺘُﺒِﺮ ﺑﻘﺎؤﻫﺎ ﻳَ ّ واﺣﺪة ﻣﻦ أﻗﺪم ﻋﺸﺮ ﻣﺪن ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ اﻷرض ،ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ رﺻﻴﻨﺔ، اﻟﺼﺒﺎح اﻟﱠﺬي ﻗﺪت ﻓﻜﻴﻒ ﻋﻦ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻲ؟ ﻻ ﺷَ ّﻚ ﺿﺤﻠﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﱠ ﻓﻴﻪ َﺳ ﱠﻴﺎرﺗﻲ ُﻣﺘﻮ ﱢﺟ ًﻬﺎ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻻ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﻣﻌﺮﻓﺘﻲ ﺑﺄﻧﱠﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﺿﺮة ﺒﻲ ﻳﻮﺳﻒ ،واﺳﺘﻮزر ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻟﻴﺠﻌﻠﻬﺎ ِﻓﺮﻋﻮﻧ ﱠﻴﺔ زاﻫﻴﺔ ،ﻋﺎش ﻓﻴﻬﺎ اﻟ ﱠﻨ ﱡ ﺧﺰاﺋﻦ ﻗﻤﺢ ﻋﻈﻴﻤﺔ ،أﻧﻘﺬت ﻣﺼﺮ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﻦ ﺷَ ﱢﺮ ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮات ﺑﺪأت اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﺑﺪﻋﻮة ﻛﺮﻳﻤﺔَ ،و ﱠﺟﻬﺘﻬﺎ ﻟﻲ إﺣﺪى ﻣﻜﺘﺒﺎت ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻋﺠﺎف رآﻫﺎ اﻟﻌﺰﻳﺰ ،ﻓﻲ رؤﻳﺎه اﻟﺸﱠ ﻬﻴﺮة ،اﻟﻮارد ذﻛﺮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺘّﻮراة اﻟﺴﻤﺎن .وﻓﻴﻬﺎ ﺑﺤﻴﺮة ﻗﺎرون .أﻏﻨﻰ اﻟﺴﺒﻊ ﺑﻘﺮات ﱢ اﻟ َﻔ ﱡﻴﻮم ،ﻟﻌﻘﺪ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺣﻮل ﺑﻌﺾ أﻋﻤﺎﻟﻲ اﻷدﺑﻴﺔ .وﻗﺪ أﺧﺒﺮﻧﻲ واﻟﻘﺮآن ،ﺗﺄﻛﻞ ﱠ ﻨﺴﻖ اﻟ ﱠﺪﻋﻮة ،ﺑﺄ ﱠن ﻣﻦ ﺗﺮﺗﻴﺒﺎﺗﻬﺎ زﻳﺎرة ﻗﺮﻳﺔ أﻏﻨﻴﺎء اﻷرض ﻓﻲ ﺣﻴﻨﻪ ،ﺣﺘﱠﻰ أ ﱠن اﻟﻌﺼﺒﺔ ،ﻣﻦ أوﻟﻲ اﻟ ُﻘ ﱠﻮة ﻟﺘﻨﻮء ﺑﺤﻤﻞ إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﻤﻄﻮﻟﻲُ ،ﻣ ﱢ
70
ﻛﺮاﻧﻴﺲ ﻋﺘﻤﺔ ﻓﻲ ﺿﻮء ﱠ اﻟﺸﻤﺲ
Í Ëí ¡ ì ¥
ƴǥǜČƲǓ
ƴǚƹǖČ Ćǡƾ ǣǍ ƠǚƣLJ أﺷﺮف اﻟﺨﻤﺎﻳﺴﻲ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
69
وﺟﻬﺔ ﺳﻔﺮ
ąĔƜǥƼǖČ ĥĈ ěĖǨČ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺑﻠﺪاﻧﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻃﺎﻟﻤﺎ اﺳﺘﻮﻗﻔﻨﻲ اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ أﺳﻤﺎء اﻷﻣﺎﻛﻦ ،رﻏﻢ إدراﻛﻲ أن اﻷﺳﻤﺎء ﻻ ﺗ ُﻌﻠﱠﻞ؛ ﻏﻴﺮ أن أﺳﻤﺎء ﻻﻓﺘﺔ ،ﻻ ﺑُ ﱠﺪ ﻣﻦ وﺟﻮد أﺳﺒﺎب ﻣﺤﺪدة ﻻﺗﺨﺎذﻫﺎ ،وإﻃﻼﻗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺗﻈﻞ ﺗﺸﻐﻠﻨﻲ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺤﻤﻞ اﻻﺳﻢ ﻣﻨﻬﻢ –ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ -ﻗﺼﺔ ﻣﺎ وراء وﺟﻮده؛ ﺣﺎدﺛﺔ ﻣﺎ ،أو ﻳﻌﻮد ﻟﺸﺨﺺ اﺳﺘﻮﻃﻦ –ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ -ﻫﺬه اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ أو ﺗﻠﻚ. أﺣﺐ اﻟﺮواﻳﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﻐﺮ ،ﺗﺄﺧﺬﻧﻲ ﻋﻮاﻟﻤﻬﺎ اﻟﻠﻤﺎﻋﺔ ،أﺳﺮارﻫﺎ، وﻣﻨﻐﻠﻘﺎﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻔﺘﺢ أﻣﺎﻣﻲ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن ،ﻓﺠﺄة ،ﻣﻦ دون ﺳﺎﺑﻖ إﻧﺬار ،ﻟﻜﻦ »اﻟﻔﺠﺄة« ﻓﻲ اﺟﺘﺮار ﻣﻌﺎﻧﻲ أﺳﻤﺎء اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﻻ ﺗﺘﺄﺗﻰ ﻛﻮﻣﻴﺾ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺬي ﻳﻨﺒﺠﺲ ﻣﻦ ﺷﻼﻻت اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﻣﻤﻞ أﻃﺎﻟﻌﻬﺎ ،داﺋ ًﻤﺎ أﺣﺘﺎج إﻟﻰ دﻟﻴﻞ؛ ﻟﺬا ﺗﻜﺜﺮ أﺳﺌﻠﺘﻲ –ﺑﺸﻜﻞ ﱟ أﺣﻴﺎﻧًﺎ -ﻟﻸﺻﺪﻗﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺘﻤﻮن ﻟﺘﻠﻚ اﻷﻣﺎﻛﻦ ﺣﻮل ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻬﻢ اﻟﻤﺘﻮﻓﺮة ﻋ ﱠﻤﺎ أﺑﺤﺚ ﻋﻨﻪ :ﻟﻤﺎذا ﻫﺬه اﻟﺒﻠﺪة اﺳﻤﻬﺎ ﻛﺬا؟ إﻻم ﻳﺮﺟﻊ اﻻﺳﻢ؟ َﻣﻦ اﻟﺬي ﱠ ﺳﻚ اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ أ ﱠوﻻً ؟ أﺳﺌﻠﺔ ﻛﺜﻴﺮة ،ﺗﺘﺮى ،وإﺟﺎﺑﺎت ﺗﺮواح ﺑﻴﻦ اﻟﻐﻤﻮض اﻟﻜﻠﻲ ،واﻟﺠﻼء اﻟﻤﻄﻠﻖ! ﻻ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻫﺬا ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻘﻂ ،أﻋﺮف أن ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﺪﻳﻪ ﺣﻜﺎﻳﺔ وراء اﺳﻤﻪ اﻟﺬي ﺗﺴ ﱠﻤﻰ ﺑﻪ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻐﺘﻲ ،اﻟﺘﻲ أﻋﺮﻓﻬﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺟﻴﺪة ،ﺗﺪﻓﻌﻨﻲ دو ًﻣﺎ ﻟﻠﺘﻔﻜﻴﺮ ،أﻧﺎ أﻓﻜﺮ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻓﻲ ﺳﺒﺐ إﻃﻼق ﻫﺬا اﻟﻠﻔﻆ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺔ ذاﺗﻬﺎ ،ﻓﻤﺎ ﺑﺎﻟﻚ ﺑﺄﺳﻤﺎء اﻷﻣﺎﻛﻦ! ﻟﻜﻦ –أﻋﺘﺮف -أن اﻟﻠﻬﺠﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﺗﺠﻬﺪﻧﻲ ،ﺑﻨﺴﺐ ﻣﺘﻔﺎوﺗﺔ،
68
ا0رض ..أم اﻟﺼﻴﺎد؟
ﻣﺤﻤﻮد ﺷﺮف * ǼƉƚǙ ǽǙȎƫŒǶ ƉƫōƗ
ﻣﺘﺪرﺟﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ،ﺗﺄﺗﻲ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ اﻷﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﻐﺮب؛ أﺷﻘﺎﺋﻲ –ﻣﺜﻼ -وإﺧﻮﺗﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب ،ﻳﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺸﺮق أﺑﻨﺎء اﻟﺠﺰاﺋﺮﻳﻮن ً اﻟﻴﻤﻦ اﻟﺴﻌﻴﺪ ،وﻫﻜﺬا ..ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺳﺄﻟﺘﻘﻂ واﺣﺪة ﻣﻦ ﻣﺪﻧﻲ اﻟﻤﻔﻀﻠﺔ، اﻟﺘﻲ زرﺗﻬﺎ ﻛﺜﻴ ًﺮا ،وﻣﺎ ﺗﺰال ﻣﻌﺮﻓﺘﻲ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ ﻏﺎﻣﻀﺔ ،رﻏﻢ إﻟﺤﺎﺣﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ أﻋﺮﻓﻬﻢ ﻣﻦ أﺻﺪﻗﺎء ﺑﻬﺎ ،وﻫﻢ ﻛﺜﺮ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ: ﻣﺪﻳﻨﺔ »أﺑﻮ ﻇﺒﻲ«! ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﺣﺮة ،اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺒﻪ –ﺣﺎل ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺟﺰﻳﺮة ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ -ﻏﻴﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ،اﺧﺘﺎرت ﻳﻮ ًﻣﺎ ﻗﺎﺋﻈًﺎ ﻟﻠﺘﻮﺳﻂ اﻟﻔﻀﺎء، وﺣﺪﻫﺎ ،ﻻ ﻳﺮﺑﻄﻬﺎ ﺑﻤﺠﺎﻟﻬﺎ اﻟﺤﻴﻮي ﺳﻮى اﻟﺠﺴﻮر ،وﻫﻲ ﺣﺪﻳﺜﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻼ؟ ﻛﻞ ﺣﺎل .ﻟﻤﺎذا »اﻟﻈﺒﻲ«؟ وﻟﻤﺎذا أﺑﻮه؟ ﻟِ َﻢ ﻟَ ْﻢ ﻳﻜﻦ ﺻﺎﺣﺒﻪ ً أﻋﺮف ﺷﻜﻞ اﻟﻈﺒﻲ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻤﻮاد اﻟﻔﻴﻠﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺗﺎﺑﻌﻬﺎ ﺑﺸﻐﻒ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﺷﺎت اﻟﻘﻨﻮات اﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة اﻟﺒﺮﻳﺔ ،ﻫﻮ ﻛﺎﺋﻦ ﻟﻄﻴﻒ ،ﺗﺸﻌﺮ ﻣﻌﻪ ﺑﺄﻟﻔﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ ،ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺳﻰ اﻟﺬي ﻻ ﻳُﻌﺮف ﻣﺼﺪره، ﻋﻠﻲ اﻟﺘﺼ ﱡﻮرات إزاءه :ﻫﻞ ﻫﻮ ًأﺳﻰ ،ذاك وﻻ ﻛُﻨﻬﻪ .ﺣﺘﻰ ﻟﺘﺨﺘﻠﻂ ﱠ اﻟﺬي ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻴﻨﻲ اﻟﺮاﺋﻌﺘﻴﻦ ،أم ﻫﻮ ﻣﺠﺮد ﺷﺠﻦ ،وﺣﻠﻢ ﻳﺘﺠﺪد؟ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺪ؛ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺤﻠﻢ ،أرى اﻟﺮاﺑﻂ واﺿ ًﺤﺎ أﻣﺎﻣﻲ ﺑﻴﻦ وﺑﻴﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ؛ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ﻻ ﺗﻔﺎرﻗﻬﻢ اﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ،ﻫﺎدﺋﻮن، ﻳﺤﻤﻠﻮن ﻛ ٍّﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﻴﺒﺔ ﻟﻮ ُوزﱢع ﻋﻠﻰ ﻗﺎرة ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ ﻟﻜﻔﺎﻫﺎ. اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﺴﺎﻟﻤﺔ ،ﺗﺄﺧﺬك ﺑﺪﻓﺌﻬﺎ ،وﺷﺠﻮﻫﺎ اﻟﻤﻘﻴﻢ ،رﻏﻢ ﺣﺪاﺛﺔ ﻣﺒﺎﻧﻴﻬﺎ ،واﺗﺴﺎع ﻃﺮﻗﻬﺎ اﻟﻤﻤﺘﺪة أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻟﻌﺸﺮات اﻟﻜﻴﻠﻮﻣﺘﺮات ،وﻧﻈﺎﻣﻬﺎ اﻟﻤﻔﺮط ﻓﻲ دﻗﺘﻪ .أﻧﺎ ،اﺑﻦ ﺻﺨﺐ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،ودﻟﺘﺎ اﻟﻨﻴﻞ اﻟﺴﻤﺮاء ،ﺑﻴﻦ أﻋﻄﺎﻓﻬﺎ ﻻ ﺗ ُﻌﻮزﻧﻲ اﻟﺘﻮﻗﻌﺎت ﺑﻤﺮأى اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺬي ﺧﻠﻔﺘﻪ وراﺋﻲ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺣﻄﱠﺖ ﻃﺎﺋﺮﺗﻲ ذات ﺻﺒﺎح ،أو ﻣﺴﺎء ﺑﺄرض ﻣﻄﺎرﻫﺎ ،رﻏﻢ اﻣﺘﺪاد اﻷﺻﻔﺮ ﻣ ﱠﺪ ﺑﺼﺮي ،ﻓﺎﻷﺻﻔﺮ ﻫﻨﺎ ﻳﺘﻌﺸﱠ ﻖ ﺑﺎﻷﺧﻀﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام؛ ﻋﺠﻴﺐ أﻣﺮﻫﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ أن ﺗﺨﻠﻖ أﺧﻀﺮﻫﺎ وﺳﻂ ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﺠﺪب ..ﻣﻦ أﻳﻦ واﺗﺘﻬﺎ اﻟﺠﺮأة ﻋﻠﻰ ﻣﺰج اﻷﻟﻮان ﺗﻠﻚ؟!
ﻛﻠﻪ ،ﻓﺎﺳﺘﻌﺎن ﺑﺎﻟﻜﻮﻳﺖ وﻣﺼﺮ ،واﻓﺘﺘﺢ اﻟﻤﺪراس واﺳﺘﻘﺒﻞ اﻟﻤﻌﻠﻤﻴﻦ. وﻗﺪ ﻟﺒﺖ اﻟﻜﻮﻳﺖ دﻋﻮﺗﻪ وﺑﻌﺜﺖ ﺑﻮﻓﺪ ﺗﻌﻠﻴﻤﻲ إﻟﻰ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم ،1953وﻗﺎم ﺑﺈﻧﺸﺎء "اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻘﺎﺳﻤﻴﺔ" اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪ أول ﻣﺪرﺳﺔ ﺣﺪﻳﺜﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ،وﻫﻲ ﻧﺘﺎج اﻧﺪﻣﺎج اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻘﺎﺳﻤﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺳﺴﺖ ﺧﻼل اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻷوﻟــﻰ وﻣﺪرﺳﺔ اﻹﺻﻼح اﻟﻤﺤﻤﺪي .وأرﺳﻠﺖ ﻣﺼﺮ ﻋﺎم 1955اﺛﻨﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺪرﺳﻴﻦ ﻟﻠﺘﺪرﻳﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺛﻢ زادوﻫﻢ ﺳﺒﻌﺔ ﺣﺘﻰ وﺻﻞ ﻋﺪد اﻟﻤﻌﻠﻤﻴﻦ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ إﻟﻰ ﺗﺴﻌﺔ ﻋﺎم .1959وﻳﺬﻛﺮ اﻟﺪﻛﺘﻮر "ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺮﺳﻲ اﻟﻌﺒﺪ اﻟﻠﻪ" ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻤﻬﻢ "دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة وﺟﻴﺮاﻧﻬﺎ" أن ﻋﺪد ﻃﻼب ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪرﺳﺔ ﺑﻠﻎ 375ﻃﺎﻟﺒﺎ. وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺎرف اﻟﻜﻮﻳﺖ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﺸﺎرﻗﺔ ،وﻋﻤﻠﺖ ﻋﻠﻰ رﻋﺎﻳﺘﻬﺎ وﺗﻮﻓﻴﺮ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻤﺴﺘﻠﺰﻣﺎت ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺗﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻧﺎﺟﺤﺔ .ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﻋﺎم 1960ﺑﺎﻓﺘﺘﺎح ﻣﻜﺘﺒﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ،ﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺔ وﺗﻘﻴﻴﻢ أداء ﺑﻌﺜﺘﻬﺎ اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ. ﻛﺬﻟﻚ اﻓﺘﺘﺤﺖ أول ﻣﺪرﺳﺔ ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻔﺘﻴﺎت ﻋﺎم ،1954ﺑﻌﺪ ﺗﺸﺠﻴﻊ زوﺟﺎت اﻟﻤﺪرﺳﻴﻦ اﻟﻮاﻓﺪﻳﻦ ﻟﺰوﺟﺎت اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺑﻨﺎﺗﻬﻦ. ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ اﻟﺸﺎرﻗﺔ أول إﻣــﺎرات اﻟﺴﺎﺣﻞ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺖ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻔﺘﻴﺎت .ووﻓﺪت إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻔﺘﻴﺎت ﻣﻦ اﻹﻣــﺎرات اﻟﻤﺠﺎورة ﻟﺘﻠﻘﻲ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ ﻣﺮاﺣﻠﻪ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ. وﻓﻲ إﺣﺼﺎء ﺳﺮﻳﻊ ﻗﺎم ﺑﻪ "اﻟﺠﺸﻌﻤﻲ" ﺗﺒﻴﻦ أن ﻋﺪد اﻟﻤﺪارس اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ارﺗﻔﻊ ﺧﻼل ﻓﺘﺮة ﻗﺼﻴﺮة ،ﻓﻤﻦ ﻣﺪرﺳﺔ واﺣﺪة ﻋﺎم 1953وﺻﻞ اﻟﻌﺪد 13ﻣﺪرﺳﺔ ﻋﺎم .1965وﺣﺘﻰ ﻋﺎم 1965ﺗﻘﺪم اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﺗﻘﺪﻣﺎ ﻣﻠﺤﻮﻇﺎ ،ﻓﺒﻠﻎ ﻋﺪد اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ 1721ﺗﻠﻤﻴﺬا ً ،واﻟﻄﺎﻟﺒﺎت 1049 ﻃﺎﻟﺒﺔ. وﻟــﻢ ﺗﻬﻤﻞ اﻟﺸﺎرﻗﺔ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻤﻬﻨﻲ، ﻓﺄﻧﺸﺌﺖ أول ﻣﺪرﺳﺔ ﻣﻬﻨﻴﺔ ﻋﺎم ،1958 ووﺻﻞ ﻋﺪد اﻟﻤﺘﺪرﺑﻴﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺎم 1961إﻟﻰ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﻣﺘﺪرﺑﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺠﺎرة واﻟﻤﻴﻜﺎﻧﻴﻜﺎ.
ﻛﻤﺎ أﻧﺸﺌﺖ ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻋﺎم ،1961واﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻓﻀﻞ ﻓﻲ ﺗﺨﺮﻳﺞ ﻋﺪد ﻻ ﺑﺄس ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ. وﻫﻜﺬا ،وﺑﻔﻀﻞ ﻣﺎ ﺣﺪث ﺧﻼل ﺳﻨﻮات اﻟﺘﺄﺳﻴﺲ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻤﺮت أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺘﺔ ﻋﻘﻮد اﻧﻄﻠﻘﺖ إﻣﺎرة اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﻘﺪم ،ﺳﺎﻋﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ذﻟﻚ اﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ واﻻﻗﺘﺼﺎدي ،ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ راﺋﺪة اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﻞ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻛﻠﻪ .وﻗﺪ اﻧﺘﻘﻠﺖ ﻧﻘﻠﺔ ﺗﻌﻠﻴﻤﻴﺔ وﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺑﻌﺪ ﺗﺄﺳﻴﺲ اﺗﺤﺎد دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻓﻲ ﻋﺎم ،1971ﻓﺸﻬﺪ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻌﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﺟﻬﻮدا ﻟﺘﻄﻮﻳﺮه ﻛﻤﺎً وﻛﻴﻔﺎً، ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻮﺳﻊ ﻓﻲ إﻧﺸﺎء اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ واﻟﺨﺎﺻﺔ ،وﻣﻌﺎﻫﺪ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث واﻟﻬﻮﻳﺔ ،ﻣﻊ اﻟﺘﺤﺴﻴﻦ اﻟﻜﻴﻔﻲ ﻷداء اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ورﻓﻊ ﻛﻔﺎءة ﻣﻨﺎﻫﺠﻬﺎ ،ﻣﻨﺬ أن ﺗﻮﻟﻰ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ "ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻘﺎﺳﻤﻲ" ﻣﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﻓﻲ 25ﻳﻨﺎﻳﺮ ،1972 واﻟﺬي ﻳﻌﺮف ﻋﻨﻪ ﺗﻌﻠﻘﻪ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ وﺗﺸﺠﻴﻊ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ واﻟﺘﻮﺳﻊ ﻓﻴﻪ ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ رﻋﺎﻳﺔ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ ،وﺗﺸﺠﻴﻌﻪ وإﺷﺮاﻓﻪ اﻟﺸﺨﺼﻲ ﻋﻠﻰ أﻣﻮر اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ اﻹﻣﺎرة
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
67
DzŋōƟŒ
ƠǐĖƜƹǖČ ǣǍ ǘǥǗLjƣǖČ ƴǥƵƖƣǖČ ďČǡǝƵ ĤǭƮ ﻛﺎن اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻫﻮ اﻟﺴﺎﺋﺪ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻨﺬ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻠﺪان ﺷﻬﺪت ﺧﻼل ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،ﻣﺜﻞ اﻟﻜﻮﻳﺖ واﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻇﻞ ﻫﻮ اﻟﻐﺎﻟﺐ .وﻛﺎن ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻔﻴﻆ اﻟﻘﺮآن واﻷﺣﺎدﻳﺚ وﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،وذﻟﻚ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ "اﻟﻜﺘﺎﺗﻴﺐ" اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺪﻳﺮﻫﺎ وﻳﻌﻠﻢ ﻓﻴﻬﺎ "اﻟﻤﻼ " أو "اﻟﻤﻄﻮع " .وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺑﺮاﻣﺠﻬﺎ اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺗﻌﻠﻴﻤﺎً ﻋﺼﺮﻳﺎً ،ﻓﺎﻟﻤﻄﻮﻋﺔ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻨﻔﺮون اﻟﻨﺎس ﻣﻨﻪ. ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻛﺎن ﻣﻜﺎن اﻟﻜﺘﺎﺗﻴﺐ ﻣﻨﺰل اﻟﻤﻼ أو اﻟﻤﻄﻮع ﻧﻔﺴﻪ ،وأﺣﻴﺎﻧﺎ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ وزواﻳﺎ اﻟﺪﻛﺎﻛﻴﻦ وأروﻗﺔ اﻷﺳﻮاق. ﻋﺮﻓﺖ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﻧﻈﺎم اﻟﻜﺘﺎﺗﻴﺐ ﻛﻐﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ إﻣﺎرات اﻟﺴﺎﺣﻞ ،وﻛﺎن ﻣﻌﻠﻤﻬﺎ ﺳﻮاء ﻛﺎن "ﻣﻼ" أو "ﺷﻴﺦ" أو "ﻣﺆدب" أو "ﻣﻄﻮع" ﻟﻪ ﻗﺪﺳﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،ﻓﻬﻮ اﻟﻤﻌﻠﻢ واﻟﻤﺆ ِدب ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ،وﺑﺪاﻳﺔ ﻃﺮﻳﻖ اﻻﺳﺘﻨﺎرة واﻟﺘﻘﺪم .وﻛﺎن اﻟﻤﻄﻮع ﻳﻌﻠﻢ اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف أﻋﻤﺎرﻫﻢ وﻗﺪراﺗﻬﻢ ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺗﻤﻴﺰ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ إﻣﺎرات اﻟﺴﺎﺣﻞ ﺑﻮﺟﻮد "اﻟﻤﻄﻮﻋﺎت" ﻣﻤﻦ ﻳﻘﻤﻦ ﺑﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻔﺘﻴﺎت ﻣﺜﻞ اﻟﻔﺘﻴﺎن، وﺗﻠﻘﻴﻨﻬﻦ ﺳﻮر اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ وﺷﺮﺣﻬﺎ. ﻳﺆﻛﺪ اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻟﻌﺮاﻗﻲ "أﺣﻤﺪ اﻟﺠﺸﻌﻤﻲ" ﻓﻲ دراﺳﺘﻪ ﻋﻦ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ،أن ﻧﻈﺎﻣﻬﺎ اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﻛﺎن ﺑﺴﻴﻄﺎً ﺟﺪا ً ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي اﻟﺬي ﺗﻌﻴﺸﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻷﻧﻈﻤﺔ واﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻋﺪم وﺟﻮد ﻣﻨﻬﺞ ﺛﺎﺑﺖ ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ ،ﻓﻤﺎ ﻳﺪرﺳﻪ اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﻛﺎن ﻳﻌﺘﻤﺪ ﺑﺸﻜﻞ أﺳﺎﺳﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻘﺮه اﻟﻤﻄﻮﻋﻴﻦ ،ﻓﺒﻌﻀﻬﻢ ﻳﻜﺘﻔﻮن ﺑﺘﺪرﻳﺲ اﻟﻘﺮآن واﻟﺤﺪﻳﺚ ،وﺑﻌﻀﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻀﻴﻔﻮن اﻟﻔﻘﻪ واﻟﺘﺎرﻳﺦ ،وﻳﺮﺟﻊ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ذﻟﻚ إﻟﻰ أن اﻟﻬﺪف ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ آﻧﺬاك ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ وﻇﺎﺋﻒ ﻣﺪﻧﻴﺔ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ أﻧﻤﺎط اﻟﺤﻴﺎة ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻋﻠﻮم أﺧﺮى. وﻣﻦ اﻟﻤﺆﻛﺪ أن اﻧﺪﻓﺎع ﺗﺠﺎر اﻟﺸﺎرﻗﺔ إﻟﻰ ﻧﻘﻞ ﻣﺎ ﻳﺸﺎﻫﺪوﻧﻪ ﻣﻦ ﻃﺮق اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﺪول اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺎﻓﺮون إﻟﻴﻬﺎ ،أدى إﻟﻰ ﻃﻔﺮة ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ،ﻓﺄﻧﻔﻘﻮا ﺑﺴﺨﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،وﺳﻌﻮا إﻟﻰ ﻓﺘﺢ ﻣﺪارس أﺻﺒﺤﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻨﺎرة ﻟﻠﻌﻠﻢ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻛﻠﻪ، وأﻫﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﺘﻴﻤﻴﺔ اﻟﻤﺤﻤﻮدﻳﺔ ،ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ ﻣﺆﺳﺴﻬﺎ ﺗﺎﺟﺮ اﻟﻠﺆﻟﺆ "ﻋﻠﻲ اﻟﻤﺤﻤﻮد" ،واﻟﺘﻲ اﻓﺘﺘﺤﺖ ﻋﺎم ،1903وﻛﺎن ﻣﻨﻬﺠﻬﺎ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ أﻗﻮال اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ اﻷﺣﻜﺎم واﻟﻌﻘﺎﺋﺪ .وﺑﻠﻎ ﻋﺪد ﻃﻼﺑﻬﺎ آﻧﺬاك 300ﻃﺎﻟﺐ ) 100ﻣﻦ اﻟﻮاﻓﺪﻳﻦ إﻟﻰ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﻣﻦ رأس اﻟﺨﻴﻤﺔ 66
اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﺧﻼل ﺳﻨﻮات اﻟﺘﺄﺳﻴﺲ
د .واﺋﻞ اﻟﺪﺳﻮﻗﻲ* ǽƳōǂŬǕŌ ſǿƈōŨǕŌǶ ŪŌƉŨǕŌ ǽƳ ūŽōş
وأم اﻟﻘﻴﻮﻳﻦ ،و 200ﻣﻦ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ( ،وﺗﻢ اﺳﺘﻘﺪام اﻟﻤﻌﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﻧﺠﺪ ﻟﺘﻜﻮن ﻣﺮﻛﺰا ﻟﺘﺪرﻳﺲ اﻟﺴﻠﻔﻴﺔ .وﻳﺬﻛﺮ اﻟﻤﺆرخ اﻟﻤﺼﺮي اﻟﺪﻛﺘﻮر "ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻴﻢ" أن أﺣﺪ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ روى ﻟﻪ أن اﻟﺸﻴﺦ "ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺎﻧﻊ" اﺗﻔﻖ ﻣﻊ "ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ" أﺣﺪ ﺗﺠﺎر اﻟﺸﺎرﻗﺔ اﻟﻜﺒﺎر ،أن ﻳﺬﻫﺐ إﻟﻰ اﻹﻣﺎرة ﻟﻴﻜﻮن ﻣﺪرﺳﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﺘﻴﻤﻴﺔ اﻟﻤﺤﻤﻮدﻳﺔ ،ﻣﻤﺎ ﻳﺆﻛﺪ زﻋﺎﻣﺔ اﻟﺘﺠﺎر واﻟﺸﻴﻮخ ﻟﺤﺮﻛﺔ إﻧﺸﺎء اﻟﻤﺪارس واﻹﻧﻔﺎق ﻋﻠﻴﻬﺎ .وﻛﺎن ﻣﻦ ﺛﻤﺮات ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪرﺳﺔ ﺗﺄﺳﻴﺲ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﺘﻴﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺿﻤﺖ أﻣﻬﺎت اﻟﻜﺘﺐ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺪرﺳﺔ واﻟﻤﻜﺘﺒﺔ ﻣﻨﺎرﺗﻴﻦ ﻟﻠﻌﻠﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرﻗﺔ .ﻛﺬﻟﻚ اﻓﺘﺘﺤﺖ أﻳﻀﺎ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻘﺎﺳﻤﻴﺔ ﻋﺎم ،1917وﻣﺪرﺳﺔ اﻹﺻﻼح اﻟﻤﺤﻤﺪي ﺑﻌﺪ اﻧﺘﻬﺎء اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻷوﻟﻰ. وﺗﺆﻛﺪ "أﻣﻨﻴﺔ ﻃﻠﻌﺖ" ﻓﻲ دراﺳﺘﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺸﻴﺦ "ﻋﻠﻲ اﻟﻤﺤﻤﻮد" ،أﻧﻪ ﺑﺼﻔﺘﻪ أﺣﺪ أﻛﺎﺑﺮ اﻟﺘﺠﺎر ﻓﻲ اﻟﺸﺎرﻗﺔ أﺧﺬ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﻪ ﻧﺸﺮ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﺈﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﺪرﺳﺘﻪ ،ﻗﺪم ﻣﺴﺎﻋﺪة ﻓﻲ ﻋﺎم 1911إﻟﻰ ﻣﺪرﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻤﺮﻳﺔ. ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﺗﻌﻠﻢ أن اﻧﺘﺸﺎر اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻳﻬﺪد وﺟﻮدﻫﺎ ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺸﻴﺨﺎت اﻟﺘﻲ ﻋﻤﻠﺖ ﺟﺎﻫﺪة ﻋﻠﻰ ﻛﺴﺮ اﻟﻌﺰﻟﺔ .وﻗﺪ ﻛﺎن ﺗﺤﺪي أﻫﻞ اﻟﺸﺎرﻗﺔ وﺗﺼﻤﻴﻤﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺴﻴﻦ أﺣﻮاﻟﻬﻢ ورﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮى ﺛﻘﺎﻓﺘﻬﻢ ﻋﻈﻴﻤﺎ .وﺑﺪأوا اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻋﻤﻠﻴﺎ ﺑﻨﺸﺮ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻌﺼﺮي ،ﻓﻌﻤﻠﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻊ ﻣﺼﺮ واﻟﻌﺮاق وﺳﻮرﻳﺎ واﻟﻜﻮﻳﺖ ،وﻛﻞ ﻣﻨﺎرات اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺠﺪ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ أﻣﺎﻣﻬﺎ ﺳﻮى اﻟﻤﺮوﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﻏﺒﺎت اﻟﻤﺸﺮوﻋﺔ. وﺳﺎﻋﺪ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻌﺼﺮي اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻬﻮض ،وارﺗﺒﻂ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺑﻜﻞ اﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ ،ﻓﻌﻤﻞ اﻟﺸﻴﺦ "ﺻﻘﺮ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻘﺎﺳﻤﻲ" ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺬا اﻟﻬﺪف اﻟﻤﻬﻢ ،وﺟﻌﻞ إﻣﺎرﺗﻪ ﻣﻨﺎرة ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ
"اﻟﺴﻠﻔﺮ" اﻟﻔﻀﻲ أو اﻟﺬﻫﺒﻲ ،ﻟﺘﺰﻳﻦ اﻟﻴﺎﻗﺎت ﺧﻴﻮط "اﻟﺘﻠﻲ" واﻟﺘﻄﺮﻳﺰ واﻷﻛﻤﺎم وأﻃﺮاف اﻟﻜﻨﺪورة واﻟﺜﻮب ،وﻗﺪ ﺗﺄﺧﺬ وﻧﻨﺘﻘﻞ ﻣﻊ ﻓﻨﻮن اﻷﺷﻐﺎل اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ ﻣﻊ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ وﻗﺘﺎً ﻃﻮﻳﻼً .ﺗﻘﻮل ﻓﺎﻃﻤﺔ إن ﻫﺬا راﺷــﺪ ﻋﻠﻲ إﻟــﻰ ﻓﻦ آﺧــﺮ ﻣﻦ ﻓﻨﻮن اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻐﻞ ﻳﺘﻄﻠﺐ وﻗﺘﺎً ﻃﻮﻳﻼً ،وﻫﻮ ﻳﺤﺘﺎج ﻛﺜﻴﺮا ً اﻹﻣﺎراﺗﻲ ،وﻫﻲ اﻟﺘﻲ أﺑﺪﻋﺖ ﻓﻲ ﺟﺪل ﺧﻴﻮط ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺮ واﻟﺘﺄﻧﻲ واﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ،ﻳﺸﺎر إﻟﻰ أن ورش "اﻟﺘﻠﻲ" واﻟﺘﻄﺮﻳﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺴﻮﺟﺎت ،ﻛﻤﺎ اﻟﻌﻤﻞ ﺗﺘﻨﺎول ﻋﺪدا ً ﻛﺒﻴﺮا ً ﻣﻦ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ أﻧﻬﺎ ﺗﺘﻘﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺨﻮص وﺷﻐﻞ اﻟﺒﺮاﻗﻊ ﻣﺜﻞ ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﺒﺮﻗﻊ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي وﺗﺠﺪﻳﻞ ﺳﻌﻒ واﻟﻌﻄﻮر واﻟﺪﺧﻮن .وﻫﻲ ﺗﺒﺮم ﺧﻴﻮط اﻟﺒﻜﺮات اﻟﻨﺨﻴﻞ )اﻟﺨﻮص( وﺻﺒﺎﻏﺔ اﻷﻟﻴﺎف اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ "ﺑﺮﻳﺴﻢ" أﻳﻀﺎ وﺗﻀﻔﺮﻫﺎ ﻣﻊ ﺧﻴﻮط "اﻟﺴﻠﻔﺮ" وﺣﺮﻓﺔ اﻟﺘﻠﻲ )ﻏﺰل ﺧﻴﻮط اﻟﺰﻳﻨﺔ( واﻟﺴﺪو اﻟﻔﻀﻲ أو اﻟﺬﻫﺒﻲ ﻟﺘﺼﻨﻊ ﺧﻴﻮط اﻟﺘﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺧﻤﻴﺲ ﺳﻮﺳﻦ )ﺣﻴﺎﻛﺔ اﻟﺼﻮف( وﺻﻨﻊ اﻟﺒﺨﻮر اﻹﻣﺎراﺗﻲ ،إﻟﻰ ﺗﺰﻳﻦ ﺑﻬﺎ ﻣﻼﺑﺲ اﻟﻨﺴﺎء ،وﻣﻨﻬﺎ "اﻟﺜﻮب" وﻫﻮ ﺟﺎﻧﺐ ﺣﺮﻓﺔ ﺻﻨﻊ ﻓﻨﺎﺟﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻔﺨﺎر وﺗﺤﻀﻴﺮ اﻟﻠﺒﺎس اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ﻟﻠﻤﺮأة اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ .ﺗﻘﻮل ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻋﻠﻲ إﻧﻬﺎ ﺗﺸﺘﻐﻞ أﺷﻜﺎﻻ ً ﻓﻨﻴﺔ ﺑﻬﺬه اﻟﺨﻴﻮط ،وﻫﻲ أﺣﺪ اﻷﺷﻜﺎل اﻟﺤﻨﺎء وﺻﻨﻊ اﻟﺪﻣﻰ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ،وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ ورش اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺴﺘﻮﺣﺎة اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻟﻠﺘﻄﺮﻳﺰ اﻟﺰﺧﺮﻓﻲ اﻟﺬي ﺗﻤﺎرﺳﻪ اﻟﻤﺮأة ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ،ﺣﻴﺚ ﻣﻦ اﻟﻄﺮق اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻄﺒﺎﻋﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻘﺎﺋﺐ .واﻷﻫﻢ ﻫﻮ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻓﻴﻬﺎ ﺧﻴﻮط اﻟﻘﻄﻦ أو اﻟﺤﺮﻳﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺘﺪاﺧﻞ ﻣﻊ ﺧﻴﻮط ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻘﻬﻮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺘﻬﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ
ﻓﺎﻃﻤﺔ راﺷﺪ ﻋﻠﻲ ﺗﺠﺪل ﺧﻴﻮط اﻟﺘﻠﻲ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
65
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ اﻟﺤﻮﺳﻨﻲ ،وﻫﻮ ﻳﺮﺳﻢ ﻟﻮﺣﺔ اﻹﻋﻼم ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺮﻛﻴﺐ اﻟﺼﺪف ،وﻫﻲ ﻣﺸﻐﻮﻟﺔ ﺑﻔﻦ اﻟﻔﺴﻴﻔﺴﺎء .وأوﺿﺢ ﻗﺎﺋﻼ :إن ﺷﻐﻞ ﻓﻦ اﻟﻔﻴﺴﻔﺴﺎء ،ﻫﻮ أﺣﺪ ﻓﻨﻮن اﻟﺘﺮاث اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﺬي ﻳﺤﻔﻆ .وﻳﺨﺘﻠﻒ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻤﺪة اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﻣﻘﺎﺳﺎت اﻷﺣﺠﺎر ،وﻣﻨﻬﺎ اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﺎج ﻟﻮﻗﺖ ﻃﻮﻳﻞ ،ﻛﻤﺎ أن ﺗﺮﻛﻴﺒﻬﺎ ﻳﺤﺘﺎج ﻣﻬﺎرات ﻓﻨﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ودﻗﺔ وﺻﺒﺮا ً ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﻛﻴﺰ اﻟﺤﺠﺮ وﺗﺜﺒﻴﺘﻪ، وﻳﺘﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺄﺻﺎﺑﻊ اﻟﻴﺪﻳﻦ وﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻘﻔﺎز ،وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻬﻢ وﻫﻮ ﺟﺰء ﻣﻦ ﻣﻼﻣﺴﺔ اﻟﻔﻨﺎن ﺑﻴﺪه ﻟﻬﺬه اﻟﻘﻄﻊ .وأوﺿﺢ اﻟﺤﻮﺳﻨﻲ أن اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻔﺴﻴﻔﺴﺎء ﻳﺤﻤﻞ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ إﺣﺴﺎس اﻟﻔﻨﺎن ﻣﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ اﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻠﻮﺣﺔ .وﻛﺎن اﻟﻔﻨﺎن اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﻮﺳﻨﻲ ﻗﺪ أﻧﺠﺰ ﻟﻮﺣﺔ ﺑﻔﻦ اﻟﻔﺴﻴﻔﺴﺎء ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻋﺎم زاﻳﺪ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻟﻮﺣﺔ "اﻟﺠﻨﻮد واﻷم" ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻟﻮﺣﺔ ﻋﻠﻢ اﻹﻣﺎرات ﻣﻊ اﻟﺨﺮﻳﻄﺔ ،وﻟﻮﺣﺔ ﻟﺸﻌﺎر ﺷﺮﻃﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ ،واﻟﻴﻮم ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﺟﻤﻴﻞ ﻫﻮ ﻟﻮﺣﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻟﻺﻋﻼم .وﻫﻮ ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺮﻛﻴﺐ اﻟﺼﺪف ،وﻫﻲ ﺣﺮﻓﺔ ﻧﺎدرة ﻻ ﻳﺘﻘﻨﻬﺎ إﻻ ﻋﺪد ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس. ﺑﻴﺖ اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ
وﻣﻦ "ﺑﻴﺖ اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ" ،اﻟﺬي ﻳﺸﻜﻞ ﺟﺰءا ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺤﺼﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻮﺣﺔ ﻣﻦ ﺻﻨﺎﻋﺎت اﻟﺨﻮص
ﻓﻲ ﺣﻠﺘﻬﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،ﻛﺎن ﻟﻨﺎ ﺣﺪﻳﺚ ﻣﻊ اﻟﺴﻴﺪة ﻣﺮﻳﻢ ﺳﻠﻴﻤﺎن اﻟﻈﺎﻫﺮي ،وﻫﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺟﺪل ﺑﻌﺾ أوراق اﻟﻨﺨﻴﻞ "اﻟﺨﻮص" ﺗﻘﻮل إن أوراق اﻟﻨﺨﻴﻞ ﻫﻲ اﻟﺮﻛﻴﺰة اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻐﻞ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ ،وﻫﺬه اﻷوراق ﻋﻠﻰ ﻧﻮﻋﻴﻦ :اﻷول اﻟﻄﺮي وﻳﺴﻤﻰ "اﻟﻠﺐ" ،واﻟﺜﺎﻧﻲ وﻫﻮ أﻛﺒﺮ ﻣﻨﻪ وﻳﻨﻘﻊ ﻓﻲ اﻟﻤﺎء ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻪ ،ﺣﻴﺚ ﻧﺼﻨﻊ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻷوراق ﻣﻨﺘﺠﺎت وأدوات ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ ﻟﺴﺪ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻣﺜﻞ اﻷواﻧﻲ واﻟﻔﺮش وﻗﻄﻊ ﻟﻠﺰﻳﻨﺔ .وﻣﻦ ﻫﺬه اﻷدوات "اﻟﺴﺮود" اﻟﺬي ﻳﻮﺿﻊ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻄﻌﺎم، و"اﻟﻤﻜﺐ" وﻫﻮ ﻏﻄﺎء أﻳﻀﺎ ﻟﻠﻄﻌﺎم ،و"اﻟﻤﺨﺮاﻓﺔ" ﺗﻮﺿﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺮﻃﺐ ،و"اﻟﺠﻔﻴﺮ" ﻳﻮﺿﻊ ﻓﻴﻪ ﺑﻌﺾ اﻷﺷﻴﺎء ﻣﻤﺎ ﻧﺤﺘﺎﺟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ، و"اﻟﻤﻬﻔﺔ" وﻫﻲ ﻣﺮوﺣﺔ ﺗﻬﻔﻒ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺮ. وﺗﺸﺮح اﻟﻈﺎﻫﺮي ﻋﻦ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﺤﻀﻴﺮ اﻟﺨﻮص ﻟﻠﺸﻐﻞ ﻋﻠﻴﻪ وﻫﻮ ﻧﻮﻋﺎن :ﻧﻮع ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ اﻟﻨﺨﻠﺔ أي اﻷوراق اﻟﻄﺮﻳﺔ ،واﻟﻨﻮع اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻷراق اﻷﻛﺜﺮ ﻗﺴﺎوة ،واﻟﺘﻲ ﺗﻨﻘﻊ ﻓﻲ اﻟﻤﺎء إﻟﻰ أن ﺗﺼﺒﺢ ﻃﺮﻳﺔ ﻟﻴﺘﻢ اﻟﺸﻐﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﺛﻢ ﺗﺄﺗﻲ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ وﻫﻲ ﺻﺒﺎﻏﺔ ﻫﺬه اﻷوراق ﺑﺄﻟﻮان ﻣﺘﻌﺪدة ﻟﻴﺘﻢ اﻟﺸﻐﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﺴﺐ اﻟﺸﻜﻞ اﻟﻤﻄﻠﻮب ﻣﻦ اﻟﺰﺧﺮﻓﺔ ﺑﻨﻤﺎذج ﻓﻨﻴﺔ ﺗﺨﺘﺎرﻫﺎ اﻟﻈﺎﻫﺮي ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﺗﺮاه ﻣﻨﺎﺳﺒﺎ ﻓﻲ ﺷﻜﻠﻪ اﻟﻔﻨﻲ. 64
اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺑﺎ'ﻣﺎرات
ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ اﻟﺤﻮﺳﻨﻲ
ﺧﻼل ﻋﻤﻠﻲ ﺑﺎﻟﻤﺮﺳﻢ اﻟﺤﺮ وﻣﺎ ﻳﻀﻤﻪ ﻣﻦ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺣﺮف ﻳﺪوﻳﺔ ﺗﺮاﺛﻴﺔ ،ﻣﺴﺘﻌﺮﺿﺎ أﻫﻢ اﻟﺤﺮف ﻓﻲ اﻹﻣــﺎرات ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﻬﻨﺔ ﺣﻔﺎري اﻵﺑﺎر أرى أن ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺣﺮﻓﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮﻓﺔ ،وﻫﻲ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺤﻠﻮة ،وﻣﺸﺎرﻛﺔ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺮ أﻳﻀﺎ ﺣﻞ ﻟﻠﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻛﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ أو اﻷﺳﺮة ،ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻔﺴﻴﺔ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ ﺷﺮﺑﺔ ﻫﻨﻴﺔ .وﻣﻦ اﻟﻤﻬﻦ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ أﻳﻀﺎ اﻟﻄﺒﻴﺐ اﻟﺸﻌﺒﻲ أو اﻟﻄﺒﻴﺒﺔ ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻤﻬﻨﺔ ﻣﻨﺘﺸﺮة ﻛﺜﻴﺮا ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ، أو ﻣﺎدﻳﺔ". وﺑﺤﺴﺐ اﺳﺘﻔﺎدة اﻟﻨﺎس ﻳﺬﻳﻊ ﺻﻴﺖ اﻟﻤﻌﺎﻟﺞ، ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﺑﺎﻷﻋﺸﺎب أو اﻟﻜﻲ ﺣﺮﻓﺔ ﺑﻨﺎء اﻟﻤﻨﺎزل اﻟﻄﻴﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ أﺟﺰاء اﻟﺠﺴﻢ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﺠﺒﻴﺮ وﺑــﺪوره ﻳﻘﻮل اﻹﻋﻼﻣﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻨﻘﻲ: اﻟﻜﺴﻮر .واﺧﺘﺘﻢ اﻟﻨﻘﻲ ﻛﻼﻣﻪ ﻗﺎﺋﻼ" :أﻋﺘﻘﺪ "اﻟﺤﺮف اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺪر رزق اﻟﺴﻜﺎن ﻣﻦ أن ﺣﺮف إﻋﺪاد اﻷﻏﺬﻳﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ واﻟﻤﻼﺑﺲ اﻟﺼﻴﺪ أو اﻟﺰراﻋﺔ أو اﻟﻤﻬﻦ اﻷﺧﺮى ،وﻛﺎن ﻟﻬﺎ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻟﻬﺎ أﻫﻤﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة ،ﻷﻧﻬﺎ أﺻﺒﺤﺖ ﺗﺤﻔﻆ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪة ﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎت واﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت أﻧﺜﺮﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺸﻌﻮب وﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺟﺰء ﻣﺎدي اﻟﺴﻜﺎن ﻣﺜﻞ ﺑ ّﻨﺎﺋﻲ اﻟﻤﻨﺎزل اﻟﻄﻴﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﻋﺎداﺗﻬﺎ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﺎ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ". ﺗﻌﺘﻤﺪ أﻳﻀﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻏﺼﺎن اﻟﻤﺠﻔﻔﺔ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﻟﻌﺮﻳﺶ ،أﻳﻀﺎ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻨﺴﺎﺋﻴﺔ ﻣﺜﻞ اﻷﻏﺬﻳﺔ واﻟﻤﺨﻠﻼت وﺗﻄﺮﻳﺰ اﻷﺛﻮاب ،وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺒﺮاﻗﻊ ﻓﻨﻮن اﻟﺰﺧﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﺼﺪف ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻨﻘﻲ وﻣﻊ ﻓﻨﻮن اﻟﺰﺧﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﺼﺪف اﻟﺘﻘﻴﻨﺎ اﻟﻔﻨﺎن اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺠﺐ ﺧــﺪود اﻟﻨﺴﺎء .وﻳﺘﺎﺑﻊ اﻟﻨﻘﻲ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
63
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
ƠǥƶƵƗǙ ƠǤƜLJĖĨ ǘLJưƞ ǢDžƬƢ
ďČĖƜǙǪƜƞ ƠǤưǥǗǑƣǖČ ġƲƬǖČ ďČĖƜǙǪƜƞ ƠǤưǥǗǑƣǖČ ġƲƬǖČ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻋﻄﻔﺔ
ﺗﻘﻮم ﻣﺠﻠﺔ "ﺗﺮاث" ﺑﺘﺴﻠﻴﻂ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ واﻟﻤﻌﺎرف اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎﻗﻠﻬﺎ اﻷﺑﻨﺎء ﻋﻦ اﻷﺟﺪاد واﻷﺳﻼف ﺟﻴﻼً ﺑﻌﺪ ﺟﻴﻞ، ﻧﻈﺮاً ﻟﻤﺎ ﻟﻠﺘﺮاث ﻣﻦ أﻫﻤﻴﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ وﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﻮﻳﺔ ،وﺗﺄﺗﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ ﻓﻲ ﻃﻠﻴﻌﺔ ﻫﺬه اﻷﺷﻐﺎل اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ ذﻟﻚ ﺿﻤﻦ اﻫﺘﻤﺎم اﻟﺪوﻟﺔ ودﻋﻤﻬﺎ ﻟﻤﻤﺎرﺳﻲ ﻫﺬه اﻟﺤﺮف ﺑﺸﻜﻞ داﺋﻢ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻢ ﺗﺸﺠﻴﻊ اﻟﻤﺒﺪﻋﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺪﻣﻮن ﻣﻨﺘﺠﺎت ﺗﺤﻤﻞ ﻃﺎﺑﻌﺎً ﻋﺼﺮﻳﺎً ﻣﺴﺘﻠﻬﻤﺎ ﻣﻦ رواﺋﻊ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﻳﻖ. وﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ﻣﺆﺳﺴﺎت ﺗﺮﻋﻰ وﺗﺪﻋﻢ اﻟﻤﻬﺘﻤﻴﻦ واﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث ،ﻣﺜﻞ "ﺑﻴﺖ اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ" ﻓﻲ ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ اﻟﺬي ﺗﺪﻋﻤﻪ داﺋﺮة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﺑﺄﺑﻮﻇﺒﻲ ،وﻳﺘﻢ ﻓﻴﻪ أﻋﻤﺎل اﻟﺴﺪو ،واﻟﺨﻮص ،واﻟﺘﻠﻲ، واﻟﺤﺮف اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ "ﺑﻴﺖ اﻟﻘﻬﻮة" ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﻧﺎدي اﻟﺘﺮاث، واﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ وﻣﺎ ﻳﻘﺪم ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﺘﺠﺎت ﺣﺮﻓﻴﺔ وﺻﻨﺎﻋﺎت 62
اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺑﺎ'ﻣﺎرات
ﻳﺪوﻳﺔ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪاﻋﻤﺔ ﻣﺜﻞ "ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﻐﺪﻳﺮ" ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ "اﻟﻤﺮﺳﻢ اﻟﺤﺮ" اﻟﺬي اﻧﺘﻘﻞ ﻣﺆﺧﺮا إﻟﻰ اﻟﻤﺠﻤﻊ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ،وﻳﺘﻢ ﻓﻴﻪ إﻧﺠﺎز اﻟﺨﺰف )اﻟﻔﺨﺎر( وﻓﻦ ﺗﺮﻛﻴﺐ اﻟﺼﺪف ﻓﻲ ﻟﻮﺣﺎت وزﺧﺎرف ﻓﻨﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺷﻐﻞ أدوات ﻣﻨﺰﻟﻴﺔ أﺧﺮى .ﻛﻞ ﻫﺬا ﻳﺄﺗﻲ ﺿﻤﻦ ﻣﺠﺎل اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ وﻣﻤﺎرﺳﻴﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻬﺪف ﻟﺘﻤﻜﻴﻦ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺎت ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺤﺮف اﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات ﻋﺪﻳﺪة ،ﻓﻲ ﺗﻮﺛﻴﻖ اﻟﺘﺮاث اﻟﻤﻌﻨﻮى ﺑﺎﻹﻣﺎرات واﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻪ واﻟﺘﺮوﻳﺞ ﻟﻤﻨﺘﺠﺎﺗﻪ اﻟﻌﺼﺮﻳﺔ. ﺗﻘﻮل ﺳﻮﺳﻦ ﺧﻤﻴﺲ ﻣﺪﻳﺮة "اﻟﻤﺮﺳﻢ اﻟﺤﺮ" :إن ﻫﺬا اﻟﻤﻮﺿﻮع اﻟﺤﺮﻓﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﺿﻴﻊ اﻟﻤﻬﻤﺔ ،ﻷن ﻣﻦ ﻟﺪﻳﻪ ﺣﺮﻓﺔ أو ﺻﻨﻌﺔ ﻳﺪوﻳﺔ ،ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺘﻜﻨﻠﻮﺟﻲ ،أﻣﺮا ً ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻹﻋﺠﺎب ،وأﻧﺎ ﻣﻊ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ ﻳﺘﻌﻠﻢ ﺣﺮﻓﺔ ﺣﺪﻳﺜﺔ أو ﻗﺪﻳﻤﺔ ،ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺴﺎﻋﺪه أوﻻ ﻛﻤﺼﺪر رزق ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ اﻟﻔﻨﻴﺔ .وﺗﻀﻴﻒ ﺧﻤﻴﺲ ﻣﻦ ﻳﺘﺴﻠﺢ ﺑﺤﺮﻓﺔ ﻻ ﻳﺠﻮع، ﻫﻨﺎك ﻋﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﺮف ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات ،وﻳﺄﺗﻲ ﺗﺸﺠﻴﻊ ﻗﻴﺎدﺗﻨﺎ اﻟﺮﺷﻴﺪة ﻟﻠﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮف اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻟﻴﻜﻮن ﻟﻜﻞ ﻓﺮد ﺑﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﺣﺮﻓﺔ ﻳﻤﺘﻬﻨﻬﺎ وﺗﻜﻮن ﻣﺼﺪر رزق ﻟﻪ .وﺗﺨﺘﺘﻢ ﺳﻮﺳﻦ ﻗﺎﺋﻠﺔ" :أﻧﺎ ﻣﻦ
ﻋﺎد ﻟﻲ اﻟﺤﻨﻴﻦ ﻟﺤﺮﻓﺘﻲ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﻘﻠﻴﻢ ﺟﺮﻳﺪ اﻟﻨﺨﻞ ،ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ أﺣﺰن ﻋﻨﺪﻣﺎ أرى ﻧﺨﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺴﺘﺎن ﺗﻜﺘﻆ ﺑﺎﻟﺠﺮﻳﺪ اﻟﺠﺎف اﻟﺬي ﻳﺨﻔﻲ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ،ﻓﺼﻨﻌﺖ ﺣﺰام ﻟﻴﻒ ) َﻣﻄﻠَﻊ( وﺟﻠﺒﺖ ﻓﺄﺳﺎً وﺑﺪأت ﻓﻲ ﺗﻬﺬﻳﺐ ﻧﺨﻴﻞ اﻟﺒﺴﺘﺎن واﺣﺪة ﺗﻠﻮ اﻷﺧﺮى ،ﺣﺘﻰ ﺻﺎر اﻟﺒﺴﺘﺎن ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻼ ﻟﻠﻤﺮور ﺑﻴﻦ أﺷﺠﺎر ﺧﻼل ﺷﻬﻮر ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺔ ووﺟﺪ اﻟﻬﻮاء ً اﻟﻨﺨﻴﻞ ووﺟﺪت اﻟﺸﻤﺲ ﻃﺮﻳﻘًﺎ ﻟﻠﻮﺻﻮل ﻟﺘﺮﺑﺔ اﻟﺒﺴﺘﺎن ،وﺣﻀﺮ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺒﺴﺘﺎن ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ﻟﻴﺠﺪ ﺑﺴﺘﺎﻧﻪ أﺟﻤﻞ ﻣﻤﺎ ﺳﻠﻤﻪ ﻟﻲ ﻋﻠﻲ ﺧُﻠﻌﺔ َﺳﻨ ﱠﻴﺔ وﻣﻨﺤﻨﻲ ﺛﻴﺎب ﻟﻴﺒﻲ وﺑﻌﺾ اﻟﻤﺎل، ﻣﻦ ﺷﻬﻮر ،ﻓﺨﻠﻊ ﱠ وﺑﻌﺪ أﻳﺎم ﻧﻈﺮت ﻷﻛﻮام اﻟﺠﺮﻳﺪ اﻟﺘﻲ ﻗﻄﻌﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺴﺘﺎن ،واﻟﺘﻲ ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻲ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺒﺴﺘﺎن أن أﺗﺨﻠﺺ ﻣﻨﻬﺎ وأﺣﺮﻗﻬﺎ ،ﻓﺸﻌﺮت أن ﺑﻴﻦ ﻳﺪي ﻛﻨﺰا ً ﻳﺠﺐ أن أﺳﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺬﻫﺒﺖ ﻟﺴﻮق اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ أﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﺣﺪادﻳﻦ ﻳﺼﻨﻌﻮن ﻟﻲ اﻷدوات اﻟﺘﻲ ﻛﻨﺖ أﺳﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻷﻗﻔﺎص ﻓﻲ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ ،وﻧﺠﺤﺖ ﻓﻲ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ أﺣﺪ اﻟﺼﻨﺎع اﻟﻤﻬﺮة ،ﻓﻮﺻﻔﺖ ﻟﻪ ﺗﻠﻚ اﻷدوات ﻓﺼﻨﻌﻬﺎ ﻟﻲ ﻛﻤﺎ أرﻳﺪ ،وﺑﻌﺪ أﻳﺎم ﺗﺴﻠﻤﺘﻬﺎ ﻣﻨﻪ وﻧﻈﺮت إﻟﻴﻬﺎ وﻛﺄﻧﻲ أﺳﺘﻌﻴﺪ ﻧﻔﺴﻲ وﻗﻴﻤﺘﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ. ﻋﺪت ﻟﻠﺒﺴﺘﺎن وﺑﺪأت ﻓﻲ ﺗﻨﻈﻴﻒ اﻟﺠﺮﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﻒ ،وأول ﺷﻲء ﻓﻜﺮت ﻓﻴﻪ أن أﺻﻨﻊ ﻟﻨﻔﺴﻲ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻘ ًﺮا ﻟﻤﻬﻨﺘﻲ داﺧﻞ اﻟﺒﺴﺘﺎن، ﻓﺄﺧﺬت أﻫﺬب اﻟﺠﺮﻳﺪ وأﺣﺪد ﻣﻘﺎﺳﺎﺗﻪ وﺳﻤﻜﻪ وأﺻﻨﻊ اﻟﺜﻘﻮب ﺑﻪ، وأﻣﺮر اﻷﻋﻮاد ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﺣﺘﻰ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﺑﻌﺪ ﺷﻬﺮﻣﻦ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻏﺮﻓﺔ ﺻﻐﻴﺮة ﺗﺤﻤﻴﻨﻲ ﻣﻦ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ ،أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أﻣﺎرس ﻋﻤﻠﻲ داﺧﻠﻬﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺟﺪراﻧﻬﺎ وﺳﻘﻔﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﺮﻳﺪ ،وﻟﻤﺎ ﻧﻈﺮت إﻟﻴﻬﺎ وأﻋﺠﺒﺘﻨﻲ ﺻﻨﻌﺘﻬﺎ ﺗﺪﻓﻘﺖ اﻷﻓﻜﺎر ﻟﻌﻘﻠﻲ ،ﻓﺼﻨﻌﺖ ﻣﻘﺎﻋﺪ ﻣﻦ ﺟﺮﻳﺪ اﻟﻨﺨﻞ ﻷﺟﻠﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ وأﺿﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ أدواﺗﻲ ،ﺛﻢ ﺻﻨﻌﺖ ﺳﺮﻳﺮا ً ﻣﻦ ﺟﺮﻳﺪ اﻟﻨﺨﻞ أﻧﺎم ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ وﻗﺖ راﺣﺘﻲ. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﻀﺮ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺒﺴﺘﺎن واﻗﺘﺮب ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺘﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻟﻢ ﻳﻨﻄﻖ ﺑﻜﻠﻤﺔ ،ﺑﻞ أﺧﺬ ﻳﺪور ﺣﻮﻟﻬﺎ وﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ أﻋﻠﻰ ﻷﺳﻔﻞ وﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ واﻟﺨﺎرج ،وﻳﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﺎﻋﺪ وﻳﺤﺮك ﺟﺴﺪه وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﻣﺘﺎﻧﺘﻬﺎ ،وﻓﺠﺄة ﺗﺤﺮك ﻣﺴﺮ ًﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺴﺘﺎن وﻟﻢ ﻳﺤﺪﺛﻨﻲ ،وﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺎت ﻋﺎد وﻣﻌﻪ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﻪ وﻇﻠﻮا ﻳﻔﻌﻠﻮن ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ وﻳﻨﻈﺮون ﻟﻠﻐﺮﻓﺔ وﻣﺤﺘﻮﻳﺎﺗﻬﺎ ،وﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻨﺰل ﺻﻐﻴﺮ ﻛﺎﻣﻞ اﻷﺛﺎث ﻣﻦ ﺟﺮﻳﺪ اﻟﻨﺨﻞ ،ﻓﻤﺎل ﻧﺤﻮي ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺒﺴﺘﺎن وﻗﺎل ﻟﻲ :أﻧﺖ ﻣﻦ ﺻﻨﻊ ذﻟﻚ ﻳﺎ ﻋﻢ ﻣﺤﻤﺪ ،ﻓﻘﻠﺖ:
ﻧﻌﻢ ،ﻓﺸﺪ اﻟﺮﺟﻞ ﻋﻠﻰ ﻳﺪي وﺟﻠﺲ وأﺻﺤﺎﺑﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﺎﻋﺪ وﺗﻨﺎوﻟﻮا اﻟﻘﻬﻮة ،وﻗﺒﻞ اﻧﺼﺮاﻓﻬﻢ ﻃﻠﺐ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ أن أﺻﻨﻊ ﻟﻪ ﻏﺮﻓﺔ ﺑﻜﺎﻣﻞ أﺛﺎﺛﻬﺎ ﻛﺎﻟﺘﻲ ﺻﻨﻌﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺴﺘﺎن وأﻃﻠﻘﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ )اﺳﺘﺮاﺣﺔ( وﻣﻨﺤﻨﻲ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻌﻀً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺎل ﻛﻌﺮﺑﻮن ﻟﻠﻌﻤﻞ. وﻣﻦ وﻗﺘﻬﺎ ﺷﻌﺮت ﺑﻘﻴﻤﺔ ﻣﻬﻨﺘﻲ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻗﻴﻤﺔ ﻧﺨﻴﻞ اﻟﺒﺴﺘﺎن ،ﻓﺼﺎر اﻟﺒﺴﺘﺎن ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ﻣﻨﺘﺠﺎﺗﻲ وذاع ﺻﻴﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،وزاد اﻟﻄﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺘﺠﺎﺗﻲ وأﺣﻀﺮت ﻋﻤﺎل ﻟﻴﺴﺎﻋﺪوﻧﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ وأﻋﻠﻤﻬﻢ اﻟﻤﻬﻨﺔ ،وزاد دﺧﻠﻲ وﺗﺤﺴﻨﺖ ﺣﺎﻟﺘﻲ وﻧﺸﺮت ﻣﻬﻨﺘﻲ ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ وﺻﺎر ﻟﻲ ﺻﺒﻴﺔ ﻫﻨﺎك ،وﻛﻨﺖ ﻣﺘﻤﺴﻜﺎً ﺑﻌﺎدﺗﻲ ﺑﻜﺘﺎﺑﺔ اﺳﻤﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ أﺻﻨﻌﻪ وذﻟﻚ ﺑﺘﺸﻜﻴﻠﻪ ﺑﺄﻋﻮاد اﻟﺠﺮﻳﺪ. وﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات ﻋﺪت ﻟﻘﺮﻳﺘﻲ ووﺟﺪت اﺑﻨﻲ اﻷﻛﺒﺮ ﻳﻤﺎرس ﻣﻬﻨﺔ واﻟﺪه ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻷﻗﻔﺎص ،ﻓﺨﻠﻌﺖ ﺟﻠﺒﺎﺑﻲ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ وﺑﺪأت ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺘﻲ ﻣﻴﺰت ورﺷﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻴﺪ اﻟﻨﺠﻌﺎوي وأوﻻده ﻋﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻮرش ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺒﺪاري ،ﻓﺼﻨﻌﺖ ﻟﻬﻢ اﻷﺛﺎث وﻓﻮاﻧﻴﺲ رﻣﻀﺎن وأﻗﻔﺎص اﻟﻄﻴﻮر .وﺻﺎر ﻟﻨﺎ دوﻻب ﻋﻤﻞ ﻛﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﻧﺠﻊ زرﻳﻖ ﻳﻘﺼﺪه اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ ﻟﻴﺘﻌﻠﻤﻮا ﻣﻨﻲ ﻣﻨﺘﺠﺎت اﻟﺠﺮﻳﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪة، وﻋﺪت أﻧﺎ ﻟﻤﻬﻨﺘﻲ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﻌﺮﻧﻲ أﻧﻲ أﻣﻠﻚ ﻗﺮﻳﺘﻲ، وﻣﺎ ﺗﺼﻞ إﻟﻴﻪ ﻋﻴﻨﻲ وأﻧﺎ ﻓﻮق اﻟﻨﺨﻠﺔ ،وﻫﻲ ﻣﻬﻨﺔ )ﻃﺎﻟِﻊ اﻟ َﻨﺨﻞ(
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
61
إﺿﺎءة
ǕƯĮǝǖČ džǖİ Ɯǁ ﻓﻲ ﺻﺒﺎح ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم أﺗﻰ اﻟﺪور ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺨﻴﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺸﺮ ﻓﻲ ﺣﻘﻠﻨﺎ ﻛﻲ ﺗﺄﺧﺬ ﻧﺼﻴﺒﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻬﺬﻳﺐ واﻟﺘﻨﻈﻴﻒ ،وﺗﻠﻚ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ )اﻟﺘﻘﻠﻴﻢ( ،ﻓﺤﻤﻠﺖ ﻛﻨﻜﺔ اﻟﺸﺎي اﻟﻨﺤﺎس وﻗُﺴﻂ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﻔﺨﺎر وذﻫﺒﺖ ﻣﺒﻜ ًﺮا ﻟﻠﺤﻘﻞ ،ﻓﻮﺟﺪت )ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻴﺪ( اﻟﻤﻘﻠﻢ ﻳﺠﻠﺲ أﺳﻔﻞ ﻧﺨﻠﺘﻨﺎ اﻟﻌﺠﻮز وﻳﺤﻤﻞ ﻋﻠﺒﺔ اﻟﺘﺒﻎ اﻟﺼﻔﻴﺢ ،ﻳﻀﻊ ﻣﺤﺘﻮﻳﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ورﻗﺔ )ﺑَﻔ َﺮة( ﺑﻴﻀﺎء وﻳﺸﻌﻠﻬﺎ ﺑﺜﻘﺎب اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﺑﺎﻟﻜﺎد ،وﻳﻀﻊ ﺑﺠﻮاره ﻓﺄس اﻟﻘﻄﻊ وﺣﺰاﻣﺎً ﻣﻦ ﻟﻴﻒ اﻟﻨﺨﻴﻞ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ )اﻟ َﻤﻄﻠَﻊ( ،أﻟﻘﻴﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم وأﺷﻌﻠﺖ ﺑﻌﺾ اﻷﺧﺸﺎب أﺳﻔﻞ اﻟﻨﺨﻠﺔ وﻣﻸت اﻟﻜﻨﻜﺔ ﻣﻦ ﻣﺎء ﻣﺎﻛﻴﻨﺔ اﻟﺮي وﻗﺮﺑﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر ووﺿﻌﺖ ﺑﻬﺎ اﻟﺸﺎي واﻟﺴﻜﺮ ،وﻓﻲ دﻗﺎﺋﻖ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻗﺪﻣﺖ ﻛﻮب اﻟﺸﺎي اﻟﺜﻘﻴﻞ ﻟﻌﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻴﺪ ،ﻓﺸﺮﺑﻪ وﻫﻮ ﻳﺪﺧﻦ ﺳﻴﺠﺎرﺗﻪ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ،ﺛﻢ َﺧﻠَﻊ ﺟِﻠﺒﺎﺑﻪ وأﺧﺬ ﻳَ ِﺴﻦ ﻓﺄﺳﻪ ﺑ َﺤ َﺠﺮ واﻗﺘﺮب ﻣﻦ اﻟﻨﺨﻠﺔ وأﺣﺎﻃﻬﺎ وﺟﺴﺪه ﺑﺤﺰام اﻟﻠﻴﻒ ورﺑﻄﻪ ﺟﻴ ًﺪا، ووﺿﻊ اﻟﻔﺄس ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﻣﺨﺼﺺ ﻟﻬﺎ داﺧﻞ اﻟﺤﺰام ،ﺛﻢ ﺻﻌﺪ ﻓﻲ دﻗﻴﻘﺔ ﺣﺘﻰ وﺻﻞ ﻟﻘﻤﺔ اﻟﻨﺨﻠﺔ ،ﻓﺎﺑﺘﻌﺪت ﻋﻦ اﻟﻨﺨﻠﺔ أﻣﺘﺎرا ً ﻗﻠﻴﻠﺔ وﺑﺪأ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﻗﻄﻊ اﻟﺠﺮﻳﺪ اﻟﺠﺎف واﻟﻈﻮﺑﺎط اﻟﺠﺎف ﻣﻦ اﻟﺠﺰء اﻟﺴﻔﻠﻲ ﻟﻘﻤﺔ اﻟﻨﺨﻠﺔ ،ﺛﻢ ﺑﺪأ ﻓﻲ ﻗﻄﻊ اﻟﺠﺮﻳﺪ اﻷﺧﻀﺮ وﻧﺰع اﻟﻠﻴﻒ اﻟﺬي ﻳﺤﻴﻂ ﺑﺠﺪر اﻟﺠﺮﻳﺪ ،وأﻟﻘﻰ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻋﻠﻰ اﻷرض ،واﺳﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ أﻋﻠﻰ اﻟﻨﺨﻠﺔ ﻟﻤﺪة ﺳﺎﻋﺔ ﺣﺘﻰ ﻫﺬب اﻟﻨﺨﻠﺔ وﻟﻢ ﻳُﺒﻖ ﺑﻬﺎ ﺳﻮى اﻟﺠﺮﻳﺪ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻜﺘﻤﻞ ﻧﻤﻮه ،وﺑَ َﺪت اﻟﻨﺨﻠﺔ وﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻮﻟﻮد ﺟﺪﻳﺪ ﻳﺘﻨﻔﺲ اﻟﻬﻮاء ﻷول ﻣﺮة ،وﻳﺴﺘﻌﺪ ﻟﺤﻴﺎة ﺟﺪﻳﺪة. ﻧﺰل اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺨﻠﺔ وﻗﺪ ﺗﺼﺒﺐ ﻋﺮﻗًﺎ ،ﻓ َﻘ ﱠﺮﺑﺖ )ﻗُﺴﻂ( اﻟﻤﺎء اﻟﻔﺨﺎر ﻣﻨﻪ ﻓﺸﺮب ،ﺛﻢ ﺑﺪأت ﻓﻲ إﻋﺪاد اﻟﺸﺎي ﻣﺮة أﺧﺮى وﺟﻠﺴﺖ أﺗﻨﺎوﻟﻪ ﺑﺠﻮاره وﻧﺤﻦ ﻧﺘﺒﺎدل اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮﻓﺔ اﻟﺸﺎﻗﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﺿﻪ ﻟﻠﺨﻄﺮ ﺑﺸﻜﻞ ﻳﻮﻣﻲ ،ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ ﻋﻦ ﺳﺮ ﺗﻤﺴﻜﻪ ﺑﻬﺎ ﻓﺄﺟﺎب: ﻟﻘﺪ ورﺛﺖ اﻟﻤﻬﻨﺔ ﻋﻦ أﺑﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﺳﺎﻋﺪه ﻓﻲ ﺗﻘﺸﻴﺮ ﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﻞ ﻣﻨﺬ ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ ،وﻟﻤﺎ ﻛﺒﺮ أﺑﻲ وﻋﺠﺰ ﻋﻦ اﻟﺼﻌﻮد ﻟﻘﻄﻊ اﻟﺠﺮﻳﺪ؛ رﺟﻼ ﻳﻤﻜﻨﻪ اﻹﻋﺘﻤﺎد رأﻳﺖ أن ﻣﻦ واﺟﺒﻲ ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻪ ﻟﻴﻌﻠﻢ أﻧﻪ أﻧﺠﺐ ً ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺼﻌﺪت اﻟﻨﺨﻠﺔ ﻷول ﻣﺮة وﻛﻨﺖ أﻧﻈﺮ ﻟﻸﺳﻔﻞ وأﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﺪوار وﻛﺄن اﻟﻨﺨﻠﺔ ﺳﺘﺴﻘﻂ ﺑﻲ وﺗﻨﻜﺴﺮ رﻗﺒﺘﻲ ﻣﻊ أول اﺻﻄﺪام ﺑﺎﻷرض، وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻣﺮ اﻟﺼﻌﻮد اﻷول ﺑﺴﻼم؛ ﺑﺪأت أﺗﺠﺮأ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻬﻨﺔ وﻋﺎد أﺑﻲ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﺘﻘﺸﻴﺮ اﻟﻨﺨﻞ وﻛﺄﻧﻪ ﺻﺒﻲ ﻣﺜﻠﻲ ،وﻣﻊ ﻣﺮور اﻟﺰﻣﻦ ﻋﺸﻘﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻬﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺘﻨﻲ أرى اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺻﻐﻴﺮا ً وﻳﻤﻜﻦ ﺗﺠﺎوز ﻛﻞ ﻣﺤﻨﺔ
60
ﻃﺎﻟﻊ اﻟﻨﺨﻞ
ﻣﺤﻤﺪ ﺷﺤﺎﺗﻪ ﻋﻠﻲ * ƉƚǙ ɐŪŌƉŨǕŌ ǽƳ ūŽōş
وﺻﻌﻮﺑﺔ ﺑﺮؤﻳﺘﻪ ﻣﻦ أﻋﻠﻰ .ﻏﻴﺮ أﻧﻨﻲ ﺗﺰوﺟﺖ وزادت أﻋﺒﺎﺋﻲ ﻓﻮﺟﺪت أن ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻬﻨﺔ اﻟﻤﻮﺳﻤﻴﺔ ﻻ ﺗﻜﻔﻲ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎت ﻣﻨﺰﻟﻲ ،ﻓﺒﺪأت ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﻬﻨﺔ أﺧﺮى ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻤﻬﻨﺘﻲ اﻷوﻟﻰ وﻫﻲ ﻣﻬﻨﺔ )اﻟ َﻘﻔﱠﺎص( ﻓﻜﻨﺖ أﺷﺘﺮي اﻟﺠﺮﻳﺪ اﻟﺬي أﻗﻄﻌﻪ ﻣﻦ ﻧﺨﻴﻞ أﻫﻞ ﻗﺮﻳﺘﻲ واﻟﻘﺮى اﻟﻤﺠﺎورة وأﺟﻔﻔﻪ أﻣﺎم ﻣﻨﺰﻟﻲ ﺛﻢ أﻧﺰع اﻟﺴﻌﻒ ﻋﻨﻪ ،وأﻗﻄﻌﻪ ﻷﻋﻮاد ﺻﻐﻴﺮة وأﻋﻴﺪ ﺗﺸﻜﻴﻠﻬﺎ وﺗﺮﻛﻴﺐ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺛﻘﻮب ﺻﻐﻴﺮة أﺻﻨﻌﻬﺎ داﺧﻞ أﻋﻮاد اﻟﺠﺮﻳﺪ ﺑﻤﺜﻘﺎب ﺣﺪﻳﺪ ،ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺸﻜﻞ اﻟﻘﻔﺺ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻪ أﻫﻞ ﻗﺮﻳﺘﻲ ﻓﻲ ﺗﻌﺒﺌﺔ أﻧﻮاع اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺰرﻋﻮﻧﻬﺎ ﻣﺜﻞ )اﻟﺒﺮﺗﻘﺎل واﻟﻴﻮﺳﻔﻲ واﻟﺮﻣﺎن واﻟﻤﺎﻧﺠﻮ(. وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻬﻨﺘﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻋﻮﺿً ﺎ ﻋﻦ اﻟﺸﻬﻮر اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﻀﻴﻬﺎ ﺑﻼ ﻋﻤﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻮﺳﻢ ﻗﻄﻊ اﻟﺠﺮﻳﺪ ،ﻓﺘﺤﺴﻨﺖ ﺣﺎﻟﺘﻲ اﻟﻤﺎدﻳﺔ وزاد اﻟﻄﻠﺐ ﻋﻠﻰ أﻗﻔﺎﺻﻲ اﻟﻤﺘﻴﻨﺔ ،ﺛﻢ ذاﻋﺖ ﺷﻬﺮﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺮى اﻟﻤﺠﺎورة ﻓﻘﺼﺪﻧﻲ ﺗﺠﺎر اﻷﺳﻮاق ﻷﺻﻨﻊ ﻟﻬﻢ ﻧﻮﻋﺎً ﻣﻦ اﻷﻗﻔﺎص ﻳﺴﻤﻰ ) ِﻋ ﱠﺪاﻳَﺔ( وﻫﻲ أﻛﺜﺮ ُﺳﻤﻜًﺎ ﻣﻦ أﻗﻔﺎص اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ؛ ﻳﺤﻤﻠﻮن ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺨﻀﺮاوات ﻓﻲ اﻷﺳﻮاق ﻟﺘﻮزع ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺎر ِ اﻟﺼﻐﺎر ،وﻫﻲ أﻏﻠﻰ ﺛﻤ ًﻨﺎ ﻣﻦ أﻗﻔﺎص اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺘﻄﻠﺐ أﻋﻮاد ﺟﺮﻳﺪ أﻛﺜﺮ وأﻛﺜﺮ ﺳﻤﻜًﺎ ،ﻓﻬﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻟﺴﻨﻮات ﻋﻨﺪ ﺗﺠﺎر اﻟﺠﻤﻠﺔ وﺗﺤﺘﻤﻞ اﻟﺘﻨﻘﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﺴﻴﺎرت واﻷﺳﻮاق. وﻛﺎﻧﺖ أﻗﻔﺎﺻﻲ ﻣﻤﻴﺰة ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺳﻮاق ﻷﻧﻲ ﻛﻨﺖ أﻛﺘﺐ اﺳﻤﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻳﺼﻌﺐ ﻣﻌﻪ ﺗﻘﻠﻴﺪﻫﺎ أو ﻧﺴﺒﺘﻬﺎ ﻟﺤﺮﻓﻲ آﺧﺮ ،ﻓﺼﺎر اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﻤﻴﺰون أﻗﻔﺎص )ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻴﺪ اﻟ َﻨﺠﻌﺎوي( ﻋﻦ أﻗﻔﺎص ﺑﺎﻗﻲ ِ اﻟﺤ َﺮﻓ ﱠﻴﺔ.وﻣﺮت اﻷﻳﺎم وﻛﺒﺮ أوﻻدي وزادت اﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﺔ ،ﻓﻔﻜﺮت ﻓﻲ اﻟﺴﻔﺮ ﻟﻠﺨﺎرج ﻛﻲ أوﻓﺮ ﻟﻬﻢ ﻟﻘﻤﺔ اﻟﻌﻴﺶ وﻣﺼﺎرﻳﻒ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ؛ ﻷﻧﻲ ﻛﻨﺖ أرﻏﺐ أن ﺗﻜﻮن أﺣﻮاﻟﻬﻢ أﻓﻀﻞ ﻣﻨﻲ ﺑﺘﻌﻠﻴﻤﻬﻢ ،ﻓﺴﺎﻓﺮت ﻟﺪوﻟﺔ ﻟﻴﺒﻴﺎ ،وﻫﻨﺎك ﺑﺤﺜﺖ ﻋﻦ ﻋﻤﻞ ﻓﻠﻢ أﺟﺪ ﻣﺎ ﻳﻨﺎﺳﺒﻨﻲ ،ورﻣﺎﻧﻲ اﻟﻘﺪر ﻓﻲ ﺑﺴﺘﺎن ﻧﺨﻴﻞ ﻛﺒﻴﺮ ﻷﺣﺪ أﻫﻞ اﻟﺒﻠﺪ ﻫﻨﺎك ،وﻋﻨﺪﻣﺎ رأﻳﺖ اﻟﻨﺨﻴﻞ
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
ƪǗƟǖČ ǕǥƯǜ ǢǗLJ ƠǚƚƜǐ ƠǤĨưǤ ġƲƫ أﺷﺮف ﺳﻌﺪ
ﻣﻨﺬ ﻗﺪﻳﻢ اﻟﺰﻣﺎن وﺷﺠﺮة ﻧﺨﻴﻞ اﻟﺒﻠﺢ ﻣﻦ أﻫﻢ ﻣﻘﻮﻣﺎت اﻟﺤﻴﺎة ﻟﺪى اﻟﺸﻌﻮب اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،إذ اﻋﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﻜﺎن اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ،وﺑﺪأت زراﻋﺔ ﻧﺨﻴﻞ اﻟﺒﻠﺢ ﻓﻲ ﺑﻼد ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﻬﺮﻳﻦ )اﻟﻌﺮاق( ﻣﻨﺬ ﻣﺎ ﻳﺮﺑﻮ ﻋﻠﻰ 4000ق.م وﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻣﻨﺬ 3000ق.م ،ووﺻﻔﺖ اﻟﻨﺨﻠﺔ ﺑﺎﻟﺸﺠﺮة اﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ ﻟﻜﺜﺮة ﻋﻄﺎﺋﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺮ واﻟﺮﻃﺐ ،وﻳﻘﻮم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺻﻨﺎﻋﺔ أﻗﻔﺎص اﻟﺠﺮﻳﺪ واﻟﻜﺮاﺳﻲ واﻟﻤﻨﺎﺿﺪ وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺨﺸﺐ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر اﻟﻤﻮﺻﻠﻲ وﻛﺬﻟﻚ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻤﻔﺎرش اﻟﺴﻌﻔﻴﺔ وﺻﻨﺎﻋﺔ )اﻟﺪﻣﺎج( اﻟﺤﺒﺎل وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻜﺮ وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺒﺪود وﺳﺮوج اﻟﺤﻤﻴﺮ وﻃﺎﻟﻊ اﻟﻨﺨﻞ ﺣﺮﻓﺔ أﺧﺮى ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺎ ﻋﺎﻣﻞ ﻣﺘﺨﺼﺺ ﺑﺘﻘﻠﻴﻢ اﻟﺠﺮﻳﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ وﻳﻀﻊ ﺣﺒﻮب اﻟﻠﻘﺎح )اﻟﻄﻠﻊ( ﻓﻲ اﻟﻨﺨﻴﻞ اﻟﻤﺆﻧﺚ ﻟﻀﻤﺎن ﻣﺤﺼﻮل ﺟﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺮ. ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺪﻣﺎج أو اﻟﺤﺒﺎل
ﻟﻴﻒ اﻟﻨﺨﻠﺔ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻧﺴﻴﺞ رﻗﻴﻖ ﻳﻨﻤﻮ ﻋﻠﻰ ﺟﺬع اﻟﻨﺨﻠﺔ ﻳﺘﻢ ﻧﺰﻋﻪ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻤﻨﺠﻞ وﻳﻮﺿﻊ ﻓﻲ اﻟﻤﺎء ﺣﺘﻰ ﻳﺴﻬﻞ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﺛﻢ ﻳﺠﻔﻒ ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺲ ﺛﻢ ﺗﺒﺪأ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺤﺒﺎل ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ ﺗﺴﻤﻰ اﻟﺪﻣﺎج وﻫﻲ ﻓﺘﻞ ﻗﻄﻊ اﻟﻠﻴﻒ ﺑﻴﻦ ﻛﻔﺘﻲ اﻟﻴﺪ وﻳﻨﺘﺞ ﻋﻨﻬﺎ ﺣﺒﺎل رﻓﻴﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎدة ﺗﺘﻜﻮن ﻣﻦ ﺧﻴﻄﻴﻦ رﻓﻴﻌﻴﻦ وﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺣﺒﺎل ﺳﻤﻴﻜﺔ ﻳﺘﻢ ﺑﻔﺘﻞ أو دﻣﺞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺣﺒﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﺒﺎل اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ وﺗﺴﻤﻰ ﻫﺬه اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﻜﺴﺎر. ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺒﺪود وﺳﺮوج اﻟﺤﻤﻴﺮ
ﻣﻦ اﻟﻤﻬﻦ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﻠﻴﻒ اﻟﻨﺨﻠﺔ وﻫﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺳﺮوج اﻟﺤﻤﻴﺮ وﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﺟﺰء ﻣﻌﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﺮج ﻳُﻌﺮف ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺒﺪﻳﺪ وﻫﻰ ﺣﺮﻓﺔ ﺗﺤﺘﺎج ﻟﻤﻬﺎرة ﻋﻨﺪ ﻓﺘﻞ أو دﻣﺞ اﻟﻠﻴﻒ وﺻﻨﻊ اﻟﺒﺪود ﻣﻨﻬﺎ. ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺒﺮوش اﻟﺴﻌﻔﻴﺔ
اﻟﺒﺮش ﻫﻮ ﻣﻔﺮش ﻣﻦ اﻟﺴﻌﻒ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻷﺷﻜﺎل واﻷﺣﺠﺎم ﺗﻘﻮم ﺑﺼﻨﺎﻋﺘﻪ اﻟﻤﺮأة واﻟﺮﺟﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺳﻮاء وذﻟﻚ ﺑﻀﻔﺮ اﻟﺴﻌﻒ
ﺑﻤﺎ ﻳُﻌﺮف ﺑﺎﻟﻘﺬﻳﻔﺔ وﻳﺴﺘﺨﺪم اﻟﺒﺮش ﻓﻲ أﻏﻠﺐ دورات اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺒﺮش اﻷﺣﻤﺮ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻋﻨﺪ اﻟﻤﻴﻼد وﻋﻨﺪ اﻟﺨﺘﺎن واﻟﺰواج واﻟﺒﺮش اﻷﺣﻤﺮ ﻳُﻌﺮف ﺑـ )ﺑﺮش اﻟﻌﻮﺟﺔ( وﻫﻮ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ﺑﻌﺎدات دﻓﻦ اﻟﻤﻮﺗﻰ ﺣﻴﺚ ﻳُﺤﻤﻞ اﻟﻤﺘﻮﻓﻲ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺮ ﺧﺸﺒﻲ ﻣﻔﺮوش ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺮش أﺑﻴﺾ ،وﻓﻲ اﻟﻌﺎدات اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻳُﻔﺮش اﻟﺒﺮش اﻷﺣﻤﺮ ﻟﺘﺠﻠﺲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻤﺮأة اﻟﻨﻔﺴﺎء وﺗﺮﻗﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻌﺪ اﻟﻮﻻدة وﻋﻨﺪ اﻟﺰواج أﻳﻀً ﺎ ﺣﻴﺚ ﻳﻔﺮش ﻟﻠﻌﺮﻳﺲ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺤﻨﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻨﻘﺮﻳﺐ اﻟﺬي ﻳﺠﻠﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺮش أﺣﻤﺮ. ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺨﺸﺐ ﻣﻦ ﺟﺮﻳﺪ اﻟﻨﺨﻴﻞ
ﺗﺠﺮﺑﺔ راﺋﺪة ﻗﺎم ﺑﻬﺎ اﻷﺳﺘﺎذ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺣﺎﻣﺪ اﻟﻤﻮﺻﻠﻲ اﻷﺳﺘﺎذ ﺑﻜﻠﻴﺔ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻋﻴﻦ ﺷﻤﺲ ﺑﻤﺼﺮ ﻓﻘﺪ ﻗﺎم ﺑﺘﺠﺮﺑﺘﻪ ﺑﻤﺮﻛﺰ اﻟﻌﺪوة ﺑﻤﺤﺎﻓﻈﺔ اﻟﻤﻨﻴﺎ وأوﻟﻰ ﺧﻄﻮات ﻣﺸﺮوﻋﺔ اﻟﺮاﺋﺪ ﺗﺘﻢ ﺑﻘﻄﻊ اﻟﺠﺮﻳﺪ ﺑﻌﺪ ﺟﻤﻊ ﻣﺤﺼﻮل اﻟﺒﻠﺢ ﺛﻢ إزاﻟــﺔ اﻟﺨﻮص )اﻷوراق اﻟﺮﻳﺸﻴﺔ( اﻟﻤﻮﺟﻮد ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺮﻳﺪ ﺛﻢ ﺗﻘﻄﻊ اﻟﺠﺮﻳﺪة إﻟﻰ ﺛﻼث ﻗﻄﻊ ﻃﻮﻟﻴﺔ، وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺗﺸﺬب إﻟﻰ ﻗﻄﻊ ﺻﻐﻴﺮة وﻳﻠﻲ ذﻟﻚ ﺗﺠﻤﻴﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﻣﺴﺘﻄﻴﻞ وﺗﻮﺿﻊ ﻓﻲ ﻣﻜﺒﺲ ﺻﻤﻤﻪ اﻟﺪﻛﺘﻮر اﻟﻤﻮﺻﻠﻲ وﺗﻜﺒﺲ، ﻓﺘﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﻤﻜﺒﺲ ﻗﻄﻌﺔ ﺧﺸﺐ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﻜﻞ اﻷﻏﺮاض .وﻗﺪ ﻧﺎل اﻟﺪﻛﺘﻮر اﻟﻤﻮﺻﻠﻲ ﺷﻬﺎدة دوﻟﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﻧﺠﺎح ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ ﻣﻦ ﻣﻌﻬﺪ ﻣﻴﻮﻧﺦ ﻟﻸﺧﺸﺎب ﻋﺎم 2010م وﺷﻬﺎدة ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻬﺪ ﺗﺆﻛﺪ أن اﻟﺨﺸﺐ اﻟﻨﺎﺗﺞ ﻣﻦ ﺟﺮﻳﺪ اﻟﻨﺨﻴﻞ ﻳُﻨﺎﻓﺲ أﺟﻮد أﻧﻮاع اﻷﺧﺸﺎب. ﻓﻮاﺋﺪ أﺧﺮى ﻟﺴﻌﻒ اﻟﻨﺨﻴﻞ
ﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﻠﺔ ﻫﻮ أوراق اﻟﻨﺨﻠﺔ وﻃﻮل اﻟﺴﻌﻔﺔ ﻣﻦ 3إﻟــﻰ 4أﻣﺘﺎر وﻳﻮﺟﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻌﻔﺔ أوراق رﻳﺸﻴﺔ اﻟﺸﻜﻞ وﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﻴﻞ ﻫﻮ اﻟﻘﻤﺔ اﻟﻨﺎﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ اﻟﻨﺨﻠﺔ وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﺑﻘﻠﺐ اﻟﻨﺨﻠﺔ ﻳﻜﻮن ﻟﻮﻧﻪ أﺑﻴﺾ وﺑﻌﺪ ﺧﺮوﺟﻪ ﺑﻔﺘﺮة ﻳﻜﺘﺴﺐ اﻟﻠﻮن اﻷﺧﻀﺮ وﻟﻪ ﻓﻮاﺋﺪ واﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت ﻛﺜﻴﺮة ﻣﺜﻞ :ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ اﻟﻄﺐ اﻟﺸﻌﺒﻲ وﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺴﻼل وﻓﻰ ﺗﻨﺠﻴﺪ اﻟﻤﻘﺎﻋﺪ )اﻟﻜﺮﻳﻨﺔ( وﺻﻨﻊ اﻟﻤﺮاوح اﻟﻴﺪوﻳﺔ وﺻﺤﻮن اﻟﻘﺶ وﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻷﻋﻼف اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ وﻳﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ ﻋﻤﻞ أﺳﻘﻒ أﺳﻄﺢ اﻟﻤﻨﺎزل وأﺳﻴﺠﺔ اﻟﺤﺪاﺋﻖ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
59
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ ﻛﺪﻳﻜﻮر ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎزل .ﻳﻘﻮل ﻫﺎﻧﻲ ﻣﺤﻤﻮد» :اﻟﺤﺮﻓﺔ ﻣﻬ ﱠﺪدة ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺻﺒﺮ ﻃﻮﻳﻞ ،ﻓﻘﻄﻌﺔ ﺧﻴﺎﻣﻴﺔ ﻃﻮﻟﻬﺎ ﻣﺘﺮ ،ﺗﺤﺘﺎج ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ أﺳﺒﻮع ،ﻧﺴﺘﺨﺪم أﻗﻤﺸﺔ اﻟﺘﻴﻞ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺳﻤﻴﻜﺔ ،ﺛﻢ ﻧﻘﻮم ﺑﺘﺨﺮﻳﻢ اﻟﺮﺳﻢ وﻧﻀﻊ ﺑﻮدرة ﻣﺨﺼﺼﺔ ﻟﻄﺒﻊ اﻟﺮﺳﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻤﺎش ،ﺛﻢ أﺧﻴ ًﺮا ﺗﺄﺗﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ«. ﺗﺴﺘﻤﺪ ﺗﺼﻤﻴﻤﺎت ﻫﺎﻧﻲ وأﺧﻴﻪ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﻮﻣﺎت ﻓﺮﻋﻮﻧﻴﺔ واﻟﻘﺒﻄﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﻮرﺳﻮﻣﺎت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ .ﻳﺸﻴﺮ ﻫﺎﻧﻲ إﻟﻰ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻤﻌﻠﱠﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻮاﺋﻂ اﻟﻤﻜﺎن وﻳﻘﻮل» :ﻫﺬا اﻟﻔﻦ ﻳﻤﺜﱢﻞ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮاﺣﻠﻬﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ وﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم« .وﻳﻀﻴﻒ» :إن اﻟﺴﺎﺋﺢ ﻳﻘ ﱢﺪر ﺟﻴ ًﺪا ﻗﻴﻤ َﺔ اﻟﻘﻄﻌﺔ اﻟﻔﻨﻴﺔ ،واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻴﺪوﻳﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ وﺧﺎﺻﺔ اﻟﺨﻴﺎﻣﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﻋﺸﺎﻗﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ". اﻟﺴﺠﺎد اﻟﻌﺮﺑﻲ وﺗﻮﻇﻴﻒ اﻟﻄﺮز اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ
ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺴﺠﺎد اﻟﻴﺪوي واﺣﺪة ﻣﻦ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ أﻳﻀً ﺎ ،وﻣﺤﻤﺪ اﻟﺪﻟﻤﻮﻧﻲ أﺣﺪ ﺻ ﱠﻨﺎع اﻟﺴﺠﺎد اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺒﺎﻗﻴﻦ ﻓﻲ ﺣﻲ »اﻟﺤﺴﻴﻦ« اﻟﺸﻬﻴﺮ .ﻳﻌﺘﻤﺪ اﻟﺪﻟﻤﻮﻧﻲ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻟﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻴﻤﺎت اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ،ﻳﺤﻀﺮ اﻟﺘﺮاث ﻗﻮﻳٍّﺎ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻟﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺪ ﺳﻮﻗًﺎ ﻛﺒﻴﺮة ،ﻓﻲ ﻣﺼﺮ وﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻷوروﺑﻴﺔ. ﺑﻔﺨﺮ أﺧﺒﺮﻧﺎ اﻟﺪﻟﻤﻮﻧﻲ ﻛﻴﻒ ﻳﻮﻇﱢﻒ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎﻟﺔ اﻟﻴﺪوﻳﺔ ،ﻷﻧﻪ
58
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
ﻻ ﻳﺴﺘﺨﺪم اﻟﻤﺎﻛﻴﻨﺎت؛ ﻓﺎﻟﻬﺎﻧﺪ ﻣﻴﺪ )- (hand madeﺣﺴﺐ ﻗﻮﻟﻪ- ﻟﻪ ﻣﺤﺒﻮه ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ أوروﺑﺎ .وﻳﺆﻛﱢﺪ اﻟﺪﻟﻤﻮﻧﻲ أن ﺳﺮ ﻧﺠﺎﺣﻪ ﻫﻮ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ ﻋﻤﺎﻟﺔ ﻣﺘﻌﻠﻤﺔ ﻣﺜﻘﻔﺔ ﺗﻌﺮف ﻛﻴﻒ ﺗﻮﻇﱢﻒ اﻟﺘﺮاث ﺑﺮؤﻳﺔ ﻣﻌﺎﺻﺮة. َ ﻣﻮﻗﺪة! اﻟﺸﻤﻮع ﻣﺎ ﺗﺰال
ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺻﻴﻒ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻳﺠﻠﺲ اﻟﺤﺎج أﺑﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﻳﻮﺳﻒ ﻓﻲ دﻛﺎن ﺻﻐﻴﺮ ،ﻣﻜ ﱠﺪس ﺑﺠﻤﻴﻊ أﻧﻮاع اﻟﺸﻤﻮع ﻣﺤﺎﻓﻈًﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﺗﻜﺎد ﺗﻨﻘﺮض .ﻳﻘﻮل :ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺸﻤﻮع ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻴﺪوﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﻬﺎ اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن ،ﻟﺘﻨﻴﺮ ﻗﺼﻮر اﻟﻤﻠﻮك واﻷﻣﺮاء واﻷﺛﺮﻳﺎء ،ﻛﻤﺎ ﺗﻨﻴﺮ اﻟﻤﻌﺎﺑﺪ ،وﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ اﻟﻜﻬﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﻠﻮات .ﻇﻠﱠﺖ ﻣﺘﺪا َوﻟﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﻌﺼﻮر ،وﻟﻢ ﻳَﻘ ِْﺾ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﺧﺘﺮاع اﻟﻤﺼﺎﺑﻴﺢ. ﻳﻘﻮل أﺑﻮ ﻣﺤﻤﺪ :ﺗﻐﻴﺮت اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت ،ﻧﺼﻤﻢ ﺷﻤﻮ ًﻋﺎ ﺗﺘﻼءم ﻣﻊ اﻷﻋﻴﺎد واﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻓﺎﻻﺑﺘﻜﺎر ﻋﺎﻣﻞ أﺳﺎﺳﻲ ﻟﻠﻨﺠﺎح وﺟﺬب اﻟﺠﻤﻬﻮر اﻟﺬي ﻳﻔﻀﻞ داﺋ ًﻤﺎ ﻟﻤﺴﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث ﻣﻊ ﺗﺼﻤﻴﻤﺎت ﺗﻤﺜﱢﻞ اﻟﺮوح اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ واﻟﻤﻼﻣﺢ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﻜﺘﺎﺑﺎت ﺑﺎﻟﺨﻂ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻟﻜﻮﻓﻲ. وﻫﻮ ﻣﻨﺘﺞ ﻳﺠﺬب اﻟﺴﻴﺎح ،ﺧﺎﺻﺔ اﻟﺘﺼﻤﻴﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺸﻜﻞ ﻣﻦ ﻛﻮﻻج ﻳﺠﻤﻊ أﺷﻜﺎﻻً ﻓﺮﻋﻮﻧﻴﺔ أو ﻗﺒﻄﻴﺔ أو إﺳﻼﻣﻴﺔ ،ﻓﺎﻟﺸﻤﻮع ﺗﻤﺜﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺴﺎﺋﺢ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﺳﺤﺮ اﻟﺸﺮق
»ﻣﻌﺘﺰ ﻣﻤﻴﺶ« وﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﺤﻠﻲ
وﺗﻌﺪ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﻔﻨﺎن ﻣﻌﺘﺰ ﻣﺼﻄﻔﻲ ﻣﻤﻴﺶ ،اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺤﻠﻲ ،واﺣﺪة ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ .وﻫﻮ داﺋ ًﻤﺎ ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ اﻟﺤﻠﻲ اﻟﺘﻲ ﺷﻜﱠﻠﻬﺎ اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن اﻟﻘﺪﻣﺎء. وﻳﺮى ﻣﻤﻴﺶ أن ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺤﻠﻲ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻮاﻋﺪة ﻓﻲ ﻣﺼﺮ؛ ﻻﺗﺴﺎع اﻟﻘﺎﻋﺪة اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل ﻣﻦ ﻣﺼ ﱢﻤﻤﻴﻦ و ُﻣﺼ ﱢﻨﻌﻴﻦ ذوي ﻣﻬﺎرات ﻋﺎﻟﻴﺔ ،اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻘﻨﻮن ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﺤﻠﻲ ،ﻣﺎ دﺧﻼ ﻗﻮﻣ ٍّﻴﺎ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ واﺣﺪة ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪ ﱡر ً ﻛﺒﻴ ًﺮا. »اﻟﺨﻴﺎﻣﻴﺔ« ﺗﻘﺎوم اﻻﻧﺪﺛﺎر
اﻟﻤﻮروث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻓﺄﺑﺪﻋﺖ ،ﻣﻨﻬﺎ ﻗﺮﻳﺔ »ﻓﺠﻨﻮن« )اﺧﺘﺼﺎر ﻟﻜﻠﻤﺘﻲ ﻓﻦ وﺟﻨﻮن( ،اﻟﺘﻲ أﻧﺸﺄﻫﺎ اﻟﻔﻨﺎن اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﻋــﻼم ،ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻓﻈﺘﻲ اﻟﺠﻴﺰة واﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ .وﺗﻘﻮم ﻓﻜﺮة "ﻓﺠﻨﻮن" ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺪأ دﻋﻢ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻄﻔﻞ ،ﻓﻲ أن ﻳﻌﻴﺶ ﺳ ﱠﻨﻪ ،وأن ﻳﺠﺪ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻺﺑﺪاع واﻟﺘﻔﻜﻴﺮ واﻟﺘﺨﻴﻞ ﻣﻦ ﺧﻼل أﻧﺸﻄﺔ رﻳﺎﺿﻴﺔ وﻳﺪوﻳﺔ وأﻟﻌﺎب ﺗﺼﻞ اﻷﻃﻔﺎل ﺑﻤﻨﺘﺠﺎت ﺑﻴﺌﺎﺗﻬﻢ وﺣﺮﻓﻬﺎ.
واﺣــﺪة أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،ﻫﻲ »اﻟﺨﻴﺎﻣﻴﺔ« ،اﻟﺘﻲ أُﻃﻠﻖ اﺳﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﻬﻤﺔ داﺧﻞ ﺣﻲ »اﻟﻐﻮرﻳﺔ« ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﺼﺮ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻳﺠﺘﻤﻊ ﺑﻬﺎ ﻓ ﱠﻨﺎﻧﻮ »اﻟﺨﻴﺎﻣﻴﺔ« اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﻫﺎﻧﻲ ﻣﺤﻤﻮد ،أﺣﺪ ﻓﻨﺎﻧﻲ ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ،ﺗﺮك اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﻤﺼﺮﻓﻲ ،وواﺻﻞ ﻣﺸﺮوﻋﻪ ﻣﻊ أﺧﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﺨﻴﺎﻣﻴﺔ ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻣﻬﻨﺔ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ .وﺑﻌﺪ أن ﻛﺎن ﺟﺪﻫﻤﺎ ﻳﺮﺳﻢ اﻟﺘﻄﺮﻳﺰات اﻟﻴﺪوﻳﺔ ﻋﻠﻰ اﻟِﺨﻴﺎم، ﺻﺎروا ﻳﻨﻔﱢﺬون اﻟﺘﺼﻤﻴﻤﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻔﺎرش واﻟﺘﺎﺑﻠﻮﻫﺎت
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
57
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
ƠƦǤưƫ ďƜLJƜǝƼǖ ĎƲǥƮĕ ĐČƲƣǖČ ǛǠǙ ﺳﻌﺎد ﺳﻌﻴﺪ ﻧﻮح
وﻳﺸﻴﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻬﺎدي إﻟﻰ أن اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ ﺑﺎﺗﺖ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﻻ ﺗﻨﺤﺼﺮ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺪول اﻟﻨﺎﻣﻴﺔ ،ﺑﻞ ﻓﻲ اﻟﺪول اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ، وأﺑﺮزﻫﺎ اﺳﺘﺮاﻟﻴﺎ واﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة وأوﻛﺮاﻧﻴﺎ واﻟﻴﺎﺑﺎن ،اﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﺑﺈﻋﺪاد ﺗﻘﺎرﻳﺮ دورﻳﺔ ﻋﻦ اﺗﺠﺎﻫﺎت اﻗﺘﺼﺎدﻳﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺑﻬﺎ .وﻳﻀﻴﻒ: ﻟﻬﺬه اﻟﺪول أﺳﺒﺎب أﺧﺮى ﺑﺨﻼف اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎﻳﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺮﺻﻬﺎ ﻋﻠﻰ رﻓﺎﻫﻴﺔ ﺷﻌﻮﺑﻬﺎ ،وﺗﻌﻤﻴﻖ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﺠﻤﺎل واﻟﺜﻘﺔ واﻟﺤﺮﻳﺔ ،واﺳﺘﻜﺸﺎف ﻣﻮاﻫﺐ وﻗﺪرات أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ،وﺑﻨﺎء ﺻﻨﺎﻋﺎت ﺻﻐﻴﺮة ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺴﺎﺋﺪة -اﻟﺘﻲ ﺳﻴﺘﻢ ﺗﺠﺪﻳﺪﻫﺎ- داﺧﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ .وﻣﻦ أﺑﺮز ﻋﻮاﻣﻞ ﺣﺮص اﻟﺪول اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻐﺬﻳﺔ ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت؛ ﺗﻀﺎؤل اﻟﻤﻮارد اﻟﺨﺎم وﺗﺰاﻳﺪ اﻻﺳﺘﻬﻼك اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻬﺎ، ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻮﺟﺐ إﻋﺎدة ﺑﻨﺎء اﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ واﻟﺴﻠﻮك اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ.
اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﺑﺪأ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻨﺘﺒﻪ ﻷﻫﻤﻴﺘﻬﺎ وﺟﺪواﻫﺎ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻓﺎﻟﻤﻜﻮﻧﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻣﺼﺪر ﻣﻬﻢ وﻣﺘﻨﻮع ﻣﻦ ﻣﺼﺎدر اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ. ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺿﻮء ﻋﻠﻰ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻹﻓﺎدة ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث ﻟﻴﺼﺒﺢ أﺣﺪ رواﻓﺪ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻴﺔ ،ﻋﺒﺮ ﺗﻮﻇﻴﻔﻪ واﻻﺷﺘﻐﺎل ﻋﻠﻴﻪ. اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،أن ﻳﺮى اﻟﺪﻛﺘﻮرزﻳﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻬﺎدي، ﱢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻹﺑﺪاﻋﻲ أو اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ )اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ( ﻳﻤﺜﻞ ً ﺑﺪﻳﻼ ﻋﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺎت اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻤﻮاد اﻟﺨﺎم )ﻛﺎﻟﻨﻔﻂ واﻟﺘﻌﺪﻳﻦ وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ( أو )اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ( أو ﻣﻮازﻳًﺎ ﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺘﺞ اﻟﺘﺮاﺛﻲ اﻟﻔﻨﻲ واﻷدﺑﻲ واﻟﻌﻠﻤﻲ ﻓﻲ إﻧﺘﺎج ﺳﻠﻊ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ دﻋﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد ،وﻳﻤﻜﻨﻬﺎ اﺳﺘﻴﻌﺎب اﻟﻘﻮى اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ» ،ﻓﺠﻨﻮن« وﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻔﻦ ﺑﺠﻨﻮن واﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻮﺳﻴﻊ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺼﻐﻴﺮة .ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻲ ،ﻫﻨﺎك ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ اﺳﺘﻔﺎدت ﻣﻦ
56
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
اﻟﻔﺴﻄﺎط ..ﺣﺎرس اﻟﻔﺨﺎر اﻟﻤﻘﻴﻢ!
ﻓﻲ »اﻟﻔﺴﻄﺎط« ،ﺑﻘﻠﺐ اﻟﻘﺎﻫﺮة اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﺗﻮﺟﺪ 50ورﺷﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﻳﻮﻣ ٍّﻴﺎ ﻹﻧﺘﺎج اﻟﻔﺨﺎر اﻟﻤﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ اﻟﻄﻬﻲ أو اﻟﺰﻳﻨﺔ ،وﻳﺘﻢ ﻛﻞ ذﻟﻚ أﻣﺎم اﻟﺠﻤﻬﻮر ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﻦ ﺧﻠﻂ اﻟﻄﻤﻲ وﺗﺸﻜﻴﻠﻪ ﺛﻢ دﺧﻮﻟﻪ اﻟﻔﺮن ﺣﺘﻰ زﺧﺮﻓﺘﻪ» .أﺣﻤﺪ ﻣﺤﻤﺪ زﻛﻲ« ) 59ﺳﻨﺔ( ،ﺻﺎﺣﺐ ورﺷﺔ ﻓﺨﺎر، ورﺋﻴﺲ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﻔﺨﺎر واﻟﺨﺰف ،اﺳﺘﻬﻮﺗﻪ اﻟﻤﻬﻨﺔ ﻣﻨﺬ ﻃﻔﻮﻟﺘﻪ .وﺑﺤﺴﺐ »زﻛﻲ« ﻓﺈن ﻣﻬﻨﺔ اﻟﻔﺨﺎر ﻻ ﻳﻨﺠﺢ ﻓﻴﻬﺎ إﻻ َﻣﻦ ﻳﻬﻮاﻫﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﺪ واﻟﻌﻘﻞ ﻛﺮأس ﻣﺎل ﺧﺎص ﺑﻬﺎ ،وﺗﻔﺘﻘﺮ إﻟﻰ اﻟﻤﻴﻜﻨﺔ .ﻳﺸﻜﱢﻞ زﻛﻲ أواﻧﻲ اﻟﻔﺨﺎر اﻟﺼﻐﻴﺮة ﺑﺄﻧﺎﻣﻠﻪ ،وﻳﺒﺪأ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺗﻨﻘﻴﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺰواﺋﺪ واﻟﺸﻮاﺋﺐ ،وﻳﻔﻀﱢ ﻞ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺨﺎر اﻟﻤﻠﻮن، ﻳﺮﺻﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺴﺎوي داﺧﻞ ﺳﻮاء ﺑﺎﻟﻐﻤﺮ ﻓﻲ اﻷﻟﻮان أو ﺑﺎﻟﺮش ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﱡ ﻓﺮن ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻲ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ درﺟﺔ ﺣﺮارة 70درﺟﺔ ﻣﺌﻮﻳﺔ ﻟﻤﺪة 12 ﺳﺎﻋﺔ ،ﻳﻄﻔﺄ ﺑﻌﺪﻫﺎ اﻟﻔﺮن وﻳﻈﻞ ﻣﻐﻠﻘًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺨﺎر ﻳﻮ ًﻣﺎ ﺑﺄﻛﻤﻠﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺼﺒﺢ اﻟﻔﺨﺎر ﺟﺎﻫ ًﺰا ﻟﻠﺒﻴﻊ .ورث زﻛﻲ اﻟﻤﻬﻨﺔ ﻋﻦ واﻟﺪه ،وﻛﺎن ﻳﺮﻏﺐ أن ﻳﻮ ﱢرﺛﻬﺎ ﻟﻨﺠﻠﻪ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺮى أن اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻏﻴﺮ ﻣﻤ ﱠﻬﺪ ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﻤﻬﻨﺔ ﻛﺎﻧﺖ ُﻣ ْﺮ ِﺑ َﺤ ًﺔ ﺣﺘﻰ أواﺋﻞ اﻷﻟﻔﻴﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ،ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﻗﻮﻟﻪ. »ﺻﻼح ﻣﺤﻤﺪ« ) 58ﺳﻨﺔ( ،أﺣﺐ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻔﺨﺎر ﻣﻨﺬ أن ﻛﺎن ﺻﺒ ٍّﻴﺎ؛ ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﻨﻴﺎت ،ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ،وﻳﻀﻴﻒ» :ﻛﺎن اﻹﻗﺒﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺨﺎر ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻓﻲ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت واﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت« ،ﺗﻌﺎون »ﺻﻼح« ﻣﻊ وزارة اﻟﺰراﻋﺔ، ﺣﻴﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻄﻠﺐ ﻧﺤﻮ ﻣﻠﻴﻮن أﺻﻴﺺ زرع ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻴﻦ واﻵﺧﺮ ،وﻛﺎن
ﺻﻌﺒًﺎ أن ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻌﺪد ورﺷﺘﻪ ﻓﻘﻂ ،ﻓﻌﻤﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﻻﺷﺘﺮاك ﻣﻊ ﻧﺤﻮ 20ورﺷﺔ أﺧﺮى .ﻳﻘﻮل ﻣﺤﻤﺪ» :اﻟﺪﻧﻴﺎ زﻣﺎن ﻛﺎﻧﺖ رﺧﻴﺼﺔ، واﻟﻄﻴﻦ ﻛﺎن ﻳﺒﺎع ﺑﺄﺳﻌﺎر زﻫﻴﺪة؛ وذﻟﻚ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻛﺜﺮة اﻷراﺿﻲ اﻟﺰراﻋﻴﺔ وﺳﻬﻮﻟﺔ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ ،أﻣﺎ اﻵن ﻓﺎﻷراﺿﻲ اﻟﺰراﻋﻴﺔ ﺗﻢ اﻟﺒﻨﺎء ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ أن وزارة اﻟﺰراﻋﺔ ﺗﺴﺘﺨﺪم اﻷُ ُﺻﺺ اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ، وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺨﻔﺾ اﻟﻄﻠﺐ وارﺗﻔﺎع أﺳﻌﺎر اﻟﻤﻮاد اﻟﺨﺎم اﻧﺨﻔﺾ اﻹﻧﺘﺎج«. ﻛﻞ ﺷﺨﺺ داﺧﻞ اﻟﻮرﺷﺔ ﻟﻪ وﻇﻴﻔﺔ ﻣﻬﻤﺔ ،ﻓﺒﺤﺴﺐ »إﺑﺮاﻫﻴﻢ« ﻓﺈن اﻟﻮرﺷﺔ ﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ )اﻟﺪوﻻب( ،وﻳﺴ ﱠﻤﻰ اﻟﻤﺴﺆول ﻋﻦ ﻋﺠﻦ اﻟﻄﻴﻦ ﻟﻜﻲ ﻳﺼﺒﺢ ﻟﻴﱢ ًﻨﺎ »ﻋ ﱠﺠﺎن« ،أﻣﺎ اﻟﻤﺴﺆول ﻋﻦ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻄﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺣﺠﺮ داﺋﺮي ﻫﻮ »اﻟﻔﺨﺎري« ،وﻓﻲ ﻟﻐﺔ اﻟﻌﻤﺎل ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ »ﺻﻨﺎﻳﻌﻲ«، وﺣﻠﻘﺔ اﻟﻮﺻﻞ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺼﺒﻲ ،ﻳﻨﻘﻞ اﻟﻄﻴﻦ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،وﻳﺨﺮج اﻟﻘﻄﻊ اﻟﺠﺎﻫﺰة إﻟﻰ ﺑﺎﺣﺔ ﺧﺎرﺟﻴﺔ ،ﺳﻮﻳﻌﺎت ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺗﺘﻌ ﱠﺮض ﻓﻴﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺲ، ﺛﻢ ﺗﺪﺧﻞ اﻟﻔﺮن .ﻳﻮاﺟﻪ أﺻﺤﺎب ﺣﺮﻓﺔ اﻟﻔﺨﺎر ﺗﺤﺪﻳﺎت ﻋﺪة ،وﻳﻌﺰف اﻟﺸﺒﺎب ﻋﻦ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻤﻬﻨﺔ؛ ﻷﺳﺒﺎب ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،ﻳﺤﺪد أﻫﻤﻬﺎ »أﺣﻤﺪ ﻣﺤﻤﺪ زﻛﻲ« ،ﻓﻲ ﺗﻘﻠﻴﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﺷﺄن اﻟﺤﺮﻓﻲ وﻋﺪم ﺗﻮﻓﺮ اﻟﺪﻋﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ أو ﻣﻨﻈﻤﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺪﻧﻲ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﺸﺘﱡﺖ اﻟﻜﻴﺎﻧﺎت اﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﺑﺘﻄﻮﻳﺮ اﻟﻔﺨﺎر ﺑﻴﻦ وزارات اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ واﻟﺰراﻋﺔ واﻟﺘﻌﺎون اﻟﺪوﻟﻲ .ورﻏﻢ ذﻟﻚ ،اﻟﺘﻘﻴﻨﺎ اﻟﺸﺎب ﻋﺒﺎس إﺑﺮاﻫﻴﻢ )32 ﻋﺎ ًﻣﺎ( ،اﻟﺬي ﻗﺎل إﻧﻪ ﻳﺤﺐ ﻫﺬه اﻟﻤﻬﻨﺔ ،رﻏﻢ أﻧﻬﺎ أﺻﺒﺤﺖ ﻓﻘﻴﺮة؛ اﻹﻧﺘﺎج ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻜﺎد ﻳﺴﺎوي اﻟﺪﺧﻞ« ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
55
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
ąƲƼLjǖČ ďČƲǥNjƢ ĥƜǙĈ ưǚƼǤ Ǖǟ
ĥưǐǨČ ƠǥǜƜƶǜǪČ ǛǍ ĖƜıƯǎį ǖČ ﺻﻔﺎء اﻟﺒﻴﻠﻲ
ﻟﻤﻌﺎﻳﺸﺔ ﻣﺮاﺣﻞ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻔﺨﺎر ،ﻻ ﺑُﺪﱠ ﻣﻦ اﻟﺮﺣﻴﻞ ﺣﻴﺚ ﻃﻤﻲ اﻟﻨﻴﻞ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ اﻟﺪﻟﺘﺎ ،اﻟﺘﻲ ﺗُﻌﺪﱡ أﺣﺪ ﻣﺮاﻛﺰ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻔﺨﺎر ﻓﻲ ﻣﺼﺮ .ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﻟﻰ ﻗﺮﻳﺔ "ﻣﻨﻴﺔ ﺳﻤﻨﻮد" ،اﻟﻐﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻀﻦ اﻟﻨﻴﻞ ﺑﺪﻟﺘﺎ ﻣﺼﺮ ،ﺗﻄﺎﻟﻌﻚ ﻗﺒﺎب اﻟﻮرﺷﺎت اﻟﻤﺘﺮ ﱠاﺻﺔ ،وﺗﻠﻤﺢ ﺗﺼﺎﻋﺪ اﻟﺼﻬﺪ اﻟﻤﻮﺷﱠ ﻰ ﺑﺎﻟﺪﺧﺎن ﻣﻦ أﺑﺮاج اﻟﻔﻮاﺧﻴﺮ وﻫﻲ ﺗﺤ ﱢﻮل اﻟﻄﻴﻦ إﻟﻰ أوانٍ ﻓﺨﺎرﻳﺔ ﺑﺪﻳﻌﺔ ،وﻫﻨﺎك اﻟﺘﻘﻴﻨﺎ اﻟﻌﻢ ﺟﻤﺎل ،اﻟﺬي ﻗﻀﻰ ﻣﻌﻈﻢ ﻋﻤﺮه ) 54ﺳﻨﺔ( ﻳﺪﻓﻊ ﻋﺠﻠﺔ اﻟﻄﺒﻠﻴﺔ ﻓﻴﺪور دوﻻب ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻄﻴﻦ ﻟﻴﻠﺪ ً أﺷﻜﺎﻻ ﻛﺜﻴﺮة ﺗﻨﻘﻠﻬﺎ زوﺟﺘﻪ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻧﺎدﻳﺔ ) 50ﻋﺎ ًﻣﺎ( إﻟﻰ ﺳﺎﺣﺔ واﺳﻌﺔ؛ ﺗﻤﻬﻴﺪً ا ﻟﻠﺨﻄﻮات اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ. ﻳﻤﺘﻠﻚ اﻟﻌﻢ ﺟﻤﺎل ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻏﺰﻳﺮة ﻋﻦ اﻟﻔﺨﺎر ،ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻋﺼﻮره اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ،ﺳﺄﻟﻨﺎه ﻋﻦ ﻣﺼﺪر ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻪ ،ﻓﻘﺎل» :ورﺛﺘﻬﺎ أﺑًﺎ ﻋﻦ ﺟﺪ، ﻓﻬﺬه ﻣﻬﻨﺔ اﻷﺟﺪاد اﻟﺘﻲ ﻋﺠﺰت أن أو ﱢرﺛ َﻬﺎ ﻷي ﻣﻦ أﺑﻨﺎﺋﻲ اﻟﺬﻳﻦ اﻧﺼﺮﻓﻮا إﻟﻰ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ أو إﻟﻰ ﻣﻬﻦٍ أﺧﺮى ،وﻫﻢ ﻣﻌﺬرون ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ، ﻓﻬﺬه اﻟﻤﻬﻨﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻛﺎﻟﺴﺎﺑﻖ« .وﺣﻮل ﻣﺮاﺣﻞ اﻟﻌﻤﻞ ﻗﺎل» :اﻟﺒﺪاﻳﺔ 54
ُ اﻟﻔ ّﺨﺎر ..ﻓﻦ ا'ﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ا0ﻗﺪم!
اﺧﺘﻴﺎر اﻟﻤﺎدة اﻟﻄﻴﻨﻴﺔ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ،ﻣﻦ ﻋﻤﻖ اﻷرض اﻟﺰراﻋﻴﺔ أو ﻣﻦ ﻃﻴﻨﺔ اﻟﻨﻴﻞ اﻟﻨﻘﻴﺔ ،ﻧﻀﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻔﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ أﺣﻮاض ﻛﺒﻴﺮة وﻧﻘﻮم ﺑـ)اﻟﺘﺮوﻳﺐ( ،ﺛﻢ إﻓﺮاﻏﻬﺎ ﻓﻲ ﻏﺮاﺑﻴﻞ ﻟﺤﺠﺰ اﻟﺸﻮاﺋﺐ ،وﺗﻤﺮﻳﺮ اﻟﻄﻴﻨﺔ اﻟﻨﻘﻴﺔ اﻟﻤﺼﻔﱠﺎة ﻓﻘﻂ .ﻧﻨﺘﻈﺮ ﺗﻤﺎﺳﻚ اﻟﻄﻴﻦ ﻟﻨﻘﻮم ﺑﻌﺠﻨﻪ وﺗﻘﻄﻴﻌﻪ ووﺿﻌﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻻب ﻟﻠﺘﺸﻜﻴﻞ ﻛﻤﺎ ﻧﺮﻳﺪ« .وﺗﻤﺮ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﺑﻌﺪة ﻣﺮاﺣﻞ :اﻟﺘﻘﻄﻴﻊ ،ﺛﻢ ﺻﻨﻊ اﻟﺠﺴﻢ اﻷﺳﺎﺳﻲ ،ﺛﻢ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺤﻠﻖ، ﻓﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻮدﻳﻦ )وﺿﻊ أذﻧﻴﻦ ﻟﻺﻧﺎء(، وأﺧﻴ ًﺮا ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺠﺮد أو اﻟﺘﻨﻌﻴﻢ .وﻫﻨﺎك ﻣﺮﺣﻠﺔ أﺧﻴﺮة ﺗﺘﻌﻠﱠﻖ ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ﺑﺎﻟﺘﻠﻮﻳﻦ ﺑﺎﻟﻄﻠﺴﺔ وﻫﻲ ﻣﺴﺘﺨﻠﺼﺎت رﻣﺎل ﺗ ُﺠﻠﺐ ﻣﻦ ﺻﺤﺮاء ﺳﻴﻨﺎء ،أو ﺻﺤﺮاء اﻟﺠﻴﺰة. ﺑﻌﺪ ذﻟــﻚ ﻳﺘﻢ ﺗﺠﻤﻴﻊ اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎت وﺗــﺮص ﻟﻤﺪة ﺳﺎﻋﺘﻴﻦ ﻓﻲ »اﻟﻔﺎﺧﻮرة« ،وﻫﻲ ﻓﺮن ﻛﺒﻴﺮ ﻟﻠﺤﺮق ،ﺛﻢ ﺗﻨﻘﻞ ﻟﻠﻤﺨﺎزن وﺗﻮزع ﻟﻠﻤﺴﺘﻬﻠﻜﻴﻦ .ﻳﻨﺘﺞ اﻟﻌﻢ ﺟﻤﺎل ﻣﻦ اﻟﻔﺨﺎر أﻛﻮاﺑﺎً ،وأﺑﺎرﻳﻖ ،وﻗﻠﻼً، وأزﻳﺎرا ً ،وﻣﺸﺮﺑﻴﺎت ،وﻗﺼﺎري زرع ،وﻃﻮاﺟﻦ ﺣﻠﻴﺐ ،وﻫﻮ ﻻ ﻳﺸﻌﺮ ﻳﻘﻞ اﻻﺳﺘﺨﺪام، ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ ﻣﻦ اﻧﻘﺮاض اﻟﻔﺨﺎر ،ﻳﻘﻮل» :ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ أن ﱠ ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻨﻘﺮض أو ﻳﺘﻮﻗﱠﻒ ،ﻓﺘﻮﻗﱡﻔﻪ ﻫﻮ ﺗﻮﻗﱡﻒ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻦ اﻟﺤﻴﺎة ،وﻇﻨﻲ أن اﻟﻔﺨﺎر ﺳﻴﺒﻘﻰ ،ﻣﺎ ﺑﻘﻲ اﻟﻨﻴﻞ!«،
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
ąlĪưǗƟǖČ ǕƟǂǖČz ěƲǑǝǤ Ǖǟ أﺷﺮف ﺳﻌﺪ
ﻟﻠﻄﺒﻮل ﺣﻀﻮرﻫﺎ اﻟﻄﺎﻏﻲ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ ،ﻣﺜﻞ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﺎﻟﺼﻴﺪ وﺟﻨﻲ اﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ واﻷﻋﺮاس واﻟﺴﻤﺮ .وﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﺮق اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻻ ﺗﺰال ﺗﺴﺘﺨﺪم اﻟﻄﺒﻮل اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﻢ أﻏﺎﻧﻴﻬﺎ ورﻗﺼﺎﺗﻬﺎ .وﺗُﺸﻴﺮ دراﺳﺎت إﻟﻰ أن إﻧﺴﺎن اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺠﺮي اﺳﺘﺨﺪم ﺿﺠﻴﺞ اﻟﻄﺒﻮل ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﻔﺘﺮﺳﺔ.وﻗﺪ أﻃﻠﻖ اﻟﺴﻮﻣﺮﻳﻮن واﻟﺒﺎﺑﻠﻴﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺒﻮل »ﺑﺎﻻق« ،أي اﻟﻄﺒﻞ اﻟﻤﻘﺪﱠ س ﻻﻋﺘﻘﺎدﻫﻢ أﻧﻪ ﻳﺴﺘﻤﺪ ﺻﻮﺗﻪ ﻣﻦ اﻵﻟﻬﺔ. وﺗﺸﻴﺮ اﻟﻤﺮاﺟﻊ إﻟﻰ اﻷﻫﺮاﻣﺎت اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﺑﻨﻴﺖ ﻋﻠﻰ إﻳﻘﺎﻋﺎت ﺗﺤﻔﻴﺰﻳﺔ ﻟﻄﺒﻮل ﻋﻤﻼﻗﺔ ﺗﺪﻳﺮﻫﺎ ﻓﺮق راﻓﻘﺖ اﻟﺒ ﱠﻨﺎﺋﻴﻦ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻗﺮع اﻟﻄﺒﻞ ﻳُﺪرس ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎﺑﺪ اﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ .وﻟﻠﻄﺒﻞ ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﻋﻨﺪ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻄﻮارق ﺑﺎﻟﻤﻐﺮب اﻟﻌﺮﺑﻲ؛ وﻣﻜﺎﻧﻪ ﻋﻨﺪ ﺧﻴﻤﺔ زﻋﻴﻢ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ، ﻓﺈذا أﻣﺮ ﺑﻘﺮع اﻟﻄﺒﻞ ﺧﻤﺲ ﻣﺮات ﻓﻤﻌﻨﻰ ذﻟــﻚ أن اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻗــ ﱠﺮرت اﻻﻧﺘﻘﺎل إﻟﻰ ﻣﻨﺘﺠﻊ آﺧــﺮ ﻓﻲ اﻟــﺼــﺤـﺮاء) ،(1وﺛﻼث ﻣ ـﺮات ﻣﺘﺘﺎﻟﻴﺔ وﺳﺮﻳﻌﺔ ﺗﻌﻨﻲ ﺻﻔﺎرة إﻧﺬار ﻣﻦ ﻫﺠﻮم وﺷﻴﻚ ﻟﻠﻌﺪو ،وﻫﻨﺎك ﻗﺮﻋﺎت ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ إﻗﺎﻣﺔ ﻋــﺮس .وﻟﻜﻞ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻃﺒﻠﻬﺎ اﻟﺨﺎص ،وﻳﺤﺘﻔﻆ ﺷﻴﺦ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﺑﺎﻟﻄﺒﻮل ،وﻳﺮﺛﻬﺎ ﻋﻨﻪ َﻣﻦ ﻳﺘﻮﻟﱠﻰ اﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه .ﺗﻨﺘﻤﻲ اﻟﻄﺒﻮل إﻟﻰ ﻓﺌﺔ اﻵﻻت اﻹﻳﻘﺎﻋﻴﺔ ذات اﻟﻐﺸﺎء أو اﻟﺮق اﻟﺠﻠﺪي ،وﻣﻨﻬﺎ ﻓﺼﻴﻠﺘﺎن اﻷوﻟﻰ ذات رق واﺣﺪ ﻋﻠﻰ إﺣﺪى ﻓﺘﺤﺘﻴﻬﺎ ،ﻣﻨﻬﺎ »اﻟﺮق«، و»اﻟ ﱠﺪ َرﺑُﻜﱠﺔ« ،و»اﻟﻤﺰﻫﺮ« .واﻷﺧﺮى ذات وﺟﻬﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺮق ،ﻣﺜﻞ »اﻟﻄﺒﻞ اﻟﺒﻠﺪي«، و»ﻃﺒﻞ اﻟﻤﺰﻣﺎر« ،و»اﻟﻄﺒﻞ اﻟﻜﺒﻴﺮ« .وأول ﻣﺮاﺣﻞ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻄﺒﻞ اﻟﺒﻠﺪي ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻋﻠﺒﺔ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ اﻟﻐﺮﺑﺎل ﻗﻴﺎﺳﻬﺎ )39×35ﺳﻢ(، ﻳﻠﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ إﻃﺎر ﻣﻦ ﺧﺸﺐ اﻷﺑﻠﻜﺎش، وﺗﻄﻠﻰ ﻋﺎدة ﺑـﺎﻟﻠﻮن اﻟﺒﻨﻲ .وﻳﻠﻴﻦ اﻟﺠﻠﺪ )ﻋﺎدة ﺟﻠﺪ ﻣﺎﻋﺰ ﻏﻴﺮ ﻣﺪﺑﻮغ( ﺑﻨﻘﻌﻪ ﻓﻲ
اﻟﻤﺎء .ﻳﻠﻒ اﻟﺼﺎﻧﻊ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش ﻋﻠﻰ إﻃﺎر ﺧﺸﺒﻲ ﻋﺮﺿﻪ 2 ﺳﻢ ،ﻳﻘﻞ ﻓﻲ ﺳﻤﺎﻛﺘﻪ ﻋﻦ إﻃﺎر اﻟﻌﻠﺒﺔ ،وﻳﺜﺒﺘﻪ ﺑﺮﺑﺎط ﻣﻦ اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ اﻟﻼﺻﻖ ،ﺛﻢ ﻳﻀﻊ ﻗﻄﻌﺔ اﻟﺠﻠﺪ ﻓﻮق اﻹﻃﺎر وﻳﺜﺒﺘﻬﺎ ﺑﻘﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﻴﻞ اﻷﺧﻀﺮ؛ ﺛﻢ ﻳﺸﺪ اﻟﺠﻠﺪ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﺎر اﻟﺨﺸﺒﻲ) .(2وﻳﺠﻬﺰ اﻟﺮق اﻟﺠﻠﺪي اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ذاﺗﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻳﻘﻮم اﻟﺼﺎﻧﻊ ﺑﺘﺜﺒﻴﺖ اﻟﺮﻗﱠ ْﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻓﺘﺤﺘَ ْﻲ اﻟﻌﻠﺒﺔ؛ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﺣﺒﻞ ﻳُﺸَ ﱡﺪ ﻓﻮق اﻟﺮﻗﱠ ْﻴﻦ ﺛﻢ ﻳﺜﺒﺖ ﺣﺰام اﻟﺤﻤﻞ ﺑﺨﻴﺎﻃﺘﻪ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺘﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ اﻟﻌﻠﺒﺔ) .(3ﻳﺤﻤﻞ اﻟﻌﺎزف اﻟﻄﺒﻠﺔ ﺑﺤﺰام ﻳﺘﺪﻟﱠﻰ ﻣﻦ ﻛﺘﻔﻪ اﻷﻳﺴﺮ ،وﻳﻜﻮن اﻟﻀﺮب ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺰوج ﻣﻦ اﻟﻌﺼﻲ ،إﺣﺪاﻫﻤﺎ ﻏﻠﻴﻈﺔ ﺗﺴ ﱠﻤﻰ »اﻟ ﱡﺰ ْﺧ َﻤﺔ« ،ﺑﻴﺪه اﻟﻴﻤﻨﻰ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺮق ﱢ اﻟﺮق اﻟﻌﻠﻮي ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻄﺮق اﻟﻴ ُﺪ اﻟﻴﺴﺮى ﺑﻌﺼﺎ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻴﺰران ﺗﺴ ﱠﻤﻰ »اﻟﺸﱢ ْﺒﺮ«).(4وﺗﻮاﺟﻪ ﺻ ﱠﻨﺎع اﻟﻄﺒﻞ اﻟﺒﻠﺪي ﻋﺪة ﺗﺤﺪﻳﺎت ،أﻫﻤﻬﺎ ﻧﺪرة اﻟﺨﺎﻣﺎت .وﻧﻈﺮة اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺪوﻧﻴﺔ إﻟﻰ ﺻﺎﻧﻊ اﻟﻄﺒﻞ ،وﻋﺪم وﺟﻮد ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺗﺮاﻋﻲ ﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﺸﺮوط اﻟﺼﺤﻴﺔ واﻵﻣﻨﺔ ﻋﻨﺪ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺠﻠﻮد ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺪﺑﻮﻏﺔ واﺳﺘﺨﺪام اﻵﻻت اﻟﺤﺎدة ﻓﻲ اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ،وﻋﺪم وﺟﻮد ﻧﻘﺎﺑﺔ أو ﺟﻤﻌﻴﺔ ﺗﺮﻋﻰ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺤﺮﻓﺔ. إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ اﻟﻄﺒﻮل اﻟﻤﺴﺘﻮردة ﻣﻦ اﻟﺼﻴﻦ وﻏﻴﺮﻫﺎ ،ﺑﺄﺳﻌﺎر رﺧﻴﺼﺔ ﺟﻮدة ﻣﻨﺨﻔﻀﺔ ﻣﻤﺎ ﻳﻬ ﱢﺪد اﺳﺘﻤﺮار اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﻬﻮاﻣﺶ: - 1أﺷﺮف ﺳﻌﺪ ﻧﺨﻠﺔ :اﻟﻄﺒﻠﺔ ﻋﺮوس اﻵﻻت اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ–اﻟﻤﺠﻠﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ– ﻋﺪد –470وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ– اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ،دﻳﺴﻤﺒﺮ 2015م. - 2اﻹﺧﺒﺎري :1ﺧﻠﻒ ﺧﻠﻴﻞ أﺣﻤﺪ ،ﻋﻤﺮه 56ﺳﻨﺔ ،ﻳﻌﻴﺶ ﺑﻤﺮﻛﺰ ﺟﻬﻴﻨﺔ ،ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﺳﻮﻫﺎج ﺑﻤﺼﺮ. - 3اﻹﺧﺒﺎري :2أﺣﻤﺪ اﻟﺴﻴﺪ ﻋﺎرف، ﻋﻤﺮه 50ﺳﻨﺔ ،ﺻﺎﻧﻊ ﻃﺒﻞ وﻧﻘﺮزان، ﻳﻌﻴﺶ ﺑﻘﺮﻳﺔ اﻟﻄﻠﻴﺤﺎت ،إﺣﺪى ﻗﺮى ﻣﺮﻛﺰ ﺟﻬﻴﻨﺔ ،ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﺳﻮﻫﺎج ﺑﻤﺼﺮ. - 4أﺷﺮف ﺳﻌﺪ ﻧﺨﻠﺔ :اﻟﻄﺒﻠﺔ ﻋﺮوس اﻵﻻت اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ – ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
53
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
اﻟﻨﺎس ﻳﻌﻄﻮﻧﻬﻢ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﻮد ﻛﺼﺪﻗﺔ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ذﻫﺐ ﻟﺮش اﻟﺸﻮارع أﻣﺎم اﻟﺪﻛﺎﻛﻴﻦ. ﻃﻮاﺋﻒ اﻟﺴﻘﺎﺋﻴﻦ
ﺗﺒﺎﻳﻨﺖ اﻷدوات اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺨﺪﻣﻬﺎ اﻟﺴﻘﺎؤون ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻬﻢ ،ﻓﺒﻌﻀﻬﻢ ﻛﺎن ﻳﺤﻤﻞ اﻟ ِﻘ َﺮب اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺟﻠﺪ اﻟﻤﺎﻋﺰ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮه ،وﻫﻲ ﻣﻤﻠﻮءة ﺑﺎﻟﻤﺎء اﻟﻌﺬب ،وآﺧﺮون ﻣﻨﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮن اﻟﻌﺮﺑﺎت اﻟﺨﺸﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮﻫﺎ اﻟﺤﻤﻴﺮ أو اﻷﺣﺼﻨﺔ ،وﻓﻮﻗﻬﺎ ﺑﺮاﻣﻴﻞ ﻛﺒﻴﺮة ،ﻣﻤﻠﻮءة ﺑﺎﻟﻤﻴﺎه اﻟﻌﺬﺑﺔ ،وﻳﺘﻢ ﺗﺰوﻳﺪﻫﺎ ﺑﺎﻟﺼﻨﺎﺑﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻒ ،ﻟﻴﻨﻘﻞ ﻋﺒﺮﻫﺎ اﻟﻤﻴﺎه ﻟﻠﺒﻴﻮت اﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺪة ﻣﻌﻪ ﻟﺘﺰوﻳﺪﻫﺎ ﺑﺎﻟﻤﻴﺎه. ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻋﺪة ﻃﻮاﺋﻒ ﻟﻠﺴﻘﱠﺎﺋﻴﻦ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺘﻮﻗﻴﺖ ،ﻛﻞ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻳﺘﻮﻟﻰ ﺷﺆوﻧﻬﺎ وﻳﻨﻈﻢ ﻋﻤﻠﻬﺎ أﻛﺒﺮﻫﻢ ﺳ ٍّﻨﺎ ،وﻳُﻄﻠ َُﻖ ﻋﻠﻴﻪ »ﺷﻴﺦ اﻟﺴﻘﺎﺋﻴﻦ« ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،وأﺷﻬﺮ ﻃﻮاﺋﻒ اﻟﺴﻘﺎﺋﻴﻦ :ﻃﺎﺋﻔﺘﺎن ﻓﻲ ﺑﺎب اﻟﻠﻮق، اﻷوﻟﻰ :ﺗﻘﻮم ﺑﻨﻘﻞ اﻟﻤﻴﺎه ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮر اﻟﺠﻤﺎل ،واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :ﺗﻨﻘﻞ اﻟﻤﻴﺎه ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮر اﻟﺤﻤﻴﺮ ،واﻟﺜﺎﻟﺜﺔ :ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺑﺎب اﻟﺒﺤﺮ ،واﻟﺮاﺑﻌﺔ :ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺣﺎرة اﻟﺴﻘﺎﻳﻴﻦ ،واﻟﺨﺎﻣﺴﺔ :ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻗﻨﺎﻃﺮ اﻟﺴﺒﺎع ،واﻟﺴﺎدﺳﺔ :ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺗ ُﻌﺮف ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻜﻴﺰان ،ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻄﻮﻓﻮن اﻟﺸﻮارع واﻷﺳﻮاق وﻳﺤﻤﻠﻮن ﻗﺮب اﻟﻤﻴﺎه ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮرﻫﻢ ،وﻣﻌﻬﻢ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﻴﺰان )اﻟﻜﺆوس( ﻟﻜﻲ ﻳﻘﺪﻣﻮا اﻟﻤﻴﺎه ﻟﻸﻫﺎﻟﻲ ﻟﻠﺸﺮب ﻓﻲ اﻟﺸﻮارع .وﺗﺠﻤﻊ اﻟﺴﻘﺎؤون ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺗ ُﺴ ﱠﻤﻰ :ﺑﺎب اﻟﺒﺤﺮ ،وﻫﻲ ﺗﻘﻊ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺑﺎب زوﻳﻠﺔ ،ﻓﻲ ﺣﻲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ،وﺳ ﱢﻤﻲ ﺑﻬﺬا اﻻﺳﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎم اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ ﻄﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻴﻞ ﺳﻨﺔ )569ﻫـ1174 /م( ﻓﻲ اﻷﻳﻮﺑﻲ ﺑﺘﺸﻴﻴﺪ ﺑﺎب ﻳُ ﱡ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﺴﻮر اﻟﺸﻤﺎﻟﻲ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻟﻠﻘﺎﻫﺮة ،ﺣﻴﺚ ﺣﺮص اﻟﺴﻘﺎؤون ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮاﺟﺪ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻣﺼﺎدر اﻟﻤﻴﺎه واﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﻧﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ. ﺿﻮاﺑﻂ وﻗﻮاﻧﻴﻦ
وﺿﻌﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﺪة ﺿﻮاﺑﻂ وﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﻟﻌﻤﻞ اﻟﺴﻘﺎ ،ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﻨﻮﻋﻴﺔ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺘﻲ ﻳﺠﻠﺒﻬﺎ ﻟﻠﻤﻨﺎزل ،واﻷدوات اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻧﻘﻞ اﻟﻤﻴﺎه ،وﺑﻌﻀﻬﺎ اﻵﺧﺮ ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﺸﺨﺺ اﻟﺴﻘﺎ ﻧﻔﺴﻪ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺠﻠﺐ اﻟﻤﻴﺎ َه ﻣﻦ وﺳﻂ اﺷﺘُﺮط أن ﻳﻜﻮن اﻟﺴﻘﺎ أﻣﻴ ًﻨﺎ، ً وﺣﺮﻳﺼﺎ ﻋﻠﻰ أن َ ﺣﺮﻳﺼﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺪم ﺗﻠﻮث اﻟﻨﻬﺮ ،ﺑَﻌﻴ ًﺪا ﻋﻦ أﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﻠﻮث ،وأن ﻳﻜﻮ َن ً اﻟﻤﻴﺎه أﺛﻨﺎء ﻧﻘﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻴﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺎزل وأﺳﺒﻠﺔ اﻟﺸﺮب اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وأن ﺗﻜﻮ َن اﻟﻘﺮﺑ ُﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺼﺒﻮﻏﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺘﻠﻮثُ اﻟﻤﻴﺎ ُه ﺑﻠﻮنِ ِ اﻟﺼ َﺒﺎﻏ ِﺔ، ﺗﻨﻘﺺ اﻟﻤﻴﺎه ﻣﻨﻬﺎ وأن ﺗﻜﻮ َن ﻗﺮﺑ ُﺔ اﻟﻤﻴﺎ ِه َﺳﻠﻴﻤ ًﺔ ﻟﻴﺲ ﺑﻬﺎ ﺛﻘﻮب ُ ﻃﻮال اﻟﻄﺮﻳﻖ .وﻛﺘﺐ اﻟﻔﻘﻪ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺗﺬﻛﺮ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﺮوط اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ أن ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﻘﺎ ،وأﻫﻤﻬﺎ :أن ﻳﻤﻸ اﻟﺴﻘﺎ ﻗﺮﺑﺔ اﻟﻤﻴﺎه ﻣﻦ وﺳﻂ اﻟﻨﻬﺮ ،وﻻ ﻳﺨﻠﻂ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﻌﺬﺑﺔ ﺑﺎﻟﻤﻴﺎه اﻟﻤﺎﻟﺤﺔ ،وأن ﺗﻜﻮن ﻗﺮﺑﺔ اﻟﻤﻴﺎه ﻣﺪﺑﻮﻏﺔ ﺟﻴ ًﺪا وﻣﻐﺴﻮﻟﺔ ﺟﻴ ًﺪا ﺑﻌﺪ اﻟﺪﺑﺎﻏﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﻃﻌﻢ اﻟﻤﻴﺎه أو ﻟﻮﻧﻬﺎ أو راﺋﺤﺘﻬﺎ ﻣﻦ أﺛﺮ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺪﺑﺎﻏﺔ، 52
اﻟﺴﻘﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ
وأن ﺗﻜﻮن ﻗﺮﺑﺔ اﻟﻤﻴﺎه ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺜﻘﻮب اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻘﺺ اﻟﻤﻴﺎه ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺼﻞ ﻟﻠﺒﻴﻮت ،وإذا ﺣﺪث ذﻟﻚ ،ﻓﻬﺬا ﻏﺶ وﺧﺪاع ﻳﺠﺐ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ اﻟﺴﻘﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺘﺴﺐ ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﺪة ﺷﺮوط أﺧﺮى ﻳﺠﺐ أن ﻳﺮاﻋﻴﻬﺎ اﻟﺴﻘﺎ ﻣﺜﻞ :آداب اﻟﺴﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،وآداب دﺧﻮل اﻟﺒﻴﻮت، –ﻣﺜﻼ -ﺑﺘﺮدﻳﺪ ﺟﻤﻠﺔ» :ﻳﻌ ﱠﻮض اﻟﻠﻪ« ﺑﺼﻮت ﻋﺎل ﻓﻜﺎن اﻟﺴﻘﺎ ﻳﻠﺘﺰم ً ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻬﻢ ﺑﺪﺧﻮل أﺣﺪ اﻟﻤﻨﺎزل؛ ﻟﺘﻌﺮﻳﻒ أﻫﻠﻬﺎ ﺑﻮﺟﻮده .وﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﺗﻌﺮض اﻟﺴﻘﺎ ﻟﻠﻌﻘﺎب اﻟﺠﺴﺪي أو اﻟﺴﺠﻦ ،ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﻫﺬه اﻟﺸﺮوط ُ ﻳﻘﺮره اﻟﻤﺤﺘﺴﺐ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ أﻳﻀً ﺎ ﻣﺮاﻗﺒﺔ اﻟﺴﻘﺎﺋﻴﻦ ،واﻟﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ أﻣﺎﻧﺘﻬﻢ وﻧﻈﺎﻓﺘﻬﻢ ،وﻧﻘﺎء اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺘﻲ ﻳﺠﻠﺒﻮﻧﻬﺎ وﻧﻈﺎﻓﺘﻬﺎ اﻟﻤﺮاﺟﻊ: - 1ﻛﺘﺎب وﺻﻒ ﻣﺼﺮ ،ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﺤﻤﻠﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ،ﺗﺮﺟﻤﺔ زﻫﻴﺮ اﻟﺸﺎﻳﺐ ،اﻟﺠﺰء اﻷول ،اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب 2002 - 2ﻣﻼﻣﺢ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻓﻲ أﻟﻒ ﺳﻨﺔ ،ﺟﻤﺎل اﻟﻐﻴﻄﺎﻧﻲ ،دار ﻧﻬﻀﺔ ﻣﺼﺮ ﻟﻠﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳﻊ اﻟﻘﺎﻫﺮة 1983 - 3ﻋﺎدات اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ اﻟﻤﺤﺪﺛﻴﻦ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﻢ ،ﺗﺄﻟﻴﻒ :إدوارد وﻟﻴﻢ ﻻﻳﻦ ،ﺗﺮﺟﻤﺔ :ﺳﻬﻴﺮ وﺳﻮم ،ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻣﺪﺑﻮﻟﻰ اﻟﻘﺎﻫﺮة 1980 - 4ﺳﻴﺮة اﻟﻘﺎﻫﺮة ،ﺗﺄﻟﻴﻒ :ﺳﺘﺎﻧﻠﻲ ﻟﻴﻦ ﺑﻮل ،ﺗﺮﺟﻤﺔ :ﺣﺴﻦ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺣﺴﻦ وآﺧﺮون ،اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب 2011 - 5اﻟﺤﻴﺎة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ :ﺗﺄﻟﻴﻒ :ﺳﺘﺎﻧﻠﻲ ﻟﻴﻦ ﺑﻮل ،ﺗﺮﺟﻤﺔ وﺗﺤﻘﻴﻖ :ﻣﺎﺟﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺘﺤﻲ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ وﺗﻮﻓﻴﻖ ﻋﻠﻲ ﻣﻨﺼﻮر ،ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻵداب ﻟﻠﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳﻊ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة 2014
ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎم ﺑﺪأت اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻟﻤﻬﻨﺔ اﻟﺴﻘﺎ أﺷﻬﺮ ﺳﻘﺎ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ أﺣﻴﺎء اﻟﻘﺎﻫﺮة اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻐﻨﺖ ﻋﻦ ﻳُﻌﺪ »ﻣﺤﻤﻮد ﻋﺒﺪ اﻟﺒﺮ« أﺷﻬﺮ ﺳﻘﺎ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ ﺧﺪﻣﺎﺗﻪ ،وﻗﺎﻣﺖ ﺑﺘﻮﺻﻴﻞ اﻟﻤﻴﺎه ﻣﻦ اﻟﺸﺮﻛﺔ اﻟﻌﻤﺎل اﻟﺬﻳﻦ اﻣﺘﻬﻨﻮا ﻣﻬﻨﺔ اﻟﺴﻘﺎ ،ﻧﺠﺢ اﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﺗﺄﺳﻴﺴﻬﺎ. ﻣﺤﻤﻮد ﻓﻲ اﺟﺘﺎز اﻻﺧﺘﺒﺎر اﻟﻤﺒﺪﺋﻲ اﻟﺬي وﺷﻬﺪ ﻋﻬﺪ اﻟﺨﺪﻳﻮي إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ،ﺧﺎﻣﺲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺮﻳﻪ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻟﻠﻤﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ﻟﻤﻬﻨﺔ ﺣﻜﺎم ﻣﺼﺮ ﻣﻦ اﻷﺳﺮة اﻟﻌﻠﻮﻳﺔ ،اﻟﺬي ﺗﻮﻟﻰ اﻟﺴﻘﺎ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﺗﻢ ﺗﺴﻠﻴﻤﻪ رﺧﺼﺔ ﻣﺰاوﻟﺔ اﻟﺤﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﺮة 18ﻳﻨﺎﻳﺮ 1863إﻟﻰ 26 اﻟﻤﻬﻨﺔ رﻗﻢ 93ﺑﺘﺎرﻳﺦ 2ﻣﺎﻳﻮ ،1863وﻛﺎﻧﺖ ﻳﻮﻧﻴﻪ ،1879ﺗﺤﺪﻳﺚ اﻟﻘﺎﻫﺮة وﺗﺤﻮﻳﻠﻬﺎ أﺟﺮة ﻗﺮﺑﺔ اﻟﻤﻴﺎه ﻓﻲ ﻋﺎم 1830ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل إﻟﻰ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ أوروﺑــﺎ ،وﻛــﺎن ﻣﻦ ﺿﻤﻦ اﻟﻤﺆ ﱢرﺧﻮن :ﻗﺮﺑﺔ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﺤﺪﻳﺚ إﺿﺎءة اﻟﺸﻮارع ،وﺗﻮﺻﻴﻞ ﺛﻼﺛﺔ ﻛﻴﻠﻮ ﻣﺘﺮا ً ﻣﻦ 10إﻟﻰ 30ﻓﻀﺔ )ﻛﺴﻮر اﻟﻤﻴﺎه ﻟﺒﻴﻮت اﻷﻏﻨﻴﺎء ،وأﻗﻴﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻮاﺻﻲ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة( ،وﻫﺬا ﻣﺆﺷﺮ ﱡ اﻟﺸﻮارع ﺻﻨﺎﺑﻴﺮ ﻛﺒﻴﺮة ﻟﻠﻤﻴﺎه ،وإﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻬﻨﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺠﺰﻳﺔ. ﻛﻞ ﺻﻨﺒﻮر ٌ ﻛﺸﻚ ﺻﻐﻴﺮ ،ﻳﺠﻠﺲ ﻓﻴﻪ رﺟﻞ ﻛﺎن »ﻋﺒﺪ اﻟﺒﺮ« ﺷﺎﺑٍّﺎ ﻓﻲ اﻟﺜﻼﺛﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه، ﻳﻐﻠﻖ اﻟﺼﻨﺒﻮر وﻳﻔﺘﺤﻪ ،ﺣﺴﺐ اﻟﺤﺎﺟﺔ، ﻧﻄﺎق ﻋﻤﻠﻪ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻲ ﻛﺎن »ﺣﺎرة ﺳﻼﻣﺔ« ُ وﻛﺎن ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة 50ﺻﻨﺒﻮ ًرا ،أﻃْﻠِ َﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﺤﻲ »اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ« ،وﺗﺼﻔﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﺛﻴﻘﺔ »اﻟﺤﻨﻔﻴﺔ اﻟﺒﻼﺷﻲ« )اﻟﺼﻨﺒﻮر اﻟﻤﺠﺎﻧﻲ(؛ ﻷﻧﻬﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ )رﺧﺼﺔ اﻟﺴﻘﺎ( ﺑﺎﻟﻘﻮل إﻧﻪ ﻛﺎن ﺑﻼ ﺛﻤﻦ ،وﻳﺄﺧﺬ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮن إﻟﻴﻪ ﻳﻤﺘﺎ ُز ﺑﺎﻟﻄﻮل اﻟﻔﺎرع ،واﻟﻮﺳﺎﻣﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺎه ،وأﺻﺒﺤﺖ ﻃﺎﺋﻔﺔ اﻟﺴﻘﺎﺋﻴﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻤﺎء ﻣﻦ اﻟﻨﻴﻞ- ﻛﺎن أﺷﻘﺮ اﻟﺸﻌﺮ ﻣﺪور اﻟﻮﺟﻪ ،ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺷﺎرب! ﺑﻼ ﻋﻤﻞ ،واﺿﻄﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻘﺎﺋﻴﻦ ﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ »اﻟﺤﻨﻔﻴﺔ اﻟﺒﻼﺷﻰ« َ اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ،وأﻣﺎﻛﻦ ﻟﻤﻞء ﻗﺮﺑﻬﻢ ،وأﺻﺒﺢ ﻋﻤﻠﻬﻢ اﺣﺘﻀﺎر ﻣﻬﻨﺔ اﻟﺴﻘﺎ ﻓﻲ ﻋﺎم 1865م ﺷﻬﺪت اﻟﻘﺎﻫﺮة إﻧﺸﺎء أول ﺷﺮﻛﺔ ﻣﻴﺎه ارﺗﻮازﻳﺔ ،ﺗﺠﻤﻊ اﻟﻨﺎس ،وﻣﻌﻬﻢ ﻛﺎﺳﺎت ﻧﺤﺎﺳﻴﺔ؛ ﻟﻴﺴﻘﻮا اﻟﻨﺎس ،وﻛﺎن ﺑﻌﺾ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
51
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
ƜǑƶǖČ
ǣƟLjƹǖČ ĐČƲƣǖČ ǣǍ
ﺧﻠﻴﻞ اﻟﺠﻴﺰاوي
ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻧﺪﺛﺮت؛ ﻷﺳﺒﺎب ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻄﻮر اﻟﺰﻣﻦ ،وﻇﻬﻮر آﻟﻴﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ ﺟﻌﻠﺖ اﻻﺣﺘﻔﺎظ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻤﻬﻦ ﺑﻼ ﺟﺪوى ،ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻫﺬه اﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﻲ اﻧﻘﺮﺿﺖ ﻣﻬﻨﺔ »ﺻﺎﻧﻊ اﻟﻄﺮاﺑﻴﺶ«، »اﻟﻜﻠﻮﺑﱠﺎﺗﻲ« )اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺸﻌﻞ أﻋﻤﺪة اﻹﻧﺎرة اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺒﺘﺮول(، وﻣﻬﻨﺔ )اﻟﺴﻘﱠﺎ( .ﻛﺎن اﻟﺴﻘﺎ ﻋﻨﺼ ًﺮا ﻣﻬ ٍّﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻨﺬ ﻋﺼﺮ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ ،وﻋﺼﺮ وﻻة اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻨﺬ اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﻤﺼﺮ ،أدوات ﻋﻤﻠﻪ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻗﺮﺑﺔ ﺟﻠﺪﻳﺔ ،ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺟﻠﺪ اﻟﻤﺎﻋﺰ ،وﻇﻬﺮه اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ،ﻓﻘﻂ! اﻟﺴﻘﺎ ﻫﻮ ﻣﺼﺪر اﻟﻤﻴﺎه اﻟﻮﺣﻴﺪ
ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،ﻗﺒﻞ ﻗﺮن وﻧﺼﻒ اﻟﻘﺮن ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﻴﻮت ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻘﺎ اﻋﺘﻤﺎ ًدا ﻛﻠ ٍّﻴﺎ ﻓﻲ ﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﻤﻴﺎه ﻟﻘﺎﻃﻨﻴﻬﺎ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﺻﻬﺎرﻳﺞ اﻟﻤﻴﺎه أو اﻟﺼﻨﺎﺑﻴﺮ ﻗﺪ ﻇﻬﺮت ،ﻛﺎن اﻟﺴﻘﺎ ﻳﻀﻊ ﻋﻼﻣﺔ ﺑﺎﻟﻄﺒﺸﻮر ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎب اﻟﺨﺸﺒﻲ ﻟﻠﻤﻨﺰل ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ،وﻣﻊ ﻛﻞ ﻗﺮﺑﺔ ﻣﻴﺎه ،ﻳُﻜﺮر وﺿﻊ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻣﺎت ،وﺟﻤﻊ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻣﺎت ﻳﺴﺎوي ﻋﺪد ﻗﺮب اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺘﻲ وﺻﻠﻬﺎ ﻟﻠﺒﻴﺖ ﻃﻮال اﻟﻴﻮم ،وﻳﺘﻘﺎﺿﻰ أﺟﺮه ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﻨﺰل.وﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﻛﺎن اﻟﺴﻘﺎ ﻳَﻈﻬ ُﺮ ﻛﺜﻴ ًﺮا، ﻣﺜﻼ ،-ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪ ﺻﻼة اﻟﻌﺼﺮ ،ﻟﻴﺰ ﱢود اﻟﺒﻴﻮتﻓﻲ ﺷﻬﺮ رﻣﻀﺎن ً ﺑﺎﻟﻤﻴﺎه اﻟﻌﺬﺑﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﻤﻮاﻟﺪ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،وﻓﻲ اﻷﻓﺮاح وﺣﻔﻼت اﻟﺨﺘﺎن ،وﺗﺠﺪ أﺻﺤﺎب اﻟﺤﺪث ﻳﻤﻨﺤﻮن اﻟﺴﻘﺎ اﻟﻤﻜﺎﻓﺂت اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﻧﻈﻴﺮ ﺧﺪﻣﺘﻪ ﻟﻬﻢ. ﻛﻴﻒ ُﺗ ُ ﺼﻨﻊ ﻗﺮﺑﺔ اﻟﺴﻘﺎ؟
ﺗﺼﻨﻊ اﻟﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﺟﻠﺪ اﻟﻤﺎﻋﺰ ﺑﺎﻟﺬات ،ﻳﺆﺧﺬ اﻟﺠﻠﺪ ﻓﻮر اﻻﻧﺘﻬﺎء ﻣﻦ ذﺑﺢ اﻟﻤﺎﻋﺰ وﺳﻠﺨﻬﺎ ،وإﺧﺮاج اﻟﺠﺴﺪ ﻓﺘﺤﺔ اﻟﺮﻗﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﻠﺪ ،ﺑﻌﺪ ﻗﻄﻊ اﻟﺮأس ،وﻗﻄﻊ اﻷرﺟﻞ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﻣﻔﺼﻞ اﻟﺮﻛﺒﺔ ،وإدﺧﺎل أرﺟﻞ اﻟﻤﺎﻋﺰ داﺧﻞ اﻟﺠﻠﺪ ،ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﻋﻤﻠﻴﺔ وﻻدة ﻋﻨﺰة ﺻﻐﻴﺮة ،ﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺮﻗﺒﺔ ،واﻟﻐﺮض ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺼﻌﺒﺔ ﺗﻘﻠﻴﻞ اﻟﻔﺘﺤﺎت ﻓﻲ اﻟﺠﻠﺪ ،ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳﺘﻢ رﺑﻂ اﻟﻔﺘﺤﺎت ﺑﺈﺣﻜﺎم ﺷﺪﻳﺪ ،ﻓﻴﻤﺎ ﻋﺪا ﻓﺘﺤﺔ اﻟﺮﻗﺒﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺴ ﱠﻤﻰ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ» :ﻓ ﱠﻮﻫﺔ اﻟﻘﺮﺑﺔ« أو »ﻓﻢ اﻟﻘﺮﺑﺔ« ،ﺑﻌﺪ
50
اﻟﺴﻘﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺒﻲ
ﺗﻤﻠﻴﺢ اﻟﺠﻠﺪ ﺑﻜﻤﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺴﻠﺦ واﻟﺴﺤﺐ ﻫﺬه ،ﻳﺘﻢ ُ اﻟﻤﻠﺢ ،ﺛﻢ ﻳُﺪﻓﻦ ﻓﻲ اﻟﺮﻣﻞ ﻳﻮﻣﻴﻦ ﻛﺎﻣﻠﻴﻦ ،وﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻳﺘﻢ دﺑﻎ اﻟﺠﻠﺪ ﺑﺎﻟﻘﺮط واﻟﻤﻠﺢ ،ﺛﻢ ﻳُﺪﻫ ُﻦ ﺟﻠﺪ اﻟﻤﺎﻋﺰ ﺑﻤﺎدة اﻟﺼﻞ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ،وﻫﻲ ﻣﺎدة ﺗ ُﺴﺘﺨﺮج ﻣﻦ ﺟﻠﺪ اﻷﺳﻤﺎك اﻟﻜﺒﻴﺮة ،وﻫﻲ ﻧﻔﺲ ُ ﻓﺘﻌﻤﻞ ﻛﻄﺒﻘﺔ ُ اﻟﻤﺎدة اﻟﺘﻲ ﻳﺘ ُﻢ ﺑﻬﺎ ﻃﻼء ﺟﺪران اﻟﺴﻔﻦ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج، ﻋﺎزﻟﺔ ﺿﺪ ﻣﻠﺢ اﻟﺒﺤﺮ ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺘﺂﻛﻞ ﺧﺸﺐ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ،واﻟﻤﻮاد اﻟﺜﻼث ﺗﻌﻤﻞ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ دﺑﻎ اﻟﺠﻠﺪ :اﻟﻘﺮط واﻟﻤﻠﺢ واﻟﺼﻞ ،ﻫﺬه اﻟﻤﻮاد ُ اﻟﺘﻲ ُ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﻮﻳﺔ اﻟﺠﻠﺪ وإﻃﺎﻟﺔ ﻋﻤﺮه ﻋﻨﺪ اﻻﺳﺘﺨﺪام ،وﺑﻌﺪ ﺗﺮك ﺟﻠﺪ اﻟﻤﺎﻋﺰ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﻮاد ﻳﻮﻣﻴﻦ ﻛﺎﻣﻠﻴﻦ ،ﺗﺄﺗﻲ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ،ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﺨﺮﻳﺰ أو اﻟﺨﺮاز ،وﻫﻮ أن ﻳُﻮﺿ َﻊ اﻟﺠﻠ ُﺪ ﻓﻲ اﻟﻤﺎ ِء ،وﻳﺘ ُﻢ دﻋﻜﻪ ﺑﺸﺪة ﺑﻴﺪ اﻟﻨﺴﻮة ،ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ إزاﻟﺔ ﺷﻌﺮ اﻟﺠﻠﺪ ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ ،ﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮاﺣﻞ ﺼﺒﺢ اﻟﺠﻠ ُﺪ ﻧﺎﻋ ًﻤﺎ وﻃﺮﻳًﺎ وﻗﻮﻳًﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻣﻦ ﺗﺄﺗﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ دﺑﺎﻏﺔ اﻟﺠﻠﺪ ،ﻓ ُﻴ ُ ﻧﺴﻴﺞ ﻃﺒﻴﻌﻲ.
واﻟﺴﻴﺮ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ...إﻟﺦ .وإﻟﻰ اﻟﻤﺎدي اﻟﻤﻠﻤﻮس ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻨﺘﻤﻲ ﻛﻞ أﺷﻜﺎل اﻟﻌﻤﺎرة ،وأدوات اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺪءا ﻣﻦ اﺳﺘﻴﻘﺎﻇﻪ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ،وﻣﺮورا ﺑﻤﻼﺑﺴﻪ وأدوات ﻋﻤﻠﻪ ،واﻧﺘﻬﺎء ﺑﻔﺮاﺷﻪ وﻧﻮﻣﻪ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﺒﻴﺌﺔ واﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻬﺎ ،وﺷﻴﺌﺎ ﻓﺸﻴﺌﺎ أﺻﺒﺤﺖ ﻟﻬﺎ ﻓﻨﻮﻧﻬﺎ ،وﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ ﺻﻨﺎﺋﻊ وﺣﺮف ﻳﺪوﻳﺔ ﻟﻬﺎ أﺳﺮار ﺻﻨﺎﻋﺘﻬﺎ وﺟﻤﺎﻟﻴﺎت إﻧﺘﺎﺟﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺗﻮﺛﻴﻖ وإﻧﺘﺎج ﺑﻤﻔﻬﻮم "إﻧﺘﺎج اﻟﻤﺤﺘﻮى" اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ،أي إﻧﺘﺎﺟﻬﺎ ﻛﺘﺎﺑﻴﺎ وﻣﺮﺋﻴﺎ وﺻﻮﺗﻴﺎ ....ﺑﻜﻞ أﺷﻜﺎل اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ ﺣﺘﻰ اﻵن .وﺗﺘﻤﻴﺰ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت واﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،وﺗﺘﺤﻘﻖ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﺠﻤﺎل واﻟﻔﻦ واﻹﺑﺪاع ،وﺗﺘﻌﺪد أﻧﻮاﻋﻬﺎ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮة ﺣﺘﻰ اﻵن ،وﺗﺤﺘﺎج ﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﻮد اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻻﺳﺘﺜﻤﺎرﻫﺎ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﺳﻴﺤﻘﻖ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﺋﺪ، ﻣﺜﻞ :اﺳﺘﺜﻤﺎر ﻣﻮاد اﻟﺒﻴﺌﺔ وﺣﺴﻦ اﺳﺘﻬﻼك وﺗﻮﻇﻴﻒ اﻟﻤﻮارد اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ واﻟﺨﺎﻣﺎت ،وﺣﻞ ﻣﺸﻜﻼت اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ،وزﻳﺎدة ﻣﻌﺪﻻت اﻹﻧﺘﺎج ،وزﻳﺎدة اﻟﺘﺼﺪﻳﺮ ،واﻟﺘﺴﻮﻳﻖ اﻟﺴﻴﺎﺣﻲ ،وﺟﺬب اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﺳﺎﻋﺪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ دول اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﻌﺪﻻت اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ أدرﻛﺖ ذﻟﻚ ﻓﻮﺿﻌﺖ ﻟﻪ اﻟﺨﻄﻂ ﻟﺘﻨﻈﻴﻢ وﺗﻄﻮﻳﺮ ﻋﻤﻠﻴﺎت إﻧﺘﺎﺟﻪ وﻓﺘﺢ أﺳﻮاق ﻣﺤﻠﻴﺔ وﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﻟﻪ .وﻣﻦ ﺷﺮوط اﻟﺘﻮاﺟﺪ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﻤﻨﺘﺞ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﻤﺎدي إﻟﻰ أﺣﺪ أﺷﻜﺎل اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻲ اﻋﺘﻤﺎد ﻣﻔﻬﻮم "إﻧﺘﺎج اﻟﻤﺤﺘﻮى" ﺑﺼﻴﻐﻪ اﻟﺮﻗﻤﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة، أي إﻧﺘﺎج اﻟﺸﻲء اﻟﻮاﺣﺪ ﻓﻲ ﺻﻮر ﻣﺘﻌﺪدة ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺪاول ﺑﺎﻟﻮﺳﺎﺋﻂ اﻟﻤﺘﻌﺪدة ،وﻣﻨﻬﺎ :اﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺎت واﻟﻤﻮاد اﻟﻤﺴﻤﻮﻋﺔ واﻟﻤﺮﺋﻴﺔ ،واﻟﺼﻴﻎ اﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ واﻟﻜﺘﺐ اﻟﺮﻗﻤﻴﺔ .ﻫﺬا ﻣﺎ ﺗﺘﻄﻠﺒﻪ اﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ زﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻣﺘﺨﺼﺼﻲ ﺗﺼﻮﻳﺮ وﺗﺴﺠﻴﻞ ﺻﻮﺗﻲ ،وإﻧﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻸﻓﺮاد اﻟﻌﺎدﻳﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﻮب إﻧﺘﺎﺟﻪ ﻋﺒﺮ ﻫﻮاﺗﻔﻬﻢ اﻟﺬﻛﻴﺔ ،ﻓﻘﻂ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺗﺨﻄﻴﻂ واع وﻣﺪرك ﻷﺑﻌﺎد ﻣﺎ ﻳﺼﻨﻌﻪ وﻛﻴﻔﻴﺔ ﺻﻨﻌﻪ ،وﻫﻲ ﻣﻬﺎم ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺟﻬﻮد ﻣﺆﺳﺴﻴﺔ وﺣﻜﻮﻣﻴﺔ وﻟﻴﺴﺖ ﻓﺮدﻳﺔ ﻓﻘﻂ. اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ إﻟﻰ أﻳﻦ؟
ﻋﺮف ﺗﻘﺮﻳﺮ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ 2003م ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺸﺮ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ وإﻧﺘﺎﺟﻬﺎ وﺗﻮﻇﻴﻔﻬﺎ ﺑﻜﻔﺎءة ﻓﻲ أﻧﻪ ..ﻳﻘﻮم ً ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺠﺎﻻت اﻟﻨﺸﺎط اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻲ :اﻻﻗﺘﺼﺎد واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺪﻧﻲ، واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻟﺤﻴﺎة اﻟﺨﺎﺻﺔ ،وﺻﻮﻻ ﻟﺘﺮﻗﻴﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﺎﻃﺮاد".
ﻓﻬﻞ وﻋﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻳﻨﺪرج ﺗﺤﺖ ﻫﺬا اﻹﻃﺎر؟ وﻫﻞ ﻳﺘﻢ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ إﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ وﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻴﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺪاول؟ وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻄﺮح ﺗﺴﺎؤﻻﺗﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺠﺎﻻت اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﺳﻂ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻋﺎﻟﻤﻲ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﻜﻔﻴﻪ أن ﺗﺒﺘﻌﺪ ﻋﻨﻪ ﺑﻤﺴﺎﻓﺘﻚ اﻟﻜﺎﻓﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺨﺘﺮﻗﻚ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﻴﻦ ﺑﺂﻟﻴﺎﺗﻪ وأﻓﻜﺎره؟ ﻣﻤﺎ ﻻﺷﻚ ﻓﻴﻪ أن أﻣﺘﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﻤﺘﻠﻚ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ، ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﺴﺘﻤﺮ ﻓﻲ اﻹﻧﺘﺎج ،وﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺻﻌﻮﺑﺎت ﻋﺪة واﻧﺪﺛﺎر ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن ..وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﺒﻨﻲ ﺷﻌﺎر اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻴﺔ وﻣﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ ﺑﻠﺪاﻧﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،إﻻ أن ﻫﺬه اﻟﺤﺮف واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﻣﺎ ﺗﺰال ﻓﻘﻴﺮة ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ واﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻲ ،وﻟﻢ ﻳﺘﻢ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻜﺎﻓﻲ ﻋﻠﻰ إﺑﺮازﻫﺎ ﻋﺎﻟﻤﻴﺎ ،واﺳﺘﺜﻤﺎرﻫﺎ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﻗﻀﺎﻳﺎ اﻟﻬﻮﻳﺔ واﻹﻧﺘﺎج اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ واﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻴﺔ واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ...إﻟﺦ .ﻟﻢ ﺗﻌﺪ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻛ ًﻤﺎ ﻣﺨﺘﺰﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﺎ، وإﻧﻤﺎ ﻳﺘﺨﻄﻲ اﻷﻣﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ،ﻣﺜﺎل ذﻟﻚ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺬي ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺘﻌﻠﻴﻢ اﻷﺳﺲ واﻟﻘﻮاﻋﺪ واﻟﻨﻈﺮﻳﺎت واﻟﻤﻌﺎرف ،وﻻ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﻣﻨﺎﻫﺠﻪ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺘﻌﻠﻴﻢ إﻧﺘﺎج اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،وﻣﺎ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﺮف ﻳﺪوﻳﺔ وﻓﻨﻮن وﻣﻮروﺛﺎت ﺷﻌﺒﻴﺔ .ﻓﻬﻞ ﻳﻌﻮد ذﻟﻚ إﻟﻰ ﻏﻴﺎب اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺪور وأﻫﻤﻴﺔ ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت واﻟﺪول واﻟﺴﻴﺎﺳﺎت؟ أم ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﻓﻘﺪ اﻟﺜﻘﺔ ﻓﻲ ﻗﺪرة ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺪور ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﺪول اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ واﻟﻤﺘﻄﻮرة ؟ أم أن ﻣﺎ ﻳﺤﺪث اﻵن ﺑﺸﺄن اﻟﻤﻮروﺛﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻫﻮ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﻐﻴﺎب وﺟﻮدﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻫﺞ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ واﻟﻤﻮازﻳﺔ )اﻹﻋﻼم واﻟﻤﻴﺪﻳﺎ وأﻧﺸﻄﺔ اﻟﺤﻴﺎة واﻷﺳﺮة ،( ....وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻻ ﻳﻌﺮف اﻟﻜﺜﻴﺮون ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﻤﺴﺆﻟﻴﻦ اﻟﻤﻌﻨﻴﻴﻦ أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﺳﺎس؟ أم أﻧﻪ ﻛﺎن ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﻐﻴﻴﺐ ﻣﻘﺼﻮد ﻓﻲ إﻃﺎر ﻓﺼﻞ اﻟﺸﻌﻮب اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﻦ ﻫﻮﻳﺘﻬﺎ وﺗﺮاﺛﻬﺎ ﺑﺪءا ﻣﻦ ﺳﻨﻮات ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر؟ ﻟﻌﻞ ﺳﺒﺒﺎ واﺣﺪا أو أﺳﺒﺎب ﻣﺘﻌﺪدة ﻛﺎﻧﺖ وراء ذﻟﻚ ،ﻟﻜﻦ رﺑﻤﺎ ﻳﺘﺬﻛﺮ اﻟﺒﻌﺾ أن اﻟﻤﺒﺎدرات اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻨﺘﻬﺎ ﻣﻨﻈﻤﺎت دوﻟﻴﺔ أو ﻣﺤﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺑﻠﺪان اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﺼﺎﻟﺢ إﻋﺎدة إﺣﻴﺎء ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت واﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ وﺗﻄﻮﻳﺮ إﻧﺘﺎﺟﻬﺎ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻟﻤﻴﻜﻨﺔ وأدوات اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ،ﻫﺬه اﻟﻤﺒﺎدرات – ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺘﻬﺎ -أدت إﻟﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ إﻳﺠﺎﺑﻴﺔ وﻣﻠﻤﻮﺳﺔ ﻓﻲ واﻗﻌﻨﺎ ،وﺣﻘﻘﺖ وﺟﻮدا ﻋﺎﻟﻤﻴﺎ ﺑﻌﺪ اﻧﺪﺛﺎر ﻃﺎل ﻟﻌﺸﺮات اﻟﺴﻨﻮات
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
49
إﺿﺎءة
ġƲƬǖČĨ ƠǥǍƜǑƦǖČ ďƜLJƜǝƼǖČ ƠǥƢƜǙǡǗLjǚǖČ ƲƼLJ ǣǍ ƠǤĨưǥǖČ ﺷﻬﺪت اﻟﺴﻨﻮات اﻷﺧﻴﺮة ﻋﺎﻟﻤﻴﺎ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺎﻻﺣﺘﻜﺎرات اﻟﺨﻤﺴﺔ: اﺣﺘﻜﺎر اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ،واﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ذات اﻟﻨﺸﺎط اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ واﻟﻘﺮار ﻓﻲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻲ اﻟﻤﻮارد اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ،ووﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﻋﺎﻟﻤﻲ ،واﺣﺘﻜﺎر اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ. ﻣﺎ ﻳﻌﻨﻴﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎم اﻷول ﺑﺸﺄن اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻫﻮ اﻷول واﻟﺮاﺑﻊ ،ﻻرﺗﺒﺎﻃﻬﻤﺎ ﺑﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺎ ،وﻷن اﻣﺘﻼك اﻟﻘﺪرات اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻹﻋﻼم وﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻻﺗﺼﺎل أﺻﺒﺢ ﻫﻮ اﻟﻤﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺳﻮق اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ،ﺗﺘﺤﺪد ﻋﻠﻰ أﺳﺎﺳﻪ أﺳﻬﻢ ﻛﻞ ﻣﻨﺘﺠﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ )ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أن اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ذاﺗﻬﺎ ﻏﺪت ﺳﻠﻌﺔ ،وأن اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺗﻨﺪﺛﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﺗﺠﺪ اﻟﺴﻮق واﻻﺳﺘﻬﻼك اﻟﻤﺤﻠﻲ أو اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ(. وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﻪ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻫﻨﺎك ﻓﺮﺻﺔ أﻣﺎم اﻟﻤﺴﺘﻬﻠﻜﻴﻦ ﺳﻮى اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻷواﻣﺮ ﻣﻦ ﻳﺪﻳﺮ اﻟﺴﻮق اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ،واﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻔﻌﻠﻲ ﻳﺆﻛﺪ أن أرﺑﻌﺔ وﻛﺎﻻت أﻧﺒﺎء ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﺳﻢ "اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﻜﺒﺎر" ﺗﺤﺘﻜﺮ 80%ﻣﻦ إﺟﻤﺎﻟﻲ اﻟﺘﺪﻓﻖ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻲ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ،وأن ﻣﺎﺋﺔ ﻣﻮﻗﻊ ﻓﻘﻂ ﺗﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ 80%ﻣﻦ إﺟﻤﺎﻟﻲ ﻣﺴﺘﺨﺪﻣﻲ ﺷﺒﻜﺔ اﻻﻧﺘﺮﻧﺖ، وﻛﻞ ذﻟﻚ ﻳﺨﺪم اﻟﻬﺪف اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﻬﺆﻻء اﻟﻜﺒﺎر ،وﻫﻮ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻌﻘﻮل وﺻﻴﺎﻏﺔ اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ،وﺗﺴﻮﻳﻖ ﻣﻨﺘﺠﻬﺎ اﻟﺘﺮاﺛﻲ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻟﻠﺘﺪاول اﻵن ،وﺧﻠﻖ اﻟﻤﻌﺘﻘﺪات ﻟﺪى اﻷﻓﺮاد وﺧﻠﻖ اﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ اﻟﺪاﻋﻤﺔ ﻟﻔﻜﺮة أو ﻋﻘﻴﺪة ﻣﺎ ﻳﺘﻢ ﺗﺼﺪﻳﺮﻫﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻫﺆﻻء اﻟﻜﺒﺎر، أي أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺘﺤﻜﻤﻮن ﻓﻲ ﻣﺴﺎر اﻟﺴﻮق اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻓﻘﻂ ،وإﻧﻤﺎ ﻓﻲ أﻓﻜﺎر وﺛﻘﺎﻓﺎت اﻟﺸﻌﻮب وﺻﻨﺎﻋﺎﺗﻬﻢ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ أﻳﻀﺎ ،وﻓﻲ ﺗﺴﻮﻳﻖ ﻣﻨﺘﺠﺎﺗﻬﻢ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ واﻟﻤﻌﺎﺻﺮة .ﻣﻦ ﻫﻨﺎ اﺗﺠﻬﺖ اﻟﺪول -اﻟﺘﻲ أدرﻛﺖ ذﻟﻚ ﻣﺒﻜﺮا -ﻧﺤﻮ رﺻﺪ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺗﺮاﺛﻬﺎ ،وﺗﺤﻮﻳﻠﻪ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﺞ ﺛﻘﺎﻓﻲ ورﺑﻄﻪ ﺑﺎﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻴﺔ واﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ووﺳﺎﺋﻞ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ – أﻳﻀﺎ -ﺑﺪأ ﺗﺪاول ﻣﺼﻄﻠﺢ وﻣﻔﻬﻮم "اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ". ﻧﺒﻊ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺪور اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد وإﻋﺎدة ﺑﻨﺎء اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ،وأﻧﻬﺎ ﻗﻮة ﻧﺎﻋﻤﺔ ﺗﺨﺪم ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺪوﻟﺔ داﺧﻠﻴﺎ وﺧﺎرﺟﻴﺎ ،ﻓﻔﻲ اﻟﺪاﺧﻞ ﺗﻌﺰز ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ اﻻﻧﺘﻤﺎء واﻟﻮﻻء وﺗﺤﻘﻖ أﻫﺪاﻓًﺎ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ واﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻓﻲ إﻃﺎر ﺗﻌﺰﻳﺰ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻣﻊ ﺣﺮوب اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺮاﺑﻊ واﻟﺨﺎﻣﺲ واﻟﺴﺎدس اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ آﻟﻴﺎﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ إﺣﺪاث اﻟﺘﻮﺗﺮ ﺑﻴﻦ اﻟﺪوﻟﺔ وﻣﻮاﻃﻨﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ داﺋﻢ ﻹﺣﺪاث اﻟﺰﻋﺰﻋﺔ وﻋﺪم اﻻﺳﺘﻘﺮار، 48
اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻴﺔ
د .ﻣﺤﻤﻮد اﻟﻀﺒﻊ * ƉƚǙ ɐǽşƂŐ ƃǃōǝǶ ūŽōş
وﻋﻠﻰ ﻓﺼﻞ اﻟﺸﻌﻮب ﻋﻦ ﺗﺮاﺛﻬﺎ وﻫﻮﻳﺎﺗﻬﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ...إﻟﺦ. وﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻓﻘﺪ أﺛﺒﺘﺖ ﺗﺠﺎرب اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺪول، ﻣﺜﻞ اﻟﺼﻴﻦ واﻟﻴﺎﺑﺎن ،واﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،وﻏﻴﺮﻫﺎ ،أن اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺗﻤﺜﻞ رﻛﻴﺰة أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ أﻫﺪاﻓﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ وﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﻘﻮة ﻋﺎﻟﻤﻴﺎ. ﻳﺘﻀﻤﻦ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻋــﺪدا ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺗﺸﻜﻞ ﻣﻮاﺻﻔﺎت اﻟﻤﻨﺘﺞ ،ﻓﻬﻲ ﺗﻘﺘﻀﻲ :وﺟﻮد ﻣﻨﺘﺞ ﻣﺎدي )ﻣﻠﻤﻮس( أو ﻏﻴﺮ ﻣﺎدي )ﺷﻔﺎﻫﻲ ﻣﺴﻤﻮع ،أو ﻣﺸﺎﻫﺪ أو ﻣﺮﺋﻲ( .ووﺟﻮد ﻧﺸﺎط ﻳﺤﻮل ﻫﺬا اﻟﻤﻨﺘﺞ ﻣﻦ ﻓﻜﺮة إﻟﻰ وﺟﻮد ﻣﺪرك .ووﺟﻮد رﻣﺰﻳﺔ ﻓﻨﻴﺔ اﻛﺘﺴﺒﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻤﻨﺘﺞ ﻋﺒﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ )ﺗﺤﻘﻖ ﻋﻨﺼﺮ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ( .ووﺟﻮد ﻫﻮﻳﺔ وﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﻤﻤﺎرﺳﺎت ﻋﺘﻴﻘﺔ ﺗﺨﺺ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺐ دون ﺳﻮاه .أي أن ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﻻﺑﺪ أن ﺗﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻀﻤﻮن وﻣﻌﻨﻰ اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ وﺛﻘﺎﻓﻲ وأن ﺗﻜﻮن ﻟﻬﺎ ﺟﺬور ﺗﺮاﺛﻴﺔ. وﺑﺎﻟﺘﻄﺒﻴﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺘﺠﺎﺗﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻓﺈﻟﻰ اﻟﺸﻔﺎﻫﻲ اﻟﻤﺴﻤﻮع ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻨﺘﻤﻲ :اﻷﻏﻨﻴﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻄﻘﻮس اﻻﺣﺘﻔﺎل ،وأﻧﺎﺷﻴﺪ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،وﺗﺮاﻧﻴﻢ اﻟﺤﺰن واﻟﻤﻮت واﻟﻔﻘﺪ ،وﻓﻨﻮن اﻟﻘﻮل اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،واﻷﻣﺜﺎل اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،وﻣﻘﻮﻻت وﻗﺼﺺ اﻟﺤﻜﻤﺔ اﻟﻘﺼﻴﺮة واﻷﺣﺎﺟﻲ واﻷﻟﻐﺎز اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،واﻟﺴﻴﺮ واﻟﻤﻐﺎزي. وإﻟﻰ اﻟﻤﺸﺎ َﻫﺪ اﻟﻤﺮﺋﻲ ،ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻨﺘﻤﻲ ﻋﺮوض اﻷراﺟﻮز )ﺑﺨﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪ ﺗﺴﺠﻴﻠﻪ ﺑﺎﺳﻢ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﻴﻮﻧﺴﻜﻮ ﻫﺬا اﻟﻌﺎم( وﻓﻦ اﻟﻌﺎزي )ﺑﻌﺪ أن ﺳﺠﻠﺘﻪ اﻹﻣــﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻟﻌﺎم ﻗﺒﻞ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻛﺜﺎﻣﻦ ﻋﻨﺼﺮ( ،وﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﺮاوي اﻟﺸﻌﺒﻲ ،ورﻗﺼﺎت اﻟﺪﺑﻜﺔ ،ودق اﻟﻄﺒﻮل ،واﻟﺪﻓﻮف ،وﻛﺬﻟﻚ ﻛﻞ أﺷﻜﺎل اﻟﻤﻴﺪﻳﺎ اﻟﻤﺮﺋﻴﺔ اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ،ﻣﺜﻞ اﻷﻓﻼم اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺄﻟﻒ ﻟﻴﻠﺔ وﻟﻴﻠﺔ ،وﻛﻠﻴﻠﺔ ودﻣﻨﺔ،
اﻟﺘﺮاث واﻟﺘﺸﻜﻴﻞ ،وﺗﻈﻬﺮ ﻣﺪى ﻗﺪرة اﻟﻔﻨﺎن اﻟﻔﺎﺋﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﻮض ﻏﻤﺎر اﻟﺘﺠﺮﻳﺐ واﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﺘﺮاث ﻻﺳﺘﻠﻬﺎم رﻣﻮزه وﻋﻨﺎﺻﺮه ،وإﺑﺮازﻫﺎ ﻓﻲ ﻟﻮﺣﺎت ﻓﻨﻴﺔ ﺗﺤﺎور اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وﺗﻼﻣﺲ اﻟﺤﺎﺿﺮ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﺑﻮﺿﻮح ﻓﻲ اﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻀ ﱡﻤﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ،ﻛﻤﺎ ﺗﻌﻜﺲ ﻛﺬﻟﻚ أﻫﻤﻴﺔ اﺳﺘﺪﻋﺎء اﻟﺘﺮاث ،ﺗﻮﻇﻴﻔًﺎ واﺳﺘﻠﻬﺎ ًﻣﺎ ،وﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﺼﻮرة اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ إﻟﻰ ﻋﻤﻞ ﻓﻨﻲ ُﻣﺴﺘَﻠ َﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﺷﻜﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻜﻦ ﻓﻲ ﻋﻴﻮن وﻣﺨﻴﻠﺔ اﻟﻤﺒﺪع .ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺪم اﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻗﺮاء ًة ﺑﺼﺮﻳﺔ ﻣﺎﺗﻌﺔ ﻟﻠﻤﻮروث اﻟﺤﺮﻓﻲ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ،ﻣﻜﺘﻨﺰة ﺟﻤﺎﻟﻴﺎت أﺧﱠﺎذة ﺗﺨﺘﺰن ﻋﻤﻖ اﻟﺘﺮاث وﻗﻴﻤﻪ ورﻗﻴﻪ ،وﻧﺴﻴﺠﻪ اﻟﻤﺘﻨﺎﻏﻢ ﻣﻊ اﻟﻮاﻗﻊ واﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺤﺎﺿﻨﺔ، واﻟﻜﺎﺷﻒ ﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ رﺣﻠﺔ اﻟﺘﺮاث ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،واﻟﺘﻲ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﻧﺎﺑﻀﺔ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة ،وﺣﺎﺿﺮة ﺑﻘﻮة ﻓﻲ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،ﻋﺎﻛﺴﺔ ﺟﻤﺎﻟﻴﺎت وروﻋــﺔ اﻟﻤﻈﻬﺮ ،ﻣﺒﺮزة ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻜﺎن ﻟﻠﺒﻴﺌﺔ واﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ،ﻓﺠﺎءت ﻛﺎﻟﺪرر ﻳﻨﻈﻢ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀً ﺎ. اﻟﻤﻄ ّﻮع :ﻧﻈﺎم اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ﻓﻲ اﻹﻣــﺎرات ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻳﻘﻮم
ﺑﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺼﻐﺎر أرﻛﺎ َن اﻹﺳﻼم ،وﺗﺤﻔﻴﻆ اﻟﻘﺮآن واﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ، إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﻬﺎرات اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﻟﺤﺴﺎب واﻟﺨﻂ. اﻟﻐﻴﺺ :ﻫﻮ اﻟﻐ ﱠﻮاص اﻟﺬي ﻳﻨﺰل إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺎر واﺿ ًﻌﺎ اﻟﻔﻄﺎم )أداة ﺗﺸﺒﻪ اﻟﻤﻠﻘﻂ( ﻋﻠﻰ أﻧﻔﻪ؛ ﻟﻴﻤﻨﻊ دﺧﻮل اﻟﻤﺎء إﻟﻰ أﻧﻔﻪ ،أو اﻟﺘﻨﻔﺲ ﺗﺤﺖ اﻟﻤﺎء ،وﻳﻤﺜﱢﻞ اﻟﺤﺒﻞ »اﻟﺒﺪا« وﺳﻴﻠﺔ اﻹﻧﻘﺎذ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻬ ﱡﺰ اﻟﺤﺒﻞ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ اﻟﻤﺎء. ﺑﻨﺎء اﻟﻌﺮﻳﺶ: اﻟﻌﺮﻳﺶ وﺟﻤﻌﻪ »ﻋﺮﺷﺎن«؛ ﻫﻲ اﻟﺒﻴﻮت اﻟﺘﻲ ﺗ ُ ْﺒ َﻨﻰ ﻣﻦ ﺳﻌﻒ وﺟﺬوع اﻟﻨﺨﻴﻞ ،وأﻧﻮاﻋﻬﺎ :ﺑﻴﺖ اﻟﻌﺮﻳﺶ ،وﺧﻴﻤﺔ ﻣﺠﺮدة ،وﺧﻴﻤﺔ ﻗﺼﺎﺻﻴﺐ ،وﺧﻴﻤﺔ ﻣﻜﺒﺔ. ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺪﺧﻮن :ﻣﻦ ِ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺎرﺳﻬﺎ اﻟﻨﺴﺎء، وﺗﺘﻔ ﱠﻨﻦ ﻓﻲ ﺗﺼﻨﻴﻔﻬﺎ ،ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام أﻧﻮاع ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻄﻮر واﻟﺮواﺋﺢ اﻟﺰﻛﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠﻄﻬﺎ ﻣﻊ ﺣﻄﺐ اﻟﻌﻮد اﻟﻤﺴﺘﻮرد ،وﺗﻘﻮم ﺑﻮﺿﻊ ﻛﺮات ﺻﻐﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
47
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
ﻟﻘﺪ ﺗﻨ ﱠﻮﻋﺖ اﻟﺤﺮف واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺑﺘﻨ ﱡﻮع ﻣﻘﻮﻣﺎﺗﻬﺎ وﻓﻘًﺎ ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻹﻣﺎرات اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ وﺟﻐﺮاﻓﻴﺘﻬﺎ ،وازدﻫﺮت ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻧﺘﺎﺟﻬﺎ إﻟﻰ أﺳﻮاق اﻟﺨﻠﻴﺞ وإﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،وإﻟﻰ اﻟﻬﻨﺪ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺘﻲ وﺻﻠﺖ إﻟﻴﻬﺎ ﺳﻔﻨﻬﻢ. ورﻏﻢ أن ﺑﻌﺾ ﻫﺬه اﻟﺤﺮف واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﻗﺪ اﻧﺪﺛﺮ ،ﻓﺈن اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ زال ﻳﻤﺎ َرس ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا ،وﻳﻤﺜﻞ ﻣﻮرد رزق ﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﺎرﺳﻮﻧﻬﺎ .وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ،إﺟﺮاﺋ ٍّﻴﺎ ،ﺗﻘﺴﻴﻢ ﻫﺬه اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ إﻟﻰ: ـ ﺣﺮف وﺻﻨﺎﻋﺎت ﺗﺘﻌﻠﱠﻖ ﺑﺎﻟﺒﺤﺮ ،وﺗﻐﻄﻲ اﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ،ﺳﻮاء ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺘﻌﻠﻘًﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻐﻮص أو اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺘﺠﺎري ،أو اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻛﺼﻴﺪ اﻟﺴﻤﻚ. ـ ﺣﺮف وﺻﻨﺎﻋﺎت ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،ﻣﺜﻞ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺑﻴﻮت اﻟﺸﱠ ﻌﺮ، واﻟﺨﻴﺎم ﻣﻦ ﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﻴﻞ ،وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻷدوات اﻟﻤﻨﺰﻟﻴﺔ ،وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺴﺠﺎد ﻣﻦ وﺑﺮ اﻹﺑﻞ ،وﻏﺰل اﻟﺼﻮف وﻧﺴﺞ اﻟﻌﺒﺎءات اﻟﺮﺟﺎﻟﻴﺔ واﻟﻨﺴﺎﺋﻴﺔ ،وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺴﻴﻮف واﻟﺨﻨﺎﺟﺮ ،وﺑﻌﺾ اﻟﻤﻮاد اﻟﻐﺬاﺋﻴﺔ ﻛﺎﻷﺳﻤﺎك اﻟﻤﺠﻔﱠﻔﺔ وﺗﻤﻠﻴﺤﻬﺎ وﺗﺪﺧﻴﻨﻬﺎ ،ﻟ ُﻴﺼ ﱢﺪر ﺟﺰء ﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ ﺧﺎرج 46
اﻟﺤﺮف ا'ﻣﺎراﺗﻴﺔ ..ذاﻛﺮة ﺣﻴﺔ ِ
اﻟﺒﻼد. ـ ِﺣﺮف وﺻﻨﺎﻋﺎت ﻧﺴﺎﺋﻴﺔ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻷﺳﺮة اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ، وﻫﺬه اﻟﻤﻬﻦ ﺗﻤﺎرﺳﻬﺎ اﻟﻤﺮأة اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻣﺜﻞ »اﻟﺘﻠﻲ« ،وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺒﺮاﻗﻊ وﻏﻴﺮﻫﻤﺎ. ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ» :اﻟﺤﺮف اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ..ذاﻛﺮة ﺣﻴﺔ« ﻳﻘ ﱢﺪم ﻟﻨﺎ اﻟﻔﻨﺎن اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻲ اﻟﺴﻌﻮدي ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﻤﺒﺮزي ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻟﻮﺣﺔ ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ اﻟﺪﻗﺔ، ﺑﺎذﺧﺔ اﻟﺠﻤﺎل ،ﺗﺤﺘﻔﻲ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ِ اﻟﺤﺮف ﺑﺄﻧﻮاﻋﻬﺎ وأﺷﻜﺎﻟﻬﺎ ﻛﺎﻓﺔ ،وﻫﻲ ِﺣ ٌ وﻓﺎﻋﻼ ً ﺮف ﺷﻜﱠﻠﺖ ،وﻻ ﺗﺰال ﻓﻲ أﻏﻠﺒﻬﺎ ،ﺣﻀﻮ ًرا ﻛﺒﻴ ًﺮا، ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،ﺑﻔﻌﻞ ﺗﻌﻠﱡﻖ اﻹﻧﺴﺎن اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﺑﻬﺎ ،وﺳﻌﻴﻪ إﻟﻰ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛـ »اﻟﻜﺘﺎﺗﻴﺐ ،اﻟﻐﻴﺺ ،ﻓﻠﻖ اﻟﻤﺤﺎر ،ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺪﺧﻮن، اﻟﻤﻌﻘﺼﺔ ،ﺧﺒﺰ اﻟﺮﻗﺎق ،اﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ،ﺗﻤﻠﻴﺢ اﻟﺴﻤﻚ ،اﻟﺴﻘﺎ ،ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺴﺪو ،ﺑﻨﺎء اﻟﻌﺮﻳﺶ ،اﻟﺮﺣﻰ )ﻃﺤﻦ اﻟﺤﺒﻮب -اﻟﺸﻌﻴﺮ( ،اﻟﻤﻘﻬﻮي، اﻟﻐﺰل )اﻟﺼﻮف( ،اﻟﺴﻔﺎﻓﺔ ،اﻟﺘﻠﻲ ،ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻔﺨﱠﺎر ،اﻟﺤﺪادة ،اﻟﺼﻴﺎد، ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻘﻮارب )اﻟﺸﺎﺷﺔ(«. ﺗﺒﺮز ﻫﺬه اﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻣﻼﻣﺢ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻘﻮﻳﺔ واﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﺑﻴﻦ
ﺑﻴﺌﺘﻪ ،وﻳﺘﻌﺮف إﻟﻰ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ واﻫﺘﻤﺎﻣﺎﺗﻬﺎ، وﻇﻞ ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻰ اﻷﻓﻀﻞ ﻓﻲ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﺳﺒﻞ ﻋﻴﺸﻪ ،ﻳﺠ ﱢﺮب وﻳﺒﺪع ﻟﻴﻜﻮن أﻛﺜﺮ اﻧﺴﺠﺎ ًﻣﺎ ﻣﻊ ﺑﻴﺌﺘﻪ .ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﻬﻮده ﺗﺒﺤﺚ ﻓﻲ رﻣﻞ اﻟﺼﺤﺮاء ﻏﻴﺮ آ ِﺑ َﻬ ٍﺔ ﻟ َﺤ ﱢﺮ ﻧﻬﺎره ﻋ ﱠﻤﺎ ﻳﻌﻴﻨﻪ وﻳﺤﺘﺎﺟﻪ ،وﻳﻤﺨﺮ ُﻋﺒﺎب اﻟﺒﺤﺮ أو ﻳﻐﻄﺲ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻪ ،دون اﻟﻨﻈﺮ ﻷﻫﻮاﻟﻪ ،ﻳﺒﺘﻐﻲ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺎدر ﻟﻠﺤﻴﺎة -ﻛﺎن ﺧﻴﺎﻟﻪ ﻳﺴﺒﻖ ﺣﺪود ارﺗﺤﺎﻟﻪ ،وﻳﺼﻞ إﻟﻰ أﺑﻌﺪ ﻣ ﱠﻤﺎ ﺗﻄﺄ ﻗﺪﻣﺎه وﻳﺼﺎﻓﺢ ﺟﺴﺪه ،إذ ﻛﺎن ﻳﺼ ﱢﻤﻢ ﻣﺸﺮو ًﻋﺎ ﻟﻠﺘﺤﺪي؛ ﻟﻴﺼﻮغ أﺳﻄﻮرة ﻟﻠﺤﻴﺎة .ﻟﻘﺪ أﺛﺒﺖ اﺑﻦ اﻹﻣــﺎرات ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺟﻬﺔ أﺻﻌﺐ اﻟﻈﺮوف واﻟﺘﺤﺪﻳﺎت ،ﻓﻠﻢ ﻳُﺜْ ِﻨ ِﻪ ﻋﻦ ﻣﺸﺮوع ﺣﻴﺎﺗﻪ وﻣﺴﻴﺮة ﺑﻨﺎﺋﻪ ِﻗﻠﱠ ُﺔ اﻟﻤﺎء وﺻﻌﻮﺑﺔ اﻟﻤﻨﺎخ وﻗﺴﻮة اﻟﺼﺤﺮاء وﻧﺪرة اﻹﻣﻜﺎﻧﺎت اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ ،ﺑﻞ ﺗﻐﻠﱠﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ذﻟﻚ ،وﻃ ﱠﻮع ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺘﺎ ًﺣﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺑﻴﺌﺘﻪ ،ﻟﻴﻜﻮن ﻣﺼﺪ ًرا ﻟﻠﻌﻄﺎء ،وﺧﻴ ًﺮا ﻳﻨﺴﺞ ﻣﻨﻪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺳ ﱠﻬﻞ ﻋﻠﻴﻪ ُﺳ ُﺒ َﻞ اﻟﻌﻴﺶ وﻣﻮاﺻﻠﺔ اﻟﺘﺤﺪي ،وﺻﺎغ ﻣﻦ ﻧﺪرة اﻟﻤﻮارد اﻟﻀﺮوري ﻣﻦ أدوات اﻟﻌﻴﺶ وﻣﺴﺘﻠﺰﻣﺎت اﻟﺤﻴﺎة .وﻛﻤﺎ ﻣﺘﻤﺜﻼ ﻓﻲ اﻟﻨﺨﻞ واﻟﻤﺎﺷﻴﺔ واﻟﺴﻤﻚ ﻃ ﱠﻮع ﻣﺎ ﺗﻮاﻓﺮ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻣﻮارد ﺑﻴﺌﺘﻪً ، واﻟﻠﺆﻟﺆ ،أﻳﻀً ﺎ ﻛﺎن ﻟﻤﻠﻜﺎت إﺑﺪاﻋﻪ دور ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﺣﻮار ،وﺗﻄﻮﻳﻊ اﻷدوات اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ اﻟﻤﺘﻮاﻓﺮة ﻹﻧﺘﺎج ﺣﺎﺟﺎﺗﻪ اﻟﻤﻌﻴﺸﻴﺔ .ﻓﺎﺳﺘﺜﻤﺮ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺎت ﻳﺪوﻳﺔ ﺗﺴﺘﺠﻴﺐ ﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻪ ،وﺣﻔﺮ اﻷﻓﻼج واﻵﺑﺎر ﻟﺘﻮﻓﻴﺮ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ،وﻟﻴﺰرع ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺪ ﺟﺎﻧ ًﺒﺎ ﻣﻦ ﻏﺬاﺋﻪ ،واﺳﺘﻄﺎع أن ﻳﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ﻣﻜﻨﻮﻧﺎﺗﻪ،
ﻓﻴﺘﻐﺬﱠى ﺑﻤﺎ ﻳﺆﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ أﺳﻤﺎك ،وﻳﺴﺘﺨﺮج اﻟﻠﺆﻟﺆ ﻟﻴﺒﻴﻌﻪ ﻓﻲ أﺳﻮاق اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻳﻌ ﱢﺰز ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺠﺎرﺗﻪ ﻋﻼﻗﺎﺗﻪ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ،ودﻓﻌﺘﻪ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺗﻮﻓﻴﺮ وﺳﻴﻠﺔ اﻧﺘﻘﺎﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ ،ﻓﺼﻨﻌﺖ ﻳﺪاه اﻟﺴﻔﻦ واﻟﻤﺮاﻛﺐ اﻟﺘﻲ ﻧﻘﻠﺘﻪ إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻟﻴﺘﺄﺛﺮ ﺑﺜﻘﺎﻓﺎت وﺣﻀﺎرات ،وﻳﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻊ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ .واﻟﻴﻮم ﺑﺎت ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻣﻮﺿﻊ اﻻﻫﺘﻤﺎم واﻟﺒﺤﺚ، وﻣﺤ ﱠﻂ اﻹﻋﺠﺎب ﺑﺘﺮاث ﺷﻌﺒﻲ ﻳﺒ ﱢﻴﻦ ﺑﺠﻼء ﻃﺒﻴﻌ َﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻜﻤﺖ ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻹﻣﺎرات ،وﻳﺮﺳﻢ اﻟﻤﻼﻣﺢ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﺤﻴﺎة ﻋﺎﺷﻬﺎ اﻵﺑﺎء واﻷﺟﺪاد.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
45
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
ƠǥƥČƲƢ ƠǍƲƫ 20 ƭǤĖƜƢ ǘƵƲǖƜƞ ǏƐƥǡǤ
Ơǥƫ ĎƲǓČĕ ƠǥƢČĖƜǙǪČ ġƲƬİ ǖČ د .ﻣﻨﻲ أﺑﻮ ﻧﻌﺎﻣﺔ
ﺗُﻌﺪﱡ اﻟﺤﺮف ﻣﻦ اﻟﺮﻛﺎﺋﺰ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﻴﺎة اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،وﻣﻨﻬﺎ ﺗﺘﻜ ﱠﻮن ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﻮز واﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎت واﻷﻟﻔﺎظ، واﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺪور ﻓﻲ ﻓﻠﻚ اﻟﺤﺮف واﻟﻤﻬﻦ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ. ﻓﻨﻲ ﻳﺘﻄﻠﱠﺐ دراﻳﺔ وﻣﻬﺎرة ﻋﺎﻟﻴﺘﻴﻦ ،وﻟﻪ ﻣﺮدوده واﻟ ِﺤﺮﻓﺔ ﻋﻤﻞ ﱞ اﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻟﺠﻤﺎﻟﻲ واﻟﺤﻀﺎري ،وﻗﺪ ﺑﺪأت اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺪول اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻤﺎ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﻣﻦ ِﺣﺮف ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ،إدراﻛًﺎ ﻟﻠﻔﻮاﺋﺪ اﻟﻤﺘﻌﺪدة اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻌﻮد ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻤﺘﻬﻨﻴﻬﺎ ،وﻋﻠﻰ ﺑﻼدﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﱟ ﺳﻮاء ،ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺘﻴﻦ اﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ إﻧﻌﺎش ﺳﻮق اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺘﻮﻓﻴﺮ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻔﺮص اﻹﺿﺎﻓﻴﺔ. 44
اﻟﺤﺮف ا'ﻣﺎراﺗﻴﺔ ..ذاﻛﺮة ﺣﻴﺔ ِ
وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺬي ﺗﺸﻬﺪه دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،واﻟﺬي ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺗﺤﺘﻞ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻣﺮﻣﻮﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺪول اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،وأﺷﻜﺎل اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺬي ﺗﻌﻴﺸﻪ اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺠﺎﻻت ،إﻻ أن ِ اﻟﺤﺮف واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻻ ﺗﺰال ﺗﺤﺘﻔﻆ ﺑﻤﻜﺎﻧﺘﻬﺎ؛ ﻛﻮﻧﻬﺎ أﻫﻢ ﻣﻘﻮﻣﺎت اﻟﺘﺮاث اﻟﻤﺎدي ،إذ ﺗﺮﺗﺒﻂ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ واﻟﺘﻄﺒﻴﻖ اﻟﻌﻤﻠﻲ ﻣ ًﻌﺎ ،ﻓﻬﻲ ﺗﺒﺪأ ﺑﻨﺸﺎط ﻓﻜﺮي ﺗﻮ ﱢﺟﻬﻪ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ واﻟﺤﺎﺟﺔ ﻟﻤﻬﺎرة ﻳﺪوﻳﺔ ﺗ ُﺒﺪع ﻧﺘﺎ ًﺟﺎ ﻣﺎدﻳٍّﺎ ﻳﻌ ﱢﺒﺮ ﻋﻦ ﺻﻴﻐﺔ ﻣﺘﻤﻴﺰة ﻟﺘﻔﺎﻋﻞ اﻟﺤﺮﻓﻲ ﻣﻊ ﺑﻴﺌﺘﻪ ،وﻳﻠ ﱢﺒﻲ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻪ واﺣﺘﻴﺎﺟﺎت ﻣﺠﺘﻤﻌﻪ؛ ﻟﻬﺬا ﻳُﻘﺎل إن ِ ﻟﻠﺤﺮف واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻴﺪوﻳﺔ ﻣﻼﻣﺢ ﺗﻄﺒﻊ أي ﻣﻜﺎن ﺑﻬﻮﻳﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺗﻤﻴﱢﺰه ﻋﻦ ﻏﻴﺮه ﻣﻦ اﻷﻣﺎﻛﻦ. وﻣﻨﺬ أن ﻋﺎش اﺑﻦ اﻹﻣﺎرات ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻷرض ،ﺑﺪأ ﻳﺒﻨﻲ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﻣﻊ
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
ƲƼǙ ǣǍ ƠǤưǥǗǑƣǖČ ġƲƬǗǖ ƴǗǁĈ lƠǤĨưǤz ﻣﺤﻤﻮد ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ
ﻓﻲ ﻣﺎرس 2013أﻧﺸﺄ اﻟﻤﺮﺷﺪ اﻟﺴﻴﺎﺣﻲ أﺳﺎﻣﺔ ﻏﺰاﻟﻲ ﻣﺮﻛﺰ »ﻳﺪوﻳﺔ« ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ واﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ اﻻﻧﺪﺛﺎر .ﻳﻘﻮل" :ﻧﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت ﻋﺪﱠ ة ،ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﻦ دﻋﻢ وﺗﺪرﻳﺐ اﻟﺤﺮﻓﻲ ،وﺗﺴﻮﻳﻖ ﻣﻨﺘﺠﺎﺗﻬﻢ ،ﻣﺤﻠﻴﺎً ودوﻟﻴﺎً ،وﺗﻮﺛﻴﻖ اﻟﺤﺮﻓﺔ ﻗﺼﺼﺎ ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﻬﺎً ، ﻣﺜﻼ؛ ورﺑﻄﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺼﺺ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ؛ ﻷن ﻟﻜﻞ ﺣﺮﻓﺔ ً ارﺗﺒﺎط ﻓﻦ )اﻟ ِﺨﻴﺎﻣﻴﺔ( ﺑﺘﺮاث اﻟﺤﺞ وﺷﻬﺮ رﻣﻀﺎن". ﻳﻌﻤﻞ داﺧﻞ ﻣﺮﻛﺰ »ﻳﺪوﻳﺔ« 9أﻓﺮاد ،ﺗﺘﻨ ﱠﻮع اﺧﺘﺼﺎﺻﺎﺗﻬﻢ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ واﻻﻛﺘﺸﺎف واﻟﺒﺤﺚ واﻟﺘﻮﺛﻴﻖ ،وﻣﻨﺬ 2013ﻳﻨﺒﺶ اﻟﻔﺮﻳﻖ ﻋﻦ اﻟﺤﺮف اﻟﻤﺠﻬﻮﻟﺔ داﺧﻞ ﻗﺮى وﻧﺠﻮع ﻣﺼﺮ ،وﺗﻮﺛﻴﻖ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺨﺼﻬﺎ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﻟﺘﺼﻮﻳﺮ .وﻳﺮى ﻏﺰاﻟﻲ أن اﻟﺘﻮﺛﻴﻖ ﻫﻮ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻷﻫﻢ ،وﻳﻘﻮل" :إن ﻟﻢ ﻧﺴﺘﻄﻊ إﺣﻴﺎء ﺣﺮﻓﺔ ﻓﻌﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻧﻮﺛﻘﻬﺎ ﻟﻤﻦ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪﻧﺎ". وﻳﺸﻴﺮ ﻏﺰاﻟﻲ إﻟﻰ أن اﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻓﻈﺎت اﻟﺪﻟﺘﺎ ﻗﻠﻴﻠﺔ، ﺛﻤﺎنِ ﻋﻠﻰ اﻷﻛﺜﺮ ،أﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻓﻈﺎت اﻟﺼﻌﻴﺪ ﻓﻴﺼﻞ ﻋﺪدﻫﺎ إﻟﻰ 35 ﺣﺮﻓﺔ .وﻳﻀﻴﻒ أن ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺮى ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺒﺤﺮي ﺗﻌﻤﻞ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻬﻨﺔ واﺣﺪة ،ﻣﺜﻞ ﻗﺮﻳﺔ ﻛﻔﺮ اﻟﺤﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔاﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺤﺼﻴﺮ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي .وﻛﻤﺎ ﺗﻮﺛﻖ "ﻳﺪوﻳﺔ" ﻟﻠﺤﺮف اﻟﻤﻬﺪدة ﺑﺎﻻﻧﺪﺛﺎر ﻣﺜﻞ ِ اﻟﺨﻴﺎﻣﻴﺔ واﻟﺘّﻠﻲ واﻟﻜﻠﻴﻢ وﺻﻨﺎﻋﺎت اﻟﻔﻀﺔ اﻟﻴﺪوﻳﺔ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻮﺛﻖ ﻟﺤﺮف اﻧﺪﺛﺮت ﻛﺎﻟﺘﻄﺮﻳﺰ اﻟﻨﻮﺑﻲ ﻓﻲ أﺳﻮان ،وﻧﻮل اﻟﺒﺮدة اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻓﻲ ﺟﻨﻮب اﻟﺼﻌﻴﺪ .وﻧﺠﺢ ﻣﺮﻛﺰ "ﻳﺪوﻳﺔ" ﻓﻲ أﺣﻴﺎء ﺣﺮﻓﺔ اﻟﺮﺳﻢ ﻋﻠﻰ ﺟﺬوع اﻟﻨﺨﻴﻞ ﺑﻌﺪ ﺗﻮﻗﻔﻬﺎ ﻟﺴﻨﻮات ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻣﺮﺳﻰ ﻣﻄﺮوح.وﺣﺴﺐ ﻏﺰاﻟﻲ ﻓﺈن أﺳﺒﺎب اﻧﺪﺛﺎر اﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ ﻛﺎﻣﻦ ﻓﻲ ﻋﺪم إﻗﺒﺎل اﻷﺟﻴﺎل وﺗﻮﻗﻒ ﻧﻘﻞ اﻟﺨﺒﺮة ﻟﻐﻴﺎب اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ،وﻋﺪم وﺟﻮد ﻣﻈﻼت ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻛﺎﻟﻀﻤﺎن اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺘﺄﻣﻴﻦ اﻟﺼﺤﻲ.
اﻟﺤﺮف واﻟﻤﻬﻦ ﻓﻲ اﻷﻃﻠﺲ ﻟﻤﻌﺎﻳﻴﺮ أﻫﻤﻬﺎ ﱠأﻻ ﻳﻘﻞ ﻋﻤﺮﻫﺎ ﻋﻦ 50 ﻋﺎ ًﻣﺎ ،وأن ﺗﻜﻮن ﻣﺼﺮﻳﺔ أﺻﻴﻠﺔ ،وأن ﺗﻜﻮن ﻣﻬﺪدة ﺑﺎﻻﻧﺪﺛﺎر واﻟﻔﻨﺎء. ﻣﻦ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻲ اﻧﺪﺛﺮت ﻓﻲ ﺟﻨﻮب ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺴﻜﺎﻛﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻌﺎج وﻗﺮون اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ،وﻓﻲ ﺳﻴﻨﺎء اﻧﺪﺛﺮت ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺒﺮﻗﻊ اﻟﺴﻴﻨﺎوي .وﺗﺘﺼﺪر اﺳﻴﻮط ﺣﺴﺐ ﺧﺮﻳﻄﺔ »ﻳﺪوﻳﺔ« ﺻﺪارة اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺎت ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻋﺪد اﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪﻳﻮة ،وﻣﻨﻬﺎ »اﻟﻜﻠﻴﻢ اﻟﻌﺪوي، واﻷﺑﻮاب اﻟﺨﺸﺒﻴﺔ اﻷﺳﻴﻮﻃﻲ ،واﻟﻜﻠﻴﻢ اﻟﻘﺒﺎﻃﻲ اﻟﺠﻮﺑﻼن ،وﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻌﺎج واﻟﻌﻈﻢ ،وﻛﺴﻮة ﺣﺸﻮ ﺑﺮادع اﻟﺪواب ،وﻧﻮل اﻟﻜﻠﻴﻢ اﻟﺼﻮف، وﺗﻄﺮﻳﺰ اﻟﺘﻠﻲ اﻷﺳﻴﻮﻃﻲ ،واﻟﻐﺮاﺑﻴﻞ ،وﺗﻄﺮﻳﺰ اﻟﻤﻜﺮﻣﻴﺔ ،وﺗﺸﻜﻴﻞ ﻗﺮون اﻟﺠﺎﻣﻮس ،وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻤﻮازﻳﻦ اﻟﻴﺪوﻳﺔ ،وﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻨﺤﺎس، واﻟﻜﻠﻴﻢ اﻟﻘﺼﺎﻗﻴﺺ ،وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻨﺮﺟﻴﻠﺔ اﻷﺳﻴﻮﻃﻲ ،وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻔﺨﺎر واﻟﻄﻴﻦ ،وﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﺒﻮص ،ورﺳﻢ زﺧﺎرف ﺷﻌﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺪران«. وﻳﺄﻣﻞ ﻏﺰاﻟﻲ ،ﻓﻲ إﻧﺸﺎء ﻫﻴﺌﺔ ﻣﺼﺮﻳﺔ ﻟﻠﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ ،ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ إﺣﻴﺎﺋﻬﺎ وﺗﻬﺘﻢ ِ ﻓﻲ ،وأن ﻳﺤﺪث ﺗﻌﺎون ﺑﻴﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻬﻴﺌﺔ ووزارة ﺑﺎﻟﺤ َﺮ ﱢ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻟﺘﺪرﻳﺐ اﻟﻄﻼب ﻓﻲ ﻣﺮاﻛﺰ إﻧﺘﺎج ﻃﻮال اﻟﻌﺎم ﺑﺎﻟﺘﻮازي ﻣﻊ وﺟﻮدﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺪرﺳﺔ ،ﻣﻘﺎﺑﻞ دﺧﻞ ﻣﺎﻟﻲ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺸﻌﺮ اﻟﻄﺎﻟﺐ ﺑﺄﻧﻪ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﺼﺔ ﺗﺪرﻳﺐ ﻓﻘﻂ واﻧﻘﻀﻰ اﻷﻣﺮ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻣﻘﺎﺑﻼ ،ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﺳﻴﺠﻌﻠﻪ ﻳﺴﺘﻤﺮ، ﺗﺪرب واﻧﺨﺮط ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ وأﺧﺬ ً ﻣﺴﺘﻘﺒﻼ ً وﻳﺮى اﻟﻤﻬﻨﺔ ﻣﻦ ﺑﺪاﻳﺘﻬﺎ وﻳﺠﻌﻞ ﻟﻠﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ
أﻃﻠﺲ ﻟﻠﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ
ﺧﻼل رﺣﻠﺔ إﻟﻰ اﻟﻬﻨﺪ اﻃﻠﻊ ﻏﺰاﻟﻲ ﻋﻠﻰ أﻃﻠﺲ ﻟﻠﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ ،ﻓﺒﺪأ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ أﻃﻠﺲ ﻟﻠﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ، وﺿﻊ ﺧﺮﻳﻄﺔ ﺗﻔﺼﻴﻠﻴﺔ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺴﺎﺋﺢ أو اﻟﺰاﺋﺮ ﺑﻮاﺳﻄﺘﻬﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﻜﺎن ﻛﻞ ﺣﺮﻓﺔ وﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﻨﻬﺎ .وﻳﺨﻀﻊ اﺧﺘﻴﺎر
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
43
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
إﺷﻜﺎﻟﻴﺎت ﺻﻨﺎﻋﺔ »اﻷﻟﺒﺎﺳﺘﺮ« واﻟﺤﻠﻮل
ﻗﺎل أﺣﻤﺪ ﺣﺴﺎن أﺣﻤﺪ ﻣﺪﻳﺮ أﺣﺪ ﻣﺼﺎﻧﻊ اﻷﻟﺒﺎﺳﺘﺮ إن ﻣﺼﺎﻧﻊ اﻷﻟﺒﺎﺳﺘﺮ ﺗﻮاﺟﻪ ﻋﺪة ﻣﺸﺎﻛﻞ أﻫﻤﻬﺎ اﻟﺘﻜﻠﻔﺔ ،إذ إن ﺷﺮاء اﻟﺨﺎﻣﺔ وﺗﻜﺎﻟﻴﻒ اﻟﻨﻘﻞ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻏﺮب وادي اﻟﻤﻠﻮك أو ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺎﺟﺮ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺑﺎﻟﻤﻨﻴﺎ وأﺳﻴﻮط ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﺟ ٍّﺪا .إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻏﻴﺎب دﻋﻢ اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻴﺪوﻳﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم وﻣﻨﻬﺎ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻷﻟﺒﺎﺳﺘﺮ. وأﺷﺎر ﺣﺴﺎن إﻟﻰ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣﻦ أﻋﻘﺪ اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ آﻣﻼ أن ﺗﺒﺬل اﻟﺪوﻟﺔ ﺟﻬ ًﺪا ﻓﻲ ﻫﺬا اﻹﻃﺎر ،ﻷﻧﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﻪ ﺻﻨﺎﻋﺘﻬﻢً . ﻣﻦ اﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ اﻟﻤﻬﻤﺔ ،وﻋﺪم ﺗﺮﻛﻪ ﻟﻠﻤﺴﺘﺜﻤﺮﻳﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻓﻘﻂ ﻋﻦ اﻟﺮﺑﺢ .وﻗﺎل أﺣﻤﺪ ﺣﺴﺎن إن ﻫﺬه اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺣﻠﻬﺎ ﻋﺒﺮ ﺗﻨﺸﻴﻂ اﻟﻤﻮﺳﻢ اﻟﺴﻴﺎﺣﻲ ،ﺑﺎﺳﺘﺤﺪاث ﺧﻄﻂ وﺑﺮاﻣﺞ ﺟﺪﻳﺪة واﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺧﺎرج اﻟﺼﻨﺪوق ،وإﻋﺎدة ﺗﻔﻌﻴﻞ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎت اﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ اﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻛﺄﻋﻴﺎد »أوﺑﻚ« و»أوﺑﺮا ﻋﺎﻳﺪة« ،واﺳﺘﻀﺎﻓﺔ ﻓﻨﺎﻧﻴﻦ ﻋﺎﻟﻤﻴﻴﻦ ﻹﻗﺎﻣﺔ ﺣﻔﻼت ﻓﻲ ﺑﻬﻮ اﻟﻤﻌﺎﺑﺪ وإﺣﻴﺎء دراﺳﺔ اﻟﺘﺮﺧﻴﺺ ﻟﻠﻤﻨﺸﺂت اﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ؛ وﺑﻬﺬا ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﺤﻞ ﻛﻞ ﻣﺸﺎﻛﻠﻨﺎ، ﻋﻠﻢ اﻟﻤﺼﺮﻳﺎت ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ إﻋﻄﺎء دورات ﺗﺪرﻳﺒﻴﺔ ﻟﻠﺒﺎﺋﻌﻴﻦ ﻓﻲ وﺗﺤﻞ اﻟﺪوﻟﺔ أﻳﻀً ﺎ ﻣﺸﺎﻛﻠﻬﺎ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎم اﻷول اﻟﺒﺎزرات اﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ ﻟﺘﻌﻠﱡﻢ ﻓﻦ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﺰﺑﺎﺋﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺎح ،وﺗﻴﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ 42
ﻓﻦ ﺻﻨﺎﻋﺔ ا0ﻟﺒﺎﺳﺘﺮ ﺑﺼﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ
اﻟﻤﺘﺨﺼﺼﺔ ،ﻓﻲ ﻓﻲ ﻓﻦ اﻟﻨﺤﺖ ﻣﻦ ﺧﺮﻳﺠﻲ اﻟﻜﻠﻴﺎت واﻟﺠﺎﻣﻌﺎت ﱢ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن. أﺣﺠﺎر ..وأﻟﻮان
ﻳﺼﻒ اﻟﻔﻨﻲ »ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻤﺮاوي« اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺣﺠﺮ اﻷﻟﺒﺎﺳﺘﺮ ﺑﺎﻟﺼﻌﻮﺑﺔ، ﻓﻬﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﺘﻌﺪدة اﻟﻤﺮاﺣﻞ ،ﺗﺘﻢ ﻛﻠﻬﺎ ﻳﺪوﻳًﺎ ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﻦ ﻧﻘﻞ اﻟﺤﺠﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺎﺟﺮ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ ﻏﺮب وادي اﻟﻤﻠﻮك ،ﺛﻢ وﺿﻌﻪ ﻓﻲ ﻗﻤﺎش أﺑﻴﺾ وﺗﻌﺮﻳﻀﻪ ﻟﻠﺸﻤﺲ ﻟﻤﺪة ﻋﺸﺮة أﻳﺎم ،ﺛﻢ إﻋﺪاده ﻟﻠﺘﻔﺮﻳﻎ ،وﻧﺰع اﻟﻘﻤﺎش ﻋﻨﻪ ،ﺛﻢ اﻟﺘﻨﻌﻴﻢ ،ﺗﻤﻬﻴ ًﺪا ﻹدﺧﺎﻟﻪ اﻟﻔﺮن ﻓﻲ درﺟﺔ ﺣﺮارة 150 ﻣﺌﻮﻳﺔ .أﻣﺎ رﺟﺐ اﻟﻤﻄﻌﻨﻲ ،أﺷﻬﺮ ﺻﺎﻧﻊ ﻟﻠﺘﺤﻒ واﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ﺑﺎﻷﻗﺼﺮ ﻓﻴﻘﻮل إن اﻟﻤﺮﻣﺮ أو اﻷﻟﺒﺎﺳﺘﺮ ﻟﻪ ﺗﺮﻛﻴﺒﺔ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ،وﻳﺘﻤﻴﺰ واﻟﺒﻨﻲ واﻷﺣﻤﺮ ،وﻳﺴﺘﺨﺮج ﻓﻲ ﺑﺎﻟﺼﻼﺑﺔ .وﻟﻪ ﺛﻼﺛﺔ أﻟﻮان ﻫﻲ اﻷﺑﻴﺾ ﱞ أﺣﺠﺎم ﻛﺒﻴﺮة ﻳﺘﻢ ﺗﻜﺴﻴﺮﻫﺎ ﻟﺘُﺼﻨﻊ ﻣﻨﻬﺎ اﻷﺷﻜﺎل اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .وﻳﻀﻴﻒ: ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﺑﺎﻟﻤﺘﺤﻒ اﻟﻤﺼﺮي ﻣﻦ اﻷﻟﺒﺎﺳﺘﺮ. وﻳﻀﻴﻒ اﻟﻤﻄﻌﻨﻲ :ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻫﻲ ﻣﺼﺪر رزق اﻟﻤﺌﺎت ﻣﻦ أﺑﻨﺎء ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺮﻧﺔ ،ﺗﻮارﺛﻮﻫﺎ ﻋﻦ أﺟﺪادﻫﻢ ﻗﺪﻣﺎء اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ وﻫﻢ ﻳﺼﻨﻌﻮﻧﻬﺎ ﺑﻄﺮق ﻣﻤﻴﺰة ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ درﺳﻮﻫﺎ ﻋﻠﻲ أﻳﺪي أﺟﺪادﻫﻢ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻣﻌﺪات ﺧﻔﻴﻔﺔ ﻛﺎﻟﺸﺎﻛﻮش واﻷزﻣﻴﻞ واﻟﺼﻨﻔﺮة. ﻧﺤﺎﺗﻮن ..وﺗﺠﺎرب
ﻳﻘﻮل اﻟﻨﺤﺎت »ﺳﺎﻟﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﺳﺎﻟﻢ«» :ﺗﻌﻠﱠﻤﺖ ﻣﻬﻨﺔ اﻟﻨﺤﺖ ﻣﻦ واﻟﺪي، اﻟﺬي ﺗﻌﻠﻤﻬﺎ ﺑﺪوره ﻣﻦ واﻟﺪه ،وﻫﻜﺬا ،ﺣﺘﻰ ﻋﺼﺮ اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ؛ ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺘﻮارث ﻣﻬﻨﺔ ﻓﻦ اﻟﻨﺤﺖ إﻟﻰ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﻫﺬا« .وﻳﻀﻴﻒ »ﺳﺎﻟﻢ«» :ﻣﻦ أﻫﻢ أﺷﻜﺎل اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﻟﺒﺎﺳﺘﺮ ﻟﻤﻠﻮك اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ ﺗﻤﺜﺎل رﻣﺴﻴﺲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وﺗﻮت ﻋﻨﺦ آﻣﻮن ،وﻧﻔﺮﺗﻴﺘﻲ ،وأوزورﻳﺲ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻣﻮز اﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﻣﺜﻞ اﻟﺠﻌﺮان وﻳﻮﺿﱢ ﺢ أﻧﻪ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻓﻲ ﻧﺤﺖ اﻟﺘﻤﺜﺎل اﻟﻤﻄﻠﻮب ﻋﻠﻰ ﺗﻤﺜﺎل آﺧﺮ اﻟﻤﻘﺪس«. ﺣﻘﻴﻘﻲ ،ﻓﻴﻨﻘﻞ ﻛﻞ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﺘﻤﺜﺎل اﻷﺻﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻄﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﻳﺪ ﺗﺸﻜﻴﻠﻬﺎ ،ﻓﺘﻜﻮن ﺻﻮرة ﻃﺒﻖ اﻷﺻﻞ ﻟﻠﺘﻤﺜﺎل اﻷﺻﻠﻲ أو اﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻣﻨﺤﻮﺗﺘﻪ ﻟﻠﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ .اﻟﻨ ﱠﺤﺎت ﻣﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ ﻧﺤﺖ وﺗﺼﻨﻴﻊ »اﻟﺠﻌﺎرﻳﻦ« ،ﻳﻘﻮل» :ﻓﻜﺮة ﻣﺤﻤﻮد ﻋﻠﻲ ﱢ اﻟﺠﻌﺎرﻳﻦ ﻋﻨﺪ اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﺤﻆ ،وﻳُﻘﺒﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎح ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻻﻋﺘﻘﺎد ،وﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﺠﻌﺎرﻳﻦ ﺻﻌﺒﺔ ﺟ ٍّﺪا ،ﺣﻴﺚ ﺗﻤﺮ ﺑﻌﺪة ﻣﺮاﺣﻞ ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﺸﻜﻞ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻟﻠﺠﻌﺮان«. ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﺨﺼﺺ اﻟﻨﺤﺎت ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺠﺎج ﻓﻲ ﻧﺤﺖ اﻟﻠﻮﺣﺎت اﻟﺠﻴﺮﻳﺔ، وﻫﻲ »ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺟﺪارﻳﺎت ﺻﻐﻴﺮة ﻟﺸﺨﺼﻴﺎت ﻓﺮﻋﻮﻧﻴﺔ ﻣﺸﻬﻮرة، ﻣﻨﻬﺎ :ﻧﻔﺮﺗﻴﺘﻲ ،وﻛﻠﻴﻮﺑﺎﺗﺮا ،وﺳﻮﻧﺴﺮت ،ورﻣﺴﻴﺲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،وﺗﻮت ﻋﻨﺦ آﻣﻮن ،وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت« ،وﻳﻘﻮل إن واﻟﺪه ﻫﻮ اﻟﺬي ﻏﺮس داﺧﻠﻪ ﺣﺐ اﻟﻤﻬﻨﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻋﻤﻞ ﺑﻬﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﻐﺮ ،وﻳﺘﻮارﺛﻬﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪم ﻣﻊ أﻗﺮاﻧﻪ ،وﻳﺤﺎﻓﻈﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ رﻏﻢ ﺻﻌﻮﺑﺘﻬﺎ. ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
41
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
ĤƜǥƨǨČ ǞƥĖČǡƣƢ ǣǜǡLJƲǍ ĞČưƞĊ
ƲƼǙ ưǥLjƼƞ ƲƣƵƜƟǖǨČ ƠLJƜǝƻ ǛǍ ﺗﺤﻘﻴﻖ :أﺷﺮف ﻧﺎﺟﻲ
ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ﻣﻦ »اﻷﻟﺒﺎﺳﺘﺮ« ﺣﺮﻓﺔ ﻣﻦ أﻗﺪم اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﻬﺎ اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن اﻟﻘﺪﻣﺎء ،ﺛﻢ ﺗﻮارﺛﺘﻬﺎ اﻷﺟﻴﺎل ﻋﻦ اﻷﺟﺪاد اﻟﻌﻈﻤﺎء، ﻟﺘﺴﺘﻤﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ اﻷﻗﺼﺮ ﺑﺼﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ؛ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻃﻴﺒﺔ ،أﻗﺪم اﻟﻤﺪن اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ وأﺷﻬﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق. وﻛﻠﻤﺔ »أﻻﺑﺎﺳﺘﺮ« ﻛﻠﻤﺔ ﻣﺼﺮﻳﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ،وﻣﻌﻨﺎﻫﺎ :اﻟﻮﻋﺎء أو اﻟﻤﺰﻫﺮﻳﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺮب »ﺑﺎﺳﺘﻴﺖ« ،و»اﻷﻟﺒﺎﺳﺘﺮ« ﻫﻮ اﻟﻤﺮﻣﺮ ،وﻫﻮ ﺣﺠﺮ ُﻳﺴﺘﺨ َﺮج ﻣﻦ ﺑﺎﻃﻦ اﻷرض ﻟﻴﻨﺘﺞ ﻋﻨﻪ اﻟﻔﻦ اﻟﺮاﻗﻲ واﻟﺠﻤﺎل اﻟﺴﺎﺣﺮ، ﻓﺘﺼﻨﻊ اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ﻟﻠﻤﻠﻮك واﻟﺘﺼﻤﻴﻤﺎت ﻟﻠﻤﻌﺎﺑﺪ واﻵﺛﺎر اﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،واﻟﺘﻲ ﻳُ ْﻘﺒ ُِﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎح ﺑﺼﻮرة ﻣﻤﻴﺰة ﻓﻲ اﻷﻗﺼﺮ ﻟﺘﻜﻮن ﻫﺪاﻳﺎ ﻷﺳﺮﻫﻢ وأﺻﺪﻗﺎﺋﻬﻢ ﻋﻨﺪ ﻋﻮدﺗﻬﻢ ﻟﺒﻠﺪاﻧﻬﻢ ...أﺣﻔﺎد اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺘﻲ »اﻟﻘﺮﻧﺔ« و»وادي اﻟﻤﻠﻮك« ،ﺣﻴﺚ ﺗﻨﺘﺸﺮ ﻣﺼﺎﻧﻊ »اﻷﻟﺒﺎﺳﺘﺮ« ،ﻓﺘﺤﻮا ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻟﻨﺎ ﻟﺪى زﻳﺎرﺗﻨﺎ ﻟﻬﻢ ،وﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ.
40
ﻓﻦ ﺻﻨﺎﻋﺔ ا0ﻟﺒﺎﺳﺘﺮ ﺑﺼﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ
ﻣﺪرﺳﺔ »اﻟﺮﻣﺴﻴﻮم« اﻷﺷﻬﺮ
ﻳﻘﻮل اﻟﻤﺮﺷﺪ اﻟﺴﻴﺎﺣﻲ »ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺣﺴﻦ«» :اﻟﺒﺮ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﺑﺎﻷﻗﺼﺮ ﻫﻮ اﻟﻤﺼﺪر اﻷول ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻓﻦ اﻟﺘﺤﻒ ﻣﻦ اﻷﻟﺒﺎﺳﺘﺮ ،ﻳﻀ ﱡﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 50 ﻣﺼﻨ ًﻌﺎ ﺑـ "اﻟﻘﺮﻧﺔ" و"وادي اﻟﻤﻠﻮك"«. وﻳﻀﻴﻒ »ﺣﺴﻦ«» :اﻷﻟﺒﺎﺳﺘﺮ ﻛﺎن ﻳُﺴﺘﺨﺪم ﻟﻨﺤﺖ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ اﻟﺴﻴﺪات ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ ،ﻷﻧﻪ ﻳﺒﺮز ﺟﻤﺎل اﻟﻤﺮأة ،وﺗﻤﺜﺎل ﺳﻴﺘﻲ اﻷول ﺑﻤﺘﺤﻒ اﻷﻗﺼﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﻟﺒﺎﺳﺘﺮ اﻟﺨﺎم ﺑﺎﻟﺤﺠﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،ﻳﻈﻬﺮ ﺟﻤﺎل اﻟﺠﺴﺪ وروﻧﻘﻪ« ،ﻣﺸﻴ ًﺮا إﻟﻰ أن اﻟﻨﺤﺖ ﻧﻮﻋﺎن :ﻋﻠﻰ »اﻟﺤﺠﺮ اﻟﺠﻴﺮي« و»اﻷﻟﺒﺎﺳﺘﺮ« ،وﺗﻌﺘﺒﺮ ﻣﺪرﺳﺔ »اﻟﺮﻣﺴﻴﻮم« اﻟﺘﻰ ﺑﻨﺎﻫﺎ رﻣﺴﻴﺲ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﺑﻤﻌﺒﺪ ﺳﻴﺘﻲ اﻷول ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻧﺔ ،أﺷﻬ َﺮ ﻣﺪرﺳﺔ أﻳﺎم اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ .وﻳﺆﻛﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ أن ﻓﻨﺎﻧﻲ اﻟﻨﺤﺖ داﺧﻞ ﻣﺼﺎﻧﻊ »اﻷﻟﺒﺎﺳﺘﺮ« ﻣﺘﺨﺼﺼﺔ ﺑﻔﻦ اﻟﻨﺤﺖ ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻢ أﺷﺨﺎص ﻟﻴﺴﻮا ﺧ ﱢﺮﻳﺠﻲ ﺟﺎﻣﻌﺎت ﱢ ﺑﺴﻄﺎء ﺗﻮارﺛﻮا اﻟﻤﻬﻨﺔ ﻋﻦ اﻵﺑﺎء واﻷﺟﺪاد ﻣﻨﺬ ﻋﺼﺮ اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ ،وﺗﻔﻮق اﻟﻤﺘﺨﺼﺼﻮن ﺟﻮدة ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﻨﺤﺘﻪ وﺗﺸﻜﻴﻠﻪ ﻣﻦ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ ﻣﺎ ﻳﻘﺪﻣﻪ ﱢ
وﻛﺎن ﻋﻤﻠﻬﻢ ﻳﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻐﻄﻴﺔ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﺟﻴﺎت اﻟﻀﺮورﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،وﻟﻨﺘﺄ ﱠﻣﻞ ﺑﻤﺎ ﻳﻘﻮم ﺑﻪ اﻟﺤﺪاد ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل ﻣﻦ ﺧﻼل ﺷﻬﺎدة ﺛﻤﻴﻨﺔ ﻟﺸﺎﻫﺪ ﻋﻴﺎن ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺘﺐ اﻷﺳﺘﺎذ »ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻨﺨﻠﻴﻔﺔ« ﺑﺨﺼﻮص ﻋﻤﻞ ﺣﺮﻓﺔ اﻟﺤﺪادة اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻗﺎﺋﻼ» :ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺸﺒﺎﺑﻴﻚ ﻟﻠﻨﻮاﻓﺬ وزﺧﺮﻓﺘﻬﺎ وﺗﺸﻜﻴﻠﻬﺎ ،ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻷﻗﻔﺎل ً ﻟﻠﺪﻛﺎﻛﻴﻦ واﻟﻠﻮﺑﺎت ﻟﻠﺪور واﻟﺒﻴﻮت ﻣﻊ اﻟﻤﻔﺎﺗﻴﺢ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﺧﺮﺻﺎت اﻷﺑﻮاب ،واﻟﺨﻼﺑﺎت ،واﻟﺰﻛﺎرم ،ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺘﻠﻒ أﻧﻮاﻋﻬﺎ وأﻏﺮاﺿﻬﺎ ،وأﻧﻮا ًﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﻣﻴﺮ اﻟﻤﺮﺑﱠﻌﺔ واﻟﻤﺴﺘﺪﻳﺮة وذات اﻟﻘﺮص اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺳﻮ ﺑﻬﺎ اﻷﺑﻮاب اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﺪور واﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ،وﻗﺪ ﺗﺼﻨﻊ ﻣﻦ ﻧﺤﺎس ،ورﺑﻤﺎ ﺻﻨﻌﻮا ﺑﻌﺾ اﻟﻔﻮاﻧﻴﺲ أو اﻟﺜﺮﻳﺎت ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس واﻟﺤﺪﻳﺪ«. ورﻏﻢ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺎ اﻟﺤﺮﻓﻲ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﺮﻓﺔ أو ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺘﻐ ﱠﻴﺮ وﺿﻊ ﻋﻤﻠﻪ ووﺳﺎﺋﻞ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ إدﺧﺎل ﺑﻌﺾ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﺤﺪﻳﺜﻴﺔ ﻣﻊ اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮ اﻷﺟﻨﺒﻲ ،ﺑﻞ ﻇﻞ اﻟﺤﺮﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﻮاﺟﻬﺎت ،ﺣﻴﺚ ﻋﺮﻓﺖ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺤﺪادة »ﺗﺮاﺟ ًﻌﺎ ﻛﺒﻴ ًﺮا ،وأﻗﻔﻠﺖ أﻛﺜﺮ دﻛﺎﻛﻴﻨﻬﺎ ،وﺣﻠﱠﺖ ﻣﺤﻠﱠﻬﺎ ﺻﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺪﻳﺔ أﺧﺮى ،وإن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻋﺼﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ، وﺗﻄ ﱠﻮرت ﺗﻄ ﱡﻮ ًرا ﻣﻬ ٍّﻤﺎ ﺑﺎﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ﻟﻶﻟﻴﺎت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ« ،ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺷﻬﺎدة ﺷﺎﻫﺪ ﻋﻴﺎن ﻋﺎش ﻫﺬه اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ،وﻫﻮ اﻷﺳﺘﺎذ »ﺑﻨﺨﻠﻴﻔﺔ«. وﻳﺮﺟﻊ ذﻟﻚ إﻟﻰ ﻋﺪة ﻋﻮاﻣﻞ ،ﻣﻨﻬﺎ أن اﻷﻣﺮ ﻳﺘﻌﻠﱠﻖ ﺑﺎﻓﺘﻘﺎد اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ اﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ إﻟﻰ رؤوس أﻣﻮال ﺗﻤﻜﱢﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺗﺤﺪﻳﺚ أدوات اﺷﺘﻐﺎﻟﻬﻢ، إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻋﺪم دراﻳﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﺠ ﱠﺪات اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺬي ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﻓﻴﻪ .ﻛﻤﺎ أن اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ﻛﺎن ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻰ إﻓﻼس اﻟﺤﺮف اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ وإﻟﺤﺎق أﻫﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﺼﺎﻧﻊ اﻟﺘﻲ أﻧﺸﺄﻫﺎ .ﻟﺬا؛ ﺗﻌ ﱠﺮﺿﺖ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻣﻦ ﻃﺮف ﻧﻈﻴﺮﺗﻬﺎ اﻷوروﺑﻴﺔ اﻟﻌﺼﺮﻳﺔ ،وﻫﺬه اﻷﺧﻴﺮة ﺟﻌﻠﺖ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻤﻮد ﻓﻲ وﺟﻪ اﻷوروﺑﻴﺔ، ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﻐﻠﻐﻞ ﻧﻤﻂ اﻹﻧــﺘــﺎج اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ واﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ﺑﺒﻨﻴﺎﺗﻪ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﺤﺪﻳﺜﻴﺔ وﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻪ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﻓﻲ إﻃﺎر ﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻲ ،واﻟﻤﺪﻋﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﻣﺆﺳﺴﺎت ﺑﻨﻜﻴﺔ ،وﺗﻨﻈﻴﻢ ﻣﺤﻜَﻢٍ ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﺪى اﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ إﻟﻤﺎم ﺑﺜﻘﺎﻓﺘﻪ .ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ،
أﻓﺎدت ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻷﺧﺮى –ﻛﺎﻟﻨﺠﺎرة -ﻣﻦ ﺗﺤﺪﻳﺚ اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ ﻟﻠﻘﻄﺎع ،ﺑﻌﺪﻣﺎ أﺻﺒﺢ اﻟﺤﺮﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻰ اﻵﻻت واﻟﻤﻜﺎﻣﻦ اﻟﺘﺤﺪﻳﺜﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻏ ﱠﻴﺮت ﻣﻦ اﻹﻧﺘﺎج واﻟﺠﻮدة ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ. ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ
ﻓﻲ ﺿﻮء ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﻈﺮوف اﺧﺘﻔﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺮف؛ ﻷﺳﺒﺎب ﻣﺘﻌﺪدة، ﻣﻨﻬﺎ ﻋﺪم وﺟﻮد اﻟ َﺨﻠَﻒ ﻟﺤﺮﻓ ﱢﻴﻴﻬﺎ ،أو ﻟﻘﻠﱠﺔ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻬﺎ وﺗﺠﺎ ُﻫﻠﻬﺎ اﻟﻜﻠﻲ ﻣﻦ ﻃﺮف اﻟﺪوﻟﺔ ،أو ﻫﻴﻤﻨﺔ ﺻﻨﺎﻋﺎت ﺗﺤﺪﻳﺜﻴﺔ ﻟﻨﻔﺲ ﺑﻌﺾ ﺟﻞ ﻣﺎ ﺗﻢ اﻟﺘﻮﻗﻊ ﺑﺤﺪوﺛﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ،وﻗﺪ ﺣﺪث ﱡ اﻟﺪراﺳﺔ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﺷﺘﻐﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ زاوﻳﺎ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ وﻣﻴﺪاﻧﻴﺔ واﺳﺘﺸﺮاﻓﻴﺔ ،ﻓﻠﻢ ﻳَ ْﺒ َﻖ أﺛﺮ ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ،وﻣﺎ زاﻟﺖ ﻫﻨﺎك أﺧﺮى ﺗﺤﺘﻀﺮ أﻳﻀً ﺎ .ﻛﻤﺎ أن ﻗﻠﺔ اﻻﻫﺘﻤﺎم ودﻋﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺮف ﻣﻦ ﻃﺮف اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺪ ﱡر ً دﺧﻼ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ ﺳﻴﺸﻜﱢﻞ ﺧﻄ ًﺮا ﻋﻠﻰ وﺟﻮدﻫﺎ وﻛﻴﺎﻧﻬﺎ اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻦ اﻋﺘﺒﺎره ﺟﺰ ًءا ﻻ ﻳﺘﺠ ﱠﺰأ ﻣﻦ اﻟﻤﻮروث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﻮﻃﻨﻲ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ .وﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ،ﻧﺘﺞ ﻋﻦ ﻗﻠﺔ اﻟﺪﻋﻢ أﻳﻀً ﺎ ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ واﺿﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺮﻛﺎت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ واﻵﺳﻴﻮﻳﺔ ،واﻟﻤﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺘﻮﺟﺎت اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ﻳﻼﺣﻆ اﻻﺣﺘﻜﺎر اﻟﻮاﺳﻊ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻷﺳﻮاق اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ أﺿﺤﺖ ﺧﻄ ًﺮا ُﻣ ْﺤ ِﺪﻗًﺎ ﺑﻨﻈﻴﺮﺗﻬﺎ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻌﻤﻞ اﻟﺼﻴﻨﻴﻮن ﻋﻠﻰ ﺗﺮوﻳﺞ ﻣﻨﺘﻮﺟﺎﺗﻬﻢ اﻟﺮﺧﻴﺼﺔ اﻟﺜﻤﻦ واﻟﻀﻌﻴﻔﺔ اﻟﺠﻮدة ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب ﺗﻘﻠﻴﺪ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ اﻟﻴﺪوﻳﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ اﻟﺠﻮدة .وﻣﺎ زاد اﻟﻄﻴﻦ ﺑﻠﱠﺔ ،ﺿﻌﻒ اﻹﻗﺒﺎل ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﻮﻓﺮة اﻹﻧﺘﺎج ،وﺿﻌﻒ ﻓﻲ اﻟﻄﻠﺐ ،ﻣﻤﺎ ﻳﻬﺪد ﺑﺄزﻣﺎت اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﺗﻀﺮب اﻟﺼﻨﺎع واﻟﻤﻬﻨﻴﻴﻦ وأﺳﺮﻫﻢ اﻟﺼﻐﻴﺮة .وﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﻄ ﱠﺒﺎت ﺑﺘﺪﺧﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻟﻠﺪوﻟﺔ وأﺟﻬﺰﺗﻬﺎ اﻟﻤﺴﺆوﻟﺔ ﻋﻦ اﻟﻘﻄﺎع ﻓﻲ اﻟﺠﻬﺎت، ﺑﺘﺴﻮﻳﺔ وﺿﻌﻴﺔ اﻟﺼﺎﻧﻊ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺘﻜﻮﻳﻨﻲ ،وﻓﺘﺢ أوراش ﻣﺸﺠﻌﺔ ﻟﻺﻧﺘﺎج اﻟﻤﺤﻠﻲ ،وﺗﺸﺠﻴﻊ أﻛﺜﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﻮروث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺪ ﱠر أرﺑﺎ ًﺣﺎ ﻛﺒﻴﺮة ﻟﻼﻗﺘﺼﺎد اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ وﻟﻠﺼﻨﺎع اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﻴﻦ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺨﺼﻮص
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
39
إﺿﺎءة
čƲNjǚǖƜƞ ƠǤưǥǗǑƣǖČ ƠLJƜǝƼǖČ ďǬǡƬƢ ﻇﻠﱠﺖ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺼﻨﺎع اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻣﺤﺪود ًة وﻣﺤﺼﻮرة ﻓﻲ ﻣﻌﺎرﻓﻬﻢ اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ؛ ﻟﻜﻮﻧﻬﻢ ﻳﺒﺪأون ﻣﺴﻴﺮﺗﻬﻢ اﻟﻤﻬﻨﻴﺔ ﻣﺒﻜ ًﺮا ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﺼﻨﺎع ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻛﻠﻬﻢ ﻓﻲ أﺳﻔﻞ اﻟﻘﺎع اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ؛ إذ ﺣﻈﻲ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻮﺿﻊ اﻋﺘﺒﺎري ﻓﻲ اﻟﻤﺪن واﻟﺤﻮاﺿﺮ ،ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻛﻠﺔ ِﺣ َﺮﻓﻴﱢﻲ اﻟﺨﻴﺎﻃﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗ ُِﺪ ﱡر ﺑﻌﺾ أﻧﻮاﻋﻬﺎ أرﺑﺎ ًﺣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻤﺘﻬﻨﻴﻬﺎ. ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺌﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ ﻣﻬ ﱠﻤﺸﺔً ،اﻧﻄﻼﻗًﺎ ﻣﻦ ﺗﻨﺘﺞ ﻋﻨﻬﺎ اﻷوﺳﺎخ ﻣﻌﻴﺎر ﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﻤﺪﻳﻨﻲ ،ﺑﺈﺑﻌﺎد اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻲ ُ واﻟﺮواﺋﺢ ﻋﻦ وﺳﻂ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ إﻟﻰ أﻗﺼﺎﻫﺎ ،ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﺗﻬﻤﻴﺶ ﻣﺠﺎﻟﻲ، وﻟﻴﺲ إﻗﺼﺎ ًء ﻟﻬﺬه اﻟﺤﺮف؛ وﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺨﺎﻧﺔ :اﻟﺪﺑﺎﻏﺔ واﻟﺤﺪادة. وﻋﻠﻴﻪ ،ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل إن اﻟﺘﻬﻤﻴﺶ اﻟﺬي ﻃﺎل ﻫﺬه اﻟﺤﺮف ﻫﻮ ﺗﻬﻤﻴﺶ »ﺳﻮﺳﻴﻮ ﻣﺠﺎﻟﻲ« ،ﻳﺨﻀﻊ ﻟﺘﻨﻈﻴﻢ أﻧﺸﻄﺔ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﺠﺎﻟﻴٍّﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺮف ،ﻣﺎدام أﻧﻬﺎ ﺿﺮورﻳﺔ ﻟﺘﻠﺒﻴﺔ ﺑﻌﺾ ﺣﺎﺟﻴﺎت اﻟﻨﺎس ُ ﺗﺆذي َ اﻟﻨﺎس وﺗﺸﻜﱢﻞ ﺟﺰ ًءا ﻣﻦ اﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻣﺤﻴﺪ ﻋﻨﻬﺎ.ﻫﺬا ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻧﺠﺪ ﻓﻴﻪ ﺣﺮﻓًﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﺿﺮة ،وإﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗ ُﻤﺎ َرس ﺑﺸﻜﻞ ﻏﻴﺮ ﻋﻠﻨﻲ؛ ﻧﻈ ًﺮا ﻟﺤﺴﺎﺳﻴﺘﻬﺎ ،و َﺧ ْﺮ ِﻗﻬﺎ ﻟﻠﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺨﻠﻘﻴﺔ واﻟﻨﻈﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺣﻘﻮق ﻧﺼﻮص ﺷﺮﻋﻴﺔ ﺗﻘﻮل ﺑﺤﺮﻣﺘﻬﺎ؛ وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ :اﻟﺪﻋﺎرة واﻟﺸﻌﻮذة واﻟﺴﺤﺮ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء )ﻟﻴﺲ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻤﻌﺮوف( ،اﻟﺬي ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﻤﻌﺎدن اﻟﺨﺴﻴﺴﺔ إﻟﻰ ﻣﻌﺎدن ﺛﻤﻴﻨﺔ. اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ُ وﺻ rﻨﺎﻋﻬﺎ ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟـ19 ﺧﻀﻌﺖ اﻟﺤﺮف ﻣﻨﺬ ﻗﺮون ﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻣﺘﻌﺎ َرف ﻋﻠﻴﻪ ،ﻣﺠﺎﻟﻴٍّﺎ وﺑﺸﺮﻳٍّﺎ؛ ﻓﻌﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﻤﺠﺎﻟﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ ﺣﺮﻓﺔ ﺗﺘﺮﻛﺰ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺗﺤﻤﻞ اﺳﻤﻬﺎ ،وﻫﻜﺬا ﺗﻨﺘﺸﺮ ﻓﻲ اﻷﺣﻴﺎء اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ أﺣﻴﺎء وﻣﻨﺎﻃﻖ ﺗﺤﻤﻞ اﺳﻢ :اﻟﺼ ﱠﻴﺎﻏﻴﻦ ،اﻟﺪﺑﱠﺎﻏﻴﻦ ،اﻟﺨ ﱠﺮازﻳﻦ ...أﻣﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﺒﺸﺮي ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺼﺎﻧﻊ اﻟﻤﺘﻌﻠﱢﻢ ﻳﺘﺪ ﱠرج ﻣﻨﺬ ﺻﻐﺮه ﻓﻲ ﺗﺮاﺗ ُﺒﻴﺔ اﻟﺤﺮﻓﺔ ،ﺑﺪ ًءا ﻣﻦ ﻓﺘﻰ ﻳﺘﻌﻠﻢ اﻟﺤﺮﻓﺔ ﻣﻦ دون أي أﺟﺮ ،إﻟﻰ أن ﻳﺒﺪأ ﻓﻲ إﺗﻘﺎﻧﻬﺎ ،ﻓﻴﺘﻘﺎﺿﻰ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ أﺟ ًﺮا زﻫﻴ ًﺪا ،إﻟﻰ أن ﻳﺼﺒﺢ ﺻﺎﻧ ًﻌﺎ ﻣﺤﺘﺮﻓًﺎ ﻳﺘﻘﺎﺿﻰ أﺟ ًﺮا ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻪ ،وﻫﻜﺬا ﺗﻢ ﺣﻔﻆ اﻟﺤﺮف واﻟﺼﻨﺎﺋﻊ ﻣﻦ ﻋﻤﻼ ﺑﻤﻘﻮﻟﺔ »اﻟﺘﻌﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﺼﻐﺮ اﻻﻧﺪﺛﺎر ،وﻧﻘﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻴﻞ إﻟﻰ ﺟﻴﻞ ً ﻛﺎﻟﻨﻘﺶ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺠﺮ« ،ﻓﺘ ﱠﻢ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﻮروث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺬي ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﻗﺮون ﻋﺪة ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﺎل اﻟﺪﺑﺎﻏﺔ واﻟﺪرازة واﻟﻔﺨﺎر واﻟﺤﻴﺎﻛﺔ ،وﻛﺎن ﻋﻠﻰ رأس ﻛﻞ ﺣﺮﻓﺔ أﻣﻴ ٌﻦ ،ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﻨﺎﻃﻖ ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ 38
ﺗﺤﻮﻻت اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮب
ŜƉƮǘǕŌ ǛǙ ɐſǿƈōŨǕŌ ǽƳ ūŽōş
ﻟﺪى اﻟﺴﻠﻄﺔ ،واﻟ ُﻤ ْﺤﺘَﻜَﻢ إﻟﻴﻪ ﻓﻲ أﻣﻮرﻫﺎ اﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻴﺔ .وﻛﺎن اﻟﺼﻨﺎع اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﺪن ،ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﺷﺘﻐﺎﻟﻬﻢ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻴﺎت ﻋﺘﻴﻘﺔ، ﺗﺸﻜﱢﻞ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺧﻄ ًﺮا ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ،ﻳﺴ ﱡﺪون ﺣﺎﺟﻴﺎت اﻟﻤﺪن واﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﺠﺎورة ﻣﻦ ﻗﺮى وﺑﻠﺪات ،وﻳﺮ ﱢوﺟﻮن اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻤﺤﻠﻲ واﻟﻮﻃﻨﻲ أﻳﻀً ﺎ؛ أي ﻳﺴﺎﻫﻤﻮن ﻓﻲ اﻟﺪورة اﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ ،وﻳﺨﻔﱢﻔﻮن ﻣﻦ ﺣ ﱠﺪة اﻷزﻣﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺘﻮﻓﻴﺮ ﺷﻐﻞ ﻷﺑﻨﺎء اﻟﻔﺌﺎت ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻴﺴﻮرة .وﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺼﺪرون ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺘﻮﺟﺎت ﻷوروﺑــﺎ .ﻳﻘﻮل »ﻣﻴﺸﻮ ﺑﻠﻴﺮ« ﻳﺨﺺ ﺗﺼﺪﻳﺮ اﻟﻤﻮاد اﻟﺠﻠﺪﻳﺔ ﺧﻼل اﻟﻘﺮن و»ﺟﻮرج ﺳﺎﻟﻤﻮن« ﻓﻴﻤﺎ ﱡ اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ وﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺬي ﻳﻠﻴﻪ» :ﻻ زاﻟﺖ ﺗﺼﺪر ﺟﻠﻮد اﻷﺑﻘﺎر واﻷﻏﻨﺎم إﻟﻰ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺑﺸﻜﻞ أﺳﺎﺳﻲ .إﻻ أﻧﻪ ﻻ ﻳﺘﻢ ﺗﺼﺪﻳﺮ اﻟﻨﺴﻴﺞ ﻷن اﻟﺤﺮف اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺗﻜﻔﻲ ﻟﺘﻠﺒﻴﺔ ﺣﺎﺟﻴﺎت اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻓﻘﻂ«. وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﺎﻟﺼ ﱠﻨﺎع اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﻮن ﻛﺎﻧﻮا ﻻ ﻳﺘﻘ ﱠﺒﻠﻮن أﻓﻜﺎر اﻷوروﺑﻲ أو اﻷﺟﻨﺒﻲ ،ﺑﻞ وﻧﺠﺪ اﻟﺪﺧﻮل ﻟﺒﻌﺾ أﻣﺎﻛﻦ اﻻﺷﺘﻐﺎل اﻟﺤﺮﻓﻲ ﻣﻤﻨﻮ ًﻋﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ؛ ﻳﻬﻮ ًدا ﻛﺎﻧﻮا أو ﻧﺼﺎرى ،ﻋﻠﻰ ﻏﺮار ﻣﺪﺑﻐﺔ »اﻟﻘﺼﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ« ،اﻟﺘﻲ ﺗ ُﻌﺘَﺒﺮ دار اﻟﺪﺑﺎﻏﺔ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ أﻗﺪم دور اﻟﺪﺑﺎغ ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ »ﺗ ُ َﻌ ﱡﺪ ﺣﺮ ًﻣﺎ ﺗﺎﺑ ًﻌﺎ ﻟﻤﻮﻻي ﻋﻠﻲ اﻟﺸﺮﻳﻒ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﺷﻘﻴﻠﻮﻟﺔ ،وﻋﻤﻞ اﻟﺪﺑﺎﻏﻮن ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻷﻓﻜﺎر اﻷوروﺑﻴﺔ ﺑﺼﻮرة ﺷﺮﺳﺔ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻻ ﻳﻌﺘﺮﻓﻮن ﺑﻘﺎﻧﻮن اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻘﻨﺼﻠﻴﺔ داﺧﻞ اﻟﻤﺪﺑﻐﺔ« ،ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﻴﺮ »ﺳﺎﻟﻤﻮن« و»ﺑﻴﻠﻴﺮ« ﻓﻲ ﺷﻬﺎدﺗﻬﻤﺎ اﻟﻤﻬ ﱠﻤﺔ. اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ وﺻﻨﺎﻋﻬﺎ )(1956 - 1912
ﻟﻢ ﻳﺘﻐﻴﺮ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﺼﻨﺎع اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﻴﻦ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻷﺟﻨﺒﻲ؛ ﻓﺎﻟﺼﺎﻧﻊ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ﻳﺨﺘﺎر ﻣﻬﻨﺘﻪ ﺑﻤﻌﺰل ﻋﻦ ﻣﺴﺎﻟﻚ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،وﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ اﻻﺧﺘﻴﺎرات اﻷﺧﺮى ﻣﻨﺬ ﻃﻔﻮﻟﺘﻪ ،وﻫﺬا ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻊ ﻣﻦ أن ﺻﻨﺎﻋﺘﻬﻢ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ وﺣﺮﻓﺘﻬﻢ ﺗﻌ ﱠﺮﺿَ ﺖ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﺘﻐﻴﻴﺮات واﻟﻬﺰات أﻳﻀً ﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻇﻞ اﻟﺼﻨﺎع اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﻮن ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻮﺗﻴﺮة،
إﺿﺎءة
ǣǍƜǑƦǖČ ƧƣǝǚǖČ ǏǤǡƶƢ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻫﻲ آﺧــﺮ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ اﻟﻬﻮﻳﱠﺎت اﻷﺻﻴﻠﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت وﺗﺮاﺛﻬﺎ وأﺻﻮﻟﻬﺎ اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ ،وﻫﻲ ﺣﺎﺋﻂ اﻟﺼﺪ اﻷﺧﻴﺮ ﺿﺪ ﻃﻐﻴﺎن ﻣﻮﺟﺎت اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،وﻣﺤﺎوﻻت اﻻﺧﺘﺮاق اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﻔﻜﺮي ،وﺻﻌﻮد ﻧﺠﻢ ﻣﺎ ﻳﺴ ﱠﻤﻰ ﺑﺎﻟﻤﻮاﻃﻦ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ،ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﻤﻮاﻃﻦ اﻟﻤﻠﺘﺰم ﺑﺜﻘﺎﻓﺔ ﻣﺠﺘﻤﻌﻪ وﻗﻴﻤﻪ وﺗﺎرﻳﺨﻪ. اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺗﺎرﻳﺨ ٍّﻴﺎ ،وﻟﻪ ﺗﻌﺮﻳﻔﺎت ﻋﺪﻳﺪة ،ﻳﺮﻛﱠﺰ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﻣﻜﺎﻧﺎت اﻟﻤﺎدﻳﺔ ،واﻟﺒﻌﺾ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ واﻹدارﻳﺔ واﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ واﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ .وﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﻼﺻﻪ ﻣﻦ أﺷﻬﺮ اﻟﺘﻌﺮﻳﻔﺎت أن اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ﻧﺸﺎط إﻧﺴﺎﻧﻲ اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻳﻼزم ﻛﻞ ﻣﺮاﺣﻞ اﻹﻧﺘﺎج واﻻﺳﺘﻬﻼك ،وﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻜﺮ واﻹﺑﺪاع ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ واﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ .وأﻧﻪ ﻻ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت واﻷﺷﻴﺎء اﻟﻤﺎدﻳﺔ ،ﺑﻞ ﻳﺸﻤﻞ اﻷﻓﻜﺎر واﻟﻤﺒﺎدئ وﻏﻴﺮﻫﺎ .واﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﺘﺴﻮﻳﻖ ﻫﻲ )اﻟﺴﻠﻌﺔ أو اﻟﻤﻨﺘﺞ ،واﻟﺘﻮزﻳﻊ ،واﻟﺴﻌﺮ ،واﻟﺘﺮوﻳﺞ( وﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ﺑﻴﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻳﺴ ﱠﻤﻰ ﺑﺎﻟﻤﺰﻳﺞ اﻟﺘﺴﻮﻳﻘﻲ، وأﺿﻴﻔﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺘﻐﻴﱢﺮات ،ﻫﻲ اﻟﻨﺎس ،أي اﻷﻓﺮاد اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ اﻟﺨﺪﻣﺎت اﻟﺘﺴﻮﻳﻘﻴﺔ ،واﻟﻌﻤﻠﻴﺔ وﻳُﻘ َْﺼﺪ ﺑﻬﺎ آﻟﻴﺔ اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ،واﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ أي اﻷدوات واﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺗﺴﻮﻳﻖ ﻓ ﱠﻌﺎل وﻧﺎﺟﺢ. ﻳُﻘ َْﺼﺪ ﺑﺎﻟﻤﻨﺘﺞ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ :ﻣﺎ ﻳﺼﺪر ﻋﻦ أﻓﺮاد أو ﺟﻤﺎﻋﺎت أو ﻣﺆﺳﺴﺎت أو ﺟﻬﺎت رﺳﻤﻴﺔ أو ﻣﺒﺎدرات ﻣﺘﻀﻤ ًﻨﺎ أﻓﻜﺎ ًرا ورؤى ﻟﻬﺎ ﻃﺎﺑﻊ ﺛﻘﺎﻓﻲ؛ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب ،أو ﻓﻴﻠﻢ ،أو ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ ،أو ﻣﺴﺮح ،أو ﻟﻮﺣﺔ ﻓﻨﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻀ ﱠﻤﻦ اﻹﺑﺪاع اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻷدب ،واﻟﻨﻘﺪ ،واﻟﻔﻜﺮ ،واﻟﻔﻦ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻹﺑﺪاﻋﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة .وﺣﺴﺐ ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻟﻴﻮﻧﺴﻜﻮ ﻓﺈن اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺣﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﻬﻮﻳﺔ واﻟﻘﻴﻢ واﻟﺪﻻﻻت ،وﻋﻮاﻣﻞ ﺗﻨﻤﻴﺔ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .وﻳﻘﺘﻀﻲ َﺻ ْﻮ ُن اﻟﺘﻨ ﱡﻮع اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ وﺗﻌﺰﻳﺰه ﺗﺸﺠﻴ َﻊ ﻗﻴﺎم ﺻﻨﺎﻋﺎت ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﺰ ﱠودة ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ إﺛﺒﺎت ذاﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﻴﻦ اﻟﻤﺤﻠﻲ واﻟﻌﺎﻟﻤﻲ .وﻳﺘﺼﻞ ذﻟﻚ أﻳﻀً ﺎ ﺑﻤﻔﻬﻮم اﻹﺑﺪاع اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ،وﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ إﻧﺘﺎج رؤى وأﻓﻜﺎر وﻣﺒﺎدرات ﺟﺪﻳﺪة ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت واﻟﺘﺤﻮﻻت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ .ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻳﻌﺎﻧﻲ اﻟﻤﻨﺘﺞ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ أﻧﻮاﻋﻪ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺗﺴﻮﻳﻘﻴﺔ ،وﺗﺘﱠﺠﻪ اﻷﻧﻈﺎر ﺣﺎﻟ ًﻴﺎ ﻟﻼﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺪم اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ ،ووﺳﺎﺋﻂ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﺗﻔﻌﻴﻞ دور اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ. وﻳﺴﻌﻰ اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﻧﺤﻮ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻹﻧﺘﺮﻧﺖ إﻟﻰ ﺳﻮق ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ
ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻴﺪ رﻳﺎن * ƉƚǙ ɐūŽōşǶ ŝũōlj
ﻟﺘﺮوﻳﺞ اﻟﺴﻠﻊ واﻟﺨﺪﻣﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻣﻨﻬﺎ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت واﻟﺨﺪﻣﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،وﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺮﺑﺢ .وﺗﺘﻤﺜﱠﻞ أدوات اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﻓﻲ اﺳﺘﻐﻼل ﻣﺤﺮﻛﺎت اﻟﺒﺤﺚ ،وﻋﻀﻮﻳﺔ اﻟﻤﻮاﻗﻊ ،واﻟﺒﺮﻳﺪ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ، وﺑﺮاﻣﺞ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ -وﻫﻲ اﻷﻫﻢ -اﻟﺸﺒﻜﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ »ﻓﻴﺲ ﺑﻮك« و»ﺗﻮﻳﺘﺮ«. وأﻫﻢ ﻣﻤﻴﺰات اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﻛﺴﺮ ﺣﻮاﺟﺰ اﻟﺰﻣﺎن واﻟﻤﻜﺎن؛ ﻓﺘﺼﻞ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻓﻲ أﻗﻞ وﻗﺖ وﺗﻜﻠﻔﺔ ﻣﻊ ﺿﻤﺎن اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻷﻗﺎﻟﻴﻢ اﻟﺒﻌﻴﺪة واﻟﻬﺎﻣﺸﻴﺔ. ﻫﻨﺎك اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﺨﺎﻃﺌﺔ واﻟﻤﻐﻠﻮﻃﺔ واﻟﺘﻲ ﺗﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ إﻋﺎﻗﺔ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﺣﻠﻮل اﺑﺘﻜﺎرﻳﺔ ﻟﻠﺨﺮوج ﻣﻦ اﻟﻨﻔﻖ اﻟﻤﻈﻠﻢ، وﺗﻨﺘﺸﺮ ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻜﺎر واﻻﻓﺘﺮاﺿﺎت ﺑﻴﻦ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ ،وﻣﻨﻬﺎ أن "اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ واﻹﺑﺪاع ﻻ ﻳﺠﺘﻤﻌﺎن" ،إذ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ أن ﻣﻨﻄﻖ اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻣﻨﻄﻖ اﻹﺑﺪاع ،ﻓﺎﻹﺑﺪاع ﻟﻪ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ وﻣﻮاﺻﻔﺎت ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻲ ﻃﺮح رؤى ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ وﻓﻨﻴﺔ ﻗﺪ ﻻ ﺗﻨﺎﺳﺐ ذوق أﻏﻠﺒﻴﺔ اﻟﻨﺎس ،وﻫﺬا ﺧﺎﻃﺊ؛ ﻷن اﻟﻤﺒﺪع ﻳﺘﻮ ﱠﺟﻪ ﺑﻌﻤﻠﻪ ﻟﻠﻨﺎس ،وﻻ ﻣﻨﻌﺰﻻ ﻓﻲ ﺑﺮج ﻋﺎﺟﻲ ،ﻓﺎﻟﻜﺎﺗﺐ واﻟﻔﻨﺎن ﻫﻮ ً ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ أن ﻳﻌﻴﺶ اﻟﻤﺤ ﱢﺮك اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻪ ،واﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ﻟﻌﻤﻠﻪ ﻫﻮ وﺳﻴﻠﺘﻪ ﻟﺘﻮﺻﻴﻞ رﺳﺎﻟﺘﻪ .ﻣﻦ اﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﻤﻐﻠﻮﻃﺔ ﻛﺬﻟﻚ "اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ﻳﺘﻢ ﺑﻌﺪ اﻻﻧﺘﻬﺎء ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺘﺞ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ" ،إذ ﻳﻌﺘﻘﺪ اﻟﺒﻌﺾ أن اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ﻳﺘﻢ ﺑﻌﺪ ﺧﺮوج اﻟﻤﻨﺘﺞ اﻹﺑﺪاﻋﻲ ﻟﻠﻨﻮر ﺑﺼﻮرة ﻧﻬﺎﺋﻴﺔ ،وﻫﺬا ﻣﻔﻬﻮم ﺧﺎﻃﺊ ،وﻳﺆ ﱢدي ﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺳﻴﺌﺔ؛ ﻓﺎﻟﺘﺴﻮﻳﻖ اﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻲ واﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﻗﺒﻞ ﺻﺪور اﻟﻤﻨﺘﺞ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ،ودراﺳﺔ ﻣﺪى ﻣﻼءﻣﺘﻪ وأﻫﻤﻴﺘﻪ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻞ أﻫ ﱢﻤ ﱠﻴ ًﺔ ﻋﻦ اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ اﻟﺘﻌﺎﻣﻠﻲ ﺑﻌﺪ إﺧﺮاج اﻟﻌﻤﻞ. رواﺟﻪ ،وﻻ ﱡ وﻣﻦ اﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﺎج ﻟﻤﺮاﺟﻌﺔ "اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ﻳﻌﻨﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻧِ َﺴ ِﺐ ﻣﺒﻴﻌﺎت ﻛﺒﻴﺮة" ،وﻫﻨﺎ ﺗﻨﺒﻐﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻫﺎﻣﺔ ،وﻫﻲ أن اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ اﻟﺒﻴﻊ اﻟﻜﺒﻴﺮ؛ ﻓﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ﺗﺸﻤﻞ ﻋﻤﻠﻴﺎت ﻛﺜﻴﺮة ،ﻣﺜﻞ اﻟﺒﻴﻊ واﻹﻋﻼن واﻟﺘﺮوﻳﺞ ،وﻏﻴﺮﻫﺎ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
37
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ اﻟﻨﺎس اﻗﺘﻨﺎءﻫﺎ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻳﻈﻞ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ »ﺟﻨﺒﻴﺔ« ﻣﻦ أﻧﻮاع »اﻟﺼﻴﻔﺎﻧﻲ« أو »اﻟﺤﻀﺮﻣﻲ« أو »اﻟﻌﻴﺰري« ﺣﻠ ًﻤﺎ ﻳﺮاود اﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻴﻤﻨﻴﻴﻦ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﺪﺧﻞ اﻟﻤﺤﺪود. اﻟﻌﻘﻴﻖ اﻟﻴﻤﺎﻧﻲ
ﺻﻨﻌﺔ اﻟﻌﻘﻴﻖ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ﻣﻦ أﺑﺮز اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﺣﻈﻴﺖ ﺑﺸﻬﺮة واﺳﻌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﻴﻦ :اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ واﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ،وﻻ ﻳﻜﺎد ﻳُﺬﻛﺮ اﻟﻌﻘﻴﻖ إﻻ ﻣﻘﺘﺮﻧًﺎ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻴﻤﻦ ،وﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﻌﻘﻴﻖ اﻟﻴﻤﺎﻧﻲ ﻣﻦ أﺷﻬﺮ اﻷﺣﺠﺎر ﺷﺒﻪ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ذاع ﺻﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ أرﺟﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وذﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ِﺣﺮﻓ ﱡﻴﻮ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻌﻘﻴﻖ؛ ﻟﻤﺎ ﻳﻤﺘﺎز ﺑﻪ ﻣﻦ ﻧﻘﺎء وﺻﻔﺎء ،وﺑﺄﻟﻮاﻧﻪ اﻟﻨﺎدرة، وﻗﺪ ﻧ ُِﺴ َﺠﺖ ﺣﻮل اﻟﻌﻘﻴﻖ اﻟﻴﻤﺎﻧﻲ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت واﻷﺳﺎﻃﻴﺮ، وﺳﺎدت اﻋﺘﻘﺎدات ﺑﺄن ﻣﻦ أﻟﻮان ﻫﺬا اﻟﺤﺠﺮ ﻣﺎ ﻳﺠﻠﺐ اﻟﺮزق ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻘﻲ ﻣﻦ ﻋﻴﻮن اﻟﺤﺴﺪ ،وأﻟﻮان أﺧﺮى ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﻘﻴﻖ ﻣﺎ ﻳﻤﻨﺢ ﺻﺎﺣﺒﻪ اﻟﺤﻆ واﻟﻜﺮاﻣﺔ ،وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺸﺮ ﻓﻲ أوﺳﺎط اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ وﺑﻌﺾ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ .وﻳﻮﺟﺪ اﻟﻌﻘﻴﻖ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﻛﺘﻞ ﺻﺨﺮﻳﺔ ﺻﻠﺒ ًﺔ وذات ﺷﻔﺎﻓﻴﺔ ﻣﺘﻌ ﱢﺪدة اﻷﻟﻮان ،وﻳﺘﺤﺪد ﻟﻮﻧﻪ وﻓﻘًﺎ ﻷﻛﺴﻴﺪ اﻟﻤﻌﺎدن ﻓﻲ ﺟﺰﻳﺌﺎﺗﻪ ،ﻓﻤﻨﻪ اﻟﻌﻘﻴﻖ اﻷﺑﻴﺾ، وﻳﺴ ﱠﻤﻰ ﺑـ »ﺣﺠﺮ اﻟﻘﻤﺮ« ،واﻟﻌﻘﻴﻖ اﻟﺴﻤﺎوي ،وﻫﻨﺎك اﻟﻌﻘﻴﻖ اﻷﺑﻴﺾ اﻟﻤﺨﻄﱠﻂ ،وﻳﺴ ﱠﻤﻰ »اﻟﺠﺰع اﻟﻴﻤﺎﻧﻲ« ،وﻫﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻃﺒﻘﺎت ﻣﻦ ﻟﻮﻧﻴﻦ ،ﻳﻜﻮن اﻟﻠﻮن اﻷﺑﻴﺾ أو اﻷﺑﻴﺾ اﻟﺒُ ّﻨﻲ ﻫﻮ اﻟﺴﺎﺋﺪ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻫﻨﺎك اﻟﻌﻘﻴﻖ اﻟﻤﺰﻫﺮ ،وﻫﻮ ﻋﻘﻴﻖ ذو ﻟﻮﻧﻴﻦ أو أﻛﺜﺮ ،ﻣﻨﻪ اﻷﺑﻴﺾ واﻷﺳﻮد واﻷزرق ،وﻛﻞ ﻫﺬه اﻷﻧﻮاع ﻣﺎ ﺗﺰال ﻣﺘﻮاﺟﺪة إﻟﻰ اﻟﻴﻮم وﺗﺴﺘﺨﺪم ﺑﻜﺜﺮة ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻌﻘﻴﻖ ﻣﻦ ِﻗﺒﻞ اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺘﺸﺮون ﺑﻜﺜﺮة ﻓﻲ ﺻﻨﻌﺎء اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺘﻬﺮ ﺑﻬﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أي ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻳﻤﻨﻴﺔ أﺧﺮى» .أﺣﻤﺪ اﻟﻐﻴﻤﺎﻧﻲ« ،أﺣﺪ ﻫﺆﻻء اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ ،ﺻﺎﺣﺐ ﺣﺎﻧﻮت ﺻﻐﻴﺮ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ وﺑﻴﻊ اﻟﻌﻘﻴﻖ اﻟﻴﻤﺎﻧﻲ ،أﺑﺪى ﺗﺤ ﱡﻔﻈًﺎ واﺿ ًﺤﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻃﻠﺒﻨﺎ ﻣﻨﻪ إﻋﻄﺎء ﺷﺮح ﻋﻦ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺻﻨﺎﻋﺘﻪ ﻟﻠﻌﻘﻴﻖ؛ ﺑﺤ ﱠﺠﺔ ﻣﺎ أﺳﻤﺎه اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺳﺮ اﻟﻤﻬﻨﺔ -ﻗﺎل إﻧﻪ ﻳﻌﻮل أﺳﺮﺗﻪ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺤﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ورﺛﻬﺎ ،وأﺷﺎر إﻟﻰ أن ﻣﺴﺘﻮى رواج ورﻛﻮد ﺻﻨﺎﻋﺔ وﺗﺠﺎرة اﻟﻌﻘﻴﻖ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻮﺿﻊ اﻷﻣﻨﻲ واﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﻌﺎم ﻟﻠﺒﻠﺪ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎﻧﺔ وﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻌﻘﻴﻖ اﻟﻴﻤﺎﻧﻲ؛ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﻤﻮاﺻﻔﺎت ﻻ ﺗﺘﻮﻓﱠﺮ إﻻ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ،ﺣﺴﺐ وﺻﻔﻪ. ﻋﺠﺰ ..وإﻣﻜﺎﻧﺎت
وﻳﻘﻮل اﻟﺒﺎﺣﺜﻮن واﻟﻤﺨﺘﺼﻮن ﻓﻲ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺘﺮاث اﻟﻴﻤﻨﻲ إن ﺑﻘﺎء اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﺘﺪا َوﻟ ًﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻴﻤﻨﻲ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ أن ﻳﺆﺳﺲ ﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺻﻨﺎﻋﻲ ﺣﺪﻳﺚ وﻣﺘﻄﻮر ،ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ اﻟﻨﻬﻮض ﺑﺎﻟﺒﻠﺪ .وﻳﻮﺿﱢ ﺢ اﻟﺒﺎﺣﺚ »ﻋﻤﺮ اﻷدﻳﻤﻲ« ،اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻤﻮروث اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ،أن ﻫﺬا اﻹرث اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻳﺤﺘﺎج 36
ﺗﺎرﻳﺦ ﺗﻠﻴﺪ وﻣﻤﻴﺰات ﻣﺘﻔﺮدة
ﻟﺸﻲء ﻣﻦ اﻻﻫﺘﻤﺎم واﻟﺘﺒ ﱢﻨﻲ اﻟﺮﺳﻤﻲ اﻟﺠﺎد؛ ﻟﻴﻜﻮن ﻧﻮا ًة ﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ أﻛﺜﺮ إﺷﺮاﻗًﺎ .وﻳﻀﻴﻒ »اﻷدﻳﻤﻲ« إن اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﻤﺘﻮا َرﺛﺔ ﻣﻨﺬ اﻟ ِﻘ َﺪم ،وﻣﻨﻬﺎ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺤﻠﻲ واﻟﻤﺠﻮﻫﺮات واﻟﻔﻀﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ واﻟﻤﻨﺴﻮﺟﺎت اﻟﻴﺪوﻳﺔ واﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎت اﻟﺠﻠﺪﻳﺔ واﻷواﻧﻲ اﻟﻔﺨﺎرﻳﺔ واﻟﺤﺠﺮﻳﺔ وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺠﻨﺎﺑﻲ واﻟﻘﻤﺮﻳﺎت ،وﻏﻴﺮﻫﺎ ،ﺗﻈﻞ ﻣﻦ أﻫﻢ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺠﺬب اﻟﺴﻴﺎﺣﻲ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ،وﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺸﻜﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻤﺨﺘﺼﻮن ﻋﻠﻰ ﺿﺮورة اﺗﺨﺎذ ﻣﻮر ًدا ﻣﻬ ٍّﻤﺎ ﻟﻠﺪﺧﻞ اﻟﻘﻮﻣﻲ .وﻳﺸ ﱢﺪد ﱡ ﺧﻄﻮات ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻟﺘﻨﻤﻴﺔ وﺗﻄﻮﻳﺮ ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻓﺘﺢ ﻣﺮاﻛﺰ ﻟﺘﺪرﻳﺐ اﻟﺮاﻏﺒﻴﻦ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت واﻟﻤﻬﻦ، ووﺿﻊ ﺿﻮاﺑﻂ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺗ َ ُﺤ ﱡﺪ ﻣﻦ زﻳﺎدة اﻻﺳﺘﻴﺮاد وﻣﺎ ﻳﺴﺒﱢﺒﻪ ﻣﻦ آﺛﺎر ﺳﻠﺒﻴﺔ ﺗﻬ ﱢﺪد ﻣﺼﻴﺮ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﻴﻦ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪ ،ﻟﻜﻦ ﻣﺴﺆوﻟﻲ وزارة اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻓﻲ اﻟﻴﻤﻦ ﻳﻌﻴﺒﻮن ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻣﻠﻲ ﻫﺬا اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺤﺮﻓﻲ ﻣﻤﺎرﺳﺘَﻬﻢ ﻷﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻈﱠﻢ ،ﻟﺪرﺟ ٍﺔ ﺗﻌﺠﺰ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي َ وزارة اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻋﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺣﺠﻢ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ وﻣﺪى إﺳﻬﺎم ﻫﺬا اﻟﻘﻄﺎع ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻮﻃﻨﻲ ،وﻳﺸﻴﺮون اﻟﻰ أن أﺻﺤﺎب اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻳﻔﻀﱢ ﻠﻮن اﻹﻧﺘﺎج ﺑﻌﻴ ًﺪا ﻋﻦ اﻷﻧﻈﺎر؛ ﻟﻌﺪة اﻋﺘﺒﺎرات ﻛﺎﻟﺘﻬ ﱡﺮب ﻣﻦ اﻟﻀﺮاﺋﺐ ،ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺗﻨﻈﻴﻢ ودﻋﻢ ﻫﺬه اﻟﺤﺮف ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺷﺎﺋﻜﺔ وﻣﻌﻘﱠﺪة ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣ ﱠﻤﺎ ﺗﻠﻌﺒﻪ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺒﺪاﺋﻴﺔ ﻣﻦ دور واﺿﺢ ﻓﻲ ﺗﻮﻓﻴﺮ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻻﺳﺘﻬﻼك اﻟﻤﺤﻠﻲ .وﻳﺆﻛﺪ ﻣﺴﺆوﻟﻮ وزارة اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ أن اﻟﻮزارة ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت واﻟﺘﻌﻘﻴﺪات اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻤﺴﺄﻟﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ،ﺗﺤﺎول ﺟﺎﻫﺪ ًة ﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﺸﺮﻳﻌﺎت اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺘﻌﺎرض ﻣﻊ ﻋﻀﻮﻳﺔ اﻟﻴﻤﻦ ﻓﻲ ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ،وأن ﻳﻜﻮن ﻟﻠﻴﻤﻦ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻲ وﺗﻨ ﱢﻤﻲ ﺻﻨﺎﻋﺎﺗﻪ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ
ﺗﺎرﻳﺦ ﺣﺎﻓﻞ
ﻳﻘﻮل »ﺟﻤﺎل ﻣﻌﺠﻢ« ،أﺧﺼﺎﺋﻲ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺘﺮاث اﻟﻴﻤﻨﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ :إن ﻛﻞ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺤﺮف واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ارﺗﺒﻂ ﺑﻌﺎﺋﻼت ﺟﻴﻼ ﺑﻌﺪ ﺟﻴﻞ. ﻣﻌ ﱠﻴﻨﺔ ،ﺣﺮﺻﺖ ﻋﻠﻰ ﺗﻮرﻳﺜﻬﺎ ً وﻳﻀﻴﻒ »ﻣﻌﺠﻢ« إن ﻫﺬا اﻻرﺗﺒﺎط اﻟﻮﺟﺪاﻧﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ وﺻﻨﻌﺘﻬﻢ أﻛﺴﺒﻬﺎ اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ واﻻﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ واﻟﺘﻄﻮﻳﺮ اﻟﻤﺘﻮاﺻﻞ؛ ﻟﺘﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺗﻤ ﱡﻴﺰﻫﺎ وﺑﻘﺎﺋﻬﺎ ،رﻏﻢ ﻛﻞ اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت. »اﻟﺠﻨﺒﻴﺔ« إﺑﺪاع ﻣﺘﻔﺮد
وﻳﻘﻮل اﻟﺤﺎج »ﻋﻠﻲ اﻟﺮوﻧﻲ« ،أﺣﺪ أﺷﻬﺮ ﺻﺎﻧﻌﻲ اﻟﺨﻨﺠﺮ اﻟﻴﻤﺎﻧﻲ اﻟﺸﻬﻴﺮ ﺑـ »اﻟﺠﻨﺒﻴﺔ« ﺑﺼﻨﻌﺎء اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ،إن »اﻟﺠﻨﺒﻴﺔ« اﻟﻴﻤﻨﻴﺔ اﻷﺻﻴﻠﺔ ﻻ ﺧﻮف ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ ﻣﻄﻠﻘًﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻬﺠﻤﺔ اﻟﺸﻌﻮاء اﻟﺘﻲ ﺗﻌ ﱠﺮﺿﺖ ﻟﻬﺎ ﺧﻼل اﻟﺴﻨﻮات اﻷﺧﻴﺮة ﻣﻦ ِﻗﺒَﻞ ﺷﺮﻛﺎت اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ،وﺧﺎﺻﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻴﻦ ،واﻟﺘﻲ ﻏﺰت اﻟﺴﻮق اﻟﻤﺤﻠﻲ ﺑﺄﻧﻮاع ُﻣﻘﻠﱠﺪة ﻣﻦ »اﻟﺠﻨﺒﻴﺔ« اﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ،ووﻗــﻊ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﺿﺤﺎﻳﺎ ﻟﻤﺮ ﱢوﺟﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ اﻟﻤﺴﺘﻨﺴﺨﺔ واﻟﺮدﻳﺌﺔ، ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﻜﺸﻔﻮا وﻳﻔﺘﻀﺢ أﻣﺮﻫﻢ ،ﻏﻴﺮ أﻧﻪ
ﻳﻄﺎﻟﺐ ،وﻣﻌﻪ ﺻﺎﻧﻌﻮ »اﻟﺠﻨﺎﺑﻲ« اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺑﺎﻟﻴﻤﻦ ﺑﺄن ﺗﺸﺪد اﻟﺠﻬﺎت اﻟﻤﺨﺘﺼﺔ ﻓﻲ وﺿﻊ ﺿﻮاﺑﻂ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻴﺮاد اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺎول ﻣﺤﺎﻛﺎة اﻟﻤﻨﺘﺞ اﻟﺤﺮﻓﻲ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ،ﻷن ﻫﻨﺎك َﻣﻦ ﻳﺴﺘﻐﻞ اﻷﻣﺮ وﻳﻌﻴﺪ ﺗﺼﺪﻳﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﻤﺰ ﱠورة إﻟﻰ اﻟﺨﺎرج ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﺳﻠﻊ ﻳﻤﻨﻴﺔ ،وﻫﻮ ﺗﺸﻮﻳﻪ ﻟﺴﻤﻌﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﻴﻤﻨﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج. ﻳﺘﺒﺎﻫﻰ اﻟﻴﻤﻨﻴﻮن -واﻟﻜﻼم ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن »اﻟــﺮوﻧــﻲ« -ﺑﺎﻗﺘﻨﺎء أﻓﻀﻞ أﻧــﻮاع ﻫﺬه اﻟﺨﻨﺎﺟﺮ ،واﻟﺘﻲ ﺗﺼﻨﻊ ﺑﺤﺮﻓﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ،وﺗﺼﻞ أﺳﻌﺎرﻫﺎ إﻟﻰ ﻣﺒﺎﻟﻎ ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﺠﺎوز ﻣﻼﻳﻴﻦ اﻟﺮﻳﺎﻻت اﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ،وﺧﺎﺻﺔ ﻣﺎ ﺗﺴ ﱠﻤﻰ ﺑـ»اﻟﺼﻴﻔﺎﻧﻲ« و»اﻟﺤﻀﺮﻣﻲ« و»اﻟﻌﺰﻳﺮي« و»اﻟﺒﺼﻠﻲ« ،وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺴ ﱠﻤﻴﺎت اﻟﺘﻲ ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﺄﺳﻤﺎء أﺳﺮ وﻋﺎﺋﻼت اﺷﺘﻬﺮت ﻣﻨﺬ اﻟ ِﻘ َﺪم ﺑﺎﻟﺒﺮاﻋﺔ ﻓﻲ إﻧﺘﺎج ﻫﺬه »اﻟﺠﻨﺎﺑﻲ«، وأﺻﺒﺤﺖ ﺗﻨﺘﺴﺐ اﻟﻴﻬﺎ ﻛﻌﻼﻣﺔ ﻟﻠﺠﻮدة اﻟﻔﺎﺋﻘﺔ.وﺗﻌﺘﻤﺪ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﻫﺬه اﻟﺨﻨﺎﺟﺮ ﻋﻠﻰ أﻓﻀﻞ أﻧــﻮاع اﻟﻌﺎج اﻟﻤﺴﺘﺨﺮج ﻣﻦ ﻗﺮون ﺣﻴﻮان وﺣﻴﺪ اﻟﻘﺮن ،واﻷﻓﻴﺎل ﺑﺪرﺟﺔ أﻗﻞ، ﻟﻜﻦ أﺳﻌﺎرﻫﺎ ﺑﺎﻫﻈﺔ ﺟ ـ ٍّﺪا ،وﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
35
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
ĎĔƲǎƣǙ ďČƳǥǚǙĨ ưǥǗƢ ƭǤĖƜƢ
ǛǚǥǖČ ǣǍ ƠǤưǥǗǑƣǖČ ďƜLJƜǝƼǖČ
ﺻﻨﻌﺎء -زﻫﻮر ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ
ﻋﺮف اﻟﻴﻤﻨﻴﻮن اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ وﺑﺮﻋﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﻋﺼﻮر ﻣﻮﻏﻠﺔ ﻓﻲ اﻟ ِﻘﺪَ م ،وﺣﻈﻴﺖ ﻣﻨﺘﺠﺎﺗﻬﻢ ﺑﺸﻬﺮة واﺳﻌﺔ .وﻻ ﻳﺰال ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا ﻳﺤﺎ ِﻓﻆ ﻋﻠﻰ أﺻﺎﻟﺘﻪ وﺣﻀﻮره اﻟﻘﻮي ﻓﻲ اﻷﺳﻮاق ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻏﺰو ﻣﻨﺘﺠﺎت ﺗﺤﺎﻛﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت ﺑﺄﺳﻌﺎر زﻫﻴﺪة؛ ﻣﺎ ﺧﻠﻖ ﺗﺤﺪﱢ ًﻳﺎ ﺣﻘﻴﻘ ٍّﻴﺎ أﻣﺎم ﻫﺬا اﻹرث اﻟﻌﻈﻴﻢ .اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ﺻﻨﻌﺎء ،اﻟﺘﻲ ﺗﺆﻛﱢﺪ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ أﻧﻬﺎ ُﺳ ﱢﻤﻴﺖ ﺑﻬﺬا اﻻﺳﻢ ﻟﻤﺎ ُﻋﺮﻓﺖ ﺑﻪ ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ ﻣﻦ ﺻﻨﺎﻋﺎت ﺗﻈﻞ رﻣ ًﺰا وﺷﺎﻫﺪً ا ﺣ ٍّﻴﺎ ﻳﺤﻜﻲ ﻋﺮاﻗﺔ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻹﺑﺪاع اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ،وﻻ ﺗﺰال ﺻﻨﻌﺎء اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺣﺮﻓﻴﺔ ﻣﺘﻌﺪﱢ دة ،ﱡ ﺗﻨﺒﺾ ﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺴﻤﺎﺗﻬﺎ اﻟﻌﺘﻴﻘﺔ ،ﻣﺘﻔ ﱢﻮﻗ ًﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ َﻣﻦ ﻳﺤﺎول ﻣﺤﺎﻛﺎﺗﻬﺎ أو اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﻮس اﻟﻴﻤﻨﻴﻴﻦ.
34
ﺗﺎرﻳﺦ ﺗﻠﻴﺪ وﻣﻤﻴﺰات ﻣﺘﻔﺮدة
ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻت ﻣﺘﻌﺪدة وﻓﻲ ﺗﻮا ٍز ﺗﺎم ،وﻣﻦ أﻫﻢ ﻫﺬه اﻟﻤﺠﺎﻻت: اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ،اﻟﺪراﻣﺎ اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮﻧﻴﺔ ،ﻧﺸﺮ اﻟﻜﺘﺐ واﻟﺘﺴﺠﻴﻼت اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ واﻟﻐﻨﺎﺋﻴﺔ اﻟﻤﻨﺘﺠﺔ ﺑﻬﺪف اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ اﻟﻮاﺳﻊ ،واﻟﺒﺮاﻣﺞ اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮﻧﻴﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،رﻋﺎﻳﺔ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺰز اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ،إﻗﺎﻣﺔ ﻣﻠﺘﻘﻴﺎت دوﻟﻴﺔ ﻟﻠﻨﺤﺖ واﻟﺨﺰف واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻔﺨﺎرﻳﺔ ،ﺗﺴﻮﻳﻖ اﻟﻤﻨﺘﻮﺟﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى إﻗﻠﻴﻤﻲ ودوﻟﻲ ،رﻋﺎﻳﺔ اﻟﻤﻮاﻫﺐ ﻓﻲ ﺷﺘﻰ ﻣﺠﺎﻻت اﻹﺑﺪاع اﻟﻔﻨﻲ واﻟﻔﻜﺮي واﻷدﺑﻲ .ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻦ ﻳﻘﺘﺼﺮ اﻷﻣﺮ ﻓﻘﻂ ﻋﻠﻰ اﻹرادة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﻴﺴﻬﻤﻮن ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺬه اﻹرادة ،ﺑﻞ ﻳﺘﻄﻠﱠﺐ اﻷﻣﺮ رأس ﻣﺎل ﺣﻘﻴﻘﻲ ووﺳﺎﺋﻞ إﻧﺘﺎج وﺗﺴﻮﻳﻖ وﺗﻮزﻳﻊ ،ﻓﺜﻤﺔ ﻣﻨﺘﺞ ﻓﻨﻲ وإﺑﺪاﻋﻲ وﺛﻘﺎﻓﻲ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ إﻧﺘﺎﺟﻪ أوﻻً وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﺴﻮﻳﻘﻪ ﻟﻴﺼﻞ إﻟﻰ ﻣﺴﺘﺤﻘﻴﻪ. وﻗﺪ وﺿﻌﺖ ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﻴﻮﻧﺴﻜﻮ اﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻓﺮﻫﺎ ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﻓﻲ ﺻﻤﻴﻢ اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﻋﺎم 2005ﺑﺸﺄن ﺣﻤﺎﻳﺔ وﺗﻌﺰﻳﺰ ﺗﻨﻮع داﻻ أﺷﻜﺎل اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ،ووﺿﻌﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻗﻌﻬﺎ اﻟﺮﺳﻤﻲ ﺗﻮﺻﻴﻔًﺎ ٍّ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،واﻟﻤﻌﺎﻫﺪة اﻟﺪوﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻈﻤﻬﺎ، وﻳﺘﻤﺜﻞ ﻫﺪف ﻫﺬه اﻟﻤﻌﺎﻫﺪة اﻟﺪوﻟﻴﺔ اﻟﻤﻠﺰﻣﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧًﺎ ﻓﻲ ﺗﻤﻜﻴﻦ اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ ،واﻟﻤﻬﻨﻴﻴﻦ واﻟﻤﻤﺎرﺳﻴﻦ اﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ، وﺳﺎﺋﺮ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ ﻣﻦ اﺑﺘﻜﺎر ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ واﺳﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻊ واﻟﺨﺪﻣﺎت واﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ وإﻧﺘﺎﺟﻬﺎ وﻧﺸﺮﻫﺎ واﻟﺘﻤﺘﱡﻊ ﺑﻬﺎ ،وﻻ ﺳ ﱠﻴﻤﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ اﻷﻣﺮ ﺑﺄﺷﻜﺎل اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﻢ .وﺗﺪﻋﻢ ﻫﺬه اﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺔ اﻵﻟﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺠﻊ اﻻﺑﺘﻜﺎر وﺗﻌﺰز ﻧﺸﻮء ﺻﻨﺎﻋﺎت ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ وإﺑﺪاﻋﻴﺔ ﻧﺸﻴﻄﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ،ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻵﻟﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻣﻲ إﻟﻰ ﺗﻌﺰﻳﺰ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻤﺤﻠﻲ اﻟﻤﺨﺼﺼﺔ وﺗﻄﻮﻳﺮ اﻷﺳــﻮاق اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ،وﺗﻴﺴﻴﺮ اﻻﻧﺘﻔﺎع ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﺑﺮ ﱠ ﻷﻏﺮاض اﻟﺘﻮزﻳﻊ واﻟﺘﺒﺎدل ﻓﻲ ﺷﺘﻰ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ .إن دراﺳﺔ اﻟﻤﻌﻄﻴﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﺰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺬي ﺗﻄ ﱠﺒﻖ ﻓﻴﻪ ﻫﺬه اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ ﻗﺒﻞ ﺗﻨﻔﻴﺬﻫﺎ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻳﺠ ﱢﻨﺐ واﺿﻌﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ إﻫﺪار اﻟﻮﻗﺖ واﻟﺠﻬﺪ ﻓﻲ أﻧﺸﻄﺔ وﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻻ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻤﺮدود ﻣﺘﻮﻗﱠﻊ؛ ﻟﺬا ﻣﻦ اﻟﻤﻬﻢ ﺟ ٍّﺪا دراﺳﺔ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﻤﺴﺘﻬﺪف ﺗﻨﻤﻴﺘﻪ ﺛﻘﺎﻓﻴٍّﺎ أن ﺗﺘﻢ دراﺳﺘﻪ ﻣﻦ ﻧﻮا ٍح ﻋﺪة :اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ وﺳﻴﺎﺳﻴﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺑﻞ واﻷﻫﻢ :أﻧﺜﺮﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺔ؛ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻌﺮف اﻟﻘﺎﺋﻤﻮن ﻋﻠﻰ وﺿﻊ اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت اﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﺒﻨﻰ اﻟﺬﻫﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻢ ﻻ وﻋﻲ اﻷﻓﺮاد ﻓﻲ ﺑﻘﻌﺔ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺔ ﻣﺎ .ﻛﻤﺎ ﻳﻀﻌﻮن ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﺪراﺳﺎت ﺧﺮﻳﻄﺔ دﺧﻼ؛ ﻣ ﱠﻤﺎ ﻳﺤﻘﱢﻖ ﻣﺎ ﻷﻧﻮاع اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺤﻘﻖ ً
ﻳُﺴﻤﻰ ﺑﺎﻗﺘﺼﺎدﻳﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ .وﻻ ﻳﺘﺄﺗ ﱠﻰ ﻓﻬﻢ اﻟﺒﻨﻴﺔ اﻟﺬﻫﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻢ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺎ إﻻ ﺑﺪراﺳﺔ إرﺛﻪ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي ﻣﻦ ﺧﻼل دراﺳﺔ وﺗﺤﻠﻴﻞ اﻟﻘﻴﻢ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻨﺘﺠﻪ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻣﻦ إﺑﺪاﻋﺎت ﺷﻔﻬﻴﺔ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ )اﻷﻣﺜﺎل اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ، اﻷﺷﻌﺎر واﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ(...؛ ﻣﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻮﻇﻴﻔﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻳﺨﺪم اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ ﻟﻬﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،ﻓﺎﻟﻘﻴﻢ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻋﻤﻮ ًﻣﺎ ﻫﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﻘﻮى اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ واﻟﺮوﺣﻴﺔ واﻟﻔﻜﺮﻳﺔ اﻷﻛﺜﺮ داﻓﻌﻴﺔ ﻟﺘﺤﺮﻳﻚ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎت ﻻرﺗﺒﺎﻃﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟ ُﺨﻠُﻘﻲ اﻟﺬي ﻳﻨﺸﺪه اﻟﻤﺮء .ﻻ ﺷﻚ أﻧﻪ ﻳﺠﺐ ﺗﺸﺠﻴﻊ ورﻋﺎﻳﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺑﺈﺗﺎﺣﺔ ٍ ورش ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺗﺘﻮزع ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎدل ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﺒﻼد؛ ﺗﺤﻘﻴﻘًﺎ ﻟﻤﺒﺪأ اﻟﻌﺪاﻟﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ .ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺠﺐ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﻓﺮص ﻣﺘﻜﺎﻓﺌﺔ وﻋﺎدﻟﺔ ﻟﺘﻮزﻳﻊ وﺗﺴﻮﻳﻖ اﻟﻤﻨﺘﺞ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺬي ﻳﻨﺘﺞ ﻋﻦ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﺳﻮاء ﻓﻲ داﺧﻞ اﻟﺒﻼد أو اﻟﺘﺼﺪﻳﺮ ﻟﻠﺨﺎرج ،ﻓﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ واﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺤﻘﻖ ﻟﻸﻓﺮاد ﻓﺎﺋﺾ رﺑﺢ ﻳﺠﻌﻠﻬﻢ ﻳﻮاﺻﻠﻮن إﻧﺘﺎج ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
33
DzŋōƟŒ
ƠǥǚǝƢĨ ƲǤǡǝƢ ăƠǥǍƜǑƦǖČ ďƜLJƜǝƼǖČ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ وﺳﻴﻠﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻟﺘﺮﺳﻴﺦ اﻟ ِﻘ َﻴﻢِ ﻟﻸﺟﻴﺎل ،واﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﻬﻮﻳﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﺧﺼﻮﺻﻴﺘﻪ أﻣﺎم اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﻷﺧﺮى؛ ﺑﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﻻﻫﺘﻤﺎم أي ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ أن ﻳُﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﻣﺴﺎر ﺗﻘ ﱡﺪﻣﻪ ،ﻣﻦ ﺧﻼل اﺳﺘﻐﻼل اﻟﻤﻜﻮﻧﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ وﺗﻌﺰﻳﺰﻫﺎ .وﻻ ﱠ ﺷﻚ ﻓﻲ أن اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﺪﺧﻞ ﻣﻬﻢ ﻟﻤﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺘﻲ ﺗ ُﻌ َﻨﻰ ﺑﺪراﺳﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﻣﺤﻴﻄﻪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗ ُﻌ َﻨﻰ ﺑﺪراﺳﺔ وﺣﺪة اﻹﻧﺴﺎن داﺧﻞ اﻟﺘﻨﻮع واﻟﺘﻌﺪد ،ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮد ﻛﺎﺋﻦ اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﻫﻮ ﻛﺎﺋﻦ ﺛﻘﺎﻓﻲ ﺑﺎﻷﺳﺎس ،ﻓﻬﻮ اﻟﺬي ﻳﺼﻨﻊ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﺑﻞ وﻳﻀﻊ ﻣﺤ ﱢﺪداﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺎﻋﺪه ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻧﻤﻂ ﺳﻠﻮﻛﻪ وﻃﺮاﺋﻖ ﻋﻴﺸﻪ وﻋﺎداﺗﻪ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪه. ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺗﺄﺗﻲ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ اﻹﺑﺪاع اﻟﺒﺸﺮي ،وﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻐﻼل اﻟﻤﻨﺘﻮج اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻟﺸﻌﺐ ﻣﺎ ﻓﻲ وﺿﻊ أﻓﻜﺎر ﺟﺪﻳﺪة ﺗﺴﻌﻰ إﻟﻰ اﺑﺘﻜﺎر أﻧﺸﻄﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ وإﻧﺘﺎﺟﻬﺎ وﻧﺸﺮﻫﺎ واﻟﺘﻤﺘﱡﻊ ﺑﻬﺎ؛ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻴﺔ وإﻋﺎدة اﺳﺘﻐﻼل اﻟﺘﺮاث ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ اﺑﺘﻜﺎر ﺣﻠﻮل ﺗﺠﻌﻠﻪ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ اﻟﺪﺧﻞ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ،ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺎﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ،وﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن إﺣﺪى اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﺎﺟﻌﺔ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻗﺪر ﻣﻦ اﻟﻌﺪاﻟﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ، ﻓﻌﺒﺮ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﻘﺮى واﻟﻨﺠﻮع ﻓﻲ ﻛﺎﻓﺔ رﺑﻮع اﻟﺒﻼد ،ﺑﻞ وﺗﻌﻠﻴﻢ ﻗﻄﺎﻋﺎت ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب واﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ِﺣﺮﻓًﺎ ﺗﺮاﺛﻴﺔ ،ﺑﻞ واﻟﻤﺴﺎﻋﺪة ﻋﻠﻰ ﺗﺴﻮﻳﻘﻬﺎ ﻋﺒﺮ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ .وﻟﻜﻲ ﻧﻘﻮم ﺑﺈﻧﺸﺎء ﺻﻨﺎﻋﺎت ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ وإﺑﺪاﻋﻴﺔ ﺗﻤﻜﱢﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ اﻹﻓﺎدة ﻣﻦ رأس اﻟﻤﺎل ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي؛ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻔﺘﺢ اﻟﺒﺎب أﻣﺎم اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ اﻟ َﻤ َﻬﺮة ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﻤﺠﺎﻻت؛ ﻣ ﱠﻤﺎ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺻﻮل ﺑﺎﻟﺨﺪﻣﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ،ودﻋﻢ اﻹﺑﺪاع وﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﺒﺪﻋﻴﻦ وﺿﻤﺎن ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ واﺣﺘﺮام اﻟﺘﻨﻮع اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ،ﻓﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺬي ﻳﻤﻠﻚ رﺻﻴ ًﺪا ﺗﺎرﻳﺨ ٍّﻴﺎ وﺛﻘﺎﻓ ٍّﻴﺎ ﻏﻨ ٍّﻴﺎ وﻣﺘﻨ ﱢﻮ ًﻋﺎ وﻳﺘﻜ ﱠﻮن ﻣﻦ ﻋﺪد ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺎﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل »اﻟﺘﺮاث اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ« ،ﺣﻴﺚ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺑﻤﻌﻨﺎﻫﺎ اﻟﻌﺎم واﻟﻮاﺳﻊ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ رؤﻳﺔ واﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ واﺿﺤﺔ وﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﻨﻔﻴﺬ ،ﺑﻤﺎ ﺗﺘﻴﺤﻪ ﻣﻦ أﻧﺸﻄﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ وإﺑﺪاﻋﻴﺔ وﻓﻨﻴﺔ ،أي أن ﻫﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻳﻨﺼﺮف إﻟﻲ اﻵداب واﻟﻔﻨﻮن ﺑﺸﻜﻞ أﺳﺎﺳﻲ ،ﺛﻢ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ أﺷﻜﺎل اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻔﻜﺮي، ﻓﻼ ﺗﻘﺘﺼﺮ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﺑﺪاع ،ﺷﻌ ًﺮا وﺳﺮ ًدا وﻣﺴﺮ ًﺣﺎ، 32
اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﺗﻨﻮﻳﺮ وﺗﻨﻤﻴﺔ
د .ﻫﻮﻳﺪا ﺻﺎﻟﺢ* dzǿƉƚǙ DzƃǃōǝǶ dzǾȃŌǶƈ
ﺑﻞ ﺗﺘﻨﻮع وﺗﺸﻤﻞ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ واﻟﻔﻦ اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻲ وورش ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﺴﻴﻨﺎرﻳﻮ، وورش ﺗﻌﻠﻴﻢ واﻟﻨﺤﺖ ،واﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ،ﻣﺜﻞ اﻟﺨﻴﺎﻣﻴﺔ واﻟﻨﺴﻴﺞ اﻟﻴﺪوي ،وﺻﻨﺎﻋﺎت اﻟﻔﺨﺎر واﻟﺨﺰف .وﻛﻞ ﻫﺬا ﻳﺪ ﱢﻋﻢ اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ،وﻳﻀﺎف إﻟﻰ اﻟﺮﺻﻴﺪ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﻔﻨﻲ ،وﻳﻌ ﱢﺰز اﻟﻘﻮى اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗ ُﺴﺘﻐﻞ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ ،أو ﻟِ َﻨﻘ ُْﻞ إن ﻃﺮﻳﻘﺔ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﺗﺮاﺟﻌﺖ ،ﺣﺘﻰ ﻇﻬﺮت أﺻﻮات ﺗﻨ ﱢﺪد ﺑﺘﺮاﺟﻊ اﻟﻘﻮى اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ اﻟﺮأﺳﻤﺎل ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي ﻣﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ وﻓﻨﻮن وآداب. وﻟﻜﻦ ﻫﻞ ﻓﻜﺮة اﻻﺷﺘﻐﺎل ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث اﻟﺬي ﻳﻤﻨﺢ ﻣﺠﺘﻤ ًﻌﺎ ﻣﺎ ﻗﻮة وﺗﻤ ﱡﻴ ًﺰا ﻓﻲ ﻣﺤﻴﻄﻪ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ وﻓﻲ اﻟﻤﺤﻴﻂ اﻟﺪوﻟﻲ ﻳﺨﻀﻊ ﻓﻘﻂ ﻹرادة اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ أم ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ إرادة ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﺎﻋﻠﺔ ،ﺗﺘﺠﺴﺪ ﻓﻲ وﺿﻊ اﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ اﻟﻤﺘﻮاﻓَﻖ ﺑﺸﺄﻧﻬﺎ؟ وﻫﻞ ﺛﻤﺔ رؤﻳﺔ ﺗﻨﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻔﻬﻮم ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ،وأﻧﻮاع اﻟﻘﻄﺎﻋﺎت أو اﻟﻤﺠﺎﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻀﻤﻨﻬﺎ؟ ﻟﻮ آﻣﻨﺖ اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﺑﺄﻫﻤﻴﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺨﻠﻴﻖ وﺗﺠﺪﻳﺪ اﻟﺜﺮوات اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ وأﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺎ ﻧﺼﺒﻮ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺗﻨﻤﻴﺔ ﻣﺠﺘﻤﻌﻴﺔ؛ ﻟﺘﻐﻴﺮت اﻟﻨﻈﺮة إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت، ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ رأس ﻣﺎل رﻣﺰي وﻟﻴﺴﺖ ﺧﺪﻣﺎت رﻓﺎﻫﻴﺔ ﺗﻜﻠﻒ اﻟﺪوﻟﺔ وﻻ ﺗﻀﻴﻒ ﻟﻬﺎ .إن إﻃﻼق ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻮزارة اﻟﺨﺪﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻳﺠﻌﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ﺗﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻬﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣﺠﺮد ﺧﺪﻣﺎت رﻓﺎﻫﻴﺔ ﻻ ﻃﺎﺋﻞ ﻣﻦ وراﺋﻬﺎ ،ﺑﻞ ﺗ ُﺒﻘﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﺰﻟﱡﻔًﺎ ﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﺗﺮﻏﺐ اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺪﺧﻮل ﻣﻌﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺗﺮى أﻧﻬﺎ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻣﺆﺟﻠﺔ. وﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ أﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أﺣﺪ أن ﻳﻀﻊ آﻟﻴﺎت ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ وﺗﻄﺒﻴﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻮاﻗﻊ إﻻ إذا ﺗﻮﻓﺮت إرادة ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺄﻫﻤﻴﺔ ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﻓﻲ دﻋﻢ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺘﻨﻮﻳﺮي اﻟﻔﻜﺮي اﻟﺬي ﻳُ َﻌ ﱡﺪ وﺳﻴﻠﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﻤﻮاﺟﻬﺔ اﻻرﻫﺎب ،ﻓﺎﻹرﻫﺎب ﻻ ﺗﺘﻢ ﻣﻮاﺟﻬﺘﻪ ﺑﺎﻟﺤﻠﻮل اﻷﻣﻨﻴﺔ ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﺗﺘﻢ ﻣﻮاﺟﻬﺘﻪ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
ǣǝǥǂƶǗǎǖČ ƭǤĖƜƣǖČ ƠǐƲƵ ĥĨƜǑƢ lĪĖČǡƣǝƶǖČz ﻣﻴﺴﻮن ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻴﻢ
ﻣﻨﺬ اﻏﺘﺼﺎب اﻟﻘﺪس ﻋﺎم 1949وﺣﻜﻮﻣﺔ اﻻﺣﺘﻼل ﺗﻘﻮم ﺑﺈﺟﺮاءات ﻟﻠﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،وﻃﻤﺲ ﻫﻮﻳﺘﻬﺎ وﺳﺮﻗﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ وﻣﺎ ﺗﻤ ﱠﻴﺰت ﺑﻪ اﻟﻘﺪس ﻣﻦ ﺻﻨﺎﻋﺎت ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﺗﻌ ﱢﺒﺮ ﻋﻦ ﻫﻮﻳﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ﻋﻠﻰ َﻣ ﱢﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ .ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺘﺠ ﱠﻮل ﻓﻲ اﻟﺠﺰء اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﺪس ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻣﺤﻼت ﺻﻐﻴﺮة ﻣﺘﻼﺻﻘﺔ داﺧﻞ وﺧﺎرج أﺳﻮار اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮك اﻟﺰﻣﻦ ﺑﺼﻤﺎﺗﻪ ﻓﻮق ﺣﺠﺎرﺗﻬﺎ وأﺑﻮاﺑﻬﺎ وﺳﻘﻮﻓﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻔﻘﺪ ﺑﺮﻳﻘﻬﺎ، وروﻋﺔ ﻣﻌﺮوﺿﺎﺗﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ ﺗﺮﻣﺰ ﻟﺤﻴﺎة ﺳﻴﺎﺣﻴﺔ ﻋﺮﻳﻘﺔ ﻣﺰدﻫﺮة ﻛﺎﻧﺖ ﻳﻮ ًﻣﺎ ﺗﻤ ﱢﻴﺰ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺪس ،وﺗﺠﺬب اﻟﺴﻴﺎح ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ، وﻻ زاﻟﺖ ﺗﺤﺎول أن ﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ وﺟﻮدﻫﺎ رﻏﻢ أن ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﺗﻮاﺟﻬﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻤﺤﻼت اﻟﻤﺸﺎﺑﻬﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻴﻤﻬﺎ اﻟﻐﺎﺻﺒﻮن ﻓﻲ اﻟﻘﺪس اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ؛ ﻷن ﻫﺬه اﻟﻤﺤﻼت ﺗﻜﻮن ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺑﻴﻮت أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ، وﻳﺤﻔﻆ أﻃﻔﺎﻟﻬﻢ وأﺣﻔﺎدﻫﻢ ﺗﺎرﻳﺦ ﻛﻞ ﺗﺤﻔﺔ ﺷﺮﻗﻴﺔ ،وﻳﺘﺤﺪﺛﻮن ﻋﺪة ﻟﻐﺎت ﻣﻊ اﻟﺴﻴﺎح اﻷﺟﺎﻧﺐ اﻟﺬﻳﻦ ﻳَ ِﻔﺪون إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﻬﻲ ﻣﺼﺪر رزق ﻟﻘﻄﺎع ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺳﻜﺎن اﻟﻘﺪس اﻟﻌﺮب اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ واﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ،وﻳﺘﻢ ﺗﻮارث ﻫﺬه اﻟﻤﻬﻨﺔ ﻋﺒﺮ اﻷﺟﻴﺎل. ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﺤﻼت اﺳﻢ »اﻟﺴﻨﺘﻮاري«، واﻟﺘﻲ أﺻﺒﺢ ﻟﻬﺎ ﻣﻨﺎﻓﺲ أﻗﺎﻣﻪ اﻻﺣﺘﻼل ،وﻫﻮ ﺳﻮق »ﻣﺎﻣﻴﻼ« ،وﻳﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ »ﻣﺄﻣﻦ اﻟﻠﻪ« ،وﻫﻮ ﺳﻮق إﺳﺮاﺋﻴﻠﻲ ﻟﺒﻀﺎﺋﻊ ﻣﺴﺮوﻗﺔ أو ﻣﻘﻠﱠﺪة ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺑﺎب اﻟﺨﻠﻴﻞ؛ أﺣﺪ أﺑﻮاب ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺪس اﻟﻌﺘﻴﻘﺔ ،وﺗﻢ ﺗﺼﻤﻴﻤﻪ ﻟﻜﻲ ﻳﻨﺎﻓﺲ اﻟﻤﺤﻼت اﻷﺻﻠﻴﺔ ذات اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﻴﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺗﻔﻮح ﻣﻨﻬﺎ راﺋﺤﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ،ﻓﺎﻟﻤﺸﻐﻮﻻت اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﺑﻴﻌﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﺎﻣﺎت أﺻﻴﻠﺔ ﻣﺜﻞ ﺧﺸﺐ اﻟﺰﻳﺘﻮن ،واﻟﺘﺤﻒ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻳﺘﻢ ﺻﻨﻌﻬﺎ ﻳﺪوﻳٍّﺎ ٍ ﺑﺄﻳﺪ ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ﺗﻌﺸﻖ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ وﺗﺼﺎرع ﻟﻜﻲ ﺗﺒﻘﻰ أﻣﺎم اﻟﻤﺨﻄﻂ اﻟﺼﻬﻴﻮﻧﻲ اﻟﺬي ﻳﺒﺪأ ﻣﻦ ﺗﻮﺟﻴﻪ اﻟﺴﻴﺎح ﺑﻤﺠﺮد أن ﻳﺤﻄﱡﻮا ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺎرات ﻋﻠﻰ أرض ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﻧﺤﻮ ﺳﻮق »ﻣﺎﻣﻴﻼ« ،ﻋﻠﻰ
اﻋﺘﺒﺎر أﻧﻪ اﻟﻮاﺟﻬﺔ اﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ واﻟﺰاﺋﻒ ﻻ زاﻟﺖ ﻣﺴﺘﻤﺮة ،وﻳﺤﺮص أﺻﺤﺎب ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺤﻼت ﻓﻲ اﻟﻘﺪس اﻟﻌﺘﻴﻘﺔ ﻋﻠﻰ أن ﻳﻨﻘﻠﻮا اﻟﺼﻮرة اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻠﺴﻴﺎح ،ﺣﻴﺚ ﻳﺒﻴﻌﻮن ﺑﺄﺳﻌﺎر أﻗﻞ ﻣ ﱠﻤﺎ ﺗﻌﺮﺿﻪ ﻣﺤﻼت ﺳﻮق »ﻣﺎﻣﻴﻼ« ،وﻟﻜﻦ اﻟﺒﺎﺋﻊ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻲ ﻳﺤﺮص ﻋﻠﻰ ﺗﺸﻮﻳﻪ ﺻﻮرة اﻟﺒﺎﺋﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ أﻣﺎم اﻟﺴﻴﺎح ﻟﺘﺮوﻳﺞ ﺑﻀﺎﻋﺘﻪ .وﻟﻜﻦ ﺟﻮدة ﻣﻨﺘﺠﺎت ﻣﺤﻼت »اﻟﺴﻨﺘﻮاري« ﻓﻲ اﻟﻘﺪس ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ؛ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺗﺤﻤﻞ روح ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل أﺻﺤﺎب اﻟﻤﺤﻼت؛ ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻓﻘﻂ ،ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﺒﺎﺋﻊ ﻳﻬﻮدي أن ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﺗﺤﻔﺔ ﺷﺮﻗﻴﺔ ُﺻ ِﻨ َﻌﺖ ﻣﻦ ﺧﻼل آﻟﺔ ،أو ﻣﺴﺘﻮردة ﻣﻦ اﻟﺼﻴﻦ ،أو ﺣﺘﻰ ُﺳ ِﺮﻗَﺖ ﻣﻦ ﻣﺘﺠﺮ ﻋﺮﺑﻲ ،ﺑﺸﺮاﺋﻬﺎ ﺑﺜﻤﻦ زﻫﻴﺪ وﺑﻴﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺤﻼت اﻟﻴﻬﻮد ﺑﺄﺳﻌﺎر ﺗﻔﻮق أﺿﻌﺎف ﺳﻌﺮﻫﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ؛ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺘﺤﺪث ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻋﻨﻬﺎ ،وﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺤﻔﻆ ﺗﺎرﻳﺦ ُﺻ ْﻨ ِﻌﻬﺎ ،ﻣﺜﻞ ﻠﻲ واﻟﻤﺸﻐﻮﻻت اﻟﺨﺮزﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺰﻳﻦ ﺑﻬﺎ ﺗﺎرﻳﺦ ﺗﻄﻮر ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟ ُﺤ ﱢ اﻟﻤﺮأة اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ،وﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻛﻞ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻠﻲ ،وﻳﻜﻔﻲ أن اﻟﻤﺮأة اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﺎرك ﻓﻲ ﺻﻨﻊ ُﺣﻠ ﱢﻴﻬﺎ ﻣﻦ أﺻﺪاف ﻣﺜﻼ ،وﻣﻦ ﺧﺎﻣﺎت ﻣﺤﻠﻴﺔ ﻣﺘﻮﻓﺮة ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺌﺔ ،ﻛﻤﺎ أن اﻟﻤﺮأة اﻟﺒﺤﺮ ً اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ،ﻣﺜﻞ اﻟﺮﺳﻢ واﻟﻨﻘﺶ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺨﺎرﻳﺎت ،وﺑﺬﻟﻚ ﻓﻬﻲ ذات ﺑﺼﻤﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﺤﻮﻫﺎ أو ﺗﻘﻠﻴﺪﻫﺎ .وﻳﺸﻴﺮ اﻟﺘﺠﺎر اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻮن ﺑﺄن ﻣﺤﺎﻟﻬﻢ اﻟﺼﻐﻴﺮة وﻣﺎ ﺗﺤﻮﻳﻪ ﻣﻦ ﺗﺤﻒ ﺗﺤﻤﻞ روح اﻟﺘﺮاث اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ وﻣﺤﺎوﻻت ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻫﺬه اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﻟﻜﻲ ﺗﺠﺎري روح اﻟﻌﺼﺮ -ﺗﻮاﺟﻪ ﻣﻌﺮﻛﺔ داﺋﻤﺔ ﻣﻊ وزارة اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ واﻵﺛﺎر اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻴﺔ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﻤﺘﻨﻌﻮن ﻋﻦ ﺑﻴﻊ اﻟﺘﺤﻒ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻣﺰ ﻟﻨﺠﻤﺔ ﻣﺜﻼ ،وﻳﺮون أﻧﻬﻢ ﺧﻂ داوود واﻟﺸﻤﻌﺪان ً اﻟﺪﻓﺎع اﻷول ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ وﺣﻀﺎرة وﺗﺮاث ﺑﺘﻤﺴﻜﻬﻢ ﺑﺘﺠﺎرﺗﻬﻢ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ﱡ واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﺘﺠﺎرة، وﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻮﺟﻪ اﻟﺴﺎﺋﺢ إﻟﻰ ﺳﻮق »ﻣﺎﻣﻴﻼ« ،ﻓﻬﻮ ﺣﺘ ًﻤﺎ ﺳﻴﻐﻴﱢﺮ ﻣﺴﺎره وﻳﺘﺠﻪ إﻟﻰ اﻷزﻗﱠﺔ اﻟﻀﻴﻘﺔ ﻟﻴﺸﺘﻢ راﺋﺤﺔ ﺗﻔﺘﻘﺪﻫﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻮق اﻟﻤﻀﻠﱢﻠﺔ اﻟﺨﺎدﻋﺔ ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
31
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
إﺣﻴﺎء ،وﻣﺴﺎﻳﺮة ﻟﺮوح اﻟﻌﺼﺮ
ﻫﺬه اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﻟﻔﻦ اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ اﻟﻤﺮأة اﻟﺴﻴﻨﺎوﻳﺔ ﺗﻄﻮﻳ َﻌﻬﺎ ﻛﻤﻨﺘﺞ ﺗﺮاﺛﻲ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺘﺴﻮﻳﻖ واﻻﺳﺘﻬﻼك ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﺿﺮ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻘﻮل »ﻓﺆداة ﺳﻤﺎﺣﺔ« ،وﻫﻰ ﺳﻴﺪة ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ »اﻟﺒﻴﺎﺿﻴﺔ« ﻣﻦ ﺷﻤﺎل ﺳﻴﻨﺎء ،ﺗﺪﻳﺮ ﺟﻤﻌﻴﺔ »اﻟﻤﺮأة اﻟﺴﻴﻨﺎوﻳﺔ ﺑﺸﻤﺎل ﺳﻴﻨﺎء« .أﺷــﺎرت »ﺳﻤﺎﺣﺔ« إﻟﻰ أﻧﻬﺎ، وﻓﺮﻳﻖ ﻋﻤﻞ ،ﻋﻜﻔﻮا ﺧﻼل اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺨﻤﺲ اﻷﺧﻴﺮة ﻋﻠﻰ إﺣﻴﺎء ﺗﺮاث ﺳﻴﺪات ﺳﻴﻨﺎء اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻓﻲ اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ ،ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻮﻓﻴﺮ دﻋﻢ ﻣﺎﻟﻲ ﻟﻠﺴﻴﺪات اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻳُ ِﺠ ْﺪ َن ﻫﺬه اﻟﺤﺮﻓﺔ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﺴﻦ؛ ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﺘﻄﺮﻳﺰ ﻗﻄﻊ ﻗﻤﺎش ﻣﻨﻮﻋﺔ ﺗ ُﺴﺘﺨ َﺪم ﻓﻲ ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻷﺛــﻮاب اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وأﻳﻀً ﺎ ﺗﺸﻜﻴﻼت ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺒﺎءات اﻟﺤﺮﻳﻤﻲ ،وأﻗﻨﻌﺔ اﻟﺮأس وﺣﻘﺎﺋﺐ اﻟﺴﻴﺪات .وﺗﻀﻴﻒ »ﻓﺆادة« أن ﻫﺬه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻧﺠﺤﺖ ﺑﺎﻣﺘﻴﺎز ﻓﻲ إﻳﺠﺎد ﻣﻨﺘﺞ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺼﺮي ﻳﺤﻤﻞ ﻋﺒﻖ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ أﺳﻬﻤﺖ ﻓﻲ إﻗﺒﺎل اﻟﻔﺘﻴﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﻠﱡﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺪات اﻟ ُﻤﺴ ﱠﻨﺎت أﺳﺮار اﻟﻤﻬﻨﺔ ﺑﻬﺪف ﺗﻮﻓﻴﺮ ﻋﺎﺋﺪ ﻣﺎدي ودﺧﻞ ﻣﻨﺎﺳﺐ ﻟﻬ ﱠﻦ .وأﺷﺎرت إﻟﻰ أﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺎق ذاﺗﻪ ﺗﻢ اﻻﺗﺠﺎه ﻻﺳﺘﺨﺪام ﻗﻄﻊ ﻣﻄﺮزة ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش ﻓﻲ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻣﺸﻐﻮﻻت ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،وﻣﻨﻬﺎ ﻏﻄﺎء اﻟﻬﺎﺗﻒ اﻟﻤﺤﻤﻮل ،وﺣﻘﺎﺋﺐ اﻟﻼب ﺗﻮب ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟ َﻤﺤﺎﻓﻆ ،واﻟﻤﻴﺪاﻟﻴﺎت ،واﻟﺴﺘﺎﺋﺮ .إﻟﻰ ﺟﻮار اﺳﺘﺨﺪام ﻗﻄﻊ ﻣﻄﺮزة ﻗﺪﻳﻤﺔ ،ﺑﻌﺪ ﺟﻤﻌﻬﺎ وإﻋﺎدة ﺗﻬﻴﺌﺘﻬﺎ واﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ أﻋﻤﺎل ﺟﺪﻳﺪة. ﺗﺴﻮﻳﻖ
اﻟﺪﻛﺘﻮرة »أﻣﺎﻧﻲ ﻏﺮﻳﺐ« ﻣﺪﻳﺮة »ﺟﻤﻌﻴﺔ اﻟﻔﻴﺮوز« ،وﻫﻲ إﺣﺪى اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت اﻷﻫﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﺘﺴﻮﻳﻖ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﻤﻄﺮزة ﺑﺄﻳﺎدي ﺳﻴﺪات ﻣﻦ ﺳﻴﻨﺎء ،ﻗﺎﻟﺖ إﻧﻬﺎ ،وﻛﺎﻓﺔ اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت اﻟﻤﻤﺎﺛﻠﺔ، ﻳُﻌﺘَﺒﺮون وﺳﻄﺎء ﺑﻴﻦ اﻟﺴﻴﺪات اﻟ ُﻤﺼ ﱢﻨﻌﺎت ﻟﻬﺬه اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت واﻟﻤﺸﺘﺮﻳﻦ ﻟﻬﺎ ،وﻳﺘﻢ اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻌﺎرض اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﻴﺪوﻳﺔ داﺧﻞ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﻘﺎﻫﺮة وأﻳﻀً ﺎ ﺧﺎرﺟﻬﺎ ،وﻓﺘﺢ ﻓﺮص اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ﺑﺎﻟﺸﺮاء إﻟﻜﺘﺮوﻧ ٍّﻴﺎ .وأوﺿﺤﺖ أن ﻫﺬا اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ أﺳﻬﻢ ﻓﻲ إﻗﺒﺎل ﻛﺜﻴﺮ ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻣﻊ ﺗﺤﺪﻳﺚ ﻣﻦ ﺳﻴﺪات ﺗﺮﻛﻦ ﻣﻬﻨﺔ اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ ﻟﻠﻌﻮدة اﻟﻴﻬﺎ، ً اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ،وإﻗﺒﺎل ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻋﺸﱠ ﺎق اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ اﻟﻴﺪوي ﻋﻠﻰ ﺷﺮاء اﻹﻧﺘﺎج .ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﻬﺎ أﺷﺎرت اﻟﺴﻴﺪة »ﻧﺠﻼء ﺣﻤﺎد« ،وﻫﻲ ﺳﻴﺪة ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﺮﻳﺶ ﺑﺴﻴﻨﺎء ،إﻟﻰ ﺗﺠﺮﺑﺘﻬﺎ ﻓﻲ إﻋﺎدة اﺳﺘﺨﺪام ﺗﺮاث ﺣﺮﻓﺔ اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ ﻛﻤﺼﺪر دﺧﻞ ﻟﺨﻤﺲ أُ َﺳﺮٍ ،ﺑﻘﻮﻟﻬﺎ إن اﻷﺳﺮ اﻟﺨﻤﺲ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ رﻋﺎﻳﺘﻬﺎ ﺳﻴﺪات ﻳُ ِﺠ ْﺪ َن ﺣﺮﻓﺔ اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ ،وﺗﻢ ﺗﻮﻓﻴﺮ أﻗﻤﺸﺔ وأدوات اﻟﺨﻴﺎﻃﺔ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻬ ﱠﻦ ،وﻗﻤﻦ ﺑﺈﻧﺘﺎج ﻣﺸﻐﻮﻻت ﻣﻄ ﱠﺮزة ﻣﺘﻨ ﱢﻮﻋﺔ ،ﻫﺬه 30 30
»اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ« ..ﺣﺮﻓﺔ ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﺑﺎدت ﺛﻢ ﺳﺎدت!
اﻟﻤﺸﻐﻮﻻت ﻳﺘﻢ ﻋﺮﺿﻬﺎ وﺑﻴﻌﻬﺎ ﻟﺼﺎﻟﺤﻬﻦ ﻛﻤﺼﺪر دﺧﻞ ،ﻣﻊ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﻗﻊ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻛﻨﻮاﻓﺬ ﺗﺴﻮﻳﻖ ﻟﻬﺬا اﻹﻧﺘﺎج. ﺑﻴﻦ اﻟﺠﺪات واﻟﺤﻔﻴﺪات
ﺗﻘﻮل »ﻧﺼﺮة ﺳﻮﻳﻠﻢ« ،وﻫﻲ ﺳﻴﺪة ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ »اﻟــﺪواﻏــﺮة« ﺑﺸﻤﺎل ﺳﻴﻨﺎء ،ﺗﺠﺎوز ﻋﻤ ُﺮﻫﺎ اﻟﺴﺒﻌﻴﻦ ،إﻧﻬﺎ ﺗﻌﻠﱠ َﻤﺖ ﺣﺮﻓﺔ اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ وﻫﻲ ﻓﻲ ﺳﻦ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮة ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻫﺎ ،وﻫﻲ ﺗﺮﻋﻰ اﻟﻐﻨﻢ ﻣﻊ واﻟﺪﺗﻬﺎ .وﺗﻀﻴﻒ» :ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺘﻴﺎت اﻟﺒﺪوﻳﺎت ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻳﺸﻐﻠﻦ أوﻗﺎﺗﻬﻦ ﺑﺎﻟﺘﻄﺮﻳﺰ ،و ُﻫ ﱠﻦ ﻳﺮﻋﻴﻦ أﻏﻨﺎﻣﻬ ﱠﻦ ،وﺣﺘﻰ أﺛﻨﺎء ﺳﻴﺮﻫ ﱠﻦ ﻟﺠﻠﺐ اﻟﻤﻴﺎه ﻣﻦ اﻵﺑﺎر اﻟﺒﻌﻴﺪة .ﻛ ﱠﻦ ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﱠﻤﻦ ﻫﺬه اﻟﺤﺮﻓﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻴﺎﻛﺔ أﺛﻮاﺑﻬﻦ ،ﻓﺎﻟﺜﻮب ﻛﻞ ﺳﻴﺪة ،ﻛﺎن ﻳﺴﺘﻐﺮق ﺗﻄﺮﻳﺰ ﻛﺎن ﻳﻤﺜﱢﻞ ﺛﺮو َة ﱢ ﺛﻮب واﺣﺪ ﻣﻦ إﺣﺪاﻫ ﱠﻦ ﻣﺎ ﻳﻘﺮب ﻣﻦ ﻋﺎم ﻛﺎﻣﻞ ،وﻫﻲ ﺗﻘﻮم ﺑﺘﻄﺮﻳﺰه ﻏﺮزة ﻏﺮزة ،ﺣﻴﺚ ﺗﻐﻄﻲ ﻛﻞ ﺟﻮاﻧﺒﻪ وأﻃﺮاﻓﻪ ﺑﻘﻄﻊ زﺧﺮﻓﻴﺔ ﻳﺘﻮارﺛﻨﻬﺎ ﺟﻴﻼ ﺑﻌﺪ ﺟﻴﻞ ،وﺑﺄﻟﻮان ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻷﺧﺮى ،ﺣﻴﺚ إن اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ً اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻜﻦ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺴﺎﺣﻞ ﻏﺮب ﺳﻴﻨﺎء ﺗﻤﻴﻞ ﻻﺳﺘﺨﺪام اﻟﻠﻮن اﻷزرق ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺳﺎﺣﻞ ﺷﺮق ﺳﻴﻨﺎء ﺗﻤﻴﻞ ﻟﻠﱠﻮن اﻷﺣﻤﺮ ،ﻓﻲ ﺣﻴﻦ أﻧﻪ ﻓﻲ ُﻋﻤﻖ وﺳﻂ ﺳﻴﻨﺎء ﻳﻜﺜﺮ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻠﻮن اﻷﺻﻔﺮ« .ﺗﻘﻮل اﻟﺴﻴﺪة »ﻧﺼﺮة«» :ﺧﻼل رﺣﻠﺔ ﻋﻤﺮي اﺳﺘﻄﻌﺖ إﻧﺘﺎج وﺗﺼﻨﻴﻊ أﻛﺜﺮ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻊ اﻟﻤﻄ ﱠﺮزة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻣﻦ 50ﺛﻮﺑًﺎً ، ﺑﻌﺪ ﺗﺠﻤﻴﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﺛﻮاب اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ، ﱠﻔﺖ ﻋﻦ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻗﺒﻞ 15ﻋﺎ ًﻣﺎ ،وﻗﺪ اﺣﺘﻔﻈﺖ وداﺧﻞ اﻟﺒﻴﺖ .ﺗﻮﻗ ُ ﺑﺜﺮوة ﻣﻦ اﻷﺛﻮاب اﻟﻤﻄﺮزة ﺣﺘﻰ اﻵن ) 6أﺛﻮاب( ،وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻓﻮﺟﺌﺖ ﺑﻄﻠﺐ إﺣﺪى ﺣﻔﻴﺪاﺗﻲ أن ﺗﺘﻌﻠﻢ ﻣﻨﻲ ﻣﻬﺎرة اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ ،ﺑﻌﺪ أن أﺗﻴﺢ ﻟﻬﺎ ﻓﺮﺻﺔ ﺗﺴﻮﻳﻖ اﻹﻧﺘﺎج ،وﻛﻨﺖ ﺳﻌﻴﺪة أﻧﻨﻲ ﻋﺪت ﻟﻠﻤﻬﻨﺔ ﻛﻤﻌﻠﱢﻤﺔ ﻟﺤﻔﻴﺪﺗﻲ ،وﺳﺖ ﻓﺘﻴﺎت أﺧﺮﻳﺎت ﻣﻦ ﺑﻨﺎت اﻟﻘﺮﻳﺔ« .إﺣﺪى ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺴﻤﻴﻬ ﱠﻦ ﺑﺎﻟﺤﻔﻴﺪات» :إﻳﻤﺎن ﺣﺴﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎن« ،ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺰ »ﺑﺌﺮ اﻟﻌﺒﺪ« ﺑﺴﻴﻨﺎء ،وﻫﻲ ﺧﺮﻳﺠﺔ ﻣﻌﻬﺪ ﻓﻨﻲ ﺗﺠﺎري ،ﻓﻮق اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ، أﺷﺎرت إﻟﻰ أﻧﻬﺎ ﺧﻼل ﻓﺘﺮة ﺗﺪرﻳﺐ اﺳﺘﻤ ﱠﺮت ﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻓﺔ اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ ﻓﻲ أﺣﺪ ﻣﺸﺎﻏﻞ اﻟﺘﺪرﻳﺐ اﻟﺘﻲ وﻓﱠﺮﺗﻬﺎ إﺣﺪى اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت اﻷﻫﻠﻴﺔ -اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ أن ﺗﺠﻴﺪ وﺗﺤﺘﺮف ﻣﻬﻨﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮم ﺑﻬﺎ واﻟﺪﺗﻬﺎ وﺟ ﱠﺪﺗﻬﺎ ،وﺗﺎﺑﻌﺖ ﻗﺎﺋﻠﺔ» :إن ﻣﺎ دﻓﻌﻬﺎ ﻷن ﺗﻌﻮد ﻻﻣﺘﻬﺎن ﻫﺬه اﻟﺤﺮﻓﺔ، اﻛﺘﺸﻔﺖ أن ﻓﻲ ﻣﻔﺮدات ﻫﻮ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻹﻳﺠﺎد ﻣﺼﺪر دﺧﻞ ﻣﻨﺎﺳﺐ. ُ إﻗﺒﺎﻻ ﺷﺪﻳ ًﺪا ﻣﻦ ﺗﺮاث اﻟﺠﺪات ﻛﻨ ًﺰا ﻛ ﱠﻨﺎ ﻧﺠﻬﻞ ﻗﻴﻤﺘﻪ ،ﺣﻴﺚ إن ﻫﻨﺎك ً اﻟﺴﺎﺋﺤﻴﻦ وﻋﺸﱠ ﺎق اﻟﺘﺮاث ﻋﻠﻰ ﺷﺮاء اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﻤﻄ ﱠﺮزة ،وﺑﺄﺳﻌﺎر ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ«.
وﺗ ُﺴ ﱠﻤﻰ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺎ ﱠﻣﺔ ) ِرﺗ ْﺒﺔ( ،وﺗ ُﺠﻤﻊ ﻋﻠﻰ ) ُرﺗ َﺐ( ،وﻛﻞ ﻏﺮزة ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ رﺳﻤﺔ ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ﺗﺴ ﱠﻤﻰ )دار( ،ﺗﻘﻮل اﻟﻤﺮأة :ﻇ ﱠَﻞ ﺗﺴ ﱠﻤﻰ ) َﺣﺒﱠﺔ( ،وﻛﻞ ْ َﻋﻠ ﱠَﻲ دارﻳﻦ ،أو ﻇﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺪار ﺣﺒﱠﺘﻴﻦ وﻫﻜﺬا.«... وﺑﺤﺴﺐ اﻟﺒﺎﺣﺚ »زﻳﺎدﻧﺔ« ﻓﺈن ﻫﻨﺎك ﻃﺮﻳﻘﺘﻴﻦ ﺗﺴﺘﻌﻤﻠﻬﻤﺎ اﻟﻤﺮأة ﻓﻲ ﺗﻄﺮﻳﺰ ﺛﻮﺑﻬﺎ ،ﻫﻤﺎ» :اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ اﻟﻌﺎدي« ،وﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺘﻜ ﱠﻮن ﻣﻦ ﻏُﺮزة ﻏُﺮزة ،أو َﺣ ﱠﺒﺔ َﺣ ﱠﺒﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﺴ ﱢﻤﻴﻬﺎ اﻟﻤﺮأة ،وﺗﻜﻮن اﻟ َﺤ ﱠﺒﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻜ ﱠﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﻏُﺮزﺗﻴﻦ ﻣﺘﻘﺎﻃﻌﺘﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻋﻼﻣﺔ اﻟﻀﺮب »×« ،وﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ ﻏُﺮز اﻟﺨﻴﺎﻃﺔ أو اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ ﻫﻮ اﻟﺴﺎﺋﺪ واﻷﻛﺜﺮ اﻧﺘﺸﺎ ًرا؛ ﻟﺴﻬﻮﻟﺔ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻪ ،وﻣﺎ زال ﻛﺬﻟﻚ ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم .و»اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ اﻟﻤﺜَ ﱠﻤﻦ« ،وﻫﻮ ﻧﻮع آﺧﺮ ﻣﻦ ﻏﺮز اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ ﻇﻬﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻮد اﻷﺧﻴﺮة ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻌﺮوﻓًﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ،وﻳﺘﻜ ﱠﻮن ﻣﻦ أرﺑﻊ ﻏﺮزات ﻣﺘﻘﺎﻃﻌﺔ ،ﻫﻲ اﻟﺤ ﱠﺒﺔ اﻟﻌﺎدﻳﺔ، وﻳﻀﺎف إﻟﻴﻬﺎ ﻏﺮزﺗﺎن ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻋﻼﻣﺔ اﻟﺠﻤﻊ » ،«+ﻓﺘﺒﺪو وﻛﺄﻧﻬﺎ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﻏُﺮز؛ وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺟﺎءﻫﺎ اﻻﺳﻢ »ﻣﺜَ ﱠﻤﻦ« ،واﻟﺘﻄﺮﻳﺰ ﺑﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ أﻗﻞ ﺟﻤﺎﻻً ؛ ﻟﻜﺜﺎﻓﺔ اﻟﺨﻴﻮط واﻟﺘﻔﺎﻓﻬﺎ ﻓﻮق ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎً ،وﻟﺤﺠﻢ اﻟﺤ ﱠﺒﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻧﺴﺒ ٍّﻴﺎ .أ ﱠﻣﺎ اﻟﺨﻴﻮط اﻟﺘﻲ ﺗﻄ ﱢﺮز ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻤﺮأ ُة ﺛﻮﺑَﻬﺎ ﻓﺘﺘﻜ ﱠﻮن ﻣﻦ »ﻃُﺒَﺐ« ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺮ ،أو ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن ،ﻛﻞ »ﻃُﺒﱠﺔ« ﺣﺮﻳﺮﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺘﻜ ﱠﻮن ﻣﻦ ﻟﻔﱠﺔ ﺧﻴﻂ ﺑﻄﻮل 80ﻣﺘ ًﺮا ،وﻫﺬه »اﻟﻄﺒﺐ« ﺗ ُﺒﺎع ﻓﻲ اﻷﺳﻮاق أو ﻣﻊ اﻟﺒﺎﻋﺔ اﻟﺠﺎﺋﻠﻴﻦ ،وﺗﻘﺴﻢ ﺗﻠﻚ »اﻟﻄﺒﺐ« إﻟﻰ ﻧﻮﻋﻴﻦ ﺣﺴﺐ ﻟﻮﻧﻬﺎ: »اﻟﻠﻮن اﻟﺴﺎدة« ،وﻫﻲ »اﻟﻄﺒﺐ« ذات اﻟﻠﻮن اﻟﻮاﺣﺪ ،وﻛﻞ »ﻃُ ﱠﺒﺔ« ﻣﻨﻬﺎ ﺗﻜﻮن ﺑﻠﻮن واﺣﺪ ﻻ ﻏﻴﺮ .و»اﻟﻠﻮن اﻟﻤ َﻮﻧﱠﺲ« ،وﻳﺘﺪ ﱠرج ﻟﻮن ﺧﻴﻄﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺎﺗﺢ إﻟﻰ اﻟﻐﺎﻣﻖ ،ﻓﺎﻷﻏﻤﻖ ،ﺛﻢ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﻠﻮن اﻟﻔﺎﺗﺢ وﻫﻜﺬا ،ﻓﺎﻷﺣﻤﺮ ﻳﺼﺒﺢ ﻓﻲ ﻃﺮف ﻣﻨﻪ وردﻳٍّﺎ ﺛﻢ ﻳﻘﺘﺮب ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺎض،
أ ﱠﻣﺎ اﻟﻄﺮف اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻴﺘﺪ ﱠرج ﻣﻦ اﻷﺣﻤﺮ إﻟﻰ اﻟ ِﻌ ﱠﻨﺎﺑﻲ ﺛﻢ إﻟﻰ اﻟ ِﻌ ّﻨﺎﺑﻲ ﺟﻤﺎﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ. اﻟﻐﺎﻣﻖ وﻫﻜﺬا ،وﺑﺬﻟﻚ ﻳﻀﻔﻲ ً أﻣﺎ ﺧﻴﻮط اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن اﻟﻤﻠﻮﻧﺔ ﻓﻘﺪ ُﻋﺮﻓﺖ ﺑﻌﺪ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت ،وﻫﻲ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻟﻔﱠﺎت ﺻﻮﻓﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻔﺘﻮﻟﺔ ،ﺗﻘﻮم اﻟﻤﺮأة ﺑﻔﺘﻠﻬﺎ ﺧﻴﻄًﺎ ﺧﻴﻄًﺎ، وﻫﺬه اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻣﺮﻫﻘﺔ وﻣﺘﻌﺒﺔ ،إﺿﺎﻓﺔ ﻟﻜﻮن ﺧﻴﻮﻃﻬﺎ ﺧﺸﻨﺔ وﺳﻤﻴﻜﺔ وﻻ ﺗﺼﻠﺢ ﻟﺘﻄﺮﻳﺰ ﺛﻮب ﻓﺎﺧﺮ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﺜﻴﺎب اﻟﺘﻲ ﺗُﻄَ ﱠﺮز ﺑﻬﺎ ﺗﻜﻮن ﻟﻼﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻤﻨﺰﻟﻲ ﻟﻴﺲ أﻛﺜﺮ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﺨﻴﻮط ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﻣﻦ ﻗﺒﻞ.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
29
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
ĎƜǥƬǖČ ƜǠǖ ĦưLJĈ ďČưǥǎƬǖČ
ďĔƜƵ ǘƥ ďĔƜƞ ƠǥƥČƲƢ ƠǍƲƫ lƳǤƲǂƣǖČz ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻴﻦ أﺑﻮ ﻋﻴﻄﺔ
»اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ اﻟﺴﻴﻨﺎوي« ،اﺳﻢ ﻷﻗﺪم ﻣﻬﻨﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﻴﺪﻫﺎ اﻟﺴﻴﺪات واﻟﻔﺘﻴﺎت اﻟﺒﺪوﻳﺎت ﻓﻲ ﺷﺒﻪ ﺟﺰﻳﺮة ﺳﻴﻨﺎء اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،وﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﻧﻘﺶ أﺷﻜﺎل ﻣﺰﺧﺮﻓﺔ ،ورﻣﻮز ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،ﻛﻮرق اﻟﺸﺠﺮ واﻟﺰﻫﻮر واﻟﻨﺠﻮم وأﺛﺮ اﻟﻄﻴﻮر ﻋﻠﻰ اﻷﺛﻮاب وأﻗﻨﻌﺔ اﻟﺮأس ،ﺑﺄﻟﻮان ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻷﺧﺮى ،وﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻹﺑﺮة اﻟﻴﺪوﻳﺔ واﻟﺨﻴﻮط ﺑﻤﻬﺎرة ﺷﺪﻳﺪة ﻓﻲ اﺧﺘﻴﺎر ﻣﻮﺿﻊ وأﺑﻌﺎد ﻛﻞ ﻏﺮزة .ﻫﺬه اﻟﻤﻬﻨﺔ ،وﻛﻐﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻬﻦ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ ﺷﺒﻪ ﺟﺰﻳﺮة ﺳﻴﻨﺎء ،ﺗﻌ ﱠﺮﺿَ ﺖ ﻟﻠﺘﺮاﺟﻊ ﻣﻊ ﺳﻄﻮة اﻷزﻳﺎء اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،واﻧﻔﺘﺎح اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺒﺪوي ﺧﻼل ﻓﺘﺮة ﺛﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت وﺗﺴﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻻﻓﺖ ﺑﺪأت ﺗﻌﻮد ﻟﺴﻴﺎدة اﺋﺪات ﻓﻲ ﺳﻴﺪات ر ٌ ٌ ﺣﻀﻮرﻫﺎ ﻓﻲ اﻵوﻧﺔ اﻷﺧﻴﺮة ،ﺑﻌﺪ أن ﺗﻤﻜﱠﻨﺖ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻲ ،وﺑﺪﻋﻢ رﺳﻤﻲ ﺣﻜﻮﻣﻲ وﻣﻦ ﻣﺆﺳﺴﺎت أﻫﻠﻴﺔ ﺑﺎﻹﻓﺎدة ﻣﻦ ﺧﺒﺮة َﻣﻦ ﻳﻤﺘﻠﻜﻦ ﻣﻬﺎرة ﺗﺼﻨﻴﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻴﺪات ُﻣﺴ ﱠﻨﺎت ﻛُ ﱠﻦ ﻓﻲ ﻣﻘﺘﺒﻞ أﻋﻤﺎرﻫﻦ ﻳﻤﺘﻬ ﱠﻨﻬﺎ.
28
»اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ« ..ﺣﺮﻓﺔ ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﺑﺎدت ﺛﻢ ﺳﺎدت!
ٍ ﺟﺪﻳﺪ إﺣﻴﺎ َء ﺣﺮﻓﺔ اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وﺟﻌﻠﻬﺎ أﺗﺎح ﻫﺬا ﻣﻦ ﻓﻲ واﺟﻬﺔ اﻫﺘﻤﺎم ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺳﻴﺪات اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺒﺪوي ،ﺑﻌﺪ أن ﺗ ﱠﻢ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﻣﻨﺘﺠﻬﻦ اﻟﺘﺮاﺛﻲ ﻛﻤﺸﻐﻮﻻت اﺳﺘﻬﻼﻛﻴﺔ ﺑﺘﻄﻮﻳﻊ ﺑﺪﻳﻊ زﺧﺎرﻓﻬﺎ اﻟﻤﻄ ﱠﺮزة ،واﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻼﺑﺲ ﻋﺼﺮﻳﺔ وأدوات وﻣﺸﻐﻮﻻت ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ. ﻃﺮق ،وﺧﻴﻮط ،وأﻟﻮان!
وﻓﻦ اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ -ﻛﻤﺎ ﻳﻌ ﱢﺮﻓﻪ اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﺒﺪوي :ﺻﺎﻟﺢ زﻳﺎدﻧﺔ- ﻫﻨﺪﺳﻲ ﻣﻌﻴﱠﻦ ﺗﺮﺳﻤﻪ اﻟﻤﺮأة ﺑﺈﺑﺮﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﻮ »ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ رﺳﻢٍ ﱟ ﻗﻤﺎش ﺛﻮﺑﻬﺎ ،أو ﻋﻠﻰ أي ﻗﻄﻌﺔ ﻗﻤﺎش أﺧﺮى ﺗﺮﻳﺪﻫﺎ ،وﻳﺘﻜ ﱠﻮن ﻣﻦ ُﻏ َﺮ ٍز ﻣﺘﻨﺎﺳﻘﺔ ،ﺗﺄﺧﺬ ﺷﻜﻞ اﻟﺮﺳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻳﺪﻫﺎ اﻟﻤﺮأة ﺑﻌﺪ ﺗﻄﺮﻳﺰﻫﺎ، وﺗﺘﻜ ﱠﺮر ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺳﻤﺔ ﻣ ﱠﺮ ٍ ات وﻣﺮات ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﻻت ﺣﺘﻰ ﺗﺼﺒﺢ ﻗﻄﻌﺔ ﻫﻨﺪﺳﻴﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ«. وﻳﺴﺘﻄﺮد »زﻳﺎدﻧﺔ«» :إن أﻫﻢ ﻣﻜ ﱢﻮن ﻓﻲ اﻟﺘﻄﺮﻳﺰ ﻫﻮ )اﻟ ُﻐ ْﺮزَة(،
ﻧﺒﺎﺗﻲ ﺑﺨﻠﻘﺘﻪ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﺘﺸﺮب واﻟﺘﺴﺮب؟! ﺷﺮح ﻟﻲ "ﻓﻴﺼﻞ" اﻷﻣﺮ: ﻳﺘﻢ وﺿﻊ ﻛﻤﻴﺎت ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻠﻴﺐ ،ﻛﻤﻴﺎت ﻣﺘﺘﺎﺑﻌﺔ ،ﻛﻲ ﻳﺘﺸﺮﺑﻬﺎ اﻟﺴﻌﻒ ،ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻮن ﺑﺎﻟﺰﺑﺪة وﻳﻤﻸون ﺑﻬﺎ ﻓﺮاﻏﺎت اﻟﺴﻌﻒ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ واﻟﺨﺎرج ،ﺑﺘﻜﺮار ﻫﺬه اﻷﻓﻌﺎل ﻳﺘﻢ إﻏﻼق ﻛﻞ ﻣﻨﻔﺬ ﻟﻠﺘﺴﺮﻳﺐ ،وﻳﻘﺎل ٍ َﻠﺖ .وﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻣﺸﻬﻮر ﻋﻨﺪﻧﺎ .ﺛﻢ ﻳﺴﺘﺨﺪم اﻹﻧﺎء ﻓﻲ ﻋﻨﺪﺋﺬ -ﻗَﻔ ْﺣﻔﻆ اﻟﺤﻠﻴﺐ اﻟﻤﺪرور ﻣﻦ اﻟﻤﺎﻋﺰ واﻷﻏﻨﺎم .اﻧﺘﻬﻰ ﺣﺪﻳﺜﻨﺎ ﻋﻦ ﻣﺸﻐﻮﻻت اﻟﺴﻌﻒ ،وﺑﻘﻲ ﻟﻲ أن أﻧﺒﻪ إﻟﻰ أن ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﻤﺘﺪة ﻣﻦ ﻗﻨﺎ ﺷﻤﺎﻻً )ﻓﻲ ﻣﺼﺮ( ﺣﺘﻰ ﺳﻨﻜﺎت ﺟﻨﻮﺑًﺎ )ﻓﻲ اﻟﺴﻮدان( ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻲ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ إﻻ ﻋﺒﺮ زاوﻳﺔ اﻹﻗﻠﻴﻢ اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﻤﺘﻘﺎرب ﺟ ًﺪا ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ ،واﻟﻤﻜ ّﻤﻞ ﺑﻌﻀﻪ ﺑﻌﻀً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ،ﻧﺠﺪ ﻣﺜﻼ ﺗﻘﺎرﺑًﺎ ﺷﺪﻳ ًﺪا ﻓﻲ اﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺮﻋﻲ ً ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك ،وﻛﺬﻟﻚ ﺑﻴﻦ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺤﻀﺮ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﻴﻞ ﻫﻨﺎ وﻫﻨﺎك ،وﻛﺬﻟﻚ أﻳﻀً ﺎ ﺑﻴﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﻫﺬه اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﺗﻮﺟﺪ ﻗﻮاﺳﻢ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﻛﺜﻴﺮة ﺟ ًﺪا ،وﺛﺮﻳﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﺪ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺣﺼﺮه ﻓﻲ ﻫﺬه اﻹﻃﻼﻟﺔ ﻣﺤﺪودة اﻟﺤﺠﻢ)(2ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺣﻼﻳﺐ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺿﻤﻦ ﺣﺪود ﻣﺼﺮ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ دون أن ﻧﻮﻟﻲ أﺑﺼﺎرﻧﺎ وﺑﺼﺎﺋﺮﻧﺎ ﻧﺤﻮ اﻣﺘﺪاد ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ داﺧﻞ ﺣﺪود اﻟﺴﻮدان اﻟﺸﻘﻴﻖ ﻓﻴﻤﺎ ﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ إﻗﻠﻴﻢ ) َﻋﻄْﺒﺎي().(3 ﺑﺘﺪﻋﻴﻢ ﻫﺬه اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ /اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،وإﺗﺎﺣﺔ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺘﻨﻘﻞ ﻋﺒﺮ ﻣﻌﺎﺑﺮ اﻟﺒﻠﺪﻳﻦ)(4؛ ﻣﺼﺮ واﻟﺴﻮدان ،وﺗﻔﻌﻴﻞ اﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺎت اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑﻴﻦ
ﺷﻘﻴﻘﻲ اﻟﻨﻴﻞ ،وﺗﺤﺪﻳ ًﺪا اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ اﻟﺤﺮﻳﺎت اﻷرﺑﻊ ،وﻋﻘﺪ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺨﺬ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻈﺮ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻲ /اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺳﺎﻟﻒ اﻟﺒﻴﺎن رﻛﻴﺰﺗﻬﺎ وأﺳﺎﺳﻬﺎ؛ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻚ ﺗﺼﻮر ﻛﻴﻒ ﺳﻴﻨﻌﻜﺲ ذﻟﻚ ﺑﺎﻹﻳﺠﺎب ﻋﻠﻰ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻤﺸﻐﻮﻻت اﻟﺴﻌﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﺑﻬﺎ ﻧﺴﺎ ُء ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺣﻼﻳﺐ ،ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺷﺠﺮ اﻟﺪوم أو ﺷﺠﺮ اﻟﻨﺨﻴﻞ .ﻣﺆﺧ ًﺮا ،أﻧﺒﺄت اﻷﺧﺒﺎر اﻟﺼﺤﻔﻴﺔ ﻋﻦ ﺗﻬﻴﺌ ٍﺔ ﺗﺘﻢ ﻧﺤﻮ إﻧﺸﺎء ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺣﺮة ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺪود ﺑﻴﻦ اﻟﺒﻠﺪﻳﻦ .اﻟﺮﺟﺎء ﻣﻮﺻﻮل واﻷﻣﻞ ﻣﻨﻌﻘﺪ أن ﺗﺴﺘﻤﺮ ﻣﺴﻴﺮة إدرار ﻟﺒﻦ اﻟﻤﺎﻋﺰ واﻷﻏﻨﺎم ﻓﻲ ﻣﺸﻐﻮﻻت اﻟﺴﻌﻒ ﻓﻲ ﺣﻼﻳﺐ وﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻟﺘﻈﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد آﻣﻨﺔ ﺳﺎﻟﻤﺔ ﻫﻮاﻣﺶ: .1ذُﻛﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺠﻢ اﻟﻮﺳﻴﻂ اﻟﺼﺎدر ﻋﻦ ﻣﺠﻤﻊ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ﻋﺎم 1960أن اﻟ ُﺒﺮش ﺣﺼﻴﺮ ﺻﻐﻴﺮ ﻣﻦ ﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﻞ ،ﻳُﺠﻠﺲ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻫﻲ ﻛﻠﻤﺔ دﺧﻴﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. . 2ﻛﻤﺜﺎل ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﺎرب اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺒﺎﻟﻎ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ: وﺟﻮد ﺻﻨﺎﻋﺔ ﻟﻠﻤﺸﻐﻮﻻت اﻟﺴﻌﻔﻴﺔ ﻓﻲ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ وﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﻨﻮﺑﺔ ،ﻋﻨﺪ اﻟﻨﻮﺑﻴﻴﻦ ﻳُﺴﻤﻰ اﻟﺒِﺮش ﺑﺎﻟﻨﺒﺪ وﻳُﻔﺮش ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺮ اﻟﺤﺒﺎل اﻟﻤﺴﻤﻰ اﻟﻌﻨﺠﺮﻳﺐ ﻋﻨﺪﻫﻢ. . 3ﻳﻨﻄﻖ ﻓﻲ اﻟﻠﻬﺠﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ )إﻳﺘﺒﺎي(. . 4ﻳﻮﺟﺪ ﻣﻌﺒﺮ ﻗﺴﻄﻞ /أﺷﻜﻴﺖ ،وﻣﻌﺒﺮ رأس ﺣﺪارﺑﺔ اﻟﻘﺮﻳﺐ ﺟ ًﺪا ﻣﻦ ﺣﻼﻳﺐ ،وﻣﻌﺒﺮ أرﻗﻴﻦ ،وﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻟﻨﻘﻞ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ واﻟﺴﻠﻊ.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
27
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
čǡǝƩǖČ ǣǍ ǛƟǗǖČ įnjLjƵ وﻟﻴﺪ ﻣﻜﻲ
اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ ﺣﻼﻳﺐ ،ﻣﻦ ﺻﺤﺎري ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ وﺟﺒﺎلٍ راﺳﺨﺎت وﺑﺤ ٍﺮ ﻣﻤﺘﺪ وﻣﻔﺘﻮح أﻣﺎم ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﻌﺎﺑﺮة ﻣﻦ اﻟﺸﺮق ﻛﻞ ﺷﻲ ٍء ً ﻗﺎﺑﻼ ﻟﻠﺘﺤﻘﻴﻖ ،ﺣﺘﻰ وإن ﻟﻢ إﻟﻰ اﻟﻐﺮب واﻟﻌﻜﺲ ،ﺟﻌﻠﺖ َ ﺗﻜﻦ ﻣﻜﻮﻧﺎﺗﻪ ﻣﻮﺟﻮدة ﻓﻲ ﻫﺬا اﻹﻗﻠﻴﻢ .ﺧﻴﺮ ﻣﺜﺎلٍ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﻫﻮ ﺣﺮﻓﺔ ﺻﻨﻊ اﻟﻤﺸﻐﻮﻻت اﻟﺴﻌﻔﻴﺔ اﻟﻤﻨﺘﺸﺮة ﺑﺸﺪة ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻷرض. ﻧﺤﻦ ﻧﺤﺘﺎج ﺣﺼﻴ ًﺮا ،ﺳﺠﺎدة ﺻﻼة ،ﻫ ّﻮاﻳﺔ ﻟﻨﺎر اﻟ َﺠ َﺒﻨﺔ ،وإﻧﺎ ًء ﻟﻠﺤﻠﻴﺐ، ﺷﺮط أن ﺗ ُﺼﻨﻊ ﻫﺬه اﻟﻤﺸﻐﻮﻻت ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﻒ! ﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮن ﻟﻨﺎ ذﻟﻚ؟! ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﻓﻲ ﺣﻼﻳﺐ وﻧﻮاﺣﻴﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ زراﻋﺔ ،وﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺳﻌﻒ ﻟﺼﻨﻊ ﻫﺬه اﻟﻤﺸﻐﻮﻻت! –ﺗﺒ ًﻌﺎ ﻟﺬﻟﻚٌ - ﻳﺒﺪأ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﺳﺘﻴﺮاد ﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﻴﻞ ﻣﻦ ﺧﺎرج ﻫﺬه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت زراﻋﻴﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻘﺮار واﻟﺘﻮﻃﻦ ،وﺑﺮﻏﻢ ﺣﺼﻮل اﻷﺧﻴﺮﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﺪﻳﻦ اﻟﻤﺎﺿﻴﻴﻦ إﻻ أن ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻨﻔﻮس ﻻ ﺗﺰال ﻣﺘﻮﻃﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎة اﻟﺒﺪاوة واﻟﺘﺮﺣﺎل ﻓﺘﺮى اﻟﻨﺎس ﻫﻨﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻴﺎﻟﻴﻦ ﻧﺤﻮ اﻟﺰرع واﻟﺒﺬر وﺟﻨﻲ اﻟﺜﻤﺎر .ﻳُﺴﺘﻮرد اﻟﺴﻌﻒ ﻣﻦ اﻟﺴﻮدان اﻟﻘﺮﻳﺐ ﺟ ًﺪا ﺟﻐﺮاﻓﻴًﺎ وﺛﻘﺎﻓﻴًﺎ وﺗﺼﻨﻊ ﻣﻨﻪ ﻫﺬه اﻟﻤﺸﻐﻮﻻت اﻟﺴﺎﺑﻖ ذﻛﺮﻫﺎ. ﻋﻨﺪ ﻣﻬﺎﺗﻔﺘﻨﺎ ﻟﺼﺪﻳﻘﻨﺎ اﻷﺻﻴﻞ "ﻓﻴﺼﻞ اﻟﺒﺸﺎري" ﺣﻮل اﻷﻣﺮ ،ذﻛﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﻌﻒ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ إﻧﻪ اﻟﺒﺪاﻳﺔ أﻧﻪ ﺳﺄل واﻟﺪه ذات ﻣﺮة ﻋﻦ ﻣﺼﺪر ﺴﻌﻒ ﻓﻘﺎﻟﺖ إﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﺨﻴﻞ. ﻣﻦ ﺷﺠﺮ اﻟﺪوم ،ﺛﻢ ﺳﺄل اﻣﺮأة ﻛﺒﻴﺮة اﻟﺴﻦ ﺖ ﻣﺘﺮ ﻧﺤﻮ ﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻮ اﻟﻮاﺣﺪة ﻬ ﻃﻮل ﻮ ﺣﺪة ﺰم ،ﻮ اﻟﺴﻮق ﻋﻠﻰﻰ ﺷﻜﻞﻞ ِﺣﺰﺰم ﻣﻦ ﻮق ﻳﺆﺗﻰ ﺑﺑﻪ ﻦ ﻳﺆ ﻰ وﺳﺘﻴﻦ ﺳﻨﺘﻴﻤﺘ ًﺮاا.
26
ُ ﺳﻌﻒ اﻟﻠﺒﻦ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب
ﺳﺄﻟﺘﻪ :ﻣﺎذا ُﻳﺼﻨﻊ ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ؟ ﻓﺒ ّﻴﻦ ﻟﻲ :إن اﻟﻨﺴﻮة -وﻻ أﺣﺪ ﻏﻴﺮﻫﻦ -ﻳﺄﺗﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﺑﻮﻋﺎء ﻛﺒﻴﺮ، ﻳﻤﻸﻧﻪ ﺑﺎﻟﻤﺎء ،وﻳﻐﻤﺮن ﺣﺰم اﻟﺴﻌﻒ ﻓﻴﻪ ﻟﺘﻄﺮﻳﺘﻪ ﺛﻢ ﺗﻀﻔﻴﺮ اﻟﺤﺰم ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﺛﻼث ﻋﻴﻦ ،أرﺑﻊ ﻋﻴﻦ .واﻟﻌﻴﻦ ﻫﺬه ﺗﻌﻨﻲ ﺣﺠﻢ اﻹﺻﺒﻊ. ﻣﺜﻼ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺣﺠﻢ اﻟﻀﻔﺎﻳﺮ ﻳﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ اﻟﺸﻲء اﻟﻤﺮاد ﺻﻨﻌﻪً . اﻟﻬﻮاﻳﺔ ﺣﺠﻤﻬﺎ ﺻﻐﻴﺮ ،ﺑﺨﻼف اﻟﺒِﺮش ﻳﻜﻮن ﺣﺠﻢ اﻟﻀﻔﻴﺮة أﻛﺒﺮ. اﺳﺘﻮﻗﻔﻨﻲ ذﻛﺮ اﻟﺒِﺮش ﻟﻤﺎ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻦ وﻗﻊٍ ﻋﻠﻰ أذﻧﻲ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﻟﻬﺎ ﻫﻲ )اﻟ ُﺒﺮش( وﺗﻌﻨﻲ اﻷﺧﻴﺮة ﻣﻜﺎن ﻧﻮم اﻟﻤﺴﺎﺟﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﺒﺲ ،وﻫﻲ ﻟﻐ ٌﺔ ﺗ ُﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ أروﻗﺔ اﻟﻤﺤﺎﻛﻢ وأﻗﺴﺎم اﻟﺸﺮﻃﺔ .ﺳﺄﻟﺖ "ﻓﻴﺼﻞ" ﻋﻤﺎذا ﻳﻘﺼﺪ ﺑـ )اﻟﺒِﺮش( ﻓﻘﺎل: إﻧﻪ ﺣﺼﻴﺮ ﻳﺼﻨﻊ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﻒ ،وﻳﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ ﺗﻐﻄﻴﺔ ﻫﻴﻜﻞ اﻟﺨﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻀﺮﺑﻬﺎ اﻟﺒﺪوي ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء).(1 أﻛﻤﻞ "ﻓﻴﺼﻞ" ﺣﺪﻳﺜﻪ ﺑﺸﺄن ﻣﺎ ﻳُﺼﻨﻊ ﺑﺎﻟﺴﻌﻒ: ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ﺗﻀﻔﻴﺮ ﻋﺪد ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﻒ ﻳﻘﻤﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﺑﻔﺮز اﻟﻀﻔﺎﺋﺮ، وﺗﺨﻴﻴﻂ ﻣﺘﻨﺎﺳﺒﺔ اﻟﺤﺠﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎً ﻟﺘﻨﺘﺞ ﻟﻨﺎ اﻟﻬﻮاﻳﺔ، واﻟﺒِﺮش ،واﻟﻤﻌﻼق .واﻟﻤﻌﻼق ﻳُﻮﺿﻊ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺒﻴﺖ ﻗﺮب اﻟﺴﻘﻒ ،وﻳﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ ﺣﻔﻆ اﻷﺷﻴﺎء ﻟﺘﻈﻞ ﺑﺎردة ،ﻛﺄﻧﻪ ﺛﻼﺟﺔ. ﺣﺪﻳﺚُ "ﻓﻴﺼﻞ" ﻋﻦ اﻟﻤﻌﻼق ذﻛﺮﻧﻲ ﺑﻤﺴﻤﻰ آﺧﺮ ﻟﻮﺻﻒ اﻟﻤﻌﻼق ذاﺗﻪ ،ﻳُﺴﺘﺨﺪم ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﻌﻴﺪ ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ ،ﻗﺎل ﻋﻨﻪ أﺑﻲ إﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺴﻤﻰ ﺷُ ّﻨﺎﻃﺔ ،ﻓﺴﺒﺤﺎن ﻣﻦ ﻋ ّﺪد اﻟﻠﻐﺎت ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻤﻴﺎت ذاﺗﻬﺎ! اﻧﺘﺒﺎﻫﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﻴﻠﺖ ﻋﻦ ﺻﻨﻊ إﻧﺎء ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻟﻔﺖ اﻧﺘﺒﺎﻫ ﻟﻠﺒﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﻒ ،ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻫﻨﺎ اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﺤﺎت اﻟﺴﻌﻔﺎت ﻓﻲ ﻫﺬا اﻹﻧﺎء اﻟﻤﺸﻐﻮل ،ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺼﻐﻴﺮة ﻣﺎﺑﻴﻦ اﻟﺴ ﻧﺴﻴﺞ وﻫﻮ ﻴﺞ ﻧﺴﻴﺞ اﻟﺴﻌﻒ ،و ﻮ ﻋﺒﺮ ﻴﺞ اﻟﺤﻠﻴﺐ ﺒﺮ ﺗﺴﺮب ﻴﺐ ﻋﺪم ﺗﺴﺮﺮﺮب ﺿﻤﺎن م
اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،واﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻘﺔ إﺑﺪاع اﻷﺟﺪاد .وﻗﺎم اﻟﻔﻨﺎﻧﻮن ﺑﺎﻟﺸﺮح ﻣﻊ أﻣﻴﻨﺔ اﻟﻤﺘﺤﻒ اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﺸﺮح اﻟﻤﻘﺘﻨﻴﺎت اﻷﺛﺮﻳﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻖ اﻟﻤﺜﻤﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺣﺮﻓﻲ ﺣﻴﺚ ﻗﺎم اﻷﺳﺘﺎذ ﻫﻼل اﻟﺴﻤﺎن ﺑﺸﺮح اﻟﻘﻄﻊ اﻟﻨﺤﺎﺳﻴﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺤﺎج ﻓﺮج ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺸﺮح اﻟﺼﺪف ،واﻟﺤﺎج ﺣﺴﻨﻲ أﺑﻮ زﻳﺪ واﻟﺤﺎج ﻣﺠﺪي اﻟﻌﺪوي ﺗﺤﺪﺛﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺠﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﻤﺸﺮﺑﻴﺎت واﻷﺑﻮاب اﻟﻜﺒﻴﺮة ،وﻛﺬﻟﻚ اﻷﺳﺘﺎذ أﺣﻤﺪ اﻟﻘﺼﺒﺠﻲ ﺷﺮح ﻓﻦ اﻟﺴﻴﺮﻣﺎ وﻛﺴﻮة اﻟﻜﻌﺒﺔ ،واﻟﺤﺎج أﺣﻤﺪ اﻟﻬﺎدي ﻗﺎم ﺑﺸﺮح اﻟﺴﺠﺎد وﺻﻨﺎﻋﺘﻪ ،واﻷﺳﺘﺎذ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﺒﺎﺟﻮري ﻗﺪم ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻋﻤﻞ اﻟﻤﺮاﻛﺐ اﻟﺨﺸﺒﻴﺔ ،وأﺧﻴﺮا ً ﺷﺮح اﻷﺳﺘﺎذ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻌﺸﻤﺎوي ﻓﻦ اﻷوﻳﻤﺔ اﻟﻌﺮﺑﻲ. ﻣﺎ اﻟﻌﻘﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ اﺳﺘﻤﺮار اﻟﻤﺒﺎدرة ؟ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﺔ اﻟﻤﺒﺎدرة ﻗﻴﺎﻣﻲ ﺑﻌﻤﻞ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺑﻤﻔﺮدي ﻣﻦ دون وﺟﻮد ﻓﺮﻳﻖ ﻋﻤﻞ ،وﺑﻤﺠﻬﻮد ﺷﺨﺼﻲ ﺑﺪون أدوات ﻣﺴﺎﻋﺪة ﻛﺄدوات اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻻﺣﺘﺮاﻓﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل .ﻛﺬﻟﻚ ﻋﺪم وﺟﻮد دﻋﻢ ﻣﺎﻟﻲ ﻟﻠﻤﺒﺎدرة ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻓﻰ ﺗﻄﻮﻳﺮﻫﺎ وﻧﺸﺮﻫﺎ ﻓﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ. ﻣﺎ أﻫﻢ اﻟﻤﺸﻜﻼت اﻟﺘﻰ ﺗﻮاﺟﻪ اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ وأرﺑﺎب اﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ؟ ﻋﺪم وﺟﻮد ﻗﻨﺎة ﺗﺴﻮﻳﻘﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻟﻤﻨﺘﺠﺎﺗﻬﻢ ﻟﻠﺮﺑﻂ ﺑﻴﻦ ﻛﻞ اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻋﺪم وﺟﻮد ﺗﺄﻣﻴﻦ ﺻﺤﻲ ،ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻌﻠﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎً أن رأس ﻣﺎل اﻟﺤﺮﻓﻲ ﺻﺤﺘﻪ .ﻛﺬﻟﻚ ﻋﺪم وﺟﻮد ﻧﻘﺎﺑﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﺗﻀﻢ ﻫﺆﻻء اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ وﺗﻮﻓﺮ ﻟﻬﻢ ﻣﻌﺎﺷﺎت ﺗﻘﺎﻋﺪﻳﺔ .ﻣﺸﻜﻠﺔ أﺧﺮى ﻻ ﺗﻘﻞ أﻫﻤﻴﺔ ﻫﻲ ﻋﺪم إﻗﺒﺎل اﻟﺸﺒﺎب ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻠﻢ ﻫﺬه اﻟﺤﺮف ،ﻓﺎﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﺴﻌﻰ ﻟﻠﻤﻜﺴﺐ اﻟﺴﺮﻳﻊ .ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺸﻜﻠﺔ ارﺗﻔﺎع ﺳﻌﺮ اﻟﻤﺎدة اﻟﺨﺎم.
ﻣﺎذا ﻋﻦ اﻟﺸﻖ اﻟﺘﻮﺛﻴﻘﻲ ﻟﻠﻤﺒﺎدرة وﻣﺎ أﻫﻢ آﻟﻴﺎﺗﻪ؟ أﻋﺘﻤﺪ ﻓﻲ اﻟﺘﻮﺛﻴﻖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﺄﻗﻮم ﺑﺘﺴﺠﻴﻞ ﻛﻞ اﻟﻤﺒﺎدرات ﺑﺎﻟﻤﻮﺑﺎﻳﻞ اﻟﺨﺎص ﺑﻲ وأﺣﻴﺎﻧﺎ ﻳﺴﺎﻋﺪﻧﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ،أﻗﻮم ﺑﺘﺼﻮﻳﺮ ﻛﻞ أﺣﺪاث اﻟﻴﻮم ﻣﻦ دﺧﻮل اﻟﻮرﺷﺔ وآﻟﻴﺎت اﻟﻌﻤﻞ ﻟﻜﻞ ﺣﺮﻓﺔ وﻣﺘﺎﺑﻌﺔ اﻟﺸﺒﺎب اﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻮرﺷﺔ واﻟﺮﺑﻂ ﺑﻴﻨﻬﻢ وﺑﻴﻦ اﻟﺤﺮﻓﻲ. ﻫﻞ ﺗﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﻌﻮﻗﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺎﺑﻠﻬﺎ أﺑﻨﺎء اﻟﺤﺮف ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻋﻦ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺎت؟ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺎت اﻟﺒﻌﻴﺪة ﻋﻦ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ،أﻫﻢ اﻟﻤﻌﻮﻗﺎت ﻫﻮ اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ، ﻓﻜﻠﻤﺎ ﺑﻌﺪت اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﻋﻦ اﻟﻘﺎﻫﺮة ازدادت ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺗﻮاﺻﻞ اﻟﺤﺮﻓﻲ ﻣﻊ اﻟﻤﺴﻮﻗﻴﻦ واﻟﺘﺠﺎر ،وزادت اﺣﺘﻤﺎﻻت اﺳﺘﻐﻼﻟﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﺠﺎر. ﺣﺪﺛﺘﺎ ﻋﻦ أﻫﻢ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت واﻟﻤﺮاﻛﺰ واﻟﻜﻴﺎﻧﺎت اﻟﺪاﻋﻤﺔ ﻟﻠﻤﺒﺎدرة ﻓﻲ ﻣﺼﺮ وﺧﺎرﺟﻬﺎ؟ ﻟﻸﺳﻒ ﻟﻢ ﺗﺘﻠﻖ اﻟﻤﺒﺎدرة ﺣﺘﻰ اﻵن أى دﻋﻢ ﻣﻦ أي ﻧﻮع ﺳﻮاء ﻣﺎﻟﻲ أو ﻟﻮﺟﻴﺴﺘﻲ. ﻣﺎذا ﺗﻘﺘﺮح ﻟﺪﻋﻢ وﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ وﺗﺮوﻳﺠﻬﺎ ﻣﺤﻠﻴﺎ وﻋﺎﻟﻤﻴﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺧﺒﺮﺗﻚ؟ أﻗﺘﺮح ﻋﻤﻞ ﻣﻌﺎرض دوﻟﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻟﻠﺤﺮﻓﻴﻴﻦ وﻣﻨﺘﺠﺎﺗﻬﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻨﻈﻢ واﺣﺘﺮاﻓﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ دول اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻛﺬﻟﻚ اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ اﻻﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ واﻟﺬي ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ إﺑﺮاز وإﻇﻬﺎر ﺟﻤﺎﻟﻴﺎت وﻓﻨﻴﺎت وإﺑﺪاع ﻛﻞ ﺣﺮﻓﺔ، وأﺧﻴﺮا ً اﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﻤﺎدي واﻟﻤﻌﻨﻮي ﺑﺎﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ وﺗﻘﺪﻳﻢ ﻛﻞ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺮاﺣﺔ واﻻﻛﺘﻔﺎء واﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ﻟﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻤﺮار
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
25
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
ƠǥƥČƲƣǖČ ġƲƬǖČ ƠǤƜǚƬǖ ĎĖĔƜƟǙ
lƠƸĖǡǖČ Ğ ǭǤz ı اﻟﻘﺎﻫﺮة -راﻧﻴﺎ ﻫﻼل
رﻏﻢ ﺗﺮاﺟﻊ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﺑﻔﻌﻞ اﻹﻫﻤﺎل أﺣﻴﺎﻧﺎً وﺗﻮاﻓﺮ ﻣﻨﺘﺠﺎت أﻗﻞ ﺟﻮدة وﺛﻤﻨﺎً أﺣﻴﺎﻧﺎً ﺗﻈﻞ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﺑﻤﻨﺘﺠﺎﺗﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﺑﺮﻳﻖ ﺧﺎص وروح ﺗﺤﻤﻞ ﻋﺒﻖ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﺠﻤﻴﻞ. ﻓﻰ ﺧﻀﻢ اﻫﺘﻤﺎم ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻤﻨﺎﺷﺪة اﻟﺠﻬﺎت اﻟﻤﺴﺆوﻟﺔ ﻟﻼﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﻤﻬﻦ واﻟﺤﺮف اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻧﺮى وﻣﻴﻀً ﺎ ﻛﻞ ﻓﺘﺮة ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺻﻮرة ﻣﺒﺎدرة ﺷﺒﺎﺑﻴﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﺎﻟﺘﺮاث واﻟﺤﺮف اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ وﺗﺤﺎول أن ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻴﻬﺎ .ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻤﺒﺎدرات اﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮت ﻣﺆﺧﺮا ﻣﺒﺎدرة "ﻳﻼ ع اﻟﻮرﺷﺔ" واﻟﺘﻲ أﺳﺴﻬﺎ اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻟﻤﺼﺮي ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻛﺎﻣﻞ ،ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ. • ﻛﻴﻒ ﺟﺎءﺗﻚ ﻓﻜﺮة اﻟﻤﺒﺎدرة؟ ﺑﺪأت اﻟﻔﻜﺮة ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﻗﻮم ﺑﺘﺴﺠﻴﻞ وﺗﻮﺛﻴﻖ ﻛﻞ ﺗﺮاث ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺪرب اﻷﺣﻤﺮ ﻣﻦ آﺛﺎر وﻓﻨﻮن وﺣﺮف وﻋﺎدات وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ ،وﻛﻨﺖ أﺳﺠﻞ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄت ﻓﻴﻬﺎ وﻋﺸﻘﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻗﻠﺒﻲ ،ﻓﻼﺣﻈﺖ أن ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺮف ﺑﺪأت ﺗﺨﺘﻔﻲ ،واﻟﻮرش ﺑﺪأت ﺗ ُﻐﻠﻖ أﺑﻮاﺑﻬﺎ ﻓﺸﻌﺮت ﺑﺎﻟﺨﻮف ﻋﻠﻰ ﺗﺮاث ﻣﻨﻄﻘﺘﻲ وﺑﻠﺪي أن ﻳﺨﺘﻔﻲ ﻓﻔﻜﺮت ﺑﺘﺪﺷﻴﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺒﺎدرة ﺣﺘﻰ أﺳﺎﻋﺪ اﻟﺸﺒﺎب ﻓﻲ اﻣﺘﻬﺎن ﺣﺮﻓﺔ وﺗﺸﺠﻴﻌﻬﻢ وﺗﻌﺮﻳﻔﻬﻢ ﺑﺘﺮاث ﺑﻠﺪﻫﻢ ﻣﻨﺬ ﻋﻬﺪ اﻟﻤﺼﺮي اﻟﻘﺪﻳﻢ وﻋﺼﺮ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻷﺳﺮات ﺣﺘﻰ اﻵن .وﻗﺼﺪت ﻣﻦ وراء ﻫﺬه اﻟﻤﺒﺎدرة أﻳﻀﺎً ﺧﻠﻖ ﻓﺮص ﻋﻤﻞ ﻟﻠﺸﺒﺎب ،واﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ ﻋﻼج أزﻣﺔ اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ،ﺑﻤﺎ ﻳﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﺤﺮﻳﻚ اﻟﺴﻮق اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺳﻴﻜﻮن ﻷرﺑﺎب اﻟﺤﺮف دور ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﻧﺸﺮ ﻓﻨﻬﻢ واﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻨﻪ ﻣﺎدﻳﺎً ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺗﺒﺎدل ﻣﻬﺎرات ﺑﻴﻦ اﻟﺤﺮﻓﻲ واﻟﻤﺘﺪرب. ﻣﺎ اﻟﺨﻄﻮات اﻟﺘﻲ اﺗﺒﻌﺘﻬﺎ ﻟﺘﺪﺷﻴﻦ اﻟﻤﺒﺎردة؟ ﺑﺪأت ﺧﻄﻮاﺗﻲ ﺑﻌﻤﻞ ورﺷﺔ ﺗﺪرﻳﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺨﻴﺎﻣﻴﺔ وﺗﺤﺪﻳﺪا ً ورﺷﺔ أﺣﻤﺪ ﺟﻤﻌﺔ وزوﺟﺘﻪ ﺷﻴﻤﺎء ﺣﻤﺪون ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺴﻴﺪات ﻓﻦ وﺣﺮﻓﺔ اﻟﺨﻴﺎﻣﻴﺔ ،وﻗﻤﺖ ﺑﻌﻤﻞ اﻟﻮرﺷﺔ داﺧﻞ ﻣﻘﺮ اﻟﻮرﺷﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ إﻳﻤﺎﻧﺎ ﺑﺄن اﻟﺤﺮف اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﺘﻢ ﺗﻌﻠﻤﻬﺎ داﺧﻞ اﻟﻮرﺷﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻌﺮف اﻟﻤﺘﺪرب ﻋﻠﻰ أﺻﻮل اﻟﺤﺮﻓﺔ وآداﺑﻬﺎ وﺟﻠﺴﺘﻬﺎ وﻋﺎداﺗﻬﺎ
24
"ﻳ ّﻠﺎ ع اﻟﻮرﺷﺔ"
وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻫﺎ وﻟﻐﺘﻬﺎ وﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﺗﺴﻮﻳﻖ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت. وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻗﻤﺖ ﺑﻌﻤﻞ ورﺷﺔ اﻟﺘﻄﻌﻴﻢ ﺑﺎﻟﺼﺪف ﻓﻲ ورﺷﺔ اﻟﻔﻨﺎن إﻳﻬﺎب ﻋﺒﺪه ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺪرب اﻷﺣﻤﺮ ،وﻧﺠﺤﺖ ﻧﺠﺎﺣﺎً ﻛﺒﻴﺮا ً ﻓﻲ ﺟﺬب اﻟﺸﺒﺎب وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻤﺪة ﻳﻮم واﺣﺪ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻌﺮف اﻟﺸﺒﺎب ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮﻓﺔ وﺧﻄﻮاﺗﻬﺎ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ أﻣﺎم أﻋﻴﻨﻬﻢ ،وﺻﺎﺣﺐ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ﻣﻌﺮض ﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﻮرﺷﺔ وﺑﺬﻟﻚ ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﺗﺤﻘﻖ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻫﺪف ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺰﻳﺎرة أوﻟﻬﺎ ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻟﺸﺒﺎب ﺑﺎﻟﺤﺮﻓﺔ واﻟﻬﺪف اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻫﻮ ﻣﻌﺮض ﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﻮرﺷﺔ. ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﻃﻠﻘﺖ اﻟﻤﺒﺎدرة ﺑﺒﻴﺖ اﻟﺴﻨﺎري اﻷﺛﺮي وﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻣﻌﺮض ﻟﻔﻨﻮن اﻟﻨﺤﺎس وﺟﻤﻌﺖ ﺷﻴﻮخ اﻟﺤﺮف اﻟﻜﺒﺎر ﻓﻲ أﺷﻐﺎل اﻟﻨﺤﺎس، وﻫﻢ اﻟﻔﻨﺎن ﻫﻼل اﻟﺴﻤﺎن ،واﻟﺸﻴﺦ ﺑﻴﻮﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﻘﺶ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﺎس، واﻟﺤﺎج ﺣﺴﻴﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻘﺼﻮد وﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﻓﻲ ﺗﻜﻔﻴﺖ اﻟﻨﺤﺎس .وﻗﻤﺖ ﺑﻌﻤﻞ ﻣﺤﺎﺿﺮة ﻋﻦ ﺣﺮﻓﺔ اﻟﻨﺤﺎس ﻋﺒﺮ اﻟﻌﺼﻮر ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم وﻛﺬﻟﻚ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﻓﻴﺪﻳﻮﻫﺎﺗﻲ اﻟﺘﻲ أﺳﺠﻠﻬﺎ ﻟﻠﺤﺮﻓﻴﻴﻦ داﺧﻞ اﻟﻮرش .ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺒﺎدرة ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﺔ "ﻋﺒﺪ اﻟﻈﺎﻫﺮ" وﻓﻦ ﺗﺠﻠﻴﺪ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ وﻛﺎن ﻳﻮﻣﺎً واﺣﺪا ً ﻳﺼﺎﺣﺒﻪ ﻣﻌﺮض ﻟﻌﺮض اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت .وﺣﻀﺮه اﻟﻤﺘﺨﺼﺼﻮن ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل ﻹﻟﻘﺎء ﻛﻠﻤﺔ ﺗﻌﺮﻳﻔﻴﺔ ﺑﺎﻟﻮرﺷﺔ وﺑﻔﻦ ﺗﺠﻠﻴﺪ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ واﻟﺘﺬﻫﻴﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ. ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻗﻤﺖ ﺑﻌﻤﻞ زﻳﺎرة ﻟﻮرﺷﺔ اﻟﺤﺎج ﺣﺴﻦ ﻫﺪﻫﺪ ﻟﻠﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ أﺳﺮار اﻟﻨﻔﺦ ﻓﻲ اﻟﺰﺟﺎج وﻛﻴﻔﻴﺔ ﻋﻤﻞ اﻟﺰﺟﺎج اﻟﻤﻨﻔﻮج وﻗﻤﻨﺎ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ ﻣﻌﺮض أﻳﻀﺎ ﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺰﺟﺎج .ﻛﻤﺎ ﻗﺎم أﻋﻀﺎء اﻟﻤﺒﺎدرة ﺑﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﺰﻳﺎرات اﻟﻤﻴﺪاﻧﻴﺔ ﻟﻠﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ أﻟﻮان ﻣﻦ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻣﻨﻬﺎ زﻳﺎرة أﺗﻴﻠﻴﺔ ﻋﺘﻴﻖ ﺑﺎﻟﺰﻣﺎﻟﻚ ﻟﻠﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ أﺳﺮار ﻓﻦ ﺣﺮق اﻟﺨﺸﺐ ،وﺷﺮﻓﻨﺎ ﺑﺰﻳﺎرة ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻤﻨﺼﻮرة ﻟﻮرش اﻟﻘﺎﻫﺮة اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﺑﻘﻴﺎدة اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻄﻴﻒ وﻗﻤﻨﺎ ﺑﺘﻌﺮﻳﻒ اﻟﺸﺒﺎب ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻮرش ﺑﻔﻨﻮﻧﻬﺎ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ وﻣﺸﺎﻳﺦ اﻟﺤﺮف اﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ. ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ أﻫﻢ اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻗﻤﺘﻢ ﺑﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﺑﺪء اﻟﻤﺒﺎدرة وﺣﺘﻰ اﻵن؟ ﻗﻤﻨﺎ ﺑﻌﻤﻞ رﺣﻠﺔ ﻫﻲ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻬﺎ ﻟﻠﺤﺮﻓﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﺣﻴﺚ إﻧﻨﺎ ﺟﻤﻌﻨﺎ ﻋﺸﺮة ﺣﺮﻓﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ واﻟﺘﻘﻴﻨﺎ ﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﺘﺤﻒ اﻟﻔﻦ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺣﺘﻰ ﻳﺸﺮﺣﻮا ﻟﺒﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎً اﻟﻨﻘﺎط اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ واﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺘﻲ ﻃﺮأت ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻬﻨﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻤﻘﺘﻨﻴﺎت اﻷﺛﺮﻳﺔ
وﺑﻤﺸﺎرﻛﺔ 10ﻣﺼﻤﻤﻴﻦ ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات وإﻳﻄﺎﻟﻴﺎ وإﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﺮﻓﻴﺎت اﻟﻤﻨﺘﺴﺒﺎت ﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ "ﺑﺪوة" ،وﻳﻌﻤﻞ اﻟﻤﺼﻤﻤﻮن ﻣﻦ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ،ﻣﻊ ﺣﺮﻓﻴﺎت "ﺑﺪوة" ،ﻟﺘﻄﻮﻳﺮ ﺗﻘﻨﻴﺎت ﺟﺪﻳﺪة ﻓﻲ ﺣﺮف "اﻟﺘﻠﻲ" و"اﻟﺴﻔﻴﻔﺔ" ،وﺗﺤﺪﻳﺜﻬﺎ وإدﻣﺎﺟﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺼﺎﻣﻴﻢ اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺎت اﻷرﺑﻊ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ ﺳﺘﺔ ﻣﺼﻤﻤﻴﻦ ﻣﻦ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ وإﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ،ﻟﻮرا ﺑﻼﺳﻜﻮ وﺧﻮاﻣﻲ ﺧﻮارﻳﺰ وأﻟﻴﻜﺲ اﺳﺘﻴﻔﻴﺰ ﻣﻦ "ﻣﻴﺮﻣﻴﻼدا اﺳﺘﻮدﻳﻮ" ﻓﻲ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ،وﺑﻴﺒﺎ رﻳﻔﻴﺮ ﺗﺮ ﻣﻦ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﺔ ،وأدرﻳﺎن ﺳﻠﻔﺎدور ﻣﻦ ﻓﺎﻟﻨﺴﻴﺎ اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ،وﻣﺎ ﺗﻴﻮ ﺳﻴﻠﻔﻴﺮﻳﻮ ﻣﻦ ﻓﻴﻨﻴﺴﻴﺎ اﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ * ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ: .1أﻳﺎد ﻧﺎﻋﻤﺔ ﻳﻌﺪن أﻣﺠﺎد اﻟﺤﺮف اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﺒﻬﻴﺔ ،ﺻﺤﻴﻔﺔ اﻻﺗﺤﺎد، 16ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ .2018 .2ﻧﺎﻋﻤﺔ اﻟﻤﻨﺼﻮري :ﻣﺸﺮوع "اﻟﻐﺪﻳﺮ" إﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺟﻮﻫﺮه وﺗﺮاﺛﻲ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮة ،اﻻﺗﺤﺎد 14ﻳﻨﺎﻳﺮ .2010 اﻻﺗﺤﺎد.23/7/2016 ، . .3ﺑﻴﺖ اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ "ﻳﺴﺘﻌﻴﺪ زﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎرات" ،ﺻﺤﻴﻔﺔ اﻻﺗﺤﺎد، .10إرﺛﻲ ﻳﻌﺮض 50ﺗﺼﻤﻴﻤﺎ ً أﻣﺎم 3500ﻋﻼﻣﺔ ﺑﺒﺎرﻳﺲ ،ﺻﺤﻴﻔﺔ 11ﻳﻨﺎﻳﺮ .2019 اﻟﺨﻠﻴﺞ 28ﻓﺒﺮاﻳﺮ 2018 .4ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺗﺪرﻳﺒﻲ ﻟﺜﻼﺛﺔ أﺷﻬﺮ ﻓﻲ "ﺑﻴﺖ اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ" ،ﺻﺤﻴﻔﺔ .11اﻟﻤﻮﻗﻊ اﻟﺮﺳﻤﻲ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﻟﻤﺆﺳﺴﺔ ﻧﻤﺎء ﻟﻼرﺗﻘﺎء ﺑﺎﻟﻤﺮأة: اﻟﺨﻠﻴﺞ 11 ،ﻳﻨﺎﻳﺮ .2019 "https://namawomen.ae/ar/affiliates-ar/" https:// .5ﺻﺤﻴﻔﺔ اﻻﺗﺤﺎد 8اﺑﺮﻳﻞ 2011 /namawomen.ae/ar/affiliates-ar .6ﺻﺤﻴﻔﺔ اﻟﺨﻠﻴﺞ 2012 /11 /20 .7ﺻﻨﺪوق ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻟﻠﻤﺸﺎرﻳﻊ إﺑﺪاع ﻓﻲ دﻋﻢ أﻋﻤﺎل اﻟﺸﺒﺎب .12 ،ﻣﻮﻗﻊ ﺻﻮﻏﺔ اﻟﺮﺳﻤﻲ اﻻﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ/https://sougha.ae : .13اﻟﻤﻮﻗﻊ اﻟﺮﺳﻤﻲ اﻻﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﻐﺪﻳﺮ ﻟﻠﺤﺮف ﺻﺤﻴﻔﺔ اﻟﺨﻠﻴﺞ.4/1/2014 ، اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔhttps://alghadeeruaecrafts.ae/" https://" : .8ﺻﺤﻴﻔﺔ اﻻﺗﺤﺎد ،اﻟﺼﺎدرة ﻓﻲ 2019 /16/4 ./alghadeeruaecrafts.ae .9ﻣﺠﻠﺲ "إرﺛــﻲ" ﺳﻔﻴﺮ اﻹﻣــﺎرات ﻟﻠﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ،ﺻﺤﻴﻔﺔ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
23
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
اﺳﺘﺨﺪم ﻓﻲ ﺗﺼﻤﻴﻤﻬﺎ ﺗﻄﺮﻳﺰ "اﻟﺘﻠﻲ" أﺑﺪﻋﺘﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻓﻴﺎت اﻹﻣﺎراﺗﻴﺎت .ﻛﻤﺎ ﻧﻈﻢ اﻟﻤﺠﻠﺲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷزﻳﺎء اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة واﻟﻌﺒﺎءات اﻟﺨﻠﻴﺠﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﻓﻲ ﺗﺼﻤﻴﻤﻬﺎ ﺗﻄﺮﻳﺰ "اﻟﺘﻠﻲ" ﺧﻼل أﺳﺒﻮع اﻟﻤﻮﺿﺔ "أﻟﺘﺎ روﻣﺎ" واﻟﺬي أﻗﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ روﻣﺎ ﻋﺎم .2016ﻛﻤﺎ ﻧﺠﺢ ﻣﺠﻠﺲ "إرﺛﻲ" ﻓﻲ إدﺧﺎل ﺗﻄﺮﻳﺰ "اﻟﺘﻠﻲ" ﺿﻤﻦ ﺗﺼﻤﻴﻢ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﺐ اﻟﻴﺪ اﻟﻔﺎﺧﺮة ﻣﻦ "آﺳﺒﺮي ﻟﻨﺪن" اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪ واﺣﺪة ﻣﻦ أﺷﻬﺮ ﻋﻼﻣﺎت اﻟﻤﻮﺿﺔ اﻟﻔﺎﺧﺮة ﻓﻲ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،ﻓﻲ ﺣﻴﻦ أﺧﺬت ﻣﺼﻤﻤﺎت إﻣﺎراﺗﻴﺎت ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﺎً ﻟﻠﺘﺪرﻳﺐ ﻳﺘﻢ ﺗﻨﻈﻴﻤﻪ ﺑﺎﻻﺷﺘﺮاك ﻣﻊ ﻛﻠﻴﺔ ﻟﻨﺪن ﻟﻸزﻳﺎء ذات اﻟﺸﻬﺮة اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ. اﻟﻤﻌﺮض اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ ﺑﺎﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ
اﺧﺘﺎرت اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺑﺎرﻳﺲ "إرﺛﻲ" ﻟﻌﺮض "اﻟﺘﻠﻲ" أﻣﺎم 3500 ﻋﻼﻣﺔ أزﻳﺎء ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ،ﺧﻼل اﻟﻤﻌﺮض اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ اﻟﺤﺼﺮي اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ ﺑﺎﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ،Maison D’Exceptions ،ﺿﻤﻦ ﻗﺎﺋﻤﺔ 25ﻣﺆﺳﺴﺔ وورﺷﺔ ﻓﻨﻴﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﻣﺘﺨﺼﺼﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ وﺗﻘﻨﻴﺎﺗﻬﺎ ،ﺗﻌﺮض ﻣﻨﺘﺠﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﺎرﻳﺲ ﺧﻼل اﻟﻔﺘﺮة ﻣﻦ 12-14 إرﺛﻲ
ﻓﺒﺮاﻳﺮ .2019وﺗﻌﺪ ﻣﺸﺎرﻛﺔ "إرﺛﻲ" ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ،اﻟﺤﻀﻮر اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻮﺣﻴﺪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﺿﺮة ﺑﻘﻮة ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﻟﻌﺮض اﻟﺤﺮف اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ أﻣﺎم ﻛﺒﺮى اﻟﻌﻼﻣﺎت اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻷزﻳﺎء ،وﺑﺮزت ﺟﻤﺎل وﻋﺮاﻗﺔ اﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ، واﻟﺘﻲ ﻣﺜﻠﺖ ﺧﻄﻮة ﻣﻬﻤﺔ ﻟﺪﻋﻢ اﻟﺤﺮﻓﻴﺎت اﻹﻣﺎراﺗﻴﺎت وﻓﺘﺢ آﻓﺎق ﺟﺪﻳﺪة أﻣﺎﻣﻬﻦ ﻹﻳﺠﺎد أﺳﻮاق ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻤﻨﺘﺠﺎﺗﻬﻦ ،وﻋﺮﺿﺖ "إرﺛﻲ" 50ﺗﺼﻤﻴﻤﺎً ﻣﻦ ﺣﺮﻓﺔ "اﻟﺘﻠﻲ" اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ واﻟﺘﻲ ﻋﻤﻞ اﻟﻤﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮﻳﺮﻫﺎ وأﺑﺪﻋﺘﻬﺎ اﻟﺤﺮﻓﻴﺎت اﻹﻣﺎراﺗﻴﺎت .وﻳﺄﺗﻲ ﻣﻌﺮض Maison D’Exceptionsﺿﻤﻦ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﻣﻌﺮض اﻷﻗﻤﺸﺔ وﻣﻨﺘﺠﺎت اﻷزﻳﺎء Premiere Visionاﻟﺬي ﻳﻀﻢ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺰود ﻗﻄﺎع اﻷزﻳﺎء ﺑﺎﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﻴﺔ واﻟﺨﺪﻣﺎت وذﻟﻚ ﺿﻤﻦ ﺳﺘﺔ أﻗﺴﺎم ﻣﺨﺼﺼﺔ ﻟﻠﺨﻴﻮط واﻷﻗﻤﺸﺔ ،واﻟﺠﻠﻮد ،واﻹﻛﺴﺴﻮارات، واﻟﺘﺼﻤﻴﻢ ،واﻟﺘﺼﻨﻴﻊ .وﻗﺪ ﺑﺪأ ﺗﻨﻈﻴﻤﻪ ﺑﺸﻜﻞ ﺳﻨﻮي ﻣﻨﺬ ﻋﺎم 2011 ﻓﻲ ﺑﺎرﻳﺲ اﺣﺘﻔﺎء ﺑﺎﻟﺤﺮف اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺨﺘﺎر ﻛﻞ ﻋﺎم ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺣﺼﺮﻳﺔ ﻣﻦ ورش اﻟﻌﻤﻞ واﻟﺸﺮﻛﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻣﻬﻤﺘﻬﺎ ﻓﻲ دﻋﻢ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ واﻟﺸﻌﺒﻴﺔ وﺗﻄﻮﻳﺮ ﺗﻘﻨﻴﺎﺗﻬﺎ .وﻳﺴﺘﻨﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ اﻻﺑﺘﻜﺎر اﻟﺘﻘﻨﻲ ،واﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ ،واﻟﺼﻨﻌﺔ اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ ﻛﺄدوات ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻹﺑﺪاع واﻟﺘﻤﻴﺰ ﻣﺎ ﻳﺸﻜﻞ أﻫﻤﻴﺔ اﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ وﺗﺠﺎرﻳﺔ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﻤﻮﺿﺔ اﻟﻴﻮم. اﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ ﻣﺆﺳﺴﺔ "ﻛﺮﻳﺘﻴﻒ دﻳﺎﻟﻮغ" ﻓﻲ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ
ﻓﻲ ﻋﺎم 2019ﺑﺪأ ﻣﺠﻠﺲ "إرﺛﻲ" ﺑﻤﺮﺣﻠﺔ اﻹﻧﺘﺎج ﻟﻤﺸﺮوﻋﻪ "ﺣﻮار اﻟﺤﺮف" ،اﻟﺬي ﻳﺠﻤﻊ ﺣﺮف اﻟﺘﻠﻲ واﻟﺴﻔﻴﻔﺔ واﻟﻔﺨﺎر اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ﺑﺎﻟﺠﻠﻮد اﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ وزﺟﺎج ﻣﻮراﻧﻮ اﻹﻳﻄﺎﻟﻲ .وﻳﺄﺗﻲ اﻟﻤﺸﺮوع ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ ﻣﺆﺳﺴﺔ "ﻛﺮﻳﺘﻴﻒ دﻳﺎﻟﻮغ" اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺨﺬ ﻣﻦ ﺑﺮﺷﻠﻮﻧﻪ ﻣﻘﺮا ً ﻟﻬﺎ،
22
ﻣﺸﺎرﻳﻊ »ﺻﻮﻏﺔ« و»اﻟﻐﺪﻳﺮ« و»إرﺛﻲ«
اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺒﺎرزة ﻓﻲ ﺳﻮق اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﺮاﻗﻴﺔ .ﻛﻤﺎ ﻳﻌﻤﻞ اﻟﻤﺠﻠﺲ ﻣﻊ أﺷﻬﺮ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت واﻟﻌﻼﻣﺎت اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺮاﺋﺪة ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ واﻷزﻳﺎء ﻣﻦ ﺧﻼل دﻣﺞ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ وإﺗﺎﺣﺔ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ ﻟﻠﻤﺮأة ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺘﺠﺮ إﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ وﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻨﻔﺬ اﻟﺒﻴﻊ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻠﺲ ﻓﻲ "ﺑﻴﺖ إرﺛﻲ" إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﺮوﻳﺞ
وﺗﺴﻮﻳﻖ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ وﻣﻨﺘﺠﺎت اﻟﻤﺮأة اﻟﺤﺮﻓﻴﺎت ﻋﺎﻟﻤﻴﺎً وﺗﻘﺪﻳﻢ ﻛﻞ أﺷﻜﺎل اﻟﺪﻋﻢ ﻟﻬﻦ .وﻗﺪ ﺣﻘﻖ اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﺎزات ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل وﻣﻦ ﺿﻤﻨﻬﺎ اﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ اﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ، إﺣﺪى أﺷﻬﺮ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺎت اﻟﻤﺘﺨﺼﺼﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ واﻷزﻳﺎء ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻗﺪﻣﺖ "إرﺛﻲ" ﻋﺮﺿﺎً ﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷزﻳﺎء اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة اﻟﺘﻲ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
21
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
أﺣﺪ ﻧﺎﺗﺞ ﺗﻌﺎون إرﺛﻲ ﻣﻊ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ أوول ﺛﻴﻨﻐﺰ ﻣﻮﺟﻲ
اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ واﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﺈﺑﺪاﻋﺎﺗﻬﺎ وﺗﺴﻮﻳﻖ ﻣﻨﺘﺠﺎﺗﻬﺎ داﺧﻞ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة وﺧﺎرﺟﻬﺎ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻬﻮض ﺑﺎﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ وﻣﺴﺎﻋﺪة اﻟﻤﺮأة ﻋﻠﻰ إدﺧﺎل ودﻣﺞ اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ واﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﻓﺘﺢ أﺳﻮاق ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻤﻨﺘﺠﺎﺗﻬﺎ .واﻟﺠﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ ،اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻧﻤﺎء ﻟﻼرﺗﻘﺎء ﺑﺎﻟﻤﺮأة ﻓﻲ دﻳﺴﻤﺒﺮ ،2015ﺑﻤﻮﺟﺐ ﻣﺮﺳﻮم أﻣﻴﺮي أﺻﺪره ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻘﺎﺳﻤﻲ ،ﻋﻀﻮ اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻷﻋﻠﻰ ﺣﺎﻛﻢ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ،وﺗﺘﺮأﺳﻬﺎ ﻗﺮﻳﻨﺘﻪ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺨﺔ ﺟﻮاﻫﺮ اﻟﻘﺎﺳﻤﻲ ،وﺗﺮﺗﻜﺰ
ﻫﺬه اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻌﻴﻞ دور اﻟﻤﺮأة واﻻرﺗﻘﺎء واﻟﻨﻬﻮض ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﻄﺎﻋﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻟﻤﻬﻨﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻗﻄﺎﻋﺎت أﺧﺮى ،ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻣﻮردا ً ﺑﺸﺮﻳﺎً ﻣﻬﻤﺎً ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻻﺳﺘﻐﻨﺎء ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻣﺴﻴﺮة اﻟﺘﻘﺪم واﻟﻨﻤﺎء .وﺗﺴﻌﻰ ﻧﻤﺎء إﻟﻰ اﻻﻧﺘﻘﺎل ﻣﻦ ﻣﺮﺣﻠﺔ دﻋﻢ اﻟﻤﺮأة وﺗﻤﻜﻴﻨﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻻرﺗﻘﺎء ﺑﻬﺎ وﻣﻨﺤﻬﺎ دورﻫﺎ ﻛﻌﻀﻮ ﻓﺎﻋﻞ وأﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،وﺗﻤﻜﻴﻨﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ أﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮاﺗﺐ واﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎت. وﺗﻨﺪرج ﺗﺤﺖ ﻣﻈﻠﺔ "ﻧﻤﺎء" ﺛﻼث ﻣﺆﺳﺴﺎت وﻫﻲ :ﻣﺠﻠﺲ ﺳﻴﺪات أﻋﻤﺎل اﻟﺸﺎرﻗﺔ ،ﻣﺠﻠﺲ إرﺛﻲ ﻟﻠﺤﺮف اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ،وأﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ ﺑﺎدري ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ وﺑﻨﺎء اﻟﻘﺪرات. "ﺑﺪوة" و"أزﻳﺎﻣﻲ" و"ﺣﺮﻓﺘﻲ"
وﻋﻦ ﺑﺮاﻣﺞ ﻣﺠﻠﺲ "إرﺛﻲ" وﻣﺒﺎدراﺗﻪ اﻟﻤﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻄﻮﻳﺮ أﻋﻤﺎل اﻟﺤﺮﻓﻴﺎت وﺗﺴﻮﻳﻘﻬﺎ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﻔﻌﻴﻞ واﻻرﺗﻘﺎء ﺑﺪور اﻟﻤﺮأة وﺗﻌﺰﻳﺰ ﻓﺮﺻﺔ ﻣﺸﺎرﻛﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﻄﺎﻋﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻟﻤﻬﻨﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ: ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ "ﺑﺪوة" وﻫﻮ ﻣﺮﻛﺰ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﺎﻟﺤﺮﻓﻴﺎت ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ دﺑﺎ اﻟﺤﺼﻦ ﺑﺎﻟﺸﺎرﻗﺔ ،وﺑﺮﻧﺎﻣﺞ "أزﻳﺎﻣﻲ" ،وﻫﻮ أزﻳﺎء ﻣﺪل اﻳﺴﺖ ،وﺑﺮﻧﺎﻣﺞ "ﺣﺮﻓﺘﻲ" اﻟﻤﺨﺼﺺ ﻟﻸﻃﻔﺎل ﻣﻦ ﻋﻤﺮ 6ﺳﻨﻮات إﻟﻰ 18ﺳﻨﺔ. وﻳﻌﻤﻞ ﻣﺠﻠﺲ "إرﺛﻲ" ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺪﻋﻢ ﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﻤﺮأة ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻊ اﻟﻤﻌﻨﻴﻴﻦ وأﺻﺤﺎب اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ وﺻﻨﺎع اﻟﻘﺮار ﻓﻲ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ وﺷﻤﺎل أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ وﺟﻨﻮب ﺷﺮق آﺳﻴﺎ وآﺳﻴﺎ اﻟﻮﺳﻄﻰ. وﻳﺴﻌﻰ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﻠﺲ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺮﻛﺰ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﻪ "ﺑﺪوة" إﻟﻰ إﺣﻴﺎء ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ وﺗﻄﻮﻳﺮﻫﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ دﻣﺞ اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة وﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ وﺻﻘﻞ ﻣﻬﺎرات اﻟﺤﺮﻓﻴﺎت ﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺗﻬﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻣﻨﺘﺠﺎت وﺗﺼﺎﻣﻴﻢ ﻣﺒﺘﻜﺮة ﺗﻨﺎﻓﺲ اﻟﻌﻼﻣﺎت 20
ﻣﺸﺎرﻳﻊ »ﺻﻮﻏﺔ« و»اﻟﻐﺪﻳﺮ« و»إرﺛﻲ«
أﻫﻢ اﻟﻮرش اﻟﺘﺪرﻳﺒﻴﺔ
ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻮرش اﻟﺘﺪرﻳﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﺘﻬﺎ "ﺻﻮﻏﺔ" ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات اﻷﺧﻴﺮة، ورﺷﺔ ﺗﺪرﻳﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻣﻨﺘﺞ اﻟﺴﺪو واﻟﺠﻠﺪ ﻣﻊ ﻣﺼﻤﻤﺔ اﻟﺠﻠﻮد ﻋﺰرا ﻣﻦ ﻛﻨﺪا اﻟﺘﻲ ﻣﻜﻨﺖ اﻟﺤﺮﻓﻴﺎت ﻣﻦ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻣﻨﺘﺞ ﺟﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﺪو واﻟﺠﻠﺪ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻬﺘﻢ "ﺻﻮﻏﺔ" ﺑﻌﻘﺪ دورات ﺗﺪرﻳﺒﻴﺔ وﺑﺸﻜﻞ ﻣﺴﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﻧﺴﻴﺞ اﻟﺴﺪو وﺧﻴﺎﻃﺔ ﻣﻨﺘﺠﺎت اﻟﺴﺪو ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ ﻣﻦ إﻣﺎرة أﺑﻮﻇﺒﻲ ،وﻧﻈﻤﺖ ورﺷﺘﻴﻦ ﺗﻮﻋﻮﻳﺘﻴﻦ ﻋﻦ آﻟﻴﺔ ﺗﺴﻌﻴﺮ اﻟﻤﻨﺘﺞ. ﺻﻨﺎﻋﺔ ﻣﻨﺘﺠﺎت "اﻟﺨﻮص"
ﺗﺤﻈﻰ أﻋﻤﺎل "اﻟﺨﻮص" واﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺠﻬﺎ ﺣﺮﻓﻴﺎت "ﺻﻮﻏﺔ" ﺑﺈﻗﺒﺎل ﻛﺒﻴﺮ ،ﺿﻤﻦ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﺴﻨﻮي ﻓﻲ اﻟﻈﻔﺮة ﺑﺈﻣﺎرة أﺑﻮﻇﺒﻲ "ﻣﺰاﻳﻨﺔ اﻟﺮﻃﺐ" ،وﺗﺸﺎرك "ﺻﻮﻏﺔ" ﺑﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺴﻼل ﻟﻠﺮﻃﺐ ،وﻋﻠﺐ اﻟﻬﺪاﻳﺎ ﺑﺄﺷﻜﺎل وأﺳﺎﻟﻴﺐ ﻣﺒﺪﻋﺔ ﻣﻦ ﺧﻮص اﻟﻨﺨﻴﻞ. ﻛﻤﺎ أن ﻋﻠﺐ اﻟﻬﺪاﻳﺎ واﻟﺴﻼل اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻮص ﻣﻄﻠﻮﺑﺔ وﺑﻘﻮة ﻓﻲ اﻟﺴﻮق اﻟﻤﺤﻠﻲ وأﺳﻮاق اﻟﺨﻠﻴﺞ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺼﻨﻊ ﺣﺮﻓﻴﺎت "ﺻﻮﻏﺔ" ﻣﻦ ﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﻴﻞ اﻷﻃﺒﺎق وأواﻧﻲ ﺣﻔﻆ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺤﺼﺮ واﻟﻤﻜﺎﻧﺲ وﺗﻔﺘﻞ ﻣﻦ أﻟﻴﺎف ﺳﺎﻗﻪ اﻟﺤﺒﺎل. ﺻﻮﻏﺔ واﻟﺴﻮق اﻟﺤﺮة
ﻓﻲ ﻋﺎم 2011وﻗﻌﺖ "اﻻﺗﺤﺎد ﻟﻠﻄﻴﺮان" اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺷﺮاﻛﺔ ﻣﻊ ﻣﺸﺮوع "ﺻﻮﻏﺔ" ﻟﻸﻋﻤﺎل اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ؛ ﻟﻠﺘﺮوﻳﺞ ﻟﻸﻋﻤﺎل اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ اﻟﻨﺴﻮﻳﺔ وﺗﺴﻮﻳﻘﻬﺎ داﺧﻞ اﻟﺪوﻟﺔ وﺧﺎرﺟﻬﺎ وﻋﻠﻰ ﻣﺘﻦ رﺣﻼﺗﻬﺎ ﻟﻠﻄﻴﺮان .وﻫﺬه
اﻟﻤﺒﺎدرة ﺗﺤﻤﻞ أﺑﻌﺎدا ً اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ وﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ،وﺗﻌﻜﺲ ﺟﺪﻳﺔ اﻟﺼﻨﺪوق ﻓﻲ ﺗﻮﺛﻴﻖ اﻟﺘﺮاث اﻟﻤﺤﻠﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﺘﻤﻜﻴﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﺤﺮف واﻟﻤﺸﻐﻮﻻت اﻟﻴﺪوﻳﺔ واﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ واﺳﺘﺜﻤﺎر ﻣﻬﺎراﺗﻬﻢ وﺗﺤﻮﻳﻠﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﺼﺪر ﻟﻠﺪﺧﻞ. ﻣﺠﻠﺲ إرﺛﻲ ﻟﻠﺤﺮف اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة
أﻃﻠﻘﺖ ﻣﺆﺳﺴﺔ "ﻧﻤﺎء" ﻟﻼرﺗﻘﺎء ﺑﺎﻟﻤﺮأة ﻓﻲ إﻣﺎرة اﻟﺸﺎرﻗﺔ ﺑﺪوﻟﺔ اﻹﻣــﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،ﻣﺠﻠﺲ "إرﺛــﻲ" ﻟﻠﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ،اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺪف إﻟﻰ دﻋﻢ وﺗﻤﻜﻴﻦ اﻟﻤﺮأة اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
19
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
وﻳﺸﺎر إﻟﻰ أن ﺻﻨﺪوق ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻛﺎن ﻗﺪ ﻃﺮح ﻗﺒﻞ "ﺻﻮﻏﺔ" ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﺎً ﻳﺪﻋﻰ ﺑﺒﺮﻧﺎﻣﺞ "ﺧﻄﻮة" ﺑﻄﺎﺑﻊ اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ وﻣﻮﺟﻪ ﻟﻠﻤﺸﺎرﻳﻊ اﻟﺼﻐﻴﺮة ﺟﺪا ً؛ ﻟﺪﻋﻢ وﺗﻄﻮﻳﺮ ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﻌﻤﻞ ذات اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﻴﺪوي واﻟﺤﺮﻓﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻔﺬﻫﺎ اﻟﺴﻴﺪات ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎزل ،وﺧﻠﻖ راﻓﺪ ﻣﺘﻨﺎم ﻟﻠﺪﺧﻞ ﻟﺪى ﺷﺮاﺋﺢ ﻣﺘﻌﺪدة ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﻤﺎ ﻳﻀﻤﻦ ﻟﻬﻢ اﻟﺪﺧﻞ.وﺗﺸﻤﻞ اﻟﺤﺮف ﻓﻲ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ "ﺻﻮﻏﺔ" اﻟﻤﻨﺴﻮﺟﺎت اﻟﻴﺪوﻳﺔ واﻟﻤﺰﺧﺮﻓﺔ ﺑﺎﻷﻟﻮان واﻟﺘﻲ ﺗﻀﻢ اﻟﻮﺳﺎﺋﺪ وﻣﻔﺎرش اﻟﻄﺎوﻻت ،وﺣﻘﺎﺋﺐ اﻟﺸﺎﻃﺊ اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﻴﻞ ،واﻷﺳﺎور اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻟﻤﺰرﻛﺸﺔ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺴﻮﺟﺎت اﻟﻴﺪوﻳﺔ .وﻳﻌﻤﻞ ﺻﻨﺪوق ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺧﺪﻣﺎت ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺗﻨﻈﻴﻢ ورش ﺗﺪرﻳﺒﻴﺔ وﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻟﻠﻌﻀﻮات ﺑﺎﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﻘﻖ ﻟﻬﻦ دﻋﻤﺎً أﻛﺒﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﺮوﻳﺞ ﻟﻤﻨﺘﺠﺎﺗﻬﻦ داﺧــﻞ وﺧــﺎرج اﻟــﺪوﻟــﺔ .ﻛﻤﺎ ﻳﺪﻋﻢ اﻟﻤﺸﺮوع اﻟﻔﺘﻴﺎت اﻟﺸﺎﺑﺎت ﻣﻤﻦ ﺗﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﻀﻤﻦ اﻻﺳﺘﺪاﻣﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺤﺮف ﺑﺈﺣﻴﺎﺋﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ وﺑﻤﺎ ﻳﻨﺎﺳﺐ ﻣﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﻌﺼﺮ، وﻳﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻄﻮﻳﺮﻫﺎ .ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺮص اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎرض واﻟﻤﺆﺗﻤﺮات واﻟﻤﻠﺘﻘﻴﺎت اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ واﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ،ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺴﻠﻴﻂ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮف اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ وﻣﻨﺘﺠﺎت اﻟﻨﺴﺎء؛ ﻣﻤﺎ أﻛﺴﺒﺖ اﻟﻌﻀﻮات اﻟﻤﺸﺎرﻛﺎت ﺧﺒﺮة ﻓﻲ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻷﺳﻮاق اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ. وﻳﺤﺮص ﺻﻨﺪوق ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺴﻮﻳﻖ ﻣﻨﺘﺠﺎت اﻟﻌﻀﻮات ﻣﻦ ﺧــﻼل ﻓﺘﺢ ﻣﺘﺎﺟﺮ ﻟﻤﻨﺘﺠﺎت "ﺻﻮﻏﺔ" ﻓﻲ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ واﻟﻤﻬﻤﺔ وﻓﻲ اﻟﻬﻴﺌﺎت اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ واﻟﺨﺎﺻﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻋﻢ "ﺻﻮﻏﺔ" ،وﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻔﻨﺎدق واﻟﻨﻮادي واﻷﺑ ـﺮاج ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﻣﻘﺎﻫﻲ دﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ. 18
ﻣﺸﺎرﻳﻊ »ﺻﻮﻏﺔ« و»اﻟﻐﺪﻳﺮ« و»إرﺛﻲ«
īƜƶǥƚĖ īČĖǡƬǙ ǛǥǥǍƲƬǖČ ơǥƞ ưLjǤ džǍĖĨ Ħǡƻ ǢǖĊ ƠǥǙČƲǖČ ĔǡǠƩǖČ Ǜǚƾ ĪĔƜǚǖČ ƲǥNJ ǣƢČĖƜǙǪČ ĐČƲƣǖČ Ĥǡƫ ǣLJǡǖČ ǣǍ ĎĔǡƨǡǚǖČ ƠǤĨưǥǖČ ġƲƬǖČ ǣǎƣƬƢĨ ƠǥǝǎǖČĨ ƠǥLJČưƞǪČ ƠǐǭLjǖƜƞ ơǥƟǖČ ČƱǟ ƠǥLjǥƟǂǖČ ĔĖČǡǚǖČ džǙ ĔČưƨǨČ ƜǟĖǡǁ ǣƣǖČ ĥưǑǖČ ƱǝǙ ƠǥǗƬǚǖČĨ
ﻃﻮرﻫﺎ اﻷﺟﺪاد ﻣﻊ اﻟﻤﻮارد اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ واﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪم ،إذ ﺗﻤﻜﻦ اﻟﺤﺮﻓﻴﻮن ﻣﻦ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻣﻬﺎراﺗﻬﻢ ﻟﺘﻠﺒﻴﺔ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻬﻢ اﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻣﺴﺘﻔﻴﺪﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺣﻮﻟﻬﻢ ،واﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮع، ﺣﻴﺚ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻴﺌﺎت ﻣﻨﺎﺧﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻤﻨﺎخ اﻟﺼﺤﺮاوي واﻟﺠﺒﻠﻲ واﻟﺒﺤﺮي واﻟﻮاﺣﺎت، وﻳﺸﻜﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث اﻟﻤﻌﻨﻮي ،اﻟﺬي ﺗﺘﻮارﺛﻪ اﻷﺟﻴﺎل ﺟﻴﻼ ﺑﻌﺪ ﺟﻴﻞ ﺟﺰءا ً ﺑﺎرزا ً ﻓﻲ اﻟﻘﻴﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﻬﻮﻳﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ. ﻣﺸﺮوع "ﺻﻮﻏﺔ" ﻟﻸﻋﻤﺎل اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ
ﻓﻲ ﻋــﺎم 2009أﻃﻠﻖ ﺻﻨﺪوق ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻟﺘﻄﻮﻳﺮ اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ ﻣﻊ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻬﻴﺌﺎت اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﺎً ﻳﻬﺪف إﻟﻰ إﺣﻴﺎء ﻓﻦ اﻟﻨﺴﺞ ﺑﻴﻦ ﺳﻜﺎن إﻣﺎرة أﺑﻮﻇﺒﻲ ،وﻳﻌﺘﻤﺪ ﺑﺸﻜﻞ رﺋﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮﻳﺮ وﺗﺴﻮﻳﻖ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﻤﺪة ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻣﺤﻠﻴﺎً وﻋﺎﻟﻤﻴﺎً، وأﻃﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﻣﺴﻤﻰ "ﺻﻮﻏﺔ" واﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ "ﻫﺪاﻳﺎ اﻟﻤﺴﺎﻓﺮ". ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
17
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ أزﻳﺎﻣﻲ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ ﻛﻠﻴﺔ ﻟﻨﺪن ﻟﻼٔزﻳﺎء
ﻣﻦ أﻋﻤﺎل ﺣﺮﻓﻴﺎت ﺑﺪوة ﻟﻴﺤﺘﻮي ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻨﺎﺟﻴﻦ
وﻳﺴﻌﻰ اﻟﻤﺸﺮوع إﻟﻰ ﺗﻄﻮﻳﺮ وﺗﺮوﻳﺞ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻟﻠﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث اﻟﻤﺤﻠﻲ ﻣﻦ اﻻﻧﺪﺛﺎر وﻓﺘﺢ اﻵﻓﺎق أﻣﺎم اﻟﻤﺘﺪرﺑﺎت ﻻﺑﺘﻜﺎر ﻣﺸﺎرﻳﻌﻬﻦ اﻟﺨﺎﺻﺔ وﺗﺸﻐﻴﻞ اﻟﻨﺴﺎء واﺳﺘﺜﻤﺎر ﻫﻮاﻳﺎﺗﻬﻦ اﻟﻴﺪوﻳﺔ وﺣﻤﺎﻳﺘﻬﻦ ورﻋﺎﻳﺘﻬﻦ وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻣﻨﺘﺠﺎت أﻧﻴﻘﺔ وﻣﺘﻤﻴﺰة ﻟﻠﻤﺴﺘﻬﻠﻚ .وﺗﺴﻮق ﻣﻨﺘﺠﺎت "اﻟﻐﺪﻳﺮ" ﻋﺒﺮ ﻣﻨﺎﻓﺬ ﺑﻴﻊ ﻓﻲ اﻟﻤﺘﺠﺮ اﻻﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ وﻣﻘﺮ ﻣﺆﺳﺴﺔ "اﻟﻐﺪﻳﺮ" وﻓﻲ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ وﺑﻌﺾ اﻟﺸﺮﻛﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ واﻟﻤﺤﺎل اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ واﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ.
16
ﻣﺸﺎرﻳﻊ »ﺻﻮﻏﺔ« و»اﻟﻐﺪﻳﺮ« و»إرﺛﻲ«
"اﻟﻐﺪﻳﺮ" و"ﺑﻴﺖ اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ" ﻓﻲ ﻗﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ
ﺗﺸﺎرك ﻣﺆﺳﺴﺔ "اﻟﻐﺪﻳﺮ" ﺑﻌﻘﺪ دورات ﺗﺪرﻳﺒﻴﺔ ﻓﻲ "ﺑﻴﺖ اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ" ﺑﻘﺼﺮ اﻟﺤﺼﻦ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ،واﻟﺬي ﻳﻤﺜﻞ دوره ﻓﻲ إﺣﻴﺎء اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ وﺗﻌﺰﻳﺰ ﺗﻮاﺟﺪﻫﺎ ﺑﻴﻦ اﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ،وﻳﻘﺪم "ﺑﻴﺖ اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ" ﺣﺰﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺮاﻣﺞ اﻟﺘﺪرﻳﺒﻴﺔ ﻟﻠﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ وورش اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﺗﺘﻨﺎول ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻠﻬﺎ ﻋﺪدا ً ﻛﺒﻴﺮا ً ﻣﻦ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻣﺜﻞ ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﺒﺮﻗﻊ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي، وﺗﺠﺪﻳﻞ ﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﻴﻞ )اﻟﺨﻮص( وﺻﺒﺎﻏﺔ اﻷﻟﻴﺎف اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ وﺣﺮﻓﺔ اﻟﺘﻠﻲ )ﻏﺰل ﺧﻴﻮط اﻟﺰﻳﻨﺔ( واﻟﺴﺪو )ﺣﻴﺎﻛﺔ اﻟﺼﻮف( وﺻﻨﻊ اﻟﺒﺨﻮر اﻹﻣﺎراﺗﻲ ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﻓﻨﺎﺟﻴﻦ اﻟﻘﻬﻮة ﻣﻦ اﻟﻔﺨﺎر وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺤﻨﺎء وﺻﻨﻊ اﻟﺪﻣﻰ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ،وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ ورش اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺴﺘﻮﺣﺎة ﻣﻦ اﻟﻄﺮق اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻄﺒﺎﻋﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻘﺎﺋﺐ .وﻳﻤﻜﻦ ﻟﺰوار "ﺑﻴﺖ اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ" اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﺿﻤﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﺬي ﻳﺄﺗﻲ اﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ دور "ﺑﻴﺖ اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ" ﻓﻲ دﻋﻢ ﻣﻤﺎرﺳﻲ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺑﺸﻜﻞ داﺋﻢ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻤﺒﺪﻋﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺪﻣﻮن ﻣﻨﺘﺠﺎت ﺗﺤﻤﻞ ﻃﺎﺑﻌﺎً ﻋﺼﺮﻳﺎً ﻣﺴﺘﻮﺣﺎة ﻣﻦ ﺗﺮاث دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة. وﻳﻌﺪ "ﺑﻴﺖ اﻟﺤﺮﻓﻴﻴﻦ" ﻣﺤﻮرا ً رﺋﻴﺴﺎً ﺿﻤﻦ اﻟﺠﻬﻮد اﻟﺮاﻣﻴﺔ إﻟﻰ ﺻﻮن ورﻓﻊ اﻟﻮﻋﻲ ﺣﻮل اﻟﺘﺮاث اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺎدي .وﺗﺤﺘﻔﻲ اﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺔ اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ واﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ
إﺣﺪى ﺣﺮﻓﻴﺎت اﻟﺒﺮازﻳﻞ ﺗﺘﺒﺎدل اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻣﻊ ﺣﺮﻓﻴﺎت إرﺛﻲ
اﻟﻐﺪﻳﺮ ﻟﻠﺤﺮف اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ
ﻓﻲ ﻋﺎم 2006اﻧﻄﻠﻘﺖ أﻋﻤﺎل ﻣﺆﺳﺴﺔ "اﻟﻐﺪﻳﺮ ﻟﻠﺤﺮف اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ" ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻨﺴﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﻬﻼل اﻷﺣﻤﺮ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ،ﺑﺮﻋﺎﻳﺔ ﻛﺮﻳﻤﺔ ﻣﻦ ﺣﺮم ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ،ﻣﻤﺜﻞ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻈﻔﺮة ،رﺋﻴﺲ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﻬﻼل اﻷﺣﻤﺮ اﻹﻣﺎراﺗﻲ، ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺨﺔ ﺷﻤﺴﺔ ﺑﻨﺖ ﺣﻤﺪان آل ﻧﻬﻴﺎن ،ﻣﺴﺎﻋﺪ رﺋﻴﺲ اﻟﻬﻴﺌﺔ ﻟﻠﺸﺆون اﻟﻨﺴﺎﺋﻴﺔ .وﻗﺪ ﺿﻤﺖ ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﻐﺪﻳﺮ -اﻟﺬي ﻳﺮﻣﺰ اﻟﻤﺴﻤﻰ إﻟﻰ ﻏﺰارة اﻟﻌﻄﺎء -ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺳﻴﺪات ﻣﻦ ﻣﻮاﻃﻨﺎت اﻟﺪوﻟﺔ ﻳﻌﻤﻠﻦ ﺗﺤﺖ ﻣﻈﻠﺔ اﻟﻬﻴﺌﺔ ﻻﻛﺘﺴﺎب اﻟﺨﺒﺮات اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﻣﻨﺘﺠﺎت ﺗﺮاﺛﻴﺔ ذات ﺻﺒﻐﺔ أﺻﻴﻠﺔ ﺑﺨﺎﻣﺎت ﻣﺤﻠﻴﺔ وﺗﻐﻠﻴﻔﻬﺎ وﺗﻌﺒﺌﺘﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﺣﺪاﺛﺔ اﻟﻌﺼﺮ ﻣﻊ اﻻﺣﺘﻔﺎظ ﺑﺎﻟﻬﻮﻳﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻟﻤﻤﻴﺰة اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻜﺲ ﻣﺪى اﻟﺤﺐ واﻟﻔﺨﺮ ﺑﺎﻟﺘﺮاث اﻟﻤﺤﻠﻲ. وﻗﺪ ﻣﻜﻦ ﻣﺸﺮوع ﻣﺆﺳﺴﺔ "اﻟﻐﺪﻳﺮ" اﻟﻤﺮأة ﻣﻦ اﻹﺑﺪاع وﺗﻄﻮﻳﺮ ﻓﻜﺮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺪورات اﻟﺘﺪرﻳﺒﻴﺔ واﻟﺘﺼﻤﻴﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺒﻊ اﻟﻤﺸﺮوع وﺗﻘﺪم ﻟﻠﻤﻨﺘﺴﺒﺎت ورﺷﺎً ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺼﻨﺎﻋﺔ ﻣﻨﺘﺠﺎت ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﺴﺪو واﻟﺘﻠﻲ ،واﻟﺨﻮص واﻟﻔﺨﺎر واﻟﺨﻴﺎﻃﺔ وﻣﺠﺴﻤﺎت وﻫﺪاﻳﺎ وإﻛﺴﺴﻮارات ﺑﻠﻤﺴﺔ ﻋﺼﺮﻳﺔ .و"ﻟﻠﻐﺪﻳﺮ" ﻋﺪة أﻫﺪاف ﺗﻨﻤﻮﻳﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﺪﻋﻢ اﻟﻤﺮأة ﻣﻦ اﻟﺸﺮاﺋﺢ اﻟﻤﺴﺘﻬﺪﻓﺔ ﺑﺒﺮاﻣﺞ وﻣﺸﺎرﻳﻊ
ﻫﻴﺌﺔ اﻟﻬﻼل اﻷﺣﻤﺮ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ واﻟﺨﻴﺮﻳﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ،ﻓﺒﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﺪرﻳﺐ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺪات ،ﻣﻦ دون ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻣﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻣﻨﺘﺠﺎت ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﺑﺨﺎﻣﺎت ﻣﺤﻠﻴﺔ ﺗﺘﻮﻟﻰ اﻟﻬﻴﺌﺔ ﺗﺮوﻳﺠﻬﺎ ﻓﻲ اﻷﺳﻮاق واﻟﻌﺎﺋﺪ ﻣﻦ ﺑﻴﻌﻬﺎ ﻳﺴﻬﻢ ﻓﻲ رﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮى ﻣﻌﻴﺸﺘﻬﻦ وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗﺤﺴﻴﻦ دﺧﻞ اﻷﺳﺮة.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
15
ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ
ƠǥƢČĖƜǙǪČ ƠǥǍƲƬǖČ ďƜLJƜǝƼǖČ ƠǙČưƣƵČ
lǣƥĖĊzĨ lƲǤưNjǖČzĨ lƠNJǡƻz džǤĖƜƹǙ ﺷﻤﺴﻪ ﺣﻤﺪ اﻟﻌﺒﺪ اﻟﻈﺎﻫﺮي
ﻓﻲ ﻓﺘﺮة زﻣﻨﻴﺔ ﻗﻴﺎﺳﻴﺔ أﺳﺮع ﻣﻦ أن ﺗﺴﺘﻮﻋﺒﻬﺎ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ،أﺛّﺮ ﺣﺠﻢ اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺘﻲ ﻃﺮأت ﻋﻠﻰ أﺟﻬﺰة دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻛﻘﻄﺎﻋﺎت اﻟﻨﻔﻂ واﻟﺒﻨﻴﺔ اﻟﺘﺤﺘﻴﺔ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ وأدى ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮ إﻟﻰ اﻧﺨﻔﺎﺿﻬﺎ .وواﺟﻪ اﻟﺤﺮﻓﻴﻮن ﺑﻌﺪ أن أﺿﺤﻮا ﻣﻦ ﻓﺌﺔ ﻛﺒﺎر اﻟﺴﻦ ﺗﺤﺪﻳﺎً ﻓﻲ ﺧﺴﺎرة اﻷﺳﻮاق اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ وازدﻳﺎد ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻟﻤﺴﺘﻮردة ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺻﻌﻮﺑﺔ اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ أﺳﻮاق ﺟﺪﻳﺪة ﻻ ﻋﻬﺪ ﻟﻬﻢ ﺑﻬﺎ ﻟﻌﺮض ﻣﻨﺘﺠﺎﺗﻬﻢ .وﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻫﺆﻻء اﻟﺤﺮﻓﻴﻮن ﺳﺒﺒﺎً ﻗﻮﻳﺎً ﻳﺪﻓﻌﻬﻢ ﻟﻨﻘﻞ وﺗﻌﻠﻴﻢ ﻣﻬﺎرات ﺣﺮﻓﻬﻢ ﻟﻸﺟﻴﺎل اﻟﻼﺣﻘﺔ ،وﻫﺬا ﻳﻌﻨﻲ أن اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ ﻓﻲ وﺿﻊ ﺣﺮج ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻮﺷﻚ ﻋﻠﻰ اﻻﻧﺪﺛﺎر. وﻟﻜﻦ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ واﻟﺘﻘﺪم واﻗﻊ ﻻ ﻣﻨﺎص ﻣﻨﻪ ،وﻣﺎ ﻣﻦ ﺳﺒﻴﻞ أﻣﺎم أي دوﻟﺔ أن ﺗﻌﻴﺶ ﺑﻤﻌﺰل ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﻈﺎﻫﺮة اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ،وﻳﺒﻘﻰ ﺧﻠﻮد اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺑﻤﺠﻤﻠﻬﺎ ﻷﺟﻴﺎل أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻣﻌﺘﻤﺪا ً ﻓﻲ
اﻟﻤﻘﺎم اﻷول ﻋﻠﻰ ﻧﺠﺎﺣﻬﺎ ﻓﻲ اﺳﺘﻌﺎدة ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ وأﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻴﺎق ﻋﺎﻟﻤﻲ ﺣﺪﻳﺚ. وﻣﻊ إدراك إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ رﺑﺢ اﻗﺘﺼﺎدي ،ﻓﺈن اﻟﻤﻬﻦ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﺤﺮﻓﻲ ﻗﺪ ﺗﻮﻓﺮ ﺣﺘﻰ اﻵن ﻓﺮﺻﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻨﺒﻪ ﻟﻬﺎ اﻟﺸﺒﺎب اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻟﻜﺴﺐ اﻟﺮزق ،وﻗﺪ أﺛﺒﺘﺖ ﻓﻲ اﻵوﻧﺔ اﻷﺧﻴﺮة اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺮف ﻣﺮوﻧﺘﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻻﻓﺖ ،واﻟﻈﺮوف اﻟﺘﻲ أدت إﻟﻰ ﺗﻘﻬﻘﺮ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ ﻫﻲ ذاﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ أﺳﻬﻤﺖ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﻓﺮص ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻠﺤﺮﻓﻴﻴﻦ، وﺳﻴﺒﻘﻰ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﺤﺮﻓﻲ ﺿﺮورة إذا ﺗﻤﺎﺷﻰ اﻟﺤﺮﻓﻴﻮن ﺟﻨﺒﺎً إﻟﻰ ﺟﻨﺐ ﻣﻊ ﺻﻴﺮورة اﻟﺘﻘﺪم .وﺿﻤﻦ ﻣﺒﺎدرات ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻬﻴﺌﺎت واﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ واﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻟﺪﻋﻢ اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ إﻋﺎدة إﺣﻴﺎﺋﻬﺎ ،ﺗﺒﻨﺖ اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺮز ﺟﻤﺎﻟﻴﺎت اﻟﺤﺮف اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ وﺗﻮﻇﻴﻔﻬﺎ ﻟﺘﺤﺎﻛﻲ اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ إﻋﺎدة إﺣﻴﺎﺋﻬﺎ ،وﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ :ﻣﺸﺮوع "ﺻﻮﻏﺔ" اﻟﺬي أﻃﻠﻘﻪ ﺻﻨﺪوق ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻟﺘﻄﻮﻳﺮ اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ ﻣﻊ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻬﻴﺌﺎت اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ، وﻣﺸﺮوع "اﻟﻐﺪﻳﺮ ﻟﻠﺤﺮف اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ" ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻨﺴﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﻬﻼل اﻷﺣﻤﺮ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ،وﻣﺸﺮوع "إرﺛﻲ" اﻟﺬي أﻃﻠﻘﺘﻪ ﻣﺆﺳﺴﺔ "ﻧﻤﺎء" ﻟﻼرﺗﻘﺎء ﺑﺎﻟﻤﺮأة ﻓﻲ إﻣﺎرة اﻟﺸﺎرﻗﺔ.
ﺻﻮﻏﺔ
14
ﻣﺸﺎرﻳﻊ »ﺻﻮﻏﺔ« و»اﻟﻐﺪﻳﺮ« و»إرﺛﻲ«
ƠƦǤưƫ ďƜLJƜǝƼǖ ĎƲǥƮĕ ĐČƲƣǖČ ǛǠǙ njǗǚǖČ ĪƲǟƜDžǖČ ưǚƫ ǞƶǚƸ ƠǥƢČĖƜǙǪČ ƠǥǍƲƬǖČ ďƜLJƜǝƼǖČ ƠǙČưƣƵČ 14 Ĥǭǟ ƜǥǜČĖ ƠǥƥČƲƣǖČ ġƲƬǖČ ƠǤƜǚƬǖ ĎĖĔƜƟǙ ƠƸĖǡǖČ Ğ ǭǤ 24 ı ǣǔǙ ưǥǖĨ čǡǝƩǖČ ǣǍ ǛƟǗǖČ įnjLjƵ 26 ƠǂǥLJǡƞĈ ưǚƬǙ ďČưƩǖČ ƠǍƲƬǖ ĎƜǥƬǖČ ĦưLjǤ ďČưǥǎƬǖČ ƳǤƲǂƣǖČ 28 ǘǥƫƲǖČ ưƟLJ ĦǡƶǥǙ ǣǝǥǂƶǗǎǖČ ƭǤĖƜƣǖČ ƠǐƲƵ ĥĨƜǑƢ ĪĖČǡƣǝƶǖČ 31 ƪǖƜƻ ČưǤǡǟ Ĕ ƠǥǚǝƢĨ ƲǤǡǝƢ ăƠǥǍƜǑƦǖČ ďƜLJƜǝƼǖČ 32 ƔČ ưƟLJ Ėǡǟė ǛǚǥǖČ ǣǍ ƠǤưǥǗǑƣǖČ ďƜLJƜǝƼǖČ 34 ĦƜǤĖ ưǥƵ ưǚƬǙ ǣǍƜǑƦǖČ ƧƣǝǚǖČ ǏǤǡƶƢ 37 ǣǖǭǥǍ ƴǜĈ Ĕ čƲNjǚǖƜƞ ƠǤưǥǗǑƣǖČ ƠLJƜǝƼǖČ ďǬǡƬƢ 38 ǣƨƜǜ ġƲƸĈ ĤƜǥƨǨČ ǞƥĖČǡƣƢ ǣǜǡLJƲǍ ĞČưƞĊ ƲƣƵƜƟǖǨČ 40 ǛǚƫƲǖČ ưƟLJ ĔǡǚƬǙ ƲƼǙ ǣǍ ƠǤưǥǗǑƣǖČ ġƲƬǗǖ ƴǗǁĈ lƠǤĨưǤz 43 ƠǙƜLjǜǡƞĈ ǣıǝǙ Ĕ Ơǥƫ ĎƲǓČĕ ƠǥƢČĖƜǙǪČ ġƲƬİ ǖČ 44 džƟƿǖČ ĔǡǚƬǙ Ĕ ƠǥƢƜǙǡǗLjǚǖČ ƲƼLJ ǣǍ ƠǤĨưǥǖČ ġƲƬǖČĨ ƠǥǍƜǑƦǖČ ďƜLJƜǝƼǖČ 48 ĪĨČƳǥƩǖČ ǕǥǗƮ ǣƟLjƹǖČ ĐČƲƣǖČ ǣǍ ƜǑƶǖČ 50 ưLjƵ ġƲƸĈ ą ĪưǗƟǖČ ǕƟǂǖČ ěƲǑǝǤ Ǖǟ 51 ǣǗǥƟǖČ ĆƜǎƻ ĥưǐǨČ ƠǥǜƜƶǜǪČ ǛǍ ĖƜıƯǎį ǖČ 52 Ēǡǜ ĔƜLjƵ ƠƦǤưƫ ďƜLJƜǝƼǖ ĎƲǥƮĕ ĐČƲƣǖČ ǛǠǙ 54 ưLjƵ ġƲƸĈ ƪǗƟǖČ ǕǥƯǜ ǢǗLJ ƠǚƚƜǐ ƠǤĨưǤ ġƲƫ 57 ǣǗLJ ǞƢƜƬƸ ưǚƬǙ ǕƯĮǝǖČ džǖİ Ɯǁ 60 ƠǎǂLJ ƠǚǁƜǍ ďČĖƜǙǪƜƞ ƠǤưǥǗǑƣǖČ ġƲƬǖČ 62 13
2019 ﻳﻮﻧﻴﻮ236 اﻟﻌﺪد/ ﺗﺮاث
ﻗﺼﻴﺪ
ģėǞŨė ŖěŰ "ﻧــﺒــﻊ اﻟـــﺘـــﺮاث" اﻟــﻠــﻲ ﺣــﻠــﻘــﺘــﻪ ﺗــﺤــﻀــﺮون
اﻧـــﺘـــﻮا ﻋـــﻦ اﻟــﻤــﺎﺿــﻲ ووﻗـــﺘـــﻪ ﺗــﺤــﻴــﺪون
ﻋـــﺸـــﺘـــﻮا اﻟــــﺰﻣــــﺎن اﻷوﻟـــــــﻲ ووﺟـــﻌـــﺎﺗـــﻪ
ورﻳـــﺘـــﻮا اﻟــﺤــﻴــﺎة وﻛــﻴــﻒ ﻓــﻴــﻬــﺎ ﺗﻌﻴﺸﻮن
ﻫــــــﺬاك وﻗـــــﺖ وﻛـــﺘـــﺒـــﻪ اﻟــــــﺮب ﻳــﺎﺑــﻪ
ﺣـــﻖ اﻟـــﻌـــﺒـــﺎد وﻻ ﺑـــﻪ اﻟـــﻠـــﻮم ﺑــﻴــﻜــﻮن
رﺟـــــﺎل ﻋــﻠــﻰ ﻋــﺴــﺮ اﻟــﻠــﻴــﺎﻟــﻲ اﻟــﻌــﻨــﻴــﻔــﻪ
ﻋــﺎﺷــﻮا وﻓــﻴــﻬــﺎ ﺟـــﺎﻫـــﺪوا اﻟــﺒــﻌــﺪ واﻟــــﺪون
ﻳـــﺎ ﻟــﻤــﺴــﺘــﻤــﻊ ﺻــــﺪق اﻟــﺤــﻴــﺎة ﻋﻠﻤﺘﻬﻢ
اﺷـــﺘـــﻐـــﻠـــﻮا ﺑـــﻤـــﺎ أﻫـــﻠـــﻬـــﻢ ﻳـــﺸـــﻮﻓـــﻮن
ارزاﻗـــــﻬـــــﻢ وأﻣــــﻮاﻟــــﻬــــﻢ ﻟــــﻲ ﻋــﻄــﺎﻫــﻢ
رب اﻟــﻌــﺒــﺎد اﻟـــﻠـــﻲ ع رزﻗـــــﻪ ﻳــﺸــﻜــﺮون
ﻋــــﻨــــﺪك ﻧـــﺨـــﻞ واﻻ زراﻋــــــــﺔ ﻣـــﺮاﻳـــﻎ
اﻟــﺼــﻴــﻒ ﻓـــﻲ ﻛـــﻞ ﻋــــﺎم ﻣــــﺮة ﻳــﺤــﺸــﻮن
وراﻋــــــﻲ اﻟــﻨــﺨــﻞ ﻳــﺒــﻴــﻊ ﺛـــﻤـــﺮة ﻧــﺨــﻴــﻠــﻪ
وﻣـــــﺎ ﻳــــﺰرﻋــــﻮﻧــــﻪ ﻟــﻠــﺒــﻬــﺎﻳــﻢ ﻳــﺤــﻄــﻮن
واﻟــﻔــﻠــﻲ ﻳــﺴــﺠــﻲ ﻟـــﻪ اﻟــﻨــﺨــﻴــﻞ اﻟــﻜــﺜــﻴــﺮه
ﻳـــﺎﺗـــﻴـــﻚ ﻋـــﻨـــﺪ اﻟـــﻠـــﻪ ﺑــــﻼ ﻣــــﻦ ﻣــﻤــﻨــﻮن
واﻟــــﺒــــﺪو ﻓـــﻲ رﻣـــــﻮل وﺳـــﻴـــﻮح ﻛــﺜــﻴــﺮه
اﻟــﻬــﻴــﻦ ﻋــﻨــﺪﻫــﻢ ﻟـــﻲ ﻋــﻠــﻴــﻬــﺎ ﻳــﺴــﻴــﺮون
وأﻏـــﻨـــﺎﻣـــﻬـــﻢ ﺗـــﺮﻋـــﻰ اﻟــــﺒــــﺮور اﻟــﻐــﻨــﻴــﺔ
ﻣـــﻦ اﻟـــﻨـــﺒـــﺎت اﻟـــﻠـــﻲ ﻣـــﺴـــﻮي ﻟـــﻪ رﻛـــﻮن
اﻟـــﺼـــﺨـــﺎم ﺑــــﺎﻋــــﻮا واﻟــــﺬﺑــــﺎﻳــــﺞ ﻛــﺬﻟــﻚ
ﻧــﺰﻟــﻮا اﻟــﻤــﺪن ﻓــﻲ اﻟــﺴــﻮق ﻟــﻲ ﺑــﻪ ﻳﺒﻴﻌﻮن
وﻓـــﻲ اﻟـــﺴـــﻮق أﻋـــﻤـــﺎل اﻟــﺼــﻨــﺎﻋــﺔ ﻛــﺜــﻴــﺮه
ﻣـــﺘـــﻮاﺟـــﺪه ﻣـــﻦ ذﻟــــﻚ اﻟـــﻮﻗـــﺖ وﺗــﻜــﻮن
ﻧــــﺠــــﺎرﻫــــﺎ ودﺧـــــﺘـــــﻮرﻫـــــﺎ واﻟـــﻤـــﺤـــﻴـــﻢ
وﺣـــــﺪادﻫـــــﺎ وﺑــــﻨــــﺎي اﻟـــﻠـــﻲ ﻳــﻄــﻠــﺒــﻮن
ﺻـــﻨـــﺎﻋـــﻪ ﻣــﺤــﻠــﻴــﺔ ﻓــــﻲ إﻳـــــﺪ اﻷﻫـــﺎﻟـــﻲ
ﻛـــﻞ ﺷـــﻲ ﻣــﺘــﻮﻓــﺮ ﻓـــﻲ اﻷﺳـــــﻮاق ﻣــﺨــﺰون
وﺗـــﺠـــﺎرﻫـــﺎ م اﻟـــــــﺪار راﻋــــــﻲ ﺻــﻨــﺎﻋــﻪ
وﻋـــﻴـــﺎﻟـــﻬـــﻢ ﺳــــــﻮوا ﺷـــــﺮا ﻣــــﺎ ﻳــﺸــﻮﻓــﻮن
وأﻫـــــﻞ اﻟــﺒــﺤــﺮ ﻟـــﻲ ﻳــــــﺰودون اﻟــﻤــﺪاﻳــﻦ
ﺑــﺎﻟــﺼــﻴــﺪ ﻟــﻲ ﻳــﻮﺻــﻞ ﻳــﻠــﻲ وﻳـــﻦ ﻣــﺎ ﺗﻜﻮن
وﻧــﻘــﻠــﻪ اﺳـــﺘـــﻮت وﺗــﻐــﻴــﺮ اﻟـــﻮﻗـــﺖ ذﻟــﻚ
وﺟــــﺎت اﻟــﺤــﻀــﺎرة اﻟــﺤــﻴــﻦ ﻳــﻠــﻲ ﺗﻌﻴﺸﻮن
Ð' -'pÉ Ú¦# ' Í # ÛÂ pÙ Ê# p } pÉ. ]1956 & p#. Ú¦# Û ' ±# p° Ð p( ' ±$# pÙ Ê#
Ä Î' ÛÂ ÐÙ # & / p( )$ . ±# ." # Í" Û´ (# Ï Ê# ÙÎÙ ÛÂ Û ¸/ } ¥
% (' Ï /Ø 1# %Ê Í 1 ª# Ø Øp' Û %( ) ]Û(Ù # Ø É 1# %Ê Í Ï} p Û´ (# Ï Ê# ÙÎÙ & 1 . 1988 & ¦Î' 2 ÃÙ ÛÂ Û ±# ±# à 1$ ±# Á °} pÉ. .ÐÙ # Û ) # . Ù # pã Ê# Ð' Ù # Ù ±# Ø ±# # 0 } (' ]2000
12
ﻧﺒﻊ اﻟﺘﺮاث
اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺿﻴﻮف ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ "ﺣﻔﻈﻪ اﻟﻠﻪ". ﻛﻤﺎ ﺗﻀﻤﻦ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﺮﻣﻀﺎﻧﻲ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﺑﺮﻧﺎﻣ ًﺠﺎ ﻧﻮﻋ ًﻴﺎ ﺑﻌﻨﻮان "رﻣﻀﺎن واﻟﺸﻌﻮب ..ﺛﻘﺎﻓﺎت وﻋﺎدات" ،ﺑﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻣﻦ ﺳﻴﺪات اﻟﺠﺎﻟﻴﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻣﺮﻛﺰي أﺑﻮﻇﺒﻲ واﻟﺴﻤﺤﺔ اﻟﻨﺴﺎﺋﻴﻴﻦ اﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻟﻨﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،ﻓﻲ ﺣﻀﻮر ﻛﻞ ﻣﻦ ﺣﺮم اﻟﺴﻔﻴﺮ اﻟﺴﻌﻮدي وﺣﺮم اﻟﺴﻔﻴﺮ اﻟﺠﺰاﺋﺮي وﺣﺮم اﻟﺴﻔﻴﺮ اﻟﺠﻴﺒﻮﺗﻲ .وﺷﺎرك ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺴﻤﺤﺔ دوري ﻛﺮة ﻗﺪم ﻟﻠﻜﺒﺎر ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ أﻫﺎﻟﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،ودوري ﻟﻸﻟﻌﺎب اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ودوري ﻟﻜﺮة اﻟﻘﺪم ﻟﻠﺼﻐﺎر. وﺗﺰاﻣ ًﻨﺎ ﻣﻊ ﻳﻮم اﻟﻌﻤﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﺗﻀﻤﻦ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ﻣﺤﺎﺿﺮة ﺑﻌﻨﻮان "اﻟﻌﻤﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻓﻜﺮ زاﻳﺪ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ واﻟﺤﻴﺎة
اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ" ،ﺑﻤﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻓﺎروق ﺣﻤﺎده ،اﻟﻤﺴﺘﺸﺎر ﻓﻲ دﻳﻮان ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ وﻟﻲ اﻟﻌﻬﺪ ،واﻟﺪﻛﺘﻮر ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺗﻤﻴﻢ ﻣﺪﻳﺮ ﻋﺎم أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻟﻺﻋﻼم ،واﻟﻤﺴﺘﺸﺎر اﻹﻋﻼﻣﻲ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻘﺪﺳﻲ ،أدارﻫﺎ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺣﻤﺪان اﻟﺪرﻋﻲ رﺋﻴﺲ ﻗﺴﻢ اﻟﺒﺤﻮث واﻟﺪراﺳﺎت واﻟﻨﺪوات ﺑﺎﻟﻤﺮﻛﺰ ،ﺑﺤﻀﻮر ﻣﻌﺎﻟﻲ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻃﺤﻨﻮن آل ﻧﻬﻴﺎن. وﺗﻀﻤﻦ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ﻣﺤﺎﺿﺮة ﺑﻌﻨﻮان "اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﻓﻲ ﻓﻜﺮ زاﻳﺪ ،ﻟﻺﻋﻼﻣﻲ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺠﻮﻛﺮ ،اﻟﺬي رﻛﺰ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﺴﻴﺮة اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن "ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه" وﻫﻮ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺮﻳﺎﺿﻲ ،ﻣﺘﺤﺪﺛ ًﺎ ﻋﻦ دور اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ واﻧﺘﻤﺎﺋﻪ اﻟﻮﻃﻨﻲ وإﺣﺴﺎﺳﻪ ﺑﺎﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﺔ ﺗﺠﺎه ﺷﺒﺎب اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
11
ﺗﺮاث اﻟﺸﻬﺮ
ﻣﺤﺎﺿﺮات وﻧﺪوات ﻣﻤﻴﺰة
ﺗﻀﻤﻦ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﺮﻣﻀﺎﻧﻲ ﻋﺪ ًدا ﻣﻦ اﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﻨﻮﻋﻴﺔ ،ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺤﺎﺿﺮة ﺑﻌﻨﻮان "ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺴﻌﺎدة اﻷﺳﺮﻳﺔ" ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر ﻫﺸﺎم اﻟﺴﻴﺪ ﻋﻄﻴﺔ ﻣﺪرس اﻟﻔﻘﻪ ﺑﻜﻠﻴﺔ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ واﻟﻘﺎﻧﻮن ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻷزﻫﺮ ﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ إن اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺴﻌﺎدة اﻷﺳﺮﻳﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﻤﺒﺪأ اﻟﻤﺤﺎورة واﻟﻤﺸﺎورة واﻟﻤﺮاﺟﻌﺔ واﻟﻨﻘﺎش ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻷﻣﻮر. وﻣﺤﺎﺿﺮة ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان "اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ..ﺷﻌﻴﺮة وﻓﻀﻴﻠﺔ" ،ﻟﻠﺪﻛﺘﻮرة ﺳﻌﺎد اﻟﻌﺮﻳﻤﻲ أﺳﺘﺎذ ﻋﻠﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎع ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻻﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﺳﻠﻄﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻓﻲ ﻓﻜﺮ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن "ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه" ،وﻗﺎﻟﺖ إن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺬي ﻧﺸﺄ وﺗﺮﻋﺮع اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻓﻲ أﻛﻨﺎﻓﻪ ،ﻣﺜﱠﻞ اﻟﺤﺎﺿﻦ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻷول ﻟﻨﺒﺮاس اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ وﺧﻠﻖ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ،ﺣﻴﺚ اﻧﻄﻠﻖ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻻﺣﻘﺎ ﻓﻲ ﻧﻬﺠﻪ وﺳﻠﻮﻛﻪ وﺳﻜﻨﺎﺗﻪ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻨﻬﺞ اﻟﻘﻮﻳﻢ ،ﻓﻜﺎن ﻟﻪ ﻣﺎ أراد ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ أﻫﺪاف اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻌﻠﻴﺎ؛ ﻣﻦ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﻟﻼﺗﺤﺎد وﺟﻌﻞ دوﻟﺔ اﻻﻣﺎرات أﻧﻤﻮذﺟﺎ ﻟﻠﺘﻌﺎﻳﺶ اﻟﺴﻠﻤﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﻮﻣﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻋﻠﻰ أرﺿﻬﺎ .وﻣﺤﺎﺿﺮة ﺑﻌﻨﻮان "اﻟﺘﻌﺎﻳﺶ اﻟﺴﻠﻤﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ" ،أﻟﻘﺎﻫﺎ اﻟﺸﻴﺦ ﺟﻌﻔﺮ أوﻟﻔﻘﻲ ﻣﺪﻳﺮ اﻹرﺷﺎد واﻟﺸﻌﺎﺋﺮ وﻣﺪﻳﺮ اﻟﺘﻮﺟﻴﻪ اﻟﺪﻳﻨﻲ وﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻘﺮآن ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ،أﺣﺪ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺿﻴﻮف ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ
10
رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ "ﺣﻔﻈﻪ اﻟﻠﻪ" ،أﺷﺎد ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﺗﺠﺴﺪه اﻹﻣﺎرات ﻣﻦ ﻧﻤﻮذج واﺿﺢ ﻟﻠﺘﻌﺎﻳﺶ اﻟﺴﻠﻤﻲ إذ ﺗﺬوب ﻋﻠﻰ أرﺿﻬﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت واﻷدﻳﺎن ﻟﻤﺎﺋﺘﻲ ﺟﻨﺴﻴﺔ ،ﻣﺸﻴﺮا إﻟﻰ أن اﻹﻣﺎرات أﺳﺴﺖ ﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺘﻌﺎﻳﺶ واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ،وأن اﻋﺘﺒﺎر اﻟﻌﺎم اﻟﺤﺎﻟﻲ ﻋﺎﻣﺎ ﻟﻠﺘﺴﺎﻣﺢ ﻣﺎ ﻫﻮ إﻻ ﺗﺘﻮﻳﺞ ﻟﻤﺎ ﺗﺸﻬﺪه ﻫﺬه اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ ﺗﻌﺎﻳﺶ ﺳﻠﻤﻲ ﻣﻨﺬ زﻣﻦ. ﻛﻤﺎ ﺷﻬﺪ ﺟﻤﻬﻮر اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﺮﻣﻀﺎﻧﻲ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻣﺤﺎﺿﺮة ﺣﻮل "ﺻﻠﺔ اﻟﺮﺣﻢ" ،ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر ﻓﺮﻳﺞ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﻠﻴﻢ ﻣﺪرس اﻟﻌﻘﻴﺪة واﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﻛﻠﻴﺔ أﺻﻮل اﻟﺪﻳﻦ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ اﻷزﻫﺮ أﺣﺪ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺿﻴﻮف ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ "ﺣﻔﻈﻪ اﻟﻠﻪ" .ﺑﻴّﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﻔﻬﻮم ﺻﻠﺔ اﻟﺮﺣﻢ اﻟﺬي ﻳﺸﻤﻞ ﺻﻠﺔ رﺣﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺟﻤﻌﺎء ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف أﺟﻨﺎﺳﻬﺎ. ﺗﻀﻤﻦ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﺮﻣﻀﺎﻧﻲ 14وﺟﺎءت إﺣﺪاﻫﺎ ﺑﻌﻨﻮان "اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ وﺛﻘﺎﻓﺔ اﻷﻧﺴﻨﺔ" وﺷﺎرك ﻓﻴﻬﺎ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺠﺮوان رﺋﻴﺲ اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻠﺘﺴﺎﻣﺢ واﻟﺴﻼم ،وﻣﺤﻤﺪ ﺟﻤﻌﻪ ﺳﺎﻟﻢ اﻟﻤﻬﻴﺮي وﻛﻴﻞ وزارة اﻟﻌﺪل واﻟﺸﺆون اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺳﺎﺑﻘﺎ ،واﻟﺪﻛﺘﻮر ﺧﻠﻴﻔﻪ اﻟﻈﺎﻫﺮي اﻟﻤﺪﻳﺮ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬي ﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻤﻮﻃﺄ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،واﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺤﻤﺪ أﺑﻮ اﻟﻔﺮج ﺻﺎدق. وﻣﻦ ﻣﺤﺎﺿﺮات اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ﻣﺤﺎﺿﺮة "اﻟﺼﻴﺎم ﺗﻬﺬﻳﺐ ﻟﻠﻨﻔﺲ" ﻗﺪﻣﻬﺎ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻓﺎﻳﺰ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺳﻴﻒ ﻣﺴﺘﺸﺎر دار اﻟﻔﺘﻮى ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن أﺣﺪ
زاﻳﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻳﻜﺮم اﻟﻔﺎﺋﺰﻳﻦ ﺑﻤﺴﺎﺑﻘﺔ "أﻓﻀﻞ ﻣﺮﺗﻞ" واﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻋﻠﻰ إﻧﺠﺎح اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن
ﺛﻘﺎﻓﻲ وﻓﻜﺮي ﻳﻐﻨﻲ ﺟﻤﻬﻮره ﺑﺄﻃﻴﺎف ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ واﻟﻌﻠﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﺘﺮﻓﻴﻪ ،وﻳﺸﺠﻊ أﺑﻨﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺑﻘﺘﻪ اﻟﻘﺮآﻧﻴﺔ اﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﻗﺒﺎل ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎب اﻟﻠﻪ ،ﻛﻤﺎ ﺛﻤﻨﺖ دور ﺷﺮﻛﺎء اﻟﻨﺎدي ﻣﻦ اﻟﺮﻋﺎة واﻟﺪاﻋﻤﻴﻦ ﻟﻠﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﺬي ﻳﺰداد ﺑﻬﺎء وﺗﺄﻟﻘﺎ. وﻗﺎﻟﺖ اﻟﻤﻨﺼﻮري" :إﻧﻨﺎ ﻓﻲ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻧﺴ َﻌﺪ ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﺮﻣﻀﺎﻧﻲ اﻟﻤﻤﻴﺰ ،ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﺴ َﻌﺪ أﻛﺜﺮ ﺑﺎﻟﺘﻄﻮر اﻟﺬي ﺷﻬﺪه، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ِ ﻓﻮاﺋﺪه اﻟﺘﻲ أﺻﺎﺑﺖ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺗﺎﺑﻊ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎﺗ َﻪ أو ﺷﺎرك ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺑﻘ ِﺘﻪ "ﻣﺴﺎﺑﻘﺔ أﻓﻀﻞ ﻣﺮﺗﻞ ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ" ،أزﻛﻰ اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺎت وأﻃﻬﺮﻫﺎ ،ﻫﺬه اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻤﻌﺖ ﻋﺸﺮات اﻟﻤﺘﺴﺎﺑﻘﻴﻦ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﻲ ﻛﺘﺎب اﻟﻠﻪ ﻣﻦ أﺷﺒﺎﻟﻨﺎ وﺷﺒﺎﺑﻨﺎ اﻟﻤﺴﻠﻢ ،ﻣﻦ ﺟﻨﺴﻴﺎت ﻣﺘﻌﺪدة، وﻣﻦ ﻓﺌﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وأﻋﻤﺎر ﻣﺘﺒﺎﻳﻨﺔ".
ﻛﻤﺎ أﻟﻘﻰ ﻓﻀﻴﻠﺔ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺪﻛﺘﻮر أﻧﺲ ﻣﺤﻤﺪ ﻗﺼﺎر ﻛﻠﻤﺔ ﻟﺠﻨﺔ ﺗﺤﻜﻴﻢ اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺔ ﺷﻜﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻋﻠﻰ رﻋﺎﻳﺘﻪ ﻷﻫﻞ اﻟﻘﺮآن وﺣﻔﺎﻇﻪ ،اﻟﺬﻳﻦ ﺑﺬﻟﻮا ﺟﻬﺪﻫﻢ ﻓﻲ ﺿﺒﻄﻪ وإﺗﻘﺎﻧﻪ وإﺗﻤﺎم ﺣﺮوﻓﻪ وأﺣﻜﺎﻣﻪ ،ﻣﺒﻴﻨﺎ أن ﻋﺪد اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺮﺷﺤﻮا ﻟﻠﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻓﻲ دورة ﻫﺬا اﻟﻌﺎم ﺑﻠﻎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ وﺳﺘﻴﻦ ﻣﺘﺴﺎﺑﻘﺎ ﻣﻦ ﺟﻨﺴﻴﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، أﻛﺜﺮﻫﻢ ﻣﻤﻦ ﻳﺤﻔﻆ اﻟﻘﺮآن ﻛﺎﻣﻼ ،ﻣﺸﻴﺮا إﻟﻰ أن ﻣﺴﺎﺑﻘﺔ ﻫﺬا اﻟﻌﺎم ﺗﻤﻴﺰت ﺑﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﺎﻋﻠﺔ ﻣﻦ أوﻟﻲ اﻟﻬﻤﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻓﺎﺟﺄوا اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﺄداﺋﻬﻢ اﻟﻤﺘﻤﻴﺰ ،وﻫﻤﺘﻬﻢ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ،ورﺳﻤﻮا ﺑﺴﻤﺔ اﻟﻔﺮح واﻹﻋﺠﺎب ﻋﻠﻰ وﺟﻮه اﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ ،وﻣﺆﻛﺪا أن ﻣﺸﺎرﻛﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻟﺠﺪد ﻟﻠﻌﺎم اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮاﻟﻲ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺔ ﻧﺎﻟﺖ اﺣﺘﺮام اﻟﺠﻤﻴﻊ ،وﺣﻈﻴﺖ ﺑﺎﻟﺘﻘﺪﻳﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻟﺤﺮﺻﻬﻢ وﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﻨﻄﻖ ﺑﻬﺎ.
ﺗﺮاث /اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
9
ﺗﺮاث اﻟﺸﻬﺮ
14 ǣǜƜƿǙƲǖČ ĦƜƨƲǠǚǖČ ĥƜƣƮ ǣǍ
ƠǎǥǗƮ Ǜƞ ưǚƬǙ Ǜƞ ưǤČė
ĦƜƨƲǠǚǖČ ĒƜƩǜĊ ǢǗLJ ǛǥǗǙƜLjǖČĨ lǕƢƲǙ ǕƿǍĈz ƠǑƞƜƶǚƞ ǛǤƳƚƜǎǖČ ĥƲǔǤ أﺑﻮﻇﺒﻲ -ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻔﺘﺎح
ﻛﺮم اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﺔ آل ﻧﻬﻴﺎن اﻟﻔﺎﺋﺰﻳﻦ ﺑﻤﺴﺎﺑﻘﺔ أﻓﻀﻞ ُﻣﺮﺗﻞ ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻟﻔﺌﺘﻲ اﻟﺸﺒﺎب واﻷﺷﺒﺎل ،واﻟﺠﻬﺎت اﻟﺮاﻋﻴﺔ واﻟﺪاﻋﻤﺔ واﻹﻋﻼﻣﻴﻴﻦ .وذﻟﻚ ﻓﻲ ﺣﻔﻞ أﻗﻴﻢ ﻓﻲ ﻣﺴﺮح أﺑﻮﻇﺒﻲ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ ﻛﺎﺳﺮ اﻷﻣﻮاج ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺧﺘﺎم ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﺮﻣﻀﺎﻧﻲ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ اﻟﺬي ﻧﻈﻤﻪ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣــﺎرات ﺑﺮﻋﺎﻳﺔ ﻛﺮﻳﻤﺔ ﻣﻦ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻣﻤﺜﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ رﺋﻴﺲ اﻟﻨﺎدي. ﺣﻀﺮ اﻟﺘﻜﺮﻳﻢ ﻋﻠﻲ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ اﻟﺮﻣﻴﺜﻲ اﻟﻤﺪﻳﺮ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬي ﻟﻠﺪراﺳﺎت ﻗﺼﺎر رﺋﻴﺲ ﻟﺠﻨﺔ اﻟﺘﺤﻜﻴﻢ واﻹﻋﻼم ﻓﻲ اﻟﻨﺎدي ،واﻟﺪﻛﺘﻮر أﻧﺲ ﻣﺤﻤﺪ ﱠ ﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺔ "أﻓﻀﻞ ﻣﺮﺗﻞ ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ" وأﻋﻀﺎء اﻟﻠﺠﻨﺔ ،وﺳﻠﻄﺎن اﻟﻈﺎﻫﺮي ﻣﺪﻳﺮ ﻋﺎم اﺗﺼﺎﻻت أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﺮاﻋﻲ اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ،وأﺣﻤﺪ ﺳﺎﻟﻢ 8
اﻟﺮاﺷﺪي اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ ﻟﻠﺘﻤﻮﻳﻞ اﻟﻌﻘﺎري ﺑﻤﺼﺮف أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﺮاﻋﻲ اﻟﺮﺳﻤﻲ ،وﻣﻤﺜﻠﻮ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﺪاﻋﻤﺔ واﻟﺮاﻋﻴﺔ ﻟﻠﻤﻬﺮﺟﺎن ،وﻋﺪد ﻣﻦ ﻣﺪراء اﻹدارات اﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻨﺎدي ،وذوو اﻟﻤﺘﺴﺎﺑﻘﻴﻦ ،وﻣﻤﺜﻠﻮ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم ،وﺟﻤﻬﻮر ﻏﻔﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﺘﺎﺑﻌﻲ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن .وﻓﺎز ﺑﻤﺴﺎﺑﻘﺔ أﻓﻀﻞ ﻣﺮﺗﻞ ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻟﻔﺌﺔ اﻟﺸﺒﺎب ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﻓﺮوخ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب ،وﻓﺎز ﻋﻦ ﻓﺌﺔ اﻷﺷﺒﺎل ﻣﺤﻤﺪ أﻣﻴﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم أﻣﻄﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب ،وﺣﻈﻲ اﻟﻔﺎﺋﺰون ﺑﺎﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻟﻌﺸﺮة اﻷوﻟﻰ ﻟﻜﻞ ﻓﺌﺔ ﺑﺎﻟﺘﻜﺮﻳﻢ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻢ ﺗﻜﺮﻳﻢ ﻟﺠﻨﺔ ﺗﺤﻜﻴﻢ اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺔ ،وﻣﻤﺜﻠﻲ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﺮاﻋﻴﺔ واﻟﺪاﻋﻤﺔ ،واﻹﻋﻼﻣﻴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ راﻓﻘﻮا ﺑﺘﻐﻄﻴﺎﺗﻬﻢ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن .ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺔ اﻟﻨﺎدي اﻟﺘﻲ أﻟﻘﺘﻬﺎ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻣﺴﻌﻮد اﻟﻤﻨﺼﻮري ﻣﺪﻳﺮة ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث ﺗﻮﺟﻬﺖ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ إﻟﻰ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻋﻠﻰ اﻫﺘﻤﺎم ﺳﻤﻮه ﺑﺘﻨﻈﻴﻢ ﻫﺬا اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﺬي ﻳﺜﺒﺖ أﻫﻤﻴﺘﻪ ﻋﺎﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻋﺎم ﻋﻠﻰ ﺧﺎرﻃﺔ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،ﺑﻤﺎ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﻀﻤﻮن
زاﻳﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻳﻜﺮم اﻟﻔﺎﺋﺰﻳﻦ ﺑﻤﺴﺎﺑﻘﺔ "أﻓﻀﻞ ﻣﺮﺗﻞ" واﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻋﻠﻰ إﻧﺠﺎح اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن
96
_$L Q# H
ĞŔŹűŬ ĞƀŜĘšĤ ĞƀĤėĸĠ :ﺗﺼﺪر ﻋﻦ أﺑﻮﻇﺒﻲ، ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات- ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث
اﻹﺑﺪاع:ﺷﻮﻣﺎن ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ إﻧﺘﺎج وﻋﻲ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﺘﺮاث " Ù' # p44444444 è " &/44,44Ã44' 44444 44 44Ø "
Ú Ã# Ú Ã ]Û # . Û+ ñ# - )µÙ#
رﺋﻴﺲ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ
źĴűĔōŤē İũĨ ĚĹũļ
ﻣﺪﻳﺮ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ
' (# . 44 44 44(44# &/44,44Ã44(44# ¦444+ ]Û44 44 44±44# .
Ð' Í} (Ù ¹Î# . ] p,±(# %'~ # Í/ pØ
- Û ±# ) -Ùʱ Ù' # p44 è Ð ÙÊÎ # Û ), Ø ( ] 3 - Ø °. Ø /44Í}. Î } Ð' (,Î' p44 . % pÎØ '. ](Ú Ã#
Úp ' ÐÙ( Ø : /
ŮŻİŤē ĆǙŐ İżŤŴ
اﻹﴍاف اﻟﻌﺎم źijŵŁŭũŤē įŵőĹŨ ĚũňĔŘ
110
ŽŐijİŤē ŽťŐ łŻŵŐ ęĵŵŨ
#R r
اﻹﺧﺮاج واﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ģĔĥĨ ęįĔŔ
..ﻗﻨﻄﺮة ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻗﻨﻄﺮة اﻟﺪﻫﺮ
ūĔėőļ ŹřʼnŁŨ :ﻣﺼﻮر
44 44 44 444 444 444É 444 444Î444É 44Ù44¹44
] # # # . ÐÙ¢ Õ(# Ð' Ù #
ūēŴİŐ ŧĔĽű :رﺳﻮم
:اﳌﻮﻗﻊ ﻋﲆ اﻹﻧﱰﻧﺖ www.mags.ae
ﻋﻨﺎوﻳﻦ اﳌﺠﻠﺔ
,$Ù Ã °. + ¥ Û /´ Â} Ðئ#
Ê# Î# , Ù(+}. , Í '. ] Ø ( (#
Ù¹ 44(44 ]& 4444 %44 44±44 444#p444Íæ . 444¢ %44 44±44
'. ] , ÃÙ¸. } ÛÂ + ( 1$ ), . Ù'} ÛÎ Ã$¢. '} & ( +
Û p# Û$ Ø/ ©/' ...&/Ù# 1# (ã É # ©
: Ø # . 2 Û ¸/ ࢫ p (# Ù # '2
turath@sbzc.ae : Ø # Øp' 026666130 :Ä +
اﻻﺷﺘﺮاﻛﺎت
p( } : Ø©/ # ".Õ '
b : #.p# ¢ Ð' Âç# / (+ 150 : 'è #. %¢ Âç# b Õ($# / (+ 150 : #.p# %¢ Õ($# - 2. 200
marketing@cmc.ae +971 56 3150303 Ø©/ $# 'è
7
2019 ﻳﻮﻧﻴﻮ236 اﻟﻌﺪد/ ﺗﺮاث
. 2. 200 #.p# ¢
ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﻌﺪد 62 ī 14 Ǟ ;¥NH 5$r$ a R¤LO 9#R7 # ĉ x # ŭű«$y # R ¥ y¤ L 0 N G 0 N¥#S ĉR ] # 9#R8 8 E$7y # N/r N G ī $@R # E$? ) r ¤ $q # ě 8R ez'Ĝ }0$Y 0 §~ ZN # «# ćM ī X¤Z(7 # 5# Z ²L ~Q$] # §z ¤ q7 # 66 wR^ M G ī ċM$¤a # ' ććcQµ# 68 ö ¦ů/b E²b ĉ @R8 Ĉ\¤ MQ @ ī Č5 § 0$7 # 76 zM$a # R¤ ZćM ī 5$ q # Rar §z ¥# ů # 83
ü -$ # N/r N $? =ůz īě 'R # $ ' ?8 'R #Ĝ ćć !! ¤ $!! H 84 /¤7r R¤ ī $q # 5± G8 $¤G # W }j 86 M G ¤ir N G ī -RG # §z ¦ N/ # °$e} # 90 ñ NŭŲ 0' N H' ī # °$y K # >H IŰ ¥ ¦űŭů} # 92 ¤ #R0) N¤r N G ī q # N/r N H' ²H' 95 ñ ñ YH § r Q$ rćM ī 0 ůK # 101 5$HRz N H' ī Ė°$Z / # Rr$^Ė §z$bR # w ůq 102 x¤ L c$ŭŰ ĉQ# H ī ¥$ G # $ q 60$v ? j 60$v ) ĉ¦Ű ű # $ ' 104 ez E²bćM ī §z$}; # Q$¤7 # ? §z g#RK ±# 108 § QN # ]«$r ī |zN7 # i Z Ų$? # 7z °$ # 114 ~ }j 0 ů/ ćM ī Ė5# 8Ė 5$H# §z Ė°$ # ¤ $¤ Ė 116 ¦ $ ~ T H ī Č }y # 0$7 # 119 §Z Z N G M ī X N µ# §z J/i # z 120 §r Űű # j$z ī ¥N} # §zRq # °$r # 123 ¦ů q # N z ī §8#Q$ ·# §i/ # Rq] # §z Ė $G #Ė 124 R $j yia ī 1919 Q < r $r «$ 126 ¦ů $q # ¤}8 ī xH$7 § $q # ¤ # Ė ¥$ 18Ė 128 §r Űű # N H j$zćM ī Xŭů # F¥N §z 130 أﺳﻌﺎر اﻟﺒﻴﻊ
8
124
ÐØ # $(' - Ù 800 Ï ( Î $ - p . ÎØ Ø/ # - 2 Ø 10 Ø / # Ù # $((# - )+ 10 : p (# Ù # 'è b Ï ÎØ Ù(° ,# ÙÍ æ $((# - Ù# 100 Ø / - Ù# 5000 Ï Î # - ,ÙÎ 250 Ï / # - ,ÙÎ 5 ' - " Ø 200 Ð(Ù# - p . ÎØ b 20 Ù ½(# $((# - Ï ÎØ ÐÙ $Â - ÎØ 2500 Ë # 3 ÙÍ Ø - Ï ÎØ Ù Í/ # Ø /,( # - ÙÍ Í 4 Ù Ù$# Ø Ù+ ( # - (+
. 2. 5 pÎ . Ù Ù'æ p (# Ø2/# - . /Ø 4 Û . .æ 2 ". - Í Â 7 Ø/ - ,ÙÎ
'è Ú Í .} Ø # äÙ+ . µ# Ø 2. # Ð Ø p # ¦+ ÛÂ . '
ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﻌﺪد
6
ķĸĭŭŨė ŲŬ
69
{$z³# M$¤8Q# {$z³#
r ﻋﺘﻤﺔ ﻓﻲ ﺿﻮء.. ﻛﺮاﻧﻴﺲ اﻟﺸﻤﺲ ' Ù¢æ /Î # Û - Ù(+} " ÙÂ Ê # Î # " &/,Ã'
} pÉ. . ÙÂ Ê # , Ø/+. , Ð / ±# % Â 2. ' p ] + Ù¼. ] Ù Ø 'æ p (# Ø2/# . ]Ï Ù# . ÐÙ # ,Î' ".
'p¢ Û44Â Ù } ª44Ù44 $ ( Í /44É ÙÂ Ê # Î # Ï}
. Ù(# /Ê# )Ù+ Ã' ÌÙÊ . Ø É2 . Ù Ù # Á p+æ b
%Ø/ # Ð (Ø ' © } Ð' ØpÙ$Ê # Î # . Ø.pÙ# Á # p . b ( ] ÙÂ Ê . Ù ( ÐÙ' µ' %( Ø ,Í/ ] p # ¦+ ÛÂ -Ù$
d b č( ] æ ] ~±Í ÙÍ ÐÙ ĎÙÍ Í/Ù# /Î $# Ï} /# e Č d e # 1$ ,´ ÊÍ}. , ã ¢ ÐÙ g ] 44Ù4Č 4 44 44Éè } d -#é# 1 Č .} ]ÌØ ¼è ,# Ð' ĊÚæ ]ÐÙÎ .} ]p ' "3 } Č ČØ g(# ]ÐÙ Ù # Ú¥ Ù Ù Ð' e(# ] ÙÍ Í/ Ù# . e Č
)# ' /+. ! ÙÍ Ùg Á p+} ÌÙÊ # (# # /$' % gÉ Č h Ød Û Ø (£# Á °} ..)
© ( ÙÂ Ê Ù / ¢ ¥ ]%( $# # . p (' Ø ' Î' ,Í} . p è . ÐÃ# . " ( # b ÌÙÊ ÛÂ )# # ". Ð' Ù # 3¢p' ØpÙ$Ê # Á # Í p44É.
Ø/ . )ٹΠ# £# 44 44´. 'pÎ Ã ' Ø É 2p44 44'
Ð' Ù # ÛÍ (ÎÙ . ,# Ù(# . Ù$ ' Ë / } Â. , Í Ù$(
" ª '. . pÍè p 1# $ . p / ] Ù # ØpÙ$Ê # Á # ÛÂ # %( # ) Ø )#. ]Û '/$ (# . ÛÂ (# Íè 0/ ' 1$ ÙÊÂ
Û (# Íè . Ø/,# Ø µÉ 'p£# + ( . ] Ù(# +© 1$ b . ÙÂ Ê # Î # . Ù '/$ (# . Ø ¢ p ' 1$ (# *¦+ 1$ /µ# Î $ p # ¦+ ÎÃ$' ÛÂ
' ,# ÙµÊ# *¦+ "/ ¯ ÊÎ# ,Âp+ #/ Û ]Û # Ð /#
Ù # Á g # p . , Û( # & ( +2 0/ ' ªØ Ï} %'~Í Û # 2/ # . Øp # , /' Û pÙ . æ ,ÊØ ØpÙ$Ê # ÌÙÊ Û (+ (# ] ÙÂ Ê # . Ø É2 . Ù Ù # . Ù ( 2
% . ] ' £# . Ù Ù # /(# ÄÙ¸/ . ] äÙ # /(# %µÂ} (
ÌØ/ # . ] Øp # 44Ø©. ] Íè 2p ' 44Ø©. ] # # 3 ±'
É3 ªØª Û44 444+ . 144# 44 44´ . ( 2 ¦44 . ]Û Ù # . , Ø/+. , / ±# ' /Î (# p # /' ÙÊ . Ä$(# ¦+ Û â É p Ø Ï} %'~Í .-É.¥ Û´ Ø
5
2019 ﻳﻮﻧﻴﻮ236 اﻟﻌﺪد/ ﺗﺮاث
78
°#Q% $¥ °#Q% $¥$e~
r اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻘﺪﻳﻢ وﻓﺎﻧﺘﺎزﻳﺎ اﻟﻔﻘﺮ Û'/Ù# ( + ¹' p } Ê(# 1# © Ù Í2 Ï
b /Í ,Ã / Ê(# Â ] Ø # ½$# Ù ´. %Ù½± .
Ë.¦# Ù½ © -Ê 1$ %( pÙ Ê$# b Ø ½' ċØ °
Î # Í/ ' Ù½ Â ... Ø ±# Ù # "p . ]ÛÎÃ# Ù # ÛÂ Á/#~(# Ð Ù $# b ¢ b3Ê Ï/ Ù# ]Ú ±#
ÐÙÍ 1Ã ' p( ' . . , ½#. Ù'/Ù#
ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﻌﺪد ﻟﻌﺪد اﻟﻌﺪدﻟﻌ ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت
53 110
59 4
ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﻌﺪد
120
ﻃﺎﻟﻊ اﻟﻨﺨﻞ -ص 60
إﺻﺪارات ﻣﺮﻛﺰ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ
cmc.ae
cmc_ad
cmc_ad
cmc.ae
turath_cmc turath_cmc
ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻣﻨﻮﻋﺔ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ
ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺪد 236ﻳﻮﻧﻴﻮ 2019
اﺳﺘﺪاﻣﺔ اﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ا ﻣﺎراﺗﻴﺔ ﱠ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻘﺪﻳﻢ وﻓﺎﻧﺘﺎزﻳﺎ اﻟﻔﻘﺮ ﻗﻨﻄﺮة ﻗﺮﻃﺒﺔ.. ﻗﻨﻄﺮة اﻟﺪﻫﺮ
اﻟﻘﻀﺎء اﻟﺒﺪوي ﻓﻲ اﻟﺤﺮب »ﻛﻴﺎﻟﻴﻦ اﻟﻤﺎء« ﻓﻲ واﺣﺎت »ﺗﻮات«
»اﻟﻤﺤﺎﻣﻞ« ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ ا!ﻣﺎراﺗﻲ ﻣﻠﻒ :ﻣﻬﻦ اﻟﺘﺮاث ذﺧﻴﺮة ﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ