إﺻﺪارات ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث -ﻧﺎدي ﺗﺮاث ا ﻣﺎرات ،أﺑﻮﻇﺒﻲ
ƂǃƵƱƵƩƴŢ
ŪŢƂţƸǎŢ ƟƹŭŵƸ LJƨ ũljƹƽŭƴŢǂ ũƴţƐnjŢ
د إﺑﺮاﻫﻴﻢ أﺣﻤﺪ ﻣﻠﺤﻢ
ŨƃưŢƀ džǂŢƃƴŢ ﻗﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﺧﻠﻒ اﻟﺮوﻳﺲ
torathehc www.torath.ae
إﺻﺪارات ﻣﺮﻛﺰ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ أوراق وﺗﻮﺻﻴﺎت ﻧﺪوة :ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ دوﻟﺔ ا ﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة
»ﻣﻦ أﺟﻞ ﻧﻈﺎم ﺗﻌﻠﻴﻤﻲ ﻣﻮاﻛﺐ ﻟﻠﻌﺼﺮ«
www.sbzc.ae
Sbzc
@sbzc.ae
@sbzc_ad
ﺑﺮزة ﺗﺮاث
ﻣﺨﺒﺎه ﻣﺨﺒﻮق اﻟﻤﺎل ﻫﻮ ﻋﺼﺐ اﻟﺤﻴﺎة ،ﻋﻨﺼﺮ أﺳﺎﺳﻲ ﻻﺳﺘﻘﺮار ﺣﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎن ،ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﻤﺘﻄﻠﺒﺎت اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﺨﻴﺮه وﺧﻴﺮ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﻤﺴﻜﻦ واﻟﻐﺬاء واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ وﺣﺎﺟﺎﺗﻪ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ اﻷﺧﺮى، ﻣﻤﺎ ﻳﺆﺛﺮ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻘﺮار اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ،ﺣﻴﺚ ﻳﻨﻤﻮ اﻻﻗﺘﺼﺎد، ﻓﻴﺴﺎﻋﺪ اﻟﺪول ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺴﻴﻦ ﺑﻨﻴﺘﻬﺎ اﻟﺘﺤﺘﻴﺔ ،ﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﺨﺪﻣﺎت اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﻌﻠﻴﻢ ،ﺻﺤﺔ ورﻋﺎﻳﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،اﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﻤﺎدي أﺣﺪ أﺳﺒﺎب اﻟﺴﻌﺎدة ،ﻓﻼ دﻳﻮن ﺗﻨﻐﺺ اﻟﻌﻴﺶ ،ﺑﺎﻟﺘﻔﻜﻴﺮ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﻗﺴﻄﻬﺎ اﻟﺸﻬﺮي .ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻤﺮء ﺑﺎﻟﻤﺎل ﺗﺒﺪأ ﻣﻦ ﻣﻌﺘﻘﺪاﺗﻪ ،اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄت ﻓﻲ ﻓﺘﺮة اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ﺛﻢ ﺗﺮﺳﺨﺖ ﻓﻲ ﺷﺒﺎﺑﻪ .ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﺪات اﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ اﻟﻨﻈﺮ ﻟﻠﻤﺎل ﺑﻮﺻﻔﻪ وﺳﻴﻠﺔ ﻳﺪرك أﻫﻤﻴﺘﻪ وﻛﻴﻔﻴﺔ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ،ﺑﺬﻟﻚ ﻳﻜﻮن ﺳﻴﺪ ﻣﺎﻟﻪ .وأﻣﺎ إن ﻛﺎن اﻟﻤﺎل ﻏﺎﻳﺔ ﻓﻲ ذاﺗﻪ ،ﺳﻴﺠﻌﻞ اﻟﺸﺨﺺ ﺣﺮﻳﺼﺎً ﻋﻠﻴﻪ ﺟﺎﻣﻌﺎً ﻟﻪ ،ﻫ ّﻤﻪ أن ﻳﺰﻳﺪ ﻓﻼ ﻳﻨﻘﺺ ،وﻳﺪﻋﻲ ﺿﻴﻖ ذات اﻟﻴﺪ إن ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻳﺤﺮﻣﻪ اﻟﺘﻤﺘﻊ ﺑﻪ .ﻣﻌﺘﻘﺪات اﻟﺸﺨﺺ ﻧﺤﻮ اﻟﻤﺎل ﻻﺑﺪ أن ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺎﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ،ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره وﺳﻴﻠﺔ ﻻ ﻏﺎﻳﺔ ،ﺑﺄن ﻳﻜﻮن ﻣﺼﺪره ﻃﻴﺒﺎ ،أن ﻳﺘﺼﺮف ﺑﻪ ﺑﺤﻜﻤﺔ و ذﻛﺎء ،أن ﻳﺤﻔﻆ ﺟﺰءا ً ﻣﻨﻪ ﻟﻼدﺧﺎر؛ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺿﻤﺎن ﺣﻴﺎة ﻫﺎدﺋﺔ ﻫﺎﻧﺌﺔ ،وﻣﺴﺘﻘﺒﻞ زاﻫﺮ .ﻣﻦ اﻟﻤﺆﺳﻒ أن ﺑﻌﺾ ﺣﻮادث اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ﻗﺪ ﺧﻠﻘﺖ ﻋﻼﻗﺔ ﺳﻠﺒﻴﺔ ﻟﺪى ﺑﻌﺾ اﻷﺷﺨﺎص ﺑﺎﻟﻤﺎل ،ﺳﻮاء أﻛﺎن ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮ أم ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ اﻧﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ ﻛﻼﻣﻬﻢ ،ﺻﺎروا ﻳﺮددون ﻣﺎ ﺳﻤﻌﻮه ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻫﻢ ،ﻣﻦ دون وﻋﻲ ﺑﺂﺛﺎره ،ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻗﻮﻟﻬﻢ »اﻟﻔﻠﻮس ﻣﺐ ﻣﻬﻤﺔ ،اﻟﻤﻬﻢ راﺣﺔ اﻟﺒﺎل«، وآﺧﺮون ﻳﺮددون »اﻟﻔﻠﻮس وﺳﺦ ﻟﻠﻴﺪﻳﻦ« ،ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ أﻧﻬﻢ ﻳﺮوﻧﻪ ﺷﻴﺌﺎً زاﺋﺪا ً وﻣﺼﺪرا ً ﻟﻠﺸﺮ واﻟﺨﻼف ﻓﻲ داﺧﻞ اﻷﺳﺮة ،ﻣﻦ ﺛﻢ ﺳﺘﺘﺠﻪ ﻋﻼﻗﺘﻬﻢ ﺑﻪ ﻣﻦ دون وﻋﻲ ﻟﻠﺘﺨﻠﺺ ﻣﻨﻪ داﺋﻤﺎ ،رﻏﻢ ذﻟﻚ ﺳﻴﺠﺪون أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﻮاﻗﻒ ﻻ ﻳﺤﺴﺪون ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻣﺜﻞ ﻣﺮض ﻣﻔﺎﺟﺊ ﻷﺣﺪ أﻓﺮاد اﻷﺳﺮة، أو ﺳﻔﺮ ﻃﺎرئ وﻫﻢ ﻻ ﻳﺪﺧﺮون ﻓﻠﺴﺎً واﺣﺪا ً .ﺣﻴﻦ ﻳﺘﻌﻠﻖ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻹﻧﻔﺎق ﻓﺈن اﻟﻤﺮء ﺑﻴﻦ دﺧﻞ ﺛﺎﺑﺖ وإﻧﻔﺎق ﻣﺴﺘﻤﺮ، ﻻﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻮازﻧﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،ﻓﻼ ﻳﺼﺢ أن ﺗﺘﺠﺎوز ﻧﻔﻘﺎت اﻟﻤﺮء دﺧﻠﻪ ،ﻟﻴﺄﺧﺬ ﻣﻦ راﺗﺒﻪ ﻟﻠﺸﻬﺮ اﻟﻘﺎدم ،ﻫﻲ ﻣﺰﻳﺔ ﺗﻤﻨﺤﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻨﻮك؛ ﻷن ﻫﺬا ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻓﻲ دواﻣﻪ اﻟﺘﺴﺪﻳﺪ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺴﺘﻤﺮ .واﻟﻤﺜﻞ اﻟﻌﺎﻣﻲ
130
ﻣﺨﺒﺎه ﻣﺨﺒﻮق
د.ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺣﻤﺪ اﻟﻤﺰروﻋﻲ*
ŦŌƈōǙȑŌ ǛǙ dzŬŽōşǶ dzŞũōlj
ﻣﺨﺒﺎه ﻣﺨﺒﻮق ﻳﺸﻴﺮ ﻟﻠﺘﺒﺬﻳﺮ اﻟﺸﺪﻳﺪ؛ ﻷن اﻟﻤﺨﺒﺎ وﻫﻮ اﻟﺠﻴﺐ ﺑﻪ ﺛﻘﺐ ،أي أﻧﻪ داﺋﻢ اﻟﺸﺮاء واﻹﻧﻔﺎق .ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺒﺎب ﻳﻘﺘﺮض ﻟﺸﺮاء ﺳﻴﺎرة ﻳﺘﻔﺎﺧﺮ ﺑﻬﺎ؛ ﻟﻴﻘﻀﻲ ﺳﻨﻮات ﻳﺴﺪد ﺛﻤﻨﻬﺎ ﻟﻠﺒﻨﻚ ،ﻣﻦ اﻟﺨﻴﺮ ﻟﻪ أن ﺗﺬﻫﺐ ﺗﺴﺪﻳﺪا ﻷﻗﺴﺎط ﺷﺮاء ﺑﻴﺖ أو ﺷﻘﺔ؛ ﻷن اﻟﻤﺴﻜﻦ ﺣﺎﺟﺔ ﺿﺮورﻳﺔ ،وإن ﺗﻮﻓﺮ ﻟﻪ ،ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن ﺷﺮاؤه ﻟﻠﺸﻘﺔ ﻛﺎﺳﺘﺜﻤﺎر ﺗ ّﺪر ﻋﻠﻴﻪ رﺑﺤﺎً ﺳﻨﻮﻳﺎً .ﻳﻨﺼﺢ اﻟﺨﺒﺮاء اﻟﻨﺎس ﻋﺎﻣﺔ واﻟﺸﺒﺎب ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺘﺄﻧﻲ ﻋﻨﺪ اﻟﺸﺮاء وﻋﺪم اﻻﺳﺘﻌﺠﺎل ،ﺑﺎﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﻟﻠﺸﺮاء وﻣﻘﺎرﻧﺔ اﻷﺳﻌﺎر ﺑﻴﻦ اﻟﺸﺮﻛﺎت وﺗﺼﻔﺤﻬﺎ إﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺎً ﻗﺒﻞ اﻹﻗﺪام ﻋﻠﻰ اﻗﺘﻨﺎﺋﻬﺎ؛ ﻓﻬﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻣﻨﺪﻓﻌﻴﻦ ﺑﺤﻤﻰ اﻟﺸﺮاء اﻟﻌﺎﻃﻔﻲ ،ﻣﺘﺄﺛﺮﻳﻦ ﺑﻤﺎ ﻳﺴﻤﻌﻮن ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﺎﺋﻌﻴﻦ ،اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺜﻴﺮون ﻧﺰﻋﺔ اﻟﺘﺒﺎﻫﻲ ﻓﻲ داﺧﻞ اﻟﻤﺮء ،ﺑﺄن ﻫﺬا اﻟﻤﻨﺘﺞ ﻳﻈﻬﺮﻫﻢ ﺑﺸﻜﻞ أﺟﻤﻞ .ﻳﺤﺚ اﻟﺨﺒﺮاء ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺮاء ﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،ﻟﻤﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ إﻳﺠﺎﺑﻴﺎت ﻛﺜﻴﺮة ،ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺸﺎورة اﻷﺻﺪﻗﺎء واﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺴﻠﻌﺔ ذاﺗﻬﺎ ﺑﺄﺳﻌﺎر أﻗﻞ ﺧﻼل ﻓﺘﺮة اﻟﻌﺮوض واﻟﺘﻨﺰﻳﻼت .ﻣﻊ ﺗﺠﻨﺐ ﺣﻤﻞ اﻟﺒﻄﺎﻗﺎت اﻻﺋﺘﻤﺎﻧﻴﺔ دوﻣﺎً ﻣﻌﻬﻢ .ﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ ﺣﻤﻰ اﻟﺸﺮاء ﺗﻐﻴﻴﺮ اﻟﻬﻮاﺗﻒ ﻣﻊ ﻛﻞ ﻧﻮع ﺟﺪﻳﺪ ﺑﺼﺪر ﻓﻲ اﻷﺳﻮاق ،واﺳﺘﺒﺪاﻟﻪ رﻏﻢ أن اﻟﻬﺎﺗﻒ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻜﻔﺎءة .ﻻ ﺷﻚ أن اﻟﺤﻤﻼت اﻟﺪﻋﺎﺋﻴﺔ ﻫﻲ ﺑﺎﻟﻤﺮﺻﺎد ﻟﻠﻤﺸﺘﺮﻳﻦ ،ﻣﺎ ﺑﻴﻦ إﻳﻤﻴﻼت ﻣﺮﺳﻠﺔ ،إﻋﻼﻧﺎت ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻒ واﻟﻤﺠﻼت، ﻓﻲ اﻟﺸﻮارع واﻷﺳﻮاق اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ،وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﻓﻤﺎ أن ﻳﻨﺘﻬﻲ اﻟﻤﺮء ﻣﻦ ﻣﻄﺎﻟﻌﺔ ﻣﻘﺎﻃﻊ ﻟﻴﻮﻣﻴﺎت اﻷﺻﺪﻗﺎء أﻻ وﻳﺄﺗﻲ اﻹﻋﻼن ﻋﻦ أﺣﺪث اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت .ﻛﺜﺮة اﻹﻋﻼﻧﺎت ﺗﺨﻠﻖ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺮاء ،ﺗﺘﺤﻮل اﻟﻜﻤﺎﻟﻴﺎت ﻛﺄﻧﻬﺎ أﺳﺎﺳﻴﺎت ،ﻟﺬا ﻻﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﻮﻋﻲ داﺋﻤﺎ ،ﺑﻘﻴﻤﺔ اﻟﺨﻄﺔ اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ،وﺳﺒﻞ اﻹﻧﻔﺎق اﻟﺴﻠﻴﻢ
»اﻟﻨ ْﺜﺮة«
ﻛﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض ،ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﻗﺒﺔ اﻟﺴﻤﺎء ،اﻟﻨﺼﻴﺐ ﻟﻸﺳﺪ ،ﻓﺮﻏﻢ اﻟﻌﻄﺶ ،وﻣﻦ أﺳﻤﺎﺋﻪ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ »اﻟ َﻜﻠَﺐ« ،وﻫﻮ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﺤﺘﻮﻣﺔ ﻟﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﻣﻦ اﺷﺘﺪاد اﻟﺤﺮ ،إﻻ أﻧﻪ ﻟﻄﻴﻒ ﻓﻲ اﻟﻠﻴﻞ ﺑﻤﺎ ﻳُﺬﻛّﺮ ﺑﺎﻟﺨﺮﻳﻒ. وﻣﻦ ﺻﻮرة اﻷﺳﺪ اﻟﻤﺘﺨﻴﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﺟﺎء اﺳﻢ »اﻟﻨﺜﺮة«. ﻧﺠﻮم »اﻟ ﱠﻨﺜْﺮة« ﺛﻼﺛﺔ ،اﻋﺘﻘﺪ اﻟﻌﺮب ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ أﻧﱠﻬﺎ ﻣﺨﻄ ٌﺔ ﻳﻨﺜﺮﻫﺎ »اﻷﺳﺪ« ﻛﺄﻧﱠﻬﺎ ﻗﻄﻌﺔ ﺳﺤﺎب .ﻓﻘﺎﻟﻮا» :ﺑﺴﻂ اﻷﺳﺪ ذرا َﻋ ْﻴﻪ ﺛﻢ ﻧَﺜَﺮ« ،ﻓﻴﻤﺎ ذﻫﺐ آﺧﺮون إﻟﻰ أن ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ ﺟﺎءت ﺑﺴﺒﺐ وﺟﻮد ﻧﺠ َﻤ ْﻴﻦ ﺻﻐﻴ َﺮﻳْﻦ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ »اﻟ ﱠﻨﺜْﺮة« ﻫﻤﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب ﻋﻠﻰ ِﻣ ْﻨﺨﺮي »اﻷﺳﺪ« ،وﺗﺴﻤﻴﻬﻤﺎ »اﻟﺤﻤﺎ َرﻳْﻦ« .وﻳﻘﺎل إﻧﱠﻬﺎ ﻓﻢ »اﻷﺳﺪ« و ِﻣﻨﺨﺮاه .وﺗﺴ ﱠﻤﻰ »اﻟﻠﻬﺎة« أﻳﻀً ﺎ ،وﺗﺸﺒﱠﻪ ﺑﺎﻟﻤﻌﻠﻒ. وﺗﺼﻮره اﻷﻗﺪﻣﻮن ﻳﻤﺴﻚ ﺑﻘﺪم اﻟﺠﺎﺛﻲ »ﻫﺮﻗﻞ« أﺛﻨﺎء ﺻﺮاﻋﻪ ﻣﻊ ﺛﻌﺒﺎن اﻟﺒﺤﺮ ،ﻓﻲ ﺣﻴﻦ اﻋﺘﻘﺪ اﻟﻜﻠﺪاﻧﻴﻮن ﺑﻬﺒﻮط اﻷرواح ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﺮج ﻟﺘﺤﻞ ﻓﻲ أﺟﺴﺎد اﻟﻤﻮاﻟﻴﺪ. وﻓﻲ ﻣﻨﺎزل اﻟﻘﻤﺮ :ﻫﻲ »اﻟﻜَﻠﻴﺒ ْﻴﻦ« ﻧﻮ ٌء وﻣﻨﺰﻟﺔ) ،ﻣﻦ »اﻟ َﻜﻠَﺐ« أي اﻟﻌﻄﺶ( ،وﻫﻲ ﺳﺎدس أﻧﻮاء اﻟﺼﻴﻒ ،وﺛﺎﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎزل اﻟﺸﱠ ﺎﻣ ﱠﻴﺔ، وﺗﺴ ﱠﻤﻰ »اﻟﻜَﻠﻴﺒ ْﻴﻦ« ،وﻃﺎﻟﻌﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ ﻣﻦ أﻏﺴﻄﺲ/آب، وﻣ ﱠﺪﺗﻬﺎ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﺸﺮ ﻳﻮ ًﻣﺎ .وﻓﻲ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،ﻓﺈن »اﻟ ﱠﻨﺜْﺮة« Beehive »اﻟﺴﺮﻃﺎن« ﻧﺠﻤﻲ Clusterﺗﺠﻤ ٌﻊ ﱞ ﻋﻨﻘﻮدي ﻣﻔﺘﻮح ﻓﻲ ﻛﻮﻛﺒﺔ ﱠ ﱞ ،Cancerﻳﺒﻌﺪ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺧَﻤﺴﻤﺎﺋﺔ وﻋﺸﺮﻳﻦ إﻟﻰ ﺳﺘﻤﺎﺋﻪ وﻋﺸﺮة 520 610ﺳﻨﺔ ﺿﻮﺋﻴﺔ ﻋﻦ ﺷﻤﺴﻨﺎ .وﻛﺎن ﻏﺎﻟﻴﻠﻴﻮ أ ﱠو َل ﻣﻦ أﻣﺎط اﻟﻠﺜﺎمﻋﻨﻪ ،وﻛﺸﻒ ِﺧﻤﺎر ﻧﺠﻮﻣﻪ اﻷﺳﻮد ﺑﻌﺪﺳﺎﺗﻪ اﻟﺒﺪاﺋ ﱠﻴﺔ ،ورأى أﻧﱠﻬﺎ ﺗﻨﻮف ﻋﻠﻰ أرﺑﻌﻴﻦ ﻧﺠ ًﻤﺎ .وﺗﻘ ﱠﺪر »ﻣﺨﻄﺔ اﻷﺳﺪ« اﻟﻴﻮم ﺑﺄﻟﻒ ﻧﺠﻢ وﻟﺪت اﻟﺴﺤﺎﺑﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،وﻫﻲ ﻋ ﱠﻤﺎ ﻗﺒﻞ ﺳﺖ ﻣﺎﺋﺔ وﺳﺘﻴﻦ ﻣﻠﻴﻮن ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﱠ ﻗﺮﻳﺐ ﺳﺘﻔﺘﺮق ﻛﺤﻤﺎﻣﺎت ﻳﺘﻌﻘﺒﻬ ﱠﻦ اﻟﺼﻴﱠﺎد .وﻟ َﻤﺢ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﺆ ﱠﺧ ًﺮا ﻛﻮﻛﺒﻴﻦ ﻏﺎزﻳﱠﻴﻦ )ﻣﺜﻞ ﺟﻮﺑﻴﺘﺮ( ﻳﺪوران ﺧﻠﻒ ﻧﺠ َﻤﻴْﻦ ﻣﻦ ﻧﺠﻮﻣﻬﺎ، أﻃﻠﻘﻮا ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ »اﻟ ﱠﻨﺤﻠﺘﺎن« ،أو »ﻧﺤﻠﺘﺎ ﺧﻠ ﱠﻴﺔ اﻟ ﱠﻨﺤﻞ«.
واﻟﻐﻀﺐ ،وﻻ ﺗﻈ ﱠﻨ َﻦ أن ﺳﻬﻮه اﺳﺘﺌﻨﺎس ﺗﻤﺎﻣﺎً ،ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﺠﻮز ﺗﻔﺴﻴ ُﺮ ﺑﺮوز أﻧﻴﺎﺑﻪ ﺑﺎﻻﺑﺘﺴﺎم. واﻟﻄﺮف ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻧﺠﻤﺎن ﺧﻔ ﱠﻴﺎن اﻋﺘﻘﺪ اﻟﻌﺮب أﻧﱠﻬﻤﺎ ﻣﻮﺿﻌﺎ َﻋ ْﻴ َﻨﻲ »اﻷﺳﺪ« .ﻳُﻘﺎل »ﻃَ َﺮف ﻓﻼن« ،أي رﻓﻊ ﻃ ْﺮﻓﻪ ﻓﻨﻈﺮ ،أو ﻏﻀﱠ ﻪ اﺳﺘﺤﻴﺎ ًء. وﻟﺠﺮﻳﺮ ﻓﻲ ﻫﺠﺎء اﻟ ﱠﺮاﻋﻲ اﻟ ﱡﻨﻤﻴﺮي: ْـــﺖ َو َﻻ ِﻛ َﻼﺑــــﺎ ﻓ ََﻼ ﻛَ ْﻌ ًﺒﺎ ﺑَﻠَﻐ َ ف إﻧﱠﻚ ِﻣ ْﻦ ﻧُ َﻤ ْﻴــــ ٍﺮ َﻓﻐ ﱠُﺾ اﻟﻄﱠــ ْﺮ َ »اﻟﺼﻔﺮي« اﻷرﺑﻌﺔ وﻓﻲ ﻣﻨﺎزل اﻟﻘﻤﺮ :ﻫﻮ أ ﱠول ﻃﻮاﻟﻊ ﻧﻮء ُﺳ َﻬﻴْﻞّ ، اﻟﺼﻴﻒ ،وﺗﺎﺳﻊ اﻟﻤﻨﺎزل اﻟﺸﱠ ﺎﻣﻴﺔ .ﻃﺎﻟﻌﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،-وآﺧﺮ أﻧﻮاء ﱠﻓﻲ اﻟﺮاﺑﻊ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ آب )أﻏﺴﻄﺲ( ،وﻣ ﱠﺪﺗﻪ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﺸﺮ ﻳﻮ ًﻣﺎ. وﻓﻲ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻔﻠﻜﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ »ﻧﺠﻢ اﻟﻄﱠ ْﺮف« ) (Alterfﻋﻤﻼق »اﻟﻄ ْﺮف« ﺑﺮﺗﻘﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﻛﻮﻛﺒﺔ اﻷﺳﺪ ،ﻗﺪره اﻟﻈﺎﻫﺮي ،4.48وزﻣﺮﺗﻪ اﻟﻄﱠﻴﻔ ﱠﻴﺔ ،GK ﻳُﺬﻛﺮ اﻟﻄﱠ ْﺮف ﻓﺘﺤﻀﺮ »اﻟﻌﻴﻮن اﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻃﺮﻓﻬﺎ َﺣ َﻮر« ،ﻟﻜﻦ »اﻟﻄﺮف« ﻳﺒﻠﻎ ﻗﻄﺮه 49ﻣ ﱠﺮة ﺿﻌﻒ ﻗﻄﺮ اﻟﺸﱠ ﻤﺲ ،وﻳﺒﻌﺪ ﻋﻨﻬﺎ ﺛﻼث ﻣﺎﺋﺔ وﺳﺘﺔ ﻫﻨﺎ ﻟﻴﺲ ﻃﺮف ِ »اﻟﺴﺮﻃﺎن« ﻟﻤﻌﺎﻧًﺎ اﻟﺤﺴﺎن ،ﺑﻞ ﻃﺮف اﻷﺳﺪ ،وﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻃﺮﻓﻪ إﻻ اﻟﺤﺬر وﺛﻼﺛﻴﻦ ﺳﻨﺔ ﺿﻮﺋ ﱠﻴﺔ ،وﻫﻮ أﺷ ﱡﺪ ﻧﺠﻮم ﻛﻮﻛﺒﺔ ﱠ
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
129
ﻣﻨﺎزل اﻟﻘﻤﺮ
ﱢ اﻟﺬراع واﻟﻨﺜﺮة واﻟﻄﺮف ﺗﺤﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ اﻟ َﻬ ْﻨ َﻌﺔ وﻫﻲ ﺛﺎﻧﻲ أﻧﻮاء »اﻟﺠﻮزاء« ،واﻟﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﺎزل ﻓﺼﻞ اﻟﺼﻴﻒ ،وﺳﺎدس اﻟﻤﻨﺎزل اﻟﺸّ ﺎﻣ ّﻴﺔ ،وﺗﺴ ﱠﻤﻰ »ﻣﻨﻜﺐ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺴﻮﻳﺪي * اﻟﺴﺎدس ﻋﺸﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﻮزاء« ،أو »اﻟﺠﻮزاء اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ« ،وﻃﺎﻟﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﱠ ŦŌƈōǙȑŌ ǛǙ ŝũōljǶ ƉƫōƗ ﺗ ﱡﻤﻮز )ﻳﻮﻟﻴﻮ( ،وﻣ ﱠﺪﺗﻬﺎ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﺸﺮ ﻳﻮ ًﻣﺎ .وﻗﻠﻨﺎ إن ﻃﻠﻮﻋﻬﺎ ﻟﻦ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ ،ﻓﻬﻮ ﻣﻘﺮون ﺑﺎﺷﺘﺪاد اﻟﺤﺮ اﻟﻰ أﻋﻠﻰ درﺟﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻠﻴﺞ واﻟﺠﺰﻳﺮة واﻟﻌﺮاق ،وﻳﻤﺘﺪ ﻏﺮﺑﺎً ﺷﺎﻣﻼً ﺑﻼد اﻟﺸﺎم وﻣﺼﺮ ﻛﺮد ﻓﻌﻞ ﻋﻠﻰ رﺳﻮخ ﻣﻨﺨﻔﺾ اﻟﻬﻨﺪ اﻟﻤﻮﺳﻤﻲ)ﻣﻮﻧﺴﻮن( اﻟﻤﺎﻃﺮ ﺷﺮﻗﺎً ﻓﻲ ﺷﺒﻪ اﻟﻘﺎرة اﻟﻬﻨﺪﻳﺔ .وﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮارة اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻫﻲ اﻟﻤﺘﻜﻔﻠﺔ ﺑﺈﻧﻀﺎج اﻟﺜﻤﺎر وﻣ ﱠﺪﺗﻪ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﺸﺮ ﻳﻮ ًﻣﺎ .وﻓﻲ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻔﻠﻜﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،ﻳﻘﻊ ﻧﺠﻢ »اﻟ ِﻤ ْﺮزَم« ) (Murzam Al Gomeisaﻓﻲ ﻛﻮﻛﺒﺔ »اﻟﻜﻠﺐ اﻷﺻﻐﺮ« ﺧﺼﻮﺻﺎ اﻟﺘﻤﻮر ،وﺑﻌﻀُ ﻬﻢ ﻳﺴﻤﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﺳﻢ "ﻏﻼﻳﺎت اﻟﺘﻤﺮ". ((Canis Minorوﻗﺪره اﻟﻈﺎﻫﺮي ،2.9وزﻣﺮﺗﻪ اﻟﻄﱠﻴﻔﻴﱠﺔ ،Bأ ﱠﻣﺎ ﻗﺪره اﻟﻤﻄﻠﻖ ﻓﻴﺒﻠﻎ 1.1-؛ أي 230ﺿﻌﻒ ﺗﺄﻟﱡﻖ اﻟﺸﱠ ﻤﺲ .وﺗﺒﻠﻎ ﻛﺘﻠﺘﻪ 3.5 ﺿﻌﻒ ﻛﺘﻠﺔ »اﻟﺸﱠ ﻤﺲ« ،وﺣﺮارة ﺳﻄﺤﻪ 11777درﺟﺔ ﻣﺌﻮﻳﱠﺔ وﻳﺒﻌﺪ اﻟﺬراع ﻧﻀﻮج ﻣﺎﺋﺔ واﺛﻨﻴﻦ وﺳﺘﻴﻦ ﺳﻨﺔ ﺿﻮﺋ ﱠﻴﺔ ﻋﻦ اﻷرض ﻳﺪور ﻧﺠﻢ »اﻟ ِﻤ ْﺮزَم« ﺣﻮل ﻛﺄن اﻟﺤﺮ ﻳﺠﺰي ﻣﻦ ﺗﺤ ّﻤﻠﻪ وﺻﺒﺮ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻴﺘﻮاﺻﻞ ﻓﻲ "اﻟﺬراع" ُ أﻧﻮاع اﻟﺜﻤﺮ واﻟﻔﻮاﻛﻪ .واﻷﻫﻢ ،أوان اﺻﻄﻴﺎد اﻟﻠﺆﻟﺆ ﺑﻌﺪ أن ﺳﺒﻘﻪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻣ ﱠﺮة ﻛﻞ ﻳﻮم ،وﻻ ﺗﺰال ﻃﺎﻗﺘﻪ ﺗﺘﻮﻟﱠﺪ ﻣﻦ اﺣﺘﺮاق »اﻟﻬﻴﺪروﺟﻴﻦ« ٌ أﻃﻮاق ﻣﻦ اﻟﻐﺎز اﻟﺬي ﺗﺘﻐ ﱠﻴﺮ ﻛﺜﺎﻓﺘﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﻦ »اﻟﻬﻨﻌﺔ« ﻣﻮﺳ ُﻢ اﻟﻐﻮص .ﻓﻘﺴﻮة اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺤ ﱢﺮ ﺗﻮازن ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰه ،وﺗﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﺑﻌﻄﺎء اﻟﺜﺮوة وﺗﻨﻮع اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ واﻟﺨﻀﺮاوات .واﻟﻤﻔﺎﺟﺄة اﻟﻤﺤﻤﻮدة ﻫﻨﺎ إﻟﻰ آﺧﺮ .وأ ﱠﻣﺎ اﻟﺸﱢ ﻌﺮى اﻟﺸﱠ ﺎﻣ ﱠﻴﺔ ) (Procyonوﺗﺴ ﱠﻤﻰ اﻟ ُﻐ َﻤ ْﻴﺼﺎء، ان ﻳﻨﺰل ﻓﻴﻪ اﻟﻤﻄُﺮ ﻟﻴﻼً ﻣﺼﺤﻮﺑﺎً ﺑﻬﺒﻮب اﻟﺒﻮارح ،وﻟﻬﺬا ﻳﺴﻤﻰ أﻳﻀﺎً وﻫﻲ أﻟﻤﻊ ﻧﺠﻮم ﻛﻮﻛﺒﺔ اﻟﻜﻠﺐ اﻷﺻﻐﺮ ،وﺳﺎﺑﻊ أﻟﻤﻊ اﻟﻨﺠﻮم ﻓﻲ "ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺴﺮاﻳﺎت" .واﻟ ﱢﺬراع ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب ﻫﻲ ذراع اﻷﺳﺪ اﻟﻤﻘﺒﻮﺿﺔ ،ﺳﻤﺎﺋﻨﺎ اﻟﻠﻴﻠﻴﱠﺔ ،ﻓﺘﺒ ُﻌﺪ إﺣﺪى ﻋﺸﺮة ﺳﻨﺔ ﺿﻮﺋﻴﱠﺔ ﻋﻦ اﻷرض. وﻟﻸﺳﺪ ذراﻋﺎن ﻣﻘﺒﻮﺿﺔ وﻣﺒﺴﻮﻃﺔ ،اﻟﻤﻘﺒﻮﺿﺔ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﻴﺴﺮى، وﻫﻲ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ،وﺑﻬﺎ ُ وﺳﻤﻴﺖ ﻣﻘﺒﻮﺿﺔ ﻟﺘﻘﺪّمِ اﻷﺧﺮى ﻳﻨﺰل اﻟﻘﻤ ُﺮ ُ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،واﻟﻤﺒﺴﻮﻃ ُﺔ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﻴﻤﻨﻰ وﻫﻲ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ .وأﺣﺪ ﻛﻮﻛﺒﻲ اﻟـ ﱢﺬراع اﻟﻤﻘﺒﻮﺿﺔ ﻫﻲ اﻟﺸﱢ ﻌﺮى اﻟ ُﻐ َﻤ ْﻴﺼﺎء ،وﻫﻲ ﺗﻘﺎﺑﻞ اﻟﺸﱢ ﻌﺮى اﻟﻌﺒﻮر ،واﻟﻤﺠ ﱠﺮة ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ .وﻳﻘﺎل ﺷﻤﺎﻟﻲ »اﻟ ُﻐ َﻤ ْﻴﺼﺎء«» ،اﻟ ِﻤ ْﺮزَم« ،أو » ِﻣ ْﺮزَم اﻟ ﱢﺬراع« ﻷ ﱠن ﻫﻨﺎك ﻣﺮزﻣﺎن ،اﻟﺸﻌﺮى اﻟﺸﺎﻣﻴﺔ )أﻟﻔﺎ اﻟﻜﻠﺐ اﻷﺻﻐﺮ( وﻫﻲ ﻣﺮزم اﻟﻐﻤﻴﺼﺎء ،وﻣﺮزم ِ اﻟﺸﻌﺮى اﻟﻴﻤﺎﻧﻴﺔ )ﺑﻴﺘﺎ اﻟﻜﻠﺐ اﻷﺻﻐﺮ( وﻫﻲ اﻟ َﻌﺒﻮر .ﻗﺎل اﻟ ُﻤﺜَﻘ ُﱠﺐ اﻟﻌﺒﺪي: َوﻗَﻄ ٍﺮ َﻗﻠِﻴــﻞِ اﻟﻤﺎ ِء ﺑِﺎﻟﻠَﻴﻞِ ﺑـــﺎ ِردِ َﺐ ﻧَﻮ َء اﻟ ِﻤﺮ َز َﻣﻴـــﻦِ ِﺑﻐُﺒ َﺮ ٍة َوأَﻋﻘ َ وﻗﺎل اﺑﻦ َﻫ ِﺮ َﻣﺔ: ﻓﺤﻞ ﻋﻠـــﻰ آﺛــﺎر ﺷﻮلٍ ﻫـــﺎدر ٌ وﻛﺄن ﻣﺮزﻣﻬــــﺎ ﻋﻠﻰ آﺛــــﺎرﻫﺎ وﻓﻲ ﻣﻨﺎزل اﻟﻘﻤﺮ» :اﻟ ﱢﺬراع« ﻧﻮء ذو ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺗﺴﻤﻰ ﺑﺎﺳﻤﻪ ،وﻳﺴ ﱠﻤﻰ »اﻟ ِﻤ ْﺮزَم« ،وﻫﻮ اﻟﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﺎزل ﻓﺼﻞ اﻟﺼﻴﻒ ،وﺳﺎﺑﻊ اﻟﻤﻨﺎزل اﻟﺸﱠ ﺎﻣ ﱠﻴﺔ وﻃﺎﻟﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﺘﺎﺳﻊ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺗﻤﻮز )ﻳﻮﻟﻴﻮ(،
128
ﱢ اﻟﺬراع واﻟﻨﺜﺮة واﻟﻄﺮف
أوراق ﺗﺮاﺛﻴﺔ
وﻣﻬَ ﻦ ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﻓﻲ ِﺣ َﺮف ِ
اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻨﺒﻄﻲ ا ﻣﺎراﺗﻲ »«2 واﻟﻨﻮﺧﺬا واﻟﻐﻴﺺ واﻟﺴﻴﺐ واﻟﻴﻼّس اﻟﺬﻳﻦ ذﻛﺮﻫﻢ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻳﻌﻘﻮب اﻟﺤﺎﺗﻤﻲ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻬﻨﺔ رﺋﻴﺴﻴﺔ وﻫﻲ اﻟﻐﻮص ،ﻓﺎﻟﻨﻮﺧﺬا ﻫﻮ رﺑّﺎن اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ،وﺻﺎﺣﺐ اﻷﻣﺮ واﻟﻨﻬﻲ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮﻫﺎ وﻫﻮ اﻟﺤﺎﻛﻢ واﻟﻘﺎﺿﻲ إذا ﺗﻄﻠﺐ اﻷﻣﺮ اﻟﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ ﻣﺘﺨﺎﺻﻤﻴﻦ ،وﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﻨﻮﺧﺬا ﻫﻮ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ أو ﻳﻜﻮن ﻣﺴﺘﺄﺟﺮا ﻟﻬﺎ أو ﻳﻜﻮن ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﺤﺴﺎب اﻟﻐﻴﺮ ،أ ّﻣﺎ اﻟﻐﻴﺺ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺒﺎﺷﺮ اﺳﺘﺨﺮاج اﻟﻠﺆﻟﺆ ﻣﻦ ﻗﺎع اﻟﺒﺤﺮ، وﻫﻮ ﻻ ﻳﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻷﻋﻤﺎل اﻷﺧﺮى ،وإﻧﻤﺎ اﻟﻐﻮص ﻓﻘﻂ ،وأﺟﺮﺗﻪ ﻣﻦ أﻋﻠﻰ اﻷﺟﻮر ﺣﻴﺚ أﻧﻪ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﺳﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﺻﻠﺔ ﻣﺜﻠﻪ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻣﺜﻞ اﻟﻨﻮﺧﺬا ،أﻣﺎ اﻟﺴﻴﺐ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻟﻠﺴﻴﺐ ﻫﻮ إﻧﺰال وﺳﺤﺐ اﻟﻐﻮاص ﻣﻦ اﻟﻘﺎع .وﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﺴﻴﺐ ﻓﻲ اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ اﻷﻫﻤﻴﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﻨﻮﺧﺬا واﻟﻐﻮاص ،وإﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻤﻠﻪ اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻓﻬﻮ ﻳﻘﻮم أﻳﻀﺎ ﺑﺎﻟﺘﺠﺪﻳﻒ ﻣﻦ ﻫﻴﺮ إﻟﻰ آﺧﺮ ﻋﻨﺪ وﺻﻮل اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ إﻟﻰ اﻟﺒﺮ ﺑﻌﺪ »اﻟﻘﻔّﺎل« ،وﻳﻈﻞ اﻟﺴﻴﺐ ﻳﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺗﻨﻈﻴﻔﻬﺎ وﺗﺮﺗﻴﺒﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﻔﻠﻖ اﻟﻤﺤﺎر ﻻﺳﺘﺨﺮاج اﻟﻠﺆﻟﺆ ،ﻟﺬا ﻳﺤﺐ أن ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺐ اﻟﻘﻮة
ﻓﻬﺪ ﻋﻠﻲ اﻟﻤﻌﻤﺮي* ŦŌƈōǙȑŌ ǛǙ ūŽōş
اﻟﺒﺪﻧﻴﺔ وﻗﻮة اﻟﻤﻼﺣﻈﺔ ﻹﺷﺎرة اﻟﻐﻴﺺ ،واﻟﻴﻼﻟﻴﺲ ﻫﻢ رﺟﺎل ﻳﺤﻠﻮن ﻓﻲ أي ﻃﺎرئ ﻳﺤﺪث ﻷﺣﺪ اﻟﻐﻮاﺻﻴﻦ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﻔﻠﻖ اﻟﻤﺤﺎر. ﻓﻔﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﻬﻦ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﺤﺎﺗﻤﻲ ﻏﺎﺻﻪ ﻣﻊ ْﺳﻴــــﻮب ْوﻳﻼﻟﻴــﺲ اﻟﻨﻮﺧــﺬا ﺧﻀﻌﻮا ﻟــــﻪ اﻟﺮوس أﻣﺎ اﻟﺠﻼف ﺑﻔﺘﺢ اﻟﺠﻴﻢ وﺗﺸﺪﻳﺪ اﻟﻼم ،ﻓﻬﻲ ﻣﻬﻨﺔ وﺻﻔﺔ ﻟﻠﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻳﻤﺘﻬﻦ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﺨﺸﺒﻴﺔ ،وﻳﻘﻮم ﺑﺒﻨﺎﺋﻬﺎ ،وﻳﻘﻮﻟﻮن ﻓﻼن ﻳﻮﺷﺮ ﻣﺤﻤﻞ ،وﻳﻘﻮل ﺷﺎﻋﺮ ﻣﺠﻬﻮل: ﺧـﺬﻧﻲ ﻫـــــــﻮا اﻟﺴﻔــــﺪﻳﺮه واﻣﻴـــــــﺎذب اﻟﻤﻴـــــــــﺪاف ﺧﺪْ ﻣ ْﺘـــــــﻚ ي اﻟﺠــــــــﻼّف وﺻﻠ ْﺘ ﻨــــــﻲ دﻳـــــﺮه ﻣـــــــﺎ ّ أﻣﺎ اﻟﺸﺎوي ﻓﻬﻮ ﺗﺎﺟﺮ اﻷﻏﻨﺎم واﻟﻀﺄن واﻟﻤﺎﺷﻴﺔ ،ﻓﻬﻮ ﻳﻘﻮم ﺑﺴﺘﺌﺠﺎر أو ﺗﺸﻐﻴﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﻋﻴﺎن ﻟﺮﻋﺎﻳﺔ أﻏﻨﺎﻣﻪ ،وﻳﻘﻮل اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺷﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم: أﺷﺘﺎق ﺷـﻮﻓﻪ ﻟﻮ ﻳﻔﻴـﺪ اﻟﺘﻤ ّﻨﻲ ﻟﻮ ﻛﺎن ﻟﻪ ﺑﻴـﻦ اﻟﺮﻋﺎﻳﻴﻦ ﺷﺎوي وﻳﻘﻮل ﺷﺎﻋﺮ ﻣﺠﻬﻮل: ﻣﺮﻗﺎب ﻃــــــــــﻮﻳﻞ ﻳــــــﺎ ذﻳﺐ ي اﻟﻠﻲ ﻋـــــﺎوي ﻓــــــﻲ ٍ ﻻ ﺗ ْﺤﺴـــــﺐ أﻧّﻲ ﺷـــــــﺎوي ﻧﺎﺟــــــــﻞ دﺟﻴﺞ اﻟﻤﻴـــــــﻞ أﻣﺎ اﻟﻀﻐﻮة ﺑﺘﺸﺪﻳﺪ اﻟﻀﺎء ﻣﻊ ﻓﺘﺤﻬﺎ وﺳﻜﻮن اﻟﻐﻴﻦ وﻓﺘﺢ اﻟﻮاو وﻫﺎء ﺳﺎﻛﻨﺔ ،واﻟﺠﻤﻊ ﺿﻐّﺎﻳﺔ ،ﻫﻲ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻟﻠﺼﻴﺪ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺮ ﻗﺎرﺑﻴﻦ ﻓﻲ ﻋﺮض اﻟﺒﺤﺮ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺑﺤﺮﻳﺔ ﻻ ﺗﻘﻞ ﻋﻦ أرﺑﻌﺔ ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮات ﻣﺘﻘﺎرﺑﻴﻦ ،إذ ﻳﺘﻢ إﻟﻘﺎء ﺷﺒﻜﺔ واﺣﺪة ذات ﻓﺘﺤﺎت ﺻﻐﻴﺮة ﺟﺪا ً ﻓﻲ أﻋﻤﺎق اﻟﺒﺤﺮ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻤﺴﻚ اﻟﻤﻮﺟﻮدون ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎرﺑﻴﻦ ﺑﻄﺮﻓﻴﻬﺎ ﺛﻢ ﻳﺘﺤﺮﻛﺎن ﺑﺒﻂء ﻧﺤﻮ اﻟﺸﺎﻃﺊ ﻣﺘﺨﺬة ﺷﻜﻞ اﻟﻘﻮس ،ﻟﺠﻤﻊ ﻛﻤﻴﺎت ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻷﺳﻤﺎك ،واﻟﺬي ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﻳﺴ ّﻤﻰ ﺿﻐّﺎي ،وﻳﻘﻮل ﺷﺎﻋﺮ ﻣﺠﻬﻮل: ﻟــــﻮ ﺑــــــــﺎﺗﺼﻴﺪ ﻧْﻬـــــــﻮم ﻣـــــــــــﺎ ﺗﻐﺘﻨـﻲ اﻟﻀﻐّﺎﻳـــــﻪ ﻳﻌــــــﻠﻚ ﺗﻴـــــــــــ ّﺮه دوم ﺣ ْﺒـــــﻞٍ وراه اﻟﺤـــــــــــــﺎﻳﻪ /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
127
ﺗﺮاث اﻟﻌﻠﻮم
اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺤﺎدى ﻋﺸﺮ اﻟﻤﻴﻼدى ﺑﻌﻨﻮان )viaticum اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺼﺮ. ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻗﺴﻄﻨﻄﻴﻦ اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ )اﻟﻤﺘﻮﻓﻲ 480ﻫـ1087 /م( ﻣﻦ أﺷﻬﺮ (peregrinantisوأن ﻛﺎن اﻧﺘﺤﻠﻪ ﻟﻨﻔﺴﻪ وﺗﺮﺟﻢ ﻛﺘﺎب اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻓﻲ ﻣﺘﺮﺟﻤﻰ اﻟﺘﺎرﻳﺦ وﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮوف أن ﻧﺴﺒﺔ اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ ﺗﻮﻧﺲ اﻷدوﻳﺔ ﺗﺤﺖ اﺳﻢ ) (liber de simpliciumواﻧﺘﺤﻠﻪ ﻟﻨﻔﺴﻪ أﻳﻀﺎً وﻟﺪ ﻓﻲ ﻗﺮﻃﺎﺟﻪ وﻗﺪم إﻟﻰ ﺻﻘﻠﻴﻪ ﺑﻬﺪف اﻟﺘﺠﺎرة وﺗﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﺷﻘﻴﻖ وﻛﺬﻟﻚ ﻛﺘﺎب اﻟﻤﻌﺪة وأﻣﺮاﺿﻬﺎ وﻣﺎوﺗﻬﺎ ﻧﻘﻠﻪ ﺗﺤﺖ ﺑﻌﻨﻮان liber de ((stomachوﻗﺪ ﻧﺸﺮ ﺗﺤﺖ أﻋﻤﺎل اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ اﻷﻣﻴﺮﻏﻮزﻟﻒ ) (Gisulfoﻓﻜﺎن ﻃﺒﻴﺒﺎً ﻓﻤﺎ ﻓﻲ ﺑﺎزل ﻓﻲ ﺳﻮﻳﺴﺮا ﻋﺎم 1536م .وﻟﻘﻲ ﻛﺘﺎب ﻛﺎد ﻗﺴﻄﻨﻄﻴﻦ ﻳﻼﺣﻆ ﻓﻘﺮ آداب اﻟﻄﺐ زاد اﻟﻤﺴﺎﻓﺮ ﺷﻬﺮة ﻛﺒﻴﺮة ﺣﻴﺚ ﺗﺮﺟﻤﺔ إﻟﻰ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﻓﻌﻜﻒ ﺛﻼث ﺳﻨﻮات ﺟﻤﻊ اﻻﺗﻴﻨﻴﺔ ﻗﺴﻄﻨﻄﻴﻦ اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ وإﻟﻰ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻛﻨﻮز اﻟﻄﺐ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺛﻢ اﺗﺠﻪ ﺑﻬﻢ ﺳﻴﺘﺴﻴﻮس وأﻟﻒ ﻛﺘﺎب اﻷدوﻳﺔ اﻟﻤﺮﻛﺒﺔ ﻓﻲ إﻟﻰ ﺳﺎﻟﻴﺮﻧﻮ ﻓﻜﺎن ﺳﺒﺒﺎً ﻓﻲ ﻧﻬﻀﺔ وﺗﺄﺳﻴﺲ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺟﺰءا ً وﻛﺘﺎب اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺎﻟﻄﻔﻞ اﻟﺬى ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﻄﺐ ﻓﻲ ﺳﺎﻟﻴﺮﻧﻮ ﻓﻲ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ. ﺣﺪد ﻓﻴﻪ أﻧﻮاع اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺎﻟﻄﻔﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﻞ وﺗﺮﺟﻢ ﻗﺴﻄﻨﻄﻴﻦ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ اﻟﻄﺐ ﺣﺘﻰ ﺳﻦ اﻟﺒﻠﻮغ .ﻇﻬﺮت ﻣﺪرﺳﺔ ﺳﺎﻟﻴﺮﻧﻮ ﻓﻲ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﻣﺜﻞ ﻛﺘﺎب اﻟﻤﻠﻜﻲ اﻟﻄﺐ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ اﻟﻤﻴﻼدى ﺑﺠﻬﻮد اﻟﻤﻌﺮوف أﻳﻀﺎ ﺑﺎﻟﻜﻨﺎش أو ﻛﺘﺎب ﻛﺎﻣﻞ ﻗﺴﻄﻨﻄﻴﻦ اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ وﻇﻬﺮ أﻃﺒﺎء ﻣﺜﻞ ﺑﺘﺮو اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﻄﺒﻴﺔ ﻟﻌﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎس اﻟﻤﺠﻮﺳﻲ اﻟﺼﻘﻠﻲ وﺟﻮﻓﺎﻧﻲ ﺑﻦ ﻗﺴﻄﻨﻄﻴﻦ اﻟﺼﻘﻠﻲ اﻟﺒﻐﺪادي اﻟﺬي ﻗﺎل ﻋﻨﻪ اﺑﻦ أﺑﻲ أﺻﻴﺒﻌﺔ واﻟﺬي ﻳﺮﺟﻊ اﻟﻔﻀﻞ ﻟﻜﺘﺎﺑﺘﻬﻢ اﻟﻄﺒﻴﺔ ﻟﺠﻬﻮد ﻛﺘﺎب اﻟﻤﻠﻜﻲ ﻛﺘﺎب ﺟﻠﻴﻞ ﻣﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺪرﺳﺔ أﻃﺒﺎء اﻟﻘﻴﺮوان أﺟﺰاء اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﻄﺒﻴﺔ ﻋﻠﻤﻬﺎ وﻋﻤﻠﻬﺎ وﺗﺮﺟﻢ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ اﺑﻦ اﻟﺠﺰار اﻟﻄﺒﻴﺔ إﻟﻰ * ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﻨﻲ ﺳﻮﻳﻒ -ﻣﺼﺮ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﻣﺜﻞ ﻛﺘﺎب زاد اﻟﻤﺴﺎﻓﺮ إﻟﻰ 126
أﻃﺒﺎء اﻟﻘﻴﺮوان وﺗﺄﺳﻴﺲ اﻟﻄﺐ ا#ورﺑﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ
ﻣﻦ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﺸﺮ ﻣﺆﻟﻔﺎً ﻓﻲ اﻟﻄﺐ وﺗﺮﺟﻢ ﻣﻦ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ﻛﺘﺒﺎً ﻛﺜﻴﺮة وﺿﻤﺖ ﻣﻜﺘﺒﺘﻪ ﻛﺘﺐ ﻧﺎدرة ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻟﻔﺎت اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ واﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻗﻴﻞ إن وزﻧﻬﺎ ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻪ ﺧﻤﺴﺔ وﻋﺸﺮون ﻗﻨﻄﺎرا ً ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ ،وﻣﻦ ﻛﺘﺒﻪ ﻓﻲ اﻟﻄﺐ اﻟﻤﻌﺪة وأﻣﺮاﺿﻬﺎ وﻣﺪاواﺗﻬﺎ ﺣﻘﻘﻪ ﺳﻠﻤﺎن ﻗﻄﺎﻳﻪ وﻧﺸﺮه ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد دار اﻟﺮﺷﻴﺪ 1980م وﻛﺘﺎﺑﻪ رﺳﺎﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻮل وأﺑﺪال اﻟﻌﻘﺎﻗﻴﺮ وﻛﺘﺎب ﻃﺐ اﻟﻔﻘﺮاء واﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻜﺜﻴﺮة .وﺗﺮﺟﻢ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻤﺎء ﻣﺪرﺳﺔ ﻃﺐ اﻟﻘﻴﺮوان إﻟﻰ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﻗﺴﻄﻨﻄﻴﻦ اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ ووﺻﻠﺖ ﻛﺘﺒﻬﻢ اﻟﻄﺒﻴﺔ إﻟﻲ ﺻﻘﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻓﺘﺤﺖ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ دوﻟﺔ اﻷﻏﺎﻟﺒﺔ ﻋﺎم 212ﻫـ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ اﻟﻘﺎﺋﺪ أﺳﺪ ﺑﻦ اﻟﻔﺮات ﻓﻜﺎﻧﺖ أﺳﺎس اﻟﻄﺐ اﻷورﺑﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ .ﺛﻢ أﺧﺬت ﻋﻠﻤﺎء إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ وإﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﻣﻦ ﺗﺮﺟﻤﺎت ﻗﺴﻄﻨﻄﻴﻦ اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ اﻟﻄﺒﻴﺔ اﻟﺘﻰ ﺳﺎرت أﺳﺎﺳﺎً ﻟﻜﺘﺐ اﻟﻄﺐ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻓﻲ أوروﺑﺎ ﻛﻠﻬﺎ. وﻟﻌﺒﺖ ﺻﻘﻠﻴﺔ دورا ً ﻣﻬﻤﺎً ً ﻓﻲ ﻧﻘﻞ ﻋﻠﻮم اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ إﻟﻰ أوروﺑﺎ ﺣﻴﺚ اﺳﺘﻄﺎع اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ أﺛﻨﺎء ﺣﻜﻤﻬﻢ ﻟﺼﻘﻠﻴﺔ أن ﻳﻨﻘﻮﻟﻮا اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻤﺘﻄﻮرة وأﺳﺎﻟﻴﺒﻬﻢ اﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺰراﻋﻪ واﻟﺼﻨﺎﻋﺔ واﻟﺘﺠﺎرة وﻟﻤﺎ زال ﺣﻜﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻋﻦ ﺻﻘﻠﻴﺔ ﻗﺪر اﻟﺤﻜﺎم اﻟﺠﺪد ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ اﻻﺳﻼﻣﻴﺔ وﻗﺮﺑﻮا إﻟﻴﻬﻢ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ وﺷﺠﻌﻮا ﺗﺮﺟﻤﺔ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ.ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ﻓﻲ أوروﺑﺎ ﻫﻲ اﻟﻤﻮرد اﻷﺳﺎﺳﻲ اﻟﺬى أﺧﺬت ﻣﻨﻪ أوروﺑﺎ ﻣﺎﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ. ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻮﻧﺲ وﺻﻘﻠﻴﺔ وﺣﺪة ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ واﺣﺪة ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ اﻟﻘﺎﺋﺪ أﺳﺪ ﺑﻦ اﻟﻔﺮات ﻓﻲ ﻋﻬﺪ دوﻟﺔ اﻷﻏﺎﻟﺒﺔ ﻋﺎم 212ﻫـ وﻇﻠﺖ ﺗﺤﺖ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻌﺮﺑﻴﻲ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ اﻟﻘﺮﻧﻴﻦ وﻧﺼﻒ .واﺳﺘﻤﺮت اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﻴﺮوان ﺣﺘﻰ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻬﺠﺮة وﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ دوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﻴﻦ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﺔ اﺷﺘﻬﺮ ﺑﻬﺎ
اﻟﻄﺒﻴﺐ أﺑﻮ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ رﺿﻮان وﻫﻮ ﻣﺼﺮى اﻟﻤﻮﻟﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﻴﺰة وﻛﺎن رﺋﻴﺲ اﻷﻃﺒﺎء ﻓﻲ اﻟﺒﻼط اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ .وازدﻫﺮت اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ ﺑﻔﻀﻞ ﺗﺸﺠﻴﻊ اﻟﻔﺎﻃﻤﻴﻴﻦ ﻟﻠﻌﻠﻤﺎء ﻓﻔﺘﺢ اﻟﻤﻌﺰ ﻟﻠﺪﻳﻦ اﻟﻠﻪ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ ﻗﺼﺮه ﻟﻠﻌﻠﻤﺎء واﻟﻄﻼب وأﺗﺎح ﻟﻬﻢ اﻹﻃﻼع ﻋﻠﻰ
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
125
ﺗﺮاث اﻟﻌﻠﻮم
أﻃﺒﺎء اﻟﻘﻴﺮوان وﺗﺄﺳﻴﺲ اﻟﻄﺐ ا.ورﺑﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ
د.ﺻﺎﻟﺢ ﻣﺤﺮوس ﻣﺤﻤﺪ
ﻛﺎن ﻋﻠﻢ اﻟﻄﺐ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺘﻲ أﺑﺪى اﻟﻌﺮب اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن اﻫﺘﻤﺎﻣﺎً ﻣﻠﺤﻮﻇﺎ ﺑﺪراﺳﺘﻬﺎ ﻟﺬا ﻓﻘﺪ دأب ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻌﺮب ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺮق واﻟﻤﻐﺮب ﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﻤﻮروث اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻄﺒﻲ وﺗﺘﺒﻊ أﻫﻢ ﻣﺎ ﺗﻮﺻﻞ إﻟﻴﻪ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻴﻮﻧﺎن ﻓﻲ إﻏﻨﺎء ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ ﻓﺎﻧﻜﺒﻮا ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺟﻤﺔ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻄﺒﻴﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ودراﺳﺘﻬﺎ وﺗﺸﺨﻴﺺ ﻣﻮاﺿﻊ اﻟﺨﻄﺄ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻮﺻﻠﻮا إﻟﻰ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت راﺋﻌﺔ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ واﻟﺘﻄﺒﻴﻖ اﻟﻌﻠﻤﻲ ،ﻛﻤﺎ أﺿﺎﻓﻮا إﺿﺎﻓﺎت ﻟﻌﻠﻢ اﻟﻄﺐ ذات ﻗﻴﻤﻪ أﺳﻬﻤﺖ ﻓﻲ ﺗﻄﻮﻳﺮه ﻛﻤﺎ ﻛﺸﻔﺖ اﻷﻳﺎم ﻋﻦ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻷﺑﺮز ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﻄﺒﻲ أﻻ وﻫﻮ اﻟﻄﺒﻴﺐ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺠﺰار اﻟﻘﻴﺮواﻧﻲ ،وﻗﺪ ﻇﻬﺮت ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻄﺐ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺛﻼث ﻣﺪارس رﺋﻴﺴﺔ ﻫﻲ ﺑﻐﺪاد وﻗﺮﻃﺒﺔ واﻟﻘﻴﺮوان. ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﻘﻴﺮوان أوﻟﻲ اﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب ﻳﻠﻴﻬﺎ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺛﻢ ﻓﺎس ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب اﻷﻗﺼﻰ ،وﻟﻘﺪ ﻗﺼﺪﻫﺎ أﺑﻨﺎء اﻟﻤﻐﺮب 124
أﻃﺒﺎء اﻟﻘﻴﺮوان وﺗﺄﺳﻴﺲ اﻟﻄﺐ ا#ورﺑﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ
وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد اﻟﻤﺠﺎورة .وﻛﺎن ﻣﺴﺠﺪ ﻋﻘﺒﺔ اﻟﺠﺎﻣﻊ وﻣﻌﻪ ﺑﻘﻴﺔ ﻣﺴﺎﺟﺪ اﻟﻘﻴﺮوان ﺷﻬﺪوا ﺣﻠﻘﺎت ﻟﻠﺘﺪرﻳﺲ وأﻧﺸﺌﺖ ﻣﺪارس ﺟﺎﻣﻌﺔ أﻃﻠﻘﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ دور اﻟﺤﻜﻤﺔ ،واﺳﺘﻘﺪﻣﻮا ﻟﻬﺎ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﻘﻬﺎء ورﺟﺎل اﻟﺪﻋﻮة واﻟﺪﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺸﺮق .ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻤﺪارس وﻣﺎ اﻗﺘﺮن ﺑﻬﺎ ﻣﻦ اﻧﺼﺮاف اﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﻠﺪرس واﻟﺒﺤﺚ ،ﻋﺎﻣﻼً ﻓﻲ رﻓﻊ ﺷﺄن ﻋﻠﻮم اﻟﻌﺮب وﺛﻘﺎﻓﺘﻬﻢ .وأﻧﺸﺌﺖ ﻓﻲ اﻟﻘﻴﺮوان اﻟﻤﻜﺘﺒﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ واﻟﻤﻜﺘﺒﺎت اﻟﻤﻠﺤﻘﺔ ﺑﺎﻟﺠﻮاﻣﻊ واﻟﻤﺪارس واﻟﺰواﻳﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻟﻠﺪارﺳﻴﻦ وﺗﻀﻢ أﻣﻬﺎت ﻧﻔﺎﺋﺲ اﻟﻜﺘﺐ .وﻣﻦ أﺷﻬﺮ ﻣﻜﺘﺒﺎت اﻟﻘﻴﺮوان ﺑﻴﺖ اﻟﺤﻜﻤﺔ اﻟﺬي أﻧﺸﺎه اﻷﻣﻴﺮ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻷﻏﻠﺐ ﺑﻦ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ اﻷﻏﻠﺐ أﻣﻴﺮ دوﻟﺔ اﻷﻏﺎﻟﺒﺔ )296 - 184ﻫـ(. وﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﻘﻴﺮوان اﻟﻄﺒﻴﺔ اﻟﻄﺒﻴﺐ اﻟﻤﺸﻬﻮر اﺳﺤﺎق ﺑﻦ ﻋﻤﺮان اﻟﻤﻠﻘﺐ ﺑﺎﻟﺴﺎﻋﺔ واﻟﻄﺒﻴﺐ اﺳﺤﺎق ﺑﻦ ﺳﻠﻴﻤﺎن اﻟﻌﺒﺮي واﻟﻄﺒﻴﺐ زﻳــﺎد ﺑﻦ ﺧﻠﻔﻮن ﺑﻦ اﻷﻏﻠﺐ )اﻟﻤﺘﻮﻓﻲ ﻋﺎم 308ﻫـــ( واﻟﻄﺒﻴﺐ أﺑﻮ اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻇﻔﺮ )اﻟﻤﺘﻮﻓﻰ ﻋﺎم 323ﻫـ( وﻣﻦ اﻷﻃﺒﺎء ﺳﻬﻴﻞ ﺑﻦ دوﻧﺶ وﻟﻘﻲ اﻟﻄﺒﻴﺐ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺠﺰار اﻟﻘﻴﺮواﻧﻲ ﺷﻬﺮة ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﻬﺠﺮي ﺣﻴﺚ أﻟﻒ أﻛﺜﺮ
ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺣﺘﻔﻈﺖ ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻬﺎ اﻟﻤﻬﻮﻟﺔ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺪاﺧﻼت اﻟﺸﻔﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ أﻓﺎﺟﺄ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺑﻮﺟﻮدﻫﺎ .وﻗﺪ أﺳﻌﺪﻧﻲ أن أﻟﺘﻘﻲ ﻓﻲ أﺻﻴﻠﺔ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﺳﻢ ﺑﺄﺻﺪﻗﺎء ﻗﺪاﻣﻰ وآﺧﺮون ﺟﺪد ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ ﻟﻲ اﻻﺳﺘﻤﺎع إﻟﻰ أﺻﻮاﺗﻬﻢ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ أو اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ،ﻷن اﻟﺠﻠﺴﺎت ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺒﺮﻣﺠﻪ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ ﻳﺨﻠﻮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺼﺒﺎح ﻟﻮﺟﻪ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻨﻘﺪي وﻳﻀﻲء ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﺴﺎء ﺑﻨﻮر اﻟﻘﺼﺎﺋﺪ اﻟﻤﺘﻠﻮة ،وﻛﺎن ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺪور اﻟﺸﻤﻮس واﻷﻗﻤﺎر ﻣ ًﻌﺎ ،اﺳﺘﻤﻌﺖ إﻟﻰ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺒﺤﺮﻳﻨﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻗﺎﺳﻢ ﺣﺪاد اﻟﺬي أﻣﺘﻌﻨﺎ ﺑﻘﺼﻴﺪة رﻣﺰﻳﺔ ﻋﻦ اﻟﺠﺒﻞ ذﻛﺮﺗﻨﻲ ﺑﺮاﺋﻌﺔ اﺑﻦ ﺧﻔﺎﺟﺔ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ ﻋﻦ اﻟﺠﺒﻞ اﻟﻤﻌﻤﻢ ﺑﻐﻴﻮم اﻟﺜﻠﺞ اﻟﺒﻴﻀﺎء واﻟﺸﺎﻫﺪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻟﻌﺼﻮر واﻷزﻣﻨﺔ ،وﻟﻜﻦ ﺟﺒﻞ ﻗﺎﺳﻢ ﻳﺒﺪو أﻧﻪ أﺷﺪ ﻋﺘ ٍّﻮا وﻏﻠﻈﺔ وﺛﻘﻼ ﻋﻠﻰ وﺟﺪان اﻟﺸﺎﻋﺮ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻨﻤﻄﻲ ﻟﻠﺤﺎﻛﻢ ً اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻓﻲ دﻳﻜﺘﺎﺗﻮرﻳﺘﻪ أو ﻟﻠﻬ ّﻢ اﻟﻘﻮﻣﻲ اﻟﺬي ﻳﺒﻬﻆ اﻟﻮﺟﺪان ﺑﻔﻮاﺟﻊ اﻟﺘﺮدي اﻟﺒﺎﺋﺲ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ،وﻳﺒﺪو أن ﻫﺬا اﻟﺘﺄوﻳﻞ اﻷﺧﻴﺮ أﻗﺮب إﻟﻰ ﻣﻘﺼﺪ ﻗﺎﺳﻢ ﻷﻧﻪ ﻋﺰزه ﻓﻲ ﻣﺪاﺧﻠﺘﻪ اﻟﻨﺜﺮﻳﺔ ﻋﻦ ﺳﻮء ﻣﺼﻴﺮ اﻟﺸﻌﺮ ،وﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺼﻴﺪة اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ اﻟﻤﺘﺠﺪد واﻟﻤﺘﺄﻟﻖ داﺋ ًﻤﺎ ﺷﻮﻗﻲ ﺑﺰﻳﻊ اﻟﺬي ﻳﻌﺼﺮ ﺧﻤﺮ اﻟﺸﻌﺮ وﻳﺮاود رﺑﺎت اﻟﺨﻴﺎل ﺑﺠﺴﺎرة وﻧﺰق ﻓﺘﺎك ،ﺛﻢ ﺗﻼ ﻣﺤﻤﺪ اﻷﺷﻌﺮي اﻟﻮزﻳﺮ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ إﺣﺪى ﺳﺮدﻳﺎﺗﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻷﻧﻴﻘﺔ، ﻓﺄدرﻛﺖ أﻧﻪ ﻗﺪ زوج اﻟﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻘﺼﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺨﻮﻧﻪ ﻣﻊ اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺎم ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة اﻷﺧﻴﺮة ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺪاﺧﻠﺔ اﻹﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻟﻘﺎﻫﺎ اﻟﻨﺎﻗﺪ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ – ﻣﻨﻈﻢ اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ -ﺷﺮف اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺎﺟﺪوﻟﻴﻦ ﻋﻦ
أﺳﺌﻠﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺪد ﻣﺴﺎره وﻣﺼﻴﺮه ﻟﻴﻠﺤﻖ ﺑﺎﻟﻤﻠﺤﻤﺔ اﻟﻤﻨﺪﺛﺮة واﻷﺷﻜﺎل اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﻤﺘﺮاﺟﻌﺔ ﺳﺒﺒًﺎ ﻓﻲ إﺷﻌﺎل ﺣﻤﺎس ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻌﺮاء واﻟﻨﻘﺎد واﻵﺧﺮﻳﻦ ﻣﺜﻞ اﻟﺠﺰاﺋﺮﻳﺔ رﺑﻴﻌﺔ اﻟﺠﻠﻄﻰ واﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ ﻧﻮال اﻟﺤﻮارﻛﻲ ﻳﺘﻮﻟﻴﻦ اﻟﺪﻓﺎع ﻣﻌﻲ ﻋﻦ اﻟﺸﻌﺮ ،وﻗﺪ ﻟﻮﺣﻆ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ اﻟﺤﺲ اﻷﻧﺜﻮي ﻓﻲ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻨﺪوة ﻃﻐﻴﺎن اﻟﻨﺒﺮة اﻟﺬﻛﻮرﻳﺔ ﻋﻠﻰ ّ اﻟﻜﻢ واﻟﻜﻴﻒ ،وﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﺮي أن اﻟﺼﻮت اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ اﻟﺬي دﺧﻞ ﻣﻴﺪان اﻟﻔﻜﺮ واﻟﻌﻠﻢ واﻟﻔﻦ واﻷدب ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻫﻮ اﻟﺠﺪﻳﺮ ﺑﺄن ﻳﻌﻴﺪ اﻟﺘﻮازن ﻟﻄﺎﻗﺎت اﻟﺨﻠﻖ اﻹﺑﺪاﻋﻲ وﻳﺼﻮب ﻣﺴﺎر اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ. ﻛﻤﺎ أﺣﺴﺐ أن اﺗﺴﺎع آﻣﺎد اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﺮﻗﻤﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،ﻓﻲ أﺑﻌﺎدﻫﺎ اﻟﺴﻤﻌﻴﺔ واﻟﺒﺼﺮﻳﺔ واﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻘﻮﻻت ﺗﻘﺪم ﺑﻌﺾ اﻷﺟﻨﺎس اﻷدﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ أﺧﺮى ﻣﺜﻞ ﻣﻘﻮﻟﺔ زﻣﻦ اﻟﺮواﻳﺔ أو زﻣﻦ اﻟﺼﻮرة أو زﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره دﻳﻮان اﻟﻌﺮب ﻣﻦ ﻣﺨﻠﻔﺎت اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﻷن وﺳﺎﺋﻂ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺴﻊ ﻟﻤﻼﻳﻴﻦ اﻟﺘﺴﺠﻴﻼت اﻟﺼﻮﺗﻴﺔ واﻟﺒﺼﺮﻳﺔ وﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎول ﻳﺪ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﺼﻐﻴﺮ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺪﺧﻞ اﻟﻤﺪرﺳﺔ ﺑﻌﺪ آذﻧﺖ ﺑﺜﻮرة ﺟﺬرﻳﺔ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻮﻋﻲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ وﺗﻜﺪﻳﺲ وﺗﻔﻌﻴﻞ ﻋﻠﻮﻣﻪ وﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻪ ،ﻓﻼ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أﻟﻮم أﺣﻔﺎدي ﻣﺜﻼ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺤﻔﻈﻮن ﻓﻲ ذواﻛﺮﻫﻢ ﺑﻔﻠﺬات ﻏﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﻋﻴﻮن ً اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﺜﻠﻲ أﺗﺮﻧﻢ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺄﺛﻮرات اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻫﺬه اﻷﺟﻴﺎل اﻟﺘﻲ ﺗﺮى ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺘﺎ ًﺣﺎ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺮاه ﺳﻮف ﺗﺴﺨﺮ ﺑﻜﻞ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﻣﻦ ﻧﺰاﻋﻨﺎ ﺣﻮل اﻟﻔﻦ اﻟﻤﺴﻴﻄﺮ أﺻﻴﻼ ﻓﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺬي ﻧﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻦ ﺗﻌﺪم ﻣﻄﻠﻘًﺎ ﻧﺰوﻋﺎ ً ﺻﻤﻴﻢ ﻛﻴﻨﻮﻧﺘﻬﺎ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻟﻠﻌﻮاﻃﻒ اﻟﻤﺮﻫﻔﺔ وإﻋﺠﺎﺑًﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴًﺎ ﺑﺎﻷﺧﻴﻠﺔ اﻟﻄﺎزﺟﺔ اﻟﻤﺠﻨﺤﺔ ،واﻓﺘﺘﺎﻧًﺎ ﺣﻠ ًﻮا ﺑﺎﻟﺘﺮاﻛﻴﺐ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ اﻟﻤﻤﻮﺳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺎﺷﺎت واﻟﺴﻤﺎﻋﺎت اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ دو ًﻣﺎ ﻓﻲ أذاﻧﻬﻢ ،وإن ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺼﻮرة اﻟﻼﻓﺘﺔ واﻟﺘﺮﻛﻴﺐ اﻟﻤﺪﻫﺶ واﻹﺑﺪاع اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺨﻄﺮ ﻟﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺎل ﺣﺘﻰ اﻵن ﻫﻮ اﻟﺬي ﺳﻮف ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺼﻨﺎﻋﺘﻪ أو اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ اﻟﺨﺼﺐ ﻣﻌﻪ ،ﻓﺎﻟﺸﺮاﻛﺔ ﻫﻲ ﺳﻤﺔ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ وﺗﺮاﺳﻞ اﻟﻔﻨﻮن واﻟﻌﻠﻮم واﻵداب واﻟﻤﺠﻬﻮل اﻟﺬي ﺳﻴَﻜﺸﻒ ﻋﻨﻪ اﻟﻐﻴﺐ ﻫﻲ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺬي ﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﺳﻴﺴﻮد ﻟﺪى اﻷﺟﻴﺎل اﻟﻘﺎدﻣﺔ ،وﺳﺘﻜﻮن أدﺑﻴﺎت اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻮدﻋﻬﺎ اﻟﻴﻮم ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺘﻴﻖ اﻟﺬي ﻳﺘﻨﺪرون ﺑﻪ ،ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻧﺘﻨﺪر اﻟﻴﻮم ﻋﻠﻰ ﺻﻮر اﻟﻜﻬﻮف اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ وﻧﺤﺘﺮم ﺟﻬﺪ ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻣﺼﺎﺋﺪﻫﻢ ﻛﻤﺎ ﻧﺮﺟﻮ أن ﻳﺤﺘﺮم أﺣﻔﺎدﻧﺎ ﺟﻬﺪا ﻣﻦ ﻣﻜﻨﻮﻫﻢ ﻣﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻨﻌﻤﻮن ﺑﻪ /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
123
ﺻﺪى اﻟﺬاﻛﺮة
ﻣﻨﺘﺪى أﺻﻴﻠﺔ
ﻳﻨﻔﺦ ﻓﻲ روح اﻟﺸﻌﺮ ﻗﻠﻴﻼ أﻣﺎم ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺮواﺋﻴﺔ ،ﻳﺨﻔﺖ ﺻﻮت اﻟﺬاﻛﺮة ً دﻫﺸﺔ اﻟﻌﻴﻦ اﻟﺒﺎﺻﺮة ،وﻳﻔﺮض ﻣﻦ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺧﻼل اﻟﺮﺣﻼت ﺣﻀﻮره ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﺮﺟﺎع واﻟﺘﺄﻣﻼت ،وﻗﺪ أﺗﻴﺢ ﻟﻲ ﺧﻼل ﻫﺬا اﻟﺼﻴﻒ أن أﻧﻔﺾ ﻋﻦ ﻛﺎﻫﻠﻲ ﻧﺜﺎر اﻷﺣﺰان ووﺟﻊ اﻷﻗﺪار –ﺑﻘﺪر ﻣﺎ أﺳﺘﻄﻴﻊ- وأن أﺣﻦ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﺪى أﺻﻴﻠﺔ ،ﻋﺮوس اﻟﻤﺪن اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﻮﺷﺎة ﺑﺎﻟﻔﻦ واﻟﻌﻠﻢ واﻟﺠﻤﺎل ،وﻗﺪ ﺷﺒﻬﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻮﺷﺤﺔ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ اﻟﻤﻔﻌﻤﺔ ﺑﺎﻟﻄﺮز اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ واﻟﺼﻮر اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻴﺔ واﻟﻌﺮاﻗﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ،وﻗﺪ اﻧﺘﻈﻤﺖ ﻓﻲ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ وإﺑﺪاﻋﻴﺔ ،ﺗﺴﺘﻤﺪ ﻃﺎﻗﺘﻬﺎ اﻟﺨﻼﻗﺔ ﻣﻦ ﺣﻜﻤﺔ راﻋﻴﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪ "ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻨﻌﻴﺴﻰ" ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻮزارﺗﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻤﻂ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ أﻳﻀً ﺎ، اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،وأﻫﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺨﻴﺎل اﻟﺨﺼﺐ واﻹرادة واﻟﻜﻔﺎءة ﻓﻲ ﺗﺪﺑﻴﺮ اﻷﻧﺸﻄﺔ وﺗﻤﻮﻳﻠﻬﺎ وﺗﻌﺪدﻫﺎ وﺷﻤﻮﻟﻬﺎ ﻋﺒﺮ ﻣﺎ ﻳﺮﺑﻮ ﻋﻠﻰ أرﺑﻌﺔ ﻋﻘﻮد دون اﻧﻘﻄﺎع ،ﺣﻴﺚ ﻳﻤﺘﺰج اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﻌﻤﻴﻖ ﺑﺎﻟﺮؤﻳﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ واﻟﻔﻦ اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻲ ﺑﺎﻟﺼﻮرة اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ، واﻟﻨﻐﻢ اﻟﺸﻌﺮي ﺑﺎﻟﻔﻦ اﻟﺴﺮدي ،وﺣﻴﺚ ﻳﻠﺘﻘﻲ اﻟﻤﺒﺪع اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻨﻈﻴﺮه اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ اﻷوروﺑﻲ ﻋﻠﻰ أرض ﻗﺮﻳﺔ ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ أﻧﻤﻮذج ﺑﺪﻳﻊ ﻟﻠﻤﺪن اﻟﻤﺸﻌﺔ ﺑﻤﻮاﺳﻢ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻨﺸﺎط ،ﺑﺤﻴﺚ أﺻﺒﺢ ﻟﻬﺎ ذاﻛﺮة وﺗﺎرﻳﺦ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﺎﻹﻧﺠﺎز واﻷﺳﻤﺎء ،دﻓﻌﻬﺎ اﻟﺤﻨﻴﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﺎم ﻟﻠﻨﻔﺦ اﻟﻘﻮي ﻓﻲ روح اﻟﺸﻌﺮ ﺿﻤﻦ ﺑﺮاﻣﺠﻬﺎ ﻟﺒﺤﺚ ﻇﻮاﻫﺮه وﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﺘﻐﻴﺮ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻨﺪوات واﻟﻤﻠﺘﻘﻴﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .وﻗﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ روادﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺮاﺣﻠﻬﺎ اﻷوﻟﻰ ﺷﻌﺮاء ﻣﻦ ﻗﺎﻣﺔ أدوﻧﻴﺲ واﻟﺒﻴﺎﺗﻲ وﺑﻠﻨﺪ اﻟﺤﻴﺪري وأﺣﻤﺪ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻌﻄﻰ ﺣﺠﺎزي وﺳﻨﺠﻮر ﺷﺎﻋﺮ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻷﻛﺒﺮ وﻏﻴﺮﻫﻢ، وﻗﺪ ﺧﺼﺼﺖ ﻟﻠﺮاﺣﻠﻴﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﻧﺼﺐ وﺣﺪاﺋﻖ ﺑﺎﺳﻤﻬﻢ وﺑﻌﺾ اﻟﺠﻮاﺋﺰ ﻟﻸﺟﻴﺎل اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ،وﺣﺎوﻟﺖ ﻓﻲ ﻣﺪاﺧﻠﺘﻲ اﻟﻤﺘﺮﺟﻠﺔ ﻋﻔﻮﻳًﺎ أن أداﻓﻊ ﻋﻦ دﻳﻤﻮﻣﺔ اﻟﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﺤﻮﻻت اﻟﺰﻣﻦ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ؛ ﻓﻬﻮ اﻟﺬي ﻳﺘﺴﻊ ﻟﺠﻨﻮن اﻟﻠﻐﺔ ،وﻳﻌﺘﻖ ﺧﻤﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺧﻮاﺑﻲ رواﺋﻌﻪ ،وﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻄﻠﻖ اﻟﻌﻨﺎن ﻟﻨﺰق اﻟﺨﻴﺎل وﻳﺤﺮره ﻣﻦ ﺟﺎذﺑﻴﺔ اﻟﻮاﻗﻊ اﻷرﺿﻲ ﻟﻴﺠﻮب ﺑﻪ أﻗﻄﺎر اﻟﺴﻤﺎء وﻳﺨﺮق ﻓﻴﻪ ﻗﻮاﻧﻴﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وﻳﺪرﺑﻪ ﻋﻠﻰ اﻻﺑﺘﻜﺎر اﻟﺨﻼق ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺤﻴﺎة ،ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺮد ﻟﻠﺮوح ﻣﻮﺳﻴﻘﺎﻫﺎ وﻟﻠﻘﻠﻮب ﻧﺠﻮاﻫﺎ وﻟﻺﻧﺴﺎن ﺟﻮﻫﺮ ﻛﻴﻨﻮﻧﺘﻪ .ﻓﻠﻴﺲ اﻟﺸﻌﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻷﺧﻴﺮ ﻣﺠﺮد ﻛﻨﺰ ﻣﻘﺼﻮر ﻋﻠﻰ ﺣﺼﺎد اﻟﻠﻐﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺟﻨﺔ ﻣﻮﻋﻮدة ﺗﻘﺘﺒﺲ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﻞ اﻟﻔﻨﻮن ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﻞ اﻟﺴﺮد إﻟﻰ ذروة إﺗﻘﺎﻧﻪ ﻳﺤﻘﻖ ﺷﻌﺮﻳﺘﻪ، وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺒﻠﻎ ﻣﺸﺎﻫﺪ اﻟﺼﻮرة اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ أرﻫﻒ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺗﻬﺎ ﺗﻮﺻﻒ 122
ﻣﻨﺘﺪى أﺻﻴﻠﺔ ﻳﻨﻔﺦ ﻓﻲ روح اﻟﺸﻌﺮ
ﺻﻼح ﻓﻀﻞ * ƉƚǙ ɐƉLjƲǙǶ ƃǃōǝ
ﺑﺎﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺘﺸﻜﻴﻞ اﻟﻔﻨﻲ ،أﻣﺎ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﻓﻬﻲ ﻗﺮﻳﻨﺘﻪ وﺳﺮه اﻹﻳﻘﺎﻋﻲ ،وﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎك ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺘﻨﺎول ﻛﻞ ﻳﻮم ﻛﺴﺮات ﻣﻦ ﺧﺒﺰ اﻟﺸﻌﺮ ﻓﻲ اﻷﻏﺎﻧﻲ واﻷﻫﺎزﻳﺞ ،واﻷﻣﺜﺎل واﻟﺤﻜﻢ واﻟﻤﺮوﻳﺎت اﻟﺒﻠﻴﻐﺔ ،واﻟﺸﻌﺮ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻨﻤﻲ اﻟﻌﻮاﻃﻒ وﻳﺴﻤﻮ ﺑﺎﻟﻐﺮاﺋﺰ وﻳﺒﺘﻜﺮ ﻟﻐﺔ اﻟﺤﺐ وﺣﺎﻻت اﻟﻌﺸﻖ ﺑﻬﺬه اﻟﺘﺴﻤﻴﺔ ،وﻗﺪ ﻛﺎن اﻟﻔﺎراﺑﻲ ﻓﻴﻠﺴﻮف اﻟﻌﺮب ﻳﻘﻮل إن اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻨﺪﻣﺎ أراد أن ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ وﺣﺎﺟﺎﺗﻪ اﺑﺘﻜﺮ اﻟﻠﻐﺔ ،ﺛﻢ ﺑﻘﻴﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺣﺎﺟﺔ ﻻ ﺗﻘﺪر اﻟﻠﻐﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﺎﺑﺘﻜﺮ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﻷداﺋﻬﺎ ،وﺑﻮﺳﻌﻨﺎ أن ﻧﻘﻮل إﻧﻪ ﻣﺰج اﻟﻠﻐﺔ ﺑﺎﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ أوﻻ ﻓﻲ اﺧﺘﺮاﻋﻪ ﻟﻠﺸﻌﺮ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻬﺘﺪي إﻟﻰ اﻷﻧﻐﺎم اﻟﺼﺎﻓﻴﺔ .وﻗﺪ ﺻﺎر ﺟﻠﻴًﺎ ﻓﻲ ﻧﺪوة أﺻﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ أﺣﻜﻲ ﻟﻜﻢ ﻋﻨﻬﺎ أن اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﻻ ﺗﻌﻨﻲ اﻷوزان واﻟﻘﻮاﻓﻲ ﻓﻘﻂ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺸﻤﻞ ﻛﻞ اﻹﻳﻘﺎﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻣﻮﺳﻘﺔ اﻟﻠﻐﺔ وﺗﻜﺘﺸﻒ درﺟﺎت اﻟﻬﺎرﻣﻮﻧﻴﺔ واﻟﺘﻨﺎﻏﻢ ﺑﻴﻦ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺗﻬﺎ اﻟﺼﻮﺗﻴﺔ واﻟﺪﻻﻟﻴﺔ وأﻧﺎﻗﺘﻬﺎ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮﻳﺔ ،اﻹﻳﻘﺎع أﻋﻤﻖ وأﺷﻤﻞ وأﺑﻠﻎ ﺗﺄﺛﻴﺮا ً ﻣﻦ اﻟﻨﻈﻢ ،وﻟﺴﺖ أﺳﺠﻞ ﻫﻨﺎ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻣﺎ ﻗﻠﺘﻪ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ،ﻓﻬﺬه ﻣﺸﻜﻠﺔ واﺟﻬﺘﻨﻲ ﻣﻨﺬ ﻋﻬﺪ ﺑﻌﻴﺪ، أﺣﺐ اﻻرﺗﺠﺎل ﻋﻠﻰ ﺧﻄﻮرﺗﻪ؛ ﻷن ﻗﺮاءة اﻷوراق ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﻓﻞ ﺗﻘﻄﻊ ﺣﺒﻞ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻟﺘﻠﻘﺎﺋﻲ ﻣﻊ اﻟﻤﺘﻠﻘﻴﻦ وﺗﺤﺮم اﻟﻤﺘﺤﺪث ﻣﻦ اﻟﺸﺮارة اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﻋﻴﻮﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺑﺮﻳﻘﻬﺎ اﻟﺨﺎﻃﻒ؛ وإن ﻛﺎن اﻟﻜﻼم وﺟﻤﺎﻻ ﻏﻴﺮ أﻧﻪ ﻓﺎﻗﺪ ﻟﻠﺤﺮارة وﻣﻬﻴﺄ ً اﻟﻤﻜﺘﻮب أﻛﺜﺮ رﺻﺎﻧﺔ وإﺗﻘﺎﻧًﺎ ﻟﻠﻘﺮاءة وﺿﻌﻴﻒ ﻓﻲ ﺗﺄﺛﻴﺮه اﻟﻔﻮري ،وﻗﺪ ﻳﺤﺮﻣﻨﻲ اﻻرﺗﺠﺎل ﺑﺪوره ﻣﻦ أﻧﺎﻗﺔ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ وذﻛﺎء اﻟﻠﻔﺘﺎت وإﺣﻜﺎم اﻷﺑﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺪﻓﻖ ﺑﻬﺎ اﻟﻘﻠﻢ ﻋﺎدة ،ﻟﻜﻨﻲ درﺟﺖ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻮﻳﺾ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﺘﻲ أﺳﺘﻤﺪﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻀﻮر ﻓﻲ ﺗﻔﺎﻋﻠﻬﻢ ،وﻋﻤﺪت أﻳﻀً ﺎ إﻟﻰ ﺣﻞ وﺳﻂ ﻫﻮ ﺗﺴﺠﻴﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻘﺎط اﻟﻤﻬﻤﺔ واﺧﺘﻄﺎف اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﺧﻼل اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻤﺎ ﻳﻜﺎد ﻳﻮﻓﻖ ﺑﻴﻦ اﻟﺠﺎﻧﺒﻴﻦ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺨﺴﺎرة اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻟﻲ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺿﻴﺎع ﻣﺌﺎت اﻷﺣﺎدﻳﺚ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء ﻣﻦ دون أن ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻠﺘﺴﺠﻴﻞ واﻟﺘﻮﺛﻴﻖ ﻣﺜﻞ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،وﻗﺪ ﻟﻄﻔﺖ وﺳﺎﺋﻞ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻣﻦ ذﻟﻚ
إﺿﺎءة
ﺣﻔﻆ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت واﻟﺤﻀﺎرة واﻻﺗﺼﺎل ﻗﺎل اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﺟﻮرج .ف ﻫﻴﺠﻞ" :اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻛﺎﻷﻓﺮاد اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﻘﻠﻮن ﺷﻌﻠﺔ اﻟﺤﻀﺎرة ﻣﻦ واﺣﺪ إﻟﻰ اﻵﺧﺮ" .أﻣﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ أوزواﻟﺪ ﺳﺒﻨﺠﻠﺮ ،ﻓﻘﺪ ذﻫﺐ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺬي ﺣﻤﻞ ﻋﻨﻮان :اﻧﺤﺪار اﻟﻐﺮب، إﻟﻰ أن اﻟﺤﻀﺎرة ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت اﻟﺤﻴﺔ )اﻹﻧﺴﺎن( ﺗﻮﻟﺪ وﺗﻨﻀﺞ وﺗﺰدﻫﺮ ﺛﻢ ﺗﻤﻮت .وﻗﺪ أﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ أﻳﻀﺎ اﻟﻤﺆرخ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ أرﻧﻮﻟﺪ ﺗﻮﻳﻨﺒﻲ ،اﻟﺬي ﻗﺎل ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان :دراﺳﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ: »إن اﻟﺤﻀﺎرات ﺗﻘﻮم ﻓﻘﻂ ﺣﻴﺚ ﺗﺘﺤﺪى اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻨﺎس ،وﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻜﻮن اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻼﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻠﺘﺤﺪي ،ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل ،اﻟﺠﻮ اﻟﺤﺎر اﻟﺠﺎف ﻳﺠﻌﻞ اﻷرض ﻏﻴﺮ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻠﺰراﻋﺔ وﻳﻤﺜﻞ ﺗﺤﺪﻳًﺎ ﻟﻠﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻫﻨﺎك ،وﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ اﻟﻨﺎس ﻟﻬﺬا اﻟﺘﺤﺪي ﺑﺒﻨﺎء أﻧﻈﻤﺔ ري ﻟﺘﺤﺴﻴﻦ اﻷرض« .وإذا ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﻦ ﻳﻘﻮل إن اﻟﺤﻀﺎرة ﺗﺘﻜﻮن ﻣﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎد وﻣﻮارده ،واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ وأﻧﻈﻤﺘﻬﺎ، واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ واﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﻘﻮﻳﻤﺔ ،ﺛﻢ اﻟﻌﻠﻮم واﻟﻔﻨﻮن ،ﻓﻤﺎ ﻫﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﻜﻮﻧﺎت إذا ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻦ ﻟﺐ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ اﻻﺗﺼﺎل ﺑﻴﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺷﻌﻮب اﻷرض وﺷﻐﻒ ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻜﻞ ﺟﺪﻳﺪ وﺑﺎﻟﺘﻄﻮر واﻻﻛﺘﺸﺎف؟ .وإذا ﺗﻮﻗﻔﻨﺎ ﻋﻨﺪ اﻻﺗﺼﺎل ﺑﻴﻦ اﻷﻣﻢ واﻟﺸﻌﻮب ،ﻓﺈﻧﻨﺎ
ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻤﺰروﻋﻲ * ŦŌƈōǙȑŌ ǛǙ dzŞũōlj
ﺳﻨﺠﺪ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ اﻟﺤﺎﻟﻲ أﺛﺮ ﺑﺎﻟﻎ ﻟﻬﺬا اﻟﻤﻔﻬﻮم ،واﻟﺴﺒﺐ أﻧﻪ ﻋﺎﻣﻞ ﻣﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻟﻨﺎس ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪم ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺿﺮورة ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﺤﻀﺎرات وﻗﻴﺎﻣﻬﺎ ،ﺑﻞ أﺳﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺘﻨﻮع اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ وﻏﺰارﺗﻪ ،ﻫﺬا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺒﺸﺮي ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ،أﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻔﺮد ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﻤﺎرس اﻻﺗﺼﺎل ﻳﻮﻣﻴﺎ ﺑﻄﺮق ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ووﺳﺎﺋﻞ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،ﻓﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ وﺳﺎﺋﻞ رﻛﻨﻬﺎ اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻻﺗﺼﺎل ،وﻏﻨﻲ ﻋﻦ اﻟﻘﻮل أن اﻻﺗﺼﺎل ﻳﺴﺘﻘﻄﻊ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ وﻗﺖ ﻛﻞ ﻓﺮد ﻣﻨﺎ دون إن ﻳﺸﻌﺮ ،وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل أﻋﻤﺎﻟﻨﺎ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ أو ﺣﺘﻰ داﺧﻞ ﻣﻨﺎزﻟﻨﺎ ،ﺑﻌﺾ اﻟﺪارﺳﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل ﻗﺪر ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻳﻤﻀﻴﻪ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﺗﺼﺎل ﺑﻨﺤﻮ % 90أﻣﺎ ﻣﺠﺎﻻت ووﻇﺎﺋﻒ واﻻﺗﺼﺎل ،ﻓﺘﺠﺪﻫﺎ ﻣﺎﺛﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﻇﻴﻔﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﺘﻲ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻳﺘﻢ ﻧﻘﻞ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻣﻦ ﺟﻴﻞ إﻟﻰ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺑﻬﺪف اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﻮﻳﺔ أو اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺠﺰات واﻟﻤﺒﺘﻜﺮات وﺗﻄﻮﻳﺮﻫﺎ ،وﻫﺬه اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺗﺘﻢ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﻟﺘﺄﻟﻴﻒ واﻟﺮﺻﺪ واﻟﺪراﺳﺔ واﻟﺘﺤﻠﻴﻞ واﻟﻨﻘﺪ وﻧﺤﻮﻫﺎ ،وﺗﻮﺿﻊ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ وﻣﺠﻠﺪات ،وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺼﺮ أﺿﻴﻔﺖ وﺳﻴﻠﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻠﺤﻔﻆ ﺳﻮاء ﻣﻦ ﺧﻼل اﻷرﺷﻔﺔ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ إﻟﻰ أدوات وﺗﻘﻨﻴﺎت ﺣﺪﻳﺜﺔ وﺗﺘﻄﻮر ﻛﻞ ﻳﻮم ،ﺣﺘﻰ وﺻﻠﻨﺎ ﻟﻠﺤﻔﻆ ﻋﻠﻰ ﺷﺒﻜﺔ اﻹﻧﺘﺮﻧﺖ ،وأﺣﻴﺎﻧﺎ ﺗﺘﻢ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺤﻔﻆ ﺗﻠﻘﺎﺋﻴﺎ وﻣﻦ دون ﺣﺘﻰ أن ﺗﻄﻠﺐ ﻫﺬا .وﻫﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ ﻓﻌﻼ دﻋﻢ وﻗﻔﺰ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ وأﺳﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻨﺎس ﺑﺄﻫﻤﻴﺘﻪ وأﻫﻤﻴﺔ ﺻﻮﻧﻪ ﻟﻸﺟﻴﺎل اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ .ﻣﻦ دون ﺷﻚ أن ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻻﺗﺼﺎل واﻟﺘﻮاﺻﻞ ﺑﻴﻦ اﻷﻣﻢ واﻟﺸﻌﻮب ﺳﺎﻫﻤﺖ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﺑﻞ ﻗﻮت اﻟﺘﻌﺎون اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس ،وأدت إﻟﻰ ﻓﻬﻢ اﻵﺧﺮ وﺗﺒﺎدل اﻟﻤﻌﺎرف وﻧﻘﻞ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﺑﺸﻜﻞ ﺳﺮﻳﻊ وﻣﺘﻜﺎﻣﻞ ،وﺗﻌﺘﺒﺮ ﺣﻀﺎرة اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺎﻣﻞ ﻟﻼﺗﺼﺎل ،واﻟﺜﻮرة اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﻬﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺼﺮ ﻣﻦ أﻫﻢ ﻣﻼﻣﺤﻬﺎ ﺗﻘﻨﻴﺎت اﻻﺗﺼﺎﻻت /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
121
ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب
وﺗﺤﺼﻴﻞ اﻟﻌﻠﻢ وﻓﻲ ﺧﻼﻓﺔ أﺑﻰ اﻟﻌﺒﺎس ﻓﻲ ﺣﻤﻞ راﻳﺔ اﻟﺸﺎذﻟﻴﺔ،ﻣﺜﻞ أﺑﻮ ﻋﻄﺎء اﻟﺴﻜﻨﺪري واﻟﺸﻴﺦ ﺷﻤﺲ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ اﻟﻠﺒﺎن .ﻟﻘﺪ روﻳﺖ ﻋﻦ ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش واﻗﻌﺔ ﺗﺒﺮز ﻛﺮاﻣﺘﻪ وﻋﻠﻮ ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ﺑﻴﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻤﺸﺎﻳﺦ ﻓﻲ ﻋﺼﺮه؛ ﺣﻴﺚ أﻧﻜﺮ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻠﺒﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻴﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﺒﺪوي وﻻﻳﺘﻪ؛ ﻓﻌﺎﻗﺒﻪ ﺑﺄن ﺳﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﻋﻠﻤﻪ وﻣﻜﺎﻧﺘﻪ؛ ﺣﺘﻰ ﻧﺴﻲ اﻟﻘﺮآن؛ ﻓﺼﺎر ﻳﺴﺘﻐﻴﺚ ﺑﺎﻷوﻟﻴﺎء ،وﺗﻮﺳﻞ ﺑﺠﻤﻴﻊ أوﻟﻴﺎء ﻋﺼﺮه ،ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﺴﻴﺪ اﻟﺒﺪوي ﺷﻔﺎﻋﺘﻬﻢ ﻓﻴﻪ؛ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﺳﻂ ﻟﻪ ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش وﺷﻔﻊ ﻓﻴﻪ. ﻧﺪرك ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬه اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ذات اﻟﺪﻻﻻت اﻟﻤﻬﻤﺔ؛ أن ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش ﻗﺪ ارﺗﺒﻂ اﺳﻤﻪ ﺑﺎﻟﺴﻴﺪ اﻟﺒﺪوي وﺑﺎﻟﺤﺴﻦ اﻟﺸﺎذﻟﻲ ،وﻫﻤﺎ اﺛﻨﺎن ﻣﻦ أﺑﺮز اﻷﻗﻄﺎب وﻣﺆﺳﺴﻲ اﻟﻄﺮق اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ اﻟﻜﺒﺮى ،اﻟﺘﻲ ﺷﺎع ﺻﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻛﺜﺮ ﻣﺮﻳﺪﻳﻬﺎ؛ ﻣﻤﺎ اﻛﺴﺒﻪ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ وﺣﻈًﺎ واﻓ ًﺮا ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺮة واﻟﻤﺤﺒﺔ ﻟﺪى اﻟﻤﺘﺼﻮﻓﻴﻦ واﻟﻤﺮﻳﺪﻳﻦ. ﺗﺴﺘﻤﺮ ﺣﻜﺎﻳﺔ »ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش« ﻓﻰ اﻟﻨﻤﻮ ﺗﻨﻤﻮ ﺣﻴﻦ ﻳﺰوﺟﻪ اﻟﻤﺮﺳﻲ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس اﺑﻨﺘﻪ »ﺑﻬﺠﺔ«؛ ﻟﻴﺼﺒﺢ ﺗﻠﻤﻴﺬه وﺻﻬﺮه وﻳﺼﻔﻪ داﺋﻤﺎ 120
ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش ﺷﻔﻴﻊ اﻟﻄﻴﻮر وﺣﺎﻣﻞ اﻟﻮﻻﻳﺔ
ﺑﻘﻮﻟﻪ» :ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش اﺑﻦ أﺑﻴﻪ«. ﻳﻀﻴﻒ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ أﻧﻪ وﻫﻮ اﻟﻘﻄﺐ اﻟﺒﺎرز ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﺘﺼﻮﻓﻴﻦ؛ ﻳﻘﺼﺪ ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش ﻟﻠﺘﺒﺮك واﻟﺪﻋﺎء ،وﻫﻮ ﻗﻮل ﻳﺠﺐ ﻋﻨﺪه اﻟﺘﻮﻗﻒ واﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻃﻮﻳﻼً .وﺑﻐﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺟﺪﻳﺔ ﻫﺬه اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت؛ ﻓﺈن ﺟﻌﺒﺔ اﻟﺤﻜﻲ اﻟﺸﻌﺒﻲ اﻟﻤﺮﺗﺒﻂ ﺑﻴﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻜﺜﻴﺮ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺪرة واﻟﻜﺮاﻣﺔ اﻟﻤﻨﺴﻮﺑﺔ ﻟﻪ ﻣﻦ »اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻊ اﻟﻄﻴﻮر وﻓﻬﻢ ﻟﻐﺘﻬﺎ« ﻫﻲ اﻷﺑﺮز واﻷﻏﺮب ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ،وﻫﻲ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻤﻲ ﺑﺴﺒﺒﻬﺎ »ﺷﻔﻴﻊ اﻟﻄﻴﻮر«؛ ﺣﻴﺚ ﻗﻴﻞ إﻧﻪ ﻓﻲ ﻳﻮم ﻣﺎ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻠﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﻼﻣﻴﺬه ﻣﺤﺎﺿﺮة دﻳﻨﻴﺔ؛ﺟﺎءﺗﻪ ﻳﻤﺎﻣﺔ ﻓﻮﻗﻔﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ ﺑﻴﻦ ﺗﻼﻣﻴﺬه اﻟﺬﻳﻦ ﺷﻬﺪوا اﻟﻮاﻗﻌﺔ ،وﻫﻤﺴﺖ ﻓﻲ أذﻧﻪ ﺑﻜﻠﻤﺎت ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻌﻬﺎ ﺳﻮاه ،وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻟﻮ ﺳﻤﻌﻮﻫﺎ ﻟﻤﺎ ﻓﻬﻤﻮﻣﺎ وﻣﺎ أدرﻛﻮا ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ؛ ﻓﺮد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﺎﺋﻼً ﺑﻠﻄﻒ ورﻗﺔ» :ﻧﻌﻢ ،ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ أرﺳﻞ ﻣﻌﻚ أﺣ ًﺪا ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮاء«. ﻳﻘﺼﺪ ﻫﻨﺎ أن ﻳﺮﺳﻞ أﺣﺪ اﻷﺗﺒﺎع أو اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﻴﻜﻠﻔﻬﻢ ﺑﺤﻞ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻴﻤﺎﻣﺔ؛ ﻓﺘﺮد ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻴﻤﺎﻣﺔ» :ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻴﻨﻲ إﻻ أﻧﺖ« ﻳﻘﻮم ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻪ ،وﻳﺮﻛﺐ ﺑﻐﻠﺘﻪ ،ﻣﺴﺎﻓ ًﺮا ﻣﻦ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ اﻟﻌﺘﻴﻘﺔ ،وﻳﺪﺧﻞ إﻟﻰ ﺟﺎﻣﻊ ﻋﻤﺮوﺑﻦ اﻟﻌﺎص، ﺳﺎﺋﻼً ﻋﻦ ﻣﺆذن اﻟﺠﺎﻣﻊ؛ ﻟﻴﻘﻮل ﻟﻪ: »ﻫﺬه اﻟﻴﻤﺎﻣﺔ أﺧﺒﺮﺗﻨﻲ ﺑﺎﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ أﻧﻚ ﺗﺬﺑﺢ ﻓﺮﺧﻬﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻮﻟﺪﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎرة« ﻓﻴﺮد ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻤﺆذن» :ﺻﺪﻗﺖ ﺳﻴﺪي؛ ﻓﻘﺪ ذﺑﺤﺘﻬﻢ ﻣﺮا ًرا« ﻓﻴﺄﻣﺮه ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش أﻻ ﻳﻌﻮد ﻟﺬﻟﻚ ،وﻳﺘﺮك اﻟﻴﻤﺎﻣﺔ وﻓﺮاﺧﻬﺎ ﻟﺤﺎﻟﻬﻢ؛ ﻓﻴﻌﺘﺬر ﻟﻪ اﻟﻤﺆذن وﻳﻌﺪه ﺑﺄﻻ ﻳﻔﻌﻞ. ﺑﻴﻦ اﻟﺨﻴﺎل اﻟﺸﻌﺒﻲ وﺑﻴﻦ ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﺰﻫﺪ واﻟﺘﻌﺒﺪ؛ ﻳﻘﻒ ﻣﺴﺠﺪ ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش ﻛﺄﺛﺮ ﺷﺎﻫﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ ارﺗﺒﻂ ﺟﺰء ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ ﺑﺤﻜﺎﻳﺎت اﻷوﻟﻴﺎء وﻛﺮاﻣﺎﺗﻬﻢ اﻟﺘﻰ ﻻ ﻳﻨﺘﻬﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﻬﺎ
»ﻳﺎﻗﻮت« أﺳﻴ ًﺮا ﻟﺪى ﺗﺎﺟﺮ ﻋﺒﻴﺪ؛ ﻟﻴﺤﻤﻠﻪ ﻣﻜﺒﻼً ﻋﻠﻰ ﻣﺘﻦ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻓﻲ ﻋﺮض اﻟﺒﺤﺮ ،ﺗﺘﻼﻋﺐ ﺑﻬﺎ اﻷﻣــﻮاج .ﻓﻴﺜﻮر اﻟﺒﺤﺮ ﺛﻮرة ﺷﺪﻳﺪة ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻘﺘﺮب اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺷﺎﻃﺊ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ .ﻳﺸﻌﺮ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﺎﻟﺨﻄﺮ واﻗﺘﺮاب اﻟﻤﻮت ،وﻋﻨﺪﻫﺎ ﻳﻘﺮر اﻟﺘﺎﺟﺮ وﻫﻮ ﻳﻨﻈﺮ ﻟﻴﺎﻗﻮت أن ﻳﻨﺬره ﻛﻬﺪﻳﺔ ﻟﻠﺸﻴﺦ »اﻟﻤﺮﺳﻲ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس«؛ﺷﻔﺎﻋﺔ ﺑﻪ ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻞ اﻟﻤﺮﻛﺐ ﺑﺴﻼم ﻟﻤﻴﻨﺎء اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ .ﻣﺎ إن ﻳﻨﺬر اﻟﺘﺎﺟﺮ ﻧﺬره ﻫﺬا؛ ﺣﺘﻰ ﻳﻬﺪأ اﻟﺒﺤﺮ وﺗﺼﻞ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺑﺄﻣﺎن؛ﺣﺎﻣﻠﺔ رﻛﺎﺑﻬﺎ إﻟﻰ ﺷﺎﻃﺊ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ. ﻳﻨﻈﺮ اﻟﺘﺎﺟﺮ ﻟﻠﻄﻔﻞ »ﻳﺎﻗﻮت« ﺻﻐﻴﺮ اﻟﺠﺴﻢ ،اﻟﺬي ﻓﺘﻜﺖ اﻷﻣﺮاض ﺑﺠﻠﺪه ،وأﺻﺎﺑﺘﻪ اﻟﺤﻜﺔ؛ ﻓﻴﻘﺮر أن ﻳﺘﺮاﺟﻊ ﻋﻦ ﺗﻨﻔﻴﺬ اﻟﻨﺬر ،وﻳﻘﺮرأن ﻳﻬﺪي اﻟﺸﻴﺦ اﻟﻤﺮﺳﻲ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس ﺻﺒ ًﻴﺎ آﺧﺮ واﻓﺮ اﻟﺼﺤﺔ ﺻﺤﻴﺢ
اﻟﺒﺪن ﺗﻘﺪﻳ ًﺮا واﺣﺘﺮا ًﻣﺎ ﻟﻤﻜﺎﻧﺘﻪ ،وﻟﻜﻦ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس ﻳﺮﻓﺾ اﻟﻐﻼم اﻵﺧﺮ وﻳﺨﺎﻃﺐ اﻟﺘﺎﺟﺮ ﻗﺎﺋﻼً» :إن اﻟﻌﺒﺪ اﻟﺬي ﻋﻴﻨﺘﻪ ﻟﻴﺲ ﻫﺬا« ،ﻓﻴﺬﻫﺐ اﻟﺘﺎﺟﺮ ﺑﺎﻟﻐﻼم وﻳﺤﻀﺮ »ﻳﺎﻗﻮت«؛ ﻓﻴﻔﺮح اﻟﺸﻴﺦ وﻳﺄﺧﺬه وﻳﻌﺘﻘﻪ. ﺗﺴﺘﻤﺮ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﻓﻲ اﻟﻨﻤﻮ ﺣﻮل ﻋﻼﻗﺔ ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻄﻔﻞ اﻟﺤﺒﺸﻲ ﺑﺴﻴﺪه أﺑﻲ اﻟﻌﺒﺎس اﻟﻤﺮﺳﻲ؛ ﺣﻴﺚ وﻗﺮ ﻓﻰ اﻟﻀﻤﻴﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ أﻧﻪ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻘﺐ »ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش«؛ ﻷن ﻗﻠﺐ اﻟﺼﺒﻰ ﻛﺎن داﺋ ًﻤﺎ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻌﺮش، وﻟﻴﺲ ﺑﺎﻷرض إﻻ ﺑﺪﻧﻪ ،وﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺴﻤﻊ آذان ﺣﻤﻠﺔ اﻟﻌﺮش ﻗﺒﻞ أن ﻳﺆذن ﻟﻠﺼﻼة ﻓﻰ ﻣﺴﺠﺪ ﺳﻴﺪه اﻟﺸﻴﺦ أﺑﻲ اﻟﻌﺒﺎس. ﺗﻨﻤﻮ ﻛﺬﻟﻚ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﺣﻮل ﻋﻼﻗﺔ ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش ﺑﺘﻼﻣﻴﺬ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس وﻣﺮﻳﺪﻳﻪ ،ﻣﻤﻦ ﻋﺎش ﻓﻲ وﺳﻄﻬﻢ ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻨﺎﻓﺴﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎﻧﺔ /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
119
ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب
ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش ﺷﻔﻴﻊ اﻟﻄﻴﻮر وﺣﺎﻣﻞ اﻟﻮﻻﻳﺔ اﻷﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ -ﻣﻴﺴﺮة ﺻﻼح اﻟﺪﻳﻦ
ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺑﺤﺮ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ اﻷزرق وﺷﺎﻃﺌﻬﺎ اﻟﺮﻣﻠﻲ ﻓﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺑﺤﺮي ﺑﺤﻲ اﻟﺠﻤﺮك ﻳﻘﻊ ﻣﺴﺠﺪ ﺳﻴﺪي »ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش«؛ ﻣﻄﻼً ﻋﻠﻰ ﺷﺎرع ﻋﺮﻳﺾ ﻳﺤﻤﻞ ﻧﻔﺲ اﻻﺳﻢ ،ﻓﻲ ﻋﻼﻣﺔ ﺗﻜﺮﻳﻢ واﺿﺤﺔ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻷﺣﺪ أﻗﻄﺎﺑﻬﺎ اﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ ،اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻬﻢ ﻛﻌﺎدﺗﻬﺎ داﺋ ًﻤﺎﻣﻊ ﻛﻞ اﻟﻐﺮﺑﺎء -ﻛﺮﻳﻤﺔ ﻻ ﺗﺒﺨﻞ ﺑﺎﻟﻌﻄﺎء وﻻ ﺗﻀﻦﺑﺎﻟﻤﻨﺢ؛ ﻓﺄﺣﺴﻨﺖ اﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻬﻢ ووﻓﺎدﺗﻬﻢ ،وﻛﺮﻣﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ اﻟﺪﻧﻴﺎ، ورﻓﻌﺖ ذﻛﺮﻫﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ. ﻳﻘﻊ ﻣﺴﺠﺪ »ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش« ﻓﻲ ﻣﻴﺪان ﺷﻬﻴﺮ ﻳﺴﻤﻰ »ﻣﻴﺪان اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ« وﻫﻮ اﻟﻤﻴﺪان اﻟﺬي أﻣﺮ ﺑﺈﻧﺸﺎﺋﻪ اﻟﻤﻠﻚ »ﻓﺆاد اﻷول« ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺜﻼﺛﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ .ﺑﺪأ ﺗﺨﻄﻴﻄﻪ اﻟﻤﻬﻨﺪس اﻹﻳﻄﺎﻟﻲ »ﻣﺎري روﺳﻲ« .ﻟﻠﻤﺴﺠﺪ ﺗﺎرﻳﺦ أﺑﻌﺪ ﻣﻦ ذﻟﻚ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﻌﺎﻗﺒﺖ ﻋﻠﻴﻪ دورات اﻟﺒﻨﺎء واﻟﻬﺪم ،وﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﻄﺎﺑﻌﻪ اﻷول اﻟﺬي أﻗﻴﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺣﻴﺎة ﺻﺎﺣﺒﻪ ،اﻟﺬي ﺗﻮﻓﻲ ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ﻳﻨﺎﻫﺰ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻦ؛ ﻓﺪﻓﻦ ﻓﻴﻪ وأﻗﻴﻢ ﻟﻪ ﺿﺮﻳﺢ ﻳﻘﺼﺪه اﻟﻤﺮﻳﺪون .ﻣﻊ ﻣﺮور اﻟﺰﻣﻦ ﺗﻬﺪﻣﺖ أﺟﺰاء ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺮﻃﻮﺑﺔ وﻋﻮاﻣﻞ اﻟﺘﻌﺮﻳﺔ؛ ﻓﺠﺪده ﺷﻴﺦ ﻃﺎﺋﻔﺔ اﻟﺒﻨﺎﺋﻴﻦ ﻓﻲ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻋﺎم 1280ﻫـ و1862م .ﺗﻢ ﺑﻌﺪﻫﺎ إﻋﺎدة ﻫﺪﻣﻪ وﺗﻄﻮﻳﺮه أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮة؛ ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﻰ ﺷﻜﻠﻪ اﻟﺤﺎﻟﻲ؛ ﻟﻴﻌﺘﺒﺮ واﺣﺪا ً ﻣﻦ أﺣﺪ أﻫﻢ ﻣﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺎﺣﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ وﻣﻘﺼﺪا ً ﻟﻠﻌﺎﺑﺮﻳﻦ واﻟﺴﺎﺋﻠﻴﻦ .ﻳﻘﻴﻢ ﻟﻪ اﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ ﻣﻮﻟﺪ ﺳﻨﻮي ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺑﻊ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ رﻣﻀﺎن ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺎم؛ اﻋﺘﻘﺎ ًدا ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻮم ﻣﻮﻟﺪه. ﺗﺒﺪأ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻳﺎﻗﻮت ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﺒﺸﻲ اﻟﻘﺮﺷﻲ اﻟﺸﻬﻴﺮ ﺑﺴﻴﺪي »ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش« ﻣﻊ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﺸﺎع ﺑﻴﻦ ﻣﺮﻳﺪﻳﻪ ﻓﻲ إﺣﺪى ﻟﻴﺎﻟﻲ اﻟﺼﻴﻒ اﻟﺤﺎرة؛ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎم اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ اﻟﻤﺮﺳﻲ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس ﺷﻬﺎب اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﻌﺮوف ﺑﺴﻴﺪي »اﻟﻤﺮﺳﻲ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس« ﻗﻄﺐ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ وأﺷﻬﺮ أوﻟﻴﺎﺋﻬﺎ؛ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﺣﺎرة ﺑﺼﻨﻊ 118
ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش ﺷﻔﻴﻊ اﻟﻄﻴﻮر وﺣﺎﻣﻞ اﻟﻮﻻﻳﺔ
ﻋﺼﻴﺪة ﻟﻠﻌﺸﺎء ﻹﻃﻌﺎم ﺗﻼﻣﻴﺬه .ﺳﺄﻟﻪ ﺗﻼﻣﻴﺬه ﻋﻦ ﺳﺒﺐ إﻋﺪاد اﻟﻄﻌﺎم ﺑﻨﻔﺴﻪ؛ﻓﺄﺧﺒﺮﻫﻢ ﺑﺄن ﻏﻼ ًﻣﺎ ﻗﺪ وﻟﺪ ﺑﺎﻟﺤﺒﺸﺔ ﻫﺬه اﻟﻠﻴﻠﺔ، وﻫﺬه اﻟﻌﺼﻴﺪة اﺣﺘﻔﺎﻻ ﺑﻤﻴﻼده ،وأﻧﻪ ﻳﻨﺘﻈﺮ أن ﻳﺄﺗﻴﻪ ﻫﺬا اﻟﻐﻼم إﻟﻰ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ؛ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻌﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻳﺪه وﻳﺼﺒﺢ ﺧﺎدﻣﻪ واﺑﻨﻪ وﻳﺤﻤﻞ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه وﻻﻳﻪ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ اﻟﺸﺎذﻟﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﻬﺎ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس ﻋﻦ أﺑﻮ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺠﺒﺎر اﻟﺸﺎذﻟﻲ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﻣﺆﺳﺲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ،اﻟﺬي ﺳﻜﻦ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻬﻤﺎ،وﺗﻌﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻳﺪه اﻟﻤﺮﺳﻰ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس؛ﻓﻘﺮﺑﻪ وأﺣﺒﻪ ﺣﺘﻰ ﻗﺎل ﻋﻨﻪ» :ﻳﺎ أﺑﺎ اﻟﻌﺒﺎس ﻣﺎ ﺻﺤﺒﺘﻚ إﻻ ﻟﺘﻜﻮن أﻧﺖ أﻧﺎ ،وأﻧﺎ أﻧﺖ«. ﺗﺘﻄﻮر اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﺑﺸﻜﻞ دراﻣﻲ ﺑﻤﺮور اﻷﻳﺎم؛ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻊ اﻟﻐﻼم اﻟﺤﺒﺸﻲ
إﺿﺎءة
اﻟﻠﺴﺎن اAول! أﻳﻦ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻗﺒﻞ أن ﻧﻜﻮن؟ وﻫﻞ ﻛﺎن اﻟﻨﻄﻖ ﺑﻠﺴﺎن واﺣﺪ؟ وﺑﻠﺴﺎن ﻣﻦ ﻛﺎن؟ ﻫﻞ ﻧﺤﺘﺎج ﻟﻨﻈﺮة ﻟﻠﻮراء ﻟﻨﻔﺘﺮض ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻤﺎ ﻧﺨﺎﻟﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ؟ ﻟﻤﺎذا ﻧﺬﻫﺐ داﺋﻤﺎً ﻟﺘﺼﻐﻴﺮ اﻷﺷﻴﺎء ،وﻧﺬﻫﺐ ﻟﻠﻮراء اﻟﻌﻤﻴﻖ واﻟﻀﺎﺋﻊ ﻓﻲ اﻟﺠﺬور واﻷﺻﻮل ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻔﻜّﺮ ﻓﻲ اﻟﺪﻻﻟﺔ؟ ﺛﻢ ﻧﺠ ّﺮب اﻷﺻﻮات اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ اﻧﺒﺜﻘﺖ ﻣﻨﻬﺎ اﻷﺳﻤﺎء ،ﻧﻘﺎﺑﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ،ﻧﺘﺴﺎءل ﻋﻦ ﺣﺠﻢ اﻟﺘﺤﻮﻳﺮات ﻣﻦ ﻗﻠﺐ وإﺑﺪال وزﻳﺎدة وﻧﻘﺼﺎن ﺿﺮوري ،ﻧﻔﺘﺶ ﻋﻦ اﻟﺼﻼت ﻣﻬﻤﺎ ﺑﺪا ﻣﻦ ﺗﺒﺎﻋﺪﻫﺎ. ﻫﻞ ﻷﻧﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻧﺮﻳﺪ ﻟﻠﻤﻔﺮدات أن ﺗﻜﻮن ذات أﺻﻞ وﻣﻨﺒﺖ واﺣﺪ ووﻻدة واﺣﺪة؟ وﻣﺎ ﺑﺤﺜﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ إﻻ ﻣﺠﺮد ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﺘﻄﻤﻴﻦ اﻟﺸﻚ وإﻗﻨﺎﻋﻪ ﺑﻴﻘﻴﻦ ﺳﺎﺑﻖ وﻏﺮﻳﺰي؟ ﻫﻞ ﺗﺸﻌﺮﻧﺎ ﻫﺬه اﻟﻮﺣﺪة ،وﺣﺪة اﻷﺷﻴﺎء اﻟﻤﻨﺘﺸﺮة ﻣﻦ أﺻﻞ واﺣﺪ، ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ،ﻫﻞ ﺗﺸﻌﺮﻧﺎ ﺑﺎﻷﻣﺎن اﻟﺮوﺣﻲ ﻓﻲ اﻟﻜﻠﻤﺎت؟ ﻫﻞ وراء ﻛﻞ ﺳﺆال وﺑﺤﺚ ﻓﻲ اﻟﺜﺮاء واﻻﻧﺒﺜﺎق واﻟﺘﻌﺪد واﻟﻔﺮاق ﻫﻮ ﺣﺎﺟﺘﻨﺎ ﻟﻠﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻮﺣﺪة ،اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ،اﻻﺗﺤﺎد ،اﻷﺣﺪ ،اﻟﻮاﺣﺪ؟ ﻫﻞ ﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﻟﻐﺔ واﺣﺪة ﺟﻤﻌﺘﻨﺎ ﻣﻨﺬ آدم؟ ﺛﻢ ﺗﺸﻌﺒﺖ وﺗﻔ ّﺮﻋﺖ ﻣﻦ ﺷﺠﺮة ﺣﻮاء ﺑﻌﺪ ﺷﺘﺎت اﻷﺑﻨﺎء ﻋﻨﻬﺎ؟ وﻣﺎذا ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻬﺒﻂ آدم إﻟﻰ اﻷرض ﻛﻤﺎ ﻓﻲ اﻷﺛﺮ اﻟﺪﻳﻨﻲ ،ﻣﺎذا ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻌﺺ رﺑﻪ؟ ﻫﻞ ﻛﻨﺎ ﺳﻨﻜﺘﺐ وﻗﺘﻬﺎ ﺑﻬﺬه اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﻲ أﻋﺒﺮ ﺑﻬﺎ اﻵن؟ أم ﻟﻠﺠ ّﻨﺔ ﻟﻐﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ ،ﻟﻐﺔ اﻹﻟﻬﺎم واﻟﻮﺣﻲ واﻷﺣﻼم ،رﺑﻤﺎ؟ ﻟﻮ ﺑﻘﻴﺖ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ ﻫﻞ ﺳﺄﺧﺘﺎر اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ أﻳﻀﺎً؟ ﻛﻨﺖ ﺳﺄﻛﻮن؟ وﺗﻜﻮن ﻟﻮ ﺑﻘﻲ آدم ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ ﻣﻦ دون ﻣﻌﺼﻴﺔ ﻫﻞ ُ ﻟﻐﺘﻲ؟ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﺳﺌﻠﺔ دﺧﻠﺖ ﻓﻲ رأﺳﻲ وأﻧﺎ أرﺣﻞ إﻟﻰ ﺟﺬور اﻟﻜﻠﻤﺎت وﻟﺴﺎن آدم داﺧﻞ ﻛﺘﺎب ﺟﺪل اﻟﻠﻐﺎت ﻟﻠﺒﺎﺣﺚ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻔﺘﺎح ﻛﻴﻠﻴﻄﻮ. ﻳﻌﻮد ﻛﻴﻠﻴﻄﻮ ﻓﻲ ﻣﻔﺘﺘﺢ ﻛﺘﺎﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﺸﺠﺮة اﻟﻤﻠﻌﻮﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ اﻛﺘﺴﺒﻬﺎ آدم ﺑﻌﺪ أن ﻗﻄﻒ اﻟﺜﻤﺮة اﻟﻤﺤﺮﻣﺔ ،إن اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻋﻨﺪ ﻛﻴﻠﻴﻄﻮ ﻫﻲ اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺒﺪأﻳﻦ ﺗﻤﻴﻴﺰ اﻟﺨﻴﺮ واﻟﺸﺮ .اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ إذن ﻫﻲ اﻟﻔﺼﻞ ،واﻟﺘﻔﺮﻳﻖ ،واﻟﻌﺰل ،واﻟﻘﻄﻊ، واﻟﺤﺎل أن ﻫﺬه اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺣﻤﻴﻤﻴﺎً ﺑﺸﻖ وﺻﺪع وﺣ ّﺰ ،وﻓﺼﻢ ﻓﻲ اﻟﻠﺴﺎن ،ﻟﺴﺎن اﻟﺤﻴﺔ اﻟﻤﺰدوج ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن إﻻ ﻣﺰدوﺟﺎً، وﺑﻌﺪ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻷﺻﻠﻴﺔ ﺳﻴﺤﺪث اﻧﺸﻘﺎق ،واﻧﻘﺴﺎم ﻟﻐﻮي ﻓﻲ اﻟﻠﺴﺎن اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ،وﻛﺄن اﻟﺸﻖ ﻓﻲ اﻟﻠﺴﺎن اﻟﺠﺎرح ﻟﻸﻓﻌﻰ ﻣﻌﺎدل ﻟﻠﺸﻖ
ﻟﻮﻟﻮة اﻟﻤﻨﺼﻮري* ŦŌƈōǙȑŌ ǛǙ dzŬŽōşǶ dzŞũōlj
اﻟﻤﻌﻨﻮي اﻟﻄﺎرئ ﻓﻲ ﻟﺴﺎن آدم ،ﻣﺪﻟﻮﻟﻪ اﻟﻔﺼﻢ واﻻزدواج واﻟﺘﻔﺮﻳﻖ اﻟﻠﻐﻮي ،ﻓﺘﺘﻌﺪد اﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺎت وﺗﺘﻔﺮق ﺑﻴﻦ ﺷﻌﻮب اﻷرض. ﻳﺴﺘﻘﺮ إﺑﻠﻴﺲ ﻓﻲ ﻓﻢ اﻟﺤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﺧﻞ ﺑﻪ ﺳﺮا ً إﻟﻰ اﻟﺠﻨﺔ .وﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻟﺴﺎن اﻟﺤﻴﺔ ﻳﻔﺘﻦ اﻟﺮﺟﻞ واﻟﻤﺮأة ،ﻫﺬان ﻳﺘﺬوﻗﺎن ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮة ،ﻟﻜﻦ اﻟﺤﻴﺔ ﺗﺬوﻗﺖ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻣﺴﺒﻘﺎً ،ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻃﺮف ﻟﺴﺎﻧﻬﺎ. ﻣﺎ أورده ﻛﻴﻠﻴﻄﻮ ﻋﻦ اﻟﺮأي اﻟﻼﻣﻨﻄﻘﻲ واﻟﻄﺮﻳﻒ واﻟﺴﺎذج ﻟﻠﻤﻔﺴﺮﻳﻦ ﺑﻌﻼﻗﺔ ﻟﺴﺎن آدم ﺑﻠﺴﺎن اﻟﺤﻴﺔ اﻟﻤﻐﻮﻳﺔ ﻳﺤﻤﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﺗﺴﺎؤل ُﻣﺤﺮج وﻏﺎﻣﺾ :ﻣﻦ ﻳﻬﺘﻢ اﻟﻴﻮم ﺑﺎﻟﺘﺴﺎؤل ﻋﻦ ﻟﺴﺎن آدم؟ ﻳﺒﺪو ﻫﺬا اﻟﺴﺆال اﻟﻴﻮم أﺳﻄﻮرﻳﺎً ،أو ﻛﺄﺳﺌﻠﺔ اﻷﻃﻔﺎل اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻨﻬﺎ أﺣﻴﺎﻧﺎً ﺑﺒﺮاءة ،ﻏﻴﺮ أن ﻫﺬا اﻟﺴﺆال ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺎن ﻋﻨﺪ اﻟﻘﺪﻣﺎء ﺟﺎدا ً وﺧﻄﻴﺮا ً، واﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻨﻪ ﺣﺴﺐ ﻛﻴﻠﻴﻄﻮ ﺗﻌﻨﻲ رﻫﺎﻧﺎت ﻋﺪﻳﺪة وﻋﻮاﻗﺐ رﻫﻴﺒﺔ أﺣﻴﺎﻧﺎً. ﻣﻊ ﺑﺰوغ ﻓﺠﺮ اﻟﻨﻬﻀﺔ ﻓﻲ اﻟﻐﺮب ،ﻗﻔﺰ ﻣﻮﺿﻮع ﻟﻐﺎت اﻟﻔﺮدوس إﻟﻰ اﻟﻮاﺟﻬﺔ ،وﺑﺤﺚ ﻛﻞ ﻓﺮﻳﻖ ﻋﻦ ﻟﺴﺎن أﺟﺪاده ﻓﻲ اﻟﻔﺮدوس! ﻣﺎ ﺗُﺮاﻫﺎ ﺗﻜﻮن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻤﺘﺪاوﻟﺔ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﻔﺮدوس؟ ﺳﺆال أﺳﻄﻮري ﺷﺎﻫﻖ وﺑﺤﺚ ﻣﺸ ّﻮق ﻓﻲ ﺟﺬور اﻟﺠ ّﻨﺔ وﻋﺮوق اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻃﺮﺣﻪ ﻣﻮرﻳﺲ أوﻟﻨﺪر ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻤﻤﺘﻊ )ﻟﻐﺎت اﻟﻔﺮدوس ..آرﻳّﻮن وﺳﺎﻣﻴﻮن :ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ(. ﺗ ُﻄﺮح ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻠﺴﺎن اﻷول ﺣﻴﻦ ﺗﻜﻮن ﻋﺪة أﻟﺴﻨﺔ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎت ﻣﺰاﺣﻤﺔ وﻣﻨﺎﻓﺴﺔ ،ﻓﻜﻞ اﻟﺤﻀﺎرات واﻷﻗﻮام ﺗﺰﻋﻢ أن ﻟﺴﺎﻧﻬﺎ ﻫﻮ ﻟﺴﺎن آدم ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ ،وأﻧﻬﺎ أﺳﺒﻖ اﻟﺸﻌﻮب ﻇﻬﻮرا ً ﻋﻠﻰ اﻷرض ،ﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺎت واﻟﻤﺰاﻋﻢ ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺳﺆال ﻋﻤﻴﻖ آﺧﺮ :ﻟﻤﺎذا ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻟﺴﺎﻧﻲ ،ﻟﻐﺘﻲ ﻋﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ؟ وﻣﺘﻰ ﺑﺪأت ﺟﺬور ﻫﺬا اﻻﺧﺘﻼف ﺗﻨﻤﻮ؟ وﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺗﻌﺪد اﻷﻟﺴﻨﺔ؟ واﻟﺴﺆال اﻷﻋﻤﻖ ﻟﺘﺸﻮاﻧﻎ ﺗﺴﻮ: أﻳﻦ ﻋﺴﺎﻧﻲ أﺟﺪ ﺷﺨﺼﺎً ﻗﺎدرا ً ﻋﻠﻰ ﻧﺴﻴﺎن اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻛﻲ أﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺪث ﻣﻌﻪ؟
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
117
ﺗﺮاث اﻟﻤﺪن
اﻟﺼﻬﺎرﻳﺞ ﻗﺪﻳﻤﺎ ،ودور ﻃﻮاﺋﻒ اﻟﺤﺮف اﻟﻤﺘﺨﺼﺼﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﺪور ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﺗﻮج ﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺷﺎ ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟـ 19اﻟﻤﻴﻼدي ﺑﺈﻧﺸﺎء ﻫﻴﺌﺎت وﻣﺼﺎﻟﺢ ﺣﻜﻮﻣﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﻫﻴﻜﻞ وأﻫﺪاف ﻣﺤﺪدة ،ﺗﻘﻮم ﺑﻬﺬا اﻟﺪور ﺑﺤﺮﻓﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻢ ﺗﻨﻈﻴﻒ وﺗﻄﻬﻴﺮ اﻟﺼﻬﺎرﻳﺞ ﻗﺒﻞ ﻣﻠﺆﻫﺎ ،وﺗﻌﻴﻴﻦ ﻣﻮﻇﻔﻴﻦ ﻟﻬﺬه اﻟﻤﻬﺎم اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺣﻔﺎﻇﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺔ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ. أﺳﺒﻠﺔ اﻟﺨﻴﺮ
ﺣﺘﻰ اﻵن ،وﻗﺪ واﻛﺐ ﺗﻠﻚ اﻷﻋﻤﺎل ﺟﻤﻴ ًﻌﺎ ﺗﻄﻮر ﻓﻲ ﺗﻘﻨﻴﺎت اﻟﻤﻌﺪات واﻵﻻت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺘﺤﻘﻴﻖ ذﻟﻚ اﻟﻐﺮض ﺑﺪ ًءا ﻣﻦ اﻟﺸﺎدوف واﻟﺴﺎﻗﻴﺔ ﺑﺄﻧﻮاﻋﻬﺎ اﻧﺘﻬﺎ ًء ﺑﺎﻵﻻت اﻟﺒﺨﺎرﻳﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺑﺎﺗﺖ ﻋﻤﺎرة اﻟﻤﺎء ﺗﻠﻚ ﻫﻲ أﻫﻢ أﻧﻤﺎط اﻟﻌﻤﺎرة ﺗﻤﻴﻴ ًﺰا ﻟﻠﻤﺪﻳﻨﺔ .ﻛﺎن ﻟﻤﺸﺮوع ﺗﺮﻋﺔ اﻟﻤﺤﻤﻮدﻳﺔ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﺳﻊ اﻟﻌﻤﺮاﻧﻲ واﻟﺰراﻋﻲ واﻟﺘﺠﺎري ﺑﺎﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ، اﻷﻣﺮ اﻟﺬي أدى إﻟﻰ زﻳﺎدة ﻋﺪد اﻟﺴﻜﺎن وﻇﻬﻮر اﻣﺘﺪادات ﻋﻤﺮاﻧﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ،وارﺗﺒﻂ ﻣﺴﺎر اﻟﻤﺸﺮوع ﺑﻮﺟﻮد ﻋﻤﺎﺋﺮ أﻧﺸﺌﺖ ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺘﻴﻪ، ﻣﺜﻞ اﻟﻜﺒﺎرى واﻟﺠﺴﻮر واﻟﻘﻨﺎﻃﺮ واﻟﺠﻮاﻣﻊ واﻟﻬﻮاوﻳﺲ .ﻳﻘﻮل ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻠﻴﻤﺎن إن ﻫﺬا اﻟﻤﺸﺮوع ﻛﺎن ﻟﻪ ﻧﻈﺎم ﻓﻲ اﻹدارة واﻟﺘﺸﻐﻴﻞ وﻫﻴﻜﻞ وﻇﻴﻔﻰ ،وﺗﻜﺸﻒ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﻋﻦ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻌﺎﻗﺪ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ واﻷﻓﺮاد ﻓﻲ ﻇﻞ ﻧﻈﺎم اﻻﻟﺘﺰام اﻟﺬى ﻛﺎن ﺳﺎﺋ ًﺪا ﺣﻴﻨﻬﺎ ،وﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﺤﺼﻴﻞ اﻟﺮﺳﻮم واﻹﻋﻔﺎءات ،ﻓﻀﻼ ً ﻋﻦ اﻟﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ أﻧﻮاع اﻟﺴﻔﻦ اﻟﻤﺎرة ﺑﺤﻮض اﻟﺘﺮﻋﺔ ،وأﻧﻮاع اﻵﻻت واﻟﻤﻌﺪات اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻓﻰ ﺗﻄﻬﻴﺮ ﻣﺠﺮاﻫﺎ، وﺗﻄﻮرﻫﺎ ﺣﻴﺚ أﺻﺒﺤﺖ ﻓﻰ ﻫﺬا اﻟﻌﺼﺮ ﺗﺪار ﺑﻄﺎﻗﺔ اﻟﺒﺨﺎر.
ﺗﺮﺗﺒﻂ ﻋﻤﺎرة اﻷﺳﺒﻠﺔ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ،ارﺗﺒﺎﻃﺎً وﺛﻴﻘﺎً ﺑﺄﻋﻤﺎل اﻟﺨﻴﺮ وإﺗﺎﺣﺔ اﻟﻤﻴﺎه ﻟﻠﻤﺎرة ﻣﺠﺎﻧﺎً وﻫﻲ ﻇﺎﻫﺮة ﻣﻌﻤﺎرﻳﺔ ارﺗﺒﻄﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻟﻌﺼﻮر ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ اﻹﺳﻼﻣﻲ .وﻣﻦ أﺑﺮز اﻷﺳﺒﻠﺔ اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﺳﺒﻴﻞ ﺟﺎﻣﻊ ﻋﻠﻲ ﺑﻚ ﺟﻨﻴﻨﺔ ،وﺳﺒﻴﻞ ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺤﺎج دﺳﻮﻗﻲ اﻟﻜﻠﺰة ،ﺳﺒﻴﻼ ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺤﺎج ﻧﺬﻳﺮ أﻏﺎ اﻟﺤﺒﺸﻰ ،ﺳﺒﻴﻞ ﻣﺪرﺳﺔ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﺎﺷﺎ راﺗﺐ .وﺳﺒﻴﻞ اﻟﺨﻮﻟﻲ ،وﺳﺒﻴﻞ اﻟﺤﺎج ﺣﺴﻦ ﻳﺎﻗﻮت .وﺗﺰﻳﻦ ﻫﺬه اﻷﺳﺒﻠﺔ ﻋﻨﺎﺻﺮ زﺧﺮﻓﻴﺔ وﻛﺘﺎﺑﺎت ،وﻋﻨﺎﺻﺮ أﺧﺮى ﻧﺒﺎﺗﻴﺔ وﻫﻨﺪﺳﻴﺔ، وﺷﻌﺎرات رﻣﺰﻳﺔ .اﻷﺳﺒﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎﺋﺮ اﻟﺨﻴﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻬﻀﺖ ﺑﺪور ﺷﺮﻛﺔ ﻣﻴﺎه اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﺟﻠﻴﻞ اﻟﺸﺄن ﻓﻰ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﺎﻣﺔ ،واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻳﻌﺪ ﻣﺸﺮوع ﺷﺮﻛﺔ ﻣﻴﺎه اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ أﺿﺨﻢ وأﻫﻢ ﺧﻄﻮة ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻤﺼﺮي ﺧﺎﺻﺔ ،وﺗﻌﻨﻲ ﻟﻔﻈﺔ اﻟﺴﺒﻴﻞ أﻧﻬﺎ أُوﻗﻔﺖ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ ،اﻟﻤﻨﺸﺂت اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ،وذﻟﻚ ﻟﻤﺎ أﺳﻬﻤﺖ ﺑﻪ ﻣﻦ إﻣﺪاد ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺸﺂت ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﺑﺎﻟﻤﻴﺎه اﻟﻌﺬﺑﺔ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻟﻠﺨﻴﺮ وﺑﺎﻟﻤﺠﺎن ﺑﺘﻮﻓﻴﺮ ﻣﻴﺎه ﺷﺮب ﻋﺬﺑﺔ ﻧﻘﻴﺔ ﻟﻠﻨﺎس ﻃﻮال اﻟﻌﺎم. ﻟﻠﺸﺮب ،ﻓﺄﻏﻨﺖ ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ﻋﻦ ﺷﺮب ﻣﺎء اﻟﺼﻬﺎرﻳﺞ اﻟﻤﻠﻮث ﻓﻲ ﻏﺎﻟﺒﻪ، ﻣﻤﺎ أدى إﻟﻰ اﻟﺘﻮﺳﻊ ﻓﻲ إﻧﺸﺎء ﺿﻮاﺣﻲ ﺟﺪﻳﺪة ﻣﺘﺼﻠﺔ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺗﺮﻋﺔ اﻟﻤﺤﻤﻮدﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻛﻀﺎﺣﻴﺔ اﻟﺤﻀﺮة واﻟﺮﻣﻞ واﻟﺴﻴﻮف واﻟﻤﻨﺪرة .وﻗﺪ واﺟﻬﺖ ﺑﻤﺠﻲء اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ وﻋﻘﺐ ﺗﻮﻟﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ ﻣﺆﺳﺲ ﻣﺼﺮ ﻫﺬه اﻟﺸﺮﻛﺔ أزﻣﺔ ﻓﻲ إﻣﺪادات اﻟﻤﻴﺎه ﻋﻘﺐ اﻻﺣﺘﻼل اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﻟﻬﺎ، اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ دﻓﺔ اﻟﺤﻜﻢ ،أدرك أن اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻌﻤﺎرة اﻟﻤﻴﺎه ﻫﻰ اﻟﺴﺒﻴﻞ ﻣﻤﺎ أدى إﻟﻰ ﻋﻮدة ﺳﻜﺎن اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ إﻟﻰ اﻟﺸﺮب ﻣﻦ ﻣﻴﺎه اﻟﺼﻬﺎرﻳﺞ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﻨﻬﻀﺔ ﺑﻬﺬه اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ؛ ﻓﻮﺿﻊ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ رأس أوﻟﻮﻳﺎﺗﻪ ﻟﻠﻨﻬﻮض ﺑﻌﺪ أن ﺗﻮﻗﻔﻮا ﻋﻦ ذﻟﻚ ،ﻟﻜﻦ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﻗﺎﻣﺖ اﻹدارات اﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﺑﻬﺎ ،ﻓﺄﻋﺎد ﺣﻔﺮ ﺧﻠﻴﺞ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﻊ إدﺧﺎل ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻌﺪﻳﻼت ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﺸﺮﻛﺔ ﺑﺪورﻫﺎ إﻟﻰ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ اﻷوﻟﻰ ،وﻟﺘﻌﻤﻢ ﺧﺪﻣﺎﺗﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺘﻲ ﻓﺮﺿﻬﺎ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻄﺒﻮﻏﺮاﻓﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﻤﺴﺎرﻫﺎ وأﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﻤﻠﺖ ﺟﻤﻴﻊ أرﺟﺎء اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺣﺘﻰ اﻵن اﻟﺘﺮﻋﺔ اﻟﻤﺤﻤﻮدﻳﺔ ،وﻗﺪ ﺗﻮﺟﺖ ﺗﻠﻚ اﻷﻋﻤﺎل ﺑﺈﻧﺸﺎء ﺷﺮﻛﺔ ﺧﺎﺻﺔ * ﺻﺤﻔﻲ وﺑﺎﺣﺚ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث ﻟﺘﻜﺮﻳﺮ وﺗﻮﺻﻴﻞ اﻟﻤﻴﺎه ﻟﺠﻤﻴﻊ رﺑﻮع اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ واﻟﺘﻲ ﻻزاﻟﺖ ﻣﻮﺟﻮدة
116
ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪﻳﻨﺔ اCﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﺗﺸﺮب؟
ﻟﻠﺒﺤﻮث اﻟﻔﻠﻜﻴﺔ واﻟﺠﻴﻮﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﻗﺮر ﺧﻮض اﻟﻤﻐﺎﻣﺮة واﺳﺘﻜﺸﺎف اﻟﺼﻬﺎرﻳﺞ واﻟﻤﻨﺸﺂت اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ اﻟﻤﻘﺎﻣﺔ ﺗﺤﺖ ﺳﻄﺢ اﻷرض .ﺣﻘﻴﻘﻲ أن ﻫﻨﺎك ﻣﺸﻜﻼت واﺟﻬﺘﻪ ﻛﻮﺟﻮدﻫﺎ ﺗﺤﺖ ﺳﻄﺢ اﻷرض وﻋﻠﻰ أﻋﻤﺎق ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻣﺎﺋﻬﺎ وﻫﻮاﺋﻬﺎ اﻟﻔﺎﺳﺪﻳﻦ وﺗﺮﺑﺘﻬﺎ اﻟﺮﺧﻮة، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻛﻮن ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺸﺂت ﻣﺮﺗ ًﻌﺎ ﻟﻠﺰواﺣﻒ اﻟﻘﺎﺗﻠﺔ واﻟﺤﺸﺮات اﻟﻀﺎرة ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ وﺟﻮد ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺸﺂت ﻓﻲ أﻣﺎﻛﻦ ﻣﻬﺠﻮرة؛ إﻻ أﻧﻪ اﺳﺘﻄﺎع دراﺳﺔ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ ورﺻﺪﻫﺎ .ﻳﻘﻮل ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻠﻴﻤﺎن» :اﺳﺘﻌﻨﺖ ﻓﻰ ﻫﺬه اﻟﺪراﺳﺔ ﺑﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻮﻗﻔﻴﺎت أو ﺳﺠﻼت ﻣﺤﻜﻤﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ،واﻟﺘﻲ أﻓﺪت ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ رﺻﺪ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻌﻤﺮاﻧﻲ واﻟﺪﻳﻤﻮﻏﺮاﻓﻲ ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻻﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ،وذﻟﻚ ﺑﻬﺪف اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ ﻓﻬﻢ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻷﻧﻤﺎط اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻤﻨﺸﺂت ،وﻇﻬﻮرﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻮرة ،وﻛﺬﻟﻚ رﺻﺪ ﺗﻄﻮر اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻓﻰ ﻋﻤﺎرة اﻟﻤﻴﺎه ﻃﻮال اﻟﻌﺼﺮ اﻻﺳﻼﻣﻲ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻤﺨﻄﻄﺎت واﻟﺮﺳﻮﻣﺎت اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ اﻟﻮﺛﺎﺋﻘﻴﺔ اﻟﺘﻲ وﺿﻌﻬﺎ ﻋﺰﻣﻰ ﻛﺎﻣﻴﻞ ﻣﻬﻨﺪس ﻧﻈﺎرة اﻷﺷﻐﺎل اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ أواﺧﺮ ق19م ﻟﺼﻬﺎرﻳﺞ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﺪﺛﺮ ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ،وﺑﻌﺾ اﻟﺮﺳﻮﻣﺎت اﻟﻮﺛﺎﺋﻘﻴﺔ ﻟﻮزارة اﻷوﻗﺎف« .ﺑﺪأ ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﺑﺘﺘﺒﻊ ﺧﻠﻴﺞ اﻻﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ وﺗﻄﻮره واﻣﺘﺪاده ورﺻﺪ اﻟﺘﺤﻮﻻت اﻟﻄﺒﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﻟﻪ ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄﺗﻪ ﺣﺘﻰ ﺣﻔﺮ ﺗﺮﻋﺔ اﻟﻤﺤﻤﻮدﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟـ 19م ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ دراﺳﺔ ﻣﺼﺎدر ﻣﻴﺎﻫﻪ ،وﺷﺒﻜﺔ ﻗﻨﻮاﺗﻪ اﻷرﺿﻴﺔ
واﻣﺘﺪاداﺗﻬﺎ ﻓﻲ أرﺟﺎء اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ وﻧﻤﺎذج ﻣﻨﻬﺎ ،وﻣﺪى ﺗﺄﺛﻴﺮ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻧﺘﺸﺎر اﻟﻤﻨﺸﺂت اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ اﻷﺧﺮى وﺧﺎﺻﺔ اﻟﺼﻬﺎرﻳﺞ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺸﺮوﻋﺎت اﻟﺘﻮﺳﻌﺔ واﻟﺘﻄﻬﻴﺮ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻌﻨﻰ ﺑﻬﺎ ﺣﻜﺎم ﻣﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻟﻌﺼﻮر اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻛﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﺗﻬﻢ وﺳﻴﻄﺮﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﻟﻴﺪ اﻷﻣﻮر ﻓﻲ اﻟﺒﻼد ،وﻣﺎ ﻳﺘﺒﻊ ذﻟﻚ ﻣﻦ إﻧﺸﺎءات أﺧﺮى ﻋﻠﻰ ﻃﻮل ﻣﺠﺮى اﻟﺨﻠﻴﺞ وﺗﻠﻚ اﻟﻘﻨﻮات ﻛﺎﻟﻘﻨﺎﻃﺮ واﻟﺠﺴﻮر واﻟﺴﺪود واﻟﻤﻘﻴﺎس. ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﺼﻬﺎرﻳﺞ
ﺗﻌﺪ ﺻﻬﺎرﻳﺞ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ أﺑﺮز ﻣﻨﺸﺂﺗﻬﺎ اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ وأوﺳﻌﻬﺎ اﻧﺘﺸﺎرا ً، وﺗﺘﻨﻮع ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺼﻬﺎرﻳﺞ اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻴﺔ أي اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺒﻊ ﻓﻲ إدارﺗﻬﺎ وﺻﻴﺎﻧﺘﻬﺎ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ،ﺣﻴﺚ روﻋﻲ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ أن ﺗﺸﻤﻞ اﻷﻧﻤﺎط اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻰ ﻇﻬﺮت ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺼﻬﺎرﻳﺞ اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻴﺔ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ .وﻫﻨﺎك ﻧﻮع آﺧﺮ وﻫﻮ ﺻﻬﺎرﻳﺞ اﻟﺠﻮاﻣﻊ وﻫﻲ ﺛﺎﻧﻲ أﻧﻤﺎط اﻟﺼﻬﺎرﻳﺞ ذﻳﻮ ًﻋﺎ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل ﺑﺄن ﻣﺴﺎﺟﺪ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﺗﺤﺘﻮي ﻋﻠﻰ ﺻﻬﺎرﻳﺞ ﻟﺪﻋﻢ اﻟﻤﺼﻠﻴﻦ ﺑﻤﺎء اﻟﻮﺿﻮء واﻟﻄﻬﺎرة .ﻛﻤﺎ ﻋﺮﻓﺖ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻧﻮﻋﺎً ﺷﻬﻴﺮا ً ﻣﻦ اﻟﺼﻬﺎرﻳﺢ وﻫﻮ ﺻﻬﺎرﻳﺞ اﻟﺘﺤﺼﻴﻨﺎت وﻫﻲ اﻟﻨﻤﻂ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﺬي ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻨﻪ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺼﻬﺎرﻳﺞ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺘﺸﺮ ﻳﻮ ًﻣﺎ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺗﺤﺼﻴﻨﺎت اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ أﺳﻮار وأﺑﺮاج وﻃﻮاﺑﻰ وﻗﻼع .ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل إن ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻣﻘﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻬﺎرﻳﺞ ،وﻳﺪل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻤﺸﺎﻫﺪة اﻟﻤﻴﺪاﻧﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻟﻤﺼﺮي ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻠﻴﻤﺎن ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ،وﻛﺘﺎﺑﺎت اﻟﻤﺆرﺧﻴﻦ واﻟﺮﺣﺎﻟﺔ ،اﻟﺬﻳﻦ أﺟﻤﻌﻮا ﻓﻰ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻘﻮل .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻧﺘﺸﺎر ﻫﺬه اﻟﺼﻬﺎرﻳﺞ ﻋﻠﻰ ﻣﺪار اﻟﻌﺼﻮر اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ واﺳﻌﺎً ،واﻟﺘﻰ ارﺗﺒﻂ وﺟﻮدﻫﺎ ﺑﺎﻻﻧﺘﺸﺎر اﻟﺪﻳﻤﻮﻏﺮاﻓﻲ ﻟﺴﻜﺎن اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،وﻫﻮ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎء ﻋﺪد ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺼﻬﺎرﻳﺞ إﻟﻰ اﻵن .ﻳﻘﻮل ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻠﻴﻤﺎن أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻬﺘﻤﺎ ﻓﻲ دراﺳﺘﻪ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻜﺸﻒ وإﻇﻬﺎر دور اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ إدارة وﺻﻴﺎﻧﺔ ﻫﺬه
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
115
ﺗﺮاث اﻟﻤﺪن
ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪﻳﻨﺔ ا ﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﺗﺸﺮب؟ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻨﺪور
واﻛﺒﺖ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﻌﺬﺑﺔ ﻣﺪﻳﻨ َﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄﺗﻬﺎ ﺧﻼل ﻋﺎﻣﻲ ) 332-30ق.م( ،وﻫﻮ ﻣﺎ دﻓﻊ ﻣﻨﺸﺌﻴﻬﺎ اﻷواﺋﻞ إﻟﻰ إﻳﺠﺎد ﺣﻠﻮل ﻟﻬﺬه اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ،وذﻟﻚ ﻣﻨﺬ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺒﻄﻠﻤﻲ ،ﺣﺘﻰ ﻋﺼﺮ أﺳﺮة ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ،ﻣﺮو ًرا ﺑﺎﻟﻌﺼﻮر اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻗﺒﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ. ﻧﺘﺞ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺴﻌﻲ اﻟﺪؤوب ﻣﻦ اﻟﺤﻜﺎم ﺳﺠﻼً ﺣﺎﻓﻼً ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎﺋﺮ اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺿﻤﺖ إﻧﺸﺎء ﺻﻬﺎرﻳﺞ ﺑﺄﻋﺪاد ﺿﺨﻤﺔ وﻃﺮز وﻇﻴﻔﻴﺔ وﻣﻌﻤﺎرﻳﺔ ﻣﺘﻌﺪدة ﻟﺤﻔﻆ وﺗﺨﺰﻳﻦ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺳﻨﻮﻳًﺎ ﻣﻦ ﻣﻴﺎه ﻓﻴﻀﺎن اﻟﻨﻴﻞ ﻋﺒﺮ ﺧﻠﻴﺞ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻤﺘﺪ ﻣﻦ اﻟﻔﺮع اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻟﻨﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ وﻫﻮ اﻟﻔﺮع اﻟﻜﺎﻧﻮﺑﻲ ﺛﻢ ﻓﺮع رﺷﻴﺪ ﻻﺣﻘـًﺎ. اﺳﺘﻤﺮ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻌﻤﺎرة اﻟﻤﻴﺎه ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻫﺎ اﻹﺳﻼﻣﻲ؛ ﺣﻴﺚ ﺷﻐﻞ اﻟﻤﺎء ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ،وﻗﺪ أدى ذﻟﻚ إﻟﻰ اﻧﺘﺸﺎر ﻧﻮع ﺟﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎﺋﺮ اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻫﻮ ﻋﻤﺎرة اﻟﺴﺒﻴﻞ ،اﻧﻄﻼﻗـًﺎ ﻣﻦ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﻤﺎء وﺗﺴﺒﻴﻠﻪ ﻟﻺﻧﺴﺎن واﻟﺤﻴﻮان، ﻛﺄﺣﺪ أوﺟﻪ اﻟﺘﻘﺮب إﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ .ﺗﻤﻴﺰت ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﺑﻮﺟﻮد ﻋﺪد ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺼﻬﺎرﻳﺞ اﻟﻤﻤﻴﺰة ذات أﻧﻤﺎط ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻮﻇﻴﻔﺔ واﻟﻌﻤﺎرة؛ ﻓﻤﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺨﺪم اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ وﺗﺴﻤﻰ اﻟﺼﻬﺎرﻳﺞ اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻴﺔ ،وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﺨﺪﻣﺔ ﻣﻨﺸﺂت ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ﻛﺎﻟﻘﻼع واﻟﺘﺤﺼﻴﻨﺎت ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،أو اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻹﺳﻼﻣﻰ ،أو ﻟﺘﺨﺰﻳﻦ 114
ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪﻳﻨﺔ اCﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﺗﺸﺮب؟
اﻟﻤﻴﺎه ﺑﺎﻟﻤﻨﺎزل ،ﻛﻤﺎ اﺧﺘﻠﻔﺖ ﺗﺒ ًﻌﺎ ﻟﺬﻟﻚ أﻧﻤﺎﻃﻬﺎ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻋﺪد اﻟﻄﻮاﺑﻖ واﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ ﺑﺎﻟﺼﻬﺮﻳﺞ ،واﻟﺨﺎﻣﺎت اﻟﺪاﺧﻠﺔ ﻓﻲ إﻧﺸﺎﺋﻪ؛ ﻟﻴﻤﺜﻞ ذﻟﻚ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﺘﺼﻠﺔ ﻟﺘﻄﻮر ﻋﻤﺎرة اﻟﺼﻬﺮﻳﺞ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ. ﻛﻤﺎ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﻋﺮوس اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﺑﻮﺟﻮد ﻋﺪد ﻣﻦ اﻷﺳﺒﻠﺔ اﻟﻤﺘﻔﺮﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺷﻮارع اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﻳﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ واﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ذات ﻃﺮز وﻋﻨﺎﺻﺮ ﻣﻌﻤﺎرﻳﺔ ﻣﻤﻴﺰة رﻏﻢ ﻗﻠﺔ ﻋﺪدﻫﺎ. وﺗﻜﺸﻒ اﻟﻤﻨﺸﺂت اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻋﻦ وﺟﻮد ﺷﺒﻜﺎت ﻟﻠﺘﻐﺬﻳﺔ وﺻﺮف اﻟﻤﻴﺎه ،ﺗﺮﺻﺪ ﻣﺎ وﺻﻞ إﻟﻴﻪ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻤﻌﻤﺎرى ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻀﻤﺎر إﺑﺎن اﻟﻌﺼﺮ اﻹﺳﻼﻣﻰ .ﻛﻤﺎ ﺗﺆﻛﺪ ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺸﺂت ﺗﻄﻮر اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﺎرة اﻟﻤﺎء ،واﻟﺘﻲ ﺻﺎﺣﺒﺘﻬﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪم، ﺑﺪ ًءا ﻣﻦ اﻵﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﺪار ﺑﺎﻟﻘﻮة اﻟﻌﻀﻠﻴﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن أو اﻟﺤﻴﻮان، واﻧﺘﻬﺎ ًء ﺑﺎﻵﻻت اﻟﺘﻲ ﺗﺪار ﺑﻄﺎﻗﺔ اﻟﺒﺨﺎر اﻟﺘﻲ اﻧﺘﺸﺮت ﻓﻲ ﻣﺼﺮ إﺑﺎن ﻋﺼﺮ أﺳﺮة ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ،واﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ أﻳﻀً ﺎ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﺘﺼﻠﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻵﻻت؛ ﺣﻴﺚ اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﻓﻲ ﺗﺸﻐﻴﻞ ﺗﺮﻋﺔ اﻟﻤﺤﻤﻮدﻳﺔ وﺗﺮﻛﺰ ﻋﻤﻠﻬﺎ ﻋﻨﺪ إﻧﺸﺎء ﺷﺮﻛﺔ اﻟﻤﻴﺎه ﺑﺎﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ. ﻣﻐﺎﻣﺮة ﻋﻠﻤﻴﺔ
رﻏﻢ اﻓﺘﻘﺎر اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻤﻨﺸﺂت اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﺗﺤﺪﻳ ًﺪا ،ﺣﻴﺚ أن اﻟﺴﺒﻖ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل ﻛﺎن ﻟﻠﺒﻌﺜﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﻓﻘﻂ .إﻻ أن أﺣﺪ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ وﻫﻮ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻠﻴﻤﺎن ﻣﺴﺘﺸﺎر اﻟﺸﺆون اﻷﺛﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﻬﺪ اﻟﻘﻮﻣﻲ
اﻷﻧﻮاع ﺗﻄﻐﻰ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ،وﺗﺤﺎول إﻟﻐﺎءﻫﺎ واﻟﺘﺨﻠّﺺ ﻣﻨﻬﺎ ،ﺣﺴﺐ ﺻﺮﻋﺔ اﻟﻌﺼﺮ )ﻣﻮﺿﺎ( وﺣﺴﺐ رﻏﺒﺔ اﻟﺤﻜّﺎم ﺗﺎر ًة ورﻏﺒﺔ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم ﺗﺎر ًة أﺧﺮى ورﻏﺒﺘﻬﻤﺎ ﻣﻌﺎً ﻓﻲ أﻏﻠﺐ اﻟﻌﺼﻮر. ﻓﺈذا أﺧﺬﻧﺎ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻔﺼﺤﻰ اﻟﻌﺮﺑ ّﻴﺔ ﻣﺜﻼً ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻃﻐﻴﺎن ﻧﻮ ٍع ﻋﻠﻰ آﺧﺮ ،ﻧﻄﺮح ﻣﺎ ﻳﻠﻲ: ﺗﺼ ّﺪرت اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻔﺼﺤﻰ اﻟﻤﻘﺎﻣ ّﻴﺔ اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﻔ ّﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺧﻼل اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ،وﺣﻴﻦ ﺑﺪأت ّ اﻟﺘﺴﺠﻴﻼت ﻓﻲ آﺧﺮه أﺧﺬ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع أوﺳﻊ اﻫﺘﻤﺎمٍ ﻣﻦ ِﻗﺒﻞ ﺷﺮﻛﺎت اﻟﺘﺴﺠﻴﻼت .ﺑﻌﺪ اﻧﻘﻀﺎء ٍ ٍ ﺳﻨﻮات ﻋﻘﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺴﺠﻴﻼت أي ﺑﻌﺪ ﺧﻤﺲ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،اﻧﺘﺒﻬﺖ ﺷﺮﻛﺎت اﻻﺳﻄﻮاﻧﺎت إﻟﻰ اﻷﻧﻮاع اﻷﺧﺮى ٍ ﻣﻮﺳﻴﻘﺎت دﻳﻨ ّﻴ ٍﺔ وﺷﻌﺒ ّﻴ ٍﺔ وﻋﺎ ّﻣ ّﻴ ٍﺔ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف ﻃﺒﻘﺎت اﻟﻌﺎ ّﻣﺔ، ﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﺌﺔ ﻣﻨﻬﻢ .ﻋﻠﻰ أ ّن أﻏﻠﺐ ﻛﺬﻟﻚ اﻟﺼﺮﻋﺔ »اﻟﻤﻮﺿﺎ« اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻐﻞ ّ اﻟﺘﺴﺠﻴﻼت ﻇﻠّﺖ ﻣﻦ ﻧﺼﻴﺐ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻔﺼﺤﻰ. ﺣﻴﻦ ﺣﻠّﺖ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻌﺎ ّﻣ ّﻴﺔ ﻧﻬﺠﺎً ﺑﺪﻳﻼً ﻓﻲ اﻟﺼﺪارة ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻐ ّﻴﺮات اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴّﺔ اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﻈﻤﻰ ،أﻋﻨﻲ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴّﺔ اﻷوﻟــﻰ ،،وﺟﺪﻧﺎ ﺗﺸﺒّﺜﺎً ﻋﺼﺒﻴّﺎً ﻟﻠﻤﺎﺿﻲ ﻟﻤﻦ أﺻ ّﺮ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻤﺮار اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻔﺼﺤﻰ وﺗﺴﻔﻴﻬﺎً ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻠﻤﺤﺪﺛﻴﻦ ،ﺛ ّﻢ وﺿﻊ أوﻟﺌﻚ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻫﺬا اﻹرث ﺑﺤﺮﻓ ّﻴﺘﻪ ﻣﻦ دون رﻏﺒ ٍﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ اﺳﺘﻤﺮار ﺗﻄﻮﻳﺮه ٍ ﻣﺘﺤﻒ زادﻫﺎ ﺑﻌﺪا ً ﻋﻦ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻨﺎس ﻻ ﺳ ّﻴﻤﺎ اﻷﺟﻴﺎل اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻓﻲ ﻣﻨﻬﻢ. ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ،ﻧﺠﺪ ﺗﺴﻔﻴﻬﺎً ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪة ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﻞ
واﻻﺳﺘﻴﺮاد ﻣﻨﻬﺠﺎً ﻟﻠﺤﺪاﺛﺔ ازدراءا ً ﻟﻠﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻔﺼﺤﻰ ،ﺛ ّﻢ ﺗﺴﻔﻴﻬﺎً ﻟﻬﺎ ،ﻧﺠﺪ ﻫﺬا ﻛﺜﻴﺮا ً ﻓﻲ أﻓﻼم أواﺧﺮ اﻷرﺑﻌﻴﻨﻴﺎت وﺑﺸ ّﺪ ٍة ﻣﺒﺎﻟﻎٍ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻲ أﻓﻼم اﻟﺨﻤﺴﻴﻨﻴﺎت ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻣﺜﻼً .ﺑﻌﺪ ﻫﺬا ﺣﻴﻦ ﺗﺘﺒ ّﻨﻰ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻓﻜﺮة اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺒﺎﺋﺪ ،ﻧﺠﺪﻫﺎ ﺗﺪ ّﻣﺮ ﻫﺬا اﻹرث اﻟﻤﺴ ّﺠﻞ ﺗﺪﻣﻴﺮا ً ﻣﻤﻨﻬﺠﺎً اﻟﺠﺐ وﺗﻠﻘﻲ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﺎت اﻹذاﻋﺎت واﻟﻤﻜﺘﺒﺎت اﻟﻌﺎ ّﻣﺔ إﻟﻰ ﻏﻴﺎﺑﺎت ّ ﻟﻴﻠﺘﻘﻄﻬﺎ اﻟﻬﻮا ٌة واﻟﺘﺠﺎر واﻟﻤﺘﺤﻔ ّﻴﻮن .واﻵن ﻳُﺠﻤﻊ ﻣﺎ أﻣﻜﻦ أو ﻣﺎ وﺻﻮب ﺑﻌﺪ أن ﺣﺪب ﺗﺒﻘّﻰ إذا ﺟﺎز اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ،ﻣﻦ ﻫﺬا اﻹرث ﻣﻦ ّ ٍ ﻛﻞ ٍ ﺿﺎع اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻨﻪ ﺑﻴﻦ ﺳﻮء اﻟﺘﺨﺰﻳﻦ ﺗﺎر ًة واﻟﺘﺪﻣﻴﺮ ﺗﺎر ًة أﺧﺮى. إ ّن ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ ﻣﺮار ًة ﻛﺎﻓﻴ ًﺔ ﻟﻠﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻐ ّﻢ ﻋﻠﻰ أ ّن ﻃﺮﺣﻪ ﻻ ﻳﺮوم ﻫﺬا ،ﺑﻞ أﻗﻮل ،ﻻ ﺑ ّﺪ أن ﻧﺘﻮﻗّﻒ ﻋﻦ ﺑﻜﺎء أﻃﻼل ﻣﺎ ﺣﺪث ،ﺑﻞ ﻃَ ْﺮ ُح ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ ﻫﻮ ﻟﻠﺪرس اﻟﺬي ﻻ ﺑ ّﺪ أن ﻳُﻌﺘﺒ َﺮ ﻣﻨﻪ ،وﻫﻮ ﺑﺒﺴﺎﻃ ٍﺔ ﻋﺪم ﺗﻜﺮار ﻣﺎ ﺣﺪث. أ ّن ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻬﻴﺌﺎت اﻟﺪاﻋﻤﺔ ﻟﻠﻔﻨﻮن ﻣﺜﻼً ﻋﻈﻴﻤﺎً ﻟﻠﺪﻋﻢ اﻟﻤﺘﺠ ّﺮ ِد ﻣﻦ ِ ﻏﺮض إﺑﺪاء ﻧﻮ ٍع ﻋﻠﻰ ﻧﻮع ،وﺷﻜﻞٍ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ،وﻓﻲ ﺑﻌﻀﻬﺎ اﻵﺧﺮ ٍ أﻧﻤﻮذﺟﺎً ﻣﻌﺎﻛﺴﺎً أي اﺳﺘﻤﺮارا ً ﻟﻨﻬﺞ ﺳﻤﺎ ِع ٍ ﺻﻮت واﺣﺪ وإﻳﺜﺎره ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻐﺎﻳ ٌﺮ ﻟﻪ ﻣﻦ أﺻﻮات ﺣﺴﺐ ﻣﻮاﻓﻘﺔ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺪﻋﻢ .وﻳﻨﺒﻊ أﻣﻞ أن ﻳﺤﺬو أﻫﻞ اﻟﻔ ّﻦ اﻟﺘﻔﺎؤل ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺑﺴﺒﺐ وﺟﻮد اﻟﻨﻮع اﻷ ّول وﻫﻮ ٌ وﻣﺘﺬ ّوﻗﻮه ﻫﺬا اﻟﺤﺬو ﻓﻨﻜﻮن ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻗﺎدرﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺳﻤﺎع ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺑﻌﻀﺎً، ورؤﻳﺔ اﻟﺠﻤﺎل ﻓﻲ اﺧﺘﻼف اﻷﻣﻮر وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻫﺬا ﺳﺘﻜﻮن ﺻﺤﻮ ًة ﺟﺪﻳﺪ ًة وﻋﻮدة ﻣﻜﺎﻧﺔ اﻟﻔ ّﻦ ﺑﻴﻦ أﻫﻠﻪ وﻣﺘﺬ ّوﻗﻴﻪ وإﻛﺜﺎرﻫﻢ ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﻔ ّﻦ ﻣﺮآ ُة ﺑﺮﻳﻖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮآة وداﻋﻤﻮه ﻫﻢ دﻋﺎﻣﺘﻬﺎ اﻷﻣﻢ ﻓﻤﺘﺬ ّوﻗﻮه ﻫﻢ ُ
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
113
ﺧﻮاﻃﺮ ﻓﻲ اﻟﻨﻐﻢ
أﻧﻮاع اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﺮﺑ ّﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﺑﻴﻦ اﻟﻨﻘﻞ واﻟﺘﺄوﻳﻞ »«1 ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﺘﻲ ﺷﻐﻠﺖ اﻷوﺳﺎط اﻟﻤﻌﻨ ّﻴﺔ ﺑﺎﻟﻔﻨﻮن ﻓﻲ اﻵوﻧﺔ اﻷﺧﻴﺮة ﻣﻦ ﻣﻤﺎرﺳﻴﻦ ﻟﻠﻔ ّﻦ أو ﻣﻨﻈّﺮﻳﻦ ﻟﻪ وﺻﻮﻻً إﻟﻰ ﻣﺘﺬ ّوﻗﻲ اﻟﻔﻨﻮن: ﻣﺎ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺬي ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳُﺴﻠﻚ ﻟﻠﺘﻘ ّﺪم واﻟﻤﻌﺎﺻﺮة؟ ﻓﻬﻢ ﻓﻲ ﻫﺬا ﺣﺰب ﺑﻤﺎ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻓﺮﺣﻮن" ،ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺮى أ ّن اﻟﻔﻨﻮن ﻓﺮﻗﺎء ﻋ ّﺪة ّ "ﻛﻞ ٍ اﻟﺤﺮﻓﻲ ﻻ ﺑ ّﺪ أن ﺗﺘﻄ ّﻮر ﻋﺒﺮ اﻟﻨﻘﻞ ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﻋﺒﺮ اﻟﻨﻘﻞ ّ ﻓﺮﻳﻖ آﺧﺮ أ ّن اﻟﻔﻨﻮن ﻫﻲ ﻫﻮﻳّﺔ اﻟﺸﻌﻮب وﻻ ﺑ ّﺪ ﻣﻦ ﻧﻮ ٍع ﻵﺧﺮ ،وﻳﺮى ٌ ٍ ﻣﺴﺎس ﺑﻪ ،وﻣﻨﻬﻢ أي دون ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻒ ﺗﺮﻛﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ّ ﻣﻦ ﻳﻘﻮل إ ّن اﻟﻔ ّﻦ ﻻ ﺑ ّﺪ وأن ﻳﺘﻄ ّﻮر ﻋﺒﺮ ﺗﺄوﻳﻞ اﻟﻤﻮروث وﺗﺤﻮﻳﻠﻪ إﻟﻰ ﺟﺪﻳﺪ وﻫﻢ ﻗﻠّﺔ ،وﻓﻲ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻳﺨﺘﻠﻒ اﻟﻔﺮﻗﺎء وﻳﺘﺠﺎدﻟﻮن ﻟﻴﺼﻞ ﻛﻞ ﻓﺮﻳﻖٍ ﻟﻺﺧﺮ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻓﻲ ﻛﺎﻓّﺔ ﻣﻨﺎﺣﻲ اﻷﻣﺮ إﻟﻰ ﺗﺴﻔﻴﻪ ﻏﻼة ّ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻷﻗﻞ ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﻳﻘﻮل إ ّن ّ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ ِﻗﺒﻞ اﻟﻐﻼة .أ ّﻣﺎ اﻟﻔﺮﻳﻖ ّ ﺟﻨﺐ دون ﺗﻨﺎﺣ ٍﺮ ﻓﻲ ﺣﺎل اﺳﺘﻄﺎع اﻟﻄﺮق ﻳُﻤﻜﻦ أن ﺗﻘﻒ ﺟﻨﺒﺎً إﻟﻰ ٍ اﻟﻜﻞ ﺳﻤﺎع أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ٍ ﺻﻮت ورؤﻳﺔ اﻟﺠﻤﺎل ﻓﻲ اﺧﺘﻼف اﻷﻣﻮر. ّ وﺣﻴﺚ إ ّن ﻫﺬه اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ﺗﺄﺧﺬ أﻧﻮاع اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﺮﺑ ّﻴﺔ أﻧﻤﻮذﺟﺎً اﻟﻔﻜﺮي ﻓﻲ إﺷﻜﺎﻟ ّﻴ ٍﺔ ﺗﺘﻠﺨّﺺ ﻓﻲ ﻣﺎﻫ ّﻴﺔ اﻟﺘﺮاث ﻣﺠﺴﺪا ً ﻟﻬﺬا اﻟﺼﺮاع ّ ّ وﻫﻮﻳّﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﻓﺄﻗﻮل: إ ّن ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﺮﺑ ّﻴﺔ ﻳﺪ ّرس ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎﻫﺪ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘ ّﻴﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ وﻳُﻌﺮض ﻟﻠﻨﺎس ﻓﻲ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،واﻟﺤﺪﻳﺚ ﻫﻨﺎ ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﺮﺑﻴّﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ،وﻛﺄﻧّﻪ ﻧﻬ ٌﺮ ﻳﺠﺮي ﻣﻦ ﻣﻨﺒﻌﻪ إﻟﻰ ﻣﺼﺒّﻪ ٍ ﻋﻘﺒﺎت أو ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺗﺎرﻳ ٌﺦ ﻳﺠﺮي ﺟﺮي اﻟﻨﻴﻞ أو دﺟﻠﺔ أي ﻣﻦ دون ّ أو اﻟﻔﺮات ،إ ّن ﻫﺬه اﻟﺼﻮرة اﻟﻤﺜﺎﻟ ّﻴﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ اﻟﻨﻤﺎذج اﻟﺘﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻤﻤﺎرس واﻟﺴﺎﻣﻊ ﻋﻠﻰ ﺣ ﱟﺪ ﺳﻮاء ،ﻧﻤﺎذج ﻳﺄﺧﺬﻫﺎ ّ ﻗﺮﻳﺒ ًﺔ ﺣﻴﺚ إﻧّﻪ ﻻ ﻳﻌﺮف ﻣﺎ ﻛﺎن ﻗﺒﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻤﺎذج وﻻ ﻳﻌﺮف اﻟﻈﺮوف ﻓﻜﻞ ﺟﻴﻞٍ ﻳﺄﺗﻲ وراء ﺟﻌﻞ ﻫﺬه اﻟﻨﻤﺎذج ﻫﻲ اﻟﻘﺪوة ﻣﻦ دون ﻏﻴﺮﻫﺎّ . ﻳﺮى اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺬي ﻗﺒﻠﻪ ﻣﺜﻼً أﻋﻠﻰ ﻣﻦ دون أن ﻳﻔﻜّﺮ ﻣﻦ اﻷﺳﺎس ﻋﻦ
112
أﻧﻮاع اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﺮﺑﻴّﺔ
ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺳﻌﻴﺪ* ǻǂǾƓǷǘǕŌ ǽƳ ūŽōşǶ ưƊōƫ
ﻣﻦ ﻛﺎن ﻗﺒﻠﻬﻢ ،ﺑﻔﺮﺿ ّﻴ ٍﺔ ﺗﻘﻮل أ ّن ﻫﺬا اﻟﺠﻴﻞ ﻣﺘﻄ ّﻮ ٌر ﻋﻦ ﻣﻦ ﺳﺒﻘﻪ ﻓﻼ داﻋﻲ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺷﻲ ٍء ﻋﻦ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﻄ ّﻮر ،أﻋﻨﻲ ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻲ اﻟﻤﺴﺘﻮرد ﻣﻦ أﺳﺎﺳﻪ واﻟﺬي اﻟﻤﻌﻬﺪي ،وأﻋﻨﻲ ﺑﻪ اﻟﻨﻈﺎم ّ ّ ﻟﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﺣﺪﻳﺚٌ ﻓﻲ ﻣﻘﺎ ٍل آﺧﺮ ﻋﻦ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة واﻟﺘﻌﻠّﻢ .ﻫﺬا ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﻛﻞ ﺣﻘﺒ ٍﺔ ﻣﻮﺳﻴﻘﻴّ ٍﺔ ﻋﻦ ﺳﺎﺑﻘﺘﻬﺎ وﻣﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﻨﺎس ﻣﻨﻘﺴﻤ ٍﺔ ﻣﺎ ﻓﺼﻞ ّ ﻛﻞ ﻓﺮﻳﻖٍ ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻃﻔﻪ ﻣﻊ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺬي ﻗ ّﺮر اﻟﺘﻌﺎﻃﻒ ﻣﻌﻪ .ﻓﻜﻤﺎ ﻫﻮ ﱡ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺄﺗﻲ إﻟﻰ ﻣﻜﺎنٍ ﻣﺎ ﻻ ﻳُﻜﻤﻞ ﻛﻞ ﻣﻨﺎﺣﻲ اﻟﺤﻴﺎة ،ﻓﺈ ّن ّ اﻟﺤﺎل ﻓﻲ ّ ﻣﻦ ﺑﺪأه ﺳﻠﻔﻪ ،ﺑﻞ ﻳﺒﺪأ ﻣﻦ ٍ ﺟﺪﻳﺪ ﻛﺄن ﻟﻢ ِ ﻳﺄت ﻗﺒﻠﻪ أﺣ ٌﺪ وﻓﻲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻮال ﻳﻘﻮل أ ّن ﻣﺎ ﻗﺒﻠﻲ ﻫﻮ ﻋﻬ ٌﺪ ﺑﺎﺋ ٌﺪ وﻓﻲ أﺣﺴﻨﻬﺎ أﻧّﻪ ﻗﺎد ٌم ﺑﻔﻜ ٍﺮ ٍ ﺟﺪﻳﺪ ﻻ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻗﺒﻠﻪ. ﺷﻬﺪت اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﺮﺑﻴّﺔ ﻧﻬﻀ ًﺔ ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ وﺑﺪأ ﻋﺼ ُﺮ ازدﻫﺎ ٍر ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻠﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻔﺼﺤﻰ )اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴّﺔ( اﻟﻌﺮﺑﻴّﺔ ﺣﻴﺚ وﺟﺪت ﻣﻦ ﻳﺮﻋﺎﻫﺎ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻳﺮوﻣﻮن اﻟﻨﻬﻮض ﺑﻬﺎ ﻣﻦ أﻫﻞ اﻟﻨﻐﻢ ٍ أﻧﻔﺴﻬﻢ ،ﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﻨﻬﻀﺔ ﻟﻢ ﺗﺘﺒﻠﻮر ﻓﻲ ﺷﻜﻞٍ واﺣﺪ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻔﺼﺤﻰ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ ﺷﻤﻠﺖ ﻛﺬﻟﻚ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﺎ ّﻣ ّﻴﺔ )اﻟﺒﻮب( واﻟﺸﻌﺒ ّﻴﺔ )اﻟﻔﻠﻜﻠﻮر( وﺣﺘﻰ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘ ّﻴﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ،ﻋﻠﻰ إ ّن ﻋﺪم ﻗﺪرة اﻟﻔﺮﻗﺎء ﻋﻠﻰ ﺳﻤﺎع أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺻﻮت، ﺳﻮاء اﻟﻤﻤﺎرﺳﻴﻦ أو اﻟﺴ ّﻤﻴﻌﺔ ،إﻻ ﻣﻦ رﺣﻢ رﺑّﻲ ،ﺟﻌﻠﺖ ﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ
وﺑﻌﺪ اﻟﻄﺤﻦ ﺗﻌﻮدن ﺑﻪ اﻟﺒﻨﺎت ﻣﺮة أﺧﺮى إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل ﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻓﻲ اﻟﻄﻌﺎم ،أﻣﺎ »اﻟﺮﺟﻴﻌﺔ« ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻟﻐﺬاء اﻟﻄﻴﻮر ﻣﻦ اﻟﺒﻂ، واﻷوز ،واﻟﺪﺟﺎج ،وذﻛﻮر اﻟﺮوﻣﻲ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻮﺿﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎر ﻣﻊ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ﺣﺘﻰ ﺗﻨﻀﺞ وﺗﺼﻴﺮ ﻃﻌﺎﻣﺎً ﻟﺬﻳﺬا ً ﻟﻬﻢ ،وﻳﻈﻞ »اﻷرز« ﻣﺨﺰﻧﺎً ﻃﻮال ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء وﻻ ﻳﻨﻔﺪ ﻫﺬا اﻟﻤﺤﺼﻮل إﻻ ﻗﺮب ﺣﻠﻮل ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺼﺎد اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وﻛﺜﻴﺮا ً ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺄﺗﻲ اﻷرز اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﻔﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺗﺴﺎﻋﺪ إﻧﺒﺎت اﻟﺰرع ﺑﺴﺮﻋﺔ وﻗﺘﻞ اﻟﺤﺸﺮات اﻟﻀﺎرة ،و»اﻟﻤﺸﻤﻊ« ﻛﺎن ﺿﺮورﻳﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻨﻊ ﺗﺴﺮب ﻣﻴﺎه اﻷﻣﻄﺎر ﻣﻦ اﻟﺴﻘﻮط إﻟﻰ اﻟﺒﻴﺖ ،ﺛﻢ ﻣﻦ »اﻟﺼﻮﻣﻌﺔ«. ﻳﺮص ﻓﻮﻗﻪ ﺻﻔﻮﻓﺎ أﺧﺮى ﻣﻦ »اﻟﻘﺶ« ﻣﺘﺨﺬا ً ﺷﻜﻞ ﻫﺮﻣﻲ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﻤﻴﺎه اﻷﻣﻄﺎر وﺗﻨﺤﺪر ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻪ إﻟﻰ اﻟﺸﺎرع ،وأﺣﻴﺎﻧﺎ ﻛﺎن ﻳﻮﺿﻊ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﻋﻴﺪان ﺣﻄﺐ اﻟﺬرة ،أو ﺣﻄﺐ ﻧﺒﺎت اﻟﻘﻄﻦ. »اﻟﻌﺮﻳﺸﺔ« أو »اﻟﺘﻌﺮﻳﺸﺔ« وﻷن اﻟﺒﻴﻮت ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﻨﻰ ﺑﺎﻟﻄﻮب اﻟﻠﺒﻦ اﻟﻤﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻄﻴﻦ اﻟﻤﺨﻠﻮط أﻣﺎ »اﻟﻌﺮﻳﺸﺔ« اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺰﻋﺖ ﺗﻜ ّﻮم ﻟﻼﺳﺘﺨﺪام ﻓﻲ »ﺣﻤﻲ« ﺑﺎﻟﺘﺒﻦ ،وﺗﺴﻘﻒ ﺑﺘﻌﺮﻳﺸﺔ ﻣﻦ »ﻗﺶ اﻷرز« ،وﻫﺬه »اﻟﺘﻌﺮﻳﺸﺔ« ﺗﻐﻴﺮ اﻟﻔﺮن اﻟﻤﺼﻨﻮع أﻳﻀﺎً ﻣﻦ اﻟﻄﻴﻦ ،ﻟﺘﺴﻮﻳﺔ اﻟﺨﺒﺰ أو اﻟﺮﻗﺎق ،أو ﻛﻞ ﻣﻮﺳﻢ ﺣﺼﺎد ﻗﺒﻴﻞ ﺣﻠﻮل ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء ،ﺣﻴﺚ ﻳﺮﻓﻌﻮن »اﻟﻌﺮﻳﺸﺔ اﻟﻔﻄﻴﺮ اﻟﻤﺸﻠﺘﺖ ،وﺳﺎﺋﺮ أﻧﻮاع اﻟﻄﻌﺎم ﻣﻦ »اﻟﻄﻮاﺟﻦ« اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ« اﻟﺘﻲ ﻫﻠﻜﺖ ﻣﻦ ﺟﺮاء ﺗﻌﺮﺿﻬﺎ ﻷﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ وﻣﻴﺎه ﻛﺎﻟﺒﻄﺎﻃﺲ ،واﻟﺒﺎذﻧﺠﺎن ،واﻟﻜﻮﺳﺔ ،واﻟﺒﺎﻣﻴﺔ ،واﻷرز اﻟﻤﻌﻤﺮ ﺑﺎﻟﻠﺤﻮم أو اﻟﺪواﺟﻦ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺿﻊ ﻓﻮق »ﻓﺮن اﻟﺨﺒﻴﺰ« »ﻋﺮﻳﺸﺔ« أﺧﺮى ﺗﻘﻲ اﻷﻣﻄﺎر وﻳﻀﻌﻮن ﻏﻴﺮﻫﺎ ﺟﺪﻳﺪة. و»اﻟﻌﺮﻳﺸﺔ« ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺣﺰم ﻣﻦ »اﻟﻘﺶ« ﻳﺸﺘﺮﻳﻬﺎ اﻷﻫﺎﻟﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﻮة ﻣﻦ ﺣﺮارة ﺷﻤﺲ اﻟﻈﻬﻴﺮة ﻓﻰ اﻟﺼﻴﻒ ،ﻣﻤﻦ ﻳﺠﻠﺲ ﺗﺤﺘﻬﺎ ﺣﻘﻮل اﻟﻔﻼﺣﻴﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺼﺎد ،وﻳﻨﻘﻠﻮﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮر اﻟﺤﻤﻴﺮ ﻟﻠﺨﺒﻴﺰ ،أو ﺗﻘﻴﻬﻦ ﻣﻦ أﻣﻄﺎر وﺑﺮودة اﻟﺸﺘﺎء ،ﻓﻰ ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء ﺣﻴﻦ أو اﻟﺠﻤﺎل ،أو ﻓﻮق ﻋﺮﺑﺎت اﻟﻜﺎرو اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺮﻫﺎ اﻟﺤﻤﻴﺮ أو اﻟﺒﻐﺎل ،أو ﺗﻠﻮح ﻓﻲ اﻷﻓﻖ .اﻵن اﺧﺘﻔﺖ »اﻟﻌﺮﻳﺸﺔ« واﻟﺒﻴﻮت اﻟﻄﻴﻨﻴﺔ وﺣﻠﺖ اﻷﺣﺼﻨﺔ ،وﻛﺎن ﻛﻞ ﺣﻤﻞ ﻳﻌﺮف ﺑﻌﺪد ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺰم .وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﻠﻬﺎ اﻟﺒﻴﻮت اﻷﺳﻤﻨﺘﻴﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ »اﻟﻔﺮن« اﻟﺒﻠﺪي ،وﺣﻞ ﻣﺤﻠﻪ ﻓﺮن ﺗﺮص اﻟﺤﺰم ﻣﺘﺠﺎورة ﻓﻮق ﻣﺸﻤﻊ ﻣﻦ اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ ،ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎﻳﻜﻮن ﻣﺨﻴﻄﺎ اﻟﻐﺎز واﻟﺒﻮﺗﻮﺟﺎز ،ﺑﻌﺪ أن ﻗﻀﺖ اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺮﻳﻒ اﻟﻤﺼﺮي ﻣﻦ ﺷﻜﺎﺋﺮ »اﻟﻜﻴﻤﺎوي« اﻟﺘﻲ ﻳﻀﻌﻬﺎ اﻟﻔﻼح ﻟﻠﻨﺒﺎت ﻓﻲ اﻷرض ﺣﺘﻰ ﺑﺠﻤﺎﻟﻪ وﻋﺒﻘﻪ ..وﻳﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ زﻣﻦ ﺟﻤﻴﻞ /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
111
ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب
ﺣﻤﻠﻬﺎ ،وﺑﻌﺪ أن ﻳﻬﺰ اﻟﻤﺤﺼﻮل ﻛﻠﻪ ،ﻳﺄﺗﻲ ب»اﻟﻐﺮﺑﺎل« ﻟﻔﺮز ﺣﺒﺎت اﻟﻄﻴﻦ اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻌﻠﻖ ﻓﻲ »اﻟﺪﻳﺎرة« ،وﺑﻌﺪ أن ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ،ﻳﻜﻮن اﻟﻤﺤﺼﻮل أﺻﺒﺢ ﻧﻈﻴﻔﺎ ،ﻓﺘﻘﻮم اﻷﻧﻔﺎر ﺑﺘﻌﺒﺌﺘﺔ ﻓﻲ »أﺟﻮﻟﺔ« ﻣﻦ »اﻟﺨﻴﺶ« وﻏﻠﻘﻬﺎ ﺟﻴﺪا ً ﺑـ»اﻟﺪوﺑﺎر« وﻫﻮ ﺧﻴﻂ ﻣﺘﻴﻦ ﻳﻠﻀﻢ ﻓﻲ »ﻣﺴﻠﺔ« ﺻﻨﻌﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ ،ﺛﻢ ﻳﺮص ﻓﻮق ﺑﻌﻀﻪ ﺗﻤﻬﻴﺪا ً ﻟﻨﻘﻠﻪ إﻟﻲ اﻟﻤﻨﺎزل ،أو ﺑﻴﻌﻪ ﻷﺣﺪ اﻟﺘﺠﺎر .وﻣﻬﻨﺔ »اﻟﻤﺬراوي« ﻣﻬﻨﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺰدﻫﺮة ﺟﺪا ،وﻣﺮﺑﺤﺔ ﻟﻤﻦ ﻛﺎن ﻳﻤﺘﻬﻨﻬﺎ ،وﻗﺪ اﻧﻘﺮﺿﺖ ﻫﺬه اﻟﻤﻬﻨﺔ اﻵن وﺣﻠﺖ ﻣﺤﻠﻬﺎ اﻟﻤﻴﻜﻨﺔ. ووﺿﻊ »اﻟﻘﺶ« ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ اﻷرز ،ورﺑﻄﻪ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﺣﺰم ﺗﻤﻬﻴﺪا ﻟﺒﻴﻌﻪ ﻟﻸﻫﺎﻟﻲ ﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻓﻲ أﻓﺮان اﻟﺨﺒﻴﺰ ،أو ﻟﻮﺿﻌﻪ ﻋﻠﻰ »اﻟﺘﻌﺮﻳﺸﺔ« ،ﺛﻢ ﻳﺠﻤﻊ »أرز اﻟﺸﻌﻴﺮ« ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﻛﻮﻣﺔ ﻛﺒﻴﺮة ،ﺗﺴﻤﻰ »اﻟﺼﻠﻴﺒﺔ« ،وﻳﻘﻮم اﻟﻔﻼح ﺑﻌﻤﻞ ﺛﻼث دواﺋﺮ ﻋﻠﻰ »اﻟﺼﻠﻴﺒﺔ« ﻣﻦ أﻋﻠﻰ ووﺳﻂ وأﺳﻔﻞ ،ﺛﻢ ﻳﺨﻄﻄﻬﺎ ﺑﺎﻟﻄﻮل ،ﺣﺘﻰ إذا إﻋﺘﺪى ﻋﻠﻴﻪ أي ﻟﺺ ﻳﻌﺮف اﻟﻔﻼح أن ﻣﺤﺼﻮﻟﻪ ﺗﻌﺮض ﻟﻠﺴﺮﻗﺔ ،وﻛﺎن ﻳﻮم اﻟﺤﺼﺎد ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻋﻴﺪ ﻋﻨﺪ ﻓﻘﺮاء اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻮﺟﻬﻮن إﻟﻰ اﻟﺤﻘﻮل ﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﺤﺼﺎد ﻟﻴﺤﺼﻠﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺠﻮد ﺑﻪ اﻟﻔﻼح ﻣﻦ زﻛﺎة اﻟﺰرع. اﻟﻤﺬراوي
ﺑﻌﺪ أن ﻳﺠﻬﺰ اﻟﻔﻼح اﻟﻤﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ »ﺻﻠﻴﺒﺔ« ،ﻳﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﺻﺒﺎح اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ ،وﻣﻌﻪ »اﻟﻤﺬراوي« وﻫﻮ رﺟﻞ ﺗﺨﺼﺺ ﻓﻲ »ﺗﺬرﻳﺔ« اﻷرز »اﻟﺸﻌﻴﺮ« أي ﺗﻨﻘﻴﺘﻪ ،وﻓﺼﻞ ﺣﺒﺎﺗﻪ ﻋﻤﺎ ﻋﻠﻖ ﺑﻪ ﻣﻦ »ﻗﺶ« وﻋﺸﺐ، وأﺗﺮﺑﺔ ،وﺑﻘﺎﻳﺎ ﺣﻄﺐ ﻗﺪﻳﻢ ،ﻳﺄﺗﻲ وﻣﻌﻪ أدوات اﻟﻌﻤﻞ ،اﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ »اﻟﻤﺬراة« وﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ آﻟﺔ ﺧﺸﺒﻴﺔ ﻟﻬﺎ ذراع ﻃﻮﻳﻞ ﻣﺒﺮوم ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺑﻜﻔﺔ ﻋﺮﻳﻀﺔ ﻣﺮﺑﻌﺔ ﺑﻬﺎ ﺧﻤﺴﺔ أﺻﺎﺑﻊ ،وآﻟﺔ أﺧﺮى ﺧﺸﺒﻴﺔ ﺗﺴﻤﻰ »اﻟﻠﻮح« ﺗﺸﺒﻪ »اﻟﻤﺬراة« ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﺎ ﻋﺪا أن ذراﻋﻬﺎ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﻜﻔﺔ ﻋﺮﻳﻀﺔ ﻣﺮﺑﻌﺔ وﻟﻴﺲ ﺑﻬﺎ أﺻﺎﺑﻊ ،وﻻ ﺗﺼﻠﺢ ﻣﻬﻨﺔ »اﻟﻤﺬراوي« ﺳﻮى ﺑﺮﺟﻠﻴﻦ ﻣﻌﺎً ﺣﺘﻰ ﻳﻜﺘﻤﻞ اﻟﻌﻤﻞ ،وﻓﻲ ﻳﻮم ﻳﻜﻮن ﺑﻪ رﻳﺢ ﺷﺪﻳﺪ ،وﻳﻘﻮم »اﻟﻤﺬراوي« ﺑﺘﻨﻘﻴﺔ »ﺻﻠﻴﺒﺔ« اﻷرز ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ أﺻﺎﺑﻊ »اﻟﻤﺬراة« ﻣﻤﺎ ﻋﻠﻖ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ »ﻗﺶ« ،وﻋﻴﺪان ﺣﻄﺐ وﻋﺸﺐ ،وﻓﺼﻠﻪ وﻧﻘﻠﻪ ﺑﻌﻴﺪا ً ﻋﻦ »اﻟﺼﻠﻴﺒﺔ« ،ﺛﻢ ﻳﻘﻒ ﻋﻜﺲ اﻟﺮﻳﺢ ،وﻳﺄﺗﻲ ﺑـ»اﻟﻠﻮح« وﻳﻨﻘﻞ اﻟﻤﺤﺼﻮل ﻣﻦ ﻣﻜﺎن إﻟﻰ آﺧﺮ ﻣﻌﺮﺿﻪ ﻟﻠﺮﻳﺎح اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم »ﺑﺘﻄﻴﻴﺮ« اﻟﻐﺒﺎر وﻛﺴﺮ اﻟﺤﻄﺐ واﻟﻌﻴﺪان اﻟﺨﻔﻴﻔﺔ إﻟﻰ ﺑﻌﻴﺪ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ ﻧﻘﻞ »اﻟﺼﻠﻴﺒﺔ« ﻛﻠﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻳﻘﻮم ﺑﻨﻘﻠﻬﺎ ﻣﺮة ﺛﺎﻧﻴﺔ إﻟﻰ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ اﻷﺻﻠﻲ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ، وﻳﻈﻞ ﻫﻜﺬا ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺄﻛﺪ أن اﻟﻤﺤﺼﻮل أﺻﺒﺢ ﻧﻈﻴﻔﺎ ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳﺄﺗﻰ ﺑـ»اﻟﺪﻳﺎرة« و»اﻟﻐﺮﺑﺎل« ،ﻓـ»اﻟﺪﻳﺎرة« ﻓﺘﺤﺎﺗﻪ واﺳﻌﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺊ ،أﻣﺎ »اﻟﻐﺮﺑﺎل« ﻓﻔﺘﺤﺎﺗﻪ ﺿﻴﻘﺔ ،وﻳﻀﻊ اﻷرز أوﻻ ﻓﻲ »اﻟﺪﻳﺎرة« ،وﻫﺰه ﻟﻔﺼﻞ اﻟﻤﺤﺼﻮل ﻋﻦ ﺣﺒﺎت اﻟﻄﻴﻦ اﻟﻜﺒﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ اﻟﺮﻳﺎح 110
ﺣﻜﺎﻳﺔ ا#رز ﻣﻦ زراﻋﺘﻪ إﻟﻰ ﺗﺨﺰﻳﻨﻪ
ﺗﺨﺰﻳﻦ اﻷرز
ﺑﻌﺪ أن ﺗﻨﺘﻬﻲ اﻷﻧﻔﺎر ﻣﻦ ﺗﻌﺒﺌﺔ ﻣﺤﺼﻮل اﻷرز ﻓﻲ أﺟﻮﻟﺔ ،ﺗﺄﺗﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻧﻘﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺰل ،ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺤﻤﻴﺮ ،وﻳﻈﻞ ﻃﻮال اﻟﻴﻮم ﻳﻨﻘﻞ اﻟﻤﺤﺼﻮل ﻫﻜﺬا وﺗﻮﺿﻊ »اﻷﺟﻮﻟﺔ« أﻣﺎم اﻟﻤﻨﺰل ،وﺗﻜﻮن ﻓﺮﺣﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻷن ﻫﺬا اﻟﻤﺤﺼﻮل ﻳﻤﺜﻞ اﻟﺨﻴﺮ اﻟﺬي ﺳﻴﻌﻢ ﻋﻠﻲ اﻷﻫﻞ واﻟﺠﻴﺮان واﻷﺻﺪﻗﺎء ،ﻓﺘﻘﻮم اﻟﻨﺴﻮة ﺑﻔﺘﺢ »اﻷﺟﻮﻟﺔ« واﺣﺪا ً ﺗﻠﻮ اﻵﺧﺮ ،وﻧﻘﻞ ﻫﺬا اﻟﻤﺤﺼﻮل ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ »اﻟﻐﻠﻖ« أو»اﻟﻘﻔﺔ« ،وﻫﻲ أوﻋﻴﺔ ﺻﻨﻌﺖ ﻣﻦ اﻟﺨﻮص وﺧﺼﺼﺖ ﻟﻨﻘﻞ اﻟﺤﺒﻮب ،إﻟﻰ اﻟﺴﻄﺢ »ﻟﺘﺤﻤﻴﺼﻪ« ﺗﺤﺖ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ ﻟﻌﺪة أﻳﺎم ﺣﺘﻰ ﻳﺠﻒ ،ﺗﻤﻬﻴﺪا ﻟﺘﺨﺰﻳﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺘﻌﺮض ﻟﻠﻌﻔﻦ ،ﺛﻢ ﺗﻘﻤﻦ اﻟﻨﺴﺎء »ﺑﻐﺮﺑﻠﺘﻪ« ﻣﺮة ﺛﺎﻧﻴﺔ وﺗﻨﻘﻴﺔ ﻣﺎ ﺑﻪ ﻣﻦ »ﻃﻴﻦ« أو »ﻋﺸﺐ« ،ووﺿﻌﻪ ﻓﻲ »اﻟﻤﻄﺮاﻳﺔ« أو »اﻟﺼﻮﻣﻌﺔ« وﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺑﻨﺎء ﻃﻮﻳﻞ ﻣﻦ اﻟﻄﻴﻦ ﻳﺘﺮاوح إرﺗﻔﺎﻋﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺘﺮ وﻧﺼﻒ إﻟﻲ ﻣﺘﺮﻳﻦ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ،وﻟﻬﺎ ﻓﺘﺤﺘﺎن ،ﻓﺘﺤﺔ ﻋﻠﻮﻳﺔ ﻳﻮﺿﻊ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻤﺤﺼﻮل ﺑﻌﺪ ﺗﺤﻤﻴﺼﻪ ،ﺣﺘﻰ ﺗﻤﺘﻸ ﻋﻦ آﺧﺮﻫﺎ وﺗﻐﻠﻖ ﺑﺎﻟﻄﻴﻦ ﻣﺮة أﺧﺮى ،وﻓﺘﺤﺔ ﺳﻔﻠﻴﺔ ﻹﺧﺮج اﻷرز ﻣﻐﻠﻘﺔ ﻫﻲ اﻷﺧﺮى وﻻ ﺗﻔﺘﺢ إﻻ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺎﺟﺔ، وﻛﺎن ﻳﺨﺰن اﻷرز ﻓﻲ »اﻟﺼﻮﻣﻌﺔ« ﺣﻔﺎﻇﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﺮد أو ﻣﻦ أﻣﻄﺎر اﻟﺸﺘﺎء ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺴﻮة ﺗﺨﺮﺟﻦ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﺣﺎﺟﺔ اﻟﻤﻨﺰل ﻟﻤﺪة ﺷﻬﺮ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ،وﺗﺒﻌﺜﻦ ﺑﻪ اﻟﺒﻨﺎت ﻓﻲ »ﻗﻔﻒ« ﻟﻄﺤﻨﻪ ﻓﻲ ﻃﺎﺣﻮﻧﺔ اﻟﻘﺮﻳﺔ، وﻓﺼﻞ ﺣﺒﺎت اﻷرز اﻷﺑﻴﺾ ﻋﻦ ﻏﻼﻓﻪ اﻷﺻﻔﺮ ،وﻳﺴﻤﻰ »رﺟﻴﻌﺔ«،
واﻟﺮﻗﺎق أو اﻟﻌﻴﺶ اﻟﺒﻠﺪي ،وﺑﻌﺾ ﺣﺒﺎت ﻣﻦ اﻟﻄﻤﺎﻃﻢ، واﻟﺨﻀﺮاوات ،وﻳﺸﺮﺑﻮن اﻟﺸﺎي اﻟﻤﻌﺪ ﻋﻠﻰ »اﻟﺮﻛﻴﺔ« ،ﺛﻢ ﻳﻌﻮدون ﻣﺮة ﺛﺎﻧﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻤﻞ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺑﻬﺎ »ﻣﻐﻨﻲ« ،ﺟﻤﻴﻞ اﻟﺼﻮت ﻳﺼﺪح ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء اﻟﺸﻌﺒﻰ ،ﻓﺘﺮد وراءه اﻷﻧﻔﺎر ﻓﻲ ﺣﻤﺎس ،وﻫﺬا اﻟﻐﻨﺎء ﻛﺎن ﻳﺴﺮي ﻋﻠﻰ اﻷﻧﻔﺎر وﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ إﻧﺘﺎﺟﻬﻢ ،وﻳﺠﻌﻠﻬﻢ ﻳﻘﺒﻠﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻞ أﻛﺜﺮ ،وأﺣﻴﺎﻧﺎ ﺗﺠﺪﻫﻢ ﻳﻄﻠﻘﻮن »اﻟﻨﻜﺎت« و»اﻟﻘﻔﺸﺎت« اﻟﻤﻀﺤﻜﺔ ،وأﺻﻮاﺗﻬﻢ »ﺗﺠﻠﺠﻞ« ﺑﺎﻟﻀﺤﻜﺎت ،إﻟﻰ أن ﻳﺆذن ﻟﺼﻼة اﻟﻈﻬﺮ ،ﻓﻴﺨﺮﺟﻮن ﻣﺮة ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻟﺘﻨﺎول وﺟﺒﺔ اﻟﻐﺪاء ،ﻓﻴﻔﺘﺮﺷﻮن أرض اﻟﺠﺮن ،وﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻔﺘﺢ ﺻﺮﺗﻪ وﻣﺎ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻃﻌﺎم ،ﺛﻢ ﻳﺘﻨﺎوﻟﻮن اﻟﺸﺎي ،وﻳﺼﻠﻮن اﻟﻈﻬﺮ ﺛﻢ ﻳﻌﻮدون ﻣﺮة أﺧــﺮى ﻟﻠﻌﻤﻞ ،إﻟﻰ أن ﻳﻌﻠﻮ أذان اﻟﻌﺼﺮ ،ﻓﻴﻨﺎدي ﻋﻠﻴﻬﻢ »اﻟﺮﻳﺲ« أو ﻣﻦ ﻳﻨﻮب ﻋﻨﻪ: »اﺗﻔﻀﻠﻮا ﻳﺎ رﺟﺎﻟﻪ« ،ﻓﻴﺘﻮﺟﻬﻮن ﺟﻤﻴﻌﺎ إﻟﻰ »اﻟﻘﻨﺎﻳﺔ« أو اﻟﺘﺮﻋﺔ اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﻞ ،ﻳﻐﺘﺴﻠﻮن وﻳﺒﺪﻟﻮن ﻣﻼﺑﺲ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻤﻼﺑﺲ ﻧﻈﻴﻔﺔ ،وﻳﻌﻮدون أدراﺟﻬﻢ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﺟﻤﺎﻋﺎت. وﻛﻨﺎ ﻧﺮى ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء ﻣﻨﻈﺮ اﻟﺤﻘﻮل وﻗﺪ رﺻﺖ ﺑﻌﻴﺪان اﻷرز اﻟﻤﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﺴﻨﺎﺑﻞ اﻟﺨﻀﺮاء اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ،ﻓﻴﺘﺮﻛﻮﻧﻬﺎ ﺗﺤﺖ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ ﻋﺪة أﻳﺎم ﺣﺘﻰ ﺗﺠﻒ ،ﻟﺘﺄﺗﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ أﺧﺮى ﺗﺴﻤﻲ »اﻟﺪرﻳﺲ«. »اﻟﺪرﻳﺲ« أو »درس« اﻷرز
ﺑﻌﺪ أن ﻳﺤﺼﺪ اﻷرز وﻳﺘﺮك ﻓﻲ اﻷرض ﺑﻀﻌﺔ أﻳﺎم، ﻳﻘﻮم اﻟﻔﻼح ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﺤﺼﻮل ،ﺑﺎﺳﺘﺌﺠﺎر أﻧﻔﺎر ،وﻧﻘﻞ ﻫﺬا اﻟﻤﺤﺼﻮل ﻣﻦ اﻷرض إﻟﻰ »اﻟﺠﺮن« ،ورﺻﻪ أﻓﻘﻴﺎ ﻣﺘﺠﺎورا ،وﺗﺮﻛﻪ ﺗﺤﺖ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ ﺣﺘﻰ ﻳﺠﻒ ﻟﻴﻜﻮن ﺻﺎﻟﺤﺎ »ﻟﻠﺪرس« ،ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺑـ»اﻟﻨﻮرج« وﻫﻮ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﺧﺸﺐ اﻟﺼﻔﺼﺎف أو »اﻟﺠﺰوارﻳﻦ« ،ﺻﻨﻌﺖ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺌﺔ ﻛﺮﺳﻲ ﻛﺒﻴﺮ ،ﺛﺒﺖ ﻓﻲ ﻃﺮﻓﻴﻪ ﺣﺒﻞ ﻟﻴﻌﻠﻖ ﻓﻴﻪ اﻟﺒﻘﺮة أو اﻟﺠﺎﻣﻮﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮ ﻫﺬا »اﻟﻨﻮرج« ،ﻳﺠﻠﺲ ﻋﻠﻴﻪ رﺟﻞ أو اﺛﻨﺎن وﻳﻤﺮان ﺑﻪ ﻓﻮق ﻣﺤﺼﻮل اﻷرز ﻋﺪة ﻣﺮات ﺣﺘﻰ »ﺗﻔﺮك« اﻟﺴﻨﺎﺑﻞ اﻟﻤﺤﻤﻠﺔ ﺑﺤﺒﺎت اﻷرز، ﻟﺘﺘﺮك ﻋﻴﺪان »اﻟﻘﺶ« وﺗﻬﺒﻂ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﺠﺮن ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳﺨﺮج اﻟﻔﻼح »اﻟﻨﻮرج« وﺗﻘﻮم اﻷﻧﻔﺎر ﺑﻔﺼﻞ ﻋﻴﺪان اﻷرز »اﻟﻘﺶ« ﻋﻦ ﺣﺒﺎت اﻷرز وﺗﺴﻤﻰ »أرز ﺷﻌﻴﺮ«،
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
109
ﺗﺮاث اﻟﺸﻌﻮب
ﺣﻜﺎﻳﺔ اAرز
ﻣﻦ زراﻋﺘﻪ إﻟﻰ ﺗﺨﺰﻳﻨﻪ
ﻋﺒﺪه ّ اﻟﺰراع
اﻷرز ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ اﻟﺰراﻋﻴﺔ اﻟﺼﻴﻔﻴﺔ اﻟﻤﻬﻤﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻤﺼﺮي ﻓﻰ اﻟﻐﺬاء ،ﻓﻄﺒﻖ اﻷرز ﻣﻦ اﻷﻃﺒﺎق اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪة اﻟﻄﻌﺎم ،ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﺮﻳﻒ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮم اﻷﻫﺎﻟﻲ ﺑﺸﺮاﺋﻪ ﻓﻲ ﻣﻮﻋﺪ اﻟﺤﺼﺎد ﻣﻦ اﻟﻔﻼﺣﻴﻦ ﺑﺎﻷردب وﻃﺤﻨﻪ وﺗﺨﺰﻳﻨﻪ ﻟﻴﻜﻔﻴﻬﻢ ﻃﻮال اﻟﻤﻮﺳﻢ ﺣﺘﻰ ﻣﻮﻋﺪ اﻟﺤﺼﺎد اﻟﺠﺪﻳﺪ. وﺗﻜﺜﺮ زراﻋﺔ اﻷرز ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻓﻈﺎت اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺒﺤﺮي ،ﺧﺎﺻﺔ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻛﻔﺮ اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺘﻲ ﺗﺰرع أﺟﻮد أﻧﻮاع اﻷرز وﺗﻘ ّﺪم أﻋﻠﻰ إﻧﺘﺎﺟﻴﺔ ﻟﻠﻔﺪان، وﻣﺤﺎﻓﻈﺎت اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ،واﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ،واﻟﻤﻨﻮﻓﻴﺔ ،ودﻣﻴﺎط ،وﻏﻴﺮﻫﺎ. ﻳﺰرع اﻷرز ﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﻣﺎﻳﻮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺎم ،وﻳﺴﺘﻤﺮ ﻓﻲ اﻷرض ﻧﺤﻮ ﺛﻼﺛﺔ ﺷﻬﻮر ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻀﺞ ﺗﺤﺖ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ ،وﻫﻮ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻣﻴﺎه ﻏﻤﺮ ﻛﺜﻴﺮة ،ﻟﺬا ﻳﻌﺘﻤﺪ ﺑﺸﻜﻞ أﺳﺎﺳﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻴﺎه اﻟﻨﻴﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺐ ﻓﻲ اﻟﺘﺮع اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ ،اﻟﺘﻰ ﺗﻮﺻﻞ ﺑﺪورﻫﺎ ﻟﻠﺘﺮع اﻟﺼﻐﻴﺮة واﻟﻘﻨﻮات اﻟﻤﻮﺻﻠﺔ ﻟﻸراﺿﻰ اﻟﺰراﻋﻴﺔ ،ﻟﺘﺮوي اﻷرض ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ »اﻟﺴﺎﻗﻴﺔ« اﻟﺘﻲ ﺗﺪورﻫﺎ اﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻨﻘﺮض اﻟﺴﻮاﻗﻰ وﺗﺤﻞ ﻣﺤﻠﻬﺎ اﻟﻤﻴﻜﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺴﻮﻻر ،وﻳﺴﻬﺮ اﻟﻔﻼﺣﻮن ﻟﺮﻋﺎﻳﺔ اﻟﻤﺤﺼﻮل وﺳﻘﺎﻳﺘﻪ ،ﺣﺘﻰ ﻳﺤﻴﻦ ﻣﻮﻋﺪ اﻟﺤﺼﺎد ﻓﻲ ﺷﻬﺮ أﻏﺴﻄﺲ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺎم.
108
ﺣﻜﺎﻳﺔ ا#رز ﻣﻦ زراﻋﺘﻪ إﻟﻰ ﺗﺨﺰﻳﻨﻪ
ﺣﺼﺎد اﻷرز
ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻢ ﺣﺼﺎد اﻷرز ﺑﺎﻟﻘﺮى واﻟﻨﺠﻮع ،ﺗﺮى اﻷﻧﻔﺎر رﺟﺎﻻً وﻧﺴﺎء، ﻳﺘﺠﻤﻌﻮن ﺻﺒﺎﺣﺎً ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ ﻛﻞ ﻗﺮﻳﺔ ﻣﻊ »رﻳﺲ« اﻷﻧﻔﺎر ،ﻛﻲ ﻳﻘﺴﻤﻬﻢ إﻟﻰ ﺟﻤﺎﻋﺎت ﻗﺒﻞ ﺷﺮوق اﻟﺸﻤﺲ ،وﻛﻞ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺗﺘﻮﺟﻪ إﻟﻰ ﺣﻘﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﻮل ،ﻳﺤﻤﻠﻮن ﻣﻨﺎﺟﻠﻬﻢ و»ﺻﺮة« ﺻﻐﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺎش ﺑﻬﺎ ﻏﺬاﺋﻬﻢ، وﻋﻠﻰ رؤﺳﻬﻢ »ﻃﺎﻗﻴﺔ« ﻣﻦ اﻟﺨﻮص اﻟﻤﻠﻮن ﺗﻘﻴﻬﻢ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺤﺎرﻗﺔ وﻗﺖ اﻟﻈﻬﻴﺮة ،وﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﺣﻘﻮل اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻣﺘﺠﺎورة، وﻛﺎن »رﻳﺲ« اﻷﻧﻔﺎر ﻳﺘﻨﻘﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻘﻮل ﻟﻴﺘﺎﺑﻊ ﻋﻤﻞ اﻷﻧﻔﺎر ،وﻫﻢ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﺑﻬﻤﺔ وﻧﺸﺎط إﻟﻰ أن ﺗﻘﺘﺮب اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺷﺮة ﺻﺒﺎﺣﺎً، ﻓﻴﺨﺮﺟﻮن ﻣﻦ اﻟﺤﻘﻞ ،ﻳﻐﺴﻠﻮن أﻳﺪﻳﻬﻢ ﻣﻦ »اﻟﻘﻨﺎﻳﺔ« وﻳﺘﻮﺟﻬﻮن إﻟﻰ »اﻟﺠﺮن« ،ﻳﺘﻨﺎوﻟﻮن »اﻟﺘﻬﻴﻴﻔﺔ« ،وﻫﻲ وﺟﺒﺔ ﺧﻔﻴﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻦ
داﺧﻠﻪ ﻋﺪدا ً ﻣﻦ اﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ،وﻻ ﻳﻘﻒ اﻷﻣﺮ ﻋﻨﺪ ﻓﻀﻔﻀﺔ اﻟﺜﻴﺎب اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ؛ اﻷﻟﻔﺎظ ،ﺑﻞ ﻳﺘﺠﺎوزﻫﺎ إﻟﻰ اﺧﺘﺰال ﻣﻀﺎﻣﻴﻦ ﻫﺬه اﻷﻟﻔﺎظ واﺑﺘﺴﺎرﻫﺎ ،ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ اﺧﺘﻔﺎء ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ أو ﻏﻴﺎﺑﻬﺎ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻋﺪم اﻻﻟﺘﻔﺎت إﻟﻴﻬﺎ ،ﺳﻮاء ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﻮﻋﻲ ،أو ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﺘﻮﻇﻴﻒ. وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﺘﺮاث ﻫﻮ اﻹﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻷدﺑﻴﺔ واﻟﻨﻘﺪﻳﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،وإن ﺷﺌﺖ اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ ،ﻓﺈن ﻣﺎ ﻛﺘﺐ ﻋﻦ ﻣﻔﻬﻮﻣﻪ وﺣﺪوده ﻗﻠﻴﻞ ﺟﺪا ،وﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺠﺪه إﻻ ﻓﻲ ﺛﻨﺎﻳﺎ ﺑﺤﺚ ،أو ﺣﻮاﺷﻴﻪ، وﻳﻌﻮد ذﻟﻚ إﻟﻰ أن اﻟﻠﻔﻆ /اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﺷﺎع ﻛﺜﻴﺮا ،ﺣﺘﻰ ﻏﺎم ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ ،ﺑﻠﻪ اﻟﻤﺜﻘﻒ اﻟﻌﺎم ).(6 وﻣﻦ ﺷﺄن ﺗﺄرﻳﺦ اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺎﻟﺘﺮاث واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺑﻤﺴﺎراﺗﻪ وﺗﺤﻮﻻﺗﻪ أن ﻳﻘﻔﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎر اﻟﻮﻋﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺎﻣﺔ ،وﻳﺰودﻧﺎ ﺑﺎﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﻜﻠﻴﺔ ﻟﻪ ،اﻟﺘﻲ رﺑﻤﺎ أدى ﻏﻴﺎﺑﻬﺎ إﻟﻰ ﺧﻠﻞ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻻﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎت واﻟﺘﺄوﻳﻼت ،ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺴﻴﺎﻗﺎت اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﺘﺮاث وﻗﺮاءﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ، وﺑﺴﺆال اﻟﻨﻬﻀﺔ واﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﺎﻵﺧﺮ ).(7 وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻻ ﺗﻤﻠﻚ أن ﺗﺘﺤﺮر ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺮاﻫﻦ ﻣﻦ ﺿﻐﻮط اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ اﻟﻜﺎﺳﺤﺔ ﻟﻠﻬﻮﻳﺎت واﻟﻄﺎﻣﺴﺔ ﻟﻠﺨﺼﻮﺻﻴﺎت واﻟﺠﺎرﻓﺔ ﻟﻠﺘﺮاث ،ﺑﻞ اﻟﺴﺎﻋﻴﺔ إﻟﻰ ﻣﺤﻮه؛ ﻧﻈﺮا ً ﻟﺤﺎﺟﺘﻬﺎ اﻟﺸﺪﻳﺪة إﻟﻰ ﻣﺴﺎﻳﺮة اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻓﻲ اﺗﺠﺎﻫﺎﺗﻪ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ،وﻣﻮاﻛﺒﺔ اﻟﻤﺘﻐﻴﺮات اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺠﺎﻻت ﺟﻤﻴﻌﺎ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ إﻳﺠﺎد ﺗﻴﺎر ﺛﻘﺎﻓﻲ إﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﻀﺎد ﻳﻘﻒ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ روح اﻟﻬﻴﻤﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻄﻮي ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻓﻜﺮا ً وﻧﻈﺎﻣﺎ ً وﺗﻄﺒﻴﻘﺎ ً وﻣﻤﺎرﺳﺔ )(8
اﻟﺘﺮاث ..ﺑﺤﻮث وﻣﺪاﺧﻼت اﻟﻤﺆﺗﻤﺮ اﻟﺪوﻟﻲ اﻷول »ﻧﺤﻮ ﺧﻄﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﺘﺮاث اﻟﻔﻜﺮي اﻟﻌﺮﺑﻲ« 2 ،1،دﻳﺴﻤﺒﺮ ،2010ﺗﻨﺴﻴﻖ وﺗﺤﺮﻳﺮ :د. ﻓﻴﺼﻞ اﻟﺤﻔﻴﺎن« ،ﻣﻌﻬﺪ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،اﻟﻘﺎﻫﺮة.2011 ، - 3ﺧﺎﻟﺪ ﻋﺰب ،م ،س. - 4د .ﺳﻌﻴﺪ ﻳﻘﻄﻴﻦ" ،اﻟﺴﺮد اﻟﻌﺮﺑﻲ :ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ وﺗﺠﻠﻴﺎت" ،ص،21 ، اﻟﺪار اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻌﻠﻮم ﻧﺎﺷﺮون ،ﺑﻴﺮوت ،ط2012 ،1 ، - 5ﺧﺎﻟﺪ ﻋﺰب ،م ،س. - 6د.ﻓﻴﺼﻞ اﻟﺤﻔﻴﺎن» ،اﻟﺘﺮاث : .ﺿﺒﻂ اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ وﺑﻨﺎء اﻟﻤﻔﻬﻮم«، ﻫﻮاﻣﺶ : »ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺘﺮاث« ،ﻣﻌﻬﺪ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،اﻟﻘﺎﻫﺮة. 2011 ، - 1د .ﺣﺴﻴﻦ ﻧﺼﺎر» ،اﻟﺘﺮاث ﻋﻨﺪ ﻃﻪ ﺣﺴﻴﻦ« ،ﻣﺠﻠﺔ »ﺗﺮاﺛﻴﺎت« - 7 ،د .ﻣﻌﺘﺰ اﻟﺨﻄﻴﺐ» ،ﺗﺤﻮﻻت اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺎﻟﺘﺮاث ﻣﻔﻬﻮﻣﺎ وﺗﺎرﻳﺨﺎ«، اﻟﻘﺎﻫﺮة ،ع ،17 ،ﻳﻨﺎﻳﺮ .2015 »ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺘﺮاث«. - 2د .ﺧﺎﻟﺪ ﻋﺰب» ،اﻟﺘﺮاث واﻟﻬﻮﻳﺔ :أﺑﻌﺎد اﻟﻌﻼﻗﺔ«» ،ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ - 8ﺧﺎﻟﺪ ﻋﺰب ،م ،س .
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
107
إﺿﺎءة
اﻟﺘﺮاث...
ﻛﺈﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﺣﻀﺎرﻳﺔ اﻟﺘﺮاث ﻛﻠﻤﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ أﺻﻴﻠﺔ ،ﻳﻘﻮل اﻟﻤﻌﺠﻢ اﻟﻠﻐﻮي ﻋﻨﻬﺎ :إﻧﻬﺎ ﻣﺒﺪﻟﺔ ﻣﻦ إراث ،اﻟﻤﺒﺪﻟﺔ ﻣﻦ وارث .وﻳﻔﺴﺮﻫﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺧﻠﻔﻪ ﻟﻨﺎ اﻟﺴﺎﺑﻘﻮن ﻋﻠﻴﻨﺎ ووﺻﻞ إﻟﻴﻨﺎ ،ﻏﻴﺮ أﻧﻨﺎ اﻋﺘﺪﻧﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ أن ﻧﻄﻠﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺧﻠﻒ اﻟﺴﺎﺑﻘﻮن ﻣﻦ ﻓﻜﺮ وﻋﻠﻢ وﻓﻦ وﻗﻴﻢ ،وﻛﺜﻴﺮا ً ﻣﺎ ﻻ ﻧﺮﻳﺪ إﻻ اﻵداب واﻟﻔﻨﻮن واﻟﻤﺄﺛﻮرات اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ).(1 اﻟﺘﺮاث رﺻﻴﺪ إﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﺘﺮاﻛﻢ ﻳﻌﺪ ﺛﺮوة اﻷﻣﺔ ورﺻﻴﺪﻫﺎ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻨﻀﺐ وﺟﺬور وﺟﻮدﻫﺎ ،واﻟﺘﺮاث ﻣﺼﺪر ﻣﻌﺮﻓﻲ وﺣﻀﺎري ﻳُﻨﻬﻞ ﻣﻨﻪ وﻳُﺒﻨﻰ ﻋﻠﻴﻪ .واﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺛﺮوة إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺣﻀﺎرﻳﺔ أﻏﻨﺖ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻋﺒﺮ اﻟﻌﺼﻮر واﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻷدﺑﻲ واﻟﻌﻠﻤﻲ ﻟﻸﻣﺔ ،وﻫﻮ ﻣﺼﺪر اﻋﺘﺰازﻫﺎ وﻣﻨﻬﻞ دﻳﻤﻮﻣﺔ ﺗﻤﻴﺰﻫﺎ وﻓﺮادﺗﻬﺎ وأﺻﻞ ﻫﻮﻳﺘﻬﺎ ،ﻓﻬﻮ زاﺧﺮ ﺑﺎﻟﻌﻠﻮم واﻟﻤﻌﺎرف واﻵداب واﻟﻔﻨﻮن ،وﻫﻮ ﻗﻮام اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻼﺣﻘﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻄﺎءات اﻟﻌﺮب واﻟﻔﺮس واﻟﺮوم واﻟﻬﻨﻮد واﻟﺘﺮك واﻷﻓﺎرﻗﺔ وﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ اﻷﻋﺮاق واﻷﺟﻨﺎس وأﻫﻞ اﻷدﻳﺎن واﻟﻤﺬاﻫﺐ واﻟﻤﻠﻞ ،ﻟﺘﺸﻜﻞ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﻢ واﻟﻤﺜﻞ واﻟﻤﺒﺎدئ وأﻧﻮاع اﻹﺑﺪاع اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺷﺘﻰ ﺣﻘﻮل اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ. وﺑﺬﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﺘﺮاث ﻣﻜﻮن أﺳﺎﺳﻲ ﻟﻠﻬﻮﻳﺔ ،واﻟﻬﻮﻳﺔ ﻣﻌﺒﺮة ﻋﻦ اﻟﺘﺮاث وﻧﺎﻗﻠﺔ ﻋﻨﻪ ،واﻷﻣﻢ ﺗﻌﺮف ﺑﻬﻮﻳﺘﻬﺎ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺴﺪﻫﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﺤﻀﺎرة واﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث ﺑﺄﺷﻜﺎﻟﻪ وأﻧﻤﺎﻃﻪ وﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻪ اﻟﻤﺘﻌﺪدة ).(2 اﻟﺘﺮاث ﻳﺸﻜﻞ أﺣﺪ أرﻛﺎن اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﺸﻌﻮب واﻷﻣﻢ ،وﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل إﻧﻪ ﻳﺸﻜﻞ اﻟﻤﻀﻤﻮن اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻟﻬﻮﻳﺔ اﻷﻣﺔ أو اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ،ﻓﻬﻮ اﻟﻤﺨﺰون اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻟﺪى اﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ واﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ اﻟﻮﺟﺪاﻧﻴﺔ ﻟﻸﻣﺔ… ﻳﺸﻜﻞ اﻟﺘﺮاث ﻧﻮاة اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وﻳﺮﺳﻢ ﺣﺪودﻫﺎ ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﺠﺐ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺪراﺳﺔ ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث وﺣﻤﺎﻳﺘﻪ وﺗﺄﺻﻴﻠﻪ وﺗﻌﻤﻴﻖ دﻻﻟﺘﻪ ﻓﻲ اﺗﺠﺎه ﺑﻨﺎء اﻟﻬﻮﻳﺎت اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ).(3 اﻋﺘﺒﺮ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ردﻳﻔﺎً ﻟﻠﻤﺎﺿﻲ ،وﻫﺬا اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻋﺘﺒﺮ ردﻳﻔﺎً ﻟﻠﺘﺨﻠﻒ واﻻﻧﺤﻄﺎط ،وﻣﺮة ﻣﺼﺪرا ً ﻟﻼﻋﺘﺰاز وﻟﻠﻔﺨﺎر .وﺑﺬﻟﻚ رأى ﺑﻌﻀﻬﻢ أن اﻟﺘﻘﺪم ﻣﺸﺮوط ﺑﺘﺠﺎوزه ،واﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻨﻪ .ورأى ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻵﺧﺮ أن اﻟﺘﺮاث ﻫﻮ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﺬي ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺤﺘﺬﻳﻪ ﻟﻨﺴﺘﺮﺟﻊ اﻟﻤﻜﺎﻧﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،واﻟﺘﻲ ﺗﺤﻘﻘﺖ ﻟﻨﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺘﻪ (4)...وﻫﻨﺎ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل إن اﻟﺘﺮاث ﻳﻮﺣﺪ وﻻ ﻳﻔﺼﻞ ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﺎل اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ
106
اﻟﺘﺮاث ...ﻛﺈﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﺣﻀﺎرﻳﺔ
ﻫﺸﺎم ﺑﻨﺸﺎوي* ŜƉƮǘǕŌ ǛǙ ŝũōlj
اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ واﻟﻔﻜﺮ اﻟﺮﺳﻤﻲ اﻟﺬي ﻳﺸﻜﻞ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن ﻋﺎﻣﻼً ﻣﻦ ﻋﻮاﻣﻞ اﻟﺘﻔﻜﻚ واﻻﻧﺪﺣﺎر .وﻫﻨﺎ أرﻳﺪ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ اﻟﺪور اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬي ﻟﻌﺒﺘﻪ اﻟﻘﺼﺺ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻷﺳﻄﻮرﻳﺔ ﻣﺜﻞ ﻋﻨﺘﺮة ﺑﻦ ﺷﺪاد ،واﻟﺰﻳﺮ ﺳﺎﻟﻢ، وﺳﻴﻒ ﺑﻦ ذي ﻳﺰن ،وﺗﻐﺮﻳﺒﺔ ﺑﻨﻲ ﻫﻼل… وﻫﺬه اﻟﻘﺼﺺ ﻛﺎﻧﺖ وﻣﺎزاﻟﺖ -ﻣﻦ ﺑﻴﻦ أﻫﻢ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦاﻟﻤﺤﻴﻂ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﻴﺞ ).(5 وﻷن اﻟﺘﺮاث ﻛﺎﺋﻦ ﺗﺎرﻳﺨﻲ ﻓﺈن أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻳﺘﻐﺮﺑﻮن ﻋﻨﻪ ،أو ﻳﺘﻐﺮب ﻋﻨﻬﻢ ،ﻟﻴﺲ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﻔﻬﻮﻣﺎً ﻓﺤﺴﺐ ،وﻟﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﻠﻴﺎت اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻤﻔﻬﻮم ،ﺳﻮاء ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺘﺠﻠﻴﺎت اﻟﺮﺋﻴﺴﺔ ﻣﺜﻞ ﻟﻔﻆ »ﺗﺮاث« ﻧﻔﺴﻪ، أو اﻷﻟﻔﺎظ اﻟﻔﺮﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺪرج ﺗﺤﺖ ﻫﺬا اﻟﻠﻔﻆ وﺗﺪور ﻓﻲ ﻓﻠﻜﻪ. إن اﻏﺘﺮاب اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﺗﺮاﺛﻬﻢ ﻳﻠﺤﻘﻪ ﺑﺎﻟﻀﺮورة اﻏﺘﺮاﺑﻪ ﻋﻦ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎت ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث ،وﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﻫﺬا اﻻﻏﺘﺮاب اﺗﺴﺎع إﻫﺎب اﻟﻠﻔﻆ ﻟﻴﺤﺘﻮي
ﺻﻮرة ﻟﻌﻤﻞ ﻣﺴﺮﺣﻲ
ﻋﺎم ،2002ﺣﺘﻰ ﻧﺘﻤﻜﻦ ﻛﺠﻤﻌﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﺗﺮاث ﻫﺆﻻء اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ اﻟﺮاﺣﻠﻴﻦ .وﻋﻦ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺬي ﺳﻠﻤﻪ ﻟﻠﻤﺮﻛﺰ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻠﻤﺴﺮح ﺑﺨﻂ ﻳﺪ واﻟﺪه ﻳﻘﻮل :وﺟﻬﻪ واﻟﺪي ﻟﺴﻴﺪة اﻟﻤﺴﺮح اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺳﻤﻴﺤﺔ أﻳﻮب ﻓﻲ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﻐﻞ ﻣﻨﺼﺐ ﻣﺪﻳﺮ اﻟﻤﺴﺮح اﻟﻘﻮﻣﻲ، ﻳﻄﻠﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﺳﺒﺎب رﻓﻀﻪ ﻟﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺎت اﻟﺘﻲ ُﻋﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻪ، ﻟﻜﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﻳﺘﺠﺎوز اﻷﻣﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺗﻮﺻﻴﺎت ﻓﻨﻴﺔ ﻹﺻﻼح اﺣﻮال اﻟﻤﺴﺮح وإﻋﺎدﺗﻪ ﻟﻤﻜﺎﻧﺘﻪ ،وﻳﻘﺘﺮح ﻓﻴﻪ أﺳﻤﺎء اﻟﻤﻜﺘﺐ اﻟﻔﻨﻲ وﻛﻴﻔﻴﺔ ﻋﻤﻞ ﻟﺠﻨﺔ اﻟﻘﺮاءة ،وﻫﻮ ﻳﻌﺪ وﺛﻴﻘﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻳﺼﻠﺢ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﺑﻬﺎ ﺣﺘﻰ اﻵن ،ﻓﻠﻘﺪ ﻛﺎن واﻟﺪي ﻓﻨﺎﻧﺎً ﻣﺜﻘﻔﺎً وﻣﻬﻤﻮﻣﺎً ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ وﻃﻨﻪ واﻟﻔﻦ واﻟﻤﺴﺮح اﻟﺬي ﻧﺸﺄ ﻓﻴﻪ وأﺻﺒﺢ ﻧﺠﻤﺎً ﻋﻠﻰ ﺧﺸﺒﺘﻪ. ً ً ﻣﺴﺮﺣﻴﺎ ﻧﺠﻤﺎ اﻟﺪﻗﻦ
ﻻ ﻳﻌﺮف ﻛﺜﻴﺮون أن اﻟﻔﻨﺎن اﻟﺮاﺣﻞ ﺗﻮﻓﻴﻖ اﻟﺪﻗﻦ ﻛﺎن ﻧﺠﻤﺎً ﻣﺴﺮﺣﻴﺎً وﻟﻴﺲ ﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺎً ﻓﻘﻂ ،ﻓﺎﻟﻤﺸﻬﺪ اﻷﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ "ﺳﻜﺔ اﻟﺴﻼﻣﺔ" ﻳﻌﺪ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻤﺸﺎﻫﺪ اﻟﺘﻲ ﺗ ُﺪرس ﻓﻲ ﻓﻦ اﻷداء ،ﻳﻘﻮل ﻣﺎﺿﻲ :ﻟﻌﺐ واﻟﺪي دورا ً آﺧﺮ ﻣﻬﻤﺎً ﺟﺪا ً ﻓﻲ ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ »ﺧﻴﺎل اﻟﻀﻞ« ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ اﻟﻜﺒﻴﺮ رﺷﺎد رﺷﺪي ﻣﻊ ﺳﻤﻴﺤﺔ أﻳﻮب وﻛﻤﺎل ﻳﺎﺳﻴﻦ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن دورا ً ﺻﺎﻣﺘﺎً ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻷداء اﻟﺠﺴﺪي ﻓﻘﻂ ،ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺈن آﺧﺮ أدواره ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺮح ﻓﻲ ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ »دﻣﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﻼﺑﺲ اﻟﺴﻬﺮة« ﻣﺘﻤﻴﺰ ،ﻫﺬا ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺮﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﺸﻬﻴﺮة »ﺑﻴﺮ اﻟﺴﻠﻢ« و»اﻟﻨﺎس اﻟﻠﻲ ﺗﺤﺖ« ،ﻟﻜﻦ ﻟﻸﺳﻒ اﻟﻤﺴﺮح ﺟﻤﻬﻮره ﺧﺎص ﺟﺪا ً وﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺷﻌﺒﻴﺔ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺣﺮﻳﺼﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ أﻛﺜﺮ ،رﻏﻢ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻨﻜﺮ ﻓﻀﻞ اﻟﻤﺴﺮح ﻋﻠﻴﻪ. ﻛﺎن ﺗﻮﻓﻴﻖ اﻟﺪﻗﻦ ﺷﺨﺼﺎً أﺳﺮﻳﺎً ﺑﺎﻣﺘﻴﺎز ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن أﺑﺎً ﻣﺘﻔﺎﻋﻼً وﻣﺘﻮاﺻﻼً ﻣﻊ أﺑﻨﺎﺋﻪ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻓﻬﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻛﻞ ﺷﻲء ﻋﻦ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎﺗﻪ وﻣﻼﺑﺲ أدواره، ﻳﻘﻮل ﻣﺎﺿﻲ :ﻛﺎن أﺑﻲ ﻳﺸﺮﻛﻨﺎ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ وﻳﺴﺘﻤﻊ إﻟﻰ رأﻳﻨﺎ ﻓﻲ ﺷﻜﻞ
ﻛﻞ ﺷﺨﺼﻴﺔ وﻣﻼﺑﺴﻬﺎ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺨﺘﻠﻒ ﻣﻌﻪ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺣﺪث ﻓﻲ ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ "دﻣﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﻼﺑﺲ اﻟﺴﻬﺮة" ﻳﺸﺮح ﻟﻨﺎ أﺳﺒﺎب اﺧﺘﻴﺎره ﻟﻬﺬا اﻟﺸﻜﻞ وﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻤﻜﻴﺎج اﻟﺪاﺧﻠﻲ واﻟﺨﺎرﺟﻲ وﺗﺄﺛﻴﺮه ﻋﻠﻰ وﺻﻮل اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻟﻠﻤﺘﻠﻘﻴﻦ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻧﺤﻦ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ﺑﺘﺎرﻳﺦ ﻛﻞ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎﺗﻪ ،ﻓﻤﺜﻼً ﻓﻲ ﻣﺴﻠﺴﻞ »ﺑﻨﺖ اﻟﺤﺘﺔ« وﻫﻮ ﻣﻦ أواﺋﻞ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﺪراﻣﻲ ﻟﻠﺘﻠﻔﺰﻳﻮن اﻟﻤﺼﺮي ،اﺳﺘﺨﺪم اﻟﻄﺎﻗﻴﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﻓﻲ رﺳﻢ ﺷﺨﺼﻴﺔ »ﻫﻤﺒﻜﺔ« اﻟﺘﻲ ﻟﻌﺒﻬﺎ ﻓﻐﻴﺮ ﺷﻜﻞ اﻟﺒﻠﻄﺠﻲ وﻗﺪ ﻗﻠﺪه ﻋﺎدل أدﻫﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﻲ »اﻟﺮاﻗﺼﺔ واﻟﻄﺒﺎل« ﺑﻌﺪ أن اﺑﺘﺪﻋﻬﺎ واﻟﺪي. وﻳﺆﻛﺪ ﻣﺎﺿﻲ أن ﺗﻮﻓﻴﻖ اﻟﺪﻗﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻬﺘﻤﺎً ﺑﺎﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎﺗﻪ ،ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﻄﻠﻘﺖ اﻟﻨﻮاة اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﻔﻜﺮة ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺮح اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻣﺆرﺷﻔﺎً ﻟﻜﻞ ﻓﻨﺎن وﻫﻢ ﺻﻐﺎر ،اﻧﺘﺒﻬﻮا ﻟﻸﻣﺮ وﻗﺮروا اﻻﺣﺘﻔﺎظ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺨﺺ واﻟﺪﻫﻢ
ﺷﻬﺎدة ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻣﻬﺮﺟﺎن اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻟﻠﺴﻴﻨﻤﺎ
أﻓﻴﺶ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻤﺎل /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
105
ﺗﺮاث اﻟﻔﻦ
ﻣﺎﺿﻲ ﺗﻮﻓﻴﻖ اﻟﺪﻗﻦ
وﻋﻠﻰ اﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﺘﻌﺎون ﻣﻌﻨﺎ .وﻳﻨﻈﻢ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻠﻤﺴﺮح اﻵن دورات ﺗﺪرﻳﺒﻴﺔ ﻟﻠﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﺑﻪ ﻟﺘﻌﻠﻢ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺣﻔﻆ وﺗﺮﻣﻴﻢ اﻟﺼﻮر واﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ،ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻓﺮﻳﻖ ﻋﻤﻞ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﺄﺣﺪث اﻟﻨﻈﻢ واﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻌﺮض وﺣﻔﻆ اﻟﻤﻘﺘﻨﻴﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺠﻬﺰ أﻗﺴﺎم ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺮﺿﻬﺎ ﺗﺤﺘﻮي ﻓﺘﺤﺎت ﺗﻬﻮﻳﺔ وﺻﻨﺎدﻳﻖ زﺟﺎﺟﻴﺔ ﻟﻠﻌﺮض ﻣﻊ ﺑﻄﺎﻗﺎت ﺗﻮﺛﻖ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻜﻞ ﻗﻄﻌﺔ. ورﺛﺔ ﺗﻮﻓﻴﻖ اﻟﺪﻗﻦ
ﻳﻌﺪ أﺑﻨﺎء اﻟﻔﻨﺎن اﻟﺮاﺣﻞ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﺗﻮﻓﻴﻖ اﻟﺪﻗﻦ ،ﻣﻦ أﻛﺜﺮ ﻋﺎﺋﻼت اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﺎً ﺑﺘﺮاﺛﻬﻢ ،ﻓﻬﻢ ﻳﺤﺘﻔﻈﻮن ﺑﻜﻤﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة وﻣﺘﻨﻮﻋﺔ
ﻛﺎرﻧﻴﻪ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺑﺎﻻٕذاﻋﺔ
104
ﻣﺸﺮوع ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت اﻟﻤﻤﺜﻠﻴﻦ اﻟﺮواد
ﻣﻦ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎﺗﻪ ،ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ ﺷﻬﺎدات ﺗﻘﺪﻳﺮ أو ﺟﻮاﺋﺰ او ﻣﻼﺑﺲ وإﻛﺴﺴﻮارات اﺳﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻟﻪ ،وﻛﺎﻧﻮا ﻣﻤﺜﻠﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﻣﻲ ﻣﺎﺿﻲ ﺗﻮﻓﻴﻖ اﻟﺪﻗﻦ وراء ﺗﺄﺳﻴﺲ ﺟﻤﻌﻴﺔ أﺑﻨﺎء اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ وﺟﻤﻊ وﺣﻔﻆ ﺗﺮاث اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﻬﺐ واﻟﺘﺒﺪﻳﺪ ،ﻳﻘﻮل ﻣﺎﺿﻲ: ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺜﻖ ﺳﻮى ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻛﻲ ﺗﺤﻤﻲ ﺗﺮاث اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ اﻟﺮواد ،وﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻌﺮﺿﻨﺎ ﻟﻤﺤﺎوﻻت ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻤﺎت أﻫﻠﻴﺔ ﻟﺘﺴﻠﻴﻤﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث ،رﻓﻀﻨﺎ ﻷن ﻫﺬا ﻣﺸﺮوع ﻛﺒﻴﺮ وﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ إﻣﻜﺎﻧﻴﺎت اﻟﺪوﻟﺔ ،ﻛﻤﺎ أن اﻟﻤﻮﺿﻮع ﺷﺌﻨﺎ أم أﺑﻴﻨﺎ ﺳﻴﺎﺳﻲ وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﻬﻮ ﺷﺄن ﺧﺎص ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺮض ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﻔﻨﺎن ﻳﺎﺳﺮ ﺻﺎدق اﻟﻤﺸﺮوع واﻓﻘﻨﺎ ﻓﻮرا ً ،ﺧﺎﺻﺔ أﻧﻪ ﻳﻤﺘﻠﻚ رؤﻳﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﺗﺤﻔﻆ ﻫﺬا اﻟﺘﺮاث ﺑﺸﻜﻞ ﻳﻌﻄﻴﻪ ﻗﻴﻤﺘﻪ ووﺿﻌﻪ اﻟﻔﻨﻲ اﻟﺼﺤﻴﺢ. وﻋﻦ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت واﻟﺪه ﻳﻘﻮل :ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت واﻟﺪي ﻛﺜﻴﺮة ﺟﺪا ً وﻧﺤﻦ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻌﺪاد ﻟﺘﺴﻠﻴﻤﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻠﻤﺴﺮح ،ﻟﻜﻨﻨﺎ ﺳﻠﻤﻨﺎ ﻟﻬﻢ ﺟﺰءا ً ﺻﻐﻴﺮا ً ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﻃﻠﺒﻬﻢ ،وﺳﻠﻤﻨﺎ ﺟﺰءا ً آﺧﺮ ﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ اﻟﻌﺎم اﻟﻤﺎﺿﻲ ﺿﻤﻦ ﻣﺸﺮوﻋﻬﺎ »ذاﻛﺮة ﻣﺼﺮ« ،وﻳﺸﻤﻞ ﺗﺮاث واﻟﺪي ﺻﻮرا ً ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺧﺸﺒﺔ اﻟﻤﺴﺮح وﺷﻬﺎدات ﺗﻘﺪﻳﺮ وﻣﻼﺑﺲ ﻛﺜﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﻟﻠﺸﺨﺼﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﺄداﺋﻬﺎ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻟﻪ اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ، إﺿﺎﻓﺔ ’إﻟﻰ اﻟﻨﻈﺎرات اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻬﺘﻢ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ رﺳﻢ ﺷﺨﺼﻴﺔ رﺋﻴﺲ اﻟﻌﺼﺎﺑﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻋﻘﻮد اﻷﻓﻼم ﻣﻦ أول ﻓﻴﻠﻢ ﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻲ ﻇﻬﺮ ﻓﻴﻪ ﺑﺎﺳﻢ »ﻇﻬﻮر اﻹﺳﻼم« ﺣﺘﻰ آﺧﺮ ﻓﻴﻠﻢ ،وﻳﺒﻠﻎ ﻋﺪدﻫﺎ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﻼف ﻣﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻠﺴﻴﻨﻤﺎ ﺑﺄن واﻟﺪي ﺷﺎرك ﻓﻲ 250ﻓﻴﻠﻤﺎً ﻓﻘﻂ، وﻫﺬا ﻳﻌﻨﻲ أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺪورﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ ﺟﻴﺪا ً وﻟﺬﻟﻚ أﺳﺴﻨﺎ ﺟﻤﻌﻴﺔ »أﺑﻨﺎء اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ« ﻷن اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻣﻮﺟﻮدة ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻧﺤﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻗﺪﻣﻨﺎ ﻣﺸﺮوﻋﺎً ﻣﻬﻤﺎً ﻟﻠﺒﺮﻟﻤﺎن ،ﻣﻦ أﺟﻞ إﺟﺮاء ﺗﻌﺪﻳﻼت ﻋﻠﻰ ﻗﺎﻧﻮن ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ وﺗﻌﻨﻲ ﺑﺤﻖ اﻷداء اﻟﻌﻠﻨﻲ ،اﻟﺬي ﻻ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻤﺼﺮي اﻟﺬي ﺻﺪر
ﺧﻄﺎب ﺑﺨﻂ ﻳﺪ ﺗﻮﻓﻴﻖ اﻟﺪﻗﻦ
أﻓﻴﺶ ﻓﻴﻠﻢ ﻟﻴﻞ وﻗﻀﺒﺎن
أﻳﺪﻳﻬﻢ ﻓﻬﻲ اﻟﺘﻲ ﻧﺮﻏﺐ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ ذوﻳﻬﻢ ﻟﺠﻤﻌﻬﺎ وﺗﻘﺪﻳﻤﻬﺎ ﻟﻠﻨﺎس ،ﻛﺬﻟﻚ ﺷﻖ اﻟﺴﻴﺮة اﻟﺬاﺗﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﺠﻠﻬﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﻬﻢ ﻓﻤﻦ اﻟﺴﻬﻞ ﺗﺴﺠﻴﻞ اﻟﺴﻴﺮة اﻟﻔﻨﻴﺔ ﻟﻜﻦ اﻟﺬاﺗﻴﺔ ﻟﻦ ﻧﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺟﻤﻌﻬﺎ إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻦ ﻋﺎﺷﻮا ﻣﻊ ﻫﺆﻻء اﻟﻘﺎﻣﺎت اﻟﻔﻨﻴﺔ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﻧﻌﻤﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻊ أﻫﻠﻬﻢ ﺣﻴﺚ ﻧﺪﺧﻠﻬﻢ ﻣﻌﻨﺎ ﻓﻲ اﻹﻋﺪاد ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻮاﻓﻘﻮا ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻧﺘﻌﺮض ﻷي اﻋﺘﺮاﺿﺎت ﺑﻌﺪ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻫﺬه اﻟﺴﻴﺮة ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﻛﺘﺎب ﻣﻄﺒﻮع. وﻳﻌﻤﻞ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻠﻤﺴﺮح واﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ واﻟﻔﻨﻮن اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻞ ﺷﺮاﻛﺔ ﻣﻊ دور اﻟﻨﺸﺮ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻟﻨﺸﺮ وﺗﻮزﻳﻊ ﻫﺬه اﻟﻜﺘﺐ، إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ إﻧﺘﺎج أﻋﻤﺎل ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ ﺑﺼﻴﻐﺔ اﻟﺤﻜﻲ »ﻣﺴﺮح ﺳﻴﺮة« ﺣﻴﺚ ﻳﺮوي ﻓﻨﺎن ﻫﺬه اﻟﺴﻴﺮة ﻣﺴﺘﻌﻴﻨﺎً ﺑﺄﺟﻬﺰة وﺳﻴﻄﺔ ﻣﻦ أﻓﻼم
أﻓﻴﺶ ﻓﻴﻠﻢ ﺑﻼ رﺣﻤﻪ
أﻓﻴﺶ ﻓﻴﻠﻢ اﻻٔﺳﻮار
ﺗﺴﺠﻴﻠﻴﺔ وﺗﺴﺠﻴﻼت ﺻﻮﺗﻴﺔ وﻣﺸﺎﻫﺪ ﻣﻦ أﻓﻼم وﻣﺴﺮﺣﻴﺎت ،ﻟﺘﻜﻮن ﻣﺒﺴﻄﺔ ﻟﻤﻦ ﻻ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﻗﺮاءة اﻟﻜﺘﺎب ﻣﻦ اﻟﺠﻤﻬﻮر ،وﺳﻮف ﻳﺘﻢ ﺗﺼﻮﻳﺮ ﻫﺬه اﻷﻋﻤﺎل وﺗﺴﺠﻴﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﺳﻄﻮاﻧﺎت »دي ﻓﻲ دي« ﺗ ُﻠﺤﻖ ﺑﺎﻟﻜﺘﺐ .أﻣﺎ ﻋﻦ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت اﻟﻔﻨﺎن ﺗﻮﻓﻴﻖ اﻟﺪﻗﻦ اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻠﻤﺴﺮح ﻳﻘﻮل اﻟﻔﻨﺎن ﻳﺎﺳﺮ ﺻﺎدق :ﻗﺪم ﻣﺎﺿﻲ ﺗﻮﻓﻴﻖ اﻟﺪﻗﻦ ﻟﻨﺎ »روب« اﺳﺘﺨﺪﻣﻪ اﻟﺪﻗﻦ ﻓﻲ ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ »ﺣﻼوة زﻣﺎن« ورﺑﻄﺘﻴﻦ ﻟﻠﻌﻨﻖ وﺑﻄﺎﻗﺔ ﺷﺨﺼﻴﺔ وﺧﻄﺎﺑﺎً ﺑﺨﻂ ﻳﺪه ﻣﻮﺟﻪ إﻟﻰ ﻣﺪﻳﺮ اﻟﻤﺴﺮح اﻟﻘﻮﻣﻲ آﻧﺬاك وﺧﻄﺎﺑﺎت ﻣﻮﺟﻬﺔ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺠﺒﻴﻦ ،وﺳﻮف ﻳﺘﻢ ﺗﺨﺼﻴﺺ رﻛﻦ ﺑﻜﻞ ﻣﺴﺎرح ﻣﺼﺮ ﻟﻌﺮض ﻫﺬه اﻟﻤﻘﺘﻨﻴﺎت وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت ﻓﻨﺎﻧﻴﻦ آﺧﺮﻳﻦ ،ﺣﻴﺚ ﻧﻌﻤﻞ اﻵن ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻊ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت اﻟﻔﻨﺎن ﻋﻤﺮ اﻟﺤﺮﻳﺮي وﻋﺒﺪ اﻟﻤﻨﻌﻢ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ،ﻷن ورﺛﺘﻬﻤﺎ ﻣﻮﺟﻮدون
ﺗﻠﻐﺮاف ﺷﻜﺮ ﻣﻦ ﺟﻤﺎل ﻋﺒﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮ أﻏﺴﻄﺲ 2019 238أﻏ ﻄ /اﻟاﻟﻌﺪد 8
103
ﺗﺮاث اﻟﻔﻦ
ﻳﺒﺪأ ﺑﺘﺮاث ﺗﻮﻓﻴﻖ اﻟﺪﻗﻦ
ﻣﺸﺮوع ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت اﻟﻤﻤﺜﻠﻴﻦ اﻟﺮواد
إﻋﺪاد وﺗﺼﻮﻳﺮ :أﻣﻨﻴﺔ ﻃﻠﻌﺖ
102
ﻣﺸﺮوع ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت اﻟﻤﻤﺜﻠﻴﻦ اﻟﺮواد
وﻋﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻤﺸﺮوع ﻳﻘﻮل :ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻗﻴﻢ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ رﻣﻮزﻧﺎ اﻟﺘﻲ ﻧﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺣﻔﻆ ذﻛﺮاﻫﺎ وﺗﺮاﺛﻬﺎ ،وﻫﺬا اﻟﺘﺮاث ﻳﺸﻤﻞ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت وأﻋﻤﺎل وﺳﻴﺮة ،وﻧﺤﻦ ﻧﺤﻔﻆ اﻷﻋﻤﺎل ﺑﻘﺪر اﻹﻣﻜﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﺴﻤﻌﻴﺔ واﻟﺒﺼﺮﻳﺔ أو ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮن اﻟﻤﺼﺮي ،ﻟﻜﻦ اﻟﻤﻘﺘﻨﻴﺎت أو اﻟﺸﻖ اﻟﻤﺘﺤﻔﻲ اﻟﺬي ﻳﺮﻏﺐ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻫﺪﺗﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻌﺮﻓﻮا ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﺮﻣﻮز اﻟﻔﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻼﺑﺴﻬﻢ واﻹﻛﺴﺴﻮارات اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮﻧﻬﺎ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ اﻟﻔﻨﻴﺔ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺨﻄﺎﺑﺎت اﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﺨﻂ
ﻳﺘﺴﻠﻢ وﺳﺎم اﻟﻌﻠﻮم واﻟﻔﻨﻮن ﻣﻦ اﻟﺴﺎدات
ﻣﺮت ﻋﻘﻮد ﻣﻦ إﻫﻤﺎل ﺗﻮﺛﻴﻖ اﻟﻔﻦ وﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ، وارﺗﻔﻌﺖ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺻﻮات ﺗﻄﺎﻟﺐ ﺑﺎﻻﻟﺘﻔﺎت إﻟﻰ آﺛﺎر ﻫﺬا اﻹﻫﻤﺎل ﻣﻦ ﺿﻴﺎع اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﻔﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺪار اﻟﺴﻨﻴﻦ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﺣﻴﺎة ﻟﻤﻦ ﻳﻨﺎدي ،ﺣﺘﻰ ﺑﺪأت ﻣﺼﺮ ﻋﻬﺪاً ﺟﺪﻳﺪاً ﻣﻦ إﻋﺎدة اﻟﺒﻨﺎء واﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻦ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﻤﺎ اﻟﻘﻮة اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ ﻷي وﻃﻦ، واﻟﺴﺒﻴﻞ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﺤﻔﻆ ﺧﺼﻮﺻﻴﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻬﻮﻳﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﻋﻦ ﻋﺎداﺗﻨﺎ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻧﺎ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﺗﺤﺮص ﻋﻠﻴﻪ وزﻳﺮة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ دﻛﺘﻮرة إﻳﻨﺎس ﻋﺒﺪ اﻟﺪاﻳﻢ ،وﻳﻌﺒﺮ ﻋﻨﻪ اﻟﻔﻨﺎن ﻳﺎﺳﺮ ﺻﺎدق رﺋﻴﺲ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻠﻤﺴﺮح واﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ واﻟﻔﻨﻮن اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﻣﻦ ﺧﻼل إﻃﻼﻗﻪ ﻟﻤﺸﺮوع ﺣﻔﻆ ﺗﺮاث وﻣﻘﺘﻨﻴﺎت اﻟﺮﻣﻮز اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮة ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻣﻊ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت اﻟﻔﻨﺎن اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺮاﺣﻞ ﺗﻮﻓﻴﻖ اﻟﺪﻗﻦ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل ﺻﺎدق :ﻟﻘﺪ ﺑﺪأﻧﺎ ﺑﻪ ﻷن اﺑﻨﻪ ﻣﺎﺿﻲ أﺳﺲ ﺟﻤﻌﻴﺔ رﺳﻤﻴﺔ ﺑﺎﺳﻢ "أﺑﻨﺎء اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ" ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﻔﻆ ﺗﺮاث وﻣﻘﺘﻨﻴﺎت اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ ﻣﻦ ﺧﻼل أﺑﻨﺎﺋﻬﻢ ،ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﺗﺠﺎﻫﻞ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﻟﺬﻛﺮى آﺑﺎﺋﻬﻢ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻧﺤﺎول ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻌﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﺪارك ﻫﺬا اﻟﺨﻄﺄ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ﻛﻤﺎ أن ورﺛﺔ اﻟﻔﻨﺎن ﺗﻮﻓﻴﻖ اﻟﺪﻗﻦ ﻣﻤﺜﻠﻴﻦ ﻓﻲ أﺑﻨﺎﺋﻪ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻳﺘﺴﻤﻮن ﺑﺎﻟﺴﻼﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻣﻼت اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ وﻟﺪﻳﻬﻢ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎت واﻟﺪﻫﻢ ﻛﺎﻣﻠﺔ وﻣﺆرﺷﻔﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻨﻈﻢ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ اﻟﺒﺪء ﻓﻲ ﺗﻨﻔﻴﺬ اﻟﻤﺸﺮوع ﻣﻌﻬﻢ.
ﻣﺸﺮوع ﻛﺒﻴﺮ
ﻟﻠﺘﺄوﻳﻼت؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻌﻤﻞ ﺑﺘﻤ ّﻮج ودﻳﻨﺎﻣﻴﺔ أﻛﺜﺮ ،ﺑﺤﺮﻳﺔ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻓﺴﻴﺤﺔ ﻟﺘﺪاﻋﻲ اﻷﻓﻜﺎر اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ ،وﺗﻌ ّﺰز ﻫﺬه اﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﺒﺎرﺛﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﺮﻛﺔ ﻧﺺ ﻣﻔﺘﻮح ﻣﻦ دون ﺣﺪود أو ﺿﻮاﺑﻂ إﺑﺪاﻋﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﺤﻴﺰة ،ﻟﺘﻘﺪﻳﻢ ّ وﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﺗﻘﺼﻢ ﻇﻬﺮ اﻟﻤﺆﻟﻒ .إ ّن اﻟﻮﻟﻮج إﻟﻰ اﻟﻨﺺ ﻻ ﻳﻜﻮن ﺑﺘﻜﺒﻴﻞ اﻟﻠﻐﺔ ﺑﻞ ﺑﺨﻠﻖ اﻟﻔﺴﺤﺔ ﻟﺘﻔﺠﻴﺮ ﻃﺎﻗﺎﺗﻬﺎ اﻟـﻤﺠﺎزﻳﺔ واﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻪ ﻣﺎﻻرﻣﻴﻪ أﻳﻀﺎ .ﻓﺎﻟﻬﺎﺟﺲ اﻟﺒﺎرﺛﻲ ﻳﻬﺪف إﻟﻰ ﺧﻠﻖ ﻣﺠﺎل ﻧﺼﻲ ﺣ ّﺮ ورﺣﺐ أﻣﺎم ﺷﻼّل اﻟﻠﻐﺔ وﺑﺤﺮ اﻟـﻤﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ دون أن ﻧﺠﺒﺮ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻴﺎر واع واﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻲ ﻟﻤﻌﻨﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺎت. ﻣﻮت اﻟـﻤﺆﻟﻒ..وﻓﻮاﺗﺢ اﻟﺘﻔﻜﻴﻚ
أﺳﺎﻟﺖ ﻗﻀﻴﺔ »ﻣﻮت اﻟـﻤﺆﻟﻒ« ﻛﺜﻴﺮا ً ﻣﻦ اﻟﺤﺒﺮ ﻹزاﻟﺔ اﻟﻠﺒﺲ ﻋﻨﻬﺎ، وﻣﻊ أن اﻟﻔﻜﺮة ﻣﺠﺎزﻳﺔ ﻏﻴﺮ أﻧﻬﺎ ﺗﺘﻄﻠّﺐ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﺻﺎرﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺬري ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺑﻴﻦ ﻋﻤﻠﻲ اﻟﻜﺎﺗﺐ واﻟﻘﺎرئ ،ﻓﻬﺬا اﻻﻧﻘﻼب ّ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﺧﻠﻖ ﺑﻠﺒﻠﺔ أدﺑﻴﺔ ،ﺟﻌﻠﺖ اﻟﻘﺎرئ أﻧﻤﻮذﺟﺎً ﻳُﻌ ّﻮل ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ّ ﻓﻚ اﻟﺘﺒﺎﺳﺎت اﻟ ّﻨﺼﻮص ،وﺑﺎرث ﻫﻨﺎ ﻳُﺸْ ﺒِﻪ اﻟﺴﻮرﻳﺎﻟﻴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ أﻗﺪﻣﻮا ﻋﻠﻰ ﻓﺼﻞ اﻵﺧﺮ ﻛﻘﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗـﻤﺜﻞ ﻟﻌﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺎﻣﻲ اﻟـﻤﻌﻨﻰ واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،ﻣﻊ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗ ِ اﻟﺼﻠﺔ ُﻘﺪم ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻨﺘﺎج راﺳﺦ ﺣﻮل ّ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺆﻟﻒ واﻟﻘﺎرئ .ﺧﻼﻓﺎ ﻟﻤﺎ اﻋﺘﺎد ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻨﻘﺪ ﻣﻦ إﺟﺒﺎر اﻟﻘﺎرئ ﺷﻖ ﺑﻄﻦ اﻟﻨﺺ ﻹﺧﺮاج ﻗﺼﺪ اﻟـﻤﺆﻟّﻒ اﻟﺬي ﻳُﻌ ّﺪ ﻣﺼﺪرا ً وﺣﻴﺪا ً ﻋﻠﻰ ّ وﻣﻬ ّﻤﺎ ﻟﺘﻐﺬﻳﺔ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ .ﻳﺨﺘﺒﺮ ﺑﺎرث ﻫﺬه اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ وﻳﺸﺮخ أوﺗﺎدﻫﺎ ،ﻓﺈﻧﺘﺎج اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻫﻮ اﻟﺨﻮض ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻮع ﺧﺎل ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻣـ ّﻤﺎ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻪ اﻟﻤﺆﻟﻒ .ﻓﺎﻟﻜﺎﺗﺐ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺨﻠﻖ ﺷﻴﺌﺎً ﺟﺪﻳﺪا ً ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﺮاث أو اﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻮﺟﻮد ،ﺑﻞ ﻳﻜﻤﻦ اﻟﺨﻠﻖ اﻹﺑﺪاﻋﻲ واﻻﺳﺘﺜﻨﺎء اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ ﻗﺪرﺗﻪ اﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻠﻂ واﻟـﻤﺰج ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺼﻮص .ﻓﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺑـﻤﻔﻬﻮﻣﻬﺎ اﻟﺘﻔﻜﻴﻜﻲ اﻟـﻤﺒﻜّﺮ ﻣﻊ روﻻن ﺑﺎرث ﻣﺘﻌﺎرﺿﺔ ﻣﻊ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ أو اﻟﺘﺄﺳﻴﺴﻴﺔ ،ﻓﺎﻟﻜﺎﺗﺐ ﻳﻨﺄى ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻋﻦ اﻟﻤﺘﻤﺮﻛﺰات اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺼ ّﻨﻒ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺣﺴﺐ ﻗﻮاﻟﺒﻬﺎ وﺣﺪودﻫﺎ .وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ إ ّن وﻟﻮج اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻟﻴﺲ ﻣﺤﺾ إﺿﺎﻓﺔ أو دﺧﻮل ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﻛﻤﺎ ﺗﻔﻬﻤﻪ اﻟﻠﻐﺔ ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ اﻟﺤﺎﻟﻲ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺎﻟﻐﺮاﻣﺎﺗﻮﻟﻮﺟﻴﺎ )ﻛﻤﺎ ﻧﺤﺘﻬﺎ ﻓﻴﻠﺴﻮف اﻟﺘﻔﻜﻴﻚ ﺟﺎك درﻳﺪا( ﺗﻔﺼﻞ اﻟﻠﻐﺔ ﻋﻦ اﻟﻠﻐﺔ ﻹﻋﺎدة ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻓﻬﻢٍ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ اﺧﺘﻴﺎر
ﻣﺴﺎﻟﻚ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮة ،ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وﻣﻐﺎﻳﺮة .ﻓﺎﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﻟﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ﻓﻬﻤﺖ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟـﻤﻜﺘﻮب ،ﻋﺒﺮ اﻟﺘﻨﺎﺻﻴﺔ أو اﻟﻨﺺ وﻫﻮ داﺧﻞ اﻟﻨﺺ ،ﻋﻠﻰ ﻧﺤ ٍﻮ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﺑﺬﻛﺎء وﻣﻜ ٍﺮ "ﻻ ﺳﻠﻄﺔ" اﻟﻠّﻐﺔ ﺗﻜﺘﻴﻜﻲ ﻓﻲ ﻣﺪارات اﻟﻨﺺ، ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺪاﺋﺮﻳﺔ واﻹﻋﺎدﻳﺔ ،ﺗﺪﺧّﻞ ّ ﺣﻴﺚ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ اﻟﻌﻴﺶ ﺧﺎرﺟﻬﺎ ،ﻓﻤﺘﻌﺔ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ )(Le plaisir d’écrire ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺎﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ واﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﻟﻐﻮﻳﺎ ،ﻓﺬﻟﻚ ﻟﻴﺲ ﺑﻔﻼح! ﺑﻞ ﺑﺎﺳﺘﺤﺎﻟﺔ اﻟﻌﻴﺶ ﺧﺎرج اﻟﺴﻴﺎق ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻨﺘﺞ ﻟﻨﺎ "اﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺪاﺋﺮﻳﺔ" وﻫﻲ ﺗﻌﻜﺲ ﻻﻣﺤﺪودﻳﺔ اﻟﻨﺺ ﺑﻔﻬﻤﻪ وﺗﺄوﻳﻠﻪ ،وﻫﻮ اﻟﺼﺪى ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺬي ﺷﻐﻞ اﻟﻬﻴﺮﻣﻴﻨﻮﻃﻴﻘﻴﻴﻦ واﻟﺴﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻴﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ. ّ ﻓﻬﺬه "اﻟﺪاﺋﺮة اﻟﻨﺼﻴﺔ" اﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ ﺗﻔﻜﻴﻜﻴﺔ ﺗﺰﻋﻢ اﻹﻋﺎدﻳﺔ واﻟﺘﻜﺮارﻳﺔ ﻟﻀﺒﻂ ﺣﺮﻛﺔ اﻟـﻤﻌﻨﻰ اﻟـﻤﻠﺘﺒﺲ واﻟﻤﺘﻐﻴّﺮ ،ﻓﺤﺮﻛﺔ اﻟـﻤﻌﻨﻰ داﺧﻞ اﻟﻨﺺ ﺣﺮﺑﺎوﻳﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﺼﻔﻬﺎ اﻟﻤﻔﻜﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺷﻮﻗﻲ اﻟﺰﻳﻦ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻪ، ﺣﻴﻮي ﻟﻔﻬﻢ ﻓﻌﻞ اﻟﺘﺤﺮﻳﻚ داﺧﻞ اﻟﻮﺣﺪات اﻟﻨﺼﻴﺔ اﻟﺪاﺋﺮﻳﺔ ﺑﺎﻋﺚ ّ ﻗﻮي ﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ اﻟﻨﺺ اﻟﺼﻐﻴﺮة ﻟﻠﻨﺼﻮص اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺒﻪ اﻟﺬرات ،ﻓﻬﻲ ﻣﻠﻤﺢ ّ أو ﺟ ّﻮاﻧﻴﺘﻪ ﺑﺎﻟﻤﻔﻬﻮم اﻟﻔﻴﻨﻮﻣﻴﻨﻮﻟﻮﺟﻲ ،وﻃﺒﻌﺎ ﻫﻲ ﺑﻴﺎن ﺑﺎرﺛﻲ أ ّوﻟﻲ ّ اﺷﺘﻐﻞ ﻋﻠﻴﻪ ،ﺛﻢ واﺻﻞ درﻳﺪا اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻧﺤﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎت ﻣﺜﻞ اﻟﺒﺎررﻏﻮن. ﻧﻼﺣﻆ أ ّن داﺋﺮﻳﺔ اﻟ ّﻨﺺ ﺑﺎﻋﺚ ﻋﻠﻰ اﻧﺰﻻﻗﻴﺔ اﻟﻤﻌﻨﻰ وﻫﻲ ﻣﺎ ﺗﻀﺎﻋﻒ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ اﻟﺘﻲ ﻳﻮاﺟﻬﻬﺎ اﻟـﻤﺆول أﺛﻨﺎء ﺗﺼﻔّﺢ اﻟﻨﺺ وﻣﺮاﺟﻌﺘﻪ، ﻛﻞ ﻋﻤﻞ إﺑﺪاﻋﻲ وﻫﻮ ﻣﺎ ﺧﺎض ﻓﻴﻪ ﺟﺎن ﻓﺮاﻧﺴﻮا ﻟﻴﻮﺗﺎر ،اﻟﺬي ﻳﺮى أن ّ ﻣﻨﺎﺳﺐ ﻟﻠﻘﺮاءة اﻟ ّﺪاﺋﺮﻳﺔ ذات اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺘﻜﻮﻳﺮي اﻟﺘﺪوﻳﺮي ،اﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻲ واﻟﺪاﺋﻢ اﻟﺘﺤﺮك .وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗﺸﺎرك اﻟﻘﺮاءة ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ،ﻟﺘﻔﻜﻴﻚ اﻟﻤﻌﻨﻰ وﻣﻌﺎﻳﻨﺔ ﺗﻨﺎﻗﻀﺎﺗﻪ ﻣﺼﺎدر اﻟـﻤﻘﺎل: Jacques Derrida, De la grammatologie, Minuit, paris, 1967. Jacques Derrida, La dissémination, Seuil, Paris, 1972. Rolland Barthes, Critique et vérité, Seuil, Paris,1966. Rolland Barthes, Le plaisir du texte, Seuil, Paris, 1973. /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
1. 2. 3. 4.
101
إﺿﺎءة
روﻻن ﺑﺎرت :
اﻟ ّﻨﺺ وﺑﺬرة اﻟﺘﻔﻜﻴﻚ اﺷﺘﻬﺮ اﻟﻨﺎﻗﺪ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ روﻻن ﺑــﺎرث ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻟﺬة اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﺳﺘﻨﻄﺎق إﻏﺮاءات اﻟﻨﺼﻮص اﻟﺘﺨﻴﻴﻠﻴﺔ ،أي اﻟﺤﻔﺮﻳﺎت اﻻﺳﺘﺒﻄﺎﻧﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﻤﺘﻌﺔ واﻟﻨﺸﻮة داﺧﻠﻬﺎ أو ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ ﺟﻮرج ﺑﺎﻃﺎي ﺑﺎﻟﻄّﺎﺑﻊ اﻟﺸﺒﻘﻲ ﻟﻠﻨﺼﻮص .ﻫﺬا اﻟﻐﻮر اﻟﺒﺎﻃﻨﻲ ﻟﻴﺲ ﻓﺘﺤﺎً ﻟﻠﻬﻴﻜﻞ اﻟﻈﺎﻫﺮي ﻟﻠﻨﺺ ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﺗﻔﺠﻴﺮا ً وﻧﺴﻔﺎً ﻟﻨﺴﻴﺞ اﻟ ّﺪوال وﺧﻠﻖ ﺷﻜﻞ ﻫﺎﺋﻞ وﻻﻧﻬﺎﺋﻲ ﻣﻦ اﻟﻔﺠﻮات واﻟﻔﺮاﻏﺎت .ﺗﺒﺘﻜﺮ اﻟﻘﺮاءة ﻛﻤﺎ ﻃ ّﻮرﻫﺎ ﺑﺎرث ﻧﻘﺪي ﺗﻤﺮﻳﻨﺎً ﺗﺄوﻳﻠﻴﺎً ﻟﻔﺤﺺ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﺘﺤﺘﻴﺔ اﻟﻀّ ﺎﺋﻌﺔ ﺿﻤﻦ ﻣﻌﺠﻢ ّ اﻟﺴﻜﻮﻧﻴﺔ ﻳﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ اﻋﺘﺒﺎرات ﺗﺘﻌﻠّﻖ ﺑﺘﻔﺠﻴﺮ ﺛﻮاﺑﺖ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ورؤﻳﺘﻬﺎ ّ ﻟﻠﻨﺺ اﻹﺑﺪاﻋﻲ .إ ّن رؤﻳﺔ ﺑﺎرث اﻟﺘﺨﺮﻳﺒﻴﺔ ﻟﺒﻨﻰ اﻟﻨﺺ ﺗ ُﻌﻠّﻤﻨﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى اﻹﻧﺼﺎت إﻟﻰ ﻫﺴﻬﺴﺔ اﻟﻠّﻐﺔ وراء ﻣﺼﻔﻮﻓﺎت اﻟﻜﻼم اﻟﻔﻨﻲ ﺑﺤﺜﺎً ﻋﻦ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﻤﺰدوﺟﺔ ﻻﺳﺘﺘﻴﻘﺎ اﻟﻌﻤﻞ اﻷدﺑﻲ ﻋﺒﺮ ﺛﻨﺎﺋﻴﺔ ﻟﺬّة اﻟ ّﻨﺺ وﻧﺺ اﻟﻠّﺬة .ﻳﻤﻜﻦ اﻋﺘﺒﺎر ﻣﻘﻮﻻت ﺑﺎرث اﻟﻤﺒﻜﺮة ﻓﻲ رﺳﻢ ﺣﺪود ّ ّ اﻟﺠﺎف ﻟﻠﻤﻘﻮﻟﺔ اﻷدﺑﻲ ﺗﺠﺎوزا ً ﻧﻈﺮﻳﺎ ﻟﻠ ُﺒﻌﺪ اﻷﺣﺎدي ﻟﻠﻨﻘﺪ أرﺣﺐ ّ اﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺗﺤﻠﻴﻠﻬﺎ ﻟﻠﻨﺺ ،ﺣﻴﺚ أﻓﻠﺖ ﺑﺎرث ﻣﻦ ﻗﺒﻀﺔ اﻟﺘّﻼﺣﻢ اﻟﻬﻴﻜﻠﻲ ،ﺑﺤﺜﺎً اﻟﻨﺼﻲ ﻣﺴﺘﺸﺮﻓﺎ اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺘّﺨﺮﻳﺐ ّ اﻟﺼﺪع وﻣﻬﺎرة اﻟﺘﻘﻮﻳﺾ ﻋﻦ ﻣﺘﻌﺔ اﻟﻨﺺ وﻟﺬّﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﻘّﻖ ﺑﻔﻌﻞ ّ وﻟﻌﺒﺔ اﻻﻧﻔﺼﺎل .ﻟﻴﻜﺘﺸﻒ اﻟﻘﺎرئ ﻋﺒﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺮاﻏﺎت ﻓﻀﺎء اﻟﺨﻔﺾ واﻻﻧﻜﻤﺎش واﻟﺨﺴﺎرة وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻮذ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﻮﺟﻮد. ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺤﺠﺰ اﻟﻤﺆول ﺻﻼت ﻣﺘﺬﺑﺬﺑﺔ ﻣﻊ اﻟﻠﻐﺔ وﻳﻌﻘﺪ ﻋﻼﻗﺎت ﻣﻠﺘﺒﺴﺔ ﻟـ»ﻧﺺ اﻟﻠﺬة« ،ﻟﻬﺬا ﺗﺄﺗﻲ ﺗﺤﻠﻴﻼت ﺑﺎرث ﻳﺼﻮﻏﻬﺎ اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﻐﺎﻣﺾ ّ ﻟﻠﺼﻮر اﻟﻨﻤﻄﻴﺔ ﻟﻠﺤﺪاﺛﺔ ﻋﺒﺮ وﻻدة ﻣﻨﻄﻖ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻸدب ﻣﻌﺎرﺿﺔ ّ ﻣﺜﻴﺮ ﻳﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺎت ﻓﻲ ﻋﺼﺎرة ﻏﺎﻣﻀﺔ ﻣﻦ اﻟـﻤﻠﻔﻮﻇﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ درﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻌﺔ واﻻﺳﺘﻤﺘﺎع ،وﻫﻨﺎ ﻳﻮﻟﺪ اﻟﻘﺎرئ ﻳﻄﻞ ﻣﻦ اﻟﻬﺎﻣﺶ ،ﻳﻤﺎرس ﺗﺄوﻳﻼﺗﻪ وﻣﺘﻠﺼﺺ ّ ﻧﺼﻲ ﻣﻨﻔﺼﻞ ّ ﻛﺠﺴﺪ ّ واﻟﺤﺲ اﻷﻫﻮاﺋﻲ ﻣﻊ اﻷﻧﻄﻮﻟﻮﺟﻲ وﺗﻌﻠﻴﻘﺎﺗﻪ وإﺿﺎﻓﺎﺗﻪ ﻋﺒﺮ اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ّ ّ دواﺋﺮ اﻟﻨﺺ ،ﻋﺒﺮ رﺳﻢ ﻣﺸﻬﺪ اﻟﻘﺎرئ وﻫﻮ ﻓﻲ ﻣﺴﺮح اﻷﻫﻮاء اﻟﺘﻲ ﻳﺤﻒ اﻟ ّﻨﺺ ﺑﺎﻟﻘﺮاءة ﻣﺘﻌ ّﺮﺿﺎ ﻟﻠﺤﻮادث اﻟﻐﺮﻳﺰﻳﺔ ﺑﺎﻗﺮا ً ﺗﻌﺘﺮﻳﻪ ،ﺣﻴﺚ ّ اﻟﺴﻤﻴﻜﺔ .ﻳﻔﺤﺺ روﻻن ﺑﺎرث ﻋﺒﺮ اﻟﻨﺴﻖ اﻟﻠﻐﻮي اﻟﻤﺒﻄﻦ ﺑﺎﻟﺪوال ّ ﻣﻘﻮﻟﺘﻪ اﻹﺷﻜﺎﻟﻴﺔ »ﻣﻮت اﻟـﻤﺆﻟﻒ« اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟـﻤﻌﻘّﺪة ﺑﻴﻦ اﻟـﻤﺆﻟّﻒ وﻣﺨﻄﻮﻃﺘﻪ ،وﻛﺬﻟﻚ دور اﻟﻘﺎرئ ﻓﻲ ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻨﺺ اﻷدﺑﻲ وﺗﺬ ّوﻗﻪ. وﺗﺄﺗﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﻘﻮﻟﺔ ﻣﺘﻌ ّﺪدة اﻷوﺟﻪ؛ ﻓﻤﻦ ﺟﻬﺔ ﻳﺴﺘﻨﺪ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺎرث 100
روﻻن ﺑﺎرت :اﻟ ّﻨﺺ وﺑﺬرة اﻟﺘﻔﻜﻴﻚ
د .ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻜﺎي* ǼƉȃŌƋŵ ǽǘǿƂōljŐǶ ŝũōlj
ﻓﻲ ﻓﺼﻞ ﻛﻴﺎن اﻟﻤﺆﻟﻒ أو ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ ﻋﻦ اﻟﻨﺺ اﻟـﻤﻜﺘﻮب أﺛﻨﺎء ﺗﺤﻠﻴﻞ اﻷﻋﻤﺎل اﻷدﺑﻴﺔ وﻧﻘﺪﻫﺎ ،وﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى ﻳﺴﻌﻰ ﻟﻜﺸﻒ ﺑُ ٍ ﻌﺪ ﻣﺜﻴﺮ ﻟﻠﻨﺺ اﻷدﺑﻲ ،ﻳﻜﻤﻦ ﻓﻲ إﻗﺪام اﻟـﻤﺆﻟﻒ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻞ ﻧﻔﺴﻪ أو إﺧﻔﺎء ﺣﻀﻮره ﺑﺼﻤﺘﻪ ،ﺑﺎﻟﺘﺨﻔﻴﻒ ﻣﻦ وﻃﺄة ﻗﺒﻀﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺮﺟﻢ ﻋﺒﺮ دﻣﻐﺔ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻔﺎﻫﻴﻤﻪ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ واﻧﻄﺒﺎﻋﺎﺗﻪ وآراﺋﻪ ،ﻟﻬﺬا ﻳﺤ ّﺮض ﺑﺎرث ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻞ اﻟﺬاﺗﻴﺔ ) (La subjectivitéوﻣﺎ ﻳﺘﺒﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻠﺒﻴﺔ ﺗﻘﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻬﻮﻳﺔ ﻓﺮﻳﺴﺔ ﺳﻬﻠﺔ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎرات اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ .ﻓﺎﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﺒﺎرﺛﻴﺔ ﻟﻠﻨﺺ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻋﻦ ﺷﻤﻮﻟﻴﺔ اﻟﻄﺮق اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻷﺛﺮ اﻟﻔﻨﻲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻧﺘﺎﺟﺎً ﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﻔﻨﺎن ووﺿﻌﻪ. ﻛﻞ ﺻﻮت ،ﺗﻨﻔﻴﻪ ﻋﻦ ﻓﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻷدﺑﻴﺔ اﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﻋﻨﺪ ﺑﺎرث ﺗﺪ ّﻣﺮ ّ ﻛﻞ ﻧﻘﻄﺔ أﺻﻞ. ّ اﻟﻨﺺ ﻣﻦ اﻟﺒﺬرة إﻟﻰ اﻻﻧﻔﺠﺎر
اﻟﺒﺎرﺛﻲ ﺣ ّﻤﺎﻻً ﻟﺒﺬرة اﻟﺘﻘﻮﻳﺾ .ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ،ﻛﺎن اﻟﺨﻄﺎب ّ ﻟﻪ ﻫﻨﺎك ﻓﺎﺻﻞ ﻻ ﻳﺘﺤ ّﻤﻞ ﻓﻴﻪ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺔ اﻟ ّﺮاوي ،ﺣﻴﺚ ﺗﺘﺤ ّﺮر اﻟﻠﻐﺔ وﺗﻨﻔﺼﻞ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻋﻦ ﻋﻮاﻃﻒ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻠﺼﻴﻘﺔ ﺑﻪ. ﻓﺎﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﻫﻲ اﻧﻔﺠﺎر ﻣﺠ ّﺮة ﻣﻦ اﻟ ّﺪوال ،اﻧﻔﺠﺎر دﻻﻟﻲ ﻳﺠﻌﻞ اﻟﻨﺺ ﻣﺘﻌ ّﺪدا ً وﻣﺘﻤ ّﺪدا ً أو ﺧﺎﻟﺪا ً وﻓ ّﻌﺎﻻً ،وﻫﺬه ﻫﻲ ّ ﻧﺺ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺠﻴﺪ واﻟﻤﺘﻤﻴﺰ ﻳﺘﺤﻘّﻖ ﻓﻴﻪ ﻧﻮع ﺣ ّﺠﺔ ﺑﺎرث ﻓﻲ أن ّ ﻣﻦ ﺗﺮﺣﻴﻞ اﻟﻤﺆﻟﻒ وﻃﺮده ﻣﻦ ﻗﻼع اﻟﻨﺺ ،ﻣﺎ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻘﻂ ﻫﻮ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺒﻘﺮﻳﺔ اﻟﻨﺼﻴﺔ .ﻣﺴﺘﺨﺪﻣﺎً ﻧﻤﺎذج ﻣﻦ ﺷﻌﺮاء ﺣﺪاﺛﻴﻴﻦ أﻣﺜﺎل :ﺳﺘﻴﻔﺎن ﻣﺎﻻرﻣﻴﻪ ﻟﻴﺪﻋﻢ ﺣﺠﺘﻪ ﺑﺸﺄن ﺗﻘﻮﻳﺾ اﻻﻓﺘﺮاض اﻟ ّﻨﻘﺪي اﻟﻌﺘﻴﺪ ﻓﻲ اﻋﺘﺒﺎر اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﺎﻟﻜﺎً ﻓﻌﻠﻴﺎً وأﺑﺪﻳﺎً ﻟﻠﻨﺺ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻜﻮن اﻟﻠﻐﺔ اﻟـﻤﺘﻤ ّﺮدة واﻟـﻤﺘﺤ ّﺮرة ﻣﻦ ﻫﻴﻤﻨﺔ اﻟﻘﻮاﻟﺐ اﻟﺼﺎرﻣﺔ أﻛﺜﺮ ﻓﻴﻀﺎً ﺑﺎﻟﺪﻻﻻت وﺟﺬﺑﺎً
ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﻘﺮﻳﺔ
اﻟﻜﻌﺎﻣﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻮاﻗﻴﺔ اﻟﺨﺎﻧﻘﺔ اﻟﺴﻤﻴﻜﺔ اﻟﺨﺸﻨﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻳﺼﻨﻌﻬﺎ أﺑﺎؤﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻬﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻮل اﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺴﻴﻢ ،ﻣﻦ دون أن ﻳﻔﻜﺮ أي ﻣﻨﻬﻢ ﻟﺤﻈﺔ واﺣﺪة ﻓﻲ أﻧﻪ ﻳﻘﺘﻞ اﻟﺒﺮاح ﻓﻲ ﻓﻢ ﻧﻌﺠﺔ أو ﺧﺮوف ﺷﻘﻲ، ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺘﻤﺮد ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻮع اﻟﺬي ﻳﺘﻌﺎرك ﻓﻲ ﺑﻄﻨﻪ اﻟﺨﺎوي. ﻛﺎن ﻛﻞ ﺻﺎﺣﺐ ﻗﻄﻴﻊ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻢ ﻳﺮﻣﻲ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻛﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﻟﻴﻒ اﻟﻨﺨﻞ ،ﻳﻠﺘﻘﻂ ﺧﻴﻮﻃًﺎ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻳﻔﺘﻠﻬﺎ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ،ﺛﻢ ﻳﻔﺮدﻫﺎ أﻣﺎﻣﻪ ،وﻳﺮﻓﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺒﻠﻴﻦ ،ﻓﻴﺪﺧﻞ ﻫﺬا ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺻﺎﻧ ًﻌﺎ ﺷﺒﻜﺔ ﻗﻮﻳﺔ ،وﻳﺄﺧﺬ ﻃﺮﻓﻴﻬﺎ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺗﻤﺘﺪ ﻣﻦ ﺑﻮز اﻟﻨﻌﺠﺔ إﻟﻰ ﺧﻠﻒ أذﻧﻴﻬﺎ أو ﻗﺮﻧﻴﻬﺎ إن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺟﻠﺤﺎء ،ﺛﻢ ﻳﻌﻘﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﺻﺮاﻣﺔ ،وﻳﺮﻣﻴﻬﺎ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ ،ﻟﻴﺒﺪأ ﻓﻲ ﺻﻨﻊ ﻏﻴﺮﻫﺎ .داﺧﻞ اﻟﺰراﺋﺐ ،وﻗﺒﻞ إﻃﻼق اﻟﻘﻄﻴﻊ إﻟﻰ اﻟﺤﻘﻮل ،ﺗﻤﺘﺪ اﻷﻳﺪي وﺗﻠﺒﺲ ﻛﻞ ﻧﻌﺠﺔ ﺷﻘﻴﺔ ﻋﻜﺎﻣﺘﻬﺎ ،ﻓﺘﺤﻴﻞ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑﻴﻦ اﻹﻏﺎرة ﻋﻠﻰ زروع اﻟﻨﺎس ،وﻻ ﺗﻤﻨﺤﻬﺎ إﻻ ﻫﻮاء ﻳﺘﺨﻠﻞ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﻟﻔﺘﺤﺎت اﻟﻀﻴﻘﺔ ،ﻓﻴﺴﻤﺢ ﻟﻬﺎ ﺑﺸﻬﻴﻖ وزﻓﻴﺮ ﻳﺒﻘﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ اﻟﺤﻴﺎة ،ورﺑﻤﺎ ﻟﺘﻠﻌﻦ ،ﻣﻦ دون أن ﻧﻌﺮف ﻟﻌﻨﺎﺗﻬﺎ ،ﻣﻦ ﻗﻴﱠﺪ ﻓﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ .ﻛﺎن ﻛﻞ ﺻﺎﺣﺐ ﻗﻄﻴﻊ ﺣﺮﻳﺼﺎ ﻋﻠﻰ أن ﺗﻜﻮن ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻌﺎﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻴﻪ ﻣﻦ ﻋﺮاك ً ﻣﻊ أﺻﺤﺎب زرع ﻳﺎﻧﻊ ،ﺣﻴﻦ ﺗﻬﺠﻢ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻐﻨﻢ اﻟﺠﺎﺋﻌﺔ ،ﻓﺘﻠﺘﻬﻢ ﻣﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﺪر اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻬﺎ ،وﻗﺪ ﻻ ﻳﻨﻔﻊ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ ذﻟﻚ اﻟﻀﺮب اﻟﻤﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻦ اﻟﺮﻋﺎة ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺼﻞ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻓﻲ ﻗﺴﻮﺗﻪ إﻟﻰ إﺳﻘﺎط ﻧﻌﺠﺔ ﻋﻠﻰ اﻷرض راﻗﺼﺔ ﻣﻦ اﻷﻟﻢ ،ﺣﻴﻦ ﺗﺤﻂ اﻟﻌﺼﺎ ﺑﻼ ﺗﺤﺴﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﺒﺪﻫﺎ، وﻗﺪ ﺗﻜﺴﺮ ﻟﻬﺎ ﺳﺎﻗًﺎ .وﻷن اﻟﺮﻋﺎة ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮﻏﺒﻮن ﻓﻲ أن ﺗﺒﻘﻰ أﻏﻨﺎﻣﻬﻢ ﺑﻼ أﻟﻢ ،وﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻻ ﺗﺴﺒﺐ ﻟﻬﻢ ﻋﺮاﻛًﺎ ﻗﺪ ﻳﻔﺮض ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﻐﺘﺔ، ﻓﻘﺪ ﻟﺠﺄوا إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﻜﻌﺎﻣﺎت ،اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻋﺞ اﻟﻨﻌﺎج ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ،ﺛﻢ ﻻ ﺗﻠﺒﺚ أن ﺗﻌﺘﺎد ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﺣﻴﻦ ﺗﺤﻔﺮ ﻟﺨﻴﻄﻬﺎ اﻟﺴﻤﻴﻚ اﻟﺨﺸﻦ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻪ واﻟﺮﻗﺒﺔ .أﻣﺎ أﺻﺤﺎب اﻟﺠﻤﺎل واﻟﻨﻮق ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﺼﻨﻌﻮن ﻛﻌﺎﻣﻴﻢ
ّ د.ﻋﻤﺎر ﻋﻠﻲ ﺣﺴﻦ * ƉƚǙ ɐūŽōşǶ ǽȃŌǶƈ
أﻛﺒﺮ ،ﻟﺘﻤﻨﻌﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺾ أو ﻣﺪ أﻋﻨﺎﻗﻬﺎ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ إﻟﻰ زروع اﻟﻨﺎس. ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻌﺎج ﻻ ﺗﺮﺿﻰ ﺑﺴﺠﻨﻬﺎ ،ﻓﺘﺘﻤﻠﻤﻞ ﻣﺤﺎوﻟﺔ أن ﺗﺨﻠﻊ ﻛﻌﺎﻣﺘﻬﺎ، وﺗﻠﻘﻲ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺮاب اﻟﺠﺴﺮ ،أو ﻋﻠﻰ أول اﻟﺤﻘﻞ اﻟﺬي ﺗﻨﻮي ﻣﻬﺎﺟﻤﺘﻪ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺮاﻋﻲ ﻳﺴﺮع إﻟﻴﻬﺎ ﻻﻫﺜًﺎ وﻳﻌﻴﺪ ﻓﻤﻬﺎ إﻟﻰ ﺳﺠﻨﻪ ،وﻗﺪ ﻳﻨﺎﻟﻬﺎ ﺿﺮﺑًﺎ ،أو دﻓ ًﻌﺎ ﺑﻘﺴﻮة ﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ وﺳﻂ اﻟﻘﻄﻴﻊ. ﻻ ﺗﺨﻠﻮ اﻟﻤﺤﺎوﻻت ﻣﻦ ﻧﻌﺠﺔ أو ﺧﺮوف ذﻛﻲ ،وأﻛﺜﺮ ﺣﻜﻨﺔ ،ﻓﻼ ﻳﺴﻌﻰ ﻣﺤﺎوﻻ أن ﻳﺒﺎﻋﺪ ﺑﻴﻦ ﺿﻔﺘﻲ إﺣﺪى ً إﻟﻰ ﺧﻠﻊ اﻟﻜﻌﺎﻣﺔ ،إﻧﻤﺎ ﻳﻤﺪ ﻟﺴﺎﻧﻪ ﻓﺘﺤﺘﻴﻬﺎ ،وﻳﻤﺪ أﺳﻨﺎﻧﻪ ﻛﻲ ﻳﻘﺮض ﻃﺮﻓﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻬﻞ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﻟﻪ ﻣﺎ أراد ،ﺗﻮﻟﺪ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻛﻲ ﻳﻬﺎﺟﻢ أي ﺣﻘﻞ ﻳﻮاﺟﻬﻪ ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﻘﻄﻴﻊ ﻳﻤﻀﻲ. ﻟﻜﻦ اﻟﻤﺤﺎوﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﻀﻰ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﺴﻜﻴﻦ أﻳﺎ ًﻣﺎ ،ورﺑﻤﺎ أﺳﺎﺑﻴﻊ ،ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﻳﺘﻢ ﻛﺸﻔﻬﺎ ،ﻓﻴﺮﺗﻖ اﻟﺮاﻋﻲ اﻟﻜﻌﺎﻣﺔ ،ﺑﻞ ﻳﺤﻜﻢ إﻏﻼﻗﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﻤﺮة، وﻳﻀﻴﻖ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ ،وﻻ ﻳﺘﺮك ﻟﻠﺨﺮوف اﻟﻤﺘﻤﺮد ﺳﻮى ﻓﺘﺤﺔ واﺣﺪة ﻗﻠﻴﻼ ،ﻓﻴﻤﻀﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﻌﺎج ﻳﻠﻬﺚ ﻓﻲ أول أﻣﺎم ﻣﻨﺨﺮﻳﻪ ،وإﻟﻰ أﻋﻠﻰ ً اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻦ ﻓﺮط اﻟﺠﻬﺪ اﻟﺬي ﻳﺒﺬﻟﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺷﻔﻂ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻬﻮاء، ﻟﻴﺪﺧﻠﻪ إﻟﻰ رﺋﺘﻴﻪ .اﻟﻴﻮم ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺘﻲ ﻗﻄﻴﻊ واﺣﺪ ،ﺑﻘﻴﺖ ﻓﻘﻂ ﻧﻌﺠﺎت ﻣﺘﻔﺮﻗﺎت ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺣﻈﺎﺋﺮ اﻟﺒﻴﻮت ،وﻛﻞ ﻓﻼح ﺑﺎت ﺑﻮﺳﻌﻪ أن ﻳﻄﻠﻖ اﺑﻨﻪ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻛﻲ ﻳﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﻌﺠﺔ واﺣﺪة وﻋﻨﺰﺗﻴﻦ ﻳﻨﻄﻠﻘﺎن ﻓﻲ اﻟﺒﻜﻮر ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺖ إﻟﻰ اﻟﺤﻘﻞ .اﻟﺬي ﺑﻘﻲ ﻓﻲ رأﺳﻲ ﻫﻮ ذﻟﻚ اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﺬي رأﻳﺘﻪ ذات ﻳﻮم ﺣﻴﻦ ﻛﻨﺖ أراﻗﺐ ﻗﻄﻴ ًﻌﺎ ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻳﺘﺪﻓﻖ ﺳﺮﻳ ًﻌﺎ ﻧﺤﻮ ﻣﺮﻋﻰ ﺑﻌﻴﺪ ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻮزع اﻟﺮﻋﺎة أﻣﺎﻣﻪ وﺧﻠﻔﻪ ،ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺘﺼﻒ ﺧﺮوف ﺿﺨﻢ ﻳﺤﺎذي ﻧﻌﺠﺔ ﺳﻤﻴﻨﺔ ﺟﻠﺤﺎء ،وﻳﻤﺪ ﻗﺮﻧﻪ إﻟﻰ ﻛﻌﺎﻣﺘﻬﺎ اﻟﻀﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ُوﺿﻌﺖ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﻓﻲ ﻓﻤﻬﺎ ،وﺟﺮﺣﺖ ﺧﻄﻤﻬﺎ ﻓﺘﻘﺎﻃﺮ اﻟﺪم ﻣﻨﻪ ،وﻳﻨﻐﺰ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻓﻲ ﻫﺪوء ،ﻣﺤﺎوﻻً أن ﻳﺨﻠﻌﻪ ﻫﻨﺎ .ﻛﺎن ﻳﻌﺎﻓﺮ وﻳﻘﺎوم أﺟﺴﺎد اﻟﻨﻌﺎج واﻟﺨﺮاف اﻟﺘﻲ ﺗﺰاﺣﻤﻪ ﻣﻦ دون ﻗﻠﻴﻼ ﻋﻨﻬﺎ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻠﺒﺚ أن ﻳﻌﻮد ،ﻣﺎ ًدا ﻗﺮﻧﻪ وﻫﻮ أن ﺗﺪري ﺑﻤﺎ ﻳﺒﻌﺪه ً ﻳﻠﺼﻖ رﻗﺒﺘﻪ ﺑﺮﻗﺒﺘﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻧﺠﺢ ﻓﻲ ﻧﺰع اﻟﻜﻌﺎﻣﺔ ،ﻟﺘﺪوﺳﻬﺎ أﻗﺪام اﻷﻏﻨﺎم وﻫﻲ ﺗﺘﻘﺪم ﻓﻲ ﺳﻼم /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
99
ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﺘﺮاث
ﻳﻤﺘﺪ إﻟﻰ ﺣﺪ أﻧﻪ ﻳﻘﺪم ﻋﻠﻰ ﺿﺮب اﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻟﺲ ﻏﻨﺎﺋﻪ ،ﺣﺘﻰ ﻫﺠﺮه ﻣﻦ ﻛﺎن ﻳﺤﺮﺻﻮن ﻋﻠﻰ ﺣﻀﻮر ﻣﺠﻠﺴﻪ ،وﺗﺠﺎﻓﺎه أﺻﺤﺎﺑﻪ ،واﻛﺘﺴﺐ اﺑﻨﻪ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻐﻨﺎء ﻣﻦ أﺑﻴﻪ ،ﻓﻜﺎن ﻳﻀﺮب ﺑﺎﻟﻌﻮد وﻳﻐﻨﻲ وﻫﻮ ﻻ ﻳﺰال ﺻﻐﻴ ًﺮا ﺑﻌﺪ. أﺑﻮ ﻋﻴﺴﻰ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺮﺷﻴﺪ
وﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺑﻮ ﻋﻴﺴﻰ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺮﺷﻴﺪ أﻗﻞ ﺷﻬﺮة ﺑﺤﺎل ﻣﻦ اﻷﺣﻮال ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء وأوﻻدﻫﻢ اﻷﻣﺮاء ﻣﻤﻦ اﺷﺘﻬﺮوا ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء واﻟﺘﻠﺤﻴﻦ ،وﻛﺎن ﻟﻬﻢ ﺑﺎع ﻃﻮﻳﻞ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺘﻪ واﻻﺷﺘﻐﺎل ﺑﻪ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺮﻳﺐ ،أﺳﺘﺎذة اﻟﻤﻐﻨﻴﺎت ،ﺗﻘﻮل ﻓﻴﻪ» :ﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﻗﻂ ﻏﻨﺎ ًء أﺣﺴﻦ ﻣﻦ ﻏﻨﺎء أﺑﻲ ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ اﻟﺮﺷﻴﺪ« وﺗﻠﻚ ﺷﻬﺎدة ﺟﺪﻳﺮة ﺑﺄن ﻳﺘﺒﻮأ ﺑﻬﺎ أﺑﻮ ﻋﻴﺴﻰ ﻗﻤﺔ اﻟﻤﺸﺘﻐﻠﻴﻦ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء واﻷﻣﺮاء ،ﻓﻠﻪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﻟﺤﺎن اﻟﺠﻴﺎد ،وﻣﻦ أﻟﺤﺎﻧﻪ اﻟﺠﻴﺪة اﻟﻤﺄﺛﻮرة ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻷﺧﻄﻞ: إذا ﻣــــﺎ زﻳﺎد ﻋﻠﻨـــــﻲ ﺛﻢ ﻋﻠـــــــﻨﻲ ...ﺛﻼث زﺟﺎﺟــــــﺎت ﻟﻬــــﻦ ﻫــــﺪﻳﺮ ﺧﺮﺟﺖ أﺟــــﺮ اﻟﺬﻳــﻞ ﺣﺘــــﻰ ﻛﺄﻧﻨﻲ ...ﻋﻠﻴــــﻚ أﻣﻴـــــﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴـــﻦ ،أﻣﻴﺮ 98
ﺧﻠﻔﺎء اﺷﺘﻐﻠﻮا ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء
وﺳﺘﻴﻦ ﺻﻮﺗ ًﺎ ،ﻣﺜﻞ ﻋﺪد أﻳﺎم اﻟﺴﻨﺔ اﻟﻬﺠﺮﻳﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ أﺗﻤﻬﺎ ﻛﻤﺎ أراد اﻋﺘﺰل اﻟﺘﻠﺤﻴﻦ واﻟﻐﻨﺎء .وﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ﻋﺪد ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﻨﻴﻦ ،ﻣﻨﻬﻢ ﺛﻼﺛﺔ ﺧﻠﻔﺎء ﻋﺮﻓﻮا اﻟﻐﻨﺎء واﺷﺘﻐﻠﻮا ﺑﻪ ،وﻫﻢ اﻟﻤﻨﺘﺼﺮ واﻟﻤﻌﺘﺰ واﻟﻤﻌﺘﻤﺪ، وﻟﻢ ﻳﻘﺘﺼﺮ اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ أوﻻده ﻓﻘﻂ ،ﻓﻘﺪ اﻣﺘﺪ إﻟﻰ ﺣﻔﻴﺪﻳﻪ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻓﻀﻼ ﺑﻦ اﻟﻤﻌﺘﺰ واﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﻌﺘﻀﺪ ،ﻓﻜﺎن اﻟﻤﻌﺘﻀﺪ ﻳﻐﻨﻲ وﻳﻠﺤﻦً ، ﻋﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ذات ﺑﺤﻔﻆ اﻟﺪوﻟﻪ وﺻﻼح ﺷﺄﻧﻬﺎ. ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﻮﺳﻰ
وﻛــﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﻮﺳﻰ ﻣﻤﻦ ﻟﺤﻦ وﻏﻨﻰ ﻣﻦ أوﻻد اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﻴﻦ ،وﻫﻮ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻮﺳﻰ اﻟﻬﺎدي ،وروى أﺑﻮ اﻟﻔﺮج اﻷﺻﻔﻬﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻷﻏﺎﻧﻲ أن اﻟﻤﻐﻨﻰ أﺑﻮ ﺣﺸﻴﺸﺔ اﻟﻄﻨﺒﻮري ﻗﺎل: »ﻛﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﻮﺳﻰ أﺿﺮب اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻌﻮد ،وﻛﺎن ﻣﻦ أﺣﺴﻨﻬﻢ ﻏﻨﺎ ًء« .وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﻫﺬا اﻷﻣﻴﺮ اﻟﺬي ارﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء ارﺗﺒﺎﻃًﺎ ﻗﻠﻴﻼ .وﺣﻴﻦ ﺗﻮﻟﻰ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ أﻧﻪ ﻳﻠﻬﻤﻪ اﻟﺘﻮازن وﺣﺴﻦ اﻟﺘﺼﺮف واﻟﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻧﻔﻌﺎﻻﺗﻪ، »واﻣﻌﺘﺼﻤﺎه« ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺪ اﺑﺘﻌﺪ ﻋﻦ ﺳﺎﻣﺮا إﻟﻰ ً اﻟﻮاﺛﻖ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،ﺟﻤﻊ ﻋﺪ ًدا ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻣﻤﻦ ﺗﻮﺳﻢ ﻓﻴﻬﻢ اﻟﻨﺒﻮغ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﱠإﻻ أﻧﻪ ﻛﺎن ﺳﺮﻳ ًﻌﺎ ﻣﺎ ﻳﻔﻘﺪ أﻋﺼﺎﺑﻪ ،وﻻ ﻳﻘﺘﺼﺮ اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ،ﺑﻞ ﻗﺎﺋﻼ» :دﻋﺎ ﺑﻨﺎ اﻟﻮاﺛﻖ ﻳﻮ ًﻣﺎ ـ وﻛﻨﺎ ﻋﺸﺮﻳﻦ اﻟﻐﻨﺎء ،وﺗﺤﺪث أﺣﺪﻫﻢ ً ﻏﻼ ًﻣﺎ ﻛﻠﻨﺎ ﻳﻐﻨﻲ وﻳﻀﺮب ـ ﻓﻘﺎل ﻟﻨﺎ :ﺧﺬوا ﻫﺬا اﻟﺼﻮت ،ﺛﻢ أﻟﻘﻰ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻟﺤ ًﻨﺎ ﻳﻘﻮل: أﺷﻜﻮ إﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻣﺎ أﻟﻘﻰ ﻣﻦ اﻟﻜﻤﺪ ...ﺣﺴﺒﻲ ﺑﺮﺑﻲ ﻓﻼ أﺷﻜﻮ إﻟﻰ أﺣﺪ ﻗﺎﺋﻼ» :ﻓﻤﺎ زال اﻟﻮاﺛﻖ ﻳﺮدد ﻟﺤﻨﻪ ،وﻳﺸﺪد ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﻲ وﻳﺘﺎﺑﻊ أﺣﺪﻫﻢ ً إﺗﻘﺎن ﺣﻔﻈﻪ ﻋﻠﻰ أﺻﺢ وﺟﻪ ،ﺣﺘﻰ ﺣﻔﻈﻨﺎه ﺟﻤﻴ ًﻌﺎ«. ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻷﻣﻴﻦ
وﻛﺎن ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ ﺑﻴﺖ اﻟﺮﺷﻴﺪ ﻣﻤﻦ اﺷﺘﻐﻞ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء ﻣﻦ أوﻻد اﻟﺨﻠﻔﺎء ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻷﻣﻴﻦ ،وﻫﻮ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻷﻣﻴﻦ ﺑﻦ اﻟﺮﺷﻴﺪ، ﺣﻴﺚ اﺷﺘﻐﻞ ﺑﻤﻨﺎدﻣﺔ ﺧﻠﻔﺎء اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﻴﻦ وﻫﻢ أﺑﻨﺎء ﻋﻤﻮﻣﺘﻪ، ﻣﻦ اﻟﻮاﺛﻖ إﻟﻰ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺘﺼﺮ ،وﻏﻴﺮ أرﺑﻌﺔ آﺧﺮﻳﻦ اﺷﺘﻐﻞ ﺑﻤﻨﺎدﻣﺘﻬﻢ أﻳﻀً ﺎ، ﻗﻠﻴﻼ وﻛﺎن ﻣﻴﺮاث ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ أﺑﻴﻪ ً ﺟ ٍّﺪا ،إذ ﺧُﻠﻊ ﻣﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ وﻗُﺘﻞ، ﻓﺎﻧﺘﻔﻊ ﺑﻤﺎ أﻓﺎءه ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻦ اﻟﻐﻨﺎء ﻣﻦ ﺟﻮاﺋﺰ ﻛﺜﻴﺮة ﻧﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻧﺎدﻣﻬﻢ. ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ
وﻛﺎن ﻟﻌﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ أﻳﻀً ﺎ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﻟﺤﻦ ،ﻓﻮاﺻﻞ اﺟﺘﻬﺎده وﻋﻄﺎءه ﺣﺘﻰ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
97
ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﺘﺮاث
وﺗﻌﻠﻤﺖ ﻋﻠﻴﺔ ﻣﻦ أﻣﻬﺎ اﻟﻐﻨﺎء ﺛﻢ اﺳﺘﺰادت ﻣﻨﻪ وﺗﺒﺤﺮت ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﻤﻮﺻﻠﻲ واﺑﻨﻪ إﺳﺤﺎق وأﺧﻴﻬﺎ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ..وأﺑﺪى أﺧﻮﻫﺎ اﻟﺮﺷﻴﺪ اﻟﺴﺮور ﺑﻬﺎ ﺣﻴﻦ ﻋﻠﻢ ﺑﺄﻣﺮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻐﻨﺎء ،ﺣﻴﺚ ﺣﻴﻦ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﺷﺘﻐﺎﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء ،وﻟﻤﺎ ﻋﻠﻢ ﻟﻢ ﻳﻨﻜﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ذﻟﻚ ،ﺑﻞ ﻗﺎم ﺑﻌﺪﻣﺎ اﺳﺘﻤﻊ إﻟﻴﻬﺎ وﻗ ّﺒﻞ رأﺳﻬﺎ وﻫﻮ ﻳﻘﻮل ﻟﻬﺎ ﻣﻌﺎﺗ ًﺒﺎ» :ﻳﺎ ﺳﻴﺪﺗﻲ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ ﻋﻨﺪك وﻻ أﻋﻠﻢ«. اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻮاﺛﻖ
ﻛﺎن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻮاﺛﻖ أﺷﻬﺮ ﻣﻐﻦ ﻣﻠﺤﻦ ﺑﻴﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻦ اﺷﺘﻐﻞ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء ﻣﻦ ﺧﻠﻔﺎء ﺑﻨﻲ اﻟﻌﺒﺎس وﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻮﻟﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﻌﺪ أﺑﻴﻪ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ،ﺛﺎﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﻴﻦ ،وﻟﻢ ﻳﻤﻜﺚ ﺑﻬﺎ ﺳﻮى ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮات ،ﻟﻴﺘﺮك أﺛ ًﺮا ﻗﻮﻳٍّﺎ وﺧﺎﻟ ًﺪا ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻐﻨﺎء ،وإذا دار اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻐﻨﺎء ﻛﺎن ﻳﻘﻮل» :إﻧﻤﺎ ﻫﺬه ﻓﻀﻠﺔ أدب وﻋﻠﻢ ﻣﺪﺣﻪ اﻷواﺋﻞ واﺷﺘﻬﺎه أﺻﺤﺎب رﺳﻮل اﻟﻠﻪ ،واﻟﺘﺎﺑﻌﻮن ﺑﻌﺪﻫﻢ ،وﻛﺜﺮ ﻓﻲ ﺣﺮم اﻟﻠﻪ وﻣﻬﺎﺟﺮ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ« ﻳﺆﻛﺪ اﻟﻮاﺛﻖ ،اﻟﺬي ﻳﻌﻠﻢ ﻋﻦ وﻋﻲ ﻣﺎ ﻳﻘﻮل ،أن اﻟﻐﻨﺎء ﻧﺸﺄ ﻓﻲ ﻣﻜﺔ واﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ذﻟﻚ ﺑﻌﻴﺐ، ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﻨﻜﺮه اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ واﻟﺘﺎﺑﻌﻮن .وﻗﺎﻟﺖ ﻋﻨﻪ ﻋﺮﻳﺐ ،اﻟﻤﻐﻨﻴﺔ اﻟﺤﺎذﻗﺔ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء واﻟﻤﻠﻤﺔ ﺑﺴﺮ ﺻﻨﺎﻋﺘﻪ» :ﺻﻨﻊ اﻟﻮاﺛﻖ ﻣﺎﺋﺔ ﺻﻮت، ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺻﻮت ﺳﺎﻗﻂ ،وﻣﻨﻬﺎ ﻟﺤﻨﻪ: ﻫﻞ ﺗﻌﻠﻤﻴﻦ وراء اﻟﺤﺐ ﻣﻨﺰﻟﺔ ...ﺗﺪﻧﻲ إﻟﻴﻚ ﻓﺈن اﻟﺤﺐ أﻗﺼﺎﻧﻲ؟ وﻣﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﻋﻨﻪ إﺳﺤﺎق اﻟﻤﻮﺻﻠﻲ إن اﻟﻮاﺛﻖ ﻛﺎن أﻋﻠﻢ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء، وإن ﺻﻨﻌﺘﻪ ﺑﻠﻐﺖ ﻣﺎﺋﺔ ﺻﻮت ،وإﻧﻪ ﻛﺎن أﺣﺬق ﻣﻦ ﻏﻨﻰ ﺑﻀﺮب اﻟﻌﻮد ،وﻛﺎن اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻮاﺛﻖ ﻳﺠﺎﻟﺲ اﻟﻤﻐﻨﻴﻦ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﻢ زﻣﻼءه ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻐﻨﺎء وﻟﻴﺲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﺧﻠﻴﻔﺔ ،وﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺗﻮاﺿﻌﻪ ﻣﻌﻬﻢ ﺣﺘﻰ
96
ﺧﻠﻔﺎء اﺷﺘﻐﻠﻮا ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء
إﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺘﺤﻴﻦ ﻛﻞ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻤﺠﺎﻟﺴﺘﻬﻢ ورﻓﻊ اﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻨﻬﻢ، وﻟﻪ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻣﻮﻗﻒ ﻃﺮﻳﻒ ،ﺣﻴﻦ ﺧﺮج أﺑﻮه اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ إﻟﻰ ﺣﺮﺑﻪ اﻟﻤﺸﻬﻮرة ﺑﻌﻤﻮرﻳﺔ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﺮوم ،اﻧﺘﺪب اﺑﻨﻪ اﻟﻮاﺛﻖ ﻟﻠﺠﻠﻮس ﻋﻠﻰ ﻛﺮﺳﻴﻪ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﺳﺎﻣﺮا ،وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﺪوﻟﺔ وﻗﺘﻬﺎ ،ﻓﺄﺧﺒﺮ اﻟﻮاﺛﻖ زﻣﻼءه ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻐﻨﺎء ﺑﻤﺎ ﺣﺪث وﻃﻠﺐ ﻣﻨﻬﻢ أن ﻳﺒﻜﺮوا إﻟﻴﻪ، ﻓﻠﻤﺎ ﺣﻀﺮوا ﻗﺎل ﻟﻬﻢ :إﻧﻲ ﻻ أﺟﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺮ ﺣﺘﻰ أﺧﺘﻠﻂ ﺑﻜﻢ، وﻧﻜﻮن ﻛﺎﻟﺸﻲء اﻟﻮاﺣﺪ ،ﻓﺎﺟﻠﺴﻮا ﻣﻌﻲ ﺣﻠﻘﺔ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺟﻠﺴﻮا أﺧﺬ اﻟﻌﻮد وﻗﺎل» :أﻧﺎ أﺑﺪأ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء« ﺛﻢ ﻏﻨﻰ ﻟﺤ ًﻨﺎ ﻣﻦ أﻟﺤﺎﻧﻪ اﻟﻤﺸﻬﻮرة ،وﻣﻦ ﺑﻌﺪه ﻏﻨﻰ ﻛﺒﺎر اﻟﻤﻄﺮﺑﻴﻦ ،ﺣﺘﻰ اﻧﺘﻬﻰ اﻟﺪور إﻟﻰ إﺳﺤﺎق اﻟﻤﻮﺻﻠﻲ ﻗﺎﺋﻼ» :ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ اﻟﻐﻨﺎء اﻟﻴﻮم« ﻓﻘﺎل ﻓﺘﺪﻟﻞ واﻋﺘﺬر وﻟﻢ ﻳﺄﺧﺬ اﻟﻌﻮد ً اﻟﻮاﺛﻖ :دﻋﻮه ،ﺛﻢ أﺧﺬ اﻟﻌﻮد وﻏﻨﻰ ﻟﺤ ًﻨﺎ ﺛﺎﻧ ًﻴﺎ ﻣﻦ أﻟﺤﺎﻧﻪ ﺛﻢ ﺛﺎﻟﺜًﺎ ،وﻛﻞ ذﻟﻚ واﻟﺠﻴﺶ اﻟﺰاﺣﻒ إﻟﻰ ﻋﻤﻮرﻳﺔ ﺗﻠﺒﻴﺔ ﻟﺼﺮﺧﺔ اﻟﻤﺮأة اﻟﻬﺎﺷﻤﻴﺔ:
اﻟﻘﻀﺎة وﻛﺎن إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ اﻟﻤﻬﺪي ﻗﺪ اﺳﺘﻐﺮق ﻏﻨﺎء واﺳﺘﺨﻒ اﻟﻄﺮب ﺑﻤﻦ ﻳﺴﻤﻊ ،ﺗﺴﻠﻞ اﻟﻐﻨﺎء إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ روﻳﺔ وأرﻳﺤﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﻔﺘﺤﺖ ﻟﻪ ﺣﻮاﺳﻪ ﻓﻲ ﺷﻐﻒ وﻟــﺬة ،وﺻﺎﻓﺢ أذﻧﻴﻪ ﺑﺸﻌﻮر وﺣﺲ أﺧﻒ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﻴﻢ ،ﺗﻤﻠﻜﺘﻪ اﻟﺤﻴﺮة وﻏﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ اﻻﺿﻄﺮاب ،وﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻛﺎن ﻟﻠﻐﻨﺎء ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻔﻌﻮل اﻟﺴﺤﺮ ﺑﻘﺎﺿﻲ اﻟﻘﻀﺎة ،اﻟﺬي ﺷﻐﻠﻪ اﻟﻐﻨﺎء ﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺣﺘﻰ ﺳﻘﻄﺖ ﻋﺼﺎه ﻣﻦ ﻳﺪه ،دﺧﻞ وﺟﻠﺲ ﻳﺴﺘﻤﻊ ،ﻓﻠﻤﺎ أﺗﻢ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ اﻟﻤﻬﺪي ﻏﻨﺎءه ﻛﺎن اﻟﻄﺮب ﻗﺪ اﺳﺘﺒﺪ ﺑﺎﻟﻘﺎﺿﻲ ،ﻓﻮﺛﺐ ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺴﻪ ﻳﻠﺘﻤﺲ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ أن ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺈﻋﺎدﺗﻪ ،ﻓﻀﺤﻚ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ وﻗﺎل ﻟﻠﻘﺎﺿﻲ :إن ﺗﺒﺖ ﻋﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺗﻨﺎﻇﺮﻧﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻐﻨﺎء ﺳﺄﻟﺖ ﻋﻤﻲ »إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ اﻟﻤﻬﺪي« أن ﻳﻌﻴﺪ ﻏﻨﺎءه ﻋﻠﻴﻚ ،ﻓﻘﺎل اﻟﻘﺎﺿﻲ: ﻗﺪ ﺗﺒﺖ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ورﺟﻌﺖ ﻋﻦ رأﻳﻲ ﻓﻲ اﻟﻐﻨﺎء، وﺗﺮﻛﺖ ﻣﺬﻫﺒﻲ ﻓﻴﻪ إﻟﻰ ﻣﺬﻫﺐ أﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ،ﻓﺈﻧﻲ ﺳﻤﻌﺖ واﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻏﻨﺎء اﻷﻣﻴﺮ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ اﻟﻤﻬﺪي ﻣﺎ أذﻫﻠﻨﻲ ،وﻗﺪ ﻛﻨﺖ ﻻ أﻋﺮف ﻣﻌﻨﻰ ﻗﻮل اﻟﻨﺎس إن اﻷﻣﻴﺮ ﻫﻮ أﺣﺴﻦ اﻹﻧﺲ واﻟﺠﻦ واﻟﻮﺣﺶ واﻟﻄﻴﺮ ﺻﻮﺗ ًﺎ ،ﺣﺘﻰ ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻓﻌﺮﻓﺖ.
ُﻋ َﻠ ﻴﺔ
واﺻﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﻤﻬﺪي رﺣﻠﺔ ﻏﻨﺎﺋﻪ ﺣﺘﻰ اﺷﺘﻬﺮ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء ﻫﻮ وﺑﻌﺾ ﻣﻦ أﻫﻠﻪ ،ﺣﻴﺚ اﺷﺘﻬﺮت اﺧﺘﻪ ُﻋﻠَ ﱠﻴﺔ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء أﻳﻀً ﺎ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻘﻞ ﻋﻨﻪ ﺗﻘﺪ ًﻣﺎ وإﻧﺘﺎ ًﺟﺎ ﻓﻲ اﻟﻐﻨﺎء ،ﻓﻠﻬﺎ ﻋﺸﺮات اﻷﻟﺤﺎن ،وﻛﺎﻧﺖ أﻣﻬﺎ »ﻣﻜﻨﻮﻧﺔ« ﺟﺎرﻳﺔ ﻣﻐﻨﻴﺔ أﻳﻀً ﺎ اﺷﺘﺮاﻫﺎ اﻟﻤﻬﺪي ﺑﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ درﻫﻢ،
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
95
ﺣﻜﺎﻳﺎت اﻟﺘﺮاث
ﺧﻠﻔﺎء اﺷﺘﻐﻠﻮا ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء أﺣﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺎل رﺷﻴﺪي
اﻫﺘﻢ ﺑﻌﺾ ﺧﻠﻔﺎء اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ وأﻣﺮاﺋﻬﺎ ﺑﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﻐﻨﺎء ،ﺳﻮاء ﺑﺎﻟﺴﻤﺎع أو اﻟﺘﻠﺤﻴﻦ أو اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ،أو ﺑﺄﻟﻮان اﻟﻐﻨﺎء ،ﺣﺘﻰ إن ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻋﺘﺰل اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻟﻠﺘﻔﺮغ ﻟﻠﻐﻨﺎء ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺟﻠﺲ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺔ ﻏﻨﺎء ُ وﺟﻴﺶ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻳﺨﻮض ﺣﺮﺑًﺎ ﺣﺎﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻮرﻳﺔ ،ﺑﻌﺪﻣﺎ اﺳﺘﻐﺎﺛﺖ اﻣﺮأة ﻗﺎﺋﻠﺔ» :واﻣﻌﺘﺼﻤﺎه« .أول اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺬﻳﻦ اﺷﺘﻐﻠﻮا ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء ،ﻫﻮ ﺧﺎﻣﺲ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﻳﻦ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ .وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ ﺷﺒﺎﺑﻪ. وﺣﺴﺒﻤﺎ ﻳﺸﻴﺮ أﺑﻮ اﻟﻔﺮج اﻷﺻﻔﻬﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »اﻷﻏﺎﻧﻲ«؛ ﺻﻨﻊ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺳﺒﻌﺔ أﻟﺤﺎن ،ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻌﺎد ،ﻣﻨﻬﺎ» :ﻳﺎ ﺳﻌﺎد اﻟﺘﻲ ﺳﺒﺘﻨﻲ ﻓﺆادي ،ورﻗﺎدي ..ﻫﺒﻲ ﻟﻌﻴﻨﻲ رﻗﺎدي« .وﻣﻨﻬﺎ» :ﺣﻆ ﻋﻴﻨﻲ ﻣﻦ ﺳﻌﺎد ...أﺑﺪً ا ﻃﻮل اﻟﺴﻬﺎد" .واﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻷﻣﻮي ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﻣﻦ أﺷﻬﺮ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻋﻤﻠﻮا ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء ،وﻟﻪ ﻟﺤﻦ واﺣﺪ ﻳﺮوﻳﻪ اﻟﻨﺎس ،وإن ﻛﺎن أﺑﻮ ﻓﺮج اﻷﺻﻔﻬﺎﻧﻲ ﻳﻨﻔﻲ ﻋﻨﻪ ﻫﺬا اﻟﻠﺤﻦ إﻻ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻨﻔﻲ اﺷﺘﻐﺎﻟﻪ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء واﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﻪ. اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻳﺰﻳﺪ
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻄﻔﺮة اﻷﻛﺒﺮ ﻓﻲ اﻫﺘﻤﺎم اﻟﺨﻠﻔﺎء ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء واﺷﺘﻐﺎﻟﻬﻢ ﺑﻪ ،ﻋﻠﻰ ﻳﺪ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ،اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻘﺘﺼﺮ دوره ﻓﻘﻂ ﻋﻠﻰ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻷﻟﺤﺎن اﻟﺘﻲ أﻧﺠﺰ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﺪ ًدا ﺿﺨ ًﻤﺎ ،إﻧﻤﺎ اﻣﺘﺪ اﺷﺘﻐﺎﻟﻪ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻟﻴﺸﻤﻞ اﻟﻀﺮب ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻮد ،واﻟﻨﻘﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻓﻮف واﻟﻄﺒﻮلً ، أﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﻤﺸﻲ ﺑﺎﻟﺪف ﻋﻠﻰ ﻣﺬﻫﺐ أﻫﻞ اﻟﺤﺠﺎز ﻓﻲ اﻟﻤﺸﻲ واﻟﻐﻨﺎء ﺑﺎﻟﺪف. إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ اﻟﻤﻬﺪي
وﻛﺎن إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ اﻟﻤﻬﺪي ،اﻟﺬي ﺗﻮﻟﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﺘﺮة ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد ،وﻫﻮ اﺑﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﻬﺪي وأﺧﻮ اﻟﺨﻠﻴﻔﺘﻴﻦ اﻟﻬﺎدي واﻟﺮﺷﻴﺪ ،وﻋﻢ ﺛﻼﺛﺔ ﺧﻠﻔﺎء ﻫﻢ أﺑﻨﺎء أﺧﻴﻪ اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻷﻣﻴﻦ واﻟﻤﺎﻣﻮن واﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ،ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء أﻳﻀً ﺎ ..ﻣﻦ أﺑﺮز ﻣﻦ اﺷﺘﻐﻞ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء وأﺑﻨﺎء اﻟﺨﻠﻔﺎء .وﺑﻌﺪ 94
ﺧﻠﻔﺎء اﺷﺘﻐﻠﻮا ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء
ﺳﻘﻮط ﺧﻼﻓﺘﻪ ﺑﺒﻐﺪاد ﺗﻔﺮغ ﻟﻠﻐﻨﺎء ﻧﺤﻮ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﻋﺎ ًﻣﺎ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،وﻋﻨﻪ ﻳﻘﻮل اﻷﺻﻔﻬﺎﻧﻲ» :ﻛﺎن إﺳﺤﺎق اﻟﻤﻮﺻﻠﻲ ﻳﻘﻮل ،ﻣﺎ وﻟﺪ اﻟﻌﺒﺎس ﺑﻦ رﺟﻼ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ ﺑﻌﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎس ً اﻟﻤﻬﺪي ،ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ :ﻣﻊ ﻣﺎ ﺗﺒﺬل ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﺎء؟! ﻓﻘﺎل :وﻫﻞ ﺗﻢ ﻓﻀﻠﻪ ﱠإﻻ ﺑﺬاك!« .وأﻟّﻒ إﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﻤﻬﺪي ﻛﺘﺒًﺎ ورﺳﺎﺋﻞ ﻓﻲ اﻟﻐﻨﺎء ،وﻏ ّﻨﻰ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻟﺲ أﺧﻴﻪ اﻟﺮﺷﻴﺪ ،وﻣﺠﺎﻟﺲ أﺑﻨﺎﺋﻪ اﻟﺜﻼﺛﺔ؛ اﻷﻣﻴﻦ واﻟﻤﺄﻣﻮن واﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ،وﻏﻨﻰ أﻳﻀً ﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻟﺲ ﻣﺤﺘﺮﻓﻲ اﻟﻐﻨﺎء ،وﻓﻲ ﻣﺠﺎﻟﺲ ﻛﺒﺮاء ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ .وﻛﺎن إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ اﻟﻤﻬﺪي ﻳﻐﻨﻲ ﻣﺮة ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ، ﻋﺎﺟﻼ ﻣﻦ أﻣﻮر اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺎﺳﺘﺪﻋﺎء ﻗﺎﺿﻲ اﻟﻘﻀﺎة اﻟﺬي ﺗﺬﻛﺮ أﻣ ًﺮا ً أﺣﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ دواد ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺮﻓﺾ اﻟﻐﻨﺎء وﻻ ﻳﺴﺘﺴﻴﻐﻪ ،وﻻ ﻳﻐﺸﻰ ﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﻤﻐﻴﻦ ،ﻛﺴﻠﻔﻪ اﻟﺸﻴﺦ أﺑﻲ ﻳﻮﺳﻒ اﻷﻧﺼﺎري اﻟﻜﻮﻓﻲ ،ﻗﺎﺿﻲ اﻟﻘﻀﺎة ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﺮﺷﻴﺪ ،وﻛﺎن أﺣﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻲ داود ﻻ ﻳﻠﻢ ﺑﻤﺠﻠﺲ ﻏﻨﺎء ﱠإﻻ ﻣﺠﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ أو ﻟﻮﻟﻲ ﻋﻬﺪه أو ﻷﺣﺪ اﻷﻣﺮاء، وﻛﺎن إذا ﺟﻠﺲ ﺑﻬﺎ ﻇﻞ ﺻﺎﻣﺘًﺎ ﻻ ﻳﺘﺬوق ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﻤﻊ ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺮى ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﻐﻨﺎء ﺗﻀﻴﻴ ًﻌﺎ ﻟﻠﻮﻗﺖ وإﻫﺪا ًرا ﻟﻠﻤﺎل ،وﻛﺎن ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻳﺘﻌﺠﺐ رﻏﺒﺔ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﻐﻨﺎء وﻣﺠﺎﻟﺴﻪ ،ﻓﻠﻤﺎ اﻗﺘﺮب ﻗﺎﺿﻲ
ﻋﻠﻰ أﺣﺪ اﻟﻜﺎﻓﻴﻬﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ..وﻧﺤﻦ ﻧﺘﻨﺎول اﻟﺸﺎي واﻟﻘﻬﻮة ..وﺟﺪﺗﻪ ﻣﺸﻐﻮﻻ ﺑﻘﺮاءة ﺧﺒﺮ ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم ﻛﺒﻴﺮ وﻳﻨﺎﻗﺸﻨﻲ ﻓﻲ ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻪ ،وﻣﺪى ً اﻟﺘﺰام اﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﻦ ﺑﺘﻨﻔﻴﺬه وﺗﻄﺒﻴﻘﻪ »ﺗﻮﺟﻴﻪ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ ،ﺣﻔﻈﻪ اﻟﻠﻪ ،ﺑﺄن ﻳﻜﻮن ﻋﺎم 2016ﻟﻠﻘﺮاءة« ...ﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﻬﻰ ﻣﻦ اﺳﺘﻔﺴﺎره ..ﻋﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺎﺷﺎﻫﺪﺗﻪ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻣﻦ اﻫﺘﻤﺎم اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺎﻟﻘﺮاءة ،ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻮﺳﻊ ﻓﻲ إﻧﺸﺎء اﻟﻤﻜﺘﺒﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت ﻟﻠﻘﺮاءة ﻓﻲ اﻟﻤﺪارس اﻹﺑﺘﺪاﺋﻴﺔ ،ﺑﻞ وإﻧﺸﺎء ﻣﻜﺘﺒﺎت ﻣﺠﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ أﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﺮﻓﻴﺔ ﻟﻼﺳﺘﻌﺎرة، واﻟﻤﻜﺮﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻨﺤﻬﺎ ﺳﻨﻮﻳًﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن وﻟﻲ ﻋﻬﺪ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﻘﻮات اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ،ﻟﻄﻼب اﻟﻤﺪارس ﻟﺸﺮاء اﻟﻜﺘﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮض ،ﺑﻞ وﺣﺮص ﺳﻤﻮه ..وﻛﻞ أﺻﺤﺎب اﻟﺴﻤﻮ ..ﻋﻠﻰ اﻟﺰﻳﺎرات اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻟﻠﻤﻌﺮض.. وﺗﻔﻘﺪ أﺟﻨﺤﺘﻪ ..اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ..ﻟﺘﻘﺪﻳﻢ رﺳﺎﻟﺔ ﻟﻠﺸﺒﺎب واﻟﻨﺸﻰء اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻋﻠﻰ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﻘﺮاءة واﻷﻃﻼع .ﻛﻨﺖ أﺗﻜﻠﻢ ﺑﺤﻤﺎس وﺻﺪﻳﻘﻲ ﻳﺴﺘﻤﻊ ﻟﻲ ﺑﺈﻧﺼﺎت ﺷﺪﻳﺪ ..ﺣﺘﻰ ﻗﺎﻃﻌﻨﻲ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ..ذاﻫ ًﺒﺎ ﺑﻲ إﻟﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ أﺧﺮى ﻓﻲ اﻟﺤﻮار ..ﺣﻮل إن ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻔﺨﻴﻤﺔ ..اﻟﺘﻲ ذﻫﺒﻨﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ..ودﺑﻲ ..وﺟﺪ ﻣﺸﻬ ًﺪا ﻳﺘﻜﺮر ..واﻷن ﻳﺠﺪه ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻓﻲ اﻟﺠﺮﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﺑﻴﻦ ﻳﺪه ..ﺧﺒ ًﺮا ﺻﺤﻔ ًﻴﺎ ﻳﺘﻨﺎول »ﺳﻴﺪة ﺗﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ اﻷرض ..ﺗﻘﻮم ﺑﻌﻤﻞ ﺑﻌﺾ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ« ..اﺑﺘﺴﻤﺖ ﻷﻧﻲ ﻛﻨﺖ واﺛﻖ أن ﺻﺪﻳﻘﻲ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﺟﻴﻨﺎت اﻟﻤﺜﻘﻒ اﻟﻤﻮﺳﻮﻋﻲ ..ﻟﻦ ﻳﻔﻮت ﻫﺬه اﻟﻤﻠﺤﻮﻇﺔ .وﻗﻠﺖ ﻟﻪ :ـ »ﺑﻴﻦ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ ..دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ..ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎﺣﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ..ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻓﺔ
اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ..ﺳﺘﺠﺪ ﺣﺮﺻﺎً ﺷﺪﻳﺪا ً وﻳﻮﻣﻴﺎً ﻣﻦ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻘﻴﺎدات ،ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻷﺻﺎﻟﺔ واﻟﺘﺮاث ..وﺗﺬﻛﻴﺮ اﻷﺑﻨﺎء اﻟﺬﻳﻦ درﺳﻮا ﻓﻲ أﻛﺒﺮ ﺟﺎﻣﻌﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ ..ﺑﻜﻔﺎح اﻷﺑﺎء اﻟﻤﺆﺳﺴﻴﻦ ..واﻟﻤﺸﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺎﺷﻮا ﻓﻴﻬﺎ ..ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻞ اﻹﻣﺎرات ﻟﻬﺬه اﻟﻤﻜﺎﻧﺔ" ..ووﻋﺪﺗﻪ أن ﻳﺤﻀﺮ ﻣﺴﺎﺑﻘﺔ ﻣﻦ ﻣﺰاﻳﻨﺎت "اﻹﺑﻞ" وأﺧﺬت أﺣﻜﻲ ﻟﻪ ﻋﻦ اﻫﺘﻤﺎم اﻟﺪوﻟﺔ »ﺑﺎﻹﺑﻞ« وﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺎت ..اﻟﻮاﺳﻌﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل.. واﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﺳﻊ اﻟﺼﺤﻒ ووﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم ﻓﻲ ﻓﺮد اﻟﺼﻔﺤﺎت ﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺘﻬﺎ.. ﻣﻬﻠﻼ" :وﻫﻨﺎ ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ اﻹﻣﺎرات ..ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﺗﻨﻈﻢ ﺳﺒﺎق ﻗﺎﻃﻌﻨﻲ ً اﻟﻔﻮرﻣﻴﻼ ﺳﻨﻮﻳًﺎ ،ﺗﻨﻈﻢ ﻣﺴﺎﺑﻘﺎت اﻹﺑﻞ ..ﺑﻨﻔﺲ اﻻﻫﺘﻤﺎم" ..ﻗﻠﺖ ﻟﻪ وﻻﻳﻤﺮ أﺳﺒﻮع إﻻ وﺗﻨﻈﻢ ﻣﻬﺮﺟﺎﻧًﺎ ﻟﻠﺘﺮاث ..وﺗﻤﻨﻴﺖ أن ﻳﺄﺗﻲ ﻳﻮ ًﻣﺎ وﻳﺸﺎرﻛﻨﻲ ﺣﻀﻮر ﻣﻬﺮﺟﺎن "ﻟﻴﻮا ﻟﻠﺮﻃﺐ" اﻟﺬي ﺷﺎرﻛﺖ ﻓﻲ دوراﺗﻪ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ..وﺗﻌﺮﻓﺖ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻛﺜﻴﺮة ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﺮﻓﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻋﻦ »اﻟﺒﻠﺢ« ..وﻧﺤﻦ ﻧﺘﻜﻠﻢ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﻋﻦ أﺣﺪ اﻟﺸﺒﺎب اﻹﻣﺎراﺗﻴﻴﻦ ..ﺗﺮﺑﻄﻨﻲ ﺑﻪ ﺻﺪاﻗﺔ ..اﻟﺘﻘﻂ ﺧﻴﻂ ﺣﺪﻳﺜﻨﺎ ﻋﻦ »اﻟﺮﻃﺐ« ..وأﺧﺬ ﻳﺸﺮح ﻟﻨﺎ أﻫﻤﻴﺔ "اﻟﻨﺨﻠﺔ" ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ..وأن اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ أوﺻﺎﻫﻢ ﺑﺎﻟﻨﺨﻠﺔ.. ﻛﺎن ﻳﺘﻜﻠﻢ ..وأﻧﺎ وﺻﺪﻳﻘﻲ ﻧﺘﺒﺎدل اﻟﻨﻈﺮات ..اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ..ﺧﺎﺻﺔ أن ﺻﺪﻳﻘﻲ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ..أﺧﺘﻔﻰ ﻟﺤﻈﺎت ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻨﺎ وﻋﺎد ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻠﺒﺔ "ﺗﻤﺮ إﻣﺎراﺗﻲ" ﻟﺼﺪﻳﻘﻲ اﻟﻘﺎدم ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﺑﻌﺪ أن ﻋﻠﻢ إﻧﻪ ﺿﻴﻒ ﻋﻠﻰ أﺑﻮﻇﺒﻲ ..اﻟﺘﻲ ﻏﺎدرﻫﺎ ..ﺑﺸﺠﻦ ﻛﺒﻴﺮ ..ووﻋﺪﻧﻲ ﺑﺰﻳﺎرة ﻗﺮﻳﺒﺔ ..وﻫﻮ ﻳﻘﻮل ﻟﻲ» :ﻣﺶ أﺣﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﺑﻨﻘﻮل ..اﻟﻠﻲ ﺑﻴﺸﺮب ﻣﻦ ﻣﻴﺔ اﻟﻨﻴﻞ ﺑﻴﺮﺟﻊ ﻣﺼﺮ ﺗﺎﻧﻲ ..أﻧﺎ ﺑﻘﻮﻟﻚ اﻟﻠﻲ ﺑﻴﺎﻛﻞ ﻣﻦ ﺗﻤﺮ اﻹﻣﺎرات ..ﺑﻴﺮﺟﻊ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﺗﺎﻧﻲ«
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
93
إﺿﺎءة
أﻫ ًﻠﺎ ﺑﻚ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻓﻲ ﻓﺘﺮة ﻋﻤﻠﻲ ﺑﺪوﻟﺔ اﻹﻣــﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،وﺗﺤﺪﻳ ًﺪا ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ،واﻟﺘﻲ ﺑﺪون ﻣﺠﺎﻣﻠﺔ أﻋﺘﺒﺮﻫﺎ ﻣﻦ أﺟﻤﻞ 8ﺳﻨﻮات ﻓﻲ اﺗﺼﺎﻻ ﻫﺎﺗﻔ ًﻴﺎ ﻣﻦ ﺻﺪﻳﻖ ﻣﺼﺮي ،ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻲ ً ﻋﻤﺮي ،ﺗﻠﻘﻴﺖ اﺳﺘﻀﺎﻓﺘﻪ أﺳﺒﻮ ًﻋﺎ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ،ﺑﻌﺪ أن ﺳﻤﻊ اﻟﻌﺠﺐ ﻣﻦ اﻷﺻﺪﻗﺎء اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﻴﻦ ،ﻋﻦ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ ﻟـ أﺑﻮﻇﺒﻲ ..واﻟﻨﻘﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎت ،ﻋﻦ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺘﺮدد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﻺﻣﺎرات ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺣﻘﺒﺔ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت وﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﻣﻨﺘ ًﺠﺎ ﺗﻠﻴﻔﺰﻳﻮﻧ ًﻴﺎ ،ﻟﻤﻌﻈﻢ اﻟﻤﺴﻠﺴﻼت اﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﺗﺼﻮﻳﺮﻫﺎ ﻓﻲ إﻣﺎرات )ﻋﺠﻤﺎن ودﺑﻲ واﻟﺸﺎرﻗﺔ( ..وأﺧﺬ ﻳﺤﻜﻲ ﻟﻲ ﻋﻦ ذﻛﺮﻳﺎﺗﻪ ﻣﻊ اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ،وإن اﻟﻤﻜﺎن اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺤﺮص ﻓﻴﻪ ﻧﺠﻮم اﻟﻤﺴﻠﺴﻼت ﻋﻠﻰ ﺷﺮاء اﻟﻬﺪاﻳﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻌﻮدة ﻟﻠﻘﺎﻫﺮة )اﻟﺴﻮق اﻹﺳﻼﻣﻲ( ﻓﻲ اﻟﺸﺎرﻗﺔ .وإﻧﻪ ﺷﺨﺼﻴًﺎ ﻟﻢ ﻳﺰور أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺗﻔﺎدﻳًﺎ ﻟﻺرﻫﺎق ﻣﻦ ﻣﺸﻘﺔ اﻟﺴﻔﺮ ﻣﻦ دﺑﻲ إﻟﻰ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺷﺒﻪ ﺗﺮاﺑﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﻤﻬﺪ ﻟﻠﺴﻔﺮ ،وإن اﻟﻨﺠﻮم واﻟﻨﺠﻤﺎت ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺸﺘﺮﻃﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺠﺰ ﺗﺬاﻛﺮ اﻟﻄﻴﺮان ﻋﻠﻰ ﻣﻄﺎر اﻟﺸﺎرﻗﺔ )ذﻫﺎﺑﺎ وﻋﻮدة( ﻹﻧﻪ أﻓﻀﻞ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺨﺪﻣﺎت ﻣﻦ ﻣﻄﺎري )أﺑﻮﻇﺒﻲ ودﺑﻲ( ..ﻛﺎن ﻳﺘﻜﻠﻢ وأﻧﺎ ﺻﺎﻣﺖ أﺳﺘﻤﻊ ،أﺗﺨﻴﻞ ﻟﻘﺎءه اﻷول ﻣﻊ أﺑﻮﻇﺒﻲ. أﻣــﺎم ﺑﻮاﺑﺔ اﻟﻘﺎدﻣﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﻄﺎر أﺑﻮﻇﺒﻲ ،وﺟــﺪت ﺻﺪﻳﻘﻲ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎري ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ دﻫﺸﺔ وﺗﺮﻗﺐ ﻟﻈﻬﻮري ،ﺑﻤﺠﺮد أن ﺷﺎﻫﺪﻧﻲ أﻗﺘﺮب ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ..وﻫﻮ ﺷﺒﻪ ﻳﺼﺮخ ..أﻗﺴﻢ أﻧﻨﺎ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ..ﺑﻌﺪ ﺗﺒﺎدل اﻟﻤﺠﺎﻣﻼت اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ..واﻟﺘﺮﺣﻴﺐ ..وﺗﻨﺎول ﻓﻨﺠﺎن ﻣﻦ اﻟﻘﻬﻮة ﻗﺎﺋﻼ: اﻟﻌﺮﺑﻲ ..اﺑﺘﺴﻤﺖ ﻓﻲ وﺟﻬﻪً .. "أﻫﻼ ﺑﻚ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ".ً ﻓﻲ ﻓﺘﺮة اﻧﺘﻈﺎرﻧﺎ ﻟﻠﺴﻴﺎرة اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺬﻫﺐ ﺑﻨﺎ ﻟﻠﻔﻨﺪق ..ﻛﺎن ﻳﺘﻜﻠﻢ وأﻧﺎ ﻻﺗﻔﺎرﻗﻨﻲ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ اﻟﺴﻌﺎدة واﻟﻔﺨﺮ.. اﻹﺟﺮاءات اﻧﺘﻬﺖ ﺑﻌﺪ ﺧﺮوﺟﻲ ﻣﻦ اﻟﻄﺎﺋﺮة ﻓﻲ دﻗﺎﺋﻖ ﻣﻌﺪودة،ﻟﻢ أﻟﺘﻖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻓﻲ أي ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻣﻮﻇﻔﺎً ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺎر ﻳﺮﺣﺐ ﺑﺎﻟﻘﺎدﻣﻴﻦ ..وﻳﺒﺘﺴﻢ ﻓﻲ وﺟﻮﻫﻬﻢ ﺑﻬﺬه اﻟﺒﺸﺎﺷﺔ ..وﻳﻤﻨﺤﻬﻢ اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ إﻻ ..ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺮة.. وﻧﺤﻦ ﻧﺴﺘﻌﺪ ﻟﺮﻛﻮب اﻟﺴﻴﺎرة اﻷﺟﺮة ..ﻟﻢ ﻳﺘﻮﻗﻒ اﻧﺪﻫﺎﺷﻪ ..ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻮاﻫﺎ اﻟﻔﺨﻢ ..وأدب اﻟﺴﺎﺋﻖ "اﻟﻬﻨﺪي" ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻨﺎ ،ﻗﺎﻃﻌﺘﻪ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ..
92
أﻫ ًﻠﺎ ﺑﻚ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ
ﻫﺸﺎم ﻳﺤﻴﻰ * ƉƚǙ ǛǙ ǽǙȎƫŒǶ ŝũōlj
»أﻫﻼ ﺑﻚ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ« ًﻃﻮال اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻟﻤﻄﺎر ﻟﻠﻔﻨﺪق ﺣﺮﺻﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻤﺖ ،وﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ردود ﻓﻌﻠﻪ ،واﻟــﺮد ﻓﻘﻂ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻠﻴﻘﺎﺗﻪ ،ﻋﻠﻰ اﻧﺴﻴﺎﺑﻴﺔ اﻟﻤﺮور، واﻟﻤﺒﺎﻧﻲ اﻟﺸﺎﻫﻘﺔ ،واﻟﺨﺪﻣﺎت اﻟﻤﻨﺘﺸﺮة ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻛﻨﺖ أﺗﺪﺧﻞ ﻟﺘﺼﺤﻴﺢ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ..أو اﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺑﻴﺎﻧﺎت ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ اﻟﻤﻌﺎﻟﻢ اﻟﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ.. وﺿﻊ ﺣﻘﺎﺋﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻨﺪق ..ووﺟﺪﺗﻪ أﻣﺎﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﺒﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﻤﻨﺢ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﻠﺮاﺣﺔ ،واﻧﻄﻠﻘﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﻴﺎرة أﺣﺪ أﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﻟﺘﺒﺪأ اﻟﺠﻮﻟﺔ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ..اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﺣﺮﻳﺼﺎً ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻓﺘﺮة أن ﻳﺬﻛﺮﻧﻲ ﺑﻌﻨﻮان ﻓﻴﻠﻢ اﻟﻤﺨﺮج اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻳﻮﺳﻒ ﺷﺎﻫﻴﻦ )ﻣﻌﺠﺰة زاﻳﺪ( اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻤﻬﻠﻪ اﻟﻘﺪر أن ﻳﺴﺘﻜﻤﻠﻪ ..ﺑﺴﺒﺐ رﺣﻴﻠﻪ ،ﺣﺴﺐ رواﻳﺘﻪ ﻟﻲ أن اﻟﻤﺨﺮج اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻳﻮﺳﻒ ﺷﺎﻫﻴﻦ ﺗﻌﺮض ﻟﻮﻋﻜﺔ ﺻﺤﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة ،وإن اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن )ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه( ﺗﺪﺧﻞ ﻟﻌﻼﺟﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻘﺘﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ،وﺑﻌﺪ اﻧﺘﻬﺎء اﻟﻌﻼج ..ﺗﻠﻘﻰ ﺷﺎﻫﻴﻦ دﻋﻮة ﻟﺰﻳﺎرة اﻹﻣﺎرات، وﺣﺪث ﻟﻪ ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻟﺼﺪﻳﻘﻲ اﻷن وﺟﺪ ﻧﻔﺴﻪ أﻣﺎم ﻣﻌﺠﺰة ..ﻫﺬه ﻟﻴﺴﺖ اﻹﻣﺎرات اﻟﺘﻲ زارﻫﺎ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت وﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت.. ﻓﻘﺮر أن ﻳﻘﺪم ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻴﻠ ًﻤﺎ ﺳﻴﻨﻤﺎﺋ ًﻴﺎ ﻟﻴﺸﺎﻫﺪ اﻟﻌﺎﻟﻢ )ﻣﻌﺠﺰة زاﻳﺪ(. ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﺻﻐﻴﺮة اﺳﺘﻮﻗﻔﺖ ﺻﺪﻳﻘﻲ ..ﻓﻲ أﻳﺎﻣﻪ ﻣﻌﻲ ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ.. وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﻛﺜﻴﺮا ً ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ،اﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﻠﻰ وﺟﻮه ..اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﺸﻮارع واﻟﻤﻮﻻت وﻋﻠﻰ اﻟﻜﻮرﻧﻴﺶ اﻟﺴﺎﺣﺮ ،واﻟﻔﻨﺎدق اﻟﻔﺨﻴﻤﺔ، واﻟﻜﺎﻓﻴﻬﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،واﻷﺳﻮاق ،اﻟﻌﺎﺋﻼت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻮرﻧﻴﺶ ﻓﻲ ﻣﺮح وﺳﻌﺎدة ،واﻟﺴﺎﻋﺔ ﺗﻘﺘﺮب ﻣﻦ اﻟﻮاﺣﺪة ﻟﻴﻼ ،ﺑﺪون ﺗﻮاﺟﺪ أﻣﻨﻲ ﻳﺰﻋﺞ اﻟﻨﺎس ،وﻳﺒﺚ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ اﻟﺮﻋﺐ، ً وﻳﻤﻨﺤﻬﻢ إﺣﺴﺎﺳﺎً ﺑﺎﻟﺨﻄﺮ وﻋﺪم اﻷﻣﺎن ..أذﻛﺮ إﻧﻨﻲ ﻋﻠﻘﺖ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﺋﻼ: ﻫﺬه اﻟﻤﻠﺤﻮﻇﺔً .. » -ﻳﺎﺻﺪﻳﻘﻲ أﻧﺖ اﻵن ﻓﻲ أﻛﺜﺮ ﺑﻘﻌﺔ آﻣﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ«.
اﻟﺬﻳﻦ ﻣﺎﺗﻮا ﻓﻲ اﻟﺤﺮب ،ﻟﻘﺪ أراد ﺑﻔﻌﻠﻪ ﻫﺬا أن ﻳﺨﻔﻲ ﻣﻮت أﺑﻴﻪ ﻋﻦ ﻳﻈﻞ أﻣﻠﻬﺎ ﺑﻌﻮدﺗﻪ ﻣﺘﻘ ًﺪا .ﻟﻘﺪ ﺗﻌﻠّﻢ ﺗﻮﺗﻮ ﻓ ّﻦ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ،ﻓﻬﻞ أﻣﻪ ﻛﻲ ّ أﺟﺎدﻫﺎ أم أﺻﺒﺢ ﻣﺜﻞ اﻟﻜﺎﻫﻦ!؟ اﻧﻐﻤﺲ ﺗﻮﺗﻮ أﻛﺜﺮ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ ،وﻣﻀﻰ اﻟﺰﻣﻦ ،وأﺻﺒﺢ ﺷﺎﺑًﺎ ،ووﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﻐﺮام ،وﻓﻲ إﺣﺪى أﻣﺴﻴﺎت اﻟﺼﻴﻒ ﺣﻴﺚ ﻛﺎن اﻟﻌﺮض ﻳﺘﻢ ﺧﺎر ًﺟﺎ ﻣﻘﺪ ًﻣﺎ ﻓﻴﻠﻢ ﻋﻮﻟﻴﺲ اﻟﺬي ﻋﺎﻗﺒﺘﻪ اﻵﻟﻬﺔ ﺑﺎﻟﺘﻴﻪ ﺑﻌﺪ اﻻﻧﺘﺼﺎر ﻓﻲ ﻃﺮوادة ﻋﺒﺮ ﺧﺪﻳﻌﺔ اﻟﺤﺼﺎن وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻐﺮوره ﻟﻢ ﻳﻘ ّﺪم اﻷﺿﺎﺣﻲ ﻹﻟﻪ اﻟﺒﺤﺮ ﻛﻲ ﻳﺸﻜﺮه ﻋﻠﻰ اﻻﻧﺘﺼﺎر ،ﻓﻌﺎﻗﺒﻪ ﺑﺄن ﺟﻌﻠﻪ ﻳﺘﻮه ﻋﻦ ﺑﻠﺪ إﻳﺜﺎﻛﺎ .ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺴﻴﺔ اﻟﺼﻴﻔﻴﺔ ﺗﻤ ّﻨﻰ ﺗﻮﺗﻮ أن ﺗﻬﻄﻞ اﻷﻣﻄﺎر ﻛﻲ ﻳﺘﻮﻗّﻒ اﻟﻌﺮض ﻓﻴﺬﻫﺐ ﻟﻠﻘﺎء ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ وﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﻤ ّﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺬي ﻳﻘﺴﻢ ﺷﻐﻔﻪ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻣﻊ ﺷﻲء آﺧﺮ. ﺗﻬﻄﻞ اﻷﻣﻄﺎر وﻳﻨﺘﻬﻲ اﻟﻌﺮض وﻳﺴﺎق إﻟﻰ اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ،وﻳﻔﻘﺪ اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻊ ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻳﺼ ّﺮ اﻟﻔﺮﻳﺪو ﻋﻠﻰ ﻣﻐﺎدرﺗﻪ اﻟﻘﺮﻳﺔ وﻋﺪم اﻟﻌﻮدة ﻧﻬﺎﺋ ٍّﻴﺎ ﻷ ّن اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ ﻣﻜﺎن آﺧﺮ! ﻳﻨﺠﺢ رﺟﻼ ﻣﺸﻬﻮ ًرا ،وﻓﻲ اﻷﻣﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺧﺒﺮﺗﻪ ﺑﻬﺎ ﺗﻮﺗﻮ ﻓﻲ روﻣﺎ وﻳﺼﺒﺢ ً ﺻﺎﺣﺒﺘﻪ أ ّن اﻟﻔﺮﻳﺪو ﻗﺪ ﻣﺎت ﻳﺴﺘﺬﻛﺮ ﻃﻔﻮﻟﺘﻪ وﺷﺒﺎﺑﻪ ،وﻳﻨﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ رﻏﺒﺎﺗﻪ اﻟﻤﻜﺒﻮﺗﺔ ﺑﺎﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﻘﺮﻳﺔ ،وﻷ ّن اﻟﻌﺰاء ﻛﺎﻷﺣﻼم ﺣ ّﺠﺔ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻛﻲ ﻳﻌﻮد وﻳﺼﻞ ﻣﺎ ﻗﻄﻌﻪ وﻳﺮﻓﻊ ﻋﻨﻪ رﻗﺎﺑﺔ اﻟﺒُﻌﺪ .ﻳﺘﺮك اﻟﻌﺠﻮز اﻟﻔﺮﻳﺪو ﻟﺴﻠﻔﺎﺗﻮري أﻣﺎﻧﺔ ،ﻫﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻓﻴﻠﻢ وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ روﻣﺎ ﻳﺸﺎﻫﺪه .ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﻔﻴﻠﻢ ّإﻻ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪ اﻟﻘُﺒﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻢ اﻗﺘﻄﺎﻋﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﻓﻼم ﺑﺄﻣﺮ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ وﻛﺄﻧّﻪ ﻳﺨﺒﺮه ﻻ ﺗﻜﻦ ﻛﺎﻟﻜﺎﻫﻦ اﻟﺬي اﻧﺴﺤﺐ ﻣﻦ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ُﺳﺤﺒﺖ ﻣﻨﻪ ﺳﻠﻄﺔ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ .اﻋ ْﺪ ﺻﻠﺘﻚ ﺑﻘﺮﻳﺘﻚ وأﻣﻚ وأﺧﺘﻚ ،واﺑﺤﺚْ ﻋﻦ ﺣﺒﻴﺒﺘﻚ اﻟﺘﻲ ﻓﻘﺪﺗﻬﺎ ﻣﻨﺬ
زﻣﻦ ﻧﺘﻴﺠﺔ رﻗﺎﺑﺔ أﺑﻴﻬﺎ واﺑﺘﻌﺎد اﻷﻣﻜﻨﺔ .ارﺟ ْﻊ إﻟﻰ اﻟﺤﻴﺎة وﻻ ﺗﺒ ّﺪل ﻏﺮﻓﺔ آﻟﺔ اﻟﺘﺸﻐﻴﻞ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ /اﻟﺤﻴﺎة ﺑﻐﺮﻓﺔ أﻛﺒﺮ ﻟﻜ ّﻨﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﺿﻴﻘًﺎ أﻻ وﻫﻲ اﻟﻬﺮوب إﻟﻰ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺴﻴﺊ ﻓﻲ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ. ﻓﻲ ﻣﺪﻳﺢ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ: ﻓﻲ اﻷﺻﻞ ﻛﺎن ﻋﻨﻮان اﻟﻔﻴﻠﻢ/Nuovo Cinema Paradiso» :ﺳﻴﻨﻤﺎ اﻟﺠﻨﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة« ّإﻻ أﻧّﻪ ﺳ ّﻮق ﺑﺎﻟﻌﻨﻮان اﻟﺘﺎﻟﻲ/Cinema Paradiso» : ﺳﻴﻨﻤﺎ اﻟﺠﻨﺔ" .ﻓﻬﻞ ﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﻣﺠ ّﺮد ﺣﻨﻜﺔ ﺗﺠﺎرﻳﺔ أم إ ّن اﻷﻣﺮ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ؟ ﻟﻨﺴﺘﻘﺼﻲ اﻷﻣﺮ ،ﻓﺎﻟﻌﻨﻮان اﻷﺻﻠﻲ ﻳﺸﻲ ﺑﺠ ّﻨﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻻ رﻗﺎﺑﺔ ﻓﻴﻬﺎ ،وﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻠﻐﻔﺮان ،وﻫﻨﺎ ﺗﻜﻤﻦ وﺻﻴﺔ اﻟﻔﺮﻳﺪو ﻟﺘﻮﺗﻮ! وﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻛﻌﺎدة اﻷﻓﻼم اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ ﻻ ﺑ ّﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﻮل :إ ّن واﻟﺤﺐ؛ ﺟﻮﻫﺮ اﻟﻔﻴﻠﻢ ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ رﻗﺎﺑﺔ ﺟﻮﻫﺮﻫﺎ اﻟﻐﻔﺮان ّ ﻫﻜﺬا ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﻔﻬﻢ ﺻﺮاخ اﻟﻜﺎﻫﻦ ﻷﻧّﻪ ﺗﺄﺧّﺮ ﻋﻠﻰ وداع ﺗﻮﺗﻮ، "أي ﻋﺎر ارﺗﻜﺒﺘﻪ" ﻓﺬﻟﻚ اﻟﺬي رﻛﺐ اﻟﻘﻄﺎر اﻟﻤﻐﺎدر إﻟﻰ روﻣﺎ ﺻﺎرﺧًﺎّ : ﻷﻧّﻪ ﺗﺄﺧﺮ ﻋﻠﻰ وداع ﺗﻮﺗﻮ! وﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺴﺘﻮﻋﺐ ﺟﻤﻠﺔ أ ّﻣﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻟﺤﺐ ﻓﻲ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻛ ّﻦ ﻳﺠﺒﻨﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ" :إﻧّﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺼﻮت ّ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﻪ ﻓﻲ روﻣﺎ" .ﻣﺎزال ﻗﻠﺐ ﺳﻠﻔﺎﺗﻮري ﻣﻌﻠّﻘًﺎ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ أﺣ ّﺒﻬﺎ ﻓﻲ ﺷﺒﺎﺑﻪ ّإﻻ أﻧّﻪ ﻣﺎزال ﻳﻘﻴﻢ ﺣﺎﺟﺰ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ؛ رﻗﺎﺑﺔ ﻏﻀﺒﻪ ﻷﻧّﻬﺎ ﻓﺎرﻗﺘﻪ ،ورﻗﺎﺑﺔ اﻟﺰﻣﺎن اﻟﺬي ﻓ ّﺮﻗﻬﻤﺎ ،ورﻗﺎﺑﺔ ﺗﺒﺎﻋﺪ أﻣﻜﻨﺘﻬﻤﺎ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺎ ﺳﻠﻔﺎﺗﻮري اﻛﺴ ْﺮ ﺣﺎﺟﺰ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﻜﺴﺮ اﻟﻤﻮﺷﻮر اﻟﻀﻮء، واﻋ ْﺪ ﺗﺸﻐﻴﻞ آﻟﺔ اﻟﻌﺮض اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ /اﻟﺤﻴﺎة * ﻛﺎﺗﺐ ﻣﻦ ﺳﻮرﻳﺔ
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
91
ﺗﺮاث اﻟﻔﻦ
ﻟﺮﺑﻤﺎ ﻷ ّن اﻟﻔﺮﻳﺪو ﻛﺎن ﺑﻼ أوﻻد وﺑﺎﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺎن ﺗﻮﺗﻮ ﺷﺒﻪ ﻳﺘﻴﻢ ﺑﻌﺪ أن ذﻫﺐ أﺑﻮه إﻟﻰ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ وﻷ ّن اﻟﻮﻟﺪ ﺳ ّﺮ أﺑﻴﻪ ،ﻋﺮف ﺗﻮﺗﻮ ﻛﻴﻒ ﻳﻌﻴﺪ اﻟﺸﻐﻒ إﻟﻰ ﺣﻴﺎة اﻟﻔﺮﻳﺪو. ﻓﻲ إﺣﺪى أﻣﺴﻴﺎت اﻟﻌﺮض اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻲ وﺑﻌﺪﻣﺎ أدﻳﺮت ﺑﻜﺮة اﻟﻔﻴﻠﻢ ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ رﻏﺒﺔ اﻟﺠﻤﻬﻮر اﻟﻤﺘﻌﻄﱢﺶ ﻟﻠﺮاﺣﺔ ﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺴﺎﺑﻊ، ﺧﺮﺟﻮا ﻏﺎﺿﺒﻴﻦ ﻣﻦ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻣﻌﺒﺮﻳﻦ ﻋﻦ رﻏﺒﺘﻬﻢ اﻟﺸﺪﻳﺪة ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺎﻫﺪة ﻟﻠﻤ ّﺮة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ، ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻳﺪو إﻻّ أن و ّﺟﻪ آﻟﺔ اﻟﻌﺮض اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻧﺎﻓﺬة اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة إﻟﻰ أﺣﺪ ﺟــﺪران اﻟﺒﻴﻮت ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻘﺮﻳﺔ، ﻓﺒﺪأ اﻟﻌﺮض ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ واﻧﺘﺸﻰ اﻟﻤﺸﺎﻫﺪون ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ .ﻃﻠﺐ اﻟﻔﺮﻳﺪو ﻣﻦ ﺗﻮﺗﻮ أن ﻳﻨﺰل إﻟﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ ﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ اﻟﻤﺸﺎﻫﺪﻳﻦ اﻟﻔﺮﺣﺔ ،واﺛﻨﺎء ذﻟﻚ ﺷ ّﺒﺖ اﻟﻨﺎر ﻓﻲ ﺷﺮﻳﻂ اﻟﻔﻴﻠﻢ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﺤﺮارة اﻟﻜﺒﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻌ ّﺮض ﻟﻬﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﻋﺮﺿﻪ ﺛﻼث ﻣﺮات ﻣﺘﺘﺎﻟﻴﺔ. ﺣﺎول اﻟﻔﺮﻳﺪو ﻗﻄﻊ اﻟﺸﺮﻳﻂ اﻟﺬي اﻧﺪﻟﻌﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﺎر ﻟﻜ ّﻨﻪ ﻓﺸﻞ. اﺣﺘﺮﻗﺖ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ،وأﻧﻘﺬ ﺗﻮﺗﻮ اﻟﻔﺮﻳﺪو ،ﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ أن أﺻﻴﺐ ﺑﺎﻟﻌﻤﻰ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﻌﺮﺿﻪ ﻟﻀﻮء آﻟﺔ اﻟﺘﺸﻐﻴﻞ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮ .ﻛﺎن ﺗﻮﺗﻮ ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﻘﺼﺎﺻﺎت ﻣﻦ اﻟﺸﺮﻳﻂ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻲ ﻳﻠﻌﺐ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ،ﻳﻀﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﻠﺒﺔ داﺋﺮﻳﺔ اﻟﺸﻜﻞ ﻣﻊ ﺻﻮرة واﻟﺪه ،وﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﻤﺮات ﺗﻠﻌﺐ اﺧﺘﻪ اﻟﺼﻐﻴﺮة ﺑﻬﺎ ،ﻣﻘﻠّﺪة إﻳﺎه ﻋﺒﺮ ﺗﻘﺮﻳﺐ اﻟﺼﻮرة ﻣﻦ ﻣﺼﺪر ﻟﻠﻀﻮء، ﻣﻤﺎ أ ّدى إﻟﻰ اﻧﺪﻻع اﻟﻨﺎر ،وﻟﻮﻻ اﻟﺤ ّﻆ اﻟﻄﻴﺐ ﻻﺣﺘﺮق ﺑﻴﺖ ﺗﻮﺗﻮ ﻣﻊ أﻣﻪ واﺧﺘﻪ ،ﻓﻔﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﻦ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺷﺮﻃﺔ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ ﺳﺮﻳﻌﺔ اﻻﺷﺘﻌﺎل .ﻳﻘﺪم ﺟﻮزﻳﺒﻲ ﺗﻮرﻧﺎﺗﻮري ﻓﻲ ﺛﻴﻤﺎت اﻟﺤﺮﻳﻖ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻟﻠﺮﻗﺎﺑﺔ ﻳﻨﻘﺬﻫﺎ ﻣﻦ ﻏﻮﻏﺎﺋﻴﺘﻬﺎ اﻟﻤﻠﺘﺼﻘﺔ ﺑﻬﺎ وﻛﺄﻧّﻪ ﻳﻘﻮل :ﻟﻴﻜﻦ اﻟﻴﻮم اﻟﺴﺎﺑﻊ ،ﻳﻮم اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ،وﺑﻘﻴﺔ أﻳﺎم اﻷﺳﺒﻮع ﻟﻠﻌﻤﻞ ،إﺿﺎﻓﺔ ﻟﺬﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ أن ﺗﺠﻴﺪ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ اﻷﻣﺎﻛﻦ ،ﻓﻘﺎﻋﺔ اﻟﻌﺮض اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ ﻫﻲ ﻣﻜﺎن ﺻﺎﻟﺢ دو ًﻣﺎ ﻟﻠﻌﺮض اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻲ ،ﻓﻲ ﺣﻴﻦ أ ّن اﻟﺒﻴﺖ أو ﺟﺪران اﻟﺴﺎﺣﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻬﺎ .ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﻫﻮ
90
ﻓﻲ ﻣﺪﻳﺢ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ
ﺗﺼ ّﻮر اﻟﻔﺮﻳﺪو ﻋﻦ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺗﺨﺎﻟﻒ ﻣﻨﻬﺞ ﻳﺤﺘﺞ ﻋﻠﻰ ﻗﻄﻊ ﺻﻮر اﻟﻘﺒﻞ اﻟﻄﻔﻞ ﺗﻮﺗﻮ ،اﻟﺬي ّ ﻣﻦ اﻷﻓﻼم وﻳﻄﺎﻟﺐ اﻟﻔﺮﻳﺪو أن ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﻬﺎ. وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺴﺮ اﻟﻔﺮﻳﺪو ﻗﻮاﻋﺪه اﻟﺮﻗﺎﺑﻴﺔ ﺧﺴﺮ ﺑﺼﺮه؛ ﻫﻜﺬا ﻟﻌﺐ اﻟﻔﺮﻳﺪو ﻣﻊ ﺗﻮﺗﻮ ﻟﻌﺒﺔ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ اﻗﺘﺪ ﺑﻲ – ﻻ ِ واﻟﺘﻔﻠّﺖ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻓﻖ ﻣﺒﺪأِ " : ﺗﻘﺘﺪ ﺑﻲ" وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺷ ّﺬ اﻟﻔﺮﻳﺪو؛ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ. زﻣﻦ اﻟﻄﻔﻞ ﺗﻮﺗﻮ
ﺗﻌﻮد ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺗﺠﻬﻴﺰﻫﺎ ﻟﻠﻌﻤﻞ ،وﻷ ّن ﺗﻮﺗﻮ ﻫﻮ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﺗﻌﻠّﻢ ﺗﺸﻐﻴﻞ آﻟﺔ اﻟﻌﺮض اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ ﻳﺼﺒﺢ ﻫﻮ اﻟﻤﺸﻐﱢﻞ ،ﻟﻜﻦ ﺑﺎﻟﺘﺤﺎﻳﻞ ﻋﻠﻰ رﻗﺎﺑﺔ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﻳﻤﻨﻊ ﻋﻤﺎﻟﺔ اﻷﻃﻔﺎل .ﻳﺘﻮاﻃﺄ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻋﻠﻰ ﺧﺪاع ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻌﻤﻞ ،ﻓﻜﻠﻬﻢ ﻳﺮﻳﺪون أن ﻳﺸﺎﻫﺪوا اﻷﻓﻼم وﺿﻤ ًﻨﺎ اﻟﻔﺮﻳﺪو اﻟﺬي ﻳﺮى ﺑﻌﻴﻨﻲ ﺗﻮﺗﻮ ،وﻫﻜﺬا ﺑﻌﺪ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻋﺎ ًﻣﺎ ﻣﻦ اﻓﺘﺘﺎح اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة ﻳﺴﻤﺢ ﺑﻌﺮض اﻟﻘُﺒﻞ ،وﺗﺴﺤﺐ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺮﻗﺎﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﻳﺪ اﻟﻜﺎﻫﻦ ،وﻓﻲ أول ﻋﺮض ،وأول ﻗﺒﻠﺔ ،ﻳﻨﺴﺤﺐ اﻟﻜﺎﻫﻦ ﻣﺤﺘﺠﺎً ﻋﻠﻰ ﻻ أﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﻘﺒﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧّﻪ ﻛﺎن ﺳﺎﺑﻘًﺎ ﻳﺸﺎﻫﺪ اﻟﻘﺒﻞ ﻣﺘﺴﻠ ًﺤﺎ ﺑﺴﻠﻄﺔ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﻛﻲ ﻻ ﻳﻘﻊ ﺑﺎﻹﻏﻮاء ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﺤﺒﺖ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻣﻨﻪ ﺧﺎف ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻌﻠ ًّﻼ ذﻟﻚ ﺑﻼ أﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﻘﺒﻞ ﺑﺎﻟﻤﻄﻠﻖ ،وﻫﻨﺎ ﻟﻮ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﺟﻴ ًﺪا ﻟﺮأﻳﻨﺎ أن اﻣﺘﻨﺎع اﻟﻜﺎﻫﻦ ﻻ ﻳﺘ ّﻌﺪى ﻣﻔﻀﻼ اﻟﺒﻘﺎء ﺗﺤﺖ ﺳﻠﻄﺔ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ً ﺧﻮﻓﻪ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﻮع ﻓﻲ اﻟﻐﻮاﻳﺔ ﻛﺎﻣﻼ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ اﻟﻤﻨﺘﻬﻴﺔ اﻟﺼﻼﺣﻴﺔ وﺧﺴﺎرة ﺗﻤﺘﻌﻪ ﺑﺎﻟﻔﻴﻠﻢ ً ﺳﺎﺑﻘًﺎ .ﻟﻘﺪ ﻣﻨﻌﻪ ﺧﻮﻓﻪ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻤﺘﺎع ﺑﺎﻟﻔﻦ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻲ ،ﻛﻤﺎ ﻣﻨﻊ ﺷﻐﻒ اﻟﻔﺮﻳﺪو ﺑﺎﻟﺴﻴﻨﻤﺎ اﻻﺳﺘﻤﺘﺎع ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة ﺑﻌﻴ ًﺪا ﻋﻦ ﺷﺎﺷﺘﻬﺎ .ﺿﺤﻚ ﺗﻮﺗﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﺎﻫﺪﻳﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺣﺘﺠﻮا ﻋﻠﻰ اﻗﺘﻄﺎع ﻗﺒﻠﺔ ﻓﻲ زﻣﻦ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻊ اﻟﻔﺮﻳﺪو ﻳﻘﺘﻄﻌﺎ ﻣ ًﻌﺎ اﻟﻠﻘﻄﺎت وﻓﻘًﺎ ﻟﺮﻧّﺔ ﺟﺮس اﻟﻜﺎﻫﻦ ،وﻫﻨﺎ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺨ ّﻤﻦ أ ّن ﻻ رﻗﺎﺑﺔ ﻣﻊ اﻟﻄﻔﻞ ﺗﻮﺗﻮ ّإﻻ أﻧﻪ ﻗﺺ ﺻﻮرة أﺑﻴﻪ ﻣﻦ ﺷﺮﻳﻂ اﺧﺒﺎري ﻳﻌﺮض اﻟﺠﻨﻮد ﺧ ّﻴﺐ أﻣﻠﻨﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ّ
ﻳﻌ ّﺪ اﻟﻔﻴﻠﻢ ﻣﺪﻳ ًﺤﺎ ﻻ ﻣﺘﻨﺎﻫ ٍّﻴﺎ ﻟﻔ ّﻦ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ أو ﻣﺎ ﻳُﺴﻤﻰ اﻟﻔ ّﻦ اﻟﺴﺎﺑﻊ .ﻟﻜﻦ ﻣﺎذا ﻟﻮ ﺗﻤﺖ ﻣﻘﺎرﻧﺘﻪ ﻣﻊ اﻟﻤﺴﺮح أﺑﻲ اﻟﻔﻨﻮن ﺟﻤﻌﺎء اﻟﺬي ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻹﻋﻼء ﺟﻤﺎﻟﻴﺎت اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ! ﻟﻨﻨﻈﺮ إذن ﻓﻲ ﻣﺴﺮﺣﻴﺎت ﺳﻮﻓﻮﻛﻠﻴﺲ وﻳﻮرﺑﻴﺪس وﻏﻴﺮﻫﻢ، اﻟﺘﻲ ﺗﺪور ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﻬﺎﻳﺎت اﻟﻤﺄﺳﺎوﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺘﻚ ﺑﻤﺨﺎﻟﻔﻲ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ واﻷﻋﺮاف .ﻳﺄﺗﻲ اﻟﻔ ّﻦ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺘﻤﺎﻫ ٍّﻴﺎ ﻣﻊ رﻣﺰﻳﺔ اﻟﻴﻮم اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘﺮاح اﻟﺨﺎﻟﻖ ﻣﻦ أﻋﻤﺎﻟﻪ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ اﻟﻜﻮن ،ﻓﺎﻷﻋﻤﺎل ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻬﺎ وإﻻ ﺳﺘﻌ ّﻢ اﻟﻔﻮﺿﻰ أ ّﻣﺎ ﻣﺘﻘ ّﻴﺪة ﺑﺎﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ ّ اﻟﺮاﺣﺔ ،ﻓﻬﻲ ﻣﺘﻔﻠّﺘﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ ،وﻋﻠﻴﻪ ﻫﻞ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﻘﻮل :إنّ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺴﺮح ﺑﻼ ﺗﺎﺑﻮﻫﺎت ورﻗﺎﺑﺔ!؟ ﻧﺪﺧﻞ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻟﻨﺮى رﻏﺒﺎﺗﻨﺎ وﺷﻬﻮاﺗﻨﺎ وآﻣﺎﻟﻨﺎ وﺧﻴﺒﺎﺗﻨﺎ وﺗﻄ ّﺮﻓﻨﺎ وﺟﻨﻮﺣﻨﺎ وﺷﺬوذﻧﺎ ،ﻓﻔﻴﻬﺎ ﻳﻨﺠﻮ اﻟﻘﺎﺗﻞ واﻟﺴﺎرق ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ واﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻴﺔ، اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ،وﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻧﺘﻔﻠّﺖ ﻣﻦ ّ وﻟﻨﺎ أن ﻧﻄﻠﻖ ﺧﻴﺎﻻﺗﻨﺎ وﻫﻮاﺟﺴﻨﺎ إﻟﻰ أﻗﺼﻰ ﺣ ﱟﺪ ،ﻓﻌﺒﺮﻫﺎ ﺗﻘﺎﺳﻤﻨﺎ ﻓﻌﻞ اﻟﺨﻠﻖ ﻣﻊ اﻟﺨﺎﻟﻖ ،ﻓﺈن ﻛﺎن ﻟﻪ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺨﺎﻟﻘﺔ »ﻛﻦ« ،ﻓﻠﻨﺎ اﻟﺨﻴﺎل ﻧﺼﻨﻊ ﺑﻪ ﻣﺎ ﻧﺮﻳﺪ ﻣﻦ ﻋﻮاﻟﻢ. ﻳﺒﺪأ اﻟﻔﻴﻠﻢ ﻋﺒﺮ ﺗﺬﻛّﺮ ﺳﻠﻔﺎﺗﻮري ﻃﻔﻮﻟﺘﻪ وﺷﺒﺎﺑﻪ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﺟﺰﻳﺮة ﺻﻘﻠﻴﺔ ،ﺑﻌﺪ أن ﺗﺨﺒﺮه ﺻﺎﺣﺒﺘﻪ ﺑﺄ ّن أ ّﻣﻪ ﻗﺪ اﺗﺼﻠﺖ ﻟﺘﻌﻠﻤﻪ ﺑﻤﻮت
ﺻﺪﻳﻘﻪ اﻟﻔﺮﻳﺪو. ﻏﺎدر ﺳﻠﻔﺎﺗﻮري ﻣﺴﻘﻂ رأﺳﻪ ﺑﻌﺪ إﻟﺤﺎح ﻣﻦ ﻗﺎﺋﻼ ﻟﻪ»:ﻻﺗﻐﺮق ﻓﻲ اﻟﺤﻨﻴﻦ اﻟﻔﺮﻳﺪو اﻷﻋﻤﻰ ً ﻛﻞ ﺷﻲء«. إﻟﻰ اﻟﻤﺎﺿﻲ .اِﻧﺲ ّ ﺛﻼﺛﻮن ﻋﺎ ًﻣﺎ ﻣﻀﺖ ،ﻣﻨﺬ ﻏــﺎدر ﺳﻠﻔﺎﺗﻮري ﺻﻘﻠﻴﺔ .ﻟﻢ ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻴﻬﺎ أﺑ ـ ًﺪا ،ﺿﺎرﺑًﺎ ﺑﻌﺮض اﻟﺤﺎﺋﻂ أﺟﻤﻞ ﻣﺘﻌﻪ أﻻ وﻫﻲ ﻣﺸﺎﻫﺪة اﻷﻓﻼم اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ ﻛﻲ ﻻ ﻳﻘﻀﻲ ﻃﻮال ﻋﻤﺮه ﻣﺸﻐ ًّﻼ ﻵﻟﺔ اﻟﻌﺮض ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة ،اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻮ ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺘﺪﻓّﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻌﺎع اﻟﻀﻮء ﻓﻴﺴﻘﻂ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻤﺎﺷﺔ اﻟﺒﻴﻀﺎء ﺻﺎﻧ ًﻌﺎ أﺟﻤﻞ اﻟﻌﻮاﻟﻢ اﻟﺘﻲ ﻓﺘﻦ ﺑﻬﺎ ﺳﻠﻔﺎﺗﻮري أو ﺗﻮﺗﻮ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻨﺎدﻳﻪ اﻟﺠﻤﻴﻊ .ﻧﺸﺄت ﺻﺪاﻗﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻄﻔﻞ ﺗﻮﺗﻮ وﻣﺸﻐﻞ آﻟﺔ ﻋﺮض اﻷﻓﻼم اﻟﻔﺮﻳﺪو ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺗﻮﺗﻮ ﻳﺘﺴﻠّﻞ إﻟﻰ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة ،ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻣﻌﺎرﺿﺔ اﻟﻔﺮﻳﺪو ﻟﺸﻐﻒ اﻟﻄﻔﻞ ﻣﺨﺒ ًﺮا إﻳﺎه أن ﻫﺬا اﻟﺸﻐﻒ ﺣ ّﻮﻟﻪ إﻟﻰ ٍ ﻋﺒﺪ ﺗﻤ ّﺮ اﻟﺤﻴﺎة ﺧﺎرج اﻟﺸﺎﺷﺔ ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻪ، وﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻰ ﻋﻴﺸﻬﺎ ،ﻓﻴﻘﻀﻲ أﻏﻠﺐ أوﻗﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة ﻣﻤﺎرﺳﺎ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻓﻼم ﺑﻌﺪ أن ﻳﻘﺘﻄﻊ اﻟﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻀ ّﻤﻦ اﻟﻘﺒﻞ ً ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ رﻧّﺔ ﺟﺮس ﺻﻐﻴﺮ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻛﺎﻫﻦ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻓﻼم. ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ اﻟﻔﺮﻳﺪو أن ﻳﻘﺎوم رﻏﺒﺔ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﻘﻮﻳﺔ ﺣﺘّﻰ إﻧّﻪ ﺧﻀﻊ ﻟﻬﺎ،
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
89
ﺗﺮاث اﻟﻔﻦ
ﻓﻲ ﻣﺪﻳﺢ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ
ﺑﺎﺳﻢ ﺳﻠﻴﻤﺎن
ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺳﻴﻐﻤﻮﻧﺪ ﻓﺮوﻳﺪ أنّ اﻷﺣﻼم وﺳﻴﻠﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ رﻏﺒﺎت ﻣﻜﺒﻮﺗﺔ، ً وﺗﺤﺎﻳﻼ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺒﻮﺗﺎﺗﻨﺎ؛ ﺳﻮاء وأنّ اﻹﺑﺪاع ﺑﻜﺎﻓﺔ أﺷﻜﺎﻟﻪ ﺗﺼﻌﻴﺪً ا ﻛﻞ ﺷﻲء ،ﻛﻤﺎ ﻳﻨ ّﻮه ﻛﺎﻧﺖ ﺟﻨﺴ ّﻴﺔ أم ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ .ﻳﺮاﻗﺐ اﻷخ اﻷﻛﺒﺮ ّ ﺟﻮرج أورﻳﻞ ﻓﻲ رواﻳﺘﻪ » .«1984ﻫﺬا اﻷخ اﻷﻛﺒﺮ ،ﻫﻮ اﻷﻧﺎ اﻟﻌﻠﻴﺎ، رأس ﻣﺜﻠﺚ اﻟﺮﻏﺒﺔ اﻟﺬي ﻧﻈّﺮ ﻟﻪ رﻳﻨﻴﻪ ﺟﻴﺮار ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »اﻟﻌﻨﻒ اﻟﻤﻘﺪس« ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮم ﻫﺬا اﻷخ اﻷﻛﺒﺮ ﺑﻠﻌﺒﺔ اﻟﺴﻠﻄﺔ ً ﻗﺎﺋﻼ» :اﻗﺘ ِﺪ ﺑﻲ – ﻻ ﺗﻘﺘ ِﺪ ﺑﻲ« ،ﻓﻌﺒﺮ أﻣﺮﻳﻪ ﺗﻨﺸﺄ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﺑﺎﺳﺘﻨﺴﺎخ ﺷﺨﺼﻴﺔ اﻷخ اﻷﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﺮﻳﺪ ﻋﺒﺮ اﻻﻗﺘﺪاء أو ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ اﻟﻤﺮﻳﺪ رﻏﺒﺔ اﻷخ ﺛﻢ ﻛﺴﺮﻫﺎ ﺑﺎﺷﺘﻬﺎء ﻣﺎ ﻟﺪى اﻷخ اﻷﻛﺒﺮ. اﻷﻛﺒﺮ ،وﻣﻦ ّ ﻛﺘﺐ داﻧﻴﺎل دﻳﻔﻮ رواﻳﺘﻪ »روﺑﻨﺴﻮن ﻛﺮوز« اﻟﺘﻲ ﺻ ّﻮر ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻴﺎة ﺑﺤﺎر ﻧﺠﺎ ﻣﻦ اﻟﻐﺮق ،وﻋﺎش ﻋﻠﻰ ﺟﺰﻳﺮة ﻣﻌﺰوﻟﺔ وﺣﻴ ًﺪا ،وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،أﻟﺰم ﻛﺮوز ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻌﺎدات ﻣﺠﺘﻤﻪ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي وﻛﺄ ّن اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻴﺔ ﻣﺎزاﻟﺖ ﻣﻮﺟﻮدة! ﻓﻤﺎ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺮاه روﺑﻨﺴﻮن ﻛﺮوز ﺟﻤﺎﻟ ٍّﻴﺎ ﻓﻲ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﺣﺘّﻰ أﻟﺰم ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﺰﻳﺮﺗﻪ اﻟﻤﻌﺰوﻟﺔ؟ أﻟﻴﺴﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﻣﻦ ﺟﻌﻠﺖ ﻛﺮوز ﻳﻘﺎوم وﺣﺪﺗﻪ اﻟﺤﺎ ّدة واﻧﻌﺪام اﻷﻣﻞ ﺑﺎﻟﻨﺠﺎة ،ﻓﻴﻨﺘﻬﻲ ﻣﻨﺘﺤ ًﺮا ﺑﺴﺒﺐ ذﻟﻚ! 88
ﻓﻲ ﻣﺪﻳﺢ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ
ﻫﻞ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻔﻦّ؟ اﻟﺘﺼﻘﺖ ﺑﺎﻟﺮﻗﺎﺑﺔ اﻟﻨﻌﻮت اﻟﻤﺬﻣﻮﻣﺔ ،ﻓﻬﻲ ﺗﺤﺠﺐ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻋﻦ اﻹﻧﺴﺎن وﺗﻤﻨﻌﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ آراﺋﻪ ،وﺗﺰ ّﺟﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻮن ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺨﺎﻟﻔﻬﺎ ،ﺣﺘّﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ أﻓﻜﺎره ﻣﺠ ّﺮد ﻇﻨﻮن أو أﺣﻼم ﻳﻘﻈﺔ! ﻇﻬﺮ اﻟﻤﺬﻫﺐ اﻟﺮﻣﺰي ﻓﻲ اﻵداب واﻟﻔﻨﻮن ﻫﺮﺑًﺎ ﻣﻦ ﺳﻄﻮة اﻟﺮﻗﻴﺐ ،ﻓﺄﺑﺪع ﻓﻲ إﻧﺘﺎج أﻋﻤﺎل ﻓﻨ ّﻴﺔ وأدﺑﻴﺔ ﺧﺎﻟﺪة! وﻟﻮ ﻓﻜّﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﻤﺴﺮح أﺑﻲ اﻟﻔﻨﻮن ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ،ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ أ ّن اﻟﻜﺎﺛﺎرﻳﺲ أو ﻣﺒﺪأ اﻟﺘﻄﻬﻴﺮ اﻟﺬي ﺗﻜﻠّﻢ ﻋﻨﻪ أرﺳﻄﻮ ،ﻟﻴﺲ إﻻّ ﻧﻮ ًﻋﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻟﻴﺎت اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ،ﻓﺎﻟﻌﻘﻮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺎﻟﻒ اﻷﻗﺪار ورؤﻳﺔ اﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﻟﻠﺬي ﺣﺪث ﺗﺪﻓﻌﻪ ﻟﻠﺘﺄﺛﺮ ،ﺳﻮاء ﻛﺎن ﺗﺄﺛﺮه ﻟﻮ ًﻣﺎ ﻟﻨﻔﺴﻪ أم ﻣﺪ ًﺣﺎ ﻟﻬﺎ ،ﻓﺎﻟﻤﺨﻄﺊ ﻳﺮاﺟﻊ أﻋﻤﺎﻟﻪ وﻳﻘ ّﺪم ﺑﺤﻖ ﻣﻦ ﺗﻮﺑﺔ ﻧﺼﻮﺣﺔ ﻋﺒﺮ اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ اﻟﻤﺄﺳﺎوﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ّ ﻛﺴﺮ اﻟﺘﺎﺑﻮﻫﺎت ،ﻓﻴﻤﺎ اﻟﺨﺎﺿﻊ ﻟﻠﺘﺎﺑﻮﻫﺎت /اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﻳﺜﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ، ﻓﻴﺨﺮج ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻫﺪة اﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ راﺿﻲ اﻟﻨﻔﺲ .ﻓﻬﻞ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻗُﺪم ﺳﺘﻈﻞ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﻣﺬﻣﻮﻣﺔ ﻻ ﺻﻔﺔ ﺟﻴﺪة ﻓﻴﻬﺎ!؟ ﺳﻴﻨﻤﺎ ﺑﺎرادﻳﺴﻴﻮ: ﻣﺎ أوردﻧﺎه أﻋﻼه ،ﻟﻴﺲ ّإﻻ ﺗﻮﻃﺌﺔ ﻟﻨﻘﺎش أﺣﺪ أﻫﻢ أﻓﻼم اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ اﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ واﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ،اﻟﺬي أﺧﺮﺟﻪ ﺟﻮزﻳﺒﻲ ﺗﻮرﻧﺎﺗﻮري وﻧﺎل ﻋﻨﻪ ﺟﺎﺋﺰة اﻷوﺳﻜﺎر ﻋﻦ أﻓﻀﻞ ﻓﻴﻠﻢ أﺟﻨﺒﻲ وﻟﻘﺪ اﺣﺘﻞ اﻟﻤﺮﺗﺒﺔ اﻟــ 55ﻓﻲ ﺗﺼﻴﻒ ﻣﻮﻗﻊ IMDBﻷﻓﻀﻞ 250ﻓﻴﻠ ًﻤﺎ ﻋﺎﻟﻤ ٍّﻴﺎ.
ﺗﺨﺮج اﻟﻤﺘﻠﻘﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ اﻻﻧﻔﻌﺎﻟﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ واﻟﻤﺘﻔﺎﻋﻠﺔ .إن اﻟﻤﺠﺎﻃﻲ ﺻﺎﻧﻊ اﻻﺳﺘﻌﺎرات اﻟﻘﺎدرة ﻋﻠﻰ اﻹدﻫﺎش واﻟﺘﺤﻔﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻇﻴﻒ ﻛﻞ اﻟﻤﺪرﻛﺎت اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ واﻟﻼﻋﻘﻠﻴﺔ واﻟﺤﻮاس ﻻﻗﺘﻨﺎص اﻟﺠﻤﺎل واﻟﺨﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﺼﻮر اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻬﻞ ﻣﻦ ﻣﻌﻴﻦ اﻟﺠﻠﻴﻞ واﻟﻤﺮﺑﻚ ،ﻣﻤﺎ ﻳﻔﺮض ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺘﻠﻘﻲ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺘﺄ ّﻫﺒﺎً ﻟﺨﻮض ﻏﻤﺎر اﻟﻐﻮص ﻓﻲ ﺧﻮاﻓﻲ اﻟﻨﺼﻴﺔ اﻟﻤﺠﺎﻃﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﺘﻨﺺ اﻟﺒﺪﻳﻊ ﻓﻲ اﻟﻘﻮل واﻟﺒﺎذخ ﻓﻲ اﻟﺪﻻﻟﺔ ،آﺧﺬﻳﻦ ﺑﻌﻴﻦ اﻟﺘﺄوﻳﻞ »أن ﺳﺤﺮ اﻟﺸﻌﺮ راﺟﻊ إﻟﻰ ﺿﺮب ﻣﻦ »اﻟﺘﻄﺮﻳﻖ« ﻓﻲ ﺗﻨﺎول اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ واﺳﺘﻌﺎراﺗﻬﺎ«، وﻣﻦ ﺗﻢ ﻓﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻟﻠﻤﺠﺎﻃﻲ ﻻ ﺗﻘﻒ ﻋﻨﺪ ﺣﺪود اﻟﻤﻘﺎرﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ وإﻧﻤﺎ ﺗﺬﻫﺐ ﺑﻌﻴﺪا ً ﻓﻲ اﻗﺘﻨﺎص اﻟﺒﻬﻲ اﻻﺳﺘﻌﺎري واﻟﻜﻨﺎﺋﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﻮل واﻟﺘﻌﺒﻴﺮ واﻟﻨﺴﺞ ،وﺗﻠﻚ ﺳﺠﻴﺔ ﻣﻦ ﺳﺠﺎﻳﺎ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟ ُﻤﺠﻴﺪﻳﻦ واﻟﻤﺒﺪﻋﻴﻦ .ﻓﺎﻟﻤﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻘﻮل اﻟﻤﻮﺟﺰ واﻟﻤﻮﺣﻲ »دب اﻷﺳﻰ ﻓﻲ ﻣﻜﺒﺲ اﻟﻘَﺮس« ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺪﺑﻴﺐ اﻟﺮﻫﺒﺔ اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ّ اﺳﺘﻄﺎع اﻟﺸﺎﻋﺮ اﺑﺘﺪاﻋﻬﺎ ﺗﺴﺮي ﻓﻲ اﻟﻤﺨﻴّﻠﺔ ﺿﺎرﺑﺔ اﻟﻤﺄﻟﻮف ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ وﺧﺎرﻗﺔ ﺛﻮاﺑﺖ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﻤﻌﺘﺎدة ،ﻓﻠﻠﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ اﻟﻼﻓﻌﻞ ﻟﺠﺄ اﻟﻤﺠﺎﻃﻲ إﻟﻰ ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﺸﻜﻴﻞ اﻟﺒﻼﻏﻲ اﻟﻤﺘﺠﻠﻲ ﻓﻲ اﺳﺘﻌﺎرة اﻷﺳﻰ ﻟﻘﻮل اﻟﺬي ﻳﺠﺐ ﻗﻮﻟﻪ أﻣﺎم ﻣﺸﻬﺪﻳﺔ واﻗﻌﻴﺔ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﺴﻘﻮط ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﺗﺒﻘﻰ اﻟﺮؤﻳﺎ ﺳﻴﺪة اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ،إذ ﻟﻢ ﻳﺮﺗﻜﻦ إﻟﻰ اﻟﺠﺎﻫﺰ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﺳﻌﻰ إﻟﻰ ﻣ ّﺪ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ إﻟﻰ آﻓﺎق ﻣﻤﺘﺪة ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻬﻮل واﻟﻼﻣﺤﺪود. واﻟﻤﺸﻬﺪﻳﺔ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻻ ﺗﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﺑﻮﺗﻘﺔ اﻟﻤﺄﻟﻮف ،ﺑﻞ ﺗﺮوم إﻟﻰ ﺗﻜﺴﻴﺮ اﻟﺘﻨﻤﻴﻂ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ،ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻠﺠﻮء ،إﻟﻰ اﻻﺳﺘﺮﻓﺎد ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ وﺷﻌﺮﻧﺘﻬﺎ ﺑﺄﺳﻠﻮﺑﻴﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ذات ﺳﻤﺎت ﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ ﻳﻘﻮل ﻓﻲ اﻟﻤﻠﺼﻘﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ ﻗﺼﻴﺪة »ﻣﻠﺼﻘﺎت ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ اﻟﻤﻬﺮاز«: ﻛﺎن ﺣﻴﻦ ﻳﺰور اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ /ﻳﻄﺮق ﺑﺎﺑﻲ /أﻋ ّﺪ ﻟﻪ ﻗﻬﻮة اﻟ َﻌﺼﺮ /ﻳﻜﺘﻢ ﺳﻌﻠﺘﻪ /أﺗﺴ ّﻮر ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ اﻟﺸّ ْﺰر /ﻗﺎﻣﺘﻪ اﻟﻤﺎردة /ﻛﺎن ﻳﻤﻨﺤﻨﻲ ﺑﺴﻤﺔ /وﻳُﺮاﻣﻖ ﻣﻨﻌﻄﻒ اﻟ ّﺪرب /ﻣﻦ ﻛُﻮة اﻟﻨﺎﻓﺬة. ﻓﺎﻟﻤﻠﻤﺢ اﻟﺴﺮدي ﺣﺎﺿﺮ ﺑﻘﻮة ﻣﺸﺒﻊ ﺑﺮوح اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻣﺴﺒﻮك وﻣﻨﺤﻮت وﻣﻨﺴﻮج ﺑﺈﺑﺮة ﺑﻼﻏﺔ اﻟﺤﻴﺎة ،وﺻﺎدح ﺑﺈﻳﻘﺎﻋﻴﺔ
ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﺗﺘﻤﺎﺷﻰ ﻣﻊ ﻟﺤﻈﺔ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ .إن ﺗﺴﺮﻳﺪ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻧﻘﺼﺪ ﺑﻬﺎ اﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ ﺗﻮﻇﻴﻒ اﻟﻴﻮﻣﻲ ﺑﻠﻐﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﺗﻔﻴﺾ ﺳﺮدا ً ﺑﻐﻴﺔ إﺿﻔﺎء ﻣﺴﺤﺔ ﺣﻜﺎﺋﻴﺔ ﺗﺰﻳﺪ ﻣﻦ إﻳﻘﺎظ ﺣﻮاس اﻟﻤﺘﻠﻘﻲ ودﻓﻌﻪ إﻟﻰ ﻣﻄﺎردة اﻷﻓﻌﺎل اﻟﻤﺤﻜﻴﺔ ،وﻗﺪ اﺳﺘﻄﺎع اﻟﺸﺎﻋﺮ أن ﻳﺒﺪع ﻓﻲ ﻫﺬا ﻟﻐﺔ اﻟﺤﻴﺎة وﺣﻴﺎة اﻟﻠﻐﺔ ،ﻓﺎﻷوﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻌﻮاﻟﻢ اﻟﺮوح واﻟﺠﺴﺪ واﻟﺘﻔﺎﻋﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،أﻣﺎ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ واﻟﻨﺜﺮ ﻣﻌﺎً ،ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻣﻴﺨﺎﺋﻴﻞ ﻧﻌﻴﻤﺔ ،ﻣﻤﺎ ﻳﺪل أن ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﺤﻴﺎة ﻛﺎن ﻣﻔﻌﻮﻟﻬﺎ ﺟﻠﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎة اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ،ﻓﺎﺻﻄﺒﻐﺖ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻠﻤﺢ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ .واﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻮﻣﺎت ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ وإﺑﺪاﻋﻴﺔ ﺷﺤﻨﺘﻬﺎ ﺑﻄﺎﻗﺔ ﺗﺄوﻳﻠﻴﺔ ﻣﻤﺘﺪة ﻓﻲ آﻣﺎد ذات أﺑﻌﺎد ﻳﺼﻌﺐ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻬﺎ إﻻ ﺑﺎﻟﺤﻔﺮ اﻟﻮﺋﻴﺪ ﻓﻲ ﻃﺒﻘﺎت اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ وإﻋﻤﺎل ذﺧﻴﺮة ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ ﺗﻤﻨﺢ ﻟﻠﻤﺘﻠﻘﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻔﻠﺖ ﻣﻨﻬﺎ .واﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ ﻧﻤﺎذج ﻣﻦ ﺷﻌﺮ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻛﺜﻴﺮة وﻛﻔﻴﻠﺔ ﺑﺄن ﺗﻔﺘﺢ أﻓﻘﺎً ﺟﺪﻳﺪا ً ﻟﻘﺮاءات ﻗﺎدﻣﺔ .ﻫﺬا ﻣﻦ ﺟﻬﺔ وﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﺠﺎﻃﻲ ﻟﻢ ﻳﻘﻒ ﻋﻨﺪ ﺣﺪود اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﺑﻞ ﺗﻌﺪاﻫﺎ إﻟﻰ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﺘﻲ أﺑﺎن ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻦ اﻣﺘﻼﻛﻪ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ واﻟﺘﺄوﻳﻞ وﻗﺮاءة اﻟﻤﻨﺘﺞ ﺑﻌﻴﻦ اﻟﺒﺼﻴﺮة وﻟﻌﻞ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻨﻘﺪي »أزﻣﺔ اﻟﺤﺪاﺛﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ« ﻛﺎن دﻟﻴﻼً ﻗﺎﻃﻌﺎً ﻋﻠﻰ أن اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻨﺎﻗﺪ ﻗﺎم ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ ﺗﺸﺮﻳﺤﻴﺔ ﻷﻋﻄﺎب ﺣﺪاﺛﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺬي ﺧﻠﺺ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﺗﻌﻴﺶ أزﻣﺔ ووﺻﻠﺖ اﻟﺒﺎب اﻟﻤﺴﺪود، ﻟﻜﻮن ﺷﻌﺮاء اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﻌﺮب ﻧﻬﺠﻮا ﻧﻬﺞ اﻟﻤﺤﺎﻛﺎة واﻟﻨﻘﻞ اﻟﺴﺎذج ﻟﻠﺤﺪاﺛﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺳﻮاء ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻹﻳﻘﺎع واﻟﻠﻐﺔ واﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ، وﻣﺸﻴﺮا ً إﻟﻰ أن اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺤﺪاﺛﻴﻴﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ وﺑﻴﻦ اﻟﺘﺮاث ﻋﻼﻗﺔ ﺗﺒﺎﻋﺪ واﻧﻔﺼﺎل ،ﻟﻜﻮﻧﻬﻢ ﻳﻌﺘﻘﺪون أن اﻻرﺗﻤﺎء ﻓﻲ ﺣﻀﻦ اﻟﺤﺪاﺛﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻣﺰﻳﺔ وﺗﺠﺎوز ﻟﻬﺬا اﻟﺘﺮاث .وﻗﺪ ذاﻋﺖ ﻗﻮﻟﺘﻪ اﻟﺸﻬﻴﺮة: »ﺗﺴﻌﻔﻨﻲ اﻟﻜﺄس /وﻻ ﺗﺴﻌﻔﻨﻲ اﻟﻌﺒﺎرة« ﻳﺘﺨﻞ ﻋﻦ وﻋﻴﻪ ﻓﺎﻟﺸﺎﻋﺮ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﺠﺎﻃﻲ ﻟﻢ ّ اﻟﻮﺟﻮدي ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ اﻷﻣﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻟــﺪﻳــﻪ ﻇﻠﺖ ﻣﻨﻐﻤﺴﺔ ﻓــﻲ ﻫﺬه اﻻﻧﺸﻐﺎﻻت اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔِ ، ﻣﺒﺪﻋﺎً ﺧﻄﺎﺑﻪ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﺠﺎﻃﻲ اﻟﺸﻌﺮي اﻟﻤﻨﺴﺠﻢ ﻣﻊ رؤاه ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﻟﺤﻴﺎة
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
87
إﺿﺎءة
اﻟﺸﺎﻋﺮ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﺠﺎﻃﻲ ً أﺣﻘﺎ ﻟﻢ ﺗُﺴﻌﻔﻪ اﻟﻌﺒﺎرة! ﺗﺤﻞ اﻟﺬﻛﺮى اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻟﻌﺸﺮون ) (1995 - 1935ﻟﺮﺣﻴﻞ اﻟﺸﺎﻋﺮ ّ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﺠﺎﻃﻲ ،ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺼﻐﻴﺮة اﻟﻤﻨﺴﻮﺟﺔ ﺑﻤﺎء اﻟﺸﻌﺮ واﻟﻤﻠﻘّﺤﺔ ﻟﻔﻘﺪان ﻣﻨﺎﻋﺘﻨﺎ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ،ذﻟﻚ أن ﻣﻴﺎﻫﺎً ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻛﺜﻴﺮة ﻣ ّﺮت ﺗﺤﺖ ﺟﺴﺮ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﻋﻠﻞ اﻹﺑﺪاع اﻟﻤﺼﺎﺑﺔ ﺑﻬﺎ اﻟﻨﺼﻴﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ،ﺣﻴﺚ اﻟﻤﺤﺎﻛﺎة ﺳﻴﺪة ﻣﺎ ﻳُﻜﺘﺐ اﻟﻴﻮم ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺸﻌﺮ ،ﻓﺎﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻤﺴﻜﻮﺑﺔ ﻣﻦ ﻓﻢ اﻟﻨﻮر ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻲء ﻋﺘﻤﺎت اﻟﻨﺺ اﻟﺸﻌﺮي اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ،وﺗﺠﻌﻠﻪ أﻛﺜﺮ ﺣﻴﺎة ودﻳﻤﻮﻣﺔ ﻓﻲ ذاﻛﺮة اﻹﺑﺪاع اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ .وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺎﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﺠﺎﻃﻲ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ اﻻرﺗﻜﺎس واﻟﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺪي ﻫﺬا اﻟﺸﺎﻋﺮ ،ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻫﻲ رﺳﺎﻟﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺧﻠّﻔﻪ ﻫﺬا اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻦ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻓﺮﻳﺪة وﺧﺎرﺟﺔ ﻋﻦ ﺳﺮب اﻻﺗﺒﺎع ،ﺑﻞ ﻫﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﻣ ّﻨﺎ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﻓﻲ »ﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟﺼﻤﺖ« اﻟﺬي ﻳﺤﺒﻞ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻌﻠﻦ ﻟﻜﻦ اﻟﻤﺴﺘﻮر ﻳﻜﻤﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺮ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺼﺎدﺣﺔ ﺑﺮؤﻳﺎ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﺗﺴﺘﻘﻲ وﺟﻮدﻫﺎ اﻹﺑﺪاﻋﻲ ﻣﻦ ﻧﺴﻎ اﻟﺤﻴﺎة ﻛﺘﺠﺮﺑﺔ ﻣﻨﺤﻮﺗﺔ ﺑﺈزﻣﻴﻞ اﻟﻤﻜﺎﺑﺪة ،ﻫﻮ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺬي ﻳﻘﺘﻔﻲ أﺛﺮ اﻟﻤﻄﺎردﻳﻦ اﻷﺣﻼم ﻓﻲ ﻋﺬاب اﻟﻮﺗﺮ اﻟﻤﻜﻔّﻦ ﺑﺼﻮﻟﺔ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،واﻟﻤﺤ ّﺮض اﻷﻣﻮات ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻤﺮد ﻛﻨﺎﻳﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺪد واﻻﻧﺒﻌﺎث ﻣﻦ ﻇﻠﻤﺎت اﻟﺠﻤﻮد واﻟﺘﻜﻠﺲ ﻟﻴﻤﺴﺤﻮا ﺑﻘﺎﻳﺎ اﻟﺤﻠﻢ وﻳﻨﻬﻀﻮا ﻣﺪﺟﺠﻴﻦ ﺑﺮﻋﺎﻳﺔ اﻟﺰﻳﺘﻮن ﻛﻌﻼﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ. ﻟﺬا ﻧﺴﺞ ﻣﻦ ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ ﻋﻮاﻟﻢ ﺗﻔﻴﺾ ﺛﻮرة وﻋﺼﻴﺎﻧﺎ وﺗﻠﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ، وأﻧﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻮﻫﻢ اﻟﺴﻘﻮط ﻛﻤﺎ وﺳﻤﻮه وإﻧﻤﺎ ﺷﺎﻋﺮ أﺳﻠﻢ ﻳﻘﻴﻨﻪ ﻟﻠﺪوام ﺧﺎرﺟﺎ ﻣﻦ ﺳﻄﻮة اﻟﺪﻫﺮ ﻣﻨﺘﺼﺮا ً ﻋﻠﻰ ﺟﻨﻮن اﻟﻀﻮء وﻋﻠﻰ ﺻﻤﺖ ﻳﻘﺘﻞ اﻟﻔﺠﺮ ﻓﻲ ﻣﻜﻤﻨﻪ. وﻻ ﻏﺮو ﻓﻲ ﻫﺬا ﻣﺎ دام اﻟﻤﺠﺎﻃﻲ ﻛﺎن ﻣﺆﻣﻨﺎً ﺑﺄﺣﻘﻴﺔ اﻻﺧﺘﻼف ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﺄﺣﺮى ﻓﻲ اﻹﺑﺪاع ،ﻓﺒﻘﻲ ﻣﻠﺘﺰﻣﺎً ﺑﺎﻟﺬود ﻋﻦ اﻟﻘﺼﻴﺪة اﻟﻤﻐﺎﻣﺮة ﻓﻲ ﺣﺪودﻫﺎ اﻟﻤﺘﺴﺎوﻗﺔ ﻣﻊ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻟﻠﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ .اﻟﺸﻲء اﻟﺬي ﺟﻌﻞ اﻟﻘﺼﻴﺪة اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﺗﺘﻤﻜّﻦ ﻣﻦ ﺧﻠﻖ ﻛﻴﻨﻮﻧﺘﻬﺎ اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ ووﻫﺠﻬﺎ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ واﻟﻔﻨﻲ ﻣﻊ ﻫﺬا اﻟﺸﺎﻋﺮ رﻓﻘﺔ ﺗﻠﺔ ﻣﻦ رﻓﺎق درب اﻟﺸﻌﺮ ﻛﻤﺤﻤﺪ اﻟﺨﻤﺎر اﻟﻜﻨﻮﻧﻲ وﻣﺤﻤﺪ اﻟﺴﺮﻏﻴﻨﻲ وﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﻳﻢ اﻟﻄﺒﺎل ،ﻫﺆﻻء اﻟﺸﻌﺮاء ﻧﺬروا ﺗﺠﺮﺑﺘﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻹﺑﺪاع ﻧﺺ ﺷﻌﺮي ﺗﻌﺒﻖ ﻣﻨﻪ رواﺋﺢ اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﺗﻌﺒﻴﺮا ً ﻋﻦ اﻻرﺗﺒﺎط اﻟﻮﺟﻮدي ﺑﻬﺬا اﻻﻧﺘﻤﺎء ،ﻏﻴﺮ أن اﻟﻤﺠﺎﻃﻲ ﺗﻔ ّﺮد ﻋﻨﻬﻢ
86
اﻟﺸﺎﻋﺮ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﺠﺎﻃﻲ ً أﺣﻘﺎ ﻟﻢ ﺗُﺴﻌﻔﻪ اﻟﻌﺒﺎرة!
ﺻﺎﻟﺢ ﻟﺒﺮﻳﻨﻲ* ŜƉƮǘǕŌ ǛǙ ƉƫōƗ
ﺑﺎﺗﺨﺎذه ﻣﺴﺎرا ً ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻧﺎﺑﻌﺎً ﻣﻦ رؤﻳﺔ ﻟﻠﺬات واﻟﻌﺎﻟﻢ أﺳﺎﺳﻬﺎ اﻟﺨﺮق اﻟﺘﺮﻛﻴﺒﻲ واﻟﺪﻻﻟﻲ ﻓﻲ ﺑﻨﻴﺔ اﻟﻠﻐﺔ ،وﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق ﻻﺑﺪ ﻣﻦ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻛﺎن ﻣﺘﺸﺒّﻌﺎ ﺑﺨﻠﻔﻴﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻣﺘﺠﺬرة ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺮي واﻟﺒﻼﻏﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻏﻴﺮ أﻧﻪ أﺑﺪع اﻟﻨﺺ اﻟﺸﻌﺮي اﻟﺬي ﻳﻤﺜﻠﻪ. إن اﻟﻤﺤﺘﺪ اﻟﻤﺄﻟﻮف ﻟﺪﻳﻪ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﻜّﻨﻪ ﻣﻦ ﺧﻠﻖ رؤﻳﺎ ﺷﻌﺮﻳﺔ ذات ﻣﻼﻣﺢ ﻛﺎرﺛﻴﺔ ﻧﻈﺮا ً ﻟﺘﺼﻮره ﻟﻠﻌﻤﻞ اﻹﺑﺪاﻋﻲ اﻟﻤﺘﺠﻠﻲ ﻓﻲ اﻣﺘﻼك وﻣﺘﺄﺻﻠﺔ ﻻﺑﺘﺪاع ﺻﻮرة ﻣﺤ ّﻤﻠﺔ ﺑﺰﺧﻢ ﺟﻤﺎﻟﻲ زاوﻳﺔ ﻧﻈﺮ ﻋﻤﻴﻘﺔ ّ ﺿﺎرب ﻓﻲ اﻟﺪﻫﺸﺔ واﻻﻓﺘﺘﺎن رﻏﻢ ﺳﻮداوﻳﺘﻪ ،وﻟﻌﻞ ﻫﺬا ﻣﺎ ﺟﻌﻠﻪ ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ أن اﻟﺮؤﻳﺎ ﻛﺎذﺑﺔ ﻟﻜﻮﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺆدي إﻻ ﻟﻠﻤﻮت واﻟﻔﻨﺎء ﻻﻋﺘﺒﺎر واﻗﻊ اﻟﺤﺎل أﻛﺜﺮ اﻧﻬﺰاﻣﻴﺔ وﺗﻠﻚ ﻟﻌﻤﺮي ﻣﺰﻳﺔ ﻫﺬا اﻟﺸﺎﻋﺮ ،ﺑﻞ إن ﻣﻴﺰة اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ أﻧﻬﺎ ﺗﻘﺘﻨﺺ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻤﺸﻬﺪﻳﺔ اﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻘﻒ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬا اﻟﺸﺎﻫﺪ اﻟﺸﻌﺮي اﻟﺬي ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻪ: »ﻛﺬﺑﺖ ﻳﺎ رؤﻳﺎ /ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺼﻤﺖ ﻻ ﺗﻔﻀﻲ /ﻟﻐﻴﺮ اﻟﻤﻘﺒﺮة /رأﻳﺘﻬﻢ ﻣ ّﺮوا ﺑﻼ ﻋﻤﺎﺋﻢ /ﺗﻔ ّﺮﻗﻮا ﻋﺒﺮ اﻟﺪروب /أﻃﻔﺄوا ﺳﻴﻮﻓﻬﻢ /ﺗﻔ ّﺮدوا ﻋﻠﻰ ﻇﻬﻮر اﻟﺨﻴﻞ /ﺻﺎروا ﻛﺎﻟﻀﺒﺎب اﻟﺠﻮن /ﻗﻴﻞ أﺑﻴﺾ ﻛﺎﻟﻘﻄﻦ /ﻗﻴﻞ أﺳﻮد ﻛﺎﻟﻤﻮت /ﻗﻴﻞ أﻓﺮﺧﺖ ﺣﺮﺑﺎء /ﻓﻲ وﺟﻮﻫﻬﻢ /وﻗﻴﻞ ﺑﺎﺿﺖ ﻗﺒّﺮة«. ﻣﺎ ﻳﻠﺤﻆ ،ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬا اﻟﻤﻘﻄﻊ اﻟﺸﻌﺮي ،ﻛﻮن اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻳﻨﺴﺞ ﻣﺸﻬﺪا ً ﺑﺄﺑﻌﺎده اﻟﻔﻨﻴﺔ ودﻻﻻﺗﻪ اﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺑﺮﻳﺸﺔ رﺳﺎم دﻗﻴﻖ اﻟﺒﺼﺮ وﻋﻤﻴﻖ اﻟﺮؤﻳﺔ ،إذ ﺗﺘﻮاﻟﻰ اﻟﺼﻮر اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﻤﺒﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻏﺎﻟﺒﻴﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻄﻖ اﻟﻤﺸﺎﺑﻬﺔ ﻣﻤﺎ زاد ﻣﻦ اﺣﺘﺪام اﻟﺮؤﻳﺔ وﻛﺸﻒ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﻮﺗﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺸﻬﺎ اﻟﺬات ﻓﻲ ﻣﺠﺎﺑﻬﺔ واﻗﻊ ﻣﺸﻠﻮل وﻋﺎﺟﺰ ،ﻏﻴﺮ أن اﻷﻣﺮ ﻟﻦ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ ﻫﺬا ،وإﻧﻤﺎ ﻳﺘﺠﺎوزه إﻟﻰ اﻟﺨﺮق اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ واﻟﺪﻻﻟﻲ ﻓﻲ ﺟﻠﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ ﻗﻮﻟﻪ »أﻃﻔﺄوا ﺳﻴﻮﻓﻬﻢ« إن ﻫﺬا ﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ أن اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﺠﺎﻃﻲ ﻳﻤﺘﻠﻚ ﻧﺎﺻﻴﺔ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ إﺣﺪاث اﻟﺼﻌﻘﺔ اﻟﻔﺮﻳﺪة اﻟﺘﻲ
ﻳﻘﻮدﻧﺎ اﻵن وﻳﺤﺪد ﻣﺰاﺟﻨﺎ وﺷﺒﻜﺔ ﻋﻼﻗﺎﺗﻨﺎ..رﻏﻢ ﺗﻌﺎﻣﻠﻲ ﻣﻌﻪ ﺑﺤﺬر ،ﻣﺜﻠﻤﺎ أﺗﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﻮاﻗﻊ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻷن أي ﻓﻀﺎء ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ إﻣﻜﺎﻧﺎت ﻫﺎﺋﻠﺔ ،ﻳﻮﻓﺮ أﻳﻀﺎً ﻗﺪرات ﻣﺪﻣﺮة ﻻ ﺣﺪود ﻟﻬﺎ. • ﺣﺪّ ﺛﻨﺎ ﻋﻦ رؤﻳﺘﻚ ﻟﻠﺮواﻳﺔ اﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ،وﻣﺴﺘﻘﺒﻞ اﻷدب ﻓﻲ ﺿﻮء ﻣﺎ أﺻﺒﺤﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻢ -ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ -ﻛﺴﺮ ﺣﻮاﺟﺰ اﻟﻮاﻗﻊ واﻻﻓﺘﺮاﺿﻲ ،واﻣﺘﺰاﺟﻬﻤﺎ ﻣﻌﺎً ﺑﺪاﺧﻠﻨﺎ؟ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ اﻷدب اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻛﻠﻪ ﺗﻐﻴﺮ ﺑﻈﻬﻮر اﻟﻜﻤﺒﻴﻮﺗﺮ واﻹﻧﺘﺮﻧﺖ واﻟﻬﻮاﺗﻒ اﻟﺬﻛﻴﺔ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﺛﻴﻤﺎﺗﻪ وأﺷﻜﺎﻟﻪ ،وﻃﺮق ﺗﺴﻮﻳﻘﻪ ،وﺟﻮاﺋﺰه .وﻇﻬﺮت ﺗﺠﻠﻴﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻤﺎ ﻳﺴﻤﻰ »اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ« ﻣﺜﻞ ﻧﺸﺮ ﻣﻘﺎﻃﻊ وﻣﺸﺎرﻛﺔ اﻟﻘﺮاء ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻓﻲ ﺗﻘﻴﻴﻤﻬﺎ واﻟﺘﻌﻠﻴﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ واﻗﺘﺮاح ﻧﻬﺎﻳﺎت ﻟﻬﺎ .وﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻫﻨﺎك ﺣﻮاﺟﺰ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻛﻲ ﻳﺘﻢ ﻛﺴﺮﻫﺎ .ﻟﻜﻦ أﻇﻦ أن ﻛﻞ ﻛﺎﺗﺐ ﻳﻌﻴﺪ اﻵن ﺑﻨﺎء وﺗﻘﻴﻴﻢ ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ ﻣﻦ ﺣﻄﺎم اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ،ﺑﺤﺴﺐ ﻃﻤﻮﺣﻪ اﻟﺬاﺗﻲ .ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ ﻻ أﻋﺘﺒﺮ »ﺣﺎرس اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك« رواﻳﺔ ﺗﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ،رﻏﻢ أﻧﻨﻲ ﺿﻤﻨﺘﻬﺎ ﺗﻌﻠﻴﻘﺎت ﻛﺜﻴﺮة ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻧﺴﺨﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻮﻗﻊ ،واﺳﺘﻠﻬﻤﺖ ﺷﺨﺼﻴﺎت اﻓﺘﺮاﺿﻴﺔ ﺗﻌﺮﻓﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ .وﺗﻨﺎﻗﺸﺖ ﻣﻊ اﻟﺰﻣﻼء ﻓﻲ ﺻﻔﺤﺘﻲ ﺑﺸﺄن ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻘﺎﻃﻊ ،وﻓﻲ اﺧﺘﻴﺎر اﻟﻌﻨﻮان .ﻟﻜﻦ ﻻ أﻣﻠﻚ اﻟﻤﻘﺎﻳﻴﺲ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻟﻮﺻﻒ ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ »ﺗﻔﺎﻋﻠﻴﺔ« أو وﺿﻊ ﺗﺼﻮر ﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻷدب اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻓﺎدت ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻜﺘﺎب وﻏﻴﺮت ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺎ ،رؤﻳﺘﻬﻢ ﻟﻠﻜﺘﺎﺑﺔ. • ذﻛﺮت أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك :اﻟﻤﺠﺪ ﻟﻠﻬﺎﻛﺮز ،ﻫﺬه ﻓﻜﺮة اﺷﺘﺮاﻛﻴﺔ ﻻ ﺗﺘﻮاﻓﻖ ﻣﻊ ﻋﻤﻠﻴﺔ إﻧﺘﺎج اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ،ﻟﻤﺎذا ﺗﺒﺪي ﻓﺮﺣﺘﻚ ﺑﺎﻟﻬﺎﻛﺮز؟ ﻻ ﻳﺮوق ﻟﻲ أﺳﺎﺳﺎً أن اﻟﻌﺎﻟﻢ ُﻣﺴﺘﻘﻄﺐ ﺑﻴﻦ ﻣﻤﺎرﺳﺎت دﻳﻜﺘﺎﺗﻮرﻳﺔ ﺑﺎﺳﻢ اﻻﺷﺘﺮاﻛﻴﺔ اﺳﺘﻌﺒﺪت اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﺣﺮوب وﻣﺸﺎرﻳﻊ ﻋﺒﺜﻴﺔ، وﺑﻴﻦ ﻣﻤﺎرﺳﺎت رأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ أﻳﻀﺎً اﺳﺘﻌﺒﺪت اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﺣﺮوب ﻋﺒﺜﻴﺔ وﻧﺰﻋﺔ اﺳﺘﻬﻼﻛﻴﺔ ﺷﺮﻳﺮة ،ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺧﺪﻋﺘﻪ ﺑﻮﻫﻢ اﻟﺤﺮﻳﺔ واﻻﺧﺘﻴﺎر وإﻣﺘﺎع اﻟﺬات .ﻓﺒﻌﺾ ﻣﻦ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ أﻧﻈﻤﺔ اﺷﺘﺮاﻛﻴﺔ ﻻ ﻳﺠﺪ ﻗﻮت ﻳﻮﻣﻪ وﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺮﻓﻊ رأﺳﻪ ﻷﻋﻠﻰ ،وﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ أﻧﻈﻤﺔ رأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ ﻋﺒﺪ ﻟﺪى اﻟﺒﻨﻮك اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ وﻗﺮوﺿﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺜﻘﻞ ﻇﻬﺮه .وذﻟﻚ اﻹﻟﺤﺎح اﻟﺨﻔﻲ ﻟﻤﻄﺎردة رﻏﺒﺎت ﺳﺮاﺑﻴﺔ. ﻟﺬﻟﻚ ﻓـ »اﻟﻬﺎﻛﺮز« ﻛﻨﻈﺎم ﻣﺘﻤﺮد ﻳﺤﻘﻖ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻏﺎﺋﺒﺔ ﻋﻦ ﻛﻼ اﻟﻨﻈﺎﻣﻴﻦ ،ﻳﻮﻓﺮ اﻟﻜﺘﺐ واﻷﻓﻼم ﻣﺠﺎﻧﺎً ﻟﻌﺒﻴﺪ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻻﺷﺘﺮاﻛﻴﺔ..ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﻮﻓﺮﻫﺎ ﻟﻠﻔﻘﺮاء اﻟﻤﺤﺮوﻣﻴﻦ وﺿﺤﺎﻳﺎ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ،ﻣﻤﻦ ﻻ ﻳﺠﺪون ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﺮ
ﺳﻌﺮ ﺗﺬﻛﺮة اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ وﻻ ﺛﻤﻦ اﻟﻜﺘﺎب .وﻗﻨﺎﻋﺘﻲ أن اﻷﻧﻈﻤﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﻌﺎدﻟﺔ ﺗﺨﻠﻖ ﻣﻦ داﺧﻠﻬﺎ داﺋﻤﺎً »روﺑﻦ ﻫﻮد« اﻟﺨﺎص ﺑﻬﺎ. • ﻛﺘﺒﺖ رواﻳﺔ ﻟﻠﻔﺘﻴﺎن ،ﻣﺎ اﻟﺬي دﻓﻌﻚ ﻟﻠﺨﻮض ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻫﻞ ﺳﺘﻜﺮرﻫﺎ؟ ﻛﺘﺒﺖ رواﻳﺔ »ﺳﻮﺷﺎﻧﺎ واﻟﺤﺬاء اﻟﻄﺎﺋﺮ« وﻧﺸﺮﺗﻬﺎ دار ﺷﺠﺮة ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻫﺮة ..وﻫﻲ ﺗﻌﻄﻲ ﻟﻠﻨﺎﺷﺌﺔ ﻓﻜﺮة ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﺬاء ودوره ﻓﻲ اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ..وأﻳﻀً ﺎ ﺗﺜﻴﺮ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺗﺼﻮ ًرا ﻋﻦ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ »اﻟﺤﺬاء« وﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺤﻘﻘﻪ اﻟﺨﻴﺎل اﻟﻌﻠﻤﻲ .وﺣﺎﻟﻴﺎً أﺣﻀﺮ ﻟﺮاوﻳﺘﻲ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻟﻠﻨﺎﺷﺌﺔ وﻫﻲ أﻳﻀﺎً ﺗﺮﻛﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻴﺎل اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺳﻴﺮة أﺣﺪ أﺷﻬﺮ اﻟﻌﻠﻤﺎء .وﻻ ﻳﺪﻓﻌﻨﻲ إﻟﻰ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ إﻟﻰ اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻣﺠﺮد اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺮﻳﺐ ﻓﻘﻂ ،ﺑﻞ ﺷﻌﻮري ﻛﺄب ﻟﻄﻔﻠﻴﻦ ﺑﻀﻌﻒ اﻟﻤﺤﺘﻮى اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ أن ﻧﻘﺪم إﺳﻬﺎ ًﻣﺎ ﻷوﻻدﻧﺎ وﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﻤﻮ ًﻣﺎ. • ﻟﻤﺎذا -ﻓﻲ ﻇﻨﻚ -ﺗﺮاﺟﻊ اﻟﻨﻘﺪ ﻓﻲ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وﻛﻴﻒ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ اﻗﺘﻨﺎء ﻛﺘﺎب ﻣﺎ ﻣﻦ دون اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻟﻠﺤﻠﻘﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ وﻫﻲ ﺣﻠﻘﺔ اﻟﻨﻘﺪ؟ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ أن ﻳﺘﺎﺑﻊ اﻟﻨﻘﺪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺼﺪر ﻣﻦ إﺑﺪاع ﻓﻲ ﻇﻞ ﺳﻬﻮﻟﺔ ذﻟﻚ اﻵن ،ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ اﻷﻣﺮ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻋﺸﺮة ﻛُﺘﺎب ﻳﻤﺜﻠﻮن ﺟﻴﻼً..ﺑﻞ اﻟﻤﺌﺎت ورﺑﻤﺎ اﻵﻻف ﻳﻨﺸﺮون اﻵن ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺻﻔﺤﺎﺗﻬﻢ اﻻﻓﺘﺮاﺿﻴﺔ ،وﻃﺒﺎﻋﺔ ﻛﺘﺎب ﺑﺎﺗﺖ أﺳﻬﻞ ﻣﻦ ﺗﻨﺎول ﻛﻮب آﻳﺲ ﻛﺮﻳﻢ ،ﻓﻼ أﻟﻮم اﻟﻨﻘﺎد.إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن ﻓﻌﻞ اﻟﻨﻘﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﺠ ٍﺰ ﻣﺎدﻳﺎً ﻋﻠﻰ أي ﻧﺤﻮ ،وﻻ ﺗﺮﺣﺐ ﺑﻪ اﻟﺼﺤﻒ ووﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم..ﻛﻤﺎ أﺣﺴﺐ أن ازدﻫﺎر اﻟﻨﻘﺪ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﻫﻨﺎك اﻧﻜﻔﺎء ﻓﻲ ﻣﺆﺷﺮات اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﺗﺮاﺟﻊ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻨﻘﺪ ،وﻗﺒﻮل اﻻﺧﺘﻼف /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
85
ﺣﻮار ﺧﺎص
ﻗﺎرﺋﺎً ﻋﺸﻮاﺋﻴﺎً ﻟﻜﺘﺐ ﻻ أﻋﺮف أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﻳﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ 20ﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﺼﻴﻒ رأس اﻟﺒﺮ ،وﻣﺜﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺼﻴﻒ ﺟﻤﺼﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً .ورﻏﻢ ﻗﺮب اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺼﻴﻔﻴﻦ إﻻ أن ﻋﻼﻗﺘﻲ ﺑﺎﻟﺒﺤﺮ ﺑﺪأت ﻣﺘﺄﺧﺮة ﻧﺴﺒﻴﺎً .ﻛﻨﺎ -وﻣﺎزﻟﻨﺎ - ﻧﺴﻤﻲ أﻓﺮع اﻟﻨﻴﻞ اﻟﺼﻐﻴﺮة ﺑـ»اﻟﺒﺤﺮ« .وﻻﺷﻚ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﻣﺘﻀﺎرﺑﺔ ﻣﻦ أن اﻟﻨﻴﻞ ﻛﺎن ﻳﺜﻴﺮ ّ اﻟﺒﻬﺠﺔ واﻟﺨﻮف ..ﻗﺼﺺ اﻟﻐﺮﻗﻰ واﻟﻤﻨﺘﺤﺮﻳﻦ رأﻳﺖ اﻟﺒﺤﺮ ﻓﻲ أﻋﻤﺎق ﻣﺎﺋﻪ اﻷﺧﻀﺮ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ُ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﺑﺄﻣﻮاﺟﻪ اﻟﺼﺎﺧﺒﺔ ﺗﺒﻴﻦ ﻟﻲ ﻓﺪاﺣﺔ اﻟﻔﺎرق ﺑﻴﻦ ﺳﻜﻴﻨﺔ اﻟﻨﻴﻞ ورﻗﺮﻗﺘﻪ اﻟﺤﺎﻧﻴﺔ وﺗﻠﻚ اﻷﻣﻮاج اﻟﻌﺎﺗﻴﺔ اﻟﻐﺎﺿﺒﺔ .أﻋﺸﻖ اﻟﻤﺎء، رﺑﻤﺎ ﻷﻧﻨﻲ وﻟﺪت ﻓﻲ ﺑﺮج ﻣﺎﺋﻲ ،وﻻ أﻣﻞ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﻮس أﻣﺎﻣﻪ واﻻﺳﺘﺮﺧﺎء ﺑﻴﻦ أﻣﻮاﺟﻪ .وﻛﺜﻴﺮا ً ﻣﺎ ﺷﻜﻞ اﻟﻤﺎدة اﻷﻋﻈﻢ ﻓﻲ أﺣﻼﻣﻲ ،وﻓﻲ ﻧﺼﻮﺻﻲ ،وأﻋﺘﺒﺮه ﺳﺎدس ﻣﺤﻔﺰات اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﻟﺘﻜﻮﻳﻦ. • ﻣﻦ ﻋﺒﺎءة ﻗﺼﺔ »اﻟﻤﻌﻄﻒ« ﻟﺠﻮﺟﻞ ،أﺟﻤﻊ اﻟﻘﺮاء واﻟﻨﻘﺎد أن اﻟﻘﺼﺔ اﻟﻘﺼﻴﺮة ﻫﻲ ﺳﻤﺔ ،وﻇﺎﻫﺮة اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ،وأﻧﻬﺎ ﺗﻨﺎﺳﺐ ﺳﺮﻋﺘﻬﺎ وﺗﻄﻮرﻫﺎ ،وأﻧﺖ ﻋﺎﺷﻖ ﻟﻠﻘﺼﺔ اﻟﻘﺼﻴﺮة ،وأﺻﺪرت اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺎت اﻟﻘﺼﺼﻴﺔ ،وآﺧﺮﻫﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ »ﻣﺪن ﺗﺄﻛﻞ ﻧﻔﺴﻬﺎ« اﻟﺘﻲ ﺻﺪرت ﻫﺬا اﻟﻌﺎم ،ﻟﻤﺎذا أﺧﻠﺼﺖ ﻟﻔﻦ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﻘﺼﻴﺮة رﻏﻢ ﻃﻮﻓﺎن اﻟﺮواﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ؟ أﺻﺪرت ﺳﺒﻊ ﻣﺠﺎﻣﻴﻊ ﻗﺼﺼﻴﺔ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻛﺘﺎب ﻣﺨﺘﺎرات ﻣﻨﻬﺎ .وﻻ أﻋﺮف ﻟﻤﺎذا ﻓﻀﻠﺖ اﻟﻘﺼﺔ .رﺑﻤﺎ ﻷﻧﻨﻲ ﺗﺸﺮﺑﺖ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﻘﺼﻴﺮة ﺷﻔﻬﻴﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﺗﻲ .رﺑﻤﺎ ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﻛﺘﺐ أﺣﻴﺎﻧﺎً ﻣﻠﺨﺼﺎت اﻷﻓﻼم ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﻗﺼﺺ .ﻻ ﻳﻜﻮن ﻫﻨﺎك وﻋﻲ ﻣﺴﺒﻖ ﺑﻤﺎ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻜﺘﺒﻪ. أﻇﻦ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻜﺘﺎب ﻳﺒﺪأ ﺑﺨﻮاﻃﺮ ﻗﺼﺼﻴﺔ وﺷﻌﺮﻳﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﺑﺪاﻳﺔ دراﺳﺘﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ اﺗﺨﺬتُ ﻗﺮارا ً ﺑﺎﻟﺘﻮﻗﻒ ﻧﻬﺎﺋﻴﺎً ﻋﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﺨﻮاﻃﺮ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻷﻧﻨﻲ ﻣﻬﻤﺎ ﺗﻄﻮرت ﻓﻠﻦ أﻧﺎﻓﺲ ﻣﺪوﻧﺔ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻗﺪﻳﻤﺎً وﺣﺪﻳﺜﺎً .ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ وﺟﺪﺗﻨﻲ أﻧﺤﺎز أﻛﺜﺮ إﻟﻰ اﻟﻘﺼﺺ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ اﻟﻔﻦ اﻟﺨﺎﻟﺺ اﻟﻤﻜﺜﻒ ،ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﺘﻄﻠﺐ اﻟﺘﺤﻀﻴﺮ ﻃﻮﻳﻞ اﻷﻣﺪ ﻣﺜﻞ اﻟﺮواﻳﺔ ،وﻻ اﻟﺘﻔﺮغ اﻟﺘﺎم اﻟﺬي ﻻ أﻣﻠﻜﻪ )إﻟﻰ اﻟﻴﻮم(. إﻧﻬﺎ ﻛﺎﻟﻮﻣﻀﺔ ،وﻃﻠﻘﺔ اﻟﺮﺻﺎص ،وﺳﺤﺒﺔ ﻗﻮس اﻟﻜﻤﺎن .ﻓﻮران ﻣﺆﻗﺖ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺔ واﺣﺪة .ﻓﺎﻹﺧﻼص ﻟﻬﺬا اﻟﻔﻦ ارﺗﺒﻂ ﺑﻈﺮوف ﺣﻴﺎﺗﻲ أوﻻً ،ﺑﻜﺜﺮة اﻧﺘﻘﺎﻟﻲ واﻏﺘﺮاﺑﻲ ،ﻓﺄﻧﺎ ﻟﻢ أﻣﻠﻚ ﻓﻲ أي ﻳﻮم ذﻟﻚ اﻟﻤﻜﺘﺐ اﻵﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﻘﺮ ﻟﺴﻨﻮات ﻣﺜﻞ ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ ..وارﺗﺒﻂ اﻷﻣﺮ أﻳﻀﺎً ﺗﻤﻞ ﺳﺮﻳﻌﺎً ،وﻻ ﺗﻌﺮف ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻲ اﻟﻤﺰاﺟﻴﺔ اﻟﻜﺴﻮﻟﺔ اﻟﻤﺘﻘﻠﺒﺔ ،اﻟﺘﻲ ّ اﻟﺨﻄﻂ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻟﻠﺤﻴﺎة ،وﻻ أرى ﻓﻲ ﺗﺸﻴﻴﺪ ﻋﻮاﻟﻢ رواﺋﻴﺔ ﻛﺒﺮى ﻣﺘﻘﻨﺔ إﻻ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺰﻳﻔﺔ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻬﺎ ﺑﻔﻮﺿﻰ اﻟﻮاﻗﻊ ،واﻟﻮﻗﺎﺋﻊ .ﻟﻴﺲ ﻣﻌﻨﻰ 84
ﺷﺮﻳﻒ ﺻﺎﻟﺢ :اﻟﻘﺼﺔ ﻫﻲ اﻟﻔﻦ اﻟﺨﺎﻟﺺ اﻟﻤﻜﺜﻒ
ذﻟﻚ أﻧﻨﻲ ﺿﺪ اﻟﺮواﻳﺔ ﻷﻧﻨﻲ ﻛﺘﺒﺘﻬﺎ .ﻓﻘﻂ ،أﺷﻴﺮ إﻟﻰ ارﺗﺒﺎﻃﻲ اﻷﻗﻮى ﺑﺎﻟﻘﺼﺔ اﻟﻘﺼﻴﺮة وﺳﻬﻮﻟﺔ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﺑﻴﻨﻲ وﺑﻴﻦ ﻫﺬا اﻟﻔﻦ .ﻋﻠﻤﺎً ﺑﺄﻧﻨﻲ ﻟﺪي وﻟﻊ داﺋﻢ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﻳﺐ وﻫﻮ ﻣﺎ دﻓﻌﻨﻲ ﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ ﻟﻠﻜﺒﺎر واﻷﻃﻔﺎل، ﻗﺪم ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻋﻠﻰ ﺧﺸﺒﺔ اﻟﻤﺴﺮح وﺑﻌﻀﻬﺎ ﻧﺎل ﺟﻮاﺋﺰ ،ﻛﻤﺎ أﺻﺪرت دراﺳﺔ ﻧﻘﺪﻳﺔ ﻋﻦ ﺗﺤﻮﻻت اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻟﺪى ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮظ.. واﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺎﻻت ﻋﻦ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ .ﻓﺎﻟﺘﺠﺮﻳﺐ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻫﺮوب ﺑﻴﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ أﺷﻜﺎل اﻹﺑﺪاع، ﻟﻜﻦ ﺗﻈﻞ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﻘﺼﻴﺮة -ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ -ﻫﻲ اﻷﻛﺜﺮ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻄﻤﻮﺣﻲ اﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻲ. • ﻓﻲ رواﻳﺘﻚ اﻟﻮﺣﻴﺪة »ﺣﺎرس اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك« اﺳﺘﻌﻀﺖ ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻮاﻗﻌﻲ ﺑﺎﻟﻮاﻗﻊ اﻻﻓﺘﺮاﺿﻲ ،وﻃﺮﺣﺖ ﺳﺆاﻻً ﻓﻠﺴﻔﻴﺎً ،واﻗﻌﻴﺎً واﻓﺘﺮاﺿﻴﺎً ﻓﻲ آن :ﻫﻞ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺤﻴﺎة واﻟﻌﻴﺶ ﺑﻤﻌﺰل ﻋﻦ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك ،واﻟﻔﻀﺎء اﻷزرق؟ وﻗﺪ ﺳﺒﻘﻚ ﺑﻌﺾ اﻟﻜُﺘﺎب ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻣﺜﻞ رواﻳﺔ اﻟﺮواﺋﻲ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺠﻴﺪ ﻓﻲ ﻛﻞ أﺳﺒﻮع ﻳﻮم ﺟﻤﻌﺔ« .ﺣﺪّ ﺛﻨﺎ إذن ﻋﻦ رؤﻳﺘﻚ ﻟﻠﻮاﻗﻊ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ،واﻟﻮاﻗﻊ اﻻﻓﺘﺮاﺿﻲ ،وﻫﻞ أﺻﺒﺢ اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻟﺒﺸﺮي اﻓﺘﺮاﺿﻴﺎً؟ ﻫﻨﺎك أﻋﻤﺎل ﻛﺜﻴﺮة ﺗﻨﺎوﻟﺖ ﻋﻼﻗﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻹﻧﺘﺮﻧﺖ ﻣﻨﻬﺎ رواﻳﺔ اﻟﺮواﺋﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺠﻴﺪ »ﻓﻲ ﻛﻞ أﺳﺒﻮع ﻳﻮم ﺟﻤﻌﺔ« اﻟﺘﻲ أﺷﺮت إﻟﻴﻬﺎ ..ﻟﻜﻦ ﻣﻔﻬﻮم »اﻹﻧﺘﺮﻧﺖ« ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎت واﺳﻌﺎً ،ﻣﻄﺎﻃﺎً ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ..ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻳﺼﻌﺐ وﺿﻊ ﻛﻞ اﻷدب اﻟﺬي ﻳﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ ﻫﺬا اﻟﻤﻔﻬﻮم ﻓﻲ ﺳﻠﺔ واﺣﺪة .ﻓﺎﻷﻣﺮ ﺧﺎدع ﻛﺄن ﻧﻘﻮل »أدب اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ« ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ »أدب اﻟﺮﻳﻒ« .رواﻳﺎت اﻟﻮاﻗﻊ ﻣﻘﺎﺑﻞ رواﻳﺎت اﻻﻓﺘﺮاض ﻣﺜﻼً .اﻟﻤﻴﺰة اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ رواﻳﺘﻲ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ »اﻹﻧﺘﺮﻧﺖ« وﻻ »اﻟﺪردﺷﺔ«، وﻻ »ﺗﻮﻳﺘﺮ« ﺑﻞ ﻫﻲ ﺗﻌﺎﻟﺞ ﻓﻘﻂ »ﻣﻮﻗﻊ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك« ﺗﺤﺪﻳﺪا ً ،وﻟﻌﻠﻬﺎ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻻﺗﺠﺎه .ﺗﻌﺎﻣﻠﺖ ﻣﻊ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﻗﻊ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻓﻀﺎء ﻧﺼﻴﺎً. واﻟﻤﻴﺰة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ أﻧﻬﺎ ﻗﺪﻣﺖ ﺑﻨﺎء ﻣﺴﺘﻠﻬﻤﺎً ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﻗﻊ، وﻟﻴﺲ ﻣﺠﺮد ﻳﻮﻣﻴﺎت أو ﺗﺪوﻳﻨﺎت ﺷﺒﻪ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ .رﺑﻤﺎ أﻣﻜﻨﻲ اﻟﻘﻮل ﻣﻦ دون ادﻋﺎء اﻟﺘﻮاﺿﻊ -أﻧﻬﺎ رواﻳﺔ ﺑﻬﺎ ﻣﻼﻣﺢ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺣﺪاﺛﻴﺔ،ﻓﻲ اﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﻓﺼﻮﻟﻬﺎ ،وﺗﺸﻈﻴﻬﺎ ،واﻗﺘﺮاﺑﻬﺎ ﻣﻦ روح اﻟﻘﺼﺔ اﻟﻘﺼﻴﺮة، وروح اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻻﻓﺘﺮاﺿﻲ ،واﻧﻌﺪام اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ اﻟﺬﻛﻮرﻳﺔ اﻟﻤﻬﻴﻤﻨﺔ ،وﻗﺼﺺ اﻟﺤﺐ اﻟﻄﻴﺒﺔ ،واﻟﻤﺂﻻت اﻟﺴﻌﻴﺪة ،وﺣﻜﻤﺔ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﺬاﺗﻴﺔ اﻟﻤﻌﺘﺒﺮة. ﺑﺎﺧﺘﺼﺎر ﻟﻴﺲ ﻓﻲ رواﻳﺘﻲ ﻛﻞ اﻟﻤﺸﻬﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻠﻬﺎ وﻟﻴﻤﺔ ﺳﻬﻠﺔ وراﺋﺠﺔ ﻓﻲ »اﻟﺒﻴﺴﺖ ﺳﻴﻠﺮز« ،أو ﻓﻲ اﻟﺠﻮاﺋﺰ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺮﻣﻮﻗﺔ. وﻣﻊ ﻛﺘﺎﺑﺘﻬﺎ أدرﻛﺖ أﻧﻨﺎ ﻧﻌﻴﺶ اﻵن ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻻﻓﺘﺮاﺿﻲ ،وﻧﻘﻀﻲ ﻓﻴﻪ أوﻗﺎﺗﻨﺎ اﻟﺤﻤﻴﻤﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻧﻔﻌﻞ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ .ﻓﺎﻻﻓﺘﺮاض ﻫﻮ اﻟﺬي
درﺟﺔ أﻧﻪ ﻓﻘﺪ أي ﺣﻤﺎس ﻓﻲ أن ﻳﺮى أوﻻده ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ. و»ﻋﺰﻳﺰة« أﻣﻲ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺠﻴﺪ أي ﺷﻲء ﺳﻮى ﻏﺮﻳﺰة اﻟﺤﺐ اﻟﻌﻤﻴﺎء ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺮﻏﺐ ﺳﻮى أن ﺗﺮاﻧﺎ ﺳﺎﻟﻤﻴﻦ آﻣﻨﻴﻦ ﻣﻦ أذى اﻟﺪﻧﻴﺎ. وﻻدﺗﻲ ﻷﺑﻮﻳﻦ ﺑﻬﺬه اﻟﺴﻤﺎت ،ﻣﻨﺤﻨﻲ ﺣﺮﻳﺔ ﻻ ﺣﺪود ﻟﻬﺎ ،وﻓﺘﺢ آﻓﺎﻗﺎً ﻋﻠﻲ ﻟﻠﺘﻔﻮق ،وﻻ ﻟﻠﻤﻐﺎﻣﺮة ﺑﻜﻞ ﺧ ّﻴﺮﻫﺎ ،وﺷ ّﺮﻫﺎ .ﻓﻬﻤﺎ ﻻ ﻳﻀﻐﻄﺎن ّ ﻳﻄﻠﺒﺎن ﻣﻨﻲ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻌﻤﻞ ﻣﻌﻴﻦ .وﻻ ﻳﻌﺒﺮان ﻋﻦ ﺣﺰﻧﻬﻤﺎ ﻷﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﻓﻼﺣﺎً ﻓﺎﺷﻼً ﻻ ﻳﺆﺗﻤﻦ ﻋﻠﻰ اﻷرض. ﻫﺬه اﻟﺤﺮﻳﺔ -وإن ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻤﺪا ذﻟﻚ -ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻓﻀﺎء ﺳ ّﺮي ﻛﻲ أﻛﺘﺸﻒ ذاﺗﻲ ،وأﻃﻮرﻫﺎ ﺑﺠﻬﻮد ﻋﺸﻮاﺋﻴﺔ ﻓﺮدﻳﺔ .اﻟﺤﺎﻓﺰ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺟﺪﺗﻲ ﺑﻬﻴﺔ -زوﺟﺔ ﺟﺪي -اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﻟﻌﺔ ﺑﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺠﺎن واﻷﺳﺎﻃﻴﺮ واﺳﺘﺪﻋﺎء اﻷﻣــﻮات ،وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻃﺮﻳﻘﺔ راﺋﻌﺔ ﻓﻲ اﻷداء اﻟﺪراﻣﻲ ﻟﻠﻤﻮاﻗﻒ واﺳﺘﺤﻀﺎر اﻷﺻﻮات ،ﻣﻊ ﺗﺄﻣﻠﻲ ﻓﻲ اﺗﺴﺎع ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ وﺗﻠﻘﻴﺖ اﻟﺠﻤﻴﻠﺘﻴﻦ وﺿﻔﺎﺋﺮﻫﺎ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ .وﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﺮأتُ أوﻟﻰ ﻗﺼﺼﻲ، ُ أول ﺗﺸﺠﻴﻊ .أﻣﺎ ﺛﺎﻟﺚ اﻟﺤﻮاﻓﺰ ،ﻓﻬﻮ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺮﻳﻔﻴﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﻓﺮﻏﻢ ﻗﺴﻮﺗﻬﺎ ..ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺑﻴﺌﺔ ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮع واﻟﺼﺪاﻗﺎت ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن واﻟﺤﻴﻮان ﻛﻨﺖ واﻟﻨﺒﺎﺗﺎت واﻷﺷﺠﺎر واﻷﺳﻤﺎك واﻟﻄﻴﻮر واﻟﺰﻫﻮر وﻣﻴﺎه اﻟﻨﻬﺮُ . أرى ﺟﻤﺎﻻً ﻻ ﻧﻬﺎﺋﻴﺎً ،ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،ﺧﻴﺎﻻت ﻻ ﺣﺼﺮ ﻟﻬﺎ ،ﻟﻐﺎت ﻗﻀﻴﺖ ﺳﺎﻋﺎت ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ أﻳﺎم اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ، ﺗﺘﺠﺎوز أﺑﺠﺪﻳﺔ اﻟﺒﺸﺮ. ُ اﻟﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻴﺌﺔ ﻫﻲ اﻷﻗﺮب إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻲ وروﺣﻲ أﺗﺄﻣﻞ ﺑﺪﻳﻊ اﻟﺨﻠﻖ .وﻣﺎز ْ
ﺷﺮﻳﻒ ﺻﺎﻟﺢ
رﻏﻢ اﻏﺘﺮاﺑﻲ ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺎت ﺷﺘﻰ .وﺗﺮدد ﺻﺪاﻫﺎ ﻓﻲ ﻧﺼﻮص ﻛﺜﻴﺮة ﻟﻲ. ﻓﻲ ..ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻓﻌﻠﺖ ﺣﻜﺎﻳﺎت ﻟﻘﺪ ْ أﻳﻘﻈﺖ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ّ ﺣﺎﺳﺔ اﻟﺨﻴﺎل ّ ﺟﺪﺗﻲ ﺑﻬﻴﺔ ،وأﺿﻴﻒ إﻟﻴﻬﺎ ﻋﻼﻗﺘﻲ اﻟﻤﺒﻜﺮة ﺑﺎﻟﺴﻴﻨﻤﺎ واﻟﺪراﻣﺎ ﻋﺒﺮ أﻓﻼم اﻷﺑﻴﺾ واﻷﺳﻮد اﻟﻤﺘﺮﺟﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻔﺰﻳﻮن ﺻﻐﻴﺮ ﻛﻨﺎ ﻣﻦ أواﺋﻞ ﻣﻦ اﻗﺘﻨﺎه ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻳﺔ ،وأﻋﺘﺒﺮه ﺣﺎﻓﺰا ً راﺑﻌﺎً ﻟﻠﺘﺨﻴﻞ واﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺑﺎﻟﺼﻮرة، وﻳﺘﻜﺎﻣﻞ ﻣﻌﻪ »اﻟﺮادﻳﻮ« اﻟﻤﻘﺮب ﻣﻦ أﺑﻮي ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ..أﺻﻮات ﻛﺒﺎر اﻟﻤﺬﻳﻌﻴﻦ آﻧﺬاك ،ﺑﺮاﻣﺞ اﻟﺪراﻣﺎ واﻟﻤﻨﻮﻋﺎت وﻣﻮﺳﻴﻘﻰ أم ﻛﻠﺜﻮم وﻋﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب وﺑﻠﻴﻎ ﺣﻤﺪي ..ﻫﺬا اﻟﺼﻨﺪوق اﻟﺼﻐﻴﺮ اﻟﻐﺎﻣﺾ اﻟﺬي ﻳﺒﺚ اﻟﺼﻮر واﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ واﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﺑﻼ اﻧﻘﻄﺎع ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﺪن اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﺗﺘﻼﻗﻲ ﻋﺒﺮه أزﻣﺎن اﻟﻤﺎﺿﻲ واﻟﺤﺎﺿﺮ واﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ..ﻛﺎن أداة اﻟﺘﺪرﻳﺐ اﻟﻴﻮﻣﻲ ﻟﺰﻳﺎدة ﻛﻔﺎءة اﻟﺨﻴﺎل .وﻷن أﺑﻲ ﻛﺎن ﻳﻤﻠﻚ دﻛﺎﻧﺎً ﺻﻐﻴﺮا ً ﻋﻠﻰ ﻧﺎﺻﻴﺔ ﺷﺎرﻋﻨﺎ ،داﺋﻤﺎً ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻮاﻓﺮ ﺑﻪ ﻛﺘﺐ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻻﺳﺘﻌﻤﺎل أوراﻗﻬﺎ ﻓﻲ ﻟﻒ اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ ..ﻓﻬﺬه اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ وﺑﺎﺗﺖ ﻣﺤﻔﺰا ً أﺗﺎﺣﺖ ﻟﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺣﺮة ﻣﻊ اﻟﻘﺮاءة، ﻛﺘﺐ اﻟﻤﺪرﺳﺔ، ْ ْ ﻟﻲ ﺣﻴﺚ أﻗﻀﻰ ﻣﻌﻈﻢ ﻧﻬﺎري -ﻋﻘﺐ اﻟﺪراﺳﺔ -ﻓﻲ دﻛﺎن أﺑﻲ /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
83
ﺣﻮار ﺧﺎص
اﻟﻮاﻗﻌﻲ ،واﻻﻓﺘﺮاﺿﻲ ،وﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺣﺎرس اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك
ﺷﺮﻳﻒ ﺻﺎﻟﺢ: اﻟﻘﺼﺔ ﻫﻲ اﻟﻔﻦ اﻟﺨﺎﻟﺺ اﻟﻤﻜﺜﻒ ﺣﺎوره -ﻣﻤﺪوح ﻋﺒﺪ اﻟﺴﺘﺎر
»ﺷﺮﻳﻒ ﺻﺎﻟﺢ« ﻛﺎﺗﺐ ﻣﻦ ﻃﺮاز ﻓﺮﻳﺪ ،ﻟﻪ رؤﻳﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ ،ﺗﻨﺒﻊ ﻣﻦ ذاﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺤﺐ اﻟﺘﻜﺮار ،وﻣﻦ رﺣﻼﺗﻪ ،ﻓﻬﻮ رﺣﺎل ﻻ ﻳﺤﺐ اﻹﻗﺎﻣﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻣﺮﻏﻤﺎً ﺑﺎﻹﻗﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺻﻮﻣﻌﺔ اﻟﻔﻦ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ،وﻳﺨﺼﻬﺎ ﺑﻔﻦ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﻘﺼﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻬﺠﺮه ،ﺑﻞ إﻧﻪ ﻫﺠﺮﻫﺎ ﻣﺮة وﻋﺎد إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺸﻐﻒ ،ﻓﻬﻮ ﻋﺎﺷﻖ ﻟﻠﻘﺼﺔ اﻟﻘﺼﻴﺮة ،وﻳﺪرك ﻣﻌﻨﻰ اﻻﺧﺘﻼف وﻳﺤﺒﻪ اﻟﺘﺠﺮﻳﺐ ،ﺗﺠﺮﻳﺐ ﻣﻤﺰوج ﺑﺮوح اﻟﻤﻐﺎﻣﺮة ،وﻛﺸﻒ اﻟﺬات ،واﻟﻌﺎﻟﻢ. ﻛﺎﺋﻦ ﻳﺤﺐ ﻛﻠﻤﺔ ﻟﻮ .اﻟﺘﻘﺖ ﺑﻪ ﻣﺠﻠﺔ ﺗﺮاث ،وﻛﺎن ﻟﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ-: • اﻟﺘﺠﺮﻳﺐ ،واﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺬات ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ،ﺗﺠﻌﻞ اﻟﺒﺪاﻳﺎت ﻣﺒﻬﺠﺔ ،وﻟﻜﻞ ﻣ ّﻨﺎ ﺑﺪاﻳﺔ ﺗﺠﻌﻠﻪ ﻳﺴﻠﻚ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﻘﻮة .ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﺤﻮاﻓﺰ، 82
ﺷﺮﻳﻒ ﺻﺎﻟﺢ :اﻟﻘﺼﺔ ﻫﻲ اﻟﻔﻦ اﻟﺨﺎﻟﺺ اﻟﻤﻜﺜﻒ
واﻟﺒﺪاﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺘﻚ ﻛﺎﺗﺒﺎً ،وﻫﻞ ﺑﻴﺌﺔ ﻣﺪﻳﻨﺔ دﻣﻴﺎط ،واﻟﺒﺤﺮ ﺷﻜﻠﺖ وﻋ ّﻴﻚ ،وﺑﺪاﻳﺘﻚ اﻷدﺑﻴﺔ؟ ﺳﺆال اﻟﺒﺪاﻳﺎت ﻣﻠﻐﺰ .ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺔ رﻳﻔﻴﺔ ﻗﺎﺳﻴﺔ ﺟﺪا ً ﻳﻜﻮن اﻟﺘﺼﻮر أﻧﻚ ﺳﺘﺼﺒﺢ ﻓﻼﺣﺎً ﻛﺎﻵﺑﺎء واﻷﺟﺪاد .رﺑﻤﺎ ﻟﻮﻻ ﺗﻮﺳﻊ ﻋﺒﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻔﻘﺮاء ﻣﻦ اﻟﻔﻼﺣﻴﻦ واﻟﻌﻤﺎل ﻣﺠﺎﻧﺎً ،ﻟﻤﺎ أﺗﻴﺤﺖ ﻟﻲ ﻓﺮﺻﺔ اﻻﻟﺘﺤﺎق ﺑﺎﻟﻤﺪارس اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ..ﺣﺘﻰ اﻟﺴﻠﻚ اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﻟﻤﻦ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻇﺮوﻓﻲ ﻛﺎن ﻻ ﻳﺆﻫﻠﻨﻲ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻮﻇﻒ روﺗﻴﻨﻲ ﻛﺴﻮل ،أو ُﻣﺪرس ﻟﻐﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ أﻓﻀﻞ اﻻﺣﺘﻤﺎﻻت) .ﻓﻤﺎ ﻫﻮ ذﻟﻚ اﻟﺤﺎﻓﺰ اﻟﺬي دﻓﻌﻨﻲ ﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﺑﻮﺻﻠﺔ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ،ﻓﻠﻢ أﺻﺒﺢ ﻓﻼﺣﺎً ،وﻻ ﻣﻮﻇﻔﺎً ،وﻻ ُﻣﺪرﺳﺎً ﻟﻨﺤﻮ ﺳﻴﺒﻮﻳﻪ؟( .أﻇﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻣﻌﻘﺪة ،وﻋﺸﻮاﺋﻴﺔ ﺳﺄﺟ ّﻤﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﺘﺔ ﻣﺤﻔﺰات ،أوﻟﻬﺎ :أن أﺑﻲ »ﺻﺎﻟﺢ« اﻟﺠﻨﺪي اﻟﻌﺎﺋﺪ ﻣﻦ ﺟﺒﻬﺔ اﻟﺤﺮب ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات ﻃﻮﻳﻠﺔ ،ﻛﺎن ﻗﺪ رأى ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻮت إﻟﻰ
وﻗﺎل ﻓﻲ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺷﻴﺨﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻰ اﻟﻔﺮج» :ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻋﻦ ﻣﻮﻟﺪه، ﻓﻘﺎل ﻓﻲ ذي اﻟﺤﺠﺔ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ﺗﺴﻊ وﺛﻼﺛﻴﻦ وﺧﻤﺲ ﻣﺌﺔ ،وﺗﻮﻓﻰ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺴﺒﺖ ﻟﺴﺖ ﺧﻠﻮن ﻣﻦ ﺷﻬﺮ رﻣﻀﺎن ﻣﻦ ﺳﻨﺔ إﺣﺪى وﻋﺸﺮﻳﻦ وﺳﺖ ﻣﺌﺔ ،ودﻓﻦ ﻓﻲ ﻣﻘﺒﺮة اﻟﺴﻬﻠﻴﺔ ﺑﻘﺮب ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺴﻠﻄﺎن«. وﻣﻦ ﺧﻼل ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ ﺷﻴﻮﺧﻪ وﻣﺪﺣﻪ ﻟﻬﻢ ذﻛﺮ اﺑﻦ أﻧﺠﺐ ﻣﺼﻨﻔﺎت ﻣﻬﻤﺔ ﻻ ذﻛﺮ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺼﺎدر اﻷﺧﺮى ،ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﻛﺘﺎﺑﻪ وﺛﻴﻘﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻜﺮ واﻷدب واﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻓﻲ ﻗﺮن ﻛﺎﻣﻞ ﻫﻮ اﻟﺴﺎﺑﻊ اﻟﻬﺠﺮي اﻟﺬي اﺷﺘﻬﺮ ﺑﺎﻟﻤﻮﺳﻮﻋﺎت اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ. ﻛﺎن اﺑﻦ اﻷﻧﺠﺐ ﺟﻢ اﻟﺘﻮاﺿﻊ ،ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺘﺄدب ﻣﻊ ﺷﻴﻮﺧﻪ وﻋﻠﻤﺎء ﻋﺼﺮه ،ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﻢ ﺑﻜﻞ ﺧﻴﺮ وﻳﺼﻔﻬﻢ ﺑﻜﻞ ﺟﻤﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻘﻮل، ﻣﻌﺪدا ﻣﻨﺎﻗﺒﻬﻢ وﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﻪ ﻋﻠﻰ أﻳﺪﻳﻬﻢ. ﻳﻘﻮل ﻓﻲ ﻣﻌﺮض ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ ﺷﻴﺨﻪ أﺑﻰ اﻟﻴﻤﻦ اﻟﻜﻨﺪي» :ﺷﻴﺨﻨﺎ أﺑﻮ اﻟﻴﻤﻦ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻹﻣﺎم ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻋﻠﻮم اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ :ﻧﺤﻮا ً وﻟﻐﺔ ،اﻟﺤﺎﻓﻆ، اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻷﺳﺒﺎب اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ ،ﻣﺤﻂ اﻟﺮﻛﺒﺎن ،وﺣﺴﻨﺔ اﻟﺰﻣﺎن ،وﻟﺪ ﺑﺒﻐﺪاد ﻓﻲ ﺷﻌﺒﺎن ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ﻋﺸﺮﻳﻦ وﺧﻤﺲ ﻣﺌﺔ ،وﻛﺎن أﺑﻮه ﺗﺎﺟﺮا ً ﻣﻮﺳﺮا ً، ﺗﻠﻘﻰ اﻟﻘﺮآن اﻟﻤﺠﻴﺪ ،وﻗﺮأه ﺑﺎﻟﻌﺸﺮ وﻫﻮ اﺑﻦ ﻋﺸﺮ ،ﻓﺎﺷﺘﻐﻞ ﺑﻌﻠﻢ اﻷدب ،وﻋﻨﻰ ﺑﺴﻤﺎع اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﻤﺴﺎﻋﺪة ﺷﻴﺨﻪ أﺑﻰ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﺮئ ،ﻓﺄﺳﻤﻌﻪ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻋﻨﺪه ،وأﺣﻀﺮ ﻟﻪ اﻟﻤﺸﺎﻳﺦ ،ورﺑﺎه ﺗﺮﺑﻴﺔ اﻷب اﻟﺒﺎر ،وﻛﺎن ﻳﺪﻋﻮ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺘﻮﻓﻴﻖ واﻟﺰﻳﺎدة ،وﺣﺴﻦ اﻟﻘﺒﻮل واﻟﺴﻌﺎدة ،وﻃﻮل اﻟﻌﻤﺮ واﻹﻓﺎدة ،ﻛﻞ ذﻟﻚ اﺳﺘﺠﻴﺐ ،وﺑﻠﻎ ﻋﺪد ﻣﻦ ﻗﺮأ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﻴﻮخ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﻤﻊ ﻣﻨﻬﻢ وأﺟﺎزوا ﻟﻪ ،ﺳﺒﻊ ﻣﺌﺔ وﻧﻴﻔﺎ وﺳﺘﻴﻦ ﺷﻴﺨﺎً«. وﻳﺒﺪو أن اﺑﻦ أﻧﺠﺐ ﻛﺎن ﺷﻐﻮﻓﺎً ﺑﺎﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻷﺣﺪاث ،ﺣﻴﺚ ﻳﻀﻴﻔﻬﺎ إﻟﻰ ﺗﺮاﺟﻢ اﻟﻤﺼﻨﻔﻴﻦ ،ﻛﻨﻮع ﻣﻦ رﺑﻂ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎت ،أو ﻛﻤﺤﺎوﻟﺔ ﻹﺛﺒﺎت ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻟﻮاﻗﻊ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ واﻟﺒﺤﺚ. ﻳﻘﻮل ﻣﺜﻼً ﻓﻲ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻠﺤﺔ اﻟﻘﺮﺷﻲ ﺣﻴﻦ ذﻛﺮ ﺿﻤﻦ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﺳﻨﺔ 656ﻫﺠﺮﻳﺔ» :وﻫﻲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻲ أﺧﺬت ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻐﺪاد ،واﻧﻘﺮﺿﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ،واﺳﺘﻮﻟﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺠﻨﻜﻴﺰﺧﺎﻧﻴﺔ ،وﻛﺜﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﺘﻞ واﻟﺴﻔﻚ واﻻﺳﺘﺌﺼﺎل« .وﻣﻦ ذﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ ﻓﻲ وﺻﻒ أﺣﺪاث ﻋﺎم ﺛﻤﺎن وﺳﺘﻴﻦ وﺧﻤﺲ ﻣﺌﺔ» :وﻫﻲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻏﺮﻗﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻐﺪاد ﻓﻲ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﺴﺘﻀﺊ« ،وﻻﺷﻚ أن اﺑﻦ اﻷﻧﺠﺐ رﺟﻊ إﻟﻰ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺼﺎدر ﻛﻲ ﻳﺼﻨﻒ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺠﺎﻣﻊ ،ﻣﻨﻬﺎ :أﺧﺒﺎر اﻟﻮزراء ﻟﻠﺠﻬﺸﻴﺎرى ،واﻷﻏﺎﻧﻲ ﻷﺑﻲ
اﻟﻔﺮج اﻷﺻﻔﻬﺎﻧﻲ ،وﺗﺎرﻳﺦ أﺻﺒﻬﺎن ﻟﺤﻤﺰة اﻷﺻﺒﻬﺎﻧﻲ ،وﺗﺎرﻳﺦ دﻣﺸﻖ ﻻﺑﻦ ﻋﺴﺎﻛﺮ ،وﺧﺮﻳﺪة اﻟﺪﻫﺮ وﺟﺮﻳﺪة اﻟﻌﺼﺮ ﻟﻠﺒﺎﺧﺮزي ،واﻟﺬﺧﻴﺮة ﻻﺑﻦ ﺑﺴﺎم ،وﻛﺘﺎب اﻟﻔﻬﺮﺳﺖ ﻻﺑﻦ اﻟﻨﺪﻳﻢ ،وﻣﻌﺠﻢ اﻷدﺑﺎء ﻟﻴﺎﻗﻮت اﻟﺤﻤﻮي ،وﻛﺘﺎب اﻟﻨﺤﻮﻳﻴﻦ ﻟﻤﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ. وﺗﻈﻞ ﻣﻴﺰة اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻜﺒﺮى ﻫﻲ إﺷﺎرﺗﻪ ﻟﻜﺘﺐ ﻻ زاﻟﺖ ﻣﻔﻘﻮدة ،وﻻ ﻳﻌﺮف ﻟﻬﺎ ﺧﺒﺮ إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ،ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﻛﺘﺒﻪ ،ﻛﺎﻟﻤﻨﺎﻗﺐ اﻟﻌﻠﻴﺔ ﻟﻤﺪرﺳﻲ اﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ ،وﺣﺼﻮل اﻟﻤﺮاد ﻣﻦ أﺧﺒﺎر اﺑﻦ ﻋﺒﺎد وﻏﻴﺮﻫﺎ. وﻛﺬﻟﻚ ﻛﺘﺐ ﺑﻌﺾ ﺷﻴﻮﺧﻪ اﻟﺘﻲ رآﻫﺎ وﺿﺎﻋﺖ ،ﻓﻴﻘﻮل ﻋﻦ ﻛﺘﺐ ﺷﻴﺨﻪ ﻫﺒﺔ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ اﻟﻨﺠﺎر» :وﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺼﺎﻧﻴﻒ ﻛﺘﺎب ﻣﺸﻴﺨﺘﻪ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻋﺸﺮة آﻻف ﺷﻴﺦ ﻟﻢ ﻳﺒﻴﻀﻪ ،وﻛﺘﺎب اﻟﺬﻳﻞ ﻋﻠﻰ اﻹﻛﻤﺎل ،ووﻗﻒ ﻛﺘﺒﻪ ووﺻﻰ إﻟﻰ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻬﺎ«. وﻓﻲ ﺗﺮﺟﻤﺘﻪ ﻷﺑﻲ اﻟﻌﻼء اﻟﻤﻌﺮي ﻳﻘﻮل ﻋﻦ ﻛﺘﺒﻪ» :إﻧﻬﺎ ﺟﻤﻌﺖ ﻓﻲ ﻓﻬﺮس ﻣﻔﺮد ﺑﺨﻂ ﻛﺎﺗﺒﻪ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻫﺎﺷﻢ« ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻋﻦ ﻛﺘﺎب اﻟﻬﻤﺰة واﻟﺮدف» :ﺑﻨﺎه ﻋﻠﻰ إﺣﺪى ﻋﺸﺮة ﺣﺎﻟﺔ ،اﻟﻬﻤﺰة ﻓﻲ ﺣﺎل إﻓﺮادﻫﺎ وإﺿﺎﻓﺘﻬﺎ ،وﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب رأﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﺌﺔ ﻣﺠﻠﺪ ،وﻫﻮ ﻓﻲ اﻟﺨﺰاﻧﺔ اﻟﻌﺘﻴﻘﺔ ﺑﺎﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ«. وﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻨﺎدرة اﻟﺘﻲ رآﻫﺎ اﻟﻤﺆﻟﻒ أﻳﻀﺎ ،ﻛﺘﺎب أﺧﺒﺎر اﻟﻘﺮاء واﻟﺮواة ،ﻟﻤﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮان اﻟﻤﺮزﺑﺎﻧﻲ ،وﻗﺎل ﻋﻨﻪ" :ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﻧﺤﻮ ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ورﻗﺔ ،وﻫﻮ ﻓﻲ ﺧﺰاﻧﺔ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻣﺠﻠﺪا ً". وﻷﻫﻤﻴﺔ ﻛﺘﺎب اﻟﺪر اﻟﺜﻤﻴﻦ ﻧﻘﻞ ﻣﻨﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮون ﻣﻦ أﺻﺤﺎب ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺮاﺟﻢ ،ﻣﺜﻞ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺴﻨﻰ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »اﻷﺻﻴﻠﻲ ﻓﻲ أﻧﺴﺎب اﻟﻄﺎﻟﺒﻴﻴﻦ«. ﻛﺬﻟﻚ ﻧﻘﻞ ﻋﻨﻪ اﻟﺬﻫﺒﻲ ﻓﻲ ﺳﻴﺮ أﻋﻼم اﻟﻨﺒﻼء ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺳﻴﻒ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻋﻠﻲ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ. وﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺘﺎرﻳﺦ ﺗﺄﻟﻴﻒ اﻟﻜﺘﺎب ،ﻟﻢ ﻳﺮد ﻣﺎ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺪﻳﺪه، وان ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺬرات اﻟﺘﻲ وردت ﻓﻴﻪ ،ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ أن ﺗﻌﻄﻲ ﺗﺎرﻳﺨﺎً ﺗﻘﺮﻳﺒﻴﺎً. ﻓﺎﺑﻦ اﻷﻧﺠﺐ ﺗﺮﺟﻢ ﻟﺒﻌﺾ اﻷﻋﻼم اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻮﻓﻮا ﺑﻌﺪ اﻟﺨﻤﺴﻴﻦ وﺳﺖ ﻣﺌﺔ ،وﻗﺪ وﺻﻒ أﻳﻀﺎً ﺳﻘﻮط ﺑﻐﺪاد ﺳﻨﺔ 656ﻫﺠﺮﻳﺔ .وﻗﺪ ﻣﺎت آﺧﺮ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺮﺟﻢ ﻟﻬﻢ ،وﻫﻮ داود ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب ﺳﻨﺔ 665ﻫﺠﺮﻳﺔ ،ﻣﻤﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ أن ﺗﺄﻟﻴﻒ اﻟﻜﺘﺎب،ﻛﺎن ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺘﺎرﻳﺦ أو ﺑﻌﺪه ﺑﻘﻠﻴﻞ
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
81
إﺿﺎءة
اﻟﺪر اﻟﺜﻤﻴﻦ ﻓﻲ أﺳﻤﺎء اﻟﻤﺼﻨﻔﻴﻦ ﻫﻮ ﺳﻔﺮ ﻧﺎدر ﻻﺑﻦ أﻧﺠﺐ اﻟﺴﺎﻋﻲ ،وﻗﺪ ذﻛﺮ ﻓﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺑﺤﺚ أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻔﻘﻮدة .ﺑﻌﺪ ﻋﻨﺎء ﻇﻬﺮ اﻟﻤﺨﻄﻮط ﺿﻤﻦ ﻣﺤﻔﻮﻇﺎت اﻟﻘﺼﺮ اﻟﻤﻠﻜﻲ ﺑﻤﺮاﻛﺶ ،ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﺮاﺣﻞ ،ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻲ اﻟﻜﻨﺎﻧﻰ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ ﻛﺎﻣﻼً. وﻗﻴﻞ إﻧﻪ ﻟﻮ وﺻﻞ ﺑﺘﻤﺎﻣﻪ ﻟﻜﺎن أﻓﻀﻞ وأﺷﻤﻞ ﻣﻦ ﻛﺘﺎب اﻟﻔﻬﺮﺳﺖ ﻻﺑﻦ اﻟﻨﺪﻳﻢ .وﻣﺆﻟﻒ اﻟﻜﺘﺎب ﻫﻮ ﺗﺎج اﻟﺪﻳﻦ أﺑﻮ ﻃﺎﻟﺐ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﻧﺠﺐ اﻟﻤﻌﺮوف ﺑﺎﺑﻦ اﻟﺴﺎﻋﻲ وﻳﻌﺮف أﻳﻀﺎ ﺑﺎﻟﺨﺎزن ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﺧﺎزن ﻛﺘﺐ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ واﻟﻤﺴﺘﻨﺼﺮﻳﺔ ﺑﺒﻐﺪاد. وﻟﺪ ﻓﻲ ﺷﻌﺒﺎن ﺳﻨﺔ 593ﻫﺠﺮﻳﺔ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﻐﺪاد ﻷﺳﺮة رﻗﻴﻘﺔ اﻟﺤﺎل، ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ أﺑﻰ اﻟﻌﺒﺎس أﺣﻤﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻟﺪﻳﻦ اﻟﻠﻪ. وﻣﻦ ﺷﻴﻮﺧﻪ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻌﻠﻢ ﻋﻠﻰ أﻳﺪﻳﻬﻢ :ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻮان ﺑﻦ ﻣﻬﺎﺟﺮ، ﻳﺎﻗﻮت اﻟﺤﻤﻮي ،زﻳﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ زﻳﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث، ﺷﻬﺎب اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺴﻬﺮوردى. وﻻﺑﻦ أﻧﺠﺐ اﻟﺴﺎﻋﻲ ذﻛﺮ ﻃﻴﺐ ﻋﻨﺪ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺗﺮﺟﻢ ﻟﻪ؛ ﻗﺎل اﻟﻴﻮﻧﻴﻨﻰ ﻓﻲ ذﻳﻞ ﻣﺮآة اﻟﺰﻣﺎن: »إﻧﻪ ﻛﺎن أدﻳﺒﺎً ﻓﺎﺿﻼً«. ووﺻﻔﻪ اﻹﻣﺎم اﻟﺬﻫﺒﻲ ﻓﻲ ﺗﺬﻛﺮة اﻟﺤﻔﺎظ ﺑﺎﻹﻣﺎم اﻟﻤﺆرخ اﻟﺒﺎرع ،وﻗﺎل اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ ﻓﻲ ﺣﻘﻪ »اﻹﻣﺎم اﻟﻤﺤﺪث اﻟﺒﺎرع اﻟﻤﺆرخ«. وﻳﺴﺘﻮﻗﻒ اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻗﻮل ﻟﻠﺬﻫﺒﻲ ﻋﻦ اﺑﻦ اﻷﻧﺠﺐ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﺳﻼم» :ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻠﻢ ﻓﻴﻪ واﻟﻠﻪ أﻋﻠﻢ ،وﻟﻪ أوﻫﺎم«. وﻫﻮ ﺑﻬﺬا ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ ﻣﺎ اﺗﻬﻢ ﺑﻪ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﺸﻴﻊ. ﻟﻜﻦ ذﻟﻚ اﻟﻐﻤﺰ ﻻ ﻳﻨﻘﺺ ﻣﻦ ﻗﺪر اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻛﻌﺎﻟﻢ ﻣﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ اﻟﻬﺠﺮي ،أﺛﺮى اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻟﻔﺎت وإن ﻛﺎن ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﻣﻔﻘﻮدا ً. ﻣﻦ أﺷﻬﺮ ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﺑﻠﻐﺖ ﺛﻼﺛﺎً وﺛﻼﺛﻴﻦ وﻣﺎﺋﺔ ﻣﺠﻠﺪ :أﺧﺒﺎر اﻟﺨﻠﻔﺎء، وأﺧﺒﺎر اﻟﺰﻫﺎد ،وﻣﻨﺎﻗﺐ اﻷوﻟﻴﺎء واﻷﻓﺮاد ،وأﺧﺒﺎر ﻗﻀﺎة ﺑﻐﺪاد ،وإرﺷﺎد اﻟﻄﺎﻟﺐ إﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻤﺬاﻫﺐ ،واﻻﻗﺘﻔﺎء ﻟﻄﺒﻘﺎت اﻟﻔﻘﻬﺎء. وﻳﻌﺘﺒﺮ ﻛﺘﺎب اﻟﺪر اﻟﺜﻤﻴﻦ اﻟﺬي ﻧﺤﻦ ﺑﺼﺪده ،ﻣﻦ اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﺮاﺛﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ. ﻳﻀﻢ اﻟﺠﺰء اﻷول ﻣﻨﻪ ﺗﺮاﺟﻢ اﻟﻤﺼﻨﻔﻴﻦ وأﻧﺴﺎﺑﻬﻢ وﻣﻨﺎﻗﺒﻬﻢ وأﺳﻤﺎء ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻬﻢ ،وﻧﺘﻔﺎ ﻣﻦ أﺧﺒﺎرﻫﻢ وأﺷﻌﺎرﻫﻢ. 80
اﻟﺪر اﻟﺜﻤﻴﻦ ﻓﻲ أﺳﻤﺎء اﻟﻤﺼﻨﻔﻴﻦ
ﺳﻤﻴﺮ اﻟﻤﻨﺰﻻوي * ƉƚǙ ɐŪŌƉŨǕŌ ǽƳ ūŽōşǶ Ƙōǃ
اﺳﺘﻬﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﺑﻤﻘﺪﻣﺔ ﺿﺎع ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ،وﺑﺪأ ﺗﺮاﺟﻢ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺑﺎﻟﻤﺤﻤﺪﻳﻦ، ﺛﻢ ﺗﺮاﺟﻢ ﻣﻦ ﺳﻤﻰ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ،ﻓﺎﻟﺬي ﻳﻠﻴﻪ ،ﺣﺴﺐ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺣﺮوف اﻟﻤﻌﺠﻢ .أول ﻣﻦ ﺗﺮﺟﻢ ﻟﻪ ﺗﺮﺟﻤﺔ واﻓﻴﺔ ،اﻹﻣﺎم اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ،ﻓﻬﻮ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل» :أول ﻣﻦ ﺻﻨﻒ ﻓﻲ اﻟﻔﻘﻪ ودوﻧﻪ« ،ﺛﻢ ذﻛﺮ ﻣﻨﺎﻗﺒﻪ وﻣﺎ أﻟﻒ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ وﺧﺘﻢ ﺑﺬﻛﺮ وﻓﺎﺗﻪ وﻣﻜﺎن دﻓﻨﻪ. ﻟﻢ ﻳﺘﺒﻊ اﺑﻦ أﻧﺠﺐ ﻣﻨﻬﺠﺎً ﺧﺎﺻﺎً ﺑﻪ ﻓﻲ ﺗﺮاﺟﻢ ﻛﺘﺎﺑﻪ ،ﻓﺄﺣﻴﺎﻧﺎً ﻳﺴﻬﺐ ﻓﻴﻘﺪم اﻻﺳﻢ واﻟﻜﻨﻴﺔ واﻟﺸﻴﻮخ واﻟﺘﻼﻣﻴﺬ واﻟﻤﺆﻟﻔﺎت وﺗﺎرﻳﺦ وﻣﻜﺎن اﻟﻮﻓﺎة ،وﻳﻀﻴﻒ وﻗﺎﺋﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻫﺎﻣﺔ ﺣﺪﺛﺖ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻤﺘﺮﺟﻢ ﻟﻪ، وﺑﻌﺾ أﺧﺒﺎره وأﺷﻌﺎره وﻣﻌﻬﺎ ﻧﻜﺘﺎً وﻓﻮاﺋﺪ. وأﺣﻴﺎﻧﺎ أﺧﺮى ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺘﺮﺟﻤﺔ ﻗﺼﻴﺮة ﻵﺧﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﺳﻄﺮ أو ﺳﻄﺮﻳﻦ، ﻟﺬﻟﻚ ﺗﻔﺎوﺗﺖ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﻜﺘﺎب ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻷﻫﻤﻴﺔ ،واﻟﻄﻮل واﻟﻘﺼﺮ. رﺑﻤﺎ ﻳﺮﺟﻊ ﻫﺬا اﻟﺘﻔﺎوت إﻟﻰ ﺑﻦ اﻷﻧﺠﺐ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﻣﻨﺼﺮﻓﺎً إﻟﻰ اﻷﻋﻼم ،ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻛﺎن راﻏﺒﺎ ﻓﻲ ﻋﺮض اﻟﻤﺆﻟﻔﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻛﻮﻫﺎ وأﺳﺪوا ﺧﺪﻣﺎت ﺟﻠﻴﻠﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. وﻣﻤﺎ ﻳﺆﻛﺪ ﻫﺬا اﻻﺳﺘﻨﺘﺎج ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺗﺮﺟﻤﺔ اﺑﻦ ﺳﻴﻨﺎ" :وﻟﻴﺲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﺑﺼﺪد أﺧﺒﺎر اﻟﻤﺼﻨﻔﻴﻦ ،ﺑﻞ اﻟﻤﻘﺼﻮد اﻟﺘﻌﺮﻳﺾ ﻟﺬﻛﺮ ﻧﺒﺬة ﻣﻦ أﺧﺒﺎرﻫﻢ وذﻛﺮ ﺗﺼﺎﻧﻴﻔﻬﻢ". ً وﻣﻦ اﻟﻤﻼﺣﻈﺎت اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ أن اﺑﻦ اﻷﻧﺠﺐ أﻃﺎل ﻛﺜﻴﺮا ﻓﻲ ﺗﺮاﺟﻢ اﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ ،ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﺷﺎﻓﻌﻲ اﻟﻤﺬﻫﺐ ،وﺧﺼﺺ ﻣﺴﺎﺣﺎت أﻗﻞ ﻷﺻﺤﺎب اﻟﻤﺬاﻫﺐ اﻷﺧﺮى ﻛﺎﻟﻤﺎﻟﻜﻴﺔ واﻟﺤﻨﻔﻴﺔ واﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ. وﺗﺘﻤﻴﺰ ﺗﺮﺟﻤﺎت اﺑﻦ أﻧﺠﺐ ﻋﻦ ﺗﺮﺟﻤﺎت اﺑﻦ اﻟﻨﺪﻳﻢ وﻳﺎﻗﻮت ،أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺸﻴﻮﺧﻪ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺎﺻﺮﻫﻢ ﻓﻲ اﻷﻏﻠﺐ اﻷﻋﻢ ،ﻓﺠﺎء ﻛﻼﻣﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﻣﻦ دون إﺳﻨﺎد أو ﻋﻨﻌﻨﺔ ﻣﻤﺎ ﺳﻬﻞ اﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺔ واﻻﺳﺘﻔﺎدة. ﻓﻌﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل ﻗﺎل ﻓﻲ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺷﻴﺨﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ: »ذﻛﺮ ﻟﻲ أن ﻣﻮﻟﺪه ﻳﻮم اﻻﺛﻨﻴﻦ ﺳﺎدس ﻋﺸﺮ ﻣﻦ رﺟﺐ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ﺛﻤﺎن وﺧﻤﺴﻴﻦ وﺧﻤﺲ ﻣﺌﺔ«.
إﺿﺎءة
اﻟﺴﺮادق X
ﻫﻞ ﻫﻮ اﻣﺘﺪاد اﻟﺨﻴﻤﺔ؟ ادق واﺣ ٌﺪ ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫ ِﺮ اﻟﺘﺮ ِ اﻟﺴﺮ ُ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﻣ ﱢﺮ اﻟﻌﺼﻮر، اﻟﺸﻌﺒﻲ اث ﱡ ﱢ ّ ِ ِ ﻛﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﻌﺰاء واﻷﻓﺮاح اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔ ِﺔ، ﻨﺼﺐ ﻹﻗﺎﻣﺔ ﻳُ ُ ِ ِ ِ ﻜﻞ ُﻣﻄ ﱠﻮر واﻟﻤﻮاﺋﺪ ،وﻏﻴﺮﻫﺎ ،وﻫﻮ ﺷَ ٌ واﻟﻤﻮاﻟﺪ واﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت، اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ، ِ ﻇﻞ ﻣﻮﺟﻮدا ً ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺒﺪوﻳﺔ ﻟﻠﺨﻴْﻤ ِﺔ ﻗﺪﻳﻤﺎ ،أو ﺑﻴﺖ اﻟﺸﱠ ﻌﺮ اﻟﺬي ﱠ ﺑﻴﺖ اﻟﺸﱠ ﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ إﻟﻰ اﻵن ،ﺧﺎﺻ ًﺔ ﻓﻲ دو ِل اﻟﺨﻠﻴ ِﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،إﻻ أن َ ﻳُﺜَ ﱠﺒ ُﺖ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧِ ِﻪ ﻟﻔﺘﺮ ٍ اﻟﺴﺮادق ﻓ ُﻴﻨﺼﺐ ﻣﺪ َة اﻟﻤﻨﺎﺳﺒ ِﺔ، ات ﻃﻮﻳﻠ ٍﺔ ،أﻣﺎ ﱡ ﺛﻢ ﻳُﻔﻜﱠﻚ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎ ِر أن ﻳُﻘﺎ َم ﻓﻲ ﻣﻜﺎنٍ آﺧ َﺮ. ﻛﻞ ﻣﺎ أﺣﺎ َط ﺑﺎﻟﺸﻲ ِء ﻣﻦ ٍ اﻟﺴﺮ َ ﺣﺎﺋﻂ ادق ﻫﻮ ﱡ وﺟﺎ َء ﻓﻲ اﻟ َﻤﻌﺎﺟﻢِ أن ﱡ ﻟﻐﺮض ﻣﻦ اﻷﻏﺮ ِ اﻟﻨﺎس ٍ ﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ اض اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ،وﻳُ َ وﻧﺤﻮِه ﻟﻴﺠﺘﻤ َﻊ ﻓﻴﻪ ُ ِ واﻟﺼﻴﻮان ،ﻷﻧﻪ ﻳَ ُﺼﻮن ﻣﺎ اﻟﺼﺎ ِد اﻟﻤﺸﺪدة وﻛﺴﺮﻫﺎ ،ﱢ اﻟﺼﻮا ُن ﺑﻀﻢ ﱠ ّ ٍ ﺑﺪاﺧﻠﻪ ،وﻗﺪ ورد ذﻛ ُﺮه ﻓﻲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢِ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺣﺎﺋﻂ ﻣﻦ ُدﺧﺎنٍ أو ﻧﺎرٍ ،ﻳُﺤﻴ ُﻂ ﺑﺎﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﻓﻲ اﻵﺧﺮ ِة" ،إِﻧﱠﺎ أَﻋﺘﺪﻧﺎ ﻟﻠﻈﱠﺎﻟﻤﻴ َﻦ ﻧﺎ ًرا أَﺣﺎ َط ﺑ ِﻬ ْﻢ ُﺳﺮا ِدﻗُﻬﺎ" )اﻟﻜﻬﻒ .(29 واﻟﺴﺮ ُ ﻳﻜﻮري ادق أَﻫ ﱡﻢ ﻋﻨﺎﺻ ِﺮ )اﻟ ِﻔﺮاﺷ ِﺔ( ،ﻳﺄﺧﺬ أﺷﻜﺎﻻً ذاتَ ﺗﻨﺴﻴﻖٍ ِد ﱟ ﺑﺰﺧﺎرف ورﺳــﻮمٍ أو ٍ َ آﻳﺎت ﻗﺮآﻧﻴ ٍﺔ ،أو ﺟﻤﺎﻟﻲ ،وﻗﺪ ﺗﺠ ُﺪه ُﻣﻄ ﱠﺮزًا ﱟ ِ ﻋﺒﺎر ِ اﻟﻮﻋﻆ ،أو ﺑﺼﻮ ٍر ﻟﻤﻌﺎﻟ َﻢ إﺳﻼﻣﻴ ٍﺔ ﻛﺎﻟﻜﻌﺒ ِﺔ اﻟﻤﺸﺮﻓ ِﺔ ،أو اﻟ ُﻘﺒﱠ ِﺔ ات ِ اﻟﺼﺨﺮ ِة اﻟﺨﻀﺮا ِء ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺮﺳﻮ ِل -ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ،-أو ﻗُﺒ ِﺔ ﱠ ِ ﻠﻴﺐ ،أو ﻓﻲ ﻟﻠﺼ ِ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻷﻗﺼﻰ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻗﺪ ﺗ َﺠ ُﺪه ُﻣﻄ ﱠﺮزًا ﺑﺮﺳﻮمٍ ﱠ ﺑﺎﻟﺼﻮر ِة اﻟ ُﻤﺘ َﺨ ﱠﻴﻠ ِﺔ اﻟ َﻤﺸﻬﻮر ِة ﻟﻠﺴﻴﺪ ِة اﻟﻌﺬرا ِء واﻟﻤﺴﻴ ِﺢ - ﱡ ِ ﻣﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﻤﺴﻴﺤ ﱢﻴﻴﻦ. ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼم -ﻓﻲ ﻻ ﺗَﺴﺘﻐﻨﻲ اﻟﻌﺎﺋﻼتُ اﻟﻜُﺒﺮى ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺳﺒﺎﺗِﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺴﺮ ِ ادﻗﺎت، واﺟﺐ اﻟﺘﻌﺰﻳ ِﺔ أو اﻟﺘﻬﻨﺌ ِﺔ ،إ ْذ ﺣﻴﺚُ ﺗُﻘﻴ ُﻤﻬﺎ ﻟﻠﻘﺎد ِﻣﻴﻦ ﻷدا ِء ِ َﺘﻨﺎﻓﺲ اﻟﻌﺎﺋﻼتُ ﺗﻀﻴﻖ اﻟﺒﻴﻮتُ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻷﻋﺪا ِد اﻟﻐﻔﻴﺮة ،وﺗ ُ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺪامِ أﻓﺨﻢِ أﻧﻮا ِﻋﻬﺎ وأﺷﻜﺎﻟِﻬﺎ ،وأﻏﻼﻫﺎ واﻟﻤﺎدي ﻟﻠﻌﺎﺋﻠ ِﺔ، اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ إﻳﺠﺎ ًرا ،ﻟﻠﺪﻻﻟ ِﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺿﻊِ ّ ّ إﺿﺎﻓ ًﺔ إﻟﻰ أﻫﻤﻴ ِﺔ اﻟﻤﺘﻮﻓﱠﻰ. وﻏﺎﻟ ًﺒﺎ ﻻ ﻳُﺴﺘﻐ َﻨﻰ ﺑﺎﻟﺴﺮادقِ ﻋﻦ ﺑﻘ ﱢﻴ ِﺔ ُﻣ ِ ﻜﻮﻧﺎت )اﻟ ِﻔﺮاﺷ ِﺔ(، اﻟﺘﻲ ﺗُﺸﻜﻞ ﻣ ًﻌﺎ ﻟﻮﺣ ًﺔ ﻓﻨ ّﻴﺔ ُﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔً ،ﻓ َﺒﻌ َﺪ ﻧَﺼ ِﺒ ِﻪ ﻣﺮﻓﻮ ًﻋﺎ َﺸﺐ ،وﻣﺸﺪو ًدا ﺑﺤﺒﺎ ٍل ﻗﻮﻳّ ٍﺔ إﻟﻰ ﺟﻬﺎﺗِ ِﻪ ﻋﻠﻰ ُﻋﺮوقٍ ﻣﻦ اﻟﺨ ِ َﺮش ِ اﻟﺨﺎرﺟﻴﱠ ِﺔ ،ﻳﻘﻮ ُم ُﻋﻤﺎﻟُﻬﺎ ﺑﻔ ِ ﺑﺴ ّﺠﺎ ٍد ﻏﺎﻣﻖِ أرض اﻟﺴﺮادقِ َ ِ ِ اﻟﻠﱠﻮنِ ﻗُﺒَ َﻴﻞ َر ﱢص َﻣﺠﻤﻮﻋﺎت اﻟﻜﺮاﺳﻲ اﻟﻤﺘﻨﺎﺳﻘﺔ اﻟﻠﻮنِ
ﺳﺎﻣﻲ أﺑﻮ ﺑﺪر * ƉƚǙ ǛǙ ŝũōljǶ ƉƫōƗ
واﻟﺤﺠﻢِ ﻓﻮﻗَﻪُ ،ﺛﻢ ﻳُﺜﺒﺘﻮن ِﻣ َﻨ ﱠﺼ ًﺔ ﺧﺸﺒﻴّ ًﺔ أو ﺣﺪﻳﺪﻳّ ًﺔ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬ ِﺔ ﺟﻬ ِﺔ ِ ﻟﻴﺠﻠﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻌﺮوﺳﺎن ﺷﻜﻞ ﺧﺸﺒ َﺔ اﻟﻤﺴﺮ ِح اﻟﻀﻴﻮف ،ﺗﺄﺧﺬ َ دﺧﻮ ِل َ ِ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟ َﻤﺤ َﻔﻠِ ﱠﻴ ِﺔ ،وﻳَ ِﺤ ﱡﻞ اﻟﺨﻄﻴﺐ ﻓﻲ ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ اﻷﻓﺮا ِح ،أو َ ُ ﻟﻴﺠﻠﺲ ﻋﻠﻴ ِﻪ اﻟ ُﻤﻘ ِﺮئُ ﻓﻲ اﻟﻤﺄﺗﻢِ . ﺮﺻ ٌﻊ ﻛﺮﺳﻲ ﻓﺨ ٌﻢ َﻣ َﺬ ﱠﻫ ٌﺐ أو ُﻣ ﱠ َ ﻣﺤﻠﱠﻬﺎ ﱞ ُﻨﺼ ُﺐ ﻓﻲ َﺟ َﻨﺒﺎﺗِ ِﻪ -وﺧﺎرﺟ ِﻪ أﺣﻴﺎﻧًﺎ -ﺳ ﱠﻤﺎﻋﺎتٌ ﻛﺒﻴﺮ ٌة )ﺳﺘﺮﻳﻮ( ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗ َ ﺗ ُ َﺤ ﱢﺴ ُﻦ اﻟﺼﻮتَ ،وﺗﻨﻘﻠ ُﻪ ﺑﻮﺿﻮ ٍح إﻟﻰ اﻟﺨﺎر ِج ﻟِ ُﻴﺠﺒ َﺮ اﻟﺠﻤﻬﻮ َر داﺧﻠَﻪ وﻳﺘﺪاﺧﻞ ُ اﻟﺨﻄﻴﺐ، اﻟﻤﻄﺮب أو وﺧﺎر َﺟﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻔﺎﻋﻞِ ﻣﻊ اﻟ ُﻤﻘﺮئِ أو ِ ِ ﺑﺎﺧﺘﻼف ﻧﻮ ِع وﺣﺠﻢِ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔِ، ِ ﺗﺨﺘﻠﻒ اﻟﺼﻮتُ ﻣﻊ أﺿﻮا ٍء ﺑﻬﻴﺠ ٍﺔ ُ ﱠ ٍ اﻟﺼﻮتِ ِ ِ ٍ ﺗ ُ َﺼﻞ ﻛﺜﻴ ًﺮا إﻟﻰ َدرﺟــﺎت ُﻣﺪﻫﺸﺔ ﻣﻦ اﺳﺘﺨﺪامِ ﺗ َﻘﻨﻴﱠﺎت ﱠ واﻟﻀﻮ ِء. اﻟﺴﺮ ُ ادق ﺻﺎﻣ ًﺪا ﻟﻘﺮونٍ ﻃﻮﻳﻠ ٍﺔ ،وإﻟﻰ اﻟﻴﻮمِ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬ ِﺔ اﻧﺘﺸﺎ ِر ﻇ ﱠَﻞ ﱡ ِ ِ اﻟﻘﺎﻋﺎت و ُدو ِر اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﺒﺎﻫﻈ ِﺔ اﻹﻳﺠﺎر ،اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗ َﺴﺘﻄﻴ ُﻊ ﻓﺌﺎتٌ ﻷﺳﺒﺎب ﻣﺎدﻳﱠ ٍﺔ أو اﺟﺘﻤﺎﻋﻴ ٍﺔ أو ﺟﻐﺮاﻓﻴ ٍﺔ ،وﺳﻴﺒﻘَﻰ ّﻫﺎب إﻟﻴﻬﺎ ٍ ﺑﻌﻴ ِﻨﻬﺎ اﻟﺬ َ ﻟﻘﺮونٍ أُﺧ َﺮِ ، ﻛﺄﺣﺪ أﺑﺮ ِز اﻟ َﻤﻮ ُر ِ وﺛﺎت اﻟ ُﻔﻠْﻜُﻠﻮرﻳﱢ ِﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴ ِﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴ ِﺔ
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
79
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
اﻟﺪروس ،وﻫﻲ ﺗﺒﻴﻦ ﺣﻜﻤﺔ اﻷم ورﻗﺔ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻗﺎﺳﻴﺔ ﻋﺎﻧﺘﻬﺎ، وذﻟﻚ أن أﺣﺪ ﻓﺮﺳﺎن ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻣﺠﺎورة واﺳﻤﻪ ﻣﻴﺎس ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﺧﻄﻒ اﻟﻔﺘﺎة )ﻣﻬﺮة( وﺗﺰوﺟﻬﺎ ﺑﺎﻹﻛﺮاه ،ﻷن واﻟﺪﻫﺎ ﻟﻢ ﻳﻮاﻓﻖ ﺣﻴﻦ ﻃﻠﺐ ﻳﺪﻫﺎ ﻣﻨﻪ .وراح أﺧﻮﻫﺎ اﻟﻔﺘﻰ ﺻﺨﺮ ﻳﻔﻜﺮ ﺑﺎﻻﻧﺘﻘﺎم ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﺒﺮ .وﺑﻌﺪ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ ،رأى ﺻﺨﺮ أن اﻟﻮﻗﺖ ﺣﺎن ﻟﻼﻧﺘﻘﺎم ،ﻓﻘﺎم ﺑﺰﻳﺎر أﺧﺘﻪ ﺳﺮا ً وأﺧﺬ رأﻳﻬﺎ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻨﻮي ﻗﺘﻞ ﺧﺎﻃﻔﻬﺎ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ إن اﻷﺣﻮال ﺗﻐﻴﺮت وﻫﻲ ﺳﻮف ﺗﺼﺒﺢ أرﻣﻠﺔ وأوﻻدﻫﺎ ﻳﺘﺎﻣﻰ ،وأﺷﺎرت ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺄن ﻳﺨﻄﻒ أﺧﺖ ﻣﻴﺎس وﻳﺘﺰوﺟﻬﺎ ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﻣﺎم ﻣﻴﺎس إﻻ أن ﻳﻮاﻓﻖ ﻷن اﻟﺒﺎدئ أﻇﻠﻢ ،ﻛﻤﺎ اﺑﻨﻪ ﻋﺎﻣﺮ وأﺧﻮﺗﻪ وﻗﻔﻮا ﻣﻊ ﺧﺎﻟﻬﻢ ﻛﻤﺎ رﺑﺘﻬﻢ أﻣﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺒﺔ اﻟﺨﺎل .وﺑﺬﻟﻚ اﻧﺘﻬﺖ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺒﻴﻠﺘﻴﻦ. ﺣﻜﺎﻳﺘﺎن ﻋﻦ اﻟﺠﻦ
وﻫﻨﺎك ﺣﻜﺎﻳﺘﺎن ﻋﻦ اﻟﺠﻦ ﻫﻤﺎ» :ﻃﺎﻗﻴﺔ اﻹﺧﻔﺎء واﻟﻤﺴﺎﻓﺮ واﻟﺤﺴﻨﺎء«، ﻛﻤﺎ أن ﻫﻨﺎك ﻣﺸﻜﻼت ﺗﺤﺪث ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت واﻟﺤﻞ ﻳﺄﺗﻲ داﺋﻤﺎ ﺑﻔﻀﻞ ذﻛﺎء اﻟﺤﻜﻴﻢ أو ﺣﺴﻦ اﻟﻄﺎﻟﻊ واﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ اﻟﺴﻌﻴﺪة ،وﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت :اﻟﻜﻒ اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ،ﺣﺮس اﻷﻣﻴﺮ ،ﻣﻮﺳﻰ وزوﺟﺘﻪ ﺟﺮادة .أﻣﺎ ﺣﻜﺎﻳﺔ »اﻟﺨﻴﻞ اﻷﻧﺴﻴﺔ« اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ وﺗﺨﺒﺮه ﺑﻜﻞ ﺧﻄﺮ، وﻫﻮ ﻳﺤﺒﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮا ً ﻷﻧﻬﺎ أﻧﻘﺬﺗﻪ ﻣﺮارا ً ﻣﻦ اﻟﻬﻼك ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺒﺒﺎً ﻓﻲ اﻧﺘﺼﺎره ﻋﻠﻰ اﻷﻋﺪاء اﻟﺬﻳﻦ ﻫﺎﺟﻤﻮا ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻠﻚ ﺣﺴﺎن اﻟﺬي ﻟﺠﺄ إﻟﻴﻪ ﻫﺮﺑﺎً ﻣﻦ ﻗﺴﻮة زوﺟﺔ أﺑﻴﻪ .وأﺧﻴﺮا ً ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺒﺒﺎً ﻓﻲ زواﺟﻪ ﻣﻦ أﺻﻐﺮ ﺑﻨﺎت اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺖ ﺷﺠﺎﻋﺘﻪ وﻣﻬﺎرﺗﻪ ﺑﺎﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ .ﻛﻤﺎ أن ﺣﻜﺎﻳﺔ »ﻋﻮدة اﻟﻐﺎﺋﺐ« ﺗﺒﻴﻦ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﻨﺎﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺬﻛﺮ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ اﻟﻜﺮﻳﻢ وﺗﻌﻮد إﻟﻴﻪ ﺑﻌﺪ أن ﺳﺮﻗﻬﺎ أﺣﺪ اﻟﻠﺼﻮص وﺑﺎﻋﻬﺎ ﺑﻌﻴﺪا ً ﻋﻦ اﻹﻣﺎرات.
رأس اﻟﻌﺸﻴﺮة
78
ﺣﻜﺎﻳﺎت ﻣﻦ اﻟﺴﺮد اﻟﺸﻌﺒﻲ اCﻣﺎراﺗﻲ
اﻟﻜﺘﺎب ﺻﺎدر ﻋﻦ اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻺﻋﻼم ،وﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﺣﺪود 200 ﺻﻔﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻊ اﻟﻜﺒﻴﺮ ،وﺟﺎء ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻐﻼف اﻷﺧﻴﺮ ﻟﻤﺤﺔ ﻣﻮﺟﺰة ﻣﻦ ﺳﻴﺮة اﻟﻜﺎﺗﺐ واﻟﺸﺎﻋﺮ اﻹﻣﺎراﺗﻲ د .ﻋﺒﻴﺪ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ وﻧﻴﺲ اﻟﻜﻌﺒﻲ ،وﻫﻮ ﻣﻦ ﻣﻮاﻟﻴﺪ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﻋﺎم ،1956درس اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺑﺘﺪاﺋﻴﺔ واﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﻤﺘﻮﺳﻄﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرﻗﺔ ،وﺗﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﻓﻲ دﺑﻲ ﺛﻢ ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻴﺔ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ،وﻗﺪ ﻧﺎل ﻋﻀﻮﻳﺔ ﺟﻤﻌﻴﺔ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﻋﺎم ،1979 ﻛﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﺟﺴﺘﻴﺮ ﻣﻦ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻣﺼﺮ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ زﻣﺎﻟﺔ أﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ ﻧﺎﺻﺮ ،1997وﻗﺪ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻛﺘﻮراة ﻋﺎم ،2004 وﻫﻮ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺬي ﻛﺘﺐ اﻷﻏﻨﻴﺔ واﻟﻘﺼﻴﺪة اﻟﻔﺼﺤﻰ واﻟﻘﺼﻴﺪة اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻛﺎﺗﺐ ﻟﻠﻘﺼﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ،وﻫﻮ ﺑﺎﺣﺚ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ واﻵدب واﻟﺸﻌﺮ اﻟﺸﻌﺒﻲ .ﺻﺪر ﻟﻪ دﻳﻮان ﺷﻌﺮ ﺷﻌﺒﻲ، وﻛﺘﺎب ﺑﻌﻨﻮان »ﺣﺰاوي«
راﻋﻴﺔ اﻟﻐﻨﻢ
ﺣﺮس اﻻٔﻣﻴﺮ
رأس اﻟﻌﺸﻴﺮة
اﻟﻮﺻﻴﺔ
ﻏﻼف اﻟﻜﺘﺎب
اﻟﻘﺼﺔ اﻷوﻟﻰ ﺑﻌﻨﻮان »رأس اﻟﻌﺸﻴﺮة« ﺗﺮوي ﻣﺎ ﺟﺮى ﻟﻠﻔﺘﻰ ﺳﻠﻄﺎن، وﻫﻮ ﻓﺘﻰ ﻓﻲ رﻳﻌﺎن ﺷﺒﺎﺑﻪ ﺗﺨﻠﻰ ﻋﻦ زﻋﺎﻣﺔ ﻋﺸﻴﺮﺗﻪ ،ﺑﻌﺪ وﻓﺎة واﻟﺪه ﻷﻧﻪ وﺣﻴﺪ وﻻ أخ ﻳﺴﻨﺪ ﻇﻬﺮه ،وﻟﺠﺄ إﻟﻰ ﻗﺒﻴﻠﺔ أﺧﺮى .وﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،ﺑﺠﻴﺮة اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻟﺠﺄ إﻟﻴﻪ واﺳﻤﻪ ﻧﺎﺻﺮ ،ﻳﻘﻊ اﻟﻔﺘﻰ ﻓﻲ ﺣﺐ ﻓﺘﺎة ﺛﻢ ﻳﻜﺘﺸﻒ أﻧﻬﺎ ﺑﻨﺖ ﻣﻀﻴﻔﻪ ﻓﻴﻄﻠﺐ ﻳﺪﻫﺎ ﻣﻦ واﻟﺪﻫﺎ اﻟﺬي ﻳﺘﺮدد ،وﺧﺎﺻﺔ أن أﻣﻬﺎ ﺗﺨﺎف أن ﻳﺮﺟﻊ ﺻﻬﺮﻫﺎ إﻟﻰ ﻗﺒﻴﻠﺘﻪ وﺗﺤﺮم ﻣﻦ رؤﻳﺔ اﺑﻨﺘﻬﺎ .وﻓﻲ اﻟﺨﺘﺎم ﻳﻮاﻓﻖ اﻷب ﺑﻌﺪ ﺷﺮط ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ إﻋﺠﺎز، ﻟﻜﻦ اﻟﺤﺒﻴﺒﺔ ﺗﺨﺒﺮ اﻟﻔﺘﻰ ﺑﺴﺮ اﻟﺸﺮط وﻳﺘﻜﻠﻞ ﺣﺒﻬﻤﺎ ﺑﺄﻓﺮاح اﻟﺰواج، ﺛﻢ ﻳﺮزﻗﻮن ﺑﺄوﻻد ﻳﻔﻀﻠﻮن اﻻﺳﺘﻤﺮار ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪة واﻧﺘﻤﺎﺋﻬﻢ إﻟﻰ ﻗﺒﻴﻠﺔ أﺧﻮاﻟﻬﻢ .واﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻗﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻤﻊ واﻟﻐﺪر واﻟﻈﻠﻢ واﻟﺨﺪاع ،ﺛﻢ ﻳﻘﻮم اﻟﻤﺨﺪوع ﺑﺎﻻﻧﺘﻘﺎم ،وﺑﻌﻀﻬﺎ اﻵﺧﺮ ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻓﺎء واﻹﺧﻼص واﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﺤﺴﻨﺔ .واﻟﻤﻤﺘﻊ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت أن اﻟﻜﺎﺗﺐ وﺿﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻃﺮاﺋﻒ وﻟﻤﺴﺎت ﻣﻦ إﺑﺪاﻋﻪ اﻷدﺑﻲ، وﻣﻦ أﻃﺮﻓﻬﺎ» :ﻛﻴﺪ اﻣﺮأة ،زاﺋﺮ اﻟﺸﺆم ،اﻟﻜﻒ اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ،اﻟﻨﺼﻴﺐ ،اﻟﺨﻴﻞ اﻷﻧﺴﻴﺔ ،اﻟﻔﺮس واﻟﺠﺮس ،راﻋﻲ اﻟﻘﻌﻮد ،وﻣﺠﻴﺮ أﻧﺜﻰ اﻟﻀﺒﻊ ،أم ﻋﺎﻣﺮ َ اﻟﻤﻌﺮوف ﻓﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺘﺮس ﻣﺠﻴﺮﻫﺎ ،وﻳﺼﺪق ﻗﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ :وﻣﻦ ﻳﺼﻨﻊِ ﻏﻴﺮ أﻫﻠ ِﻪ .وﻣﻦ اﻟﺪروس اﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ واﻟﺤﻜﻢ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻧﻄﺎﻟﻊ ﻋﺪة ﺣﻜﺎﻳﺎت ﺗﺘﺮك أﺛﺮا ً ﻋﻤﻴﻘﺎً ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺳﺎﻣﻌﻬﺎ وﻗﺎرﺋﻬﺎ ،وﻣﻨﻬﺎ: »اﻟﻘﺼﺎص ،ﻧﻬﺎر اﻟﺘﺒﺘﻴﻞ ،أﺻﻐﺮ اﻷﺑﻨﺎء ،ﺳﻌﺪ واﻟﻨﻤﻠﺔ ،اﻟﺪرس« ،وﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﻧﻘﺮأ ﻗﺼﺔ »ﺳﻌﺪ« اﻟﺘﻠﻤﻴﺬ اﻟﻔﺎﺷﻞ ﻓﻲ دروﺳﻪ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺟﻤﻴﻊ رﻓﺎﻗﻪ ﺳﺒﻘﻮه ،ﺣﺘﻰ أﺻﻴﺐ ﺑﺎﻟﻘﻬﺮ واﻹﺣﺒﺎط وﻟﺠﺄ إﻟﻰ اﻟﻌﺰﻟﺔ واﻻﺑﺘﻌﺎد ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ .وﻓﻲ إﺣﺪى ﺟﻠﺴﺎﺗﻪ أﺧﺬ ﻳﺮاﻗﺐ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻤﻞ ﺗﺼﻌﺪ ﺻﺨﺮة ،وﻻ ﺣﻆ أن ﻧﻤﻠﺔ ﻓﺸﻠﺖ ﻋﺪة ﻣﺮات وﻇﻠﺖ
ﻣﺜﺎﺑﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻀﻲ وراء رﻓﻴﻘﺎﺗﻬﺎ ﻟﺼﻌﻮد اﻟﺼﺨﺮة ﺣﺘﻰ ﻧﺠﺤﺖ أﺧﻴﺮا ً. وﻫﺬا اﻟﺪرس اﻟﺒﻠﻴﻎ اﻟﺬي ﺗﻠﻘﺎه ﺳﻌﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﻤﻠﺔ ﺟﻌﻠﻪ ﻳﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﻛﺴﻠﻪ وﺗﻮاﻛﻠﻪ ،وﺑﺪأ اﻟﺪراﺳﺔ ﺑﺠﺪ وﺻﺒﺮ واﻫﺘﻤﺎم ﺣﺘﻰ ﻧﺠﺢ .أﻣﺎ ﺣﻜﺎﻳﺔ »اﻟﺘﺒﺘﻴﻞ« ﻓﻬﻲ ﺗﺴﺎﻋﺪ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ اﻟﺜﺄر واﻻﻧﺘﻘﺎم ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻓﺮوﺳﻴﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮاد واﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﺒﺎق ،وﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎن ﻓﻲ ذﻟﻚ اﺣﺘﻤﺎل ﻗﺘﻞ اﻟﻄﺮﻳﺪ ،ﻓﻠﻦ ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ داﻓﻌﺎً ﻟﻠﺼﺮاع واﻻﻧﺘﻘﺎم ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ .ﻟﻜﻦ ﺣﻜﺎﻳﺔ »اﻟﻘﺼﺎص« ﻫﻲ أﺟﻤﻞ اﻟﻘﺼﺺ وأﺑﻠﻎ
اﻟﻜﻒ اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ
اﻟﻘﺼﺎص /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
77
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
ﺟﻤﻌﻬﺎ وﺻﺎﻏﻬﺎ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻋﺒﻴﺪ ﺳﺎﻟﻢ اﻟﻜﻌﺒﻲ
ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻋﻄﻔﺔ
ﻳﺒﺪأ ﻛﺘﺎب »ﺣﻜﺎﻳﺎت ﻣﻦ اﻟﺴﺮد اﻟﺸﻌﺒﻲ« ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر ﻋﺒﻴﺪ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ وﻧﻴﺲ اﻟﻜﻌﺒﻲ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺗﻤﻬﻴﺪﻳﺔ ﻟﻸدﻳﺐ ﻧﺎﺻﺮ اﻟﻈﺎﻫﺮي ﻳﻘﻮل ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻬﻠﻬﺎ» :ﻓﻲ اﻟﺒﺪء ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ« ،ﻋﺎﺋﺪا ﺑﺎﻟﻘﺎرئ إﻟﻰ ﻋﺼﺮ اﻟﻜﻬﻮف ،واﻷم ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻣﻊ أوﻻدﻫﺎ ﻋﻮدة اﻷب »ﻣﻦ رﺣﻠﺔ ﺻﻴﺪه ﻓﻲ اﻟﻐﺎب واﻟﺒﺮاري« ﻟﻴﺤﺪﺛﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﺟﺮى ﻟﻪ ...وﻫﻜﺬا ﺑﺪأت اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﻣﻐﺎﻣﺮة اﻹﻧﺴﺎن وﺟﻬﺪه ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻌﻴﺶ واﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻗﻮت أﺳﺮﺗﻪ ،ﺛﻢ ﺗﻄﻮرت اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﺑﺎﻟﻘﺺ اﻟﺸﻔﺎﻫﻲ اﻟﺬي ﺗﺴﺮده اﻷﻣﻬﺎت واﻟﺠﺪات ﻷﻃﻔﺎﻟﻬﻦ ﻗﺒﻴﻞ اﻟﻨﻮم. وﻳﺸﻴﺮ اﻟﻈﺎﻫﺮي إﻟﻰ أﻫﻤﻴﺔ ﻫﺬه اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ »ﻣﺎدة ﺧﺼﺒﺔ ﻟﻠﺬاﻛﺮة اﻟﻄﻔﻮﻟﻴﺔ« ﻟﻢ ﺗﻠﺒﺚ أن اﻧﺘﻘﻠﺖ» ،ﺑﻔﻌﻞ ﺗﺄﺛﻴﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس«، ﻋﺒﺮ اﻟﺒﻼد اﻟﻤﺠﺎورة وﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺒﻌﻴﺪة واﻟﻤﺤﻴﻄﺎت. 76
ﺣﻜﺎﻳﺎت ﻣﻦ اﻟﺴﺮد اﻟﺸﻌﺒﻲ اCﻣﺎراﺗﻲ
وﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﻪ ،ﻳﻮﺿﺢ د .اﻟﻜﻌﺒﻲ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻛﺘﺎﺑﻪ أن اﻟﻘﺼﺺ اﻟﻤﺨﺘﺎرة ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻣﻨﻘﻮﻟﺔ »ﻣﻦ ﻣﻮاﻃﻨﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣــﺎرات« ،ﻻﻓﺘًﺎ إﻟﻰ أن ﻗﺼﺔ "اﻟﺬﺋﺐ" اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮوﻳﻬﺎ ﻟﻪ اﻟﺠﺪة ،ﻓﻮﺟﺊ ﺑﺄن إﺣﺪى ﻣﺤﻄﺎت اﻟﺘﻠﻔﺰة ﺗﻨﺴﺒﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﻜﺴﻴﻚ! وﻟﻜﻲ ﻻ ﻳﺴﺘﻐﺮب اﻟﻘﺎرئ ﻛﻴﻒ اﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات إﻟﻰ اﻟﻤﻜﺴﻴﻚ ،ﻳﺼﺤﺢ ﻗﺼﺔ اﻻﻧﺘﻘﺎل ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻣﻘﻨﻌﺔ ،ﺣﻴﺚ اﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ إﻟﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﺛﻢ اﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻊ اﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻷﻧﺪﻟﺲ إﻟﻰ اﻟﻤﻜﺴﻴﻚ .وﻳﻼﺣﻆ اﻟﻘﺎرىء أن ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺼﺺ ﻣﺘﺪاوﻟﺔ ﻓﻲ ﻋﺪة ﺑﻠﺪان ﻋﺮﺑﻴﺔ ،إﻧﻤﺎ ﺑﺄﺳﻤﺎء وﺻﻴﺎﻏﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻣﻨﻬﺎ» :ﺳﻌﺪ واﻟﻨﻤﻠﺔ ،أﺻﻐﺮ اﻷﺑﻨﺎء ،اﻟﺨﻴﻞ اﻹﻧﺴﻴﺔ ،أم ﻋﺎﻣﺮ« .ﻳﻀﻢ اﻟﻜﺘﺎب ﺛﻼﺛﻴﻦ ﺣﻜﺎﻳﺔ ذات ﻋﻨﺎوﻳﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻛﻞ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻣﺮﻓﻘﺔ ﺑﺼﻮرة ﺗﺸﻴﺮ ﻟﺠﻮﻫﺮﻫﺎ .وﻳﺠﺪ اﻟﻘﺎرئ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت دروﺳﺎً ﺗﺮﺑﻮﻳﺔ ﻣﻔﻴﺪة أو ﺣﻜﻤﺔ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﺗﻨﺼﺢ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ واﻟﺘﻔﻜﻴﺮ اﻟﺴﻠﻴﻢ وﺗﻐﻨﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺤﻴﺎة وﺗﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎرم اﻷﺧﻼق ..واﻟﻨﺎس ﻳﺘﻮارﺛﻮﻧﻬﺎ ﺟﻴﻼً ﺑﻌﺪ ﺟﻴﻞ .ﺻﺎﻏﻬﺎ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﺪﻛﺘﻮر اﻟﻜﻌﺒﻲ ﺑﺄﺳﻠﻮب أدﺑﻲ ﻟﻄﻴﻒ وﻣﻤﺘﻊ ﻟﻠﺼﻐﺎر واﻟﻜﺒﺎر ﻣﻌﺎً.
ﻳﻘﺘﺮب أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺿﻤﻴﺮه اﻟﺤﻀﺎري وإرﺛﻪ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺑﻌﺪ أن ﻏﺎب ﻋﻨﻪ ﻷﺳﺒﺎب ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻪ وﻷﻣﻮر ﻻ ِﻗﺒﻞ ﻟﻪ ﺑﻬﺎ.اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻳﺆﻛﺪ ﻛﺬﻟﻚ أن ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻫﺬا ﻫﻮ ﻛﺘﺎب ﺗﻌﻠﻴﻤﻲ ﺗﻌﺮﻳﻔﻲ ﻫﺪﻓﻪ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻧﻤﺎذج ﻣﻦ ﻋﻴﻮن اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺣﻲ اﻟﻌﻠﻮم واﻟﻤﻌﺎرف ،ﻛﻲ ﻳﻌﺮف اﻟﻌﺮب اﻟﻤﻌﺎﺻﺮون ﻋﻈﻤﺔ ﻣﻮروﺛﻬﻢ ،وﻣﺎ ﻗ ّﺪﻣﻪ اﻟﻌﺮب ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ ﻓﻲ ﺣﻘﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ إﺳﻬﺎﻣﺎت اﻋﺘﺮف ﺑﻬﺎ أرﺑﺎب اﻟﻔﻜﺮ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﻐﺮب.اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻳﺬﻛﺮ ﻛﺬﻟﻚ أن اﻟﻤﻜﺘﺒﺎت ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻐﺮب ﺗﻀﻢ ﺑﻴﻦ ﺟﻨﺒﺎﺗﻬﺎ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻼﻳﻴﻦ ﻣﺨﻄﻮط ﻋﺮﺑﻲ وإﺳﻼﻣﻲ وﺷﺮﻗﻲ ﻟﻢ ﺗﺨﺮج إﻟﻰ اﻟﻨﻮر ﺑﻌﺪ.ﻫﻨﺎ وإﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺣﺮﺻﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺸﻮﻳﻖ ﻓﻲ اﻟﻌﺮض واﻟﺘﻨﺎول ،ﻣﺎل إﻟﻰ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗ ُﻠﺨﺺ ﻓﻜﺮة اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺔ وﺗﻘﻮم ﺑﺎﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﺼﺎﺣﺒﻬﺎ ودراﺳﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻮاﻧﺐ ﻛﺎﻓﺔ. وإﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻫﺬا ﻳﻘﺪم اﻟﻜﺘﺎب ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ واﻹﺷﻜﺎﻻت اﻟﺘﻲ واﺟﻬﻬﺎ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻷﻓﺬاذ وﺗﻐﻠﺒﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻔﺮاﺳﺘﻬﻢ وأﻟﻤﻌﻴﺘﻬﻢ.ﻫﻨﺎ أﻳﻀً ﺎ ﻳﻌﺮض ﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ﺗُﺮِي ﻛﻴﻒ ﻛﺎن اﻷﺳﻼف ﻣﺘﺴﺎﻣﺤﻴﻦ وأﻛﺜﺮ اﻧﻔﺘﺎ ًﺣﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻨﻮن واﻟﺴﻤﺎع، وﻟﻴﺲ ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻮﻫﻢ ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻵن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺼﺎدرون ﻣﺎ أﺑﺎﺣﻪ اﻟﺸﺮع ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺘﻄﺮف واﻟﺘﻀﻴﻴﻖ واﻟﻤﻨﻊ ﺑﻼ دﻟﻴﻞ وﻻ ﻧَﺺ.ﻛﻤﺎ ﻳﺮى اﻟﻤﺆﻟﻒ أن ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻫﺬا ﻗﺪ ﺟﻤﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ واﻟﻌﻠﻮم اﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻴﺔ ،ﺑﻴﻦ ﻣﻄﺎﻟﺐ اﻟﻨﻔﺲ واﻟﺮوح ،وﺑﻴﻦ ﻣﻄﺎﻟﺐ اﻟﺤﻴﺎة واﻟﻮاﻗﻊ ،ﺑﻴﻦ ﻋﻠﻮم اﻟﺪﻳﻦ وﻋﻠﻮم اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻲ ﻟﻮﺣﺔ ﻓﻨﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻰ اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺬي ﻳُﻘﺮب اﻟﺘﺮاث وﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺎرىء اﻟﻌﺎدي ﺣﺘﻰ ﻳﻌﺮف ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺎ ﺧﻠّﻔﻪ ﻟﻪ اﻟﺴﺎﺑﻘﻮن ﻣﻦ ﻣﺠﺪ ورﻓﻌﺔ وﻳﻜﺸﻒ اﻟﻠﺜﺎم ﻋﻦ رواﺋﻊ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت.ﻓﻲ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ﻧﻔﺎﺋﺲ وﺣﻜﺎﻳﺎت ﻳﺘﻨﺎول ﺻﻼح ﺣﺴﻦ رﺷﻴﺪ ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ ﻣﺼﺤﻒ اﺑﻦ اﻟﺒﻮاب وﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة ﻣﻦ ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ اﻟﺴﻤﺎع ﻟﻠﻘﻴﺴﺮاﻧﻲ ،وﻣﺎ ﺗﺘﻀﻤﻨﻪ ﻣﻦ آراء اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ واﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ وﻛﺒﺎر اﻟﻔﻘﻬﺎء ﺣﻮل إﺑﺎﺣﺔ اﻟﺴﻤﺎع اﻟﺬي ﻻ ﻳﺘﻀﻤﻦ اﻟﻔﺤﺶ ،وﻋﻦ ﻣﻘﺎﻣﺎت اﻟﺴﻴﻮﻃﻲ اﻷدﺑﻴﺔ اﻟﺨﻼﺑﺔ ،وﻋﻦ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ أول ﻣﺨﻄﻮط ﻓﻲ أدب اﻟﻄﻔﻞ ﻻﺑﻦ اﻟﻬﻴﺘﻤﻲ.
ﻫﻞ آن اﻷوان؟
ﻛﻤﺎ ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ رﺣﻠﺔ ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ ﻃﻮق اﻟﺤﻤﺎﻣﺔ ﻟﻺﻣﺎم اﺑﻦ ﺣﺰم ﺑﺴﻤﺎع اﻷﻏﺎﻧﻲ وﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ اﻟﻄﺮب ،وﻋﻦ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت ﻋﻠﻮم اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،وﻋﻦ ﻗﺼﺔ ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ ﻛﺘﺎب اﻟﻔﻮاﺋﺪ ﻓﻲ أﺻﻮل اﻟﺒﺤﺮ واﻟﻘﻮاﻋﺪ ﻷﺳﺪ اﻟﺒﺤﺎر أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺎﺟﺪ ،وﻛﻴﻒ أن ﻛﻮﻟﻤﺒﺲ ﻋﺮف أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﻪ.ﻛﺬﻟﻚ ﻧﻘﺮأ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻦ ﻣﺨﻄﻮط اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﻌﻴّﺎﺷﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﺒﻘﺎع اﻟﺤﺠﺎزﻳﺔ ،وﻋﻦ ﻇﻬﻮر ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ ﺳﺤﺮ اﻟﻤﺰاﻣﻴﺮ ﻟﻠﻨﺒﻲ داود ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم ،وﻋﻦ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻔﻘﻪ اﻷﻛﺒﺮ ﻟﻺﻣﺎم أﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ اﻟﻨﻌﻤﺎن ،وﻋﻦ ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ ﺑﺎﻋﺚ اﻟﻨﻔﻮس إﻟﻰ زﻳﺎرة اﻟﻘﺪس اﻟﻤﺤﺮوس ﻻﺑﻦ اﻟﻔﺮﻛﺎح ،وﻋﻦ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ ﻧﺴﺨﺔ ﻧﺎدرة ﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺔ ﻃﺒﻘﺎت اﻟﻘﺮاء ﻻﺑﻦ اﻟﺴﻼر اﻟﺪﻣﺸﻘﻲ. ﻫﺬا وﺑﻌﺪ أن ﻳﻄﻮف ﺑﻨﺎ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ورﺟﺎﻟﻬﺎ اﻷﻓﺬاذ وﻛﻨﻮزﻫﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗ ُﻘﺪر ﺑﺜﻤﻦ ،ﻳﺘﺤﺴﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ وﺻﻞ إﻟﻴﻪ ﺣﺎل اﻟﻌﺮب ﻣﺘﺴﺎﺋﻼً ﻫﻞ آن اﻷوان ﻟﺪق ﻧﺎﻗﻮس اﻟﺨﻄﺮ واﻟﻨﻔﺦ ﻓﻲ اﻟﺒﻮق ﻣﻦ أﺟﻞ إﻧﻘﺎذ ذاﻛﺮة اﻷﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﻏﺸﻴﻬﺎ اﻹﻫﻤﺎل واﻟﺘﺠﺎﻫﻞ واﻟﻨﺴﻴﺎن؟
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
75
إﺿﺎءة
أﻳﻦ اﻟﻘﺎﺋﻤﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث؟ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻪ ﻟﻜﺘﺎﺑﻪ "اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت ﻧﻔﺎﺋﺲ وﺣﻜﺎﻳﺎت" اﻟﺼﺎدر ﻋﻦ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب ،ﻳﻘﻮل اﻟﻜﺎﺗﺐ ﺻﻼح ﺣﺴﻦ رﺷﻴﺪ إن ﻏﺮﺑﻲ اﻟﻮﺟﻬﺔ واﻟﻄﺮﻳﻘﺔ، ﻛﺎن ﻓﻦ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﺮاث ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ّ ﻋﺮﺑﻲ اﻷروﻣﺔ واﻟﺴﻼﻟﺔ واﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﻮﻻدة .ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﻗﻮل اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻓﻬﻮ ّ أﺧﺬ اﻟﻐﺮب ﻓﻦ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﺮاث ﻣﻦ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻣﻦ ﻃﺮاﺋﻖ اﻟﻤﺆﻟﻔﻴﻦ اﻟﻌﺮب اﻟﻘﺪﻣﺎء ،ﻛﺎﻟﺮواة واﻟﻮراﻗﻴﻦ ،واﻟﻨﺴﺎﺟﻴﻦ، وﻋﻠﻤﺎء اﻟﺠﺮح واﻟﺘﻌﺪﻳﻞ ،واﻟﻠﻐﺔ واﻷدب واﻷﻧﺴﺎب واﻟﺘﺎرﻳﺦ.ﻏﻴﺮ أﻧﻬﻢ أﺿﺎﻓﻮا إﻟﻴﻪ إﺿﺎﻓﺎت ﺑﺎﻫﺮة ،ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻨﻪ ﻋﻠ ًﻤﺎ ﻗﺎﺋ ًﻤﺎ ﺑﺬاﺗﻪ ،ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎن ُﻣ ْﻬﻤﻼً وﺗﺎﺋ ًﻬﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻠﻮم واﻟﻔﻨﻮن وﻻ ﻳﺠﺪ اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ اﻟﻼﺋﻖ ﻣﻦ أﻫﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻷﺧﻴﺮة. ﻓﻜﺮة ﻗﻮﻣﻴﺔ
اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻳﺮى ﻛﺬﻟﻚ أن ﻓﻜﺮة ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﺮاث وذﻳﻮﻋﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻻﺣﺘﻼل اﻟﺠﺎﺛﻢ ﻓﻮق ﺻﺪر اﻟﺒﻼد اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وإﺛﺒﺎت ﻣﺪى ﺗﻔﻮق اﻟﺬات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻗﺪرﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ إﺣﺪاث اﻟﻨﻬﻀﺔ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ.ﻫﻨﺎ ﻳﻮرد اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم ﻫﺎرون ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ أن ﻓﻜﺮة إﺣﻴﺎء اﻟﺘﺮاث واﻟﻨﺸﺎط ﻓﻴﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻜﺮة ﻗﻮﻣﻴﺔ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻜﻮن ﻓﻜﺮة ﻋﻠﻤﻴﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ وأن ﻃﻐﻴﺎن اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ واﻟﻨﻔﻮذ اﻟﺘﺮﻛﻲ وﺿﻐﻄﻪ ﻛﺎن ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻤﺨﻨﻖ اﻟﻌﺮب ﻓﻲ ﺑﻼدﻫﻢ ،ﻓﺄرادوا أن ﻳﺨﺮﺟﻮا إﻟﻰ ﻣﺘﻨﻔﺲ ﻳﺤﺴﻮن ﻓﻴﻪ ﺑﻜﻴﺎﻧﻬﻢ اﻟﻤﺴﺘﻤﺪ ﻣﻦ ﻛﻴﺎن أﺳﻼﻓﻬﻢ ،ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي أﻟِﻔﻮا اﻟﻐﺮﺑﺎء ﻣﻦ اﻷوروﺑﻴﻴﻦ ﻳﺘﺴﺎﺑﻘﻮن وﻳﻨﺒﺸﻮن ﻛﻨﻮز اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﻮا ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺴﺒﻴﻞ ﻳﻨﺸﺮون وﻳﺤﻴﻮن ،إذ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺮون أﻧﻬﻢ أﺣﻖ ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻨﺒﻴﻞ وأﺟﺪر.ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﺮى اﻟﻜﺎﺗﺐ أن ﻣﺪرﺳﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﺮاث ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ راﺋﺪة ﻓﻲ ﺑﺎﺑﻬﺎ، وﺟﺪﻳﺮة ﺑﺎﻟﺤﻔﺎوة واﻟﺘﻨﻮﻳﻪ ،ﻓﻘﺪ اﺿﻄﻠﻌﺖ ﺑﻤﻬﻤﺔ ﻛﺸﻒ وإﺧﺮاج وإﺣﻴﺎء أﻣﻬﺎت ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺮاث ﻓﻲ ﺷﺘﻰ اﻟﻔﻨﻮن واﻟﻌﻠﻮم واﻟﻤﻌﺎرف ،ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﻌﺼﻮر واﻷﻗﺎﻟﻴﻢ اﻟﺘﻲ أﺷﺮﻗﺖ ﺑﻀﻴﺎء اﻹﺳﻼم.إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﻞ ﻫﺬا ﻳﻄﺮح اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻋﺪ ًدا ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﻘﻀﻴﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺘﺮاث ﻣﻨﻬﺎ ﻫﻞ ﻣﺎﺗﺖ ﻣﺪرﺳﺔ 74
أﻳﻦ اﻟﻘﺎﺋﻤﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث؟
ﻋﺎﻃﻒ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺠﻴﺪ
اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ أرﺳﻰ دﻋﺎﺋﻤﻬﺎ ﻓﻄﺎﺣﻞ اﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ؟ وﻣﺎ اﻟﺴﺒﻴﻞ ﻟﻤﻌﺎودﺗﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ؟ وأﻳﻦ اﻟﻘﺎﺋﻤﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎﻣﻊ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ وﻛﻠﻴﺎت دار اﻟﻌﻠﻮم واﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻵداب وﻣﻌﻬﺪ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻈﺎﻫﺮة اﻟﺨﻄﻴﺮة؟ واﻟﺴﺆال اﻷﻫﻢ ﻫﻮ :ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ اﻻرﺗﻘﺎء ﺑﺎﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﺮة أﺧﺮى ﺧﺎﺻﺔ وأن ﻣﺎ ﻫﻮ دﻓﻴﻦ وﻣﺤﺠﻮب وﺧﺒﻲء ﻣﻦ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت أﻛﺜﺮ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﻢ إﺧﺮاﺟﻪ ﺣﺘﻰ اﻵن؟ ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺘﺴﺎءل اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﺘﻰ ﺗﻌﻮد ﻟﻠﻤﺤﻘﻖ ﻛﺮاﻣﺘﻪ وﻣﻜﺎﻧﺘﻪ ودوره اﻟﺤﻴﻮي ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ؟ وﻛﻴﻒ ﻧﺠﺬب أﺑﻨﺎءﻧﺎ إﻟﻰ ﺣﺐ اﻟﺘﺮاث ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﻳﺘﻴﻪ ُﻋﺠ ًﺒﺎ وﺧﻴﻼء ﺑﻌﺸﻖ ﻣﺎ ﻫﻮ أﺟﻨﺒﻲ وﻳﺘﻨﺪر ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻋﺮﺑﻲ اﻟﻮﺟﻪ واﻟﻠﺴﺎن؟ وﺟﺒﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ ﺣﻀﺎرﻳﺔ
ﻫﺬا وﻳﺴﺘﻨﻜﺮ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻫﺘﻤﺎم اﻟﻌﺮب ﺑﻜﺮة اﻟﻘﺪم واﻟﺘﻤﺜﻴﻞ واﻟﻄﺮب وإﻫﻤﺎﻟﻬﻢ ﻟﻠﺘﺮاث وﻣﺨﻄﻮﻃﺎﺗﻪ ﺣﺘﻰ إن َﻣﻦ اﻫﺘﻤﻮا ﺑﻪ ﻟﻴﺴﻮا ﻣﻨﺎ ورﻏﻢ ذﻟﻚ ﻳﺒﺬﻟﻮن ﻛﻞ ﻏﺎ ٍل وﻧﻔﻴﺲ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻧﺸﺮه وذﻳﻮﻋﻪ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس. وﺣﺮﺻﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﺸﻒ ﻋﻈﻤﺔ ﻣﻮروﺛﻨﺎ وﻣﺎ ً ﺿﻤﻪ ﻣﻦ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت ﻧﺎدرة وﻧﻔﻴﺴﺔ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﺠﺎﻻت وﻛــﺎن ﻟﻬﺎ ﻋﻈﻴﻢ اﻷﺛــﺮ ﻓﻲ اﻟﺪاﺧﻞ واﻟﺨﺎرج ،ﻓﻘﺪ ارﺗﺄى ﺟﻤﻊ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎت واﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﻬﺎ وﺑﺄﺻﺤﺎﺑﻬﺎ وﺑﺄﻧﻮاﻋﻬﺎ وﻣﺎ ﺗﺤﺘﻮﻳﻪ ﻣﻦ ﻋﻠﻮم وآداب وﺷﺮاﺋﻊ وﻓﻨﻮن ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﻫﻤﻪ اﻷول ،ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ،أن ﻳﻘﺪم وﺟﺒﺔ ﻓﻜﺮﻳﺔ وﺛﻘﺎﻓﻴﺔ وﺣﻀﺎرﻳﺔ ﻣﺘﻌﺪدة اﻟﺮؤى واﻟﻤﺸﺎرب ،ﻛﻲ ﻳﻔﻴﺪ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻘﺎريء اﻟﻌﺎدي ﻗﺒﻞ اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ ،وﻟﻜﻲ
ﺗﺮاث اﻟﻌﺎﺷﻘﻴﻦ
رﺑﻴﻊ »اﻟﺴﻴﺪ اﻟﺘﻮي« )ﺗﺮﺳﻤﻴﻦ ﺷﺠﺮة /أرﺳﻢ ﻏﺎﺑﺔً /ﺗﺮﺳﻤﻴﻦ ﻗُﺒﻠﺔً /أﻃﻠﻖ رﺻﺎﺻﺔً /وأﺣﻄّﻢ اﻟﺘﻮﻧﺴﻲ اﻟﺴﻴﺪ اﻟﺘﻮي ﺑﻴﺎﻧﺎً ،ﻟﻜﺄﻧﻪ ﻟﻮرﻛﺎ، اﻟﺠﺪار( ،ﻫﻜﺬا ﻳﻜﺘﺐ اﻟﺸﺎﻋﺮ ّ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ دﻳﻮاﻧﻪ )اﻟﺮﺑﻴﻊ ﻟﻴﺲ ﺻﺪﻓﺔ( اﻟﺼﺎدر ﻋﻦ دار ﻣﻴﺎرة ،ﺗﻮﻧﺲ، رواﺋﻲ وﺑﺎﺣﺚ ﺗﻨﺘﺸﺮ اﻟﺤﺎﺳﺔ اﻟﺴﺮدﻳﺔ ﻓﻲ 144ﺻﻔﺤﺔ .وﻷن اﻟﺘﻮي ّ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪه ،ﻓﻬﻮ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﻤﻂ اﻟﻘﺼﻴﺪة /اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ ﻏﺎﻟﺒﺎً، ﻟﻜﻦ ﺣﻜﺎﻳﺘﻪ ﺑﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﻗﺼﻴﺪة ﻻ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﺨﻄﻮات أرﺳﻄﻴﺔ )ﻣﻘﺪﻣﺔ/ ﺣﻜﺎﻳﺔ /ﻋﻘﺪة /ﺣﻞ( ،ﺑﻞ ﻳﻤﻀﻲ ﻓﻲ ﻟُﻤﻊ ﻣﺠﺎزﻳﺔ ﻗﺪ ﻻ ﺗﻔﻀﻲ إﻟﻰ ﺷﻲء ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻠﻘﺼﻴﺪة أن ﺗﺴﺘﻌﺮض ﺣﻠﻮﻻً أو ﺗﻘﺪم ﻣﻘﺘﺮﺣﺎت أو ﺗ ُﺸﻴﻊ ﻧﻈﺎﻣﺎً ،ﺑﻞ ﻫﻲ ﺿ ّﺪ اﻟﻨﻈﺎم أﺻﻼً ،وﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﺗﺤﻄّﻢ اﻟﻨﺰﻋﺔ اﻟ َﻨ َﺴﻘﻴﺔ ﻟﺪى اﻟﻘﺎرئ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﺴﺘﻮاه ،ﻳﻘﻮل )ﺣﻠﻤﻚ دم ﻓﻨﻖ ﺗﺮﺑﺘﻚ/ ﻓﺎﺳﺪ /ﺣﻠﻤﻚ ﻏﺮاب /ﻻ ﺷﻲء ﻳﺴﻜﻦ روﺣﻚ إﻻ أﺳﺌﻠﺔّ / ﻟﺘﻘﻄﻒ ﺛﻤﺎر اﻟﻠﻪ(. ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﺪﻳﻮان ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﻓﻘﺮات ،وﻫﻮ اﻟﻨﻤﻂ اﻟﻤﻔﻀّ ﻞ ﺑﺘﺎرﻳﺦ ﻗﺼﻴﺪة اﻟﻨﺜﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻳﺒﺪأ ﻣﺜﻼً ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﺄﺛﻮر ﺷﻌﺒﻲ، اﺗﺒﻲ وﺑﻌﻀﻪ اﻟﻨﺺ روﻳﺪا ً إﻟﻰ ﻣﺠﺎز ﺑﻌﻀﻪ ﺛﻢ ﻳﻨﺪاح ّ وﺻﻔﻲ وﺑﻌﻀﻪ ﺗﺮ ّ ّ اﻟﻨﺺ ﻣﺸﻬﺪي ،وﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻳﻔﺎﺟﺌﻚ ﺑﺨﺎﺗﻤﺔ ﺗﺠﺒﺮك ﻋﻠﻰ إﻋﺎدة ﻗﺮاءة ّ ّ أي ﻋﻼﻗﺔ أو َﺣﺖ ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ ﺑﻬﺬه اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ أو ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ،ﻟﺘﺮى ّ اﻟﻐﺮاﺋﺒﻴﺔ أﺣﻴﺎﻧﺎً ،أو اﻟﻐﻨﺎﺋﻴﺔ أﺣﻴﺎﻧﺎً أﺧﺮى ،ﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ أن ﻳﻨﺪاح ﻓﻲ ﻏﻴﺮ وﻋﻲ إﻟﻰ اﻟﺸﻔﺎﻫﻴﺔ ،ﻫﻲ ﻏﻨﺎﺋﻴﺔ أﺷﺒﻪ ﺑﺈﻳﻘﺎﻋﺎت ﻣﻦ روح اﻟﺴﺮد، أو ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺎﻇﺮ ﺻﻨﻮﺟﺎً ﻟﻜﻦ ﺑﻌﻴﺪا ً ﻋﻦ روح اﻟﻔﺮاﻫﻴﺪي ،ﺑﻞ رؤﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻨﺜﺮ، )ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻓﻲ ﻏﺎﺑﺔ اﻟﻠﻪ ﺗﺮوﻳﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ّ اﻟﻄﻴﻮر() /ﻻ ﺷﻲء ﻳﺒﻘﻰ ﺑﻌﺪ أن ﺗﺨﻮن اﻟﻨﺎر ﻧﻔﺴﻬﺎ() /اﻟﻮردة اﻟﻤﺴﻤﻮﻣﺔ ﻫﻲ أﻳﻀﺎً وردة(/ رﺻﺎﺻﻲ(، دب )اﻟﺸﺒﺎك ﻋﻴﻦ ﻏﺰال واﻟﺒﺎب ّ ّ ﻫﻜﺬا ﺗﻔﺎﺟﺌﻚ اﻟﻌﻴﻦ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﺼﻮره ﻣﻦ ﺧﻴﺎﻻت ﻻ ﺗﺼﻠﻲ إﻟﻰ آﻟﻬﺔ ﻣﺄﻟﻮﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ ،ﺑﻞ ﻳﻄﺮح ﺑﻤﻌﺒﺪه ﻫﺎﻻت أﺧﺮى ﻟﻠﻤﺎء واﻟﺮﻳﺢ ،ﺗﺸﺮب ﻣﻦ ﻳﺪ اﻟﺸﻤﺲ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻜﺘﺐ. اﻟﺴﻴﺪ اﻟﺘﻮي ﻓﻲ رواﻳﺎﺗﻪ ﻳﻨﺤﻮ إﻟﻰ اﻟﺸﻌﺮ، وﻓﻲ دواوﻳﻨﻪ ﻳﻨﺤﻮ إﻟﻰ اﻟﻨﺜﺮ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻋﻤﻮﻣﺎً ﻳﻀﻊ ﻓﺮوﻗﺎً ﻗﺪ ﻻ ﻳﺴﺘﺒﻴﻨﻬﺎ إﻻ اﻟﺤﺎذق ،ﻓﺜﻤﺔ ﻟﻜﻞ ﻧﻮع أدﺑﻲ ﻳﻌﺮف ﻛﻴﻒ ﻳﻘﻮم ﺟﻤﺎﻟﻴﺎت ّ
ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻴﺪ اﺑﺮاﻫﻴﻢ* ƉƚǙ ǛǙ ǗŵƉŨǙǶ ƉƫōƗ
ﺗﺤﺲ ﺑﻤﻨﻄﻖ ﻋﻘﻠﻲ ﻳﻐﻠّﻒ ﺳﻄﻮره ،ﺑﻞ روح ﺑﺘﺼﻨﻴﻔﻬﺎ ﻣﻦ دون أن ّ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻋﻲ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ،ﻣﺜﻼً ،إن »اﻟﻤﻮت ﻟﻦ ﻳﻄﺮق ﺑﺎﺑﻪ« ،ﺛﻢ ﻳﺬﻋﻦ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﺗﺘﻮﻗﻌﻪ »ﺣﺼﺎن أﺳﻮد ﻳﺘﻘﺪم ﺑﺨﻄﻮات واﺛﻘﺔ« ،أو ﻳﺘﻜﻠّﻢ ﻋﻦ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻓﺄس ﻓﻘﺪت رأﺳﻬﺎ »ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﻔﺼﻞ رأﺳﻲ /أﺷﺘﻬﻲ اﻟﺨﺮوج إﻟﻰ اﻟﺤﻘﻮل« ﺛﻢ ﻳﻨﺘﻬﻲ إﻟﻰ »رﺑﻤﺎ أﺻﻴﺮ ﺳﻴﺎﺟﺎً /اﺻﻴﺮ زﻧﺎدا ً/ ﺷﺮﻃﻲ ﻓﻤﺎ أﻃﻮل اﻟﺮﺣﻠﺔ( ،أو ﺣﻴﻦ ﻳﻐﻴّﺮ ﻣﻦ ﻧﻤﻂ اﻟﻘﺴﻮة ﻓﻲ ﻋﻴﻦ ّ »ﻟﻤﺎذا ﻳﻘﻔﺰ ﺑﻴﻦ اﻟﺴﻴﺎرات ﻣﺜﻞ ﻏﺰال« وﻳﺸﺮح اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ »ﻟﻌﻞ اﻣﺮأة رﺳﻤﺖ ﺷﻴﺌﺎً ﻋﻠﻰ ﺧﺪه اﻟﺒﺎرﺣﺔ«. ﺗﻄﻞ وﻣﻦ روح اﻟﺮواﻳﺔ ﻳﻜﺘﺐ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﻘﺼﺔ ،ﻓﻨﺮى ﻋﻘﺪة اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ّ ﺑﺮأﺳﻬﺎ ،وﻫﻮ ﻧﻤﻂ ﻣﻦ ﻗﺼﻴﺪة اﻟﻨﺜﺮ اﻻﺳﺘﻘﺼﺎﺋﻴﺔ ،ﻓﻔﻴﻬﺎ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت أو اﻻﺗﻬﺎﻣﺎت أو اﻟﺪﻓﺎﻋﺎت واﻟﻬﺠﻮﻣﺎت ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﻔﻀﻲ أس ﻣﺎ ﺻﺎر ﺑﺎﻟﺘﻔﺼﻴﻞ ،ﻓﻬﻮ ﻳﻜﺘﺐ وﻻ ﻳﺼﻒ ،ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻧﺮى ﻓﻲ إﻟﻰ ّ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ »ﻋﻠﻰ ﻫﺎﻣﺶ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ« ،ﺣﻴﺚ ﻳﺒﺪأ "أول اﻟﻔﺠﺮ اﻧﻄﻔﺄ ﻣﺼﺒﺎح اﻟﺰﻳﺖ /واﻟﺠﺜﺔ ﻓﻲ اﻟﻐﺮﻓﺔ ﺑﺎردة" ،ﻣﻊ وﺻﻒ ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺠ ّﻮ ﺣﻮل اﻟﻤﻜﺎن "ﻫﺪﻳﻞ اﻟﺤﻤﺎم ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺒﻊ" ،ﻟﻴﻬﺪئ ﻣﻦ َر ْوﻋﻚ ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل ﻣﺎ ﺳﻴﺤﻜﻴﻪ ،ﺛﻢ ﻳﻨﺨﺮط ﻓﻲ ﻣﺎ ﺣﺪث "ﻧﺒﺎح ﻛﻼب ﻣﺬﻋﻮرة /رﺻﺎص ﺑﻼ أﺣﺬﻳﺔ/ ﻛﻠﻤﺎت ﻓﺘﺤﺖ أﻋﻴﻨﻬﺎ" إﻟﻰ أن ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻫﻜﺬا »اﻟﺠﺜﺔ ﺗﺤ ّﺪق ﻓﻲ اﻟﺴﻘﻒ /ﻓﺮاﺷﺎﺗﻲ أﻋﺘﻰ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ« ،ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﺮﻳﺢ اﻟﻘﺎرئ ﻓﻴﺠﻌﻠﻪ وﺳﻂ اﻟﺘﻮﺗﺮ ﻣﻦ دون أن ﻳُﺸﻔﻲ ﻏﻠﻴﻠﻪ ،وﻫﻲ روح اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺨﺎﻟﺼﺔ. اﻟﺘﻮي ﺷﺎﻋﺮ ﺑﺮﺳﻢ ﺳــﺎرد ،ﻳﻮﺣﻲ إﻟﻴﻚ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻮان ﺑﺮوح ﺻﻮﻓﻴﺔ ﻣﺘﺄﻣﻠﺔ ،ﻳﻘﻮل» :ارم رأﺳﻚ ﻣﺒﺘﻞ اﻟﺠﻨﺎح« ﺟﻤﻴﻞ أن ﺗﻄﻴﺮ ّ ﺗﺤﺖ اﻟﻤﻄﺮٌ / /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
73
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
اﻟﺘﻨﻐﻴﻢ اﻟﻤﺴﻤﻮع ﻓﻲ اﻟﻌﻮﻳﻞ إﻟﻰ أن ﻛﻞ ذﺋﺐ ﻳﻨﺴﻖ ﻋﻮﻳﻠﻪ وﻓﻘًﺎ ﻟﻶﺧﺮ ﻹﺣﺪاث ﺻﺪى ﻣﺮﻋﺐ. ﺻﺮاع اﻟﺬﺋﺎب
ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ أن ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺗﺆﻛﺪ أن اﻟﺬﺋﺎب ﺗﺄﻛﻞ اﻟﺠﺮﻳﺢ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻓﺎﻟﻌﻠﻢ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻻ ﻳﺆﻳﺪ ﻫﺬا اﻟﻜﻼم ،إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻛﺘﺎب ﻗﺪﻳﻢ ﻣﻄﺒﻮع ﺳﻨﺔ 1846ﻟﻠﺒﺎﺣﺚ أوﻟﻴﻔﺮ ﺟﻮﻟﺪﺳﻤﻴﺚ ،ذﻛﺮ أن اﻟﺬﺋﺎب ﻳﺤﺪث ﻟﻬﺎ ﻫﻴﺠﺎن ﺷﺪﻳﺪ ﺗﺠﺎه راﺋﺤﺔ دﻣﺎء ﺑﻌﻀﻬﺎ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺠﺎﻧﺐ اﻟﺤﻆ أﺣﺪﻫﺎ ﻓﻴﺠﺮح ،ﺗﺘﻌﻘﺐ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﺬﺋﺎب دﻣﻪ اﻟﺴﺎﺋﻞ ،وﺑﻌﺪﻫﺎ ﻻ ﺷﻔﻘﺔ وﻻ رﺣﻤﺔ! ،إﻻ أن ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻳﺘﻔﻘﻮن ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻗﺘﻞ ﺑﻤﻌﻨﺎه اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺑﺪاﺧﻞ اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﻣﻮاﻗﻌﻬﺎ ﺑﺪﻗﺔ ،وﻟﻠﺬﺋﺐ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ ﺗﺬﻛﺮ اﻟﺤﺪث ،ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻣﻀﻰ ﻣﻦ اﻟﺬﺋﺎب ،أﻣﺎ اﻟﻌﺪو اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻟﻠﺬﺋﺐ ﻓﻬﻮ اﻟﺜﻌﻠﺐ ،وﻟﺬا ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻨﺔ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺑﺎﻟﺬﻛﺎء اﻟﺸﺪﻳﺪ ،وﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺧﺒﺮاﺗﻪ ﻳﻬﺎﺟﻤﻪ اﻟﺬﺋﺐ ،وﻳﻤﺰﻗﻪ ﺷﺮ ﻣﻤﺰق ،واﻟﻤﺪﻫﺶ أن اﻟﺜﻌﻠﺐ ﻳﻠﺠﺄ ﻟﻨﺸﺮ اﻟﻤﺮﻳﺮة ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻨﺬ ﺻﻐﺮه. ﻧﺒﺎت "اﻟﻌﻨﺼﻞ" ﻓﻲ ﻣﺴﺎرات اﻟﺬﺋﺎب؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺪرك ﺑﺬﻛﺎﺋﻪ اﻟﻔﻄﺮي أﻧﻬﺎ ﻳﺤﺪث ﻟﻬﺎ ﺗﺨﺪﻳﺮ إذا وﻃﺌﺘﻪ. ُ ﻧﻮم اﻟﺬﺋﺐ اﻟﺬﺋﺐ واﻹﻧﺴﺎن
ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﺬﺋﺐ ﻳﻨﺎم ،إﻻ أن ﻣﻦ أوﺿﺎﻋﻪ أﻳﻀً ﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻻت اﻟﺘﺤﻔﺰ أن ﻳﻐﻤﺾ ﻧﺼﻒ ﻋﻴﻨﻪ ،وﻳﻠﻮي ﺷﻔﺘﻴﻪ ،ﻟﻜﻨﻪ إذا ﻧﺎم ﻳﻈﻞ ﻣﺘﻴﻘﻆ ﻓﻲ زﻣﻦ اﻟﺮوﻣﺎن ﻧﺸﻂ ﺻﻴﺪ اﻟﺬﺋﺎب ،وﻟﻤﺎ ﺟﺎء اﻷﻧﺠﻠﻮﺳﻜﺴﻮن ،ﻛﺎن اﻟﺤﻮاس ،ﻳﻨﺘﺒﻪ ﻷدﻧﻰ ﺣﺮﻛﺔ أو راﺋﺤﺔ ﻣﺴﺘﻐﺮﺑﺔ ،وﻧﻮﻣﻪ ﻣﺘﻘﻄﻊ؛ ﻓﻲ اﻟﻤﻠﻚ أﻟﻔﺮد اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻣﻦ ﻫﻮاة ﺻﻴﺪﻫﺎ ،ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ ﺷﻬﺮ ﻳﻨﺎﻳﺮ ﻓﻲ ﺣﺪود ﻋﺸﺮ دﻗﺎﺋﻖ ،ﺛﻢ ﻳﻨﻬﺾ ﻣﺘﻤﻄ ًﻴﺎ ﺑﺴﺎﻗﻴﻪ. ﻣﺨﺼﺼﺎ ﻟﺼﻴﺪ اﻟﺬﺋﺎب؛ ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﺳﻤﻰ ﺑﺸﻬﺮ اﻟﺬﺋﺎب، ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن ً وﺧﺼﺼﺖ ﺟﺎﺋﺰة ﻟﻤﻦ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺮأس ذﺋﺐ ،وﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﻤﻠﻚ »أﺛﺎﻟﻴﺴﺘﺎن« ﺧﺼﺼﺖ ﻣﻮاﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﻄﺮق اﻟﻤﻮﺣﺸﺔ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﺴﺎﻓﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺬﺋﺎب، ُ ﻋﻮاء اﻟﺬﺋﺐ وﻓﺮض اﻟﻤﻠﻮك اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺮاﺋﻬﻢ اﻷﻳﺮﻟﻨﺪﻳﻴﻦ ﻋﻮاء اﻟﺬﺋﺐ ﻫﻮ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻌﻮاء اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﺿﺮاﺋﺐ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﻢ ذﺋﺎب ﻣﻴﺘﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻓﺮﺿﺖ ﻧﺒﺎ ًﺣﺎ ﻟﻠﻜﻠﺐ ﺑﻨﻤﻀﻲ اﻟﺴﻨﻴﻦ ،وﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ ﻏﺮاﻣﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺮﻣﻴﻦ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻹﺗﻴﺎن ﺑﺄﻟﺴﻨﺔ اﻟﻈﻮاﻫﺮ اﻟﻤﺜﻴﺮة ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻤﺘﺪ ذﺋﺎب ،وﻣﻦ ﺷﺪة اﻹﻋﺠﺎب ﺑﻘﻮة اﻟﺬﺋﺐ وذﻛﺎﺋﻪ، ﻣﺸﻜﻼ ﻃﺒﻘﺔ ﺻﻮﺗﻴﺔ ﻣﺘﻤﻮﺟﺔ ﻣﺘﺮﻧﻤﺔ، ً ﻋﻮاؤه إﺗﺨﺬ ﻣﻠﻮك اﻟﺸﻤﺎل اﻟﻘﺪﻣﺎء أﺳﻤﺎء اﻟﺬﺋﺐ؛ ﻣﻤﻄﻮﻃﺔ ،ذات ﻧﺪاء ﺑﺪاﺋﻲ ﻣﺘﻨﺎﻏﻢ ﺗﺘﺠﺎذﺑﻪ ﻣﺜﻞ"ﺑﻴﻮوﻟﻒ" ،واﺷﺘﻬﺮ ﻋﻦ اﻟﺬﺋﺎب اﻵﺳﻴﻮﻳﺔ- ﺣﻮاﻓﺰ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،وﻳﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﻳﻌﻮي ﻣﻦ أﺟﻞ ﺧﺎﺻﺔ اﻟﻬﻨﺪﻳﺔ-أﻧﻬﺎ ﺧﻄﺮة ،وﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﺎ ﺗﺪﺧﻞ إﺛﺎرة ﺟﻮ ﻣﻦ اﻟﺮﻋﺐ ﺣﻮﻟﻪ ،وﻳﻌﻮي ﻗﺒﻞ اﻟﺼﻴﺪ؛ اﻟﻘﺮى ،وﺗﺨﺘﻄﻒ اﻷﻃﻔﺎل ،وﺗﻠﺘﻬﻤﻬﻢ ،وﻋﻤﻮ ًﻣﺎ اﺑﺘﻬﺎ ًﺟﺎ ﺑﻪ ،وﻟﺘﺸﺠﻴﻊ أﻗﺮاﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ، ﻫﻨﺎك ﻣﺒﺎﻟﻐﺎت ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﺬﺋﺎب ،أﻣﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﻌﻮي ﻋﻨﺪ اﻟﻔﺮح ،وﻋﻨﺪ اﻟﺤﺰن أﻳﻀً ﺎ ،وﻋﻨﺪ ﻓﻬﻰ أن اﻹﻧﺴﺎن اﺳﺘﻄﺎع ﺗﺮوﻳﺾ اﻟﺬﺋﺎب ،ﺣﺘﻰ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺨﻄﺮ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺤﺰن ﻳﻜﻮن ﻋﻮاؤه أﺻﺒﺤﺖ ﻫﻮاﻳﺔ ﻟﺪى ﺑﻌﻀﻬﻢ ،ﻛﻤﺎ اﻧﺘﺸﺮت ﻫﻮاﻳﺔ ﺷﺒﻴ ًﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﻮﻳﻞ واﻟﻨﺤﻴﺐ ،وﻳﺴﻤﻊ ﻋﻮﻳﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﻴﺪ اﻟﺬﺋﺎب ﻣﻦ أﺟﻞ ﻓﺮاﺋﻬﺎ اﻟﺜﻤﻴﻦ ،ﺣﺘﻰ ﻛﺎدت ﺑﻌﺪ 65 - 16ﻛﻢ ،وﻳﻌﺘﻤﺪ ﺳﻤﺎع ﺻﻮﺗﻪ ﻋﻠﻰ أن ﺗﻨﻘﺮض ،وﻟﺠﺄ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﺿﺮ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،وﻓﻲ اﻟﻠﻴﻞ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺴﻤﻊ ﻻﺳﺘﺨﺪام اﻟﻄﺎﺋﺮات ﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻣﻮاﻗﻌﻬﺎ واﺻﻄﻴﺎدﻫﺎ ﻋﻮﻳﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻓﺔ 140 - 50ﻣﻴﻼَ ،وﻳﻌﻮد ذﻟﻚ 72
اﻟﺬﺋﺐ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺘﺎرﻳﺦ
وﻧﻮاﺣﻲ اﻹﺣﺴﺎء ،وﺑ ـﺮاري اﻟﺴﺎﺣﻞ اﻟﺸﺮﻗﻲ ﻟﻠﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ،وﺷﻤﺎل ﺷﺮق اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ،وﻳﻤﺘﺪ اﻧﺘﺸﺎره ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ؛ ﻣﻦ » ِدﺑّﺔ« و»اﻟﺒﺮﻳﻤﻲ« ،وﺟﺒﻞ »ﺣﻔﻴﺖ« ،ﺣﺘﻰ ﺟﻨﻮب »اﻟﻬﻔﻮف« ،و»أرض ﺑﻴﺮﻳﻦ«، وﺷﻤﺎل اﻟﻜﻮﻳﺖ .ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻤﻼﺣﻈﺎت اﻟﺘﻲ ﺳﺠﻠﻬﺎ اﻟﺒﺎﺣﺜﻮن ﻋﻦ اﻟﺬﺋﺐ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،أن وﺟﻮده ﻳﻌﺘﻤﺪ اﻋﺘﻤﺎ ًدا ﻛﻠ ًﻴﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎء ،ﻟﺬا ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﺼﺤﺮاء؛ وإﻧﻤﺎ ﻓﻲ اﻷﻃﺮاف اﻟﻤﺘﺎﺧﻤﺔ ﻟﻬﺎ، وﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺎﻻت ﻳﻌﻤﺪ إﻟﻰ إﻏﺮاء ﻓﺮﻳﺴﺘﻪ، وإﺛﺎرة ﻓﻀﻮﻟﻬﺎ ﻻﺳﺘﺪراﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻻ ﺑﺄس ﺑﻬﺎ ،ﻓﻴﺘﺪﺣﺮج أﻣﺎﻣﻬﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ ،أو ﻳﺘﻜﻮر ﺑﻘﻮة ﻣﺴﺘﺪﻳ ًﺮا وﻫﻮ ﻳﺠﺮي ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﺸﺘﺎء ﻓﺼﻼ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻘﺴﻮة ﻋﻠﻰ اﻟﺬﺋﺎب ﻓﻲ ﻧﺼﻒ ً ﻓﺼﻼ ﺟﻴ ًﺪا ﻟﻠﺬﺋﺎب اﻟﻜﺮة اﻟﺸﻤﺎﻟﻲ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻌﺘﺒﺮ ً اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. ﻓﺮاﺋﺲ اﻟﺬﺋﺐ اﻟﻌﺮﺑﻲ
اﻟﺬﺋﺐ ﻳﻘﺘﻞ ﺣﻴﻮاﻧﺎت اﻷﻫﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺮﻳﻒ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﺎ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻨﺪ ﺟﻮﻋﻪ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻋﻦ اﻟﻔﺌﺮان ،وﺟﺜﺚ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت واﻟﻨﻔﺎﻳﺎت ،ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ رؤﻳﺔ اﻟﺬﺋﺎب ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﻨﻔﺎﻳﺎت- وﺑﺎﻷﺧﺺ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء-وﻫﻮ ﻳﻌﺸﻖ اﻟﺘﻬﺎم اﻷراﻧﺐ اﻟﺒﺮﻳﺔ ،واﻟﺤﺠﻞ، واﻟﻴﺮاﺑﻴﻊ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻄﺎرد اﻟﻐﺰﻻن ،وﻳﻄﺮﺣﻬﺎ أرﺿً ﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮ واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻄﺎردة ،وﻫﻮ ﻳﺼﻄﺎدﻫﺎ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ أﺛﻨﺎء اﻟﻠﻴﻞ ﻟﻜﻮن اﻟﻐﺰﻻن ﻟﻴﻼ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺼﻄﺎد اﻟﻮﻋﻮل ،وﻳﻬﺎﺟﻢ اﻟﻐﻨﻢ ﻗﺒﻞ اﻟﻐﺮوب؛ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻌﺸﻮ ً ﺗﻜﻮن راﺗﻌﺔ ﻓﻲ ﻣﺮاﻋﻴﻬﺎ أو ﻋﻨﺪ ﻋﻮدﺗﻬﺎ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻓﻲ ﺣﻈﺎﺋﺮﻫﺎ ،وﻗﺪ ﻟﻮﺣﻆ أن اﻟﺬﺋﺐ ﻳﺘﺴﻠﻞ إﻟﻰ ﺣﻈﺎﺋﺮ اﻷﺑﻘﺎر ،وﻻ ﻳﻬﺎﺟﻤﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻠﺪ اﻟﻌﺠﻮل اﻟﺼﻐﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﺨﺮﻳﻒ ،ﻓﻴﺒﺪأ ﻓﻲ اﻟﺘﻬﺎﻣﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻬﺎﺟﻢ اﻟﺪﺟﺎج ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻ ﻳﺠﺪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻳﺄﻛﻞ ﺛﻤﺎر اﻟﺤﻘﻮل ،واﻟﻔﻮاﻛﻪ، وﻫﻮ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺘﻬﺎم 10ﻛﺠﻢ ﻟﺤﻢ ﻳﻮﻣﻴًﺎ ،وﻣﻦ ﻋﺎدﺗﻪ إﺣﺠﺎﻣﻪ ﻋﻦ اﻟﺼﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﺮﻳﺎح اﻟﺸﺪﻳﺪة اﻟﻤﺘﺮﺑﺔ ،ﻷﻧﻪ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﺳﺘﻰ اﻟﺴﻤﻊ واﻟﺸﻢ ﻓﻲ ﺻﻴﺪه ،وﻳﻔﺴﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﻫﺬا اﻟﺠﻮ ﻣﻠﻜﺎﺗﻪ. ﺻﻔﺎت اﻟﺬﺋﺐ وﻗﺪراﺗﻪ
ﻳﻤﺘﻠﻚ اﻟﺬﺋﺐ ﻣﻌﺪة ﺿﺨﻤﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﻤﺪد ،ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﻣﻬﻴﺌﺔ ﻻﺧﺘﺰان اﻟﻠﺤﻮم ،وﻧﻘﻠﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺠﺮاء ،وﺗﺘﺮﻛﺰ ﻗﻮﺗﻪ ﻓﻲ ﻋﻨﻘﻪ وأﺳﻨﺎﻧﻪ ،ﻣﻤﺎ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﻣﻦ ﺣﻤﻞ ﺷﺎة ﻣﻦ دون أن ﺗﻼﻣﺲ أﻃﺮاﻓﻬﺎ اﻷرض ،وﻳﺠﺮي ﺑﻬﺎ ﻣﻦ دون أن ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺮاﻋﻲ اﻟﻠﺤﺎق ﺑﻪ؛ إﻻ إذا ﻻﺣﻘﻪ ﻛﻠﺐ ،وﻟﻠﺬﺋﺐ ﻋﻴﻨﺎن ﺑﺮﺗﻘﺎﻟﻴﺘﺎن ﺗﺒﺪوان ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻐﻀﺐ ﻛﺎﻟﻨﺎر اﻟﻤﻠﺘﻬﺒﺔ ،وﻫﻤﺎ
ﺗﻘﻌﺎن ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ اﻟﻮﺟﻪ ﻛﻌﻴﻨﻰ اﻹﻧﺴﺎن ،وﺗﺘﻮﺟﻬﺎن ﺑﺜﺒﺎت وﻋﺰﻳﻤﺔ ﺻﻮب اﻟﻬﺪف ،وﻣﻦ اﻟﻨﺎدر أن ﻳﺤﺪق ﻓﻲ اﻹﻧﺴﺎن ،ﺣﻴﺚ ﻳﻈﻬﺮ ﻛﺜﻴ ًﺮا وﻛﺄﻧﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎل ﺑﻮﺟﻮده ،وﻳﺘﻤﻴﺰ ﺑﻄﻮل ﺳﻴﻘﺎﻧﻪ ،ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺎﻋﺪه ﻋﻠﻰ ﻗﻄﻊ اﻟﻤﺴﺎﻓﺎت اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ دون ﺗﻌﺐ؛ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ اﻟﺠﻠﻴﺪ واﻟﺮﻣﺎل، وأﻗﺪاﻣﻪ اﻟﻜﺒﻴﺮة اﻟﻤﺘﻴﻨﺔ ﻣﻬﻴﺌﺔ ﻟﻠﺠﺮى اﻟﺴﺮﻳﻊ ،وﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻟﻤﺘﺎﻧﺘﻬﺎ، ﻓﺈن ﺗﺮﺗﻴﺐ اﻷﺻﺎﺑﻊ واﻟﻮﺳﺎدة اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﺑﺒﺎﻃﻦ اﻟﻘﺪم ﻳﻤﻨﺤﺎﻧﻪ ﻣﺮوﻧﺔ ﺗﻔﻴﺪه ﻓﻲ ﺗﺴﻠﻖ اﻟﺠﺒﺎل ،وﻫﻮ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺴﻴﺮ ﻣﺌﺎت اﻷﻣﻴﺎل ﻓﻲ ﻣﻴﻼ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ واﺣﺪة ،وﻟﺬﻳﻠﻪ ﺑﻀﻌﺔ أﻳﺎم ،وﻳﻤﻜﻨﻪ ﻗﻄﻊ ً 40 - 30 أﻫﻤﻴﺔ ﻗﺼﻮى ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻣﺸﺎﻋﺮه وﺧﻠﺠﺎﺗﻪ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻨﻮي اﻟﻬﺠﻮم ﻳﻜﻮن ذﻳﻠﻪ ﻣﻤﺘ ًﺪا ﺧﻠﻔﻪ ﺑﻤﻮازاة ﻇﻬﺮه ،وﻫﻮ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺑﺤﺎﺳﺔ ﺷﻢ ﺣﺎدة؛ ﺗﺠﻌﻠﻪ ﻳﺸﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﺌﺎت اﻷﻣﺘﺎر ،وﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﻟﻠﻌﺜﻮر ﻋﻠﻰ ﻓﺮﻳﺴﺘﻪ ،وﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ راﺋﺤﺔ اﻹﻧﺴﺎن وراﺋﺤﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ،وﻣﻦ اﻟﻐﺮﻳﺐ أن ﺣﺎﺳﺔ اﻟﺴﻤﻊ ﻋﻨﺪ ﺧﺮوﺟﻪ ﻟﻠﺼﻴﺪ ﺿﻤﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ،ﺗﻔﻮق أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﺤﻮاس ،ﻓﻬﻮ ﻳﻤﺘﻠﻚ ﺳﻤ ًﻌﺎ ﺣﺎ ًدا ﺟﺎ ًدا، ﻳﻤﻜﻨﻪ ﻣﻦ ﺳﻤﺎع اﻷﺻﻮات ﻋﻦ ﺑﻌﺪ ،واﻟﺘﻌﺮف ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﺑﻞ وﺗﺤﺪﻳﺪ /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
71
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
اﻟﺬﺋﺐ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻌﻠﻤﺎء إﻟﻰ أن ﺑﺪاﻳﺔ اﺳﺘﺌﻨﺎس اﻟﺬﺋﺎب ﺣﺪﺛﺖ ﻓﻲ ﺟﻨﻮب اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻣﺤﻤﺪ زﻳﻦ اﻟﻌﺎﺑﺪﻳﻦ وإﺟﻤﺎﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل أن اﻟﺬﺋﺎب ﺗﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ اﻷوﻟﻰ ً اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. اﻟﺬﺋﺐ ﻫﻮ ﻣﻠﻚ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ واﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻠﺤﻴﻮاﻧﺎت آﻛﻠﺔ اﻟﻠﺤﻮم ،واﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮت ﻗﺒﻞ 100ﻣﻠﻴﻮن ﺳﻨﺔ ،وﺗﺸﻴﺮ واﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ،وﺧﻠﺪ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ذﻛﺮه ﻓﻲ ﺳﻮرة "ﻳﻮﺳﻒ" ﺑﺘﺒﺮﺋﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻼت اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ إﻟﻰ وﺟﻮد ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺬﺋﺎب ﻋﻠﻰ أرض دم اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻮﺳﻒ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم .وﻣﺜﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﺎدة ﻟﻠﺤﻜﺎﻳﺎت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ،ﻣﺼﺮ ،وﻓﻲ ﺻﺤﺮاﺋﻬﺎ اﻟﻐﺮﺑﻲ. ﻓﺤﻴﺎﺗﻪ أﻳﻀً ﺎ ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻷﺳﺮار واﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﻤﺪﻫﺸﺔ ،وﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟﻢ دﻛﺘﻮر أدوﻟﻒ ﻣﻮري ﻫﻮ أول ﻣﻦ ﻗﺎم ﺑﺪراﺳﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺟﺎدة ﻟﺤﻴﺎة اﻟﺬﺋﺎب ﻓﻲ آﻻﺳﻜﺎ ﺳﻨﺔ .1940وﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺼﺎدر ﺿﻤﻦ ﺳﻠﺴﻠﺔ ذﺋﺐ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ )اﻟﻤﺠﻠﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ( ﻓﻲ اﻟﺮﻳﺎض ﻳﺪور ﺣﻮل ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺬﺋﺎب اﻟﺬي ﻃﺎﻟﻤﺎ وﻫﻮ أﺻﻐﺮ أﻧﻮاع اﻟﺬﺋﺎب .أﻃﺮاﻓﻪ ﻃﻮﻳﻠﺔ ،وذﻳﻠﻪ ﻳﺘﺪﻟﻰ إﻟﻰ ﻋﻘﺒﻪ. رأﺳﻪ ﻏﻠﻴﻆ ،وﺧﻄﻤﻪ ﻣﻤﺪود ﻣﺪﺑﺐ .ﺟﺒﻬﺘﻪ ﻋﺮﻳﻀﺔ ،وأذﻧﻪ ﻣﻨﺘﺼﺒﺔ اﻛﺘﻨﻔﻪ اﻟﻐﻤﻮض واﻟﺮﻋﺐ ،وﻧﺴﺠﺖ ﺣﻮﻟﻪ اﻟﻘﺼﺺ واﻷﺳﺎﻃﻴﺮ. ﺻﻐﻴﺮة ﻧﺴﺒﻴًﺎ .ﻟﻮن ﺷﻌﺮه ﻳﺘﻔﺎوت ﺑﻴﻦ اﻷﺻﻔﺮ اﻟﺒﻨﻲ ،إﻟﻰ اﻟﺮﻣﺎدي اﻟﺒﻨﻲ ،ﻣﻤﺰو ًﺟﺎ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺴﻮاد .ﻣﻌﺪل ﻃﻮﻟﻪ 1 .14ﻣﺘﺮ ،وﻣﻌﺪل وزﻧﻪ 30 - 20ﻛﺠﻢ .ﻣﺪة اﻟﺤﻤﻞ ﻷﻧﺜﺎه 9أﺳﺎﺑﻴﻊ ﺗﻘﺮﻳ ًﺒﺎ ،وﺗﻠﺪ اﻟﺬﺋﺒﺔ 3 أواﺋﻞ اﻟﺬﺋﺎب ﻋﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻣﺘﺮﺳﺒﺔ ﻟﺬﺋﺎب ﺻﻐﻴﺮة ﻧﻮ ًﻋﺎ ﻣﺎ ،ﺗﻌﻮد ﻷواﺧﺮ ﻋﺼﺮ 9 -ﺟﺮاء .ﻳﻌﻴﺶ اﻟﺬﺋﺐ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺸﻜﻞ أﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻘﺼﻴﻢ، اﻟﺒﻠﻴﻮﺳﻴﻦ ،ﺛﻢ ﻋﺜﺮ ﻋﻠﻰ ذﺋﺎب ﻛﺒﻴﺮة اﻟﺤﺠﻢ ﺟ ًﺪا ﺗﻌﻮد ﻷواﺧﺮ ﻋﺼﺮ اﻟﺒﻠﻴﺴﺘﻮﺳﻴﻦ ،وأﻫﻢ ﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰ ﻫﺬه اﻷﻧﻮاع اﻷوﻟﻰ ﻫﻮ ﺗﺠﻤﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺟﻤﺎﻋﺎت ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﺬﺋﺐ ﻗﺎﺋﺪ ،وﺳﺎﻋﺪﺗﻬﺎ اﻟﻈﺮوف اﻟﻤﻨﺎﺧﻴﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻌﺼﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪو اﻟﺴﺮﻳﻊ ،واﺳﺘﻌﻤﺎل أﻧﻴﺎﺑﻬﺎ ﺑﻜﻔﺎءة، وﺳﺎﻋﺪﺗﻬﺎ ﺟﻠﻮدﻫﺎ اﻟﺴﻤﻴﻜﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻨﺎخ اﻟﻘﻄﺐ اﻟﺸﻤﺎﻟﻲ ،وﻣﻊ ﻣﺮور اﻟﺰﻣﻦ ﺑﺪأ اﻟﺼﺪام ﺑﻴﻦ اﻟﺬﺋﺐ واﻹﻧﺴﺎن؛ وﻫﻮ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺤﺪث ﺑﻴﻨﻪ، وﺑﻴﻦ اﻟﻘﺮدة اﻟﻌﻠﻴﺎ اﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن ،ﻟﺬا ﺑﺪأ ﻧﻔﻮر اﻹﻧﺴﺎن وﺧﻮﻓﻪ ﻣﻦ اﻟﺬﺋﺐ ،واﺳﺘﺌﻨﺎﺳﻪ ﻟﻠﻜﻠﺐ؛ اﻟﻘﺮﻳﺐ ﻋﺎﺋﻠ ًﻴﺎ ﻣﻊ اﻟﺬﺋﺐ ،وﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﺄن اﻟﺬﺋﺐ اﻵﺳﻴﻮي ﻫﻮ أﺻﻞ ﺳﻼﻟﺔ اﻟﻜﻼب ،وأﻧﻬﺎ ﻧﺸﺄت ﻣﻦ اﺳﺘﺌﻨﺎس اﻟﺬﺋﺎب ﻓﻲ اﻟﺸﺮق اﻷدﻧﻰ ﻗﺒﻞ 12 - 10أﻟﻒ ﺳﻨﺔ ،وﻳﺸﻴﺮ ﺑﻌﺾ 70
اﻟﺬﺋﺐ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺘﺎرﻳﺦ
أﻋﻤﺎل« ﻟﻴﻜﺸﻒ ﺑﺄن »ﺗﻜﻮﻳﻨﻪ اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ واﻷدﺑﻲ ﻏﻠﺐ ﻋﻨﺪه ﻓﻲ ﺷﺘﻰ ﻣﺴﺎﻫﻤﺎﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺘﻮﺟﻪ إﻟﻰ اﻟﻘﻮل ﺑﻀﺮورة أﻧﺴﻨﺔ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ«. اﻟﻔﻀﺎء اﻷدﺑﻲ واﻟﻔﻠﺴﻔﻲ
ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻳﺨﺘﺎر ِﺣ ﱢﻤﻴﺶ ﻋﻨﻮان »أوﺟﺪ ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺋﻲ أدﺑﻴﺎً« ﻳﻨﺤﻮ ﻓﻴﻪ ﺻﻮب ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻹﺑﺪاﻋﻴﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺤ ﱢﺪد ﻟﻨﺎ دﻻﻟﺔ ﻣﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﺑﻤﺼﻄﻠﺢ »اﻹﻳﺠﺎد« اﻟﺬي ﻳﺮد ﻓﻲ ﻋﻨﻮان ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻫﺬا ﻓﻴﻘﻮل: )ﻛﻢ ﻫﻮ ﺻﺎﺋﺐ وﻣﺤﻖ ﺑﺮﺗﻮﻟﺪ ﺑﺮﺷﺖ ﺣﻴﻦ ﻗﺎل :إﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﻌﺮف إﻻ ﻣﺎ ﻧﻌﺎﻟﺠﻪ ﺑﺎﻟﺘﻐﻴﻴﺮ واﻟﺘﺤﻮﻳﻞ« وﻫﻮ ﻣﺎ أﺳﻤﻴﻪ اﻹﻳﺠﺎد( .وﻫﺬا ﺗﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ اﻧﻔﺘﺎح ِﺣ ﱢﻤﻴﺶ ﻋﻠﻰ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ﻗﻮاﻣﻪ »اﻻﺳﺘﻐﻮار اﻟﺬاﺗﻲ ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺋﻲ اﻟﻤﻌﺘﺎد« ﺑﺤﺴﺐ ﻗﻮﻟﻪ ،وﻣﺘﻌﺔ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻟﺪﻳﻪ »ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﻣﻊ ﻧﻔﺴﻪ وﻣﻊ ﻛﻴﺎﻧﺎت اﻟﻜﻠﻤﺎت واﻷﺷﻴﺎء« ،ﻓﻴﺒﺪأ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺮواﺋﻴﺔ ﻟﺪﻳﻪ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﺎوﻳﻦ ﻓﺮﻋﻴﺔ ﻣﺜﻞ» :ﻣﻠﺘﻘﻰ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ اﻟﺮواﻳﺔ« ،و»ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺮواﻳﺔ« ،و»ﻧﻤﺎذج ﻟﻠﺘﻤﺜﻴﻞ«. وﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ،ﻳﺨﺘﺎر ِﺣ ﱢﻤﻴﺶ ﻋﻨﻮان »أوﺟﺪ ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺋﻲ ﻓﻜﺮﻳﺎً »ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ أو »اﻟﺮاﻓﺪ اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ« وﺳﻂ اﻋﺘﻘﺎده ﺑﺄن »اﻟﻤﻔﻜﱢﺮ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف ﻫﻮ اﻟﻔﺎﻋﻞ اﻟﻤﺤﻨﻚ ﻓﻲ إﻟﺤﺎق اﻟﺠﺰء ﺑﺎﻟﻜﻞ، واﻟﺸﻲء ﺑﻤﻔﻬﻮﻣﻪ ،واﻟﻤﺘﻤﺮن ﻋﻠﻰ إﺑﺪاع اﻟﻤﻘﻮﻻت وﻧﺤﺘﻬﺎ ﻹﺣﺴﺎن اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ أﺷﻴﺎء وواﻗﻊ ﻛﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﻃﺮح ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺟﻮﻫﺮﻳﺔ رﺋﻴﺴﺔ«. أﻣﺎ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻬﻲ إذا ﻛﺎﻧﺖ »ﻻ ﺗﻤﺎرس اﻟﻨﻘﺪ واﻟﻨﻘﺪ اﻟﺬاﺗﻲ ﺗﻈﻞ دون اﺳﺘﺤﻘﺎق ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ« .وﻓﻲ ﺿﻮء ذﻟﻚ ﻳﺒﺪي ِﺣ ﱢﻤﻴﺶ إﻋﺠﺎﺑﻪ ﺑﺎﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻷﻟﻤﺎﻧﻲ إﻳﻤﺎﻧﻮﻳﻞ اﻟﻨﺴﻘﻴﺔ اﻟﺸﻤﻮﻟﻴﺔ ﻛﺎﻧﻂ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻳﻨﺄى ﻛﺜﻴﺮا ً ﻋﻦ ْ ﻧﺴﻘﻴﺔ ﻫﻴﻐﻞ وﻏﻴﺮه ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار ْ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻳﻌﺘﺮف ﻗﺎﺋﻼً» :أﻧﺰع إﻟﻰ إﻳﺜﺎر اﻟﻨﺺ اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ اﻟﻼﻧﺴﻘﻲ ،أي :اﻟﺤﻴﻮي واﻟﻤﻘﻄﻌﻲ اﻟﺸﺬري ﻟﻜﻮن ذﻟﻚ ﻫﻮ اﻷﺟﺪى ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﺧﺘﺒﺎر اﻟﻮﺟﻮد وإﻳﺠﺎد اﻷﻓﻜﺎر واﻟﺮؤى«. وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ »اﻟﺮاﻓﺪ اﻟﺘﺮاﺛﻲ – اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ« ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ وﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻜﻴﻞ ﻟﻪ وزﻧﺎً ﺑﻘﻮﻟﻪ» :ﻟﻢ أر أي ﻧﺺ أﻋﻤﺮ وأﻏﻨﻰ ﺑﺎﻟﻮاﻗﻌﺎت واﻟﺤﺎﻻن واﻟﺘﺠﺎرب وﻻ ﺧ ـﺰان أوﺳــﻊ ﻣﻨﻪ ﻟﻔﺮض إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺪﻻﻻت وﺗﺤﺮﻳﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺺ اﻟﺘﺮاﺛﻲ – اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ«.
ﻟﻴﻌ ﱢﻮل ﺗﺎﻟﻴﺎً ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻈﻬﺎر دﻻﻟﺔ »اﻟﺘﺨﻴﻴﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ« .وﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻐﺔ ،وﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان "أوﺟﺪ ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺋﻲ ﻟﻐﻮﻳﺎً" ﺗﺄﺧﺬﻧﺎ رؤاه إﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻠﻐﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل دﻻﻻت ﻋﻨﺎوﻳﻦ ﻓﺮﻋﻴﺔ ﻋﺪة ﻫﻲ» :اﻟﻬﻴﻤﻨﻴﺔ وإﻳﻬﺎن اﻟﻬﻮﻳﺔ وﻟﻐﺘﻬﺎ« ،و»اﻟﻠﻐﺔ وﻋﺎء ﻫﻮﻳﺘﻲ وذﺧﻴﺮﺗﻲ اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ« ،و»ﻗﺼﺘﻲ ﻣﻊ اﻟﻔﺼﺤﻰ واﻟﻌﺎﻣﻴﺔ« ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ »ﻧﺼﻴﺒﻲ ﻣﻦ اﻷﻣﺎزﻳﻐﻴﺔ« .ﻳﺄﺧﺬﻧﺎ ِﺣ ﱢﻤﻴﺶ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ إﻟﻰ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب »أوﺟﺪ ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺋﻲ ﺛﻘﺎﻓﻴﺎً« وﻳﺤﻠﻞ ﻓﻴﻪ ﺟﺬر ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺛﻘﺎﻓﺔ ،وﺑﻮﺻﻔﻪ ﻳﺴﺎرﻳﺎً ﻻ ﻳﻔﻮﺗﻪ ﻏﺮاﻣﺸﻲ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن ،وﻳﻘﺪم ﺣﺪﻳﺜﺎً ﻋﺒﺮ ﺣﺎﺷﻴﺘﻴﻦ ﻫﻤﺎ» :ﻓﺴﺎد اﻟﺘﺰﻣﺖ ﺣﺰﺑﻴﺎً« ،وﻣﻦ ﺛﻢ "ﺣﻴﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﺴﺎد اﻟﻌﺎم« ،و»ﻛﻤﺜﻘﻒ ُ ﺣﻤﻠﺖ ﺣﻘﻴﺒﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ«. ﻣﺎ ﻗﺎل؟
وﻳﺨﺘﻢ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺑﻌﻨﻮان »ﺳﺠﺎﻻﺗﻲ« ﺑﺎﻻﻧﻄﻼق ﻣﻦ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﺗﺮد ﻋﻨﺪ أﺑﻲ ﺣﻴﺎن اﻟﺘﻮﺣﻴﺪي» :ﻻ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻣ ْﻦ ﻗﺎل؛ ﺑﻞ اﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻗﺎل« ،وﻫﻲ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﺗﻮﺣﻲ ﺑﻀﺮورة اﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﺨﻄﺎب اﻟﻘﺎﺋﻞ ﻻ اﻟﻘﺎﺋﻞ ﺷﺨﺼﻴﺎً وﻫﺬت ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻳﺰﻋﺞ ﺳﻴﺠﻮﻧﺪ ﻓﺮوﻳﺪ وﻗﺒﻠﻪ دورﻛﻬﺎﻳﻢ ،واﻻﻧﻄﻼق ﻣﻦ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﻏﺎﺳﺘﻮن ﺑﺎﺷﻼر» :اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻤﺘﻤﺎﺳﻜﺔ ﻫﻲ ﻧﺘﺎج اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺴﺠﺎﻟﻲ وﻟﻴﺲ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻤﻌﻤﺎري« ،وﻫﻲ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ اﻟﻌﻨﻮان »ﺳﺠﺎﻻﺗﻲ« اﻟﺬي ﺳﻴﻨﺼﺮف إﻟﻰ ﺑﺤﺚ ﺻﺮوﻓﻪ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮاﻧﺎت ﻓﺮﻋﻴﺔ ﻫﻲ» :ﺑﻴﺎن ﻹﻧﻘﺎذ اﻹﺳﻼم ﻣﻦ ﻋﺒﺚ اﻟﺘﻌﺘﻴﻢ« ،و»ﻧــﺪاء :ﻓﻀﺎءاﺗﻨﺎ واﻛﺘﺴﺎح اﻟﺤﺮف اﻟﻼﺗﻴﻨﻲ« ،وﻣﻦ ﺛﻢ» :أدوﻧﻴﺲ ﻣﺘﺪﻫﻮرا ً« ،و»ﻳﻮﺳﻒ زﻳﺪان واﻟﺮﻣﻲ ﺑﺎﻟﻤﻔﺮﻗﻌﺎت«. وﻓﻲ ﺧﺎﺗﻤﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻳﻜﺘﺐ ِﺣ ﱢﻤﻴﺶ "ﻓﻲ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ اﻟﺬاﺗﻲ«. ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،آﺛﺮ ﺑﻨﺴﺎﻟﻢ ِﺣ ﱢﻤﻴﺶ ﻣﻨﺤﻰ اﻻﺧﺘﻼف ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺳﻴﺮﺗﻪ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻠﺘﺰم ﺑﺤﺮﻓ ّﻴﺔ اﻟﺨﻂ اﻟﺰﻣﻨﻲ اﻟﻤﺘﺼﺎﻋﺪ اﻟﺬي ﻳﺠﺮﺑﻪ أﺣﺪﻧﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار اﻟﻤﺘﻮاﻟﻴﺔ :وﻻدة ،ﻃﻔﻮﻟﺔ ،ﻳﻔﺎﻋﺔ ،ﺷﺒﺎب ،ﻛﻬﻮﻟﺔ، ﻟﻜﻨﻪ ﻣﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ وﻓﻖ ﺑُﻌﺪ ﻋﻼﺋﻘﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺠﺪ ذاﺗﻪ ﺗﺘﺰاﺣﻢ إﻳﺠﺎدا ً ﻓﻲ اﻟﻴﻮﻣﻲ وﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ .ﻛﻤﺎ أن ِﺣ ﱢﻤﻴﺶ ﻳﻘﺪم ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب أﻓﻜﺎره ﻛﺮواﺋﻲ وﻣﻔﻜﱢﺮ ﻳﺘﻠﻤﺲ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻓﻲ إﻳﺠﺎد ذاﺗﻪ وﺑﻨﺎء ﺳﻴﺮﺗﻪ ووﻋﻴﻪ /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
69
إﺿﺎءة
ﺑﻨﺴﺎﻟﻢ ِﺣ ﱢﻤﻴﺶ
ﺑﺎﺣﺜ ًﺎ ﻋﻦ ذاﺗﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﻌﻴﺪاً ﻋﻦ ﻏﻴﺮه ﺗﺤﺼﻞ اﻟﺮواﺋﻲ واﻟﻤﻔﻜّﺮ اﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﺑﻨﺴﺎﻟﻢ ٍﺣﻤﻴﺶ ﻋﻠﻰ »ﺟﺎﺋﺰة اﻟﺸﻴﺦ ّ زاﻳﺪ ﻟﻠﻜﺘﺎب -ﻓﺮع اﻵداب «2019ﻋﻦ ﻛﺘﺎﺑﻪ )اﻟﺬات ﺑﻴﻦ اﻟﻮﺟﻮد واﻹﻳﺠﺎد( اﻟﺼﺎدر ﻋﻦ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب ﻓﻲ اﻟﺪار اﻟﺒﻴﻀﺎء ﺳﻨﺔ .2019وﻫﻮ ﻛﺘﺎب ﺳﻴﺮي ﻳﺘﻌﻠّﻖ ﺑﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺬات. آﺛﺮ ﺣﻤﻴﺶ وﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »ﺳﺆال اﻟﺴﻴﺮة اﻟﺬاﺗﻴﺔ« ﺗﺤﺪﻳﺪ رؤﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻀﺮب ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﺬات اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ أن ﺗﻜﻮن ﻋﺎﺑﺮة أو ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ أو ﻣﺠ ّﺮد ﺗﺪوﻳﻦ ﻳﻮﻣﻴﺎﺗﻲ آﻟﻲ ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ »زﻣﻨﻴﺔ ﺧﻄﻴﺔ اﺳﺘﺬﻛﺎرﻳﺔ ﻓﻘﻂ ﺑﺪءا ً ﻣﻦ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ﻓﺄﻃﻮار اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻤﻮاﻟﻴﺔ« ،وﻳﻌﻠﻞ ﻧﺄﻳﻪ ﻋﻦ ذﻟﻚ وﻫﻮ ﻳﺴﺎري ﺳﺎﺑﻖ »ﺑﺎﻟﺘﻌﻔﻒ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ اﻟﻨﻔﺲ وﺑﺎﻟﻌﻴﺎذ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ذﻛﺮ أﻧﺎ« ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻳﻘﺮ ﻣﻌﺘﺮﻓﺎً ﺑﺄن »اﻷﻧﺎ ﻣﺴﺘﻜﺮه« ،وﻳﻀﻴﻒ ﺑﺄن ﻣﺎ دﻋﺎه إﻟﻰ اﺗﺨﺎذ »ﻣﻮﻗﻒ ﻣﻌﺘﺪل ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺮة اﻟﺬاﺗﻴﺔ« ﻫﻮ ُﺟﻤﻠﺔ ﻋﻮاﻣﻞ ﺛﻼﺛﺔ ﻫﻲ :أن اﻻﺳﺘﺒﻄﺎن ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺠﻮاﻧﻴﺔ ﻟﻌﻠﻪ ﻳﻜﻮن ﻣﻔﺘﺎح ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺬات واﻵﺧﺮﻳﻦ ،وأن ﻛﺒﺖ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻟﻔﺮد ﻻ ﺳﻴﻤﺎ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ﻳُﺤﺪث آﺛﺎرا ً وﻣﻀﺎﻋﻔﺎت ﺗﻨﺪرج ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﺤ ﱢﺪد اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺑﻨﻴﺘﻬﺎ وﺳﻴﺮﺗﻬﺎ ،ﻳﻘﻮل ِﺣ ﱢﻤﻴﺶ» :إن ﻋﺮض ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻲ واﻟﻨﺴﻴﺎن ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ أن ﻳﺰﻳﻠﻪ وﻳﻤﺤﻮه ،وﻳُﺤﺴﻦ ﺑﺎﻟﻔﺮد أن ﻳﺮاﺟﻌﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﻦ ﻵﺧﺮ وﻟﻮ اﻧﺘﻘﺎﺋﻴﺎً ﻛﻤﺎ ﺳﺄﻓﻌﻞ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺘﻲ ﺿﻤﻦ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب« .وﻛﺬﻟﻚ ﻳﻌﺘﺮف ِﺣ ﱢﻤﻴﺶ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﺨﻔﻲ اﻻﻗﺘﺪاء ﺑﻤﺎ ذﻫﺐ إﻟﻴﻪ ﻣﻴﺸﻴﻞ ﻣﻮﻧﺘﺎﻳﻦ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ )اﻟﻤﻘﺎرﺑﺎت( ﺑﻮﺻﻒ ﻛﺎﺗﺒﻪ »ﻳﺘﺨﺬ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺎدة ﻟﻜﺘﺎﺑﺘﻪ« ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﺟﻌﻞ ِﺣ ﱢﻤﻴﺶ ﻳﺆﻛﺪ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ »ﻳﻌﺎﻟﺞ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎﺗﻪ وﻫﻮ ﻣﺘﻠﺒﺲ ﺑﻬﺎ وﻣﻨﻀﻮ ﻓﻴﻬﺎ إﻣﺎ ذاﺗﻴﺎً ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﺻﺮف وإﻣﺎ أدﺑﻴﺎً وﻓﻜﺮﻳﺎً وإﻧﻤﺎ ﻟﻐﻮﻳﺎً وﺛﻘﺎﻓﻴﺎً« ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ،وﻻ ﻳﻨﺄى ِﺣ ﱢﻤﻴﺶ ﻋﻦ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف ﻓﺮدرﻳﺶ ﻧﻴﺘﺸﻪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ )ﻫﺬا ﻫﻮ اﻹﻧﺴﺎن( ،ﻛﺬﻟﻚ ﻧﻤﺎذج أﺧﺮى ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺘﺎب )اﻻﻋﺘﺮاﻓﺎت( ﻟﺠﺎن ﺟﺎك روﺳﻮ ،وﻛﺘﺎب )اﻟﺘﻮاﻃﺌﺎت( ﻟﺒﻮرﺧﻴﺲ. وﻳﺄﺗﻲ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻧﺰوﻻً ﻋﻨﺪ ﻣﻤﺎرﺳﺔ ﻛﺘﺎب ﻟﻠﺬات ﻣﻐﺎﻳﺮة ﺑﻌﻴﺪا ً ﻋﻤﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ ِﺣ ﱢﻤﻴﺶ »ﺳﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻣﻘﻨﻌﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ،ﺳﻴﺮ اﻟﻠﻬﺞ ﺑﺎﻷﻧﺎ اﻟﺼﺮف ﺗﺴﺘﺤﻴﻞ ﻏﺎﻟﺒﺎً إﻟﻰ ﻧﺮﺟﺴﻴﺎت ﻣﻐﺎﻟﻴﺔ ﺣﻮل اﻟﺬات ﻛﻘﻄﺐ ﻣﺤﻮري«. ِ وأﺧﻴﺮا ً ﻳﻌﺘﺮف ﺣ ﱢﻤﻴﺶ ﺑﺄن ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب؛ ﺑﻞ وﻓﻲ ﻏﻴﺮه ،ﻻ ﺗﺪﻋﻲ اﻹﻣﺤﺎء اﻟﺘﺎم ﻟﺬاﺗﻪ ﻛﻠﻴﺎً ،ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻐﺎدر ﻣﺼﻄﻠﺢ »ﺳﻴﺮة ذاﺗﻴﺔ« اﻟﺬي ﻳﺮد ﻓﻲ اﻟﻌﻨﻮان اﻟﻔﺮﻋﻲ ﻟﻜﺘﺎﺑﻪ ﻫﺬا. 68
ﺑﻨﺴﺎﻟﻢ ِﺣ ﱢﻤﻴﺶ ﺑﺎﺣﺜ ًﺎ ﻋﻦ ذاﺗﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﻌﻴﺪا ً ﻋﻦ ﻏﻴﺮه
د .رﺳﻮل ﻣﺤﻤﺪ
زوﺟﺔ ﻳﻮﻧﺎﻧﻴﺔ
ﻳﺒﺪأ اﻟﻤﺆﻟﻒ ِﺣ ﱢﻤﻴﺶ ﺳﻴﺮﺗﻪ اﻟﺨﻄﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻷول )ص (70 – 17 ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان »ﻗﻄﻊ ﺣﻴﺎﺗﻴﺔ« ،وﻳﺴﻠﱢﻢ ﻓﻴﻪ أﻣﺮه إﻟﻰ اﻟﺨﻄﻮط اﻟﻐﺎﺋﻤﺔ ﻓﻲ ﻃﻔﻮﻟﺘﻪ »ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳﻨﻔﻠﺖ دوﻣﺎ وﻳﺮاوغ وﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳﻘﺒﻞ اﻻﻧﺠﻼء ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﺘﺬﻛّﺮ« ﻟﻴﺬﻫﺐ ﻣﺒﺎﺷﺮة إﻟﻰ ﺗﻌﻠﻴﻤﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻓﻲ »ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟ ُﻜﺘّﺎب" اﻟ ُﻤﻼﺋﻴﺔ ،وﻣﻦ ﺛ ﱠﻢ ﻓﻲ ﻃﻮر اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻻﺑﺘﺪاﺋﻲ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻜﻨﺎس ﻟﻴﺴﺘﺬﻛﺮ أﺳﻤﺎء اﻟﻤﻌﻠﱢﻤﻮن اﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ واﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮن ،وﺗﻄﻔﻮ ﻓﻲ ﺳﻄﺢ اﻟﺬاﻛﺮة ﺻﻮر ﻧﺴﺎء وأﺻﺪﻗﺎء وأﻓﺮاد ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ وأﻣﻜﻨﺔ ،واﻟﺒﺎﻋﺚ اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن واﻟﺪه ﻳﺤﻴﻴﻪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ،واﻻﻧﺨﺮاط ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻣﻊ واﻟﺪه وأﺧﻴﻪ ﻟﺘﻴﺴﻴﺮ ﺣﺎل اﻟﻤﻌﻴﺸﺔ ،واﺳﺘﺬﻛﺎر ﻣﺘﻐﻴﺮات ﺑﺪت ﺟﺬرﻳﺔ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻣﻜﻨﺎس »اﻟﺰﻳﻮت اﻟﻤﺴﻤﻮﻣﺔ« ،وﻳﺘﺤ ﱠﺪث ﻋﻦ ﺗﻄﻠّﻌﺎت اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻟﺪﻳﻪ أو »اﻹﻳﺠﺎد اﻹﺑﺪاﻋﻲ« ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺘﺐ ﺧﻄﺒﺔ دﻳﻨﻴﺔ ﻋﺮﺿﻬﺎ ﻋﻠﻰ واﻟﺪه، وأﻳﻀﺎً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺘﺐ ﺷﻌﺮا ً ﻟﻴﺲ ﺑﻌﻴﺪا ً ﻋﻦ ﻣﻤﺎرﺳﺔ ﻫﻮاﻳﺎﺗﻪ. وﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﺘﻘﻞ إﻟﻰ اﻟﺮﺑﺎط ﻃﺎﻟﺒﺎً ﺟﺎﻣﻌﻴﺎً ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت ﺑﺪت ﻣﻴﻮﻟﻪ اﻷدﺑﻴﺔ ﺗﺘﻀﺢ وﻗﺪ ﻻﻗﺖ ﺗﺮﺣﻴﺒﺎً ﻣﻦ أﺳﺎﺗﺬﺗﻪ ﻣﺜﻞ :ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺰﻳﺰ اﻟﺤﺒﺎﺑﻲ ،وﻋﺒﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺨﻄﻴﺒﻲ ،وﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﻌﺮوي ،وﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ اﻻﻧﺨﺮاط ﻓﻲ اﻟﻮﺳﻂ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت ،وﻣﻦ ﺛﻢ دراﺳﺘﻪ ﻓﻲ ﺑﺎرﻳﺲ ،وزواﺟﻪ ﻣﻦ أﻧﺜﻰ ﻳﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ،وﺗﻌ ّﺮﻓﻪ إﻟﻰ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻳﻨﺴﺮح ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻧﺤﻮ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﺗﺄﺛﺮ ﺑﻬﻢ ﻣﺜﻞ ﻛﺎرل ﻣﺎرﻛﺲ ،وﺟﺎن ﺑﻮل ﺳﺎرﺗﺮ ،وإﻗﺒﺎﻟﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺼ ّﻮف واﻟﻔﻜﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﺗﻤﺘﻴﻦ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻗﻴﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻴﻦ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ اﻟﻤﺎرﻛﺴﻴﻴﻦ ﻣﻨﻬﻢ .ﺷﺎءت اﻟﺼﺪﻓﺔ أن ﻳﺸﺎرك ِﺣ ﱢﻤﻴﺶ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻣﺮاﻓﻘﺎً ﻟﺰوﺟﺘﻪ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ إﻟﻰ ﻣﺆﺗﻤﺮ اﻟﺠﺎت " GATT" 1994ﻓﻲ ﻣﺮاﻛﺶ، وﻫﻨﺎك ﺗﺰﺣﺰح اﻟﻤﻌﺘﻘﺪ اﻟﻤﺎرﻛﺴﻲ ﻋﻨﺪ اﻟﻀﻴﻒ اﻟﻤﺮاﻓﻖ ،اﻟﺰﺣﺰﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺼ ّﻮرﻫﺎ ِﺣ ﱢﻤﻴﺶ ﻛﺤﺪث دﻋﺎه إﻟﻰ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻖ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ وﻗﺪ اﻧﻬﺎرت اﻟﻘﻄﺒﻴﺔ اﻟﺜﻨﺎﺋﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺔ ،1989وﻫﻮ ﻣﺎ اﻧﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻪ ﻻ ﺳﻴﻤﺎ اﻟﺮواﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺼ ّﺪرﻫﺎ ﺷﺨﺼﻴﺔ »اﻣﺮأة
أﺛﺮ اﻟﻌﺎﺑﺮ
اAدب واﻟﻤﺮض اﻟﻨﻔﺴﻲ ُ ﻔﺲ ﺗﺼ َﻨﻊ اﻷ َدب ،وﻛَﺬﻟِ َﻚ ﻳﻘﻮل اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻋﺰ اﻟﺪﻳﻦ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ» :إن اﻟ َﻨ َ ﻔﺲ ﺗَﺠ َﻤ ُﻊ أﻃﺮ َاف اﻟﺤﻴﺎ ِة ﻟﻜﻲ ﺗ َﺼ َﻨ َﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﻳَﺼﻨ ُﻊ ُ ﻔﺲ .اﻟ َﻨ ُ اﻷدب اﻟ َﻨ َ اﻷدب ،واﻷدب ﻳﺮﺗﺎ ُد َﺣﻘﺎﺋِ َﻖ اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻜﻲ ﻳﻀﻲ َء َﺟﻮاﻧِ َﺐ اﻟ َﻨﻔﺲ. اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻠﻘﱠﻰ واﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻠﻘّﻰ اﻟﺤﻴﺎة ﻟﺘﺼﻨﻊ اﻷدب ﻫﻲ ُ ُ اﻷدب ﻟﺘﺼﻨﻊ اﻟﺤﻴﺎة .إﻧﻬﺎ داﺋﺮ ٌة ﻻ ﻳَﻔﺘَﺮ ُِق ﻃﺮﻓَﺎ َﻫﺎ إﻻ ﻟﻜﻲ ﻳﻠﺘﻘﻴﺎ،(1)«. ﻓﺎﻟﻌﻼﻗ ُﺔ وﻃﻴﺪ ٌة ﻣﻨﺬ اﻟ ِﻘ َﺪم ﺑﻴﻦ اﻷدب واﻟﺪاﺋِ َﺮ ِة اﻟ َﻨﻔﺴﻴ ِﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟ ِﺘ ِﻪ أن ﻳﺘﺼﺎﻟﺢ ﻣﻊ ذاﺗﻪ ،أو ﺑﺎﻷﺣﺮى »ﻣﻊ اﻵﺧَﺮ اﻟﺬي ِ ﺑﺪاﺧﻠِﻪ« وﻓﻖ ﻣﺎ ﻳﺮى ﻛﺎرل ﻏﻮﺳﺘﺎف ﻳﻮﻧﻎ ) ،(2وﺑﻌﻴﺪا ً ﻋﻦ ﺗ َﻌﻘﻴﺪات ﻋﻤﻖِ َ اﻟﻌﻼﻗ ِﺔ ﺑﻴﻦ اﻷدب واﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن ،وﺑﻴﻦ ﻛﻮنِ اﻷدب ﺗَﻌﺒﻴﺮا ً ﻓﻲ ِ ﺣﺪ ذاﺗﻪ ﻋﻦ ِ ﻔﺴﻲ ،أم ﻫﻮ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺑُﻨﻴ ٌﺔ ﻧﺼ ﱠﻴ ٌﺔ ﻧﺎﺗِﺠ ٌﺔ اﻟﺼﺮا ِع اﻟ َﻨ ﱢ ﻋﻦ ِ ﻔﺴﻲ – أي ﺛ َ َﻤﺮ ٌة ﻟﻬﺬا اﻟﺼﺮاع وﺑﺪوﻧﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ أدب؛ اﻟﺼﺮا ِع اﻟ َﻨ ﱢ اﻷدﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳ ِﺔ ُﺣﻠ َﻤﺎً ﻃﻮﻳﻼً ،ﻳﺠﺐ أن ﻌﺾ ﻳَﺮى اﻟ ﱠﻨ َﺺ ﺣﺘﻰ أ ﱠن اﻟﺒَ َ ﱠ )(3 ﻳُﺤﻠ َﱠﻞ ﺣﺴﺐ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﺤﻠﻴﻞ اﻷﺣﻼم ﻟﺪى ﺳﻴﻐﻤﻮﻧﺪ ﻓﺮوﻳﺪ ﻓﻲ َ ِ ﻛﻮﻧ ِﻪ ﺗﻌﺒﻴﺮا ً ﻋﻦ ذات ﻛﺎﺗﺒﻪ ،أو ﻓﻲ أﺣﺴﻦ اﻷﺣﻮال ﺗﻌﺒﻴﺮا ً ﻋﻦ اﻟﻮﻋﻲ ذﻟﻚ ِ اﻟﺠﻤﻌﻲ اﻟﺬي ﻳﻌﺎﻧﻲ َ اﻟﺼﺮاع .وﻋﻠﻰ ﺧﻠﻔﻴ ِﺔ َﻫﺬه اﻟﺮؤﻳ ِﺔ اﻟﻘﻠِﻘﺔ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻷدب وﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ ﺗ ُﻄ َﺮ ُح اﻟﺘﺴﺎؤﻻت دوﻣﺎً ﺣﻮل اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﺑﻴﻦ ِ اﻟﻨﺺ و َﻣﺪاراﺗ ِﻪ وأﺟﻮا ِء ﺧَﻠ ِﻘ ِﻪ. ورﻏ َﻢ أن اﻟﺴﻮﻳﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴ َﺔ أﻣ ٌﺮ ﻏﻴﺮ ﻛﺎﻣﻞ اﻟﺘﺤﻘﻖ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻛﺒﺸﺮ ،إﻻ ٍ ﺎب وﻣﺒﺪﻋﻴ َﻦ أن ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻳﺒﺪو ﻣﺘﺠﻠﻴﺎً ﺑﺸﺪة ﻓﻲ ﺣﺎﻻت ﻛﺜﻴﺮة ﻟ ُﻜﺘﱠ ٍ ٍ ﺣﺎﻻت ﻣﻦ اﻻﻛﺘﺌﺎب "اﻟﻤﺮﺿﻲ" اﻟﺤﺎد ،ﻣﺜﻞ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻋﺎﻧﻮا اﻟﺸﻬﻴﺮ آرﻧﺴﺖ ﻫﻴﻤﻨﺠﻮاي اﻟﺬي ﻋﺎش اﻏﺘﺮاﺑﺎً ﻗﺎﺳﻴﺎً ﻓﻲ ﺑﺎرﻳﺲ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﻳﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وأﻧ َﻬﻰ َﺣﻴﺎﺗَ ُﻪ ُﻣﻨﺘَ ِﺤﺮا ً رﻏﻢ اﻟﻨﺠﺎح اﻟﻬﺎﺋﻞ اﻟﺬي ﺣﻘﻘﺘﻪ أﻋﻤﺎﻟﻪ ،وﺣﺼﻮﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﻋﺎم ،1954ﻋﻦ رواﻳﺘﻪ »اﻟﻌﺠﻮز واﻟﺒﺤﺮ« ،إﻻ أن ﻛﻞ ﻫﺬا ﻟﻢ ﻳ ُﺤﻞ ﻣﻦ دون ﺷﻌﻮره ﺑﻌﺒﺜﻴﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ وﺳﻮداوﻳﺘﻪ وﺗﺸﻈﻲ ﻋﻨﺎﺻﺮه وﻋﻼﻗﺎﺗﻪ ،واﻧﻌﻜﺎس ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﻀﻞ اﻟﻌﺰﻟﺔ واﻟﻮﺣﺪة ،ﺑﻞ وﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺼﻴﺎت أﻋﻤﺎﻟﻪ اﻟﺮواﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﻋﺎﻧﺖ اﻟﻈﻠﻢ واﻟﻘﺴﻮة واﻟﺘﺤ ﱞﻤﻞ ﺑﻌﺾ ﺑﺼﺒ ٍﺮ دون ﺷﻜﻮى .أﻣﺎ ﻓﻴﻮدور دوﻳﺴﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ ،اﻟﺬي ﻋ ﱠﺪ ُه ُ اﻟﻨﻘّﺎد ﻣﻦ ﺑﻴﻦ أﻋﻈﻢ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻹﺣﺎﻃﺘ ِﻪ اﻟﻜﺒﻴﺮة ﺑﺄﻋﻤﺎقِ اﻟ َﻨ ِ ﻔﺲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وﺻﺮاﻋﺎﺗِﻬﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ وﻣﺴﺎرات ﺳﻠﻮﻛﻬﺎ ،وﺗﺠﻠﻰ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﺠﺎﺗﻪ اﻟﻌﻤﻴﻘﺔ واﻟﻤﺒﻬﺮة ﻷﻋﻤﺎق وﻧﻔﺴﻴﺎت ﺷﺨﺼﻴﺎﺗﻪ اﻟﺮواﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺻﻮر ﺻﺮاﻋﺎﺗﻬﺎ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺑﺤﺴﺎﺳﻴ ٍﺔ ودﻗ ٍﺔ ﻛﺒﻴﺮﺗﻴﻦ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ رواﻳﺘﻴﻪ »اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ واﻟﻌﻘﺎب« و»اﻹﺧﻮة ﻛﺎراﻣﺎزوف« ،ﻓﻘﺪ ﻋﺎﻧﻰ ﺑﺪوره اﻟﻤﺮض
ﺣﻤﺰة ﻗﻨﺎوي* ƉƚǙ ǛǙ ŝũōljǶ ƉƫōƗ
ﻛﺎﻟﺼ َﺮع واﻻﻛﺘﺌﺎب ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﻄﻔﻮﻟﺘ ِﻪ أﺛ ٌﺮ ﻛﺒﻴ ٌﺮ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻨﻪ اﻟﻨﻔﺴﻲ ﱠ اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻫﺬا ،ﺣﻴﺚ اﺗﺴﻤﺖ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ ﺑﺎﻟﺮﻗﺔ واﻟﺤﺴﺎﺳﻴﺔ إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻧﺸﺄﺗﻪ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘ ٍﺔ ﻓﻘﻴﺮ ٍة ﺑﻤﻮﺳﻜﻮ ،وﻣﺮاﻗﺒﺘﻪ ﻟﻸﻃﻔﺎل اﻵﺧﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺎﻧﻮن اﻟﻌﻮز ورﻗﺔ اﻟﺤﺎل ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﻌﻨﻴﻔﺔ اﻟﺘﻲ واﺟﻪ ﻓﻴﻬﺎ اﻻﻋﺘﻘﺎل واﻟﺴﺠﻦ وﺗﻌﺮﺿﻪ ﻟﻺﻋﺪام ،ﻗﺒﻞ أن ﻳُﻌﻔﻰ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﻠﺤﻈ ِﺔ اﻟﺘﻲ ﺻ ﱢﻮﺑﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻨﺪﻗﻴﺔ اﻟﺤﻜﻢ ﺗﺠﺎه رأﺳﻪ! ﻏﻴﺮ أن اﻻﻛﺘﺌﺎب واﻟﺼﺮع اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻋﺎﻧﺎﻫﻤﺎ دﻳﺴﺘﻮﻳﻔﺴﻜﻲ ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻌﺎه أن ﻳﻜﻮن ﻣﻦ ﺑﻴﻦ أﻋﻈﻢ أدﺑﺎء اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ وﻣﻦ ﻣﺆﺳﺴﻲ اﻟﻤﺬﻫﺐ اﻟﻮﺟﻮدي واﻻﺗﺠﺎه اﻟﺒﻮﻟﻴﻔﻮﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ ،اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﺗﻌﺪدﻳﺔ اﻷﺻﻮات واﻟﺸﺨﺼﻴﺎت وﺗﺪاﺧﻠﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺠﻮﻗﺔ ﻓﻲ ﺣﻘﻞ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ .وﻣﻦ اﻟﻼﻓﺖ أن اﻟ ُﻜﺘّﺎب واﻷدﺑﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻣﺮوا ﺑﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﻤﺮض اﻟﻨﻔﺴﻲ اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ،وﻫﻢ ﻛﺜﻴﺮون ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻷدب ،اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا أن ﻳﻄ ﱢﻮﻋﻮا ﻣﺮﺿﻬﻢ ﻫﺬا وﻳﺤﻮﻟﻮه إﻟﻰ رؤﻳ ٍﺔ وإﺑﺪا ٍع اﺗﺴﻤﺎ ﺑﺎﻟ ُﻨﺪر ِة واﻟﺮﻳﺎدة ﺑﻞ واﻹدﻫﺎش ﻣﻦ ﻓﺮط ﺣﺴﺎﺳﻴﺔ اﺳﺘﺒﻄﺎن أﻋﻤﺎق اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ واﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ آﻻﻣﻬﺎ ،ﻣﻦ ﻓﻴﺮﺟﻴﻨﻴﺎ ووﻟﻒ إﻟﻰ ﻳﻮﻛﻴﻮ ﻣﻴﺸﻴﻤﺎ وﺻﻼح ﻋﺒﺪ اﻟﺼﺒﻮر وﺧﻠﻴﻞ ﺣﺎوي ،اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻧﺘﺤﺎره اﺳﺘﺴﻼﻣﺎً ﻟﻼﻛﺌﺘﺎب ﻓﻘﻂ ،وإﻧﻤﺎ ورﻓﺾ ﻟﺘﺎرﻳ ٍﺦ ﻛﺎﻣﻞٍ ﻣﺎزال ﻣﺴﺘﻤﺮا ً إﻟﻰ اﻟﻴﻮم ..وﻟﻬﺬا ٌ ﻣﻮﻗﻒ ورﻣ ٌﺰ ٌ ٌ ﻣﻘﺎل آﺧﺮ ﻫﻮاﻣﺶ: - 1دﻛﺘﻮر ﻋﺰ اﻟﺪﻳﻦ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ :اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻟﻸدب ،ط ،4ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻏﺮﻳﺐ ،اﻟﻘﺎﻫﺮة1984 ،م ،ﺻـ5 - 2ﻛﺎرل ﻏﻮﺳﺘﺎف ﻳﻮﻧﻎ وآﺧﺮون :اﻹﻧﺴﺎن ورﻣﻮزه ،ﺗﺮﺟﻤﺔ :ﺳﻤﻴﺮ ﻋﻠﻲ ،وزارة اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻹﻋﻼم ،ﺑﻐﺪاد1984 ،م ،ﺻـ22 - 3ﺳﻴﺠﻤﻮﻧﺪ ﻓﺮوﻳﺪ :ﺧﻤﺴﺔ دروس ﻓﻲ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﻨﻔﺴﻲ ،ﺗﺮﺟﻤﺔ: ﺟﻮرج اﻟﻄﺮاﺑﻴﺸﻲ ،دار اﻟﻄﻠﻴﻌﺔ ،ﺑﻴﺮوت ،ﺻـ41 /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
67
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
اﻟﺨﺎص ﺑﻜﻮﻛﺐ ﻋﻄﺎرد ﺧﺎﻃﺊ .وﺑﻤﺎ أﻧﻪ ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻧﻤﻮذج اﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ ،ﻓﻬﺬا ﻳﺸﻜﻞ أﻓﻀﻞ دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ أن ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس ﻛﺎن ﻳﻨﺴﺦ أﻋﻤﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﻣﺼﺎدر أﺧﺮى ﻣﻦ دون ﻓﻬﻢ ﻛﺎﻣﻞ ،وﻫﺬا ﻳﺜﺒﺖ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ أن اﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ ﻛﺎن ﻟﻪ اﻷﺛﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺎل ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس .ﻛﻤﺎ اﺳﺘﻌﻤﻞ ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس »ﻣﺰدوﺟﺔ أو ﺛﻨﺎﺋﻴﺔ ﻧﺼﻴﺮ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻄﻮﺳﻲ« وﻧﺼﻴﺮ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻄﻮﺳﻲ ﻫﻮ أﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﻄﻮﺳﻲ اﻟﻤﺘﻮﻓﻲ ﺳﻨﺔ 672ﻫﺠﺮﻳﺔ 1274 ،ﻣﻴﻼدﻳﺔ ،وﻫﻮ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻔﻠﻚ اﻟﺒﺎرزﻳﻦ وﺻﺎﺣﺐ ﻓﻜﺮة إﻧﺸﺎء اﻟﻤﺮﺻﺪ اﻟﻔﻠﻜﻲ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﺮاﻏﺔ وﻟﻪ اﻟﻔﻀﻞ ﻓﻲ أن ﺟﻌﻞ ﻣﻨﻪ أول أﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺑﻤﻔﻬﻮﻣﻨﺎ اﻟﺤﺎﻟﻲ ،ﺣﻴﺚ ﺟﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﻣﺠﻠﺪ ﺗﺤﻮي ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺎﺋﺲ اﻟﻜﺘﺐ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻌﻠﻮم وﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻲ اﻧﻘﺬت ﻣﻦ اﻟﺪﻣﺎر ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد ،ﻛﻤﺎ ﺟﻤﻊ ﻓﻴﻪ ﻋﺪد ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻓﻲ وﻗﺘﻪ. وﻫﺬه اﻟﻤﺰدوﺟﺔ »ﻣﺰدوﺟﺔ اﻟﻄﻮﺳﻲ« واﻟﺘﻲ اﺳﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس؛ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻧﻤﻮذج وﺿﻌﻪ اﻟﻄﻮﺳﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺘﺬﻛﺮة أراد ﻣﻨﻪ ﺗﻤﺜﻴﻞ ﺣﺮﻛﺔ اﻷﺟﺮام اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ ،أﺛﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ أن ﺗﻨﺘﺞ ﺣﺮﻛﺔ ﺧﻄﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﺮﻛﺘﻴﻦ داﺋﺮﻳﺘﻴﻦ» ،ووﻓﻖ اﻟﻨﻘﻞ ﻋﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل "ﻳﺘﻜﻮن ﻫﺬا اﻟﻨﻤﻮذج ﻣﻦ داﺋﺮﺗﻴﻦ ﻣﺘﺪاﺧﻠﺘﻴﻦ ،ﻗﻄﺮ اﻟﺼﻐﺮى ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻧﺼﻒ ﻗﻄﺮ اﻟﻜﺒﺮى .وﺗﺪور اﻟﺼﻐﺮى ﺑﺎﺗﺠﺎه ﻣﻌﺎﻛﺲ ﻟﺪوران اﻟﻜﺒﺮى ،وﺗﻜﻮن ﺳﺮﻋﺔ دوران اﻟﻜﺒﺮى ﻧﺼﻒ ﺳﺮﻋﺔ اﻟﺼﻐﺮى دوران اﻟﺪواﺋﺮ ﻳﺴﺒﺐ ﻧﻘﻄﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻴﻂ اﻟﺪاﺋﺮة اﻟﺼﻐﺮى واﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺮك 66
ﻗﺮاءة ﻓﻲ ﻣﺰدوﺟﺔ اﻟﻄﻮﺳﻲ )اﻟﺪﻟﻴﻞ(
ﺑﺤﺮﻛﺔ ﺧﻄﻴﺔ ذﻫﺎﺑﺎ وإﻳﺎﺑﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻄﺮ اﻟﺪاﺋﺮة اﻟﻜﺒﺮى ﻫﻨﺎك ﺑﻌﺾ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻳﺼﻔﻮن اﻟﻤﺰدوﺟﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ داﺋﺮة ﺻﻐﻴﺮة ﺗﺪور داﺧﻞ داﺋﺮة ﻛﺒﻴﺮة ﺛﺎﺑﺘﺔ“ .وﻟﻜﻦ ﻛﺎن وﺻﻒ اﻟﻄﻮﺳﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ وﻫﺬا ﻧﺺ ﺗﺮﺟﻤﺘﻪ ﻣﻦ ﻛﺘﺎب Nasir al-Din al Tusi's Memoir on Astronomy, by " :F. J. Ragepإذا ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك داﺋﺮﺗﺎن ﻣﺘﺤﺪﺗﺎ اﻟﻤﺴﺘﻮى ،ﻗﻄﺮ اﻷوﻟﻰ ﻳﺴﺎوي ﻧﺼﻒ ﻗﻄﺮ اﻷﺧﺮى ،وﺗﻜﻮن ﻣﺘﻼﻣﺴﺘﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ﺑﻨﻘﻄﺔ، وأﺧﺬت ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺪاﺋﺮة اﻟﺼﻐﺮى -وﻟﺘﻜﻦ ﻧﻘﻄﺔ اﻟﺘﻤﺎس ﻣﻊ اﻟﺪاﺋﺮة اﻟﻜﺒﺮى ، -إﻻ أن ﻟﻮ ﺗﺤﺮﻛﺖ اﻟﺪاﺋﺮﺗﻴﻦ ﺣﺮﻛﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ وﺑﺎﺗﺠﺎﻫﻴﻦ ﻣﺘﻌﺎﻛﺴﻴﻦ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻜﻮن ﺳﺮﻋﺔ اﻟﺼﻐﺮى ﺿﻌﻒ ﺳﺮﻋﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻜﻤﻞ اﻟﺼﻐﺮى دورﺗﻴﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻤﻞ اﻟﻜﺒﺮى دورة واﺣﺪة ،أذن ﺳﻮف ﻧﺮى أن اﻟﻨﻘﻄﺔ ﺳﻮف ﺗﺘﺤﺮك ﻋﻠﻰ ﻗﻄﺮ اﻟﺪاﺋﺮة اﻟﻜﺒﺮى واﻟﺘﻲ ﻣﺮت ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻣﻦ ﻧﻘﻄﺔ اﻟﺘﻤﺎس ،ﻣﺘﺬﺑﺬﺑﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻄﺮﻓﻴﻦ« .وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ اﺳﺘﻄﺎع اﻟﻄﻮﺳﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻜﻮاﻛﺐ ،وﻧﻘﻀﺖ ﻫﺬه اﻟﻤﺰدوﺟﺔ ﻓﻜﺮ أرﺳﻄﻮ وﺑﻄﻠﻴﻤﻮس اﻟﺬي ﺣﺪد اﻟﺤﺮﻛﺔ ﺑﺄن ﺗﻜﻮن إﻣﺎ ﺧﻄﻴﺔ وإﻣﺎ داﺋﺮﻳﺔ ،وﻓﻴﻤﺎ ﻋﺪا ﺣﺮﻛﺔ ﻋﻄﺎرد واﻟﺘﻲ ﺣﺪدﻫﺎ اﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ﺑﺎﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻤﺰدوﺟﺘﻪ ،ﻟﻜﻨﻪ أﺧﻄﺄ ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪﻫﺎ وﻫﻮ ﻣﺎ وﺟﺪه اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻓﻲ ﺗﺼﻮر ﺣﺮﻛﺔ ﻋﻄﺎرد ﻋﻨﺪ ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس أﻳﻀﺎً ﺑﻨﻔﺲ اﻷﺧﻄﺎء .وﻟﺴﺖ أﻛﺘﺐ ﻫﻨﺎ ﻟﺴﺮد إﺳﻬﺎﻣﺎت اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻰ ﻋﻠﻢ اﻟﻔﻠﻚ إﺑﺎن اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺬﻫﺒﻲ ﻟﻺﺳﻼم ﻓﻬﻲ ﺟﻠﻴﺔ وواﺿﺤﺔ ﻟﻤﻦ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺮى ،وﺟﺎءت ﺻﺮاﺣﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء أﻣﺜﺎل اﺑﻦ اﻟﻬﻴﺜﻢ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺸﻜﻮك ﻋﻠﻰ ﺑﻄﻠﻴﻤﻮس ،وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا اﻟﻌﺮض اﻟﺴﺮﻳﻊ ﻧﺘﺴﺎءل :ﻫﻞ اﻃﻠﻊ ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻹﺳﻬﺎﻣﺎت؟ أو ﺑﺎﻷﺣﺮى ﻫﻞ ﻧﻘﻞ ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس ﻋﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺣﺮﻛﺔ اﻷﻓﻼك وﺗﺼﻮرﻫﻢ ﺣﻮل ﻣﺮﻛﺰﻳﺔ اﻟﺸﻤﺲ ودوران اﻟﻜﻮاﻛﺐ؟ ﻫﻞ ﻧﻘﻞ ﺗﺤﺪﻳﺪا ً ﻣﻦ اﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ وﻧﺼﻴﺮ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻄﻮﺳﻲ؟ وﻫﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﻋﻄﺎرد وﻣﺰدوﺟﺔ اﻟﻄﻮﺳﻲ وﺣﺴﺎﺑﺎت اﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ أوﻗﻌﺖ ﺑﻜﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس؟ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻫﻲ أﻃﺮوﺣﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻻ ﻳﺴﺘﻮﻋﺒﻬﺎ ﻣﻘﺎل ﺻﻐﻴﺮ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا ،وإن ﻛﺎن ﻗﺪ أﻓﺮد ﻟﻬﺎ اﻟﺒﺎﺣﺜﻮن اﻟﻤﺘﺨﺼﺼﻮن ﻣﺌﺎت اﻷوراق ﺑﻴﻦ ﻣﺆﻳﺪ وﻣﻨ ِﻜﺮ ،وﻛﻴﻒ وﺻﻠﺖ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت ﻣﺪرﺳﺔ ﻣﺮاﻏﺔ إﻟﻰ ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس - واﻟﺬي أﻋﺪه ﺑﻌﻀﻬﻢ آﺧﺮ ﺗﻼﻣﺬة ﻣﺪرﺳﺔ ﻣﺮاﻏﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻠﻚ -وﺗﺤﺪﻳﺪا ً ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت اﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ وﻧﺼﻴﺮ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻄﻮﺳﻲ؟ ﻫﻞ ﻫﺬا ﻧﺘﺎج ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ وأﺣﺪ ﻓﻮاﺋﺪﻫﺎ؟ وإﻟﻴﻜﻢ اﻹﺟﺎﺑﺔ ،ﻟﻘﺪ اﻛﺘﺸﻒ اﻟﻤﺴﺘﺸﺮق واﻟﺒﺎﺣﺚ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻟﻔﻠﻚ »دﻳﻔﻴﺪ ﻛﻴﻨﺞ« ﺳﻨﺔ )1973م( ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻧﺎدرة ،ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﻌﺎدﻻت اﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮُ ،ﻋﺜﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﺮاﻛﻮ اﻟﺘﻲ درس ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس ﻓﻲ ﺑﻮﻟﻨﺪا!! وذﻟﻚ ﺑﻌﺪ دراﺳﺘﻪ اﻟﻤﺴﺘﻔﻴﻀﺔ ﻟﺘﺼﻮر ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس وﺗﺼﻮر اﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ ﻟﺤﺮﻛﺔ اﻷﺟﺮام اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ وﻣﻌﺎدﻻﺗﻬﺎ ﺳﻨﺔ 1970ﻣﻴﻼدﻳﺔ .وﻟﻜﻢ اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ * رﺋﻴﺲ ﻗﻄﺎع اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺑﻤﻜﺘﺒﺔ اﻷﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ
– واﻟﺬي ﻳُ َﻌﺪ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﻤﺪارس اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻠﻚ – وﻋﻠﻤﺎﺋﻪ ﻣﺜﻞ اﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ ،واﻟﻄﻮﺳﻲ ،وﻗﻄﺐ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺸﻴﺮازي ،ﻗﺪ ﺗﻮﺻﻠﻮا إﻟﻰ ﺗﺼﻮر ﻋﻦ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﻜﻮن، ﻣﺨﺎﻟﻔًﺎ ﻟﻤﺎ ﻳُﻌﺮف ﺑﺎﻟﺘﺼﻮر اﻟﺒﻄﻠﻤﻲ ﺳﺎﻟﻒ اﻟﺬﻛﺮ، وأن ﻫﺬه اﻟﻨﻤﺎذج ﺟﺎءت ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺎت ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس وﺗﺼﻮره ﻋﻦ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﻜﻮن ،ﻓﺎﻟﺘﻤﺎﺛﻞ ﺑﻴﻦ ﻧﻤﺎذج اﻷﺟﺮام وﺣﺮﻛﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺪرﺳﺔ ﻣﺮاﻏﺔ ،وﻓﻖ ﺗﻌﺪﻳﻞ اﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ ،واﻟﻨﻤﺎذج ﻟﺪى ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس ﻛﺒﻴﺮ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل ﻣﻌﻪ أن ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس ﻳُﻌﺪ أﺣﺪ أﺗﺒﺎع ﻣﺪرﺳﺔ ﻣﺮاﻏﺔ وﻫﻲ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻋﻨﻪ ﺑﻨﺤﻮ ﻣﺎﺋﺘﻲ ﺳﻨﺔ. واﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ ﻫﻮ أﺑﻮ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻼء اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﻄﻌﻢ اﻷﻧﺼﺎري اﻟﻤﻌﺮوف ﺑﺎﺳﻢ اﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ اﻟﻤﺘﻮﻓﻲ ﺳﻨﺔ 777ﻫﺠﺮﻳﺔ 1375 ﻣﻴﻼدﻳﺔ ،أي ﻗﺒﻞ ﻣﻴﻼد ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس اﻟﺬي وﻟﺪ ﺳﻨﺔ 1375ﻣﻴﻼدﻳﺔ ﺑﻌﺸﺮات اﻟﺴﻨﻴﻦ ،واﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ ﻋﺎﻟﻢ ﻓﻠﻚ ورﻳﺎﺿﻴﺎت ﻣﺴﻠﻢ دﻣﺸﻘﻲ ،ﻗﻀﻰ ﻣﻌﻈﻢ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻓﻲ وﻇﻴﻔﺔ اﻟﺘﻮﻗﻴﺖ )اﻟﻤﻴﻘﺎﺗﻲ( ورﺋﺎﺳﺔ اﻟﻤﺆذﻧﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﻣﻮي ﺑﺪﻣﺸﻖ ،واﻟﺬي ﺻﻨﻊ ﺳﺎﻋﺔ ﺷﻤﺴﻴﺔ ﻟﻀﺒﻂ ﻣﻮاﻗﻴﺖ اﻟﺼﻼة وﺳﻤﺎﻫﺎ »اﻟﻮﺳﻴﻂ« وﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ إﺣﺪى ﻣﺂذن اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﻣﻮي .وﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻟﻔﺎت ﻣﺎ ﻳﺮﺑﻮ ﻋﻦ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﻣﺆﻟﻒ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻟﻔﻠﻚ وﻫﻴﺌﺔ اﻟﺴﻤﺎء وﻛﺎن ﻣﻦ أﻫﻢ أﻋﻤﺎﻟﻪ ﻛﺘﺎب »ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﺴﺆال ﻓﻲ ﺗﺼﺤﻴﺢ اﻷﺻــﻮل« واﻟﺘﻲ ﺻﺤﺢ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﺼﻮر اﻟﺒﻄﻠﻤﻲ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻛﺘﺎب ﺗﻌﻠﻴﻖ اﻷرﺻﺎد وﻫﻮ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻔﻘﻮدة ﻟﻪ وﻓﻖ اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ .ﻟﻘﺪ ﻋﻠﻢ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻗﺒﻞ ﻣﺎﺋﺘﻲ ﻋﺎم ﻣﻦ ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس أن ﻫﺬا اﻟﺘﺼﻮر اﻟﺒﻄﻠﻤﻲ ﻟﻠﻜﻮن اﻟﻤﻌﺮوف وﻗﺘﻬﺎ ﺑﺄﺧﻄﺎﺋﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻄﺎﺑﻖ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺬي ﻓﻰ اﻟﺴﻤﺎء، وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻳﻤﻠﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻠﻴﻼت اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻜﻮاﻛﺐ ،إﻟﻰ أن ﺟﺎء اﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ وﻗﺎل ﻣﺎ ﻧﺼﻪ» :إن اﻷﺟﺮام اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ ﻻ ﻳﺴﺮي ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺬي وﺿﻌﻪ ﺑﻄﻠﻴﻤﻮس« ،واﺳﺘﻨﺘﺞ ﺧﻄﺄ ﻫﺬه اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﻤﻼﺣﻈﺔ واﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ،ﻓﻘﺎم ﺑﺘﻌﺪﻳﻠﻬﺎ ،ﺛﻢ وﺿﻊ ﻫﻮ ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ ﺣﻮل ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻜﻮاﻛﺐ وﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﺪاري » ُﻋﻄﺎرد« و»اﻟﻘﻤﺮ« ،ووﺿﻊ ﻟﺤﺮﻛﺘﻴﻬﻤﺎ ﻧﻤﻮذﺟﻴﻦ ﻛﺎﻧﺎ ﻫﻤﺎ اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﻴﻦ ﺑﻤﺮﺻﺪ ﻣﺮاﻏﺔ. وﻫﺬا أﻳﻀﺎً ﻣﺎ اﺳﺘﻔﺎد ﺑﻪ ﺟﺎﻟﻴﻠﻴﻮ اﺳﺘﻔﺎدة ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻓﻲ رﺻﺪ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻜﻮﻛﺒﻴﻦ .وﻟﻨﺘﺄﻣﻞ ﻣﺎ ذﻛﺮه اﻟﻤﺴﺘﺸﺮق اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ »ﺳﻮﻳﺮدﻟﻮ« ﻣﻦ أن ﻧﻤﻮذج ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
65
ﺳﻮق اﻟﻜﺘﺐ
د .ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻠﻴﻤﺎن*
ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻛﻠﻨﺎ ﻧﻌﻠﻢ أن اﻟﺘﺼﻮر واﻟﻔﻜﺮ اﻟﺴﺎﺋﺪ ﻋﻦ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻜﻮاﻛﺐ واﻟﻨﺠﻮم واﻷﺟﺮام ،ﻣﻨﺬ ﺗﺘﺒﻊ اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻠﻜﻮاﻛﺐ واﻟﻨﺠﻮم ﻟﻼﻫﺘﺪاء ﻗﺒﻞ ﻇﻬﻮر ﻧﻤﻮذج اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺸﻤﺴﻲ اﻟﻤﻨﺴﻮب ﻟﻜﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس ،ﻫﻮ اﻟﻘﻮل ﺑﻤﺮﻛﺰﻳﺔ اﻷرض ،وأﻧﻬﺎ ﻣﺤﻮر اﻟﻜﻮن وﻣﺮﻛﺰه ،ﺗﺪور ﺣﻮﻟﻬﺎ اﻷﺟﺮام واﻟﻜﻮاﻛﺐ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺑﺎﻟﺘﺼﻮر اﻷرﺳﻄﻲ، ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ »أرﺳﻄﻮ«. ﺛﻢ ﺟﺎء ﻣﻦ ﺑﻌﺪه »ﺑﻄﻠﻴﻤﻮس« اﻟﺬي أﺿﺎف ﻋﻠﻰ أرﺳﻄﻮ ﺑﻜﺘﺎﺑﻪ اﻟﻤﺠﺴﻄﻲ -وﻫﻮ ﻛﺘﺎب ﻓﻲ اﻟﻔﻠﻚ واﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎت ﻟﺒﻄﻠﻴﻤﻮس أﻟﻔﻪ ﻋﺎم 148م ﻓﻲ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ وﻳﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ أﻗﺪم ﻛﺘﺎب ﻣﻌﺮوف ﻓﻲ اﻟﻔﻠﻚ -ﻧﻈﺮﻳﺔ »ﻓﻠﻚ اﻟﺘﺪوﻳﺮ« -ﻫﻮ ﻧﻤﻮذج ﻫﻨﺪﺳﻲ ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻟﺸﺮح اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت ﻓﻲ ﺳﺮﻋﺔ واﺗﺠﺎه اﻟﺤﺮﻛﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻘﻤﺮ ،اﻟﺸﻤﺲ واﻟﻜﻮاﻛﺐ -واﻟﺬي ﺗﻢ اﻗﺘﺮﺣﻪ ﻷول ﻣﺮة ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎت أﺑﻮﻟﻮﻧﻴﻮس ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻴﻼد وﻣﻔﺎده ﻫﻮ أن اﻟﻜﻮاﻛﺐ ﺗﺘﺤﺮك ﻓﻲ ﻣﺴﺎر ﻳُﺪﻋﻰ .Epicycleوﻟﻴﺲ ﺑﻤﺴﺎرات داﺋﺮﻳﺔ ﻛﻤﺎ ادﻋﻰ أرﺳﻄﻮ ،وﺑﻬﺬه اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﺳﺘﻄﺎع ﺑﻄﻠﻴﻤﻮس أن ﻳﻔﺴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺎت ﻧﻈﺮﻳﺔ أرﺳﻄﻮ ﻋﻦ ﺣﺮﻛﺔ اﻷرض ﻣﻊ اﻟﻘﻤﺮ واﻟﻜﻮاﻛﺐ ،ﻓﻘﺪ اﻋﺘﻘﺪ أرﺳﻄﻮ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﺴﺎرات داﺋﺮﻳﺔ ،ﻓﺘﺴﺒﺐ ﻫﺬا اﻻﻋﺘﻘﺎد ﻓﻲ اﻟﻮﻗﻮع ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺎت ﻻ ﺗﺘﻄﺎﺑﻖ ﻣﻊ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻤﺮﺋﻴﺔ ﻟﻠﻘﻤﺮ واﻟﻜﻮاﻛﺐ،
64
ﻗﺮاءة ﻓﻲ ﻣﺰدوﺟﺔ اﻟﻄﻮﺳﻲ )اﻟﺪﻟﻴﻞ(
ﻓﺎﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻈﺎﻫﺮﻳﺔ ﻟﻠﻜﻮاﻛﺐ ﻣﻌﻘﺪة ﺟﺪا ً ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺬﺑﺬﺑﻴﺔ ﻟﻠﻜﻮاﻛﺐ ،وﻧﻈﺮﻳﺔ أرﺳﻄﻮ ﻻ ﺗﺤﻘﻖ ﻫﺬه اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺬﺑﺬﺑﻴﺔ .ﺛﻢ ﺟﺎء »ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس« ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﺸﺮ اﻟﻤﻴﻼدي ﻟﻴﻄﻴﺢ ﺑﻜﻞ ﻫﺬه اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت ،وﻳﻘﻮل ﺑﻤﺮﻛﺰﻳﺔ اﻟﺸﻤﺲ وإن اﻟﻜﻮاﻛﺐ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻷرض ﺗﺪور ﺣﻮل اﻟﺸﻤﺲ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻛﺜﻴﺮة ﻳﻀﻴﻖ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﻤﻘﺎم، واﻛﺘﻤﻠﺖ ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ ﺑﻌﺪ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﺸﺮ ﻋﺎﻣﺎً ﻣﻦ دراﺳﺎﺗﻪ اﻟﻔﻠﻜﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﺤﺜﻪ اﻟﺮﺋﻴﺲ »ﻋﻦ دوران اﻷﺟﺮام اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ 1543ﻣﻴﻼدﻳﺔ. وﺟﺎء ﻣﻦ ﺑﻌﺪه اﻟﻔﻠﻜﻲ اﻟﺪاﻧﻤﺎرﻛﻲ »ﺗﻴﺨﻮ ﺑﺮاﻫﻲ« واﻟﺬي ﺟﺎءت دراﺳﺎﺗﻪ وﻣﻼﺣﻈﺎﺗﻪ ﻋﻮﻧﺎً ﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻔﻠﻚ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه »ﻛﻠﻴﺒﺮ« ﻟﻴﺴﺘﻨﺘﺞ ﻗﻮاﻧﻴﻦ أﻛﺜﺮ دﻗﺔ وﻳﺰﻳﺪ ﺑﻮﺻﻒ اﻟﻤﺪارات ﺑﺎﻹﻫﻠﻴﺠﻴﺔ ،أي ﺑﻴﻀﻮﻳﺘﻬﺎ ،وﻫﺬا ﻣﺎ أﻳﺪه اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﻳﻄﺎﻟﻲ »ﺟﺎﻟﻴﻠﻴﻮ« وأﺛﺒﺖ ﺑﺎﻟﻤﻼﺣﻈﺔ ﺻﺤﺘﻬﺎ. وﻟﻜﻦ ﻣﺎذا ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻗﺒﻞ ﻣﺎﺋﺘﻲ ﻋﺎم ﻣﻦ ﺗﺼﺤﻴﺢ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﺒﻄﻠﻤﻲ ﻟﻠﻨﻈﺎم اﻟﺸﻤﺴﻲ؟ دﻋﻮﻧﺎ ﻧﻘﺮأ اﻟﻨﺺ اﻵﺗﻲ ﻟﻤﺆرخ اﻟﻌﻠﻮم »ﺗﻮﺑﻲ ﻫﻴﻒ« ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل ﺑﻜﺘﺎﺑﻪ ﻓﺠﺮ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ أﺛﻨﺎء ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ إﻧﺠﺎزات اﻟﻌﺮب اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﻌﻠﻢ اﻟﻔﻠﻚ» :وﻳﺘﻤﺜﻞ ﻫﺬا اﻹﻧﺠﺎز ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺧﻴﺮ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﺑﺘﻄﻮﻳﺮ اﻟﻨﻤﺎذج اﻟﻔﻠﻜﻴﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺎدل رﻳﺎﺿﻴﺎً ﻧﻤﺎذج ﻛﻮﺑﻴﺮﻧﻜﺲ اﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮت ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻳﻘﺮب ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺘﻲ ﺳﻨﺔ«. أي أن اﻟﻌﺮب اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻋﺪﻟﻮا وﺻﺤﺤﻮا اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺒﻄﻠﻤﻲ ﻗﺒﻞ ﺗﺼﺤﻴﺢ ﻛﻮﺑﺮﻧﻴﻜﻮس ﺑﺤﻮاﻟﻲ ﻣﺎﺋﺘﻲ ﻋﺎم! وذﻛﺮ أﻳﻀﺎً أن ﻣﺮﺻﺪ ﻣﺮاﻏﺔ
ﺗﺮاث اﻟﻌﺎﺷﻘﻴﻦ
اﻟﻤﻨﺎﺿﻞ اﻟﻌﺎﺷﻖ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر اﻟﺠﺰاﺋﺮي ﻋﺮﻓﻨﺎه ﻗﺎﺋﺪا ً ﻟﻠﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮﻳﺔ ﺿﺪ اﻻﺣﺘﻼل اﻟﻔﺮﻧﺴﻰ ﻟﺒﻼده، ﻟﻜﻦ ﻳﺨﻔﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ أﻧﻪ ﻛﺎن ﺷﺎﻋﺮا ً ﻣﺮﻫﻒ اﻟﺤﺲ ،وﻋﺎﺷﻘﺎ ﺟﻴﺎش اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ ،إﻧﻪ اﻷﻣﻴﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر ﺑﻦ ﻣﺤﻴﻰ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﻌﺮوف ﺑـ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر اﻟﺠﺰاﺋﺮي. وﻟﺪ ﻗﺮب ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﻌﺴﻜﺮ ﺑﺎﻟﻐﺮب اﻟﺠﺰاﺋﺮي ﻓﻲ اﻟﺴﺎدس ﻣﻦ ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ﻋﺎم 1808م ،أﺟﺎد اﻟﻘﺮاءة واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺳﻦ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ،ﻧﺎل اﻹﺟﺎزة ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ اﻟﻘﺮآن واﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﻨﺒﻮي ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮة ﻣﻦ ﻋﻤﺮه وﺑﺪأ ﺑﺈﻟﻘﺎء اﻟﺪروس ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻷﺳﺮﺗﻪ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﻮاد اﻟﻔﻘﻬﻴﺔ وﻫﻮ ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮة ﻣﻦ ﻋﻤﺮه وﻛﺎن ﻣﻐﺮﻣﺎ ﺑﺎﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ ورﻛﻮب اﻟﺨﻴﻞ ،ورﺑﻂ اﻟﺤﺐ ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻦ اﺑﻨﺔ ﻋﻤﻪ"ﻻﻟﺔ ﺧﻴﺮة" ،ﻓﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻟﻮﻋﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﺐ ﻓﻘﺎل: أﻳﺎ أﻫﻞ ﻓﻦ اﻟﻄﺐ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺧﺒــﺮوا أﻳـﻮﺟـﺪ ﻟﻠﺼـــﺐ اﻟﻨـﺤﻴــﻞ دواء ﻧﻬﻜﺖ ﺳﻘﺎﻣﺎً ﻟﻢ أﺟﺪ ﻟـﻰ ﺷﺎﻓﻴﺎً وﻗـﻠﺒﻲ ﻣﻦ ﻏـﻴﺮ اﻟﺨﻠﻴــــﻞ ﻫﻮاء ﻛﻠﻔﺖ ﺑﻬﺎ وﻫﻲ اﻟﻔﺮﻳـﺪة واﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﺴﻦ وﻫﻲ ﺿـــﻴﺎء وﻻ ﻋﻴﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻓــﺮط دﻻﻟﻬﺎ وﻓﻲ اﻟﻘـﻠﺐ ﻣﻨـﻬﺎ ﻟﻠﺘﺒـﺎﻋـــﺪ داء ﺛﻢ ﻟﻘـــﺎء أرﻳﺪ وﺻﺎﻻً وﻫﻲ ﺗﻘﺼﺪ ﺿــﺪه أﻳـﻤﻜــﻦ ﻟﻠـﻀـــﺪﻳﻦ ّ وﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﺗﺪﺧﻞ واﻟﺪه وزوﺟﻪ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻪ ،وﻓﻲ دﻳﻮاﻧﻪ »ﻧﺰﻫﺔ اﻟﺨﺎﻃﺮ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺾ اﻷﻣﻴﺮ ﻋﺒﺪاﻟﻘﺎدر« اﻟﻤﻨﺸﻮر ﺑﺪار اﻟﻤﻌﺎرف ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ﻳﻘﻮل: إذا ﻣﺎ اﻟﻨﺎس ﺗﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﻛﻨــــﻮز ﻓﺒﻨــــــﺖ اﻟﻌﻢ ﻣﻜﺘﻨــﺰي وزادي وذﻛﺮﻫﺎ ﺑﺎﻻﺳﻢ ﻓﻰ إﺣﺪى ﻗﺼﺎﺋﺪه: ﺟـﻔﺎﻧﻲ ﻣـﻦ أم اﻟﺒـﻨﻴــﻦ ﺧﻴـــﺎل ﻓﻘﻠﺒﻲ ﺟﺮﻳﺢ واﻟﺪﻣﻮع ﺳﺠــﺎل وﻟﻮﻗﻠﺖ دﻣﻌﻰ ﻗﺪ ﻣﻠﻜﺖ ﻓﻜﺎذب ﺑﺪﻋـــــــﻮاى ﺑﻞ ذا ﻏﺮة وﺿﻼل وﺑﻰ ﻣﺎﻳﺰﻳﻞ اﻟﻌﻘﻞ ﻋﻦ ﻣﺴﺘﻘــﺮه ﻓﻼﺗﻌـــــﺠﺒﻮا إن ﻗﻴﻞ:ﻓﻴﻪ ﺧﻴﺎل أﺣﺐ اﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﻛﻲ أﻓﻮز ﺑﻄﻴﻔــــﻬﺎ وأرﺟﻮ اﻟﻤﻨــﻰ ﺑﻞ ﻗﺪ أﻗﻮل أﻧﺎل وﻟﻤﺎ اﺣﺘﻠﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮﻳﺔ ﻓﻲ 5ﻳﻮﻟﻴﻮ 1830م ،ﻗﺎد اﻷﻣﻴﺮﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر وواﻟﺪه ﺣﻤﻠﺔ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻋﻨﻴﻔﺔ ﺿﺪﻫﺎ ،ﻓﺒﺎﻳﻌﻪ اﻷﻫﺎﻟﻲ ﺑﺎﻹﻣﺎرة ﻋﺎم 1832م ،وﻋﻤﻞ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟ ُﻤﺠﺎﻫﺪﻳﻦ، وإﻋﺪاد اﻷﻫﺎﻟﻲ وﺗﺤﻔﻴﺰﻫﻢ ﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر .وأﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻴﻦ اﻟﻬﺰﻳﻤﺔ ﺗﻠﻮ اﻷﺧﺮى ،ﻣﻤﺎ اﺿﻄﺮ ﻓﺮﻧﺴﺎ إﻟﻰ أن ﺗﻮﻗﻊ ﻣﻌﻪ ﻣﻌﺎﻫﺪة )دي ﻣﻴﺸﻴﻞ( ﻓﻲ ﻓﺒﺮاﻳﺮ 1834م ،ﻣﻌﺘﺮﻓﺔ ﺑﺴﻠﻄﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﺮب اﻟﺠﺰاﺋﺮ، ﻟﻜﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﻠﺘﺰم ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻤﻌﺎﻫﺪة ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي اﺿﻄﺮه
ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻘﺼﻮد ﻣﺤﻤﺪ* ǼƉƚǙ ǽȃŌǶƈǶ ƃǃōǝ
إﻟﻰ ﻗﺘﺎﻟﻬﻢ ﻣﺮة أﺧﺮى ،إﻟﻰ أن ﻧﺠﺤﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻓﻰ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﻴﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر ،وﻓﻲ دﻳﺴﻤﺒﺮ 1847م اﻗﺘﻴﺪ اﻷﻣﻴﺮﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر إﻟﻰ أﺣﺪ اﻟﺴﺠﻮن ﺑﻔﺮﻧﺴﺎ ،وﻓﻲ ﻣﻨﻔﺎه اﺷﺘﺪ ﺣﻨﻴﻨﻪ ﻟﺰوﺟﺘﻪ ،ﻓﻜﺘﺐ ﻫﺬه اﻷﺑﻴﺎت ﻳﺸﻜﻮ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻌﺎﻧﻴﻪ ﻣﻦ ﻟﻮﻋﺔ اﻟﺒﻌﺎد: أﻻ ﻫـﻞ ﻳﺠﻮد اﻟﺪﻫــﺮ ﺑﻌـﺪ ﻓﺮاﻗــــﻨـﺎ ﻓﻴﺠﻤﻌﻨﺎ و اﻟﺪﻫﺮ ﻳﺠﺮي إﻟﻰ اﻟﻀــــﺪ وأﺷﻜـــــــﻮك ﻣﺎ ﻧﻠﺖ ﻣﻦ ﺗﻌـﺐ وﻣـﺎ ﺗﺤﻤـﻠﻪ ﺿﻌـﻔﻲ و ﻋـﺎﻟﺠﻪ ﺟﻬـــــﺪي ﻛﻲ ﺗﻌــــﻠﻤﻲ أ ّم اﻟﺒــﻨﻴـــ َﻦ ﺑــﺄﻧــــﻪ ﻓـﺮاﻗـﻚ ﻧــــﺎر و اﻗﺘﺮاﺑﻚ ﻣﻦ اﻟﺨﻠــﺪ وﺑﻌﺪ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮات أﻓﺮج ﻋﻨﻪ ﺷﺮﻳﻄﺔ أﻻ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ،ﻓﺴﺎﻓﺮ إﻟﻰ ﺗﺮﻛﻴﺎ وﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ دﻣﺸﻖ ﻋﺎم ،1855وﻓﻰ دﻣﺸﻖ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﺑﺎرزة ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،ﻓﻘﺎم ﺑﺎﻟﺘﺪرﻳﺲ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﻣﻮي ،وﺑﻌﺪ أرﺑﻌﺔ أﻋﻮام ﻣﻦ اﺳﺘﻘﺮاره ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ،ﺣﺪﺛﺖ ﻓﺘﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺎم ﻋﺎم 1860م ،واﻧﺪﻟﻌﺖ أﺣﺪاث ﻃﺎﺋﻔﻴﺔ داﻣﻴﺔ ،وﻟﻌﺐ اﻷﻣﻴﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر دور رﺟﻞ اﻹﻃﻔﺎء ﺑﺠﺪارة ،ﻓﻘﺪ ﻓﺘﺢ ﺑﻴﻮﺗﻪ ﻟﻼﺟﺌﻴﻦ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ﻛﺨﻄﻮة رﻣﺰﻳﺔ وﻋﻤﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﺣﺘﻀﺎﻧﻬﻢ. ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻷﻣﻴﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر ﻗﺎﺋﺪا ﻋﺴﻜﺮﻳﺎ وﺣﺴﺐ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻪ ﻣﺆﻟﻔﺎت ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ ﺗﺒﺮز إﺑﺪاﻋﻪ ورﻗﺔ إﺣﺴﺎﺳﻪ وﻣﻜﺎﻧﺘﻪ اﻷدﺑﻴﺔ واﻟﺮوﺣﻴﺔ ،ﻟﻪ أﻳﻀﺎ ﻛﺘﺎب »اﻟﻤﻮاﻗﻒ« ،وﻗﺪ أﻟﻒ ﻓﻲ ﺑﺮوﺳﺔ )ﺗﺮﻛﻴﺎ( أﺛﻨﺎء إﻗﺎﻣﺘﻪ ﺑﻬﺎ رﺳﺎﻟﺔ »ذﻛﺮى اﻟﻌﺎﻗﻞ وﺗﻨﺒﻴﻪ اﻟﻐﺎﻓﻞ« ،وﺗﻮﻓﻲ اﻷﻣﻴﺮ ﻋﺒﺪاﻟﻘﺎدر ﻓﻲ ﻋﺎم 1883م ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ﻳﻨﺎﻫﺰ اﻟـ 76ﻋﺎﻣﺎً ،ودﻓﻦ ﺑﺠﻮار اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻴﻰ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﺔ ﺑﺪﻣﺸﻖ ﺣﺴﺐ وﺻﻴﺘﻪ، وﺑﻌﺪ اﺳﺘﻘﻼل اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻧﻘﻞ ﺟﺜﻤﺎﻧﻪ إﻟﻰ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻋﺎم 1965ودﻓﻦ ﻓﻲ ﻣﻘﺒﺮة اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﺑﻊ اﻟﺸﻬﺪاء اﻟﺬي ﻻ ﺗﺪﻓﻦ ﻓﻴﻪ إﻻ اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮة
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
63
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
ﻟﻠﺪﻫﺮ«( ،وﻣﻨﻬﺎ اﻟﻐﻮل واﻟﻤﺴﺦ واﻟﻌﻔﺎرﻳﺖ اﻟﺨﺎرﻗﺔ ،ﺑﻞ وﻟﻴﺲ اﻷﻣﺮ ﻓﻲ اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻓﺤﺴﺐ وإﻧﻤﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺤﺪاﺛﻪ أو ﺻﻨﺎﻋﺘﻪ ﻣﻦ أﺳﺎﻃﻴﺮ– ﻛﺤﺎل اﺳﺘﺨﺪام ﺟﻤﺎل ﻋﺒﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻛﺄﺳﻄﻮرة ،وﻣﻦ ﺛﻢ اﺳﺘﺨﺪام اﺳﻤﻪ وﺻﻮرﺗﻪ ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻻرﺗﺒﺎط ﺑﻘﻴﻤﻪ ،وإن ﻛﺎن اﻟﻘﺎﺋﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻪ ،أو ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﻣﻨﻪ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﻟﻦ ﻳﺴﺘﻜﺸﻒ ذﻟﻚ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻣﻊ آﻟﻴﺎت اﻟﺼﻮرة اﻹﻋﻼﻣﻴﺔ وﺗﻘﻨﻴﺎﺗﻬﺎ وأدواﺗﻬﺎ اﻟﻤﺆﺛﺮة ﻫﻮاﻣﺶ: ) (1أﺣﻤﺪ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﻴﻦ ،دور وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﺼﻮرة اﻟﺬﻫﻨﻴﺔ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻟﺪى اﻟﺠﻤﻬﻮر اﻟﻤﺤﻠﻲ ،رﺳﺎﻟﺔ ﻣﺎﺟﺴﺘﻴﺮ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﺸﻮرة) ،ﺟﺎﻣﻌﺔ أﺳﻴﻮط ،ﻛﻠﻴﺔ اﻵداب ،ﻗﺴﻢ اﻹﻋﻼم ،(2016 ،ص .123 ) (2أﺣﻤﺪ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﻴﻦ ،إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻷﺳﻄﻮرة ...ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻠﻢ واﻷدب ،ﻣﺠﻠﺔ ﺷﺆون ﻋﺮﺑﻴﺔ وﺗﺼﺪرﻫﺎ اﻷﻣﺎﻧﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ )اﻟﻘﺎﻫﺮة( ،ﻋﺪد ،166ﺻﻴﻒ 2016م، ص.161 : ) (3ﻋﻠﻰ ﻗﺴﺎﻳﺴﻴﺔ ،ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻹﻋﻼم ودراﺳﺎت اﻟﺠﻤﻬﻮر ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻻﻧﺘﻘﺎﻟﻴﺔ ،ﻣﺠﻠﺔ اﻻﺗﺼﺎل واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ دار اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺒﻴﺮوت ،اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ،اﻟﻌﺪد ) ،10ﻟﺒﻨﺎن: أﻛﺘﻮﺑﺮ /ﺗﺸﺮﻳﻦ اﻷول 2010م( ،ص.43 – 25 : ) (4ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻴﺪ ﻣﺤﻤﺪ ،اﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﺔ اﻹﻋﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم، )اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ واﻟﻘﺎﻫﺮة :ﻧﺎﺷﺮ ﻣﺸﺘﺮك :ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﺨﺎﻧﺠﻲ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ودار اﻟﺮﻓﺎﻋﻲ ﺑﺎﻟﺮﻳﺎض1983 ،م( ،ص.234 : ) (5أﻳﻤﻦ ﻣﻨﺼﻮر ﻧﺪا ،اﻟﺼﻮر اﻟﺬﻫﻨﻴﺔ واﻹﻋﻼﻣﻴﺔ ..ﻋﻮاﻣﻞ اﻟﺘﺸﻜﻴﻞ واﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎت اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ،ط) ،1اﻟﻘﺎﻫﺮة :اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﺮس، 2004م( ،.ص.159 : ) (6أﻳﻤﻦ ﻣﻨﺼﻮر ﻧﺪا ،اﻟﺼﻮر اﻹﻋﻼﻣﻴﺔ واﻟﻘﺮارات اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ .. اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻤﺘﺒﺎدﻟﺔ ،اﻟﻤﺠﻠﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻟﺒﺤﻮث اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم اﻟﺼﺎدرة ﻋﻦ ﻛﻠﻴﺔ اﻹﻋﻼم ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،اﻟﻤﺠﻠﺪ اﻟﺜﺎﻧﻲ، اﻟﻌﺪد اﻟﺜﺎﻧﻲ) ،اﻟﻘﺎﻫﺮة :أﺑﺮﻳﻞ /ﻳﻮﻧﻴﻮ 2001م( ،ص.290 : ) (7ﺷﻴﻤﺎء ذو اﻟﻔﻘﺎر ﺣﺎﻣﺪ زﻏﻴﺐ ،دور اﻟﻤﺎدة اﻹﺧﺒﺎرﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮن اﻟﻤﺼﺮي ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﺗﺠﺎﻫﺎت ﻃﻼب اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻧﺤﻮ اﻷداء اﻟﺤﻜﻮﻣﻲ ،دراﺳﺔ ﻣﺴﺤﻴﺔ ،رﺳﺎﻟﺔ ﻣﺎﺟﺴﺘﻴﺮ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﺸﻮرة )ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺎﻫﺮة :ﻛﻠﻴﺔ اﻹﻋﻼم -ﻗﺴﻢ اﻹذاﻋﺔ واﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮن، ،(2002ص ص.30 – 29 ،26 :
62
ا#ﺳﺎﻃﻴﺮ واﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﻋﺒﺮ وﺳﺎﺋﻞ اCﻋﻼم
رﺟﺎء ﺟﺎرودي Roger Garaudy 1996إﻟﻰ أن ﻛﺜﻴﺮا ً ﻣﻦ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻟﻬﺎ ﺗﻔﺴﻴﺮ أو ﺗﺒﺮﻳﺮ وﺑﻬﺬا ﻳﻜﻮن اﻟﻤﻨﻄﻖ واﻟﻌﻘﻞ ﺧﺎد ًﻣﺎ ﺟﺰﺋﻴًﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ).(5 وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺠﺪ ﻟﻸﺳﻄﻮرة ﺗﻮاﺟ ًﺪا ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻓﻲ اﻟﻘﺮارات اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﺘﻲ ﺛﺒﺖ اﺗﺨﺎذﻫﺎ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﺗﺼﻮرات ورؤى وأﺳﺎﻃﻴﺮ وﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻀﺮورة ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ أو اﻟﻤﺎدﻳﺔ ﻟﻠﺤﺪث ،وإذا ﻛﺎﻧﺖ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم ﺗﺼﻨﻊ اﻟﺼﻮر وﺗﻨﻘﻠﻬﺎ ،وﻣﺘﺨﺬو اﻟﻘﺮار ﻳﻌﺘﻤﺪون ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﺼﻮر ﻓﻲ ﺻﻨﻊ ﻗﺮاراﺗﻬﻢ وﺻﻴﺎﻏﺔ ﺳﻴﺎﺳﺎﺗﻬﻢ ،ﻓﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ اﻟﻤﻨﻄﻘﻴﺔ أن وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم ﺗﻠﻌﺐ دو ًرا ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻘﺮارات اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ وذﻟﻚ ﻋﺒﺮ اﻟﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﺿﻬﺎ )ﺣﺘﻰ ﺗﺒﺪو اﻷﺳﻄﻮرة ﻣﻘﺪﺳﺔ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮر( ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل إن ﺗﺤﺴﻴﻦ اﻟﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﺿﻬﺎ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم ﻋﻦ دوﻟﺔ ﻣﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ أن ﻳﺤﺴﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت ﻣﻌﻬﺎ)(6 ﺑﻞ وﺗﺬﻫﺐ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة إﻟﻰ ﺗﺄﻛﻴﺪ أن اﻟﺜﻘﺔ ﺳﻮاء ﻓﻲ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت أو اﻟﺪول أو اﻟﺤﻜﺎم أو اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺤﺪث
ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺴﺘﻘﻞ ﺑﻌﻴ ًﺪا ﻋﻦ اﻟﺸﻜﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻷوﺳﻊ اﻟﺬي ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم ،أي ﻋﺒﺮ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ وأﺳﺎﻃﻴﺮ ﻫﺬه اﻟﻨﻈﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻘﻴﻢ واﻻﻓﻜﺎر اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ واﻟﻤﻌﺘﻘﺪات واﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺎت، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪﺛﻴﻦ اﻟﺮﺳﻤﻴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪاﻓﻌﻮن ﻋﻦ أوﺿﺎﻋﻬﺎ، وﺧﺼﻮﺻﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﻢ اﻟﺤﻤﻼت ﻓﻲ ﻇﻞ ﻣﻌﺪﻻت اﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ وﺳﺎﺋﻞ ً اﻹﻋﻼم ،وﺑﻬﺬا ﺗﺰﻳﺪ اﻟﺜﻘﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت).(7 ﻫﺬا وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﻘﺮن ﻧﺸﺎط اﻟﻄﻘﻮس واﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺑﻤﺎ ﻧﻌﻠﻤﻪ ﻣﻦ اﺣﺘﻼل اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ﻟﺠﺰء رﺋﻴﺲ ﻣﻦ ﻣﻮروﺛﺎﺗﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻣﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺄﺛﻴﺮات ﺑﺎﻟﻐﺔ وﺗﻢ اﺧﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻋﻠﻤﻴًﺎ وﻋﻤﻠﻴًﺎ ،ﺑﻞ وﺗﺤﻘﻘﺖ ﺗﺎرﻳﺨﻴًﺎ ﻛﻌﺎﺋﻖ ﺧﻄﻴﺮ أﻣﺎم اﻟﺤﻠﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻨﻬﻀﻮي ،وﻓﻲ ذﻟﻚ أﺛﺎرﻫﺎ اﻟﻨﺎزﻋﺔ ﻟﺰرع اﻟﺨﻮف أو اﻟﺘﻄﻴﺮ – اﻟﺘﺸﺎؤم واﻟﺘﻔﺎؤل ،أو اﻟﺴﺤﺮ أو اﻻﺳﺘﺴﻼم ﻟﻤﺎ ﻳﺤﺪث )ﻋﺪم ﻓﻬﻢ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻘﻀﺎء واﻟﻘﺪر »ﺳﻠﻄﺎن ﻣﻨﺎة وﻋﻮض
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
61
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
وﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﺗﺪرﻛﻪ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم ﺟﻴ ًﺪا ،ﻟﺬا ﺗﺴﺘﻐﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﺬﻫﻨﻴﺔ ﻟﺪى ﺟﻤﻬﻮرﻫﺎ ،ﺳﻮاء ﻋﻦ اﻟﺪول أو اﻟﺤﻀﺎرات أو اﻟﺴﻠﻊ واﻟﻤﻨﺘﺠﺎت أو اﻟﺰﻋﻤﺎء أو اﻷﻳﺪﻟﻮﺟﻴﺎت أو ﻣﺎ ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ، أى ﻫﻮ اﺳﺘﺨﺪام ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺤﻘﻴﻖ أﻫﺪاف ﻣﻌﻴﻨﺔ، وذﻟﻚ ﻳﺤﺪث ﻋﺒﺮ اﺳﺘﻐﻼل وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم ﻟﻘﺪرﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻣﺘﻼك اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت وﻃﺮق ﺗﻮﻇﻴﻔﻬﺎ واﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ وﺗﻔﺴﻴﺮﻫﺎ أﻳﻀً ﺎ ،ﻟﺘﺠﻴﺐ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻋﻦ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻜﻴﻔﻨﺎ ﻣﻊ ﻣﺴﺘﺠﺪات اﻷﻣﻮر ،أو إدراﻛﻨﺎ ﻟﺘﻄﻮرات اﻷوﺿﺎع، أو ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺧﺮﻳﻄﺔ أوﻟﻴﺎﺗﻨﺎ ،أو إﻋﺎدة ﺗﻔﺴﻴﺮﻧﺎ ﻟﻠﻘﻀﺎﻳﺎ واﻟﻤﺸﻜﻼت ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﺠﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼﻣﻴﺔ أن اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ﻣﻦ أﻧﺠﺢ اﻟﻄﺮق اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﺗﺴﻴﻴﺮ ﺑﻨﺎء ﺧﺮﻳﻄﺔ أو ﺗﻔﻜﻴﺮ ﻣﻐﺎﻳﺮ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ أو ﻻ ﻳﺘﻄﺎﺑﻖ ﻣﻊ ﻓﺎﻋﻼ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ اﻟﻮاﻗﻊ ،وﺑﻬﺬا ﻳﺼﻴﺮ اﺳﺘﺨﺪام اﻻﺳﺎﻃﻴﺮ ً ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺗﺼﻮرات اﻟﺠﻤﻬﻮر .ﻟﺬا ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻣﺪى ﺣﺠﻢ اﻫﺘﻤﺎم اﻟﺪراﺳﺎت اﻻﺗﺼﺎﻟﻴﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺑﺎﻷﺷﻜﺎل اﻟﻤﺤﺪدة ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻛﺎﻟﻄﻘﻮس واﻷﺳﺎﻃﻴﺮ، إذ ﺗﻢ إدراﺟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺷﺮﻳﻄﺔ ﻣﺴﺎﻫﻤﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﺮوط اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،وﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﻘﻮى اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻟﻤﺆﺛﺮة، ﺧﺼﻮﺻﺎ وﻫﺪف ﻫﺬه اﻟﺪراﺳﺎت ﻫﻮ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﺸﺮوط ً اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﻓﻲ ﻇﻠﻬﺎ ﺗﻐﻴﻴﺮ اﻻﺗﺠﺎﻫﺎت ،وﺗﻜﻮﻳﻨﻬﺎ ،أو ﺗﻌﺪﻳﻠﻬﺎ ،أو اﻟﺴﻠﻮﻛﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﺗﺜﺒﻴﺘﻬﺎ ،أو ﺗﻌﺪﻳﻠﻬﺎ ،أو إﻋﺎدة ﺗﻮﺟﻴﻬﻬﺎ ). (3 وﻓﻲ ذﻟﻚ ﻳﺸﺘﺮك وﻟﺒﻮر ﺷﺮام Schramوﺑﺎى Pye ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻟﺪى ﻣﻮاﻃﻦ اﻟﺪول اﻟﻨﺎﻣﻴﺔ ،وﻣﻦ واﻷﺣﻼم واﻟﺘﻄﻠﻌﺎت، ً Empathy اﻟﻮﺟﺪاﻧﻲ وﻟﻴﺮﻧﺮ Lernerﻓﻲ وﺿﻌﻬﻢ ﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﺘﻘﻤﺺ ﺛﻢ ﺧﻠﻖ ﺗﺼﻮر ﻟﻠﻬﺪف اﻟﺬي ﻳﺮﻧﻮ إﻟﻴﻪ ﻫﺆﻻء اﻟﻤﻮاﻃﻨﻮن ،ﻛﺤﺎل ﻧﺤﻮ اﻻﻗﺘﺮاب ﻣﻦ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ اﻟﺬي ﻳﺘﻢ ﻋﺒﺮ اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ اﻻﻧﺘﻘﺎل ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي إﻟﻰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻌﺼﺮي ،وﻓﻲ ﻫﺬا ﻳﻌﻤﺪ اﻻﺗﺼﺎل اﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮي إﻟﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻹﻋﻼﻣﻴﺔ واﻟﺘﺜﻘﻴﻔﻴﺔ واﻟﺘﺮﻓﻴﻬﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻴﺴﺮ ﻟﻺﻧﺴﺎن أن ﻳﺘﺼﻮر اﻷﻫﺪاف اﻟﺠﺪﻳﺪة ،وﻳﺴﻌﻰ ﻟﺒﻠﻮﻏﻬﺎ ﻋﺒﺮ اﻟﺘﻘﻤﺺ اﻟﻮﺟﺪاﻧﻲ ﻟﻠﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﻻﺑﺪ وأن ﺗﻮﺻﻒ ﺑﺎﻟﻤﺮوﻧﺔ ،واﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺳﻬﻮﻟﺔ وﻳﺴﺮ).(4 وﻟﻜﻦ وإن ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﻘﺮة اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺗﺸﻴﺮ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪام اﻹﻳﺠﺎﺑﻲ ﻟﻸﺳﺎﻃﻴﺮ ،إﻻ أن ﻟﻸﺳﺎﻃﻴﺮ أﻫﺪاﻓًﺎ أﺧﺮى ،ﻓﻬﻲ وﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻫﺮﺑﺮت ﺷﻴﻠﻠﺮ Herbert Irving Schiller 1999 ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﻐﻼﻟﻬﺎ واﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻨﻬﺎ ف ﺗﺒﺮﻳﺮ اﻷوﺿــﺎع واﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ،ﺑﻞ وﺗﻘﺪﻳﻢ ﺗﻔﺴﻴﺮات )ﻣﻨﻄﻘﻴﺔ( ﻟﻬﺎ، ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺗﻀﻔﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻃﺎﺑ ًﻌﺎ ﺧﻼﺑًﺎ ﻳﻀﻤﻦ اﻟﻨﻈﺎم ﺧﺼﻮﺻﺎ وأن ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ اﻻﺳﺘﻘﺮار واﻟﺜﺒﺎت، ً ﻗﻮﻣﻴﺔ أو ﻧﻈﺎم ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺗﻘﺪﻳﺲ ادﻋﺎءاﺗﻪ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺸﻴﺮ 60
ا#ﺳﺎﻃﻴﺮ واﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﻋﺒﺮ وﺳﺎﺋﻞ اCﻋﻼم
ﺧﺼﻮﺻﺎ واﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ﻣﻦ أﻗﺪم اﻟﻔﻨﻮن اﺳﺘﻤﺮا ًرا ،إذ ﺧﺪم ذﻟﻚ ﺑﺴﺎﻃﺘﻬﺎ ً اﻟﻤﺴﺎﻳﺮة ﻟﻌﻤﻖ أﺛﺮﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ،ﻫﺬا ﻣﻊ اﻷﺧﺬ ﻓﻲ اﻻﻋﺘﺒﺎر أﻧﻬﺎ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺗﺼﻴﺮ ﻣﺮاوﻏﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺤﻤﻞ ﻗﻮة اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ أو ﺿﻌﻔﻪ ﺣﺴﺒﻤﺎ ﻣﺤﻴﻂ ﺗﻮاﺟﺪﻫﺎ وﻣﺪى ﻧﻤﻮ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ،إﻻ أن ﺗﺄﺛﻴﺮﻫﺎ ﻻ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﻋﻦ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻗﻂ ﺗﺰاﻣﻨﺎ ﻣﻊ ﻧﺪرة اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت أو ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺗﻔﺴﻴﺮﻫﺎ ،وﺑﻬﺬا ﻓﺎﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻋﺸﻮاﺋﻴﺔ وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻣﺨﻄﻄًﺎ ﻟﻬﺎ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ،ﻓﻬﻲ ﺗﺒﺪو ﻛﺼﻨﺎﻋﺔ ﺗﺠﻠﺐ اﻟﺴﻌﺎدة أو اﻟﺸﻘﺎء ،وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻴﺴﺖ ﺷﺮا ﻣﻄﻠﻘﺎ أو ﺧﻴ ًﺮا ﻣﺴﺘﻮﺟﺐ اﻟﺘﻮاﺟﺪ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻮن ﻛﺎذﺑﺔ أو ﺻﺎدﻗﺔ وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻀﺮورة ﻣﻘﺪﺳﺔ ،ﻛﻴﻔﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﻠﻔﻆ اﻟﻘﺮآﻧﻲ "أﺳﺎﻃﻴﺮ اﻷوﻟﻴﻦ" أي ﻗﺼﺺ اﻷوﻟﻴﻦ )اﻟﺼﺎدﻗﺔ( ).(1 ﻫﺬا وﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﺗﺎرﻳﺨﻴًﺎ ﻣﺎ ﻓﻲ اﺳﺘﺨﺪام اﻷﺳﻄﻮرة ﻣﻦ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺑﺎﻟﻎ اﻟﻘﻮة ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت ﻣﻌﻴﻨﺔ ،وﻓﻲ ذﻟﻚ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﻤﺤﺘﻞ اﻟﺒﻠﺠﻴﻜﻲ ﻟﻠﻜﻮﻧﻐﻮ ،إذ ﻧﺸﺮ أﺳﻄﻮرة ﻣﻔﺎدﻫﺎ أن ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﺘﻮﺗﺴﻲ ﻟﻬﺎ ﻋﺮق ﻣﺨﺎﻟﻒ وأرﻗﻰ ﻋﻦ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻬﻮﺗﻮ ،ﺑﻤﺎ ﺳﻤﺢ ﺑﻨﺸﺄة اﻟﺘﻔﺮﻗﺔ ﺑﻴﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻮاﺣﺪ ،وﻣﻦ ﺛﻢ اﺳﺘﻐﻼل اﻟﺘﻮﺗﺴﻲ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻤﺤﺘﻞ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ أﻏﺮاﺿﻪ ،إﻻ أن اﻟﻤﻼﺣﻆ أن اﻻﺳﻄﻮرة اﻟﻜﺎذﺑﺔ ﻇﻠﺖ ﻣﺸﺘﻌﻠﺔ ﻋﻘﻮد ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺑﻌﺪ رﺣﻴﻞ اﻟﻤﺤﺘﻞ ،ﻫﺬا ﻟﺪرﺟﺔ أن أﻋﻘﺐ اﺳﺘﻘﻼل اﻟﻜﻮﻧﻐﻮ ﻓﻲ اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت ﻣﻘﺘﻞ ﻋﺸﺮات اﻵﻵف ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ واﺣﺪة ﺿﻤﻦ إﺣﺪى اﻟﻤﺠﺎزر اﻟﺘﻲ أﻋﺪﻫﺎ اﻟﻬﻮﺗﻮ ﻟﻠﺘﻮﺗﺴﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت، ﺑﺠﺎﻧﺐ أﺣﺪاث 2003 – 1993وﻣﻘﺘﻞ 4ﻣﻠﻴﻮن ﺷﺨﺺ ﺟﺮاء ﻫﺬه اﻟﺤﺮوب اﻷﻫﻠﻴﺔ اﻟﻤﺒﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﻄﻮرة وﻫﻤﻴﺔ ).(2 /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
59
ﻗﻀﺎﻳﺎ وآراء
اAﺳﺎﻃﻴﺮ واﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﻋﺒﺮ وﺳﺎﺋﻞ ا ﻋﻼم ﺗﺄﺛﻴﺮ ا.ﺳﻄﻮرة ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻮك اﻟﺠﻤﻬﻮر أﺣﻤﺪ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻋﻠﻲ ﺣﺴﻴﻦ
ﺧﺼﻮﺻﺎ وأن ﺛﺒﺖ ﻋﻠﻤ ًﻴﺎ ﺗﻌﺪ اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﺮﻣﻮز اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ذات اﻟﺼﻠﺔ ﺑﺎﻟﺘﺄﺛﻴﺮ اﻹﻋﻼﻣﻲ، ً أن ﻟﻸﺳﺎﻃﻴﺮ ﺗﺄﺛﻴﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ اﻟﺸﺎﺋﻊ ﻟﺪى اﻟﺠﻤﻬﻮر اﻟﻌﺎم ،ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ واﻟﻨﺨﺐ ،ﻳﺄﺗﻲ ذﻟﻚ ﺑﺼﻔﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﺑﻴﻦ اﻻﺳﺎﻃﻴﺮ ﻛﺮﻣﺰ ﺛﻘﺎﻓﻲ وﺑﻴﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﺮﻣﻮز اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻷﺧﺮى ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻷﺛﺮ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻟﺪى اﻟﺠﻤﻬﻮر ،واﻷﺧﻴﺮ ﻫﻮ ﻫﺪف اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼﻣﻴﺔ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺤﺎل .ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻧﺠﺪ أن اﻟﺮﻣﻮز اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻛﺎﻟﻤﻌﺮﻓﺔ واﻟﺪﻳﻦ أو ﺑﻌﺾ ﻣﻼﻣﺢ اﻟﻘﻴﻢ أو أﺷﻜﺎل اﻟﻤﻌﺎﻳﻴﺮ واﻷﻋﺮاف واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ،ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﺎ ﺑﺎﻷﺳﺎﻃﻴﺮ – رﻏﻢ أن اﻻﺳﻄﻮرة ﻫﻲ واﺣﺪة ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﻣﻮز، ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﺳﻴﺘﻀﺢ ﻟﻨﺎ ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺘﺄﻣﻞ أن ﺑﻌﺾ اﻟﺮﻣﻮز ﻗﺪ أﺳﻬﻢ ﻓﻲ ﺑﻠﻮرﺗﻬﺎ أﺳﺎﻃﻴﺮ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﺑﻞ وﺣﺘﻰ ﻣﻊ اﺧﺘﻔﺎء اﻻﺧﻴﺮة -ﺳﻨﺠﺪ ﻛﻴﻒ أﻧﻬﺎ ﺗﺘﺮك ﺑﺼﻤﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻠﻮك أو اﺗﺠﺎه أو ﻣﻌﺘﻘﺪ ﺑﺬاﺗﻪ )ﻣﺎ ﻳﻌﺮف ﺑﺎﻟﺬاﻛﺮة اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ( ،ﺑﻞ وﻓﻲ أﺣﻴﺎن أﺧﺮى ﻗﺪ ﻧﺠﺪ أن ﻗﻴﻢ أو ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ وﺗﻘﺎﻟﻴﺪ أﺧﺮى ﻗﺪ ﺳﺎﻫﻤﺖ ﻓﻲ دﻋﻢ أو إﻳﺠﺎد أﺳﺎﻃﻴﺮ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ دﻋﻢ اﺳﺘﻤﺮارﻫﺎ وﺑﻨﺎﺋﻬﺎ.
58
ا#ﺳﺎﻃﻴﺮ واﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﻋﺒﺮ وﺳﺎﺋﻞ اCﻋﻼم
دﻳﻨﻲ وﺧﺎﺻﺔ اﻟﻮﻗﺢ اﻟﺬي ﻳﺒﺜّﻮن ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ اﻟﻄﻌﻦ ﻓﻲ ّ أي ﻣﻮروث ّ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺮﺳﻮل § ،ﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب اﻟﻤﺆﺳﻒ ﻳﺼﺪم ﻣﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﺎﻣﺔ، وﻳﻌﻄﻲ ﻧﻘﺎﻃًﺎ إﺿﺎﻓﻴّﺔ ﻟﻠﺪواﻋﺶ واﻹﺧﻮان ﻛﻲ ﻳﺘﺒﺎﻛﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﺿﻴﺎع اﻹﺳﻼم واﻟﺘﺸ ّﺪق ﺑﺒﺎﻃﻠﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﺠﻬﺎد ودوﻟﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ. اﻷﻣﺮ اﻵﺧﺮ ،ﺗﺤ ّﻮل ﻣ ّﺪﻋﻲ اﻟﺘﻴﺎرات اﻟﻴﺴﺎرﻳّﺔ واﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ واﻟﻠﻴﺒﺮاﻟﻴّﺔ ﻣﺜﻘﻒ أو ﻣﺒﺪ ٌع أو ﻣﻮاﻃ ٌﻦ إﻟﻰ ﻣﺨﺒﺮﻳﻦ ﻣﺘﺮﺑّﺼﻴﻦ ،ﻓﻤﺎ إن ﻳﺘﺤ ّﺪث ٌ دﻳﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻄﻠﻖ دواﻋﺶ اﻟﻴﺴﺎر ﻋﺎدي ﺑﺘﻌﺎﻃﻒ ﻣﺎ ﻣﻊ ّ ّ أي أﻣﺮ ّ واﻟﻌﻠﻤﺎﻧ ّﻴﺔ ﻹرﻫﺎﺑﻪ وﺗﺼﻨﻴﻔﻪ واﺗﻬﺎﻣﻪ ﺑﺎﻷﺧﻮﻧﺔ! وﻓﻲ ﻫﺬا ﺣﻤﺎﻗﺔ ﻻ ﻧﻈﻴﺮ ﻟﻬﺎ؛ ﻓﻬﻢ ﻳﺜﺒﺘﻮن ﺑﺠﻬﻠﻬﻢ ذﻟﻚ أن اﻹﺧﻮان واﻟﺪواﻋﺶ وﻛﻼء اﻟﺪﻳﻦ! ﻫﺬه اﻟﺤﻤﺎﻗﺔ ﺗﺤﺮق اﻷرض ﺗﺤﺘﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻧﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ أي ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﺎﺋﻔﺘﻴﻦ. ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻠﻨﻲ اﻟﻐﻴﻆ ﻣﻦ ﻏﺒﺎء أدﻋﻴﺎء اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺣﻴﻦ ﻳﻘﺼﺮون ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ وﺻﻔﺤﺎﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻧﺘﻘﺎد ﺧﻄﺐ اﻟﺠﻤﻌﺔ وﻣﻨﺎﻫﺞ اﻷزﻫﺮ ،واﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﺣﻘﻮق اﻟﻤﺜﻠﻴﻴﻦ ،واﻟﺘﺸﻜﻴﻚ اﻟﺪاﺋﻢ ﻓﻲ أﺣﺎدﻳﺚ رﺳﻮل اﻟﻠﻪ §. ﺻﺤﻴﺢ ﻫﻨﺎك ﺧﻄﺐ ﺟﻤﻌﺔ ﻛﺎرﺛﻴﺔ ،وﻣﻨﺎﻫﺞ اﻷزﻫﺮ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ إﻋﺎدة ﻧﻈﺮ ﺑﻞ ﺛﻮرة ﻧﻈﺮ ،وﺻﺤﻴﺢ ﻫﻨﺎك أﺣﺎدﻳﺚ ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻮﻟﻨﺎ ﺗﻘ ّﺒﻠﻬﺎ، وﻟﻜﻦ ﻳﻤﻜﻦ ﻃﺮح ﻫﺬا ﺑﻬﺪوء ﺑﺄﺳﻠﻮب ﻣﻬﺬب ﻻ ﻳﺼﺪم ﻣﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﻳﺸﻌﺮﻫﻢ ﺑﺤﺮص اﻟﻤﻨﺎﻗﺶ ﻋﻠﻰ ﺻﻮرة اﻹﺳﻼم ﻻ اﻟﺸﻤﺎﺗﺔ ﻓﻴﻪ واﻟﺘﺼﻴّﺪ واﻟﺘﺮﺑّﺺ. أﻳﻀً ﺎ ﻳﻘﺘﻠﻨﻲ اﻟﻐﻴﻆ ﺣﻴﻦ ﻧﺸﻤﺖ وﻻ ﻧﻌﺎﻟﺞ ،ﺣﻴﻦ ﻧﺴﺘﻌﺪي ﻋﻠﻴﻨﺎ وﻻ ﻧﺴﺘﻘﻄﺐ .ﺗﺨ ّﻴﻞ أن ﺷﺎﺑﺎً ﻣﺎ وﺻﺒ ّﻴﺔ ﻣﺎ ﻳﻨﺘﻤﻴﺎن إﻟﻰ ٍ ﺑﻴﺖ ﻣﺘﻄ ّﺮف، اﻟﺴﺆال ﻫﻮ :ﻫﻞ ﻧﺤﻦ ﻛﻤﺠﺘﻤﻊ ﺳﻨﺤﺘﻀﻨﻬﻤﺎ؟ أم ﺳﻨﻄﺮدﻫﻤﺎ؟ أم ﺳﻨﺤ ّﻤﻠﻬﻤﺎ وزر واﻟﺪﻫﻤﺎ ﻣﺜﻼ؟ أم ﺳﻨﺴﺘﻌﺪﻳﻬﻤﺎ وﻧﺸﻤﺖ ﻓﻴﻬﻤﺎ وﻧﻐﻴﻈﻬﻤﺎ وﻧﻀﻤﻦ اﻧﻀﻤﺎم ﻋﻨﺼﺮﻳﻦ ﺟﺪﻳﺪﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻳﺐ إﻟﻰ اﻟﺘﻴﺎرات اﻟﻤﺘﻄ ّﺮﻓﺔ اﻟﻘﺎﺗﻠﺔ؟ أﺗﺼ ّﻮر أﻧّﻨﺎ أﻣﺎم ﻃﺎﺋﻔﺘﻴﻦ ﻣﺘﻄﺮﻓﺘﻴﻦ ﻣﺪﻋﻴﺘﻴﻦ ﻻ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﻹﺣﺪاﻫﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﺧﺮى إﻻ ﺧﻠﻮ ﻳﺪ ﻣﺘﻄ ّﺮﻓﻲ اﻟﺘﻴﺎرات اﻟﻤﺪﻧ ّﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻼح ،ﻟﻜ ّﻦ ﻫﺬه اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻣﻦ دون أن ﺗﺪري -أو رﺑﻤﺎ ﺗﺪري -أﺣﻴﺎﻧﺎ ُﻴﺴﺮ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺒﺎب اﻟﺴﺎذج أو اﻟﻤﺄزوم ﺑﺄﺳﻠﻮﺑﻬﺎ اﻟﺮﺧﻴﺺ ﺗ ّ ﺳﻬﻼ إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻨﻈﻴﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻠﻤﻬﻢ ُﻣﻬﻴﺄﻳﻦ إﻟﻰ اﻟﻀﻐﻂ ﺻﻴ ًﺪا ً ﻋﻠﻰ اﻟﺰﻧﺎد ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﺴﻤﻤﺖ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﻣﺮﺗﻴﻦ .ﻻ أدري إﻟﻰ ﻣﺘﻰ ﺳﻴﻐﻴﺐ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ اﻟﻤﺪرك ﻟﻘﻴﻢ اﻟﺤﻀﺎرة ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﻤﻠﺘﻬﺐ اﻟﻤﺜﻘﻒ ّ
اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة واﻟﻤﺤﺘﺮم ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻜﻞ ﻗﻴﻢ اﻟﺪﻳﻦ أي دﻳﻦ ،ﺳﻮاء ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻘّﻒ ﻳﺴﺎرﻳّﺎ أو ﻋﻠﻤﺎﻧ ّﻴﺎ أو ﻣﻠﺤ ًﺪا أو ﻣﺘﺪﻳ ًﻨﺎ؟ إﻟﻰ ﻣﺘﻰ ﺳﺘﻈﻞ اﻟﺠﻴﻮش وأﺟﻬﺰة اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ وﺣﺪﻫﺎ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﻤﻞ ﻋﺐء ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻹرﻫﺎب؟ ﻧﺤﻦ أﻣﺎم ﻃﺎﺋﻔﺘﻴﻦ ﻣﻐﺮﺿﺘﻴﻦ ﺗﺘﺒﺎدﻻن اﻟﺘﺤﺮﻳﺾ واﻟﺬي ﻳﺪﻓﻊ اﻟﺜﻤﻦ اﻟﺸﻌﻮب اﻟﺒﺮﻳﺌﺔ واﻟﻤﺠﻨﺪون اﻟﺒﺴﻄﺎء. اﻟﺠﺎﻣﻌﻲ اﻟﺒﺴﻴﻂ واﻟﻌﺎﻣﻞ واﻟﺮﻳﻔﻲ واﻟﻤﻮﻇﻒ ورﺑﺎت اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺸﺎب ّ ﻟﻦ ﻳﺘﻢ ﺗﻨﻮﻳﺮﻫﻢ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻻ اﻟﺘﺸﻜﻴﻚ ﻓﻲ ﺛﻮاﺑﺖ اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺔ ﺛﻮاﺑﺖ ﺗﺤﺪﻳ ًﺪا ،ﻛﺬﻟﻚ ﻫﺆﻻء اﻟﺒﺴﻄﺎء ﻟﻦ ﺗﺘﺒﺪل ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ وﻻ آﺧﺮﺗﻬﻢ إﻟﻰ اﻷﻓﻀﻞ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳُﻔ ّﺠﺮ اﻹرﻫﺎﺑﻴﻮن أدﻋﻴﺎء اﻹﺳﻼم ﻛﻤﻴﻨﺎ ﻷﺑﻨﺎﺋﻨﺎ اﻟﻤﺠﻨﺪﻳﻦ. ﺗﺘﺠﺴﺪ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺐ اﻷﺻﻴﻞ اﻟﻤﺎﺋﺔ ﻣﻠﻴﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺛﺮوة ﻋﻈﻴﻤﺔ ّ ﻳﺸﻐﻠﻬﻢ ﺣﻘﻮق اﻟﻤﺜﻠﻴﻴﻦ وﻻ ﻓﺘﺎوى اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ،أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻳﺪون أن ﻳﺰرﻋﻮا أو ﻳﺬﻫﺒﻮا إﻟﻰ ﻣﺼﺎﻧﻌﻬﻢ وﻣﺪارﺳﻬﻢ وﻧﻘﺎط ﺣﺮاﺳﺘﻬﻢ وﻛﻨﺎﺋﺴﻬﻢ وﻣﺤﺎﻟﻬﻢ آﻣﻨﻴﻦ ﻫﺆﻻء ﻓﻲ أﻣﺲ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻐﺮﺿﺔ وﻏﻴﺮ ﻣﺤ ّﺮﺿﺔ وﻻ ﺗﺠﺮﺣﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ اﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﻣﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﻛﺎﻧﻮا أو ﻣﺴﻠﻤﻴﻦ
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
57
إﺿﺎءة
اﻟﻤﻐﺮﺿﻴﻦ وإن ﻃﺎﺋﻔﺘﺎن ﻣﻦ ُ اﻗﺘﺘﻠﻮا ،ﻣﺎذا ﻧﻔﻌﻞ؟! ﻷي ﻓﻜﺮ، أي إﻧﺴﺎنٍ ّ داﺋ ًﻤﺎ ﻛﻨﺖ أﻗﻮل ﻋﻦ ﻗﻨﺎﻋ ٍﺔ إﻧّﻪ ﻻ أزﻣﺔ ﻓﻲ ﺗﺒ ّﻨﻲ ّ وﻋﻲ وﺗﺮﻳﱡ ٍﺚ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻋﻠﻰ ٍ ﺑﺸﺮﻃﻴﻦ :اﻷول أن ﻳﺘ ّﻢ ذﻟﻚ اﻟﺘﺒ ّﻨﻲ ﺑﻘﻨﺎﻋﺔ ّ ﺗﻤﺴﻚ ﻫﺬ اﻟﺸﺨﺺ ﺑﺘﺒ ّﻨﻲ وﻣﻘﺎرﻧ ٍﺔ وﻣﻤﺎرﺳﺔ .واﻵﺧﺮ أن ﺗﻜﻮن درﺟﺔ ﱡ ذﻟﻚ اﻟﻔﻜﺮ ﻫﻲ ذاﺗﻬﺎ درﺟﺔ اﺳﺘﻌﺪاده ﻟﻠﺘﺨﻠّﻲ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺘﺒ ّﻨﻲ ﻣﺘﻰ ﻇﻬﺮت ﻟﻪ ﺣﻴﺜﻴﺎت وآﻟﻴﺎت وﻗﺪرات وﻋﻲ وﻣﺘﻐﻴﺮات واﻗﻊ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻮﺟﻮدة ،أو ُﻣﺪرﻛﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. أي أ ّن اﻟﺘﺒ ّﻨﻲ اﻟﻔﻜﺮي ﻓﻲ ﺗﺼ ّﻮري ﺷﻲ ٌء ﺑﻌﻴ ٌﺪ و ُﻣﻨ ّﺰ ٌه ﺗﻤﺎ ًﻣﺎ ﻋﻦ اﻟﻜﺒﺮ واﻟﻌﻨﺎد واﻟﺘﺸ ّﺒﺚ ﺑﻞ ﺗﻼزﻣﻪ ﻓﻀﻴﻠ ُﺔ ﻃﻠﺐ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،أو ﻣﺸﺎرﻓﺘﻬﺎ وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن ﻣﻦ أﺧﺘﻠﻒ ﻣﻌﻪ أو ﺳﻦ ﻗﻠﻤﻪ. وﻟﻌﻞ ﻣﻦ أﺑﺮز آﻓﺎت اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة آﻓﺔ اﻟﺘﻄﺮف ﻛﺴﻤﺔ ﺳﻠﺒﻴﺔ ﻛﺎرﺛﻴﺔ ﺗﺼﻴﺐ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻌﻘﻮل أﻳٍّﺎ ﻛﺎن ﺗﻮﺟﻬﻬﺎ ،وﻟﻌﻠّﻲ ﻻ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻓﺤﺴﺐ ،ﺑﻞ أﻋﻨﻲ أﻋﻨﻲ ﺑﺎﻟﺘﻄ ّﺮف ﻣﺼﻄﻠﺢ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺘﻄ ّﺮف ّ اﻟﺘﻄ ّﺮف ﺑﻜﻞ ﺻﻮره ،أﻳٍّﺎ ﻣﺎ ﻛﺎن ﺗﻮ ّﺟﻪ اﻟﻌﻘﻞ وأﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺘﻪ ،وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻫﺬا اﻟﺘﻄ ّﺮف ﻗﺮﻳﻦ ﻣﺘﻼزم ﻟﻠﻌﻨﻒ ،وﻏﻴﺎب ﻷدﺑﻴﺎت اﻟﺤﻮار ،واﻟﺘﺨﻮﻳﻦ واﻟﺘﻔﺘﻴﺶ ﻓﻲ اﻟﻨﻮاﻳﺎ ،واﺣﺘﻜﺎر اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ! وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺑﻴﺴ ٍﺮ وﺳﺮﻋ ٍﺔ إﺛﺒﺎتُ ﻣﺎ أذﻫﺐ إﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻟﻲ ﻫﺬا ﺑﻤﺘﺎﺑﻌﺔ ﻣﺘﺄ ّﻣﻠﺔ ﻟﻤﻮاﻗﻊ اﻟﺴﻮﺷﻴﺎل اﻟﻤﻴﺪﻳﺎ وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻴﺲ ﺑﻮك. ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻷﻫﻞ اﻟﻔﻜﺮ ﺻﻮاﻣﻌﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﻳُﺴﻌﻰ إﻟﻴﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺎﻟﻌﻘﺎد وﻃﻪ ﺣﺴﻴﻦ وزﻛﻲ ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻤﻮد وﻏﻴﺮﻫﻢ ،وﻛﺎن ﻻ ﻳﺘﺴ ّﻨﻰ ﻟﻠﻌﺎﻣﺔ إﻻ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ أوﻟﺌﻚ اﻷﺳﺎﺗﺬة ﻗﺮاءةً ،ورﺑﻤﺎ ﺗﺘﺎح ﻟﻘﻠّ ٍﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﺣﻀﻮر أﻣﺴﻴﺎﺗﻬﻢ ،أو ﺻﺎﻟﻮﻧﺎﺗﻬﻢ. ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻓﻜﺎر ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻮل ،وﻳﺘﻤﺜّﻠﻬﺎ اﻟﺴﻠﻮك ﻓﻲ وﻗﺎ ٍر ﻻ أي ﻗﻴﻤ ٍﺔ وﻟﻮ ﻣﺜﻘﺎل ذرة. ﻳﻨﺘﻘﺺ ﻣﻨﻪ اﻻﺧﺘﻼف ّ وﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﻇﻬﻮر ﺧﻄﺮ اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت اﻹرﻫﺎﺑﻴّﺔ اﻟﻤﺘﻄﺮﻓﺔ دﻳﻨﻴًﺎ وﺧﺎﺻﺔ ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻹﺧﻮان ،وﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟﺪوﻟﺔ وﻣﺎ ﺗﺪﻋﻮان إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ٍ ﻋﻨﻒ وﻃﺎﺋﻔ ّﻴﺔ ٍ ﺗﺄوﻳﻼت ﻣﻔﺮﻃ ٍﺔ ﻣﻐﺮﺿ ٍﺔ ﻣﺘﻄ ّﺮﻓ ٍﺔ ﻟﻠﻨﺼﻮص ،ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ اﻋﺘﻤﺎ ًدا ﻋﻠﻰ ﻣﻤﺎرﺳﺎت اﻟﻌﻨﻒ اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺮت ﻇﺎﻫﺮة اﻹرﻫﺎب ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ وﺧﺎﺻ ًﺔ ﻓﻲ اﻟﺮﺑﻊ ﻗﺮن اﻷﺧﻴﺮ ،ﻫﺬه اﻟﺘﻴﺎرات اﻟﻤﺘﻄ ّﺮﻓﺔ ﻳﻤﻴ ًﻨﺎ ﺗﻘﺎﺑﻠﻬﺎ ﺗﻴﺎرات ﻣﺘﻄ ّﺮﻓﺔ ﺗ ّﺪﻋﻲ اﻻﻧﺘﻤﺎء إﻟﻰ اﻟﻴﺴﺎر أو اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴّﺔ أو اﻟﻠﻴﺒﺮاﻟﻴّﺔ -وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﻠّﺤﺔ- وﻟﺴﺖ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ أن أوﺿّ ﺢ ﺑﺪﻳﻬﺔ ﻣﺆداﻫﺎ أﻧّﻨﻲ ﻻ أﻧﺘﻘﺪ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺪﻳﻦ؛ ﻓﺎﻟﻔﺎﺷﻴﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺮادﻓﺔ ﻟﻠﺪﻳﻦ ،وﻻ ﺻﺎﺣﺒﺔ ﺗﻮﻛﻴﻼﺗﻪ، 56
اﻟﻤﻐﺮﺿﻴﻦ اﻗﺘﺘﻠﻮا ،ﻣﺎذا ﻧﻔﻌﻞ؟! وإن ﻃﺎﺋﻔﺘﺎن ﻣﻦ ُ
ﻋﻤﺮو اﻟﺸﻴﺦ* ƉƚǙ ɐŝũōljǶ ƉƫōƗ
واﻧﺘﻘﺎدي ﻷي ﺗﻨﻈﻴﻢ دﻳﻨﻲ ﻟﻴﺲ إﻻ ﺣﺮﺻﺎً ﻋﻠﻰ ﺻﺤﻴﺢ اﻟﺪﻳﻦ؛ ﻓﺮﺳﺎﻟﺔ اﻹﺳﻼم ﻻ ﺗﻀ ّﻢ ﻓﻲ ﺟﻨﺒﺎﺗﻬﺎ أي ﺷﻜﻞ ﻷي ﺗﻨﻈﻴﻢ وﻟﻮ ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻬﺎﻣﻪ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻮرود! ﻧﻔﺲ اﻷﻣﺮ ﻓﺎﻧﺘﻘﺎدي ﻟﻤﺘﻄ ّﺮﻓﻲ اﻟﻴﺴﺎر أو اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ أو ﺣﺘﻰ ﺗﻴﺎرات اﻹﻟﺤﺎد ﻻ ﺗﻌﻨﻲ رﻓﻀﻲ ﻟﻔﻜﺮة ﻣﺠ ّﺮدة ﻓﻲ ﺻﻮرﺗﻬﺎ اﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ،ﺑﻞ ﻳﻌﻨﻲ اﻧﺘﻘﺎدي ﻟﻤﺘﺘﺮس ﺑﻔﻜﺮ ﻻ ﻳﻌﻴﻪ ﺑﻞ ﻳﺪﻋﻴﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻣﺎ. ﻛﻤﺎ أن اﻧﺘﻘﺎدي ﻟﻠﻴﻤﻴﻦ اﻟﻤﺘﻄ ّﺮف ﻻ ﻳﻌﻨﻲ وﻓﻖ اﻟﺜﻨﺎﺋﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺒﻐﻴﻀﺔ أﻧّﻨﻲ ﻣﻨﺘﻢٍ إﻟﻰ اﻟﻄﺮف اﻵﺧﺮ ،واﻟﻌﻜﺲ ﺻﺤﻴﺢ. اﻟﻌﺮﺑﻲ؟! وﻟﻜﻦ ﻫﻞ ﻫﺎﺗﻴﻦ اﻟﻄﺎﺋﻔﺘﻴﻦ ﻫﻤﺎ وﺣﺪﻫﻤﺎ ﻣﻜ ّﻮﻧﺘﺎ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ّ اﻟﻤﺼﺮي ﻛﻨﻤﻮذج- ﺳﺄﺟﻴﺐ ﺳﺆاﻟﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻣﺘﺤ ّﺪﺛﺎ ﻋﻦ ﻣﺠﺘﻤﻌﻲ ّ ﻣﺼﺮي -وإﺟﺎﺑﺘﻲ اﻟﻘﺎﻃﻌﺔ »ﻻ« ؛ ﻓﻤﺼﺮ ﻣﺜﻼ ﻳﺰﻳﺪ ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ وﺑﺎﻋﺘﺒﺎري ّ ﻋﻦ اﻟﻤﺎﺋﺔ وﺧﻤﺴﺔ ﻣﻼﻳﻴﻦ ﻧﺴﻤﺔ .ﻟﻨﻔﺘﺮض أن ﻓﻴﻬﻢ ﻣﻠﻴﻮﻧﻲ ﻣﻮاﻃﻦ ﻳﻤﻴﻠﻮن إﻟﻰ ﺗﻴﺎرات اﻟﻴﻤﻴﻦ ،وﻣﻠﻴﻮﻧﺎ ﻳﻨﺘﻤﻮن إﻟﻰ اﻟﺘﻴﺎرت اﻟﻴﺴﺎرﻳﺔ أو اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ أو اﻟﻠﻴﺒﺮاﻟﻴﺔ. ﺳﻨﻔﺘﺮض وﻧﺤﻦ ﻧﺒﺎﻟﻎ أ ّن إﺟﻤﺎﻟﻲ ﻣﻨﺘﻬﺠﻲ اﻷﻳﺪوﻟﻮﺟﻴﺎت ﻋﻠﻰ ﺗﻨ ّﻮﻋﻬﺎ ﺧﻤﺴﺔ ﻣﻼﻳﻴﻦ ،ﻓﻤﺎذا ﻋﻦ اﻟﻤﺎﺋﺔ ﻣﻠﻴﻮن؟! ﻣﺎ ﻣﻮﻗﻔﻬﻢ؟ ﻛﻴﻒ ﻳﺘﺸﻜّﻞ وﻋﻴﻬﻢ؟ ﻛﻴﻒ ﺗﺘﺒﻠﻮر ردود أﻓﻌﺎﻟﻬﻢ، ﺛﻢ رؤاﻫﻢ ،ﺛﻢ ﻣﻮاﻗﻔﻬﻢ وﻫﻢ ﻳﺘﺎﺑﻌﻮن ﻣﺘﺄﺳﻠﻤﻴﻦ ﻳﻘﺘﻠﻮن اﻷﺑﺮﻳﺎء، وﻳﻔ ّﺠﺮون ﻛﻤﺎﺋﻦ اﻟﺸﺮﻃﺔ ﺑﻤﺠ ّﻨﺪﻳﻬﺎ اﻟﺒﺴﻄﺎء وﻳﺤ ّﺮﻣﻮن اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ واﻟﻔﻨﻮن واﻟﺤﻴﺎة ذاﺗﻬﺎ؟! ﻛﻞ ﻫﺬا ﻳُﺮﺗﻜﺐ ﺑﺎﺳﻢ اﻹﺳﻼم. ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻬﻤﺔ ﻛﺸﻒ ﻫﺆﻻء اﻟﺨﻮارج ﺳﻬﻠﺔ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻔﺎﺟﺌﻨﺎ اﻟﻔﻴﺲ ﺑﻮك واﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺎت ﺑﺘﻴﺎرات ﺗ ّﺪﻋﻲ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ واﻟﻌﻠﻤﺎﻧ ّﻴﺔ واﻻﻧﺘﻤﺎء إﻟﻰ اﻟﻴﺴﺎر وﻓﻲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ ﻫﻢ ﻣﻐﺮﺿﻮن ﻻ ﻳﻌﻨﻴﻬﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ إﻻ اﻟﻄﻌﻦ اﻟﻮﻗﺢ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ دﻳﻨﻲ ﻳﺤﻤﻴﻬﻢ أﻣﺮان :اﻷول؛ ﺗﺪ ّرﻋﻬﻢ ﺑﺪرع ادﻋﺎء اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﺪﻳﻨﻲ ،وﻛﺄﻧّﻨﺎ ﻣﺜﻼ ﻟﻮ ﺗﺮﻛﻨﺎ ﻋﺒﺎءة ورﺑﻄﻬﻢ ﺗﺨﻠﻔﻨﺎ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﺘﻤﺴﻜﻨﺎ ّ اﻟﺪﻳﻦ ﺳﻨﺮﺗﺪي ﺳﺘﺮة رواد اﻟﻔﻀﺎء ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻴﻮم وﻫﺬا اﻷﺳﻠﻮب
وﻓﻲ ﻋﺎم 1921م ﺗﻤﻜﱠﻦ ﻣﻦ اﻟﻌﻮدة ﻟﺒﻀﻌﺔ أﺷﻬﺮ إﻟﻰ ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ اﻟﻘﺪس ،ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻨﻈﻴﻢ وﻧﻘﻞ ﻣﻘﺘﻨﻴﺎﺗﻪ وﻣﺠﻤﻮﻋﺎﺗﻪ إﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻏﺮاﻳﻔﺴﻔﺎﻟﺪ اﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺑﺪأ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺄﺳﺘﺎذ ﺟﺎﻣﻌﻲ ﻫﻨﺎك ،وﻫﻜﺬا وﺻﻠﺖ اﻟﺸﺮاﺋﺢ اﻟﺰﺟﺎﺟﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺼﻮر إﻟﻰ أﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ،واﻧﺘﻘﻞ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺼﻮر إﻟﻰ اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺼﻮر اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻤﻌﻬﺪ ﻏﺮاﻳﻔﺴﻔﺎﻟﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ،اﻟﺬي ﱠأﺳﺴﻪ ﻏﻮﺳﺘﺎف ،وﺑﺎت ﻳﻌﺮف اﻟﻴﻮم ﺑﺎﺳﻢ ﻣﻌﻬﺪ ﻏﻮﺳﺘﺎف داﻟﻤﺎن. ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﺼﻮر
وﻣﺠﻤﻮﻋﺔ داﻟﻤﺎن اﻟﺨﺎﺻﺔ ،اﻟﺘﻘﻄﺖ ﻋﻠﻰ اﻷرﺟﺢ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻣﻄﻠﻊ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ وﺣﺘﻰ اﻟﺜﻼﺛﻴﻨﻴﺎت ،وﺗﻤﺘﺪ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﺼﻮر ﻣﻦ ﺗﺼﻮﻳﺮ اﻟﻤﻨﺎﻇﺮ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ واﻟﻤﻨﺎﻇﺮ اﻟﻤﻌﻤﺎرﻳﺔ وﺣﺘﻰ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺎت اﻹﺛﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺔ واﻟﻨﺒﺎﺗﻴﺔ ،وﻗﺪ ﻏﻄﱠﺖ ﻣﺠﺎﻻً واﺳ ًﻌﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﺿﻴﻊ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺪ ﻣﻦ ﺣﻴﺎة اﻷﻫﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻷرﻳﺎف إﻟﻰ وﺑﺎء اﻟﺠﺮاد ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ وﺣﺘﻰ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻷوﻟﻰ.وﻗﺪ ﻋﻤﻞ أﺳﺘﻮدﻳﻮ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻮﻳﻦ اﻟﺸﺮاﺋﺢ اﻟﺰﺟﺎﺟﻴﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺼﻮر ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎن اﻟﺴﻮﻳﺪي إرﻳﻚ ﻣﺎﺗﺴﻮن وزوﺟﺘﻪ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ إدﻳﺚ ﻣﻦ اﻟﻤﺼ ﱢﻮرﻳﻦ اﻷﻛﺜﺮ ﺷﻬﺮة ﻓﻲ اﻟﻘﺪس ،وﻗﺪ أﺻﻼ ﺑﺎﻷﺳﻮد واﻷﺑﻴﺾ، ﺗﺨﺼﺼﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻮﻳﻦ اﻟﺸﺮاﺋﺢ اﻟﺰﺟﺎﺟﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﺗﺼﻮﻳﺮﻫﺎ ً ﱠ واﺳﺘﺨﺪﻣﺎ اﻷﻟﻮان اﻟﺰﻳﺘﻴﺔ وﻓﺮﺷﺎة دﻗﻴﻘﺔ ﺟ ًﺪا ،ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺸﻌﺮة واﺣﺪة ﻓﻘﻂ ﻟﺘﻠﻮﻳﻦ اﻟﺸﺮاﺋﺢ اﻟﺰﺟﺎﺟﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻞ ﻳﺪوي ﻣﺘﻌﺐ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻬﺬه اﻟﺸﺮاﺋﺢ أن ﺗﺘﺤ ﱠﻤﻞ ﺣﺮارة ﺟﻬﺎز اﻟﻌﺮض اﻟﻀﻮﺋﻲ .واﻋﺘﻤﺪ اﻟﺘﻠﻮﻳﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺬاﻛﺮة أو اﻟﺮﺳﻮﻣﺎت. ﻟﻜﻦ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈ ﱠن ﺟﻮدة ﻋﻤﻠﻬﻤﺎ ﺗﺠﻌﻞ اﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن أ ﱠن ﻫﺬه اﻟﺼﻮر ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻫﻲ ﺻﻮر ﻣﻠ ﱠﻮﻧﺔ .واﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﺠﻤﻮﻋﺘﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ، اﺷﺘﺮى داﻟﻤﺎن ﺑﻌﺾ ﺷﺮاﺋﺢ اﻟﺼﻮر ﻣﻦ »ﻓﺴﺘﺮ وﺷﺮﻛﺎؤه ﻓﻲ اﻟﻘﺪس« ،وﻫﻮ ﻣﺤﻞ ﺗﺼﻮﻳﺮ ﻛﺎن ﻣﻌﺮوﻓًﺎ ﺑﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺘﻪ اﻟﻤﺘﻘ ﱢﺪﻣﺔ وﻣﺠﺎل اﻟﻤﻮاﺿﻴﻊ اﻟﻮاﺳﻊ وﺑﻤﺼ ﱢﻮرﻳﻪ اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﻴﻦ ارﺗﺒﺎﻃًﺎ وﺛﻴﻘًﺎ ﺑﻔﻠﺴﻄﻴﻦ .وﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﻋﺎ ًﻣﺎ ﻗﺎم ﻣﺼ ﱢﻮرو اﻟﻘﺪس ﺑﺘﻮﺛﻴﻖ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ وﻗﺪ أﻧﺘﺠﻮا أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﻳﻦ أﻟﻔًﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﻮر اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ اﻟﺰﺟﺎﺟﻴﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺼﻮر اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
55
ارﺗﻴﺎد اﻵﻓﺎق
ﻣﺮاﻛﺰ ﺑﺤﺜﻴﺔ ﻟﺘﺄﺻﻴﻞ دراﺳﺎﺗﻬﻢ وأﺑﺤﺎﺛﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ. وﻛﺎن ﻋﻠﻰ رأس ﻫﺆﻻء اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﻏﻮﺳﺘﺎف داﻟﻤﺎن اﻟﺬي وﻟﺪ ﻋﺎم 1855م ،وﻋﺎش ﺣﺘﻰ ﻋﺎم 1941م ،واﺷﺘﻬﺮ ﺑﻌﺸﻘﻪ ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺪس، ﻓﻘﺪ أﺳﺲ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ اﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺔ ،وﺟﺎء إﻟﻰ اﻟﻘﺪس ﻋﺎم 1902م ،ﻛﺄول ﻣﺪﻳﺮ ﻟﻠﻤﻌﻬﺪ اﻷﻟﻤﺎﻧﻲ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ ﻟﻶﺛﺎر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘ ﱠﺪﺳﺔ ،وﻗﺎم ﺑﺘﺼﻮﻳﺮ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺼﻮر اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺮاﺋﺢ زﺟﺎﺟﻴﺔ ،ﻗﺪﻣﺖ ﻣﺸﺎﻫﺪ راﺋﻌﺔ ﻣﻦ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘ ﱠﺪﺳﺔ ﻓﻲ ﻧﺤﻮ ﻋﺎم 1900م .ﻓﻔﻲ أدراج ﻣﺘﺤﻒ اﻟﻤﻌﻬﺪ اﻷﻟﻤﺎﻧﻲ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ ﻟﻶﺛﺎر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘ ﱠﺪﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺪس ﻛﺎن ﻳﺨﺘﺒﺊ ﻃﻴﻠﺔ أﻋﻮام ﻋﺪﻳﺪة ﻛﻨ ٌﺰ ﻣﻜ ﱠﻮن ﻣﻦ ﻧﺤﻮ ﻣﺎﺋﺔ وﻋﺸﺮﻳﻦ ﺷﺮﻳﺤﺔ زﺟﺎﺟﻴﺔ ﻣﺼﻮرة ﻗﺎم ﺑﺎﻟﺘﻘﺎﻃﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻷﻟﻤﺎﻧﻲ .وﻏﻮﺳﺘﺎف داﻟﻤﺎن ﻻﻫﻮﺗﻲ أﻟﻤﺎﻧﻲ ﻋﺸﻖ اﻵﺛﺎر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘ ﱠﺪﺳﺔ، وﻗﺪ ﻛﺎن ﻣﻌﺠ ًﺒﺎ ﺑﻔﻠﺴﻄﻴﻦ وأﻫﻠﻬﺎ ،وﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮاﻗﺒﺔ واﻟﺘﻮﺛﻴﻖ؛ ﺑﻞ اﻧﺪﻣﺞ ﻣﻊ ﺳﻜﺎن اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻜﺎن ﻳﻨﺎم ﻓﻲ ﺧﻴﺎم اﻟﺒﺪو ،وﺗﻌﻠﱠﻢ ﻛﻴﻒ ﻳﺤﺮث اﻷرض ﺑﺄﺳﺎﻟﻴﺐ ﻣﺤﻠﻴﺔ ،وﻳﻨﺴﺞ اﻟﻤﻨﺴﻮﺟﺎت ،وﻳﺨﺒﺰ اﻟﺨﺒﺰ. اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ دراﺳﺔ اﻷراﺿﻲ
وﻛﺎن ﻻﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺎﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘ ﱠﺪﺳﺔ ﻋﻨﺼ ٌﺮ روﺣﻲ أﻳﻀً ﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ أ ﱠن اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘ ﱠﺪس ﻗﺪ ﺗﻜ ﱠﻮن ﻓﻲ ﺟﻨﻮب ﺑﻼد اﻟﺸﺎم وأ ﱠن اﻷﺣﺪاث اﻟﻤﻮﺻﻮﻓﺔ ﻓﻴﻪ ﻗﺪ دارت ﻫﻨﺎك ،ﻋﻠﻰ أﻧﱠﻬﺎ ﻣﺠ ﱠﺮد ﺻﺪﻓﺔ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﻳﻌﺘﺒﺮﻫﺎ ﻗﻀﺎ ًء ُﻣﻘ ﱠﺪ ًرا ﻣﻦ اﻟﻠﻪ ،وﻛﺎن ﻣﻘﺘﻨ ًﻌﺎ ﺑﺄ ﱠن اﻟﻼﻫﻮت ﻳﻠﻐﻲ أﺳﺎﺳﻪ ﻓﻲ ﺣﺎل إﻫﻤﺎﻟﻪ ﻫﺬه اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .ﻛﻤﺎ ﻛﺎن داﻟﻤﺎن ﻋﻠﻰ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﺑﺄ ﱠن َﻣ ْﻦ أراد أن ﻳﻔﻬﻢ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘ ﱠﺪس ،ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ دراﺳﺔ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘ ﱠﺪﺳﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ .وﻣﻊ اﺗ ﱢﺒﺎﻋﻪ ﻫﺬا اﻟﻨﻬﺞ ﻗﺎم ﺑﺘﺼﻨﻴﻒ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﺨﻮر ،واﻟﻨﺒﺎﺗﺎت واﻷﺧﺸﺎب ،واﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت، وأدوات اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،واﻵﻻت اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ،واﻟﻨﻘﻮد اﻟﻤﻌﺪﻧﻴﺔ، واﻟﻤﻼﺑﺲ ،وﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻊ اﻷﺛﺮﻳﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺼﻮر اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ. اﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ
وﺷﻤﻠﺖ أﺑﺤﺎﺛﻪ اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻟﻄﺒﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ واﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، وﻛﺬﻟﻚ اﻵﺛﺎر ﻣﻦ ﻋﺼﻮر ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ وﺣﺘﻰ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻠﻐﺔ واﻟﻌﺎدات واﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ وأﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺘﱠﺒﻌﺔ ﻟﺪى اﻟﺴﻜﱠﺎن اﻟﻤﺤﻠﻴﻴﻦ .وﻗﺪ ﺟﻤﻊ ﻫﺬه اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ،وأﻧﺸﺄ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ﻣﺠﺎل ﺑﺤﺚ ﺟﺪﻳﺪ ،ﻛﺎن ﻳﻌﺘﺒﺮه ﻋﻠﻤﺎً ﻣﺴﺎﻋﺪا ً ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻟﻼﻫﻮﺗﻴﺔ .وﻗﺪ أدرك ﻏﻮﺳﺘﺎف ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺘﻪ اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺼﻮر اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ وﻓﻮاﺋﺪﻫﺎ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،إذ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻬﺪف 54
ﻏﻮﺳﺘﺎف داﻟﻤﺎن ﻋﺎﺷﻖ اﻟﻘﺪس
إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪة ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺿﻴﺢ اﻟﺒﺤﻮث اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،وﻓﻲ اﻟﺪورات اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻘﻮم ﺑﺘﻨﻈﻴﻤﻬﺎ ذﻛﺮ ﻏﻮﺳﺘﺎف ﻟﻠﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ أ ﱠن »ﻛﺎﻣﻴﺮا اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻲ ﻳﺠﺐ أن ﺗﻠﺘﻘﻂ اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻟﻤﻤﻴﱠﺰة ،وﻟﻴﺲ اﻟﻔﻀﻮل أو اﻷﺷﻴﺎء ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻬﻤﺔ ،وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺮاﻗﺒﺔ اﻷﺷﻜﺎل واﻷﻟﻮان واﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﻬﺪوء وﺗﺴﺠﻴﻞ اﻟﻤﻼﺣﻈﺎت ﻓﻲ اﻟﺪﻓﺘﺮ«. اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻷوﻟﻰ
وﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﺪﻟﻌﺖ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻷوﻟﻰ ﻋﺎم ،1914ﻛﺎن داﻟﻤﺎن ﻳﻘﻀﻲ إﺟﺎزﺗﻪ ﻓﻲ زﻳﺎرﺗﻪ اﻟﺴﻨﻮﻳﺔ ﻟﻮﻃﻨﻪ أﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ،ﻓﺤﺎﻟﺖ اﻟﺤﺮب ﻣﻦ دون ﻋﻮدﺗﻪ إﻟﻰ اﻟﻘﺪس ،وﺗﺴﺒﺐ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﺗﺄﺧﱠﺮه ﻋﻦ إﻧﺠﺎز ﻣﺠﻤﻮﻋﺎﺗﻪ اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺼﻮر ،ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺼﻮر اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘ ﱠﺪﺳﺔ.
ﻣﺼﺪر إﻟﻬﺎم
وﻫﺬه اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺗﺸﻜﻞ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ وﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ واﻷﺣﺪاث اﻟﺘﻲ ﻣﺮت ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻧﻤﻂ ﻋﻤﺮاﻧﻬﺎ وﻫﻨﺪﺳﺘﻬﺎ ،ﻣﺼﺪر إﻟﻬﺎم ﻟﻠﻤﺒﺪﻋﻴﻦ واﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺸﺮق واﻟﻐﺮب ،وﺧﺼﻮﺻﺎ اﻟﻤﺼﻮرﻳﻦ واﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ اﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ أﻓﺎدوا ﻣﻦ أﻟﻮاﻧﻬﺎ وﻋﻤﺎراﺗﻬﺎ وﻓﻨﻮﻧﻬﺎ ﻛﻤﻔﺮدات وﻣﻮﺿﻮﻋﺎت ﻟﺼﻮرﻫﻢ وﻟﻮﺣﺎﺗﻬﻢ .وﻟﻘﺪ ﺑﺪأ اﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﻔﻨﻲ واﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻲ ﺑﺎﻟﻘﺪس واﻟﺪﻳﺎر اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻣﻨﺬ وﻗﺖ ﻣﺒﻜﺮ ،ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻰ ﺑﺪاﻳﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس ﻋﺸﺮ ،ﺣﻴﻦ ﺑﺪأ ﺗﻮاﻓﺪ اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ واﻟﺮﺳﺎﻣﻴﻦ واﻟﺮﺣﺎﻟﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﻴﻦ إﻟﻰ ﻫﺬه اﻷرض ،ﻓﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺻﻮر »ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ واﻷرض ﻣﻦ - 1500 «1900ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر ﻫﺸﺎم اﻟﺨﻄﻴﺐ ،واﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات ﻓﻲ ﻣﻌﺮض ﻓﻨﻲ ،ﺗﺒﻴﻦ ﺗﻄﻮر ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺪس ﺑﻴﻦ اﻷﻋﻮام 1917 – 1517م، ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺮﺳﻮﻣﺎت واﻟﻠﻮﺣﺎت واﻟﺼﻮر اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺻﺪ ﺗﻄﻮرﻫﺎ ﺑﺘﻔﺎﺻﻴﻞ دﻗﻴﻘﺔ ،وﺗﺆﻛﺪ ﻏﻨﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻳﺎر اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ وﺧﻴﺮاﺗﻬﺎ وﺗﻨﻮﻋﻬﺎ وﻧﺪرة ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻣﺪى اﻫﺘﻤﺎم اﻟﻐﺮب ﺑﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﻗﺮون ﻋﺪﻳﺪة .وﻟﻘﺪ ﺿﻢ اﻟﻤﻌﺮض ﻟﻮﺣﺎت ﻓﻨﻴﺔ وﺻﻮرا ً ﻓﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ وﻛﺘﺒﺎً وﺧﺮاﺋﻂ وأﻃﺎﻟﺲ وﺑﺎﻧﻮراﻣﺎ ﻓﻨﻴﺔ وﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻦ واﻟﻘﺪس ،وﻛﻠﻬﺎ ﻟﺮﺳﺎﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ واﻳﻄﺎﻟﻴﺎ وﺑﻠﺠﻴﻜﺎ وأﻟﻤﺎﻧﻴﺎ وﻓﺮﻧﺴﺎ واﻳﺮﻟﻨﺪا واﻟﺴﻮﻳﺪ .وﺗﻨﺎول اﻟﺮﺳﺎﻣﻮن ﻣﻮﺿﻮﻋﺎﺗﻬﻢ ﺑﺎﻷﻟﻮان اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ ﻟﺴﻬﻮﻟﺔ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﺨﺎﻣﺔ ،ﻓﻀﻼ ﻋﻦ إﺗﻤﺎم اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺴﺮﻋﺔ أﻛﺒﺮ ﻷن اﻷﻟﻮان اﻟﺰﻳﺘﻴﺔ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ دﻗﺔ ووﻗﺖ أﻃﻮل .وﺟﻤﻊ ﻫﺆﻻء اﻟﺮﺳﺎﻣﻮن ﻧﻘﻠﻮا ﺑﺄﻣﺎﻧﺔ ﺧﻼل رﺣﻼﺗﻬﻢ ﻣﺸﺎﻫﺪ ﻫﺎﺋﻠﺔ وﺗﻔﺎﺻﻴﻞ دﻗﻴﻘﺔ ﻟﺴﺎﺋﺮ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﻲ زاروﻫﺎ ،وﻧﻘﻠﻮا ﺑﺎﻷﻟﻮان أﺟﻮاء ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ واﻷردن. اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،وﻣﻮاﻗﻌﻬﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ،واﻟﺴﻬﻮﻟﺔ اﻟﻤﺘﺰاﻳﺪة ﻓﻲ اﻟﺴﻔﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﺳﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ زﻳﺎدة اﻟﻨﺸﺎط اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺪس ،ﻛﺎن اﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮاﻗﻊ اﻷﺛﺮﻳﺔ. اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻲ
وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻢ اﺧﺘﺮاع اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻲ ﻋﺎم 1839م ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪﻳﺎر اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻣﻦ أواﺋﻞ اﻟﻤﻮاﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﺗﺼﻮﻳﺮﻫﺎ ﻓﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺎ ،ﻏﻮﺳﺘﺎف داﻟﻤﺎن ﻓﺎﻟﻘﺪس ﺑﻤﺒﺎﻧﻴﻬﺎ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻛﺎﻧﺖ وﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﺸﻜﻞ أﻓﻀﻞ وﻟﻘﺪ ﻋﺎش ﻓﻲ اﻟﻘﺪس ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺼﻮرﻳﻦ اﻷﺟﺎﻧﺐ اﻟﺬﻳﻦ اﻟﺘﻘﻄﻮا اﻟﻤﻮاﻗﻊ ﻟﻠﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻲ .ﻛﻤﺎ أن اﻫﺘﻤﺎم اﻷوروﺑﻴﻴﻦ ﺑﺎﻟﺪﻳﺎر اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺼﻮر ،واﻫﺘﻤﻮا ﺑﺪراﺳﺔ ﻣﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ وآﺛﺎرﻫﺎ ،ﺑﻞ وأداروا
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
53
ارﺗﻴﺎد اﻵﻓﺎق
ﻏﻮﺳﺘﺎف داﻟﻤﺎن
ﻋﺎﺷﻖ اﻟﻘﺪس أﺣﻤـﺪ أﺑﻮ زﻳﺪ
ﻇﻠﺖ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺪس ﻣﺤﻂ أﻧﻈﺎر اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ واﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ واﻷدﺑﺎء ﻋﺒﺮ اﻟﻌﺼﻮر ،وﺧﺎﺻﺔ ﻣﻊ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ وﺣﺘﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،وذﻟﻚ ﻟﻠﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ آﺛﺎر وﻋﻤﺎرة وﻣﻌﺎﻟﻢ دﻳﻨﻴﺔ ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻮاﻃﻦ اﻷﺣﺪاث اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻤﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﻓﻘﺪ زارﻫﺎ ﻣﺌﺎت اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ واﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ واﻷدﺑﺎء وﻛﺘﺒﻮا ﻋﻨﻬﺎ ،وﺻﻮروا ﻣﻌﺎﻟﻤﻬﺎ، ﻓﺄﺧﺬت ﺣﻴﺰاً ﻛﺒﻴﺮاً ﻣﻦ رﺣﻼﺗﻬﻢ وأﺷﻌﺎرﻫﻢ وﺻﻮرﻫﻢ ورﺳﻮﻣﻬﻢ ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺴﻴﺮ ﺣﺼﺮ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻦ ارﺗﺎدوﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ واﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ واﻷدﺑﺎء. ﻓﻔﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ وﺣﺪه ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺪس ﻣﺤﺞ اﻟﻤﺼﻮرﻳﻦ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻴﻦ ،ﻓﻜﺎن ﻳﺘﺠﻮل ﻓﻲ أﻧﺤﺎﺋﻬﺎ ﻧﺤﻮ 300ﻣﺼﻮر أﺟﻨﺒﻲ ،وﻃﺒﻌﻮا ﺧﻼل ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ﻋﺸﺮات اﻵﻻف ﻣﻦ اﻟﺼﻮر ﻋﻨﻬﺎ وﻋﻦ اﻷردن وﻣﺼﺮ .ذﻟﻚ أن ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺪس ﺑﻬﻴﺒﺘﻬﺎ وﺟﻼﻟﻬﺎ ﺗﺒﺴﻂ أﻣﺎﻣﻨﺎ وأﻣﺎم اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ ﺗﺎرﻳﺨًﺎ ﺣﺎﻓﻼً ﺑﻜﻞ دﻻﺋﻞ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ واﻟﺼﻤﻮد ،رﻏﻢ ﻛﻞ اﻟﻤﻮﺟﺎت اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻗﺒﺖ ﻓﻲ ﺣﻜﻤﻬﺎ ،ﻣﻨﺬ أﺳﺴﻬﺎ اﻟﻴﺒﻮﺳﻴﻮن اﻟﻌﺮب ﻗﺒﻞ ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ﻋﺎم ،وﺣﺘﻰ ﺟﺜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻻﺣﺘﻼل اﻟﺼﻬﻴﻮﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ. 52
ﻏﻮﺳﺘﺎف داﻟﻤﺎن ﻋﺎﺷﻖ اﻟﻘﺪس
Í Ëí ¡ ì ¥
ﻏﻮﺳﺘﺎف داﻟﻤﺎن
ﻋﺎﺷﻖ اﻟﻘﺪس أﺣﻤﺪ أﺑﻮ زﻳﺪ
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
51
وﺟﻬﺔ ﺳﻔﺮ
»اﻟﻜﻨﺎل« ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮة ﻛﺎن ﻳﺬﻛﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻛﻨﺖ أﻧﺪﻫﺶ؛ ﻟﺴﺒﺐ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ واﺿ ًﺤﺎ ﻟﻲ ﻣﻦ اﻟﻮﻫﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ،ﺣﺴﺒﺘﻪ ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻗﻨﺎة اﻟﺴﻮﻳﺲ ،ﻟﻜﻨﻨﻲ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﻨ ﱠﺒﻬﺖ ﻟﺨﻄﺌﻲ اﻟﻔﺎدح؛ ﻓﻤﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻨﻄﻘﺘﻴﻦ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻛﺒﻴﺮة ،وﺧﺮﻳﻄﺔ ﻣﺼﺮ ﻣﺤﻔﻮرة ﻓﻲ ذاﻛﺮﺗﻲ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺘﻘﺎرب اﻟﺸﺪﻳﺪ ﺑﻴﻦ اﻻﺳﻤﻴﻦ رﺑﻤﺎ ﺗﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻻرﺗﺒﺎك اﻟﺬي ﺣﺪث داﺧﻠﻲ ،ﻛﻤﺎ أن اﻟﻬﺪف ﻣﻦ اﻟﺘﻮاﺟﺪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻻ »ﻛﻨﺎل« ﺻﺪﻳﻘﻲ ،وﻻ ﻗﻨﺎة اﻟﺴﻮﻳﺲ ﺑﺎﻷﺳﺎس؛ ﻓﻠﻢ أو ِل اﻷﻣﺮ اﻫﺘﻤﺎ ًﻣﺎ ﻳﻤﻨﻊ ﻫﺬا اﻟﻠﺒﺲ! ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻣﻰ ﺣﺠﺮ ﻣﻦ ﺳﺎﺣﻞ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺑﻴﺾ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﺗﺮﻗﺪ ﺑﺤﻴﺮة »اﻟﺒﺮﻟﺲ« وادﻋﺔ ،ﺗﺤﺘﻞ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺷﺎﺳﻌﺔ )أو ﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ، ﻗﺒﻞ أن ﺗﻄﺎﻟﻬﺎ ﻳﺪ اﻟﺘﺠﻔﻴﻒ اﻟﻌﻤﺪي!( ،إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل اﻟﺸﺮﻗﻲ ﻣﻦ ﻓﺮع رﺷﻴﺪ )أﺣﺪ ﻓﺮﻋﻲ اﻟﻨﻴﻞ( ،وﻫﻲ ﺛﺎﻧﻲ أﻛﺒﺮ اﻟﺒﺤﻴﺮات اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺑﻤﺼﺮ، ﻣﻴﺎﻫﻬﺎ ﺧﻀﺮاء ﻏﺎﻟﺒًﺎ ،ﻣﻠﻮﺣﺘﻬﺎ ﺧﻔﻴﻔﺔ؛ ﻧﻈ ًﺮا ﻻﺗﺼﺎﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﻴﻞ ﻋﺒﺮ ﻗﻨﺎة »ﺑﺮﻣﺒﺎل« ،وﻗﺎﻋﻬﺎ ﻟﻴﺲ ﻋﻤﻴﻘًﺎ )ﺟﺮﺑﺖ اﻟﺴﺒﺎﺣﺔ ﻓﻴﻬﺎ ذات ﻧﻬﺎر!(. ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺖ داﺋ ًﻤﺎ ،أﻋﺸﻖ ﺻﻴﺪ اﻷﺳﻤﺎك .ﻛﺎن ذﻟﻚ داﻓﻌﻲ اﻷول ﻟﻘﻄﻊ ﻣﺎ ﻳﻘﺮب ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺘﻲ ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮ ﺑﺴﻴﺎرﺗﻲ؛ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﻨﻘﻄﺔ اﻷﺑﻌﺪ ﺒﺖ ﻣﻌﻈﻢ أرﺟﺎﺋﻬﺎ ﻟﻨﻔﺲ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻛﻔﺮ اﻟﺸﻴﺦ ،اﻟﺘﻲ ُﺟ ُ ﻃﻮل اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺒﺤﻴﺮة ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻠ ًﻤﺎ ﻟﻢ أﺳ َﻊ ﻟﺘﻨﻔﻴﺬه ﻋﻠﻲ اﻻﺧﺘﻴﺎر ﺑﻴﻦ ﻃﺮﻳﻘﻴﻦ ﻟﻠﻮﺻﻮل ﻟﻮﺟﻬﺘﻲ: ﻗﺒﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﺮة .ﻛﺎن ﱠ أذﻫﺐ ﺷﻤﺎﻻً -أ ﱠو ًﻻ -ﺣﺘﻰ أﺻﻞ إﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ دﻣﻨﻬﻮر ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ اﻟﺒﺤﻴﺮة ،ﺛﻢ أﻧﺤﺮف ﻳﻤﻴ ًﻨﺎ ﺑﺎﺗﺠﺎه ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﻄﻮﺑﺲ ،ﺛﻢ أﻗﻄﻊ اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﺪود اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺒﺤﻴﺮة؛ أو أن أﺗ ﱠﺠﻪ إﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻛﻔﺮ اﻟﺸﻴﺦ ،ﺛﻢ أﺳﻴﺮ ﺑﺎﺗﺠﺎه ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻠﻄﻴﻢ ،ﻣﻨﺤﺪ ًرا ﺗﺠﺎه اﻟﺸﻤﺎل؛ ﻷﺻﻞ ﻟﻠﻀﻠﻊ اﻟﺸﺮﻗﻲ ﻟﻠﺒﺤﻴﺮة ﻣﺴﺘﻤ ٍّﺮا ﻓﻲ اﻟﺘﻮﻏﱡﻞ ﺟﻬﺔ اﻟﺸﻤﺎل .اﺧﺘﺮت
50
»اﻟﻜﻨﺎل«
ﻣﺤﻤﻮد ﺷﺮف* ǼƉƚǙ ǽǙȎƫŒǶ ƉƫōƗ
ﻃﺮﻳﻖ دﻣﻨﻬﻮر ،ﺣﻴﺚ أﻟﺘﻘﻲ ﺑﺼﺪﻳﻖ ﻓﻲ ﻣﻄﻮﺑﺲ ﺳﻴﺮاﻓﻘﻨﻲ ﻓﻲ رﺣﻠﺘﻲ ،ﻋﻠﻰ أن أﻋﻮد ﻣﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻵﺧﺮ ﻓﻲ رﺣﻠﺔ اﻟﻌﻮدة .ﺑﺪأتُ رﺣﻠﺘﻲ ﻗﺒﻞ اﻟﻔﺠﺮ ﺑﻘﻠﻴﻞ ،ﺑﻌﺪ اﻟﺘﺰ ﱡود ﺑﻤﺎ ﺗﺘﻄﻠﱠﺒﻪ ﻣﻦ اﺳﺘﻌﺪادات ﻟﻠﺼﻴﺪ ،ووﺻﻠﺖ ﺑﻌﺪ ﺛﻼث ﺳﺎﻋﺎت ﺗﻘﺮﻳ ًﺒﺎ. ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎرب اﻟﺬي أﻗﻠﱠﻨﺎ ﻓﻮق ﻣﻴﺎه اﻟﺒﺮﻟﺲ اﻟﺪاﻓﺌﺔ ﺻﺤﺒﻨﻲ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻷﺻﺪﻗﺎء ،وآﺧﺮون اﻟﺘﻘﻴﺘﻬﻢ ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ،ﻛﺎﻧﻮا ودودﻳﻦ ،وﻳﺤﻤﻠﻮن آﻻف اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت ﻋﻦ اﻟﻤﻜﺎن ،وﻋﻦ ذﻛﺮﻳﺎﺗﻬﻢ ﻣﻊ اﻟﺼﻴﺪ ،اﻟﺬي ﻣﺎرﺳﻮه ﺑﻄﺮق ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻨﺬ أن اﺷﺘ ﱠﺪت أﻋﻮادﻫﻢ؛ ﻳﻐﻮص ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻟﻴﻤﺴﻚ ﺑﺎﻷﺳﻤﺎك ﺑﺎﻷﻳﺪي ﻣﻦ اﻟﻘﺎع ،ﺑﻌﺪ إﺣﺪاث ﺟﻠﺒﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻹﺧﺎﻓﺔ اﻟﺴﻤﻚ؛ ﻓﻴﻠﺠﺄ ﻟﻼﺧﺘﺒﺎء ﻗﺮب اﻟﻘﺎع .ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻮن اﻟﺸﱢ ﺒﺎك أﻳﻀً ﺎ ،وﻳﻘﻮم ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻤﻤﺎرﺳﺎت ﺧﺎﻃﺌﺔ ﻛﺬﻟﻚ )ﻛﺎﻟﺼﻴﺪ ﺑﺎﻟﺼﻌﻖ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻲ ،وﻏﻴﺮه(. أﺧﺬﺗﻨﻲ اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت؛ ﻓﻠﻢ أُ ِﻋ ْﺮ اﻟﺼﻴﺪ اﻧﺘﺒﺎ ًﻫﺎ ﻛﺒﻴ ًﺮا ،وﻟﻢ ﺗﺴﺘﺠﺐ أﺳﻤﺎك اﻟﺒﺤﻴﺮة ﻟﺤﻴﻞ اﻟﺼﻴﺪ اﻟﺘﻲ أﻋﺮﻓﻬﺎ أﻳﻀً ﺎ؛ ﻓﺎﻧﺼﺮﻓﺖ ﻟﺴﺮدﻫﻢ اﻷﺧﱠﺎذ. ﺣﻞ وﻗﺖ اﻟﻐﺪاء اﻧﻀ ﱠﻢ ﻗﻠﺖ :أﺗﻴﺖ اﻟﻴﻮم ﻻﺻﻄﻴﺎد اﻟﺤﻜﺎﻳﺎت! ﺣﻴﻨﻤﺎ ﱠ ﻗﺎرﺑﻨﺎ ﻟﻘﺎرب آﺧﺮ ،اﻟﺘﺼﻘﺎ ﺗﻘﺮﻳ ًﺒﺎ ،رﺑﻄﻮﻫﻤﺎ ﺑﺒﻌﻀﻬﻤﺎ ﺑﻌﻀﺎً ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺒﺘﻌﺪا ،وﺗﻮزﱠع اﻟﺮﻛﺎب ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ وﻟﻴﻤﺔ أﺳﻤﺎك ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ. ﺑﻌﺪ أن أﺻﺒﺢ ﻟﻬﻴﺐ اﻟﺸﻤﺲ ﺣﺎرﻗًﺎ ﺧﺮﺟﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ ،ﻋﻨﺪ ﻣﺪﺧﻞ ﻗﻨﺎة ﺑﺮﻣﺒﺎل وﻋﺎودﻧﺎ ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻟﺼﻴﺪ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﺟﺪﻳﺪ ﻳُﺬﻛَﺮ؛ ﻻ ﺷﻲء ﺳﻮى أﺳﻤﺎك ﺿﺌﻴﻠﺔ اﻟﺤﺠﻢ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ »اﻟﻜﻨﺎل« أﻛﺮ َم ﻣﻦ رﻓﻴﻘﺘﻪ اﻟﺒﺤﻴﺮة! ﻇﻠﻠﺖ أداﻋﺐ ﺻﺪﻳﻘﻲ اﻟﺬي دﻋﺎﻧﻲ ﻟﺰﻳﺎرة اﻟﺒﺤﻴﺮة و»اﻟﻜﻨﺎل« -ﺑﺤﻤﺎﺳﻪ اﻟﺸﺪﻳﺪ اﻟﻤﻌﻬﻮد -ﻟﻔﺘﺮة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺗﺎﻟﻴﺔ ،أذﻛﱢﺮه، وأﺣ ﱢﻤﻠﻪ ﻣﺴﺆوﻟﻴﺔ اﻟﻔﺸﻞ اﻟﺬرﻳﻊ اﻟﺬي دﻓﻌﻨﻲ ﻟﺸﺮاء ﻛﻤﻴﺔ ﻣﻦ اﻷﺳﻤﺎك ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﻋﻮدﺗﻲ؛ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻌﺎﻳﺮﻧﻲ اﻟﻤﻨﺘﻈﺮون ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺰل ﻋﻮدﺗﻲ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺰوة ﻣﻈ ﱠﻔ ًﺮا ،إذا ﻣﺎ ﻋﺪت ﺧﺎوي اﻟﻮﻓﺎض ﻛﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﻗﺒﻞ أن أﺷﺘﺮي ﻣﺎ ﻳﺴ ﱡﺪ أﻓﻮاﻫﻬﻢ ﻋﻨﻲ ،وﻣﺎ زﻟﺖ أﻃﺎﻟﺒﻪ ﺑﺜﻤﻦ ﻫﺬه »اﻟﺸﺮوة« ،وإﻟﻰ اﻵن ﻟﻢ ﻳﺪﻓﻊ ﺷﻴﺌًﺎ!
واﻟﻔﺮاء ،ﻓﺎﻹﻗﺒﺎل ﻋﻠﻰ ﺷﺮاء ﻫﺬه اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺣﺮص اﻟﺼﻴﺎدﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻠﻬﺎ .اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻤﺤﻴﻄﺔ وذﻟﻚ ﻟﻜﻲ ﺗﺤﺼﻞ ﻫﺬه اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت اﻟﻤﻬﺪدة ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض ﻋﻠﻰ ﺑﻴﺌﺔ وﺣﻴﺎة ﺑﺮﻳﺔ آﻣﻨﺔ؛ ﻓﻤﺜﻼً ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﻗﻄﻊ اﻷﺷﺠﺎر وﻋﺪم رﻣﻲ اﻟﻨﻔﺎﻳﺎت ﻓﻲ اﻟﻐﺎﺑﺎت واﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺎر اﻟﻤﻴﺎه.
ﺟﻬﻮد اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت
ﻳﺠﺐ أن ﺗﺒﺪأ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت واﻟﺠﻬﺎت اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗ ُﻌﻨﻰ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة اﻟﺒﺮﻳﺔ ﺑﺈدراج اﻷﻧﻮاع اﻟﻤﻬﺪدة ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض وﺗﺤﺪﻳﺪ أﺳﺒﺎب اﻧﻘﺮاﺿﻬﺎ، ﺛﻢ اﻟﺒﺪء ﺑﺎﺗﺨﺎذ ﺧﻄﻮات ﻟﺤﻤﺎﻳﺘﻬﺎ ،وﻣﻦ أﻫﻢ ﻫﺬه اﻟﻄﺮق: وﺿﻊ أﻫﺪاف وﺧﻄﻂ ﻣﺒﺪﺋﻴﺔ .اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ أﺳﺒﺎب اﻻﻧﻘﺮاض ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻋﻠﻤﺎء اﻷﺣﻴﺎء وﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎ إذا ﻛﺎن ﻫﻨﺎك إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻟﻠﺤﺪ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺘﻬﺪﻳﺪات اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺮض ﺳﺒﻞ ﻋﻴﺸﻬﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﺼﻴﺪ .اﻗﺘﺮاح ﺑﻌﺾ ﺧﻄﻂ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻫﺬه اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت وأﺧﺬ آراء ﻋﻠﻤﺎء اﻷﺣﻴﺎء واﻟﻤﺘﺨﺼﺼﻴﻦ ﻓﻲ ذﻟﻚ .ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﻫﺬه اﻷﻧﻮاع ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﻬﺪدة ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار. ﺟﻬﻮد اﻻﻣﺎرات ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ أدت ﻣﺤﺎوﻻت اﻟﺼﻴﺎدون ﻟﻼﺳﺘﻴﻼء ﻋﻦ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ إﻟﻰ اﻧﻘﺮاﺿﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ ،وﻟﻜﻦ ﺗﻢ ﻧﺠﺎح ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺑﻌﺾ اﻷﻋﺪاد ﻣﻨﻬﺎ واﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻻﻧﻘﺮاض ،وﻳﺘﺰاﻳﺪ اﻵن ﻋﺪد اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻢ اﻋﺎدة ﺗﻮﻃﻴﻨﻬﻢ “،إن إﻋﺎدة اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ ﺣﺎﻓﺔ اﻻﻧﻘﺮاض ﻳﻌﺪ
إﻧﺠﺎزًا ﻛﺒﻴ ًﺮا .ﺣﻴﺚ أﻧﺸﺊ ﻣﻨﺘﺠﻊ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﺼﺤﺮاوي ﻓﻲ دﺑﻲ ﻟﺘﻮﻓﻴﺮ ﺑﻴﺌﺔ ﻣﻼﺋﻤﺔ ﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،إذ ﺗﻤﺖ زراﻋﺔ 6500ﺷﺠﺮة، وﺣﻔﺮ آﺑﺎر ﻣﺎﺋﻴﺔ ﺻﻐﻴﺮة ﻋﻠﻤﺎ أن اﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺘﺠﻊ ﻻ ﻳﺘﺪﺧﻠﻮن ﺑﺘﻮاﻟﺪ ﻫﺬه اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت أو ﻣﻮﺗﻬﺎ. وﻳﻌﻮد اﻟﻔﻀﻞ ﻓﻲ ﻧﺠﺎح ﺧﻄﻂ وﺑﺮاﻣﺞ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣــﺎرات إﻟﻰ اﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﺸﺨﺼﻲ واﻟﺨﺎص ﻟﻠﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن ''رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ'' ﻣﻦ أواﺋﻞ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻨﺒﻬﻮا ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺴﺘﻴﻨﺎت إﻟﻰ أن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻬﺪدة ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض ﻓﺄﺻﺪر ﺗﻮﺟﻴﻬﺎﺗﻪ ﻟﻮﺿﻊ ﺑﺮاﻣﺞ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ وإﻛﺜﺎرﻫﺎ ﻓﻲ اﻷﺳﺮ ﻟﺤﻤﺎﻳﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻻﻧﻘﺮاض وﻹﻋﺎدة ﺗﻮﻃﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﺘﺄﺳﻴﺲ أول ﺣـﺪﻳﻘﺔ ﺣﻴﻮان ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ. ﺣﻴﺚ أﻃﻠﻘﺖ ﺣﺪﻳﻘﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﺑﺎﻟﻌﻴﻦ ﺣﻤﻠﺔ ﺗﻮﻋﻮﻳﺔ ﺗﻬﺪف إﻟﻰ ﺗﻌﺰﻳﺰ وﻋﻲ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﺑﺠﻬﻮدﻫﺎ وﻣﺒﺎدراﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﻬﺪدة ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض ،ﺣﻴﺚ ﺗﺄﺗﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺒﺎدرة ﻛﺠﺰء ﻣﻦ اﻟﺘﺰام اﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ﺑﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺠﺎﻓﺔ ﺧﺼﻮﺻﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻢ اﻷﻧﻮاع اﻟﻤﻬﺪدة ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض وﻣﻨﻬﺎ واﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ. ً ﺣﻴﻮان اﻟﻤﻬﺎ ،ﺑﻤﺎ ﻳﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻌﺮﻳﻔﻬﻢ ﺑﺎﻟﺠﻬﻮد اﻟﻤﺒﺬوﻟﺔ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻫﺬه اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ودﻋﻢ اﻟﻤﺒﺎدرات اﻟﺮاﻣﻴﺔ ﻟﻠﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ .إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻻرﺗﻘﺎء ﺑﻤﻌﺎﻳﻴﺮ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺎﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت داﺧﻞ اﻟﺤﺪاﺋﻖ ودﻋﻢ اﻷﺑﺤﺎث اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ وﺗﻌﺰﻳﺰ ﺟﻬﻮد ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻷﻧﻮاع اﻟﻤﻬﺪدة ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض واﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎت اﻟﺘﻜﺎﺛﺮ داﺧﻞ اﻟﺤﺪاﺋﻖ
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
49
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء
وﺟﻠﺪه وﻣﻊ ﺗﻄﻮر اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت ﺗﺴﺎرﻋﺖ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﻘﺘﻞ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎرات واﻟﺒﻨﺎدق ﻟﺘﺤﺼﺪ أﻋﺪا ًدا ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎ" .ﻛﺎن اﻟﺼﻴﺎدون ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺼﻴﺪ ﺣﻴﻮان اﻟﻤﻬﺎ وﻳﺴﺘﻬﺪﻓﻮن ﺑﺸﻜﻞ رﺋﻴﺲ اﻟﻤﻬﺎ اﻷﻧﺜﻰ وﺻﻐﺎرﻫﺎ ﻣﻤﺎ ﺗﺴﺒﺐ ﻓﻲ اﻧﻘﺮاض اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ. • اﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻋﻦ اﻟﻨﻔﻂ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب اﻧﻘﺮاض اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻮﻃﻨﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ،ﻛﻤﺎ ﺗﻌﺘﺒﺮ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ أﺳﺒﺎب اﻧﻘﺮاض اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ وارﺗﻔﺎع ﻣﻌﺪل اﻟﻮﻓﻴﺎت ،ﺑﺠﺎﻧﺐ اﻟﻤﻮت ﺑﺴﺒﺐ ﻟﺪﻏﺎت اﻟﺜﻌﺎﺑﻴﻦ ،واﻟﺠﻔﺎف اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ .ﺗﺴﺒﺐ ﻣﺤﺎوﻻت اﻟﺼﻴﺎدون ﻟﻼﺳﺘﻴﻼء ﻋﻠﻰ ﺣﻴﻮان اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ إﺻﺎﺑﺔ أﻋﺪاد ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻹﺻﺎﺑﺎت ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻣﻮت ﻋﺪد ﻛﺒﻴﺮ ﺑﺴﺒﺐ اﻹﺟﻬﺎد أو اﻹرﻫﺎق أﺛﻨﺎء اﻟﻬﺮوب ﻣﻨﻬﻢ ،وﺗﻌﺘﺒﺮ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺼﻴﺪ واﻻﺳﺘﻴﻼء ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻨﻀﺒﻂ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺮﺋﻴﺲ وراء اﻧﻘﺮاض اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ .وﻗﺪ ﻗﺎم اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﻦ إﻋﺎدة ﺗﺼﻨﻴﻒ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن ﻣﻬﺪدة ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض ،وﻗﺪ ﺗﻮﺻﻠﻮا إﻟﻰ أن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻫﻮ ﻣﻦ أﺿﻌﻒ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﺗﻮاﺟ ًﺪا ﻓﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،ﻓﺒﺪأت ﻓﻲ وﺿﻊ اﻟﺨﻄﻂ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺰﻳﺎدة ﻋﺪد اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ، وﻗﺪ ﺻﺮﺣﺖ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﺒﻴﺌﺔ أﻧﻬﺎ ﺗﻌﺪ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺘﺤﺴﻴﻦ ﻧﻮع ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻓﻲ ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﻬﺪدﻳﻦ ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض ،وﻗﺎﻣﻮا ﺑﻌﻤﻞ إﺣﺼﺎﺋﻴﺔ أﻛﺪت أن آﺧﺮ ﺣﻴﻮان ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎ ﻗﺪ ﻗﺘﻞ ،ﻛﺎن ﻓﻲ ﺳﻠﻄﻨﺔ ُﻋﻤﺎن ﻓﻲ ﻋﺎم 1972م، وأوﺿﺤﻮا أن اﻟﺴﺒﺐ اﻷﺑﺮز ﻛﺎن اﻟﺼﻴﺪ ،واﻵن ﻫﻨﺎك اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﺮاﻣﺞ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﺺ ﺑﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺼﻴﺪ اﻟﻐﻴﺮ ﻣﺸﺮوﻋﺔ ،واﻟﺘﻲ أوﺿﺤﺖ أن اﻟﺘﻄﻮر ﻓﻲ اﻟﻤﺒﺎﻧﻲ واﻟﻤﺠﺎل اﻟﻌﻤﺮاﻧﻲ واﻟﺤﻀﺎري ﻫﻮ أﻳﻀً ﺎ أﺳﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻘﻠﻴﻞ أﻋﺪاد اﻟﻤﻬﺎ.
ﻣﺒﺎدرة إﻧﻘﺎذ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ اﻻﻧﻘﺮاض
ﻗﺒﻞ ﻧﺤﻮ أرﺑﻌﻴﻦ ﻋﺎ ًﻣﺎ ﻛﺎن ﺣﻴﻮان اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻬﺪدا ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض، إﻻﱠ أن أﻋﺪاده اﻟﻴﻮم ﺗﺸﻬﺪ ﺗﺤﺴﻨﻨﺎ ،إذ ﺑﻠﻎ ﻋﺒﺮ دول اﻟﺨﻠﻴﺞ وﺣﺪﻫﺎ ﻧﺤﻮ اﻷﻟﻒ واﻟﻔﻀﻞ ﻳﻌﻮد ﻓﻲ ذﻟﻚ إﻟﻰ إﻋﺎدة ﺑﺮاﻣﺞ ﻧﺸﺮ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت. ﻓﻘﺪ ﻗﺎﻣﺖ ﻣﺒﺎدرة ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ وأﻃﻠﻘﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺒﺎدرة إﻧﻘﺎذ اﻟﻤﻬﺎ، واﻟﺘﻲ ﻋﻘﺪت ﻓﻲ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم 1962م ،ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺠﻤﻊ ﻛﻞ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﺘﺒﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت، وﺗﻢ وﺿﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﺎة ﺑﺮﻳﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺰداد ﻋﺪدﻫﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻻﻧﺘﺸﺎر ﻓﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ .وﻗﺪ اﻧﺘﺸﺮت ﻋﻤﻠﻴﺔ إﻋﺎدة اﻻﻧﺘﺸﺎر ﻟﻬﺬا اﻟﺤﻴﻮان ﻓﻲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﻣﺎﻛﻦ ﻣﻨﻬﺎ اﻷردن واﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ،ﻣﻦ أﺟﻞ زﻳﺎدة أﻋﺪاد ﺣﻴﻮان اﻟﻤﻬﺎ ،وﻗﺪ ﻗﺎﻣﺖ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق ﻣﻊ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺪول ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻜﻮﻳﺖ واﻟﻌﺮاق وﺳﻮرﻳﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﻮان اﻟﻤﻬﺎ ﻟﺪﻳﻬﺎ ،وﺣﻤﺎﻳﺘﻪ ﻣﻦ اﻻﻧﻘﺮاض. 48
اﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎت اCﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ اﻻﻧﻘﺮاض وإﻋﺎدة ﺗﻮﻃﻴﻨﻪ
ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻧﻘﺮاض اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت
ﻳُﻌ ّﺮف ﻋﻠﻢ اﻷﺣﻴﺎء اﻻﻧﻘﺮاض ﻋﻠﻰ أﻧّ ُﻪ اﺧﺘﻔﺎء ﻧﻮع ﻣﻌﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت اﻟﺤﻴﺔ وﻣﻮﺗﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎً؛ وﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﻧﺘﻴﺠ ًﺔ ﻟﻌﺪة أﺳﺒﺎب أﻫﻤﻬﺎ: اﻻﺳﺘﻐﻼل اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺒﺸﺮ ﺳﻮا ًء ﻟﻠﺘﺠﺎرة أو ﻛﻤﺼﺪ ٍر ﻟﻠﻐﺬاء، وﻛﺬﻟﻚ ﺑﻌﺾ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ اﻷﺧﺮى ،وﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻫﺬا اﻻﻧﻘﺮاض ﻷﻋﺪاد ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ ﻧﻔﺲ اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت ﻓﻲ ذات اﻟﻮﻗﺖ وﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﺳﻢ اﻻﻧﻘﺮاض اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ.
ﻃﺮق ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﻣﻦ اﻻﻧﻘﺮاض
اﻟﺠﻬﻮد اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﻫﻨﺎك ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻮات اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ اﺗﺒﺎﻋﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻷﻓـﺮاد واﻟﺘﻲ ﺗﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت ﻣﻦ اﻻﻧﻘﺮاض ،وﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺨﻄﻮات: • ﻧﺸﺮ اﻟﻮﻋﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس ﺣﻮل أﻧﻮاع ﻫﺬه اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت وﻃﺮق ﺣﻤﺎﻳﺘﻬﺎ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗُﻌﻨﻰ ﺑﺎﻟﺒﻴﺌﺔ وﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ. • زﻳﺎرة اﻟﻤﺤﻤﻴﺎت اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺘﻢ ﺑﺤﻤﺎﻳﺔ ﻫﺬه اﻷﻧﻮاع ﻣﻦ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت ،وﻛﺬﻟﻚ ﺗ ُﺴﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﻤﺎﻳﺔ أﻣﺎﻛﻦ ﺗﻮاﺟﺪﻫﺎ ،وﻳﻤﻜﻦ اﻻﻧﻀﻤﺎم إﻟﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﺤﻤﻴﺎت ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺘﻄﻮﻋﻲ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻋﻨﻬﺎ. • ﻋﺪم ﺷﺮاء اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﺻﻨﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﻛﺎﻟﺠﻠﻮد
ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻋﻦ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ
ﻫﻨﺎك اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﻋﻦ ﺣﻴﺎة اﻟﻤﻬﺎ وﻛﻴﻒ ﺗﻌﻴﺶ وﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰﻫﺎ ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ،وﻫﺬه اﻟﻨﻘﺎط اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺳﺘﺠﻴﺐ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺴﺎؤﻻت: • ﺗﺘﻐﺬى اﻟﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻋﺸﺎب واﻟﻨﺒﺎﺗﺎت اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ ﺑﻜﻞ أﻧﻮاﻋﻬﺎ ﻧﻈ ًﺮا ﻟﺘﻜﻴﻔﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ. • ﻳﻤﺘﻠﻚ اﻟﻤﻬﺎ ﺣﺎﺳﺔ ﺷﻢ ﻗﻮﻳﺔ ﺟ ًﺪا ﻟﻤﺼﺪر اﻟﻤﻴﺎه ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻓﺎت ﺑﻌﻴﺪة ،وﺗﺒﻠﻎ ﺳﺮﻋﺘﻬﺎ ﻧﺤﻮ 37ﻣﻴﻼً ﻓﻲ اﻟﺴﺎﻋﺔ ،واﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻫﻮ أﺣﺪ ﻓﺮاﺋﺲ اﻷﺳﻮد واﻟﻜﻼب اﻟﺒﺮﻳﺔ واﻟﻀﺒﺎع. • ﺣﻴﻮان اﻟﻤﻬﺎ ﻳﺘﻜﻴﻒ ﻣﻊ اﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ اﻟﻈﺮوف اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ وذﻟﻚ ﻟﻮﺟﻮد ﺣﻮاﻓﺮ ﻋﺮﻳﻀﺔ ﺗﺴﺎﻋﺪة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻣﺎل. • ﺗﻔﻀﻞ اﻟﻤﻬﺎ ﻋﻴﺸﺔ اﻟﺼﺤﺮاء واﻟﺤﺮﻛﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻣﺎل واﻟﺤﺼﻰ ﺣﺘﻰ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺠﺮي ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﻋﻨﺪ ﻣﻬﺎﺟﻤﺔ أﺣﺪ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﻔﺘﺮﺳﺔ ﻟﻬﺎ. • ﺗﻌﻴﺶ اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﻤﺎﻋﺎت ﻣﻦ أﻋﺪاد ﻛﺒﻴﺮة ﻧﺤﻮ 30أﻟﻒ ﺣﻴﻮان ﻗﻠﻴﻼ وﻳﻜﻮن ﻣﻮﺟﻮ ًدا ﻓﻲ ﻫﺬه اﻷﻋﺪاد ذﻛﺮ واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎ، أو أﻗﻞ ً وﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻹﻧﺎث وﺑﻌﺾ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻷﺧﺮى ﺻﻐﻴﺮة اﻟﺤﺠﻢ. ﻗﻠﻴﻼ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻘﻮم ﺑﻌﻤﻞ ﺣﻔﺮة ﺻﻐﻴﺮة • ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ اﻟﻤﻬﺎ أن ﺗﺴﺘﺮﻳﺢ ً ﻓﻲ اﻟﺘﺮﺑﺔ اﻟﺮﻃﺒﺔ وﻋﺎدة ﻣﺎ ﻳﺘﻮاﺟﺪوا ﻓﻲ ﻗﻄﻴﻊ ﻣﺠﻤﻊ وﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻋﺪد ﻣﺤﺪد ﻟﻬﺬا اﻟﻘﻄﻴﻊ وﻋﺎدة ﻣﺎ ﺗﻜﻮن اﻹﻧﺎث ﻓﻲ أﻃﺮاف اﻟﻘﻄﻴﻊ واﻟﺬﻛﻮر ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻔﻪ .ﻳﻤﻴﺰ اﻟﻤﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت أﻧﻬﺎ ﺗﺘﺤﻤﻞ
اﻟﻌﻄﺶ ﻟﻔﺘﺮات ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺟ ًﺪا ﻣﺜﻞ اﻟﺠﻤﻞ وﺗﻌﺘﻤﺪ ﻓﻘﻂ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺼﺎرة اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت.ﻳﻌﻴﺶ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻧﺤﻮ 20ﻋﺎ ًﻣﺎ ﺳﻮاء ﻓﻲ اﻷﺳﺮ أو ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ )إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻈﺮوف اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ ﺟﻴﺪة(. • ﺗﻠﺪ أﻧﺜﻰ اﻟﻤﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﺮور ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أو ﺗﺴﻌﺔ أﺷﻬﺮ ﻣﻦ ﺣﻤﻠﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻀﻊ أﺑﻨﺎءﻫﺎ اﻟﺼﻐﺎر ﻓﻲ ﻣﻜﺎن آﻣﻦ ﺑﻌﻴ ًﺪا ﻋﻦ أﻧﻈﺎر اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﻔﺘﺮﺳﺔ ﻣﺨﺘﺒﺌﺔ ﺑﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﺤﻤﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ واﻟﻤﻮت. • ﺗﻘﻮم أﻧﺜﻰ اﻟﻤﻬﺎ ﺑﺈرﺿﺎع أﻃﻔﺎﻟﻬﺎ ﻟﻤﺪة ﺛﻼﺛﺔ أﺳﺎﺑﻴﻊ ،وﺑﻌﺪ ﺗﻨﺎول اﻟﺤﻠﻴﺐ ﻣﻦ اﻷم ﻳﻘﻮم اﻟﺼﻐﺎر ﺑﺘﻨﺎول اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت واﻷﻋﺸﺎب ﺑﻌﺪ ﻣﺮور ﻓﺘﺮة اﻟﺮﺿﺎﻋﺔ .ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ أن ﺗﺘﺰوج ﻃﻮال اﻟﻌﺎم ﺑﻌﺪ اﻧﺘﻬﺎء ﻓﺘﺮات اﻟﺤﻤﻞ واﻟﻮﻻدة.
أﺳﺒﺎب اﻧﻘﺮاض اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ
ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻬﺎ ﻣﻮﺟﻮدة ﺑﺄﻋﺪاد ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ ً ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻌﺮاق ،ﺳﻮرﻳﺎ ،ﺟﻨﻮب ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ، وﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﺻﺤﺮاء ﺳﻴﻨﺎء ،اﻷردن وﻳﺮﺟﻊ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ اﻧﺨﻔﺎض أﻋﺪاد اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻧﻘﺮاﺿﻬﺎ إﻟﻰ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ: • وﻗﻮع أذى ﻟﻠﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﺣﻴﺚ ﻳﻜﺜﺮ اﺻﻄﻴﺎد ﻫﺬا اﻟﺤﻴﻮان اﻟﻤﻤﻴﺰ. • ﺣﻴﻮان اﻟﻤﻬﺎ رﻣﺰ ﻣﻦ رﻣﻮز اﻟﺒﺪاوة ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ .وﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻛﺎن اﻟﻤﻬﺎ ﻣﻮﺟﻮ ًدا ﺑﺄﻋﺪاد ﻛﺒﻴﺮة وﻛﺎن اﻟﺒﺪو ﻳﺼﻴﺪوﻧﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻟﺤﻤﻪ
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
47
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء
اﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎت ا ﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ اﻻﻧﻘﺮاض وإﻋﺎدة ﺗﻮﻃﻴﻨﻪ أﺣـﻤــﺪ ﺳـﻌــﺪ إﺑﺮاﻫـﻴـﻢ إﺳـﻤﺎﻋـﻴـﻞ ﻋــﻴـﻄﺔ
ﺣﻴﻮان اﻟﻤﻬﺎ ﻧﻮع ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﻈﺒﺎء ،وﻫﻮ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﻤﻴﺰة ذات اﻟﻠﻮن اﻷﺑﻴﺾ اﻟﺮاﺋﻊ واﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺎﻟﺴﻨﺎم ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺘﻔﻴﻦ ،وﻗﺮوﻧﻬﺎ ﻣﺴﺘﻘﻴﻤﺔ وﻃﻮﻳﻠﺔ واﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ اﺻﻄﻴﺎد اﻟﻔﺮﻳﺴﺔ وﺣﻤﺎﻳﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ أي ﻋﺪو ﻳﺤﺎول إﻳﺬاﺋﻬﺎ وأﻳﻀً ﺎ اﻟﻤﻬﺎ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻫﺬه اﻟﻘﺮون ﻓﻲ اﻟﻌﺮاك ﺑﻴﻦ اﻟﺬﻛﺮ واﻷﻧﺜﻰ أﺛﻨﺎء ﻓﺘﺮات اﻟﺘﺰاوج .ﺣﻴﺚ ﻳﺒﻠﻎ ﻃﻮل ﺣﻴﻮان اﻟﻤﻬﺎ ﺣﻮاﻟﻲ 170ﺳﻢ ووزﻧﻬﺎ 130ﻛﺠﻢ .ﺗﻨﺘﻤﻲ اﻟﻤﻬﺎ إﻟﻰ ﻓﺼﻴﻠﺔ اﻟﺒﻘﺮﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺴﺮﻋﺔ اﻟﺤﺮﻛﺔ وﺣﺒﻬﺎ ﻟﻠﺤﺮﻳﺔ.واﻟﻤﻬﺎ أو اﻟﻤﻬﺎة ﻓﻲ أﺻﻞ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻜﻮاﻛﺐ وﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ اﻷﺧﺮى اﻟﺤﺠﺎرة اﻟﺒﻴﻀﺎء وﺗﻢ ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ ﺑﻬﺬا اﻻﺳﻢ ﻟﺸﺪة ﺑﻴﺎض ﻟﻮﻧﻬﺎ وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﺬي ﻳُﺸﻊ ﻛﻨﻮر اﻟﺸﻤﺲ ،أﻣﺎ ﻟﻮن اﻟﺠﺰء اﻟﺴﻔﻠﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻨﻲ ،وﻳﻮﺟﺪ ﺧﻄﻮط ﺳﻮداء ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺮأس واﻟﺮﻗﺒﺔ وﻋﻴﻨﺎﻫﺎ واﺳﻌﺔ وﻟﻮﻧﻬﺎ أﺳﻮد ،ﻛﻤﺎ أن ﻟﻬﺎ ﻗﺮوﻧﺎً ﻳﻘﺪر ﻃﻮﻟﻬﺎ ﻣﻦ 50إﻟﻰ 75ﺳﻢ.وأﻳﻀً ﺎ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﺳﻢ اﻟﻮﺿﻴﺤﻲ ،ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺮؤﻳﺔ ﺑﻮﺿﻮح ﻋﻦ ﺑﻌﺪ ﺷﺪﻳﺪ ،وﻓﻲ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﺳﻢ أوروﻛﺲ ،أي اﻟﻐﺰال اﻷﺑﻴﺾ ،أﻣﺎ ﻓﻲ أوروﺑﺎ ﻓﺘﺴﻤﻰ »اﻟﻤﻬﺎ اﻷﺑﻴﺾ أو اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ .«Arabian Oryx
46
اﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎت اCﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ اﻻﻧﻘﺮاض وإﻋﺎدة ﺗﻮﻃﻴﻨﻪ
رﻣﺎل ﺟﺰﻳﺮة اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ .ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺤﺖ اﻟﻐﺰﻻن اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﺟﺰءا ً رﺋﻴﺴﺎً ﻣﻦ اﻟﻤﻜﻮﻧﺎت اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﺠﻤﺎل ﺟﺰﻳﺮة اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ ،ﻓﻬﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﺑﺴﻼم ورﻋﺎﻳﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ،ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺗﻌﻴﺶ ﻣﻊ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﺟﻮ راﺋﻊ ﻣﻦ اﻷﻟﻔﺔ واﻷﻣﺎن .ﻛﻤﺎ أن ﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰ ﺟﺰﻳﺮة اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ ﻫﻲ أﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻘﻂ ﻣﺤﻤﻴﺔ ﺧﺼﺒﺔ ﻟﻠﻐﺰال اﻟﻌﺮﺑﻲ وﻟﻜﻦ ﻫﻲ أﻳﻀﺎً ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﺮﻛﺰ ﺛﻘﺎﻓﻲ وﻃﻨﻲ ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ أﺟﻴﺎل اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﻮﻃﻦ ﻋﻦ ﻫﻮﻳﺘﻬﻢ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ وﻣﻮروﺛﻬﻢ اﻟﻤﺤﻠﻲ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺗﻌﺮﻳﻔﻬﻢ ﺑﺎﻟﻐﺰال اﻟﻌﺮﺑﻲ وأﻫﻤﻴﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ اﻟﻤﻤﻴﺰة ﻟﺪوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة .ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺗﺄﺗﻲ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﺪور اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺬي ﻳﻘﻮم ﺑﻪ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺎ ﺗﻘﺪﻣﻪ ﺟﺰﻳﺮة اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﺪﻣﺎت ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ رؤﻳﺔ اﻟﻘﻴﺎدة اﻟﺮﺷﻴﺪة ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮروث اﻟﻤﺤﻠﻲ اﻟﻤﺮاﺟﻊ: • ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﻊ اﻟﺴﻴﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﺣﺴﻦ اﻟﻌﻠﻲ – رﺋﻴﺲ ﻗﺴﻢ اﻟﺸﺆون اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ ﻓﻲ إدارة اﻟﺒﻴﺌﺔ – ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات. • اﻟﺒﻴﺌﺔ واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ،اﻟﻌﺪد ،67أﻛﺘﻮﺑﺮ .2003 • ﺟﺮﻳﺪة اﻻﺗﺤﺎد» ،ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ زاﻳــﺪ ..ﺟﻬﻮد ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻴﺌﺔ« 5 ،ﻳﻨﺎﻳﺮ .2018 /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
45
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء
ﺗﺘﺸﻜﻞ اﻟﻐﺰﻻن ﻓﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ﺻﻐﻴﺮة ﺗﺼﻞ إﻟﻰ 10 ﺣﻴﻮاﻧﺎت ﻓﻲ اﻟﺼﻴﻒ وﺗﻨﻤﻮ ﻟﺘﺼﺒﺢ ﻗﻄﻌﺎن ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء. ﻳﻮﺟﺪ ذﻛﺮ ﻣﻬﻴﻤﻦ ﻳﺤﺮس ﻣﺎ ﻳﺼﻞ إﻟﻰ 30أﻧﺜﻰ وﺻﻐﺎرﻫﻢ ،وﻳﺤﺪد أراﺿﻴﻪ ﺑﺎﻟﺒﻮل واﻟﺮوث .وﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺼﻞ ﺳﺮﻋﺔ ﻏﺰال اﻟﺮﻳﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ إﻟﻰ 100ﻛﻢ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﻋﺔ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺮي ﺑﺪاﻋﻲ اﺳﺘﺸﻌﺎرﻫﺎ ﺑﺨﻄﺮ. ﻟﻘﺪ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﻫﺬه اﻟﻐﺰﻻن اﻟﺘﺄﻗﻠﻢ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻣﻊ ﺟﻮ اﻟﺠﺰﻳﺮة ،ﻓﻬﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﺑﺤﺮﻳﺔ وأﻣﺎن .وﻗﺪ ﻋﻤﻞ اﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻤﺤﻤﻴﺔ ﺑﺘﻮﻓﻴﺮ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﺗﺤﺘﺎﺟﻪ اﻟﻐﺰﻻن ،ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻢ ﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﻤﻴﺎه ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﻘﺎﻳﺎت ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻮزﻋﺔ ﻓﻲ ﻣﺮاﻛﺰ ﻣﺘﻌﺪدة ﻓﻲ أﻧﺤﺎء اﻟﺠﺰﻳﺮة ،أﻣﺎ ﻋﻦ ﻧﻈﺎﻣﻬﺎ اﻟﻐﺬاﺋﻲ ﻓﻬﻲ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻷﻋﺸﺎب واﻟﺸﺠﻴﺮات واﻷوراق اﻟﺼﻐﻴﺮة، اﻟﻤﺘﻮﻓﺮة ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺔ ﺟﺰﻳﺮة اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻐﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﻨﺨﻴﻞ وأﺷﺠﺎر اﻟﻐﺎف، ﻓﺘﺘﺠﻤﻊ اﻟﻐﺰﻻن ﺣﻮل ﺗﻠﻚ اﻷِﺷﺠﺎر وﺗﺘﻐﺬى ﻋﻠﻰ ﺛﻤﺎرﻫﺎ وأوراﻗﻬﺎ، أﻣﺎ ﻓﻲ ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء ﻓﺘﻔﻀﻞ ﻏﺰﻻن اﻟﺮﻳﻢ اﻟﺮﻋﻲ ﻣﻦ أﺷﺠﺎر اﻟﻘﺮم )اﻟﻤﺎﻧﺠﺮوف( اﻟﻤﺘﻮﻓﺮة ﺑﻜﺜﺮة ﻓﻲ ﺟﺰﻳﺮة اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ.
اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﻐﺰال اﻟﻌﺮﺑﻲ
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺪاﻳﺔ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﻐﺰال اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻊ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ اﻟﺬي أوﻟﻰ اﻟﻐﺰال اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻫﺘﻤﺎﻣﺎً ﻛﺒﻴﺮا ً ،وﻛﺎن أول ﻣﻦ ﻻﺣﻆ ﺗﻨﺎﻗﺺ أﻋﺪادﻫﺎ ﺑﻤﻌﺪل ﻳﻨﺬر ﺑﺎﻟﺨﻄﺮ .ﻟﺬﻟﻚ أﻃﻠﻖ ﻓﻲ ﻋﺎم 1968ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﺎً ﻧﺎﺟﺤﺎً ﻟﻠﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ،وأﻣﺮ ﺑﺠﻤﻊ اﻟـ 4رؤوس اﻟﻤﺘﺒﻘﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﺮﻳﺔ ،وﺗﻢ ﻧﻘﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻴﻦ إﻟﻰ ﺟﺰﻳﺮة ﺻﻴﺮ ﺑﻨﻲ ﻳﺎس ﻷﺟﻞ اﻟﺘﻜﺎﺛﺮ ،وﺑﻔﻀﻞ ﻫﺬه اﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﺜﺎﻗﺒﺔ ﻓﻘﺪ ﺗﺠﺎوزت دوﻟﺔ
44
أرﻳﺎم اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ
اﻹﻣﺎرات ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺧﻄﺮ اﻧﻘﺮاض اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ أراﺿﻴﻬﺎ وأﺻﺒﺤﺖ ﺟﺰﻳﺮة ﺻﻴﺮ ﺑﻨﻲ ﻳﺎس ﺗﺰﺧﺮ اﻟﻴﻮم ﺑﻮﺟﻮد ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ 730رأﺳﺎً ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ .وﺑﻔﻀﻞ ﻫﺬه اﻟﺠﻬﻮد واﻟﻨﺠﺎح اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺬي ﺣﻘﻘﻪ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ واﻟﺘﻜﺎﺛﺮ ﻟﺤﻴﻮان اﻟﻤﻬﺎ ،أﺻﺒﺤﺖ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻣﻮﻃﻨﺎً ﻷﻛﺒﺮ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ. وﻋﻠﻰ ﻧﻬﺞ وﺧﻄﻰ زاﻳﺪ ،اﻧﺘﻬﺞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن وﻟﻲ ﻋﻬﺪ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻧﺎﺋﺐ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﻘﻮات اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﺎً ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺗﻜﺎﺛﺮ وإﻋﺎدة ﺗﻮﻃﻴﻦ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﻋﺎم 2007 ﺗﺠﺴﻴﺪا ً ﻻﻫﺘﻤﺎﻣﺎت ﺳﻤﻮه ﻓﻲ ﻣﺠﺎل ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺒﻴﺌﺔ .وﻫﺪف ﻫﺬا اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ إﻋﺎدة ﺗﻮﻃﻴﻦ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﻮاﺋﻠﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ .ﺣﻴﺚ ﺷﻤﻞ ذﻟﻚ إﻃﻼق 500رأس ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺪار 5ﺳﻨﻮات ،ﺑﻮاﻗﻊ 100 رأس ﻛﻞ ﺳﻨﺔ .وﺑﻔﻀﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻬﻮد أﺻﺒﺤﺖ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻟﻴﻮم ﻣﻮﻃﻨﺎً ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ 10,000رأس ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﻳﻮﺟﺪ 5000ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ إﻣﺎرة أﺑﻮﻇﺒﻲ. وﺗﺄﺗﻲ اﻟﺠﻬﻮد اﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﻛﺠﺰء ﻣﻦ رؤﻳﺔ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم ورؤﻳﺔ إﻣﺎرة أﺑﻮﻇﺒﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﺧﺎص ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻨﻮع اﻟﺤﻴﻮاﻧﻲ اﻟﺬي ﻳُﻤﻴﺰ أرض دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة .ﻓﺎﻟﻤﻮروث اﻟﻤﺤﻠﻲ ذو أﻫﻤﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ ﻓﻜﺮ اﻟﻨﺎدي اﻟﺬي ﻳُﻌﺒﺮ ﻋﻨﻪ داﺋﻤﺎً اﻫﺘﻤﺎم ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ رﺋﻴﺲ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ أﻧﺸﻄﺔ وﻓﻌﺎﻟﻴﺎت وأﻋﻤﺎل اﻟﻨﺎدي. وﻟﻌﻞ اﻟﺰاﺋﺮ ﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ ﻳﺸﻬﺪ وﺑﻮﺿﻮح ﺟﻤﺎل اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺨﻼﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﺠﺰﻳﺮة واﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﺗﺰدﻫﻲ ﺑﻘﻄﻌﺎن اﻟﻐﺰﻻن اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﻨﺘﺸﺮة ﻋﻠﻰ أرض اﻟﺠﺰﻳﺮة .ﻓﻬﻲ ﻛﺎﻟﻠﺆﻟﺆ اﻟﻤﻨﺜﻮر ﻋﻠﻰ
وﻳﺘﻢ زراﻋﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻓﻲ ﺑﻴﻮت ﺑﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻳﺒﺪأ ﺑﺎﻟﻨﻤﻮ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﺘﻢ ﻧﻘﻠﻪ وزراﻋﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ .وﻫﻲ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟﻚ ﺗﻀﻢ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﻤﻴﺎت ،وﻣﻦ ﺿﻤﻨﻬﺎ ﻣﺤﻤﻴﺔ ﻏﺰال اﻟﺮﻳﻢ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻢ ﻓﻲ ﻋﺎم 2002اﺳﺘﻘﺪام ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻏﺰﻻن اﻟﺮﻳﻢ ﻣﻦ ﺟﺰﻳﺮة ﺻﻴﺮ ﺑﻨﻲ ﻳﺎس، وﺷﻜﻠﺖ ﻧﻮاة ﻟﺘﺄﺳﻴﺲ ﻣﺤﻤﻴﺔ اﻟﻐﺰﻻن ﻓﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة ،اﻟﺘﻲ أﺿﺤﻰ ﻋﺪدﻫﺎ ﻳﺘﺠﺎوز اﻟﻤﺌﺔ .ﻓﻬﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﺑﺤﺮﻳﺔ واﻫﺘﻤﺎم ورﻋﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﺑﻌﻴﺪا ً ﻋﻦ اﻷﺧﻄﺎر اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﻌﺮض ﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج .وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗﺼﺒﺢ ﺟﺰﻳﺮة اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ
إﺣﺪى أﻫﻢ اﻟﻤﺸﺮوﻋﺎت اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ، وﻳُﻜﺘﺐ ﻟﻨﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﻬﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﻤﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ وﺑﺎﻷﺧﺺ ﺣﻤﺎﻳﺔ ورﻋﺎﻳﺔ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ. ﻣﻦ أﻫﻢ أﻧﻮاع اﻟﻐﺰﻻن اﻟﺬي ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة ﻏﺰال اﻟﺮﻳﻢ )Gazella ،(maricaاﻟﺬي ﻳﺼﻞ وزن اﻟﺬﻛﺮ ﻣﻨﻪ اﻟﻰ 22ﻛﺠﻢ ،أﻣﺎ اﻹﻧﺎث ﻓﻴﺼﻞ وزﻧﻬﺎ إﻟﻰ 18ﻛﺠﻢ .وﻛﻼ اﻟﺠﻨﺴﻴﻦ ﻟﻬﻤﺎ ﻗﺮﻧﺎن ﻃﻮﻳﻼن ﻣﻨﺤﻨﻴﺎن .ﻗﺮﻧﺎ اﻟﺬﻛﻮر أﻃﻮل وأوﺳﻊ وأﻛﺜﺮ اﻧﺤﻨﺎ ًء ﻣﻦ اﻹﻧﺎث ﺣﻴﺚ ﻳﺒﻠﻎ ﻃﻮل ﻗﺮن اﻟﺬﻛﻮر ﻧﺤﻮ 29ﺳﻢ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻜﻮن ﻗﺮون اﻹﻧﺎث أﻗﺼﺮ ﻋﻤﻮﻣﺎً 11,5ﺳﻢ.
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
43
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء
أرﻳﺎم اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ أﺧﺮى .إﻻ أﻧﻪ وﺑﻔﻀﻞ اﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﺜﺎﻗﺒﺔ ﻟﻠﻘﻴﺎدة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﺈن ﻗﻨﺺ اﻟﻤﻬﺎ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻣﺴﻌﻮد اﻟﻤﻨﺼﻮري اﻟﻌﺮﺑﻲ أﺻﺒﺢ ُﻣﺤﺮﻣﺎً ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻣﻨﺬ ﻋﺎم ﺟﻤﻴﻠﺔ ،ﻟﻄﻴﻔﺔ ،ﺳﺮﻳﻌﺔ ،وذﻛﻴﺔ ﺗﻠﻚ ﻫﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﺻﻔﺎت اﻟﻐﺰﻻن 1977ﺿﻤﻦ ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮازن اﻟﺒﻴﺌﻲ. اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮب ،ارﺗﺒﺎﻃﺎً وﺟﺪاﻧﻴﺎً ،ﻓﺘﻐﻨﻰ ﺑﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮاء ﻓﻲ ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﻢ ،وﺳﻤﻮا ﺑﻨﺎﺗﻬﻢ ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﻬﺎ ﻛﺎﻟﺮﻳﻢ ،واﻟﻴﺎزﻳﺔ، ووﺿﺤﺔ ،وﻋﻔﺮاء ،واﻟﻌﻨﻮد وﻏﻴﺮﻫﺎ .ﺣﺘﻰ إن أﺳﻤﺎء اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﻛﺎن ﻏﺰﻻن اﻟﺮﻳﻢ ﻓﻲ ﺟﺰﻳﺮة اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﻧﺼﻴﺐ ﻫﻲ أﻳﻀﺎً ﻣﻦ أﺳﻤﺎء ﻫﺬا اﻟﻤﺨﻠﻮق اﻟﺒﺪﻳﻊ .ﻓﺄﺑﻮﻇﺒﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﺟﺰﻳﺮة اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ ،اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻨﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣــﺎرات ،إﺣﺪى اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻈﺒﻲ اﻟﺬي ﺷﻜﻠﺖ ﻣﻮﻃﻨﺎً ﻟﻪ ،وأﺑﻮ اﻷﺑﻴﺾ اﻟﻤﺤﻤﻴﺎت اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﻐﻨﻴﺔ ﺑﺘﻨﻮﻋﻬﺎ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ،وﺗﻌﺪد اﻷﻧﻈﻤﺔ ﺳﻤﻴﺖ ﺑﻬﺬا اﻻﺳﻢ ﻟﻜﺜﺮة اﻟﻐﺰﻻن اﻟﺒﻴﻀﺎء اﻟﻤﻨﺘﺸﺮة ﻓﻲ أرﺟﺎﺋﻬﺎ .اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻓﻴﻬﺎ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻛﻮﻧﻬﺎ أﻛﺒﺮ ﻣﺤﻤﻴﺔ ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ وﺗﺸﻴﺮ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻷﺛﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻬﻴﻠﻲ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﺑﺄن ﻟﻨﺒﺎﺗﺎت اﻟﻘﺮم ،ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻢ زراﻋﺔ ﺷﺠﺮ اﻟﻘﺮم ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻤﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﺳﺘﻮﻃﻦ أراﺿﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻣﻨﺬ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 3000ﻋﺎم ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ ﻫﺬا اﻟﺤﻴﻮان ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﺘﻨﻮع اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﻟﺪوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة. ﻟﻘﺪ ﺣﺒﺎ اﻟﻠﻪ ﻫﺬا اﻟﻤﺨﻠﻮق اﻟﺒﺪﻳﻊ ﺑﺎﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺎﺳﻴﻢ اﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ،ﻓﻬﻮ ذو ﻋﻴﻨﻴﻦ ﺳﻮداوﻳﺘﻴﻦ آﺳﺮة اﻟﺠﻤﺎل ،وﺟﺴﺪه أﺑﻴﺾ ﻳُﻌﻴﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻤﻞ درﺟﺎت اﻟﺤﺮارة اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ واﻻﺧﺘﻔﺎء ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﺮﻣﺎل ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺑﻨﺪﻗﻴﺔ اﻟﻘﻨﺎص ﻣﻦ ﺟﻬﺔ
42
أرﻳﺎم اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ
واﺷﻒ ﻛﻤـﺎ اﻟﻴﺎﻗﻮت واﻟﺮﻳﺞ اﻋﺬﺑﺎ وﻣﻌﻨﻘﻪ ﻋﻨﻖ اﻟﻤﻬـــــــــﺎه اﻟﻴﺎﻓﻠﻪ وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻛﻤﻴﺪش ﺑﻦ ﻧﻌﻤﺎن ﻣﻦ ﺷﻌﺮاء أﺑﻮﻇﺒﻲ: ﻋﻨﻖ اﻟﻮﺿﻴﺤـــــــﻲ ﻣﺎﺧﺬ اﻟﺘﻮﻣــــﻲ وﻣﻦ اﻟﺮﻣــــﻚ ﻣﺎﺧﺬ اوﺻﺎف ﻋﺠـﻮﺑﻪ واﻟﺮاس ﻃﺎﻳﺢ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻨــــﻮب ردوﻣﻲ ﻟﻲ ﺳــــﺮﺣﻪ ﺑﺎﻟﻄﻴـﺐ دق ﻛﻌـــــﻮﺑﻪ ﻏﺰاﻟﻲ وﻏﺰﻟﻪ ﺑﺎﻟﻬــــﻮى ﻣﺒﺮوﻣـــــﻲ ﻳﺼﻌــــﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﻫﺮ ﻳﻔﻚ ﻫــﺪوﺑﻪ وﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﺷﻌﺮاء دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻮﺻﻒ واﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﺑﻞ أﺧﺬوا ﻳﺨﺎﻃﺒﻮن ﺣﻴﻮان »اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ« ﻛﻲ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻬﻢ .ﻳﻘﻮل أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻜﻨﺪي: ﻳﺎ ﻣﻬﺎ وﻳﻦ اﻟﺬي ﻗﻠــــﺒﻲ ﻳـــــــﻮده ﻟـــــﻪ ﻏﻼ ﻓﻲ اﻟﻘــــﻠﺐ ﻳﺘﺰاﻳﺪ وداده ﺳﻌﺪ اﺑﻮ ﻣﻦ ﺣﻂ راﺳــــﻪ واﻟﻤﺨـﺪه وﺧـــــﺪ ﻣﻦ وده ﻋﻠـــﻰ ﺧﺪه وﺳﺎده ﺻﺒﺮﻳﻪ وﻗﻒ ووﺻـــﻞ اﻟﻴــــﻮم ﺣﺪه ﻣـــــﺎ ﻏﻔﻰ ﺟﻔﻨﻲ وﻻ ﻟـــﺬه رﻗﺎده * ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث
اﻟﻤﺼﺎدر واﻟﻤﺮاﺟﻊ: - 1اﻟﻘﺎﻣﻮس اﻟﻤﺤﻴﻂ ،اﻟﻔﻴﺮوز آﺑﺎدي ،ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،ﺑﻴﺮوت، .1994 - 2اﻟﻤﻮﺳﻮﻋﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ،ﻣﺆﺳﺴﺔ أﻋﻤﺎل اﻟﻤﻮﺳﻮﻋﺔ ،اﻟﺮﻳﺎض، .1999 - 3دﻳﻮان ﺑﻦ وﻗﻴﺶ ،إﻋﺪاد راﺷﺪ اﻟﻤﺰروﻋﻲ ،ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات، أﺑﻮﻇﺒﻲ.2012 ، - 4دﻳﻮان اﻟﺠﻤﺮي ،إﻋﺪاد راﺷﺪ اﻟﻤﺰروﻋﻲ ،ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات، أﺑﻮﻇﺒﻲ.2010 ، - 5اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ واﻟﺴﻴﺮة اﻟﺬاﺗﻴﺔ ﻟﻠﺸﺎﻋﺮة ﻋﻮﺷﺔ ﺑﻨﺖ ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﺴﻮﻳﺪي ،ﺟﻤﻊ وﺗﺤﻘﻴﻖ:رﻓﻴﻌﺔ ﻏﺒﺎش ،ﻣﺘﺤﻒ اﻟﻤﺮأة ،دﺑﻲ.2012 ، - 6دﻳﻮان رﺑﻴﻊ ﺑﻦ ﻳﺎﻗﻮت ،ﺣﺼﺎد اﻟﻌﻤﺮ ،ﺟﻤﻊ وإﻋﺪاد :ﻋﺒﻴﺪ ﺑﻦ ﻃﺮوق اﻟﻨﻌﻴﻤﻲ ،اﻟﻨﺎدي اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻨﻮن ،ﻋﺠﻤﺎن.2009 ، - 7دﻳﻮان ﻛﻤﻴﺪش ﺑﻦ ﻧﻌﻤﺎن اﻟﻜﻌﺒﻲ ،ﻏﺴﺎن اﻟﺤﺴﻦ وآﺧﺮون ،ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،أﺑﻮﻇﺒﻲ.2006 ، - 8دﻳﻮان أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻜﻨﺪي ،ﺟﻤﻊ ﻋﻠﻲ أﺣﻤﺪ اﻟﻜﻨﺪي اﻟﻤﺮر، ﻫﻴﺌﺔ أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ ،أﺑﻮﻇﺒﻲ.2011 ، - 9ﺻﻮر اﻟﻤﺎدة ﻣﻦ أرﺷﻴﻒ ،ﻣﺮﻳﻢ ﻋﺒﻴﺪ اﻟﻤﻄﻮع اﻟﻈﺎﻫﺮي. /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
41
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء
اﻟﻤﺮأة ﺑﻌﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ .ﺗﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮة ﻋﻮﺷﺔ ﺑﻨﺖ ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﺴﻮﻳﺪي ﻓﻲ وﺻﻒ اﻟﻤﺤﺐ ﺑﻤﺜﻞ ﺷﻜﻞ اﻟﺤﻮر ﻓﻲ ﺧﻠﻘﺘﻪ وﺻﻔﺎﺗﻪ : ﻟﻲ ﻣﺤــــﺐ ﻓﻲ اﻟﻤﻬـــﺎ ﻓـﺮدي زي ﺷﻜﻞ اﻟﺤـــــﻮر ﻓــﻲ ﻟـﻮﻧﻪ ﻣﺜﻞ ذوق اﻟﻘﻨــــﺪ واﻟﺸﻬـــﺪي اﻟﻤﺼﻔــــــﻰ ﻟـــــﺬة اﻋﻴﻮﻧـــﻪ ﺑﻮ ﺧﺪود ﺗﺨﺠــــــﻞ اﻟـــﻮردي ﻟﻮ ﻣـــﻦ اﻟﺘﻔـــــــــﺎح ﻣﻌﺠﻮﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﺴــﻦ ﺗﺴﺠﺪ ﻟﻪ اﻟﺨﺮدي واﻟﻈــﺒﺎ رﻛﻨـــــــﻪ ﻳﻄﻮﻓــــﻮﻧﻪ اﻟﻘﻨﺪ :ﻗﺎﻟﺐ اﻟﺴﻜﺮ ،اﻟﺸﻬﺪي :اﻟﻌﺴﻞ ،اﻟﺨﺮدي :اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺠﻤﻴﻼت، ﻳﻄﻮﻓﻮﻧﻪ :اﻟﺪوران ﺟﻮل اﻟﻤﻜﺎن. وﻳﻘﻮل ﺳﺎﻟﻢ اﻟﺠﻤﺮي وﻫﻮ ﻣﻦ ﺷﻌﺮاء دﺑﻲ ﻓﻲ أﺑﻴﺎت ﻹﺣﺪى ﻗﺼﺎﺋﺪه: ﻏﻨﻮج ﻏﻀﻴﺾ ﻋــﻠﻰ ﻃﻠــــﺒﺘﻲ ﻋﻴﻮﻧﻪ ﺗﺸﺎﺑﻪ ﻋﻴـــــــﻮن اﻟﻤﻬﺎه ﻧﻬﺒﻨﻲ ﺑﻌــــﻴﻨﻪ وﺧـــﺪ ﻋﻔــــﺮ ووﺟﻪ ﺗـــــﻼﻷ ﺳــﻮاة اﻟﺒــــﺪر وﻻ ﺷﻔﺖ ﻓـﻲ اﻟﻨﺎس ﻣﺜﻠﻪ ﺑﺸﺮ وﻻ ﻇﻦ ﺑﺎﻟﺨـــــــﻮد ﺷﻠﻦ ﻏﻮاه ﻏﻨﻮج :اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺪﻟﻞ ﺑﻤﻼﺣﺔ ،ﻏﻀﻴﺾ :ﻣﺴﺘﺮﺧﻲ اﻷﺟﻔﺎن. - 2ﺟﻴﺪ اﻟﻤﻬﺎ أﻓﺘﺘﻦ اﻟﺸﻌﺮاء ﻛﺬﻟﻚ ﺑﺠﻴﺪ »اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ« ووﺻﻔﻮه ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ ﻟﺒﻴﺎﺿﻪ وﻟﻤﻌﺎن أﻟﻮاﻧﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ،ﻓﻜﻤﺎ أﺷﺮﻧﺎ ﻣﺴﺒﻘﺎً أن ﻛﻠﻤﺔ »ﻣﻬﺎ« ﻓﻲ ﻟﻐﺘﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﻌﻨﻲ ﺷﻤﺲ ،وﻗﺪ ﺳﻤﻴﺖ ﻛﺬﻟﻚ »ﺑﺎﻟﻮﺿﻴﺤﻲ« ﻟﻮﺿﻮح ﻟﻮﻧﻬﺎ اﻷﺑﻴﺾ اﻟﺠﻤﻴﻞ....ﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﺎﻟﻢ اﻟﺠﻤﺮي أﺑﻴﺎﺗﺎً ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ »ﺗﺮﻳﺪ اﻟﻬﻮى« واﻟﺘﻲ ﺷﺒﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻴﺪ اﻟﻤﺮأة ﺑﺠﺴﺪ اﻟﻤﻬﺎ: أدور ﺣﺒﻴﺒﻲ ﻓﺮﻳﺪ اﻟﺠﻤـــــــﺎل ﻏﻀﻴﺾ اﻟﺘﺼﺎﺑﻲ ﺣﺴﻴﻦ اﻟـﺪﻻل ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻤﺜﻞ ﻣـﻦ ﺗﻬﺎﻳــــﺎ اﻟﻐﺰال ﻋﻴﻮن وﺟﻴﺪ ﻛﺠﻴــــــــﺪ اﻟﻤﻬﺎه ﻫﻼل ﻳﻜﻤــــــﻞ ﺳﻨﺎ ﺑﻬﺠﺘــــﻪ وﺣﻴﺎت ﺳﻤــــــﺮ ﻋﻠــــﻰ ﻏﺮﺗﻪ - 3ﺟﻤﺎل اﻟﻮﺟﻪ وﺣﺴﻦ اﻟﺪﻻل: أﺣﺐ ﺷﻌﺮاء اﻹﻣﺎرات وﺟﻪ »اﻟﻤﻬﺎ« اﻟﺼﺎﻓﻲ اﻟﻨﻘﻲ اﻟﺬي ﺗﺸﻮﺑﻪ ﺳﻤﺮة ﻗﻠﻴﻠﺔ أو ﺑﻴﺎض ﻣﺎﺋﻞ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺮة أي ﺻﻔﺎء وﻧﻘﺎء وﺑﻴﺎض ﻓﻲ ﺳﻤﺎر، وﻗﻴﻞ أﻳﻀﺎً ﻓﻲ وﺻﻔﻬﺎ -أدﻣﺎء -واﻷدﻣﺔ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﺴﻤﺮة ،وﺷﺒﻬﻮا ﺑﻬﺎ اﻟﻤﺮأة ذات اﻟﺤﺴﻦ واﻟﺪﻻل .وﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ ذﻟﻚ أﺑﻴﺎت ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ وﻗﻴﺶ اﻟﻈﺎﻫﺮي ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ: ﻏﺰالٍ ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺎ وأﺳﻤـــــﻪ ﺗﻌﻼﱠ وﻓﺎز ﺑﺠﺎﻳﺰة ﺣﺴــــــﻦ اﻟﺪﻻﻟﻲ
40
ﻣﻮاﻃﻦ اﻟﺠﻤﺎل ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﻨﺪ ﺷﻌﺮاء اCﻣﺎرات
ﺟﻤﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﺟﻤﺎل اﻟﺮﻳﻢ وأﺣــﻼ وﺻﺪره ﻧﺎﻫﺾ اﻟﺮدﻓﻴﻦ ﻋﺎﻟــــﻲ وﺧﺪه ﺑﺮق ﺳﺤﺒﻪ ﻣﺎ ﺗﺠــــــﻠﻰ ﺟﻨﻮب وﻏﺮب ﻣﻊ ﺷﺮق وﺷﻤﺎﻟﻲ وﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ أﺣﺪ أﺑﻴﺎت ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ ﺳﺎﻟﻢ اﻟﺠﻤﺮي اﻟﺬي ﺗﻄﺮق ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺼﻴﺪة اﻷﻟﻔﻴﺔ ،وﺑﺪأ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺑﻴﺖ ﺑﺤﺮف ﻣﻦ اﻟﺤﺮوف اﻟﻬﺠﺎﺋﻴﺔ ﻳﺼﻒ ﻣﻌﺸﻮﻗﺘﻪ ﻓﻲ إﺣﺪى أﺑﻴﺎﺗﻬﺎ ﺑﺴﻴﺪة اﻟﻤﻬﺎ ﻗﺎﺋﻼ: ﻣﻈﻨﺎي ﻣﻬـــــــﻮاي ﻣﻦ اﻟﺒﻌﺪ ﻣﻠﻄﺎف ﺣﻴﺬور ﻧﻔــــــﺲ ﻣﺼﻌــﺐ ﻛﻞ ﺧﺘﻴﻞ اﻟﺨﺎ ﺧــــــﻠﻲ اﻟﺒﺎل ﻛــﺜﺮ ﻣﻼﻣــــــﻲ ﻓﻴﻪ وأﻧﺎ ﻋﺎﺻﻲ ﻋـــــــﺬوﻟﻲ وﻋــﺎﻣﻲ أﻫﻮاه ﺷﺮوى ﻣﺎ اﻫﺘﻮى اﻟﺸﺮب ﻇﺎﻣﻲ ﺳﻴﺪ اﻟﻤﻬــــﺎ ﻋﻠﻞ ﻓـــــــﻮادي ﺗﻌﻠﻴﻞ - 4اﻟﻨﺤﺮ أو اﻟﻌﻨﻖ: اﺳﺘﻌﺎر اﻟﺸﻌﺮاء ﻓﻲ اﻟﻮﺻﻒ ﺑﻨﺤﺮ »اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ« اﻟﺠﻤﻴﻞ واﻟﺘﻲ ﺗﺸﺒﻪ أﻋﻨﺎق اﻷﺣﺼﻨﺔ وﻋﻠﻴﻬﺎ ﺷﻌﺮ ﻗﺼﻴﺮ ،ووﺻﻔﻮا ﻧﺤﺮ ﻣﺤﺒﻮﺑﺎﺗﻬﻢ ﺑﻨﺤﺮ اﻟﻤﻬﺎ .ﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺳﺎﻟﻢ اﻟﺠﻤﺮي: ﺧﺬ ﻣﻦ ﻳﺒﺎك وروف ﻳﺎ وﻟــﺪ اﻟﻈﺒﺎ ﻳﺎﺑﻮﺧـــﺪود ﺑﺎﻟﺰﻫــــــﻮر اﻣﺸﻜﻠﻪ ﻻ ورد ﻻ ﺗﻔــــﺎح ﻻ ﺗﺒﺮ اذﻫﺒـــــﺎ ﻻ ﻣـــــــــﺎس ﻻ ﻓﻴﺮوز ﻫﻮ ﺑﺎﻣﺜﻠﻪ
ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن -ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه -اﺳﺘﻬﻠﻬﺎ ﺑﻘﻮﻟﻪ: ﺷﻄﻦ ﺑﻲ اﻟﻐﺰﻻﻧﻲ ﻟﻲ اﻟﻬﻦ ﻋﻴﺎن ﺳﻮد واﻟﺴﻮﻟﻌﻲ وزاﻧﻲ ﻓﻲ اﻣﺘﺎﺑﻌﻪ ﻣﺠﻬــﻮد ﺗﻔﻨﻦ اﻟﺸﻌﺮاء ﺑﺘﺸﺒﻴﻪ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺎﻟﻤﺮأة ﻓﻲ اﻟﺠﻤﺎل وﻫﺬا أﻣﺮ ﺟﺮى ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺪﻳﻤﺎً وﺣﺪﻳﺜﺎً وﻻ ﻏﺮاﺑﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻷن اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺸﻤﺲ أو اﻟﺤﺠﺎرة اﻟﺒﻴﻀﺎء اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺮق أو اﻟﺒﻠﻮر اﻟﺬي ﻳﺒﺮق ﻟﺸﺪة ﺑﻴﺎﺿﻪ ،وﻗﺪ ﺗﻢ ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎ ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ ﻟﻮﻧﻬﺎ اﻷﺑﻴﺾ ﻟﺠﻤﺎﻟﻬﺎ – وﻳﻘﺎل أﻳﻀﺎً ﺗﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻤﺎرﻳﺔ .وﻓﻲ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﺳﻢ أوروﻛﺲ ،أي اﻟﻐﺰال اﻷﺑﻴﺾ ،أﻣﺎ ﻓﻲ أوروﺑﺎ ﻓﺘﺴﻤﻲ »اﻟﻤﻬﺎ اﻷﺑﻴﺾ أو اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ« .وﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﻛﻤﺎ ذﻛﺮﻧﺎ ﻣﺴﺒﻘﺎً ،ﻛﺎن اﻟﻤﻬﺎ ﻳﺤﺮك اﻟﻮﺟﺪان وﻳﻠﻬﻢ ﺷﻌﺮاء دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻓﺘﺠﻮد ﻗﺮاﺋﺤﻬﻢ ﺑﺄﻋﺬب اﻟﺸﻌﺮ ،وﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﺪﻟﻮن ﺑﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻗﺔ واﻟﻌﺬوﺑﺔ وداﺋﻤﺎ ﻳﺘﻢ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﻋﻴﻮن اﻟﻤﺮأة اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺑﻌﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ ،وﻛﻠﻤﺎ ذﻛﺮت اﻟﻌﻴﻮن وﺳﺤﺮﻫﺎ ذﻛﺮوا أﺑﻴﺎﺗﺎً ﺗﺼﻒ ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ، ﻓﻤﻦ ﺿﻤﻦ ﻣﻮاﻃﻦ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺘﻲ أﺣﺒﻬﺎ ﺷﻌﺮاء دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ ﺻﻔﺎت وﺟﺴﺪ ﻫﺬا اﻟﺤﻴﻮان اﻟﻌﺮﺑﻲ وأوردوﻫﺎ ﻓﻲ أﺑﻴﺎﺗﻬﻢ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ: - 1ﺳﻌﺔ اﻟﻌﻴﻮن وﺣﻮرﻫﺎ: ﻛﺎﻧﺖ وﻻ زاﻟﺖ ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﻤﻘﻴﺎس اﻟﺮﺳﻤﻲ ﻟﺠﻤﺎل اﻟﻌﻴﻮن ﻋﻨﺪ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺸﻌﻮب وﻋﺮﻓﺖ ﺑﺄﻧﻬﺎ أﺟﻤﻞ اﻟﻌﻴﻮن ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق ،ﻓﻬﻲ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺸﺪة ﺳﻮادﻫﺎ وﻧﺼﺎﻋﺔ ﺑﻴﺎﺿﻬﺎ ووﺳﻌﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﺮﻣﻮش اﻟﺴﻮداء اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ، وﺗﻐﻨﻰ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ أو ﻓﻲ ﻃﺮﻓﻬﺎ ﺣﻮر ﻓﺸﺒﻬﻮا ﻋﻴﻮن /اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
39
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻮاﻃﻦ اﻟﺠﻤﺎل ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﻨﺪ ﺷﻌﺮاء ا ﻣﺎرات ﺷﻤﺴﻪ ﺣﻤﺪ اﻟﻈﺎﻫﺮي
اﻟﻮﺿﻴﺤﻲ أو ﻏﺰال اﻟﻤﻬﺎ أو ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺮف ﻓﻲ ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑــ "ﺑﻦ ﺳﻮﻟﻊ" ﺣﻴﻮان ﻧﺎدر وآﻳﻞ ﻟﻼﻧﻘﺮاض راﺋﻊ اﻟﺘﻘﺎﺳﻴﻢ ﺑﺪﻳﻊ اﻟﺨﻠﻘﺔ، ﻛﺎن ﻳﺘﺠﻮل ،ﻣﻨﺬ زﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ،ﻓﻲ رﺑﻮع ﺻﺤﺮاء دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ إﻣﺎرة أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﺘﻲ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺗﺤﺘﻔﻆ ﺑﺬﻛﺮى اﻟﻈﺒﺎء اﻟﺘﻲ ﻋﺎﺷﺖ ﻋﻠﻰ أرﺿﻬﺎ ،أﻣﺎ ﺟﺰﻳﺮة أﺑﻮاﻷﺑﻴﺾ ﻓﻠﻢ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﺬﻟﻚ إﻻ ﻟﻜﺜﺮة اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﻠﻰ أرﺿﻬﺎ .وﻟﻘﺪ وﺛﻖ ﻟﻠﻤﻬﺎ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺬي اﺳﺘﻠﻬﻢ اﻟﺸﻌﺮاء ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻣﻦ ﻋﻴﻮﻧﻬﺎ اﻟﺴﻮداء آﺳﺮة اﻟﺠﻤﺎل وﺟﺴﺪﻫﺎ اﻷﺑﻴﺾ اﻟﺬي ﻳﻌﻴﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻻﺧﺘﺒﺎء ﺑﻴﻦ اﻟﺮﻣﺎل اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ اﻟﺒﻴﻀﺎء ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻟﻠﺸﻌﺮاء اﻹﻣﺎراﺗﻴﻴﻦ ﻣﺎدة أدﺑﻴﺔ وﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﺧﺼﺒﺔ ﺗﺠﻮد ﻗﺮاﺋﺤﻬﻢ ﺑﺄﻋﺬب اﻷﺑﻴﺎت اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ. وﺻﻮرت اﻟﺸﺎﻋﺮة اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ ﻋﻮﺷﺔ ﺑﻨﺖ ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﺴﻮﻳﺪي ﻓﻲ أﺣﺪ أﺑﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻣﺸﻬﺪ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ ﺳﺎﺑﻘﺎً ﺑﻌﺪ ﻫﻄﻮل اﻷﻣﻄﺎر وﻣﻨﻈﺮ اﻟﻜﺜﺒﺎن اﻟﺮﻣﻠﻴﺔ وﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻋﻰ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻗﻄﻌﺎن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وﺗﻘﻮل ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻬﺎ اﻟﻤﻌﻨﻮﻧﺔ »ﺑﺎﻟﻠﻴﺎﻟﻲ«: اﻳﻤﺎﺳﺢ وﺑﻠﻬــﺎ روس اﻟﺨﺸـــﻮم ﺧﺸـﻮم اﻳﺒﺎﻟﻬﺎ واﺟﺮى اﻟﺸﻌــﺎب وﻳﺎد اﻟﺴﻴـﻞ ﻣﻨﻬـﺎ ﻓﻲ اﻟﺤـــﺰوم ﺣـﺰوم ارﻣﺎﻟﻬﺎ واروى اﻟﺘـــــﺮاب وﻟﺒﺴﺖ ﻻرض ﻣﻦ ﺧﻀﺮ اﻟﻬـﺪوم رﻳﺎض ﻓﻲ اﻟﻤﻮاﻃﻲ واﻟﻬـــﻀﺎب
38
ﻣﻮاﻃﻦ اﻟﺠﻤﺎل ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﻨﺪ ﺷﻌﺮاء اCﻣﺎرات
وﺳﻮى ﻓﻲ اﻟﺼﻘـﻮف اﻟﻜﻠﻲ ﻋﻮم ﻣﻬﺎ ﻣﻴﻠﻪ رﻋﻰ روس اﻟﺤــــﺪاب اﻳﻤﺎﺳﺢ :ﻳﻠﻤﺲ ،وﺑﻠﻬﺎ:اﻟﻤﻄﺮ ،اﻟﺨﺸﻮم :ﻗﻤﻢ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ،اﻳﺒﺎﻟﻬﺎ: ﺟﺒﺎﻟﻬﺎ ،اﻟﺸﻌﺎب :ﻣﺠﺎري اﻟﺴﻴﻞ ،وﻳﺎد :ﺟﺎد وﻋﻢ ،اﻟﺤﺰوم :اﻟﻜﺜﺒﺎن اﻟﺮﻣﻠﻴﺔ ،ﺣﺰوم :اﻟﺴﻬﻮل اﻟﺘﻲ أﻣﺎم اﻟﺠﺒﺎل ،اﻟﻬﺪوم :ﻛﺴﺎء اﻟﻌﺸﺐ اﻷﺧﻀﺮ ﻟﻸرض ،اﻟﻤﻮاﻃﻲ :اﻟﻤﻨﺨﻔﻀﺎت ﺑﻴﻦ اﻟﺘﻼل واﻟﻬﻀﺎب ،اﻟﺤﺪاب: ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﻼل اﻟﺮﻣﻠﻴﺔ. وﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ رﺑﻴﻊ ﺑﻦ ﻳﺎﻗﻮت: ﻳﺎ ﻛﺜﻴﺐ ﻧﺠـﺪ اﻟﺨﻀــــــﺮ اﻟﺘﻼل ﻳﺎ ﻣﻬﺎة اﻟﺮﻳﻒ ﻓﻲ اﻟﺠﻮ اﻟﻠﻄﻴﻒ واﻟﻤﻐﺎﻧﻲ ﻣﻴﻠﺖ ﺷـﺮق وﺷـــﻤﺎل واﻟﻮﻻﻳﻒ ذﻛﺮﺗﻨﻲ ﺑﺎﻟﻮﻟﻴــــــــﻒ ﻣﺎ وﻃﺖ إﻻ ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺮ وﻇـــــﻼل وﻻ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﺮوح ﺑﻬـــﺎ ﻧﺰﻳﻒ وﻻ ﺷﻚ أن ﻫﺆﻻء اﻟﺸﻌﺮاء ﻋﺎﺷﻮا ﻓﻲ ﺻﺤﺮاء ﻗﻠﻴﻠﺔ اﻷﻟﻮان ﻻ ﻳﺮى ﻓﻴﻪ »ﻗﻮس ﻗﺰح« إﻻ ﻋﺎﻣﺎً ﺑﻌﺪ ﻋﺎم ،ﻓﻼ ﻏﺮاﺑﺔ أن ﻳﺴﺘﻌﻴﺮ أوﺻﺎف اﻟﺠﻤﺎل ﻣﻦ ﻏﺰال »اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ« ،اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻀﻞ اﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺎري اﻟﺤﺼﻮﻳﺔ ذات اﻟﺮﻣﻞ اﻟﻘﺎﺳﻲ وﻓﻲ اﻟﻤﺴﻄﺤﺎت ﺑﻴﻦ اﻟﻜﺜﺒﺎن واﻟﺘﻼل، ﻟﻜﻲ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﻌﺪو وﺗﺘﺤﺮك ﻓﻲ ﻣﺴﺎﻓﺎت ﻃﻮﻳﻠﺔ ،وﺣﺘﻰ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻬﺮوب ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻣﻦ أﻋﺪاﺋﻬﺎ ﺳﻮاء ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﻔﺘﺮﺳﺔ أو اﻟﺼﻴﺎدﻳﻦ ،ﻓﻬﻲ إذا ً ﻓﻲ ﻣﺤﻴﻂ اﻟﺸﻌﺮاء؛ ﻟﻬﺬا ﻛﺜﺮ ﺗﺸﺒﻴﻪ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺑﺎﻟﺒﺪر واﻟﺸﻤﺲ وﻛﺬﻟﻚ ﺑﺎﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ،ﺑﻞ وﺗﺒﺎروا ﻓﻲ وﺻﻒ »اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ« ﺑﻮﺻﻮف ُﺟﻠﻬﺎ ﺗﺆﻛﺪ أن ﻫﺬا اﻟﺤﻴﻮان اﺑﻦ اﻟﺒﻴﺌﺔ وﻣﻠﻬﻢ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻤﺤﻠﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﻌﺼﻮر ،وﻓﻲ أﺑﻴﺎت ﻣﻦ ﻗﺼﻴﺪة ﻟﻠﻤﻐﻔﻮر
ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺤﺴﻮﺳﺎت اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺘﺴﺐ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻘﺼﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺸﺌﻬﺎ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﺧﺎﺻﺎ .ﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ ﻓﻲ دﻻﻻت اﻹﺷﺎرة ﺑﺎﻟﻌﻴﻦ )اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻄﻮﻳﻞ(: أﺷﺎرت ﺑﻄﺮف اﻟﻌﻴﻦ ﺧﺸﻴـــــــﺔ أﻫﻠﻬﺎ إﺷﺎرة ﻣﺤﺰو ن وﻟﻢ ﺗﺘﻜّﻠﻢ ﻓﺄﻳﻘﻨﺖ أ ﱠن اﻟﻄﱠﺮف ﻗﺪ ﻗﺎل ﻣﺮﺣ ًﺒﺎ وأﻫﻼ وﺳﻬﻼ ﺑﺎﻟﺤﺒﻴﺐ اﻟﻤﺘ ﱠﻴـــﻢ ﻳﺮى اﻟﺸّ ﺎﻋ ُﺮ أ ﱠن اﻟﻌﻴﻦ رﺑّﻤﺎ ﻧﻄﻘﺖ ﻓﻈﻬﺮت دﻣﻌﺘﻬﺎ .ﻓﻬﺬه اﻷﺧﻴﺮة ﺷﻜﻞ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻟﺪﻻﻟﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ وﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻪ .ﻣﻤﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ أن اﻟﺸﻌﺮا َء اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا ﺗﻮﻇﻴﻒ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻟﻔﻈﺔ اﻟﻌﻴﻦ ٍ ﺑﺪﻻﻻت واﻟﺨﺎﺻﺔ .وأن ﻳﺄﺗﻮا ودﻻﻻﺗﻬﺎ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻨﻬﺎ ّ إﺿﺎﻓﻴّ ٍﺔ ﻣﻌﺘﻤﺪﻳ َﻦ ﻋﻠﻰ إﺿﺎﻓ ِﺔ اﻟﻠﻔﻈ ِﺔ إﻟﻰ ﻛﻠﻤﺔ أﺧﺮى ،أو إﺿﺎﻓﺔِ ﻟﻔﻈ ٍﺔ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻣﺴﺘﻨﺪﻳ َﻦ إﻟﻰ ﻓﺼﺎﺣ ِﺔ اﻟﻠﺴﺎن ،وﺑﺮاﻋ ِﺔ اﻟﻘﻮل .ﻓﻘﺪ ﺗﻄ ّﻮرت دﻻﻟﺔ ﻋﻴﻦ اﻟﻤﻬﺎ واﻟﺒﻘﺮ واﻟﻐﺰال ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ ،ﻓﺎزدادت ﻋﺪد اﻷﺑﻴﺎت اﻟﺘﻲ وﻇﻔﺘﻬﺎ .وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻏﻨﻰ اﻟﺼﻮرة ﻋﻦ اﻟﻌﻴﻮن ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻓﺈن اﻟﺴﺆال اﻟﺬي ﻳﻨﻘﻰ ﻣﻌﻠﻘﺎً ﻫﻮ: ﻛﻴﻒ ﺗﺴﻨﻰ ﻟﻐﻴﻼن ذي اﻟ ّﺮﻣﺔ ،ذﻟﻚ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﺒﺪوي اﻟﻘﺢ ،اﻟﺬي ﻟﻢ ﺗﻐﺮه أﺳﺒﺎب اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ واﻟﺘﺤﻀﺮ ،وﻣﻦ ﻇﻞ وﻓﻴّﺎً ﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺒﺪو، ﻳﻌﺘﻨﻖ اﻟﻨﺎﻗﺔ ،وﻳﻼﺣﻖ اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﺤﺮاء اﻟﺠﺰﻳﺮة ،ﻳﺘﻐﻨﻰ ﺑﺤﺒﻴﺒﺘﻪ، أن ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻬﺬه اﻟﺼﻮرة؟ وﻛﻴﻒ ﺗﺠﺴﺪت ﻟﻐ ًﺔ وإﻳﻘﺎﻋﺎً ﻓﺮﻳﺪا ً ﻓﻲ أﺑﻴﺎﺗﻪ ﺣﻴﺚ اﻧﺒﺜﻘﺖ ﺻﻮره اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﻤﺤ ﱠﻤﻠﺔ ﺑﻜﻞ أﺑﻌﺎد اﻟﻤﺠﻬﻮل واﻟﺨﺎرق واﻟﻤﺆﺛﺮ ،وﻟﻢ ﻳﺘﺴﻦ ﻷي ﺷﺎﻋﺮ أن ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺼﻮرة ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ؟ اﻟﻬﻮاﻣــﺶ: ) (1اﺑﻦ ﻓﺎرس )أﺣﻤﺪ( ،ﻣﻌﺠﻢ اﻟﻤﻘﺎﻳﻴﺲ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ، ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺷﻬﺎب اﻟﺪﻳﻦ أﺑﻮ ﻋﻤﺮو ،ط ،1دار اﻟﻔﻜﺮ، ﺑﻴﺮوت ،1994 ،اﻟﺼﻔﺤﺔ.178 : ) (2اﺑﻦ ﻣﻨﻈﻮر ،ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب ،ﻣــﺎدة ﻋﻴﻦ ،دار اﻟﺤﺪﻳﺚ.2003 ، ) (3اﻟ ّﺰﺑﻴﺪي )ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺮﺗﻀﻰ( ،ﺗﺎج اﻟﻌﺮوس ﻣﻦ ﺟﻮاﻫﺮ اﻟﻘﺎﻣﻮس ،ﻣﻨﺸﻮرات دار ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﺤﻴﺎة، ﺑﻴﺮوت ،اﻟﺼﻔﺤﺔ.210 : ) (4اﻟﻤﺒﺮد ،اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ واﻷدب ،ﺗﺤﻘﻴﻖ :أﻏﺮﻳﺪ زرزور ،ﻧﻌﻴﻢ ﺑﻴﻀﻮن ،دار اﻟﻜﺘﺐ ،ﺑﻴﺮوت1996 ، اﻟﺼﻔﺤﺔ.98 : ) (5اﻟﻤﺒﺮد ،اﻟﻜﺎﻣﻞ ،اﻟﺼﻔﺤﺔ.132 : ) (6ﻗﺪاﻣﺔ اﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ ،ﻧﻘﺪ اﻟﻨﺜﺮ ،دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، ﺑﻴﺮوت.1995 ،
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
37
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء
اﻹﻧﺴﺎن ،ﻟﺠﻤﺎﻟﻬﺎ وﺣﺴﻨﻬﺎ .ﻣﺴﺘﻤﺪا ﻫﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻣﻦ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻟﻮاﻗﻌﺔ )وﺣﻮر ﻋﻴﻦ ﻛﺄﻣﺜﺎل اﻟﻠﺆﻟﺆ اﻟﻤﻜﻨﻮن(. وإذا اﻧﺘﻘﻠﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻷﻣﻮﻳﺔ )اﻟﺸﻌﺮ اﻷﻣﻮي( ،ﻧﺠﺪ أن ﻫﺬه اﻟﺪﻻﻟﺔ ﻗﺪ ﺛﻢ ﺗﻮﻇﻴﻔﻬﺎ ﺑﻐﺰارة .ﻣﻤﺎ أﺳﻬﻢ ﻓﻲ ﺛﺮاء اﻟﻤﻌﺠﻢ اﻟﺸﻌﺮي اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،واﻟﻤﺮﺗﺒﻂ ﺑﻮﺻﻒ اﻟﺤﻴﻮان ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ. ﺣﻴﺚ أﻛﺜﺮ ﺷﻌﺮاء ﻫﺬا اﻟﻌﺼﺮ ﻣﻦ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﻋﻴﻮن اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ ﺑﻌﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ واﻟﻐﺰال واﻟﻈﺒﻲ ،ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﻧﺠﺪه ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻟﺮاﻋﻲ اﻟﻨﻤﻴﺮي )ﺑﺤﺮ اﻟﻄﻮﻳﻞ(: ﺳﺒﺘﻚ ﺑﻌﻴﻨﻲ ﺟﺆذر ﺧﻠﻘﺘﻬـــــــﻤﺎ رﻋﺎث وﺑﺮاق ﻣﻦ اﻟﻠﻮن واﺿــﺢ أﻣﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ ﻓﻴﺮى أن ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ ﻗﺪ ﺳﺒﺘﻪ ،وأﺳﺮﺗﻪ ﻟﺤﺴﻨﻬﺎ وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ .ﻳﻘﻮل )ﺑﺤﺮ اﻟﺨﻔﻴﻒ(: ﻗﺎده اﻟﻄﺮف ﻳﻮم ﺳﺮﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﺤﻴــ ــﻦ ﺟﻬﺎرا وﻟﻢ ﻧﺨﻒ أن ﻳﺤﻴﻨﺎ ﻓﺈذا ﻧﻌﺠﺔ ﺗﺮاﻋﻲ ﻧﻌﺎﺟـــــــــــــﺎ وﻣﻬﺎ ﻧﺠﻞ اﻟﻤﻨﺎﻇﺮ ﻋﻴـــــــــﻨﺎ ﻓﺴﺒﺘﻨﻲ ﺑﻤﻘﻠــــــﺔ وﺑﺠﻴـــــــــﺪ وﺑﻮﺟﻪ ﻳﻀﻲء ﻟﻠﻨﺎﻇﺮﻳــــــــﻨﺎ ﺗﻜﻤﻦ اﻟﻤﻼﺣﻈﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن ،ﻓﻲ ﻛﻮن اﻟﺸﻌﺮاء ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻋﺼﻮر اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻗﺪ ﺷﺒﻬﻮا ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ واﻟﺒﻘﺮ ﺑﻌﻴﻮن اﻟﻤﺮأة اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ .ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻷﻣــﻮي .ﺣﻴﺚ اﻧﺘﺸﺮ ﺷﻌﺮ اﻟﻐﺰل ﺑﺸﻜﻞ ﺑﺎرز ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،وﺗﺸﺠﻴﻊ اﻷﻣﻮﻳﻴﻦ ﻟﻬﺬا اﻟﻠﻮن ﻓﻲ أﺷﻌﺎرﻫﻢ ،واﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻨﻮﻋﻴﺘﻪ.
ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ وﺑﻨﺎء اﻟﺼﻮرة اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ
ﻳﺠﻤﻊ اﻟﻠﻐﻮﻳﻮن واﻟﻨﻘﺎد ﻋﻠﻰ أن اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﻟﻴﺲ ﺧﺎﺻﻴﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻓﻘﻂ، ﺑﻞ ﻟﻐﻮﻳﺔ ﻋﺎﻣﺔ .ﻟﻜﻦ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺸﺎﺋﻊ ﻟﻪ ﻻ ﻳﻀﻴﺮ ﻣﺮﺗﺒﺔ اﻟﻮﻇﻴﻔﺔ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ .ﺑﻞ إن ﺗﻨﻤﻴﻂ ﻫﺬا اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻨﺺ اﻟﺸﻌﺮي .ﻟﻌﻞ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺸﻴﻮع ﻫﺬه ،ﻫﻲ ﻣﺎ ﺳﺠﻠﻪ اﻟﻤﺒﺮد )285ﻫـ( 36
ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ أﻧﻤﻮذﺟﺎ
ﻣﻦ ﺧﻼل ﻗﻮﻟﻪ) :اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﺟﺎر ﻛﺜﻴﺮا ﻓﻲ ﻛﻼم اﻟﻌﺮب ،ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻗﺎل ﻗﺎﺋﻞ :ﻫﻮ أﻛﺜﺮ ﻛﻼﻣﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺒﻌﺪ( ) .(5وﻗﺪ ﻋﺪ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ أﺻﻼً ﻣﻦ أﺻﻮل اﻟﺸﻌﺮ وﻗﺎﻋﺪة ﻣﻦ ﻗﻮاﻋﺪ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﺪى اﻟﻠﻐﻮﻳﻴﻦ واﻟﺒﻼﻏﻴﻴﻦ. ذﻟﻚ أن اﻟﻔﺘﻨﺔ ﺑﺎﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ،ﻓﺘﻨﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ،ﺑﻞ إن اﻟﺒﺮاﻋﺔ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻏﺘﻪ، اﻗﺘﺮﻧﺖ ﻟﺪى ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻌﺮاء اﻷواﺋﻞ ﺑﺎﻟﺒﺮاﻋﺔ ﻓﻲ ﻧﻈﻢ اﻟﺸﻌﺮ .إن ﻫﺬا ﻣﺎ ﻗﺎد ﻗﺪاﻣﺔ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ )260ﻫـ327 ،ﻫـ( ﻟﻴﺠﻌﻠﻪ ﻏﺮﺿﺎً أﺳﺎﺳﻴﺎً ﻣﻦ أﻏﺮاض اﻟﺸﻌﺮ .ﺣﻴﺚ رأى أن )أﺣﺴﻦ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﻫﻮ ﻣﺎ أوﻗﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻴﺌﻴﻦ اﺷﺘﺮاﻛﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﻔﺎت أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻧﻔﺮادﻫﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻳﺪﻧﻲ ﺑﻬﻤﺎ إﻟﻰ اﻻﺗﺤﺎد( ) .(6ﺑﻬﺬا ،ﻳﻨﺠﻠﻲ أن اﻟﺸﻴﻮع اﻟﺘﺪاوﻟﻲ ﻟﻠﺘﺸﺒﻴﻪ، ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻔﺮض ﻣﻌﻴﺎرﻳﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻓﻲ ﺗﻨﺎوﻟﻪ .ذﻟﻚ أن ﺗﻘﻮﻳﻤﻪ ﻳﺘﺠﺎوز اﻟﺤﺪث اﻟﻠﻐﻮي اﻟﻤﺤﺾ إﻟﻰ ﻓﺤﺺ دﻻﻻت اﻷﺷﻴﺎء ،وﺣﺪودﻫﺎ. وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻣﺪى ﻣﻼءﻣﺔ اﻟﺠﻤﻊ واﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ ﺧﺼﺎﺋﺺ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻳﻀﻤﻬﺎ ﻓﻌﻞ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ .ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺪه اﻟﻔﻨﻲ واﻟﺸﻌﺮي .ﻗﺪم اﻟﻤﺒﺮد ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن ،ﺗﺼﻨﻴﻔﺎ ﻣﻌﻴﺎرﻳﺎ ﻟﻠﺘﺸﺒﻴﻪ )ﻣﺘﺪاول ﻟﺪى اﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻘﺪﻣﺎء( ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺄﻛﻴﺪه ﻋﻠﻰ أرﺑﻌﺔ أﺿﺮب :ﺗﺸﺒﻴﻪ ﻣﻔﺮط وﺗﺸﺒﻴﻪ ﻣﺼﻴﺐ ،وﺗﺸﺒﻴﻪ ﺑﻌﻴﺪ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ وﻻ ﻳﻘﻮم ﺑﻨﻔﺴﻪ وﻫﻮ أﺧﺸﻦ اﻟﻜﻼم .ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ اﺑﻦ رﺷﻴﻖ ﻳﻤﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺿﺮﺑﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره أﺣﺪ ﻧﻮﻋﻲ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺘﺮادف ﻛﻨﻮع أول ،واﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺿﺮﺑﻴﻦ :أﺣﺪﻫﻤﺎ :ﻣﺎ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﻄﺒﺎع ﻣﻦ ﺗﺸﺒﻴﻪ اﻟﺠﺎﻫﻞ ﺑﺎﻟﺜﻮر واﻟﺤﻤﺎر ،اﻟﺤﺴﻦ ﺑﺎﻟﺸﻤﺲ واﻟﻘﻤﺮ ،واﻟﺸﺠﺎع ﺑﺎﻷﺳﺪ وﻣﺎ ﺷﺎﺑﻬﻪ ،واﻟﺴﺨﻲ ﺑﺎﻟﻐﻴﺚ واﻟﺒﺤﺮ ،واﻟﻌﺰﻳﻤﺔ ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ ،وﻧﺤﻮ ذﻟﻚ. ﻷن اﻟﻨﺎس ﻛﻠﻬﻢ ﻓﺼﻴﺢ ،واﻷﻋﺠﻢ ،واﻟﻨﺎﻃﻖ ،واﻷﺑﻜﻢ ،ﻓﻴﻪ ﺳﻮاء .ﻷﻧﺎ ﻧﺠﺪه ﻣﺮﻛﺒﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﻘﺔ أوﻻ ،واﻵﺧﺮ ﺿﺮب ﻛﺎن ﻣﺨﺘﺮﻋﺎ ،ﺛﻢ ﻛﺜﺮ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻮى ﻓﻴﻪ اﻟﻨﺎس ،وﺗﻮاﻃﺄ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺸﻌﺮاء آﺧﺮا ﻋﻦ أول .ﻧﺤﻮ ﻗﻮﻟﻬﻢ: ﻓﻲ ﺻﻔﺔ اﻟﺨﺪ ﻛﺎﻟﻮرد ،وﻓﻲ اﻟﻘﺪ ﻛﺎﻟﻐﺼﻦ ،وﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﻛﻌﻴﻦ اﻟﻤﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺶ ،وﻓﻲ اﻟﻌﻨﻖ ﻛﻌﻨﻖ اﻟﻈﺒﻲ ،وﻛﺈﺑﺮﻳﻖ اﻟﻔﻀﺔ واﻟﺬﻫﺐ .ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ اﻋﺘﺒﺎر اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ )اﻟﻤﺸﺎﺑﻬﺔ( أﺳﺎﺳﺎ وأﺻﻼ ﻓﻲ ﻣﻘﺎرﺑﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺨﻴﺎﻟﻲ واﻟﺸﻌﺮي ﺑﻤﺎ ﺗﻄﺮح ﻣﻦ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺗﻬﻢ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻤﻌﻨﻰ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ؟ إن ﻫﺬا ﻣﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻋﻠﻰ إﻧﺘﺎج ﺷﻌﺮﻳﺔ اﻟﻤﺸﺎﺑﻬﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻤﻴﻬﺎ أﺣﻤﺪ اﻟﻄﺮﻳﺴﻲ. وﻳﺠﻌﻠﻪ أﺳﺎس اﻟﺼﻮرة اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ .ﻣﻤﺎ ﻣﻨﺢ ﻫﺬه اﻷﺧﻴﺮة أﻫﻤﻴﺔ ﻗﺼﻮى ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ اﻟﺬي ﻗﺎم ﻋﻠﻰ ﺗﺼﻮﻳﺮ ﺻﻔﺎت اﻟﻤﻮﺻﻮف وﺷﻜﻠﻪ اﻟﺨﺎرﺟﻲ .ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻮﺻﻒ ﺣﺴﻲ .واﻟﺘﺠﺴﻴﻢ واﻟﺘﺸﺨﻴﺺ. ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﻼء ﻟﻠﺼﻮرة اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ وﺗﻮﺿﻴﺢ ﻟﺠﻮاﻧﺒﻬﺎ .ﺑﺬﻟﻚ ﺟﺎءت أوﺻﺎف ﺷﻌﺮاء اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ،ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻟﻮﺣﺎت ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺼﻮرة اﻟﻤﻮﺣﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن وزﻣﺎن وﺣﺮﻛﺔ وﻟﻮن .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺗﺄﻣﻞ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﻣﻦ أﺷﻴﺎء ،ﻣﺤﻮر ﺻﻮرﺗﻪ وﻋﻤﻠﻪ اﻷدﺑﻲ. ﻓﻮﺻﻒ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﻤﺎ ﺗﺤﻮﻳﻪ ﻣﻦ إﻧﺴﺎن وﺣﻴﻮان وزرع ودﻳﺎر .ﺣﻴﺚ رﺳﻢ ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﻓﻲ ﻟﻮﺣﺎت ﺣﻴﺔ .ذﻟﻚ أن اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻳﺘﻠﻤﺲ ﺧﺒﺮﺗﻪ ﻓﻲ
ﺣﻈﻮة ﻛﺒﻴﺮة .ﻟﻤﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ دور ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻤﻜﺎن ،واﻟﻬﺮوب ﻣﻦ اﻷﻋﺪاء .وﻣﻦ أﺷﻬﺮ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﺘﻲ وﺻﻒ اﻟﺸﻌﺮاء ﻋﻴﻮﻧﻬﺎ :اﻟﺒﻘﺮ اﻟﻮﺣﺸﻲ اﻟﻤﻌﺮوف ﺑﺎﻟﻤﻬﺎ .واﻟﻌﻴﻦ :اﻟﺒﻘﺮ. ﺣﻴﺚ ﺗﻮﺻﻒ اﻟﺒﻘﺮة ﺑﺴﻌﺔ اﻟﻌﻴﻦ .ﻓﻴﻘﺎل :ﺑﻘﺮة ﻋﻴﻨﺎء ،واﻟﺮﺟﻞ أﻋﻴﻦ) .(2أورد اﺑﻦ ﻣﻨﻈﻮر ﻓﻲ ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب ﻫﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: )وﻣﻨﻪ ﻗﻴﻞ ﻟﺒﻘﺮ اﻟﻮﺣﺶ ﻋﻴﻦ( ).(3 ﻳﻘﻮل اﻟﺰﺑﻴﺪي ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ) :اﻟﻌﻴﻦ ﺑﺎﻟﻜﺴﺮ ﺑﻘﺮ اﻟﻮﺣﺶ( ).(4 وﻣﻤﺎ ورد ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﻗﻮل اﻣﺮأ اﻟﻘﻴﺲ: وﻓﺎء ﻟﻨﺎ ﻣﻨﻬﻢ ﻧﺴﺎء ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺑﻮﺟﺮة واﻟﺴﻼن ﻋﻴﻦ ورﺑﺮب ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ،ﺟﻤﺎل ﻋﻴﻮن اﻟﻨﺴﺎء ﺑﺠﻤﺎل ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ واﻟﺒﻘﺮ اﻟﻮﺣﺸﻲ .وﻓﻲ ذﻟﻚ اﻧﺘﻘﺎل ﻟﺪﻻﻟﺔ اﻟﻌﻴﻦ اﻟﺒﺎﺻﺮة ﻟﻺﻧﺴﺎن ،إﻟﻰ ﻋﻴﻮن اﻟﺤﻴﻮان اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ .إﻧﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﻜﻞ واﻟﻮﻗﻊ واﻟﺠﻤﺎل. ﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻠﻘﻤﺔ اﻟﻔﺤﻞ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ آﺧﺮ )اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻄﻮﻳﻞ(: ﺑﻌﻴﻨﻲ ﻣﻬﺎة ﻳﺤﺪر اﻟﺪﻣـــﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺮﻳﻤﻴــﻦ ﺷﺘﻰ ﻣﻦ دﻣﻊ وإﺛﻤﺪ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ﻋﻴﻨﻲ اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ ﺑﻌﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ ﻟﺠﻤﺎﻟﻬﺎ، وﺳﺤﺮﻫﺎ ،ﺣﺘﻰ وﻫﻲ داﻣﻌﺔ ﺑﺎﻛﻴﺔ .وواﺻﻞ اﻟﺸﻌﺮاء وﺻﻒ ﻋﻴﻦ اﻟﻐﺰال واﻟﺒﻘﺮ واﻟﻤﻬﺎ واﻟﻈﺒﻲ .ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺪﺧﻠﻮﻧﻬﺎ ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻓﻲ ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﻐﺰل .ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﻧﺠﺪ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﻄﻴﺌﺔ )اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻄﻮﻳﻞ(: ﺑﻬﺎ اﻟﻌﻴﻦ ﻳﺤﻔﺮن اﻟﺮﺧﺎﻣﻰ ﻛﺄﻧﻬـﺎ ﻧﺼﺎرى ﻋﻠﻰ ﺣﻴﻦ اﻟﺼﻼة ﺳﺠﻮد
وﻫﻨﺎ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﺑﻘﺮ اﻟﻮﺣﺶ ﻣﻦ ﻛﺜﺮﺗﻪ وﻫﻮ ﻳﺤﻔﺮ اﻷرض ،ﺑﺎﻟﻨﺼﺎرى وﻫﻢ ﻳﺼﻠﻮن ﺳﺎﺟﺪﻳﻦ ﻟﺮﺑﻬﻢ. وﻳﻘﻮل ﺗﻤﻴﻢ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻓﻲ وﺻﻒ ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ )اﻟﺒﺤﺮ اﻟﺒﺴﻴﻂ( : ﺗﺮﻧﻮ ﺑﻌﻴﻨﻲ ﻣﻬﺎة اﻟﺮﻣـــﻞ أﻓﺮدﻫﺎ رﺧﺺ ﻇﻠﻮﻓﺘﻪ إﻻ اﻟﻘﻨﺎ ﺿــﺮع ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮ أﺟﻤﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎ ،ﻟﻴﺼﻒ ﺑﻬﺎ ﻋﻴﻮن ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻪ. ﻟﻤﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﺤﺮ وﺗﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺲ. أﻣﺎ اﻟﻤﺮار اﺑﻦ ﻣﻨﻘﺬ ،ﻓﻴﻘﻮل )ﺑﺤﺮ اﻟﺮﻣﻞ(: ﺑﻐﺰال أﺣــــــــﻮر اﻟﻌﻴﻨﻴﻦ ﻏﺰ وﺗﻌﻠﻠﺖ وﺑـــــﺎﻟﻲ ﻧﺎﻋــــــﻢ ﻳﻮﻇﻒ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺻﻔﺔ اﻟﺤﻮار ﻟﻌﻴﻦ اﻟﻐﺰال اﻟﺘﻲ ﻧﻘﻠﻬﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﻴﻦ
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
35
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء
ﺳﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺮي اﻟﻌﺮﺑﻲ
ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻮﻋﻴﻄﺔ
ﻳﺬﻛﺮ أﺣﻤﺪ اﺑﻦ ﻓﺎرس أن اﻷﺻﻞ اﻟﻠﻐﻮي ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ ﻫﻮ :اﻟﻌﻴﻦ واﻟﻴﺎء واﻟﻨﻮن أﺻﻞ واﺣﺪ ﺻﺤﻴﺢ ،ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﻋﻀﻮ واﺣﺪ ،ﺑﻪ ﻳﺒﺼﺮ وﻳﻨﻈﺮ، ﺛﻢ ﻳﺸﺘﻖ ﻣﻨﻪ) .(1ﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺤﺪود اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻌﺪدت ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻌﻴﻦ ،وﺗﻨﻮﻋﺖ دﻻﻻﺗﻬﺎ ﻟﺘﻘﺎرب اﻟﻌﺸﺮة .ﻓﺎﻟﻌﻴﻦ ﻛﻤﺎ ذﻛﺮت ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﻌﺎﺟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻌﻴﻦ اﻟﻨﺎﻇﺮة ﻟﻜﻞ ذي ﺑﺼﺮ ،وﻧﺒﻊ اﻟﻤﺎء ،وذات اﻟﺸﻲء ،وﺷﺮﻳﻒ اﻟﻘﻮم وﺳﻴﺪﻫﻢ، وﺟﺎﺳﻮس ،واﻟﺴﺤﺎب ،واﻟﺒﻘﺮ ،وﺧﻴﺎر اﻟﺸﻲء وذاﺗﻪ ،واﻟﻤﺎل اﻟﻌﺘﻴﺪ اﻟﺤﺎﺿﺮ ،واﻟﺮﻛﺒﺔ .أﻣﺎ اﻟﺸﻌﺮاء ،ﻓﻘﺪ ذﻫﺒﻮا ﺑﻌﻴﺪا ﻓﻲ ﺗﻮﻇﻴﻒ اﻟﻌﻴﻦ ﻓﻲ أﺷﻌﺎرﻫﻢ .ﻓﺘﺤﺜﻮا ﻋﻦ أﺣﻮاﻟﻬﺎ وﺻﻔﺎﺗﻬﺎ ،وأﻟﻮاﻧﻬﺎ وﻋﺪدوا ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻛﺜﻴﺮا اﺣﺘﻮت ﻋﻠﻴﻪ أﺷﻌﺎرﻫﻢ .ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﻣﺎ ﺗﺨﺘﺺ ﺑﻪ اﻟﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺣﻀﻮر ﻓﻲ اﻟﺠﺴﻢ ،ودور ﻓﻲ ﺗﻮﺟﻴﻪ اﻟﺤﻴﺎة، وﺗﺸﻜﻴﻞ اﻷدب ،وﻷن اﻟﻌﻴﻦ ﻫﻲ أﺻﻞ اﻟﺠﻤﺎل ،واﻟﺮاﺣﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ، ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺨﺪﻣﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮاء ﻓﻲ أﺷﻌﺎرﻫﻢ ،ﻟﻴﻌﺒﺮوا ﺑﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﻜﻨﻮﻧﺎت أﻧﻔﺴﻬﻢ ،ﺷﻌﺮا ﺟﻤﻴﻼ ،ﻳﺼﻒ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ .ﻓﻮﺻﻔﻮا اﻟﻌﻴﻦ اﻟﺤﻮراء. 34
ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ أﻧﻤﻮذﺟﺎ
ﺷﺪﻳﺪة ﺑﻴﺎض اﻟﻌﻴﻦ ،ﻓﻲ ﺷﺪة ﺳﻮادﻫﺎ .أو أن ﺗﻜﻮن ﺳﻮداء ﻛﻠﻬﺎ ﻛﺎﻟﻈﺒﺎء أو اﻟﺒﻘﺮ .ﺣﻴﺚ ﺗﻮﻇﻴﻔﻬﺎ ﻹﺑﺮاز ﻣﺨﺘﻠﻒ دﻻﻻﺗﻬﺎ .ﻓﺤﻴﻦ وﺻﻔﻮا اﻟﻌﻴﻦ اﻟﺒﺎﺻﺮة ،ﺛﻢ ﺗﺤﺪﻳﺪﻫﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﺑﺎﻟﺤﻮراء ﻷﻋﻄﺎﻫﺎ ﻣﻌﻨﻰ إﺿﺎﻓﻴﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺸﺄن ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﺸﻌﺮي اﻟﻌﺮﺑﻲ .ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﻧﺠﺪه ﻋﻨﺪ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﺮوة اﺑﻦ اﻟﻮرد )اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻄﻮﻳﻞ( :ﺗﻘﻮل أﻻ أﻗﺼﺮ ﻣﻦ اﻟﻐﺰو واﺷﺘﻜﻲ ﻟﻬﺎ اﻟﻘﻮل ﻃﺮف أﺣﻮر اﻟﻌﻴﻦ داﻣﻊ ﺣﻴﺚ ﻳﺼﻒ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﺮوة اﺑﻦ اﻟﻮرد اﻟﻌﻴﻦ اﻟﺤﻮراء .وﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﺗﺘﻜﻠﻢ وﺗﺸﻜﻮ وﺗﺒﺚ ﺣﺰﻧﻬﺎ ووﺟﺪﻫﺎ.
ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ واﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ
ارﺗﺒﻂ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻨﺬ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﺎﻟﺮﻋﻲ ،واﻟﺼﻴﺪ .ﻛﻤﺎ اﺳﺘﺨﺪم اﻟﺤﻴﻮان وﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﻨﻘﻞ ،واﻟﻤﻮاﺻﻼت .ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻣﺴﺨﺮة ﻟﺨﺪﻣﺘﻪ وذات ﻗﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ .ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﻘﺮب إﻟﻴﻪ ،ﻷﻫﻤﻴﺘﻬﺎ. ﻓﺎﻋﺘﻨﻰ ﺑﻬﺎ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﺧﺎﺻﺔ .وراح ﻳﺘﻔﻨﻦ ﻓﻲ وﺻﻔﻬﺎ .ﻟﺬﻟﻚ رﻛﺰ اﻟﺸﻌﺮاء ﻗﺪﻳﻤﺎ ﻋﻠﻰ وﺻﻒ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ،واﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﻬﺎ .ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﻌﻴﻮن ذات
وﺑﻌﺪ ﻗﻮﻟﻪ ﻫﺬا ﻓﻲ ﺳﻬﺎم ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﻳﻘﻮل :ﻛ ﱡُﻞ َﻣ َﻬﺎ ٍة ﻛﺄ ّن ُﻣ ْﻘﻠَﺘَ َﻬﺎ ﺗَﻘ ُ ُﻮل إﻳّﺎﻛُ ُﻢ َوإﻳّﺎ َﻫﺎ وﻫﻨﺎ ﺗﺤﺬر اﻟﻤﻬﺎ ـ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن اﻟﺸﺎﻋﺮ ـ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻲ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻪ؛ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺬﻫﺐ ﺟﻤﺎل ﻋﻴﻨﻲ ﻣﺤﺒﻮﺑﺘﻪ ﺑﺠﻤﺎل ﻋﻴﻨﻲ اﻟﻤﻬﺎ. ﺗﺪاول اﻟﺸﻌﺮاء ﺣﺪﻳﺜﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﻤﻬﺎ ـ وﻫﻮ ﻛﺜﻴﺮ ـ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻧﺨﺘﻢ ﺑﺄﺛﺮ اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﺷﻌﺮ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ـ ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه ـ ﺣﻴﺚ ﻗﺎل: ﻓﻴﻬــــــــــﺎ اﻟْ َﻤ َﻬـــــــﺎ َﻣﻜْﺜــــــــﺮﻫﺎ وارﻳﻮﻣﻬـــــــــــــــﺎ أ ْو َﻻ ْﻣﻬـــــــــﺎر ﻳﺎﺳﻌــــﺪ اﻟﻠّــــــــــــــــﻲ ﻧِﻈَــــﺮﻫﺎ وﺗِ ّْ ﺤﻒ ﺑـــــــــــــﻪ َﻻ ْﺳـــــــــــــﺮار ﻧَ ِﺤﻤـــــــــــــــﺪْ ﻟِــــــــﺬي ﺻـ ّﻮرﻫﺎ َﺐ ﻟﻬـــــــــــﺎ َﻻﺧﻴــــــــــــــﺎر َوا ْوﻫ ْ أَ ْو َﻋﻈﱠ ْﻤ َﻬــــــــــــــﺎ ﻓــــــﻲ ﻗَــﺪرِﻫﺎ اﺑﺠـــــــــــــــــــﺎ ٍه واﻋﺘﺒــــــــــــﺎر وﻫﻨﺎ ﻏﺮد اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻋﻜﺲ اﺗﺠﺎه اﻟﺴﺮب؛ ﻓﻜﻞ ﺷﺎﻋﺮ ﻛﺎن ﻳﺘﻐﻰ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎ ﻛﺎن ﻳﺴﺘﻌﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺘﻪ ،أﻣﺎ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ،ﻓﺤﻤﺪ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﻮﻳﺮه وﺻﻨﻌﻪ ﻟﻠﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻘﺪر ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل.
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻷﻣﺜﺎل واﻟﺘﺮاث.
ﻛﺎن أﺛﺮ اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻃﺎﻏ ًﻴﺎ ،وﻟﺬﻟﻚ وإن ﻛﺎن ﻟﻠﻤﻬﺎ أﺛﺮ ﻓﻲ اﻷﻣﺜﺎل اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،أو اﻟﻨﺜﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻓﻬﻮ ﻟﻴﺲ ﺑﻬﺬا اﻷﺛﺮ اﻟﻮاﺿﺢ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وﻫﺬا ﻻ ﻳﺪﻋﻮ ﻟﻼﺳﺘﻨﻜﺎر أو ﻗﻠﺔ ﺷﺄن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺆﻛﺪ ﻣﻜﺎﻧﺔ اﻟﻤﻬﺎ ﻟﺪى اﻟﻌﺮب ،ﻓﻬﻢ أﻟﺼﻘﻮه ﺑﺄﻋﺰ ﻣﺎ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ إﻧﺘﺎج ﻋﺮﺑﻲ ،وﻟﺬﻟﻚ أﻳﻀً ﺎ ﻓﻬﺬه اﻷﻣﺜﺎل اﻟﻮاردة ﻫﻲ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ أﺑﻴﺎت ﺷﻌﺮﻳﺔ ،أو أﺷﻄﺮ ﻣﻦ أﺑﻴﺎت ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻀﺮب ﻟﻠﻤﺜﻞ ،ﻓﻤﻦ ذﻟﻚ ﻗﻮل اﻟﻌﺮب» :ﻣﺎ ذﻧﺐ اﻟﺜﻮر إذا ﻋﺎﻓﺖ اﻟﺒﻘﺮ«وﻫﺬا ﻣﺜﻞ ﻳﻀﺮب ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺠﻨﻰ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ ﺑﻐﻴﺮ ﺟﺮﻳﺮة ارﺗﻜﺒﻬﺎ ،أو ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﻮم ﺷﺨﺺ ﻣﺎ ﺑﻔﻌﻞ ﺳﻲء ﻓﻴﻌﺎﻗﺐ ﻏﻴﺮه ،أو ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻘﻊ اﻟﻈﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻓﺮد ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن ﻋﺒﺮة ﻟﻐﻴﺮة ﻓﻴﻔﻌﻞ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺠﻤﻊ ﻣﺎ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻪ ﻣﻦ دون ﺳﺆال. وﻟﻬﺬا اﻟﻤﺜﻞ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﺗﺨﺺ اﻟﻤﻬﺎ ،وذﻟﻚ أﻧﻬﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﺮﺿﻮن اﻟﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺮاب وﻟﻢ ﺗﺸﺮب ـ رﺑﻤﺎ ﻟﻌﺪم ﺻﻔﺎء اﻟﻤﺎء أو ﻟﻘﻠﺔ اﻟﻌﻄﺶ ـ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻀﺮﺑﻮن اﻟﺜﻮر ﻟﻴﻘﺘﺤﻢ اﻟﻤﺎء ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﺘﺒﻌﻪ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺒﻘﺮ اﻟﻮﺣﺸﻲ "اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ" ﻓﻀﺮب ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ ﻟﻌﺪم ﺟﺮﻳﺮة اﻟﺜﻮر ،أو ﻟﻈﻠﻤﻪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ. وﻗﺪ ﺗﺄﺛﺮ ﺑﻤﻮﻗﻒ اﻟﺜﻮر وﺑﻘﺮ اﻟﻮﺣﺶ اﻟﺸﺎﻋﺮ أﻧﺲ ﺑﻦ ُﻣ ْﺪرِك ﻓﻲ ﻗﺘﻠﻪ اﻟﺴﻠَﻜَﺔ ﻓﻘﺎل: ُﺳﻠَﻴﻚ ﺑﻦ ﱡ ِ ﺛــﻢ أ ْﻋﻘﻠَﻪُ ﻛﺎﻟﺜﱠﻮ ِر ﻳُﻀ َﺮب ﻟ ﱠﻤﺎ ﻋﺎﻓ َِﺖ اﻟ َﺒﻘَــــ ُﺮ إﻧّﻲ و َﻗ ْﺘﻠﻲ ُﺳﻠَ ْﻴﻜًﺎ ﱠ وﻗﺪ ذﻛﺮ اﻟﺠﺎﺣﻆ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب اﻟﺤﻴﻮان أن ﻣﻦ ﻋﺎدات ﺑﻘﺮ اﻟﻮﺣﺶ أﻧﻬﺎ رﺋﻴﺴﺎ ،ﻓﻬﻮ اﻟﺬي ﻳﻮردﻫﺎ وﻳﺼﺪرﻫﺎ ،وﺗﻨﻬﺾ ﺑﻨﻬﻮﺿﻪ وﺗﻘﻊ ﺗﺘﺨﺬ ﻟﻬﺎ ً
ﺑﻮﻗﻮﻋﻪ ،وأن ﺑﻘﺮ اﻟﻮﺣﺶ ﻳﺨﻀﻊ ﻟﺮﺋﻴﺴﻪ ﻷﻣﺮﻳﻦ :أﺣﺪﻫﻤﺎ اﻗﺘﺪار ﺣﺐ ذﻛﻮرﻫﺎ، اﻟﺬﻛﺮ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺎث ،واﻵﺧﺮ ﻟﻤﺎ ﻓﻲ ﻃﺒﺎع اﻹﻧﺎث ﻣﻦ ﱢ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺎﻹﻧﺎث ﺗﻐﺪو ﺑﻐﺪو ﻓﺤﻠﻬﺎ وﺗﺮوح ﺑﺮواﺣﻪ. ﻫﺬا ﻏﻴﺮ أن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ذات اﻟﻄﺒﺎﺋﻊ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ؛ ﻓﻘﺪ ذﻛﺮ اﻟﺠﺎﺣﻆ أﻳﻀً ﺎ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب اﻟﺤﻴﻮان أن ﺑﻘﺮ اﻟﻮﺣﺶ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺤﻀﺮة وﻟﺪﻫﺎ ﻟﻢ ﺗﻀﻌﻪ وﻣﻨﻌﺖ اﻟﺴﺒﺎع ﻣﻨﻪ ،وﻗﺎﺗﻠﺖ دوﻧﻪ ﺑﻘﺮوﻧﻬﺎ أﺷﺪ اﻟﻘﺘﺎل ،ﺣﺘّﻰ ﺗ ُﻨﺠﻴَﻪ أو ﺗﻌﻄَﺐ. أﻣﺎ أﻏﺮب ﻣﺎ ذﻛﺮ ﻋﻦ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ـ ﻓﻲ ﻛﺘﺎب اﻟﺤﻴﻮان ـ وﻳﺸﺒﻪ اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ ﻫﻮ أن اﻟﻌﺮب ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺰﻋﻤﻮن أن اﻟﺠ ﱠﻦ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺪ اﻟﺜﻴﺮان ﻋﻦ اﻟﻤﺎء ﺣﺘﻰ ﺗﻤﺴﻚ اﻟﺒﻘﺮ ﻋﻦ اﻟﺸﺮب ﺣﺘﻰ ﺗﻬﻠﻚ، وﻗﺎل ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻷﻋﺸﻰ: ﻓﺈﻧﻲ وﻣﺎ ﻛﻠﻔﺘﻤﻮﻧﻲ ﻣـ َﻦ أﻣﺮِﻛﻢ ﻟَ ُﻴﻌﻠَﻢ َﻣ ْﻦ أﻋﻖ وأ ْﺣـــــﻮﺑﺎ أﻣﺴﻰ ﱠ َ ﻟَﻜﺎﻟﺜﱠﻮر واﻟﺠ ّﻨ ﱡﻲ ﻳَﻀﺮ ُِب ﻇَﻬـــ َﺮه وﻣﺎ ذﻧْ ُﺒﻪ أن ﻋﺎﻓ َِﺖ اﻟﻤــﺎ َء َﻣﺸ َﺮﺑﺎ ﺎف اﻟﻤــــﺎ َء إِ ﱠﻻ ﻟ ُﻴﻀْ َﺮﺑﺎ وﻣﺎ ذﻧْ ُﺒﻪ أَنْ ﻋﺎﻓ َِﺖ اﻟﻤــﺎ َء ﺑﺎ ِﻗ ٌﺮ وﻣﺎ إِن ﺗَ َﻌ ُ ﻛﺄﻧﻪ ﻗﺎل :إذا ﻛﺎن ﻳﻀﺮب أﺑ ًﺪا ﻷﻧﻬﺎ ﻋﺎﻓﺖ اﻟﻤﺎء ،ﻓﻜﺄﻧﻬﺎ إﻧﻤﺎ ﻋﺎﻓﺖ اﻟﻤﺎء ﻟﻴﻀﺮب. ﱡ ﻠﻲ: ﻫ ﺬ اﻟ ﻣﻨﺼﻮر ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ وﻗﺎل ﻛﺬﻟﻚ ْ ّ ﻳﻀﺮب َو ْﺟ َﻬﻪ وﻣــﺎ ذﻧﺒﻪ إن ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺠﻦ ﻇﺎﻟﻤﻪ ﻟﻜﺎﻟﺜﻮر واﻟﺠﻨــﻲ ُ وﻗﺎل ﻧَ ْﻬﺸَ ُﻞ ﺑﻦ َﺣ ﱢﺮ ﱟي: ﻋـــــــــﺎرض وﺑﻨﻮ َﻋ ِﺪ ﱟي وﺗَﻐْــــــــ َﺮ َم دا ِر ٌم وﻫُـــــــﻢ ﺑَ َﺮا ٌء ٌ أﺗُ ْﺘ َﺮكُ ﺮب ﺑﺎﻟ َﻬـــﺮاوي إذا ﻣﺎ َﻋﺎﻓ َِﺖ اﻟ َﺒﻘَـــــــــ ُﺮ اﻟﻈﱢ َﻤﺎ ُء ِ ﻛﺪأب اﻟ ﱠﺜ ْﻮ ِر ﻳُﻀْ ُ أﺧﻴﺮ ..ﻗﺪ َو َﺟ َﺪ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻪ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﻛﺒﻴ ًﺮا ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ، ورﻣﺎ أﻳﻀً ﺎ ﻣﺎ زاد ﻋﻠﻰ ﺟﻤﺎﻟﻪ ﻗﺮﺑًﺎ ﻟﻠﻌﺮﺑﻲ ﻫﻮ أن اﻟﻌﺮب ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺼﻨﻌﻮن ﻣﻦ ﻗﺮوﻧﻪ ﺳﻼ ًﺣﺎ ـ ﻟﺤﺪﺗﻪ ـ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ،ﻫﺬا ﻏﻴﺮ أن ﻟﺤﻤﻪ ﻳﺆﻛﻞ ﻟﻌﻼج ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻞ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻳﺼﻨﻊ ﻣﻦ ﺟﻠﺪه ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﻦ اﻷﻏﺮاض اﻟﻔﺎﺧﺮة ،ﻓﻼ ﻣﻨﺪوﺣﺔ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ إﻛﺮام ﻫﺬا اﻟﺤﻴﻮان ﺳﻮاء ﻛﺎن ﻟﻘﻴﻤﺘﻪ اﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ وﺟﻤﺎﻟﻪ ،أو ﻟﻘﻴﻤﺘﻪ اﻟﻤﺎدﻳﺔ وإﻓﺎدﺗﻪ
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
33
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﺤﻤﺪ أﺣﻤﺪ اﻟﻘﺸﻼن
ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻌﻴﺶ ﻣﻦ دون أﺛﺮه وﺗﺎرﻳﺨﻪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،وﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ ـ ﻓﻲ اﻷﺻﻞ ـ اﺑﻦ اﻟﺼﺤﺮاء ،أﺻﺒﺢ ﻃﺒﻴﻌ ًﻴﺎ أن ﺗﺮاه َﻳﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ وﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺴﻴﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﺎﺋﻨﺎت ،ﺣﺘﻰ ﻏﺪت ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻦ اﻟﺼﺤﺮاء أﻟﻔ ًﺔ وﻧﺴ ًﺒﺎ ﻗﻮﻳًﺎ ﻻ ﻳﻘﻄﻊ .وﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻧﺰﻳﻬﺎ ً ﺟﻤﻴﻼ ،ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﻌﺰز ﻣﻦ اﻟﺼﻼت ﺑﻴﻨﻪ وﺑﻴﻦ اﻟﺠﻤﺎل ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ وﺣﺪﻳﺜًﺎ ،وإذا ذﻛﺮ اﻟﺠﻤﺎل ،ذﻛﺮ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻓﻠﻴﺲ اﻟﻌﺮب اﻷواﺋﻞ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ اﻫﺘﻢ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎ وﻗﺮﺑﻬﺎ إﻟﻴﻪ ،ﺑﻞ وﻋﺮب اﻟﻴﻮم أﻳﻀً ﺎ ﻳﻮﻟﻮن اﻟﻤﻬﻤﺎ اﻫﺘﻤﺎ ًﻣﺎ ﻛﺒﻴ ًﺮا، ﺑﻞ زادوا ﻓﻲ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻪ ﻋﻦ أﺳﻼﻓﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﺟﺪاد واﻵﺑﺎء ،ﻓﻘﺪ ﻋﻠﻖ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻓﻲ زﻣﻨﻪ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎ وﻇﻬﺮ ذﻟﻚ ﺟﻠ ًﻴﺎ ﻓﻲ إﻧﺘﺎﺟﻪ اﻷدﺑﻲ ـ واﻷدب وﻻ ﺳﻴﻤﺎ اﻟﺸﻌﺮ ﻫﻮ دﻳﻮان اﻟﻌﺮب ـ ﺳﻮاء ﻛﺎن ﺷﻌ ًﺮا أو ﻧﺜ ًﺮا أو ﺣﺘﻰ ﻓﻲ اﻷﻣﺜﺎل ،ﺛﻢ ﺟﺎء دور ﻋﺮﺑﻲ اﻟﻴﻮم ﻓﻠﻢ ﻳﻜﺘﻒ ﻓﻘﻂ ﺑﺘﻤﺴﻜﻪ ﺑﻤﺎ ﻗﺪﻣﻪ أﺟﺪاده ﺗﺠﺎه اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻟﻜﻨﻪ زاد ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﺴﻌﻲ اﻟﺤﺜﻴﺚ ﺣﻔﺎﻇًﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع اﻟﻨﺎدر ﻣﻦ ﻛﺎﺋﻨﺎت اﻟﺼﺤﺮاء؛ ﺧﻮﻓًﺎ ﻣﻦ اﻧﻘﺮاﺿﻪ ﻛﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﻧﻮاع .وﻗﺪ اﺳﺘﻄﺎع ﻫﺬا اﻟﻜﺎﺋﻦ أن ﻳﻮﺣﺪ ﻛﺜﻴ ًﺮا ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﺤﺖ ﻫﺪف وراﻳﺔ واﺣﺪه ،وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺠﻬﻮد اﻟﺘﻲ ﺑﺬﻟﺖ ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪ أن ﺗﻘﻮم ﺑﺪور اﻟﺮاﺋﺪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ وﺗﻘﻮد اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وﻇﻬﺮ ذﻟﻚ ﺟﻠ ًﻴﺎ ﻓﻲ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﺒﻴﺌﺔ ﺑـ»أﺑﻮﻇﺒﻲ« ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﺗﺤﺖ ﻣﺴﻤﻰ »اﻷﻣﺎﻧﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﺼﻮن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ« وﺗﻀﻢ ﻫﺬه اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﻋﺪدًا ﻻ ﺑﺄس ﺑﻪ ﻣﻦ دول اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﺜﻞ :ﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ،ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﻌﺮاق ،اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻷردﻧﻴﺔ اﻟﻬﺎﺷﻤﻴﺔ ،دوﻟﺔ اﻟﻜﻮﻳﺖ ،ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻋﻤﺎن، اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ،اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﻴﻤﻨﻴﺔ. وﻫﺬا ﻳﻈﻬﺮ ﻣﺪى اﻫﺘﻤﺎم اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻻﺳﻴﻤﺎ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ. أﺛﺮ اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ
اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ أﻫﻢ ﻣﺎ ﺗ ُﺮك ﻟﻨﺎ ﻣﻦ أﺳﻼﻓﻨﺎ؛ ﻓﻬﻮ دﻳﻮاﻧﻬﻢ ،ﻓﻴﻬﻢ أﻳﺎﻣﻬﻢ وﺣﺮوﺑﻬﻢ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺠﻠﻮن ﻓﻴﻪ ﻛﻞ ﺷﻲء ،ﺳﻮاء أﺣﺒﻮه أو ﻛﺮﻫﻮه، وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺣﻈﻲ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻤﻜﺎﻧﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻓﻤﻦ 32
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء
اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ وإﻟﻰ اﻟﻴﻮم وﻣﻜﺎن اﻟﻤﻬﺎ ﻣﺤﻔﻮظ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ ،ﺣﻴﺚ إن اﻟﻤﻬﺎ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﺠﻤﺎل ،واﻟﺸﻌﺮ أﻳﻀً ﺎ ﻳﻌﻨﻲ اﻟﺠﻤﺎل ،وﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻤﻔﺠﺮ اﻷول ﻟﻠﺸﻌﺮ ﻫﻮ اﻟﻐﺰل ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎل أﺑﻮ اﻟﻄﻴﺐ اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ: ُـــﻞ ﻓ َِﺼﻴﺢٍ َ ﻗﺎل ِﺷﻌﺮاً ُﻣ َﺘ ﱠﻴ ُﻢ ﺴﻴﺐ اﻟ ُﻤ َﻘـــﺪﱠ ُم أﻛ ﱡ إذا ﻛﺎنَ َﻣ ٌ ﺪح ﻓﺎﻟ ّﻨ ُ واﻟﻤﺪح واﻟﻐﺰل درﺑﺎن ﻟﺴﺒﻴﻞ واﺣﺪ ،إذن ﻓﻘﺪ أﻓﺴﺢ ﺟﻤﺎل اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻣﻜﺎﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ إﻟﻰ اﻵن ،وﻣﻤﺎ ﻗﻴﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺎ ﻗﺪﻳ ًﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﻗﻮل اﻣﺮئ اﻟﻘﻴﺲ: ﺗ َُﺼﺪﱡ َوﺗُﺒﺪي َﻋﻦ أَﺳﻴـــــﻞٍ َوﺗَ ﱠﺘﻘﻲ ﺑ ِ ﺣﺶ َو ْﺟ َﺮ َة ُﻣﻄ ِﻔﻞِ ِﻨﺎﻇ َﺮ ٍة ِﻣﻦ َو ِ وﻫﻨﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺤﺪث اﻣﺮؤ اﻟﻘﻴﺲ ﻋﻦ ﺟﻤﺎل ﻋﻴﻦ اﻟﻤﻬﺎ ﻓﺤﺴﺐ ،ﻟﻜﻨﻪ ﺗﺤﺪث ﻋﻦ ﻣﻮﻃﻨﻪ أﻳﻀً ﺎ ،ﻟﻴﺪﻟﻞ أن اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻫﻮ ﻣﻮﻃﻦ اﻟﻤﻬﺎ ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪم ،وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل ذﻛﺮه ﻟﻠﻤﻮﺿﻊ » َو ْﺟ َﺮةَ« وﻫﻮ ﺻﺤﺮاء ﺑﻴﻦ ﻣﻜﺔ واﻟﺒﺼﺮة ﻛﺎن ﻣﻌﺮوﻓًﺎ ﺑﻜﺜﺮة اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﻻﺳﻴﻤﺎ ﺑﻘﺮ اﻟﻮﺣﺶ »اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ«. وﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ أﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻳﻘﻮل زﻫﻴﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻠﻤﻰ: َوإِن ﻃﺎﻟَــــــﺖ ﻟَﺠﺎ َﺟﺘُﻪُ اِﻧ ِﺘﻬﺎ ُء ﻟَﻘَــــﺪ ﻃﺎﻟَﺒ ُﺘﻬﺎ َوﻟِﻜ ﱢُﻞ ﺷَ ـــــﻲ ٍء ﺗَﻨﺎ َز َﻋﻬﺎ اﻟ َﻤﻬﺎ ﺷَ َﺒ ًﻬــــــﺎ َو ُد ﱡر ال ﻧُﺤﻮ ِر َوﺷﺎﻛَ َﻬﺖ ﻓﻴـــــﻬﺎ ِ اﻟﻈﺒﺎ ُء ﻳﻖ اﻟ ِﻌﻘ ِﺪ ِﻣﻨﻬﺎ َﻓ ِﻤـــــــﻦ أَدﻣﺎ َء َﻣﺮﺗَ ُﻌﻬﺎ اﻟﺨَﻼ ُء َﻓﺄَ ّﻣﺎ ﻣــــــــﺎ ُﻓ َﻮ َ اﻟﺼﻔﺎ ُء َوأَ ّﻣﺎ اﻟ ُﻤﻘﻠَﺘﺎنِ َﻓ ِﻤـــــــــﻦ َﻣﻬﺎ ٍة َوﻟِﻠﺪُ ﱢر اﻟ َﻤـــــــــﻼ َﺣ ُﺔ َو َ وﻟﻤﺎ ﻛﺎن أﺟﻤﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺎ ﻣﻘﻠﺘﻬﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻃﻐﻰ ﻫﺬا اﻟﺠﺰء ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻗﻲ ﺟﺴﺪﻫﺎ ،وﻳﻈﻬﺮ ﻫﺬا ﻓﻲ ﻗﻮل زﻫﻴﺮ اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ﺣﻴﺚ ﻗﺎل إن اﻟﻤﻬﺎ ﺗﻨﺎزع ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ اﻟﺠﻤﺎل ،ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﺸﺒﻪ اﻟﻈﺒﺎء ،ﺛﻢ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ اﻷﺧﻴﺮ ﻳﻘﺮ ﺑﺠﻤﺎل ﻋﻴﻦ اﻟﻤﻬﺎ وﻳﺴﺘﻌﻴﺮﻫﺎ ﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺘﻪ. أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻷﻣﻮي ﻓﻠﻢ ﻳﻔﺖ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ اﻟﺮﺑﻴﻌﺔ ذﻛﺮ اﻟﻤﻬﻤﺎ، وﻇﻬﺮ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﺗﻐﺰﻟﻪ ﺑﺮﻣﻠﺔ ﺑﻨﺖ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺧﻠﻒ اﻟﺨﺰاﻋﻴﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎل: َﻒ أنْ ﻳَﺤﻴــﻨﺎ ﻗﺎده اﻟﺤﻴ ُﻦ ﻳﻮم ﺳ ْﺮﻧﺎ إﻟﻰ اﻟ َﺤ ْﻴـ ـﻦِ ﺟﻬﺎ ًرا وﻟﻢ ﻳَﺨ ْ ُﺠـــــﻞ اﻟﻨﻮاﻇﺮ ِﻋﻴ َﻨﺎ َ ﻓﺈذا ﻧﻌــــــﺠﺔ ﺗﺮاﻋــــﻲ ﻧِ َﻌﺎﺟﺎ و َﻣ ًﻬـــــﺎ ﻧ ﻓ ََﺴ َﺒ ْﺘــــــﻨﻲ ﺑﻤﻘــــــﻠﺔ وﺑِﺠِ ﻴ ٍﺪ وﺑﻮﺟﻪ ﻳﻀــﻲء ﻟﻠﻨﺎﻇـــــــﺮﻳﻨﺎ وﻫﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻴﻦ اﻟﻤﻬﺎ ﻣﻦ دواﻋﻲ أﺳﺮ »دﻧﺠﻮان« اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻛﻤﺎ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻤﻴﺪ اﻷدب اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻃﻪ ﺣﺴﻴﻦ. وﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ أﻳﻀً ﺎ ﻛﺎن ﻷﺑﻲ اﻟﻄﻴﺐ ﺑﺼﻤﺘﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻘﺎل: ﻛ ﱡُﻞ َﺟﺮِﻳـــــﺢٍ ﺗُ ْﺮ َﺟــــﻰ َﺳﻼ َﻣﺘُﻪُ إﻻّ ﻓُــــﺆادًا َر َﻣﺘْـــﻪُ َﻋ ْﻴ َﻨﺎﻫَـــــﺎ
ﺟﻤﺎل اﻷﻧﺜﻰ ،ﺣﻴﺚ ﻧﻘﺮأ ﻻﺑﻦ اﻟﻤﻘﺮي ﻓﻲ إﺣﺪى ﻗﺼﺎﺋﺪه اﻟﻐﺰﻟﻴﺔ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻗﻮﻟﻪ: ﻋﻴﻮن ﻣﻬﺎ ﻳﺠﻞ وﻇﺒﺎ ﻟﺤﻈﻬﺎ اﻟﺴﺤﺮ ﻓﺘﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻻ ﺗﻔﻌﻞ اﻟﺒﻴﺾ واﻟﺴﻤﺮ إذا ﺟﺮدﺗﻬﺎ ﻓﺎﺳﺘﻌﺪوا ﻣﻦ اﻟﻬﻮى ﻟﻤﻌﺘﺮك ﻳﻔﺸﻮ ﺑﻪ اﻟﻘﺘﻞ واﻷﺳـــــﺮ ﻫﻞ ﻓﺎرق اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻫﺬا اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي؟! إن اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ اﺳﺘﺨﺪم اﻟﻤﻬﺎ ﻛﻤﺸﺒﻪ ﺑﻪ واﻟﻨﺴﺎء ﻣﺸﺒﻪ ووﺟﻪ اﻟﺸﺒﻪ ﻫﻮ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻌﻤﻴﻖ ،ﻓﻠﻤﺎذا ارﺗﺤﻞ ﻫﺬا اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﻣﻦ ﻋﺼﺮ ﻟﻌﺼﺮ وﺗﻜﺮر ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻷﻣﻮي اواﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ،ﺑﻞ واﺻﻞ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ اﻟﺒﻠﻎ اﻟﺘﺮﺣﺎل ﺣﺘﻰ إن ﺷﺎﻋﺮ ﻣﻦ ﺷﻌﺮاء اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﺜﻞ ﻣﺤﻤﻮد ﺳﺎﻣﻲ اﻟﺒﺎرودي ﻳﺴﺘﺨﺪم ذات اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﻓﻲ وﺻﻒ ﺟﻤﺎل اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ، ﺣﻴﺚ ﻧﺮاه ﻳﻘﻮل: ﻣﺤﺎ اﻟﺒﻴﻦ ﻣﺎ أﺑﻘﺖ ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ ﻣﻨﻲ ﻓﺸﺒﺖ وﻟﻢ أﻗﺾ اﻟﻠﺒﺎﻧﺔ ﻣﻦ ﺳﻨــــﻲ ﻋﻨﺎء ،وﺑﺄس ،واﺷﺘـــﻴﺎق ،وﻏــــــﺮﺑﺔ أﻻ ،ﺷﺪ ﻣﺎ أﻟﻘﺎه ﻓﻲ اﻟﺪﻫـﺮ ﻣﻦ ﻏﺒﻦ ﻛﻴﻒ ﻟﻢ ﺗﺘﻐﻴﺮ اﻟﺬاﺋﻘﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ واﻟﻤﺨﻴﺎل اﻟﺸﻌﺮي اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻴﻦ ﺑﺪو اﻟﺼﺤﺮاء ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﺑﻌﺪ أن ﻋﺎش اﻟﻌﺮب ﻣﺪﻧﻴﺔ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺮﻓﺎﻫﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻷﻣﻮي وﻣﻦ ﺛﻢ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ وﺻﻮﻻ إﻟﻰ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ؟ ﻛﻴﻒ ﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺤﻀﺎرة اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﺔ اﻟﻤﻐﺎﻳﺮة ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮن اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ رﻣﺰﻳﺔ اﻟﺠﻤﺎل؟ إن اﺧﺘﻼف اﻷزﻣﺎن وﺗﻌﺎﻗﺒﻬﺎ واﻻﺣﺘﻜﺎك اﻟﺤﻀﺎري اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻊ ﺣﻀﺎرات ﻣﺘﻌﺪدة ﻣﺜﻞ ﺣﻀﺎرة اﻟﻔﺮس واﻟﺮوم وﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ وﺣﻀﺎرة ﺑﻼد اﻟﺮاﻓﺪﻳﻦ واﻟﺤﻀﺎرة اﻵﺷﻮرﻳﺔ ،ﺛﻢ اﻧﻔﺘﺤﺖ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ أﻛﺜﺮ وﺟﺎورت ﺣﻀﺎرة أﻛﺜﺮ اﺧﺘﻼﻓﺎً وﺗﻨﻮﻋﺎً ﺛﻘﺎﻓﻴﺎً ﻣﺜﻞ ﺣﻀﺎرة اﻷﻧﺪﻟﺲ ،أﻟﻢ ﻳﻐﻴﺮ ﻫﺬا ﻓﻲ اﻟﺬاﺋﻘﺔ اﻟﺒﻼﻏﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ؟ ﻓﺤﻴﻦ ﻧﻘﺮأ ﻟﻤﺤﻴﻰ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ ﻓﻲ إﺣﺪى ﻗﺼﺎﺋﺪه: أﻻ ﻳﺎ ﻧﺴﻴﻢ اﻟﺮﻳﺢ ﺑﻠﻎ ﻣﻬﺎ ﻧﺠﺪ ﺑﺄﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﻮن ﻣﻦ اﻟﻌﻬﺪ وﻗﻞ ﻟﻔﺘﺎة اﻟﺤﻲ ﻣﻮﻋﺪﻧﺎ اﻟﺤﻤﻰ ﻏﺪﻳﺔ ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ ﻋﻨﺪ رﺑﻰ ﻧﺠﺪ وﻫﺬا ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺘﺴﺎءل ﻫﻞ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ أن ﻳﺮﺗﺤﻞ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﻋﺒﺮ اﻷزﻣــﺎن ﻣﻦ دون أن ﺗﺘﻤﺎﻳﺰ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﻄﺎﻳﺎﺗﻬﺎ اﻟﺒﻼﻏﻴﺔ؟
أﺗﺼﻮر أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻄﻘﻲ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻜﻞ ﻣﺘﻠﻖ ذوﻗﻪ ،وﺧﻴﺎﻟﻪ، وﺧﺼﻮﺻﻴﺎﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺘﺨﻴﻞ واﻟﺘﺬوق ،ﻓﺎﻟﺘﺨﻴﻞ واﻟﺘﺬوق ﻳﺘﺄﺛﺮان ﺑﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻣﻬﻤﻴﻦ اﻷول اﻟﺴﻤﺎت اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻟﻤﻨﺘﺞ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ وﻣﺘﻠﻘﻴﻪ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ،واﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻤﻌﻄﻴﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﻜّﻠﺖ اﻟﻤﺨﻴﻠﺔ ﻟﻠﺸﺎﻋﺮ ﻣﻨﺘﺞ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ،وﻣﺎ ﺟﻌﻞ ﻫﺬا اﻟﻤﺨﻴﺎل اﻟﺒﻼﻏﻲ اﻟﺬي اﺗﺨﺬ ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻮﺿﻴﺤﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻌﻴﺎرا ﻟﺠﻤﺎل ﻋﻴﻮن اﻟﻤﺮأة ﻧﺘﺞ ﻣﻦ ﻓﻘﺮ ﻣﺨﻴﻠﺔ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺪﺳﻮا اﻟﻘﺪﻳﻢ واﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره إرﺛﺎ ﻣﻘﺪﺳﺎً ﻻ ﻳﺠﺐ اﻟﺨﺮوج ﻋﻨﻪ ،ﺑﻞ ﺗﻌﺎﻗﺐ اﻷزﻣﺎن ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻨﺤﻪ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺪاﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻋﺎﺑﺮا ﻟﻸزﻣﺎن ،ﺑﻞ وﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺰﻳﺔ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺸﻌﺮي ﻣﻴﺰة ﻣﻨﺤﺘﻪ ﻗﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺒﻮر اﻟﺰﻣﻨﻲ ﺑﻐﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﻟﻠﺒﻴﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﺞ ﻓﻴﻬﺎ أم ﻻ.
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻮﺿﻴﺤﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺨﻴﺎل اﻟﺸﻌﺒﻲ
أﺟﺎد اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺸﻌﺒﻴﻴﻦ ﻓﻲ وﺻﻒ اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﻮر ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻋﺪﻳﺪة ،ﻓﻨﺠﺪ اﻷﻣﻴﺮ ﻃﻼل اﻟﺮﺷﻴﺪ ﻳﺘﺨﺬ ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎ رﻣﺰﻳﺔ ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻴﻘﻮل: ﺟﺘـﻨـﻲ ،وﺷـﺎﻓﺘـﻬﺎ ﻋﻴـﻮنٍ ﺣـــﺎﻳـﺮات ذا ﺷﻌـﺎع اﻟﺸﻤـﺲ أو ﻫﺬا ﺳﻨﺎﻫــــﺎ؟ ﺿـﺎﻋﻮا اﻟﻲ ﺟﻮا ﻣﻌـﺎﻫـﺎ ﻣـﺴـــﻴـﺮات وأﻗﺒـﻠـﺖ ﺗﻤﺸـﻲ ﺗﻘﻞ ﻣﺤ ٍﺪ ﻣﻌـــﺎﻫـﺎ ﻳــﺎ ﺳﻨـﺎ اﻟﻔﻀـﺔ ،وﻳﺎ ﺟﻴــﺪ اﻟﻤﻬــــﺎة ﻳـﺎ ﺷـﺬى ﻧﺒـﺖ اﻟﺨﺰاﻣﻰ ﻓﻲ وﻃﺎﻫـﺎ واﻟﺸﺎﻋﺮ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻳﺠﻌﻞ ﺟﻤﺎل اﻷﻧﺜﻰ ﻫﻮ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻤﺮﻛﺰي اﻟﺬي ﻳﺘﺼﺪر اﻟﺘﺼﻮر اﻟﺬﻫﻨﻲ ﻟﻠﻤﺘﻠﻘﻲ ،ﺛﻢ ﻳﺠﺰل ﻓﻲ وﺻﻒ ﻫﺬا اﻟﺠﻤﺎل ،ﻓﻴﺄﺗﻲ ﺑﺴﻤﺎت وﺻﻔﺎت اﻟﻤﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ ﺗﺒﺮق ﻣﺜﻞ ﺳﻨﺎ اﻟﻔﻀﺔ، وﺳﻨﺎ اﻟﻔﻀﺔ واﺣﺪة ﻣﻦ أوﺻﺎف اﻟﻤﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺒﺮق ﺟﻠﻮدﻫﺎ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺒﻴﺎض ﻓﻲ ﺿﻴﺎء اﻟﺸﻤﺲ ،ﻓﺘﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ رﻣﺎل اﻟﺼﺤﺮاء ﻣﺜﻞ ﺳﻨﺎ اﻟﻔﻀﺔ ،ﻛﻤﺎ أن ﺟﻴﺪ ﻫﺬه اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ ﻣﺜﻞ ﺟﻴﺪ اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ اﺳﺘﻘﺎﻣﺘﻪ وﻃﻮﻟﻪ .وﻗﺪ ﺗﻐﻨﻰ ﺑﻬﺬه اﻟﻘﺼﻴﺪة ﻣﻄﺮب اﻟﻌﺮب ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪه
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
31
إﺿﺎءة
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ رﻣﺰ ﻟﻠﺠﻤﺎل ﻣﺮﺗﺤﻞ ﻋﺒﺮ ا.زﻣﺎن! اﺗﺨﺬ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎ رﻣﺰا ً ﻟﻠﺠﻤﺎل اﻷﺳﻄﻮري ﻟﻠﻤﺮأة، ﻓﺼﺎرت ﻋﻴﻮﻧﻪ إﺷﺎرة ﺳﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗ ُﺬﻛﺮ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪة ﻳﺴﺘﺤﻀﺮ اﻟﻘﺎرئ ﺗﺼﻮرا ﻣﺤﺪدا ﻟﻠﺠﻤﺎل ،ﺗﺼﻮرا ﻳﺮى اﻟﺠﻤﺎل ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻮن اﻟﻤﺘﺴﻌﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ اﻟﺴﻮاد ذات اﻟﻠﻮن اﻷﺑﻴﺾ واﺿﺢ اﻟﺮؤﻳﺔ ،ﻓﻬﺬه اﻟ ُﻤﻬﺎ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻳﻀﺎ اﺳﻢ اﻟﻮﺿﻴﺤﻲ ﺗﺄﻛﻴﺪا ً ﻋﻠﻰ ﺑﻴﺎﺿﻬﺎ اﻟﻮاﺿﺢ اﻟﺠﻠﻲ. واﺳﺘﺨﺪام اﻟﻤﻬﺎ ﻛﺮﻣﺰ ﻟﻠﺠﻤﺎل اﻟﻔﺮﻳﺪ ﺑﺪأ ﻣﻨﺬ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ،ﻣﻨﺬ أن ورد ذﻟﻚ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ ﻓﻲ ﻣﻌﻠﻘﺔ زﻫﻴﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻠﻤﻰ ،وﻗﺪ ﺷﺒﻪ ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: ﺗﻨﺎزﻋﻬﺎ اﻟﻤﻬﺎ ﺷﺒﻬﺎ ودر اﻟﻨﺤﻮر وﺷﺎﻛﻬﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻈﺒﺎء ﻓﺄﻣﺎ ﻓﻮﻳﻖ اﻟﻌﻘﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻤﻦ آدﻣﺎء ﻣﺮﺗﻌﻬﺎ اﻟﺨـــــﻼء وأﻣﺎ اﻟﻤﻘﻠﺘﺎن ﻓﻤﻦ ﻣﻬﺎة وﻟﻠﺪر اﻟﻤﻼﺣـــــﺔ واﻟﺼﻔﺎء ﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﻷﻋﺸﻰ ﻓﻲ ﻣﻌﻠﻘﺘﻪ: وﺗَ ْﺒ ِﺴ ُﻢ ﻋﻦ َﻣ ًﻬﺎ ﺷَ ﺒ ٍِﻢ َﻏﺮ ﱟِي … .إذا ﺗُ ْﻌﻄﻲ اﻟ ُﻤ َﻘ ﱢﺒ َﻞ ﻳَ ْﺴﺘَﺰﻳﺪُ ﻓﻠﻤﺎذا اﺗﺨﺬ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺤﻴﻮان رﻣﺰا ً ﻟﺠﻤﺎل ﻣﺎ ﻳﻨﺸﺪه؟ ﻫﻞ ﺛﻤﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻔﻌﻠﻲ ﻟﻠﺠﻤﺎل واﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻤﺘﺨﻴﻞ؟ إن ﻫﺬا اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ اﺑﻦ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺘﻲ أﻧﺘﺠﺘﻪ ،ﻓﺎﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻣﺘﻌﺪدة وﻣﺮﻛﺒﺔ ﻣﺜﻞ ﺑﻴﺌﺔ اﻟﺤﻀﺮ ﺗﺤﺼﺮ ﺗﺸﺒﻴﻬﺎﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﺘﺎح ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻴﺌﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎذا اﻟﻤﻬﺎ ﺗﺤﺪﻳﺪا؟ وﺛﻤﺔ ﺣﻴﻮاﻧﺎت أﺧﺮى ﻛﺜﻴﺮة ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻴﺌﺔ؟ رﺑﻤﺎ ﻟﻨﺪرة ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت وﺗﻤﻴﺰ ﺷﻜﻠﻬﺎ ﻋﻦ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﺘﺪاوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺸﺒﻪ ﻋﻴﻮن اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﺑﻌﻴﻮن اﻟﻨﻮق واﻟﺠﻤﺎل ﻣﺜﻼ ،رﻏﻢ اﺗﺴﺎع ﻋﻴﻮن اﻟﺠﻤﺎل ﻋﻦ ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻮﺿﻴﺤﻲ ،رﺑﻤﺎ ﻟﻌﻤﻖ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻴﻮن وﺷﺪة ﺳﻮادﻫﺎ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ،وﻟﺘﻠﻚ اﻟﻘﺮون اﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻮ رأس اﻟﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ،ﺛﻢ ﺳﺮﻋﺘﻬﺎ اﻟﺸﺪﻳﺪة أﻳﻀﺎ ﻫﻮ ﻣﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﻤﺨﻴﻠﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﺘﺨﺬﻫﺎ ﻣﺸﺒﻬﺎً ﺑﻪ ورﻣﺰا ً ﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﺷﻌﺮﻳﺔ .إن وﺟﻮد اﻟﻤﻬﺎ وﻻﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ آﻻف ﻣﻦ اﻟﺴﻨﻴﻦ اﻟﺨﻮاﻟﻲ ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻬﺎ ﻏﺪت ﺗﺸﻜﻞ ﺟﺰءا ً ﻻ ﻳﺘﺠﺰأ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻛﻤﺎ ورد ذﻛﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ أﺷﻌﺎر اﻟﻌﺮب وأﻏﺎﻧﻴﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﻤﺎ أﺑﺪع ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮاء ،ﺑﺨﻠﻖ اﻟﺘﺸﺎﺑﻪ اﻟﺮاﺋﻊ ﺑﻴﻦ ﻋﻴﻮن ﻣﺤﺒﻮﺑﺎﺗﻬﻢ وﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ .إن ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺨﻴﺎل اﻟﺸﻌﺮي ﺗﺄﺧﺬﻧﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮة إﻟﻰ اﻟﻌﻴﻮن اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻮه اﻟﻔﺎﺗﻨﺔ ،وﻳﻐﻴﺐ ﺣﻴﻮان اﻟﻤﻬﺎ ﻛﻠﻴﺔ ﻟﻴﺒﺮز اﻟﺠﻤﺎل اﻷﻧﺜﻮي وﺣﺪه ﻣﺤﺘﻼً ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﺬاﺋﻘﺔ واﻟﺸﻌﻮر واﻟﺨﻴﺎل ،اﻟﺨﻴﺎل. 30
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ رﻣﺰ ﻟﻠﺠﻤﺎل ﻣﺮﺗﺤﻞ ﻋﺒﺮ ا#زﻣﺎن!
dzǿƉƚǙ DzƃǃōǝǶ dzǾȃŌǶƈ
اﻟﻤﻬﺎ رﻣﺰ ﻟﻠﺠﻤﺎل ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮﻳﻦ اﻷﻣﻮي واﻟﻌﺒﺎﺳﻲ
ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻷﻣﻮي اﺳﺘﺨﺪم ﺟﻤﻴﻞ ﺑﺜﻴﻨﺔ اﻟﻤﻬﺎ ﻟﻴﺘﻐﺰل وﻳﺼﻒ ﺟﻤﺎل ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ ،وذﻟﻚ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ )ﺧﻠﻴﻠﻲ إن ﻗﺎﻟﺖ ﺑﺜﻴﻨﺔ :ﻣﺎﻟﻪ؟(: ﺑﺜﻴﻨﺔ ﺗﺰري ﺑﺎﻟﻐﺰاﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻀﺤﻰ إذا ﺑﺮزت ﻟﻢ ﺗﺒﻖ ﻳﻮﻣﺎ ﺑﻬﺎ ﺑﻬـــﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻘﻠﺔ ﻛﺤـــﻼء ﻧﺠﻼء ﺧﻠﻘــﺔ ﻛﺄن أﺑﺎﻫﺎ اﻟﻈﺒﻲ وأﻣـــﻬﺎ اﻟﻤــﻬﺎ وﻟﻢ ﻳﺘﺮك ﻗﻴﺲ ﺑﻦ اﻟﻤﻠﻮح اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻴﺼﻒ ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎة ،ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل: وأﻋﻨـﺎﻗﻬﺎ ﻏــــــــــﺰﻻن رﻣﻠــــﺔ وأﻋﻴﻨــــﻬﺎ ﻣﻦ أﻋﻴﻦ اﻟﺒﻘﺮ اﻟﻨﺠﻞ وﻛﺬﻟﻚ ﻓﻌﻞ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻷﻣﻮي ﻣﺮوان ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻨﺎﺻﺮ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺴﺘﺨﺪم اﻟﺮﻳﻢ اﻟﺬي ﻫﻮ ﻗﺮﻳﺐ اﻟﺸﺒﻪ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎة ﻓﻲ ﺗﺸﺒﻴﻪ اﻟﺤﺒﻴﺐ ﻓﻲ ﺟﻤﺎل ﻋﻴﻮﻧﻪ ﺑﻪ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل: ﻏﺼــــــﻦ ﻳﻬﺘﺰ ﻓﻲ دﻋـــﺺ ﻧﻘﺎ ﻳﺠﺘﻨﻲ ﻣﻨـــــــﻪ ﻓﺆادي ﺣــــﺮﻗﺎ ﻃﻠﻊ اﻟﺤﺴﻦ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ وﺟﻬﻪ ﻗﻤﺮا ﻟﻴـــــــﺲ ﻳﺮى ﻣﻤــــــــــــﺤﻘﺎ ورﻧﺎ ﻋﻦ ﻃﺮف رﻳـــﻢ أﺣــــــﻮر ﻟﺤﻆ ﺳﻬــــــــــــﻢ ﻟﻘﻠﺒﻲ ﻓﻮﻗﺎ وﻛﺬﻟﻚ ﻓﻌﻞ ﺑﻌﺾ ﺷﻌﺮاء اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ،ﺣﻴﺚ اﺳﺘﺨﺪﻣﻮا اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ وﺻﻔﻬﻢ ﻟﺠﻤﺎل ﺣﺒﻴﺒﺎﺗﻬﻢ ،ﺣﻴﺚ ﻧﻘﺮأ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﺠﻬﻢ: ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺮﺻﺎﻓﺔ واﻟﺠـــــــﺴﺮ ﺟﻠﺒﻦ اﻟﻬﻮى ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أدري وﻻ أدري أﻋﺪن ﻟﻲ اﻟﺸﻮق اﻟﻘﺪﻳﻢ وﻟﻢ أﻛــــــﻦ ﺳﻠﻮت وﻟﻜﻦ زدن ﺟﻤــــــﺮا ﻋﻠﻰ ﺟﻤﺮ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻌﻞ أﺑﻮ اﻟﻄﻴﺐ اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ،ﺣﻴﺚ اﺗﺨﺬ ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎ رﻣﺰا ً ﻟﻠﺠﻤﺎل اﻷﻧﺜﻮي اﻟﺨﺎﻟﺺ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل: ﻛﻞ ﻣـــــــﻬﺎة ﻛﺄن ﻣﻘﻠﺘـــــــﻬﺎ ﺗﻘــــــــﻮل إﻳﺎﻛﻢ وإﻳﺎﻫــــــــﺎ ﻓﻴﻬﻦ ﻣــــﻦ ﺗﻘﻄﺮ اﻟﺴﻴﻮف دﻣﺎ إذا ﻟﺴﺎن اﻟﻤﺤـــــــــﺐ ﺳﻤﺎﻫﺎ وﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻲ ﻛﺬﻟﻚ اﺳﺘﺨﺪم اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻤﻬﺎة ﻓﻲ ﺗﺸﺒﻴﻪ
ﺷﺎﻫﺪت ﻷول ﻣﺮة »ﻋﻴﻦ اﻟﻤﻬﺎ« اﻧﺘﺎﺑﻨﻲ ﺷﻌﻮران اﻷول ﻫﻮ راﺋﺤﺔ اﻟﺒﺮاري واﻟﻐﺎﺑﺎت ،وﺑﺪاءات ﺗﻜﻮن أﻛﺜﺮ أﻣﻨﺎً ،ﻓﻼ ﻳﺨﺎف اﻟﻀﻌﻴﻒ ﻣﻦ ﺑﺮاﺛﻦ اﻟﻘﻮي ،ﻻﻓﻲ اﻟﻐﺎﺑﺔ ،وﻻﻓﻲ اﻟﻤﺪن اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ ﻏﺎﺑﺎت ﻣﻦ ﻧﻮع ﺧﺎص .اﻟﺸﻌﻮر اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻫﻮ أﻳﻦ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺘﻲ وﺻﻠﺖ إﻟﻴﻨﺎ ﻧﺤﻦ، اﻟﻤﻤﺘﺪة ﺑﻴﻦ ﻋﻴﻦ ،أو ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ وﺑﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ اﻟﺠﻬﻢ: ﻋﻴﻮن اﻟﻤـﻬﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺮﺻﺎﻓﺔ واﻟﺠﺴــــــﺮ ﺟﻠﺒﻦ اﻟﻬﻮى ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أدري وﻻ أدري أﻋﺪن ﻟــــــﻲ اﻟﺸﻮق اﻟﻘﺪﻳﻢ وﻟﻢ أﻛﻦ ﺳﻠﻮت وﻟﻜﻦ زدن ﺟﻤــــــﺮا ﻋﻠﻰ ﺟﻤﺮ ﺳﻠﻤﻦ وأﺳﻠﻤﻦ اﻟﻘﻠــــــــﻮب ﻛﺄﻧــــﻤﺎ ﺗﺸﻚ ﺑﺄﻃــــــﺮاف اﻟﻤﺜﻔﻘـﺔ اﻟﺴﻤـــــﺮ ﺧﻠﻴﻠﻲ ﻣﺎ أﺣـــــﻠﻰ اﻟﻬـــــــﻮى وأﻣـﺮه وأﻋﺮﻓﻨﻲ ﺑﺎﻟﺤــــــﻠﻮ ﻣﻨـــــــــﻪ واﻟﻤـﺮ ﻛﻔــــــﻰ ﺑﺎﻟﻬﻮى ﺷﻐﻼ وﺑﺎﻟﺸﻴﺐ زاﺟﺮا ﻟﻮ أن اﻟﻬــــﻮى ﻣﻤﺎ ﻳﻨﻬﻨﻪ ﺑﺎﻟﺰﺟـــــــﺮ وأﻓﻀﺢ ﻣﻦ ﻋﻴــــﻦ اﻟﻤﺤــــــﺐ ﻟﺴﺮه وﻻ ﺳﻤﺎ أن أﻃﻠﻘــــﺖ ﻋﺒﺮة ﺗﺠﺮي )(2
ِ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﻌ ّﺮﺿﺔ ﻟﻼﻧﻘﺮاض ،ﻋﻠﻤﺎً أﻧّﻪ ﺗﺘﺤﻤﻞ ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺔ ﺣﺮاﺳ ِﺔ ِ ﺑﺪاﻳﺎت ﺳﺒﻌﻴﻨ ّﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،وﻓﻲ ذﻟﻚ اﻧﻘﺮض ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳّﺔ ﻓﻲ َ اﻟﺤﻴﻦ ﻗ َُﺘﻞ آﺧ ُﺮ ٍ واﺣﺪ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺻﺤﺮاء اﻟﺮﺑﻊ اﻟﺨﺎﻟﻲ ،ﺗﺤﺪﻳ ًﺪا ﻋﻠﻰ ﺛﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن ِ ِ ﺧﻞ ﻧﻔﺴﻪ أ ْد َ اﻟﺤﺪو ِد اﻟﺴﻌﻮدﻳّﺔ اﻟﻌﻤﺎﻧ ّﻴﺔ ،وﻓﻲ اﻟﻤﺨﺼﺼﺔ ﺑﻪ، اﻟﻤﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﻮاﺋﻞِ اﻟﻄﺒﻴﻌ ّﻴﺔ واﻟﻤﺤﻤ ّﻴﺎت اﻟﻄﺒﻴﻌ ّﻴﺔ ّ ﺗﻨﺠﺢ ﻛﺜﻴ ًﺮا وﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻄﻮة ﻟﻢ ْ ﻫﻮاﻣﺶ: - 1ﻣﻮﻗﻊ /ps://mawdoo3.comﺻﻔﺎت_اﻟﻤﻬﺎ_اﻟﻌﺮﺑﻲ. - 2ﻣﻦ ﻣﻘﺎل ﻟﻸﺳﺘﺎذ ﺻﺒﺎر اﻟﻐﻨﺰي ،ﺟﺮﻳﺪة اﻟﺮﻳﺎض ،ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ أﺻﺒﺢ ﺟﺰءا ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺸﺒﻴﻬﻪ ﺑﺎﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ. 10أﺑﺮﻳﻞ - 2007اﻟﻌﺪد .14169 - 3ﻣﻮﻗﻊ ﺣﺼﺮيhttps://www.7srey.com :
اﻧﻘﺮاض اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ
اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ أﻛﺜ ِﺮ اﻷﺷﻜﺎل اﻟﻤﻬ ّﺪدة ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض أﻳﻀﺎً؛ ﻳُﻌ ُﺪ اﻟﻤﻬﺎ ّ ﻟﻬﺬا ُوﺿ َﻊ ﺿﻤ َﻦ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﺪاﺧﻠﺔ ﻓﻲ اﻻﺗﻔﺎﻗ ّﻴﺎت اﻟﻌﺎﻟﻤ ّﻴﺔ اﻟﺘﻲ
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
29
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ أﺳﺎﻣﺔ اﻟﺰﻗﺰوق
ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ أﻣﺎﻛﻦ ﺗﺴﺎﻗﻂ اﻷﻣﻄﺎر واﻻﺗﺠﺎه إﻟﻴﻬﺎ ،وﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﺤ ّﻤﻞ اﻟﻌﻄﺶ ﻟﻌﺪة أﺷﻬﺮ ﻷﻧّﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ ،ﻣﻌﺘﻤﺪا ً ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻴﺎه اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻓﻲ اﻟﻨﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻐﺬى ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻋﻠﻰ ﻗﻄﺮات اﻟﻨﺪى اﻟﻤﺘﺠﻤﻌﺔ ﻋﻠﻰ أوراﻗﻬﺎ .اﻻﺗﺼﺎف ﺑﺎﻟﻬﺪوء وﻋﺪم اﻟﻌﺪواﻧﻴﺔ ﻣﻤﺎ أﺗﺎح ﻟﻬﺎ اﻟﻌﻴﺶ ﻣﻌﺎً ﺑﺸﻜﻞٍ ﻫﺎدئ .اﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺟﻤﺎﻋﺎت ﺗﺤﺘﻮي ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻨﺴﻴﻦ وﺗ ُﺴﻤﻰ اﻟﻘُﻄﻌﺎن ،ﺣﻴﺚ ﻳﺘﺮاوح ﻋﺪد اﻟﻘﻄﻴﻊ ﻣﻦ ﺧﻤﺲ ﻋﺸﺮة رأﺳﺎً إﻟﻰ ﻋﺸﺮﻳﻦ رأﺳﺎً ،وﻗﺪ ﻳﺰﻳﺪ إﻟﻰ اﻟﻤﺌﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن. ﺗﺘﻐﺬى اﻟﺬﺋﺎب واﻟﻀﺒﺎع اﻟﻤﻔﺘﺮﺳﺔ ﻋﻠﻰ ﻟﺤﻮﻣﻬﺎ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﺗﻬﺮب ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺮاﻫﺎ ،وﺗﻌﺘﺒﺮ ﻣﻬﺪد ًة ﻣﻦ ِﻗﺒﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻧﺘﻴﺠﺔ اﺻﻄﻴﺎده اﻟﺠﺎﺋﺮ ﻟﻬﺎ .اﻟﻌﻴﺶ ﻟﻤﺪ ٍة ﺗﺼﻞ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻋﺎﻣﺎً إذا ﺗﻮاﻓﺮت اﻟﻈﺮوف اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ وﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﻓﺘﺮات اﻟﺠﻔﺎف ﺗﻤﻮت ﺑﺴﺮﻋ ٍﺔ أﻛﺒﺮ).(1
ﻳﻌﺪ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻫﻮ أﺣﺪ أﻧﻮاع اﻟﻈﺒﺎء اﻟﻤﻨﺘﻤﻴﺔ ﻟﻔﺼﻴﻠﺔ اﻟﺒﻘﺮﻳﺎت، وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﺘﺸﺮ ﻓﻲ ﺳﻴﻨﺎء ،وﺷﺮق اﻷردن ،واﻟﻌﺮاق ،وﺟﻨﻮب ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ،واﻟﺒﺎدﻳﺔ اﻟﺴﻮرﻳﺔ ،وأﻏﻠﺐ أﻧﺤﺎء ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم 1800مّ ،إﻻ أﻧّﻪ ﻗﻠّﺖ اﻋﺪادﻫﺎ ﻻﺣﻘﺎً ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺼﻴﺪ اﻟﺠﺎﺋﺮ ﻟﻬﺎ، وﻗﺪ ﺗﻢ إﻧﺸﺎء ﻣﺤﻤﻴ ٍﺔ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻷردن ﺑﻌﺪ اﻛﺘﺸﺎف وﺟﻮد ٍ ﺑﻌﺾ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺜﻼﺛﻴﻨﻴﺎت .وﻗﺪ ﺗﻢ إﻃﻼق اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﺳﻤﺎء ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ُﻣﺨﺘﻠﻒ دول اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻬﻲ ﺗﻌﺮف ﻓﻲ أوروﺑﺎ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎ اﻷﺑﻴﺾ ،وﻓﻲ روﺳﻴﺎ ﺑﻈﺒﺎء اﻟ َﻌﻠَﻨﺪ .ﺳﺒﺐ ﺗﺴﻤﻴﺔ اﻟﻤﻬﺎ ﺳﻤﻴﺖ اﻟﻤﻬﺎ ﺑﻌﺪة أﺳﻤﺎء ﻣﻨﻬﺎ :اﻟﻤﺎري، ”واﻟﻮﺿﻴﺤﻲ؛ ﻷﻧّﻬﺎ واﺿﺤ ًﺔ ﻟﻠﺮؤﻳﺔ ﻋﻦ ﺑﻌ ٍﺪ ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﻤﻰ ﻋﻨﺪ اﻹﻏﺮﻳﻖ واﻟﺮوﻣﺎن ﺑﺄورﻳﻜﺲ ،وﺗﻌﻨﻲ اﻟﻤﻌﻮل أو اﻟﻔﺄس ذات اﻟﺮأس اﻟﻤﺪﺑﺒﺔ ،وﻳﻌﻮد ﺳﺒﺐ اﻟﺘﺴﻤﻴﺔ إﻟﻰ ﺷﻜﻞ ﻗﺮوﻧﻬﺎ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ .واﻟﻤﻬﺎ أو اﻟﻤﻬﺎة ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﺸﻤﺲ ،أو اﻟﻜﻮﻛﺐ ،أو اﻟﺤﺠﺎرة اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺒﻴﻀﺎء اﻟﺘﻲ ﺗُﺸﺒﻪ ﺑﺒﺮﻳﻘﻬﺎ اﻟﺒﻠﻮر ،وﻗﺪ ﺳﻤﻴﺖ اﻟﻤﻬﺎ ﺑﻬﺬا اﻻﺳﻢ ﻳﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺷﻐﻞ ذات ﻳﻮم ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ ﻟﺒﻴﺎﺿﻬﺎ ووﺿﻮﺣﻬﺎ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻴﻞ ﻟﻮﻧﻬﺎ اﻷﺑﻴﺾ إﻟﻰ اﻟﻔﻀﺔ ﻓﻲ ﻟﻤﻌﺎﻧﻪ .ﻓﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺑﻌﺾ أﻛﺜﺮ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺟﻔﺎﻓﺎً ﻓﻲ وﺳﻄﻬﺎ وﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻨﺎ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ ﻣﺼﺎدر اﻷدب اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻟﻐﺮﺑﻲ ﺗﺴﺘﻘﻰ ٍ ﺻﻔﺎت ﺟﻌﻠﺘﻪ ﺑﻌﺾ اﻷدﻟﺔ ﻋﻦ اﻟﺘﻮزﻳﻊ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻲ اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﻬﺬا اﻟﻨﻮع وأﻏﻠﺒﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﻔﺎت اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻳﺘﺼﻒ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻌﺪة ﻣﻀﺮب اﻟﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻟﺘﻐﻨﻲ ﺑﺎﻟﺠﻤﺎل ،وﻣﻦ ﺻﻔﺎﺗﻪ :ﺗﺴﺠﻴﻼت اﻟﺮﺣﺎﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻧﻴﻦ اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ،وﺗﻜﻤﻞ ﺑﻌﺾ وﺟﻮد ﺳﻨﺎم ﺻﻐﻴﺮ ﻓﻮق اﻟﻜﺘﻔﻴﻦ ،وﻗﺮون ﻃﻮﻳﻠﺔ و ُﻣﺴﺘﻘﻴﻤﺔ ،وذﻳﻞ اﻟﻠﻘﻰ اﻵﺛﺎرﻳﺔ ﻣﻦ ﺑﻘﺎﻳﺎ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت واﻟﻨﻘﺶ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺨﻮر ﻗﺼﺔ ﻣﺎﺿﻲ ﻃﻮﻳﻞ ﻓﻴﻪ ﺧﺼﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺸَ ﻌﺮ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،وﻳﺼﻞ ارﺗﻔﺎﻋﻪ ﻟﻸﻋﻠﻰ ﻣﺘﺮا ً اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ .واﻟﻤﻬﺎة ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ وﺗﺴﻌ ٌﺔ وﺛﻼﺛﻴﻦ إﻧﺸﺎً ﻋﻨﺪ اﻟﻜﺘﻒ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺒﻠﻎ وزﻧﻪ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﻛﻴﻠﻮﻏﺮاﻣﺎً .ﺗﺸﺘﻬﺮ ﺑﻬﺎ ﻣﻌﻈﻢ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺼﺤﺮاء وﻳﻌﻴﺶ أﻓﺮاد ﻫﺬا اﻟﺠﻨﺲ ﻓﻲ اﻟﺴﻔﻠﻲ ﺟﻤﺎﻋﺎت ﻛﺒﻴﺮة ﺗﺼﻞ إﻟﻰ ﻋﺸﺮﻳﻦ رأﺳﺎً وﻗﺪ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ ﻧﺤﻮ اﻟﻤﺎﺋﺘﻴﻦ اﻟﺘﻐﻄﻴﺔ ﺑﺎﻟﻠﻮن اﻷﺑﻴﺾ ﻓﻲ أﻏﻠﺐ ﺟﺴﻤﻪ ﻣﺎ ﻋﺪا اﻟﺠﺰء ُ واﻷﻃﺮاف اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﻞ إﻟﻰ اﻟﻠﻮن اﻟﺒﻨﻲ اﻟﺪاﻛﻦ ،وﻫﻨﺎك ﺧﻄﻮط ﺳﻮداء ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺟﻨﺲ اﻟﻤﻬﺎة ﺑﺎﻟﺠﺒﻬﺔ اﻟﺴﻮداء ووﺟﻮد ﺷﺮﻳﻂ أﺑﻴﺾ ﻓﻮق ِ واﻷﻧﻒ أﻳﻀﺎً ،اﻷﻧﻒ وأﺳﻔﻞ اﻟﻌﻴﻨﻴﻦ .وﻳﺼﻞ وزن اﻟﺒﺎﻟﻎ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ 70إﻟﻰ 125 ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن اﻟﺘﻘﺎء اﻟﺮأس ﺑﺎﻟ ُﻌﻨﻖ ،وﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﻬﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻴﻨﻴﻦ اﻟﻜﺒﻴﺮﺗﻴﻦ اﻟﺠﻤﻴﻠﺘﻴﻦ .اﻟﺘﻐﺬﻳﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺼﻼت ﻛﻠﻐﻢ وﻳﺒﻠﻎ ارﺗﻔﺎع اﻟﺠﺴﻢ ﻋﻨﺪ اﻟﻜﺘﻒ ﺣﻮاﻟﻲ 100ﺳﻢ اﻟﻠﻮن اﻟﻌﺎم واﻷﻋﺸﺎب وأوراق اﻷﺷﺠﺎر .اﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﻟﺤﺮارة اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻟﻠﺠﺴﻢ رﻣﺎدي ﻓﺎﺗﺢ ﺑﺨﺼﻠﺔ ﺳﻮداء .وﻗﺪ ﻛﺘﺐ اﻷﺳﺘﺎذ ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﻘﻀﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﻨﻬﺎر ﻣﺴﺘﺮﻳﺤﺎً ﺗﺤﺖ ﻇﻼل اﻷﺷﺠﺎر .اﻟﻘﺪرة اﻟﻨﺎﻋﻢ ﻋﻦ اﻟﻤﻬﺎة وﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان اﻟﻌﻴﻦ واﻟﺮﺻﺎﻓﺔ واﻟﺠﺴﺮ ﻓﻘﺎل :ﺣﻴﻦ
28
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ
واﻟﺸﻴﱠﻄﺎن :وادﻳﺎن ﻟﺒﻨﻲ ﺗﻤﻴﻢ ،اﻟﺮﻣﻞ :اﻟﻮﺷﻲ ﻓﻲ ﻗﻮاﺋﻢ اﻟﺜﻮر اﻟﻮﺣﺸﻲ. )َ ...(19و َﺣﻜَﻰ اﺑْ ُﻦ ﺑ ﱢﺮ ﱟي َﻋﻦِ اﺑْﻦِ ﺧَﺎﻟَ َﻮﻳْ ِﻪ ﻗ ََﺎل :اﻟ ﱡﺮ َﻣﻞ ،ﺑِﻀَ ﱢﻢ اﻟ ﱠﺮا ِء َوﻓَﺘْ ِﺢ اﻟْ ِﻤﻴﻢِ ُ ،ﺧﻄُﻮ ٌ ط ُﺳﻮ ٌد ﺗَﻜُﻮ ُن َﻋﻠَﻰ ﻇَ ْﻬ ِﺮ اﻟْ َﻐ َﺰا ِل وأَﻓﺨﺎذه)(20 ﻫﻮاﻣﺶ: - 1زﻫﻴﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻠﻤﻰ :دﻳﻮان زﻫﻴﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻠﻤﻰ ،ﺷﺮح وﺗﻘﺪﻳﻢ: ﻋﻠﻲ ﺣﺴﻦ ﻓﺎﻋﻮر ،دار اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،ﺑﻴﺮوت – ﻟﺒﻨﺎن ،ط1988 ،1م، ص15 - 14 : - 2اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ص15 : - 3اﻷﻋﺸﻰ اﻟﻜﺒﻴﺮ :دﻳﻮان اﻷﻋﺸﻰ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﻴﻤﻮن ﺑﻦ ﻗﻴﺲ ،ﺷﺮح وﺗﻌﻠﻴﻖ :ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻴﻦ ،ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻵداب ﺑﺎﻟﺠﻤﺎﻣﻴﺰت ،اﻟﻤﻄﺒﻌﺔ اﻟﻨﻤﻮذﺟﻴﺔ1950 ،م ،ص95 : - 4ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب11/43 : - 5اﻷﻋﺸﻰ اﻟﻜﺒﻴﺮ :دﻳﻮان اﻷﻋﺸﻰ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﻴﻤﻮن ﺑﻦ ﻗﻴﺲ ،ص94 : - 6ﺟﻤﻴﻞ ﺑﻦ ﻣﻌﻤﺮ :دﻳﻮان ﺟﻤﻴﻞ ﺑﻦ ﻣﻌﻤﺮ ،ﺟﻤﻊ وﺗﺤﻘﻴﻖ وﺷﺮح: ﺣﺴﻴﻦ ﻧﺼﺎر ،ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻣﺼﺮ1979 ،م ،ص218 : - 7اﻟﻄﺮﻣﺎح :دﻳﻮان اﻟﻄﺮﻣﺎح ،ﺗﺤﻘﻴﻖ :ﻋﺰة ﺣﺴﻦ ،دار اﻟﺸﺮق اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﺑﻴﺮوت -ﻟﺒﻨﺎن ،ط1994 ،2م ،ص266: - 8ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب10/12 :
- 9اﻟﺴﺎﺑﻖ13/248 : - 10ﻛﺜﻴﺮ ﻋﺰة :دﻳﻮان ﻛﺜﻴﺮ ﻋﺰة ،ﺟﻤﻊ وﺷﺮح :إﺣﺴﺎن ﻋﺒﺎس ،دار اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﺑﻴﺮوت – ﻟﺒﻨﺎن1971 ،م ،ص412: - 11ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب8/68 : - 12اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ :دﻳﻮان اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ،ﺗﻌﻠﻴﻖ :د.ﻳﺤﻴﻰ اﻟﺸﺎﻣﻲ ،دار اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺑﻴﺮوت – ﻟﺒﻨﺎن ،ط2004 ،10م ،ص387 - 386 : - 13اﻟﺴﺎﺑﻖ387 : - 14ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﺠﻬﻢ :دﻳﻮان ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﺠﻬﻢ ،اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ،وزارة اﻟﻤﻌﺎرف ،اﻟﻤﻜﺘﺒﺎت اﻟﻤﺪرﺳﻴﺔ،د.ت ،ص،141 : وﻳﻨﻈﺮ اﻟﺪﻳﻮان ﻧﻔﺴﻪ ،ص 220: - 15اﻟﺮاﻋﻲ اﻟﻨﻤﻴﺮي :دﻳﻮان اﻟﺮاﻋﻲ اﻟﻨﻤﻴﺮي ،ﺷﺮح :واﺿﺢ اﻟﺼﻤﺪ، دار اﻟﺠﻴﻞ ،ﺑﻴﺮوت – ﻟﺒﻨﺎن ،ط1995 ،1م ،ص145: - 16اﻟﺴﺎﺑﻖ :ﻧﻔﺴﻪ. - 17ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب2/20 : - 18اﻟﻨﺎﺑﻐﺔ اﻟﺠﻌﺪي :دﻳﻮان اﻟﻨﺎﺑﻐﺔ اﻟﺠﻌﺪي ،ﺟﻤﻊ وﺗﺤﻘﻴﻖ وﺷﺮح: واﺿﺢ اﻟﺼﻤﺪ ،دار ﺻﺎدر ،ﺑﻴﺮوت – ﻟﺒﻨﺎن ،ط1998 ،1م ،ص- 138: 139 - 19اﻟﺴﺎﺑﻖ 139: - 20ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب11/298 :
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
27
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء
اﻟﻤﻬﺎ ﻣﺸﺒﻬً ﺎ ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻴﺴﻰ
ِﻓﺖ اﻟﻤﻬﺎ ﻣﻔﺮدة ﻓﻲ ﻣﻌﺠﻢ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ُﻋﺮ ْ إﺣﺪى ﻣﻔﺮدات اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ آﻧﺬاك وﻣﻜﻮﻧًﺎ ﻣﻦ ﻣﻜﻮﻧﺎﺗﻬﺎ ،وﻛﻤﺎ ﺷﻐﻠﺖ اﻟﻤﻬﺎ ﺣﻴﺎة اﻟﻌﺮب ﻓﻲ ﺣﻠﻬﻢ وﺗﺮﺣﺎﻟﻬﻢ ﺷﻐﻠﺖ ﺷﻌﺮاءﻫﻢ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻣﻔﺮد ًة ﻟﻬﺎ دﻻﻟﺔ ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ،وﻣﺸﺘﺮﻛًﺎ ﺟﻤﺎﻟ ًﻴﺎ ﻳﻘﺪم ﺗﺼﻮ ًرا ﻋﻦ ﺷﺨﺼﻴﺔ اﻟﻤﺤﺒﻮب .واﻧﻔﺮد اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺑﻜﺜﺮة اﺳﺘﺪﻋﺎﺋﻪ ﻟﻠﻤﻬﺎ ُﻣﺸ ﱠﺒ ًﻬﺎ ﺑﻪ ﻣﻨﺬ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ،وﻣﻨﻪ ﻗﻮل زﻫﻴﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻠﻤﻰ: َـــــــﺖ ﻟ َﺠﺎﺟﺘـﻪُ اﻧْ ِﺘ َﻬﺎ ُء ْ ﻟَﻘﺪْ ﻃَﺎﻟَ ْﺒ ُﺘﻬﺎ ،وﻟﻜ ﱢُﻞ ﺷﻲ ٍء ،وإِنْ ﻃَﺎﻟ َﻬﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻈﺒـﺎ ُء ﺗَ َﻨﺎ َز َﻋ َﻬﺎ اﻟْ َﻤ َﻬــﺎ ﺷَ ﺒ ًﻬﺎ و ُد ﱡر اﻟ ﱡﻨــ ُﺤﻮرَِ ،و ﺷَ ﺎﻛ ْ َﻓﺄَ ﱠﻣﺎ ﻣﺎ ﻓُﻮ ْﻳ َﻖ اﻟ ِﻌ ْﻘ ِﺪ ِﻣ ْﻨ َﻬــــﺎ َﻓ ِﻤ ْﻦ أَ ْد َﻣﺎ ِء َﻣ ْﺮﺗَ ُﻌــــﻬﺎ اﻟﺨ َـﻼ ُء واﻟﺼﻔ َـﺎ ُء )(1 َوأَ ﱠﻣﺎ اﻟ ُﻤﻘﻠَﺘﺎنِ َﻓ ِﻤـ ْﻦ َﻣ َﻬﺎ ٍة َوﻟﻠﺪﱡ ِر اﻟ َﻤـــــﻼ َﺣ ُﺔ ،ﱠ ﻓﻘﺪ رأى زﻫﻴﺮ أنﱠ ﻓﺘﺎﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﺒﻬﺎ ﻓﻲ اﻷﺑﻴﺎت اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺗﺘﻨﺎزﻋﻬﺎ اﻟﻤﻬﺎ ﺷﺒ ًﻬﺎ» ،ﻳﻘﻮل :ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻘﺮ اﺗﺴﺎع اﻟﻌﻴﻮن ،وﻣﻦ اﻟﺪر ﺻﻔﺎء ﻟﻮﻧﻪ ،وﻣﻦ اﻟﻈﺒﺎء أﻋﻨﺎﻗﻬﺎ« .وﻗﺪ ﺷﺒﻪ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﺑﻌﻴﻨﻲ اﻟﻤﻬﺎة ﻟﺸﺪة ﺑﻴﺎض ﺑﻴﺎﺿﻬﻤﺎ وﺳﻮاد ﺳﻮادﻫﻤﺎ ).(2 وﻳُﺸ ﱢﺒﻪ اﻷَﻋﺸﻰ اﻟﻤﺮأ َة اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻓﻲ ِ اﻟﺨﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ اﻋﺘﺪاﻟﻬﺎ وﺗﻨﺎﻏﻢ أﻋﻀﺎﺋﻬﺎ : ﻟـــﻢ ﺗَ َﺮ ﺷَ ْﻤﺴـــــﺎً َو َﻻ َز ْﻣ َﻬﺮِﻳﺮا )(3 ُﻣ َﺒ ﱠﺘﻠ ِﺔ اﻟ َﺨﻠ ِْﻖ ِﻣﺜْـﻞ اﻟ َﻤ َﻬــــــﺎ ِة ْ »واﻣﺮأَة ُﻣ َﺒﺘﱠﻠَﺔ اﻟ َﺨﻠْﻖ أَي ﻣ ْﻨﻘﻄﻌﺔ اﻟ َﺨﻠْﻖ َﻋﻦِ اﻟ ﱢﻨ َﺴﺎ ِء ﻟَ َﻬﺎ َﻋﻠَ ْﻴ ِﻬ ﱠﻦ ﻓَﻀْ ٌﻞ«)» (4ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻨﺎﺳﻖ أﻋﻀﺎﺋﻬﺎ ﺑﻘﺮة اﻟﻮﺣﺶ ،ﻧﺎﻋﻤﺔ اﻟﻌﻴﺶ ﻻ ﺗﻠﺬﻋﻬﺎ رﻳﺎح اﻟﺼﻴﻒ اﻟﻼﻓﺤﺔ ،وﻻ ﻳﻘﺮﺻﻬﺎ ﺑﺮد اﻟﺸﺘﺎء اﻟﺰﻣﻬﺮﻳﺮ« ).(5 أﻣﺎ ﺟﻤﻴﻞ ﺑﻦ ﻣﻌﻤﺮ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻷُﻣﻮي ﻓﻘﺪ ﺟﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﻈﺒﻲ أﺑًﺎ ﻟﺒﺜﻴﻨﺔ، وﻣﻦ )اﻟﻤﻬﺎ( أ ٍّﻣﺎ ﻟﻬﺎ؛ إذ ﻳﻘﻮل: ﺑﺜﻴﻨ ُﺔ ﺗ ْﺰرِي ﺑِﺎﻟ َﻐﺰاﻟ ِﺔ ِﻓﻲ اﻟﻀﱡ َﺤـﻰ إِ َذا َﺑﺮزت ﻟ َْﻢ ﺗُ ْﺒ ِﻖ َﻳﻮ ًﻣﺎ ِﺑ َﻬﺎ َﺑ َﻬــﺎ ﺒـــﻲ أَ ْو أُ ﱠﻣ َﻬﺎ َﻣ َﻬـﺎ ﻟَ َﻬﺎ ُﻣﻘْﻠ ٌﺔ ﻛَ ْﺤـﻼ ُء ﻧَ ْﺠﻼ ُء ِﺧﻠﻘـــــ ًﺔ ﻛَﺄَنﱠ أَﺑَﺎﻫَﺎ اﻟﻈﱠ ُ ﻠﺖ ﺑِﺎﻟـﻮ ﱢد َﻣ ْﻦ َودﱠﻫﺎ َدﻫَﺎ)(6 َد َﻫ ْﺘ ِﻨﻲ ﺑِﻮ ﱟد ﻗﺎﺗــﻞٍ وﻫْﻮ ُﻣ ْﺘﻠِ ِﻔﻲ َوﻛ َْﻢ َﻗ َﺘ ْ ﺎح )اﻟﻤﻬﺎ( ﻟﻠﻨﺴﺎء ،ﺛﻢ ﺷﺒﻪ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﻤﻬﺎ )اﻟﻨﺴﺎء( ﻛﻤﺎ اﺳﺘﻌﺎر اﻟﻄﱢ ِﺮ ﱠﻣ ُ وﻫﻦ ﻳﺴﺪدن اﻟﻬﻮدج ﺑﻬﻴﺌﺔ ﺗﻘﻴﻴﺪ اﻟﻔﺮس اﻟﺬي ﺗﻌﻠﻮه ﺻﻔﺮة ،اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺛﺔ ﻗﻮاﺋﻢ: َ ْ ﻞٍ َﺐ اﻟﻠﱠ ْﻮنِ ﺻﺎ ِﻓﻦِ )(7 ﻫ ﺬ ﻣ ﻘﺎ ﻳ أ ص ر ﺎ ﻤ ﻛ َ ﺒ ﻜ َ ﻣ ُﻞ ﱠ ﻛ ﻦ َ ُ ﱠ ْ ُ ِ وﻗﺎ َم اﻟ َﻤﻬﺎ ُﻳ ْﻘ ِﻔﻠْ َ ُ ﱠ ﻴﻒَ ،و ِﻗ َﻴﻞ ﻋﻈﻤﻪ ،وﻗﺎل أَﺑُﻮ ُﻋ َﺒ ْﻴ ٍﺪ :اﻷَﻳْﻘﺎن ِﻣ َﻦ اﻟ َﻮﻇﻴﻔﻴﻦ اﻷَﻳْ ُﻖ :اﻟ َﻮ ِﻇ ُ َﻣ ْﻮ ِﺿ َﻌﺎ اﻟ َﻘ ْﻴﺪ َو ُﻫ َﻤﺎ اﻟ َﻘ ْﻴﻨﺎن) (8اﻟ َﻤﻬﺎ :اﻟْ َﺒ َﻘ ُﺮ ﻳَ ْﻌ ِﻨﻲ اﻟ ﱢﻨ َﺴﺎ َء ،واﻟ ُﻤ َﻜ ﱠﺒ ُﻞ: أَراد اﻟْ َﻬ ْﻮ َد َج ،ﻳُ ْﻘ ِﻔﻠْ َﻦ :ﻳَ ْﺴ ُﺪ ْدنَ ،ﻛَ َﻤﺎ ُر ﱠص :ﻛَ َﻤﺎ ﻗُ ﱢﻴﺪ وأُﻟْﺰِق ،واﻷَﻳْ ُﻖ: 26
اﻟﻤﻬﺎ ﻣﺸﺒﻬً ﺎ ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ
اﻟ ﱡﺮ ْﺳﻎُُ ،ﻣ ْﺬ َﻫ ِﺐ اﻟﻠﱠ ْﻮنِ :أَراد ﻓَ َﺮ ًﺳﺎ ﻳَ ْﻌﻠُﻮ ُه ُﺻ ْﻔ َﺮة ،ﺻﺎ ِﻓﻦ :ﻗَﺎﺋِ ٌﻢ َﻋﻠَﻰ ﺛـ َ َﻼ ِث ﻗَ َﻮاﺋِ َﻢ) (9وﻛُﺜَ ﱢﻴﺮ ﻋﺰة ﺷ ﱠﺒﻪ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺒﻴﺾ اﻟﻨﻮاﻋﻢ ﻏﻴﺮ اﻟﺨ ﱠﺮع ﺑﺎﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: َﻮاﻋﻢ ﺑ ٌ ِﻴﺾ ِﻓﻲ اﻟ َﻬ َﻮى َﻏ ْﻴ ُﺮ ُﺧ ﱠﺮعِ)(10 وﻓﻴﻬ ﱠﻦ أَﺷْ ﺒﺎ ُه اﻟ َﻤﻬﺎ َر َﻋ ِﺖ اﻟ َﻤﻼ ﻧ ُ »واﻟ َﺨﺮِﻳ ُﻊ اﻟﻨﺎﻋﻤ ُﺔ َﻣ َﻊ ﻓُﺠﻮرَ ،و ِﻗﻴﻞ :اﻟﻔﺎﺟِﺮ ُة ِﻣ َﻦ اﻟ ﱢﻨ َﺴﺎ ِءَ ،وﻗَ ْﺪ َذ َﻫ َﺐ ﺑَ ْﻌﻀُ ُﻬ ْﻢ ﺑﺎﻟﻤﺮأَة اﻟ َﺨﺮِﻳﻊ إِﻟﻰ اﻟﻔُﺠﻮر ...وإِﻧﻤﺎ ﻧَﻔَﻰ َﻋ ْﻨ َﻬﺎ اﻟ َﻤﻘﺎﺑ َِﺢ َﻻ اﻟ َﻤ ِ ﺤﺎﺳﻦ أَراد َﻏﻴْ َﺮ ﻓﻮا ِﺟ َﺮ وأَﻧﻜﺮ اﻷَﺻﻤﻌﻲ أَن ﺗَﻜُﻮ َن اﻟﻔﺎﺟِﺮةََ ،وﻗ ََﺎل: ِﻫ َﻲ اﻟﱠ ِﺘﻲ ﺗَﺘَﺜ ﱠﻨﻰ ِﻣ َﻦ اﻟﻠﱢﻴﻦ« )(11 أ ﱠﻣﺎ اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ﻓﺠﻌﻞ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻼﺗﻲ ﻟﻘﻴﻨﻪ ﻳﺘﺤﻮﻟﻦ ﻣﻦ د ﱟر إﻟﻰ أﻣﻮاه، ﻛﻞ وﻳﺮى أ ﱠن ﻛﻞ اﻣﺮأة ﻣﻨﻬﻦ )ﻣﻬﺎة( ،ﻓﻲ اﺗﺴﺎع ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ،وﻛﺄﻧﱠﻬﺎ ﺗﺤﺬر ﱠ ﻣﻦ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻳﻘﻮل اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ﻓﻲ ﻣﺪح ﻋﻀﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺒﻮﻳﻬﻲ ،ﺑﺸﻴﺮاز، وﻗﺪ اﺳﺘﻬﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻐﺰل ،وﻣﻨﻬﺎ: َ ِ ِ ُ وﻟﺴ َﻦ أﺷْ َﺒﺎﻫَـــــﺎ ِﻓﻲ ﺑﻠ ٍﺪ ﺗُﻀْ ﺮب اﻟ ْﺤﺠــﺎل ﺑـــﻪ ﻋﻠﻰ ﺣ َﺴــــﺎنٍ ْ ﻟَ ِﻘﻴ َﻨ َﻨـــﺎ واﻟْ ُﺤ ُﻤ ُ ــــﻮل َﺳـــﺎﺋِﺮ ٌة َوﻫُـــــ ﱠﻦ ُد ﱞر َﻓ ُﺬﺑْــــ َﻦ أَ ْﻣﻮاﻫَـــــﺎ ُ ُـــــــﻢ َو إِ ﱠﻳﺎﻫَــﺎ ﺗﻘــــــــﻮل إِ ﱠﻳﺎﻛ ﻛ ﱡُﻞ َﻣ َﻬــــــﺎ ٍة ﻛَـــﺄنﱠ ُﻣ ْﻘﻠَ َﺘﻬـــﺎ ْ ــــﺐ َﺳ ﱠﻤﺎﻫَـﺎ)(12 ِﻓﻴ ِﻬ ﱠﻦ َﻣ ْﻦ ﺗَ ْﻘﻄُ ُﺮ ُ اﻟﺴﻴﻮف َد ًﻣـﺎ إِ َذا ﻟِﺴﺎنُ اﻟ ُﻤ ِﺤ ﱢ وﻓﻴﻪ إﺷﺎرة إﻟﻰ ﻣﻨﻌﺔ ﺑﻌﻀﻬﻦ واﻟﺬود ﻋﻨﻬﻦ ﺑﺎﻟﺴﻴﻮف ،وإن ﻓﺎه ﻣﺤﺐ ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ).(13 اﻟﻨﺎﻗﺔ ﺗﻼﻋﺐ اﻟﻤﻬﺎ
ﻟﻘﺪ ﺗﻔﻨﻦ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻓﻲ اﻟﻮﺻﻒ ،ورﺻﺪ ﻣﺸﺎﻫﺪه ﺑﺪراﻣﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ،وﻛﺎن ﻟﻠﻨﺎﻗﺔ ﻋﻨﺪه أﻫﻤﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ وﺷﻌﺮه؛ ﺣﺘﻰ ﻗﻴﻞ :إ ﱠن اﻟﻨﺎﻗﺔ ﺗﻤﺜﻞ ﻣﻌﺎدﻻً ﻣﻮﺿﻮﻋ ٍّﻴﺎ ﻟﻠﻤﺮأة ﻣﻦ ﻛﺜﺮة وﺻﻔﻪ ﻟﻬﺎ ،وﺗﻐﺰﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ ،واﻋﺘﺰازه ﺑﻬﺎ ،ﻳﺒﺪو ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺎ ﻗَﺎﻟَﻪ اﻟ ﱠﺮا ِﻋﻲ اﻟﻨﻤﻴﺮي ﻓﻲ وﺻﻒ ﻧﺎﻗﺘﻪ ،وﻫﻲ ﺗﻼﻋﺐ اﻟﻤﻬﺎ ،ﻳﻘﻮل: َ ِ ﺗُﻼ ِﻋ ُﺐ أَ ْوﻻ َد اﻟ َﻤﻬـــﺎ ﺑﻜُﺮاﺗِﻬﺎ ﺑﺈِﺛْﺒ َ ِﻴﺖ ،ﻓَﺎﻟ َﺠ ْﺮﻋﺎ ِء ذات اﻷﺑﺎﺗ ِﺮ)(15 ﻳﺼﻒ ﻧﺎﻗﺘﻪ ﺑﺸﺪة ﺳﺮﻋﺘﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ ﺗﻼﻋﺐ اﻟﺒﻘﺮات اﻟﻮﺣﺸﻴﺎت اﻟﺼﻐﻴﺮات ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻮﺿﻊ ،وﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮوف ﻋﻦ اﻟﻤﻬﺎ ﺷﺪة ﻓﺰﻋﻬﺎ وﺳﺮﻋﺔ ﻋﺪوﻫﺎ ).(16 اﺳ ُﻢ أَرض ،أَو ﻣﻮﺿﻊٍ ،أَو َﺟ َﺒﻞٍ « )(17 »وإِﺛْﺒ ُ ِﻴﺖْ : وﻗ ََﺎل اﻟﻨﺎﺑﻐ ُﺔ اﻟْ َﺠ ْﻌ ِﺪ ﱡي ،وﻫﻮ ﻳﺼﻒ ﻧﺎﻗﺘﻪ ،ﻓﻴﺸﺒﻬﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎ: َو َﺣﺎ َﺟ ٍﺔ ِﻣﺜﻞِ َﺣــــ ﱢﺮ اﻟﻨﺎ ِر دا ِﺧﻠَ ٍﺔ َﺳﻠّﻴ ُﺘﻬﺎ ﺑﺄَﻣـــــﻮنٍ ُذ ﱢﻣ َﺮت َﺟ َﻤــــﻼ َوﺳـﺮ ٍة َﻣﻔ ُﺮ ِ وﺷﺔ اﻟ ِﺮﺟﻞِ ﻓَﺮﺷً ﺎ ﻟَﻢ ﻳَﻜُﻦ َﻋﻘَﻼ َﻣﻄ ِﻮﻳﱠ ِﺔ اﻟ ﱠﺰو ِر ﻃَ ﱠﻲ اﻟﺒِﺌ ِﺮ د َ َﺖ َر َﻣﻼ)(18 ﻛﺄَﻧﱠﻬﺎ ،ﺑَ ْﻌ َﺪ َﻣﺎ َﺟ ﱠﺪ اﻟ ﱠﻨﺠﺎ ُء ِﺑ َﻬﺎ ﺑﺎﻟﺸﱠ ﱢﻴﻄَ ْﻴﻦ َﻣﻬﺎ ٌة ُﺳ ْﺮ ِوﻟ ْ
وﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻧﺠﺮان ،وﺗﺒﻠﻎ ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ ﺣﻮاﻟﻲ 11,980ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮا ً ﻣﺮﺑﻌﺎً ،وﺗﻨﺘﺸﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت اﻟﻤﻌﻤﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻐﺬى ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ آﺧﺮ ﻣﻮﻃﻦ ﺷﻮﻫﺪ ﻓﻴﻪ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﻋﺎم ،1979ﺣﺘﻰ ﺗﻢ ﺗﻨﻔﻴﺬ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ إﻋﺎدة ﺗﻮﻃﻴﻨﻪ ﻓﻲ ﻋﺎم ،1996وﻣﺤﻤﻴﺔ »ﻣﺤﺎزة اﻟﺼﻴﺪ« اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪر ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ ب 2244ﻛﻢ ﻣﺮﺑﻌﺎً ،وﻫﻰ أول ﻣﺤﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﻤﻠﻜﺔ أﻋﻴﺪ ﺗﻮﻃﻴﻦ اﻟﻤﻬﺎ ﺑﻬﺎ ،وﻫﻲ اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﻤﺴﻴﺠﺔ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ،وﺗﻌﺘﺒﺮ ﺛﺎﻧﻲ أﻛﺒﺮ ﻣﺤﻤﻴﺔ ﻣﺴﻴﺠﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ، وﻗﺪرت آﺧﺮ اﻟﻤﺴﻮﺣﺎت أﻋﺪاد اﻟﻤﻬﺎ ﺑﻬﺎ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ 800ﻣﻬﺎة ﺗﺘﻮزع ﻓﻲ ﻗﻄﻌﺎن ﻋﺪد ﻛﻞ ﻣﻨﻬﺎ 20ﻣﻬﺎة. »ﻓﻲ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻷردﻧﻴﺔ :ﻣﺤﻤﻴﺔ »ﺷﻮﻣﺎري« اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ،ﻓﺒﻌﺪ اﻧﻘﺮاض اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺪأت اﻷردن ﻓﻲ ﻋﻤﻞ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﻟﺤﻤﺎﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﻋﺎم 1978 ﻣﻦ ﺧﻼل 11ﻣﻬﺎ ،وﻋﻨﺪ ﺑﻠﻮغ ﺣﺠﻢ اﻟﻘﻄﻴﻊ 31ﻓﺮدا ً ﻋﺎم ،1983ﺗﻢ إﻃﻼق ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﺤﻤﻴﺔ »ﺷﻮﻣﺎري« اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻠﻎ ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ 342ﻛﻢ ﻣﺮﺑﻌﺎً ،وﺗﻢ ﺗﺨﺼﻴﺺ ﺟﺰء ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺒﻠﻎ ﻣﺴﺎﺣﺘﻪ ﺣﻮاﻟﻲ 22
ﻛﻢ ﻣﺮﺑﻌﺎً ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﻬﺎ ،واﺳﺘﺒﻌﺎد اﻟﻤﺎﺷﻴﺔ ،وﻧﻤﺎ اﻟﻘﻄﻴﻊ ،وﻟﻜﻦ ﺣﺪث ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻌﺜﺮ ﻓﻲ ﺟﻬﻮد إﻛﺜﺎر اﻟﻤﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﺤﻤﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﻧﺸﻮب ﺣﺮب اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻓﻲ ﻋﺎم ،1990وﻓﻲ ﻋﺎم - 1997وﻟﻠﺤﺪ ﻣﻦ اﻻﻛﺘﻈﺎظ ﺑﺪأت إدارة اﻟﻤﺤﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻔﺮﻳﻘﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﺤﻤﻴﺎت أﺧﺮى ﺑﺎﻷردن،وﻓﻲ ﻓﺒﺮاﻳﺮ ﻋﺎم 2006ﺑﻘﻲ 43ﻣﻬﺎ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﻤﻴﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺗﺤﺴﻨﺖ أوﺿﺎﻋﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻣﻨﺤﺖ ﻟﺠﻨﺔ اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﺗﻌﻮﻳﻀﺎت ﻟﻸردن ﺑﺴﺒﺐ اﻷﺿﺮار اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ اﻟﻨﺎﺟﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﺤﺮب ،وﺗﻢ ﺗﺨﺼﻴﺺ ﺟﺰء ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺘﻌﻮﻳﻀﺎت ﻹﺣﻴﺎء ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺗﺮﺑﻴﺔ وإﻋﺎدة ﺗﺄﻫﻴﻞ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ .ﻓﻲ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻋﻤﺎن :وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺼﺪر اﻟﻼﺋﺤﺔ ﻣﺤﻤﻴﺔ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺳﻠﻄﻨﺔ ُﻋﻤﺎن ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﻓﻘﺪت ﺻﻔﺘﻬﺎ ﻓﻲ 28ﻳﻮﻧﻴﻮ ،2007وأﺻﺒﺤﺖ أول ﻣﻮﻗﻊ ﺗﺮاﺛﻲ ﻋﺎﻟﻤﻲ ﺑﺤﺴﺐ ﺗﺼﻨﻴﻒ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ،وذﻟﻚ ﺑﻌﺪ أن اﻟﻴﻮﻧﻴﺴﻜﻮ ﻳﺤﺬف ﻣﻦ ﻻﺋﺤﺔ ﻣﻮاﻗﻊ اﻟﺘﺮاث ّ ﻗﺮرت اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟ ُﻌﻤﺎﻧﻴّﺔ ﺗﻘﻠﻴﺺ ﻣﻮﻃﻦ اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻨﺴﺒﺔ ،% 90 وﻛﺎن ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ دﻓﻌﺖ إﻟﻰ ذﻟﻚ ﺗﻨﺎﻗﺺ أﻋﺪاد اﻟﻤﻬﺎ ﻣﻦ 450رأﺳﺎً ﻋﺎم 1996إﻟﻰ أﻗﻞ ﻣﻦ 65ﻋﺎم 2007ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻘﻨﺺ اﻟﺸﺮﻋﻲ ،وﺗﻘﻠﻴﺺ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻣﺴﻜﻨﻪ ،وﻛﺎن ﻗﺮار اﻟﺴﻤﺎح ﺑﺎﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻏﻴﺮ ّ ﻋﻦ اﻟﻨﻔﻂ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺤﻤﻴﺔ ﻫﻮ ﻣﺎ أدى إﻟﻰ اﻋﺘﺒﺎر اﻟﻴﻮﻧﻴﺴﻜﻮ أن ﻣﻮﻃﻦ اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ ُﻋﻤﺎن ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺻﺎﻟﺤﺎً
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
25
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء
ﺛﻢ ﺗﻢ إرﺳﺎل أﻋﺪاد ﻣﻨﻬﺎ إﻟﻰ ﺣﺪاﺋﻖ ﺣﻴﻮان أﺧﺮى ﺣﻮل اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﺿﻤﻦ ﻣﺎ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ "ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﻤﻬﺎ" ،وﺑﺤﻠﻮل ﻋﺎم ،1990ﻛﺎﻧﺖ أﻋﺪاد اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻗﺪ ارﺗﻔﻌﺖ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ 1300رأس؛ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ 112ﻓﺮدا ً ّ ﻣﻮﻟﻮدﻳﻦ ﻓﻲ اﻷﺳﺮ ،وﺗﻤﺖ إﻋﺎدﺗﻬﻢ إﻟﻰ ﻣﺤﻤﻴّﺎت ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳّﺔ. وﻣﻦ أﺑﺮز اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﻪ ﺑﺮاﻣﺞ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ :اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻗﻄﻌﺎن ﻋﺎﻟﻴﺔ اﻟﺠﻮدة ،ﻣﻊ زﻳﺎدة أﻋﺪاد اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﺿﻤﻦ ﺑﺮاﻣﺞ اﻷﺳﺮ ،ﺣﻴﺚ إن أﻋﺪاد اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻻﻣﺎرات ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﻧﺼﻒ أﻋﺪاده ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ أﺟﻤﻊ ،واﺳﺘﻤﺮار ﻫﺬه اﻟﺒﺮاﻣﺞ ﻳﺘﻄﻠﺐ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻮارد اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ واﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ،وﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﺄﻣﻴﻦ اﻟﺒﻴﺌﺎت اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻤﻦ اﺳﺘﻤﺮارﻳﺔ ﻗﻄﻌﺎن اﻟﻤﻬﺎ ﻃﻠﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﻣﻮاﻃﻨﻬﺎ اﻟﺒﺮﻳﺔ ،واﻻﻟﺘﺰام اﻟﺪاﺋﻢ ﺑﺘﻮﻓﻴﺮ اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻬﺎ ،وﺗﻨﻔﻴﺬ ﺑﺮاﻣﺞ ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﻣﺴﺘﻤﺮة وﻣﻨﺘﻈﻤﺔ ﺑﻬﺪف اﻟﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ،وﻣﺪى ﻧﺠﺎﺣﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ. اﻫﺘﻤﺎم دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﺑﺎﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ
ﺗﻬﺘﻢ دوﻟﺔ اﻹﻣــﺎرات اﻫﺘﻤﺎﻣﺎً ﻛﺒﻴﺮا ً ﺑﺎﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ، وﺗﻌﺘﺒﺮه اﻟﺤﻴﻮان اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻬﺎ ،وﺣﺮﺻﺎً ﻣﻦ دوﻟﺔ اﻻﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وﺿﺮورة اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﺠﺰء ﻣﻦ اﻟﺘﺮاث اﻟﺤﻀﺎري واﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻧﺎل اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻫﺘﻤﺎﻣﺎً ﻛﺒﻴﺮا ً ﻣﻦ ﻣﺆﺳﺲ
دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ،وﺑﺎﻋﺚ ﻧﻬﻀﺘﻬﺎ؛ اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن ال ﻧﻬﻴﺎن ﻃﻴﺐ اﻟﻠﻪ ﺛﺮاه ﻓﻔﻲ ﻋﻬﺪه ﺗﻢ إﻧﺸﺎء ﺑﺮاﻣﺞ ﺧﺎﺻﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﺈﻛﺜﺎر اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،واﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﻪ ﺑﻬﺪف إﻋﺎدة ﺗﻮﻃﻴﻨﻪ ﺑﻤﻮﻃﻨﻪ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺑﺄرض اﻹﻣﺎرات ﺑﻌﺪ ﻣﺮور أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺼﻒ ﻗﺮن ﻋﻠﻰ اﻧﻘﺮاﺿﻪ ﻣﻨﻬﺎ ،وﻗﻄﻌﺖ اﻹﻣﺎرات ﺷﻮﻃﺎً ﻛﺒﻴﺮا ً ﻓﻲ ﺑﺮاﻣﺞ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،واﻟﻬﺪف ﻣﻦ ﺑﺮاﻣﺞ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻷﺳﺮ ﻫﻮ إدارة ﻗﻄﻌﺎﻧﻪ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﻠﻤﻲ ﻳﻀﻤﻦ ﺧﻠﻮﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﺮاض ،وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﻔﺤﺺ اﻟﺒﻴﻄﺮي اﻟﻤﻨﺘﻈﻢ ،وإﺟﺮاء اﻟﺘﺤﺼﻴﻨﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ،وﺗﻢ اﻟﺘﻌﺎون ﺑﻴﻦ اﻟﺪاﺋﺮة اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺮﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻫﻲ اﻟﺠﻬﺔ اﻟﻤﺸﺮﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﺮاﻣﺞ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺈﻣﺎرة أﺑﻮﻇﺒﻲ ،وﺑﻴﻦ ﻣﺮﻛﺰ إدارة اﻷﺣﻴﺎء اﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﺑﺮﻳﺘﻮرﻳﺎ ﻓﻲ ﺟﻨﻮب اﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻢ ﻋﻤﻞ دراﺳﺔ وراﺛﻴﺔ ﻟﻘﻄﻌﺎن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻬﺪف ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ اﻟﻮراﺛﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺪدﻫﺎ ،أﻇﻬﺮت ﺳﻼﻣﺘﻬﺎ ،وﻟﻀﻤﺎن ﺳﻬﻮﻟﺔ إدارة اﻟﻘﻄﻌﺎن وﻣﺮاﻗﺒﺘﻬﺎ، ﻓﺈن اﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﺒﺮاﻣﺞ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺤﻔﻆ ﺳﺠﻼت ﻋﻦ ﻛﻞ ﺣﻴﻮان ،ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺑﻴﺎﻧﺎﺗﻪ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻢ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﻧﻈﺎم اﻟﺘﻐﺬﻳﺔ اﻟﺒﺴﻴﻂ اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،واﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺸﺎﺋﺶ اﻟﺨﻀﺮاء واﻷﻋﻼف اﻟﻤﺮﻛﺒﺔ ،ﻟﻀﻤﺎن ﺗﻤﺘﻌﻪ ﺑﺼﺤﺔ ﺟﻴﺪة ﻓﻲ اﻷﺳﺮ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻢ ﺗﺰوﻳﺪ ﻗﻄﻌﺎﻧﻪ ﺑﺎﻟﻤﺎء واﻷﻣﻼح اﻟﻼزﻣﺔ ،وﺗﺴﺎﻫﻢ ﺑﺮاﻣﺞ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺎﻹﻣﺎرات ﻓﻲ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺣﻤﻼت اﻟﺘﻮﻋﻴﺔ اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻨﺴﻴﻖ ﻣﻊ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ واﻟﻬﻴﺌﺎت اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻢ ﻋﻤﻞ ﺑﺮاﻣﺞ ﺗﻮﻋﻴﺔ ﺗﺘﻨﺎول اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وأﻫﻤﻴﺘﻪ ،وﻗﺼﺔ اﻧﻘﺮاﺿﻪ ،وإﻋﺎدة ﺗﻮﻃﻴﻨﻪ ،وﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻪ ،وﺗﻨﻈﻢ اﻟﻤﺪارس واﻟﺠﻤﻌﻴﺎت اﻟﺘﻄﻮﻋﻴﺔ واﻟﺘﺠﻤﻌﺎت اﻟﺸﺒﺎﺑﻴﺔ زﻳﺎرات ﻟﻠﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺤﻴﻮان اﻟﻔﺮﻳﺪ ،وﺗﺮأس اﻹﻣﺎرات اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺘﻨﺴﻴﻘﻴﺔ ﻟﺼﻮن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،واﻟﺘﻲ ﺗﺄﺳﺴﺖ ﻋﺎم 2000ﺑﻤﺒﺎدرة ﻣﻦ اﻹﻣﺎرات واﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ. أﻫﻢ اﻟﻤﺤﻤﻴﺎت اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﻠﻤﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ
ﻣﻦ اﻟﻤﺤﻤﻴّﺎت اﻟﻌﺮﺑﻴّﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻟﻲ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﺑﺎﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ :ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ :ﻣﺤﻤﻴّﺔ "ﺟﺰﻳﺮة ﺻﻴﺮ ﺑﻨﻲ ﻳﺎس" :وﺗﻀﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 700رأس ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻤﺤﻤﻴﺔ ﻫﻲ اﻟﻨﻮاة اﻷوﻟﻰ ﻟﺒﺮاﻣﺞ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺎﻹﻣﺎرات ﺣﻴﻦ أﻣﺮ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ، رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ،ﻓﻲ ﻋﺎم 1978ﺑﻨﻘﻞ أرﺑﻊ رؤوس ﻣﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﺣﻴﻮان اﻟﻌﻴﻦ إﻟﻰ اﻟﻤﺤﻤﻴﺔ ،وﻫﻨﺎك أﻳﻀﺎً »ﻣﻨﺘﺠﻊ اﻟﻤﻬﺎ« ،وﻣﺤﻤﻴﺔ »أم اﻟﺰﻣﻮل« ﻓﻲ أﺑﻮﻇﺒﻲ ،وﺗﺒﻠﻎ ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ ﺣﻮاﻟﻲ 8900ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮ ﻣﺮﺑﻊ، وﺗﻨﺘﺸﺮ ﻗﻄﻌﺎن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ اﻟﺸﺎﺳﻌﺔ ،وﻗﺪ ﺑﺪأت اﻟﻤﺤﻤﻴﺔ ﺑﺤﻮاﻟﻲ 98ﻓﺮدا ً ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎ ،إﻟﻰ أن وﺻﻠﺖ ﻓﻲ وﻗﺖ ﻗﺼﺮ إﻟﻰ 150ﻓﺮدا ً ،وﻳﺰورﻫﺎ ﻋﺪد ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺰوار. ﻓﻲ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ :ﻣﺤﻤ ّﻴﺔ "ﻋﺮوق ﺑﻨﻲ ﻣﻌﺎرض"،
24
إﻧﻘﺎذ أﻣﻴﺮات اﻟﺼﺤﺮاء ﻣﻦ ﺑﻨﺎدق اﻟﻘﻨﺎﺻﻴﻦ
اﻧﺘﺸﺎر اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ وأﺳﺒﺎب اﻧﻘﺮاﺿﻪ
إﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎت إﻧﻘﺎذ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ
ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪم ﻛﺎن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻳﺴﺘﻮﻃﻦ ﺻﺤﺎري وﺳﻬﻮب ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﺑﻼد ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﻬﺮﻳﻦ ،وﺳﻮرﻳﺎ ،وﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ،وﻣﺼﺮ .ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺗﻔﻀﻞ ﺣﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﻬﺎ أن ﺗﻘﻄﻦ اﻟﺼﺤﺎري اﻟﺤﺼﻮﻳﺔ أو ذات اﻟﺮﻣﻞ اﻟﻘﺎﺳﻲ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﻌﺪو ،وﺗﻬﺮب ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﻈﻢ أﻋﺪاﺋﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻔﺘﺮﺳﺎت واﻟﺼﻴﺎدﻳﻦ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑ ّﻴﺔ ﺗﺼﺎد ﻣﻨﺬ آﻻف اﻟﺴﻨﻴﻦ؛ ﻛﻤﺎ ﺗﻈﻬﺮ رﺳﻮﻣﺎت ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻬﻮف ﻓﻲ ﺟﻨﻮب ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ، واﺳﺘﻤﺮ ﺻﻴﺪﻫﺎ ﺑﺎﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺣﺘﻰ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ؛ ﺣﻴﺚ ﻣﻜﻨﺖ اﻷﺳﻠﺤﺔ اﻟﻨﺎرﻳﺔ واﻟﺴﻴﺎرات اﻟﻤﺘﻄﻮرة اﻟﺼﻴﺎدﻳﻦ ﻣﻦ ﺻﻴﺪﻫﺎ ﺑﻮﺗﻴﺮة أﻛﺒﺮ ،ﻣﻤﺎ أدى إﻟﻰ اﻧﻘﺮاﺿﻬﺎ ﺗﺪرﻳﺠﻴﺎً ﻣﻦ اﻟﺒﺮﻳّﺔ ،وﺑﺤﻠﻮل ﻋﺎم 1972ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴّﺔ ﻗﺪ اﻧﻘﺮﺿﺖ ﻓﻌﻠﻴﺎً ﻣﻦ اﻟﺒﺮﻳّﺔ؛ وذﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﻗﺘﻞ آﺧﺮ أﻓﺮادﻫﺎ ﻓﻲ ﺻﺤﺮاء اﻟﺮﺑﻊ اﻟﺨﺎﻟﻲ؛ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺪود اﻟﺴﻌﻮدﻳّﺔ اﻟﻌﻤﺎﻧ ّﻴﺔ ،وﻛﺎن ﻣﻦ أﻫﻢ أﺳﺒﺎب اﻹﺳﺮاع ﺑﺎﻧﻘﺮاﺿﻬﺎ ،أن اﻷﻣﺮاء اﻟﻌﺮب وﻣﺘﻌﻬﺪي ﺷﺮﻛﺎت اﻟﻨﻔﻂ أﺧﺬوا ﻳﺼﻄﺎدوﻧﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺜﻼﺛﻴﻨﻴﺎت، ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻟﺴﻴﺎرات واﻷﺳﻠﺤﺔ اﻟﻨﺎرﻳﺔ ،ﺑﺪاﻓﻊ إﻓﺴﺎح اﻟﻤﺠﺎل أﻣﺎم ﺣﻔﺮ اﻵﺑﺎر ﻻﺳﺘﺨﺮاج اﻟﻨﻔﻂ اﻟﻤﻜﺘﺸﻒ ﺣﺪﻳﺜﺎً ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﻃﺒﻌﺎً ﻟﺪاﻓﻊ ﻫﻮاﻳﺔ اﻟﺼﻴﺪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﻤﻠﻴﺎت ﺻﻴﺪﻫﺎ ﺿﺨﻤﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻗﻴﻞ أن ﺑﻌﺾ اﻷﻣﺮاء اﺳﺘﺨﺪﻣﻮا ﻗﺮاﺑﺔ 300ﺳﻴﺎرة ﻻﺳﺘﺌﺼﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ أراﺿﻴﻬﻢ، وﻗﺪ ﻗﺎم اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﺈﻋﺎدة ﺗﺼﻨﻴﻒ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﻬﺪدة ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض ،وﺗﻮﺻﻠﻮا ﻓﻲ ﻋﺎم 1986إﻟﻰ أن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ أﺿﻌﻒ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﺗﻮاﺟﺪا ً ﻓﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،وﺗﻢ إدراﺟﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ اﻟﺤﻤﺮاء ﻟﻠﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻷﻛﺜﺮ ﺗﻌﺮﺿﺎً ﻟﻼﻧﻘﺮاض ،ﻛﻤﺎ ُﺻ ّﻨﻔﺖ ﺿﻤﻦ اﻷﻧﻮاع اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ اﻟﻤﺸﻤﻮﻟﺔ ﺑﺤﻤﺎﻳﺔ اﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟﺤﻈﺮ اﻹﺗﺠﺎر ﺑﺎﻷﻧﻮاع اﻟﻤﻬﺪدة ) ،(CITESﻓﺒﺪأ اﻻﻫﺘﻤﺎم ووﺿﻊ اﻟﺨﻄﻂ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺰﻳﺎدة أﻋﺪاده ﻣﺮة أﺧﺮى.
ﺑﺪأت ﻣﺤﺎوﻻت إﻋﺎدة إدﺧﺎل اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وإﻛﺜﺎره ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳّﺔ ﻣﻨﺬ ﻋﺎم ،1982وﻛﺎﻧﺖ ُﻋﻤﺎن ﻫﻲ أول اﻟﺪول اﻟﺘﻲ أﻗﺪﻣﺖ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ،ﻓﺄﻃﻠﻘﺖ أول ﻣﻬﺎ ﻣﻮﻟﻮدة ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺰه ﺳﺎن دﻳﻴﺠﻮ ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻟﺒﺮﻳﺔ ﺑﻤﺤﻤﻴﺔ أﻧﺸﺄﺗﻬﺎ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺧﺼﻴﺼﺎ ﻟﻬﺬا اﻟﻐﺮض .إﻻ أن أﻋﺪادﻫﺎ ﺗﻨﺎﻗﺼﺖ ﻫﻨﺎك ﻣﻦ 450ﻋﺎم 1996إﻟﻰ 106ﻓﻲ أواﺋﻞ ﻋﺎم 2003ﺑﺴﺒﺐ أﻋﻤﺎل أﺳﺮﻫﺎ ﻏﻴﺮ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧ ّﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺷﻬﺪت اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ازدﻳﺎدا ً ﻓﻲ أﻋﺪاد اﻟﻤﻬﺎ ﻣﻦ 400 رأس ﻋﺎم 1997إﻟﻰ ﻧﺤﻮ 700ﻓﻲ أواﺋﻞ ﻋﺎم ،2003أﻣﺎ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻓﻘﺎﻣﺖ ﺑﺈﻃﻼق 100ﻣﻬﺎ ﻋﺮﺑ ّﻴﺔ ﺧﻼل ﻋﺎم 2007ﻓﻲ ﺻﺤﺮاء أﺑﻮﻇﺒﻲ ﻛﺠﺰء ﻣﻦ ﺧﻄﺔ ﺧﻤﺴﻴﺔ اﺳﺘﻬﺪﻓﺖ إدﺧﺎل 500رأس ﺑﺤﻠﻮل ﻋﺎم .2012ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﺣﻴﻮاﻧﺎت "ﻓﻴﻨﻴﻜﺲ" ﻓﻲ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺣﻴﺚ أﻧﻬﺎ أول اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ ﻫﻲ اﻟﻤﻨﻘﺬة اﻷوﻟﻰ ﻟﻠﻤﻬﺎ ّ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﺑﺪأت ﺑﺈﻛﺜﺎرﻫﺎ ﻓﻲ اﻷﺳﺮ ﻋﺎم ،1962وﺑﺪأت ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﻬﺎ ﺑﺘﺴﻌﺔ رؤوس ﻓﻘﻂ ،وﺣﺼﺪت ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 200وﻻدة ﻧﺎﺟﺤﺔ ،وﻣﻦ
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
23
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء
إﻧﻘﺎذ أﻣﻴﺮات اﻟﺼﺤﺮاء ﻣﻦ ﺑﻨﺎدق اﻟﻘﻨﺎﺻﻴﻦ ﻣﺤﻤﺪ زﻳﻦ اﻟﻌﺎﺑﺪﻳﻦ
اﻟﻤﻬﺎ؛ ﻇﺒﻴ ٌﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ أﺻﻴﻠﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺎﻷﻣﻴﺮة اﻟﺸﺎردة ﻓﻲ ﺻﺤﺎري اﻟﻌﺮب ،ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﺼﺎﻓﻲ ﻛﻢ ﺗﻐﻨﻰ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻌﺮب ،ﺑﺒﻴﺎﺿﻬﺎ اﻟﻨﻘﻲ، وﻋﻴﻨﻴﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻠﺘﻴﻦ اﻟﺤﻜﻴﻤﺘﻴﻦ اﻟﺪاﻣﻌﺘﻴﻦ ،وﺑﺎﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻐﺮﻳﺰﺗﻬﺎ اﻟﺜﺎﻗﺒﺔ ،ﻛﺎن اﻟﻌﺮب ﻳﻜﺘﺸﻔﻮن أﻣﺎﻛﻦ اﻟﻤﻄﺮ ،وﻣﻨﺎﺑﺖ اﻟﺨﻴﺮ واﻟﻜﻸ. ﻟﻜﻦ أﻣﻴﺮة اﻟﺼﺤﺮاء ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻓﻲ ﻓﺘﺮة ﻣﻦ اﻟﻔﺘﺮات اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻷﻛﺒﺮ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺻﻴﺪ ﺟﺎﺋﺮ ﻗﻀﺖ ﻋﻠﻰ ﻗﻄﻌﺎﻧﻬﺎ اﻟﺸﺎردة ،وﻗﻄﻌﺖ اﻟﺘﺮاﺑﻂ ﺑﻴﻨﻬﺎ ،ﻟﻜﻦ اﺳﺘﻔﺎﻗﺔ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﺒﻴﺌﺔ ،وﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ اﻟﺼﺤﻮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺗﺠﺎه اﻟﻜﺎرﺛﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻠﺖ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎ ،أدت إﻟﻰ ﺑﺪاﻳﺔ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻮﺿﻊ اﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎت ﺣﺜﻴﺜﺔ ﻹﻧﻘﺎذﻫﺎ ﻣﻦ اﻻﻧﻘﺮاض ،وإﻋﺎدة ﺗﻮﻃﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ ﻟﺘﻌﻮد رﻣﺰاً ﻟﻨﻘﺎء اﻟﺼﺤﺮاء ،وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ اﻟﺴﺮﻣﺪي. اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ وﻣﺎ ﻳﻤﻴﺰه
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،واﺳﻤﻬﺎ اﻟﻌﻠﻤﻲ Oryx leucoryx) :ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﻈﺒﺎء اﻟﻤﻨﺘﻤﻴﺔ ﻟﻔﺼﻴﻠﺔ اﻟﺒﻘﺮﻳﺎت ،وﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺴﻨﺎﻣﻬﺎ اﻟﻤﻤﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻴﻬﺎ، وﻗﺮوﻧﻬﺎ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ اﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻤﺔ ،واﻟﺘﻲ ﻳﺘﺮاوح ﻃﻮﻟﻬﺎ ﺑﻴﻦ 50-75 ﺳﻨﺘﻴﻤﺘﺮا ً ،وذﻳﻠﻬﺎ اﻟﺬي ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺑﺨﺼﻠﺔ ﺷﻌﺮ ،وﻟﻮﻧﻬﺎ اﻷﺑﻴﺾ اﻟﺠﻤﻴﻞ ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء اﻟﺠﺰء اﻟﺴﻔﻠﻲ واﻟﻘﺪﻣﻴﻦ؛ ﻳﻜﻮن ﻟﻮﻧﻬﻤﺎ ﺑﻨﻲ ،وﻳﺴﺎﻋﺪﻫﺎ
22
إﻧﻘﺎذ أﻣﻴﺮات اﻟﺼﺤﺮاء ﻣﻦ ﺑﻨﺎدق اﻟﻘﻨﺎﺻﻴﻦ
ﻟﻮن ﺟﺴﻤﻬﺎ اﻷﺑﻴﺾ اﻟﻨﺎﺻﻊ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻤﻞ أﺷﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺤﺎرﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ،ﻟﻜﻦ ﻟﻮﻧﻬﺎ اﻷﺑﻴﺾ ﺗﺤ ّﻮل إﻟﻰ ﻧﻘﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻬﺎ ،إذ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻫﺪﻓﺎً واﺿﺤﺎً ﺟﺪا ً ﻟﻤﻄﺎردات اﻟﺼﻴﺎدﻳﻦ ،واﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻫﻮ أﺻﻐﺮ أﻧﻮاع اﻟﻤﻬﺎ ،وﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻬﺎ »اﻟﻤﺎرﻳّﺔ« و»اﻟﻮﺿﻴﺤﻲ« ﻟﻘﻮة إﺑﺼﺎرﻫﺎ ،وﻗﺪرﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﻮاﺿﺤﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ ،وﻣﻦ أﻫﻢ ﻣﻤﻴﺰاﺗﻬﺎ ﻗﺪرﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺘﺒﻊ ﻗﻄﻌﺎن أﻣﺎﻛﻦ ﺳﻘﻮط اﻷﻣﻄﺎر اﻟﻨﺎدرة ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺮاء ﺣﺘﻰ ﺗﻘﺘﺎت ﻋﻠﻰ اﻷﻋﺸﺎب اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺤﺜﻬﺎ اﻟﻤﻄﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻤﻮ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﻨﻄﺎق ﺗﺠﻮاﻟﻬﺎ واﺳﻊ ،ﻓﻘﺪ أﻇﻬﺮت دراﺳﺔ ﻷﺣﺪ اﻟﻘﻄﻌﺎن ﻓﻲ ُﻋﻤﺎن أن ﻧﻄﺎق ﺗﺠﻮاﻟﻪ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ﻛﻴﻠﻮﻣﺘﺮ ﻣﺮﺑّﻊ ،وﻫﻲ ﺗﻤﻀﻲ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﻨﻬﺎر ﻣﺴﺘﺮﻳﺤﺔ ﺗﺠﻨﺒﺎً ﻟﻠﺤﺮارة اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺔ ،وﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺒﻘﺎء ﻷﺳﺎﺑﻴﻊ ﻣﻦ دون ﺷﺮﺑﺔ ﻣﺎء ،وﺗﺘﻐﺬّى ﻋﻠﻰ اﻷﻋﺸﺎب ،واﻟﺒﺼﻴﻼت ،وأوراق اﻷﺷﺠﺎر .اﻟﻤﻬﺎ ﺣﻴﻮان ﻣﺴﺎﻟﻢ ﻋﺎدة ﻣﻊ أﻓﺮاد ﺟﻨﺴﻪ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﻤﺢ ﻷﻓﺮاده ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﺳﻮﻳﺎً ﻷوﻗﺎت ﻃﻮﻳﻠﺔ ،ﻓﺘﺘﻔﺎدى اﻟﻘﺘﺎل ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ؛ واﻟﺬي ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺆدي إﻟﻰ إﺻﺎﺑﺘﻬﺎ ﺑﺠﺮاح ﺑﺎﻟﻐﺔ ﺑﻔﻌﻞ ﻗﺮوﻧﻬﺎ اﻟﺤﺎدة ،وﺗﺴﺘﺨﺪم اﻟﺬﻛﻮر واﻹﻧﺎث ﻗﺮوﻧﻬﺎ ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﻣﻮارد اﻟﺒﻘﺎء اﻟﻨﺎدرة ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺘﻬﺎ ﺿﺪ اﻟﻐﺮﺑﺎء ،وﺗﻌﺘﺒﺮ اﻟﺬﺋﺎب ،واﻟﻀﺒﺎع اﻟﻤﺨﻄﻄﺔ ﻫﻲ اﻷﻋﺪاء اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻹﻧﺴﺎن؛ اﻟﻌﺪو اﻷﻛﺒﺮ ،ﺑﻤﺎ ﻳﻤﺘﻠﻜﻪ ﻣﻦ أﺳﻠﺤﺔ وﻣﻬﺎرات اﻟﺼﻴﺪ .ﻳُﻌ ّﻤﺮ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻗﺮاﺑﺔ 20ﺳﻨﺔ ،إذا ﺗﻮاﻓﺮت ﻟﻪ اﻟﻈﺮوف اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ،أﻣﺎ ﻓﻲ ﻓﺘﺮات اﻟﺠﻔﺎف اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻓﺈن ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻘﺎء ﺗﻨﺨﻔﺾ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻠﺤﻮظ ،وﻣﻦ أﺳﺒﺎب اﻟﻨﻔﻮق اﻷﺧﺮى ﻟﻪ؛ اﻟﺠﺮاح اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ ﻋﺮاك اﻟﺬﻛﻮر ،وﻟﺴﻌﺎت اﻷﻓﺎﻋﻲ، اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻷﻣﺮاض ،واﻟﻐﺮق ﻋﻨﺪ ﺣﺪوث اﻟﻔﻴﻀﺎﻧﺎت .ﻳﻌﻴﺶ اﻟﻤﻬﺎ ّ ﻓﻲ ﻗﻄﻌﺎن ﻣﺨﺘﻠﻄﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺴﻴﻦ ،وﻳﺘﺮاوح ﻋﺪد أﻓﺮاد اﻟﻘﻄﻴﻊ ﺑﻴﻦ 2و 15رأﺳﺎً ﻋﺎدة ،وﻫﻨﺎك ﺗﺮاﺗﺒﻴﺔ دﻗﻴﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﻄﻴﻊ ﺗﺸﻤﻞ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺬﻛﻮر واﻹﻧﺎث اﻟﺘﻲ ﻓﺎق ﻋﻤﺮﻫﺎ ﺳﺒﻌﺔ أﺷﻬﺮ ،وﺗﻤﻴﻞ أﻓﺮاده إﻟﻰ أن ﺗﺒﻘﻰ ﻋﻠﻰ اﺗﺼﺎل ﺑﺼﺮي ﺑﺒﻌﻀﻬﺎ اﻟﺒﻌﺾ ،ﺣﻴﺚ ﺗﺘﺨﺬ اﻟﺬﻛﻮر اﻟﺨﺎﺿﻌﺔ ﻣﺮﻛﺰا ً ﻟﻬﺎ ﻓﻲ وﺳﻂ اﻟﻘﻄﻴﻊ ،وﺗﺒﻘﻰ اﻹﻧﺎث ﻋﻠﻰ اﻷﻃﺮاف ،وﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻧﻔﺼﺎل اﻟﺬﻛﻮر أو ﺷﺮودﻫﺎ ﻋﻦ اﻟﻘﻄﻴﻊ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻌﻮد ﻟﺰﻳﺎرة آﺧﺮ ﻣﻮﻗﻊ ﻛﺎن اﻟﻘﻄﻴﻊ ﻓﻴﻪ ،وﺗﺒﻘﻰ ﻫﻨﺎك ﺑﻤﻔﺮدﻫﺎ إﻟﻰ أن ﻳﻌﻮد اﻟﻘﻄﻴﻊ إﻟﻰ ذات اﻟﻤﻜﺎن .ﻳﻨﺸﺊ اﻟﺬﻛﺮ اﻟﻤﺴﻴﻄﺮ ﺣﻮزا ً ﺧﺎﺻﺎً ﺑﻪ ﻓﻲ أﻓﻀﻞ ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﺮﻋﻲ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺒﻘﻰ اﻟﺬﻛﻮر اﻟﻌﺎزﺑﺔ ﻣﻨﻌﺰﻟﺔ.
وﻟﻌﻞ أﻗﺼﻰ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺼﻞ ﻟﺘﺸﺒﻴﻪ اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ واﻟﺘﺤﺴﺮ ﻋﻠﻰ رﺣﻴﻞ اﻟﺤﺒﻴﺒﺔ ،ﻣﺎ ﺗﻐﻨﻰ ﺑﻪ ﻣﻄﺮب اﻷﻏﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﺎل ﻟﻌﻴﻮﻧﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺷﺒﻬﻬﺎ ﺑﻌﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ: ْﻋـﻴـﻮن اﻟ َﻤـﻬـﺎ ﻳــــﺎ ﺳﻤــــﺮا ..ﻋﻴﻨﻲ ،رﻳــــﻢ و ﺑﻨﺖ اﻟﺠــــﺰﻳﺮة ﻳﺎﻟ ْــﻄﻮﻟﻚ ﻧﺒﻌـــــﺔ رﻳﺤـــﺎن ْ ..و ع اﻟ ْﺤـــــﺪﻳﺜﺎت أﻣــــﻴـــــﺮة« وﻟﻦ ﻳﻘﺘﺼﺮ اﻟﺘﻐﻨﻲ ﺑﻌﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮاﻗﻲ ﻋﻠﻰ إﻋﺎدة ﻫﺬه اﻷﻏﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ ﺑﺎﻟﻌﺮاق ،ﺑﻞ ﺳﻴﺒﺪع ﻓﻨﺎﻧﻮن آﺧﺮون أﻏﺎﻧﻲ ﺣﺪﻳﺜﺔ ﺗﺘﻐﻨﻰ أﻳﻀﺎ ﺑﻌﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻧﺠﺪ اﻟﻔﻨﺎن ﻋﻠﻲ ﻣﺤﻤﻮد اﻟﻌﻴﺴﺎوي اﻟﺒﻐﺪادي ﺻﺎﺣﺐ أﻟﺒﻮم »ﻻ« ﺛﻢ أﻟﺒﻮم »ﻣﺨﻄﻮﺑﺔ« اﻟﺬي ﺳﺠﻠﻪ ﺳﻨﺔ 1989اﻟﺬي ﻟﻘﻲ اﻧﺘﺸﺎرا ً ﻣﺤﻤﻮدا ً ﺣﻴﻨﻬﺎ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻏﻨﻰ أﻳﻀﺎ أﻏﻨﻴﺔ ﻣﻮﺳﻮﻣﺔ ﺑـ»ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ« ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ: ﻫـــﻼ ﻳﻤـــﺎ وﻫــــــﻼ ﻳـــــﻮم رﻳﻢ وﺳــﺮق ﻣﻨـــــﻲ اﻟﻨـﻮم ﻳﻮﻣــــﺎ وﻳﻤــــﺎ وﻳـــــــﺎ ﻳـﻮم ﻫﺐ اﻟﻬــــــﻮى وﻃـﺎر اﻟﻨﻮم ﻋﻴـــﻮن اﻟﻤﻬـــــﺎ ﻳﺎ ﻋﻴــــﻮﻧﻚ ﺧــــــﺎﻳﻒ اﻧﺎ ﻳﺤﺴــــﺪوﻧﻚ ﺑﻞ وﻧﻼﺣﻆ أن اﻟﻤﻘﻄﻮﻋﺔ اﻟﻐﻨﺎﺋﻴﺔ ﺳﺘﺠﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺎء اﻟﺼﺤﺮاوي وﺑﻴﺌﺘﻪ ﻣﺎدة أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﻄﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻐﻨﻲ ﺑﺎﻟﻨﺎﻗﺔ وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ ﺳﺘﺮﻛﺰ ﺑﺸﻜﻞ أﺳﺎﺳﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺘﺎﻟﻲ» :ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ ﻳﺎ ﻋﻴﻮﻧﻲ ...ﺧﺎﻳﻒ أﻧﺎ ﻳﺤﺴﺪوﻧﻲ« ،ﺑﻞ ﺳﺘﺼﺒﺢ ﻻزﻣﺔ رﺋﻴﺴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﻄﻮﻋﺔ اﻟﻐﻨﺎﺋﻴﺔ .اﻟﻤﻐﻨﻴﺔ اﻟﺴﻮداﻧﻴﺔ ﻣﻨﻰ اﻟﺨﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺮﻋﻴﻞ اﻷول ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻤﻐﻨﻴﺎت ﻓﻲ اﻟﺴﻮدان )،(1980 - 1937 ﻣﻦ أﺑﺮز اﻟﻤﻐﻨﻴﺎت اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻗﺪﻣﻦ أﻋﻤﺎﻻ ﺗﺘﻐﺰل ﺑﺎﻟﻤﺮأة ﺑﺄوﺻﺎف اﻟﻤﻬﺎ، وﻳﺼﻔﻬﺎ اﻟﻨﻘﺎد اﻟﻔﻨﻴﻮن ﻓﻲ اﻟﺴﻮدان ﺑﻘﻴﺜﺎرة اﻟﻐﻨﺎء وﺳﻠﻄﺎﻧﺘﻪ ،وﻗﺪ ﺧﻠﻔﺖ أﻏﻨﻴﺔ ﺗﺴﻤﻰ »ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ« ﻗﺪﻣﻬﺎ ﻟﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﻳﺢ وﺗﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ أﺑﺮز أﻏﺎﻧﻴﻬﺎ وﻛﺎﻧﺖ ﻓﺎﺗﺤﺔ ﻟﺘﺠﺮﺑﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻐﻨﺎء ﻓﻲ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ )رﻛﻦ اﻟﻬﻮاة( ﻓﻲ اﻟﻌﺎم 1956م ،ﺛﻢ ﺳﻴﻌﻴﺪﻫﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ اﻟﺴﻮداﻧﻴﻴﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻟﻌﻞ ﻣﻦ أﺑﺮزﻫﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻨﻌﻢ اﻟﺨﺎﻟﺪي. واﻟﻤﻼ َﺣﻆ أن ﻓﻲ أﻏﻨﻴﺔ ﻣﻨﻰ اﻟﺨﻴﺮ ﺗﺮﻛﻴﺰ ﺷﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ ﺑﻌﻴﻮن اﻟﻤﻌﺸﻮﻗﺔ ،ﻓﺘﻘﻮل ﻓﻲ إﻳﻘﺎع ﺑﻄﻲء: ﻳﺎ ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ ﻳﺎﻋﻴﻮن /ﻳﻌﻴﻮن اﻧﺘﻲ ﻟﻮن اﻟﻠﻴﻞ /زي ﻟﻮﻧﻚ ﺳﻮادو ﻛﺤﻴﻞ /ﻛﻼﻫﻤﺎ اراﻫﻮ ﺟﻤﻴﻞ /زاﻫﻲ اﻟﺤﺴﻦ ﺻﺎﻓﻲ اﻟﻠﻮن /ﻋﻠﻤﺘﻴﻨﻲ ﻛﻴﻒ اﻫﻮى /واﺗﺨﺬ اﻟﻬﺪوء ﻣﺄؤى /ﻳﺮﺗﺎح ﻗﻠﺒﻲ ﻟﻠﻨﺠﻮى /ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻠﻴﻞ ﻫﺪوء وﺳﻜﻮن /اﻟﺤﺐ ﻳﺎ ﻣﻨﺎي اﺷﻮاق /واﻧﺘﻲ اﻟﻮرد واﻧﺎ اﻫﻮاك/ ﺳﺒﺤﺎن اﻟﺬي ﺳﻮاك /واﻫﺪاك ﻣﻦ ﺑﺪاﻳﻌﻮ ﻓﻨﻮن /ﻳﺎ ﻋﻴﻮن ﻓﻴﻚ ﻣﻨﻰ واﺣﻼم. وﻣﻊ أن اﻷﻏﻨﻴﺔ ﺗﺤﻤﻞ أوﺻﺎﻓﺎً وﺗﺸﺒﻴﻬﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ اﻟﻤﻬﺎ ،ﻓﺎﻟﻤﻐﻨﻴﺔ ﻣﻨﻰ اﻟﺨﻴﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻛﺰ ﺑﺸﻜﻞ واﺿﺢ ﻋﻠﻰ »اﻟﻌﻴﻮن« ،ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻼزﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎد ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻣﻘﻄﻊ ﺻﻐﻴﺮ ،واﻟﻘﺎﺋﻠﺔ: »ﻳﺎ ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬــــﺎ ﻳـــﺎﻋـــﻴﻮن ....ﻳﻌﻴﻮن اﻧﺘﻲ ﻟــــــــﻮن اﻟﻠﻴـــﻞ«
وﻋﻠﻰ ﻏﺮار اﻟﻔﻨﺎﻧﺔ ﻣﻨﻰ اﻟﺨﻴﺮ ،وﺟﺪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ أوﺻﺎف ﺣﻴﻮان اﻟﻤﻬﺎ ﺻﻮرة ﻟﺘﺸﺒﻴﻪ أوﺻﺎف ﻣﻌﺸﻮﻗﺎﺗﻬﻢ .وﻗﺪ ﺣﺎول اﻟﻔﻨﺎن اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ﻋﺎﺻﻲ اﻟﺤﻼﻧﻲ أن ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ أﻏﻨﻴﺘﻪ »ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬـﺎ« اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻐﻨﺎﺋﻲ راﻣﻲ رﺿﺎ ﺧﻠﻴﻞ وﻟﺤﻨﻬﺎ اﻟﻔﻨﺎن ﻣﺎﻫﺮ اﻟﻌﻠﻰ ،وﺻﺪرت ﺿﻤﻦ أﻟﺒﻮﻣﻪ اﻟﻐﻨﺎﺋﻲ »ﻳﻤﻜﻦ« ﺳﻨﺔ ،2008ﺻﻮرة ﻟﻬﺎﺗﻴﻦ اﻟﻌﻴﻨﻴﻦ اﻟﻤﺘﺴﻤﺘﻴﻦ ﺑﺎﺗﺴﺎﻋﻬﻤﺎ وﺑﻴﺎﺿﻬﻤﺎ، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﺼﻮت اﻟﻤﺨﺎﻃﺐ ﻓﻲ ﺻﻴﻐﺔ اﻟﻤﻨﻰ :ﻳﺎ ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ ﻋﻴﻮﻧﻚ ﻳﺎﻣﺎ اﻟﺨﺎل /رﻣﻴﺎت ﺳﻬﻤﻬﺎ ﺻﺎﺑﺖ ﺑﺪﻻل. ﻓﻲ أﻏﻨﻴﺔ »رﻣــﺶ اﻟﻤﻬﺎ« ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺎت اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻐﻨﺎﺋﻲ ﺗﺮﻛﻲ اﻟﻤﺸﻴﻘﺢ ،اﻟﺘﻲ ﻏﻨﺎﻫﺎ وﻟﺤﻨﻬﺎ اﻟﻤﻄﺮب اﻟﺴﻌﻮدي راﺑﺢ ﺻﻘﺮ ،ﻓﻲ أﻟﺒﻮﻣﻪ »أوﺟﻪ اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺠﺪﻳﺪ« ﻋﺎم ،2015ﻳﺮد ذﻛﺮ رﻣﺶ اﻟﻤﻬﺎ: ﻣﺎ وﻗﻒ ﻟﻴﻞ اﻟﻐﺮام .إﻻ ﻋﻠﻰ رﻣﺶ اﻟﻤـﻬﺎ /واﻟﺮﻣﻮش ﺳﻴﻮف ﻋﺮﺿﻪ ﺗﺤﺖ ﺑﻴﺮق ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل /ﻛﻞ ﺷﻤﺲ ﻣﻦ ﺻﺒﺎح اﻟﺨﻴﺮ ﺗﺸﺮق ﺑﺎﺳﻤﻬﺎ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﺳﺤﺮ ﺑﺎﺑﻞ زﻳﻨﻬﺎ اﻟﺴـﺤﺮ اﻟﺤﻼل /ﻋﺬﺑﺖ ﻛﻞ اﻟﺒﻨﺎت، وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﺎ ﻫﻤﻬﺎ /اﻟﻘﻠﻮب ﺗﺬوب ﻓﻴﻬﺎ واﻟﻘﻤﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻇﻼل /ﺣﻘﻖ اﻟﻠﻪ ﺣﻠﻢ ﻗﻠﺒﻲ ﺣﻘﻖ اﻟﻠﻪ ﺣﻠﻤﻬﺎ /ﺻﺎر ﻟﻘﻴﺎﻧﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺧﻴـﺎل
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
21
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء
ﻓﻲ اﻟﻐﻨﺎء اﻟﻌﺮﺑﻲ د .أﻧﺲ اﻟﻔﻴﻼﻟﻲ
ﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺄﺛﺮت ﻗﺪﻳﻤﺎً وﺣﺪﻳﺜﺎً ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم اﻟﻤﺒﺪﻋﻴﻦ اﻟﻌﺮب ﻧﺠﺪ ﺣﻴﻮان اﻟﻤﻬﺎ ،اﻟﺬي ﻳﻨﺘﻤﻲ ﻟﻔﺼﻴﻠﺔ ﺑﻘﺮ اﻟﻮﺣﺶ ،واﻟﺬي ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺤﺼﺎن ﻓﻲ ﺷﻜﻠﻪ اﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻲ. وﺣﺘﻰ إن ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﺤﻴﻮان ﻗﺪ ﻋﺮف واﺷﺘﻬﺮ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺑﺈﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ أو اﻷﺑﻴﺾ اﻟﺬي ﻋﺮف ﻓﻲ ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺄﺛﺮ اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻌﺮب ﻓﻲ ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﻢ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻓﺨﻠﺪوه ﻓﻲ ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﻢ ﻣﻨﺬ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﻣﻊ اﻷﻋﺸﻰ ﺛﻢ ﻣﻊ ﺷﺎﻋﺮ اﻟﻤﻌﻠﻘﺎت زﻫﻴﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻠﻤﻰ اﻟﺬي ﺷﺒﻪ ﺣﺒﻴﺒﺘﻪ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻣﻊ ﺷﻌﺮاء ﺑﻨﻲ أﻣﻴﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻧﺠﺪ ﻣﻦ ﻋﺼﺮﻫﻢ ﺟﻤﻴﻞ ﺑﺜﻴﻨﺔ اﻟﺬي ﺗﻐﺰل ﺑﺤﺒﻴﺒﺘﻪ واﺻﻔﺎ إﻳﺎﻫﺎ ﺑـ»اﻟﻤﻬﺎ« ،إﻟﻰ ﺷﻌﺮاء اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ اﻟﺬﻳﻦ أﺑﺪﻋﻮا ﻓﻲ وﺻﻒ اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻴﻪ ،ﻣﻨﻬﻢ اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ وﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﺠﻬﻢ وﻣﺤﻴﻰ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ وﺳﻠﻤﻰ ﺑﻨﺖ اﻟﻘﺮاﻃﻴﺴﻲ، إﻟﻰ ﺷﻌﺮاء اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﺧﻼل اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار ﻣﺤﻤﻮد ﺳﺎﻣﻲ اﻟﺒﺎرودي وﻏﻴﺮه ﻣﻦ ﺷﻌﺮاء ﻫﺬا اﻟﻌﺼﺮ واﻟﻌﺼﺮ اﻟﺬي ﻳﻠﻴﻪ ﻣﻤﻦ أﺑﺪﻋﻮا ﻓﻲ وﺻﻒ اﻟﻤﻬﺎ وﺗﺸﺒﻴﻪ اﻟﻤﺮأة ﺑﻬﺎ. وﻣﺜﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺼﻴﺪة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ واﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻟﺼﻮر واﻻﺳﺘﻌﺎرات اﻟﺒﻼﻏﻴﺔ ﺣﻮل اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻔﻠﺖ اﻟﻤﺆﻟﻔﺎت اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ واﻟﻐﻨﺎﺋﻴﺔ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻤﻬﺎ وأوﺻﺎﻓﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ .ﻛﺎن ﺟﺴﻤﻬﺎ اﻟﻤﺘﻨﺎﺳﻖ وﻟﻮﻧﻬﺎ اﻷﺑﻴﺾ اﻟﻔﺎﺗﻦ ﺻﻮرة ﺣﻴﺔ ﻟﻬﺬه اﻷوﺻﺎف. ﻟﻜﻦ اﻟﻤﻄﺮﺑﻴﻦ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ وﺣﺘﻰ إن ﻟﻢ ﻳﻐﻨﻮا ﻋﻦ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﺤﻴﻮان اﻟﺠﻤﻴﻞ واﻟﻔﺎﺗﻦ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻣﻌﺸﻮﻗﺎﺗﻬﻢ اﻟﻤﺘﺨﻴﻠﺔ ﺻــﻮرة ﻟﻬﺬا اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻜﺎﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﻮان ،ﺣﻴﺚ وﺟﺪوا ﻓﻲ ﺷﻜﻞ ﺣﻴﻮان اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻈﺒﻲ اﻟﺼﺤﺮاوي وأﻧﺎﻣﻠﻪ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ،وﻟﻮﻧﻪ اﻟﺸﺪﻳﺪ اﻟﺒﻴﺎض، وﻋﻴﻮﻧﻪ اﻟﻮاﺳﻌﺔ وﺳﻮاده اﻟﺠﻤﻴﻞ اﻟﺬي ﻳﻐﻄﻴﻬﺎ وﻛﺄﻧﻪ ﻛﺤﻞ ،ﺻﻮرا ﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺔ وﻣﺘﻨﺎﺳﻘﺔ ﻟﺘﺸﺒﻴﻬﻬﺎ ﺑﻤﻌﺸﻮﻗﺎﺗﻬﻢ. ﻟﻜﻦ ﻋﻴﻮن ورﻣــﻮش اﻟﻤﻬﺎ اﺳﺘﺄﺛﺮت ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم اﻟﻤﻄﺮﺑﻴﻦ اﻟﻌﺮب اﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ ،ﻛﻤﺎ اﺳﺘﺄﺛﺮت ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﻘﺪاﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار ﻗﺼﻴﺪة ﻋﻠﻲ ﺑﻦ اﻟﺠﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎُ :ﻋﻴﻮ ُن اﻟ َﻤ َﻬﺎ ﺑَﻴ َﻦ اﻟ ُﺮﺻﺎﻓَ ِﺔ َواﻟﺠِﺴﺮِ /ﺟﻠﺒﻦ اﻟﻬﻮى ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أدري وﻻ أدري ،وﻗﺒﻠﻪ 20
ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻐﻨﺎء اﻟﻌﺮﺑﻲ
ﺟﻤﻴﻞ ﺑﺜﻴﻨﺔ اﻟﺬي ﻛﺘﺐ: ﻟﻬﺎ ﻣﻘﻠﺔ ﻛﺤﻼء ﻧﺠﻼء ﺧﻠﻘــــﺔ ﻛﺄن أﺑﺎﻫﺎ اﻟﻈﺒﻲ أو أﻣﻬﺎ ﻣﻬــــﺎ وﻳﺤﻔﻞ اﻟﺘﺮاث اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎء ﻟﻌﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ ،ﺗﺠﺴﻴﺪا ﻟﺠﻤﺎل اﻟﻤﺮأة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،وﻟﻌﻞ ﻣﻦ أﻗﺪم اﻷﻏﺎﻧﻲ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻐﻨﺖ ﺑﻬﺬه اﻟﻌﻴﻮن اﻟﻤﺸﺒﻬﺔ ﺑﻌﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ ﻧﺠﺪ ﻫﻨﺎك ﺗﺴﺠﻴﻼً ﻧﺎدرا ﻟﻠﻤﻮﺳﻴﻘﺎر اﻟﺴﻌﻮدي ﻏﺎزي ﻋﻠﻲ ﻟﻤﻮﺷﺢ »ﻳﺎ ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ« ،وﻫﻮ اﻟﻔﻨﺎن اﻟﺬي ﻋﺮف ﺑﺎﺷﺘﻐﺎﻟﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﺨﻠﻔﺎ رواﺋﻊ ﺧﺎﻟﺪة ﻣﺜﻞ »ﻓﻲ رﺑﻮع اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ« ،و»ﺷﺮﺑﺔ ﻣﻦ زﻣﺰم« ،و»ﻳﺎ اﻟﻌﺸﺮة« و »ﻳﺎ رواﺑﻲ ﻗﺒﺎ«، أﻣﺎ ﻣﻮﺷﺢ »ﻳﺎ ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ« اﻟﺬي ﺗﻌﻮد ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ اﻟﺸﻌﺮﻳﺔ اﻟﺼﺎدرة ﺳﻨﺔ 1966م ﻟﻠﺸﻴﺦ ﺣﺴﻦ اﻟﺠﻤﻞ ،ﻣﻦ ﺧﻼل ﻛﺘﺎب اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻛﺎﻣﻞ اﻟﺨﻠﻌﻲ ﺳﻨﺔ 1920م ،ﻓﺘﺤﻔﻞ ﻫﻲ اﻷﺧﺮى ﺑﻜﻠﻤﺎت وﻣﻌﺎنٍ ﺗﺴﺘﺤﻀﺮ اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻷﺻﻴﻞ ،ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﻔﺮدا ﻋﻠﻰ ﻋﻮده: ﻳﺎ ﻋﻴﻮن اﻟﻤﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﻬــﻰ ﻟﻜﻢ ﺗﻠﻌﺒﻴـــــــﻦ ﻳﺎ ﻗـــﺪود اﻟﺮﺷﺎ ﺑﺎﻟﺤﺸـــﺎ دﻣـﻲ ﺗﺴﻔﻜﻴﻦ ﻣﻦ ﺷﺠﻮن اﻟﻘﻠﻰ ﻗﺪ ﺣﻠﻰ ﻟﻘﻠﺒــﻲ اﻷﻧﻴﻦ ﻳﺎ ﻋـــﺰال اﻟﻠﻮا ﻣﺎ ﺗــــــــﺮى ﺑﻜﺎء اﻟﺤﺰﻳﻦ ﻟﻲ ﻓﺆاد ﻏــﺪا ﻣﺬﺑﺪا ﻣﺤﻴــــــﺎ اﻟﺤﺒﻴﺐ ﺗﺤﺖ رق اﻟﻬـــﻮى واﻟﻨــــﻮى ﻋﻠﻴﻨﺎ رﻗﻴﺐ ﻋﺎﻳﻞ اﻷﺳﻤﺮ
ﻧﺠﺪ أﻏﻨﻴﺔ »ﻋﺎﻳﻞ اﻷﺳﻤﺮ« ،وﻫﻲ أﻏﻨﻴﺔ ﺑﺈﻳﻘﺎع ﺑﺪوي ﺑﻄﻲء ﺗﻌﻮد ﻟﻠﺘﺮاث اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻲ اﻟﻔـﺮاﺗِـﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ،ﻻ ﻳﻌﺮف ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ وﻣﺒﺪع ﻛﻠﻤﺎﺗﻬﺎ وﻟﺤﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ،ﻟﻜﻦ ﺗﻮزﻳﻌﻬﺎ أﻋﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻄﺮﺑﻴﻦ واﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ اﻟﻌﺮاﻗﻴﻴﻦ واﻟﺴﻮرﻳﻴﻦ ،ﻣﻨﻬﻢ ﺳﻌﺪي اﻟﺤـﻠﻲ وﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻴﻦ ﻣﺮﻋﻴﻮو ﻛﺎﻇﻢ اﻟﺴﺎﻫﺮ وﻣﺤﻤﻮد أﻧﻮر و إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻏﻴﺮﻫﻢ. ﺗﺤﻤﻞ اﻷﻏﻨﻴﺔ وﺻﻔﺎً ﺟﻤﻴﻼً ﻟﺤﺎﻟﺔ ﻋﺎﺷﻖ ﺑﺪوي ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻔﺮات أو ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺬﻛﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﻄﻮﻋﺔ اﻟﻐﻨﺎﺋﻴﺔ ،واﻟﺘﻲ ﺗﺤﺎذي ﻣﺮور ﻧﻬﺮ اﻟﻔﺮات ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺮاق وﺳﻮرﻳـﺎ ،أو ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﻴﺎت اﻟﺘﻲ رﺑﻤﺎ ﺗﻨﺘﻤﻲ ﻟﻬﺎ اﻟﺤﺒﻴﺒﺔ ..ﺣﻴﺚ ﻳﺴﺘﻴﻘﻆ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح اﻟﺒﺎﻛﺮ ،ﻟﻴﺘﻔﺎﺟﺄ ﺑﻤﻐﺎدرة رﺣﻞ ﻣﻌﺸﻮﻗﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻓﺘﻨﺘﻪ وﻏﺎدرت وﻟﻢ ﺗﺘﺮك ﻣﻌﻬﺎ ﺳﻮى اﻟﺴﺮاب ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﻌﺬر ﻋﻠﻴﻪ دﻓﻊ ﻣﺎ ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﻣﻬﺮ ﻗﺪر 90ﻧﺎﻗـﺔ، وﺣﺎﻳﻞ ،أي اﺑﻦ اﻟﻨﺎﻗﺔ.
ﻣﺎ أﺳﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل ﺗﻌﺰﻳﺰ اﻟﺘﻌﺎون اﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻲ ﻻﺳﺘﺪاﻣﺔ اﻟﺘﻨﻮع اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ واﻟﻐﺬاﺋﻲ .ﻟﻬﺬا اﻟﻐﺮض ﺗﻢ إﻧﺸﺎء »ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺪﻟﻴﺠﺔ ﻹدارة اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺒﺮﻳﺔ«، ﻟﺘﻮﻓﻴﺮ ﻣﺮاﻓﻖ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ وإﻛﺜﺎر اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﺒﺮﻳﺔ اﻟﻤﻬﺪدة ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻻﺣﺘﻔﺎظ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺎت ﻣﺴﺘﺪاﻣﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺑﺮاﻣﺞ اﻹﻛﺜﺎر وإﻋﺎدة اﻹﻃﻼق ﻓﻲ ﻣﻮاﻃﻨﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ .ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬا اﻟﻤﺮﻛﺰ ،ﺗﻘﻮم اﻟﻬﻴﺌﺔ ﺑﺮﻋﺎﻳﺔ وإدارة ﻓﺼﺎﺋﻞ ﻣﺤﺪدة ﻣﻌﺮﺿﺔ ﻟﻼﻧﻘﺮاض ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﺤﺴﻴﻦ اﻟﺘﻨﻮع اﻟﺠﻴﻨﻲ ﻟﻀﻤﺎن اﺳﺘﺪاﻣﺘﻬﺎ .ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮم ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﺑﺎﻟﻬﻴﺌﺔ ﺑﺘﻄﺒﻴﻖ ﺧﻄﻂ إدارة وﺗﻜﺎﺛﺮ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ وﻣﻨﻬﺠﻴﺔ ﺑﺄﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺎﻳﻴﺮ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺪﻟﻴﺠﺔ .وذﻟﻚ ﺑﻬﺪف ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻗﻄﻴﻊ ﻋﺎﻟﻤﻲ ﻳﺘﻢ إدراﺟﻪ ﺿﻤﻦ ﺑﺮاﻣﺞ اﻹﻃﻼق اﻟﻤﺤﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﻤﻴﺎت وﺧﺎرﺟﻬﺎ واﻟﺒﺮاﻣﺞ اﻟﺪوﻟﻴﺔ اﻷﺧﺮى ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ واﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻺﺳﻬﺎم ﻓﻲ إﻋﺎدﺗﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﻮاﻃﻨﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﺘﻌﻴﺶ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﺗﻮﻓﺮ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻘﻮﻣﺎت اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻼزﻣﺔ. اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺘﻨﺴﻴﻘﻴﺔ ﻟﺼﻴﺎﻧﺔ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ
ﻧﺘﺞ ﻋﻦ رؤﻳﺔ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن ،رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ،ﻣﻦ ﺑﻌﺪ، إﻧﺸﺎء اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺘﻨﺴﻴﻘﻴﺔ ﻟﺼﻮن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ .ﺣﻴﺚ ﺿﻤﺖ ﻣﻤﺜﻠﻴﻦ ﻋﻦ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات وﺳﻠﻄﻨﺔ ﻋﻤﺎن واﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ وﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ ودوﻟﺔ اﻟﻜﻮﻳﺖ واﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻷردﻧﻴﺔ اﻟﻬﺎﺷﻤﻴﺔ واﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﻌﺮاﻗﻴﺔ واﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻮرﻳﺔ واﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ،ﻛﺈﺣﺪى أﺑﺮز اﻟﺨﻄﻮات اﻟﻤﻬﻤﺔ اﻟﺘﻲ اﺗﺨﺬﺗﻬﺎ اﻟﺪول اﻷﻋﻀﺎء ﻹﻛﺜﺎر اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﻗﻄﻌﺎن ﻃﻠﻴﻘﺔ ﻣﺴﺘﺪاﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﻮاﻃﻦ اﻧﺘﺸﺎرﻫﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﺑﺸﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ .وﻗﺪ ﺗﺸﻜﻠﺖ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺘﻨﺴﻴﻘﻴﺔ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﺻﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻧﺺ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺆﺗﻤﺮ أﺑﻮ ﻇﺒﻲ اﻟﺪوﻟﻲ اﻷول ﻟﻠﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،اﻟﺬي اﺳﺘﻀﺎﻓﺘﻪ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻓﻲ ﻣﺎرس .1999وﻣﻦ أﻫﺪاف اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺘﻨﺴﻴﻘﻴﺔ ،إﻧﺸﺎء ﺷﺒﻜﺔ اﺗﺼﺎﻻت ﻓﻌﺎﻟﺔ وﻗﺎﻋﺪة ﺑﻴﺎﻧﺎت وﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وﺗﺸﺠﻴﻊ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺒﺎدرات اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ واﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟﺼﻮن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ووﺿﻊ اﻟﻤﻌﺎﻳﻴﺮ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ وﺗﻨﺴﻴﻖ ﺟﻬﻮد ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻴﻦ دول اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ .ﻛﻤﺎ ﻋﻤﻠﺖ ﻫﺬه اﻷﻣﺎﻧﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﺼﻮن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺳﺴﺖ ﻓﻲ ﻋﺎم ،2001ﻛﻤﺒﺎدرة إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻫﺪﻓﻬﺎ ﺗﻨﺴﻴﻖ وﺗﻮﺣﻴﺪ ﺟﻬﻮد ﺻﻮن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ دول اﻻﻧﺘﺸﺎر ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺘﻨﺴﻴﻘﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻔﻴﺬ اﻷﻫﺪاف اﻟﻮاردة ﺑﺎﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﺼﻮن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،واﻻرﺗﻘﺎء ﺑﺠﻬﻮد ﺻﻮن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻨﻈﻴﻢ ورﺷﺔ ﻋﻤﻞ ﺗﺪرﻳﺒﻴﺔ ﻟﻸﻃﺒﺎء اﻟﺒﻴﻄﺮﻳﻴﻦ ،وإﺟﺮاء إﺣﺼﺎﺋﻴﺎت دورﻳﺔ ﻟﻸﻣﺮاض اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﺮض ﻟﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻘﺔ .إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻣﻮﻗﻊ إﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﻟﻸﻣﺎﻧﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﻬﺪف إرﺳﺎء وﺗﻌﺰﻳﺰ اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻣﻊ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﺑﺼﻮن اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺑﺪول اﻻﻧﺘﺸﺎر وﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
19
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء
ﻣﻼﺋﻤﺔ ﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ .إذ ﺗﻤﺖ زراﻋﺔ 6500ﺷﺠﺮة ،وﺣﻔﺮ آﺑﺎر ﻣﺎﺋﻴﺔ ﺻﻐﻴﺮة .ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،ﻛﺎن اﻟﻤﻬﺎ ﻣﻮﺟﻮدا ﺑﺄﻋﺪاد ﻛﺒﻴﺮة، وﻛﺎن اﻟﺒﺪو ﻳﺼﻴﺪوﻧﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻟﺤﻤﻪ وﺟﻠﺪه .وﻣﻊ ﺗﻄﻮر اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت، ﺗﺴﺎرﻋﺖ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﻘﺘﻞ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎرات واﻟﺒﻨﺎدق ،ﻟﺘﺤﺼﺪ أﻋﺪادا ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎ. اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ودﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ
ﺑﻞ اﻣﺘﺪت إﻟﻰ اﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ ﻋﺪد ﻣﻦ دول اﻻﻧﺘﺸﺎر اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻟﻠﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺑﻬﺪف دﻋﻢ ﺑﺮاﻣﺞ اﻹﻃﻼق ﻓﻲ اﻟﺒﺮاري وإﻋﺎدة اﻟﺘﻮﻃﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺪول .وﺑﻔﻀﻞ اﻟﺒﺮاﻣﺞ اﻟﺘﻲ أﻣﺮ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ إﻧﺠﺎزﻫﺎ وﺗﻨﻔﻴﺬﻫﺎ ،أﺻﺒﺤﺖ أﻋﺪاد ﺣﻴﻮان اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻬﺪدا ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض ،اﻟﻴﻮم ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ .إذ ﺑﻠﻎ ﻋﺒﺮ دول اﻟﺨﻠﻴﺞ وﺣﺪﻫﺎ ﺣﻮاﻟﻲ اﻷﻟﻒ .ووﻓﻘﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻼﺗﺤﺎد اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ،ﺟﺮت إﻋﺎدة ﺗﺼﻨﻴﻒ ﺣﻴﻮان اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﻮان »ﻣﻬﺪد ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض« إﻟﻰ »ﺿﻌﻴﻒ اﻟﺘﻮاﺟﺪ«. وأﺷﺎرت اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ إﻧﻬﺎ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﺴﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺼﻨﻴﻒ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﺛﻼث درﺟﺎت ﻋﻠﻰ ﻗﺎﺋﻤﺘﻬﺎ اﻟﻤﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﺳﺖ درﺟﺎت .ﻛﻤﺎ أﺿﺎﻓﺖ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ أن آﺧﺮ ﺣﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﻗﺘﻠﻬﺎ ﻛﺎن ﻓﻲ ﺳﻠﻄﻨﺔ ُﻋﻤﺎن اﻟﻌﺎم .1972ﺣﻴﺚ إن اﻟﺼﻴﺪ ﻛﺎن اﻟﻬﺪف اﻷﺑﺮز ،ﻛﻤﺎ أن اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻌﻤﺮاﻧﻲ واﻟﺤﻀﺎري أﺳﻬﻢ ﻓﻲ ﺗﻘﻠﻴﻞ ﻋﺪد اﻟﻤﻬﺎ .واﻟﻴﻮم وﺑﻌﺪ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ إﻋﺎدة اﻟﻨﺸﺮ ،ﻓﺈن اﻟﺨﻄﺮ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻫﻮ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺼﻴﺪ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺸﺮوﻋﺔ .وﺗﻢ إﻧﺸﺎء ﻣﺒﺎدرة أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﺳﻢ »إﻧﻘﺎذ اﻟﻤﻬﺎ« ﻓﻲ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺻﻨﺪوق اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺒﺮﻳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ وﺣﺪﻳﻘﺔ ﻓﻴﻨﻜﺲ ﻟﻠﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻌﺎم .1962إذ ﺗﻢ ﺟﻤﻊ آﺧﺮ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﺘﺒﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺼﻨﻒ ،وإﻋﺪادﻫﺎ ﻹﻋﺎدة اﻻﻧﺘﺸﺎر ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺒﺮﻳﺔ .ﻛﻤﺎ أن ﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ اﻟﺮاﺋﺪة ﻓﻲ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،إﻧﺸﺎء ﻣﻨﺘﺠﻊ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﺼﺤﺮاوي ﻓﻲ دﺑﻲ ﻟﺘﻮﻓﻴﺮ ﺑﻴﺌﺔ 18
اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ وإﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ ﺻﻴﺎﻧﺔ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ
اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺟﻬﻮد اﻟﺮاﺣﻞ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ أن ﺗﺜﻤﺮ ﻣﺒﺎدرات واﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎت ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻻﺳﺘﺪاﻣﺔ اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ واﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻨﻮع اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ اﻟﻤﺤﻠﻲ، وﺗﻌﺰﻳﺰ اﻟﺸﺮاﻛﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺤﻜﻮﻣﻲ .ﻓﻘﺪ أﻃﻠﻘﺖ وزارة اﻟﺘﻐﻴـﺮ اﻟﻤﻨﺎﺧﻲ واﻟﺒﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ وزارة اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ واﻟﺘﻌﺎون اﻟﺪوﻟﻲ وﻫﻴﺌﺔ اﻟﺒﻴﺌﺔ -أﺑﻮ ﻇﺒﻲ ﻣﺒﺎدرة "دﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ اﻟﻤﻬﺎ" اﻟﻤﺨﺘﺼﺔ ﺑﺘﻌﺰﻳﺰ اﻟﺘﻌﺎون اﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻲ ﻻﺳﺘﺪاﻣﺔ اﻟﺘﻨﻮع اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ واﻟﻐﺬاﺋﻲ. ﺗﻬﺪف ﻫﺬه اﻟﻤﺒﺎدرة إﻟﻰ اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺒﺮﻳﺔ واﻟﺘﻨﻮع اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ اﻟﻤﺤﻠﻲ ﻟﺪوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻋﺎﻟﻤﻴﺎً .ﻋﺒﺮ اﻟﺘﻨﺴﻴﻖ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻓﻴﺮ وﻧﻘﻞ أﻋﺪاد ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت واﻟﻨﺒﺎﺗﺎت اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ وﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻤﻼﺋﻤﺔ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺪول ﺣﻮل اﻟﻌﺎﻟﻢ .ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺪول .ﻛﻤﺎ ﺗﻢ إﻧﺠﺎز دراﺳﺎت وأﺑﺤﺎث ﻣﺘﺨﺼﺼﺔ ﺗﻢ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺣﺼﺮ أﻧﻮاع اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت واﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ واﻟﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﻃﻨﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻤﻴﺘﻬﺎ وزﻳﺎدﺗﻬﺎ وﺣﻤﺎﻳﺘﻬﺎ .ﻗﺼﺪ اﻹﺳﻬﺎم ﻓﻲ إﻧﻘﺎذ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻄﺮ ﺗﻨﺎﻗﺺ ﺗﻮاﺟﺪه وﺗﻨﻮﻋﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ وإﻧﻘﺎذ ﻋﺪد آﺧﺮ ﻣﻦ اﻻﻧﻘﺮاض .واﻋﺘﺒﺮت ﻣﺒﺎدرة »دﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ اﻟﻤﻬﺎ« اﻟﺘﻲ ﺗﻢ إﻃﻼﻗﻬﺎ ﺑﺎﻟﺸﺮاﻛﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻮزارة ووزارة اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ واﻟﺘﻌﺎون اﻟﺪوﻟﻲ وﻫﻴﺌﺔ اﻟﺒﻴﺌﺔ أﺑﻮ ﻇﺒﻲ ،ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻨﻮع اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ واﻟﻐﺬاﺋﻲ اﻟﻤﺤﻠﻲ وﺗﺤﻘﻴﻖ اﺳﺘﺪاﻣﺘﻪ ،واﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ورﻓﻊ اﻟﻮﻋﻲ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺑﻪ وﺑﺎﻟﺠﻬﻮد اﻟﻤﺒﺬوﻟﺔ ﻣﻦ أﺟﻠﻪ .وﺑﻤﻮﺟﺐ ﻫﺬه اﻟﻤﺒﺎدرة ،ﺗﻠﺘﺰم وزارة اﻟﺘﻐﻴﺮ اﻟﻤﻨﺎﺧﻲ ﺑﺘﻮﻓﻴﺮ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﻼزﻣﺔ ﺣﻮل ﺑﻴﺌﺔ اﻟﻤﻌﻴﺸﺔ اﻟﻤﻼﺋﻤﺔ ﻟﻠﺤﻴﻮاﻧﺎت واﻟﻨﺒﺎﺗﺎت اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ واﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺨﺒﺮة اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻬﺎ ،وﺗﺴﻬﻴﻞ إﺟﺮاءات ﻧﻘﻠﻬﺎ وﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﺸﻬﺎدات اﻟﺼﺤﻴﺔ اﻟﻼزﻣﺔ ،واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ إﻗﺎﻣﺔ ﺷﺮاﻛﺎت ﻣﻊ ﻣﺆﺳﺴﺎت ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ وﻣﺤﻠﻴﺔ ،واﻟﺘﻨﺴﻴﻖ ﻣﻊ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﻤﺨﺘﺼﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﻴﻦ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ واﻻﺗﺤﺎدﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﺘﻮﻓﻴﺮ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت واﻟﻨﺒﺎﺗﺎت اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻴﺘﻢ ﻧﻘﻠﻬﺎ .ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻠﺘﺰم وزارة اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ واﻟﺘﻌﺎون اﻟﺪوﻟﻲ ﺑﻤﺨﺎﻃﺒﺔ ﺳﻔﺎرات اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪة ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج واﻟﺴﻔﺎرات اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪة ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ﻻﻗﺘﺮاح اﻟﻤﺮاﻛﺰ واﻟﺤﺪاﺋﻖ واﻟﻤﺤﻤﻴﺎت اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻹﻳﻮاء اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت واﻟﻨﺒﺎﺗﺎت اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ .وﺗﺴﻬﻴﻞ اﻹﺟﺮاءات اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﺪول اﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻬﺎ وﻓﻘﺎً ﻟﻠﺘﺸﺮﻳﻌﺎت واﻹﺟﺮاءات اﻟﻤﻌﻤﻮل ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺪول.
وﻟﻌﻞ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻷﻧﻮاع اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻻﻧﻘﺮاض :اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ. وﻗﺪ ﻛﺎن ،رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ،ﻣﻦ اﻟﺴﺒﺎﻗﻴﻦ إﻟﻰ دق ﻧﺎﻗﻮس اﻟﺨﻄﺮ ﻟﻤﺎ ﺳﺘﻮاﺟﻪ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺷﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻛﻞ وأﺧﻄﺎر. ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻌﻤﺮاﻧﻲ ودﺧﻮل اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ واﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ .وﻟﺬا ﻗﺎل ،رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ،ﺑﻔﺨﺮ) :ﻟﻘﺪ ﺳﺎﻫﻤﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ اﻻﻧﻘﺮاض ووﻓﺮﻧﺎ ﺣﻴﻦ زرﻋﻨﺎ ﻣﻼﻳﻴﻦ اﻷﺷﺠﺎر وﻧﺸﺮﻧﺎ اﻟﺮﻗﻌﺔ اﻟﺨﻀﺮاء ﻓﻲ أرﺟﺎء ﺑﻼدﻧﺎ اﻟﺤﺒﻴﺒﺔ ﺑﻴﺌﺔ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻄﻴﻮر وﺣﻴﻮاﻧﺎت ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻴﺶ ﻫﻨﺎ ﻣﻨﺬ آﻻف اﻟﺴﻨﻴﻦ وﻟﻤﻼﻳﻴﻦ اﻟﻄﻴﻮر اﻟﻤﻬﺎﺟﺮة( .ﻟﻘﺪ ﻋﺮﻓﺖ ﻣﺘﻤﻨﻴﺎﺗﻪ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺣﻴﻦ أﻣﺮ ﺑﺈﻧﺸﺎء ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﻹﻛﺜﺎر اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﻋﺎم 1968م .ﻛﻤﺎ أﻣﺮ ﺑﻨﻘﻞ أرﺑﻊ رؤوس ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ )ذﻛﺮﻳﻦ وأﻧﺜﻴﻴﻦ( ﻣﻦ اﻟﻌﻴﻦ إﻟﻰ ﺟﺰﻳﺮة ﺻﻴﺮ ﺑﻨﻲ ﻳﺎس ﻓﻲ ﻋﺎم 1978م .ﻟﺘﻜﻮن اﻟﻨﻮاة اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ ﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ ﻹﻛﺜﺎر
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺠﺰﻳﺮة .ﻛﻤﺎ ﺣﻘﻖ ﻫﺬا اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ اﻹﻧﻤﺎﺋﻲ ﻧﺠﺎﺣﺎ ﻛﺒﻴﺮا .ﺣﻴﺚ ﺗﺤﻘﻖ إﻛﺜﺎر اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺟﺰﻳﺮة ﺻﻴﺮ ﺑﻨﻲ ﻳﺎس .وارﺗﻔﻌﺖ أﻋﺪادﻫﺎ إﻟﻰ 311رأﺳﺎً ﻓﻲ ﻓﺒﺮاﻳﺮ 1999م .وﺑﻨﻬﺎﻳﺔ 2011م ،ﺑﻠﻐﺖ أﻋﺪاد اﻟﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺠﺰﻳﺮة أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 450رأﺳﺎً. ﻟﻌﻞ ﻫﺬا اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ اﻹﻧﻤﺎﺋﻲ اﻟﻤﺴﺘﻨﻴﺮ ﺑﺮؤﻳﺔ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ،ﻫﻮ ﻣﺎ ﺟﻌﻞ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﺗﺼﺒﺢ ﻓﻲ ﺻﺪارة دول اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ واﺳﺘﺪاﻣﺔ أﻋﺪاده .وﻗﺪ ﺷﻬﺪ ﻋﺎم 2006م، ﺗﺴﺠﻴﻞ إﻧﺠﺎز آﺧﺮ ﻟﺪوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة وذﻟﻚ ﺑﺈﻃﻼق أول ﻗﻄﻴﻊ ﻣﻦ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺑﺮاري ﻣﺤﻤﻴﺔ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺻﺤﺮاء أم اﻟﺰﻣﻮل ﺑﺈﻣﺎرة أﺑﻮ ﻇﺒﻲ .أﻣﺎ اﻟﻴﻮم ،وﺑﻔﻀﻞ رؤﻳﺔ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل ،ارﺗﻔﻊ ﻋﺪد اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ 4000رأس. ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﺟﻬﻮد اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﺤﻠﻴﺎً،
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
17
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء
ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻮﻋﻴﻄﺔ
اﻋﺘﺒﺮ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن ،رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ،اﻟﺼﺤﺮاء ﻣﻮرداً ﺣﻴﻮﻳﺎً .وﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻣﻜﻮﻧﺎت اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺨﻠﻴﺠﻴﺔ .ﻟﺬا أوﻟﻰ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﺼﺤﺮاء وﺣﻴﻮاﻧﺎﺗﻬﺎ ووﺣﻴﺸﻬﺎ وﻧﺒﺎﺗﺎﺗﻬﺎ .ﻣﻦ ﻫﻨﺎ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﺼﺤﺮاء واﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﻮاﻧﺎت وﻧﺒﺎﺗﺎت ﻧﻌﻤﺔ وﻫﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻟﻺﻧﺴﺎن وﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﺤﻤﺪ وﻳﺸﻜﺮ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻨﻌﻢ .وأن ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﺪر ﺣﺎﺟﺘﻪ ﺑﻌﻴﺪاً ﻋﻦ اﻹﺳﺮاف ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺆدي ذﻟﻚ إﻟﻰ ﻫﻼﻛﻬﺎ وزواﻟﻬﺎ .ﻣﻤﺎ دﻓﻌﻪ إﻟﻰ اﻟﻌﻤﻞ واﻟﺤﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮارد اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ اﻟﻤﺘﻌﺪدة ﻟﺼﺤﺮاء دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة وإﻧﻤﺎﺋﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻳﻨﺴﺠﻢ وﻳﺘﻨﺎﻏﻢ ﻣﻊ ذﻟﻚ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻌﻤﺮاﻧﻲ واﻟﺒﺸﺮي ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ اﻹﻣﺎراﺗﻴﺔ .أﻧﺸﺄ ﻋﻠﻰ إﺛﺮﻫﺎ ﻋﺪداً ﻣﻦ اﻟﻤﺤﻤﻴﺎت اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ وأﺻﺪر اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ واﻟﺘﺸﺮﻳﻌﺎت اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ ﻟﻀﻤﺎن اﺳﺘﺪاﻣﺔ اﻟﺜﺮوات اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ. اﻧﺸﻐﻞ اﻟﺮاﺣﻞ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﺎﻷﻧﻮاع اﻟﺤﻴﺔ اﻟﻤﻬﺪدة ﺑﺎﻻﻧﻘﺮاض ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺸﻜﻞ ﺟﺰءاً ﻻ ﻳﺘﺠﺰأ ﻣﻦ اﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻹﻧﺴﺎن اﻹﻣﺎرات .ﻗﺎل ،رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ،ﻓﻲ ﻫﺬا اﻹﻃﺎر) :إن اﻟﺒﻴﺌﺔ ﻫﻲ ﺟﺰء ﻋﺰﻳﺰ ﻣﻦ ﺗﺮاﺛﻨﺎ وﺣﻀﺎرﺗﻨﺎ وﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻨﺎ. وﺗﻤﺜﻞ إﺿﺎﻓﺔ ﻟﺬﻟﻚ ،ﻗﻴﻤﺔ ﻋﺎﻃﻔﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ وﺟﺪاﻧﻨﺎ وﻟﺬﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺣﺮﺻﻨﺎ ﺷﺪﻳﺪاً ﻋﻠﻰ ﺑﺬل ﻛﻞ اﻟﺠﻬﻮد ﻟﺤﻤﺎﻳﺘﻬﺎ وﺣﻤﺎﻳﺔ ﺛﺮواﺗﻬﺎ(.
16
اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ وإﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ ﺻﻴﺎﻧﺔ اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ
اﻟﻤﻠﻒ
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء ƠǂǥLJǡƞ ưǚƬǙ ǣƞƲLjǖČ ƜǠǚǖČ ƠǜƜǥƻ ƠǥƩǥƢČƲƣƵČĨ ưǤČė ƭǥƹǖČ 16 ǣǖǭǥǎǖČ ƴǜĈ Ĕ ǣƞƲLjǖČ ĆƜǝNjǖČ ǣǍ ƜǠǚǖČ ĦǡǥLJ 20 ǛǤưƞƜLjǖČ ǛǤė ưǚƬǙ ǛǤĔƜǥƼǖČ ĢĔƜǝƞ ǛǙ ĆČƲƬƼǖČ ďČƲǥǙĈ ĕƜǑǜĊ 22 ǢƶǥLJ ưǚƬǙ ưǚƬǙ ǘǤưǑǖČ ǣƞƲLjǖČ ƲLjƹǖČ ǣǍ Ǟƞ ƜǠƟƹǙ ƜǠǚǖČ 26 ĢĨƳǐƳǖČ ƠǙƜƵĈ ƠǥƞƲLjǖČ ĎƲǤƳƩǖČ ǣǍ ǣƞƲLjǖČ ƜǠǚǖČ 28 ƪǖƜƻ ČưǤǡǟ Ĕ ĦƜǙėǨČ ƲƟLJ ǕƬƢƲǙ ĤƜǚƩǗǖ ƳǙĖ ǣƞƲLjǖČ ƜǠǚǖČ 30 ĦǭƹǑǖČ ưǚƫČ ưǚƬǙ ĆČƲƬƼǖČ ĘĨƲLJ ǣƞƲLjǖČ ƜǠǚǖČ 32 ƠǂǥLJǡƞ ưǥLjƵ ƜǠǚǖČ ĦǡǥLJ ǣƞƲLjǖČ ĪƲLjƹǖČ ĐČƲƣǖČ ǣǍ ǛǥLjǖČ ƠǥƚƜǥǚǥƵ 34 ĪƲǟƜDžǖČ ưǚƫ ǞƶǚƸ ďČĖƜǙǬČ ĆČƲLjƸ ưǝLJ ǣƞƲLjǖČ ƜǠǚǖČ ǣǍ ĤƜǚƩǖČ ǛǁČǡǙ 38 ĪĖǡƼǝǚǖČ ĔǡLjƶǙ ƠǚǁƜǍ ƠǥǖƜǚƶǖČ ĥƜǤĖĈ 42 ưLjƵ ưǚƫČ ǣƞƲLjǖČ ƜǠǚǖČ ƠǤƜǚƬǖ ƠǥǚǥǗǐǪČ ďƜǥƩǥƢČƲƣƵǬČ 46 15
2019 أﻏﺴﻄﺲ238 اﻟﻌﺪد/
ﻗﺼﻴﺪ
ƁĭƀňŹŨė ﻳــــــــﺎ وﻧـــﺘـــﻲ وﻧــﻴــﺘــﻬــﺎ ﻣــﻀــﻴـــــــــــــــــﻮﻣــﻲ ﻣــﻐــﺮم وداﻳـــــــــــﺮ ﻟــﻠــﻔـــــــــــﻠــﻚ داﻟــﻮﺑــــــــﻪ رﻳــﻢ ﺷــﻐــﻞ ﺑــﺎﻟــﻲ ﺣــﻠﻮ ﻟﻮﺷـــﻮﻣـــﻲ ﺧـــﻠـــﻰ ﻣـــﺸـــﺎﻋـــﺮ ﺧــــﺎﻃــــﺮي ﻣــﻜــﺆوﺑــﻪ ﻗــﻠــﺒــﻲ اﺗــﺠــﻪ ﻟــﻪ ﺑـــﺎﻟـــﻮداد ﻳـــﺰوﻣـــﻲ واﻟـــــــﺮوح ﻓــــﺮت ﻣـــﻦ ﺣــﺸــﺎﻳــﻪ ﺻــﻮﺑــﻪ ﺧــﻠــﻰ
ﻋﻘﻴﺪ
اﻟــﺨــﺮد
وﻗــــــــﻴﺪوﻣــﻲ ﻟــﻴــﻤــﻦ ﻇـــﻬـــﺮ ﺣـــﻔـــﻮا ﺑــــﻪ وزﻓـــــــﻮا ﺑــﻪ
ﻗـــــﺎﻳﺪ ارﻳــــﺎم راﺗــﻌــﻪ ﻓــﻲ ﺧــﺮوﻣﻲ وﺗــــﺎج اﻟــﺤــﺴــﻦ ﻳــﻤــﺘــﺎز ﺑـــﻪ وﻳــﺴــﻤــﻮ ﺑﻪ ﻛــﻨــﻪ ﺑـــﺪر وﺿــــﺎح ﺑــﻴــﻦ ﻏﻴــــﻮﻣـــﻲ وﻓـــﻲ ﻏــﺮﺗــﻪ ﺷــﻤــﺲ اﻟــﻌــﺼــﺮ ﻣﺤﺴﻮﺑـــﻪ ﻋــﻨــﻖ اﻟــﻮﺿــﻴــﺤــﻲ ﻣــﺎﺧــﺬ اﻟﺘــّــﻮﻣـــﻲ وﻣــــﻦ اﻟـــﺮﻣـــﻚ ﻣــﺎﺧــﺬ اوﺻـــــﺎف ﻋــﺠــﻮﺑــﻪ واﻟــــــﺮاس ﻃــﺎﻳــﺢ ﻋــﻠــﻰ ﻟــﻴــﻨــﻮب ردوﻣـــﻲ ﻟــﻲ ﺳـ ّﺮﺣـــــــــــﻪ ﺑــﺎﻟــﻄــﻴــﺐ دق ﻛﻌـــﻮﺑﻪ ﻏـــﺰﻟـــﻲ وﻏـــﺰﻟـــﻪ ﺑــﺎﻟــﻬــﻮى ﻣــﺒــﺮوﻣـــــــــــﻲ ﻳﺼﻌﺐ ﻋــﻠــﻰ اﻟــﻤــﺎﻫــﺮ ﻳــﻔــﻚ ﻫﺪوﺑــــﻪ داﻳـــــﻢ أﺷــــــﺎوق ﻟـــﻪ ﻣـــﺪﻳـــﻢ اﻟـــﺪوﻣـــﻲ ﺧــﻠــﻲ وﻻ ﻟـــﻲ ﻋـــﻦ وداده ﺗﻮﺑـــــﻪ
]1947 & " Ù,# " Ê Î' Û p#. ]Û # Ï ( Í Ð -$# p p /# p ¯pÙ( ±$# pÙ Ê# b ° . ´ } Ï} 1# -Ù 1Ê . #.p# p' Ð' £ Ï} p Û ±# !$ # Ì # . Ù$ (# 3 (# . Ä # Ð' pØp # Û pã É ±Í. Ø ° Ù '} ÛÂ
14
اﻟﻮﺿﻴﺤﻲ
ﻣﻜﺘﻤﻠﺔ وﺳﺘﺼﺪر ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺔ ﻟﻴﻮا اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻸرﺷﻴﻒ اﻟﻮﻃﻨﻲ. وأﺷﺎر اﻟﺴﻮﻳﺪي إﻟﻰ أن اﺳﻢ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻴﻒ ﺑﺮز ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﻟﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ وﻗﻊ اﻟﻤﻌﺎﻫﺪة اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻳﻨﺎﻳﺮ 1820ﻧﻴﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺣﺎﻛﻢ دﺑﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻫﺰاع ﺑﻦ زﻋﻞ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﻤﺮه 9ﺳﻨﻮات ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ، ﻣﻮﺿﺤﺎً أن اﺳﻤﻪ وارد ﻓﻘﻂ ﻓﻲ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺔ وﻟﻢ ﻳﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﺎرﻳﺦ ﺷﻔﺎﻫﻲ ﻋﻨﻪ ﻟﺒﻌﺪ اﻟﺸﻘﺔ اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ. واﺧﺘﺘﻢ ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻨﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ ﻣﻘﺮه ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ دورﺗﻪ اﻟﺘﺪرﻳﺒﻴﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮة ﺑﻌﻨﻮان اﻟﻨﺨﻴﻞ ﻣﻮروث ﺣﻀﺎري ،ﺑﺤﻀﻮر ﻋﺪد ﻣﻦ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﻴﻦ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﻣﺎرات،
واﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﻠﺪﻳﺔ اﻟﻌﻴﻦ ،وأوﻟﻴﺎء أﻣﻮر اﻟﻄﻼب ،ﺣﻴﺚ ﻗﺪﻣﺖ اﻷﺳﺘﺎذة ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻤﻨﺼﻮري ﻣﺪﻳﺮة ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث، ﻛﻠﻤﺔ ﺑﺎﺳﻢ إدارة اﻟﻤﺮﻛﺰ ﺷﻜﺮت ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻣﻤﺜﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ رﺋﻴﺲ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﻋﻠﻰ رﻋﺎﻳﺘﻪ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﻟﻬﺬه اﻟﻤﻠﺘﻘﻴﺎت اﻟﺼﻴﻔﻴﺔ ذات اﻟﻨﻔﻊ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻟﻠﻨﺶء واﻷﺟﻴﺎل ،ﻛﻤﺎ ﺗﻨﺎوﻟﺖ اﻟﺪورة وأﻫﻤﻴﺘﻬﺎ وﻣﻮﺿﻮﻋﺎت ورﺷﻬﺎ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .واﺣﺘﻮت اﻟﺪورة اﻟﺘﻲ اﻣﺘﺪت ﺧﻤﺴﺔ أﻳﺎم ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺎﺿﺮات أﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ وﺗﻄﺒﻴﻘﺎت ﻋﻤﻠﻴﺔ وزﻳﺎرات ﻣﻴﺪاﻧﻴﺔ ،وورش ﻓﻨﻴﺔ وإﺑﺪاﻋﻴﺔ وﺑﻴﺌﻴﺔ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻣﻨﺘﺠﺎت وﻣﺨﻠﻔﺎت اﻟﻨﺨﻴﻞ
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
13
ﺗﺮاث اﻟﺸﻬﺮ
اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺤﻴﺔ أﻣﺎم اﻟﺠﻤﻬﻮر ،وﻣﻨﻬﺎ اﻟﻮرش اﻟﻨﺴﺎﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﺺ ﺑﺎﻟﻤﺸﻐﻮﻻت اﻟﻴﺪوﻳﺔ ﻣﻦ ﺳﺪو وﺗﻠﻲ وﺧﻮص وﻏﺰل وﻏﻴﺮﻫﺎ ،ﺑﺠﺎﻧﺐ اﻟﻮرش اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺖ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﺑﺎﻟﻠﺆﻟﺆ واﺳﺘﺨﺮاﺟﻪ وﻣﻬﺎرات اﻟﻐﻮص وأدواﺗﻪ وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﺘﺮاث اﻟﺒﺤﺮي ﻟﻠﺪوﻟﺔ .وﻗﺪم اﻟﺠﻨﺎح ﻛﺬﻟﻚ دورا ً ﺗﻮﺛﻴﻘﻴﺎً ﻗﺎم ﺑﻪ ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻠﻨﺎدي ،ﺣﻴﺚ ﻋﺮض اﻟﻜﺘﺐ واﻹﺻﺪارات اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺛﻖ ﻟﻠﺘﺮاث واﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﺸﻌﺮ اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﺿﻤﻦ ﻣﻌﺮﺿﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺎح ،ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺗﻨﻈﻴﻤﻪ ﻣﻌﺮﺿﺎً ﻟﺼﻮر اﻟﻤﻐﻔﻮر ﻟﻪ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن. وﻣﺜﻞ اﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﻌﺎﻟﻲ ﻣﻦ رواد اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ﺑﺠﻨﺎح ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﻻﺳﻴﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب واﻷﺟﺎﻧﺐ دﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺠﺎح اﻟﻨﺎدي ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻷﻫﺪاف ﻣﻦ ﻣﺸﺎرﻛﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن اﻟﺘﻲ ﻳﺄﺗﻲ ﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ ﻧﺸﺮ اﻟﺘﺮاث وﺣﻔﻈﻪ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ واﻟﺸﺒﺎب ،وإﺗﺎﺣﺔ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮر ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎدي وأﻫﺪاﻓﻪ واﻟﺨﺪﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺪﻣﻬﺎ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ. ﻣﺤﺎﺿﺮة ﺣﻮل »اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻴﻒ اﻟﻔﻼﺣﻲ« ﻧﻈﻢ ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻨﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ﻓﻲ
12ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺼﻴﻔﻲ ﻳﺨﺘﺘﻢ دورﺗﻪ اﻟـ26
ﻣﻘﺮه ﺑﺎﻟﺒﻄﻴﻦ ،ﻣﺤﺎﺿﺮة ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان "اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻴﻒ اﻟﻔﻼﺣﻲ ﻓﻲ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ "1825 - 1820ﻗﺪﻣﻬﺎ ﺳﻌﻴﺪ ﺧﻤﻴﺲ اﻟﺴﻮﻳﺪي، ﺧﺒﻴﺮ اﻟﺒﺤﻮث ﻓﻲ اﻷرﺷﻴﻒ اﻟﻮﻃﻨﻲ ،وﺣﻀﺮﻫﺎ ﺳﻌﺎدة ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺟﺎﺑﺮ اﻟﻤﺤﻴﺮﺑﻲ اﻟﻤﺪﻳﺮ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬي ﻟﻠﺨﺪﻣﺎت اﻟﻤﺴﺎﻧﺪة ﻓﻲ اﻟﻨﺎدي، واﻷﺳﺘﺎذة ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻤﻨﺼﻮري ﻣﺪﻳﺮة اﻟﻤﺮﻛﺰ ،واﻟﺴﻴﺪ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻤﻨﺎﻋﻲ ﻣﺪﻳﺮ إدارة اﻻﻧﺸﻄﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺎدي ،وﺟﻤﻊ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ واﻟﻤﻬﺘﻤﻴﻦ واﻹﻋﻼﻣﻴﻴﻦ وﻣﻮﻇﻔﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰ. واﺳﺘﻬﻠﺖ اﻷﺳﺘﺎذة ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﻤﻨﺼﻮري اﻟﺠﻠﺴﺔ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺗﺮﺣﻴﺒﻴﺔ ،ﻣﺒﻴﻨﺔ أن ﻣﻮﺿﻮع اﻟﻤﺤﺎﺿﺮة ﻳﺄﺗﻲ ﻟﻴﻠﻘﻲ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ ﻓﺘﺮة زﻣﻨﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة ،وﻫﻲ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺘﻲ ﺷﻬﺪت ﻇﻬﻮر اﻟﻜﻴﺎﻧﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ،وﻣﺎ راﻓﻘﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺤﺎﻟﻔﺎت ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ وأﺣﺪاث ﻣﻬﻤﺔ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ إﺣﻜﺎم اﻟﺴﻴﻄﺮة اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺑﻌﺪ ﺗﻮﻗﻴﻊ اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ .1820 ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺴﻴﺪ ﺧﻤﻴﺲ اﻟﺴﻮﻳﺪي ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ ﺣﺪﻳﺜﻪ ،أن ﺑﺤﺜﻪ ﻓﻲ وﺛﺎﺋﻖ اﻟﺮﺑﻊ اﻷول ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ،أوﺿﺢ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻴﻒ رﻏﻢ أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺘﻌ ﱠﺪ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﺻﻔﺤﺔ، وإﻣﻜﺎﻧﻴﺔ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ إﻧﺘﺎج دراﺳﺔ ﺣﻮﻟﻬﺎ ،ﻣﺆﻛﺪا ً أن اﻟﺪراﺳﺔ
ﻣﻜﺘﺒﺔ زاﻳﺪ اﻟﻤﺮﻛﺰﻳﺔ ،وﻓﻲ داﺧﻞ اﻟﻤﺮﻛﺰ أﻗﻴﻤﺖ ﻋﺪة أﻧﺸﻄﺔ ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﻛﺎﻟﻄﺒﺦ واﻷﻟﻌﺎب اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ واﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ وإﻋﺎدة اﻟﺘﺪوﻳﺮ ،واﻟﺨﺘﺎم ﻛﺎن ﺑﺈﻟﻘﺎء ﻛﻠﻤﺔ ﺷﻜﺮ ﻟﻠﻤﺘﻄﻮﻋﺎت واﻟﻤﺸﺎرﻛﺎت ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ اﻟﻰ ﺗﻜﺮﻳﻢ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺎت ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﺑﻘﺎت اﻟﻤﻘﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﺮﻛﺰ )اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻲ ﻟﻠﺰي اﻟﺘﺮاﺛﻲ ،أﺟﻤﻞ ﻃﺒﻖ ﺗﺮاﺛﻲ ،اﻟﺮﻗﺺ اﻟﺸﻌﺒﻲ ،ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﺨﻮص( ،وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺸﻬﺎدات واﻟﻬﺪاﻳﺎ اﻟﺘﺬﻛﺎرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﺖ ﻟﻠﻄﺎﻟﺒﺎت .وﻋﻠﻰ ﻫﺎﻣﺶ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ ،ﻗﺎم ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺴﻤﺤﺔ اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ﺑﺰﻳﺎرة إﻟﻰ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺴﻤﺤﺔ اﻟﺼﺤﻲ اﻟﺬي ﻗﺪم ﻣﺤﺎﺿﺮة ﺻﺤﻴﺔ وﺗﻮﻋﻮﻳﺔ ﻟﻠﻄﺎﻟﺒﺎت ،وﻗﺎم اﻟﻤﺮﻛﺰ ﺑﺮﺣﻠﺔ إﻟﻰ دﻳﺮﻓﻴﻠﺰ ﻣﻮل )أﻟﻌﺎب ﻓﺎﺑﻲ ﻻﻧﺪ(. وﻓﻲ داﺧﻞ اﻟﻤﺮﻛﺰ أﻗﻴﻤﺖ ﻋﺪة أﻧﺸﻄﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺻﻨﻊ اﻟﻤﺠﺴﻤﺎت اﻟﻜﺮﺗﻮﻧﻴﺔ واﻷﻛﻼت اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ واﻷﺷﻐﺎل اﻟﻴﺪوﻳﺔ ﻛﺎﻟﺮﺳﻢ واﻟﺘﻠﻲ واﻟﻐﺰل وإﻋﺎدة ﺗﺪوﻳﺮ اﻟﻮرق .وﻓﻲ اﻟﺨﺘﺎم أﻗﻴﻤﺖ ﻣﺴﺎﺑﻘﺎت وأﺳﺌﻠﺔ وأﻟﻌﺎب ﺷﻌﺒﻴﺔ ،وﻗﺎم اﻟﻤﺮﻛﺰ ﺑﺘﻮزﻳﻊ اﻟﻬﺪاﻳﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﻟﺒﺎت ،ﻛﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺸﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺎرﻛﺘﻬﻦ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ اﻟﻤﻤﻴﺰ.
واﻟﺒﺮاﻣﺞ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﺑﺄﺑﻮﻇﺒﻲ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة ﻣﻦ 17وﺣﺘﻰ 27 ﻳﻮﻟﻴﻮ اﻟﻤﺎﺿﻲ. وﺟﺎءت ﻣﺸﺎرﻛﺔ اﻟﻨﺎدي ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ،ﺗﻨﻔﻴﺬا ً ﻟﺘﻮﺟﻴﻬﺎت ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻣﻤﺜﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ ،رﺋﻴﺲ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،ﺑﺎﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ودﻋﻤﻬﺎ ،ورﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻮﻋﻲ ﺑﻬﺎ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﺎﺷﻰ ﻣﻊ أﻫﺪاف ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﻣﻤﻴﺰة ﻓﻲ ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻟﻴﻮا ﻟﻠﺮﻃﺐ وإﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ اﻟﻨﺎدي اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻴﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎﺗﻪ وأﻧﺸﻄﺘﻪ. ﻋﺸﺮة اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ اﻟﻨﺴﺨﺔ واﺧﺘﺘﻢ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،ﻣﺸﺎرﻛﺘﻪ ﻓﻲ وﺟﺬب ﺟﻨﺎح اﻟﻨﺎدي اﻟﻤﺸﺎرك ﻓﻲ أﻳﺎم اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن أﻧﻈﺎر اﻟﺰوار واﻟﺴﻴﺎح ﻣﻦ ﻣﻬﺮﺟﺎن ﻟﻴﻮا ﻟﻠﺮﻃﺐ ،اﻟﺬي ﻧﻈﻤﺘﻪ ﻟﺠﻨﺔ إدارة اﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎت ﺑﻤﺎ ﻗﺪﻣﻪ ﻣﻦ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺑﻤﻔﺮدات اﻟﺘﺮاث اﻹﻣﺎراﺗﻲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻮرش
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
11
ﺗﺮاث اﻟﺸﻬﺮ
اﻟﺘﺬﻛﺎرﻳﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ. وﻳﻌﺪ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻮﺛﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻟﻤﻬﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﺎرﻛﺖ ﻓﻲ ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻗﺎم ﻃﻼب اﻟﻤﺮﻛﺰ ﺑﺮﺣﻠﺔ ﺗﻌﺮﻳﻔﻴﺔ إﻟﻰ ﻗﺼﺮ اﻟﻮﻃﻦ، واﻟﺬي ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺻﺮﺣﺎً ﻣﻌﻤﺎرﻳﺎً ﻓﺮﻳﺪا ً ،واﻟﺬي ﻳﻤﺜﻞ أﺣﺪ رﻣﻮز ﻣﺴﻴﺮة اﻹﻧﺠﺎز واﻟﺘﻘﺪم ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﺟﺴﺮا ً ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ واﻟﺤﻀﺎري ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻌﻮب ،وﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ آﺧﺮ ﺣﻀﺮ اﻟﻄﻼب ﻣﺤﺎﺿﺮة ﻓﻲ اﻷﻣﻦ واﻟﺴﻼﻣﺔ أﻗﻴﻤﺖ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﺮﻳﺔ اﻷﻣﻦ واﻟﺴﻼﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺑﻨﻲ ﻳﺎس ،ﺣﻴﺚ رﻛﺰت اﻟﻤﺤﺎﺿﺮة ﻋﻠﻰ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﻘﻴﺪ ﺑﺎﻹﺟﺮاءات واﻟﻘﻮاﻋﺪ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻷﻣﻦ واﻟﺴﻼﻣﺔ وﺗﺠﻨﺐ وﻗﻮع أي ﺣﻮادث. وﻓﻲ ﺧﺘﺎم اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ ﻛﺮم اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻄﻼب اﻟﻤﻨﺘﺴﺒﻴﻦ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺣﻔﻞ ﺧﺘﺎﻣﻲ أﻗﻴﻢ داﺧﻞ اﻟﻤﺮﻛﺰ ﺗﺮك ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻓﺘﺮة إﺟﺎزة ﻣﻤﻴﺰة ﻗﻀﺎﻫﺎ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﺑﺒﺴﻤﺔ ﻣﻤﻴﺰة رﺳﻤﺖ ﻋﻠﻰ وﺟﻮﻫﻬﻢ. اﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻟﻨﺴﺎﺋﻴﺔ
اﺳﺘﻬﻞ ﻣﺮﻛﺰ أﺑﻮﻇﺒﻲ اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎﺗﻪ ﻓﻲ اﻻﺳﺒﻮع اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮاﻟﻲ ﺑﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻣﻤﻴﺰة ﻓﻲ دورة ﻓﻦ اﻟﺪﻳﻜﻮﺑﺎج وﺣﻀﻮر ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻷﺳﺮة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺘﺮﻓﻴﻬﻲ ﻓﻲ ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻷﺳﺮﻳﺔ ﺣﻴﺚ ﺗﺮﻛﺖ ﺑﺼﻤﺔ ﻣﻤﻴﺰة ﻓﻲ ﻧﻔﻮس اﻟﻄﺎﻟﺒﺎت ﻣﻦ ﺧﻼل ﻗﻀﺎء وﻗﺖ ﺗﺮﻓﻴﻬﻲ ﻣﻤﺘﻊ ،وﻓﻲ
10ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺼﻴﻔﻲ ﻳﺨﺘﺘﻢ دورﺗﻪ اﻟـ26
داﺧﻞ اﻟﻤﺮﻛﺰ أﻗﻴﻤﺖ أﻧﺸﻄﺔ ﻋﺪﻳﺪة ﻛﺮﺳﻮﻣﺎت ﻋﺎم اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ وورش ﻣﻨﻮﻋﺔ ﻛﺎﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ اﻟﺘﻠﻲ اﻟﺮﺳﻢ واﻟﻐﺰل ،واﻟﺨﺘﺎم ﻛﺎن ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﺘﺎﺟﺮة اﻟﺼﻐﻴﺮة اﻟﺬي ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﺗﻌﻠﻤﺖ اﻟﻄﺎﻟﺒﺎت ﻣﻬﺎرات رﻳﺎدﻳﺔ ،إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻏﺮس روح اﻟﻤﺒﺎدرة واﻻﺑﺘﻜﺎر ﻟﺪﻳﻬﻦ ،وﻗﺎم اﻟﻤﺮﻛﺰ ﺑﺘﻜﺮﻳﻢ اﻟﻄﺎﻟﺒﺎت اﻟﻤﺘﻄﻮﻋﺎت واﻟﻤﻤﻴﺰات ﺧﻼل ﻓﺘﺮة اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ ،وﻗﺪم ﻟﻬﻦ اﻟﺸﻬﺎدات واﻟﻬﺪاﻳﺎ اﻟﺘﺬﻛﺎرﻳﺔ. ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ آﺧﺮ ،ﺣﻀﺮت ﻃﺎﻟﺒﺎت ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻌﻴﻦ اﻟﻨﺴﺎﺋﻲ ﻣﺤﺎﺿﺮة ﻗﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ زاﻳﺪ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﺒﺤﻮث ﺑﻌﻨﻮان ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﻘﺎﺋﺪ ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر ﺣﻤﺪان راﺷﺪ اﻟﺪرﻋﻲ ،اﻟﺬي ﻗﺪم أﻳﻀﺎ ورﺷﺔ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ واﻟﺘﺮاث ﻓﻲ
ﻣﻦ ﺧﻼل وﺟﻮد ﻣﺪرﺑﻴﻦ ﺗﺮاﺛﻴﻴﻦ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺸﺮح اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻤﻴﺎت واﻟﺤﺮف اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ ﻟﻠﻄﻼب ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ زﻳﺎرة ﻟﺤﺼﻦ اﻟﺸﺒﺎب اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻨﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات وﻗﺎﻣﻮا ﺑﺎﻻﺳﺘﻤﺘﺎع ﺑﻠﻌﺒﺔ ﻛﺮة اﻟﻘﺪم. وﻣﻦ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﺮﻓﻴﻬﻴﺔ زار اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻣﺴﺒﺢ اﻟﺸﻠﻴﺔ اﻟﺬي ﻗﻀﻮا ﻓﻴﻪ وﻗﺘﺎً ﻣﻤﺘﻌﺎً ﻓﻲ اﻟﺴﺒﺎﺣﺔ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ رﺣﻠﺔ ﺧﺎﺻﺔ إﻟﻰ درﻳﻢ ﻻﻧﺪ واﺳﺘﻤﺘﻌﻮا ﺑﻘﻀﺎء وﻗﺖ ﻣﺎﺋﻲ ﻣﻤﻴﺰ .وﻓﻲ ﺧﺘﺎم اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ ﺗﻢ ﺗﻜﺮﻳﻢ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺣﻔﻞ ﺧﺘﺎﻣﻲ وﺗﻢ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻬﺪاﻳﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ. وﺗﺮك ﻣﺮﻛﺰ ﺳﻮﻳﺤﺎن ﺑﺼﻤﺔ ﻣﻤﻴﺰة ﻓﻲ اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ اﻟﻤﺮﻛﺰ ،ﺣﻴﺚ أﻗﻴﻤﺖ داﺧﻞ اﻟﻤﺮﻛﺰ أﻧﺸﻄﺔ اﻟﻘﺮاءة واﻟﺮﺳﻢ واﻟﻔﻨﻮن ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻷﻟﻌﺎب ،وﺣﻀﺮ اﻟﻄﻠﺒﺔ ورﺷﺔ )ﻛﻦ
ذﻛﻴﺎً( واﻟﺘﻲ ﺗﻬﺪف إﻟﻰ ﺗﺜﻘﻴﻒ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻓﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﺑﺎﻟﻄﺮق اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ،وﺗﺠﻨﺐ اﻷﺧﻄﺎء اﻟﺘﻲ ﻣﻤﻜﻦ أن ﻳﺘﻌﺮﺿﻮا ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﻴﺮﺗﻬﻢ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ. وﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﺑﻮذﻳﺐ ﻗﺎم اﻟﻄﻠﺒﺔ ﺑﺘﺠﺮﺑﺔ رﻛﻮب اﻟﺨﻴﻞ ﺿﻤﻦ ﻣﺪرﺑﻴﻦ ﻣﺨﺘﺼﻴﻦ أﺷﺮﻓﻮا ﻋﻠﻴﻬﻢ ،وﺗﻢ ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﻢ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻄﺮق رﻛﻮب اﻟﺨﻴﻞ .وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﻢ زﻳﺎرة ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻧﺎدي اﻟﻌﻴﻦ ﻟﻠﻔﺮوﺳﻴﺔ واﻟﺮﻣﺎﻳﺔ، وﻣﺎرﺳﻮا ﻟﻌﺒﺔ اﻟﺮﻣﺎﻳﺔ واﻟﻔﺮوﺳﻴﺔ واﻟﺠﻮﻟﻒ ،واﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻟﺮﻳﺎﺿﺎت اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ. وﺗﻢ ﺗﻜﺮﻳﻢ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺎرﻛﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺣﻘﻞ ﺧﺎص أﻗﻴﻢ داﺧﻞ اﻟﻤﺮﻛﺰ وﺗﻢ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﺸﻬﺎدات واﻟﻬﺪاﻳﺎ
/اﻟﻌﺪد 238أﻏﺴﻄﺲ 2019
9
ﺗﺮاث اﻟﺸﻬﺮ
ﻬﺎدﻓﺔ ﻳﻌﺰز ﺑﺼﻤﺘﻪ ااﻟﺘﺮﺮاﺛﻴﺔ اﻟﻬ
ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺼﻴﻔﻲ ﻳﺨﺘﺘﻢ دورﺗﻪ اﻟـࡧ26 ﺗﺮاث -ﺧﺎص
اﺧﺘﺘﻢ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣــﺎرات ،ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺼﻴﻔﻲ اﻟﺴﺎدس واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻟﻌﺎم ،2019واﻟﺬي أﻗﻴﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﺷﻬﺮ ﺑﺮﻋﺎﻳﺔ ﻛﺮﻳﻤﺔ ﻣﻦ ﺳﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎن ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن ﻣﻤﺜﻞ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ رﺋﻴﺲ اﻟﺪوﻟﺔ ،رﺋﻴﺲ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات. وﺟﺎءت ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ ﻟﻐﺮس ﺣﺐ اﻟﺘﺮاث ﻓﻲ ﻧﻔﻮس اﻟﻄﻠﺒﺔ، وﻗﻀﺎء وﻗﺖ ﻣﻤﺘﻊ ﻓﻲ ﻓﺘﺮة اﻹﺟﺎزة اﻟﺼﻴﻔﻴﺔ ﺗﻜﻠﻠﺖ ﺑﻨﺠﺎح وﻓﺮﺣﺔ ﻋﺎش ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻄﻠﺒﺔ أﺟﻮاء ﺗﺮاﺛﻴﺔ وﺛﻘﺎﻓﻴﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ورﻳﺎﺿﻴﺔ وﺗﺮﻓﻴﻬﻴﺔ.
اﻟﻤﺮاﻛﺰ اﻟﺸﺒﺎﺑﻴﺔ
اﺧﺘﺘﻢ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻌﻴﻦ اﻟﺸﺒﺎﺑﻲ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎﺗﻪ ﺑﻔﻘﺮات ﻣﻨﻮﻋﺔ ﻓﻲ اﻷﺳﺒﻮع اﻷﺧﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ ،ﺣﻴﺚ زار اﻟﻄﻠﺒﺔ ﺑﺮﻓﻘﺔ اﻟﻤﺪرﺑﻴﻦ ﻗﺼﺮ اﻟﻌﻴﻦ )ﻗﺼﺮ اﻟﺸﻴﺦ زاﻳﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﻄﺎن آل ﻧﻬﻴﺎن( اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ واﻃﻠﻌﻮا ﻋﻠﻰ زواﻳﺎ اﻟﻘﺼﺮ اﻟﺬي ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻌﻠﻤﺎً ﺗﺎرﻳﺨﻴﺎً ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﻴﻦ وﻟﺴﻴﺮة ﺣﻴﺎة اﻷﺟﺪاد، 8ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺼﻴﻔﻲ ﻳﺨﺘﺘﻢ دورﺗﻪ اﻟـ26
وزار اﻟﻄﻠﺒﺔ أﻳﻀﺎً ﻣﺘﺤﻒ اﻟﺸﺮﻃﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻦ )ﻣﺘﺤﻒ اﻟﻤﺮﺑﻌﺔ( ،واﻟﺬي ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ أواﺋﻞ اﻟﻤﺨﺎﻓﺮ اﻟﺸﺮﻃﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺗﻌﺮﻓﻮا ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺠﻮﻟﺔ ﻋﻠﻰ أرﺟﺎء اﻟﻘﺼﺮ واﻟﻤﺘﺤﻒ وﺷﺮح ﻣﻔﺼﻞ ﻋﻦ أﻫﻤﻴﺔ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻤﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﻬﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ. وﻓﻲ داﺧﻞ اﻟﻤﺮﻛﺰ أﻗﻴﻤﺖ ﻋﺪة أﻧﺸﻄﺔ ﺗﺮاﺛﻴﺔ ﻛﺎﻷﻟﻌﺎب اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻤﻲ ﻗﻮة اﻟﺘﺤﻤﻞ واﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻨﻔﺲ. ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ آﺧﺮ؛ زار ﻃﻠﺒﺔ ﻣﺮﻛﺰ أﺑﻮ ﻇﺒﻲ اﻟﺸﺒﺎﺑﻲ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻧﺎدي ﺗﺮاث اﻹﻣﺎرات ،ﺣﻴﺚ اﻃﻠﻊ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺘﺐ واﻟﻘﺼﺺ اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺘﺒﺔ ،وﻣﺎرﺳﻮا ﻫﻮاﻳﺔ اﻟﻘﺮاءة واﻟﺮﺳﻢ واﻟﻠﻌﺐ. وﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ،اﺻﻄُﺤﺐ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻓﻲ رﺣﻠﺔ ﺗﺮﻓﻴﻬﻴﺔ إﻟﻰ درﻳﻢ ﻻﻧﺪ ﻓﻲ أم اﻟﻘﻴﻮﻳﻦ ،واﺳﺘﻤﺘﻌﻮا ﺑﺎﻟﻠﻌﺐ ﻓﻲ اﻷﻟﻌﺎب اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ وﻗﻀﻮا وﻗﺘﺎً ﻣﻤﺘﻌﺎً .وأﻗﺎم اﻟﻤﺮﻛﺰ ﺗﻜﺮﻳﻤﺎً ﺧﺎﺻﺎً ﻟﻠﻄﻠﺒﺔ اﻟﻤﺸﺎرﻛﻴﻦ ﻓﻲ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎت ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ ،ﻣﻦ ﺧﻼل ﺣﻔﻞ أﻗﻴﻢ ﻟﻬﻢ وﺗﻢ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻬﺪاﻳﺎ ﻛﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺸﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺎرﻛﺘﻬﻢ. وﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺴﻤﺤﺔ اﻟﺸﺒﺎﺑﻲ أﻗﻴﻤﺖ ﻋﺪة أﻧﺸﻄﺔ ﺿﻤﻦ اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ ﺗﻨﻮﻋﺖ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺮﻓﻴﻬﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﺣﻀﺮ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻓﻲ ﺟﻮﻟﺔ ﺧﺎﺻﺔ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺘﺮاﺛﻴﺔ وﺗﻌﺮﻓﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﺮف اﻟﻴﺪوﻳﺔ
─Ю┼Ф┼╣┼▒┼м ─Ю╞А┼Ь─Ш┼б─д ─Ю╞А─д─Ч─╕─а
76
:тАля║Чя║╝я║к╪▒ я╗Ля╗жтАм тАл ╪гя║Ся╗оя╗Зя║Тя╗▓тАм╪МтАл я╗зя║О╪п┘К я║Чя║о╪з╪л ╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪з╪ктАм- тАля╗гя║оя╗Ыя║░ ╪▓╪зя╗│я║к я╗Яя╗ая║к╪▒╪зя║│я║О╪к ┘И╪зя╗Яя║Тя║дя╗о╪лтАм
.7┬Б┬М# {┬ЦZ
тАл╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪зя║Чя╗▓тАм тАля║гя╗Ья║Оя╗│я║О╪к я╗гя╗ж ╪зя╗Яя║┤я║о╪п ╪зя╗Яя║╕я╗Мя║Тя╗▓ ╪зя╗╣я╗гя║О╪▒╪зя║ЧтАм
тАл╪▒я║Ля╗┤я║▓ ╪зя╗Яя║Шя║дя║оя╗│я║отАм
┼║─┤┼▒─Ф┼Н┼д─У ─░┼й─и ─Ъ─╣┼й─╝
тАля╗гя║кя╗│я║о ╪зя╗Яя║Шя║дя║оя╗│я║отАм
┼о┼╗─░┼д─У ─Ж╟Щ┼Р ─░┼╝┼д┼┤
k , ├Щ(┬Ю ┬Щ ┬П┬г(# ├К# ├П -┬Ж ┬П ┬Ъ'p├К' ├Ы├В ├Ы┬З # )# p├Щ┬З /┬П p# ┬┤/├Ш k ,├Ш. ┬О ┬Р├Н ├Ы┬П# ┬л┬И├г┬ж# ┬╗ ┬Ъ ├Й ├П 1#l b┬П├В2 ]┬л┬Н '├и ┬Ъ#. ├Ы├О /' ├Р' ┬Ъ#/├К├О' k ┬Е ┬╜┬П ├Ш 2 ├Ы #. !!├Щ (# 1#l ,┬З ├О┬О ┬Щ┬к├Г$┬П# ┬Н ' 0p l ├П ┬Ж 1┬Ю├Х├В ]┬Щp┬Я# -# ┬Ъ├К├Ш ┬Ж " ├К┬П├Н2 ┬Ъ ├Й ├Ш ]!├Щ (# 1#l ┬Н 44'├и ├Р' ┬Р$├К┬П├Н ├Д├Щ 0 ├К#
' ┬Р$├К┬П├Н )44┬Т ] 44#p44├Н├ж 144#l ┬Ъ├Щ┬Ж # 344┬З44# ├Р44' ┬Р$├К┬П├Н ┬Ф├Щ ]┬Ъ ├О├К' ┬Ъ├Щ┬г├Ш ┬О ┬Ъ├Г ┬Ъ( ├В ...!├Щ (# 1#l #p├Н├ж ├Р' ├Р├Ш ┬Ю ,(#
тАл╪зя╗╣я┤Н╪з┘Б ╪зя╗Яя╗Мя║О┘ЕтАм ┼║─│┼╡┼Б┼н┼й┼д─У ─п┼╡┼С─╣┼и ─Ъ┼й┼И─Ф┼Ш ┼╜┼Р─│─░┼д─У ┼╜┼е┼Р ┼В┼╗┼╡┼Р ─Щ─╡┼╡┼и
тАл╪зя╗╣я║зя║о╪з╪м ┘И╪зя╗Яя║Шя╗ия╗Фя╗┤я║мтАм
82
─г─Ф─е─и ─Щ─п─Ф┼Ф
_$L Q#┬ЦH
┼л─Ф─Ч┼С─╝ ┼╣┼Щ┼Й┼Б┼и :тАля╗гя║╝я╗о╪▒тАм ┼л─У┼┤─░┼Р ┼з─Ф─╜┼▒ :тАл╪▒я║│я╗о┘ЕтАм
:тАл╪зя│Мя╗оя╗Чя╗К я╗Ля▓Ж ╪зя╗╣я╗зя▒░я╗зя║ЦтАм www.mags.ae
тАля╗Ля╗ия║О┘Ия╗│я╗ж ╪зя│Мя║ая╗ая║ФтАм : ├Ш ┬П# . ┬Щ 2
:тАля║╖я║оя╗│я╗Т я║╗я║Оя╗Яя║втАм ┬Ъ ┬в ┬Ъ├Ш. -# ]p├Ш ├В ┬й ├Р' ┬И┬О # ├Д├Ш ┬░ ├Д┬У (# # ┬г# ├Р├Г# ├Ы+ ┬Ъ ├К# k ]┬Ъ' ├Й├и ┬И ├Ш 2 " /,├В ]-┬О3 ├Р'. ] ┬П# ┬И ┬О 2 ├Ы┬П# -┬О ┬е ├Р' ┬З├О┬О ]-┬Ж
├Ы┬П# ┬Щ ├Щ ├К# ┬Ъ ├К# ├Р├Г┬Ж , ┬г├Ш. ]┬Ъ$' ┬▒# ├Р├Г# ┬Ъ '/ ├Ы├В ┬Ъ' ├Й├и ┬Ж )┬╝ ' -├О #
p├Ш. ]┬Щ ├Щ ├К# ┬Ъ ├К$# ├М┬░ /,├В ]├Д┬╜┬▒┬Ж ,├Щ#l . ┬Щ ' + ┬Я+ -├Нl %┬Ж ]* ┬Я,┬О 2 ]┬Н ┬ж# ├Д┬▒ . ]┬Щ ' ┬╜(# . ┬Ж ┬Э.┬к(' ┬И├Ш ┬Я┬О ]┬И├Ш ┬Я┬П# -┬З ├Ш. ├Б3┬П┬в2 1├О '
┬П # p┬З .p(' * . .../# ┬Ъ($ ┬И ├Ш ├Р├г .)# # .
├Ы┬З┬╕/┬Ж рвл ┬Щp ┬П(# ┬Ъ├Щ┬Ж # ┬Н '2
turath@sbzc.ae : ├Ш ┬П# ├Шp' 026666130 :├Д┬О +
тАл╪зя╗╗я║╖я║Шя║о╪зя╗Ыя║О╪ктАм
┬З p( } : ├Ш┬й/┬П# ".├Х '
b :┬Ъ#.p# ┬Э ┬в ├Р' ├В├з# / (+ 150 :┬Н '├и ┬Ъ#. %┬в ├В├з# b ┬Н ├Х($# / (+ 150 :┬Ъ#.p# %┬в ┬Н ├Х($# - 2. 200
marketing@cmc.ae +971 56 3150303 ├Ш┬й/┬П$# ┬Н '├и
7
2019 тАл ╪гя╗Пя║┤я╗Дя║▓тАм238 тАл ╪зя╗Яя╗Мя║к╪птАм/
. 2. 200 ┬Ъ#.p# ┬Э ┬в
ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﻌﺪد wR^ M G ī $ # 50 J¤] # ů rī Č ¤fRu # $7y«$j ) 56 N G M a} # N/r ī ¦ů«#TG # QM$} # N/r |^$q # f$ # 63 $ ¤ Z N G ćM ī §Z i # @ MT §z °#R~ 64 ¦ $ ~ T H ī §Yy # cR # -M±# 67 ZQ N G ZQćM ī 8#O r $;H$0 \¤ H $Y 0 68 ¥N0$q # ŭŲ N G ī JŭŰ$7 # q # §z .«P # 70 ¤ #R0# N¤r N G ī ě¦ 7 # N¤Y #Ĝ p¤ŨŰ 73 N¤? # N/r xj$r ċ9#R7 # r «$} # ¥' 74 QN0 0# § $Z ī Č ¤K # M#N7 # {M#RY # 79 ¦ ±T # R¤ Z ī ¤y a # °$ Z# §z ¤ ; # QN # 80 § ŭů/ F $b ī ċ Q$/q # yqY8 $}H' Ĉ§j$? # N H# Rr$] # 86 $ ¤ Z Z$0 ī 0$~R # F¥N §z 88 õ ¤G¥ $] ī §/n 0# §z 0 ² # 92 ¦N¤^R # $q # N/r N H# ī °$ u $0 # u7^# °$y L 94 YH § r Q$ rćM ī $q # 99 ¦$ 0 N G ćM ī ¤ y7 # QP0 ` # Ċ5Q$0 ± Ű 100 6q j ¤ ' ī ¤ ; # 5$¤ 7} lyH 102 ¦ $] 0 $] ī ŭŰ$eH ¤ $ ^* 9#R7 # 106 o#Qű # N/r ī S۵# ¥$ H 108 N¤qZ yia ī ¥ (7 # } # ¤0 Rb$q # 112 Q N N G ī ċ-R]8 ŭŰN Z±# 6 $ x¤ 114 ¦Ű a # ī ±# $Y # 117 ¥N # E²b RY¤ ī ČQ ¤i # p¤y^ [Rq # 5 ~$¥ 118 §r Űű # j$z ī $a8±# Q$eG # 121 ez E²bćM ī ¤b' ¬N7 122 N G W ůG F $bćM ī # ů¤} # °$/j' 124 ¦ů q # § r N z ī ¤<#R8 127 ¦N¥ Y # N H# N G ī wRi # R; # o#QP # 128 §r Űű # N H j$zćM ī { /K $/K 130 أﺳﻌﺎر اﻟﺒﻴﻊ
8
127
ÐØ # $(' - Ù 800 Ï ( Î $ - p . ÎØ Ø/ # - 2 Ø 10 Ø / # Ù # $((# - )+ 10 : p (# Ù # 'è b Ï ÎØ Ù(° ,# ÙÍ æ $((# - Ù# 100 Ø / - Ù# 5000 Ï Î # - ,ÙÎ 250 Ï / # - ,ÙÎ 5 ' - " Ø 200 Ð(Ù# - p . ÎØ b 20 Ù ½(# $((# - Ï ÎØ ÐÙ $Â - ÎØ 2500 Ë # 3 ÙÍ Ø - Ï ÎØ Ù Í/ # Ø /,( # - ÙÍ Í 4 Ù Ù$# Ø Ù+ ( # - (+
. 2. 5 pÎ . Ù Ù'æ p (# Ø2/# - . /Ø 4 Û . .æ 2 ". - Í Â 7 Ø/ - ,ÙÎ
'è Ú Í .} Ø # äÙ+ . µ# Ø 2. # Ð Ø p # ¦+ ÛÂ . '
ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﻌﺪد
6
ķĸĭŭŨė ŲŬ
51
{$z³# M$¤8Q# {$z³#
ﻋﺎﺷﻖ اﻟﻘﺪس
k æ . ÐÙÍ ÎÃ# . # # ¹Í ' pÊ# ÎØp' $¸ f ] # 0 Û ±# Ù'æ Í $Ù } Ù Ù ¸ ^ ,(#
,ÙÎÙ . ]ÛÊÎ# ,´ Ù ] 44 44# ±# 1ν )44 ]Û # ,# ( Ï ] É # , ªØ ½ Í 2 . ]ÐÙ ' p# ÐÙ (Ù # ÐÙ $Ù( #
.ç # . Ù£# Î'. ] (# Ð '} Ï/ñ Ø # ¤Ø Û ($¹(# Ã# Ð'  Û ´ # Ù'} Ð # ] 44±44# ,Í É 1$ µÉ ã pÙ Ù$( æ Ù # äÙ #
1 . ± Ð' # Ï Ê# Ø p ' ¢. ] / # Ð' , ' 1$ Á/É/$# !44#¥. ]ÐØ ± # Ï Ê# Ä Î' p44 æ Ð /' Í 144#l ] ÙÎØ )# '. ( . 44 j
# # Ù' + © pÊ ] pÊ(# 3 # !$ ,(µ Û # k k ¦¢  ] ,(# ' . / . ] ,Î / . æ . ÐÙÍ ÎÃ# . b b k ...),'/ . )+ / . )+ ° . ), 3 Ð' Ù ªÙ
pة / } p( }
] äÙ # Ø ( # Ù#.p# (¹Î(# É Ã Ð # ] ,ÎÙ # É.
Ø p 1# } ] ,(# $ Û # # * Ù # / # +p Ð'.
44 . ]³ 44Ê44Í2 Ð' +¥ ÊÍè Ù Ù Ù ´/ & ( +2 b *¦, ...Úp' # ,# ( . ] # ÊÎ# ª' / # Ø # ÛÂ ,ÎÙ /
Û ªØª # " " â É µÍ ÐØp # ÐØ© p( ' # # Ê' Ð' ÊÃ# Ï3±Ê# p( ' # # Ê' Ï /Î -# Í ¢ Ú¦# p # ¦+ Ä$' $É
1$ /µ# Ù$ -#3¢ Ð' Î#. . " # . 44 Û # ,(# " . Ã$ £(# - Í / Ð' Û # # ÛÂ ),(# ª' # ¦+ Ï}. ¢ ]Û # ,(# Ø ( # Ù#.p# /, # 1$ /µ# Î $ ( b b . ,# ÛÎ /# Ï /Ù # -Ã / ] Ù ' ( + ,(# 44#.} 44'è 44#.
Û Ù # . Ú µ # # Ð' %Ù } ª 1$ · à -Ù$ · à # . b b 'è #. Õ' Ð' Ù ' ( + Û # ,(# " Í pÊ ¦# . #.p$# " Ï $ Ð pØ © ¤Ù±# -# /ý(# , µ,Í . p (# Ù # Ø Î # . ]Û # ,(# 1Î ¢ ' ä±Í} *p, ÛÂ. ]Ï Ù,Í
} . ' p 'è ³ ~ Û Ù # -Î /( -ÎÙ / Áp, - 1# 'è #. -ÙÂ Í ' /+. ] ,Î' -´ ÊÍ 1$ Ï É Ä Í Ð' .%+¦' p % (Ø ' p # /44' ÙÊ Û44Â. Ä$(# ÛÂ « » â 44É p Ø Ï} %'~Í . '. Â ´
5
2019 أﻏﺴﻄﺲ238 اﻟﻌﺪد/
58
°#Q% $¥ °#Q% $¥$e~
اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ واﻟﻬﻴﻤﻨﺔ
k Ù ç# Ï k Ù b($ 0p# kØ ±# Ù Ã # 1$ + Ù k ] £Î# . ÐÙÃÊ (# Î ]& 44 44# /,( # !#¥ Û Ø
ª' Ù 2 ÐÙ Ù'/Ê# É3 # !$ ' ¢ à ÛÂ æ ½# 0 ¢æ ÙÂ Ê # ©/' # Î ÐÙ . Û Ê
% kØ /# Áp+ /+ Ù¢æ . ] /,( # 0p# Ù Ã # ÊØ ÐÙ Û$ 1à ' p( k ..." # Ù Ù'3 è
ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﻌﺪد ﻟﻌﺪد اﻟﻌﺪدﻟﻌ ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت
70 94
108 76 58 4
ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﻌﺪد
82 118
ﻧﺎدي ﺗﺮاث ا ﻣﺎرات ﻳﻔﻮز ﺑﺠﺎﺋﺰة ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ راﺷﺪ آل ﻣﻜﺘﻮم ﻟlداء اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ اﻟﻤﺘﻤﻴﺰ ﻋﻦ ﻓﺌﺔ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪاﻋﻤﺔ ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ »ﺗﺮاﺛﻨﺎ ...ﻫﻮﻳﺘﻨﺎ« ﻟﻌﺎم
أﻋﻠﻦ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺴﻤﻮ اﻟﺸﻴﺦ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻦ زاﻳﺪ آل ﻧﻬﻴﺎن رﺋﻴﺲ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﳌﺘﺤﺪة »ﺣﻔﻈﻪ اﻟﻠﻪ« »ﻋﺎم » «٢٠١٩ﻋﺎﻣﺎ ﻟﻠﺘﺴﺎﻣﺢ« ﻳﺮﺳﺦ دوﻟﺔ اﻹﻣﺎرات ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻋﺎﳌﻴﺔ ﻟﻠﺘﺴﺎﻣﺢ وﺗﺄﻛﻴﺪ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻋﻤﻼ ﻣﺆﺳﺴﻴﺎ ﻣﺴﺘﺪاﻣﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﴩﻳﻌﺎت واﻟﺴﻴﺎﺳﺎت اﻟﻬﺎدﻓﺔ إﱃ ﺗﻌﻤﻴﻖ ﻗﻴﻢ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ واﻟﺤﻮار وﺗﻘﺒﻞ اﻵﺧﺮ واﻻﻧﻔﺘﺎح ﻋﲆ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت اﳌﺨﺘﻠﻔﺔ ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻟﺪى اﻷﺟﻴﺎل اﻟﺠﺪﻳﺪة مبﺎ ﺗﻨﻌﻜﺲ آﺛﺎره اﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻋﲆ اﳌﺠﺘﻤﻊ ﺑﺼﻮرة ﻋﺎﻣﺔ
@sbzc_ad
اﻟﻤﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﺮوس اﻟﺼﺤﺮاء
2019 ƑƢƒƯŐ 238 ƂƃƪǕŌ ŦŌƈōǙȑŌ ŪŌƉũ ǼƂōǝ Ǜƫ ƈƃƚũ dzƫǷǜǙ dzǾƳōǂŭ dzǾŭŌƉũ
أرﻳﺎم اﻟﺴﻤﺎﻟﻴﺔ ﺟﻤﺎل اﻟﻤﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺷﻌﺮاء ا ﻣﺎرات
ا ﺳﺎﻃﻴﺮ واﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﻋﺒﺮ وﺳﺎﺋﻞ ا ﻋﻼم
ﻳﺎﻗﻮت اﻟﻌﺮش ﺷﻔﻴﻊ اﻟﻄﻴﻮر وﺣﺎﻣﻞ اﻟﻮﻻﻳﺔ
اﻟﺬراع واﻟﻨﺜﺮة واﻟﻄﺮف أﻳﻦ اﻟﻘﺎﺋﻤﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاث ﺣﻜﺎﻳﺎت ﻣﻦ اﻟﺴﺮد اﻟﺸﻌﺒﻲ ا.ﻣﺎراﺗﻲ