مجلة زنزانة العدد 6 آذار 2015

Page 1


‫العدد ‪6‬‬

‫آذار ‪2015‬‬

‫ثورجي‬

‫زنزانة مجلة كوميكس لكل السوريين ثقافية‬ ‫اجتماعية ناقدة مستقلة تصدر باألول من كل شهر‪.‬‬ ‫األهداف‪:‬‬ ‫ تؤمن بحرية الكلمة واستقالليتها ودورها في اعادة‬‫بناء منظومة القيم االنسانية‪.‬‬ ‫كما للرسوم من قدرة على ايصال الرسائل عجزت‬ ‫الكلمة او الصورة عن ايصالها‪.‬‬ ‫الحد من مشكلة هجران القراءة في مجتمعنا‬‫والحضّ على ممارسة هذه العملية واكتسابها‬ ‫كثقافة شعب لإلرتقاء بمجتمعنا نحو مستقبل أفضل‪.‬‬ ‫ تسعى لنقل معاناة الشعب السوري ولتسليط‬‫الضوء على القضايا اليومية التي يعانيها في الداخل‬ ‫ودول اللجوء‪ ،‬وعلى السلبيات التي تفاقم مآساته‪،‬‬ ‫من خالل اسلوب ناقد يهدف التوجيه والتوعية والحد‬ ‫من الفساد المستشري‪.‬‬ ‫ تصدر إلكترونياً وتطمح للصدور ورقياً لتصل إلى‬‫أكبر عدد ممكن من سوريي الداخل المحرومين من‬ ‫وسائل اإلتصال‪.‬‬ ‫الرسالة‪:‬‬ ‫ يمر اإلنسان عبر مراحل حياته بزنزنات مختلفة‪،‬‬‫منها ما صنعها لنفسه «كبعض العادات والتصرفات»‬ ‫ومنها ما أجبره المجتمع على دخولها‪ ،‬ويبقى حبيسها‬ ‫مادام يؤمن بأن الحظ لم يحالفه‪ ،‬حيث يسقط فشله‬ ‫على من حوله أو على المجتمع بأثره‪.‬‬ ‫كل منا أن يساهم بالتغيير‪ ،‬والتخلص من‬ ‫ على ٍ‬‫زنزانته أو ًال‪ ،‬لنستطيع التغلب على زنزانات أكبر قد‬ ‫وضعت من حولنا على أيدي مستغلين ومجرمين‪،‬‬ ‫فالنسقِط هذه الزنزانات جميعها‪ ،‬مادام التغيير‬ ‫ممكناً نحو مستقبل أفضل‪ ،‬يضمن الحرية والعيش‬ ‫الكريم لكل فرد منا‪ ،‬على أرض أجدادنا السرمدية‪،‬‬ ‫فهم من اسموا الشعوب على وجه األرض‪.‬‬

‫بتاريخ تشـــبيحي عريق‬

‫‪3‬‬

‫عندما تباع ‪..‬‬

‫األط���ف���ال‬

‫‪6‬‬

‫زنزانات الموت‬

‫فرع المخابرات الجوية بحلب‬

‫الغيرة‬

‫‪7‬‬

‫ع����ن����د األط�����ف�����ال‬

‫أيقون‬

‫‪10‬‬

‫ع����م����ر أم�����ي�����رالي‬ ‫وائل قيس‬

‫هناك‪..‬‬

‫أش����ي����اء ك�����ان م����ن ال��م��م��ك��ن‬ ‫ل�����ل�����م�����رء أن ي���ق���ول���ه���ا‬

‫وائل قيس‬

‫سورية‪..‬‬

‫م��ن��ب��ت أول ح��ض��ارة للبشرية‬

‫‪12‬‬

‫‪13‬‬ ‫‪13‬‬


‫آذار ‪ 2015‬العدد ‪6‬‬

‫ثورجي‬

‫بتاريخ تشبيحي عريق‬

‫قصة واقعية‬

‫‪3‬‬


‫آذار ‪ 2015‬العدد ‪6‬‬

‫‪4‬‬


‫آذار ‪ 2015‬العدد ‪6‬‬

‫‪5‬‬


‫آذار ‪ 2015‬العدد ‪6‬‬

‫عنـد ما تباع‬

‫األطفال‬

‫ق���ص���ة واق����ع����ي����ة ت��ح��ك��ي‬ ‫ع����ن اإلت�����ج�����ار ب���األط���ف���ال‬

‫‪6‬‬

‫شرعت األوضاع المأساوية التي يعيشها السوريون‪ ،‬أبوب التجارات الال أخالقية‬ ‫على مصاريعها‪ ،‬وكأنها ال تتكرر ألصحاب النفوس المريضو والضمائر الميتة‪.‬‬

‫يف زمن أصبحت فيه كرامة اإلنسان أرخص من رغيف خبز‪ ،‬فالكثري من العائالت‬ ‫السورية إضطروا للعمل بأذل املهن وبساعات عمل أطول وأجور زهيدة‪ ،‬لتغطية‬ ‫تكاليف املعيشة الباهظة يف بلدان نزحوا إليها ً‬ ‫هربا‪ ،‬من بطش األلة العسكرية‬ ‫لنظام قتل خالل أربعة األعوام املاضية ما يزيد عن الثالمثائة ألف سوري‪ ،‬ومن‬ ‫ً‬ ‫سيوف ظالميني سادوا يف األرض فساداً‬ ‫وإجراما مايقارب إجرام النظام السوري‪.‬‬ ‫راح العديد من أصحاب النفوس املريضة والضمائر امليتة‪ ،‬يستغلون فقر هذه‬ ‫العائالت وحاجتها‪ ،‬يف جتارة تأبى عنها كل املخلوقات على وجه األرض‬ ‫وهي أن يتخلى أحدهم عن مولوده اجلديد‪ ،‬مقابل حفنة من املال‪ ،‬مربرين‬ ‫جرميتهم بأن الكثري من األزواج ليس مبقدورهم االجناب وقد رزقهم اهلل‬ ‫املال‪ ،‬فلما ال يتبنون ً‬ ‫طفال هلم؟ مقابل تعويض مادي‪ ،‬والبائعون مبقدورهم‬ ‫اإلجناب جمدداً‪ ،‬وليفرتضوا بأن طفلهم قد مات أثناء الوالدة فماذا سيفعلون‪..‬؟‬


‫آذار ‪ 2015‬العدد ‪6‬‬

‫زنزانات الموت‬

‫زن��زان��ة‬

‫ق��ص��ص ع��ن ب��ع��ض ال��زن��زان��ات ف��ي حياتنا‬

‫فرع المخابرات الجوية بحلب‬ ‫قصة معتقل‬

‫‪7‬‬


‫آذار ‪ 2015‬العدد ‪6‬‬

‫‪8‬‬


‫آذار ‪ 2015‬العدد ‪6‬‬

‫زنزانات الموت‬

‫ف����رع ال��م��خ��اب��رات ال��ج��وي��ة بحلب‬ ‫ما هي إال عدة أمتار تفصلين عن مدخل بييت‪ ،‬حيث كنت عائداً‬ ‫من عملي مسا ّء‪ ،‬عندما فاجأني ثالثة رجال بأن ضربوني على رأسي‪،‬‬ ‫فارمتيت ً‬ ‫أرضا‪ ،‬جلس أحدهم فوقي‪ ،‬وكبل يدي خلف ظهري حبزامة‬ ‫بالستيكية‪ ،‬بعدها قاموا بوضعي داخل صندوق سيارة صغرية‪ ،‬سوداء‪،‬‬ ‫بعد حوالي مخسة عشر دقيقة توقفت السيارة‪ ،‬يف مكان جمهول بالنسبة‬ ‫إلي‪ ،‬فتحوا الصندوق «الباكاج» علي‪ ،‬وضعوا شريطة قماشية سوداء‬ ‫على عيين‪ ،‬أدخلوني إىل غرفة ومن ثم مشيت معهم مسافة طويلة‬ ‫ً‬ ‫حتى دخلنا مكان آخر‪ ،‬وأنزلوني ً‬ ‫طويال‪ ،‬أجلسوني على ركبيت‬ ‫درجا‬ ‫أمام مكتب‪ ،‬وسط غرفة تكاد أن تكون معتمة‪ ،‬بعدها بقليل من الوقت‬ ‫جاء رجل‪ ،‬قال لي‪« :‬شو يا فالن بدنا نتم نركض وراك لنجيبك‪ ..‬قلي‬ ‫لشوف‪ ..‬انت شو عامل من هالشي يلي رح اقراه عليك وبتحكيلي كيف‬ ‫سويتهم وحدة‪ ..‬وحدة‪ ..‬وإال واهلل رح خليك تعفن عنا وأسلخ جلدك‬ ‫عن عظمك» وراح يشتمين ويسب الذات اإلهلية بكالم أمسعه ألول مرة‬ ‫يف حياتي‪ ،‬بعدها صمت وكاد صمته يقتلين من شدة الرهبة واخلوف‪،‬‬ ‫صرخ بي بالشتائم «شوو ‪ ..‬قلي ‪ ..‬أبدك جتاوب ؟؟!» قلت له ال يا سيدي‬ ‫هذا كالم أمسعه للمرة األوىل يف حياتي؛ صرخ بصوت عالي وأمرني‬ ‫بأن أخلع ثيابي‪ ،‬فنفذت على الفور دون أي تلكؤ‪ ،‬بعدها جاء خبمسة‬ ‫رجال‪ ،‬وضعوني داخل دوالب‪ ،‬وأقفلوه علي بأنبوب معدني‪ ،‬وضعوه‬ ‫ّ‬ ‫وركبيت مالصقني لألرض‪،‬‬ ‫بني الدوالب وركبيت‪ ،‬حيث أصبح صدري‬ ‫ً‬ ‫فإذا برجل يقف على هذا األنبوب حبيث يشكل ضغطا على ركبيت‪،‬‬ ‫فما أن صرخت من شدة األمل حتى اسكتوني بركلهم على وجهي‪،‬‬ ‫كل منهم يضربين مبكان من جسدي‪ ،‬اثنان يضرباني بقضيب‬ ‫فبدأ ٍ‬ ‫من السليكون على صفحتا قدماي‪ ،‬وآخر يضرب بقطعة حديدية على‬ ‫ظهري «كان صوت إرتطامها بلحمي يشبه هدير صوت طائرة امليغ»‪ ،‬أما‬ ‫الرجل اخلامس فكانت مهمته الركل على رأسي وجانيب صدري‪ ،‬كما‬ ‫الدعس على يدي حبذائه الكبري‪ ،‬مما سبب لي خلع مبفاصل أصابعي؛‬ ‫كانوا اخلمسة يضربونين بال رمحة‪ ،‬كأنين أنا من دمر سوريا‪،‬‬ ‫وهجر أهلها‪ ،‬بعد عدة ساعات من التعذيب والضرب‪ ،‬مل أعد أذكر‬ ‫الوقت‪ ،‬ألنين كنت أمتنى لو يذهب وعي‪ ،‬كي أفقد االحساس‪،‬‬ ‫ليضربوني بعدها ما شاءوا من الزمن‪ ،‬فال بد من أن يتعبوا‪ ،‬وبعدها‬ ‫يرمونين‪ ،‬بأي مكان حتى لو يف احلمام؛ بعدها توقفوا‪ ،‬وأخرجوني‬ ‫من هذا الدوالب اللعني‪ ،‬فحمدت ربي سراً‪ ،‬فعاد ذلك الرجل الذي‬ ‫سألين يف املرة األوىل وشتمين‪ ،‬قال‪« :‬شو يا فالن أبدك تعرتف» فأجبته‬ ‫ً‬ ‫يا سيدي مل أعرف ً‬ ‫قريبا»‪.‬‬ ‫شيئا مما ذكرت‪ ،‬فقال لي «ستعرف‬ ‫ً‬ ‫مرغما‪ ،‬على صندوق‬ ‫جاء أحدهم وسحبين من يدي وأوقفوني البقية‬ ‫خشيب‪ ،‬ومرروا ً‬ ‫حبال من خالل احلزامة البالستيكية‪ ،‬وربطوها حول‬ ‫انبوب التدفئة يف سقف املمر املؤدي إىل الزنزانات‪ ،‬بعدها ركلوا ذلك‬ ‫الصندوق اللعني‪ ،‬ليهوي جسدي بثقله ويشد احلزامة حول معصماي‪،‬‬ ‫ليخلعهما من مكانهما ورحت أصرخ‪ ،‬فجاءتين لكمة أخرستين‪.‬‬ ‫بعد حوالي السبع ساعات‪ ،‬أنزلوني‪ ،‬من الطبيعي أنين مل أستطيع الوقوف‬ ‫على قدمي‪ ،‬إضافة ألن قدماي كانتا تنزلقان على البالط‪ ،‬بسبب الدماء‬

‫اليت كانت تكسو جسدي؛ سحبوني إىل زنزانة ‪ ،‬كانت مليئة باملعتقلني‬ ‫وكانوا ً‬ ‫أيضا عراة‪ ،‬رموني ثم أغلقوا الباب‪ ،‬كان عدد املعتقلني يف هذه‬ ‫الزنزانة الصغرية حوالي التسعني‪ ،‬فساعدني عدة منهم ألستلقي علي‬ ‫صدر أحدهم‪ ،‬مل أكن أعي ما حيدث من حولي سوى أن اجلميع كانوا‬ ‫مصفوفني على بعضهم كأنهم أحجار دومينو مرتاكبة فيما بينها‪،‬‬ ‫كانوا جالسني كأنهم يف باص لكن بوضعية القرفصاء‪ ،‬كان اجلزء‬ ‫اآلخر من املعتقلني واقفني مبحاذاة اجلدران‪ ،‬حيث يتبادلون بالتناوب‬ ‫على وضعية الباص كلما تعب أحد منهم بادله أحد اجلالسون‪.‬‬ ‫كانت عيناي ال تغفى‪ ،‬حيث الزنزانة معتمة‪ ،‬تنبعث منها‬ ‫رائحة كريهة‪ ،‬عفن ممزوج برائحة الدم والعرق‪ ،‬إضافة‬ ‫لرائحة تنبعث عن االلتهابات اجللدية للمعتقلني‪ ،‬لكن سرعان‬ ‫ما نسيت الرائحة‪ ،‬بسبب اجلو القارس‪ ،‬وصوت توربني اهلواء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ممتزجا بصراخ املعذبني‪ ،‬وأنني املعتقلني‪.‬‬ ‫يد ّوي بأذناي‪،‬‬ ‫أما اخلدمات فاملاء قليل جداً ال يكاد «الغالون» يكفي ألن يبلل أحدنا‬ ‫ريقه‪ ،‬واخلروج إىل دورات املياه‪ ،‬ثالث مرات ً‬ ‫يوميا‪ ،‬فيستغل املعتقلون‬ ‫دخوهلم دورة املياه ليشربوا املاء‪ ،‬لكنهم ال يعلمون بأن هذه املياه غري‬ ‫صاحلة للشرب‪ ،‬وملوثة‪ ،‬مما يؤدي إىل تسمم معوي وإسهال شديد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جفافا‪.‬‬ ‫فيصابوا باجلفاف‪ ،‬إضافة ملا ميارس عليهم من تعذيب‪ ،‬فيموتوا‬ ‫املستشفى يف هذا املعتقل عبارة عن غرفة‪ ،‬سقفها على مستوى األرض‬ ‫وحيجبها عن السماء قضبان حديدية مرتفعة‪ ،‬يرمى املعتقل الذي ينازع‬ ‫املوت‪ ،‬من الليل حتى الصباح فإن حالفه احلظ جنا‪ ،‬لكن احلظ ال مينع‬ ‫الربد القارس بأن يكمل على الضحية‪ ،‬ما بدأه شياطني الظالم‪ ،‬من تعذيب‬ ‫وتكسري للعظام؛ فأقل ما ميكن أن خيرج به املعتقل من هذا النفق املظلم‬ ‫هو خلع بعدة مفاصل جبسده إضافة اللتهابات مزمنة وفشل كلوي‪.‬‬ ‫كنت أخرج كل ثالثة أيام إىل التحقيق وتعاد علي نفس أساليب‬ ‫ً‬ ‫إيالما ال أعرف‬ ‫التعذيب‪ ،‬لكنها كانت يف اليوم باألول األعنف واألشد‬ ‫السبب‪ ،‬رمبا ألنها كانت املرة األوىل‪ ،‬ويف كل مرة كنت أزداد عزمية‬ ‫وإصراراً بأنين لن أعرتف مبا ميلوه علي‪ ،‬بقيت على هذا احلال مثان‬ ‫وأربعني ً‬ ‫يوما‪ ،‬ويف اليوم التاسع واألربعني جاء السجان ليخرجين‪ ،‬كعادته‬ ‫ً‬ ‫قميصا ال أدري‪ ،‬فمشيت‬ ‫بعد أن أغلق عيين بقماشة سوداء‪ ،‬رمبا كانت‬ ‫باجتاه غرفة التحقيق «التعذيب»‪ ،‬لكنه اقتادني حنو مكان آخر‪ ،‬أدركت‬ ‫فيما بعد بأنه مكتب األمانات‪ ،‬قال لي اسرتح‪ ،‬فقعدت على األرض‬ ‫وجلس على كرسي وضعه أمامي‪ ،‬أكمل كالمه ً‬ ‫قائال‪ :‬أنت متهم‬ ‫بتهم كثرية‪ ،‬سأصدقك وأحموها لكن هل أصدقك بأنك مل خترج عشرة‬ ‫بثمان فقط وأتركك‪ ،‬قلت‪ :‬يا سيدي‬ ‫مظاهرات على األقل‪ ،‬إعرتف لي ٍ‬ ‫أنا مل أشارك بأي مظاهرة‪ ،‬فرد ً‬ ‫قائال‪ :‬مخسة فقط وسأصدقك‪ ،‬قلت‬ ‫ً‬ ‫ممتعضا ما زلت تكذب‪،‬‬ ‫مستحيل كيف أعرتف بشيء مل أفعله‪ ،‬رد علي‬ ‫اثنتان‪ ..‬نعم اثنتان وسينتهي األمر‪ ،‬قلت ال يا سيدي أرجوك انا مل أعرف‬ ‫ً‬ ‫أيا من هذا الكالم‪ ،‬فقال «احرتمتك وعاملتك بتقدير على أنك خريج‬ ‫جامعي وتفهم بالكالم والتعذيب لن ينفع معك لكنك غري ذلك‪ ،‬أنت ‪...‬‬ ‫وبدأ بالشتائم والسباب»‪ ،‬ثم جاء بورقتني‪ ،‬وقال لي أكتب افادتك بيدك‬ ‫وابصم عليها‪ ،‬فكانت الفرحة تكاد تفقدني عقلي‪ ،‬كتبتها وبصمت‬ ‫عليها‪ ،‬بعدها ارجع الزنزانة‪ ،‬ويف صباح اليوم التالي جاء ما نسميه‬ ‫«مالك الرمحة» أي العنصر املسؤول عن ترحيل املعتقلني إىل احملكمة‪،‬‬ ‫نقلت إىل قاضي التحقيق األول‪ ،‬حيث أخلى سبيلي باليوم اخلمسني‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫األس���������رة وت����رب����ي����ة ال��ط��ف��ل‬

‫الغيرة‬

‫عنـد األطفال‬

‫يعد استقبال مولود جديد في محيط األسرة‬ ‫أمراً مزعجاً للطفل األول أو لألطفال األقل‬ ‫من ثالث سنوات‪ ،‬ففي هذه السن يفضل‬ ‫كل منهم أن يكون الوحيد لوالديه فال يريد‬ ‫أن يشاركه أحد في عطفهما واهتمامهما‬

‫‪,,‬‬

‫ال سيما الطفل األول الذي اعتاد أن يكون حمط منع بعض األعراض ؛ فإن بقيتها ميكن أن‬ ‫أنظار اجلميع دون منافس‪ ،‬فال تنزعجي إذا يتحسن خالل شهور قليلة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مرابطا جبوار مهد أخيه الرضيع‪،‬‬ ‫رأيت صغريك‬ ‫يعود إليه كلما أبعدته‪ .‬وقد متتد إليه يده من‬ ‫ويمكن الوقاية من َغيرة األطفال من‬ ‫قبيل الفضول واستكشاف هذا املخلوق اجلديد‪،‬‬ ‫المولود الجديد ابتداء من فترة الحمل‬ ‫األمر الذي يثري القلق من هذا الطفل املتوثب ‪.‬‬ ‫وقد خيتلف األمر بالنسبة للطفل الثاني أو أ ‪ -‬اجعلي الطفل األكرب مستعداً الستقبال‬ ‫الثالث الذي اعتاد أن يتقاسمً انتباه وعاطفة أخيه املولود اجلديد ؛ بأن حتدثيه عن احلمل‬ ‫يتحسس حركات اجلنني ً‬ ‫والديه مع إخوته األكرب سنا‪ ،‬غري أن هذا ال وجتعليه ّ‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫يعين أن الطفل الثاني أو الثالث ال يشعر باملنافسة ‪ -‬أعطي الطفل الفرصة لرياقب عن كثب أحد‬ ‫جتاه املولود اجلديد‪ ،‬فالشعور موجود لكن املهم املواليد اجلدد حتى يكون لديه فكرة أفضل عن‬ ‫هنا هو كيفية تعامل األهل مع هذا الوضع‪ ،‬املولود القادم‪.‬‬ ‫والتخفيف من حدة شعوره بالغرية حنو أخيه ب‪ -‬شجعي الطفل على مساعدتك‬ ‫وحتويله إىل شعور إجيابي‪.‬‬ ‫ف���ي ت��ح��ض��ي��ر غ���رف���ة ال��م��ول��ود‪.‬‬

‫‪,,‬‬

‫أكثر أعراض غيرة األطفال شيوع ًا‪:‬‬

‫ز‬

‫هو زيادة طلبات الطفل كي جيذب اهتمام‬ ‫أهله إليه‪ ،‬فهو يريد أن حيمله أبواه ويدوران‬ ‫ً‬ ‫خصوصا عندما يرى األم مشغولة باملولود‬ ‫به‪،‬‬ ‫اجلديد‪ ،‬أما بقية األعراض فتشمل تصرفه‬ ‫كطفل رضيع من جديد‪ ،‬كأن يضع إبهامه‬ ‫يف فمه مثال أو يتب ّول أو يتربّز على نفسه‪ ،‬وقد‬ ‫مييل إىل العنف والعدوانية يف سلوكه كأن‬ ‫يتعامل مع املولود خبشونة ً‬ ‫مثال‪ ،‬ومجيع هذه‬ ‫األعراض طبيعية‪ ،‬وباإلضافة إىل أنه ميكن‬

‫أ‬ ‫‪10‬‬

‫آذار ‪ 2015‬العدد ‪6‬‬

‫ج‪ -‬انقلي سرير الطفل إلى غرفة أخرى‬ ‫أو إلى سرير جديد قبل حلول المولود‬ ‫الجديد بعدة أشهر؛ حتى ال يشعر بأنه‬ ‫قد تم إبعاده بسبب المولود الجديد‪،‬‬

‫ز‪ -‬إذا كنت ستلحقين الطفل بروضة‬ ‫األطفال فافعلي ذلك قبل موعد‬ ‫الوالدة بوقت كاف‪.‬‬ ‫ أخربي الطفل أين سترتكينه ومن سيعتين به‬‫عند دخولك املستشفى ؛ إذا مل يكن سيمكث مع‬ ‫والده باملنزل‪.‬‬ ‫ شاهدي مع الطفل ملف صور العائلة ّ‬‫وحدثيه‬

‫ج‬


‫آذار ‪ 2015‬العدد ‪6‬‬

‫عن السنة األوىل يف حياته أو حياة أحد اخوته عادة للطفل حبمل املولود إال بعد بلوغه سن‬ ‫املدرسة‪.‬‬ ‫الكبار‪.‬‬ ‫عند د خو لك ا لمستشفى للو ال د ة‬ ‫ً‬ ‫هاتفيا بالطفل األكرب واطليب منه أن‬ ‫اتصلي‬ ‫يزورك يف املستشفى‪ ،‬فالعديد من املستشفيات اجعلي الطفل يساعدك في العناية‬ ‫تسمح بذلك‪ ،‬وإذا مل يكن من املمكن أن يزورك بالمولود؛ فشجعيه على أن يساعدك يف‬ ‫الطفل يف املستشفى فأرسلي له هدية وكأنها غسل املولود وجتفيفه وإحضار احلفاظ أوأن‬ ‫يبحث عن لعبته أومصاصته‪ ،‬ويف بعض األحيان‬ ‫من املولود اجلديد‪.‬‬ ‫شجعي والد الطفل على أن يأخذه يف بعض شجعيه على اللعب بدميته (سواء بإطعامها أو‬ ‫غسلها) أثناء قيامك بإرضاع املولود أو غسله‪،‬‬ ‫النزهات ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وأكدي للطفل مدى حب املولود له ؛ بأن‬ ‫وبعد مغادرة املستشفى والعودة للمنزل احرصي‬ ‫تقولي له ‪ :‬ا» انظر إليه كم هو سعيد عندما‬ ‫على ما يلي‪:‬‬ ‫ عند دخولك املنزل اقضي اللحظات األوىل تالعبه أو إنك تستطيع دائما أن جتعله يضحك‪.‬‬‫ً‬ ‫شخصا آخر حيمل‬ ‫مع الطفل األكرب ؛ واجعلي‬ ‫املولود اجلديد ً‬ ‫بدال منك‪.‬‬

‫د‬

‫ب‬ ‫د‬

‫و‬

‫هـ‪ -‬اطلبي من الزوار أن يعطو كثيراً‬ ‫من اهتمامهم للطفل األكبر‪ ،‬ودعي‬ ‫الطفل يفتح الهدايا التي تأتي للمولود‬ ‫الجديد بنفسه‪.‬‬ ‫ من البداية جيب أن تشريي إىل املولود اجلديد‬‫دائما بـ «طفلنا الرضيع»‪.‬‬ ‫ خالل الشهور األوىل لوليدك أعط الطفل‬‫األكرب قدراً أكرب من االهتمام والرعاية اليت‬ ‫حيتاج إليها‪ ،‬وحأولي أن تشعريه بأنه أكثر‬ ‫أهمية من غريه ؛ وأن جتلسي معه ملدة نصف‬ ‫ً‬ ‫يوميا‪ ،‬وتأكدي‬ ‫ساعة متصلة على األقل‬ ‫ً‬ ‫من أن األب واألقارب يقضون ً‬ ‫إضافيا مع‬ ‫وقتا‬ ‫الطفل‪ ،‬وخباصة يف الشهر األول‪ ،‬وخصيه أنت‬ ‫بقدر كبري من احلنان طوال اليوم‪ ،‬وإذا طلب‬ ‫منك أن حتمليه أثناء إرضاعك للمولود أو هزه‬ ‫فأشركيه يف الرعاية‪ ،‬أو على األقل ميكنك أن‬ ‫حتدثيه أثناء انشغالك برعاية رضيعك‪.‬‬ ‫ شجعي الطفل على أن ّ‬‫يتحسس املولود ويلعب‬ ‫معه‪ ،‬بشرط أن يكون ذلك يف حضورك‪ ،‬وامسحي‬ ‫له أن ميسكه أثناء جلوسه يف مقعد ذي مسندين‬ ‫جانبيني (ملنع انزالق املولود)‪ ،‬جت ّنيب حتذيره‬ ‫مبثل قولك ‪« :‬ال تلمس املولود» ؛ فاملولود ليس‬ ‫ً‬ ‫هشا هلذه الدرجة‪ ،‬ومن الضروري أن تظهري‬ ‫للطفل مدى ثقتك به ؛ ولكن ال ميكن السماح‬

‫ال تطلبي من الطفل أن يلزم‬ ‫الهدوء من أجل المولود‬

‫فاألطفال حديثو الوالدة يستطيعون النوم جيداً‬ ‫دون أن خي ّيم اهلدوء على املنزل‪ ،‬ومثل هذا‬ ‫الطلب قد يؤدي إىل امتعاض الطفل بدون داع‪.‬‬ ‫ ال تنتقدي طفلك إذا قلد أخيه الرضيع يف البكاء‬‫أو غري ذلك من السلوكيات فهذا أمر مؤقت‪.‬‬ ‫ ّ‬‫تدخلي على الفور عند صدور أي سلوك عنيف‬ ‫من الطفل حيال أخيه الرضيع‪ ،‬وذلك بعزله‬ ‫وإبعاده عنه دون تعنيف أو ضرب؛ ألن معاقبته‬ ‫ستجعله حيأول باستمرار أن يفعل نفس الشيء‬ ‫مع املولود على سبيل االنتقام‪ ،‬لذا حدثيه ً‬ ‫دائما‬ ‫عن ضرورة الرمحة بالصغري والعطف عليه‬ ‫وعدم إيذائه؛ ألنه خملوق ضعيف‪.‬‬ ‫ أما إذا كان الطفل كبرياً ‪ً -‬‬‫نوعا ما ‪ّ -‬‬ ‫فشجعيه‬ ‫على أن حيدثك عن مشاعره املتضاربة جتاه‬ ‫سلوكا ً‬ ‫ً‬ ‫بديال كأن‬ ‫املولود اجلديد‪ ،‬ثم ضعي له‬ ‫تقولي له ‪« :‬عندما ينتابك الشعور بالغيظ من‬ ‫ً‬ ‫طويال‪.‬‬ ‫املولود اجلديد فتعال وعانقين عناقا‬ ‫ ال تلعيب مع مولودك اجلديد لوحدكما بل‬‫حاولي أن تلعبوا ثالثتكم‪..‬‬ ‫ ال تثقلي على ابنتك الكربى باحلرص على‬‫أخاها الصغري ‪..‬إذا كانت متارس هوايتها أو‬ ‫النظر إىل الكرتون بل دعيها متارس ما حتب‪.‬‬

‫هـ‬

‫و‬

‫‪11‬‬


‫أيقون‬

‫آذار ‪ 2015‬العدد ‪6‬‬

‫وائل قيس «طوفانفيبالدالبعث»‪،‬مايزالحتىاللحظة‪،‬منأكثرأفالمه‬ ‫إشكالية‪،‬نظراًلعددالمراتالتيتمفيهامنععرضهفيدمشق‪.‬‬

‫فالجرعة النقدية التي تناول فيها حزب البعث في‬ ‫سورية‪ ،‬ودوره البارز في مجموعة ربيع دمشق ‪2000‬‬ ‫عام‪ ،‬جعلت اسمه يدخل قائمة الممنوعين من السفر‬ ‫خارج سوريا‪ ،‬في أكثر من مناسبة‪ ،‬إضافة للحوارات‬ ‫التي أجريت معه‪ ،‬ومهاجمته الدائمة لديكتاتورية‬ ‫البعث في سوريا‪ ،‬التي لطالما انتظر انهيارها‪،‬‬ ‫ال شك في أن التجربة التي قدمها عمر أميرالي «‪ 1944‬كما أبناء جيله‪ ،‬ولربما هذا تحديد اً‪ ،‬ما جعل رحيله‬ ‫– ‪ ،»2011‬للسينما التسجيلية السورية‪ ،‬تعد من أكثر المفاجئ‪ ،‬قبل بداية االنتفاضة السورية بشهر و‪10‬‬ ‫التجارب‪ ،‬نضوجاً‪ ،‬وإشكالية‪ ،‬من ناحية تناوله للحياة أيام‪ ،‬يشكل ضربة موجعة للمثقفين السوريين‪.‬‬ ‫بنوع من الصدمة‪،‬‬ ‫العامة‪ ،‬التي كانت مصابة ٍ‬ ‫نتيجة الهزائم التي تعرض لها أبناء جيله‪،‬‬ ‫وباألخص بعد نكسة حزيران ‪.1967‬‬

‫عمر أميرالي‬ ‫فما يميز تجربة صاحب «الحياة اليومية‬ ‫في قرية سورية»‪ ،‬أنه من المثقفين‬ ‫القالئل‪ ،‬الذين عاصروا انتفاضة الطالب‬ ‫في باريس عام ‪ ،1968‬إضافة ألنه تنقل‬ ‫في مراحل دراسته‪ ،‬بين الغناء األوبرالي‪،‬‬ ‫والمسرح‪ ،‬قبل أن يستقر به المقام في‬ ‫دراسة السينما على يد المخرج الفرنسي‬ ‫الشهير «جان بيير ميلفيل»‪ ،‬ويعود إلى‬ ‫دمشق عام ‪ ،1970‬لالشتغال على‬ ‫أول أفالمه «محاولة عن سد الفرات»‪.‬‬ ‫ق��دم عمر أم��ي��رالي‪ ،‬خ�لال مسيرته‬ ‫السينمائية التي استمرت ‪ 45‬عاماً‪ ،‬ما‬ ‫يقارب ‪ 20‬فيلماً تسجي ً‬ ‫ال‪ ،‬إال أن فيلمه‬ ‫األخير‪ ،‬الذي قدمه في‬ ‫ع���ام ‪2003‬‬

‫‪12‬‬


‫آذار ‪ 2015‬العدد ‪6‬‬

‫هناك‪..‬‬ ‫أشياء كان من الممكن للمرء أن يقولها‬

‫وائل قيس‬

‫عند الحديث عن تاريخ السينما التسجيلية في سوريا‪ ،‬ال بد لنا من الوقوف مطو ًال‪ ،‬أمام‬ ‫تجربة السينمائي السوري عمر أميرالي‪ ،‬الذي صادف تاريخ وفاته ‪ 5‬شباط ‪ ،2011‬ومن‬ ‫ضمن تلك األفالم التي عمل عليها أثناء مسيرته السينمائية‪ ،‬يبرز عمله مع المسرحي‬ ‫الراحل سعداهلل ونوس «‪ ،»1997 – 1941‬الذي حمل عنوان «هناك أشياء كثيرة كان‬ ‫من الممكن للمرء أن يقولها»‪.‬‬ ‫إذ‪ ،‬يقدم أميرالي في شريطه السينمائي‪ ،‬شهادة حية‪ ،‬عن القضية الفلسطينية‪،‬‬ ‫وتأثيرها على المثقفين السوريين‪ ،‬من خالل مقابلته المطولة مع ونوس‪ ،‬قطر ًة‬ ‫قطرة‪ ،‬يأخذنا صاحب «مصائب قوم»‪ ،‬في رحلة استثنائية‪ ،‬مع ونوس‪ ،‬الذي يتحدث‬ ‫عن الدولة الفلسطينية‪ ،‬منذ هجرة اليهود إليها‪ ،‬وصو ًال إلى نكسة حزيران‪ ،‬التي أثرت‬ ‫بجيل المثقفين المعاصرين لها‪ ،‬ووصو ًال إلى زيارة السادات لـ «تل أبيب» وتوقيع‬ ‫ً‬ ‫ونهاية حرب الخليج في عام ‪ ،1991‬وقصف الواليات المتحدة‬ ‫اتفاقية «كامب ديفيد»‪،‬‬ ‫األمريكية للعراق‪.‬‬ ‫جرعة سينمائية مثيرة‪ ،‬محيرة‪ ،‬قلقة‪ ،‬تلك التي قدمها أميرالي‪ ،‬ذاته‪ ،‬من خالل اختياره‬ ‫لصاحب عمل «االغتصاب»‪ ،‬ليكون لسان حال الجيل‪ ،‬الذي نشأ مع بداية الصراع العربي‬ ‫– اإلسرائيلي‪ ،‬ولعل «المزاج الجنائزي» الذي تحدث عنه ونوس في بداية الفيلم‪ ،‬استطاع‬ ‫أن يرسم لوحة سوداوية للوضع السياسي‪ ،‬وانكسارات جيل المثقفين‪.‬‬ ‫هكذا يذهب المتلقي مع أميرالي‪ ،‬كما في جميع أعماله‪ ،‬إلى هموم الحياة‪ ،‬التي كان‬ ‫يرصدها بعدسته‪ ،‬كتلك التي قدمها في عمل «طوفان في بالد البعث» عام ‪،2003‬‬ ‫والذي كان أخر أعماله‪.‬‬ ‫فإشكالية الصراع العربي – اإلسرائيلي‪ ،‬واالنكسارات المتكررة التي عاشها جيل سعد‬ ‫اهلل ونوس‪ ،‬وعمر أميرالي‪ ،‬معاً‪ ،‬هي الشهادة التي تم توثيقها‪ ،‬وعرضها لآلخر‪ ،‬مع ميزة‬ ‫صُورَ فيها الفيلم‪ ،‬أي‪ ،‬تلك المرحلة التي كان سعد اهلل ونوس‬ ‫المرحلة الزمنية التي ِ‬ ‫يعيش فيها‪ ،‬صراعاً مع مرض السرطان‪ ،‬فما أراده أميرالي‪ ،‬لم يكن سوى شهاد ًة‬ ‫ً‬ ‫بشكل عام‪.‬‬ ‫خاصة‪ ،‬والعربية‬ ‫مسجلة‪ ،‬مع أحد أهم رموز المسرح‪ ،‬والثقافة السورية‬ ‫ٍ‬ ‫ومن هنا‪ ،‬تكمن أهمية العمل الذي قدم‪ ،‬في منتصف التسعينيات‪ ،‬من حيث رصد‬ ‫السينما التسجيلية‪ ،‬لهموم حركات التحرر العربية‪ ،‬التي تعرضت لهزيمة قاتلة في‬ ‫منتصف الثمانينيات‪ ،‬أي تلك الفترة التي هيمنة بها سلطة الحزب الواحد‪ ،‬على الحياة‬ ‫الديمقراطية‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫سورية‬

‫آذار ‪ 2015‬العدد ‪6‬‬

‫منبت أول حضارة للبشرية‬

‫بين نهاية آخر عصر جليدي ونهضة روما‪ ،‬كانت الثورة النيوليتية‬ ‫– ثمار العقل األول��ى‪ ،‬وسنابل القمح األول��ى‪ ،‬وكان التاريخ‪،‬‬ ‫وسوريا‪ .‬فبعد انحسار الجليد خرج اإلنسان القديم من كهوفه‬ ‫إلى عالم أوسع ومعطيات جديدة أنتجتها التغيرات المناخية‪،‬‬ ‫ليشكل أول تجمع بشري على األرض السورية مكتشفاً الزراعة‬ ‫وتدجين المواشي‪ ،‬مدركاً أهميتها على استقراره واستمراره؛‬ ‫االكتشافين الذين غيّرا وجه البشرية‪ ،‬بموجب ما عبّر عن‬ ‫ذلك فرديرك انكلز في كتابه «أصل الملكية والعائلة واألسرة»‪.‬‬ ‫فكانت اإلرهاصات األولى النتقال اإلنسان من الحالة الطبيعية‬ ‫إلى الحالة المدنية والتنظيم المجتمعي‪ ،‬كما ترافقت مع نشوء‬ ‫األفكار والمعتقدات الدينية واألساطير والمالحم ‪.‬‬ ‫يؤكد العديد من الباحثين المختصين صحة نظرية البؤرة‬ ‫الحضارية الواحدة التي تشكلت في سوريا‪ ،‬حيث بدأت ونضجت‬ ‫فيها تأمالت اإلنسان البدائية وتصوراته الدينية وأساطيره‬ ‫ومنها انطلقت إلى باقي شعوب األرض‪.‬‬ ‫توالت الحضارات فوق التراب السوري وتطورت بما يتوافق مع‬ ‫ثقافات المراحل التي مرت بها المنطقة‪ ،‬إلى أن تم تتويجها‬ ‫بأبجدية أوغاريت األكثر كما ًال و غنى و شمو ًال في أبجديات العالم‬ ‫القديم إذ تشمل ثالثين حرفاً‪ ،‬أسمى ما قدمته سوريا للبشرية‪.‬‬ ‫تلك األبجدية كانت اختراعاً محلياً صرفاً‪ ،‬وليست تطويراً ألي‬ ‫أبجديةٍ أخرى‪ ،‬فلم تكن تنتمي ألي مجموعة من المجموعات‬ ‫اللغوية السامية التي كانت معروفة قبل أبجدية أوغاريت‪.‬‬ ‫سوريا وتاريخها‪ ،‬حضاراتها وعلومها‪ ،‬أدبياتها ومثيولوجيتها‪،‬‬ ‫وفضلها على اإلرتقاء بالبشرية دفعت عالم اآلثار الفرنسي‬ ‫أندريه بارو للقول‪« :‬لكل إنسان متحضر في هذا العالم وطنان؛‬ ‫وطنه األم وسوريا»‪.‬‬ ‫‪14‬‬


‫آذار ‪ 2015‬العدد ‪6‬‬

‫رزنامة‬

‫مشروع توثيقي للثورة السورية منذ إنطالقتها‬

‫فكرة وتنفيذ محمد بكفلوني‬

‫‪15‬‬


‫صفحتنا على الفيسبوك‬ facebook/zenzanahmagazine facebook/fashalmagazine

‫تحرير المجلة محمد بكفلوني‬ zenzanah.magazine@gmail.com fashal.magazine@gmail.com


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.