الثورات المنجزة وقيادة التغيير )تونس – مصر – ليبيا(
بقلم /حسن أحمد الدقي كاتب من اإلمارات 28/10/2011 1
المفردات: أوال :المقدمة ثانيا :حقائق الثورات المنجزة على األرض ثالثا :إدارة التغيير الثوري أم قيادته؟
أوال :المقدمة إن الحمد تعالى والصالة والسالم على رسول الھدى محمد بن عبد وعلى آله وصحبه ومن وااله إلى يوم الدين ،وبعد: فبعد أن أقر عز وجل عيون المسلمين بسقوط أنظمة البطش والتجبر وبعد أن شفى صدورھم بزوال طغاة أعتى النظم السياسية فقد وجب على المعنيين بشؤون مستقبل األمة أن يُعمِلوا عقولھم وأن يستحضروا ما علّمھم العليم الخبير من مفردات المنھج اإلسالمي وما خبروه من تحول في تاريخ المجتمعات اإلنسانية لتشكيل رؤية تتناسب وعظم المنھج اإلسالمي وتكاليفه من جھة وتستثمر آثار الزلزال التغييري العربي من جھة أخرى وتقوده إلى آفاق التمكين والتموضع اإلقليمي والعالمي ،ولعل أكبر اختبار لعقول وامكانات الدعاة بكل ألوان طيفھم ليتمثل في تحديد ھذه الرؤية ثم مقاربة تنفيذھا ووضعھا قيد التطبيق والتجريب. وإن المتأمل في الصورة الكلية للحراك الذي يعم مناطق الثورات المنجزة ليجد أن أغلب الناس قد غرقوا في إدارة الثورات وتسيير شؤونھا والحفاظ على ما تم إنجازه وبآليات يرجع بعضھا إلى ما قبل مرحلة الثورات مما يعرض الوضع العام لھذه الثورات إلى المراوحة في المكان في أحسن األحوال إذا لم تنتكس مسيرتھا العامة إلى خلخلة تسمح بانقضاض أعداء الداخل والخارج عليھا ولو بعد حين مما يجعل الحاجة ماسة لإلمساك بزمام المبادرة والسيطرة على محاور التغيير ولن يتحقق ذلك إال بإفساح الطريق النبثاق رؤية وقيادة تنتمي إلى المستقبل ال إلى الماضي فقد علمنا الرب تباركت أسماؤه أن من سنن نجاح التغيير وتحقيق أھدافه الكبرى أن يقدم الناس على عالج عوارض التردد والتوقف عن رؤية المستقبل بعيون الماضي كما 2
فعل بنو إسرائيل عندما بدأوا في سلوك مراحل التغيير فسقطوا في االمتحان سريعا عندما اعترضوا بادئ ذي بدء على قائد المرحلة) :وقال لھم نبيھم إن قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم و يؤتي ملكه من يشاء و واسع عليم(البقرة247: وبانبالج فجر التغيير الثوري فقد أعان عز وجل األمة على أخطر ما في التغيير وأسقط المعوق األكبر أمام نھضة األمة وھو معوق النظم السياسية وارتھانھا ألعداء المسلمين فمن نافلة القول أن مظلة النظم السياسية قد اقتاتت في ظلھا كل أنواع المعوقات وتحققت بھا كل التراجعات ،وبسقوط النظام المصري سقطت مرجعية النظام اإلقليمي الذي كانت تدير به أمريكا المنطقة العربية وبسقوط النظام التونسي فقد انتكست مرجعية النظام األمني والذي مثل مرجعية أمنية لكل النظم العربية وبسقوط النظام الليبي توفرت لألمة ساحة عريضة متصلة وتكاملت نذر التغيير في بقعة تمثل قرابة ثلث العالم العربي وقلبه النابض فھي تمتد من حدود األردن وفلسطين شرقا إلى حدود الجزائر غربا ومن البحر األبيض المتوسط إلى إفريقيا الوسطى جنوبا ،وبسقوط تلك النظم فقد تخلصت األمة في مصر وتونس وليبيا من أكبر عقدة كانت تحول دون نھضتھا والتي جعلت حراكھا العقائدي والسياسي يدور في حلقة مفرغة أحالت كل المتعلقين بالتغيير والنھضة إلى ھامش الحراك االجتماعي والسياسي في مجتمعاتھم لفترة زمنية امتدت منذ اتفاقية سايكس بيكو وحتى انھيار النظم السياسية األخير. وإن أھم ما في سقوط النظم السياسية أن ذلك السقوط قد حول الالعبين الذين كانوا على ھامش التغيير إلى العبين رئيسيين يحسب لھم الشرق والغرب كل الحسابات وإذا باألمة في ھذه البقعة تخضع لسنة من سنن التغيير لم تعھدھا من قبل ولم تطؤھا أقدامھم المعاصرة تماما كما مرت تلك السنة على بني إسرائيل وسقطوا مرة أخرى في اختبارھا القاسي فلم يستطيعوا التعامل معھا وكان نبيھم عليه السالم قد أنبأھم بھا قبل أن يداخلوھا) :قال موسى لقومه استعينوا با واصبروا إن األرض يورثھا من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ،قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يھلك عدوكم ويستخلفكم في األرض فينظر كيف تعملون(األعراف129-128: وھنا يكمن السؤال األصعب :ھل يتمكن الالعبون الذين يمثلون ضمير األمة وأملھا من مجرد إدارة التغيير ـ إذ ال نقلة كبيرة تحصل باإلدارة ـ إلى قيادة التغيير واستثمار قابلية األمة للمضي إلى آفاق التمكين واستكمال استخالص حق األمة المسلوب من أيدي المجرمين في الداخل والخارج دون أن يقعوا في شرك الوصاية على األمة؟ أم ستتكرر الدروس المأساوية كما 3
تكررت في ثورة الجزائريين والمغاربة ضد الفرنسيين حتى إذا انقضى القرن العشرين وجدوا أنفسھم يراوحون في مكانھم قرابة نصف قرن ،وكذا آلت ثورة األندونيسيين الحديثة ضد طاغيتھم سوھارتو حتى ورث إندونيسيا جنرال آخر وباسم الديموقراطية األمريكية؟
ثانيا :الحقائق الكبرى للثورات المنجزة على األرض ويحتاج المتطلعون إلى رسم آفاق المستقبل القريب والبعيد والحالمون برؤية تليق بتاريخ وأداء العرب والمسلمين أن يتوقفوا طويال عند الحقائق الكبرى التي تجلت عنھا الثورات على األرض فإن معرفة حصاد األمس خير موجه لتحديد شكل المستقبل وآفاقه) :قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إال قليال مما تأكلون ،ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لھن إال قليال مما تحصنون ،ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون(يوسف49-47: ويمكن استعراض الحقائق الكبرى التي تجلت عنھا الثورات المنجزة كما يلي: * الحقيقة الكبرى األولى التي تجلت عنھا الثورات المنجزة عض األمة بنواجذھا على ثوابتھا: من حب لھذا الدين وتمسك به بلغ حدا تجدد به الدين وھو حد التضحية بالنفس وبالمال والولد وبذل الشھادة في سبيل دون أن تحول الدنيا وزخارفھا من نيل ھذا المبتغى فإذا بمعادلة الغثائية )حب الدنيا وكراھية الموت( تنعكس وإذا بجھود الطغاة وما عملت له األنظمة القمعية العالمية منھا والقطرية من صد للناس عن سبيل يذھب ھباء منثورا. * الحقيقة الكبرى الثانية والتي تجلت عنھا الثورات المنجزة أن دخول مكونات األمة وألوان طيفھا في الحراك الثوري قد أعفى األمة من أن يحملھا أحد جميله ويطالبھا بحقوقه فال األحزاب السياسية وال الجماعات اإلسالمية وال القبائل وال الجھويات يمكن أن تتدعي استحقاقا وتفردا في صناعة الثورات المنجزة وھو الذي حد من تدخل العصبيات والوصاية على األمة أيا كان لونھا في صناعة المستقبل السياسي مما يمھد لمرحلة من الرشد في النظام السياسي ذلك الذي حرمت منه األمة لزمن ليس بالقصير. * الحقيقة الكبرى الثالثة والتي تجلت عنھا الثورات المنجزة وحدة عوامل تشكل وسقوط األنظمة السياسية في العالم العربي واإلسالمي وأخطر تلك العوامل أنھا نباتات غريبة في أرض األمة ال تنتمي إليھا وال تعبر عنھا وال تحمي مصالحھا جمھورية كانت أم ملكية وعندما اذن عز وجل بزوالھا لم يحمھا جبروتھا وال بطشھا وال صالتھا الخارجية مع أنھا 4
استخدمت كل ما كان متاحا لھا لكن عز وجل أحكم حولھا طوق السنن بما عصت الرحمن واستحلت من محرمات المسلمين وبما أعطت من والء للكافرين وبما تجبرت في األرض وبما أتخمت من نھب ثروات األمة وبما أسرفت فحق عليھا قول جبار السموات واألرض) :كدأب آل فرعون والذين من قبلھم كفروا بآيات فأخذھم بذنوبھم إن قوي شديد العقاب(األنفال52: * الحقيقة الكبرى الرابعة والتي تجلت عنھا الثورات المنجزة أن ال يضيع أجر من أحسن عمال فمن كان له نصيب تاريخي في مواجھة األنظمة المتجبرة وكشف زيفھا ودعوة المجتمعات المسلمة إلى أخذ زمام أمرھا بيدھا ومن تقدم على باب الحرية باأليدي المضرجة طوال عقود الھيمنة للنظم المتجبرة فقد كافأه عز وجل بنصيب يتناسب وتلك التضحيات وكافأته األمة بأن جددت ثقتھا فيه إذ لم ينسحب من الميدان عندما الذ الجميع بالصمت بل تحمل في سبيل قول كلمة الحق والصدع بھا القتل والسجن والھجرة في سبيل تعالى ،فال ينبغي أمام ھذه الحقيقة أن يصرف بعض الناس أعينھم عن ھذه الحقيقة الكبرى والتعامل معھا: )ياأيھا الذين آمنوا كونوا قوامين شھداء بالقسط وال يجرمنكم شنئان قوم على اال تعدلوا اعدلوا ھو أقرب للتقوى واتقوا إن خبير بما تعملون(المائدة8: * الحقيقة الكبرى الخامسة والتي تجلت عنھا الثورات المنجزة بأن من تعلق بالنظم السياسية وأسرف في تملقھا من الجماعات اإلسالمية واألحزاب السياسية فقد سقطت مع أوليائھا خاصة من أفتى المسلمين بأن ھؤالء أولياء أمر وطاعتھم واجبة وھم يرون بأم أعينھم أن طاعة النظم السياسية إنما أدت إلى طاعة جورج بوش فھناك ينتھي الوالء ولم يكن لألنظمة يوما قدرة على النظر في مصلحة حقيقية لألمة فھي لم تزدھا إال وھنا على وھن ،فكان جزاء أولئك في الثورات من األداء المعطل من جنس العمل الذي مارسوه طوال العقود. * الحقيقة الكبرى السادسة التي تجلت عنھا الثورات المنجزة أن صراع المشاريع العالمية واإلقليمية في المنطقة قد انعكس بشكل مباشر على تفعيل الثورات العربية من خالل الممارسات القمعية التي سلطھا النظام الدولي على العرب والمسلمين واختصھم وحدھم باستھداف عقائدھم ومقدراتھم فقد تعاون النظام الدولي بكل مفرداته العالمية واإلقليمية على افتتاح القرن األول في األلفية الثانية بضرب أضعف بقاع الكون وھي أفغانستان بينما كل المنظمات االقتصادية العالمية تصنفھا كأضعف منطقة في العالم من حيث القدرات والتنمية االقتصادية ثم وقف العالم متفرجا على ضرب العراق خارج قرارات األمم المتحدة وكذا وقف المشروع اإلقليمي اإليراني متفرجا بل ومتعاونا وھو يدعي حماية المستضعفين والعمل من 5
أجلھم ،ناھيك عن أداء النظام الدولي واالقليمي في القضية الفلسطينية وفتح المجال أمام إسرائيل لتمارس ما تشاء من سياسات االنتھاك للشعب الفلسطيني ومقدسات المسلمين. * الحقيقة الكبرى السابعة التي تجلت عنھا الثورات المنجزة عظم تأثير ھذه الثورات في الوضع اإلقليمي والدولي وتغييرھا لكثير من الحقائق والمسلمات السائدة عبر عقود من الزمن سواء في البعد السياسي أو االقتصادي مما حدى بالقوى الكبرى أن تسارع إلى تبني مقاربة استراتيجية عاجلة تھدف إلى احتواء ھذا التغيير الخطير رغبة في تخفيف مخاطره عليھا في مرحلة اولى ورغبة في استثماره باالتجاھات التي تريدھا في المستقبل القريب والبعيد مع تقسيم مناطق الثورات إلى ثالثة مواقع والتعامل معھا بطرق مختلفة فالموقع األول ھو موقع السير في ركاب الثوار بل ومساعدتھم عسكريا )ليبيا أنموذجا( ثم االنقضاض عليه والموقع اآلخر ھو موقع التفاوض والمساومة الدولية واإلقليمية )سوريا أنموذجا( خاصة في محاولة أمريكا وأوروبا احتواء التمرد اإليراني بغض النظر عن المعاناة الحقيقية للشعب السوري وليست روسيا والصين بمعزل عن ھذه اللعبة القذرة بل إنھما تستخدمان النموذج السوري لتأكيد الدور الدولي لھما والنموذج الثالث ھو نموذج التجميد ومنع حدوث التغيير وصول الثورة إلى نھاياتھا الحاسمة )اليمن أنموذجا(.
ثالثا :إدارة التغيير الثوري أم قيادته؟ * لعل مما أجمع عليه المتخصصون في قيادة التغيير ھو قدرة القائد أو القادة بمجموعھم على إظھار وتحديد رؤية وحلم يختزالن كل ما ھنالك من تطلعات األمة ،وھو حلم ال بد وأن يتناسب مع ضخامة التغيير الثوري وجسامة التضحيات فيه بل إن الربيع العربي قد أصبح ملھما للمسحوقين تحت اآللة االقتصادية األمريكية وبناتھا الراسمالية شرقا وغربا فكيف ال يلھم الربيع العربي أھله؟ خاصة وأن الرؤية التي تحرك الثوار على وقعھا كانت تتلخص في ضرورة التخلص من الديكتاتور والنظام القمعي وليكن بعد ذلك ما يكون وھي رؤية كانت ناجحة وناجعة بل مثلت مفتاح السر في الثورات العربية في مرحلتھا لكنھا سرعان ما انعكست تساؤال حادا بعد انھيار النظام القمعي وماذا بعد؟ إن الثورات تنتظرھا عدة سنن وھذه السنن تنتظم في مسارين متناقضين؟ فإما الوقوع في سنة الثورة تأكل أبناءھا! وإما سنة )ادخلوا األرض المقدسة التي كتب لكم وال ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين(اآلية
6
والعرب في تاريخھم البعيد والقريب يحملون حلما ورؤية يتكون من ثالث حلقات طالما حدث األجداد به األحفاد وھو حلم تجده لدى القروي الجزائري كما تجده لدى الفالح المصري وكذا ستجده في لفائف عمامة العماني على ضفاف بحر العرب أما الحلقة األولى من الحلم فھو حلم الوطن الحر السعيد المستقل وأما الحلقة الثانية فھي حلقة النظام اإلقليمي الذي يشكل مظلة حامية من تالعب القوى العالمية واإلقليمية بھم وھذه الحلقة يعبر عنھا العرب بالنظام العربي القومي وأما الحلقة الثالثة في الحلم فھي حلقة االمتداد العقدي والتاريخي والتي تمثلھا مكة والمدينة والقدس ولمتعجب أن يعجب كيف التقى المسلمون طوال السنين العجاف من القرن العشرين على حمل ھذا الھم المشترك أينما حلوا وأينما ارتحلوا؟ إنھا القدس إذن تلك ھي قصة الحلم وقصة الرؤية فھل ينجح قادة الثورات المنجزة في مصر وليبيا وتونس أن ينسجوا خيوط تلك الرؤية؟ ولسائل ان يسأل ولمتعجب أن يطرق صامتا :كيف أنجزت تلك الثورات على أرض متجاورة حتى أرجعت العرب إلى ما قبل سايكس بيكو عندما كان الليبي يرتحل شرقا وغربا ال يوقفه أحد! * ومن متطلبات قيادة التغيير الثوري أن يجيب القادة عن السؤال التالي :في أي مرحلة وعلى أي أرضية تقف األمة اليوم نسبة إلى الكليات التاريخية والعقدية ومن ثم السياسية؟ وھي إجابة تحتاج إلى معايرة الزمان والمكان بأبعاده كلھا وال شك بأن الناس سوف يذھبون مذاھب شتى في إجابتھم على ھذا السؤال ولكني أزعم ونسبة إلى اشتغالي بما أسميته )المشروع اإلسالمي( أن ثمة منتھيات في القرآن والسنة تعيننا على تحديد موقع اقدامنا فقد أعطانا عز وجل فيھما عدة معادالت الحضارية منھا واالجتماعية ومن تلك المعادالت معادلة االستضعاف والتمكين وإن ربيع الثورات العربي قد كسر آخر األطواق في مرحلة االستضعاف ولكنه بالتأكيد لم يدخل األمة إلى مرحلة التمكين بل دفع بھا إلى المرحلة الوسطى وھي مرحلة التدافع والمدافعة وھذه مرحلة يمكن وصفھا بالمرحلة الرمادية ما بين المرحلة السوداء )االستضعاف( والبيضاء )التمكين( وللمرحلة الرمادية ھذه ظروفھا ومستلزماتھا ووقتھا الذي ال بد وأن يأخذ مداه وإن أھم ما يمكن رؤيته في ھذه المرحلة )التدافع والمدافعة( مايلي: ـ للمرحلة قياداتھا وأقطابھا وھذه القيادات تخرج على غير ما رتب الناس أنفسھم عليه ال عشائريا وال تراتبيا وال ماال وقد يجمع بعضھم مثل ھذه األوصاف لكنھم قادة مرحلة ينتمون إليھا والدرس األھم واألخطر ھنا :إفساح المجال لھم لكي يقوموا بدورھم وال بد من تقاعد القادة التاريخيين وأفضالھم محفوظة.
7
ـ وللمرحلة مجال للتنازع واالختالف الداخلي الواسع والمتنوع وحاجة الناس للتجريب واختبار أنفسھم قبل أن يختبروا ساحاتھم فال بد من إفساح الساحة للخالف وإدالء كل بدلوه فمن كان ذا حبل طويل فال شك سوف يسقي الناس والمتعين ھنا اتخاذ إدارة الخالف وقبوله ابتداء سياسة شاملة بل وتوظيف نتائجه. ـ وللمرحلة ضغطھا وحدتھا وسرعة تبدل الوانھا ما بين العسر واليسر وما بين الھزيمة والنصر وھو ما يحتاج القادة أن يوطنوا أنفسھم ومجتمعاتھم عليه فقد احتاج الصحابة رضوان عليھم إلى الدفع بسبعين شھيد لكي يتعلموا طبيعة المرحلة ومقتضياتھا في معركة أحد. ـ وللمرحلة رماديتھا وضغطھا والذي ينتج ارتكاسا وتراجعا لدى البعض ورغبة بأيام الراحة والھدوء كما يتصورون وما ھي إال روح التعود على العبودية وعدم القدرة على ممارسة السيادة ومتطلباتھا وتنفس أجواء الحرية) :وإذ قلتم ياموسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت األرض من بقلھا وفومھا وعدسھا وبصلھا قال أتستبدلون الذي ھو أدنى بالذي ھو خير اھبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليھم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من ذلك بأنھم كانوا يكفرون بآيات وكانوا يقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانو يعتدون(البقرة61: ولمتأمل أن يتأمل قول موسى عليه السالم):اھبطوا مصرا( مع العلم بأنھم لم يصرحوا برغبتھم العودة إلى مصر لكن مقتضى حديثھم ھو شوقھم إلى أجواء العبودية ورفضا لمتطلبات الحرية والسيادة. * ومن متطلبات التغيير الثوري أن يحدد القادة قائمة بأھم األخطار المحدقة بالثورة بغية تحديد استراتيجية التعامل معھا وفي ظني أن أھم خطرين متحققين بنسبة كبيرة ھما خطر االستالب وخطر االستقطاب ،فأما خطر االستالب فھو الخطر الخارجي الذي يمثله المشروع األمريكي والمشروع األوروبي والمشروع التابع لھما وھو المشروع الصھيوني فالثورات العربية في موقف شبيه بما فعلته االمبراطورية اإلنجليزية متعاونة مع اإلمبراطورية الفرنسية في بداية القرن العشرين فھل يفلح قادة الثوارت المنجزة في التغلب على خطر االستقطاب ھذا والذي سينتھي إلى التوظيف في الحديقة الخلفية للبيت األبيض وھل كان حسني وبن علي والقذافي إال سعاة بريد في نظام الحرب الباردة ثم في نظام القطب األوحد؟ وال يغرنا التقاء المصالح المؤقتة على نقاط محددة لم يكن للشعوب وال لقادة الثورة يد في الوصول إليھا )فقد التقت مصلحة الشعوب ومصلحة أمريكا على ضرورة إحداث تحول ما في األنظمة المھترئة أو الفاشلة كما تسميھا أمريكا ولكن ال فضل ألمريكا في ھذا فقد دفعت الشعوب العربية فلذات 8
أكبادھا بينما أمريكا تنتظر الحصاد المجاني للثورات ،كما التقت المصلحة األمريكية األوروبية اليھودية ومصلحة الشعوب العربية في المنطقة على مواجھة )الخطر( الشيعي اإليراني في المنطقة وال تدري الشعوب العربية من يستخدم من في ھذه المعمعة فقد رأى العرب بأم أعينھم العمامة اإليرانية تنحني لصواريخ توما ھوك وھي تضرب أفغانستان ثم رأوھا مرة أخرى تعيث في العراق فسادا حتى اقامت للشيعة دولة ما كانوا ليحلموا بھا. صحيح بأن المكر ال بد وأن يواجه بمكر ودھاء وصحيح أن التعامل الدولي ال بد منه لكن التركيز ينبغي أن يوجه على عدم الذھاب في شوط االطمئنان إلى ما يسمى بالنظام الدولي بعيدا فمع ھذا التالقي المصلحي المؤقت فإن ألمريكا وأوربا وإسرائيل تاريخھا الذي ال تمحوه ضربات الناتو في ليبيا فھل يقدر قادة التغيير الثوري أن يقودوا شعوبھم بعيدا عن االستالب؟ وأما خطر االستقطاب الداخلي فھو يتمثل في أكثر من بعد ومن أبعاده االستقطاب إما باتجاه حلم االستقرار الوافر الذي ال يعكر صفوه شيء! ويتبع ذلك حلم التنمية الوافرة والرفاه وإما استقطاب باتجاه العيش على وقع االستفزاز الدائم الذي يرى الخطر محدقا من كل مكان فال يترك اللتقاط األنفاس فرصة وال للتجارب أن تأخذ مجالھا في الزمان والمكان وال يعطي فرصة للتعايش واالطمئنان فھذا استقطاب مرفوض في االتجاھين فدون التنمية الوافرة عقبات ال بد من تذليلھا والصبر على حلقاتھا وكذلك استقطاب أصحاب البندقية الدائم مرفوض إال إذا اقتضت الضرورة ذلك وتلك تقدر بقدرھا. ومن أشكال االستقطاب الداخلي بروز بعض األقليات الفكرية والسياسية والمذھبية والدينية والعرقية ومن اصطلح على تسميتھم بالعلمانيين في المجتمعات العربية وتقدمھم بمطالب خاصة وتھويل لخطر التجاوز لحقوقھم حتى كادوا أن يصبغوا المشھد كله بھذه الصورة مع العلم بأنھم كانوا من أكبر المستفيدين من مظالت الحكم الديكتاتوري السابق وثمة أغلبية صامتة وحقوق واسعة تسع الجميع ووطنية تظلل الجميع وأداء شعبي قريب يشھد بالعدل واإلنصاف لھذه األقليات ولئن كان ھناك نوع من التعدي عليھا فقد كان من صنع أنظمة البطش والتجبر والخيانة والذي وصل إلى حد تفجير الكنائس في مصر ثم نسبتھا إلى المسلمين فلما تحرك الربيع العربي مقاوما للظلم بكل أنواعه أطل علينا بعض من ھؤالء مخوفين ومحذرين والعجيب في األمر أنه ليس من رؤية لدى كثير منھم إال تعطيل النھضة الكلية للمجتمع بحجة منع سيطرة اإلسالميين على المشھد السياسي وتلك حجة سمجة تھدف إلى تعطيل الحراك المجتمعي العام وتمنع االلتقاء على كلمة سواء ونظام عادل ينصف الناس أجمعين.
9
* ومن متطلبات التغيير الثوري أن يتمكن قادته من إعادة تعريف ومن ثم محاوالت التطبيق الجادة لنظام الحكم في اإلسالم والذي أعيد تعريفه وتقديمه لألمة بناء على الحراك العلمي والسياسي الذي نشط له العرب والمسلمون منذ سقوط آخر خالفة إسالمية في القرن الرابع عشر الميالدي أو القرن العشرين الميالدي إن شئت إلى يومنا ھذا ،فإذا بالنظام السياسي في اإلسالم شأنه شأن العقائد والعبادات وبقية النظام اإلسالمي له حدود ينتھي إليھا أھما الرشد وھي صفة تلغي كل استقطاب للعصبيات عرقية كانت أو اجتھادية فال وصاية ألحد على أحد في النظام السياسي اإلسالمي بشرط مرجعية الشريعة ال العقل البشري المجرد الذي لم يحتمل قطعة القماش على رؤوس النساء في حكم بن علي وأضرابه وبشرط أن تكون السلطة للشعب ولألمة تفوضھا من تشاء باختيار حر يكون الحاكم ونظامه في ھذا النظام أجراء يحق لألمة أن تحاسبھم وتقومھم وإذا شاءت عزلتھم ،ومن مستلزمات الرشد في النظام السياسي اإلسالمي صفة التعددية سواء في استيعاب المجتمعات المسلمة للمخالفين لھا دينيا أو مذھبيا والتعددية السياسية والحزبية والفكرية التي تكفل حراكا مجتمعيا سليما ،فھل يتمكن قادة الثورات المنجزة أن يتقدموا لألمة بھذا النظام وتطبيقاته والتي يؤمل أن تفتح عصرا جديدا ال للمسلمين وحدھم بل للبشرية في كل مكان؟ * ومن متطلبات التغيير الثوري قدرة قادة التغيير الثوري على رسم مسطرة التعاون والتكامل بين الرؤى اإلسالمية والتجمعات اإلسالمية ووضع ميثاق للتكامل والتعاون والعمل المشترك وتقليل الفروقات والتناقضات إلى أدنى مستوى فھاھنا وقود نووي إن صح التعبير فإما أن يستغل في توليد الطاقة ودفع التنمية وإما أن يدخل في صناعة الكعكة الصفراء في صراع صفري ال يتوقف إال بإفساد كل شيء وھو ما أخبرنا به العليم الخبير) :وأطيعوا ورسوله وال تنازعوا فتفشلوا وتذھب ريحكم واصبروا إن مع الصابرين(األنفال46: ويزيد األمر خطورة كثرة الجھات المستفيدة من ھذا التناقض والصراع وقدرتھم على توظيف التفرق وزيادة حدته مما يمكن أن يعرض التغيير الثوري إلى فشل تام وتوقف للمشروع برمته ،مع ضرورة استيعاب سعة ساحات االختالف الفقھي والفكري والسياسي ولكن األمر ينصب حول الرؤية والمشروع للمرحلة مع توزيع للواجبات واألدوار. * ومن متطلبات التغيير الثوري مدى امكانية قادة التغيير الثوري على مصاولة المشروع األمريكي بالدھاء والمكر الذي تدير به أمريكا الموقف الكلي؟ وعدم االستسالم لمصطلحاتھا المجھزة تجھيزا تقنيا ونفسيا عاليا كمصطلح اإلرھاب الذي طاول استخدامه على العقد من الزمان وال زال يعمل. 10
فأمريكا كالثعلب الذي وقف يوما في أعلى النبع ليشرب فجاء الديك اسفل منه طلبا للماء فخاطبه الثعلب قائال :لقد عكرت علي الماء! فرد الديك متعجبا :كيف أعكر عليك الماء وأنا في اسفل النبع؟ فقال الثعلب :بل فعلت وكذا أخبرني جدي ان جدك كان يعكر عليه الماء فالبد من أن آكلك جزاء لك!! فھاھي أمريكا ومعھا أوروبا يستنسخون مصطلح اإلرھاب والقاعدة مجددا في ليبيا بعد نجاح الثورة فالتخويف بلغ حدا كبيرا من الدور المتصور لإلسالميين ومن قاتلوا على وجه الخصوص وخطورة األسلحة بين أيديھم ،والحل لدى أمريكا واضح جدا فھي عصا غليظة على النظام السياسي الناشئ فإما أن يستجيب لشروط أمريكا األمنية وإال فالفوضى الخالقة تنتظر ليبيا؟ فكيف سيدير قادة التغيير الثوري ھذا الملف الحساس وبأي استراتيجية سوف يتعاملون معه خاصة وأن أمريكا قد جھزت نفسھا لھذا اليوم واستحقاقاته؟ وھل يجرؤ قادة التغيير الثوري أن يحافظوا على استقاللھم الحقيقي مھما كلفھم األمر مع استخدامھم لمسطرة المرونة إلى آخر ما يمكن؟ وبعد ذلك ھل يجرأون على القول ألمريكا في مستقبل األيام :إن الذي دفعنا للثورة على القذافي وأمثاله سوف يدفعنا للثورة عليك إذا أنت لم تنته عن أالعيبك والتدخل في شؤوننا فالجھاد الذي أحله لنا لدفع الظالم القريب من األولى أن نستخدمه لدفع الظالم البعيد ،وھل كان القذافي إال صنيعة من صنائعھا ،ثم أو ما كان ينبغي أن يقدم توني بلير لمحكمة العدل الدولية برفقة سيف القذافي والسنوسي؟ * ومن متطلبات التغيير الثوري قدرة قادة التغيير التقدم بنظام إقليمي بديل عن النظام الميت بل الذي ولد ميتا وأعني به جامعة الدول العربية ألنھم بذلك يستفيدون من قرب الوحدات الجغرافية صاحبة الثورات الناجزة وثقلھا السياسي والسكاني واالقتصادي ويشكلون نواة لمظلة تحميھم من مخاطر االستقطاب اإلقليمي والدولي ،فإن تعذر النظام اإلقليمي فال اقل من تكامل بيني إلى أن تنضج الظروف المواتية للنظام اإلقليمي. 2011/10/28اسطنبول
11