عامان من الثورة العربية أداء وتحديات وآفاق
بقلم /حسن أحمد الدقي ٢٠١٣/١/٢٠
المفردات : • • • •
منجزات الثورة وفق مسطرة المشروع اإلسالمي التقاطع في دائرة صراع المشاريع تحديات حكومات الربيع العربي والجماعات اإلسالمية مؤتمر األمة وآفاق الرؤية
الحمد 2الذي ربط على قلوب المؤمنين وأوجب لھم الظھور والغلبة بقوله) :وال تھنوا وال تحزنوا وأنتم األعلون إن كنتم مؤمنين(آل عمران١٣٩: والصالة والسالم على رسول الھدى محمد بن عبد Aوعلى آله وصحبه ومن وااله إلى يوم الدين ،وبعد: فمع مرور عامين على ثورة الربيع العربي يمكن القول أن الثورة قد وضعت ركائزھا على األرض وأنھا قد اصبحت مرشحة بل ھي كذلك لتغيير وجه األرض كلھا كما تغيرت من قبل ببعثة محمد صلى Aعليه وسلم وما ذلك إال ألن العرب يحملون أعظم األديان وأكثرھا تأثيرا في التاريخ وألنھم يمثلون أمة مرشحة ألن يبلغ سلطانھا ما بلغ الليل والنھار كما وعد بذلك المصطفى صلى Aعليه وسلم في قوله) :إن A زوى لي األرض فرأيت مشارقھا ومغاربھا وإن أمتي سيبلغ مل ُكھا ما ُزوي لي منھا(رواه مسلم. وبانطالق الثورة العربية في الجناح الغربي من تونس إلى مصر وليبيا ثم بنشوبھا مجددا في الجناح الشرقي من اليمن إلى الشام والعراق فقد دل ذلك على أن العرب قد وضعوا أيديھم على أخطر فرصة ومرحلة تاريخية كانوا بانتظارھا وأنھم لن يفرطوا بعد اليوم في التغيير الذي ُھدُوا إليه واآللية التي جاءتھم بعد طول انتظار وعظيم معاناة. • منجزات الثورة وفق مسطرة المشروع اإلسالمي: وقبل تحديد مالمح منجزات الثورة العربية خالل العامين الماضيين فال بد من تمييز مسطرة المشروع اإلسالمي التي ستقاس اإلنجازات إليھا وقد تم اختصار تلك المسطرة بخمس نظريات :أما األولى فھي النظرية التطبيقية لنظام الخالفة والحكم الراشد والمطروحة في كتاب الحرية أو الطوفان وكتاب تحرير اإلنسان وتجريد الطغيان للدكتور حاكم المطيري، والنظريات األربع األخرى كما وردت في كتاب مالمح المشروع اإلسالمي وھي:
نظرية ألوان الطيف :وتدعو إلى تكامل األداء اإلسالمي والتقائه على ساحة واحدة من األھداف الكلية لألمة نظرية الدرع والقلب :وتدعو إلى ضرورة مجابھة مشروع الغزو الصليبي ال ُمح َدث في ب ُعده المركزي المتمثل في سيطرة اليھود على فلسطين وفي بعده البنيوي المتمثل في آليات الحراك األمريكي من غزو للمنطقة وعبر تكامله مع المشروع اإليراني واستخدامه للنظام السياسي العربي. نظرية التغيير الشاملة :والتي تدعو إلى تطبيق كل أنواع نظريات التغيير واالستعداد لألسوأ. نظرية العولمة والظھور :والتي تدعو إلى مالمسة المستوى العالمي سواء تعلق األمر باألمة المسلمة أم بعالقة المسلمين ببقية األمم في الب ُعد الدعوي والحضاري واالقتصادي. وبعد ُمضي عامان من الثورة العربية فيمكن الوقوف على المنجزات التالية: -١
-٢
أسقطت الثورة العربية كل ما تبقى من ادعاء لدى النظام العربي السياسي بإمكانية تصديه ألزمات األمة أو السعي لتحقيق أي مستوى من مصالحھا بل إن الثورة العربية عجلت بتسليط الضوء على خنجر النظام العربي المغروس في أحشاء العرب منذ صقلته اليد اإلنجليزية والفرنسية معا قبل ما يقرب من مائة عام وبھذا تكون الثورة العربية قد وضعت األجيال أمام مسؤولياتھا في استكمال شوط التغيير إلى نھايته ،وھي بحراكھا الثوري وتضحياتھا الكبرى تكون قد استعادت السلطة من مغتصبيھا وھي تدرك أنھا لن تسلمھا إال لمن يستحق أن يمثلھا ويقوم بواجبھا كامال دون نقص وإال فالحساب ينتظره. كما أن األمة بإصرارھا على دفع كلفة التغيير الباھضة تكون قد أدركت أن سر تخلفھا بين األمم طوال قرن من الزمان إنما ھو
-٣
-٤
-٥
-٦
نابع من النظم السياسية التي كبلتھا واستعبدتھا ومنعتھا من قيامھا بدروھا الحضاري. عبرت الشعوب امتحان الغثائية بكل قوة وجدارة حين فضلت الموت على الحياة الذليلة وبذلك فقد أعطت شعوب الربيع العربي اإلشارة لعودة الحياة إلى األمة مجددا. بانتشار الروح الجھادية وتعمق ممارستھا في ليبيا ومن ثم في سوريا ومن قبل في العراق تكون األمة قد خطت خطى واسعة في طريق التغيير وبوصول الربيع العربي إلى سوريا وھي أخطر وحدات دول الطوق كما تسمى تكون األمة قد اقتربت اقترابا شديدا من قلب المشروع الصليبي ونواته الخطرة في فلسطين ولھذا التطور ما بعده ،بل إن ھذا التطور يمس الدرع والقلب معا للمشروع الصليبي. بتفاعل شعوب األمة مع بعضھا البعض وبالروح الجمعية التي ارتفعت في ظل الربيع العربي تكون األمة قد تھيأت الستقبال آلية جديدة للتغيير وھي آلية األمة بعد آلية الشعوب وھي بذلك تكون أيضا قد عبرت جزءا من المنطقة المظلمة التي تحول دون نصرة بعضھا البعض وھي منطقة الفراغ والوھم الوطني، وأخطر أمر يمكن أن يرصد في ھذا الجانب ھو تجاوب األمة مع التوقيت الرباني لتداعي المراحل الثورية عند العرب فھاھي العراق تستجيب للحراك الثوري في وقت دقيق بعد أن صبغت الثورة السورية ساحة العرب بدمائھا ورفعت سقوفھم بشھدائھا فإذا بالعراقيين يدخلون كطرف ھام في المعادلة مع إخوانھم في مالعبة المشروع الصفوي وياله من توقيت قاتل. وقد أسھمت األمة بحراكه الثوري في كشف حقيقة خطرة حرص النظام السياسي العربي أن يبقيھا بعيدة عن األعين خاصة النظام الملكي وھي عدم اختالفه البتة عن شقه اآلخر الجمھوري فھو مسير بنفس أدوات النظام الدولي وھو الذي أسھم من قبل ومن بعد في إفساد قضايا األمة القديمة منھا ٤
-٧
-٨
-٩
والحديثة مما حدد البوصلة لبقية الشعوب باتجاه الثورة وبقاء األعين مشدودة إليھا. لم تتردد األمة في كسر الحدود بينھا عندما احتاجت لذلك وإن كان كسرا جزئيا كما حدث على الحدود التونسية الليبية والجزائرية والمصرية والسودانية أثناء الثورة الليبية وكما حدث على الحدود السورية العراقية والتركية واللبنانية مما يؤشر على طبيعة التطورات في المرحلة القادمة في عالقة األمة أثناء اشتداد األوضاع وتطورھا الخطر. كما أن ثبات العرب على مسيرتھم الثورية وإصرارھم على الدفع باتجاه التغيير مھما كانت التضحيات فتحت أعين غير العرب من األمة المسلمة على طبيعة المستقبل وھاھي إندونيسيا وباكستان تتھيأ لالنتقال إلى ھذه الساحة ،بل إن رياح الثورة العربية مرشحة لتجاوز األمة المسلمة والوصول إلى بقية األمم لكي تتجرأ على مجابھة تغول الرأسمالية من الصين إلى أمريكا الجنوبية. كما أثبتت الشعوب بإصرارھا على استكمال مسيرة الثورة سواء في بعدھا الجھادي أو في بعدھا السياسي على إدراك لطبيعة المعركة واالستعداد للذھاب في الشوط إلى آخره في سبيل تحقيق ما قامت من أجله وھو إسقاط النظم الجبرية وتحقيق حلمھا بالحرية وتطبيق شرع ربھا وقد تبين ھذا في النموذج المصري فيما بعد الثورة وفي النموذج السوري رغم الحصار والقتل الذي يتعرض له الشعب السوري.
• التقاطع في دائرة صراع المشاريع تزامنت الثورة العربية مع تحوالت كبيرة في النظام الدولي وتباين كبير مما يبشر بفرص أكبر سوف تلوح من خالل تطور الثورة ودخولھا في مراحل جديدة كما بشر Aعز وجل نبيه والمؤمنين من قبل بالتحوالت في النظام الدولي) :ألم،غلبت الروم ،في أدنى األرض ٥
وھم من بعد غلبھم سيغلبون في بضع سنين 2األمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ،بنصر Aينصر من يشاء وھو العزيز الرحيم(الروم٥-١: وتبين في ظل تقاطع دائرة صراع المشاريع ما يلي: -١
-٢
-٣
فشلت أمريكا وطوال عقدين منذ سقوط االتحاد السوفيتي وحتى وقتنا ھذا في وضع النظام البديل قيد التنفيذ وھو نظام القطب االمريكي األوحد فال ھي حققت حلمھا وال ھي بالتي حافظت على توازن القوى الدولية ومما يج ّير ھذا التغيير لصالح األمة المسلمة أن أمريكا لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه من ضعف إال بمعركتي كابل وبغداد مما رتب استحقاقا تاريخيا لصالح األمة المسلمة في صراع المشاريع الدولية. ولعل أوضح مظاھر ضعف النظام الدولي قد تبلورت في أمرين مھمين أما األول فھو جمود آليات النظام الدولي المتمثل في مجلس األمن وجمعية األمم المتحدة ففي عقد كامل لم تتمكن تلك اآللية من أن تعيد ترتيب أي أزمة دولية ناشبة سواء تمثلت في أزمة الصومال أو أزمة إيران أو أزمة كوريا أو غيرھا من األزمات ،وأما األمر الثاني فھو االنھيار االقتصادي الذي ضرب عمالقة النظام الدولي خاصة أمريكا وأوروبا والحد من قدرتھما على تحريك األزمات باالتجاه المطلوب و ُيشار في ھذا الصدد إلى اإلنفاق الكبير الذي أنفقته أمريكا على الحربين في كل من أفغانستان والعراق ،يضاف إليه بدء تصدع نظام النقد الدولي العتماده على الربا من جھة والرتباط التضخم النقدي بالعمالت الورقية. تمكن النظام الدولي حتى اآلن من التوازن النسبي حول المسألة السورية وعدم انجذابه للصراع ولكن على حساب دماء األمة وحرماتھا حيث سجل الجناح الشرقي )إيران وروسيا والصين( تفوقا في دعم النظام النصيري وفي الجانب اآلخر وقفت أمريكا ٦
-٤
-٥
وأدواتھا في المنطقة متفرجة ومحاصرة للسوريين كي ال يصلھم الحد األدنى من متطلبات الصراع العسكري. تصدع النظام السياسي العربي )الجبري( بفعل انتھاء الصالحية وبفعل الثورة العربية واضطرار اليھود والنصارى إلى النزول الميداني إلدارة ھذا النظام خوفا من سقوطه النھائي خاصة في البعد األمني والذي يسيطر بدوره على جميع مرتكزات النظام الجبري ،واألثر المباشر لھذه اإلدارة على انكشاف سوءات ذلك النظام للشعوب وتسريع سقوطه ووقوف األمة بالتالي وجھا لوجه أمام أعدائھا األزليين والتعجيل بالمستويات المتقدمة في الصراع. انتھاء مرحلة التماھي بين المشروع الصفوي والمشروع الصليبي واليھودي الغربي بسبب رغبة الصفويين بمستوى من الھيمنة غير مسموح به لدى أصحاب المشروع الصليبي وھو السالح النووي ،واستنفاد المشروع الصليبي لكل أدوات اإلغراء ومحاوالت التفاھم لردع الصفويين الجدد عن سقفھم العالي واستثمار الصفويين لطبيعة التناقض الدولي والسعي لالستظالل بالمظلة الشرقية )روسيا والصين( لتحقيق األطماع الدولية مما يجعل النظام الدولي قريبا من انزالق نحو المجھول، وتزامن ھذا التحول مع وقوع االصطدام األول بين المشروع الصفوي وبين األمة المسلمة في العراق والتثنية باالصطدام الثاني في الشام واضطرار أمريكا لغض الطرف نسبيا عن محركات ھذا الصراع إلضعاف الطرفين ولتھديد الصفويين بالوكالة بدال من االصطدام المباشر بھم ،وما شكلته ھذه الفرصة من الصدام لكشف زيف المشروع الصفوي بادعائه العمل على تحرير فلسطين والذي أدى إلى انقسام واضح بين مكونات األمة في فھم حقيقة دوافع الصفويين تلك إلى أن جاء الصدام الثاني ليضع الصفويين في مقدمة أعداء األمة في ھذه المرحلة.
-٦
-٧
ويترتب على الصدام الجديد بين المشروع الصفوي واألمة المسلمة في الشام اصطباغ المرحلة المنظورة بتبعات ھذا الصدام وامكانية امتداده لكي يشمل العراق مجددا بل وإيران نفسھا ودخول لبنان على خط الصراع. وبتزايد المؤشرات على قرب انتقال عدوى الربيع العربي وتوسعه شرقا وغربا حيث ترشح دوائر المراقبين كال من المغرب والجزائر واألردن والسعودية لاللتحاق بدائرة الربيع العربي وما سوف يسببه ذلك من قلق شديد لدى الدوائر الغربية تجاه ھذا التطور الخطير القريب ،وعليه فقد بدأت مؤشرات محاولة القوى الغربية للتموضع القريب من ھذه الدول تحسبا للتطورات وفي كل االتجاھات ولعله السبب األظھر الذي دعا فرنسا الختراع قصة مالي والزج بقواتھا في تلك المنطقة أما أمريكا فقواعدھا في الخليج وبحر العرب والبحر األحمر تجعلھا قريبة من أي تطورات في ھذا االتجاه ،مما يؤشر بطبيعة المرحلة القادمة في المنطقة.
• تحديات حكومات الربيع العربي والجماعات اإلسالمية ويعتبر وصول اإلسالميين إلى حكم الدفعة األولى من دول الربيع العربي من أوضح معالم المرحلة مع اختالف التوقعات حول المآالت القريبة فضال عن البعيدة لھذا التطور ،كما يعتبر االستقطاب ما بين كتل األداء اإلسالمي )الجماعات( وھي كتلة اإلخوان والسلف والسلفية الجھادية من أھم التحديات التي تلف المرحلة ،ويمكن رصد النقاط التالية في ھذا الباب: -١
يمكن تمييز الحاالت الثالث في الحكومات اإلسالمية ما بين تونس ومصر وليبيا فھي ليست منطبقة في مواصفاتھا وأدائھا فبينما نجح المصريون في لملمة شمل أداء المدرستين اإلسالميتين األبرز وھي مدرسة اإلخوان والسلف والتفافھما حول مبادئ محددة للمرحلة وإدراكھما خطورة التفرق وامكانية
خسارة كل التضحيات التي قدمتھا الثورة المصرية نجد أن النموذج التونسي لم يتمكن من التوصل إلى الحد األدنى من االلتقاء والتفاھم مما جعل األوضاع في تونس مھلھلة إلى درجة كبيرة كما يحسب للمصريين تقدم اإلخوان وبدعم من الشارع المصري لتفكيك أخطر مرتكزات الدولة العميقة والمتمثلة في الجيش واألمن والقضاء وإن كانت المھمة ال تزال صعبة وقاسية بينما لم تتمكن حركة النھضة في تونس من أن تؤدي أي دور بھذا االتجاه مما جعلھا في وضع ال تحسد عليه فھي تسير وفق توجيه مراكز الدولة العميقة ومطلوب منھا التجاوب مع متطلبات الشارع الذي جاء بھا إلى الحكم. بينما تخضع ليبيا لقواعد مختلفة فھي ومع سقوط أخطر قواعد الدولة العميقة من الجيش واألمن لكنھا وقعت في المعادلة الدولية المصممة إلدارة مثل ھذا النموذج وھو إغراء الدولة بتھديد اإلرھابيين واستقطاب كل شيء في الدولة لھذا االتجاه وبالتالي فبدال من عداء الشعب لنظام القذافي تم اختراع عدو جديد وتكاد الحكومة تسقط في األحابيل. -٢
كما يتضح من الوضع العام في دول الربيع العربي من مصر إلى تونس وقوع ھذه الحكومات بين استقطابين خطيرين األول ھو استقطاب األمة نحو ثوابتھا وحريتھا وتطبيق شريعتھا مھما كلفھا من أمر وبين استقطاب النظام الدولي الذي ال يريد لألمة أن تخرج من طوعه ولذلك فھو يستخدم كل ما تقع عليه يده لصرف األمة عن االستقالل الحقيقي عنه سواء ببقايا الدولة العميقة أو من خالل تسليط بقايا النظام العربي )الجبري( كدول الخليج خاصة ومن خالل تحكمه في أدوات االقتصاد الدولي ،وقد نجحت مصر من تجاوز أعقد المراحل عندما تمكنت من إقرار الدستور بينما الوضع في ليبيا وتونس ال يزال غامضا بدرجة كبيرة.
-٣
-٤
-٥
لم تسجل حكومات الربيع العربي عناية كافية بالثورة السورية ولم تستثمر الزخم الثوري السناد األداء في سوريا ال في بعده المعنوي والسياسي كتسيير المظاھرات المليونية واتخاذ مواقف ضاغطة مقارنة مع الحراك الجماھيري الذي سجلته الجماعات والشعوب إبان الغزو األمريكي للعراق في العشرية الماضية، وكذلك لم تتمكن حكومات الربيع العربي وال الجماعات اإلسالمية من دعم الثورة السورية في البعد المادي من الدعم بألوانه عدا بعض المساعدات المحدودة من ليبيا ،مقارنة مع البنية التحتية التي تمكنت الحركات اإلسالمية من إيجادھا بنھاية الثمانينات في دعم الجھاد ضد االتحاد السوفيتي مع فوارق الزمان والمعادالت الدولية لكن الفرصة مواتية لو استغلت. ويسجل للحكومة المصرية دورھا المميز في إسناد الوضع في غزة وإن لم يكن في أبعاده االستراتيجية لكنه وفر مظلة جيدة للمرحلة اتضحت أھميتھا في حرب األيام الثمانية التي خاضتھا حماس ضد العدو اإلسرائيلي في شھر نوفمبر من العام المنصرم ،وتعتبر حكومة حماس في غزة متأثرة بشكل أو بآخر بمعادلة حكومات الربيع العربي مع فارق االستناد الجھادي ،وال تزال القضية الفلسطينية برمتھا في وضع منغلق ال يلوح في أفقھا أي بعد استراتيجي يتعلق بمسار األمة الكلي ولوال التدخل الذي أجرته حماس في اللحظة األخيرة وانفصالھا عن المشروع الصفوي وحربه التي شنھا على األمة في سوريا لكانت األمور ساءت بشكل كبير وال تزال عالمات االستفھام قائمة حول طبيعة العالقة التي تربط حماس بإيران. دلت ممارسات الجماعات اإلسالمية في الثورة السورية على أنھا تعيش حلمھا الخاص بھا وأنھا لم تتمكن بعد من مالمسة سقوف األمة وال ھي أدخلت الحراك الثوري كمتغير تاريخي خطير في معادلة االجتھاد الكلي ،فما بين معول على النظام الدولي في حراكه وأدواته االقليمية كدول الخليج وواقع في
-٦
-٧
حبائله كما رأينا من تطبيقات المجلس الوطني واالئتالف الوطني وما بين متھيئ إلعالن خالفة خاصة به ويعتقد أنه بذلك يضع لبنة في نظام الخالفة الشامل الجامع لألمة من مشرقھا إلى مغربھا وال يخطر على باله أن يفتئت على حق األمة الشرعي بفعله ھذا وما بين مھدد لبقية الفرقاء إن ھم لم يتجاوبوا مع رؤيته واجتھاده وما بين ھاجر للمسألة السياسية باعتبار أن ال عالقة لھا بالمرحلة ،صحيح أن المجاھدين في سوريا قد أظھروا نضجا مميزا مقارنة بما كان عليه الحال في العراق طوال عقد من الزمن لكن األمر يحتاج إلى مشروع وتصور جامع وآليات في التنظيم السياسي والجھادي للتعامل مع المرحلة وتداعياتھا. ومع اشتداد الموقف في الثورة السورية وخطورة االنتھاك لحرمات األمة لكن الجماعات اإلسالمية لم تسجل أي اقتراب من بعضھا البعض وال سعي لحوار وتواصل وحرص على تفكيك العقد في العالقة بينھا مما يدل على بقاء نفس الرؤى التي حكمت العقود الماضية من انكفاء على الذات واعتبار األمة ميدان تجارب ال يحاسب فيھا طرف طرفا آخر ،بل األخطر من ذلك أن المؤشرات تدل على أن سعي الجماعات اإلسالمية لدعم الثورة السورية يتم والعيون مشدودة على تحقيق مكاسب محددة من االستقطاب والحرص على دعم مشروع كل جماعة على حده. سجل المجاھدون تطورا مميزا بمضيھم في عولمة األداء وعدم الجمود في سقف القطر بينما سجل البعض اآلخر جمودا كبيرا بلزوم ما يلزم من سقوف القطر وحدود النظام الدولي مما أدى إلى التدابر والتقاطع وعدم االلتقاء على رؤية مشتركة إلدارة المرحلة.
• مؤتمر األمة وآفاق الرؤية وتأتي مسؤولية مؤتمر األمة وحراكه الدعوي والسياسي في ھذه اللحظة الفارقة من تاريخ األمة لتضع قيادة المؤتمر على المستوى المركزي والمستوى القطري أمام تحديات كبيرة ودقيقة وتتمثل تلك التحديات فيما يلي: -١
-٢
-٣
مواصلة الدفع باتجاه تقديم الرؤية الشرعية والخطة االستراتيجية التي يحملھا مؤتمر األمة لألمة المسلمة والتي تھدف إلى جمع أبناء األمة وقيادات العمل اإلسالمي على كلمة سواء ،وتھدف إلى استثمار كلي للحراك الدعوي والسياسي والجھادي لعقود خلت بحيث يتم وضع الجھود في مسارات متوازية ومتكاملة بدال من مساراتھا المتضاربة والمتناقضة ،والتي تھدف إلى توحيد رؤية األمة حول آليات الصراع والتعامل مع المشاريع المناقضة لعقيدة األمة ومصالحھا. تقديم اآللية السياسية والعملية الناتجة عن اجتھاد مؤتمر األمة والمتمثلة في األحزاب السياسية في األقطار العربية والملتزمة برؤية المؤتمر والتي تسھم ميدانيا في تشخيص المصلحة العليا لألمة في بعدھا القطري واإلقليمي وبعدھا األممي كما تسھم تلك األحزاب في إدارة أزمات األمة والدفع بالحلول العملية والتصورات الميدانية لجلب المصالح ودفع المضار. القيام بدور الحسبة في األمة من خالل تمييز ونصب معايير المشروع اإلسالمي والرؤية الجامعة والتي ستحول بإذن A أو تخفف من التناقضات اإلسالمية الداخلية ما ستمنع أو تقلص من االختراقات الخارجية للمشاريع المناقضة لألمة وھو الذي إن تحقق فسوف يوفر لألمة البيئة المباركة لإلنجاز الحضاري الكلي متبعين قوله عز وجل )الذين إن
-٤
-٥
مكناھم في األرض أقاموا الصالة واتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونھوا عن المنكر و 2عاقبة األمور(الحج٤١: العمل مع كافة األطراف في األمة لتوليد اآلليات التي تتناسب وإدارة المرحلة في ظل أخطر التطورات داخل وخارج األمة أما داخل األمة فيتمثل في الربيع العربي وما أفرزه من واقع جديد وما يتوقع له من امتدادات وأما خارجھا فيتمثل في تدافع المشاريع المناقضة لألمة وسعيھا لفرض إرادتھا وتقويض نھضتھا ،حيث من المتوقع أن تستمر ھذه المرحلة لمدة ال تقل عن عقد من الزمن مما يحتاج معه إلى آليات حراك جديدة توظف طاقات األمة بھذا االتجاه وتفتح أمامھا كل الخيارات لدفع األذى وجلب المصلحة. التخفيف من حالة االستقطاب التي تعاني منھا األمة بين مشروعين يغلفھما شيء من الحرج وعدم الوضوح خاصة في المآالت النھائية لھما وھما مشروع اإلخوان المسلمين والذي يبدى نوعا من المسايرة لضغوط األعداء خاصة المشروع األمريكي والذي يخشى إن بقي مستمرا في نفس االتجاه أن يكون أقصى سقوفه ھو تحسين شروط النظام الجبري الذي يحكم األمة دون أن يغير فيه كبير أمر وھو ما اصطلح عليه باإلسالم السياسي كما يعتبر سقف ھذا المشروع سقفا مھددا لمصلحة األمة العليا وھو السقف القطري الوطني ،وأما المشروع الثاني فھو مشروع السلفية الجھادية أو مشروع القاعدة وعلى فضل ما في ھذا المشروع من تطبيق جھادي وتعلق مبارك به لكن محدودية التصورات النھائية فيه تجعل أقصى سقوفه ملكا عضوضا، وھو ما يتناقض مع ما وعد به Aورسوله من استخالف في األرض وفق السنن الراشدة والتي سيبلغ بھا ھذا الدين ما بلغ الليل والنھار.
-٦
التنبه إلى تطور طبيعة الصراع وآلياته بين مشروع األمة والمشاريع المناقضة له وتمحور الصراع على أربع ساحات ال تخطئھا العين :أما الساحة األولى فھي ساحة مدافعة المشروع الصفوي والتي تمتد من سواحل لبنان غربا إلى حدود أفغانستان شماال وارتكاز الصراع على الجناح السوري والعراقي في مراحله األولى ،وأما الساحة الثانية فھي ساحة مدافعة المشروع اليھودي والتي ترتكز على الجناح المصري بالدرجة األولى ثم الجناح الشامي ،وأما الساحة الثالثة فھي ساحة مدافعة المشروع األوروبي والذي يقوده الفرنسيون والتي تعتمد على الجناح الجزائري وما جاوره من شمال إفريقية ،وأما الساحة الرابعة فھي ساحة مدافعة المشروع األمريكي والتي تعتمد على الجناح اليمني وجناح جزيرة العرب ككل. -------تم بحمد Aتعالى ------
٤