الثورة العربية في ظل المرحلة االنتقالية تونس أنموذجا بقلم /حسن أحمد الدقي ٢٠١٢/٧/١١ إن الحمد $تعالى والصالة والسالم على رسول الھدى محمد بن عبد وعلى آله وصحبه ومن وااله إلى يوم الدين ،وبعد: فقد يسر عز وجل زيارة األخوة الدعاة في تونس )حزب جبھة اإلصالح( من ٢٢-١٧ يونيو ٢٠١٢بوصف الحزب أحد مكونات ألوان الطيف اإلسالمي التونسي والذي ُيرجى أن يكون أحد الالعبين األساسيين على الساحة التونسية في المستقبل القريب ،خاصة بعد أن تبلورت رؤية ھذا الفريق مؤخرا نحو ضرورة التقدم لممارسة العمل السياسي الحزبي وفق ثوابت األمة ومصالحھا الكبرى وبعد أن ثبت بأن عامل الثورات قد أصبح من أھم المتغيرات في معادلة األمة اإلسالمية في إطار سعيھا لالنعتاق من النظام الجبري وخضوعه األزلي للنصارى.
١
وھذه أھم نتائج الزيارة وتوصياتھا :في المفردات التالية:
أوال :مؤشرات ظرف المرحلة االنتقالية الدقيق ثانيا :ملخص األخطار الكبرى على المسيرة اإلسالمية؟ ثالثا :أھم مبادئ األداء السياسي في ظل الثورات العربية
أوال :مؤشرات ظرف المرحلة االنتقالية الدقيق: يأتي إعالن األخوة لجبھتھم في وقت دقيق سواء للجھات المناھضة للمشروع اإلسالمي أو للجھات العاملة على إحيائه ،فالبنسبة للمجرمين من بقايا النظام ومن يدعمونھم خاصة أدوات النظام الدولي )األمريكي( والذين يعملون على إعادة ترتيب أوراق النظام ووضعه من جديد على سكة االرتباط والوالء وإخراج تونس من وضعية ما أصبح يطلق عليه النظام الدولي )بالدولة الفاشلة( فإن ھذا الطرف قد تبلورت استراتيجيتة على المسارات التالية: المسار األول :إعادة إنتاج النظام التونسي واالطمئنان على مرجعيته ككل لإلدارة العسكرية واألمنية واالطمئنان إلى استيعاب متغيرات الثورة التونسية من داخل ھذا النظام ويبدو أن تحقيق ھذه االستراتيجية قد قطعت شوطا جيدا حتى اآلن لكن ال يزال الخطر قائما على مستقبل النظام في حال تجددت العوامل الثورية وھو ما يدفع بھذا الطرف إلى استخدام عملية التبريد واإلطفاء النھائي للثورة وعواملھا. المسار الثاني :صناعة الوجه الجديد للنظام والذي تم توزيعه بين طرفين الطرف األول ھو حزب النھضة والطرف الثاني خليط من العلمانيين القدماء والمستجدين وقد وُ ضعت لھذه االستراتيجية ضمانات كثيرة حتى تمضي بھذا االتجاه وھو اتجاه صناعة )اإلسالم السياسي( ومن أھم تلك الضمانات مرجعية النظام لرئيس الدولة العلماني )المرزوقي( وھي صناعة فرنسية قديمة بحيث تكون مراكز الدولة حصصا موزعة على جھات محددة كما فعلت من قبل في لبنان ،وإحدى تلك الضمانات تثبيت حق التجمعات العلمانية في المعادلة السياسية ٢
في تونس ،وأخطر تلك الضمانات التوريط التدريجي لحزب النھضة في إدارة المرحلة االنتقالية مع بقاء مفاصل الدولة األمنية متحكمة في النظام فھو إن تفھم مراد المفسدين في الداخل والخارج وقبل أن يندرج ضمن المعادلة التي تحرص أمريكا وأوربا على تثبيتھا في تونس فقد اصبح مسمارا في آلة ضخمة بل ويتحمل على كاھله كل الغضب الشعبي من ضعف فاعلية الحكومة في استجابتھا لمتطلبات الثورة وتحسين األوضاع العامة للشعب، وقد وضع صناع ھذه المعادلة حزب النھضة التونسي في وضع ال يحسد عليه فھو تحت رقابة ذاتية تتمثل في استجابته لفسح األجواء التونسية على األداء العلماني ولو بدرجات متفاوتة وھو من ناحية أخرى قد قبل ولو جزئيا بالتخندق مع العلمانيين ضد ما يسمى )باإلرھاب اإلسالمي( وھو ما يحتاج إلى خطوات عملية ظھرت أولى تجلياتھا بإعادة إنتاج النظام القمعي )تكاد المساجد التونسية أن تعود تدريجيا لسيرتھا األولى في إحكام السيطرة( بل إن االعتقاالت األخيرة التي طبقت ضد تيار السلفية الجھادية كان تحت طائلة قانون اإلرھاب المعتمد في عھد الرئيس بن علي! والسؤال الذي يطرح نفسه ھنا :ھل يتمكن حزب النھضة من اإلفالت من قبضة بقايا نظام بن علي -وھي بقايا معتبرة الوزن -ويقود تونس نحو استيفاء وتحقيق تطلعات الثورة التونسية أم يجد نفسه ال قدر يعيد تاريخ الحزب اإلسالمي العراقي والذي وجد نفسه في آخر المطاف خارج اللعبة تماما؟ حيث استخدمه المشروع األمريكي والمشروع الفارسي على حد سواء ثم لفظه االثنان كما ُتلفظ العلكة بعد نفاذ حالوتھا. المسار الثالث :إبقاء الساحة السياسية واالجتماعية في تونس في حالة من الالتوازن واالستقطاب والضعضعة في كافة النواحي األمنية والسياسية واالقتصادية وتقديم الساحة التونسية كنموذج على فشل الثورات العربية ،وتعتمد ھذه االستراتيجية على عدة أدوات ومن أخطر تلك األدوات تقسيم الساحة اإلسالمية إلى معتدل )وسطي( ومتطرف )إرھابي( وأغلبية ضائعة بينھما ال تعرف لمن تتجه بل واستخدام ھذه المعادلة إلجبار المجتمع التونسي على معاداة االتجاھات اإلسالمية والعمل على االنعتاق من االرتباط بھا ،ويتخذ المجرمون الذين يحاولون إفساد الساحة التونسية وسيلتين مھمتين لتحقيق ھذه المعادلة واالحتفاظ بھا أما الوسيلة األولى فتتمثل في تسليط الضوء على مجموعات السلفية الجھادية وتضخيم )خطرھا( على المجتمع أما الوسيلة الثانية فھي دفع حزب النھضة الحاكم لكي يدخل في مسارات محاربة السلفية الجھادية بكل الوسائل بل والدخول في استراتيجية تجفيف منابع الحراك السلفي بعموم وااللتقاء مع استراتيجية بن علي األمنية في ھذا السبيل. ولم تكن مسألة نشر الصور المسيئة في تونس مؤخرا إال اختبارا للساحة التونسية ومساعدة مبكرة على توجيھھا باالتجاه الذي ترغب فيه غرفة العلميات األمنية التي تدير تونس حاليا فقد أدى ذلك النشر إلى ثالث نتائج خطرة؟ النتيجة األولى :تموضع حزب النھضة في الخانة الحكومية الملتقية مع االطروحات العلمانية ،والنتيجة الثانية:بقاء األغلبية صامتة ٣
ومتخوفة وخاصة االتجاه السلفي الذي تم إرعابه بإشاعة أن الجيش يستعد لالنقالب على الحكومة -وكأن الحكومة الحالية غير مرضي عنھا من قبل الجيش -والنتيجة الثالثة :التحكم في ردات فعل السلفية الجھادية وسوقھم إلى النقطة التي أرادتھا غرفة العمليات األمنية بعد أن يظھرون كمجموعة معزولة عن المجتمع التونسي وبدء االعتقاالت في صفوفھم وھو مايؤدي بدوره إلى حنق افراد السلفية الجھادية على مكونات المجتمع التونسي ويمضي الجميع في االتجاه الذي تريده غرفة العمليات األمنية. وكان واضحا من المخطط أن المسألة أريد لھا أن تصل إلى ھذه النتائج قبل إطالقھا ،بل ثبت أن خروج السلفية الجھادية لالحتجاج على الرسوم المسيئة وتجمعھم جاء بناء على قيام رمز أمني معروف بالدعوة للتظاھر وتحديد زمان ومكان ذلك التظاھر وكانت الكتائب األمنية بانتظارھم وبقية المسلسل معروف حيث قام مجھولون باالعتداء على مباني وأمالك وجاء الرد األمني بقتل متظاھر وشن حملة اعتقاالت ومداھمات استمرت اياما. وقد نصحت األخوة في جبھة اإلصالح بأنه كان ينبغي عليھم في التعامل مع موضوع نشر الرسوم المسيئة أن يبادروا بقيادة الشارع اإلسالمي في تظاھرة سلمية وأن يجمعوا ألوان الطيف لالحتجاج المنظم والمؤثر فھو األولى حتى يسھموا بإعالم الجميع أن المقدسات خط أحمر وال يمكن تجاوزه وكان ينبغي وضع ھذا الحراك في إطار حق المجتمع التونسي الثائر في التعبير عن رأيه وعدم السماح بتجاوز العابثين الذين يريدون أن يحولوا تونس إلى باريس فقد سقط مشروع باريس مع سقوط بورقيبة وبن علي وال مجال لعودته وكان األولى أن يستثمروا حرية التعبير لزيادة معدل األداء والمحافظة على الثوابت ال أن يستجيبوا لضغوط حزب النھضة فالظروف التي تحكم حزب النھضة بحكم اختياره ال تحكمھم. المسار الرابع :استراتيجية امتصاص نمو الجماعات اإلسالمية )خاصة الجماعات السلفية وحزب التحرير( ومنعھا من قطف ثمار الحراك الثوري وذلك من خالل استيعابھا في الحراك الحزبي السياسي واستدراجھا لالنخراط في الممارسة السياسية والبرلمانية بحيث يؤدي ذلك االنخراط إلى االعتراف بكل مكونات العملية السياسية وعدم القدرة على معاكسة التيار خاصة مع البدء بإقرار قوانين المرحلة وقد بدأت أولى الخطوات في تونس من خالل تفعيل قانون اإلرھاب أخطر قوانين بن علي ومحاكمة أعضاء السلفية الجھادية إليه؟ وفي ظل السيفين المسلطين على الممارسة السياسية والبرلمانية وھما :سيف النظام األمني والعسكري وسيف الكتل العلمانية فسوف تدخل العملية السياسية في مسار متحكم فيه فما ھي االستراتيجية التي سيدير بھا ھؤالء اإلسالميين المرحلة؟ مع العلم بأنه قد تمكن مؤخرا أحد أھم رموز النظام وھو الباجي القائد السبسي من ترخيص حزب علماني جديد يتوقع له أن يرث مخلفات نظام بن علي ويدخل للمرحلة الجديدة من أوسع أبوابھا. ثانيا :ملخص األخطار الكبرى على المسيرة اإلسالمية؟ ٤
وھذه األخطار تتعلق باألداء اإلسالمي قبل أن تتعلق بأعداء األمة بل إن أداء أولئك األعداء إنما يعتمد في المقام األول على التمزق وضعف الرؤية الذي يعاني منه األداء اإلسالمي الكلي فقد أصبح التناقض بين اإلخوان والسلفيين والسلفية الجھادية ھو األرضية األساسية التي تستغلھا أمريكا للعب بالمعادلة اإلسالمية. ويمكن بلورة األخطار الكبرى إلى ثالثة أخطار وھي: الخطر األول :امكانية سقوط فريق المترشحين من اإلسالميين لقيادة المرحلة )وأقصد بھم اإلخوان المسلمين( في أحضان المشروع األمريكي وضعف القدرة على رؤية الخطر الحال المتمثل في رغبة أمريكا وأوليائھا إلعادة إنتاج النظم الموالية لھا من خالل التضحية بكباش الفداء )بن علي ومبارك والقذافي وصالح وبشار( وإبقاء أصل النظم متجذرا وعميقا في األرض العربية من خالل المؤسسة العسكرية والمؤسسة األمنية ومن خالل السماح لفريق )اإلسالم السياسي( إلدارة المرحلة االنتقالية وإبقاء مشروع سايكس بيكو حيا مع إدخال التعديالت الالزمة عليه ،وأخطر ما في ھذا الجانب التقاء كل من الفريق األمريكي وأوليائه القدامى في المنطقة خصوصا دول الخليج وفريق اإلسالم السياسي عند نقطة محاربة )اإلرھاب( وھو مصطلح واسع يمكن إدخال كافة مفردات النھضة اإلسالمية في ظله. خاصة وأن أمريكا توظف سياسة العصا والجزرة إلدخال اإلخوان المسلمين في الخانة التي ترغب بھا فكلما أثبت اإلخوان قربا من المشروع األمريكي تمت مكافأتھم بتسھيل تموضعھم في الحكم وكلما ابتعدوا وقاوموا قامت أمريكا بوضع العصا في عجلة الحكم وجمدتھم عند نقطة محددة كما فعلت بحماس من قبل حيث رفضت حماس االستجابة لكافة شروط االنخراط في العملية السياسية والسلمية التي حددتھا مبادرة األمير عبد ومنھا إسقاط السالح واالعتراف بحق اليھود في سيطرتھم على فلسطين! الخطر الثاني :إصرار الفريق اإلسالمي الذي بات يعرف بالسلفية الجھادية على العمل المنفرد وعدم االنصياع آللية التغيير الجديدة التي أدخلتھا الشعوب العربية على مسار التاريخ ومآالت النظام الجبري بل والنظام العالمي وتلك اآللية ھي آلية التغيير عبر الشعوب وبكتلتھا الحرجة التي تشبه كتلة االنشطار النووي وأقصد بھا الثورات العربية ،بل ويبلغ األمر بھذا الفريق أنه لم يعد يقدر الروح الثورية -والثورة أداته -وال الفعل الجھادي الذي تأسس عليھا )ليبيا وسوريا(؟ واستمرار ھذا الفريق في الحراك الجھادي من خالل آلية الجماعة وعدم االعتبار بآلية األمة مما يھدد بتحول إصرار ھذا الفريق على اجتھاده إلى نوع من الوصاية الكاملة على األمة ،ولعل درسا العراق واليمن وممارسة ھذين الفريقي فيھما ينبغي أن ال يفوتا ويستوعبا وأن يستصحبا في تطوير االجتھاد وتوسيع دوائره وأعني به انفراد ھذا الفريق بإعالن دولة العراق اإلسالمية والذي أحدث فجوة ما بين أداء فرقاء الجھاد في العراق مما مكن أمريكا من استغالل تلك الفجوة وغيرھا من الفجوات لكي توجه ٥
ضربتھا وتضعضع المد الجھادي المبارك في العراق وإن كان دم الشھداء ال يضيع وال يذھب سدى ،وكذلك ما حصل من اجتھاد ھذا الفريق في اليمن إبان اشتعال الثورة الشعبية فقد تضعضعت الثورة بفعل انحياز فريق اإلخوان للمبادرة الخليجية وبفعل إشعال فتيل التوتر من قبل القاعدة. ومع اعتماد أمريكا وأوليائھا العرب على تفريق الصف اإلسالمي وضرب أداء األمة الكلي من خالل االستراتيجية األمنية وجعل حراك السلفية الجھادية يرتد إلى صدرھا وصدور األمة عبر االختراقات األمنية وتوظيف خطاب السلفية الجھادية للمحافظة على القطيعة الكاملة بين األمة وبينھا فإن الخطر بات محدقا ومتعاظما ما لم يتدارك العقالء واألمناء ويصلحوا ما فسد كما فعل الحسن بن علي رضي عنھما فيستحقوا بذلك لقب السادة كما استحقه الحسن غير منقوص بقول رسولنا صلى عليه وسلم في الصحيح) :إن ابني ھذا سيد وإني ألرجو أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين(رواه أبوداود وصححه األلباني. الخطر الثالث :بقاء األغلبية الصامتة في األمة خارج إطار معادلة التأثير وضعف القدرة على توليد اآلليات التنظيمية والحركية والتي تفتح الباب لدفع كتل دعوية وسياسية جديدة للساحة مما يجعل ساحة األمة مستقطبة لتجارب قديمة ،وقد استدركت نسبة جيدة من أصحاب االتجاه السلفي في األمة لسد ھذه الثغرة واستثمار الفرصة التغيرية لدفع األداء السياسي في األمة من خالل التقدم بأحزاب سياسية ولكن ال تزال العقبات كثيرة وكبيرة أمام ھذا الفريق خاصة فيما يتعلق بقدرته في استيفاء واستكمال متطلبات الرؤية واالجتھاد للتعامل مع المرحلة ،وتحديد الدور الدقيق الذي يمكن أن يلعبه ھذا الفريق كقادم جديد يوازن في أدائه ويسھم في إخراج األمة من محنتھا ،فھل يتمكن ھذا الفريق من طرح المشروع اإلسالمي في أبعاده كلھا السياسية والجھادية وفق ثوابته العقدية والتطبيقية وتسويقه في األمة وفي التعامل مع طبيعة المرحلة والمعركة المترتبة عليھا وإتقان استخدام أدوات إدارة الصراع وفي وضع االستراتيجية الالزمة للعب الدور الرقابي والمساھمة في إخراج األمة من حالة االستقطاب الحاد والمتمثلة في االنغالق القطري وانغالق الجماعات اإلسالمية على نفسھا وفي قدرة ھذا الفريق على طرح مسألة تجاوز مرجعية النظام الدولي والبدء في شق طريق االستقالل الحقيقي لألمة ،ولعل من أھم التحديات التيي تواجه ھذا الفريق قدرته على استثمار المرحلة إلعالن التشكيل الحزبي السياسي وطرح المشروع اإلسالمي والمرور عبر ألغام النظم السياسية دون الوقوع في شرك المساھمة بإضفاء الشرعية على النظم اآلخذة في التشكل وفق المرجعية األمريكية؟ ومساعدة األمة على مصاولة المشاريع المتساندة في المنطقة وھي المشروع األمريكي والمشروع اليھودي والمشروع الفارسي الشيعي وبقايا المشروع الجبري. ٦
ثالثا :أھم مبادئ األداء السياسي في ظل الثورات العربية وتأتي ھذه المبادئ كانعكاس لالجتھاد والرؤية اإلسالمية للمشروع اإلسالمي في مساره االستراتيجي وفي ظل مرحلة الثورات واستثمارھا لتحقيق نقالت جديدة نحو المرجعية اإلسالمية واالستقالل الحقيقي لألمة ،وما كان للدعاة أن يتقدموا نحو ھذه الممارسة في ھذه المرحلة إال بعد أن دخلت آلية األمة والشعوب في التغيير وأسھمت في إسقاط مراكز ثقل ھامة في النظام الجبري وما آلت إليه األمور من فسحة ينبغي أن تستثمر لصالح دفع التغيير في األمة واستكمال أشواطه وعدم ترك الساحة بين كتلتين ال تخطؤھما العين أما الكتلة األولى فھي كتلة اإلخوان المسلمين فبالرغم من تاريخ ھذه الكتلة المبارك في وقوفھا بوجه النظام الجبري لكن الخوف قائم مما يمكن أن يعتري ھذه الكتلة من ليونة تجاه النصارى المتحكم األول في نظم الحكم عند المسلمين وفي ھذه الحالة سوف ينجح النصارى في إعادة إنتاج النظم السياسية ولكن بغطاء إسالمي ھذه المرة بعد أن سقط الغطاء القومي العلماني، وأما الكتلة األخرى المتحكمة في الساحة فھي الكتلة العلمانية والتي تشھر سيف الحقوق السياسية وحقوق المواطنة لكي تستمر في حرف األمة بعيدا عن النظام السياسي اإلسالمي. كما أن ھذه المبادئ المطروحة والمقترحة في ھذا السياق تھدف بجملھا إلى حراسة ساحة الممارسة السياسية من أن تخترق أو توظف لصالح مشروع غير مشروع األمة ومسارھا نحو التمكين. المبدأ األول :اعتبار األداء السياسي مظلة لألمر بالمعروف والنھي عن المنكر وذلك بمستوياته الدستورية والعامة كون األداء السياسي أصبح مرجعية للحراك االجتماعي والحضاري فلم يعد للدعاة من عذر إذا تخلفوا عن استخدام ھذه األداة ،ويتم ذلك عبر تكتيل قوى األمة الحريصة على المرجعية الشرعية والقيام بواجب النصح لألمة في كل شؤونھا كما ورد عنه صلى عليه وسلم في الصحيح بقوله :إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة قالوا لمن يارسول ؟ قال $ :وكتابه ورسوله وألئمة المسلمين وعامتھم .رواه أبوداود وتتنوع أدوات القيام بھذا المبدأ وتطبيقه على عدة مساحات فھناك مساحة العالقات المباشرة بألوان طيف التجمعات السياسية واالجتماعية خاصة ممن يرفع الراية اإلسالمية وعقد الندوات الخاصة والحوارات الفردية والجماعية بغية فھم حقيقة ما يجري على الساحة السياسية وبغية توصيل النصيحة بشكل مباشر والتخفيف من حالة االستقطاب السياسي واالنكفاء الداخلي. ومن أدوات القيام بمبدأ األمر بالمعروف والنھي عن المنكر ممارسة ھذا الدور عبر أدوات الشورى المؤسسية أو ما يعرف بالبرلمان من تشجيع إقرار القوانين اإلسالمية النابعة من ٧
الشريعة اإلسالمية وعبر توقيف التأثير العلماني المفسد وعبر االعتراض على إعادة إنتاج النظام الجبري الفاسد وعبر حراسة األداء الحكومي من أن يتحول إلى القمع والفساد مجددا. ومن أدوات القيام بمبدأ األمر بالمعروف والنھي عن المنكر ممارسة ھذا الدور عبر األجواء العامة وأدوات التأثير العام من خالل اإلعالم والتظاھرات والمساجد والمحاضرات والعرائض وغيرھا وجمع رموز األداء الشرعي والسياسي في بوتقة واحدة سواء بالمنضوين في العمل السياسي أو المتعاونين والمستقلين بدال من االكتفاء بالفتاوى الفردية وترك منابر المساجد دون دعم من الرأي العام وأدواته. المبدأ الثاني :سقف األمة ھو المرجع والموئل ويؤسس ھذا المبدأ لعولمة األداء اإلسالمي في بعده االستراتيجي كمرحلة أولى وعلى أقل تقدير فإن عوامل العولمة اإلسالمية سواء في بعدھا العلمي الشرعي أو في بعدھا التطبيقي العملي ھي التي تضمن مصاولة حقيقية للمشاريع المناقضة لألمة والتي تستخدم عولمة أخرى توظفھا لصالح سيطرتھا وتمددھا فھل يخفى العامل األمريكي ومن خلفه كل أوليائه في إدارة شؤون األمة وأزماتھا في العراق وباكستان والجزائر فضال عن سوريا وفلسطين وليبيا وتونس ،وعليه فإنه ال يمكن إدارة المعركة استراتيجيا في تونس إال بفقه واستيعاب أسس ھذه المعركة وامتداداتھا االقليمية والعالمية وال بد من استثمار وحدة العامل اإلسالمي ومكوناته في القضايا المختلفة سواء كانت قضية الصومال أو قضية سوريا وال بد من إعداد الكوادر القيادية التي ترتقي إلى فقه مكونات سقوف العولمة اإلسالمية وما يقابلھا من عولمة بقية المشاريع.
المبدأ الثالث :المعارضة القوية المستنيرة فإن المرحلة ومعطياتھا من حيث استحقاق مراحل سابقة وتقدم اإلخوان في ھذه المرحلة للقيادة وملء فراغ السلطة الجزئي ومع ما يكتنف المرحلة من غموض خاصة فيما يتعلق ببقاء جذور النظم السياسية متمثال في المرجعية األمنية والعسكرية ومع ما للمنطقة العربية من أھمية استراتيجية واقتصادية قصوى وسعي أمريكا عبر أدواتھا االستخبارية والسياسية إلعادة إنتاج النظم السياسية الموالية لھا ونتيجة لعدم نضج الشارع اإلسالمي وامكانية التالعب بعواطف الناس ومشاعرھم فإن التلبس الكامل بمعطيات المرحلة السياسية يھدد باستالب األداء السياسي الممثل للتيار السلفي واستخدامه من قبل اآلخرين في تمتين شرعية النظام اآلخذ في التشكل وبالتالي تحقق خسارة مزدوجة فال مسيرة الثورات تمت المحافظة عليھا وال األداء السياسي المستجد بلغ أھدافه المتوخاة؟ ٨
وفي ظل معطيات المرحلة المذكورة آنفا فإن الدخول السياسي في المعادلة اآلخذة في التشكل ال بد وأن يكون حذرا وأن يحتفظ الداخلون بخط رجعة تمكنھم من التحكم في مسيرتھم بدال من أن يتحولوا إلى ركاب في سفينة قد انكسرت دفتھا في عرض البحر. وعليه فإن الخط األحمر الذي ينبغي أن يلتزم به الداخلون الجدد في الممارسة السياسية ھو سقف المعارضة القوية المستنيرة؟ ويفرض ھذا المبدأ عدة استحقاقات مرحلية ومن أھمھا عدم الدخول في مشاركة حكومية كلية أو جزئية إال في حالة واحدة وھي في حال التزم طرف األغلبية بميثاق إسالمي واضح يجعل الميزان يميل لصالح أغلبية األمة من حيث االلتزام بثوابتھا واستقاللھا والتعاون على استعادة قرار األمة من المرجعية األمنية والعسكرية المرتبطة بالنصارى وتشكيل كتلة إسالمية تستند على اختيار األمة وتسعى إلخراجھا من االستقطاب الخارجي والداخلي ،وأما إذا بقيت األوضاع في حالة من الضبابية والدوران في ظل وعود عامة وبقاء تفضيل األغلبية الحاكمة لتحالفھا مع العسكريين والعلمانيين فإن سقف المعارضة ھو السقف الضامن لعدم االنخراط في معادلة تفضي إلى إعادة إنتاج النظم القديمة. المبدأ الرابع :مبدأ التعددية اإلسالمية السياسية وھو مبدأ يعتمد في بعده الشرعي على صفة الرشد كصفة وكسمة أساسية في نظام الحكم في اإلسالم بناء على ما ورد في أسس االستخالف والحكم الراشد فال مرجعية عصبية تفرض على األمة الحكم العضوض فضال عن الحكم الجبري وأن ممارسة الرشد لن تتحقق إال بفسح المجال أمام التكتالت اإلسالمية والوطنية التي تعتمد ثوابت األمة وتحترم أغلبية ثقلھا لكي تمارس حقھا في التجمع وممارسة األداء السياسي ،وأن الحفاظ على الحقوق بكل أنواعھا لن يتم إال من خالل حرية تعبير كتل األمة عن تلك الحقوق والمطالبة بھا وكذا القيام بالواجبات التي يفرضھا االنتماء إلى ھذه األمة عقيدة وتاريخا ووطنية ،كما أن التعددية اإلسالمية السياسية ھي الضمانة لتداول السلطة والرقابة على أداء تلك السلطة وقيامھا بواجباتھا األساسية في ظل مبادئ اإلسالم وما يترتب على تلك المبادئ من حقوق ألفراد األمة وكل من يعيش في ظلھا وإن اختلف عنھا في المعتقد. المبدأ الخامس :استرجاع الحكم من غير أھله والنأي به عن سيطرة النصارى ويأتي ھذا المبدأ واإلصرار عليه لضمان استثمار الثورات عبر إحداث تحول حقيقي في مرتكزات وممارسة النظام السياسي باتجاه االستقالل عن كل المؤثرات التي تجعل ھذا النظام مسيرا ومتحكما فيه من قبل أعداء األمة ومن قبل المشاريع المتنافسة على ساحة األمة والساحة العالمية فلن يتحقق لألمة إدارة حقيقية لشؤونھا وثرواتھا إال بقطع وقلع دابر النظام الجبري المتمثل في المرجعية العسكرية واألمنية المربوطة بعدو األمة ،تلك ٩
المرجعية التي تقاتل في ھذه المرحلة االنتقالية )كما في مصر وتونس( لتثبيت أدائھا مجددا وأخطر ما في ھذه المعادلة أن يقبل الداخلون الجدد من األحزاب اإلسالمية السياسية بھذه المعادلة فينشغلوا بقبة البرلمان التي ال تتجاوز سلطتھا حدود حدائقھا المحيطة بھا ،وتأتي الخطورة األخرى متمثلة في مرجعية المشروع األمريكي وتابعه المشروع األوروبي ،فلم يكن بالء المرحلة الجبرية إال السقوط في مستنقع موالة النصارى والذي منع األمة من تحكيم شرع ربھا ومن استثمار ثرواتھا ومن الحفاظ على حرماتھا وھيبتھا .وتأتي أھمية وخطورة ھذا المبدأ لتعلق المرحلة بمحاولة مستميتة من قبل أمريكا وأوليائھا إلعادة إنتاج النظم السياسية عبر مصطلح )اإلسالم السياسي( والذي ملخصه قبول أمريكا للوجوه والحركات اإلسالمية الموسومة بالمعتدلة في تمتعھا بحصة من معادلة الحكم بشرط قبولھا بمرجعية الحكم لھم ولھيمنتھم التاريخية على المنطقة واألخطر منه خلط العلمانية باإلسالم في ممارسة الديموقراطية فكأنھا وثيقة التتر التاريخية المسماة ب )الياسة أو الياثق(.
المبدأ السادس :تعريف األمة واألجيال المستجدة بنظام الحكم في اإلسالم فبغض النظر عن قدرة الداخلين الجدد على الساحة السياسية في دفع عجلة التطبيق اإلسالمي إلى آفاقھا الكلية فإن من أخطر مھامھم تجلية وإظھار مبادئ الحكم في اإلسالم وأصول الممارسة السياسية والتفريق بينھا وبين مبادئ الديموقراطية ،وإن من شأن القيام بھذا الدور الدعوي الجديد أن يسد فجوة كبيرة في عقلية األجيال وأن يخفف كثيرا من حالة االستقطاب في المجتمعات اإلسالمية بين علمانية الطرح السياسي وعدم وضوح منھج األداء السياسي اإلسالمي لدى كثير من الدعاة مما جعل األمة تقع بين ھذين الجذبين ولعل نتائج انتخابات ليبيا األخيرة والتي حملت العلمانيين إلى سدة الحكم لتدلل على مدى خطورة ھذه الفجوة ،ولعل من أھم المبادئ التي تجعل الشعوب تواصل دورھا الثوري أن تعلم أن مبادئ اإلسالم السياسية وبعد أن أرست السيادة والمرجعية للشريعة اإلسالمية فإنھا قد جعلت األمة ھي مصدر ومنبع السلطات تھبھا حرة مختارة لمن ترى أنه يصلح إلدارة شؤونھا والقيام بأمرھا ولھا أن تنزعه منه إن خالف شروط العقد بينه وبينھا. المبدأ السابع :إبقاء الحالة الثورية مستمرة والعمل باستراتيجية إدارة المعركة السياسية ويأتي ھذا المبدأ ليبقي ويحافظ على اآللية الجديدة التي من عز وجل على أمة اإلسالم في التغيير والتحول عن حالة الغثائية وقبول األمة في ظل ھذه اآللية بتقديم حب الموت على حب الحياة وانعكاس معادلة الوھن وعليه فإن أي سعي من أي طرف لتبريد الحالة الثورية في األمة ھو خيانة $ولرسوله وللمؤمنين حتى تصل األمة إلى حالة االستقالل الحقيقي عن ١٠
نظام الكفر العالمي ،ويؤيد ھذا المبدأ مبدأ آخر يؤيده ويشد من أزره وھو أن تدار المرحلة االنتقالية بعقلية واستراتيجية المعركة متنوعة األوجه وعدم ترك فجوات يمكن أن ينفذ من خاللھا األعداء فيفسدوا على األمة مسيرتھا فال يعقل أن يتعامل األعداء في الداخل والخارج بھذا المستوى من االستنفار واستخدام كل اآلليات والحيل لصرف األمة عن أھدافھا بينما يرى بعض الدعاة والسياسيين اإلسالميين أن الصراع قد انقضى بسقوط بن علي وحسني والقذافي وعلي صالح وأنه قد آن األوان للھدوء والتفرغ للبناء التنموي المستقر. المبدأ الثامن :العمل المؤسسي المحكم وھو أن األداء الحزبي إذا لم يدعم بكل أدوات العمل المؤسسي الدقيق والسريع فإن مآله إلى الضعف واالنھيار ويتحتم بناء على ھذا المبدأ وضع االستراتيجية والتخطيط الشامل واختيار الھيكلية المناسبة وتحديد التخصصات واالستعانة باالستشاريين وفتح مراكز التدريب والدورات والتأھيل والعمل بفنون اإلعالم وأدواته ومد شبكة العالقات الداخلية والخارجية على أن يكون كل ذلك في ظل العبادة والمجاھدة وظل الدعوة والتأثر اإلسالمي الشامل وفي ظل األخوة اإلسالمية الغامرة) .و يقول الحق وھو يھدي السبيل(اآلية
١١