مقاومة التدخل األمريكي في الثورات العربية بقلم /حسن أحمد الدقي
إن الحمد& تعالى والصالة والصالم على رسول الھدى محمد بن عبد وعلى آله وصحبه ومن وااله وبعد فإن أخوف ما يخافه المخلصون على واقع ومستقبل الثورات العربية أن تتمكن )الروم( أمريكا وتوابعھا من قطف نتاج الثورات المباركة فيتجدد وقوع األمة تحت
1
المعدل بعد أن سعت الشعوب لخلع ربق أنظمتھا السياسية المھترئة نيرھا الجديد ّ وقدمت في ذلك قائمة طويلة من الشھداء والسجناء والمشردين خالل القرن العشرين بأكمله فمن الغبن بمكان أن نركز على لحظة التغيير ھذه ونھمل مسيرة قرن كاملة. وفي وصفھا للخطة األمريكية تجاه الثورات العربية تقول ھيالري كلنتون وزيرة الخارجية األمريكية بعد قرابة اسبوعين فقط من سقوط عمود النظام األمريكي في بالد العرب حسني مبارك) :إن دعم عمليات االنتقال السياسية في العالم العربي ضرورة استراتيجية وليست مسألة مبادىء( ،وللجميع أن يتساءل كيف تمكنت أمريكا خالل اسابيع قليلة أن تحدد رؤيتھا في التعامل مع التحوالت في العالم العربي؟ ذلك أنھا تعتمد بالدرجة األولى على عقول النابغين فيھا والذي يسيرون وفق رؤية استراتيجية طويلة المدى ال على ردود الفعل كما يفعل اآلخرون. ومع اليقين التام بأن ناصر عباده الموحدين وأن ما يصيبھم إنما يقع في باب االختبار والتمحيص وأن كيد الشيطان ومن يتبعه في خسران وضالل كما قال رب العالمين ) :إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فال تخافوھم وخافون إن كنتم مؤمنين(آل عمران175: فقد وجب على الدعاة أن يديموا تفقد مواقع أقدامھم وما ھم مقبلين عليه فلست بالخب وال الخب يخدعني كما كان يقول عمر رضي عنه. ولعل من أھم األدوات العلمية للتحقق من األمور واالنتقال من حالة الوھم والشك إلى حالة اليقين أن نسبر أغوار خطط المجرمين كبارھم وصغارھم فنتمكن بذلك من إبطال مكرھم وسبقھم وفرض خطتنا عليھم قبل أن يفرضوا خطتھم علينا فإن كان الطغاة السابقون يستخدمون السحر في فرض إراداتھم وحيلھم على الشعوب فإن طغاة العصر يستخدمون آخر نظريات التخطيط والتحليل واالستراتيجية ،وفي ھذا المقال المختصر سأحاول الوقوف على رؤية األمريكان االستراتجية وخططھم على األرض في إدارة حالة التغيير التي تعم العالم العربي على وجه الخصوص لضمان أن تمضي األمور مجددا لصالحھم وصالح ھيمنتھم واستمرارھا.
2
ويتكون ھذا البحث المختصر من المفردات التالية: أوال :التذكير بالثوابت االستراتيجية األمريكية ثانيا :التكتيك األمريكي للتدخل في الثورات العربية ثالثا :فرص ومھددات األداء الثوري العربي
أوال :التذكير بالثوابت االستراتيجية األمريكية -1إن أول ملمح في ثوابت االستراتيجية االمريكية ھو تمثيلھا ألمم الروم أو النصارى الغربيين على وجه الخصوص )البروتستانت والكاثوليك( كما سماھم عز وجل وسماھم رسول صلى عليه وسلم فقد ورد في الصحيح قوله صلى عليه وسلم :فارس نطحة أو نطحتان ثم يفتحھا ،ولكن الروم ذات القرون كلما ھلك قرن قام قرن آخر " .رواه ابن أبي شيبة في المصنف ونعيم بن حماد في الفتن وابن حجر في المطالب العلية وھو حديث حسن .وعليه فإن النصارى وبقاءھم التاريخي على ھيئة أمم تتوارث القيادة فيما بينھم وتتوارث العداء والصراع ضد المسلمين ھو أمر تاريخي ثابت ال يمكن تجاوزه إال عند استكمال فتح الروم ويزاد عليه بالنسبة لألمريكان تميزھم بعقيدة النصارى البروتستانتية المتھودة مما يجعل أمر إسنادھم لليھود في فلسطين مسألة عقائدية صرفة ال يمكن تجاوزھا بأي حال من األحوال مھما حلم المسلمون بغير ذلك. -2تقوم الرؤية األمريكية على حق تمثيل العالم الغربي النصراني )المتحضر( وھي حصريا أمريكا وأوربا واستراليا وإحدى أھم غنائم الحرب العالمية الثانية وھي اليابان وبعض الذيول التابعة كتايوان وكوريا الجنوبية وغيرھا وقد قادت أمريكا ھذا العالم )المتحضر( بعدة مظالت دولية منھا العسكرية كالناتو واالقتصادية كاتفاقية التجارة الدولية واستخدام جمعية األمم المتحدة لفرض الرؤى والتصورات وبالتالي تحريك البرامج على األرض وفق استحقاق أمريكي بمشاركتھا في الحرب العالمية الثانية علما بأن الدور األخطر واألكبر في تلك الحرب كان من نصيب الشيوعيون الروس في إسقاط النازية مقارنة بدور أمريكا.
3
-3حرصت أمريكا على عدم الوقوع ثانية في أسر مرحلة الحرب الباردة وتعدد األقطاب الدولية ودفعت باتجاه نظام القطب الواحد واألقطاب الثانوية ،وھي تسعى لذلك عبر إعادة تصميم النظام الدولي وعبر إضعاف األمم المتحدة ومجلس األمن من خالل فرض استراتجيتھا العالمية ووضعھا قيد التنفيذ بشكل متتابع ومدروس وترك اآلخرين أمام األمر الواقع فإذا تعقدت األمور تظاھرت بالتفاھم الدولي واحترام األقطاب الكبيرة فإذا سارت األمور باتجاه رؤيتھا عادت لعادتھا وھكذا، وكان من المفاصل األساسية لتجاوز األمم المتحدة قيامھا بضرب العراق عام 2003دون غطاء دولي مع العلم بأنه قد مضى على تطبيق ھذه االستراتيجية ما يقرب من عقدين منذ تمثيلية الكويت عام1990م. -4تعتمد الرؤية االمبراطورية األمريكية على خطوط عريضة لعقيدة عسكرية تتناسب وأھداف اإلمبراطورية العالمية والقطب األوحد وقد تمثلت تلك الخطوط في نمو العتاد العسكري الذي ال يمكن أن ُينافس في العدد والفاعلية خاصة في الجوانب التقنية كما تمثلت في امكانية القيام بأكثر من حرب في المرة الواحدة وتمثل في استخدام التفوق الجوي والصاروخي وتمثلت في القيام بالضربات والحروب االستباقية والتي تحجم من قدرة الخصوم على الرد والتي توصل القوات األمريكية إلى تمركز استراتيجي على مستوى األرض كلھا وبالقرب من األعداء الحقيقيين أو المحتملين. -5عملت أمريكا على ضرب الصغار والضعاف في العالم لترھيب الكبار ولكي يقبل البشر بھمينتھا ودورھا الشرطي في الكرة األرضية ووضفت الرھاب من مستقبل المسلمين ونھضتھم كعامل أساسي في قبول العالم بضرب أفغانستان والعراق في بداية األلفية الثالثة. -6سعت أمريكا إلى احتواء القطب العالمي المھدد للھيمنة األمريكية وھو اإلمبراطور الصيني عبر عدة محاور كان من أھمھا مساعدته للخروج من أسر العقيدة الشيوعية والتخفيف من حالة العداء والمواجھة وعبر مسك خيوط أزمات اإلمبراطور الداخلية لتحريكھا وقت الحاجة وعبر استخدام تايوان واليابان لتنفيذ االستراتيجية وعبر الحصار التقني لما يسمى بالتكنلوجيا الحساسة وعبر الوجود العسكري على تخومه مؤخرا إثر غزوھا ألفغانستان عام2001م.
4
-7حرصت أمريكا على مسك أزمات العالم بيديھا واالقتراب من كل األزمات عالمية كانت أو إقليمية بل وصناعة األزمات في المواقع االستراتيجية التي ال توجد بھا أزمات كما حدث في أزمة ميدان )تيان امين( في الصين وأزمة التبت وھي بذلك تحافظ على صنعة ورثتھا من بريطانيا العظمى وتسمح لھا بتبريد أو تسخين األزمات متى شاءت. - 8يعتبر الوكالء اإلقليميون من أھم األدوات االستراتيجية التي يعتمد عليھا اإلمبراطور األمريكي في دفع ھيمنته الدولية قدما وفي إدارته المبراطوريته العالمية مما سمح بمرونة عالية لألداء األمريكي للتدخل في إعادة صناعة النظام الدولي ذو القطب الواحد. -9يعتبر الشرق األوسط بما فيه من مقدرات اقتصادية خاصة النفط والغاز فضاء حيويا ألمريكا ال تقبل المنافسة فيه إال بما يخدم استراتجيتھا عبر السماح لإلمبراطور األوروبي بالتحرك فيه تحت المظلة األمريكية في المجال السياسي أو االقتصادي ،كما تعتبر أمريكا أمن إسرائيل ركنا أساسيا في تلك االستراتيجية بما يعتبر امتداد للسياسة الغربية النصرانية يوم تم تثبيت إسرائيل بيد بريطانيا والحقا عبر األمم المتحدة ،وبناء على ذلك فال مكان لمصالح شعوب وحكومات المنطقة إال بما يخدم الرؤية األمريكية. -10تعتبر العولمة إحدى أھم األدوات العقائدية والفكرية للسيطرة العالمية وفرض النفوذ األمريكي والتي تتكون من خليط ثقافي وسياسي وتقني تبشر به أمريكا العالم بحضارة غير فاضلة وھذه الممارسة تذكر بتاريخ الھيمنة والنفوذ اإلمبراطوري في تاريخ البشرية سواء كان التاريخ التتري الغابر أو التاريخ الشيوعي المندثر. -11كما تعتبر الحساسية األمريكية البالغة من أي نھضة أو استقالل حقيقي لألمة المسلمة ومقاومة ھذه النھضة إحدي ركائز االستراتيجية األمريكية مما يجعل من التخويف من الخطر اإلسالمي أحد أھم معالم السياسة األمريكية الخارجية وعليه فقد ترتب المكر األمريكي على منع التغيير اإلسالمي الحقيقي سواء تم ذلك باستخدام الديموقراطية أو غيرھا في التغيير.
5
ثانيا :التكتيك األمريكي للتدخل في الثورات العربية ومع اعتراف أمريكا بالتغيير الصاعق الذي أحدثته الثورات العربية وحقيقته وعمقه وخطورته والتشكك في المستقبل وتھديد أسس السيطرة األمريكية كما قالت مجلة الديلي تلغراف) :إن الثورات العربية ضد أنظمتھا لم تسقط فقط الدكتاتوريات الحاكمة بل أسقطت معھا االمبراطورية األمريكية في الشرق األوسط( ومع ذلك فإن اإلدارة األمريكية سارعت باعتماد تكتيكات جديدة تمثلت في مرتكزات محددة إلدارة الثورات العربية تمھيدا لقطف ثمارھا ،مع العلم بأن اإلدارة األمريكية قد عملت على زرع أنوية بعض تلك المرتكزات قبل حدوث الثورات بوقت طويل وما ذلك إال لوجود مراكز البحوث واالستشعار لديھم والتي تتابع التطورات الميدانية وتقترح ما يوائمھا في كل مرحلة زمنية وتتمثل ھذه المرتكزات بما يلي: -1امتصاص الحركات اإلسالمية المتطلعة للمساھمة في تغيير واقع المسلمين عبر الحراك السياسي من خالل تطوير نظرية اإلسالم السياسي و)االعتدال( والتي تبلورت في منتصف تسعينيات القرن المنصرم والتي تتلخص في امكانية التقاء ألوان طيف الحراك اإلسالم السياسي بمفردات األجندة األمريكية ويتم ذلك عند تحقيق اإلسالميون لشرطين أساسيين :األول االستظالل بكل مفردات الديمقراطية الغربية والتي ال تتيح لإلسالميين استخدامھا استخداما حاسما للتغيير والشرط الثاني استالم الديمقراطية بيد وتسليم الرضا بالھيمنة األمريكية باليد األخرى ،وقد قطع األمريكان في ھذه التجربة شوطا كبيرا تمثل في استراتيجية تبريد ثورة االندونيسيين على طاغيتھم سوھارتو عام 1998م حيث تمكنت أمريكا من استخدام جمعية نھضة العلماء الصوفية المتصاص الثورة ونقلھا عبر مراحل حتى عاد الحكم بعد ذلك لمربعه األول عبر تسلم الجنرال اودينيو الرئاسة عام 2004م عبر الديموقراطية األمريكية التي ظن أھل اندونيسيا أنھا ستقودھم إلى التحرر من الديكتاتورية والتسلط ،وھي ليست التجربة الوحيدة فقد تلتھا تجربة تشجيع أبناء نجم الدين أربكان في تركيا لكسر الحدود والتقدم سريعا نحو تجربة اإلسالم السياسي الذي يقبل بالھيمنة النصرانية واليھودية المشتركة على قلب األمة )الشرق األوسط( مع العلم بأن فتح كل أقفال النظام األتاتوركي في اسطنبول لكي يقبل بھذا التطور إنما جاء في لحظة حاسمة وھي قرب تنفيذ جورج بوش لغزوته تجاه بغداد أو قبلھا بشھر واحد فقط فقد نجح أردوغان في شھر مارس 2003م
6
ودخل جورج بوش بغداد في الشھر الذي يليه!،وكان أخطر اختراق سجلته أمريكا والنظام العربي الموالي لھا ھو محاولة إدخال حماس المجاھدة إلى بيت الطاعة عبر نفس النظرية والقبول بما سمي بمبادرة األمير عبد والتي قبلتھا حماس بعد أن قام اليھود بعمليات تجھيز للميدان الحمساوي عبر عمليات االغتيال المتتابعة لرموز العقيدة والجھاد داخل قيادة حماس والتي شملت الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي عام 2004م ،وما يھمنا في أمر الثورات أن أمريكا قد وسعت من قابليتھا إلدخال العبين جدد على ضوء التحوالت التي تشھدھا المنطقة وبالمقابل يتسابق عدد من التجمعات واألفراد إلبداء حسن نية واستعداد مبدئي لالستظالل بھذه النظرية ،وإن أخطر ما في ھذا التكتيك أن يفرز متطلعين جدد الستالم السلطة من تحت يد أمريكا وبسبب ھذا اإلغراء سيبدي ھؤالء المتعاونين استعداد وافرا لضرب وتعويق من تريد أمريكا ضربھم وتعويقھم وعليه فسيكون العالم العربي في حال نجاح ھذا التكتيك في وضع يشبه الوضع الذي تم فيه نصب األنظمة السياسية عبر سايكس بيكو في بداية القرن العشرين. -2يعمل التكتيك األمريكي على إبقاء آخر حلقة من حلقات الھيمنة على النظم وھي حلقتا الجيش واألمن والتظاھر بجعل المعركة تحتدم بعيدا عن ساحة ھاذين سلَِمت ھذه الساحة فحينئذ يسھل إرجاع كل ما ضاع من الجھازين فإذا َ )اكسسوارات( النظم السياسية )مصر وتونس أنموذجا( وتعويض الفقد المرحلي بالتعزيزات المادية والعسكرية واالستخباراتية ،والعمل جاري لترتيب ليبيا واليمن على نفس المنوال ،وھو األمر الذي لم تتمكن رموز الحكم المھترئة في العالم العربي أن تفھمه إذ كيف تضحي أمريكا بعبيدھا بھذه السھولة ومع بقاء ھؤالء في الحكم لعقود لكنھم ال يفقھون االستراتيجية األمريكية والتي ھي موروث خالص من االمبراطورية العجوز )خالتھا( بريطانيا والتي ضحت بالشريف حسين طمعا في عبيد أكثر قوة وصالبة ومواءمة للتطورات. -3ويقضي التكتيك األمريكي بتوزيع ساحة العرب إلى ثالث ساحات الساحة األولى نتيجتھا /1صفر لصالح العرب والساحة الثانية 1/1تعادل والساحة الثالثة إلغاء أصل اللعبة ومنعھا من الحدوث ،أما الساحة األولى فھي مصر وتونس بقبول سقوط النظامين لتحقيق الرضا الشعبي في المنطقة والشعور بنجاح مزيف للثورات والتظاھر بعدم التدخل األمريكي دون أن نقلل من خطورة الحدث وآثاره القريبة والبعيدة والمفاجأة التي وقعت فيھا أمريكا ،والساحة الثانية إبقاء الثورات الحالية
7
المشتعلة )ليبيا سوريا اليمن( في دائرة التجاذب والنضج على نار ھادئة واستغالل حالة الميوعة في الموقف الكلي لتوجيه المنطقة ككل باالتجاه الذي ترغب به أمريكا وھي غير مستعجلة على أي شيء ،وأما الساحة الثالثة والتي تحاول أمريكا أن تمنع حدوث الثورات فيھا فھي ساحة األربعة المھمين الباقين المغرب والجزائر واألردن والسعودية مع العلم بأن ھذه البلدان ال تقل احتقانا وتجمعا ألسباب الثورات عمن سبق. -4ويقتضي التكتيك األمريكي في محاولة التأثير على اتجاھات الثورات العربية بوضع الحكومات العربية الباقية في خدمة ھذا التأثير والتدخل بأبعاده السياسية واألمنية واإلعالمية واالقتصادية حيث تلعب كل من الجزائر والسعودية األدوار األبرز في ھذا التكتيك وذلك حتى تبدو الحلول عربية الوجه والوجھة ونتيجة لھذا التكتيك فقد دخلت الثورتين الناجزتين )تونس واليمن( مرحلة من الجمود والتخبط نتيجة تدخل الجارتين الجزائر والسعودية. -5استخدام المشروع الشيعي في اتجاھين االتجاه األول ھو اتجاه صناعة العدو )الحظ العدو الشيوعي سابقا( والتخويف منه إلى درجة الرعب فبحسب الدعاية األمريكية )ومعھا النظم السياسية الباقية خاصة في الخليج( فإيران مستعدة لبلع الدول العربية وھي مؤھلة لغزو عقائدي يھدد المسلمين وھي مستعدة للسيطرة العسكرية على منطقة الشرق األوسط بأكملھا مع العلم بأن نظام صدام العسكري ـ على ضعفه ـ كان كافيا إلبقاء إيران تحت السيطرة لعقد من الزمان ولم تتمكن إيران من تحقيق حلمھا في العراق إال بعد أن ھرول الشيعة خلف الدبابة األمريكية ،ولكن التكتيك ناجح جدا حتى اآلن فليس للعرب من منجى من فزاعة الشيعة إال الحضن األمريكي بل إنه وبعد اشتعال الثورة في سوريا فيبدو أن أمريكا وإيران مرشحتان لتبادل األدوار بطريقة أقوى مما فعال إبان غزو جورج بوش ألفغانستان والعراق، وأما االتجاه الثاني في استخدام الشيعة فھو تكليف العرب بتقليم أظافر الدولة الشيعية إذا سارت الظروف بھذا االتجاه ونواة ھذه الحرب موجودة في سوريا كما البحرين ،ولعل أھم نتيجة إيجابية ألمريكا بھذا االستخدام ھو إدارة الثورات تحت ھذا الغطاء والغبار الذي يثيره ذلك االستخدام ،وكأني بأمريكا تريد أن تبقي إيران في منطقة ال ھي بالمسيطرة فعليا وال ھي بالمھزومة ،مع العلم بأن استعراض ھذا التكتيك األمريكي ال يعني من جھة أخرى إلغاء العوامل واآلثار التي يخلفھا الحراك
8
الشيعي في المنطقة والذي حرص قادته أن ال يلتقي بمسار األمة وتاريخھا بل ھو في تصادم متنامي منذ وضع عقيدته المعاصره الخميني. -6واقتضي التكتيك األمريكي استخدامھا لعضو الناتو القديم الجديد تركيا العلمانية/اإلسالمية في عدة اتجاھات فتركيا أردوغان/غل عضو فاعل في األسرة الدولية أو المجتمع الدولي )إقرأ النصراني اليھودي( فمتى احتاجت تلك األسرة تدخل األخ التركي لصالح استراتجيتھا وجدته جاھزا فھو في ليبيا يرتب لصالح أمريكا وأوروبا وھو في القضية الفلسطينية يرتب لصالح إسرائيل وھو في القضية السورية يرتب لصالح أمريكا وأوروبا مجتمعتين وھو في القضية العراقية يرتب ويتدخل لصالح التوازن الذي تريده أمريكا في بغداد ،واألعجب من ذلك أن يالحظ بعض اإلسالميين اإلشارات اإلسالمية الخفيفة لالعب التركي وال يالحظون األرضية األمريكية التي يلعب فيھا ذلك الالعب؟ فقد كان آخر تصريح للرئيس التركي قبل فترة وجيزة نصيحته لحماس كي تعترف بإسرائيل! ويبدو أن الساحة اإلسالمية سوف تشھد تساقطا متتابعا باتجاه تطبيق اإلسالم السياسي حتى الثمالة. -7ويقتضي التكتيك األمريكي إعطاء من يسمون بالليبراليين وھم كل من اليؤمن بصالحية أو أحقية اإلسالم بالحكم فرصا كبيرة ونصيبا معتبرا في الساحة السياسية والفكرية كضمان لعدم تفرد اإلسالميين بالسيطرة بل ھو أول الشروط األمريكية لقبول اإلسالميين في الساحة السياسية وتكليف ھؤالء بالعمل على خلخلة الساحة من أي اتجاه إسالمي حقيقي الستثمار الديموقراطية لصالح التطبيق اإلسالمي وتزويدھم باالمكانات والدعم اإلعالمي لترجيح أدوارھم في الساحة حتى وصل األمر ببعض اإلسالميين تقليد ھؤالء في أدائھم خوفا من صولتھم وتأثيرھم والتبرؤ من كل مطالبة بتطبيق إسالمي حتى ال يثور عليه ھؤالء ،وتكمل اإلدارة األمريكية حلقات ھذا التكتيك عبر ترتيب مرحلة حضانة للديمقراطيات الناشئة في العالم العربي ومراقبتھا عن كثب لضمان الحصول على مخرجات محددة من تلك الحضانة. -8تستخدم أمريكا عصا االقتصاد والتحكم في المدخالت والمخرجات االقتصادية في العالم العربي والوعود بالنمو االقتصادي في حال خضعت الشعوب للديموقراطية المشروطة لكي تبقي الجميع تحت إطار السيطرة العملية والنفسية وضرورة الخضوع لمعطيات النظام االقتصادي العالمي كمدخل للسيطرة السياسية على النظم الجديدة ويبدو أن التشكيالت اآلخذة بالتبلور في النظم الجديدة )مصر وتونس
9
وليبيا( قد خضعت أو ھي مستعدة للخضوع التام لھذه اإلمالءات ألن الموقف األمريكي ھو نوع من المقايضة تقضي بفتح صنبور االقتصاد مقابل االنصياع للديموقراطية األمريكية. -9والتكتيك القديم الجديد ألمريكا في التحكم بمعطيات الثورات العربية ھو بعبع اإلرھاب والتحذير الكبير من )التشدد اإلسالمي( حيث نجحت اآللة الدعائية األمريكية واآللة األمنية والسياسية في بلورة فلم رعب يحرم على العرب والمسلمين مجرد التفكير بالخروج من سيطرة النظام األمريكي وتوابعه فضال عن استخدام اآللية الجھادية ووضعھا موضع الدعم لمشروع التحول والتغيير ولوال ما من به عز وجل من تحول في المشھد الليبي وامتشاق الشباب السالح للدفاع عن أعراضھم وأرواحھم وأموالھم وأرضھم ودينھم لشاھدنا ـ وحاشا أمة اإلسالم ـ سقوطا تاريخيا نفسيا يتجاوز ما دأب النصارى على ترديده من إدارة الخد األيسر بعد الخد األيمن، وبناء على ھذا التحول وخوفا من نمو روح الجھاد مجددا على أرض ليبيا الطاھرة فقد تظاھر األمريكان ومعھم أوروبا بالوقوف العسكري ضد القذافي حتى يتسنى لھم التحكم في المشھد الكلي ويكاد ھذا التكتيك أن ينجح مرحليا وھو تكتيك من المرجح تكراره في مواقع أخرى.
ثالثا :فرص ومھددات األداء الثوري العربي وقبل أن أستعرض فرص ومھددات األداء الثوري العربي فمن الواجب أن أذكر بأن الثورات ال ترسو على بر األمان بيسر وبسرعة بل ال بد من مرحلة انتقالية )رمادية( حيث تتربص القوى المصادمة للتحول والتغيير إليقافھا وتبديدھا ،ولعل من أھم مؤشرات النجاح في األداء الثوري ھو تبلور رؤية ومشروع متكامل على مستوى األمة يستھدي به الثوار وكذا فرز دوائر قيادية تضمن قيادة الثورات إلى نتائجھا المأمولة. ويأتي استعراض الفرص والمھددات لألداء الثوري العربي لكي يتمكن قادة الرأي في اوساط ھذه الثورات من استثمار ھذه الفرص والعض عليھا بالنواجذ والعمل على توسيع الخرق على الراتق األمريكي ومواليه والوقوف على المھددات للثورة
10
والسعي لتحويلھا إلى نقاط ضعف وتھديد للعدو بدال من أن تبقى تحوم فوق رؤوس الثوار وساحاتھم. وسوف استعرض الفرص المتاحة مقرونة بالمھددات في نفس النقطة. -1إن أول الفرص المتاحة لألداء الثوري العربي ھو عمق البعد العقائدي في ھذه الثورات فمھما عمل الكفار والمنافقون على طمس ھذه الحقيقة فھي كالشمس ،وھل فجر الثورات إال حب الشھادة في سبيل تعالى وطلب االنعتاق من طواغيت العرب ّ الذين منعوا أن يعبد في األرض كما يحب ربنا ويرضى ومنعوا األمة من إقامة معالم ھذا الدين ومناراته السامقة؟ وھل أشعل فتيل الثورات إال شعور العرب بأمتھم وأنھم جسد واحد كما أخبر بذلك رسولھم صلى عليه وسلم؟ ويتعلق بھذه الفرصة نقطة تھديد تتمثل في مسارعة البعض لمواالة أمريكا بطريقة مباشرة وغير مباشرة ويعلم العرب والمسلمون بأن الوالء في اإلسالم ال يتجزأ فھو & ولرسوله وللمؤمنين وليس لألمريكان وال لغيرھم فيه أي نصيب وأن األمة ال يمكن أن تنھض إال على قلوب ذاكرة وسواعد متوضئة. -2وثاني الفرص المتاحة لألداء الثوري العربي إصرار العرب على طلب الحرية الحقيقية عبر سعيھم لتشكيل نظامھم السياسي بأيديھم واالستظالل باستقالل غير منقوص ويتعلق بھذه الفرصة تھديد مباشر يتمثل في سعي األمريكان لفرض ديمقراطيتھم المشروطة وال يتم مقاومة ھذا اإلغراء إال بالبحث عن أسس الحكم الراشد في مبادىء اإلسالم وقيمه وتاريخه الذي ورد فيه قول الخليفة الراشد األول: أطيعوني ما أطعت فيكم فإن عصيته فال طاعة لي عليكم. -3وثالث الفرص المتاحة لألداء الثوري العربي تتمثل في غياب األلوان واإلشارات واالنتماءات االجتھادية والقبلية والعرقية في ھذه الثورات حتى وجد أكراد العراق وأكراد سوريا وبربر تونس وليبيا وألول مرة ما يجمعھم مع العرب في بالدھم منذ غزا جورج بوش المنطقة وغرس مشاعر العداء المركز بين أھلھا ،وحتى الشيعة العرب الذين لم تتلطخ أيديھم بظلم أھلھم في العراق يتطلعون لحالة سياسية تعبر عن أھل العراق غير التي فرضھا األمريكان وطبقھا شيعة إيران ،ويتعلق بھذه الفرصة تھديد يتمثل في امكانية سرعة عودة الناس إلى انغالقھا وخوفھا والبحث عن اإلشارات الدقيقة التي تجمعھا بغيرھا وھذا ال يعالج إال أن تعتمد الثورات
11
مسطرة المواطنة والعدالة والمساواة والالمركزية والحكم الذاتي وتوزيع عادل للثروات طلبا لقوة األمة وانسجامھا وأمنھا الحقيقي. -4ورابع الفرص المتاحة لألداء الثوري العربي تتمثل في تركز العداء لليھود واألمريكان والنظم السياسية التي أوجدوھا بين ظھراني األمة وما مارسه ھذا الثالوث من تآمر وقتل واستباحة للمقدسات ونھب للثروات وتقسيم لألوطان وتقزيم لألمة والقناعة الراسخة للثوار بأنه قد آن أوان تغيير ھذا الواقع المر عبر كسر أخطر حلقة فيه وھي حلقة النظام السياسي العربي والذي نام اليھود في أحضانه دھرا واستثمروه األمريكان إلذالل قلب األمة ما يقارب من نصف القرن ،ويتعلق بھذه الفرصة تھديد يتمثل في رغبة جامحة لدى البعض في إعادة تقديم األمريكان لألمة وتجميل وجھھم القبيح ونسيان ما قتلتوا في العراق وأفغانستان وما أعانوا على قتله في فلسطين واعتبار اليھود خطرا متراجعا مقارنة بأخطار أخرى وقبول مشروع بيريز بشرق أوسط كبير وھو ما يقتضي من الثوار أن يفشلوا مساعيه وأن يركزوا بؤرة العداء على دائرتھا الحقيقية تجاه اليھود ومواليھم من النصارى فإن المسجد األقصى وفلسطين ليستا أرضا للھنود الحمر تناستھا أجيالھم وانقطعت صلتھم بھا وأن مسألة استرجاعھما ھي وقود نھضة األمة وطلبھا للحرية. -5وخامس الفرص المتاحة لألداء الثوري العربي سقوط المشروع الشيعي في اختبار التحوالت والصراع بين األمة وأعدائھا فقد سقط المشروع الشيعي في العراق وھاھو يسقط في سوريا الشام وأنه لم يعد من أمل كبير يعول عليه في صناعة مستقبل األمة وال في صراعھا مع اليھود والنصارى ويتعلق بھذه الفرصة تھديد آخر يتمثل في استغراق البعض بأمل في غير محله بامكانية استخدام المشروع الشيعي لصناعة المشروع اإلسالمي الكبير مما أضعف األداء وأدخله في صراع داخلي وشتات ينبغي إيقافه سريعا والعمل على تھيأة الساحة الكلية لألداء اإلسالمي الواسع في ظل مشروع يوحد األمة ويجمع شتاتھا ،كما يتمثل التھديد في ھذا المجال برغبة األمريكان والنظم السياسية في المنطقة باستخدام الثورات العربية كحائط صد للمشروع الشيعي وإنجاز أھداف لصالح األمريكان واليھود والنظم التي لم تسقط بعد تتمثل في اإلنابة عن أولئك بأداء مھمة وقف المشروع الشيعي أو إضعافه وتوفير حماية لليھود من آثاره واستغالل التھديد الشيعي لتوفير حماية للنظم العربية القمعية الباقية وھو ما ينبغي رفضه من قبل الثوار العرب.
12
-6وسادس الفرص المتاحة لألداء الثوري العربي دخول المنطقة في مرحلة من الفراغ والفوضى واھتراء للنظم السياسية وارتخاء قبضتھا األمنية وھي فرصة ينبغي أن تستغل في جميع االتجاھات بتوسيع الخرق على الراتقين وتوسيع األداء الجماھيري وتكثير مؤسسات المجتمع المدني ودعوة المجتمعات لممارسة أدوارھا السياسية واالجتماعية والتقدم باألحزاب والتجمعات والجماعات فالتعددية مظھر حضاري في المجتمعات الناھضة واستثمار مبارك لطاقات تلك المجتمعات واعتبار سقوط النظم السياسية فرصة تاريخية نادرة الحدوث وھي إنجاز في حد ذاته، ويتعلق بھذه الفرصة تھديد يتمثل في رغبة التجمعات التقليدية حزبية كانت أو قبلية بتكريس االنغالق والخوف من زوال األنظمة القمعية ودعوة بقاياھا للتعاون والتكامل ويذھب البعض مذھبا آخر عبر ادعاء تدخل أمريكا وتحكمھا في كل شيء وما ينتج عنه عند ھؤالء الموسوسين من قبول كامل بھذا التحكم المزعوم مما يقتضي توبة من ھذا الرق الخالي من األغالل ومن األمل الخادع في ماض بائس قد تحطم وانتھى. و يقول الحق وھو يھدي السبيل 2011/7/22
13