عرش بلقيس بين االستالب والتمكين )رؤية استراتيجية مقترحة(
بقلم /حسن أحمد الدقي كاتب متخصص في االستراتيجية اإلسالمية مفردات البحث أوال :المقدمة الملحة ثانيا :قائمة بالمخاطر االستراتيجية ّ ثالثا :قائمة بمفردات المصلحة العليا لليمن رابعا :مالمح االستراتيجية المقترحة إلرساء الثورة على بر األمان
1
أوال :المقدمة إن الحمد< تعالى والصالة والسالم على رسول الھدى محمد بن عبد 8وعلى آله وصحبه ومن وااله إلى يوم الدين وبعد: فھذه خطوط عريضة في استراتيجية مقترحة أتقدم بھا بين يدي قادة الثورة اليمنية المظفرة من الشيب والشباب كاستشارة بل كواجب في إطار النصح ألولئك القادة الكرام حيث لم تعد التطورات ال في اليمن وال في غيرھا شأنا داخليا بحتا بل ھو من أعظم شؤون األمة وأخطرھا خاصة في ظل وحدة العوامل المحركة للثورات العربية في الداخل والخارج ومن أھم ھذه العوامل عنت وانغالق األداء في النظم السياسية في جانب والھجمة األمريكية األوروبية لتحريك الثورات باتجاه مصالحھما من جانب آخر ،فكيف إذا أضفنا لتلك األھمية ما يمثله اليمن من أھمية استراتيجية في أمن جزيرة العرب وأقصد به األمن الذي ينتمي لثوابت األمة ـ ال أمن النظام الدولي وتوابعه النخرة ـ كما قال 8عز وجل على لسان إبراھيم عليه السالم) :الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانھم بظلم أولئك لھم األمن وھم مھتدون(األنعام82: وفي ھذه المقدمة أنبه المعنيين من األخوة الكرام إلى ثالث مسائل ھامة: أما المسألة األولى :فھي اليقين الذي ال يتزعزع أن النظام ساقط ال محالة فھذا أوان سقوط جميع األنظمة السياسية التي جاء وصفھا في حديث رسول 8صلى 8عليه وسلم )بالملك الجبري( من حديث حذيفة بن اليمان في المسند ،وكما تشابھت ھذه النظم في عوامل تشكلھا وعوامل استمرارھا من تدخل مباشر للنصارى في تأسيسھا ومن والء كامل لھم ومن ھيمنة وطاغوتية مستشرية فسوف تتشابه أيضا في عوامل سقوطھا وتخلّص أھلھا منھا بعد أن صبروا طويال عليھا ،وفي اعتقادي بأن الحلقة األولى من ھذا السقوط قد مضت بتزعزع وانتكاس كل من تونس ومصر ودخلت األمة اآلن إلى الحلقة الثانية وھي حلقة اليمن وليبيا وسوريا وفي قائمة االنتظار الحلقة الثالثة وتشمل كل من السعودية والمغرب والجزائر وأما بقية األنظمة ھامشية كانت أم مركزية كالسودان واألردن فأمر الجميع متعلق بھؤالء الكبار حجما واستراتيجية فإذا سقطوا سقط اآلخرون على ھامشھم ،ھذا فيما يخص العالم العربي وأما العالم اإلسالمي
2
فنظمه السياسية على الطريق أيضا من إندونيسيا إلى السنغال ريثما ينتھي العرب من مھمتھم) .و 8غالب على أمره ولكن أكثر الناس ال يعلمون(يوسف21: المسألة الثانية في ھذه المقدمة :أن تأخر سقوط نظام علي عبد 8صالح فيه خير كثير ألھل اليمن وذلك لحاجة أھل اليمن إلى الوحدة واالنصھار الحقيقي والشعور بوحدة المصير ووحدة الخطر والتھديد وقد أدى النظام دوره في ھذا المجال بشكل ممتاز ،وكان ال بد أن تأخذ ھذه العملية وقتھا الالزم خاصة وأن اليمن يعاني من تفرق وشتات بين أھله على المذاھب والقبائل والمناطق واالجتھادات اإلسالمية المعاصرة أو ما يسمى بالجماعات اإلسالمية فكان ال بد من فترة لصھر ھذه المكونات تمھيدا للمرحلة التي تلي فلو أن الناس دخلوا سريعا إلى مرحلة الفتح أو سقوط النظام الستيقظت النعرات فيما بينھم وانطبق عليھم ما يردده الناس من أن الثورات تأكل أبناءھا ،فما يكون من تأخير فھو خير ظاھره الشر والتعب وباطنه الرحمة والعقبى الحسنة ،فينبغي على العقالء أن يلعبوا دورھم في التطمين والتثبيت حتى يقضي 8أمرا كان مفعوال. المسألة الثالثة :أن الخطر االستراتيجي والذي سوف يستمر لفترة طويلة على اليمن وأھله ونظامه السياسي الوليد بعد سقوط علي صالح ليتمثل في النظام الدولي )النصراني اليھودي( وتوابعه من النظم اإلقليمية وخاصة نظام الخليج حيث تنصرف استراتيجية ھذا النظام إلى التركيز على مرحلة ما بعد صالح وتحريك الشؤون باتجاه التدخل في صناعة النظام الجديد القادم الموالي لھم، وعليه فإنه كلما استھلك قادة الثورة وقتا في وضع أسس ما بعد صالح كلما تمكنوا من االستقالل الحقيقي والتصرف في شؤونھم الداخلية في المرحلة التالية بعيدا عن األيدي العابثة الخارجية. الملحة ثانيا :قائمة بالمخاطر االستراتيجية ّ وھي وقفة مھمة حتى ال تضيع ھذه القائمة في خضم تفاصيل الصراع وينشغل الناس مع مرور الوقت بمعالجة التفاصيل والتعقيدات واألعراض التي نشأت عن أصل الداء ،ويمكن التقديم والتأخير في ھذه القائمة من حيث المخاطر حسب
3
زاوية النظر لكني أحسب أنه ال يمكن للمعنيين بشؤون األمة في اليمن إال أن يقفوا عندھا مطوال وأن يؤسسوا رؤاھم واستراتيجياتھم بناء على ھذه القائمة. الخطر االستراتيجي األول: بقاء على صالح على رأس النظام السياسي وما يستتبع ذلك من تحريك الساحة اليمنية باتجاه الفوضى وإعطاء أعداء الداخل والخارج فرصا عديدة للمشاركة في إدارة األزمة ،ويستتبع ھذا الخطر أخطارا مترتبة عليه وھي: -1الدخول في الصراع العسكري وخلط أوراق الثورة. -2التدخل اإلقليمي والدولي في إدارة األزمة في إطارھا السياسي ثم في إطارھا العسكري وفرض الحكومة الجديدة المرضي عنھا أمريكيا وإقليميا وفق أجندة متدرجة )ليبيا أنموذجا(. -3أن يقفز أھل كل ناحية على منطقتھم فيفرضوا عليھا حكما ذاتيا. -4شتات قيادات الثورة وقبولھم بالمشاريع التشطيرية. الخطر االستراتيجي الثاني: إقدام النظام على التضحية برأسه )علي صالح( وأوالده مقابل إعادة التموضع وإبقاء جبل الجليد تحت الماء دون تغيير )موريتانيا أنموذجا( والعمل على اقتسام السلطة جزئيا مع بعض رؤوس الثورة )ترضية( وما يستتبع ذلك من تبريد الثورة وإعادة إنتاج النظام لنفسه من خالل التظاھر باالستجابة لمطالب الثوار ريثما يعاد تشكيل الساحة اليمنية لصالح النظام داخليا ولصالح النظام العالمي واإلقليمي )تونس أنموذجا(. الخطر االستراتيجي الثالث :إسھام النظام الدولي )إقرأ األمريكي( وتوابعه في المنطقة )التعاون الخليجي( في تبديل رأس النظام برأس قبلي)عائلة األحمر( أو حزبي)اللقاء المشترك برأسيه األساسيين( ،ومن الواضح بأن الرأس القبلي أوفر حظا من الرأس الحزبي في ھذه المرحلة مع امكانية توزيع الكراسي بينھما بحيث تكون الرئاسة قبلية وأجھزة الدولة حزبية ،ولن يكون ذلك إال أن يعطي المرشح الجديد لعرش بلقيس الضمانات الكافية بإبقاء اليمن ضمن النظام الدولي واإلقليمي .وسوف يترتب على ھذا الخطر أخطار أخرى مرتبطة به ومنھا: -1عدم رضا بقية القبائل والمكونات اليمنية عن ھذا النظام مما يھيء الساحة النقسامات من أھمھا عودة مسألة الشمال والجنوب إلى مربعھا األول.
4
-2سوف تعمل الجھات التي تم التفاھم معھا سرا ضمن ھذا الخيار على االستئثار بتشكيل النظام والحيلولة دون مشاركة اآلخرين )قبائل وتجمعات وأحزاب( في القرارات االستراتيجية وبناء الدولة وسوف يؤدي ذلك إلى إرجاع النظام السياسي إلى مربعه األول أيضا. -3سوف تدخل الحكومة الجديدة في ظل ھذا الخيار ضمن النظام اإلقليمي والدولي ومفرداته من محاربة اإلرھاب والتطرف وإبقاء اليمن رھنا بمزاج السيد األمريكي وأذنابه في المنطقة. -4قابلية الوضع القبلي والحزبي للتفتت والتنازع على السلطة في ظل ھذا الخيار خاصة بعض القبائل التي بدأت عملية التفتيت كالحوثيين وكذا قابلية االشتراكيين لتجديد أدوارھم المخزية والذين ھم أقرب إلى الرؤية األمريكية من غيرھم مع ما يحملون من تاريخ دامي في اإلقصائية واالستئثار بالسلطة واإلفساد العقدي واالقتصادي من خالل تاريخھم الذي امتد منذ عام 1967م وحتى 1994م ،وكان األولى بالمحاسبة التاريخية الشعبية أن تتوجه لالشتراكيين كما توجھت لعلي صالح ألنھما وجھان لعملة واحدة. -5كما وأنبه إلى خطر يتسلل عبر بعض رموز التجمعات اإلسالمية من اإلخوان والسلفية فھناك من رموز التجمع اليمني لإلصالح قد استجابوا للمسطرة األمريكية فانحازوا لالعتدال وھربوا من التطرف إلى الدرجة التي جعلت مؤسسا كالشيخ الزنداني غير مرغوب فيه في أوساطھم بل ومحارب نتيجة لھذا التقسيم النصراني اليھودي؟ وكذا ما وقع فيه بعض مشايخ السلفية كمقاولين من الباطن عندما عملوا على محاربة من يقاوم وكالء أمريكا من النظم السياسية بحجة الدفاع عن ولي أمر المسلمين؟ الخطر االستراتيجي الرابع :تنازع قيادات العمل اإلسالمي ودخولھم في نفق مظلم من تقدير الموقف الشرعي في اليمن وما يترتب عليه من رؤية استراتيجية في التعامل معه ،وأقصد بقيادات العمل اإلسالمي كتلة اإلخوان المسلمين )التجمع اليمني لإلصالح( والكتلة السلفية )الحكمة واإلحسان( والكتلة الجھادية )القاعدة ومؤيدوھم( وكتلة المستقلين .وما سوف ينجم عن ھذا الخطر من أخطار أخرى تتمثل في: -1ضعف الساحة اليمنية وشتاتھا بسبب ما تمثله ھذه الكتل من مرجعية للشعب اليمني.
5
-2خلو الساحة من مالمح رؤية إسالمية يمنية واستقطاب الكتل اإلسالمية لصالح مشاريع اآلخرين بالضرورة نتيجة لذلك ومن نماذجه الجاھزة عودة االشتراكيين أصحاب التاريخ األسود في الجنوب اليمني لملء الفراغ المتحقق باصطراع الكتل اإلسالمية. -3تقاطع االجتھادات اإلسالمية وتعارضھا مما قد ينتج عنه من صراع محتوم وتخوين وانفضاض الجماھير عنھا ويأسھا من امكانية ترسية الثورة على شاطيء األمان واإلنجاز الحقيقي. ثالثا :قائمة بمفردات المصلحة العليا لليمن وھي القائمة التي ينبغي فرز مفرداتھا وإعالء مفاھيمھا فوق كل اعتبار وجعلھا نبراسا يھتدي به الثوار ويلتف حولھا الشعب اليمني وتقاس إليھا النجاحات والمنجزات في مسيرة الثورة على المدى القصير والبعيد ،ولوال التشابه في الحاالت العربية نظما وأزمات وثورات لما تجرأ المرء أن يتقدم بين يدي أھل مكة بوصف شعابھا وإن األمل بنجاح الثورة اليمنية ليبشر بتمكن السوريين والليبيين من ضربة قاضية تنقل العرب إلى ساحة تاريخية أخرى لم يتذوقوا طعمھا منذ أيامھم األول كما قال شاعرھم وأجزل: إن كان بين صروف الدھر من رحم موصولة أو ذمام غير منقضب رب النسب بــدر أقــــ ُ فبين أيامك الالتي ُنصرت بھـــــــا وبين أيام ْ ٍ وأما قائمة مفردات المصلحة العليا لليمن فھي في تصوري كما يلي: -1اإلسالم كعقيدة وشريعة مرجعية لليمنيين بال منازع. -2الشورى الملزمة أو ما يعبر عنه بالديمقراطية حديثا ومفرداتھا من كون األمة مصدر السلطات وحرية األمة في اختيار حاكمھا ومحاسبته وتثبيته وعزله وممارسة األمة لحقھا السياسي عبر اختيار ممثليھا الذين يعبرون عن إرادتھا الحرة ويراقبون أداء السلطة التنفيذية ويحرسون المسيرة العامة.
6
-3الفصل بين السلطات الثالث وتمكينھا من أداء دورھا بتوازن وفاعلية ومرجعية مؤسسات الدولة وأجھزتھا لنظام الدولة العام وفق مسطرة دستورية تؤسس لمرحلة بناء الوطن وخدمة المواطن. -4لليمنيين الحق في حريتھم كاملة دون نقص بالتجمع والتحزب وتكوين مؤسسات المجتمع المدني والمطالبة بالحقوق وحرية الكلمة في ظل ثوابت األمة. -5تنمية ثروات اليمن وتطوير قدرات األمة االقتصادية وحماية الثروة من الھدر والضياع واالستحواذ واجب تقوم به الدولة ويراقبه النواب ويدعمه اليمنيون كل في موقعه. -6افراد األمة ومكوناتھا القبلية والحزبية والمذھبية والمناطقية شركاء على قدم المساواة في الثروة وتوزيع خارطة التنمية لتشمل كل اليمن. -7الحفاظ على وحدة اليمن ولحمته أساس ليمن الثورة ْإذ بھذه الوحدة يضمن اليمنيون قوتھم واستقاللھم واستقرارھم وتنمية بالدھم. -8اليمن وطن ومظلة كل اليمنيين بحقوق وواجبات متساوية دون تفريق بين يمني وآخر بناء على أي اعتبار. -9اليمنيون معنيون بعالج ما خلفه نظام الھيمنة والجشع والتفرقة من فتنة وبالء بين أبناء البلد الواحد من خالل بث روح التواصل والعناية بجميع مكونات اليمن. -10اليمن امتداد لألمة العربية واإلسالمية يفرحه ما يفرحھا ويؤذيه ما يؤذيھا وعمق آمن ومتواصل مع أمته. -11لليمن عالقاته السياسية واالقتصادية مع العالم كله وفق احترام الستقالل اليمن ومصالحه دون قبول لفرض اإلرادات الدولية ومعادالت الصراع األممية. رابعا :مالمح االستراتيجية المقترحة إلرساء الثورة على بر األمان وھي استراتيجية تأخذ من تاريخ اإلنجازات اليمنية الشعبية أرضيتھا ومن صد الملحة جدرانھا وأبوابھا ومن اآلمال بنھضة عربية وإسالمية عالمية األخطار ّ سقوفھا وتطلعاتھا ،وإذا كانت مقاييس التنمية العالمية المفصلة لصالح الكبار في األمم المتحدة تضع اليمن في أسفل تلك المقاييس فإن فيما أنجزه الشعب اليمني من بناء وحدة بين الشمال والجنوب وفيما تميز به الفرد اليمني من وعي
7
حضاري معاصر وفيما التزم به الشعب اليمني من معطيات الدين والتاريخ تعليما وتربية وفي امتصاص الشعب اليمني وتصديه لفصول المؤامرات الخارجية والتي تمثلت في التجربة الشيوعية الملحدة وفي مزجه بين المذھب الزيدي والشافعي وتالقحھما التاريخي وأخيرا وليس آخرا في ثورته السلمية الفريدة طلبا للحرية وآفاقھا الكريمة في كل ذلك ما يجعل اليمن موئال حقيقيا للحضارة ومدرسة عالمية تحتاجھا شعوب العالم أولئك الذين أذاقھم النظام الدولي الفقر والقھر ألوانا كما ھو حاصل في العراق وفلسطين وأفغانستان وباكستان وغيرھا. الملمح األول :إصالح ذات بين الدعاة وأقصد بذلك أن يعجل أصحاب المدارس اإلسالمية في اليمن وعلى وجه الخصوص مدرسة اإلخوان المسلمين والمدرسة السلفية بإصالح ذات بينھما فإن 8عز وجل سائلھما عن اليمن وعن مستقبله ويوشك أعداء اليمن في الداخل والخارج أن يستثمروا ھذه القطيعة وخاصة في ظل قرب تقسيم تركة نظام علي صالح أن يبذروا بذور الشقاق والخالف الشديد بينھما والمبررات جاھزة لكل طرف من أصحاب ھاتين المدرستين فبعض اإلخوان يرون في المدرسة السلفية تشددا ال يمكن االقتراب منه والسلفيون يرون في مدرسة اإلخوان تساھال ال عالج له ولعمر الحق إنه لمكر الليل والنھار من قبل األعداء أن أصخنا األسماع لھم حتى وصلنا إلى ھذا التقسيم فإن كان في بعض اإلخوان ما يقوله السلفيون فإن في أكثرھم التزاما بالدين وبمصالح األمة وبذل األرواح في سبيل 8وإن كان في بعض السلفيين ما يقوله اإلخوان فإن أكثرھم قد ثابوا إلى رؤية سياسية مستقلة تقف عند مصالح األمة العليا وال تقدم عليھا شيئا آخر ولعل واقع الثورة اليمنية خير دليل على ما ذھبت إليه .فإن لم يعجل الدعاة والقادة بھذا اإلصالح وإال فإنھا الحالقة التي حذر منھا رسول الحق صلى 8عليه وسلم قال :ال أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين .ويعلم الدعاة أن تواصلھم أولى من التواصل مع يلومن إال ألوان الطيف اآلخر من االشتراكيين والعلمانيين فإن لم يفعلوا فال ُ ّ أنفسھم. كما يتعلق إصالح ذات بين الدعاة أن يسعى الدعاة إلى تخليص الساحة اليمنية ـ أو تقليل المخاطر إلى أدنى مستوى ـ فيما لحق بھا من خالف وتجاذب حاد حول ما يسمى باإلرھاب فقد خضع ھذا المصطلح والممارسة إلى ظالل سميكة من طبيعة المرحلة والمعركة أما طبيعة المرحلة فإن حراك األمة المسلمة في ظل
8
المشاريع األممية األخرى )اليھودية والنصرانية وغيرھا( وما وقع على المسلمين من انتھاك على جميع الصعد )العراق أنموذجا( قد أخضع األمة ومكوناتھا لرؤى متضاربة في التعامل مع ھذا االنتھاك وال يمكن أن توضع األمة واجتھاد أبنائھا في سلة واحدة يتحكم بھا جورج بوش أو النظم األمنية السياسية ،وأعني بذلك الخالف حول الممارسات الجھادية وعولمة األداء الجھادي الذي وصمه األمريكان باإلرھاب فإذا سلمنا جدال بأن حراك جماعة القاعدة إرھاب فكيف يكون حراك جماعة حماس إرھابا؟ لكنھا المقاييس اليھودية والنصرانية والتي ال يمكن أن نضعھا مقياسا لنا نحن المسلمين ،وأما من ناحية طبيعة المعركة فإنه ومنذ اشتعال ملحمة الجھاد المعاصر في فلسطين ثم ملحمة الجھاد في العراق وأفغانستان فقد خضعت المعركة لمعطيات اإلدارة األمنية البحتة كما وصف جورج بوش المعركة بقوله :ستكون حربا طويلة وقاسية وقذرة .ويقصد بالقذرة الصفة األمنية وال يجادل منصف بأن األنظمة السياسية في العالم العربي قد تجندت في ھذه الحرب مما جعل ساحة المصطلحات والممارسات في موضوع معالجة مسألة اإلرھاب غير بريئة ،وعليه فإن خضوع الدعاة لمخرجات المعالجة األمنية فإنھم ال شك واقعون في المحذور من اصطفاف في المعسكر األمريكي األمني والسياسي ،وإذا عدنا لممارسة النظام السياسي في اليمن تجاه ھذه القضية فإن الجميع يشھد بأن األمن اليمني قد اخترق جزءا من جماعة القاعدة على أقل تقدير وأنه يسھم في تسخين الموقف متى احتاج إليه؟ وبناء على ھذه المعطيات فيحتاج الدعاة في ھذا السبيل أن يسلكوا مسلكا مستقال بھم مما يمليه عليه دينھم ال ما تمليه السياسة األمريكية وذلك بأن يستوعبوا الموقف بتوازن يؤدي إلى عدم التفريط في أبناء المسلمين ممن تعلقت قلوبھم بالجھاد من جھة وأن يسعوا إلى نزع أشواك الصراع العسكري فيما بين اليمنيين والذي يمكن أن تقوده بعض تلك العناصر من الجھاديين خاصة في ظل تساقط وانھيار المؤسسة األمنية وعملياتھا القذرة. ولعل في عملية زنجبار األخيرة ما كشف عورات تلك المؤسسة. الملمح الثاني :المحيط يسع الحيتان واألسماك معا! وليعذرني األخوة الكرام أن ذھبت في وصف ھذه االستراتيجية بھذا الوصف فھو أدعى للحفظ والتذكر والتصور ،وأقصد بالحيتان الكتل الكبيرة قبلية كانت أو حزبية أو مناطقية وأقصد باألسماك الكتل الصغيرة من التجمعات والنواحي
9
والمستقلين فإن مستقبل اليمن يقوم على ھذه الكتل الكبيرة كما يقوم على قدرا من التجمعات والمستقلين والقادمين الجدد للساحة الحزبية الصغار حجما ال ْ والسياسية والفكرية والدعوية ،وإذا لم يتمكن النظام الجديد والذي ھو آخذ بالتشكل في رحم الثورة اليمنية من استيعاب كل مكونات المجتمع اليمني وفرز مساحة كافية للتعبير والنقد واإلسھام في الحياة العامة للجميع فذلك يعني أن المجتمع اليمني يرسي بيديه نظاما ثار عليه؟ وھل بالء النظم السياسية في العالم العربي إال االقصائية والتفرد واالستحواذ على كل شيء؟ وتستوجب ھذه االستراتيجية أن يعتقد اليمنيون بضرورة التعددية الحزبية والدعوية والفكرية وتعددية التجمعات وفسح المجال أمام التحالفات الجديدة وعدم الخوف من تغير موازين القوى واتجاھات تلك التحالفات ذلك أن الناس بحاجة للتعبير عن وجودھم وعن متطلباتھم وعندھم رغبة أصيلة في المشاركة في الحياة العامة وإن إحدى طرائق ھذا التعبير إنما تتم عبر التجمع واختيار العرفاء والرؤساء لتلك التجمعات ثم المطالبة بالحقوق والتعبير عن الرأي والمشاركة السياسية ،ومالم يفسح اليمنيون الجدد لھذا النوع من األداء في الساحة اليمنية فلن تؤتي الثورة أكلھا من وعود الحرية واألمان. الملمح الثالث :الشعب الثائر أقدر على المناورة في صراع اإلرادات. وتقتضي ھذه االستراتيجية أن يطيل الثوار النفس في معركتھم إلسقاط النظام فإن كل العوامل في صالحھم من حيث شيخوخة النظام والحصار الذي يعانيه والتخبط الذي يمارس به معركته فيوقعه التخبط في شر أعماله كل مرة وأخرھا تحريك أذنابه للسيطرة على زنجبار بدعوى التھديد الذي تفرضه القاعدة على الساحة فإذا بالعورة تنكشف وينقلب السحر على الساحر ،والوقت يعمل لصالح الثورة ،وإن العصيان المدني ليؤدي دورا خطيرا في خنق النظام ومن ثم إقصائه عن الساحة فإن النظام إنما يتمثل في قدرته على إدارة البالد من خالل مؤسساته فإذا توقفت تلك المؤسسات فقد مات النظام ،ومما تستوجبه ھذه االستراتيجية أن يدرك قادة الثورة والشعب اليمني بأن ال مفر من خسائر مرحلية في مجال االقتصاد ومعيشة الناس وھو ما يحاول النظام أن يضخمه حتى يرتد الناس عن ثورتھم ولكن الشيء اإليجابي أن معظم الناس في اليمن لم يبق معھم ما يخسروه أصال فيكفي أن %40منھم تحت خط الفقر فعن أي اقتصاد يتحدث
10
النظام ،وكذا ال بد من االستعداد للتضحية بمزيد من الشھداء أمام جبروت النظام القمعي ،كما يلحق بھذه االستراتيجية عدم االنجرار إلى الصراع المسلح مع النظام والصبر على تفكيكه قطعة قطعة وإخراجه من السلطة بأقل الخسائر في مجال األرواح والدماء مما يتطلب معه من عملية دعائية قوية وواسعة لسحب الجنود المغرر بھم حول النظام ولعل أكثر األدوات فاعلية في ھذا السبيل ھو االعتماد على اإلذاعات المسموعة فھي أبسط وأسرع وسيلة للوصول إلى الناس في ظل األوضاع األمنية المتردية. الملمح الرابع :غل اليد الخارجية من العبث بمستقبل اليمن إن اليمنيين بثورتھم المباركة والمصريين والتوانسة والليبيين والسوريين قد أدخلوا العالم العربي واإلسالمي في مرحلة جديدة يتشكل في ظلھا نظام إقليمي جديد وال نبالغ إذا قلنا بأن ھذه التحوالت سوف تفرض تحوال في النظام الدولي على المدى البعيد وعليه فإن أھم ما ينبغي على الثوار والشعب اليمني أن يدركه أنه بفعلته ھذه قد غير قواعد اللعبة اإلقليمية بالمصطلح السياسي وأنه قد نسف النظام اإلقليمي فھاھي أمريكا تستجدي العون من األنظمة المشلولة الباقية وھاھي جامعة الدول العربية تعيش على ھامش أحداث ھذه الثورات المجيدة وھل كانت مبادرة دول مجلس التعاون إال )حصان طروادة( توسل بھا األمريكان للتعامل مع الثورة اليمنية للتدخل في صناعة النظام السياسي الجديد بما يحفظ مصالح أمريكا في المنطقة وفي ھذا السبيل لم يكن ھناك من بد إال أن يضحي األمريكان والخليجيون بصديقھم القديم مريضھم الجديد علي صالح لكن الرجل أبى إال أن يصمد إلى آخر مسمار في آلة نظامه المتھالكة وحسنا فعل كما سبقه إلى ذلك حسني مبارك حتى تضعضع نظامه بدرجة ممتازة لصالح الثوار. فال خوف وال قلق منذ اليوم على المصالح االستراتيجية اليمنية فرب العرش يحفظھا وشعوب العرب والمسلمين تضمنھا فلم تعد الدنيا أسيرة لصندوق النقد الدولي وال للبنك الدولي وال للدوالر فقد تعبت أسماع أھل اليمن والنظام السياسي يكرر عليھم ھذه الموعظة المملة حتى بادروا بأخذ زمام مصيرھم بأيديھم ،وإذا كان لبقية الدول ما يجعلھا تخاف على مستقبلھا االقتصادي فإن لليمنيين من الثروات والخيرات واالتساع في البر والبحر ما يجعلھم أسيادا مستقلين غير خاضعين إال لرب األرض والسماء. و 8يقول الحق وھو يھدي السبيل2011/5/30،،،
11