السياسة والجھاد أي استراتيجية؟ بحث بقلم /حسن أحمد الدقي aldiqqi@hotmail.com
مفردات البحث: أوال :المقدمة ثانيا :أھم مسائل التنازع واالختالف بين فريق السياسة وفريق الجھاد ثالثاُ :مسلـّـمات بين يدي التنازع رابعا :مقاربة فك االشتباك ما بين السياسي والجھادي خامسا :الخاتمة
1
تاريخ إنجاز البحث: ١٧ربيع اآلخر ١٤٢٩ھـ ٢٠٠٨/٤/٢٣م
أوال :المقدمة إن الحمد> تعالى والصالة والسالم على رسول الھدى محمد بن عبدﷲ الذي بلغ الرسالة وأدى األمانة ونصح األمة وكشف ﷲ عز وجل به الغمة وترك أمته على المحجة البيضاء ليلھا كنھارھا ال يزيغ عنھا إال ھالك ،أما بعد: فأستشھد في مقدمة ھذا البحث بما استشھد به اإلمام ابن تيمية رحمه ﷲ تعالى -وأين أنا منه -في مقدمة كتابه :السياسة الشرعية في إصالح الراعي والرعية وذلك عندما أشار إلى قول الخالق عز وجل في كتابه الكريم) :لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معھم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم ﷲ من ينصره ورسله بالغيب إن ﷲ قوي عزيز( الحديد٢٥: وھي إشارة علمية دقيقة كيف ال وقد أتت من شيخ اإلسالم رحمه ﷲ ففي اعتقادي أنه أراد أن يشير في مقدمته إلى احتواء السياسة الشرعية على جانب النظر السياسي وجانب اإلسناد الجھادي حتى تستقيم الحياة بھما وحول تفسير اآلية يقول القرطبي):أرسلنا رسلنا وأنزلنا معھم الكتاب ،وھذه األشياء ،ليتعامل الناس بالحق ،وليعلم ﷲ من ينصره وليرى ﷲ من ينصر دينه)و( ينصره ورسله بالغيب قال ابن عباس :ينصرونھم ال يكذبونھم ،ويؤمنون بھم بالغيب أي وھم ال يرونھم (انتھى. وإن أھم ما يحتاجه المسلمون في ھذه المرحلة المدلھمة من تاريخھم أن يتداعى العلماء والحكماء ومن وھبھم ﷲ عز وجل القدرة على التأصيل الشرعي إلنارة المبھمات وفك 2
المعضالت بغية مقاربة الفتن التي تضرب ساحات المسلمين والسعي لتجديد وبلورة االجتھادات التي تتعلق بمسائل التعامل مع تلك الفتن وتطويعھا في مسيرة النھضة الشاملة ،وقد يقول قائل :أوليست الساحة اإلسالمية مألى باالجتھادات المختلفة والكثيرة فما الجديد؟ والجواب:بلى ولكن! ولكن تلك االجتھادات على فضلھا وتنوعھا فإني أزعم أن أمرا خطيرا بات يھددھا؟ وھو سيطرة االنغالق على كل اجتھاد وعدم وجود قنوات استطراقية فيما بينھا )أخذا من نظرية األواني المستطرقة في الفيزياء( مع ﺿعف واختفاء أصحاب االتجاه الثالث إن صح التعبير وھم الذين يقفون موقفا وسطا بين االجتھادين ويفتحون بموقفھم ھذا قنوات الحوار والصلح والتواصل بين فئتين عظيمتين من أمة محمد صلى ﷲ عليه وسلم ،وھو حوار أولى وأھم من أي حوار آخر يمكن أن ينشط له المسلمون اليوم. وإن التشخيص المبدئي يشھد بأن الواقع العملي لالجتھادات المعاصرة في ساحة المسلمين قد آل إلى انقسام بين اتجاھين اساسيين واﺿحين أحدھما قد انغلق في الرؤية السياسية لحل أزمات المسلمين وركز في معالجة أمور المسلمين على األصول الفقھية التي تقول بمنع الضرر ورفعه وموازنة المصالح ومنع المفاسد قدر اإلمكان والتدرج في إصالح واقع المسلمين إلى غير ذلك مما يندرج تحت االجتھاد الذي تبلور في الربع األول من القرن الخامس عشر الھجري والذي يمكن توصيفه بنظرية تغيير واقع المسلمين باستخدام الديموقراطية والمشاركة السياسية وكذا نظرية إدارة األزمات والتعامل مع االنھيارات .١ولعل مما فاقم في انغالق أصحاب ھذا الطرح واالجتھاد على اجتھادھم ما رأوا من مآالت االجتھادات التغيرية األخرى والعنت الذي لحقھا واجتماع النظام الدولي والنظم السياسية في بالد المسلمين على حرب ومواجھة فريق الطرح الجھادي. -1يمكن الرجوع إلى فصل نظريات التغيير في كتاب مالمح المشروع اإلسالمي للمؤلف.
3
وأما االتجاه اآلخر فقد انغلق في مسار المعالجة الجھادية وما يدعم ذلك من أصول وثوابت اإلسالم وما أبرزه واقع المسلمين من تحكم الكفرة في ساحاتھم السياسية واالقتصادية بل وحتى الثقافية والفكرية بناء على الرؤية األمريكية والواقع الذي فرﺿه النصارى في بالد المسلمين في المشرق والمغرب ،وبناء على ھذا المسار وھو المسار الجھادي فقد أصبح كثير ممن يتبنون ھذا االجتھاد في إصالح واقع المسلمين يرون بأن أي جھد ال يصب في ساحة الجھاد المباشر ھو جھد في غير محله ،وقد ﺿاعت بين كال االجتھادين حقائق ھامة وخطيرة بل إن صفوف المسلمين قد تخلخلت تخلخال بات يھدد المصلحة العليا لألمة في الصميم ،ولعل العراق ومن قبله الجزائر قد مثال قمة ذلك التناقض بين الفريقين .ومما فاقم في انغالق أصحاب ھذا الطرح واالجتھاد على طرحھم رؤيتھم لمآالت االجتھادات السياسية من دوران في نفس المكان وقدرة المنافسين سواء من النظم السياسية أو النظام الدولي )النصراني بامتياز( على شطب وتأخير تأثير اإلسالم السياسي أو توظيفه في المسار العام الستراتيجياتھم ـ وھو األسوأ -كما حصل في فلسطين والجزائر)حماس فلسطين وجبھة اإلنقاذ الجزائرية مثاالن على الشطب( وكما ھو حاصل في تركيا والعراق)حزب العدالة التركي والحزب اإلسالمي العراقي مثاالن على التوظيف(. ومن باب تكامل عرض الصورة الكلية المتعلقة بھذا المبحث فإنه يلزم أن نشير إلى حقيقة ھامة في ھذه المقدمة وھي أن ھناك كتال إسالمية آخرى من غير الفريقين المشار إليھما سابقا قد باتت تقف موقفا مبھما ليس له انتماء ال إلى فريق االجتھاد السياسي وال إلى فريق االجتھاد الجھادي في التغيير واألمر بالمعروف والنھي عن المنكر -دون أن نقلل من جھود الدعاة والعاملين لإلسالم -وارتضت ھذه الكتل والتجمعات أن تبقى صامتة وأن تمارس دورا مبھما بل ھو أقرب إلى دور المنسحب من الساحة الذي آثر
4
السالمة والنظر من بعيد وذھب بعضھم أبعد من ذلك عندما عمد إلى تفكيك تجمعه وإلغاء شاراته وراياته ونسيان تاريخ دعوته وترك ثغوره بال حراسة وال أمر بمعروف وال نھي عن منكر بحجة أن الظروف السياسية واألمنية ال تسمح وأن الخطر داھم فكان كمن رﺿي من الغنيمة باإلياب وكمن قبل أن يكون شاھد زور على تدھور األوﺿاع وﺿياع السمات اإلسالمية في بالده مما يقتضي سرعة التوبة والتحول قبل أن تحل النقم ويعم البالء ويكثر الخبث ،فعن زينب ابنة جحش رﺿي ﷲ عنھا قالت ) :أن النبي صلى ﷲ عليه وسلم دخل عليھا فزعا يقول ال إله إال ﷲ ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل ھذه وحلق بإصبعه اإلبھام والتي تليھا قالت زينب بنت جحش فقلت يا رسول ﷲ أنھلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث( .رواه البخاري وإن مما تركه لنا السابقون من علم يقول :إن من أصول الفقه أن األمر كلما ﺿاق اتسع! أفال يدعونا بل ويجبرنا ھذا الضيق الذي نعاني منه واالنغالق الشديد بين االجتھادات التطبيقية المعاصرة أن نتوسع فيما وسع ﷲ تعالى لنا؟ أولم يدلنا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم على ھذه السعة عندما عقد صلح الحديبية مع كفار قريش وفي نفس الوقت تابع بعض من أصحابه مقاتلة قريش بال ھوادة؟ وھم عصابة أبي جندل وأبي بصير؟ وال أقصد أن أعقد مقارنة أو أن أنزل ذلك الحدث تنزيال مباشرا على واقعنا المعاصر ولكني أدعو إلى البحث عن المخارج الشرعية بل األداء الشرعي الدقيق والذي يقرب صفوف المسلمين ويرصھا ويجعلھا تخدم أھدافا موحدة وإال فما أسھل التنازع وأن يذھب كل فريق منا مغاﺿبا وقاطعا رحمه بسبب اختالف االجتھاد! وعليه فإن من أوجب واجبات العلماء في وقتنا ھذا أن يتأملوا في كيفية ترويض الفتن والتعامل معھا ال الھروب منھا واالكتفاء بالتحذير منھا وأن ال يتركوا مصير األمة يتقرر
5
في ساحات أمم الكفر شرقا وغربا وال في دھاليز ومغارات أھل النفاق الذين يزيدونھا ذلة على ذلتھا ووھنا على وھنھا؟ وھاھنا شرط مبدئي للفالح والنجاح في تطبيق وتبني ھذه السياسة أعني سياسة ترويض الفتن بل واستثمارھا وذلكم الشرط أن نعي أن الفتن إنما تخرج من كھوف الذئاب الكافرة من نصارى ويھود ثم من مغارات الثعالب المنافقة والذين نجحوا مرحليا في إلصاق صفة اإلرھاب والتطرف بالمجاھدين زورا وبھتانا بينما ھم يفتنون المسلمين عن دينھم صباح مساء وبشتى الوسائل ،كما فعل سابقوھم عندما ألصقوا صفة القتل وتجاوز الحرمات بالصحابة رﺿوان ﷲ عليھم وعيروھم بقتل أحد المشركين في الشھر الحرام عندما قتلت سرية عبدﷲ بن جحش رﺿي ﷲ عنھم عمرو بن الحضرمي في آخر يوم من رجب قبيل معركة بدر حيث نزل في ذلك قول ﷲ عز وجل) :يسألونك عن الشھر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبيروصد عن سبيل ﷲ وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أھله منه أكبر عند ﷲ والفتنة أكبر من القتل وال يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وھو كافر فأولئك حبطت أعمالھم في الدنيا واآلخرة وأولئك أصحاب النار ھم فيھا خالدون(البقرة.٢١٧: إذن فھي إدارة الفتن كما أدارھا أبوبكر رﺿي ﷲ عنه والتصدي لھا وتذليل صھواتھا كما ذللھا وأدارھا من بعده الكثيرون من قادة المسلمين في المشرق والمغرب وھي المقاربة بين السياسة والجھاد في ظل تصورات التمكين لدين ﷲ عز وجل ولن يجدينا نفعا أن نقوم بدور التحذير من الفتن والھروب منھا إال إذا وصلت بنا الحال إلى النقطة التي سأل عنھا حذيفة بن اليمان رﺿي ﷲ عنه رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم عندما قال.....) :فإن لم يكن لھم جماعة وال إمام؟ قال :ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك( رواه البخاري .ومن يرﺿى من أمة محمد صلى ﷲ عليه وسلم أن تصل أمة اإلسالم إلى الحال التي رسمھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم -
6
تنفيرا منھا -وھي بقاء األمة وتركھا بال جماعة وال إمام؟ فما بالنا اليوم قد تسمرنا في أمكنتنا ننتظر الفتح القطري والمكاني والحكومي وقد تعولمت قضايا األمم كلھا وننتظر المنظمات الكسيحة العالمية منھا واإلقليمية وقد اتخذھا الفاعلون على الساحة الدولية ممسحة لما علق بأقدامھم من طين وغبار المغالبة والمدافعة الدولية! إن ھذا البحث يأتي مكمال وداعما لما سبقه من بحوث في نفس السياق وھو سياق الرؤية الشاملة وبعيدة المدى أو ما يطلق عليه بالرؤية االستراتيجية للمشروع اإلسالمي المعاصر وھذه البحوث -لتذكير القاريء الكريم الذي لم يسبق له اإلطالع عليھا- كالتالي: -١كتاب مالمح المشروع اإلسالمي في الربع الثاني من القرن الخامس عشر الھجري. طباعة ونشر مؤسسة الريان -لبنان والكتاب متوفر على الموقع التالي: www.malamehbook.com -٢بحث بعنوان :التدافع األممي واالمبراطوري مضيق ھرمز نموذجا.
7
ثانيا :أھم مسائل التنازع واالختالف بين فريق السياسة وفريق الجھاد. ويمكن الوقوف على أھم مسائل التنازع واالختالف بين فريق السياسة وفريق الجھاد من خالل استعراض رؤية كل فريق ونقده لآلخر كما يلي:
رؤية ونقد فريق االجتھاد السياسي لفريق االجتھاد الجھادي أما النقد الموجه لفريق األداء الجھادي من قبل فريق األداء السياسي والذي باتت تمثله شرائح واسعة من قيادات العمل اإلسالمي كحركة مجتمع السلم الجزائرية )حمس( وحزب العدالة والتنمية المغربي وحركة اإلخوان المسلمين في مصر وفروعھا في مواقع مختلفة من العالم كالتجمع اليمني لإلصالح في اليمن وحزب العمل اإلسالمي في األردن وغيرھا والجماعة اإلسالمية في باكستان وغير أولئك كثير على مستوى األمة المسلمة ،ويمكن بكثير من التحفظ أن نضم إليھم حزب العدالة والتنمية التركي والحزب اإلسالمي العراقي وذلك بسبب ما ذھب إليه ھذان الحزبان من تجاوز لثوابت األداء في المنھج اإلسالمي وبالتحديد تفريطھما في تعاملھما مع أعداء المسلمين المحاربين وھم األمريكان والقبول بخدمة األھداف االستراتيجية األمريكية في ما بات يعرف بمنطقة الشرق األوسط مما وفر لألمريكان نماذج ناجحة ) (modelsعلى التعاون األمريكي مع الحركات اإلسالمية وحتى يسھل تسويق االستراتيجية األمريكية في السيطرة على المنطقة.
8
وإن رؤية ھذا الفريق الناقدة لألداء الجھادي يمكن استعراضھا فيما يلي من نقاط: -١ال اعتراض عند نسبة ال بأس بھا من فريق العمل السياسي على وﺿع الرؤية الجھادية موﺿع التطبيق في المواقع التي تحققت فيھا مستلزمات الجھاد كالساحة الفلسطينية والعراقية واألفغانية وغيرھا والتي يوجه السالح فيھا للعدو الكافر المحارب ولكن الخالف ھو في تطبيق ھذه الرؤية في ساحات الدول اإلسالمية والتي نتج عنھا مواجھات غير متكافئة فضال عن التعرض لدماء المسلمين. -٢يقول فريق السياسة :ال تتيح الرؤية الجھادية االجتھادية والتي تبلورت فيما اصطلح عليه بالسلفية الجھادية في عالم اليوم أي فرصة لآلخرين ومن غير الملتزمين بالخط الجھادي مجاال للمشاركة في إصالح أوﺿاع المسلمين وإدارة شؤونھم فإما أن يلتحق الناس بالخط الجھادي المباشر وإال فعملھم -حسب ذلك االجتھاد -ال قيمة له وفي ھذا تضييق لواسع. -٣ويقول فريق السياسة :لقد اﺿطر السائرون على المنھج الجھادي المعاصر إلى اﺿيق السبل فھم مالحقون في كل مكان ومحاربون على كل األصعدة مما ﺿيق من فرص الدعوة واإلصالح وأوقع بقية التجمعات والحركات اإلسالمية في عداوة وحساسية مع دول العالم خاصة المھيمنة منھا على العالم كالواليات المتحدة األمريكية وكذلك مع النظم السياسية التي تحكم العالم اإلسالمي ومنع وقلص من فرص اإلصالح السياسي والتحرك على المسار الديموقراطي. -٤ويقول فريق السياسة :لقد قام السائرون على المنھج الجھادي المعاصر بعولمة أدائھم الجھادي مما شحن األرض كلھا بتوترات في مختلف بقاع الدنيا وأوقع المسلمين في مواجھة ال قبل لھم بھا كما أدت عملية العولمة ھذه إلى تحييد قدرة أھل البالد من المسلمين في التعامل مع قضاياھم المباشرة كما ھو حاصل في العراق اآلن بتدخل
9
جماعة القاعدة وتحويل العراق إلى ساحة مفتوحة للمواجھة العالمية وبالتالي فقد خرج العراق من كونه أزمة عراقية بحتة وأفقد أھله فرصة التعاطي وفق حدودھا ،إﺿافة إلى إعالنھم لدولة إسالمية من جانب واحد وھو ما أثار تحفظ شرائح واسعة من المسلمين العراقيين ،والنموذج الثاني ھو النموذج الباكستاني حيث قامت طالبان أفغانستان بإعادة تصدير نفسھا إلى باكستان مما جعل الساحة السياسية الباكستانية في احتقان دائم وأثر على االستقرار السياسي فيھا. -٥ويقول فريق السياسة :لقد تعدى بعض الجھاديين حدودھم عندما استحلوا دماء المخالفين من المسلمين في العراق سواء ممن التحق بالشرطة أو من قبل بالتعاون مع األمريكان والحكومة العراقية من مشايخ القبائل وابنائھا ففتحوا بھذا االستحالل للدماء بابا خطيرا في المسيرة اإلسالمية المعاصرة. -٦ويقول فريق السياسة :في الوقت الذي يسعى العالم كله نحو التنمية االقتصادية وإيجاد الحلول للشعوب فإن األداء الجھادي يؤدي إلى تخريب البيئات المستقرة والقادرة على بناء النظم التنموية فكيف يمكن للمسلمين أن يمارسوا حياتھم في ظل ھذا التوتر. -٧ويقول البعض من فريق السياسة :لقد اﺿطر المجاھدون المعاصرون ونتيجة لضيق الساحات التي يقفون عليھا إلى تحالفات تحفھا المخاطر من كل الجوانب كالتحالف القائم بين المجاھدين في فلسطين وإيران مما جعلھم أسرى للدعم اإليراني ،وأسرى للتغيرات في معطيات الصراع الدولي بين إيران وأمريكا ،ثم لماذا وفي سبيل تنفيذ الرؤى الجھادية يسلك المجاھدون كل السبل المتاحة للتحالف مثلما فعلت حماس بسعيھا نحو روسيا ونحو أوروبا كما أظھرت جماعة القاعدة شيئا من لين الجانب أو السكوت تجاه إيران في مرحلة من المراحل بل إن الشيخ الظواھري قد ترك الباب مواربا لفترة من الزمن لتحالف شيعي سني في مواجھة أمريكا ،ولما أتي الدور على الفريق السياسي واﺿطر لتوسيع دوائر تحالفاته يقابل ذلك بالرفض والتعيير بحجة الوالء والبراء؟
10
-٨ويقول فريق السياسة :وإن من أھم المآخذ على المسيرة الجھادية المعاصرة ھو التصادم مع األنظمة السياسية في العالم العربي واإلسالمي وما صاحب ذلك من تزعزع وعدم استقرار واستحالل لدماء المسلمين المنتمين للجيوش والقوات األمنية. -٩ويقول فريق السياسة :يلغي الجھاديون المعاصرون عدا حماس في فلسطين أية فرصة للحوار والتواصل مع أمم الغرب ويعتبرونه خارج اإلطار الشرعي في ظل المواجھة التي يسيرون عليھا خاصة بعد أن اتخذ الجھاديون ساحات الغرب مواقع للمواجھة والحرب كما حصل في ١١سبتمبر في أمريكا وكما حصل في اسبانيا وغيرھا ،وھذه السياسة تحد من فرصة الدعوة والحوار والتفاھم الدولي وھي ساحة ينبغي أن ال يغيب عنھا المسلمون.
وأما رؤية الفريق الجھادي ونقده الطروحات وممارسة الفريق السياسي فيمكن استعراضھا في المسائل التالية مع العلم بأن الفريق الجھادي ليس كله كتلة واحدة فھناك بعض الفروق الملموسة ما بين أداء المجاھدين في فلسطين وأداء بقية الفريق الجھادي المتمثل في جماعة القاعدة واطروحات المجموعات التي اصطلح عليھا بالسلفية الجھادية مع التقاء الجميع في ساحة ھموم ومعاناة واحدة ومتشابھة وعدو مشترك واحد ھو اإلمبراطور األمريكي وحلفاؤه وأما المسائل فھي: -١يقول بعض من فريق الجھاد :لقد ﺿيع فريق األداء السياسي وفرط في مسألة الوالء والبراء واعتماد الموازين الشرعيةفي رؤية األمور ولم يعد يضع خطوطا واﺿحة ومحددة من توجيه بوصلة العداء تجاه أمم الكفر وخاصة من يناصب األمة المسلمة العداء والحرب وھم األمريكان على وجه الخصوص ،وبتمييع ھذه الركن من مسائل العقيدة اختلطت األمور على األمة المسلمة مما صعب عملية االصطفاف العقائدي وحشد الطاقات ،وإن دخول الحزب اإلسالمي في العراق في العملية السلمية المزورة ما جاء
11
إال نتيجة لھذا الخلل البين في مسألة الوالء والبراء ونتيجة لنظرة قاصرة في تحديد المصلحة الظنية أمام المفاسد الھائلة واليقينية المتحققة في ساحة العراق. -٢ويقول فريق الجھاد :ونتيجة للمسألة األولى السابقة فقد أوغل فريق األداء السياسي في طريق تقدير المصلحة المرجوحة في عالقته باألنظمة السياسية والعملية الديموقراطية حتى أصبحت األحزاب السياسية اإلسالمية في العالم العربي واإلسالمي مجرد ورقة تلعب بھا الحكومات وتتكيءعليھا كشرعية دينية وسياسية وتدغدغ بھا عواطف المسلمين بينما لم تعط المشاركة السياسية أثرا حقيقيا غير الدوران في فلك أنظمة الكفر العالمي كما ھو واﺿح ومشاھد لدى حزب العدالة والتنمية التركي والذي أصبح يقود تركيا في لعبة الحرب األمريكية في منطقة الشرق األوسط وفق رؤية العلمانيين في الداخل ورؤية األمريكان في الخارج دون أن يكون لديه أية رؤية إسالمية استراتيجية تحدد دور تركيا المسلمة وال يغير من األمر الدعاية اإلعالمية في موﺿوع الحجاب والمناكفة الشكلية المستمرة بين حزب العدالة والعلمانيين األتراك فالعامل المتحكم في الموقف ھو مدى رﺿا األمريكان واألوربيين عن ھذا الحزب. -٣ويقول فريق الجھاد :وھل ھناك افق في عملية المشاركة السياسية حتى في حال الوصول للحكم عن طريق الديموقراطية إال األفق العالمي الذي تحكمه امريكا وحينئذ فإما الصدام مع أمريكا وھو ما ال يقوى عليه الفريق السياسي أو السير في ركاب امريكا وخدمة أھدافھا وتضييع مصالح األمة ألنه ال يمكن الجمع بين مصلحة النصارى والمسلمين في سلة واحدة. -٤ويقول فريق الجھاد :وھل بقي لدى األنظمة السياسية ما تبشر به أو تعطيه للمسلمين أو تحققه من مصلحة لھم وبالتالي فھل من مصلحة المسلمين أن تطول أعمار ھذه األنظمة بمشاركتھا ورفع لواء شرعيتھا عبر المشاركة أو أن تسقط؟ خاصة في ظل ثبوت تعلق ھذه األنظمة بأعداء المسلمين وقيامھم على اعتراف الكفار بھم ودعمھم وقد
12
بان ذلك واﺿحا عندما وافقت األنظمة على الغزو األمريكي للعراق عام ٢٠٠٣م بل وشاركت فيه بشكل أو بآخر. -٥ويقول فريق الجھاد :ناھيك عن تعقيدات اللعبة الديموقراطية وسيطرة المؤسسات العسكرية واألمنية على األوﺿاع السياسية في العالم اإلسالمي وبقاء مسألة المشاركة السياسية رھينة بھوامش ﺿيقة يلعب بھا الجنراالت كما ھو مشاھد في باكستان والجزائر وغيرھا. -٦ويقول بعض من فريق الجھاد :لقد عطلت المشاركة السياسية التحاق أبناء المسلمين بالمسيرة الجھادية المعاصرة وذلك بالتخليط والوھم الذي أدخلته إلى عقول المسلمين وإعطاء الوعود بمستقبل أفضل من خالل تلك المشاركة بينما لم يحصد المسلمون إال الفقر واإلخراج من بالدھم. -٧ويقول بعض من فريق الجھاد :إن المشاركة البرلمانية إنما ھي مشاركة في تأصيل الشركيات وعدم تطبيق الشرع الحنيف وإقرار من المشاركين بتقديم األسس الديموقراطية والوطنية على األسس اإلسالمية وھذا مما يعقد واقع المسلمين وال يصلحه كما يدعي المشاركون. -٨ويقول فريق الجھاد :بالرغم من تشدق جماعات اإلسالم السياسي بحق المسلمين في المقاومة المسلحة ومشروعيتھا لكن ھذا الموقف ال يتعدى الحديث السياسي والنصرة المعنوية في الوقت الذي تبدي فيه أغلب تلك الجماعات استعدادھا للتعامل السياسي والمصلحي مع األمريكان كأمر واقع. -٩ويقول فريق الجھاد :وھل تركت األنظمة السياسية من ھامش للتفاھم معھا أو االلتقاء على مصلحة ما للمسلمين حتى يمكن تجنب االصطدام بھا؟ أو لم توظف النظم السياسية كل امكاناتھا لمسح التأثر اإلسالمي الدعوي في ساحات المسلمين وفق رؤية جورج بوش؟ وعلى الجانب اآلخر ھل يمكن لحاملي اللواء الجھادي أن يقوموا بواجبھم الجھادي ﺿد الكفار المحاربين دون أن يصطدموا ولو جزئيا بالنظم السياسية المرتبطة
13
بالكفار؟ أولم تذھب حماس كل الشوط في سبيل إنجاز أدنى المستويات من التفاھم مع نظام السلطة )األوسلوية( فماذا كانت النتيجة؟ أوال يدل نموذج حماس والسلطة الفلسطينية على استحالة التجنب الكامل لالصطدام بالنظم السياسية في العالم اإلسالمي؟
ثالثا :مسلمات بين يدي التنازع إن من أھم مداخل فھم واستيعاب خارطة الفتن المعاصرة التي تلف الساحة اإلسالمية أن نبدأ باستعراض المسلمات التي يمكن االلتقاء عليھا في النظر إلى مكونات الفتن ،ومن المسلمات التي يمكن استعراﺿھا في ھذا الشأن ما يلي: المسلمة األولى :معلوم بأننا ال نستطيع أن نعزل اختالف التوجھات اإلسالمية في معالجة أزمات األمة الكبرى عن الصورة الكلية التي عليھا األمة وما تعانيه من مدلھمات وال يمكن رؤية ذلك الخالف وتمحيصه وكشف غمته دون ربطه بالواقع فقد تأسسس عليه وارتبط به ،فإذا نظرنا للخالف في ظل الواقع أمكن التعامل مع ذلك الخالف من حيث المبدأ ،فثمة أمة تربوا على المليار مسلم ال راعي لھا وقد تداعت عليھا األمم من كل حدب وصوب ،وثمة مصالح عليا مضيعة لھذه األمة ومنھا مقدسات مغتصبة ،وثمة أنظمة سياسية تحكمھا وال تستطيع تحقيق اي قدر من قائمة المصالح العليا لھذه األمة وثمة تجارب إسالمية نتجت عن رؤى وتجارب استغرقت ما يقرب من ثالثة أرباع القرن وھي تجارب قد راكمت خبرات معينة وباتجاھات محددة ال يمكن تجاھلھا. المسلمة الثانية :ومعلوم بأن غياب المرجعية اإلسالمية عن الحكم والسياسة في واقع المسلمين يمثل قمة جبل الجليد في ساحة المسلمين من الضعف والوھن ،وبفقد ھذه المسطرة أصبحت المقاييس ﺿائعة ومبعثرة وال ﺿابط لھا وأصبح الواقع اإلسالمي
14
مرتبط ببقية األمم التي تملك مرجعية عقائدية ترسم مسيرتھا وتحدد موقعھا بين األمم، ومن أھم القضايا والمسائل التي انعكس عليھا غياب اإلمامة ھو عمق الخالفات اإلسالمية بين االجتھادات المعاصرة إذ ال مرجع وال ميزان ينھي الخالف ويلزم الفرقاء برؤية واجتھاد تجمع عليه األمة وتدعمه ،ومن أخطر نتائج فقد المرجعية السياسية في واقع المسلمين تحقق االستضعاف الشامل في واقع المسلمين وتطرق ھذا االستضعاف إلى كل الشؤون فلم يتمكن المسلمون بناء على ھذا االستضعاف أن يجدوا لھم مكانا في قائمة األمم المتنافسة على وجه البسيطة ال في الميدان االقتصادي وال العلمي فضال عن الميدان السياسي والعسكري ،ومعلوم أن ھذا االستضعاف ليس وليد الساعة بل يمتد لما يزيد عل القرن إذا أخذنا بعين االعتبار تاريخ سقوط أخر خالفة إسالمية وھي الخالفة العثمانية عام ١٩٢٤م مع أن الوھن كان قد سرى في األمة قبل ذلك بكثير. المسلمة الثالثة :ومعلوم أنه يترتب على االستضعاف من الناحية الشرعية أحكام ذات طبيعتين مختلفتين فأحكام تعطي للمستضعفين أعذارا تراعي أوﺿاعھم والضرورات التي يتلبسون بھا نتيجة لالستضعاف وأحكام أخرى تدعو المستضعفين إلى البحث عن المخارج وﺿرورة العمل على تغيير االستضعاف والتلبس بالحاالت التي تلي االستضعاف من المدافعة ومن ثم التمكين كما ورد في قول ﷲ عز وجل):إن الذين توفاھم المالئكة ظالمي أنفسھم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في األرض قالوا ألم تكن أرض ﷲ واسعة فتھاجروا فيھا فأولئك مأواھم جھنم وساءت مصيرا(النساء.٩٧: فإن االتجاه العام ألحكام االستضعاف إنما يؤسس لمراحل من التغيير والمجاھدة وال يؤسس للرﺿا بالواقع والتعامل معه وال يعطي للمسلمين العذر في ترك األرض ساحة مفتوحة للكفار يتصرفون فيھا كيف شاءوا.
15
المسلمة الرابعة :ومعلوم أن األمم على وجه البسيطة تحركھا مبادؤھا وعقائدھا للبحث عن مكان آمن ومسيطر على األرض ومن ثم فھي في تدافع دائب وصراع مستمر قد يتراجع شيئا ما لكنه ال يتوقف وال يمكن للمسلمين أن يخرجوا عن ھذا القانون والسنة اإللھية مھما حاولت بقية األمم الكافرة أن تقنع المسلمين بعكس ھذه الحقيقة فرب العزة يقول) :فھزموھم بإذن ﷲ وقتل داوود جالوت وآتاه ﷲ الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولوال دفع ﷲ الناس بعضھم ببعض لفسدت األرض ولكن ﷲ ذو فضل على العالمين(البقرة ،٢٥١:بل إن نشوب الصراع بين األمم الكافرة ھو في إحدى وجوھه بشرى للتغيير على وجه األرض يقتضي فرحا من المسلمين ألنه يضعف المتصارعين ويمھد لدخول حملة الحق في نظام وآلية ذلك الصراع كما بشر المولى عز وجل النبي صلى ﷲ عليه وسلم وأصحابه في قوله) :ألم،غلبت الروم ،في أدنى األرض وھم من بعدھم غلبھم سيغلبون ،في بضع سنين > األمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ،بنصر ﷲ ينصر من يشاء وھو العزيز الرحيم( الروم.٥-١: المسلمة الخامسة :ومعلوم بأنه ال يمكن عزل الخالفات اإلسالمية الداخلية عن أخطر العوامل الخارجية المؤثرة مباشرة في ھذا الخالف والتنازع وھو عامل الدور النصراني على وجه الخصوص ولعلي أرجع بالقارئ الكريم إلى مثال ﺿارب في القدم قبل أن أعرض لألمثلة المعاصرة القريبة وذلك المثال حدث في السيرة المطھرة فإنه لما أمر رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم بمقاطعة الثالثة الذين خلفوا من الصحابة بسبب تخلفھم عن جيش العسرة ومنھم كعب بن مالك رﺿي ﷲ عنه حدث أمر غريب نترك كعب رﺿي ﷲ عنه يرويه لنا قال كعب) :فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أھل الشأم ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان فإذا فيه أما بعد فإنه قد
16
بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك ﷲ بدار ھوان وال مضيعة فالحق بنا نواسك فقلت لما قرأتھا وھذا أيضا من البالء فتيممت بھا التنور فسجرته بھا( رواه البخاري . أما األمثلة الحديثة والمتعلقة بالتدخل النصراني في التأثير على الخالف اإلسالمي الداخلي والمتمثلة في المقام األول بالدور األمريكي في العالم اإلسالمي وبشقه االستخباراتي بوجه الدقة والتحديد وباصطفاف األجھزة األمنية في العالم اإلسالمي كدور رديف له فسأورد مثالين عليه ،أما األول :فالمناقلة التي حدثت للدور المصري في إدارة القضية الفلسطينية من وزارة الخارجية المسؤولة الطبيعية عن ھذا الملف إلى جھاز األمن المصري – مع أنه ال أمل وارد ال في الخارجية وال في األمن -وما كان ذلك التحول إال ألن المسؤول األمني أكثر فھما واستيعابا للمراد اإلسرائيلي واألمريكي ومتطلباتھما من الساسة العرب فھو دور أمني في المقام األول وليس دورا سياسيا ،وأما المثال الثاني على الكيد والمكر النصراني فتمثل في التحول االستراتيجي الذي أدخلته أمريكا في إدارتھا للملف العراقي بعد الفشل الذريع في مواجھة المقاومة المباركة بكل أطيافھا وبعد حصولھا على نصيحة العجوز البريطانية ومنذ ذلك الوقت رأينا كيف تحولت البندقية إلى الصدور المجاھدة من بني الجلدة وكيف تسنم زعيم الحزب اإلسالمي العراقي كرسي نائب الرئيس في جمھورية العراق من يد جورج بوش مباشرة ،ومتى كان يحلم اإلسالميون المحاربون أمريكيا على كل الصعد أن يستلموا نيابة رئاسة دولة كالعراق؟ لكنه الكيد ومكر الليل والنھار. المسلمة السادسة :ومعلوم بأن اإلسالميين المعاصرين قد قاموا بتبادل األدوار فيما بينھم – شعروا بذلك أم لم يشعروا -فھم لم يقفوا في اجتھادھم عند مساحة محددة من الرؤية اإلسالمية والممارسة العملية بل إنھم ومنذ نشوء الرؤية اإلسالمية المعاصرة والتي تبلورت في األساس على يد مؤسس اإلخوان المسلمين في مصر إبان سقوط الخالفة اإلسالمية العثمانية فإنھم ومنذ ذلك الوقت تراوحت تجاربھم ما بين األداء السياسي
17
واألداء الجھادي ،ففي الوقت الذي كان فيه اإلمام حسن البنا يطرح الرؤية السياسية لإلصالح في مصر فإنه سعى إلحداث ثورة إسالمية مسلحة في اليمن عام ١٩٤٧م بقيادة الفضيل الورتالني الجزائري لكنھا لم تلق النجاح ،وعندما أعلنت القوى الدولية دعمھا لقيام دولة اليھود في فلسطين عام ١٩٤٨م جند اإلمام البنا أتباعه للدور الجھادي الذي أثر على المسيرة اإلسالمية المعاصرة ككل ،وقد دعم اإلخوان المسلمون والسلفيون المعاصرون الجھاد ﺿد االتحاد السوفييتي في أفغانستان طوال ثمانينيات القرن العشرين وكذا قام اإلخوان المسلمون في سوريا وبدعم عالمي من اإلخوان بثورة مسلحة ﺿد نظام البعث النصيري في سوريا والتي وئدت في مھدھا ،ومن ناحية أخرى وبرغم اعتراض االتجاه السلفي على الممارسة الديموقراطية فقد تزعم بعض من قيادات االتجاه السلفي في الجزائر محاولة التغيير عبر الديموقراطية في بداية تسعينيات القرن العشرين ،وبرغم محاوالت اإلصالح السياسية لم تخف التجمعات اإلسالمية األساسيسة دعمھا للثورات المسلحة اإلسالمية في مختلف بقاع العالم كالجھاد الكشميري ﺿد الھندوس والجھاد الفلبيني ﺿد نصارى الفلبين والجھاد الشيشاني ﺿد الروس ،لكن المفارقة الحقيقية والتباين الحاد ما بين الممارسة الجھادية والممارسة اإلسالمية إنما بدأت بوادرھا عندما أظھر األمريكان والغرب عموما انزعاجھم من بقايا وآثار الجھاد األفغاني في بداية تسعينيات القرن العشرين وأسسوا بذلك لحربھم الكونية ﺿد ما يسمى باإلرھاب )إقرأ الجھاد( خاصة عندما بدأت آثار ذلك الجھاد تمتد إلى البوسنة فالشيشان وكشمير وغيرھا ،عندھا ھبت رياح جديدة في عالقة الساسة بالمجاھدين في الصف اإلسالمي المعاصر ،وإن أھم ما يستفاد منه في عرض ھذه المسلّمة أن لباب اإلشكاليات اإلسالمية اليوم ال يتعلق بفرقاء العمل اإلسالمي المعاصر وال بالمسميات والمصطلحات المستتخدمة كمصطلح الجھاد أو السياسة أو اإلسالم السياسي أو جماعة اإلخوان المسلمين أو السلفية الجھادية أو جماعة القاعدة وغيرھا من المصطلحات بقدر ما يتعلق
18
بالمرجعية العقائدية للمسلمين والتي تفرض عليھم مسارات محددة في تصوراتھم وأدائھم العملي فماذا ھم فاعلون؟
رابعا :مقاربة فك االشتباك ما بين السياسي والجھادي. إن التعقيد الذي يلف الساحات اإلسالمية ويلقي بظالله على األمة المسلمة ككل والذي يعبر عنه في المصطلح اإلسالمي بالفتن ليستوجب مقاربة شرعية ودراسة متأنية تسعى إلى تحليل وتفكيك العقد إلى مكوناتھا األولية كما فعل حذيفة بن اليمان رﺿي ﷲ عنه عندما كان يسأل رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم عن طبيعة الفتن ومكوناتھا في الحديث الصحيح بقوله) :كان الناس يسألون رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وصلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني (...قطعة من حديث رواه البخاري. ومحاولة للوصول إلى ھذه المقاربة والتصور الشرعي والفكري ـ المستمد بدوره من الشرعي -فإني سوف أقوم باستعراض بعضا من األصول التي من المفترض أن تحكم كال من الرؤية السياسية والرؤية الجھادية معتمدا بالدرجة األولى على فرﺿية ومنطلق أساسي يقول بضرورة التغيير واإلصالح والعمل على التمكين لدين اإلسالم كمسار عام يحكم كال الرؤيتين السياسية والجھادية في العالم اإلسالمي وفق )مشروع إسالمي( غير مجمع عليه حتى اآلن في دفتين من التصورات وال في تحديد أھدافه الدقيقة وال في تحديد زمانه وال مكانه بين االتجاھين السياسي والجھادي ،ولكني أزعم أن ظروف النشأة والتأسيس وتداخل المراحل وتكاثف التجارب وعظم التضحيات في بوتقة األداء اإلسالمي خالل النصف الثاني من القرن العشرين الميالدي تسمح بل تمكننا من تلمس ھذا المشروع واالستناد إلى أرﺿية صلبة مشتركة يقف عليھا العاملون لإلسالم وإن تنوعت مذاھبھم االجتھادية ما بين سياسي وجھادي وتربوي ومھما ﺿغطت عليھم
19
مسارات التدافع بين مشاريع البشر اآلخرين ممن قال فيھم رب العزة والجالل) :يريدون ليطفئوا نور ﷲ بأفواھھم وﷲ متم نوره ولو كره الكافرون(الصف.٨: وإن ھذه االصول التي سوف أستند عليھا لمقاربة وفك االشتباك وتحرير موﺿع الخالف ما بين السياسي والجھادي أزعم أنھا تشكل أرﺿية متكاملة تربط ما بين السياسي والجھادي بمجملھا وتقوم بوصل ما انقطع من التصورات وتفتح ما انغلق من األبواب، كما أني أزعم أن ھذه األصول ليس باالمكان تجاوزھا في رؤية أزمات األمة وإدراتھا والتعامل معھا فكيف بأدق األزمات وأخطرھا وھي عالقة السياسي بالجھادي والتي أوصلت إخوان األمس عقيدة ودعوة إلى أعداء اليوم سياسة وتصورا؟ وھذه األصول يمكن استعراﺿھا فيما يلي:
األصل األول :العمل على إعادة تمكين اإلسالم ودولته فإن العمل على التمكين لدين اإلسالم في نظامه السياسي أوال ثم في بقية نظمه الشرعية واالقتصادية واألخالقية وغيرھا من النظم يعتبر واجبا شرعيا رئيسا وھدفا استراتيجيا ال يمكن الغفلة عنه وال إلقائه وراء الظھور وذلك حتى يصل المسلمون إلى تطبيق دينھم كما أمرھم ربھم عزوجل ووجھھم رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ،خاصة في ظل استبدال النظام السياسي اإلسالمي بأنظمة علمانية وأنظمة ملكية تدعي اإلسالمية لكنھا تنتھي إلى نفس نھايات األنظمة العلمانية من حيث خضوعھا للعدو الكافر وفتح ساحات المسلمين يعبث بھا العابثون وفي التفريط بمقدسات المسلمين ومصالحھم العليا ،وإذا لم يتقدم المسلمون نحو ھذا الھدف فإنھم يعرﺿون أنفسھم لغضب ربھم ويديمون بذلك الذلة التي لحقتھم في الدنيا واستمرارھا تماما كما حدث لبني إسرائيل عندما فرطوا في مھمة التمكين وقبلوا بالذلة والھوان،كما يعرض المسلمون أنفسھم لعذاب اآلخرة بھذا التفريط وھو مما أجمع عليه علماء المسلمين في حال خلو الزمان والمكان بمن يقوم بدور اإلمامة والقيادة لألمة المسلمة ،خاصة بعد أن مرت على األنظمة السياسية الحالية في
20
بالد المسلمين ما يقرب من القرن دون أن تتمكن من تحصيل حق واحد مما ﺿاع من حقوق المسلمين ودون أن تتمكن من بسط نظام اإلسالم االجتماعي واألخالقي فضال عن بسط النظام السياسي واالقتصادي والعسكري ،ومما يلحق بھذا األصل مفھوم استراتيجي يلزم المسلمين في سعيھم نحو إعادة اإلسالم للحياة كنظام متكامل أن يعملوا إلعادة أفضل النماذج والنظم السياسية التي وجھھم إليھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وھو نموذج الخالفة الراشدة خاصة بعد أن انھدم النظام السياسي في البالد اإلسالمية وأقصد بذلك الخالفة العثمانية ،مع اإلقرار بوﺿع المسلمين االستضعافي وتمكن العدو من رقابھم ومع االستثناءات الشرعية للمستضعفين والتدرج في العمل والمغالبة لكن الھدف النھائي االستراتيجي ال بد وأن يكون ماثال للعيان.
األصل الثاني :اإليمان بالكتاب كله وشمولية األداء اإلسالمي فال يمكن العمل بجانب واحد من اإلسالم العظيم وال االكتفاء بتخصصات محدودة فيه بل ال بد من الدفع نحو تطبيقه بكل جوانبه وھذا التطبيق تتحكم فيه مسائل كثيرة من أھمھا عامل االنھيار السياسي في واقع المسلمين وما تبعه من انھيارات وبعبارة أخرى الوﺿع االستضعافي الذي عليه المسلمون فھم قد تدرجوا في محاوالتھم التطبيقية المعاصرة لإلسالم العظيم فقاموا بتربية الجيل وتعليمه وتزكيته ،وبذلوا جھودا في دعوة الكفار إلى ھذا الدين العظيم وتعريف العالم به ،كما أنھم قاموا ببناء المؤسسات والتجمعات والتنظيمات وأمروا بالمعروف ونھوا عن المنكر ثم تعرﺿوا للسياسة والحديث في المصالح العامة للمسلمين ثم تعرﺿوا للنظر في المصالح العليا للمسلمين فلما وجدوا فرصة للتطبيق الجھادي لم يتوانوا عنه ،وعليه فقد انقسم األداء اإلسالمي إلى ساحات ثالث ال تخطؤھا العين أما الساحة األولى فھي الساحة التعليمية والتربوية والدعوية وأما الساحة الثانية فھي الساحة السياسية وأما الساحة الثالثة فھي الساحة الجھادية ،وقد تنضج بعض مواقع المسلمين فيتكامل فيھا األداء بأشكاله الثالث وقد يغلب نوع من األداء على
21
أداء آخر بحسب متطلبات الساحة وظروفھا ،فيمكننا أن نرى بعض الساحات بالكاد يستطيع الناس أن يقوموا فيھا بدورھم التربوي والتعليمي والدعوي مثل أغلب الساحات الخليجية والساحة األوروبية ،وساحات أخرى يرتفع فيھا السقف فيتعامل الناس بالسياسة والمدافعة المدنية كما ھو الحال في مصر وباكستان واليمن وغيرھا كثير ،وساحات أخرى وصل الناس فيھا إلى ذروة سنام اإلسالم بعد أن تكاملت متطلبات الجھاد في تلك الساحات كالساحة الفلسطينية والعراقية واألفغانية والصومالية والشيشانية والكشميرية وغيرھا .ويلحق ھذا األصل أن نذكر بأن للزمن دوره في تكاثف الخيرية في األمة المسلمة ووصول الدفع إلى مرحلة التغيير الكاملة وبالتالي فال بد من التدرج للوصول إلى األھداف الكبرى وأنه ال يمكن للمسلمين أن يسلكوا سبيال واحدا لتغيير الحالة االستضعافية التي ھم عليھا بل ھو التنوع والمناقلة بين الدعوة والسياسة والجھاد.
االصل الثالث :االعتصام بحبل ﷲ تعالى والوحدة وجمع الكلمة ال يمكن لفئة واحدة أن تنھض بالمھام الكبرى الواقعة على عاتق األمة المسلمة وحدھا وإن التظافر والتعاون وااللتقاء للقيام بتلك المھام أصل في الدين ال يمكن االعتذار عنه بأي سبب من االختالف في االجتھادات أو االنتماءات بكل ألوانھا وھذا األصل يقضي بدوره على المسلمين والعاملين لإلسالم من الجماعات واألفراد أن تتسع صدورھم وأفقھم الفكري والتنظيمي لكي يقبلوا بكل أنواع التجمعات التطوعية التي تھدف إلى خدمة اإلسالم ما دامت تصب في المصلحة العليا للمسلمين ،وبدون توفر ھذا األصل ال ينفع جھاد وال سياسة في إصالح واقع المسلمين فضال عن بقية األعمال بدليل قول ﷲ عز وجل) :وأطيعوا ﷲ ورسوله وال تنازعوا فتفشلوا وتذھب ريحكم واصبروا إن ﷲ مع الصابرين(األنفال ،٤٦وھذا الواجب بدوره يحتم على الفرقاء في الساحة اإلسالمية أن يعملوا عقولھم للبحث في ما آتاھم ﷲ العليم من آيات بينات وفيما تركه لھم رسولھم
22
صلى ﷲ عليه وسلم لفك اشتباكھم وتحرير مواقع خالفھم لحل إشكالياتھم وفي حال لم يعملوا بذلك فإنھم يعرﺿون أنفسھم للفشل وللقطيعة المفضية للفساد في األرض كما أخبرنا بذلك رب العزة في قوله) :فھل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في األرض وتقطعوا أرحامكم ،أولئك الذين لعنھم ﷲ فأصمھم وأعمى أبصارھم ،أفال يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالھا(محمد ،٢٣-٢٢:فقد أورد الطبري حول تفسير ھذه اآلية نقال عن قتادة قوله: فھل عسيتم إن توليتم ...اآلية ،يقول :فھل عسيتم كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب ﷲ ،ألم يسفكوا الدم الحرام ،وقطعوا األرحام ،وعصوا الرحمن).انتھى( وإن عدم السعي لإلصالح والتوفيق والتقارب والتكامل بين العاملين لإلسالم لھو نوع من اإلفساد في األرض ،ومما يتعلق بھذا األصل تخليص وتمحيص موازين العاملين لإلسالم من تأثيرات أعداء المسلمين عند قياسھم ووزنھم للمصالح العليا لألمة وإال وقع الدعاة تحت تأثير أولئك األعداء وشاركونا -شعرنا أم لم نشعر -في رسم الحالة اإلسالمية وحددوا لنا ما يضر وما يصلح وأسھموا في توزيعنا على مسطرتھم ما بين وسطي معتدل وإرھابي متطرف!
األصل الرابع :الخالف في االجتھاد والرؤية وارد دائما حتى أمام الكليات فلم يقف خالف المسلمين في تاريخھم التطبيقي أمام النصوص وكيفية تطبيقھا على القرن الذي نحن فيه بل إن الخالف وصل في الفھم وأولويات التطبيق ووزن المصالح حدث في قرن الصحابة رﺿي ﷲ عنھم وأمام الرسول صلى ﷲ عليه وسلم المبلغ للنصوص عن رب العزة مما يدل على سعة الساحة اإلسالمية –أقصد في ظل أھل السنة والجماعة -٢واستيعابھا لھذا النوع من الخالف السائغ دون أن يستمر الخالف إلى ما ال نھاية فعند تبين الحق وظھور الوجه األولى باالتباع فال بد للمسلمين أن ينصاعوا لما ظھر لھم من الحق ،فقد حدث ذلك بين يدي غزوة بدر الكبرى في قوله عز وجل ) :كما ٢وذلك حتى ال يختلط األمر بفلسفة الفئات التي انحرفت عن أھل السنة في نظرتھا وتكييفھا وتأويلھا للنصوص بل وردھا
23
أخرجك ربك من بيبتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارھون يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وھم ينظرون(األنفال ،٦-٥:وحدث يوم الحديبية عندما رأى الصحابة رﺿي ﷲ عنھم أن الصلح نوع من إعطاء الدنية في الدين وحدث يوم اختلف الصحابة حول قتال المرتدين من العرب ،فكيف سيكون الخالف وحال المسلمين بھذا التعقيد فھم مستضعفون ال ولي لھم وال إمام متبع وقد تكالبت األمم عليھم كما أخبر بذلك سول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم في الحديث الذي رواه االمام أحمد في مسنده وابو داود في سننه وابو نعيم في حليته من حديث ثوبان )رﺿي ﷲ عنه( انه قال :قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم يوشك األمم أن تداعى عليكم كما تداعى األكلة إلى قصعتھا فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن ﷲ من صدور عدوكم المھابة منكم وليقذفن ﷲ في قلوبكم الوھن فقال قائل يا رسول ﷲ وما الوھن قال حب الدنيا وكراھية الموت).انتھى( ويشرح صاحب عون المعبود طبيعة تداعي األكلة فيقول :يتداعى بعضھم بعضا إلى قصعتھم التي يتناولونھا من غير مانع فيأكلونھا صفوا من غير تعب).انتھى(
األصل الخامس :اختالف االجتھاد باختالف الساحات والعوامل المكونة لھا فقد تبين منذ نشوء الفقه اإلسالمي أثر الساحة ومكوناتھا على االجتھاد الناتج عن الوقوف على تلك الساحة والتعامل مع مكوناتھا وبالتالي اختالف طبيعة األحكام التي تترتب في التعامل مع القضايا الكبرى للمسلمين بل وفي بلورة قائمة المصالح العليا وأولوياتھا ،وترتيبا على ذلك فال يمكن بأي حال من األحوال مناقلة االجتھادات بين الساحات بوﺿعھا الكلي بل ال بد من إعادة تأسيس االجتھاد من جديد في كل مرة يحتاج المسلمون فيه إلى رأي وموقف من قضايا الساحات المستجدة ،ودون أن نغفل وجود قواسم مشتركة في أوﺿاع المسلمين ونسبة من تماثل أحوال المسلمين نتيجة لحالة االستضعاف المستشرية فيھم ،وعليه فإن ھذا األصل يترتب عليه ما يلي :ال يمكننا أن
24
نطالب الفريق الجھادي كمثال وھو يقف على ساحات الجھاد الملتھبة ومطبقا للموازين الشرعية المرتبطة بھذه الساحة أن يضع الندى في موﺿع السيف وأن يستبدل الحوار والتواصل الحضاري بالضرب بيد من حديد على كاھل العدو الكافر فكيف يسوغ ذلك وھو يطبق ما يلي من قواعد) :فإما تثقفنھم في الحرب فشرد بھم من خلفھم(األنفال٥٧: وقاعدة):فاﺿربوا فوق األعناق واﺿربوا منھم كل بنان(األنفال ١١:وفاعدة):قاتلوھم يعذبھم ﷲ بأيديكم ويخزھم وينصركم عليكم ويشف صدور قوم مؤمنين(التوبة١٤: وغيرھا من القواعد؟ كما يترتب على ھذا األصل أنه ال يمكننا في ذات السياق أن نطالب فريق األداء السياسي أن يخلط السياسة بالجھاد في ساحته الباردة أو النصف ساخنة أو أن يضرب بيد من حديد على رؤوس حكام المسلمين بينما ھو في األصل ووفق اجتھاده يحاول أن يرفع شيئا من العنت عن كاھل المسلمين من خالل أدائه السياسي ويحاول أن يفضح الدكتاتوريات والنظم الحاكمة في العالم اإلسالمي ويسلط األﺿواء على فسادھا المستشري في كل االتجاھات وأن يستخدم العقل والمنطق والمرونة السياسية وفق ما أتاحه الشرع من أحكام للمستضعفين تتيح لھم التدرج في التغيير والصبر على الشعوب المستضعفة حتى تقبل بفاتورة التغيير ومترتباته وذلك بما اصطلح عليه بالمدافعة المدنية دون أن يتنازل المسلمون عن ثوابتھم وأركان دينھم ،بل ويتضح في ظل ھذه الفروق في االجتھاد حقيقة خطرة وھامة في الجانب المقابل وھي استحالة قبول وھضم النظم السياسية لفريق الطرح الجھادي وممارساته بسبب تحالف ھذه النظم مع أعداء المسلمين وبسبب الحظر الموﺿوع على الفريق الجھادي نصرانيا وعليه فمطالبة الفريق السياسي للفريق الجھادي بأن يعترف األخير بالنظم الحاكمة ويقبل بمرجعيتھا ھو نوع من العبث في ظل اصطفاف النظم الحاكمة مع النصارى وفي ظل االجتھاد والتطبيق الجھادي المعاصر إال أن يكون التواصل في ظل متطلبات سياسية ومرونة ميدانية فذلك أمر آخر كما تتواصل حماس ھذه األيام مع األنظمة السياسية إلدارة شؤون السياسة والجھاد معا،
25
ومن ھنا فامكانية الفريق الجھادي في تجنب االصطدام بالنظم الحاكمة تجنبا كامال ھو نوع من الحلم الكاذب ،ولھذا السبب رأينا الصدمة الكبرى التي أصابت العقل الجمعي للمسلمين المسالمين عندما اصطدمت حماس بنظام السلطة األوسلوية وكان لطف ﷲ الكريم في ذلك االصطدام واﺿحا إذ تمكن المجاھدون من إجراء عملية جراحية سريعة بأقل التكاليف ،وال يعني ھذا التحليل فتح الباب لالصطدام الشامل بين فريق األداء الجھادي وبين النظم السياسية فدون ذلك محاذير كثيرة من أھمھا دماء المسلمين ومحدودية نضج ساحات المسلمين والخسائر المتوقعة في ھذا الجانب وعدم قدرة المسلمين حتى اآلن على إدارة الفوﺿى الشاملة الناجمة عنه كما رأينا في العراق إلى غير ذلك من المحاذير.
األصل السادس :التمييز بين الثابت والمتغير أو االستراتيجي والتكتيكي وللوقوف على شرح دقيق لھذا األصل وھو التمييز أو التفريق بين الثابت والمتغير فسوف أستعرض موقفين من مواقف االختالف في النظر والتقدير لألمور في ظل ثوابت اإلسالم ومتغيراته عند الصحابة رﺿي ﷲ عنھم أجمعين ،الموقف األول حدث على عھد رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم والموقف الثاني على عھد خليفته أبي بكر الصديق رﺿي ﷲ عنه ،والموقفان يوﺿحان بجالء امكانية االختالف في وزن المصالح والمفاسد والنظر إلى تطبيق مبادئ اإلسالم وسعة الساحة اإلسالمية الستيعاب االختالف ثم ظھور الحق وبيانه وائتالف الجميع تحت رايته ،وأصحاب الموقفين ھما خليفتا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم من بعده أبابكر وعمر رﺿي ﷲ عنھما أما الموقف األول فھو ما حدث في صلح الحديبية ونظرة عمر رﺿي ﷲ عنه وكثير من الصحابة رﺿي ﷲ عنھم لذلك الصلح وإبداء عمر رﺿي ﷲ عنه لرأيه الصريح أمام رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم بأن الصلح ھو نوع من إعطاء الدنية في الدين ،وكيف تعامل الرسول الكريم صلى ﷲ
26
عليه وسلم مع الموقف ورأفته بأصحابه رﺿي ﷲ عنھم كما ورد في تاريخ الطبري: )فلما التأم األمر ،ولم يبقى إال الكتاب وثب عمر بن الخطاب ،فأتى أبا بكر ،فقال :يا أبا بكر ،أليس برسول ﷲ ! قال :بلى ،قال :أو لسنا بالمسلمين ! قال :بلى ،قال :أو ليسوا بالمشركين ! قال :بلى ،قال :فعالم نعطى الدنية في ديننا ! قال أبو بكر :يا عمر الزم غرزه؛ فإني أشھد أنه رسول ﷲ ،قال عمر :وأنا اشھد أنه رسول ﷲ .قال :ثم أتى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم فقال :يا رسول ﷲ ،ألست برسول ﷲ ! قال :بلى ،قال :أولسنا بالمسلمين ! قال :بلى ،قال :أوليسوا بالمشركين ! قال :بلى قال :فعالم نعطى الدنية في ديننا ! فقال :أنا عبد ﷲ ورسوله لن أخالف أمره ،ولن يضيعني .قال :فكان عمر يقول: ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ ،مخافة كالمي الذي تكلمت به؛ حتى رجوت أن يكون خيرا( انتھى النقل من تاريخ الطبري. وأما الموقف الثاني فھو ما حصل إبان بدء عھد الخالفة الراشدة وارتداد قبائل العرب والموقف التاريخي الذي وقفه خليفة رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم أبوبكر الصديق بضرورة قتال المرتدين والتردد المبدئي الذي كان عليه عمر رﺿي ﷲ عنه وكثير من قيادات الصحابة رﺿي ﷲ عنھم حتى شرح ﷲ صدورھم لما انشرح له صدر أبي بكر رﺿي ﷲ عنه وذلك استنادا إلى ما أورده البخاري في صحيحه فعن أبي ھريرة رﺿي ﷲ عنه قال ) :لما توفي رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وكان أبو بكر رﺿي ﷲ عنه وكفر من كفر من العرب فقال عمر رﺿي ﷲ عنه كيف تقاتل الناس وقد قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ال إله إال ﷲ فمن قالھا فقد عصم مني ماله ونفسه إال بحقه وحسابه على ﷲ فقال وﷲ ألقاتلن من فرق بين الصالة والزكاة فإن الزكاة حق المال وﷲ لو منعوني عناقا كانوا يؤدونھا إلى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم لقاتلتھم على منعھا قال عمر رﺿي ﷲ عنه فوﷲ ما ھو إال أن قد شرح ﷲ صدر أبي بكر رﺿي ﷲ عنه فعرفت أنه الحق(رواه البخاري.
27
فيتبين من ھذين الموقفين عدة مسائل أولھا أنه من الوارد أن يختلف قادة المسلمين وعلماؤھم في تقدير الموقف من القضايا الكبرى مع وجود النص بل إن الموقف األول الذي وقفه الصحابة رﺿوان ﷲ عليھم يوم الحديبية كان بحضرة رسول ﷲ الكريم صلى ﷲ عليه وسلم ،أما المسألة الثانية والتي تتعلق بھذا البحث على وجه التعيين ھي أنه بالمقارنة بين الموقفين يتبين أن علة الخالف كانت بسبب تقدير وتحديد )الثابت( من مسائل الدين وتخليصه وتمييزه من )متغيره( وليسمح لي األخوة القراء أن أستخدم في شرح األمر مصطلحين معاصرين ھما من األعجمية ولكن مقتضيات الحال من ھيمنة المصطلحات المعاصرة تقتضي ھذا وھما مصطلح )االستراتيجي( يقابلھا مصطلح الثابت في العربية ومصطلح )التكتيكي( يقابلھا مصطلح المتغير ،فإن الخلط بين األمرين في النظر إلى المسائل المستجدة والكبرى غالبا ما يؤدي إلى انقسام الناس واختالفھم البين على قضاياھم والتعامل معھا ،ولذا لما أدرك الصحابة رﺿوان ﷲ عليھم أن مسألة أداء العمرة من عدمھا ھي مسألة تكتيكية متغيرة من حيث التقديم والتأخير وذلك حتى تنجز أعمال أخرى كبيرة وأن الصلح لم يضر بثوابت اإلسالم بل إنه قوى من مرتكزات ذلك الوجود من خالل اعتراف قريش بھذا الوجود ،كما أن الصلح لم يلغ المسيرة الجھادية ولم يضعھا جانبا وإنما خدم المسيرة الجھادية وبالتالي خدم التمكين لدين ﷲ في األرض فعندما أدرك الصحابة ذلك ندموا على مخالفتھم لرسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم بل إن تسمية صلح الحديبية )فتحا( ما نزل من عند ﷲ تعالى إال بعد أن انصرف رسول ﷲ صلى ﷲ عليھا وسلم منھا كما ورد في عدة أحاديث صحيحة ومنھا في صحيح مسلم عن أنس بن مالك حدثھم قال ) :لما نزلت إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك ﷲ إلى قوله فوزا عظيما مرجعه من الحديبية وھم يخالطھم الحزن والكآبة وقد نحر الھدى بالحديبية فقال لقد أنزلت علي آية ھي أحب إلي من الدنيا جميعا(رواه مسلم. وفي الموقف اآلخر الذي كان على عھد أبي بكر الصديق رﺿي ﷲ عنه قبيل حروب الردة فإنه رﺿي ﷲ عنه نظر إلى مسألة المس بأخطر ثوابت اإلسالم و أركانه الخمسة
28
من خالل منع الصدقة أو الزكاة ،فاعتبر رﺿي ﷲ عنه أن منع الزكاة إنما ھو مقدمة ستفضي إلى ھدم أركان اإلسالم فما كان منه إال أن اتخذ ذلك القرار الخطير وھو قتال المرتدين بينما كان كثير من الصحابة رﺿي ﷲ عنھم ينظرون ويركزون على مسألة خطورة ومفسدة قتال قبائل العرب وما سوف يترتب على ذلك فلما تبدت لھم المسألة في بعدھا االستراتيجي انشرحت صدورھم لذلك القتال كما انشرح له صدر أبي بكر الصديق رﺿي ﷲ عنه من قبل.
األصل السابع :مرونة الشريعة اإلسالمية في التعامل مع الفتن والمالحم واالختالط فقد تبين وفي ظل انكسار وتغير النظام الدولي في العقد األخير من القرن العشرين الميالدي واستمرار وتكرس ھذا التغيير مع بداية القرن الواحد والعشرين تبين بأن ساحات المسلمين ھي الساحات األكثر تأثرا بھذا االنكسار والتغيير مع العلم بأن ساحات المسلمين قد استخدمت كساحات منھزمة ومستسلمة قبل ھذا التغيير في النظام الدولي للسيطرة العالمية كما رأينا في منتصف القرن العشرين من ھيمنة االتحاد السوفييتي على آسيا الوسطى والقوقاز وسيطرة النصارى على ثلثي العالم اإلسالمي في آسيا وإفريقيا والباقي تكفل بھم الصينيون وغيرھم ،ولكن تجدد الصراع الدولي أوقع المسلمين في حالة مستجدة وغير معھودة وھي حالة من االختالط الشديد واالستقطاب الحاد فنجد أنه بينما فريق من المسلمين يقاتلون كتلة خطيرة من ألد أعداء المسلمين والمثال ھنا على قتال الشيشان للروس فإن مسلمين آخرين يحاولون استثمار العداء الروسي لنصارى الغرب والتنافس الدولي بينھم لصالح دعمھم في معادلة الصراع ولرد العدو األشد خطورة كما حصل من حماس في محاولة مد عالقتھا بالروس ،والنموذج يتكرر في مواقع أخرى ففي الوقت الذي اﺿطر فيه المجاھدون العراقيون إلى دفع صولة الشيعة ودولتھم التي أنشأتھا أمريكا في العراق إبان الغزو األمريكي عام ٢٠٠٣م ترى فريقا
29
آخر من المسلمين المجاھدين ينضوون في تحالف يستظلون فيه بالمظلة الشيعية اإليرانية مضطرين بعد أن رمتھم أمم النصارى والنظم السياسية العربية عن قوس واحدة مع مالحظة ھامة وھي قابلية ھذه التحالفات للتحول واالنقالب ،وھذه الحال قد حدث مثلھا إلى حد ما على عھد رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وذلك عندما وقع حادث صلح الحديبية وبقيت فئة من المسلمين لم تدخل في الصلح فجاز لھا قتال قريش ومشاغلتھا حتى أجبرت قريش على التخلي عن بعض شروط الصلح طواعية ،وقد غير صلح الحديبية من معادالت الصراع القائمة حيث التحق بعض الكفار بحلف النبي صلى ﷲ عليه وسلم وذلك عندما مالت قبيلة خزاعة إلى صف المسلمين وھي ال تزال على الكفر. كما أن تداعي األمم الحالي على المسلمين ودفع المسلمين لھذا التداعي تحكمه مجموعة من القواعد الشرعية المنظمة لقتال األعداء ومنھا تعين الجھاد على من دھمت بالده وامتدا ذلك التعيين من يلي ھذه البالد من المسلمين حتى يشمل التعيين جميع المسلمين في األرض في حال لم يتمكن أھل البالد ومن حولھم من رد المعتدين وذلك كما أجمع علماء المسلمين. ومنھا قتال األقرب فاألقرب من األعداء كما ورد في تفسير قول ﷲ عز وجل) :يا أيھا الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن ﷲ مع المتقين(التوبة ،١٢٣:حيث ورد في تفسيرھا نقال من القرطبي عن قتادة قوله) :اآلية على العموم في قتال األقرب فاألقرب واألدنى فاألدنى( وفي تفسير اإلمام الطبري حول ھذه اآلية يقول ...) :فإن الفرض على أھل كل ناحية ،قتال من وليھم من األعداء دون األبعد منھم ،ما لم يضطر إليھم أھل ناحية أخرى من نواحي بالد اإلسالم .فإن اﺿطروا إليھم، لزمھم عونھم ونصرھم ،ألن المسلمين يد على من سواھم .ولصحة كون ذلك كذلك، تأول كل من تأول ھذه اآلية ،أن معناھا إيجاب الفرض على أھل كل ناحية قتال من وليھم من األعداء( انتھى .إلى غير ذلك من األحكام المنظمة لحاالت الحرب واالعتداء على المسلمين وبما يشمل حاالت لم تمر من قبل في التاريخ.
30
وعليه فإن ھذا األصل يرتب على المسلمين مواقف تبدو في بعدھا القريب متناقضة وغير مفھومة وھي على المدى االستراتيجي متكاملة ودافعة نحو التحوالت الكبرى والنصر المبين بحول القوي الجبار ،كما يرتب ھذا األصل على عموم المسلمين استيعاب طبيعة المرحلة من التدافع وتحوالتھا وقبول ھذه الخارطة الملونة في التصورات والسياسة اإلسالمية ،كما يرتب ھذا األصل على قيادات العمل اإلسالمي والجماعات اإلسالمية المتصدية لقيادة األمة ووزن وبلورة المصالح العليا لألمة أن ينتبھوا لرياح التغيير وطبيعة التحالفات الدولية واإلقليمية ويستثمروا كل فرصة تلوح لھم من أجل دفع صراعھم إلى ساحات التمكين ،ولكن ھذا األصل -وأعني به مرونة الشريعة في التعامل مع الفتن والمالحم – يحتاج عند تطبيقه إلى ﺿوابط تبقيه في مساره الصحيح وإال فإن االنحراف في استخدامه سيؤدي إلى انحراف أكبر وأخطر في المسيرة الكلية ومن ﺿوابطه: ● عدم المھادنة في المسائل العقائدية. ● االستعداد المبدئي للبراءة ونبذ العھود عند نبذ المعاھدين لھا وخيانتھا. ● نصرة المسلمين لبعضھم البعض واجبة على كل المستطيعين إال على قوم بينھم وبينھم ميثاق. ● إبقاء الصراع موجھا لألخطر فاألخطر من أعداء المسلمين وامكانية عقد التحالفات مع األعداء األقل خطرا ﺿد األشد خطورة وھو ما سوف أتعرض له في األصل التالي.
األصل الثامن :أعداء المسلمين ليسوا سواء وھذا يقتضي وﺿع قائمة بأعداء المسلمين األشد خطورة ثم الذين يلونھم وتوجيه بوصلة المصادمة لألشد عداوة الذي يتھدد وجود األمة وعقيدتھا ،وحتى يمكن تحديد ھذا النوع من األعداء فإنه ال بد أن تتحقق فيه قائمة من السمات والتي إن توفرت في عدو فإنه يكون على رأس قائمة أعداء المسلمين الخطرين مما يقتضي توجيه رأس الحربة إليه
31
واستھدافه قبل أن ينجز مھامه االستراتيجية في ساحات المسلمين كما فعل ريتشارد قلب األسد ومن معه في استھداف الشام بحربه الصليبية حتى كنسھم الناصر صالح الدين رحمه ﷲ تعالى من بالد المسلمين وكما فعل الفونسو في األندلس حتى أوقف زحفه البطل المجاھد يوسف بن تاشفين في معركة الزالقة الشھيرة ،وأما السمات فھي: ● القتال بھدف الصد عن الدين كما أخبرنا رب العزة عنھم ) :وال يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا(البقرة ،٢١٧:وفي ھذا يتبين الدور التبشيري القسري واستھداف عقيدة المسلمين بالتخريب والمسخ واللعب بالعقول وكان قد تمثل ھذا النوع من االستھداف في النصف الثاني من القرن العشرين في التحدي الشيوعي العالمي أما اآلن فقد تولى األمريكان والنصارى البروتستانت على وجه الخصوص )اإلنجليز واالستراليون واأللمان ومن لف لفھم( كبر ھذا االستھداف العقائدي الذي جندوا له ميزانياتھم الھائلة والتي لم تسبق في التاريخ ويضاف على معادلتھم مواليھم من اليھود، دون أن نبرئ بقية النصارى لكن الكاثوليك دون البروتسانت عداوة للمسلمين واألرثوذوكس دون البروتنسانت في ھذه المرحلة ،ولذا رأينا كيف استثمر األمريكان تفوقھم العسكري ووجودھم المباشر على أراﺿي المسلمين وخاصة الجزيرة العربية لفرض بناء الكنائس التي بدات تنتشر انتشار النار في الھشيم في جنبات الجزيرة العربية وسواحلھا في قطر واإلمارات وغيرھا مع تسھيل ھجرة النصارى والمشركين للجزيرة وبأعداد لم يسبق لھا مثيل. ● المقاتلة في الدين واإلخراج من الديار أو المظاھرة عليه كما أخبرنا رب العزة عنھم: )إنما ينھاكم ﷲ عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من ديارھم وظاھروا على إخراجكم أن تولوھم ومن يتولھم فأولئك ھم الظالمون(الممتحنة.٩: ● االكتساح العقائدي العالمي والتھديد المستحث الخطير وباستخدام األدوات المتطورة خاصة فيما يوصف ھذه األيام بالعولمة والسحر الذي أﺿيف لھا عبر توظيف األبعاد العلمية والجاذبية الفنية في الدعاية والسينما وشبكة االنترنت والقنوات الفضائية ونشر
32
الفساد المنظم الخلقي واالجتماعي عبر التھديد بفرض قيم االنحالل الخلقي والشذوذ وحمايته عبر القانون وغل الشريعة اإلسالمية ونظمھا من العمل خاصة في مجال المرأة والحدود وتعليم األجيال وغيرھا من المجاالت. ● االكتساح العسكري والتمركز القاعدي والمبادأة بالقتال كما ورد كتاب ﷲ عز وجل بقوله) :أال تقاتلون قوما نكثوا أيمانھم وھموا بإخراج الرسول وھم بدأوكم أول مرة أتخشونھم فا> أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين( التوبة.١٣: ● السيطرة على المقدسات أو تھديدھا بدء من اصغر المساجد حجما إلى المساجد الثالثة والذي سقط أحدھا تحت يد العدو اليھودي بدعم مباشر من النصارى البروتستانت والكاثوليك ودعم غير مباشر من بقية النصارى والمشركين في األرض وذلك كما علمنا رب العزة بقوله) :الذين أخرجوا من ديارھم بغير حق إال أن يقولو ربنا ﷲ ولوال دفع ﷲ الناس بعضھم ببعض لھدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيھا اسم ﷲ كثيرا ولينصرن ﷲ من ينصره إن ﷲ لقوي عزيز( الحج.٤٠: وبذلك االستعراض للسمات التي إن توفرت في عدو للمسلمين فإنه ال محالة يكون أخطر األعداء وبالتالي فإن أي تأخير في مبادلته العداوة وترتيب الجھاد ﺿده بناء على تلك العداوة يعتبر تخليا عن أخطر واجبات المسلمين في األرض وإن أي اقتراب من ھذا العدو ألي سبب كان يدخل المقترب منه بالضرورة ﺿمن أجندته ال محالة ،كما أن ھذه البلورة والتحديد ألخطر أعداء المسلمين يجعل المسلمين المجاھدين له في فسحة تسمح لھم بتأجيل قتال بقية األعداء الذين يحتلون المراتب الدنيا في قائمة أعداء المسلمين بل وفي التحالف معھم ﺿد ھذا العدو إن اقتضت ﺿرورة القتال والمدافعة ذلك.
33
األصل التاسع) :ما كان ألھل المدينة ومن حولھم من األعراب أن يتخلفوا عن رسول ﷲ وال يرغبوا بأنفسھم عن نفسه (...التوبة١٢٠: فإن الفريق الجھادي -بغض النظر عن ألوانه ومواقعه -قد ورث مسيرة التمكين اإلسالمية المعاصرة وذلك بحكم تعلق الجھاد بذروة سنام اإلسالم وبحكم أن التمكين اإلسالمي مرفوض بالكلية من قبل كل كتل الكفر على وجه األرض وبالتالي فال بد من مجاھدتھم لدفع أذاھم عن المسلمين ولتحقيق غاية التمكين للمسلمين) :وقاتلوھم حتى ال تكون فتنة ويكون الدين كله > فإن انتھوا فإن ﷲ بما يعملون بصير( األنفال،٣٩:وحول ھذه اآلية نقل الطبري عن ابن جريج قوله :وقاتلوھم حتى ال تكون فتنة ويكون الدين كله > ،أي :ال يفتن مؤمن عن دينه ،ويكون التوحيد > خالصا ً ليس له فيه شرك ،ويخلع ما دونه من األنداد).انتھى( ورفع الفتنة عن المسلمين ال يمكن أن تحدث إال في ظل التمكين للدين. وبحكم الموقع الذي يمثله الفريق الجھادي فقد أصبح يتحمل العبء األكبر والضغط األشد الواقع من قبل الكفار على األمة المسلمة ويواجه أخطر المؤامرات من الداخل والخارج نتيجة لوقوع اجتھاده وأدائه بالضرورة في ذروة سنام اإلسالم فھو يقود األداء الكلي للمسلمين شاء أھل السياسة المجردة أم ابوا ،ونتيجة إلصرار فريق الجھاد على رؤيته واجتھاده في التمكين وبلورة المصالح العليا لألمة المسلمة فإن ﺿغوط الكفار عليه لن تقف عند حد معين نتيجة للرغبة الجامحة التي تحكم أولئك الكفار بشطب ھذا األصل وھذه الممارسة الجھادية من صفوف المسلمين ،وليس للمسلمين من مخرج في التعامل مع ھذه القضية إال بتوجيه الدعم الكامل للفريق الجھادي حتى يفتح ﷲ القوي العزيز عليھم ،ويترتب على ھذا األصل المسائل التالية: ● يعتبر خطر حرف مسيرة المجاھدين عن مسيرتھم من أكبر األخطار التي تتھدد المسيرة الجھادية المعاصرة وذلك بأن يقبل المجاھدون بوﺿع السالح وتسليمه والرﺿا بتحكيم األمم المتحدة ومطاوعة المسيرة السلمية ،وسوف تستخدم كافة الوسائل لتحقيق
34
ھذا االنحراف ومن أھمھا التلويح بكراسي الحكم حتى لو أدى ذلك إلى شطب بعض األنظمة الموالية العتيقة ،فلو أن حماس قبلت عرض التنازل من خالل الغزل األوروبي مؤيدا بالغزل العربي ﺿمن سقف السالم العربي لشطب السيد األمريكي على أبي مازن وزمرته منذ زمن بعيد ،وكذا المقاومة العراقية فإنھا مھددة بنفس التھديد والخطر ،وقد بات المكر الذي تمثله االستخبارات االمريكية وفي ظلھا االستخبارات في العالم العربي واإلسالمي من أخطر مھددات استمرار الجھاد وذلك لالستراتيجية التي تعمل وفقھا تلك األجھزة بالعمل على حرف المسيرة الجھادية عبر عدة مسارات ومنھا استخدام السجون والعذاب الشديد وطول األمد داخل تلك السجون لتغيير العقلية الجھادية وكان من المواليد المسخ لھذا المسار ما عرف بمراجعات السجون ومن المسارات الحصار الشديد كالذي تتعرض له فلسطين وخاصة قطاع غزة وارتفاع معدل الشھداء ومن المسارات مظلة السلم العربي ومن المسارات استخدام السلفية لضرب اإلخوان تارة واستخدام اإلخوان لضرب السلفية تارة أخرى حتى وصل األمر إلى أن يطلق بعض المحققين في أجھزة االستخبارات لحاھم تشبھا بالسلفية واستثارة لمن يحقق معھم من اإلخوان ،إلى غير ذلك من المسارات. ● التعددية الجھادية مطلب استراتيجي ھام في الصراع الكلي خاصة في ھذه المرحلة وذلك لعدة اسباب ومنھا :المرونة العالية التي توفرھا ھذه التعددية في الصراع في ظل االستھداف الخطير والكلي للمجاھدين ولطبيعة المعركة والمالحم ،وكذلك لسعة الساحة واستيعابھا وتطلبھا ألعداد كبيرة من األمة ولذا فإن تعدد الرايات والجماعات الجھادية يوفر أوعية مناسبة الستيعاب األعداد المتزايدة من المجاھدين ،كما تحرم التعددية الجھادية العدو من تفوقه في السالح وسيطرته على األنظمة السياسية وقدرته على محاصرة تنظيم بعينه ،كما تلعب التعددية حراسة للساحة الجھادية ورقابة متبادلة تمنع التھاون والتراجع الشامل ،باإلﺿافة إلى ما توفره التعددية من ميزة تنافسية بين المجموعات ،ومما يلحق بھذه المسألة الھامة واالستراتيجية في األداء الجھادي أن ال
35
يستعجل فريق من المجاھدين قطف ثمرة الجھاد وال االستحواذ على نتائجھا بأي شكل من األشكال ألن من شأن ذلك أن يھدد المسيرة الجھادية كلھا فاألمر > يضعه حيث يشاء عز وجل) :يسألونك عن األنفال قل األنفال > والرسول فاتقوا ﷲ وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا ﷲ ورسوله إن كنتم مؤمنين( األنفال ،١:ولعل من األمثلة المباشرة على زعزعة الساحة الجھادية وصفة التعددية فيھا ھو محاولة بعض فرق الجھاد قطف الثمرة قبل أوانھا وفرض القيادة والسيطرة على اآلخرين ومن ذلك إقدام بعض فرق الجھاد على إعالن دولة العراق اإلسالمية ومع ما في ھا اإلعالن من فوائد أھمھا تكريس المسيرة الجھادية إلى وجھتھا النھائية االستراتيجية واعتبار ما دون ذلك ال ينھض بمررات الجھاد لكن المفاسد قد غلبت – على األقل فيما يظھر حتى اآلن -من تشرذم األداء الجھادي وخطورة رمي غير المتابعين والباذلين البيعة لھذه الدولة بالخيانة أو التأخر عن الجھاد وتمكن العدو من استثمار ذلك التشرذم لصالح ﺿرب الجميع ،وقد وعى أھل فلسطين لھذه المعطيات فمع سيطرة حماس على غزة وانفرادھا بھا لكنھا لم تتقدم على اآلخرين باالستحواذ واالستعجال في قطف ثمرة الجھاد أو فرض السيطرة المادية والمعنوية على اآلخرين. ● ينبغي أن ال يفرق المسلمون بين جھاد وجھاد في رؤيتھم ودعمھم المادي والمعنوي للمجاھدين حيث يلعب االنتماء المكاني والعنصري أخطر المھددات في ھذا السبيل ولذا رأينا الدعاية األمريكية والمدعومة عربيا تفرق ما بين المقاومة العراقية )الوطنية( والمقاومة القادمة من الخارج التي تحمل الفتن!! وقد ابتلع الواقع العراقي ھذا الطعم وكان سببا لتباطؤ المسيرة الجھادية في العراق عام ٢٠٠٧وما تاله ،كما أن شدة االستقطاب ما بين الجماعات المجاھدة وتنافسھا في الساحات المختلفة قد أوقعھا في نوع من االستعالء المتبادل والمزايدة على المواقف مما يقتضي سرعة المعالجة وﺿرورة االلتزام بالذلة بين المؤمنين التي أمر بھا من أمر بالجھاد سبحانه ،كما تقتضي ھذه
36
الفرعية في ھذا األصل أن يتوافق المجاھدون في الساحة المحددة المعينة على تسليم القياد )أقصد عدم المنافسة على القيادة كمرحلة ثم االنصياع والتسليم الكامل متى اقتضت ﺿرورات الجھاد ذلك( لمن فتح ﷲ عليه من جماعات الجھاد فسبق اآلخرين سواء بكثرة المنضويين تحت لوائه أو بشدته ونكايته بالعدو وقدرته الميدانية أو غير ذلك من أسباب السبق العملية وأن تكون المنافسة بين الجماعات الجھادية موجھة لضرب العدو ال للتباغض والتحاسد والصراع على القيادة والمكانة فإن ذلك مبطل للعمل ،وأن ينتبه المجاھدون لما يخططه العدو بضرب بعضھم ببعض وتشجيع التنافس المذموم الذي يستحوذ على األداء الجھادي بدعوى تفريط اآلخرين بل وخيانتھم للمسيرة الجھادية وما أشبه ،وقد انتبه العدو ألھمية إشعال ھذه الفتنة ورفع السنتھا فإن لم ينتبه قادة الجھاد لھذه الحقيقة فإنھم يوشكون أن يستجيبوا ألمنية العدو بالتنازع والفشل وذھاب الريح. ● ومع التسليم للمجاھدين برؤيتھم واجتھادھم وقيادتھم للساحات الجھادية الخاصة بھم ومعرفتھم بما يصلح تلك الساحات ولكنھم ينبغي أن ال يترفعوا عن المناصحة واالستماع لآلراء التي ال تتفق واجتھادھم من قبل إخوانھم المسلمين خاصة فيما يخص الترخص في الدماء المسلمة التي حرمھا ﷲ عز وجل ولئن تتأخر المسيرة الجھادية شيئا ما أفضل من الوقوع في دماء المسلمين فالمسيرة الجھادية محفوظة من رب السماء واألرض والجھاد ماض إلى قيام الساعة واألولى إعذار المستضعفين من المسلمين الذين اﺿطروا تحت ﺿغط الحاجة للعمل في الدولة الشيعية التي أنشأھا األمريكان في العراق بعد إنذارھم وتحذيرھم من خطورة ما يفعلون وبيان سوء وفساد تأويلھم فيما ذھبوا إليه وعدم مواجھھتھم إال عند االﺿطرار والعفو عنھم عند المقدرة عليھم ،وإن أداء الكفار وﺿغوطھم وفسادھم مع مرور الوقت كفيل بإرجاع كثير ممن تابع العدو مضطرا ،مع ﺿرورة التفريق بين من تابع ورﺿي وعلم بإصرار أنه يخدم العدو الكافر وبين السذج والمخدوعين خاصة في ظل الحاجة المادية والمعاناة والدعاية المركزة التي يتعرض لھا المسلمون في العراق وعدم قدرة أغلب العراقيين من أھل السنة على التمييز بين ما بات
37
يعرف بالمشروع الوطني العراقي والمشروع اإلسالمي العالمي ومتطلباته فكم استھلك مجاھدوا فلسطين من الوقت حتى وصلوا بالشعب الفلسطيني إلى نقطة ومرحلة الالعودة في سبيل استخالص المقدسات من أيدي يھود ومع ذلك فال تزال الخطورة قائمة في فلسطين أن يغلب الطرح المنغلق أو ما يسمى بالمشروع الوطني على المشروع اإلسالمي العالمي والذي لبابه استخالص المقدسات من أيدي اليھود؟ وكذا يمكن أن ينصح المجاھدون في فلسطين بأنه ال خالف على سعي قادة الجھاد إلى التخفيف عن المسلمين كما ھم رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم بإعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة حتى يفك الحصار عن المدينة وأھلھا وأن الھدنة مشروعة عند تحقق شروطھا وأن األصل في التعامل مع فرقاء الداخل الفلسطيني ينبغي أن يراعي لم الشعث الفلسطيني وانتزاع السلطة ممن اغتصبوھا في غفلة من أھلھا من الشيوعيين والقوميين العلمانيين دون وقوع في فخ النزاع الداخلي والحروب األھلية وكذا يمكن تفھم المكر والدھاء في إدارة المفاوﺿات السياسية بحيث يحصل المجاھدون على غنائم السياسة لصالح الجھاد دون السماح بتحصيل الكثير للطرف المفاوض ومفھوم أن تسعى القيادة لتوفير األجواء التي تسمح للمجاھدين أن يتنفسوا الصعداء وتأكيدا سيطرتھم ميدانيا من خالل الھدنة بعد الھدنة كل ذلك مفھوم ومستوعب لكن يحق للمسلمين أن يتساءلوا وأن ينصحوا فإن االستجابة لمشروع السلم العربي تحوم حوله الشكوك من جوانب كثيرة حتى وإن اشترط المجاھدون دولة وعاصمتھا القدس! أولم يصر عرفات من قبل على إقناع المسلمين بأنه سيحصل على دولة عاصمتھا القدس ثم لم تسلم له بتسكين السين وفتح الالم قرية من قرى القدس وال حي من أحيائھا ،ثم كيف يمكن الرجوع عن االتفاقات بعد أن تمھر بخاتم النظام العربي ويعلوه خاتم األمم المتحدة )النصراني واليھودي بامتياز( وكيف سيمكن التفاھم مع دحالن وجماعته الذين سيرثون أبي مازن ﺿمن حكومة وحدة وطنية كما تسمى أو ليس المسار كله قد غلفه الضباب وذلك منذ أن بدأت مسيرة المشاركة السياسية؟ إال أن ﷲ لطف بالمجاھدين من خالل دورھم في انتزاع غزة من أيدي تيار
38
أوسلو بعد أن عاثوا فيھا فسادا ،وعلى العموم ال يزال االطمئنان قائما ما دامت المسيرة الجھادية قائمة وإن أثرت عليھا السياسة بعض الشيء ولبدت سماءھا بالغيوم. ● لن تستقيم المسيرة الجھادية المعاصرة إال برؤية عالمية واستراتيجية للتمكين تؤدي إلى ﺿبط المسيرة الجھادية في بعدھا االستراتيجي والكلي وتمنع الوقوع في فخ المنعطفات والعصبيات وتفتح األبواب الستثمار كل الساحات والمقدرات واألزمات لصالح ذلك التمكين ثم يأتي بعد ذلك التوحد القيادي والمرجعي لألداء الجھادي في وقته المناسب وحسب التطورات في كل االتجاھات ولكن ھذا التوحد ال يمكن أن يحث إال أن يقوم المجاھدون بوﺿع أولى لبناته ومن اآلن وإال فإن ھذا التأخر سوف يؤدي إلى استعصاء وانغالق في المراحل المتقدمة. ● إن من أغرب ما سيطر على العقلية المسلمة في مرحلة استضعافھا الحالية ھو قبولھا بمعطيات الجھاد ﺿد اليھود في فلسطين وبناء األمل عليه ـ وھو كذلك بال شك -مع ما يعانيه ذلك الجھاد من الحصار والصعوبات الجمة في طريقه واالنقطاع الشديد ما بينه وبين بقية أبناء األمة ومع ذلك وبالمقابل نجد أن العقلية والنفسية الجمعية لألمة لم تكن تتقبل الجھاد ﺿد األمريكان قبل سقوط العراق بأيديھم مع العلم بأن الدور الحقيقي في سقوط المقدسات بيد يھود واستمرار التفوق اليھودي في المنطقة ما ھو إال صناعة بروتستانتية في المقام األول بدأه اإلنجليز وأكمله األمريكان! وعليه فإن التطور العالمي الذي أدخلته جماعة القاعدة بإعالنھا الجھاد ﺿد األمريكان يعد تطورا استراتيجيا ھاما في الصراع الكلي على المقدسات وقد أثبت سقوط العراق تحت اآللة العسكرية األمريكية ھذه الحقيقة -بغض النظر عن الخالف المسيطر على الساحة اإلسالمية في استيعاب اجتھاد جماعة القاعدة في بعض أوجھه أو كلھاـ وبالتالي فإن معركة العراق ومعركة أفغانستان في الحقيقة ما ھي إال وجه آخر مكمل لمعركة فلسطين ومتسق مع المسيرة الكلية للمسلمين كما تنبأ بذلك قبل ما يقرب من عقدين من الزمن الشيخ المجاھد عبدﷲ عزام رحمه ﷲ وأجزل مثوبته عندما قال :طريق القدس يمر عبر كابل ،وعليه
39
فإن من أخطر مھددات الجھاد في فلسطين في ھذه المرحلة التفريق بين اليھود واألمريكان واقتناع بعض قيادات الجھاد في فلسطين بامكانية وجود طريق ما يعزل المصلحة األمريكية عن المصلحة اليھودية والغفلة عن الخطورة االستراتيجية التي تمثلھا العقيدة والفعل البروتستانتي النصراني على المسلمين وعلى فلسطين بوجه الخصوص ومن ثم االنقياد تدريجيا وراء الوعود األمريكية مدعومة بالوعود العربية التي أفضت بياسر عرفات وأنور السادات من قبل إلى كامب ديفد ،ومع الثقة المتوفرة في قيادات الجھاد الفلسطيني لكن واجب النصح يقتضي التوقف عند ھذه الحقائق مطوال. ● ينبغي على قيادات الحركات اإلسالمية العاملة في الساحات الباردة أو نصف الساخنة أن ترفع الحظر المفروض على مشاركة شباب المسلمين في المسيرة الجھادية العالمية فھذا أوان عولمة األداء الجھادي للمسلمين ولن يكون ذلك إال باعتماد استراتيجية رفع الوھن من النفوس وأن يحل محل ذلك الوھن عشق الشھادة والجھاد في سبيل ﷲ تعالى. ● وإن من أشد األخطار الداخلية التي تتھدد الجھاد والمجاھدين وعالقة الجھاد ببقية أنواع األداء اإلسالمي في وقتنا ھذا ھو تصور مآالت ھذا الجھاد الكبرى ومستقره بعد أن يأذن ﷲ العزيز بنصر المؤمنين؟ فھل ستكون مآالته إلى خالفة إسالمية راشدة؟ وھي أفضل ما يتمنى المسلمون ويرغبون فيه أم إلى ملك عضوض تنقصه صفة الرشد التي اتسمت بھا مرحلة الخالفة الراشدة؟ ومعلوم أن الملك العضوض بدأ بالدولة األموية واستمر إلى سقوط الدولة العثمانية وقد تميزت تلك المرحلة من الخالفة اإلسالمية باالستظالل باإلسالم وتطبيقه والعناية بمصالح المسلمين العليا ورفع راية الجھاد ولكن الحكم كان متداوال بين عصبيات محددة ،وعليه فإن صيرورة الحكم اإلسالمي إلى قبيلة محددة أو شعب محدد أو جماعة محددة إنما ھي عضوﺿية أخرى فھل تسعى قيادات األمة إلى تلك العضوﺿية؟ أم أن مآالت الجھاد ـ القدر ﷲ الحليم ـ ستؤول إلى استبدال خارطة الحكم الجبري الحالي بخارطة أخرى ولكن بلون إسالمي؟ فھاھنا دولة للقاعدة وھاھنا دولة لإلخوان المسلمين ودول لغيرھم وبين الدول ما صنع الحداد؟
40
ولإلجابة على ھذا السؤال فإنه يلزم الرجوع إلى المرتكزات والتصورات التي أدليت بھا في كتاب مالمح المشروع اإلسالمي ،والتي انتھيت فيھا إلى أنه وفق المراحل العامة التي أنبأنا بھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم منذ بعثته وما سيكون إلى قيام الساعة ووفق ما يمليه المسار العام للشريعة اإلسالمية على المسلمين فإن المرحلة القادمة بإذن ﷲ الكريم تؤشر إلى قرب قيام خالفة راشدة على منھاج النبوة تبلغ ما بلغ الليل والنھار وھي التي بشرنا بھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم في حديثه الذي رواه مسلم عن ثوبان رﺿي ﷲ عنه قال :قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم) :إن ﷲ زوى لي األرض فرأيت مشارقھا ومغاربھا وإن أمتي سيبلغ ملكھا ما زوي لي منھا(...انتھى .وھذه ليست خالفة المھدي -على األرجح -التي ستتحقق بين يدي الساعة ْإذ أن خالفة المھدي متعلقة بعالمات الساعة الكبرى وتتابعھا ومنھا نزول نبي ﷲ عيسى عليه السالم ،وسواء صدق ھذا التوقع أم ال فإن الواجب على قيادات الجھاد أن تدفع باتجاه قيام الخالفة الراشدة ال باتجاه تكرار الملك العضوض فضال عن الملك الجبري ،وھذا الدفع يقتضي من قادة الجھاد الحرص على عدم تلوين مآالت الجھاد باي عصبية كانت ،ال عصبية الجماعات اإلسالمية وال عصبية القيادات فضال عن عصبيات األوطان والقبائل واألعراق ،ومن اآلن وقبل أن يصيبھم ما أصاب المجاھدين األفغان قبيل سقوط كابل فإذا بھم يتناحرون تناحر األعداء الذين غرقوا في عداوتھم ودعواھم واحدة! فال سبيل لصلحھم فضال عن تآخيھم وھو البأس الشديد الذي حذرنا منه رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم في تكملة نفس الحديث الذي أوردته آنفا والذي رواه مسلم عن ثوبان رﺿي ﷲ عنه قال :قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ...) :وإني سألت ربي ألمتي أن ال يھلكھا بسنة عامة وأن ال يسلط عليھم عدوا من سوى أنفسھم فيستبيح بيضتھم وإن ربي قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه ال يرد وإني أعطيتك ألمتك أن ال أھلكھم بسنة عامة وأن ال أسلط عليھم عدوا من سوى أنفسھم يستبيح بيضتھم ولو اجتمع عليھم من
41
بأقطارھا أو قال من بين أقطارھا حتى يكون بعضھم يھلك بعضا ويسبي بعضھم بعضا(انتھى. ولمتأمل أن يتأمل ولسائل أن يسأل :لماذا ھذا القدَر الرباني الذي نراه واقعا بتوزيع كتل الجھاد الكبرى في فلسطين والعراق وافغانستان بين الجماعات اإلسالمية بل والشعوب المسلمة أقصد اإلخوان والسلف والجھاد إن صح التوزيع وصحت التسمية؟ إنه وﷲ تعالى أعلم حتى ال تؤدي سيطرة كتلة واحدة إلى دولة عضوض أخرى فقد ذھبت العضوﺿية وال مجال لعودتھا ،وبھذا التوزيع لكتل الجھاد على الجماعات المختلفة وعلى الشعوب المسلمة فإن ذلك يسھل على المسلمين االقتراب من الرشد الكامن في الخالفة التي ھي على سنة رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وسنة المھديين من بعده. ● وإن مما يتعلق بالمسألة السابقة ويھدد ساحة األداء الجھادي وبالتالي ساحة األداء اإلسالمي الكلي ھو أن يتم استيراد واستحضار كافة نقاط االختالف من ميادين البحث العلمي المجرد لكي يتم عكسھا وتلوين الساحات العملية بھا بحيث يتم استحضار كافة نقاط االختالف العلمية والفروق بين الجماعات المجتھدة في الفھم اإلسالمي المعاصر ويتم التراشق بتلك الفروق في ساحة الجھاد! فإن مما ھو معروف لدى العلماء أن ساحة البحث العلمي واالختالف النظري في إطار أھل السنة والجماعة ال يمكن أن تستورد بحذافيرھا لكي تقاس وتوزن بھا الساحات العملية ومنھا ساحة الجھاد ألن ما يسع في ساحات البحث العلمي المجردة ال يسع في ساحات الجھاد المھددة ،والمثال خير سبيل لتقريب األمر فإن الخالف النظري والعلمي الحادث في الخمسين سنة الماﺿية بين طرح واجتھاد اإلخوان المسلمين وبين االطروحات السلفية ھو المقصود في ھذا التحذير ،حيث يستطيع المراقب للساحات الجھادية على وجه الخصوص أن يلحظ ھذا االستيراد لمفردات البحث العلمي والتي ال تؤثر كثيرا على المختلفين ما داموا في مجال البحث النظري حتى لو تقاطعوا وتدابروا نتيجة لذلك االختالف لكن األثر أخطر بكثير بين المختلفين في الساحات الجھادية ألن الفصل في الخالف يكون غالبا برفع السالح في
42
الوجوه بل واإلخراج من الملة لطبيعة الساحة الجھادية والتوتر الذي يخيم عليھا ،ولنا في رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم أسوة حسنة عندما قرّع أسامة بن زيد رﺿي ﷲ عنھما بعد أن قتل من شھد أن ال إله إال ﷲ ونص الحديث في صحيح مسلم عن أسامة قال: )بعثنا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جھينة فأدركت رجال فقال ال إله إال ﷲ فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي صلى ﷲ عليه وسلم فقال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم أقال ال إله إال ﷲ وقتلته قال قلت يا رسول ﷲ إنما قالھا خوفا من السالح قال أفال شققت عن قلبه حتى تعلم أقالھا أم ال فما زال يكررھا علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ(انتھى ،والشاھد في الحديث ھنا ھو غلبة الظن والشك الذي وقع فيه أسامة رﺿي ﷲ عنه تجاه حقيقة شھادة الرجل وما كان ذلك الشك ليحدث لوال شدة الموقف والحسم الذي تتميز به ساحة القتال ،وعليه فإن ما يقوم به المنتمون لالجتھاد السلفي المعاصر من ھجوم الذع ال يبقي وال يذر تجاه المخالفين في بعض االجتھاد من إخوانھم المسلمين واستخدام اسلوب التشكيك الكلي والنسف القاعدي لكل المخالفين ليھدد مستقبل المسلمين بفتنة التشرذم والفشل ،كما أن تبشير أصحاب التيار السلفي بھم وحدھم كمنقذين لألمة ومتبعين للرسول صلى ﷲ عليه وسلم ليوقع الساحة الجھادية في ﺿيق شديد مما يقتضي االستجابة ألمر ﷲ تعالى بالذلة بين المؤمنين والرفق بالمسلمين كما ورد في مسند اإلمام أحمد عن أنس بن مالك قال) :قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم إن ھذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق( .فال يبنغي معاملة الساحة الجھادية معاملة الساحة البحثية العلمية وال يعني ذلك أن نوقف العمل باألحكام الشرعية –معاذ ﷲ -في الساحة الجھادية لكن القصد ينصرف إلى طبيعة الخطاب والمعالجة. ● وإن من أدق األحكام وأخطرھا وأكثرھا قابلية للجدل واالختالف في أوساط المسلمين ھو مدى مشروعية وقابلية تعرض المجاھدين لألھداف العسكرية أو المدنية ألعداء المسلمين في بالد المسلمين والتي ال تتوفر فيھا شروط وظروف القتال واالشتباك بالعدو
43
المحارب وكذلك استھداف العدو المحارب في عقر داره كما تفعل جماعة القاعدة ،وحتى يمكننا االقتراب من ھذه الساحة الشائكة وتفھم معطياتھا فال بد من التذكير بعدة أمور تسمح بتصور أدق لمجريات ھذا النوع من األداء الجھادي أول تلك األمور بأن فقد المرجعية السياسية لألمة وانجذاب حكام المسلمين لللمشروع األمريكي وخدمته أوجبت على المسلمين أن يجتھدوا في التعامل مع الضرورات التي فرﺿت عليھم فقد قام المجتھدون كل في مكانه بواجبه مثلما قامت حماس بدورھا الجھادي ولم تستشر ياسر عرفات ولي أمر الفلسطينين المفترض في ذلك الوقت بنھاية الثمانينيات في القرن العشرين بل إن نظام السلطة الفلسطينية لم يتم إدخاله إلى فلسسطين إال للقيام بدوره في مصادرة الجھاد الفلسطيني ،وإن ھذا التصدي االجتھادي الجھادي لمتطلبات الساحات اإلسالمية ال يترك مجاال إال أن يمضي كل مجتھد في تطبيق رؤيته وإدارة ساحته حسب ما تبين له من وقائع مع أھمية المناصحة والمشاورة من قبل بقية المسلمين له ،وثاني األمور في التصدي الجھادي الحالي أنه ال يمكن إلزام كل المسلمين بتصور واحد وال بمسار عملي واحد فقد سقطت العراق وما أدراك ما العراق في ظل النظم السياسية والتي انقسمت إلى قسمين إما مشارك بسقوط بغداد أو متفرج عليه! فماذا يمكن للمسلمين في ظل ھذه الحال من الھجمة النصرانية الشرسة التي تقودھا أمريكا إال أن يدفعوا بكل ما استطاعوا مما يقع تحت أيديھم فلم تعد ھناك ساحة آمنة لألمة المسلمة بناء على ھذا الدھم العام والتغلغل االستخباراتي الشامل ،وأعتقد بأن التطورات الميدانية ھي التي تحكم ھذا النوع من األداء فاألصل أن يتم التركيز على الساحات التي فرض العدو فيھا القتال على المسلمين ولكنه وفي حال قام ھذا العدو بتوسيع استھدافه للساحات الباردة بعمليات قتالية من الخطف والقتل وفي حال استھدف العدو اآلمنين العزل من المسلمين كما فعلت االستخبارات األمريكية من خطف وقتل في باكستان واليمن وإيطاليا ،ففي ظل ھذا التوسيع واالستھداف األمريكي الشامل العسكري والعقائدي والثقافي واألخالقي والتعليمي ودعم اليھود في استھدافھم للمسجد األقصى فإن كل أھداف العدو الظاھرة
44
والخفية يمكن أن تستھدف سواء بتطبيق الرد بالمثل كما في قوله عز وجل) :وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به(النحل ،١٢٦:على خالف حول نسخ اآلية أو إحكامھا أو بتطبيق قاعدة القتال المطلق كما في قوله عز وجل) :فإذا انسلخ األشھر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموھم وخذوھم واحصروھم واقعدوا لھم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلھم إن ﷲ غفور رحيم(التوبة ،٥:ولكن ھذا التقدير متروك لقيادات الجھاد ووزنھا لمثل ھذه العمليات وأثرھا على العدو وعلى المسلمين، وإذا كان المسلمون اليوم يستنكرون فعل القاعدة في ھذا المجال فكأني بھم وبعد أن يزلزل اليھود أركان المسجد األقصى ـ ال قدر ﷲ الحليم -يذھبون كل مذھب في ھذا االتجاه وبما لم تفكر فيه جماعة القاعدة ،ومن يستبعد من المسلمين حدوث ھذا التھديم للمسجد األقصى في ظل المعطيات الحالية فإني أذكره بما مر على المسلمين في التاريخ فقد قام القرامطة عند ظھورھم بغـزو مكة وقتل الحجيج في يوم التروية وكسروا الحجر األسود وأخذوه إلى ديارھم فھل من معتبر؟
األصل العاشر :المدافعة السياسية واجب شرعي يتعـلق بمصالح المسلمين العليا إن الفريق السياسي الواقف على مصالح المسلمين ورعايتھا في البقاع المختلفة من بالد المسلمين وحتى في عقر ديار الكفار إنما يقوم بدور شرعي وواجب عملي تمليه مبادئ اإلسالم من أمر بمعروف ونھي عن منكر وجلب المصالح ودفع المفاسد وتمثيل لضمير األمة ومكنونھا وفق االستطاعة ووفق النماذج السياسية والمؤسسية التي آلت إليھا االجتھادات المعاصرة لعلماء المسلمين في البقاع المختلفة ووفق طبيعة الساحات التي يقف عليھا المسلمون ،وھذا الدور ال يقل بأي حال من األحوال أھمية وأثرا في المشروع اإلسالمي والرؤية البعيدة المدى عن الدور الجھادي المباشر فثمة مصالح ھائلة
45
وﺿرورات ماثلة ال بد أن يتصدى لھا القائمون بأمر ھذا الدين من العلماء والدعاة والجماعات اإلسالمية بحسب ما يقتضيه الحال من التصدي والمعالجة ،خاصة في ظل حقائق ھامة تأتي في مقدمتھا حال االستضعاف التي عليھا األمة ومراعاة ھذه الحال ثم استحالة تحويل كل ساحات المسلمين إلى أرض للمقاومة والجھاد في ظل المعطيات الواقعية المشاھدة ولعدم تحقق كل معطيات الجھاد في أغلب ساحات المسلمين ومن أھمھا عدم وجود العدو البارز الواﺿح الذي يمكن قتاله عالوة على تيقن حدوث القتل في المسلمين في حال نشوب القتال ثم لتمكن األنظمة السياسية من رقاب المسلمين ومطاوعتھا للعدو الكافر واستعدادھا للذھاب كل مذھب لمنع تطور األوﺿاع الداخلية باتجاه استقالل وسيطرة المسلمين على مقدراتھم وواقعھم ثم لحاجة المسلمين المستضعفين إلى التدرج حتى يالمسوا المستويات العليا من التضحية واألداء اإلسالمي ولحاجتھم الماسة إلى التربية واإلعداد وبث العلم الشرعي بينھم وبين أجيالھم المتجددة، كما تأتي أھمية الممارسة السياسية في بالد المسلمين ألھمية إقامة الحجة على المعاندين والرافضين للنظام اإلسالمي من بني جلدتنا والذھاب معھم كل مذھب يبيحه الشرع وحتى ال يتحدث الناس بأن المسلمين يقتلون بعضھم بعضا ،وانتظارا لتطور أوﺿاع الساحات الجھادية ومآالتھا فالساحتان تمدان بعضھما البعض بدعم معنوي ومادي يؤدي إلى تطور األداء اإلسالمي الكلي ،وفي ظل ھذا األصل من حيث االعتبار الشرعي للعمل واألداء السياسي يمكن التوقف عند ما يلي من مسائل: ● إن االتجاه العام الذي ينبغي أن يحكم مسيرة األداء السياسي ھو االتجاه التغييري اإلصالحي ال االتجاه الترقيعي اإلصالحي المجرد والذي يبقي الفساد في مواقعه يرتع ويلعب ،وحتى يكون ھذا االتجاه التغييري ھو المبرر الشرعي األساسي في ألوان األداء السياسي من امر بمعروف ونھي عن منكر في مستوياته العليا ،وحتى يصب ھذا االتجاه في مشروع التمكين لإلسالم فإذا صلح ھذا التصور وھذا المنطلق صلح ما بعده وإذا فسد فسد ما يليه ،فاألداء السياسي اإلسالمي إنما يدفع -وإن شارك سياسيا -باتجاه التحرر
46
واالنعتاق من الدكتاتوريات العلمانية والعسكرية والملكية وإال فما معنى رعاية مصالح الشعوب المسلمة إذا أھمل ھذا البعد وتم التصالح الكلي والنھائي مع النظم السياسية الحاكمة؟ ومن مقتضيات ھذا االتجاه العام أن تستظل المرونة السياسية بھذا االتجاه فال تذھب المرونة كل مذھب بدعوى اللعبة السياسية مثال فإذا كان اآلخرون يلعبون فإن الدعاة ال يلعبون باإلسالم ومبادئه وال بمصالح المسلمين العليا وال ينبغي أن تذھب المرونة السياسية باتجاه فن الممكن كل مذھب فإن للدعاة صالبتھم المستمدة من منھج اإلسالم ومطالبه ورعايته لمصالح المسلمين العليا مرة اخرى وھكذا. ● وإن مما يتعلق بالمسألة السابقة أن يتقدم الساسة المسلمون والعاملون لھذا الدين عند ممارستھم للسياسة بمبادئھم الواﺿحة وإشاراتھم التي ال تخطؤھا العين فال يلبسون على المسلمين وھم األمناء بحجة أن يتم قبولھم في النظام السياسي ولكي يتالءموا مع متطلبات الديموقراطية األمريكية ووسمھم بصفة االعتدال فالمسلمون ليسوا بحاجة إلى استبدال النظم العلمانية بنظم جديدة تظھر العلمانية وتبطن اإلسالم فھذه ليست ساحة للشيعة والباطنية اإلسماعيلية. ● ومما يتعلق بالمسألة األولى أن الساسة المسلمين ھم في حرب أيضا ولكنھا حرب بال حديد فھم حرب على التوجھات األمريكية والنصرانية التي باتت تستھدف عقيدة المسلمين ومقدراتھم وعليه فال مھادنة وال استظالل بالشرعية األمريكية وال طلب رﺿى السيد األمريكي وال امكانية بتبادل المنافع مع السيد األمريكي وال الدخول معه في أجندة مشتركة خافية أو ظاھرة ،وال االقتراب من السرطان اليھودي ،وال االستقواء على النظم المنبطحة للنظام األمريكي بمنظومة الديموقراطية وحقوق اإلنسان األمريكية وال بقنواته الفضائية التي تدعي الحرية. ● ومما يلحق ھذه المسألة ويتعلق بھا أن يعتمد الساسة المسلمون في مسيرتھم على استراتيجية االستعصاء )كما سمتھا قيادات حزب التجمع اليمني لإلصالح( ﺿد االستھداف الشامل والكلي للنھضة اإلسالمية المعاصرة والرغبة الجامحة التي تھيمن
47
على النصارى بمسح آثار الدعوة والتربية اإلسالمية المعاصرة عن األجيال في مختلف بلدان العالم اإلسالمي وبتجفيف منابع التأثير اإلسالمي ،فھو استعصاء على الذوبان والكسر والمسح من الساحات حتى يأذن ﷲ عز وجل بتبديل الحال. ● وإن من أخطر ما يواجه فريق السياسة في ھذه المرحلة من تاريخ المسلمين المعاصر ھو التناغم الكلي والذوبان الكامل في منظومة الحكم السياسية السائدة في البالد العربية واإلسالمية وفق الخطة التي وﺿعتھا اإلدارة األمريكية في تعاملھا مع ما يسمى باإلسالم السياسي )يعني تقديم السياسة والمصلحة على ثوابت اإلسالم( وقبول تلك الخطة المبدئي بإشارات المسلمين ومسميات أحزابھم وبرموزھم القيادية بشرط انضواء تلك األحزاب في منظومة علمانية تتالقى مع المصالح األمريكية وتقوم على خدمتھا كما فعلت األحزاب القومية العلمانية واليسارية في المنطقة طوال النصف الثاني من القرن العشرين خاصة وقد وﺿع القطار على سكته وتم تدشين ھذا الخط السياسي بحزب العدالة التركي وبالحزب اإلسالمي العراقي أما النموذج األول فقد تقدم بحزب علماني بحت وقبل بخدمة أھداف أتاتورك ھادم الخالفة اإلسالمية ثم انضوى في النظام العلماني التركي بكل معطياته ومن ذلك تبعية ذلك النظام لالستراتيجية األمريكية والحروب األمريكية في المنطقة وأما النموذج الثاني فقد طبق اجتھادا قديما على ساحة كل ما فيھا جديد فھي ساحة محتلة عسكريا بدأ األمريكان فيھا ثاني حروبھم االستباقية ووﺿعوا بذلك ايديھم الغليظة على المقدسات والمقدرات معا ،وھي ساحة قد بدأ أھلھا للتو بتطبيق نموذج جھادي واعد ،وھي ساحة بدأ الشيعة فيھا بوﺿع أول نماذجھم التطبيقية في التمدد العالمي والمتعاون مع أمريكا ومع ذلك قبل ھذا الحزب أن يكون بيدقا من خشب ينصبه الشيعة في ساحتھم تارة وينصبه االمريكان في ساحتھم تارة أخرى. ● أما المرونة السياسية التي يمكن للساسة المسلمين أن يعملوا بھا فھي إنما تراوح ما بين وﺿوح المبادئ وبين السعة التي تمنحھا الشريعة اإلسالمية سواء في بعدھا العام أو في بعد الضرورة التي تقدر بقدرھا ومن ذلك إعالن األحزاب والتجمعات اإلسالمية
48
قبولھا المبدئي بالنظام السياسي القائم في البلد المعني والتعامل معه ولكن مع طرح الشروط الخاصة بالتصور اإلسالمي إلصالح األوﺿاع في المجاالت المختلفة السياسية منھا واالقتصادية والقانونية والتربوية واالجتماعية إلى غير ذلك من المجاالت ومن رفض لكل أنواع الفساد التي يمارسھا النظام السياسي ،كما أن من المرونة السياسية والحفاظ على المصالح العامة للمسلمين في البلد المعني االنضواء تحت النظام البرلماني الديموقراطي كمرحلة إصالحية بشرط االستظالل باإلسالم كمظلة أساسية وليس بنظام علماني يرفض اإلقرار بمرجعية اإلسالم ويتوفر ھذا األساس في أغلب بلدان العالم اإلسالمي بنصوص دستورية بغض النظر عن مدى التطبيق العملي -ال زھدا في التطبيق بطبيعة الحال ولكن تعامال مع الضرورة -فإن بامكان المنظوين في النظام البرلماني في مثل ھذه النظم أن يحاكموا اآلخرين إلى المرجعية اإلسالمية ويحاجوھم بھا بحكم عقيدة المسلمين أوال ثم بحكم دستوريتھا ثانيا ،كما أن بإمكان المتعاملين بالنظام الديموقراطي أن يقاطعوا االنتخابات والحياة السياسية بشكلھا القانوني متى ما تعسف النظام السياسي وطغى في تعامله مع المسلمين فليس معنى المشاركة السياسية أن يھمل المشاركون ثوابتھم ويتعلقوا بمجرد مبدأ المشاركة فإن ﷲ تعالى سوف يسائلھم عما استرعاھم من أمانات وتأتي أمانة المنھج اإلسالمي في مقدمة تلك األمانات .ومن األمثلة الواﺿحة على ھذا النوع من األداء تأتي جماعة العدل واإلحسان في المغرب كنموذج ثابت وشامخ تجاه الحفاظ على الثوابت والتذكير بھا ،وكذا ما قامت به جماعات إسالمية سياسية في مواقع مختلفة من مقاطعة المشاركة السياسية مثلما حصل من الجماعة اإلسالمية في باكستان مؤخرا وغيرھا من الجماعات واألحزاب لما أصبحت المشاركة في حد ذاتھا مشاركة في الفساد العام الذي تقوده الحكومات. ● ومن المرونة السياسية التحالف الجزئي أوالكلي مع ألوان طيف التشكيل السياسي القائم في البلد المعني بشرط وجود إعالن مبادئ إسالمي يستظل الجميع به فإن لم يمكن فإعالن مبادئ خاص بالساسة المسلمين المشاركين يؤكد على البعد اإلسالمي ورؤيتھم
49
لحل مشاكل البلد المعني وإصالح الخلل فيه وبشرط أن ال يلتحق بھذا الحلف من يقيم على ما يضر بمصالح المسلمين العليا في تلك البلد من عمل ودعوة عقائدية ھادمة لإلسالم أو مواالة للمحاربين وما أشبه ،ومن ھنا كمثال جاء التحالف الجزئي لحزب التجمع اليمني لإلصالح مع بقايا االشتراكية اليمنية بعد أن تحولت موازين القوى في اليمن وأصبح أھم مطلب أمريكي مطلوب من الحكومة اليمنية ھو ھدم ما بناه الدعاة طوال العقود الماﺿية من بناء إسالمي في نفوس األجيال والناس وبعد أن أقر قادة الحزب االشتراكي بإعالن المبادئ الذي وﺿعه حزب التجمع اليمني لإلصالح وفيه كل متطلبات المرجعية اإلسالمية إﺿافة إلى أھمية المحافظة على عالقة وثيقة بالجنوب اليمني لخطورته في المعادلة اليمنية ككل. ● ومما يتعلق بھذا األصل وھو واجب المدافعة السياسية أن يوازن الساسة المسلمون بين البعد اإلسالمي للمشروع اإلسالمي والبعد الوطني فلھم أن يتجاوبوا مع متطلبات البعد الوطني والمصالح المتحققة في البلد الواحد وأن ينشغلوا بھا دون أن يخل ذلك بالبعد اإلقليمي والعالمي في المشروع اإلسالمي فال يمكن للساسة المسلمين أن يغفلوا عن قضية المقدسات والجھاد في فلسطين وال عن الدماء التي يھريقھا األعداء في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرھا ،وعند تعارض المصلحة الوطنية مع المصلحة العامة لألمة فاألصل أن تقدم المصلحة األعلى وھي ھنا متعلقة بالمشروع اإلسالمي العالمي ومن النماذج الناجحة في تطبيق ھذا المبدأ تقديم حزب العمل اإلسالمي األردني مصلحة القضية الفلسطينية ونصرتھا على مصلحة التواصل مع النظام المحلي عندما اقتضت ثوابت القضية اإلسالمية ذلك. ● ومما يتعلق بھذا األصل أن يستعد المسلمون للمتغيرات الميدانية المترتبة على حقائق المدافعة وما يصحبھا من معطيات فالمسلمون ليسوا في زمن حرب باردة بل ھم في حرب ساخنة واقعة عليھم بشكل مباشر ولم يعد من شيء كثير في يد النظم السياسية لتفعله مما يقتضي االستعداد لكل أشكال التغيير خاصة عندما تھدد المقدسات على
50
المستوى العالمي وعندما تلوح نذر التحوالت الكبرى ويأتي وقت حصاد نتائج الفساد السياسي واالقتصادي طويل المدى في العالم العربي واإلسالمي وعندما تلوح مؤشرات الثورات وعندما تبدأ النظم الجبرية القائمة بالترنح فال نعيش بأحالم اليقظة وال نرجع بضم النون وكسر الجيم جالدينا بأيدينا إلى السدة ثم نقعد تحت سياطھم األمنية واالقتصادية راﺿين مطمئنين كما فعل البعض في الجزائر ،ولعل أبلغ الدروس في أھمية قراءة التغيرات الكبرى واالستعداد لھا والخطورة المترتبة على ذلك ھو ما حدث في العراق وخاصة الخطأ االستراتيجي الذي وقعت فيه حركة اإلخوان المسلمين التي تمثل ثقال استراتيجيا كبيرا في األداء اإلسالمي الكلي سواء بامتدادھا العالمي أو بجناحھا العراقي فال ھي أسست للمدافعة الكاملة الوافرة للعدو األشد واألخطر في قائمة أعداء المسلمين على أرض العراق وال ھي أوقفت جناحھا العراقي من التمادي في تعاونه مع المحتل والذي أخل أداؤه كثيرا بوزن ومعادلة أھل السنة في تلك البالد.
خامسا :الخاتمة لقد فرﺿت التطورات في الساحة اإلسالمية الكلية في الفترة األخيرة تداخال ما بين السياسة والجھاد ال تخطئه العين وبالتالي فإن الفصام النكد الذي تعمق ما بين الساحتين يجب أن يخلخل تمھيدا إلزاحته وإحداث التواصل الكلي بينھما وھذا األمل لن يتحقق إال بوﺿع الثوابت من دين اإلسالم وما يتعلق بھا من مصالح المسلمين العليا تحت النظر دائما وذلك بأن يتقدم أھل الجھاد وأھل السياسة نحو خدمة تلك المصالح وإن انطلق كل من ساحته ومعطياتھا .ولعل مما أسھم في ھذا التداخل بين الساحتين عوامل متفرقة كان من أھمھا تداخل الجھاد والسياسة في العراق وفي فلسطين ،ومن األمثلة على ھذا التداخل اجتھاد حركة حماس باالستجابة للمسيرة الديموقراطية الفلسطينية المسيطر عليھا أمريكيا وإلثبات حسن النوايا في الساحة الداخلية والساحة اإلقليمية والساحة العالمية والستغالل التأييد الشعبي الفلسطيني للمسيرة الجھادية باتجاه دعم السيطرة
51
للمجاھدين من باب السياسة وما نتج عن ذلك من محاولة اصطياد المسيرة الجھادية في فلسطين في قوقعة التجربة الديموقراطية وتمسك حماس بمسيرتھا الجھادية وما وقع عليھا بعد ذلك وعلى الشعب الفلسطيني من بالء وحصار ،وما تاله من استجابة حماس وموافقتھا على مشروع السالم المطروح من قبل النظام السياسي العربي والقلق الكبير الذي باتت تمثله ھذه االستجابة على مستقبل الجھاد في فلسطين ،وكذلك اشتعال األداء الجھادي في العراق واالصطدام المباشر بالمشروع األمريكي في المنطقة والمحاولة األمريكية المستميتة إليقاف الجھاد من خالل اللعب بالسياسة ،واﺿطرار األمريكان إلبطاء المسيرة الديموقراطية في المنطقة ككل نتيجة عدم نضج طبخة اإلسالم السياسي فيھا ،ومما يحسب لجماعة القاعدة في ھذا السبيل تدخلھم في توجيه المسار السياسي العام في المنطقة من خالل خطابات قادتھا المتصلة والتي سدت ثغرة كبيرة مفتقدة إذ ال يوجد من يمارس ھذا التوجيه وبھذا المستوى نتيجة النشغال أھل كل قطر بشأنه وأزماته. وإن التطورات األخيرة على ساحات المسلمين قد شكلت وبوجه الخصوص منذ سقوط بغداد بيد التتر المعاصرين دفعا باتجاه الوﺿوح وتسليط الضوء بشكل دقيق على تبلور استراتيجيات ومشاريع األمم المختلفة على وجه األرض وتدافعھا وتحديد قائمة األعداء األشد خطرا على األمة المسلمة واﺿطرار أولئك األعداء إلى الكشف عن أوراقھم ورؤاھم وتنزيلھا على األرض مما غير من كثير من المعطيات والعوامل الكلية التي كانت تتحكم بمنطقة السياسة والنظم السياسية التي تحكم المسلمين وبالتالي بعثرة الساحات التي يقف الجميع عليھا وھذا بدوره يتطلب من قادة المسلمين سواء من يقف على ﺿفة السياسة أو على ﺿفة الجھاد أن يسارعوا إلى بعضھم البعض لبلورة رؤية واستراتيجية شاملة وجديدة تتناسب وتتجاوب مع ھذا المتغيرات أو بمفھوم شرعي بلورة اجتھاد جديد يحدد مسارات التجاوب لكل تلك التحديات والتعامل معھا فلم تعد األنظمة السياسية في العالم السياسي مجرد أنظمة قطرية بل ھي منظومة تحكمھا معطيات التحوالت في النظام العالمي الذي لم يعد بدوره يصلح ألن يرد ألحد من البشر حقه وھو
52
لم يكن كذلك من قبل لكن الدعاية سربلته بھذا االتجاه وھنا يطرح السؤال التالي نفسه: ھل باتت االجتھادات القديمة صالحة للتعامل مع واقع المسلمين ومتغيراته؟ تلك االجتھادات التي بنيت على معطيات وعوامل قد تغير أغلبھا وتبدل؟ ھذا ما يسره ﷲ عز وجل من بحث ونظر في مسألة السياسة والجھاد وعالقتھما باألداء اإلسالمي الكلي وقد بذلت وسعي لكي أنصح خاصة المسلمين وعامتھم من خالل ھذه الصفحات فما كان من خير وتوفيق فھو محض فضل من رب العالمين وما كان من خلل وشطط فھو من نفسي والشيطان واستغفر ﷲ الغفور الرحيم منه ومما تجرأت على القول به. كتبه الفقير إلى ربه /حسن أحمد الدقي ١٧ربيع اآلخر ١٤٢٩ھـ ٢٠٠٨/٤/٢٣م
53