تحرير القدس باألمة وتحرير األمة بالقدس بقلم /حسن أحمد الدقي aldiqqi@hotmail.com
٢٠١٠/٥/١٥
مفردات البحث أوال :المقدمة ثانيا :القدس في ظل النظام الدولي ومفرداته ثالثا :القدس في ظل النظام السياسي والفكري للعرب والمسلمين رابعا :القدس في ظل الحراك اإلسالمي والجماعات اإلسالمية خامسا :مؤشرات في استراتيجية اإلنقاذ المتبادل ما بين القدس وأمة اإلسالم
١
أوال :المقدمة إن الحمد تعالى نحمده ونستعينه ونستھديه ونعوذ با من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .ونصلي على إمام المتقين وقائد الغر المحجلين محمد بن عبد) وعلى آله وصحبه ومن وااله إلى يوم الدين ،أما بعد: فإن المتأمل في فواتح سورة اإلسراء وما شملته تلك الفواتح من ارتباط بين المسجد وتقابل بين فساد اليھود العالمي ونقض ذلك الفساد وإزالته الحرام والمسجد األقصى ٍ بعباد ) أولي البأس الشديد ،وارتكاز كل من فساد اليھود من جھة وصولة الموحدين ضدھم من جھة أخرى على موضع المسجد األقصى تحديدا ،ليدلنا على الحقائق التالية في الحال وفي المستقبل: -١
-٢
-٣
إنه ال فكاك لعقدة االصطراع ھذه إال بتغلب وھيمنة وسيطرة فئة على الفئة األخرى وقيام فئة من الفئتين بإزالة كل أشكال الھيمنة واالستحواذ على البقعة الجغرافية ھذه مما يحتم معه تھديم كل ما بنوا وأشادوا سواء أكانت تلك اإلشادة على أرض فلسطين أو السيطرة العالمية التي توصل إليھا اليھود) :وليتبروا ما علوا تتبيرا(اآلية يقول القرطبي رحمه ) تعالى في معنى التتبير :أَيْ لِ ُي َد ِّمرُوا َو ُي ْھلِ ُكوا َ .و َقا َل قُ ْطرُب َ :ي ْھ ِدمُوا ؛ َقا َل ال َّشاعِ ر : َف َما ال َّناس إِ َّال َعام َِال ِن َف َعامِل ُي َتبِّر َما َي ْبنِي َو َ آخر َرافِع)انتھى(. ومن مقتضيات الصراع وأبعاده أن يستعين كل فريق بما أوتي من طاقة وقوة بشرية ومادية في ھذا الصراع ولن يستسلم طرف آلخر إال بعد أن يستنفذ كل طرف تلك الطاقة والقوة في ميدان الصراع ومن المشا َھد أن اليھود قد حشدوا في صراعھم واستدعوا طاقات أمم الكفر األخرى ووظفوا الھيمنة العالمية التي توصلوا إليھا خالل القرن العشرين الميالدي وما سبقه وفق ما قدره المولى سبحانه عليھم):ضربت عليھم الذلة والمسكنة أين ما ثقفوا إال بحبل من ) وحبل من الناس(المائدة ،١١٢:فھذه سنة أخرى من السنن التي تحكم مسار اليھود في األرض ،وليس أمام أمة اإلسالم والحال كذلك إال أن تستدعي طاقاتھا كلھا وأن تعولم الصراع حتى تتمكن من فك عقدة القدس وھو ما ينبئ بصراع مرير طويل ،وأن أمم الكفر األخرى لن تتوانى عن دعم اليھود مما يجعل كل من يدعمھم يدخل تحت حكم المحاربين ألمة اإلسالم فھل سيقبل المسلمون خارج فلسطين أن يدفعوا ضريبة ھذه العولمة للصراع وأن يصدقوا في حبھم وتعلقھم بالقدس؟. أن المسجد في قلب الصراع )وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة(اآلية وبما أن المساجد ھي الرمز الذي يفرق بين المسلمين وغيرھم )وأن المساجد ٢
-٤
فال تدعوا مع ) أحدا(اآلية ،فال يمكن حرف الصراع عن مساره العقدي ال بوطنية وال بقومية وال بمجرد المطالبة باألرض فضال عن وعود السالم، وبما أن غالب طاقات األمة معطلة وممنوعة عن الدخول في الصراع بسبب تفرقھا على أوطان ونظم متشاكسة أو بسبب النظام الدولي ووعوده بإنصاف المسلمين فإن المسجد األقصى سائر إلى الھدم –ال سمح ) القوي الجبار- في حال بقيت أمة اإلسالم على وضعھا الحالي ولم تضع ثقلھا في الصراع، ومع ما أنجزه المجاھدون في األرض المقدسة لكنھم ال يستطيعون وقف ھدم المسجد بوضعھم الحالي ،وقد يسعى اليھود إلى القيام بھدم جزئي للمسجد يختبرون فيه قابلية أمة اإلسالم في ھذا الشأن ويمھدون للھدم الكلي فما ھو جواب علماء األمة ورجاالتھا على ھذه الحقيقة الماثلة؟. وأن الصراع على موضع المسجد األقصى ھو صراع عالمي قد يؤدي إلى دخول البشر في جنبات األرض في مساراته بين داعم ومؤيد لليھود وھم األغلبية خاصة من النصارى وبين متبرم من فساد اليھود وأوليائھم على المستوى العالمي ،فھل سوف يستثمر المسلمون ھذا التطور العالمي لصالح وصول ھذا الدين إلى ما بلغ الليل والنھار من خالل عولمة الصراع؟ وإن المتأمل في علو اليھود الذي ورد في القرآن الكريم):لتفسدن في األرض مرتين ولتعلون علوا كبيرا(اآلية ،ليدرك حجمه من خالل ما وصل له اليھود من سيطرة عالمية وحتى األعداء المتشاكسون لكل منھم صلة ما وعناية خاصة باليھود كما نرى من الروس والصين ،ورأينا كيف تتابع األمم على االعتراف بإسرائيل عام١٩٤٨م فسبقت أمريكا ثم االتحاد السوفييتي بعد ذلك بثالثة أيام. ومما يقتضيه فھم اآليات من فواتح اإلسراء ھو تبادل األدوار بين حملة الحق وجنود الباطل والذين يمثلھم اليھود خير تمثيل بدليل ما ورد من وصف اليھود في الكتاب والسنة ،ففي اآلية ما يشير بوضوح إلى ھذا التبادل أو اإلدالة )فإذا جاء وعد أوالھما( اآلية) ،فإذا جاء وعد اآلخرة(اآلية ،ويتبين من ھذا التداول ضرورة تلبس أحد الفريقين بصفات محددة في كل مرة يدال لھم أو عليھم ولعل من أھم تلك الصفات الرغبة المسيطرة على الفريق المغالب لدخول األرض المقدسة والعودة إليھا ومنھا كثرة النفير ومنھا الذلة والھوان اللذان يضربھما ) عز وجل على من يتخلى عن ھذه األرض ومسجدھا وھو ما يعانيه المسلمون اآلن ،ومنھا انبعاث أولي البأس الشديد بين المؤمنين الموحدين وھو ما بدأت بوادره بفضل ) المنان عز وجل فبعد أن طال األمد على المسلمين وھم يحاولون استرجاع فلسطين عبر ما يسمى بالنظام الدولي وعبر تفريغ الصراع من مضامينه العقدية وصبغه باأللون ٣
القومية والوطنية ْإذ يشاء ) عز وجل أن يخرج من بينھم المجاھدون األشداء. فإذا كنا اليوم نستوعب ھذا الفھم في بعده النظري ونحن خارج فلسطين فقد سبقنا أھل فلسطين المعاصرون فاستوعبوه عمليا من خالل نھضتھم المباركة وتوكلھم على القوي العزيز ومبادأتھم العدو اليھودي بالقتال من خالل إعداد الرجال أولي البأس الشديد ،ومع ما أحدثته تلك المبادأة من أمل في جنبات األمة المسلمة ومع ما رسمته من واقع عملي في مسيرة إنقاذ القدس وتغيير أوضاع المسلمين ،فإن من واجب العلماء والمھتمين بشأن المسلمين عامة وشأن القدس خاصة أن يسعوا لفك أھم العقد والموانع التي تحول دون تواصل األمة ودعمھا للمجاھدين في فلسطين وأن يضعوا أيديھم على توصيف دقيق للمرض العضال الذي بات يھدد ھذه المسيرة المباركة. وفي ھذا السبيل يسعدني أن أتقدم بھذه المقاربة لألزمة الفلسطينية استجابة ألمر رسول ) صلى ) عليه وسلم بنصح المسلمين عامتھم وخاصتھم كما جاء في حديث تميم الداري رضي ) عنه الذي قال :قال رسول ) صلى ) عليه وسلم :الدين النصيحة، قلنا :لمن يارسول )؟ قال :وكتابه ورسوله وألئمة المسلمين وعامتھم.رواه مسلم وستشمل ھذه المقاربة محاولة إلثارة وتسليط الضوء على المفردات التالية:
• • • •
القدس في ظل النظام الدولي ومفرداته القدس في ظل النظام السياسي والفكري للعرب والمسلمين القدس في ظل الحراك اإلسالمي والجماعات اإلسالمية مؤشرات في استراتيجية اإلنقاذ المتبادل ما بين القدس وأمة اإلسالم
٤
ثانيا :القدس في ظل النظام الدولي ومفرداته ويمكن استعراض الحقائق التاريخية التالية في ھذه المفردة: -١
-٢
-٣
-٤
-٥
يرجع تأسيس دولة اليھود على أنقاض فلسطين إلى مرحلة مبكرة من القرن العشرين الميالدي على يد اإلنجليز وبدعم بقية النصارى في العالم خاصة األمريكان حيث جمعت بين اليھود والنصارى عقيدة البروتستانت المتھودين وبلغ األمر أن شجع النصارى اليھود لخوض غمار الحرب العالمية األولى تدريبا واستعدادا للسيطرة على فلسطين. وارتبط تأسيس الدولة اليھودية بالعمل على إسقاط الخالفة اإلسالمية العثمانية وإن كان السقوط مرتبط في بعض جوانبه بعوامل داخلية في األمة المسلمة والدولة العثمانية على وجه الخصوص. كما ارتبط تأسيس دولة اليھود بإعادة تنظيم واقع األمة اإلسالمية خاصة في المنطقة العربية حيث بذل اإلنجليز جھودا كبيرة في تأسيس النظم السياسية والدويالت وكذا األحزاب العلمانية والشيوعية وكان إعالن قيام دولة اليھود سابقا إلعالن االستقالل الشكلي للدول العربية كما سعى اإلنجليز إلى دفع الروح القومية كبديل للروح اإلسالمية سواء عند األتراك او عند العرب وغيرھم من المسلمين وتم تشجيع الفئات الفكرية المناقضة لروح اإلسالم خاصة في مصر وبالد الشام ،وقد بلغ تأثيرالروح القومية إلى درجة قيام بعض العرب بمحاربة إخوانھم في العقيدة من األتراك لصالح اإلنجليز مما مھد منطقة العرب للھيمنة اإلنجليزية ومن ثم اليھودية فدخل القائد العسكري البريطاني )اللنبي( غزة ثم القدس وميمنته محمية بقوات من العرب يقودھا األمير فيصل بن الحسين عام ١٩١٧م. تدافع العرب على أعتاب النصارى في عصبة األمم ثم في منظمة األمم المتحدة فما زادھم ذلك التدافع والجري وراء النصارى إال ذال على ذلھم وقد لعبت األمم المتحدة دورا حاسما في تثبيت دولة اليھود ودعمھا السياسي والعالمي وقد مضى على ھذه التجربة ما يقرب من القرن دون أن يراجع العرب أنفسھم في ھذا الشأن. دخل المسلمون على خط صناعة النظام الدولي فقط عندما عزم األفغان عام ١٩٧٩م على قتال االتحاد السوفيتي الملحد أكبر دولة ملحدة عرفھا التاريخ الحديث وأيدھم في ذلك قيادات العمل اإلسالمي خاصة اإلخوان المسلمون ومع الثمن الباھض الذي دفعه المسلمون لدفع أذى الملحدين حيث بلغ عدد شھداء األفغان قرابة المليون والنصف شھيد وقرابة خمسة مالين مھجر فإن األمريكان غدروا بالمسلمين وركبوا موجة التغيير بسقوط االتحاد السوفيتي ٥
-٦
-٧
عبر استھداف المسلمين واعتبار عقيدتھم ھي المھدد األول للسلم الدولي كما يزعمون واتخذوا بالد المسلمين مسرحا للتغيير في النظام الدولي وطريقا لوضع بقية األمم تحت الوصاية األمريكية العالمية وبھذا الوھم أشعل األمريكا الحرب تلو الحرب بدءا من عام ١٩٩١عندما ضربوا العراق مرورا بالصومال ثم أفغانستان عام ٢٠٠١وأكملوا مھمتھم الكاذبة في العراق عام ٢٠٠٣ومع التحول في رؤية األمريكان للنظام الدولي لكن بقيت إسرائيل حجر زاوية في نظامھم العسكري واألمني العالمي. ومن أھم ما يالحظ في النظام الدولي ھو أن دعم اليھود ال يقتصر على النصارى البروتستانت وحدھم فإن الروس والھندوس والصينيون وغيرھم من ملل الكفر يجمعون على أھمية بقاء إسرائيل واعتبارھا أساسا ال يمكن تجاوزه في المنطقة واعتبار الفلسطينين ھامشا بشريا يمكن إعطاءه -في أحسن األحوال -دولة قابلة للحياة كما يقولون! ولعل النموذج الروسي ھو أحسن ما تطلع له العرب في نصرة قضيتھم فما زادھم ذلك إال بالء ولئن كان للعلمانيين من أمثال ياسر عرفات وبقية الفصائل الفلسطينية العلمانية عذر في الوقوع في وھم الدعم الروسي لھم فإن الخوف أن يتم إدخال المجاھدين في فلسطين إلى كذبة النظام الدولي عبر الغزل الروسي ،وأين كان الروس عندما كان اليھود يصبون حممھم على غزة في الحرب األخيرة؟ ومع ذلك فإن إمكانية حدوث انشقاقات وتناقضات في مفردات النظام الدولي واردة بل ھي متحققة ويمكن لقيادات الجھاد أن تبحث عن فرصة للنفاذ من خالل ھذه الشقوق واستثمارھا لصالح األداء اإلسالمي لكن التحذير من الوقوع في فخ النظام الدولي ھو المقصود من الشرح في مقدمة ھذه النقطة. لم تكتف مفردات النظام الدولي بوضع ثقلھا بجانب اليھود طوال التاريخ الحديث بل إن تلك المفردات سعت جاھدة لتفكيك أي خطر محتمل في الجانب اإلسالمي ومن ذلك السعي التدخل لخلخلة الوضع الفلسطيني لصالح الزمرة العلمانية المتخاذلة والذي نجم عن فرض المجاھدين لوجودھم عبر صناديق االقتراع واختراقھم لألداء السياسي الفلسطيني ،إذ لوال أدوار مفردات النظام الدولي لما كان لزمرة أبي مازن دور وال وجود على الساحة الفلسطينية. وبذلك االستعراض الملخص يتبين أن مفردات النظام الدولي اس ُتخدمت طوال القرن العشرين وبقيت كذلك ُمستخدمة في العقد األول من األلفية الثالثة باتجاه دعم اليھود وضرب االتجاه الجھادي المقاوم بين الفلسطينين سواء ٦
بالعصا األمريكية الغليظة التي تسھم في حصار غزة أو بخيط الحرير األوروبي والروسي الساعي إلرجاع المجاھدين إلى بيت الطاعة الدولي.
ثالثا :القدس في ظل النظام السياسي والفكري للعرب والمسلمين ويمكن استعراض الحقائق التاريخية التالية في ھذه المفردة: -١
-٢
إن اعتماد النظام السياسي العربي واستناده إلى النظام الدولي من حيث االعتراف بكل دولة على حده ومن خالل خضوعه لعالقة خاصة بالدول المستعمرة جعله جزءا ال يتجزأ من النظام الدولي وبالتالي فإن معالجته ونظرته للقضية الفلسطينية بقيت أسيرة لمعطيات ذلك النظام وكل الذي فعله النظام السياسي العربي أنه كان يوفر غطاء للتمدد اليھودي في كل مرة يزمع اليھود على ذلك التمدد سواء تم ذلك بالحرب أو بالدبلوماسية اليھودية وقد حدث ھذا منذ أن أعلن الملوك والرؤساء العرب الھدنة من طرف واحد إبان حرب ١٩٤٨وتوالت بعد ذلك تعامل النظام العربي مع الواقع الذي يصنعه اليھود حتى ابتلع اليھود كل فلسطين وھيمنوا على القدس كاملة وشرعوا في تدشينھا كعاصمة لدولتھم وقد انتھى األمر بالنظام السياسي العربي إلى المسارعة بعقد العالقات السرية والعلنية مع اليھود ولوال الممانعة الشعبية لرفرف علم إسرائيل في أغلب العواصم العربية منذ زمن بعيد. التزم النظام السياسي العربي بكل إمالءات النظام الدولي باحترام حدود إسرائيل ووجودھا بل وسعت دول الطوق إلى منع أي نوع من أنواعى المقاومة انطالقا من حدودھا ودخلت في صراع مرير مع الفصائل الفلسطينية في ھذا الشأن كما سعت مخابرات تلك الدول إلى استقطاب الفصائل الفلسطينية وضرب بعضھا ببعض بل إن مذابح الفلسطينيين لم تقتصر على فلسطيني الداخل وإنما امتدت للفلسطينيين في بعض البلدان العربية. وإن من أخطر األدوار السلبية التي لعبھا النظام السياسي العربي ھو امتصاص غضبة الشعوب العربية والمسلمة عند وقوع األحداث الكبرى المتعلقة بالقضية الفلسطينية وذلك عبر التنادي إلى المؤتمرات وإصدار البيانات واإلدانات مما جعله غطاء غير مباشر لتمرير إفساد اليھود في أرض المقدسات كما فعل ذلك النظام إبان الحرب على ٧
-٣
-٤
-٥
غزة ،بل إن النظام السياسي في العالم العربي قد سجل اختراقا تاريخيا كبيرا وخطيرا للقضية الفلسطينية ولألداء الجھادي فيھا عندما استغل الضغوط التي وقع تحتھا المجاھدون في فلسطين فأقروا بقبولھم دولة )مھلھلة( في ما بقي من حدود حرب ١٩٦٧بغض النظر عن المعطيات التي جعلت المجاھدين يوافقون على ھذه الخطة والتحفظات التي وضعوھا عليھا فإن العرض يشمل في األساس اعترافا بإسرائيل ويقبل ما تتنازل عنه إسرائيل من بقايا أرض .١٩٦٧ التزم النظام العربي بمعطيات التحول في النظام الدولي الذي قاده األمريكان خصوصا باستھداف النھضة اإلسالمية المتمثلة في الحراك الجھادي باعتباره الخطر المھدد لألمن الدولي كما تزعم أمريكا وھذا بدوره أدى إلى تطبيق خطة تجفيف المنابع واستھداف العمل اإلسالمي بكل ألوان طيفه من تكميم المساجد إلى منع التبرعات والدعم المادي بل ومحاربة لجان مقاومة التطبيع مع اليھود وكانت القضية الفلسطينية من أھم الساحات التي تأثرت بھذا التحول واالستھداف حتى وصل الحال بھذه النظم أن تشارك في حصار المجاھدين في فلسطين بل وتعتقل الجرحى منھم وتسلط عليھم كل أنواع األذى الجسدي والمعنوي وبلغ األمر باليھود أن ينقلوا معركتھم مع المجاھدين للساحات العربية فيقتلوا وبدم بارد دون أن يخشوا العواقب. وبعد أن تمكنت قيادات العمل اإلسالمي بفضل ) المعين أن تتجاوز التحديات العالمية واإلقليمية والتھديد العقائدي الذي تمثل في المشاريع األممية كالمشروع الشيوعي العالمي وخطر المشاريع القومية كالقومية العربية والقومية التركية وغيرھا ،في ظل ذلك يأتي المشروع الوطني واالنغالق القطري كأحد أھم العقبات أمام األداء اإلسالمي ْإذ بانغالق أجزاء األمة في المصلحة الوطنية والقطرية المحدودة التي أنتجت شعارات تلقفھا النظام السياسي ووظفھا كشعار )األردن أوال( فقد ضاقت على إثر ذلك فسحة الحراك السياسي والدعوي والثقافي والفكري لصالح دعم القضية الفلسطينية. لعب العلمانيون في العالم العربي واإلسالمي بشتى نحلھم دورا ھاما في حرف مسيرة المسلمين والعرب خاصة عن حقيقة الصراع العقدي مع اليھود واعتبروه صراعا على أرض ثم ما لبثوا أن طالبوا ببيع األرض أو استبدالھا بأرض أخرى وكان لالشتراكيين الشيوعيين ٨
-٦
الملحدين وللقوميين العرب الدور األكبر في ذلك حتى تسلم النصارى دور الريادة والتوجيه الفكري في األمة بناء على تلك الرؤية فلما تسلم اليھود القدس من تحت أيدي القوميين العرب والناصريين ظھرت عوراتھم وبان خزيھم بدأت األمة في التحول عنھم ومع ذلك ال يزال لھم حضورھم الدعائي فكأن دورھم لم ينته بعد. ويأت االستقطاب االستخباراتي الحاد في ظل المشروع األمريكي العالمي وتوظيفه للنظم العربية باختراق تلك النظم وربط مسيرة األداء السياسي فيھا بقوانين أمنية مستجدة ومبررات محاربة اإلرھاب لكي يغلق كل ھوامش الرؤية المستقلة المتبقية لدى ھذه النظم ويضعھا رھينة في رؤية البيت األبيض وحروبه االستباقية والتحوالت التي يرغب بإحداثھا في ساحات البالد اإلسالمية كما فعل في العراق وإنشاء دولة للشيعة ثم ھو يدعي أنه يحمي البالد العربية من التمدد الشيعي في المنطقة.
وبعد ذلك التلخيص لواقع وتاريخ النظم السياسية في العالم العربي وعالقتھا بقضية فلسطين والقدس يحق لسائل أن يسأل :ھل بقي في ساحة النظم السياسية في العالم العربي واإلسالمي وفي سحرته من العلمانيين ما يمكن أن يعول عليه لدفع مسيرة فلسطين والقدس نحو تحرير أو استعادة حقوق؟
رابعا :القدس في ظل الحراك اإلسالمي والجماعات اإلسالمية ويمكن استعراض الحقائق التاريخية التالية في ھذه المفردة: -١
إن الحراك الجھادي ضد اليھود قد ورث معطيات المسيرة اإلسالمية المعاصرة من توجھات إصالحية ونھضوية في بعدھا النظري االجتھادي وفي بعدھا العملي الميداني وذلك لما يمثله الجھاد من ذروة سنام اإلسالم، فإن المتعلقين به تتبلور في ساحتھم وتنتھي إليھم مآالت االجتھاد وقيادة العباد ،كما أنھم قد ورثوا معطيات المسيرة اإلسالمية المعاصرة بما تمثله فلسطين من رمز عقدي وتاريخي فعلى ساحتھا تؤول كل معطيات وحقائق الصراع بين الحق والباطل وذلك لما ورد في الكتاب والسنة من أدلة ففي سورة اإلسراء تتضح مآالت الصراع ومفرداته األساسية وكون اليھود والنصارى في لباب ھذا الصراع ضد المسلمين وكذا مفردة المسجد ومفردة إفساد اليھود العالمي إلى غير ذلك من المفردات ،ومن األدلة اآليات التي ٩
-٢
أنبأنا بھا العليم الخبير عز وجل عن طبيعة اليھود وخيانتھم وذلتھم ،وما ورد عن النبي صلى ) عليه وسلم من أحاديث عن قتال اليھود ودور فلسطين والشام عموما في ھذا الشأن ومن ذلك قوله صلى ) عليه وسلم :ال تزال طائفة من أمتي ظاھرين على الحق لعدوھم قاھرين ال يضرھم من خالفھم إال ما أصابھم من ألواء فھم كاإلناء بين األكلة حتى يأتيھم أمر ) وھم كذلك قالوا يا رسول ) وأين ھم قال ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس).انتھى( فإن المجاھدين في فلسطين لما تمكنوا من تأسيس الدور الجھادي ضد اليھود في قلب فلسطين نصبوا بذلك راية النھضة اإلسالمية المعاصرة وفتحوا أبواب الصراع على مصراعيه فال يستطيع فرقاء اللعبة الدولية أن يغلقوه مھما احتالوا على المسيرة اإلسالمية عبر تقسيمھا إلى أوطان وأزمات اقتصادية وخالف بين شعوب وقوميات وھذا ما أثبتته األيام حتى بلغ األمر أن أھل فلسطين أنفسھم لم يعد بمقدورھم أن يعيدوا المسألة إلى قمقمھا الفلسطيني الوطني وإال انتھوا إلى ما انتھى إليه ياسر عرفات وفريق العلمنة الفلسطينية ،مع العلم بأن النظام الدولي على الضفة األخرى قد استطاع أن يستوعب حراك المسلمين العام ومحاوالتھم بالخروج من نظام الھيمنة النصرانية واليھودية في مواقع أخرى غير فلسطين كما حصل من تنفيس المسيرة الجزائرية ومنع التحوالت اإلسالمية فيھا وفي مواقع اخرى كثيرة من العالم. إن الخطر على المسيرة الجھادية قائم -رغم ما حققه المجاھدون في فلسطين -وذلك من خالل المحاوالت المستميتة والمتواصلة لحرف المسيرة الجھادية عن مسارھا العقدي وأرضيتھا اإلسالمية واستخدم لذلك طائفة من الوسائل كان أولھا استھداف القادة الذين مثلوا البعد العقدي وأصّـلوا له كالشيخ أحمد ياسين والشيخ فتحي الشقاقي رحمھما ) والقائمة الطويلة من قيادات المسيرة الجھادية المعاصرة في فلسطين ،كما استخدمت مفردات النظام الدولي كالمنظومة األوربية والمنظومة العربية وفتح باب العالقات الروسية كي تلين عريكة المجاھدين عبر حرير العالقات الدبلوماسية بعدما فشلت جھود تليينھا عبر القتل والسجون ،وأخيرا سمح النظام الدولي إلسرائيل أن تصب آخر ما أنتجته مصانع العمالق األمريكي من أسلحة الدمار الشامل على غزة في حرب ال تطيقھا الدول فضال عن أن يطيقھا شريط ساحلي ال يتجاوز في مساحته ٣٦٥من الكيلومترات المربعة؟ ولعل مما يثير المرارة والسخرية معا في ھذا الشأن ھو أن تعيب مفردات النظام السياسي والفكري في العالم العربي على المجاھدين في فلسطين اضطرارھم للتحالف مع الشيعة مما أباحه لھم الشرع بعد أن أجمعت الدنيا ١٠
-٣
-٤
-٥
على حربھم وحصارھم ،بينما ذلك النظام يستريح في ظل التحالف األمريكي فھم كمن يرى الشعرة في عيون اآلخرين وال يرى القذاة في عينه! وإن مما أبدعه أھل فلسطين وقيادة الجھاد الفلسطيني ھو جمعھم ما بين األداء الجھادي والحفاظ عليه ومرونة األداء السياسي الداعم للمسيرة الجھادية عبر تحصيل الشرعية السياسية للجھاد مقابل السحب التدريجي لتلك الشرعية عن نظام السلطة األوسلوية وعبر نسج مظلة تحالفية وإن كانت مھلھلة بعض الشيء لكن ظروف المرحلة توجب البحث عن ھذه التحالفات ولنا في رسول ) صلى ) عليه وسلم أسوة حسنة فقد وقع صلح الحديبية الذي كان فتحا بنص الكتاب المبين ففي ظالله اعترفت قريش بوجود الدولة اإلسالمية الناشئة بل والنظام اإلسالمي الذي كان يل ّغـم جزيرة العرب عقائديا من تحت قريش لخلع سلطانھا الجاھلي ،و َھـ ّم صلى ) عليه وسلم قبل ذلك بدفع ثلث ثمار المدينة إلى قبيلة غطفان حتى يفك الحصار عن المدينة. ويصب في مسار وراثة المسيرة اإلسالمية المعاصرة ودعم القضية الفلسطينية ما وفق ) إليه أھل أفغانستان وأھل العراق باالستجابة الجھادية المباركة تجاه الغزو األمريكي المسلح للمنطقة وقبولھم بما تعين عليھم من فرض الجھاد ومقابلة دھم الكفار لبالدھم فنھضوا كجناح آخر في األمة يتعامل مع عدو ال يقل خطره عن اليھود بل إنه ھو األساس في وجود اليھود واستمرارھم فھو الضامن العالمي لبقاء القدس مدنسة تحت أقدامھم النجسة، ففتح المجاھدون في أفغانستان والعراق بذلك باب األمل بفك الحصار عن فلسطين عبر ھذا التجديد المبارك والفتح العظيم لمسيرة المسلمين المعاصرة. إن من مھددات المسيرة الجھادية في فلسطين سيطرة االنغالق التنظيمي واالجتھادي إلى حد ما على فصائل العمل اإلسالمي والجماعات اإلسالمية حتى أصبحت مسطرة االجتھاد في كل جماعة ھي األساس في رؤية اآلخرين وبالتالي التعامل معھم قبوال أو رفضا وأقصد بذلك توزع األداء الجھادي ما بين اجتھاد اإلخوان المسلمين والسلفية الجھادية وبقية االجتھادات اإلسالمية المعاصرة بل وحتى األداء الصوفي مرشح للدخول في معادلة االحتكاك والحساسية الجماعية ومع أن السلفية الجھادية ليس لھا واقع متقدم في فلسطين لكن انعكاس التناقض االجتھادي ما بين اإلخوان المسلمين والسلفية الجھادية قد بدأ يل ّغم الساحة الفلسطينية بادعاء أن اإلخوان يعملون لصالح مشروع وطني ال عالقة له بالجھاد ،وبدال من أن تستثمر التعددية اإلسالمية المعاصرة في تقوية األداء اإلسالمي الكلي وفي امتصاص ضغوط النظام الدولي ومفرداته والتعامل معه فقد وقعت الجماعات اإلسالمية في حساسية ونفرة من بعضھا البعض وتنافس مذموم سيؤدي إلى ما ال تحمد ١١
-٦
عقباه إن بقيت المسيرة دون تعديل ودون إصالح ذات البين التي أمر بھا ) ورسوله والتي ما وردت إال لتنبيه المجاھدين إلى خطورة الغفلة عنھا وذلك في ساحة الجھاد خصوصا حيث يقول الرب تباركت أسماؤه) :يسألونك عن األنفال قل األنفال والرسول فاتقوا ) وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا ) ورسوله إن كنتم مؤمنين(األنفال ١:وغالبا ما يغفل المجاھدون عن ھذه الحقيقة بسبب الدنيا والحرص عليھا مھما بدا األمر غير ذلك ،وليس من مجال إلصالح ھذا الخلل في صفوف المجاھدين إال بالتواصل والذلة بين المؤمنين ،وإال فإن أدائھم كله يصبح مُھددا بضم الميم وفتح الھاء كما أخبرنا من أمر بالجھاد عز وجل في قوله) :وأطيعوا ) ورسوله وال تنازعوا فتفشلوا وتذھب ريحكم واصبروا إن ) مع الصابرين( األنفال .٤٦:فإذا كان لظروف النشأة والتأسيس وظروف المالحقة األمنية والكيد النصراني واليھودي أثره على ھذه التعددية فال ينبغي ترك ھذا األداء والعالقة في الصف اإلسالمي تصل إلى التشكيك والقطيعة فإنه يوشك اليھود أن يرتاحوا ويتركوا المدارس اإلسالمية المعاصرة تصطرع فيما بينھا فيقع المسلمون في أخطر ما حذرنا منه ) ورسوله وھو أن يكون بأسنا بيننا شديدا ،ومن أعجب ما جرى في ھذا الشأن أنه في الوقت الذي خفقت فيه قلوب المسلمين فرحا بفشل خطة االجتياح االسرائيلي لغزة في تلك الحرب الضروس والثبات الذي أبداه المجاھدون في تلك الحرب كان بعض فرقاء العمل اإلسالمي ال يرون في ذلك كبير إنجاز! لقد مثل تقدم المجاھدين في غزة وفق معايير األداء اإلسالمي الكلي والحراك اإلسالمي المعاصر نقطة تحول ھائلة في تاريخ الصراع مع اليھود والنصارى معا وھي تحرير أرض من فلسطين على ضآلة حجمھا لكنھا في الميزان االستراتيجي كبيرة وأخرجوھا بذلك -حتى اآلن -من مظلة مفردات النظام الدولي وتوابعه العربية ولذا كانت ردة الفعل االسرائيلية والدولية خارجة عن قدرات الفھم واالستيعاب وفق الموازين السياسية والعسكرية واالستراتيجية واألعجب من ذلك ھو الثبات الذي حبا به رب العزة عباده في غزة فجددوا بذلك سنة نبيھم في الثبات عند الزالزلْ ) :إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ْ وإذ زاغت األبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون با الظنونا ،ھنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزاال شديدا(األحزاب١٠،١١: ولذا فإن من أھم أولويات النظام الدولي في ھذه المرحلة شطب ما أنجزه المجاھدون في غزة وإرجاعھم إلى بيت الطاعة الدولي ،وإن من أھم ما رسمه المجاھدون وأسسوا له بھذا الفعل في مواجھتھم للسلطة األوسلوية ھو سابقة اجتھادية دقيقة مفادھا أن النظام السياسي إذا اصطدم بثوابت األمة ١٢
-٧
وانحاز لليھود والنصارى فإنه خلعه ممكن بل وواجب في حال تظافرت مؤيدات الخلع وھو ما يرسم خيطا رفيعا ودقيقا لمستقبل عالقة النظم السياسية في العالم العربي واإلسالمي بالشعوب المسلمة وحراكھا العام. لقد مثلت قضية المقدسات في فلسطين وھيمنة اليھود عليھا الرافعة االستراتيجية للرؤية اإلسالمية المعاصرة وتطبيقاتھا وھي المرشحة للدفع بالمراحل المتبقية من حراك المسلمين المعاصر نحو التمكين والخالفة اإلسالمية ولكن ذلك لن يتم بالقعود واالنتظار وبدون وجود خطة ورؤية ومراحل محددة فقد رأينا كيف ألھبت القدس ودماء المسلمين في غزة مشاعر المسلمين وكيف انكشف الغطاء عن النظام العربي الرسمي ولكن لم تتمكن الحركات اإلسالمية في البلدان المختلفة خاصة دول الطوق ومواقع الثقل االستراتيجي كمصر وغيرھا من استثمار ھذا التھديد إلحداث نقالت استراتيجية في فاعلية الشارع اإلسالمي والشعوب المسلمة فينقص الموقف رؤية ومشروع وحراك عام يتناسب وعظم التحديات ويتطلب الموقف خروج من الحسابات الضيقة إلى سعة الساحات العامة فقد أجاد النظام الدولي والنظم السياسية التابعة له لعبة إشاعة الخوف والتھديد برموز عالمية كسجن جوانتانامو وسجون العراق وسجون مصر لكن ) عز وجل قد أذن بخروج الجيل الجديد الذي ينتمي إلى أولي البأس الشديد من جھة وأذن ) عز وجل بتضعضع النظام الدولي وكثرة الفراغات فيه سواء كانت سياسية أو اقتصادية وكأننا أمام نفس اللحظة التي بشر ) فيھا نبيه صلى ) عليه وسلم بالتحوالت الدولية في قوله) :ألم ،غلبت الروم ،في أدنى األرض وھم من بعد غلبھم سيغلبون ،في بضع سنين األمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ،بنصر ) ينصر من يشاء وھو العزيز الرحيم(الروم٥-١:
خامسا :مؤشرات في استراتيجية اإلنقاذ المتبادل ما بين القدس وأمة اإلسالم إنه لم يبق أمام المسلمين إال خيارين إثنين ال ثالث لھما فإما أن يتقدموا إلنقاذ مسجدھم أو أن يقعدوا يبكوا على أطالله كما بكى اليھود قرونا على مخالفتھم أمر ربھم ونبيھم فحرمت عليھم القدس ل ُجـ ْبـنھم وحبھم للدنيا) :ياقوم ادخلوا األرض المقدسة التي كتب ) لكم وال ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين، قالوا ياموسى إن فيھا قوما جبارين وإنا لن ندخلھا حتى يخرجوا منھا فإن يخرجوا منھا فإنا داخلون(المائدة ٢١،٢٢:ويقول القرطبي في ھذا :لما دعا عليھم موسى عليه السالم حين نكلوا عن الجھاد حكم ) بتحريم دخولھا ١٣
عليھم مدة أربعين سنة فوقعوا في التيه يسيرون دائما ً ال يھتدون للخروج منه)انتھى(. ولم يبق أمام اليھود بعد أن صعد نجم أحبارھم بينھم إال أن يستجيبوا لنبؤاتھم الكاذبة ببناء الھيكل المزعوم على أنقاض المسجد األقصى ،وأخطر ما في األمر أنه لم يتبق طويل وقت على وصول نقطة الصفر ھذه مما يمكن أن يدفع بالمسلمين إلى تيه ھدم المسجد األقصى وھم ال يملكون تصورا جامعا وال خطة شاملة للتعامل مع ھذه اللحظة الحاسمة في تاريخھم وتاريخ البشرية جمعاء. كما أن األمة المسلمة مقيدة مكبلة بواسطة النظم السياسية المسلطة عليھا وكأن حال ھذه النظم يحكي ما أخبرنا به الرب عز وجل في قوله) :ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون إلخوانھم الذين كفروا من أھل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم وال نطيع فيكم أحدا أبدا ولئن قوتلتم لننصرنكم و) يشھد إنھم لكاذبون ،لئن أخرجوا ال يخرجون معھم ولئن قوتلوا ال ينصرونھم ولئن نصروھم ليولن األدبار ثم ال ينصرون(الحشر١١،١٢: وبناء على المعطيات العقدية والمعطيات التاريخية والمعطيات الواقعية والتي تؤشر باستحالة امكانية الحفاظ على المساجد دون الدخول في مسارات المدافعة كما أمر ) عز وجل بقوله) :الذين أخرجوا من ديارھم بغير حق إال أن يقولوا ربنا ) ولوال دفع ) الناس بعضھم ببعض لھدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيھا اسم ) كثيرا ولينصرن ) من ينصره إن ) لقوي عزيز(الحج٤٠: وعليه فإنه يمكن أن نتأمل في المؤشرات االستراتيجية التالية في محاولة اإلنقاذ المتبادل ما بين القدس وأمة اإلسالم: -١ال بد وأن تأخذ عملية اإلنقاذ للمسجد األقصى واستعادة القدس وكل فلسطين مسارين متكاملين ومتداخلين في آن واحد فمن جھة ينبغي أن يستثمر خطر وتھديد المقدسات لوضع آليات جديدة إلطالق نھضة شاملة في أوساط المسلمين تستشرف الخالفة اإلسالمية والتمكين لدين اإلسالم في آفاقھا العليا وترفض نظام الوصاية والقھر الدولي وتؤدي إلى تحرر حقيقي في النظام السياسي واالقتصادي والثقافي ،ومن خالل ھذه المدافعة يتم توجيه الجھود لدعم المجاھدين في فلسطين وتوسيع نطاق المقاومة ضد الداعمين المباشرين لليھود واحتواء االستراتيجية األمريكية باتھام المسلمين باإلرھاب عبر تبني اإلرھاب كاستراتيجية مضادة لمن يستھدف ويبادئ المسلمين بالحرب واإلخراج من الدور حسب ما أمر ) عز ١٤
وجل به المؤمنين) :وأعدوا لھم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترھبون به عدو ) وعدوكم وآخرين من دونھم ال تعلمونھم ) يعلمھم وما تنفقوا من شيء في سبيل ) يوف إليكم وأنتم ال تظلمون(األنفال٦٠: -٢أن تتداعى قيادات األمة الحقيقية من علماء ومسؤولي التنظيمات اإلسالمية المختلفة والمستقلين ومشايخ القبائل إلى االلتقاء على استراتيجية جامعة وشاملة تحدد أھداف األمة المسلمة العليا في ھذه المرحلة من تاريخھا وتحدد وسائلھا العامة ومراحلھا التنفيذية لبلوغ تلك األھداف وترسم أدوار الجماعات والشعوب في إسناد وتنفيذ ھذه االستراتيجية. -٣أن يتم االلتزام بمجموعة من السياسات والضوابط العامة في مسيرة النھضة المعاصرة تمنع اإلرتكاس والوقوع في الدوائر الضيقة النتنة مھما بدت تلك الدوائر أثيرة لدى أصحابھا ومن ھذه السياسات والضوابط: • أن يعترف ويقر جميع العاملين لنصرة الدين وإرجاع المسجد األقصى داخل فلسطين وخارجھا من المجاھدين ومن غيرھم بأن اجتھاد كل فريق منھم ورؤيته ھو اجتھاد صحيح حسب رؤيتھم قابل للخطأ في بعض أجزائه وأنه ال يمكن أن ُينزل االجتھاد مكان الدين وبناء عليه فإن وجود التعددية الفقھية والتعددية السياسية والتعددية الفصائلية مما يسوغ في الشرع بل ويدعو إليه وإال فكيف يكون التعاون على البر والتقوى إذا لم يُقر قبل ذلك تعدد المتعاونين عليه؟ وإن الظروف العالمية وشدة الضغوط على األمة المسلمة والساحات الشاسعة لألمة المسلمة لتحتاج إلى النفرة المتعددة وفي كل الوجوه. • أن يعترف ويقر جميع العاملين لنھضة المسلمين المعاصرة والمجتھدون بأنه ال يمكن بأي حال من األحوال أن ُتجْ بر األمة على اتباع اجتھاد واحد من االجتھادات اإلسالمية المعاصرة وإال وقع المسلمون في عضوضية فضال عن الجبرية والدفع في ھذه المرحلة ينبغي أن يكون نحو تبني صفة الرشد في النظام السياسي المستھدف في نھضة المسلمين وھو ما يتعارض مع سياسة العصبيات واالنغالق سواء كانت تلك العصبيات عصبيات عرقية أو شعوبية أوعصبيات االنتماء إلى االجتھادات اإلسالمية ١٥
المعاصرة مادام الناس ملتزمين بسقف أھل السنة والجماعة عقيدة وعبادة وسلوكا وجھادا. • أن يقر ويعترف أھل السياسة بأھل األداء الجھادي والعكس صحيح وأن لكل فريق ساحته وضروراته وموازينه في إدارة تلك الساحات مع بقاء األمر بالمعروف بينھم والنھي عن المنكر دون أن يشوب األمر طعن واتھام بعدم مراعاة كل فريق لظروف ومعطيات الفريق ،ويقتضي وفق ھذا الضابط أن يسعى الجميع للتكامل والتالقي على المدى البعيد وإن فرقت بينھم ظروف الواقع الحالي ،مع أھمية أن ال يتناقض أداء أي فريق منھم مع األھداف االستراتيجية الجامعة والتي تضبط المسيرة العامة ألداء ١ المسلمين. • أن يقر جميع العاملين لنھضة األمة بحق من سبق من إخوانھم فأوجد واقعا سياسيا كان أو جھاديا أو دعويا في بقعة من األرض وأن يحترموا ھذا السبق فال يسعوا إلشعال روح التضاد والمنافسة المذمومة وعلى السابق والمھيمن أن يفسح إلخوانه في التنافس على الخيرات فال يستأثر بالساحة وحده. -٤أن يتيقن وأن يستوعب العاملون لنھضة المسلمين أن ھناك دائرتين رئيستين للصراع في االستراتيجية الكلية األولى ھي دائرة الصراع لتحقيق المشروع اإلسالمي الكلي والنھضة العالمية والدائرة الثانية ھي دائرة الصراع في البقعة المحددة قطرا كان أو إقليما وأن الدائرة األولى تمثل سقف المشروع اإلسالمي والدائرة الثانية حلقة في ذلك المشروع وأن العمل في الدائرة األولى مكلف ومھدد في كل االتجاھات لعظم التحديات ولكن ال مجال للتخلي عنھا وال إھمالھا وأن تربية الشعوب اإلسالمية ينبغي أن يركز على بناء ھذا التصور وتحمل تبعاته مع مراعاة حال المسلمين والترفق بھم حتى يرتقوا إلى تحمل تبعات الدائرة األولى وھو ما ينفذه المجاھدون في فلسطين فإنھم قد تحملوا أمانة فلسطين كل فلسطين ومقدساتھا وھو ما يبدو ضد مصالحھم اآلنية لكنھم آثروا حمل األمانة الكبرى.
١
يراجع في ھذا بحث /السياسة والجھاد أي استراتيجية؟ للكاتب
١٦
-٥على الدعاة والعاملين لنھضة المسلمين أن يبثوا في األمة خطة النفير العام التطوعي والتعبئة لخدمة القضية الفلسطينية ودعم المشروع اإلسالمي عبر سلوك كل الدروب التنظيمية واإلدارية والتعليمية والجھادية وغيرھا فقد انكشف الغطاء ولم يعد ھناك من عذر للقعود عن نصرة الدين كل بما يستطيع وفي كل االتجاھات. -٦يرتبط مصير النظم السياسية ومستقبلھا بمدى جديتھا في دعم المقدسات في فلسطين ومن المتوقع أن ال تحيد ھذه النظم عن مسيرتھا الخاضعة لليھود والنصارى وعليه فتحتاج قيادات العمل اإلسالمي إلى تصور للتعامل مع اللحظات الصعبة التي سوف تفرزھا عنجھية اليھود ضد المسجد األقصى وھو ما ينبغي استثماره لصالح التحوالت الكبرى ال لتأكيد ھيمنة الذل والھوان كما حصل في الجزائر عندما ألغى العلمانيون المھيمنون على األمة نتيجة االنتخابات. -٧ينبغي أن تولي قيادات العمل اإلسالمي أھمية خاصة لتطبيقات استراتيجية الفوضى الخالقة األمريكية فإنھا قد قطعت شوطا كبيرا لمحاولة إعتادة تصميم وترتيب شؤون المسلمين لصالحھم فبعد أفغانستان والعراق جاء دور باكستان والسودان والدائرة مرشحة لالتساع مما يقتضي يقظة وخطة جاھزة للتعامل مع المستجدات وأخطر ما في األمر ھو وقوع بعض المسلمين في دائرة التوظيف لصالح الرؤية األمريكية وإعادة إنتاج سايكس بيكو كما وقع البعض في العراق فخدموا أھدافا أمريكية وشيعية وھم يحسبون أنھم يخدمون أھلھم وشعبھم. -٨إن النظام الدولي ليجد في إنغالق المواجھة بين الفلسطينين واليھود فرصة للدفع باتجاه توطين األداء الفلسطيني مرة أخرى وھو ما يحتاج أن يعالج بدفع األداء نحو العالمية ومشاركة شعوب المسلمين وقد أحسن المجاھدون باعتبار قضية القدس وفلسطين قضية إسالمية ولكن األمر يحتاج إلى مسارات عملية لھذا التحول. و) تعالى أعلم وأحكم كتبه الفقير إلى ربه حسن أحمد الدقي غرة جمادى الثانية١٤٣١ھـ ٢٠١٠/٥/١٥
١٧