مقاالت الثورة والمشروع؟ رؤية استراتيجية في ظل المشروع اإلسالمي بقلم /حسن أحمد الدقي aldiqqi@hotmail.com المقاالت: -١مصر في خارطة المشروع اإلسالمي ص٢ -٢األسود الليبي العنسي ص٩ -٣متالزمة حسني بن علي )حتمية السقوط( ص١٢ -٤زلزال الثورة العربية والمشروع اإلسالمي ص١٩ -٥عرش بلقيس بين االستالب والتمكين ص٣٣ -٦مقاومة التدخل األمريكي في الثورات العربية ص٤٢ -٧الثورات المنجزة وقيادة التغيير ص٥٢ -٨ثورة الشام في خارطة المشروع اإلسالمي ص٦٢ 1
مصر في خارطة المشروع اإلسالمي بقلم :حسن أحمد الدقي aldiqqi@hotmail.com ٢٠١١/٢/١٠ إن الحمد? تعالى والصالة والسالم على رسول الھدى محمد بن عبدﷲ وعلى آله وصحبه ومن وااله إلى يوم الدين ،وبعد: فيكاد العقل الجمعي والعاطفة الجمعية لألمة أن ينبئانا ـ عند توقفھما أمام ما حصل في تونس ثم في مصرـ بأن لھذه األيام ما بعدھا من الفتح والتحول ،وأن أمة اإلسالم توشك أن تنسل من حالة الغثائية التي أخبرنا عنھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم إلى مقدمات مباركة من استعادة التوازن والفعل ،وتوشك أن تستأصل بمبضع اإليمان ما ران على القلوب من الوھن ـ حب الدنيا وكراھية الموت ـ كما توشك األمة بھذه النقلة المباركة أن تفارق مرحلة الجبرية إلى مرحلة الرشد بإذن الواحد األحد. 2
وتذكرنا األحداث في مصر بما قص علينا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم في صحيح مسلم: )كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر (....إلى آخر الحديث ،أما الشاھد في الحديث فھو ما أوضحه الراھب للغالم عندما جاءه يقص عليه ما حدث معه من قتل الدابة التي كانت تمنع الناس ،فقال له الراھب :أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى).انتھى( فكم في مقولة الراھب تلك من قراءة دقيقة لألحداث القادمة والتحوالت االجتماعية والسياسية الكبرى واألھم من ذلك ھو تسليم الراھب القيادة للغالم من خالل قوله: أفضل مني .وكان توقع الراھب في مكانه حيث قاد الغالم المجتمع كله إلى أفياء التوحيد ولكن بعد أن قدم روحه فداء لعقيدته. وھاھم الفتية الجدد في مجتمعات المسلمين وقد رفع ﷲ عزوجل الوھن من قلوبھم يتھيأون لالنتظام في ھذه السنة الكونية )إنھم فتية آمنوا بربھم وزدناھم ھدى( اآلية ،فلله دركم يا شباب وما أجمل أمھاتكم وھن يرضعنكم حليب الثورة والفداء فإنھا سنة أخرى أيضا اصطفت مع بقية السنن )وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه(اآلية و? در أمھاتكم اللواتي ألقين بكم في خضم الميادين تتلقون الرصاص بصدوركم العارية وھي سنة أخرى أيضا )فإذا خفت عليه فألقيه في اليم وال تخافي وال تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين(اآلية. وفي خضم األحداث المتوالية يحتاج قادة األمة الفتية منھم والرھبان إلى التعرف الدقيق على ھذه اللحظة التاريخية والبقعة التاريخية أين تقعان من الخارطة الكلية والسنن الجامعة؟ وما عالقة ما يجري في مصر بالمسيرة الكلية للمسلمين وبمستقبلھم؟ أو بلغة العصر أين تقع مصر في خارطة المشروع اإلسالمي؟ وذلك حتى نحسن توظيف ھذا الحراك لصالح المسيرة العامة وبلوغ ھذا األمر ما بلغ الليل والنھار ،وإال فإن السنن جاھزة لصدم من ال يريد أن يراھا ومن تلك السنن الوقوع في التيه والضياع كما كان ذلك من نصيب بني إسرائيل في كل مرة يصلون فيھا إلى منعطف حاسم بل بلغ بھم األمر أن تاھوا وھم ال يزالون في مراحل الحراك األولى وذلك عندما زادت عليھم ضغوط المجتمع الفرعوني فاتجھوا باللوم إلى نبيھم عليه السالم) :قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا(اآلية فما كان من موسى عليه السالم إال أن نقلھم إلى معالم الخارطة الكلية للمسيرة) :قال عسى ربكم أن يھلك عدوكم ويستخلفكم في األرض فينظر كيف تعملون(اآلية وحتى يمكننا أن نحدد موقع مصر الثورة على خارطة المشروع اإلسالمي فإني سوف أتوقف عند المسألتين التاليتين: أوال :معايرة ثورة مصر استراتيجيا ثانيا :إخراج الثورة من سجونھا
3
أوال :معايرة ثورة مصر استراتيجيا وأقصد بالمعايرة االستراتيجية محاولة نسبة وقياس الحدث أو الثورة إلى المشروع اإلسالمي ومسطرته ذلك أني أزعم وبناء على أداء األمة الكلي خالل القرن العشرين خصوصا بُعيد سقوط الخالفة اإلسالمية فإن التقعيد النظري وھو ما يعرف باالجتھاد وما تال ذلك من تطبيقات عملية في الحراك اإلسالمي العام وخالل مراحل مختلفة وفي كل المواقع الجغرافية في العالم قد أفضت إلى تحديد دقيق للبناء اإلسالمي المأمول أو النھضة الشاملة التي تستھدف التمكين لدين ﷲ عز وجل في الكون كل الكون ،وقد حاولت أن أستشرف وأحدد مالمح ذلك البناء بوضع كتاب: مالمح المشروع اإلسالمي ،فإذا كان في تلك المحاولة الحد األدنى من الدقة ونور االستشراف فقد أصبح بإمكاننا أن نستخدم تلك المسطرة في قياس التجارب المختلفة بغية تحديد دقيق لألرضية التي تقف عليھا تلك التجارب قربا وبعدا من المسطرة وتموضعا في الخارطة الكلية للمشروع اإلسالمي. وعليه فإن المعايرة سوف تركز على رؤية الثورة المصرية من خالل أوزان ومسطرة المشروع الكلي وھي كما يلي: · إن الثورة المصرية لم تأت من فراغ وإنما ھي نتيجة تراكمات من الرؤية اإلسالمية وما ضخته تلك الرؤية من مبادئ وما بشرت به من آمال نظرية وتطبيقية وما رفعت من سقوف التطلعات في األمة في ميدان العلم والتربية واألخالقيات والتطبيقات اإليمانية وفي ميدان السياسة والمطالبة بالحقوق وفي ميدان الجھاد واستعادة األمجاد ،وقد لعبت كافة المدراس اإلسالمية دورھا في كل أو بعض ھذه الميادين حتى أذن ﷲ عز وجل بھبوب رياح التغيير وخروج األجيال الجديدة والتي كسرت قواعد اللعبة المفروضة على األمة. · وجاءت الثورة المصرية لكي تنير وتستشرف مرحلة الرشد بعد أن طال ليل الجبرية وتطبيقاتھا في مشرق األمة ومغربھا ولعل مما يبشر باستشراف مرحلة الرشد ھو نھضة مكونات األمة المصرية كلھا وانتظامھا في مواجھة الجبرية دون أن تعوقھا االنتماءات االجتھادية في المدارس اإلسالمية المختلفة ودون أن تثقلھا حسابات الطبقية االجتماعية وقد جاء إجماع الشعب المصري بإشارته للطغمة الظالمة ونظامھما توبة عما أخبر عنه النبي صلى ﷲ عليه وسلم في الحديث) :إذا رأيت أمتي تھاب الظالم أن تقول إنك ظالم فقد تودع منھم( .وعليه فإن متطلبات إدراك صفة الرشد ومرحلتھا تقتضي العمل على تقديم مبادئھا للناس والمجتمعات والتبشير بھا كنظام إسالمي سياسي في الحكم وشؤونه ومن ثم االلتزام بمتطلباتھا من قبل الداعين إليھا وھم قيادات العمل اإلسالمي خاصة في ظل التشويش الكبير الذي تعانيه الديمقراطية الغربية وتطبيقاتھا [١].ولعل في تأخر بروز فئة من اإلسالميين بعينھا في ھذه الثورة من اآليات الشيء الكثير لعل أبرزھا أن القيادة في األمة لن تفرض فرضا وإنما ستختار اختيارا حرا. · كما أن الثورة المصرية جاءت نتيجة تراكمات أداء المرحلة الجبرية خصوصا في ظل النظام المصري العسكري وما أدراك مالنظام المصري؟ الذي عھد له االنجليز واألمريكان بعد استقرار العالم تحت الطغاة الخمسة بعيد انتھاء الحرب العالمية الثانية بإدارة أخطر البقاع 4
اإلسالمية والعربية عام١٩٥٢م فكان نظاما يجمع بين خليط العقائدية العرقية )القومية العربية( وضالل االشتراكية وصنمية الناصرية وبين الجبروتية العسكرية والقبضة االستخباراتية والتابعية للنظام الدولي والذي بدوره كان قد انتھى من تثبيت النظام اليھودي في فلسطين كأحد معالم النظام السياسي في ما أسموه بالشرق األوسط .ففي ھذه المرحلة ذاقت األمة سياط الجبرية كأوضح ما يكون القھر والعنت وبرغم تقلب النظام السياسي بين ثالثة رؤساء وعھود لكن المحصلة النھائية واإلرث النھائي قد آل في الداخل إلى انھيار اقتصادي وزعزعة اجتماعية وفي الخارج إلى ضياع للقدس وبغداد وعزل مصر عن محيطھا واستخدام النظام فيھا كعصا غليظة ضد شعبھا وضد عالمھا العربي واإلسالمي. · وإن الثورة المصرية لتنتمي إلى المالمح االستراتيجية والجھادية في ھرم مالمح المشروع اإلسالمي أي في قمته وتنتمي على وجه الخصوص إلى نظرية التغيير الشاملة والتي تستتبع إدارة استراتيجية وتعبوية تضمن بإذن العزيز الرحيم ضم طاقات األمة ونسجھا في مسيرة تدافعية تؤذن باستشراف مرحلة التمكين[٢]. · وتأتي الثورة المصرية متجاوبة مع الحراك األھم في واقع المسلمين وھو الحراك الجھادي خاصة في فلسطين لكي يحيي بھا ﷲ عز وجل اآلمال ويسد بھا المسلمون أھم الثغرات في أدائھم االستراتيجي ويوازنون بھا اصطراع المشاريع األخرى على أرض الشام وفي قلب األمة المسلمة خصوصا مع الضبابية الشديدة التي ألقاھا المشروع الشيعي على حراك األمة في فلسطين والعراق وبقية المناطق. · وجاءت الثورة المصرية في ظل نجاح كبير لألمة المسلمة بعولمة األداء اإلسالمي وتنوع التطبيقات العالمية فعن يمين مصر يشتعل جھاد الفلسطينيين وعن شمالھا ينتفض الجزائريون وعلى وقع جنازير الدبابات األمريكية في أفغانستان والعراق تشتعل ملحمة جھادية قل نظيرھا، وفي جنبات الكرة األرضية ال يسمع إال صوت المسلمين وحراكھم السياسي والثقافي والعلمي ورفضھم للھيمنة األمريكية ورموز عولمتھا حتى أدى ذلك إلى قيام جماھير األمم شرقا وغربا برفع الكوفية الفلسطينية والعلم العراقي تعبيرا عن اإلعجاب والتضامن. · وجاءت الثورة المصرية كسرا لمرحلة االستضعاف وولوجا إلى مرحلة التدافع وھي السنة التي تتحقق غالبا ـ بحسب مسطرة معادلة التمكين واالستضعاف ـ دون نذير واضح ودون تخطيط دقيق من المعنيين بإدارة المرحلة وقد تبين في مسطرة المشروع أن األمة تقف حاليا في نھاية حلقات مرحلة االستضعاف وتوشك أن تندفع إلى مرحلة التدافع وھي التي تفصل بين االستضعاف والتمكين ،ولھذه المرحلة أي التدافع من السنن ما ينبغي استيعابه وضبط البوصلة على اتجاھاته[٣]. · وتأتي الثورة المصرية في ظل نفض األمة لتبعات الوھن والغثائية التي أخبرنا عنھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم في الصحيح مما يحتاج معه إلى دفع األمة نحو استكمال ھذه األشواط ال الوقوع في دائرة الوسواس والتخذيل ونسبة األمور دائما إلى األصابع اليھودية أو األمريكية الخفية كما يجيد كثير من الناس. 5
· وتأتي الثورة المصرية لكي تعري وتفضح النفاق وأھله ونظمه تلك التي والت الكفار بأنواعھم وأذلت األمة واتكأت على القول بأنھا تمثل والة أمر المسلمين ونظام حكمھم وھي قد استلمت الحكم من أيدي االنجليز والفرنسيين ثم األمريكان من بعدھم ،وھي التي نظرت إلى المصلحة العليا للمسلمين شرقا وغربا ثم عملت على نقيضھا وضربت األمة في صميم مصلحتھا ،فقامت الثورة المصرية لكي تكشف الغطاء عن األعين المغمضة واآلذان المثقلة عن ھذه الحقائق. · وتأتي الثورة المصرية كإحدى القمم التي تمثل المشروع اإلسالمي وآماله الكبار والتي ترسي معلما أساسيا في صراع المشروع اإلسالمي ضد المشاريع األخرى كالمشروع اليھودي والمشروع الصليبي وبقية المشاريع.
ثانيا :إخراج الثورة من سجونھا وأقصد بالسجون االنغالق العقلي والنفسي واالجتھادي الذي يحول دون دفع األداء اإلسالمي في معارج النھضة اإلسالمية الشاملة وھي ثالثة سجون: -١سجن القطر والوطن -٢سجن الجماعات اإلسالمية -٣سجن النظام الدولي وتوابعه والسجون الثالثة تشكلت نتيجة االنغالق المرحلي في االجتھاد اإلسالمي خالل العقدين الماضيين ونتيجة للضغوط التي مارسھا كل من النظام الدولي متمثال في أمريكا وفي حلفائھا من األنظمة السياسية وليست الثورة المصرية وحدھا بحاجة إلى ھذا اإلخراج والزحزحة بل إن العمل اإلسالمي والحراك الدعوي والسياسي في األمة عموما ليحتاج مثل ھذا اإلخراج ،وأزعم أنه بدون دفع األمور باتجاه الخالص والتحرر من تلك السجون فإنه لن يتمكن المسلمون من تحريك الواقع باتجاه مصالحھم فضال عن مناوشة األھداف الكبرى للمشروع اإلسالمي ،ويمكن تحديد المراد من ھذه المفردة ببسط النقاط التالية: · يعتبر سجن القطر والوطن أحد مھددات الثورة المصرية من حيث رغبة البعض واتجاھھم بتأسيس الحراك العام للثورة ومتطلباتھا على الحدود الجغرافية والتاريخية لمصر وحدھا ونبذ االمتدادات الحيوية لھا وموقعھا المميز لألمة العربية واإلسالمية وبالتالي يستعجل الثوار في إعادة المارد إلى قمقمه الوطني ومفرداته ،خاصة وأن المثبطين يضربون على وتر عدم تعريض البالد للمخاطر اإلقليمية والدولية ،وال يعني ھذا أن ال تؤخذ العوامل الوطنية في الحسبان لكن األمر ليس بإطالقه فينبغي أن تستثمر أجواء الثورة والدفع الذي أحدثته في إعادة تأسيس الدور التاريخي واالستراتيجي لمصر وتحمل تبعاته وإعادة زرع ھذه القيم في نفوس الجيل الجديد من
6
المصريين ،ومن ذلك أن ينص في الدستور الجديد على دور مصر في تحمل تبعات استرجاع فلسطين والمسجد األقصى من أيدي اليھود. · أن تكسر القوالب الوطنية أو بعضا منھا على أقل تقدير تلك التي ارتبطت بزيف القومية والعلمانية وأن ال يترك األمر لسحرة المرحلة الجبرية بأن يملوا رؤاھم على الساحة من جديد، وبالمقابل فعلى الدعاة أن يسعوا لوضع االجتھاد الجديد في المنھج السياسي اإلسالمي المعاصر أو بعض معالمه ضمن المبادئ التي يحتويھا الدستور خاصة في الحكم الرشيد وتحديد حقوق المسلمين السياسية وحقوق المواطنة واألقليات إلى غير ذلك من المعالم دون أن يترك المجال لألقليات أن تفرض وجودھا تحت مبرر احترام حقوقھا. · ومن الفرص التاريخية التي حدثت في الثورة المصرية فرصة اإلجھاز والقضاء على معالم المرحلة الجبرية في الحكم والسياسة وامتداد واستناد تلك الجبرية على النظام الدولي المعادي للمسلمين منذ نشأته عام ١٩٤٥م بعيد انتھاء الحرب العالمية الثانية ،وضرورة العمل على دفع مسار ھذا اإلجھاز على الجبرية إلى آخر الشوط وتصدير ھذه الرؤية لبقية نواحي األمة العربية واإلسالمية بل وللمستضفين في العالم. · أن يسعى الدعاة لتأكيد مبادئ التنمية وقواعد االقتصاد اإلسالمي والحد من ھيمنة النظام الدولي االقتصادي والعولمة ضمن قواعد الدستور الجديد قدر المستطاع كمقدمة لمستقبل التغيير اإلسالمي. · استدعاء كافة مفردات الخطاب اآلمن والمؤلف لقلوب مختلف شرائح المجتمع دون التنازل عن أسس الرؤية اإلسالمية والحقوق االجتماعية والسياسية قدر المستطاع. · فسح المجال للمدارس اإلسالمية المختلفة ألداء أدوارھا في المجتمع المصري دون الحجر واإلبعاد والحذر من التوظيف اإلقصائي لجماعة من الجماعات وذلك بإغرائھا بالموقع المتقدم مقابل اآلخرين ،وضرورة اعتماد تقديم كل من يثبت كفاءته وأمانته لخدمة المجتمع. · اعتماد الحوار المباشر والمكثف بين مختلف الجماعات اإلسالمية لبلورة رؤية موحدة قدر المستطاع إلدارة المرحلة وعدم ترك االختالف في االجتھادات حتى ال تعصف بالمسيرة العامة ووضع االتفاقات التي تحدد طبيعة الساحة والمرحلة وتطبيق المبادئ التي تتناسب مع كل مرحلة فإذا اتفق على أنھا ساحة صفراء فحينئذ ال يجوز إال أن تطبق فيھا أسس الصراع السياسي والفكري والتربوي ويسھم الجميع في ھذا الصراع وإذا اتفق أنھا ساحة حمراء وفق معطيات الشرع ونتيجة لتدخل الكفار فيھا بالسالح فحينئذ تطبق فيھا أسس الجھاد والقتال وھكذا. · ضرورة البحث عن مساحات واسعة لتحريك الثورة وتوصيلھا إلى بر األمان والتأثير الحقيقي في واقع األمة وھذا يقتضي التخفف من انغالق التجارب خاصة التجربة الديموقراطية في ظل النظام القطري الذي يستمد وجوده من النظام الدولي فيوشك النظام الدولي أن ينقض على إنجازات الثورة المصرية من بوابة األداء الديموقراطي والذي يربطه بالمرجعية العسكرية واألمنية ومرجعية المعايير الغربية النصرانية التي أبانت عن وجھھا في تجربة الجزائر وتجربة 7
فلسطين وعليه فإن التسليم للنظام الدولي بوضع أسس إرساء الثورة ليھدد إنجازتھا أيما تھديد، مما يقتضي غل اليد الدولية قدر المستطاع من خالل الحراك الشعبي وتفعيله كما حصل بغل النظام الجبري المصري وأن يستعد قادة الثورة لكل االحتماالت فحبل التغيير طويل ومساره معقد وشديد. · ضرورة قبول الدعاة للمرحلة االنتقالية والتي قد تطول والتدرج في تقديم التطبيقات اإلسالمية في مختلف المجاالت السياسية والقانونية واالجتماعية مع إدراك الفرق ما بين مرحلة التمكين وھذه المرحلة االنتقالية دون فسح المجال للمفسدين لكي يعاودوا نشاطھم وإفسادھم قدر المستطاع. · تحتاج الثورة في مصر وأھلھا أن يخرجوا معنويا وعقليا في المرحلة األولى من سجن النظام الدولي ومفرداته المتمثل في أمريكا وفي القوى اإلقليمية وإمالءاتھا والنظم السياسية وفسادھا فإن الوقوع في محاولة إرضاء واسترضاء النظام الدولي سيقود حتما إلى المربع األول من جديد وقد يقول قائل وھل بامكان الثوار في مصر أن يخرجوا من ھذا النظام؟ والجواب :نعم ويتم ذلك من حيث المبدأ من خالل تبني الرؤية اإلسالمية الشاملة والتي تقضي خروجا من عباءة النظام الدولي وإن كان على المدى البعيد فإن اليھود والنصارى وھيمنتھم على النظام الدولي ال يمكن أن يترك فسحة لتطبيق الرؤى اإلسالمية على الصعيد السياسي فضال عن الصعيد الجھادي ومالم تتبع استراتيجية ممانعة ومقاومة لتبعية النظم السياسية للنظام الدولي فإن األمر سوف يراوح مكانه ،ومما يعين المصريين على ھذه النقلة استعداد شعوب العالم المستضعفة من المسلمين وغيرھم للوقوف في وجه النظام الدولي الذي تقوده وتمثله أمريكا. · وتحتاج الثورة في مصر إلى استراتيجية يوسف عليه السالم في النھضة بالمجتمع المصري من كبوته االقتصادية وتبعيته الذليلة للنظام االقتصادي العالمي فإذا نجح الدعاة في طمأنة الشعب المصري على أقواتھم أمكن االنتقال بھم إلى سقوف أرفع وأعلى خاصة وأن نيل يوسف عليه السالم ھو ھو فينبغي تدراك الموقف قبل أن يحل موعد حروب المياه التي يبشر بھا اليھود. وﷲ يقول الحق وھو يھدي السبيل
] [١يراجع في ھذا كتاب الحرية أو الطوفان وكتاب تحرير اإلنسان وتجريد الطغيان للشيخ حاكم المطيري. ] [٢يراجع الفصل األخير في كتاب مالمح المشروع اإلسالمي للمؤلف. ] [٣تراجع مفردة تحديات كسر المرحلة االستضعافية في فصل موقع المشروع اإلسالمي على مسطرة التمكين .الكتاب السابق 8
األسود الليبي العنسي بقلم /حسن أحمد الدقي ٢٠١١/٢/٢١ أحمدك يامن خضعت له الجبابرة وانكسرت أمام عظمته األكاسرة وأصلي على من بعثته رحمة للعالمين ،أما بعد: فإن ما يحدث للمسلمين في ليبيا على يد الباطش المتجبر القذافي ليوجب علينا نصرة إخواننا المستضعفين بكل وجوه النصرة ومن ذلك إعمال العقول لتحليل الموقف ونسبته إلى أصوله التي تلقيناھا من الكتاب والسنة فإن األمر والنازلة إذا تكررت تحققت معھا وبجانبھا كل المترتبات ْ خلت ْ من قبْل ُك ْم سُنن فسيرُوا في ْاألرْ ض عليھا وھذا في القرآن والسنة كثير كقوله عز وجل) :ق ْد فا ْنظُروا كيْف كان عاقبةُ ْال ُمكذبين ،ھذا بيان للناس وھُدى وموْ عظة ْلل ُمتقين(سورة آل عمران١٣٨ -١٣٧: وما ظاھرة القذافي إال تكرارا لسنة أخبرنا عنھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وھي ظاھرة ال َ :س ِمع ُ ْت ﷲ ،قَ َ الكذابين فقد ورد عن الرسول صلى ﷲ عليه وسلم أنه قال) :ع َْن َجابِ ِر ب ِْن َع ْب ِد ﱠ ِ صلﱠى ﱠ صا ِحبُ ْاليَ َما َم ِة َ ،و ِم ْنھُ ْم َي السﱠا َع ِة َك ﱠذابِينَ ِ ،م ْنھُ ْم َ ي َ النﱠبِ ﱠ ﷲُ َعلَ ْي ِه َو َسلﱠ َم ،يَقُو ُل " :إِ ﱠن بَ ْينَ يَد ِ صا ِحبُ ِح ْميَ َر َ ،و ِم ْنھُ ُم ال ﱠدجﱠا ُل َوھُ َو أَ ْع َ ال َ :وقَا َل ظ ُمھُ ْم فِ ْتنَةً " ،قَ َ ص ْن َعا َء ْال َع ْن ِس ﱡي َ ،و ِم ْنھُ ْم َ صا ِحبُ َ َ ال :ھُ ْم قَ ِريبٌ ِم ْن ثَالثِينَ َك ﱠذابًا ( .رواه ابن حبان أَصْ َحابِي :قَ َ 9
وفي الحديث شاھد على تكرار نوعية خاصة من الكذابين الذين تطير بذكرھم الركبان ويُتابَعونَ وتكون مھمتھم ھي الكذب على الدين الحق من جھة وادعاء النبوة من جھة أخرى ،ومما يميزھم أيضا وجود كتاب لديھم أو ادعاء وحي ،ولعل من أظھر صفاتھم ھو أن شخصياتھم تختزل مزيجا مركبا من جنون العظمة والكبر وتلبس الشياطين وأخيرا البطش وسفك الدماء وقد بدأ األمر بظھور أولى نماذج الكذبة على عھد الرسول صلى ﷲ عليه وسلم كما ورد في صحيح البخاري أن عبيد ﷲ بن عبد ﷲ بن عتبة قال :بلغنا أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة فنزل في دار بنت الحارث وكان تحته بنت الحارث بن كريز وھي أم عبد ﷲ بن عامر فأتاه رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وھو الذي يقال له خطيب رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وفي يد رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم قضيب فوقف عليه فكلمه فقال له مسيلمة إن شئت خليت بيننا وبين األمر ثم جعلته لنا بعدك فقال النبي صلى ﷲ عليه وسلم لو سألتني ھذا القضيب ما أعطيتكه وإني ألراك الذي أُريت فيه ما أُريت وھذا ثابت بن قيس وسيجيبك عني فانصرف النبي صلى ﷲ عليه وسلم قال عبيد ﷲ بن عبد ﷲ سألت عبد ﷲ بن عباس عن رؤيا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم التي ذكر فقال ابن عباس ذكر لي أن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم قال بينا أنا نائم أريت أنه وضع في يدي سواران من ذھب ففظعتھما وكرھتھما فأذن لي فنفختھما فطارا فأولتھما كذابين يخرجان فقال عبيد ﷲ أحدھما العنسي الذي قتله فيروز باليمن واآلخر مسيلمة الكذاب).انتھى النقل من البخاري( وأزعم أن القذافي ما ھو إال أحد ھؤالء الكذابين وذلك النطباق صفات الكذابين انطباقا كامال عليه فقد وردت األخبار الموثقة عن القذافي بأنه كذب على ﷲ وعلى رسوله صلى ﷲ عليه وسلم ومن أمثلة ذلك :تحريفه القرآن الكريم؛ وذلك بحذف جميع قول ﷲ تعالى) :قُل( التي جاءت في القرآن ،وسب األنبياء عليھم السالم واستنقاصھم كقوله عن نبي ﷲ يعقوب عليه السالم :إنه وعائلته من أحط العائالت وأشدھا كفرا ونفاقا ً وأنھا عائلة ملعونة ،واستھزاؤه بالنبي محمد صلى ﷲ عليه وسلم مراراً وتكراراً؛ ومن ذلك وصفه لنبينا صلى ﷲ عليه وسلم بأنه "ساعي بريد"!، وإنكاره للسنة النبوية جملة وتفصيالً ،وجعل التمسك بھا طريقا ً وبابا ً للشرك وعبادة األوثان واألصنام ،وإدعاؤه النبوة لنفسه ،وزعمه أن لجانه الثورية المخابراتية ھي نبي ھذا العصر، وتشريعه الكتاب األخضر وزعمه أنه بمثابة التوراة أو اإلنجيل. وبرجوعنا إلى أشھر الكذابين على عھد رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وھو األسود العنسي نجد أن التشابه بين القذافي وبين األسود يكاد يبلغ حد التطابق ولنترك اإلمام ان كثير في البداية والنھاية يروي لنا بعضا من أخباره :يقول) :واستوثقت اليمن بكمالھا لألسود العنسي ،وجعل أمره يستطير استطارة الشرارة....واشتد ملكه واستغلظ أمره ،وارتد خلق من أھل اليمن ،وعامله المسلمون الذين ھناك بالتقية( ويتعلق تاريخ القذافي بأخطر فترة من االنحطاط والوھن الذي لحق بالمسلمين بل إنه في الحقيقة وبھيمنته على الساحل المترامي في شمال إفريقيه قد جدد عھد الدولة العبيدية الشيعية واإلفساد الشديد الذي كان على عھدھا وھو رمز للمشروع القومي العلماني والتبعية للغرب النصراني والذلة التي لحقت بالمسلمين نتيجة سقوط فلسطين تحت اليھود وعليه فإن سقوطه يمثل سقوط
10
أحد أھم أركان المرحلة والمشروع الصليبي اليھودي وما تميز به من مكر ودھاء لم يمر مثله على تاريخ المسلمين. والذي يتطلع إليه المسلمون اآلن أن يتمكن أھل ليبيا من سرعة التخلص من ھذا الكذاب ونظامه ولعل ﷲ يكرم المسلمين بنھاية للقذافي ھي أشبه ما تكون بنھاية األسود العنسي حيث قتله أقرب الناس إليه وھي زوجته التي كان قد قتل زوجھا وكانت مؤمنة صالحة فشاركت في قتله مشاركة مباشرة عبر العمل على تسريب المجاھدين إلى قصره ولنترك اإلمام ابن كثير من جديد يخبرنا عن قصة مقتل األسود العنسي على يد فيروز الديلمي رضي ﷲ عنه والذي مدحه رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم بقتله للعنسي ،يقول اإلمام ابن كثير )بشيء من االختصار( :قالت إمرأته للثوار :إنه ليس من الدار بيت إال والحرس محيطون به غير ھذا البيت ،فإن ظھره إلى مكان كذا وكذا من الطريق ،فإذا أمسيتم فانقبوا عليه من دون الحرس ،وليس من دون قتله شيء ،وإني سأضع في البيت سراجا وسالحا ،فلما كان الليل نقبوا ذلك البيت فدخلوا ،فوجدوا فيه سراجا تحت جفنة ،فتقدم إليه فيروز الديلمي واألسود نائم على فراش من حرير قد غرق رأسه في جسده ،وھو سكران يغط ،والمرأة جالسة عنده ،فلما قام فيروز على الباب أجلسه شيطانه وتكلم على لسانه -وھو مع ذلك يغط -فقال :مالي ومالك يا فيروز؟ فخشي إن رجع يھلك وتھلك المرأة فعاجله وخالطه وھو مثل الجمل فأخذ رأسه فدق عنقه ،ووضع ركبتيه في ظھره حتى قتله ،ثم قام ليخرج إلى أصحابه ليخبرھم فأخذت المرأة بذيله وقالت :أين تذھب عن حرمتك فظنت أنھا لم تقتله ،فقال :أخرج ألعلمھم بقتله ،فدخلوا عليه ليحتزوا رأسه ،فحركه شيطانه فاضطرب ،فلم يضبطوا أمره حتى جلس اثنان على ظھره ،وأخذت المرأة بشعره ،وجعل يبربر بلسانه فاحتز اآلخر رقبته ،فخار كأشد خوار ثور سمع قط ،فابتدر الحرس إلى المقصورة فقالوا :ما ھذا؟ ما ھذا؟ فقالت المرأة :النبي يوحي إليه ،فرجعوا ،وجلس قيس داذويه وفيروز يأتمرون كيف يُعلِمون أشياعھم ،فاتفقوا على أنه إذا كان الصباح ينادون بشعارھم الذي بينھم وبين المسلمين ،فلما كان الصباح قام أحدھم وھو قيس على سور الحصن فنادى بشعارھم فاجتمع المسلمون والكافرون حول الحصن ،فنادى قيس ،ويقال :وبر بن يحنش األذان أشھد أن محمدا رسول ﷲ ،وأن عبھلة)اسم األسود( كذاب وألقى إليھم رأسه ،فانھزم أصحابه وتبعھم الناس يأخذونھم، ويرصدونھم في كل طريق يأسرونھم ،وظھر اإلسالم وأھله ،وقد أطلع ﷲ رسوله صلى ﷲ عليه وسلم على الخبر من ليلته).انتھى النقل من البداية والنھاية(. وإنه يحق للمسلمين في العالم أن يبتھلوا ? عز وجل أن يجعل نھاية القذافي كنھاية األسود العنسي وأن يحقن ﷲ دماء المسلمين في ليبيا ويتجدد فيروز الديلمي في تاريخ األمة من جديد كما تجدد األسود الليبي العنسي ويرفع ھذا البالء عن كاھل المسلمين في ليبيا في العالم أجمع ويوشك المھاجرون أن يعودوا إلى ديارھم بعد انقطاع ووحشة وغربة كما وعد رب العالمين ) َو َع َد ﱠ ض َك َما ا ْستَ ْخلَفَ الﱠ ِذينَ ِم ْن ﷲُ الﱠ ِذينَ آ َمنُوا ِم ْن ُك ْم َو َع ِملُوا الصﱠالِ َحا ِ ت لَيَ ْستَ ْخلِفَنﱠھُم فِي األَرْ ِ ضى لَھُ ْم َولَيُبَ ﱢدلَنﱠھُ ْم ِم ْن بَ ْع ِد َخوْ فِ ِھ ْم أَ ْمنًا يَ ْعبُ ُدونَنِي ال يُ ْش ِر ُكونَ بِي قَ ْبلِ ِھ ْم َولَيُ َم ﱢكنَ ﱠن لَھُ ْم ِدينَھُ ُم الﱠ ِذي ارْ تَ َ ك ھُ ُم ْالفَا ِسقُونَ ( سورة النور٥٥: ك فَأُوْ لَئِ َ َش ْيئًا َو َم ْن َكفَ َر بَ ْع َد َذلِ َ 11
متالزمة حسني بن علي )حتمية السقوط( بقلم /حسن أحمد الدقي ٢٠١١/٣/١٩ ْ يتخذ ولداً ولم ي ُكن له شري ٌ )وقُ ِل الحم ُد? الذي ل ْم ك في الملك ولم يكن له ول ﱞي من الذ ﱢل وكبﱢرهُ تكبيرا(اإلسراء) ،١١١:ولم ت ُكن لهُ فئةٌ ينصرونه من ُدون ﷲِ وما كان ُمنتصرا ،ھنالك ال َواليةُ ?ِ الحق ھو خي ٌر ثوابا ً وخي ٌر ُع ْقــبا(الكھف ،٤٣-٤٢:وأصلي وأسلم على سيد األولين واآلخرين وبعد: فيطيب للمرء المسلم أن يطيل التأمل وأن يذھب بعيدا في استلھام العبر وھو يرى سنن ﷲ عز وجل تتحقق عيانا بعد أن آمن وصدق بما جعل ﷲ عز وجل فيھا من وجوب التحقق )سنةَ ﷲِ في الذين َخلَوا من قبل ولن تج َد لسنﱠ ِة ﷲ تبديال(األحزاب ،٦٢:ولعل مما يوجب العجب في حال النظم السياسية وما تلبست به من سقوط متتابع ھو خضوع الساقطين لنفس المراحل وتشبثھم بنفس نوع األداء على ما بينھم من فروق ظاھرة في الظروف والمعطيات! وقد وقف المراقبون مذھولون من دقة مراحل السقوط وتشابھھا فالساقطون يبدأون مسيرتھم السريعة نحو الھاوية بتجاھل الثائرين واإلعراض عن رؤية فوران السيل وھو يتشكل ،ثم ما يلبثوا أن يدخولوا في المرحلة الثانية وھي االستھزاء واإلنتقاص من قدرة الثائرين ووصفھم بكل نعوت النقص والعمالة ثم تبدأ المرحلة الثالثة وھي القمع الشديد مع أنھم يرون بأم أعينھم كيف أدى استخدام 12
النظم الساقطة للقمع إلى دفع الثورة للقمة والفوران األكيد ،ثم ما يلبثوا في المرحلة الرابعة وبعد أن تفرض الثورة وجودھا وتكتسب مساحات معتبرة أن يلبسوا جلود الضأن على فراء الذئاب ويتحدثوا بخطاب حلو متفھﱢم وعند ھذا الحد سرعان ما يقذف الساقطون أنفسھم في المرحلة الخامسة وھي باب مزبلة التاريخ كما يطيب للثائرين أن يصفوھا ،فياللعجب! كيف ينزلقون كلھم إلى نفس الھاوية ويسيرون في ذات الطريق وال يلحظون اإلشارات الحمراء الخطيرة المحذرة؟ وكيف يستعد النظام تلو اآلخر للدخول في شوط السباق وھو يعلم أن أخاه قد سبقه إلى الھاوية فال ُشرف الساقطون بأنفسھم ينصت لھدير الشعوب وھي تل ّوح بسوط العقاب التاريخي؟ وكيف ي ِ وبأيديھم وبمساعدة أركان حكمھم على نسج نھايتھم المحتومة؟ فكأن الطاغوت منھم :مسافر يرتب حقيبته على عجل وصوت السقوط يناديه ويستحثه! فأي سوط يسوقه وأي معادلة تتحكم فيه؟ في ھذا المقال المختصر سأحاول أن أجيب على تلك األسئلة الملحّة بقدر ما يفتح ﷲ عز وجل من علم وفھم من كتاب ﷲ وسنة نبيه صلى ﷲ عليه وسلم وما تلقيناه من مشايخنا جزاھم ﷲ عنا كل خير فأي علم وأي فھم إن لم يكن في ظاللھما وأي التماس لحكمة إن لم تكن على شواطيء الكتاب والسنة؟ وليسمح لي األخوة الكرام أن أسمي ما يحدث للطغاة ھذه األيام بمتالزمة السقوط السنني أو )متالزمة حسني بن علي( أخذا مما ُعرف في عالم الطب بالمتالزمة :والتي عرّفھا المتخصصون في الطب بأنھا مجموعة من العالمات واألعراض التي غالبا ما تحدث معا ،والتي تعكس وجود مرض معين أو زيادة الفرص لتط ّور مرض معين ـ نسأل ﷲ لنا وللمسلمين العفو والعافيةـ وھناك كثير من المتالزمات لعل من أشھرھا متالزمة نقص المناعة المكتسبة )اإليدز (AIDSوھي كلمة متكونة من أربعة كلمات أجد من لزوم ماال يلزم اإلشارة إلى كلماتھا باإلنجليزية ومعانيھا فالكلمة األولى A: Acquired :مكتسب والكلمة الثانية I: Immune :مناعة والكلمة الثالثة D: Deficiency :نقص والكلمة الرابعة S : Syndrome :مجموعة أعراض أو متالزمة ويمكن اكتشاف ھذا المرض الخبيث من خالل طريقتين األولى أن يالحظ الطبيب ظھور أعراض متسلسة ومترابطة على المريض تدل على احتمال كبير بوجود المتالزمة وأما الطريقة الثانية التي يمكن من خاللھا الجزم بوجود المرض من عدمه فھو التحليل المخبري. وبالعودة إلى متالزمة حسني بن علي والتي وضعت اسمھا تقليدا لما ُعرف بتسمية المتالزمة في عالم الطب نسبة إلى مكتشفھا أو نسبة إلى الحروف األولى المك ّونة لھا فإننا سنجد أن األعراض
13
والمراحل التي تمر بھا النظم السياسية حتى تسقط ھي مراحل وأعراض متشابھة وتكاد تنطبق في الحاالت المختلفة ظاھريا انطباقا كبيرا ومدھشا فمالذي يتحكم في ھذا النوع من السقوط؟ إنه الوقوع في السنن والتي أخبرنا بھا وبنتائجھا الرب تباركت أسماؤه في كتابه العزيز وأخبرنا بھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم في حديثه الشريف وما يترتب على ذلك من مخرجات حتمية ومن ھذه السنن:
أوال :مواالة اليھود والنصارى ضھُ ْم أَوْ لِيَا ُء صا َرى أَوْ لِيَا َء بَ ْع ُ أخذا من قوله عز وجل) :يَا أَ ﱡيھَا الﱠ ِذينَ آ َمنُوا ال تَتﱠ ِخ ُذوا ْاليَھُو َد َوالنﱠ َ ْض َو َم ْن يَتَ َولﱠھُ ْم ِم ْن ُك ْم فَإِنﱠهُ ِم ْنھُ ْم إِ ﱠن ﱠ ﷲَ ال يَ ْھ ِدي ْالقَوْ َم الظﱠالِ ِمينَ ،فَتَ َرى الﱠ ِذينَ فِي قُلُوبِ ِھ ْم َم َرضٌ بَع ٍ ْ صيبَنَا دَائِ َرةٌ فَ َع َسى ﱠ ح أَوْ أَ ْم ٍر ِم ْن ِع ْن ِد ِه ار ُعونَ فِي ِھم يَقُولُونَ نَ ْخ َشى أَ ْن تُ ِ يُ َس ِ ﷲُ أَ ْن يَأتِ َي بِ ْالفَ ْت ِ فَيُصْ بِحُوا َعلَى َما أَ َسرﱡ وا فِي أَنفُ ِس ِھ ْم نَا ِد ِمينَ ( المائدة٥٢-٥١: وھو بالء ومرض ال عالج له البتة إال بتوبة شاملة تامة ومن أخطر آثار ھذا البالء بالضرورةوقوع ال ُمت َولّين لليھود والنصارى في بالء تابع له ومالزم وھو العمل ضد المصلحة العليا لألمة المسلمة بدليل قوله عز وجل في نفس اآلية) :ومن يتولھم منكم فإنه منھم( فقد أورد القرطبي في تفسيرھا قوله :ومن يتولھم منكم أي :يعضدھم على المسلمين فإنه منھم بيّن تعالى أن حكمه كحكمھم. وھذا ما وقعت فيه النظم السياسية الحاكمة في العالم اإلسالمي والعالم العربي فلما مضوا في ھذا السبيل وھو معاضدة الكفار ومظاھرتھم على المسلمين كما حصل في أفغانستان والعراق وقبل ذلك في فلسطين كان البد أن يقعوا فيما يترتب عليه والذي يترتب عليه قوله عز وجل) :فعسى ﷲ أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على أسرّوا في أنفسھم نادمين(اآلية.وھذا الذي شاھدته الدنيا بأسرھا من سقوط األنظمة إنما ھو أمر من عنده عز وجل ْإذ لم يكن في الشعوب من المؤشرات والمقدمات ما يدل على قدرتھا على ھذا النوع من التغيير والتطلع له بعد أن رزحت تلك الشعوب تحت حكم الظالمين دھورا فتأمله فھو جدير بذلك. وقد ترتب على موضوع مواالة الكفار من اليھود والنصارى تحقق انھيار أربعة أركان مما تقوم وتنھض به األمة المسلمة أما الركن األول الذي انھار فھو مرجعية الشريعة اإلسالمية احتكاما والتزاما وأما الركن الثاني الذي انھار فھو وضع الجھاد في موضع التنفيذ متى احتاجته األمة المسلمة وأما الركن الثالث الذي انھار فھو قدرة النظم السياسية على النظر في المصلحة العليا لألمة وأما الركن الرابع الذي انھار فھو حتمية استقالل األمة المسلمة عن تدخل أمم الكفر في شؤونھا ،وھو الذي يفسر عدم قدرة النظم السياسية على تحقيق أدنى مستوى من مستويات النھضة والقوة واالستقالل للعرب وللمسلمين طوال القرن العشرين الميالدي وما تاله حتى اآلن.
14
ثانيا :قتل الذين يأمرون بالقسط من الناس وذلك أخذا وفھما من قوله عز وجل) :إن الذين يكفرون بآيات ﷲ ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرھم بعذاب أليم ،أولئك الذين حبطت أعمالھم في الدنيا واآلخرة وما لھم من ناصرين(آل عمران٢٢-٢١: وھاتين اآليتين وإن نزلتا تقص ما كان من أعمال بني إسرائيل في قتل أنبيائھم وقتل اآلمرين بالمعروف والناھين عن المنكر لكن العبرة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب فحكم من يقتل اآلمرين بالقسط من الناس ھو ما اخبر به الرب تباركت اسماؤه من حبوط العمل وانتفاء النصرة لھم باي شكل من األشكال وھو ما يالحظ في سقوط األنطمة المتجبرة ھذه األيام فقد امتنعت عليھم النصرة من كل األنحاء خاصة وأن من كان ينصرھم أو يعد بنصرتھم وھو النظام األمريكي قد انغلقت أمامه امكانية التحرك لنجدة عبيده السباب كثيرة فتركھم لمصيرھم المحتوم! ونحن ھنا في غنى عن القول والتذكير بمن قتلتھم األنظمة السياسية من علماء األمة اآلمرين بالمعروف الناھين عن المنكر من سيد قطب المصري إلى مروان حديد السوري إلى غيرھم كثير وھم ألوف مؤلفة ال يحصيھم وال يعلمھم إال الحفيظ العليم.
ثالثا :التفنن في تعذيب الناس وذلك أخذا من قوله صلى ﷲ عليه وسلم :عن أبي ھريرة قال :قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم :صنفان من أھل النار لم أرھما قوم معھم سياط كأذناب البقر يضربون بھا الناس ونساء كاسيات عاريات مميالت مائالت رءوسھن كأسنمة البخت المائلة ال يدخلن الجنة وال يجدن ريحھا وإن ريحھا ليوجد من مسيرة كذا وكذا.رواه مسلم فھذا البالء الذي سنه النظام الناصري من تعذيب الشعوب المسلمة ومن ثم تعميمه على بقية النظم السياسية وتسليط أجھزة األمن على المجتمعات تستحل منھا ما حرم ﷲ عز وجل من السجن والتعذيب والتفنن فيه حتى استعانت تلك األجھزة بآخر ما وصلت إليه أجھزة االستخبارات عند الكفار من شرق وغرب وشراء األدوات الالزمة بأموال المسلمين حتى تشكلت ملحمة تاريخية ھائلة ولعقود من الزمن في بالد المسلمين والعرب على وجه الخصوص حيث زج بالرجال في غياھب السجون فمنھم من أمضى قرابة الثالثين سنة وھو في العذاب ومنھم من مضى إلى ربه يشكو حال أمته على يد األنظمة الجبرية ،بل وبلغ الحال أن كافأ الكفار نظام زين الدين بن علي بأن جعلوه رأس األمر وقيادته مما أوجب على األنظمة العربية إرسال وزراء داخليتھا بشكل منتظم ومعھم رؤساء أجھزة أمنھا لكي يتلقوا التوجيه تلو التوجيه من ذلك النظام واتخاذه قدوة بما فعله في أھل تونس من فتنة وبالء لم يخطر على بال أشد المفسدين في األرض من المالحدة والبالشفة ،وللقراء أن يعجبوا معي :كيف أن االختالف الشديد والقطيعة شبه الكاملة بين األنظمة السياسية العربية لم تمنع من ائتالفھم على وزير داخلية بن علي وجھاز أمنه؟
15
رابعا :أكل أموال الناس بالباطل واستحالل الربا وذلك أخذا من قوله عز وجل) :فبظلم من الذين ھادوا حرمنا عليھم طيبات أحلت لھم وبصدھم عن سبيل ﷲ كثيرا ،وأخذھم الربا وقد نھوا عنه وأكلھم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منھم عذابا أليما(النساء١٦١-١٦٠: وقوله عز وجل ) :يا أيھا الذين آمنوا اتقوا ﷲ وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ،فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من ﷲ ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم ال تظلمون وال تظلمون(البقرة٢٧٩-٢٧٨: يقول صاحب تفسير المنار الشيخ رشيد رضا عن اآلية األولى :وتقديم فبظلم على حرّمنا يفيد الحصر ،أي ُحرّم عليھم ذلك بسبب الظلم ال بسبب آخر ،وقد أبھم ما حرم عليھم ھنا ؛ ألن الغرض من السياق العبرة بكونه عقوبة ال بيانه في نفسه ،كما أبھم الظلم الذي كان سببا له ؛ ليعلم القارئ والسامع أن أي نوع من الظلم يكون سببا للعقاب في الدنيا قبل اآلخرة)انتھى( ويقول اإلمام ابن كثير في تفسير قوله عز وجل)فاذنوا بحرب( :وھذا تھديد شديد ووعيد أكيد ، لمن استمر على تعاطي الربا بعد اإلنذار ،قال ابن جريج :قال ابن عباس :فأذنوا بحرب أي استيقنوا بحرب من ﷲ ورسوله .وعن ابن عباس قال :يقال يوم القيامة آلكل الربا :خذ سالحك للحرب .ثم قرأ :فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من ﷲ ورسوله).انتھى( وعليه فقد اجتمع الربا وأكل أموال الناس بالباطل المتمثل في المكوس )الضرائب( المنظورة وغير المنظورة والتصرف في ثروات المسلمين بغير ما أنزل ﷲ لكي يشكل محقا تاما لما تدعي النظم من منجزات وسيطرة شبه تامة على األمة ومقدراتھا وفي زمن قياسي لم يكن يحلم به أكثر المتفائلين من المسلمين ولكنھا السنن. كما ترتب على أكل أموال الناس بالباطل أن ﷲ عز وجل لم يبارك في تلك األموال المنھوبة ولم يبارك في الزعم بالمنجزات المكذوبة فلم تتمكن دولة عربية أن تتقدم في مجال اقتصادي واحد ولم تتمكن من منافسة األمم األخرى ال في الزراعة وال في الصناعة وال في التجارة إال بعض األسواق المصطنعة ھنا وھناك وما سمي بالمناطق الحرة التي أدخلت الخمور والزنا إلى بالد المسلمين.
خامسا :إشاعة الفاحشة وذلك أخذا من قوله عز وجل) :إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لھم عذاب أليم في الدنيا واآلخرة وﷲ يعلم وأنتم ال تعلمون)النور١٩: ويورد القرطبي حول اآلية قوله :إن الذين يحبون أن يذيع الزنا في الذين ص ّدقوا با? ورسوله ويظھر ذلك فيھم ) ،لھم عذاب أليم ( يقول :لھم عذاب وجيع في الدنيا)انتھى(
16
فقد عملت أغلب األنظمة السياسية على إشاعة الزنا وما يتعلق به من فساد أخالقي ومن خالل أدوات كثيرة كالتغيير في الشرع من خالل قوانين األحوال الشخصية كما فعل نظام تونس البائد وغيره من األنظمة حتى عد العلمانيون ما حصل في تونس نموذجا ينبغي احتذاؤه في جميع بلدان المسلمين ،كما عملت األنظمة على إشاعة الفساد األخالقي عبر منع الحجاب والنقاب وتشجيع مسابقات الجمال كما حدث في مصر وغيرھا وعبر إشاعة االختالط في التعليم خاصة التعليم الجامعي وعبر تشجيع الفساد اإلعالمي واالنحطاط الفني في التلفزيون والسينما وعبر الزج بالمرأة في الجيش والشرطة وحتى البلدان التي يتحفظ أھلھا على ھذه الممارسات كالسعودية مارست حكوماتھا ھذا الفساد عبر دعم القنوات الفضائية الفاسدة كقنوات )روتانا( و)االم بي سي( وما أشبه وعبر تشجيع ودعم الفرق الفنية والمغنيين والمغنيات ،كما شجعت األنظمة السياسية تسھيل تعاطي الخمور في بالد المسلمين ولم تسلم جزيرة العرب من بالء الخمور أم الخبائث بل إنھا أحيطت بھا من خالل البحرين واإلمارات و ُعمان وقطر وعبر فتح المجال لألندية الليلية والمھرجانات السنوية السينمائية والفنية وما أشبه من تشجيع الفساد األخالقي.
سادسا :الفرعونية وذلك أخذا من قوله عز وجل) :إن فرعون عال في األرض وجعل أھلھا شيعا يستضعف طائفة منھم يذبح أبناءھم ويستحيي نساءھم إنه كان من المفسدين(القصص٤: ولقد وردت لفظة فرعون في القرآن أربعا وسبعين مرة ،ومن األدلة على أن فرعون ظاھرة بشرية تعاود الظھور مرة بعد مرة في تاريخ البشرية ما ورد عنه صلى ﷲ عليه وسلم في أبي جھل بقوله :ھذا فرعون ھذه األمة .فتظھر تلك الصفات الفرعونية أو بعض منھا في فرعون أو في مجموعة من الفراعنة. فإذا وقفنا على النظم السياسية في العالم العربي واإلسالمي في مرحلتھا الجبرية ھذه وجدنا صفات الفرعون تتحقق بشكل أو بآخر في رؤوس تلك النظم ومنھا: ال ِكبْر والجبروت :أخذا من اآلية السابقة ومن قوله عز وجل) :واستكبر ھو وجنوده في األرض بغير الحق وظنوا أنھم إلينا ال يرجعون ،فأخذناه وجنوده فنبذناھم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين(القصص٤٠-٣٩: التفرّد بالرأي :أخذا من قوله عز وجل) :قال فرعون ما أريكم إال ما أرى وما أھديكم إال سبيل الرشاد(غافر٢٩: محورية ال ُملك في ِمصر :وذلك من قوله عز وجل) :ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر وھذه األنھار تجري من تحتي أفال تبصرون(الزخرف ٥١:وقد كانت كل األنظمة العربية تنقاد لھذه المحورية ومن مصر تم تعميم الفكر القومي العلماني ومنھا تم تعميم النموذج األمني الباطش ومنھا تم تعميم النموذج اإلعالمي المتھتك إلى غير ذلك. 17
عدم إبصار العاقبة :وذلك أخذا من قوله عز وجل) :فأتبعھم فرعون بجنوده فغشيھم من اليم ما غشيھم ،وأضل فرعون قومه وما ھدى(طه ،٧٩-٧٨:وھكذا فعلت النظم السياسية بأتباعھا من األجھزة األمنية والعسكرية والسحرة من رجال األعمال واإلعالميين فلم يتمكن أحدھم من أن يبصر العاقبة وھم ينزلقون إليھا حتى غشيتھم ثورة الجماھير وھم ال يبصرون.
سابعا :النفاق المستحكم: وذلك أخذا من قوله عز وجل) :يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن األعز منھا األذل و? العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين ال يعلمون(المنافقون ،٨:فاألنظمة السياسية تعتقد تمام االعتقاد أن العزة لھم بينما ھم أذل الخلق على األرض إلى الدرجة التي سيطر عليھم فيھا اليھود والنصارى حتى اضطروا السترضائھم والجري وراءھم ومن ھنا نفى ﷲ عز وجل عنھم العلم بعد أن نفى عنھم الفقه في اآلية التي قبلھا ،فلما انغلقى عليھم الفقه والعلم أصبح تدبيرھم تدميرا لھم ولجبروتھم وھم يعتقدون تمام االعتقاد أنھم منصورون ونصرھم قاب قوسين أو أدنى كما يقول القذافي االبن ھذه األيام وقد قالھا قبله حسني مبارك وبن علي وسوف يقولھا علي عبدﷲ صالح وأضرابه من عبدة األمريكان والموالين لليھود ،وھل كان بالء عبدﷲ بن ابي بن سلول إال مواالته لليھود؟ ومن صفات النفاق التي تلبست بھا النظم السياسية وإال فھي كثيرة: الفرح بالبالء في المؤمنين :أخذا من قوله عز وجل) :إن تصبك حسنة تسؤھم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وھم فرحون(التوبة٥٠: القعود عن الجھاد :أخذا من قوله عز وجل) :وإذا أنزلت سورة أن آمنوا با? وجاھدوا مع رسول ﷲ استئذنك أولوا الطول منھم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين ،رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطُبع على قلوبھم فھم ال يفقھون(التوبة ،٨٧-٨٦وقد اتضح ذلك من اليوم األول الذي أعلن فيه قيام دولة اليھود على أرض فلسطين فھم في انسحاب وھزيمة حتى وصلوا إلى الھرولة للتطبيع مع اليھود سرا وجھرا. العمل على تفريق الصف المؤمن :أخذا من قوله عز وجل) :فمالكم في المنافقين فئتين وﷲ أركسھم بما كسبوا أتريدون أن تھدوا من أضل ﷲ ومنة يضلل ﷲ فلن تجد له سبيال(النساء،٨: وقد عملت األنظمة بكل ما أوتيت من طاقة لتفريق صفوف المسلمين والدعاة على وجه الخصوص ووثائق األمن المصرية شاھدة على ذلك. ھذا ما يسره ﷲ عز وجل من فھم وقراءة في واقع سقوط األنظمة السياسية السريع وانغالق الفھم والعلم والذين ال تلبث مسيرتھم حتى تقذف بھم على قارعة الطريق أو على مزبلة التاريخ كما طاب للثوار أن يصفوا نھاية حسني مبارك وبن علي وأضرابھم .
18
زلزال الثورة العربية والمشروع اإلسالمي بقلم حسن أحمد الدقي ٢٠١١/٤/٢٧
19
مفردات البحث أوال :المقدمة ثانيا :زلزال وثوابت الثورات العربية ثالثا :اتجاھات الصراع بين المشاريع العالمية واإلقليمية رابعا :ضرورات المشروع اإلسالمي
أوال :المقدمة إن الحمد? تعالى ُمتم النﱢ َعم و ُمتو ّعد الظالمين بالنﱢــقَم وناصر المستضعفين من عدَم والصالة والسالم على رسول العالمين وقائد الغر المحجلين وبعد: فأجدد الحمد ? رب العالمين بما ّ من ع ّز وج ّل على أمة اإلسالم من تح ّول وتغيير وأشكره على تيسيره للمستضعفين أن ينطلقوا للتمكين بإذنه ،فالفضل والمنّة له وحده ال من إرادة الشعوب وال من قدرتھا ـ نعوذ با? من الخذالن ـ فقد لبثت الشعوب العربية دھورا وھي ساقطة تحت وھم عنوانه :سلطان الطغاة وسيطرتھم ،فلما أذن الرب تباركت أسماؤه إذا بالمستضعفين ليسوا كما عھدوا أنفسھم فتجددت العزائم وتغيرت األحوال وظھر جيل جديد أبى أن يسير على ما سار عليه آباؤه من استكانة وضعف وھذا مصداق قوله عز وجل )ونريد أن نمن على الذين استضعفوا ونجعلھم أئمة ونجعلھم الوارثين ،ونري فرعون وھامان وجنودھما منھم ما كانوا يحذرون(القصص ،٦-٥:وال أظن أني أبالغ إذا قلت أن الثورات العربية لتمثﱢــ ُل من الناحية التاريخية في أھميتھا وإسقاطھا نظم التجبر في العالم العربي ما مثلته ھجرة رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم من خط فارق في تاريخ أمة اإلسالم وما مثلته من قبل نجاة موسى ومن معه من براثن فرعون ونظامه الطاغوتي. وفي ھذا البحث المختصر والقراءة األولى لزلزال الثورة العربية محاولة للوقوف باألخوة المھتمين على زوايا أحدد من خاللھا ما أثبتته تلك الزاالزل من حقائق وما أسقطته من أوھام وما يترتب على ذلك من تأثير في االجتھاد الكي لألداء اإلسالمي خاصة في مجال اختزال واختصار مسيرة المشروع اإلسالمي ومن كشف دقيق لبقية المشاريع المتصارعة في ساحة العرب والمسلمين وتأثير ذلك كله على معادلة االستضعاف والتمكين في أمة اإلسالم وبالد المسلمين. مع العلم بأن أھم ما أحدثته الثورات العربية أنھا كسرت آخر األطواق من مرحلة االستضعاف ودفعت باألمة إلى مقدمات مرحلة التدافع من أوسع األبواب ورسخت بذلك تفتيت آخر أطواق المرحلة الجبرية من تاريخ أمة اإلسالم السياسي والتي أخبرنا عنھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي ﷲ عنه قال :قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم) :تكون النبوة فيكم ما شاء ﷲ أن تكون ،ثم يرفعھا ﷲ إذا شاء أن يرفعھا ،ثم تكون خالفة على منھاج النبوة فتكون ما شاء ﷲ أن تكون ،ثم يرفعھا ﷲ إذا شاء أن يرفعھا ،ثم تكون مل ًكا عاضًا فيكون 20
ما شاء ﷲ أن يكون ،ثم يرفعھا إذا شاء ﷲ أن يرفعھا ،ثم تكون مل ًكا جبرية فتكون ما شاء ﷲ أن تكون ،ثم يرفعھا ﷲ إذا شاء أن يرفعھا ،ثم تكون خالفة على منھاج النبوة ،ثم سكت( رواه أحمد، فتوشك أمة اإلسالم بناء على ھذا أن تغادر مرحلة الحكم الجبري الذي أُجبرت عليه من قبل النصارى واليھود حيث لم يجلس حاكم في بالد المسلمين على كرسيه منذ سقوط الخالفة العثمانية إال من تحت أيديھم وبرضاھم ،وھي بھذا تقترب وتدخل في مرحلة الخالفة والرشد بإذن الواحد القھار. وقد ثبت بأن ھذا االنتقال في تاريخ المستضعفين وفي معادلة االستضعاف والتمكين ال يحدث برغبة كاملة من المستضعفين وال بتخطيط دقيق منھم وإنما يقذف ﷲ عز وجل بالمستضعفين من مرحلة إلى مرحلة كما أخبرنا رب العزة بذلك في كتابه العزيز) :كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن كثيرا من المؤمنين لكارھون ،يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وھم ينظرون(األنفال ،٦-٥:وكأي حدث بھذا الثقل واالتساع والسرعة فإنه بال شك وبقدر ما أسعد المخلصين من رجال األمة وعلمائھا وأخيارھا فقد ألقى على الساحة قدرا من الرمادية ووضع أمام الدعاة عالمة استفھام كبرى حول طبيعة المستقبل القريب والبعيد مما يقتضي سرعة العمل على تحديد االتجاھات الرئيسة للتعامل مع المرحلة وتوظيفھا لصالح التغير الكلي وباتجاه التمكين بإذن رب العالمين. كما يھدف ھذا البحث إلى االطمئنان األ ّولي واختبار مسارات وفرضيات بحث المشروع اإلسالمي )إشارة إلى كتاب مالمح المشروع اإلسالمي للمؤلف والذي خرج للنور عام ٢٠٠٤م( وذلك من خالل الوقوف على الثورات العربية وعالقتھا بمسطرة المشروع ففي ھذه الثورات ومعطياتھا عالقة متينة ومترابطة بحلقات المشروع بل إنھا قد أثبتت من خالل عدة محاور ـ و? الحمد ـ دقة ما ذھب إليه المشروع من تركيز على معادلة االستضعاف ونظريات التغيير وتقويم الواقع السياسي في األمة والنظام العالمي وخاصة دور النظم السياسية والبالء الذي عم في األمة بسببھا.
ثانيا :زلزال وثوابت الثورات العربية ويمكننا أن نستعرض ما زلزلته وما أثبتته الثورات العربية من رؤى ومعطيات في النقاط التالية: * عجلت الثورات العربية بكسر أھم وأخطر أطواق مرحلة االستضعاف وھو الطوق النفسي واألوھام العقلية كما عبر بنوإسرائيل عن ذلك في عدة مناسبات في القرآن الكريم ومنھا ما أخبر به الرب تباركت أسماؤه عنھم في قوله عز وجل) :قالوا ياموسى إن فيھا قوما جبارين وإنا لن ندخلھا حتى يخرجوا منھا فإن يخرجوا منھا فإنا داخلون(المائدة ،٢٢:فلما كسرت الثورة العربية ھذا الطوق النفسي فإذا باإلنسان المسلم متحر ٌر ومتحم ٌل لبتعات التحرر من قيوده التي عملت األنظمة السياسية على نسجھا لعقود ،وكذا ما عمل عليه سحرة تلك النظم من خالل بث ثقافات ورؤى محددة أبقت المسلمين تحت نيرھم دھرا ليس بالقليل. * عجلت الثورات العربية بكسر ثاني وأخطر أطواق مرحلة االستضعاف وھو طوق النظم السياسية وما تحتويه من نظم أمنية وعسكرية وعقائدية وثقافية وھي بذلك ألغت وأنھت األحالم 21
الكاذبة التي عشعشت طويال في العقلية المسلمة بامكانية التعامل مع النظم والعيش على الھوامش التي يمكن أن تمنحھا تلك النظم للحركات اإلسالمية السياسية. * دفعت الثورات العربية أمة اإلسالم إلى ساحة التدافع بعد مرحلة االستضعاف وھي بذلك فتحت الباب واسعا للدخول في ساحات الجھاد سواء ضد النظم السياسية وذيولھا )ليبيا أنموذجا( أو ضد ما يمكن أن يقدم عليه النصارى من توسيع لدائرة الغزو ألراضي المسلمين كما حدث من قبل في العراق وأفغانستان. * وقد ترتب على النقطة التي تلت أمر كبير وھائل وھو حدوث مقدمة لكسر الحدود السياسية واألطواق الجغرافية التي ثبتھا المستعمر على بالد المسلمين مما ينذر بتواصل األمة ودخول األجيال المستجدة في مرحلة التدافع دون أن تحول تلك الحدود بينھم وبين نصرة قضاياھم. * غيرت الثورات العربية من قواعد اللعبة الدولية وتصارع المشاريع واالمبراطوريات العالمية ليس فقط على مستوى العالم العربي واإلسالمي بل وعلى مستوى العالم أجمع فقد تزلزل المشروع األمريكي في المنطقة كما تزلزل المشروع الصھيوني وبطبيعة الحال أصابت الزاللزل المشروع الشيعي الفارسي مما عجل بدخول ھذه المشاريع في مرحلة مباغتة لم تحسب لھا تلك المشاريع حساب مما يم ّكـن المسلمين من المشاغلة ثم التعامل الدقيق في مرحلة الحقة مع تلك المشاريع ،ولعل من أھم المعادالت المائلة التي قامت الثورات العربية بتعديل ميالنھا ھو تعديل ميزان األمة بإرجاع ثقل أھل السنة إلى ساحة التوازنات من خالل ثورة مصر والثورات التي تلتھا خاصة بعدما أرھقت المسلمين حسابات النظم السياسية التابعة للنصارى واليھود والتي جعلت الساحة خالية للشيعة يلعبون فيھا لعبتھم المفضلة التي تعتمد على تھويل أعدادھم ودورھم وتلبسھم بقضية فلسطين والمسجد األقصى. * وأثبتت الثورات العربية أن األمة ال يمكن سلخھا من دينھا وال يمكن عزلھا عن المعطيات العقدية لھذا الدين وتاريخ األمة المجيد وأنه البد من خط لنھاية االستالب العقدي والتأثير الفكري العلماني الذي عملت النظم السياسية على وضع األمة تحت تأثيره بعصا األجھزة األمنية وسوط األجھزة العسكرية والمؤسسات الثقافية والتسبيح بحمد النظام جمھوريا كان أم ملكيا ،وإذا بأجيال األمة المستجدة تھتف با? أكبر وال إله إال ﷲ وتتطلع لنصرة فلسطين وتتعلق بكل مفردات البناء العقدي لھذا الدين العظيم. * قامت الثورات العربية بوصل المنقطع واألجزاء المبعثرة في المشروع اإلسالمي سواء في بعده العملي أو النظري فبعد أن كانت العراق وأفغانستان وفلسطين جزائر منعزلة إذا بھا تتواصل مع مصر وشمال إفريقية وتوشك أن يتم التواصل في أخطر البقاع وھي الشام. * أثبتت الثورات العربية بأنه ال يمكن بناء مشروع حقيقي على قطع الوھم الوطني ومفرداته والتي أجادت النظم السياسية حبس الشعوب فيھا دھورا. * أثبتت الثورات العربية بأنه ال يمكن للمعنيين من إدارة شؤون األمة ومسائلھا الكبرى بدون مشروع واحد ورؤية استراتيجية واحدة ينطلق منھا الجميع لبناء مستقبل ھذه األمة وأن التفريط 22
في ھذه المفردة من مفردات النھضة وعدم العناية به قد أوقع الجميع في ورطة الشتات والرمادية التي يعيشھا الجميع. * أثبتت الثورات العربية بأن مشاريع الحركات اإلسالمية المفصلة على حدود تنظيماتھا واجتھادھا في ناحية من نواحي ھذا الدين العظيم ـ على ما بذلت في جنب ﷲ تعالى -ال تصلح أبدا للتعامل والتعاطي مع المرحلة فضال عن صالحيتھا للتعاطي مع المستقبل وأنه مالم تستعجل تلك الحركات بناء رؤية مشتركة تعبر عن ھذه األمة العظيمة وتاريخھا المجيد وإال فالشتات والضياع في انتظار الجميع ،وأنه ال يمكن أن تكون جھة ما وصية على األمة بعد اآلن فال مكان للعضوضية فضال عن الجبرية فمن أراد أن يعبد ربه ويخدم أمته فليفعل دون أن يح ﱢملھا معروفه وال سيطرته وأن الذلة بين المؤمنين تبدأ في االجتھاد والنظر قبل أن تنزل إلى ميادين التطبيق والعمل. * وأثبتت الثورات العربية أثر التراكم في البناء والعمل الصالح من كل المجتھدين في األمة :فإن من مضى إلى الجھاد فقد قاد األمة إلى ذروة سنامه وأعطى األمة القدوة إذ غابت ألزمان خلت، ومن مضى إلى إصالح العقائد والتركيز على الوالء والبراء فقد أوقف األمة على مسار دقيق في عبادة ﷲ وحده والتفريق بين التوحيد وأضداده كما أوقفھا على فساد النظم السياسية بما والت أعداء ﷲ وأعداء المؤمنين ،ومن مضى إلى التعليم الشرعي والتعمق فيه فقد أثبت بأن البناء بال أصل وال أساس ال قيمة له ،ومن مضى إلى البناء األخالقي والقيمي فقد اصلح في األمة القلوب وعليھا عماد النھضة والثورات ) وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم وال تخافي وال تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين(القصص ،٧:فكان االلتصاق الجسماني والحنان القلبي من األم المستضعفة بوليدھا مقدمة ضرورية لنھضة المستضعفين، وعليه فال يمكن حبس أداء المجتھدين في دائرة واحدة فھي دوائر كثيرة ولكل مجتھد نصيب. * وأثبتت الثورات العربية دقة الرؤية في التركيز على نظريات التغيير التي سادت خالل العقود الماضية وھي خمس نظريات )يراجع فصل تقويم نظريات التغيير عند الحركات اإلسالمية من كتاب مالمح المشروع اإلسالمي( وأھمية المناقلة فيما بينھا حسب الحاجة فال يمكن اعتماد نظرية واحدة فقط في إدارة الصراع فبينما عمل الليبيون بنظرية الثورة وساروا في أشواطھا األولى إذا بھم يضطرون لالنتقال إلى نظرية الجھاد والمدافعة المسلحة وھم بحاجة ماسة إلى وضع نظرية األداء السياسي الديمقراطي عاجال وھم في واقع األمر يطبقون نظرية إدارة األزمات والتعامل مع االنھيارات ،ولو أن األجيال استلمت ھذه النظريات ضمن ما تم إعدادھا عليه من قبل لكان األداء أكثر فاعلية وأشد نجاعة. * وأثبتت الثورات العربية دقة التوصيف في مالمح المشروع وملحقاته فيما يخصص اصطفاف المشاريع األممية )اإلمبراطوريات( وتحكم السنن فيھا واستسالمھا لثوابتھا االستراتيجية سواء كانت تلك المشاريع قديمة كأمريكا وأوربا أو مستجدة كإيران والھند وأن أمة اإلسالم ليس لھا من مستقبل إال أن تدلف بين تلك المشاريع باحثة عن موقع مميز لھا تحت الشمس حتى تصل في مسيرتھا إلى ما أمر به رب العزة ھذه األمة ) :وقاتلوھم حتى ال تكون فتنة ويكون الدين كله ?
23
فإن انتھوا فإن ﷲ بما يعملون بصير(األنفال) ،٣٩:يراجع بحث التدافع األممي واالمبراطوري للمؤلف(. * وأثبتت الثورات العربية أن الشورى الملزمة ھي المخرج األساسي في إدارة شؤون الحكم واألمة وإن سميت بمصطلحاتھا العصرية من ديمقراطية وما أشبه ،وھي صفة من صفات الخالفة الراشدة في النظام السياسي اإلسالمي وفيه أن األمة وعلماءھا إذا أجمعوا على موقف محدد فال يمكن لرأس النظام السياسي أن يتمسك برأيه المخالف. * وأثبتت الثورات العربية أن الحركات اإلسالمية والمستقلين من علماء األمة ورجالھا ھم طوق النجاة للمجتمعات المسلمة وعليھم المعول إلحداث التغييرات الكبرى وأنھم صمام أمان لمستقبل األمة ال كما روجت النظم ووصمتھم باإلرھاب والتطرف. * وأثبتت الثورات العربية أن التعددية االجتھادية والحزبية في ظل ثوابت األمة ركن من أركان نھضتھا وحراكھا العام وأنه ما لم تستوعب الحركات اإلسالمية ھذا المطلب قبل غيرھا فلن يكون ھناك مستقبل وال تمكين لدين اإلسالم ،فقد أظل األمة زمان الخالفة وھي خالفة راشدة ولن يكون فيھا محل للعصبية واالنغالق االجتھادي فضال عن االنغالق الحزبي. * وأثبتت الثورات العربية أن النظم السياسية في العالم العربي واإلسالمي بكل ألوانھا الجمھورية والملكية ال تحمل أي مكون حقيقي للنظم السياسية التي تمثل األمم واألوطان فھي مسمى )نظام( بال جوھر وال سلطان حقيقي مستقل وھي ال تفھم شعوبھا وال مطالبھم وال تملك أن تستجيب لتلك المطالب ألنھا ال تملك القدرة على ذلك فھي كالماكنة التي ركبت لتسير في اتجاه واحد فقط حتى تتحطم وفي ھذا آية من آيات ﷲ عز وجل الذي أخبر عنھم أنھم )ولكن المنافقين ال يفقھون(المنافقون ،٧:ثم أخبر عنھم في اآلية التي تلي بأنھم ) ولكن المنافقين ال يعلمون(المنافقون.٨: * وأثبتت الثورات العربية أن ﷲ عز وجل إذا أذن بالتغيير فال شيء يحول بين ذلك وحدوثه ،بل ّ إن ما كان يُعرف بأنه أساس قيام وتأمين النظم السياسية وھي أجھزة األمن والعسكر باتت السبب الرئيسي في ثورة الشعوب ورفض الخنوع لفساد وقيود تلك النظم ،ومن عجيب ما صنع رب العالمين بالنظم السياسية أن أخرج من صميم نظامھا التعليمي المغلق لصالح تلك النظم فتية تحرروا من أسرھا وقادوا عملية التغيير كما قادھا من قبل الفتى القرشي صلى ﷲ عليه وسلم وقبله موسى عليه السالم لما تقلب في أحضان فرعون فلما شب عن الطوق إذا بمصير فرعون يتقرر على يده بإذن جبار السموات واألرض.
24
ثالثا :اتجاھات الصراع بين المشاريع العالمية واإلقليمية إن الذي فعلته الثورات العربية باتجاھات الصراع بين المشاريع العالمية ھو أنھا سرّعت بحركة ذلك الصراع وعجلت بكشف المستور ودفعت بالمشاريع إلى ساحة واضحة بعد الخفاء أو شبه الخفاء الذي استمر لعقد التسعينيات من القرن العشرين والعقد األول من األلفية الثالثة وإن شئت قلت العقدين الماضيين من القرن الخامس عشر الھجري ،فالمشاريع األممية محكومة بسنن وقوانين التدافع وفق عقائد وتاريخ تلك األمم )يراجع بحث التدافع األممي واالمبراطوري للمؤلف( ،وعليه فما يھمنا في ھذا البحث أن نركز على استشفاف طبيعة الصراع في المرحلة الحالية وما يتوجب استيعابه من متغيرات في األداء الكلي ألمة اإلسالم وخاصة لدى علمائھا وقادتھا. وسوف يكون استعراض ھذه الوحدة من خالل التوقف عند المشروع األمريكي واألوربي وخياراتھما )المشروع اليھودي مشمول إلى حد بعيد في المشروعين( وعند المشروع الشيعي الفارسي وخياراته.
خيارات المشروع األمريكي واألوروبي في التعامل مع معطيات الثورات العربية * سيبقى الخوف من أي نھضة شاملة ومرتقبة بين العرب وخروجھم من سيطرة الغرب الھاجس األساسي لدى أمريكا وأوروبا ومجمل ھذا الھاجس سوف يرتكز على خطورة حدوث استقالل حقيقي في أنظمة الحكم في العالم العربي وسقوط تلك األنظمة بيد اإلسالميين. * ويستتبع ھذا األمر ھو الخوف من خروج السيطرة على منابع النفط وثروات المنطقة من يد أمريكا وحليفتھا أوروبا واثر ذلك على التوازنات الدولية. * مھما اختلفت أمريكا وأوربا على تفاصيل التعامل مع الثورات العربية وتوابعھا فإنھا لن تختلف على الكليات فسوف تبقى أمريكا في طور الصدارة في إدارة األزمة وستبقى مظلة حلف األطلسي الناتو أساسا في التصدي لألزمة لكن قد تكلف أوروبا بإدارة األزمة في شمال إفريقية مع بقاء مصر والمشرق العربي أرضا أمريكية خالصة. * سيبقى المشروع الصھيوني اليھودي في قلب المشروع الغربي النصراني بفرعيه األمريكي واألوروبي ولن تقبل أمريكا من أي نظم قادمة إال أن تلتزم بأمن المشروع الصھيوني ،كما ستبقى استراتيجية محاربة اإلرھاب )إقرأ الجھاد( في قلب تلك االستراتيجية مما يجعل النظم القادمة تحجل على رجل واحدة في تعاملھا مع الشعوب ومع العصا األمريكية الغليظة فھل سيقبل اإلسالميون خدمة ھذه االستراتيجية؟ * تعمل أمريكا باستراتيجية االستدراك واالعتراف بالواقع وترك األنظمة لمصيرھا المحتوم ولكن بوضع استراتيجية استدراكية تعمل على إيجاد نظم سياسية تعمل لصالح أمريكا وتقبل 25
بمظلتھا الدولية والخيارات لدى أمريكا في ھذه االستراتيجية مفتوحة على مصراعيھا وأخطر ما في األمر ھو قبول أمريكا بتبادل المصالح مع من يسمون بالمعتدلين في التجمعات اإلسالمية والذين يرضون بالتعاون مع أمريكا ومن ثم استالم الحكم من تحت يدھا كما فعلت بريطانيا بالمشروع القومي من قبل قرن من الزمان. * مسكت أمريكا العصا من الوسط فيما يخص تعاملھا مع الثورات العربية فھي تحاول أن تبقي الطواغيت في أمكنتھم قدر المستطاع إلى آخر رمق بينما تشن عليھم حملة دعائية في الظاھر فإذا تمكن الطاغية أن يثبت فبھا ونعمت )علي صالح أنموذجا( وإن سقط ادعت ھرولتھا في ركاب الثورات العربية بل وحتى القذافي وأبنائه على ما سفكوا من الدماء تخضعه أمريكا لھذه المعادلة. * محاولة أمريكا وأوربا التماھي مع الثورات العربية والتفضل عليھا بالدعم المعنوي بل والعسكري أيضا وذلك تيسيرا لسقوطھا في براثن السيطرة الغربية مجددا كما تلوثت ما سمي بالثورة العربية زورا وبھتانا بالمصالح النصرانية واليھودية إبان الحرب العالمية الثانية ، وتستخدم أمريكا الدعم العسكري والقرار األممي كمخدر للثورات العربية حتى تتدبر أمرھا وتحكم سيطرتھا وتطمئن إلى القادمين الجدد للحكم في العالمة العربي فإذا أبدى ھؤالء القادمين تمنعا ما أوغلت أمريكا بصمتھا أو بترك الطواغيت يؤدون المھمة بدال عنھا إلى أن تلين عريكتھم ويفرز من خاللھم الموالون الذي ال يشك في والئھم. * تلعب أمريكا وأوربا دورا قذرا بتدشين المشاركة العسكرية )ظاھريا( مع الثورات العربية فھي في الحقيقة تضع ثقلھا العسكري على األرض استباقا وتموضعا فإذا سارت رياح الثورات بما تشتھي وھو بالتحديد تجديد الحكومات الموالية للنصارى والمستجيبة إلمالءاتھا فبھا ونعمت وإن لم تھب الرياح في ھذا االتجاه فھي تملك على األرض تموضعا يسمح لھا بالتحرك في كل االتجاھات. * وفي ظل االنكسار المالي الذي تواجھه أمريكا نتيجة لسقوطھا في العراق وأفغانستان فإنھا لن تتمكن من النزول إلى الميادين المختلفة إلدارتھا عسكريا كما فعلت من قبل مما سوف يضطرھا للتعاون مع مسطرة واسعة من الراغبين بل وحتى الحروب التي سوف تضطر لھا فإنھا ستكلف بھا مقاولين من الباطن كما ھو متوقع أن تفعل في الخليج. * سوف يلعب المشروع اليھودي في المنطقة دورا فاعال بدفع دوران رحى الحرب ضد المشروع الشيعي الفارسي باعتباره المھدد األخطر للمشروع اليھودي خاصة في ظل سعي إيران المتالك السالح النووي مما سيحد من خيارات أمريكا وأوربا من امكانية تجنبھما لھذا النوع من الصدام. * تستخدم أمريكا الفزاعة اإليرانية وتوابعھا في المنطقة كنظام الحكم العراقي ونظام الحكم السوري وحزب ﷲ اللبناني وجماعة الحوثيين في اليمن إلعادة إدخال العرب في بيت الطاعة األمريكي وإلسقاط المشروع الشيعي الفارسي من عليائه النووية إلى قوة إقليمية متعاونة مع أمريكا وھي بذلك تصيد عدة غربان بحجر واحد ،وتعتمد ھذه االستراتيجية على ما يلي: 26
-١الحفاظ على ما تبقى من النظم السياسية بدعوى دورھا الھام والخطير في مواجھة المشروع الشيعي خاصة نظم مجلس التعاون الخليجي والنظام األردني مع استعداد تلك النظم للذھاب في الشوط إلى آخره وذلك ھربا من استحقاق الثورات والقبول بمواجھة المشروع الشيعي ظنا منھم أنه األھون واأليسر وھو ما سوف يعجل بسقوطھم وﷲ أعلم. -٢اعتبار أمريكا واوربا الصراع في سوريا أھم أحجار الزاوية في المشروع الشيعي وبالتالي التركيز عليه إلخراج أھم األوراق من يد االمبراطور الشيعي وفي ھذا الصدد قد يزداد التعاون مع ألوان الطيف المعارض السوري لتحقيق الھدف المشترك وقد نرى أمامنا مشروعا شبيھا بالمشروع السياسي األمريكي إبان سقوط بغداد تحت الحذاء العسكري األمريكي وھناك مرشحون كثر لھذا السقوط كما حدث في العراق بل قد تكون سوريا مقبلة على تشظيھا إلى دويالت كردية وعلوية وسنية عربية. -٣إبقاء العراق تحت نوع من التوازن والمشاغلة بحيث كلما احتاج الطرف األمريكي أو الطرف الشيعي إلى الضغط على بعضھما في الصراع الكلي رجعا إلى العراق لممارسة ھذا الضغط ولكن مع ما يبديه شيعة العراق من محاولة إبقاء الدولة تحت أيديھم وتمسكھم بھا فإن انفراط العقد غير وارد في ھذه المرحلة فھناك خطوط حمراء يلتزم بھا الجانب األمريكي واإليراني والشيعي العراقي في إدارة العراق إال إذا ھبت رياح الثورة على العراق فعندھا سيبطل سحر األمريكان وإيران على السواء. -٤قد تدفع أمريكا باتجاه حروب مفرقة وعلى عدة جبھات ضد المشروع الشيعي وقد تشتعل ھذه الحرب في أطراف سوريا أو داخلھا وفي لبنان وقد تندلع حربا شاملة في الخليج تمتد جبھتھا من مضيق ھرمز شماال إلى الكويت جنوبا ،ومن المعطيات التي تؤكد قرب حدوث ھذه الحرب الحزم الذي أبدته دول التعاون الخليجي )على غير عادتھا( في التعامل مع الملف البحريني وكذا إصرار إيران على دعم الحكم النصيري في سوريا إلى آخر األشواط.
خيارات المشروع الشيعي الفارسي * تح ُكم المشروع الشيعي رؤاهُ العقائدية التي أعادت إنتاجه كما أنتجت تلك العقائد في ذاكرة التاريخ من قبل الدولة العبيدية والدولة الفاطمية والدولة البويھية والدولة الصفوية وما أمر إيران عنھا ببعيد وعليه فال يؤمل أن تتمكن إيران من عبور عقدة العقائد والتاريخ وإن تمنى بعض الناس غير ذلك. * ارتبط قيام الدول الشيعية بمرحلة ضعف أمة اإلسالم وھجوم الكفار عليھا بل وتعاون الشيعة دائما مع أعدائھا كما فعلت إيران الحديثة عند سقوط افغانستان والعراق ،وإن الدرس التاريخي األھم في ذلك ھو استحالة تغلب أمة اإلسالم على أعدائھا االستراتيجيين ـ وھم ھنا اليھود والنصارى ـ دون أن تسقط قبل ذلك دول البدعة كما سقطت الدولة الفاطمية على يد صالح الدين قبل سقوط الصليبيين. 27
* ال يمكن بأي حال من األحوال اعتبار ما يحدث بين الغرب النصراني وتوابعھم من اليھود وبين إيران مجرد لعبة دولية ومؤامرة أممية ـ مع قابلية إيران لذلك ـ ولكن األمر الذي تحكم في الموقف الكلي ھو محاولة إيران لتجاوز السقف المسموح لھا به نصرانيا ويھوديا )وھوھنا قوة إقليمية متعاونة( ووصولھا إلى التعملق النووي فقد أدخل األمر في مرحلة من صراع كسر العظم والذي ال يمكن التفاھم عليه بأي حال من األحوال مع العلم بأن الصراع قد أخذ مسارات باردة نسبيا تجنبا للمسارات الصدامية الشاملة لكن تلك المسارات لم تفلح في تبريد الموقف الكلي وال ننسى محاولة أمريكا إسقاط النظام اإليراني من الداخل عبر المحافظين دون جدوى. * في ظل تمزق المشروع الشيعي ودخوله في مرحلة عدم التوازن خاصة على ساحته الداخلية من خالل صراع االتجاھات الرئيسة فيه )المحافظون واإلصالحيون( وصراع المصالح ومراكز القوى في المحافظين أنفسھم وفي ظل التحديات الھائلة التي يواجھھا في الساحة الخارجية خاصة في عالقته باألمة المسلمة واالختبار األخير له في الشام فإنه من المرجح أن تدفع مراكز القوى في المحافظين باتجاه الحرب الخارجية حفاظا بظنھم على النظام وقد يخوض المشروع الشيعي حربين في آن واحد على ضفاف الخليج واألخرى على ساحة الشام. * لقد وصل المشروع الشيعي في الكشف عن وجھه البشع إلى مرحلة متقدمة وذلك من خالل دوره في العراق ودوره في لبنان ودوره في اليمن ودوره في البحرين ومن خالل فضائياته فلم يترك عورة من عوراته العقائدية إال وأظھرھا قوال وعمال ولم يعد له من أمل باستظالله بفلسطين والدفاع عنھا حيث اتضح مع مرور الوقت أن ذلك لم يكن سوى دعاية سمجة وأن أصل المشروع ھو مشروع شيعي قابل للتفاھم مع اليھود والنصارى في المسارات االستراتيجية غير أنه تقاطع مع مشاريع اليھود والنصارى في المنطقة تقاطعا ال يمكن التفاھم عليه فھذه منطقة أمريكية بحتة بالمفھوم االمبراطوري األمريكي فكأننا أمام نفس الموقف الذي شھدته جزيرة العرب يوم التقٮت فارس والروم فكانت اإلدالة على الروم لفارس ثم للروم على فارس في المرة الثانية كما أنبأنا بذلك العليم الخبير) :ألم ،غلبت الروم ،في أدنى األرض وھم من بعد غلبھم سيغلبون ،في بضع سنين ? األمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ،بنصر ﷲ ينصر من يشاء وھو العزيزالرحيم(الروم٥-١: * وبعد االختبار الكبير للمشروع الشيعي في العراق وسقوطه الذريع فيه فھاھو االختبار األخير للمشروع الشيعي والذي سيكون في سوريا بل إن أمارات ذلك االختبار قد بدأت فمن المرجح بل من المحتم وقوف إيران الجعفرية مع نظام الحكم النصيري في سوريا ـ الذي يكفره الجعفرية أصال ـ ضد أھل السنة والشعب السوري فيھا وسيصل استعدادھم لحمايته وحماية نفوذھم في سوريا إرسال المقاتلين لكي يقمعوا أھلنا ھناك كما قمعوھم في العراق وغيرھا ،مع العلم بأن الشام ال تقبل القسمة على اثنين فما ھي خطوط االستراتيجية التي سوف يلتزم بھا رجال األمة في التعامل مع ھذا التطور؟ * يتوقع في ظل التوازنات الدولية أن تلجأ المشاريع الدولية المنافسة ألمريكا وأوربا إلى االقتراب من المشروع الشيعي ودعمه رغبة في استعماله كمستنقع نھائي لسقوط المشروع
28
األمريكي العالمي وسوف يترتب على ھذا عدة أمور منھا السقوط النھائي لما يسمى باألمم المتحدة وانفراط عقدھا النھائي ومنھا تيسير وصول السالح للشيعة من قبل الروس والصين.
رابعا :ضرورات المشروع اإلسالمي وحتى يتسنى لنا الوقوف الدقيق على ضرورات المشروع اإلسالمي في ظل زلزال الثورات العربية فإننا لن نتمكن من ذلك إال أن نتعرف أوال على مسطرة المشروع اإلسالمي والتي نتجت عن رؤية بعيدة المدى )استراتيجية( تلك التي أخذت في الحسبان دراسة تاريخ األداء اإلسالمي المعاصر منذ نشأته إبان سقوط الخالفة العثمانية عام ١٩٢٤م مرورا بالمحطات الكبرى األساسية كنشوء دولة الكيان اليھودي ونشوء النظم السياسية التي حكمت األمة منذ ذلك الوقت وخضوع العالم لنظام الحرب الباردة ونشوء النظام العربي اإلقليمي )جامعة الدول العربية( بتأسيس وإشراف بريطاني وصوال إلى سقوط القدس عام ١٩٦٧م وبدء تفكك وتحلل النظام السياسي العربي عام ١٩٧٥م بحرب لبنان وصوال إلى سقوط بيروت تحت اليھود عام ١٩٨٢م والحرب العراقية اإليرانية والحرب األفغانية الروسية ثم تأثر الساحة العربية المباشر بالتحوالت في النظام الدولي وغزو النظام البعثي للكويت عام ١٩٩٠م وسقوط االتحاد السوفيتي عام ١٩٩٠م ونشوء النظام الدولي الجديد الموسوم بنظام القطب الواحد ومحاولة األمريكان إجراء تتغييرات جذرية في النظام اإلقليمي في الشرق األوسط ودفع العرب نحو الصلح مع اليھود خالل تسعينيات القرن العشرين إلى حادثة ١١سبتمبر عام٢٠٠١م ثم سقوط كابل تحت األمريكان عام ٢٠٠١م وسقوط بغداد تحتھم أيضا عام ٢٠٠٣م وتداعيات تحوالت العقد األول من األلفية الثالثة إلى وقتنا ھذا. وأعني بمسطرة المشروع اإلسالمي تلك التي تتكون من رصد التاريخ واألحداث ثم تفسير تلك التحوالت والتغيرات بناء على قواعد اإلسالم الكلية واإلشارات االستراتيجية التي تركھا لنا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ودراسة األداء التطبيقي للجماعات اإلسالمية وبقية فرقاء األمة تجاه مرحلة االنحطاط العامة والتعامل معھا ومقارنة جميع العوامل األساسية المشاركة في صناعة تاريخ األمة المعاصر وفق رؤية إسالمية تلم شعث األداء اإلسالمي بكل أطيافه وتستشرف المستقبل وصوال للتمكين لدين ﷲ عز وجل في األرض وتضع المنھجية واالستراتيجيات األساسية إلحداث التغيرات المطلوبة وعليه فھي مسطرة تمكننا ضمن مسارات اخرى من قياس التحوالت العالمية واإلقليمية نسبة إلى رؤية المشروع اإلسالمي العالمي. ومن البديھي أن نقول بأن مجال البحث ال يتسع الستعراض مسطرة المشروع اإلسالمي وإال لضاع ھدف البحث في ثنايا ذلك االستعراض الطويل فيرجع إليه في مضانه.
29
ي من نقاط تمثل ضرورات وفي النقاط التالية سوف أستعرض ما يفتح ﷲ عز وجل به عل ﱠ المشروع اإلسالمي في ظل زالزل الثورة العربية. -١إن أول الضرورات لتقترن بأھمية االقتراب واإللتقاء من قبل علماء األمة ورجاالتھا على رؤية محددة في ساحة االجتھاد حول طبيعة نظام الحكم في اإلسالم وتخليص ھذه الساحة مما لحق بھا من غموض وإھمال وطمس للحقائق وصوال إلى صفات الحكم الراشد وضرورة دفع األمة الستكمال إسقاط أركان الحكم الجبري والذي أفسد علٮھا كل ساحاتھا الدعوية والسياسية والجھادية وحتى تتمكن األمة من عبور المرحلة الجبرية بأقل الخسائر ،والواجب في سعي الدعاة للوصول إلى بيان مبادئ اإلسالم في منھج الحكم والسياسة أن ينظروا فيمن فتح ﷲ عليه ق اآلخرين في ھذا الباب الدقيق من العلم فإذا توافقوا على اجتھاد سابق وموافق للحق و َسبَ َ ولمتطلبات المسلمين في ھذه المرحلة الدقيقة فقد وجب عليھم التظافر لنصرته وإشاعته وزيادة خدمته ثم االلتقاء حوله والدعوة إليه حتى تثوب األمة إلى مساراته والعمل به ،مع العلم بأنه قد اجتھد كثير من الدعاة في تبيان ھذا الجانب من المنھج اإلسالمي وأزعم أن ما وفق إليه الشيخ حاكم المطيري من كتابات واجتھاد في ھذه الساحة ليضع للمسلمين أرضية صلبة يمكن البناء عليھا والدعوة إليھا خاصة في ظل موافقة كثير من علماء وقيادات الجماعات اإلسالمية المختلفة على أغلب ما ذھب إليه الشيخ حاكم من اجتھاد ورؤية. -٢ويستتبع المسألة األولى ضرورة أخرى مرتبطة بھا وھي أن مجرد االجتھاد بال خطة وتصور عام دقيق ال يمكن أن يؤدي إلى دفع المشروع اإلسالمي صعدا في حلقاته المتتابعة مما يقتضي أن يبحث الناس والقادة على وجه الخصوص من الجيل القديم والجيل المستجد عن مشروع عالمي أو مالمح ذلك المشروع على أقل تقدير بحيث تقوم خارطة ھذا المشروع بوضع اللبنات األساسية باستواء واتزان بجانب بعضھا البعض وأقصد بذلك لبنات الشعوب المسلمة واألقاليم واألوطان وكذا لبنات الجماعات اإلسالمية والتجمعات الفكرية جنبا إلى جنب في بناء فريد ومحكم يستھدف ضم الطاقات وشد األعضاد لتحقيق األھداف الكبرى ،كما يجيب ھذا المشروع على تحديات بقية المشاريع في العالم ويحدد مسارات النھضة الرئيسة حتى تتلقفھا األجيال الجديدة وتسير وفق رؤيتھا وبالجملة يقود المشروع األمة المسلمة في مسارات التدافع وصوال إلى قمم التمكين ،ويكون ذلك إما بالبحث عن نواة مشروع صالحة للببناء عليھا أو التنادي لوضع مشروع جديد يتناسب وعظمة ھذا الدين والساحات التي تشغلھا أمة اإلسالم في الجغرافيا والتاريخ. -٣ضرورة الدفع باتجاه سد أخطر الثغرات في األداء اإلسالمي المعاصر وھي ثغرة القيادة والمرجعية الموحدة وفق حلقات أفقية ورأسية تلك التي تغطي الجغرافيا وكذا العمق االجتھادي المعاصر فتلتقي وتتقاطع حتى يأذن ﷲ عز وجل بميالد ما تطلّع له المسلمون لعقود من الزمان من القيادة الرشيدة والتي يتوجب عليھا القيام بمھمة ضبط بوصلة األداء اإلسالمي العالمي ولن يتأتّـى ذلك إال بالحوارات الموسعة والمؤتمرات والتشاور الموسع وعبر عدة آليات انتقالية تفضي إلى اقتراب من ھذا الھدف األسمى في المشروع اإلسالمي).يمكن الرجوع لمفردة مالمح القيادة والمرجعية في كتاب مالمح المشروع اإلسالمي(
30
-٤ضرورة دراسة المرحلة الرمادية التي دخلتھا األمة بناء على زلزال الثورات العربية ومحاولة توصيف مالمح ومستلزمات ھذه المرحلة ومتطلباتھا األساسية حتى ال تضيع الجھود واألوقات في فھم وتوصيف طبيعتھا وحتى ال تكون المشاريع المنافسة األخرى أقدر على استثمار المرحلة وما فيھا من تداخل واختالط خاصة المشروع األمريكي والمشروع اليھودي والمشروع الشيعي الذي اتضحت أبعاده وتناقضه مع مشروع األمة من خالل سقوطه في مستنقع العراق وأفغانستان من قبل ومستنقع سوريا حاليا وبناء على اصطراع المشاريع األممية على أرض اإلسالم وضرورة اعتماد مسطرة واسعة من االجتھاد للتعامل مع ھذه المرحلة وما يسع أھل كل ناحية من دفع العدو األقرب فاألقرب وما ينبغي أن تجتمع عليه كل الطاقات والجھود وتواجھه من أزمات مشتركة وعدو عالمي. -٥ضرورة العمل على إعادة صياغة وبناء المنھج التربوي واإلعدادي لبناء أجيال األمة والذي يھدف إلى إزالة التناقضات التي صنعتھا إغالقات االجتھادات المختلفة في الجماعات اإلسالمية خالل العقود الماضية وما ميز تلك المرحلة من رؤية جزئية وداخلية لتلك الجماعات والتي أدت بدورھا إلى مخرجات متناقضة من الناحية التربوية والعلمية ـ حاشا المنھج اإلسالمي أن يكون متناقضا ـ وأقصد بذلك تناقض مناھج اإلعداد والتربية ما بين اإلخوان المسلمين والسلفية بألوانھا وبين ما ُعرف مؤخرا بالسلفية الجھادية وكذا الجماعات الصوفية وغيرھا من الجماعات ،فإنه إن لم تتمكن قيادات األمة من العلماء والمجتھدين من طرح المنھج الشامل الذي يمثل صفاء اإلسالم الروحي ودقته العلمية وقوته الجھادية فلن تتمكن األمة من عبور ھذه المرحلة بسالم وجمع للشمل وصوال إلى المرحلة التي تليھا. -٦ضرورة وضع مبدأ التعددية وفق ثوابت األمة العقدية وخياراتھا االجتھادية موضع اإليمان والتنفيذ العملي في األداء الكلي لألمة وذلك بكل ألوانھا من تعددية سياسية وتعددية دعوية وتعددية جھادية وتعددية فكرية ونزع العصبية من كل مواقعھا حتى يتوافق ذلك مع مرحلة الخالفة القادمة ألنھا خالفة راشدة تنبذ العصبية إال بنزع التصادم منھا واستبدال المنافسة في الخير به) :ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون(المطففين ،٢٦:وفي سبيل الوصول إلى تحقيق ھذا المبدأ من مبادئ األداء السياسي في المنھج اإلسالمي وتحقيق الرشد ينبغي على قيادات الحركات والجماعات اإلسالمية أن تخفف كثيرا من القناعات التي سادت بينھا في الفترات السابقة بأنھا لھا وحدھا القياد والمستقبل في األمة حتى بلغ األمر حدا منع أدنى مستويات التفاھم والتعاون بينھا فضال عن االجتماع على األھداف الموحدة. -٧ضرورة تخليص األداء اإلسالمي ووحداته والجماعات المكونة له مما لحق به من اصفاف فكري أو التحاق عملي بمشاريع اآلخرين سواء كان المشروع األمريكي أو المشروع الشيعي أو المشاريع الملتحقة بھا بالضرورة وھي التي ُعرفت بالمشاريع الوطنية ،كالمشروع الوطني في العراق في ظل االحتالل األمريكي ،ولعل أولى المواقع حاجة للتخلص من ھذا االلتحاق لخطورة ذلك االلتحاق موقع الجھاد والمقاومة في فلسطين وضرورة القفز من سفينة الشيعة قبل أن تغرق وقبل أن يكلف ھذا االلتحاق األمة غاليا.
31
-٨ضرورة التقاء قيادات األمة وعلمائھا وبشكل عاجل لدراسة واعتماد االجتھاد الذي يتصدى للمستجدات والتحوالت في اتجاه الصراع العالمي واإلقليمي والذي ليس له من ساحة غير جزيرة العرب والشام على وجه الخصوص ،بحيث يضع علماء األمة الخيارات االساسية لالستجابة الذي تفرضه تلك التحوالت على المسلمين ،ولنا في ما أخبر به النبي صلى ﷲ عليه وسلم في الصحيح من أبواب الفتن مالذا ورؤية ذلك أن تسارع األحداث والتغيرات فيما عاد يعرف بالشرق األوسط قد تفرض على المسلمين والعرب على وجه الخصوص دخوال غير متزن وال مؤصل له في تلك الصراعات واالستقطاب الحاد الذي سوف يصاحبھا ،وإذا كانت األوضاع السياسية السابقة في بالد العرب قد ألقت بشيء من الوھم والوھن للتعامل مع المستجدات عند علماء المسلمين فإن زالزل الثورات العربية وما يليھا من أحداث لتوجب ھذه الھبّـة العلمية االجتھادية قبل أن يعم الطوفان وال يسمع الناس ألحد وال ينتھون لراية واحدة وال لمنارة سامقة، وإن مقتضيات ھذه الضرورة أن ينتھي المسلمون والعرب على وجه الخصوص عما عاشوا عليه سنين طوال من أمل فيما يسمى بالنظم السياسية التي تحكمھم أو في النظام اإلقليمي أو النظام الدولي وأن يستبدلوا كل ذلك بنواة نظام إسالمي جامع ومرجعية خالصة تجمع شتاتھم وتوحد صفھم. وﷲ يقول الحق وھو يھدي السبيل،،،
32
عرش بلقيس بين االستالب والتمكين )رؤية استراتيجية مقترحة(
بقلم /حسن أحمد الدقي ٢٠١١/٦/١ مفردات البحث أوال :المقدمة ثانيا :قائمة بالمخاطر االستراتيجية الملحّة ثالثا :قائمة بمفردات المصلحة العليا لليمن رابعا :مالمح االستراتيجية المقترحة إلرساء الثورة على بر األمان
33
أوال :المقدمة إن الحمد? تعالى والصالة والسالم على رسول الھدى محمد بن عبدﷲ وعلى آله وصحبه ومن وااله إلى يوم الدين وبعد: فھذه خطوط عريضة في استراتيجية مقترحة أتقدم بھا بين يدي قادة الثورة اليمنية المظفرة من الشيب والشباب كاستشارة بل كواجب في إطار النصح ألولئك القادة الكرام حيث لم تعد التطورات ال في اليمن وال في غيرھا شأنا داخليا بحتا بل ھو من أعظم شؤون األمة وأخطرھا خاصة في ظل وحدة العوامل المحركة للثورات العربية في الداخل والخارج ومن أھم ھذه العوامل عنت وانغالق األداء في النظم السياسية في جانب والھجمة األمريكية األوروبية لتحريك الثورات باتجاه مصالحھما من جانب آخر ،فكيف إذا أضفنا لتلك األھمية ما يمثله اليمن من أھمية استراتيجية في أمن جزيرة العرب وأقصد به األمن الذي ينتمي لثوابت األمة ـ ال أمن النظام الدولي وتوابعه النخرة ـ كما قال ﷲ عز وجل على لسان إبراھيم عليه السالم) :الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانھم بظلم أولئك لھم األمن وھم مھتدون(األنعام٨٢: وفي ھذه المقدمة أنبه المعنيين من األخوة الكرام إلى ثالث مسائل ھامة: أما المسألة األولى :فھي اليقين الذي ال يتزعزع أن النظام ساقط ال محالة فھذا أوان سقوط جميع األنظمة السياسية التي جاء وصفھا في حديث رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم )بالملك الجبري( من حديث حذيفة بن اليمان في المسند ،وكما تشابھت ھذه النظم في عوامل تشكلھا وعوامل استمرارھا من تدخل مباشر للنصارى في تأسيسھا ومن والء كامل لھم ومن ھيمنة وطاغوتية مستشرية فسوف تتشابه أيضا في عوامل سقوطھا وتخلّص أھلھا منھا بعد أن صبروا طويال عليھا ،وفي اعتقادي بأن الحلقة األولى من ھذا السقوط قد مضت بتزعزع وانتكاس كل من تونس ومصر ودخلت األمة اآلن إلى الحلقة الثانية وھي حلقة اليمن وليبيا وسوريا وفي قائمة االنتظار الحلقة الثالثة وتشمل كل من السعودية والمغرب والجزائر وأما بقية األنظمة ھامشية كانت أم مركزية كالسودان واألردن فأمر الجميع متعلق بھؤالء الكبار حجما واستراتيجية فإذا سقطوا سقط اآلخرون على ھامشھم ،ھذا فيما يخص العالم العربي وأما العالم اإلسالمي فنظمه السياسية على الطريق أيضا من إندونيسيا إلى السنغال ريثما ينتھي العرب من مھمتھم) .وﷲ غالب على أمره ولكن أكثر الناس ال يعلمون(يوسف٢١: المسألة الثانية في ھذه المقدمة :أن تأخر سقوط نظام علي عبدﷲ صالح فيه خير كثير ألھل اليمن وذلك لحاجة أھل اليمن إلى الوحدة واالنصھار الحقيقي والشعور بوحدة المصير ووحدة الخطر والتھديد وقد أدى النظام دوره في ھذا المجال بشكل ممتاز ،وكان ال بد أن تأخذ ھذه العملية وقتھا الالزم خاصة وأن اليمن يعاني من تفرق وشتات بين أھله على المذاھب والقبائل والمناطق واالجتھادات اإلسالمية المعاصرة أو ما يسمى بالجماعات اإلسالمية فكان ال بد من فترة لصھر ھذه المكونات تمھيدا للمرحلة التي تلي فلو أن الناس دخلوا سريعا إلى مرحلة الفتح أو سقوط النظام الستيقظت النعرات فيما بينھم وانطبق عليھم ما يردده الناس من أن الثورات تأكل أبناءھا، فما يكون من تأخير فھو خير ظاھره الشر والتعب وباطنه الرحمة والعقبى الحسنة ،فينبغي على العقالء أن يلعبوا دورھم في التطمين والتثبيت حتى يقضي ﷲ أمرا كان مفعوال. 34
المسألة الثالثة :أن الخطر االستراتيجي والذي سوف يستمر لفترة طويلة على اليمن وأھله ونظامه السياسي الوليد بعد سقوط علي صالح ليتمثل في النظام الدولي )النصراني اليھودي( وتوابعه من النظم اإلقليمية وخاصة نظام الخليج حيث تنصرف استراتيجية ھذا النظام إلى التركيز على مرحلة ما بعد صالح وتحريك الشؤون باتجاه التدخل في صناعة النظام الجديد القادم الموالي لھم ،وعليه فإنه كلما استھلك قادة الثورة وقتا في وضع أسس ما بعد صالح كلما تمكنوا من االستقالل الحقيقي والتصرف في شؤونھم الداخلية في المرحلة التالية بعيدا عن األيدي العابثة الخارجية.
الملحة ثانيا :قائمة بالمخاطر االستراتيجية ّ وھي وقفة مھمة حتى ال تضيع ھذه القائمة في خضم تفاصيل الصراع وينشغل الناس مع مرور الوقت بمعالجة التفاصيل والتعقيدات واألعراض التي نشأت عن أصل الداء ،ويمكن التقديم والتأخير في ھذه القائمة من حيث المخاطر حسب زاوية النظر لكني أحسب أنه ال يمكن للمعنيين بشؤون األمة في اليمن إال أن يقفوا عندھا مطوال وأن يؤسسوا رؤاھم واستراتيجياتھم بناء على ھذه القائمة.
الخطر االستراتيجي األول: بقاء على صالح على رأس النظام السياسي وما يستتبع ذلك من تحريك الساحة اليمنية باتجاه الفوضى وإعطاء أعداء الداخل والخارج فرصا عديدة للمشاركة في إدارة األزمة ،ويستتبع ھذا الخطر أخطارا مترتبة عليه وھي: -١الدخول في الصراع العسكري وخلط أوراق الثورة. -٢التدخل اإلقليمي والدولي في إدارة األزمة في إطارھا السياسي ثم في إطارھا العسكري وفرض الحكومة الجديدة المرضي عنھا أمريكيا وإقليميا وفق أجندة متدرجة )ليبيا أنموذجا(. -٣أن يقفز أھل كل ناحية على منطقتھم فيفرضوا عليھا حكما ذاتيا. -٤شتات قيادات الثورة وقبولھم بالمشاريع التشطيرية.
الخطر االستراتيجي الثاني: إقدام النظام على التضحية برأسه )علي صالح( وأوالده مقابل إعادة التموضع وإبقاء جبل الجليد تحت الماء دون تغيير )موريتانيا أنموذجا( والعمل على اقتسام السلطة جزئيا مع بعض رؤوس الثورة )ترضية( وما يستتبع ذلك من تبريد الثورة وإعادة إنتاج النظام لنفسه من خالل التظاھر باالستجابة لمطالب الثوار ريثما يعاد تشكيل الساحة اليمنية لصالح النظام داخليا ولصالح النظام العالمي واإلقليمي )تونس أنموذجا(.
35
الخطر االستراتيجي الثالث: إسھام النظام الدولي )إقرأ األمريكي( وتوابعه في المنطقة )التعاون الخليجي( في تبديل رأس النظام برأس قبلي)عائلة األحمر( أو حزبي)اللقاء المشترك برأسيه األساسيين( ،ومن الواضح بأن الرأس القبلي أوفر حظا من الرأس الحزبي في ھذه المرحلة مع امكانية توزيع الكراسي بينھما بحيث تكون الرئاسة قبلية وأجھزة الدولة حزبية ،ولن يكون ذلك إال أن يعطي المرشح الجديد لعرش بلقيس الضمانات الكافية بإبقاء اليمن ضمن النظام الدولي واإلقليمي .وسوف يترتب على ھذا الخطر أخطار أخرى مرتبطة به ومنھا: -١عدم رضا بقية القبائل والمكونات اليمنية عن ھذا النظام مما يھيء الساحة النقسامات من أھمھا عودة مسألة الشمال والجنوب إلى مربعھا األول. -٢سوف تعمل الجھات التي تم التفاھم معھا سرا ضمن ھذا الخيار على االستئثار بتشكيل النظام والحيلولة دون مشاركة اآلخرين )قبائل وتجمعات وأحزاب( في القرارات االستراتيجية وبناء الدولة وسوف يؤدي ذلك إلى إرجاع النظام السياسي إلى مربعه األول أيضا. -٣سوف تدخل الحكومة الجديدة في ظل ھذا الخيار ضمن النظام اإلقليمي والدولي ومفرداته من محاربة اإلرھاب والتطرف وإبقاء اليمن رھنا بمزاج السيد األمريكي وأذنابه في المنطقة. -٤قابلية الوضع القبلي والحزبي للتفتت والتنازع على السلطة في ظل ھذا الخيار خاصة بعض القبائل التي بدأت عملية التفتيت كالحوثيين وكذا قابلية االشتراكيين لتجديد أدوارھم المخزية والذين ھم أقرب إلى الرؤية األمريكية من غيرھم مع ما يحملون من تاريخ دامي في اإلقصائية واالستئثار بالسلطة واإلفساد العقدي واالقتصادي من خالل تاريخھم الذي امتد منذ عام ١٩٦٧م وحتى ١٩٩٤م ،وكان األولى بالمحاسبة التاريخية الشعبية أن تتوجه لالشتراكيين كما توجھت لعلي صالح ألنھما وجھان لعملة واحدة. -٥كما وأنبه إلى خطر يتسلل عبر بعض رموز التجمعات اإلسالمية من اإلخوان والسلفية فھناك من رموز التجمع اليمني لإلصالح قد استجابوا للمسطرة األمريكية فانحازوا لالعتدال وھربوا من التطرف إلى الدرجة التي جعلت مؤسسا كالشيخ الزنداني غير مرغوب فيه في أوساطھم بل ومحارب نتيجة لھذا التقسيم النصراني اليھودي؟ وكذا ما وقع فيه بعض مشايخ السلفية كمقاولين من الباطن عندما عملوا على محاربة من يقاوم وكالء أمريكا من النظم السياسية بحجة الدفاع عن ولي أمر المسلمين؟
الخطر االستراتيجي الرابع: تنازع قيادات العمل اإلسالمي ودخولھم في نفق مظلم من تقدير الموقف الشرعي في اليمن وما يترتب عليه من رؤية استراتيجية في التعامل معه ،وأقصد بقيادات العمل اإلسالمي كتلة اإلخوان المسلمين )التجمع اليمني لإلصالح( والكتلة السلفية )الحكمة واإلحسان( والكتلة الجھادية
36
)القاعدة ومؤيدوھم( وكتلة المستقلين .وما سوف ينجم عن ھذا الخطر من أخطار أخرى تتمثل في: -١ضعف الساحة اليمنية وشتاتھا بسبب ما تمثله ھذه الكتل من مرجعية للشعب اليمني. -٢خلو الساحة من مالمح رؤية إسالمية يمنية واستقطاب الكتل اإلسالمية لصالح مشاريع اآلخرين بالضرورة نتيجة لذلك ومن نماذجه الجاھزة عودة االشتراكيين أصحاب التاريخ األسود في الجنوب اليمني لملء الفراغ المتحقق باصطراع الكتل اإلسالمية. -٣تقاطع االجتھادات اإلسالمية وتعارضھا مما قد ينتج عنه من صراع محتوم وتخوين وانفضاض الجماھير عنھا ويأسھا من امكانية ترسية الثورة على شاطيء األمان واإلنجاز الحقيقي.
ثالثا :قائمة بمفردات المصلحة العليا لليمن وھي القائمة التي ينبغي فرز مفرداتھا وإعالء مفاھيمھا فوق كل اعتبار وجعلھا نبراسا يھتدي به الثوار ويلتف حولھا الشعب اليمني وتقاس إليھا النجاحات والمنجزات في مسيرة الثورة على المدى القصير والبعيد ،ولوال التشابه في الحاالت العربية نظما وأزمات وثورات لما تجرأ المرء أن يتقدم بين يدي أھل مكة بوصف شعابھا وإن األمل بنجاح الثورة اليمنية ليبشر بتمكن السوريين والليبيين من ضربة قاضية تنقل العرب إلى ساحة تاريخية أخرى لم يتذوقوا طعمھا منذ أيامھم األول كما قال شاعرھم وأجزل: إن كان بين صروف الدھر من رحم موصولة أو ذمام غير منقضب فبين أيامك الالتي نُصرت بھـــــــا وبين أيام بــ ْد ٍر أقــــربُ النسب
وأما قائمة مفردات المصلحة العليا لليمن فھي في تصوري كما يلي: -١اإلسالم كعقيدة وشريعة مرجعية لليمنيين بال منازع. -٢الشورى الملزمة أو ما يعبر عنه بالديمقراطية حديثا ومفرداتھا من كون األمة مصدر السلطات وحرية األمة في اختيار حاكمھا ومحاسبته وتثبيته وعزله وممارسة األمة لحقھا السياسي عبر اختيار ممثليھا الذين يعبرون عن إرادتھا الحرة ويراقبون أداء السلطة التنفيذية ويحرسون المسيرة العامة. -٣الفصل بين السلطات الثالث وتمكينھا من أداء دورھا بتوازن وفاعلية ومرجعية مؤسسات الدولة وأجھزتھا لنظام الدولة العام وفق مسطرة دستورية تؤسس لمرحلة بناء الوطن وخدمة المواطن. 37
-٤لليمنيين الحق في حريتھم كاملة دون نقص بالتجمع والتحزب وتكوين مؤسسات المجتمع المدني والمطالبة بالحقوق وحرية الكلمة في ظل ثوابت األمة. -٥تنمية ثروات اليمن وتطوير قدرات األمة االقتصادية وحماية الثروة من الھدر والضياع واالستحواذ واجب تقوم به الدولة ويراقبه النواب ويدعمه اليمنيون كل في موقعه. -٦افراد األمة ومكوناتھا القبلية والحزبية والمذھبية والمناطقية شركاء على قدم المساواة في الثروة وتوزيع خارطة التنمية لتشمل كل اليمن. -٧الحفاظ على وحدة اليمن ولحمته أساس ليمن الثورة ْإذ بھذه الوحدة يضمن اليمنيون قوتھم واستقاللھم واستقرارھم وتنمية بالدھم. -٨اليمن وطن ومظلة كل اليمنيين بحقوق وواجبات متساوية دون تفريق بين يمني وآخر بناء على أي اعتبار. -٩اليمنيون معنيون بعالج ما خلفه نظام الھيمنة والجشع والتفرقة من فتنة وبالء بين أبناء البلد الواحد من خالل بث روح التواصل والعناية بجميع مكونات اليمن. -١٠اليمن امتداد لألمة العربية واإلسالمية يفرحه ما يفرحھا ويؤذيه ما يؤذيھا وعمق آمن ومتواصل مع أمته. -١١لليمن عالقاته السياسية واالقتصادية مع العالم كله وفق احترام الستقالل اليمن ومصالحه دون قبول لفرض اإلرادات الدولية ومعادالت الصراع األممية.
رابعا :مالمح االستراتيجية المقترحة إلرساء الثورة على بر األمان وھي استراتيجية تأخذ من تاريخ اإلنجازات اليمنية الشعبية أرضيتھا ومن صد األخطار الملحّة جدرانھا وأبوابھا ومن اآلمال بنھضة عربية وإسالمية عالمية سقوفھا وتطلعاتھا ،وإذا كانت مقاييس التنمية العالمية المفصلة لصالح الكبار في األمم المتحدة تضع اليمن في أسفل تلك المقاييس فإن فيما أنجزه الشعب اليمني من بناء وحدة بين الشمال والجنوب وفيما تميز به الفرد اليمني من وعي حضاري معاصر وفيما التزم به الشعب اليمني من معطيات الدين والتاريخ تعليما وتربية وفي امتصاص الشعب اليمني وتصديه لفصول المؤامرات الخارجية والتي تمثلت في التجربة الشيوعية الملحدة وفي مزجه بين المذھب الزيدي والشافعي وتالقحھما التاريخي وأخيرا وليس آخرا في ثورته السلمية الفريدة طلبا للحرية وآفاقھا الكريمة في كل ذلك ما يجعل اليمن موئال حقيقيا للحضارة ومدرسة عالمية تحتاجھا شعوب العالم أولئك الذين أذاقھم النظام الدولي الفقر والقھر ألوانا كما ھو حاصل في العراق وفلسطين وأفغانستان وباكستان وغيرھا.
38
الملمح األول :إصالح ذات بين الدعاة وأقصد بذلك أن يعجل أصحاب المدارس اإلسالمية في اليمن وعلى وجه الخصوص مدرسة اإلخوان المسلمين والمدرسة السلفية بإصالح ذات بينھما فإن ﷲ عز وجل سائلھما عن اليمن وعن مستقبله ويوشك أعداء اليمن في الداخل والخارج أن يستثمروا ھذه القطيعة وخاصة في ظل قرب تقسيم تركة نظام علي صالح أن يبذروا بذور الشقاق والخالف الشديد بينھما والمبررات جاھزة لكل طرف من أصحاب ھاتين المدرستين فبعض اإلخوان يرون في المدرسة السلفية تشددا ال يمكن االقتراب منه والسلفيون يرون في مدرسة اإلخوان تساھال ال عالج له ولعمر الحق إنه لمكر الليل والنھار من قبل األعداء أن أصخنا األسماع لھم حتى وصلنا إلى ھذا التقسيم فإن كان في بعض اإلخوان ما يقوله السلفيون فإن في أكثرھم التزاما بالدين وبمصالح األمة وبذل األرواح في سبيل ﷲ وإن كان في بعض السلفيين ما يقوله اإلخوان فإن أكثرھم قد ثابوا إلى رؤية سياسية مستقلة تقف عند مصالح األمة العليا وال تقدم عليھا شيئا آخر ولعل واقع الثورة اليمنية خير دليل على ما ذھبت إليه .فإن لم يعجل الدعاة والقادة بھذا اإلصالح وإال فإنھا الحالقة التي حذر منھا رسول الحق صلى ﷲ عليه وسلم قال :ال أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين .ويعلم الدعاة أن تواصلھم أولى من التواصل مع ألوان الطيف اآلخر من االشتراكيين والعلمانيين فإن لم يفعلوا فال يلو ُم ّن إال أنفسھم. كما يتعلق إصالح ذات بين الدعاة أن يسعى الدعاة إلى تخليص الساحة اليمنية ـ أو تقليل المخاطر إلى أدنى مستوى ـ فيما لحق بھا من خالف وتجاذب حاد حول ما يسمى باإلرھاب فقد خضع ھذا المصطلح والممارسة إلى ظالل سميكة من طبيعة المرحلة والمعركة أما طبيعة المرحلة فإن حراك األمة المسلمة في ظل المشاريع األممية األخرى )اليھودية والنصرانية وغيرھا( وما وقع على المسلمين من انتھاك على جميع الصعد )العراق أنموذجا( قد أخضع األمة ومكوناتھا لرؤى متضاربة في التعامل مع ھذا االنتھاك وال يمكن أن توضع األمة واجتھاد أبنائھا في سلة واحدة يتحكم بھا جورج بوش أو النظم األمنية السياسية ،وأعني بذلك الخالف حول الممارسات الجھادية وعولمة األداء الجھادي الذي وصمه األمريكان باإلرھاب فإذا سلمنا جدال بأن حراك جماعة القاعدة إرھاب فكيف يكون حراك جماعة حماس إرھابا؟ لكنھا المقاييس اليھودية والنصرانية والتي ال يمكن أن نضعھا مقياسا لنا نحن المسلمين ،وأما من ناحية طبيعة المعركة فإنه ومنذ اشتعال ملحمة الجھاد المعاصر في فلسطين ثم ملحمة الجھاد في العراق وأفغانستان فقد خضعت المعركة لمعطيات اإلدارة األمنية البحتة كما وصف جورج بوش المعركة بقوله :ستكون حربا طويلة وقاسية وقذرة .ويقصد بالقذرة الصفة األمنية وال يجادل منصف بأن األنظمة السياسية في العالم العربي قد تجندت في ھذه الحرب مما جعل ساحة المصطلحات والممارسات في موضوع معالجة مسألة اإلرھاب غير بريئة ،وعليه فإن خضوع الدعاة لمخرجات المعالجة األمنية فإنھم ال شك واقعون في المحذور من اصطفاف في المعسكر األمريكي األمني والسياسي ،وإذا عدنا لممارسة النظام السياسي في اليمن تجاه ھذه القضية فإن الجميع يشھد بأن األمن اليمني قد اخترق جزءا من جماعة القاعدة على أقل تقدير وأنه يسھم في تسخين الموقف متى احتاج إليه؟ وبناء على ھذه المعطيات فيحتاج الدعاة في ھذا السبيل أن يسلكوا مسلكا مستقال بھم مما يمليه عليه دينھم ال ما تمليه السياسة األمريكية وذلك بأن يستوعبوا الموقف بتوازن يؤدي إلى عدم التفريط في أبناء المسلمين ممن تعلقت قلوبھم بالجھاد من جھة 39
وأن يسعوا إلى نزع أشواك الصراع العسكري فيما بين اليمنيين والذي يمكن أن تقوده بعض تلك العناصر من الجھاديين خاصة في ظل تساقط وانھيار المؤسسة األمنية وعملياتھا القذرة .ولعل في عملية زنجبار األخيرة ما كشف عورات تلك المؤسسة.
الملمح الثاني :المحيط يسع الحيتان واألسماك معا! وليعذرني األخوة الكرام أن ذھبت في وصف ھذه االستراتيجية بھذا الوصف فھو أدعى للحفظ والتذكر والتصور ،وأقصد بالحيتان الكتل الكبيرة قبلية كانت أو حزبية أو مناطقية وأقصد باألسماك الكتل الصغيرة من التجمعات والنواحي والمستقلين فإن مستقبل اليمن يقوم على ھذه الكتل الكبيرة كما يقوم على الصغار حجما ال ق ْدرا من التجمعات والمستقلين والقادمين الجدد للساحة الحزبية والسياسية والفكرية والدعوية ،وإذا لم يتمكن النظام الجديد والذي ھو آخذ بالتشكل في رحم الثورة اليمنية من استيعاب كل مكونات المجتمع اليمني وفرز مساحة كافية للتعبير والنقد واإلسھام في الحياة العامة للجميع فذلك يعني أن المجتمع اليمني يرسي بيديه نظاما ثار عليه؟ وھل بالء النظم السياسية في العالم العربي إال االقصائية والتفرد واالستحواذ على كل شيء؟ وتستوجب ھذه االستراتيجية أن يعتقد اليمنيون بضرورة التعددية الحزبية والدعوية والفكرية وتعددية التجمعات وفسح المجال أمام التحالفات الجديدة وعدم الخوف من تغير موازين القوى واتجاھات تلك التحالفات ذلك أن الناس بحاجة للتعبير عن وجودھم وعن متطلباتھم وعندھم رغبة أصيلة في المشاركة في الحياة العامة وإن إحدى طرائق ھذا التعبير إنما تتم عبر التجمع واختيار العرفاء والرؤساء لتلك التجمعات ثم المطالبة بالحقوق والتعبير عن الرأي والمشاركة السياسية ،ومالم يفسح اليمنيون الجدد لھذا النوع من األداء في الساحة اليمنية فلن تؤتي الثورة أكلھا من وعود الحرية واألمان.
الملمح الثالث :الشعب الثائر أقدر على المناورة في صراع اإلرادات. وتقتضي ھذه االستراتيجية أن يطيل الثوار النفس في معركتھم إلسقاط النظام فإن كل العوامل في صالحھم من حيث شيخوخة النظام والحصار الذي يعانيه والتخبط الذي يمارس به معركته فيوقعه التخبط في شر أعماله كل مرة وأخرھا تحريك أذنابه للسيطرة على زنجبار بدعوى التھديد الذي تفرضه القاعدة على الساحة فإذا بالعورة تنكشف وينقلب السحر على الساحر، والوقت يعمل لصالح الثورة ،وإن العصيان المدني ليؤدي دورا خطيرا في خنق النظام ومن ثم إقصائه عن الساحة فإن النظام إنما يتمثل في قدرته على إدارة البالد من خالل مؤسساته فإذا توقفت تلك المؤسسات فقد مات النظام ،ومما تستوجبه ھذه االستراتيجية أن يدرك قادة الثورة والشعب اليمني بأن ال مفر من خسائر مرحلية في مجال االقتصاد ومعيشة الناس وھو ما يحاول النظام أن يضخمه حتى يرتد الناس عن ثورتھم ولكن الشيء اإليجابي أن معظم الناس في اليمن لم يبق معھم ما يخسروه أصال فيكفي أن %٤٠منھم تحت خط الفقر فعن أي اقتصاد يتحدث النظام ،وكذا ال بد من االستعداد للتضحية بمزيد من الشھداء أمام جبروت النظام القمعي ،كما يلحق بھذه االستراتيجية عدم االنجرار إلى الصراع المسلح مع النظام والصبر على تفكيكه قطعة 40
قطعة وإخراجه من السلطة بأقل الخسائر في مجال األرواح والدماء مما يتطلب معه من عملية دعائية قوية وواسعة لسحب الجنود المغرر بھم حول النظام ولعل أكثر األدوات فاعلية في ھذا السبيل ھو االعتماد على اإلذاعات المسموعة فھي أبسط وأسرع وسيلة للوصول إلى الناس في ظل األوضاع األمنية المتردية.
الملمح الرابع :غل اليد الخارجية من العبث بمستقبل اليمن إن اليمنيين بثورتھم المباركة والمصريين والتوانسة والليبيين والسوريين قد أدخلوا العالم العربي واإلسالمي في مرحلة جديدة يتشكل في ظلھا نظام إقليمي جديد وال نبالغ إذا قلنا بأن ھذه التحوالت سوف تفرض تحوال في النظام الدولي على المدى البعيد وعليه فإن أھم ما ينبغي على الثوار والشعب اليمني أن يدركه أنه بفعلته ھذه قد غير قواعد اللعبة اإلقليمية بالمصطلح السياسي وأنه قد نسف النظام اإلقليمي فھاھي أمريكا تستجدي العون من األنظمة المشلولة الباقية وھاھي جامعة الدول العربية تعيش على ھامش أحداث ھذه الثورات المجيدة وھل كانت مبادرة دول مجلس التعاون إال )حصان طروادة( توسل بھا األمريكان للتعامل مع الثورة اليمنية للتدخل في صناعة النظام السياسي الجديد بما يحفظ مصالح أمريكا في المنطقة وفي ھذا السبيل لم يكن ھناك من بد إال أن يضحي األمريكان والخليجيون بصديقھم القديم مريضھم الجديد علي صالح لكن الرجل أبى إال أن يصمد إلى آخر مسمار في آلة نظامه المتھالكة وحسنا فعل كما سبقه إلى ذلك حسني مبارك حتى تضعضع نظامه بدرجة ممتازة لصالح الثوار. فال خوف وال قلق منذ اليوم على المصالح االستراتيجية اليمنية فرب العرش يحفظھا وشعوب العرب والمسلمين تضمنھا فلم تعد الدنيا أسيرة لصندوق النقد الدولي وال للبنك الدولي وال للدوالر فقد تعبت أسماع أھل اليمن والنظام السياسي يكرر عليھم ھذه الموعظة المملة حتى بادروا بأخذ زمام مصيرھم بأيديھم ،وإذا كان لبقية الدول ما يجعلھا تخاف على مستقبلھا االقتصادي فإن لليمنيين من الثروات والخيرات واالتساع في البر والبحر ما يجعلھم أسيادا مستقلين غير خاضعين إال لرب األرض والسماء. وﷲ يقول الحق وھو يھدي السبيل
41
مقاومة التدخل األمريكي في الثورات العربية بقلم /حسن أحمد الدقي ٢٠١١/٧/٢٢ إن الحمد? تعالى والصالة والصالم على رسول الھدى محمد بن عبدﷲ وعلى آله وصحبه ومن وااله وبعد فإن أخوف ما يخافه المخلصون على واقع ومستقبل الثورات العربية أن تتمكن )الروم( أمريكا وتوابعھا من قطف نتاج الثورات المباركة فيتجدد وقوع األمة تحت نيرھا الجديد المع ّدل بعد أن سعت الشعوب لخلع ربق أنظمتھا السياسية المھترئة وقدمت في ذلك قائمة طويلة من الشھداء والسجناء والمشردين خالل القرن العشرين بأكمله فمن الغبن بمكان أن نركز على لحظة التغيير ھذه ونھمل مسيرة قرن كاملة. 42
وفي وصفھا للخطة األمريكية تجاه الثورات العربية تقول ھيالري كلنتون وزيرة الخارجية األمريكية بعد قرابة اسبوعين فقط من سقوط عمود النظام األمريكي في بالد العرب حسني مبارك) :إن دعم عمليات االنتقال السياسية في العالم العربي ضرورة استراتيجية وليست مسألة مبادىء( ،وللجميع أن يتساءل كيف تمكنت أمريكا خالل اسابيع قليلة أن تحدد رؤيتھا في التعامل مع التحوالت في العالم العربي؟ ذلك أنھا تعتمد بالدرجة األولى على عقول النابغين فيھا والذي يسيرون وفق رؤية استراتيجية طويلة المدى ال على ردود الفعل كما يفعل اآلخرون. ومع اليقين التام بأن ﷲ ناصر عباده الموحدين وأن ما يصيبھم إنما يقع في باب االختبار والتمحيص وأن كيد الشيطان ومن يتبعه في خسران وضالل كما قال رب العالمين ) :إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فال تخافوھم وخافون إن كنتم مؤمنين(آل عمران١٧٥: فقد وجب على الدعاة أن يديموا تفقد مواقع أقدامھم وما ھم مقبلين عليه فلست بالخب وال الخب يخدعني كما كان يقول عمر رضي ﷲ عنه. ولعل من أھم األدوات العلمية للتحقق من األمور واالنتقال من حالة الوھم والشك إلى حالة اليقين أن نسبر أغوار خطط المجرمين كبارھم وصغارھم فنتمكن بذلك من إبطال مكرھم وسبقھم وفرض خطتنا عليھم قبل أن يفرضوا خطتھم علينا فإن كان الطغاة السابقون يستخدمون السحر في فرض إراداتھم وحيلھم على الشعوب فإن طغاة العصر يستخدمون آخر نظريات التخطيط والتحليل واالستراتيجية ،وفي ھذا المقال المختصر سأحاول الوقوف على رؤية األمريكان االستراتجية وخططھم على األرض في إدارة حالة التغيير التي تعم العالم العربي على وجه الخصوص لضمان أن تمضي األمور مجددا لصالحھم وصالح ھيمنتھم واستمرارھا. ويتكون ھذا البحث المختصر من المفردات التالية: أوال :التذكير بالثوابت االستراتيجية األمريكية ثانيا :التكتيك األمريكي للتدخل في الثورات العربية ثالثا :فرص ومھددات األداء الثوري العربي
أوال :التذكير بالثوابت االستراتيجية األمريكية -١إن أول ملمح في ثوابت االستراتيجية االمريكية ھو تمثيلھا ألمم الروم أو النصارى الغربيين على وجه الخصوص )البروتستانت والكاثوليك( كما سماھم ﷲ عز وجل وسماھم رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم فقد ورد في الصحيح قوله صلى ﷲ عليه وسلم :فارس نطحة أو نطحتان ثم يفتحھا ﷲ ،ولكن الروم ذات القرون كلما ھلك قرن قام قرن آخر " .رواه ابن أبي شيبة في المصنف ونعيم بن حماد في الفتن وابن حجر في المطالب العلية وھو حديث حسن .وعليه فإن النصارى وبقاءھم التاريخي على ھيئة أمم تتوارث القيادة فيما بينھم وتتوارث العداء والصراع 43
ضد المسلمين ھو أمر تاريخي ثابت ال يمكن تجاوزه إال عند استكمال فتح الروم ويزاد عليه بالنسبة لألمريكان تميزھم بعقيدة النصارى البروتستانتية المتھودة مما يجعل أمر إسنادھم لليھود في فلسطين مسألة عقائدية صرفة ال يمكن تجاوزھا بأي حال من األحوال مھما حلم المسلمون بغير ذلك. -٢تقوم الرؤية األمريكية على حق تمثيل العالم الغربي النصراني )المتحضر( وھي حصريا أمريكا وأوربا واستراليا وإحدى أھم غنائم الحرب العالمية الثانية وھي اليابان وبعض الذيول التابعة كتايوان وكوريا الجنوبية وغيرھا وقد قادت أمريكا ھذا العالم )المتحضر( بعدة مظالت دولية منھا العسكرية كالناتو واالقتصادية كاتفاقية التجارة الدولية واستخدام جمعية األمم المتحدة لفرض الرؤى والتصورات وبالتالي تحريك البرامج على األرض وفق استحقاق أمريكي بمشاركتھا في الحرب العالمية الثانية علما بأن الدور األخطر واألكبر في تلك الحرب كان من نصيب الشيوعيون الروس في إسقاط النازية مقارنة بدور أمريكا. -٣حرصت أمريكا على عدم الوقوع ثانية في أسر مرحلة الحرب الباردة وتعدد األقطاب الدولية ودفعت باتجاه نظام القطب الواحد واألقطاب الثانوية ،وھي تسعى لذلك عبر إعادة تصميم النظام الدولي وعبر إضعاف األمم المتحدة ومجلس األمن من خالل فرض استراتجيتھا العالمية ووضعھا قيد التنفيذ بشكل متتابع ومدروس وترك اآلخرين أمام األمر الواقع فإذا تعقدت األمور تظاھرت بالتفاھم الدولي واحترام األقطاب الكبيرة فإذا سارت األمور باتجاه رؤيتھا عادت لعادتھا وھكذا ،وكان من المفاصل األساسية لتجاوز األمم المتحدة قيامھا بضرب العراق عام ٢٠٠٣دون غطاء دولي مع العلم بأنه قد مضى على تطبيق ھذه االستراتيجية ما يقرب من عقدين منذ تمثيلية الكويت عام١٩٩٠م. -٤تعتمد الرؤية االمبراطورية األمريكية على خطوط عريضة لعقيدة عسكرية تتناسب وأھداف اإلمبراطورية العالمية والقطب األوحد وقد تمثلت تلك الخطوط في نمو العتاد العسكري الذي ال يمكن أن يُنافس في العدد والفاعلية خاصة في الجوانب التقنية كما تمثلت في امكانية القيام بأكثر من حرب في المرة الواحدة وتمثل في استخدام التفوق الجوي والصاروخي وتمثلت في القيام بالضربات والحروب االستباقية والتي تحجم من قدرة الخصوم على الرد والتي توصل القوات األمريكية إلى تمركز استراتيجي على مستوى األرض كلھا وبالقرب من األعداء الحقيقيين أو المحتملين. -٥عملت أمريكا على ضرب الصغار والضعاف في العالم لترھيب الكبار ولكي يقبل البشر بھمينتھا ودورھا الشرطي في الكرة األرضية ووضفت الرھاب من مستقبل المسلمين ونھضتھم كعامل أساسي في قبول العالم بضرب أفغانستان والعراق في بداية األلفية الثالثة. -٦سعت أمريكا إلى احتواء القطب العالمي المھدد للھيمنة األمريكية وھو اإلمبراطور الصيني عبر عدة محاور كان من أھمھا مساعدته للخروج من أسر العقيدة الشيوعية والتخفيف من حالة العداء والمواجھة وعبر مسك خيوط أزمات اإلمبراطور الداخلية لتحريكھا وقت الحاجة وعبر استخدام تايوان واليابان لتنفيذ االستراتيجية وعبر الحصار التقني لما يسمى بالتكنلوجيا الحساسة وعبر الوجود العسكري على تخومه مؤخرا إثر غزوھا ألفغانستان عام٢٠٠١م. 44
-٧حرصت أمريكا على مسك أزمات العالم بيديھا واالقتراب من كل األزمات عالمية كانت أو إقليمية بل وصناعة األزمات في المواقع االستراتيجية التي ال توجد بھا أزمات كما حدث في أزمة ميدان )تيان امين( في الصين وأزمة التبت وھي بذلك تحافظ على صنعة ورثتھا من بريطانيا العظمى وتسمح لھا بتبريد أو تسخين األزمات متى شاءت. - ٨يعتبر الوكالء اإلقليميون من أھم األدوات االستراتيجية التي يعتمد عليھا اإلمبراطور األمريكي في دفع ھيمنته الدولية قدما وفي إدارته المبراطوريته العالمية مما سمح بمرونة عالية لألداء األمريكي للتدخل في إعادة صناعة النظام الدولي ذو القطب الواحد. -٩يعتبر الشرق األوسط بما فيه من مقدرات اقتصادية خاصة النفط والغاز فضاء حيويا ألمريكا ال تقبل المنافسة فيه إال بما يخدم استراتجيتھا عبر السماح لإلمبراطور األوروبي بالتحرك فيه تحت المظلة األمريكية في المجال السياسي أو االقتصادي ،كما تعتبر أمريكا أمن إسرائيل ركنا أساسيا في تلك االستراتيجية بما يعتبر امتداد للسياسة الغربية النصرانية يوم تم تثبيت إسرائيل بيد بريطانيا والحقا عبر األمم المتحدة ،وبناء على ذلك فال مكان لمصالح شعوب وحكومات المنطقة إال بما يخدم الرؤية األمريكية. -١٠تعتبر العولمة إحدى أھم األدوات العقائدية والفكرية للسيطرة العالمية وفرض النفوذ األمريكي والتي تتكون من خليط ثقافي وسياسي وتقني تبشر به أمريكا العالم بحضارة غير فاضلة وھذه الممارسة تذكر بتاريخ الھيمنة والنفوذ اإلمبراطوري في تاريخ البشرية سواء كان التاريخ التتري الغابر أو التاريخ الشيوعي المندثر. -١١كما تعتبر الحساسية األمريكية البالغة من أي نھضة أو استقالل حقيقي لألمة المسلمة ومقاومة ھذه النھضة إحدي ركائز االستراتيجية األمريكية مما يجعل من التخويف من الخطر اإلسالمي أحد أھم معالم السياسة األمريكية الخارجية وعليه فقد ترتب المكر األمريكي على منع التغيير اإلسالمي الحقيقي سواء تم ذلك باستخدام الديموقراطية أو غيرھا في التغيير.
ثانيا :التكتيك األمريكي للتدخل في الثورات العربية ومع اعتراف أمريكا بالتغيير الصاعق الذي أحدثته الثورات العربية وحقيقته وعمقه وخطورته والتشكك في المستقبل وتھديد أسس السيطرة األمريكية كما قالت مجلة الديلي تلغراف) :إن الثورات العربية ضد أنظمتھا لم تسقط فقط الدكتاتوريات الحاكمة بل أسقطت معھا االمبراطورية األمريكية في الشرق األوسط( ومع ذلك فإن اإلدارة األمريكية سارعت باعتماد تكتيكات جديدة تمثلت في مرتكزات محددة إلدارة الثورات العربية تمھيدا لقطف ثمارھا ،مع العلم بأن اإلدارة األمريكية قد عملت على زرع أنوية بعض تلك المرتكزات قبل حدوث الثورات بوقت طويل وما ذلك إال لوجود مراكز البحوث واالستشعار لديھم والتي تتابع التطورات الميدانية وتقترح ما يوائمھا في كل مرحلة زمنية وتتمثل ھذه المرتكزات بما يلي: -١امتصاص الحركات اإلسالمية المتطلعة للمساھمة في تغيير واقع المسلمين عبر الحراك السياسي من خالل تطوير نظرية اإلسالم السياسي و)االعتدال( والتي تبلورت في منتصف 45
تسعينيات القرن المنصرم والتي تتلخص في امكانية التقاء ألوان طيف الحراك اإلسالم السياسي بمفردات األجندة األمريكية ويتم ذلك عند تحقيق اإلسالميون لشرطين أساسيين :األول االستظالل بكل مفردات الديمقراطية الغربية والتي ال تتيح لإلسالميين استخدامھا استخداما حاسما للتغيير والشرط الثاني استالم الديمقراطية بيد وتسليم الرضا بالھيمنة األمريكية باليد األخرى ،وقد قطع األمريكان في ھذه التجربة شوطا كبيرا تمثل في استراتيجية تبريد ثورة االندونيسيين على طاغيتھم سوھارتو عام ١٩٩٨م حيث تمكنت أمريكا من استخدام جمعية نھضة العلماء الصوفية المتصاص الثورة ونقلھا عبر مراحل حتى عاد الحكم بعد ذلك لمربعه األول عبر تسلم الجنرال اودينيو الرئاسة عام ٢٠٠٤م عبر الديموقراطية األمريكية التي ظن أھل اندونيسيا أنھا ستقودھم إلى التحرر من الديكتاتورية والتسلط ،وھي ليست التجربة الوحيدة فقد تلتھا تجربة تشجيع أبناء نجم الدين أربكان في تركيا لكسر الحدود والتقدم سريعا نحو تجربة اإلسالم السياسي الذي يقبل بالھيمنة النصرانية واليھودية المشتركة على قلب األمة )الشرق األوسط( مع العلم بأن فتح كل أقفال النظام األتاتوركي في اسطنبول لكي يقبل بھذا التطور إنما جاء في لحظة حاسمة وھي قرب تنفيذ جورج بوش لغزوته تجاه بغداد أو قبلھا بشھر واحد فقط فقد نجح أردوغان في شھر مارس ٢٠٠٣م ودخل جورج بوش بغداد في الشھر الذي يليه!،وكان أخطر اختراق سجلته أمريكا والنظام العربي الموالي لھا ھو محاولة إدخال حماس المجاھدة إلى بيت الطاعة عبر نفس النظرية والقبول بما سمي بمبادرة األمير عبدﷲ والتي قبلتھا حماس بعد أن قام اليھود بعمليات تجھيز للميدان الحمساوي عبر عمليات االغتيال المتتابعة لرموز العقيدة والجھاد داخل قيادة حماس والتي شملت الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي عام ٢٠٠٤م ،وما يھمنا في أمر الثورات أن أمريكا قد وسعت من قابليتھا إلدخال العبين جدد على ضوء التحوالت التي تشھدھا المنطقة وبالمقابل يتسابق عدد من التجمعات واألفراد إلبداء حسن نية واستعداد مبدئي لالستظالل بھذه النظرية ،وإن أخطر ما في ھذا التكتيك أن يفرز متطلعين جدد الستالم السلطة من تحت يد أمريكا وبسبب ھذا اإلغراء سيبدي ھؤالء المتعاونين استعداد وافرا لضرب وتعويق من تريد أمريكا ضربھم وتعويقھم وعليه فسيكون العالم العربي في حال نجاح ھذا التكتيك في وضع يشبه الوضع الذي تم فيه نصب األنظمة السياسية عبر سايكس بيكو في بداية القرن العشرين. -٢يعمل التكتيك األمريكي على إبقاء آخر حلقة من حلقات الھيمنة على النظم وھي حلقتا الجيش واألمن والتظاھر بجعل المعركة تحتدم بعيدا عن ساحة ھاذين الجھازين فإذا َسلِ َمت ھذه الساحة فحينئذ يسھل إرجاع كل ما ضاع من )اكسسوارات( النظم السياسية )مصر وتونس أنموذجا( وتعويض الفقد المرحلي بالتعزيزات المادية والعسكرية واالستخباراتية ،والعمل جاري لترتيب ليبيا واليمن على نفس المنوال ،وھو األمر الذي لم تتمكن رموز الحكم المھترئة في العالم العربي أن تفھمه إذ كيف تضحي أمريكا بعبيدھا بھذه السھولة ومع بقاء ھؤالء في الحكم لعقود لكنھم ال يفقھون االستراتيجية األمريكية والتي ھي موروث خالص من االمبراطورية العجوز )خالتھا( بريطانيا والتي ضحت بالشريف حسين طمعا في عبيد أكثر قوة وصالبة ومواءمة للتطورات. -٣ويقضي التكتيك األمريكي بتوزيع ساحة العرب إلى ثالث ساحات الساحة األولى نتيجتھا /١صفر لصالح العرب والساحة الثانية ١/١تعادل والساحة الثالثة إلغاء أصل اللعبة ومنعھا من الحدوث ،أما الساحة األولى فھي مصر وتونس بقبول سقوط النظامين لتحقيق الرضا الشعبي في 46
المنطقة والشعور بنجاح مزيف للثورات والتظاھر بعدم التدخل األمريكي دون أن نقلل من خطورة الحدث وآثاره القريبة والبعيدة والمفاجأة التي وقعت فيھا أمريكا ،والساحة الثانية إبقاء الثورات الحالية المشتعلة )ليبيا سوريا اليمن( في دائرة التجاذب والنضج على نار ھادئة واستغالل حالة الميوعة في الموقف الكلي لتوجيه المنطقة ككل باالتجاه الذي ترغب به أمريكا وھي غير مستعجلة على أي شيء ،وأما الساحة الثالثة والتي تحاول أمريكا أن تمنع حدوث الثورات فيھا فھي ساحة األربعة المھمين الباقين المغرب والجزائر واألردن والسعودية مع العلم بأن ھذه البلدان ال تقل احتقانا وتجمعا ألسباب الثورات عمن سبق. -٤ويقتضي التكتيك األمريكي في محاولة التأثير على اتجاھات الثورات العربية بوضع الحكومات العربية الباقية في خدمة ھذا التأثير والتدخل بأبعاده السياسية واألمنية واإلعالمية واالقتصادية حيث تلعب كل من الجزائر والسعودية األدوار األبرز في ھذا التكتيك وذلك حتى تبدو الحلول عربية الوجه والوجھة ونتيجة لھذا التكتيك فقد دخلت الثورتين الناجزتين )تونس واليمن( مرحلة من الجمود والتخبط نتيجة تدخل الجارتين الجزائر والسعودية. -٥استخدام المشروع الشيعي في اتجاھين االتجاه األول ھو اتجاه صناعة العدو )الحظ العدو الشيوعي سابقا( والتخويف منه إلى درجة الرعب فبحسب الدعاية األمريكية )ومعھا النظم السياسية الباقية خاصة في الخليج( فإيران مستعدة لبلع الدول العربية وھي مؤھلة لغزو عقائدي يھدد المسلمين وھي مستعدة للسيطرة العسكرية على منطقة الشرق األوسط بأكملھا مع العلم بأن نظام صدام العسكري ـ على ضعفه ـ كان كافيا إلبقاء إيران تحت السيطرة لعقد من الزمان ولم تتمكن إيران من تحقيق حلمھا في العراق إال بعد أن ھرول الشيعة خلف الدبابة األمريكية ،ولكن التكتيك ناجح جدا حتى اآلن فليس للعرب من منجى من فزاعة الشيعة إال الحضن األمريكي بل إنه وبعد اشتعال الثورة في سوريا فيبدو أن أمريكا وإيران مرشحتان لتبادل األدوار بطريقة أقوى مما فعال إبان غزو جورج بوش ألفغانستان والعراق ،وأما االتجاه الثاني في استخدام الشيعة فھو تكليف العرب بتقليم أظافر الدولة الشيعية إذا سارت الظروف بھذا االتجاه ونواة ھذه الحرب موجودة في سوريا كما البحرين ،ولعل أھم نتيجة إيجابية ألمريكا بھذا االستخدام ھو إدارة الثورات تحت ھذا الغطاء والغبار الذي يثيره ذلك االستخدام ،وكأني بأمريكا تريد أن تبقي إيران في منطقة ال ھي بالمسيطرة فعليا وال ھي بالمھزومة ،مع العلم بأن استعراض ھذا التكتيك األمريكي ال يعني من جھة أخرى إلغاء العوامل واآلثار التي يخلفھا الحراك الشيعي في المنطقة والذي حرص قادته أن ال يلتقي بمسار األمة وتاريخھا بل ھو في تصادم متنامي منذ وضع عقيدته المعاصره الخميني. -٦واقتضي التكتيك األمريكي استخدامھا لعضو الناتو القديم الجديد تركيا العلمانية/اإلسالمية في عدة اتجاھات فتركيا أردوغان/غل عضو فاعل في األسرة الدولية أو المجتمع الدولي )إقرأ النصراني اليھودي( فمتى احتاجت تلك األسرة تدخل األخ التركي لصالح استراتجيتھا وجدته جاھزا فھو في ليبيا يرتب لصالح أمريكا وأوروبا وھو في القضية الفلسطينية يرتب لصالح إسرائيل وھو في القضية السورية يرتب لصالح أمريكا وأوروبا مجتمعتين وھو في القضية العراقية يرتب ويتدخل لصالح التوازن الذي تريده أمريكا في بغداد ،واألعجب من ذلك أن يالحظ بعض اإلسالميين اإلشارات اإلسالمية الخفيفة لالعب التركي وال يالحظون األرضية 47
األمريكية التي يلعب فيھا ذلك الالعب؟ فقد كان آخر تصريح للرئيس التركي قبل فترة وجيزة نصيحته لحماس كي تعترف بإسرائيل! ويبدو أن الساحة اإلسالمية سوف تشھد تساقطا متتابعا باتجاه تطبيق اإلسالم السياسي حتى الثمالة. -٧ويقتضي التكتيك األمريكي إعطاء من يسمون بالليبراليين وھم كل من اليؤمن بصالحية أو أحقية اإلسالم بالحكم فرصا كبيرة ونصيبا معتبرا في الساحة السياسية والفكرية كضمان لعدم تفرد اإلسالميين بالسيطرة بل ھو أول الشروط األمريكية لقبول اإلسالميين في الساحة السياسية وتكليف ھؤالء بالعمل على خلخلة الساحة من أي اتجاه إسالمي حقيقي الستثمار الديموقراطية لصالح التطبيق اإلسالمي وتزويدھم باالمكانات والدعم اإلعالمي لترجيح أدوارھم في الساحة حتى وصل األمر ببعض اإلسالميين تقليد ھؤالء في أدائھم خوفا من صولتھم وتأثيرھم والتبرؤ من كل مطالبة بتطبيق إسالمي حتى ال يثور عليه ھؤالء ،وتكمل اإلدارة األمريكية حلقات ھذا التكتيك عبر ترتيب مرحلة حضانة للديمقراطيات الناشئة في العالم العربي ومراقبتھا عن كثب لضمان الحصول على مخرجات محددة من تلك الحضانة. -٨تستخدم أمريكا عصا االقتصاد والتحكم في المدخالت والمخرجات االقتصادية في العالم العربي والوعود بالنمو االقتصادي في حال خضعت الشعوب للديموقراطية المشروطة لكي تبقي الجميع تحت إطار السيطرة العملية والنفسية وضرورة الخضوع لمعطيات النظام االقتصادي العالمي كمدخل للسيطرة السياسية على النظم الجديدة ويبدو أن التشكيالت اآلخذة بالتبلور في النظم الجديدة )مصر وتونس وليبيا( قد خضعت أو ھي مستعدة للخضوع التام لھذه اإلمالءات ألن الموقف األمريكي ھو نوع من المقايضة تقضي بفتح صنبور االقتصاد مقابل االنصياع للديموقراطية األمريكية. -٩والتكتيك القديم الجديد ألمريكا في التحكم بمعطيات الثورات العربية ھو بعبع اإلرھاب والتحذير الكبير من )التشدد اإلسالمي( حيث نجحت اآللة الدعائية األمريكية واآللة األمنية والسياسية في بلورة فلم رعب يحرم على العرب والمسلمين مجرد التفكير بالخروج من سيطرة النظام األمريكي وتوابعه فضال عن استخدام اآللية الجھادية ووضعھا موضع الدعم لمشروع التحول والتغيير ولوال ما من به ﷲ عز وجل من تحول في المشھد الليبي وامتشاق الشباب السالح للدفاع عن أعراضھم وأرواحھم وأموالھم وأرضھم ودينھم لشاھدنا ـ وحاشا أمة اإلسالم ـ سقوطا تاريخيا نفسيا يتجاوز ما دأب النصارى على ترديده من إدارة الخد األيسر بعد الخد األيمن ،وبناء على ھذا التحول وخوفا من نمو روح الجھاد مجددا على أرض ليبيا الطاھرة فقد تظاھر األمريكان ومعھم أوروبا بالوقوف العسكري ضد القذافي حتى يتسنى لھم التحكم في المشھد الكلي ويكاد ھذا التكتيك أن ينجح مرحليا وھو تكتيك من المرجح تكراره في مواقع أخرى.
48
ثالثا :فرص ومھددات األداء الثوري العربي وقبل أن أستعرض فرص ومھددات األداء الثوري العربي فمن الواجب أن أذكر بأن الثورات ال ترسو على بر األمان بيسر وبسرعة بل ال بد من مرحلة انتقالية )رمادية( حيث تتربص القوى المصادمة للتحول والتغيير إليقافھا وتبديدھا ،ولعل من أھم مؤشرات النجاح في األداء الثوري ھو تبلور رؤية ومشروع متكامل على مستوى األمة يستھدي به الثوار وكذا فرز دوائر قيادية تضمن قيادة الثورات إلى نتائجھا المأمولة. ويأتي استعراض الفرص والمھددات لألداء الثوري العربي لكي يتمكن قادة الرأي في اوساط ھذه الثورات من استثمار ھذه الفرص والعض عليھا بالنواجذ والعمل على توسيع الخرق على الراتق األمريكي ومواليه والوقوف على المھددات للثورة والسعي لتحويلھا إلى نقاط ضعف وتھديد للعدو بدال من أن تبقى تحوم فوق رؤوس الثوار وساحاتھم. وسوف استعرض الفرص المتاحة مقرونة بالمھددات في نفس النقطة. -١إن أول الفرص المتاحة لألداء الثوري العربي ھو عمق البعد العقائدي في ھذه الثورات فمھما عمل الكفار والمنافقون على طمس ھذه الحقيقة فھي كالشمس ،وھل فجّر الثورات إال حب الشھادة في سبيل ﷲ تعالى وطلب االنعتاق من طواغيت العرب الذين منعوا أن يعبد ﷲ في األرض كما يحب ربنا ويرضى ومنعوا األمة من إقامة معالم ھذا الدين ومناراته السامقة؟ وھل أشعل فتيل الثورات إال شعور العرب بأمتھم وأنھم جسد واحد كما أخبر بذلك رسولھم صلى ﷲ عليه وسلم؟ ويتعلق بھذه الفرصة نقطة تھديد تتمثل في مسارعة البعض لمواالة أمريكا بطريقة مباشرة وغير مباشرة ويعلم العرب والمسلمون بأن الوالء في اإلسالم ال يتجزأ فھو ? ولرسوله وللمؤمنين وليس لألمريكان وال لغيرھم فيه أي نصيب وأن األمة ال يمكن أن تنھض إال على قلوب ذاكرة وسواعد متوضئة. -٢وثاني الفرص المتاحة لألداء الثوري العربي إصرار العرب على طلب الحرية الحقيقية عبر سعيھم لتشكيل نظامھم السياسي بأيديھم واالستظالل باستقالل غير منقوص ويتعلق بھذه الفرصة تھديد مباشر يتمثل في سعي األمريكان لفرض ديمقراطيتھم المشروطة وال يتم مقاومة ھذا اإلغراء إال بالبحث عن أسس الحكم الراشد في مبادىء اإلسالم وقيمه وتاريخه الذي ورد فيه قول الخليفة الراشد األول :أطيعوني ما أطعت ﷲ فيكم فإن عصيته فال طاعة لي عليكم. -٣وثالث الفرص المتاحة لألداء الثوري العربي تتمثل في غياب األلوان واإلشارات واالنتماءات االجتھادية والقبلية والعرقية في ھذه الثورات حتى وجد أكراد العراق وأكراد سوريا وبربر تونس وليبيا وألول مرة ما يجمعھم مع العرب في بالدھم منذ غزا جورج بوش المنطقة وغرس مشاعر العداء المركز بين أھلھا ،وحتى الشيعة العرب الذين لم تتلطخ أيديھم بظلم أھلھم في العراق يتطلعون لحالة سياسية تعبر عن أھل العراق غير التي فرضھا األمريكان وطبقھا شيعة إيران ،ويتعلق بھذه الفرصة تھديد يتمثل في امكانية سرعة عودة الناس إلى انغالقھا وخوفھا والبحث عن اإلشارات الدقيقة التي تجمعھا بغيرھا وھذا ال يعالج إال أن تعتمد 49
الثورات مسطرة المواطنة والعدالة والمساواة والالمركزية والحكم الذاتي وتوزيع عادل للثروات طلبا لقوة األمة وانسجامھا وأمنھا الحقيقي. -٤ورابع الفرص المتاحة لألداء الثوري العربي تتمثل في تركز العداء لليھود واألمريكان والنظم السياسية التي أوجدوھا بين ظھراني األمة وما مارسه ھذا الثالوث من تآمر وقتل واستباحة للمقدسات ونھب للثروات وتقسيم لألوطان وتقزيم لألمة والقناعة الراسخة للثوار بأنه قد آن أوان تغيير ھذا الواقع المر عبر كسر أخطر حلقة فيه وھي حلقة النظام السياسي العربي والذي نام اليھود في أحضانه دھرا واستثمروه األمريكان إلذالل قلب األمة ما يقارب من نصف القرن ،ويتعلق بھذه الفرصة تھديد يتمثل في رغبة جامحة لدى البعض في إعادة تقديم األمريكان لألمة وتجميل وجھھم القبيح ونسيان ما قتلتوا في العراق وأفغانستان وما أعانوا على قتله في فلسطين واعتبار اليھود خطرا متراجعا مقارنة بأخطار أخرى وقبول مشروع بيريز بشرق أوسط كبير وھو ما يقتضي من الثوار أن يفشلوا مساعيه وأن يركزوا بؤرة العداء على دائرتھا الحقيقية تجاه اليھود ومواليھم من النصارى فإن المسجد األقصى وفلسطين ليستا أرضا للھنود الحمر تناستھا أجيالھم وانقطعت صلتھم بھا وأن مسألة استرجاعھما ھي وقود نھضة األمة وطلبھا للحرية. -٥وخامس الفرص المتاحة لألداء الثوري العربي سقوط المشروع الشيعي في اختبار التحوالت والصراع بين األمة وأعدائھا فقد سقط المشروع الشيعي في العراق وھاھو يسقط في سوريا الشام وأنه لم يعد من أمل كبير يعول عليه في صناعة مستقبل األمة وال في صراعھا مع اليھود والنصارى ويتعلق بھذه الفرصة تھديد آخر يتمثل في استغراق البعض بأمل في غير محله بامكانية استخدام المشروع الشيعي لصناعة المشروع اإلسالمي الكبير مما أضعف األداء وأدخله في صراع داخلي وشتات ينبغي إيقافه سريعا والعمل على تھيأة الساحة الكلية لألداء اإلسالمي الواسع في ظل مشروع يوحد األمة ويجمع شتاتھا ،كما يتمثل التھديد في ھذا المجال برغبة األمريكان والنظم السياسية في المنطقة باستخدام الثورات العربية كحائط صد للمشروع الشيعي وإنجاز أھداف لصالح األمريكان واليھود والنظم التي لم تسقط بعد تتمثل في اإلنابة عن أولئك بأداء مھمة وقف المشروع الشيعي أو إضعافه وتوفير حماية لليھود من آثاره واستغالل التھديد الشيعي لتوفير حماية للنظم العربية القمعية الباقية وھو ما ينبغي رفضه من قبل الثوار العرب.
50
-٦وسادس الفرص المتاحة لألداء الثوري العربي دخول المنطقة في مرحلة من الفراغ والفوضى واھتراء للنظم السياسية وارتخاء قبضتھا األمنية وھي فرصة ينبغي أن تستغل في جميع االتجاھات بتوسيع الخرق على الراتقين وتوسيع األداء الجماھيري وتكثير مؤسسات المجتمع المدني ودعوة المجتمعات لممارسة أدوارھا السياسية واالجتماعية والتقدم باألحزاب والتجمعات والجماعات فالتعددية مظھر حضاري في المجتمعات الناھضة واستثمار مبارك لطاقات تلك المجتمعات واعتبار سقوط النظم السياسية فرصة تاريخية نادرة الحدوث وھي إنجاز في حد ذاته ،ويتعلق بھذه الفرصة تھديد يتمثل في رغبة التجمعات التقليدية حزبية كانت أو قبلية بتكريس االنغالق والخوف من زوال األنظمة القمعية ودعوة بقاياھا للتعاون والتكامل ويذھب البعض مذھبا آخر عبر ادعاء تدخل أمريكا وتحكمھا في كل شيء وما ينتج عنه عند ھؤالء الموسوسين من قبول كامل بھذا التحكم المزعوم مما يقتضي توبة من ھذا الرق الخالي من األغالل ومن األمل الخادع في ماض بائس قد تحطم وانتھى. وﷲ يقول الحق وھو يھدي السبيل٢٠١١/٧/٢٢
51
الثورات المنجزة وقيادة التغيير )تونس – مصر – ليبيا( بقلم /حسن أحمد الدقي 28/10/2011
المفردات: أوال :المقدمة ثانيا :حقائق الثورات المنجزة على األرض ثالثا :إدارة التغيير الثوري أم قيادته؟
52
أوال :المقدمة إن الحمد= تعالى والصالة والسالم على رسول الھدى محمد بن عبد? وعلى آله وصحبه ومن وااله إلى يوم الدين ،وبعد: فبعد أن أقر ? عز وجل عيون المسلمين بسقوط أنظمة البطش والتجبر وبعد أن شفى صدورھم بزوال طغاة أعتى النظم السياسية فقد وجب على المعنيين بشؤون مستقبل األمة أن يُعمِلوا عقولھم وأن يستحضروا ما علّمھم العليم الخبير من مفردات المنھج اإلسالمي وما خبروه من تحول في تاريخ المجتمعات اإلنسانية لتشكيل رؤية تتناسب وعظم المنھج اإلسالمي وتكاليفه من جھة وتستثمر آثار الزلزال التغييري العربي من جھة أخرى وتقوده إلى آفاق التمكين والتموضع اإلقليمي والعالمي ،ولعل أكبر اختبار لعقول وامكانات الدعاة بكل ألوان طيفھم ليتمثل في تحديد ھذه الرؤية ثم مقاربة تنفيذھا ووضعھا قيد التطبيق والتجريب. وإن المتأمل في الصورة الكلية للحراك الذي يعم مناطق الثورات المنجزة ليجد أن أغلب الناس قد غرقوا في إدارة الثورات وتسيير شؤونھا والحفاظ على ما تم إنجازه وبآليات يرجع بعضھا إلى ما قبل مرحلة الثورات مما يعرض الوضع العام لھذه الثورات إلى المراوحة في المكان في أحسن األحوال إذا لم تنتكس مسيرتھا العامة إلى خلخلة تسمح بانقضاض أعداء الداخل والخارج عليھا ولو بعد حين مما يجعل الحاجة ماسة لإلمساك بزمام المبادرة والسيطرة على محاور التغيير ولن يتحقق ذلك إال بإفساح الطريق النبثاق رؤية وقيادة تنتمي إلى المستقبل ال إلى الماضي فقد علمنا الرب تباركت أسماؤه أن من سنن نجاح التغيير وتحقيق أھدافه الكبرى أن يقدم الناس على عالج عوارض التردد والتوقف عن رؤية المستقبل بعيون الماضي كما فعل بنو إسرائيل عندما بدأوا في سلوك مراحل التغيير فسقطوا في االمتحان سريعا عندما اعترضوا بادئ ذي بدء على قائد المرحلة) :وقال لھم نبيھم إن ? قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن ? اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم و? يؤتي ملكه من يشاء و? واسع عليم(البقرة٢٤٧: وبانبالج فجر التغيير الثوري فقد أعان ? عز وجل األمة على أخطر ما في التغيير وأسقط المعوق األكبر أمام نھضة األمة وھو معوق النظم السياسية وارتھانھا ألعداء المسلمين فمن نافلة القول أن مظلة النظم السياسية قد اقتاتت في ظلھا كل أنواع المعوقات وتحققت بھا كل التراجعات ،وبسقوط النظام المصري سقطت مرجعية النظام اإلقليمي الذي كانت تدير به أمريكا المنطقة العربية وبسقوط النظام التونسي فقد انتكست مرجعية النظام األمني والذي مثل مرجعية أمنية لكل النظم العربية وبسقوط النظام الليبي توفرت لألمة ساحة عريضة متصلة وتكاملت نذر التغيير في بقعة تمثل قرابة ثلث العالم العربي وقلبه النابض فھي تمتد من حدود األردن وفلسطين شرقا إلى حدود الجزائر غربا ومن البحر األبيض المتوسط إلى إفريقيا الوسطى جنوبا ،وبسقوط تلك النظم فقد تخلصت األمة في مصر وتونس وليبيا من أكبر عقدة 53
كانت تحول دون نھضتھا والتي جعلت حراكھا العقائدي والسياسي يدور في حلقة مفرغة أحالت كل المتعلقين بالتغيير والنھضة إلى ھامش الحراك االجتماعي والسياسي في مجتمعاتھم لفترة زمنية امتدت منذ اتفاقية سايكس بيكو وحتى انھيار النظم السياسية األخير. وإن أھم ما في سقوط النظم السياسية أن ذلك السقوط قد حول الالعبين الذين كانوا على ھامش التغيير إلى العبين رئيسيين يحسب لھم الشرق والغرب كل الحسابات وإذا باألمة في ھذه البقعة تخضع لسنة من سنن التغيير لم تعھدھا من قبل ولم تطؤھا أقدامھم المعاصرة تماما كما مرت تلك السنة على بني إسرائيل وسقطوا مرة أخرى في اختبارھا القاسي فلم يستطيعوا التعامل معھا وكان نبيھم عليه السالم قد أنبأھم بھا قبل أن يداخلوھا) :قال موسى لقومه استعينوا با= واصبروا إن األرض = يورثھا من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ،قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يھلك عدوكم ويستخلفكم في األرض فينظر كيف تعملون(األعراف١٢٩-١٢٨: وھنا يكمن السؤال األصعب :ھل يتمكن الالعبون الذين يمثلون ضمير األمة وأملھا من مجرد إدارة التغيير ـ إذ ال نقلة كبيرة تحصل باإلدارة ـ إلى قيادة التغيير واستثمار قابلية األمة للمضي إلى آفاق التمكين واستكمال استخالص حق األمة المسلوب من أيدي المجرمين في الداخل والخارج دون أن يقعوا في شرك الوصاية على األمة؟ أم ستتكرر الدروس المأساوية كما تكررت في ثورة الجزائريين والمغاربة ضد الفرنسيين حتى إذا انقضى القرن العشرين وجدوا أنفسھم يراوحون في مكانھم قرابة نصف قرن ،وكذا آلت ثورة األندونيسيين الحديثة ضد طاغيتھم سوھارتو حتى ورث إندونيسيا جنرال آخر وباسم الديموقراطية األمريكية؟
ثانيا :الحقائق الكبرى للثورات المنجزة على األرض ويحتاج المتطلعون إلى رسم آفاق المستقبل القريب والبعيد والحالمون برؤية تليق بتاريخ وأداء العرب والمسلمين أن يتوقفوا طويال عند الحقائق الكبرى التي تجلت عنھا الثورات على األرض فإن معرفة حصاد األمس خير موجه لتحديد شكل المستقبل وآفاقه) :قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إال قليال مما تأكلون ،ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لھن إال قليال مما تحصنون ،ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون(يوسف٤٩-٤٧:
54
ويمكن استعراض الحقائق الكبرى التي تجلت عنھا الثورات المنجزة كما يلي: * الحقيقة الكبرى األولى التي تجلت عنھا الثورات المنجزة عض األمة بنواجذھا على ثوابتھا: من حب لھذا الدين وتمسك به بلغ حدا تجدد به الدين وھو حد التضحية بالنفس وبالمال والولد وبذل الشھادة في سبيل ? دون أن تحول الدنيا وزخارفھا من نيل ھذا المبتغى فإذا بمعادلة الغثائية )حب الدنيا وكراھية الموت( تنعكس وإذا بجھود الطغاة وما عملت له األنظمة القمعية العالمية منھا والقطرية من صد للناس عن سبيل ? يذھب ھباء منثورا. * الحقيقة الكبرى الثانية والتي تجلت عنھا الثورات المنجزة أن دخول مكونات األمة وألوان طيفھا في الحراك الثوري قد أعفى األمة من أن يحملھا أحد جميله ويطالبھا بحقوقه فال األحزاب السياسية وال الجماعات اإلسالمية وال القبائل وال الجھويات يمكن أن تتدعي استحقاقا وتفردا في صناعة الثورات المنجزة وھو الذي حد من تدخل العصبيات والوصاية على األمة أيا كان لونھا في صناعة المستقبل السياسي مما يمھد لمرحلة من الرشد في النظام السياسي ذلك الذي حرمت منه األمة لزمن ليس بالقصير. * الحقيقة الكبرى الثالثة والتي تجلت عنھا الثورات المنجزة وحدة عوامل تشكل وسقوط األنظمة السياسية في العالم العربي واإلسالمي وأخطر تلك العوامل أنھا نباتات غريبة في أرض األمة ال تنتمي إليھا وال تعبر عنھا وال تحمي مصالحھا جمھورية كانت أم ملكية وعندما اذن ? عز وجل بزوالھا لم يحمھا جبروتھا وال بطشھا وال صالتھا الخارجية مع أنھا استخدمت كل ما كان متاحا لھا لكن ? عز وجل أحكم حولھا طوق السنن بما عصت الرحمن واستحلت من محرمات المسلمين وبما أعطت من والء للكافرين وبما تجبرت في األرض وبما أتخمت من نھب ثروات األمة وبما أسرفت فحق عليھا قول جبار السموات واألرض) :كدأب آل فرعون والذين من قبلھم كفروا بآيات ? فأخذھم ? بذنوبھم إن ? قوي شديد العقاب(األنفال٥٢: * الحقيقة الكبرى الرابعة والتي تجلت عنھا الثورات المنجزة أن ? ال يضيع أجر من أحسن عمال فمن كان له نصيب تاريخي في مواجھة األنظمة المتجبرة وكشف زيفھا ودعوة المجتمعات المسلمة إلى أخذ زمام أمرھا بيدھا ومن تقدم على باب الحرية باأليدي المضرجة طوال عقود الھيمنة للنظم المتجبرة فقد كافأه ? عز وجل بنصيب يتناسب وتلك التضحيات وكافأته األمة بأن جددت ثقتھا فيه إذ لم ينسحب من الميدان عندما الذ الجميع بالصمت بل تحمل في سبيل قول كلمة الحق والصدع بھا القتل والسجن والھجرة في سبيل ? تعالى ،فال ينبغي أمام ھذه الحقيقة أن يصرف بعض الناس أعينھم عن ھذه الحقيقة الكبرى والتعامل معھا) :ياأيھا الذين آمنوا كونوا قوامين = شھداء بالقسط وال يجرمنكم شنئان قوم على اال تعدلوا اعدلوا ھو أقرب للتقوى واتقوا ? إن ? خبير بما تعملون(المائدة٨: 55
* الحقيقة الكبرى الخامسة والتي تجلت عنھا الثورات المنجزة بأن من تعلق بالنظم السياسية وأسرف في تملقھا من الجماعات اإلسالمية واألحزاب السياسية فقد سقطت مع أوليائھا خاصة من أفتى المسلمين بأن ھؤالء أولياء أمر وطاعتھم واجبة وھم يرون بأم أعينھم أن طاعة النظم السياسية إنما أدت إلى طاعة جورج بوش فھناك ينتھي الوالء ولم يكن لألنظمة يوما قدرة على النظر في مصلحة حقيقية لألمة فھي لم تزدھا إال وھنا على وھن ،فكان جزاء أولئك في الثورات من األداء المعطل من جنس العمل الذي مارسوه طوال العقود. * الحقيقة الكبرى السادسة التي تجلت عنھا الثورات المنجزة أن صراع المشاريع العالمية واإلقليمية في المنطقة قد انعكس بشكل مباشر على تفعيل الثورات العربية من خالل الممارسات القمعية التي سلطھا النظام الدولي على العرب والمسلمين واختصھم وحدھم باستھداف عقائدھم ومقدراتھم فقد تعاون النظام الدولي بكل مفرداته العالمية واإلقليمية على افتتاح القرن األول في األلفية الثانية بضرب أضعف بقاع الكون وھي أفغانستان بينما كل المنظمات االقتصادية العالمية تصنفھا كأضعف منطقة في العالم من حيث القدرات والتنمية االقتصادية ثم وقف العالم متفرجا على ضرب العراق خارج قرارات األمم المتحدة وكذا وقف المشروع اإلقليمي اإليراني متفرجا بل ومتعاونا وھو يدعي حماية المستضعفين والعمل من أجلھم ،ناھيك عن أداء النظام الدولي واالقليمي في القضية الفلسطينية وفتح المجال أمام إسرائيل لتمارس ما تشاء من سياسات االنتھاك للشعب الفلسطيني ومقدسات المسلمين. * الحقيقة الكبرى السابعة التي تجلت عنھا الثورات المنجزة عظم تأثير ھذه الثورات في الوضع اإلقليمي والدولي وتغييرھا لكثير من الحقائق والمسلمات السائدة عبر عقود من الزمن سواء في البعد السياسي أو االقتصادي مما حدى بالقوى الكبرى أن تسارع إلى تبني مقاربة استراتيجية عاجلة تھدف إلى احتواء ھذا التغيير الخطير رغبة في تخفيف مخاطره عليھا في مرحلة اولى ورغبة في استثماره باالتجاھات التي تريدھا في المستقبل القريب والبعيد مع تقسيم مناطق الثورات إلى ثالثة مواقع والتعامل معھا بطرق مختلفة فالموقع األول ھو موقع السير في ركاب الثوار بل ومساعدتھم عسكريا )ليبيا أنموذجا( ثم االنقضاض عليه والموقع اآلخر ھو موقع التفاوض والمساومة الدولية واإلقليمية )سوريا أنموذجا( خاصة في محاولة أمريكا وأوروبا احتواء التمرد اإليراني بغض النظر عن المعاناة الحقيقية للشعب السوري وليست روسيا والصين بمعزل عن ھذه اللعبة القذرة بل إنھما تستخدمان النموذج السوري لتأكيد الدور الدولي لھما والنموذج الثالث ھو نموذج التجميد ومنع حدوث التغيير وصول الثورة إلى نھاياتھا الحاسمة )اليمن أنموذجا(.
56
ثالثا :إدارة التغيير الثوري أم قيادته؟ * لعل مما أجمع عليه المتخصصون في قيادة التغيير ھو قدرة القائد أو القادة بمجموعھم على إظھار وتحديد رؤية وحلم يختزالن كل ما ھنالك من تطلعات األمة ،وھو حلم ال بد وأن يتناسب مع ضخامة التغيير الثوري وجسامة التضحيات فيه بل إن الربيع العربي قد أصبح ملھما للمسحوقين تحت اآللة االقتصادية األمريكية وبناتھا الراسمالية شرقا وغربا فكيف ال يلھم الربيع العربي أھله؟ خاصة وأن الرؤية التي تحرك الثوار على وقعھا كانت تتلخص في ضرورة التخلص من الديكتاتور والنظام القمعي وليكن بعد ذلك ما يكون وھي رؤية كانت ناجحة وناجعة بل مثلت مفتاح السر في الثورات العربية في مرحلتھا لكنھا سرعان ما انعكست تساؤال حادا بعد انھيار النظام القمعي وماذا بعد؟ إن الثورات تنتظرھا عدة سنن وھذه السنن تنتظم في مسارين متناقضين؟ فإما الوقوع في سنة الثورة تأكل أبناءھا! وإما سنة )ادخلوا األرض المقدسة التي كتب ? لكم وال ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين(اآلية والعرب في تاريخھم البعيد والقريب يحملون حلما ورؤية يتكون من ثالث حلقات طالما حدث األجداد به األحفاد وھو حلم تجده لدى القروي الجزائري كما تجده لدى الفالح المصري وكذا ستجده في لفائف عمامة العماني على ضفاف بحر العرب أما الحلقة األولى من الحلم فھو حلم الوطن الحر السعيد المستقل وأما الحلقة الثانية فھي حلقة النظام اإلقليمي الذي يشكل مظلة حامية من تالعب القوى العالمية واإلقليمية بھم وھذه الحلقة يعبر عنھا العرب بالنظام العربي القومي وأما الحلقة الثالثة في الحلم فھي حلقة االمتداد العقدي والتاريخي والتي تمثلھا مكة والمدينة والقدس ولمتعجب أن يعجب كيف التقى المسلمون طوال السنين العجاف من القرن العشرين على حمل ھذا الھم المشترك أينما حلوا وأينما ارتحلوا؟ إنھا القدس إذن تلك ھي قصة الحلم وقصة الرؤية فھل ينجح قادة الثورات المنجزة في مصر وليبيا وتونس أن ينسجوا خيوط تلك الرؤية؟ ولسائل ان يسأل ولمتعجب أن يطرق صامتا :كيف أنجزت تلك الثورات على أرض متجاورة حتى أرجعت العرب إلى ما قبل سايكس بيكو عندما كان الليبي يرتحل شرقا وغربا ال يوقفه أحد! * ومن متطلبات قيادة التغيير الثوري أن يجيب القادة عن السؤال التالي :في أي مرحلة وعلى أي أرضية تقف األمة اليوم نسبة إلى الكليات التاريخية والعقدية ومن ثم السياسية؟ وھي إجابة تحتاج إلى معايرة الزمان والمكان بأبعاده كلھا وال شك بأن الناس سوف يذھبون مذاھب شتى في إجابتھم على ھذا السؤال ولكني أزعم ونسبة إلى اشتغالي بما أسميته )المشروع اإلسالمي( أن ثمة منتھيات في القرآن والسنة تعيننا على تحديد موقع اقدامنا فقد أعطانا ? عز وجل فيھما عدة معادالت الحضارية منھا واالجتماعية ومن تلك المعادالت معادلة االستضعاف والتمكين 57
وإن ربيع الثورات العربي قد كسر آخر األطواق في مرحلة االستضعاف ولكنه بالتأكيد لم يدخل األمة إلى مرحلة التمكين بل دفع بھا إلى المرحلة الوسطى وھي مرحلة التدافع والمدافعة وھذه مرحلة يمكن وصفھا بالمرحلة الرمادية ما بين المرحلة السوداء )االستضعاف( والبيضاء )التمكين( وللمرحلة الرمادية ھذه ظروفھا ومستلزماتھا ووقتھا الذي ال بد وأن يأخذ مداه وإن أھم ما يمكن رؤيته في ھذه المرحلة )التدافع والمدافعة( مايلي: ـ للمرحلة قياداتھا وأقطابھا وھذه القيادات تخرج على غير ما رتب الناس أنفسھم عليه ال عشائريا وال تراتبيا وال ماال وقد يجمع بعضھم مثل ھذه األوصاف لكنھم قادة مرحلة ينتمون إليھا والدرس األھم واألخطر ھنا :إفساح المجال لھم لكي يقوموا بدورھم وال بد من تقاعد القادة التاريخيين وأفضالھم محفوظة. ـ وللمرحلة مجال للتنازع واالختالف الداخلي الواسع والمتنوع وحاجة الناس للتجريب واختبار أنفسھم قبل أن يختبروا ساحاتھم فال بد من إفساح الساحة للخالف وإدالء كل بدلوه فمن كان ذا حبل طويل فال شك سوف يسقي الناس والمتعين ھنا اتخاذ إدارة الخالف وقبوله ابتداء سياسة شاملة بل وتوظيف نتائجه. ـ وللمرحلة ضغطھا وحدتھا وسرعة تبدل الوانھا ما بين العسر واليسر وما بين الھزيمة والنصر وھو ما يحتاج القادة أن يوطنوا أنفسھم ومجتمعاتھم عليه فقد احتاج الصحابة رضوان ? عليھم إلى الدفع بسبعين شھيد لكي يتعلموا طبيعة المرحلة ومقتضياتھا في معركة أحد. ـ وللمرحلة رماديتھا وضغطھا والذي ينتج ارتكاسا وتراجعا لدى البعض ورغبة بأيام الراحة والھدوء كما يتصورون وما ھي إال روح التعود على العبودية وعدم القدرة على ممارسة السيادة ومتطلباتھا وتنفس أجواء الحرية) :وإذ قلتم ياموسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت األرض من بقلھا وفومھا وعدسھا وبصلھا قال أتستبدلون الذي ھو أدنى بالذي ھو خير اھبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليھم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من ? ذلك بأنھم كانوا يكفرون بآيات ? وكانوا يقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانو يعتدون(البقرة٦١: ولمتأمل أن يتأمل قول موسى عليه السالم):اھبطوا مصرا( مع العلم بأنھم لم يصرحوا برغبتھم العودة إلى مصر لكن مقتضى حديثھم ھو شوقھم إلى أجواء العبودية ورفضا لمتطلبات الحرية والسيادة. * ومن متطلبات التغيير الثوري أن يحدد القادة قائمة بأھم األخطار المحدقة بالثورة بغية تحديد استراتيجية التعامل معھا وفي ظني أن أھم خطرين متحققين بنسبة كبيرة ھما خطر االستالب وخطر االستقطاب ،فأما خطر االستالب فھو الخطر الخارجي الذي يمثله المشروع األمريكي والمشروع األوروبي والمشروع التابع لھما وھو المشروع الصھيوني فالثورات العربية في 58
موقف شبيه بما فعلته االمبراطورية اإلنجليزية متعاونة مع اإلمبراطورية الفرنسية في بداية القرن العشرين فھل يفلح قادة الثوارت المنجزة في التغلب على خطر االستقطاب ھذا والذي سينتھي إلى التوظيف في الحديقة الخلفية للبيت األبيض وھل كان حسني وبن علي والقذافي إال سعاة بريد في نظام الحرب الباردة ثم في نظام القطب األوحد؟ وال يغرنا التقاء المصالح المؤقتة على نقاط محددة لم يكن للشعوب وال لقادة الثورة يد في الوصول إليھا )فقد التقت مصلحة الشعوب ومصلحة أمريكا على ضرورة إحداث تحول ما في األنظمة المھترئة أو الفاشلة كما تسميھا أمريكا ولكن ال فضل ألمريكا في ھذا فقد دفعت الشعوب العربية فلذات أكبادھا بينما أمريكا تنتظر الحصاد المجاني للثورات ،كما التقت المصلحة األمريكية األوروبية اليھودية ومصلحة الشعوب العربية في المنطقة على مواجھة )الخطر( الشيعي اإليراني في المنطقة وال تدري الشعوب العربية من يستخدم من في ھذه المعمعة فقد رأى العرب بأم أعينھم العمامة اإليرانية تنحني لصواريخ توما ھوك وھي تضرب أفغانستان ثم رأوھا مرة أخرى تعيث في العراق فسادا حتى اقامت للشيعة دولة ما كانوا ليحلموا بھا. صحيح بأن المكر ال بد وأن يواجه بمكر ودھاء وصحيح أن التعامل الدولي ال بد منه لكن التركيز ينبغي أن يوجه على عدم الذھاب في شوط االطمئنان إلى ما يسمى بالنظام الدولي بعيدا فمع ھذا التالقي المصلحي المؤقت فإن ألمريكا وأوربا وإسرائيل تاريخھا الذي ال تمحوه ضربات الناتو في ليبيا فھل يقدر قادة التغيير الثوري أن يقودوا شعوبھم بعيدا عن االستالب؟ وأما خطر االستقطاب الداخلي فھو يتمثل في أكثر من بعد ومن أبعاده االستقطاب إما باتجاه حلم االستقرار الوافر الذي ال يعكر صفوه شيء! ويتبع ذلك حلم التنمية الوافرة والرفاه وإما استقطاب باتجاه العيش على وقع االستفزاز الدائم الذي يرى الخطر محدقا من كل مكان فال يترك اللتقاط األنفاس فرصة وال للتجارب أن تأخذ مجالھا في الزمان والمكان وال يعطي فرصة للتعايش واالطمئنان فھذا استقطاب مرفوض في االتجاھين فدون التنمية الوافرة عقبات ال بد من تذليلھا والصبر على حلقاتھا وكذلك استقطاب أصحاب البندقية الدائم مرفوض إال إذا اقتضت الضرورة ذلك وتلك تقدر بقدرھا. ومن أشكال االستقطاب الداخلي بروز بعض األقليات الفكرية والسياسية والمذھبية والدينية والعرقية ومن اصطلح على تسميتھم بالعلمانيين في المجتمعات العربية وتقدمھم بمطالب خاصة وتھويل لخطر التجاوز لحقوقھم حتى كادوا أن يصبغوا المشھد كله بھذه الصورة مع العلم بأنھم كانوا من أكبر المستفيدين من مظالت الحكم الديكتاتوري السابق وثمة أغلبية صامتة وحقوق واسعة تسع الجميع ووطنية تظلل الجميع وأداء شعبي قريب يشھد بالعدل واإلنصاف لھذه األقليات ولئن كان ھناك نوع من التعدي عليھا فقد كان من صنع أنظمة البطش والتجبر والخيانة والذي وصل إلى حد تفجير الكنائس في مصر ثم نسبتھا إلى المسلمين فلما تحرك الربيع العربي مقاوما للظلم بكل أنواعه أطل علينا بعض من ھؤالء مخوفين ومحذرين 59
والعجيب في األمر أنه ليس من رؤية لدى كثير منھم إال تعطيل النھضة الكلية للمجتمع بحجة منع سيطرة اإلسالميين على المشھد السياسي وتلك حجة سمجة تھدف إلى تعطيل الحراك المجتمعي العام وتمنع االلتقاء على كلمة سواء ونظام عادل ينصف الناس أجمعين. * ومن متطلبات التغيير الثوري أن يتمكن قادته من إعادة تعريف ومن ثم محاوالت التطبيق الجادة لنظام الحكم في اإلسالم والذي أعيد تعريفه وتقديمه لألمة بناء على الحراك العلمي والسياسي الذي نشط له العرب والمسلمون منذ سقوط آخر خالفة إسالمية في القرن الرابع عشر الميالدي أو القرن العشرين الميالدي إن شئت إلى يومنا ھذا ،فإذا بالنظام السياسي في اإلسالم شأنه شأن العقائد والعبادات وبقية النظام اإلسالمي له حدود ينتھي إليھا أھما الرشد وھي صفة تلغي كل استقطاب للعصبيات عرقية كانت أو اجتھادية فال وصاية ألحد على أحد في النظام السياسي اإلسالمي بشرط مرجعية الشريعة ال العقل البشري المجرد الذي لم يحتمل قطعة القماش على رؤوس النساء في حكم بن علي وأضرابه وبشرط أن تكون السلطة للشعب ولألمة تفوضھا من تشاء باختيار حر يكون الحاكم ونظامه في ھذا النظام أجراء يحق لألمة أن تحاسبھم وتقومھم وإذا شاءت عزلتھم ،ومن مستلزمات الرشد في النظام السياسي اإلسالمي صفة التعددية سواء في استيعاب المجتمعات المسلمة للمخالفين لھا دينيا أو مذھبيا والتعددية السياسية والحزبية والفكرية التي تكفل حراكا مجتمعيا سليما ،فھل يتمكن قادة الثورات المنجزة أن يتقدموا لألمة بھذا النظام وتطبيقاته والتي يؤمل أن تفتح عصرا جديدا ال للمسلمين وحدھم بل للبشرية في كل مكان؟ * ومن متطلبات التغيير الثوري قدرة قادة التغيير الثوري على رسم مسطرة التعاون والتكامل بين الرؤى اإلسالمية والتجمعات اإلسالمية ووضع ميثاق للتكامل والتعاون والعمل المشترك وتقليل الفروقات والتناقضات إلى أدنى مستوى فھاھنا وقود نووي إن صح التعبير فإما أن يستغل في توليد الطاقة ودفع التنمية وإما أن يدخل في صناعة الكعكة الصفراء في صراع صفري ال يتوقف إال بإفساد كل شيء وھو ما أخبرنا به العليم الخبير) :وأطيعوا ? ورسوله وال تنازعوا فتفشلوا وتذھب ريحكم واصبروا إن ? مع الصابرين(األنفال٤٦: ويزيد األمر خطورة كثرة الجھات المستفيدة من ھذا التناقض والصراع وقدرتھم على توظيف التفرق وزيادة حدته مما يمكن أن يعرض التغيير الثوري إلى فشل تام وتوقف للمشروع برمته، مع ضرورة استيعاب سعة ساحات االختالف الفقھي والفكري والسياسي ولكن األمر ينصب حول الرؤية والمشروع للمرحلة مع توزيع للواجبات واألدوار. * ومن متطلبات التغيير الثوري مدى امكانية قادة التغيير الثوري على مصاولة المشروع األمريكي بالدھاء والمكر الذي تدير به أمريكا الموقف الكلي؟ وعدم االستسالم لمصطلحاتھا المجھزة تجھيزا تقنيا ونفسيا عاليا كمصطلح اإلرھاب الذي طاول استخدامه على العقد من الزمان وال زال يعمل. 60
فأمريكا كالثعلب الذي وقف يوما في أعلى النبع ليشرب فجاء الديك اسفل منه طلبا للماء فخاطبه الثعلب قائال :لقد عكرت علي الماء! فرد الديك متعجبا :كيف أعكر عليك الماء وأنا في اسفل النبع؟ فقال الثعلب :بل فعلت وكذا أخبرني جدي ان جدك كان يعكر عليه الماء فالبد من أن آكلك جزاء لك!! فھاھي أمريكا ومعھا أوروبا يستنسخون مصطلح اإلرھاب والقاعدة مجددا في ليبيا بعد نجاح الثورة فالتخويف بلغ حدا كبيرا من الدور المتصور لإلسالميين ومن قاتلوا على وجه الخصوص وخطورة األسلحة بين أيديھم ،والحل لدى أمريكا واضح جدا فھي عصا غليظة على النظام السياسي الناشئ فإما أن يستجيب لشروط أمريكا األمنية وإال فالفوضى الخالقة تنتظر ليبيا؟ فكيف سيدير قادة التغيير الثوري ھذا الملف الحساس وبأي استراتيجية سوف يتعاملون معه خاصة وأن أمريكا قد جھزت نفسھا لھذا اليوم واستحقاقاته؟ وھل يجرؤ قادة التغيير الثوري أن يحافظوا على استقاللھم الحقيقي مھما كلفھم األمر مع استخدامھم لمسطرة المرونة إلى آخر ما يمكن؟ وبعد ذلك ھل يجرأون على القول ألمريكا في مستقبل األيام :إن الذي دفعنا للثورة على القذافي وأمثاله سوف يدفعنا للثورة عليك إذا أنت لم تنته عن أالعيبك والتدخل في شؤوننا فالجھاد الذي أحله ? لنا لدفع الظالم القريب من األولى أن نستخدمه لدفع الظالم البعيد ،وھل كان القذافي إال صنيعة من صنائعھا ،ثم أو ما كان ينبغي أن يقدم توني بلير لمحكمة العدل الدولية برفقة سيف القذافي والسنوسي؟ * ومن متطلبات التغيير الثوري قدرة قادة التغيير التقدم بنظام إقليمي بديل عن النظام الميت بل الذي ولد ميتا وأعني به جامعة الدول العربية ألنھم بذلك يستفيدون من قرب الوحدات الجغرافية صاحبة الثورات الناجزة وثقلھا السياسي والسكاني واالقتصادي ويشكلون نواة لمظلة تحميھم من مخاطر االستقطاب اإلقليمي والدولي ،فإن تعذر النظام اإلقليمي فال اقل من تكامل بيني إلى أن تنضج الظروف المواتية للنظام اإلقليمي. ٢٠١١/١٠/٢٨اسطنبول
61
ثورة الشام في خارطة المشروع اإلسالمي بقلم /حسن أحمد الدقي ٢٠١٢/٢/٢٠ مفردات البحث: أوال :المقدمة ثانيا :ثورة الشام في خارطة المشروع اإلسالمي ثالثا :ثورة الشام في خارطة النظام الدولي وتوابعه رابعا :ثورة الشام ومؤشرات األداء االستراتيجي 62
أوال :المقدمة إن الحمد= تعالى قاصم الجبارين ومذل المتكبرين وناصر المستضعفين الذين قال عز وجل فيھم) :وأورثنا القوم الذين كانوا ُيستض َعـفون مشارق األرض ومغاربھا التي باركنا فيھا وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون(األعراف١٣٧: أورد ابن كثير عن الحسن وقتادة في قوله عز وجل) :التي باركنا فيھا( يعني:الشام والصالة والسالم على نبي الملحمة محمد بن عبد? وعلى آله وصحبه ومن وااله إلى يوم الدين ،أما بعد: فإن اإلمام ابن تيمية رحمه ? لما سئل عن مدى فضل اإلقامة بالشام على غيرھا من البالد؟ قال متمما إجابته بعد أن فصّل فيھا :ولھذا كان المقام في الثغور بنية المرابطة في سبيل ? تعالى أفضل من المجاورة بالمساجد الثالثة باتفاق العلماء).مجموع الفتاوى( فاألمر في أفضلية الشام متعلق من جھة بأفضلية زمنية تدور مع دوران المصلحة العليا لألمة ومدى قدرة المقيمين على تطبيق النموذج التعبدي الذي أمر به الرب تباركت أسماؤه فإن انغلق عليھم األداء التعبدي وتطبيق الشرع وجبت عليھم الھجرة ،وإن تكاملت نذر األداء الجھادي وجب عليھم التقدم للثغر مھما كانت التضحيات وھذا حكم عام لكل األمكنة واألزمنة ،وللشام أفضلية خاصة وبركة جعلھا الرب عز وجل في الشام وأخبر عن ذلك النبي صلى ? عليه وسلم ،فالشام على ھذا يأتي على رأس األمكنة التي فضلھا رب العالمين وبالوقوف على اآلثار الواردة وما ذكره العلماء في ھذا الباب يتضح أن من أسباب األفضلية وقوع الشام في بؤرة خطوط التدافع البشري على بيت المقدس وتخومه طوال عمر البشرية إلى قيام الساعة حسب ما أخبر به النبي صلى ? عليه وسلم في أحاديث كثيرة ومنه حديث سلمة بن نفيل السكوني رضي ﷲ عنه قال) :ال تزال طائفة من أمتي ظاھرين على الناس ،يرفع ﷲ قلوب أقوام يقاتلونھم، ويرزقھم ﷲ منھم حتى يأتي أمر ﷲ عز وجل وھم على ذلك ،أال إن عقر دار المؤمنين الشام، والخيل معقود في نواصيھا الخير إلى يوم القيامة( السلسلة الصحيحة ،قال اإلمام األلباني:إسناده حسن ورجاله ثقات. وقد وعد ? رسوله صلى ? عليه وسلم بكفالة خاصة ألھل الشام كما ورد عنه صلى ? عليه وسلم بقوله في جزء من حديث ابن حوالة) :عليكم بالشام فمن أبى فليلحق بيمنه وليستق من ُغدره ،فإن ﷲ عز وجل قد تكفل لي بالشام وأھله(.صححه اإلمام األلباني.
63
ولعل مما يشغل بال كثير من الدعاة المتابعين للشأن الكلي لألمة أنھم يتساءلون :ھل ھذا ھو أوان ما أخبر عنه الرسول صلى ? عليه وسلم في باب الفتن بقوله) :ستصالحون الروم صلحا آمنا فتغزون أنتم وھم عدوا من ورائكم ،فتنصرون وتغنمون وتسلمون ثم ترجعون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول ،فيرفع رجل من أھل النصرانية الصليب فيقول :غلب الصليب ،فيغضب رجل من المسلمين فيدقه ،فعند ذلك تغدر الروم وتجمع للملحمة(صحيح أبي داود. ولعل الحديث ورواياته المختلفة لتؤكد على ما يلي: ـ أزلية العداوة والحرب مع الروم إلى قيام الساعة مع وجود ھدنة مشھورة ومحدودة نتيجة استھداف األمة والروم عدوا مھددا للجميع مما يجعل خطورة الروم تتراجع أمام تھديد ھذا العدو ،فامكانية وقوع ھذه الھدنة واردة ولكنھا لن تغير من طبيعة المعادلة وعالقة العداوة والقتال بين األمة المسلمة والروم. ـ تقتضي ھذه الھدنة قتاال مشتركا يجمع المسلمين والروم )الحظ الروم الغربيين وھم البروتستانت والكاثوليك( لعدو من وراء المسلمين ،مع العلم بأن قتال األفغان للسوفيت في الثمانينيات لم يكن مشتركا وإنما قام النصارى بتسھيل مھمة المجاھدين عبر توجيه األنظمة التابعة لھم )باكستان والسعودية(. ـ اتضح أن النظام الدولي بعد محاوالت األمريكان االستفراد بالقيادة الدولية قد آل أمره مرة أخرى إلى معسكر غربي وشرقي وأن المشروع الفارسي الشيعي قد لعب على ھذا التناقض وتجاوب في مرحلة مع الصعود األمريكي طوال عقدين من الزمن منذ عام ١٩٩٠م ثم لما اتضحت الرغبة اإليرانية بالصعود نحو التعملق الدولي عبر القوة النووية انحازت إيران إلى المعسكر الشرقي )الصين وروسيا( وتكاملت مصلحتھا مع مصلحة ذلك المعسكر. ـ المشروع الفارسي الشيعي ھو الذي فرض معادلة الصراع على األمة المسلمة عبر أالعيبه ومشاركته في إسقاط كابل وبغداد وعبر محاولته فرض السيطرة النھائية على المعادلة السياسية والعسكرية في قلب األمة وبدعمه المطلق للنصيرية في الشام فقد وضع األمة المسلمة في عين االستھداف الذي ال مفر منه. ـ وأخيرا وليس آخرا فإن أحاديث أخرى في باب الفتن لتؤكد أن أمام األمة المسلمة في مرحلتھا ھذه خالفة راشدة ستعم األرض وظھور عالمي سيبلغ به الدين ما بلغ الليل والنھار ومن أھم مؤشرات ھذه الخالفة أمران؟ األول :حدوث المالحم وھي معارك تشتعل في وقت متقارب وتعم مناطق واسعة من أراضي المسلمين )الحظ أفغانستان والعراق وفلسطين وليبيا والشام وغيرھا( ،واألمر الثاني :سقوط المرحلة الجبرية وكال األمرين قد بدأت تباشيرھما على األرض ،وھي مرحلة خالفة راشدة كما وصف الرسول صلى ? عليه وسلم لكنھا ليست خالفة 64
المھدي على األرجح فخالفة المھدي مرتبطة بتسلسل متتابع من عالمات الساعة الكبرى ونھاية الكون و? تعالى أعلم. فطوبى ألھل الشام وما ورثوا من المسيرة اإلسالمية سواء في مسارھا الكلي وذلك من بعثته صلى ? عليه وسلم إلى قيام الساعة أو في ظل المرحلة الحالية حيث تكاد الشام أن تؤول إليھا المسيرة اإلسالمية المعاصرة في دفعھا لصولة الباطل بكل ألوانه خاصة بعد أن قام أھل أفغانستان وأھل العراق وقبلھم أھل فلسطين بأدوراھم المباركة في منازلة المشاريع الثالثة المھيمنة على قلب األمة تلك المتمثلة في المشروع األمريكي والمشروع اليھودي وأخيرا وليس آخرا المشروع الفارسي الشيعي ،وبعد أن ضرب الثوار العرب قلب النظام الجبري فأصابوه في مقتل في تونس ومصر وليبيا فجاءت ثورة الشام لكي يرتكز إليھا المشروع اإلسالمي في مسيرته نحوه التمكين والخالفة الراشدة. وفي ھذا المبحث سأبذل جھدي للوقوف باألخوة المھتمين على منارات المرحلة ومعالمھا األساسية حتى ال تشغلنا تفاصيلھا وضغوطھا المتالحقة عن التركيز على الرؤية الكلية وفھم المآالت الكبرى للصراع خاصة في الشام وما حولھا ،وكما أدار أبوبكر الصديق رضي ? عنه مرحلة حروب الردة وبعدھا الفتوح وكذا فعل عمر رضي ? عنه حتى استقامت مسيرة تلك الفتوح في مرحلتھم والمراحل التي تلت ،ولم يكن ليتأ ّتى ذلك لوال أن الصحابة رضي ? عنھم عضوا بالنواجذ على المنارات االستراتيجية التي أشار إليھا رسول ? صلى ? عليه وسلم من فتح لجزيرة العرب وفارس والروم بل وأبعد من ذلك فھا ھو قبر أبي أيوب األنصاري رضي ? عنه في الناحية الغربية من اسطنبول ينبؤنا بمدى استجابة ذلك الجيل رضي ? عنھم والتزامھم بتلك اإلشارات االستراتيجية التي تركھا لھم رسول ? صلى ? عليه وسلم ،بل إن قبر أبي أيوب ظل معلما ألجيال الفاتحين من بعده إلى أن تطلع محمد الفاتح إلى تلك الذروة والمجد الرفيع. ومما يتحتم ذكره في ھذه المقدمة أن أشير إلى الدرس األبلغ في اختالف أھل العراق المحدثين خالل العقد األول من األلفية الثالثة ونجاح العدو الظاھر والباطن في إيصالھم إلى حد االقتتال وتوجيه السالح إلى صدور بعضھم البعض وأن ذلك لم يكن ليحدث لوال غفلتھم عن منارات األداء الكلي أو االستراتيجي فاختلفوا على تفاصيل المرحلة حتى غاصوا في أوحالھا وأصبح ذلك االختالف مصيدة وقع الجميع فيھا وتعطل على إثر ذلك المسار العام وتبددت اآلمال دون أن نقلل من شأن منارات الجھاد التي أعالھا أھل العراق وإثخانھم في الصليبية العالمية وتعاملھم المبكر مع أخطر مقدمات التمدد للمشروع الفارسي الشيعي. ويتعلق باألمر السابق تفصيل مھم ودقيق وھو أن قدرة الصف المؤمن على تجنب التنازع وضمان عدم الوقوع في الفشل الذي حذر منه ? عز وجل) :وال تنازعوا فتفشلوا وتذھب ريحكم(اآلية ،ال يتم عبر الوعظ وحده على أھميته وإنما أن يستجيب المؤمنون لكل ما أمر ? 65
عز وجل به في نفس اآليات وھي خمس أمور) :ياأيھا الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا ? كثيرا لعلكم تفلحون ،وأطيعوا ? ورسوله وال تنازعوا فتفشلوا وتذھب ريحكم واصبروا إن ? مع الصابرين(األنفال ،٤٦-٤٥:فمن ضمانات عدم الوقوع في التنازع أمور كثيرة مھمة يأتي في مقدمتھا أمران أساسيان أما األول :أن ال تضيع بوصلة الوالء في خضم التزلزل والصراع وأما األمر الثاني :فھي مسألة االجتھاد الكلي في النظر للمرحلة وتحديد طبيعتھا ومآالتھا وعندھا تكون ھذه الرؤية ھي إحدى معالم المسيرة الكلية والجامعة لألمر من أطرافه وفي حال أھمل القادة ھذه المقدمة الالزمة ولم يوفروھا وقع الناس في حال من التجاذب الدائم والتذبذب بين االستراتيجية والتكتيك أو ما بين مسائل االجتھاد الكلي الثابت ومسائل التنفيذ المرن ،وكلما أوغل الناس في مسيرة التنفيذ واألداء الميداني وھم ال يملكون الرؤية الكلية استيقظت عندھم في كل منعطف مسألة كبرى من مسائل االجتھاد فطفقوا يتجادلون فيھا وھكذا حتى تتشابك تلك النقاط تشابكا يفضي إلى التنازع الكلي ومن ثم الفشل. فإذا لم يتقدم القادة برؤيتھم واجتھادھم للتعامل مع المرحلة وتركوا ھذه المھمة للرويبضات يفتون في أمر العامة وقع الجميع في دائرة التذبذب والتنازع ،ومما يعطل أداء ھذه المھمة اعتذار القادة المعنيون بحجج ظروف الميدان وضغوط المتطلبات وھو عذر غير مقبول ولھذا نبه الشارع الحكيم إلى ھذه المسألة الخطيرة بقوله عز وجل) :وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلوال نفر من كل فرقة منھم طائفة ليتفقھوا في الدين ولينذروا قومھم إذا رجعوا إليھم لعلھم يحذرون(التوبة١٢٢: ولعل من أھم المسائل التي يحتاج القادة أن يقفوا عليھا وأن يتعمقوا في فھمھا ومن ثم تعليمھا للمسلمين القائمة التالية: • • • • • •
فقه المشروع اإلسالمي ومساراته الكلية فقه الجھاد ومسائله ما عظم منھا وما صغر فقه النظام السياسي في اإلسالم فقه عالقة األداء السياسي باألداء الجھادي فقه معادلة االستضعاف والتمكين فقه معادالت النظام الدولي وصراع المشاريع العالمية
وإن من مالمح الثورة الشامية المباركة التي تكفل ? عز وجل بأھلھا أن يتمكن المعنيون بالشأن اإلسالمي وھم يعالجون شؤون ثورة الشام المباركة من سد الثغرات الكبرى ومعالجة ما لم يمكن معالجته في أفغانستان والعراق.
66
ثانيا :ثورة الشام في خارطة المشروع اإلسالمي وقبل محاولة اإلجابة على ھذا السؤال :أين تقع ثورة الشام على خارطة المشروع اإلسالمي؟ فنحن بحاجة أن نشير إلى بعض مالمح خارطة المشروع اإلسالمي تلك التي تبلورت من خالل اجتھادات الجماعات اإلسالمية المختلفة ومن خالل القضايا والساحات الساخنة التي خاضتھا األمة في العقود الماضية وخاصة في العقود الثالثة األخيرة ومن خالل الدروس الكبرى التي تمخضت عنھا ممارسات المجتھدين في األمة ومن خالل معاناة األمة المتطاولة على يد النظام السياسي الذي يحكمھا في المشرق والمغرب وھو الذي وسمه الرسول صلى ? عليه وسلم بالنظام الجبري ومن خالل حراك أمم الكفر على مستوى النظام الدولي واإلقليمي واتخاذھم أمة اإلسالم قصعة يتنادون عليھا كما ھو في حديث ثوبان مولى رسول ? صلى ? عليه وسلم حيث قال) :يوشك األمم أن تداعى عليكم كما تداعى األكلة إلى قصعتھا .فقال قائل :ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال :بل أنتم يومئذ كثير ،ولكنكم غثاء كغثاء السيل ،ولينزعن ﷲ من صدور عدوكم المھابة منكم ،وليقذفن ﷲ في قلوبكم الوھن .فقال قائل :يا رسول ﷲ ! وما الوھن ؟ وكيف أذن الرب تباركت أسماؤه بكسر قال :حب الدنيا وكراھية الموت(صحيح أبي داود. النظام الدولي بسقوط االتحاد السوفيتي الملحد تمھيدا لدخول الموحدين في ثنايا النظام الدولي ووراثته في نھاية المطاف ،وكيف تقلبت أمة اإلسالم على معادلة االستضعاف والتمكين حتى أذن ? عز وجل بكسر مرحلة االستضعاف ودخول الموحدين إلى مرحلة التدافع. ويلزم من يريد أن يقف على خارطة المشروع اإلسالمي أن يرجع إليھا في مظانھا من البحوث السابقة وأھمھا كتاب :مالمح المشروع اإلسالمي للمؤلف وغير ذلك من البحوث والدراسات. وفيما يلي سوف أستعرض أھم النقاط التي تحدد موقع ثورة الشام في خارطة المشروع اإلسالمي:
• إحكام مرحلة التدافع إن ثورة الشام قد دفعت األمة المسلمة كي تتوغل عميقا في مرحلة التدافع حيث احتاجت األمة المسلمة قرابة ثالثة عقود وھي تقاوم جاذبية مرحلة االستضعاف فمنذ أن افتتح المسلمون قرنھم الخامس عشر الھجري وذلك عام ١٤٠٠للھجرة الذي وافق عام ١٩٨٠للميالد وھم بين جذبين كبيرين جذب مرحلة االستضعاف وسننھا وجذب مرحلة التدافع وسننھا ولوال لطف ? عز وجل بالمسلمين واضطرارھم خوض المعمعة تلو المعمعة لغلبھم جذب مرحلة االستضعاف حيث كادت مقولة بني إسرائيل أن تفشوا فيھم) :قالوا ياموسى إن فيھا قوما جبارين وإنا لن ندخلھا حتى يخرجوا منھا فإن يخرجوا منھا فإنا داخلون(المائدة ،٢٢:فلوال معركة أفغانستان األولى في الثمانينيات ومعركة فلسطين وبقية المعارك في التسعينيات كالبوسنة وكشمير وطاجيكستان والفلبين والشيشان وغيرھا والمعركتين الفاصلتين في العشرية األولى من األلفية 67
الثالثة وھما معركتا أفغانستان الثانية ومعركة بغداد فلوال تلك المعارك لبقي المسلمون يراوحون في متاھات مرحلة االستضعاف والقبول بمرجعية النظام الدولي وتعليق اآلمال الواھية عليه خاصة في ظل الحرب النفسية التي شنھا األمريكان عليھم تحت مسمى اإلرھاب لكن األمر استقام من خالل مسارين رئيسيين؟ المسار األول تمثل في اإلضافة المباركة بنموذج الثورة الليبية وأخيرا بنموذج الثورة الشامية ،وأما المسار الثاني فھو تضعضع النظام الدولي الذي لم يعد قادرا على إدارة العالم بنفس الكفاءة السابقة وخاصة في ظل انتكاسة القطب األمريكي على يد األفغان والعراقيين وما أنفق من أموال طائلة في الحربين وفي ظل تنمر المشروع الفارسي الشيعي وخلطه ألوراق النظام الدولي. وعليه فإن الثورة الشامية تدخل باألمة إلى أعماق مرحلة التدافع ويعول عليھا أن تسھم بزيادة معدل عولمة األداء اإلسالمي من جھة وتولي مھمة كسر المشروع الفارسي الشيعي من جھة أخرى تمھيدا ألدوار أكبر وأقوى في تعامل األمة مع النظام الدولي ،ولعل مما يحتاج القادة أن يقفوا عليه من سمات مرحلة التدافع عدم الخوف من كثرة الفراغات وتنازع االجتھادات في خارطة األداء اإلسالمي ككل ما بين من يفضل األداء السلمي ويعول عليه ومن يستقيم على متطلبات المرحلة فقد حدث ھذا على عھد الرسول صلى ? عليه وسلم) :أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن با= واليوم اآلخر وجاھد في سبيل ? ال يستون عند ? و? ال يھدي القوم الظالمين(التوبة١٩:
• كسر المرحلة الجبرية وتتعلق الثورة الشامية بأحد أھم معايير المشروع اإلسالمي وھو الدفع باتجاه كسر آخر أطواق المرحلة السياسية الجبرية وضعضعتھا بعد أن عمرت تلك المرحلة دھرا وھي تمنع األمة من كل حراك نحو حريتھا وكرامتھا وتطبيق دينھا ومدافعة عدوھا ،خاصة وأن أطواق الجبرية قد تداخلت بشكل غريب حتى تعاون األعداء المتشاكسون على تثبيت قواعدھا وبينھم ما بينھم من العداء والخالف فمع توزع النظام السياسي العربي ما بين ملكية وجمھورية وادعاء كل طرف بأنه أحق بالملك من صاحبه واستعدادھم للذھاب في العداوة إلى آخر األشواط لكنھم متفاھمون كل التفاھم على تثبيت أطواق الجبرية في أعناق األمة ولذا رأيناھم يجلسون بين يدي صبي )السي آي إيه( التونسي )بن علي( مرجعھم األمني وھم متوافقون ،وزاد من العنت دخول المشروع الفارسي الشيعي على خط النظام الجبري منذ ما يقرب من ثالثة عقود وتكامله مع النظام السياسي العربي بل واندفاعه لقضم أكبر حصة ممكنة من النظام السياسي في المنطقة ونتيجة الستظالل كال النظامين أعني العربي والفارسي بالمظلة األمريكية وبقية المظالت الدولية فقد عمل الجميع ضد مصالح األمة وقد حان أوان كسر ھذه األطواق طوقا بعد طوق بل إنه من البشريات أن يتزامن الكسر على أكثر من صعيد ومسار ،ولكن الذي يعني الثورة الشامية أنھا أخرجت كثير من األوراق من أيدي الالعبين الرئيسيين في المنطقة ووضعتھا بيد 68
الرجال في الميدان وھي قابلة للتطور في كل االتجاھات وأزاحت كل أوراق التوت عن عورات النظام الجبري وما تبقى منه في بالد العرب.
• المعايير العقدية وتأتي ثورة الشام لكي تعيد المسائل العقدية إلى نصابھا الصحيح وإلى معاييرھا الدقيقة فھذه أمة سنية موحِّ دة بتشديد الحاء وكسرھا وال يمكن أن يختلط أداؤھا العقدي بتخليط الشيعة وتقيتھم وتماھيھم مع النصارى في المنطقة وال بادعاء العمائم الفارسية تحرير المسجد األقصى من اليھود وھم يريقون دماء العبّاد الموحدين ويتجاوزن كل حقوقھم بل ويشاركون الصليبيين إذالل الموحدين في أفغانستان والعراق فكيف التقى المشروع الفارسي الشيعي مع المشروع الصليبي في كال المنطقتين وھو يزعم أنه يصادمه في فلسطين؟ فجاءت ثورة الشام لكي تميط آخر لثام عن وجه المشروع الفارسي الشيعي البشع وتؤكد وحدة العقيدة ووحدة األداء الميداني لألمة.
• نظريات استراتيجية وتأتي ثورة الشام في خارطة المشروع اإلسالمي لكي تؤكد حاجة األمة إلى النظريات األربع التي تبلورت على إثر تجارب األمة المتنوعة وخوضھا للمعارك التي غيرت وجه التاريخ والعالم وزلزلت النظام الدولي ،تلك النظريات التي توحد الرؤية وتوحد القيادة وتستثمر األداء الكلي وترفع السقوف نحو أداء عالمي يليق بأمة اإلسالم وأدوراھا التي أرادھا ? لھا ،وللتذكير فالنظريات ھي: النظرية األولى :نظرية ألوان الطيف :وتھدف إلى جمع كلمة المجتھدين والعاملين لنصرة ھذا الدين والتمكين له في األرض مع فسح المجال لتعددية إسالمية تلتقي على أھداف كبرى وشاملة. النظرية الثانية :نظرية الدرع والقلب :وتھدف إلى بلورة قائمة واضحة ومحددة بأخطر أعداء المسلمين والسعي لتفكيك ھيمنتھم بكل السبل التي أحلھا ? للمسلمين خاصة المشروع األمريكي والمشروع اليھودي وكل مشروع يعترض مسيرة األمة المسلمة. النظرية الثالثة :نظرية الظھور والعولمة :وتھدف إلى نقل آفاق األداء اإلسالمي إلى آفاقه العالمية حسب ما أراد ? عز وجل من ظھور لدينه وإعالء لكلمته. النظرية الرابعة :نظرية التغيير الشاملة :وتھدف إلى استخدام كافة مسارات التغيير لتحقيق األھداف الكبرى لألمة سواء على المستوى القطري أو اإلقليمي أو الدولي واستثمار سعة األمة وانتشارھا وقواھا الكامنة وأجيالھا المستجدة لتحقيق ذلك التغيير.
69
ومن أجزاء نظرية التغيير الشاملة ضرورة المناقلة بين نظريات التغيير األساسية والمجربة وھي للتذكير: ـ نظرية األداء السياسي الدستوري أو الديمقراطي. ـ نظرية إدارة األزمات والتعامل مع االنھيارات ـ نظرية االنقالب العسكري ـ نظرية الجھاد ضد الكفرة الذين ال خالف عليھم ـ نظرية الثورة الشعبية والعصيان المدني وأنه ال ينبغي االنغالق واالكتفاء بنظرية واحدة أو اثنتين ،وجاءت الثورة الشامية لكي تكسر الحاجز النفسي الذي سعت كل القوى المناوئة لألمة لبنائه طوال السنين وھو أن تغيير وإصالح واقع العرب والمسلمين لن يتم إال من خالل المسار السياسي فقط وأن أي استخدام للقوة إنما يصب في إطار اإلرھاب والتطرف فجاءت الثورة الشامية لكي تعيد األمر إلى نصابه ،ولعل من أھم إنجازات وبركات الثورة الشامية في ھذا الشأن أنھا أخرجت القضية اإلسالمية من ضيق االصطالحات والمسميات فاألمر والشأن شأن أمة وعقيدة ومصلحة عليا لھذه األمة وليست المسألة مسألة إخوان مسلمين وال تنظيم قاعدة كما سعت أجھزة االستخبارات العربية والعالمية أن تقنع به المسلمين طوال عقدين من الزمن.
• غايات المشروع اإلسالمي وتأتي ثورة الشام لكي تسھم بشكل أدق وأوضح من أي قضية أخرى في بيان منتھيات المشروع اإلسالمي وغاياته الكبرى فالموضوع ليس مجرد إسقاط نظام طاغوتي آخر من أنظمة العرب الجبرية ـ وإن كان ھذا الھدف المرحلي من األھمية بمكان ـ بل ھو مضي نحو المناطق الكلية ومن أھمھا موضوع بيت المقدس وتخليصه من أيدي اليھود وبدون استخالص الشام لصالح المشروع اإلسالمي فال يمكن مصاولة قلب المشروع الصليبي المتمثل في المشروع اليھودي ،ومن غايات المشروع اإلسالمي استخالص قلب األمة المسلمة من ھيمنة وسيطرة النظام الدولي وتوابعه خاصة تمدد المشروع الفارسي الشيعي وكذا وراثة المسيرة الجھادية المباركة في األجنحة الثالثة التي صاولت المشاريع المناقضة لألمة وھي أفغانستان والعراق وفلسطين.
• المرجعية القيادية كما يتوقع أن تسھم الثورة الشامية في بلورة المرجعية القيادية لألمة من خالل دفع الرموز القيادية المستجدة والتي سوف تنتج من إدارة المعركة الجھادية والمعركة السياسية في الشام وإحداث التوازن في المعادلة القيادية ما بين الجناح الشرقي والجناح الغربي لألمة بما تتميز به الشام من موقع وسطي وتعلق ببيت المقدس وفق ما أشار إليه رسول ? صلى ? عليه وسلم بقوله) :في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس( 70
ثالثا :الشام في خارطة النظام الدولي وتوابعه إن مما يحتاجه المسلمون في تقويمھم للقضايا المختلفة أن يقفوا على القواعد الكلية في الرؤية االستراتيجية والسياسية تلك التي تجعلھم مستقلين في رؤاھم ومنطلقين من مبادئھم وبذلك يتمكنوا من التقدير الدقيق ألي قضية ھي قيد الدرس والنظر ،ومنذ أن انطلق أداء األمة في مستوياته المتقدمة ومنذ أن تبلورت معالم الرؤية اإلسالمية الكلية وتفاعلت مع حراك األمم من حولھا فقد سارت عالقة األمة المسلمة بالنظام الدولي وفق معادلة دقيقة تحكمھا المعطيات العقائدية في المقام األول ثم ما يترتب على تلك المعطيات من مصالح اقتصادية ونھب لخيرات األمة أينما وجدت. وقبل أن نقف على موقع الشام في خارطة النظام الدولي فنحن بحاجة أن نستعرض باختصار أھم نقاط معادلة عالقة األمة المسلمة ككل بالنظام الدولي خالل العقود وھي كالتالي: • انتھك النظام الدولي محرمات األمة المسلمة بشكل منتظم منذ استقر العالم على نظام الحرب الباردة وتقاسم الخمسة )الكفار( الكبار لمقدراته ،وكان من أوضح تلك االنتھاكات تحكم النظام الدولي التام بالنظام السياسي الذي يحكم المسلمين والذي انطبق عليه تعريف النبي صلى ? عليه وسلم بالحكم الجبري ،وانقسمت األمة إلى جناحين الجناح األول شرقي يتحكم في الشيوعيون )آسيا الوسطى( وجناح غربي )يمتد من إندونيسيا إلى طنجة( يتحكم فيه النظام النصراني الغربي وقد بقي زمام ذلك النظام بأيدي أولئك الكفار حتى أذن ? عز وجل بانھيار االتحاد السوفيتي عام١٩٩٠م وبانھيار النظام الجبري العربي على يد األحرار العرب المعاصرين عام ٢٠١١م. • وكان من أوضح انتھاكات النظام الدولي لمقومات األمة ھو منعھا من االحتكام لشريعتھا والحيلولة دون ذلك من خالل النظام السياسي ودعمه باالطروحات الثقافية المناقضة ألصول األمة واستبدال الشريعة بالقوانين الوضعية وإجبار األمة على االحتكام إليھا وحتى الدول التي تظاھرت باالحتكام إلى الشريعة فقد فرغ ھذا االحتكام من محتواه في ظل مواالة النظام السياسي للكفرة واستجابته لكل إمالءاته. • فرض النظام الدولي من خالل أدواته ومؤسساته المختلفة مناھج الضالل المناقضة لعقيدة األمة كبدائل عقائدية وتطبيقية ومن نماذجھا فرض النظام الشيوعي الملحد في الجزائر واليمن الجنوبي والنظام البعثي )الشيوعية المعدلة عربيا( في العراق والشام والنظام الناصري االشتراكي في مصر ،ومن األدوات التي استخدمت في ھذا السبيل تمكين ودعم األقليات المناقضة لألمة كتمكين النصيرية في الشام وتمكين النصارى والدروز والشيعة في لبنان والشيعة في باكستان )نظام بوتو( والنصارى في نيجيريا وكينيا واألمثلة أكثر من أن تحصى. • فرض النظام الدولي الدولة اليھودية في قلب األمة )بيت المقدس( الذي ھو قلب الشام وأمد اليھود بكل أنواع الدعم وضمان التفوق في المنطقة. 71
• تالعب النظام الدولي بكافة قضايا المسلمين في أروقة األمم المتحدة وأجاد الفرقاء اللعب والتحريك باتجاه تقويض تلك القضايا وإفراغھا من محتواھا سواء كانت تلك قضايا العرب وعلى رأسا فلسطين أم قضايا المسلمين في مشارق األرض ومغاربھا كقضية كشمير والبوسنة والشيشان وكوسوفا وغيرھا ،وال ننس أن نذكر بالدور المباشر الذي لعبه النظام السياسي العربي في وأد تلك القضايا. • تنكر النصارى )الشق األول للنظام الدولي( لدور األمة المسلمة في إسقاط أكبر دولة ملحدة عرفھا التاريخ وتھديدھا الدائم لما بات يعرف بالسلم الدولي وتنكروا لما قدمه األفغان خالل الثمانينيات( من تضحيات حيث زاد عدد شھدائھم عن المليون والنصف شھيد والمھجرين قرابة خمسة ماليين مھاجر ،بل وما كادت الحرب تضع أوزارھا حتى سارع النصارى باالنقضاض على الروح الجھادية التي سرت في أمة اإلسالم واتخذوا من ھذه المسألة فزاعة عالمية أطلقوا عليھا مصطلح )اإلرھاب( واستخدم النصارى كل مؤسسات النظام الدولي في ھذه الحرب حتى خسر المسلمون كل قضاياھم في الحراك الجھادي التي سادت في تسعينيات القرن العشرين الميالدي وعلى رأسھا قضية أفغانستان نفسھا حيث استخدموا المكر االستخباراتي لإليقاع بين فصائل المجاھدين األفغان وكذلك خسر المسلمون قضاياھم األخرى كالبوسنة وكشمير وارتريا وكوسوفا والشيشان والفلبين وطاجيكستان والصومال وجنوب السودان وغيرھا. • دشن النصارى ألفيتھم الثالثة بشن حرب عالمية غير مسبوقة على أضعف األمم في العالم تحت استراتيجية الحروب االستباقية وأعينھم على االمبراطوريات المھددة لقطبيتھم األحادية وھي الصين وروسيا ولكن الضغط الحقيقي وقع على المسلمين حيث استخدم جورج بوش صواريخه العابرة )التوما ھوك وكروز ( على بيوت الطين األفغانية وعلى بقايا الخردة العسكرية السوفيتية في النظام العراقي وقد نتج عن ھذه الحرب أخطر النتائج العالمية واإلقليمية وھو تمدد المشروع الشيعي الفارسي حيث منحت أمريكا العراق إليران على طبق من ذھب وضعضعت القوة السنية األفغانية كما ضعضعت باكستان لصالح إيران والھند الھندوسية على حد سواء وسمحت تلك الحرب وألول مرة بتشكل ما بات يعرف بالھالل الشيعي حيث اتصل النظام اإليراني بحليفة النصيري في الشام ولبنان وامتدت يده إلى شيعة باكستان وأفغانستان وشيعة الجزيرة العربية. • دعم النظام الدولي النظم الديكتاتورية القمعية في العالم العربي واإلسالمي من خالل المؤسستين االستخباريتين CIAو KGBوتوابعھما في العالم بكل أدوات القمع ومناھجه اإلدارية واإلعالمية والنفسية وأمام سمع وبصر النظام الدولي وتأييده رزح المسلمون تحت نظام عبدالناصر وبومدين وسوكارنو وسوھارتو وصدام وعبدالفتاح اسماعيل وحافظ أسد والحسن الثاني والحسين بن طالل وملوك آل سعود المتتابعين وغيرھم في مشارق األرض ومغاربھا حتى ملئت السجون باألحرار وملئت اآلفاق بالمھجرين.
72
• ھيمن النظام الدولي من خالل نظمه العسكرية والسياسية والمالية على ثروات المسلمين وفرض سيطرته على ممراتھم االستراتجية وكانت أخطر سيطرة على الذھب األسود والذي يملك المسلمون منه في أراضيھم أغلب احتياطياته العالمية خاصة جزيرة العرب والعراق وشمال إفريقيا ونيجيريا وغيرھا ،ورھنوا بذلك مستقبل المسلمين لمعادلة التنمية التي توصف بمعادلة الشمال والجنوب ووقع المسلمون في جنوب ذلك النظام فلم يجنوا إال الفقر والتخلف على كل األصعدة. فإذا استوعبنا تلك الوقفة المختصرة في عالقة النظام الدولي باألمة المسلمة يمكننا أن نقف على موقع الشام في خارطة النظام الدولي وفيھا النقاط التالية: • انعكست سياسة التوازن القائمة في مرحلة الحرب الباردة على الوضع في الشام أيما انعكاس فقد أجمع القطبان المؤثران في النظام الدولي على تفضيل النظام اليھودي في المنطقة وضرورة دعمه وتقويته وأجمعا على دعم نظام حافظ أسد النصيري كأحد أركان حفظ المشروع اليھودي وصيانته. • كما انعكست سياسة التوازن الدولي على النظام النصيري في الشام عبر جمع ذلك النظام للمرجعية العقائدية البعثية )الشيوعية المعدلة عربيا( ومرجعيته االستراتيجية للمظلة األمريكية في آن واحد ،فالنجمة الروسية الحمراء فوق القبعة والسجود الحقيقي يكون للصنم األمريكي، وما ترتب على ذلك من رسم صورة مزيفة للنظام الممانع والمناقض للوجود اليھودي في المنطقة بينما ھو أحد أھم عناصر الحماية للمشروع اليھودي ومنفذا للسياسة األمريكية في المنطقة. • غض النظام الدولي طرفه عن التحالف الذي أنشأه الخميني مع نظام حافظ أسد في المنطقة من أول يوم وصل فيه الخميني لرأس الحكم في إيران ومع التخوف الشكلي الذي كان يبديه النظام الدولي من ھذا التحالف لكنه سمح للنظامين باالستمرار في وضع أسس البنية التحتية لمستقبل الدولة الشيعية الموسعة في المنطقة. • كما كافأ النظام الدولي نظام حافظ أسد بجعل نظامه أحد أھم المرجعيات لنظام الشرق األوسط السياسي واألمني متقاسما الكعكعة مع كل من مصر والسعودية وإسرائيل ،وعلى ضوء ذلك تم إطالق يده في لبنان عام ١٩٨٩م تحت ما يعرف باتفاق الطائف لضبط األوضاع في لبنان باتجاه البوصلة األمريكية واليھودية في المنطقة وعليه فقد عاثت اليد النصيرية في لبنان فسادا طوال عقد ونصف من الزمن وأشرفت على بناء النواة الشيعية األخطر في المنطقة وھي حزب ? الشيعي. • كافأ النظام الدولي النظام النصيري في الشام باستصحابه كجزء من التحالف الدولي إلحداث التغيير في المعادلة العالمية وقيام أمريكا بتدشين النظام الدولي الجديد )نظام القطب
73
الواحد( واتخاذ حربھا ضد النظام البعثي العراقي مسارا لذلك التغيير عام ١٩٩١م وھي بذلك أعطت للمعادلة الشيعية دفعة كبيرة من خالل ذلك االستصحاب. • كافأ النظام الدولي النظام النصيري في الشام متمثال ھذه المرة بشقه الروسي والصيني حيث أسھمت روسيا مباشرة وأسھمت الصين من خاللھا تأثيرھا في كوريا الشمالية بتدشين المشروع النووي الشيعي والمساھمة في بنائه ووضعه قيد التشغيل وقد انعكس ھذا الوضع على النظام النصيري في الشام حيث قوة النظام النصيري مستمدة من قوة النظام الفارسي الشيعي. • ويتحكم في موضوع التغيير وإسقاط النظام في الشام بعوامل أساسية لدى شق الناظم الغربي الصليبي ومن أھمھا ضمان أمن إسرائيل ولوال أن محاوالت النصارى السترداد والء النصيرية قد باءت بالفشل وطوال عقد من الزمن وإال فقد كان األفضل واألوفر للنصارى أن يستجيب النظام النصيري للضغوط ولكن يبدو أن الفرس كانوا قد سبقوا ولغموا ساحة النظام النصيري بحيث ال يستطيع الفكاك من حلف الخميني حافظ أسد ويبدو أن االبن الوريث مجرد واجھة والمتحكم األول والنھائي بنظام الحكم ھي طھران ،وعليه فإن رغبة النصارى باستبدال نظام الحكم في دمشق يقابله تخوف كبير من طبيعة النظام الذي سيرث النظام النصيري ومدى ضمانته ألمن إسرائيل وقبوله لالستظالل بمظلة النصارى الغربيين؟ وأخطر ما في األمر أن النصارى سوف يسھمون في إطالة أمد األزمة في الشام حتى يضمنوا أحد أمرين فإما أن يحدث انقالب داخلي ضد والء النظام إليران وبالتالي يحصل حل ترقيعي وديموقراطية مقننة تحفظ المعادلة في المنطقة وإما أن تضمن أمريكا ضمانا كامال أو شبه كامل لمجيء نظام موالي لھم وإن كان ببعض الصفات اإلسالمية والتاريخ اإلسالمي القديم. • وفي ظل ھذه الرؤية يتحرك ما بقي من نظام سياسي عربي والذي لم يخضع لربيع الثورة العربية باتجاه محدد في الشأن الشامي وذلك وفق الرؤية األمريكية بل ويخدمھا في الصميم ويقوم بتمويلھا ويضع كافة امكانياته السياسية واالستخباراتية واإلعالمية في ھذا السبيل. • فما ھي مسائل االستراتيجية األمريكية الملحة في المنطقة والمتعلقة بالشأن الشامي؟ إنھا القضايا التالية: ١ـ أولى المسائل االستراتيجية الملحة أمريكيا :تحقيق اختراق أمريكي في الملف اإليراني النووي لثنيھا عن صناعة السالح النووي وأن يتم ذلك عبر تشجيع إيران لكي تقبل بدورھا كقوة إقليمية مھيمنة وبال أنياب نووية وضمن المظلة األمريكية في المنطقة وفي حال نجح ھذا الخيار فالمعادلة ستخضع حينئذ لعملية مقايضة كبرى من أھم معالمھا السماح إليران باالحتفاظ بكافة المساحات المسيطرة عليھا فعال وھي العراق وسوريا ولبنان والجزء الشمالي من اليمن وقد تعطيھا أمريكا قطعا جديدة كالبحرين وقطعا أخرى من الخليج ،وفي حال عدم نجاح ھذا الخيار فسوف تبقى القضية الشامية خاضعة للمساومة واللعب األمريكي حسب تطور الوضع باالتجاه الذي تريده أمريكا ،وھو الذي يفسر جمود القضية الشامية ومن قبلھا قضية الحوثيين والبحرين وأھم منھما العراق برمته. 74
٢ـ ثاني المسائل االستراتيجية الملحة أمريكيا :أن يتوقف التھديد اإليراني ضد المنطقة األولى عالميا في احتياطيات النفط في جزيرة العرب وضد عنق الزجاجة )مضيق ھرمز( حيث تعتبر أمريكا المنطقة خطا أحمر غير قابل لألخذ والعطاء أو للعب في محيطه وھي مسألة تتعامل معھا أمريكا بالوجود العسكري المباشر والتھديد الذي ال يقبل التفسير والتأويل خاصة في ظل االنھيار االقتصادي الذي تعانيه أوروبا وأمريكا. -٣ثالث المسائل االستراتيجية الملحة أمريكيا :إيقاف التردي واالنھيار في االستراتيجية األمريكية العالمية الموسومة بنظام القطب الواحد ومنع الصين وروسيا بتحقيق اختراق كبير ضد ھذا النظام عبر استخدام الطموح اإليراني للخروج من العباءة األمريكية في المنطقة وھو الذي يفسر الفيتو الصيني الروسي المزدوج في موضوع الشام. -٤رابع المسائل االستراتيجية الملحة أمريكيا :مسألة المحافظة على ما تبقى من النظام العربي )الملكيات في الشرق والغرب( حتى ال تجتاحھا حمى الثورة العربية خاصة جزيرة العرب، ومن ضمانات الحفاظ على ھذا النظام سعي أمريكا لتحريكه باتجاھين ،االتجاه األول :يتمثل في دعم وإدارة الدول الساقطة ثوريا حتى التخرج عن الخط األمريكي )اليمن أنموذجا( وتقديم نموذج مخيف لتداعيات الثورة العربية )قد تكون تونس أو ليبيا وإن كنت أرجح تونس ألنه ال نفط لديھا يخاف عليه الغرب( ،واالتجاه الثاني :بجعل المنظومة الباقية التي لم تصلھا الثورات حجر أساس في مواجھة التطورات في المنطقة وتفعيل دورھا في إدارة األزمات ومن أھمھا األزمة السورية وانتصاب ھذه المنظومة كحائط صد ضد التھديد اإليراني فتتوقف الشعوب عن المطالبة بالتغيير حفاظا على ھذا الدور! وتقتضي ھذه االستراتيجية فتح المجال للحرب اإلعالمية ضد الشيعة من جھة وفتح جزء من البوابات لتسرب المجاھدين )اإلرھابيين( إلى الشام ألنھم أي اإلرھابيين ھم األقدر على مواجھة المشروع العقائدي الشيعي على أن يبقى ھؤالء المجاھدين ضمن دائرة السيطرة والرقابة اللصيقة ريثما ينتھوا من مھمتھم وستعاد ضدھم نفس استراتيجية األفغان العرب أو صناعة الموت وفق قناة العربية التي صنعھا جورج بوش االبن.
75
رابعا :ثورة الشام ومؤشرات األداء االستراتيجي وھي مؤشرات تنبع من األبعاد العقائدية وما أفرزه األداء اإلسالمي الكلي خالل العقود الثالثة الماضية والذي يمكن وصفه بالمشروع اإلسالمي ،وما أفرزته المعارك الثالث الكبرى على الساحة اإلسالمية وھي معركة أفغانستان ومعركة العراق ومعركة فلسطين ،كما أن ھذه المؤشرات تنبع من مالحظة معادالت الصراع بين المشاريع المتنافسة في المنطقة وفي العالم وأخطرھا المشروع األمريكي والمشروع اليھودي والمشروع الفارسي الشيعي ،وكذلك ما أفرزه الربيع العربي من تحوالت ھامة في معادلة الحكم الجبري حيث دخلت الشعوب ألول مرة منذ عقود كعامل حاسم في التحوالت التي تحكم المنطقة وھو ما فاجأ جميع المراقبين وأربك حسابات المشاريع األخرى. وفيما يلي بلورة وتلخيص للمؤشرات االستراتيجية التي أقترح أخذھا بعين الحسبان في إدارة ثورة الشام بل وبقية الملفات الجامدة التي توشك أن تلقي ثورة الشام عليھا حراكا وتفعيال حاسما.
المؤشر االستراتيجي األول: على أھل الشام أن يوازنوا بين جذب الوطن السوري المتحرر من النظام الطاغوتي وجذب المشروع اإلسالمي. وتحكم ھذا المؤشر المعايير التالية: -١السوريون ال يمكنھم أن يتحملوا وحدھم متطلبات المشروع اإلسالمي ولكنھم ماضون في أداء واجبھم نحو إسقاط أحد أخطر األنظمة الجبرية التي حكمت المنطقة العربية. -٢إسقاط النظام النصيري ھدف كبير ومتكامل للمرحلة المنظورة. -٣ال يمكن عزل المسألة السورية عن تقاطعات المشاريع في المنطقة وال يمكن عزلھا عن عمقھا العقائدي والتاريخي. -٤ال يمكن عزل القضية السورية عن القضية العراقية وال القضية الفلسطينية وال القضية اللبنانية فھناك عوامل عقائدية وتاريخية في المقام األول تربط سوريا بھذه القضايا ثم تأتي العوامل الجيوسياسية والمصلحية والجوار لكي ترسم طبيعة عالقة السوريين بھذه القضايا. -٥السوريون محتاجون لكل من يلقي لھم بحبل العون واإلسناد معنويا كان أم ماديا في ھذه المرحلة بشرط أن ال يستعبدوا مجددا ألي طرف خارجي أو داخلي وأن ال يحاول أحد أن يدخل الشعب السوري في مسار ضد مبادئه واستقالله. 76
-٦وكما يتناصر أبناء المشاريع العالمية واإلقليمية على قضاياھم المختلفة فمن حق السوريين أن يتقدم العرب والمسلمون لنصرتھم بكل أنواع النصرة. -٧ومن حق أبناء سوريا )العلماء والمجاھدين بالدرجة األولى( أن يحددوا أولويات الصراع واتجاھاته في المرحلة المعينة بناء على اجتھادھم ورؤيتھم في ظل توزان بين الرؤية المحلية والصراع الدولي وتدرج في قيام السوريين بدورھم دون وضع المسارين في تصادم وصراع، وعلى األخوة أصحاب األجندات العالمية في الصراع أن ال يعطوا الفرصة إلعادة فتنة العراق للساحة السورية وليدعوا األمور في مسارھا فإنھا مأمورة ،وھذا يقتضي أن يعجل أھل الشام بدراسة النموذج العراقي وكيف تمكن األمريكان والنظام الشيعي العراقي أن يفسدوا المعادلة السنية من خالل المكر والدھاء وشراء الذمم حتى توجھت البنادق إلى صدور األخوة بدال من العدو الظاھر الواضح! ولعل أھل الشام يملكون مالم يملكه غيرھم ممن أداروا القضايا الساخنة من قبل وھو وضوح المعادلة الكلية للصراع فاألمر أمر أمة وعقيدة وتمكين ولم تعد مسألة عناوين ومصطلحات عزفت عليھا األجھزة األمنية واإلعالمية طويال. -٨ال يمكن االنقضاض على النظام النصيري إال بعقيدة الموحدين ورغبتھم في االنعتاق من سلطته ولن يتم ذلك إال بطلب الشھادة في سبيل ﷲ تعالى. -٩الشعب السوري مدين لكل من أخذ زمام المبادرة في توحيد المعارضة السورية وبلورة رؤية واضحة في مسيرة إسقاط النظام النصيري وفي آن واحد فإنه ال يمكن عزل أحد من أھل سوريا عن المشاركة في ھذه المسيرة وفي إبراز القادة المناسبين لكل مرحلة وال ينبغي التوقف عند حد معين في بلورة آفاق أداء الشعب السوري ويعتبر تحدي النظام النصيري وجبروته من جھة وما بذله السوريون من تضحيات لدفع ھذا الجبروت والرغبة من جھة أخرى في بناء وطن لجميع السوريين دافعا لتشكل مظلة وطنية يلتقي تحتھا الجميع. -١٠يعتبر اإلسالميون حقوق جميع المقيمين بالعيش الكريم في أي وطن منطلقا عقائديا ولكن ال ينبغي اتخاذ ھذه المسألة تكئة لرفض مرجعية الشريعة اإلسالمية ورفض التقدم نحو بلورة المصلحة العليا للمجتمع المسلم في أي زمان ومكان. -١١يحتاج اإلسالميون السوريون على اختالف توجھاتھم أن يحددوا رؤية للقضية السورية تمثل تلك الرؤية حدود اجتھادھم المجمع عليه ويحتاجون سقفا يجمعھم ويخفف من اختالفاتھم وكلما بادروا بإنجاز ھذين المھمتين كلما سھلت مھمتھم الكبرى في إسقاط النظام وإدارة مرحلة ما بعد النظام.
77
-١٢ال يمكن تذويب الفوراق بين االجتھادات اإلسالمية وال إنھائھا ولكن يمكن االعتراف بتعددية إسالمية تؤدي للتعاون والتكامل وخدمة أھداف مشتركة وتمنع من االختالف المؤدي للصدام في المستقبل القريب والبعيد.
المؤشر االستراتيجي الثاني: ال بد ألھل الشام من استراتيجية إلدارة الصراع وتحقيق إسقاط النظام ودفع كل الجھود نحو إنجاز ھذا الھدف. وتحكم ھذا المؤشر المعايير التالية: -١ينبغي تحديد دائرة قوة النظام والعوامل التي تتحكم فيھا ثم ينبغي ضبط مسارات االنقضاض األربعة إلسقاطه ،وھذه المسارات حسب األداء االستراتيجي تتمحور في أربع مسارات ،المسار األول ھو المسار العسكري الجھادي والمشار الثاني ھو المسار الدبلوماسي والمسار الثالث ھو المسار المعلوماتي وفيه جانب الدعاية وجانب التثقيف الداخلي وجانب األمن واالستخبارات والمسار الرابع ھو المسار االقتصادي والدعم المادي. -٢وينبغي تحديد تقاطع الدوائر األربع التي تتحكم في معادلة الصراع وھي :دائرة األصدقاء مع ضرورة تلوين األصدقاء باأللوان الثالثة فمنھم من ھو أخضر ومنھم من ھو برتقالي ومنھم من ھو أحمر وإن كان صديقا لكن صداقته خطرة ويمكن أن تنقلب في أي لحظة وال يدخل في ھذا اللون اصطفاف النصارى الغربيين كأصدقاء في سوريا في ھذه اللحظة بل إن النظام السياسي العربي يمكن أن يدخل ضمن ھذا اللون كما رأينا كيف انقض النظام الخليجي على ثورة اليمن بما سمي بالمبادرة الخليجية فأفرغ الثورة اليمنية من محتواھا وحولھا إلى ثورة معوقة. والدائرة الثانية :ھي دائرة األعداء ووضعھم في قائمة حسب الخطورة الحالّـة )بتشديد الالم( والمتوقعة ويكفية التعامل مع تلك القائمة والبحث عما ينقض القوة لدى أولئك األعداء. والدائرة الثالثة :ھي دائرة البيئة التي تعمل من خاللھا الثورة الشامية وظروف ومعطيات ھذه البيئة سواء كانت البيئة الداخلية أو البيئة اإلقليمية أو البيئة العالمية. الدائرة الرابعة :ھي دائرة الزمن والمساحة الجغرافية التي تعمل الثورة الشامية في ظلھا وأبعادھا. فإذا تحددت الدوائر األربع بشكل دقيق أمكن تحديد ما يمكن فعله بناء على تقاطع تلك الدوائر فإنھا تحبس بين أقطارھا مساحة صغيرة ولكنھا دقيقة وحاسمة. 78
المؤشر االستراتيجي الثالث: وضع التصورات االستراتيجية لمرحلة ما بعد سقوط النظام وتحديد طبيعة وصورة الوضع النھائي وكيفية التعامل معه وھو أمر يحتاج إلى رويّة وتبصر وطول نفس. وتحكم ھذا المؤشر المعايير التالية: ١ـ ينبغي أن يكون للقيادات الثورية الميدانية موقعھا المتميز في بناء وإدارة مرحلة اإلجھاز على النظام والمرحلة التي تلي دون غمط لحق القيادات العاملة في اإلطار السياسي الخارجي. ٢ـ تكون إدارة المرحلة االنتقالية بحكومة توافقية ٣ـ الوطن السوري يسع كل مكوناته وأعراقه وطوائفه دون أن يطغى أحد على أحد. ٤ـ الحرية والعيش الكريم ورفض الظلم أھم المبادئ التي يلتقي عليھا الجميع. ٥ـ سوريا جزء أصيل من األمة العربية واإلسالمية وتلتقي معھا على ثوابتھا العقدية والتاريخية وتعمل في ظل مصلحتھا العليا. ٦ـ التعددية الحزبية والفكرية حق مكفول ألھل سوريا بشرط أن يعمل في ظل المصلحة العليا للمجتمع وأن ال يتصادم مع ثوابت أھل الشام العقائدية. ٧ـ االختيار الحر والنزيه للممثلين والنواب الذين يمثلون كل الشرائح في المجتمع السوري. ٨ـ تفويض الممثلين والنواب الستكمال بناء سوريا الحرة من خالل وضع الدستور وتحديد آلية بناء الدولة وانتخاب الرئيس وبناء الحكومة ومؤسساتھا. ٩ـ رفض الوصاية الخارجية والعمل على حماية مكتسبات الثورة. -١٠إدراك طبيعة مرحلة ما بعد النظام من التنازع على الرؤية التي ينبغي أن يستقر عليھا المجتمع السوري وكذا على آليات إدارة الدولة. -١١يتعين على السوريين أن يتعاملوا مع التحديات التي سوف تستجد ومن أھمھا محاولة أعداء الداخل والخارج لمسح آثار التحول اإلسالمي التي شھدتھا الشام في ظل مقاومة الطاغية وإسقاطه. -١٢لن تتمكن إدارة الدولة ومكوناتھا من التجاوب التام مع آمال الناس في التنمية واالستقرار ولكن العمل على تولية األقوياء األمناء ينبغي أن يسير في مساره الصحيح وكذا الحفاظ على الثورة وقسمتھا بالسوية بين فئات المجتمع.
79
-١٣ضرورة استعداد أھل الشام الحتمال الدخول في معركة أشمل وأوسع مع المشروع الفارسي الشيعي في المنطقة بعد سقوط النظام في دمشق إذ قد يتحول الصراع إلى مناطق متاخمة للشام ويمنع االستقرار فيھا. -١٤ضرورة إعطاء المجتمع السوري فرصته للھدوء المرحلي وعدم تحميله كل أعباء االنكسار في معادلة األمة خاصة في الشام ومواجھة المشروع اليھودي وترك المراحل تمضي دون تعجل.
المؤشر االستراتيجي الرابع: على اإلسالميين في سوريا أن يتقدموا للناس برؤيتھم للنظام السياسي المستمد من الشريعة اإلسالمية وشرح لطبيعة المبادئ والحقوق التي يحتويھا ھذا النظام بغض النظر عن مدى جاھزية الشعب السوري لتقبل كل أو بعض معطيات ھذا النظام. وتحكم ھذا المؤشر المعايير التالية: -١الشريعة اإلسالمية مصدر التشريع الوحيد . -٢األمة مصدر السلطة . -٣الحقوق والحريات الشرعية مصونة للجميع بما في ذلك حق إبداء الرأي ،ونقد السلطة. -٤وحدة األمة واتحادھا ضرورة شرعية وحق مشروع لجميع شعوبھا . -٥الشورى واالنتخاب والتزام رأي األكثرية ،والتعددية والتداول السلمي للسلطة من أصول الحكم وحقوق األمة. -٦اختيار األمة للحكومة حق شرعي مصون عن طريق الشورى والرضا ويتم بالوسائل المشروعة ،ولألمة الحق في محاسبتھا ومراقبتھا وعزلھا. -٧العدل بين الناس ورفض جميع أشكال الظلم والتفرقة العنصرية والطائفية والفئوية والطبقية من الواجبات الشرعية وأھم الحقوق اإلنسانية . -٨االرتقاء باإلنسان إيمانيا ً وأخالقيا ً وعلميا ً وثقافيا ً وتنمية مھاراته وقدراته العقلية والنفسية والجسدية وإشباع حاجاته الطبيعية ضرورة شرعية واجتماعية.
80
-٩احترام كرامة اإلنسان وحريته وحقوقه اإلنسانية والدينية والفكرية والسياسية واالقتصادية والمھنية والعلمية ورفض كافة أشكال انتھاك كرامته ،وصيانة كافة حقوق المرأة وتعزيز دورھا في المجتمع. -١٠حق األمة في المحافظة على ثرواتھا ،وحمايتھا ،وتنميتھا ،اقتصادياً ،وتوزيعھا توزيعا ً اجتماعيا ً عادالً ،كل ذلك حقوق مشروعة ال يسوغ مصادرتھا ،أو االفتئات فيه عليھا ،وال التصرف فيه دون إذنھا وقبل الرجوع إليھا. -١١حق األمة في الدفاع المشروع كوسيلة للمحافظة على سيادة األمة واستقاللھا وحماية ثرواته. -١٢الوفاء بالعھود مع شعوب العالم والتعاون المشروع بما يحقق العدل والسلم واالستقرار. وﷲ يقول الحق وھو يھدي السبيل،،،
81