رئي�س جمل�س االدارة رئي�س التحرير فخري كرمي ملحق ثقايف ا�سبوعي ي�صدر عن جريدة املدى
m a n a r a t
العدد ()2048ال�سنة الثامنة -ال�سبت (� )19شباط 2011
2
العدد ()2048ال�سنة الثامنة -ال�سبت (� )19شباط 2011
صالح جاهين شاعر الثورة
العدد ()2048ال�سنة الثامنة -ال�سبت (� )19شباط 2011
وفيلسوف الفقراء
فران�سوا با�سيلي الت�ستطيع ان ت�ستح�ضر للذاكرة العبقرى امل�صرى املبدع �صالح جاهني ( )1986-1930اال وحت�ضر معه بال�ضرورة كوكبة من املبدعني الذين زاملوه وا�شرتكوا معه فى �صنع ال�سيمفونية الباهرة للثقافة والفنون والفكر التحرري املثري فى ع�صر م�صر الذهبي فى اخلم�سينيات وال�ستينيات من القرن الع�شرين. http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
فيح�ضر معه بال�ضرورة زمياله ال�شاعران �أحمد عبد املعطى حجازى و�صالح عبد ال�صبور وكان الثالثة يعملون فى غرفة واحدة ت�ضم مكاتبهم الثالثة فى دار روز اليو�سف ويقول حجازى" :كان جاهني �أكرثنا ن�شاطا ومرحا وح�ضورا ،كان ير�سم وينظم بالعربية وكان احيانا يغنى بع�ض الأغنيات اال�سبانية من تراث احلرب الأهلية ،باال�ضافة اىل �أغنيات رو�سية، وفى تلك الغرفة �سمعت من �صالح جاهني معظم �أغنياته التى نظمها فى اخلم�سينات و�أوائل ال�ستينيات :ويقول حجازي انه رغم بدانة جاهني ف�إنه هو الذى علمه رق�صة الفال�س! ويقول حجازي" :مل يكن �صالح جاهني �صوتا ب�سيطا مفردا، و�إمنا كان جممع �أ�صوات ،كان �صوت م�صر و�صوت الب�شرية� ،صوت اجلماعة فى الواقع ويف احللم معا� ،صوت جماعة ناه�ضة حرة متقدمة �سعيدة منتمية حل�ضارة الع�صر م�شاركة فى �صنعها. ف�صالح جاهني لي�س ثمرة تراث قومي مغلق وامنا هو ثمرة الرتاث القومي والرتاث االن�سانى ،وهو يدين للوركا وبول �إيلوار بقدر مايدين ل�شوقى وبريم التون�سى". كما البد �أن يح�ضر معه للذاكرة �أي�ضا �شاعر م�صر الكبري �صالح عبد ال�صبور. ليكون هو املقابل املخالف امل�ضاد ل�صالح جاهني رمبا فى كل �شئ ،روحا وج�سدا، �شكال ومو�ضوعا ،فعبد ال�صبور هادئ حزين مت�شائم ،يكتب بالف�صحى �شعرا للنخبة املثقفة عاك�سا ثقافة عاملية نخبوية، بينما جاهني �صاخب مرح متفائل يكتب بالعامية لعامة ال�شعب �شعرا وغناء يفوح برياحني �صبايا القرى و�أحالم رجل ال�شارع وتعبه اليومي ،دون ان يتخلى عن عمق ان�ساين فل�سفي بالغ الت�أثري. والي�شرتك "ال�صالحان" – جاهني وعبد ال�صبور� -سوى فى�أن كليهما ا�ستطاع ان ي�ؤثر ت�أثريا حا�سما على جيله فى جمال ابداعه .فيمكن القول �أن عبد ال�صبور قد �شكل الذائقة ال�شعرية والوجدانية جليل م�صرى كامل بق�صيدة واحدة هي "احالم الفار�س القدمي" ،والتى اعرتف بع�ض رواد ال�شعر فى اجليل التايل �أنهم كانوا يجوبون طرقات القاهرة ليال من�شدين املقاطع ال�شهرية لهذه الق�صيدة ب�صوت مرتفع. وبينما قام عبد ال�صبور بت�شكيل الذائقة ال�شعرية جليل كامل من ال�شعراء من بعده، قام جاهني بت�شكيل الذائقة الوجدانية جليل الثورة ب�أكمله� ،شعراء وفقراء وب�سطاء وعماال وفالحني وموظفني وعا�شقني وحاملني .من هنا ت�أتى �أهمية هذا ال�شاعر ال�شعبي العظيم ،ولهذا �أقوم باملقارنة بينه وبني �صالح عبد ال�صبور، فبينما نال عبد ال�صبور تقديرا كبريا م�ستحقا فى الو�سط الثقايف امل�صري ،ف�إن جاهني فى اعتقادى مل ينل ماي�ستحقه من تقدير ينا�سب اجنازاته الهائلة فى ميادين االبداع املتنوعة التى طرقها ،من الر�سم الكاريكاتورى اىل �شعر العامية والزجل واالغنية والأ�شعار امل�سرحية وال�سينمائية
3
�أبطال /علما وعمال /ومعانا جمال)..
مزامري احلب والبهجة
فى الوقت نف�سه الذي كان يكتب فيه جاهني هذه الأنا�شيد الوطنية ال�شعبية الواعدة ،كان يكتب �أي�ضا مزامري الزهور واحلب والبهجة .فهو عا�شق للحياة يحبها بح�س �شاعر ونزق طفل وتهور �شاب مقبل على مباهج الأحالم املنتظرة فى فرح حقيقى .ان عالقة جاهني بالفرح عالقة ا�سا�سية حميمة. يقول فى رباعياته ال�شهرية: �أنا اللى بالأمر املحال �إغتوى �شفت القمر نطيت لفوق فى الهوا طلته ماطلتو�ش �إيه انا يهمنى وليه مادام بالن�شوة قلبى ارتوى عجبى ويقول فى رباعية �أخرى: فتحت �شباكى ل�شم�س ال�صباح مادخل�ش منه غري عويل الرياح وفتحت قلبى ع�شان �أبوح بالأمل ماخرج�ش منه غري حمبة و�سماح عجبى وفى ت�أكيد على �أهمية الفرح العام اجلهوري املعلن يقول: كرباج �سعادة وقلبى منه اجنلد رمح ك�أنه ح�صان ولف البلد ورجع ىل ن�ص الليل و�س�ألنى ليه خجالن تقول �أنك �سعيد ياولد؟
والفوازير التليفزيونية وم�سرح العرائ�س وال�سيناريو ال�سينمائي ف�ضال عن الأنا�شيد الوطنية التى �صنع منها جاهني فنا جديدا قائما بذاته .
�شاعر الثورة
بينما اجد بع�ض النقاد يطلقون على �صالح جاهني لقب "مغنى الثورة" الن كل ماكتبه كان يتحول اىل �أغنيات ثورية �شعبية ب�صوت فنان الثورة عبد احلليم حافظ ب�أحلان املو�سيقار الفريد كمال الطويل ،ورمبا مع بع�ض الرتدد فى اطالق لقب �شاعر الثورة عليه ،فى ميل للإحتفاظ بلقب �شاعر ملن يكتبون بالف�صحى ،اال �أننى ال�أجد �أى حمل للرتدد فى و�صف جاهني ب�شاعر الثورة امل�صرية ،فهو وحده من ا�ستطاع ان يرتجم م�شاعر و�أحالم و�أفراح ماليني امل�صريني اىل كلمات حية متوثبة مليئة بالدفء والزهو والن�شوة. فبينما كتب عبد ال�صبور وحجازي بع�ض الق�صائد الف�صحى املعربة عن
بع�ض جوانب تلك الفرتة ،ف�إننا الجند فى ق�صائدهم تلك حرارة ولهفة و�صدق امل�شاعر الالفحة التي جندها فى كلمات جاهني ،كما وكيفا ،ولعل من املفارقة ان الق�صيدة الوحيدة الدافئة احل�س املرهفة ال�صدق التي كتبها حجازي فى تلك املرحلة ب�أ�سرها هي ق�صيدته العميقة فى رثاء عبد النا�صر "مرثية الزمن اجلميل" بينما –على العك�س -كان رحيل عبد النا�صر هو نهاية مرحلة ال�شعر الثورى لدى جاهني. فى �أ�شعاره "الثورية" مل يكتب جاهني �شعارات باردة جوفاء بل ا�ستطاع ان يغو�ص فى اعماق االن�سان امل�صرى املتطلع اىل عامل �أف�ضل لي�ستخرج منه بكلمات عامية ب�سيطة وبليغة فى �آن واحد� ،أجمل ما فيه من �أغنيات ومزامري راح ينرث بها البهجة والفرح احلقيقي بالفجر البهي القادم على الأفق .مل تكن فى كلماته �أية ظالل الفتعال �سيا�سي او تعبوى ،بل كانت م�شاعر عفوية �صادقة ترق�ص فى قلبه املتفائل املحب للحياة
فتتحول عرب �شاعريته الأ�صيلة اىل �أنا�شيد للفرح واحلب واللهفة املتوثبة .ولأن هذه امل�شاعر كانت تعبريا �صادقا عن الوجدان امل�صرى اجلارف فى تلك املرحلة ،مل يكن �صعبا على مبدع مرهف �آخر مثل كمال الطويل �أن ي�ضع لها �أحلانا نابعة من عمق الوجع امل�صرى الطويل و�صاعدة يف نربات مت�سرعة الهثة فرحة مت�شوقة للغد الأجمل الذى وعدت به القلوب الفائرة الثائرة. وبهذا ال�صدق والفرح والتفا�ؤل كتب جاهني –وغنى عبد احلليم� -أنا�شيد �إحنا ال�شعب ( )56وبالأح�ضان ()61 وامل�سئولية ( )63ويا�أهال باملعارك ()65 و�صورة ونا�صر وغريها .وكان من املده�ش حقا �إ�ستقبال اجلماهري لهذه االنا�شيد وجتاوبها معها حفظا وغناء وك�أنها �أغنيات فى احلب وال�صبا واجلمال ولي�س فى الثورة واحلرية والكرامة بل وال�سيا�سة االقت�صادية (على را�س ب�ستان اال�شرتاكية /واقفني بنهد�س ع املية� /أمة
ويقول فى �شعر الغزل وال�شقاوة واملحبة: يا بنت يام املريله كحلى يا�شم�س هااله ،وطاالله م الكومه لو قلت عنك فى الغزل قوله ممنوع عليا واال م�سموح ىل؟ وفى رباعية غزلية �آخرى يقول: اوقات افوق ويحل عنى غبايا وا�شعر ك�أنى فهمت كل اخلبايا �أفتح �شفايفى ع�شان اقول الدرر مااقول�ش غري حبة غزل فى ال�صبايا عجبي.
م�سئولية الكلمة
يعرف �صالح جاهني م�س�ؤوليته كمبدع وك�شاعر .كثريا ما ي�شري اىل ال�صمت فى �شعره كمرادف للموت ،وي�شري اىل الكلمة كمرادف للحياة .يقول فى ق�صيدة بعنوان "اتكلموا": اتكلموا ..اتكلموا ..اتكلموا حمال الكالم ،ما�ألزمه ،ما�أعظمه فى البدء كانت كلمة الرب االله خلقت حياه واخللق منها اتعلموا ف�إتكلموا الكلمة ايد الكلمة رجل الكلمة باب الكلمة ملبة كهربية فى ال�ضباب الكلمة كوبرى �صلب فوق بحر العباب اجلن يا�أحباب مايقدر يهدمه فاتكلموا وفى رباعية جميلة يقول:
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
4
العدد ()2048ال�سنة الثامنة -ال�سبت (� )19شباط 2011
ياعندليب ماتخاف�ش من غنوتك قول �شكوتك واحكى على بلوتك الغنوه م�ش حتموتك� ......إمنا كتم الغنا هو اللى ح ميوتك
فيل�سوف الفقراء
ينفرد جاهني بخا�صية هامة متنح �شعره –على ب�ساطته وعاميته -بعدا فل�سفيا النعرف له مثيال لدى �شعراء العامية الآخرين بل والنعرف له مثيال لدى �شعراء الف�صحى امل�صريني ،فيما عدا رفيقه �صالح عبد ال�صبور الذى �إت�سمت معظم �أ�شعاره ب�أبعادها الفل�سفية واالن�سانية ال�شاملة. وهنا اي�ضا –وعلى الأخ�ص -مل يح�صل جاهني على حقه من التقدير ،ب�سبب النظرة العدائية من الو�سط الثقافى النخبوى للعامية ،ورمبا ب�سبب التحيز للف�صحى واخلوف عليها ،مع قدر من عدم الت�صديق لإمكانية ان تقول العامية الدارجة معان تقرب من مدار الفل�سفة املقد�س .ولكن الي�صح ان مينعنا مثل هذا املوقف اال�ستعالئي الزائف واخلائف من ان نخو�ض فى رفق وحدب فى �أعماق �أ�شعار جاهني لنكت�شف مابها من جواهر فكرية ووجدانية بديعة .ف�إنك لتجد فى رباعياته �أ�صداء لفل�سفة �سارتر الوجودية وملواقف البري كامو فى اغرتابه وجلر�أة نيت�شه الذي مل تكن فل�سفته �سوى �شعرا مكثفا .بالإ�ضافة اىل نهل جاهني من الرتاث الفلكلوري امل�صري والعربى اال�سالمى وامل�سيحى .ومزجها كلها فى �صوت �صادق متفرد هو �صوته وحده .ولننظر اىل بع�ض رباعياته التى ميكن اعتبار كل رباعية منها �أطروحة فل�سفية كاملة تطرح كل منها �أحد الأ�سئلة الوجودية املهمة فى ت�صوير بالغ الإيجاز والإيحاء والده�شة: عيد والعيال اتنططوا ع القبور لعبوا ا�ستغماية ولعبوا بابور وبالونات ونايلونات �شفت�شى واحلزن ح يروح فني جنب ال�سرور! عجبى الدنيا �صندوق دنيا ..دور بعد دور الدكة هي ..وهي كل الديكور مي�شى اللى �شاف وي�سيب لغريه مكان كان عربجى او كان امرباطور عجبى �أنا �شاب لكن عمري وال �ألف عام وحيد ولكن بني �ضلوعي زحام خايف ولكن خويف مني �أنا �أخر�س ولكن قلبي مليان كالم عجبى علمى ان كان اخللق من �أ�صل طني وكلهم بينزلوا مغم�ضني بعد الدقائق وال�شهور وال�سنني تالقى نا�س �أ�شرار ونا�س طيبني عجبى وكان هذا الفيل�سوف اجلميل مفتوح القلب �سريع البديهه .و�أذكر اننى ا�ستمعت اليه مرة فى برنامج �إذاعى ا�سمه "جرب حظك" �س�أله فيه مقدمه عبا�س �أحمد :من فى ر�أيك �أعظم ر�سام كاريكاتري فى العامل؟ ف�أجاب جاهني الذي كان بدينا ،ق�صريا� ،أ�صلعا، وك�أنه كرة �ضخمة :احلقيقة �أين كل ما ب�صيت فى املراية عرفت ان ربنا �سبحانه وتعاىل هو �أعظم ر�سام كاريكاتور فى الدنيا ! فانفجر اجلمهور �ضاحكا.
عاملي النزعة
رغم ان �صالح جاهني كان يغنى لال�شرتاكية فى �إخال�ص املثقف املنتمى للفكر الي�سارى املنحاز للفقراء والب�سطاء ب�شكل ا�سا�سى اال انه كان مثقفا ولي�س http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
العدد ()2048ال�سنة الثامنة -ال�سبت (� )19شباط 2011
5 ايديولوجيا منغلقا .ومازلت �أذكر �أنه فى اليوم التايل لإغتيال الرئي�س االمريكي ال�شاب جون كيندى فى عام 1963فوجئت فى جريدة االهرام التي كانت تن�شر جلاهني ر�سما كاريكاتوريا �شهريا كل يوم �أنها تن�شر له ق�صيدة رائعة فى رثاء الرئي�س االمريكي مل �أعد �أذكر كلماتها ومل اجدها بعد ذلك ولكنى اذكر جيدا انه ختمها وهو يهتف ملتاعا با�سم الرئي�س االمريكى قائال :ياجون ..يايوحنا املعمدان! وقد �أثرت يف نف�س هذه اخلامتة املده�شة للق�صيدة .ومل افهم للوهلة االوىل ملاذا يخاطبه بيوحنا املعمدان .اذ كنت مازلت طالبا فى ذلك الوقت .ومل يكن فى ذهنى �أن جون هي بالعربية يوحنا. فكانت هذه املقاربة اجلميلة فى الق�صيدة والتى تدل على انفتاح جاهني ال�سيا�سي والدينى معا ،فلم متنعه ي�ساريته الفكرية من التعاطف مع رئي�س امريكى �شاب كان مثقفا ثقافه ان�سانية حقيقية وقف امام نفوذ التحالف ال�صناعي الع�سكرى فى بلده وا�شاع فى العامل كله �أمال يف م�ستقبل اجمل ..والمنعته ثقافته اال�سالمية من معرفة وا�ستخدام رمز م�سيحى �شهري هو يوحنا املعمدان الذي كان يو�صف بال�صوت ال�صارخ فى الربية لقوته و�شجاعته فى املجاهرة باحلق حتى او�صله هذا اىل تقدمي رقبته على طبق هدية ل�سالومى من امللك هريود�س �أنتيبى الذى �صرخ فى وجهه يوحنا املعمدان يوما :هذا اليحل لك!
فر�سان الثورة
�إ�ستطاعت الثورة امل�صرية منذ والدتها وب�سبب اهتمام عبد النا�صر بالثقافة والفنون واالدب ا�سا�سا ان تخلق مناخا �إجتماعيا مثريا لعوامل االبداع االن�ساين فى جميع املجاالت ..وانطلقت مع بداية الثورة وب�شكل تلقائي مده�ش �شرارة اخللق واالبداع الفنى والفكرى فى عدد هائل من ال�شباب املثقف ال�صاعد من قرى وجنوع م�صر الزاحف نحو القاهرة واال�سكندرية ف�إذا مبئات ومئات من املبدعني تت�صاعد �أجنمهم فى �سماء م�صر حاملني رايات ملونة زاهية لأعمال جديدة مده�شة فى كل مناحى االبداع�.أر�صد هذا لأو�ضح �أن �صالح جاهني –وان كان حقا �صوتا متفردا مميزا فى ال�شعر وفنانا مبدعا فى الر�سم وغريه من الفنون – مل يكن وحيدا وامنا كان واحدا من "جي�ش" مده�ش من املبدعني املجددين الذين ا�ستقوا من ينابيع اجل�سد امل�صرى املتفجر ب�إرها�ص الوالدات اجلديدة ووعود االحالم املثرية القادمة فى فورة �إبداعية نعرف الآن �أنها كانت –للأ�سف� -إ�ستثنائية فى تاريخ م�صر املعا�صر. وقد كان جلاهني �شاعر الثورة امل�صرية ووا�ضع مزامريها اجلماعية املحفزة �أثر كبري فى حركة النه�ضة الفكرية التحررية املواكبة ،فقد راح فى ر�سومه وكلماته و�أنا�شيده و�أ�شعاره ير�سم مالمح املجتمع احلر القادم فى عيون �شباب و�صبايا يعانقون �أحالم احلب اجلميل واحلرية االجتماعية والتحرر الفكري البادئ بالذات واملمتد نحو االن�سان فى كل مكان . وكان لهذه الفورة االبداعية والتفجر الغنى املثري فعل ال�سحر يف ال�شباب املثقف ال�صاعد اىل حد انه حتى املثقفني الذين دخلوا ال�سجون فى تلك الفرتة ب�شبهة امليول ال�شيوعية او الي�سارية املت�شددة خرجوا منها وهم على �إخال�صهم العجيب للثورة التى مل تتورع عن التهام عدة �سنوات من �شبابهم احلامل ،وهى ظاهرة ال نعرف لها مثيال فى التاريخ. http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
6
هل خان نف�سه؟
حينما �أ�صيبت الثورة امل�صرية بجرح هزمية 67الغائر ،ثم برحيل فار�سها عبد النا�صر عام � ،70شاهد جاهني كل �شئ ينهار من حوله ،ف�أ�صاب �شاعر الثورة احباط االنك�سار ودخل يف �صمت
العدد ()2048ال�سنة الثامنة -ال�سبت (� )19شباط 2011
العدد ()2048ال�سنة الثامنة -ال�سبت (� )19شباط 2011
املطعون املكلوم .ومع �صعود الرئي�س "امل�ؤمن" -الذى كان معروفا طوال �سنوات الثورة ب�أنور ال�سادات لنكت�شف فج�أة ان ا�سمه احلقيقى هو حممد انور ال�سادات !� -أطلقت اال�شارة لبدء حركة الهجوم الوح�شى والت�شويه املجاين
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
لكل جوانب الثورة ،املظلم منها وامل�ضي معا ،حتى �أن ال�سد العايل نف�سه – الذى �أعرتف العامل خمرا انه اهم ع�شرة م�شاريع هند�سية فى العامل فى القرن الع�شرين – مل ي�سلم من حملة الت�شويه الآثمة لإجنازات الثورة.
ومل يجد �شاعر الثورة له خمرجا من نفق االحباط وظلمة االح�سا�س بالغنب وال�ضياع ورمبا لوم الذات وانكار احللم بل ومعاداته �سوى الدخول اىل دوامة العمل ال�سينمائي ال�سهل يف حركة هي اقرب اىل حركات مهرج ال�سريك الذي
ي�ضحك الآخرين بقلب نازف – فكتب ل�صديقة دربه �سعاد ح�سنى اغنيات فيلمها "خلى بالك من زوزو" الذى حقق جناحا جماهرييا �ساحقا ،بني جماهري متغرية كانت قد تعبت من وطئة احالمها طوال ع�شرين عاما ،وتعبت من احلروب
واملعارك واالنا�شيد ،وارادت ان تن�سى وترق�ص وتلهو على انغام تقول لها ان "الدنيا ربيع ،واجلو بديع ،قفلي على كل املوا�ضيع" وهكذا نظر بع�ض املثقفني فى حزن اىل �شاعر الثورة وفار�سها القدمي وقد انك�سرت قوادم احالمه (كما تنب�أ �صالح عبد ال�صبور) وحتول مغني اجلماهرياىل م�ضحكها .وهو دور ا�ستنكروه عليه ولكنه مل ي�ستنكره على نف�سه فقد كان دائما منحازا اىل اجلماهري الب�سيطة يعرب عن �أحالمها و�آمالها وعن �ضحكاتها و�أوجاعها .ومل يجد غ�ضا�ضة فى ان ينحاز اليها يف لهوها ومزاحها وهو املنحاز �أبدا للفرحة والبهجة. وقد �أراد له –وتوقع منه -البع�ض ان ينخرط –وهو �شاعر الثورة -يف حركة املعار�ضة ال�شعبية والطالبية لنظام ال�سادات قبل حرب العبور كما فعل احمد ف�ؤاد جنم ب�أ�شعاره اجلارفة التي حلنها وغناها ال�شيخ امام والتي دخال ال�سجون ب�سببها .ولكن جاهني مل يفعل ومل يكن له ان ي�سري يف درب غري دربه فعامله ال�شعري لي�س عامل احتجاج ومعار�ضة �ضد النظام فقد كان من�سجما مع النظام النا�صري الذى كان من�سجما مع �أحالم الفقراء و�آمال املثقفني معا، وجاهني املنحاز للفرح فى احلياة مل يجد يف نف�سه طبيعة ال�صدام واملعار�ضة والهجوم على الآخرين .مبا فى هذه من العنف العاطفي واخل�شونة الوجدانية ال�ضرورية للتحمل وال�صمود .نعم هو �شاعر احللم الثوري لكنه لي�س �شاعر الغ�ضب والت�صدي والتعدي ،ولذلك كانت لأنا�شيده الثورية دائما جانب االعرا�س املحفوف بالأجرا�س واملزامري والرق�صات ال�شعبية ،فليدع الت�صدي واملقاومة والغ�ضب ال�شعبي لغريه من ال�شعراء مثل جنم .فهل كان فى هذا خائنا لنف�سه �أم مت�سقا معها؟ ال�شك ان هذا �س�ؤال �سي�ستدعي �إجابات متناق�ضة من نقاد خمتلفني .اما انا الذى طاملا اترعت قلبي مما كان ي�سكب لنا جاهني كل يوم من مياه املحبة والبهجة والأمل املثري فلي�س عندي له �سوى في�ضان من م�شاعر العرفان واملمنونية والإنحياز احلميم. ولعل �أجمل مايعرب عن حالة جاهني تلك بعد �أنهيار �أحالم الثورة التي �شارك يف �صنعها هي رباعيته التي كتبها عندما �أ�صابه ان�سداد فى �شرايني القلب احتاج اىل جراحة فى �صيف :1981 يام�شرط اجلراح �أمانة عليك وانت يف ح�شايا تب�ص من حواليك فيه نقطة �سودة فى قلبي بد�أت تبان �شيلها كمان ..والف�ضل يرجع اليك. لقد كانت النقطة ال�سوداء قد احتلت قلبه الكبري وراحت تكرب فيه وتنه�شه هي نف�سها النقطة التي ا�صابت قلب م�صر مع جرح 67ومع رحيل نا�صر وانهيار احالم اجليل ال�صاعد وت�سليم ال�سادات مفاتيح م�صر للتيارات الدينية الظالمية التي �أطف�أت م�صابيح م�صر واحدا بعد الآخر وحاربت الفن والفكر واالبداع والتحرر وامل�ساواة والفرح والبهجة واالنطالق والغناء والرق�ص واملزامري ،فكانت هي اخلامتة ال�سوداء الحدى �أجمل فرتات النه�ضة امل�صرية فى تاريخها احلديث. �سيظل جاهني �صوتا مميزا مزهوا يف الوجدان امل�صري اىل الأبد. فال�شاعر اال�صيل اليعرف موتا وال�صمتا. وهو الذي قال: دخل ال�شتا وقفل البيبان ع البيوت وجعل �شعاع ال�شم�س خيط عنكبوت وحاجات كتري بتموت فى ليل ال�شتا لكن حاجات �أكرت برتف�ض متوت.
7
صالح جاهين ..شاعر البؤساء �شاكر فريد ح�سن الكتابة عن �صالح جاهني هي كتابة عن موهبة ا�صيلة و�صادقة ا�ستمدت من روحه املرهفة منبع ًا لإلهامها ،وعن واحد من القمم الأدبية امل�صرية التي تركت ب�صماتها يف ال�شعر ال�شعبي العامي. و�صالح من ابرز �شعراء العامية وااللتزام بهموم الب�ؤ�ساء والفقراء والكادحني ، الذين كان لهم �أثر وا�ضح يف حتريك العواطف والهاب امل�شاعر واالحا�سي�س
الوطنية ال�صادقة. متيزت حياته بالعذاب واالمل واملرارة ، والزمه االكتئاب النف�سي طوي ًال فطحن ج�سده وروحه اىل ان ق�ضى عليه ،وهو يف قمة عطائه يف حمراب الأدب والفن. وجد �صالح جاهني �ضالته يف كتابة ال�شعر ور�سم الكاركاتري ال�ساخر يف اواخر االربعينات واوائل اخلم�سينات ، حيث بد�أ رحلته مع الكلمة والري�شة يف مرحلة عا�صفة يف م�صر ،ت�صارعت فيها االجتاهات والتيارات الفكرية املختلفة
التي كان لها تاثري كبري على وعيه الذي قاده اىل جتربته ال�شعرية الأوىل ،وهو ديوان "كلمة �سالم" الذي ا�ستهله بق�صيدة "دموع ورا الربقع" التي حتكي وت�صور معاناة العامل الكادح الذي يكابد �آالم الف�صل من العمل ويواجه حمنة الب�ؤ�س والفقر: انا لوحدي ما في�ش حاجه جمرد ا�سم مت�شخبط على ورقه يف ايد واحد مدير ا�صله قوم�سيوجني يقدمها لرتكي وال خلواجه
ال يعرف عربي وال �شفقه يروح ما�ضي بقلم باركر بالفرجي اروح مرفود اما يف ق�صيدته "الزباين"فيقدم وير�سم �صورة للب�ؤ�س االن�ساين الذي ي�ضم �ضحايا العمل الأ�سود امل�أجور ..فيقول: اللي زيك ،وبت�شتغل بالأجره واللي زيي ،وله ماهية م�سوجره طول حياتنا نعرق على رغيف عي�شنا والنهارده ،ما يف�ض�ش حاجه لبكره وبلغة مب�سطة ،مبا�شرة وعفوية كتب �صالح جاهني جمموعاته ال�شعرية ،التي عك�ست �آالم وهموم الب�ؤ�ساء وم�أ�ساة االن�سان ال�ضائع املعذب الباحث عن احالمه الزنبقية. وي�شكل احلزن احدى خ�صائ�صه الفنية، وهو حزن ناجم عن امتزاجه مبختلف �صور الوجود و�أ�شكاله امل�أ�ساوية .ويف احلقيقة ان احلزن واالكتئاب واملوت ت�سلل اىل عامله ليغتال حبه وع�شقه للحياة ،ويقتل احالمه اجلائعة .فانعك�ست هذه ال�صور احلزينة الكئيبة يف ق�صائده اىل درجة انه يعجز عن التعبري عن جروحه وعذاباته: وانا اللي مليان باجلروح ما اقدر�ش اقول ما اقدر�ش ابوح وتتحدد املنطلقات الفكرية ل�صالح جاهني وتظهر بو�ضوح يف معظم ق�صائده، فنجده يطرح الق�ضايا ال�سيا�سية والفكرية واالجتماعية للفقراء وامل�ست�ضعفني ، ق�ضايا اخلبز والعمل واحلرية ن م�ؤكد ًا التزامه وانحيازه التام اىل جانبهم من خالل دعوته للن�ضال �ضد قوى البغي والظلم واال�ستبداد والطغيان ،ومن اجل احلياة والتغيري املن�شود يف م�ستقبل اكرث ا�شراق ًا ون�ضارة: �شفتهم �صبحهم كبار م�شيوا ويا النا�س يف عيد وانا وياهم باغني الأنا�شيد واحنا �شايلني الرايات واحنا ما�شيني يف املظاهرة بنت مالت ناحيتي وادتني وردة ورده حمره قمت م القهوة �سعيد وباقول ..بكره اجمل من النهارده وال ين�سى �صالح جاهني م�أ�ساة ال�شعب العربي الفل�سطيني وق�ضيته العادلة ،فيتحدث عن �آالم وب�ؤ�س الالجئني الفل�سطينيني الذين �شردوا من ار�ضهم ووطنهم ،ويعري ال�ضمري االن�ساين الذي يقدم لهم فتات اخلبز والطحني ويف الوقت نف�سه �ساهم يف م�ؤامرة الرتحيل واالقتالع: احلرب �سحقت املهم ملا �صبح يف خيالهم زي الرمال بيخو�ضوها زي الطحني اللي جالهم من االيادي ال�سمينة اللي رمتهم رهينه. واخري ًا ،هذا هو �صالح جاهني ال�شاعر امل�صري ـ ال�صعلوك الذي �شارك املقهورين واجلياع فوق كل ار�ض،همومهم وقلقهم وب�ؤ�سهم وحلمهم بالعي�ش الرغيد ، والتحرر من كل ا�شكال القهر واال�ضطهاد ،و�سيظل ارثه ال�شعري زاد ًا ومعين ًا لكل الذين ينا�ضلون الزاحة الليل عن �صدور ال�شعوب. احلوار املتمدن -العدد2010 - 3232 : 31 / 12 /
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
Gallery
10
العدد ()2048ال�سنة الثامنة -ال�سبت (� )19شباط 2011
العدد ()2048ال�سنة الثامنة -ال�سبت (� )19شباط 2011
11
امللحمة املتناثرة :انطباعات عن رباعيات جاهني
األسئلة واألجوبة والموقف العقلي من «الكون» قعدي الأدب الكال�سيكي الراف�ض ّ �شيء لكل ٍ بلد مثل م�صر ،فيه كبار ُم ّ يف ٍ حداثي ،ويف مرحلة اخلم�سينيات � :أي �أثناء وجود طه ح�سني و ّ العقاد و�شوقي �ضيف و َم ْن بهذه «الأوزان» يف الأدب العربي ،كيف مُيكن �أن ينمو ال�شعر العامي امل�صري لي�صل اىل مرحلة �شعريّة ُر مّبا مل ي�صلها ال�شعر العامي وقت ّ مبكر ، النوابية عليه منذ العراقي على الرغم من دخول احلداثة ّ ٍ فم�ؤرخو الأدب امل�صري يتفقون على �أنَّ عبد اهلل الندمي ،يعقوب �صنوع ،بريم التون�سي كانوا م�ؤ�س�سي ال�شعر العامي امل�صري احلديث ،وبعدهم ّ (املثقفني) [ وهذا امل�صطلح �أطلقه عليهم ال�شاعر عبد جاء دور العاميني الرحمن الأبنودي ! ] وهم � :سيد حجاب و �صالح جاهني و�أحمد ف�ؤاد جنم وعبد الرحمن الأبنودي و َم ْن عا�صرهم ،اذ ان هذه املجموعة من ال�شعراء ْ كانت تنتمي اىل الأو�ساط اجلامعية الثورية التي كانت وقتها بوتقة الثورية امل�صرية بفرتاتها املختلفة...
علي وجيه بعد هذا كله :ال�شعر العامي ويف بداية اخلم�سينيات كان م�سرح ًا لل�سيا�سة امل�صرية ،فكيف ي�ستطيع �شاع ٌر انغمر بال�سيا�سة اىل هامته مثل �صالح جاهني بدواوينه الأوىل (كلمة �سالم ، 1955 موال ع�شان القنال ، 1956عن القمر والطني ، )1961نقول :كيف ا�ستطاع �صالح جاهني كتابة رباعيات ال ُتكتب اال ب�أو�ضاع هادئة مليئة بالت�أمل وقت كانتْ الأحداث جت ّر والتفكر يف ٍ ال�شعر اىل اجتاهات �أخرى؟!.. هل ن�ستطيع اعتبار رباعيات �صالح جاهني موقف ًا ان�ساني ًا ثابت ًا ازاء املتغريات ال�سيا�سية ،ولنا �أن نقبل بت�أويل رباعياته على الأو�ضاع
ال�سيا�سية �آنذاك رُبمّ ا ،خ�صو�ص ًا وان بع�ض الرباعيات ت�شري اىل ذلك بح�سب فرتة كتابتها (...: )1966 – 1960 انا كل يوم ا�سمع...فالن عذبوه ا�سرح يف بغداد واجلزاير واتوه ما اعجب�ش م اللي يطيق ج�سمه العذاب واعجب من اللي يطيق يعذب �أخوه عجبي!! فجاهني النا�صريّ ،واملُنتك�س بعد ، 1967له الدواوين والن�صو�ص املفتوحة (�شك ًال) � ،أما جاهني الإن�سان ،الذي يواجه احلياة بالأ�سئلة و ال�شعرية االفرتا�ضات العقل ّية و ِ وال�شعورية فله الرباعيات ،وهذه وجهة نظر قد تخطئ وقد ت�صيب... *** والكون ده كيف موجود من غري حدود؟ وفيه عقارب ليه وتعابني ودود؟
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
عامل جم ّرب فات وقال � :سالمات ده ياما فيه �س�ؤاالت من غري ردود عجبي!! ُر مَّبا ت�شكّل هذه الرباعية -من الرباعيات ال�شهرية لل�شاعر امل�صري �صالح جاهني – متثي ًال �شبه تام عن الآلية الفكر ّية متعددة الأ�ساليب التي ي�ستخدمها جاهني يف رباعياته التي كتبها يف فرتة ( 1966 – 1960والتي ُتع ّد من �أخ�صب فرتات ابداع جاهني ففيها كتب �أوبريت الليلة الكبرية و�أربع م�سرحيات �أخرى بالإ�ضافة اىل �سيناريو فيلم خلي بالك من زوزو ذلك بالإ�ضافة اىل ع�شرات الر�سوم التي �ض ّمتها �أعداد جملة روز اليو�سف القدمية)... دوما ما يرتك جاهني القارئ بعد قراءة ّ كل رباعية ب�صدمةٍ جمال ّية ال تزول حتى
ان تكررت قراءة الرباعية م ّر ًة �أخرى ،فالرباعيات كانت ُمتنف�س ًا جلاهني بالإ�ضافة اىل تد ّفق ابداعه �ضمن روافد �أخرى ،ون�ستطيع �أن نعترب الرباعيات انتاج ًا «جاهيني ًا» خال�ص ًا مل ت�ؤثر عليه الأو�ضاع ال�سيا�سية املحتدمة يف م�صر منذ اخلم�سينيات حتى وفاة جاهني... �صدرتْ الطبعة الأوىل من الرباعيات عام 1962عن دار املعرفة امل�صرية ، ومنذ ذلك الوقت وهي ت�أخذ اهتمام الن ّقاد والق ّراء واملو�سيقيني على حدٍ �سواء ،فتناولتها بالنقد �أ�سماء نقد ّية مه ّمة من �أبرزها (جابر ع�صفور � ،أحمد عبد املعطي حجازي وغريهما) فيما كان �آخر َمنْ غ ّناها هو الفنان امل�صري وجيه عزيز عام 2008بعد �أن غ ّنى �أغلبها الفنان علي احلجار و�س ّيد مكاوي وحممد منري على الرغم من �أن
امل�ستوى الغنائي و ُمنذ ال�سبعينيات بد�أ بالإنحدار ،فماذا ي�صنع ال�شارع برباعيات مليئة بالت�سا�ؤالت الفل�سفية؟!... وهل بداخل ّ ٌ فيل�سوف متلق اعتياديّ كل ٍ �أو �سائ ٌل �صغري؟!... ّ ي�ستهل جاهني ديوانه برباعية تقول: مع ان كل اخللق من �أ�صل طني وكلهم بينزلوا مغم�ضني بعد الدقايق وال�شهور وال�سنني تالقي نا�س ا�شرار ونا�س طيبني عجبي !! اذن :هذا هو امل�شهد الذي �أرا َد جاهني اثباته �أمامنا بو�صفه «�ساحة �أحداث» رباعياته ،وحدة املنبع الب�شري ، واحلال الواحد ،و النتيجة الواحدة املتناق�ضة »:نا�س �أ�شرار ونا�س طيبني»! ،هل �أراد �صالح جاهني �أن يكون �شاعر
فل�سفة عرب ت�سا�ؤالته التي قدّمها يف هذي الرباعيات؟ ،هذا ما ت�شري اليه بع�ض الرباعيات � ،أ ّما باقي الرباعيات ملتلق اعتيادي يفهم ما يدور فهي ُكتبتْ ٍ فيها بب�ساطة تامة دون �أن تثري بداخله �شيئ ًا من التعجب �أو الت�سا�ؤل...: زحام و�أبواق �سيارات مزعج ْه اللي يطول له طريق يبقى جنى كنت جنبي يا حبيبتي �أنا لو ِ م�ش كنت �أ�شوف �إن احليا ْه مبهجهْ؟ عجبي !! 112رباعية عدد الرباعيات التي تركها جاهني لنا ،مليئة بالأ�سئلة �أو النتائج التي من املمكن �أن ن�س ِّل َم بها – كق ّراء – بعد املثال الذي ي�سرده ،فبع�ض الرباعيات تكون على و�صف م�شهدٍ معينّ مي ّر به املتكلم : عيني ر�أتْ خملوق على كتف �أمه
ي�صرخ ،تهنن فيه ،ي�صرخ ،ت�ض ّمه ي�صرخ ،تقول :يا ابني ما تنطق كالم ده اللي ما يتكلم�ش يا كرث ه ّمه !! عجبي !! ويعتمد جاهني هذه الآلية كثري ًا ، فالرباعية لديه �إ ّما �شديدة اخل�صو�ص ّية بحيث ي�ستطيع تل ّب�س احلالة املطروحة �أمامه كـ(رائي � ،شاهد ،فاعل ،محُ ِاور) ُمعطي ًا الزخم الوا�ضح من �أ�سئلته �أمام الق�ضية املطروحة �أمامه ؛ �أو �أنه ُيعطي ُحكم ًا عُموم ّي ًا على م�س�ألة كون ّية عامة يتكلم فيها كفر ٍد اعتياديّ له عق ٌل كما لدى املاليني من الب�شر ...: ال جترب الإن�سان وال تخريه يكفيه ما فيه من عقل بيحريه اللي النهار ده يطلبه وير�ضاه هو اللي بكره حي�شتهي يغيرّ ه عجبي !!
*** كتب الن ّقاد عن رباعيات جاهني انطباعات عدّة ،اال انها مل ُت�ؤخذ على حممل اجلد كن�صو�ص ال�شعراء الباقني ،رُبمّ ا ل�صعوبة ام�ساك هذي الرباعيات �ضمن �سياق نقدي واحد ،فالنقد مع الرباعيات كان حماولة خللق مقاربة تقرتب من �شيء ي ّت�سم بالال �أ�سلوب و الال ا�ستقرار وهو رباعيات جاهني ، بالإ�ضافة اىل ان تك ّتل اجلملة ال�شعر ّية التجول لديه ب�صورة م�ضغوطة ال تتيح ّ نقد ّي ًا بحر ّية ،ويمُ كن اعتبار رباعيات �صالح جاهني ملحمة متناثرة على ُ ويربط بني هذه القطع عد ٍد من املقاطع ال�صغرية ٌ ري وهو الأ�سئلة خيط �صغ ٌ وبع�ض احلوادث ،اذ ان جاهني عكف يف رباعياته على و�ضع �صورته ال�شخ�ص ّية ك�صالح جاهني وكمواطن
«طيف» م�صري و كان�سان بالإ�ضافة اىل ٍ �سرديّ ال يبدو وا�ضح ًا للوهلة الأوىل يتالعب برتتيب قارئ امنا يحتاج على ٍ ُ ُ الرباعيات يف ذهنه ولي�س عرب الكتاب املطبوع لديه... الرباعيات احتوت على تناق�ض عظيم يخ�ص التعامل مع احلياة مع فيما ّ الأمل �أو الي�أ�س ،فبع�ض الرباعيات تريك جاهني ان�سان ًا متفائ ًال يف �أحلك الظروف ُ ،منادي ًا بال�سعادة : �آه لو �أنا وحمبوبي جزنا الف�ضا ب�سفينة وحدينا و�أ�شيا ر�ضا ! �ساعة �صفا تعجبنا نرجع لها والهم قبل ما يجي يبقى م�ضى عجبي !! وكذلك يف عد ٍد كبري من الرباعيات ،اال انه يفاجئك وبعد ٍد �أكرب منها بت�شا�ؤم قد ال نراه حتى عند ابن الرومي ! فيقول :
ودخل الربيع ي�ضحك لقاين حزين نده الربيع على ا�سمي مل قلت مني حط الربيع �أزهاره جنبي وراح وا�ش تعمل الأزهار للميتني ؟؟ عجبي !! وهذه الزمة التعجب (عجبي) التي الزمته طوال الرباعيات ت�شكّل موقفه االن�ساين جتاه الأمل والت�شا�ؤم والغنى والفقر والقدر ،فهو يقول يف رباعية ربمّ ا ت�شكّل ا�ستهال ًال وا�ضح ًا جلميع الرباعيات [ ما جعل �سيد مكاوي يفتتح ويختتم بها الرباعيات املغناة ] : تعجب ما تعجب كل �شيء له �سبب ولو الكالم من ف�ضة وال�سكوت ذهب واخل�شوع ذنب واخلنوع �أدب يحق لك تعجب وما عليك عتب عجبي !! اذن :فقيمة الإن�سان لدى جاهني هو �أن يكون �سائ ًال و ُمتعجب ًا و�أ ّال يقف �أمام �أ�سئلة احلياة عاجز ًا عن الإجابة [ ومن هذا املنطلق تزداد الأ�سئلة حد ًة يف ّ كل رباعية] ،ونظر ًا ري فعلى الأقل يجب لأنّ العامل �ش ٌّر كب ٌ على االن�سان ال�س�ؤال بعد �أن تركه منقذوه !: نوح راح حلاله والطوفان ا�ستمر مركبنا تايهة وم�ش القية بر �آه من الطوفان و�آهني يا بر الأمان ازاي تبان والدنيا مليانة �شر؟ عجبي !! امل�س�ألة الأخرى التي من املمكن االنتباه اليها هو �أوبريت الليلة الكبرية ال�شهري ،فهذا الأوبريت الذي ُ ينقل م�شاهد الفرح مبنا�سبة (املولِد) ال يخفي ظ ًال وا�ضح ًا من الت�شا�ؤم بني ال�سطور ،ي�صف جاهني يف كتاب (الليلة الكبرية و 5م�سرحيات �أخرى) املفا�صل الفلكلورية يف املولد من الراق�صات واملقاهي و ال�صعايدة القادمني اىل العا�صمة و الأطفال وما اىل ذلك ،اال ان الالفت للنظر هو وجود �شخ�صيات ال عالقة لها ب�أي من مظاهر الفرح واالحتفال ،فهناك مكان معينّ �صعيدي تائه يبحث عن ٍ فيقع بني �أيدي ممن ي�سخرون منه ، وعلى الرغم من �أن �س ّيد مكاوي ّ غطى الفرحة ،اال هذا ال�ضائع مبو�سيقاه ِ ان هناك مقطع ًا وا�ضح ًا يف امل�سرحية �أُزيل متام ًا من الأوبريت وهو عن الأم التي �ضاعت ابنتها يف املولد ...: �سيدة :يا اوالد احلالل بنت تايهة طولها كده رجلها ال�شمال فيها خلخال زي كده رجل :زحمه يا ولداه كام عيل تاه بائع :ف ّريرة للعيل يابو العيال م ّيل اجلميع :دي الليلة الكبرية يا عمي والعامل كترية ماليني ال�شوادر يابه م الريف والبنادر ال�سيدة :يا اوالد احلالل..... وينتهي الأوبريت بفرح اجلميع و�ضياع ابنة ال�سيدة ،ماذا اراد جاهني �أن يقول لنا بهذا الأوبريت؟ �أو يف رباعياته؟ �أو يف ر�سومه؟ هل فرح ًا مبا لديه؟ مع كان مت�شائما �أم ِ العلم ان الأعمال التي تناولناها مل هدمت تكن بعد نك�سة 1967التي ْ جزء ًا كبري ًا من جاهني ،امنا كانت قبل هذي الفرتة ،وبالطبع ال ميكن لنا درا�سة الرباعيات كجزءٍ كامل ، فم�شروع جاهني كان مت�شعب ًا بني ال�شعر و باقي الفنون ،بالإ�ضافة اىل طغت على جميع �أعماله ان رباعياته ْ وك�أن جاهني مل يكتب �سواها �أبد ًا...
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
12
العدد ()2048ال�سنة الثامنة -ال�سبت (� )19شباط 2011
العدد ()2048ال�سنة الثامنة -ال�سبت (� )19شباط 2011
13
اي��������ام ص���ل��اح ج��اه��ي��ن حممد توفيق غالف الكتاب انطلق فى طريق النجاح كال�شهاب..مل يكن من املنافقني وال �أهل الثقة ،لكن �شعره ال�شعبي ب�شر بالثورة قبل �أن توجد ،و زكاه �أنه ع ُِرف ببعده عن الأحزاب ،وهو من ناحيته و بتلقائية و�إخال�ص ،كر�س �شعره للثورة ،فما من �إجناز �أو ن�صر �أو موقف نب�ض به قلب الثورة �إال و �أعطاه املعادل ال�شعرى فى �أجمل �صوره ،ثم �سرعان ما يرتجم �إىل غناء تردده الإذاعة و التليفزيون..تلك هي ال�صورة التي ر�سمها «جنيب حمفوظ» بر�ؤيته الثاقبة فى رواية «ق�شتمر» لعالقة «�صالح جاهني»�أو (طاهر عبيد بطل الرواية) بالثورة و رجالها ،تلك ال�صورة التى التقطها «حمفوظ» – و�أكد لبهاء �أنه ا�ستوحاها من �شخ�صية والده -النافذة -ال تختلف كثريا عن الواقع لأن «جاهني» �أحب «جمال عبد النا�صر» قبل �أن يلتقيا ،بل كانت �أ�شعاره التي كتبها -و عمره ال يتعدى ال�ساد�سة ع�شرة – دعوة �صريحة للثورة و منها: هيا ننادي ب�صوت واحد �أحد يا فتية النيل هبوا من ثباتكمو �إما فخار و�إما ظلمة اللحد �إما جالء و �إما ال قيام لنا ل�سنا نهاب الردى �إن جاء يطلبنا �إنا فداء مل�صر درة ال�صمد �صاحب تلك الكلمات انتظر الثورة قبل قدومها ؛لذلك التقت �أحالم املدينة الفا�ضلة التي متناها مع �أحالم النه�ضة لدى «عبد النا�صر» ،خا�صة �أن
«جاهني» بطبيعته «ثوري الهوى» مند �أن كان طفال يرف�ض �أن يعي�ش يف جلباب �أبيه رغم ع�شقه له ،لكن حني جاءت الثورة مل يقرتب من �صناعها، بل وقف �ضدها عندما تخلت عن الدميقراطية يف �أزمة 1954م ،و ظل على موقفه من الثورة حتى عام 1956م عندما قام «عبد النا�صر»بت�أميم قناة ال�سوي�س ،و يومها فقط قرر «جاهني» �أن تكون �أ�شعاره وقودا للجنود يف �ساحات املعارك فكتب ق�صيدة «موال ع�شان القنال»التي قال فيها: يجعل كالمي فانو�س و�سط الفرح قايد يجعل كالمي على ال�سامعني بفوايد يجعل كالمي ال ناق�ص وال زايد �إحنا فى وقت البنا ماحنا�ش وقت كالم يجعل كالمي حجارة و مونة و حدايد فني الكالم اللي زي الورد واحلنة �أرميه �سالم و �أنقله مواويل تتغنى على �شباب انقتل فى حب �أوطاننا �شال ال�سالح فى ميينه و قال يا بلدي ندرن عليا الخليكي وال اجلنة و�إن ع�شت يا م�صر الم�شيكي برجليا وعندما �أعلنت اجنلرتا و فرن�سا و �إ�سرائيل (العدوان الثالثى) احلرب على م�صر ذهب �إىل الغذاعة مع �سيد مكاوى وكتب ق�صيدته :
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
كل النا�س هتحارب حنحارب هنحارب باملاليني حنحارب م�ش خايفني م اجلايني حتيا م�صر حتيا م�صر حنحارب حتى الن�صر ويف احلال حلنها �سيد مكاوي وغناها كل من كان موجودا داخل مبنى الإذاعة فى هذه اللحظة لتذاع يف نف�س اليوم بعد خطاب جمال عبد النا�صر من اجلامع الأزهر ،كانت هذه املعركة مبثابة ال�شرارة التى حركت وجدان «جاهني» ،وجعلته ي�ستغني نهائيا عن القلم «اجلاف» و ي�ستبدله بقلم «ر�صا�ص» ليكتب ق�صيدته ال�شهرية «والله زمان يا �سالحي»لت�صبح الن�شيد الوطنى مل�صر حتى معاهدة كامب ديفيد (التي وقعتها م�صر مع �إ�سرائيل عام 1979وقيل �أن من بني بنودها ال�سرية تغيري هذا الن�شيد) وكان يقول فيها: والله زمان يا �سالحي ا�شتقت لك فى كفاحي انطق وقول �أنا �صاحي يا حرب والله زمان والله زمان ع اجلنود زاحفة برتعد رعود حالفة تروح مل تعود �إال بن�صر الزمان هموا و�ضموا ال�صفوف
�شيلوا احلياة ع الكفوف يا ما العدو راح ي�شوف منكم فى نار امليدان م�صر احلرة مني يحميها ..نحميها ب�سالحنا �أر�ض الثورة مني يفديها ..نفديها ب�أروحنا ال�شعب بيزحف زى النور ال�شعب جبال ال�شعب بحور وبركان غ�ضبان بركان بيفور زلزال بي�شق لهم فى قبور و بعد انت�صار �شعب القناة على العدوان الثالثى ،مل يتوقف حلم «جاهني» عند هذا احلد ،بل طالب ب�أن ن�شارك فى حترير �أر�ض اجلزائر فى ق�صيدة «االنت�صار» حني قال: فيه ل�سه ركن ف قلبى عاوز يبت�سم �أر�ض اجلزاير ل�سه حتت االحتالل �أنا قلت م�ش ممكن بالدي تنق�سم �أر�ض اجلزاير جزء من �أر�ض القنال وا�ستمرت رحلة ن�ضال «جاهني» بال�شعر الذى يقف بجوار اجلنود فى ميادين القتال و زاد حبه جلمال عبد النا�صر الذى ر�أى فيه �صورة الزعيم الذى كان ينتظره منذ �أن قر�أ «عودة الروح» لـ «توفيق احلكيم» فى مكتبة
جده و هو طفل فى حى �شربا -والتى �آلت �إىل والده بعد وفاة جده -و لكن فى الوقت نف�سه مل ين�س رفاق الدرب من املثقفني ،و عندما �صدرت قرارات باعتقالهم ذهب لأ�سرهم و �ساندهم ماديا و معنويا ،رغم �أن ذلك ت�سبب له فى حرج �شديد ،حتى �إنه مت التنبيه عليه بعدم تكرار تلك الزيارات و �إال �سيتم و�ضع ا�سمه �ضمن القائمة املطلوب اعتقالها باعتباره من �أعداء الثورة ! لكنه رف�ض ،وبالفعل مت و�ضع ا�سمه فى قائمة االعتقاالت �أكرث من مرة ،و لكن تدخل «عبدالنا�صر» و�شطب ا�سمه بنف�سه -مثلما �أكدت لنا �أخته بهيجة لي�ستمر «جاهني» اىل م�ساندته لأ�سر املعتقلني و ليظل �أي�ضا �سندا حللمالنه�ضة الذى كان يكرب يوما بعد يوم ،و ت�شاء الأقدار �أن العام الذى دخل فيه التليفزيون م�صر ومت االتفاق على �إذاعة احتفاالت الثورة بعيدها �أن يكون «جاهني» فى رحلة فى �إيطاليا ،و ي�شتد حبه للعودة �إىل م�صر فيكتب رائعته «بالأح�ضان» لتكون مبثابة نقلة فى الأغنية الوطنية التى كانت قبله جمرد �أنا�شيد ،لكن «جاهني» كان يرى �أن الأغنية الوطنية يجب �أن تكون عاطفية حتى تنجح ،و ي�ستمر جناحها ل�سنوات طويلة ؛ لذلك بعد جناح «بالأح�ضان» �أ�صبحت كلماته واحدة من مظاهر االحتفال بعيد الثورة. كان الثالثى (عبد احلليم حافظ و كمال الطويل و جاهني) يلتقون فى بداية �شهر يونيو من كل عام لتح�ضري �أغنية جديدة ،و ظل الثالثى على العهد حتى مر�ض والد «جاهني»بال�سرطان ،ومل يتحمل «�صالح»اخلرب و اختفى متاما و حاولت �أ�سرته الو�صول �إليه دون جدوى ملدة ع�شرة �أيام ،بعدها �أق�سمت
«بهيجة»�أخته �أن «حليم هو اللى خمبيه» ،فذهبت �إىل بيته و قالت له «عاوزين �صالح �ضرورى� ،أبوه تعبان و حمتاج ي�شوفه و �أنت خمبيه عندك» ،فقال حليم « :و الله هو ما عندى و ال حتى �شفته ..ادخلى دورى عليه ،و عموما �أنا هجيبه حلد عندك» ،و بالفعل �أح�ضره فى اليوم التاىل بعد �أن ن�شر �إعالنا فى الأهرام يقول «ارجع يا �صالح� ..أهلك بيدوروا عليك»..عاد جاهني لبيته على الفور و عرفوا �أنه كان فى الإ�سكندرية لأنه كان ال يتحمل �أن يرى �أحد ًا من �أقاربه مري�ضا ،فما بالك بوالده. تتابعت الأغانى الوطنية من «على ر�أ�س ب�ستان اال�شرتاكية» و»امل�س�ؤولية» مرورا بـ «�صورة « و «ثوار» و �صوال �إىل «يا �أهال باملعارك» التى كتبها قبيل النك�سة ،تلك الفرتة التى و�صفها «جاهني» بقوله :منذ عام 1967م و�أنا �أعانى من حالة اكتئاب حادة ،و االكتئاب عندى لي�س فرتة ،لكنه حالة كاملة تنتابني و تهاجمنى فى و قت معني ،و حتى �أكون دقيقا فى حديثى ،فلقد عانيت ما عانته م�صر كلها من فرتة اكتئاب من 1967م وحتى ن�صر 1973م ،فالنك�سة عندما حلت مب�صر حلت بكل �شىء..نك�سة فى احلياة ،فى �أعماق الب�شر ،فى ال�شعر ،فى الغناء ،فى كل �شىء� .أنا كم�صرى ت�أثرت بهذه النك�سة ،و كفنان ت�أثرت �أكرث و �أكرث؛ لأن قبل النك�سة كان هناك �شىء نغنى له:الثورة ،الأمل، امل�ستقبل�..أ�شياء كثرية؛لذا كنت �أكتب و �أكتب و �أغنى ،والنا�س كلها تغنى معى ،وكل ال�شعراء يغنون فيجدون �أ�صداء غنائهم عند النا�س ،ولكن هذا كله توقف عام 1967م.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
14
العدد ()2048ال�سنة الثامنة -ال�سبت (� )19شباط 2011
العدد ()2048ال�سنة الثامنة -ال�سبت (� )19شباط 2011
م���������ع ص������ل�����اح ج����اه����ي����ن
صالح جاهين :الفيلسوف الضاحك الذي قتله الحزن ..ولم تصطبغ حياته باللون الـ بمبي ((
جورج بهجوري يف �أوائل اخلم�سينيات بد�أ �صالح جاهني معنا نحن طالب الفنون اجلميلة يقول �أو يردد �أ�شعارا و�أزجاال �شعبية يف فناء الكلية، ثم اختفى وقالوا لنا �إنه التحق باجلامعة كلية احلقوق ليدر�س القانون ،لأن والده م�ست�شار كبري ويريد ابنه يف ذات املجال ثم عاد معنا يف موالد �إمبابة و�أبو العال ي�صعد امل�سرح ويقدمه الفنان والرائد ال�شعبي زكريا احلجاوي ..ي�صفق اجلمهور ل�صالح جاهني ال�شاعر ال�شعبي ال�ضاحك يف كلماته منت�صف الطريق بني ال�سخرية واحلكمة. يف هذه الأثناء جاءت جتربتي املبكرة يف «روزاليو�سف» ب�إر�شاد الفنان الأملعي �أبوالعينني لأكون الولد الر�سام حماولة مني لأكون يف الطليعة ومعي �أ�سلوب جديد يف الر�سم ومازلت �أدر�س مع �أ�ستاذي بيكار يف كلية الفنون. غرفة الر�سم يف املجلة يف �شقة ب�سيطة �شارع حممد �سعيد من الق�صر العيني تزدحم قاعتها طول النهار وامل�ساء ب�أ�صحاب �أقالم من �صحفيني جدد ملعوا يف تاريخ ال�صحافة. نقطة ال�ضوء يف املجلة هو رئي�س حتريرها «�إح�سان عبد القدو�س» ومعه «�أحمد بهاء الدين» ،و«ممدوح ر�ضا» و«�سامي الليثي» دخل �أحدهم غرفتنا للر�سم و�أنا حتت �أباجورة �صغرية وقال يل تعايل ال�صالة الكبرية للتحرير يقدم لنا زكريا احلجاوي فنان جديد تعايل ا�سمع �أ�شعاره و�أزجاله وان�سابت الكلمات من فم �شاب �سمني تقطر كلماته ع�سال من حرية الر�أي وال�سخرية واحلكمة ،و�صفق له اجلميع وزكريا احلجاوي يقول� :أقدم لكم موهبة تغزو قلوب امل�صريني لزمن كامل ..كانت نبوءة احلجاوي حقيقية . لكني عدت �إىل مكتبي �أر�سم ما طلبه مني �سكرتري التحرير على وجه ال�سرعة �إىل املطبعة ..حتى �شعرت به يت�أمل ر�سومي ب�أ�سلوبي اجلديد ،ويتابع خلف يدي حركة اخلط والقلم والذراع ليقول يل بع�ض النقد ..ثم يختفي. مل �أكن قد تعرفت حتى الآن على الر�سام �صالح جاهني ،وكنت قد فهمت �أنه ترك كلية الفنون �إىل احلقوق ثم غري ر�أيه مرة �أخرى. ا�شرتكت يف هذه الأثناء مع زمالء من الي�سار يف دار الفكر وقدمت لهم ر�سوما لكتاب جديد عن بور�سعيد بعد العدوان الثالثي ،وعندما دخلت هذه الدار التي ير�أ�سها �إبراهيم عبد احلليم �أدخلني �أحد املكاتب يجل�س على �أحدها �صالح جاهني ور�سومي عن بور�سعيد حوله حتى �إين ا�ستعنت ببع�ض كلماته «يا �أم البطل يا �أم
ال�شهيد» ،وت�أثرت جدا يف هذا اللقاء لأنه يختار من ر�سومي الأف�ضل لي�ضعه على الغالف ومقا�سات يدونها �إىل املطبعة . �شعرت ب�إنكار ذاته وكرمه مع فنان �آخر بالكاد يعرفه . ثم بد�أت �صداقتنا احلقيقية مع بداية «�صباح اخلري» قبل العدد ال�صفر الذي يعد له املخرج الفنان ح�سن ف�ؤاد الذي اكت�شف فكر وموهبة �صالح جاهني ليكون �أحد جنوم
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
فن الكاريكاتري ،ويختار له �أهم الزوايا وال�صفحات لت�صدر مع العدد الأول. وكان معنا قامو�س لألف نكتة ر�سمها كبار ر�سامي العامل �أح�ضرته معي بتو�صية من ح�سن ف�ؤاد ..لأن دعوتي �إىل برلني كولد ر�سام جديد لأر�سم هذه املرة يف برنامج تليفزيوين علي الزجاج ب�أ�صابع �شمع �سوداء يف برلني . هذا املجلد ال�ضخم الذي يحوي �ألف نكتة
ب�أ�ساليب عاملية هو نواة فن الكاريكاتور يف «�صباح اخلري» لأننا قدمنا ري�شات مميزة لها �صفة خا�صة وتفوقنا يف الأ�ساليب املحلية ،ومذاق الكاريكاتري امل�صري يف �صباح اخلري ،وملع بيننا �أحمد حجازي ورجائي و�إيهاب وبهجت، ولذلك �أ�ؤكد الآن �إيل الذين غ�ضبوا مني عندما قلت هذه املعلومة عن نقل بع�ض �أفكار الكاريكاتري العاملية املذكورة يف
�أحمد رجب �شلتوت هكذا ن�صح العندليب ب�أن يقاوم املوت بالغناء ،وكان للن�صيحة �أحوج ،حينما انهارت �أحالمه فقد القدرة على الغناء ،ف�سقط فري�سة لالكتئاب الذي الزمه حتى املوت. فالذي ارتوى قلبه بالن�شوة� ،أ�صبحت ال�سعادة بالن�سبة له كرباج « قلبي منه اجنلد» كما قال يف واحدة من رباعياته، وقال يف �أخرى �أنا �شاب لكن عمري وال �ألف عام وحيد ولكن بني �ضلوعي زحام خايف ولكن خويف مني �أنا �أخر�س ولكن قلبي مليان كالم رباعياته العبقرية ك�شفت عن تغلغل احلزن يف الروح التي ت�سربت من اجل�سد البدين تدريجيا حتى فارق احلياة يف احلادي والع�شرين من �إبريل عام .1986فالوحيد الأخر�س �أ�صبح مرغما على احلياة التي طاملا ع�شقها وتغنى لها ،قال: مرغم عليك يا ُ�صبح مغ�صوب يا ليل ال دخلتها برجليَّا وال كان يل ميل �شايلني �شيل دخلت يف احلياه وبكره ح �أخرج منها �شاي ِل ِّني �شيل �صاحب الرباعيات هو حممد �صالح الدين بهجت حلمي �أحمد حلمي جاهني، ال�شهري بـ»�صالح جاهني». ولد يف 1930/12/25م بحي ب�شربا يف �شارع جميل با�شا ،وهو الأكرب بني �إخوته .والده امل�ست�شار بهجت حلمي الذي تدرج يف ال�سلك الق�ضائي حتى عُني رئي�سً ا ملحكمة ا�ستئناف املن�صورة. كانت والدته متعرثة ويقال �أن الوالدة املتعرثة ترتك �آثارها على املولود فتالزمه طول حياته وقد تت�سبب يف عدم ا�ستقرار احلالة املزاجية عنده ،وهو ما لوحظ على �صالح جاهني الذي كان يفرح كالأطفال ثم يحزن لدرجة االكتئاب. و�إن كنت �أعتقد �أن حزنه يرجع لهزمية يونيو 1967ثم رحيل عبد النا�صر يف �سبتمرب ،1970فقد �آمن بالثورة و�أحب زعيمها وغنى لهما ،وانك�سر بانك�سارهما. يف طفولته كان نادرا ما يغادر �أمه ،التي كانت تروى له الق�ص�ص العاملية والأمثال ال�شعبية ،فعملت على غر�س كل ما تعلمته من درا�ستها يف مدر�سة ال�سنية ،ثم عملها كمدر�سة للغة االجنليزية يف طفلها الذكي الذي تعلم القراءة يف �سن الثالثة .كما لعبت مكتبة جده ال�سيا�سي والكاتب �أحمد حلمي (�شارع �أحمد حلمي ب�شربا يحمل ا�سمه) -زميل ورفيق الزعيمني م�صطفى كامل وحممد فريد ـ لعبت تلك املكتبة دورًا كبريًا يف �إتاحة جمموعة كبرية من الكتب يف �شتى املجاالت �أمام القارئ النهم .وقد تعلم من والدته �أي�ضا �صناعة بع�ض الألعاب من الطني �أو ال�صل�صال ،كما �شجعته على ممار�سة الر�سم بعد �أن الحظت تعلقه بهذا الفن.
منعطفات
�أراد له والده �أن يكون مثله م�ست�شارا ف�أرغمه على دخول كلية احلقوق فتعرث يف درا�سته ،حتى �أنه ق�ضى يف ال�سنة الأوىل ثالث �سنوات متتالية حتى حلقته �أخته وجنحا معًا يف ال�سنة الأوىل والثانية .ولكن مل ي�ستطع �صالح جاهني
m a n a r a t
2011192048
))
يا عندليب ماتخاف�ش من غنوتك قول �شكوتك واحكي على بلوتك الغنوه م�ش حتموتك� ......إمنا كتم الغنا هو اللي ح ميوتك هذا القامو�س .لكنه �شيء طبيعي جدا، لأن عبد الوهاب املو�سيقار مثال ي�ستمع �إىل املو�سيقا العاملية الكال�سيكية ثم ي�ؤلف مو�سيقاه �أو ما ي�صاحب �أغنيته اجلديدة . �سنوات طويلة ،ونحن يف غرفة واحدة مع حلمي كامل وم�أمون وحجازي ورجائي وبهجت � ..إال �أن ركن �صالح جاهني على طاولته ير�سم �صفحتي الدوبل كل �أ�سبوع هو بريق النجاح الكبري الذي �أ�صبح هو رائده ومبدعه يف �أفكار المعة جدا لها تلخي�ص للمجتمع امل�صري وال�شباب وال�شعب عامة .فقد اختارت �صباح اخلري له زاوية قهوة الن�شاط يف ال�صفحة الأوىل ،وتوالت ال�صفحات بعد ذلك قي�س وليلى «احلب الأفالطوين» ،بالإ�ضافة �إىل رباعياته كل �أ�سبوع �أما زاوية الهيكل العظمي ونادي العراة فلم يوفقاها و�أذكر يف هذه الفرتة �أن مر�ض زميلي �صالح بالأنفلونزا و�أمامه نكت الدوبل وهو غارق يف عرق غزير ورع�شة. وكان البد من الت�سليم للمطبعة يف �ساعة واحدة � ..أخذت من �صالح جاهني ال�صفحتني وهما بالقلم الر�صا�ص وقلت له � :أرجوك �أنت ترتاح يف البيت و�أنا �س�أكمل حتبري الر�سوم بنف�سي فاطمئن حدث ذلك مع حتيات الزمالء ،هذه الروح اجلميلة يف �أ�سرة �صباح اخلري يف بدايتها وجناح توزيع املجلة �أ�ضاف �إىل الدار �إيرادا �ضخما ،فقررت الإدارة منح �صالح جاهني عالوة على مرتبه 10 جنيهات ،ولكنه رف�ض وقال �أوافق علي �شرط �أن زمالءي الر�سامني يعاملون باملثل ..وعندما �صعدنا �إىل اخلزينة وجدنا عالوتنا جميعا حجازي ورجائي وبهجت و�إيهاب حمبتي له ولذكراه الآن ال مثيل لها و�سبب اخلالفات ال�صغرية وزوبعة كتاب الر�سوم املمنوعة الذي ن�شرته ب�سببها �أين كنت يف باري�س فرتة طويلة بعيدا عن الأجواء ال�صحفية امل�صرية و�أن بع�ض ال�صحفيني واملثقفني ت�صوروا �أين ر�سمت بعده ولي�س قبله . بل �إن القدر �أعطاين هدية هو �صاحبها عندما جنحت �أزجاله و�أ�شعاره للغناء مع عبد احلليم وكمال الطويل ،فكانا يح�ضران تباعا �إىل املجلة و�إىل غرفة الر�سامني وال يجدوا ر�ساما �ساهرا �سوي �أنا فتكونت �صداقتي معهما ويرجع الف�ضل يف هذه ال�صداقة �إىل ال�صديق العزيز �صالح جاهني ..كما �أن �أكرب لوحة يف مر�سمي بالألوان الزيتية هي بورتريه �صالح جاهني بري�شتي �أريد يف منا�سبة قادمة �أن �أقدمها هدية لبهاء جاهني.
15
�أن يكبت بركان الفن داخله �أكرث من ذلك ،فقرر ترك احلقوق ودرا�سة الفنون� ،أ�سفر عن م�شادة عنيفة بينه وبني والده. بعدها غادر �صالح جاهني املنزل دون �إطالع �أحدًا على مق�صده .فتوجه لبيت الفنانني بوكالة الغوري ثم �سافر لعمه بغزة، وق�ضى فرتة هناك عاد بعدها �إىل القاهرة حيث قر�أ �إعال ًنا عن وظيفة م�صمم جمالت باململكة العربية ال�سعودية ،فتقدم لها ثم �سافر دون �أن يخرب �أحدًا ،ومل يعلم والديه �إال بعد �سفره بالفعل .ولكنه عاد مرة �أخرى مل�صر بعد �أن تلقى خطابًا من والده يحثه فيه على العودة. ورغم التحاق �صالح جاهني بكلية الفنون اجلميلة بعد ذلك �إال انه مل يكمل الدرا�سة بها � ً أي�ضا. وبعد عودته بد�أ حياته العملية يف جريدة بنت النيل ،ثم جريدة التحرير .وفى هذه الفرتة �أ�صدر �أول دواوينه «كلمة �سالم» يف عام .1955وفى نف�س الوقت بد�أت �شهرته كر�سام كاريكاتري يف جملة روزاليو�سف ،ثم يف جملة �صباح اخلري التي �شارك يف ت�أ�سي�سها عام ،1957 وا�شتهرت �شخ�صياته الكاريكاتورية مثل قي�س وليلى، قهوة الن�شاط ،الفهامة ،در�ش وغريها من ال�شخ�صيات. وقد ت�سببت ر�سومه الكاريكاتورية �أكرث من مرة يف �أزمات �سيا�سية كان من �أبرزها اختالفه مع ال�شيخ الغزايل بالكاريكاتري عند مناق�شة م�شروع امليثاق يف عام ،1962 فا�ستباح طالب الأزهر دمه وتظاهروا �أمام جريدة الأهرام مرددين هتافات �ضده .كما �أجرى معه املدعى العام اال�شرتاكي حتقي ًقا ب�سبب ر�سم كاريكاتريي انتقد فيه تقري ًرا حول نتيجة التحقيق يف �ش�أن تلوث مياه القاهرة.
الوهج
مل تتوقف �أعمال �صالح جاهني ال�شعرية رغم عمله كر�سام كاريكاتري ،ف�أ�صدر ديوانه الأول «كلمة �سالم» عام ،1955 ثم ديوانه الثاين «موال ع�شان القنال» عام 1957وفى نف�س العام كتب «الليلة الكبرية» التي حلنها له �سيد مكاوي �أحد �أقرب �أ�صدقائه. ومثلت الفرتة املمتدة من 1959حتى 1967فرتة الن�ضج ال�شعري عند �صالح جاهني والتي بلغت قمتها ب�صدور ديوانه «الرباعيات» عام ،1963ثم عام 1965حني �أ�صدر ديوانه «ق�صاقي�ص ورق» ،وخالل تلك الفرتة كتب �صالح جاهني �أروع �أعماله الوطنية التي تغنى بها العديد من املطربني ومنهم عبد احلليم حافظ مثل «�صورة»، «بالأح�ضان»« ،والله زمان يا �سالحي» الذي ا ُّتخذ الن�شيد الوطني امل�صري �إبان حكم الرئي�س الراحل جمال عبد النا�صر ،وغريها من الأعمال الوطنية التي بقت را�سخة يف ذاكرة ال�شعب امل�صري .وفى الفرتة ذاتها كون �صالح جاهني جماعة «حمبي �ضوء القمر» عام ،1961كما قدم العديد من امل�سرحيات مثل «القاهرة يف �ألف عام» ،وكتب الأغاين والأ�شعار للعديد من امل�سرحيات مثل «�إيزي�س»، و»احلرافي�ش» ،ومل يتوقف �إنتاجه عند الأعمال املحلية، بل قام بالرتجمة والإعداد م�سرحيًا لبع�ض امل�سرحيات الأجنبية مثل «الإن�سان الطيب»« ،دائرة الطبا�شري القوقازية»� .أي�ضا كتب الأغاين للعديد من الأعمال
manarat الإذاعية مثل م�سل�سل «ر�صا�صة يف القلب» .وقدم للأطفال عدة �أعمال مثل م�سرحيات «الفيل النونو الغلباوي»« ،ال�شاطر ح�سن»، «�صح�صح ملا ينجح»« ،حمار �شهاب الدين» ،لذلك اختارته وزارة الثقافة - عام -1962ليكون م�س�ؤو ًال عن ثقافة الطفل. وان�ضم �صالح جاهني يف مار�س 1964لأ�سرة جريدة الأهرام ليكمل م�سريته فيها .كما نال و�سام الفنون يف عيد العلم عام .1965وعن هذه الفرتة �أجاب عندما �سُ ئل عن �أجمل فرتات العمر« :هي الفرتة ما بني عام 1967-1963الفرتة دي كانت الذروة يف حياتي».
رئي�س جمل�س الإدارة رئي�س التحرير
الفيل�سوف
ينفرد جاهني بخا�صية متنح �شعره – على ب�ساطته وعاميته -بعدًا فل�سفيًّا ال مثيل له لدى �شعراء العامية خ�صو�صا يف رباعياته حيث جند الآخرين ،ويتجلى ً �أ�صداء لفل�سفة �سارتر الوجودية وملواقف �ألبري كامو يف اغرتابه وجلر�أة نيت�شه الذي مل تكن فل�سفته �سوى �شعر مكثف .بالإ�ضافة �إىل نهل جاهني من الرتاث الفلكلوري امل�صري والعربي الإ�سالمي وامل�سيحي .ومزجها كلها يف �صوت �صادق متفرد هو �صوته وحده .ولننظر �إىل بع�ض رباعياته التي ميكن اعتبار كل رباعية منها �أطروحة فل�سفية كاملة تطرح كل منها �أحد الأ�سئلة الوجودية الهامة يف ت�صوير بالغ الإيجاز والإيحاء والده�شة.
االنطفاء
تداعت �أحالم �صالح جاهني بهزمية يونيو،1967 وتبددت متاما برحيل عبد النا�صر� ،سقط �شاعر الثورة يف براثن الإحباط ،فلزم ال�صمت (�أخر�س ولكن قلبي مليان كالم) ،وما بقى من �إجنازات عبد النا�صر تعر�ض للت�شويه حتى ال�سد العايل طالته احلملة ال�ساداتية امل�سعورة وحاولت احلط من �ش�أنه .مل يجد ال�شاعر مك�سور احللم و�سيلة لإفراغ طاقاته املكبوتة �إال يف كتابة �أغاين �أفالم �سعاد ح�سني مثل «خلي بالك من زوزو» و»�أمرية حبي �أنا» .تندر املثقفون على « قفل يل على كل املوا�ضيع» نعوا ال�شاعر اجلميل لكنه قبل رحيله بعامني �أ�صدر ديوانه الأخري «�أنغام �سبتمربية» عام .1984 وملا �س�أل �سبتمرب؟ �أجاب« :رمبا لأن عواطفي تعودت �أن جتي�ش يف �سبتمرب من كل عام منذ �أن كان الفي�ضان ي�أتي يف هذا ال�شهر حمم ًال بعطر ميل�ؤين بن�شوة عجيبة ورغبة خفية يف االرتواء واالحتواء� ،أو رمبا لأن عبد النا�صر مات كمدًا يف �سبتمرب�« .أنغام �سبتمربية» كانت ديوانه الأخري ولقارئه �أن يت�ساءل :هل كانت ق�صائده هي تغريدة البجعة حينما ت�ست�شعر قرب الرحيل ،وهل كان �صدفة �أن ينتهي الديوان بالكلمات التالية: �آدي اللي كان وادي القدر وادي امل�صري نودع املا�ضي وحمله الكبري نودع الأفراح نودع الأ�شباح راح اللي راح ،ماعد�ش فا�ضل كتري.
التحرير ----------------نزار عبد ال�ستار الت�صميم ----------------م�صطفى جعفر
طبعت مبطابع م�ؤ�س�سة املدى لالعالم والثقافة والفنون
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com