Salah Gahin

Page 1

‫رئي�س جمل�س االدارة رئي�س التحرير‬ ‫فخري كرمي‬ ‫ملحق ثقايف ا�سبوعي ي�صدر عن جريدة املدى‬

‫‪m a n a r a t‬‬

‫العدد (‪)2048‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪� )19‬شباط ‪2011‬‬


‫‪2‬‬

‫العدد (‪)2048‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪� )19‬شباط ‪2011‬‬

‫صالح جاهين‬ ‫شاعر الثورة‬

‫العدد (‪)2048‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪� )19‬شباط ‪2011‬‬

‫وفيلسوف الفقراء‬

‫فران�سوا با�سيلي‬ ‫الت�ستطيع ان ت�ستح�ضر‬ ‫للذاكرة العبقرى امل�صرى‬ ‫املبدع �صالح جاهني‬ ‫(‪ )1986-1930‬اال وحت�ضر‬ ‫معه بال�ضرورة كوكبة من‬ ‫املبدعني الذين زاملوه‬ ‫وا�شرتكوا معه فى �صنع‬ ‫ال�سيمفونية الباهرة للثقافة‬ ‫والفنون والفكر التحرري‬ ‫املثري فى ع�صر م�صر الذهبي‬ ‫فى اخلم�سينيات وال�ستينيات‬ ‫من القرن الع�شرين‪.‬‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫فيح�ضر معه بال�ضرورة زمياله ال�شاعران‬ ‫�أحمد عبد املعطى حجازى و�صالح عبد‬ ‫ال�صبور وكان الثالثة يعملون فى غرفة‬ ‫واحدة ت�ضم مكاتبهم الثالثة فى دار روز‬ ‫اليو�سف ويقول حجازى‪" :‬كان جاهني‬ ‫�أكرثنا ن�شاطا ومرحا وح�ضورا‪ ،‬كان‬ ‫ير�سم وينظم بالعربية وكان احيانا يغنى‬ ‫بع�ض الأغنيات اال�سبانية من تراث احلرب‬ ‫الأهلية‪ ،‬باال�ضافة اىل �أغنيات رو�سية‪،‬‬ ‫وفى تلك الغرفة �سمعت من �صالح جاهني‬ ‫معظم �أغنياته التى نظمها فى اخلم�سينات‬ ‫و�أوائل ال�ستينيات‪ :‬ويقول حجازي انه‬ ‫رغم بدانة جاهني ف�إنه هو الذى علمه‬ ‫رق�صة الفال�س! ويقول حجازي‪" :‬مل‬ ‫يكن �صالح جاهني �صوتا ب�سيطا مفردا‪،‬‬ ‫و�إمنا كان جممع �أ�صوات‪ ،‬كان �صوت‬ ‫م�صر و�صوت الب�شرية‪� ،‬صوت اجلماعة‬ ‫فى الواقع ويف احللم معا‪� ،‬صوت جماعة‬ ‫ناه�ضة حرة متقدمة �سعيدة منتمية‬ ‫حل�ضارة الع�صر م�شاركة فى �صنعها‪.‬‬ ‫ف�صالح جاهني لي�س ثمرة تراث قومي‬ ‫مغلق وامنا هو ثمرة الرتاث القومي‬ ‫والرتاث االن�سانى‪ ،‬وهو يدين للوركا‬ ‫وبول �إيلوار بقدر مايدين ل�شوقى وبريم‬ ‫التون�سى‪".‬‬ ‫كما البد �أن يح�ضر معه للذاكرة �أي�ضا‬ ‫�شاعر م�صر الكبري �صالح عبد ال�صبور‪.‬‬ ‫ليكون هو املقابل املخالف امل�ضاد ل�صالح‬ ‫جاهني رمبا فى كل �شئ‪ ،‬روحا وج�سدا‪،‬‬ ‫�شكال ومو�ضوعا‪ ،‬فعبد ال�صبور هادئ‬ ‫حزين مت�شائم‪ ،‬يكتب بالف�صحى �شعرا‬ ‫للنخبة املثقفة عاك�سا ثقافة عاملية نخبوية‪،‬‬ ‫بينما جاهني �صاخب مرح متفائل يكتب‬ ‫بالعامية لعامة ال�شعب �شعرا وغناء يفوح‬ ‫برياحني �صبايا القرى و�أحالم رجل‬ ‫ال�شارع وتعبه اليومي‪ ،‬دون ان يتخلى‬ ‫عن عمق ان�ساين فل�سفي بالغ الت�أثري‪.‬‬ ‫والي�شرتك "ال�صالحان" – جاهني وعبد‬ ‫ال�صبور‪� -‬سوى فى�أن كليهما ا�ستطاع ان‬ ‫ي�ؤثر ت�أثريا حا�سما على جيله فى جمال‬ ‫ابداعه‪ .‬فيمكن القول �أن عبد ال�صبور قد‬ ‫�شكل الذائقة ال�شعرية والوجدانية جليل‬ ‫م�صرى كامل بق�صيدة واحدة هي "احالم‬ ‫الفار�س القدمي"‪ ،‬والتى اعرتف بع�ض‬ ‫رواد ال�شعر فى اجليل التايل �أنهم كانوا‬ ‫يجوبون طرقات القاهرة ليال من�شدين‬ ‫املقاطع ال�شهرية لهذه الق�صيدة ب�صوت‬ ‫مرتفع‪.‬‬ ‫وبينما قام عبد ال�صبور بت�شكيل الذائقة‬ ‫ال�شعرية جليل كامل من ال�شعراء من بعده‪،‬‬ ‫قام جاهني بت�شكيل الذائقة الوجدانية‬ ‫جليل الثورة ب�أكمله‪� ،‬شعراء وفقراء‬ ‫وب�سطاء وعماال وفالحني وموظفني‬ ‫وعا�شقني وحاملني‪ .‬من هنا ت�أتى �أهمية‬ ‫هذا ال�شاعر ال�شعبي العظيم‪ ،‬ولهذا �أقوم‬ ‫باملقارنة بينه وبني �صالح عبد ال�صبور‪،‬‬ ‫فبينما نال عبد ال�صبور تقديرا كبريا‬ ‫م�ستحقا فى الو�سط الثقايف امل�صري‪ ،‬ف�إن‬ ‫جاهني فى اعتقادى مل ينل ماي�ستحقه من‬ ‫تقدير ينا�سب اجنازاته الهائلة فى ميادين‬ ‫االبداع املتنوعة التى طرقها‪ ،‬من الر�سم‬ ‫الكاريكاتورى اىل �شعر العامية والزجل‬ ‫واالغنية والأ�شعار امل�سرحية وال�سينمائية‬

‫‪3‬‬

‫�أبطال‪ /‬علما وعمال ‪ /‬ومعانا جمال‪)..‬‬

‫مزامري احلب والبهجة‬

‫فى الوقت نف�سه الذي كان يكتب فيه‬ ‫جاهني هذه الأنا�شيد الوطنية ال�شعبية‬ ‫الواعدة‪ ،‬كان يكتب �أي�ضا مزامري الزهور‬ ‫واحلب والبهجة ‪ .‬فهو عا�شق للحياة‬ ‫يحبها بح�س �شاعر ونزق طفل وتهور‬ ‫�شاب مقبل على مباهج الأحالم املنتظرة‬ ‫فى فرح حقيقى‪ .‬ان عالقة جاهني بالفرح‬ ‫عالقة ا�سا�سية حميمة‪.‬‬ ‫يقول فى رباعياته ال�شهرية‪:‬‬ ‫�أنا اللى بالأمر املحال �إغتوى‬ ‫�شفت القمر نطيت لفوق فى الهوا‬ ‫طلته ماطلتو�ش �إيه انا يهمنى‬ ‫وليه مادام بالن�شوة قلبى ارتوى‬ ‫عجبى‬ ‫ويقول فى رباعية �أخرى‪:‬‬ ‫فتحت �شباكى ل�شم�س ال�صباح‬ ‫مادخل�ش منه غري عويل الرياح‬ ‫وفتحت قلبى ع�شان �أبوح بالأمل‬ ‫ماخرج�ش منه غري حمبة و�سماح‬ ‫عجبى‬ ‫وفى ت�أكيد على �أهمية الفرح العام‬ ‫اجلهوري املعلن يقول‪:‬‬ ‫كرباج �سعادة وقلبى منه اجنلد‬ ‫رمح ك�أنه ح�صان ولف البلد‬ ‫ورجع ىل ن�ص الليل و�س�ألنى ليه‬ ‫خجالن تقول �أنك �سعيد ياولد؟‬

‫والفوازير التليفزيونية وم�سرح العرائ�س‬ ‫وال�سيناريو ال�سينمائي ف�ضال عن الأنا�شيد‬ ‫الوطنية التى �صنع منها جاهني فنا جديدا‬ ‫قائما بذاته ‪.‬‬

‫�شاعر الثورة‬

‫بينما اجد بع�ض النقاد يطلقون على‬ ‫�صالح جاهني لقب "مغنى الثورة" الن‬ ‫كل ماكتبه كان يتحول اىل �أغنيات ثورية‬ ‫�شعبية ب�صوت فنان الثورة عبد احلليم‬ ‫حافظ ب�أحلان املو�سيقار الفريد كمال‬ ‫الطويل‪ ،‬ورمبا مع بع�ض الرتدد فى اطالق‬ ‫لقب �شاعر الثورة عليه‪ ،‬فى ميل للإحتفاظ‬ ‫بلقب �شاعر ملن يكتبون بالف�صحى‪ ،‬اال‬ ‫�أننى ال�أجد �أى حمل للرتدد فى و�صف‬ ‫جاهني ب�شاعر الثورة امل�صرية‪ ،‬فهو وحده‬ ‫من ا�ستطاع ان يرتجم م�شاعر و�أحالم‬ ‫و�أفراح ماليني امل�صريني اىل كلمات حية‬ ‫متوثبة مليئة بالدفء والزهو والن�شوة‪.‬‬ ‫فبينما كتب عبد ال�صبور وحجازي‬ ‫بع�ض الق�صائد الف�صحى املعربة عن‬

‫بع�ض جوانب تلك الفرتة‪ ،‬ف�إننا الجند‬ ‫فى ق�صائدهم تلك حرارة ولهفة و�صدق‬ ‫امل�شاعر الالفحة التي جندها فى كلمات‬ ‫جاهني‪ ،‬كما وكيفا‪ ،‬ولعل من املفارقة ان‬ ‫الق�صيدة الوحيدة الدافئة احل�س املرهفة‬ ‫ال�صدق التي كتبها حجازي فى تلك املرحلة‬ ‫ب�أ�سرها هي ق�صيدته العميقة فى رثاء‬ ‫عبد النا�صر "مرثية الزمن اجلميل" بينما‬ ‫–على العك�س‪ -‬كان رحيل عبد النا�صر هو‬ ‫نهاية مرحلة ال�شعر الثورى لدى جاهني‪.‬‬ ‫فى �أ�شعاره "الثورية" مل يكتب جاهني‬ ‫�شعارات باردة جوفاء بل ا�ستطاع ان‬ ‫يغو�ص فى اعماق االن�سان امل�صرى‬ ‫املتطلع اىل عامل �أف�ضل لي�ستخرج منه‬ ‫بكلمات عامية ب�سيطة وبليغة فى �آن‬ ‫واحد‪� ،‬أجمل ما فيه من �أغنيات ومزامري‬ ‫راح ينرث بها البهجة والفرح احلقيقي‬ ‫بالفجر البهي القادم على الأفق‪ .‬مل تكن‬ ‫فى كلماته �أية ظالل الفتعال �سيا�سي او‬ ‫تعبوى‪ ،‬بل كانت م�شاعر عفوية �صادقة‬ ‫ترق�ص فى قلبه املتفائل املحب للحياة‬

‫فتتحول عرب �شاعريته الأ�صيلة اىل �أنا�شيد‬ ‫للفرح واحلب واللهفة املتوثبة‪ .‬ولأن هذه‬ ‫امل�شاعر كانت تعبريا �صادقا عن الوجدان‬ ‫امل�صرى اجلارف فى تلك املرحلة‪ ،‬مل يكن‬ ‫�صعبا على مبدع مرهف �آخر مثل كمال‬ ‫الطويل �أن ي�ضع لها �أحلانا نابعة من عمق‬ ‫الوجع امل�صرى الطويل و�صاعدة يف‬ ‫نربات مت�سرعة الهثة فرحة مت�شوقة للغد‬ ‫الأجمل الذى وعدت به القلوب الفائرة‬ ‫الثائرة‪.‬‬ ‫وبهذا ال�صدق والفرح والتفا�ؤل كتب‬ ‫جاهني –وغنى عبد احلليم‪� -‬أنا�شيد‬ ‫�إحنا ال�شعب (‪ )56‬وبالأح�ضان (‪)61‬‬ ‫وامل�سئولية (‪ )63‬ويا�أهال باملعارك (‪)65‬‬ ‫و�صورة ونا�صر وغريها‪ .‬وكان من‬ ‫املده�ش حقا �إ�ستقبال اجلماهري لهذه‬ ‫االنا�شيد وجتاوبها معها حفظا وغناء‬ ‫وك�أنها �أغنيات فى احلب وال�صبا واجلمال‬ ‫ولي�س فى الثورة واحلرية والكرامة بل‬ ‫وال�سيا�سة االقت�صادية (على را�س ب�ستان‬ ‫اال�شرتاكية‪ /‬واقفني بنهد�س ع املية‪� /‬أمة‬

‫ويقول فى �شعر الغزل وال�شقاوة واملحبة‪:‬‬ ‫يا بنت يام املريله كحلى‬ ‫يا�شم�س هااله‪ ،‬وطاالله م الكومه‬ ‫لو قلت عنك فى الغزل قوله‬ ‫ممنوع عليا واال م�سموح ىل؟‬ ‫وفى رباعية غزلية �آخرى يقول‪:‬‬ ‫اوقات افوق ويحل عنى غبايا‬ ‫وا�شعر ك�أنى فهمت كل اخلبايا‬ ‫�أفتح �شفايفى ع�شان اقول الدرر‬ ‫مااقول�ش غري حبة غزل فى ال�صبايا‬ ‫عجبي‪.‬‬

‫م�سئولية الكلمة‬

‫يعرف �صالح جاهني م�س�ؤوليته كمبدع‬ ‫وك�شاعر‪ .‬كثريا ما ي�شري اىل ال�صمت فى‬ ‫�شعره كمرادف للموت‪ ،‬وي�شري اىل الكلمة‬ ‫كمرادف للحياة‪ .‬يقول فى ق�صيدة بعنوان‬ ‫"اتكلموا"‪:‬‬ ‫اتكلموا‪ ..‬اتكلموا‪ ..‬اتكلموا‬ ‫حمال الكالم‪ ،‬ما�ألزمه‪ ،‬ما�أعظمه‬ ‫فى البدء كانت كلمة الرب االله‬ ‫خلقت حياه واخللق منها اتعلموا‬ ‫ف�إتكلموا‬ ‫الكلمة ايد الكلمة رجل الكلمة باب‬ ‫الكلمة ملبة كهربية فى ال�ضباب‬ ‫الكلمة كوبرى �صلب فوق بحر العباب‬ ‫اجلن يا�أحباب مايقدر يهدمه‬ ‫فاتكلموا‬ ‫وفى رباعية جميلة يقول‪:‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪4‬‬

‫العدد (‪)2048‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪� )19‬شباط ‪2011‬‬

‫ياعندليب ماتخاف�ش من غنوتك‬ ‫قول �شكوتك واحكى على بلوتك‬ ‫الغنوه م�ش حتموتك‪� ......‬إمنا‬ ‫كتم الغنا هو اللى ح ميوتك‬

‫فيل�سوف الفقراء‬

‫ينفرد جاهني بخا�صية هامة متنح �شعره‬ ‫–على ب�ساطته وعاميته‪ -‬بعدا فل�سفيا‬ ‫النعرف له مثيال لدى �شعراء العامية‬ ‫الآخرين بل والنعرف له مثيال لدى �شعراء‬ ‫الف�صحى امل�صريني‪ ،‬فيما عدا رفيقه �صالح‬ ‫عبد ال�صبور الذى �إت�سمت معظم �أ�شعاره‬ ‫ب�أبعادها الفل�سفية واالن�سانية ال�شاملة‪.‬‬ ‫وهنا اي�ضا –وعلى الأخ�ص‪ -‬مل يح�صل‬ ‫جاهني على حقه من التقدير‪ ،‬ب�سبب‬ ‫النظرة العدائية من الو�سط الثقافى‬ ‫النخبوى للعامية‪ ،‬ورمبا ب�سبب التحيز‬ ‫للف�صحى واخلوف عليها‪ ،‬مع قدر من‬ ‫عدم الت�صديق لإمكانية ان تقول العامية‬ ‫الدارجة معان تقرب من مدار الفل�سفة‬ ‫املقد�س‪ .‬ولكن الي�صح ان مينعنا مثل هذا‬ ‫املوقف اال�ستعالئي الزائف واخلائف‬ ‫من ان نخو�ض فى رفق وحدب فى‬ ‫�أعماق �أ�شعار جاهني لنكت�شف مابها من‬ ‫جواهر فكرية ووجدانية بديعة‪ .‬ف�إنك‬ ‫لتجد فى رباعياته �أ�صداء لفل�سفة �سارتر‬ ‫الوجودية وملواقف البري كامو فى اغرتابه‬ ‫وجلر�أة نيت�شه الذي مل تكن فل�سفته‬ ‫�سوى �شعرا مكثفا‪ .‬بالإ�ضافة اىل نهل‬ ‫جاهني من الرتاث الفلكلوري امل�صري‬ ‫والعربى اال�سالمى وامل�سيحى‪ .‬ومزجها‬ ‫كلها فى �صوت �صادق متفرد هو �صوته‬ ‫وحده‪ .‬ولننظر اىل بع�ض رباعياته التى‬ ‫ميكن اعتبار كل رباعية منها �أطروحة‬ ‫فل�سفية كاملة تطرح كل منها �أحد الأ�سئلة‬ ‫الوجودية املهمة فى ت�صوير بالغ الإيجاز‬ ‫والإيحاء والده�شة‪:‬‬ ‫عيد والعيال اتنططوا ع القبور‬ ‫لعبوا ا�ستغماية ولعبوا بابور‬ ‫وبالونات ونايلونات �شفت�شى‬ ‫واحلزن ح يروح فني جنب ال�سرور!‬ ‫عجبى‬ ‫الدنيا �صندوق دنيا‪ ..‬دور بعد دور‬ ‫الدكة هي ‪ ..‬وهي كل الديكور‬ ‫مي�شى اللى �شاف وي�سيب لغريه مكان‬ ‫كان عربجى او كان امرباطور‬ ‫عجبى‬ ‫�أنا �شاب لكن عمري وال �ألف عام‬ ‫وحيد ولكن بني �ضلوعي زحام‬ ‫خايف ولكن خويف مني �أنا‬ ‫�أخر�س ولكن قلبي مليان كالم‬ ‫عجبى‬ ‫علمى ان كان اخللق من �أ�صل طني‬ ‫وكلهم بينزلوا مغم�ضني‬ ‫بعد الدقائق وال�شهور وال�سنني‬ ‫تالقى نا�س �أ�شرار ونا�س طيبني‬ ‫عجبى‬ ‫وكان هذا الفيل�سوف اجلميل مفتوح القلب‬ ‫�سريع البديهه‪ .‬و�أذكر اننى ا�ستمعت اليه‬ ‫مرة فى برنامج �إذاعى ا�سمه "جرب حظك"‬ ‫�س�أله فيه مقدمه عبا�س �أحمد‪ :‬من فى ر�أيك‬ ‫�أعظم ر�سام كاريكاتري فى العامل؟ ف�أجاب‬ ‫جاهني الذي كان بدينا‪ ،‬ق�صريا‪� ،‬أ�صلعا‪،‬‬ ‫وك�أنه كرة �ضخمة‪ :‬احلقيقة �أين كل ما‬ ‫ب�صيت فى املراية عرفت ان ربنا �سبحانه‬ ‫وتعاىل هو �أعظم ر�سام كاريكاتور فى‬ ‫الدنيا ! فانفجر اجلمهور �ضاحكا‪.‬‬

‫عاملي النزعة‬

‫رغم ان �صالح جاهني كان يغنى‬ ‫لال�شرتاكية فى �إخال�ص املثقف املنتمى‬ ‫للفكر الي�سارى املنحاز للفقراء والب�سطاء‬ ‫ب�شكل ا�سا�سى اال انه كان مثقفا ولي�س‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫العدد (‪)2048‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪� )19‬شباط ‪2011‬‬

‫‪5‬‬ ‫ايديولوجيا منغلقا‪ .‬ومازلت �أذكر �أنه فى‬ ‫اليوم التايل لإغتيال الرئي�س االمريكي‬ ‫ال�شاب جون كيندى فى عام ‪ 1963‬فوجئت‬ ‫فى جريدة االهرام التي كانت تن�شر‬ ‫جلاهني ر�سما كاريكاتوريا �شهريا كل‬ ‫يوم �أنها تن�شر له ق�صيدة رائعة فى رثاء‬ ‫الرئي�س االمريكي مل �أعد �أذكر كلماتها‬ ‫ومل اجدها بعد ذلك ولكنى اذكر جيدا انه‬ ‫ختمها وهو يهتف ملتاعا با�سم الرئي�س‬ ‫االمريكى قائال‪ :‬ياجون‪ ..‬يايوحنا‬ ‫املعمدان! وقد �أثرت يف نف�س هذه اخلامتة‬ ‫املده�شة للق�صيدة‪ .‬ومل افهم للوهلة االوىل‬ ‫ملاذا يخاطبه بيوحنا املعمدان‪ .‬اذ كنت‬ ‫مازلت طالبا فى ذلك الوقت‪ .‬ومل يكن‬ ‫فى ذهنى �أن جون هي بالعربية يوحنا‪.‬‬ ‫فكانت هذه املقاربة اجلميلة فى الق�صيدة‬ ‫والتى تدل على انفتاح جاهني ال�سيا�سي‬ ‫والدينى معا‪ ،‬فلم متنعه ي�ساريته الفكرية‬ ‫من التعاطف مع رئي�س امريكى �شاب كان‬ ‫مثقفا ثقافه ان�سانية حقيقية وقف امام‬ ‫نفوذ التحالف ال�صناعي الع�سكرى فى‬ ‫بلده وا�شاع فى العامل كله �أمال يف م�ستقبل‬ ‫اجمل‪ ..‬والمنعته ثقافته اال�سالمية من‬ ‫معرفة وا�ستخدام رمز م�سيحى �شهري‬ ‫هو يوحنا املعمدان الذي كان يو�صف‬ ‫بال�صوت ال�صارخ فى الربية لقوته‬ ‫و�شجاعته فى املجاهرة باحلق حتى‬ ‫او�صله هذا اىل تقدمي رقبته على طبق‬ ‫هدية ل�سالومى من امللك هريود�س �أنتيبى‬ ‫الذى �صرخ فى وجهه يوحنا املعمدان‬ ‫يوما‪ :‬هذا اليحل لك!‬

‫فر�سان الثورة‬

‫�إ�ستطاعت الثورة امل�صرية منذ والدتها‬ ‫وب�سبب اهتمام عبد النا�صر بالثقافة‬ ‫والفنون واالدب ا�سا�سا ان تخلق مناخا‬ ‫�إجتماعيا مثريا لعوامل االبداع االن�ساين‬ ‫فى جميع املجاالت ‪ ..‬وانطلقت مع بداية‬ ‫الثورة وب�شكل تلقائي مده�ش �شرارة‬ ‫اخللق واالبداع الفنى والفكرى فى عدد‬ ‫هائل من ال�شباب املثقف ال�صاعد من قرى‬ ‫وجنوع م�صر الزاحف نحو القاهرة‬ ‫واال�سكندرية ف�إذا مبئات ومئات من‬ ‫املبدعني تت�صاعد �أجنمهم فى �سماء م�صر‬ ‫حاملني رايات ملونة زاهية لأعمال جديدة‬ ‫مده�شة فى كل مناحى االبداع‪�.‬أر�صد هذا‬ ‫لأو�ضح �أن �صالح جاهني –وان كان حقا‬ ‫�صوتا متفردا مميزا فى ال�شعر وفنانا‬ ‫مبدعا فى الر�سم وغريه من الفنون – مل‬ ‫يكن وحيدا وامنا كان واحدا من "جي�ش"‬ ‫مده�ش من املبدعني املجددين الذين‬ ‫ا�ستقوا من ينابيع اجل�سد امل�صرى املتفجر‬ ‫ب�إرها�ص الوالدات اجلديدة ووعود‬ ‫االحالم املثرية القادمة فى فورة �إبداعية‬ ‫نعرف الآن �أنها كانت –للأ�سف‪� -‬إ�ستثنائية‬ ‫فى تاريخ م�صر املعا�صر‪.‬‬ ‫وقد كان جلاهني �شاعر الثورة امل�صرية‬ ‫ووا�ضع مزامريها اجلماعية املحفزة �أثر‬ ‫كبري فى حركة النه�ضة الفكرية التحررية‬ ‫املواكبة‪ ،‬فقد راح فى ر�سومه وكلماته‬ ‫و�أنا�شيده و�أ�شعاره ير�سم مالمح املجتمع‬ ‫احلر القادم فى عيون �شباب و�صبايا‬ ‫يعانقون �أحالم احلب اجلميل واحلرية‬ ‫االجتماعية والتحرر الفكري البادئ‬ ‫بالذات واملمتد نحو االن�سان فى كل مكان ‪.‬‬ ‫وكان لهذه الفورة االبداعية والتفجر‬ ‫الغنى املثري فعل ال�سحر يف ال�شباب‬ ‫املثقف ال�صاعد اىل حد انه حتى املثقفني‬ ‫الذين دخلوا ال�سجون فى تلك الفرتة‬ ‫ب�شبهة امليول ال�شيوعية او الي�سارية‬ ‫املت�شددة خرجوا منها وهم على �إخال�صهم‬ ‫العجيب للثورة التى مل تتورع عن التهام‬ ‫عدة �سنوات من �شبابهم احلامل‪ ،‬وهى‬ ‫ظاهرة ال نعرف لها مثيال فى التاريخ‪.‬‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪6‬‬

‫هل خان نف�سه؟‬

‫حينما �أ�صيبت الثورة امل�صرية بجرح‬ ‫هزمية ‪ 67‬الغائر‪ ،‬ثم برحيل فار�سها‬ ‫عبد النا�صر عام ‪� ،70‬شاهد جاهني كل‬ ‫�شئ ينهار من حوله‪ ،‬ف�أ�صاب �شاعر‬ ‫الثورة احباط االنك�سار ودخل يف �صمت‬

‫العدد (‪)2048‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪� )19‬شباط ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2048‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪� )19‬شباط ‪2011‬‬

‫املطعون املكلوم‪ .‬ومع �صعود الرئي�س‬ ‫"امل�ؤمن" ‪ -‬الذى كان معروفا طوال‬ ‫�سنوات الثورة ب�أنور ال�سادات لنكت�شف‬ ‫فج�أة ان ا�سمه احلقيقى هو حممد انور‬ ‫ال�سادات !‪� -‬أطلقت اال�شارة لبدء حركة‬ ‫الهجوم الوح�شى والت�شويه املجاين‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫لكل جوانب الثورة‪ ،‬املظلم منها وامل�ضي‬ ‫معا‪ ،‬حتى �أن ال�سد العايل نف�سه – الذى‬ ‫�أعرتف العامل خمرا انه اهم ع�شرة‬ ‫م�شاريع هند�سية فى العامل فى القرن‬ ‫الع�شرين – مل ي�سلم من حملة الت�شويه‬ ‫الآثمة لإجنازات الثورة‪.‬‬

‫ومل يجد �شاعر الثورة له خمرجا من‬ ‫نفق االحباط وظلمة االح�سا�س بالغنب‬ ‫وال�ضياع ورمبا لوم الذات وانكار احللم‬ ‫بل ومعاداته �سوى الدخول اىل دوامة‬ ‫العمل ال�سينمائي ال�سهل يف حركة هي‬ ‫اقرب اىل حركات مهرج ال�سريك الذي‬

‫ي�ضحك الآخرين بقلب نازف – فكتب‬ ‫ل�صديقة دربه �سعاد ح�سنى اغنيات‬ ‫فيلمها "خلى بالك من زوزو" الذى حقق‬ ‫جناحا جماهرييا �ساحقا‪ ،‬بني جماهري‬ ‫متغرية كانت قد تعبت من وطئة احالمها‬ ‫طوال ع�شرين عاما‪ ،‬وتعبت من احلروب‬

‫واملعارك واالنا�شيد‪ ،‬وارادت ان تن�سى‬ ‫وترق�ص وتلهو على انغام تقول لها ان‬ ‫"الدنيا ربيع‪ ،‬واجلو بديع‪ ،‬قفلي على كل‬ ‫املوا�ضيع" وهكذا نظر بع�ض املثقفني‬ ‫فى حزن اىل �شاعر الثورة وفار�سها‬ ‫القدمي وقد انك�سرت قوادم احالمه (كما‬ ‫تنب�أ �صالح عبد ال�صبور) وحتول مغني‬ ‫اجلماهرياىل م�ضحكها ‪ .‬وهو دور‬ ‫ا�ستنكروه عليه ولكنه مل ي�ستنكره على‬ ‫نف�سه فقد كان دائما منحازا اىل اجلماهري‬ ‫الب�سيطة يعرب عن �أحالمها و�آمالها وعن‬ ‫�ضحكاتها و�أوجاعها ‪ .‬ومل يجد غ�ضا�ضة‬ ‫فى ان ينحاز اليها يف لهوها ومزاحها‬ ‫وهو املنحاز �أبدا للفرحة والبهجة‪.‬‬ ‫وقد �أراد له –وتوقع منه‪ -‬البع�ض‬ ‫ان ينخرط –وهو �شاعر الثورة‪ -‬يف‬ ‫حركة املعار�ضة ال�شعبية والطالبية‬ ‫لنظام ال�سادات قبل حرب العبور كما‬ ‫فعل احمد ف�ؤاد جنم ب�أ�شعاره اجلارفة‬ ‫التي حلنها وغناها ال�شيخ امام والتي‬ ‫دخال ال�سجون ب�سببها ‪ .‬ولكن جاهني مل‬ ‫يفعل ومل يكن له ان ي�سري يف درب غري‬ ‫دربه فعامله ال�شعري لي�س عامل احتجاج‬ ‫ومعار�ضة �ضد النظام فقد كان من�سجما‬ ‫مع النظام النا�صري الذى كان من�سجما‬ ‫مع �أحالم الفقراء و�آمال املثقفني معا‪،‬‬ ‫وجاهني املنحاز للفرح فى احلياة مل‬ ‫يجد يف نف�سه طبيعة ال�صدام واملعار�ضة‬ ‫والهجوم على الآخرين‪ .‬مبا فى هذه من‬ ‫العنف العاطفي واخل�شونة الوجدانية‬ ‫ال�ضرورية للتحمل وال�صمود ‪ .‬نعم هو‬ ‫�شاعر احللم الثوري لكنه لي�س �شاعر‬ ‫الغ�ضب والت�صدي والتعدي‪ ،‬ولذلك‬ ‫كانت لأنا�شيده الثورية دائما جانب‬ ‫االعرا�س املحفوف بالأجرا�س واملزامري‬ ‫والرق�صات ال�شعبية‪ ،‬فليدع الت�صدي‬ ‫واملقاومة والغ�ضب ال�شعبي لغريه من‬ ‫ال�شعراء مثل جنم‪ .‬فهل كان فى هذا خائنا‬ ‫لنف�سه �أم مت�سقا معها؟‬ ‫ال�شك ان هذا �س�ؤال �سي�ستدعي �إجابات‬ ‫متناق�ضة من نقاد خمتلفني‪ .‬اما انا الذى‬ ‫طاملا اترعت قلبي مما كان ي�سكب لنا‬ ‫جاهني كل يوم من مياه املحبة والبهجة‬ ‫والأمل املثري فلي�س عندي له �سوى‬ ‫في�ضان من م�شاعر العرفان واملمنونية‬ ‫والإنحياز احلميم‪.‬‬ ‫ولعل �أجمل مايعرب عن حالة جاهني تلك‬ ‫بعد �أنهيار �أحالم الثورة التي �شارك يف‬ ‫�صنعها هي رباعيته التي كتبها عندما‬ ‫�أ�صابه ان�سداد فى �شرايني القلب احتاج‬ ‫اىل جراحة فى �صيف ‪:1981‬‬ ‫يام�شرط اجلراح �أمانة عليك‬ ‫وانت يف ح�شايا تب�ص من حواليك‬ ‫فيه نقطة �سودة فى قلبي بد�أت تبان‬ ‫�شيلها كمان‪ ..‬والف�ضل يرجع اليك‪.‬‬ ‫لقد كانت النقطة ال�سوداء قد احتلت‬ ‫قلبه الكبري وراحت تكرب فيه وتنه�شه‬ ‫هي نف�سها النقطة التي ا�صابت قلب‬ ‫م�صر مع جرح ‪ 67‬ومع رحيل نا�صر‬ ‫وانهيار احالم اجليل ال�صاعد وت�سليم‬ ‫ال�سادات مفاتيح م�صر للتيارات الدينية‬ ‫الظالمية التي �أطف�أت م�صابيح م�صر‬ ‫واحدا بعد الآخر وحاربت الفن والفكر‬ ‫واالبداع والتحرر وامل�ساواة والفرح‬ ‫والبهجة واالنطالق والغناء والرق�ص‬ ‫واملزامري‪ ،‬فكانت هي اخلامتة ال�سوداء‬ ‫الحدى �أجمل فرتات النه�ضة امل�صرية فى‬ ‫تاريخها احلديث‪.‬‬ ‫�سيظل جاهني �صوتا مميزا مزهوا يف‬ ‫الوجدان امل�صري اىل الأبد‪.‬‬ ‫فال�شاعر اال�صيل اليعرف موتا وال�صمتا‪.‬‬ ‫وهو الذي قال‪:‬‬ ‫دخل ال�شتا وقفل البيبان ع البيوت‬ ‫وجعل �شعاع ال�شم�س خيط عنكبوت‬ ‫وحاجات كتري بتموت فى ليل ال�شتا‬ ‫لكن حاجات �أكرت برتف�ض متوت‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫صالح جاهين ‪ ..‬شاعر البؤساء‬ ‫�شاكر فريد ح�سن‬ ‫الكتابة عن �صالح جاهني هي كتابة عن‬ ‫موهبة ا�صيلة و�صادقة ا�ستمدت من روحه‬ ‫املرهفة منبع ًا لإلهامها‪ ،‬وعن واحد من‬ ‫القمم الأدبية امل�صرية التي تركت ب�صماتها‬ ‫يف ال�شعر ال�شعبي العامي‪.‬‬ ‫و�صالح من ابرز �شعراء العامية وااللتزام‬ ‫بهموم الب�ؤ�ساء والفقراء والكادحني ‪،‬‬ ‫الذين كان لهم �أثر وا�ضح يف حتريك‬ ‫العواطف والهاب امل�شاعر واالحا�سي�س‬

‫الوطنية ال�صادقة‪.‬‬ ‫متيزت حياته بالعذاب واالمل واملرارة ‪،‬‬ ‫والزمه االكتئاب النف�سي طوي ًال فطحن‬ ‫ج�سده وروحه اىل ان ق�ضى عليه‪ ،‬وهو يف‬ ‫قمة عطائه يف حمراب الأدب والفن‪.‬‬ ‫وجد �صالح جاهني �ضالته يف كتابة‬ ‫ال�شعر ور�سم الكاركاتري ال�ساخر يف‬ ‫اواخر االربعينات واوائل اخلم�سينات ‪،‬‬ ‫حيث بد�أ رحلته مع الكلمة والري�شة يف‬ ‫مرحلة عا�صفة يف م�صر‪ ،‬ت�صارعت فيها‬ ‫االجتاهات والتيارات الفكرية املختلفة‬

‫التي كان لها تاثري كبري على وعيه الذي‬ ‫قاده اىل جتربته ال�شعرية الأوىل ‪ ،‬وهو‬ ‫ديوان "كلمة �سالم" الذي ا�ستهله بق�صيدة‬ ‫"دموع ورا الربقع" التي حتكي وت�صور‬ ‫معاناة العامل الكادح الذي يكابد �آالم‬ ‫الف�صل من العمل ويواجه حمنة الب�ؤ�س‬ ‫والفقر‪:‬‬ ‫انا لوحدي ما في�ش حاجه‬ ‫جمرد ا�سم مت�شخبط على ورقه‬ ‫يف ايد واحد مدير ا�صله قوم�سيوجني‬ ‫يقدمها لرتكي وال خلواجه‬

‫ال يعرف عربي وال �شفقه‬ ‫يروح ما�ضي بقلم باركر بالفرجي‬ ‫اروح مرفود‬ ‫اما يف ق�صيدته "الزباين"فيقدم وير�سم‬ ‫�صورة للب�ؤ�س االن�ساين الذي ي�ضم‬ ‫�ضحايا العمل الأ�سود امل�أجور‪ ..‬فيقول‪:‬‬ ‫اللي زيك‪ ،‬وبت�شتغل بالأجره‬ ‫واللي زيي‪ ،‬وله ماهية م�سوجره‬ ‫طول حياتنا نعرق على رغيف عي�شنا‬ ‫والنهارده‪ ،‬ما يف�ض�ش حاجه لبكره‬ ‫وبلغة مب�سطة ‪ ،‬مبا�شرة وعفوية كتب‬ ‫�صالح جاهني جمموعاته ال�شعرية ‪ ،‬التي‬ ‫عك�ست �آالم وهموم الب�ؤ�ساء وم�أ�ساة‬ ‫االن�سان ال�ضائع املعذب الباحث عن احالمه‬ ‫الزنبقية‪.‬‬ ‫وي�شكل احلزن احدى خ�صائ�صه الفنية‪،‬‬ ‫وهو حزن ناجم عن امتزاجه مبختلف‬ ‫�صور الوجود و�أ�شكاله امل�أ�ساوية‪ .‬ويف‬ ‫احلقيقة ان احلزن واالكتئاب واملوت‬ ‫ت�سلل اىل عامله ليغتال حبه وع�شقه للحياة‬ ‫‪ ،‬ويقتل احالمه اجلائعة‪ .‬فانعك�ست هذه‬ ‫ال�صور احلزينة الكئيبة يف ق�صائده اىل‬ ‫درجة انه يعجز عن التعبري عن جروحه‬ ‫وعذاباته‪:‬‬ ‫وانا اللي مليان باجلروح‬ ‫ما اقدر�ش اقول‬ ‫ما اقدر�ش ابوح‬ ‫وتتحدد املنطلقات الفكرية ل�صالح جاهني‬ ‫وتظهر بو�ضوح يف معظم ق�صائده‪،‬‬ ‫فنجده يطرح الق�ضايا ال�سيا�سية والفكرية‬ ‫واالجتماعية للفقراء وامل�ست�ضعفني ‪،‬‬ ‫ق�ضايا اخلبز والعمل واحلرية ن م�ؤكد ًا‬ ‫التزامه وانحيازه التام اىل جانبهم من‬ ‫خالل دعوته للن�ضال �ضد قوى البغي‬ ‫والظلم واال�ستبداد والطغيان ‪ ،‬ومن اجل‬ ‫احلياة والتغيري املن�شود يف م�ستقبل اكرث‬ ‫ا�شراق ًا ون�ضارة‪:‬‬ ‫�شفتهم �صبحهم كبار‬ ‫م�شيوا ويا النا�س يف عيد‬ ‫وانا وياهم باغني الأنا�شيد‬ ‫واحنا �شايلني الرايات‬ ‫واحنا ما�شيني يف املظاهرة‬ ‫بنت مالت ناحيتي وادتني وردة‬ ‫ورده حمره‬ ‫قمت م القهوة �سعيد‬ ‫وباقول‪ ..‬بكره اجمل من النهارده‬ ‫وال ين�سى �صالح جاهني م�أ�ساة ال�شعب‬ ‫العربي الفل�سطيني وق�ضيته العادلة‬ ‫‪ ،‬فيتحدث عن �آالم وب�ؤ�س الالجئني‬ ‫الفل�سطينيني الذين �شردوا من ار�ضهم‬ ‫ووطنهم‪ ،‬ويعري ال�ضمري االن�ساين الذي‬ ‫يقدم لهم فتات اخلبز والطحني ويف‬ ‫الوقت نف�سه �ساهم يف م�ؤامرة الرتحيل‬ ‫واالقتالع‪:‬‬ ‫احلرب �سحقت املهم‬ ‫ملا �صبح يف خيالهم‬ ‫زي الرمال بيخو�ضوها‬ ‫زي الطحني اللي جالهم‬ ‫من االيادي ال�سمينة‬ ‫اللي رمتهم رهينه‪.‬‬ ‫واخري ًا‪ ،‬هذا هو �صالح جاهني ال�شاعر‬ ‫امل�صري ـ ال�صعلوك الذي �شارك املقهورين‬ ‫واجلياع فوق كل ار�ض‪،‬همومهم وقلقهم‬ ‫وب�ؤ�سهم وحلمهم بالعي�ش الرغيد ‪،‬‬ ‫والتحرر من كل ا�شكال القهر واال�ضطهاد‬ ‫‪ ،‬و�سيظل ارثه ال�شعري زاد ًا ومعين ًا لكل‬ ‫الذين ينا�ضلون الزاحة الليل عن �صدور‬ ‫ال�شعوب‪.‬‬ ‫احلوار املتمدن ‪ -‬العدد‪2010 - 3232 :‬‬ ‫‪31 / 12 /‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


Gallery


‫‪10‬‬

‫العدد (‪)2048‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪� )19‬شباط ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2048‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪� )19‬شباط ‪2011‬‬

‫‪11‬‬

‫امللحمة املتناثرة‪ :‬انطباعات عن رباعيات جاهني‬

‫األسئلة واألجوبة والموقف العقلي من «الكون»‬ ‫قعدي الأدب الكال�سيكي الراف�ض ّ‬ ‫�شيء‬ ‫لكل‬ ‫ٍ‬ ‫بلد مثل م�صر ‪ ،‬فيه كبار ُم ّ‬ ‫يف ٍ‬ ‫حداثي ‪ ،‬ويف مرحلة اخلم�سينيات ‪� :‬أي �أثناء وجود طه ح�سني و ّ‬ ‫العقاد‬ ‫و�شوقي �ضيف و َم ْن بهذه «الأوزان» يف الأدب العربي ‪ ،‬كيف مُيكن �أن ينمو‬ ‫ال�شعر العامي امل�صري لي�صل اىل مرحلة �شعريّة ُر مّبا مل ي�صلها ال�شعر العامي‬ ‫وقت ّ‬ ‫مبكر ‪،‬‬ ‫النوابية عليه منذ‬ ‫العراقي على الرغم من دخول احلداثة ّ‬ ‫ٍ‬ ‫فم�ؤرخو الأدب امل�صري يتفقون على �أنَّ عبد اهلل الندمي ‪ ،‬يعقوب �صنوع‬ ‫‪ ،‬بريم التون�سي كانوا م�ؤ�س�سي ال�شعر العامي امل�صري احلديث ‪ ،‬وبعدهم‬ ‫ّ‬ ‫(املثقفني) [ وهذا امل�صطلح �أطلقه عليهم ال�شاعر عبد‬ ‫جاء دور العاميني‬ ‫الرحمن الأبنودي ! ] وهم ‪� :‬سيد حجاب و �صالح جاهني و�أحمد ف�ؤاد جنم‬ ‫وعبد الرحمن الأبنودي و َم ْن عا�صرهم ‪ ،‬اذ ان هذه املجموعة من ال�شعراء‬ ‫ْ‬ ‫كانت تنتمي اىل الأو�ساط اجلامعية الثورية التي كانت وقتها بوتقة‬ ‫الثورية امل�صرية بفرتاتها املختلفة‪...‬‬

‫علي وجيه‬ ‫بعد هذا كله ‪ :‬ال�شعر العامي ويف بداية‬ ‫اخلم�سينيات كان م�سرح ًا لل�سيا�سة‬ ‫امل�صرية ‪ ،‬فكيف ي�ستطيع �شاع ٌر انغمر‬ ‫بال�سيا�سة اىل هامته مثل �صالح جاهني‬ ‫بدواوينه الأوىل (كلمة �سالم ‪، 1955‬‬ ‫موال ع�شان القنال ‪ ، 1956‬عن القمر‬ ‫والطني ‪ ، )1961‬نقول ‪ :‬كيف ا�ستطاع‬ ‫�صالح جاهني كتابة رباعيات ال ُتكتب‬ ‫اال ب�أو�ضاع هادئة مليئة بالت�أمل‬ ‫وقت كانتْ الأحداث جت ّر‬ ‫والتفكر يف ٍ‬ ‫ال�شعر اىل اجتاهات �أخرى؟!‪..‬‬ ‫هل ن�ستطيع اعتبار رباعيات �صالح‬ ‫جاهني موقف ًا ان�ساني ًا ثابت ًا ازاء‬ ‫املتغريات ال�سيا�سية ‪ ،‬ولنا �أن نقبل‬ ‫بت�أويل رباعياته على الأو�ضاع‬

‫ال�سيا�سية �آنذاك رُبمّ ا ‪ ،‬خ�صو�ص ًا وان‬ ‫بع�ض الرباعيات ت�شري اىل ذلك بح�سب‬ ‫فرتة كتابتها (‪...: )1966 – 1960‬‬ ‫انا كل يوم ا�سمع‪...‬فالن عذبوه‬ ‫ا�سرح يف بغداد واجلزاير واتوه‬ ‫ما اعجب�ش م اللي يطيق ج�سمه العذاب‬ ‫واعجب من اللي يطيق يعذب �أخوه‬ ‫عجبي!!‬ ‫فجاهني النا�صريّ ‪ ،‬واملُنتك�س بعد‬ ‫‪ ، 1967‬له الدواوين والن�صو�ص‬ ‫املفتوحة (�شك ًال) ‪� ،‬أما جاهني الإن�سان‬ ‫‪ ،‬الذي يواجه احلياة بالأ�سئلة و‬ ‫ال�شعرية‬ ‫االفرتا�ضات العقل ّية و ِ‬ ‫وال�شعورية فله الرباعيات ‪ ،‬وهذه‬ ‫وجهة نظر قد تخطئ وقد ت�صيب‪...‬‬ ‫***‬ ‫والكون ده كيف موجود من غري حدود؟‬ ‫وفيه عقارب ليه وتعابني ودود؟‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫عامل جم ّرب فات وقال ‪� :‬سالمات‬ ‫ده ياما فيه �س�ؤاالت من غري ردود‬ ‫عجبي!!‬ ‫ُر مَّبا ت�شكّل هذه الرباعية ‪ -‬من‬ ‫الرباعيات ال�شهرية لل�شاعر امل�صري‬ ‫�صالح جاهني – متثي ًال �شبه تام عن‬ ‫الآلية الفكر ّية متعددة الأ�ساليب التي‬ ‫ي�ستخدمها جاهني يف رباعياته التي‬ ‫كتبها يف فرتة ‪( 1966 – 1960‬والتي‬ ‫ُتع ّد من �أخ�صب فرتات ابداع جاهني‬ ‫ففيها كتب �أوبريت الليلة الكبرية‬ ‫و�أربع م�سرحيات �أخرى بالإ�ضافة‬ ‫اىل �سيناريو فيلم خلي بالك من زوزو‬ ‫ذلك بالإ�ضافة اىل ع�شرات الر�سوم‬ ‫التي �ض ّمتها �أعداد جملة روز اليو�سف‬ ‫القدمية)‪...‬‬ ‫دوما ما يرتك جاهني القارئ بعد قراءة‬ ‫ّ‬ ‫كل رباعية ب�صدمةٍ جمال ّية ال تزول حتى‬

‫ان تكررت قراءة الرباعية م ّر ًة �أخرى‬ ‫‪ ،‬فالرباعيات كانت ُمتنف�س ًا جلاهني‬ ‫بالإ�ضافة اىل تد ّفق ابداعه �ضمن روافد‬ ‫�أخرى ‪ ،‬ون�ستطيع �أن نعترب الرباعيات‬ ‫انتاج ًا «جاهيني ًا» خال�ص ًا مل ت�ؤثر عليه‬ ‫الأو�ضاع ال�سيا�سية املحتدمة يف م�صر‬ ‫منذ اخلم�سينيات حتى وفاة جاهني‪...‬‬ ‫�صدرتْ الطبعة الأوىل من الرباعيات‬ ‫عام ‪ 1962‬عن دار املعرفة امل�صرية ‪،‬‬ ‫ومنذ ذلك الوقت وهي ت�أخذ اهتمام‬ ‫الن ّقاد والق ّراء واملو�سيقيني على حدٍ‬ ‫�سواء ‪ ،‬فتناولتها بالنقد �أ�سماء نقد ّية‬ ‫مه ّمة من �أبرزها (جابر ع�صفور ‪� ،‬أحمد‬ ‫عبد املعطي حجازي وغريهما) فيما‬ ‫كان �آخر َمنْ غ ّناها هو الفنان امل�صري‬ ‫وجيه عزيز عام ‪ 2008‬بعد �أن غ ّنى‬ ‫�أغلبها الفنان علي احلجار و�س ّيد‬ ‫مكاوي وحممد منري على الرغم من �أن‬

‫امل�ستوى الغنائي و ُمنذ ال�سبعينيات‬ ‫بد�أ بالإنحدار ‪ ،‬فماذا ي�صنع ال�شارع‬ ‫برباعيات مليئة بالت�سا�ؤالت‬ ‫الفل�سفية؟!‪...‬‬ ‫وهل بداخل ّ‬ ‫ٌ‬ ‫فيل�سوف‬ ‫متلق اعتياديّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫�أو �سائ ٌل �صغري؟!‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫ي�ستهل جاهني ديوانه برباعية تقول‪:‬‬ ‫مع ان كل اخللق من �أ�صل طني‬ ‫وكلهم بينزلوا مغم�ضني‬ ‫بعد الدقايق وال�شهور وال�سنني‬ ‫تالقي نا�س ا�شرار ونا�س طيبني‬ ‫عجبي !!‬ ‫اذن ‪ :‬هذا هو امل�شهد الذي �أرا َد جاهني‬ ‫اثباته �أمامنا بو�صفه «�ساحة �أحداث»‬ ‫رباعياته ‪ ،‬وحدة املنبع الب�شري ‪،‬‬ ‫واحلال الواحد ‪ ،‬و النتيجة الواحدة‬ ‫املتناق�ضة ‪»:‬نا�س �أ�شرار ونا�س طيبني»!‬ ‫‪ ،‬هل �أراد �صالح جاهني �أن يكون �شاعر‬

‫فل�سفة عرب ت�سا�ؤالته التي قدّمها يف‬ ‫هذي الرباعيات؟ ‪ ،‬هذا ما ت�شري اليه‬ ‫بع�ض الرباعيات ‪� ،‬أ ّما باقي الرباعيات‬ ‫ملتلق اعتيادي يفهم ما يدور‬ ‫فهي ُكتبتْ ٍ‬ ‫فيها بب�ساطة تامة دون �أن تثري بداخله‬ ‫�شيئ ًا من التعجب �أو الت�سا�ؤل‪...:‬‬ ‫زحام و�أبواق �سيارات مزعج ْه‬ ‫اللي يطول له طريق يبقى جنى‬ ‫كنت جنبي يا حبيبتي �أنا‬ ‫لو ِ‬ ‫م�ش كنت �أ�شوف �إن احليا ْه مبهجهْ؟‬ ‫عجبي !!‬ ‫‪ 112‬رباعية عدد الرباعيات التي تركها‬ ‫جاهني لنا ‪ ،‬مليئة بالأ�سئلة �أو النتائج‬ ‫التي من املمكن �أن ن�س ِّل َم بها – كق ّراء‬ ‫– بعد املثال الذي ي�سرده ‪ ،‬فبع�ض‬ ‫الرباعيات تكون على و�صف م�شهدٍ‬ ‫معينّ مي ّر به املتكلم ‪:‬‬ ‫عيني ر�أتْ خملوق على كتف �أمه‬

‫ي�صرخ ‪ ،‬تهنن فيه ‪ ،‬ي�صرخ ‪ ،‬ت�ض ّمه‬ ‫ي�صرخ ‪ ،‬تقول ‪ :‬يا ابني ما تنطق كالم‬ ‫ده اللي ما يتكلم�ش يا كرث ه ّمه !!‬ ‫عجبي !!‬ ‫ويعتمد جاهني هذه الآلية كثري ًا ‪،‬‬ ‫فالرباعية لديه �إ ّما �شديدة اخل�صو�ص ّية‬ ‫بحيث ي�ستطيع تل ّب�س احلالة املطروحة‬ ‫�أمامه كـ(رائي ‪� ،‬شاهد ‪ ،‬فاعل ‪ ،‬محُ ِاور)‬ ‫ُمعطي ًا الزخم الوا�ضح من �أ�سئلته �أمام‬ ‫الق�ضية املطروحة �أمامه ؛ �أو �أنه ُيعطي‬ ‫ُحكم ًا عُموم ّي ًا على م�س�ألة كون ّية عامة‬ ‫يتكلم فيها كفر ٍد اعتياديّ له عق ٌل كما‬ ‫لدى املاليني من الب�شر ‪...:‬‬ ‫ال جترب الإن�سان وال تخريه‬ ‫يكفيه ما فيه من عقل بيحريه‬ ‫اللي النهار ده يطلبه وير�ضاه‬ ‫هو اللي بكره حي�شتهي يغيرّ ه‬ ‫عجبي !!‬

‫***‬ ‫كتب الن ّقاد عن رباعيات جاهني‬ ‫انطباعات عدّة ‪ ،‬اال انها مل ُت�ؤخذ على‬ ‫حممل اجلد كن�صو�ص ال�شعراء الباقني‬ ‫‪ ،‬رُبمّ ا ل�صعوبة ام�ساك هذي الرباعيات‬ ‫�ضمن �سياق نقدي واحد ‪ ،‬فالنقد مع‬ ‫الرباعيات كان حماولة خللق مقاربة‬ ‫تقرتب من �شيء ي ّت�سم بالال �أ�سلوب و‬ ‫الال ا�ستقرار وهو رباعيات جاهني ‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة اىل ان تك ّتل اجلملة ال�شعر ّية‬ ‫التجول‬ ‫لديه ب�صورة م�ضغوطة ال تتيح‬ ‫ّ‬ ‫نقد ّي ًا بحر ّية ‪ ،‬ويمُ كن اعتبار رباعيات‬ ‫�صالح جاهني ملحمة متناثرة على‬ ‫ُ‬ ‫ويربط بني هذه القطع‬ ‫عد ٍد من املقاطع‬ ‫ال�صغرية ٌ‬ ‫ري وهو الأ�سئلة‬ ‫خيط �صغ ٌ‬ ‫وبع�ض احلوادث ‪ ،‬اذ ان جاهني عكف‬ ‫يف رباعياته على و�ضع �صورته‬ ‫ال�شخ�ص ّية ك�صالح جاهني وكمواطن‬

‫«طيف»‬ ‫م�صري و كان�سان بالإ�ضافة اىل‬ ‫ٍ‬ ‫�سرديّ ال يبدو وا�ضح ًا للوهلة الأوىل‬ ‫يتالعب برتتيب‬ ‫قارئ‬ ‫امنا‬ ‫يحتاج على ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الرباعيات يف ذهنه ولي�س عرب الكتاب‬ ‫املطبوع لديه‪...‬‬ ‫الرباعيات احتوت على تناق�ض عظيم‬ ‫يخ�ص التعامل مع احلياة مع‬ ‫فيما‬ ‫ّ‬ ‫الأمل �أو الي�أ�س ‪ ،‬فبع�ض الرباعيات‬ ‫تريك جاهني ان�سان ًا متفائ ًال يف �أحلك‬ ‫الظروف ‪ُ ،‬منادي ًا بال�سعادة ‪:‬‬ ‫�آه لو �أنا وحمبوبي جزنا الف�ضا‬ ‫ب�سفينة وحدينا و�أ�شيا ر�ضا !‬ ‫�ساعة �صفا تعجبنا نرجع لها‬ ‫والهم قبل ما يجي يبقى م�ضى‬ ‫عجبي !!‬ ‫وكذلك يف عد ٍد كبري من الرباعيات ‪ ،‬اال‬ ‫انه يفاجئك وبعد ٍد �أكرب منها بت�شا�ؤم قد‬ ‫ال نراه حتى عند ابن الرومي ! فيقول ‪:‬‬

‫ودخل الربيع ي�ضحك لقاين حزين‬ ‫نده الربيع على ا�سمي مل قلت مني‬ ‫حط الربيع �أزهاره جنبي وراح‬ ‫وا�ش تعمل الأزهار للميتني ؟؟‬ ‫عجبي !!‬ ‫وهذه الزمة التعجب (عجبي) التي‬ ‫الزمته طوال الرباعيات ت�شكّل موقفه‬ ‫االن�ساين جتاه الأمل والت�شا�ؤم والغنى‬ ‫والفقر والقدر ‪ ،‬فهو يقول يف رباعية‬ ‫ربمّ ا ت�شكّل ا�ستهال ًال وا�ضح ًا جلميع‬ ‫الرباعيات [ ما جعل �سيد مكاوي يفتتح‬ ‫ويختتم بها الرباعيات املغناة ] ‪:‬‬ ‫تعجب ما تعجب كل �شيء له �سبب‬ ‫ولو الكالم من ف�ضة وال�سكوت ذهب‬ ‫واخل�شوع ذنب واخلنوع �أدب‬ ‫يحق لك تعجب وما عليك عتب‬ ‫عجبي !!‬ ‫اذن ‪ :‬فقيمة الإن�سان لدى جاهني‬ ‫هو �أن يكون �سائ ًال و ُمتعجب ًا و�أ ّال‬ ‫يقف �أمام �أ�سئلة احلياة عاجز ًا عن‬ ‫الإجابة [ ومن هذا املنطلق تزداد‬ ‫الأ�سئلة حد ًة يف ّ‬ ‫كل رباعية] ‪ ،‬ونظر ًا‬ ‫ري فعلى الأقل يجب‬ ‫لأنّ العامل �ش ٌّر كب ٌ‬ ‫على االن�سان ال�س�ؤال بعد �أن تركه‬ ‫منقذوه !‪:‬‬ ‫نوح راح حلاله والطوفان ا�ستمر‬ ‫مركبنا تايهة وم�ش القية بر‬ ‫�آه من الطوفان و�آهني يا بر الأمان‬ ‫ازاي تبان والدنيا مليانة �شر؟‬ ‫عجبي !!‬ ‫امل�س�ألة الأخرى التي من املمكن‬ ‫االنتباه اليها هو �أوبريت الليلة‬ ‫الكبرية ال�شهري ‪ ،‬فهذا الأوبريت الذي‬ ‫ُ‬ ‫ينقل م�شاهد الفرح مبنا�سبة (املولِد)‬ ‫ال يخفي ظ ًال وا�ضح ًا من الت�شا�ؤم‬ ‫بني ال�سطور ‪ ،‬ي�صف جاهني يف‬ ‫كتاب (الليلة الكبرية و‪ 5‬م�سرحيات‬ ‫�أخرى) املفا�صل الفلكلورية يف املولد‬ ‫من الراق�صات واملقاهي و ال�صعايدة‬ ‫القادمني اىل العا�صمة و الأطفال وما‬ ‫اىل ذلك ‪ ،‬اال ان الالفت للنظر هو‬ ‫وجود �شخ�صيات ال عالقة لها ب�أي‬ ‫من مظاهر الفرح واالحتفال ‪ ،‬فهناك‬ ‫مكان معينّ‬ ‫�صعيدي تائه يبحث عن ٍ‬ ‫فيقع بني �أيدي ممن ي�سخرون منه ‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من �أن �س ّيد مكاوي ّ‬ ‫غطى‬ ‫الفرحة ‪ ،‬اال‬ ‫هذا ال�ضائع مبو�سيقاه ِ‬ ‫ان هناك مقطع ًا وا�ضح ًا يف امل�سرحية‬ ‫�أُزيل متام ًا من الأوبريت وهو عن‬ ‫الأم التي �ضاعت ابنتها يف املولد ‪...:‬‬ ‫�سيدة ‪ :‬يا اوالد احلالل‬ ‫بنت تايهة طولها كده‬ ‫رجلها ال�شمال‬ ‫فيها خلخال زي كده‬ ‫رجل ‪ :‬زحمه يا ولداه‬ ‫كام عيل تاه‬ ‫بائع ‪ :‬ف ّريرة للعيل‬ ‫يابو العيال م ّيل‬ ‫اجلميع ‪ :‬دي الليلة الكبرية يا عمي‬ ‫والعامل كترية‬ ‫ماليني ال�شوادر يابه م الريف‬ ‫والبنادر‬ ‫ال�سيدة ‪ :‬يا اوالد احلالل‪.....‬‬ ‫وينتهي الأوبريت بفرح اجلميع‬ ‫و�ضياع ابنة ال�سيدة ‪ ،‬ماذا اراد‬ ‫جاهني �أن يقول لنا بهذا الأوبريت؟‬ ‫�أو يف رباعياته؟ �أو يف ر�سومه؟ هل‬ ‫فرح ًا مبا لديه؟ مع‬ ‫كان مت�شائما �أم ِ‬ ‫العلم ان الأعمال التي تناولناها مل‬ ‫هدمت‬ ‫تكن بعد نك�سة ‪ 1967‬التي‬ ‫ْ‬ ‫جزء ًا كبري ًا من جاهني ‪ ،‬امنا كانت‬ ‫قبل هذي الفرتة ‪ ،‬وبالطبع ال ميكن‬ ‫لنا درا�سة الرباعيات كجزءٍ كامل ‪،‬‬ ‫فم�شروع جاهني كان مت�شعب ًا بني‬ ‫ال�شعر و باقي الفنون ‪ ،‬بالإ�ضافة اىل‬ ‫طغت على جميع �أعماله‬ ‫ان رباعياته‬ ‫ْ‬ ‫وك�أن جاهني مل يكتب �سواها �أبد ًا‪...‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪12‬‬

‫العدد (‪)2048‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪� )19‬شباط ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2048‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪� )19‬شباط ‪2011‬‬

‫‪13‬‬

‫اي��������ام ص���ل��اح ج��اه��ي��ن‬ ‫حممد توفيق‬ ‫غالف الكتاب انطلق فى طريق النجاح كال�شهاب‪..‬مل يكن من املنافقني وال‬ ‫�أهل الثقة‪ ،‬لكن �شعره ال�شعبي ب�شر بالثورة قبل �أن توجد‪ ،‬و زكاه �أنه ع ُِرف‬ ‫ببعده عن الأحزاب‪ ،‬وهو من ناحيته و بتلقائية و�إخال�ص‪ ،‬كر�س �شعره‬ ‫للثورة‪ ،‬فما من �إجناز �أو ن�صر �أو موقف نب�ض به قلب الثورة �إال و �أعطاه‬ ‫املعادل ال�شعرى فى �أجمل �صوره‪ ،‬ثم �سرعان ما يرتجم �إىل غناء تردده‬ ‫الإذاعة و التليفزيون‪..‬تلك هي ال�صورة التي ر�سمها «جنيب حمفوظ»‬ ‫بر�ؤيته الثاقبة فى رواية «ق�شتمر» لعالقة «�صالح جاهني»�أو (طاهر عبيد‬ ‫بطل الرواية) بالثورة و رجالها‪ ،‬تلك ال�صورة التى التقطها «حمفوظ» –‬ ‫و�أكد لبهاء �أنه ا�ستوحاها من �شخ�صية والده ‪ -‬النافذة ‪ -‬ال تختلف كثريا‬ ‫عن الواقع لأن «جاهني» �أحب «جمال عبد النا�صر» قبل �أن يلتقيا‪ ،‬بل كانت‬ ‫�أ�شعاره التي كتبها‪ -‬و عمره ال يتعدى ال�ساد�سة ع�شرة – دعوة �صريحة‬ ‫للثورة و منها‪:‬‬ ‫هيا ننادي ب�صوت واحد �أحد‬ ‫يا فتية النيل هبوا من ثباتكمو‬ ‫�إما فخار و�إما ظلمة اللحد‬ ‫�إما جالء و �إما ال قيام لنا‬ ‫ل�سنا نهاب الردى �إن جاء يطلبنا �إنا فداء مل�صر درة ال�صمد‬ ‫�صاحب تلك الكلمات انتظر الثورة قبل قدومها ؛لذلك التقت �أحالم املدينة‬ ‫الفا�ضلة التي متناها مع �أحالم النه�ضة لدى «عبد النا�صر»‪ ،‬خا�صة �أن‬

‫«جاهني» بطبيعته «ثوري الهوى» مند �أن كان طفال يرف�ض �أن يعي�ش يف‬ ‫جلباب �أبيه رغم ع�شقه له‪ ،‬لكن حني جاءت الثورة مل يقرتب من �صناعها‪،‬‬ ‫بل وقف �ضدها عندما تخلت عن الدميقراطية يف �أزمة ‪1954‬م‪ ،‬و ظل على‬ ‫موقفه من الثورة حتى عام ‪1956‬م عندما قام «عبد النا�صر»بت�أميم قناة‬ ‫ال�سوي�س‪ ،‬و يومها فقط قرر «جاهني» �أن تكون �أ�شعاره وقودا للجنود يف‬ ‫�ساحات املعارك فكتب ق�صيدة «موال ع�شان القنال»التي قال فيها‪:‬‬ ‫يجعل كالمي فانو�س و�سط الفرح قايد‬ ‫يجعل كالمي على ال�سامعني بفوايد‬ ‫يجعل كالمي ال ناق�ص وال زايد‬ ‫�إحنا فى وقت البنا ماحنا�ش وقت كالم‬ ‫يجعل كالمي حجارة و مونة و حدايد‬ ‫فني الكالم اللي زي الورد واحلنة‬ ‫�أرميه �سالم و �أنقله مواويل تتغنى‬ ‫على �شباب انقتل فى حب �أوطاننا‬ ‫�شال ال�سالح فى ميينه و قال يا بلدي‬ ‫ندرن عليا الخليكي وال اجلنة‬ ‫و�إن ع�شت يا م�صر الم�شيكي برجليا‬ ‫وعندما �أعلنت اجنلرتا و فرن�سا و �إ�سرائيل (العدوان الثالثى) احلرب على‬ ‫م�صر ذهب �إىل الغذاعة مع �سيد مكاوى وكتب ق�صيدته ‪:‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫كل النا�س هتحارب‬ ‫حنحارب هنحارب‬ ‫باملاليني حنحارب‬ ‫م�ش خايفني م اجلايني‬ ‫حتيا م�صر حتيا م�صر‬ ‫حنحارب حتى الن�صر‬ ‫ويف احلال حلنها �سيد مكاوي وغناها كل من كان موجودا داخل مبنى‬ ‫الإذاعة فى هذه اللحظة لتذاع يف نف�س اليوم بعد خطاب جمال عبد النا�صر‬ ‫من اجلامع الأزهر‪ ،‬كانت هذه املعركة مبثابة ال�شرارة التى حركت وجدان‬ ‫«جاهني»‪ ،‬وجعلته ي�ستغني نهائيا عن القلم «اجلاف» و ي�ستبدله بقلم‬ ‫«ر�صا�ص» ليكتب ق�صيدته ال�شهرية «والله زمان يا �سالحي»لت�صبح الن�شيد‬ ‫الوطنى مل�صر حتى معاهدة كامب ديفيد (التي وقعتها م�صر مع �إ�سرائيل عام‬ ‫‪ 1979‬وقيل �أن من بني بنودها ال�سرية تغيري هذا الن�شيد) وكان يقول فيها‪:‬‬ ‫والله زمان يا �سالحي‬ ‫ا�شتقت لك فى كفاحي‬ ‫انطق وقول �أنا �صاحي‬ ‫يا حرب والله زمان‬ ‫والله زمان ع اجلنود‬ ‫زاحفة برتعد رعود‬ ‫حالفة تروح مل تعود‬ ‫�إال بن�صر الزمان‬ ‫هموا و�ضموا ال�صفوف‬

‫�شيلوا احلياة ع الكفوف‬ ‫يا ما العدو راح ي�شوف‬ ‫منكم فى نار امليدان‬ ‫م�صر احلرة مني يحميها ‪ ..‬نحميها ب�سالحنا‬ ‫�أر�ض الثورة مني يفديها ‪ ..‬نفديها ب�أروحنا‬ ‫ال�شعب بيزحف زى النور‬ ‫ال�شعب جبال ال�شعب بحور‬ ‫وبركان غ�ضبان بركان بيفور‬ ‫زلزال بي�شق لهم فى قبور‬ ‫و بعد انت�صار �شعب القناة على العدوان الثالثى‪ ،‬مل يتوقف حلم «جاهني»‬ ‫عند هذا احلد‪ ،‬بل طالب ب�أن ن�شارك فى حترير �أر�ض اجلزائر فى ق�صيدة‬ ‫«االنت�صار» حني قال‪:‬‬ ‫فيه ل�سه ركن ف قلبى عاوز يبت�سم‬ ‫�أر�ض اجلزاير ل�سه حتت االحتالل‬ ‫�أنا قلت م�ش ممكن بالدي تنق�سم‬ ‫�أر�ض اجلزاير جزء من �أر�ض القنال‬ ‫وا�ستمرت رحلة ن�ضال «جاهني» بال�شعر الذى يقف بجوار اجلنود فى‬ ‫ميادين القتال و زاد حبه جلمال عبد النا�صر الذى ر�أى فيه �صورة الزعيم‬ ‫الذى كان ينتظره منذ �أن قر�أ «عودة الروح» لـ «توفيق احلكيم» فى مكتبة‬

‫جده و هو طفل فى حى �شربا ‪ -‬والتى �آلت �إىل والده بعد وفاة جده‪ -‬و لكن‬ ‫فى الوقت نف�سه مل ين�س رفاق الدرب من املثقفني‪ ،‬و عندما �صدرت قرارات‬ ‫باعتقالهم ذهب لأ�سرهم و �ساندهم ماديا و معنويا‪ ،‬رغم �أن ذلك ت�سبب له فى‬ ‫حرج �شديد‪ ،‬حتى �إنه مت التنبيه عليه بعدم تكرار تلك الزيارات و �إال �سيتم‬ ‫و�ضع ا�سمه �ضمن القائمة املطلوب اعتقالها باعتباره من �أعداء الثورة !‬ ‫لكنه رف�ض‪ ،‬وبالفعل مت و�ضع ا�سمه فى قائمة االعتقاالت �أكرث من مرة‪ ،‬و‬ ‫لكن تدخل «عبدالنا�صر» و�شطب ا�سمه بنف�سه ‪ -‬مثلما �أكدت لنا �أخته بهيجة‬ ‫ لي�ستمر «جاهني» اىل م�ساندته لأ�سر املعتقلني و ليظل �أي�ضا �سندا حللم‬‫النه�ضة الذى كان يكرب يوما بعد يوم‪ ،‬و ت�شاء الأقدار �أن العام الذى دخل فيه‬ ‫التليفزيون م�صر ومت االتفاق على �إذاعة احتفاالت الثورة بعيدها �أن يكون‬ ‫«جاهني» فى رحلة فى �إيطاليا‪ ،‬و ي�شتد حبه للعودة �إىل م�صر فيكتب رائعته‬ ‫«بالأح�ضان» لتكون مبثابة نقلة فى الأغنية الوطنية التى كانت قبله جمرد‬ ‫�أنا�شيد‪ ،‬لكن «جاهني» كان يرى �أن الأغنية الوطنية يجب �أن تكون عاطفية‬ ‫حتى تنجح‪ ،‬و ي�ستمر جناحها ل�سنوات طويلة ؛ لذلك بعد جناح «بالأح�ضان»‬ ‫�أ�صبحت كلماته واحدة من مظاهر االحتفال بعيد الثورة‪.‬‬ ‫كان الثالثى (عبد احلليم حافظ و كمال الطويل و جاهني) يلتقون فى بداية‬ ‫�شهر يونيو من كل عام لتح�ضري �أغنية جديدة‪ ،‬و ظل الثالثى على العهد حتى‬ ‫مر�ض والد «جاهني»بال�سرطان‪ ،‬ومل يتحمل «�صالح»اخلرب و اختفى متاما‬ ‫و حاولت �أ�سرته الو�صول �إليه دون جدوى ملدة ع�شرة �أيام‪ ،‬بعدها �أق�سمت‬

‫«بهيجة»�أخته �أن «حليم هو اللى خمبيه»‪ ،‬فذهبت �إىل بيته و قالت له «عاوزين‬ ‫�صالح �ضرورى‪� ،‬أبوه تعبان و حمتاج ي�شوفه و �أنت خمبيه عندك»‪ ،‬فقال‬ ‫حليم‪ « :‬و الله هو ما عندى و ال حتى �شفته‪ ..‬ادخلى دورى عليه‪ ،‬و عموما‬ ‫�أنا هجيبه حلد عندك»‪ ،‬و بالفعل �أح�ضره فى اليوم التاىل بعد �أن ن�شر �إعالنا‬ ‫فى الأهرام يقول «ارجع يا �صالح‪� ..‬أهلك بيدوروا عليك»‪..‬عاد جاهني لبيته‬ ‫على الفور و عرفوا �أنه كان فى الإ�سكندرية لأنه كان ال يتحمل �أن يرى �أحد ًا‬ ‫من �أقاربه مري�ضا‪ ،‬فما بالك بوالده‪.‬‬ ‫تتابعت الأغانى الوطنية من «على ر�أ�س ب�ستان اال�شرتاكية» و»امل�س�ؤولية»‬ ‫مرورا بـ «�صورة « و «ثوار» و �صوال �إىل «يا �أهال باملعارك» التى كتبها قبيل‬ ‫النك�سة‪ ،‬تلك الفرتة التى و�صفها «جاهني» بقوله‪ :‬منذ عام ‪1967‬م و�أنا �أعانى‬ ‫من حالة اكتئاب حادة‪ ،‬و االكتئاب عندى لي�س فرتة‪ ،‬لكنه حالة كاملة تنتابني‬ ‫و تهاجمنى فى و قت معني‪ ،‬و حتى �أكون دقيقا فى حديثى‪ ،‬فلقد عانيت ما‬ ‫عانته م�صر كلها من فرتة اكتئاب من ‪1967‬م وحتى ن�صر ‪1973‬م‪ ،‬فالنك�سة‬ ‫عندما حلت مب�صر حلت بكل �شىء‪..‬نك�سة فى احلياة‪ ،‬فى �أعماق الب�شر‪ ،‬فى‬ ‫ال�شعر‪ ،‬فى الغناء‪ ،‬فى كل �شىء‪� .‬أنا كم�صرى ت�أثرت بهذه النك�سة‪ ،‬و كفنان‬ ‫ت�أثرت �أكرث و �أكرث؛ لأن قبل النك�سة كان هناك �شىء نغنى له‪:‬الثورة‪ ،‬الأمل‪،‬‬ ‫امل�ستقبل‪�..‬أ�شياء كثرية؛لذا كنت �أكتب و �أكتب و �أغنى‪ ،‬والنا�س كلها تغنى‬ ‫معى‪ ،‬وكل ال�شعراء يغنون فيجدون �أ�صداء غنائهم عند النا�س‪ ،‬ولكن هذا كله‬ ‫توقف عام ‪1967‬م‪.‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪14‬‬

‫العدد (‪)2048‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪� )19‬شباط ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2048‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪� )19‬شباط ‪2011‬‬

‫م���������ع ص������ل�����اح ج����اه����ي����ن‬

‫صالح جاهين‪ :‬الفيلسوف الضاحك‬ ‫الذي قتله الحزن‪ ..‬ولم تصطبغ حياته‬ ‫باللون الـ بمبي‬ ‫((‬

‫جورج بهجوري‬ ‫يف �أوائل اخلم�سينيات بد�أ �صالح جاهني‬ ‫معنا نحن طالب الفنون اجلميلة يقول �أو‬ ‫يردد �أ�شعارا و�أزجاال �شعبية يف فناء الكلية‪،‬‬ ‫ثم اختفى وقالوا لنا �إنه التحق باجلامعة‬ ‫كلية احلقوق ليدر�س القانون‪ ،‬لأن والده‬ ‫م�ست�شار كبري ويريد ابنه يف ذات املجال ثم‬ ‫عاد معنا يف موالد �إمبابة و�أبو العال ي�صعد‬ ‫امل�سرح ويقدمه الفنان والرائد ال�شعبي‬ ‫زكريا احلجاوي ‪ ..‬ي�صفق اجلمهور ل�صالح‬ ‫جاهني ال�شاعر ال�شعبي ال�ضاحك يف كلماته‬ ‫منت�صف الطريق بني ال�سخرية واحلكمة‪.‬‬ ‫يف هذه الأثناء جاءت جتربتي املبكرة‬ ‫يف «روزاليو�سف» ب�إر�شاد الفنان الأملعي‬ ‫�أبوالعينني لأكون الولد الر�سام حماولة مني‬ ‫لأكون يف الطليعة ومعي �أ�سلوب جديد يف‬ ‫الر�سم ومازلت �أدر�س مع �أ�ستاذي بيكار يف‬ ‫كلية الفنون‪.‬‬ ‫غرفة الر�سم يف املجلة يف �شقة ب�سيطة‬ ‫�شارع حممد �سعيد من الق�صر العيني تزدحم‬ ‫قاعتها طول النهار وامل�ساء ب�أ�صحاب �أقالم‬ ‫من �صحفيني جدد ملعوا يف تاريخ ال�صحافة‪.‬‬ ‫نقطة ال�ضوء يف املجلة هو رئي�س حتريرها‬ ‫«�إح�سان عبد القدو�س» ومعه «�أحمد بهاء‬ ‫الدين»‪ ،‬و«ممدوح ر�ضا» و«�سامي الليثي»‬ ‫دخل �أحدهم غرفتنا للر�سم و�أنا حتت‬ ‫�أباجورة �صغرية وقال يل تعايل ال�صالة‬ ‫الكبرية للتحرير يقدم لنا زكريا احلجاوي‬ ‫فنان جديد تعايل ا�سمع �أ�شعاره و�أزجاله‬ ‫وان�سابت الكلمات من فم �شاب �سمني تقطر‬ ‫كلماته ع�سال من حرية الر�أي وال�سخرية‬ ‫واحلكمة‪ ،‬و�صفق له اجلميع وزكريا‬ ‫احلجاوي يقول‪� :‬أقدم لكم موهبة تغزو‬ ‫قلوب امل�صريني لزمن كامل ‪ ..‬كانت نبوءة‬ ‫احلجاوي حقيقية ‪.‬‬ ‫لكني عدت �إىل مكتبي �أر�سم ما طلبه مني‬ ‫�سكرتري التحرير على وجه ال�سرعة �إىل‬ ‫املطبعة ‪ ..‬حتى �شعرت به يت�أمل ر�سومي‬ ‫ب�أ�سلوبي اجلديد‪ ،‬ويتابع خلف يدي حركة‬ ‫اخلط والقلم والذراع ليقول يل بع�ض‬ ‫النقد‪ ..‬ثم يختفي‪.‬‬ ‫مل �أكن قد تعرفت حتى الآن على الر�سام‬ ‫�صالح جاهني‪ ،‬وكنت قد فهمت �أنه ترك كلية‬ ‫الفنون �إىل احلقوق ثم غري ر�أيه مرة �أخرى‪.‬‬ ‫ا�شرتكت يف هذه الأثناء مع زمالء من‬ ‫الي�سار يف دار الفكر وقدمت لهم ر�سوما‬ ‫لكتاب جديد عن بور�سعيد بعد العدوان‬ ‫الثالثي‪ ،‬وعندما دخلت هذه الدار التي‬ ‫ير�أ�سها �إبراهيم عبد احلليم �أدخلني �أحد‬ ‫املكاتب يجل�س على �أحدها �صالح جاهني‬ ‫ور�سومي عن بور�سعيد حوله حتى �إين‬ ‫ا�ستعنت ببع�ض كلماته «يا �أم البطل يا �أم‬

‫ال�شهيد»‪ ،‬وت�أثرت جدا يف هذا اللقاء لأنه‬ ‫يختار من ر�سومي الأف�ضل لي�ضعه على‬ ‫الغالف ومقا�سات يدونها �إىل املطبعة ‪.‬‬ ‫�شعرت ب�إنكار ذاته وكرمه مع فنان �آخر‬ ‫بالكاد يعرفه ‪.‬‬ ‫ثم بد�أت �صداقتنا احلقيقية مع بداية «�صباح‬ ‫اخلري» قبل العدد ال�صفر الذي يعد له‬ ‫املخرج الفنان ح�سن ف�ؤاد الذي اكت�شف فكر‬ ‫وموهبة �صالح جاهني ليكون �أحد جنوم‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫فن الكاريكاتري‪ ،‬ويختار له �أهم الزوايا‬ ‫وال�صفحات لت�صدر مع العدد الأول‪.‬‬ ‫وكان معنا قامو�س لألف نكتة ر�سمها كبار‬ ‫ر�سامي العامل �أح�ضرته معي بتو�صية من‬ ‫ح�سن ف�ؤاد ‪ ..‬لأن دعوتي �إىل برلني كولد‬ ‫ر�سام جديد لأر�سم هذه املرة يف برنامج‬ ‫تليفزيوين علي الزجاج ب�أ�صابع �شمع‬ ‫�سوداء يف برلني ‪.‬‬ ‫هذا املجلد ال�ضخم الذي يحوي �ألف نكتة‬

‫ب�أ�ساليب عاملية هو نواة فن الكاريكاتور‬ ‫يف «�صباح اخلري» لأننا قدمنا ري�شات‬ ‫مميزة لها �صفة خا�صة وتفوقنا يف‬ ‫الأ�ساليب املحلية‪ ،‬ومذاق الكاريكاتري‬ ‫امل�صري يف �صباح اخلري‪ ،‬وملع بيننا‬ ‫�أحمد حجازي ورجائي و�إيهاب وبهجت‪،‬‬ ‫ولذلك �أ�ؤكد الآن �إيل الذين غ�ضبوا مني‬ ‫عندما قلت هذه املعلومة عن نقل بع�ض‬ ‫�أفكار الكاريكاتري العاملية املذكورة يف‬

‫�أحمد رجب �شلتوت‬ ‫هكذا ن�صح العندليب ب�أن يقاوم املوت بالغناء‪ ،‬وكان‬ ‫للن�صيحة �أحوج‪ ،‬حينما انهارت �أحالمه فقد القدرة على‬ ‫الغناء‪ ،‬ف�سقط فري�سة لالكتئاب الذي الزمه حتى املوت‪.‬‬ ‫فالذي ارتوى قلبه بالن�شوة‪� ،‬أ�صبحت ال�سعادة بالن�سبة له‬ ‫كرباج « قلبي منه اجنلد» كما قال يف واحدة من رباعياته‪،‬‬ ‫وقال يف �أخرى‬ ‫�أنا �شاب لكن عمري وال �ألف عام‬ ‫وحيد ولكن بني �ضلوعي زحام‬ ‫خايف ولكن خويف مني �أنا‬ ‫�أخر�س ولكن قلبي مليان كالم‬ ‫رباعياته العبقرية ك�شفت عن تغلغل احلزن يف الروح التي‬ ‫ت�سربت من اجل�سد البدين تدريجيا حتى فارق احلياة يف‬ ‫احلادي والع�شرين من �إبريل عام ‪ .1986‬فالوحيد الأخر�س‬ ‫�أ�صبح مرغما على احلياة التي طاملا ع�شقها وتغنى لها‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫مرغم عليك يا ُ�صبح مغ�صوب يا ليل‬ ‫ال دخلتها برجليَّا وال كان يل ميل‬ ‫�شايلني �شيل دخلت يف احلياه‬ ‫وبكره ح �أخرج منها �شاي ِل ِّني �شيل‬ ‫�صاحب الرباعيات‬ ‫هو حممد �صالح الدين بهجت حلمي �أحمد حلمي جاهني‪،‬‬ ‫ال�شهري بـ»�صالح جاهني»‪.‬‬ ‫ولد يف ‪ 1930/12/25‬م بحي ب�شربا يف �شارع جميل‬ ‫با�شا‪ ،‬وهو الأكرب بني �إخوته‪ .‬والده امل�ست�شار بهجت‬ ‫حلمي الذي تدرج يف ال�سلك الق�ضائي حتى عُني رئي�سً ا‬ ‫ملحكمة ا�ستئناف املن�صورة‪.‬‬ ‫كانت والدته متعرثة ويقال �أن الوالدة املتعرثة ترتك �آثارها‬ ‫على املولود فتالزمه طول حياته وقد تت�سبب يف عدم‬ ‫ا�ستقرار احلالة املزاجية عنده‪ ،‬وهو ما لوحظ على �صالح‬ ‫جاهني الذي كان يفرح كالأطفال ثم يحزن لدرجة االكتئاب‪.‬‬ ‫و�إن كنت �أعتقد �أن حزنه يرجع لهزمية يونيو‪ 1967‬ثم‬ ‫رحيل عبد النا�صر يف �سبتمرب‪ ،1970‬فقد �آمن بالثورة‬ ‫و�أحب زعيمها وغنى لهما‪ ،‬وانك�سر بانك�سارهما‪.‬‬ ‫يف طفولته كان نادرا ما يغادر �أمه‪ ،‬التي كانت تروى له‬ ‫الق�ص�ص العاملية والأمثال ال�شعبية‪ ،‬فعملت على غر�س‬ ‫كل ما تعلمته من درا�ستها يف مدر�سة ال�سنية‪ ،‬ثم عملها‬ ‫كمدر�سة للغة االجنليزية يف طفلها الذكي الذي تعلم‬ ‫القراءة يف �سن الثالثة‪ .‬كما لعبت مكتبة جده ال�سيا�سي‬ ‫والكاتب �أحمد حلمي (�شارع �أحمد حلمي ب�شربا يحمل‬ ‫ا�سمه) ‪ -‬زميل ورفيق الزعيمني م�صطفى كامل وحممد‬ ‫فريد ـ لعبت تلك املكتبة دورًا كبريًا يف �إتاحة جمموعة‬ ‫كبرية من الكتب يف �شتى املجاالت �أمام القارئ النهم‪ .‬وقد‬ ‫تعلم من والدته �أي�ضا �صناعة بع�ض الألعاب من الطني �أو‬ ‫ال�صل�صال‪ ،‬كما �شجعته على ممار�سة الر�سم بعد �أن الحظت‬ ‫تعلقه بهذا الفن‪.‬‬

‫منعطفات‬

‫�أراد له والده �أن يكون مثله م�ست�شارا ف�أرغمه على دخول‬ ‫كلية احلقوق فتعرث يف درا�سته‪ ،‬حتى �أنه ق�ضى يف ال�سنة‬ ‫الأوىل ثالث �سنوات متتالية حتى حلقته �أخته وجنحا معًا‬ ‫يف ال�سنة الأوىل والثانية‪ .‬ولكن مل ي�ستطع �صالح جاهني‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪m a n a r a t‬‬

‫‪2011192048‬‬

‫))‬

‫يا عندليب ماتخاف�ش من غنوتك‬ ‫قول �شكوتك واحكي على بلوتك‬ ‫الغنوه م�ش حتموتك‪� ......‬إمنا‬ ‫كتم الغنا هو اللي ح ميوتك‬ ‫هذا القامو�س ‪ .‬لكنه �شيء طبيعي جدا‪،‬‬ ‫لأن عبد الوهاب املو�سيقار مثال ي�ستمع‬ ‫�إىل املو�سيقا العاملية الكال�سيكية ثم ي�ؤلف‬ ‫مو�سيقاه �أو ما ي�صاحب �أغنيته اجلديدة ‪.‬‬ ‫�سنوات طويلة‪ ،‬ونحن يف غرفة واحدة مع‬ ‫حلمي كامل وم�أمون وحجازي ورجائي‬ ‫وبهجت ‪� ..‬إال �أن ركن �صالح جاهني على‬ ‫طاولته ير�سم �صفحتي الدوبل كل �أ�سبوع‬ ‫هو بريق النجاح الكبري الذي �أ�صبح‬ ‫هو رائده ومبدعه يف �أفكار المعة جدا‬ ‫لها تلخي�ص للمجتمع امل�صري وال�شباب‬ ‫وال�شعب عامة‪ .‬فقد اختارت �صباح اخلري‬ ‫له زاوية قهوة الن�شاط يف ال�صفحة‬ ‫الأوىل‪ ،‬وتوالت ال�صفحات بعد ذلك قي�س‬ ‫وليلى «احلب الأفالطوين»‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫رباعياته كل �أ�سبوع �أما زاوية الهيكل‬ ‫العظمي ونادي العراة فلم يوفقاها‬ ‫و�أذكر يف هذه الفرتة �أن مر�ض زميلي‬ ‫�صالح بالأنفلونزا و�أمامه نكت الدوبل‬ ‫وهو غارق يف عرق غزير ورع�شة‪.‬‬ ‫وكان البد من الت�سليم للمطبعة يف‬ ‫�ساعة واحدة ‪� ..‬أخذت من �صالح جاهني‬ ‫ال�صفحتني وهما بالقلم الر�صا�ص وقلت‬ ‫له ‪� :‬أرجوك �أنت ترتاح يف البيت و�أنا‬ ‫�س�أكمل حتبري الر�سوم بنف�سي فاطمئن‬ ‫حدث ذلك مع حتيات الزمالء‪ ،‬هذه‬ ‫الروح اجلميلة يف �أ�سرة �صباح اخلري‬ ‫يف بدايتها وجناح توزيع املجلة �أ�ضاف‬ ‫�إىل الدار �إيرادا �ضخما‪ ،‬فقررت الإدارة‬ ‫منح �صالح جاهني عالوة على مرتبه ‪10‬‬ ‫جنيهات‪ ،‬ولكنه رف�ض وقال �أوافق علي‬ ‫�شرط �أن زمالءي الر�سامني يعاملون‬ ‫باملثل ‪ ..‬وعندما �صعدنا �إىل اخلزينة‬ ‫وجدنا عالوتنا جميعا حجازي ورجائي‬ ‫وبهجت و�إيهاب‬ ‫حمبتي له ولذكراه الآن ال مثيل لها و�سبب‬ ‫اخلالفات ال�صغرية وزوبعة كتاب الر�سوم‬ ‫املمنوعة الذي ن�شرته ب�سببها �أين كنت‬ ‫يف باري�س فرتة طويلة بعيدا عن الأجواء‬ ‫ال�صحفية امل�صرية و�أن بع�ض ال�صحفيني‬ ‫واملثقفني ت�صوروا �أين ر�سمت بعده‬ ‫ولي�س قبله ‪.‬‬ ‫بل �إن القدر �أعطاين هدية هو �صاحبها‬ ‫عندما جنحت �أزجاله و�أ�شعاره للغناء‬ ‫مع عبد احلليم وكمال الطويل‪ ،‬فكانا‬ ‫يح�ضران تباعا �إىل املجلة و�إىل غرفة‬ ‫الر�سامني وال يجدوا ر�ساما �ساهرا �سوي‬ ‫�أنا فتكونت �صداقتي معهما ويرجع‬ ‫الف�ضل يف هذه ال�صداقة �إىل ال�صديق‬ ‫العزيز �صالح جاهني ‪ ..‬كما �أن �أكرب لوحة‬ ‫يف مر�سمي بالألوان الزيتية هي بورتريه‬ ‫�صالح جاهني بري�شتي �أريد يف منا�سبة‬ ‫قادمة �أن �أقدمها هدية لبهاء جاهني‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫�أن يكبت بركان الفن داخله‬ ‫�أكرث من ذلك‪ ،‬فقرر ترك احلقوق‬ ‫ودرا�سة الفنون‪� ،‬أ�سفر عن م�شادة‬ ‫عنيفة بينه وبني والده‪.‬‬ ‫بعدها غادر �صالح جاهني املنزل دون‬ ‫�إطالع �أحدًا على مق�صده‪ .‬فتوجه لبيت‬ ‫الفنانني بوكالة الغوري ثم �سافر لعمه بغزة‪،‬‬ ‫وق�ضى فرتة هناك عاد بعدها �إىل القاهرة حيث‬ ‫قر�أ �إعال ًنا عن وظيفة م�صمم جمالت باململكة العربية‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬فتقدم لها ثم �سافر دون �أن يخرب �أحدًا‪ ،‬ومل‬ ‫يعلم والديه �إال بعد �سفره بالفعل‪ .‬ولكنه عاد مرة �أخرى‬ ‫مل�صر بعد �أن تلقى خطابًا من والده يحثه فيه على العودة‪.‬‬ ‫ورغم التحاق �صالح جاهني بكلية الفنون اجلميلة بعد ذلك‬ ‫�إال انه مل يكمل الدرا�سة بها � ً‬ ‫أي�ضا‪.‬‬ ‫وبعد عودته بد�أ حياته العملية يف جريدة بنت النيل‪ ،‬ثم‬ ‫جريدة التحرير‪ .‬وفى هذه الفرتة �أ�صدر �أول دواوينه‬ ‫«كلمة �سالم» يف عام ‪ .1955‬وفى نف�س الوقت بد�أت‬ ‫�شهرته كر�سام كاريكاتري يف جملة روزاليو�سف‪ ،‬ثم يف‬ ‫جملة �صباح اخلري التي �شارك يف ت�أ�سي�سها عام ‪،1957‬‬ ‫وا�شتهرت �شخ�صياته الكاريكاتورية مثل قي�س وليلى‪،‬‬ ‫قهوة الن�شاط‪ ،‬الفهامة‪ ،‬در�ش وغريها من ال�شخ�صيات‪.‬‬ ‫وقد ت�سببت ر�سومه الكاريكاتورية �أكرث من مرة يف‬ ‫�أزمات �سيا�سية كان من �أبرزها اختالفه مع ال�شيخ الغزايل‬ ‫بالكاريكاتري عند مناق�شة م�شروع امليثاق يف عام ‪،1962‬‬ ‫فا�ستباح طالب الأزهر دمه وتظاهروا �أمام جريدة الأهرام‬ ‫مرددين هتافات �ضده‪ .‬كما �أجرى معه املدعى العام‬ ‫اال�شرتاكي حتقي ًقا ب�سبب ر�سم كاريكاتريي انتقد فيه‬ ‫تقري ًرا حول نتيجة التحقيق يف �ش�أن تلوث مياه القاهرة‪.‬‬

‫الوهج‬

‫مل تتوقف �أعمال �صالح جاهني ال�شعرية رغم عمله كر�سام‬ ‫كاريكاتري‪ ،‬ف�أ�صدر ديوانه الأول «كلمة �سالم» عام ‪،1955‬‬ ‫ثم ديوانه الثاين «موال ع�شان القنال» عام ‪ 1957‬وفى‬ ‫نف�س العام كتب «الليلة الكبرية» التي حلنها له �سيد‬ ‫مكاوي �أحد �أقرب �أ�صدقائه‪.‬‬ ‫ومثلت الفرتة املمتدة من ‪ 1959‬حتى ‪ 1967‬فرتة الن�ضج‬ ‫ال�شعري عند �صالح جاهني والتي بلغت قمتها ب�صدور‬ ‫ديوانه «الرباعيات» عام ‪ ،1963‬ثم عام ‪ 1965‬حني‬ ‫�أ�صدر ديوانه «ق�صاقي�ص ورق»‪ ،‬وخالل تلك الفرتة كتب‬ ‫�صالح جاهني �أروع �أعماله الوطنية التي تغنى بها العديد‬ ‫من املطربني ومنهم عبد احلليم حافظ مثل «�صورة»‪،‬‬ ‫«بالأح�ضان»‪« ،‬والله زمان يا �سالحي» الذي ا ُّتخذ الن�شيد‬ ‫الوطني امل�صري �إبان حكم الرئي�س الراحل جمال عبد‬ ‫النا�صر‪ ،‬وغريها من الأعمال الوطنية التي بقت را�سخة‬ ‫يف ذاكرة ال�شعب امل�صري‪ .‬وفى الفرتة ذاتها كون �صالح‬ ‫جاهني جماعة «حمبي �ضوء القمر» عام ‪ ،1961‬كما قدم‬ ‫العديد من امل�سرحيات مثل «القاهرة يف �ألف عام»‪ ،‬وكتب‬ ‫الأغاين والأ�شعار للعديد من امل�سرحيات مثل «�إيزي�س»‪،‬‬ ‫و»احلرافي�ش»‪ ،‬ومل يتوقف �إنتاجه عند الأعمال املحلية‪،‬‬ ‫بل قام بالرتجمة والإعداد م�سرحيًا لبع�ض امل�سرحيات‬ ‫الأجنبية مثل «الإن�سان الطيب»‪« ،‬دائرة الطبا�شري‬ ‫القوقازية»‪� .‬أي�ضا كتب الأغاين للعديد من الأعمال‬

‫‪manarat‬‬ ‫الإذاعية مثل م�سل�سل «ر�صا�صة‬ ‫يف القلب»‪ .‬وقدم للأطفال عدة‬ ‫�أعمال مثل م�سرحيات «الفيل‬ ‫النونو الغلباوي»‪« ،‬ال�شاطر ح�سن»‪،‬‬ ‫«�صح�صح ملا ينجح»‪« ،‬حمار �شهاب‬ ‫الدين»‪ ،‬لذلك اختارته وزارة الثقافة ‪-‬‬ ‫عام ‪ -1962‬ليكون م�س�ؤو ًال عن ثقافة الطفل‪.‬‬ ‫وان�ضم �صالح جاهني يف مار�س ‪ 1964‬لأ�سرة‬ ‫جريدة الأهرام ليكمل م�سريته فيها‪ .‬كما نال و�سام الفنون‬ ‫يف عيد العلم عام ‪ .1965‬وعن هذه الفرتة �أجاب عندما‬ ‫�سُ ئل عن �أجمل فرتات العمر‪« :‬هي الفرتة ما بني عام‬ ‫‪ 1967-1963‬الفرتة دي كانت الذروة يف حياتي»‪.‬‬

‫رئي�س جمل�س الإدارة‬ ‫رئي�س التحرير‬

‫الفيل�سوف‬

‫ينفرد جاهني بخا�صية متنح �شعره – على ب�ساطته‬ ‫وعاميته‪ -‬بعدًا فل�سفيًّا ال مثيل له لدى �شعراء العامية‬ ‫خ�صو�صا يف رباعياته حيث جند‬ ‫الآخرين‪ ،‬ويتجلى‬ ‫ً‬ ‫�أ�صداء لفل�سفة �سارتر الوجودية وملواقف �ألبري كامو يف‬ ‫اغرتابه وجلر�أة نيت�شه الذي مل تكن فل�سفته �سوى �شعر‬ ‫مكثف‪ .‬بالإ�ضافة �إىل نهل جاهني من الرتاث الفلكلوري‬ ‫امل�صري والعربي الإ�سالمي وامل�سيحي‪ .‬ومزجها كلها يف‬ ‫�صوت �صادق متفرد هو �صوته وحده‪ .‬ولننظر �إىل بع�ض‬ ‫رباعياته التي ميكن اعتبار كل رباعية منها �أطروحة‬ ‫فل�سفية كاملة تطرح كل منها �أحد الأ�سئلة الوجودية‬ ‫الهامة يف ت�صوير بالغ الإيجاز والإيحاء والده�شة‪.‬‬

‫االنطفاء‬

‫تداعت �أحالم �صالح جاهني بهزمية يونيو‪،1967‬‬ ‫وتبددت متاما برحيل عبد النا�صر‪� ،‬سقط �شاعر الثورة‬ ‫يف براثن الإحباط‪ ،‬فلزم ال�صمت (�أخر�س ولكن قلبي‬ ‫مليان كالم)‪ ،‬وما بقى من �إجنازات عبد النا�صر تعر�ض‬ ‫للت�شويه حتى ال�سد العايل طالته احلملة ال�ساداتية‬ ‫امل�سعورة وحاولت احلط من �ش�أنه‪ .‬مل يجد ال�شاعر‬ ‫مك�سور احللم و�سيلة لإفراغ طاقاته املكبوتة �إال يف كتابة‬ ‫�أغاين �أفالم �سعاد ح�سني مثل «خلي بالك من زوزو»‬ ‫و»�أمرية حبي �أنا»‪ .‬تندر املثقفون على « قفل يل على كل‬ ‫املوا�ضيع» نعوا ال�شاعر اجلميل لكنه قبل رحيله بعامني‬ ‫�أ�صدر ديوانه الأخري «�أنغام �سبتمربية» عام ‪.1984‬‬ ‫وملا �س�أل �سبتمرب؟ �أجاب‪« :‬رمبا لأن عواطفي تعودت‬ ‫�أن جتي�ش يف �سبتمرب من كل عام منذ �أن كان الفي�ضان‬ ‫ي�أتي يف هذا ال�شهر حمم ًال بعطر ميل�ؤين بن�شوة عجيبة‬ ‫ورغبة خفية يف االرتواء واالحتواء‪� ،‬أو رمبا لأن عبد‬ ‫النا�صر مات كمدًا يف �سبتمرب‪�« .‬أنغام �سبتمربية» كانت‬ ‫ديوانه الأخري ولقارئه �أن يت�ساءل‪ :‬هل كانت ق�صائده‬ ‫هي تغريدة البجعة حينما ت�ست�شعر قرب الرحيل‪ ،‬وهل‬ ‫كان �صدفة �أن ينتهي الديوان بالكلمات التالية‪:‬‬ ‫�آدي اللي كان وادي القدر‬ ‫وادي امل�صري‬ ‫نودع املا�ضي وحمله الكبري‬ ‫نودع الأفراح‬ ‫نودع الأ�شباح‬ ‫راح اللي راح‪ ،‬ماعد�ش فا�ضل كتري‪.‬‬

‫التحرير‬ ‫‪----------------‬‬‫نزار عبد ال�ستار‬ ‫الت�صميم‬ ‫‪----------------‬‬‫م�صطفى جعفر‬

‫طبعت مبطابع م�ؤ�س�سة املدى‬ ‫لالعالم والثقافة والفنون‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.