رئي�س جمل�س االدارة رئي�س التحرير فخري كرمي ملحق ثقايف ا�سبوعي ي�صدر عن جريدة املدى
m a n a r a t
العدد ()2102ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )16ني�سان 2011
THOMAS STEARNS
ELIOT
2 اعداد :زينة الربيعي �شعر �إليوت
بالن�سبة ل�شاعر يف مثل مكانته ،ف�إن �إنتاج �إليوت ال�شعري كان قلي ًال .وعى �إليوت ذلك مبكر ًا يف م�سريته ،فكتب �إىل جيه� .إت�ش. وودز �أحد �أ�ساتذته ال�سابقني يف هارفرد: قليل من "�سمعتي يف لندن مبنية على ٍ الأبيات ،وي�صونها طباعة ق�صيدتني �أو ثالث يف ال�سنة .ال�شيء الوحيد املهم �أن هذه الق�صائد ينبغي �أن تكون كاملة وفريدة من نوعها ،بحيث ت�صبح ُكل واحدةٍ منها حدث ًا بحد ذاتها". ب�شكل تقليدي ن�شر �إليوت ق�صائده الأوىل يف الدوريات ويف كتيبات ومطويات حتتوي ق�صيدة واحدة (على �سبيل املثال :ق�صائد �آرييل) ،ومن ثم �أ�ضافها �إىل املجموعات ال�شعرية .كانت جمموعته ال�شعرية الأوىل: بروفروك ومالحظات �أخرى ( .)1917يف ،1920ن�شر �إليوت مزيد ًا من الق�صائد يف ( Ara Vos Precلندن) وق�صائد1920: (نيويورك) .كانت هذه الق�صائد نف�سها برتتيب خمتلف -عدا �أن "�أغنية" يفالطبعة الإنكليزي قد ا�ستبدلت بق�صيدة "ه�سترييا" يف الطبعة الأمريكية .يف ،1925جمع �إليوت الأر�ض اليباب وق�صائد �أخرى يف بروفروك وق�صائد يف جملد واح ٍد و�أ�ضافه �إىل الرجال اجلوف ليكون ق�صائد: .1925 - 1909ومن ثم حدث عمله كق�صائد جمموعة .وكانت اال�ستثناءات: كتاب اجلرذ العجوز عن القطط العملية ( )1939جمموعة من الق�صائد اخلفيفة. ق�صائد ُكتبت يف �أوائل ال�شباب (ن�شرت بعد وفاته يف ،)1967وحتتوي على ق�صائد ُن�شرت غالب ًا بني 1907و 1910يف حمامي هارفرد املجلة الطالبية يف جامعة هارفرد اخرتاعات الأرنب ال�سائر1917–1909 : (ن�شر بعد وفاته ,)1997مقاطع وم�سودات مل ينو �إليوت ن�شرها� .شرحها كري�ستوفر ريك�س.
العدد ()2102ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )16ني�سان 2011
العدد ()2102ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )16ني�سان 2011
ت .س .إليوت
Thomas Stearns Eliot ٌ حائز على جائزة نوبل يف تي� .إ�س� .إليوت (بالإنكليزية� )Thomas Stearns Eliot :شاعر وم�سرحي وناقد �أدبي الأدب يف .1948وُ لد يف � 26سبتمرب /ايلول 1888وتويف 4يناير /كانون الثاين .1965كتب ق�صائد� :أغنية حب جي. �ألفرد بروفروك ،الأر�ض اليباب ،الرجال اجلوف� ،أربعاء الرماد ،والرباعيات الأربع .من م�سرحياته :جرمية يف الكاتدرائية وحفلة كوكتيل .كما �أنه كاتب مقالة "التقليد واملوهبة الفردية" .وُ لد �إليوت يف الواليات املتحدة الأمريكية وانتقل �إىل اململكة املتحدة يف ،1914ثم �أ�صبح �أحد الرعايا الربيطانيني يف .1927
الأر�ض اليباب
يف �أكتوبر ،1922ن�شر �إليوت الأر�ض اليباب The Waste Landيف املعيار. ُكتبت الق�صيدة يف فرتة انهيار زواج �إليوت، وغالب ًا ما ُتقر�أ الق�صيدة باعتبارها متثي ًال لزوال وهم جيل ما بعد احلرب العاملية الأوىل .حتى قبل �أن ُتن�شر الأر�ض اليباب يف كتاب (دي�سمرب /كانون االول � ،)1922أبعد �إليوت نف�سه عن ر�ؤية الق�صيدة اليائ�سة: "فيما يتعلق بالأر�ض اليباب ،هذا �شيء من املا�ضي كما �أعتقد ،و�أ�شعر الآن برغب ٍة يف أ�سلوب جديد" .هذه الق�صيدة تعترب جتربة � ٍ من �أهم و�أ�صعب الق�صائد يف تاريخ االدب الإنكليزي والعاملي وذلك لأ�سباب عدة �أهمها االعتماد على ع�شرات االعمال االدبية الأخرى مثل اعمال �شك�سبري واحلالة النف�سية الفريدة التي تعرب عنها الق�صيدة ومن اجلدير بالذكر ان هذه الق�صيدة حتتوي على ابيات بلغات عدة منهاالفرن�سية والأملانية والأ�سبانية و الهندية.
م�سرحيات �إليوت
با�ستثناء مقطوعته الكربى" :الرباعيات الأربع" ،اجتهت معظم طاقة �إليوت الإبداعية بعد "�أربعاء الرماد" �إىل كتابة م�سرحيات م�سرحيات كوميدية� ،أو �شعرية ،غالب ًا ٍ بنهايات ت�صاحلية .كان معجب ًا م�سرحيات ٍ ٍ دائم ًا بالدراما ال�شعرية الإليزابيثية واجلاكوبية (ي�شهد على ذلك خياالته عن وب�سرت ،ميدلتون� ،شك�سبري ،وكيد يف "الأر�ض اليباب" ).يف حما�ضرة �ألقاها عام
�شاعر يحب �أن 1933قال�" :أتخيل �أن كل ٍ يكون قادر ًا على التفكري ب�أن لديه و�سيلة اجتماعية مبا�شرة� ....سيحب �أن يكون م�سل �شعبي ،و�أن يكون قادر ًا نوع ًا من ٍ على التفكري ب�أفكاره اخلا�صة وراء القناع الرتاجيدي �أو الكوميدي� .سيحب �أن يو�صل متعة ال�شعر ،لي�س فقط جلمهور �أعر�ض ،بل ملجموعات �أكرب من النا�س جماعة ،وامل�سرح هو املكان الأف�ضل لفعل ذلك. بعد كتابة الأر�ض اليباب ( )1922كتب �شكل جدي ٍد �إليوت �أنه كان "ي�شعر برغبة يف ٍ أ�سلوب جديد"� .أراد �أن يكتب م�سرحية و� ٍ �شعرية ب�إيقاع جاز و�شخ�صي ٍة ظهرت يف العديد من ق�صائده� ،سويني .مل ينهها �إليوت. ب�شكل منف�صلُ .ن�شر ن�شر قطعتني مما كتبه ٍ املقطعني" :مقطع من مدخل" (،)1926 و"مقطع من �صراع درامي" ( )1927مع ًا بعنوان� :صراعات �سويني .وبالرغم من �أن هذا الكتاب مل يق�صد به �أن يكون م�سرحية ف�صل واحد� ،إال �أنه مُيثل �أحيان ًا كذلك. من ٍ يف ،19934مُثلت م�سرحية بعنوان "ال�صخرة" �ألفها �إليوت يف مهرجان .كان ذلك ملنفعة الكنائ�س يف �أبر�شية لندن .معظم العمل كان جهد ًا جماعي ًا ،وقبل �إليوت ت�أليف م�شه ٍد واح ٍد والكور�س .للمهرجان جمهور متعاطف لكنه يحتوي عموم ًا على
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
رجال الكني�سة التقلديني ،جمهور جدي ٍد لإليوت الذي ا�ضطر لتعديل �أ�سلوبه بطريقة "تعليمية". �س�أل جورج بل� ،أ�سقف ت�ش�سرت ،الذي كان م�ؤثر ًا يف جلب �إليوت ليعمل كاتب ًا مع املنتج �إي .مارتن براون يف �إنتاج م�سرحيته املهرجانية "ال�صخرة"� ،إليوت �أن يكتب م�سرحية جديدة ملهرجان كانرتبري يف ،1935وكانت هذه امل�سرحية جرمية يف الكاتدرائية حتت �سيطرة �إليوت �أكرث من �سابقتها. جرمية يف الكاتدرائية عن موت توما�س بيكيت .اعرتف �إليوت ب�أنه ت�أثر فيها بالواعظ من القرن ال�سابع ع�شر الن�سلوت �أندروز من بني �آخرين" .جرمية يف الكاتدرائية" كانت خيار ًا ثابت ًا للكنائ�س الأجنليكانية والرومانية الكاثوليكية ل�سنني عدة. بعد م�سرحياته الإكلريو�سية ،عمل �إليوت م�سرحيات جتارية جلمهور �أعم .كانت على ٍ هذه امل�سرحيات :مل �شمل العائلة (،)1939 حفلة كوكتيل ( ،)1949املوظف املوثوق ( )1953ورجل الدولة الكبري (.)1958
�إليوت ناقداً
�ساهم �إليوت يف جمال النقد الأدبي �إ�سهامات
م�ؤثرة ،خ�صو�ص ًا مبدر�سة النقد احلديث امل�ؤثرة التي دعا �إليها .وبرغم �أنه قلل من عمله كناقد قائ ًال ب�أن �أعماله النقدية مل تكن غري "منتج جانبي لور�شته ال�شعرية اخلا�صة"� .إال �أنه يُعترب واحد ًا من �أعظم نقاد القرن الع�شرين الأدبيني .حتى �أن الناقد ويليام �إمب�سون قال مرة" :ال �أعرف يقين ًا كم اخرتعه عقلي [�إليوت] ،ناهيك عن كم منه يعد فعل �ضده� ،أو ناجت قراءة مغلوطة له� .إنه رد ٍ ت�أثري موغل ،ورمبا لي�س على عك�س الريح ال�شرقية". يف مقالته النقدية" :التقليد الأدبي واملوهبة الفردية" ،يجادل �إليوت ب�أن الفن ينبغي �أن يفهم ال جمرد ًا ،بل يف �سياق الأعمال الفنية ال�سابقة" .على وجه اخل�صو�ص ،ينبغي على الفنان �أو ال�شاعر -ب�شكل قاهر � -أن يُحاكم مبقايي�س املا�ضي" .هذه املقالة واحدة من �أهم �أعمال مدر�سة النقد اجلديد ،لأنها قدمت فكرة �أن قيمة العمل الفني ينبغي �أن تعر�ض يف �سياق كل الأعمال ال�سابقة .اع ُترب �أي�ض ًا �أن "التقليد واملوهبة الفردية" �أبقت العامة بعيد ًا عن االنخراط يف الأدب (�أو الأدب عن االنخراط فيهم)�" :إ�صرار تي� .إ�س� .إليوت يف مقاالت مثل التقليد واملوهبة الفردية ( )1917على �أن ال�شاعر ال�شاب يحتاج فقط لتمثل املقيا�س الذكوري للم�ؤلفني املكر�سني
الذين �ساهموا يف التعريفات العامة للحداثة وب�شكل الأدبية �سي�ستبعد الثقافة العامة". ٍ معاك�س ،ف�إن قراءة �إليوت خل�صو�صية املو�سيقى يف مقالته" :ماري لويد" ت�ساعد يف التو�صل �إىل �أن الثقافة ال�شعبية ميكن �أن تكون مو�ضوع ًا للنقد �أي�ض ًا ،كانت فكرة املعادل املو�ضوعي الرابط لكلمات الن�ص بالأحداث وحاالت الذهن واخلربات ،يف مقالة �إليوت هملت وم�شاكله مهمة للنقد احلديث .قادت هذه الفكرة �إىل �أن الق�صيدة حكم غري تعني ما تقوله ،لكنها تقرتح وجود ٍ ذاتي مبني على تعدد القراءات التي قد تكون خمتلفة ،لكنها تتكامل لتف�سري العمل. ب�شكل �أكرث تعميم ًا� ،أخذ النقاد اجلدد ٍ تلميحات من �إليوت فيما يتعلق مبثالياته ٍ الكال�سيكية ،و�أفكاره الدينية ،اهتمامه ب�شعر ودراما بدايات القرن ال�سابع ع�شر ،ازدراءه للرومان�سيني -خ�صو�ص ًا �شيلي ،فر�ضيته ب�أن الق�صائد اجليدة ال حتتوي فقط على انفالت مُلفت لل�شعور؛ بل مهرب ًا من ال�شعور، ٍ و�إ�صراره على �أن ال�شعراء يف احلا�ضر ينبغي �أن يكونوا �صعبني. كانت مقاالت �إليوت عام ًال م�ؤثر ًا يف �إحياء االهتمام بال�شعراء امليتافيزيقيني .كان �إليوت يف�ضل حتديد ًا قدرة ال�شعراء امليتافيزيقيني ب�شكل فل�سفي وح�سي يف على عر�ض اخلربة ٍ ب�شكل فريد .مقالة �إليوت "ال�شعراء الآن ذاته ٍ امليتافيزيقيون" �أعطت ال�شعر امليتافيزيقي �أهمية واهتمام ًا ،مقدمة تعريفه املعروف للح�س املوحد ،والذي يعتربه البع�ض م�صطلح ًا يعني ما تعنيه كلمة "ميتافيزيقي". هناك جد ٌل يقول ب�أن �إليوت يُفهم ب�أف�ضل �صورة كناقد من خالل �شعره ،حيث �أن �أحدهما يعك�س الآخر ،و�أن �إليوت ميلك منظور ًا فريد ًا ك�شاعر-ناقد .يف الرباعيات واع بذاته الأربع� ،سل�سلة ق�صائد� ،إليوت ٍ بطريقة "تفتح الق�صيدة على احلركة النقدية اجلديدة حيث الفهم معتم ٌد على املنظور الذي حُ ملت به الق�صيدة .ت�أمل �إليوت الذاتي يف ال�شعر يعك�س �إميانه باالرتباط املو�ضوعي، وعند ن�شر ق�صيدته الأر�ض اليباب يف ري من النقاد �أنها مزحة �أو ،1922اعتقد كث ٌ خدعة� .أي�ض ًا ،ميكن �أن يُفهم �أكرث يف �ضوء عمله كناقد .جادل �إليوت ب�أن ال�شاعر ينبغي �أن يكتب "نقد ًا مربجم ًا"� ،أو ب�أن فكرة �أن ال�شاعر ينبغي �أن يكتب لتقدمي اهتماماته اخلا�صة �أكرث من تقدمي "درا�سة تاريخية". ومبنظور �إليوت اخلا�ص ،ف�إن الأر�ض اليباب تعك�س كراهيته ال�شخ�صية للحرب العاملية الأوىل� ،أكرث من الفهم التاريخي املو�ضوعي لها. يُجادل البع�ض ب�أن �إليوت نبذ معظم �أعماله ال�سابقة كناقد يف م�سريته الالحقة .وهذا حمل نزاع كبري .يف ذلك الوقت� ،شدد �إليوت على �أهمية �أن يخلق ال�شاعر �شخ�صيته الفريدة من خالل عمله.
ال�شعر بروفروك ومالحظات �أخرى ()1917 �أغنية حب جي� .ألفرد بروفروك ق�صائد ()1920 جريون�شن �سويني بني مالئكة الليل الأر�ض اليباب ()1922 الرجال اجلوف ()1925 ق�صائد �آرييل ()1954-1927 رحلة املجو�س ()1927 �أربعاء الرماد ()1930 كوريوالن ()1931 كتاب اجلرذ العجوز عن القطط العملية ()1939 ن�شيد زحف الكالب البوليكية ،بيلي مكاو :الببغاء املميز وكتاب امللكة عن ال�صليب الأحمر 1939 الرباعيات الأربع ()1945 امل�سرحيات �صراعات �سويني ( ُن�شرت يف ,1926مُثلت لأول مرة يف )1934 ال�صخرة ()1934 جرمية يف الكاتدرائية ()1935 مل �شمل العائلة ()1939 حفلة كوكتيل ()1949 املوظف املوثوق ()1953 رجل الدولة الكبري (مُثلت لأول مرة يف ,1958و ُن�شرت يف )1959
ب��ي��ب��ل��وغ��راف��ي��ا
3
BIBLIOGRAPHY غري اخليالية العقل من الطبقة الثانية ()1920 التقليد واملوهبة الفردية ()1920 الغابة املقد�سة :مقاالت يف ال�شعر والنقد ()1920 هملت وم�شاكله تقدير جون دريدن ()1924 �شك�سبري و�صوفية �سنيكا ()1928 �إىل الن�سلوت �أندروز ()1928 دانتي ()1929 مقاالت خمتارة)1932( 1932–1917 , فائدة ال�شعر وفائدة النقد ()1933 وراء �آلهة الغريبة ()1934 مقاالت �إليزابيثية ()1934 مقاالت عتيقة وحديثة ()1936 فكرة املجتمع امل�سيحي ()1940 مالحظات نحو تعريف الثقافة ()1948 ال�شعر والدراما ()1951 الأ�صوات الثالثة لل�شعر ()1954 تخوم النقد ()1956 يف ال�شعر وال�شعراء ()1957 ما ُن�شر بعد وفاته نقد الناقد ()1965 الأر�ض اليباب :طبعة م�شروحة مع �صور املخطوطات ()1974 اخرتاعات الأرنب ال�سائر :ق�صائد )1996( 1917-1909
�أعمال �أخرى
نظم يف ،1939ن�شر �إليوت كتاب ًا يف ٍ خفيف هو كتاب اجلرذ العجوز عن القطط العملية ،حيث �أن اجلرذ العجوز ا�س ٌم �أل�صقه عزرا باوند به .كان يف الطبعة الأوىل ر�س ٌم للم�ؤلف على الغالف .يف � ،1954أعد املو�سيقار �آالن راو�سثورن �ست ق�صائد للأورك�سرتا ،يف عم ٌل عُنون" :القطط العملية" .بعد موت �إليوت� ،أ�صبح الكتاب �أ�سا�س امل�سرحية املو�سيقية الناجحة التي �أخرجها �أندرو لويد ويرب قطط. يف ،1958عني �أ�سقف كانرتبري �إليوت يف جلنة �أنتجت "املزامري املراجعة" (.)1963 ناق ٌد عنيف لإليوت� ،سي� .إ�س .لوي�س، كان �أي�ض ًا ع�ضو ًا يف اللجنة لكن عداوتهما حتولت �إىل �صداقة. http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
4
العدد ()2102ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )16ني�سان 2011
العدد ()2102ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )16ني�سان 2011
رج���������ل دم���������ث األخ����ل����اق ولد تي �إ�س �إليوت يف مدينة �سانت لوي�س يف والية ميزوري الأمريكية يف 26 �أيلول من عام ،1888وتويف يف لندن عام 1965عن عمر ،77حيث كان يف ذلك الوقت قد فاز بجائزة نوبل للآداب يف عام ،1948ويف العام نف�سه تلقى �إليوت و�سام اال�ستحقاق ،وهو �أهم الأو�سمة الربيطانية تكرميا للتميز. وكان �إليوت من �أكرث النقاد الأدبيني ت�أثريا وت�سلطا يف القرن الع�شرين� ،إ�ضافة �إىل انه كان نا�شرا مميزا يف دار "فابر وفابر" للن�شر ،حيث ن�شر هناك �أعماال ل�شعراء �إنكليز مهمني �أمثال و.هـ� .أودين ،لوي�س ماكني�س و�ستيفني �سبيندر. ويعترب �إليوت من ابرز ممثلي ال�شعر احلر
وحركة احلداثة يف ال�شعر وكذلك املدر�سة ال�صورية ،من ق�صائده الأوىل "بروفروك وم�شاهدات �أخرى" عام ،1917و"الأر�ض اليباب �أو اخلراب" عام ،1922التي تعد ب�إجماع ال ّنقاد �أروع واعقد �أعماله والأكرث �إثارة للجدل على الإطالق ،و"الرجال" و"اخلوف" وك ّلها تعّرب عن القنوط الذي يعتلي احلياة احلديثة يف �إيقاعات ثائرة. وكمحرر ،كان لأليوت ت�أثري مهم على جملة "ال�سريترييون" ،التي عمل فيها يف الفرتة من � 1922إىل ،1939حيث قام بن�شر اعمال �أدبية لكل من الأديب الفرن�سي �أندريه جيد، الأديب الأملاين توما�س مان والروائي الفرن�سي مار�سيل برو�ست ،ويف هذا �إ�شارة �إىل توجهه الثقايف الأوروبي ،ودليل على
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
و�صوله �إىل قبة ال�سماء الأدبية ..فهو �شخ�صية عاملية ذات �أهمية كربى. ويف وقت مت�أخر من حياته املهنية ،ا�ستطاع �إليوت �أن يبهر اجلميع بقدراته على كتابة امل�سرحيات ال�شعرية ،لي�صبح ا�شهر �شاعر يف ع�صره ،وذلك الن �أهمية �أ�شعاره جاءت من �صعوبتها وتعقيداتها. ويف ال�ساد�س من �آذار عام 1950ظهر �إليوت للمرة الأوىل على غالف جملة "التاميز" الربيطانية ،ويف ني�سان عام 1956حا�ضر �إليوت �أمام � 140ألف �شخ�ص يف �ستاد للكرة القاعدة يف "مينيبولي�س" ،حيث حتدث عن "حدود النقد". وعلى الرغم من االحتفاالت التي كان يحظى بها �إليوت� ،إال �أن �شهرته انح�صرت يف
الأدب ،فقد كان �شخ�صا منطوياٍ .وكان كتب جيلبريت هاردينغ ،وهو مذيع بريطاين م�شهور ن�سيه النا�س اليوم ،انه �شعر باخلجل حني كان يف احد الأنفاق اللندنية و�أ�شار �إليه النا�س ،يف الوقت الذي جتاهل فيه النا�س �إليوت – �أعظم �شعراء الع�صر – ومل مييزوه. لقد كانت حياة �إليوت ،كحياة عدد من الكتاب وال�شعراء الذين ام�ضوا جل وقتهم على مكاتبهم ،خالية من الأحداث املهمة ،مقارنة مع �أدباء �آخرين ك�أرن�ست همنغواي مثال، فقد و�صف �إليوت نف�سه يف كتاب "نقد النقد، ب�أنه "رجل دمث الأخالق ،يتح�صن بحر�ص وراء �آلة الطباعة" ،وتدور �أ�شعار �إليوت حول فكرة رئي�سة بارزة "حياة غري مكتملة
متاما". لكن حياة �إليوت اخلا�صة كانت مليئة بالدراما الهادئة ،وخالية من التهور والطي�ش ،فقد كان رجال جمتهدا يف كتابة ر�سائله ،يكد يف القراءة ،التحرير و�إعطاء املحا�ضرات ،من دون كلل �أو ملل. ومن ثم دخلت حياته ال�شاعرة الأمريكية فيفيان هايغ وود ،الواعدة يف عملها كفيل�سوفة يف الأكادميية الأمريكية للآداب املتخيلة يف الدول الأجنبية ،والتي �سرعان ما ارتبط بها وتزوجها بعد �أ�سابيع قليلة من تعرفه عليها. وبالرغم من �أن فيفيان كانت كرمية معه، وزوجة حمبة له ،وعلى الرغم من �أن �إليوت كان قد قال يف ر�سالة لبريتراند ر�سل انه "مل
يكن �أكرث �سعادة يف حياته مثل الأيام التي ق�ضاها مع فيفيان"� ،إال �أن الزواج مل يكن ناجحا. ففي ر�سالة كتبها لكونراد �أيكني ،قال �إليوت ان"قلقه املايل ،وخوفه على �صحة فيفيان املرتاجعة قد �أوقفته عن الكتابة"� ،إال انه �أكد "لكنني ،بالرغم من كل هذا ،اق�ضي وقتا رائعا". ويف عام 1933انف�صل �إليوت وفيفيان عن بع�ضهما بحكم الق�ضاء ،وذلك بعد خيانتها له مع معلمه ال�سابق بريتراند ر�سل ،و�أ�صيبت فيفيا باجلنون ،و�أُدخلت يف عام 1938اىل م�شفى نف�سي �سري يف لندن ،حيث توفيت هناك يف عام .1947وبعمر 69عاما تزوج �إليوت �سرا من فالريي التي ت�صغره ب�أربعني عاما. وان�ضم �إليوت يف العام � 1927إىل الكني�سة الإنكليزية ،و�أ�صبح مواطنا بريطانيا معتنقا للمذهب الكاثوليكي ،فيما بعد فت ّغريت �آفاقه وتعمّقت �أ�شعاره باملعاين الدينية كما يف "�أربعاء الرماد" عام ،1930وقد كتب امل�سرحيات ال�شعرية التي القت جناحا كبريا يف الإخراج ومنها "�سويني �أجون�س�ست�س" عام ،1932و"جرمية قتل يف الكاتدرائية" عام ،1935و"حفلة الكوكتيل" عام ،1950 و"اجتماع �شمل العائلة" عام ،1939وتعترب مقاالته يف النقد من �أف�ضل ما كتب عن �أدب القرن ،17ومن كتبه يف النقد "مقاالت قدمية وحديثة" عام ،1936و"فائدة ال�شعر وفائدة النقد" عام .1933 وبالنظر �إىل �أن ابرز الأحداث يف حياة �إليوت كانت وجدانية �إىل ابعد احلدود، فتبدو فكرة الرتكيز على حياته "املدفونة" وغري املكتملة فكرة غريبة� ،إذ �أن قرارات �إليوت الدراماتيكية كانت نابعة من خوفه من عي�شه حياة غري مكتملة ،كانت خيارا بعدم الثقة ال خيار املغامرة. وي�أتي هذا املبد�أ من الأدب نف�سه ال من احلياة ،فمن املهم �أن ندرك �أن الكتاب الذين عا�شوا حياة كاملة يعني �أنهم عا�شوا جوهر احلياة "احلياة الفكرية" ،فقراءة امل�سائل ب�صورة كئيبة هي م�س�ألة من ال�شغف �أي�ضا. وهذا التناق�ض ،بني املجازفات التي وقعت يف حياة �إليوت وبني املبد�أ الذي �سيطر عليه لإ�ضعاف حذره ،يجعل من ال�صعب امل�ساواة بني �سرية حياته وبني �شعره ،ف�شعر �إليوت ال يرتبط بحياته ال�شخ�صية، بل �أن معرفة حياته اخلا�صة ال ت�ساعدنا كثريا كقراء على فهم �شعره. ويبدو الرابط بني احلياة والإبداع �إ�شكاليا يف حالة �إليوت ،لأنه اعتنق نظرية عدم �شخ�صنة الإبداع العظيم ،وهذا ما بينه يف مقالته "العرف واملوهبة الفردية" ،فغياب ال�شخ�صنة عن �أعمال �إليوت ت�صف العملية الإبداعية وتوجهها ،ويقول �إليوت "كل �شيء من وجهة نظر واحدة ذاتي ومن وجهة نظر �أخرى مو�ضوعي ،فال يوجد على الإطالق وجهة نظر ميكن على �أ�سا�سها �صنع �أي قرار". مقالة �إليوت كانت كال�سيكية ،مقالة جمالية كان احلافز فيها – بال�ضرورة� -سلبيا ،يتم تعريفها ب�أنها نقي�ض الرومانتيكية ،فوظيفة الرومانتيكية تقدير الأحا�سي�س العميقة والقوية ،لتجعل منها مركزا لكل االجنازات الإبداعية. وكان خط�أ �إليوت انه كان م�صمما على الهدم" :يف الإبداع لي�ست "الع ََظمة"� ،أو قوة امل�شاعر� ،أو عنا�صر ومقومات هي التي تهم، بل العمق يف العملية الإبداعية نف�سها هو الذي ي�ؤخذ بعني احل�سبان. ويعني �إليوت بعدم �شخ�صنة الإبداع العظيم :املو�ضوعية ،التجرد ،النزاهة، التميز ،والتحكم يف ال�صدفة والأحداث الطارئة ،فال�شخ�صنة التي تهدد الإبداع ،كما يراها �إليوت ،مرفو�ضة.
�إال �أن هذا ال يعني ،وال ميكن �أن يعني �أن على الإبداع �أن يتجرد من كل ما هو �شخ�صي ،فعلى العك�س ،ي�ؤكد �إليوت على �أن امل�شاعر والأحا�سي�س هي التي ت�صنع الفن والإبداع ،فامل�شاعر هي عنا�صر الإبداع، ولكنها يجب �أن يتم و�ضعها يف قالب ما. فاملوهبة الفردية التقليدية تنم عن مو�ضوعية عري مبنية يف الإبداع ،فامل�شاعر العميقة ال ميكن �أن ت�صنع من الإن�سان �شاعرا ،و�إال لكان كل �سكران� ،أو مهوو�س بكرة القدم� ،أو متع�صب دينيا يطابق هذا التعريف ،فالإبداع يعني االبتكار. ويف النهاية ،نبقى �أمام ال�شعر املرتوك لنا، فهو الذي يخاطب �أي قارئ مهتم� ،إذ تختلف وظائف ال�شعر حتما مع تغيرّ املجتمع ومع تغيرّ اجلمهور ،كما يقول �إليوت. ◄ �صحيفة اجلارديان الربيطانية
5
ت .س .إليوت ..وثورة النقد رم�ضان �إبراهيم لقد قلب " توما�س �ستيزنز اليوت " 1888 1965تقاليد النقد ر�أ�س ًا على عقب يفدنيا الناطقني باللغة االنكليزية ,بالرغم من �أن طبيعة ت�أثريه ناقد ًا ,كانت غام�ضة وع�صيّة على التحديد ومن ال�صعب التع ّرف عليها ب�سهولة �.إذ تع ّذر على امل�ؤيدين �إياه , الذين ت�أثروا مبا يقول �أو حتى املناوئني الذين مل يرق لهم ما ي�صدر عنه �إيجاد ما هو اخلا�ص واجلديد يف نقده على الرغم من �أن كال اجلانبني مل يبخال عليه برفع �أ�صواتهما مدح ًا وقدح ًا !...لقد ا�ستطاع " اليوت " من بني �أكرب النقاد االنكليز �أن ميار�س املراوغة وال�صمت بكثري من احلكمة والدهاء وكان �إذ يت�صرف على هذا النحو مدرك ًا �صواب ما يقوم به . ففي �أوائل �أيامه ـ كما يقول جورج وات�سون ¯ يف كتابه " ن ّقاد الأدب " ال�صادر عام 1979عن وزارة الثقافة العراقية
كان مرتدد ًا �ساخر ًا ,ويف �أوا�سط �أيامه كان جدلي ًا ,ويف �سنواته الأخرية ( بعد احلرب العاملية الثانية ) كان قد �أتقن التظاهر ب�أنه مل يكن من بني كبار النقاد �أبد ًا .ولع ّله بذلك كان يخطط لعمله النقدي كي يكون كخديعة �ضخمة ُتغري امل�ؤرخني بت�سجيالت ت�ستهوي املهتمني باجلانب الثقايف . مل يكن مفتاح ال�صمت لدى " اليوت " كامن ًا يف العالقة بني نقده و ما يقدّمه من �أ�شعار .فالنقد كان مبثابة ال�ستار الدخاين الذي �صح التعبري ـ على بقيّة �أعماله ميوّ ه ـ �إن ّ يتق�صد �أن ي�ضلل كل من يحاول �أن ,فهو ّ يكت�شف ماهيّة �شعره !..لقد �أ�صبح من املعروف �أن " �إليوت " كان يتجنب التحليل الدقيق مل�صلحة الأحكام العامة ,فقد �صيغ ذوقه وتقنيته قبل جميء النقد احلديث بع�شرات ال�سنني � ,إذ �إنه ال ميار�س التحليل الدقيق الذي تتميز به تلك املدر�سة . عندما �أعلن " �إليوت " �أنه احرق كل املراكب وو�ضع نهاية لل�صبا ولل�شباب � ,إذ �إن النقد �أو الق�صيدة ال ينبغي عليها التمو�ضع يف زاوية تاريخية معي ّنة . يقول " وات�سون " يف امل�صدر نف�سه: يتجلى ازدراء النقد التاريخي يف جدل �إليوت باطراد تطوره .فال�شعراء ال يعربون يف �شعرهم عن �أنف�سهم بل يهربون منها وهذا ما يدعو �إىل �إدانة النقد التاريخي � ,ضمني ًا ,لكونه ال يبحث عن املق�صود بالبحث ,بل ينظر �إىل ال�شاعر وموقعه التاريخي فيما يذهب ال�شعر بعيد ًا عن كال الأمرين نحو ما ميتلك من حقيقة جمردة ومن هنا ف�إن " �إليوت " يرى �أن النقد النزيه والتقدير الرقيق ال يوجهان �إىل ال�شاعر ,بل �إىل ال�شعر ( :ال تكون فردية ال�شاعر ذات مو�ضوع ما دام واجبه
ا�ستخدام االنفعاالت امل�ألوفة ولي�س البحث عن انفعاالت جديدة). �إن ما يطلق عليه �إليوت " احل�س التاريخي " ميكن اعتباره من بني الهجمات املوجهة �ضد تاريخية الأدب يف العهد التايل لعهد " ارنولد " غري �أن ر�أي اليوت عن احل�س التاريخي احلقيقي ال ميكن �إغفاله لأنه �أثمن من ر�أي �أرنولد الذي كثري ًا ما بدا وك�أنه يحيا ويفكر يف رداء �ضيّق . �إننا جند كثري ًا من الفقرات التي تثري الت�سا�ؤل يف ا�ستخدام �إليوت ال�شع َر �أو للنقد عما كنا جند يف اليوت م�ؤرخ ًا دقيق ًا حاد الذهن من م�ؤرخي الأدب .فاملتتبع مقاالتِهِ يجد تهجمات على املبد�أ التاريخي وفيها الكثري من الأمثلة على الأحكام التاريخية اخلطرية ,تعي�ش معا يف القطعة الواحدة وب�شكل ٍ غريب : " �إذا كان ال�شعر و�سيلة من و�سائل االت�صال ف�إن ما يجب �إي�صاله هو الق�صيدة نف�سها � ..إن وجود الق�صيدة كائن يف مكان ما بني الناظم والقارئ ..وعليه ف�إن م�شكلة ما تعنيه الق�صيدة اعقد بكثري مما تبدو لأول وهلة " . هذا هو اليوت ال�شاعر والناقد ذو القول الفتي واحلما�سي يف الع�شرينيات ,حيث حقق التوازن املثايل بني فعاليتي ال�شعر والنقد ,ثم ان�شغل بالدعوة االجتماعية والدينية لق�ضايا تعيق التقدم ,ثم جاءت حماولته اجلريئة ال�ستعادة حافز اخللق والإبداع .تلي ذلك مبا�شرة حالة من الرف�ض والقنوط . �إليوت الذي مل يكتف ِ ب�أن �أظهر النقد االنكليزي ب�صورة مغايرة كان قد �أعطاه �أي�ض ًا قامو�س ًا ومنهج ًا جديد ًا من الإمكانات البالغية.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
6
العدد ()2102ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )16ني�سان 2011
العدد ()2102ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )16ني�سان 2011
إليوت وقصيدة النثر ..هستيريا عند تخوم النثر مارغوريت �س .موريف ترجمة :خالدة حامد حينما نتناول �إليوت وحالة ال�شعر الأنغلو �أمريكي بعد ال�شعر الرمزي ،نكت�شف �أنهكان يبدي ازدواجية ما �إزاء هذا ال�شكل مع مرور الوقت .وقد �أتاحت له درا�سته �أن يكت�شف الرمزية الفرن�سية عام . .1908 كما تبدى يف �شعره� ،شاب ًا ،ت�أثري الفروك من بني �آخرين .ولهذا نقول �أن رهاب الفرن�سيني ال ميت لإليوت ب�أية �صلة .وعلى الرغم من رد فعله القوي عام 1917على هذا اجلن�س الأدبي بو�صفه ف�ضلة ال�شعر الرمزي وهُ جنة من الأجنا�س الأدبية، جند �إن �إليوت نف�سه مار�س التجريب بهذا ال�شكل؛ �إذ �ألف �أربع ق�صائد نرث تقريب ًا ون�شر �إحداها ـ "ه�سترييا" ـ لتظهر عام 1915يف الأنطلوجيا الكاثوليكية لعزرا باوند� ،أي قبل �سنتني من ا�ستهجان �إليوت لهذا اجلن�س يف مقال له بعنوان "تخوم النرث" .وبعد مرور ثالث �سنوات على مقاله الأول ،ن�شر مقال ثان عنوانه "النرث وال َن ْظم" اتخذ فيها موقف ًا يت�سم بت�سامح اكرب �إزاء التجارب التي تنتهك التخوم التقليدية للجن�س الأدبي ،لكنه وا�صل ،مع ذلك ،رف�ضه مل�صطلح �شعر النرث .ومل ي�ؤلف مرة �أخرى �أية ق�صيدة بهذا ال�شكل مطلق ًا مع انه ترجم الحق ًا ق�صيدة نرث �سان جون بري�س الطويلة" ،اناباز"� ،إىل الإنكليزية. ال�شك يف �أن �إليوت كان مت�أثر ًا جد ًا ببودلري ،كما كتب ق�صائد يف الفرن�سية يف الوقت نف�سه تقريب ًا الذي �ألف فيه ق�صائده املنثورة .ولعلنا نفرت�ض ،ب�سبب ذلك، �إن ق�صيدة النرث �أتاحت لإليوت م�سار ًا للتجريب يف الوقت الذي كان يتفح�ص فيه الرتاث الفرن�سي بحث ًا عن التجديد
ومع ان �إليوت مل يكتب ق�صائد نرث تركز على احلياة يف املدينة احلديثة حتديد ًا، على غرار ق�صيدة بودلري " ك�آبة باري�س Spleen de Parisمل يحاول جتريب ال�صهر احلديث للهلو�سة �أو الهو�س بامل�شاهد امللحوظة واملعتادة .كما ُتظهر ق�صائد النرث الإليوتية حماولة لتحديث ال�شكل لغر�ض ا�ستعماله ك�أداة لوعي القرن الع�شرين .لكن جدل �إليوت �ضد ال�شكل ال ينفي الإجناز الذي حققته �أعمال فرن�سية كربى مثل "�إ�شراقات رامبو" Rimbaud Illuminations ويعك�س ،بد ًال من ذلك ،النقد املبكر لإليوت بو�صفه ناقد ًا ،والذي يتجلى هنا يف رف�ضه االعرتاف ب�شكل مغاير؛ الدر�س الذي تعمله من بابت .باخت�صار ،قدمت ق�صيدة النرث لإليوت خيار ًا خالل مرحلة جتريب �أ�شكال و�أ�ساليب �شعرية خمتلفة .ومع ذلك كان عمر التجربة ق�صري ًا بالن�سبة لل�شاعر ال�شاب وحتول �إليوت ،الناقد ،نحو الرتاث وبدال من ان ننظر �إىل هجوم �إليوت النقدي على ق�صيدة النرث بو�صفه انقالب ًا تام ًا على موقفه ،ب�إمكاننا ان نبحث يف مقاله عن ما حاول �إليوت القيام به يف ق�صائده النرثية املبكرة؛ �إذ يبد�أ يف " تخوم النرث " ،مث ًال ،بال�سخرية من حماقات ال�شعر الرمزي ،مبا فيها ق�صيدة النرث .ثم ي�ستمر مالحظ ًا " تف�شي الق�صيدة نرث ًا ،ال يف فرن�سا فح�سب ،بل يف �إنكلرتا .ال يف �إنكلرتا فح�سب بل يف �أمريك ًا "� .إليوت ال يبدي رد فعله هنا على تكلف ق�صيدة النرث نهايات القرن (التا�سع ع�شر) ،بل على ما يراه بعث ًا لبدعة معا�صرة .ثم يوا�صل ثناءه على " �إ�شراقات رميبو " بو�صفها " قطع ًا نرثية ق�صرية مُقنِعة على نحو مذهل " .ثم يركز �إليوت على املو�ضوع املعني يف هجومه� ،أي ق�صائد نرث ريت�شارد
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
�آلدنغتون التي ال تعد " نرث ًا حم�ض ًا " مثل " �إ�شراقات رميبو " ،بل " تبدو مت�أرجحة بني و�سيلتني " .ولعله ،مثل بابت ،كان �سيتو�صل �إىل " الفرق احلاد " .وي�ستنتج ان" كال من ال�شعر والنرث ما زاال يخفيان �إمكانات غري مكت�شفة بعد ،و�أن كل ما يكتبه املرء �سيتخذ هذا ال�شكل �أو ذاك بالت�أكيد بحكم ال�ضرورة الداخلية " .لكن يف الوقت الذي يجمع فيه �إليوت ق�صيدة النرث ب�أعمال �أخرى ل�شعراء رمزيني يف العمل املخزي الذي قدمه بابت ،مثل و�سمفونيتي تيوفيل مو�سيقى الربنامج ّ غوتييه وجيم�س ماكنيل وي�ستلر ،ف�إنه يتحا�شى نغمة ال�سخرية الأخالقية التي جتدها عند بابت ،ويالحظ ،بب�ساطة �أو بذكاء� ،أن "ال�شعر الذي ي�شبه النرث ،والنرث الذي يبدو مثل ال�شعر ينطويان ،بال �شك، على درجة من اخلزي والنجاح" .ترتكز حجته ،عموم ًا ،على التعليق ال�شكلي �أو التقني ،ال على التبعات "الأخالقية" التي تتخطى حدود اجلن�س الأدبي ،مع �أن البعد الأخالقي قد يكون ن�ص ًا فرعي ًا مكبوت ًا لتعليقاته .وبينما كان �شجب خطايا القرن التا�سع ع�شر "القرمزية" يعد "قلق ًا �أمومي ًا" عام ،1917كان �إليوت يهدف ،ب�سعادة� ،إىل جعل "الدجل" هدف ًا ثمين ًا لل�سخرية بعد هذا الهجوم الأويل على ق�صيدة النرث عام ،1917رقق �إليوت ،مع مرور الأيام� ،شجبه للجن�س الأدبي وركز قدحه عام 1921يف مقالة "النرث وال َن ْظم" على م�صطلح �شعر النرث" :اعرت�ض على م�صطلح (ال�شعر املنثور) لأنه يوحي، كما يبدو ،بوجود فرق حاد بني (ال�شعر) يوح و(النرث) ال �أق�صده البتة .و�إن مل ِ امل�صطلح بهذا الفرق ،ف�إنه ي�صبح بال معنى عندئذ وعقيم ًا طاملا كان من غري املمكن وجود رابط ملا هو غري قابل للتمييز".
يظل �إليوت من�شغ ًال بـ"الفرق احلاد" ،مثلما كان يفعل بابت ،لكنه يرغب باالعرتاف "مب�صطلح جديد للجن�س الأدبي�" :إذا اعرتفنا بالق�صيدة الطويلة ،يتوجب علينا ،قطع ًا ،ان نعرتف بـ"ق�صيدة النرث الق�صرية" .يتحا�شى هذا اال�ستنتاج ال�س�ؤال ما �إذا كان من ال�ضروري ع ّد هذا اجلن�س "�شعري ًا" �أم ال ،ويتهرب من املو�ضوع بد ًال من ذلك .وبحلول عام ،1930ويف توطئة ترجمته لق�صيدة " اناباز " ،ي�ضل �إليوت حتى عن توكيداته ال�سابقة حينما ي�ضع ق�صيدة بري�س املنثورة يف مع�سكر " ال�شعر"�" :أ�شري �إىل هذه الق�صيدة بو�صفها ق�صيدة .لعله �سيكون مالئم ًا لو كان ال�شعر َن ْظم ًا دائم ًا ـ �إما من ً برّا �أو جنا�سي ًا �أو كمي ًا ،لكن هذا لي�س �صحيح ًا؛ فقد يقع ال�شعر ـ �ضمن حد فا�صل عند اجلانبني ـ على �أية نقطة على طول اخلط الذي يكون (ال َن ْظم ) و(النرث) حدّاه ال�شكليان .ومن دون تقدمي �أية نظرية معممة عن (ال�شعر) و(ال َن ْظم) و (النرث) ،ف�إين �أقول ب�أن الكاتب عندما يعمد �إىل ا�ستعمال مناهج �شعرية معينة ،مثلما فعل بري�س ،يكون قادر ًا �أحيان ًا على كتابة ال�شعر مبا ي�سمى نرث ًا .ومبقدور كاتب �آخر ،من خالل قيامه بعك�س هذه العملية، �أن يكتب نرث ًا عظيم ًا بال�شعر" وبالن�سبة ل�شاعر وناقد ملم بالأدب الفرن�سي مثل �إليوت ،تبدو المباالته امل�ستمرة بجن�س �أدبي �سريع االنت�شار ـ ت�ضمن عام � 1930أعما ًال قدمها ماك�س جاكوب ،اندريه بريتون ،بول ايلوار وغريهم �إىل جانب بري�س ـ �أمر ًا الفت ًا فهل كان �إليوت ـ الناقد " الكال�سيكي " هارفاردي التعليم ـ يف �صراع مع �إليوت فرن�سي الإلهام ،بب�ساطة؟ وهل ال�شاعر ّ انهزمت ق�صيدة النرث يف املعركة؟ �إن
ق�صيدة النرث الوحيدة املن�شورة لإليوت، " ه�سترييا " ،تعطينا بع�ض الأفكار عن ما �سعى له �إليوت ب�ش�أن ال�شكل و�أ�سباب ابتعاده ال�سريع عنه .الحظنا �آنفا �إعجابه املبكر ب�إ�شراقات ريبمو ،وال�س ّيما للكيفية التي " حتقق بها [هذه الق�صائد] ت�أثريها من خالل االنطباع الفوري والب�سيط، �أي االحتاد الأكرث �إقناع ًا ب�سبب تنافر ال�صور امللحوظ " .وق�صيدة �إليوت املنثورة نف�سها ت�ستعمل ا�صطالح ًا حديث ًا وت�سعى وراء " االنطباع الفوري والب�سيط ،امل�ؤ ّلف من �صور مده�شة جمفلة " ،متنافرة " .ال�شك يف �أن لغة �إليوت يف " ه�سترييا " لي�ست ُمر ِبكة مثل [لغة] �إ�شراقات ريبمو ،كما ان �صوره لي�ست متنافرة جد ًا لكنها تتحا�شى ،جذلة، النغمة القدمية التي ترددها ق�صائد نرث داو�سون �أو وايلد �أو ،الحق ًا� ،آلدنغنون: حينما �ضحكتْ �أدركتُ �أين �صرتُ متورط ًا يف �ضحكتها وجزء ًا منها� ،إىل �أن �صارت طالع عار�ض له موهبة �أ�سنانها حم�ض ٍ املار�ش الع�سكري .اجنررتُ �إىل الداخل �إثر �شهقات ق�صرية ،م�ستن�شق ًا عند كل ا�ستعادة م�ؤقتة ،حتى �ضعتُ �أخري ًا يف كهوف بلعومها املعتمة ،منجرح ًا بتمويجة رخويات ع�ضلية ال ُترى.. نادل كبري ال�سن بيدين مرتع�شتني كان يفر�ش على عجل مفر�ش ًا بالأبي�ض والوردي فوق املائدة اخل�ضراء احلديدية ال�صدئة ،قائ ًال�" :إنه يف�ضل ال�سيد وال�سيدة �أن ي�شربا �شايهما يف احلديقة، قررتُ فيما �إذا ارتعا�ش نهديها يتوقف، عندها يكون من املمكن جمع �شيء من �شظايا بعد الظهرية ،وقد �صببت انتباهي بدقة مرهفة على هذه الغاية (ترجم الق�صيدة عبدالقادر اجلنابي) �إن هذا ال�سرد املوجز يخ�ص �أزمة
مو�سع ًا ب�سبب حلظة واحدة ،زمن ًا ّ عواطف مت�أججة ومر�ض �سايكولوجي حديث .املثري �أن ق�صائد النرث الإليوتية الأخرى ،التي ظلت خمطوطة ،تنطوي على �إح�سا�س مماثل بوجود �أزمة �سايكولوجية .وفيما عدا ق�صيدته " ا�ستبطان " ـ التي هي اليغوريا بالدرجة الأ�سا�س ـ ف�إنها متثل �سرود ًا داخلية تتو�سع للحظات قليلة من الزمن عن طريق ت�ضخيم الأحا�سي�س والإدراكات احل�سية �إىل ن�سب هائلة لتتمخ�ض هلو�سة و�صدمة عند الراوي ما الذي يحدث بال�ضبط يف "ه�سترييا"؟ جملها الأربع تروي كل واحدة منها مرحلة خمتلفة يف التجربة اله�ستريية لب�ضع حلظات من الزمن� .أما ال�صوت املفرد ـ الراوي امل�ضطرب ـ فهو �شخ�صية �سلبية حتا�صره �ضحكة رفيقته العدوانية� ،أي العار�ض اله�ستريي .ومع ذلك ،ال يعرف القارئ ما �إذا كانت املر�أة نف�سها ه�ستريية حق ًا �أم ال نظر ًا لعدم وجود وجهة نظر مو�ضوعية .وبدال من ذلك ،تثري �ضحكتها "اله�ستريية " ،كما يبدو ،نوبة ه�ستريية يف محُ ِاورها كما لو �أن املر�ض معدٍ .وقد جرى العرف على ع ّد اله�سترييا مر�ض ًا ن�سائي ًا ناجت ًا عن اختالطات يف الرحم، ولهذا يقدم �إليوت انعطافة ال معتادة و� ّأخاذة ،يف الوقت نف�سه ،لأثر املر�ض يف الرجل .لكن الدينامية بني املر�أة والرجل ت�صور �أي�ض ًا انغمار الذات يف الآخر؛ �إذ يت�صور الراوي غمرها له" : اجنررتُ �إىل الداخل �إثر �شهقات ق�صرية، م�ستن�شق ًا عند كل ا�ستعادة م�ؤقتة ،حتى �ضعتُ �أخري ًا يف كهوف بلعومها املعتمة، منجرح ًا بتمويجة رخويات ع�ضلية ال ُترى " .غنائية " �أنا " ال تعد راوي ًا غري موثوق ،بل راوي ًا تهدده امر�أة يراقبها هو؛ �إذ �أن ه�سترييتها اجلن�سية" ، اهتزاز نهديها "ُ ،ي�شظي التجربة " ،ما بعد الظهرية " ،بالن�سبة له تت�أوج اجلملة الأوىل من الق�صيدة ـ التي تروي العملية التي من خاللها ي�ضيع الراوي نف�سه يف �ضحكتها ـ يف �صورة " �أ�سنانها " بو�صفها " حم�ض طالع عار�ض له موهبة املار�ش الع�سكري "� .إنه ي�شعر بهجوم " ُ�شهبها" التي تت�صرف كما لو �إنها جنود تتدرب؛ �إنها هي العدو .ثمة تورية على كلمة "�أ�سنان" بو�صفها " طالع " ،يف حني توحي ال�صورة نف�سها بال َقـ َدر� ،إذا علمنا �شكل " الطالع " .وذكرت ايلني �شولرت يف كتابها عن اله�سترييا ،وعنوانه "املر�ض الأنثوي :الن�ساء واجلنون والثقافة الإنكليزية 1830ـ ،"1980 تف�ش وا�سع النطاق للأعرا�ض �أن �أول ٍ اله�ستريية بني الرجال حدث خالل احلرب العاملية الأوىل ،و�أ�شري له على نطاق �شائع بت�سمية " �صدمة القذائف " [وهو ا�ضطراب ع�صبي �أو عقلي يتميز بفقدان الذاكرة �أو الكالم �أو الب�صر ويظهر عند بع�ض اجلنود الذين يخو�ضون غمار حرب حديث ًا ] .وقد ف�سرت �شولرت اجلذور االجتماعية وال�سايكولوجية لهذه اله�سترييا الذكورية على النحو الآتي: ال�شك يف �أن عدد ًا من �أ�شهر حاالت �صدمة
القذائف ـ ويلفريد اوين� ،سيغفريد �سا�سون ،ايفور غورين ،بيفريل نيكولز، وهذه جمموعة قليلة من بني كثريين ـ كانوا �شاذين جن�سيا .وبالن�سبة ملعظمهم ف�إن الكرب املت�أتي عن �صدمة القذائف ينطوي على ح�صارات نف�سية اكرث عمومية ،بل �أ�شد ،تخ�ص الرجولة، وخماوف الت�صرف بتخنث ،بل حتى رف�ض اال�ستمرار بخدعة ال�سلوك الذكوري الرزين .ف�إن كان جوهر الرجولة هو ان ال ت�شتكي ،كانت �صدمة القذائف عندئذ لغة ج�سد ال�شكوى الرجولية؛ احتجاج ًا ذكوري ًا متخفي ًا ال على احلرب
فح�سب ،بل على مفهوم " الرجولة " نف�سه يف ق�صيدة النرث الإليوتية هذه جند �أن ريته ه�ستريي ًا بقوة� ،أي ال الراوي �ص ّ ذكوري ًا ،امر�أة مت�سلحة ب�أ�سنانها مثل وح�ش �شديد ال�ضراوة؛ �إنها م�صدر خماوفه عن الذكورة� .إنها �صورة ل�شهوة جن�سية عارمة وغامرة؛ �صورة لـ َف ْرج ب�أ�سنان موحي ًا بحرب مفرو�ضة حديث ًا. ومل ي�ؤلف �إليوت ق�صيدته بعد فرتة طويلة من زواجه من فيفيان هي وود الذي �سرعان ما تبدت تعا�سته؛ �أي الف�شل الذي غالب ًا ما تالم عليه ا�ضطرابات فيفيان الع�صبية .لن �أتبنى هنا مقاربة
7
�سايكوبايولوجية ،لكني �س�أركز على حقيقة ان �إليوت اختار هذا ال�شكل امللغز �أخالقي ًا ـ �إذا ما �أردنا ت�صديق بابت ـ لت�صوير حلظة القلق اجلن�سي بلغة ت�ستدعي " تخنيث " اجلزء الأعظم من الذكور الإنكليز .كما ُتبدي الق�صيدة، بو�ضوح ،خماوف الت�صرف مثل امر�أة، وخماوف عدم االرتقاء �إىل التوقعات الرجولية ،ومع ذلك يعد املر�ض احتجاج ًا على �سلطة املر�أة ،ال احلرب فما تبعات هذه " النوبة "؟ م�ؤقت ًا " ت�ضيع " الذات املتكاملة" [للمر�أة] و " تنجرح يف داخلها� .إنها رحلة �إىل "
قلب الظالم " حيث يكون بلعوم املر�أة. وحينما يحول املتكلم ب�صره نحو اخلارج؛ نحو امل�شهد ونحو �شخ�صية ثانوية يف هذه الدراما ـ النادل ـ يلحظ درا�سة يف التوتر الع�صبي حينما يفر�ش النادل مفر�ش املائدة بـ " يدين مرتع�شتني " ،بينما يكرر اقرتاحه ب�أن ي�شرب " ال�سيد وال�سيدة " �شايهما يف احلديقة " .ولأن الراوي غري موثوق، ال يعرف القارئ ما �إذا كان النادل حق ًا يرتع�ش ويكرر نف�سه لغر�ض الإ�صرار، �أو ما �إذا كان ارجتافه مبالغة من الراوي �شديد الهياج .وينتج التكرار عن حالة الراوي الذهنية الذي ال ت�صله الألفاظ �إال كا�سطوانة م�شروخة ،كما لو �أنه عالق يف حلظة �صدمة �أبدية ،وحيدة، متكررة .وال�شك يف �أن اقرتاح النادل يوحي ب�أن امل�شهد حمرج اجتماعي ًا ولهذا ي�شعر الراوي باخلزي �إىل جانب كونه ه�ستريي ًا اجلملة الأخرية حلظة قرار حقيقية بالن�سبة للمتكلم يت�صور فيها ا�ستعادة ممكنة فقط �إن متكن من الت�صرف ،مركز ًا " انتباهه بدقة مرهفة " لإيقاف اهتزاز نهديها� .إن هذا التف�صيل� ،ش�أنه يف ذلك �ش�أن الأ�سنان املهاجمة �أو البلعوم اجلارح ،يعد هزلي ًا لأن خماوفه تت�ضخم �إىل ن�سب م�ضحكة �إال �أن الرتدد يف هذه اجلملة الأخرية يعزز انطباعنا بعجز املتكلم ووقوعه �ضحية �أمام املر�أة .لكن هذا الراوي ،مثل امللك ال�صياد يف " الأر�ض اليباب " ،يجمع " ال�شظايا لهذه الغاية؛ ولهذا يجلب ق�صيدة النرث �إىل خامتتها تعتمد احلكاية ب�أكملها على امل�شهد الذي يكون فيه النتهاك اللياقة االجتماعية دور .ويت�ضح �أن نوبة ه�سترييا الفعلية تع ّد جتربة غري الئقة �أثناء " تناول اخلبز املحم�ص وال�شاي " ( �إذا اقتب�سنا من " بروفروك " ) .وتبتعد نغمة �صوت املتكلم عن احلدث �أ�شبه بنغمة �صوت املراقب العلمي �أو ،بدقة �أكرب ،امل�شارك ال�سلبي� ،أي ال�سايكولوجي الذي يقوم بالتدوين �أثناء حتليل الذات� ":أدركتُ �أين �صرتُ متورط ًا يف �ضحكتها وجزء ًا منها " .املتكلم ُي�سهب ،هاز ًال ،مع ذلك ف�إن ت�ضخيمه للتف�صيل و�إح�سا�سه ب�أنه يتعر�ض لهجوم يبينان كيف �شارف على االنهيار الع�صبي ،وكيف ال يتمالك نف�سه �إال عرب قدرته على تدوين التجربة؛ وبذا فهو ي�ضع نف�سه وراءها .وبو�صفها مبالغة يف الإدراكات احل�سية املتبادلة يف حلظة ق�صرية ،تبدو ق�صيدة النرث متحالفة مع جتارب �سرد تيار الوعي والنظريات الربغ�سونية للزمن والإدراك احل�سي .لكنها بو�صفها نرث ًا تع ّد �أقل جتريبية بكثري من ق�صائد نرث وليام كارلو�س ويليامز وغريوترود �شتاين. ربك اخلطاب عند م�ستوى النحو فهي ال ُت ِ ربكة �أو الرتكيب �أو الداللة ،بل تكون ُم ِ بالدرجة الأ�سا�س عرب التوتر احلا�صل بني حالة الراوي اله�ستريية ونغمة �صوته حتديد ًا ،والإح�سا�س بلحظة موجعة تتعاظم بن�سب هائلة.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
8
عبدالكرمي كا�صد ميكن القول �أن ترجمة �شعر �إليوت �إىل اللغة العربية ترجع �إىل �أوائل اخلم�سينيات من القرن املا�ضي ،وما �سبقها ال يعدو �أن يكون �إ�شارات وتعريفات مبثوثة هنا وهناك يف بع�ض ال�صحف واملجالت العربيةّ ، لعل �أبرزها ما كتبه لوي�س عو�ض يف جملة الكاتب امل�صري التي كان ير�أ�س حتريرها الدكتور طه ح�سني ،غري �أنّ البداية احلقيقية هي يف ّ م�ستهل اخلم�سينيات حني �صدر كتاب عن دار جملة �شعر �ض ّم العديد من الرتجمات
العدد ()2102ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )16ني�سان 2011
العدد ()2102ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )16ني�سان 2011
التي �سبق �أن ن�شرت يف جمالت خمتلفة كالأديب والآداب وجملة �شعر� ،شارك فيه ّ كل من :بلند احليدري و د� .ستورت برتجمة �أغنية العا�شق بروفروك ،منري ب�شور برتجمة �أربعاء الرماد ،يو�سف اخلال برتجمة الرجال اجلوف� ،أدوني�س ويو�سف اخلال برتجمة الأر�ض اخلراب، بالإ�ضافة �إىل ما احتواه الكتاب من مادة �أخرى هي (مقتلة يف الكاتدرائية) التي ترجمها امل�صريّ ابراهيم �شكر الله. �أعقبها بعد ذلك ب�سنوات قليلة �صدور كتاب �آخر عن �إليوت و�أعماله كتبه الدكتور فائق متي عن دار املعارف مب�صر يف �سنة 1965 ثم �أعيد طبعه يف ال�سنوات الأخرية عن
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
ترجمات إليوت إلى اللغة العربية
دار املعارف مب�صر ،من دون �إعادة نظر يف الطبعة الأوىل �أو �أيّ تغيري ممكن حتى لأغالطه املطبعية ،ثم توالت الرتجمات التي قام بها مرتجمون خمتلفون من �أقطار عربية �ش ّتى :لوي�س عو�ض� ،صالح عبد ال�صبور ،ماهر �شفيق فريد ،توفيق �صائغ ،عبدالله الطيّب ،عبدالواحد ل�ؤل�ؤة، يو�سف اليو�سف� ،صربي حافظ ،عبدالقادر اجلمو�سي و�آخرون مل تتم الإ�شارة �إليهم يف �أيّ كتاب �أو مقالة �صادرة كالناقد العراقي الراحل م�صطفى عبود واملرتجم ّ الذي قام برتجمة الرباعيات الأربع يف ال�سبعينيات ون�شرها يف جملة الأديب املعا�صر .ويبدو من خالل قراءتي لهذه
الرتجمات وما تو ّفر يل منها ثانية ،بعد �أن بعد العهد بقراءتها� ،أنها اتخذت م�سارات عدة تفرتق من دون �أن تتكامل �أو حتى �أن تتقاطع برغم ما رافقها من جهود ت�ستحق التقدير ح ّق ًا ،فما يبدو �صحيح ًا يف ترجمة �سابقة يُرتجم خط�أ يف ترجمة الحقة، وما نراه خط�أ يعاد �صواب ًا ولكن ب�صيغة خاطئة غريبة يف تركيبتها �أو لغة هي �أقرب �إىل التف�سري منها �إىل ال�شعر ،وبالذات �شعر �إليوت املعروف بكثافته وحيويته يومي و�إ�شاراته العديدة �إىل ما هو ّ أوح�سي .وبرغم ما تخلل بع�ض هذه الكتب � ّ والرتجمات �أو �أكرثها من نواق�ص �أو �أغالط ،ف�إنها خلفت جوّ ًا من الألفة لقرائها
مع عامل �شاعر يحوطه الغمو�ض ويرافق ترجمته دوم ًا الإ�شارة �إىل �صعوبة �شعره، حتى يف ن�صو�صه الب�سيطة الوا�ضحة التي مل تخ ُل من �شروحات املرتجمني وتعليقاتهم وحوا�شيهم ،كما ح�صل ذلك لق�صائده عن القطط. والغريب �أن الكتاب الذي �صدر عن دار جملة �شعر هو �أ�ش ّد هذه الكتب ت�أثري ًا، برغم �أنه مل يحتو ِعلى �أي �شروحات مبا فيها �شروحات �إليوت نف�سه� ،إذ خلت ترجمة (الأر�ض اخلراب) من �أي هام�ش لل�شاعر �أو لغريه من �ش ّراحه ومرتجميه حمققة بذلك ،برغم املفارقة ال�ساخرة ،ت�أكيد �إليوت املتكرر على " �أهمية التو�صيل قبل
الفهم" .ويزول ا�ستغرابنا حني نعلم �أن (االر�ض اخلراب) مل ترافقها �أية �شروحات حني �صدرت للمرة الأوىل يف جملة (املعيار). وهذا الت�أثري الذي حت ّقق يعود ربمّ ا، برغم امل�آخذ الكثرية على ترجماتهم� ،إىل قدرة املرتجمني وح�سا�سيتهم وخربتهم ال�شعرية� ،إن مل نقل حداثتهم ،ومتر�س بع�ضهم يف الرتجمة كيو�سف اخلال الذي �أ�صدر �آنذاك كتابني مهمني �أحدهما ي�ضم �أ�شعار ًا مرتجمة لروبرت فرو�ست والآخر ي�ضم منتخبات من ال�شعر الأمريكي املعا�صرّ . ولعل ح�سا�سية بع�ضهم الكبرية كانت تعوي�ض ًا ع ّما ينق�صه يف جوانب
�آخرى كمعرفة اللغة الإجنليزية معرفة جيّدة ،لذلك نرى بلند احليدري ي�ستعني مبرتجم �آخر هو د� .ستورت لرتجمة �أغنية العا�شق بروفروك ،ونرى �أدوني�س ي�ستعني بيو�سف اخلال العارف باللغة الإجنليزية معرفة ت�ؤهله لرتجمة �أهم عالئمها يف ال�شعر .ومل تكن �أغالطهم ،ال�شنيعة �أحيانا، �إ ّال جزء ًا ي�سري ًا ما كان بو�سعه �أن ينق�ض بناء كل ّي ًا قائما على فهم خا�ص لعامل �إليوت ال�شعريّ من خالل الرتجمة التي حافظت على بنى الكثري من العبارات واجلمل و�إيحاءاتها وداللتها الواقعية يف � ٍآن واحد، كما وردت يف الأ�صل ولعل �أب�شع هذه الأغالط هو الغلط ال�شهري الذي �أ�صبح نادرة يتندر بها الكثريون هو ترجمتهم : "ابلع ابلع" بد ًال من "�سنونوة �سنونوة" النّ الكلمة تعني املعنيني يف �آن واحد. كذلك ال يخلو كتاب فائق م ّتى من فائدة، برغم �أغالطه الفادحة يف بع�ض املوا�ضع بل وحتى يف العناوين فهو يرتجم (�أربعاء الرماد) بـ (رماد الأربعاء) و�شتان ما بني االثنني ،وغريها من الأغالط التي ال ّ تقل طرافة من" :ابلع ابلع" ،ولكن ُه ا�ستطاع، وهذا ما ينكره ناقدوه� ،أن يق ّرب القارئ أ�صلي� ،إىل العربي الذي ال يعرف الن�ص ال ّ ّ عامل �إليوت من خالل ترجمته بع�ض مقاطع من ق�صائده ،و�شرحها كق�صائد� :صورة ال�سيّدة ،مقدمات ،خواطر يف ليلة عا�صفة، الفتاة الباكية ال�صغرية ،فر�س النهر، جريينتيون وغريها ،ومل يكن بع�ض هذه الق�صائد قد �صبح بعد جزء ًا من املوروث الإليوتي كما نعرفه يف لغتنا� ،إذ اقت�صرت معرفتنا على ق�صائده الكربى�( :أر�ض اخلراب) (،الرباعيات الأربع)�( ،أربعاء الرماد)�( ،أغنية العا�شق بروفروك)، (الرجال اجلوف). علينا �أ ّال نن�سى �أن الف�صل املكتوب عن (الأر�ض اخلراب) والذي ا�ستغرقت �صفحاته ال�ستني هو �أول حماولة ل�شرح الق�صيدة يف لغتنا مهما كان ر�أينا يف هذه الف�صل. وتبدو �أهمية كتابة فائق متي على ب�ساطتها و�أغالطها حتى يف النحو والإمالء ذات �أهمية حني نرى اختالف ال�ش ّراح يف تف�سري عوامل هذه الق�صائد وتقييماتهم ،ومن بني الكتب التي اطلعت عليها والتي تتناول �أحدى هذه الق�صائد وهي (فر�س النهر) �أو كما يرتجمها متي بـ (عجل البحر) هو كتاب (�إليوت� :شاعر ًا وم�سرحي ًا) مل�ؤلفه جوزيف �شريي ال�صادر بعد ن�شر كتاب متي بع�شرة �أعوام .يرى هذا الناقد �أن فر�س النهر هي رمز للكني�سة الطفيلية بظهرها العري�ض وبطنها املتمرغ بالوحل بينما يبدو تف�سري متي هو الأقرب �إىل ال�صواب فهو يرى "�إن هذا احليوان يبحث عن قوت يومه بغ�ض النظر عن الوقت الذي يقوم فيه برحالته وجتواله، �أما معظم رجال الكني�سة فيقدّم لهم الطعام وال�شراب دون �أي عناء .لقد �شغلهم جريهم وراء املادة عن افتقاد النفو�س ال�ضالة"
وهذا ما يبدو بو�ضوح منذ �أبياتها الأوىل التي يرتجمها متي كالتايل: �إن عجل البحر يق�ضي يومه يف نعا�س ويبحث عن قوته يف الليل هكذا تتحقق الإرادة الإلهية بطريقة خفية لكن الكني�سة تطعم وهي تغط يف �سبات عميق وهي وا�ضحة �أي�ضا حتى من خالل الأبيات املقتطعة التي ي�ست�شهد بها الناقد �شريي وهي برتجمة ماهر �شفيق فريد: ل�سوف يغت�سل حتى يغدو يف بيا�ض اجلليد وتقبله ّ كل العذارى ال�شهيدات بينما تظل الكني�سة احلقة حتت ملفوفة يف ال�ضباب العفن القدمي ويبدو �أن الدكتور فائق متي مل يطلع� ،أو مل يكن معن ّي ًا مبعرفة ترجمة دار جملة �شعر و�إال ما �أورد (رماد الأربعاء) وغريها من الأغالط .ومقارنة ب�سيطة بني الرتجمتني �سيت�ضح لنا الفارق بينهما: يقول متي يف ترجمته ملطلع ق�صيدة �أغنية العا�شق بروفروك: دعنا من�ضي �إذن� ،سو ّي ًا حينما تنت�شر ظلمة الليل حتت �صفحة ال�سماء كمري�ض خمدّر قد ا�ستلقى على من�ضدة العمليات دعنا من�ضي عرب الطرقات اخلاوية تقريب ًا وقد عاد النا�س بتمتماتهم أرق يف عن الليايل التي �أم�ضوها يف � ٍ الفنادق الرخي�صة و�أ�صداف املحار يف املطاعم التي ك�ستها ن�شارة اخل�شب والطرقات التي متت ّد بنا كاملناق�شة اململة ذات النية الغادرة امللح فتقودك �إىل ال�س�ؤال ّ �أوه ،ال ت�س�أ ْل ،ما هو؟ دعنا من�ضي وننتهي من زيارتنا داخل احلجرة جند الن�سوة يف غدوهنّ ورواحهنّ يتحدّثن عن مايكل �أجنلو بينما يرد هذا املطلع يف ترجمة بلند احليدري و د� .ستورت هكذا: لنذه ّ نب �إذن �أنا و�أنت عندما ي�ستلقي امل�ساء على الف�ضاء كم�صاب بداء خمدّرعلى مائدة لنذه ّ نب خالل بع�ض ال�شوارع ن�صف اخلالية والتي تهمهم يف عزلة من الليايل املنهكة يف فنادق رخي�صة لليلة ومطاعم تراكمت �أو�ساخها لتزاح �شوارع متت ّد كجدلٍ ممل جدل خمادع ليقودك �إىل �س�ؤال ملجم ال ..ال ت�سلني ...ماهو؟ يف الغرفة الن�سوة ذاهبات �آيبات يتحدثن عن فنان ولوحات برغم عدم دقة بع�ض الأبيات يف الن�صني كامل�ساء الذي يرتجمه متي بـ "ظلمة الليل"، وكهذا البيت الذي تغلب عليه الرتجمة التف�سريية "ومطاعم تراكمت �أو�ساخها لتزاح" يف ترجمة جملة �شعر� ،إ�ضافة �إىل �إ�سقاط �أبيات �أخرى مل ترتجم كما يف الرتجمة الأخرية. وي�صبح البيت ال�شهري الذي كثريا ما ي�ست�شهد به كمثال على م�صطلح ماي�س ّمى بـ"املعادل املو�ضوعي" لدى اليوت وهو: "لقد كِ لتُ حياتي مبالعق القهوة" برتجمة احليدري و�ستورت يف ترجمة فائق متي كالتايل: ون�ضب معني حياتي مبالعق القهوة �أما املقارنة بني ترجمة يو�سف اخلال وترجمة متي لق�صيدة الرجال اجلوف ف�إننا كمن يقارن بني ترجمة معنية باملعاين وحدها وترجمة معنية باملعاين وال�شعر مع ًا. كتاب ل�ؤل�ؤة: من بني الكتب التي �أعقبت هذين الكتابني
9
جتدر الإ�شارة �إىل كتاب عبدالواحد ل�ؤل�ؤة املكر�س لرتجمة (االر�ض اخلراب) وتف�سريها وحتليلها وما كتبه عنها بع�ض النقاد ،وفيه يخ�ص�ص ف�ص ًال كام ًال لر�صد �أغالط املرتجمني الذين �سبقوه. وقد تختلط بهذه الأغالط � ٌ أغالط مطبعية املطبعي" :ومن وا�ضحة كهذا الغلط ّ احلثالة التي ي�ستقر عليها االعتداء / ا�ستقرار القبعة احلريرية على ر�أ�س مليونري برادفورد" ،الذي يعلق عليه ل�ؤل�ؤة ":وكيف ي�ستقر "االعتداء"؟ لنقل �إنها غلطة مطبعية �صحيحها"االعتداد". وهذه �صيغة �أقرب �إىل الإنكار وال�شك .كما �أنه ي�ؤاخذ املرتجمني على تقدمي الأبيات �أو ت�أخريها �أو ا�ستخدامهم العامية، وي�ضرب مث ًال على ذلك برتجمة لوي�س عو�ض يف بع�ض املوا�ضع. وال تخلو مالحظات ل�ؤل�ؤة من �صحة ،لكنّ ما ي�ضريها هو و�ضعه لها يف م�ستوىً واحد ،فال يبني منها للقارئ ما هو جوهري �أو ثانوي يف عالقته بالن�ص ككل .وقد ي�صل يف مالحظاته ح ّد ًا قد ُي�ؤاخذ عليه حني ين�سب نداء النادل يف ترجمة متي �إىل �صديقة (�إريل) وهذا غري �صحيح وما ي�ؤكده وعي املرتجم بذلك وتعليقه عليه يف تف�سريه للق�صيدة ،وبرغم �إدراكه هذه احلقيقة ف�إنه ي�ص ّر على �أنها غلط فا�ضح. ومل ترتك م�آخذه هذه �أيّ ف�ضل ملن �سبقوه. وحتى من م�سه هذا الف�ضل قليال كالناقد الف�سلطيني يو�سف اليو�سف �سرعان ما ّ انقلب عليه ،فهو يكتب يف مقدمة طبعته الثانية م�شري ًا �إىل يو�سف اليو�سف دون �أن ي�سميه " وثمة مت�أدب �آخر �أعجبته جماملتي له يف مقارنة ترجمته برتجمة م�شاهري غريه فانقلب �إىل �أهله يتمطى ون�سي �صفحتني من امل�آخذ �أوردتها بعد املجاملة ولكن ال ب�أ�س تارة �أخرى لندع �ألف زهرة تتفتح" .هذا الأ�سلوب مل يفارقه يف تعليقاته الطريفة الأخرى التي تخرتق جديته ال�صارمة اخرتاق ًا مفاجئ ًا كهذا التعليق على ا�ستخدام لوي�س عو�ض للعامية � ":أما ا�ستخدام مفردات العامية امل�صرية فال �أدري ملاذا تفر�ض علينا بعد �أن ابتلينا ب�أغاين �أم كلثوم و�صرنا نردد بني املاء واملاء "اقول �أقابلك فني ".بعد حتويل القاف همزة � ...إلخ" ومل يكتف بذلك بل �أنه يف�صح بتعليقاته منحى �آخر ال عالقة له ب�إليوت �أوعامله عن ً ال�شعريّ ،فهو يف معر�ض حديثه امل�ستنكر عن احلب يف �أوربا ي�ست�شهد ببيت ل�سليمان العي�سى هذا ن�صه: ّ بزواج غري جمدٍ يف ملتي حب ال ينتهي كل ّ ٍ واعتقادي ومل يفارق ُه هذا الأ�سلوب يف ا�ستطرادته املحيرّ ة فهو يكتب عن �إليوت ":وي�ستمر ال�شاعر يرفع �صوته عاليا وطوي ًال كما ت�صيح فريوز: يا�صوتي ظ ّلك طاير زوبع بها ال�ضماير خربهم عللي �صاير بلكي بيوعي ال�ضمري " احلقيقي يف فال تدري �أين يكمن منحاه ّ قراءته لإليوت� ،أم قراءته الأخرى؟ ولعل �أغرب تعليقاته التي ا�ستوقفتني تعليقه هذا":والق�صيدة الأوىل يف املجموعة حتمل عنوان ًا يوحي با�ستخفاف ال�شاعر بالعا�شق بروفروك و�أغنيته لكننا نقر�أ �ستة �أبيات مقتب�سة من جحيم دانته بالإيطالية من دون الإ�شارة �إىل مو�ضع االقتبا�س .والأبيات ،على النقي�ض من عنوان الق�صيدة ،ر�صينة ،تدور حول م�سائل مثل خيانة ذي املعروف (ال �أدري ما يعني ل�ؤل�ؤة بخيانة ذي املعروف؟ مطبعي) ،عودة الروح من لع ّلها خط�أ ّ عامل الأموات ،عذاب ال�سعري يف العامل الآخر ،وبلغة �أه ّم �شاعر �أوروبي يف الع�صر الو�سيط ،مما ي�صفع القارئ على عينيه اجلاهلتني ويناوله مر�آة لريى فيها �آثار اجلهل التي تركتها على
وجهه �صفعة ال�شاعر ".وال ندري هل �أح�س الدكتور ل�ؤل�ؤة – مع اعتذارنا لهذا الت�سا�ؤل -بال�صفعة ،ب�صفته قارئ ًا ،قبل �أن يفهم الق�صيدة حني قر�أها �أول م ّرة� .إنه يف تعليقه هذا ين�سى ما �أورده لأليوت من مقتطفات ي�ؤكد فيها على �ضرورة اال�ستجابة لل�شعر قبل الفهم ،منها هذا املقتطف من مقاله عن وظيفة ال�شعر �أورده ل�ؤل�ؤة يف كتابه " :وقد يكون مبعث ال�صعوبة �أن القارئ قد قيل له� ،أو �أنه قد �أوحى لنف�سه� ،إنّ الق�صيدة �ستكون �صعبة. والقارئ الذي يبلغه حتذير ب�ش�أن غمو�ض ق�صيدة قد يقع يف حالة من احلنق ال تتالءم مع التلقي ال�شعري ...ولكن القارئ الأكرث ن�ضج ًا ال يحفل مب�س�ألة الفهم� ،أو قل لي�س من �أول قراءة� .إنّ بع�ض ال�شعر الذي �شغفني هو �شعر مل �أفهمه من �أول قراءة. وبع�ضه �شعر ال �أح�سبني �أفهمه حتى اليوم ،مثل �شعر �شك�سبري" وهناك موا�ضع كثرية يف كتابات �إليوت يك ّرر فيها هذا الر�أي بو�ضوح وال�سيما يف مقدمة ترجمته لق�صيدة (�أناباز) لل�شاعر �سان جون بري�س .ويذهب �إليوت �أبعد من ذلك يف مقاله (مو�سيقى ال�شعر) حني يرى �أنّ تف�سري القارئ قد يكون �أحيان ًا �أف�ضل من تف�سري ال�شاعر نف�سه. ولي�س بعيد ًا عن هذا الر�أي نقاد كثريون منهم ف .ر .ليفيزالذي ي�ست�شهد به ل�ؤل�ؤة كثري َا والذي يرى يف كتابه (اجتاهات جديدة يف ال�شعر الأنكليزي) �":إن الأر�ض اخلراب يجب �أن تكون ق�صيدة على نحو بينّ مهما كانت �صعوبتها ..لأنها ق�صيدة ذات ا�ستمرارية ذاتية .وبرغم �أنها �ستفقد طي الكتمان، الكثري �إذا ظ ّلت مالحظاتها ّ ف�إنّ النقد املهم هو �أنّ الق�صيدة ال تعتمد على املالحظات كثري ًا .بل يجب القول ب�أنها �سوف ال تفقد الكثري بدون املالحظات وبدون االعتماد على كتاب (من الطق�س �إىل الرواية اخليالية) .وهذا يعني �أن لها حتديدات مالزمة للظروف التي انتجت الق�صيدة"( .الرتجمة العربية �ص)101 وال يختلف ناقد ثالث �أحدث من ال�سابقني عن هذا الر�أي وهو �أ� .ألفاريز يف كتاب له يتناول فيه بع�ض ال�شعراء الإنكليز والأمريكان ومن بينهم �إليوت .ولعل �أطرف ما قر�أت هو ر�أي الناقد بيرت جونز يف كتابه (مدخل �إىل ال�شعراء الأمريكان)، املتعلق مبا يحتويه �شعر �إليوت من ت�ضمينات تبدو �أكرث مالءمة يف ق�صائده مما هي يف الأ�صل� ،أي �أننا حني نقر�أها يف م�صادرها نتذكر �إليوت بينما ال نتذكر م�صادرها حني نقر�أ �شعر �إليوت لأنها �أ�صبحت جزء ًا من ن�سيج هذا ال�شعر. وبالتايل ف�إن اتهام القارئ باجلهل لعدم معرفته بامل�صادر تبدو واهية وال �سيما حني تبدو مرتبطة بال�صفعة. �أما �إليوت يف �شعره املت�أخر كما يف (�أربعاء الرماد) و(الرباعيات) فلم تعد لديه امل�صادر ذات �أهمية يف فهم �شعره وتذوقه ،على �سعة هذه امل�صادر كما يرى ذلك الناقد �شريي الذي �أ�شرنا �إليه من قبل يف كتابه�( :إليوت �شاعر ًا وم�سرحيا). والغريب �أن ل�ؤل�ؤة يعود يف نهاية كتابه، �إىل تكرار ما �سبق �أن طرحه ،ف�إليوت يف ر�أيه":ال يحرتم الوزن والقافية" و ليفيز يعرتف �أن ق�صائد �إليوت يف"غاية الرباعة والإهانة" م�ضيف ًا �إىل قول ليفيز" لقراء جتدهم الق�صيدة من اجلاهلني" ولعل من ح�سن امل�صادفة �أن كتاب ليفيز مرتجم �إىل العربية ولي�س فيه �شيء من هذا القبيل، وب�إمكان القارئ العودة �إليه.،بل �إن لـ (ليفيز) ر�أي ًا هو على النقي�ض مما ذكره ل�ؤل�ؤة �سواء من خالل ما مل�سناه يف املقطع الذي ا�ست�شهدنا به �سابق ًا� ،أو من خالل مايرد يف كتابه املذكور نف�سه من عبارات
◄
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
10
كهذه العبارة ":لقد حريين كثريا اخلوف من الإ�سهاب فيما هو وا�ضح جلي �إىل �شتيمة القارئ"� ،إننا نلم�س هنا تقدير ًا للقارئ ولي�س العك�س. ولو عدنا �إىل ترجمته وقار ّناها بغريها من الرتجمات الأخرى لبدت بع�ض هذه الرتجمات �أكرث طالوة ،و�إن �أعوزتها الدقة يف بع�ض الألفاظ. �س�أورد بع�ض املقاطع من ترجمة ل�ؤل�ؤة ومثيالتها من الرتجمات الأخرى و�أترك احلكم للقارئ: Winter kept us warm, covering Earth in forgetful snow, feeding A little life with dried .tubers Summer surprised us, coming over the Starnbergersee With a shower of rain; we stopped in the colonnade And went on in sunlight, ,into the hofgarten And drank coffee, and .talked for an hour ال�شتاء دف�أنا ،يغطي ن�ساء ،يغ ّذي الأر�ض بثلج ّ حياة �ضئيلة بدرنات ياب�سة ال�صيف فاج�أنا ،ينزل على بحرية (�شتارنربكر) ّ بزخة مطر ،توقفنا بذات العمد ث ّم وا�صلنا امل�سري �إذ طلعت ال�شم�س ،فبلغنا "الهوفكارتن" و�شربنا قهوة ،ثم حتدثنا �ساعة (ترجمة ل�ؤل�ؤة) ال�شتا�ؤ د ّفاناّ ، غطى الأر�ض بثلجه الكثري الن�سيان ،مغ ّذي ًا بالكم�أة الياب�سة حيا ًة ب�سيطة. فاج�أنا ال�صيف� ،آتي ًا عرب ال"�ستارنربجر�س" مع وابلٍ من املطر ،توقفنا حتت القناطر، ووا�صلنا ال�سري يف نور ال�شم�س ،يف "الهوفغارن" ث ّم �شربنا قهوة ،وحتدّثنا �ساعة (ترجمة �أدوني�س واخلال) .Unreal city Under the brown fog of a ,winter dawn A crowd flowed over ,London Bridge, so many I had not thought death .had undone so many Sighs, short and ,infrequent, were exhaled And each man fixed his eyes before his feet Flowed up the hill and
العدد ()2102ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )16ني�سان 2011
العدد ()2102ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )16ني�سان 2011
,down King William Street To where saint Mary Woolnoth kept the hours With a dead sound on the ,final stroke of nine There I saw one I knew, and stopped him, crying: !‘Stetson ‘You who were with me in !the ship at Mylae ‘That corpse you planted ,last year in your garden ‘?Has it begun to sprout ?Will it bloom this year ‘Or has the sudden frost ?disturbed its bed ‘O keep the dog far hence, ,that’s friend to men ‘or with his nails he’ll dig it !up again ‘You! Hypocrite lecteur!- mon semblable, - mon ’!frere مدينة الوهم حتت ال�ضباب الأ�سمر من فجر �شتائي ان�ساب جمهور على ج�سر لندن،غفري، ما كنت �أح�سب �أنّ املوت قد طوى مثل هذا اجلمع. ح�سرات ،ق�صرية متقطعة ،كانوا ينفثون ٍ ّ وكل امرئ قد ثبت ناظريه �أمام قدميه. انطلقوا �صعد ًا ث ّم انحدروا يف �شارع امللك وليم �إىل حيث كني�سة ماري ولنوث تع ّد ال�ساعات
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
ب�صوت قتيلٍ على �آخر الد ّقة التا�سعة ٍ هناك ر�أيتُ واحد ًا عرفته فا�ستوقفته �صائح ًا� :سنت�سن! "يامن كنت معي على ال�سفائن يف مايلي! "تلك اجلثة التي زرعتها ال�سنة املا�ضية يف حديقتك، هل بد�أت تورق؟هل �ستزهر هذه ال�سنة؟ "�أم �أن ال�صقيع املباغت قد � ّ أق�ض م�ضجعها؟ "�أبعد الكلب عنها ،فهو �صديق للب�شر، و�إ ّال ف�سيحفر ب�أظافره وي�ستخرجها ثانية! (ترجمة ل�ؤل�ؤة) مدينة وهمية �شتائي، فجر حتت ال�ضباب القامت يف ٍ ّ جموعٌ تد ّفقت على ج�سر لندن ،بكرثة، مل �أكن �أظنّ �أنّ املوت قد اباد مثل هذا العدد ت�أوهات ،ق�صرية ،كانت ت�صعّد، ّ وكل �س ّمر عينيه �أمام قدميه تدفقت ت�صعد التلة وتهبط �شارع امللك وليم، �إىل حيث كني�سة القدّي�سة مرمي وولنوث، تع ّد ال�ساعات ب�صوت ميت عند ال�ضربة التا�سعة الأخرية هناك ر�أيت واحد ًا �أعرفه ،ا�ستوقفته، �صارخ ًا�":ستان�سن"! بحار ًا يف ميالي! "يامن كنت معي ّ "تلك اجلثة التي غر�ستها ال�سنة املا�ضية يف حديقتك، "هل بد�أت تنبت؟ هل �ستورق هذه ال�سنة؟ �أم �أنّ ال�صقيع املفاجئ � ّ أق�ض م�ضجعها؟ دع الكلب بعيد ًا من هنا� ،إنه �صديق "�أوه ِ للنا�س، "و�إ ّال نب�شها ب�أظفاره مرة �أخرى !
(ترجمة �أدوني�س ويو�سف اخلال) The time is now propitious, ,as he guesses The meal is ended, she is ,bored and tired Endeavour to engage her in caresses Which still are unreproved, .if undesired Flushed and decided, he ;assaults at once Exploring hands encounter no defence His vanity requires no ,response And makes welcome of .indifference الوقت م�ؤات الآن ،كما يظنّ ، فالوجبة انتهت ،وهي �ضجرة متعبة، يحاول �أن ي�أخذها مبداعبات ال ترغبها ،لكنها ال ت�ستهجنها و�إذ ي�ستثار وي�صمم ،يهاجم يف احلال، بيدين جتو�سان ال تقابالن �صدود ًا، ولأن غروره ال ينتظر جوابا، فهو يقلب الالمباالة ترحابا (ترجمة ل�ؤل�ؤة) الوقت الآن مالئم ،كما يظنّ ، الوجبة انتهت ،وهي �ضجرة ومتعبة، يحاول �أن يدخل معها يف مغازلة مل ُتطلب ،لكنها مل ترف�ض يُقبل على الفور ،حمتد ًا وجازم ًا، يداه ترودان وما من دفاع،
ال تعوز كربيا�ؤه تلبية، ويجعل من الالمباالة ترحيب ًا (ترجمة �أدوني�س واخلال) After the torchlight red on sweaty faces After the frosty silence in the gardens After the agony in the stony places The shouting and the crying Prison and palace and reverberation Of thunder of spring over distant mountains He who was living is now dead We who were living are now dying With a little patience بعد وهج امل�شاعل على الوجوه العرقة بعد �صمت ال�صقيع يف الب�ساتني بعد الآالم يف الأماكن احلجرية وال�صياح والعويل وال�سجن والق�صر وجتاوب رعد الربيع على اجلبال الق�صية الذي كان حيّا هو الآن ميت الذين كنا �أحياء نحن الآن منوت بقليل من ال�صرب (ترجمة ل�ؤل�ؤة) بعد �أن �ألقت امل�شاعل بوهجها الأحمر على الوجوه التي تت�صبب عرق ًا وبعد ال�سكون املطبق يف احلدائق ثم العويل وال�صراخ يف ال�سجون والق�صور وق�صف الرعد وهو يرتدّد على اجلبال البعيدة الآن قد مات من كان ح ّي ًا ونحن الذين كنا �أحياء منوت الآن يف تباط�ؤ ق�صري الأجل (ترجمة متي) يف هذه املقاطع التي �أوردناها للدكتور عبدالواحد ل�ؤل�ؤة �أعاله ملقارنتها بالرتجمات الأخرى العديد من امل�آخذ: يف املقطع الأول: ترد ترجمة "الثلج الن�ساء" وال�صحيح هو "الثلج الباعث على الن�سيان" ،وال �أدري ماذا يعني ل�ؤل�ؤة -ال �إليوت بالطبع الن�ساء� ،أما (ذات العمد) فهي بالثلج ّلفظة مهملة ال �إيحاء لها وال ميكن �أن حت َل ّ حمل املعنى احلقيقي للفظة الأ�صلية التي تعني �ص ّف ًا من الأعمدة �أوالقناطر وهذا ما جاء يف ترجمة اخلال و�أدوني�س اللذين يرتكبان اخلط�أ ذاته يف ترجمتهما :الثلج كثري الن�سيان.
ويف املقطع الثاين: ترد مدينة الوهم وال�صحيح هو املدينة الوهمية وثمة فرق بني املعنيني ،كما �أن ال�صفة التي تلحق ال�ضباب وهي "الأ�سمر" تبدو من نافل الكالم ،وكان الأوىل به �أن يرتجمها بـ " القامت" كما فعل اخلال و�إدوني�س ،وهي �أدق للتعبري عن ال�ضباب حني يتكثف يف لندن وي�صبح قامتا .مثلما تبدو ترجمتهما �أدق با�ستخدام الفعل �أباد لأنّ الفعل طوى ال ي�ؤدي معنى الفعل باللغة الأ�صلية وما يرتبط به من ع�صف وتدمري .كذلك ف�إن ا�ستخدامه �صفة قتيل لل�صوت ولي�س امليت هو م�أخذ وا�ضح لأنه بكل ب�ساطة ميت للآذان ال�صدئة.. �آذان احل�شد العابر ج�سر لندن عند ال�ساعة التا�سعة وهي ال�ساعة التي �صلب فيها امل�سيح �أي�ضا� .أما جملة "�أبعد الكلب عنها" فالأقرب �إىل روح الن�ص ولفظه ،وكذلك احل�سي امللئ باحلركة �إىل �أ�سلوب اليوت ّ والإ�شارات �أن ترتجم هذه اجلملة هكذا: "�أوه ..دع الكلب بعيد ًا من هنا" �أما املقطع الثالث فيبدو لنا �أن تركيب جمله بحاجة �إىل دقة �أكرب فاملداعبات" ال ترغبها، لكنها ال ت�ستهجنها" والرتجمة الأب�سط والأكرث �سال�سة هي" :الترف�ضها و�إن كانت ال ترغب فيها" ،كذلك جملة "غروره ال ينتظرجواب ًا" ف�إنّ �صحيحها "غروره ال يتطلب ا�ستجابة" ،وال ادري ما حمل هذا ال�سجع املفاجئ " جوابا ،ترحابا" يف �أ�سلوبه الذي يتقعر يف هذين البيتني: الذي كان حيّا هو الآن ميت الذين كنا �أحياء نحن الآن منوت والأ�سلم �أن يقول: من كان ح ّي ًا هو الآن ميت ونحن الذين كنا �أحياء منوت الآن وال يخلو املقطع الرابع من التبا�سات �أي�ض ًا ال�صقيعي يف احلدائق" ي�صبح فـ "ال�صمت ّ "�صمت ال�صقيع يف الب�ساتني". وبعيد ًا عن ذكر الأغالط وما يرافقها من تدقيق مرهق ف�إن مقاطع ل�ؤل�ؤة تبدو، �أحيان ًا ،مفتقرة �إىل ال�شعرمقارنة باملقاطع الأخرى على كرثة �أخطاء هذه املقاطع �أي�ض ًا ،وقد ا�ض ّر بها ا�ستخدام الأ�ساليب �أو الألفاظ القدمية: ح�سرات ،ق�صرية متقطعة ،كانوا ينفثون * ٍ * الوجوه العرقة * جتاوب رعد الربيع الذي تذكرين ب�شطر بيت طرفة بن العبد :جتاوب �أظ� ٍآر على ربع ردي" وال ب�أ�س من �إحياء الألفاظ ٍ القدمية وا�ستعمالها �إذا كان يف ذلك ما مينح اللفظة يف ال�شعر طاقات �أخرى للإيحاء ولكن ما �أوردناه كان نقي�ض ذلك. و�إذا كانت الدقة ن�صب عني ل�ؤل�ؤة يف ر�صده للأخطاء ويف تف�سريه وحتليله بل وترجمته ف�إن هذه الدقة �سرعان ما نفتقدها يف �أفكاره التي ا�ستغرقت مقدماته لتف�سري الق�صيدة وحتليلها ،يطرحها ب�شكل م�سلمات وبتعميم يتناق�ض وحر�صه على التدقيق والت�شخي�ص ،فهو يرى مثال �أن �شعر �إليوت يرتكز على ثالث دعائم من الرتاث :الأوىل دانتي ،والثانية ال�شعر الإنكليزي يف القرن ال�سابع ع�شر ،والثالثة الرمزية الفرن�سية املمثلة بكوربري وبودلري وال�سيما بودلري يف (�أزهار ال�شر) ":ث ّم وجد ذلك الرتكيز املفرط ،يف التعبري باالقت�صاد املفرط يف الألفاظ ،كما يف �شعر بودلري ،وخ�صو�ص ًا يف �أزهار ال�شر" �ص 24وكان من نتائج ذلك ،على ح ّد تعبريه "ت�ضحية بوزن ال�شعر كما حددته قواعد العرو�ض وتغيري يف تركيب اجلملة كما حددته قواعد النحو .لقد وجد �إليوت كما وجد كوبيري والفورغ وبودلري من قبله هذه الت�ضحية بالوزن وهذا التغيري يف النحو يجعل الت�صاق ال�شاعر بالفكرة �أ�ش ّد " غري �أنّ ن ّقاد ًا كثريين ال يرون هذا الر�أي،
وي�شريون �إىل ا�ستخدام �إليوت ال�شعر املر�سل الذي ا�ستخدمه �شعراء القرن ال�سابع ع�شر� ،إذ وجد فيه ا�ستيعاب ًا �أكرب لأفكاره مما لو ا�ستخدم طريقة �سبن�سر، كما ي�شريون �إىل ابتعاده ابتعاد ًا كليا عن طريقة باوند واحلركة الت�صويرية التي مل يكن �أحد �شعرائها يوم ًا ،منذ ق�صيدته جريونتيون (ميكن مراجعة ذلك يف كتاب "الأزمة يف ال�شعر الإنكليزي" لفيفيان دو �سوال بنتو) ،و�أنه مل يت�أثر بكل الرمزيني بل ببع�ضهم ،فهو -على العك�س من ييت�س- مل يت�أثر مباالميه وال بفرلني بل بكوربيري وال فورغ� ،أما بالن�سبة �إىل بودلري فهو �أ�ش ّد تاثري ًا بييت�س كما ت�شري �إىل ذلك بنتو �أي�ض ًا يف كتابها الآنف الذكر .وي�ؤكد هذا الر�أي ال�شاعر الأمريكي راندل يف �أحدى مقاالته عن �إليوت. و ي�ضيف بع�ض النقاد �إىل ت�أثري كوربري والفورغ ت�أثري �شاعر �آخر هو د .بو�س�شري الذي تقرب طريقته يف كتابة ال�شعر من طريقة �آالن روب غرييه. مل يت�أثر �إليوت بالفورغ لأنه �أكرب ال�شعراء الرمزيني كما يذكر ذلك ل�ؤل�ؤة بل بطريقته اخلا�صة يف ا�ستخدام �إيقاع اللغة املحكية وال�صورامل�ستمدة من احلياة املعا�صرة واالنتقال املفاجئ من الكثافة الغنائية �إىل الواقعية ال�ساخرة املتوترة على ح ّد تعبري بنتو ،كما �أنه مل يكن �أكرب ال�شعراء الرمزيني ،و �أهميته تكمن يف طرائقه ال�شعرية يف الكتابةّ . ولعل من ف�ضائل �إليوت هو ت�أثره مبن هم � ّ أقل مرتبة من غريهم من ال�شعراء الكبار املعروفني، غري �أن عزيزنا ل�ؤل�ؤة كثري ًا ما ين�ساق يف تقييماته وال �سيما يف ما يخ�ص ال�شعراء الذين يتناولهم يف مقاالته ،ف�إليوت يف كتابه هو الأول والأخري يف ال�شعر، أمريكي �ستفين�س هو �أ�شعر وال�شاعر ال ّ ال�شعراء يف مقالة له يف جملة �شعر، والفورغ هو �أكرب ال�شعراء الرمزيني، وريت�شاردز �شيخ النقاد ،وليفيز الناقد الكبري وهكذا ت�أخذه احلما�سة على طريقة نقادنا العرب القدامى ،بينما نرى بع�ض الذين ذكرهم كليفيز مث ًال نال من �سخرية النقاد والكتاب الإنكليز ال�شيء الكثري ب�سبب التواء ا�سلوبه وعدم دقة �أفكاره. �أما بالن�سبة �إىل الت�ضحية بوزن ال�شعر فلم يعرف عن بودلري �أنه �ضحى بالوزن يف (�أزهار ال�شر) بل جاء وفق ًا للأوزان الفرن�سية املعروفة .كما �أن �إليوت كان يف غاية الدقة والرباعة يف ا�ستخدامه الأوزان يف �أعماله الأخرية وال�سيما (ديوان القطط). يرى ل�ؤل�ؤة �أي�ض ًا �أنّ "طريقة ال�شعر احل ّر �أ�سا�سية يف التقومي ال�صحيح ل�شعره" وهو لو اطلع على مقال �إليوت( ت�أمالت يف ال�شعر احل ّر) لرتيث قليال يف �إطالق مثل هذا احلكم .يرى �إليوت يف هذا املقال الذي كتبه مبكر ًا يف � 1917أن م�صطلح ال�شعر احل ّر ال يعني �شيئ ًا ،و�أن لي�س ثمة �شعر بال وزن و�أن غياب القافية ي�ؤكد �ضرورتها يف بع�ض املوا�ضع من الق�صيدة لإحداث �أثر �أو توتر مطلوبني ،و�أن ال�شعر املقفى مل يفقد دوره بعد .ث ّم ي�صل �إىل نتيجة هي : ثمة �شعرجيد و�آخر رديء .ولعل من املفيد الإ�شارة يف هذا املجال �إىل �أنّ الناقد بيرت جونز يف كتابه الذي �أ�شرنا �إليه �سابق ًا، يرى �أن ما ا�ست�أثر بانتباه �إليوت �إىل �شعر ال فورغ هو ا�ستخدامه للأبيات املقفاة ذات الأطوال املختلفة وقوافيه التي جتيء يف موا�ضع غري متوقعة.مثلما ا�ست�أثر بانتباهه ا�ستخدامه لل�شعر املر�سل ال�شبيه ب�شعر �شك�سبري املت�أخر و�شعر تورنر وويب�سرت. ولو اتبعنا منهج ل�ؤل�ؤة يف تر�صد الأغالط لتبني لنا �أن ترجمته ال تخلو من امل�آخذ، �أوردنا بع�ضها يف املقاطع التي ا�ست�شهدنا بها �سابق ًا ملقارنتها مبا يقابلها من مقاطع
11 �آخرى مرتجمة من قبل �آخرين ،فهو يرتجم ال�ساعة البنف�سجية بـ "�ساعة ال�شفق" وهذه ترجمة تف�سريية غري �صحيحة لأن �إليوت يكرر ال�صفة يف البيت " واخلفافي�ش بوجوهها الطفلية يف ال�ضوء البنف�سجي" الذي يرتجمه ل�ؤل�ؤة البنف�سجي - بـ"�ضوء ال�شفق" الن اللون ّ كما يو�ضح ذلك الناقد بروك�س �أحد �أبرز �ش ّراح الأر�ض اخلراب" :هو واحد من �ألوان الكني�سة الطقو�سية ،يرمز �إىل الندم وهو �أي�ض ًا لون التعميد" كذلك يرتجم ل�ؤل�ؤة �صيحة فيلوميال بـ"زق زق" والأ�صح كما وردت يف الأ�صل "جك جك "لأنها �أقرب �إىل ال�صيحة ولي�ست الزقزقة ،ف�أغنية العندليب ،كما يعلق على ذلك بروك�س ،مل تعد متلأ ال�صحراء بال�صوت غري املغت�صب لفيلوميال املغت�صبة بل هو جمرد �صوت قبيح "جك جك" وي�ست�شهد بروك�س يف هذا املقطع مبا قال ،ت�أييدا له ،الناقد املعروف �إدموند ول�سن. وال تخلو ترجمته من باعث على الت�سا�ؤلٍ حني يرتجم حطام امللك بحطام �سفينة امللك لأن املتحدث هنا يجل�س عند قناة راكدة� ،أو ترعة �آ�سنة برتجمة �أخرى، ولي�س بحر ًا لتكون هناك بقايا �سفينة تتحطم. ثمة ت�سا�ؤالت �أخرى ب�صدد مقابلة الأممي باليهودي لأن الأممي ي�شمل اليهودي بالإ�ضافة �إىل �إيحاءاتها ال�سيا�سية والأ�صح� ":أ كنت يهوديا �أم غري يهودي؟" كما جاء يف ترجمة اخلال و�أدوني�س. ومل تقت�صر الت�سا�ؤالت على ق�صيدة (الأر�ض اخلراب) بل �شملت ترجماته لعناوين الق�صائد الأخرى �أو كلماتها الواردة يف كتابه ،كـهذا العنوان " �إىل حبيبته اخلجول" وهي ق�صيدة �شهرية ملارفيل يرتجمها بـ "�إىل حبيبته ال�صدود" � ,أو كهذه الرتجمة لبيت بودلري: حيث الطيف يف و�ضح النهار يلتقط العابر وال�صحيح" :ال�شبح" وهو ي�ؤاخذ حمقا يو�سف اليو�سف على حو�شية �ألفاظه بينما ال تخلو ترجمته من احلو�شي يف موا�ضع كثرية مثل "وجهه املدمل"�" ،أجواب"" ،طغامة" بالإ�ضافة �إىل ما �أوردناه من �أ�ساليب ال تتنا�سب وجو الق�صيدة كهذه الرتجمة: ح�سرات ،ق�صرية متقطعة ،كانوا ينفثون ٍ و�أخريا �أود �أن �أقف عند ر�أيه برتجمة يو�سف اليو�سف لـ (الأر�ض اخلراب) التي �صدرت يف كتاب م�ستقل مع ق�صائد �أخرى �أرفقها املرتجم ب�شروحاته �أي�ض ًا، فهو يعتربها �أف�ضل الرتجمات ،وهذا ر�أي بحاجة �إىل الدقة لأن الأغالط التي ذكرها يف ترجمة اليو�سف هي جزء ي�سري من �أغالط �أخرى بع�ضها ما ي�ؤاخذ به ل�ؤل�ؤة نف�سه "ك�ساعة ال�شفق" وغريها مما ذكرناه �سابقا ،وبع�ضها مما جاء مبثوث ًا يف الرتجمة " :ال�شاب الأحوى"، ويق�صد به ال�شاب املليء الوجه بالبثور، "كال�سيارة وهي تنتف�ض يف وقوفها" وهي تهدر منتظرة" ويق�صد "كالتاك�سي ِ َ برتجمة اخلال و�أدوني�س"،الغرفة امل�سيجة" والكثري الكثري من الأغالط التي ال نود التوقف عندها مثلما ال نود التوقف عند �أفكار يو�سف اليو�سف املطروحة يف ت�شابك هو �أ�ش ّد تعقيدا من ت�شابك �آراء ل�ؤل�ؤة يف كتابه املو�سوم( :ت� .س. �إليوت) ال�صادر عن دار منارات للن�شر يف الأردن.. ّ كل هذ املالحظات وغريها ال تقلل من اجلهد الكبري الذي بذله ل�ؤل�ؤة ،املعروف ب�سعة معارفه واطالعه على الآداب الأجنبية وترجماته التي حظيت بالتقدير، يف تقدمي ما هو ذو فائدة يف تقريب ق�صيدة مهمة كق�صيدة االر�ض اخلراب �إىل القارئ العربي.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
12
العدد ()2102ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )16ني�سان 2011
توقيعات ..على رائعة ت .س .اليوت األرض اليباب
هنادة احل�صري ت� -س -اليوت �شاعر من �شعراء الإن�سانية ،ترك �أثر ًا كبري ًا يف م�شاعر و�أفكار نا�س قرننا هذا ..قرن العذابات الكبرية ،واملتغريات الكبرية ..قرن العلم والتقنية املمتلئ بال�صناعات والدخان والتلوث وال�صواريخ والكوارث والظلم، وقد قر�أه العرب مرات و مرات ،كرهه املارك�سيون ،لأنه مل ي�ستجب �إىل دعاء املادة واملادية التاريخية ،والتف�سري الأيدلوجي للكون واملوت واحلياة، وكرهه اليهو ُد لأنه و�ضعهم يف قاع هذا العامل القذر ،ومل يلتفت �إليه الليرباليون لأنه عاد �إىل مقعد الدين واخلال�ص ال�سلفي ،ولكن من دون �شك كان اجلميع با�ستثناء اليهود ي�شاركونه ال�شعور باملرارة ويح�سون ب�شوك ال�صبار وهو يدلك �أج�سادهم يف عامل حديدي �صارم بال روح �أ�سقط كل �شيء .حتى احلب ..فقد �صار ميكانيكي ًا ،بال جمال وال هدف!!... ونحن نعيد قراءة ت�-س -اليوت ..نعيد قراءة رائعته اليباب ن�شعر باحلاجة املا�سة �إىل �أن نقتطف عنه �شيئ ًا مهما يتعلق بو�سو�سة الروح ،وعبق النظافة، ونب�ض احلياة ،الذي يفتقده كون يرتع�ش من الكارثة النووية ،والإيدز واجلوع اخلراب والدمار!!... تتكون تقنية اليوت من جتاور احلداثة املتطرفة بكل ما فيها من تعفن مع ال�صوفية والرمزية الدينية امل�ستقاة من املا�ضي .فال�شاعر يفهم املا�ضي على �أنه جزء فعال يف احلا�ضر ،كما يو�ضح يف ق�صيدته اعتقاده ب�أن املادة املتباينة املقتطفة من املا�ضي ميكن ايالجها يف قلق جديد له هو الآخر فعاليته اخلا�صة به. ففي الق�سم الثاين الذي �أتى حتت عنوان " لعبة ال�شطرجن " جند امللكة كليوبرتا وامللكة " " Didoديدو وهما رمز الت�ضحية والإخال�ص جنب ًا �إىل جنب مع �ضاربة الآلة الكاتبة وهي فتاة من القرن الع�شرين جت�سد الإباحية واال�ستهتار بكل م�شاعر احلب النبيلة ففي حني �أن امللكة Didoوهي ملكة قرطاجة قد قتلت نف�سها لأن ع�شيقها القائد الع�سكري الروماين " " Areisقد هجرها جند يف الطرف املقابل �ضاربة الآلة الكاتبة ال تكرتث فيما �إذا كان ع�شيقها قد غادر الغرفة �أم ال. العقم الروحي: تركز ق�صيدته اذ ًا ،على العقم الروحي الذي �أ�صاب الإن�سان يف القرن الع�شرين وجعله جمرد هيكل يتحرك بال م�شاعر وال �أحا�سي�س ويتج�سد هذا يف الت�صوير الذي اقتب�سه اليوت من "�ساتريكون" حول "ال�سبيل" " " SYBIeحيث يقول املتكلم " بعيني �شاهدت ال�سبيل وملا �س�ألتها ما هي امنيتك �أيتها ال�سبيل قالت �أريد �أن �أموت " والق�صة هي �أن ثالث ن�ساء ذهنب �إىل �أبولو وطلنب منه العمر الطويل فوافق وطلب من كل واحدة �أن متلأ يديها بحبات القمح وكل حبة ت�ساوي �سنة ولكنهن ن�سني �أن يطلنب ال�شباب الدائم ،وهذا يعني �أن ه�ؤالء الن�سوة الثالث ق�ضني �شيخوخة طويلة جد ًا ف�أ�صبح املوت رغبة ،ترى ماذا يريد اليوت �أن يقول؟ �إنه بالت�أكيد يرمي �إىل ت�أكيد حقيقة تتخلل الق�صيدة برمتها وهي �أنه عندما تفقد احلياة حيويتها فاملوت �أجدر والإ�سقاط هنا وا�ضح جد ًا فالإن�سان يف مطلع القرن الع�شرين ويف ظل هذه احل�ضارة الزائفة قد فقد احليوية الروحانية فغدا بذلك ميت ًا يف
العدد ()2102ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )16ني�سان 2011
13
احلياة برغم ما تزخر به هذه احل�ضارة من زخرف .جند هذا املعنى متج�سد ًا يف �أبيات الق�سم الأول املعنون " دفن املوتى " حيث يتحدث اليوت عن عفونة هذه احل�ضارة حتى اللب فيقول: يا بن الإن�سان!! ماهذه اجلذور املتوا�شجة؟! و�أية �أماليد تطلع من هذه القمامة املتحجرة؟ اال �إنك ال متلك قو ًال �أو ظن ًا� ،إذ �أنت ال تعرف �إال كومة من الأوثان امله�شمة ،حيث تخفق ال�شم�س وحيث ال جتود ال�شجرية الهالكة بامل�أوى وال احلجر الياب�س بخرير املاء. لو كان ثمة ماء لوقفنا ..و�شربنا-يف الأبيات ال�سابقة يقتب�س اليوت من �سفر حزقايل ( )162حيث يخاطب الله نبيه قائال " يا ابن الإن�سان ،قف على قدميك ول�سوف �أتكلم �إليك " ويخربه مبهمته التي هي الوعظ بقدوم امل�سيح �إىل �شعب ملحد وم�شاغب .وحيث حكم
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
الله على بني �إ�سرائيل لعبادتهم الأوثان بقوله " :ول�سوف تتحطم �أوثانكم " ويعرب اليوت عن هذا اجلذب الروحي الذي �أ�صاب الإن�سان نتيجة ابتعاده عن القيم االخالقية امل�ستمدة من الدين بيبا�س الأر�ض وانحبا�س املطر حيث يتوق املتكلم �إىل �سماع �صوت املاء كحد �أدنى من طموحاته بعد �أن فقد الأمل يف العثور على املاء يقول اليوت يف " مقاله الرعد " هو الق�سم اخلام�س من الق�صيدة: لو كان ثمة ماء لوقفنا و�شربنا �أما بني ال�صخور فال ميلك املرء �أن يقف �أو يفكر العرق جاف والأقدام غارقة يف الرمال لو �أن ثمة املاء وحده بني ال�صخر �إنه ثغر جبلي ميت ذو �أ�سنان نخرة ال ق ونتيجة لهذا القحط ت�ستطيع �أن تب�ص الروحي �أ�صبح الإن�سان يعاين من تعب دائم و�أ�صبح يحلم بالراحة التي مل يعد يجدها حتى يف اجلبال: "ال ي�سع املرء هاهنا �أن يقف �أو يرقد �أو يجل�س لي�س هنالك حتى ال�صمت يف
اجلبال بل رعد عقيم جاف بغري غي ث لي�س هنالك حتى العزلة يف اجلبال �أموات� ...أموات �أموات -و�سبب هذا القلق وعدم الراحة كما يراها اليوت يف غياب القيم الروحية التي يج�سدها امل�سيح عليه ال�سالم فالإن�سان املعا�صر نبذ الروحانية واعتنق املادية ونتيجة لذلك فهو ميت يف احلياة ويعرب اليوت عن هذه الفكرة يف بداية الق�سم اخلام�س من الق�صيدة الذي يحمل عنوان " مقالة الرعد " عندما يتحدث عن �إلقاء القب�ض على امل�سيح وكيف �أن احلياة قد ذبلت بعد غيابه: بعد �ضوء ال�شعلة املحمر فوق الوجوه املتعرقة بعد ال�صمت ال�صعيقي يف احلدائق بعد النزع يف الأماكن احلجرية ال�صراخ والعويل ال�سجن والق�صر ورجع ال�صدى رعد الربيع فوق اجلبال النائية من كان حي ًا فهو الآن ميت
ونحن من كنا احياء نحت�ضر الآن الرعاع املقنعون -ويتنب�أ اليوت بدمار هذه احل�ضارة الزائفة التي حتمل يف داخلها بذور الفناء ويقتب�س اليوت هنا حلم ًا كان قد ر�آه الفيل�سوف الإنكليزي " برتراند را�سل " حيث ر�أى لندن تنفجر يف الهواء البنف�سجي كما يرى اليوت �أن النا�س يف ظل هذه احل�ضارة املتعفنة قد �أ�صبحوا رعاع ًا ال لون لهم وال هوية تتعرث خطاهم لأنهم ال ميلكون الر�ؤية الوا�ضحة .يقول اليوت يف مقالة الرعد: ما ذلك ال�صوت العايل يف الهواء متتمة الندب الأمومي من �أولئك الرعاع املقنعون املحت�شدون؟ فوق �سهول ال متناهية ،تزل بهم الأقدام يف الرتبة املت�صدعة ويحيق بهم االفق امل�سطح وحده ما املدينة القائمة فوق اجلبال تت�صدع وترتمم يف الهواء البنف�سجي بروح مت�ساقطة القد�س � -أثينا -اال�سكندرية -فيينا -
عاقر والأر�ض يباب وال تزول هذه اللعنة �إال بقدوم غريب يجيب على �أ�سئلة تتعلق بطقو�س اخل�صب .ونلتقي مع امللك ال�صياد يف نهاية الق�صيدة حيث كان يجل�س على ال�شاطئ ي�صطاد وال�سهل القاحل خلفه .ي�سوق اليوت هذه الق�صة كي يبني لنا اليبا�س الروحي الذي حل بالإن�سان املعا�صر وجعله عاقر ًا روحيا ً. وعلى الرغم من قتامة ال�صورة يقدم لنا اليوت ب�صي�ص ًا من الأمل للنجاة �إذا ما �أ�صلحنا اخلط�أ وك�أن ل�سان حاله يردد الآية الكرمية " ال يغري الله ما بقوم حتى يغريوا ما ب�أنف�سهم" ويتجلى ذلك ، بت�ضمينه قول النبي �أ�شعيا للملك حزقيا املري�ض الذي كانت مملكته حتت االحتالل اال�شوري " هكذا يقول الرب ،رتب بيتك، لأنك متوت و التعي�ش " �صلى حزقيا طالب ًا الرحمة ف�أجابه الله واعد ًا �إياه �أن ي�سرتد بلده من قب�ضة العدو ،كما منحه خم�س ع�شرة �سنة �أخرى من العمر .يقول اليوت يف نهاية الق�صيدة: جل�ست على ال�شاطئ ا�صطاد ،وال�سهل القاحل خلفي هل �أرتب �أر�ضي على الأقل؟ كما يقدم اليوت خمرج ًا من هذا امل�أزق من خالل ن�صائح الإله باراجاف حيث تقول اال�سطورة الهندية �أن ثالث جمموعات (اله -ب�شر� -شياطني) ذهبوا �إىل الآله الأكرب باراجاف وطلبوا منه ن�صيحة فقال لكل جمموعة " Daوكل جمموعة ف�سرت Daعلى طريقتها
لندن زائفة �سلة الف�ساد ...واليهود -وي�صل ت�شا�ؤم اليوت �إىل القمة حني يبني لنا �أن الف�ساد الذي �ضرب قلوب النا�س قد و�صل �إىل درجة ت�ستع�صي على الإ�صالح. وهنا ي�شري اليوت �إىل حماولة اليهود يف الأ�سر البابلي تذكر كلمات الرب ع�سى �صب ولعل يغفر لهم ويف ّرج عنهم بعد �أن ّ عليهم �صوت عذاب على يد القائد البابلي " نبوخذ ن�صر " الذي �ساقهم �إىل الأ�سر.. وعندما يكت�شف ه�ؤالء انه لي�س بو�سعهم تذكر كلمات الرب للتوبة طمع ًا يف االفالت من الأ�سر يبد�ؤون يف البكاء .هنا ي�سقط اليوت هذه احلالة على النا�س يف مطلع القرن حيث و�صلوا �إىل ف�ساد ع�صي على اال�صالح يقول اليوت يف الق�سم الثالث الذي يحمل عنوان " غطة النار " " The " Fire sermonعند مياه ليمان جل�ست وبكيت ومياه ليمان تعني نريان ال�شهوة، وكلمة ليمان تعني موم�س �أو ع�شيقة و هذا الف�ساد الوا�سع النطاق يتجلى على
�أ�شده يف تعهري احلب الذي مل يعد �سوى اغت�صاب وممار�سات جن�سية تخلو من �أية م�شاعر ويعرب اليوت عن ذلك بذكره ق�صة امللك " " tenrالذي اغت�صب �أخت زوجته وا�سمها فيلوميال وقطع ل�سانها كي ال تبوح بال�سر بيد �أن الآلهة حولتها �إىل عندليب كي تنجو من غ�ضب ذلك امللك الفا�سق: �صورة اغت�صاب فيلوميال ،الذي يفر�ضه امللك الرببري بقحة بالغة ،ومع ذلك فان العندليب هنالك قد �أفعم ال�صحراء جملة ب�صوت حرام وهو ما فتئ ي�صرخ والعامل ما زال يثابر " جغ -جغ " لآذان قذره جمال احلب وقذارة الع�صر -هنا يقارن اليوت عظمة احلب واجلمال يف املا�ضي بتفاهة امل�شاعر ورخ�صها يف الع�صر احلايل .ويلج�أ اليوت �إىل اقتبا�سات �أدبية ليو�ضح هذه الفكرة فيقتب�س من ال�شاعر االنكليزي "�أدموند �سبن�سر " �أبيات ًا من ق�صيدته التي كان ال�شاعر �سبن�سر قد نظمها لت�صوير عر�س
على �ضفاف نهر التاميز ويبني فيها جمال العرو�س الأخاذ فحواري النهر �أ�صابتهن الغريه وغادرن النهر يف حني �أن حواري النهر هذه الأيام قد غادرن النهر ملا �أحاق هذا املكان من قذارة ومهانة هنا يتجاور املا�ضي بكل عراقته وقيمه الأخالقية والروحانية مع انحدار احلا�ضر وق�ساوته ،يقول اليوت " يف غطة النار": حتطمت خيمة النهر والأ�صابع الأخرية لورق ال�شجر �أخذت تنكم�ش وتغو�ص يف ال�ضفة الرطبة وجتوب الريح الأر�ض البنية من دون �أن ُت�سمع حوريات املاء رحلن �أيها التاميز العذب ،ت�سل�سل بهدوء ريثما �أمت �أغنيتي نهر يطفح زيت ًا وقار ًا -ويطور اليوت هذه الفكرة حني يقتب�س من واغو�س ق�صة البنات الثالث لنهر الراين ،التي حتكي ق�صة مغادرة احلوريات لنهر الراين بعد �أن اختفى
الكنز الذي كانت احلوريات حتر�سه والذي كان ي�ضفي اجلمال والرونق عليه فجذب احلوريات �إليه :ي�صور اليوت النهر الآن ب�أنه ين�ضح زيت ًا وقار ًا. هنا يتجاور املا�ضي املت�ألق كما �أ�سلفت باحلا�ضر املتعفن -يقول اليوت " يف غطة النار". النهر ين�ضح زيت ًا وقار ًا والقوارب تقاد و�أ�شرعة حمراءعري�ضة تتمايل على ال�صاري الثقيل باجتاه الريح وتبحر ال�سفن كت ًال خ�شبية منجرفة (تلقاء) �ضفة غرينت�ش قبالة جزيرة الكالب الأ�ســطورة-ويلج�أ اليوت �إىل ا�سطورة امللك ال�صياد، التي �أخذها من كتاب "جي�س و�ستون" املعنون "من ال�شعرية �إىل الرومان�سية" وذلك كي ي�صور القحط واليبا�س الذي �أ�صاب البالد فامللك عاقر و�شعبه �أي�ض ًا
فالن�صائح الثالث: ت�صدقوا -Dattaتعاطفوا � -Daydahumأ�ضبطوا �أنف�سكم D amyatta ميكن �أن توفر خمرج ًا من هذا اخلراب الروحي الذي حل بالإن�سان املعا�صر.. ويرى اليوت �أن اخلال�ص يكمن يف الرجوع �إىل الدين امل�سيحي النقي .ف�إذا ما نفذ الإن�سان هذه الو�صايا �أي ممار�سة الإح�سان وابداء التعاطف و�ضبط ال�شهوات ف�إن الإن�سان �سي�صل �إىل مرحلة من هدوء البال تفوق الت�صور حيث ي�ستعمل اليوت الكلمة ال�سن�سكريتية SHANTIلت�أكيد هذا املعنى،وي�ستند �إليوت �إىل كلمات بول�س للم�سيحيني الأوائل " و�سالم الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم و�أفكاركم يف امل�سيح ي�سوع " مــخزن الـرمـوز-باخت�صار كان ت�صوير اليوت يف رائعته " الأر�ض اليباب " اخلراب الروحي الذي �أحاق بالإن�سان املعا�صر من خالل �أ�ساطري ورموز ا�ستمدها من املا�ضي واحلا�ضر بحيث الق�صيدة خمزن ًا لرموز و �أ�ساطري واقتبا�سات ا�ستمدت من خمتلف الع�صور. فمن ا�ستطاع �أن يفتح قلب الرمز؟ من ا�ستطاع �أن ي�سقي الأ�سطورة من عرق اخلوف البارد �أمام اجللطات القلبية، والدماغية ،ونق�ص الرتوية ،وخراب النفو�س ،من ا�ستطاع �أن يغ�سل �أ�صابع االبداع مباء الورد وطهر احلياة و�سيناريو البقاء الأخاذ ،من ا�ستطاع فليو َّقع ..على رائعة ت� -س -اليوت، ولين�شر �أ�شرعته ومي�ضي بحث ًا عن نقاء وعامل جديد ،فقد حرك �إليوت هذا الراكد يف �أعماق الكون والنا�س. فمن ينجو بعده من دون �سفينة ،وينطلق �إىل خمازن الأ�ساطري والرموز يقتب�س درب ًا ،ويفتح َثغرة يف جدران الظالم!!
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
14
العدد ()2102ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )16ني�سان 2011
العدد ()2102ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )16ني�سان 2011
إل�������ي�������وت
وأث� � � � � ��ره ف� � ��ي ال�� �ش�� �ع� ��ر ال � �ع� ��رب� ��ي جهاد فا�ضل عندما يدور احلديث عن ال�شعر العربي احلديث، وعن امل�ؤثرات اخلارجية التي �أ�سهمت يف تكوينه، تربز �صورة �إليوت يف املقدمة .فمنذ �أوا�سط القرن املا�ضي ،مل ّ يكف ا�سم �إليوت عن الرتدد يف املجالت ومالحق ال�صحف الأدبية املختلفة .وقد حظيت ق�صيدته «الأر�ض اليباب» باهتمام ال ُك َّتاب واملرتجمني العرب وتعليقاتهم وحتليالتهم على نحو مل حتظ به �أية ق�صيدة �أجنبية �أخرى� ،أو �أي عمل �أدبي ُكتب بلغة �أجنبية .ولكرثة ما حظيت به هذه الق�صيدة من االهتمام ،فقد ن�سي البع�ض �أنها ظهرت يف الع�شرينيات وظلت تبدو وك�أنها كتبت يف خم�سينيات القرن املا�ضي �أو �ستينياته على الأقل. ولكن ال�شهرة الوا�سعة التي حظي بها �إليوت يف العامل العربي مل ت�ؤد �إىل �إحداث الأثر العميق وامل�أمول يف م�شهد ال�شعر العربي احلديث .وقد تنبه بع�ض النقاد �إىل ذلك فقام ماهر �شفيق فريد بعر�ض موجز �أ�شبه ببليوغرافيا و�صفية لكل ما وقع حتت يده من ترجمات وكتابات بالعربية عن �إليوت .وكان هذا الناقد قد عبرّ عن عر�ضه لإليوت يف العربية بتعبريه عن خيبة الأمل يف ما جناه ال�شعر العربي من ح�صاد بعد زهاء عقدين �أو �أكرث من جتربة احلداثة. كان ال بد من مكا�شفة كهذه حتى تنجلي طبيعة الواقع ال�شعري العربي ،وحتى يعرف القارئ العربي �أين يقف فع ًال من �إنتاج �أدبي ازداد ك ّمه وهبط نوعه، وحتى يعرف الكاتب العربي املكان والكيفية اللذين ينبغي له ال�شروع منهما يف بداية جديدة يكون من �ش�أنها �أن نعوّ �ض القارئ العربي عما فاته ،وتتيح للكاتب تقدمي منتج يختلف ك ّما ونوع ًا عما �سبق. يبدو �أنه انطالق ًا من هذه الر�ؤية يت�صدى الدكتور حممد �شاهني يف كتابه اجلديد« :ت� .س .اليوت و�أثره يف ال�شعر العربي /ال�سياب� ،صالح عبدال�صبور، حممد دروي�ش /درا�سة مقارنة» ،ال�صادر عن دار �آفاق يف م�صر ،لي�ؤكد على �صدق ما قاله ماهر �شفيق فريد، وما قاله �أي�ض ًا من قبله جربا �إبراهيم جربا. يقول ماهر �شفيق فريد يف بحثه« :طِ را ُد الإوزة الربية تعبري يف الإنكليزية يراد به كل �سعي عقيم ال يبلغ هدفه ،وال يتمخ�ض �إال عن �إ�صابة �صاحبه بالإحباط ورجوعه �صفر اليدين» .والطراد الذي نعنيه هنا هو حماولة �شعرائنا ونقادنا العرب حماكاة� .س� .إليوت، وهي حماولة مل ُت� ِؤت -با�ستثناء حاالت قليلة تع ّد على �أ�صابع اليدين -من ثمرة غري ابتالء �شعرهم بالتكلف واحلذلقة واالدعاء ،و�صرفهم عن واقعهم املعي�شي. والقلة القليلة التي جنحت يف ا�ستلهامه حققت ذلك يف موا�ضيع قليلة ولي�س يف كل �إنتاجها مثل لوي�س عو�ض وبدر �شاكر ال�سياب و�صالح عبدال�صبور. �أما جربا �إبراهيم جربا فقد ذكر يف درا�سة له �أن �إليوت قد �سحر ال ُك َّتاب العرب املحدثني ب�أفكاره الريادية التي طابقت ما يف نفو�سهم من �أفكار وهوى ،وك�أن � -إليوت �أ�صبح الناطق با�سم احلداثة عندهم« .وقد جذبتهم �إليه ب�شكل خا�ص مقالته (الرتاث واملوهبة الفردية) التي يدعو فيها �إىل االهتمام باملوروث وجتديده وبعث احلياة فيه جمدد ًا من خالل املوهبة الفردية لل�شاعر، يف م�سعى ت�صبح فيه قيمة ذلك املوروث جديدة متجددة و�صامدة يف وجه الزمن .و َمن مِ ن الكتاب العرب مل تخامره فكرة التجديد يف املوروث وحتديث الرتاث الأدبي العربي ،خ�صو�ص ًا ال�شعري منه»؟ ويبدو �أن ق�صيدة «الأر�ض اليباب» لإليوت تركت �أثر ًا بالغ ًا على الأدب العربي احلديث يف �أ�سبابه �أن هذه تعب عن التجربة امل�أ�ساوية لأوروبا بعد الق�صيدة رِّ احلرب العاملية الأوىل .وقد وجد الكتاب العرب توازي ًا بني معاناتهم �إثر نكبة فل�سطني ومعاناة �إليوت من http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
تداعيات احلرب العاملية الثانية� ،إذ �أ�صبحت �أر�ضهم مثل �أر�ض �إليوت «يباب ًا» تنتظر الغيث حتى يعيد لها احلياة .وال �شك �أن الأ�ساطري والإ�شارات التي انطوت عليها «الأر�ض اليباب» مثل فيلبو�س الفينيقي ،ومتوز، وامللك ال�صياد وغريها من الأ�ساطري ،وجدت �سبيلها �إىل �أعمال ال ُك َّتاب العرب ملا فيها من �أ�صل حملي كان عام ًال يف تقريب «�أر�ض» �إليوت من حماوالتهم ال�شعرية والن�سج على منوالها. ويرى ماهر �شفيق فريد وجربا �إبراهيم جربا� ،أن ّ جل �شعرائنا املحدثني الذين ت�أثروا ب�إليوت مالوا �إىل
ا�ستخدام الظاهر من الأ�سطورة ولي�س الداخل منها كما فعل �إليوت الذي متكن من �سرب غور الأ�سطورة وجعلها ت�شع بالأهمية عرب امل�ستويات العليا للق�صيدة. يف كتابه يدر�س حممد �شاهني ثالثة �شعراء عرب ت�أثروا ب�إليوت هم :بدر �شاكر ال�سياب ،و�صالح عبدال�صبور ،وحممود دروي�ش .فريى �أن عبدال�صبور ا�ستعان بلحن �إليوت من دون �أن يوفق يف تفكيك نغماته �أما ال�سياب ف�إنه �سمع الأغنية من �إليوت وا�ستطاع بعد ذلك �أن ميتلك مفاتيح الغناء لي�صدح بلحنه اخلا�ص ،ولين�شد �أجمل �أن�شودة يف ال�شعر العربي احلديث .ولكن مهما يكن من ت�أثري لإليوت على ال�سياب ،ف�إن ال�سياب قد �أفلت من �سطوة هذا الت�أثري لت�أتي �أن�شودته �صورة قائمة بذاتها وم�ستقلة متام ًا عن امل�صدر .ويكفي ال�سياب فخر ًا �أن قراءة «�أن�شودة املطر» واال�ستمتاع بها على حدة� ،أمر ممكن من دون الرجوع �إىل �إليوت ،برغم كل ما يف �أن�شودته من ظالل ا�ست�شفها من رائعة �إليوت «الأر�ض اليباب» .وهكذا حول ال�شاعر م�صدر ًا كان على دراية به �إىل �شاعرية �أ�صيلة بحيث ال تكاد تظهر فيها ب�صمات الت�أثري� ،ش�أنه يف ذلك �ش�أن كل �شاعر �أ�صيل ميتلك القدرة على حتويل الأ�صل �إىل �أ�صل �آخر ال يقل عن �سابقه قدر ًا و�ش�أن ًا.
كيف ت�أثر ال�سياب ب�إليوت؟ يبدو �أن ال�سياب قد نهج نهج ًا مغاير ًا لعبدال�صبور ،حيث �ضيّق من رقعة االنتقاء ،ولكنه ع ّمق النظرة فيها .ولدى الت�أمل املت�أين «للأر�ض اليباب» و«�أن�شودة املطر» ،يجد املرء �أن ال�سياب قد وقع على وا�سطة العقد ،وهو ما ميثله اجلزء الأخري من ق�صيدة �إليوت الذي جاء حتت عنوان« :ما قاله الرعد». ويعد ذلك اجلزء من الأر�ض اليباب ذروة اللحظات الإبداعية يف الق�صيدة ،ومركزها تلك اللحظات التي ت�شق لنا عرب الظالم املخيم على الق�صيدة طريق ًا للأمل يف اخلال�ص من عقم الأر�ض اليباب .وك�أن هذا اجلزء ي�أتي موازي ًا ل�سلبية وانهزامية الواقع الذي ت�صوره �أجزاء الق�صيدة الأخرى. ويبدو �أن ال�سياب وجد يف الق�صيدة ما مل يجده غريه من ال�شعراء العرب الذين ت�أثروا ب�إليوت .فقد وجد فيها ما خربه �شخ�صي ًا من رغبة يف التعبري عن �شتات الواقع يف �أق�سى حلظات الأمل ،حيث تتطهر النف�س وتتكثف الر�ؤيا وتولد على يد الفنان الأ�صيل .يف مهارة ال�شاعر الفذ ،ا�ستطاع ال�سياب �أن يقتن�ص تلك اللحظات ويطوّ ع الإيقاع فيها �إىل حاجته وا�ستعداده .وعلى هذا النحو ا�ستطاع �أن ينهج نهج ًا
مغاير ًا لعبدال�صبور الذي ا�ستعار امل�ضمون ف�ضاع منه الإيقاع ،و�أ�صبحت ق�صيدته �شتات ًا ال يجمع بني �أجزائها املختلفة ذلك الإيقاع الالزم لل ّم ال�شتات. يرجع االختالف بني طبيعة الت�أثر عند كل من عبدال�صبور وال�سياب �إىل اختالف جوهري يف تكوّ ن الر�ؤية ال�شعرية وتركيبها عند كل منهما ،فعبدال�صبور مث ًال ي�سطو على وا�سطة العقد عند �إليوت وي�أخذها وي�ضعها يف عقد من عنده .ي�شكلها ويكوِّ نها قبل و�صول هذه الوا�سطة �إليه ،وك�أنها مل تكن يف احل�سبان �أ�ص ًال .وعندما تدخل على العقد �أو تتداخل فيه ،تبقى غريبة عنه ويبقى غريب ًا عليها .وعلى نحو يدعو �إىل الأ�سف ،ي�صبح املقتطف وك�أنه حلية فائ�ضة يف الق�صيدة يبطل مفعوله وينعدم ت�أثريه .فما الذي يجعل الأمور ت�سري �سري ًا ح�سن ًا عند �إليوت وال ت�سري كذلك عند عبدال�صبور؟ �إن ال�سبب يف ذلك هو �أن �إليوت ال يقتطف �إال ما يرى �أنه �سيكون نقطة انطالق وعودة يف �آن واحد ،من املقتطف و�إليه ،عندما ي�ضعه يف �أي مكان من الق�صيدة. وهكذا ين�ش�أ التفاعل بني املقتطف والق�صيدة� ،أي �أن املقتطف ي�صبح م�صدر �إ�شعاع �أو قوة� .أما ال�سياب ف�إنه يختلف يف ر�ؤيته لإليوت ويف م�سعاه �إليه .فهو ال يطمع يف �أية وا�سطة للعقد ،وال يغريه �شكلها اخلارجي �إن عرث عليها ،ولكنه يتمثل جمالها الداخلي الذي ت�سري فيه روح ًا �شعرية جديدة تكت�سب �شك ًال خارجي ًا جديد ًا ي�صعب اكت�شافه بغري الغو�ص يف �أعماق هذا ال�شكل ،وبدون البحث عن تلك الروح اخلفية التي ت�شكلت يف البنية التحتية للق�صيدة� .أي �أن ال�سياب ينهج نهج ًا مغاير ًا لعبدال�صبور فال يغريه �إليوت يف نهجه املتميز .ويت�ضح ذلك عند املقارنة يف الن�صو�ص. وقد حظي �إليوت بتقدير �شاعر عربي �آخر هو حممود دروي�ش الذي طاملا اعتربه �أكرب �شعراء الع�صر ،والذي كان ل�صوته �أثر بالغ يف تكوين ال�شعر العاملي احلديث. ف�إذا كان عبدال�صبور قد نظر �إىل �إليوت على �أنه غاية مل ي�ستطع متثلها ،و�إذا كان ال�سياب قد ا�ستوعب جتربة �إليوت من دون التمكن من الذهاب بعيد ًا يف البناء عليها ،فقد ا�ستطاع حممود دروي�ش �أن يتمثل الغاية و�أن ي�ستوعب التجربة ،ثم تخطاهما مع ًا ليظهر كعادته طالع ًا ب�صوته اخلا�ص الذي ال يقل عن �صوت �إليوت روعة ومتيز ًا.
15
manarat رئي�س جمل�س الإدارة رئي�س التحرير
التحرير ----------------نزار عبد ال�ستار الت�صحيح اللغوي ----------------حممد حنون الت�صميم ----------------م�صطفى جعفر
طبعت مبطابع م�ؤ�س�سة املدى لالعالم والثقافة والفنون
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
T.S.
ELIOT