T.S ELIOT

Page 1

‫رئي�س جمل�س االدارة رئي�س التحرير‬ ‫فخري كرمي‬ ‫ملحق ثقايف ا�سبوعي ي�صدر عن جريدة املدى‬

‫‪m a n a r a t‬‬

‫العدد (‪)2102‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )16‬ني�سان ‪2011‬‬

‫‪THOMAS STEARNS‬‬

‫‪ELIOT‬‬


‫‪2‬‬ ‫اعداد‪ :‬زينة الربيعي‬ ‫�شعر �إليوت‬

‫بالن�سبة ل�شاعر يف مثل مكانته‪ ،‬ف�إن �إنتاج‬ ‫�إليوت ال�شعري كان قلي ًال‪ .‬وعى �إليوت ذلك‬ ‫مبكر ًا يف م�سريته‪ ،‬فكتب �إىل جيه‪� .‬إت�ش‪.‬‬ ‫وودز �أحد �أ�ساتذته ال�سابقني يف هارفرد‪:‬‬ ‫قليل من‬ ‫"�سمعتي يف لندن مبنية على ٍ‬ ‫الأبيات‪ ،‬وي�صونها طباعة ق�صيدتني �أو‬ ‫ثالث يف ال�سنة‪ .‬ال�شيء الوحيد املهم �أن هذه‬ ‫الق�صائد ينبغي �أن تكون كاملة وفريدة من‬ ‫نوعها‪ ،‬بحيث ت�صبح ُكل واحدةٍ منها حدث ًا‬ ‫بحد ذاتها"‪.‬‬ ‫ب�شكل تقليدي ن�شر �إليوت ق�صائده الأوىل يف‬ ‫الدوريات ويف كتيبات ومطويات حتتوي‬ ‫ق�صيدة واحدة (على �سبيل املثال‪ :‬ق�صائد‬ ‫�آرييل)‪ ،‬ومن ثم �أ�ضافها �إىل املجموعات‬ ‫ال�شعرية‪ .‬كانت جمموعته ال�شعرية الأوىل‪:‬‬ ‫بروفروك ومالحظات �أخرى (‪ .)1917‬يف‬ ‫‪ ،1920‬ن�شر �إليوت مزيد ًا من الق�صائد يف‬ ‫‪( Ara Vos Prec‬لندن) وق�صائد‪1920:‬‬ ‫(نيويورك)‪ .‬كانت هذه الق�صائد نف�سها‬ ‫ برتتيب خمتلف ‪ -‬عدا �أن "�أغنية" يف‬‫الطبعة الإنكليزي قد ا�ستبدلت بق�صيدة‬ ‫"ه�سترييا" يف الطبعة الأمريكية‪ .‬يف‬ ‫‪ ،1925‬جمع �إليوت الأر�ض اليباب وق�صائد‬ ‫�أخرى يف بروفروك وق�صائد يف جملد واح ٍد‬ ‫و�أ�ضافه �إىل الرجال اجلوف ليكون ق�صائد‪:‬‬ ‫‪ .1925 - 1909‬ومن ثم حدث عمله كق�صائد‬ ‫جمموعة‪ .‬وكانت اال�ستثناءات‪:‬‬ ‫كتاب اجلرذ العجوز عن القطط العملية‬ ‫(‪ )1939‬جمموعة من الق�صائد اخلفيفة‪.‬‬ ‫ق�صائد ُكتبت يف �أوائل ال�شباب (ن�شرت بعد‬ ‫وفاته يف ‪ ،)1967‬وحتتوي على ق�صائد‬ ‫ُن�شرت غالب ًا بني ‪ 1907‬و‪ 1910‬يف حمامي‬ ‫هارفرد املجلة الطالبية يف جامعة هارفرد‬ ‫اخرتاعات الأرنب ال�سائر‪1917–1909 :‬‬ ‫(ن�شر بعد وفاته ‪ ,)1997‬مقاطع وم�سودات‬ ‫مل ينو �إليوت ن�شرها‪� .‬شرحها كري�ستوفر‬ ‫ريك�س‪.‬‬

‫العدد (‪)2102‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )16‬ني�سان ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2102‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )16‬ني�سان ‪2011‬‬

‫ت‪ .‬س‪ .‬إليوت‬

‫‪Thomas Stearns Eliot‬‬ ‫ٌ‬ ‫حائز على جائزة نوبل يف‬ ‫تي‪� .‬إ�س‪� .‬إليوت (بالإنكليزية‪� )Thomas Stearns Eliot :‬شاعر وم�سرحي وناقد �أدبي‬ ‫الأدب يف ‪ .1948‬وُ لد يف ‪� 26‬سبتمرب ‪ /‬ايلول ‪ 1888‬وتويف ‪ 4‬يناير ‪ /‬كانون الثاين ‪ .1965‬كتب ق�صائد‪� :‬أغنية حب جي‪.‬‬ ‫�ألفرد بروفروك‪ ،‬الأر�ض اليباب‪ ،‬الرجال اجلوف‪� ،‬أربعاء الرماد‪ ،‬والرباعيات الأربع‪ .‬من م�سرحياته‪ :‬جرمية‬ ‫يف الكاتدرائية وحفلة كوكتيل‪ .‬كما �أنه كاتب مقالة "التقليد واملوهبة الفردية"‪ .‬وُ لد �إليوت يف الواليات املتحدة‬ ‫الأمريكية وانتقل �إىل اململكة املتحدة يف ‪ ،1914‬ثم �أ�صبح �أحد الرعايا الربيطانيني يف ‪.1927‬‬

‫الأر�ض اليباب‬

‫يف �أكتوبر ‪ ،1922‬ن�شر �إليوت الأر�ض‬ ‫اليباب ‪ The Waste Land‬يف املعيار‪.‬‬ ‫ُكتبت الق�صيدة يف فرتة انهيار زواج �إليوت‪،‬‬ ‫وغالب ًا ما ُتقر�أ الق�صيدة باعتبارها متثي ًال‬ ‫لزوال وهم جيل ما بعد احلرب العاملية‬ ‫الأوىل‪ .‬حتى قبل �أن ُتن�شر الأر�ض اليباب يف‬ ‫كتاب (دي�سمرب‪ /‬كانون االول ‪� ،)1922‬أبعد‬ ‫�إليوت نف�سه عن ر�ؤية الق�صيدة اليائ�سة‪:‬‬ ‫"فيما يتعلق بالأر�ض اليباب‪ ،‬هذا �شيء من‬ ‫املا�ضي كما �أعتقد‪ ،‬و�أ�شعر الآن برغب ٍة يف‬ ‫أ�سلوب جديد"‪ .‬هذه الق�صيدة تعترب‬ ‫جتربة � ٍ‬ ‫من �أهم و�أ�صعب الق�صائد يف تاريخ االدب‬ ‫الإنكليزي والعاملي وذلك لأ�سباب عدة �أهمها‬ ‫االعتماد على ع�شرات االعمال االدبية الأخرى‬ ‫مثل اعمال �شك�سبري واحلالة النف�سية الفريدة‬ ‫التي تعرب عنها الق�صيدة ومن اجلدير بالذكر‬ ‫ان هذه الق�صيدة حتتوي على ابيات بلغات‬ ‫عدة منهاالفرن�سية والأملانية والأ�سبانية و‬ ‫الهندية‪.‬‬

‫م�سرحيات �إليوت‬

‫با�ستثناء مقطوعته الكربى‪" :‬الرباعيات‬ ‫الأربع"‪ ،‬اجتهت معظم طاقة �إليوت الإبداعية‬ ‫بعد "�أربعاء الرماد" �إىل كتابة م�سرحيات‬ ‫م�سرحيات كوميدية‪� ،‬أو‬ ‫�شعرية‪ ،‬غالب ًا‬ ‫ٍ‬ ‫بنهايات ت�صاحلية‪ .‬كان معجب ًا‬ ‫م�سرحيات‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫دائم ًا بالدراما ال�شعرية الإليزابيثية‬ ‫واجلاكوبية (ي�شهد على ذلك خياالته عن‬ ‫وب�سرت‪ ،‬ميدلتون‪� ،‬شك�سبري‪ ،‬وكيد يف‬ ‫"الأر�ض اليباب"‪ ).‬يف حما�ضرة �ألقاها عام‬

‫�شاعر يحب �أن‬ ‫‪ 1933‬قال‪�" :‬أتخيل �أن كل ٍ‬ ‫يكون قادر ًا على التفكري ب�أن لديه و�سيلة‬ ‫اجتماعية مبا�شرة‪� ....‬سيحب �أن يكون‬ ‫م�سل �شعبي‪ ،‬و�أن يكون قادر ًا‬ ‫نوع ًا من ٍ‬ ‫على التفكري ب�أفكاره اخلا�صة وراء القناع‬ ‫الرتاجيدي �أو الكوميدي‪� .‬سيحب �أن يو�صل‬ ‫متعة ال�شعر‪ ،‬لي�س فقط جلمهور �أعر�ض‪ ،‬بل‬ ‫ملجموعات �أكرب من النا�س جماعة‪ ،‬وامل�سرح‬ ‫هو املكان الأف�ضل لفعل ذلك‪.‬‬ ‫بعد كتابة الأر�ض اليباب (‪ )1922‬كتب‬ ‫�شكل جدي ٍد‬ ‫�إليوت �أنه كان "ي�شعر برغبة يف ٍ‬ ‫أ�سلوب جديد"‪� .‬أراد �أن يكتب م�سرحية‬ ‫و� ٍ‬ ‫�شعرية ب�إيقاع جاز و�شخ�صي ٍة ظهرت يف‬ ‫العديد من ق�صائده‪� ،‬سويني‪ .‬مل ينهها �إليوت‪.‬‬ ‫ب�شكل منف�صل‪ُ .‬ن�شر‬ ‫ن�شر قطعتني مما كتبه ٍ‬ ‫املقطعني‪" :‬مقطع من مدخل" (‪،)1926‬‬ ‫و"مقطع من �صراع درامي" (‪ )1927‬مع ًا‬ ‫بعنوان‪� :‬صراعات �سويني‪ .‬وبالرغم من �أن‬ ‫هذا الكتاب مل يق�صد به �أن يكون م�سرحية‬ ‫ف�صل واحد‪� ،‬إال �أنه مُيثل �أحيان ًا كذلك‪.‬‬ ‫من ٍ‬ ‫يف ‪ ،19934‬مُثلت م�سرحية بعنوان‬ ‫"ال�صخرة" �ألفها �إليوت يف مهرجان‪ .‬كان‬ ‫ذلك ملنفعة الكنائ�س يف �أبر�شية لندن‪ .‬معظم‬ ‫العمل كان جهد ًا جماعي ًا‪ ،‬وقبل �إليوت‬ ‫ت�أليف م�شه ٍد واح ٍد والكور�س‪ .‬للمهرجان‬ ‫جمهور متعاطف لكنه يحتوي عموم ًا على‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫رجال الكني�سة التقلديني‪ ،‬جمهور جدي ٍد‬ ‫لإليوت الذي ا�ضطر لتعديل �أ�سلوبه بطريقة‬ ‫"تعليمية"‪.‬‬ ‫�س�أل جورج بل‪� ،‬أ�سقف ت�ش�سرت‪ ،‬الذي كان‬ ‫م�ؤثر ًا يف جلب �إليوت ليعمل كاتب ًا مع املنتج‬ ‫�إي‪ .‬مارتن براون يف �إنتاج م�سرحيته‬ ‫املهرجانية "ال�صخرة"‪� ،‬إليوت �أن يكتب‬ ‫م�سرحية جديدة ملهرجان كانرتبري يف‬ ‫‪ ،1935‬وكانت هذه امل�سرحية جرمية يف‬ ‫الكاتدرائية حتت �سيطرة �إليوت �أكرث من‬ ‫�سابقتها‪.‬‬ ‫جرمية يف الكاتدرائية عن موت توما�س‬ ‫بيكيت‪ .‬اعرتف �إليوت ب�أنه ت�أثر فيها‬ ‫بالواعظ من القرن ال�سابع ع�شر الن�سلوت‬ ‫�أندروز من بني �آخرين‪" .‬جرمية يف‬ ‫الكاتدرائية" كانت خيار ًا ثابت ًا للكنائ�س‬ ‫الأجنليكانية والرومانية الكاثوليكية ل�سنني‬ ‫عدة‪.‬‬ ‫بعد م�سرحياته الإكلريو�سية‪ ،‬عمل �إليوت‬ ‫م�سرحيات جتارية جلمهور �أعم‪ .‬كانت‬ ‫على‬ ‫ٍ‬ ‫هذه امل�سرحيات‪ :‬مل �شمل العائلة (‪،)1939‬‬ ‫حفلة كوكتيل (‪ ،)1949‬املوظف املوثوق‬ ‫(‪ )1953‬ورجل الدولة الكبري (‪.)1958‬‬

‫�إليوت ناقداً‬

‫�ساهم �إليوت يف جمال النقد الأدبي �إ�سهامات‬

‫م�ؤثرة‪ ،‬خ�صو�ص ًا مبدر�سة النقد احلديث‬ ‫امل�ؤثرة التي دعا �إليها‪ .‬وبرغم �أنه قلل من‬ ‫عمله كناقد قائ ًال ب�أن �أعماله النقدية مل‬ ‫تكن غري "منتج جانبي لور�شته ال�شعرية‬ ‫اخلا�صة"‪� .‬إال �أنه يُعترب واحد ًا من �أعظم‬ ‫نقاد القرن الع�شرين الأدبيني‪ .‬حتى �أن الناقد‬ ‫ويليام �إمب�سون قال مرة‪" :‬ال �أعرف يقين ًا كم‬ ‫اخرتعه عقلي [�إليوت]‪ ،‬ناهيك عن كم منه يعد‬ ‫فعل �ضده‪� ،‬أو ناجت قراءة مغلوطة له‪� .‬إنه‬ ‫رد ٍ‬ ‫ت�أثري موغل‪ ،‬ورمبا لي�س على عك�س الريح‬ ‫ال�شرقية"‪.‬‬ ‫يف مقالته النقدية‪" :‬التقليد الأدبي واملوهبة‬ ‫الفردية"‪ ،‬يجادل �إليوت ب�أن الفن ينبغي �أن‬ ‫يفهم ال جمرد ًا‪ ،‬بل يف �سياق الأعمال الفنية‬ ‫ال�سابقة‪" .‬على وجه اخل�صو�ص‪ ،‬ينبغي على‬ ‫الفنان �أو ال�شاعر ‪ -‬ب�شكل قاهر ‪� -‬أن يُحاكم‬ ‫مبقايي�س املا�ضي"‪ .‬هذه املقالة واحدة من‬ ‫�أهم �أعمال مدر�سة النقد اجلديد‪ ،‬لأنها قدمت‬ ‫فكرة �أن قيمة العمل الفني ينبغي �أن تعر�ض‬ ‫يف �سياق كل الأعمال ال�سابقة‪ .‬اع ُترب �أي�ض ًا‬ ‫�أن "التقليد واملوهبة الفردية" �أبقت العامة‬ ‫بعيد ًا عن االنخراط يف الأدب (�أو الأدب عن‬ ‫االنخراط فيهم)‪�" :‬إ�صرار تي‪� .‬إ�س‪� .‬إليوت‬ ‫يف مقاالت مثل التقليد واملوهبة الفردية‬ ‫(‪ )1917‬على �أن ال�شاعر ال�شاب يحتاج فقط‬ ‫لتمثل املقيا�س الذكوري للم�ؤلفني املكر�سني‬

‫الذين �ساهموا يف التعريفات العامة للحداثة‬ ‫وب�شكل‬ ‫الأدبية �سي�ستبعد الثقافة العامة"‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫معاك�س‪ ،‬ف�إن قراءة �إليوت خل�صو�صية‬ ‫املو�سيقى يف مقالته‪" :‬ماري لويد" ت�ساعد‬ ‫يف التو�صل �إىل �أن الثقافة ال�شعبية ميكن‬ ‫�أن تكون مو�ضوع ًا للنقد �أي�ض ًا‪ ،‬كانت فكرة‬ ‫املعادل املو�ضوعي الرابط لكلمات الن�ص‬ ‫بالأحداث وحاالت الذهن واخلربات‪ ،‬يف‬ ‫مقالة �إليوت هملت وم�شاكله مهمة للنقد‬ ‫احلديث‪ .‬قادت هذه الفكرة �إىل �أن الق�صيدة‬ ‫حكم غري‬ ‫تعني ما تقوله‪ ،‬لكنها تقرتح وجود ٍ‬ ‫ذاتي مبني على تعدد القراءات التي قد تكون‬ ‫خمتلفة‪ ،‬لكنها تتكامل لتف�سري العمل‪.‬‬ ‫ب�شكل �أكرث تعميم ًا‪� ،‬أخذ النقاد اجلدد‬ ‫ٍ‬ ‫تلميحات من �إليوت فيما يتعلق مبثالياته‬ ‫ٍ‬ ‫الكال�سيكية‪ ،‬و�أفكاره الدينية‪ ،‬اهتمامه ب�شعر‬ ‫ودراما بدايات القرن ال�سابع ع�شر‪ ،‬ازدراءه‬ ‫للرومان�سيني ‪ -‬خ�صو�ص ًا �شيلي‪ ،‬فر�ضيته‬ ‫ب�أن الق�صائد اجليدة ال حتتوي فقط على‬ ‫انفالت مُلفت لل�شعور؛ بل مهرب ًا من ال�شعور‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫و�إ�صراره على �أن ال�شعراء يف احلا�ضر‬ ‫ينبغي �أن يكونوا �صعبني‪.‬‬ ‫كانت مقاالت �إليوت عام ًال م�ؤثر ًا يف �إحياء‬ ‫االهتمام بال�شعراء امليتافيزيقيني‪ .‬كان �إليوت‬ ‫يف�ضل حتديد ًا قدرة ال�شعراء امليتافيزيقيني‬ ‫ب�شكل فل�سفي وح�سي يف‬ ‫على عر�ض اخلربة ٍ‬ ‫ب�شكل فريد‪ .‬مقالة �إليوت "ال�شعراء‬ ‫الآن ذاته ٍ‬ ‫امليتافيزيقيون" �أعطت ال�شعر امليتافيزيقي‬ ‫�أهمية واهتمام ًا‪ ،‬مقدمة تعريفه املعروف‬ ‫للح�س املوحد‪ ،‬والذي يعتربه البع�ض‬ ‫م�صطلح ًا يعني ما تعنيه كلمة "ميتافيزيقي"‪.‬‬ ‫هناك جد ٌل يقول ب�أن �إليوت يُفهم ب�أف�ضل‬ ‫�صورة كناقد من خالل �شعره‪ ،‬حيث �أن‬ ‫�أحدهما يعك�س الآخر‪ ،‬و�أن �إليوت ميلك‬ ‫منظور ًا فريد ًا ك�شاعر‪-‬ناقد‪ .‬يف الرباعيات‬ ‫واع بذاته‬ ‫الأربع‪� ،‬سل�سلة ق�صائد‪� ،‬إليوت ٍ‬ ‫بطريقة "تفتح الق�صيدة على احلركة النقدية‬ ‫اجلديدة حيث الفهم معتم ٌد على املنظور الذي‬ ‫حُ ملت به الق�صيدة‪ .‬ت�أمل �إليوت الذاتي يف‬ ‫ال�شعر يعك�س �إميانه باالرتباط املو�ضوعي‪،‬‬ ‫وعند ن�شر ق�صيدته الأر�ض اليباب يف‬ ‫ري من النقاد �أنها مزحة �أو‬ ‫‪ ،1922‬اعتقد كث ٌ‬ ‫خدعة‪� .‬أي�ض ًا‪ ،‬ميكن �أن يُفهم �أكرث يف �ضوء‬ ‫عمله كناقد‪ .‬جادل �إليوت ب�أن ال�شاعر ينبغي‬ ‫�أن يكتب "نقد ًا مربجم ًا"‪� ،‬أو ب�أن فكرة �أن‬ ‫ال�شاعر ينبغي �أن يكتب لتقدمي اهتماماته‬ ‫اخلا�صة �أكرث من تقدمي "درا�سة تاريخية"‪.‬‬ ‫ومبنظور �إليوت اخلا�ص‪ ،‬ف�إن الأر�ض اليباب‬ ‫تعك�س كراهيته ال�شخ�صية للحرب العاملية‬ ‫الأوىل‪� ،‬أكرث من الفهم التاريخي املو�ضوعي‬ ‫لها‪.‬‬ ‫يُجادل البع�ض ب�أن �إليوت نبذ معظم �أعماله‬ ‫ال�سابقة كناقد يف م�سريته الالحقة‪ .‬وهذا‬ ‫حمل نزاع كبري‪ .‬يف ذلك الوقت‪� ،‬شدد �إليوت‬ ‫على �أهمية �أن يخلق ال�شاعر �شخ�صيته‬ ‫الفريدة من خالل عمله‪.‬‬

‫ال�شعر‬ ‫بروفروك ومالحظات �أخرى (‪)1917‬‬ ‫�أغنية حب جي‪� .‬ألفرد بروفروك‬ ‫ق�صائد (‪)1920‬‬ ‫جريون�شن‬ ‫�سويني بني مالئكة الليل‬ ‫الأر�ض اليباب (‪)1922‬‬ ‫الرجال اجلوف (‪)1925‬‬ ‫ق�صائد �آرييل (‪)1954-1927‬‬ ‫رحلة املجو�س (‪)1927‬‬ ‫�أربعاء الرماد (‪)1930‬‬ ‫كوريوالن (‪)1931‬‬ ‫كتاب اجلرذ العجوز عن القطط العملية (‪)1939‬‬ ‫ن�شيد زحف الكالب البوليكية‪ ،‬بيلي مكاو‪ :‬الببغاء املميز وكتاب امللكة عن ال�صليب الأحمر ‪1939‬‬ ‫الرباعيات الأربع (‪)1945‬‬ ‫امل�سرحيات‬ ‫�صراعات �سويني ( ُن�شرت يف ‪ ,1926‬مُثلت لأول مرة يف ‪)1934‬‬ ‫ال�صخرة (‪)1934‬‬ ‫جرمية يف الكاتدرائية (‪)1935‬‬ ‫مل �شمل العائلة (‪)1939‬‬ ‫حفلة كوكتيل (‪)1949‬‬ ‫املوظف املوثوق (‪)1953‬‬ ‫رجل الدولة الكبري (مُثلت لأول مرة يف ‪ ,1958‬و ُن�شرت يف ‪)1959‬‬

‫ب��ي��ب��ل��وغ��راف��ي��ا‬

‫‪3‬‬

‫‪BIBLIOGRAPHY‬‬ ‫غري اخليالية‬ ‫العقل من الطبقة الثانية (‪)1920‬‬ ‫التقليد واملوهبة الفردية (‪)1920‬‬ ‫الغابة املقد�سة‪ :‬مقاالت يف ال�شعر والنقد (‪)1920‬‬ ‫هملت وم�شاكله‬ ‫تقدير جون دريدن (‪)1924‬‬ ‫�شك�سبري و�صوفية �سنيكا (‪)1928‬‬ ‫�إىل الن�سلوت �أندروز (‪)1928‬‬ ‫دانتي (‪)1929‬‬ ‫مقاالت خمتارة‪)1932( 1932–1917 ,‬‬ ‫فائدة ال�شعر وفائدة النقد (‪)1933‬‬ ‫وراء �آلهة الغريبة (‪)1934‬‬ ‫مقاالت �إليزابيثية (‪)1934‬‬ ‫مقاالت عتيقة وحديثة (‪)1936‬‬ ‫فكرة املجتمع امل�سيحي (‪)1940‬‬ ‫مالحظات نحو تعريف الثقافة (‪)1948‬‬ ‫ال�شعر والدراما (‪)1951‬‬ ‫الأ�صوات الثالثة لل�شعر (‪)1954‬‬ ‫تخوم النقد (‪)1956‬‬ ‫يف ال�شعر وال�شعراء (‪)1957‬‬ ‫ما ُن�شر بعد وفاته‬ ‫نقد الناقد (‪)1965‬‬ ‫الأر�ض اليباب‪ :‬طبعة م�شروحة مع �صور املخطوطات (‪)1974‬‬ ‫اخرتاعات الأرنب ال�سائر‪ :‬ق�صائد ‪)1996( 1917-1909‬‬

‫�أعمال �أخرى‬

‫نظم‬ ‫يف ‪ ،1939‬ن�شر �إليوت كتاب ًا يف ٍ‬ ‫خفيف هو كتاب اجلرذ العجوز عن القطط‬ ‫العملية‪ ،‬حيث �أن اجلرذ العجوز ا�س ٌم �أل�صقه‬ ‫عزرا باوند به‪ .‬كان يف الطبعة الأوىل‬ ‫ر�س ٌم للم�ؤلف على الغالف‪ .‬يف ‪� ،1954‬أعد‬ ‫املو�سيقار �آالن راو�سثورن �ست ق�صائد‬ ‫للأورك�سرتا‪ ،‬يف عم ٌل عُنون‪" :‬القطط‬ ‫العملية"‪ .‬بعد موت �إليوت‪� ،‬أ�صبح الكتاب‬ ‫�أ�سا�س امل�سرحية املو�سيقية الناجحة التي‬ ‫�أخرجها �أندرو لويد ويرب قطط‪.‬‬ ‫يف ‪ ،1958‬عني �أ�سقف كانرتبري �إليوت يف‬ ‫جلنة �أنتجت "املزامري املراجعة" (‪.)1963‬‬ ‫ناق ٌد عنيف لإليوت‪� ،‬سي‪� .‬إ�س‪ .‬لوي�س‪،‬‬ ‫كان �أي�ض ًا ع�ضو ًا يف اللجنة لكن عداوتهما‬ ‫حتولت �إىل �صداقة‪.‬‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪4‬‬

‫العدد (‪)2102‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )16‬ني�سان ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2102‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )16‬ني�سان ‪2011‬‬

‫رج���������ل دم���������ث األخ����ل����اق‬ ‫ولد تي �إ�س �إليوت يف مدينة �سانت لوي�س‬ ‫يف والية ميزوري الأمريكية يف ‪26‬‬ ‫�أيلول من عام ‪ ،1888‬وتويف يف لندن‬ ‫عام ‪1965‬عن عمر ‪ ،77‬حيث كان يف ذلك‬ ‫الوقت قد فاز بجائزة نوبل للآداب يف عام‬ ‫‪ ،1948‬ويف العام نف�سه تلقى �إليوت و�سام‬ ‫اال�ستحقاق‪ ،‬وهو �أهم الأو�سمة الربيطانية‬ ‫تكرميا للتميز‪.‬‬ ‫وكان �إليوت من �أكرث النقاد الأدبيني ت�أثريا‬ ‫وت�سلطا يف القرن الع�شرين‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫انه كان نا�شرا مميزا يف دار "فابر وفابر"‬ ‫للن�شر‪ ،‬حيث ن�شر هناك �أعماال ل�شعراء‬ ‫�إنكليز مهمني �أمثال و‪.‬هـ‪� .‬أودين‪ ،‬لوي�س‬ ‫ماكني�س و�ستيفني �سبيندر‪.‬‬ ‫ويعترب �إليوت من ابرز ممثلي ال�شعر احلر‬

‫وحركة احلداثة يف ال�شعر وكذلك املدر�سة‬ ‫ال�صورية‪ ،‬من ق�صائده الأوىل "بروفروك‬ ‫وم�شاهدات �أخرى" عام ‪ ،1917‬و"الأر�ض‬ ‫اليباب �أو اخلراب" عام ‪ ،1922‬التي تعد‬ ‫ب�إجماع ال ّنقاد �أروع واعقد �أعماله والأكرث‬ ‫�إثارة للجدل على الإطالق‪ ،‬و"الرجال"‬ ‫و"اخلوف" وك ّلها تعّرب عن القنوط الذي‬ ‫يعتلي احلياة احلديثة يف �إيقاعات ثائرة‪.‬‬ ‫وكمحرر‪ ،‬كان لأليوت ت�أثري مهم على جملة‬ ‫"ال�سريترييون"‪ ،‬التي عمل فيها يف الفرتة‬ ‫من ‪� 1922‬إىل ‪ ،1939‬حيث قام بن�شر اعمال‬ ‫�أدبية لكل من الأديب الفرن�سي �أندريه جيد‪،‬‬ ‫الأديب الأملاين توما�س مان والروائي‬ ‫الفرن�سي مار�سيل برو�ست‪ ،‬ويف هذا �إ�شارة‬ ‫�إىل توجهه الثقايف الأوروبي‪ ،‬ودليل على‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫و�صوله �إىل قبة ال�سماء الأدبية‪ ..‬فهو‬ ‫�شخ�صية عاملية ذات �أهمية كربى‪.‬‬ ‫ويف وقت مت�أخر من حياته املهنية‪ ،‬ا�ستطاع‬ ‫�إليوت �أن يبهر اجلميع بقدراته على كتابة‬ ‫امل�سرحيات ال�شعرية‪ ،‬لي�صبح ا�شهر �شاعر‬ ‫يف ع�صره‪ ،‬وذلك الن �أهمية �أ�شعاره جاءت‬ ‫من �صعوبتها وتعقيداتها‪.‬‬ ‫ويف ال�ساد�س من �آذار عام ‪ 1950‬ظهر �إليوت‬ ‫للمرة الأوىل على غالف جملة "التاميز"‬ ‫الربيطانية‪ ،‬ويف ني�سان عام ‪ 1956‬حا�ضر‬ ‫�إليوت �أمام ‪� 140‬ألف �شخ�ص يف �ستاد للكرة‬ ‫القاعدة يف "مينيبولي�س"‪ ،‬حيث حتدث عن‬ ‫"حدود النقد"‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من االحتفاالت التي كان يحظى‬ ‫بها �إليوت‪� ،‬إال �أن �شهرته انح�صرت يف‬

‫الأدب‪ ،‬فقد كان �شخ�صا منطوياٍ‪ .‬وكان كتب‬ ‫جيلبريت هاردينغ‪ ،‬وهو مذيع بريطاين‬ ‫م�شهور ن�سيه النا�س اليوم‪ ،‬انه �شعر‬ ‫باخلجل حني كان يف احد الأنفاق اللندنية‬ ‫و�أ�شار �إليه النا�س‪ ،‬يف الوقت الذي جتاهل‬ ‫فيه النا�س �إليوت – �أعظم �شعراء الع�صر –‬ ‫ومل مييزوه‪.‬‬ ‫لقد كانت حياة �إليوت‪ ،‬كحياة عدد من الكتاب‬ ‫وال�شعراء الذين ام�ضوا جل وقتهم على‬ ‫مكاتبهم‪ ،‬خالية من الأحداث املهمة‪ ،‬مقارنة‬ ‫مع �أدباء �آخرين ك�أرن�ست همنغواي مثال‪،‬‬ ‫فقد و�صف �إليوت نف�سه يف كتاب "نقد النقد‪،‬‬ ‫ب�أنه "رجل دمث الأخالق‪ ،‬يتح�صن بحر�ص‬ ‫وراء �آلة الطباعة"‪ ،‬وتدور �أ�شعار �إليوت‬ ‫حول فكرة رئي�سة بارزة "حياة غري مكتملة‬

‫متاما"‪.‬‬ ‫لكن حياة �إليوت اخلا�صة كانت مليئة‬ ‫بالدراما الهادئة‪ ،‬وخالية من التهور‬ ‫والطي�ش‪ ،‬فقد كان رجال جمتهدا يف كتابة‬ ‫ر�سائله‪ ،‬يكد يف القراءة‪ ،‬التحرير و�إعطاء‬ ‫املحا�ضرات‪ ،‬من دون كلل �أو ملل‪.‬‬ ‫ومن ثم دخلت حياته ال�شاعرة الأمريكية‬ ‫فيفيان هايغ وود‪ ،‬الواعدة يف عملها‬ ‫كفيل�سوفة يف الأكادميية الأمريكية للآداب‬ ‫املتخيلة يف الدول الأجنبية‪ ،‬والتي �سرعان‬ ‫ما ارتبط بها وتزوجها بعد �أ�سابيع قليلة من‬ ‫تعرفه عليها‪.‬‬ ‫وبالرغم من �أن فيفيان كانت كرمية معه‪،‬‬ ‫وزوجة حمبة له‪ ،‬وعلى الرغم من �أن �إليوت‬ ‫كان قد قال يف ر�سالة لبريتراند ر�سل انه "مل‬

‫يكن �أكرث �سعادة يف حياته مثل الأيام التي‬ ‫ق�ضاها مع فيفيان"‪� ،‬إال �أن الزواج مل يكن‬ ‫ناجحا‪.‬‬ ‫ففي ر�سالة كتبها لكونراد �أيكني‪ ،‬قال �إليوت‬ ‫ان"قلقه املايل‪ ،‬وخوفه على �صحة فيفيان‬ ‫املرتاجعة قد �أوقفته عن الكتابة"‪� ،‬إال انه �أكد‬ ‫"لكنني ‪ ،‬بالرغم من كل هذا‪ ،‬اق�ضي وقتا‬ ‫رائعا"‪.‬‬ ‫ويف عام ‪ 1933‬انف�صل �إليوت وفيفيان عن‬ ‫بع�ضهما بحكم الق�ضاء‪ ،‬وذلك بعد خيانتها له‬ ‫مع معلمه ال�سابق بريتراند ر�سل‪ ،‬و�أ�صيبت‬ ‫فيفيا باجلنون‪ ،‬و�أُدخلت يف عام ‪ 1938‬اىل‬ ‫م�شفى نف�سي �سري يف لندن‪ ،‬حيث توفيت‬ ‫هناك يف عام ‪ .1947‬وبعمر ‪ 69‬عاما تزوج‬ ‫�إليوت �سرا من فالريي التي ت�صغره ب�أربعني‬ ‫عاما‪.‬‬ ‫وان�ضم �إليوت يف العام ‪� 1927‬إىل الكني�سة‬ ‫الإنكليزية‪ ،‬و�أ�صبح مواطنا بريطانيا معتنقا‬ ‫للمذهب الكاثوليكي‪ ،‬فيما بعد فت ّغريت‬ ‫�آفاقه وتعمّقت �أ�شعاره باملعاين الدينية كما‬ ‫يف "�أربعاء الرماد" عام ‪ ،1930‬وقد كتب‬ ‫امل�سرحيات ال�شعرية التي القت جناحا كبريا‬ ‫يف الإخراج ومنها "�سويني �أجون�س�ست�س"‬ ‫عام ‪ ،1932‬و"جرمية قتل يف الكاتدرائية"‬ ‫عام ‪ ،1935‬و"حفلة الكوكتيل" عام ‪،1950‬‬ ‫و"اجتماع �شمل العائلة" عام ‪ ،1939‬وتعترب‬ ‫مقاالته يف النقد من �أف�ضل ما كتب عن �أدب‬ ‫القرن ‪ ،17‬ومن كتبه يف النقد "مقاالت‬ ‫قدمية وحديثة" عام ‪ ،1936‬و"فائدة ال�شعر‬ ‫وفائدة النقد" عام ‪.1933‬‬ ‫وبالنظر �إىل �أن ابرز الأحداث يف حياة‬ ‫�إليوت كانت وجدانية �إىل ابعد احلدود‪،‬‬ ‫فتبدو فكرة الرتكيز على حياته "املدفونة"‬ ‫وغري املكتملة فكرة غريبة‪� ،‬إذ �أن قرارات‬ ‫�إليوت الدراماتيكية كانت نابعة من خوفه‬ ‫من عي�شه حياة غري مكتملة‪ ،‬كانت خيارا‬ ‫بعدم الثقة ال خيار املغامرة‪.‬‬ ‫وي�أتي هذا املبد�أ من الأدب نف�سه ال من‬ ‫احلياة‪ ،‬فمن املهم �أن ندرك �أن الكتاب‬ ‫الذين عا�شوا حياة كاملة يعني‬ ‫�أنهم عا�شوا جوهر احلياة "احلياة‬ ‫الفكرية"‪ ،‬فقراءة امل�سائل ب�صورة‬ ‫كئيبة هي م�س�ألة من ال�شغف �أي�ضا‪.‬‬ ‫وهذا التناق�ض‪ ،‬بني املجازفات‬ ‫التي وقعت يف حياة �إليوت وبني‬ ‫املبد�أ الذي �سيطر عليه لإ�ضعاف‬ ‫حذره‪ ،‬يجعل من ال�صعب امل�ساواة‬ ‫بني �سرية حياته وبني �شعره‪ ،‬ف�شعر‬ ‫�إليوت ال يرتبط بحياته ال�شخ�صية‪،‬‬ ‫بل �أن معرفة حياته اخلا�صة ال ت�ساعدنا‬ ‫كثريا كقراء على فهم �شعره‪.‬‬ ‫ويبدو الرابط بني احلياة والإبداع �إ�شكاليا‬ ‫يف حالة �إليوت‪ ،‬لأنه اعتنق نظرية عدم‬ ‫�شخ�صنة الإبداع العظيم‪ ،‬وهذا ما بينه يف‬ ‫مقالته "العرف واملوهبة الفردية"‪ ،‬فغياب‬ ‫ال�شخ�صنة عن �أعمال �إليوت ت�صف العملية‬ ‫الإبداعية وتوجهها‪ ،‬ويقول �إليوت "كل �شيء‬ ‫من وجهة نظر واحدة ذاتي ومن وجهة نظر‬ ‫�أخرى مو�ضوعي‪ ،‬فال يوجد على الإطالق‬ ‫وجهة نظر ميكن على �أ�سا�سها �صنع �أي‬ ‫قرار"‪.‬‬ ‫مقالة �إليوت كانت كال�سيكية‪ ،‬مقالة جمالية‬ ‫كان احلافز فيها – بال�ضرورة‪� -‬سلبيا‪ ،‬يتم‬ ‫تعريفها ب�أنها نقي�ض الرومانتيكية‪ ،‬فوظيفة‬ ‫الرومانتيكية تقدير الأحا�سي�س العميقة‬ ‫والقوية‪ ،‬لتجعل منها مركزا لكل االجنازات‬ ‫الإبداعية‪.‬‬ ‫وكان خط�أ �إليوت انه كان م�صمما على‬ ‫الهدم‪" :‬يف الإبداع لي�ست "الع َ​َظمة"‪� ،‬أو قوة‬ ‫امل�شاعر‪� ،‬أو عنا�صر ومقومات هي التي تهم‪،‬‬ ‫بل العمق يف العملية الإبداعية نف�سها هو‬ ‫الذي ي�ؤخذ بعني احل�سبان‪.‬‬ ‫ويعني �إليوت بعدم �شخ�صنة الإبداع‬ ‫العظيم‪ :‬املو�ضوعية‪ ،‬التجرد‪ ،‬النزاهة‪،‬‬ ‫التميز‪ ،‬والتحكم يف ال�صدفة والأحداث‬ ‫الطارئة‪ ،‬فال�شخ�صنة التي تهدد الإبداع‪ ،‬كما‬ ‫يراها �إليوت‪ ،‬مرفو�ضة‪.‬‬

‫�إال �أن هذا ال يعني‪ ،‬وال ميكن �أن يعني‬ ‫�أن على الإبداع �أن يتجرد من كل ما هو‬ ‫�شخ�صي‪ ،‬فعلى العك�س‪ ،‬ي�ؤكد �إليوت على‬ ‫�أن امل�شاعر والأحا�سي�س هي التي ت�صنع‬ ‫الفن والإبداع‪ ،‬فامل�شاعر هي عنا�صر الإبداع‪،‬‬ ‫ولكنها يجب �أن يتم و�ضعها يف قالب ما‪.‬‬ ‫فاملوهبة الفردية التقليدية تنم عن‬ ‫مو�ضوعية عري مبنية يف الإبداع‪ ،‬فامل�شاعر‬ ‫العميقة ال ميكن �أن ت�صنع من الإن�سان‬ ‫�شاعرا‪ ،‬و�إال لكان كل �سكران‪� ،‬أو مهوو�س‬ ‫بكرة القدم‪� ،‬أو متع�صب دينيا يطابق هذا‬ ‫التعريف‪ ،‬فالإبداع يعني االبتكار‪.‬‬ ‫ويف النهاية‪ ،‬نبقى �أمام ال�شعر املرتوك لنا‪،‬‬ ‫فهو الذي يخاطب �أي قارئ مهتم‪� ،‬إذ‬ ‫تختلف وظائف ال�شعر حتما مع تغيرّ‬ ‫املجتمع ومع تغيرّ اجلمهور‪ ،‬كما‬ ‫يقول �إليوت‪.‬‬ ‫◄ �صحيفة‬ ‫اجلارديان الربيطانية‬

‫‪5‬‬

‫ت ‪ .‬س ‪ .‬إليوت ‪ ..‬وثورة النقد‬ ‫رم�ضان �إبراهيم‬ ‫لقد قلب " توما�س �ستيزنز اليوت " ‪1888‬‬ ‫ ‪ 1965‬تقاليد النقد ر�أ�س ًا على عقب يف‬‫دنيا الناطقني باللغة االنكليزية ‪ ,‬بالرغم‬ ‫من �أن طبيعة ت�أثريه ناقد ًا ‪ ,‬كانت غام�ضة‬ ‫وع�صيّة على التحديد ومن ال�صعب‬ ‫التع ّرف عليها ب�سهولة ‪�.‬إذ‬ ‫تع ّذر على امل�ؤيدين �إياه ‪,‬‬ ‫الذين ت�أثروا مبا يقول �أو‬ ‫حتى املناوئني الذين مل‬ ‫يرق لهم ما ي�صدر عنه‬ ‫�إيجاد ما هو اخلا�ص‬ ‫واجلديد يف نقده‬ ‫على الرغم من �أن كال‬ ‫اجلانبني مل يبخال عليه برفع‬ ‫�أ�صواتهما مدح ًا وقدح ًا ‪ !...‬لقد‬ ‫ا�ستطاع " اليوت " من بني‬ ‫�أكرب النقاد االنكليز �أن‬ ‫ميار�س املراوغة‬ ‫وال�صمت‬ ‫بكثري من‬ ‫احلكمة‬ ‫والدهاء وكان‬ ‫�إذ يت�صرف‬ ‫على هذا النحو‬ ‫مدرك ًا �صواب‬ ‫ما يقوم به ‪.‬‬ ‫ففي �أوائل �أيامه‬ ‫ـ كما يقول جورج‬ ‫وات�سون ¯ يف‬ ‫كتابه " ن ّقاد الأدب "‬ ‫ال�صادر عام ‪ 1979‬عن‬ ‫وزارة الثقافة العراقية‬

‫كان مرتدد ًا �ساخر ًا ‪ ,‬ويف �أوا�سط �أيامه كان‬ ‫جدلي ًا ‪ ,‬ويف �سنواته الأخرية ( بعد احلرب‬ ‫العاملية الثانية ) كان قد �أتقن التظاهر ب�أنه‬ ‫مل يكن من بني كبار النقاد �أبد ًا ‪ .‬ولع ّله بذلك‬ ‫كان يخطط لعمله النقدي كي يكون كخديعة‬ ‫�ضخمة ُتغري امل�ؤرخني بت�سجيالت‬ ‫ت�ستهوي املهتمني باجلانب الثقايف ‪.‬‏‬ ‫مل يكن مفتاح ال�صمت لدى " اليوت " كامن ًا‬ ‫يف العالقة بني نقده و ما يقدّمه من �أ�شعار‬ ‫‪ .‬فالنقد كان مبثابة ال�ستار الدخاين الذي‬ ‫�صح التعبري ـ على بقيّة �أعماله‬ ‫ميوّ ه ـ �إن ّ‬ ‫يتق�صد �أن ي�ضلل كل من يحاول �أن‬ ‫‪ ,‬فهو ّ‬ ‫يكت�شف ماهيّة �شعره ‪!..‬لقد �أ�صبح من‬ ‫املعروف �أن " �إليوت " كان يتجنب التحليل‬ ‫الدقيق مل�صلحة الأحكام العامة ‪ ,‬فقد �صيغ‬ ‫ذوقه وتقنيته قبل جميء النقد احلديث‬ ‫بع�شرات ال�سنني ‪� ,‬إذ �إنه ال ميار�س التحليل‬ ‫الدقيق الذي تتميز به تلك املدر�سة ‪.‬‏‬ ‫عندما �أعلن " �إليوت " �أنه احرق كل املراكب‬ ‫وو�ضع نهاية لل�صبا ولل�شباب ‪� ,‬إذ �إن النقد‬ ‫�أو الق�صيدة ال ينبغي عليها التمو�ضع يف‬ ‫زاوية تاريخية معي ّنة ‪.‬‏‬ ‫يقول " وات�سون " يف امل�صدر نف�سه‪:‬‬ ‫يتجلى ازدراء النقد التاريخي يف جدل‬ ‫�إليوت باطراد تطوره ‪ .‬فال�شعراء ال‬ ‫يعربون يف �شعرهم عن �أنف�سهم بل‬ ‫يهربون منها وهذا ما يدعو �إىل �إدانة النقد‬ ‫التاريخي ‪� ,‬ضمني ًا ‪ ,‬لكونه ال يبحث عن‬ ‫املق�صود بالبحث ‪ ,‬بل ينظر �إىل ال�شاعر‬ ‫وموقعه التاريخي فيما يذهب ال�شعر بعيد ًا‬ ‫عن كال الأمرين نحو ما ميتلك من حقيقة‬ ‫جمردة ومن هنا ف�إن " �إليوت " يرى �أن‬ ‫النقد النزيه والتقدير الرقيق ال يوجهان‬ ‫�إىل ال�شاعر ‪ ,‬بل �إىل ال�شعر ‪( :‬ال تكون‬ ‫فردية ال�شاعر ذات مو�ضوع ما دام واجبه‬

‫ا�ستخدام االنفعاالت امل�ألوفة ولي�س البحث‬ ‫عن انفعاالت جديدة)‪.‬‏‬ ‫�إن ما يطلق عليه �إليوت " احل�س التاريخي‬ ‫" ميكن اعتباره من بني الهجمات املوجهة‬ ‫�ضد تاريخية الأدب يف العهد التايل لعهد‬ ‫" ارنولد " غري �أن ر�أي اليوت عن احل�س‬ ‫التاريخي احلقيقي ال ميكن �إغفاله لأنه‬ ‫�أثمن من ر�أي �أرنولد الذي كثري ًا ما بدا‬ ‫وك�أنه يحيا ويفكر يف رداء �ضيّق ‪.‬‏‬ ‫�إننا جند كثري ًا من الفقرات التي تثري‬ ‫الت�سا�ؤل يف ا�ستخدام �إليوت ال�شع َر �أو‬ ‫للنقد عما كنا جند يف اليوت م�ؤرخ ًا دقيق ًا‬ ‫حاد الذهن من م�ؤرخي الأدب ‪ .‬فاملتتبع‬ ‫مقاالتِهِ يجد تهجمات على املبد�أ التاريخي‬ ‫وفيها الكثري من الأمثلة على الأحكام‬ ‫التاريخية اخلطرية ‪ ,‬تعي�ش معا يف القطعة‬ ‫الواحدة وب�شكل ٍ غريب ‪:‬‏‬ ‫" �إذا كان ال�شعر و�سيلة من و�سائل‬ ‫االت�صال ف�إن ما يجب �إي�صاله هو‬ ‫الق�صيدة نف�سها ‪� ..‬إن وجود الق�صيدة‬ ‫كائن يف مكان ما بني الناظم والقارئ‬ ‫‪..‬وعليه ف�إن م�شكلة ما تعنيه الق�صيدة‬ ‫اعقد بكثري مما تبدو لأول وهلة " ‪.‬‏‬ ‫هذا هو اليوت ال�شاعر والناقد ذو القول‬ ‫الفتي واحلما�سي يف الع�شرينيات ‪ ,‬حيث‬ ‫حقق التوازن املثايل بني فعاليتي ال�شعر‬ ‫والنقد ‪ ,‬ثم ان�شغل بالدعوة االجتماعية‬ ‫والدينية لق�ضايا تعيق التقدم ‪ ,‬ثم جاءت‬ ‫حماولته اجلريئة ال�ستعادة حافز اخللق‬ ‫والإبداع ‪ .‬تلي ذلك مبا�شرة حالة من‬ ‫الرف�ض والقنوط ‪.‬‏‬ ‫�إليوت الذي مل يكتف ِ ب�أن �أظهر النقد‬ ‫االنكليزي ب�صورة مغايرة كان قد �أعطاه‬ ‫�أي�ض ًا قامو�س ًا ومنهج ًا جديد ًا من الإمكانات‬ ‫البالغية‪.‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪6‬‬

‫العدد (‪)2102‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )16‬ني�سان ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2102‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )16‬ني�سان ‪2011‬‬

‫إليوت وقصيدة النثر‪ ..‬هستيريا عند تخوم النثر‬ ‫مارغوريت �س‪ .‬موريف‬ ‫ترجمة‪ :‬خالدة حامد‬ ‫حينما نتناول �إليوت وحالة ال�شعر الأنغلو‬ ‫ �أمريكي بعد ال�شعر الرمزي‪ ،‬نكت�شف �أنه‬‫كان يبدي ازدواجية ما �إزاء هذا ال�شكل مع‬ ‫مرور الوقت‪ .‬وقد �أتاحت له درا�سته �أن‬ ‫يكت�شف الرمزية الفرن�سية عام ‪. .1908‬‬ ‫كما تبدى يف �شعره‪� ،‬شاب ًا‪ ،‬ت�أثري الفروك‬ ‫من بني �آخرين‪ .‬ولهذا نقول �أن رهاب‬ ‫الفرن�سيني ال ميت لإليوت ب�أية �صلة‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من رد فعله القوي عام ‪1917‬على‬ ‫هذا اجلن�س الأدبي بو�صفه ف�ضلة ال�شعر‬ ‫الرمزي وهُ جنة من الأجنا�س الأدبية‪،‬‬ ‫جند �إن �إليوت نف�سه مار�س التجريب بهذا‬ ‫ال�شكل؛ �إذ �ألف �أربع ق�صائد نرث تقريب ًا‬ ‫ون�شر �إحداها ـ "ه�سترييا" ـ لتظهر عام‬ ‫‪ 1915‬يف الأنطلوجيا الكاثوليكية لعزرا‬ ‫باوند‪� ،‬أي قبل �سنتني من ا�ستهجان �إليوت‬ ‫لهذا اجلن�س يف مقال له بعنوان "تخوم‬ ‫النرث"‪ .‬وبعد مرور ثالث �سنوات على‬ ‫مقاله الأول‪ ،‬ن�شر مقال ثان عنوانه "النرث‬ ‫وال َن ْظم" اتخذ فيها موقف ًا يت�سم بت�سامح‬ ‫اكرب �إزاء التجارب التي تنتهك التخوم‬ ‫التقليدية للجن�س الأدبي‪ ،‬لكنه وا�صل‪ ،‬مع‬ ‫ذلك‪ ،‬رف�ضه مل�صطلح �شعر النرث‪ .‬ومل ي�ؤلف‬ ‫مرة �أخرى �أية ق�صيدة بهذا ال�شكل مطلق ًا‬ ‫مع انه ترجم الحق ًا ق�صيدة نرث �سان جون‬ ‫بري�س الطويلة‪" ،‬اناباز"‪� ،‬إىل الإنكليزية‪.‬‬ ‫ال�شك يف �أن �إليوت كان مت�أثر ًا جد ًا‬ ‫ببودلري‪ ،‬كما كتب ق�صائد يف الفرن�سية يف‬ ‫الوقت نف�سه تقريب ًا الذي �ألف فيه ق�صائده‬ ‫املنثورة‪ .‬ولعلنا نفرت�ض‪ ،‬ب�سبب ذلك‪،‬‬ ‫�إن ق�صيدة النرث �أتاحت لإليوت م�سار ًا‬ ‫للتجريب يف الوقت الذي كان يتفح�ص فيه‬ ‫الرتاث الفرن�سي بحث ًا عن التجديد‬

‫ومع ان �إليوت مل يكتب ق�صائد نرث تركز‬ ‫على احلياة يف املدينة احلديثة حتديد ًا‪،‬‬ ‫على غرار ق�صيدة بودلري " ك�آبة باري�س‬ ‫‪ Spleen de Paris‬مل يحاول جتريب‬ ‫ال�صهر احلديث للهلو�سة �أو الهو�س‬ ‫بامل�شاهد امللحوظة واملعتادة‪ .‬كما ُتظهر‬ ‫ق�صائد النرث الإليوتية حماولة لتحديث‬ ‫ال�شكل لغر�ض ا�ستعماله ك�أداة لوعي‬ ‫القرن الع�شرين‪ .‬لكن جدل �إليوت �ضد‬ ‫ال�شكل ال ينفي الإجناز الذي حققته �أعمال‬ ‫فرن�سية كربى مثل "�إ�شراقات رامبو"‬ ‫‪Rimbaud Illuminations‬‬ ‫ويعك�س‪ ،‬بد ًال من ذلك‪ ،‬النقد املبكر لإليوت‬ ‫بو�صفه ناقد ًا‪ ،‬والذي يتجلى هنا يف رف�ضه‬ ‫االعرتاف ب�شكل مغاير؛ الدر�س الذي‬ ‫تعمله من بابت‪ .‬باخت�صار‪ ،‬قدمت ق�صيدة‬ ‫النرث لإليوت خيار ًا خالل مرحلة جتريب‬ ‫�أ�شكال و�أ�ساليب �شعرية خمتلفة‪ .‬ومع ذلك‬ ‫كان عمر التجربة ق�صري ًا بالن�سبة لل�شاعر‬ ‫ال�شاب وحتول �إليوت‪ ،‬الناقد‪ ،‬نحو الرتاث‬ ‫وبدال من ان ننظر �إىل هجوم �إليوت‬ ‫النقدي على ق�صيدة النرث بو�صفه انقالب ًا‬ ‫تام ًا على موقفه‪ ،‬ب�إمكاننا ان نبحث يف‬ ‫مقاله عن ما حاول �إليوت القيام به يف‬ ‫ق�صائده النرثية املبكرة؛ �إذ يبد�أ يف "‬ ‫تخوم النرث "‪ ،‬مث ًال‪ ،‬بال�سخرية من حماقات‬ ‫ال�شعر الرمزي‪ ،‬مبا فيها ق�صيدة النرث‪ .‬ثم‬ ‫ي�ستمر مالحظ ًا " تف�شي الق�صيدة نرث ًا‪ ،‬ال‬ ‫يف فرن�سا فح�سب‪ ،‬بل يف �إنكلرتا‪ .‬ال يف‬ ‫�إنكلرتا فح�سب بل يف �أمريك ًا "‪� .‬إليوت ال‬ ‫يبدي رد فعله هنا على تكلف ق�صيدة النرث‬ ‫نهايات القرن (التا�سع ع�شر)‪ ،‬بل على ما‬ ‫يراه بعث ًا لبدعة معا�صرة‪ .‬ثم يوا�صل‬ ‫ثناءه على " �إ�شراقات رميبو " بو�صفها‬ ‫" قطع ًا نرثية ق�صرية مُقنِعة على نحو‬ ‫مذهل "‪ .‬ثم يركز �إليوت على املو�ضوع‬ ‫املعني يف هجومه‪� ،‬أي ق�صائد نرث ريت�شارد‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫�آلدنغتون التي ال تعد " نرث ًا حم�ض ًا " مثل‬ ‫" �إ�شراقات رميبو "‪ ،‬بل " تبدو مت�أرجحة‬ ‫بني و�سيلتني "‪ .‬ولعله‪ ،‬مثل بابت‪ ،‬كان‬ ‫�سيتو�صل �إىل " الفرق احلاد "‪ .‬وي�ستنتج‬ ‫ان" كال من ال�شعر والنرث ما زاال يخفيان‬ ‫�إمكانات غري مكت�شفة بعد‪ ،‬و�أن كل ما‬ ‫يكتبه املرء �سيتخذ هذا ال�شكل �أو ذاك‬ ‫بالت�أكيد بحكم ال�ضرورة الداخلية "‪ .‬لكن‬ ‫يف الوقت الذي يجمع فيه �إليوت ق�صيدة‬ ‫النرث ب�أعمال �أخرى ل�شعراء رمزيني‬ ‫يف العمل املخزي الذي قدمه بابت‪ ،‬مثل‬ ‫و�سمفونيتي تيوفيل‬ ‫مو�سيقى الربنامج‬ ‫ّ‬ ‫غوتييه وجيم�س ماكنيل وي�ستلر‪ ،‬ف�إنه‬ ‫يتحا�شى نغمة ال�سخرية الأخالقية التي‬ ‫جتدها عند بابت‪ ،‬ويالحظ‪ ،‬بب�ساطة �أو‬ ‫بذكاء‪� ،‬أن "ال�شعر الذي ي�شبه النرث‪ ،‬والنرث‬ ‫الذي يبدو مثل ال�شعر ينطويان‪ ،‬بال �شك‪،‬‬ ‫على درجة من اخلزي والنجاح"‪ .‬ترتكز‬ ‫حجته‪ ،‬عموم ًا‪ ،‬على التعليق ال�شكلي �أو‬ ‫التقني‪ ،‬ال على التبعات "الأخالقية" التي‬ ‫تتخطى حدود اجلن�س الأدبي‪ ،‬مع �أن البعد‬ ‫الأخالقي قد يكون ن�ص ًا فرعي ًا مكبوت ًا‬ ‫لتعليقاته‪ .‬وبينما كان �شجب خطايا القرن‬ ‫التا�سع ع�شر "القرمزية" يعد "قلق ًا �أمومي ًا"‬ ‫عام ‪ ،1917‬كان �إليوت يهدف‪ ،‬ب�سعادة‪� ،‬إىل‬ ‫جعل "الدجل" هدف ًا ثمين ًا لل�سخرية‬ ‫بعد هذا الهجوم الأويل على ق�صيدة‬ ‫النرث عام ‪ ،1917‬رقق �إليوت‪ ،‬مع مرور‬ ‫الأيام‪� ،‬شجبه للجن�س الأدبي وركز قدحه‬ ‫عام ‪ 1921‬يف مقالة "النرث وال َن ْظم"‬ ‫على م�صطلح �شعر النرث‪" :‬اعرت�ض على‬ ‫م�صطلح (ال�شعر املنثور) لأنه يوحي‪،‬‬ ‫كما يبدو‪ ،‬بوجود فرق حاد بني (ال�شعر)‬ ‫يوح‬ ‫و(النرث) ال �أق�صده البتة‪ .‬و�إن مل ِ‬ ‫امل�صطلح بهذا الفرق‪ ،‬ف�إنه ي�صبح بال معنى‬ ‫عندئذ وعقيم ًا طاملا كان من غري املمكن‬ ‫وجود رابط ملا هو غري قابل للتمييز"‪.‬‬

‫يظل �إليوت من�شغ ًال بـ"الفرق احلاد"‪ ،‬مثلما‬ ‫كان يفعل بابت‪ ،‬لكنه يرغب باالعرتاف‬ ‫"مب�صطلح جديد للجن�س الأدبي‪�" :‬إذا‬ ‫اعرتفنا بالق�صيدة الطويلة‪ ،‬يتوجب‬ ‫علينا‪ ،‬قطع ًا‪ ،‬ان نعرتف بـ"ق�صيدة النرث‬ ‫الق�صرية"‪ .‬يتحا�شى هذا اال�ستنتاج‬ ‫ال�س�ؤال ما �إذا كان من ال�ضروري ع ّد‬ ‫هذا اجلن�س "�شعري ًا" �أم ال‪ ،‬ويتهرب‬ ‫من املو�ضوع بد ًال من ذلك‪ .‬وبحلول عام‬ ‫‪ ،1930‬ويف توطئة ترجمته لق�صيدة "‬ ‫اناباز "‪ ،‬ي�ضل �إليوت حتى عن توكيداته‬ ‫ال�سابقة حينما ي�ضع ق�صيدة بري�س‬ ‫املنثورة يف مع�سكر " ال�شعر"‪�" :‬أ�شري‬ ‫�إىل هذه الق�صيدة بو�صفها ق�صيدة‪ .‬لعله‬ ‫�سيكون مالئم ًا لو كان ال�شعر َن ْظم ًا دائم ًا‬ ‫ـ �إما من ً‬ ‫برّا �أو جنا�سي ًا �أو كمي ًا‪ ،‬لكن هذا‬ ‫لي�س �صحيح ًا؛ فقد يقع ال�شعر ـ �ضمن حد‬ ‫فا�صل عند اجلانبني ـ على �أية نقطة على‬ ‫طول اخلط الذي يكون (ال َن ْظم ) و(النرث)‬ ‫حدّاه ال�شكليان‪ .‬ومن دون تقدمي �أية‬ ‫نظرية معممة عن (ال�شعر) و(ال َن ْظم) و‬ ‫(النرث)‪ ،‬ف�إين �أقول ب�أن الكاتب عندما يعمد‬ ‫�إىل ا�ستعمال مناهج �شعرية معينة‪ ،‬مثلما‬ ‫فعل بري�س‪ ،‬يكون قادر ًا �أحيان ًا على كتابة‬ ‫ال�شعر مبا ي�سمى نرث ًا‪ .‬ومبقدور كاتب‬ ‫�آخر‪ ،‬من خالل قيامه بعك�س هذه العملية‪،‬‬ ‫�أن يكتب نرث ًا عظيم ًا بال�شعر"‬ ‫وبالن�سبة ل�شاعر وناقد ملم بالأدب‬ ‫الفرن�سي مثل �إليوت‪ ،‬تبدو المباالته‬ ‫امل�ستمرة بجن�س �أدبي �سريع االنت�شار‬ ‫ـ ت�ضمن عام ‪� 1930‬أعما ًال قدمها ماك�س‬ ‫جاكوب‪ ،‬اندريه بريتون‪ ،‬بول ايلوار‬ ‫وغريهم �إىل جانب بري�س ـ �أمر ًا الفت ًا‬ ‫فهل كان �إليوت ـ الناقد " الكال�سيكي "‬ ‫هارفاردي التعليم ـ يف �صراع مع �إليوت‬ ‫فرن�سي الإلهام‪ ،‬بب�ساطة؟ وهل‬ ‫ال�شاعر‬ ‫ّ‬ ‫انهزمت ق�صيدة النرث يف املعركة؟ �إن‬

‫ق�صيدة النرث الوحيدة املن�شورة لإليوت‪،‬‬ ‫" ه�سترييا "‪ ،‬تعطينا بع�ض الأفكار عن‬ ‫ما �سعى له �إليوت ب�ش�أن ال�شكل و�أ�سباب‬ ‫ابتعاده ال�سريع عنه‪ .‬الحظنا �آنفا �إعجابه‬ ‫املبكر ب�إ�شراقات ريبمو‪ ،‬وال�س ّيما للكيفية‬ ‫التي " حتقق بها [هذه الق�صائد] ت�أثريها‬ ‫من خالل االنطباع الفوري والب�سيط‪،‬‬ ‫�أي االحتاد الأكرث �إقناع ًا ب�سبب تنافر‬ ‫ال�صور امللحوظ "‪ .‬وق�صيدة �إليوت‬ ‫املنثورة نف�سها ت�ستعمل ا�صطالح ًا‬ ‫حديث ًا وت�سعى وراء " االنطباع الفوري‬ ‫والب�سيط‪ ،‬امل�ؤ ّلف من �صور مده�شة‬ ‫جمفلة‪ " ،‬متنافرة "‪ .‬ال�شك يف �أن لغة‬ ‫�إليوت يف " ه�سترييا " لي�ست ُمر ِبكة مثل‬ ‫[لغة] �إ�شراقات ريبمو‪ ،‬كما ان �صوره‬ ‫لي�ست متنافرة جد ًا لكنها تتحا�شى‪ ،‬جذلة‪،‬‬ ‫النغمة القدمية التي ترددها ق�صائد نرث‬ ‫داو�سون �أو وايلد �أو‪ ،‬الحق ًا‪� ،‬آلدنغنون‪:‬‬ ‫حينما �ضحكتْ �أدركتُ �أين �صرتُ متورط ًا‬ ‫يف �ضحكتها وجزء ًا منها‪� ،‬إىل �أن �صارت‬ ‫طالع عار�ض له موهبة‬ ‫�أ�سنانها حم�ض ٍ‬ ‫املار�ش الع�سكري‪ .‬اجنررتُ �إىل الداخل‬ ‫�إثر �شهقات ق�صرية‪ ،‬م�ستن�شق ًا عند كل‬ ‫ا�ستعادة م�ؤقتة‪ ،‬حتى �ضعتُ �أخري ًا‬ ‫يف كهوف بلعومها املعتمة‪ ،‬منجرح ًا‬ ‫بتمويجة رخويات ع�ضلية ال ُترى‪..‬‬ ‫نادل كبري ال�سن بيدين مرتع�شتني‬ ‫كان يفر�ش على عجل مفر�ش ًا بالأبي�ض‬ ‫والوردي فوق املائدة اخل�ضراء احلديدية‬ ‫ال�صدئة‪ ،‬قائ ًال‪�" :‬إنه يف�ضل ال�سيد‬ ‫وال�سيدة �أن ي�شربا �شايهما يف احلديقة‪،‬‬ ‫قررتُ فيما �إذا ارتعا�ش نهديها يتوقف‪،‬‬ ‫عندها يكون من املمكن جمع �شيء من‬ ‫�شظايا بعد الظهرية‪ ،‬وقد �صببت انتباهي‬ ‫بدقة مرهفة على هذه الغاية (ترجم‬ ‫الق�صيدة عبدالقادر اجلنابي)‬ ‫�إن هذا ال�سرد املوجز يخ�ص �أزمة‬

‫مو�سع ًا ب�سبب‬ ‫حلظة واحدة‪ ،‬زمن ًا ّ‬ ‫عواطف مت�أججة ومر�ض �سايكولوجي‬ ‫حديث‪ .‬املثري �أن ق�صائد النرث الإليوتية‬ ‫الأخرى‪ ،‬التي ظلت خمطوطة‪ ،‬تنطوي‬ ‫على �إح�سا�س مماثل بوجود �أزمة‬ ‫�سايكولوجية‪ .‬وفيما عدا ق�صيدته "‬ ‫ا�ستبطان " ـ التي هي اليغوريا بالدرجة‬ ‫الأ�سا�س ـ ف�إنها متثل �سرود ًا داخلية‬ ‫تتو�سع للحظات قليلة من الزمن عن‬ ‫طريق ت�ضخيم الأحا�سي�س والإدراكات‬ ‫احل�سية �إىل ن�سب هائلة لتتمخ�ض‬ ‫هلو�سة و�صدمة عند الراوي ما الذي‬ ‫يحدث بال�ضبط يف "ه�سترييا"؟ جملها‬ ‫الأربع تروي كل واحدة منها مرحلة‬ ‫خمتلفة يف التجربة اله�ستريية لب�ضع‬ ‫حلظات من الزمن‪� .‬أما ال�صوت املفرد ـ‬ ‫الراوي امل�ضطرب ـ فهو �شخ�صية �سلبية‬ ‫حتا�صره �ضحكة رفيقته العدوانية‪� ،‬أي‬ ‫العار�ض اله�ستريي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال يعرف‬ ‫القارئ ما �إذا كانت املر�أة نف�سها ه�ستريية‬ ‫حق ًا �أم ال نظر ًا لعدم وجود وجهة نظر‬ ‫مو�ضوعية‪ .‬وبدال من ذلك‪ ،‬تثري �ضحكتها‬ ‫"اله�ستريية "‪ ،‬كما يبدو‪ ،‬نوبة ه�ستريية‬ ‫يف محُ ِاورها كما لو �أن املر�ض معدٍ ‪ .‬وقد‬ ‫جرى العرف على ع ّد اله�سترييا مر�ض ًا‬ ‫ن�سائي ًا ناجت ًا عن اختالطات يف الرحم‪،‬‬ ‫ولهذا يقدم �إليوت انعطافة ال معتادة‬ ‫و� ّأخاذة‪ ،‬يف الوقت نف�سه‪ ،‬لأثر املر�ض‬ ‫يف الرجل‪ .‬لكن الدينامية بني املر�أة‬ ‫والرجل ت�صور �أي�ض ًا انغمار الذات يف‬ ‫الآخر؛ �إذ يت�صور الراوي غمرها له‪" :‬‬ ‫اجنررتُ �إىل الداخل �إثر �شهقات ق�صرية‪،‬‬ ‫م�ستن�شق ًا عند كل ا�ستعادة م�ؤقتة‪ ،‬حتى‬ ‫�ضعتُ �أخري ًا يف كهوف بلعومها املعتمة‪،‬‬ ‫منجرح ًا بتمويجة رخويات ع�ضلية ال‬ ‫ُترى "‪ .‬غنائية " �أنا " ال تعد راوي ًا غري‬ ‫موثوق‪ ،‬بل راوي ًا تهدده امر�أة يراقبها‬ ‫هو؛ �إذ �أن ه�سترييتها اجلن�سية‪" ،‬‬ ‫اهتزاز نهديها "‪ُ ،‬ي�شظي التجربة‪ " ،‬ما‬ ‫بعد الظهرية "‪ ،‬بالن�سبة له تت�أوج اجلملة‬ ‫الأوىل من الق�صيدة ـ التي تروي العملية‬ ‫التي من خاللها ي�ضيع الراوي نف�سه‬ ‫يف �ضحكتها ـ يف �صورة " �أ�سنانها "‬ ‫بو�صفها " حم�ض طالع عار�ض له موهبة‬ ‫املار�ش الع�سكري "‪� .‬إنه ي�شعر بهجوم "‬ ‫ُ�شهبها" التي تت�صرف كما لو �إنها جنود‬ ‫تتدرب؛ �إنها هي العدو‪ .‬ثمة تورية على‬ ‫كلمة "�أ�سنان" بو�صفها " طالع "‪ ،‬يف‬ ‫حني توحي ال�صورة نف�سها بال َقـ َدر‪� ،‬إذا‬ ‫علمنا �شكل " الطالع "‪ .‬وذكرت ايلني‬ ‫�شولرت يف كتابها عن اله�سترييا‪ ،‬وعنوانه‬ ‫"املر�ض الأنثوي‪ :‬الن�ساء واجلنون‬ ‫والثقافة الإنكليزية ‪ 1830‬ـ ‪،"1980‬‬ ‫تف�ش وا�سع النطاق للأعرا�ض‬ ‫�أن �أول ٍ‬ ‫اله�ستريية بني الرجال حدث خالل احلرب‬ ‫العاملية الأوىل‪ ،‬و�أ�شري له على نطاق‬ ‫�شائع بت�سمية " �صدمة القذائف " [وهو‬ ‫ا�ضطراب ع�صبي �أو عقلي يتميز بفقدان‬ ‫الذاكرة �أو الكالم �أو الب�صر ويظهر‬ ‫عند بع�ض اجلنود الذين يخو�ضون‬ ‫غمار حرب حديث ًا ]‪ .‬وقد ف�سرت �شولرت‬ ‫اجلذور االجتماعية وال�سايكولوجية لهذه‬ ‫اله�سترييا الذكورية على النحو الآتي‪:‬‬ ‫ال�شك يف �أن عدد ًا من �أ�شهر حاالت �صدمة‬

‫القذائف ـ ويلفريد اوين‪� ،‬سيغفريد‬ ‫�سا�سون‪ ،‬ايفور غورين‪ ،‬بيفريل نيكولز‪،‬‬ ‫وهذه جمموعة قليلة من بني كثريين ـ‬ ‫كانوا �شاذين جن�سيا‪ .‬وبالن�سبة ملعظمهم‬ ‫ف�إن الكرب املت�أتي عن �صدمة القذائف‬ ‫ينطوي على ح�صارات نف�سية اكرث‬ ‫عمومية‪ ،‬بل �أ�شد‪ ،‬تخ�ص الرجولة‪،‬‬ ‫وخماوف الت�صرف بتخنث‪ ،‬بل حتى‬ ‫رف�ض اال�ستمرار بخدعة ال�سلوك‬ ‫الذكوري الرزين‪ .‬ف�إن كان جوهر الرجولة‬ ‫هو ان ال ت�شتكي‪ ،‬كانت �صدمة القذائف‬ ‫عندئذ لغة ج�سد ال�شكوى الرجولية؛‬ ‫احتجاج ًا ذكوري ًا متخفي ًا ال على احلرب‬

‫فح�سب‪ ،‬بل على مفهوم " الرجولة " نف�سه‬ ‫يف ق�صيدة النرث الإليوتية هذه جند �أن‬ ‫ريته ه�ستريي ًا بقوة‪� ،‬أي ال‬ ‫الراوي �ص ّ‬ ‫ذكوري ًا‪ ،‬امر�أة مت�سلحة ب�أ�سنانها مثل‬ ‫وح�ش �شديد ال�ضراوة؛ �إنها م�صدر‬ ‫خماوفه عن الذكورة‪� .‬إنها �صورة ل�شهوة‬ ‫جن�سية عارمة وغامرة؛ �صورة لـ َف ْرج‬ ‫ب�أ�سنان موحي ًا بحرب مفرو�ضة حديث ًا‪.‬‬ ‫ومل ي�ؤلف �إليوت ق�صيدته بعد فرتة‬ ‫طويلة من زواجه من فيفيان هي وود‬ ‫الذي �سرعان ما تبدت تعا�سته؛ �أي الف�شل‬ ‫الذي غالب ًا ما تالم عليه ا�ضطرابات‬ ‫فيفيان الع�صبية‪ .‬لن �أتبنى هنا مقاربة‬

‫‪7‬‬

‫�سايكوبايولوجية ‪ ،‬لكني �س�أركز على‬ ‫حقيقة ان �إليوت اختار هذا ال�شكل امللغز‬ ‫�أخالقي ًا ـ �إذا ما �أردنا ت�صديق بابت ـ‬ ‫لت�صوير حلظة القلق اجلن�سي بلغة‬ ‫ت�ستدعي " تخنيث " اجلزء الأعظم من‬ ‫الذكور الإنكليز‪ .‬كما ُتبدي الق�صيدة‪،‬‬ ‫بو�ضوح‪ ،‬خماوف الت�صرف مثل امر�أة‪،‬‬ ‫وخماوف عدم االرتقاء �إىل التوقعات‬ ‫الرجولية‪ ،‬ومع ذلك يعد املر�ض احتجاج ًا‬ ‫على �سلطة املر�أة‪ ،‬ال احلرب‬ ‫فما تبعات هذه " النوبة "؟ م�ؤقت ًا "‬ ‫ت�ضيع " الذات املتكاملة" [للمر�أة] و "‬ ‫تنجرح يف داخلها‪� .‬إنها رحلة �إىل "‬

‫قلب الظالم " حيث يكون بلعوم املر�أة‪.‬‬ ‫وحينما يحول املتكلم ب�صره نحو‬ ‫اخلارج؛ نحو امل�شهد ونحو �شخ�صية‬ ‫ثانوية يف هذه الدراما ـ النادل ـ يلحظ‬ ‫درا�سة يف التوتر الع�صبي حينما‬ ‫يفر�ش النادل مفر�ش املائدة بـ " يدين‬ ‫مرتع�شتني "‪ ،‬بينما يكرر اقرتاحه ب�أن‬ ‫ي�شرب " ال�سيد وال�سيدة " �شايهما يف‬ ‫احلديقة "‪ .‬ولأن الراوي غري موثوق‪،‬‬ ‫ال يعرف القارئ ما �إذا كان النادل حق ًا‬ ‫يرتع�ش ويكرر نف�سه لغر�ض الإ�صرار‪،‬‬ ‫�أو ما �إذا كان ارجتافه مبالغة من الراوي‬ ‫�شديد الهياج‪ .‬وينتج التكرار عن حالة‬ ‫الراوي الذهنية الذي ال ت�صله الألفاظ‬ ‫�إال كا�سطوانة م�شروخة‪ ،‬كما لو �أنه‬ ‫عالق يف حلظة �صدمة �أبدية‪ ،‬وحيدة‪،‬‬ ‫متكررة‪ .‬وال�شك يف �أن اقرتاح النادل‬ ‫يوحي ب�أن امل�شهد حمرج اجتماعي ًا ولهذا‬ ‫ي�شعر الراوي باخلزي �إىل جانب كونه‬ ‫ه�ستريي ًا‬ ‫اجلملة الأخرية حلظة قرار حقيقية‬ ‫بالن�سبة للمتكلم يت�صور فيها ا�ستعادة‬ ‫ممكنة فقط �إن متكن من الت�صرف‪ ،‬مركز ًا‬ ‫" انتباهه بدقة مرهفة " لإيقاف اهتزاز‬ ‫نهديها‪� .‬إن هذا التف�صيل‪� ،‬ش�أنه يف‬ ‫ذلك �ش�أن الأ�سنان املهاجمة �أو البلعوم‬ ‫اجلارح‪ ،‬يعد هزلي ًا لأن خماوفه تت�ضخم‬ ‫�إىل ن�سب م�ضحكة �إال �أن الرتدد يف هذه‬ ‫اجلملة الأخرية يعزز انطباعنا بعجز‬ ‫املتكلم ووقوعه �ضحية �أمام املر�أة‪ .‬لكن‬ ‫هذا الراوي‪ ،‬مثل امللك ال�صياد يف "‬ ‫الأر�ض اليباب "‪ ،‬يجمع " ال�شظايا لهذه‬ ‫الغاية؛ ولهذا يجلب ق�صيدة النرث �إىل‬ ‫خامتتها‬ ‫تعتمد احلكاية ب�أكملها على امل�شهد الذي‬ ‫يكون فيه النتهاك اللياقة االجتماعية‬ ‫دور‪ .‬ويت�ضح �أن نوبة ه�سترييا الفعلية‬ ‫تع ّد جتربة غري الئقة �أثناء " تناول‬ ‫اخلبز املحم�ص وال�شاي " ( �إذا اقتب�سنا‬ ‫من " بروفروك " )‪ .‬وتبتعد نغمة �صوت‬ ‫املتكلم عن احلدث �أ�شبه بنغمة �صوت‬ ‫املراقب العلمي �أو‪ ،‬بدقة �أكرب‪ ،‬امل�شارك‬ ‫ال�سلبي‪� ،‬أي ال�سايكولوجي الذي يقوم‬ ‫بالتدوين �أثناء حتليل الذات‪� ":‬أدركتُ‬ ‫�أين �صرتُ متورط ًا يف �ضحكتها وجزء ًا‬ ‫منها "‪ .‬املتكلم ُي�سهب‪ ،‬هاز ًال‪ ،‬مع ذلك‬ ‫ف�إن ت�ضخيمه للتف�صيل و�إح�سا�سه ب�أنه‬ ‫يتعر�ض لهجوم يبينان كيف �شارف على‬ ‫االنهيار الع�صبي‪ ،‬وكيف ال يتمالك نف�سه‬ ‫�إال عرب قدرته على تدوين التجربة؛‬ ‫وبذا فهو ي�ضع نف�سه وراءها‪ .‬وبو�صفها‬ ‫مبالغة يف الإدراكات احل�سية املتبادلة‬ ‫يف حلظة ق�صرية‪ ،‬تبدو ق�صيدة النرث‬ ‫متحالفة مع جتارب �سرد تيار الوعي‬ ‫والنظريات الربغ�سونية للزمن والإدراك‬ ‫احل�سي‪ .‬لكنها بو�صفها نرث ًا تع ّد �أقل‬ ‫جتريبية بكثري من ق�صائد نرث وليام‬ ‫كارلو�س ويليامز وغريوترود �شتاين‪.‬‬ ‫ربك اخلطاب عند م�ستوى النحو‬ ‫فهي ال ُت ِ‬ ‫ربكة‬ ‫�أو الرتكيب �أو الداللة‪ ،‬بل تكون ُم ِ‬ ‫بالدرجة الأ�سا�س عرب التوتر احلا�صل‬ ‫بني حالة الراوي اله�ستريية ونغمة‬ ‫�صوته حتديد ًا‪ ،‬والإح�سا�س بلحظة‬ ‫موجعة تتعاظم بن�سب هائلة‪.‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪8‬‬

‫عبدالكرمي كا�صد‬ ‫ميكن القول �أن ترجمة �شعر �إليوت‬ ‫�إىل اللغة العربية ترجع �إىل �أوائل‬ ‫اخلم�سينيات من القرن املا�ضي‪ ،‬وما �سبقها‬ ‫ال يعدو �أن يكون �إ�شارات وتعريفات‬ ‫مبثوثة هنا وهناك يف بع�ض ال�صحف‬ ‫واملجالت العربية‪ّ ،‬‬ ‫لعل �أبرزها ما كتبه‬ ‫لوي�س عو�ض يف جملة الكاتب امل�صري‬ ‫التي كان ير�أ�س حتريرها الدكتور طه‬ ‫ح�سني‪ ،‬غري �أنّ البداية احلقيقية هي يف‬ ‫ّ‬ ‫م�ستهل اخلم�سينيات حني �صدر كتاب عن‬ ‫دار جملة �شعر �ض ّم العديد من الرتجمات‬

‫العدد (‪)2102‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )16‬ني�سان ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2102‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )16‬ني�سان ‪2011‬‬

‫التي �سبق �أن ن�شرت يف جمالت خمتلفة‬ ‫كالأديب والآداب وجملة �شعر‪� ،‬شارك‬ ‫فيه ّ‬ ‫كل من‪ :‬بلند احليدري و د‪� .‬ستورت‬ ‫برتجمة �أغنية العا�شق بروفروك‪ ،‬منري‬ ‫ب�شور برتجمة �أربعاء الرماد‪ ،‬يو�سف‬ ‫اخلال برتجمة الرجال اجلوف‪� ،‬أدوني�س‬ ‫ويو�سف اخلال برتجمة الأر�ض اخلراب‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل ما احتواه الكتاب من مادة‬ ‫�أخرى هي (مقتلة يف الكاتدرائية) التي‬ ‫ترجمها امل�صريّ ابراهيم �شكر الله‪.‬‬ ‫�أعقبها بعد ذلك ب�سنوات قليلة �صدور كتاب‬ ‫�آخر عن �إليوت و�أعماله كتبه الدكتور فائق‬ ‫متي عن دار املعارف مب�صر يف �سنة ‪1965‬‬ ‫ثم �أعيد طبعه يف ال�سنوات الأخرية عن‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫ترجمات‬ ‫إليوت إلى اللغة‬ ‫العربية‬

‫دار املعارف مب�صر‪ ،‬من دون �إعادة نظر‬ ‫يف الطبعة الأوىل �أو �أيّ تغيري ممكن حتى‬ ‫لأغالطه املطبعية‪ ،‬ثم توالت الرتجمات‬ ‫التي قام بها مرتجمون خمتلفون من‬ ‫�أقطار عربية �ش ّتى‪ :‬لوي�س عو�ض‪� ،‬صالح‬ ‫عبد ال�صبور‪ ،‬ماهر �شفيق فريد‪ ،‬توفيق‬ ‫�صائغ‪ ،‬عبدالله الطيّب‪ ،‬عبدالواحد ل�ؤل�ؤة‪،‬‬ ‫يو�سف اليو�سف‪� ،‬صربي حافظ‪ ،‬عبدالقادر‬ ‫اجلمو�سي و�آخرون مل تتم الإ�شارة �إليهم‬ ‫يف �أيّ كتاب �أو مقالة �صادرة كالناقد‬ ‫العراقي الراحل م�صطفى عبود‬ ‫واملرتجم‬ ‫ّ‬ ‫الذي قام برتجمة الرباعيات الأربع يف‬ ‫ال�سبعينيات ون�شرها يف جملة الأديب‬ ‫املعا�صر‪ .‬ويبدو من خالل قراءتي لهذه‬

‫الرتجمات وما تو ّفر يل منها ثانية‪ ،‬بعد �أن‬ ‫بعد العهد بقراءتها‪� ،‬أنها اتخذت م�سارات‬ ‫عدة تفرتق من دون �أن تتكامل �أو حتى �أن‬ ‫تتقاطع برغم ما رافقها من جهود ت�ستحق‬ ‫التقدير ح ّق ًا‪ ،‬فما يبدو �صحيح ًا يف ترجمة‬ ‫�سابقة يُرتجم خط�أ يف ترجمة الحقة‪،‬‬ ‫وما نراه خط�أ يعاد �صواب ًا ولكن ب�صيغة‬ ‫خاطئة غريبة يف تركيبتها �أو لغة هي �أقرب‬ ‫�إىل التف�سري منها �إىل ال�شعر‪ ،‬وبالذات‬ ‫�شعر �إليوت املعروف بكثافته وحيويته‬ ‫يومي‬ ‫و�إ�شاراته العديدة �إىل ما هو‬ ‫ّ‬ ‫أوح�سي‪ .‬وبرغم ما تخلل بع�ض هذه الكتب‬ ‫�‬ ‫ّ‬ ‫والرتجمات �أو �أكرثها من نواق�ص �أو‬ ‫�أغالط‪ ،‬ف�إنها خلفت جوّ ًا من الألفة لقرائها‬

‫مع عامل �شاعر يحوطه الغمو�ض ويرافق‬ ‫ترجمته دوم ًا الإ�شارة �إىل �صعوبة �شعره‪،‬‬ ‫حتى يف ن�صو�صه الب�سيطة الوا�ضحة‬ ‫التي مل تخ ُل من �شروحات املرتجمني‬ ‫وتعليقاتهم وحوا�شيهم‪ ،‬كما ح�صل ذلك‬ ‫لق�صائده عن القطط‪.‬‬ ‫والغريب �أن الكتاب الذي �صدر عن دار‬ ‫جملة �شعر هو �أ�ش ّد هذه الكتب ت�أثري ًا‪،‬‬ ‫برغم �أنه مل يحتو ِعلى �أي �شروحات مبا‬ ‫فيها �شروحات �إليوت نف�سه‪� ،‬إذ خلت‬ ‫ترجمة (الأر�ض اخلراب) من �أي هام�ش‬ ‫لل�شاعر �أو لغريه من �ش ّراحه ومرتجميه‬ ‫حمققة بذلك‪ ،‬برغم املفارقة ال�ساخرة‪ ،‬ت�أكيد‬ ‫�إليوت املتكرر على " �أهمية التو�صيل قبل‬

‫الفهم"‪ .‬ويزول ا�ستغرابنا حني نعلم �أن‬ ‫(االر�ض اخلراب) مل ترافقها �أية �شروحات‬ ‫حني �صدرت للمرة الأوىل يف جملة‬ ‫(املعيار)‪.‬‬ ‫وهذا الت�أثري الذي حت ّقق يعود ربمّ ا‪،‬‬ ‫برغم امل�آخذ الكثرية على ترجماتهم‪� ،‬إىل‬ ‫قدرة املرتجمني وح�سا�سيتهم وخربتهم‬ ‫ال�شعرية‪� ،‬إن مل نقل حداثتهم‪ ،‬ومتر�س‬ ‫بع�ضهم يف الرتجمة كيو�سف اخلال الذي‬ ‫�أ�صدر �آنذاك كتابني مهمني �أحدهما ي�ضم‬ ‫�أ�شعار ًا مرتجمة لروبرت فرو�ست والآخر‬ ‫ي�ضم منتخبات من ال�شعر الأمريكي‬ ‫املعا�صر‪ّ .‬‬ ‫ولعل ح�سا�سية بع�ضهم الكبرية‬ ‫كانت تعوي�ض ًا ع ّما ينق�صه يف جوانب‬

‫�آخرى كمعرفة اللغة الإجنليزية معرفة‬ ‫جيّدة‪ ،‬لذلك نرى بلند احليدري ي�ستعني‬ ‫مبرتجم �آخر هو د‪� .‬ستورت لرتجمة �أغنية‬ ‫العا�شق بروفروك‪ ،‬ونرى �أدوني�س ي�ستعني‬ ‫بيو�سف اخلال العارف باللغة الإجنليزية‬ ‫معرفة ت�ؤهله لرتجمة �أهم عالئمها يف‬ ‫ال�شعر‪ .‬ومل تكن �أغالطهم‪ ،‬ال�شنيعة �أحيانا‪،‬‬ ‫�إ ّال جزء ًا ي�سري ًا ما كان بو�سعه �أن ينق�ض‬ ‫بناء كل ّي ًا قائما على فهم خا�ص لعامل �إليوت‬ ‫ال�شعريّ من خالل الرتجمة التي حافظت‬ ‫على بنى الكثري من العبارات واجلمل‬ ‫و�إيحاءاتها وداللتها الواقعية يف � ٍآن واحد‪،‬‬ ‫كما وردت يف الأ�صل ولعل �أب�شع هذه‬ ‫الأغالط هو الغلط ال�شهري الذي �أ�صبح‬ ‫نادرة يتندر بها الكثريون هو ترجمتهم ‪:‬‬ ‫"ابلع ابلع" بد ًال من "�سنونوة �سنونوة"‬ ‫النّ الكلمة تعني املعنيني يف �آن واحد‪.‬‬ ‫كذلك ال يخلو كتاب فائق م ّتى من فائدة‪،‬‬ ‫برغم �أغالطه الفادحة يف بع�ض املوا�ضع‬ ‫بل وحتى يف العناوين فهو يرتجم (�أربعاء‬ ‫الرماد) بـ (رماد الأربعاء) و�شتان ما بني‬ ‫االثنني‪ ،‬وغريها من الأغالط التي ال ّ‬ ‫تقل‬ ‫طرافة من‪" :‬ابلع ابلع"‪ ،‬ولكن ُه ا�ستطاع‪،‬‬ ‫وهذا ما ينكره ناقدوه‪� ،‬أن يق ّرب القارئ‬ ‫أ�صلي‪� ،‬إىل‬ ‫العربي الذي ال يعرف الن�ص ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫عامل �إليوت من خالل ترجمته بع�ض مقاطع‬ ‫من ق�صائده‪ ،‬و�شرحها كق�صائد‪� :‬صورة‬ ‫ال�سيّدة‪ ،‬مقدمات‪ ،‬خواطر يف ليلة عا�صفة‪،‬‬ ‫الفتاة الباكية ال�صغرية‪ ،‬فر�س النهر‪،‬‬ ‫جريينتيون وغريها‪ ،‬ومل يكن بع�ض هذه‬ ‫الق�صائد قد �صبح بعد جزء ًا من املوروث‬ ‫الإليوتي كما نعرفه يف لغتنا‪� ،‬إذ اقت�صرت‬ ‫معرفتنا على ق�صائده الكربى‪�( :‬أر�ض‬ ‫اخلراب) ‪(،‬الرباعيات الأربع)‪�( ،‬أربعاء‬ ‫الرماد)‪�( ،‬أغنية العا�شق بروفروك)‪،‬‬ ‫(الرجال اجلوف)‪.‬‬ ‫علينا �أ ّال نن�سى �أن الف�صل املكتوب عن‬ ‫(الأر�ض اخلراب) والذي ا�ستغرقت‬ ‫�صفحاته ال�ستني هو �أول حماولة ل�شرح‬ ‫الق�صيدة يف لغتنا مهما كان ر�أينا يف هذه‬ ‫الف�صل‪.‬‬ ‫وتبدو �أهمية كتابة فائق متي على‬ ‫ب�ساطتها و�أغالطها حتى يف النحو‬ ‫والإمالء ذات �أهمية حني نرى اختالف‬ ‫ال�ش ّراح يف تف�سري عوامل هذه الق�صائد‬ ‫وتقييماتهم‪ ،‬ومن بني الكتب التي اطلعت‬ ‫عليها والتي تتناول �أحدى هذه الق�صائد‬ ‫وهي (فر�س النهر) �أو كما يرتجمها متي‬ ‫بـ (عجل البحر) هو كتاب (�إليوت‪� :‬شاعر ًا‬ ‫وم�سرحي ًا) مل�ؤلفه جوزيف �شريي ال�صادر‬ ‫بعد ن�شر كتاب متي بع�شرة �أعوام‪ .‬يرى‬ ‫هذا الناقد �أن فر�س النهر هي رمز للكني�سة‬ ‫الطفيلية بظهرها العري�ض وبطنها املتمرغ‬ ‫بالوحل بينما يبدو تف�سري متي هو الأقرب‬ ‫�إىل ال�صواب فهو يرى "�إن هذا احليوان‬ ‫يبحث عن قوت يومه بغ�ض النظر عن‬ ‫الوقت الذي يقوم فيه برحالته وجتواله‪،‬‬ ‫�أما معظم رجال الكني�سة فيقدّم لهم الطعام‬ ‫وال�شراب دون �أي عناء‪ .‬لقد �شغلهم جريهم‬ ‫وراء املادة عن افتقاد النفو�س ال�ضالة"‬

‫وهذا ما يبدو بو�ضوح منذ �أبياتها الأوىل‬ ‫التي يرتجمها متي كالتايل‪:‬‬ ‫�إن عجل البحر يق�ضي يومه يف نعا�س‬ ‫ويبحث عن قوته يف الليل‬ ‫هكذا تتحقق الإرادة الإلهية بطريقة خفية‬ ‫لكن الكني�سة تطعم وهي تغط يف �سبات‬ ‫عميق وهي وا�ضحة �أي�ضا حتى من خالل‬ ‫الأبيات املقتطعة التي ي�ست�شهد بها الناقد‬ ‫�شريي وهي برتجمة ماهر �شفيق فريد‪:‬‬ ‫ل�سوف يغت�سل حتى يغدو يف بيا�ض‬ ‫اجلليد‬ ‫وتقبله ّ‬ ‫كل العذارى ال�شهيدات‬ ‫بينما تظل الكني�سة احلقة حتت‬ ‫ملفوفة يف ال�ضباب العفن القدمي‬ ‫ويبدو �أن الدكتور فائق متي مل يطلع‪� ،‬أو‬ ‫مل يكن معن ّي ًا مبعرفة ترجمة دار جملة �شعر‬ ‫و�إال ما �أورد (رماد الأربعاء) وغريها من‬ ‫الأغالط‪ .‬ومقارنة ب�سيطة بني الرتجمتني‬ ‫�سيت�ضح لنا الفارق بينهما‪:‬‬ ‫يقول متي يف ترجمته ملطلع ق�صيدة �أغنية‬ ‫العا�شق بروفروك‪:‬‬ ‫دعنا من�ضي �إذن‪� ،‬سو ّي ًا‬ ‫حينما تنت�شر ظلمة الليل حتت �صفحة‬ ‫ال�سماء‬ ‫كمري�ض خمدّر قد ا�ستلقى على من�ضدة‬ ‫العمليات‬ ‫دعنا من�ضي عرب الطرقات اخلاوية تقريب ًا‬ ‫وقد عاد النا�س بتمتماتهم‬ ‫أرق يف‬ ‫عن الليايل التي �أم�ضوها يف � ٍ‬ ‫الفنادق الرخي�صة‬ ‫و�أ�صداف املحار يف املطاعم التي ك�ستها‬ ‫ن�شارة اخل�شب‬ ‫والطرقات التي متت ّد بنا كاملناق�شة اململة‬ ‫ذات النية الغادرة‬ ‫امللح‬ ‫فتقودك �إىل ال�س�ؤال ّ‬ ‫�أوه‪ ،‬ال ت�س�أ ْل‪ ،‬ما هو؟‬ ‫دعنا من�ضي وننتهي من زيارتنا‬ ‫داخل احلجرة جند الن�سوة يف غدوهنّ‬ ‫ورواحهنّ‬ ‫يتحدّثن عن مايكل �أجنلو‬ ‫بينما يرد هذا املطلع يف ترجمة بلند‬ ‫احليدري و د‪� .‬ستورت هكذا‪:‬‬ ‫لنذه ّ‬ ‫نب �إذن �أنا و�أنت‬ ‫عندما ي�ستلقي امل�ساء على الف�ضاء‬ ‫كم�صاب بداء خمدّرعلى مائدة‬ ‫لنذه ّ‬ ‫نب خالل بع�ض ال�شوارع ن�صف‬ ‫اخلالية‬ ‫والتي تهمهم يف عزلة‬ ‫من الليايل املنهكة يف فنادق رخي�صة لليلة‬ ‫ومطاعم تراكمت �أو�ساخها لتزاح‬ ‫�شوارع متت ّد كجدلٍ ممل‬ ‫جدل خمادع‬ ‫ليقودك �إىل �س�ؤال ملجم‬ ‫ال‪ ..‬ال ت�سلني ‪ ...‬ماهو؟‬ ‫يف الغرفة الن�سوة ذاهبات �آيبات‬ ‫يتحدثن عن فنان ولوحات‬ ‫برغم عدم دقة بع�ض الأبيات يف الن�صني‬ ‫كامل�ساء الذي يرتجمه متي بـ "ظلمة الليل"‪،‬‬ ‫وكهذا البيت الذي تغلب عليه الرتجمة‬ ‫التف�سريية "ومطاعم تراكمت �أو�ساخها‬ ‫لتزاح" يف ترجمة جملة �شعر‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫�إ�سقاط �أبيات �أخرى مل ترتجم كما يف‬ ‫الرتجمة الأخرية‪.‬‬ ‫وي�صبح البيت ال�شهري الذي كثريا ما‬ ‫ي�ست�شهد به كمثال على م�صطلح ماي�س ّمى‬ ‫بـ"املعادل املو�ضوعي" لدى اليوت وهو‪:‬‬ ‫"لقد كِ لتُ حياتي مبالعق القهوة"‬ ‫برتجمة احليدري و�ستورت‬ ‫يف ترجمة فائق متي كالتايل‪:‬‬ ‫ون�ضب معني حياتي مبالعق القهوة‬ ‫�أما املقارنة بني ترجمة يو�سف اخلال‬ ‫وترجمة متي لق�صيدة الرجال اجلوف‬ ‫ف�إننا كمن يقارن بني ترجمة معنية باملعاين‬ ‫وحدها وترجمة معنية باملعاين وال�شعر‬ ‫مع ًا‪.‬‬ ‫كتاب ل�ؤل�ؤة‪:‬‬ ‫من بني الكتب التي �أعقبت هذين الكتابني‬

‫‪9‬‬

‫جتدر الإ�شارة �إىل كتاب عبدالواحد‬ ‫ل�ؤل�ؤة املكر�س لرتجمة (االر�ض اخلراب)‬ ‫وتف�سريها وحتليلها وما كتبه عنها‬ ‫بع�ض النقاد‪ ،‬وفيه يخ�ص�ص ف�ص ًال كام ًال‬ ‫لر�صد �أغالط املرتجمني الذين �سبقوه‪.‬‬ ‫وقد تختلط بهذه الأغالط � ٌ‬ ‫أغالط مطبعية‬ ‫املطبعي‪" :‬ومن‬ ‫وا�ضحة كهذا الغلط‬ ‫ّ‬ ‫احلثالة التي ي�ستقر عليها االعتداء ‪/‬‬ ‫ا�ستقرار القبعة احلريرية على ر�أ�س‬ ‫مليونري برادفورد"‪ ،‬الذي يعلق عليه‬ ‫ل�ؤل�ؤة‪ ":‬وكيف ي�ستقر "االعتداء"؟ لنقل‬ ‫�إنها غلطة مطبعية �صحيحها"االعتداد"‪.‬‬ ‫وهذه �صيغة �أقرب �إىل الإنكار وال�شك‪ .‬كما‬ ‫�أنه ي�ؤاخذ املرتجمني على تقدمي الأبيات‬ ‫�أو ت�أخريها �أو ا�ستخدامهم العامية‪،‬‬ ‫وي�ضرب مث ًال على ذلك برتجمة لوي�س‬ ‫عو�ض يف بع�ض املوا�ضع‪.‬‬ ‫وال تخلو مالحظات ل�ؤل�ؤة من �صحة‪ ،‬لكنّ‬ ‫ما ي�ضريها هو و�ضعه لها يف م�ستوىً‬ ‫واحد‪ ،‬فال يبني منها للقارئ ما هو جوهري‬ ‫�أو ثانوي يف عالقته بالن�ص ككل‪ .‬وقد‬ ‫ي�صل يف مالحظاته ح ّد ًا قد ُي�ؤاخذ عليه‬ ‫حني ين�سب نداء النادل يف ترجمة متي‬ ‫�إىل �صديقة (�إريل) وهذا غري �صحيح وما‬ ‫ي�ؤكده وعي املرتجم بذلك وتعليقه عليه‬ ‫يف تف�سريه للق�صيدة‪ ،‬وبرغم �إدراكه هذه‬ ‫احلقيقة ف�إنه ي�ص ّر على �أنها غلط فا�ضح‪.‬‬ ‫ومل ترتك م�آخذه هذه �أيّ ف�ضل ملن �سبقوه‪.‬‬ ‫وحتى من م�سه هذا الف�ضل قليال كالناقد‬ ‫الف�سلطيني يو�سف اليو�سف �سرعان ما‬ ‫ّ‬ ‫انقلب عليه‪ ،‬فهو يكتب يف مقدمة طبعته‬ ‫الثانية م�شري ًا �إىل يو�سف اليو�سف دون‬ ‫�أن ي�سميه " وثمة مت�أدب �آخر �أعجبته‬ ‫جماملتي له يف مقارنة ترجمته برتجمة‬ ‫م�شاهري غريه فانقلب �إىل �أهله يتمطى‬ ‫ون�سي �صفحتني من امل�آخذ �أوردتها بعد‬ ‫املجاملة ولكن ال ب�أ�س تارة �أخرى لندع‬ ‫�ألف زهرة تتفتح"‪ .‬هذا الأ�سلوب مل‬ ‫يفارقه يف تعليقاته الطريفة الأخرى التي‬ ‫تخرتق جديته ال�صارمة اخرتاق ًا مفاجئ ًا‬ ‫كهذا التعليق على ا�ستخدام لوي�س عو�ض‬ ‫للعامية ‪� ":‬أما ا�ستخدام مفردات العامية‬ ‫امل�صرية فال �أدري ملاذا تفر�ض علينا بعد �أن‬ ‫ابتلينا ب�أغاين �أم كلثوم و�صرنا نردد بني‬ ‫املاء واملاء "اقول �أقابلك فني‪ ".‬بعد حتويل‬ ‫القاف همزة ‪� ...‬إلخ"‬ ‫ومل يكتف بذلك بل �أنه يف�صح بتعليقاته‬ ‫منحى �آخر ال عالقة له ب�إليوت �أوعامله‬ ‫عن‬ ‫ً‬ ‫ال�شعريّ ‪ ،‬فهو يف معر�ض حديثه امل�ستنكر‬ ‫عن احلب يف �أوربا ي�ست�شهد ببيت‬ ‫ل�سليمان العي�سى هذا ن�صه‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫بزواج غري جمدٍ يف ملتي‬ ‫حب ال ينتهي‬ ‫كل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫واعتقادي‬ ‫ومل يفارق ُه هذا الأ�سلوب يف ا�ستطرادته‬ ‫املحيرّ ة فهو يكتب عن �إليوت ‪":‬وي�ستمر‬ ‫ال�شاعر يرفع �صوته عاليا وطوي ًال كما‬ ‫ت�صيح فريوز‪:‬‬ ‫يا�صوتي ظ ّلك طاير زوبع بها ال�ضماير‬ ‫خربهم عللي �صاير بلكي بيوعي ال�ضمري "‬ ‫احلقيقي يف‬ ‫فال تدري �أين يكمن منحاه‬ ‫ّ‬ ‫قراءته لإليوت‪� ،‬أم قراءته الأخرى؟‬ ‫ولعل �أغرب تعليقاته التي ا�ستوقفتني‬ ‫تعليقه هذا‪":‬والق�صيدة الأوىل يف‬ ‫املجموعة حتمل عنوان ًا يوحي با�ستخفاف‬ ‫ال�شاعر بالعا�شق بروفروك و�أغنيته لكننا‬ ‫نقر�أ �ستة �أبيات مقتب�سة من جحيم دانته‬ ‫بالإيطالية من دون الإ�شارة �إىل مو�ضع‬ ‫االقتبا�س‪ .‬والأبيات‪ ،‬على النقي�ض من‬ ‫عنوان الق�صيدة‪ ،‬ر�صينة‪ ،‬تدور حول‬ ‫م�سائل مثل خيانة ذي املعروف (ال �أدري‬ ‫ما يعني ل�ؤل�ؤة بخيانة ذي املعروف؟‬ ‫مطبعي)‪ ،‬عودة الروح من‬ ‫لع ّلها خط�أ‬ ‫ّ‬ ‫عامل الأموات‪ ،‬عذاب ال�سعري يف العامل‬ ‫الآخر‪ ،‬وبلغة �أه ّم �شاعر �أوروبي يف‬ ‫الع�صر الو�سيط‪ ،‬مما ي�صفع القارئ‬ ‫على عينيه اجلاهلتني ويناوله مر�آة‬ ‫لريى فيها �آثار اجلهل التي تركتها على‬

‫وجهه �صفعة ال�شاعر‪ ".‬وال ندري هل‬ ‫�أح�س الدكتور ل�ؤل�ؤة – مع اعتذارنا لهذا‬ ‫الت�سا�ؤل ‪ -‬بال�صفعة‪ ،‬ب�صفته قارئ ًا‪ ،‬قبل‬ ‫�أن يفهم الق�صيدة حني قر�أها �أول م ّرة‪� .‬إنه‬ ‫يف تعليقه هذا ين�سى ما �أورده لأليوت‬ ‫من مقتطفات ي�ؤكد فيها على �ضرورة‬ ‫اال�ستجابة لل�شعر قبل الفهم‪ ،‬منها هذا‬ ‫املقتطف من مقاله عن وظيفة ال�شعر �أورده‬ ‫ل�ؤل�ؤة يف كتابه ‪ " :‬وقد يكون مبعث‬ ‫ال�صعوبة �أن القارئ قد قيل له‪� ،‬أو �أنه قد‬ ‫�أوحى لنف�سه‪� ،‬إنّ الق�صيدة �ستكون �صعبة‪.‬‬ ‫والقارئ الذي يبلغه حتذير ب�ش�أن غمو�ض‬ ‫ق�صيدة قد يقع يف حالة من احلنق ال‬ ‫تتالءم مع التلقي ال�شعري‪ ...‬ولكن القارئ‬ ‫الأكرث ن�ضج ًا ال يحفل مب�س�ألة الفهم‪� ،‬أو قل‬ ‫لي�س من �أول قراءة‪� .‬إنّ بع�ض ال�شعر الذي‬ ‫�شغفني هو �شعر مل �أفهمه من �أول قراءة‪.‬‬ ‫وبع�ضه �شعر ال �أح�سبني �أفهمه حتى‬ ‫اليوم‪ ،‬مثل �شعر �شك�سبري"‬ ‫وهناك موا�ضع كثرية يف كتابات �إليوت‬ ‫يك ّرر فيها هذا الر�أي بو�ضوح وال�سيما يف‬ ‫مقدمة ترجمته لق�صيدة (�أناباز) لل�شاعر‬ ‫�سان جون بري�س‪ .‬ويذهب �إليوت �أبعد من‬ ‫ذلك يف مقاله (مو�سيقى ال�شعر) حني يرى‬ ‫�أنّ تف�سري القارئ قد يكون �أحيان ًا �أف�ضل‬ ‫من تف�سري ال�شاعر نف�سه‪.‬‬ ‫ولي�س بعيد ًا عن هذا الر�أي نقاد كثريون‬ ‫منهم ف‪ .‬ر‪ .‬ليفيزالذي ي�ست�شهد به ل�ؤل�ؤة‬ ‫كثري َا والذي يرى يف كتابه (اجتاهات‬ ‫جديدة يف ال�شعر الأنكليزي) ‪�":‬إن الأر�ض‬ ‫اخلراب يجب �أن تكون ق�صيدة على نحو‬ ‫بينّ مهما كانت �صعوبتها‪ ..‬لأنها ق�صيدة‬ ‫ذات ا�ستمرارية ذاتية‪ .‬وبرغم �أنها �ستفقد‬ ‫طي الكتمان‪،‬‬ ‫الكثري �إذا ظ ّلت مالحظاتها ّ‬ ‫ف�إنّ النقد املهم هو �أنّ الق�صيدة ال تعتمد‬ ‫على املالحظات كثري ًا‪ .‬بل يجب القول‬ ‫ب�أنها �سوف ال تفقد الكثري بدون املالحظات‬ ‫وبدون االعتماد على كتاب (من الطق�س‬ ‫�إىل الرواية اخليالية)‪ .‬وهذا يعني �أن لها‬ ‫حتديدات مالزمة للظروف التي انتجت‬ ‫الق�صيدة"‪( .‬الرتجمة العربية �ص‪)101‬‬ ‫وال يختلف ناقد ثالث �أحدث من ال�سابقني‬ ‫عن هذا الر�أي وهو �أ‪� .‬ألفاريز يف كتاب‬ ‫له يتناول فيه بع�ض ال�شعراء الإنكليز‬ ‫والأمريكان ومن بينهم �إليوت‪ .‬ولعل‬ ‫�أطرف ما قر�أت هو ر�أي الناقد بيرت جونز‬ ‫يف كتابه (مدخل �إىل ال�شعراء الأمريكان)‪،‬‬ ‫املتعلق مبا يحتويه �شعر �إليوت من‬ ‫ت�ضمينات تبدو �أكرث مالءمة يف ق�صائده‬ ‫مما هي يف الأ�صل‪� ،‬أي �أننا حني نقر�أها‬ ‫يف م�صادرها نتذكر �إليوت بينما ال نتذكر‬ ‫م�صادرها حني نقر�أ �شعر �إليوت لأنها‬ ‫�أ�صبحت جزء ًا من ن�سيج هذا ال�شعر‪.‬‬ ‫وبالتايل ف�إن اتهام القارئ باجلهل لعدم‬ ‫معرفته بامل�صادر تبدو واهية وال �سيما‬ ‫حني تبدو مرتبطة بال�صفعة‪.‬‬ ‫�أما �إليوت يف �شعره املت�أخر كما يف‬ ‫(�أربعاء الرماد) و(الرباعيات) فلم تعد‬ ‫لديه امل�صادر ذات �أهمية يف فهم �شعره‬ ‫وتذوقه‪ ،‬على �سعة هذه امل�صادر كما يرى‬ ‫ذلك الناقد �شريي الذي �أ�شرنا �إليه من قبل‬ ‫يف كتابه‪�( :‬إليوت �شاعر ًا وم�سرحيا)‪.‬‬ ‫والغريب �أن ل�ؤل�ؤة يعود يف نهاية كتابه‪،‬‬ ‫�إىل تكرار ما �سبق �أن طرحه‪ ،‬ف�إليوت يف‬ ‫ر�أيه‪":‬ال يحرتم الوزن والقافية" و ليفيز‬ ‫يعرتف �أن ق�صائد �إليوت يف"غاية الرباعة‬ ‫والإهانة" م�ضيف ًا �إىل قول ليفيز" لقراء‬ ‫جتدهم الق�صيدة من اجلاهلني" ولعل من‬ ‫ح�سن امل�صادفة �أن كتاب ليفيز مرتجم �إىل‬ ‫العربية ولي�س فيه �شيء من هذا القبيل‪،‬‬ ‫وب�إمكان القارئ العودة �إليه‪.،‬بل �إن لـ‬ ‫(ليفيز) ر�أي ًا هو على النقي�ض مما ذكره‬ ‫ل�ؤل�ؤة �سواء من خالل ما مل�سناه يف املقطع‬ ‫الذي ا�ست�شهدنا به �سابق ًا‪� ،‬أو من خالل‬ ‫مايرد يف كتابه املذكور نف�سه من عبارات‬

‫◄‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪10‬‬

‫كهذه العبارة‪ ":‬لقد حريين كثريا اخلوف‬ ‫من الإ�سهاب فيما هو وا�ضح جلي �إىل‬ ‫�شتيمة القارئ"‪� ،‬إننا نلم�س هنا تقدير ًا‬ ‫للقارئ ولي�س العك�س‪.‬‬ ‫ولو عدنا �إىل ترجمته وقار ّناها بغريها‬ ‫من الرتجمات الأخرى لبدت بع�ض هذه‬ ‫الرتجمات �أكرث طالوة‪ ،‬و�إن �أعوزتها الدقة‬ ‫يف بع�ض الألفاظ‪.‬‬ ‫�س�أورد بع�ض املقاطع من ترجمة ل�ؤل�ؤة‬ ‫ومثيالتها من الرتجمات الأخرى و�أترك‬ ‫احلكم للقارئ‪:‬‬ ‫‪Winter kept us warm,‬‬ ‫‪covering‬‬ ‫‪Earth in forgetful snow,‬‬ ‫‪feeding‬‬ ‫‪A little life with dried‬‬ ‫‪.tubers‬‬ ‫‪Summer surprised‬‬ ‫‪us, coming over the‬‬ ‫‪Starnbergersee‬‬ ‫‪With a shower of rain; we‬‬ ‫‪stopped in the colonnade‬‬ ‫‪And went on in sunlight,‬‬ ‫‪,into the hofgarten‬‬ ‫‪And drank coffee, and‬‬ ‫‪.talked for an hour‬‬ ‫ال�شتاء دف�أنا‪ ،‬يغطي‬ ‫ن�ساء‪ ،‬يغ ّذي‬ ‫الأر�ض بثلج ّ‬ ‫حياة �ضئيلة بدرنات ياب�سة‬ ‫ال�صيف فاج�أنا‪ ،‬ينزل على بحرية‬ ‫(�شتارنربكر)‬ ‫ّ‬ ‫بزخة مطر‪ ،‬توقفنا بذات العمد‬ ‫ث ّم وا�صلنا امل�سري �إذ طلعت ال�شم�س‪ ،‬فبلغنا‬ ‫"الهوفكارتن"‬ ‫و�شربنا قهوة‪ ،‬ثم حتدثنا �ساعة‬ ‫(ترجمة ل�ؤل�ؤة)‬ ‫ال�شتا�ؤ د ّفانا‪ّ ،‬‬ ‫غطى‬ ‫الأر�ض بثلجه الكثري الن�سيان‪ ،‬مغ ّذي ًا‬ ‫بالكم�أة الياب�سة حيا ًة ب�سيطة‪.‬‬ ‫فاج�أنا ال�صيف‪� ،‬آتي ًا عرب‬ ‫ال"�ستارنربجر�س"‬ ‫مع وابلٍ من املطر‪ ،‬توقفنا حتت القناطر‪،‬‬ ‫ووا�صلنا ال�سري يف نور ال�شم�س‪ ،‬يف‬ ‫"الهوفغارن"‬ ‫ث ّم �شربنا قهوة‪ ،‬وحتدّثنا �ساعة‬ ‫(ترجمة �أدوني�س واخلال)‬ ‫‪.Unreal city‬‬ ‫‪Under the brown fog of a‬‬ ‫‪,winter dawn‬‬ ‫‪A crowd flowed over‬‬ ‫‪,London Bridge, so many‬‬ ‫‪I had not thought death‬‬ ‫‪.had undone so many‬‬ ‫‪Sighs, short and‬‬ ‫‪,infrequent, were exhaled‬‬ ‫‪And each man fixed his‬‬ ‫‪eyes before his feet‬‬ ‫‪Flowed up the hill and‬‬

‫العدد (‪)2102‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )16‬ني�سان ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2102‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )16‬ني�سان ‪2011‬‬

‫‪,down King William Street‬‬ ‫‪To where saint Mary‬‬ ‫‪Woolnoth kept the hours‬‬ ‫‪With a dead sound on the‬‬ ‫‪,final stroke of nine‬‬ ‫‪There I saw one I knew,‬‬ ‫‪and stopped him, crying:‬‬ ‫‪!‘Stetson‬‬ ‫‘‪You who were with me in‬‬ ‫‪!the ship at Mylae‬‬ ‫‘‪That corpse you planted‬‬ ‫‪,last year in your garden‬‬ ‫‘?‪Has it begun to sprout‬‬ ‫‪?Will it bloom this year‬‬ ‫‘‪Or has the sudden frost‬‬ ‫‪?disturbed its bed‬‬ ‫‘‪O keep the dog far hence,‬‬ ‫‪,that’s friend to men‬‬ ‫‘‪or with his nails he’ll dig it‬‬ ‫‪!up again‬‬ ‫‘‪You! Hypocrite lecteur!-‬‬ ‫‪mon semblable, - mon‬‬ ‫‪’!frere‬‬ ‫مدينة الوهم‬ ‫حتت ال�ضباب الأ�سمر من فجر �شتائي‬ ‫ان�ساب جمهور على ج�سر لندن‪،‬غفري‪،‬‬ ‫ما كنت �أح�سب �أنّ املوت قد طوى مثل هذا‬ ‫اجلمع‪.‬‬ ‫ح�سرات‪ ،‬ق�صرية متقطعة‪ ،‬كانوا ينفثون‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وكل امرئ قد ثبت ناظريه �أمام قدميه‪.‬‬ ‫انطلقوا �صعد ًا ث ّم انحدروا يف �شارع امللك‬ ‫وليم‬ ‫�إىل حيث كني�سة ماري ولنوث تع ّد‬ ‫ال�ساعات‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫ب�صوت قتيلٍ على �آخر الد ّقة التا�سعة‬ ‫ٍ‬ ‫هناك ر�أيتُ واحد ًا عرفته فا�ستوقفته‬ ‫�صائح ًا‪� :‬سنت�سن!‬ ‫"يامن كنت معي على ال�سفائن يف مايلي!‬ ‫"تلك اجلثة التي زرعتها ال�سنة املا�ضية‬ ‫يف حديقتك‪،‬‬ ‫هل بد�أت تورق؟هل �ستزهر هذه ال�سنة؟‬ ‫"�أم �أن ال�صقيع املباغت قد � ّ‬ ‫أق�ض‬ ‫م�ضجعها؟‬ ‫"�أبعد الكلب عنها‪ ،‬فهو �صديق للب�شر‪،‬‬ ‫و�إ ّال ف�سيحفر ب�أظافره وي�ستخرجها ثانية!‬ ‫(ترجمة ل�ؤل�ؤة) مدينة وهمية‬ ‫�شتائي‪،‬‬ ‫فجر‬ ‫حتت ال�ضباب القامت يف ٍ‬ ‫ّ‬ ‫جموعٌ تد ّفقت على ج�سر لندن‪ ،‬بكرثة‪،‬‬ ‫مل �أكن �أظنّ �أنّ املوت قد اباد مثل هذا العدد‬ ‫ت�أوهات‪ ،‬ق�صرية‪ ،‬كانت ت�صعّد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وكل �س ّمر عينيه �أمام قدميه‬ ‫تدفقت ت�صعد التلة وتهبط �شارع امللك‬ ‫وليم‪،‬‬ ‫�إىل حيث كني�سة القدّي�سة مرمي وولنوث‪،‬‬ ‫تع ّد ال�ساعات‬ ‫ب�صوت ميت عند ال�ضربة التا�سعة الأخرية‬ ‫هناك ر�أيت واحد ًا �أعرفه ‪ ،‬ا�ستوقفته‪،‬‬ ‫�صارخ ًا‪�":‬ستان�سن"!‬ ‫بحار ًا يف ميالي!‬ ‫"يامن كنت معي ّ‬ ‫"تلك اجلثة التي غر�ستها ال�سنة املا�ضية‬ ‫يف حديقتك‪،‬‬ ‫"هل بد�أت تنبت؟ هل �ستورق هذه‬ ‫ال�سنة؟‬ ‫�أم �أنّ ال�صقيع املفاجئ � ّ‬ ‫أق�ض م�ضجعها؟‬ ‫دع الكلب بعيد ًا من هنا‪� ،‬إنه �صديق‬ ‫"�أوه ِ‬ ‫للنا�س‪،‬‬ ‫"و�إ ّال نب�شها ب�أظفاره مرة �أخرى !‬

‫(ترجمة �أدوني�س ويو�سف‬ ‫اخلال)‬ ‫‪The time is now propitious,‬‬ ‫‪,as he guesses‬‬ ‫‪The meal is ended, she is‬‬ ‫‪,bored and tired‬‬ ‫‪Endeavour to engage her‬‬ ‫‪in caresses‬‬ ‫‪Which still are unreproved,‬‬ ‫‪.if undesired‬‬ ‫‪Flushed and decided, he‬‬ ‫‪;assaults at once‬‬ ‫‪Exploring hands encounter‬‬ ‫‪no defence‬‬ ‫‪His vanity requires no‬‬ ‫‪,response‬‬ ‫‪And makes welcome of‬‬ ‫‪.indifference‬‬ ‫الوقت م�ؤات الآن‪ ،‬كما يظنّ ‪،‬‬ ‫فالوجبة انتهت‪ ،‬وهي �ضجرة متعبة‪،‬‬ ‫يحاول �أن ي�أخذها مبداعبات‬ ‫ال ترغبها‪ ،‬لكنها ال ت�ستهجنها‬ ‫و�إذ ي�ستثار وي�صمم‪ ،‬يهاجم يف احلال‪،‬‬ ‫بيدين جتو�سان ال تقابالن �صدود ًا‪،‬‬ ‫ولأن غروره ال ينتظر جوابا‪،‬‬ ‫فهو يقلب الالمباالة ترحابا‬ ‫(ترجمة ل�ؤل�ؤة)‬ ‫الوقت الآن مالئم‪ ،‬كما يظنّ ‪،‬‬ ‫الوجبة انتهت‪ ،‬وهي �ضجرة ومتعبة‪،‬‬ ‫يحاول �أن يدخل معها يف مغازلة‬ ‫مل ُتطلب‪ ،‬لكنها مل ترف�ض‬ ‫يُقبل على الفور‪ ،‬حمتد ًا وجازم ًا‪،‬‬ ‫يداه ترودان وما من دفاع‪،‬‬

‫ال تعوز كربيا�ؤه تلبية‪،‬‬ ‫ويجعل من الالمباالة ترحيب ًا‬ ‫(ترجمة �أدوني�س واخلال)‬ ‫‪After the torchlight red on‬‬ ‫‪sweaty faces‬‬ ‫‪After the frosty silence in‬‬ ‫‪the gardens‬‬ ‫‪After the agony in the‬‬ ‫‪stony places‬‬ ‫‪The shouting and the‬‬ ‫‪crying‬‬ ‫‪Prison and palace and‬‬ ‫‪reverberation‬‬ ‫‪Of thunder of spring over‬‬ ‫‪distant mountains‬‬ ‫‪He who was living is now‬‬ ‫‪dead‬‬ ‫‪We who were living are‬‬ ‫‪now dying‬‬ ‫‪With a little patience‬‬ ‫بعد وهج امل�شاعل على الوجوه العرقة‬ ‫بعد �صمت ال�صقيع يف الب�ساتني‬ ‫بعد الآالم يف الأماكن احلجرية‬ ‫وال�صياح والعويل‬ ‫وال�سجن والق�صر وجتاوب‬ ‫رعد الربيع على اجلبال الق�صية‬ ‫الذي كان حيّا هو الآن ميت‬ ‫الذين كنا �أحياء نحن الآن منوت‬ ‫بقليل من ال�صرب‬ ‫(ترجمة ل�ؤل�ؤة)‬ ‫بعد �أن �ألقت امل�شاعل‬ ‫بوهجها الأحمر على الوجوه التي تت�صبب‬ ‫عرق ًا‬ ‫وبعد ال�سكون املطبق يف احلدائق‬ ‫ثم العويل وال�صراخ‬ ‫يف ال�سجون والق�صور‬ ‫وق�صف الرعد وهو يرتدّد على اجلبال‬ ‫البعيدة‬ ‫الآن قد مات من كان ح ّي ًا‬ ‫ونحن الذين كنا �أحياء منوت الآن‬ ‫يف تباط�ؤ ق�صري الأجل‬ ‫(ترجمة متي)‬ ‫يف هذه املقاطع التي �أوردناها للدكتور‬ ‫عبدالواحد ل�ؤل�ؤة �أعاله ملقارنتها‬ ‫بالرتجمات الأخرى العديد من امل�آخذ‪:‬‬ ‫يف املقطع الأول‪:‬‬ ‫ترد ترجمة "الثلج الن�ساء" وال�صحيح‬ ‫هو "الثلج الباعث على الن�سيان"‪ ،‬وال‬ ‫�أدري ماذا يعني ل�ؤل�ؤة ‪ -‬ال �إليوت بالطبع‬ ‫الن�ساء‪� ،‬أما (ذات العمد) فهي‬ ‫ بالثلج ّ‬‫لفظة مهملة ال �إيحاء لها وال ميكن �أن حت َل‬ ‫ّ‬ ‫حمل املعنى احلقيقي للفظة الأ�صلية التي‬ ‫تعني �ص ّف ًا من الأعمدة �أوالقناطر وهذا ما‬ ‫جاء يف ترجمة اخلال و�أدوني�س اللذين‬ ‫يرتكبان اخلط�أ ذاته يف ترجمتهما‪ :‬الثلج‬ ‫كثري الن�سيان‪.‬‬

‫ويف املقطع الثاين‪:‬‬ ‫ترد مدينة الوهم وال�صحيح هو املدينة‬ ‫الوهمية وثمة فرق بني املعنيني‪ ،‬كما �أن‬ ‫ال�صفة التي تلحق ال�ضباب وهي "الأ�سمر"‬ ‫تبدو من نافل الكالم‪ ،‬وكان الأوىل به‬ ‫�أن يرتجمها بـ " القامت" كما فعل اخلال‬ ‫و�إدوني�س‪ ،‬وهي �أدق للتعبري عن ال�ضباب‬ ‫حني يتكثف يف لندن وي�صبح قامتا‪ .‬مثلما‬ ‫تبدو ترجمتهما �أدق با�ستخدام الفعل‬ ‫�أباد لأنّ الفعل طوى ال ي�ؤدي معنى الفعل‬ ‫باللغة الأ�صلية وما يرتبط به من ع�صف‬ ‫وتدمري‪ .‬كذلك ف�إن ا�ستخدامه �صفة قتيل‬ ‫لل�صوت ولي�س امليت هو م�أخذ وا�ضح‬ ‫لأنه بكل ب�ساطة ميت للآذان ال�صدئة‪..‬‬ ‫�آذان احل�شد العابر ج�سر لندن عند ال�ساعة‬ ‫التا�سعة وهي ال�ساعة التي �صلب فيها‬ ‫امل�سيح �أي�ضا‪� .‬أما جملة "�أبعد الكلب عنها"‬ ‫فالأقرب �إىل روح الن�ص ولفظه‪ ،‬وكذلك‬ ‫احل�سي امللئ باحلركة‬ ‫�إىل �أ�سلوب اليوت‬ ‫ّ‬ ‫والإ�شارات �أن ترتجم هذه اجلملة هكذا‪:‬‬ ‫"�أوه‪ ..‬دع الكلب بعيد ًا من هنا"‬ ‫�أما املقطع الثالث فيبدو لنا �أن تركيب جمله‬ ‫بحاجة �إىل دقة �أكرب فاملداعبات" ال ترغبها‪،‬‬ ‫لكنها ال ت�ستهجنها" والرتجمة الأب�سط‬ ‫والأكرث �سال�سة هي‪" :‬الترف�ضها و�إن‬ ‫كانت ال ترغب فيها"‪ ،‬كذلك جملة "غروره‬ ‫ال ينتظرجواب ًا" ف�إنّ �صحيحها "غروره‬ ‫ال يتطلب ا�ستجابة"‪ ،‬وال ادري ما حمل‬ ‫هذا ال�سجع املفاجئ " جوابا‪ ،‬ترحابا" يف‬ ‫�أ�سلوبه الذي يتقعر يف هذين البيتني‪:‬‬ ‫الذي كان حيّا هو الآن ميت‬ ‫الذين كنا �أحياء نحن الآن منوت‬ ‫والأ�سلم �أن يقول‪:‬‬ ‫من كان ح ّي ًا هو الآن ميت‬ ‫ونحن الذين كنا �أحياء منوت الآن‬ ‫وال يخلو املقطع الرابع من التبا�سات �أي�ض ًا‬ ‫ال�صقيعي يف احلدائق" ي�صبح‬ ‫فـ "ال�صمت‬ ‫ّ‬ ‫"�صمت ال�صقيع يف الب�ساتني"‪.‬‬ ‫وبعيد ًا عن ذكر الأغالط وما يرافقها من‬ ‫تدقيق مرهق ف�إن مقاطع ل�ؤل�ؤة تبدو‪،‬‬ ‫�أحيان ًا‪ ،‬مفتقرة �إىل ال�شعرمقارنة باملقاطع‬ ‫الأخرى على كرثة �أخطاء هذه املقاطع‬ ‫�أي�ض ًا‪ ،‬وقد ا�ض ّر بها ا�ستخدام الأ�ساليب �أو‬ ‫الألفاظ القدمية‪:‬‬ ‫ح�سرات‪ ،‬ق�صرية متقطعة‪ ،‬كانوا ينفثون‬ ‫*‬ ‫ٍ‬ ‫* الوجوه العرقة‬ ‫* جتاوب رعد الربيع الذي تذكرين ب�شطر‬ ‫بيت طرفة بن العبد‪ :‬جتاوب �أظ� ٍآر على‬ ‫ربع ردي" وال ب�أ�س من �إحياء الألفاظ‬ ‫ٍ‬ ‫القدمية وا�ستعمالها �إذا كان يف ذلك ما‬ ‫مينح اللفظة يف ال�شعر طاقات �أخرى‬ ‫للإيحاء ولكن ما �أوردناه كان نقي�ض ذلك‪.‬‬ ‫و�إذا كانت الدقة ن�صب عني ل�ؤل�ؤة يف‬ ‫ر�صده للأخطاء ويف تف�سريه وحتليله‬ ‫بل وترجمته ف�إن هذه الدقة �سرعان ما‬ ‫نفتقدها يف �أفكاره التي ا�ستغرقت مقدماته‬ ‫لتف�سري الق�صيدة وحتليلها‪ ،‬يطرحها ب�شكل‬ ‫م�سلمات وبتعميم يتناق�ض وحر�صه على‬ ‫التدقيق والت�شخي�ص‪ ،‬فهو يرى مثال �أن‬ ‫�شعر �إليوت يرتكز على ثالث دعائم من‬ ‫الرتاث‪ :‬الأوىل دانتي‪ ،‬والثانية ال�شعر‬ ‫الإنكليزي يف القرن ال�سابع ع�شر‪ ،‬والثالثة‬ ‫الرمزية الفرن�سية املمثلة بكوربري‬ ‫وبودلري وال�سيما بودلري يف (�أزهار‬ ‫ال�شر)‪ ":‬ث ّم وجد ذلك الرتكيز املفرط‪ ،‬يف‬ ‫التعبري باالقت�صاد املفرط يف الألفاظ‪ ،‬كما‬ ‫يف �شعر بودلري‪ ،‬وخ�صو�ص ًا يف �أزهار‬ ‫ال�شر" �ص‪ 24‬وكان من نتائج ذلك ‪ ،‬على‬ ‫ح ّد تعبريه "ت�ضحية بوزن ال�شعر كما‬ ‫حددته قواعد العرو�ض وتغيري يف تركيب‬ ‫اجلملة كما حددته قواعد النحو‪ .‬لقد وجد‬ ‫�إليوت كما وجد كوبيري والفورغ وبودلري‬ ‫من قبله هذه الت�ضحية بالوزن وهذا‬ ‫التغيري يف النحو يجعل الت�صاق ال�شاعر‬ ‫بالفكرة �أ�ش ّد "‬ ‫غري �أنّ ن ّقاد ًا كثريين ال يرون هذا الر�أي‪،‬‬

‫وي�شريون �إىل ا�ستخدام �إليوت ال�شعر‬ ‫املر�سل الذي ا�ستخدمه �شعراء القرن‬ ‫ال�سابع ع�شر‪� ،‬إذ وجد فيه ا�ستيعاب ًا �أكرب‬ ‫لأفكاره مما لو ا�ستخدم طريقة �سبن�سر‪،‬‬ ‫كما ي�شريون �إىل ابتعاده ابتعاد ًا كليا عن‬ ‫طريقة باوند واحلركة الت�صويرية التي‬ ‫مل يكن �أحد �شعرائها يوم ًا‪ ،‬منذ ق�صيدته‬ ‫جريونتيون (ميكن مراجعة ذلك يف كتاب‬ ‫"الأزمة يف ال�شعر الإنكليزي" لفيفيان دو‬ ‫�سوال بنتو) ‪ ،‬و�أنه مل يت�أثر بكل الرمزيني‬ ‫بل ببع�ضهم‪ ،‬فهو ‪-‬على العك�س من ييت�س‪-‬‬ ‫مل يت�أثر مباالميه وال بفرلني بل بكوربيري‬ ‫وال فورغ‪� ،‬أما بالن�سبة �إىل بودلري فهو‬ ‫�أ�ش ّد تاثري ًا بييت�س كما ت�شري �إىل ذلك بنتو‬ ‫�أي�ض ًا يف كتابها الآنف الذكر‪ .‬وي�ؤكد هذا‬ ‫الر�أي ال�شاعر الأمريكي راندل يف �أحدى‬ ‫مقاالته عن �إليوت‪.‬‬ ‫و ي�ضيف بع�ض النقاد �إىل ت�أثري كوربري‬ ‫والفورغ ت�أثري �شاعر �آخر هو د‪ .‬بو�س�شري‬ ‫الذي تقرب طريقته يف كتابة ال�شعر من‬ ‫طريقة �آالن روب غرييه‪.‬‬ ‫مل يت�أثر �إليوت بالفورغ لأنه �أكرب ال�شعراء‬ ‫الرمزيني كما يذكر ذلك ل�ؤل�ؤة بل بطريقته‬ ‫اخلا�صة يف ا�ستخدام �إيقاع اللغة املحكية‬ ‫وال�صورامل�ستمدة من احلياة املعا�صرة‬ ‫واالنتقال املفاجئ من الكثافة الغنائية‬ ‫�إىل الواقعية ال�ساخرة املتوترة على ح ّد‬ ‫تعبري بنتو‪ ،‬كما �أنه مل يكن �أكرب ال�شعراء‬ ‫الرمزيني‪ ،‬و �أهميته تكمن يف طرائقه‬ ‫ال�شعرية يف الكتابة‪ّ .‬‬ ‫ولعل من ف�ضائل‬ ‫�إليوت هو ت�أثره مبن هم � ّ‬ ‫أقل مرتبة من‬ ‫غريهم من ال�شعراء الكبار املعروفني‪،‬‬ ‫غري �أن عزيزنا ل�ؤل�ؤة كثري ًا ما ين�ساق يف‬ ‫تقييماته وال �سيما يف ما يخ�ص ال�شعراء‬ ‫الذين يتناولهم يف مقاالته‪ ،‬ف�إليوت يف‬ ‫كتابه هو الأول والأخري يف ال�شعر‪،‬‬ ‫أمريكي �ستفين�س هو �أ�شعر‬ ‫وال�شاعر ال‬ ‫ّ‬ ‫ال�شعراء يف مقالة له يف جملة �شعر‪،‬‬ ‫والفورغ هو �أكرب ال�شعراء الرمزيني‪،‬‬ ‫وريت�شاردز �شيخ النقاد‪ ،‬وليفيز الناقد‬ ‫الكبري وهكذا ت�أخذه احلما�سة على طريقة‬ ‫نقادنا العرب القدامى‪ ،‬بينما نرى بع�ض‬ ‫الذين ذكرهم كليفيز مث ًال نال من �سخرية‬ ‫النقاد والكتاب الإنكليز ال�شيء الكثري‬ ‫ب�سبب التواء ا�سلوبه وعدم دقة �أفكاره‪.‬‬ ‫�أما بالن�سبة �إىل الت�ضحية بوزن ال�شعر‬ ‫فلم يعرف عن بودلري �أنه �ضحى بالوزن‬ ‫يف (�أزهار ال�شر) بل جاء وفق ًا للأوزان‬ ‫الفرن�سية املعروفة‪ .‬كما �أن �إليوت كان‬ ‫يف غاية الدقة والرباعة يف ا�ستخدامه‬ ‫الأوزان يف �أعماله الأخرية وال�سيما‬ ‫(ديوان القطط)‪.‬‬ ‫يرى ل�ؤل�ؤة �أي�ض ًا �أنّ "طريقة ال�شعر احل ّر‬ ‫�أ�سا�سية يف التقومي ال�صحيح ل�شعره"‬ ‫وهو لو اطلع على مقال �إليوت( ت�أمالت يف‬ ‫ال�شعر احل ّر) لرتيث قليال يف �إطالق مثل‬ ‫هذا احلكم‪ .‬يرى �إليوت يف هذا املقال الذي‬ ‫كتبه مبكر ًا يف ‪� 1917‬أن م�صطلح ال�شعر‬ ‫احل ّر ال يعني �شيئ ًا‪ ،‬و�أن لي�س ثمة �شعر بال‬ ‫وزن و�أن غياب القافية ي�ؤكد �ضرورتها يف‬ ‫بع�ض املوا�ضع من الق�صيدة لإحداث �أثر‬ ‫�أو توتر مطلوبني‪ ،‬و�أن ال�شعر املقفى مل‬ ‫يفقد دوره بعد‪ .‬ث ّم ي�صل �إىل نتيجة هي ‪:‬‬ ‫ثمة �شعرجيد و�آخر رديء‪ .‬ولعل من املفيد‬ ‫الإ�شارة يف هذا املجال �إىل �أنّ الناقد بيرت‬ ‫جونز يف كتابه الذي �أ�شرنا �إليه �سابق ًا‪،‬‬ ‫يرى �أن ما ا�ست�أثر بانتباه �إليوت �إىل �شعر‬ ‫ال فورغ هو ا�ستخدامه للأبيات املقفاة‬ ‫ذات الأطوال املختلفة وقوافيه التي جتيء‬ ‫يف موا�ضع غري متوقعة‪.‬مثلما ا�ست�أثر‬ ‫بانتباهه ا�ستخدامه لل�شعر املر�سل ال�شبيه‬ ‫ب�شعر �شك�سبري املت�أخر و�شعر تورنر‬ ‫وويب�سرت‪.‬‬ ‫ولو اتبعنا منهج ل�ؤل�ؤة يف تر�صد الأغالط‬ ‫لتبني لنا �أن ترجمته ال تخلو من امل�آخذ‪،‬‬ ‫�أوردنا بع�ضها يف املقاطع التي ا�ست�شهدنا‬ ‫بها �سابق ًا ملقارنتها مبا يقابلها من مقاطع‬

‫‪11‬‬ ‫�آخرى مرتجمة من قبل �آخرين‪ ،‬فهو‬ ‫يرتجم ال�ساعة البنف�سجية بـ "�ساعة‬ ‫ال�شفق" وهذه ترجمة تف�سريية غري‬ ‫�صحيحة لأن �إليوت يكرر ال�صفة يف البيت‬ ‫" واخلفافي�ش بوجوهها الطفلية يف‬ ‫ال�ضوء البنف�سجي" الذي يرتجمه ل�ؤل�ؤة‬ ‫البنف�سجي ‪-‬‬ ‫بـ"�ضوء ال�شفق" الن اللون‬ ‫ّ‬ ‫كما يو�ضح ذلك الناقد بروك�س �أحد �أبرز‬ ‫�ش ّراح الأر�ض اخلراب‪" :‬هو واحد من‬ ‫�ألوان الكني�سة الطقو�سية‪ ،‬يرمز �إىل الندم‬ ‫وهو �أي�ض ًا لون التعميد"‬ ‫كذلك يرتجم ل�ؤل�ؤة �صيحة فيلوميال بـ"زق‬ ‫زق" والأ�صح كما وردت يف الأ�صل "جك‬ ‫جك "لأنها �أقرب �إىل ال�صيحة ولي�ست‬ ‫الزقزقة‪ ،‬ف�أغنية العندليب‪ ،‬كما يعلق‬ ‫على ذلك بروك�س‪ ،‬مل تعد متلأ ال�صحراء‬ ‫بال�صوت غري املغت�صب لفيلوميال‬ ‫املغت�صبة بل هو جمرد �صوت قبيح "جك‬ ‫جك" وي�ست�شهد بروك�س يف هذا املقطع‬ ‫مبا قال‪ ،‬ت�أييدا له‪ ،‬الناقد املعروف �إدموند‬ ‫ول�سن‪.‬‬ ‫وال تخلو ترجمته من باعث على الت�سا�ؤلٍ‬ ‫حني يرتجم حطام امللك بحطام �سفينة‬ ‫امللك لأن املتحدث هنا يجل�س عند قناة‬ ‫راكدة‪� ،‬أو ترعة �آ�سنة برتجمة �أخرى‪،‬‬ ‫ولي�س بحر ًا لتكون هناك بقايا �سفينة‬ ‫تتحطم‪.‬‬ ‫ثمة ت�سا�ؤالت �أخرى ب�صدد مقابلة الأممي‬ ‫باليهودي لأن الأممي ي�شمل اليهودي‬ ‫بالإ�ضافة �إىل �إيحاءاتها ال�سيا�سية‬ ‫والأ�صح‪� ":‬أ كنت يهوديا �أم غري يهودي؟"‬ ‫كما جاء يف ترجمة اخلال و�أدوني�س‪.‬‬ ‫ومل تقت�صر الت�سا�ؤالت على ق�صيدة‬ ‫(الأر�ض اخلراب) بل �شملت ترجماته‬ ‫لعناوين الق�صائد الأخرى �أو كلماتها‬ ‫الواردة يف كتابه‪ ،‬كـهذا العنوان " �إىل‬ ‫حبيبته اخلجول" وهي ق�صيدة �شهرية‬ ‫ملارفيل يرتجمها بـ "�إىل حبيبته ال�صدود"‬ ‫‪� ,‬أو كهذه الرتجمة لبيت بودلري‪:‬‬ ‫حيث الطيف يف و�ضح النهار يلتقط العابر‬ ‫وال�صحيح‪" :‬ال�شبح"‬ ‫وهو ي�ؤاخذ حمقا يو�سف اليو�سف على‬ ‫حو�شية �ألفاظه بينما ال تخلو ترجمته من‬ ‫احلو�شي يف موا�ضع كثرية مثل "وجهه‬ ‫املدمل"‪�" ،‬أجواب"‪" ،‬طغامة" بالإ�ضافة‬ ‫�إىل ما �أوردناه من �أ�ساليب ال تتنا�سب‬ ‫وجو الق�صيدة كهذه الرتجمة‪:‬‬ ‫ح�سرات‪ ،‬ق�صرية متقطعة‪ ،‬كانوا ينفثون‬ ‫ٍ‬ ‫و�أخريا �أود �أن �أقف عند ر�أيه برتجمة‬ ‫يو�سف اليو�سف لـ (الأر�ض اخلراب)‬ ‫التي �صدرت يف كتاب م�ستقل مع ق�صائد‬ ‫�أخرى �أرفقها املرتجم ب�شروحاته �أي�ض ًا‪،‬‬ ‫فهو يعتربها �أف�ضل الرتجمات‪ ،‬وهذا‬ ‫ر�أي بحاجة �إىل الدقة لأن الأغالط التي‬ ‫ذكرها يف ترجمة اليو�سف هي جزء ي�سري‬ ‫من �أغالط �أخرى بع�ضها ما ي�ؤاخذ به‬ ‫ل�ؤل�ؤة نف�سه "ك�ساعة ال�شفق" وغريها‬ ‫مما ذكرناه �سابقا‪ ،‬وبع�ضها مما جاء‬ ‫مبثوث ًا يف الرتجمة‪ " :‬ال�شاب الأحوى"‪،‬‬ ‫ويق�صد به ال�شاب املليء الوجه بالبثور‪،‬‬ ‫"كال�سيارة وهي تنتف�ض يف وقوفها"‬ ‫وهي تهدر منتظرة"‬ ‫ويق�صد "كالتاك�سي ِ َ‬ ‫برتجمة اخلال و�أدوني�س‪"،‬الغرفة‬ ‫امل�سيجة" والكثري الكثري من الأغالط التي‬ ‫ال نود التوقف عندها مثلما ال نود التوقف‬ ‫عند �أفكار يو�سف اليو�سف املطروحة‬ ‫يف ت�شابك هو �أ�ش ّد تعقيدا من ت�شابك‬ ‫�آراء ل�ؤل�ؤة يف كتابه املو�سوم‪( :‬ت‪� .‬س‪.‬‬ ‫�إليوت) ال�صادر عن دار منارات للن�شر يف‬ ‫الأردن‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫كل هذ املالحظات وغريها ال تقلل من‬ ‫اجلهد الكبري الذي بذله ل�ؤل�ؤة‪ ،‬املعروف‬ ‫ب�سعة معارفه واطالعه على الآداب‬ ‫الأجنبية وترجماته التي حظيت بالتقدير‪،‬‬ ‫يف تقدمي ما هو ذو فائدة يف تقريب‬ ‫ق�صيدة مهمة كق�صيدة االر�ض اخلراب �إىل‬ ‫القارئ العربي‪.‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪12‬‬

‫العدد (‪)2102‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )16‬ني�سان ‪2011‬‬

‫توقيعات‪ ..‬على‬ ‫رائعة ت ‪ .‬س‬ ‫‪.‬اليوت األرض‬ ‫اليباب‬

‫هنادة احل�صري‬ ‫ت‪� -‬س‪ -‬اليوت �شاعر من �شعراء‬ ‫الإن�سانية‪ ،‬ترك �أثر ًا كبري ًا يف م�شاعر‬ ‫و�أفكار نا�س قرننا هذا‪ ..‬قرن العذابات‬ ‫الكبرية‪ ،‬واملتغريات الكبرية‪ ..‬قرن العلم‬ ‫والتقنية املمتلئ بال�صناعات والدخان‬ ‫والتلوث وال�صواريخ والكوارث والظلم‪،‬‬ ‫وقد قر�أه العرب مرات و مرات‪ ،‬كرهه‬ ‫املارك�سيون‪ ،‬لأنه مل ي�ستجب �إىل دعاء‬ ‫املادة واملادية التاريخية‪ ،‬والتف�سري‬ ‫الأيدلوجي للكون واملوت واحلياة‪،‬‬ ‫وكرهه اليهو ُد لأنه و�ضعهم يف قاع هذا‬ ‫العامل القذر‪ ،‬ومل يلتفت �إليه الليرباليون‬ ‫لأنه عاد �إىل مقعد الدين واخلال�ص‬ ‫ال�سلفي‪ ،‬ولكن من دون �شك كان اجلميع‬ ‫با�ستثناء اليهود ي�شاركونه ال�شعور‬ ‫باملرارة ويح�سون ب�شوك ال�صبار وهو‬ ‫يدلك �أج�سادهم يف عامل حديدي �صارم بال‬ ‫روح �أ�سقط كل �شيء‪ .‬حتى احلب‪ ..‬فقد‬ ‫�صار ميكانيكي ًا‪ ،‬بال جمال وال هدف‪!!...‬‏‬ ‫ونحن نعيد قراءة ت‪�-‬س‪ -‬اليوت‪ ..‬نعيد‬ ‫قراءة رائعته اليباب ن�شعر باحلاجة‬ ‫املا�سة �إىل �أن نقتطف عنه �شيئ ًا مهما‬ ‫يتعلق بو�سو�سة الروح‪ ،‬وعبق النظافة‪،‬‬ ‫ونب�ض احلياة‪ ،‬الذي يفتقده كون يرتع�ش‬ ‫من الكارثة النووية‪ ،‬والإيدز واجلوع‬ ‫اخلراب والدمار‪!!...‬‏‬ ‫تتكون تقنية اليوت من جتاور احلداثة‬ ‫املتطرفة بكل ما فيها من تعفن مع‬ ‫ال�صوفية والرمزية الدينية امل�ستقاة‬ ‫من املا�ضي‪ .‬فال�شاعر يفهم املا�ضي على‬ ‫�أنه جزء فعال يف احلا�ضر‪ ،‬كما يو�ضح‬ ‫يف ق�صيدته اعتقاده ب�أن املادة املتباينة‬ ‫املقتطفة من املا�ضي ميكن ايالجها يف قلق‬ ‫جديد له هو الآخر فعاليته اخلا�صة به‪.‬‏‬ ‫ففي الق�سم الثاين الذي �أتى حتت عنوان‬ ‫" لعبة ال�شطرجن " جند امللكة كليوبرتا‬ ‫وامللكة " ‪ " Dido‬ديدو وهما رمز‬ ‫الت�ضحية والإخال�ص جنب ًا �إىل جنب مع‬ ‫�ضاربة الآلة الكاتبة وهي فتاة من القرن‬ ‫الع�شرين جت�سد الإباحية واال�ستهتار‬ ‫بكل م�شاعر احلب النبيلة ففي حني �أن‬ ‫امللكة ‪ Dido‬وهي ملكة قرطاجة قد‬ ‫قتلت نف�سها لأن ع�شيقها القائد الع�سكري‬ ‫الروماين " ‪ " Areis‬قد هجرها جند‬ ‫يف الطرف املقابل �ضاربة الآلة الكاتبة‬ ‫ال تكرتث فيما �إذا كان ع�شيقها قد غادر‬ ‫الغرفة �أم ال‪.‬‏‬ ‫العقم الروحي‪:‬‏‬ ‫تركز ق�صيدته اذ ًا‪ ،‬على العقم الروحي‬ ‫الذي �أ�صاب الإن�سان يف القرن الع�شرين‬ ‫وجعله جمرد هيكل يتحرك بال م�شاعر‬ ‫وال �أحا�سي�س ويتج�سد هذا يف الت�صوير‬ ‫الذي اقتب�سه اليوت من "�ساتريكون"‬ ‫حول "ال�سبيل" " ‪ " SYBIe‬حيث يقول‬ ‫املتكلم " بعيني �شاهدت ال�سبيل وملا‬ ‫�س�ألتها ما هي امنيتك �أيتها ال�سبيل قالت‬ ‫�أريد �أن �أموت " والق�صة هي‏ �أن ثالث‬ ‫ن�ساء ذهنب �إىل �أبولو وطلنب منه العمر‬ ‫الطويل فوافق وطلب من كل واحدة‬ ‫�أن متلأ يديها بحبات القمح وكل حبة‬ ‫ت�ساوي �سنة ولكنهن ن�سني �أن يطلنب‬ ‫ال�شباب الدائم‪ ،‬وهذا يعني �أن ه�ؤالء‬ ‫الن�سوة الثالث ق�ضني �شيخوخة طويلة‬ ‫جد ًا ف�أ�صبح املوت رغبة‪ ،‬ترى ماذا يريد‬ ‫اليوت �أن يقول؟ �إنه بالت�أكيد يرمي �إىل‬ ‫ت�أكيد حقيقة تتخلل الق�صيدة برمتها‬ ‫وهي �أنه عندما تفقد احلياة حيويتها‬ ‫فاملوت �أجدر والإ�سقاط هنا وا�ضح‬ ‫جد ًا فالإن�سان يف مطلع القرن الع�شرين‬ ‫ويف ظل هذه احل�ضارة الزائفة قد فقد‬ ‫احليوية الروحانية فغدا بذلك ميت ًا يف‬

‫العدد (‪)2102‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )16‬ني�سان ‪2011‬‬

‫‪13‬‬

‫احلياة برغم ما تزخر به هذه احل�ضارة‬ ‫من زخرف‪ .‬جند هذا املعنى متج�سد ًا يف‬ ‫�أبيات الق�سم الأول املعنون " دفن املوتى‬ ‫" حيث يتحدث اليوت عن عفونة هذه‬ ‫احل�ضارة حتى اللب فيقول‪:‬‏‬ ‫يا بن الإن�سان!!‏‬ ‫ماهذه اجلذور املتوا�شجة؟! و�أية �أماليد‬ ‫تطلع‏‬ ‫من هذه القمامة املتحجرة؟‏‬ ‫اال �إنك ال متلك قو ًال �أو ظن ًا‪� ،‬إذ �أنت ال‬ ‫تعرف‏‬ ‫�إال كومة من الأوثان امله�شمة‪ ،‬حيث تخفق‬ ‫ال�شم�س‏‬ ‫وحيث ال جتود ال�شجرية الهالكة بامل�أوى‏‬ ‫وال احلجر الياب�س بخرير املاء‪.‬‏‬ ‫ لو كان ثمة ماء لوقفنا ‪ ..‬و�شربنا‪-‬‏‬‫يف الأبيات ال�سابقة يقتب�س اليوت من‬ ‫�سفر حزقايل (‪ )162‬حيث يخاطب الله‬ ‫نبيه قائال " يا ابن الإن�سان‪ ،‬قف على‬ ‫قدميك ول�سوف �أتكلم �إليك " ويخربه‬ ‫مبهمته التي هي الوعظ بقدوم امل�سيح‬ ‫�إىل �شعب ملحد وم�شاغب‪ .‬وحيث حكم‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫الله على بني �إ�سرائيل لعبادتهم الأوثان‬ ‫بقوله‪ " :‬ول�سوف تتحطم �أوثانكم "‬ ‫ويعرب اليوت عن هذا اجلذب الروحي‬ ‫الذي �أ�صاب الإن�سان نتيجة ابتعاده‬ ‫عن القيم االخالقية امل�ستمدة من الدين‬ ‫بيبا�س الأر�ض وانحبا�س املطر حيث‬ ‫يتوق املتكلم �إىل �سماع �صوت املاء كحد‬ ‫�أدنى من طموحاته بعد �أن فقد الأمل يف‬ ‫العثور على املاء يقول اليوت يف " مقاله‬ ‫الرعد " هو الق�سم اخلام�س من الق�صيدة‪:‬‏‬ ‫لو كان ثمة ماء لوقفنا و�شربنا‏‬ ‫�أما بني ال�صخور فال ميلك املرء �أن يقف‬ ‫�أو يفكر‏‬ ‫العرق جاف والأقدام غارقة يف الرمال‏‬ ‫لو �أن ثمة املاء وحده بني ال�صخر‏‬ ‫�إنه ثغر جبلي ميت ذو �أ�سنان نخرة ال‬ ‫ق ونتيجة لهذا القحط‬ ‫ت�ستطيع �أن تب�ص ‏‬ ‫الروحي �أ�صبح الإن�سان يعاين من تعب‬ ‫دائم و�أ�صبح يحلم بالراحة التي مل يعد‬ ‫يجدها حتى يف اجلبال‪:‬‏‬ ‫"ال ي�سع املرء هاهنا �أن يقف �أو يرقد‬ ‫�أو يجل�س‏ لي�س هنالك حتى ال�صمت يف‬

‫اجلبال‏‬ ‫بل رعد عقيم جاف بغري غي ‏‬ ‫ث‬ ‫لي�س هنالك حتى العزلة يف اجلبال‏‬ ‫ �أموات‪� ...‬أموات �أموات ‪-‬‏‬‫و�سبب هذا القلق وعدم الراحة كما يراها‬ ‫اليوت يف غياب القيم الروحية التي‬ ‫يج�سدها امل�سيح عليه ال�سالم فالإن�سان‬ ‫املعا�صر نبذ الروحانية واعتنق املادية‬ ‫ونتيجة لذلك فهو ميت يف احلياة ويعرب‬ ‫اليوت عن هذه الفكرة يف بداية الق�سم‬ ‫اخلام�س من الق�صيدة الذي يحمل عنوان‬ ‫" مقالة الرعد " عندما يتحدث عن �إلقاء‬ ‫القب�ض على امل�سيح وكيف �أن احلياة قد‬ ‫ذبلت بعد غيابه‪:‬‏‬ ‫بعد �ضوء ال�شعلة املحمر فوق الوجوه‬ ‫املتعرقة‏‬ ‫بعد ال�صمت ال�صعيقي يف احلدائق‏‬ ‫بعد النزع يف الأماكن احلجرية‏‬ ‫ال�صراخ والعويل‏‬ ‫ال�سجن والق�صر ورجع ال�صدى‏‬ ‫رعد الربيع فوق اجلبال النائية‏‬ ‫من كان حي ًا فهو الآن ميت‏‬

‫ونحن من كنا احياء نحت�ضر الآن‏‬ ‫ الرعاع املقنعون ‏‪-‬‬‫ويتنب�أ اليوت بدمار هذه احل�ضارة‬ ‫الزائفة التي حتمل يف داخلها بذور‬ ‫الفناء ويقتب�س اليوت هنا حلم ًا كان‬ ‫قد ر�آه الفيل�سوف الإنكليزي " برتراند‬ ‫را�سل " حيث ر�أى لندن تنفجر يف الهواء‬ ‫البنف�سجي كما يرى اليوت �أن النا�س يف‬ ‫ظل هذه احل�ضارة املتعفنة قد �أ�صبحوا‬ ‫رعاع ًا ال لون لهم وال هوية تتعرث خطاهم‬ ‫لأنهم ال ميلكون الر�ؤية الوا�ضحة‪ .‬يقول‬ ‫اليوت يف مقالة الرعد‪:‬‏‬ ‫ما ذلك ال�صوت العايل يف الهواء‏‬ ‫متتمة الندب الأمومي‏‬ ‫من �أولئك الرعاع املقنعون املحت�شدون؟‏‬ ‫فوق �سهول ال متناهية‪ ،‬تزل بهم الأقدام‬ ‫يف الرتبة املت�صدعة‏‬ ‫ويحيق بهم االفق امل�سطح وحده‏‬ ‫ما املدينة القائمة فوق اجلبال‏‬ ‫تت�صدع وترتمم يف الهواء البنف�سجي‏‬ ‫بروح مت�ساقطة‏‬ ‫القد�س ‪� -‬أثينا ‪ -‬اال�سكندرية ‪ -‬فيينا ‪-‬‬

‫عاقر والأر�ض يباب وال تزول هذه اللعنة‬ ‫�إال بقدوم غريب يجيب على �أ�سئلة تتعلق‬ ‫بطقو�س اخل�صب‪ .‬ونلتقي مع امللك‬ ‫ال�صياد يف نهاية الق�صيدة حيث كان‬ ‫يجل�س على ال�شاطئ ي�صطاد وال�سهل‬ ‫القاحل خلفه‪ .‬ي�سوق اليوت هذه الق�صة‬ ‫كي يبني لنا اليبا�س الروحي الذي حل‬ ‫بالإن�سان املعا�صر وجعله عاقر ًا روحيا ً‏‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من قتامة ال�صورة يقدم لنا‬ ‫اليوت ب�صي�ص ًا من الأمل للنجاة �إذا ما‬ ‫�أ�صلحنا اخلط�أ وك�أن ل�سان حاله يردد‬ ‫الآية الكرمية " ال يغري الله ما بقوم‬ ‫حتى يغريوا ما ب�أنف�سهم" ويتجلى ذلك ‪،‬‬ ‫بت�ضمينه قول النبي �أ�شعيا للملك حزقيا‬ ‫املري�ض الذي كانت مملكته حتت االحتالل‬ ‫اال�شوري " هكذا يقول الرب‪ ،‬رتب بيتك‪،‬‬ ‫لأنك متوت و التعي�ش "‏‬ ‫�صلى حزقيا طالب ًا الرحمة ف�أجابه الله‬ ‫واعد ًا �إياه �أن ي�سرتد بلده من قب�ضة‬ ‫العدو‪ ،‬كما منحه خم�س ع�شرة �سنة‬ ‫�أخرى من العمر‪ .‬يقول اليوت يف نهاية‬ ‫الق�صيدة‪:‬‏‬ ‫جل�ست على ال�شاطئ‏‬ ‫ا�صطاد‪ ،‬وال�سهل القاحل خلفي‏‬ ‫هل �أرتب �أر�ضي على الأقل؟‏‬ ‫كما يقدم اليوت خمرج ًا من هذا امل�أزق من‬ ‫خالل ن�صائح الإله باراجاف حيث تقول‬ ‫اال�سطورة الهندية �أن ثالث جمموعات‬ ‫(اله‪ -‬ب�شر‪� -‬شياطني) ذهبوا �إىل الآله‬ ‫الأكرب باراجاف وطلبوا منه ن�صيحة فقال‬ ‫لكل جمموعة "‪ Da‬وكل جمموعة ف�سرت‬ ‫‪ Da‬على طريقتها‏‬

‫لندن زائفة‏‬ ‫ �سلة الف�ساد‪ ...‬واليهود ‏‪-‬‬‫وي�صل ت�شا�ؤم اليوت �إىل القمة حني يبني‬ ‫لنا �أن الف�ساد الذي �ضرب قلوب النا�س قد‬ ‫و�صل �إىل درجة ت�ستع�صي على الإ�صالح‪.‬‬ ‫وهنا ي�شري اليوت �إىل حماولة اليهود يف‬ ‫الأ�سر البابلي تذكر كلمات الرب ع�سى‬ ‫�صب‬ ‫ولعل يغفر لهم ويف ّرج عنهم بعد �أن ّ‬ ‫عليهم �صوت عذاب على يد القائد البابلي‬ ‫" نبوخذ ن�صر " الذي �ساقهم �إىل الأ�سر‪..‬‬ ‫وعندما يكت�شف ه�ؤالء انه لي�س بو�سعهم‬ ‫تذكر كلمات الرب للتوبة طمع ًا يف االفالت‬ ‫من الأ�سر يبد�ؤون يف البكاء‪ .‬هنا ي�سقط‬ ‫اليوت هذه احلالة على النا�س يف مطلع‬ ‫القرن حيث و�صلوا �إىل ف�ساد ع�صي على‬ ‫اال�صالح يقول اليوت يف الق�سم الثالث‬ ‫الذي يحمل عنوان " غطة النار " " ‪The‬‬ ‫‪ " Fire sermon‬عند مياه ليمان‬ ‫جل�ست وبكيت‏‬ ‫ومياه ليمان تعني نريان ال�شهوة‪،‬‬ ‫وكلمة ليمان تعني موم�س �أو ع�شيقة و‬ ‫هذا الف�ساد الوا�سع النطاق يتجلى على‬

‫�أ�شده يف تعهري احلب الذي مل يعد �سوى‬ ‫اغت�صاب وممار�سات جن�سية تخلو من‬ ‫�أية م�شاعر ويعرب اليوت عن ذلك بذكره‬ ‫ق�صة امللك " ‪ " tenr‬الذي اغت�صب �أخت‬ ‫زوجته وا�سمها فيلوميال وقطع ل�سانها‬ ‫كي ال تبوح بال�سر بيد �أن الآلهة حولتها‬ ‫�إىل عندليب كي تنجو من غ�ضب ذلك امللك‬ ‫الفا�سق‪:‬‏‬ ‫�صورة اغت�صاب فيلوميال‪ ،‬الذي يفر�ضه‬ ‫امللك الرببري‏‬ ‫بقحة بالغة‪ ،‬ومع ذلك فان العندليب هنالك‏‬ ‫قد �أفعم ال�صحراء جملة ب�صوت حرام‏‬ ‫وهو ما فتئ ي�صرخ والعامل ما زال يثابر‏‬ ‫" جغ ‪ -‬جغ " لآذان قذره‏‬ ‫ جمال احلب وقذارة الع�صر ‪-‬‏‬‫هنا يقارن اليوت عظمة احلب واجلمال‬ ‫يف املا�ضي بتفاهة امل�شاعر ورخ�صها‬ ‫يف الع�صر احلايل‪ .‬ويلج�أ اليوت �إىل‬ ‫اقتبا�سات �أدبية ليو�ضح هذه الفكرة‬ ‫فيقتب�س من ال�شاعر االنكليزي "�أدموند‬ ‫�سبن�سر " �أبيات ًا من ق�صيدته التي كان‬ ‫ال�شاعر �سبن�سر قد نظمها لت�صوير عر�س‬

‫على �ضفاف نهر التاميز ويبني فيها جمال‬ ‫العرو�س الأخاذ فحواري النهر �أ�صابتهن‬ ‫الغريه وغادرن النهر يف حني �أن حواري‬ ‫النهر هذه الأيام قد غادرن النهر ملا �أحاق‬ ‫هذا املكان من قذارة ومهانة هنا يتجاور‬ ‫املا�ضي بكل عراقته وقيمه الأخالقية‬ ‫والروحانية مع انحدار احلا�ضر‬ ‫وق�ساوته‪ ،‬يقول اليوت " يف غطة النار"‪:‬‏‬ ‫حتطمت خيمة النهر والأ�صابع الأخرية‬ ‫لورق ال�شجر‏‬ ‫�أخذت تنكم�ش وتغو�ص يف ال�ضفة‬ ‫الرطبة‏‬ ‫وجتوب الريح الأر�ض البنية من دون‬ ‫�أن ُت�سمع‏‬ ‫حوريات املاء رحلن‏‬ ‫�أيها التاميز العذب‪ ،‬ت�سل�سل بهدوء ريثما‬ ‫�أمت �أغنيتي‏‬ ‫ نهر يطفح زيت ًا وقار ًا ‪-‬‏‬‫ويطور اليوت هذه الفكرة حني يقتب�س‬ ‫من واغو�س ق�صة البنات الثالث لنهر‬ ‫الراين‪ ،‬التي حتكي ق�صة مغادرة‬ ‫احلوريات لنهر الراين بعد �أن اختفى‬

‫الكنز الذي كانت احلوريات حتر�سه‬ ‫والذي كان ي�ضفي اجلمال والرونق‬ ‫عليه فجذب احلوريات �إليه‪ :‬ي�صور‬ ‫اليوت النهر الآن ب�أنه ين�ضح زيت ًا وقار ًا‪.‬‬ ‫هنا يتجاور املا�ضي املت�ألق كما �أ�سلفت‬ ‫باحلا�ضر املتعفن‪ -‬يقول اليوت " يف غطة‬ ‫النار"‪.‬‏‬ ‫النهر ين�ضح‏‬ ‫زيت ًا وقار ً‏ا‬ ‫والقوارب تقاد‏‬ ‫و�أ�شرعة حمراءعري�ضة‏‬ ‫تتمايل على ال�صاري الثقيل باجتاه الريح‏‬ ‫وتبحر ال�سفن‏‬ ‫كت ًال خ�شبية منجرفة‏‬ ‫(تلقاء) �ضفة غرينت�ش‏‬ ‫قبالة جزيرة الكالب‏‬ ‫ الأ�ســطورة‪-‬‏‬‫ويلج�أ اليوت �إىل ا�سطورة امللك ال�صياد‪،‬‬ ‫التي �أخذها من كتاب "جي�س و�ستون"‬ ‫املعنون "من ال�شعرية �إىل الرومان�سية"‬ ‫وذلك كي ي�صور القحط واليبا�س الذي‬ ‫�أ�صاب البالد فامللك عاقر و�شعبه �أي�ض ًا‬

‫فالن�صائح الثالث‪:‬‏‬ ‫ت�صدقوا ‪ -Datta‬تعاطفوا‬ ‫‪� -Daydahum‬أ�ضبطوا �أنف�سكم‬ ‫‪D‬‬ ‫‪ amyatta‬‏‬ ‫ميكن �أن توفر خمرج ًا من هذا اخلراب‬ ‫الروحي الذي حل بالإن�سان املعا�صر‪..‬‬ ‫ويرى اليوت �أن اخلال�ص يكمن يف‬ ‫الرجوع �إىل الدين امل�سيحي النقي‪ .‬ف�إذا‬ ‫ما نفذ الإن�سان هذه الو�صايا �أي ممار�سة‬ ‫الإح�سان وابداء التعاطف و�ضبط‬ ‫ال�شهوات ف�إن الإن�سان �سي�صل �إىل مرحلة‬ ‫من هدوء البال تفوق الت�صور حيث‬ ‫ي�ستعمل اليوت الكلمة ال�سن�سكريتية‬ ‫‪ SHANTI‬لت�أكيد هذا املعنى‪،‬وي�ستند‬ ‫�إليوت �إىل كلمات بول�س للم�سيحيني‬ ‫الأوائل " و�سالم الله الذي يفوق كل‬ ‫عقل يحفظ قلوبكم و�أفكاركم يف امل�سيح‬ ‫ي�سوع ‏"‬ ‫مــخزن الـرمـوز‪-‬‏‬‫باخت�صار كان ت�صوير اليوت يف رائعته‬ ‫" الأر�ض اليباب " اخلراب الروحي الذي‬ ‫�أحاق بالإن�سان املعا�صر من خالل �أ�ساطري‬ ‫ورموز ا�ستمدها من املا�ضي واحلا�ضر‬ ‫بحيث الق�صيدة خمزن ًا لرموز و �أ�ساطري‬ ‫واقتبا�سات ا�ستمدت من خمتلف‬ ‫الع�صور‪.‬‏‬ ‫فمن ا�ستطاع �أن يفتح قلب الرمز؟ من‬ ‫ا�ستطاع �أن ي�سقي الأ�سطورة من عرق‬ ‫اخلوف البارد �أمام اجللطات القلبية‪،‬‬ ‫والدماغية‪ ،‬ونق�ص الرتوية‪ ،‬وخراب‬ ‫النفو�س‪ ،‬من ا�ستطاع �أن يغ�سل �أ�صابع‬ ‫االبداع مباء الورد وطهر احلياة‬ ‫و�سيناريو البقاء الأخاذ‪ ،‬من ا�ستطاع‬ ‫فليو َّقع‪ ..‬على رائعة ت‪� -‬س‪ -‬اليوت‪،‬‬ ‫ولين�شر �أ�شرعته ومي�ضي بحث ًا عن نقاء‬ ‫وعامل جديد‪ ،‬فقد حرك �إليوت هذا الراكد‬ ‫يف �أعماق الكون والنا�س‪.‬‏‬ ‫فمن ينجو بعده من دون �سفينة‪ ،‬وينطلق‬ ‫�إىل خمازن الأ�ساطري والرموز يقتب�س‬ ‫درب ًا‪ ،‬ويفتح َثغرة يف جدران الظالم!!‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪14‬‬

‫العدد (‪)2102‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )16‬ني�سان ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2102‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )16‬ني�سان ‪2011‬‬

‫إل�������ي�������وت‬

‫وأث� � � � � ��ره ف� � ��ي ال�� �ش�� �ع� ��ر ال � �ع� ��رب� ��ي‬ ‫جهاد فا�ضل‬ ‫عندما يدور احلديث عن ال�شعر العربي احلديث‪،‬‬ ‫وعن امل�ؤثرات اخلارجية التي �أ�سهمت يف تكوينه‪،‬‬ ‫تربز �صورة �إليوت يف املقدمة‪ .‬فمنذ �أوا�سط القرن‬ ‫املا�ضي‪ ،‬مل ّ‬ ‫يكف ا�سم �إليوت عن الرتدد يف املجالت‬ ‫ومالحق ال�صحف الأدبية املختلفة‪ .‬وقد حظيت‬ ‫ق�صيدته «الأر�ض اليباب» باهتمام ال ُك َّتاب واملرتجمني‬ ‫العرب وتعليقاتهم وحتليالتهم على نحو مل حتظ‬ ‫به �أية ق�صيدة �أجنبية �أخرى‪� ،‬أو �أي عمل �أدبي ُكتب‬ ‫بلغة �أجنبية‪ .‬ولكرثة ما حظيت به هذه الق�صيدة‬ ‫من االهتمام‪ ،‬فقد ن�سي البع�ض �أنها ظهرت يف‬ ‫الع�شرينيات وظلت تبدو وك�أنها كتبت يف خم�سينيات‬ ‫القرن املا�ضي �أو �ستينياته على الأقل‪.‬‬ ‫ولكن ال�شهرة الوا�سعة التي حظي بها �إليوت يف العامل‬ ‫العربي مل ت�ؤد �إىل �إحداث الأثر العميق وامل�أمول يف‬ ‫م�شهد ال�شعر العربي احلديث‪ .‬وقد تنبه بع�ض النقاد‬ ‫�إىل ذلك فقام ماهر �شفيق فريد بعر�ض موجز �أ�شبه‬ ‫ببليوغرافيا و�صفية لكل ما وقع حتت يده من ترجمات‬ ‫وكتابات بالعربية عن �إليوت‪ .‬وكان هذا الناقد قد عبرّ‬ ‫عن عر�ضه لإليوت يف العربية بتعبريه عن خيبة الأمل‬ ‫يف ما جناه ال�شعر العربي من ح�صاد بعد زهاء عقدين‬ ‫�أو �أكرث من جتربة احلداثة‪.‬‬ ‫كان ال بد من مكا�شفة كهذه حتى تنجلي طبيعة الواقع‬ ‫ال�شعري العربي‪ ،‬وحتى يعرف القارئ العربي �أين‬ ‫يقف فع ًال من �إنتاج �أدبي ازداد ك ّمه وهبط نوعه‪،‬‬ ‫وحتى يعرف الكاتب العربي املكان والكيفية اللذين‬ ‫ينبغي له ال�شروع منهما يف بداية جديدة يكون من‬ ‫�ش�أنها �أن نعوّ �ض القارئ العربي عما فاته‪ ،‬وتتيح‬ ‫للكاتب تقدمي منتج يختلف ك ّما ونوع ًا عما �سبق‪.‬‬ ‫يبدو �أنه انطالق ًا من هذه الر�ؤية يت�صدى الدكتور‬ ‫حممد �شاهني يف كتابه اجلديد‪« :‬ت‪� .‬س‪ .‬اليوت و�أثره‬ ‫يف ال�شعر العربي‪ /‬ال�سياب‪� ،‬صالح عبدال�صبور‪،‬‬ ‫حممد دروي�ش‪ /‬درا�سة مقارنة»‪ ،‬ال�صادر عن دار �آفاق‬ ‫يف م�صر‪ ،‬لي�ؤكد على �صدق ما قاله ماهر �شفيق فريد‪،‬‬ ‫وما قاله �أي�ض ًا من قبله جربا �إبراهيم جربا‪.‬‬ ‫يقول ماهر �شفيق فريد يف بحثه‪« :‬طِ را ُد الإوزة الربية‬ ‫تعبري يف الإنكليزية يراد به كل �سعي عقيم ال يبلغ‬ ‫هدفه‪ ،‬وال يتمخ�ض �إال عن �إ�صابة �صاحبه بالإحباط‬ ‫ورجوعه �صفر اليدين»‪ .‬والطراد الذي نعنيه هنا هو‬ ‫حماولة �شعرائنا ونقادنا العرب حماكاة‪� .‬س‪� .‬إليوت‪،‬‬ ‫وهي حماولة مل ُت� ِؤت ‪ -‬با�ستثناء حاالت قليلة تع ّد على‬ ‫�أ�صابع اليدين ‪ -‬من ثمرة غري ابتالء �شعرهم بالتكلف‬ ‫واحلذلقة واالدعاء‪ ،‬و�صرفهم عن واقعهم املعي�شي‪.‬‬ ‫والقلة القليلة التي جنحت يف ا�ستلهامه حققت ذلك‬ ‫يف موا�ضيع قليلة ولي�س يف كل �إنتاجها مثل لوي�س‬ ‫عو�ض وبدر �شاكر ال�سياب و�صالح عبدال�صبور‪.‬‬ ‫�أما جربا �إبراهيم جربا فقد ذكر يف درا�سة له �أن �إليوت‬ ‫قد �سحر ال ُك َّتاب العرب املحدثني ب�أفكاره الريادية التي‬ ‫طابقت ما يف نفو�سهم من �أفكار وهوى‪ ،‬وك�أن ‪� -‬إليوت‬ ‫�أ�صبح الناطق با�سم احلداثة عندهم‪« .‬وقد جذبتهم �إليه‬ ‫ب�شكل خا�ص مقالته (الرتاث واملوهبة الفردية) التي‬ ‫يدعو فيها �إىل االهتمام باملوروث وجتديده وبعث‬ ‫احلياة فيه جمدد ًا من خالل املوهبة الفردية لل�شاعر‪،‬‬ ‫يف م�سعى ت�صبح فيه قيمة ذلك املوروث جديدة‬ ‫متجددة و�صامدة يف وجه الزمن‪ .‬و َمن مِ ن الكتاب‬ ‫العرب مل تخامره فكرة التجديد يف املوروث وحتديث‬ ‫الرتاث الأدبي العربي‪ ،‬خ�صو�ص ًا ال�شعري منه»؟‬ ‫ويبدو �أن ق�صيدة «الأر�ض اليباب» لإليوت تركت �أثر ًا‬ ‫بالغ ًا على الأدب العربي احلديث يف �أ�سبابه �أن هذه‬ ‫تعب عن التجربة امل�أ�ساوية لأوروبا بعد‬ ‫الق�صيدة رِّ‬ ‫احلرب العاملية الأوىل‪ .‬وقد وجد الكتاب العرب توازي ًا‬ ‫بني معاناتهم �إثر نكبة فل�سطني ومعاناة �إليوت من‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫تداعيات احلرب العاملية الثانية‪� ،‬إذ �أ�صبحت �أر�ضهم‬ ‫مثل �أر�ض �إليوت «يباب ًا» تنتظر الغيث حتى يعيد لها‬ ‫احلياة‪ .‬وال �شك �أن الأ�ساطري والإ�شارات التي انطوت‬ ‫عليها «الأر�ض اليباب» مثل فيلبو�س الفينيقي‪ ،‬ومتوز‪،‬‬ ‫وامللك ال�صياد وغريها من الأ�ساطري‪ ،‬وجدت �سبيلها‬ ‫�إىل �أعمال ال ُك َّتاب العرب ملا فيها من �أ�صل حملي‬ ‫كان عام ًال يف تقريب «�أر�ض» �إليوت من حماوالتهم‬ ‫ال�شعرية والن�سج على منوالها‪.‬‬ ‫ويرى ماهر �شفيق فريد وجربا �إبراهيم جربا‪� ،‬أن‬ ‫ّ‬ ‫جل �شعرائنا املحدثني الذين ت�أثروا ب�إليوت مالوا �إىل‬

‫ا�ستخدام الظاهر من الأ�سطورة ولي�س الداخل منها‬ ‫كما فعل �إليوت الذي متكن من �سرب غور الأ�سطورة‬ ‫وجعلها ت�شع بالأهمية عرب امل�ستويات العليا للق�صيدة‪.‬‬ ‫يف كتابه يدر�س حممد �شاهني ثالثة �شعراء عرب‬ ‫ت�أثروا ب�إليوت هم‪ :‬بدر �شاكر ال�سياب‪ ،‬و�صالح‬ ‫عبدال�صبور‪ ،‬وحممود دروي�ش‪ .‬فريى �أن عبدال�صبور‬ ‫ا�ستعان بلحن �إليوت من دون �أن يوفق يف تفكيك‬ ‫نغماته �أما ال�سياب ف�إنه �سمع الأغنية من �إليوت‬ ‫وا�ستطاع بعد ذلك �أن ميتلك مفاتيح الغناء لي�صدح‬ ‫بلحنه اخلا�ص‪ ،‬ولين�شد �أجمل �أن�شودة يف ال�شعر‬ ‫العربي احلديث‪ .‬ولكن مهما يكن من ت�أثري لإليوت على‬ ‫ال�سياب‪ ،‬ف�إن ال�سياب قد �أفلت من �سطوة هذا الت�أثري‬ ‫لت�أتي �أن�شودته �صورة قائمة بذاتها وم�ستقلة متام ًا عن‬ ‫امل�صدر‪ .‬ويكفي ال�سياب فخر ًا �أن قراءة «�أن�شودة املطر»‬ ‫واال�ستمتاع بها على حدة‪� ،‬أمر ممكن من دون الرجوع‬ ‫�إىل �إليوت‪ ،‬برغم كل ما يف �أن�شودته من ظالل ا�ست�شفها‬ ‫من رائعة �إليوت «الأر�ض اليباب»‪ .‬وهكذا حول ال�شاعر‬ ‫م�صدر ًا كان على دراية به �إىل �شاعرية �أ�صيلة بحيث‬ ‫ال تكاد تظهر فيها ب�صمات الت�أثري‪� ،‬ش�أنه يف ذلك �ش�أن‬ ‫كل �شاعر �أ�صيل ميتلك القدرة على حتويل الأ�صل �إىل‬ ‫�أ�صل �آخر ال يقل عن �سابقه قدر ًا و�ش�أن ًا‪.‬‬

‫كيف ت�أثر ال�سياب ب�إليوت؟ يبدو �أن ال�سياب قد نهج‬ ‫نهج ًا مغاير ًا لعبدال�صبور‪ ،‬حيث �ضيّق من رقعة‬ ‫االنتقاء‪ ،‬ولكنه ع ّمق النظرة فيها‪ .‬ولدى الت�أمل‬ ‫املت�أين «للأر�ض اليباب» و«�أن�شودة املطر»‪ ،‬يجد املرء‬ ‫�أن ال�سياب قد وقع على وا�سطة العقد‪ ،‬وهو ما ميثله‬ ‫اجلزء الأخري من ق�صيدة �إليوت الذي جاء حتت‬ ‫عنوان‪« :‬ما قاله الرعد»‪.‬‬ ‫ويعد ذلك اجلزء من الأر�ض اليباب ذروة اللحظات‬ ‫الإبداعية يف الق�صيدة‪ ،‬ومركزها تلك اللحظات التي‬ ‫ت�شق لنا عرب الظالم املخيم على الق�صيدة طريق ًا للأمل‬ ‫يف اخلال�ص من عقم الأر�ض اليباب‪ .‬وك�أن هذا اجلزء‬ ‫ي�أتي موازي ًا ل�سلبية وانهزامية الواقع الذي ت�صوره‬ ‫�أجزاء الق�صيدة الأخرى‪.‬‬ ‫ويبدو �أن ال�سياب وجد يف الق�صيدة ما مل يجده‬ ‫غريه من ال�شعراء العرب الذين ت�أثروا ب�إليوت‪ .‬فقد‬ ‫وجد فيها ما خربه �شخ�صي ًا من رغبة يف التعبري‬ ‫عن �شتات الواقع يف �أق�سى حلظات الأمل‪ ،‬حيث‬ ‫تتطهر النف�س وتتكثف الر�ؤيا وتولد على يد الفنان‬ ‫الأ�صيل‪ .‬يف مهارة ال�شاعر الفذ‪ ،‬ا�ستطاع ال�سياب �أن‬ ‫يقتن�ص تلك اللحظات ويطوّ ع الإيقاع فيها �إىل حاجته‬ ‫وا�ستعداده‪ .‬وعلى هذا النحو ا�ستطاع �أن ينهج نهج ًا‬

‫مغاير ًا لعبدال�صبور الذي ا�ستعار امل�ضمون ف�ضاع‬ ‫منه الإيقاع‪ ،‬و�أ�صبحت ق�صيدته �شتات ًا ال يجمع بني‬ ‫�أجزائها املختلفة ذلك الإيقاع الالزم لل ّم ال�شتات‪.‬‬ ‫يرجع االختالف بني طبيعة الت�أثر عند كل من‬ ‫عبدال�صبور وال�سياب �إىل اختالف جوهري يف تكوّ ن‬ ‫الر�ؤية ال�شعرية وتركيبها عند كل منهما‪ ،‬فعبدال�صبور‬ ‫مث ًال ي�سطو على وا�سطة العقد عند �إليوت وي�أخذها‬ ‫وي�ضعها يف عقد من عنده‪ .‬ي�شكلها ويكوِّ نها قبل‬ ‫و�صول هذه الوا�سطة �إليه‪ ،‬وك�أنها مل تكن يف احل�سبان‬ ‫�أ�ص ًال‪ .‬وعندما تدخل على العقد �أو تتداخل فيه‪ ،‬تبقى‬ ‫غريبة عنه ويبقى غريب ًا عليها‪ .‬وعلى نحو يدعو‬ ‫�إىل الأ�سف‪ ،‬ي�صبح املقتطف وك�أنه حلية فائ�ضة يف‬ ‫الق�صيدة يبطل مفعوله وينعدم ت�أثريه‪ .‬فما الذي يجعل‬ ‫الأمور ت�سري �سري ًا ح�سن ًا عند �إليوت وال ت�سري كذلك‬ ‫عند عبدال�صبور؟‬ ‫�إن ال�سبب يف ذلك هو �أن �إليوت ال يقتطف �إال ما يرى‬ ‫�أنه �سيكون نقطة انطالق وعودة يف �آن واحد‪ ،‬من‬ ‫املقتطف و�إليه‪ ،‬عندما ي�ضعه يف �أي مكان من الق�صيدة‪.‬‬ ‫وهكذا ين�ش�أ التفاعل بني املقتطف والق�صيدة‪� ،‬أي �أن‬ ‫املقتطف ي�صبح م�صدر �إ�شعاع �أو قوة‪� .‬أما ال�سياب‬ ‫ف�إنه يختلف يف ر�ؤيته لإليوت ويف م�سعاه �إليه‪ .‬فهو ال‬ ‫يطمع يف �أية وا�سطة للعقد‪ ،‬وال يغريه �شكلها اخلارجي‬ ‫�إن عرث عليها‪ ،‬ولكنه يتمثل جمالها الداخلي الذي‬ ‫ت�سري فيه روح ًا �شعرية جديدة تكت�سب �شك ًال خارجي ًا‬ ‫جديد ًا ي�صعب اكت�شافه بغري الغو�ص يف �أعماق هذا‬ ‫ال�شكل‪ ،‬وبدون البحث عن تلك الروح اخلفية التي‬ ‫ت�شكلت يف البنية التحتية للق�صيدة‪� .‬أي �أن ال�سياب‬ ‫ينهج نهج ًا مغاير ًا لعبدال�صبور فال يغريه �إليوت يف‬ ‫نهجه املتميز‪ .‬ويت�ضح ذلك عند املقارنة يف الن�صو�ص‪.‬‬ ‫وقد حظي �إليوت بتقدير �شاعر عربي �آخر هو حممود‬ ‫دروي�ش الذي طاملا اعتربه �أكرب �شعراء الع�صر‪ ،‬والذي‬ ‫كان ل�صوته �أثر بالغ يف تكوين ال�شعر العاملي احلديث‪.‬‬ ‫ف�إذا كان عبدال�صبور قد نظر �إىل �إليوت على �أنه غاية‬ ‫مل ي�ستطع متثلها‪ ،‬و�إذا كان ال�سياب قد ا�ستوعب‬ ‫جتربة �إليوت من دون التمكن من الذهاب بعيد ًا يف‬ ‫البناء عليها‪ ،‬فقد ا�ستطاع حممود دروي�ش �أن يتمثل‬ ‫الغاية و�أن ي�ستوعب التجربة‪ ،‬ثم تخطاهما مع ًا ليظهر‬ ‫كعادته طالع ًا ب�صوته اخلا�ص الذي ال يقل عن �صوت‬ ‫�إليوت روعة ومتيز ًا‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫‪manarat‬‬ ‫رئي�س جمل�س الإدارة‬ ‫رئي�س التحرير‬

‫التحرير‬ ‫‪----------------‬‬‫نزار عبد ال�ستار‬ ‫الت�صحيح اللغوي‬ ‫‪----------------‬‬‫حممد حنون‬ ‫الت�صميم‬ ‫‪----------------‬‬‫م�صطفى جعفر‬

‫طبعت مبطابع م�ؤ�س�سة املدى‬ ‫لالعالم والثقافة والفنون‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


T.S.

ELIOT


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.