Ihsan Abdel Quddous

Page 1

‫رئي�س جمل�س االدارة رئي�س التحرير‬ ‫فخري كرمي‬ ‫ملحق ثقايف ا�سبوعي ي�صدر عن جريدة املدى‬

‫‪m a n a r a t‬‬

‫العدد (‪)2109‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )23‬ني�سان ‪2011‬‬

‫إحسان عبد القدوس‬


‫‪2‬‬ ‫اعداد‪ :‬زينة الربيعي‬ ‫�صحفي وروائي م�صري من �أ�صل تركي من‬ ‫جهة �أبويه‪ ،‬فهو ابن ال�سيدة فاطمة اليو�سف‬ ‫الرتكية الأ�صل اللبنانية املولد واملربى وهي‬ ‫ُم�ؤَ ِ�س َ�سة جملة روز اليو�سف وجملة �صباح‬ ‫اخلري‪� .‬أما والده حممد عبد القدو�س فقد كان‬ ‫ممثال وم�ؤلفا‪.‬‬ ‫ويعترب �إح�سان من �أوائل الروائيني العرب‬ ‫الذين تناولوا يف ق�ص�صهم احلب البعيد عن‬ ‫العذرية وحتولت �أغلب ق�ص�صه �إىل �أفالم‬ ‫�سينمائية‪ .‬وميثل �أدب �إح�سان عبد القدو�س‬ ‫نقلة نوعية متميزة يف الرواية العربية‪،‬‬ ‫�إذ جنح يف اخلروج من املحلية �إىل حيز‬ ‫العاملية وترجمت معظم رواياته �إىل لغات‬ ‫اجنبية متعددة‪.‬‬ ‫ولد �إح�سان عبد القدو�س يف ‪ 1‬يناير ‪1929‬‬ ‫اهتم والده بح�سن تعليمة وت�شجيعه علي‬ ‫القراءة‪ ،‬وقد تخرج من مدر�سة احلقوق يف‬ ‫عام ‪ ، 1942‬وعمل حماميا حتت التمرين‬ ‫مبكتب احد كبار املحامني وهو ادوارد‬ ‫ق�صريي وذلك بجانب عمله ك�صحفي مبجلة‬ ‫روز اليو�سف‪ ،‬يف عام ‪ 1944‬بدا �إح�سان‬ ‫عبد القدو�س كتابة ن�صو�ص افالم وق�ص�ص‬ ‫ق�صرية وروايات‪.‬‬ ‫وبعد ذلك ترك مهنة املحاماة ووهب نف�سه‬ ‫لل�صحافة واالدب فقد �شعر ان االدب‬ ‫وال�صحافة بالن�سبة له كانا من �ضروريات‬ ‫احلياة التي ال غني عنها‪ ،‬وا�صبح بعد اقل‬ ‫من ب�ضعة �سنوات �صحفي متميز وم�شهور‪،‬‬ ‫وراوئى‪ ،‬وكاتب �سيا�سي‪ ،‬وبعد ان العمل‬ ‫يف روزاليو�سف ‪،‬تهيات له كل الفر�ص‬ ‫والظروف للعمل يف جريده االخبار ملده‏ ‏‪8‬‬ ‫�سنوات ثم عمل بجريده االهرام وعني‬ ‫رئي�سا لتحريرها‏‪.‬‬ ‫‏كان لإح�سان �شخ�صية حمافظة للغاية‪،‬‬ ‫لدرجة ان �شخ�صيته تتناق�ض مع كتاباته‪،‬‬ ‫فالبيئة التي تربى فيها جعلت منه ان�سانا‬ ‫�صعبا للغاية‪ ،‬فقد كان ملتزما باملعنى‬ ‫االجتماعي‪ ،‬فلم يكن ي�سمح لزوجته بان‬ ‫تخرج من البيت مبفردها‪ ،‬وعندما يكون‬ ‫م�سافرا يطلب منها اال تخرج‪ ،‬بل وترف�ض‬ ‫كل الدعوات التي توجه اليها مهما كانت‪ ،‬بل‬ ‫انه كان �صعبا معها يف مو�ضوع املالب�س‪،‬‬ ‫لدرجة انه كان ي�شرتط عليها ان تكون‬ ‫مالب�سها حمت�شمة ال ت�صف وال ت�شف ‪.‬‬ ‫ان ادب اح�سان عبد القدو�س ميثل نقله‬ ‫نوعيه متميزه يف الروايه العربيه اىل‬ ‫جانب ابناء جيله الكبار من امثال جنيب‬ ‫حمفوظ ويو�سف ال�سباعي وحممد عبد‬ ‫احلليم عبد الله‏‪,‬‏ لكن اح�سان متيز عنهم‬ ‫جميعا بامرين احدهما انه تربي يف ح�ضن‬ ‫ال�صحافة‏‪,‬‏ وتغذي منذ نعومه اظفاره علي‬ ‫قاعده البيانات ال�ضخمه التي تتيحها‬ ‫ال�صحافة الخرتاق طبقات املجتمع املختلفه‬ ‫وكانت ال�صحافة‏‪,‬‏ و�صالون روزاليو�سف‬ ‫والعالقات املبا�شره بكبار االدباء والفنانني‬ ‫وال�سيا�سيني وجنوم املجتمع هي املنبع‬ ‫الذي اتاح الح�سان عبد القدو�س ان ي�صور‬ ‫اجلوانب اخلفيه يف احلياه امل�صريه‬ ‫ويتخطي بذلك كثريا من احلواجز التي‬ ‫حالت بني زمالئه وبني معرفه هذه البيانات‏‪،‬‬ ‫اما امليزه الثانيه الدب اح�سان فهي انه كان‬ ‫عميق االميان بق�ضيه احلرية‏‪,‬‏ مبختلف‬ ‫م�ستوياتها ال�سيا�سيه واالقت�صاديه‬ ‫واالجتماعيه‪.‬‬ ‫وان ادب اح�سان قد جنح يف اخلروج من‬ ‫املحليه اىل حيز العامليه‏‪,‬‏ وترجمت معظم‬ ‫رواياته اىل لغات اجنبية كااالجنليزية‪،‬‬ ‫والفرن�سية‪ ،‬واالوكرانية‪ ،‬وال�صينية‪،‬‬ ‫واالملانية‏‪,‬‏ وقد منحه الرئي�س الراحل جمال‬ ‫عبد النا�صر و�سام اال�ستحقاق من الدرجة‬ ‫االويل له‪ ،‬كما منحه الرئي�س حممد ح�سني‬ ‫مبارك و�سام اجلمهوريه‏‪,‬‏ و�شارك با�سهامات‬

‫العدد (‪)2109‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )23‬ني�سان ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2109‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )23‬ني�سان ‪2011‬‬

‫‪3‬‬

‫إحسان عبد القدوس‬ ‫‪ 1‬يناير ‪ 12 - 1929‬يناير ‪1990‬‬

‫بارزه يف املجل�س االعلي لل�صحافه‬ ‫وم�ؤ�س�سه ال�سينما ‪ ،‬وقد تويف اح�سان عبد‬ ‫القدو�س يف ‪ 11‬كانون الثاين ‪،1990‬ومازال‬ ‫ا�سمه يلمع عامليا باعماله وابداعاته املتميزه‏‪.‬‬ ‫‏من اهم اعماله‪:‬‬ ‫كان اح�سان عبد القدو�س كاتب مثمر‪،‬‬ ‫فبجانب ا�شرتاكة املتميز بال�صحافة كتب‬ ‫مايلي‪:‬‬ ‫‪ 49‬رواية مت حتويلهم جميعا ن�صو�ص‬ ‫لالفالم‪.‬‬ ‫‪ 5‬روايات مت حتويلهم اىل ن�صو�ص‬ ‫م�سرحية‪.‬‬ ‫‪ 9‬روايات مت حتويلهم اىل م�سل�سالت‬ ‫اذاعية‪.‬‬ ‫‪ 10‬روايات مت حتويلهم اىل م�سل�سالت‬ ‫تليفزيونية‪.‬‬ ‫‪ 56‬كتاب مت ترجمة العديد من روايات‬ ‫الكاتب وال�صحفي اح�سان عبد القدو�س‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫اىل لغات اجنبية كاالجنليزية‪ ،‬والفرن�سية‪،‬‬ ‫واالوكرانية‪ ،‬وال�صينية‪ ،‬واالملانية‪.‬‬ ‫جوائز ح�صل عليها الكاتب الكبري اح�سان‬ ‫عبد القدو�س‪:‬‬ ‫‪-1‬و�سام اال�ستحقاق من الدرجة االوىل‬ ‫منحة له الرئي�س الراحل جمال عبد النا�صر‪.‬‬ ‫‪-2‬و�سام اجلمهورية من الدرجة االويل‬ ‫منحة له الرئي�س حممد ح�سني مبارك يف‬ ‫عام ‪.1990‬‬ ‫‪-3‬اجلائزة االوىل عن روايته ‪:‬دمي‬ ‫ودموعي وابت�ساماتي " يف عام ‪.1973‬‬ ‫‪-4‬جائزة اح�سن ق�صة فيلم عن روايته‬ ‫"الر�صا�صة ال تزال يف جيبي‪.‬‬ ‫بلغ من حمافظة اح�سان والتزامه ان‬ ‫امه ال�سيدة روزا اليو�سف ار�سلت اخته‬ ‫اليه التي كانت اكرث حتررا كي يعاقبها‬ ‫بنف�سه‪ ،‬فقد كانت اخته تركب "الب�سكلتة"‬ ‫مع ابن اجلريان‪ ،‬فارادت والدته ان ت�ضع‬

‫حدا ل�شقاوتها مع ابن اجلريان‪ ،‬فار�سلتها‬ ‫اىل اخيها لتعي�ش معه يف العبا�سية ‪.‬هذا‬ ‫التكوين االجتماعي منع اح�سان عبد‬ ‫القدو�س من االعرتاف با�سراره اخلا�صة‪،‬‬ ‫فلم يعرتف اال بعالقته الن�سائية االوىل‬ ‫يقول‪ ( :‬احلب االول يف حياتي كان لبنت‬ ‫اجلريان‪ ،‬كانت �صديقة البنة عمتي‪ ،‬وكان‬ ‫حبا اعتربه من ارقى وانظف واعمق انواع‬ ‫احلب الذي يجمع بني �صبي و�صبية‪ ،‬كان‬ ‫عمري وقتها ‪ 14‬عاما‪ ،‬وهي ‪ 13‬عاما‪ ،‬كان‬ ‫حبا قويا بالن�سبة يل �شخ�صيا‪ ،‬وكان ال‬ ‫يتجاوز انها تزور ابنة عمتي واجل�س معها‬ ‫كما كانت التقاليد‪ ،‬كان �شيئا راقيا يف معناه‪،‬‬ ‫وكنت انتظرها على حمطة الرتام واركب‬ ‫معها لأو�صلها �إىل مدر�ستها "ال�سنية"‪ ..‬ثم‬ ‫اعود على قدمي بعد ذلك اىل مدر�ستي ف�ؤاد‬ ‫االول‪ ،‬وكل الذي كان يجمع بيني وبينها‬ ‫ال يعدو اكرث من ان ام�سك يديها وكان ذلك‬

‫منتهى الرومان�سية ) ‪.‬‬ ‫هذا املدخل ميكن ان نعتربه باردا ملو�ضوع‬ ‫عن االعرتافات اجلن�سية لأ�شهر الأدباء‬ ‫والكتاب العرب‪ ،‬لكنها كانت مهمة لنف�ض‬ ‫اال�شتباك حول ما يثار عن اح�سان عبد‬ ‫القدو�س‪ ،‬فالنا�س يظنونه كاتبا متحررا‬ ‫من كل التقاليد واالعراف االجتماعية‪ ،‬مع‬ ‫انه ملكي اكرث من امللك‪ ،‬بل وت�صلح نهايات‬ ‫ابطاله الذين يبغون احلرية للتدري�س واخذ‬ ‫العظة والعربة‬ ‫ولكن اح�سان عبد القدو�س �سيد املحللني‬ ‫ال�سيا�سيني يف زمانه وادب اح�سان عبد‬ ‫القدو�س و�شخ�صيته الظريفه هي التي‬ ‫�شغلتني وابعدتني عن متابعه او االت�صال‬ ‫بال�سيدة والدته التي هي الباب امللكي لعبور‬ ‫ال�صحافة ال�ساخره اجلميله يف زمانها‏‪.‬‬ ‫‏الن اح�سان عبدالقدو�س وكما �ساك�شف‬ ‫للقراء خالل مقاالتي هو �صاحب فكرة‬

‫وم�ؤ�س�س وكاتب مذكرة برنامج ان�شاء‏[‏‬ ‫املجل�س االعلى لالداب والفنون‏]‏ �سابقا قدمها‬ ‫لعبد النا�صر واحيلت اىل كمال الدين ح�سني‏‪,‬‏‬ ‫غري ان اح�سان فوجىء برجل الثقة‏ (يو�سف‬ ‫ال�سباع ‏ي)‏ يخطره انه ا�ستبعد من الع�ضوية‬ ‫العليا للمجل�س بعد ان�شائة اىل جمرد ع�ضو‬ ‫مهم�ش يف احدى جلان املجل�س‏‬ ‫‏* ولعل هذا ال�سبب االول بجانب العديد‬ ‫من العوامل جعلت اح�سان عبدالقدو�س‬ ‫يرف�ض يف حياته اجلائزة التقديرية‏‪,‬‏ النه‬ ‫فقد الثقه يف املعايري ال�سيا�سيه وتوازنات‬ ‫امل�صالح والقوي البعيده كل البعد عن قيمه‬ ‫وجداره الرمز الفكري والثقايف واالدبي‬ ‫ومدى تاثريه يف م�سار االدب والثقافة‬ ‫امل�صرية العربية‏‪,‬‏ ولال�سف مازالت روا�سب‬ ‫هذه املعايري قائمه حتى االن‏‪,‬‏ حتكم منح‬ ‫اجلوائز‏‪.‬‏‏‬ ‫*‏امام هذا التجاهل وال�صمت املتعمد من‬ ‫اجهزة االعالم املكتوب وامل�سموع واملرئي‬

‫ا�سمح لنف�سي بان احاول على قدر جهدي‏‪,‬‏‬ ‫وقراءتي املبكرة يف �صباي ومعلوماتي‬ ‫و�صحبتي احلميمة الح�سان عبدالقدو�س‬ ‫خا�صه من يوم ان تعرفت عليه �شخ�صيا‬ ‫يف مكتب توفيق احلكيم وكان وقتها قد‬ ‫ترك نحوعام‏(‪ 1974‬‏) رئا�سة م�ؤ�س�سة‏‬ ‫(اخبار اليوم‏ ‏) خلالف مع‏(‏انور ال�سادات‏)‬ ‫(قيل ب�سبب ن�شر مقاالت مل�صطفي امني‬ ‫بعد خروجه من ال�سجن دون علم اح�سان‏)‏‬ ‫وا�صبح كاتبا متفرغا باالهرام‏‪,‬‏ ثم ا�صبح‬ ‫عام‏‪ 975‬‏‪ 1‬رئي�سا مل�ؤ�س�سة حترير االهرام‬ ‫ثم تركها فجاة بعد �شهور‏(قيل ب�سبب رف�ض‬ ‫اح�سان نقل بع�ض من كتاب و�صحفيني‬ ‫ي�ساريني‏‪,‬‏ كذلك رف�ض اغالق (‏جملة الطليعة‏)‏‬ ‫التي كان ير�أ�سها لطفي اخلويل‏ ‏) و�سافر‬ ‫اىل اخلارج فرتة ثم عاد كاتبا متفرغا يف‬ ‫االهرام‏‪,‬‏ والحظت والحظ القاريء انه �صمت‬ ‫عن الكتابه يف ال�سيا�سة وانفجرت موهبته‬ ‫الق�ص�صية والروائية فابدع كما غزيرا‬

‫من االعمال اجلديرة بالتقييم النقدي وقد‬ ‫حاولت ح�سب جهدي القيام بجزء �ضئيل من‬ ‫هذا الواجب يف بع�ض درا�سات ومقاالت لعل‬ ‫ابرزها درا�ستي يف جملة الهالل عام‏‪(1977‬‏‬ ‫املراة واحلرية يف عامل اح�سان عبدالقدو�س‬ ‫الق�ص�صي والروائي‏ ‏) واقنعته بعد قراره اال‬ ‫يتويل منا�صب �صحفية او ر�سمية‏(‏عر�ض‬ ‫عليه ال�سادات ان ي�صبح وزيرا فاعتذر‏)‏ وبعد‬ ‫تركه لالهرام باجراء حوار ومت فعال ون�شر‬ ‫مبجله‏(‏ الدوحة‏ ‏) القطرية اثناء ازدهارها‬ ‫حتت رئا�سه‏ ‏( رجاء النقا�ش‏ ‏) كانت تدور عن‬ ‫�صمته عن الكتابة ال�سيا�سية وقربة وزمالتة‬ ‫لل�سادات منذ عام‏‪ 948‬‏‪ 1‬ومعرفته بعبد‬ ‫النا�صر منذ‏‪ 950‬‏‪ 1‬قبل الثورة‏‪.‬‬ ‫‏‏ ‏* ما يعنيني هو تامل برتكيز در�س اح�سان‬ ‫عبدالقدو�س ككاتب �سيا�سي وروائي ينت�سب‬ ‫جليل االربعينيات املجيد نف�س جيل �ضباط‬ ‫متوز‏‪,1952‬‏ فلقد عا�ش ك�صحفي ي�ؤمن‬ ‫بحرية الراي والتعددية وحق االختالف‬

‫و�سط الغليان ال�سيا�سي الذي يج�سد‬ ‫انهيارات النظام امللكي وف�شل االحزاب‬ ‫التقليدية‏‪,‬‏ مبا فيها الوفد بعد ان انتهي‬ ‫دوره بعد معاهده‏‪ 936‬‏‪ 1‬وظهور قوي �شابه‬ ‫جديدة تتمرد علي االحزاب التقليديه التي‬ ‫تت�صارع علي كر�سي الوزارة وتوزعت هذه‬ ‫القوي بني م�صر الفتاة وحتوله للحزب‬ ‫اال�شرتاكي الوطني احمد ح�سني‏‪,‬‏ واالخوان‬ ‫امل�سلمني‏(‏ ح�سن البنا‏)‪,‬‏ والتنظيمات‬ ‫املارك�سية والطليعة الوفدية‪.‬‬ ‫‏‏ ‏* وكان موقف اح�سان ال�سيا�سي هو رف�ض‬ ‫النظام امللكي واالحزاب التقليدية‏‪,‬‏ مل ي�ؤمن‬ ‫بزعيم معني من القدامي ودر�س كطالب يف‬ ‫احلقوق واحتك بالقوي ال�سيا�سية اجلديدة‬ ‫وو�ضع جمتمع االربعينيات ال�سيا�سي‬ ‫واالقت�صادي واالجتماعي املازوم‏‪..‬‏ فاختار‬ ‫ا�ستقاللية الراي وكان �صوتا دميقراطيا‬ ‫راديكاليا او يعقوبيا‏‪..‬‏ وال جدال ان البيئة‬ ‫الفنية وال�صحفية التي تفتح عليها وعيه‬

‫�ساعدته على �شق طريقة ال�صحفي فاالب‬ ‫حممد عبدالقدو�س كاتب ومثقف مهند�س‬ ‫وممثل له متيزه واالم فاطمة اليو�سف �سيدة‬ ‫عربية عظيمة �شقت طريقها منذ ان جاءت‬ ‫اىل م�صر يف الع�شرينيات �صبية مهاجرة‬ ‫من لبنان وا�صبحت من رموز م�سرح‬ ‫رم�سي�س‏‪..‬‬ ‫‏‏*‏ وختاما قد انت�صرت االن قيم ومبادئ‬ ‫اح�سان يف اجتاه م�صر اىل التعددية وحرية‬ ‫الراي ورف�ض احلكم املطلق و�سيادة القانون‬ ‫التي يقودها بحكمة الرئي�س ح�سني مبارك‬ ‫وعوا�صف و�سط انواء داخلية وخارجية‬ ‫ان االوان ان نرد االعتبار لفار�س احلرية‬ ‫اح�سان عبدالقدو�س‏‪,‬‏ وب�صفتي ناقدا در�س‬ ‫قيمه اجنازه ال�سيا�سي والروائي الذي ظلمه‬ ‫النقاد وب�صفتي ع�ضوا بلجنة الدرا�سات‬ ‫االدبية باملجل�س االعلى للثقافة الذي كان‬ ‫اح�سان �صاحب فكرته يف البداية‏‪,‬‏ اطالب‬ ‫بعقد م�ؤمتر يدر�س اجنازه امل�ستنري املتحرر‬ ‫لكاتب مل يتاجر وي�ساوم بقلمه وهذا هو‬ ‫در�س اح�سان ودر�س امل�ستقبل ال�ساقط على‬ ‫احلا�ضر‏‪.‬‬ ‫‏�صاغها اديبنا الراحل اح�سان عبد القدو�س‬ ‫يف مقدمة روايته وفيلمه الو�سادة اخلالية‬ ‫تقول يف حياه كل منا وهم كبري ي�سمي‬ ‫احلب االول الت�صدق هذا الوهم فان حبك‬ ‫االول هو حبك االخري وهي عبارة متنح‬ ‫االمل يف ا�ستمرار احلياة حتى التتوقف‬ ‫على �شيء او احد وحتى التتوقف عند �شيء‬ ‫او احد فماذا اراد هذا الفيلم احلب االول‬ ‫ان يقول �شهد اال�سبوع الثقايف احتفال‬ ‫روزاليو�سف وا�سرة الكاتب الراحل اح�سان‬ ‫عبدالقدو�س مبنا�سبة مرور ثمانني عاما على‬ ‫مولده ومرور ت�سع �سنوات على رحيله‏‪,‬‏ يف‬ ‫ال�صالون االدبي الذي �شارك فيه الدكتور‬ ‫مفيد �شهاب وزير التعليم العايل والدولة‬ ‫البحث العلمي واملهند�س ابراهيم �شكري‬ ‫رئي�س حزب العمل والدكتور �صالح ف�ضل‬ ‫رئي�س ق�سم اللغة العربية وادابها بجامعة‬ ‫عني �شم�س كما �شارك اي�ضا االديب حممد‬ ‫عبد القدو�س واال�ستاذة لوت�س عبد الكرمي‬ ‫رئي�س حترير جملة �شموع واال�ستاذه‬ ‫نرمني القوي�سني مع عدد كبري من الكتاب‬ ‫والنقاد واملثقفني والفنانني‏ ‏‪ .‬ادار احلوار‬ ‫اال�ستاذ �صالح عي�سي الذي ا�شاد بن�ضال‬ ‫ودور اح�سان عبد القدو�س يف الدفاع عن‬ ‫احلريات طوال حياته كرائد من رواد احلرية‬ ‫ال�سيا�سية واالجتماعية‏‪.‬‬ ‫‏ويف البداية حتدث الدكتور مفيد �شهاب‬ ‫وزير التعليم العايل والدولة والبحث‬ ‫العلمي عن اح�سان عبد القدو�س ومعركته‬ ‫مع احلياة منذ ان كان تلميذا مبدر�سة‬ ‫ال�سلحدار حتي تخرج يف كلية احلقوق‬ ‫بجامعة القاهرة ثم ا�شتغاله باملحاماه‬ ‫ملده عام ثم التحاقة بعدها بالعمل يف‬ ‫روزاليو�سف ودخوله ال�سجن ب�سبب احدى‬ ‫مقاالته‏‪.‬‬ ‫‏ وتهيات له كل الفر�ص والظروف للعمل‬ ‫يف جريدة االخبار ملدة‏ ‏‪� 8‬سنوات ثم‬ ‫عمل بجريدة االهرام وعني رئي�سا‬ ‫لتحريرها‏‪.‬‏وا�ضاف الدكتور مفيد �شهاب‬ ‫ان اح�سان املنا�ضل الوطني اثار ق�ضايا‬ ‫اال�سلحة الفا�سدة انطالقا من مناه�ضته‬ ‫للف�ساد ال�سيا�سي‏‪.‬‬ ‫‏وا�سهب اح�سان يف احلديث عن احلرية يف‬ ‫اعماله االدبية وال�صحفية حتى امتزجت‬ ‫لديه النزعة االدبية اال�صيلة مع احلرفة‬ ‫ال�صحفية‏‪.‬‏وكانت كتابات اح�سان باملقارنة‬ ‫بزميلة جنيب حمفوظ ويو�سف ال�سباعي‬ ‫اقرب اىل روح ال�شباب‏‪.‬‏ كما كانت رواياته‬ ‫ت�صدر عن ح�س وطني م�ؤثر فنجد رواية يف‬ ‫بيتنا رجل تدعو للم�شاركة ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫‏ واي�ضا على مقهى يف ال�شارع ال�سيا�سي‬

‫◄‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪4‬‬ ‫تك�شف عن حبه العميق لوطنه‏‪.‬‏‬ ‫وقال الدكتور �صالح ف�ضل رئي�س ق�سم‬ ‫اللغة العربيه وادابها بجامعة عني �شم�س‬ ‫ان ادب اح�سان عبد القدو�س ميثل نقله‬ ‫نوعية متميزه يف الروايه العربيه اىل جانب‬ ‫ابناء جيله الكبار من امثال جنيب حمفوظ‬ ‫ويو�سف ال�سباعي وحممد عبد احلليم عبد‬ ‫الله‏‪,‬‏ لكن اح�سان متيز عنهم جميعا بامرين‬ ‫احدهما انه تربى يف ح�ضن ال�صحافة‏‪,‬‏‬ ‫وتغذى منذ نعومة اظفاره على قاعدة‬ ‫البيانات ال�ضخمة التي تتيحها ال�صحافة‬ ‫الخرتاق طبقات املجتمع املختلفة خا�صة‬ ‫الطبقة االر�ستقراطية واو�ساط ال�سلطة‬ ‫ومعرفة دقائق العالقات االجتماعية يف هذه‬ ‫املجتمعات مما ميثل ماده غنية متد خميلة‬ ‫الكاتب الروائي بوقائع وعالقات كا�شفة عن‬ ‫طبيعة املجتمع وم�ضيئة خللفيات االحداث‬ ‫وكانت ال�صحافة‏‪,‬‏ و�صالون روزاليو�سف‬ ‫والعالقات املبا�شرة بكبار االدباء والفنانني‬ ‫وال�سيا�سيني وجنوم املجتمع هي املنبع‬ ‫الذي اتاح الح�سان عبد القدو�س ان ي�صور‬ ‫اجلوانب اخلفية يف احلياة امل�صرية‬ ‫ويتخطى بذلك كثريا من احلواجز التي‬ ‫حالت بني زمالئة وبني معرفة هذه البيانات‏‪.‬‬ ‫‏اما امليزة الثانية الدب اح�سان فهي انه كان‬ ‫عميق االميان بق�ضية احلرية‏‪,‬‏ مبختلف‬ ‫م�ستوياتها ال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫واالجتماعية وتقول اال�ستاذة لوت�س عبد‬ ‫الكرمي رئي�سة حترير جملة �شموع‏‪:‬‏ عرفت‬ ‫اال�ستاذ اح�سان عبد القدو�س منذ‏‪ 5‬‏‪ 1‬عاما‬ ‫حيث كنت اواظب على زياراتة اال�سرية‬ ‫ك�صديق للعائلة وتوطدت العالقة مع عائلته‬ ‫وابنائه‏ ‏‪ :‬حممد الذي اخذ اجلانب الديني من‬ ‫جده ومثل االجتاه الديني يف والده‏‪,‬‏ واما‬ ‫احمد فهو رجل اعمال واما والدتهم فقد كتب‬ ‫عنها اال�ستاذ اح�سان يف كثري من رواياته‬ ‫وكان ي�سميها رئي�سه جمل�س اداره حياتي‬ ‫لقدرتها الفائقه علي ادارة دفة احلياة كلها‏‪.‬‏‬ ‫ويف روايته‏(‏ التطفىء ال�شم�س‏)‏ قال عنها‬ ‫انها احلياة وحمور احلياة وكتب لها اهداء‬ ‫قال فيه‏‪:‬‏‏(‏ اىل الهدوء الذي �صان ثورتي‬ ‫والعقل الذي ا�ضاء فني وال�صرب الذي غ�سل‬ ‫ذنوبي‏)‪.‬‏ويف تعليقها على �أعمال �أح�سان‬ ‫عبد القدو�س تت�ساءل الناقدة‪ :‬ملاذا مل ينل‬ ‫�أح�سان عبد القدو�س حظا وافرا من اهتمام‬ ‫النقاد؟ ثم جتيب‪ :‬لعل و�صف العقاد لأدب‬ ‫�أح�سان ب�أنه �أدب فرا�ش و�أدب جن�س ال يزال‬ ‫يرتدد �صداه يف �آذان النقاد‪.‬‬ ‫ويف ر�أيها ف�إن �أعمال عبد القدو�س تنت�سب‬ ‫�إىل الإعداد ال�سينمائي ب�أكرث من انت�سابها‬ ‫�إىل لون �أدبي �آخر‪.‬‬ ‫ومع ذلك ف�إن احلفاوة ب�أعمال �أح�سان عبد‬ ‫القدو�س عقب وفاته قد �أ�سفرت عن بع�ض‬ ‫املالمح يف امللفات التي �أ�صدرتها املجالت‬ ‫الثقافية عن الكاتب ويف ع�شرات املقاالت‬ ‫والأحاديث التي تناولت حياته و�أدبه‪.‬‬ ‫لذا حتاول الناقدة �أن تناق�ش بع�ض �آراء‬ ‫�أح�سان عبد القدو�س �سواء تلك التي‬ ‫ت�ضمنتها �أعماله �أو �أدىل بها يف حوارات‬ ‫و�أحاديث‪.‬‬ ‫وعلى �سبيل املثال ترى الناقدة �أن �أح�سان‬ ‫ابتدع بع�ض التقاليد غري املوجودة يف‬ ‫جمتمع الريف‪ ،‬وحاول �أن يوهم القارئ �أن‬ ‫هذه التقاليد را�سخة يف الريف امل�صري‪.‬‬ ‫غري �أن الوا�ضح للعيان �أن �أهل القرية‬ ‫امل�صرية ال ميكن �أن يفرطوا يف م�س�ألة‬ ‫ال�شرف‪� ،‬سواء �أكانوا فالحني معدمني �أم من‬ ‫الأعيان‪ ،‬فال�شرف ال يتجز�أ‪.‬‬ ‫وهي ترى �أن �أح�سان مل يناق�ش م�شكالت‬ ‫القرية احلقيقية‪ ،‬وال تناول م�شكالت املر�أة‬ ‫الريفية‪ ،‬بل �إنه عر�ض ل�سلطة الرجل �سواء‬ ‫كان زوجا �أو �أخا‪ ،‬وهي ت�ضرب مثاال على‬ ‫ذلك بجمعة يف ق�صة "اكت�شاف الألومنيوم"‬ ‫الذي يتم�سك ب�شكل تع�سفي ب�أن تكون �أواين‬ ‫املطبخ من الألومنيوم‪ ،‬ويف�شل م�شروع‬

‫العدد (‪)2109‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )23‬ني�سان ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2109‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )23‬ني�سان ‪2011‬‬

‫إحسان عبد‬ ‫القدوس ‪..‬‬ ‫«القـارئ أوال»‬ ‫اعداد‪ :‬منارات‬

‫زواجه لهذا ال�سبب‪ ،‬بل يفقد حياته كلها‬ ‫ب�سبب �إ�صرار فتاته على �أن تكون �أواين‬ ‫مطبخها من النحا�س الأحمر‪ ،‬كعادة �أهل‬ ‫الريف‪.‬‬ ‫ويتحول م�شروع الزواج �إىل ث�أر بني عائلة‬ ‫جمعة وعائلة عرو�سه‪ ،‬وال يكتفي �أح�سان‬ ‫بتلك النهاية‪ ،‬بل ينهي ق�صته وقد ا�ستخدمت‬ ‫جميع �أ�سر القرية الألومنيوم‪ ،‬وتعدد‬ ‫ن�سا�ؤها مميزات الألومنيوم‪ .‬وتت�ساءل‬ ‫الناقدة‪ :‬هل ا�ستخدام الألومنيوم بدال من‬ ‫النحا�س الأحمر ي�صلح ق�ضية للقرية؟ �أية‬ ‫قرية ؟ �إن الق�ضية هنا هام�شية للغاية‪.‬‬ ‫اللهم �إال �إذا وجدنا يف ذلك داللة جمتمعية‪،‬‬ ‫مبعنى �أن الألومنيوم هو التعبري عن‬ ‫التحول يف املجتمع‪ ،‬بينما النحا�س الأحمر‬ ‫هو الثبات على القدمي‪ ،‬على ال�سلفية‪،‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫‪5‬‬

‫والق�صة ـ ك�سابقاتها يف �أعمال �أح�سان ـ‬ ‫ال تتعر�ض حلياة �أهل القرية وال �سلوكهم‬ ‫وهمومهم و�أفكارهم‪.‬املر�أة يف �أعمال يو�سف‬ ‫�إدري�س ويف درا�ستها عن "املر�أة �أ ًّما وزوجة‬ ‫وحبيبة يف �أعمال يو�سف �إدري�س"‪ ،‬ترى‬ ‫الناقدة �إن �أوَّ ل ما نالحظة على النماذج‬ ‫التي قدمها �إدري�س للمر�أة �أن هناك مناذج‬ ‫�شاذة وغريبة �إىل جانب النماذج التي‬ ‫تت�سم بالتلقائية والطيبة‪ ،‬ف�ضال عن تقدمية‬ ‫للمر�أة ال�ساقطة ب�شكل مكثف �سواء �أكان هذا‬ ‫ال�سقوط نابعا من �إرادتها �أم نتيجة الظروف‬ ‫املحيطة بها‪ ،‬وكان للرجل دور كبري يف‬ ‫�سقوط املر�أة‪ ،‬وكان للحرمان اجلن�سي دور‬ ‫كبري كذلك يف �سقوطها وا�ست�سالمها‪.‬‬ ‫وقد �صور �إدري�س �سقوط املر�أة من خالل‬ ‫�سقوط املجتمع ككل‪ ،‬فقد كان ال�سقوط‬

‫عنده كامال‪ ،‬ففي قاع املدينة �سرقت �شهرت‬ ‫واحرتفت الدعارة‪ ،‬كذلك �سناء ارت�شت‬ ‫و�سقطت مع حممد اجلندي‪ ،‬ويف احلرام‬ ‫كان الزنا والقتل دائما‪ ،‬بعد �أن فتك املر�ض‬ ‫بالرجل وبد�أت عزيزة رحلة املعاناة ن�شدانا‬ ‫للقمة العي�ش‪.‬‬ ‫ويف النهاية تت�ساءل الناقدة‪ :‬هل ت�أثرت‬ ‫�صورة املر�أة يف �أدب �إدري�س بعالقته ب�أمه؟‬ ‫وهي يف ذلك الت�سا�ؤل ت�ستند �إىل ما قاله‬ ‫بع�ض النقاد �إن يو�سف �إدري�س ت�أثر يف‬ ‫ر�سم �شخ�صية الأم والزوجة �أو املر�أة عامة‪،‬‬ ‫بعالقته ب�أمه منذ الطفولة‪ ،‬تلك العالقة التي‬ ‫ات�سمت يف �أكرث الأحيان بالتوتر واجلفاء‬ ‫وانعدام ال�شعور باحلنان واال�ستمالة من‬ ‫جانب يو�سف‪ ،‬وال�صد من جانب الأم‪.‬‬ ‫من �أعماله يف ال�سينما والتلفزيون وامل�سرح‬

‫ومن ق�ص�صه التي حتولت �إىل �أفالم‬ ‫�سينمائية‪:‬‬ ‫ال َّله معنا ‪ -‬ال تطفئ ال�شم�س ‪ -‬يف بيتنا‬ ‫رجل ‪ -‬اخليط الرفيع ‪� -‬أنا ح ّرة ‪ -‬الطريق‬ ‫امل�سدود ‪ -‬بئر احلرمان ‪ -‬الو�سادة اخلالية‬ ‫ �أنف وثالث عيون ‪� -‬أبي فوق ال�شجرة‬‫ دمي ودموعي وابت�سامتي ‪ -‬بعيدا عن‬‫الأر�ض ‪ -‬العذراء وال�شعر الأبي�ض ‪ -‬ال �أنام‬ ‫وغريها كثري‪.‬‬ ‫والكاتب �إح�سان عبد القدو�س هو �صاحب‬ ‫فكرة �إن�شاء نادي الق�صة واملجل�س الأعلى‬ ‫للفنون والآداب‪� ،‬شاركه يف التنفيذ �صديقة‬ ‫الكاتب يو�سف ال�سباعي وتوفيق احلكيم‬ ‫وحممود تيمور‪ ،‬توفيّ �إح�سان عبد القدو�س‬ ‫يف الثاين ع�شر من �شهر كانون الثاين‪/‬يناير‬ ‫عام ‪.1990‬‬

‫بقي �إح�سان علم ًا على «�صنف» �أدبي‬ ‫ذي مذاق يخ�صه وحده‪ ،‬وناظر ًا‬ ‫ملدر�سة �صحفية ت�ؤمن بالقارئ وحقه‬ ‫يف االطالع على كل الآراء ‪-‬قبل ع�صر‬ ‫االنفجار املعلوماتي‪ -‬مهما كانت هذه‬ ‫الآراء �صادمة‪ ..‬املفارقة �أن بع�ضها‬ ‫الزال �صادم ًا ومرفو�ض ًا بعد مرور هذه‬ ‫ال�سنوات على رحيل �إح�سان‪ ..‬التناق�ض‬ ‫الذي عا�شه �إح�سان بني «انفتاح» والديه‬ ‫و«حتفظ» بيئته كان مفتاح �شخ�صيته‪،‬‬ ‫وبوابة فهم �أدبه ومعاركه ال�صحفية‪.‬‬ ‫ولد �إح�سان �أول �أيام عام «الثورة» ‪١‬‬ ‫يناير ‪ ،١٩١٩‬الأمر الذي �صبغ حياته‬ ‫بطابع ثوري الزمة حتى الرحيل‪ ،‬ثار‬ ‫حتى‪ -‬على والدته التي علمته الثورة‪،‬‬‫وعمل بال�صحافة قبل �أن ينهى درا�سته‪،‬‬ ‫كما كانت ت�صر دائم ًا‪ ،‬ثار على رف�ض‬ ‫املجتمع لق�صة حبه املبكرة‪ ،‬وتزوج‬ ‫رفيقة عمره �سر ًا وهو يف الرابعة‬ ‫والع�شرين‪ ،‬ثار على الف�ساد قبل الثورة‬ ‫وبعدها‪ ،‬ثار با�سم املر�أة امل�صرية يف‬ ‫رواياته وق�ص�صه التي و�صفها العقاد‬ ‫يوم ًا ب�أنها «�أدب الفرا�ش»‪ ،‬ثار �ضد‬ ‫التواط�ؤ االجتماعي‪ ،‬و�ضد «االجتاه‬ ‫ال�سائد» يف الأدب واحلياة‪،‬‬ ‫ودفع ثمن مواقفه �أيام ًا من عمره ق�ضاها‬ ‫يف ال�سجون‪ ،‬وثالث حماوالت اغتيال‬ ‫تعر�ض لها‪ ،‬و�أيام ًا من الوحدة بعد �أن‬ ‫تنكر له الأ�صدقاء ‪-‬بع�ضهم‪ -‬يف حمنته‪،‬‬ ‫دفع الثمن ومل ينحن‪ ..‬حتى رحل‬ ‫قاب�ض ًا على «جمر» الثورة‪ ،‬وابت�سامته‬ ‫الأبدية يف مواجهة اتهامات بال ح�صر‪..‬‬ ‫مازال بع�ضها قائم ًا حتى الآن‪ .‬ثمانية‬ ‫ع�شر عام ًا م�ضت على رحيل �إح�سان‬ ‫ومازال �أدبه ومنهجه الفكري ومدر�سته‬ ‫ال�صحفية يف حاجة �إيل‪ ..‬قراءة �أخرى‪.‬‬ ‫مل تكن العالقة بني �إح�سان عبد القدو�س‬ ‫ونقاد الأدب م�ستقرة وجيدة دائمًا‪،‬‬ ‫حيث عانى طوي ًال من عدم تقدير الكثري‬ ‫من النقاد لأدبه الختالفه يف الأ�سلوب‬ ‫وامل�ضمون عن غالبية الأعمال التي‬ ‫كانت تقدم يف ع�صره‪ ،‬رغم �أنه �أثرى‬ ‫املكتبة امل�صرية بـ ‪ ٥٩‬كتابًا ما بني رواية‬ ‫وجمموعة ق�ص�صية منها ‪ ٤٩‬ق�صة‬ ‫حتولت �إىل �أفالم �سينمائية �أهمها‪ :‬يف‬ ‫بيتنا رجل‪� ،‬أنف وثالث عيون‪� ،‬أبي فوق‬ ‫ال�شجرة‪ ،‬العذراء وال�شعر الأبي�ض‪،‬‬ ‫ال �أنام‪ ،‬الو�سادة اخلالية‪ ،‬و‪ ٥‬حتولت‬ ‫للم�سرح‪ ،‬و‪ ١٤‬م�سل�س ًال‪.‬‬ ‫وي�شري د‪� .‬صالح ف�ضل والناقد الأدبي‬ ‫�إىل �أننا ميكن �أن نوجز اخلطوط العامة‬ ‫لعالقة �أدب �إح�سان عبد القدو�س مع‬ ‫النقاد يف ثالث نقاط رئي�سة الأوىل‬ ‫خالل حياته وكان التيار النقدي الغالب‬ ‫حينذاك هو التيار الي�ساري‪ ،‬ومل يكن‬ ‫يرحب كثريًا بالطابع الربجوازي‬ ‫لروايات �إح�سان عبد القدو�س با�ستثناء‬

‫بع�ض الأعمال املت�صلة باحلركة الوطنية‬ ‫مثل فيلم «يف بيتنا رجل»‪.‬‬ ‫كما �أن وجود �إح�سان عبد القدو�س على‬ ‫ر�أ�س بع�ض امل�ؤ�س�سات ال�صحفية كان‬ ‫ي�صيب الكثري من النقاد باحلرج من‬ ‫التعامل مع �أدبه‪.‬‬ ‫ويكمل د‪ .‬ف�ضل قائ ًال‪ :‬يف املرحلة الثانية‬ ‫�شغلت كثري من الدرا�سات الأدبية‬ ‫ب�أعماله‪ ،‬و�إن و�ضعتها يف مرتبة و�سط‬ ‫بعد جنيب حمفوظ‪� ،‬أما يف املرحلة‬ ‫الثالثة فلم تلبث الدرا�سات الأكادميية‬ ‫�أن �أولت عنايتها لأدب �إح�سان عبد‬ ‫القدو�س‪ ،‬وت�صدى النقاد ب�شكل قاطع‬ ‫ملحاوالت بع�ض دور الن�شر حتريف‬ ‫�أعمال �إح�سان التي تت�سم بال�شجاعة‬ ‫واال�ستنارة ومنا�صرة املر�أة بهدف‬ ‫ت�سهيل ت�سويقها للدول العربية‪.‬‬ ‫ال�شاعر الكبري �أحمد عبد املعطي حجازي‬ ‫يرى �أن �أعمال �إح�سان عبد القدو�س‬ ‫التزال تقر�أ للآن‪ ،‬ون�ستمتع بها ونتعلم‬ ‫منها‪ ،‬و�أهم من هذا كله جند يف �أدب‬ ‫�إح�سان تف�سريًا لأ�شياء كثرية تخ�ص‬ ‫الع�صر الذي عا�ش فيه‪.‬‬ ‫وي�ضيف حجازي القيمة الأ�سا�سية يف‬ ‫عمل �إح�سان الأدبي وال�شخ�صي هي‬ ‫ال�شجاعة التي كان يكتب بها فهو كاتب‬ ‫يعرف ر�سالته وي�صف �أو�ضاع النا�س‪،‬‬ ‫ال يوهمهم ب�أن كل �شيء على ما يرام‬ ‫بل يك�شف عن الأخطاء والنواق�ص‬ ‫وال�سلبيات‪ ،‬ولذا فعندما �أنظر �إيل‬ ‫�أعماله الروائية التي حتدث فيها عن‬ ‫عالقة الرجل باملر�أة بكثري من ال�صراحة‬ ‫�سواء من جانبها ال�سلبي وما يحدث‬ ‫يف اخلفاء �أو عن جانبها الإيجابي ومل‬ ‫يت�سرت �أو يتواط�أ مما كان له �أثر بالغ يف‬ ‫الهجوم عليه �سواء عليه �أو على �أبطال‬ ‫رواياته لأنهم ك�شفوا ما يف املجتمع‪.‬‬ ‫وي�شري حجازي �إيل �أن �إح�سان حتلي‬ ‫بنف�س ال�شجاعة يف ال�صحافة ال�سيما‬ ‫يف حمالته قبل الثورة على �أ�شكال‬ ‫الف�ساد ال�سيا�سي �أو حمالته بعد ذلك‬ ‫�ضد طغيان ال�ضباط وهذه احلمالت �أدت‬ ‫به �إيل املعتقل مما يدل على �أنه كاتب‬ ‫حقيقي و�شجاع و�صاحب ر�سالة وهذه‬ ‫ال�صفات تكملها �صفة �أخري وهي �أنه‬ ‫كان «كاتبًا معلمًا» يحب �أن ينقل خرباته‬ ‫�إيل الأخرين‪.‬‬ ‫�أما الروائي ف�ؤاد قنديل في�ؤكد �أن‬ ‫�إح�سان �أف�ضل من قا�سم �أمني و�أ�صدق‬ ‫من جنيب حمفوظ فهو �صاحب الدفعة‬ ‫الأويل لتحرير املر�أة و�أهم كاتب جعل‬ ‫القراء يحبون الرواية والق�صة‪.‬‬ ‫وي�ضيف قنديل‪ :‬ال�شهرة �أحيا ًنا حتول‬ ‫دون النقاد والكاتب خا�صة عندما تكون‬ ‫لديه مثل �إح�سان بع�ض ال�سلبيات‪ ،‬منها‬ ‫كتابته املتدفقة اخلالية من الغمو�ض‬ ‫وبالتايل فهي ال تتيح فر�صة للنقاد لف�ض‬ ‫الأ�سرار �أو م�ساعدة القارئ على معرفة‬ ‫الغام�ض ويف الأدب البد من بع�ض‬ ‫الغمو�ض للت�شويق‪ ،‬و� ً‬ ‫أي�ضا يعيبه �أن‬

‫لغته مل تتطور منذ �أن بد�أ حتي توقف‬ ‫عن الكتابة‪.‬‬ ‫�أما د‪ .‬عواطف عبد الرحمن فقد كتبت‬ ‫عنه تقول‪�« :‬إح�سان ك�أديب بنى جزءًا‬ ‫كبريًا جدًا يف وعي جيل ال�ستينيات‬ ‫بالذات و�أ�س�س �صرحً ا مهمًا يف وعيه‬ ‫االجتماعي من خالل �أعماله الروائية‬ ‫واعتربه �أف�ضل من كتب عن ال�شريحة‬ ‫العليا والو�سطى يف املجتمع امل�صري‪،‬‬ ‫وخ�صو�صا املر�أة واعترب كتاباته وثائق‬ ‫ً‬ ‫عن التاريخ االجتماعي لهذه الفرتة‪،‬‬ ‫ولقد كان ل�سجنه عام ‪ ١٩٥٤‬ملدة ثالثة‬ ‫�أ�شهر بعد مقالته ال�شهرية عن جمل�س‬ ‫قيادة الثورة «اجلمعية ال�سرية التي‬ ‫حتكم م�صر» �سببًا يف حتول كبري‬ ‫بحياته فقد جتنبه يف هذه الفرتة‬

‫�أ�صدقا�ؤه‪ ،‬و�أ�صبح �شبهة وحمل اتهام‬ ‫وجتنبه ال�سا�سة و�أعطى ذلك وق ًتا �أكرب‬ ‫لأعماله التي ت�ضمنت �أراءه االجتماعية‬ ‫وال�سيا�سية على ل�سان �أبطال رواياته‪.‬‬ ‫بد�أ �إح�سان عبدالقدو�س عمله ال�صحفي‬ ‫يف �سن الرابعة ع�شرة جامع ًا للأخبار‪،‬‬ ‫ثم تخ�ص�ص يف �أخبار الريا�ضة وقبل‬ ‫�أن يبلغ الع�شرين التحق بكلية احلقوق‬ ‫وكان يحرر وقتها باب �أخبار املجتمع‬ ‫ب�أ�سلوب جديد وجذاب يجمع بني‬ ‫ال�صحافة والأدب‪ ،‬وكانت بداية ت�ألقه‬ ‫ال�صحفي يف �أوائل الأربعينيات حينما‬ ‫ن�شر مقا ًال يهاجم فيه «اللورد كيلرن»‬ ‫بعنوان «هذا الرجل يجب �أن يذهب»‬ ‫ف�أمر بالقب�ض عليه وعقب خروجه من‬ ‫ال�سجن عام ‪ ،١٩٤٥‬عينته والدته رئي�س ًا‬

‫لتحرير روزاليو�سف‪.‬‬ ‫كانت �أهم الق�ضايا التي فجرها ق�ضية‬ ‫«الأ�سلحة الفا�سدة»‪ ،‬التي تناولها يف‬ ‫�سل�سلة مقاالت بد�أت بتاريخ ‪ ٢٠‬يوليو‬ ‫‪ ،١٩٤٩‬بعنوان «حماكمة جمرمي حرب‬ ‫فل�سطني» وطالب فيها مبحاكمة الذين‬ ‫وراء توريد �أ�سلحة فا�سدة للجي�ش‬ ‫امل�صري‪ ،‬ولقد بلغ ت�أثري هذه املقاالت‬ ‫�أن احلكومة الوفدية �أبلغت النائب‬ ‫العام �ضده للتحقيق فيما قدمه يف هذه‬ ‫املقاالت من �أدلة �أ�صدر النائب العام‬ ‫يف ‪ ٢٨‬مار�س ‪ ١٩٥١‬قرار ًا بحفظ‬ ‫التحقيقات يف ق�ضية الأ�سلحة الفا�سدة‬ ‫وبعد الثورة �أعادت النيابة التحقيق يف‬ ‫هذه الق�ضية وانتهت حلفظها من جديد‪.‬‬ ‫ويف عام ‪ ،١٩٥٤‬كتب مقا ًال بعنوان‬ ‫«اجلمعية ال�سرية التي حتكم م�صر»‬ ‫وانتقد فيه �أع�ضاء جمل�س الثورة‬ ‫و�أ�سلوبهم يف احلكم البعيد عن‬ ‫الو�ضوح وال�شفافية وب�سبب هذا املقال‬ ‫مت اعتقاله يف ‪� ٢٨‬أبريل عام ‪،١٩٥٤‬‬ ‫و�أودع يف ال�سجن احلربي وا�ستمر‬ ‫حب�سه ثالثة �شهور‪ ،‬كان اعتقاله نقطة‬ ‫حتول جذرية يف حياته قلبت �أفكاره‬ ‫ر�أ�س ًا على عقب و�أ�صيب ب�صدمة عنيفة‬ ‫خلوف وابتعاد اجلميع عنه‪.‬‬ ‫و�ضع �إح�سان عبدالقدو�س �أثناء‬ ‫رئا�سته جمل�س �إدارة «روز اليو�سف»‬ ‫قاعدة ملدر�سة �صحفية �أ�سا�سها احلرية‬ ‫والليربالية وفتح باب املجلة جلميع‬ ‫التيارات ال�سيا�سية‪ ،‬الي�ساريني‬ ‫والإخوان امل�سلمني والتيار الديني‬ ‫امل�ستنري و�أي�ض ًا للكتابات الإحلادية‬ ‫وب�سبب هذه الكتابات �صنف مرة على‬ ‫�أنه زعيم ال�شيوعيني ومرة بانتمائه‬ ‫جلماعة الإخوان امل�سلمني وا�ستطاع‬ ‫�أن ي�ؤ�س�س جملة �صباح اخلري لل�شباب‬ ‫والكتاب الذهبي و�أخرج جي ًال من كبار‬ ‫ال�صحفيني ثم انتقل �إيل �أخبار اليوم‬ ‫«رئي�س ًا للتحرير» ثم رئي�س ًا ملجل�س‬ ‫�إدارتها عام ‪ ١٩٧١‬حتي ‪ ،١٩٧٤‬وفقز‬ ‫بتوزيعها �إيل مليون ن�سخة با�ستثناء‬ ‫عام ‪ ،١٩٦٨‬لتعر�ضه حلادث �سيارة ثم‬ ‫عاد يف �آخر يناير ‪ ،١٩٦٩‬وانتقل �إيل‬ ‫م�ؤ�س�سة الأهرام ككاتب متفرغ عام‬ ‫‪ ،١٩٧٤‬حتي وفاته‪.‬‬ ‫كتب �إح�سان مئات املقاالت ال�سيا�سية يف‬ ‫�أغلب ال�صحف امل�صرية وجمع بع�ضها‬ ‫يف كتب �أهمها على مقهى يف ال�شارع‬ ‫ال�سيا�سي «جزءان» ‪ ١٩٧٩‬ـ ‪،١٩٨٠‬‬ ‫خواطر �سيا�سية ‪� ،١٩٧٩‬أيام �شبابي‬ ‫«جمموعة مقاالت» ‪.١٩٨٠‬‬ ‫«�إح�سان» هذا اال�سم الأنثوي كان �أحد‬ ‫�أ�سباب �ضيق �إح�سان الطفل ب�سبب‬ ‫�سخرية زمالئه منه يف مرحلة الطفولة‬ ‫وهو ما جعل والده حممد عبدالقدو�س‬ ‫ي�ؤلف م�سرحية بعنوان «�إح�سان بك»‬ ‫لي�ؤكد البنه الوحيد �أنه ا�سم رجايل‪.‬‬

‫◄‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪6‬‬

‫مل يكن اال�سم وحده ما ي�سبب ال�ضيق‬ ‫للطفل �إح�سان‪ ،‬ولكن «معايرة» زمالئه‬ ‫يف مدر�سة خليل �أغا االبتدائية له‪ ،‬ب�أن‬ ‫�أمه ممثلة بالإ�ضافة ل�شعور �إح�سان‬ ‫الطفل باليتم ووالداه على قيد احلياة‪،‬‬ ‫فكالهما م�شغول عنه بعمله الفني‪،‬‬ ‫خا�صة �أمه التي كان ان�شغالها وقوة‬ ‫�شخ�صيتها من �أ�سباب طالقها ال�سريع‬ ‫من والده‪ ،‬وعهد الوالد بابنه جلده‬ ‫ال�شيخ �أحمد ر�ضوان‪.‬‬ ‫عا�ش �إح�سان يف طفولته تناق�ض ًا‬ ‫�أربكه‪ ،‬فمجتمع جده كان متحفظ ًا‪،‬‬ ‫�شديد التزمت‪ ،‬وكانت املر�أة فيه ال ترى‬ ‫ال�شارع �إال من وراء حجاب‪� ،‬أما جمتمع‬ ‫�أبيه و�أمه فهو متحرر منطلق‪ ،‬وبد�أ‬ ‫يت�ساءل �أيهما املجتمع ال�صالح؟‬ ‫ومل ي�ستطع �أن يجد جواب ًا يريحه‬ ‫يف هذه ال�سن ال�صغرية‪ ،‬ولكن هذا‬ ‫املوقف علمه �أن يفكر با�ستقاللية و�أال‬ ‫ي�ست�سلم للواقع‪ ،‬بل يفر�ض ر�ؤيته‬ ‫ال�شخ�صية على هذا الواقع‪ ،‬و�أن يجد‬ ‫لنف�سه مكانة ودور ًا خا�ص ًا به‪ ،‬ومل‬ ‫يت�أثر �إح�سان يف حياته �إال ب�شخ�صيتني‬ ‫اعتربهما �صاحبي ف�ضل عليه‪ ،‬الأويل‬ ‫�أمه ال�سيدة روزاليو�سف التي قال عنها‬ ‫ال�سيدة التي علمتنا الثورة من �أجل‬ ‫احلرية واحلق‪ ،‬وكانت امر�أة قوية‬ ‫و�شجاعة و�شديدة الذكاء‪ ،‬والثانية‬

‫العدد (‪)2109‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )23‬ني�سان ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2109‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )23‬ني�سان ‪2011‬‬

‫زوجته ورفيقته املخل�صة يف رحلة‬ ‫احلياة‪ ،‬التي تزوجها وعمره ‪� ٢٤‬سنة‪،‬‬ ‫وا�ستطاعت �أن حتقق له اال�ستقرار‬ ‫وال�سكينة‪ ،‬وهي �أ�شياء افتقدها يف‬ ‫طفولته و�صباه‪ ،‬وحتملت عنه كل �أعباء‬ ‫املنزل والأوالد ليتفرغ لإبداعه‪ ،‬ولوالها‬ ‫ملا كان �إح�سان عبدالقدو�س‪ ،‬وكان‬ ‫دائم ًا ي�صفها ب�أنها رئي�سة جمل�س �إدارة‬ ‫حياته‪.‬‬ ‫ويقول املهند�س �أحمد‪ ،‬ابن الكاتب‬ ‫الراحل عن طقو�س �أبيه عند الكتابة‪:‬‬ ‫�أبي كان ال يكتب �إال بالبدلة الكاملة‬ ‫وعلى مكتبه‪ ،‬وال�سجائر وفنجان القهوة‬ ‫كانا ي�صاحبانه طوال عمله‪ ،‬وكان‬ ‫يهتم بالقلم الذي يكتب به‪ ،‬فالبد �أن‬ ‫يكون خطه رفيع ًا جد ًا‪ ،‬وكان يعترب �أن‬ ‫القلم تعبري عن �شخ�صيته‪ ،‬وكان قارئ ًا‬ ‫جيد ًا لكل ال�صحف امل�صرية والعربية‬ ‫والأجنبية‪ ،‬وكانت �أمي ‪-‬رحمها‬ ‫الله‪ -‬مهتمة دائم ًا ب�أن تخلق لأبي‬ ‫اجلو‪ ،‬الذي اعتاده يف الكتابة حتي‬ ‫يف ال�سفر‪ ،‬وكان �أبي ي�ستمد كتاباته‬ ‫الأدبية من ق�ص�ص حقيقية يق�صها عليه‬ ‫رجال ون�ساء‪ ،‬وكان هو مبثابة الطبيب‬ ‫النف�سي‪ ،‬الذي ي�ستمع العرتافاتهم‪،‬‬ ‫وكانت الوالدة تهيئ له هذه اللقاءات‬ ‫يف منزلنا يف حجرة مكتبه‪ ،‬وكانت‬ ‫مبثابة �صومعته‪ ،‬املمنوع على اجلميع‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫االقرتاب منها‪.‬‬ ‫وب�س�ؤاله‪� :‬أمل تكن ال�سيدة لوال تغار‬ ‫من �أولئك الن�ساء؟‪ ..‬قال‪�« :‬إذا كان �أبي‬ ‫مبثابة الطبيب النف�سي للآخرين‪ ،‬فقد‬ ‫كانت والدتي مبثابة الطبيب النف�سي‬ ‫اخلا�ص له وم�ستودع �أ�سراره‪ ،‬وكانت‬ ‫تعرف متى تتدخل لتحمي بيتنا‬ ‫وزوجها من �أي تهديد‪ ،‬وكان �أبي ميتثل‬ ‫لها وي�ستعيد توازنه»‪.‬‬ ‫و�إح�سان والد ملحمد ال�صحفي‬ ‫املعروف‪ ،‬واملهند�س �أحمد �صاحب‬ ‫مكتب هند�سي‪.‬‬ ‫مل يكن �إح�سان كاتب ًا �سابق ًا لع�صره يف‬ ‫�أ�سلوبه ال�صحفي والأدبي فقط‪ ،‬ولكنه‬ ‫كان �صاحب منهج فكري ليربايل �أ�صيل‪،‬‬ ‫مل ينتم يف �أي فرتة من حياته لف�صيل‬ ‫فكري �أو �سيا�سي‪ ،‬ومل ين�ضم لأي حزب‬ ‫وانحاز فقط لرجل ال�شارع‪ ،‬ومل يكتب‬ ‫يوم ًا �إال ما كان ي�ؤمن به‪ ،‬وعندما مل‬ ‫يتمكن من ذلك يف فرتات كثرية ف�ضل‬ ‫�أال يكتب �إال �أدب ًا يحمل يف طياته جزء ًا‬ ‫من �شخ�صيته‪.‬‬ ‫�إح�سان الذي كرب يف �أح�ضان عائلة‬ ‫جده‪ ،‬ر�ضوان‪ ،‬القا�ضي ال�شرعي‬ ‫وخريج الأزهر‪ ،‬كان يف ذات الوقت ابن ًا‬ ‫ل�سيدة �سبقت ع�صرها‪ ،‬عملت ممثلة‬ ‫يف وقت مل تكن الن�ساء فيه يخرجن‬ ‫�سافرات‪ ،‬ثم �أ�س�ست جملة حتمل ا�سمها‬

‫وخالطت كبار رجال الدولة ومثقفيها‬ ‫يف زمن مل يكن ي�سمح للن�ساء فيه‬ ‫باختيار �شريك احلياة‪ ..‬وما بني‬ ‫العاملني املتناق�ضني ا�ستطاع �إح�سان �أن‬ ‫يكون لنف�سه ر�أي ًا‪ ،‬و�أن ي�ستقل بحياته‬ ‫يف �سن �صغرية‪ ،‬ويتزوج لي�صبح‬ ‫م�س�ؤو ًال وحر ًا يف ذات الوقت‪ ،‬وهنا‬ ‫يكمن مفتاح �شخ�صية �إح�سان‪.‬‬ ‫طوال �شبابه كان يحاول �أن يخرج من‬ ‫عباءة روزاليو�سف ليثبت لنف�سه �أو ًال‬ ‫وللآخرين �أنه �إح�سان عبدالقدو�س‪،‬‬ ‫ولي�س ابن ال�ست‪ ،‬ومع الأيام وثق‬ ‫�إح�سان بذاته وبقدراته وفتح املجلة‬ ‫التي ر�أ�س حتريرها وعمره ‪� ٢٦‬سنة ـ‬ ‫كان �أ�صغر رئي�س حترير يف م�صر ـ لكل‬ ‫التيارات وا�ستطاع �أن ينجح فيما ف�شل‬ ‫فيه �أ�ستاذه حممد التابعي‪ ،‬و�أن ي�صمد‬ ‫�أمام �إع�صار مدر�سة «�أخبار اليوم»‬ ‫ال�صحفية‪ ،‬املعتمدة على اخلرب ال املقال‪،‬‬ ‫واجتذب جنوم الكتابة ملجلته وكان‬ ‫�صاحب مدر�سة‪� ،‬أول مبادئها «�أن النقد‬ ‫فن‪ ،‬و�آية الفن �أن تقول ر�أيك من دون‬ ‫�أن جترح» وكان �إح�سان �شديد التم�سك‬ ‫مباي�ؤمن به‪ ،‬فعندما طلب منه الرئي�س‬ ‫عبدالنا�صر �أن يغري من ا�سم برناجمه‬ ‫الإذاعي من «ت�صبحوا على حب» �إيل‬ ‫«ت�صبحوا على حمبة» رف�ض‪ ،‬وف�ضل �أن‬ ‫يوقف الربنامج‪.‬‬

‫ولقد �سجن �إح�سان قبل وبعد الثورة‬ ‫نتيجة �آرائه ال�سيا�سية اجلريئة‬ ‫وال�شجاعة‪ ،‬لكنه �أبدا مل يحاول �أن‬ ‫يتنازل عن كربيائه و�آرائه و�أن يتملق‬ ‫حاكم ًا �أو ع�صر ًا‪ .‬كان رج ًال طموح ًا‬ ‫بغري مطامع وكان دائم ًا يقول لتالميذه‬ ‫�إن على ال�صحفي �أن يظل دائم ًا بعيد ًا‬ ‫عن احلاكم ليحافظ على حريته‪.‬‬ ‫و�آخر موقف لإح�سان يدل على مدي‬ ‫احرتامه حلرية الر�أي ودفاعه عنها‬ ‫حتي لو �أختلف معه‪ ،‬موقفه مع‬ ‫ابنه حممد عندما قب�ض عليه �ضمن‬ ‫االعتقاالت التي �شملت معظم معار�ضي‬ ‫ال�سادات عام ‪ ،١٩٨١‬فقد التقي �إح�سان‬ ‫بعد اجتماع ح�ضره الرئي�س للمجل�س‬ ‫الأعلى لل�صحافة‪ ،‬بال�سادات الذي �س�أله‪:‬‬ ‫هل يعجبك ما فعله ابنك‪ ،‬ده «�إن�سان‬ ‫متطرف» بادره �إح�سان قائ ًال‪« :‬لقد‬ ‫رف�ضت �أن �أحدثك ب�ش�أنه‪ ،‬ابني كبري‬ ‫وم�س�ؤول‪ ،‬وعنده ‪� ٣٤‬سنة و�أنا واثق‬ ‫�أنه قادر على �أن يتحمل م�س�ؤولية‬ ‫نف�سه واحنا يف �شبابنا كنا بنعمل زيه‬ ‫�إنت نا�سي ياري�س �إنك ات�سجنت يف‬ ‫�شبابك»‪.‬‬ ‫قال �إح�سان الليربايل عن نف�سه‪:‬‬ ‫«ع�شت حياتي كلها �أ�شعر بالوحدة بني‬ ‫النا�س‪ ،‬دون �أن �آخذ �شيئ ًا من كفاحي �إال‬ ‫ا�ستمراري يف الكفاح من �أجل احلرية»‪.‬‬

‫يف واحدة من بديع عبارات عمنا الكبري‬ ‫يحيى حقي يقرتح �أن يقام معبد للحب‬ ‫و�أن يكون �إح�سان عبد القدو�س كاهنه‬ ‫الأكرب؛ و�إليه ي�صعد بريد القلوب"‬ ‫بهذه العبارة املوحية �أنهت الكاتبة زينب‬ ‫الع�سال مقاال ممتعا لها حول احلب يف‬ ‫�أدب �إح�سان‪ ،‬خا�صة حني يتحول احلب‬ ‫�إىل ق�ضية‪ ،‬م�ؤكدة �أن معظم �أعمال‬ ‫�إح�سان – �إن مل يكن كلها – قد جعلت‬ ‫احلب حمورها الأ�سا �سي لكنه جاوز ذلك‬ ‫فجعل من احلب ر�سالة وق�ضية حياة"*‬ ‫ولدى اجلر�أة هنا لأقر �أن �إح�سان عبد‬ ‫القدو�س من �أكرث كتاب العامل ا�ستحقاقا‬ ‫لالحرتام‪ ،‬نقول ذلك بعد ت�أمل طويل‬ ‫عميق يف �سريته ككاتب ومفكر و�إداري‪،‬‬ ‫لأنه مل يتنازل مطلقا عن قنا عاته طوال‬ ‫حياته ورغم �أن كتابا كبارا قد �ضحوا‬ ‫ودفعوا من �أعمالهم وحرياتهم يف مقابل‬ ‫موقف ي�ضمن لهم االحرتام للذات �أمام‬ ‫�أنف�سهم‪ ،‬فالقليل القليل من ا�ستطاع �أن‬ ‫يحول قناعاته من الفكر �إىل العمل‪ ،‬من‬ ‫خالل رئا�سته لتحرير �أكرب املطبوعات‬ ‫العربية ( روزاليو�سف‪/‬الأهرام‪�/‬أخبار‬ ‫اليوم) ومل يتنازل مرة واحدة �أمام ر�أى‬ ‫لرئي�س دولة �أو رجل �أعمال ومل يقبل �أن‬ ‫ي�ؤذى �أحدا حتى لو كان الثمن الت�ضحية‬ ‫برئا�سة حترير الأهرام مثال……‪.‬‬ ‫ومن مقاله"هذا الرجل يجب �أن‬ ‫يرحل"الذي كتبه عام ‪1942‬م والذي‬ ‫طالب فيه بخروج اللورد كيلرن من م�صر‬ ‫وهو املندوب ال�سامي لأكرب دولة يف‬ ‫العامل وقتها وكان عمره ثالثة وع�شرن‬ ‫عاما؛ منذ هذا احلني مل تتوقف مواقف‬ ‫الرجل؛ وي�أتي عام ‪1945‬م ويكتب‬ ‫�سابقا بفكره ووعيه ال�سيا�سي الكثريين‬ ‫من املفكرين وال�سا �سة مبقاله‪ :‬يا عرب‬ ‫ت�ضيع الآن فل�سطني"ثم جاءت حرب‬ ‫‪1948‬م ودخل معركته الكربى يف ك�شف‬ ‫ف�ضيحة الأ�سلحة‪ ،‬ونال و�ساما حني تلقى‬ ‫خنجرا ملعونا �أمام عمارة الإميوبيليا‬ ‫ردا على �شجاعة مواقفه‪ ،‬ثم ت�أنى الثورة‪،‬‬ ‫وي�ؤيدها جميع املثقفني‪،‬لكن �إح�سانا بعد‬ ‫فرتة يدرك بح�سه ال�سيا�سي العبقرى‬ ‫ما تقدم عليه الثورة‪ ،‬فكتب مقاله‬ ‫امل�شهور"اجلمعية ال�سرية التى حتكم‬ ‫م�صر"وكالعادة يدفع الثمن وي�سجن …‪.‬‬ ‫�أما �أثناء عمله ال�صحفي فلم يعرف عنه‬ ‫التدخل يف كتابة ال�صحفيني باحلذف‬ ‫�أو الإ�ضافة‪� ،‬إمنا حول جملته �إىل معمل‬ ‫تفريخ للمواهب يف كل‪� ،‬سواء كانوا‬ ‫مفكرين مثل �أحمد بهاء الدين �أو�شعراء‬ ‫ك�صالح عبد ال�صبور �أو جاهني �أو‬ ‫حجازى وكذلك فنانى الكاريكاتريكجورج‬ ‫وبهجت وغريهم …‬ ‫وامل�شرف يف م�سرية �إح�سان كثري‪ ،‬جر�أة‬ ‫يف احلق ومتا�سك يف �أ�صعب الظروف‪،‬‬ ‫ومبادىء ال تتجز�أ حني مي�س املو�ضوع‬ ‫ذاته �أو �أوالده‪ ،‬ت�صو مثال حني يقب�ض‬ ‫على ولده ب�سبب ميوله ال�سيا�سية الدينية‬ ‫التى يختلف معها الأب‪ ،‬لكنه مينح ابنه‬ ‫حريته ال�سيا�سية ويتحمل ك�أب �أن يقتات‬

‫‪7‬‬

‫إحسان عبد القدوس‪..‬‬ ‫وسمو أدب الفراش‬ ‫�إبراهيم حممد حمزة‬ ‫ابنه فكرا �سيا�سيا لي�س من مائدة الأب‪..‬‬ ‫الرجل بالفعل موقف‪.‬‬ ‫وميثل املنهج الذى اختطه �إح�سان لنف�سه‬ ‫وحياته منوذجا �صادقا لو�ضوح الهدف‬ ‫وال�سعى �إىل حتقيقه‪ ،‬حيث كان و�ضوح‬ ‫الهدف �أمامه �سبيال مل�سرية طويلةمنظمة‬ ‫نحو احلرية‪ ،‬وقد �أعطى مثال عليا يف‬ ‫حياته ال�شخ�صية كما ر�أينا‪ ..‬وهو ما‬ ‫ي�شهد به حتى �أعدا�ؤه الذين مل يقدروا‬ ‫على ذكر ما يعيب‪� ،‬سوى ما تعارف عليه‬ ‫النقد ب�شكل متوال على �أن �أدب �إح�سان‬ ‫عبد القدو�س مو�صوف من العقاد �أنه �أدب‬ ‫فرا�ش …‪.‬‬ ‫ومع خال�ص تقديرنا للعقاد كقامة وقيمة‬

‫متفردة يف حياتنا الإبداعية والفكرية بل‬ ‫وال�سيا�سية �إال �أن للعقاد �شعرا �أظن �أن‬ ‫كل كتابات �إح�سان مل ت�صل جلر�أته‪:‬‬ ‫ثناياهـ ـ ــا‪ ..‬ثناياهـ ــا وهل ذقت ثناياها‬ ‫وعيناها ويا ل ـ ـ ــلويل كم ت�سبيه عيناها‬ ‫وتلك القامة الهيف ــاء زانتها زواياه ــا‬ ‫�إذا ما جار ردفاه ـ ــا �أقام اجلور نهداها‬ ‫(عن كتاب عامر العقاد)‬ ‫ �إذن فاخلطيئة التى يقع فيها النقد هي‬‫التقييم الأخالقي للإبداع‪� ،‬أو بتعبري‬ ‫الناقدة الأردنية عفاف البطاينة‪:‬‬ ‫"�إن الإعرا�ض عن درا�سة هذه الأعمال‬ ‫[ تعني الأعمال العاطفية ] يف بع�ض‬ ‫احلاالت ومهاجمتها يف �أحيان كثرية‬

‫وو�صفها بانعدام الأدبية لدليل على‬ ‫اتفاق خفي بني امل�ؤ�س�ستني االجتماعية‬ ‫والنقدية‪ ،‬فتعلى من قيمة بع�ض الأعمال‬ ‫وحتط من قيمة�أعمال �أخرى‪ ،‬ح�سب‬ ‫ت�أثري كل منها على القيم والأعراف‬ ‫املتوارثة"‬ ‫ومن عجيب الأمور �أن هذه النظرة‬ ‫مل تكن موجودة حتى لدى امل�سلمني‬ ‫الأوائل‪ ،‬بل �أن النبى عليه ال�صالة‬ ‫وال�سالم مل يغ�ضب وهوي�ستمع �إىل كعب‬ ‫بن زهري ين�شده‬ ‫بانت �سعاد فقلبي اليوم متبول متيم‬ ‫�إثرها مل يفد مكبول‬ ‫و�صف"�س َعاده"هذه بجمال‬ ‫ثم يزيده يف‬ ‫ُ‬

‫ال�صدر وامل�ؤخرة‪ ،‬ومل يقل النبى وال‬ ‫�صحابته �أن هذا الكالم فاح�ش بل منحه‬ ‫جائزة غالية ظلت تتناقل بني �أيدى‬ ‫الوالة فيما بعد �أى بردته ال�شريفة‬ ‫بل"لقد ا�شت�شهد العلماء لغريب القر�آن‬ ‫بالبيت فيه الفح�ش وفيها ذكرالفعل‬ ‫القبيح‪ ،‬ثم مل يعبهم ذلك"‬ ‫وكتب النقد القدمي ال تنت�صر مطلقا‬ ‫لهذه النظرة التى حت�صر الأدب يف هذه‬ ‫النظرة التعليمية ال�ضيقة لكنهم يرونه‬ ‫عمال �إبداعيا خالقا‪ ،‬حتى لو خالف‬ ‫الأعراف والتقاليد وبني �أيدينا مئات‬ ‫من الأبيات بل وال�صفحات التى تعج‬ ‫بالدعوة ل�شرب اخلمر والزنا وغريه‬ ‫وهو ما مل مينعه الذوق الأدبى و�إن منعه‬ ‫احل�س الدينى‪ ،‬ول�سنا بالطبع ندعو‬ ‫ملثل هذا الأدب ولكن نرف�ض فقط ربط‬ ‫الإبداع بالأخالق‪ ،‬بل انظر البن القيم‬ ‫يجمع ما قيل يف الن�ساء يف كتابه"�أخبار‬ ‫الن�ساء و�ستجده يحدثك عن �أبو نوا�س‬ ‫وهو يتحايل على امر�أة لتك�شف وجهها‪،‬‬ ‫فر�آه ثم‬ ‫"رفعت ثيابها حتى جاوزت نحرها‬ ‫ف�إذا هى كق�ضيب ف�ضة قد �شبب مباء‬ ‫الذهب يهتز على مثل كثيب ولها �صدر‬ ‫كالورد عليه رمانتان من عاج ميلآن‬ ‫يد الالم�س وخ�صر مطوى االندماج‬ ‫يهتز يف كفل رجراج‪،‬و�سرة م�ستديرة‬ ‫حتت ذلك �أرنب جاثم وجبهة �أ�سد غادر‬ ‫………"‬ ‫والنقد العربى والغربى الواعى يقف‬ ‫�ضد هذه النظرة القا�صرة للإبداع‪،‬‬ ‫والدكتور عبد العزيز حمودة يف معر�ض‬ ‫تقدميه للنظرية اجلمالية يف النقد لدى‬ ‫كروت�شيه يقول‪:‬‬ ‫"فالعمل الفنى يجب �أن يقوم تقديره‬ ‫ونقده على �أ�سا�س واحد‪ ،‬وهو �أنه‬ ‫عمل فنى‪ ،‬ولي�س �شيئا �آخر"‬ ‫ورمبا كان البع�ض من النقد القدمي‬ ‫يحتفل بالنظرة الأخالقية للإبداع‪ ،‬ولكنه‬ ‫مل مينع �إبداعا‬ ‫�إن الإبداع الذى يت�سول القارىء‬ ‫باجلن�س وغريه من املحرمات ال يقا�س‬ ‫�إبداعا‪ ،‬لأنه مق�صود �إليه وال يعرب عن‬ ‫وجهة نظر وال موقف‪ ،‬وال يتعدى �أكرث‬ ‫من م�شهى للقارىء الذى �سي�ضيق به‬ ‫بال �شك بعد فرتة ق�صرية … وهو ما‬ ‫حر�ص �إح�سان عن البعد عنه متاما‪.‬‬ ‫ومما يدل على بطالن النقد الأخالقى‬ ‫ما ينقله الدكتور حمودة عن �شوبنهور‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫"�إن ال�شاعر ي�ستطيع �أن يتغنى‬ ‫بال�شهرة‪ ،‬كما يتغنى بالت�صوف‪ ،‬ولي�س‬ ‫من حق �إن�سان �أن ي�صف �أو يحدد‬ ‫لل�شاعر ما يجب �أن يكون عليه‪ ،‬بل‬ ‫لي�س لأحد احلق يف لومه‪ ،‬لأنه لي�س‬ ‫�أخالقيا �أو نبيال"‬ ‫وما ينطبق على ال�شاعر ي�ستحق �أن‬ ‫يتلب�س الروائي والقا�ص لأنه ينقل يف‬ ‫�إبداعه فكر غريه‬ ‫فهل ي�شفع هذا لإح�سان؟‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪8‬‬

‫العدد (‪)2109‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )23‬ني�سان ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2109‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )23‬ني�سان ‪2011‬‬

‫‪9‬‬

‫رمبا مل تقر�أ للأديب والروائي الكبري �إح�سان عبدالقدو�س بع�ض ق�ص�صه �أو رواياته‬ ‫العديدة‪ ،‬لكن امل�ؤكد �أنك �شاهدت بدل املرة مرات ع�شرات الأفالم امل�أخوذة عن‬ ‫ق�ص�صه ورواياته‪� ..‬أين عمري‪ ،‬الو�سادة اخلالية‪ ،‬ال �أنام‪� ،‬أنا حرة‪� ،‬شيء يف �صدري‪ ،‬ال‬ ‫تطفئ ال�شم�س‪ ،‬النظارة ال�سوداء‪� ،‬أنف وثالث عيون‪� ،‬أين عقلي‪� ،‬أبي فوق ال�شجرة‪،‬‬ ‫�إمرباطورية ميم‪ ،‬دمي ودموعي وابت�سامتي‪ ،‬العذراء وال�شعر الأبي�ض‪ ،‬العذاب فوق‬ ‫�شفاه تبت�سم‪ ،‬ياعزيزي كلنا ل�صو�ص‪ ،‬الراق�صة والطبال‪ ،‬حتي ال يطري الدخان‪،‬‬ ‫�أرجوك �أعطني هذا الدواء‪ ،‬الراق�صة وال�سيا�سي‪ ،‬اخليط الرفيع‪ ،‬البنات وال�صيف‪،‬‬ ‫بئر احلرمان‪� ،‬أختي‪ ،‬ال ت�س�ألني من �أنا ‪..‬و‪ ..‬و ‪..‬‬ ‫رمبا مل تقر�أ الروايات ال�سابقة‪ ..‬لكن امل�ؤكد �أنك �شاهدتها عرب �شا�شة ال�سينما‬ ‫والتليفزيون والف�ضائيات ع�شرات املرات بكثري من املتعة وال�سعادة!‬

‫إحسان عبدالقدوس‬ ‫يتذكر‪ :‬أنا‪ ..‬والسينما!‬ ‫ر�شاد كامل‬ ‫و�ستزيد املتعة والده�شة �إذا قر�أت ذكريات‬ ‫�إح�سان عبدالقدو�س مع ال�سينما‪ ..‬عرب مقال‬ ‫نادر عنوانه �أنا‪ ..‬وال�سينما كان مبثابة‬ ‫املقدمة ملجموعة دمي ودموعي وابت�سامتي‬ ‫�صدر عام ‪.1974‬‬ ‫يف بداية ذكرياته كتب �إح�سان عبدالقدو�س‬ ‫يقول‪ :‬ق�صتي مع العمل ال�سينمائي ‪� -‬أو ما‬ ‫ميكن �أن ي�سمى الأدب ال�سينمائي ‪ -‬ق�صة‬ ‫طويلة انتهت منذ �سنوات طويلة بت�أكيد‬ ‫�إمياين ب�أن العمل ال�سينمائي يختلف عن‬ ‫العمل الأدبي املجرد‪ ،‬ب�أنه عمل جماعي‬ ‫يجمع بني م�ؤلف الق�صة وكاتب ال�سيناريو‬ ‫واملخرج وامل�صور واملمثل واملمثلة‪ ..‬و‪..‬‬ ‫واملنتج �صاحب العمل الفني‪ ،‬كما ال ميكن‬ ‫�أن ينفرد �أي واحد من كل ه�ؤالء بامل�س�ؤولية‬ ‫وحده‪� ،‬سواء كانت م�س�ؤولية النجاح �أو‬ ‫م�س�ؤولية الف�شل‪.‬‬ ‫و�إذا كان داخل العمل ال�سينمائي نوع ًا من‬ ‫الديكتاتورية‪ ،‬ف�إن الديكتاتور الأول الذي‬ ‫يتحكم يف كل ه�ؤالء هو املنتج �صاحب ر�أ�س‬ ‫املال الذي يبد�أ العمل بامل�شروع وي�ضعه‬ ‫يف حدود ذوقه الفني وتخطيطه التجاري‬ ‫ودوافعه ال�شخ�صية‪� ،‬أما الديكتاتور الثاين‬ ‫فهو املخرج لأنه هو الذي يتوىل م�س�ؤولية‬ ‫تنفيذ العمل يف حدود قدراته الفنية وطبيعة‬ ‫تكوينه ال�شخ�صي‪ ..‬ولذا‪ ..‬ولأن العمل‬ ‫ال�سينمائي عمل جماعي يتطلب نوع ًا من‬ ‫التفرغ حتى ي�ستكمل التوفيق بني كل‬ ‫امل�شرتكني فيه‪ ،‬ولأنه عمل ال يحقق احلرية‬ ‫الفردية للإنتاج الفني‪ ،‬ولأن الق�صة هي‬ ‫عن�صر واحد �ضمن العنا�صر الكثرية التي‬ ‫يت�ألف منها العمل ال�سينمائي‪ ..‬لهذا قررت‬ ‫منذ البداية �أال �أحمل نف�سي م�س�ؤولية �أي‬ ‫عمل �سينمائي لأين �أف�ضل �أن �أعي�ش يف‬ ‫حريتي الفردية عندما �أكتب ق�صة‪ ،‬ولأين‬ ‫�أف�ضل �أن �أقدم الق�صة كعمل �أدبي م�ستقل‪،‬‬ ‫واكتفيت دائما ب�أن �أغطي حق �إنتاج‬ ‫الق�ص�ص التي �أكتبها ‪ -‬وبعد ن�شرها ‪ -‬لأول‬ ‫من يتقدم من املنتجني ال�سينمائيني‪،‬‬ ‫ودون �أن �أبذل �أي جهد �إال جهد الر�أي يف‬ ‫ال�سيناريو ال�سينمائي بعد �إعداده‪ ،‬ومدي‬ ‫تعبريه وارتباطه بالق�صة التي كتبتها‪ ،‬وذلك‬ ‫�إذا طلب مني �إبداء الر�أي‪.‬‬ ‫ومي�ضي �إح�سان عبدالقدو�س قائ ًال‪:‬‬ ‫ورغم ذلك فقد تعر�ضت للعمل داخل املجال‬ ‫ال�سينمائي يف عدة حاالت كانت معظمها‬ ‫حاالت تفر�ضها ظروف خارجة عن �إرادتي‪،‬‬ ‫وكانت املحاولة يل للعمل ال�سينمائي عقب‬ ‫تخرجي يف اجلامعة مبا�شرة وتفرغي لبناء‬ ‫م�ستقبلي العملي‪� ،‬أي يف عام ‪ ،1942‬منذ‬

‫ثالثني عام ًا وقت كتابة املذكرات‪ .‬يف هذه‬ ‫الأيام ورغم ارتباطي بهوايتي الأ�صيلة وهي‬ ‫الكتابة بالقلم‪ ،‬فقد كنت حائر ًا بني خمتلف‬ ‫الطرق‪ ،‬وكنت �أجرب كل طريق‪ ،‬كنت �أعمل‬ ‫بال�صحافة ك�صحفي ال ككاتب مقال �أو �أديب‪،‬‬ ‫ورغم �أن والدتي ال�سيدة فاطمة اىلو�سف‬ ‫هي �صاحبة دار روزاىلو�سف �إال �إين جربت‬ ‫العمل يف جميع ال�صحف‪ ،‬فعملت يف دار‬ ‫الهالل و�آخر �ساعة‪ ،‬وامل�صري‪ ،‬والأهرام‪،‬‬ ‫والزمان‪ ،‬واجلرنال دي �إيجبت‪ ..‬وحاولت‬ ‫�أن �أعمل يف الطباعة كمدير مطابع‪ ،‬وحاولت‬ ‫�أن �أ�شتغل باملحاماة‪ ،‬وا�شتغلت بها فعال‬ ‫من عامني‪ ،‬وعلقت على بابي يافطة مكتوب‬ ‫علىها �إح�سان عبدالقدو�س ‪ -‬املحامي‪..‬‬ ‫وحاولت‪ ..‬وحاولت‪ ..‬وكان من بني ما‬ ‫حاولته �أن �أكتب ق�ص�ص ًا �سينمائية‪ ،‬وكتبت‬ ‫فع ًال ق�صتني �سينمائيتني‪ ،‬وكان الدافع‬ ‫الأ�سا�سي يل هو �أن ال�سينما �أيامها كانت‬ ‫ميدان ًا جديد ًا ناجح ًا وا�سع ًا‪ ،‬حتى كان يقال‬ ‫�أن �صناعة ال�سينما هي ال�صناعة الثانية‬ ‫يف م�صر بعد �صناعة الن�سيج‪ ..‬و�أردت �أن‬ ‫�أجرب نف�سي يف هذا امليدان الوا�سع و�أن‬ ‫�أ�ستغل قدرتي على الكتابة‪� ،‬أي �أن الدافع مل‬ ‫يكن متكني من الفن ال�سينمائي �أو هوايتي‬ ‫لهذا الفن‪ ،‬ولكنه كان جمرد حماولة جتربة‬ ‫النجاح يف كل جمال‪.‬‬ ‫واحرتت ملن �أقدم الق�صتني ال�سينمائيتني‬ ‫اللتني كتبتهما‪ ،‬فلم �أكن قد عُرفت بعد ككاتب‬ ‫ق�صة ومل يكن يل ا�سم بني نا�شري الق�ص�ص‬ ‫حممد عبدالوهاب فقد كان �أيامها ‪ -‬كما‬ ‫اليزال ‪� -‬صاحب �شركة �سينمائية وهو‬ ‫�صديق للعائلة و�صديقي‪ ،‬وكان مكتب‬ ‫عبدالوهاب يف عمارة الإميوبيليا ب�شارع‬ ‫ق�صر النيل وذهبت‪ ..‬وما كدت �أ�ضع نف�سي‬ ‫يف امل�صعد حتى التقيت بال�سيدة عزيزة‬ ‫�أمري وهي �أي�ضا منتجة �سينمائية و�صديقة‬ ‫للعائلة و�سبق �أن كتب لها والدي الأ�ستاذ‬ ‫حممد عبدالقدو�س ق�صة فيلم من �أفالمها‬ ‫وهو فيلم بنت النيل وهي ثاين فيلم ينتج‬ ‫يف تاريخ ال�سينما العربية‪ ،‬وكانت ق�صته‬ ‫مقتب�سة من م�سرحية �إح�سان بك التي كان‬ ‫والدي قد �سبق �أن كتبها ومثلتها عزيزة �أمري‬ ‫على امل�سرح ‪ -‬قبل ال�سينما ‪ -‬و�أطلق علىهما‬ ‫ا�سمي بدافع حب الأب البنه رحمه الله‪.‬‬ ‫و�س�ألتني عزيزة �أمري ونحن يف امل�صعد‪:‬‬ ‫اىل �أين؟!‬ ‫فقلت‪ :‬اىل الأ�ستاذ عبدالوهاب لأعر�ض علىه‬ ‫ق�صة كتبتها!‬ ‫وقالت ال�سيدة عزيزة �أمري يف عتاب حلو‬ ‫كعتاب الأم‪ ،‬ولعلها قدرت �إين رمبا �أكون قد‬ ‫ورثت القدرة على كتابة الق�صة عن والدي‪:‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫تعر�ض على عبدالوهاب‪ ،‬قبل �أن تعر�ض على‬ ‫ال ميكن‪ ..‬تعال!!‬ ‫و�أخذتني من يدي اىل مكتب �شركتها‬ ‫ال�سينمائية الذي كان يف نف�س املبني‬ ‫و�أجل�ستني �أمامها وقالت يف لهجة �آمرة‬ ‫تعرب عن طيبتها‪ :‬اقر�أ‪.‬‬ ‫وقر�أت‪ ،‬وذهلت للإعجاب الذي �أبدته ال�سيدة‬ ‫عزيزة بالق�صتني فلم �أكن قد تعودت بعد على‬ ‫�أن يعجب �أحد مبا �أكتب‪ ،‬وذهلت �أكرث عندما‬ ‫قالت �أن �شخ�صية الفتاة يف �إحدي الق�صتني‬ ‫ت�صلح لتقوم هي �شخ�صيا بتمثيلها‪ ،‬فقد‬ ‫كانت �شخ�صية فتاة يف ال�سابعة ع�شرة‬ ‫من عمرها! وقلت لل�سيدة عزيزة‪ :‬ولكنها‬ ‫�شخ�صية فتاة �صغرية!! وقالت يف ب�ساطة '‬ ‫نكربها!!‬ ‫وا�شرتت مني الق�صتني بثمانني جنيه ًا‬ ‫للق�صة و�أعطتني �شيك ًا يحمل مبلغ مائة‬ ‫و�ستني جنيه ًا ومل �أنظر يف ال�شيك �إمنا‬ ‫�أطبقت علىه بكل �أ�صابعي ثم د�س�ست‬ ‫�أ�صابعي يف جيبي ومل �أتكلم فقد كنت‬ ‫مبهور ًا �شارد ًا �أكاد ال �أ�صدق وجودي‪ ..‬كانت‬ ‫هذه هي �أول مرة يدخل جيبي مبلغ ي�صل‬ ‫اىل مائة جنيه‪� ،‬أول مرة �أك�سب من عملي‬ ‫مثل هذا املك�سب! وكان �أكرث ما �أ�ستطيع �أن‬ ‫�أك�سبه حتى ذاك اىلوم هو مبلغ ع�شرين‬ ‫جنيه ًا يف ال�شهر‪� ،‬إذا كان �شهر ًا �سعيد ًا‪،‬‬ ‫و�أقل من ذلك بكثري يف معظم �شهور ال�سنة‪،‬‬ ‫فرغم �إين كنت �أعمل �صحفي ًا يف جملة‬ ‫روزاىلو�سف ورغم �أن روزاىلو�سف �أمي‪،‬‬ ‫فلم تكن تعطيني �إال اثني ع�شر جنيها كمرتب‬ ‫�شهري ومل �أكن �أعرت�ض بل مل �أكن �أح�س‬ ‫�أنها تبخل على ب�شيء كنت م�ؤمن ًا ب�أن هذا‬ ‫هو ما ي�ساويه عملي ال�صحفي لدرجة �أين‬ ‫تركت روزاىلو�سف يف فرتة ما وعملت يف‬ ‫جملة �آخر �ساعة عندما كان ميلكها الأ�ستاذ‬ ‫حممد التابعي‪ ،‬وقرر يل مرتب ًا قدره خم�سة‬ ‫وع�شرون جنيه ًا يف ال�شهر‪ ،‬فاعتقدت �أنه‬ ‫يجاملني �إكرام ًا لوالدتي ولأنه كان مبثابة‬ ‫�أبي الروحي‪ ،‬فقد كنت يف اخلام�سة من‬ ‫عمري عندما بد�أ يعمل يف روزاىلو�سف‬ ‫ورف�ضت املرتب الذي قرره يل‪ ،‬وقلت له �إين‬ ‫كنت �أتقا�ضي اثني ع�شر جنيه ًا يف ال�شهر‬ ‫ومل �أقدم جديد ًا �أ�ستحق علىه الزيادة‪.‬‬ ‫وال �شك �أن الأ�ستاذ التابعي اتهمني �أيامها‬ ‫باجلنون‪ ،‬وعندما عجز عن �إقناعي قال يل‬ ‫�أنه �سيخف�ض مرتبي اىل ع�شرين جنيها‬ ‫ويحتفظ يل بالباقي يف خزانة ال�صحيفة‬ ‫�إذا احتجت اىله ثم رعاين ب�إح�سا�س الأب‬ ‫الروحي وال�صديق الكبري اىل �أن �أقيم معه‬ ‫يف بيته حتى يوفر على تكاىلف املعي�شة‬ ‫وقد �أقمت فعال اىل �أن عدت للعمل يف‬

‫روزاىلو�سف ارتباط ًا ب�أمي‪ ..‬وعدت اىل‬ ‫مرتب االثني ع�شر جنيه ًا‪.‬‬ ‫وتتوا�صل ذكريات �إح�سان عبدالقدو�س‬ ‫فيعرتف بقوله‪:‬‬ ‫هذه ذكريات ا�ستعدتها و�أنا �أتذكر �أول‬ ‫مائة جنيه دخلت جيبي من وراء العمل‬ ‫ال�سينمائي‪ ،‬وال �أدري ماذا مت يف الق�صتني‬ ‫اللتني �أخذتهما مني ال�سيدة عزيزة �أمري‬ ‫رحمها الله‪ ،‬فقد ح�ضرت معها عدة اجتماعات‬ ‫لال�شرتاك يف �صياغة �سيناريو الق�صة‬ ‫وتعلمت يف هذه االجتماعات الكثري مما‬ ‫كنت ال �أعرفه عن الفن ال�سينمائي‪ ،‬تعلمت �أن‬ ‫و�ضع ال�سيناريو لي�س عمال فردي ًا يعتمد على‬ ‫خيال �أديب ولكنه عمل جماعي ميكن �أن يتم‬

‫خالل درد�شة يف جل�سة ت�ضم املخرج‪ ،‬البطل‬ ‫�أو البطلة واملنتج‪ ،‬ويقول املخرج ‪ -‬مث ًال‬ ‫ �أثناء الدرد�شة‪� :‬أنا من ر�أيي نخلي البنت‬‫ت�ضرب الولد قلمني‪ :‬وتقول بطلة الفيلم‪:‬‬ ‫ال �أنا ما �أحب�ش �أ�ضرب حد قدام اجلمهور!‬ ‫ويرد املنتج‪ :‬يا�أخوانا منظر ال�ضرب ده‬ ‫طلع يف �أفالم كثري �أ�شوف لكم حاجة تانية‪.‬‬ ‫وهكذا ت�ستمر الدرد�شة اىل �أن ينتهي‬ ‫و�ضع ال�سيناريو‪ ،‬و�أحيانا يبد�أ الت�صوير‬ ‫وال�سيناريو مل ينته بعد وقبل �أن تعرف‬ ‫البطلة والبطل م�صريهما يف الق�صة �أمام‬ ‫اجلمهور!! وتعلمت من ال�سيدة عزيزة �أمري‬ ‫�أي�ضا �أن العمل ال�سينمائي يعتمد �أ�سا�س ًا‬ ‫على قدرة الكامريا وعلى اختيار املناظر‬

‫وعلى درا�سة ال�سوق التجاري الذي ميكن‬ ‫�أن يتغري من حني لآخر‪ ،‬فال�سوق التجاري‬ ‫قد يف�ضل يف �أحد املوا�سم عر�ض الأفالم‬ ‫التي ت�صور ق�ص�ص ًا عاطفية‪ ،‬ويف مو�سم‬ ‫�آخر يف�ضل الأفالم التي ت�صور ق�ص�ص ًا عن‬ ‫اجلرائم �أو ق�ص�ص ًا ا�ستعرا�ضية‪ ..‬و‪ ..‬وهكذا‬ ‫اعتماد ًا على تغري ذوق اجلمهور واحتىاجا‬ ‫من حني لآخر‪� ..‬أي �أن الأفالم كاملو�ضات‬ ‫الن�سائية تتغري مو�ضتها كل عام‪ ،‬وبجانب‬ ‫كل هذا تعلمت �أن املنتج ي�ستطيع كل �شيء‬ ‫خ�صو�ص ًا �إذا كان هو يف الوقت نف�سه بطل‬ ‫الفيلم‪ ،‬وذلك عندما طلبت ال�سيدة عزيزة‬ ‫�أمري �أن تبدل بطلة الق�صة من فتاة عمرها‬ ‫�سبعة ع�شر عام ًا اىل �سيدة يف الثالثني‬

‫حتى ي�صلح الدور لتقوم هي بتمثيله‪ ..‬و‪..‬‬ ‫وا�ستمرت هذه االجتماعات ثم انقطعت عنها‬ ‫ومل �أعد �أ�سمع عن الق�ص�ص التي كتبتها‬ ‫لل�سينما �شيئ ًا‪ ..‬ثم بعد �أكرث من خم�سة‬ ‫ع�شر عام ًا‪ ،‬وبعد �أن عرفت ككاتب للق�صة‬ ‫جاءين املرحوم حممود ذو الفقار وكان‬ ‫زوج ًا لل�سيدة عزيزة �أمري وذكرين بهاتني‬ ‫الق�صتني وقال يل �أنه قرر �إنتاجهما �سينمائي ًا‬ ‫و�أ�صررت على الرف�ض وقلت له �أن ما كتبته‬ ‫يف بداية الطريق ال ميكن �أن يعرب عني بعد‬ ‫�أن اجتزت كل هذه املراحل‪ ،‬وبعدها انقطعت‬ ‫عن كل املحاوالت مبا فيها حماولة اال�شتغال‬ ‫باملحاماة‪ ،‬وتفرغت للعمل ال�صحفي والكتابة‬ ‫ال�سيا�سية ولأين �أهوي كتابة الق�ص�ص‪،‬‬

‫و�أكتبها منذ كنت يف العا�شرة من عمري‪ ،‬فقد‬ ‫م�ضيت يف كتابتها كلما وجدت فراغ ًا �أمار�س‬ ‫فيه هواياتي‪ ،‬و�أكتب ق�ص�ص ًا �أدبية للن�شر‬ ‫والقراءة‪ ،‬ال لل�سينما!!‬ ‫ويف �صدق و�صراحة يعرتف �إح�سان‬ ‫عبدالقدو�س‪ :‬وحتى قبل ثورة ‪ 23‬يوليو مل‬ ‫تكن الق�ص�ص التي �أكتبها تثري االنتباه �أو‬ ‫ال�ضجة‪ ،‬فقد كان االنتباه وال�ضجة مركزين‬ ‫حول املقاالت واحلمالت ال�سيا�سية التي‬ ‫�أكتبها و�أمهد بها للثورة‪ ،‬ثم بعد �أن متت‬ ‫الثورة وا�ستقر الو�ضع ال�سيا�سي بد�أت‬ ‫الق�ص�ص تثري انتباه القراء وتثري ال�ضجيج‬ ‫حولها �أكرث مما تثريه املقاالت والتعلىقات‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬و�أ�صبحت �أفاج�أ ب�أ�صحاب‬

‫�شركات الإنتاج ال�سينمائي يرتددون على‬ ‫عار�ضني وملحنني يف �إنتاج الق�ص�ص التي‬ ‫�أكتبها والتي �سبق �أن كتبت ون�شرت منذ‬ ‫�سنوات‪ ..‬وطبعا كنت �أوافق‪ ،‬ف�أن كل كاتب‬ ‫يرحب ب�أن يعر�ض �شخ�صيات ومو�ضوعات‬ ‫ق�ص�صه يف كل جمال‪.‬‬ ‫وقد بد�أت ب�أن كنت حري�صا على ال�صورة‬ ‫التي �ستبدو بها ق�ص�ص على ال�شا�شة وكنت‬ ‫�أ�شرتط يف العقود التي �أوقعها �أن يكون يل‬ ‫الكثري من احلقوق‪� ،‬أولها حق املوافقة على‬ ‫ال�سيناريو واحلوار ومتثيل ال�شخ�صيات‬ ‫و‪ ..‬و‪ ..‬لكنني اكت�شفت �سريع ًا �أن كل‬ ‫هذه احلقوق ال قيمة لها‪ ،‬و�إين �إذا �أردت‬ ‫�أن �أفر�ض ما �أريده‪ ،‬فيجب �أن �أتفرغ كلي ًا‬

‫للعمل ال�سينمائي و�أن �أتويل م�س�ؤوليته‬ ‫كاملة مبا فيها م�س�ؤولية ر�أ�س املال‪ ،‬وحتى‬ ‫بعد ذلك لن �أ�ستطيع �أن �أ�صنع من فيلم‬ ‫�سينمائي �صورة طبق الأ�صل لق�صة مكتوبة‬ ‫ومن�شورة للقراءة وذلك للفرق الكبري بني‬ ‫الإنتاج الأدبي والإنتاج ال�سينمائي‪� ..‬أو‬ ‫بني ما يتطلبه الأدب املجرد و�أدب ال�سينما‪،‬‬ ‫فالإنتاج الأدبي ‪ -‬كما قلت ‪ -‬عمل فردي‬ ‫يقوم به امل�ؤلف وحده‪ ،‬والإنتاج ال�سينمائي‬ ‫عمل جماعي تتعاون فيه جمموعة من‬ ‫الفنانني‪ ..‬و‪ ..‬والإنتاج الأدبي يعتمد على‬ ‫حتريك و�إطالق حرية خيال القارئ والإنتاج‬ ‫ال�سينمائي يعتمد على جذب وح�صر خيال‬ ‫املتفرج يف �صورة حمددة‪ ..‬و‪ ..‬و كل هذه‬ ‫الأ�سباب وغريها كثري جعلتني �أ�ست�سلم‬ ‫كلية للم�س�ؤولني عن العمل ال�سينمائي ومل‬ ‫�أ�ست�سلم �إال بعد �أن اختلفت مع كثري من‬ ‫املنتجني حول ال�صورة ال�سينمائية التي‬ ‫يقدمونها للق�ص�ص‪ ،‬وكان يعزيني يف‬ ‫ا�ست�سالمي �أن كل �أدباء العامل و�أكرب ُكتابه‬ ‫قد ا�ست�سلموا قبلي‪ ،‬وكما قال الق�صا�ص‬ ‫الإيطاىل املعروف الربتومورافيا يف حديث‬ ‫له‪� :‬أن كل ما بيني وبني ال�سينما هو �أن �أبيع‬ ‫و�أقب�ض الثمن!!‬ ‫ولهذا بقيت دائم ًا متبتعد ًا عن العمل‬ ‫ال�سينمائي‪ ،‬ولكن رغم هذا كانت ت�صادفني‬ ‫ظروف ومنا�سبات تدفعني اىل �أن �أكتب‬ ‫ق�ص�ص ًا �سينمائية‪ ..‬ق�ص�ص ًا لي�ست معدة‬ ‫للن�شر والقراءة ولكنها معدة للت�صوير‬ ‫ال�سينمائي‪ ،‬ومن ناحية �أخري فهي ق�ص�ص‬ ‫ال تعتمد على حتريك خيال القارئ ولكنها‬ ‫معدة لربط عيني املتفرج بال�صورة‪ ،‬والفرق‬ ‫بني النوعني يف ال�سياق والبناء والتعبري‬ ‫فرق كبري‪ ..‬مع العلم �أين دائم ًا اكتفي‬ ‫بكتابة ق�صة الفيلم ال ال�سيناريو‪ ،‬اي �أكتفي‬ ‫ب�سرد املو�ضوع والأحداث وال�شخ�صيات‬ ‫و�أترك حتديد اللقطات ال�سينمائية لكاتب‬ ‫ال�سيناريو‪ .‬من هذه الق�ص�ص‪ ،‬ق�صة فيلم‬ ‫الله معنا‪ ،‬كنا يف العام الأول من الثورة‬ ‫وطلب مني �أن �أ�صور ق�صة الثورة يف فيلم‬ ‫�سينمائي وكتبت الق�صة‪ ..‬ق�صة ال�ضباط‬ ‫الأحرار والأ�سلحة الفا�سدة وامللك فاروق‬ ‫والأحزاب القدمية وال�صحافة وال�شعب‪..‬‬ ‫وكنت م�ؤمن ًا �أن النا�س يف حاجة اىل ر�ؤية‬ ‫كل هذا يف ق�صة‪ ،‬و�أن �أ�سرع طريق و�أقربه‬ ‫اىل النا�س لتقدمي هذه الق�صة هو العمل‬ ‫ال�سينمائي‪ ..‬و�سهرت لياىل �أكتب و�أنا‬ ‫�أحاول �أن �أكون �سينمائي ًا‪ ..‬وبذل �ستديو‬ ‫م�صر جهد ًا كبري ًا حتى �أ�صبحت الق�صة‬

‫◄‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪10‬‬ ‫معدة للعر�ض ال�سينمائي يف مدة ق�صرية‪،‬‬ ‫ولكن‪ ..‬كانت الثورة �أيامها جتتاز مرحلة‬ ‫التنظيم واال�ستقرار الداخلي‪ ،‬وقد تعر�ضت‬ ‫هذه املرحلة لفرتة قلق وتوتر �سيا�سي‬ ‫ومت فيها كثري من التغيريات القيادية‪ ،‬كما‬ ‫امتلأ جو هذه املرحلة بكثري من الإ�شاعات‬ ‫والد�سائ�س وكل هذا �شمل فيلم الله معنا‬ ‫و�أحاطه بكثري من الإ�شاعات كدت �أنا‬ ‫�شخ�صي ًا �أروح �ضحيتها مما �أدي اىل �أن‬ ‫يبقي الفيلم خمتبئ ًا داخل علب ال�صفيح نحو‬ ‫ثالث �سنوات‪ ،‬ومما �أدي اىل �أن الرئي�س‬ ‫ال�سادات تردد بنف�سه عدة مرات على �ستديو‬ ‫م�صر لي�شاهد الفيلم يف عر�ض خا�ص �ساعي ًا‬ ‫اىل �إطالق حريته وعر�ضه على اجلمهور اىل‬ ‫�أن كنت يوم ًا مع املغفور له الزعيم اخلالد‬ ‫جمال عبد النا�صر وجاءت �سرية الله معنا‬ ‫خالل احلديث‪ ،‬فقرر الزعيم �أن يراه بنف�سه‪،‬‬ ‫وتف�ضل ودعاين اىل مبني اال�سرتاحة التي‬ ‫كان يق�ضي فيها �أيام راحته يف القناطر‬ ‫اخلريية‪ ..‬وهناك عر�ض الفيلم على الرئي�س‬ ‫و�أنا معه‪ ..‬وده�ش رحمه الله بعد �أن �شاهد‬ ‫الفيلم من كذب الأ�سباب التي كانت ترتدد‬ ‫والتي �أدت اىل وقف عر�ضه‪ ،‬و�أمر بعر�ضه‬ ‫فع ًال‪ ،‬وتف�ضل حتية وت�أييد ًا للجهد الذي بذل‬ ‫يف هذا الفيلم وح�ضر بنف�سه عر�ض الفيلم‬ ‫يف �سينما ريفويل ورمبا كان هذا �أول فيلم‬ ‫يح�ضر جمال عبدالنا�صر وب�صفته الر�سمية‬ ‫حفل افتتاح عر�ضه‪ ،‬وكانت هذه �أول ق�صة‬ ‫�سينمائية �أكتبها وتعر�ض على ال�شا�شة‪.‬‬ ‫�سر قبالت �أبى فوق ال�شجرة!‬ ‫كلما �شاهدت فيلم�أبى فوق ال�شجرة بطولة‬ ‫عبداحلليم حافظ ونادية لطفى ومريفت �أمني‬ ‫�أنده�ش من �سيل القبالت التى منحها عبد‬ ‫احلليم لبطلتى الفيلم!!‬ ‫بطول الفيلم وعر�ضه تطايرت وتناثرت‬ ‫وتبعرثت ع�شرات القبالت التى تفنن و�أبدع‬ ‫املخرج الراحلح�سني كمالفى ت�صويرها من‬ ‫خمتلف الزوايا!‬ ‫كانت هذه القبالت �أحد الأ�سباب التى‬ ‫دعت �إح�سان عبدالقدو�س كاتب الق�صة‬ ‫وال�سيناريو واحلوار �إىل رف�ض �إجراء �أى‬ ‫تعديالت فيما كتبه �سواء بزيادة عدد القبالت‬ ‫�أو عدد الرق�صات‪ ..‬و‪ ..‬واليوجد فيلم‬ ‫�سينمائى �شهري م�أخوذ عن �إحدى روايات‬ ‫�إح�سان عبدالقدو�س �إال وفيه ع�شرات‬ ‫احلكايات املده�شة والغريبة‪ ،‬ويعرتف‬ ‫�إح�سان �أنهيحتاج �إىل كتاب كاملي�ضم كل‬ ‫�أ�سماء الفنانني والفنانات الذين لعبوا‬ ‫بطولة هذه الأفالم‪.‬‬ ‫لقد كتب�إح�سان بع�ض هذه الذكريات فى‬ ‫مقاله املمتع �أنا وال�سينما الذي كان مقدمة‬ ‫جمموعته دمي ودموعي وابت�سامتي �صدر‬ ‫عام ‪.٤٧٩١‬‬ ‫وتتابع ذكريات �إح�سان عبدالقدو�س‬ ‫ال�سينمائية فيقول‪:‬‬ ‫بعد �سنوات طويلة طلبت منى م�ؤ�س�سة‬ ‫ال�سينما �أن �أكتب ق�صة �سينمائية عن‬ ‫معركة بور�سعيد واعتداء عام ‪ ٦٥٩١‬وقلت‬ ‫لهم �إنى كتبت ق�صةال تطفئ ال�شم�سمن‬ ‫وحى هذه املعركة‪،‬و�إن كانت ال�سينما قد‬ ‫اخت�صرت منها املعركة عندما �أنتجتها‪..‬‬ ‫ولكن رجال امل�ؤ�س�سة �أ�صروا على �أن �أكتب‬ ‫ق�صة �أخرى‪،‬لأنهم يريدون �أنينتجوا فيلم ًا‬ ‫يعر�ضونه فى اخلارج‪ ..‬فى جميع �أنحاء‬ ‫العامل‪ .‬وحتم�ست وكتبت ق�صةالبحث عن‬ ‫�ضابط عربت فيها �سينمائي ًا عن �شعاري قول‬ ‫�أن ال�سجن ال�صغري فى بلد حر‪ ..‬خري من‬ ‫احلرية فى بلد �سجني‪.‬‬ ‫وال �أدرى ماذا حدث للق�صة بعد �أن قدمتها‪،‬‬ ‫كل ما �أدريه �أنه جرت تغيريات �إدارية فى‬ ‫وظائف م�ؤ�س�سة ال�سينما‪ ..‬تغيري رئي�س‬ ‫جمل�س الإدارة �أكرث من مرة‪ ..‬وتغيري‬ ‫املوظفني‪ ..‬و�أ�صبح �شغل امل�ؤ�س�سة ال�شاغل‬ ‫هو املراكز الوظيفية‪ ،‬و�شهوات املوظفني ثم‬ ‫بعد حواىل ع�شر �سنوات ات�صل بى رئي�س‬ ‫جمل�س الإدارة ليقول ىل �أنه بحث عن‬ ‫�أ�صل ق�صةالبحث عن �ضابط فلم يجدها‪..‬‬ ‫�ضاعت و�سط الفو�ضى الوظيفية وطلب منى‬

‫العدد (‪)2109‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )23‬ني�سان ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2109‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )23‬ني�سان ‪2011‬‬

‫�أن �أبحث له عن ن�سخة �أخرى من الق�صة‬ ‫ورف�ضت‪ ..‬فاملنتج الذى ت�ضيع منه ق�صة‬ ‫الي�ستحق �أنينتجها حتى بعد �أنيجدها‪..‬‬ ‫خ�صو�ص ًا�أن هناك دائم ًااحتما ًال�أن تكون‬ ‫الق�صة قد ُ�سرقت وا�ستغلت حتت ا�سم �آخر‪.‬‬ ‫ثمي�صل �إح�سان عبدالقدو�س فى ذكرياته‬ ‫ال�سينمائية �إىل فيلم�أبى فوق ال�شجرةوالذى‬ ‫ا�ستمر عر�ضه مايزيد على العام‪،‬وكان‬ ‫ذلك حدث ًا�سينمائي ًافريد ًافى وقته‪،‬وكان‬ ‫الفيلم من بطولة الفنان عبداحلليم حافظ‬ ‫ونادية لطفى والوجه اجلديد �أيامهامرفت‬ ‫�أمني‪،‬وكان �أكرث ما لفت االنتباه و�أثار �ضجة‬ ‫وقتها عدد القبالت التى حدثت بني بطل‬ ‫الفيلمعبداحلليموالفنانةنادية لطفىالتى‬ ‫قامت بدور راق�صة!! ومع ه�ؤالء النجوم كان‬ ‫هناك �أي�ض ًاالفنان الكبريعماد حمدى‪،‬وكان‬ ‫الفيلم من �إخراج املوهوب الرائعح�سني‬ ‫كمال‪،‬وعن كواىل�س�أبى فوق ال�شجرةيقول‬ ‫�إح�سان عبدالقدو�س‪:‬‬ ‫وبعد �سنوات حركنى خياىل �إىل ق�صة�أبى‬

‫�أن �أعيد كتابة�أبى فوق ال�شجرةكق�صة‬ ‫�سينمائية‪،‬ولأنى كنت �أيامها �أعانىمن‬ ‫الإح�سا�س بالفراغ‪،‬فقد قبلت �أن �أ�شرتك‪-‬‬ ‫ولأول مرة‪ -‬فى كتابة ال�سيناريو واحلوار‪.‬‬ ‫وقد عر�ضتنى هذه التجربة مل�شكلة العمل‬ ‫اجلماعى‪،‬وماميكن �أني�ؤدى اىله من‬ ‫مناق�شات وخالفات‪،‬وقد حدث بعد �أن‬ ‫انتهيت من كتابة ال�سيناريو واحلوار‪�،‬أن‬ ‫�أعادت �إ ّ‬ ‫ىلال�شركة مع رجاء �إجراء بع�ض‬ ‫التعديالت‪ ..‬ورف�ضت املوافقة على �إجراء‬ ‫�أى تعديل‪،‬رغم �أن التعديالت املطلوبة مل‬ ‫تكن كبرية �أو مت�س �صلب املو�ضوع‪� ..‬إمنا‬ ‫كانت تعديالت تفر�ضها عقلية �صاحب ر�أ�س‬ ‫املال‪ ..‬كزيادة عدد الرق�صات‪�،‬أو زيادة عدد‬ ‫القبالت‪�،‬أو تركيز ال�صورة على البطل‪..‬‬ ‫�أو‪� ..‬أو‪ ..‬والواقع �أنى كنت قد زهقت من‬ ‫العمل اجلماعى الذىيتطلبغالب ًاحتقيق رغبة‬ ‫�أمزجة �شخ�صية للعاملني فى الفيلم‪،‬ولو‬ ‫�سردت الأ�سباب ال�شخ�صية التى تدفع‬ ‫�إىل �إجراء تعديالت فى �سياق الأفالم‪..‬‬

‫ال�شخ�صيات واحلوادث‪.‬‬ ‫وقعت حربيونيو‪ ..‬النك�سة‪ ..‬الهزمية‪..‬‬ ‫و�أ�صبح كل عقلى واندفاعى مرتبط ًابالواقع‬ ‫اجلديد‪ ..‬واقع الهزمية‪،‬مل �أعد �أ�ستطيع‬ ‫�أن �أنفعل �إال باملوقفني ال�سيا�سى‬ ‫والع�سكرى‪ ..‬و�ألقيت ق�صةدمى ودموعى‬ ‫وابت�سامتىبعيد ًا‪،‬وتفرغت بكل قلمى لكتابة‬ ‫املقاالت ال�سيا�سية‪،‬ثم كتبت‪ -‬بعد النك�سة‪-‬‬ ‫ثالث ق�ص�ص ق�صرية ت�صور املجتمع الذى‬ ‫�أدى �إىل الهزمية‪ ..‬ثم توقفت نهائي ًاعن‬ ‫كتابة الق�ص�ص‪ ..‬لأنى ال �أ�ستطيع �أن �أ�شد‬ ‫نف�سى بعيد ًاعن انفعاىل باملوقفني ال�سيا�سى‬ ‫والع�سكرى‪،‬ولأنى ال �أريد �أن �آخذالنا�س‬ ‫بعيد ًاعن هذا املوقف فى ق�صة عاطفية‪.‬‬ ‫وال �أريد �أن �أ�صدمهم بق�صة متثل واقع‬ ‫الهزمية‪.‬‬ ‫ومر عام وعامان وثالثة و�أ�صبحنا فى‬ ‫العام الرابع‪ ..‬وتذكرت �صدفة وحتت‬ ‫�إحلاح املنتجني ال�سينمائيني فكرة ق�صةدمى‬ ‫ودموعى وابت�سامتىوقررت �أن �أكتبها‬

‫فوق ال�شجرة‪ ،‬وبد�أت �أكتبها كعمل �أدبى‬ ‫ال عالقة له بال�سينما‪ ..‬و�أنا عندما �أكتب‬ ‫ق�صة طويلة �أبد�أ بت�سجيل مو�ضوعها على‬ ‫�أوراق �صغرية قليلة‪ ..‬ثم �أبد�أ فى ت�سجيل‬ ‫ال�شخ�صيات واملواقف فى �أوراق �أخرى‪..‬‬ ‫وهذا الإعداد يتطلب منى �شهور ًا‪ ..‬ثم بعد‬ ‫ذلك �أبد�أ فى كتابة ف�صولها للن�شر‪.‬‬ ‫وكتبت من ق�صة �أبى فوق ال�شجرة خم�سة‬ ‫ف�صول من م�سل�سله كان املفرو�ض �أن تتطلب‬ ‫ثالثة وع�شرين ف�ص ًال‪ ..‬وبد�أت �أعلن عنها‬ ‫على �صفحات روزاليو�سف‪ ..‬ون�شرت‬ ‫الإعالنات فع ًال‪ ..‬ولكن! فج�أة تركت العمل‬ ‫يف روزاليو�سف واجتزت مرحلة �شخ�صية‬ ‫توقفت خاللها عن �إمتام كتابة الق�صة كعمل‬ ‫�أدبي‪ ..‬ومرت �شهور طويلة و�أنا ال �أكتب‪،‬‬ ‫وال �أفكر �إذا كتبت فى ن�شر ما �أكتبه‪ ..‬ثم‬ ‫خفت على فكرة الق�صة �أن ت�ضيع من ر�أ�سى‪،‬‬ ‫وكانت �شركة �إنتاج �سينمائى تبحث �أيامها‬ ‫على �إحدى ق�ص�صى‪ ،‬فقررت‬ ‫عن ق�صة‪ ،‬وتلح ّ‬

‫كل الأفالم‪،‬الحتجت �إىل كتاب كاملي�ضم‬ ‫كل �أ�سماء الفنانني والفنانات الكبار‬ ‫امل�شهورين‪ ..‬فاتن‪ ..‬و�سعاد ونادية وماجدة‬ ‫وفريد الأطر�ش وعبداحلليم و�صباح‪..‬‬ ‫و‪ ..‬و‪ ..‬وطبع ًا فر�ض �صاحب ر�أ�س املال‬ ‫�إرادته على فيلم �أبي فوق ال�شجرة وا�ستعان‬ ‫ببع�ض الزمالء الأدباء لإجراء التعديالت‬ ‫التي يريدها‪ ..‬ومع جناح الفيلم بعد ذلك‪-‬‬ ‫وهو ما �أعتز به‪� -‬إال �أنى مازالتغري موافق‬ ‫على التعديالت الب�سيطة التى متت‪.‬‬ ‫ثم ينتقل �إح�سان عبدالقدو�س �إىل �أ�سرار‬ ‫وكوالي�س حكاية �سينمائية �أخرى فيقول‪:‬‬ ‫فى �أوائل عام ‪ ٧٦٩١‬خطرت يل فكرة ق�صة‬ ‫جديدة طويلة هي ق�صة دمي ودموعي‬ ‫وابت�سامتي وقررت بينى وبني نف�سى �أن‬ ‫�أبد�أ فى ن�شرها م�سل�سلة يف جريدة �أخبار‬ ‫اليوم يف �شهر دي�سمرب حتى �أ�ستقبل بها‬ ‫العام اجلديد عام ‪،٨٦٩١‬وبعد �أن اجتزت‬ ‫مرحلة �إعداد املو�ضوع‪ ،‬ثم مرحلة �إعداد‬

‫�سينمائي ًا‪،‬لأن ال�سينما ال تلهي املتفرج مثلما‬ ‫يتلهى القارئ يف الق�صة املكتوبة �سواء‬ ‫ن�شرت يف كتاب �أو م�سل�سلة يف جريدة‪..‬‬ ‫ال�سينما ترفة عنه �ساعتني �أو ثالث‪�،‬أما‬ ‫الق�صة امل�سل�سلة فت�أخذه طوال فرتة‬ ‫ن�شرها‪ ..‬ت�أخذه بعيد ًا عن املعركة‪.‬‬ ‫ولي�س معنى هذا �إين �أعار�ض يف ن�شر‬ ‫الق�ص�ص امل�سل�سلة هذه الأيام حتى ولو‬ ‫كانت ق�ص�ص ًا عاطفية‪ ،‬ولكنى �أحتدث عن‬ ‫ا�ستعدادي اخلا�ص‪ ،‬وحالتي النف�سية‬ ‫اخلا�صة التي ال حتتمل الآن �أن �أكتب ق�صة‬ ‫عاطفية طويلة‪،‬خ�صو�ص ًا �أنى عندما �أكتب‬ ‫ق�صة �أنفعل بها و�أحيان ًا �أعي�شها‪�،‬أكرث مما‬ ‫ينفعل القارئ ويعي�شها‪.‬‬ ‫وكتبت الق�صة الطويلة فى ق�صة �سينمائية‬ ‫و�أعطيتها للمنتج‪ ..‬واعتذرت عن �إعادة‬ ‫جتربة كتابة ال�سيناريو واحلوار‪� ..‬أى‬ ‫�إعادة جتربة العمل اجلماعى‪.‬‬ ‫ونف�س ال�شىء حدث بالن�سبة لق�صة‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫ياحبيبى ال تراين بعيون النا�س‪ ،‬فقد‬ ‫كانت هذه الق�صة فى مكتبى جمرد ب�ضعة‬ ‫�سطور ت�سجل خاطر ًا ق�ص�صي ًاخطر ىل عن‬ ‫�صورة من �صور جمتمع اجليل اجلديد‪..‬‬ ‫ثم عر�ض على �أن �أقدم ق�صة ت�صلح لفيلم‬ ‫ا�ستعرا�ضى‪ ..‬و�أنا منذ البداية مقتنع ب�أن‬ ‫الفيلم اال�ستعرا�ضى لي�س من ال�ضرورى‬ ‫�أنيقوم على ق�صة بطلها فنان حمرتف‪..‬‬ ‫راق�ص �أو مطرب‪ ،‬فاحلياة كلها ا�ستعرا�ض‬ ‫كبري‪ ،‬وكل النا�س يرق�صون ويغنون دون‬ ‫�أنيحرتفوا الرق�ص والغناء ودون �أنيكونوا‬ ‫فنانني‪� ..‬أنت و�أنا نرق�ص ونغنى فى حياتنا‬ ‫اخلا�صة‪ ..‬وكثري من الأفالم اال�ستعرا�ضية‬ ‫العاملية الناجحة ال تقوم على ق�ص�ص‬ ‫�أبطالها فنانون حمرتفون‪ ..‬وفرانك �سيناترا‬ ‫بنى جمده على �أفالم مليظهر فيها كمطرب‬ ‫حمرتف‪ ،‬ولكن جمرد �شخ�ص عادىيغنى‬ ‫كمايغنى فيه النا�س!! والق�ص�ص التى‬ ‫كتبتها وحتولت �إىل �أفالم غنائية مليكن‬ ‫بطلها مطرب ًا حمرتف ًا يعر�ض �أغانيه على‬ ‫اجلمهور‪� ..‬إمنا هى ق�ص�ص ت�صور حياة‬ ‫عادية‪..‬‬ ‫وقد اعتذرت عن �أن �أكتب ق�ص�ص ًا �سينمائية‬ ‫لكثري من كبار املطربني واملطربات لأنى‬ ‫كنت �أعلم مقدم ًا �أن كال منهم يريد �أن تكون‬ ‫الق�صة قائمة على ت�صوير حياته كفنان‬ ‫حمرتف يواجه اجلمهور‪ ..‬ولي�س معنى‬ ‫ذلك �أنى �أعرت�ض على الأفالم اال�ستعرا�ضية‬ ‫التى ت�صور حياة فنان ولكنى فقط‬ ‫ل�ست مقتنع ًا ب�أن �شخ�صية بطل الق�صة‬ ‫اال�ستعرا�ضية يجب �أن تكون دائم ًا �شخ�صية‬ ‫فنان حمرتف‪ ..‬ولهذا بد�أت �أكتب ق�صة‬ ‫يا حبيبى ال ترانى بعيون النا�س كق�صة‬ ‫�سينمائية ا�ستعرا�ضية‪ ،‬و�إن كنت قد �أدخلت‬ ‫فيها املواقف وال�شخ�صيات التي ميكن �أن‬ ‫تف�سح �أمام كاتب ال�سيناريو جمال امل�شاهد‬ ‫اال�ستعرا�ضية‪ ،‬و�أكرث من ذلك تعمدت فى‬ ‫هذه الق�صة‪ ،‬وحتى �أكون �صريح ًا �أن �أ�ضيف‬ ‫�إىل �شخ�صية البطلة مواقف حترتف فيها‬ ‫الفن‪.‬‬ ‫ثمي�ضيف �إح�سان قائ ًال‪ :‬و�أخري ًا فقد كتبت‬ ‫تاريخ ًا �سريع ًا لعالقتى بالعمل ال�سينمائى‪،‬‬ ‫وكتبته بال تفا�صيل‪،‬لأن التفا�صيل‬ ‫حتتاج‪ -‬كما ذكرت‪� -‬إىل كتاب خا�ص كما‬ ‫�أنى تعمدت �أن �أجتاهل بع�ض الوقائع‬ ‫املتعلقة بالإنتاج ال�سينمائى‪ ،‬رمبا لأن هذا‬ ‫لي�س الوقت املنا�سب لإذاعتها‪ ،‬ورمبا لأنى‬ ‫ال �أكتب الآن ك�صحفي يهمه �أنيبدو �أمام‬ ‫القارئ ك�أنه يعرف كل �شىء وكل الأ�سرار‪،‬‬ ‫و�إمنا �أنا �أكتب جمرد مقدمة ملجموعة‬ ‫الق�ص�ص ال�سينمائيةالتى �أعددتها‪.‬‬ ‫ومليخطر على بايل يف يوم من الأيام �أن‬ ‫�أن�شر هذه الق�ص�ص‪،‬لأنها ق�ص�ص لي�ست‬ ‫معدة للقراءة‪ ،‬واليراعى فيها الأ�سلوب‬ ‫وال�سياق الأدبى املعد للقراءة‪� ،‬إمنا هى‬ ‫ق�ص�ص تعتمد �أ�سا�س ًا على حتديد جمال‬ ‫ال�صورة ال�سينمائية التى تبدو على‬ ‫ال�شا�شة‪،‬فمث ًال ال �أراعى فى هذه الق�صة‬ ‫حتليل �شخ�صية البطل �أو البطلة حتلي ًال‬ ‫كام ًال بقلمى‪� ،‬أمنا �أترك لل�سيناري�ست‬ ‫وللكامريا و�أداء املمثل �أن يتولوا هذا‬ ‫التحليل‪ ..‬وكما قلت ف�إن الفرق بني الإنتاج‬ ‫الأدبى املجرد‪ ،‬والإنتاج ال�سينمائى‬ ‫فرق كبري‪ .‬ورمبا وافقت على ن�شر هذه‬ ‫الق�ص�ص لأنى �أريد �أن �أنفى عن نف�سى‬ ‫االتهام ب�أنى منقطع عمد ًاعن كتابة‬ ‫الق�صة‪ ..‬و�أنا ال �أ�ستطيع �أو �أمتنع عن‬ ‫كتابة الق�ص�ص‪� ..‬إنها هوايتى منذ كنت‬ ‫فى العا�شرة من عمرى كما �سبق �أن قدمت‪،‬‬ ‫وهى الهواية التى تطورت معى بقدر ما‬ ‫تطورت يف ن�ضجي ويف درا�ساتي ويف‬ ‫عقليتي‪.‬‬ ‫�أما ال�سبب الأهم الذي دعا �إح�سان لن�شر‬ ‫هذه الق�ص�ص فهو قوله‪ ..‬لأنى �أومن‬ ‫و�أدعو �إىل �أن يكون فى الأدب العربي‬ ‫ماميكن �أني�سمى الأدب ال�سينمائى حتى‬ ‫�أرفع من م�ستواه ومن تقديره �إىل م�ستوى‬ ‫وتقدير الأدب امل�سرحي‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫إحسان عبد القدوس والحب‬ ‫اعداد‪ :‬منارات‬ ‫خطوات على الطريق‪...‬‬

‫ولد "�إح�سان" يف ‪ 1‬يناير ‪ ،1919‬والدته‬ ‫هي املمثلة اللبنانية "روزاليو�سف" التي‬ ‫جاءت م�صر مع مطلع الع�شرينيات لتعمل‬ ‫بالتمثيل على خ�شبة امل�سرح‪� ..‬أ�سلمت‬ ‫و�أ�صبح ا�سمها "فاطمة اليو�سف" وتزوجت‬ ‫من �أحد املمثلني املغمورين وهو "حممد‬ ‫عبد القدو�س"‪ ،‬و�إن كان هذا الزواج مل‬ ‫يدُم �سوى ثالثة �أ�شهر �إال �أنه �أ�سفر عن هذا‬ ‫املولود الذي �أ�صبح �أحد عمالقة الرواية‬ ‫فيما بعد‪..‬‬ ‫وعن هذا يقول "�إح�سان عبد القدو�س"‬ ‫يف �إحدى مقاالته‪�" :‬أبي كان مهند�سا يف‬ ‫احلكومة‪ ،‬ثم تركها وتفرغ للفن كلية‪ ،‬وكان‬ ‫كاتبا يكتب امل�سرحيات وال�شعر والزجل‬ ‫وميثل على امل�سرح ويلقي مونولوجات‬ ‫وي�ضع كلماتها و�أحلانها‪� .‬أما �أمي فكانت‬ ‫ممثلة‪ ..‬وقد رباين جدي لأبي وكان �أزهريا‬ ‫ومتحفظا �إىل حد التزمت‪ ،‬ورغم ذلك كان‬ ‫متميزا بتقدير الفن والفنانني‪ .‬لذلك عانيت‬ ‫التمزق بني جمتمعني‪ ،‬و�أثر يف تكوين‬ ‫�شخ�صيتي وعقليتي‪ ..‬جمتمع جدي املحافظ‬ ‫املتزمت يف تدينه‪ ،‬وجمتمع �أبي و�أمي‬ ‫املتحرر املنطلق‪..‬‬

‫"�إح�سان" ال�صحفي‪..‬‬

‫رغم �أن "�إح�سان" تخرج يف كلية احلقوق‬ ‫جامعة القاهرة عام ‪ ،1942‬ورغم قيامه‬ ‫كمحام حتت التمرين يف �أحد �أكرب‬ ‫بالعمل‬ ‫ٍ‬ ‫املكاتب حينها‪� ،‬إال �أنه التحق للعمل مبجلة‬ ‫والدته "روزاليو�سف" عام ‪ ،1944‬وبهذا‬ ‫بد�أ عمله ال�صحفي‪ ،‬و�شرع يف كتابة الرواية‬ ‫والق�صة الق�صرية‪ ،‬ليرتك مهنة املحاماة‬ ‫ويتفرغ للكتابة‪ ،‬والعمل ال�صحفي‪ ..‬وليعمل‬ ‫بجريدة الأخبار ملدة ‪� 8‬سنوات‪ ،‬ويلتحق من‬ ‫بعدها بجريدة الأهرام يف �أزهى ع�صورها‬ ‫حتى ي�صل ملرتبة رئي�س حتريرها‪..‬‬ ‫ولي�صبح بعد �سنوات معدودة من �أهم و�أميز‬ ‫الكتاب ال�صحفيني على ال�ساحة الأدبية‪..‬‬ ‫حيث �إنه يعد من الكتاب ال�سيا�سيني‬ ‫�أ�صحاب املواقف القوية الوا�ضحة‪� ،‬إذ �أنه‬ ‫كان ي�ؤمن با�ستقالل الر�أي واحلرية التي ال‬ ‫قيمة للإن�سانية من دونها‪ ،‬ف�أخذ يرف�ض كل‬ ‫�أ�شكال الت�سلط واال�ستبداد‪ ،‬رف�ض امللكية‬ ‫كما رف�ض الأحزاب التي تتخذ من �شخ�ص‬ ‫م�صدر �إلهام ورمزا للقوة‪ ،‬كما كانت عينه‬ ‫على هذا البلد امل�أزوم �سيا�سيا واقت�صاديا‬ ‫واجتماعيا‪ ..‬ولعل من �أبرز مواقفه‬ ‫ال�سيا�سية ت�صديه للف�ساد ال�سيا�سي حني‬ ‫�أثار ق�ضايا الأ�سلحة الفا�سدة‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫زج به ب�سبب �أحد مقاالته يف ال�سجن‪..‬‬

‫هو و"ال�سادات"‬

‫مما ي�ؤكد قوة و�صمود �شخ�صية هذا‬ ‫ال�صحفي الكبري والأديب املبدع �أنه مل يكن‬ ‫يقبل ب�أي �ضغوط �أيا كان م�صدرها‪ ..‬فقد‬ ‫اختلف مع الرئي�س "�أنور ال�سادات" يف‬

‫�إذا كنت تتكلم عن احلب يف الرواية العربية‪� ..‬إذا كنت تتكلم عن �أكرث الروايات رومان�سية‬ ‫وعاطفة‪ ،‬فمن امل�ؤكد �أن خيالك �سوف يذهب �إىل هذا الروائي املبدع "�إح�سان عبد القدو�س"‬ ‫الذي �ألف ما يقرب من ‪ 59‬رواية مت حتويل معظمها �إىل �أفالم �سينمائية احتلت مكانة بارزة يف‬ ‫عقول وقلوب اجلمهور العربي‪ ..‬هذا �إ�ضافة �إىل م�ؤلفات �أخرى‪..‬‬ ‫الر�أي حول �أمر ما تعددت حوله الأقاويل‬ ‫فقام عام‏ ‪ 1974‬باال�ستقالة من رئا�سة �أخبار‬ ‫اليوم‏‪ ،‬وبعدها بعام ا�ستقال من رئا�سة‬ ‫حترير الأهرام لأ�سباب تتعلق �أي�ضا بحرية‬ ‫الر�أي والتعبري‪..‬‬

‫مع "جمال عبد النا�صر"‬

‫كانت لكاتبنا مواقف عدة مع الزعيم الراحل‬ ‫"جمال عبد النا�صر" فقد كان منتقدو‬ ‫وكارهو "�إح�سان" يحاولون الإيقاع بني‬ ‫الكاتب والزعيم‪ ..‬ف�أخذ بع�ضهم ي�ؤول‬ ‫قراءته لرواية �إح�سان "�أنف وثالث عيون"‬ ‫ب�أن املق�صود منها هو "عبد النا�صر"‪،‬‬ ‫و�صادف �أنه يف هذه الفرتة يقدم برناجما‬ ‫�إذاعيا‪ ،‬فاحتجوا على عنوان الربنامج‪..‬‬ ‫بل على كلمة يف العنوان‪ .‬فات�صل به‬ ‫"عبد النا�صر" ليغري هذه الكلمة‪� ،‬إال �أنه‬ ‫رف�ض وترك الربنامج‪� .‬أتدرون ما هذه‬ ‫الكلمة التي اعرت�ضوا عليها ورف�ض هو‬ ‫تغيريها‪� ..‬إنها احلب‪ ..‬فقد كان الربنامج‬ ‫بعنوان "ت�صبحون على حب"‪ ،‬و�أرادوا‬ ‫�أن يغريوا كلمة احلب �إىل "حمبه"‪ ،‬حتت‬ ‫مفهوم احلفاظ على الأدب واحلياء العام‬ ‫‪ ...‬رحم الله اجلميع فهم مل يعي�شوا لريوا‬ ‫ما نحن فيه من كالم عن كل �شيء و�أي‬ ‫�شيء وبطريقة ت�ؤدي لتدمري احلياء ولي�س‬ ‫خد�شه!!!‬

‫موقف �آخر‪..‬‬

‫حققت رواية "البنات وال�صيف" مبيعات‬ ‫فاقت الت�صور‪ ،‬غري �أنها القت اعرتا�ضا‬ ‫وا�سعا يف �أو�ساط املثقفني ملا اعتربوه‬ ‫�إباحية يف تناول الأفكار‪ ..‬فطالبوا مبنعها‪،‬‬ ‫وبالفعل �صدر قرار بذلك‪ ،‬الأمر الذي جعل‬ ‫"�إح�سان" يبعث بر�سالة �إىل عبد النا�صر‬ ‫قال فيها‪:‬‬ ‫"�أنا ال �أتع َّمد اختيار نوع ُمعينَّ من‬ ‫الق�ص�ص‪� ،‬أو اجتاه ُمعينَّ ‪ ،‬ولكن تفكريي‬ ‫يف الق�صة يبد�أ دائم ًا بالتفكري يف عيوب‬ ‫املجتمع‪ ،‬ويف ال ُع َقد النف�سية التي يُعانيها‬ ‫النا�س‪ ،‬وعندما �أنتهي من درا�سة زوايا‬ ‫املجتمع‪� ،‬أُ�سجل درا�ستي يف ق�صة‪ .‬وكل‬ ‫الق�ص�ص التي كتبتها كانت درا�سة �صادقة‬ ‫وجريئة لعيوب جمتمعنا‪ ،‬وهي عيوب قد‬ ‫يجهلها البع�ض‪ ،‬ولكن الكثريين يعرفونها‪،‬‬ ‫وهي عيوب حتتاج �إىل جر�أة الكاتب‪،‬‬ ‫حتى يتحمّل م�س�ؤولية مواجهة النا�س‬ ‫بها‪ .‬والهدف من �إبراز هذه العيوب‪ ،‬هو �أن‬ ‫يح�س النا�س ب�أنّ �أخطاءهم لي�ست �أخطاء‬ ‫فردية‪ ،‬بل هي �أخطاء جمتمع كامل‪ ،‬و�أخطاء‬ ‫لها �أ�سبابها وظروفها‪ ،‬ون�شرها �سيجعلهم‬ ‫ي�سخطون و�سي�ؤدي بهم ال�سخط �إىل‬ ‫االقتناع ب�ضرورة التعاون يف و�ضع تقاليد‬ ‫جديدة ملجتمعنا‪ ،‬تت�سع للتطور الكبري‬ ‫الذي جنتازه‪ ،‬وحتمي بناتنا و�أبناءنا من‬ ‫الأخطاء التي يتعر�ضون لها‪ ،‬نتيجة هذا‬ ‫التطور‪ .‬ولقد بد�أ النا�س ي�سخطون فع ًال‪،‬‬

‫لكنهم بد ًال من �أن ي�سخطوا على �أنف�سهم‬ ‫وعلى املجتمع‪� ،‬سخطوا على الكاتب"‪.‬‬ ‫دعني �أحب‪...‬‬

‫يتكلم "�إح�سان" عن احلب‬ ‫الأول يف حياته فيقول‪:‬‬

‫"احلب الأول يف حياتي كان لبنت‬ ‫اجلريان‪ ،‬كانت �صديقة البنة عمتي‪ ،‬وكان‬ ‫حبا �أعتربه من �أرقى و�أنظف و�أعمق‬ ‫�أنواع احلب الذي يجمع بني �صبي‬ ‫و�صبية‪ ،‬كان عمري وقتها ‪ 14‬عام ًا‪ ،‬وهي‬ ‫‪ 13‬عام ًا‪ ،‬كان حبا قوي ًا ال يتجاوز �أنها تزور‬ ‫ابنة عمتي و�أجل�س معها كما كانت التقاليد‪،‬‬ ‫وكنت �أنتظرها على حمطة الرتام و�أركب‬ ‫معها لأو�صلها �إىل مدر�ستها "ال�سنية"‪ ..‬ثم‬ ‫�أعود على قدمي بعد ذلك �إىل مدر�ستي "ف�ؤاد‬ ‫الأول"‪..‬‬ ‫ولعل تفتح قلب هذا الرجل على احلب‬ ‫يف مراحله الأوىل من العمر جعله يتخذ‬ ‫منه و�سيلة للحياة‪ ،‬وقوتا للروح فكانت‬ ‫كل كتاباته عن احلب‪ ،‬ومعركته ل�صاحله‪،‬‬ ‫وحديثه عن �أهله وعذاباتهم و�أ�شواقهم‬ ‫ومرا�سيهم‪ ...‬ولعل يف كتابته عن احلب‬ ‫تعر�ض لكوامن ال�شهوات املت�أججة خلف‬ ‫م�شاعرنا الب�شرية‪ ..‬الأمر الذي جعل موقف‬ ‫النقاد من �أعماله كان منطق التجاهل‬ ‫بالأ�سا�س حيث جتاهله النقاد‪� ،‬أما الذين‬ ‫ذكروه فقد كان ذكره كان من منطلق‬ ‫هجومي‪ ..‬فمنهم من قال "�إنه �أديب فرا�ش"‪،‬‬ ‫و�إنه رائد مدر�سة الأدب العاري"‪ ،‬ومنهم‬ ‫من ذهب �إىل �أنه "ابن �أمه" و�أنه ال يعتني‬ ‫بجمله‪ ،‬فهو يكتب ال�سهل غري املمتنع"‪.‬‬ ‫ومبرور الوقت ظهر من اهتموا ب�إبداعات‬ ‫الرجل و�أدركوا قيمته الفنية والإبداعية‬ ‫والإن�سانية و�أخذوا يدر�سون �أعماله‬ ‫ويهتمون بتحليلها و�إعطائها حقها‪ ..‬وه�ؤالء‬ ‫�أخذوا يرف�ضون فكرة �أنه كاتب يثري‬ ‫الغرائز يف كتاباته �إىل فكرة �أنه يتعر�ض‬ ‫لهذه الغرائز من منطق التحليل والتو�ضيح‬ ‫وهو يتجول يف النف�س الإن�سانية لأبطال‬ ‫رواياته‪.‬‬

‫جوائز ح�صل عليها‪:‬‬

‫ح�صل "�إح�سان" على و�سام اال�ستحقاق‬ ‫من الدرجة الأوىل من الرئي�س الراحل‬ ‫"جمال عبد النا�صر"‪ ،‬كما ح�صل على‬ ‫اجلائزة الأوىل عن روايته "دمي ودموعي‬ ‫وابت�ساماتي" يف عام ‪ ،1973‬وجائزة‬ ‫�أح�سن ق�صة فيلم عن روايته "الر�صا�صة ال‬ ‫تزال يف جيبي"‪ ،‬و�أخريا ح�صل على و�سام‬ ‫اجلمهورية من الدرجة الأوىل الذي منحه‬ ‫له الرئي�س "مبارك" يف عام ‪.1990‬‬ ‫هذا وقد ترجمت �أعماله لعدة لغات‬ ‫كالإجنليزية‪ ،‬والفرن�سية‪ ،‬ال�صينية‪،‬‬ ‫والأملانية‪ .‬ومل ين�ضب نبع �إبداع هذا الرجل‬ ‫حتى وافته املنية يف يف ‪ 11‬يناير ‪.1990‬‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪12‬‬

‫العدد (‪)2109‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )23‬ني�سان ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2109‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )23‬ني�سان ‪2011‬‬

‫إحسان عبد القدوس يتذكر‪:‬‬

‫نساء في حياتي‬

‫‪13‬‬

‫أسلوب إحسان عبد القدوس‪...‬‬ ‫موضة الروايات الجديدة‬

‫�سعاد �أبو غازي‬

‫�إح�سان عبد القدو�س‪ ..‬من �أين له بكل‬ ‫هذه التفا�صيل عن عامل الن�ساء؟عندما �أقر أ�‬ ‫لإح�سان عبد القدو�س �أو �أقر�أ عنه‪� ،‬أ�ستعيد‬ ‫فرتة من حياتي كان هو عنوانها الرئي�س‬ ‫بال منازع �سوى �أجاثا كري�ستي؛ ففي تلك‬ ‫الفرتة التي ي�سمونها "املراهقة" كنت �أتن ّقل‬ ‫بينهما؛ فقر�أت كل ما كتبا؛ فكنت �أ�ستمتع‬ ‫بروايات كري�ستي وقدرتها العجيبة على‬ ‫جعلي ال �أترك الرواية �إال مع �إنهاء ال�سطر‬ ‫الأخري منها‪� ..‬أما �إح�سان فمع �إعجابي‬ ‫ال�شديد به‪ ،‬كنت دائمة الت�سا�ؤل‪ :‬ملاذا ي ُِ�ص ّر‬ ‫هذا الرجل على الكتابة عن عامل الن�ساء بكل‬ ‫هذا ال�شغف‪ ،‬وب�سرد كل هذه التفا�صيل التي‬ ‫ال تعرفها غري امر�أة؟ �ألي�س عامل الرجال‬ ‫�أقرب �إليه؟!‬ ‫ّ‬ ‫وظل هذا الت�سا�ؤل بال جواب‪� ،‬إىل �أن قر�أت‬ ‫هذا الكتاب لأمرية �أبو الفتوح بعنوان‬ ‫"�إح�سان عبد القدو�س يتذكر"؛ ف�أدركت ملاذا‬ ‫كان هذا الرجل بارع ًا يف الكتابة عن عامل‬ ‫الن�ساء من دون غريهن؛ ف�إذا كانت لديك‬ ‫رغبة يف املعرفة‪ ،‬ابق حتى ال�سطر الأخري‪.‬‬

‫"�إح�سان" واملتناق�ضات‬

‫ا�سمه احلقيقي �إح�سان حممد عبد القدو�س‬ ‫�أحمد ر�ضوان‪ ،‬ن�ش�أ يف بيت جده لوالده‬ ‫ال�شيخ �أحمد ر�ضوان‪ ،‬وكان من خريجي‬ ‫اجلامع الأزهر‪ ،‬وعمل رئي�س كتاب باملحاكم‬

‫ال�شرعية‪ ،‬وكان �شديد التديّن يفر�ض على‬ ‫جميع العائلة االلتزام والتم�سك ب�أوامر‬ ‫الدين و�أداء الفرو�ض واملحافظة على‬ ‫التقاليد؛ هذا يف الوقت الذي كانت فيه‬ ‫والدة �إح�سان‪ ،‬الفنانة وال�صحفية الالمعة‬ ‫روزاليو�سف‪� ،‬سيدة متحررة تفتح بيتها‬ ‫لعقد ندوات ثقافية و�سيا�سية ي�شرتك فيها‬ ‫كبار ال�شعراء والأدباء وال�سيا�سيني؛ فكان‬ ‫�إح�سان الطفل ينتقل من ندوة جده ‪-‬حيث‬ ‫علماء الأزهر‪ -‬وي�أخذ جرعته الدينية‪،‬‬ ‫وقبل �أن يه�ضمها يجد نف�سه يف �أح�ضان‬ ‫ندوة �أخرى على العك�س متام ًا؛ �إنها ندوة‬ ‫روزاليو�سف‪ ..‬فيقول �إح�سان عن تلك‬ ‫الفرتة‪" :‬كان االنتقال بني هذين املناخني‬ ‫ي�صيبني مبا ي�شبه الدوار الذهني؛ حتى‬ ‫اعتدت عليه بالتدريج‪ ،‬وا�ستطعت �أن �أُعِ ّد‬ ‫نف�سي لتقبّله ك�أمر واقع يف حياتي‪ ،‬ال مف ّر‬ ‫منه"‪.‬‬ ‫هنا تعود �أمرية �أبو الفتوح ملا قبل ميالد‬ ‫�إح�سان؛ رمبا لت�ؤكد املتناق�ضات التي‬ ‫�صنعت عامل �إح�سان؛ حتى قبل ميالده؛‬ ‫فتقول‪� :‬إن والد �إح�سان هو الفنان حممد‬ ‫عبد القدو�س الذي ن�ش�أ وتربى يف بيئة‬ ‫متدينة؛ حيث والده �أحد علماء الأزهر‪� ،‬أما‬ ‫والدته ال�سيدة فاطمة اليو�سف؛ فقد وُلدت‬ ‫يف �إحدى قرى لبنان‪ ،‬وعرفت اليُتم والغربة‬ ‫منذ بداية حياتها‪ ،‬وبطريقة �أو ب�أخرى‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫جاءت اىل القاهرة لتبد�أ �أوىل خطواتها يف‬ ‫عامل التمثيل يف فرقة "�إ�سكندر فرح وعزيز‬ ‫عيد"؛ فتتعرف على حممد عبد القدو�س‬ ‫املهند�س ‪-‬وقتها‪ -‬بالطرق والكباري؛‬ ‫فيقرران الزواج برغم �إرادة الأب العامل‬ ‫رب�أ منه ويطرده من بيته؛‬ ‫الأزهري الذي يت ّ‬ ‫لي�ستقيل االبن املتمرد من وظيفته احلكومية‬ ‫ويتف ّرغ للفن ممث ًال وم�ؤلف ًا م�سرحي ًا‪.‬‬ ‫ومع بداية حياة الزوجني يتلم�س كل‬ ‫منهما ما يف الآخر من تناق�ض‪ ،‬حممد عبد‬ ‫القدو�س ي�سبح يف دنيا اخليال ال يح�سب‬ ‫لغده ح�ساب ًا؛ بينما روزاليو�سف تعي�ش‬ ‫يف الواقع ُتعِ ّد لغدها قبل يومها‪ ،‬كل �شيء‬ ‫عندها �أرقام تحُ �سب‪ ،‬وانت�صارات ُت�ضاف‬ ‫ل�سجل حياتها‪.‬‬ ‫وق ّرر الزوجان االنف�صال بعد عامني من‬ ‫الزواج‪ ،‬وكانت روز حام ًال يف �شهرها‬ ‫ال�سابع‪ ،‬ويف مطلع عام ‪ ،1919‬عام الثورة‬ ‫التي قبعت يف وجدان ال�شعب امل�صري‪،‬‬ ‫خرج �إىل احلياة ابن املتناق�ضات �إح�سان‬ ‫عبد القدو�س‪ ،‬ويف نف�س اليوم �أي�ض ًا قرر‬ ‫اجلد ال�شيخ ر�ضوان نزعه من بني �أح�ضان‬ ‫�أمه‪ ،‬التي ر�ضيت مُرغمة �أن ترتكه للجد؛‬ ‫حيث تتوفر له �سبل الرعاية‪ ،‬وقررت �أن‬ ‫مت�ضي هي يف طريق الفن حيث الأ�ضواء‬ ‫وال�شهرة‪.‬‬ ‫ويف مذكراته كتب �إح�سان عن يوم مولده‪:‬‬ ‫"�أول يناير‪ ..‬يف مثل هذا اليوم منذ �سبعة‬ ‫وع�شرين عام ًا‪ ،‬ويف منت�صف الليل متام ًا‪،‬‬ ‫وبينما كان التاريخ يقلب �صفحة الزمن‬ ‫من عام �إىل عام‪ ،‬والعامل يرق�ص ويتبادل‬ ‫الأنخاب والقبالت لعام ‪ ..1919‬وكان‬ ‫امل�صريون يف ثورتهم يح�صدهم ر�صا�ص‬ ‫الإجنليز؛ ليخمد يف حناجرهم �صوت‬ ‫احلرية‪ ،‬دوت "واء‪ ...‬واء" يف �أذن الوجود‬ ‫ُت ّ‬ ‫ب�شر مبولدي ال�سعيد!! وا�ستمرت حياتي‬ ‫�إىل اليوم‪� ،‬صورة من ليلة مولدي؛ رق�ص‬ ‫ودموع"‪.‬‬

‫�إح�سان يف بيت نعمات هامن‬

‫هناك يف البيت الكبري (بيت اجلد يف‬ ‫العبا�سية)‪ ،‬وَ َجد �إح�سان بدي ًال عن والدته‪،‬‬ ‫وَ َجد عمته ال�سيدة نعمات هامن التي �أغدقت‬ ‫عليه احلب واحلنان بال حدود؛ �إىل �أن قرر‬ ‫وهو يف �سن الثامنة ع�شرة �أن يعود �إىل �أمه‬ ‫ليعي�ش معها؛ لكنه يف الوقت نف�سه ال ين�سى‬ ‫ف�ضل نعمات هامن التي يقول عنها‪�" :‬إذا‬ ‫كانت والدتي قد �أعطتني ووهبتني احلياة؛‬ ‫ف�إن عمتي نعمات هامن ر�ضوان �أعطتني‬ ‫اال�ستقرار يف احلياة بال ثمن وبال مقابل؛‬ ‫�سوى �إح�سا�سها الأ�صيل بحب ابن �أخيها‬ ‫و�أملها يف �أن ينجح يف حياته"‪.‬‬ ‫"ابن ال�ست"‪ ..‬لقب �إح�سان اجلديد‬ ‫قرر �إح�سان ابن الثامنة ع�شرة �أن يرتك‬ ‫بيت جده لأبيه‪ ،‬وينتقل للعي�ش مع والدته‬ ‫ال�سيدة روزاليو�سف‪ ،‬التي كانت قد تزوجت‬ ‫يف �أواخر عام ‪ 1923‬من الفنان زكي‬ ‫طليمات‪ ،‬واحلقيقة التي �أ ّكد عليها �إح�سان‬ ‫�أنه كان طف ًال حمظوظ ًا للغاية؛ ففي حني‬ ‫كان لديه عمة حتبه وترعاه‪ ،‬و�أم تبذل‬ ‫جهد ًا كبري ًا ل ُت�شعره بال�سعادة و ُتعطيه من‬ ‫احلنان خمزون ًا �أ�سبوعي ًا يعي�ش عليه‪� ،‬إىل‬ ‫�أن يعاودها يف الأ�سبوع التايل‪ ،‬كان زوج‬

‫والدته زكي طليمات يحبه حب ًا عظيم ًا؛ مما‬ ‫جعله ين�سى متام ًا �أنه زوج والدته‪.‬‬ ‫لكن �إح�سان ال�شاب يعرتف ب�أن النا�س كان‬ ‫يُ�سمّونه بـ"ابن ال�ست"؛ ذلك اللقب الذي‬ ‫طاملا مت ّرد عليه‪ ،‬بعد �أن طارده ل�سنوات‬ ‫طوال؛ ولكنه يف الوقت نف�سه مل يرف�ضه‬ ‫ل�سبب ب�سيط جد ًا �أن �أ�صحاب هذا اللقب‬ ‫كانوا يريدون ‪-‬بطريقة "خبيثة"‪� -‬أن‬ ‫ين�سبوا كل جناح يحققه �إىل هذا اللقب‬ ‫وك�أنه "كائن يُح�سن الت�س ّلق على ا�سم‬ ‫والدته وعلى �شهرتها‪ ،‬وبذلك �أكون بال ف�ضل‬ ‫يف �أي �شيء!"‪.‬‬ ‫فكان هذا اللقب م�شكلة ت�ؤرق �إح�سان؛‬ ‫لأنه يحب والدته؛ بل وال ينكر �أنه تع ّلم‬ ‫منها الكثري؛ فكان يقول‪" :‬نعم �أنا ابنها‬ ‫وتلميذها‪� ،‬أخ ْذت منها البدايات اجليدة؛‬

‫مما يتوقع حدوثه لكلينا من �أمي ومن‬ ‫�أهلها‪."..‬‬ ‫مت�ض �أكرث من ثالثة �شهور حتى‬ ‫ومل ِ‬ ‫عُرف �أمر هذا الزواج؛ فما كان من الأهل‬ ‫�إال �أن اعرتفوا بالأمر الواقع‪ ،‬ولكي تبدو‬ ‫الأمور طبيعية �أمام النا�س �أقاموا كتب‬ ‫كتاب �صوري‪ ،‬و�أح�ضروا نف�س امل�أذون‬ ‫الذي َع َقد القران‪ ،‬ووقفنا اللتقاط ال�صور‬ ‫ك�أي عرو�سني يوم زفافهما‪ ..‬واحلقيقة‬ ‫التي يعرتف بها �إح�سان �أن اجلميع كانوا‬ ‫منا�صرين لهذا احلب العظيم �إال والدته‬ ‫ال�سيدة روزاليو�سف؛ فقد كانت راف�ض ًة‬ ‫لزواجه ل�صغر �سنه فلم حت�ضر الفرح‪.‬‬ ‫�أما والده "حممد عبد القدو�س" فقد �شعر‬ ‫ب�سعادة ال مثيل لها؛ فهو مقتنع بابنه غاية‬ ‫االقتناع؛ فكل ما يفعله ابنه �صواب؛ فتنازل‬

‫ثمة موجة روائية يف املرحلة الراهنة‬ ‫ميكن و�صفها ب�أنها امتداد لروايات‬ ‫امل�صري اح�سان عبد القدو�س التي كانت‬ ‫�شغف الن�ساء واملراهقات يف مرحلة‬ ‫ما‪ ،‬ف�ضال عن �أن امل�سل�سالت والأفالم‬ ‫التي اقتب�ست من رواياته �شكلت �صدمة‬ ‫�إيجابية يف الوعي الن�سائي‪ ،‬وكانت‬ ‫�إميا ًء على �أحوال جديدة يف النظرة‬ ‫اىل املر�أة وق�ضيتها وم�شاكلها يف العامل‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫حتتاج مو�ضة الرواية القدو�سية اىل‬ ‫بحث مطول‪ ،‬لأنها تعك�س واقعا ثقافي ًا‬ ‫جديد ًا ال ميكن ف�صله عن ثقافة ال�صورة‪،‬‬ ‫ف�إذا كان ثمة توجه لدى بع�ض النخبة‬ ‫لالبتعاد عن الرواية ال�سهلة واالغراق‬ ‫يف الغمو�ض وتعذيب» القارئ‪ ،‬ثمة‬

‫وق�صة ت�صفع جهل بع�ض الأ�سر بواجبها‬ ‫نحو عملية البناء النف�سي ال�سليم‬ ‫لبناتهن! �أنا �إذن مدافع عن كرامة املر�أة‪،‬‬ ‫فا�ضحا لهذه الكرامة‪.‬‬ ‫ل�ست هاد ًما لها �أو‬ ‫ً‬ ‫ريا هي زاوية الر�ؤية‬ ‫امل�س�ألة �أو ًال و�أخ ً‬ ‫ملا �أكتبه من �أدب عن املر�أة التي كانت‬ ‫�أخطر عامل م�ؤثر يف حياتي»‪ .‬ي�ضيف‪:‬‬ ‫«�أنا ال �أعرتف مطل ًقا ب�أن اجلن�س هو‬ ‫مو�ضوع ق�ص�صي‪ ،‬لكن كل الذي حدث‬ ‫�أنني حتملت م�س�ؤولية التطوير يف‬ ‫�أدب الق�صة العربية‪� .‬أنت ميكن �أن‬ ‫ق�ص�صا وتقارنها مع الأدب العاملي‬ ‫تقر�أ‬ ‫ً‬ ‫الراقي‪ ،‬و�ستجد �أننا مت�أخرون للغاية‬ ‫نتيجة التقاليد البالية والتف�سريات‬ ‫االجتماعية القدمية‪ .‬ف�أنا حاولت وكانت‬ ‫لدي اجلر�أة �أن �أطور هذا الأدب و�أك�شف‬

‫ولكني بعد ذلك قدّمت �إ�ضافات ال ي�ستطيع‬ ‫�أحد �إنكارها"‪.‬‬

‫له عن �شقته ال�صغرية ‪-‬وهي كل عامله‪ -‬ليبد�أ‬ ‫حياته الزوجية بها؛ بينما ينتقل هو للإقامة‬ ‫مع �أخته يف منزل اجلد بالعبا�سية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من �أن حياة �إح�سان عبد‬ ‫القدو�س كانت حافلة بالأحداث وطويلة؛ فقد‬ ‫مات بهدوء يف الثاين ع�شر من يناير من عام‬ ‫‪ ،1990‬كان فيها �أديب ًا و�سيا�سي ًا و�صحفي ًا‬ ‫و�سينمائي ًا؛ �إال �أن عالقته باملر�أة ‪-‬التي‬ ‫كانت حمور عدد كبري من رواياته‪ -‬هي‬ ‫دائم ًا النقطة التي تنطلق منها كل حكاياتنا‬ ‫عن �إح�سان عبد القدو�س‪ ،‬وكان من الطبيعي‬ ‫�أن ذلك الإ�صرار من جانبه على احلديث‬ ‫عنها كان له جذور يف حياته‪ ،‬وهو نف�سه‬ ‫قال‪�" :‬إنني تربّيت يف خمتلف املجتمعات‬ ‫علي"؛ فكان‬ ‫الن�سائية‪ ،‬وكلهن ذوات ف�ضل ّ‬ ‫وجوده و�سط عاملهن حمور كتاباته؛ فعاملهن‬ ‫كان ممزوج ًا بعامله؛ فانتقى منهن تلك‬ ‫ال�شخ�صيات التي حُ فرت يف ذاكرتنا‪ ،‬وهي‬ ‫يف الأ�صل �شخ�صيات عادية؛ ولكنه من‬ ‫منطلق ال�صراحة قام بك�شف دخائلها؛ ف َبدَت‬ ‫�شخ�صيات غري عادية؛ فقد كان يقول‪" :‬كل‬ ‫فرد من الب�شر يبدو عادي ًا يف مظهره‪ ،‬غريب ًا‬ ‫يف داخله"‪.‬‬ ‫�أعتقد �أنك الآن فهمت مثلي ووجدت الإجابة‬ ‫عن ال�س�ؤال الذي طاملا طرح نف�سه عندما‬ ‫تنتهي من رواية لإح�سان‪ :‬من �أين له بكل‬ ‫هذه التفا�صيل عن عامل الن�ساء؟‬

‫موجة �أخرى جوهرها «فا�ست فودي»‬ ‫اذا جاز التعبري‪ ،‬خ�صو�صا يف الرواية‬ ‫ال�سعودية التي ميكن و�صفها ب�أنها‬ ‫«متردية» على الواقع القائم والتقليدي‪،‬‬ ‫بل تعك�س الواقع امل�سكوت عنه‪ ،‬ويف‬ ‫م�صر هناك موجة روايات املدونات‬ ‫وهي اي�ضا متردية لكن ال تبتعد عن نقل‬ ‫«احلدوتة» (احلكاية) باملعنى امل�صري‪.‬‬ ‫�سبق عبد القدو�س اجلميع اىل الرواية‬ ‫ال�سهلة‪ ،‬كان يعرف ما يريده القارئ‪،‬‬ ‫رمبا لأنه يعرف ما تريده نف�سه‪ ،‬يكتب‬ ‫من دون ادعاء‪ ،‬عا�ش واحدًا و�سبعني‬ ‫عا ًما‪ ،‬خ ّلف ت�سعة وخم�سني عم ًال �أدب ًّيا‪،‬‬ ‫منها اثنتان وع�شرون رواية‪ ،‬بدءًا من‬ ‫«�أنا حرة» عام ‪ ،1954‬وانتها ًء بـ{قلبي‬ ‫لي�س يف جيبي» عام ‪� ،1989‬إىل جانب‬ ‫اثنتي وثالثني جمموعة ق�ص�صية‪ ،‬بدءًا‬ ‫من جمموعة «�صانع احلب» عام ‪،1948‬‬ ‫وانتها ًء مبجموعته «ملن �أترك كل هذا»‬ ‫عام ‪ .1990‬تعك�س رواياته واقع مرحلة‬ ‫زاخرة يف م�صر‪ ،‬انت�شرت لدى اجلمهور‬ ‫العري�ض وانتقلت �إىل ال�شا�شة‪ ،‬لكن‬ ‫معظم النقاد جتاهلوه‪� ،‬أما الذين ذكروه‬ ‫ففعلوا ذلك من منطلق هجومي بزعم �أنه‬ ‫«�أديب الفرا�ش»‪ .‬يرد عبد القدو�س على‬ ‫االتهامات التي وجهت اليه قائ ًال «الفرق‬ ‫هائل بني ق�صة تدن�س �شرف املر�أة‬

‫الواقع كما هو‪ ،‬لي�س اعتمادًا على م�شهد‬ ‫جن�سي ولكن على مو�ضوع متكامل»‪.‬‬ ‫ال تبتعد روايات عبد القدو�س عن الواقع‬ ‫امل�صري‪ ،‬بل ال تنف�صل عن حياته‪ ،‬لنقل‬ ‫�إنها ت�شبه �شخ�صيته‪ ،‬ن�ش�أ يف بيئة‬ ‫اجتماعية قلقة‪ ،‬فقبل كل �شي‪ ،‬والدته‬ ‫روز اليو�سف‪� ،‬أ�صبحت يتيمة وهي يف‬ ‫ال�سابعة من عمرها‪ ،‬بد�أت حياتها ممثلة‬ ‫نا�شئة يف فرقة عزيز عيد امل�سرحية‪،‬‬ ‫وتعلمت يف تلك الفرتة القراءة والكتابة‬ ‫والتمثيل‪ ،‬و�أ�صبحت املمثلة الأوىل يف‬ ‫م�صر‪ .‬تعرفت �إىل املهند�س حممد عبد‬ ‫القدو�س يف حفل �أقامه النادي الأهلي‬ ‫وكان عبد القدو�س ع�ضوا يف النادي‬ ‫ومن هواة الفن‪ ،‬ف�صعد على امل�سرح‬ ‫وقدم فا�صال من املونولوجات‪ ،‬ف�أعجبت‬ ‫به روز اليو�سف وتزوجته‪ ،‬فثار والده‬ ‫وترب�أ منه وطرده من بيته لزواجه من‬ ‫ممثلة‪ ،‬فرتك الإبن وظيفته احلكومية‬ ‫وتفرغ للفن ممثال وم�ؤلفا م�سرحيا‪.‬‬ ‫املهم القول �إن عبد القدو�س ت�أرجح يف‬ ‫حياته بني الثقافة الدينية ال�صارمة‬ ‫والثقافة التحررية‪ ،‬متثلت ثقافته‬ ‫الأوىل يف طفولته التي ق�ضاها يف بيت‬ ‫جده لوالده‪ ،‬ال�شيخ �أحمد ر�ضوان‪،‬‬ ‫وكان عاملًا من علماء الأزهر‪ ،‬ات�سم‬ ‫باحلزم وال�صرامة مع �أهل بيته‪ .‬متثلت‬

‫�إح�سان يتزوج �سراً‬

‫بعد �أن اجتاز �إح�سان درا�سته اجلامعية‬ ‫بنجاح‪ ،‬وتخ ّرج يف كلية احلقوق عام‬ ‫‪ ،1942‬ق ّرر �أن يتزوج الفتاة الوحيدة التي‬ ‫�أحبها "لوال" التي قال عنها‪" :‬هي حبي‬ ‫الأول والأخري‪ ،‬وقد ال ي�صدق الكثريون‬ ‫هذا؛ ولكنها احلقيقة؛ فمنذ عرفتها ‪-‬وكنت‬ ‫حينذاك طالب ًا باحلقوق‪ -‬مل ت�ستطع �أي‬ ‫امر�أة �أن تزحزح مكانها يف قلبي"‪.‬‬ ‫ولكن املفاج�أة التي يُفجّ رها هذا الكتاب‪،‬‬ ‫هي �أن �إح�سان ال�شاب قرر �أن يتزوج من‬ ‫حبيبته �سر ًا يف بيت ال�صحفي الكبري حممد‬ ‫التابعي‪ ،‬وكان وقتها حمامي ًا حتت التمرين‬ ‫مبرتب �شهري خم�سة جنيهات؛ فيقول عن‬ ‫تلك الفرتة‪�" :‬صادفتنا م�شكلة‪ ..‬كالنا يحب‬ ‫الآخر وكالنا مقتنع ب�أنه وجد �شريك عمره‪..‬‬ ‫ولكن نظرة �أ�سرتها يل مل تكن نظرة الر�ضا؛‬ ‫ف�ض ًال عن الإعجاب �أو الرتحيب‪ ،‬ووجدنا �أن‬ ‫احلل يف فر�ض الأمر الواقع على اجلميع‪،‬‬ ‫ويف ع�صر �أحد �أيام نوفمرب �سنة ‪1943‬‬ ‫دخل امل�أذون �إىل بيت حممد التابعي ليعقد‬ ‫قراين �سر ًا على زوجتي‪ ..‬و�سقانا التابعي‬ ‫وكان �أ�شهر عازب يف ذلك الوقت‪� -‬شربات‬‫الفرح‪ ،‬وهو ينرث حولنا دعاباته ال�ساخرة؛‬

‫ثقافته التحررية يف والده حممد عبد‬ ‫القدو�س‪ ،‬الكاتب واملثقف‪ ،‬ووالدته‬ ‫روز اليو�سف التي �أ�صبحت من رموز‬ ‫م�سرح رم�سي�س‪ .‬هذا له اثره الكبري يف‬ ‫تكوين �شخ�صيته الأدبية وجعله يقول‪:‬‬ ‫«وقد �أثر ّ‬ ‫يف اختالف املجتمعني اللذين‬ ‫ريا �أ�سا�سيا يف تكوين‬ ‫�أعي�شهما ت�أث ً‬ ‫�شخ�صيتي وعقليتي‪ ،‬جمتمع جدي‬ ‫املحافظ املتز ِّمت يف تد ُّينه وجمتمع‬ ‫�أبي و�أمي‪ .‬وجدت نف�سي حائ ًرا بني‬ ‫املجتمعني وهو ما عودين �أال �أ�ست�سلم‬ ‫للواقع �أبدًا �إال بعد �أن �أدر�سه و�أفكر فيه‬ ‫�إىل �أن �أثور عليه و�أعرتف به‪ .‬كنت منذ‬ ‫طفولتي �أرف�ض التقاليد االجتماعية بعد‬ ‫تفكري وعلى م�س�ؤوليتي اخلا�صة»‪.‬‬

‫التلفزيون‬

‫لإمرئ كان يتابع التلفزيون قبل انت�شار‬ ‫ال�صحون الالقطة والف�ضائيات �أن‬ ‫ي�ستذكر جيدا املرات الكثرية التي كان‬ ‫يقر�أ ا�سم اح�سان عبد القدو�س يف‬ ‫نهاية الأفالم او امل�سل�سالت التي كانت‬ ‫تقتب�س عن رواياته‪� .‬أذكره �أكرث من‬ ‫الأبطال واملخرجني‪ ،‬ا�سمه بقي را�سخا‬ ‫يف ذهني‪.‬‬ ‫ثمة روائي �آخر كان �شبيها بعبد‬ ‫القدو�س‪ ،‬لكن على م�ستوى لبنان فح�سب‬ ‫وهو بيار روفايل الذي تويف قبل مدة‪.‬‬ ‫ازدهرت كتابات الأخري يف لبنان وم�صر‬ ‫يف اخلم�سينيات وال�ستينيات وبقيت‬ ‫حتى اوائل الت�سعينيات‪ ،‬وت�ألق على‬ ‫�أيدي بع�ض ال�صحافيني ممن عملوا‬ ‫يف ال�صحافة الفنية �أمثال روفايل‬ ‫وجورج ابراهيم اخلوري‪ .‬كانت هذه‬ ‫الكتابات الق�ص�صية مر�صودة للن�شر يف‬ ‫حلقات يف املجالت الفنية الأ�سبوعية‬ ‫مثل ال�شبكة واحل�سناء‪ ،‬يومها كانت‬ ‫املجالت الفنية لها �صداها لدى بع�ض‬ ‫اهل الثقافة‪ ،‬ومع �أن مو�ضة بيار روفايل‬ ‫انت�شرت يف اخلم�سينيات وال�ستينيات‬ ‫من القرن املا�ضي يف لبنان‪ ،‬يبدو‬ ‫انها وجدت �صداها قبل �سنوات يف‬ ‫ال�سعودية حتديدا‪ .‬قدرة روفايل وعبد‬ ‫القدو�س وبع�ض الكتاب الآخرين �أنهم‬ ‫يعرفون ما الذي يجذب القارئ‪ ،‬يدركون‬ ‫�سو�سيولوجيته‪ ،‬هم يكتبون الروايات‬ ‫التي ُت�شرتى يف حمطات القطارات‪،‬‬ ‫و ُتقر�أ يف الرحالت الطوال‪ ،‬ثم ُترمى‬ ‫يف حمطة الو�صول او هم يكتبون‬ ‫روايات كامل�سل�سالت العابرة والأفالم‬ ‫ال�شعبية‪ .‬يكتبون روايات اال�سرتخاء‬ ‫واال�ستهالك‪ ،‬وهي من طراز الروايات‬ ‫ال�شعبية اخلفيفة‪.‬‬ ‫ال �شك يف �أن من يتابع كتابات روفايل‬ ‫يالحظ احرتافه يف انتقاء املوا�ضيع‬ ‫التي تنا�سب املو�ضة‪ ،‬كان حريف ًا يف‬ ‫اختيار عناوين كتبه‪ ،‬بع�ضها �أقرب اىل‬ ‫الرومان�سية وبع�ضها الآخر اىل �أ�سماء‬ ‫لأغنيات او عناوين لأفالم م�صرية‬ ‫قدمية‪ .‬اعتمد روفايل على الكل�شيهات‬ ‫ال�شعبية واللغة الروحانية‪ ،‬اذا جاز‬ ‫التعبري‪ ،‬يعنيه ما يتفوه به النا�س‪،‬‬ ‫الكتابة بالن�سبة اليه �صناعة اكرث منها‬

‫عبقرية وت�أليف ًا‪ ،‬انه املحرتف يف لعبة‬ ‫الت�سويق من دون ان يكون يف الواجهة‪،‬‬ ‫كتب الرواية لكنه �أبقاها من دون «هالة»‬ ‫ثقافية‪ ،‬من دون الروائي ومن دون‬ ‫البحث عن التجريب‪ ،‬وما ينبغي قوله‬ ‫ان لرواج ق�ص�صه رواية ما‪ ،‬ودالالت‬ ‫كثرية مل تناق�ش يوما‪ ،‬رمبا اليوم جند‬ ‫ما هو �شبهها يف جمهور «�ستار اكادميي»‬ ‫وتلفزيون الواقع‪ ،‬او يف جمهور‬ ‫الروايات ال�سعودية‪.‬‬ ‫بيار روفايل واح�سان عبد القدو�س‬ ‫منوذجان للمو�ضة الثقافية على نحو‬ ‫ما نقول �إن «باب احلارة» ال�سوري‬ ‫و«نور» الرتكي منوذجان ملو�ضة‬ ‫امل�سل�سالت التلفزيونية‪ .‬روفايل وعبد‬ ‫القدو�س ا�شارة �إىل القارئ الذي ال يحب‬ ‫اال�ستعرا�ض والتعقيد‪.‬‬

‫�صورة الروائي‬

‫ال�صورة املر�سومة لعبد القدو�س لدى‬ ‫اجلميع �أنه رجل متحرر اكرث من‬ ‫الالزم‪ ،‬يتقرب ن�ساء رواياته من �أي‬ ‫رجل ويف �أي وقت ومكان‪ ،‬و تبحث‬ ‫بنات ق�ص�صه عن احلرية مبعناها قبل‬ ‫�أي معنى �آخر‪ .‬نقر�أ �أنه مل يكن ي�سمح‬ ‫لزوجته �أن تخرج من البيت مبفردها‪،‬‬ ‫وعندما يكون م�سافرا يطلب منها �أال‬

‫تخرج‪ ،‬بل وترف�ض كل الدعوات التي‬ ‫توجه اليها مهما كانت‪ ،‬وكان �صعبا‬ ‫معها يف مو�ضوع املالب�س‪ ،‬لدرجة �أنه‬ ‫كان ي�شرتط عليها �أن تكون مالب�سها‬ ‫حمت�شمة ال ت�صف وال ت�شف! بلغ من‬ ‫حمافظته والتزامه �أن �أمه �أر�سلت �أخته‬ ‫�إليه التي كانت �أكرث حتررا كي يعاقبها‬ ‫بنف�سه‪ ،‬كانت �أخته تركب «الب�سكلتة» مع‬ ‫ابن اجلريان‪ ،‬ف�أرادت والدته �أن ت�ضع‬ ‫حدا ل�شقاوتها‪ ،‬ف�أر�سلتها اىل �أخيها‬ ‫لتعي�ش معه يف العبا�سية‪ .‬مل يعرتف‬ ‫عبد القدو�س �إال بعالقته الن�سائية الأوىل‬ ‫يقول‪ :‬احلب الأول يف حياتي كان لبنت‬ ‫اجلريان‪ ،‬كانت �صديقة البنة عمتي‪،‬‬ ‫وكان حبا �أعتربه من �أرقى و�أنظف‬ ‫و�أعمق �أنواع احلب الذي يجمع بني‬ ‫�صبي و�صبية‪ ،‬كان عمري وقتها ‪14‬‬ ‫عاما‪ ،‬وهي ‪ 13‬عاما‪ ،‬كان حبا قويا‬ ‫بالن�سبة �إيل �شخ�صيا‪ ،‬وكان ال يتجاوز‬ ‫�أنها تزور ابنة عمتي و�أجل�س معها‬ ‫كما كانت التقاليد‪ ،‬كان �أمرا راقيا يف‬ ‫معناه وكنت �أنتظرها على حمطة الرتام‬ ‫و�أركب معها لأو�صلها اىل مدر�ستها‪ .‬ثم‬ ‫�أعود على قدمي بعد ذلك اىل مدر�ستي‬ ‫ف�ؤاد الأول‪ ،‬وكل الذي كان يجمع بيني‬ ‫وبينها ال يعدو �أكرث من �أن ام�سك يديها‬ ‫وكان ذلك منتهى الرومان�سية‪.‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪14‬‬

‫العدد (‪)2109‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )23‬ني�سان ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2109‬ال�سنة الثامنة ‪-‬ال�سبت (‪ )23‬ني�سان ‪2011‬‬

‫وكذلك الت�شريح النف�سي ال�سريري لكتابات يونغ وادلر‪،‬‬ ‫وعالئق هذه الكتابات ببع�ض االجتاهات الفل�سفية‬ ‫واالجتاهات ال�س�سيوثقافية‪ ،‬خا�صة اجلماعة الثقافية‬ ‫التي ا�س�سها ماركوزه ودوركهامي والتي حاولت ان‬ ‫ت�ضع البناء الثقايف مقابال للبناء النف�سي واالجتماعي‪،‬‬ ‫�أي �صناعة منوذج املثقف املن�شق عن الن�سق االجتماعي‬ ‫التقليدي‪ ،‬والذي يبدو اكرث انحيازا حلريته وارادته‬ ‫وملواقفه االن�سانية بعيدا عن املوجهات االيديولوجية‬ ‫وال�سيا�سية املبا�شرة ومهيمناتها القمعية‪ ،‬اذ الجند‬ ‫يف اغلب روايات وق�ص�ص اح�سان عبد القدو�س‬ ‫ابطاال م�ؤدجلني او ثوريني عقائديني‪ ،‬وحتى رواية‬ ‫(يف بيتنا رجل)مل تتمثل ل�صناعة منوذج هذا البطل‬ ‫الثوري االيديولوجي‪ ،‬اذ كانت �سمة البطل(ابراهيم‬ ‫حمدي)طالب احلقوق الذي كان ي�شارك يف التظاهرات‬ ‫واالعت�صامات هي خليط بني الرومان�سي املتمرد‬ ‫واالحتجاجي غري امل�ؤدلج‪ ،‬والذي وجد يف ع�شقه للفتاة‬ ‫املراهقة(نوال)ان�شغاال وا�سعا عن املو�ضوع اال�سا�سي‬ ‫الذي من اجله �أقدم على اغتيال رئي�س الوزراء‪ .‬هذه‬ ‫ّ‬ ‫وم�ضخم للك�شف عن‬ ‫الثيمة هي عنوان �سطحي وعابر‬ ‫ازمة �شخ�صيته ال�شعورية‪ ،‬فهو مثال للحديث عن ازمة‬ ‫ال�شخ�صية الربجوازية امل�صرية القلقة التي تعي�ش‬ ‫ازمة هويتها الوطنية‪ ،‬لكنها تعي�ش اي�ضا ا�ضطراباتها‬ ‫وازماتها وعقدها الداخلية‪ ،‬عرب ا�ستح�ضار ازمات‬

‫بعد ان وجدت كتاباته حظوظها الوا�سعة يف ال�سينما‬ ‫والدراما التلفزيونية‪ ،‬اذ وجد املخرجون ان واقعية‬ ‫عبد القدو�س‪ ،‬وخ�صو�صيته يف �صناعة بيئة �صراعية‪،‬‬ ‫ومنوذج لل�شخ�صية الدرامية التي تعي�ش ازمات الواقع‪،‬‬ ‫وا�ضطراباته ال�شعورية‪� ،‬سهولة يف ا�ستثمار هذه‬ ‫الق�ص�ص لل�سينما والتلفزيون‪ ،‬بعيدا عن االن�شغاالت‬ ‫االخرى التي حتتاج اىل امكانيات فنية ومادية تتجاوز‬ ‫قدرة ال�سينما احلكومية يف ال�ستيات‪ ،‬ورمبا تثري‬ ‫حولها الكثري من اال�سئلة خا�صة يف ما يتعلق بطبيعة‬ ‫ماتثريه من ا�سئلة حول املحموالت الرمزية للبناء‬ ‫الفكري لالحداث وال�شخ�صيات‪ ،‬واح�سب ان �سهولة‬ ‫بناء االحداث وال�شخ�صيات يف ق�ص�ص اح�سان عبد‬ ‫القدو�س‪ ،‬واقرتابها من الواقع النف�سي واحل�سي‬ ‫واجلن�سي‪ ،‬وابتعادها على مالم�سة التابو ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫هو الذي جعل كتابات اح�سان عبد القدو�س ويو�سف‬ ‫ال�سباعي وحممد عبد احلليم عبد الله مثال اكرث قربا من‬ ‫ا�شتغاالت ال�صناعة ال�سينمائية‪ .‬وحتى روايات جنيب‬ ‫حمفوظ التي تع ّد االكرث توظيفا يف ال�سينما ظلت يف‬ ‫�سياق خمتلف عن ما ينظر به اىل روايات اح�سان عبد‬ ‫القدو�س‪ ،‬فمحفوظ مثال كان باال�سا�س كاتب �سيناريو‪،‬‬ ‫وهو االمر الذي ي�سهل للمخرجني العمل معه‪ ،‬كما ان‬ ‫الر�سالة االجتماعية لروايات جنيب حمفوظ‪-‬خا�صة‬ ‫الواقعية منها‪-‬كانت االقرب اىل الر�سالة االجتماعية‬

‫إحسان عبد القدوس‬ ‫أزمة البطل األخالقي في القصة االجتماعية‬ ‫علي ح�سن الفواز‬ ‫ي�ضعنا ادب اح�سان عبد القدو�س امام ف�ضاءات الق�صة‬ ‫االجتماعية بكل حمموالتها ال�سيا�سية والنف�سية‪،‬‬ ‫ف�ضال عن ان ادب عبد القدو�س يحمل نكهة الكتابة ذات‬ ‫امل�ضامني احل�سية التي تالم�س الكثري من التفا�صيل‬ ‫التي ت�ضج بها البيئات االجتماعية امل�صرية بكل‬ ‫م�ستوياتها الطبقية‪-‬خا�صة الطبقة الربجوازية التي‬ ‫تخلو ا�شتغاالتها من التعقيد والبناءات املركبة‪ ،‬تلك التي‬ ‫ارتبطت بها اجتاهات التجريب يف الكتابة الق�ص�صية‬ ‫يف مرحلة مابعد ال�ستينيات‪ ،‬واح�سب ان كتابة عبد‬ ‫القدو�س يف هذا ال�سياق كانت هي االقرب اىل ا�ستخدام‬ ‫وظائفية البناء الق�ص�صي الذي تتعدد م�ستوياته‬ ‫البنائية على وفق ما تنمو به االحداث وال�صراعات‬ ‫التي يعتمدها الكاتب‪ ،‬خا�صة بناء ال�شخ�صيات‪ ،‬وبناء‬ ‫عالئقها �ضمن مر ّكبات الزمن واملكان‪ ،‬اذ ان البنية‬ ‫الق�ص�صية عند عبد القدو�س تعتمد ا�سا�سا التتابع‬ ‫االر�سطي يف بناء الق�صة‪/‬احلكاية التي تعتمد الو�صول‬ ‫اىل الذروة‪/‬املعاجلة‪ ،‬مع عناية خا�صة بالوحدات‬

‫الداخلية لهذه الق�صة‪� ،‬أي مايتعلق بازمة ال�شخ�صية‬ ‫الق�ص�صية و�صراعاتها ب�شكل خا�ص‪ ،‬حتى يبدو وك�أنه‬ ‫اقرب اىل(امل�شخ�صاتي)الذي ي�ضع ال�شخ�صية الدرامية‬ ‫بو�صفها �صانعة املنظور حتت الت�شريح‪ ،‬والوقوف عند‬ ‫ا�شكاالتها النف�سية واالجتماعية‪/‬العائلية التي عادة‬ ‫مات�صنع الثيمة الدرامية ال�صراعية لهذه ال�شخ�صية‪،‬‬ ‫وهذا التو�صيف ي�سبغ على اغلب �شخ�صيات اح�سان عبد‬ ‫القدو�س نزعة املواجهة مع الواقع النف�سي واالجتماعي‪،‬‬ ‫والنزوع اىل التمرد عليه‪ ،‬لكن هذا التمرد لي�س ثوريا‪،‬‬ ‫بقدر ماهو قرين بازمة داخلية كثريا ماتخ�ضع اىل‬ ‫معطياتها ال�شخ�صية القدو�سية التي تعاين من االحباط‬ ‫والقلق ومن مهيمنات ت�شوهات داخلية وا�ضطرابات‬ ‫ح�سية عميقة‪.‬‬ ‫الق�صة التي يكتبها عبد القدو�س متيل اىل االختزال‬ ‫واىل اعتماد منوذج ال�شخ�صية املحورية‪/‬املركزية التي‬ ‫يدور حولها احلدث‪ ،‬وان نزوعه احيانا اىل احداث‬ ‫ت�شظيات داخل هذا احلدث‪ ،‬هو انعكا�س لت�أثره ب�صناعة‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫امل�شهد الدرامي امل�سرحي الذي رافقه منذ الطفولة مع‬ ‫والدته فاطمة اليو�سف والبيئة التي عا�شها‪ ،‬وت�أثره‬ ‫اي�ضا بالق�صة ال�صحفية التي تقوم على االثارة واعتماد‬ ‫اجلانب التحقيقي يف التعاطي مع امل�شكلة وال�شخ�صية‬ ‫والواقع‪ .‬لكن �صناعة هذه امل�شاهد الق�ص�صية التبدو‬ ‫بعيدة عن وعي الكاتب ال�شرتاطاتها الفنية والبنائية‬ ‫والنف�سية‪ ،‬اذ ت�أتي داخل االطار الثيمي الذي ينمو‬ ‫فيه احلدث الواحد عرب الطبيعة املركبة لل�شخ�صيات‪،‬‬ ‫واحيانا ت�ضخمها يف ال�سياق الدرامي‪ ،‬اذ ي�سعى من‬ ‫خالل هذا الت�شظي الك�شف عن املزيد من امل�ستويات‬ ‫ال�سيا�سية والنف�سية واالجتماعية امل�ضمرة للحدث‬ ‫عرب املرجعيات ال�صراعية لتلك ال�شخ�صيات‪..‬فالكثري‬ ‫من ق�ص�ص وروايات اح�سان عبد القدو�س حتمل هذا‬ ‫الهاج�س النف�سي وما ي�ستدعيه من بنية درامية ذات‬ ‫م�ستويات �صراعية معينة‪ ،‬يكون حمورها احلرية‬ ‫واجل�سد والواقع امل�أزوم‪ ،‬اذ يبدو الكاتب اكرث ميال‬ ‫ال�ستقراء دوافع ال�شخ�صيات داخل امل�ستوى ال�صراعي‪،‬‬

‫والتعاطي مع نزعاتها الداخلية ال�شعورية امل�ضطربة‪،‬‬ ‫وك�أنها ازمات تعك�س التحوالت االجتماعية التي عا�شتها‬ ‫بع�ض البيئات امل�صرية‪ ،‬ومنها بيئات الطبقات الو�سطى‪،‬‬ ‫خا�صة يف روايات عدّها البع�ض عالمة مهمة يف ال�سينما‬ ‫اكرث من ح�ضورها يف تاريخ الرواية امل�صرية مثل(بئر‬ ‫احلرمان‪ ،‬النظارة ال�سوداء‪ ،‬العذراء وال�شعر االبي�ض‪،‬‬ ‫انف وثالث عيون‪ ،‬اين عقلي‪ ،‬وغريها‪..‬‬ ‫ال�شخ�صية امل�أزومة ح�سيا ونف�سيا كانت االكرث ح�ضورا‬ ‫يف كتابات عبد القدو�س‪ ،‬خا�صة �شخ�صية املر�أة‪ ،‬اذ‬ ‫و�ضعت هذه الكتابات قدو�س يف مكانة املدافع عن املر�أة‬ ‫التي تعاين من �ضغوط اجتماعية ونف�سية وتاريخ‬ ‫ع�صابي لعقد االب او االم‪ ،‬حتى بدت ا�شتغاالت الكاتب‬ ‫يف هذا املجال وك�أنها مت�أثرة باالجتاهات النف�سية‬ ‫التي �أخذت ت�ؤثر على بع�ض اجتاهات الكتابة االدبية‪،‬‬ ‫خا�صة بعد انت�شار ترجمات كتب �سيجموند فرويد‬ ‫وكتاباته ب�شكل خا�ص عن د�ستوف�سكي ودافن�شي‬ ‫ومرجعيات الع�صاب اجلن�سي وال�شخ�صية املقموعة‪،‬‬

‫جماورة(ازمة اجل�سد‪ ،‬ازمة الوجود‪ ،‬االزمة مع عدو‬ ‫افرتا�ضي‪ ،‬االزمة مع االب‪ ،‬االزمة مع املقد�س وغريها)‬ ‫وكذلك يف رواية(الر�صا�صة التزال يف جيبي)تتمثل اىل‬ ‫هاج�س البناء ال�شخ�صياتي الذي ي�ضع ال�شخ�صية امام‬ ‫ازمة داخلية‪ ،‬ولي�س امام ازمة خارجية يعي�شها البطل‬ ‫يف حربه مع العدو الذي ي�صطنع له الكاتب موتا تقليديا‬ ‫و�ساذجا‪.‬‬ ‫اهتمام اح�سان عبد القدو�س ب�صناعة ال�شخ�صية‬ ‫اليومية الواقعية بكل نزعاتها الوطنية واحل�سية‬ ‫هو الذي جعله االكرث ح�ضورا يف امل�شهد الروائي‬ ‫العربي خالل مرحلة هيمنة الروايات الرومان�سية يف‬ ‫اخلم�سينيات وال�ستينيات وال�سبعينيات يف م�صر‪ ،‬اذ‬ ‫رغم بروز االجتاهات التجريبية يف الكتابات ال�سردية‪،‬‬ ‫وت�أثر الكثري من الك ّتاب بادب تيار الوعي والق�ص�ص‬ ‫الغرائبية والتمثل لالن�شغال بالبطل الوجودي‬ ‫والالمنتمي وغريها‪ّ ،‬‬ ‫اال ان هذا مل ي�ؤثر على ح�ضور‬ ‫عبد القدو�س يف اليوميات ال�سردية امل�صرية‪ ،‬خا�صة‬

‫للثورة‪ ،‬واىل مقاربة عوامل البيئات ال�شعبية وطبيعة‬ ‫�صراعاتها‪ ،‬ولعل رواية مثرية للجدل ن�أت بنف�سها عن‬ ‫الواقعية مثل(اوالد حارتنا)نحت اىل ماميكن ت�سميته‬ ‫باملرحلة الرمزية يف كتابات حمفوظ‪ ،‬والتي اثارت‬ ‫حولها قراءات �شتى‪ ،‬دينية و�سيا�سية‪ ،‬جعلت من‬ ‫هذه الرواية بعيدة عن ف�ضاءات ال�سينما وح�ساباتها‬ ‫االنتاجية‪ ،‬وموقف الرقيب منها‪ ،‬مثلما عر�ضتها ا�صال‬ ‫للم�صادرة من قبل اجلهات الرقابية امل�صرية يف مراحل‬ ‫الحقة‪..‬‬ ‫اح�سان عبد القدو�س وكتابة الق�صة ال�سينمائية‬ ‫عمل اح�سان عبد القدو�س املبكر يف ال�صحافة‪-‬عام‪1944‬‬ ‫يف جملة روز اليو�سف‪ -‬اتاح له املجال الن يكتب‬ ‫ق�ص�صا ق�صرية للمجلة‪ ،‬وان يكتب ن�صو�صا لل�سينما‬ ‫التي يع�شقها‪ .‬هذه العالقة املبكرة لعبد القدو�س مع‬ ‫ال�صحافة الفنية‪ ،‬وال�سيا�سية فيما بعد جعله يتميز‬ ‫عن اقرانه بانه(تغذى منذ نعومه اظفاره علي قاعدة‬ ‫البيانات ال�ضخمة التي تتيحها ال�صحافة الخرتاق‬

‫طبقات املجتمع املختلفة وكانت ال�صحافة‏‪,‬‏ و�صالون‬ ‫روزاليو�سف والعالقات املبا�شرة بكبار االدباء والفنانني‬ ‫وال�سيا�سيني وجنوم املجتمع هي املنبع الذي اتاح‬ ‫الح�سان عبد القدو�س ان ي�صور اجلوانب اخلفية يف‬ ‫احلياة امل�صرية ويتخطى بذلك كثريا من احلواجز التي‬ ‫حالت بني زمالئه وبني معرفة هذه البيانات‏‪ ،‬اما امليزة‬ ‫الثانية الدب اح�سان فهي انه كان عميق االميان بق�ضيه‬ ‫احلرية‪,‬‏ مبختلف م�ستوياتها ال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫واالجتماعية)كما تقول عنه احدى الدرا�سات‪.‬‬ ‫هذه اخل�صو�صية اعطت الح�سان عبد القدو�س القدرة‬ ‫على جتاوز البدايات القلقة‪ ،‬والولوج اىل البيئة الفنية‬ ‫واالعالمية دون معوقات‪ ،‬خا�صة وان عمله يف روز‬ ‫اليو�سف ويف جريدة االخبار وجريدة االهرام قد �أك�سبه‬ ‫خربة يف معرفة وا�ستطالع ما�ألذي يريده اجلمهور‬ ‫اوال؟ وكذلك يف التعبري عن وعيه اال�شكايل ازاء ق�ضايا‬ ‫اخالقية و�سيا�سية واجتماعية ي�ؤمن انها ا�سا�سية يف‬ ‫�صناعة الر�أي العام ثانيا‪ ،‬ويف تنمية الوعي االن�ساين‬ ‫باحلرية كمعطى اخالقي وقيمي ثالثا‪ .‬ورغم ان طبيعة‬ ‫الق�ص�ص التي كتبها لل�سينما تبدو ب�سيطة وتقليدية‪،‬‬ ‫لكنها ا�ستبطنت الكثري من الهموم التي كان يعي�شها‬ ‫ال�شباب امل�صري‪ ،‬ولعل الق�ص�ص والروايات املبكرة‬ ‫التي كتبها عبد القدو�س(اين عمري‪ ،‬الو�سادة اخلالية‪،‬‬ ‫عقلي وقلبي‪ ،‬التطفىء ال�شم�س‪ ،‬البنات وال�صيف‪� ،‬شفتاه‬ ‫وغريها)متثل هذا النزوع للتعاطي مع ازمة احلرية‬ ‫واجل�سد‪ ،‬وازمة العالقات العاطفية وعواملها النف�سية‪ ،‬اذ‬ ‫ي�ضع عبد القدو�س هذا النزوع بو�صفه ا�ست�شرافا ملعطى‬ ‫التحوالت التي بات يع�شها ال�شباب امل�صري بعد ثورة‬ ‫يوليو ‪ ،1952‬رغم انه يف رواية(�شيء يف �صدري)‬ ‫ي�ضع ر�ؤيته باجتاه مواجهة رمز ال�سلطة‪ ،‬واالنحياز اىل‬ ‫القيم االخالقية التي ميثلها االب االخالقي يف الرواية‪،‬‬ ‫واحلبيب النقابي بكل مايحمله هذا االنحياز من موقف‬ ‫نقدي من رموز ال�سلطة الذين بد�أوا ي�شكلون ظاهرة‬ ‫اغرتابية عن مرجعيات الثورة االخالقية‪ ،‬كما انه اعاد‬ ‫انتاج مثل هذا املوقف يف ق�صته(الراق�صة وال�سيا�سي)‬ ‫التي �سلط ال�ضوء فيها على ازمة منوذج ال�سلطة‬ ‫الذي يعي�ش �شخ�صيته االزدواجية‪ ،‬وخرابه النف�سي‬ ‫واالخالقي العميق‪.‬‬ ‫لقد و�ضع عبد القدو�س يف �سياق ر�سالته االخالقية‬ ‫�صورة للمثال الرمزي الذي ي�ستقر�أ ح�ضوره عرب‬ ‫�صناعة منوذج لل�شخ�صية الر�سولية يف ق�ص�صه‪ ،‬فهو‬ ‫العا�شق املثايل تارة‪ ،‬وهو االب تارة اخرى‪-‬رغم‬ ‫انهيار هذا االب يف ق�صة ابي فوق ال�شجرة‪ ،-‬هذا‬ ‫ال�سياق العميق هو ا�ستبطان للبنيات الثاوية يف وعيه‬ ‫االخالقي‪ ،‬اذ كان يعتقد عبد القدو�س ان هذه الر�سالة‬ ‫قدرية اكرث مما هي تاريخية‪ ،‬الن قدر املثقف ان يكون‬ ‫�صانعا لهذه الر�سالة‪ ،‬وان ي�صطنع لها كل الو�سائل‬ ‫للو�صول اىل اجلمهور الذي يالم�س عوامله ال�سرية‪،‬‬ ‫خا�صة وانه مل يكن معنيا بجمهور حمدد‪ ،‬بقدر ما‬ ‫كانت عنايته بامل�شكلة ذاتها بو�صفها جوهر الأزمة‬ ‫واحلدث‪ ،‬فهو يعتقد ان ازمة ال�شخ�صية مثال‪ ،‬هي‬ ‫جزء من ازمة التحول داخل املجتمع‪ ،‬مثلما يعتقد ان‬ ‫ازمة احلرية هي ازمة وعي قبل ان تكون ازمة وجود‪،‬‬ ‫ف�ضال عن ان اعتقاده بازمة اجل�سد هي ازمة ترتبط‬ ‫ب�أزمة مركب النق�ص عند ال�شخ�صية‪ ،‬واح�سب ان‬ ‫رواية مثل(لن اعي�ش يف جلباب ابي)هي مثال لأزمة‬ ‫االجيال‪ ،‬وطبائع التحوالت الثقافية التي تعي�شها‬ ‫هذه االجيال وحريتها يف االختيار‪ ،‬كما ان رواية(بئر‬ ‫احلرمان)مثال ترتبط باملرجعيات النف�سية امل�ضطربة‬ ‫لل�شخ�صية التي تعي�ش نكو�صا عميقا حتت ايهام‬ ‫ماحتمله من �صور خليانة االم‪ ،‬وان تقدمي منوذج‬ ‫ال�شخ�صية املر�ضية االزدواجية هو تعبريا عن ر�ؤية‬ ‫الكاتب لهذا ال�صراع النف�سي العميق الذي ينتهي كما‬ ‫هو يف ال�سياق االر�سطي بعد الذروة بالك�شف العيادي‬ ‫الذي يعني ال�سلطة االجتماعية والثقافية التي تعيد‬ ‫اجل�سد اىل �سياقه االجتماعي والأخالقي‪ ،‬ف�ضال عن‬ ‫رواية(انا حرة)هي مثال للوعي ال�شقي الذي تعي�شه‬ ‫البطلة يف عالقاتها االجتماعية والعاطفية القلقة‬ ‫والتي ت�صطدم بنموذج الرجل املتعايل الذي يعيدها‬ ‫اىل ال�سياق واىل اخل�ضوع اىل ال�سلطة االجتماعية‬ ‫والعاطفية التي ميثلها الرجل‪ ،‬وكذلك روايات(ال �أنام)‬ ‫و(انف وثالث عيون)و(ال لي�س ج�سدك) وغريها ت�ضع‬ ‫ازمة عالقات املر�أة االن�سانية والعاطفية ب�شكل خا�ص‬ ‫امام جتاذبات �صراعية‪ ،‬اليقرتح لها عبد القدو�س‬ ‫معاجلات نهائية ّ‬ ‫اال بالرجوع اىل ال�سياق البطويل‬ ‫واالخالقي الذي ميثله الرجل املتعايل املثايل يف‬ ‫رجولته وبطولته االخالقية وامتناعه عن ارتكاب‬ ‫الرذيلة االجتماعية واجلن�سية‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫‪manarat‬‬ ‫رئي�س جمل�س الإدارة‬ ‫رئي�س التحرير‬

‫التحرير‬ ‫‪----------------‬‬‫نزار عبد ال�ستار‬ ‫الت�صحيح اللغوي‬ ‫‪----------------‬‬‫حممد حنون‬ ‫الت�صميم‬ ‫‪----------------‬‬‫م�صطفى جعفر‬

‫طبعت مبطابع م�ؤ�س�سة املدى‬ ‫لالعالم والثقافة والفنون‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.