رئي�س جمل�س االدارة رئي�س التحرير فخري كرمي ملحق ثقايف ا�سبوعي ي�صدر عن جريدة املدى
m a n a r a t
العدد ()2109ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )23ني�سان 2011
إحسان عبد القدوس
2 اعداد :زينة الربيعي �صحفي وروائي م�صري من �أ�صل تركي من جهة �أبويه ،فهو ابن ال�سيدة فاطمة اليو�سف الرتكية الأ�صل اللبنانية املولد واملربى وهي ُم�ؤَ ِ�س َ�سة جملة روز اليو�سف وجملة �صباح اخلري� .أما والده حممد عبد القدو�س فقد كان ممثال وم�ؤلفا. ويعترب �إح�سان من �أوائل الروائيني العرب الذين تناولوا يف ق�ص�صهم احلب البعيد عن العذرية وحتولت �أغلب ق�ص�صه �إىل �أفالم �سينمائية .وميثل �أدب �إح�سان عبد القدو�س نقلة نوعية متميزة يف الرواية العربية، �إذ جنح يف اخلروج من املحلية �إىل حيز العاملية وترجمت معظم رواياته �إىل لغات اجنبية متعددة. ولد �إح�سان عبد القدو�س يف 1يناير 1929 اهتم والده بح�سن تعليمة وت�شجيعه علي القراءة ،وقد تخرج من مدر�سة احلقوق يف عام ، 1942وعمل حماميا حتت التمرين مبكتب احد كبار املحامني وهو ادوارد ق�صريي وذلك بجانب عمله ك�صحفي مبجلة روز اليو�سف ،يف عام 1944بدا �إح�سان عبد القدو�س كتابة ن�صو�ص افالم وق�ص�ص ق�صرية وروايات. وبعد ذلك ترك مهنة املحاماة ووهب نف�سه لل�صحافة واالدب فقد �شعر ان االدب وال�صحافة بالن�سبة له كانا من �ضروريات احلياة التي ال غني عنها ،وا�صبح بعد اقل من ب�ضعة �سنوات �صحفي متميز وم�شهور، وراوئى ،وكاتب �سيا�سي ،وبعد ان العمل يف روزاليو�سف ،تهيات له كل الفر�ص والظروف للعمل يف جريده االخبار ملده 8 �سنوات ثم عمل بجريده االهرام وعني رئي�سا لتحريرها. كان لإح�سان �شخ�صية حمافظة للغاية، لدرجة ان �شخ�صيته تتناق�ض مع كتاباته، فالبيئة التي تربى فيها جعلت منه ان�سانا �صعبا للغاية ،فقد كان ملتزما باملعنى االجتماعي ،فلم يكن ي�سمح لزوجته بان تخرج من البيت مبفردها ،وعندما يكون م�سافرا يطلب منها اال تخرج ،بل وترف�ض كل الدعوات التي توجه اليها مهما كانت ،بل انه كان �صعبا معها يف مو�ضوع املالب�س، لدرجة انه كان ي�شرتط عليها ان تكون مالب�سها حمت�شمة ال ت�صف وال ت�شف . ان ادب اح�سان عبد القدو�س ميثل نقله نوعيه متميزه يف الروايه العربيه اىل جانب ابناء جيله الكبار من امثال جنيب حمفوظ ويو�سف ال�سباعي وحممد عبد احلليم عبد الله, لكن اح�سان متيز عنهم جميعا بامرين احدهما انه تربي يف ح�ضن ال�صحافة, وتغذي منذ نعومه اظفاره علي قاعده البيانات ال�ضخمه التي تتيحها ال�صحافة الخرتاق طبقات املجتمع املختلفه وكانت ال�صحافة, و�صالون روزاليو�سف والعالقات املبا�شره بكبار االدباء والفنانني وال�سيا�سيني وجنوم املجتمع هي املنبع الذي اتاح الح�سان عبد القدو�س ان ي�صور اجلوانب اخلفيه يف احلياه امل�صريه ويتخطي بذلك كثريا من احلواجز التي حالت بني زمالئه وبني معرفه هذه البيانات، اما امليزه الثانيه الدب اح�سان فهي انه كان عميق االميان بق�ضيه احلرية, مبختلف م�ستوياتها ال�سيا�سيه واالقت�صاديه واالجتماعيه. وان ادب اح�سان قد جنح يف اخلروج من املحليه اىل حيز العامليه, وترجمت معظم رواياته اىل لغات اجنبية كااالجنليزية، والفرن�سية ،واالوكرانية ،وال�صينية، واالملانية, وقد منحه الرئي�س الراحل جمال عبد النا�صر و�سام اال�ستحقاق من الدرجة االويل له ،كما منحه الرئي�س حممد ح�سني مبارك و�سام اجلمهوريه, و�شارك با�سهامات
العدد ()2109ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )23ني�سان 2011
العدد ()2109ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )23ني�سان 2011
3
إحسان عبد القدوس 1يناير 12 - 1929يناير 1990
بارزه يف املجل�س االعلي لل�صحافه وم�ؤ�س�سه ال�سينما ،وقد تويف اح�سان عبد القدو�س يف 11كانون الثاين ،1990ومازال ا�سمه يلمع عامليا باعماله وابداعاته املتميزه. من اهم اعماله: كان اح�سان عبد القدو�س كاتب مثمر، فبجانب ا�شرتاكة املتميز بال�صحافة كتب مايلي: 49رواية مت حتويلهم جميعا ن�صو�ص لالفالم. 5روايات مت حتويلهم اىل ن�صو�ص م�سرحية. 9روايات مت حتويلهم اىل م�سل�سالت اذاعية. 10روايات مت حتويلهم اىل م�سل�سالت تليفزيونية. 56كتاب مت ترجمة العديد من روايات الكاتب وال�صحفي اح�سان عبد القدو�س
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
اىل لغات اجنبية كاالجنليزية ،والفرن�سية، واالوكرانية ،وال�صينية ،واالملانية. جوائز ح�صل عليها الكاتب الكبري اح�سان عبد القدو�س: -1و�سام اال�ستحقاق من الدرجة االوىل منحة له الرئي�س الراحل جمال عبد النا�صر. -2و�سام اجلمهورية من الدرجة االويل منحة له الرئي�س حممد ح�سني مبارك يف عام .1990 -3اجلائزة االوىل عن روايته :دمي ودموعي وابت�ساماتي " يف عام .1973 -4جائزة اح�سن ق�صة فيلم عن روايته "الر�صا�صة ال تزال يف جيبي. بلغ من حمافظة اح�سان والتزامه ان امه ال�سيدة روزا اليو�سف ار�سلت اخته اليه التي كانت اكرث حتررا كي يعاقبها بنف�سه ،فقد كانت اخته تركب "الب�سكلتة" مع ابن اجلريان ،فارادت والدته ان ت�ضع
حدا ل�شقاوتها مع ابن اجلريان ،فار�سلتها اىل اخيها لتعي�ش معه يف العبا�سية .هذا التكوين االجتماعي منع اح�سان عبد القدو�س من االعرتاف با�سراره اخلا�صة، فلم يعرتف اال بعالقته الن�سائية االوىل يقول ( :احلب االول يف حياتي كان لبنت اجلريان ،كانت �صديقة البنة عمتي ،وكان حبا اعتربه من ارقى وانظف واعمق انواع احلب الذي يجمع بني �صبي و�صبية ،كان عمري وقتها 14عاما ،وهي 13عاما ،كان حبا قويا بالن�سبة يل �شخ�صيا ،وكان ال يتجاوز انها تزور ابنة عمتي واجل�س معها كما كانت التقاليد ،كان �شيئا راقيا يف معناه، وكنت انتظرها على حمطة الرتام واركب معها لأو�صلها �إىل مدر�ستها "ال�سنية" ..ثم اعود على قدمي بعد ذلك اىل مدر�ستي ف�ؤاد االول ،وكل الذي كان يجمع بيني وبينها ال يعدو اكرث من ان ام�سك يديها وكان ذلك
منتهى الرومان�سية ) . هذا املدخل ميكن ان نعتربه باردا ملو�ضوع عن االعرتافات اجلن�سية لأ�شهر الأدباء والكتاب العرب ،لكنها كانت مهمة لنف�ض اال�شتباك حول ما يثار عن اح�سان عبد القدو�س ،فالنا�س يظنونه كاتبا متحررا من كل التقاليد واالعراف االجتماعية ،مع انه ملكي اكرث من امللك ،بل وت�صلح نهايات ابطاله الذين يبغون احلرية للتدري�س واخذ العظة والعربة ولكن اح�سان عبد القدو�س �سيد املحللني ال�سيا�سيني يف زمانه وادب اح�سان عبد القدو�س و�شخ�صيته الظريفه هي التي �شغلتني وابعدتني عن متابعه او االت�صال بال�سيدة والدته التي هي الباب امللكي لعبور ال�صحافة ال�ساخره اجلميله يف زمانها. الن اح�سان عبدالقدو�س وكما �ساك�شف للقراء خالل مقاالتي هو �صاحب فكرة
وم�ؤ�س�س وكاتب مذكرة برنامج ان�شاء[ املجل�س االعلى لالداب والفنون] �سابقا قدمها لعبد النا�صر واحيلت اىل كمال الدين ح�سني, غري ان اح�سان فوجىء برجل الثقة (يو�سف ال�سباع ي) يخطره انه ا�ستبعد من الع�ضوية العليا للمجل�س بعد ان�شائة اىل جمرد ع�ضو مهم�ش يف احدى جلان املجل�س * ولعل هذا ال�سبب االول بجانب العديد من العوامل جعلت اح�سان عبدالقدو�س يرف�ض يف حياته اجلائزة التقديرية, النه فقد الثقه يف املعايري ال�سيا�سيه وتوازنات امل�صالح والقوي البعيده كل البعد عن قيمه وجداره الرمز الفكري والثقايف واالدبي ومدى تاثريه يف م�سار االدب والثقافة امل�صرية العربية, ولال�سف مازالت روا�سب هذه املعايري قائمه حتى االن, حتكم منح اجلوائز. *امام هذا التجاهل وال�صمت املتعمد من اجهزة االعالم املكتوب وامل�سموع واملرئي
ا�سمح لنف�سي بان احاول على قدر جهدي, وقراءتي املبكرة يف �صباي ومعلوماتي و�صحبتي احلميمة الح�سان عبدالقدو�س خا�صه من يوم ان تعرفت عليه �شخ�صيا يف مكتب توفيق احلكيم وكان وقتها قد ترك نحوعام( 1974) رئا�سة م�ؤ�س�سة (اخبار اليوم ) خلالف مع(انور ال�سادات) (قيل ب�سبب ن�شر مقاالت مل�صطفي امني بعد خروجه من ال�سجن دون علم اح�سان) وا�صبح كاتبا متفرغا باالهرام, ثم ا�صبح عام 975 1رئي�سا مل�ؤ�س�سة حترير االهرام ثم تركها فجاة بعد �شهور(قيل ب�سبب رف�ض اح�سان نقل بع�ض من كتاب و�صحفيني ي�ساريني, كذلك رف�ض اغالق (جملة الطليعة) التي كان ير�أ�سها لطفي اخلويل ) و�سافر اىل اخلارج فرتة ثم عاد كاتبا متفرغا يف االهرام, والحظت والحظ القاريء انه �صمت عن الكتابه يف ال�سيا�سة وانفجرت موهبته الق�ص�صية والروائية فابدع كما غزيرا
من االعمال اجلديرة بالتقييم النقدي وقد حاولت ح�سب جهدي القيام بجزء �ضئيل من هذا الواجب يف بع�ض درا�سات ومقاالت لعل ابرزها درا�ستي يف جملة الهالل عام(1977 املراة واحلرية يف عامل اح�سان عبدالقدو�س الق�ص�صي والروائي ) واقنعته بعد قراره اال يتويل منا�صب �صحفية او ر�سمية(عر�ض عليه ال�سادات ان ي�صبح وزيرا فاعتذر) وبعد تركه لالهرام باجراء حوار ومت فعال ون�شر مبجله( الدوحة ) القطرية اثناء ازدهارها حتت رئا�سه ( رجاء النقا�ش ) كانت تدور عن �صمته عن الكتابة ال�سيا�سية وقربة وزمالتة لل�سادات منذ عام 948 1ومعرفته بعبد النا�صر منذ 950 1قبل الثورة. * ما يعنيني هو تامل برتكيز در�س اح�سان عبدالقدو�س ككاتب �سيا�سي وروائي ينت�سب جليل االربعينيات املجيد نف�س جيل �ضباط متوز,1952 فلقد عا�ش ك�صحفي ي�ؤمن بحرية الراي والتعددية وحق االختالف
و�سط الغليان ال�سيا�سي الذي يج�سد انهيارات النظام امللكي وف�شل االحزاب التقليدية, مبا فيها الوفد بعد ان انتهي دوره بعد معاهده 936 1وظهور قوي �شابه جديدة تتمرد علي االحزاب التقليديه التي تت�صارع علي كر�سي الوزارة وتوزعت هذه القوي بني م�صر الفتاة وحتوله للحزب اال�شرتاكي الوطني احمد ح�سني, واالخوان امل�سلمني( ح�سن البنا), والتنظيمات املارك�سية والطليعة الوفدية. * وكان موقف اح�سان ال�سيا�سي هو رف�ض النظام امللكي واالحزاب التقليدية, مل ي�ؤمن بزعيم معني من القدامي ودر�س كطالب يف احلقوق واحتك بالقوي ال�سيا�سية اجلديدة وو�ضع جمتمع االربعينيات ال�سيا�سي واالقت�صادي واالجتماعي املازوم.. فاختار ا�ستقاللية الراي وكان �صوتا دميقراطيا راديكاليا او يعقوبيا.. وال جدال ان البيئة الفنية وال�صحفية التي تفتح عليها وعيه
�ساعدته على �شق طريقة ال�صحفي فاالب حممد عبدالقدو�س كاتب ومثقف مهند�س وممثل له متيزه واالم فاطمة اليو�سف �سيدة عربية عظيمة �شقت طريقها منذ ان جاءت اىل م�صر يف الع�شرينيات �صبية مهاجرة من لبنان وا�صبحت من رموز م�سرح رم�سي�س.. * وختاما قد انت�صرت االن قيم ومبادئ اح�سان يف اجتاه م�صر اىل التعددية وحرية الراي ورف�ض احلكم املطلق و�سيادة القانون التي يقودها بحكمة الرئي�س ح�سني مبارك وعوا�صف و�سط انواء داخلية وخارجية ان االوان ان نرد االعتبار لفار�س احلرية اح�سان عبدالقدو�س, وب�صفتي ناقدا در�س قيمه اجنازه ال�سيا�سي والروائي الذي ظلمه النقاد وب�صفتي ع�ضوا بلجنة الدرا�سات االدبية باملجل�س االعلى للثقافة الذي كان اح�سان �صاحب فكرته يف البداية, اطالب بعقد م�ؤمتر يدر�س اجنازه امل�ستنري املتحرر لكاتب مل يتاجر وي�ساوم بقلمه وهذا هو در�س اح�سان ودر�س امل�ستقبل ال�ساقط على احلا�ضر. �صاغها اديبنا الراحل اح�سان عبد القدو�س يف مقدمة روايته وفيلمه الو�سادة اخلالية تقول يف حياه كل منا وهم كبري ي�سمي احلب االول الت�صدق هذا الوهم فان حبك االول هو حبك االخري وهي عبارة متنح االمل يف ا�ستمرار احلياة حتى التتوقف على �شيء او احد وحتى التتوقف عند �شيء او احد فماذا اراد هذا الفيلم احلب االول ان يقول �شهد اال�سبوع الثقايف احتفال روزاليو�سف وا�سرة الكاتب الراحل اح�سان عبدالقدو�س مبنا�سبة مرور ثمانني عاما على مولده ومرور ت�سع �سنوات على رحيله, يف ال�صالون االدبي الذي �شارك فيه الدكتور مفيد �شهاب وزير التعليم العايل والدولة البحث العلمي واملهند�س ابراهيم �شكري رئي�س حزب العمل والدكتور �صالح ف�ضل رئي�س ق�سم اللغة العربية وادابها بجامعة عني �شم�س كما �شارك اي�ضا االديب حممد عبد القدو�س واال�ستاذة لوت�س عبد الكرمي رئي�س حترير جملة �شموع واال�ستاذه نرمني القوي�سني مع عدد كبري من الكتاب والنقاد واملثقفني والفنانني .ادار احلوار اال�ستاذ �صالح عي�سي الذي ا�شاد بن�ضال ودور اح�سان عبد القدو�س يف الدفاع عن احلريات طوال حياته كرائد من رواد احلرية ال�سيا�سية واالجتماعية. ويف البداية حتدث الدكتور مفيد �شهاب وزير التعليم العايل والدولة والبحث العلمي عن اح�سان عبد القدو�س ومعركته مع احلياة منذ ان كان تلميذا مبدر�سة ال�سلحدار حتي تخرج يف كلية احلقوق بجامعة القاهرة ثم ا�شتغاله باملحاماه ملده عام ثم التحاقة بعدها بالعمل يف روزاليو�سف ودخوله ال�سجن ب�سبب احدى مقاالته. وتهيات له كل الفر�ص والظروف للعمل يف جريدة االخبار ملدة � 8سنوات ثم عمل بجريدة االهرام وعني رئي�سا لتحريرها.وا�ضاف الدكتور مفيد �شهاب ان اح�سان املنا�ضل الوطني اثار ق�ضايا اال�سلحة الفا�سدة انطالقا من مناه�ضته للف�ساد ال�سيا�سي. وا�سهب اح�سان يف احلديث عن احلرية يف اعماله االدبية وال�صحفية حتى امتزجت لديه النزعة االدبية اال�صيلة مع احلرفة ال�صحفية.وكانت كتابات اح�سان باملقارنة بزميلة جنيب حمفوظ ويو�سف ال�سباعي اقرب اىل روح ال�شباب. كما كانت رواياته ت�صدر عن ح�س وطني م�ؤثر فنجد رواية يف بيتنا رجل تدعو للم�شاركة ال�سيا�سية. واي�ضا على مقهى يف ال�شارع ال�سيا�سي
◄
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
4 تك�شف عن حبه العميق لوطنه. وقال الدكتور �صالح ف�ضل رئي�س ق�سم اللغة العربيه وادابها بجامعة عني �شم�س ان ادب اح�سان عبد القدو�س ميثل نقله نوعية متميزه يف الروايه العربيه اىل جانب ابناء جيله الكبار من امثال جنيب حمفوظ ويو�سف ال�سباعي وحممد عبد احلليم عبد الله, لكن اح�سان متيز عنهم جميعا بامرين احدهما انه تربى يف ح�ضن ال�صحافة, وتغذى منذ نعومة اظفاره على قاعدة البيانات ال�ضخمة التي تتيحها ال�صحافة الخرتاق طبقات املجتمع املختلفة خا�صة الطبقة االر�ستقراطية واو�ساط ال�سلطة ومعرفة دقائق العالقات االجتماعية يف هذه املجتمعات مما ميثل ماده غنية متد خميلة الكاتب الروائي بوقائع وعالقات كا�شفة عن طبيعة املجتمع وم�ضيئة خللفيات االحداث وكانت ال�صحافة, و�صالون روزاليو�سف والعالقات املبا�شرة بكبار االدباء والفنانني وال�سيا�سيني وجنوم املجتمع هي املنبع الذي اتاح الح�سان عبد القدو�س ان ي�صور اجلوانب اخلفية يف احلياة امل�صرية ويتخطى بذلك كثريا من احلواجز التي حالت بني زمالئة وبني معرفة هذه البيانات. اما امليزة الثانية الدب اح�سان فهي انه كان عميق االميان بق�ضية احلرية, مبختلف م�ستوياتها ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية وتقول اال�ستاذة لوت�س عبد الكرمي رئي�سة حترير جملة �شموع: عرفت اال�ستاذ اح�سان عبد القدو�س منذ 5 1عاما حيث كنت اواظب على زياراتة اال�سرية ك�صديق للعائلة وتوطدت العالقة مع عائلته وابنائه :حممد الذي اخذ اجلانب الديني من جده ومثل االجتاه الديني يف والده, واما احمد فهو رجل اعمال واما والدتهم فقد كتب عنها اال�ستاذ اح�سان يف كثري من رواياته وكان ي�سميها رئي�سه جمل�س اداره حياتي لقدرتها الفائقه علي ادارة دفة احلياة كلها. ويف روايته( التطفىء ال�شم�س) قال عنها انها احلياة وحمور احلياة وكتب لها اهداء قال فيه:( اىل الهدوء الذي �صان ثورتي والعقل الذي ا�ضاء فني وال�صرب الذي غ�سل ذنوبي).ويف تعليقها على �أعمال �أح�سان عبد القدو�س تت�ساءل الناقدة :ملاذا مل ينل �أح�سان عبد القدو�س حظا وافرا من اهتمام النقاد؟ ثم جتيب :لعل و�صف العقاد لأدب �أح�سان ب�أنه �أدب فرا�ش و�أدب جن�س ال يزال يرتدد �صداه يف �آذان النقاد. ويف ر�أيها ف�إن �أعمال عبد القدو�س تنت�سب �إىل الإعداد ال�سينمائي ب�أكرث من انت�سابها �إىل لون �أدبي �آخر. ومع ذلك ف�إن احلفاوة ب�أعمال �أح�سان عبد القدو�س عقب وفاته قد �أ�سفرت عن بع�ض املالمح يف امللفات التي �أ�صدرتها املجالت الثقافية عن الكاتب ويف ع�شرات املقاالت والأحاديث التي تناولت حياته و�أدبه. لذا حتاول الناقدة �أن تناق�ش بع�ض �آراء �أح�سان عبد القدو�س �سواء تلك التي ت�ضمنتها �أعماله �أو �أدىل بها يف حوارات و�أحاديث. وعلى �سبيل املثال ترى الناقدة �أن �أح�سان ابتدع بع�ض التقاليد غري املوجودة يف جمتمع الريف ،وحاول �أن يوهم القارئ �أن هذه التقاليد را�سخة يف الريف امل�صري. غري �أن الوا�ضح للعيان �أن �أهل القرية امل�صرية ال ميكن �أن يفرطوا يف م�س�ألة ال�شرف� ،سواء �أكانوا فالحني معدمني �أم من الأعيان ،فال�شرف ال يتجز�أ. وهي ترى �أن �أح�سان مل يناق�ش م�شكالت القرية احلقيقية ،وال تناول م�شكالت املر�أة الريفية ،بل �إنه عر�ض ل�سلطة الرجل �سواء كان زوجا �أو �أخا ،وهي ت�ضرب مثاال على ذلك بجمعة يف ق�صة "اكت�شاف الألومنيوم" الذي يتم�سك ب�شكل تع�سفي ب�أن تكون �أواين املطبخ من الألومنيوم ،ويف�شل م�شروع
العدد ()2109ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )23ني�سان 2011
العدد ()2109ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )23ني�سان 2011
إحسان عبد القدوس .. «القـارئ أوال» اعداد :منارات
زواجه لهذا ال�سبب ،بل يفقد حياته كلها ب�سبب �إ�صرار فتاته على �أن تكون �أواين مطبخها من النحا�س الأحمر ،كعادة �أهل الريف. ويتحول م�شروع الزواج �إىل ث�أر بني عائلة جمعة وعائلة عرو�سه ،وال يكتفي �أح�سان بتلك النهاية ،بل ينهي ق�صته وقد ا�ستخدمت جميع �أ�سر القرية الألومنيوم ،وتعدد ن�سا�ؤها مميزات الألومنيوم .وتت�ساءل الناقدة :هل ا�ستخدام الألومنيوم بدال من النحا�س الأحمر ي�صلح ق�ضية للقرية؟ �أية قرية ؟ �إن الق�ضية هنا هام�شية للغاية. اللهم �إال �إذا وجدنا يف ذلك داللة جمتمعية، مبعنى �أن الألومنيوم هو التعبري عن التحول يف املجتمع ،بينما النحا�س الأحمر هو الثبات على القدمي ،على ال�سلفية،
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
5
والق�صة ـ ك�سابقاتها يف �أعمال �أح�سان ـ ال تتعر�ض حلياة �أهل القرية وال �سلوكهم وهمومهم و�أفكارهم.املر�أة يف �أعمال يو�سف �إدري�س ويف درا�ستها عن "املر�أة �أ ًّما وزوجة وحبيبة يف �أعمال يو�سف �إدري�س" ،ترى الناقدة �إن �أوَّ ل ما نالحظة على النماذج التي قدمها �إدري�س للمر�أة �أن هناك مناذج �شاذة وغريبة �إىل جانب النماذج التي تت�سم بالتلقائية والطيبة ،ف�ضال عن تقدمية للمر�أة ال�ساقطة ب�شكل مكثف �سواء �أكان هذا ال�سقوط نابعا من �إرادتها �أم نتيجة الظروف املحيطة بها ،وكان للرجل دور كبري يف �سقوط املر�أة ،وكان للحرمان اجلن�سي دور كبري كذلك يف �سقوطها وا�ست�سالمها. وقد �صور �إدري�س �سقوط املر�أة من خالل �سقوط املجتمع ككل ،فقد كان ال�سقوط
عنده كامال ،ففي قاع املدينة �سرقت �شهرت واحرتفت الدعارة ،كذلك �سناء ارت�شت و�سقطت مع حممد اجلندي ،ويف احلرام كان الزنا والقتل دائما ،بعد �أن فتك املر�ض بالرجل وبد�أت عزيزة رحلة املعاناة ن�شدانا للقمة العي�ش. ويف النهاية تت�ساءل الناقدة :هل ت�أثرت �صورة املر�أة يف �أدب �إدري�س بعالقته ب�أمه؟ وهي يف ذلك الت�سا�ؤل ت�ستند �إىل ما قاله بع�ض النقاد �إن يو�سف �إدري�س ت�أثر يف ر�سم �شخ�صية الأم والزوجة �أو املر�أة عامة، بعالقته ب�أمه منذ الطفولة ،تلك العالقة التي ات�سمت يف �أكرث الأحيان بالتوتر واجلفاء وانعدام ال�شعور باحلنان واال�ستمالة من جانب يو�سف ،وال�صد من جانب الأم. من �أعماله يف ال�سينما والتلفزيون وامل�سرح
ومن ق�ص�صه التي حتولت �إىل �أفالم �سينمائية: ال َّله معنا -ال تطفئ ال�شم�س -يف بيتنا رجل -اخليط الرفيع � -أنا ح ّرة -الطريق امل�سدود -بئر احلرمان -الو�سادة اخلالية �أنف وثالث عيون � -أبي فوق ال�شجرة دمي ودموعي وابت�سامتي -بعيدا عنالأر�ض -العذراء وال�شعر الأبي�ض -ال �أنام وغريها كثري. والكاتب �إح�سان عبد القدو�س هو �صاحب فكرة �إن�شاء نادي الق�صة واملجل�س الأعلى للفنون والآداب� ،شاركه يف التنفيذ �صديقة الكاتب يو�سف ال�سباعي وتوفيق احلكيم وحممود تيمور ،توفيّ �إح�سان عبد القدو�س يف الثاين ع�شر من �شهر كانون الثاين/يناير عام .1990
بقي �إح�سان علم ًا على «�صنف» �أدبي ذي مذاق يخ�صه وحده ،وناظر ًا ملدر�سة �صحفية ت�ؤمن بالقارئ وحقه يف االطالع على كل الآراء -قبل ع�صر االنفجار املعلوماتي -مهما كانت هذه الآراء �صادمة ..املفارقة �أن بع�ضها الزال �صادم ًا ومرفو�ض ًا بعد مرور هذه ال�سنوات على رحيل �إح�سان ..التناق�ض الذي عا�شه �إح�سان بني «انفتاح» والديه و«حتفظ» بيئته كان مفتاح �شخ�صيته، وبوابة فهم �أدبه ومعاركه ال�صحفية. ولد �إح�سان �أول �أيام عام «الثورة» ١ يناير ،١٩١٩الأمر الذي �صبغ حياته بطابع ثوري الزمة حتى الرحيل ،ثار حتى -على والدته التي علمته الثورة،وعمل بال�صحافة قبل �أن ينهى درا�سته، كما كانت ت�صر دائم ًا ،ثار على رف�ض املجتمع لق�صة حبه املبكرة ،وتزوج رفيقة عمره �سر ًا وهو يف الرابعة والع�شرين ،ثار على الف�ساد قبل الثورة وبعدها ،ثار با�سم املر�أة امل�صرية يف رواياته وق�ص�صه التي و�صفها العقاد يوم ًا ب�أنها «�أدب الفرا�ش» ،ثار �ضد التواط�ؤ االجتماعي ،و�ضد «االجتاه ال�سائد» يف الأدب واحلياة، ودفع ثمن مواقفه �أيام ًا من عمره ق�ضاها يف ال�سجون ،وثالث حماوالت اغتيال تعر�ض لها ،و�أيام ًا من الوحدة بعد �أن تنكر له الأ�صدقاء -بع�ضهم -يف حمنته، دفع الثمن ومل ينحن ..حتى رحل قاب�ض ًا على «جمر» الثورة ،وابت�سامته الأبدية يف مواجهة اتهامات بال ح�صر.. مازال بع�ضها قائم ًا حتى الآن .ثمانية ع�شر عام ًا م�ضت على رحيل �إح�سان ومازال �أدبه ومنهجه الفكري ومدر�سته ال�صحفية يف حاجة �إيل ..قراءة �أخرى. مل تكن العالقة بني �إح�سان عبد القدو�س ونقاد الأدب م�ستقرة وجيدة دائمًا، حيث عانى طوي ًال من عدم تقدير الكثري من النقاد لأدبه الختالفه يف الأ�سلوب وامل�ضمون عن غالبية الأعمال التي كانت تقدم يف ع�صره ،رغم �أنه �أثرى املكتبة امل�صرية بـ ٥٩كتابًا ما بني رواية وجمموعة ق�ص�صية منها ٤٩ق�صة حتولت �إىل �أفالم �سينمائية �أهمها :يف بيتنا رجل� ،أنف وثالث عيون� ،أبي فوق ال�شجرة ،العذراء وال�شعر الأبي�ض، ال �أنام ،الو�سادة اخلالية ،و ٥حتولت للم�سرح ،و ١٤م�سل�س ًال. وي�شري د� .صالح ف�ضل والناقد الأدبي �إىل �أننا ميكن �أن نوجز اخلطوط العامة لعالقة �أدب �إح�سان عبد القدو�س مع النقاد يف ثالث نقاط رئي�سة الأوىل خالل حياته وكان التيار النقدي الغالب حينذاك هو التيار الي�ساري ،ومل يكن يرحب كثريًا بالطابع الربجوازي لروايات �إح�سان عبد القدو�س با�ستثناء
بع�ض الأعمال املت�صلة باحلركة الوطنية مثل فيلم «يف بيتنا رجل». كما �أن وجود �إح�سان عبد القدو�س على ر�أ�س بع�ض امل�ؤ�س�سات ال�صحفية كان ي�صيب الكثري من النقاد باحلرج من التعامل مع �أدبه. ويكمل د .ف�ضل قائ ًال :يف املرحلة الثانية �شغلت كثري من الدرا�سات الأدبية ب�أعماله ،و�إن و�ضعتها يف مرتبة و�سط بعد جنيب حمفوظ� ،أما يف املرحلة الثالثة فلم تلبث الدرا�سات الأكادميية �أن �أولت عنايتها لأدب �إح�سان عبد القدو�س ،وت�صدى النقاد ب�شكل قاطع ملحاوالت بع�ض دور الن�شر حتريف �أعمال �إح�سان التي تت�سم بال�شجاعة واال�ستنارة ومنا�صرة املر�أة بهدف ت�سهيل ت�سويقها للدول العربية. ال�شاعر الكبري �أحمد عبد املعطي حجازي يرى �أن �أعمال �إح�سان عبد القدو�س التزال تقر�أ للآن ،ون�ستمتع بها ونتعلم منها ،و�أهم من هذا كله جند يف �أدب �إح�سان تف�سريًا لأ�شياء كثرية تخ�ص الع�صر الذي عا�ش فيه. وي�ضيف حجازي القيمة الأ�سا�سية يف عمل �إح�سان الأدبي وال�شخ�صي هي ال�شجاعة التي كان يكتب بها فهو كاتب يعرف ر�سالته وي�صف �أو�ضاع النا�س، ال يوهمهم ب�أن كل �شيء على ما يرام بل يك�شف عن الأخطاء والنواق�ص وال�سلبيات ،ولذا فعندما �أنظر �إيل �أعماله الروائية التي حتدث فيها عن عالقة الرجل باملر�أة بكثري من ال�صراحة �سواء من جانبها ال�سلبي وما يحدث يف اخلفاء �أو عن جانبها الإيجابي ومل يت�سرت �أو يتواط�أ مما كان له �أثر بالغ يف الهجوم عليه �سواء عليه �أو على �أبطال رواياته لأنهم ك�شفوا ما يف املجتمع. وي�شري حجازي �إيل �أن �إح�سان حتلي بنف�س ال�شجاعة يف ال�صحافة ال�سيما يف حمالته قبل الثورة على �أ�شكال الف�ساد ال�سيا�سي �أو حمالته بعد ذلك �ضد طغيان ال�ضباط وهذه احلمالت �أدت به �إيل املعتقل مما يدل على �أنه كاتب حقيقي و�شجاع و�صاحب ر�سالة وهذه ال�صفات تكملها �صفة �أخري وهي �أنه كان «كاتبًا معلمًا» يحب �أن ينقل خرباته �إيل الأخرين. �أما الروائي ف�ؤاد قنديل في�ؤكد �أن �إح�سان �أف�ضل من قا�سم �أمني و�أ�صدق من جنيب حمفوظ فهو �صاحب الدفعة الأويل لتحرير املر�أة و�أهم كاتب جعل القراء يحبون الرواية والق�صة. وي�ضيف قنديل :ال�شهرة �أحيا ًنا حتول دون النقاد والكاتب خا�صة عندما تكون لديه مثل �إح�سان بع�ض ال�سلبيات ،منها كتابته املتدفقة اخلالية من الغمو�ض وبالتايل فهي ال تتيح فر�صة للنقاد لف�ض الأ�سرار �أو م�ساعدة القارئ على معرفة الغام�ض ويف الأدب البد من بع�ض الغمو�ض للت�شويق ،و� ً أي�ضا يعيبه �أن
لغته مل تتطور منذ �أن بد�أ حتي توقف عن الكتابة. �أما د .عواطف عبد الرحمن فقد كتبت عنه تقول�« :إح�سان ك�أديب بنى جزءًا كبريًا جدًا يف وعي جيل ال�ستينيات بالذات و�أ�س�س �صرحً ا مهمًا يف وعيه االجتماعي من خالل �أعماله الروائية واعتربه �أف�ضل من كتب عن ال�شريحة العليا والو�سطى يف املجتمع امل�صري، وخ�صو�صا املر�أة واعترب كتاباته وثائق ً عن التاريخ االجتماعي لهذه الفرتة، ولقد كان ل�سجنه عام ١٩٥٤ملدة ثالثة �أ�شهر بعد مقالته ال�شهرية عن جمل�س قيادة الثورة «اجلمعية ال�سرية التي حتكم م�صر» �سببًا يف حتول كبري بحياته فقد جتنبه يف هذه الفرتة
�أ�صدقا�ؤه ،و�أ�صبح �شبهة وحمل اتهام وجتنبه ال�سا�سة و�أعطى ذلك وق ًتا �أكرب لأعماله التي ت�ضمنت �أراءه االجتماعية وال�سيا�سية على ل�سان �أبطال رواياته. بد�أ �إح�سان عبدالقدو�س عمله ال�صحفي يف �سن الرابعة ع�شرة جامع ًا للأخبار، ثم تخ�ص�ص يف �أخبار الريا�ضة وقبل �أن يبلغ الع�شرين التحق بكلية احلقوق وكان يحرر وقتها باب �أخبار املجتمع ب�أ�سلوب جديد وجذاب يجمع بني ال�صحافة والأدب ،وكانت بداية ت�ألقه ال�صحفي يف �أوائل الأربعينيات حينما ن�شر مقا ًال يهاجم فيه «اللورد كيلرن» بعنوان «هذا الرجل يجب �أن يذهب» ف�أمر بالقب�ض عليه وعقب خروجه من ال�سجن عام ،١٩٤٥عينته والدته رئي�س ًا
لتحرير روزاليو�سف. كانت �أهم الق�ضايا التي فجرها ق�ضية «الأ�سلحة الفا�سدة» ،التي تناولها يف �سل�سلة مقاالت بد�أت بتاريخ ٢٠يوليو ،١٩٤٩بعنوان «حماكمة جمرمي حرب فل�سطني» وطالب فيها مبحاكمة الذين وراء توريد �أ�سلحة فا�سدة للجي�ش امل�صري ،ولقد بلغ ت�أثري هذه املقاالت �أن احلكومة الوفدية �أبلغت النائب العام �ضده للتحقيق فيما قدمه يف هذه املقاالت من �أدلة �أ�صدر النائب العام يف ٢٨مار�س ١٩٥١قرار ًا بحفظ التحقيقات يف ق�ضية الأ�سلحة الفا�سدة وبعد الثورة �أعادت النيابة التحقيق يف هذه الق�ضية وانتهت حلفظها من جديد. ويف عام ،١٩٥٤كتب مقا ًال بعنوان «اجلمعية ال�سرية التي حتكم م�صر» وانتقد فيه �أع�ضاء جمل�س الثورة و�أ�سلوبهم يف احلكم البعيد عن الو�ضوح وال�شفافية وب�سبب هذا املقال مت اعتقاله يف � ٢٨أبريل عام ،١٩٥٤ و�أودع يف ال�سجن احلربي وا�ستمر حب�سه ثالثة �شهور ،كان اعتقاله نقطة حتول جذرية يف حياته قلبت �أفكاره ر�أ�س ًا على عقب و�أ�صيب ب�صدمة عنيفة خلوف وابتعاد اجلميع عنه. و�ضع �إح�سان عبدالقدو�س �أثناء رئا�سته جمل�س �إدارة «روز اليو�سف» قاعدة ملدر�سة �صحفية �أ�سا�سها احلرية والليربالية وفتح باب املجلة جلميع التيارات ال�سيا�سية ،الي�ساريني والإخوان امل�سلمني والتيار الديني امل�ستنري و�أي�ض ًا للكتابات الإحلادية وب�سبب هذه الكتابات �صنف مرة على �أنه زعيم ال�شيوعيني ومرة بانتمائه جلماعة الإخوان امل�سلمني وا�ستطاع �أن ي�ؤ�س�س جملة �صباح اخلري لل�شباب والكتاب الذهبي و�أخرج جي ًال من كبار ال�صحفيني ثم انتقل �إيل �أخبار اليوم «رئي�س ًا للتحرير» ثم رئي�س ًا ملجل�س �إدارتها عام ١٩٧١حتي ،١٩٧٤وفقز بتوزيعها �إيل مليون ن�سخة با�ستثناء عام ،١٩٦٨لتعر�ضه حلادث �سيارة ثم عاد يف �آخر يناير ،١٩٦٩وانتقل �إيل م�ؤ�س�سة الأهرام ككاتب متفرغ عام ،١٩٧٤حتي وفاته. كتب �إح�سان مئات املقاالت ال�سيا�سية يف �أغلب ال�صحف امل�صرية وجمع بع�ضها يف كتب �أهمها على مقهى يف ال�شارع ال�سيا�سي «جزءان» ١٩٧٩ـ ،١٩٨٠ خواطر �سيا�سية � ،١٩٧٩أيام �شبابي «جمموعة مقاالت» .١٩٨٠ «�إح�سان» هذا اال�سم الأنثوي كان �أحد �أ�سباب �ضيق �إح�سان الطفل ب�سبب �سخرية زمالئه منه يف مرحلة الطفولة وهو ما جعل والده حممد عبدالقدو�س ي�ؤلف م�سرحية بعنوان «�إح�سان بك» لي�ؤكد البنه الوحيد �أنه ا�سم رجايل.
◄
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
6
مل يكن اال�سم وحده ما ي�سبب ال�ضيق للطفل �إح�سان ،ولكن «معايرة» زمالئه يف مدر�سة خليل �أغا االبتدائية له ،ب�أن �أمه ممثلة بالإ�ضافة ل�شعور �إح�سان الطفل باليتم ووالداه على قيد احلياة، فكالهما م�شغول عنه بعمله الفني، خا�صة �أمه التي كان ان�شغالها وقوة �شخ�صيتها من �أ�سباب طالقها ال�سريع من والده ،وعهد الوالد بابنه جلده ال�شيخ �أحمد ر�ضوان. عا�ش �إح�سان يف طفولته تناق�ض ًا �أربكه ،فمجتمع جده كان متحفظ ًا، �شديد التزمت ،وكانت املر�أة فيه ال ترى ال�شارع �إال من وراء حجاب� ،أما جمتمع �أبيه و�أمه فهو متحرر منطلق ،وبد�أ يت�ساءل �أيهما املجتمع ال�صالح؟ ومل ي�ستطع �أن يجد جواب ًا يريحه يف هذه ال�سن ال�صغرية ،ولكن هذا املوقف علمه �أن يفكر با�ستقاللية و�أال ي�ست�سلم للواقع ،بل يفر�ض ر�ؤيته ال�شخ�صية على هذا الواقع ،و�أن يجد لنف�سه مكانة ودور ًا خا�ص ًا به ،ومل يت�أثر �إح�سان يف حياته �إال ب�شخ�صيتني اعتربهما �صاحبي ف�ضل عليه ،الأويل �أمه ال�سيدة روزاليو�سف التي قال عنها ال�سيدة التي علمتنا الثورة من �أجل احلرية واحلق ،وكانت امر�أة قوية و�شجاعة و�شديدة الذكاء ،والثانية
العدد ()2109ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )23ني�سان 2011
العدد ()2109ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )23ني�سان 2011
زوجته ورفيقته املخل�صة يف رحلة احلياة ،التي تزوجها وعمره � ٢٤سنة، وا�ستطاعت �أن حتقق له اال�ستقرار وال�سكينة ،وهي �أ�شياء افتقدها يف طفولته و�صباه ،وحتملت عنه كل �أعباء املنزل والأوالد ليتفرغ لإبداعه ،ولوالها ملا كان �إح�سان عبدالقدو�س ،وكان دائم ًا ي�صفها ب�أنها رئي�سة جمل�س �إدارة حياته. ويقول املهند�س �أحمد ،ابن الكاتب الراحل عن طقو�س �أبيه عند الكتابة: �أبي كان ال يكتب �إال بالبدلة الكاملة وعلى مكتبه ،وال�سجائر وفنجان القهوة كانا ي�صاحبانه طوال عمله ،وكان يهتم بالقلم الذي يكتب به ،فالبد �أن يكون خطه رفيع ًا جد ًا ،وكان يعترب �أن القلم تعبري عن �شخ�صيته ،وكان قارئ ًا جيد ًا لكل ال�صحف امل�صرية والعربية والأجنبية ،وكانت �أمي -رحمها الله -مهتمة دائم ًا ب�أن تخلق لأبي اجلو ،الذي اعتاده يف الكتابة حتي يف ال�سفر ،وكان �أبي ي�ستمد كتاباته الأدبية من ق�ص�ص حقيقية يق�صها عليه رجال ون�ساء ،وكان هو مبثابة الطبيب النف�سي ،الذي ي�ستمع العرتافاتهم، وكانت الوالدة تهيئ له هذه اللقاءات يف منزلنا يف حجرة مكتبه ،وكانت مبثابة �صومعته ،املمنوع على اجلميع
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
االقرتاب منها. وب�س�ؤاله� :أمل تكن ال�سيدة لوال تغار من �أولئك الن�ساء؟ ..قال�« :إذا كان �أبي مبثابة الطبيب النف�سي للآخرين ،فقد كانت والدتي مبثابة الطبيب النف�سي اخلا�ص له وم�ستودع �أ�سراره ،وكانت تعرف متى تتدخل لتحمي بيتنا وزوجها من �أي تهديد ،وكان �أبي ميتثل لها وي�ستعيد توازنه». و�إح�سان والد ملحمد ال�صحفي املعروف ،واملهند�س �أحمد �صاحب مكتب هند�سي. مل يكن �إح�سان كاتب ًا �سابق ًا لع�صره يف �أ�سلوبه ال�صحفي والأدبي فقط ،ولكنه كان �صاحب منهج فكري ليربايل �أ�صيل، مل ينتم يف �أي فرتة من حياته لف�صيل فكري �أو �سيا�سي ،ومل ين�ضم لأي حزب وانحاز فقط لرجل ال�شارع ،ومل يكتب يوم ًا �إال ما كان ي�ؤمن به ،وعندما مل يتمكن من ذلك يف فرتات كثرية ف�ضل �أال يكتب �إال �أدب ًا يحمل يف طياته جزء ًا من �شخ�صيته. �إح�سان الذي كرب يف �أح�ضان عائلة جده ،ر�ضوان ،القا�ضي ال�شرعي وخريج الأزهر ،كان يف ذات الوقت ابن ًا ل�سيدة �سبقت ع�صرها ،عملت ممثلة يف وقت مل تكن الن�ساء فيه يخرجن �سافرات ،ثم �أ�س�ست جملة حتمل ا�سمها
وخالطت كبار رجال الدولة ومثقفيها يف زمن مل يكن ي�سمح للن�ساء فيه باختيار �شريك احلياة ..وما بني العاملني املتناق�ضني ا�ستطاع �إح�سان �أن يكون لنف�سه ر�أي ًا ،و�أن ي�ستقل بحياته يف �سن �صغرية ،ويتزوج لي�صبح م�س�ؤو ًال وحر ًا يف ذات الوقت ،وهنا يكمن مفتاح �شخ�صية �إح�سان. طوال �شبابه كان يحاول �أن يخرج من عباءة روزاليو�سف ليثبت لنف�سه �أو ًال وللآخرين �أنه �إح�سان عبدالقدو�س، ولي�س ابن ال�ست ،ومع الأيام وثق �إح�سان بذاته وبقدراته وفتح املجلة التي ر�أ�س حتريرها وعمره � ٢٦سنة ـ كان �أ�صغر رئي�س حترير يف م�صر ـ لكل التيارات وا�ستطاع �أن ينجح فيما ف�شل فيه �أ�ستاذه حممد التابعي ،و�أن ي�صمد �أمام �إع�صار مدر�سة «�أخبار اليوم» ال�صحفية ،املعتمدة على اخلرب ال املقال، واجتذب جنوم الكتابة ملجلته وكان �صاحب مدر�سة� ،أول مبادئها «�أن النقد فن ،و�آية الفن �أن تقول ر�أيك من دون �أن جترح» وكان �إح�سان �شديد التم�سك مباي�ؤمن به ،فعندما طلب منه الرئي�س عبدالنا�صر �أن يغري من ا�سم برناجمه الإذاعي من «ت�صبحوا على حب» �إيل «ت�صبحوا على حمبة» رف�ض ،وف�ضل �أن يوقف الربنامج.
ولقد �سجن �إح�سان قبل وبعد الثورة نتيجة �آرائه ال�سيا�سية اجلريئة وال�شجاعة ،لكنه �أبدا مل يحاول �أن يتنازل عن كربيائه و�آرائه و�أن يتملق حاكم ًا �أو ع�صر ًا .كان رج ًال طموح ًا بغري مطامع وكان دائم ًا يقول لتالميذه �إن على ال�صحفي �أن يظل دائم ًا بعيد ًا عن احلاكم ليحافظ على حريته. و�آخر موقف لإح�سان يدل على مدي احرتامه حلرية الر�أي ودفاعه عنها حتي لو �أختلف معه ،موقفه مع ابنه حممد عندما قب�ض عليه �ضمن االعتقاالت التي �شملت معظم معار�ضي ال�سادات عام ،١٩٨١فقد التقي �إح�سان بعد اجتماع ح�ضره الرئي�س للمجل�س الأعلى لل�صحافة ،بال�سادات الذي �س�أله: هل يعجبك ما فعله ابنك ،ده «�إن�سان متطرف» بادره �إح�سان قائ ًال« :لقد رف�ضت �أن �أحدثك ب�ش�أنه ،ابني كبري وم�س�ؤول ،وعنده � ٣٤سنة و�أنا واثق �أنه قادر على �أن يتحمل م�س�ؤولية نف�سه واحنا يف �شبابنا كنا بنعمل زيه �إنت نا�سي ياري�س �إنك ات�سجنت يف �شبابك». قال �إح�سان الليربايل عن نف�سه: «ع�شت حياتي كلها �أ�شعر بالوحدة بني النا�س ،دون �أن �آخذ �شيئ ًا من كفاحي �إال ا�ستمراري يف الكفاح من �أجل احلرية».
يف واحدة من بديع عبارات عمنا الكبري يحيى حقي يقرتح �أن يقام معبد للحب و�أن يكون �إح�سان عبد القدو�س كاهنه الأكرب؛ و�إليه ي�صعد بريد القلوب" بهذه العبارة املوحية �أنهت الكاتبة زينب الع�سال مقاال ممتعا لها حول احلب يف �أدب �إح�سان ،خا�صة حني يتحول احلب �إىل ق�ضية ،م�ؤكدة �أن معظم �أعمال �إح�سان – �إن مل يكن كلها – قد جعلت احلب حمورها الأ�سا �سي لكنه جاوز ذلك فجعل من احلب ر�سالة وق�ضية حياة"* ولدى اجلر�أة هنا لأقر �أن �إح�سان عبد القدو�س من �أكرث كتاب العامل ا�ستحقاقا لالحرتام ،نقول ذلك بعد ت�أمل طويل عميق يف �سريته ككاتب ومفكر و�إداري، لأنه مل يتنازل مطلقا عن قنا عاته طوال حياته ورغم �أن كتابا كبارا قد �ضحوا ودفعوا من �أعمالهم وحرياتهم يف مقابل موقف ي�ضمن لهم االحرتام للذات �أمام �أنف�سهم ،فالقليل القليل من ا�ستطاع �أن يحول قناعاته من الفكر �إىل العمل ،من خالل رئا�سته لتحرير �أكرب املطبوعات العربية ( روزاليو�سف/الأهرام�/أخبار اليوم) ومل يتنازل مرة واحدة �أمام ر�أى لرئي�س دولة �أو رجل �أعمال ومل يقبل �أن ي�ؤذى �أحدا حتى لو كان الثمن الت�ضحية برئا�سة حترير الأهرام مثال……. ومن مقاله"هذا الرجل يجب �أن يرحل"الذي كتبه عام 1942م والذي طالب فيه بخروج اللورد كيلرن من م�صر وهو املندوب ال�سامي لأكرب دولة يف العامل وقتها وكان عمره ثالثة وع�شرن عاما؛ منذ هذا احلني مل تتوقف مواقف الرجل؛ وي�أتي عام 1945م ويكتب �سابقا بفكره ووعيه ال�سيا�سي الكثريين من املفكرين وال�سا �سة مبقاله :يا عرب ت�ضيع الآن فل�سطني"ثم جاءت حرب 1948م ودخل معركته الكربى يف ك�شف ف�ضيحة الأ�سلحة ،ونال و�ساما حني تلقى خنجرا ملعونا �أمام عمارة الإميوبيليا ردا على �شجاعة مواقفه ،ثم ت�أنى الثورة، وي�ؤيدها جميع املثقفني،لكن �إح�سانا بعد فرتة يدرك بح�سه ال�سيا�سي العبقرى ما تقدم عليه الثورة ،فكتب مقاله امل�شهور"اجلمعية ال�سرية التى حتكم م�صر"وكالعادة يدفع الثمن وي�سجن …. �أما �أثناء عمله ال�صحفي فلم يعرف عنه التدخل يف كتابة ال�صحفيني باحلذف �أو الإ�ضافة� ،إمنا حول جملته �إىل معمل تفريخ للمواهب يف كل� ،سواء كانوا مفكرين مثل �أحمد بهاء الدين �أو�شعراء ك�صالح عبد ال�صبور �أو جاهني �أو حجازى وكذلك فنانى الكاريكاتريكجورج وبهجت وغريهم … وامل�شرف يف م�سرية �إح�سان كثري ،جر�أة يف احلق ومتا�سك يف �أ�صعب الظروف، ومبادىء ال تتجز�أ حني مي�س املو�ضوع ذاته �أو �أوالده ،ت�صو مثال حني يقب�ض على ولده ب�سبب ميوله ال�سيا�سية الدينية التى يختلف معها الأب ،لكنه مينح ابنه حريته ال�سيا�سية ويتحمل ك�أب �أن يقتات
7
إحسان عبد القدوس.. وسمو أدب الفراش �إبراهيم حممد حمزة ابنه فكرا �سيا�سيا لي�س من مائدة الأب.. الرجل بالفعل موقف. وميثل املنهج الذى اختطه �إح�سان لنف�سه وحياته منوذجا �صادقا لو�ضوح الهدف وال�سعى �إىل حتقيقه ،حيث كان و�ضوح الهدف �أمامه �سبيال مل�سرية طويلةمنظمة نحو احلرية ،وقد �أعطى مثال عليا يف حياته ال�شخ�صية كما ر�أينا ..وهو ما ي�شهد به حتى �أعدا�ؤه الذين مل يقدروا على ذكر ما يعيب� ،سوى ما تعارف عليه النقد ب�شكل متوال على �أن �أدب �إح�سان عبد القدو�س مو�صوف من العقاد �أنه �أدب فرا�ش …. ومع خال�ص تقديرنا للعقاد كقامة وقيمة
متفردة يف حياتنا الإبداعية والفكرية بل وال�سيا�سية �إال �أن للعقاد �شعرا �أظن �أن كل كتابات �إح�سان مل ت�صل جلر�أته: ثناياهـ ـ ــا ..ثناياهـ ــا وهل ذقت ثناياها وعيناها ويا ل ـ ـ ــلويل كم ت�سبيه عيناها وتلك القامة الهيف ــاء زانتها زواياه ــا �إذا ما جار ردفاه ـ ــا �أقام اجلور نهداها (عن كتاب عامر العقاد) �إذن فاخلطيئة التى يقع فيها النقد هيالتقييم الأخالقي للإبداع� ،أو بتعبري الناقدة الأردنية عفاف البطاينة: "�إن الإعرا�ض عن درا�سة هذه الأعمال [ تعني الأعمال العاطفية ] يف بع�ض احلاالت ومهاجمتها يف �أحيان كثرية
وو�صفها بانعدام الأدبية لدليل على اتفاق خفي بني امل�ؤ�س�ستني االجتماعية والنقدية ،فتعلى من قيمة بع�ض الأعمال وحتط من قيمة�أعمال �أخرى ،ح�سب ت�أثري كل منها على القيم والأعراف املتوارثة" ومن عجيب الأمور �أن هذه النظرة مل تكن موجودة حتى لدى امل�سلمني الأوائل ،بل �أن النبى عليه ال�صالة وال�سالم مل يغ�ضب وهوي�ستمع �إىل كعب بن زهري ين�شده بانت �سعاد فقلبي اليوم متبول متيم �إثرها مل يفد مكبول و�صف"�س َعاده"هذه بجمال ثم يزيده يف ُ
ال�صدر وامل�ؤخرة ،ومل يقل النبى وال �صحابته �أن هذا الكالم فاح�ش بل منحه جائزة غالية ظلت تتناقل بني �أيدى الوالة فيما بعد �أى بردته ال�شريفة بل"لقد ا�شت�شهد العلماء لغريب القر�آن بالبيت فيه الفح�ش وفيها ذكرالفعل القبيح ،ثم مل يعبهم ذلك" وكتب النقد القدمي ال تنت�صر مطلقا لهذه النظرة التى حت�صر الأدب يف هذه النظرة التعليمية ال�ضيقة لكنهم يرونه عمال �إبداعيا خالقا ،حتى لو خالف الأعراف والتقاليد وبني �أيدينا مئات من الأبيات بل وال�صفحات التى تعج بالدعوة ل�شرب اخلمر والزنا وغريه وهو ما مل مينعه الذوق الأدبى و�إن منعه احل�س الدينى ،ول�سنا بالطبع ندعو ملثل هذا الأدب ولكن نرف�ض فقط ربط الإبداع بالأخالق ،بل انظر البن القيم يجمع ما قيل يف الن�ساء يف كتابه"�أخبار الن�ساء و�ستجده يحدثك عن �أبو نوا�س وهو يتحايل على امر�أة لتك�شف وجهها، فر�آه ثم "رفعت ثيابها حتى جاوزت نحرها ف�إذا هى كق�ضيب ف�ضة قد �شبب مباء الذهب يهتز على مثل كثيب ولها �صدر كالورد عليه رمانتان من عاج ميلآن يد الالم�س وخ�صر مطوى االندماج يهتز يف كفل رجراج،و�سرة م�ستديرة حتت ذلك �أرنب جاثم وجبهة �أ�سد غادر ………" والنقد العربى والغربى الواعى يقف �ضد هذه النظرة القا�صرة للإبداع، والدكتور عبد العزيز حمودة يف معر�ض تقدميه للنظرية اجلمالية يف النقد لدى كروت�شيه يقول: "فالعمل الفنى يجب �أن يقوم تقديره ونقده على �أ�سا�س واحد ،وهو �أنه عمل فنى ،ولي�س �شيئا �آخر" ورمبا كان البع�ض من النقد القدمي يحتفل بالنظرة الأخالقية للإبداع ،ولكنه مل مينع �إبداعا �إن الإبداع الذى يت�سول القارىء باجلن�س وغريه من املحرمات ال يقا�س �إبداعا ،لأنه مق�صود �إليه وال يعرب عن وجهة نظر وال موقف ،وال يتعدى �أكرث من م�شهى للقارىء الذى �سي�ضيق به بال �شك بعد فرتة ق�صرية … وهو ما حر�ص �إح�سان عن البعد عنه متاما. ومما يدل على بطالن النقد الأخالقى ما ينقله الدكتور حمودة عن �شوبنهور قائال: "�إن ال�شاعر ي�ستطيع �أن يتغنى بال�شهرة ،كما يتغنى بالت�صوف ،ولي�س من حق �إن�سان �أن ي�صف �أو يحدد لل�شاعر ما يجب �أن يكون عليه ،بل لي�س لأحد احلق يف لومه ،لأنه لي�س �أخالقيا �أو نبيال" وما ينطبق على ال�شاعر ي�ستحق �أن يتلب�س الروائي والقا�ص لأنه ينقل يف �إبداعه فكر غريه فهل ي�شفع هذا لإح�سان؟
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
8
العدد ()2109ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )23ني�سان 2011
العدد ()2109ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )23ني�سان 2011
9
رمبا مل تقر�أ للأديب والروائي الكبري �إح�سان عبدالقدو�س بع�ض ق�ص�صه �أو رواياته العديدة ،لكن امل�ؤكد �أنك �شاهدت بدل املرة مرات ع�شرات الأفالم امل�أخوذة عن ق�ص�صه ورواياته� ..أين عمري ،الو�سادة اخلالية ،ال �أنام� ،أنا حرة� ،شيء يف �صدري ،ال تطفئ ال�شم�س ،النظارة ال�سوداء� ،أنف وثالث عيون� ،أين عقلي� ،أبي فوق ال�شجرة، �إمرباطورية ميم ،دمي ودموعي وابت�سامتي ،العذراء وال�شعر الأبي�ض ،العذاب فوق �شفاه تبت�سم ،ياعزيزي كلنا ل�صو�ص ،الراق�صة والطبال ،حتي ال يطري الدخان، �أرجوك �أعطني هذا الدواء ،الراق�صة وال�سيا�سي ،اخليط الرفيع ،البنات وال�صيف، بئر احلرمان� ،أختي ،ال ت�س�ألني من �أنا ..و ..و .. رمبا مل تقر�أ الروايات ال�سابقة ..لكن امل�ؤكد �أنك �شاهدتها عرب �شا�شة ال�سينما والتليفزيون والف�ضائيات ع�شرات املرات بكثري من املتعة وال�سعادة!
إحسان عبدالقدوس يتذكر :أنا ..والسينما! ر�شاد كامل و�ستزيد املتعة والده�شة �إذا قر�أت ذكريات �إح�سان عبدالقدو�س مع ال�سينما ..عرب مقال نادر عنوانه �أنا ..وال�سينما كان مبثابة املقدمة ملجموعة دمي ودموعي وابت�سامتي �صدر عام .1974 يف بداية ذكرياته كتب �إح�سان عبدالقدو�س يقول :ق�صتي مع العمل ال�سينمائي � -أو ما ميكن �أن ي�سمى الأدب ال�سينمائي -ق�صة طويلة انتهت منذ �سنوات طويلة بت�أكيد �إمياين ب�أن العمل ال�سينمائي يختلف عن العمل الأدبي املجرد ،ب�أنه عمل جماعي يجمع بني م�ؤلف الق�صة وكاتب ال�سيناريو واملخرج وامل�صور واملمثل واملمثلة ..و.. واملنتج �صاحب العمل الفني ،كما ال ميكن �أن ينفرد �أي واحد من كل ه�ؤالء بامل�س�ؤولية وحده� ،سواء كانت م�س�ؤولية النجاح �أو م�س�ؤولية الف�شل. و�إذا كان داخل العمل ال�سينمائي نوع ًا من الديكتاتورية ،ف�إن الديكتاتور الأول الذي يتحكم يف كل ه�ؤالء هو املنتج �صاحب ر�أ�س املال الذي يبد�أ العمل بامل�شروع وي�ضعه يف حدود ذوقه الفني وتخطيطه التجاري ودوافعه ال�شخ�صية� ،أما الديكتاتور الثاين فهو املخرج لأنه هو الذي يتوىل م�س�ؤولية تنفيذ العمل يف حدود قدراته الفنية وطبيعة تكوينه ال�شخ�صي ..ولذا ..ولأن العمل ال�سينمائي عمل جماعي يتطلب نوع ًا من التفرغ حتى ي�ستكمل التوفيق بني كل امل�شرتكني فيه ،ولأنه عمل ال يحقق احلرية الفردية للإنتاج الفني ،ولأن الق�صة هي عن�صر واحد �ضمن العنا�صر الكثرية التي يت�ألف منها العمل ال�سينمائي ..لهذا قررت منذ البداية �أال �أحمل نف�سي م�س�ؤولية �أي عمل �سينمائي لأين �أف�ضل �أن �أعي�ش يف حريتي الفردية عندما �أكتب ق�صة ،ولأين �أف�ضل �أن �أقدم الق�صة كعمل �أدبي م�ستقل، واكتفيت دائما ب�أن �أغطي حق �إنتاج الق�ص�ص التي �أكتبها -وبعد ن�شرها -لأول من يتقدم من املنتجني ال�سينمائيني، ودون �أن �أبذل �أي جهد �إال جهد الر�أي يف ال�سيناريو ال�سينمائي بعد �إعداده ،ومدي تعبريه وارتباطه بالق�صة التي كتبتها ،وذلك �إذا طلب مني �إبداء الر�أي. ومي�ضي �إح�سان عبدالقدو�س قائ ًال: ورغم ذلك فقد تعر�ضت للعمل داخل املجال ال�سينمائي يف عدة حاالت كانت معظمها حاالت تفر�ضها ظروف خارجة عن �إرادتي، وكانت املحاولة يل للعمل ال�سينمائي عقب تخرجي يف اجلامعة مبا�شرة وتفرغي لبناء م�ستقبلي العملي� ،أي يف عام ،1942منذ
ثالثني عام ًا وقت كتابة املذكرات .يف هذه الأيام ورغم ارتباطي بهوايتي الأ�صيلة وهي الكتابة بالقلم ،فقد كنت حائر ًا بني خمتلف الطرق ،وكنت �أجرب كل طريق ،كنت �أعمل بال�صحافة ك�صحفي ال ككاتب مقال �أو �أديب، ورغم �أن والدتي ال�سيدة فاطمة اىلو�سف هي �صاحبة دار روزاىلو�سف �إال �إين جربت العمل يف جميع ال�صحف ،فعملت يف دار الهالل و�آخر �ساعة ،وامل�صري ،والأهرام، والزمان ،واجلرنال دي �إيجبت ..وحاولت �أن �أعمل يف الطباعة كمدير مطابع ،وحاولت �أن �أ�شتغل باملحاماة ،وا�شتغلت بها فعال من عامني ،وعلقت على بابي يافطة مكتوب علىها �إح�سان عبدالقدو�س -املحامي.. وحاولت ..وحاولت ..وكان من بني ما حاولته �أن �أكتب ق�ص�ص ًا �سينمائية ،وكتبت فع ًال ق�صتني �سينمائيتني ،وكان الدافع الأ�سا�سي يل هو �أن ال�سينما �أيامها كانت ميدان ًا جديد ًا ناجح ًا وا�سع ًا ،حتى كان يقال �أن �صناعة ال�سينما هي ال�صناعة الثانية يف م�صر بعد �صناعة الن�سيج ..و�أردت �أن �أجرب نف�سي يف هذا امليدان الوا�سع و�أن �أ�ستغل قدرتي على الكتابة� ،أي �أن الدافع مل يكن متكني من الفن ال�سينمائي �أو هوايتي لهذا الفن ،ولكنه كان جمرد حماولة جتربة النجاح يف كل جمال. واحرتت ملن �أقدم الق�صتني ال�سينمائيتني اللتني كتبتهما ،فلم �أكن قد عُرفت بعد ككاتب ق�صة ومل يكن يل ا�سم بني نا�شري الق�ص�ص حممد عبدالوهاب فقد كان �أيامها -كما اليزال � -صاحب �شركة �سينمائية وهو �صديق للعائلة و�صديقي ،وكان مكتب عبدالوهاب يف عمارة الإميوبيليا ب�شارع ق�صر النيل وذهبت ..وما كدت �أ�ضع نف�سي يف امل�صعد حتى التقيت بال�سيدة عزيزة �أمري وهي �أي�ضا منتجة �سينمائية و�صديقة للعائلة و�سبق �أن كتب لها والدي الأ�ستاذ حممد عبدالقدو�س ق�صة فيلم من �أفالمها وهو فيلم بنت النيل وهي ثاين فيلم ينتج يف تاريخ ال�سينما العربية ،وكانت ق�صته مقتب�سة من م�سرحية �إح�سان بك التي كان والدي قد �سبق �أن كتبها ومثلتها عزيزة �أمري على امل�سرح -قبل ال�سينما -و�أطلق علىهما ا�سمي بدافع حب الأب البنه رحمه الله. و�س�ألتني عزيزة �أمري ونحن يف امل�صعد: اىل �أين؟! فقلت :اىل الأ�ستاذ عبدالوهاب لأعر�ض علىه ق�صة كتبتها! وقالت ال�سيدة عزيزة �أمري يف عتاب حلو كعتاب الأم ،ولعلها قدرت �إين رمبا �أكون قد ورثت القدرة على كتابة الق�صة عن والدي:
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
تعر�ض على عبدالوهاب ،قبل �أن تعر�ض على ال ميكن ..تعال!! و�أخذتني من يدي اىل مكتب �شركتها ال�سينمائية الذي كان يف نف�س املبني و�أجل�ستني �أمامها وقالت يف لهجة �آمرة تعرب عن طيبتها :اقر�أ. وقر�أت ،وذهلت للإعجاب الذي �أبدته ال�سيدة عزيزة بالق�صتني فلم �أكن قد تعودت بعد على �أن يعجب �أحد مبا �أكتب ،وذهلت �أكرث عندما قالت �أن �شخ�صية الفتاة يف �إحدي الق�صتني ت�صلح لتقوم هي �شخ�صيا بتمثيلها ،فقد كانت �شخ�صية فتاة يف ال�سابعة ع�شرة من عمرها! وقلت لل�سيدة عزيزة :ولكنها �شخ�صية فتاة �صغرية!! وقالت يف ب�ساطة ' نكربها!! وا�شرتت مني الق�صتني بثمانني جنيه ًا للق�صة و�أعطتني �شيك ًا يحمل مبلغ مائة و�ستني جنيه ًا ومل �أنظر يف ال�شيك �إمنا �أطبقت علىه بكل �أ�صابعي ثم د�س�ست �أ�صابعي يف جيبي ومل �أتكلم فقد كنت مبهور ًا �شارد ًا �أكاد ال �أ�صدق وجودي ..كانت هذه هي �أول مرة يدخل جيبي مبلغ ي�صل اىل مائة جنيه� ،أول مرة �أك�سب من عملي مثل هذا املك�سب! وكان �أكرث ما �أ�ستطيع �أن �أك�سبه حتى ذاك اىلوم هو مبلغ ع�شرين جنيه ًا يف ال�شهر� ،إذا كان �شهر ًا �سعيد ًا، و�أقل من ذلك بكثري يف معظم �شهور ال�سنة، فرغم �إين كنت �أعمل �صحفي ًا يف جملة روزاىلو�سف ورغم �أن روزاىلو�سف �أمي، فلم تكن تعطيني �إال اثني ع�شر جنيها كمرتب �شهري ومل �أكن �أعرت�ض بل مل �أكن �أح�س �أنها تبخل على ب�شيء كنت م�ؤمن ًا ب�أن هذا هو ما ي�ساويه عملي ال�صحفي لدرجة �أين تركت روزاىلو�سف يف فرتة ما وعملت يف جملة �آخر �ساعة عندما كان ميلكها الأ�ستاذ حممد التابعي ،وقرر يل مرتب ًا قدره خم�سة وع�شرون جنيه ًا يف ال�شهر ،فاعتقدت �أنه يجاملني �إكرام ًا لوالدتي ولأنه كان مبثابة �أبي الروحي ،فقد كنت يف اخلام�سة من عمري عندما بد�أ يعمل يف روزاىلو�سف ورف�ضت املرتب الذي قرره يل ،وقلت له �إين كنت �أتقا�ضي اثني ع�شر جنيه ًا يف ال�شهر ومل �أقدم جديد ًا �أ�ستحق علىه الزيادة. وال �شك �أن الأ�ستاذ التابعي اتهمني �أيامها باجلنون ،وعندما عجز عن �إقناعي قال يل �أنه �سيخف�ض مرتبي اىل ع�شرين جنيها ويحتفظ يل بالباقي يف خزانة ال�صحيفة �إذا احتجت اىله ثم رعاين ب�إح�سا�س الأب الروحي وال�صديق الكبري اىل �أن �أقيم معه يف بيته حتى يوفر على تكاىلف املعي�شة وقد �أقمت فعال اىل �أن عدت للعمل يف
روزاىلو�سف ارتباط ًا ب�أمي ..وعدت اىل مرتب االثني ع�شر جنيه ًا. وتتوا�صل ذكريات �إح�سان عبدالقدو�س فيعرتف بقوله: هذه ذكريات ا�ستعدتها و�أنا �أتذكر �أول مائة جنيه دخلت جيبي من وراء العمل ال�سينمائي ،وال �أدري ماذا مت يف الق�صتني اللتني �أخذتهما مني ال�سيدة عزيزة �أمري رحمها الله ،فقد ح�ضرت معها عدة اجتماعات لال�شرتاك يف �صياغة �سيناريو الق�صة وتعلمت يف هذه االجتماعات الكثري مما كنت ال �أعرفه عن الفن ال�سينمائي ،تعلمت �أن و�ضع ال�سيناريو لي�س عمال فردي ًا يعتمد على خيال �أديب ولكنه عمل جماعي ميكن �أن يتم
خالل درد�شة يف جل�سة ت�ضم املخرج ،البطل �أو البطلة واملنتج ،ويقول املخرج -مث ًال �أثناء الدرد�شة� :أنا من ر�أيي نخلي البنتت�ضرب الولد قلمني :وتقول بطلة الفيلم: ال �أنا ما �أحب�ش �أ�ضرب حد قدام اجلمهور! ويرد املنتج :يا�أخوانا منظر ال�ضرب ده طلع يف �أفالم كثري �أ�شوف لكم حاجة تانية. وهكذا ت�ستمر الدرد�شة اىل �أن ينتهي و�ضع ال�سيناريو ،و�أحيانا يبد�أ الت�صوير وال�سيناريو مل ينته بعد وقبل �أن تعرف البطلة والبطل م�صريهما يف الق�صة �أمام اجلمهور!! وتعلمت من ال�سيدة عزيزة �أمري �أي�ضا �أن العمل ال�سينمائي يعتمد �أ�سا�س ًا على قدرة الكامريا وعلى اختيار املناظر
وعلى درا�سة ال�سوق التجاري الذي ميكن �أن يتغري من حني لآخر ،فال�سوق التجاري قد يف�ضل يف �أحد املوا�سم عر�ض الأفالم التي ت�صور ق�ص�ص ًا عاطفية ،ويف مو�سم �آخر يف�ضل الأفالم التي ت�صور ق�ص�ص ًا عن اجلرائم �أو ق�ص�ص ًا ا�ستعرا�ضية ..و ..وهكذا اعتماد ًا على تغري ذوق اجلمهور واحتىاجا من حني لآخر� ..أي �أن الأفالم كاملو�ضات الن�سائية تتغري مو�ضتها كل عام ،وبجانب كل هذا تعلمت �أن املنتج ي�ستطيع كل �شيء خ�صو�ص ًا �إذا كان هو يف الوقت نف�سه بطل الفيلم ،وذلك عندما طلبت ال�سيدة عزيزة �أمري �أن تبدل بطلة الق�صة من فتاة عمرها �سبعة ع�شر عام ًا اىل �سيدة يف الثالثني
حتى ي�صلح الدور لتقوم هي بتمثيله ..و.. وا�ستمرت هذه االجتماعات ثم انقطعت عنها ومل �أعد �أ�سمع عن الق�ص�ص التي كتبتها لل�سينما �شيئ ًا ..ثم بعد �أكرث من خم�سة ع�شر عام ًا ،وبعد �أن عرفت ككاتب للق�صة جاءين املرحوم حممود ذو الفقار وكان زوج ًا لل�سيدة عزيزة �أمري وذكرين بهاتني الق�صتني وقال يل �أنه قرر �إنتاجهما �سينمائي ًا و�أ�صررت على الرف�ض وقلت له �أن ما كتبته يف بداية الطريق ال ميكن �أن يعرب عني بعد �أن اجتزت كل هذه املراحل ،وبعدها انقطعت عن كل املحاوالت مبا فيها حماولة اال�شتغال باملحاماة ،وتفرغت للعمل ال�صحفي والكتابة ال�سيا�سية ولأين �أهوي كتابة الق�ص�ص،
و�أكتبها منذ كنت يف العا�شرة من عمري ،فقد م�ضيت يف كتابتها كلما وجدت فراغ ًا �أمار�س فيه هواياتي ،و�أكتب ق�ص�ص ًا �أدبية للن�شر والقراءة ،ال لل�سينما!! ويف �صدق و�صراحة يعرتف �إح�سان عبدالقدو�س :وحتى قبل ثورة 23يوليو مل تكن الق�ص�ص التي �أكتبها تثري االنتباه �أو ال�ضجة ،فقد كان االنتباه وال�ضجة مركزين حول املقاالت واحلمالت ال�سيا�سية التي �أكتبها و�أمهد بها للثورة ،ثم بعد �أن متت الثورة وا�ستقر الو�ضع ال�سيا�سي بد�أت الق�ص�ص تثري انتباه القراء وتثري ال�ضجيج حولها �أكرث مما تثريه املقاالت والتعلىقات ال�سيا�سية ،و�أ�صبحت �أفاج�أ ب�أ�صحاب
�شركات الإنتاج ال�سينمائي يرتددون على عار�ضني وملحنني يف �إنتاج الق�ص�ص التي �أكتبها والتي �سبق �أن كتبت ون�شرت منذ �سنوات ..وطبعا كنت �أوافق ،ف�أن كل كاتب يرحب ب�أن يعر�ض �شخ�صيات ومو�ضوعات ق�ص�صه يف كل جمال. وقد بد�أت ب�أن كنت حري�صا على ال�صورة التي �ستبدو بها ق�ص�ص على ال�شا�شة وكنت �أ�شرتط يف العقود التي �أوقعها �أن يكون يل الكثري من احلقوق� ،أولها حق املوافقة على ال�سيناريو واحلوار ومتثيل ال�شخ�صيات و ..و ..لكنني اكت�شفت �سريع ًا �أن كل هذه احلقوق ال قيمة لها ،و�إين �إذا �أردت �أن �أفر�ض ما �أريده ،فيجب �أن �أتفرغ كلي ًا
للعمل ال�سينمائي و�أن �أتويل م�س�ؤوليته كاملة مبا فيها م�س�ؤولية ر�أ�س املال ،وحتى بعد ذلك لن �أ�ستطيع �أن �أ�صنع من فيلم �سينمائي �صورة طبق الأ�صل لق�صة مكتوبة ومن�شورة للقراءة وذلك للفرق الكبري بني الإنتاج الأدبي والإنتاج ال�سينمائي� ..أو بني ما يتطلبه الأدب املجرد و�أدب ال�سينما، فالإنتاج الأدبي -كما قلت -عمل فردي يقوم به امل�ؤلف وحده ،والإنتاج ال�سينمائي عمل جماعي تتعاون فيه جمموعة من الفنانني ..و ..والإنتاج الأدبي يعتمد على حتريك و�إطالق حرية خيال القارئ والإنتاج ال�سينمائي يعتمد على جذب وح�صر خيال املتفرج يف �صورة حمددة ..و ..و كل هذه الأ�سباب وغريها كثري جعلتني �أ�ست�سلم كلية للم�س�ؤولني عن العمل ال�سينمائي ومل �أ�ست�سلم �إال بعد �أن اختلفت مع كثري من املنتجني حول ال�صورة ال�سينمائية التي يقدمونها للق�ص�ص ،وكان يعزيني يف ا�ست�سالمي �أن كل �أدباء العامل و�أكرب ُكتابه قد ا�ست�سلموا قبلي ،وكما قال الق�صا�ص الإيطاىل املعروف الربتومورافيا يف حديث له� :أن كل ما بيني وبني ال�سينما هو �أن �أبيع و�أقب�ض الثمن!! ولهذا بقيت دائم ًا متبتعد ًا عن العمل ال�سينمائي ،ولكن رغم هذا كانت ت�صادفني ظروف ومنا�سبات تدفعني اىل �أن �أكتب ق�ص�ص ًا �سينمائية ..ق�ص�ص ًا لي�ست معدة للن�شر والقراءة ولكنها معدة للت�صوير ال�سينمائي ،ومن ناحية �أخري فهي ق�ص�ص ال تعتمد على حتريك خيال القارئ ولكنها معدة لربط عيني املتفرج بال�صورة ،والفرق بني النوعني يف ال�سياق والبناء والتعبري فرق كبري ..مع العلم �أين دائم ًا اكتفي بكتابة ق�صة الفيلم ال ال�سيناريو ،اي �أكتفي ب�سرد املو�ضوع والأحداث وال�شخ�صيات و�أترك حتديد اللقطات ال�سينمائية لكاتب ال�سيناريو .من هذه الق�ص�ص ،ق�صة فيلم الله معنا ،كنا يف العام الأول من الثورة وطلب مني �أن �أ�صور ق�صة الثورة يف فيلم �سينمائي وكتبت الق�صة ..ق�صة ال�ضباط الأحرار والأ�سلحة الفا�سدة وامللك فاروق والأحزاب القدمية وال�صحافة وال�شعب.. وكنت م�ؤمن ًا �أن النا�س يف حاجة اىل ر�ؤية كل هذا يف ق�صة ،و�أن �أ�سرع طريق و�أقربه اىل النا�س لتقدمي هذه الق�صة هو العمل ال�سينمائي ..و�سهرت لياىل �أكتب و�أنا �أحاول �أن �أكون �سينمائي ًا ..وبذل �ستديو م�صر جهد ًا كبري ًا حتى �أ�صبحت الق�صة
◄
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
10 معدة للعر�ض ال�سينمائي يف مدة ق�صرية، ولكن ..كانت الثورة �أيامها جتتاز مرحلة التنظيم واال�ستقرار الداخلي ،وقد تعر�ضت هذه املرحلة لفرتة قلق وتوتر �سيا�سي ومت فيها كثري من التغيريات القيادية ،كما امتلأ جو هذه املرحلة بكثري من الإ�شاعات والد�سائ�س وكل هذا �شمل فيلم الله معنا و�أحاطه بكثري من الإ�شاعات كدت �أنا �شخ�صي ًا �أروح �ضحيتها مما �أدي اىل �أن يبقي الفيلم خمتبئ ًا داخل علب ال�صفيح نحو ثالث �سنوات ،ومما �أدي اىل �أن الرئي�س ال�سادات تردد بنف�سه عدة مرات على �ستديو م�صر لي�شاهد الفيلم يف عر�ض خا�ص �ساعي ًا اىل �إطالق حريته وعر�ضه على اجلمهور اىل �أن كنت يوم ًا مع املغفور له الزعيم اخلالد جمال عبد النا�صر وجاءت �سرية الله معنا خالل احلديث ،فقرر الزعيم �أن يراه بنف�سه، وتف�ضل ودعاين اىل مبني اال�سرتاحة التي كان يق�ضي فيها �أيام راحته يف القناطر اخلريية ..وهناك عر�ض الفيلم على الرئي�س و�أنا معه ..وده�ش رحمه الله بعد �أن �شاهد الفيلم من كذب الأ�سباب التي كانت ترتدد والتي �أدت اىل وقف عر�ضه ،و�أمر بعر�ضه فع ًال ،وتف�ضل حتية وت�أييد ًا للجهد الذي بذل يف هذا الفيلم وح�ضر بنف�سه عر�ض الفيلم يف �سينما ريفويل ورمبا كان هذا �أول فيلم يح�ضر جمال عبدالنا�صر وب�صفته الر�سمية حفل افتتاح عر�ضه ،وكانت هذه �أول ق�صة �سينمائية �أكتبها وتعر�ض على ال�شا�شة. �سر قبالت �أبى فوق ال�شجرة! كلما �شاهدت فيلم�أبى فوق ال�شجرة بطولة عبداحلليم حافظ ونادية لطفى ومريفت �أمني �أنده�ش من �سيل القبالت التى منحها عبد احلليم لبطلتى الفيلم!! بطول الفيلم وعر�ضه تطايرت وتناثرت وتبعرثت ع�شرات القبالت التى تفنن و�أبدع املخرج الراحلح�سني كمالفى ت�صويرها من خمتلف الزوايا! كانت هذه القبالت �أحد الأ�سباب التى دعت �إح�سان عبدالقدو�س كاتب الق�صة وال�سيناريو واحلوار �إىل رف�ض �إجراء �أى تعديالت فيما كتبه �سواء بزيادة عدد القبالت �أو عدد الرق�صات ..و ..واليوجد فيلم �سينمائى �شهري م�أخوذ عن �إحدى روايات �إح�سان عبدالقدو�س �إال وفيه ع�شرات احلكايات املده�شة والغريبة ،ويعرتف �إح�سان �أنهيحتاج �إىل كتاب كاملي�ضم كل �أ�سماء الفنانني والفنانات الذين لعبوا بطولة هذه الأفالم. لقد كتب�إح�سان بع�ض هذه الذكريات فى مقاله املمتع �أنا وال�سينما الذي كان مقدمة جمموعته دمي ودموعي وابت�سامتي �صدر عام .٤٧٩١ وتتابع ذكريات �إح�سان عبدالقدو�س ال�سينمائية فيقول: بعد �سنوات طويلة طلبت منى م�ؤ�س�سة ال�سينما �أن �أكتب ق�صة �سينمائية عن معركة بور�سعيد واعتداء عام ٦٥٩١وقلت لهم �إنى كتبت ق�صةال تطفئ ال�شم�سمن وحى هذه املعركة،و�إن كانت ال�سينما قد اخت�صرت منها املعركة عندما �أنتجتها.. ولكن رجال امل�ؤ�س�سة �أ�صروا على �أن �أكتب ق�صة �أخرى،لأنهم يريدون �أنينتجوا فيلم ًا يعر�ضونه فى اخلارج ..فى جميع �أنحاء العامل .وحتم�ست وكتبت ق�صةالبحث عن �ضابط عربت فيها �سينمائي ًا عن �شعاري قول �أن ال�سجن ال�صغري فى بلد حر ..خري من احلرية فى بلد �سجني. وال �أدرى ماذا حدث للق�صة بعد �أن قدمتها، كل ما �أدريه �أنه جرت تغيريات �إدارية فى وظائف م�ؤ�س�سة ال�سينما ..تغيري رئي�س جمل�س الإدارة �أكرث من مرة ..وتغيري املوظفني ..و�أ�صبح �شغل امل�ؤ�س�سة ال�شاغل هو املراكز الوظيفية ،و�شهوات املوظفني ثم بعد حواىل ع�شر �سنوات ات�صل بى رئي�س جمل�س الإدارة ليقول ىل �أنه بحث عن �أ�صل ق�صةالبحث عن �ضابط فلم يجدها.. �ضاعت و�سط الفو�ضى الوظيفية وطلب منى
العدد ()2109ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )23ني�سان 2011
العدد ()2109ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )23ني�سان 2011
�أن �أبحث له عن ن�سخة �أخرى من الق�صة ورف�ضت ..فاملنتج الذى ت�ضيع منه ق�صة الي�ستحق �أنينتجها حتى بعد �أنيجدها.. خ�صو�ص ًا�أن هناك دائم ًااحتما ًال�أن تكون الق�صة قد ُ�سرقت وا�ستغلت حتت ا�سم �آخر. ثمي�صل �إح�سان عبدالقدو�س فى ذكرياته ال�سينمائية �إىل فيلم�أبى فوق ال�شجرةوالذى ا�ستمر عر�ضه مايزيد على العام،وكان ذلك حدث ًا�سينمائي ًافريد ًافى وقته،وكان الفيلم من بطولة الفنان عبداحلليم حافظ ونادية لطفى والوجه اجلديد �أيامهامرفت �أمني،وكان �أكرث ما لفت االنتباه و�أثار �ضجة وقتها عدد القبالت التى حدثت بني بطل الفيلمعبداحلليموالفنانةنادية لطفىالتى قامت بدور راق�صة!! ومع ه�ؤالء النجوم كان هناك �أي�ض ًاالفنان الكبريعماد حمدى،وكان الفيلم من �إخراج املوهوب الرائعح�سني كمال،وعن كواىل�س�أبى فوق ال�شجرةيقول �إح�سان عبدالقدو�س: وبعد �سنوات حركنى خياىل �إىل ق�صة�أبى
�أن �أعيد كتابة�أبى فوق ال�شجرةكق�صة �سينمائية،ولأنى كنت �أيامها �أعانىمن الإح�سا�س بالفراغ،فقد قبلت �أن �أ�شرتك- ولأول مرة -فى كتابة ال�سيناريو واحلوار. وقد عر�ضتنى هذه التجربة مل�شكلة العمل اجلماعى،وماميكن �أني�ؤدى اىله من مناق�شات وخالفات،وقد حدث بعد �أن انتهيت من كتابة ال�سيناريو واحلوار�،أن �أعادت �إ ّ ىلال�شركة مع رجاء �إجراء بع�ض التعديالت ..ورف�ضت املوافقة على �إجراء �أى تعديل،رغم �أن التعديالت املطلوبة مل تكن كبرية �أو مت�س �صلب املو�ضوع� ..إمنا كانت تعديالت تفر�ضها عقلية �صاحب ر�أ�س املال ..كزيادة عدد الرق�صات�،أو زيادة عدد القبالت�،أو تركيز ال�صورة على البطل.. �أو� ..أو ..والواقع �أنى كنت قد زهقت من العمل اجلماعى الذىيتطلبغالب ًاحتقيق رغبة �أمزجة �شخ�صية للعاملني فى الفيلم،ولو �سردت الأ�سباب ال�شخ�صية التى تدفع �إىل �إجراء تعديالت فى �سياق الأفالم..
ال�شخ�صيات واحلوادث. وقعت حربيونيو ..النك�سة ..الهزمية.. و�أ�صبح كل عقلى واندفاعى مرتبط ًابالواقع اجلديد ..واقع الهزمية،مل �أعد �أ�ستطيع �أن �أنفعل �إال باملوقفني ال�سيا�سى والع�سكرى ..و�ألقيت ق�صةدمى ودموعى وابت�سامتىبعيد ًا،وتفرغت بكل قلمى لكتابة املقاالت ال�سيا�سية،ثم كتبت -بعد النك�سة- ثالث ق�ص�ص ق�صرية ت�صور املجتمع الذى �أدى �إىل الهزمية ..ثم توقفت نهائي ًاعن كتابة الق�ص�ص ..لأنى ال �أ�ستطيع �أن �أ�شد نف�سى بعيد ًاعن انفعاىل باملوقفني ال�سيا�سى والع�سكرى،ولأنى ال �أريد �أن �آخذالنا�س بعيد ًاعن هذا املوقف فى ق�صة عاطفية. وال �أريد �أن �أ�صدمهم بق�صة متثل واقع الهزمية. ومر عام وعامان وثالثة و�أ�صبحنا فى العام الرابع ..وتذكرت �صدفة وحتت �إحلاح املنتجني ال�سينمائيني فكرة ق�صةدمى ودموعى وابت�سامتىوقررت �أن �أكتبها
فوق ال�شجرة ،وبد�أت �أكتبها كعمل �أدبى ال عالقة له بال�سينما ..و�أنا عندما �أكتب ق�صة طويلة �أبد�أ بت�سجيل مو�ضوعها على �أوراق �صغرية قليلة ..ثم �أبد�أ فى ت�سجيل ال�شخ�صيات واملواقف فى �أوراق �أخرى.. وهذا الإعداد يتطلب منى �شهور ًا ..ثم بعد ذلك �أبد�أ فى كتابة ف�صولها للن�شر. وكتبت من ق�صة �أبى فوق ال�شجرة خم�سة ف�صول من م�سل�سله كان املفرو�ض �أن تتطلب ثالثة وع�شرين ف�ص ًال ..وبد�أت �أعلن عنها على �صفحات روزاليو�سف ..ون�شرت الإعالنات فع ًال ..ولكن! فج�أة تركت العمل يف روزاليو�سف واجتزت مرحلة �شخ�صية توقفت خاللها عن �إمتام كتابة الق�صة كعمل �أدبي ..ومرت �شهور طويلة و�أنا ال �أكتب، وال �أفكر �إذا كتبت فى ن�شر ما �أكتبه ..ثم خفت على فكرة الق�صة �أن ت�ضيع من ر�أ�سى، وكانت �شركة �إنتاج �سينمائى تبحث �أيامها على �إحدى ق�ص�صى ،فقررت عن ق�صة ،وتلح ّ
كل الأفالم،الحتجت �إىل كتاب كاملي�ضم كل �أ�سماء الفنانني والفنانات الكبار امل�شهورين ..فاتن ..و�سعاد ونادية وماجدة وفريد الأطر�ش وعبداحلليم و�صباح.. و ..و ..وطبع ًا فر�ض �صاحب ر�أ�س املال �إرادته على فيلم �أبي فوق ال�شجرة وا�ستعان ببع�ض الزمالء الأدباء لإجراء التعديالت التي يريدها ..ومع جناح الفيلم بعد ذلك- وهو ما �أعتز به� -إال �أنى مازالتغري موافق على التعديالت الب�سيطة التى متت. ثم ينتقل �إح�سان عبدالقدو�س �إىل �أ�سرار وكوالي�س حكاية �سينمائية �أخرى فيقول: فى �أوائل عام ٧٦٩١خطرت يل فكرة ق�صة جديدة طويلة هي ق�صة دمي ودموعي وابت�سامتي وقررت بينى وبني نف�سى �أن �أبد�أ فى ن�شرها م�سل�سلة يف جريدة �أخبار اليوم يف �شهر دي�سمرب حتى �أ�ستقبل بها العام اجلديد عام ،٨٦٩١وبعد �أن اجتزت مرحلة �إعداد املو�ضوع ،ثم مرحلة �إعداد
�سينمائي ًا،لأن ال�سينما ال تلهي املتفرج مثلما يتلهى القارئ يف الق�صة املكتوبة �سواء ن�شرت يف كتاب �أو م�سل�سلة يف جريدة.. ال�سينما ترفة عنه �ساعتني �أو ثالث�،أما الق�صة امل�سل�سلة فت�أخذه طوال فرتة ن�شرها ..ت�أخذه بعيد ًا عن املعركة. ولي�س معنى هذا �إين �أعار�ض يف ن�شر الق�ص�ص امل�سل�سلة هذه الأيام حتى ولو كانت ق�ص�ص ًا عاطفية ،ولكنى �أحتدث عن ا�ستعدادي اخلا�ص ،وحالتي النف�سية اخلا�صة التي ال حتتمل الآن �أن �أكتب ق�صة عاطفية طويلة،خ�صو�ص ًا �أنى عندما �أكتب ق�صة �أنفعل بها و�أحيان ًا �أعي�شها�،أكرث مما ينفعل القارئ ويعي�شها. وكتبت الق�صة الطويلة فى ق�صة �سينمائية و�أعطيتها للمنتج ..واعتذرت عن �إعادة جتربة كتابة ال�سيناريو واحلوار� ..أى �إعادة جتربة العمل اجلماعى. ونف�س ال�شىء حدث بالن�سبة لق�صة
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
ياحبيبى ال تراين بعيون النا�س ،فقد كانت هذه الق�صة فى مكتبى جمرد ب�ضعة �سطور ت�سجل خاطر ًا ق�ص�صي ًاخطر ىل عن �صورة من �صور جمتمع اجليل اجلديد.. ثم عر�ض على �أن �أقدم ق�صة ت�صلح لفيلم ا�ستعرا�ضى ..و�أنا منذ البداية مقتنع ب�أن الفيلم اال�ستعرا�ضى لي�س من ال�ضرورى �أنيقوم على ق�صة بطلها فنان حمرتف.. راق�ص �أو مطرب ،فاحلياة كلها ا�ستعرا�ض كبري ،وكل النا�س يرق�صون ويغنون دون �أنيحرتفوا الرق�ص والغناء ودون �أنيكونوا فنانني� ..أنت و�أنا نرق�ص ونغنى فى حياتنا اخلا�صة ..وكثري من الأفالم اال�ستعرا�ضية العاملية الناجحة ال تقوم على ق�ص�ص �أبطالها فنانون حمرتفون ..وفرانك �سيناترا بنى جمده على �أفالم مليظهر فيها كمطرب حمرتف ،ولكن جمرد �شخ�ص عادىيغنى كمايغنى فيه النا�س!! والق�ص�ص التى كتبتها وحتولت �إىل �أفالم غنائية مليكن بطلها مطرب ًا حمرتف ًا يعر�ض �أغانيه على اجلمهور� ..إمنا هى ق�ص�ص ت�صور حياة عادية.. وقد اعتذرت عن �أن �أكتب ق�ص�ص ًا �سينمائية لكثري من كبار املطربني واملطربات لأنى كنت �أعلم مقدم ًا �أن كال منهم يريد �أن تكون الق�صة قائمة على ت�صوير حياته كفنان حمرتف يواجه اجلمهور ..ولي�س معنى ذلك �أنى �أعرت�ض على الأفالم اال�ستعرا�ضية التى ت�صور حياة فنان ولكنى فقط ل�ست مقتنع ًا ب�أن �شخ�صية بطل الق�صة اال�ستعرا�ضية يجب �أن تكون دائم ًا �شخ�صية فنان حمرتف ..ولهذا بد�أت �أكتب ق�صة يا حبيبى ال ترانى بعيون النا�س كق�صة �سينمائية ا�ستعرا�ضية ،و�إن كنت قد �أدخلت فيها املواقف وال�شخ�صيات التي ميكن �أن تف�سح �أمام كاتب ال�سيناريو جمال امل�شاهد اال�ستعرا�ضية ،و�أكرث من ذلك تعمدت فى هذه الق�صة ،وحتى �أكون �صريح ًا �أن �أ�ضيف �إىل �شخ�صية البطلة مواقف حترتف فيها الفن. ثمي�ضيف �إح�سان قائ ًال :و�أخري ًا فقد كتبت تاريخ ًا �سريع ًا لعالقتى بالعمل ال�سينمائى، وكتبته بال تفا�صيل،لأن التفا�صيل حتتاج -كما ذكرت� -إىل كتاب خا�ص كما �أنى تعمدت �أن �أجتاهل بع�ض الوقائع املتعلقة بالإنتاج ال�سينمائى ،رمبا لأن هذا لي�س الوقت املنا�سب لإذاعتها ،ورمبا لأنى ال �أكتب الآن ك�صحفي يهمه �أنيبدو �أمام القارئ ك�أنه يعرف كل �شىء وكل الأ�سرار، و�إمنا �أنا �أكتب جمرد مقدمة ملجموعة الق�ص�ص ال�سينمائيةالتى �أعددتها. ومليخطر على بايل يف يوم من الأيام �أن �أن�شر هذه الق�ص�ص،لأنها ق�ص�ص لي�ست معدة للقراءة ،واليراعى فيها الأ�سلوب وال�سياق الأدبى املعد للقراءة� ،إمنا هى ق�ص�ص تعتمد �أ�سا�س ًا على حتديد جمال ال�صورة ال�سينمائية التى تبدو على ال�شا�شة،فمث ًال ال �أراعى فى هذه الق�صة حتليل �شخ�صية البطل �أو البطلة حتلي ًال كام ًال بقلمى� ،أمنا �أترك لل�سيناري�ست وللكامريا و�أداء املمثل �أن يتولوا هذا التحليل ..وكما قلت ف�إن الفرق بني الإنتاج الأدبى املجرد ،والإنتاج ال�سينمائى فرق كبري .ورمبا وافقت على ن�شر هذه الق�ص�ص لأنى �أريد �أن �أنفى عن نف�سى االتهام ب�أنى منقطع عمد ًاعن كتابة الق�صة ..و�أنا ال �أ�ستطيع �أو �أمتنع عن كتابة الق�ص�ص� ..إنها هوايتى منذ كنت فى العا�شرة من عمرى كما �سبق �أن قدمت، وهى الهواية التى تطورت معى بقدر ما تطورت يف ن�ضجي ويف درا�ساتي ويف عقليتي. �أما ال�سبب الأهم الذي دعا �إح�سان لن�شر هذه الق�ص�ص فهو قوله ..لأنى �أومن و�أدعو �إىل �أن يكون فى الأدب العربي ماميكن �أني�سمى الأدب ال�سينمائى حتى �أرفع من م�ستواه ومن تقديره �إىل م�ستوى وتقدير الأدب امل�سرحي.
11
إحسان عبد القدوس والحب اعداد :منارات خطوات على الطريق...
ولد "�إح�سان" يف 1يناير ،1919والدته هي املمثلة اللبنانية "روزاليو�سف" التي جاءت م�صر مع مطلع الع�شرينيات لتعمل بالتمثيل على خ�شبة امل�سرح� ..أ�سلمت و�أ�صبح ا�سمها "فاطمة اليو�سف" وتزوجت من �أحد املمثلني املغمورين وهو "حممد عبد القدو�س" ،و�إن كان هذا الزواج مل يدُم �سوى ثالثة �أ�شهر �إال �أنه �أ�سفر عن هذا املولود الذي �أ�صبح �أحد عمالقة الرواية فيما بعد.. وعن هذا يقول "�إح�سان عبد القدو�س" يف �إحدى مقاالته�" :أبي كان مهند�سا يف احلكومة ،ثم تركها وتفرغ للفن كلية ،وكان كاتبا يكتب امل�سرحيات وال�شعر والزجل وميثل على امل�سرح ويلقي مونولوجات وي�ضع كلماتها و�أحلانها� .أما �أمي فكانت ممثلة ..وقد رباين جدي لأبي وكان �أزهريا ومتحفظا �إىل حد التزمت ،ورغم ذلك كان متميزا بتقدير الفن والفنانني .لذلك عانيت التمزق بني جمتمعني ،و�أثر يف تكوين �شخ�صيتي وعقليتي ..جمتمع جدي املحافظ املتزمت يف تدينه ،وجمتمع �أبي و�أمي املتحرر املنطلق..
"�إح�سان" ال�صحفي..
رغم �أن "�إح�سان" تخرج يف كلية احلقوق جامعة القاهرة عام ،1942ورغم قيامه كمحام حتت التمرين يف �أحد �أكرب بالعمل ٍ املكاتب حينها� ،إال �أنه التحق للعمل مبجلة والدته "روزاليو�سف" عام ،1944وبهذا بد�أ عمله ال�صحفي ،و�شرع يف كتابة الرواية والق�صة الق�صرية ،ليرتك مهنة املحاماة ويتفرغ للكتابة ،والعمل ال�صحفي ..وليعمل بجريدة الأخبار ملدة � 8سنوات ،ويلتحق من بعدها بجريدة الأهرام يف �أزهى ع�صورها حتى ي�صل ملرتبة رئي�س حتريرها.. ولي�صبح بعد �سنوات معدودة من �أهم و�أميز الكتاب ال�صحفيني على ال�ساحة الأدبية.. حيث �إنه يعد من الكتاب ال�سيا�سيني �أ�صحاب املواقف القوية الوا�ضحة� ،إذ �أنه كان ي�ؤمن با�ستقالل الر�أي واحلرية التي ال قيمة للإن�سانية من دونها ،ف�أخذ يرف�ض كل �أ�شكال الت�سلط واال�ستبداد ،رف�ض امللكية كما رف�ض الأحزاب التي تتخذ من �شخ�ص م�صدر �إلهام ورمزا للقوة ،كما كانت عينه على هذا البلد امل�أزوم �سيا�سيا واقت�صاديا واجتماعيا ..ولعل من �أبرز مواقفه ال�سيا�سية ت�صديه للف�ساد ال�سيا�سي حني �أثار ق�ضايا الأ�سلحة الفا�سدة ،الأمر الذي زج به ب�سبب �أحد مقاالته يف ال�سجن..
هو و"ال�سادات"
مما ي�ؤكد قوة و�صمود �شخ�صية هذا ال�صحفي الكبري والأديب املبدع �أنه مل يكن يقبل ب�أي �ضغوط �أيا كان م�صدرها ..فقد اختلف مع الرئي�س "�أنور ال�سادات" يف
�إذا كنت تتكلم عن احلب يف الرواية العربية� ..إذا كنت تتكلم عن �أكرث الروايات رومان�سية وعاطفة ،فمن امل�ؤكد �أن خيالك �سوف يذهب �إىل هذا الروائي املبدع "�إح�سان عبد القدو�س" الذي �ألف ما يقرب من 59رواية مت حتويل معظمها �إىل �أفالم �سينمائية احتلت مكانة بارزة يف عقول وقلوب اجلمهور العربي ..هذا �إ�ضافة �إىل م�ؤلفات �أخرى.. الر�أي حول �أمر ما تعددت حوله الأقاويل فقام عام 1974باال�ستقالة من رئا�سة �أخبار اليوم ،وبعدها بعام ا�ستقال من رئا�سة حترير الأهرام لأ�سباب تتعلق �أي�ضا بحرية الر�أي والتعبري..
مع "جمال عبد النا�صر"
كانت لكاتبنا مواقف عدة مع الزعيم الراحل "جمال عبد النا�صر" فقد كان منتقدو وكارهو "�إح�سان" يحاولون الإيقاع بني الكاتب والزعيم ..ف�أخذ بع�ضهم ي�ؤول قراءته لرواية �إح�سان "�أنف وثالث عيون" ب�أن املق�صود منها هو "عبد النا�صر"، و�صادف �أنه يف هذه الفرتة يقدم برناجما �إذاعيا ،فاحتجوا على عنوان الربنامج.. بل على كلمة يف العنوان .فات�صل به "عبد النا�صر" ليغري هذه الكلمة� ،إال �أنه رف�ض وترك الربنامج� .أتدرون ما هذه الكلمة التي اعرت�ضوا عليها ورف�ض هو تغيريها� ..إنها احلب ..فقد كان الربنامج بعنوان "ت�صبحون على حب" ،و�أرادوا �أن يغريوا كلمة احلب �إىل "حمبه" ،حتت مفهوم احلفاظ على الأدب واحلياء العام ...رحم الله اجلميع فهم مل يعي�شوا لريوا ما نحن فيه من كالم عن كل �شيء و�أي �شيء وبطريقة ت�ؤدي لتدمري احلياء ولي�س خد�شه!!!
موقف �آخر..
حققت رواية "البنات وال�صيف" مبيعات فاقت الت�صور ،غري �أنها القت اعرتا�ضا وا�سعا يف �أو�ساط املثقفني ملا اعتربوه �إباحية يف تناول الأفكار ..فطالبوا مبنعها، وبالفعل �صدر قرار بذلك ،الأمر الذي جعل "�إح�سان" يبعث بر�سالة �إىل عبد النا�صر قال فيها: "�أنا ال �أتع َّمد اختيار نوع ُمعينَّ من الق�ص�ص� ،أو اجتاه ُمعينَّ ،ولكن تفكريي يف الق�صة يبد�أ دائم ًا بالتفكري يف عيوب املجتمع ،ويف ال ُع َقد النف�سية التي يُعانيها النا�س ،وعندما �أنتهي من درا�سة زوايا املجتمع� ،أُ�سجل درا�ستي يف ق�صة .وكل الق�ص�ص التي كتبتها كانت درا�سة �صادقة وجريئة لعيوب جمتمعنا ،وهي عيوب قد يجهلها البع�ض ،ولكن الكثريين يعرفونها، وهي عيوب حتتاج �إىل جر�أة الكاتب، حتى يتحمّل م�س�ؤولية مواجهة النا�س بها .والهدف من �إبراز هذه العيوب ،هو �أن يح�س النا�س ب�أنّ �أخطاءهم لي�ست �أخطاء فردية ،بل هي �أخطاء جمتمع كامل ،و�أخطاء لها �أ�سبابها وظروفها ،ون�شرها �سيجعلهم ي�سخطون و�سي�ؤدي بهم ال�سخط �إىل االقتناع ب�ضرورة التعاون يف و�ضع تقاليد جديدة ملجتمعنا ،تت�سع للتطور الكبري الذي جنتازه ،وحتمي بناتنا و�أبناءنا من الأخطاء التي يتعر�ضون لها ،نتيجة هذا التطور .ولقد بد�أ النا�س ي�سخطون فع ًال،
لكنهم بد ًال من �أن ي�سخطوا على �أنف�سهم وعلى املجتمع� ،سخطوا على الكاتب". دعني �أحب...
يتكلم "�إح�سان" عن احلب الأول يف حياته فيقول:
"احلب الأول يف حياتي كان لبنت اجلريان ،كانت �صديقة البنة عمتي ،وكان حبا �أعتربه من �أرقى و�أنظف و�أعمق �أنواع احلب الذي يجمع بني �صبي و�صبية ،كان عمري وقتها 14عام ًا ،وهي 13عام ًا ،كان حبا قوي ًا ال يتجاوز �أنها تزور ابنة عمتي و�أجل�س معها كما كانت التقاليد، وكنت �أنتظرها على حمطة الرتام و�أركب معها لأو�صلها �إىل مدر�ستها "ال�سنية" ..ثم �أعود على قدمي بعد ذلك �إىل مدر�ستي "ف�ؤاد الأول".. ولعل تفتح قلب هذا الرجل على احلب يف مراحله الأوىل من العمر جعله يتخذ منه و�سيلة للحياة ،وقوتا للروح فكانت كل كتاباته عن احلب ،ومعركته ل�صاحله، وحديثه عن �أهله وعذاباتهم و�أ�شواقهم ومرا�سيهم ...ولعل يف كتابته عن احلب تعر�ض لكوامن ال�شهوات املت�أججة خلف م�شاعرنا الب�شرية ..الأمر الذي جعل موقف النقاد من �أعماله كان منطق التجاهل بالأ�سا�س حيث جتاهله النقاد� ،أما الذين ذكروه فقد كان ذكره كان من منطلق هجومي ..فمنهم من قال "�إنه �أديب فرا�ش"، و�إنه رائد مدر�سة الأدب العاري" ،ومنهم من ذهب �إىل �أنه "ابن �أمه" و�أنه ال يعتني بجمله ،فهو يكتب ال�سهل غري املمتنع". ومبرور الوقت ظهر من اهتموا ب�إبداعات الرجل و�أدركوا قيمته الفنية والإبداعية والإن�سانية و�أخذوا يدر�سون �أعماله ويهتمون بتحليلها و�إعطائها حقها ..وه�ؤالء �أخذوا يرف�ضون فكرة �أنه كاتب يثري الغرائز يف كتاباته �إىل فكرة �أنه يتعر�ض لهذه الغرائز من منطق التحليل والتو�ضيح وهو يتجول يف النف�س الإن�سانية لأبطال رواياته.
جوائز ح�صل عليها:
ح�صل "�إح�سان" على و�سام اال�ستحقاق من الدرجة الأوىل من الرئي�س الراحل "جمال عبد النا�صر" ،كما ح�صل على اجلائزة الأوىل عن روايته "دمي ودموعي وابت�ساماتي" يف عام ،1973وجائزة �أح�سن ق�صة فيلم عن روايته "الر�صا�صة ال تزال يف جيبي" ،و�أخريا ح�صل على و�سام اجلمهورية من الدرجة الأوىل الذي منحه له الرئي�س "مبارك" يف عام .1990 هذا وقد ترجمت �أعماله لعدة لغات كالإجنليزية ،والفرن�سية ،ال�صينية، والأملانية .ومل ين�ضب نبع �إبداع هذا الرجل حتى وافته املنية يف يف 11يناير .1990 http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
12
العدد ()2109ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )23ني�سان 2011
العدد ()2109ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )23ني�سان 2011
إحسان عبد القدوس يتذكر:
نساء في حياتي
13
أسلوب إحسان عبد القدوس... موضة الروايات الجديدة
�سعاد �أبو غازي
�إح�سان عبد القدو�س ..من �أين له بكل هذه التفا�صيل عن عامل الن�ساء؟عندما �أقر أ� لإح�سان عبد القدو�س �أو �أقر�أ عنه� ،أ�ستعيد فرتة من حياتي كان هو عنوانها الرئي�س بال منازع �سوى �أجاثا كري�ستي؛ ففي تلك الفرتة التي ي�سمونها "املراهقة" كنت �أتن ّقل بينهما؛ فقر�أت كل ما كتبا؛ فكنت �أ�ستمتع بروايات كري�ستي وقدرتها العجيبة على جعلي ال �أترك الرواية �إال مع �إنهاء ال�سطر الأخري منها� ..أما �إح�سان فمع �إعجابي ال�شديد به ،كنت دائمة الت�سا�ؤل :ملاذا ي ُِ�ص ّر هذا الرجل على الكتابة عن عامل الن�ساء بكل هذا ال�شغف ،وب�سرد كل هذه التفا�صيل التي ال تعرفها غري امر�أة؟ �ألي�س عامل الرجال �أقرب �إليه؟! ّ وظل هذا الت�سا�ؤل بال جواب� ،إىل �أن قر�أت هذا الكتاب لأمرية �أبو الفتوح بعنوان "�إح�سان عبد القدو�س يتذكر"؛ ف�أدركت ملاذا كان هذا الرجل بارع ًا يف الكتابة عن عامل الن�ساء من دون غريهن؛ ف�إذا كانت لديك رغبة يف املعرفة ،ابق حتى ال�سطر الأخري.
"�إح�سان" واملتناق�ضات
ا�سمه احلقيقي �إح�سان حممد عبد القدو�س �أحمد ر�ضوان ،ن�ش�أ يف بيت جده لوالده ال�شيخ �أحمد ر�ضوان ،وكان من خريجي اجلامع الأزهر ،وعمل رئي�س كتاب باملحاكم
ال�شرعية ،وكان �شديد التديّن يفر�ض على جميع العائلة االلتزام والتم�سك ب�أوامر الدين و�أداء الفرو�ض واملحافظة على التقاليد؛ هذا يف الوقت الذي كانت فيه والدة �إح�سان ،الفنانة وال�صحفية الالمعة روزاليو�سف� ،سيدة متحررة تفتح بيتها لعقد ندوات ثقافية و�سيا�سية ي�شرتك فيها كبار ال�شعراء والأدباء وال�سيا�سيني؛ فكان �إح�سان الطفل ينتقل من ندوة جده -حيث علماء الأزهر -وي�أخذ جرعته الدينية، وقبل �أن يه�ضمها يجد نف�سه يف �أح�ضان ندوة �أخرى على العك�س متام ًا؛ �إنها ندوة روزاليو�سف ..فيقول �إح�سان عن تلك الفرتة" :كان االنتقال بني هذين املناخني ي�صيبني مبا ي�شبه الدوار الذهني؛ حتى اعتدت عليه بالتدريج ،وا�ستطعت �أن �أُعِ ّد نف�سي لتقبّله ك�أمر واقع يف حياتي ،ال مف ّر منه". هنا تعود �أمرية �أبو الفتوح ملا قبل ميالد �إح�سان؛ رمبا لت�ؤكد املتناق�ضات التي �صنعت عامل �إح�سان؛ حتى قبل ميالده؛ فتقول� :إن والد �إح�سان هو الفنان حممد عبد القدو�س الذي ن�ش�أ وتربى يف بيئة متدينة؛ حيث والده �أحد علماء الأزهر� ،أما والدته ال�سيدة فاطمة اليو�سف؛ فقد وُلدت يف �إحدى قرى لبنان ،وعرفت اليُتم والغربة منذ بداية حياتها ،وبطريقة �أو ب�أخرى
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
جاءت اىل القاهرة لتبد�أ �أوىل خطواتها يف عامل التمثيل يف فرقة "�إ�سكندر فرح وعزيز عيد"؛ فتتعرف على حممد عبد القدو�س املهند�س -وقتها -بالطرق والكباري؛ فيقرران الزواج برغم �إرادة الأب العامل رب�أ منه ويطرده من بيته؛ الأزهري الذي يت ّ لي�ستقيل االبن املتمرد من وظيفته احلكومية ويتف ّرغ للفن ممث ًال وم�ؤلف ًا م�سرحي ًا. ومع بداية حياة الزوجني يتلم�س كل منهما ما يف الآخر من تناق�ض ،حممد عبد القدو�س ي�سبح يف دنيا اخليال ال يح�سب لغده ح�ساب ًا؛ بينما روزاليو�سف تعي�ش يف الواقع ُتعِ ّد لغدها قبل يومها ،كل �شيء عندها �أرقام تحُ �سب ،وانت�صارات ُت�ضاف ل�سجل حياتها. وق ّرر الزوجان االنف�صال بعد عامني من الزواج ،وكانت روز حام ًال يف �شهرها ال�سابع ،ويف مطلع عام ،1919عام الثورة التي قبعت يف وجدان ال�شعب امل�صري، خرج �إىل احلياة ابن املتناق�ضات �إح�سان عبد القدو�س ،ويف نف�س اليوم �أي�ض ًا قرر اجلد ال�شيخ ر�ضوان نزعه من بني �أح�ضان �أمه ،التي ر�ضيت مُرغمة �أن ترتكه للجد؛ حيث تتوفر له �سبل الرعاية ،وقررت �أن مت�ضي هي يف طريق الفن حيث الأ�ضواء وال�شهرة. ويف مذكراته كتب �إح�سان عن يوم مولده: "�أول يناير ..يف مثل هذا اليوم منذ �سبعة وع�شرين عام ًا ،ويف منت�صف الليل متام ًا، وبينما كان التاريخ يقلب �صفحة الزمن من عام �إىل عام ،والعامل يرق�ص ويتبادل الأنخاب والقبالت لعام ..1919وكان امل�صريون يف ثورتهم يح�صدهم ر�صا�ص الإجنليز؛ ليخمد يف حناجرهم �صوت احلرية ،دوت "واء ...واء" يف �أذن الوجود ُت ّ ب�شر مبولدي ال�سعيد!! وا�ستمرت حياتي �إىل اليوم� ،صورة من ليلة مولدي؛ رق�ص ودموع".
�إح�سان يف بيت نعمات هامن
هناك يف البيت الكبري (بيت اجلد يف العبا�سية) ،وَ َجد �إح�سان بدي ًال عن والدته، وَ َجد عمته ال�سيدة نعمات هامن التي �أغدقت عليه احلب واحلنان بال حدود؛ �إىل �أن قرر وهو يف �سن الثامنة ع�شرة �أن يعود �إىل �أمه ليعي�ش معها؛ لكنه يف الوقت نف�سه ال ين�سى ف�ضل نعمات هامن التي يقول عنها�" :إذا كانت والدتي قد �أعطتني ووهبتني احلياة؛ ف�إن عمتي نعمات هامن ر�ضوان �أعطتني اال�ستقرار يف احلياة بال ثمن وبال مقابل؛ �سوى �إح�سا�سها الأ�صيل بحب ابن �أخيها و�أملها يف �أن ينجح يف حياته". "ابن ال�ست" ..لقب �إح�سان اجلديد قرر �إح�سان ابن الثامنة ع�شرة �أن يرتك بيت جده لأبيه ،وينتقل للعي�ش مع والدته ال�سيدة روزاليو�سف ،التي كانت قد تزوجت يف �أواخر عام 1923من الفنان زكي طليمات ،واحلقيقة التي �أ ّكد عليها �إح�سان �أنه كان طف ًال حمظوظ ًا للغاية؛ ففي حني كان لديه عمة حتبه وترعاه ،و�أم تبذل جهد ًا كبري ًا ل ُت�شعره بال�سعادة و ُتعطيه من احلنان خمزون ًا �أ�سبوعي ًا يعي�ش عليه� ،إىل �أن يعاودها يف الأ�سبوع التايل ،كان زوج
والدته زكي طليمات يحبه حب ًا عظيم ًا؛ مما جعله ين�سى متام ًا �أنه زوج والدته. لكن �إح�سان ال�شاب يعرتف ب�أن النا�س كان يُ�سمّونه بـ"ابن ال�ست"؛ ذلك اللقب الذي طاملا مت ّرد عليه ،بعد �أن طارده ل�سنوات طوال؛ ولكنه يف الوقت نف�سه مل يرف�ضه ل�سبب ب�سيط جد ًا �أن �أ�صحاب هذا اللقب كانوا يريدون -بطريقة "خبيثة"� -أن ين�سبوا كل جناح يحققه �إىل هذا اللقب وك�أنه "كائن يُح�سن الت�س ّلق على ا�سم والدته وعلى �شهرتها ،وبذلك �أكون بال ف�ضل يف �أي �شيء!". فكان هذا اللقب م�شكلة ت�ؤرق �إح�سان؛ لأنه يحب والدته؛ بل وال ينكر �أنه تع ّلم منها الكثري؛ فكان يقول" :نعم �أنا ابنها وتلميذها� ،أخ ْذت منها البدايات اجليدة؛
مما يتوقع حدوثه لكلينا من �أمي ومن �أهلها.".. مت�ض �أكرث من ثالثة �شهور حتى ومل ِ عُرف �أمر هذا الزواج؛ فما كان من الأهل �إال �أن اعرتفوا بالأمر الواقع ،ولكي تبدو الأمور طبيعية �أمام النا�س �أقاموا كتب كتاب �صوري ،و�أح�ضروا نف�س امل�أذون الذي َع َقد القران ،ووقفنا اللتقاط ال�صور ك�أي عرو�سني يوم زفافهما ..واحلقيقة التي يعرتف بها �إح�سان �أن اجلميع كانوا منا�صرين لهذا احلب العظيم �إال والدته ال�سيدة روزاليو�سف؛ فقد كانت راف�ض ًة لزواجه ل�صغر �سنه فلم حت�ضر الفرح. �أما والده "حممد عبد القدو�س" فقد �شعر ب�سعادة ال مثيل لها؛ فهو مقتنع بابنه غاية االقتناع؛ فكل ما يفعله ابنه �صواب؛ فتنازل
ثمة موجة روائية يف املرحلة الراهنة ميكن و�صفها ب�أنها امتداد لروايات امل�صري اح�سان عبد القدو�س التي كانت �شغف الن�ساء واملراهقات يف مرحلة ما ،ف�ضال عن �أن امل�سل�سالت والأفالم التي اقتب�ست من رواياته �شكلت �صدمة �إيجابية يف الوعي الن�سائي ،وكانت �إميا ًء على �أحوال جديدة يف النظرة اىل املر�أة وق�ضيتها وم�شاكلها يف العامل العربي. حتتاج مو�ضة الرواية القدو�سية اىل بحث مطول ،لأنها تعك�س واقعا ثقافي ًا جديد ًا ال ميكن ف�صله عن ثقافة ال�صورة، ف�إذا كان ثمة توجه لدى بع�ض النخبة لالبتعاد عن الرواية ال�سهلة واالغراق يف الغمو�ض وتعذيب» القارئ ،ثمة
وق�صة ت�صفع جهل بع�ض الأ�سر بواجبها نحو عملية البناء النف�سي ال�سليم لبناتهن! �أنا �إذن مدافع عن كرامة املر�أة، فا�ضحا لهذه الكرامة. ل�ست هاد ًما لها �أو ً ريا هي زاوية الر�ؤية امل�س�ألة �أو ًال و�أخ ً ملا �أكتبه من �أدب عن املر�أة التي كانت �أخطر عامل م�ؤثر يف حياتي» .ي�ضيف: «�أنا ال �أعرتف مطل ًقا ب�أن اجلن�س هو مو�ضوع ق�ص�صي ،لكن كل الذي حدث �أنني حتملت م�س�ؤولية التطوير يف �أدب الق�صة العربية� .أنت ميكن �أن ق�ص�صا وتقارنها مع الأدب العاملي تقر�أ ً الراقي ،و�ستجد �أننا مت�أخرون للغاية نتيجة التقاليد البالية والتف�سريات االجتماعية القدمية .ف�أنا حاولت وكانت لدي اجلر�أة �أن �أطور هذا الأدب و�أك�شف
ولكني بعد ذلك قدّمت �إ�ضافات ال ي�ستطيع �أحد �إنكارها".
له عن �شقته ال�صغرية -وهي كل عامله -ليبد�أ حياته الزوجية بها؛ بينما ينتقل هو للإقامة مع �أخته يف منزل اجلد بالعبا�سية. وعلى الرغم من �أن حياة �إح�سان عبد القدو�س كانت حافلة بالأحداث وطويلة؛ فقد مات بهدوء يف الثاين ع�شر من يناير من عام ،1990كان فيها �أديب ًا و�سيا�سي ًا و�صحفي ًا و�سينمائي ًا؛ �إال �أن عالقته باملر�أة -التي كانت حمور عدد كبري من رواياته -هي دائم ًا النقطة التي تنطلق منها كل حكاياتنا عن �إح�سان عبد القدو�س ،وكان من الطبيعي �أن ذلك الإ�صرار من جانبه على احلديث عنها كان له جذور يف حياته ،وهو نف�سه قال�" :إنني تربّيت يف خمتلف املجتمعات علي"؛ فكان الن�سائية ،وكلهن ذوات ف�ضل ّ وجوده و�سط عاملهن حمور كتاباته؛ فعاملهن كان ممزوج ًا بعامله؛ فانتقى منهن تلك ال�شخ�صيات التي حُ فرت يف ذاكرتنا ،وهي يف الأ�صل �شخ�صيات عادية؛ ولكنه من منطلق ال�صراحة قام بك�شف دخائلها؛ ف َبدَت �شخ�صيات غري عادية؛ فقد كان يقول" :كل فرد من الب�شر يبدو عادي ًا يف مظهره ،غريب ًا يف داخله". �أعتقد �أنك الآن فهمت مثلي ووجدت الإجابة عن ال�س�ؤال الذي طاملا طرح نف�سه عندما تنتهي من رواية لإح�سان :من �أين له بكل هذه التفا�صيل عن عامل الن�ساء؟
موجة �أخرى جوهرها «فا�ست فودي» اذا جاز التعبري ،خ�صو�صا يف الرواية ال�سعودية التي ميكن و�صفها ب�أنها «متردية» على الواقع القائم والتقليدي، بل تعك�س الواقع امل�سكوت عنه ،ويف م�صر هناك موجة روايات املدونات وهي اي�ضا متردية لكن ال تبتعد عن نقل «احلدوتة» (احلكاية) باملعنى امل�صري. �سبق عبد القدو�س اجلميع اىل الرواية ال�سهلة ،كان يعرف ما يريده القارئ، رمبا لأنه يعرف ما تريده نف�سه ،يكتب من دون ادعاء ،عا�ش واحدًا و�سبعني عا ًما ،خ ّلف ت�سعة وخم�سني عم ًال �أدب ًّيا، منها اثنتان وع�شرون رواية ،بدءًا من «�أنا حرة» عام ،1954وانتها ًء بـ{قلبي لي�س يف جيبي» عام � ،1989إىل جانب اثنتي وثالثني جمموعة ق�ص�صية ،بدءًا من جمموعة «�صانع احلب» عام ،1948 وانتها ًء مبجموعته «ملن �أترك كل هذا» عام .1990تعك�س رواياته واقع مرحلة زاخرة يف م�صر ،انت�شرت لدى اجلمهور العري�ض وانتقلت �إىل ال�شا�شة ،لكن معظم النقاد جتاهلوه� ،أما الذين ذكروه ففعلوا ذلك من منطلق هجومي بزعم �أنه «�أديب الفرا�ش» .يرد عبد القدو�س على االتهامات التي وجهت اليه قائ ًال «الفرق هائل بني ق�صة تدن�س �شرف املر�أة
الواقع كما هو ،لي�س اعتمادًا على م�شهد جن�سي ولكن على مو�ضوع متكامل». ال تبتعد روايات عبد القدو�س عن الواقع امل�صري ،بل ال تنف�صل عن حياته ،لنقل �إنها ت�شبه �شخ�صيته ،ن�ش�أ يف بيئة اجتماعية قلقة ،فقبل كل �شي ،والدته روز اليو�سف� ،أ�صبحت يتيمة وهي يف ال�سابعة من عمرها ،بد�أت حياتها ممثلة نا�شئة يف فرقة عزيز عيد امل�سرحية، وتعلمت يف تلك الفرتة القراءة والكتابة والتمثيل ،و�أ�صبحت املمثلة الأوىل يف م�صر .تعرفت �إىل املهند�س حممد عبد القدو�س يف حفل �أقامه النادي الأهلي وكان عبد القدو�س ع�ضوا يف النادي ومن هواة الفن ،ف�صعد على امل�سرح وقدم فا�صال من املونولوجات ،ف�أعجبت به روز اليو�سف وتزوجته ،فثار والده وترب�أ منه وطرده من بيته لزواجه من ممثلة ،فرتك الإبن وظيفته احلكومية وتفرغ للفن ممثال وم�ؤلفا م�سرحيا. املهم القول �إن عبد القدو�س ت�أرجح يف حياته بني الثقافة الدينية ال�صارمة والثقافة التحررية ،متثلت ثقافته الأوىل يف طفولته التي ق�ضاها يف بيت جده لوالده ،ال�شيخ �أحمد ر�ضوان، وكان عاملًا من علماء الأزهر ،ات�سم باحلزم وال�صرامة مع �أهل بيته .متثلت
�إح�سان يتزوج �سراً
بعد �أن اجتاز �إح�سان درا�سته اجلامعية بنجاح ،وتخ ّرج يف كلية احلقوق عام ،1942ق ّرر �أن يتزوج الفتاة الوحيدة التي �أحبها "لوال" التي قال عنها" :هي حبي الأول والأخري ،وقد ال ي�صدق الكثريون هذا؛ ولكنها احلقيقة؛ فمنذ عرفتها -وكنت حينذاك طالب ًا باحلقوق -مل ت�ستطع �أي امر�أة �أن تزحزح مكانها يف قلبي". ولكن املفاج�أة التي يُفجّ رها هذا الكتاب، هي �أن �إح�سان ال�شاب قرر �أن يتزوج من حبيبته �سر ًا يف بيت ال�صحفي الكبري حممد التابعي ،وكان وقتها حمامي ًا حتت التمرين مبرتب �شهري خم�سة جنيهات؛ فيقول عن تلك الفرتة�" :صادفتنا م�شكلة ..كالنا يحب الآخر وكالنا مقتنع ب�أنه وجد �شريك عمره.. ولكن نظرة �أ�سرتها يل مل تكن نظرة الر�ضا؛ ف�ض ًال عن الإعجاب �أو الرتحيب ،ووجدنا �أن احلل يف فر�ض الأمر الواقع على اجلميع، ويف ع�صر �أحد �أيام نوفمرب �سنة 1943 دخل امل�أذون �إىل بيت حممد التابعي ليعقد قراين �سر ًا على زوجتي ..و�سقانا التابعي وكان �أ�شهر عازب يف ذلك الوقت� -شرباتالفرح ،وهو ينرث حولنا دعاباته ال�ساخرة؛
ثقافته التحررية يف والده حممد عبد القدو�س ،الكاتب واملثقف ،ووالدته روز اليو�سف التي �أ�صبحت من رموز م�سرح رم�سي�س .هذا له اثره الكبري يف تكوين �شخ�صيته الأدبية وجعله يقول: «وقد �أثر ّ يف اختالف املجتمعني اللذين ريا �أ�سا�سيا يف تكوين �أعي�شهما ت�أث ً �شخ�صيتي وعقليتي ،جمتمع جدي املحافظ املتز ِّمت يف تد ُّينه وجمتمع �أبي و�أمي .وجدت نف�سي حائ ًرا بني املجتمعني وهو ما عودين �أال �أ�ست�سلم للواقع �أبدًا �إال بعد �أن �أدر�سه و�أفكر فيه �إىل �أن �أثور عليه و�أعرتف به .كنت منذ طفولتي �أرف�ض التقاليد االجتماعية بعد تفكري وعلى م�س�ؤوليتي اخلا�صة».
التلفزيون
لإمرئ كان يتابع التلفزيون قبل انت�شار ال�صحون الالقطة والف�ضائيات �أن ي�ستذكر جيدا املرات الكثرية التي كان يقر�أ ا�سم اح�سان عبد القدو�س يف نهاية الأفالم او امل�سل�سالت التي كانت تقتب�س عن رواياته� .أذكره �أكرث من الأبطال واملخرجني ،ا�سمه بقي را�سخا يف ذهني. ثمة روائي �آخر كان �شبيها بعبد القدو�س ،لكن على م�ستوى لبنان فح�سب وهو بيار روفايل الذي تويف قبل مدة. ازدهرت كتابات الأخري يف لبنان وم�صر يف اخلم�سينيات وال�ستينيات وبقيت حتى اوائل الت�سعينيات ،وت�ألق على �أيدي بع�ض ال�صحافيني ممن عملوا يف ال�صحافة الفنية �أمثال روفايل وجورج ابراهيم اخلوري .كانت هذه الكتابات الق�ص�صية مر�صودة للن�شر يف حلقات يف املجالت الفنية الأ�سبوعية مثل ال�شبكة واحل�سناء ،يومها كانت املجالت الفنية لها �صداها لدى بع�ض اهل الثقافة ،ومع �أن مو�ضة بيار روفايل انت�شرت يف اخلم�سينيات وال�ستينيات من القرن املا�ضي يف لبنان ،يبدو انها وجدت �صداها قبل �سنوات يف ال�سعودية حتديدا .قدرة روفايل وعبد القدو�س وبع�ض الكتاب الآخرين �أنهم يعرفون ما الذي يجذب القارئ ،يدركون �سو�سيولوجيته ،هم يكتبون الروايات التي ُت�شرتى يف حمطات القطارات، و ُتقر�أ يف الرحالت الطوال ،ثم ُترمى يف حمطة الو�صول او هم يكتبون روايات كامل�سل�سالت العابرة والأفالم ال�شعبية .يكتبون روايات اال�سرتخاء واال�ستهالك ،وهي من طراز الروايات ال�شعبية اخلفيفة. ال �شك يف �أن من يتابع كتابات روفايل يالحظ احرتافه يف انتقاء املوا�ضيع التي تنا�سب املو�ضة ،كان حريف ًا يف اختيار عناوين كتبه ،بع�ضها �أقرب اىل الرومان�سية وبع�ضها الآخر اىل �أ�سماء لأغنيات او عناوين لأفالم م�صرية قدمية .اعتمد روفايل على الكل�شيهات ال�شعبية واللغة الروحانية ،اذا جاز التعبري ،يعنيه ما يتفوه به النا�س، الكتابة بالن�سبة اليه �صناعة اكرث منها
عبقرية وت�أليف ًا ،انه املحرتف يف لعبة الت�سويق من دون ان يكون يف الواجهة، كتب الرواية لكنه �أبقاها من دون «هالة» ثقافية ،من دون الروائي ومن دون البحث عن التجريب ،وما ينبغي قوله ان لرواج ق�ص�صه رواية ما ،ودالالت كثرية مل تناق�ش يوما ،رمبا اليوم جند ما هو �شبهها يف جمهور «�ستار اكادميي» وتلفزيون الواقع ،او يف جمهور الروايات ال�سعودية. بيار روفايل واح�سان عبد القدو�س منوذجان للمو�ضة الثقافية على نحو ما نقول �إن «باب احلارة» ال�سوري و«نور» الرتكي منوذجان ملو�ضة امل�سل�سالت التلفزيونية .روفايل وعبد القدو�س ا�شارة �إىل القارئ الذي ال يحب اال�ستعرا�ض والتعقيد.
�صورة الروائي
ال�صورة املر�سومة لعبد القدو�س لدى اجلميع �أنه رجل متحرر اكرث من الالزم ،يتقرب ن�ساء رواياته من �أي رجل ويف �أي وقت ومكان ،و تبحث بنات ق�ص�صه عن احلرية مبعناها قبل �أي معنى �آخر .نقر�أ �أنه مل يكن ي�سمح لزوجته �أن تخرج من البيت مبفردها، وعندما يكون م�سافرا يطلب منها �أال
تخرج ،بل وترف�ض كل الدعوات التي توجه اليها مهما كانت ،وكان �صعبا معها يف مو�ضوع املالب�س ،لدرجة �أنه كان ي�شرتط عليها �أن تكون مالب�سها حمت�شمة ال ت�صف وال ت�شف! بلغ من حمافظته والتزامه �أن �أمه �أر�سلت �أخته �إليه التي كانت �أكرث حتررا كي يعاقبها بنف�سه ،كانت �أخته تركب «الب�سكلتة» مع ابن اجلريان ،ف�أرادت والدته �أن ت�ضع حدا ل�شقاوتها ،ف�أر�سلتها اىل �أخيها لتعي�ش معه يف العبا�سية .مل يعرتف عبد القدو�س �إال بعالقته الن�سائية الأوىل يقول :احلب الأول يف حياتي كان لبنت اجلريان ،كانت �صديقة البنة عمتي، وكان حبا �أعتربه من �أرقى و�أنظف و�أعمق �أنواع احلب الذي يجمع بني �صبي و�صبية ،كان عمري وقتها 14 عاما ،وهي 13عاما ،كان حبا قويا بالن�سبة �إيل �شخ�صيا ،وكان ال يتجاوز �أنها تزور ابنة عمتي و�أجل�س معها كما كانت التقاليد ،كان �أمرا راقيا يف معناه وكنت �أنتظرها على حمطة الرتام و�أركب معها لأو�صلها اىل مدر�ستها .ثم �أعود على قدمي بعد ذلك اىل مدر�ستي ف�ؤاد الأول ،وكل الذي كان يجمع بيني وبينها ال يعدو �أكرث من �أن ام�سك يديها وكان ذلك منتهى الرومان�سية.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
14
العدد ()2109ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )23ني�سان 2011
العدد ()2109ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )23ني�سان 2011
وكذلك الت�شريح النف�سي ال�سريري لكتابات يونغ وادلر، وعالئق هذه الكتابات ببع�ض االجتاهات الفل�سفية واالجتاهات ال�س�سيوثقافية ،خا�صة اجلماعة الثقافية التي ا�س�سها ماركوزه ودوركهامي والتي حاولت ان ت�ضع البناء الثقايف مقابال للبناء النف�سي واالجتماعي، �أي �صناعة منوذج املثقف املن�شق عن الن�سق االجتماعي التقليدي ،والذي يبدو اكرث انحيازا حلريته وارادته وملواقفه االن�سانية بعيدا عن املوجهات االيديولوجية وال�سيا�سية املبا�شرة ومهيمناتها القمعية ،اذ الجند يف اغلب روايات وق�ص�ص اح�سان عبد القدو�س ابطاال م�ؤدجلني او ثوريني عقائديني ،وحتى رواية (يف بيتنا رجل)مل تتمثل ل�صناعة منوذج هذا البطل الثوري االيديولوجي ،اذ كانت �سمة البطل(ابراهيم حمدي)طالب احلقوق الذي كان ي�شارك يف التظاهرات واالعت�صامات هي خليط بني الرومان�سي املتمرد واالحتجاجي غري امل�ؤدلج ،والذي وجد يف ع�شقه للفتاة املراهقة(نوال)ان�شغاال وا�سعا عن املو�ضوع اال�سا�سي الذي من اجله �أقدم على اغتيال رئي�س الوزراء .هذه ّ وم�ضخم للك�شف عن الثيمة هي عنوان �سطحي وعابر ازمة �شخ�صيته ال�شعورية ،فهو مثال للحديث عن ازمة ال�شخ�صية الربجوازية امل�صرية القلقة التي تعي�ش ازمة هويتها الوطنية ،لكنها تعي�ش اي�ضا ا�ضطراباتها وازماتها وعقدها الداخلية ،عرب ا�ستح�ضار ازمات
بعد ان وجدت كتاباته حظوظها الوا�سعة يف ال�سينما والدراما التلفزيونية ،اذ وجد املخرجون ان واقعية عبد القدو�س ،وخ�صو�صيته يف �صناعة بيئة �صراعية، ومنوذج لل�شخ�صية الدرامية التي تعي�ش ازمات الواقع، وا�ضطراباته ال�شعورية� ،سهولة يف ا�ستثمار هذه الق�ص�ص لل�سينما والتلفزيون ،بعيدا عن االن�شغاالت االخرى التي حتتاج اىل امكانيات فنية ومادية تتجاوز قدرة ال�سينما احلكومية يف ال�ستيات ،ورمبا تثري حولها الكثري من اال�سئلة خا�صة يف ما يتعلق بطبيعة ماتثريه من ا�سئلة حول املحموالت الرمزية للبناء الفكري لالحداث وال�شخ�صيات ،واح�سب ان �سهولة بناء االحداث وال�شخ�صيات يف ق�ص�ص اح�سان عبد القدو�س ،واقرتابها من الواقع النف�سي واحل�سي واجلن�سي ،وابتعادها على مالم�سة التابو ال�سيا�سي، هو الذي جعل كتابات اح�سان عبد القدو�س ويو�سف ال�سباعي وحممد عبد احلليم عبد الله مثال اكرث قربا من ا�شتغاالت ال�صناعة ال�سينمائية .وحتى روايات جنيب حمفوظ التي تع ّد االكرث توظيفا يف ال�سينما ظلت يف �سياق خمتلف عن ما ينظر به اىل روايات اح�سان عبد القدو�س ،فمحفوظ مثال كان باال�سا�س كاتب �سيناريو، وهو االمر الذي ي�سهل للمخرجني العمل معه ،كما ان الر�سالة االجتماعية لروايات جنيب حمفوظ-خا�صة الواقعية منها-كانت االقرب اىل الر�سالة االجتماعية
إحسان عبد القدوس أزمة البطل األخالقي في القصة االجتماعية علي ح�سن الفواز ي�ضعنا ادب اح�سان عبد القدو�س امام ف�ضاءات الق�صة االجتماعية بكل حمموالتها ال�سيا�سية والنف�سية، ف�ضال عن ان ادب عبد القدو�س يحمل نكهة الكتابة ذات امل�ضامني احل�سية التي تالم�س الكثري من التفا�صيل التي ت�ضج بها البيئات االجتماعية امل�صرية بكل م�ستوياتها الطبقية-خا�صة الطبقة الربجوازية التي تخلو ا�شتغاالتها من التعقيد والبناءات املركبة ،تلك التي ارتبطت بها اجتاهات التجريب يف الكتابة الق�ص�صية يف مرحلة مابعد ال�ستينيات ،واح�سب ان كتابة عبد القدو�س يف هذا ال�سياق كانت هي االقرب اىل ا�ستخدام وظائفية البناء الق�ص�صي الذي تتعدد م�ستوياته البنائية على وفق ما تنمو به االحداث وال�صراعات التي يعتمدها الكاتب ،خا�صة بناء ال�شخ�صيات ،وبناء عالئقها �ضمن مر ّكبات الزمن واملكان ،اذ ان البنية الق�ص�صية عند عبد القدو�س تعتمد ا�سا�سا التتابع االر�سطي يف بناء الق�صة/احلكاية التي تعتمد الو�صول اىل الذروة/املعاجلة ،مع عناية خا�صة بالوحدات
الداخلية لهذه الق�صة� ،أي مايتعلق بازمة ال�شخ�صية الق�ص�صية و�صراعاتها ب�شكل خا�ص ،حتى يبدو وك�أنه اقرب اىل(امل�شخ�صاتي)الذي ي�ضع ال�شخ�صية الدرامية بو�صفها �صانعة املنظور حتت الت�شريح ،والوقوف عند ا�شكاالتها النف�سية واالجتماعية/العائلية التي عادة مات�صنع الثيمة الدرامية ال�صراعية لهذه ال�شخ�صية، وهذا التو�صيف ي�سبغ على اغلب �شخ�صيات اح�سان عبد القدو�س نزعة املواجهة مع الواقع النف�سي واالجتماعي، والنزوع اىل التمرد عليه ،لكن هذا التمرد لي�س ثوريا، بقدر ماهو قرين بازمة داخلية كثريا ماتخ�ضع اىل معطياتها ال�شخ�صية القدو�سية التي تعاين من االحباط والقلق ومن مهيمنات ت�شوهات داخلية وا�ضطرابات ح�سية عميقة. الق�صة التي يكتبها عبد القدو�س متيل اىل االختزال واىل اعتماد منوذج ال�شخ�صية املحورية/املركزية التي يدور حولها احلدث ،وان نزوعه احيانا اىل احداث ت�شظيات داخل هذا احلدث ،هو انعكا�س لت�أثره ب�صناعة
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
امل�شهد الدرامي امل�سرحي الذي رافقه منذ الطفولة مع والدته فاطمة اليو�سف والبيئة التي عا�شها ،وت�أثره اي�ضا بالق�صة ال�صحفية التي تقوم على االثارة واعتماد اجلانب التحقيقي يف التعاطي مع امل�شكلة وال�شخ�صية والواقع .لكن �صناعة هذه امل�شاهد الق�ص�صية التبدو بعيدة عن وعي الكاتب ال�شرتاطاتها الفنية والبنائية والنف�سية ،اذ ت�أتي داخل االطار الثيمي الذي ينمو فيه احلدث الواحد عرب الطبيعة املركبة لل�شخ�صيات، واحيانا ت�ضخمها يف ال�سياق الدرامي ،اذ ي�سعى من خالل هذا الت�شظي الك�شف عن املزيد من امل�ستويات ال�سيا�سية والنف�سية واالجتماعية امل�ضمرة للحدث عرب املرجعيات ال�صراعية لتلك ال�شخ�صيات..فالكثري من ق�ص�ص وروايات اح�سان عبد القدو�س حتمل هذا الهاج�س النف�سي وما ي�ستدعيه من بنية درامية ذات م�ستويات �صراعية معينة ،يكون حمورها احلرية واجل�سد والواقع امل�أزوم ،اذ يبدو الكاتب اكرث ميال ال�ستقراء دوافع ال�شخ�صيات داخل امل�ستوى ال�صراعي،
والتعاطي مع نزعاتها الداخلية ال�شعورية امل�ضطربة، وك�أنها ازمات تعك�س التحوالت االجتماعية التي عا�شتها بع�ض البيئات امل�صرية ،ومنها بيئات الطبقات الو�سطى، خا�صة يف روايات عدّها البع�ض عالمة مهمة يف ال�سينما اكرث من ح�ضورها يف تاريخ الرواية امل�صرية مثل(بئر احلرمان ،النظارة ال�سوداء ،العذراء وال�شعر االبي�ض، انف وثالث عيون ،اين عقلي ،وغريها.. ال�شخ�صية امل�أزومة ح�سيا ونف�سيا كانت االكرث ح�ضورا يف كتابات عبد القدو�س ،خا�صة �شخ�صية املر�أة ،اذ و�ضعت هذه الكتابات قدو�س يف مكانة املدافع عن املر�أة التي تعاين من �ضغوط اجتماعية ونف�سية وتاريخ ع�صابي لعقد االب او االم ،حتى بدت ا�شتغاالت الكاتب يف هذا املجال وك�أنها مت�أثرة باالجتاهات النف�سية التي �أخذت ت�ؤثر على بع�ض اجتاهات الكتابة االدبية، خا�صة بعد انت�شار ترجمات كتب �سيجموند فرويد وكتاباته ب�شكل خا�ص عن د�ستوف�سكي ودافن�شي ومرجعيات الع�صاب اجلن�سي وال�شخ�صية املقموعة،
جماورة(ازمة اجل�سد ،ازمة الوجود ،االزمة مع عدو افرتا�ضي ،االزمة مع االب ،االزمة مع املقد�س وغريها) وكذلك يف رواية(الر�صا�صة التزال يف جيبي)تتمثل اىل هاج�س البناء ال�شخ�صياتي الذي ي�ضع ال�شخ�صية امام ازمة داخلية ،ولي�س امام ازمة خارجية يعي�شها البطل يف حربه مع العدو الذي ي�صطنع له الكاتب موتا تقليديا و�ساذجا. اهتمام اح�سان عبد القدو�س ب�صناعة ال�شخ�صية اليومية الواقعية بكل نزعاتها الوطنية واحل�سية هو الذي جعله االكرث ح�ضورا يف امل�شهد الروائي العربي خالل مرحلة هيمنة الروايات الرومان�سية يف اخلم�سينيات وال�ستينيات وال�سبعينيات يف م�صر ،اذ رغم بروز االجتاهات التجريبية يف الكتابات ال�سردية، وت�أثر الكثري من الك ّتاب بادب تيار الوعي والق�ص�ص الغرائبية والتمثل لالن�شغال بالبطل الوجودي والالمنتمي وغريهاّ ، اال ان هذا مل ي�ؤثر على ح�ضور عبد القدو�س يف اليوميات ال�سردية امل�صرية ،خا�صة
للثورة ،واىل مقاربة عوامل البيئات ال�شعبية وطبيعة �صراعاتها ،ولعل رواية مثرية للجدل ن�أت بنف�سها عن الواقعية مثل(اوالد حارتنا)نحت اىل ماميكن ت�سميته باملرحلة الرمزية يف كتابات حمفوظ ،والتي اثارت حولها قراءات �شتى ،دينية و�سيا�سية ،جعلت من هذه الرواية بعيدة عن ف�ضاءات ال�سينما وح�ساباتها االنتاجية ،وموقف الرقيب منها ،مثلما عر�ضتها ا�صال للم�صادرة من قبل اجلهات الرقابية امل�صرية يف مراحل الحقة.. اح�سان عبد القدو�س وكتابة الق�صة ال�سينمائية عمل اح�سان عبد القدو�س املبكر يف ال�صحافة-عام1944 يف جملة روز اليو�سف -اتاح له املجال الن يكتب ق�ص�صا ق�صرية للمجلة ،وان يكتب ن�صو�صا لل�سينما التي يع�شقها .هذه العالقة املبكرة لعبد القدو�س مع ال�صحافة الفنية ،وال�سيا�سية فيما بعد جعله يتميز عن اقرانه بانه(تغذى منذ نعومه اظفاره علي قاعدة البيانات ال�ضخمة التي تتيحها ال�صحافة الخرتاق
طبقات املجتمع املختلفة وكانت ال�صحافة, و�صالون روزاليو�سف والعالقات املبا�شرة بكبار االدباء والفنانني وال�سيا�سيني وجنوم املجتمع هي املنبع الذي اتاح الح�سان عبد القدو�س ان ي�صور اجلوانب اخلفية يف احلياة امل�صرية ويتخطى بذلك كثريا من احلواجز التي حالت بني زمالئه وبني معرفة هذه البيانات ،اما امليزة الثانية الدب اح�سان فهي انه كان عميق االميان بق�ضيه احلرية, مبختلف م�ستوياتها ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية)كما تقول عنه احدى الدرا�سات. هذه اخل�صو�صية اعطت الح�سان عبد القدو�س القدرة على جتاوز البدايات القلقة ،والولوج اىل البيئة الفنية واالعالمية دون معوقات ،خا�صة وان عمله يف روز اليو�سف ويف جريدة االخبار وجريدة االهرام قد �أك�سبه خربة يف معرفة وا�ستطالع ما�ألذي يريده اجلمهور اوال؟ وكذلك يف التعبري عن وعيه اال�شكايل ازاء ق�ضايا اخالقية و�سيا�سية واجتماعية ي�ؤمن انها ا�سا�سية يف �صناعة الر�أي العام ثانيا ،ويف تنمية الوعي االن�ساين باحلرية كمعطى اخالقي وقيمي ثالثا .ورغم ان طبيعة الق�ص�ص التي كتبها لل�سينما تبدو ب�سيطة وتقليدية، لكنها ا�ستبطنت الكثري من الهموم التي كان يعي�شها ال�شباب امل�صري ،ولعل الق�ص�ص والروايات املبكرة التي كتبها عبد القدو�س(اين عمري ،الو�سادة اخلالية، عقلي وقلبي ،التطفىء ال�شم�س ،البنات وال�صيف� ،شفتاه وغريها)متثل هذا النزوع للتعاطي مع ازمة احلرية واجل�سد ،وازمة العالقات العاطفية وعواملها النف�سية ،اذ ي�ضع عبد القدو�س هذا النزوع بو�صفه ا�ست�شرافا ملعطى التحوالت التي بات يع�شها ال�شباب امل�صري بعد ثورة يوليو ،1952رغم انه يف رواية(�شيء يف �صدري) ي�ضع ر�ؤيته باجتاه مواجهة رمز ال�سلطة ،واالنحياز اىل القيم االخالقية التي ميثلها االب االخالقي يف الرواية، واحلبيب النقابي بكل مايحمله هذا االنحياز من موقف نقدي من رموز ال�سلطة الذين بد�أوا ي�شكلون ظاهرة اغرتابية عن مرجعيات الثورة االخالقية ،كما انه اعاد انتاج مثل هذا املوقف يف ق�صته(الراق�صة وال�سيا�سي) التي �سلط ال�ضوء فيها على ازمة منوذج ال�سلطة الذي يعي�ش �شخ�صيته االزدواجية ،وخرابه النف�سي واالخالقي العميق. لقد و�ضع عبد القدو�س يف �سياق ر�سالته االخالقية �صورة للمثال الرمزي الذي ي�ستقر�أ ح�ضوره عرب �صناعة منوذج لل�شخ�صية الر�سولية يف ق�ص�صه ،فهو العا�شق املثايل تارة ،وهو االب تارة اخرى-رغم انهيار هذا االب يف ق�صة ابي فوق ال�شجرة ،-هذا ال�سياق العميق هو ا�ستبطان للبنيات الثاوية يف وعيه االخالقي ،اذ كان يعتقد عبد القدو�س ان هذه الر�سالة قدرية اكرث مما هي تاريخية ،الن قدر املثقف ان يكون �صانعا لهذه الر�سالة ،وان ي�صطنع لها كل الو�سائل للو�صول اىل اجلمهور الذي يالم�س عوامله ال�سرية، خا�صة وانه مل يكن معنيا بجمهور حمدد ،بقدر ما كانت عنايته بامل�شكلة ذاتها بو�صفها جوهر الأزمة واحلدث ،فهو يعتقد ان ازمة ال�شخ�صية مثال ،هي جزء من ازمة التحول داخل املجتمع ،مثلما يعتقد ان ازمة احلرية هي ازمة وعي قبل ان تكون ازمة وجود، ف�ضال عن ان اعتقاده بازمة اجل�سد هي ازمة ترتبط ب�أزمة مركب النق�ص عند ال�شخ�صية ،واح�سب ان رواية مثل(لن اعي�ش يف جلباب ابي)هي مثال لأزمة االجيال ،وطبائع التحوالت الثقافية التي تعي�شها هذه االجيال وحريتها يف االختيار ،كما ان رواية(بئر احلرمان)مثال ترتبط باملرجعيات النف�سية امل�ضطربة لل�شخ�صية التي تعي�ش نكو�صا عميقا حتت ايهام ماحتمله من �صور خليانة االم ،وان تقدمي منوذج ال�شخ�صية املر�ضية االزدواجية هو تعبريا عن ر�ؤية الكاتب لهذا ال�صراع النف�سي العميق الذي ينتهي كما هو يف ال�سياق االر�سطي بعد الذروة بالك�شف العيادي الذي يعني ال�سلطة االجتماعية والثقافية التي تعيد اجل�سد اىل �سياقه االجتماعي والأخالقي ،ف�ضال عن رواية(انا حرة)هي مثال للوعي ال�شقي الذي تعي�شه البطلة يف عالقاتها االجتماعية والعاطفية القلقة والتي ت�صطدم بنموذج الرجل املتعايل الذي يعيدها اىل ال�سياق واىل اخل�ضوع اىل ال�سلطة االجتماعية والعاطفية التي ميثلها الرجل ،وكذلك روايات(ال �أنام) و(انف وثالث عيون)و(ال لي�س ج�سدك) وغريها ت�ضع ازمة عالقات املر�أة االن�سانية والعاطفية ب�شكل خا�ص امام جتاذبات �صراعية ،اليقرتح لها عبد القدو�س معاجلات نهائية ّ اال بالرجوع اىل ال�سياق البطويل واالخالقي الذي ميثله الرجل املتعايل املثايل يف رجولته وبطولته االخالقية وامتناعه عن ارتكاب الرذيلة االجتماعية واجلن�سية.
15
manarat رئي�س جمل�س الإدارة رئي�س التحرير
التحرير ----------------نزار عبد ال�ستار الت�صحيح اللغوي ----------------حممد حنون الت�صميم ----------------م�صطفى جعفر
طبعت مبطابع م�ؤ�س�سة املدى لالعالم والثقافة والفنون
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com