رئي�س جمل�س االدارة رئي�س التحرير فخري كرمي ملحق ثقايف ا�سبوعي ي�صدر عن جريدة املدى
m a n a r a t
العدد ()2157ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )11حزيران 2011
Franz
KAFKA
2
العدد ()2157ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )11حزيران 2011
العدد ()2157ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )11حزيران 2011
من م�ؤلفاته
جدير بالذكر �أن كتابات كافكا قد تعر�ضت فيما بعد للحرق على يد هتلر ،وتعر�ضت م�ؤلفات كافكا ملوقفني متناق�ضني من الدول ال�شيوعية يف القرن املا�ضي ،بد�أت باملنع وامل�صادرة وانتهت بالرتحيب والدعم.
فرانز كافكا Franz Kafka
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
ولد فرانز كافكا ( 3يوليو /متوز 3 - 1883 يونيو /حزيران )1924يف مدينة براغ ، ويف عام ،1896دخل �إىل اجلامعة لدرا�سة علم الكيمياء ،ولكنه �سرعان ما غري مو�ضوع درا�سته لكي ي�صبح علم القانون ويف عام 1902التقى بذلك ال�شخ�ص الذي �سي�صبح نا�شر كتبه بعد موته :ماك�س برود. ويف عام � 1906أنهى درا�سته يف اجلامعة الأمل��ان �ي��ة مب��دي�ن��ة ب���راغ ،و�أ� �ص �ب��ح موظف ًا يف مكتب للمحامني ،وق��د تنقل بعدئذ من وظيفة �إىل �أخ��رى يف �شركات الت�أمني� ،أو ما �شابهها ،ويف الوقت ذات��ه ك��ان ميار�س عملية الكتابة ،ولكن ب��دون ن�شر ،ففي عام 1912كتب رواي �ت�ين �شهريتني بعنوان: «التحوالت ،واملحاكمة ،ويف عام � ،1922أي قبل موته ب�سنتني �ألف كافكا رائعته :القلعة (�أو الق�صر) ويف ع��ام 1924م��ات الكاتب الكبري مبر�ض ال�سل. �أ�صبح كافكا رمز ًا على النزعة الطليعية يف الكتابة الأدبية �أو الروائية ،ومبا �أن رواياته ذات طابع غام�ض �أو �سري ف�إنها تعر�ضت للعديد من الت�أويالت والتف�سريات ،ولكن معظمها كان خارجي ًا على الن�ص ،وال يعك�س احل �ي��اة امل�ع��ا��ش��ة للكاتب ب �ق��در م��ا يعك�س الأيديولوجيات اخلا�صة بالنقاد. وه��ذا يعني �أن�ه��م �أ�سقطوا عليه همومهم الفكرية والأيديولوجية ،وبالتايل فكاكفا الذي تعرفنا عليه من خالل النقاد ال عالقة له بكافكا احلقيقي الذي كتب �أعماله الكربى يف جو من الوحدة وال�صمت املطبق بني عامي 1912ـ 1924م ،ومل يكن هدفه �أن ي�صبح م�شهور ًا �أو ينال اجلوائز والت�شريفات ،كان يريد فقط �أن يعرب عما يعتمل يف نف�سه من هموم ومب�شاكل نف�سية ت�ؤرقه ،كان يريد �أن يعرب عن ع��دم قدرته على احلياة� ،أو على اال�ستمرارية يف احل�ي��اة .ولأن��ه غري قادر على االنغما�س يف احلياة كبقية الب�شر ،ف�إنه �أ�صبح كاتب ًا من �أعلى طراز. وال�شيء الوحيد الذي كان يهمه يف احلياة هو الأدب يف الواقع ،كان م�شغو ًال به �إىل حد الهو�س ،وك��ان يقول :كل ما لي�س �أدب ًا ي�ضجرين مبا فيه احلديث عن الأدب نف�سه، كان ي�سقط على الأدب كل هلو�ساته ،وقلقه وجنونه وخماوفه. وبالتايل فالأدب كان عبارة عن عالج نف�سي ل�شخ�صية كافكا ،كان مبثابة التحليل النف�سي الذي ي�شفيه من مر�ضه و�أوجاعه ،ولذلك كان يخلع على �شخ�صياته الروائية كل خماوفه وعذاباته الداخلية وعقده النف�سية ،ولو
◄
مل ي�صبح كاتب ًا لرمبا ك� ��ان ق ��د ج ��ن مت��ام�� ًا، وب ��ال� �ت ��ايل فالكتابة �أنقذته من االنهيار� ،أو ع�صمته من االنتحار، �إن عامل كافكا اخليايل يبدو لنا �أليفا وحماط ًا ب� �ج� �ن ��ون غ ��ري ��ب يف الوقت ذاته. لقد رف��ع كافكا الأدب �إىل م���س�ت��وى الدين امل �ط �ل��ق ،ل �ق��د �أ�صبح م� �ع� �ب ��وده ودي� ��دن� ��ه، وك � ��ان ب ��ذل ��ك وري� �ث� � ًا ل� �ك� �ب ��ار ال� �ك� �ت���اب يف القرن التا�سع ع�شر من �أمثال بلزاك ،وجريار، �أون�يرف��ال ،وبرو�ست ،و�ستندال ،وهيغو، و�سواهم. فه�ؤالء جميع ًا تعلقوا بالأدب بعد �أن فقدوا �إميانهم بامل�سيحية :دين �آبائهم و�أجدادهم، لقد �أ�صبح الأدب دينهم بعد �أن تراجع الدين يف �أوروب��ا نتيجة انت�صار العلم والع�صر ال�صناعي. وبالتايل فالفراغ الذي خلفه انح�سار الدين ملأه الأدب ب�شعره ونرثه ،ولكن كافكا �أحدث قطيعة كاملة يف ال��وق��ت ذات��ه م��ع ال�تراث الناجت عن الرومانطيقية الأوروب�ي��ة ،فهذا ال�تراث على الرغم من �إح�سا�سه بالت�شا�ؤم والعذاب ظل متفائ ًال ب�إمكانية اخلال�ص� ،أما كافكا فقد و�صل �إىل مرحلة العدمية الكاملة ومل يعد ي�ؤمن ب�إمكانية اخلال�ص على هذه الأر�ض. يف الواقع �إن كافكا كان يحتقر نف�سه ويزهد بها �إىل �أبعد احل��دود .وكان يعاين من عقد نف�سية مزمنة ،وه��ذا ما نكت�شفه من قراءة م��ذك��رات��ه ال�ي��وم�ي��ة وم��را� �س�لات��ه ال�ضخمة مع الفتاة التي خطبها مرتني من دون �أن يتزوجها! وك��ان��ت ُت��دع��ى فيلي�سي باوير. فقد �شرح لها القلق املرعب الذي يجتاحه من الداخل وال يرتكه يرتاح حلظة واحدة. وقد �ألقى كافكا مب�س�ؤولية عقده النف�سية ع �ل��ى ت��رب �ي �ت��ه اخل��اط��ئ��ة وع� �ل ��ى العالقة ال�صدامية والعنيفة التي كان يتعاطاها مع والده وقد اعترب �أنها �سبب مر�ضه النف�سي الذي ال ي�ستطيع منه �شفاء. وب��ال �ت��ايل ،فكافكا ك��ان ي�ع��اين م��ن �صراع داخلي متوا�صل ومزمن ومل يكن مت�صاحل ًا مع نف�سه .وهذا هو ال�سبب الذي دفعه �إىل
◄
كتابة ال��رواي��ة و�إىل �أن ي�صبح �أح��د كبار ال �ك � َّت��اب ع�ل��ى م�� ّر ال�ع���ص��ور .وم��ن �صفاته النف�سية الثابتة �أنه كان عدو نف�سه الأول، وكان يع ّذب نف�سه ويتل ّذذ بهذا العذاب. يُ�ضاف �إىل ذلك �أنه كان يف حالة �صدام مع املجتمع ال�سائد يف ع�صره ويف مدينة براغ حت��دي��د ًا .وال��واق��ع �أن ك��ل ��ش��يء يف حياة كافكا يحيلنا �إىل هذه املدينة التي يدعوها الت�شيكيون بـ «الأم ال�صغرية» ولكنها كانت بالن�سبة ل�صاحب رواي��ة «املحاكمة» امر�أة �شر�سة ال ترحم ولي�ست �أم ًا حنون ًا. وميكن القول �إن �أعماله الأدبية كانت عبارة عن حماولة للهروب من دهاليز هذه املدينة و�شعوذاتها .ولهذا ال�سبب ف�إنه ال ي�سميها �أب��د ًا يف رواياته وال ي�صفها على الرغم من �أنها م�سرح كل هذه احلكايات والروايات. كانت براغ يف زمن كافكا عا�صمة بوهيميا ومقر البالط امللكي .وكانت مدينة �صغرية كو�سموبوليتية من جهة و�إقليمية حملية من جهة �أخرى .وكانت ت�سكنها �أقلية �أملانية تنتمي عموم ًا �إىل البريوقراطية العليا وال تربطها ب�أملانيا �إال اللغة� ،أما الأغلبية فكانت م�ؤلفة من ال�شعب الت�شيكي العامل وال�صابر. هذا بالإ�ضافة �إىل اليهود اخلارجني لتوِّ هم من الغيتو القدمي ال��ذي يعود �إىل القرون الو�سطى ،وكانوا ميار�سون عموم ًا املهن ال �ت �ج��اري��ة وال �ل �ي�برال �ي��ة .ول�ك�ن�ه��م كانوا يتع ّر�ضون للتمييز الطائفي والعن�صري �أحيان ًا. ه��ذه هي الفئات الثالث التي كانت ت�سكن ب��راغ يف ب��داي��ة ال�ق��رن الع�شرين .وكانت ت�ف���ص��ل ب�ي�ن�ه��م ح � ��دود ال �ل �غ��ة وال� �ع ��ادات والتقاليد واملكانة االجتماعية .وكان الأملان
3 امل�سخ املحاكمة القلعة الغائب ق�ص�ص وف�صول ت�أملية طبيب قروي وق�ص�ص �أخرى و�صف ن�ضال ابحاث عن الكلب فنان اجلوع احلكم يف م�ستوطنة العقاب
يحتلون قمة الهرم االج � �ت � �م� ��اع� ��ي يف املدينةوالت�شيكيون �أ�سفل الهرم واليهود يف الو�سط. وعندما ك��ان كافكا ينتقل م��ن ح��ي �إىل �آخ� � ��ر ك� ��ان ي�شعر وك� ��أن ��ه ان �ت �ق��ل من عامل �إىل �آخ��ر ،فكل فئة كانت مغلقة على نف�سها ومعزولة عن ال �ف �ئ��ات الأخ � ��رى. وه � � � � ��ذا ال � � �ع� � ��داء امل� ��� �س� �ت� �ح� �ك ��م بني خمتلف الفئات كان ي�شعر كافكا باخلوف والقلق .ويف بع�ض الأحيان كان ي�شعر ب�أنه يعي�ش يف منفى ال يف وط ��ن .فالآخرون ينظرون �إل�ي��ه ��ش��زر ًا �إذا م��ا خاطر بنف�سه وذهب �إىل حارتهم. لقد �ضغط ه��ذا الو�ضع االجتماعي املزعج بكل ثقله على حياة الكاتب الكبري ،و�شعر بالتمزق بني انتماءات ولغات عدة� .صحيح �أنه كان يكتب بالأملانية ،ولكن لغة اليدي�ش ال �ي �ه��ودي��ة ك��ان��ت حت��ا� �ص��ره ،وك��ذل��ك لغة البوهيميني الت�شيك .وب��ال�ت��ايل فلم يكن ي�شعر ب ��أن��ه ميتلك لغة وطنية �أو قومية خا�صة به. وهذا هو و�ضع ريلكه الذي عا�ش يف الفرتة نف�سها .ولكن ريلكه هاجر �إىل �أملانيا وقوّ ى لغته ال�شعرية هناك وتخ ّلى عن براغ نهائي ًا. �أما كافكا فلم يهاجر �إىل �أي مكان �آخر. والواقع �أن ال�صعوبات الداخلية واخلارجية د ّم ��رت ح�ي��اة كافكا وجعلته يعي�ش حالة م�ستمرة من احلرب الداخلية .ال ريب يف �أنه كان ي�شعر يف �شبابه باالنتماء �إىل الأملان لغة وثقافة وتاريخ ًا ،وكان م�شبع ًا بقراءة غوته وكبار الكال�سيكيني الأمل��ان .وبالتايل كان يطمح �إىل تقدمي عطائه اخلا�ص �إىل الأدب الأمل���اين ال�ك�ب�ير .ول�ك��ن �صعوبات احلياة ال�ي��وم�ي��ة ك��ان��ت ت�ع�تر���ض ط��ري�ق��ه ومتنعه من حتقيق طموحاته .فوظيفته التي كان يكرهها جد ًا كانت ت�أكل معظم وقته وال ترتك له �إال القليل من �أجل الأدب .كانت يتمنى �أن يك ّر�س كل حياته للكتابة ولكن �ضرورات احلياة كانت متنعه من حتقيق ه��ذا احللم الكبري. وك��ان م�ضطر ًا ملمار�سة الكتابة ل�ي� ً لا� ،أي
بعد عودته من وظيفته .وه��ذا ما �أدى �إىل تدمري �صحته و�إ�صابته مبر�ض ال�سل .ولكن ال�صراع تفاقم كثري ًا عام 1912وحتوّ ل �إىل خيار وجودي .فقد التقى �آنذاك بالفتاة التي �أحبها وخطبها مرتني ،ثم تخلى عن الزواج يف �آخر حلظة .والواقع �أنه وجد نف�سه �أمام خيار �صعب ج��د ًا :ف�إما �أن يتزوج وي�شكل عائلة ويتخلى عن الأدب ،و�إم��ا �أن يتخلى عن احلب والزواج والأطفال ويك ّر�س حياته كلها للأدب. ويف النهاية انت�صر اخليار الثاين .ولكن كلفه غالي ًا من الناحية العاطفية والإن�سانية. لقد دمره هذا ال�صراع الداخلي لأنه تخلى ع��ن امل� ��ر�أة ال�ت��ي �أح�ب�ه��ا يف ن�ه��اي��ة املطاف ّ وف�ضل عليها الكتابة الروائية والأدب .لقد �شعر بالذنب �إذ ح�سم خياره يف هذا االجتاه. ولكن هل كان ب�إمكان �شخ�ص مثل كافكا �أن يعي�ش ب�شكل طبيعي كجميع الب�شر؟ هل كان ب�إمكانه �أن يتخلى عن عبادته املطلقة للأدب؟ م�ستحيل .ثم يردف امل�ؤلف قائ ًال: ف��الأدب كان هدفه الأول يف احلياة ومربر وج��وده .ولكن التخلي عن امل��ر�أة واحلب وال � ��زواج ك ��ان يعني خ��روج��ه م��ن العامل الب�شري والعي�ش كزاهد ومتق�شف خارج احلياة .وهذا �أمر �صعب وال يقدر عليه �إال القليلون. وميكن القول ب�أن مر�ض ال�سل الذي �أ�صابه عام 1917ح ّرره من هذه املع�ضلة املحرية: مع�ضلة اخليار بني ال��زواج والأدب .فبعد ال�ي��وم مل يعد ال ��زواج وارد ًا وبالتايل فال داعي لل�شعور بالذنب .فمن غري املمكن �أن يتزوج فهو مري�ض بداء معد وخطر كمر�ض ال�سل! وخطيبته لن تعتب عليه بعد اليوم لأن��ه مل يتزوجها .وهكذا حُ ّلت امل�شكلة من تلقاء ذاتها .ومل يعد هناك �أي �شيء يحول بينه وبني الأدب. هكذا نالحظ �أن هذا الرجل ال��ذي مل يع�ش �أك�ث�ر م��ن واح ��د و�أرب��ع�ي�ن ع��ام � ًا ا�ستطاع �أن يُحدث خرق ًا يف الكتابة الروائية و�أن ي�صبح قدوة لكل من جاءوا بعده .فت�أثريه على الرواية الأملانية والأوروبية ب�شكل عام �أ�شهر من �أن يذكر .بل وو�صل ت�أثريه �إىل �أمريكا ال�شمالية ،و�أمريكا الالتينية ،والعامل العربي ،وحتى اليابان و�آ�سيا. وميكن القول �إن كافكا خ�سر احلياة ،ولكنه رب��ح الأدب .وه ��ذه ه��ي م�شيئة الأق� ��دار. فاحلياة ال تعطي نف�سها ب�شكل كامل ملخلوق. ف�إما �أن تنجح يف جمال وتف�شل يف جمال �آخر ،و�إما �أن تف�شل يف كل �شيء.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
4
العدد ()2157ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )11حزيران 2011
العدد ()2157ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )11حزيران 2011
5
الرمز واألمل . . في مؤلفات فرانز كافكا �أحمد �أبو العال يو�سف
يت�ألف فن فرانز كافكا كله من ق�سر القارئ على �إعادة قراءة الق�صة مرة ثانية من وجهة نظر �أخرى فهنالك �أحيان ًا �إمكانية مزدوجة للتف�سري ،ومن هنا تنبثق احلاجة �إىل قراءتني ،وهذا هو ما كان امل�ؤلف يريده ،ولكن �سيكون من اخلط�أ حماولة تف�سري كل �شيء عن كافكا بالتف�صيل فالرمز هو دائم ًا عام ،وهو دائم ًا ي�سبق ويفوق من ي�ستخدمه ،ويجعله يقول يف الواقع �أكرث مما هو مدرك لتعبريه عنه ،ويف هذا ال�صدد ف�إن �أف�ضل و�سائل الإم�ساك بالرمز ال تتمثل يف �إثارته . ومن العدل بالن�سبة لكافكا على وجه التخ�صي�ص الإتفاق مع �أ�س�سه وقواعده ،وتناول الدراما عرب �سطحها اخلارجي ،والق�صة عرب �شكلها للوهلة الأوىل وبالن�سبة للقارئ الذي مغامرات يتناوله بال�صدفة ،يلوح �أن ٍ مثرية مقلقة تدفع ب�شخ�صيات مزلزلة مالحقة نحو متابعة م�شاكل ال ت�ضعها هي ، http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
وال تريد لنف�سها هذا الأمر ففي "املحاكمة" جند جوزيف ك .م َتهم ًا، ولكنه اليعرف مباذا ،وهو بال �شك متلهف للدفاع عن نف�سه ،ولكنه ال يعرف ملاذا، ويجد املحامون ق�ضيته �صعبة ،ويف الوقت نف�سه ي�ستمر هو يف العي�ش ،فال يهمل احلب وتناول الطعام وقراءة ال�صحيفة، قبل �أن يحاكم يف النهاية ويقطع ر�أ�سه على �صخرة ٍ يف �ضاحية بائ�سة وهكذا نرى �أنه من ال�صعب التحدث عن رمز ٍ يف حكاية � ،صفتها الأ�شد و�ضوح ًا هي " الطبيعية " ،ولكن هذه الطبيعية نوع �صعب على الفهم .... ومن الوا�ضح �أنه كلما كانت مغامرات ال�شخ�صية ا�ستثنائية ،زادت طبيعية الق�صة ،ويكون ذلك متنا�سب ًا مع التحول الذي ن�شعر به ،بني غرابة حياة �إن�سان، والب�ساطة التي يقبل بها الإن�سان تلك احلياة ...
ويلوح وا�ضح ًا �أن هذه الطبيعية هي طبيعة كافكا ... �أما بالن�سبة للـ " القلعة " فهي رمبا تكون الهوت الفعالية ،ولكنها قبل �أي �شيءٍ �آخر التجربة الفردية لروح ٍ تبحث عن عطائها املقد�س ،لرجلٍ يطلب من مو�ضوعات عامله ي حيث يعني "ك" �أن تخربه ب�سرها امللك م�ساح ًا للأرا�ضي للقلعة ،وهو ي�صل �إىل القرية ،ولكن من ال�صعب الإت�صال بني القرية والقلعة ،ويحاول بنية ح�سنة ال مكرتثة �أن يقوم بالأعباء املعهودة �إليه، واليغ�ضب وكل ف�صلٍ جديد هو خيبة جديدة ،وكذلك بداية جديدة وحني يتلفن "ك" �إىل القلعة ،ي�سمع �أ�صوات ًا ممتزجة ودعوات م�ضطربة ،و�ضحكات غام�ضة ، ٍ بعيدة وهذا يكفي ليطعم �أمله ،كتلك العالمات القليلة التي تظهر يف �سماء �صيف � ،أو تلك البوادر امل�سائية التي ت�ؤلف �سبب العي�ش بالن�سبة لنا ،فيذهب
�إىل القلعة على �أمل كبري هو �أن يجعل القلعة تتبناه ،وهو بذلك يريد �أن ي�ستبعد اللعنة اخلا�صة التي جتعله غريب ًا بالن�سبة للقرية ،ولتتطور الأحداث فيما بعد. فرناه قد تخلى عن الأخالقيات ،و�أ�صبح غري خمل�ص ٍ حتى لنف�سه � ،إذا �أم�سى ال يه َمه من احلياة �إال �أن يبقى م�سلح ًا ب�أمله املجنون فقط وهو الإنتماء �إىل القلعة وهذا التحول بدوره ميثل بالت�أكيد الت�صور املرعب لأخالقية الو�ضوح ، ولكنه�أي�ض ًا نتاج تلك الده�شة التي ال ح َد لها ،والتي ي�شعر بها الإن�سان نحو �إدراكه للوح�ش الذي ي�صريه من دون �أن يبذل يف ذلك جمهود ًا ،ويف هذا الغمو�ض اجلذري يكمن �سر كافكا وهذا الرتدد الدائم بني الطبيعي واال�ستثنائي ،بني الفردي والكوين ،بني امل�أ�ساة والإعتيادية ،والال جدوى واملنطقي ،يظهر يف �أعماله ،وهو الذي يهبها نغمتها ومعناها فكلما �إزدادت
م�أ�ساة الو�ضعية التي ي�صفها كافكا ،زاد ثبات وحتر�ش الأمل. وكلما ازدادت ال جدوى " املحاكمة " حق ًا ،زادت م�شرعية واحتدام القفزة التي تتجلى يف " القلعة وم�ساح الأرا�ضي (ك)، " .فجوزيف (ك )َ ، هما يف احلقيقة قطبان يتجاذبان كافكا فــ " املحاكمة " متعن الت�أمل يف م�شكلة ٍ جند �أنَ " القلعة " �إىل حد ما حتلها، فالأوىل ت�صف طبق ًا لطريقةٍ �شبه علمية وبدون �أن ت�ستنتج ،والثانية �إىل حد ماتف�سر. ومبعنى �آخر " :املحاكمة " ت�صف الأعرا�ض ،بينما " القلعة " جتد العالج ،ولكن الدواء املقرتح هنا الي�شفي ، �إنه فقط يعيد املر�ض �إىل احلياة الإعتيادية � ،إنه ي�ساعد على قبوله �إنَ نتاجه قد اليكون جمدي ًا ،ولكن ذلك يجب �أن المينعنا من ر�ؤية نبله وعموميته � .إنهما ينبثقان من كونه قد جنح يف ت�صوير املمر اليومي الإعتيادي من الأمل �إىل
الأ�سى ،ومن احلكمة اليائ�سة �إىل ال�شط العقلي ،فنتاجه عام �إىل احلد الذي ي�صور به وجه الإن�سان املتحرك عاطفي ًا وهو يهرب من الب�شرية ،م�ستمد ًا من تناق�ضاته �أ�سباب ًا للإميان � ،أ�سباب ًا للأمل من ي�أ�سه اخل�صب .ومن هنا جند �سر ال�سوداوية امل�ألوفة يف كافكا ،وهذا هو نف�سه الذي جنده يف احلقيقة عند " برو�ست " �أو يف مناظر " بلوتينو�س " :حنني كئيب �إىل فردو�س ٍ مفقود .ف�إذا كانت طبيعة الفن هي �أن يربط بني العام واخلا�ص ،بني الأبدية الق�صرية لقطرةٍ من املاء وانعكا�س �أ�ضوائها ،ف�إنه ليكون �أكرث �صحة �أن نحكم على عظمة الكاتب الال جمدي ،بامل�سافة التي ي�ستطيع �أن يقدمها بني هذين العاملني ،ف�سره يت�ألف من يف ا�ستطاعته �أن يجد النقطة امل�ضبوطة حيث يتقابالن كان معظم �أولئك الذين حتدثوا عن كافكا قد عرفوا �أعماله ب�أنها نداء يائ�س ،من
دون �أن يكون للإن�سان ماميكنه �أن يلج�أ �إليه ،ولكن هذا ي�ستدعي �إعادة النظر ، هنالك �أمل � ،أمل ف�إذا كان فاو�ست ودون كي�شوت من املخلوقات الفنية البارزة ، ف�إن هذا يرجع �إىل النبل الذي ال حد له ،الذي ي�شريان �إليه ب�أيديهما الأر�ضية ، ومع ذلك ،ت�أتي حلظة دائم ًا ،ينفي فيها الذهن احلقائق التي ت�ستطيع تلك الأيدي �أن تلم�سها ،ت�أتي حلظة ي�ؤخذ فيها اخللق على �أنه م�أ�ساة ،و�إمنا ي�ؤخذ م�أخذ ًا جاد ًا فقط ،ثم يهتم الإن�سان بالأمل ،ولكن هذا لي�س من �ش�ؤونه ،و�إمنا ينح�صر اهتمامه يف النكو�ص عن الزيف والأعذار الكاذبة ،ومع ذلك فهذا بال�ضبط هو ما �أجده يف نهاية الإتهامات العنيفة التي يتقدم بها كافكا �ضد الكون كله ،فحجته التي الميكن ت�صديقها تتمثل يف هذا العامل املمقوت املقلق الذي جند فيه الذرات نف�سها جتر�ؤ على الأمل.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
6
العدد ()2157ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )11حزيران 2011
العدد ()2157ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )11حزيران 2011
7
عالم فرانز كافكا ومع �أن �سنوات طوال قد مرت على وفاته (تويف عام )١٩٢٤ويف �سريته ما قد ينفر البع�ض منه (يهوديته ورمبا �صهيونته بنظر بع�ض الباحثني يف �أدبه وكذلك احت�ضان الدوائر الإ�سرائيلية له) ،ف�إن كافكا يُقر�أ با�ستمرا ويجد على ا لدوام َمن ي�شغف به وب�أدبه ،وبخا�صة ب�سريته امللتب�سة. ولي�س هذا الكتاب ال�صادر يف دم�شق، والذي نعر�ض لبع�ض �صفحاته يف هذا املقال� ،سوى دليل على اهتمام املثقفني به، و�إعادة قراءته من جديد و�إخ�ضاعه للبحث وامل�ساءلة .ذلك �أنه �إىل جانب من يتحدث عن �صهيونية ما يف كافكا ،هناك الكثريون ممن يت�صدون لهذا الزعم ويربئون كافكا من هذه التهمة اجلائرة ،ونف�ضه يده مبكر ًا من م�ساعي اليهود لإن�شاء دولة يهودية فوق �أر�ض فل�سطني .فكافكا �إذن لي�س كاتب ًا �صهيوني ًا مفرغ ًا من �صهيونيته .و�إمنا هو بالدرجة الأوىل كاتب كبري له عامله اخلا�ص به ،وهو عامل مازال يجذب مريدين كثريين يجعلون من كافكا �أحد عمد الأدب البارزين يف عاملنا املعا�صر. يرى الكاتب الفرن�سي روجيه غارودي �أن �إنتاج كافكا ثمرة عالقة بني �إن�ساين وال �إن�ساين ،و�أنه مل يكن عدمي ًا �أو يائ�س ًا ،بل �شاهد على ع�صره ،و�أنه كان ثوري ًا �أراد �أن يقول احلقيقة. ولكن �آخرين ومنهم كتاب ت�شيكيون يرون كافكا كاتب ًا فكاهي ًا �أو م�سلي ًا .هذا �إىل جانب من ينظر �إليه على �أنه ،وهو اليهودي، جمرد روائي م�سيحي .ويرى ي�ساريون وفرويديون �أن كافكا ميثلهم بحق .و�إىل جانب من يلح على �أنه كان «كاتب ًا يهودي ًا»، ت�ؤكد �سريته �أنه مل يكن يعرف كلمة واحدة من اللغة اليديت�شية( .كان يتقن الت�شيكية والفرن�سية ويعرف الإنكليزية والإيطالية). مل يتلق �أي تربية دينية عند �أهله .ومل يكن يعرتف بيهوديته �إال م�ضطر ًا .وله �أقوال عديدة يف ر�سائله �إىل �صديقته ميلينا تنم عن عدم ا�ستلطافه لليهود .فقد ذكر يف �إحدى ر�سائله �إليها« :ر�أيك باليهود الذين تعرفينهم طيب �أكرث من الالزم� .أحيان ًا �أمتنى �أن �أح�شرهم جميع ًا (مبن فيهم �أنا) يف الدرج، و�أنتظر ،ثم �أ�سحب الدرج قلي ًال لكي �أرى فيما �إذا كانوا اختنقوا جميع ًا .و�إذا مل يكن هذا قد حدث ،ف�إنني �أعود و�أغلق الدرج من جديد ،و�أعيد العملية �إىل ما ال نهاية»! ويف ر�سالة �أخرى يتحدث كافكا عن �أطباء يهود مي�سدون حلاهم ق�ساة �ضد امل�سيحيني واليهود. وله جملة م�شهورة تقول :مل تر�شدين يُد امل�سيحية يف هذه احلياة كما �أر�شدين كريكيجارد (فيل�سوف وجودي) .ويف عام � ،١٩٢٢أي قبل وفاته ب�سنتني ،عُر�ضت عليه رئا�سة حترير جملة يهودية ،فرف�ض العر�ض. وقبل وفاته ب�أ�سابيع كتب �إىل والد �صديقته دورا ،التي كانت ترعاه يف امل�ست�شفى، ر�سالة يرجو فيها منه ال�سماح له بالزواج من ابنته .ومع �أن والد دورا كان رجل دين، فقد ذكر له كافكا ب�صراحة يف ر�سالته �أنه لي�س يهودي ًا م�ؤمن ًا. ويف جمموع �آثاره الأدبية ال توجد �شخ�صية يهودية واحدة. ويف عام ١٩٨٥ن�شر الناقد اليهودي هانز ديرتت�شمرمان كتاب ًا بعنوان «ترجمان بابل»
برغم �أنه من الأقلية اليهودية يف ت�شيكو�سلوفاكيا ويكتب بالأملانية ،فقد حقق فرانز كافكا �شيئ ًا من الوحدة الأوروبية يف حياته الق�صرية �إذ مات وله من العمر 41عام ًا .فقد ولد يف ت�شيكو�سلوفاكيا عام ،١٨٨٣وكتب بالأملانية ال باليديت�شية (لغة يهود �أوروبا ال�شرقية) وال بالت�شيكية �أو ال�سلوفاكية ،وعا�ش بني النم�سا واملجر (يف تلك الفرتة كانت هناك امرباطورية ت�ضم النم�سا واملجر) .وهو ينتمي �إىل �أ�سرة يهودية تعمل بالتجارة .لكنه ف�ضل االلتحاق بوظيفة يف �شركة ت�أمني على العمل يف حمال والده مع �أن �أ�سرته كانت ثرية.
كتب فيه :مل يكن كافكا �صهيوني ًا .لي�س هذا وح�سب ،بل �إنه كان يرى ال�صهيونية عائق ًا بالن�سبة �إىل �أدبه .وقال هذا الناقد �إن كافكا مل يت�أثر باحلركة ال�صهيونية ،وحتى اليهودية ال دور لها يف حياته. �أما خرباء الدعاية ال�صهيونية فقد قاموا
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
ب�أكرب عملية �سطو عليه �إذ ادعوا �أنه كان �صهيوني ًا .وكان مرجعهم الوثائقي الأ�سا�سي يف ذلك كتاب لغو�ستاف يانو�شي بعنوان «�أحاديث مع كافكا». يف هذا الكتاب يجد القارئ �آراء لكافكا يف ماهية ال�شعر وال�شاعر ،و�آراء له يف عدد
كبري من الكتاب والفنانني والفال�سفة مثل �شك�سبري ود�ستويف�سكي و�أو�سكار وايلد و�أفالطون وبيكا�سو وفان كوخ .كذلك نقر�أ تقييمه لعدد كبري من الكتب. كما يتحدث عن قيمة وال قيمة العقائد ،عن النظام الر�أ�سمايل ،وعن الثورة البول�شفية،
عن احلرب وال�سلم ،عن الطبقة العمالية العاملية وعن اجلماهري. ويطلع القارئ يف هذا الكتاب على خفايا نف�س كافكا ،ونظراته يف احلياة ،و�أ�سرار مر�ضه ،وق�ضاياه العائلية .وحتى على ر�أيه بالبغايا .ويبوح ملحدثه ب�آرائه يف �أ�صدقائه ويف كتبهم وزوجاتهم! ومن دون تركيز ،وب�شكل عار�ض ،ترد يف الكتاب جمل قليلة عن اليهودي وال�صهيونية ،مثل قوله« :نحن اليهود ل�سنا ر�سامني و�إمنا رواة». يف الكتاب يقول �أحد الباحثني �إن كافكا لي�س كاتب ًا عاديا� .صاحب «القلعة» و«املحاكمة» له �أثر عميق يف �أدب القرن الع�شرين .مل ي�صنع كافكا تالمذته قط .ابتكر �أ�سالف ًا �أي�ض ًا .من يُنكر �أننا يف اللحظات احلرجة ،وعندما ن�شعر ب�أننا دخلنا �إىل نفق طويل ال خال�ص يلوح يف نهايته� ،أو عندما ن�شعر �أننا تورطنا يف دوامة تلفنا معها ،من ال�صعب علينا التخل�ص منها ،نردد اجلملة املف�ضلة: «�إنها حالة كافكاوية»! �إذا كان تكرار كلمة كافكاوية يقت�صر على طبقة مثقفة عندنا ،ف�إن هذه ال�صفة لبع�ض املواقف يف الزمان املعا�صر هي �أمر روتيني ،وبالأخ�ص على الأل�سن الناطقة باللغة الأملانية تقفز دائم ًا هذه الكلمة لكي ت�صف االلتبا�س احلا�صل ،ولكي تزيل كل �سوء فهم ميكن �أن ينتج عنه� .أ�صبحت هذه الكلمة جزء ًا من اللغة اليومية املتداولة. ترى من �أين ت�أتي �صالحية هذه العالقة ال�سحرية تقريب ًا ،التي مننحها لهذه الكلمة امل�شتقة من ا�سم كافكا؟ من �أين ي�أتي هذا ال�شعور الواثق ب�أننا حني ننطقها ،ال نحتاج �إىل �شروحات ا�ضافية تو�ضح مالب�سات الو�ضع الذي نحن فيه؟ �إ�ضافة �إىل ذلك ،من �أين لنا �أن نعرف �أننا ال نخطئ عندما ن�ستند يف حديثنا على حمام (�أكرث مما هو داعية) مل ينطق با�سم نا�س ع�صره فقط� ،إمنا ذهب يف كتاباته �إىل �أبعد من ع�صره ذاته ،كما جنح يف التعبري عن الب�ؤ�س الب�شري, ب�ؤ�سنا بغ�ض النظر عن اجلغرافيا التي نتواجد فيها. القلق الوجودي واخلوف من احلياة، االغرتاب وت�شرد ونفي الإن�سان احلديث، ظلت املوا�ضيع املركزية التي ت�شكل حمور روايات وق�ص�ص فرانز كافكا� ،إ�ضافة �إىل حياته .خلف كل بطل من �أبطاله يواجهنا كافكا ذاته .يف كل �أعماله املكتوبة ب�شكل عبقري و�شيق ،تعي�ش �شخ�صيات جتد نف�سها فج�أة خا�ضعة لقوى ال ميكن التحكم بها .وعلى امل�ستوى ذاته الذي عا�شت فيه هذه ال�شخ�صيات ،يبدو �أننا يف ع�صر االغرتاب العاملي الذي نعي�شه ،فقدنا ال�سيطرة على م�سارات الأ�شياء ،وعلى اال�ست�سالم للتكرار العبثي لأمور نقرف منها حقيقة ،لكننا ال ن�ستطيع �إيقاف �إعادة �إنتاجها .وكما يبدو نحن الآخرون �أي�ض ًا نخ�ضع لإرادة ،ملزاج الأو�ضاع تلك التي د�أب فرانز كافكا ذاته على و�صفها عند احلديث عن نف�سه يف ر�سائله ويومياته. كان كافكا ي�شعر ويف �شكل م�ستمر �أنه يعي�ش حتت و�ضع ي�ضغط عليه ،ب�أنه حمكوم يعي�ش حياة ممزقة ،هي التي تقوده ،خ�صو�ص ًا �أنه يعرف �أنه جمرب على �أداء واجباته كموظف يف «م�ؤ�س�سة الت�أمني على حوادث العمال» ،حياة املوظف التي
مقتها كافكا ومل ي�ستطع الفكاك منها برغم �أنه ظل ي�صارع املحيط من �أجل االعرتاف مبكانته الأدبية .وكان �أكرث ما يثري الي�أ�س عنده ،هو �شعوره ب�أنه قادر على تغيري هذا الو�ضع املتناق�ض لكن ك�سله وتردده مينعانه من تغيري م�سار حياته .هكذا مل يتمكن كافكا من �إبعاد �شعوره بالذنب ،وكان �أكرث ما يخافه هو النتائج املرتتبة على ف�شله. قد يكون متزقه هذا هو الذي �ضخ الدم يف �شرايني كتاباته ،لأنه كان على قناعة ب�أن الكتابة فقط هي التي ت�سمح له بانفتاح كامل للحياة والروح .وهناك على الورق فقط ال ميكنه �أن يقوم ب�أية تنازالت .لي�س من الغريب �إذن �أن ي�شبه كافكا الكتابة بعملية فتح جرح ما. ورمبا هذا هو الكفاح الطويل الذي يعي�شه الإن�سان دائم ًا ،طاملا �أن هناك �شيئ ًا ا�سمه احلياة هو الذي جعل �أعمال كافكا الروائية والق�ص�صية ،بل ويومياته ور�سائله� ،أن تكون بالن�سبة �إلينا حتى اليوم وغد ًا ذات معنى ،و�أنها تظل �شابة يف داخلها ،لن ت�شيخ لأن كل �إن�سان مهما كان لون جلده، ومهما كان دينه ول�سانه ومكانه ،ي�شعر ب�أن له �صديق ًا علي ًال عا�ش يف مدينة براغ ،وكتب �أعماله باللغة الأملانية ،مات مبكر ًا جد ًا،
ولكن ر�سالته عربت ع�صره �إىل كل الع�صور ا�سمه فرانز كافكا. كان الأثر الذي تركه كافكا على معا�صريه من الكتاب ومن جاء بعدهم ب�أجيال كبري ًا جد ًا وميكنه تلم�سه ب�سهولة وي�سر .لقد كان الكاتب الأطول ظ ًال كما ي�صفه �أحد الكتاب الذي يلمح �إىل ت�أثريه الكبري على عدد من الكتاب املعروفني واملكر�سني يف الدوائر الأدبية والنقدية� .ألبري كامي كان يكتب مثل كافكا متام ًا وقد �صرح يف �أكرث من مو�ضع باعجابه بكافكا ور�أى �أن هناك �صلة وثيقة وتقارب ًا حميم ًا يربط بينهما� .صموئيل بيكيت ب�أبطاله املهم�شني ذوي الأ�سماء املخت�صرة �أو الغائبة ،وعزلته ككاتب يدين بالكثري كذلك لكافكا. بالإمكان تلم�س �أثر كافكا كذلك لدى الأمريكيني الالتينيني خورخي لوي�س بورخي�س وغارثيا ماركيز بعواملهما الغريبة وواقعيتهما ال�سحرية ،وميالن كونديرا الذي ولد ون�ش�أ يف املدينة نف�سها التي ولد فيها كافكا� ،أي براغ .هناك �أي�ض ًا الروائي الأمريكي فيليب روث الذي كتب رواية ق�صرية بعنوان «الثدي» �سنة ،١٩٢٧ وفيها يتحول بطلها ديفيد كيب�ش �إىل ثدي �أنثوي .ويف ذلك كما ال يخفى ت�أثر برواية
كافكا «امل�سخ» .ويف رواية �أخرى لروث بعنوان «بروف�سور الرغبة» يعود كيب�ش مرة �أخرى ،وهو هذه املرة �أ�ستاذ يهودي للأدب لي�س على وفاق مع والده وكذلك مع �إرثه اليهودي يدر�س مادة حول كافكا ويجد �صلة ما تربط ما بني الطابع الأيروتيكي الغريب لعامل كافكا ،وبني انغما�سه وهو�سه بعامل اجلن�س ،الأمر الذي يدفعه �إىل ال�سفر �إىل م�سقط ر�أ�س كافكا وزيارة قربه .بول �أو�سرت ،الروائي الأمريكي املعروف لي�س بعيد ًا �أي�ض ًا عن �أجواء كافكا خ�صو�ص ًا يف «ثالثية نيويورك» حيث البحث عن الهوية وحماولة العثور عن الذات ،وال�سعي للو�صول �إىل املعنى يف زمن �أ�صبح فيه املعنى متعذر ًا ومتفلت ًا ال ميكن القب�ض عليه .الفائز بجائزة البوكر عن روايته «بقاء اليوم» ،كازو اي�شجورو ،الربيطاين ذو الأ�صول اليابانية ،و�أحد �أهم الأ�صوات الروائية الربيطانية املعا�صرة هو �أي�ض ًا واحد من �أولئك الذين مل ينجوا من �سحر كافكا ،وبخا�صة يف روايته ال�ضخمة «املتوحد» التي تهيمن عليها الأجواء الكابو�سية الكافكاوية بامتياز منقطع النظري .هناك �أي�ض ًا الكاتب الإيراين �صادق هدايات �صاحب «البومة العمياء»� .إن قائمة
الأ�سماء املدينة لكافكا واملت�أثرة به طويلة وال تقت�صر على ثقافة �أو لغة واحدة .فمن البني �أن الأثر الذي تركه كافكا اتخذ طابق ًا كوني ًا �شمل مناطق متباعدة ثقافي ًا ولغوي ًا وجغرافي ًا .ويف هذا تف�سري وتربير ملقولة �أن كافكا هو �صاحب الظل الأطول بني كتاب القرن الع�شرين .بقيت كلمات حول كافكا احلامل الأبدي والكابو�سي الأبدي الذي ال ي�ستفيق من كابو�سيته و�أحالمه التي تخلقها الفتيات العابرات يف حياته .ينتظر �شبح املر�أة وي�ؤجل لقاءه اجل�سدي بها �إىل ما النهاية .جعل من املر�أة كائن ًا يح�سه من خالل ر�سائله �إليها .مل تكن املر�أة عنده �أكرث من كائن للكتابة ،يجد يف عالقته بها امل�سوغ احلقيقي للن�ص الأدبي الروائي والق�ص�صي .ف�إذا وُجد �أي ثابت �أ�سا�سي يف طبيعة كافكا ،ف�إنه هذا التناق�ض بني احلاجة امل ْي�ؤو�س منها �إىل عالقة ،والعجز عن اقامة عالقة .هذا العجز الذي يُغلب ،والذي يتفاقم �أحيان ًا فيتحول �إىل «رغبة يف وحدة بال وعي»� ،أو خوف ًا من االت�صال ،من االن�سياب �إىل الطرف الآخر ،فال �أعود وحيد ًا قط. من هذا التناق�ض ين�ش�أ �شعور االنف�صام املتوا�صل. وكان �شديد احل�سا�سية جتاه ج�سمه .وقد
تنبه �إىل هذه احل�سا�سية منذ طفولته ،مما جعله مراقب ًا بانتباه جل�سده الذي كان ميزان حياته كلها و�سبب نفوره مما هو خارج هذا اجل�سد .فنجده يحر�ص على جتنب ال�ضو�ضاء ويعترب غرفته ملج�أه ال�شخ�صي بل ج�سده اخلارجي ،وال يطيق الزوار .حتى العي�ش مع �أ�سرته اعتربه م�صدر عذاب له .يقول�« :أكره ب�شكل قاطع كل �أقاربي لأنهم �أ�شخا�ص �أعي�ش بالقرب منهم .وقد بلغت مناوراته مع �إحدى الفتيات ،لتنفريها منه ،حد قوله لها« :ال ميكنك العي�ش معي يومني� .أنت فتاة يُفرت�ض �أن تبحث عن رجل ال عن دودة �أر�ض رخوة»! ويرى �أحد املحللني النف�سانيني ل�شخ�صه، �أن الأدب كان عبارة عن عالج نف�سي ل�شخ�صيته� ،أو �أنه كان مبثابة التحليل النف�سي الذي ي�شفيه من �أمرا�ضه و�أوجاعه. لذلك كان كافكا يخلع على �شخ�صياته الروائية والق�ص�صية كل خماوفه وعذاباته الداخلية وعقده النف�سية .ولو مل ي�صبح كاتب ًا لرمبا كان م�صريه اجلنون .وبالتايل ف�إن الكتابة �أنقذته من االنهيار �أو من االنتحار .ومع ذلك ف�إن عامله عامل غرائبي حماط باجلنون على الدوام.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
Gallery
10
العدد ()2157ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )11حزيران 2011
العدد ()2157ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )11حزيران 2011
ب��������������ي��������������ن ك��������اف��������ك��������ا وب������ورخ������ي������س
مل يُثـر كاتب حديث ما �أثاره الروائي الت�شيكي فرانز كافكا ( )1924 – 1838من تعدّ د القراءات واختالف ً الت�أويلّ ، أظن �أن �أديب ًا واحداً �سقطة همومه وم�شاغله ،وال � ّ فكل قراءة كان ترى يف الروائي �أفكاره مُ اجتمعت املت�ضادّ ات يف و�صفه مثلما اجتمعت يف كافكا ،ففيما كان البع�ض ي�صفه ب�أنه واحد من عظام ك ّتاب الواقعية ،اعتربه فريق �آخر الإرها�صة الأوىل التي ّ د�شنت العبث الوجودي ،وته ّي�أ لآخرين �أنه من و�ضع �أ�س�س الأدب ال�سوريايل ،وقد قر�أه ال�سورياليون من خالل احللم والال�شعور والدعاية ال�سوداء، مرت�سمني خطى ماك�س برود فاعتربوها رموزاً و�أليغورات وف�سر �أ�صحاب الفكر الديني كتاباته ّ ّ و�أمثوالت وحكم ًا.
Franz Kafka
شاعر المجتمع الصناعي حممد احلجريي
�أما �أتباع املذهب الوجودي فو�صلوه بكريكغارد وبنظريات العبث ،ور ّكز �أن�صار التحليل النف�سي من مارت روبري �إىل جيل دولوز وفيلك�س غاتاري على م�شكلته الأوديبيّة ،ور�أى فيه �آخرون ذلك الكا�شف الأملعي عن فظائع القرن املا�ضي ،الذي ي�سخر من ّ كل �شيء يف الدنيا� ،أو ذلك ال�شخ�ص امل�صاب بنزعة مر�ضيّة يف بلوغ الكمال... وتتابعت ال�شخ�صيات متنافر ًة ،فهو: ا�شرتاكي ،ملحد ،م�ؤمن ،مت�شائم� ،سوداوي، يهودي� ،إن�ساين ،عابث ،باحث عن احلقيقة، �شاعر ،وفا�شل. يف املقدّمة التي كتبها الروائي الأمريكي جون �أبدايك لكتاب "فرانز كافكا ،الق�ص�ص الكاملة" يقول" :بعد مرور �أكرث من قرن على ميالده ،يبدو فرانز كافكا ك�آخر الك ّتاب املقدّ�سني واملم ّثل الأنبل للم�صري الإن�ساين يف العامل احلديث". � ...إ�ضافة �إىل ذلك ك ّله ،كافكا يف نظر بع�ض ال�شعراء �شاعر ق�صيدة نرث (راجعوا ق�ص�صه الق�صرية). تكمن �أهمية كافكا �أو ًال يف تلك اجلملة ال�سحرية التي افتتح بها روايته ال�شهرية "امل�سخ" التي تقول" :عندما ا�ستيقظ غريغور �سام�سا يف ال�صباح وجد نف�سه وقد حتوّ ل ح�شر ًة كبري ًة (�أو هام ًة �أو �صر�صار ًا)" .و�سام�سا "كانت له �أرجل كثرية تظهر نحيلة يف �شكل مثري لل�شفقة مقارنة بني اللون وتبلغ قامته ببقيّة ج�سمه" .كان ّ من الطول امل�سافة املمتدّة بني م�سكة الباب و�أر�ض الغرفة .وهو �أعر�ض من ن�صف الباب .ال يتح ّرك فمه بالطريقة التي تتح ّرك بها �أفواهنا .وله ،مثلنا ،حاجبان ورقبة... هذا الو�صف للح�شرة �أ�شبه بال�صعقة التي ت�صيب القارئ يف ال�صميم؛ يف ال�شعور يتح�س�س نف�سه ك�أنه ح�شرة، الدفني ،جتعله ّ �أو ك�أن االمن�ساخ قد �أ�صابه هو الآخر، خ�صو�ص ًا �أن الرواية �سيكولوجية� ،إذ يقر�أها
املرء وك�أنه يعي�ش بني ثنايا كلماتها و�أحداثها ،فقد جعل كافكا من تقنيّة ال�شعور بالذنب ِ�شعر ًا و�شعور ًا � ّأخا َذ ْين. مل تنبثق الكافكاوية من �شخ�ص كافكا ،بل من احلال التي �أبدع يف ر�سمها ،فقد كان يتن ّب�أ بامل�صري الب�شري يف ّ ظل مناخات الرعب التي انت�شرت حتت الأنفا�س الثقيلة للأنظمة التوتاليتارية الك ّالنيّة؛ هنا وهناك انفلت الرعب من عِ قاله و�ساد العبث؛ حتوّ ل الكائن الب�شري �إىل ما ي�شبه احل�شرة املذعورة. على �أن كافكا بح�سب مواطنه الروائي ميالن كونديرا �أي�ض ًا حوّ ل مادّة م�ضادّة لل�شعر على نحو عميق (�أي مادّة املجتمع البريوقراطي) �إىل �شعر عظيم للرواية .ويف هذا ال�سياق يقول مارتن بفايفر وجان -ماري �شرتاوب يف درا�سة بعنوان "املفقود يف املجتمع ال�صناعي"ُ ،ن�شرت �ضمن �أعمال كافكا املرتجمة اىل العربية� ،إن املده�ش يف كافكا هو �أنه كان ال�شاعر الأوّ ل -وحتى الآن الوحيد على الأرجح -ملا يُ�س َّمى املجتمع ال�صناعي .و�إ�ضاء ًة لهذه اجلملة يكتب املرتجم ال�سوري �إبراهيم وطفي ب�أن كلمة "�شاعر" يف هذا الكتاب ُت�ستخدم يف املعنى الأوروبي :مبدع �أيّ �أدب رفيع ،موزون ًا كان �أم منثور ًا ،روائي ًا ق�ص�صي ًا كان �أم م�سرحي ًا. يف و�سعنا �أن نقول �إن كافكا كان �شاعر ًا باملعنى احلقيقي لل�شعر ،ويف �شعره كثافة ال�شعور بالأ�شياء والتحوّ الت وامل�صري الب�شري ،وهو املم ّثل الأبرز لروح الع�صر احلديث .لقد ح ّقق جناح ًا الفت ًا يف ت�صوير العدمية التي �ألقت بظاللها الداكنة والكاحلة على جمتمع فقد �صلته ب�إله مينح الفرد نوع ًا من الطم�أنينة امليتافيزيقية واال�ستقرار النف�سي ،متام ًا كما جنح يف ك�شف (وف�ضح)
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
�آثار العقالنية املفرطة للهيمنة البريوقراطية التي توقع الفرد يف حبائلها العنكبوتية.
ّ املوظف كافكا
على عك�س �صورته املر�سومة من خالل نرثه انطوائي وم�ستغرق يف ت�أمّالت ككاتب ّ ميتافيزيقية وكابو�سية ،يُجمع ك ّتاب ِ�سيرَ كافكا و"حمازبوه" ،على �أنه كان رج ًال عملي ًا يف حياته املهنية ح�صل على ترقيات عدّة .ا�شتغل كافكا � 13سنة موظف ًا يف مكتب للت�أمني �ض ّد احلوادث يف مملكة بوهيميا. هناك كانت مهمّته �أن يكتب التقارير عن احلوادث التي ت�صيب العمّال .وقد كان على و�شك �أن ينال ميدالية الدولة "لإ�سهامه يف ت�أ�سي�س م�آوى املتخ ّلفني عقلي ًا وت�شغيلها" حني انهارت �إمرباطورية الهاب�سبورغ عام .1918ومار�س كافكا ت�أثري ًا قوي ًا على الكثري من الروائيني وال�شعراء ،ف�أكرث ق�ص�صه �إيجاز ًا ُقرئت يف و�صفها ق�صائد نرث ،والأمر نف�سه يف يومياته املتناثرة، وال تنبع احل�سا�سية ال�شعرية يف �أعماله من
امل�ؤثرات ال�شكلية ،بل من الغرابة والغمو�ض والبعد الفانتازي عرب �أحداث غاية يف الكثافة .وقد �أتت هذه احل�سا�سية تتويج ًا ملرحلة برزت فيها االجتاهات احلديثة يف الق�صة والرواية ،ون�ش�أت ح�سا�سية ف ّنيّة جديدة بد�أت يف ّ ف�ض تقنياتها ،ويف اخرتاق �أ�شكال النرث :حتطيم ال�سياق الزمني املتعاقب ،انتهاك الرتتيب ال�سردي ،تفجري اللغة وحتميلها طاقة �شعرية عالية ،وبالتايل مل يعد النرث حم�ض و�سيلة لتحقيق غاية وعظيّة ،حيث االعتماد على اللغة الإن�شائية املبا�شرة، واال�ستطراد والإ�سهاب وال�شرح. بل اك ُت�شفت عنا�صر �شعرية جديدة يف النرث ،وتبينّ �أن يف ال�سرد �شحنة �شعرية كثيفة ،ويف الإيقاع عال .ولهذا اعترب واحلوار �إح�سا�س �شعريّ ٍ النرث �شك ًال من �أ�شكال التعبري ال�شعري. متيّزت كتابات كافكا يف فرتة ما ،بقطع نرثية ق�صرية ترتاوح ما بني ب�ضعة �أ�سطر والثالث �صفحات ،قائمة على فظاعة املحتوى ،وغالب ًا ما ُن�شرت بعد وفاته �إما كق�ص�ص ق�صرية ،و�إما كـ"�أمثوالت". ومن بني هذه القطع "ر�سالة الإمرباطور" ُ (�ض َّمت يف ما بعد �إىل الرواية الق�صرية "�سور ال�صني العظيم") ،و"�أمام القانون" ُ (�ض َّمت كمدخل لرواية "املحاكمة") ،وك�أنهما تلخي�صان مك ّثفان� ،أو هام�شان ممهّدان لهذين العم َلني الطوي َلني.
اقت�صاد جمنون
يرى بع�ض الن ّقاد �أن ثمة قطع ًا نرثية كافكاوية تكاد تكون �أ�شبه بق�صائد نرث، بل ذهبت �سوزان برنار �إىل �أن "ر�سالة الإمرباطور" تنطوي على تو ّتر يكاد ال يطاق ّ يلخ�ص احلدث باقت�صاد مك ّثف
�إىل ح ّد اجلنون ،وهذا ال�سرد قد �أ ّثر على بع�ض �شعراء ق�صيدة النرث الفرن�سيني يف ثالثينيات القرن املا�ضي. كما ي�ستند ه�ؤالء النقاد يف اعتبارهم هذا، �إىل فكرة مفادها �أن ثمة يف يوميات كافكا ور�سائله ما ّ يدل على �أنه كان ّ مطلع ًا على أخ�ص على الرتجمات الأدب الفرن�سي ،وبال ّ الأملانية التي ّ متت لق�صائد بودلري ورامبو النرثية ،بح�سب ما يقول ال�شاعر العراقي عبد القادر اجلنابي يف تقدميه لق�صائد كافكا النرثية التي ترجمها �صالح كاظم، ("�إيالف"). يعرف اجلميع �أن اجلن�س الأدبي الوحيد الذي كان كافكا واعي ًا له هو "الأمثولة"، نظر ًا �إىل انهمامه ،كما ت�ؤ ّكد ع�شرات ال�صفحات يف يومياته ،يف معرفة انتمائه اليهودي .لذلك تبحّ ر يف تراث يهود �أوروبا الو�سطى ،وكتب التلموديّات وتف�سري التوراة املليء بالأمثوالت ،فوجد �أن فنّ الأمثولة هو الأقرب �إىل نف�سه .عن ذلك يقول اجلنابي �إن الأمثولة تتميّز ب�صفتني هما من ال�صفات الأ�سا�سية لق�صيدة النرث: الإيجاز وال�سرد .على �أن للأمثولة �صف ًة ثالثة هي �أن يكون ثمة حقل دال ّ غر�ضي يل ّ م�شرتك بني قائل الأمثولة ومتل ّقيها .فمغزى �أمثولة ما يقوم على مَن قالها ،ويف �أي حقبة قيلت ،والظرف الذي فر�ضها ،و�إىل مَن هي ُوجهة .و�إال فمن دون ذلك تعود جم ّرد م َّ حكاية ال َ غر�ض لها� ،أي ال جمهور معيّن ًا ي�ضطر �صاحب الأمثولة �إىل �إعطائه مفاتيح بني ال�سطور لفهم املغزى املُراد من �أمثولته. لكن كافكا لي�س �صاحب ر�سالة كامل�سيح �أو ك�إمرباطور �أو �صاحب دعوة له �أتباع، لذلك ف�إن بع�ض ما كان يكتبه من قطع نرثية على طريقة الأمثولة ،يُ�سبِّب ،على نحو تلقائي ،انزياح ًا؛ عدو ًال عن الأ�صل ،منتج ًا املطلب الثالث والأ�سا�سي لق�صيدة النرث: الالغر�ضية؛ املجانية املطلقة. «الغاوون» ،العدد 1 ،2ني�سان 2008
11
نعلم �أن الكاتب االرجنتيني الكبري خورخي لوي�س بورخي�س " "1986-1899كان على معرفة عميقة ووا�سعة ب�آداب وثقافات العامل يف خمتلف احلقب والع�صور. وهذا ما تعك�سه �آثاره االبداعية ودرا�ساته النقدية.وكانت بني هذا الكاتب املو�سوعي الذي كان يتقن لغات متعددة مثل الفرن�سية واالجنليزية واالملانية ،وبني العديد من ال�شعراء والكتاب والفال�سفة والعلماء و�شائج و�صالت مل ينقطع عن احلديث والكتابة عنها حتى نهاية حياته .وكان فرانز كافكا " "1924-1883واحدا من ه�ؤالء .ويعتقد بورخي�س �أن �صاحب رائعة املحاكمة قد يكون ت�أثر بزينون االيلي "القرن اخلام�س قبل امليالد" والذي كان من �أ�صول فينيقية غري �أنه كتب باليونانية وكان ار�سطو قد جعل من هذا الفيل�سوف م�ؤ�س�سا للجدل .وتعتمد فل�سفته على انكار احلركة، وتناق�ض النتائج التي تت�ضمنها .وقد كتب عنه الفيل�سوف االملاين الكبري هيغل يقول: "يذكر �أر�سطو �أن زينون نفى احلركة لأنها تت�ضمن تناق�ضا باطنا.ولكن ال يجوز �أن نفهم من ذلك �أن احلركة ال وجود لها على االطالق .كما عندما نقول :توجد فيلة وال توجد كراكد .ف�إما �أن احلركة موجودة ،و�إما �أن لهذه الظاهرة وجودا .فلي�س هذا مدار امل�س�ألة. فاحلركة من معطيات اليقني احل�سي مثلما �أن للفيلة وجودا .وبهذا املعنى مل يخطر ببال زينون �أن ينفي احلركة ،وامنا امل�س�ألة بالأحرى م�س�ألة حقيقتها ،فاحلركة غري حقيقية لأنها تناق�ض".وعن العالقة بني زينون االيلي وفرانز كافكا كتب بورخي�س يقول" :لقد �أخذ كافكا تناق�ض زينون االيلي وجدّده بطريقة حمزنة ومثرية للعواطف. غري �أن القيام مبثل هذا العمل �أمر �صعب للغاية .وحده كافكا فعل ذلك .اجلميع قر�أوا زينون االيلي غري �أنه ال �أحد كتب "املحاكمة" �أو "الق�صر" مع ذلك ف�إن طريقة العمل "االوالية" هي نف�سها .رمبا لهذا ال�سبب مل يرغب كافكا يف ا�صدار كتبه. فنحن ن�شعر ونحن نقر�أه �أنه ال نهائي.. ويروي بورخي�س �أنه اكت�شف فرانزكافكا عام ،1917وكان �آنذاك يف الثامنة ع�شرة من عمره وكان قد تعلم االملانية و�أقبل على قراءة �شعراء وكتاب وفال�سفة هذه اللغة. ويف جملة �أدبية رفيعة امل�ستوى ،كانت تن�شر ن�صو�صا للتعبرييني االملان خالل احلرب الكونية الثانية.ومن خالل تلك املجلة� ،أدرك بورخي�س �أن �أدبا جديدا بد�أ يولد وينت�شر يف كل من املانيا والنم�سا. وذات يوم ،قر�أ يف تلك املجلة ن�صا لكاتب كان يجهله من قبل ،وكان يدعى فرانز كافكا.
ح�سونة امل�صباحي
غري �أن الن�ص مل يعجبه كثريا .و�صحيح �أن اللعب بالكلمات ،وال�صور ال�شعرية، وحداثة الأ�سلوب واللغة ،وكل هذا فتنه، غري �أن الن�ص بدا له باهتا وغري ذي قيمة. لذلك ت�ساءل بعد �أن قر�أه" :وملاذا ن�شر هذا الكاتب املدعو فرانز كافكا مثل هذا الن�ص؟". ويف ما بعد �سوف يجد يف حكاية كانت ترويها له جدته التي من �أ�صول انكليزية ما �ساعده على تبينّ اخلط�أ الذي ارتكبه جتاه ذلك الن�ص ..وقد كتب يف ذلك يقول: "كانت جدتي قد �أقامت ثالث �سنوات يف مدينة كيوم " "CIUMالتي تقع غرب بيون�س اير�س ،عا�صمة االرجنتني .وبعد تلك املدينة مب�سافة ق�صرية ،تبد�أ ال�سهول املع�شو�شبة التي يعي�ش فيها الهنود والذين كانوا يعي�شون حتت اخليام ،ويتنقلون من مكان �إىل �آخر .وكان البع�ض من �أولئك
الهنود يرتدّدون على مدينة كيوم لق�ضاء بع�ض حاجياتهم ،وبرغم ب�ساطة تلك املدينة ،وخلوها من املظاهر املعروفة التي تتميز بها بقية املدن ،فان الهنود كانوا ي�شعرون بالده�شة والذهول وهم ي�سريون يف �شوارعها .ومل يكن ذلك بالأمر الغريب. فقد كان �أولئك الهنود يجدون فيها �أ�شياء يجهلونها متاما مثل املقاهي ،والبيوت التي حتتوي على عدة غرف والكرا�سي واال�سرة واملرايا وغري ذلك. وكل هذه الأ�شياء كانت تبدو لهم غريبة. مع ذلك ال ت�ستمر ده�شتهم طويال .ف�سرعان ما يتعاملون مع تلك الأ�شياء وك�أنها غري موجودة وال تعنيهم �أ�صال" .ويرى بورخي�س �أن هناك تف�سريين لذلك ،الأول هو �أن الهنود بدائيون غالظ لي�س با�ستطاعتهم �إدراك قيمة مثل تلك الأ�شياء� .أما التف�سري
الثاين الذي مييل �إليه بورخي�س هو �أن البيت ،والنافذة والباب ،وكل ما كانت حتتويه مدينة كيوم يف الثمانينيات من القرن التا�سع ع�شر ،كانت �أ�شياء جديدة بالن�سبة للهنود ،غري �أنهم مل يكونوا يرونها.وكانت ال مرئية بالن�سبة �إليهم. وهذا ما حدث متاما لبورخي�س وهو يقر�أ ن�ص كافكا يف املجلة االملانية �إذ �أنه مل ينتبه �إىل خفاياه ،وال �إىل عمقه ،النه كان جديدا بالن�سبة �إليه .لذا كان البد �أن مير وقت طويل لكي يكت�شفه اكت�شافا حقيقيا. وكان فرانز كافكا قد ولد يف احلي اليهودي مبدينة براغ .وتعك�س ّ جل �أعماله العديد من الت�أثريات اليهودية� ،سواء كانت دينية �أم غريها .ويف الفرتة التي بد�أ فيها يكتب ق�ص�صه ورواياته ،كانت حركة التجديد يف الآداب االوروبية ت�شهد تناميا ملحوظا.
فقد كان جوي�س منكبا على كتابة عمله الذائع ال�صيت "اولي�سي�س".وكان ال�شاعر االيرلندي ويليام بتلريت�س يخو�ض مغامرة جديدة مع اللغة ،ومع ال�صور ال�شعرية. وكانت هناك جتارب جديدة يف جمال الر�سم والفنون تت�شكل ب�صورة مده�شة يف العديد من العوا�صم االوروبية .ومن امل�ؤكد ان فرانز كافكا كان قد ت�أثر كثريا مبثل تلك املناخات االدبية والفكرية والفنية اجلديدة، وبها تغذى .وخالل احلرب الكونية الثانية، عا�ش فرانز كافكا �أوجاع تلك املرحلة الع�صيبة يف تاريخ اوروبا ،و�شاهد النا�س يجوعون ويتعذبون ويواجهون املوت يوميا .ويرى بورخي�س �أن تلك الأحداث االليمة تركت ب�صماتها يف �أعماله الق�ص�صية والروائية .وقد عبرّ عن ذلك من خالل طرق مل تكن معهودة حتى ذلك احلني.. وقد كتب بورخي�س عن ذلك يقول" :اجماال، ميكن القول �أنه ال يوجد يف الأدب العجائبي غري �شيء عجيب واحد .ففي رواية "الرجل الالمرئي" لوال�س " "WELLSنحن جند �أنف�سنا �أمام رجل يومي ،غري �أنه ال مرئي .ويف "جزيرة الدكتور مورو" هناك حيوانات تتحول �إىل كائنات ب�شرية .ويف "الآلة التي تت�سلق الزمن" هناك �آلة بامكانها �أن ت�سافر باجتاه امل�ستقبل �أو باجتاه املا�ضي� .أما ما تبقى فكله يومي عمدا� .أما عند كافكا فكل �شيء عجائبي حتى �أنه لي�س با�ستطاعتنا �أن نف�صل بني ما هو حقيقي وما هو عجائبي" .وي�ضيف بورخي�س قائال: "�أنا على يقني من الأمر التايل :بعد مائتي �سنة ،ميكن لالن�سانية �أن تن�سى الظروف التاريخية التي عا�ش فيها كافكا ،والتعبريية التي ت�أثر بها كثريا ،والتي �أثرت يف جممل الآداب االوروبية .كما ميكن �أن تن�سى االن�سانية احلرب الكونية الأوىل ،غري �أنها ميكن �أن تتقبل عامل كافكا .ومثلما هو احلال بالن�سبة ل�شك�سبري �أو دانتي� ،سوف جتد االن�سانية يف ن�صو�صه العجائبية تف�سريا لأو�ضاعها و�أحوالها .لذلك �أنا على يقني من �أن �أعمال كافكا �ستظل خالدة �إىل الأبد". وعن ت�أثري كافكا عليه ،كتب بورخي�س يقول: "عندما كتبت "مكتبة بابل" و"يا ن�صيب بابل" حاولت جاهدا �أن �أكون كافكا .غري �أنني مل �أفلح يف ذلك .لذلك خ�ضعت لأمر �أن �أظل بورخي�س .لكن �أن �أكون بورخي�س فان هذا يعني �أي�ضا �أن �أكون �إىل حد ما كافكا �إذ �أن كل كاتب يتحدث عن الآخرين .وما يفعله مدعيا �أنه جديد متاما ،لي�س �صحيحا ،كل �شيء كتب ،وكل الق�صائد ميكن �أن تكون الق�صائد نف�سها التي كتبت من قبل .وما ي�ستطيع الكاتب �أو ال�شاعر �أن يقوم به هو �أن يحدث تنويعات جديدة �أخرى.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
12
العدد ()2157ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )11حزيران 2011
العدد ()2157ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )11حزيران 2011
13
رسائل فرانز كافكا األخيرة جودت هو�شيار حني تويف فرانز كافكا عام 1924مل يكن قد ن�شر من نتاجاته �سوى ب�ضع جمموعات �صغرية من الق�ص�ص الق�صرية �أما رواياته وق�ص�صه الطوال (وكذلك ق�ص�صه الق�صرية التي مل تن�شر خالل حياته) ويومياته ور�سائله فقد ن�شرت تباعا بعد وفاته وقد ا�ستغرق ن�شر م�ؤلفاته الكاملة قرابة خم�سني عاما ( )1974 – 1924من اجلهد املتوا�صل لعدد كبري من الباحثني والنا�شرين .فقد ن�شرت رواية "املحاكمة " يف عام 1925ورواية "القلعة" يف 1926 ورواية "�أمريكا" يف .1927ثم �صدر جملد ي�ضم جمموعة كبرية من ق�ص�صه الطوال والق�صرية الناجزة � ,سواء تلك التي ن�شرت خالل حياة الكاتب �أو بقيت على �شكل خمطوطات �ضمن �أر�شيفه و�أعقب ذلك �صدور جملد ي�ضم م�سودات ق�صته الطويلة " و�صف معركة " اما بعد احلرب العاملية الثانية فقد مت ن�شر ق�صته الطويلة " ا�ستعدادات حلفلة زفاف يف الريف " مع جمموعة من ر�سائله ويومياته ومنها ر�سالته ال�شهرية اىل والده �أما ر�سائله اىل الن�ساء اللواتي لعنب �أدوارا" مهمة يف حياته فقد �صدرت يف جملدات متتابعة وم�ستقلة كل جملد يحتوي على ر�سائله
املوجهة اىل واحدة منهن . فقد �صدر كتاب " ر�سائل �إىل ميلينا ي�سين�سكايا " يف عام 1952وكتاب " ر�سائل �إىل فيليت�س باوار " يف عام 1967 و�أخريا" " ر�سائل �إىل اوتال " يف 1974 ويت�ألف من ( � ) 248صفحة .والكتاب الأخري يحتوي على الر�سائل العائلية ومعظمها موجهة �إىل �شقيقته �أوتال ور�سائل عدة اىل زوجته ( دورا ) وال يت�ضمن الكتاب ر�سائل كافكا اىل �شقيقاته الأخريات ويرجح �أنها فقدت وال جند يف الكتاب �أي جواب من �أجوبة اوتال على ر�سائل �أخيها ( �إن كانت ثمة �أ�صال" �أجوبة" ما ) �أي �أنها ر�سائل من جانب واحد و�أ�شبه باملونولوج الداخلي من طرف واحد بدال" من احلوار بني املر�سل واملتلقي .وعلى الرغم من �أن كافكا قد ولد وعا�ش طوال حياته يف العا�صمة اجليكية براغ اال �أن م�ؤلفاته جميعها مدونة باللغة الأملانية والتي كانت اللغة الر�سمية يف البالد قبل احلرب العاملية الأوىل .كان كافكا يتكلم اللغة اجليكية العامية ولكنه كان يف �أعماق نف�سه ي�شعر ب�أن اللغة الأملانية �أغنى و�أرحب و�أنه ي�ستطيع التعبري عن نف�سه باللغة الأملانية على نحو �أعمق و�أدق وعلى الرغم من كونه يهوديا" اال انه مل يكن يتكلم
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
العربية �أو يهتم بها ومل يحاول �أن يتعلمها فقد كانت اللغة عنده و�سيلة تعبري عن النف�س يف املقام الأول ومل ت�ستهويه قط الأفكار الدينية او القومية ال�ضيقة وكان يتجاهل اى م�سعى من هذا القبيل مهما كان م�صدره (على النقي�ض من مزاعم بع�ض النقاد العرب وحماولتهم ال�صاق تهمة ال�صهيونية بكافكا زورا و بهتانا نتيجة للت�أويل اخلاطئ املتعمد لبع�ض ق�ص�صه مما يدل داللة قاطعة على انحيازهم الفا�ضح و مدى �سذاجة افكارهم امل�سبقة وعدم ا�ستيعابهم لأدب كافكا وعجزهم عن فهم عامله الروحي .ولكن هذا مو�ضوع ي�ستحق وقفة اطول و رمبا �سنكر�س له مقاال م�ستقال) .ان الر�سائل التى كتبها كافكا فى ايامه الأخرية طافحة بالأمل واحلزن والأ�سى العميق وفيها م�شاهد و �صور ناب�ضة باحلياة و ترتك فى نف�س القارىء انطباعا قويا وتهز وجدانه و م�شاعره لأنها مت�س �شغاف قلب كل ان�سان معذب يدرك م�أ�ساة الوجود الب�شري العابر وق�سوة احلياة وبرغم ان نتاجات كافكا ب�أ�سرها امنا هي م�شاهد و �صور حية تعرب عن احلياة وتعك�س الواقع املعا�ش من خالل ر�ؤيته الفنية اال انها تبدو وك�أنها نتاجات ابداعية
متكاملة ،ذلك لأن حياة �أي �إن�سان – جزء مقتطع من احلياة ولكنه متكامل يف حد ذاته .ثم �أن كافكا ومهما كان املو�ضوع الذي يكتب عنه ف�أنه يف حقيقة الأمر يتحدث اىل نف�سه وعالقته بالواقع الأجتماعي الذي كان يعي�ش فيه وال�شيء الذي مل يكن يعرب عنه حتى النهاية يف رواياته وق�ص�صه جنده يف م�سودات م�ؤلفاته ويف ويومياته ور�سائله ،فقد كان املحور الوحيد الذي تدور حوله �أفكاره و�أحا�سي�سه هو امل�صري امل�أ�ساوي للكاتب نف�سه بكل مافيه من معاناة وتوتر نف�سي وعذاب و�أمل .وهذا امل�صري هو الذي يوحد على نحو متكامل كل ما ي�سرده الكاتب يف مو�ضوع واحد كبري هو اغرتاب الأن�سان يف جمتمع يعج باملتناق�ضات واملفارقات احلياتية .مل يكن �إغرتاب كافكا �إغرتابا طبقيا" ح�سب املفهوم املارك�سي �أي �إغرتاب العامل عن قوى الأنتاج وو�سائله وعالقاته ب�سبب عدم ح�صوله اال على جزء هام�شي من ثمار عمله وجهده ذلك لأن الأغرتاب الكافكوي اغرتاب روحي عميق الغور ال يفارقه اال يف بع�ض اللحظات الق�صرية البهيجة وكانت مثل هذه اللحظات نادرة يف حياة كافكا . مل يكن بو�سع كافكا �أن يكون جزءا" من �آلة
يتحكم فيها زمرة من النفعني والو�صوليني والأنتهازيني الذين هم على ا�ستعداد دائما �أن يفعلوا �أي �شيء من �أجل احل�صول على املال والنفوذ ال�سيا�سي والأجتماعي والت�سلل اىل مواقع ال�سلطة بطرق ملتوية وا�ستغاللها مل�صاحلهم الأنانية .ه�ؤالء الآخرون هم احلجيم – على حد قول كافكا وقد ذهبت كلمات كافكا الدقيقة هذه , مذهب املثل ال�سائر �أو القول الأثور --مل يكن كافكا فيل�سوفا" وال وجود لكلمة " االغرتاب " يف م�ؤلفاته ويومياته ور�سائله ومل ي�ستعمله قط يف �أحاديثه – كما يقول �أ�صدقا�ؤه املقربون – ومل يحاول �أن يدر�س هذا املفهوم الفل�سفي ولكنه كان ان�سانا" رائعا" وكاتبا" مبدعا" – و�أكاد �أقول عظيما" – يدرك �إن لالغرتاب �صورا" و�أ�شكاال" عديدة ولكنها جميعا" معادية لالن�سان .ولقد ا�ستطاع �أن يج�سد فنيا" هذا املفهوم على نحو �أو�ضح و�أعمق و�أ�شمل من �أي فيل�سوف وهذا التج�سيد �ساخر حينا" وم�أ�ساوي حينا" �آخر ولكنه دقيق دائما" ويك�شف كافكا بب�صريته الثاقبة وجر�أته الفنية املعهودة النقاب عن وجه البريوقراطية احلاكمة ويركز على تلك الظواهر التي كانت تنخر يف ج�سد املجتمع اجليكي والتي تتكرر �أحيانا" كثرية يف �أي جمتمع قائم على ا�ستغالل االن�سان لالن�سان ور�سائله اىل �أخته ت�ضيف مالمح جديدة اىل �صور املجتمع اجليكي واالن�ساين عموما" التي ر�سمها عرب نتاجاته الروائية والق�ص�صية . مل ي�ستطع كافكا قط �أن ين�سجم مع جمتمع م�شوه ت�سوده العالقات الال�إن�سانية لأن �سريرته النقية واعتزازه بالقيم الأخالقية والكرامة االن�سانية و�أمور �أخرى كثرية كانت ترغمه على الأبتعاد عن الو�سط الفا�سد الذي كان يحيط به وتخلق نوعا" من الأنف�صام الروحي بينه وبني الآخرين .كان البريوقراطيون يقولون عنه � ,أنه �إن�سان " غري طبيعي " ولكن كافكا علق على هذا الزعم الباطل ب�سخريته الالذعة قائال"� ":أن تكون ان�سانا" ( غري طبيعي ) لي�س �أ�سو�أ ما يف احلياة لأن النا�س يعتربون احلرب العاملية �أمرا" طبيعيا". ولقد ظلت هذه التهمة تالحق الكاتب حتى بعد وفاته ب�سنوات طوال وما يزال البع�ض يعترب كافكا و�أبطال رواياته وق�ص�صه �أنا�سا" غري طبيعيني .ولكن ما هي املعايري الطبيعية للمجتمعات املري�ضة � :أنها �ضياع القيم الروحية وعبادة املال والتفنن يف طرق احل�صول عليه مهما كانت ملتوية وو�ضيعة .مل يكن بو�سع كافكا �أن يتخلى عن مبادئه وقيمه الأن�سانية النبيلة و�أن يت�سابق مع النا�س " الطبيعيني " الذين ال هم لهم يف احلياة اال املال وما يوفره من قوة ونفوذ و�سلطان . كانت( ميلينا ي�سين�سكايا ) تفهم كافكا �أف�ضل من اي ان�سان �آخر وكان كافكا بدوره يفتح لها قلبه وي�صارحها بكل ما يدور يف خلده من �أفكار وم�شاعر .تقول ميلينا " :هذا الذي يعتربه النا�س ( غري طبيعي ) يف �شخ�صية فرانز � ,إمنا هو يف الواقع �أح�سن ما يتميز به من ف�ضائل � .أنا �أدرك �أنه يقام,
لي�س احلياة ذاتها بل فقط هذا الأ�سلوب يف احلياة " . وكما يبدو من ر�سائل كافكا اىل �أخته ف�أن والد كافكا مل يفهم ابنه قط .لقد كان – �أي والد كافكا – رجال" م�ستبدا" وعدوانيا" مل يكن �أحد ي�سلم من ل�سانه اجلارح و�سلوكه اخل�شن .كان من عائلة فقرية ولكنه ا�ستطاع ب�أ�ستخدام الأ�ساليب (الطبيعية) ملجتمعه �أن يكون ثروة الب�أ�س بها ولكنه كان �أحد �أ�سباب تعا�سة �إبنه فرانز يف احلياة .ويحدثنا الكاتب نف�سه يف هذه الر�سائل ومبرارة و�سخرية الذعتني عن �سلوك والده مع النا�س والقيم الزائفة التي كان ي�ؤمن بها والرياء الذي كان �سائدا" يف الو�سط االجتماعي لعائلته .كان كافكا يحمل �شهادة الدكتوراه يف احلقوق ويعمل موظفا" يف �شركة ت�أمني على حياة العمال من حوادث العمل واالنتاج وتقت�ضي واجباته الوظيفية
قيامه بتفتي�ش املعامل والت�أكد من تطبيق قواعد ال�سالمة املهنية فيها .كان حري�صا" �أ�شد احلر�ص على �أداء مهام وظيفته بكل جد ودقة واخال�ص لذا مل يكن من امل�ستغرب �أن يرتقي ال�سلم الوظيفي ب�سرعة ويحتل وظيفة مهمة يف ال�شركة التي كان يعمل بها
على الرغم من كل املعوقات . كان والداه يريدان منه �أن ميار�س التجارة يف �أوقات فراغه غري �أنه كان يع�شق الأدب الق�ص�صي ويجد فيه خري و�سيلة للتعبري عن النف�س ومقاومة �شرور الواقع االجتماعي .كان يعود من عمله بعد انتهاء
الدوام الر�سمي مرهقا" ,ثم ي�أخذ ق�سطا" من الراحة قبل �أن يجل�س �أمام طاولة الكتابة .كان يندمج يف عملية اخللق الفني وين�سى ماحوله ,ويظل يكتب اىل �ساعة مت�أخرة من الليل و�أحيانا" حتى فجر اليوم التايل ونتيجة لهذا االجهاد
امل�ستمر � ,أ�صيب – وهو يف الرابعة والثالثني من عمره – مبر�ض التدرن الرئوي .ونحن نعرف تفا�صيل ذلك من ر�سالته امل�ؤرخة يف 1917/8/29 املوجهة اىل �أوتال .كتب كافكا �إىل �أخته يقول " : قبل ثالثة �أ�سابيع �أ�صبت بنزيف رئوي " .ومنذ هذا الت�أريخ بد�أت رحلة كافكا امل�ؤملة مع املر�ض .و�أخذ يتنقل – طلبا" للعالج – من م�صح اىل م�صح .كان بحاجة ما�سة اىل التغذية اجليدة والهواء الطلق والراحة لنف�سية والهدوء التي كان من املفرو�ض �أن توفرها امل�صحات الطبية الواقعة خارج العا�صمة براغ .ومل يكن يف ذلك الزمان عالج ملر�ض ال�سل غري هذا .ولكي اليف�صل من وظيفته – م�صدر رزقه الوحيد – كان عليه �أن يح�صل على اجازات مر�ضية طوال ومتكررة مبوافقة مدير ال�شركة التي كان يعمل فيها .وبينما كان كافكا راقدا" يف امل�صح ,ف�أن �أخته �أوتال هي التي كانت ت�سعى للح�صول على الأجازات املطلوبة .كما يت�ضح لنا ذلك من جواب كافكا على احدى ر�سائلها ,كانت اوتال تتذمر من غطر�سة مدير ال�شركة وت�شعر باملذلة واملهانة وهي تقف امامه بينما هو منهمك يف قراءة الطلب اجلد يد الذي تقدمت به للح�صول على اجازة جديدة لأخيها ومل يكلف املديرنف�سه عناء رفع ر�أ�سه ليلقى نظرة على �أوتال الواقفة يف انتظار قراره .كان كافكا خبريا" ب�سايكولوجية البريوقراطيني فكتب اىل �أخته ,ي�شرح لها الأمر � " :أما �أن املدير مل يرفع ر�أ�سه للنظر اليك ,فهذا ال يدل على االطالق على اال�ستياء .كان ينبغي يل �أن �أهيئك لهذا املوقف ف�أ�سلوب املدير هو �أ�سلوب ي�ستخدمه بع�ض اخلطباء حني يرف�ض اال�ستمتاع باالنطباع الذي ترتكه كلماته لدى احل�ضور اىل القاعة لأن مثل هذا اخلطيب اجليد – �أو من يعترب نف�سه كذلك – واثق من نف�سه اىل درجة �أنه ال ي�شعر باحلاجة اىل القاء نظرة على القاعة, �أو اىل مثل هذه ال�شحنة اال�ضافية فهو من دون ذلك ,يدرك متاما" مدى قوته " .هذا امل�شهد الذي ي�صفه كافكا يف احدى ر�سائله �أ�شبه مبادة خام الحدى م�شاهد رواية " (القلعة). بعد احلرب العاملية االوىل تغري النظام امللكي يف جيكو�سلوفاكيا ولكن البريوقراطية وطقو�سها املعادية لالن�سان ظلت كما هي ماعدا تغيريا واحدا هو �أن اللغة اجليكية �أ�صبحت اللغة الر�سمية للبالد .مل يكن من ال�سهل على كافكا الكتابة باللغة اجليكية التي مل يتلق التعليم املدر�سي بها لذا ف�أن مرا�سالته مع ادارة ال�شركة التي كان يعمل بها ,كانت ت�سلك
◄
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
14
العدد ()2157ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )11حزيران 2011
العدد ()2157ال�سنة الثامنة -ال�سبت ( )11حزيران 2011
15
manarat رئي�س جمل�س الإدارة رئي�س التحرير
التحرير ----------------نزار عبد ال�ستار الت�صحيح اللغوي ----------------حممد حنون الت�صميم ----------------م�صطفى جعفر
طريقا" طويال" .كان يكتب ر�سائله باللغة االملانية ثم ير�سلها اىل �أخته �أوتال يف براغ ليقوم زوجها اجليكي برتجمتها اىل اللغة اجليكية و�إعادته اىل كافكا الراقد يف امل�صح ومن ثم كان كافكا يقوم باعادة كتابة الن�ص اجليكي بخط يده وبعناية �شديدة ولكن مل يكن لدى مدير ال�شركة البريوقراطي وقت للرد على ر�سائل موظف ميوت ببط�أ على فرا�ش املر�ض .كان كافكا ي�أمل �أن يتلقى جوابا" على ر�سائله العديدة التي كان يطلب فيها منحه �إجازة طويلة ولكن طال انتظاره من دون جدوى فقرر �أن يكتب بنف�سه ردا" على ر�سائله بدال" من مدير ال�شركة .كان ردا من ن�سج خيال كافكا .جاء يف هذه الر�سالة اجلوابية اخليالية ما يلي � " :أيها الزميل
العزيز ! طر�أت يف ذهني ليلة �أم�س فكرة جيدة وهي �إن عليك �أن تق�ضي يف الهواء الطلق �أطول وقت ممكن و�أنا�شدك �أن ت�ستمتع ب�أجازتك الطويلة و�أن ال تكلف نف�سك عناء كتابة اي طلب جديد على الطريقة اجليكية . ار�سل يل فقط برقية من كلمة واحدة " نعم " و�ستح�صل على الأجازة ال�سنوية املطلوبة فورا وبذلك لن حتمل اوتال وزوجها م�شقة متابعة طلباتك � .أنا ب�أنتظار برقيتك و�أمتنى لك ال�شفاء العاجل و�أ�شكرك من �صميم قلبي ...الخ " مل تكن االجواء يف م�صح ( ماتيلياري ) جيدة .كانت امل�شاكل اليومية ال�صغرية تثري �أع�صاب الكاتب املري�ض ( :ال�ضجيج ,اخلدمة ال�سيئة ,رائحة املطبح القريب
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
من غرفته ) ولكن حتى يف ظل هذه االجواء الكئيبة كان كافكا يبحث عن بهجة احلياة املفقودة وظل كذلك �إىل �آخر يوم يف حياته . كانت ر�سائله اىل �أوتال مرحة ي�سرد فيها لأخته �آخر �أخبار امل�صح واحلوادث الطريفة واحلكايات امل�سلية التي ال يخلو منها حتى م�صح للأمرا�ض ال�صدرية .ويف احدى هذه الر�سائل ي�ستدرك كافكا قائال"�(( :أرجو �أن ال يتبادر �إىل ذهنك �إننا نق�ضي �أوقاتنا هنا يف �ضحك متوا�صل ذلك لأن �أجواء امل�صح �أبعد ما تكون عن املرح). كانت وط�أة املر�ض القاتل – الذي مل يكن له عالج يف ذلك الزمن ،حيث مل تكن امل�ضادات احليوية قد اكت�شفت
بعد – ت�شتد عليه يوما" بعد يوم فيتد فق الدم من رئتيه غزيرا" ومبرور الوقت �أ�صبحت ر�سائله جادة ومقت�ضبة �أكرث ف�أكرث .وردت �آخر ر�سالة كتبها كافكا �إىل �أخته من م�صح ( كريليانكي ) الكئيب واحلزين الذي مل يعد منه �إىل بيته �أبدا" . عا�ش كافكا حياة االغرتاب الروحي عن جمتمعه ولكن من اخلط�أ �أن نقول �أن كافكا هو البطل الرئي�سي لرواياته وق�ص�صه فهو لي�س ال�سيد ( )Kالبطل الرئي�سي لرواية (( القلعة )) وهو غري جوزيف ( )Kيف رواية (املحاكمة) ور�سائله الأخرية اىل �أخته �أوتال خري دليل على ذلك ،كما �أن ر�سائله – قبل ذلك – اىل ميلينا ت�ؤكد هذه احلقيقة.
كتب كافكا ذات مرة يف يومياته يقول� ( :إن كل ما كتبته يف حياتي امنا هو نتاج الوحدة) .ولكن كافكا مل يكن وحيدا" دائما بل كانت ثمة يف حياته فرتات ق�صرية �سعيدة وم�ضيئة يختفي فيها ذلك اجلدار الذي كان يف�صله عن النا�س الآخرين ( فرتة حبه مليلينا على �سبيل املثال ) .كما انه كان يعتز ب�أخته �أوتال احلنون التي كانت ت�شاركه �آالمه و�أحزانه .ويف كتاب ( ر�سائل اىل اوتال ) بع�ض الر�سائل املوجهة اىل زوجته " دورا " – التي تزوجها على الرغم من معار�ضة والديه – لذا ف�أن كافكا ودورا مل يوثقا هذا الزواج ولكنهما كانا يعتربان نف�سيهما متزوجني حتى �أنها كانت ت�ستخدم لقبه وتوقع حتت هذا اللقب على عادة الن�ساء الأوروبيات اللواتي
يتخذن من القاب �أزواجهن � ,ألقابا" لأنف�سهن . التحقت دورا باملقاومة ال�سرية املنا�ضلة �ضد احلكم الهتلري الفا�ش�ستي فى جيكو�سلوفاكيا ثم هاجرت اىل رو�سيا ومنها اىل بريطانيا حيث توفت بعد احلرب العاملية الثانية� ،أما ميلينا و �أوتال فقد لقيتا حتفهما يف مع�سكرات املوت الهتلرية .وكان كافكا قد تنب�أ فى وقت مبكر بظهور الفا�شية وما �ست�سببه من ما�س وويالت للب�شرية .ر�سائل كافكا الأخرية تقطر دما" و�أملا" � ,أنها تدعونا اىل مقاومة ال�شر والأ�شرار ويف الوقت ذاته ر�سائل تتنف�س حب احلياة النظيفة والنقية بكل جمالها وبهائهاوم�سراتها واحزانها. ملاذا ميوت املبدعون والعظماء قهرا" وكمدا" وحزنا"
ويحيا اال�شرار العاطلون عن اي خلق او ف�ضيلة يف بحبوحة وي�سر ؟ ولكن مع ذلك ف�أن املبدعني يف كل جمال من جماالت احلياة هم الرابحون واملنت�صرون. ال احد يتذكر اليوم لي�س ا�سم مدير �شركة الت�أمني ( الذي كان ي�أنف من الرد على طلبات الكاتب املري�ض ) ولكن حتى ا�سم رئي�س جمهورية جيكو�سلوفاكيا يف ذلك احلني ولكن ا�سم كافكا كواحد من �أعظم الكتاب يف القرن الع�شرين �سوف يبقى خالدا ولي�س �أدل على ذلك �إن نتاجاته ترجمت اىل الع�شرات من لغات العامل الوا�سعة االنت�شار وما يزال نطاق ت�أثريه و�شهرته يزداد يوما" بعد �آخر .
طبعت مبطابع م�ؤ�س�سة املدى لالعالم والثقافة والفنون
عن احلوار املتمدن
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com