رئي�س جمل�س االدارة رئي�س التحرير فخري كرمي ملحق ثقايف ا�سبوعي ي�صدر عن جريدة املدى
العدد ()2285ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )22ت�شرين االول 2011
2
العدد ()2285ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )22ت�شرين االول 2011
العدد ()2285ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )22ت�شرين االول 2011
م���������ارك���������ي���������ز نج��اح أش��به بالس��حر
كدمة ماركيز..
الوقائع بالن�سبة لهذا الكاتب ا�ستثنائية ب�شكل غري اعتيادي وال ت�صدق، عدد كبري من الكتاب �شقوا طريقهم من ا�صل متوا�ضع ولكن اجناز غابرييل غار�سيا ماركيز كان م�شهودا ب�شكل كبري مل يتحقق لغريه من قبل ،لنتمعن يف هذه التفا�صيل :ولد نحي ً ال منحرف ال�صحة ،اقرب ما يكون اىل يتيم، ن�ش�أ يف منطقة نائية من كولومبيا ،مدينة �صغرية �ضحلة اقرب ما تكون اىل املدن القدمية يف الغرب االمريكي ،م�ؤلفة من ع�شرة �صفوف من البنايات فقط (ع�شرينيات القرن املا�ضي يف امريكا الالتينية) وعندما بلغ االربعني يوا�صل عمله مثابرا ك�صحفي وكانت ال اهمية له وغري معروف اال و�سط افراد عائلته ،ويف عام 1967طبع رواية غريبة عن بلدته �شيء ا�شبه ب�سرية حياته،
ترجمة :ابت�سام عبد اهلل
وا�شبه بالتاريخية وا�شبه باخليالية :مائة عام من العزلة وتباع ماليني الن�سخ من الرواية ثم ماليني اخرى من املزيد من املاليني ويف خالل ا�سابيع او ب�ضعة ا�شهر ،يحقق �شهرة عاملية. و�سرعان ما ي�صبح غنيا ،يكتب املزيد من الروايات التي حتقق اعلى املبيعات خريف البطريريك ،يوميات موت معلن ،حب يف زمن الكولريا ،ويعرف با�سلوب جديد ،مل يكن اول من ابتدعه ،ر�ؤ�ساء و�سيا�سيون يتوددون اليه ويبغون �صداقته ،وي�صبح �صديقا مقربا من كا�سرتو ولكنه اي�ضا يرفع الكلفة مع بيل كلينتون ومع ذلك وبالرغم من ثرائه و�شهرته مل يفقد ابد ًا فطرته ال�سليمة ،عندما فاز بالنوبل عام 1982 رنت ابواق �سيارات االجرة الكولومبية ب�شدة وجنون حتية له ،م�ؤمنني ب�أن جائزة لكاتبهم املحبوب «غابو» هي لهم اي�ضا. احلكاية هذه ا�شبه باخليالية ،اكرث �سحرا من احلقيقة وقد كتب جريالد مارتن �سرية جديدة عن حياة ماكيز يف كتاب �ضخم ويكون الروائي الكولومبي بذلك الوحيد من بني �أقرانه يف الربع االخري من القرن املا�ضي ،ي�ضعه «مارتن» يف مرتبة واحدة مع كافكاو برو�ست وجيم�س جوي�س اللذين كتب عنهما م�سبقا ان اجناز ماركيز قد جتاوز الفن واالبداع ،فقد ا�صبح بطال يف احلكاية التي ما تزال م�ستمرة كيف ان الغرب ارغم على تغيري نظرته اىل ال�شعوب التي كانت من قبل م�ستعمرة. لقد لعب احلظ دوره ،احلظ مل يكن �سيقابله مطلقا لو مل يحقق فورته االوىل عرب جملة فوغ العاملية ،يف الفرتة من 1970-1964التي كتبت عن الكتاب املتميزين يف امريكا الالتينية: خوليو كوتاز (االرجنتني) ،وكارلو�س فوينت�س (مك�سيكو) وماريو فاغا�س يو�سا (بريو) الروايات التي قدمت من اجلنوب كانت �ساخنة وملرحلة ما من الزمن يف فرتة بقاء ا�ؤلئك الكتاب يف اخلارج (املنفى) كانت �صداقة طيبة تربط بينهم ،وهم ينتقلون ما بني ا�سبانيا وفرن�سا ،ومل مير اال وقت ق�صري حتى بد�أ ماركيز يتقدم على زمالئه. وقد فرقت ال�سيا�سة فيما بعد بني ماركيز وفارغا�س يو�سا فاالخري انتقل من الي�سار اىل الو�سط ثم ابعد وبقي (غابو) قريبا من احلزب ال�شيوعي برغم عدم انتمائه اليه ر�سميا ،واملكانة الثقافية التي و�صل اليها ماركيز مل جتعله الناطق القوي با�سم كولوبيا فقط بل اي�ضا المريكا الالتينية ب�أكملها ورمبا اي�ضا العامل الثالث، فالعامل ي�صغي اليه وما زال كذلك. عن ال�صنداي تاميز http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
ن����������ع����������وم ك������وه���ي��ن ترجمة :جن��اح اجلبيلي كان العداء بني الكاتب الكولومبي غابرييل غار�سيا ماركيز والكاتب البريويف ماريو فارغا�س يو�سا ،وكانا �صديقني يوم ًا ما ،ميتلك كل عنا�صر الكال�سيك الأدبي :اتهامات باخليانة ،الغرية والزنا ،ومواجهة عنيفة قبل � 31سنة م�ضت حني حتولت الأمور �إىل دموية. غري �أن ما كان ينق�صها هو الدليل الوثائقي .وكل ذلك تغري هذا ال�شهر مع ن�شر �صورتني �شخ�صيتني بالأبي�ض والأ��س��ود التقطتا يف يوم احلب عام 1976يف مك�سيكو �سيتي وفيها يظهر ال�سيد غار�سيا ماركيز و حول عينيه كدمة – وب��دا مبت�سم ًا وجدي ًا – بعد يومني من لكمة ال�سيد فارغا�س يو�سا ويقال �أن الكاتبني مل يتكلم �أحدهما مع الأخر منذ ال�شجار .ا�ستعملت ال�صحيفة املك�سيكية " ال خورنادا" �صورة غار�سيا ماركيز املبت�سم كغالف يف عددها املخ�ص�ص بالذكرى الثمانني مليالده يف � 6آذار .يقول امل�صور الفوتوغرايف "رودريغو مايو" الذي التقط كال ال�صورتني والذي �أجرى حالي ًا مقابالت يف حمطات الإذاعة يف الأرجنتني وكولومبيا وت�شيلي ب�أن ال�صحف الأخرى يف �أمريكا الالتينية اهتمت باخلرب. يقول ال�سيد "مويا" يف ات�صال تلفوين باال�سبانية من "كيورونافاكا" يف املك�سيك حيث يعي�ش هناك� ":إنّ الأمر غريب ًا نوع ًا ما .عندي الآالف من ال�صور املمتازة لكن هاتني ال�صورتني نالتا اهتمام ًا كبري ًا ب�سبب مو�ضوعهما" .حاز ال�سيد غار�سيا ماركيز جائزة نوبل ل�ل�أدب عام 1982تقدير ًا لرائعته " مائة عام من العزلة". قال ال�سيد مويا �أن �صديقه ال�سيد غار�سيا ماركيز طلب منه التقاط �صورته بعني ك��دم��اء وعلى ال��رغ��م م��ن �أن ال�صورتني مل تن�شرا �إال �أن ال�سيد مويا كان قد طبعهما منذ زمن طويل لأحد �أ�صدقائه الذي عر�ضهما يف بيته .ر�أى �أحد ال�صحفيني ال�صورة الفوتوغرافية هناك وطلب ال�سماح ال�ستعمالها يف جملته لكنهما مل ي�ستطيعا االتفاق على �شروط كما يقول ال�سيد مويا. وي�ضيف ":لكن ظهرت �إ�شاعة تقول �أن ه��ذه ال�صورة م��وج��ودة و ت�سلمت ات�صا ًال من �صحيفة " ال خورنادا" التي عملت فيها �أحيان ًا وكانت لديّ عالقة جيدة معها وقررت �أن الوقت الكايف قد جتاوز". �إن ظهور ال�صورتني -بعد "ثالثني �سنة من العزلة" -كما قال �أحد املعلقني الفرن�سيني� -أعطى اهتمام ًا متجدد ًا بالأحداث التي �أدت �إىل املالكمة امل�شهورة .تو�ضع املواجهة الأدب�ي��ة بني (م��اري��و فارغا�س يو�سا) و(غابرييل غار�سيا ماركيز) �ضمن �أ�شهر املعارك من بينها ليليان هيلمان مع م��اري مكارثي ،فالدميري نابوكوف مع �أدموند ويل�سون ،نورمان ميللر مع غور فيدال(.حني حتولت املواجهة بني ال�سيدين ميللر وفيدال �إىل ج�سدية �إن مل تكن دموية ،يقال �أن ال�سيد فيدال �أجاب وهو مطروح �أر�ض ًا " الكلمات تخون نورمان ميللر الآن مرة �أخرى" .يقول بابلو �أ�سبينوزا املحرر الثقايف يف �صحيفة " ال خورنادا" �أن ال�صحيفة طلبت من ال�سيد مويا كتابة مقالة مرفقة مع ال�صورتني لأن " هذه الق�صة كانت معروفة جد ًا لكل فرد� ،إال �أنهم مل يعرفوا تفا�صيلها". ويف مقالته ي�ضع ال�سيد مويا امل�شهد التايل: �صالة �سينما يف مك�سيكو �سيتي تعج باجلمهور ال��ذي ك��ان يق�صد العر�ض الأول لفيلم عن نا�س ناجني من حتطم طائرة يف الأنديز
يتحولون �إىل �أكلة حلوم الب�شر .ويف �إحدى اخلانات اندفع ال�سيد فارغا�س يو�سا نحو ال�سيد غار�سيا ماركيز الذي حاول �أن يعانقه برباءة من دون �سوء نية �إال �أن ال�سيد فارغا�س يو�سا لكمه فتدفق الدم من ال�سيد ماركيز يف كل مكان. و�أوج��ز بع�ضهم ب��أن املعركة رمبا كانت ل�سبب �سيا�سي لأن ال�سيد ماركيز كان دائم ًا يف �صف الي�سار بينما ال�سيد يو�سا يف ذلك الوقت بد�أ مييل لليمني( .فيما بعد حاول حماولة فا�شلة يف الرت�شح لرئا�سة اجلمهورية يف بريو عام 1990كونه من منا�صري ال�سوق احل��رة) .لكن كما يو�ضح ال�سيد مويا كان �سبب ال�شجار امر�أة وحتديد ًا زوجة ال�سيد فارغا�س يو�سا التي وا�ساها ال�سيد ماركيز يف �أ�صعب فرتة من زواجها. وبينما تظهر ال�صورة الأوىل ال�سيد غار�سيا ماركيز وه��و يف م ��زاج طيب ق��ال ال�سيد م��وي��ا �أن ال �ع��واق��ب امل�ب��ا��ش��رة لل�شجار كانت م� ��روع� ��ة .و�أ�ضاف" التقطت ال�صورة بعد احل��ادث بيومني ح�ي�ن ج ��اء �إىل ب �ي �ت��ي ،كان من ال�صعب التقاط �صورة يظهر فيها ب�شكل �أف�ضل. ل� ��ديّ � �ص��ور ي �ب��دو فيها وك���أن��ه ك ��ان يف الواقع تعر�ض لل�ضرب من قبل ال�شرطة املك�سيكية". وقال ال�سيد مويا �أنه مل يتلق حلد الآن تعليق ًا من ال�سيد غار�سيا ماركيز ع��ن ن���ش��ر ال�صورتني". كنا �صديقني طيبني لكننا تفرقنا ،ف��أن��ا �أعي�ش يف " كويرنافاكا" وه��و يتجول مرحت ًال يف �أنحاء العامل". هذا اال�سبوع جرى تكرمي ال�سيد غار�سيا ماركيز يف كولومبيا من قبل امل ��ؤمت��ر ال�ع��امل��ي ال��راب��ع للغة اال�سبانية الذي عقد يف "كارتاغانا" و�سوف تن�شر طبعة خا�صة من رواية " مائة عام من العزلة" ملنا�سبة مرور 40 �سنة على �صدورها مع تقدمي بقلم ال�سيد فارغا�س يو�سا يطري فيها الرواية ويقال �أن املقالة كتبها قبل امل�شاجرة لكنه مل ين�شرها واحتفظ بها حتى الآن. وبخ�صو�ص رد فعل �صديقه حينذاك يقول ال�سيد مويا " �أنه �شديد التدقيق يف التفا�صيل ويرغب يف توثيق حياته يف حلظات خمتلفة .كانت لديه فكرة متام ًا ب�أنه كان يرغب يف �أخذ �صورة له بعني كدماء".
3
وص�����ي�����ة م���ارك���ي���ز لو وهبني الله حياة �أطول لكان من املحتمل �أال �أقول كل ما �أفكر فيه ،لكنني بالقطع كنت �س�أفكر يف كل ما �أقوله. كنت �س�أقيّم الأ�شياء لي�س وفق ًا لقيمتها املادية ،بل وفق ًا ملا تنطوي عليه من معان. كنت �س�أنام � ّ أقل ،و�أحلم �أكرث يف كل دقيقة نغم�ض فيها عيوننا نفقد �ستني ثانية من النور ،كنت �س�أ�سري بينما يتوقف الآخرون � .أظل يقظ ًا بينما يخلد �آخرون للنوم ،كنت �س�أ�ستمع بينما يتكلم الآخرون .كنت �س�أ�ستمتع ب�آي�س كرمي لذيذ بطعم ال�شكوالتة . لو �أن الله �أهداين بع�ض الوقت لأعي�شه كنت �س�أرتدي الب�سيط من الثياب ،كنت �س�أمتدد يف ال�شم�س تارك ًا ج�سدي مك�شوف بل وروحي �أي�ض ًا . يا �إلهي ...لو �أن يل قلي ًال من الوقت لكنت كتبت بع�ض ًا مني على اجلليد وانتظرت �شروق ال�شم�س . كنت �س�أر�سم على النجوم ق�صيدة 'بنيدتي' و�أحالم 'فان كوخ' كنت �س�أن�شد �أغنية من �أغاين '�سرات' �أهديها للقمر ،لرويت الزهر بدمعي ،كي �أ�شعر ب�أمل �أ�شواكه ، وبقبالت �أوراقه القرمزية . يا �إلهي � ...إذا كان مقدر ًا يل �أن �أعي�ش وقت ًا �أطول ،ملا تركت يوم ًا واحد مير من من دون �أن �أقول للنا�س �أنني �أحبهم � ،أحبهم جميع ًا ،ملا تركت رج ًال واحد ًا �أو امر�أة �إال و�أقنعته �أنه املف�ضل عندي ،كنت ع�شت عا�شق ًا للحب . كنت �س�أثبت لكل الب�شر �أنهم خمطئون لو ظنوا �أنهم يتوقفون عن احلب عندما يتقدمون يف ال�سن ،يف حني �أنهم يف احلقيقة ال يتقدمون يف ال�سن �إال عندما يتوقفون عن احلب . كنت �س�أمنح الطفل ال�صغري �أجنحة و�أتركه يتعلم وحده الطريان كنت �س�أجعل امل�سنني يدركون �أن تقدم العمر لي�س هو الذي يجعلنا منوت بل :املوت احلقيقي هو الن�سيان . كم من الأ�شياء تعلمتها منك �أيها الإن�سان ،تعلمت �أننا جميعا نريد �أن نعي�ش يف قمة اجلبل ،من دون �أن ندرك �أن ال�سعادة احلقيقية تكمن يف ت�سلق هذا اجلبل ، تعلمت �أنه حني يفتح الطفل املولود كفه لأول مرة تظل كف والده تعانق كفه �إىل الأبد ،تعلمت �أنه لي�س من حق الإن�سان �أن ينظر �إىل الآخر ،من �أعلى �إىل �أ�سفل � ،إال �إذا كان ي�ساعده على النهو�ض ،تعلمت منك هذه الأ�شياء الكثرية ،لكنها للأ�سف لن تفيدين لأين عندما تعلمتها كنت �أحت�ضر . عرب عما ت�شعر به دائم ًا ،افعل ما تفكر فيه ..لو كنت �أعرف �أن هذه �ستكون املرة الأخرية التي �أراك فيها نائم ًا ،لكنت احت�ضنتك بقوة ،ولطلبت من الله �أن يجعلني حار�س ًا لروحك. لو كنت �أعرف �أن هذه هي املرة الأخرية التي �أراك فيها تخرج من الباب لكنت احت�ضنتك ،وقبلتك ،ثم كنت �أناديك لكي احت�ضنك و�أقبلك مرة �أخرى .لو كنت �أعرف �أن هذه هي �آخر مرة �أ�سمع فيها �صوتك لكنت �سجلت كل كلمة من كلماتك لكي �أعيد �سماعها �إىل الأبد . لو كنت �أعرف �أن هذه هي �آخر اللحظات التي �أراك فيها لقلت لك '�أنني �أحبك' من دون �أن �أفرت�ض بغباء �أنك تعرف هذا فع ًال . الغد ي�أتي دائم ًا ، واحلياة تعطينا فر�صة لكي نفعل الأ�شياء بطريقة �أف�ضل . لو كنت خمطئ ًا وكان اليوم هو فر�صتي الأخرية ف�إنني �أقول كم �أحبك ،ولن �أن�ساكم �أبد ًا .ما من �أحد � ،شاب ًا كان �أو م�سن ًا ،واثق من جميء الغد ،لذلك ال � ّ أقل من �أن تتحرك ،لأنه �إذا مل ي�أت الغد ،ف�إنك بال �شك �سوف تندم كثري ًا على اليوم الذي كان لديك فيه مت�سع كي تقول �أحبك ،لن تبت�سم لأن ت�أخذ ح�ضن ًا �أو قبلة �أو حتقق رغبة �أخرية ملن حتب.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
4
العدد ()2285ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )22ت�شرين االول 2011
العدد ()2285ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )22ت�شرين االول 2011
مع كا�سرتو
ف�����ي م����دي����ح ال���س���اح���ر ع����ب����دال����ك����رمي ك���اظ���م لي�ست احل �ي��اة م��ا يعي�شه �أح��دن��ا ،و�إمن���ا ما يتذكره وكيف يتذكره لريويه( .ماركيز) من م�ن��ا ال ي�ت��ذك��ر ال��رواي��ات العظيمة ،ال�صخب والعنف لفوكرن ،الأحمر والأ��س��ود ل�ستندال، لعبة الكريات الزجاجية لهريمان هي�سة ،القلعة لكافكا ،الأخ� ��وة ك��رم��ازوف لدي�ستوف�سكي، ال���ش�ي��خ وال �ب �ح��ر ل�ه�م�ن�غ��واي ،وق �ل��ب الظالم جل��وزي��ف ك��ون��راد ،وغ�يره��ا ال �ك �ث�ير� ...إننا نتذكرها جميع ًا� ،أعني نتذكر م�سرية �أبطالها ومنوها احلدثي و�سرديتها املذهلة ،ونتذكر �أي���ض� ًا ح��وار �شخ�صياتها وف�صولها املمتعة والأم �ك �ن��ة ال�ت��ي دارت فيها الأح� ��داث وحتى �أزمنتها املتعاقبة ،وهنا �أري��د �أن �أق��ول �أي�ض ًا م��ن م �ن��ا ي���س�ت�ط�ي��ع �أال ي �ت��ذك��ر وي�ستعر�ض باهتمام بالغ وب�صورة ا�ستثنائية �أي�ض ًا الرائي الكولومبي ال�ساحر غابريل غار�سيا ماركيز بعد قراءاتنا لرواياته الكبرية بدء ًا من مائة عام من العزلة ولي�س انتها ًء بذاكرة غانياتي احلزينات ال�ت��ي � �ص��درت م ��ؤخ��ر ًا ع��ن دار امل��دى للثقافة والن�شر بتوقيع املرتجم �صالح علماين،2005/ فروايات هذا ال�ساحر هي امتداد حلياة مدونة بطريقة تغريبية متداخلة ب�شكل يدعو للده�شة والت�أمل حلر�صه دائ�م� ًا على �أن تكون عملية تدوين �أح��داث رواياته كما حدثت يف الواقع وبلغته ال�سحرية املعروفة لديه ،ويخيل يل �أن رواياته قد كتبت لكل الديكتاتوريني يف هذا الزمن وحتى الزمن الآتي. بدء ًا ال بد من الت�سا�ؤل عن طبيعة النوايا التي �سبقت كتاباته لرواياته العظيمة حيث يتبدى لنـا للوهلة الأوىل من �أن النوايا الذاتية تكون مت�ضمنة وحا�ضرة يف ن�صو�صه ذاتها وميكننا ك�شف ذلك ب�إطالقنا ال�س�ؤال التايل :هل كانت هذه النوايا ذات طابع روائي خال�ص؟ ومبعنى �أدق ...هل كان غابريل غار�سيا ماركيز ي�سعى يف ح �ي��ات��ه الأدب� �ي ��ة �إىل ال ��ذه ��اب ب �ع �ي��د ًا يف مو�ضوعة الكتابة ليكتب لنا رواياته بنف�س ذلك الهم الإبداعي الذي كتبت به روايات املبدعني �أمثاله �أو لنقل رواياته هو ب�صورة ا�ستثنائية؟
�إن الإجابة على مثل هكذا ت�سا�ؤل لي�س بالأمر الب�سيط ولكن قراءة دقيقة متفح�صة قد متنحنا هذا االفرتا�ض ــ يف ت�سا�ؤالتنا ــ ما يدعمها من خالل طبيعة نتاجاته الروائية ومو�ضوعاتها وهناك �أي�ض ًا ما يدعم هذه االفرتا�ضات التي ق��د ت�ستجد بطريقة م��ا �أث �ن��اء ال �ق��راءة ميكن ح�صرها يف ن��واي��ا ال��رائ��ي الفنية التي تبتغي ت�ق��وي����ض ال �ب �ن��اءات الأ�سلوبية والتقليدية يف الكتابة الروائية و�إحالل ع�ن���ص��ري امل �غ��ام��رة وال �ت �ح��ري ����ض اللذين ي�ستفزان املتلقي معرفي ًا ،كبديل لكتابة تنتمي يف طريقة تركيبها و�أ�سلوبها �إىل م��ا ميكن �أن نطلق عليه جماز ًا (عالــم ماركيز) بامتياز، وا�ضعني ن�صب �أعيننا �إمكانياته الإبداعية يف �صياغة ه��ذه اخل�صو�صية اخليالية لديه وتوظيفها على �أف�ضل ما يرام خ�صو�ص ًا وهو يوقظ لدينا �أ�سئلة مقموعة ح�ين يتكلم على �أمور م�سكوت عنها �أنتجها الواقع الذي نعي�ش. يف كثري من الأحيان �أرى �أن غابريل يريد من قارئه �أن يتمثله يف طموحاته ومغامراته وكذلك يف رح�لات��ه وجت��ارب��ه احلياتية داخ��ل الن�ص الروائي وهو بهذه احلالة يجعل من القارئ �أن ين�سج لنف�سه ــ خالل القراءة ــ طموح ًا /مغامرة مماثلة ملا كان ينوي عليها الرائي �أو يتعمدها ويف هاتني احلالتني ن��راه قد �أعتمد �أ�سلوب ًا مغاير ًا لل�سائد يف بناء �أعماله الروائية حيث �أن القارئ ال ي�ستطيع يف قراءاته تلك �أن مي�سك �شيئ ًا �أو يتابعه حتى النهاية من دون الوقوع يف فخ الغرائبية املاركيزية التي يقرتحها على �شخو�صه الأ��س�ط��وري��ة� ،إن�ه��ا ح�ي��اة متداخلة وزمن �شائك وحكايات مت�شعبة تبد�أ من املا�ضي لتنتهي �إىل ما�ض �أعتق و�أعمق و�أحيان ًا يبد�أ باحلا�ضر لريمي بنا يف حا�ضر �آخر غريب عنا يجعلنا ن�ستدرك �أنف�سنا ب�شكل قلق وك�أننا ال نعرفه .هذه هي البنى الروائية لهذا ال�ساحر التي ت�صدم القارئ من جهة ومن جهة �أخرى تنمي الرتبية الذوقية لديه التي جتعله حري�ص ًا على �أن ال يرتك باب ًا واحد ًا مو�صد ًا �إال و�أ�شبعه
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
ط��رق� ًا .يف الكثري من م �ق��اب�لات��ه ال �� �ص �ح �ف �ي��ة التي �أج��ري��ت معه ل�ف�ترات متعاقبة ي��ؤك��د غابريل على واقعية رواياته وا�ستلهامها لواقع القارة (�أم��ري �ك��ا ال�لات�ي�ن�ي��ة) ول��و �أن ث�م��ة التبا�سات كثرية وخمتلفة تتعلق بهذه الت�سمية ومدى �صالحيتها التي قد ترتبط �أو ال ترتبط باملعنى اال�صطالحي واجلغرايف املراد لها مع العلم �أن هذه الت�سمية جاءت من خارج القارة ،فقراءة �أحاديثه مع (ميندوزا) يف ع�شت لأروي التي ترجمها ��ص��ال��ح ع�ل�م��اين جتعلك ت�ت��داخ��ل مع حميمية غابريل وفطريته ال�سحرية ال�سردية وتقنياتها الرائعة و�صياغتها للأحداث عن تلك اجلوانب من �شخ�صيته الإبداعية وا�ستيعاب الكثري من عواملــه الروائية ولعل العبارة �أعاله التي تت�صدر عنوان مقالنا هذا تختزل �إىل حد كبري ر�ؤيتــه البانورامية للحياة والكون من خالل ذاكرته احلكائية املدرو�سة مبنتهى الدقة
م � � ��ن �أج� � � � � � � � � ��ل احل � �ك� ��اي� ��ة ولأج� �ل� �ه ��ا، وهنا �أي�ض ًا ت� � �ت � ��داخ � ��ل احل� � �ك�� ��اي�� ��ة بوتقة واحدة واحل� �ي���اة يف ت�صهرها تلك ال�ع�لاق��ات املتبادلة واملتالزمة داخ��ل ن�صو�صه الروائية بطريقة مثرية جد ًا والأمثلة كثرية على ذلك خ�صو�ص ًا يف خريف البطريارك /مائة ع��ام من العزلة /يف �ساعة نح�س /اجلرنال يف متاهته /ق�صة موت معلن وغريها الكثري من �أعماله املعروفة . يف �أح��د �أح��ادي�ث��ه ي�ق��ول� :أن �أول كتاب قر�أه �أو ق��ر�أ مقاطع منه ه��و كتاب �أل��ف ليلة وليلة وهنا �أ�ستطيع القول �أن �شخ�صيات �أل��ف ليلة وليلة ق��وام�ه��ا الأ��س��ا��س��ي احل�ك��اي��ة (ال��راوي��ة الغائب /الراوية احلا�ضر)� ،إذ ال قوام لها �إال �إذا �أن�ش�أت ال�سرد ب�صورة �أ�سا�سية �أو �أُن�شئت
يف ال�سرد بتعبري (عبد الفتاح كيليطو) �أي �أنها ال�شخ�صية /ال�سرد �أو ال�شخ�صية /احلكاية �أم� ��ام ��س�ل��وك م�ع�ظ��م ال�شخ�صيات الروائية امل �غ��ام��رة ال�ت��ي خلقتها خميلته ،ف�ه��ي �أي�ض ًا تنطلق من حكاية لتف�ضي �إىل حكاية �أخ��رى ــ من خالل ال�سرد ــ ومن هنا ن�ستطيع القول �أن ال وجود حلقيقة ما يف الن�ص الروائي �إال عرب ما تناوله ال��رائ��ي يف عبارته املتعلقة بكيفية ال�ت��ذك��ر ال �ت��ي م��ن خاللها ينطلق حملق ًا بف�ضاءاته ال �ن �� �ص �ي��ة ل �ك��ي تتوالد ل�شخ�صياته املغامرة ال�سياق احلكائي فيقوم ال �ت��داخ��ل ب�ي�ن احلياة واحلكاية ي�أخذ مدياته امل��ت��ع��ددة �أو مبعنى �أدق م ��دي ��ات ��ه ال �ت��ي ي��ري��ده��ا ب�ين �سياقني �أو �أك �ث�ر ملو�ضوعة ال� ��� �س ��رد املت�ضمن ل� �ت� �ل ��ك ال�����س��ي��اق��ات ال� �ت ��ي ُت� ��� �س ��رد على ل�سان الرائي �سوى ب�صيغة املتكلم �أو يف �صيغة الغائب ومن هنا �أي�ض ًا �سوف تربز ال�صلة بني احلياة كعامل ال م�ت�ن��اه��ي والأح � ��داث ال �ت��ي ت ��روى ب�ضمري املخاطب يف بع�ض الأحيان متجاوز ًا ال�صيغة اجلماعية ب�صورة ق�صدية تتعلق يف ال�شكل الفني /اجلمايل حلركية �شخو�صه وت�صاعدها احل��دث��ي ،وعليه تكون ه��ذه الثنائية اجلدلية وجه ًا �آخر من �أوجه احلياة التي يُقربها الرائي ل ُت�صبح احل��دث الأب��رز يف نتاجاته الإبداعية ال�سحرية التي ت�شبه �سحر ال�صورة ال�شعرية بح�سب تعبري (اجل��رج��اين) وال �ت��ي ت�ضعنا كمتلقني يف حالة من التماثل كما �أ�سلفت �أعاله ويف بع�ض احلاالت جتعلنا بع�ض تو�صيفاته النقدية الالذعة يف حالة من الكوميديا ال�سوداء
بامل�صطلح امل�سرحي وهنا �أت��ذك��ر ه��ذا املقطع امل�ج�ت��زئ م��ن رواي ��ة خ��ري��ف ال�ب�ط��ري��اك الذي ي�ق��ول ف�ي��ه( :ك��ل ��ش��يء ل�ل�أغ�ن�ي��اء بالطبع وال �شيء للفقراء ،لأنهم لن ميتلكوا �شيئ ًا مطلق ًا ويف ال �ي��وم ال ��ذي �سي�صري فيه ل �ل�براز �أدن��ى قيمة ف�إنهم �سوف يولدون من بدون م�ؤخرات) وكذلك مفردة (خــراء) كما وردت يف الرتجمة العربية والتي ينهي بها عمله املعروف لي�س لدى الكولونيل من يحاكمه فحني كان اجلرنال يف �أق�صى ح��االت العزلة والفاقة �أم��ر زوجته العجوز ب�إعطاء كل ما ميلكون من غ��ذاء �إىل ال��دي��ك وحينما ت�س�أله زوج�ت��ه م��اذا �سن�أكل؟ ي�صرخ ق��ائ� ًلا خ ��راء .خميلة غ��اب��ري��ل املذهلة �أ�ستمد منها الكثري من الق�ص�ص والأ�ساطري لي�شحن بها كتاباته للحد الذي جعله �أن يحقق �ألق ًا من�سجم ًا لهذا العامل الذي يطفو فوق الواقع بينما جذوره مت�أ�صلة فيه ،فحني نتوغل عميق ًا يف �شخ�صياته الروائية و�أبعادها الإن�سانية وكينونتها جندها �أحيان ًا قا�سية يف التوغل بهذه الرحلة مع النف�س تارة ومع الآخ��ر تارة �أخ��رى يعك�سها لنا غابريل ع�بر لغة �سحرية مغرية ،والإغ��راء ال��ذي �أق�صده هنا مت�أت من ال�شكل الفني الذي تولده حلظة الكتابة املتبوعة بلحظة القراءة والتي �سرعان ما تعود بالقارئ �إىل التوقف ملي ًا حتى ي�ستطيع امت�صا�ص انطباعاته الأوىل ،هذا ما ميكن �أن تولده لغة و�أجواء غابريل لدى املتلقي الذي ين�شد الدقة الفكرية ليدرك يف الوقت نف�سه �أبعاد الر�سائل الإن�سانية املتعددة يف مواقفه احلياتية التي يعك�سها ويرتجمها تباع ًا يف نتاجاته الأدبية. �أحيان ًا ي�شتد بي االعتقاد لدرجة يدفعني �إىل ال �ق��ول مبنتهى احل ��زم� :أن ال ��ذي �سنحت له فر�صة قراءة غابريل بلغته الأ�صلية وذاك الذي يطلع على الرتجمة العربية لكتاباته الروائية ال بد له و�أن ي��درك اجلهد الكبري ال��ذي يبذله املرتجم للمحافظة على روح الن�ص الأ�صلي بلغة عربية جميلة واجلمال الذي �أق�صده هنا لي�س جمال ال�شكل �أو املفردة وح�سب بل جمال االختيار الدقيق للمفردة العربية التي متتلك من املو�سيقى الداخلية ما ينا�سب �أو يوازي مفردة غابريل و�أجواءه ال�سحرية التي ال تنف�صل عن بع�ضها البع�ض �إذ �أن مفردة غابريل ــ كما يبدو يل ــ تدل على �أجوائه كما تر�شدنا �أجوا�ؤه ــ يف الوقت نف�سه ــ �إىل مفرداته ورمبا ميكن للقارئ اجلاد �أن يت�صور ذلك اجلهد اخلرايف للمرتجم ــ باعتبار �أن الرتجمة واجب �أخالقي /معريف قبل �أي تو�صيف �آخ��ر ح�سب �صبحي حديدي وهذه الإ�شارة املهمة تدفعني ال�ستي�ضاح �أمر الرتجمة من خ�لال ما ذه��ب �إليه اجلاحظ يف ه��ذا الأم ��ر مو�ضح ًا ذل��ك يف ه��ذا التعليق...
يقول الفرن�سيون من �أن الرتجمة خيانة ولكن اجل��اح��ظ ي�ستدرك ذل��ك ف�ي�ق��ول ...ال ميكن �أن ترتجم من لغة �إىل �أخ��رى �إال مبا يوازيها �أو مياثلها فاال�ستحالة اجلاحظية �أذن حتى تلك املتعلقة بال�شعر لي�ست مطلقة بل هي مقيدة �إىل حد كبري مبا يوازيها �أو مياثلها على الأرجح يف الن�ص الأ�صلي ــ ال��ذي يعك�س ب�صورة �أو ب ��أخ��رى امل�ع�ل��وم��ات ال�ت��ي ت��زخ��ر بها رواي ��ات غابريل والتي تعك�س �أي�ض ًا ثقافته املو�سوعية خا�صة �إذا ما تعرفنا على م�صادره املعرفية والثقافية و�أفكاره ومواقفه. ك��ل ع�ب��ارة �أو م�ف��ردة يف رواي��ات��ه لها دالالتها املدرو�سة وم��ع ه��ذا ف��إن �شخ�صياته الروائية لي�س �شخ�صيات على الورق ــ من منا ي�ستطيع �أن ين�سى (فلورنيتنو اريثا) عا�شق غابريل يف رواي��ة احلب يف زمن الكولريا �أو الكولونيل (�أورالن ��دو بيونديا) ال��ذي �أجن��ب �سبعة ع�شر ابن ًا من �سبع ع�شرة امر�أة كلهم ماتوا يف اليوم نف�سه عدا واح��د هو ماركيز ــ �إنها �شخ�صيات تبدو حقيقية ب�سلوكياتها اخلرافية نتفاعل معها ونعي�ش حيواتها يف رحلتها الإن�سانية الوا�سعة و�شرورها وحتى عاطفيتها ورمبا لهذا ال�سبب بالدرجة الأوىل جند �أن �أعماله قد متثلت فر�صة نادرة للكثري ممن هم حري�صون على اق�ت�ن��اء ه��ذه الأع �م��ال وق��راءت�ه��ا مبنتهى احلر�ص واملتعة .هذه املقالة ج��اءت كما بدى يل نتيجة لتعدد القراءات ولكن غايتها الأوىل هي القاء نظرة نتمى �أن نفي بع�ض �أغرا�ضها املتعلقة ب�أدب غابريل الروائي وهي ت�ستهدف يف الوقت نف�سه التعرف على قيمة �إجنازاته ال��روائ �ي��ة ب �� �ص��ورة م��وج��زة ب�ع����ض ال�شيء، فرواياته الذائعة ال�صيت جـّلها متتلك �ش�أن ًا فني ًا كبري ًا يقنعنا ــ كمتلقني ــ بقدراته الأدبية التي ال تقل �ش�أن ًا عن قدرات زمالئه من كتاب �أمريكا الالتينية على �سبيل امل �ث��ال� :أ�ستوريا�س/ ماريا فارغا�س /خورخي �أم��ادو /كورتازار . لعلها م�صادفة غريبة نوعا ما تلك التي جعلت م��ن قرية (م��اك��ون��دو) املن�سية �أن ت�شتهر من خالل روايته مائة عام من العزلة مثلما �أ�شتهر نهر (بويب) ال�صغري جد ًا من خالل �شعر بدر �شاكر ال�سياب وه��ذه املالحظة اجلميلة �سبق �أن �أ�شار �إليها يف فرتة الثمانينيات يف جريدة اجلمهورية البغدادية ال�شاعر العراقي عبد الرحمن طهمازي يف مقال له عن غابريل وهنا �أحببت �أن �أ�شري لذلك من باب التذكري لي�س �إال. يقول غابريل يف مذكراته (ع�شت لأروي) معلق ًا على مو�ضوع امل��وت ..من �أن امل��وت �سيكون التجربة الوحيدة التي لن �أمتكن من الكتابة عنها ،ويف هذه احلالة هل ن�ستطيع �أن نقول بنا ًء على قوله هذا من �أنه قد �أ�ست�سلم ملو�ضوع املوت مثلما �أ�ست�سلمت احل�ضارة له وهل كان عليه يف الوقت نف�سه �أن يعلن احتجاج ًا ولو عابر ًا ملثل هكذا مو�ضوعات �أو �أن يرف�ض معنى �أن ميوت الإن�سان وي�أخذ بهذه ال�سهولة �إىل القرب ثم ما حاجة الكاتب �إىل الكتابة �إذا كان متيقن ًا من موته ،هل هو بحث عن �شكوك جديدة ولي�س بحث ًا عن يقني ،فال�شك هو حالة �إبداعية متنحنا دميومة التوا�صل يف الكتابة عن احلياة وهل �أراد �أن يثبت لنف�سه �أن الكتابة هي نوع من �أن��واع مقاومة هذه امليتات التي يتعر�ض لها الإن�سان يومي ًا وهي بدورها تعوي�ض عن الكثري من املفقودات ،فاحلياة واملوت يربزان بالن�سة �إليه كما �أرى �شرطان مت�صالن ،بحيث الحياة بال م��وت وال م��وت بال حياة واملعادل احلقيقي بينهما هو الكتابة ،فالكتابة هنا هي املنقذ من املوت �أو مبثابة طوق جناة من العدم، ولأن �أح�سا�س الكاتب على ما يبدو مهدد بالفناء دائم ًا وهذا هو ال�سر يف جتربة املوت التي لن ي�ستطيع الكتابة عنها حني تخطر يف بال هذا املبدع ،يبدو �أي�ض ًا �أن غابريل بهذه الإ�شارة املقلقة قد عزم �أم��ره على �إقامة جنته اخلا�صة على الأر���ض من خالل الكتابة ،ثمة غرام كبري �أو عهد م�برم مع الكتابة مينحه تكيف ًا معين ًا من نوع ما ال تنهيه مالمح انت�صار املوت على احلياة /الكتابة ،وهل ثمة مهنة �أخرى للموت غري تدمري معامل احلياة؟
5
الوجـه الخفـي لماركيـز ترجمة :عدوية الهاليل يعبد املاليني من القراء يف خمتلف انحاء العامل م�ؤلف رواية (مئة عام من العزلة) لكن القليل منهم فقط يعرفون مناطق الظل اخلفية يف حياته التي ك�شفها م�ؤخرا الكاتب الربيطاين جريالد مارتن يف �سرية تليق بالكاتب الكولومبي ال�شهري غابرييل غار�سيا ماركيز خا�صة وانها ا�ستغرقت 17عاما من العمل امل�ستمر .ذات يوم ،قال ال�شاعر الفارو موتي�س ان حياة ماركيز تتجاذبها ثالث مراحل متداخلة. املرحلة ال�شعبية واخلا�صة وال�سرية ..واليوم وبعد ان بلغ الثانية والثمانني من عمره ،مازال ماركيز ي�ستمتع بخداع عامله وازالة الغ�شاوة عن عينيه يف الوقت ذاته يف مبالغة ي�صعب ت�صديقها وتالعب موفق يف نقل احلقائق اجل��ارح��ة ،فعلى �سبيل املثال، مازال م�ؤلف �سرية ماركيز يت�ساءل ان كان الروائي الكولومبي يوا�صل الكتابة كما يدعي ام انه القى بقلمه نهائيا ؟ مييل اال�ستاذ اجلامعي جريالد مارتن ال��ذي ال��ف �سرية ماركيز اىل ال��وث��وق ب��ه حم��اوال الربهنة على ا�ستثنائية ح�ي��اة "غابو "-ا�سم التدليل ملاركيز –غري القابلة للت�صديق" ..هذا هو غابو ..انه يروي الق�ص�ص با�ستمرار "..كان والده االقطاعي غار�سيا ماركيز يردد دائما ،لكنه خمرتع حلبكات غريبة يف كتاباته كما يف حياته..وكان الكاتب الكولومبي قد وافق على ت�صنيفه ك�ساحر او م�شعوذ لأخرتاعه طريقة مبتكرة يف الكتابة ولبلوغه الذروة يف التعبري االدبي وال�سيا�سي اي�ضا .يف عام ،1982ح�صل على جائزة نوبل ل�ل�آداب ،وك��ان ماركيز قد بدا حياته ك�صحفي المع ثم مار�س كتابة ال�سيناريو وتخ�ص�ص بعدها يف االعالنات ،كما كان و�سيطا و�سيا�سيا وكاتبا دراميا ون�صريا ل�ل�آداب والفنون ف�ضال عن تا�سي�سه مدر�سة لل�سينما يف كوبا ومعهدا لل�صحافة يف كارتاجني ....طاف ماركيز حول االر�ض يف فرتة كان ال�سفر فيها �صعبا وكان ذلك مفخرة حقيقية بالن�سبة ل�صحفي الميلك ماال كافيا واليجيد التحدث باالنكليزية .وعمل وقتها يف �صحيفة (هونغري) ال�شيوعية و(باري�س) الالتينية ومثلتا بالن�سبة له مرحلتني مهمتني يف حياته ،اوال ب�سبب �سذاجة ال�صحفي ال�شاب املتاثر بال�سلطة، وثانيا ب�سبب ال�ع��وز ال�شديد ال��ذي عا�شه ..مل يبتكر ماركيز �شيئا يف كتاباته بل ا�ستوحى كل �شيء من حياته ،وبالن�سبة ملن
يجهلونها ،فان ماكوندو موجود ة ..تلك القرية الغريبة يف رواية ( مئة عام من العزلة ) والقريبة من مدينة اراكتيكا التي ولد فيها غابو عام ،1927وهي منطقة زراعية مثمرة غزتها حملة امريكية وقتل فيها مئات العمال بعد قيامهم با�ضراب �شعبي عام ..هناك، تربى غابيتو ال�صغري يف كنف جده الكولونيل ثم انتقل اىل ح�ضن والديه وهما اللذان ا�ستوحى منهما ق�صة العا�شقني يف روايته الرائعة ( احلب يف زمن الكولريا ) ليرتبى مع ا�شقائه و�شقيقاته الع�شرة يف مقاطعة كارتاجني ..منذ الطفولة ،ب��د�أت �آث��ار عامل ماركيز االدب��ي حيث البيئة االجتماعية القا�سية و�سحر ال�سلطة وعائلة ي�سيطر عليها االميان باخلرافات وال�ضحك واخلوف من املوت ..وحيث اال�سطورة اجمل من الواقع ..بعد �سرد طفولته يتوقف كاتب ال�سرية جريالد مارتن بعد ذلك عند موهبة ماركيز االدبية لكنه الميتلك ا�سلوبه الالمع فريويها بطريقته م�شريا اىل التاثريات ال�سيا�سية فيها مابني عام 1940واعوام االلفية الثالثة ..لقد ب��دات عالقة ماركيز بال�سيا�سة م��ذ ك��ان طالبا يف الكلية فعدم ح�صوله على املال يحرمه من املنحة الدرا�سية ويبعده عن الكتابة ..بعدها ب��دات مرحلة االرتباطات ال�سيا�سية والثورات واال�شرتاكية االمريكية –الالتينية ومتويل الزمر امل�سلحة يف فنزويال واخريا عالقاته مع ذوي النفوذ من امثال ميرتان وملك ا�سبانيا وكلينتون وفيدل كا�سرتو و�صداقته مع القائد ماك�سيمو ...مابني عامي 1967و،1985ب��دا ماركيز ي�شكل خطرا وخ�ضع لتج�س�س املخابرات املك�سيكية عليه ومنعته الواليات املتحدة من دخول ارا�ضيها ،لكن ماركيز مل يجابه تلك املواقف باحلقد بل تفرغ للكتابة وابهار العامل بواقعيته ال�سحرية مانحا امريكا الالتينية هوية م�ستقلة متاما ...وال�ي��وم ،يعي�ش ماركيز يف املك�سيك مع زوجته مار�سيد�س وميتلك دزينة من املنازل املتوا�ضعة احلجم ..ت�ضم ال�سرية اي�ضا عالقته مع ولديه االثنني ونظرته للن�ساء و�سبب رف�ض املخرج الياباين اك�يرا كورا�ساوا حتويل روايته (خريف البطرياك ) اىل فيلم �سينمائي ..وت�ضم اي�ضا تعليقات البع�ض على ا�سلوبه ومنها ماقاله توما�س بين�شون (اوه ...تبا له ..ياله من كاتب جيد)! حملت ال�سرية عنوان (غابرييل غار�سيا ماركيز ...حياة ) .ومت ن�شرها يف دار ن�شر غرا�سييه الفرن�سية
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
6
العدد ()2285ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )22ت�شرين االول 2011
العدد ()2285ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )22ت�شرين االول 2011
ها هو يقرتب من الثمانني ،ال�شخ�ص الأكرث �شعبية يف مناطق وا�سعة من �أمريكا الالتينية ،وواحد من الأدباء القالئل يف العامل الذين يزاحمون فناين ال�سينما والريا�ضيني على ال�شهرة والنجومية ..غابريل غار�سيا ماركيز املولود يف بلدة �أراكاتاكا يف كولومبيا يف العام ،1928يعدّ ه مواطنوه رمزاً للكرامة القومية ومفخرة للوطن ،له عالقات وا�سعة مع �أ�صحاب ال�سلطة يف بلدان خمتلفة ،وحتى مع ر�ؤ�ساء ع�صابات ،وهو مو�ضع ثقة دائمة حتى عند �أكرث الأ�شخا�ص ت�شكك ًا مثل فيدل كا�سرتو ،وقد ُك ِّلف مرات عدة ليكون و�سيط ًا للتفاو�ض بني اجلهات املتعادية واملتقاتلة بال�سالح .وينتقده بع�ضهم كونه يحب التقرب من ال�سلطة على الرغم من �أنه ال يحبها ،وي�ستمتع ب�أداء دور الو�سيط يف الأزمات .وكولومبيا التي �أنهكتها احلرب الأهلية طوال قرن �أو �أكرث منذ ا�ستقاللها عن �إ�سبانيا يف عام 1819وما زالت تعاين من الفقر وجتارة املخدرات وال�صراعات ال�سيا�سية الدامية وانت�شار الع�صابات بقيت املادة اخلام الأ�سا�سية لرواياته ،ال �سيما يف البيئة التي عا�ش فيها (قريته �أراكاتاكا) التي �أن�ش�أ مبخياله اخل�صب مكان ًا موازي ًا لها يف �أعماله الروائية الكبرية ف�ضاء حي ًا جلزء مهم من عامله الروائي. وهي (ماكوندو) لتكون ً
منزل الكولونيل �سيطلب ح�شي�ش ًا لي�أكل، وحني ت�س�أله زوجة الكولونيل؛ �أي نوع من احل�شي�ش يق�صد؟ �سيقول" .ح�شي�ش عادي ي��ا �سيدتي ،م��ن ذل��ك ال�ن��وع ال��ذي تتعاطاه احلمري .عا�صفة �ص. 28 ت�ستحوذ ثيمتا احلب واملوت على الروايتني كما ه��ي احل��ال يف معظم رواي ��ات ماركيز، على ال��رغ��م م��ن �أن ثيمة امل��وت ت�ب��دو �أكرث ب ��روز ًا يف (عا�صفة الأوراق) ،فيما تربز يف رواي��ة (ذاك��رة غانياتي احلزينات) ثيمة احل��ب ،وميكن �أن نقول �أن ما ن�ست�شفه من خ�ل�ال ق ��راءة ال��رواي��ة الأوىل ه��و مع�ضلة غياب احلب ،فامليل �إىل التوحد يف �شخ�صية الطبيب رمب��ا ك��ان ب�سبب الأنانية� ،أو عدم القدرة على التوا�صل ،وقد يكون ب�سبب عدم ال�ق��درة على احل��ب� ،أو يف الأق��ل ف�شل تلك ال�شخ�صية يف �إظ�ه��ار ه��ذا احل��ب والتعبري عنه ،مما و ّل��د لديه تلك النزعة املدمرة �إىل االختباء خلف جدران بيته واال�ستغراق يف حالة من العدمية .و�إذ بد�أ حياته يف ماكوندو طبيب ًا ميار�س مهنته بجدية ف�إن جميء �شركة امل��وز �إىل البلدة وقيام م�ؤ�س�سات جديدة، منها عيادة خا�صة بالعمال �أ��ص��اب مهنته، ط�ب�ي�ب� ًا ،ب��ال�ك���س��اد ،وح�ي�ن غ���ادرت ال�شركة انكف�أ الطبيب على نف�سه ورف����ض العودة �إىل ممار�سة املهنة ثانية حتى حني �أح�ضر الأهايل �إىل بابه عدد ًا كبري ًا من اجلرحى من الذين �سقطوا ،ملا اجتاح الربابرة امل�سلحون م��اك��ون��دو ،وع���ص��ف ب��ال�ب�ل��دة ذل��ك الرعب، قال" :لقد ن�سيت كل ما له �صلة بهذه املهنة، فخذوهم �إىل مكان �آخر" عا�صفة �ص.127 وك��اد الأه ��ايل ي�شعلون البيت ويحرقونه وهم يرون رجالهم ون�ساءهم ميوتون ،فظهر (�ألبب) الق�س الذي جاء يف اليوم نف�سه الذي جاء فيه الطبيب �إىل البلدة ليحول دون تنفيذ ما رامت النا�س القيام به .ومنذ ذلك احلني �أ�صبح الطبيب مو�ضع كراهية �شديدة من �أه��ل ماكوندو الذين �صبّوا عليه اللعنات، وقرروا �أن يرتكوه �ساعة ميوت ليتعفن يف بيته من غري �أن يُدفن حتى تنت�شر رائحته الكريهة يف الأرج� ��اء .وال�ت��وت��ر يف ال�سرد يكمن ،ه��ا هنا ،وع��د الكولونيل ل��ه بدفنه، ورغبة �أهل ماكوندو مبعاقبته بتلك الطريقة
�سعد حممد رحيم
ب�����ي�����ن رواي�����ت�����ي�����ن يف بلد ه��و املتفائل فيه يف بلد م�ضطرب م�ث��ل ه ��ذا ،وال���ذي ي �ق��ول ع�ن��ه �أن ��ه املتفائل الوحيد فيه ،ا�شتغل ماركيز يف ال�صحافة منذ اخلم�سينيات بعد �أن اكت�شف يف نف�سه موهبة الكتابة مبكر ًا ،ومل ي�ستطع �إكمال درا��س�ت��ه اجلامعية يف ال�ق��ان��ون ن��زو ًال عند رغ �ب��ة �أب �ي��ه ،ت��ارك � ًا اجل��ام�ع��ة ال��وط�ن�ي��ة يف بوغوتا التي التحق بها ،ف�سافر كثري ًا �إىل �أوروب��ا و�أمريكا حتى قبل �أن ينال ال�شهرة، وكان مراقب ًا ذكي ًا ملا يحدث حوله بعدما متثل تاريخ بلده والقارة احلديث ،ووعى جذور امل�شكلة بح�س مارك�سي يف الغالب ،وفهم لغز ال�سلطة كما ي�ؤكد ،فكتب عمليه الكبريين: (مائة ع��ام من العزلة) وه��ي ترنيمة �شيقة وحزينة عن املع�ضلة الب�شرية ،عن الب�شر يف حبهم وكرههم وق�سوتهم وغرابة �أطوارهم ومعتقداتهم املت�شربة باخلرافة ،وعزلتهم يف بيئة ت�سودها �أج��واء �سحرية وموتهم. ورواية (خريف البطريرك) التي كانت هجا ًء مقذع ًا� ،أ�شبه م��ا تكون بكوميديا �سوداء، لل�سلطة امل�ستبدة يف �أنانيتها وق�سوتها ودناءتها و�أوهامها وعزلتها ،وما حتمل يف �أح�شائها من بذور دمارها ودمار ما يحيطها. ي�شري ماركيز يف �أك�ثر من منا�سبة �إىل �أن م��ا كتبه م��ن �أ��ش�ي��اء و�أح���داث وم�ف��ارق��ات ال معقولة وغريبة مل تكن من بنات خياله و�إمنا ا�ستلهمها وا�ستمدها من الواقع الذي عا�شه، و�أن �أي �سائق تاك�سي يف كولومبيا ميكن �أن يحكي لك ــ كما يقول ــ ما حكاه هو يف رواياته وق�ص�صه ،هو املغرم باحلكايات ،هو الذي ترعرع يف منزل ُت�سرد فيه احلكايات، وبيئة منتجة لكل م��ا ه��و خ��ارق وخ��رايف و�ساحر .فماركيز اب��ن جتربته الغنية وقد وهبه الله القدرة على احلكي ،ووجد هدف حياته يف �أن يحكي ،فعا�ش ليحكي.
ع�شت الحكي
(ع�شت لأحكي� ،أو لأروي) ه��ذا هو عنوان ك�ت��اب �سريته ال��ذي و�ضعه بعدما علم �أنه م���ص��اب ب��ال���س��رط��ان ،و�أن���ه ق��ري��ب ج ��د ًا من ال� ��وادي الأخ�ي�ر وه��و يهبط �سفح احلياة من اجلهة الأخ��رى ،على حد تعبري هريمان هي�سه .وم��ا يبغي ماركيز �أن ي��روي��ه على ال��دوام ،يف معظم �أعماله املعروفة ،هو فعل الزمن يف الإن�سان ،فعله يف عقله وروحه، يف م��زاج��ه ورغباته و�أف �ك��اره ،م��ع مقاومة ال تهادن �ضد ذلك الفعل ،و�ضد الزمن .فيما جت ��رى ا� �س �ت �ع��ادة دائ �م��ة ل �ل��ذك��ري��ات مغلفة بالأ�سى وال�شجن ،وببع�ض الأ�سف والندم، ف��أن��ا���س م��اك��ون��دو ال�صامتون كما ي�صفهم ماركيز يف رواية (عا�صفة الأوراق) هدتهم
الذكريات ،وهم يف عزلتهم ..ما فقدوه ،وما يتوهمون �أنه كان لهم وفقدوه .ومبعنى ما ف�إن روايات ماركيز تدور ،يف حقيقتها ،حول العزلة وال�ف�ق��دان .عمّا ك��ان و��ض��اع .ه��ذا ما يحدث للكولونيل ،يف �سبيل املثال ،يف رواية (لي�س لدى الكولونيل من يكاتبه) وللجرنال بوليفار يف رواي��ة (اجل�ن�رال يف متاهته)، وكذلك للكولونيل بوينديا يف رواي��ة (مائة عام من العزلة). ث�م��ة �إ���ص��رار غ��ري��ب يطبع ��س�ل��وك ك�ثر من ��ش�خ���ص�ي��ات م ��ارك� �ي ��ز� ..إ�� �ص���رار �صبور، �صادم ،ويكاد يكون ال معقو ًال� ،أحيان ًا ..يف رواي��ة (احل��ب يف زم��ن الكولريا) �سينتظر (فلورنتينو �أري �ث��ا) ن�صف ق��رن ،و�سيكون �إذ ذاك يف اخلام�سة وال�سبعني من عمره، ليف�صح لـ (فريمينا داثا) عن حبه ك ّرة �أخرى. ليجدد عهد وفائه ،مثلما �سيعرتف ،للمر�أة التي رف�ضته بعد و��ص��ال ق�صري ،ح�ين كان يف اخلام�سة والع�شرين ،وتزوجت غريه، ف �ق��رر ه��و م��ن ي��وم�ه��ا �أن ال ي �ت��زوج ريثما ميوت زوجها ،والذي �سيموت بعد خم�سني �سنة .ه�ك��ذا ،مت�شبث ًا باحلياة ،على الرغم من ال�شيخوخة .وها هو راو رواية (ذاكرة غانياتي احل��زي�ن��ات) يعلن منذ ال�ب��دء "يف ال�سنة الت�سعني من �سنوات حياتي ،رغبت يف �أن �أه��دي �إىل نف�سي ليلة حب جمنون، م��ع م��راه�ق��ة عذراء" ���ص .7ه��و ال�صحايف الذي يكتب عمود ًا �أ�سبوعي ًا منذ عقود طوال يف �صحيفة حملية� ،سيكون عليه �أال يجعل مقاله يف ذكراه "جمرد ح�سرة على ال�سنوات ال��ذاه �ب��ة ،و�إمن� ��ا ال�ع�ك����س مت ��ام� � ًا .متجيد ال�شيخوخة" ذاك ��رة �� ��ص� ..11إن ��ه يعي مدى اخل��راب الذي تركته ال�����س��ن��ون ع� � � �ل�� � ��ى ج �� �س��ده، وح� � �ي� � ��ن ي� �ن� �ظ ��ر يف امل� ��ر�آة يرى " ا حل�صا ن الذي نظر �إ ّ يل م � ��ن اجل���ان���ب الآخ � ��ر ،مل يكن ميت ًا و�إمنا كئيب ًا، ول � ��ه غ��ب��ب حتت ذقنه كغبب البابا، وجفنان منتفخان، ون��ا��ص�ي��ة املو�سيقي ال� �ت���ي ك���ان���ت ل� ��ه قد تهدلت "..ذاكرة �ص .27لكنه ،يف الوقت نف�سه ،غ�ير حم�ب��ط ،ويحمل ب�ين جوانحه
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
مقدار ًا هائ ًال من الرغبة يف اال�ستمرار. �شيّد ماركيز عامل ًا روائي ًا خا�ص ًا به ،لي�س من خالل اللغة والأ�سلوب ومنط ال�شخ�صيات وبناء احلدث وطرق ال�سرد وح�سب ،و�إمنا عرب �إيجاد �أر�ضية جغرافية وتاريخية متعينة لذلك ال�ع��امل ،مت��ام� ًا مثلما فعل وليم فوكرن حني اختلق �إط��ار ًا مكاني ًا لرواياته مقاطعة متخيلة ا�سمها (يوكنا باتاوفا) وهي ت�شبه، �إىل حد بعيد ،املقاطعة التي ولد وعا�ش فيها (نيو �ألباين قرب �أك�سفورد يف امل�سي�سبي)، ل�ت�ت�ك��رر الأ���س��م��اء و�أج� � ��زاء م��ن الأح� ��داث امل� ��� �س ��رودة ب�ي�ن بع�ض م��ن رواي��ات��ه وق�ص�صه ال �ق �� �ص�يرة ..باملقابل ابتدع ماركيز قرية، �أو بلدة (ماكوندو) وهي ت�شبه �أي�ض ًا، ال �ق��ري��ة ال �ت��ي ولد وع � ��ا� � ��ش ف �ي �ه��ا، وكان فوكرن �أحد ملهمي ماركيز. وماركيز نف�سه ي � �ع �ت�رف يف م �ق��اب �ل��ة مع ب �ي �ل �ي �ن �ي��و �أب� ��ول � �ي� ��و م� �ن���دوزا؛ "�إن م�شكلتي مل تكن يف كيفية تقليد فوكرن ،ولكن يف تدمريه .لقد كان ت�أثريه ي�شل حركتي". وقبل �أن ين�شر ماركيز روايته (مائة عام من العزلة) التي كانت ال�سبب يف ذيوع �شهرته
وح�صوله على جائزة نوبل للآداب ()1982 كتب ون�شر ب�ضعة �أعمال روائية مل ترث اهتمام القراء والنقاد منها (لي�س لدى الكولونيل من يكاتبه ،حكاية غريق ،عا�صفة الأوراق) بيد �أن هذه الأعمال مل تلفت �إليها االنتباه �إال بعد �صدور وانت�شار �أعماله الكبرية.
عا�صفة االوراق
تنتمي رواي��ة (عا�صفة الأوراق)* �إىل تلك الفرتة املبكرة من حياة ماركيز الإبداعية ح�ي��ث ك��ان ي�شتغل يف ال�صحافة ويعاين العوز والإه�م��ال ..كان يف تلك الآون��ة �أكرث ح��ري��ة وه��و��س� ًا بالتجريب ،و�إق ��دام� � ًا على املغامرة ،هو الذي بقي يج ّرب ويغامر ،و�إن بدرجة �أق��ل ،كلما ذاع �صيته �أك�ثر و�ضغط عليه هاج�س االحتفاظ بامل�ستوى الإبداعي العايل لكل عمل جديد حا�سب ًا ح�ساب نقاده املرتب�صني ومتلقيه املنتظرين الذين يريدون من احلا�صل على جائزة نوبل للآداب ما هو متقن ورائع ويقرتب من الكمال� ،إىل جانب العبء ال��ذي يفر�ضه �إ��ص��دار ب�ضع روايات كبرية مدوية ،حيث جتري املقارنة القا�سية بني ما ُكتب و�صدر قب ًال ،وم��ا ُكتب و�صدر الآن .واجلزء الأخري من هذا الكالم ينطبق على رواية ماركيز اجلديدة (ذاكرة غانياتي احلزينات)** التي تعك�س �أ�سلوب ماركيز، ومقدرته الفذة يف ال�سرد الروائي ،وحتمل ب�صماته ،لكنها لن ت�صمد بعدِّها عم ًال كبري ًا �إزاء روايات ماركيز الأخرى التي ذكرناها. �أما (عا�صفة الأوراق) فتبدو وك�أنها تره�ص لرواية (مائة عام من العزلة) فهناك القرية عينها التي جتري فيها الأح��داث (ماكوندو)
و�إ�شارة �إىل الكولونيل بوينديا ،ف�ض ًال عن امل�سحة ال�سحرية الغرائبية التي تفعم �أجواء ال��رواي��ة ،ول�غ��ة ال��روائ��ي املتدفقة بجملها الطوال ،وا�ستعاراتها املده�شة .ومقطع مثل هذا م�ستل من (عا�صفة الأوراق) ال بد من �أن يذ ِّكر بـ (مائة عام من العزلة): "هناك وق��ت تنقطع فيه ف�ترة القيلولة، وت �ت��وق��ف �أث �ن��اء ذل ��ك ح�ت��ى �أدق احلركات ال�سرية ،اخلفية للح�شرات .كما �أن دورة ال�ط�ب�ي�ع��ة ت �ت��وق��ف ه��ي الأخ� � ��رى؛ ويتعرث اخللق على حافة الفو�ضى وتنه�ض الن�ساء، وق��د � �س��ال ال�ل�ع��اب م�ن�ه��ن ،وان�ط�ب�ع��ت فوق خ��دوده��ن ورود امل �خ��دات امل� �ط ��رزة ،وهن يختنقن م��ن احل��رارة وال�ضغينة ،وعندها ف�إنهن يفكرن مع �أنف�سهن؛ ال يزال اليوم يف ماكوندو هو الأربعاء" عا�صفة �ص.61 وعا�صفة الأوراق هي كناية تكاد تكون �ساخرة عن �شركة املوز (االحتكارية الأمريكية) التي �ستدخل البلدة لتغري �شكل حياتها ،وتخرج منها تاركة اخلراب والذكريات احلزينة. ت�ب��د�أ رواي��ة (م��ائ��ة ع��ام م��ن العزلة) مب�شهد للكولونيل بوينديا وهو �أمام ف�صيل الإعدام يتذكر حادثة ر�ؤيته للثلج للمرة الأوىل ،يف �أثناء ا�ستعرا�ض لفرقة �سريك ج��وّ ال��ة� ،أما رواي��ة (عا�صفة الأوراق) فتبد�أ مع حادثة م��وت طبيب قرية ماكوندو ال��ذي لن نعرف ا�سمه� ،أو من �أي��ن ج��اء ،وك��ان قد �ضيفه يف م�ن��زل��ه خلم�س ��س�ن��وات ك��ول��ون�ي��ل متقاعد يف القرية على �إث��ر ر�سالة تو�صية موقعة م��ن ال�ك��ول��ون�ي��ل ب��وي�ن��دي��ا حملها الطبيب معه .و�شخ�صية الطبيب ه��ذا غريبة ،فهو منذ �أول جلو�س له على مائدة الطعام ،يف
هو�س عجوز عا�شق
الرهيبة. ي�ستدعي الكولونيل العمدة ليعطيه �إذن � ًا بالدفن �إ ّال �أن العمدة ي�تردد يف �أول الأمر قبل �أن يقرر �إعطاء الإذن يف تلك الظهرية القائظة ،بعد �أن ت�أكد من �أن م��رور ال�سنني جعل النا�س تن�سى� ،أو ال تبايل� ،أو تغفر. �إن حكاية ح�ضور الطبيب �إىل البلدة وموته ت�سرد لنا م��ن وجهة نظر ث�لاث �شخ�صيات ه��ي؛ الكولونيل اجل��د ،واب�ن��ة الكولونيل، وحفيده .وهذه الطريقة تذكرنا مبا فعل وليم فوكرن يف رواية (ال�صخب والعنف) و�أكرث يف رواية ( و�أنا �أحت�ضر) �إذ يتناوب الرواة يف �سرد ما يجري ليكمل بع�ضهم بع�ض ًا يف �إن�شاء كلية ال�سرد. بني تاريخ كتابة روايتي (عا�صفة الأوراق/ )1955و (ذاك � ��رة غ��ان�ي��ات��ي احلزينات/ )2004م�سافة زمنية تقرب من الن�صف قرن، وال �شك �أن جتربة ماركيز الفنية ،يف غ�ضون هذه املدة ،قد ن�ضجت ،وكذلك ر�ؤيته.
ماركيز ..عند اليابان!
ي��ق��ول �أن ق�� ��راءه م ��ن ال �ي��اب��ان �ي�ين ك��ان��وا يت�صورونه من �أ�صول يابانية ،وي�شريون �إىل ت�شابه ع��وامل��ه م��ع تلك التي تزخر بها ال��رواي��ات التي كتبها كبار ك� ّت��اب اليابان، ول�ه��ذا ذه��ب ذات ي��وم �إىل املكتبة واقتنى ك��ل م��ا ه��و متوفر م��ن ال��رواي��ات اليابانية املرتجمة ،فتلم�س ذلك اخليط ال�سري الذي ي�صله بال�سرد الياباين على الرغم من �أنه مل ّ يطلع عليه من قبل .و�سحرته رواية بعينها، و َّد لو ك��ان هو كاتبها ،وه��ي رواي��ة (منزل اجلميالت النائمات) ليا�سوناري كاوا باتا، ويبدو �أن �أجواء هذه الرواية بقيت عالقة يف ذهنه �أو �أنها ا�ستوطنت مكان ًا ما ،جد حميم، من عقله الباطن ليكتب فيما بعد ،وهو يقرتب م��ن ثمانينياته ،رواي ��ة عنونها ب �ـ (ذاك ��رة غانياتي احلزينات) وم��ن ق��ر�أ الروايتني ال ب ّد من �أن يتح�س�س نقاط الت�شابه بينهما يف الإيقاع وتكثيف لغة ال�سرد ،و�إىل حد ما يف الأ��س�ل��وب ،و�إىل ح��د بعيد يف بنية احلدث ذات ��ه وم�ن��اخ��ه .فكال ال��رواي �ت�ين حتكي عن اجنذاب مت�أخر ،لرجل م�سن ،للأنوثة اليانعة وهي تتفتح ..هوىً ي�ستيقظ على حني فج�أة،
ويتخذ منحى ج�سدي ًا ،لي�س متطلب ًا كثري ًا، ولي�س بريئ ًا مت��ام� ًا ،م�ترع� ًا برغبة هادئة، متطامنة ،وب�خ�ي��االت ملونة م���ش��دودة �إىل حرارة احلياة ،وال تخلو من الأ�سى. يف رواية (منزل اجلميالت النائمات) يرتاد ال �ع �ج��وز �أن�غ��و��ش��ي م �ن��ز ًال ال ي�شبه بيوت الدعارة التقليدية ،وال يعر�ض ن�سا ًء يبعن اللذة احل�سية ،وال حتى على وف��ق طقو�س فتيات اجلي�شا يف اليابان ..منز ًال مت�سرب ًال بال�سرية وال �غ��راب��ة وال�غ�م��و���ض ،ي�ستقبل رج��ا ًال م�سنني ي��ؤ ِّم��ن لهم ال�ن��وم �إىل جانب فتيات ع� ��ذراوات ن��ائ�م��ات ،ل��ن تت�سنى لهن ر�ؤيتهم ،ولن يت�سنى لهم معرفة �أ�سمائهن، وال يحق للرجل حتى و�ضع �إ�صبعه يف فم امل ��ر�أة النائمة ،وال حم��اول��ة عمل �أي �شيء م�شابه.
خبر اختطاف "الكاتب الكولومبي" َ ووكر �إ .رو ترجمة :عادل العامل
7
يف رواي ��ة (ذاك���رة غانياتي احلزينات) �سيدخل العجوز /الراوي الغرفة يف بيت رو�سا كاباركا�س ال�سري ليجد فتاة عارية نائمة ،عمرها ال يتعدى الرابعة ع�شرة �أو اخلام�سة ع�شرة� .سيجل�س �إىل جانبها على ال�سرير عاري ًا ،ولن يحاول �إيقاظها، لكنه �سيلم�سها " م��ررت بطرف �سبابتي ان��زالق� ًا على قفا عنقها املبلل ،فارتع�شت ك �ل �ه��ا م ��ن ال� ��داخ� ��ل ،م �ث��ل وت� ��ر قيثارة، وانقلبت باجتاهي بهمهمة ،و�أحاطتني بجو �أنفا�سها احلام�ضة� .ضغطت �أنفها بني �إبهامي و�سبابتي ،فاهتزت ،و�أبعدت ر�أ�سها ،و�أولتني ظهرها دون �أن ت�ستيقظ" ذاكرة �ص. 27 �إن وجود الفتاة النائمة على ال�سرير عينه، ُي�شعل اخل�ي��ال وي�ؤ�س�س ل��ذاك��رة بديلة، ل�شيء مل يحدث ،لكنه يعلق يف الذاكرة ،ال ُين�سى؛ "�أمر ال ُي�صدق :ف�أنا �أراها و�أمل�سها وهي من حلم وعظم ،فتبدو يل �أقل واقعية مما هي عليه يف ذكرياتي" ذاكرة �ص. 57 �سيمنح ال�صحايف العجوز ه��ذه الفتاة ا��س�م� ًا اف�ترا��ض�ي� ًا ممو�سق ًا (ديلغادينا) و�سريف�ض �أن يعرف ا�سمها احلقيقي من �صاحبة البيت ال�سري ،ومنذ الآن �سيكتب مقاالته ،هو ابن الت�سعني ،لها� ،أي� ًا كانت امل�س�ألة ال�ت��ي يتناولها ،يبكي وي�ضحك م��ن �أج�ل�ه��ا ،ويتخيلها ط ��وال ال��وق��ت يف بيته ،جتوب �أنحاءه بخطواتها اخلفيفة، وه� �ن ��ا ��س�ت�ظ�ه��ر له
ميثل كتاب "خرب اختطاف" لغابرييل غار�سيا ماركيز عم ًال من �أعمال الكتابة ال�صحفية الذي يدعى بـ "بالال ق�صة non- ."fictionوهذا لي�س بالأمر العادي لدى �سنيور غابو ،كما يدعوه مواطنوه الكولومبيون ،لأنه يف العادة يكتب الق�صة. نحو �أف�ضل بكونه امل�ؤلف احلائز وهو ،بالطبع ،معروف على ٍ على جائزة نوبل لروايات " مائة عام من العزلة " " ،حب يف زمن الكولريا " ،و" اجلرنال يف متاهته " .وهي من الأدب الق�ص�صي الذي ع ُِرف بـ " الواقعية ال�سحرية ". ويحكي "خرب اختطاف" ه��ذا حكايات اختطاف �أك�ثر من ع�شرة مواطنني كولومبيني على �أي ��دي زع�م��اء ع�صابات خمدرات �أ�صبحوا ي�سمّون بـ "املع ّر�ضني للت�سليم" .ومل يعد ذلك اال�سم يف التداول اخلربي نظر ًا ملقتل بابلو �أ�سكوبار وزع�م��اء خم��درات �آخ��ري��ن وحتطم ك��ارت�لات امل�خ��درات �إىل جماميع �أ�صغر مب��ا يف ذل��ك جي�ش ح��رب الع�صابات الذي لي�س ،بالطبع ،جمموعة �صغرية ب�أية حال. وي�شري ا�سم " املع َّر�ضني للت�سليم " �إىل حقيقة �أن كولومبيا كانت قد و ّقعت على معاهدة تق�ضي بت�سليم زعماء املخدرات املطلوبني للواليات املتحدة ملحاكمتهم هناك. وكان اخلطف امل�صور يف هذا الكتاب حملة �إرهاب م�صمّمة للرد على هذا الت�شريع .وكان لهذا فعله الكبري نظر ًا لكون قوانني الت�سليم قد مت ردّها. و ُت �ق��ر�أ الكتابة ال�صحفية يف ه��ذا الكتاب وك��أن�ه��ا رواي��ة. فنحن ن�شهد الفزع الذي ي ّت�سم به خطف الأ�شخا�ص ،الذين يكونون فيما بعد �أ�سرى يف ميديلني و�أماكن � َأخ��ر .ويكون العذاب ال�سايكولوجي بالن�سبة لل�سجناء �أ�سو�أ بفعل مواقف �آ�سريهم .ففي حلظة ميكن �أن يكون ه��ؤالء لطفاء لينقلبوا بعد حني �إىل متوح�شني .ومل يكونوا يتعر�ضون للتعذيب البدين �أو ت�ساء معاملتهم نف�سي ًا ،غري �أن غيابهم عن عوائلهم لعام تقريب ًا وافتقارهم �إىل �أخبار عنهم ي�سبب لهم الإنهاك. ٍ
جوانب من ذاته مل يكن يعرفها؛ " اكت�شفت �أنني ل�ست من�ضبط ًا بدافع الف�ضيلة ،و�إمنا كرد فعل على تهاوين وتق�صريي ،و�أنني �أب��دو �سخي ًا لكي �أواري خ�ستي ،و�أنني �أت�ظ��اه��ر بالتعقل واحل� ��ذر ،لأن �ن��ي �سيئ الظنون ،و�أنني �أميل �إىل امل�صاحلة كي ال �أنقاد لنوبات غ�ضبي املكبوحة ،و�أنني دقيق يف مواعيدي ملجرد �أ ّال ُيعرف مدى ا�ستهانتي بوقت الآخرين" ذاكرة �ص. 59 �سيتفاج�أ بنف�سه واق �ع � ًا يف ح�ب�ه��ا ،حد اجلنون ،وحد املوت ،حتى �إذا انقطعت عن زيارة البيت بعد جرمية قتل عابرة حدثت يف �إحدى غرفه راح هو يبحث عنها على الرغم من �أنه ال ي�ستطيع ت�صور مالحمها وكيف هي يف الواقع ،م�ستيقظة ومرتدية ثيابها� ،إىل �أن يدخل امل�صنع الذي تعمل فيه فت�س�أله �إحدى العامالت �إن كان هو من يكتب ر�سائل احلب يف اجلريدة ..يقول: "مل �أتخيل قط �أنه ميكن لطفلة نائمة �أن تحُ دث مثل هذا اخلراب" .ذاكرة �ص.80 يعي العجوز �أن��ه �سيموت� ،سيكون ميت ًا يف ه��ذه ال�سنة� ،أو بعد مائة �سنة� ،إىل �أب��د الآبدين ،وان عليه �أن مي�ضي بالأمر �إىل النهاية ،ف��روح��ه ت�ستعيد حيويتها وارت�ع��ا��ش��ة �شبابها فيفكر بالفتاة هذه، التي مل يك ِّلمها ق��ط ،وال يعرف عنها �إال القليل ،يفكر �أن يرتك لها كل ما ميلك �ساعة ميوت. (ذاك� � ��رة غ��ان �ي��ات��ي احل ��زي� �ن ��ات) رواي� ��ة ع��ن امل��ن��اورة ��ض��د ت�ي��ار ال��زم��ن ومتجيد ال�شيخوخة ،والهرب من التوحد والعزلة، وباخت�صار عن احلب واملوت. * (ع��ا� �ص �ف��ة الأوراق) غابريل غار�سيا ماركيز.. ترجمة :م�صطفى عبود.. دار املدى للثقافة والن�شر/ دم�شق . 2002 ** (ذاك� � � � ��رة غ��ان��ي��ات��ي احلزينات) غابريل غار�سيا م��ارك��ي��ز ..ت��رج �م��ة� :صالح ع�ل�م��اين ..دار امل��دى للثقافة والن�شر /دم�شق 2005
وكان ب�إمكان بع�ضهم القفز ب�سهولة من النوافذ والهرب .لكن اخلاطفني كانوا يع�صبون عيونهم �أو يح�شرونهم على �أر�ضية مكان ما .وبالتايل ،ف�إنهم مل ال�سيارة حينما ي�أخذونهم �إىل ٍ يكونوايعرفون �أين هم حتى و�إن كانوا يف الغالب يف مدينة؟ كما �أن الأ�سرى كانوا خمبّئني مب�شاركة من جريان .ولهذا، ف��إذا ما ا�ستطاعوا التحرر ،ف�إن �أولئك الذين يحيطون بهم �سي�شون بهم بالت�أكيد. لقد كانت هناك ملحة عن حياة غابرييل ماركيز يف جملة " النيو يور َكر " قبل �سنة �أو�سنتني .ويبدو �أن��ه يقوم بدور دبلوما�سي و�سيط من دون �أجر ينقل ر�سائل بني الواليات املتحدة وكوبا فيدل كا�سرتو ،ال��ذي ك��ان �صديق ًا له لوقت طويل .وكما كانت احل��ال مع �أون��وري��ه دي ب�ل��زاك ،فكتور هوغو� ،أو غور فايدال ،فها لدينا اليوم �أي�ض ًا روائي منغمر يف العمل ال�سيا�سي �إ�ضاف ًة للكتابة. ف�إذا مل تكن قد قر�أتَ هذه الأعمال ،فلتعلمنّ �أن �أدب ماركيز الق�ص�صي جدير باملتابعة. ولقد كان �أ�ستاذي يف الريا�ضيات يف الكلية ،املحبط من دون �شك من الأوالد املفتقرين �إىل الرتبية الإن�سانية ،يقدم عون ًا �إ�ضافي ًا لأولئك الذين قر�أوا " مائة عام من العزلة " .وبالن�سبة يل ،ف� ��إين ق��ر�أت �ه��ا ف�ق��ط ب�ع��د ان�ت�ه��اء ذل��ك ال���ص��ف .وه��ي " " Buddenbrooksبالن�سبة لأمريكا الالتينية .فالكثري من م�شاهدها و�أفكارها م�ستمد من الأحرا�ش التي ن�ش�أ فيها ماركيز� .أما "حب يف زمن الكولريا" ،فهي على وجه ال�ضبط كالتايل :ق�صة حب جرت يف زمن �أتلفت فيه الكولريا ال�سكان. ولقد بقيتْ ر�ؤية جثث املوتى املنتفخة الطافية يف النهر ح ّي ًة يف عقلي .و�أما "اجلرنال يف متاهته" ،فهي نظرة روائية �إىل �سيمون بوليفار ،حمرر �إكوادور ،وبريو ،وكولومبيا .و�أنا �أحب هذه الكتب بقدر ما قر�أت كل واحدة منها ملرات عدة. عن Amazon /
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
8
العدد ()2285ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )22ت�شرين االول 2011
العدد ()2285ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )22ت�شرين االول 2011
الروائية ال�ساحرة من دون ان يرحل يف املكان الكولومبي ويفهم جتلياته و�صراع اال�ضداد فيه بني املحافظني والليرباليني وبني املركز والهام�ش وبني الذين ميلكون ومن ال ميلكون وبني الريف واملدينة وهو كل ما ميثله تاريخ كولومبيا احلديث .ك�أن ماركيز مل يكن قادر ًا على خلق عوامله ال�سحرية من دون ان يفهم مكونات وعنا�صر ال�تراث ال�شعبي واغاين وتطلعات وحنني املحرومني .مل يكن ماركيز نبتة غريبة ع��ن االمكنة التي �صنعها ،فقد عا�شها ومنذ ان اعتقد بقدرته على ممار�سة التعليق ال�سيا�سي وامل�ساهمة يف الكتابة ال�ساخرة يف ال�صحف الوطنية الكولومبية ان يف العا�صمة بوغوتا او قرطاجنة الحقا ق��رر ان يكر�س حياته للكتابة .لكن طريقه مل يكن �سهال ففي حلظة كان عليه ان يواجه وال��ده احلانق عليه بعد ان قرر ترك درا�سة القانون والتفرغ للكتابة الذي �صرخ قائال انه �سينتهي ب�أن ي�أكل الورق. ماركيز حتى يف ايام طلبته يف بوغوتا عا�ش حياة �صعبة ،حيث كان ي�ضطر للنوم احيانا على املقاعد يف احلدائق العامة او يف ممرات ال�صحف التي كان يعمل بها .ويف فرتة من ال �ف�ترات ا��ض�ط��ر للعي�ش يف امل��واخ�ير مع العاهرات� ،صادقهن وكتب ر�سائلهن واعجب ب �ع��امل �ه��ن ا�� �س ��وة ب��ا� �س �ت��اذه
غابرييل غار�سيا ماركيز يعد من ا�شهر الروائيني الذين ظهروا يف العامل الثالث وعامل الرواية يف الن�صف الثاين من القرن الع�شرين .وارتبط الكاتب الكولومبي مبدر�سة الواقعية ال�سحرية يف الراوية التي �شكلت حولها اتباعا وحواريني من خمتلف الدول واالعراق .ويظل ماركيز الذي ولد عام 1927من ا�شهر كتاب الرواية والوجوه العامة املعروفة يف داخل امريكا الالتينية و العامل االول و�شهرته ال ت�ضاهيها �شهرة اي كاتب يف العامل ،ففي الن�صف االول اجمع النقاد على جمموعة من كبار كتاب الرواية فوكرن ،جوي�س ،وولف ،كافكا وبرو�ست ولكن يف الن�صف الثاين ال يوجد اال كاتب واحد عظيم وم�شهور وهو ماركيز.
امتدح موهبة الكاتب .مما يعني ان ماركيز كان كاتبا حمدود التوزيع وال�شهرة يف هذه الفرتة .وما يهم يف �سرية مارتن انها ت�ضع امامنا مراحل تطور افكار الكاتب وتقنياته. والكتاب مليء با�سماء االمكنة واال�شخا�ص. ويحتاج القارئ للرتكيز يف البداية لتحديد مالمح ال�صالت بني عائلة ماركيز ،ويق�ص علينا الكاتب حكاية اجلرمية التي ارتكبها جد ماركيز ورحيل العائلة وكيف ان ماركيز عا�ش �سنواته ال�سبع االوىل بعيدا عن امه التي تركته مع جده الكولونيل املتقاعد الذي كان يرافقه يوميا يف رحلة يف �شارع اركاتاكا الرئي�سي وملركز الربيد يف انتظار تقاعده.
احلياة ال�صعبة يف اوروبا
من الف�صول املمتعة يف حياة ماركيز هي رحلته وحياته يف اوروب ��ا ،فقد �سافر ع��ام 1955 يف بعثة �صحافية لتغطية اجتماع االربعة ال �ك �ب��ار يف ج�ن�ي��ف ل���ص��ال��ح �صحيفته التي كان يعمل فيها يف
غابرييل غارسيا ماركيز :سيرة حياة روائي تحول الى نجم عالمي فرائعته التي ن�شرها عام 1967مائةعام من العزلة وظهرت يف مرحلة التحول بني رواية احلداثة وما بعد احلداثة تعد الرواية اال�شهر التي وجدت قراء من خمتلف االعراق واللغات ب�شكل مل تقابله رواي ��ة ��ص��درت يف الفرتة ما بني 1950اىل عام .2000وعليه فانها، مبو�ضوعها العام ال�صراع ما بني احلداثة والتقاليد وبا�ستقبالها احلافل ،اول رواية عاملية .هذا ما يقول كاتب �سريته الر�سمية وغ�ير الر�سمية جريالد م��ارت��ن .لكن ما يهم ان م��ارك�ي��ز ال��روائ��ي ه��و ظ��اه��رة ن ��ادرة من ناحية جمعه بني الكتابة والنجومية .وهو اي�ضا كاتب جاد لكنه كاتب �شعبي على غرار ت�شارل�س ديكنز وفيكتور هوغو وارن�ست هيمنغوي ،فكتبه تباع باملاليني و�صورته وتعامل االعالم معه ي�شبه تعامل االعالم مع جنم او العب كرة او جنم �سينمائي .وا�صبح منذ نيله جائزة نوبل عام 1982ا�شهر روائي متنح له يف العقود االخرية .وماركيز م�شهور ومعروف يف كل انحاء امريكا الالتينية ،وهي القارة التي قدم لها عامل رائعته التي دارت احداثها يف ماكوندو ويعرف يف القارة با�سم غابو مثل جنم ال�سينما ال�صامتة ت�شاريل او العب الكرة اال�سطورة بيليه .ومع انه يعد واحدا من ا�شهر اربعة او خم�سة �شخ�صيات يف القرن الع�شرين اال انه ولد يف بلدة تقع و�سط ال مكان �سكانها ب�ضعة �آالف ومعظمهم من االميني� ،شوارعها غري معبدة بال ا�سماء ومن دون نظام ت�صريف مياه �صحي ا�سمها اركاتاكا التي متثلت يف روايته مباكوندو. ويرى كاتب �سريته ان قلة قليلة من املبدعني جا�ؤوا من ار�ضية متوا�ضعة وبلدة �صغرية
ا� �س �ت �ط��اع��ت ان ت�ع�ي����ش زم �ن �ه��ا وحت��والت��ه الثقافية وال�سيا�سية و�شربته حتى الثمالة مثل هذه ال�شخ�صية .اليوم ماركيز ثري ميلك �سبعة بيوت يف اماكن ال ي�سكنها اال االثرياء يف خم�س دولة خمتلفة ،ويف العقود املا�ضية ك��ان بامكانه ان يطلب ويف ال�ع��ادة يرف�ض 50ال��ف دوالر على مقابلة تلفزيونية او �صحافية ال ت�ستغرق اكرث من ن�صف �ساعة. وكان بامكانه اي�ضا ان ين�شر اي مقال يرغب يف ن�شره يف �صحيفة يف اي مكان يف العامل ويتقا�ضى مكاف�أة مالية هائلة لقاءها .وتظهر ع�ن��اوي��ن رواي��ات��ه على ك��ل اغلفة ال�صحف واملجالت يف العامل ،ويعرف القراء ا�سماءها مائةعام من العزلة ،خريف البطريرك واحلب يف زم ��ن ال �ك��ول�يرا .واك�ث�ر م��ن ه ��ذا ق�ضى ماركيز ن�صف حياته كنجم ،ي�صادق النجوم وامل�شاهري ويعي�ش مثلهم ،ومن بني ا�صدقائه ر�ؤ�� �س ��اء دول م �ث��ل امل�ك���س�ي��ك ،وفران�سوا ميرتان ،الرئي�س الفرن�سي ال�سابق ،وفيليب غونزاليه وبيل كلينتون .وعلى الرغم من ك��ل ال�شهرة وال�ث�راء واحل�ي��اة يف اال�ضواء ظل ماركيز رج�لا مرتبطا بالي�سار متم�سكا بر�ؤيته التقدمية ،داعما للق�ضايا االيجابية واالع��م��ال ال �ب �ن��اءة م�ث��ل دع �م��ه ل�ب�ن��اء معهد لتدريب ال�صحافيني و�صناعة الفيلم .ولأنه ارتبط بالي�سار فعالقته مع الرئي�س الكوبي فيديل كا�سرتو ظلت حمال للنقد واجلدل على مدى الثالثني عاما املا�ضية.
�سرية ر�سمية مت�سامح بها
ه��ذه احلياة بني اجلماهري والنجوم ت�ضع على كاهل اي كاتب �سرية يود كتاب �سريته
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
مهمة خا�صة وحت��دي��ات كبرية .لكن مفهوم ال�ك�ت��اب��ة ع�ن��ه ك��روائ��ي وجن ��م ظ��ل ماركيز ي�ستبعدها ويرف�ضها الن ال�سرية الذاتية ال تكتب اال يف معر�ض امل��وت ،فال�س�ؤال الذي تلقاه جريالد مارتن منه ك��ان مل��اذا تريد ان تكتب ��س�يرة ذات �ي��ة ،فال�سري ال��ذات�ي��ة تعني املوت .ويقول مارتن انه عمل 17عاما على ��س�يرة وح�ي��اة ماركيز ال�ت��ي ��ص��درت حديثا يف ل�ن��دن غابرييل غار�سيا م��ارك�ي��ز :حياة وان��ه عندما ب��د�أ ب��االع��داد لعمله وباملنا�سبة جاء يف ن�سخته االوىل يف الفي �صفحة ،مل يلق ت�شجيعا من احد ،واعتقد الكثريون انه �سيف�شل يف اق�ن��اع ماركيز لكن االخ�ير كان كرميا وم�ضيافا ومت�ساحما ومع مرور الوقت كان ال�س�ؤال املطروح عليه ان كانت �سريته عن ماركيز ر�سمية فيكون اجل��واب نعم وال ولكنها �سرية مت�سامح بها .ويف عام 2006 حت��دث م��ارك�ي��ز نف�سه ان م��ارت��ن ه��و كاتب �سريته الر�سمي .وه��ذا االع�ت�راف ج��اء بعد االتفاق امل�شروط بينه وبني ماركيز الذي قال يف اول لقاء مت بينهما عام 1990انه م�ستعد للم�ضي يف امل�شروع طاملا مل يطلب منه مارتن ان يقوم بالوظيفة اي بالعمل .والعمل اجلديد الذي ي�ضعه مارتن بني ايدينا هو ثمرة جهد لقي دعما وم�ساعدة من ماركيز كلما اقت�ضى االم��ر لكن الباحث اج��رى ن�ح��و 300مقابلة م��ع م�ع��ارف ومقربني م��ن ماركيز الكثريين منهم َمنْ مل يعودوا بيننا ولكن غونزالي�س او فيديل كا�سرتو لي�سا من بني الذين قابلهم. ومثل كتاب ال�سرية مل يجد الكاتب هنا دعما عاطفيا من �صاحب ال�سرية ،فالتفاعل بينهما ك��ان اخالقيا مل يحاول فيه ماركيز الت�أثري
على كاتب �سريته �أي �شيء كتبه بل �شجعه على الكتابة قائال اكتب ما ت��راه ،و�أي � ًا كان ما تكتبه هو ما �س�أكونه .يعرتف مارتن ان ق�صة ماركيز متعددة الطبقات واجلوانب قدمها لنا ماركيز نف�سه يف اك�ثر من �سياق ورواي ��ة ،ولأن ماركيز نف�سه كاتب ال يحب الق�ص�ص العادية وي�شغف بالق�ص�ص املر�ضية واحل�ك��اي��ات ذات الطابع اال��س�ط��وري ،فهو كاتب يحب الرواية ويكره ادوات االكادمييني مما ا�ضاف حتديات على كاهل كاتب ال�سرية ه�ن��ا ،ول �ه��ذا ج ��اءت ح�ك��اي��ة وح �ي��اة ماركيز يف �أك�ثر م��ن �ستمائة�صفحة تالحق طفولة وح�ك��اي��ة �آل م��ارك�ي��ز وت��دخ��ل يف ا�سرارهم وح�ك��اي��ات�ه��م .وم��ا ي�لاح�ظ��ه ال �ق��ارئ ه�ن��ا ان حكايات ماركيز ،خا�صة رائعته مائةعام من العزلة مغرو�سة يف ما�ضي الكاتب وما�ضي عائلته ،ومهمة مارتن يف مالحقته حلكاية ماركيز احلافلة وكفاحه من اجل االعرتاف به ككاتب على م�ستوى مهم يف عامل الرواية ال�ن��اط�ق��ة ب��اال��س�ب��ان�ي��ة ان ك��ل �شخ�صية من �شخ�صيات رواي��ات��ه لها ع�لاق��ات وجت��ذرات يف حياة وواقع ماركيز الذي عا�شه .ومل يعد ماركيز نف�سه كاتبا او مدفوعا مبهمة كتابة الرواية العظيمة اال بعد ان اكت�شف ما�ضيه، ما�ضي امه وعائلتها وما�ضي والده وعائلته، وبعد �أن �صفى معرفته باملا�ضي اعترب نف�سه �شخ�صا م�ؤهال لكتابة رائعته.
املا�ضي اال�سطوري وال�سحري
مارتن يعتقد ان كل ما انتجه ماركيز وا�ضفى عليه روايته ال�سحرية مغرو�س يف ما�ضيه. ومل ي�ك��ن م��ارك�ي��ز ب �ق��ادر ع�ل��ى خ�ل��ق عوامله
ف��ول �ك�نر ال � ��ذي ام �ت��دح حياتهن .وق��اد ماركيز ال ��ذي ت�شري �شهادات م��ارت��ن اىل ان ��ه كان ق��ان �ع��ا ب �ح �ي��ات��ه ومل ي َْ�ش ُك ،حياة بوهيمية اق� � ��رب لل�صوفية وال �ع��زل��ة ،وتقلب م��ن �صحيفة اىل اخ� ��رى وق �ب��ل يف مرحلة اخ��رى العمل يف جمال الدعاية للمو�سوعات والن�شريات .قر�أ ماركيز كثريا واعرتف بت�أثريات هيمنغوي، حيث قر�أ له رواية ال�شيخ والبحر التي و�صفها بعد قراءته لها انها ت�شبه عود ديناميت وت�أثر بجوي�س و�شتاينبك وفرجينيا وول��ف وهم رواد احلداثة يف الرواية املعا�صرة.
�صهر بورخي�س ونقد ماركيز
قبل مائةعام م��ن العزلة ك��ان ماركيز كاتب ًا معروفا ب�شهرة متوا�ضعة� ،صحيح انه كتب اربع روايات لكنها مل تكن معروفة على نطاق وا� �س��ع ،واح ��دة م��ن رواي��ات��ه عا�صفة ورقة مل تن�شر اال بعد �سبعة اع��وام م��ن كتابتها، ،1955و�شكلت ار�ضية ملعظم املو�ضوعات التي طرحها يف م��ائ��ةع��ام م��ن العزلة وبذر فيها ب��ذور ماكوندو االوىل .يف مرحلة من املراحل ار�سلها اىل بيون�س اير�س لكي تنظر اليها جلنة من امل�ؤلفني املعروفني يف االدب اال��س�ب��اين .وك��ان رئي�س اللجنة غولريمو دي ت� ��وري ،وه ��و ��ص�ه��ر ال �ك��ات��ب املعروف ب��ورخ�ي����س ق��د ك�ت��ب ر��س��ال��ة م��دم��رة ملاركيز قال فيها ان روايته ال ت�صلح للن�شر بعد ان
ب���وغ���وت���ا، و� �س��اف��ر من ال� �ع ��ا�� �ص� �م ��ة ا لكو لو مبية من نوع لوكهيد على منت طائرة اىل الكاريبي ومنها اىل نيويورك ومن هناك اىل ل�شبونة وبعدها اىل جنيف .كان ماركيز يف اوروب� ��ا ب�ع��د ع���ش��رة اع���وام م��ن انتهاء احل��رب العاملية الثانية حيث كانت اوروبا تتعافى من جراحها ،ودخلت يف حرب جديدة هي احلرب الباردة ،مل يكتب ماركيز تقارير ذات طابع �سيا�سي اثناء تغطيته للم�ؤمتر واه �ت��م ب��ان�ط�ب��اع��ات��ه ع��ن جنيف وال�سكان ومناظر الطبيعة التي �شاهدها يف القطار الذي ركبه باجتاه جنيف حيث مل تتغري عن الطبيعة التي �شاهدها يف بالده. كان ماركيز قد اكت�شف ال�سينما اثناء عمله يف بوغوتا واعترب الفيلم مبثابة جن�س ادبي وال�سينما كونها اداة ان�سانية وحمل موقفا عدائيا جتاه �سينما هوليوود التجارية مع انه كان معجبا بت�شاريل �شابلن وار�سون ويلز باعتبارهما ا�ستثناء .وبعد نهاية امل�ؤمتر رك��ب القطار اىل روم��ا ويف ذهنه م�شروع زيارة مدينة ال�صناعة ال�سينمائية �سين�سيتا حيث �سجل يف دورة لالخراج ال�سينمائي،
9
وكعادته مل ماركيز من الدورة وتركها ولكنه ظ��ل قريبا م��ن ال�سينما وط��ور معرفته بها �صوتا ون�صا وت�صويرا واخ��راج��ا .كان يف ذهن ماركيز اثناء اقامته يف نيويورك فكرة اكت�شاف اوروب ��ا خلف ال�ستار احلديدي، حيث زار ت�شيكو�سلوفاكيا وهنغاريا وعاد اىل روما ومنها اىل باري�س. يف باري�س تكرر م�شهد حياته ال�شاقة الذي ع��ا��ش��ه اث �ن��اء درا� �س �ت��ه اجل��ام�ع�ي��ة ،فانقالب ع�سكري اغلق �صحيفته وقطع عنه ال�شيك ال�شهري الذي كان ي�ضمن م�صاريفه وحياته يف اوروب� ��ا ال�غ��رب�ي��ة .ف�م��ارك�ي��ز و� �ص��ل اىل اوروب��ا ومل يكن يعرف اال اللغة اال�سبانية. يف باري�س ا�ضطر اىل ان يبيع الزجاجات الفارغة واجلرائد القدمية كي يوا�صل احلياة ويف مرة ت�سول حتى يغطي نفقات رحلته يف املرتو .وما عو�ضه ان �سيدة فرن�سية تفهمت م�شكلته وكانت يف كل مرة تنقله م��ن غرفة اىل غرفة حتى و�صل اىل اخر غرفة م ��ن دون ت��دف��ئ��ة .ومل متنعه احل�ي��اة الفقرية وم�لاب �� �س��ه ال ��رث ��ة من م��وا� �ص �ل��ة الكتابة. واق� � � ��ام يف ف�ترت��ه الباري�سية عالقة مع ممثلة ا�سبانية مل تدم طويال ولكنه ت �� �ش��ارك احلياة ال�صعبة معها. ويف ف� �ت��رة ك � � ��ان يطلب من اجلزارين اعطاءه عظاما كانوا
يرمونها كي تقوم تات�شيا وهذا ا�سمها ب�صناعة طبق من ال�شوربة .هذه احلياة ال�صعبة مل متنعه من موا�صلة الكتابة والبحث عن افكار ل��رواي��ات اخ��رى ،فحالة االنتظار واالحباط ادت ل��والدة رواي��ة لي�س لدى الكولونيل من يرا�سله.
ماركيز العربي
ع��ا���ش م��ارك �ي��ز يف ب��اري ����س اث �ن��اء ال �ث��ورة اجل��زائ��ري��ة والن م�لاحم��ه ك��ان��ت ت�شي بانه عربي او ج��زائ��ري كثريا م��ا كانت ال�شرطة الفرن�سية تلقي القب�ض عليه ويركله عنا�صر ال�شرطة ويب�صقون عليه ،وكان يجد نف�سه يف زنازين مكتظة باجلزائريني املعتقلني ،ومن اجل اثارة وازعاج حر�س ال�سجن كان ماركيز ورفاقه اجلزائريون يق�ضون الليل يف الغناء وال�سب على احلر�س التافهني .وكتب ماركيز قائال ان��ه تعرف الحقا على ظ��روف الثورة اجلزائرية وحرب التحرير من احد ا�صدقائه اجلزائريني ،وهو طبيب ا�سمه احمد طبال. زار م��ارك�ي��ز مو�سكو واكت�شف يف زيارته تناق�ضات النظام ال�شيوعي ويف اثناء زيارته ل�ضريح �ستالني ولدت لديه فكرة كتابة رواية ظهرت فيما بعد بعنوان خريف البطرياك. كما زار لندن حيث كان يرغب يف تعلم اللغة االنكليزية .وعلى الرغم من انطباعه الغام�ض
عن �سكانها اال ان املدينة منحته ما قال عنه ذل��ك احلبل ال�سري ال��ذي يجعل منها مدينة مثرية للكاتب وخياله .يتابع مارتن رحلة ماركيز اىل كاركا�س يف فنزويال واملك�سيك وعالقته بالثورة الكوبية وفيديل كا�سرتو.
ق�صة مائةعام من العزلة
وي�ق��دم لنا ��ص��ورة ع��ن والدة رائ�ع��ة ماركيز مائةعام من العزلة والتي ول��دت يف �سحب زرق��اء من ال��دخ��ان ،حيث اغلق ماركيز على نف�سه الباب ومل يكن يهتم ب�شيء يف البيت �سوى ار�سال االوالد للمدر�سة ،وترك االمر لزوجته مر�سيد�س التي باعت كل مقتنيات البيت الكمالية ل�ضمان ا�ستمرار حياة العائلة فيما ت��راك��م اج��ر البيت وت�ضاعفت فاتورة اجلزار والبقال .ويقول مارتن ان مر�سيد�س التي تزوجها ماركيز يف عام 1957مل تتجر�أ على بيع جهاز ت�سجيل لأن ماركيز كان يحب �سماع املو�سيقى. ي�ق��ول م��ارت��ن ان م��ارك�ي��ز وم��ر��س�ي��د���س بعد ان ت�أكدا من و�صول الن�سخة الرئي�سية من الرواية ايل بيون�س اير�س ،قاما بحرق كل االوراق املتعلقة بها .كانت الرواية جزء ًا من حماولة ماركيز االم�ساك بطفولته وذكرياتها الغنية وب��دال م��ن احل��دي��ث ع��ن طفولته قام با�ستعادة احلياة يف اركاكاتا اي ماكوندو. وم��ن اك�ثر اللحظات الدرامية التي واجهها ماركيز عندما قتل اورليانو بويندا يف الف�صل الثالث ع�شر ،حيث بكى وندب بعد ان قتل اهم �شخ�صية من �شخ�صيات الرواية .كان العامل االدبي ينتظر والدة هذا العمل ،فاجزاء منه قرئت يف منا�سبات ادبية ،و�سكرتريته التي �صححت و�شذبت العمل وطبعته كانت ت�أخذ ك��ل ف�صل يتم االن�ت�ه��اء منه اىل ا�صدقائها وتقر�ؤه عليهم .يف احدى املرات كانت بريا وه��ذا ا�سمها والعمل �سيغيبان عن الوجود بعد ان جتنبت حافلة كانت �ستقتلها .مائةعام ادخ��ل��ت م��ارك �ي��ز ع ��امل االع �ت��راف االدب� ��ي. وبعدها جاءت نوبل التي ر�شح لها اكرث من م��رة .يف ع��ام 1948كتب ماركيز مقاال عن ا�ستاذه ومن��وذج��ه االدب��ي فولكرن مل متنح ل��ه ج��ائ��زة نوبل وعندما منحته االكادميية اجلائزة كتب قائال انها ج��اءت مت�أخرة .يف عام 1982عندما منحته االكادميية اجلائزة كان مناحيم بيغن وارييل �شارون قد اجتاحا لبنان ،فكتب قائال انه يجب على االكادميية ان متنحهما جائزة نوبل املوت .مارتن يقدم تفا�صيل حياة ماركيز وجنوميته التي ال تزال وحت��ول��ه لظاهرة ادب�ي��ة جمعت ب�ين االديب اجل��اد وال�سيا�سي وال�صحايف وال�شخ�صية ال�ع��ام��ة� ،صديق الكبار وال�ن��ا���س العاديني. وال���س��ر ان م��ارك�ي��ز اح��ب احل �ي��اة وعا�شها، وفوق هذا احب احلكاية اجلميلة ولهذا كثريا ما ا�شار اىل اعجابه حتى التبجيل بق�ص�ص الف ليلة وليلة وق�صة دراك��وال .وبالنتيجة ي�ق�ترح م��ارت��ن ان االدب اال��س�ب��اين ق��دم يف ع�صوره الو�سيطة قا�ص ًا وحكواتيا ا�سمه �سرفانتي�س وماركيز هو �سرفانتي�س معا�صر. املهم يف ق�صة ماركيز وت�شعباتها الكثرية ان خلف ال�صحايف الناجح كان هناك قا�ص جميل يحب املبالغة واحلكاية اجلميلة ،واكرث من هذا ميلك �صربا على الواقع وحتديا له بقدرية املكافح ولي�س قدرية اخل��ان��ع ،فمن بوغوتا اىل قرطاجنة برناكويال وكركا�س وباري�س ونيومك�سيكو مت�سك ماركيز بحلم الكاتب العظيم وانتهى اليه .لقد �صنع ماركيز ا�سطورته ه��ذه باالنفتاح على احلياة ففي ا��ش��د ح��االت ف�ق��ره وع ��وزه ك��ان يجد فر�صة للرق�ص والغناء والعزف على الغيتار ،فعل هذا يف بوغوتا ويف باري�س التي كان حذا�ؤه فيها خمرما تت�سرب اليه املياه وقمي�صه رث ًا وج�سده نحيال. عن كتاب ماركيز �سرية حياة تاليف جريالد مارتني ترجمة الدكتور حممد دروي�ش
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
10
العدد ()2285ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )22ت�شرين االول 2011
العدد ()2285ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )22ت�شرين االول 2011
ح�سب اهلل يحيى
مع اوالده وزوجته مر�سيد�س
غابرييل غارسيا ماركيز :الواقع وابعاده ()1
يف ح��دي��ث للكاتب الكولومبي غارييل غار�سيا ماركيز،ت�ساءل ع��ن معنى منح �سفاح مثل(بيفن)جائزة نوبل لل�سالم،يف وقت ت�سلم فيه ماركيز جائزة نوبل للأدب لعام .1982 وك���ان م��ارك �ي��ز ق��د و� �ص��ف جل�ن��ة جائزة نوبل ب�أن(ه�ؤالء امل�سنني الذين يتخذون القرار،هم �أ�شبه بع�صابة تر�سم خططها يف ال�ظ�لام ال��دام����س �أو �أن مهمة ه�ؤالء تقت�صر ب�ع�ب��ارة واح��دة:ت��رج �م��ة القرار الذي تتخذه وكالة املخابرات املركزية �إىل اللغة ال�سويدية)ووجد يف اجلائزة(تهمة مروعة). فكيف ناق�ض نف�سه وواف��ق على �إ�ستالم اجلائزة،مع �أن عالقته باملال(:هي عالقة حا�سة واحدة فقط..اللم�س). وه ��ل مي �ك��ن ال�ف���ص��ل ب�ي�ن ج��ائ��زة نوبل لل�سالم وجائزة نوبل ل�ل�أدب،وه��ل ميكن و��ض��ع احل��ائ��زي��ن على ه��ذه اجل��ائ��زة يف موقع واحد؟ ت �ع��د ج ��ائ ��زة ن��وب��ل م ��ن اه� ��م اجل��وائ��ز ال�ع��امل�ي��ة،وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن �أن �صاحبها نوبل ال�سويدي()1896-1833قد �إخرتع الديناميت و�أح�سا�سه ب��ان��ه يتاجر من �أج��ل موت الكثري من الب�شر،دفعه ليجاد ه��ذه اجل��ائ��زة كبديل مل��ا فعله و�ضرورة تقدمي خدمات مكر�سة خلدمة الب�شرية.. اال �أن جل��ان توزيع اجلوائز كل ع��ام يف ال�سويد منذ عام()1901ظلت بعيدة عن حتقيق ق��در من املو�ضوعية يف تقدميها اجلوائز،و�صارت هذه اجلوائز حمكومة ب �� �ش��روط ��س�ي��ا��س�ي��ة و� �ض �غ��وط خمتلفة التتعلق بدقة ومو�ضوعية �إختيار الفائزين بها..فقد منحت جائزة ال�سالم لعدد من ال�سفاحني واع� ��داء ال���ش�ع��وب كـ(بيفن) واعطيت جائزة الأدب لروائيني جمهولني ب�ي�ن�ه��م ال���ص�ه�ي��ون�ي��ان ي��و� �س��ف عجنون وايزاك با�شفيز �سينجر..و�سلمت لأ�سماء غ�ير معروفة يف الفيزياء والكيمياء.. و�صار من الندرة ان ن��رى �أك��ف النزاهة ترجح يف منح جائزة نوبل..وكما رف�ض
�سارتر �أن يت�سلم اجلائزة ب�أن(اجلائزة �أعطيت مل�شبوهني كثريين). وع��ام 1982ف��از ماركيز بجائزة نوبل ل �ل ��أدب،وك � ��ان ف � ��وزه م��و� �ض��ع �إه �ت �م��ام االو�ساط الثقافية العربية والعاملية،ب�سبب مواقف ماركيز االيجابية امل�ؤيدة حلركات التحرير يف ال�ع��امل الثالث ووق��وف��ه اىل ج��ان��ب ق�ضايا الأم ��ة العربية والتنديد باالحتالل ال�صهيوين لفل�سطني..وملعرفة ال �ع��رب وال �ع��امل لأع�م��ال��ه ال��روائ �ي��ة التي لقيت �أ�صداء بني املثقفني وجهود القراء ع �ل��ى ح��د �� �س ��واء ،وي �ع��د ب��اب �ل��و ن�ي�رودا روي���ة م��ارك �ي��ز(م��ائ��ة ع ��ام م��ن العزلة)، �أه��م رواي��ة كتبت باال�سبانية بعد رواية �سرفانت�س(دون كي�شوت). فما تفا�صيل ح�ي��اة ماركيز وم��ا �أفكاره و�أع �م��ال��ه ال��روائ �ي��ة ال �ت��ي ام �ت��دت �آف ��اق االهتمام بها يف كل مكان؟ ولد ماركيز عام 1928يف قر ية(�أرا كاتاكا) يف كولومبيا بامريكا الالتينية،وكتب �أع�م��ال��ه الق�ص�صية باللغة اال�سبانية.. وتعلم من جديه �أثناء طفولته عوامل الواقع وال�سحر واخل��راف��ة من خ�لال احلكايات التي كانا يق�صانها عليه،وعا�ش �سنوات احل��زن والفقر م��ع زوجته(مار�سيد�س) يف ح ��ي حم� ��روم م ��ن �أب �� �س��ط احلقوق االن�سانية.. يف عام 1947كتب الروائي �إدواردو ثالميا ب��وردا املحرر االدب��ي ل�صحيفة(املتفرج) تعليقا ي�صر فيه ع�ل��ى((�إن اجليل االدبي اجلديد يف كولومبيا يت�سم يف جمموعة ب��ال��ع��ق��م..وق��ر�أ م��ارك �ي��ز ه���ذا التعليق الر�ؤيوي وللتو �إ�ستيقظ يف نف�سه �شعور بالت�ضامن م��ع جيله االدبي..وجل�س لكتابه اول �إق�صو�صة له بعنوان(للمرة الثالثة خ�ضوعا للقدر)و�أر�سلها لإدوارد ال��ذي ن�شرها ب�صورة م�برزة معتذرا عن تعليقه ال�سابق). من هنا تبد�أ كتابة ماركيز متحدية،متجاوزة مل��ا ه��و م���أل��وف وت�ق�ل�ي��دي وم���س�ط��ح يف احلياة االدبية الكولومبية..م�ستفيدا من جتارب كافكا يف قلب الواقع،ومن فوكرن
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
يف ت�ق��دمي ح�ي��اة النا�س امل�سحوقني يف �أمريكا ومن فرجينيا وولف يف التعامل مع الزمن..و�أخذ ي�سعى لكي ي�شق �سبيله ال�ف�ن��ي بخ�صو�صية..لكن ظ �ه��ور طابع العزلة يف معظم �أعماله الق�ص�صية جعل البع�ض يجدون يف هذه العزلة (كال�ضياع يف �أعمال كافكا وامل�أ�ساة يف �أعمال جوي�س والأمل يف �أع�م��ال د�ستوف�سكي)..ويرى البع�ض �إن روايته(:مئة عام من العزلة) ماهي �إال قراءة يف االعمال اال�صلية لكتاب �أمريكا الالتينية. و�أن تتمتع روايته ب�صفة ال�سحرية،لأن الرواية هي نتاج اخليال ولي�س املالحظة الواعية لوحدها..فل�سنا وحدنا لنتخيل اال�شياء بطريقة �سحرية بل اخليال نف�سه ي �ق��وم بعمله بطريقة ��س�ح��ري��ة ،الميكن
تف�سريها �أو ذات ت�أثري خ��ارق ذي نتائج مده�شة. حكما ي�شري غالفر يف كتابه(�أدب امريكا الالتينية احلديث)وهذا يعني �إن ماركيز من �أ�سرة مثقفة وجمربة ومتفاعلة،م�ؤثرة ومتاثرة على حد �سواء يف العامل الذي ي�ق��ر�أه �أو يعي�شه �أو يتفاعل معه يوميا ث��م يعيد ب �ن��اءه م��ن ج��دي��د وف��ق ت�صور حم�سو�س. يقول ماركيز(�إن كل ماكتبته..عرفته او �سمعته قبل �أن �أب�ل��غ �سن الثامنة،ومنذ ذل���ك ال �ع �ه��د مل �أ���ش��اه��د ��ش�ي�ئ��ا م �ه �م��ا).. وي �� �ض �ي��ف(الي��وج��د يف ك�ت�ب��ي �أي �سطر الي�ستند اىل حدث واقعي). ل��ذل��ك جن��د ه ��ذه ال��واق �ع �ي��ة ه��ي امل�صدر اال�سا�س يف �أعماله،ومن خاللها ينطلق اىل ت� �ق ��دمي واق�� ��ع �إب��داع��ي،وي��ل��ت��ق��ط بح�سا�سية دقيقة ال�صور واالحداث االكرث �صميمية و�شمولية يف ح�ي��اة االخرين (وم��ن الطريف ان يت�سلم ماركيز ر�سالة من �سيدة املانية تهدد بها باقامة دعوى يف املحكمة لأنه تعر�ض اىل ق�صة عائلتها). والواقع اال�صيل الذي ينطلق من �أر�ضية معينة،يجد تاثريه وامل�شابه له يف ازمنة واماكن خمتلفة،وهذا هو اال�سا�س الذي يقوم عليه كل �أدب حقيقي فهو يغو�ص يف موقع معني مهما ك��ان �صغريا ،لكنه يتلم�س من خالله واق��ع االن�سان و�أبعاد هذا الواقع يف االخرين. ماركيز يعي�ش الآن يف باري�س-املنفى، وم�ن�ف��اه اخ �ت �ي��اري ،ذل��ك �أن ��ه مل يجد يف النظام القائم يف بالده مالئما له..واختار يف ال�ب��داي��ة ال�صمت لفرتة زمنية ،لكنه تخلى ع��ن �صمته وراح يكتب ويتحدث لل�صحافة..ورغم الدعوى الر�سمية التي وجهت اليه للعودة اىل بالده ،اال �أنه �أ�صر على البقاء يف املنفى ..ثم عاد مرة �أخرى للحديث عن تفكريه بالعودة وبا�صدار جريدة من داخل وطنه.. و�أطلق النقاد على ا�سلوب ماركيز م�صطلح (الواقعية ال�سحرية -اخليالية)واعتربوا رواي� ��ة (م��ائ��ة ع ��ام م��ن ال �ع��زل��ة) �أف�ضل
اعماله..لكنه يف�ضل رواي �ت��ه (يوميات موت معلن). لكنه م��ن جهة اخ��رى ظ��ل يعتز بروايته (مائة عام من العزلة) ورف�ض مبلغا طائال اق�ت�رح عليه مقابل حتويلها لل�سينما.. وق ��ال( :اف���ض��ل ان ي�ستمر ال�ن��ا���س على ت�صور ال�شخ�صيات كما ه��م ،ويف يوم ت�صبح فيه هذه النقود �ضرورية حلركة الثورة يف امريكا الالتينية �ساقبل هذا العقد). *مائة عام من العزلة: (ماكوندو) القرية هي بطلة رواية ماركيز وك ��ل ال�شخ�صيات حت ��وم حولها،وكل ال �ع��اومل الواقعية واخليالية ت�سري يف موكبها. القرية را�سخة بفلوكلورها ،وازمنتها ال�سحيقة بالقدم وباملجهول ..وانتقالها فيما بعد اىل ق��ري��ة ت�شهد االخ�تراع��ات والليايل البي�ضاء بعد �أعوام ال�شدة. ك��ان اول دار م�شيد فيها ب�ن��اه (جوزيه �أركاديو بونيديا) وزرع �أر�ضها بالتبغ، وا��ض��اع نف�سه يف قرية تنحدر غربا من جبال �سيريا يف كولومبيا ..وحلقت به جماعة كانت تعي�ش حياة الفقر يف قرية تعود للهنود احلمر،وكونوا(ماكوندو) مكانا ج��دي��دا لهم وتعاقبت عليه �أجيال ع��دي��دة بعد �إن�ق��را���ض �ساللة بوينديا.. ومع هذه االحداث (نتذر عدة مدن ذكرت يف الكتب املقد�سة منها�:إرم ذات العماد، �سدوم وزعمورية ..كما ذكرت مدينة طيبة يف م�سرحية �سوفوكلي�س (اودي��ب ملكا) فهي م��دن �شيدت ث��م انقر�ضت وتعاقب عليها اجيال خمتلفة ..حتى ان االع�صار الذي تواجهه (ماكوندو) يعترب اع�صارا مرت به تلك املدن ..فهل كان ماركيز يعيد الكتابة ع��ن م��دن انقر�ضت ث��م بعثت من جديد؟ وهل يعني ذلك العودة اىل معاجلة مو�ضوع احلرية املحكومة بالقدر املجهول واملالزم حلياة االن�سان؟ امليثولوجيا وا�ضحة مت��ام��ا يف اجواء رواي ��ة م��ارك�ي��ز،واث��ر ال�سحر واخلرافة امل �م �ت��زج�ين ب��ال��واق��ع ت���ش�ك�لان عن�صرا
ا�سا�سيا يف �صفحات ال��رواي��ة ..والزمن يتداخل مع بع�ضه حتى لنح�س بانه زمن طويل الت�سا�ؤل له بل هو مرنتبط مب�ساحة معينة ي�سعى ماركيز للدوران حولها. وانحالل �ساللة بونيديا،كامنا هو حالة طبيعية لفرتة عجزت عن التقدم..وكان تدخل �شخ�صية الغجري الآ�سيوي ي�شكل ا�سهاما يف الك�شف عن توقف ال بونيديا عن العطاء ..وجميء اجليل الآخر كان هو الآخر ي�شهد انحالال خلقيا عرب االبن-ابن خوزيه.. ام� ��ا اجل��ي��ل ال��ث��ال��ث ف �ي �ظ �ه��ر م ��ن خ�لال �شخ�صية انتهازية تدعى(اركاديو) ت�سهم يف االنحالل..حتى اذا ب��د�أ اجليل الآخر وجدنا �أوجها جماعية نتبينها من خالل تظاهرات العمال �ضد ال�شركة امل�ستغلة ملزارع املوز.. ان��ه جيل ق��وي ي�خ��رج م��ن ازم ��ة �شديدة ع��دي��دة لي�صل اىل ح��ال��ة ت��واج��د ب�شري خالق. وترى الناقدة بريجيت غالفادا ب�أن:زمن ال�ت��ا��س�ي����س(�أو الع�صر الذهبي)يحدث ع� �ل ��ى ث��ل��اث م� ��راح� ��ل رم� ��زي� ��ة يف حد ذاتها:اخلطيئة اال�صلية والهجرة،وحلم اال�ستقرار،والتقدم وجتربة احلدود). وت�ضيف ب�أن(:املراجع الثقافية اال�سا�سية يف(مائة عام من العزلة)هي الكتاب املقد�س وهومري وفرتة(فرتة الك�شوفات الكربى.. بعد ع�صرنتها فعلى �سبيل املثال لدينا-: مو�ضوع االنتقال عن الفو�ضى(الطبيعة الوح�شية)اىل الكون(املدينة)-والهجرة والكوارث مثل طاعون االرق واحلروب االهلية والطوفان والعا�صفة النهائية.. بع�ض ال�شخ�صيات اي�ضا تربز �صلة وثيقة بتلك ال �ك �ت��ب-ك ��أور� �س��وال ال �ت��ي تتحول يف نهاية حياتها اىل مالك-واوريليانو بوينديا ال�شاب ال��ذي يعيد متثيل م�شهد امل�سيح و��س��ط االط �ب��اء لتف�سري انحدار ماكوندو). م��ن هنا نتبني ان ه��ذه ال��رواي��ة تن�شغل على م�ستويات عدة واقعية وميثولوجية وخيالية ب�شكل متما�سك وم�تراب��ط مع بع�ضه ،برغم �أن ماركيز كتبها خالل()20 ع��ام��ا وت��رك�ه��ا ام��ام�ن��ا ب�شكل بانورامي قريب اىل امل�شاهد ال�سينمائية املتحركة واملنطلقة من �أبعاد وزوايا عدة فهي لي�ست ملحمية كما ه��ي عند بري�شت ولي�ست واق�ع�ي��ة طبيعية كما ن��راه��ا عند زوال.. م�ضافا اليها اهتمام ماركيز ببناء عامل جديد متخيل يواكب العامل االجتماعي القائم ويتفاعل ب�شكل مت�صاعد ومرتابط واقعيا وخياليا. انه يبد�أ من الواقع يلملمها ثم يعيد �صياغة واقع مو�ضوعي من خاللها م�ستفيدا من هذه اجل��ذور البكر يف االنتقال اىل عامل ا�سطوري وفنطازي..وهذه هي خا�صية ماركيز يف كتابة(مائة عام من العزلة)التي جند فيها قرية(ماكوندو)اجلزء ال�صغري من هذا العامل يتحول اىل هم يواجه �سكان عدد من القرى ومدن العامل،انها الالمكان والالزمان ولذلك تربز عامليتها..وهي وان ظهر ال�ي��أ���س يف �سايكولوجية ع��دد من �شخ�صياتها واجوائها فالن ماركيز اليريد �أن يقدم لنا ب�شرا يتمتعون باملثالية وعدم ال���س�ق��وط،وان��ه ي�سقط ن�ه��اي��ات ع��دد من النا�س ثم يعيد الوعي واملواقف احلا�سمة لي�سرتد حالة الي�أ�س اىل نوع من التفا�ؤل وحالة من التجدد يف بعث احلياة. ولكن امللفت للنظر �أن غابرييل غار�سيا ماركيز يكرر نف�سه ،ويعيد كتابة امل�ضامني التي كان قد تناولها من قبل يف ق�ص�ص ق�صرية،فق�صة(غريق ه��و ال��و��س�ي��م يف العامل)يعيد �سرد وقائعها علينا يف (مائة عام من العزلة)�ص 71فالغريق املجهول ال��ذي لعب بجثته االط �ف��ال واح��اط��ت به الن�ساء حت��ول اىل رم��ز للقرية بعد �أن اطلق عليه ا�سم خا�ص..وق�صة(:احلكاية
11
العجيبة واملحزنة الي��رن��دي��را ال�ساذجة وجدتها ال�شيطانية)وجدنا �أحداثها واردة يف رواية (مائة عام من العزلة)�ص.54 وال نعلم ان ك��ان م��ارك �ي��ز ق��د ن�شر تلك الق�ص�ص قبل كتابة الرواية �أم بعدها.. وه��ل ان��ه وج��د مت�سعا الح �ت��واء روايته عليها اكماال لالحداث ام �أن عن�صر التكرار واملراجعة هي التي جعلت ماركيز يعيد احلديث عنها لي�س تف�صيال وامن��ا بذات ال�صيغة وذات االح� ��داث يف �صفحات الرواية؟! انها م�س�ألة خطرة �أن يكرر الكاتب نف�سه. ان يعيد وقائع ماكتبه!
()2 عن احلب و�شياطني �أخرى
من امل�ؤكد ان الكاتب املثري للجدل،كاتب على درج��ة من االهمية�،سواء اتفقنا �أو اختلفنا مع طروحاته،املهم انه �أث��ار فينا فاعلية اجلدل،وله �شرف اقتحام قناعات معينة كانت م��زروع��ة فينا..االمر الذي جعلنا نتنبه ون��راج��ع معرفتنا مراجعة متانية. وغ��اب��ري�ي��ل غ��ار��س�ي��ا م��ارك �ي��ز،واح��د من �أب��رز املبدعني الذين �أث��اروا ج��دال ب�ش�أن املو�ضوعات ال�ساخنة واحلميمية التي طالعتنا بها �أعماله الروائية والق�ص�صية و�أفكاره الواردة يف حواراته ال�صحفية. ويف رواية حديثة له ترجمت اىل العربية ب�ع�ن��وان(:ع��ن احل��ب و�شياطني �أخ��رى) ترجمها عن اال�سبانية د.وليد �صالح. ي ��وا�� �ص ��ل م ��ارك� �ي ��ز ت��وج �ه��ات��ه االث�ي��رة بتوظيف امليثولوجيا واال� �س��اط�ير يف ن�صه االدب��ي،ف�م��ن خ�لال �أخ �ب��ار �صحفي يتعلق بالتنقيب يف قبور �أح��د االدب��رة القدمية،تكت�شف(جديلة حية ذات لون ن�ح��ا��س��ي ك �ث �ي��ف،ح��اول رئ �ي ����س العمال �إخ��راج �ه��ا كاملة مب�ساعدةعماله،لكنهم كانوا كلما �سحبوا منها جزءا تبدو �أ�شد ط��وال وغ��زارة،وا� �س �ت �م��ر ال�شد واجل��ذب اىل �أن خ��رج��ت �أخ� ��ر خ �� �ص�لات ال�شعر امل �غ��روزة يف جمجمة ط�ف�ل��ة)،.ع�بر هذا ال�ق�بر احل�ج��ري،و��ش��اه��دت��ه ال�ت��ي حتمل ا�سم�:سيريفا م��اري��ا،ت�ب��د�أ تفا�صيل هذه الرواية،حيث تبني ان جديلة هذه الطفلة ب �ط��ول 22م و� ��11س ��م،وان� �ه ��ا �أ�صيبت بع�ضة كلب م�سعور..مما يجعل عائلتها االر�ستقراطية ت��دع��وه��ا اىل دي��ر بهدف ا�ستخراج االرواح ال�شريرة هنا تعني انها م�سو�سة بال�شياطني..لكننا نتبني بعدئذ ان هذا ال�شك القائم على قوة خفية �شريرة كان جمرد وهم كبري..ذلك �إن هذه القوة ال�شر�سة ،مل تكن �سوى جمموعة تعمل يف الدير نف�سه ،تذيق الطفلة �شتى �صنوف التعذيب بهدف اخ��راج �شياطني وهمية خلقتها ذهنية متخلفة ،حاولت عائلتها ان تطرد �شرا موهوما من طفلة بريئة �صادف ان ع�ضها كلب..االمر الذي جعل ه��ذه العائلة حتمي م�صاحلها من �أح ��د �أع���ض��ائ�ه��ا..وت�خ�ل��ت ع�ن��ه ب�سهولة حفاظا على امنها و�سالمتها قبل العناية بنقاء طفلة! ل �ك��ن م��ارك �ي��ز مل ي �ب��ق ع �ل��ى ه���ذا العامل املحفوف بال�شر واالنانية ومثله املتخلفة وخ��وف��ه امل��وه��وم،ب��ل و��ض��ع الطفلة يف م��وق��ع وج ��دت ف�ي��ه �ضالتها يف الراهب كايتانو الذي و�ضع يف مهمة معاجلتها.. وعلى ال��رغ��م م��ن ك�بر �سنه بالن�سبة اىل �سنها..كان هناك حب يزهر وعقل ينري هذه العالقة التي كانت حماطة ب�شياطني ب�شرية حقيقية ..تتبني �أمر هذا احلب.. فتبعد ب�ين الطفلة وال��راه��ب..ح�ت��ى يعم ال �� �ش��ر..ومت��وت ال �ط �ف �ل��ة..يف �سريرها، وعيناها ت�شعان ،وب�شرتها كانها ب�شرة طفل حديث ال��والدة ،كانت جذور �شعرها قد نبتت كانها فقاعات يف الر�أ�س احلليق،
وبد�أ �شعرها ينمو �شيئا ف�شيئا..بينما مل يعرف م�صري كايتانو الذي طرد من الدير، ول�ع��ل م���ص��در اجل ��دل واالث� ��ارة يف هذه الق�صة الق�صرية،اليكمن يف مو�ضوعة احلب التي تناولها ماركيز ح�سب ..فهي اىل ج��ان��ب اهميتها وع��ذوب��ة تناولها، وح �� �ض��وره��ا يف متعة وذاك� ��رة املتلقي للوهلة االوىل ،فان هذه املو�ضوعة على نحو �آخر ..تثري انتباهات عديدة وابعاد ف�ع��ال��ة وذل���ك م��ن خ�ل�ال تعميم عمليات القمع املختلفة يف كل زمان ومكان ..وقد تكون حماكم التفتي�ش اال�سبانية ()1242 واح��دة من هذه العمليات التي انت�شرت يف دول امريكا الالتينية التي ينتمي اليها ماركيز نف�سه ..حيث يدان املرء ب�سهولة بتهمة االحلاء. م��ن هنا جن��د ماركيز يتخذ ق�صة احلب ب�صورتها االن�سانية املثلى وجاذبيتها الآخاذة،لينقلنا اىل ج��دل �أغنى واعمق وادل بني قوى احلب وق��وى الكراهية.. ق�صة �سيريفا ماريا بجديلتها النحا�سية ال �ل��ون ال�ط��وي�ل��ة اىل ح��د ال�ل�ام���أل��وف.. ب��اع��وام �ه��ا االث� �ن ��ي ع�شر،و�شياطينه املوهومة ..حبها لالميان ال��ذي يج�سده الراهب الثالثيني عمرا:كايتانو..يجعلنا هذا احلب ،ندرك اهمية املعطى االن�ساين بتجاوز العمر الزمني ،بتجاوز �شر يعتقد انه يالزم الطفلة؛ واميان مقرتن بالراهب، يتجاوز التحام االر�ستقراطية االجتماعية واالر��س�ت�ق��راط�ي��ة امليثولوجية املقرتنة كذلك باميان ق�سري الميكن ادامته ..نحو ك�شف كلي لعامل ت�سحقه الظاللة وي�سوده ال�شر وتعم فيه الكراهية واالفكار القائمة على فعل مغيب متاما..ال حتل ا�شكاالته اال بال�سحر�(:ساخربته �ساكنته ان ك�سوفا ت��ام��ا لل�شم�س �سيح�صل يف �شهر �آذار، وزودته مبعلومات كاملة عن املع�ضو�ضني يف ي ��وم االح���د االول م��ن ��ش�ه��ر كانون االول ،اثنان منهم اختفيا بعد ان خباهما ا�صحابهما ملعاجلتهما بال�سحر،اما الثالث فقد مات بداء الكلب يف اال�سبوع الثالث). مثل ه��ذه املعتقدات ال�غ��رائ�ب�ي��ة..ال جتد �سبيال اىل امل�ع��اجل��ة اال مب��ا مياثلها من غيبيات..هكذا يعادلها ماركيز،لكن نتيجة هذا التعادل اليو�صل �صاحبه اىل حلول منطقية �سليمة،بل يوقعه يف ا�شكاالت جديدة وم��آزق الحقة يك�شف عنها العامل الروائي ملاركيز. واذا ك��ان ماركيز قد و�ضع يف م�صطلح رواي� �ت���ه ه� ��ذه م �ق �ط �ع��ا م ��ن حكم:توما االك��وي�ن��ي ج��اء فيها(:يبدو ان اجلدائل البد لها من ان تنبعث،ولكن �أقل بكثري من �أج��زاء اجل�سد االخرى،وتوفيقه يف هذا االختيار املالئم لطبيعة هذا العمل الروائي ال �ف��ذ،ف��ان ج��دائ��ل ��س�ي�يرف��ا ماريا،كانت منذورة للكني�سة..حتى تكت�سب �صاحبتها ال�سعادة والفال احل�سن،فاذا بها ترحل مع اجل�سد كله رحلة امل��وت االبدية..وجاء االن �ب �ع��اث املتخيل ل�لاك��وي�ن��ي وماركيز معا،انبعاث هو مدعاة للتامل اجلليل اكرث من �أي �شيء �آخر.
()3 حكاية بحار غريق
ب�ع��د رواي��ة(م��ائ��ة ع��ام م��ن العزلة)التي ترجمها اىل العربية:د�.سامي اجلندي وان� �ع ��ام اجل �ن��دي،ت ��أل��ق ا� �س��م غابرييل غار�سيا م��ارك �ي��ز�،أو �صار ق��راء العربية يبحثون عن ترجمة لبقية اعمال ماركيز وادباء الطليعة يف �أمريكا الالتينية.. وظهرت يف ع��دد من ال�صحف واملجالت العربية عدد من الق�ص�ص الق�صرية التي كتبها م��ارك�ي��ز ث��م ظ�ه��رت روايته(لي�س
◄
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
12
ل �ل �ج�نرال م��ن ي �ج �ي��ب) وت��رج��م ل��ه عمل ث��ال��ث ه��و رواي���ة (ح�ك��اي��ة ب�ح��ار غريق) ترجمها:حممد علي البو�سني ..التي نحن ب�صدد احلديث عنها. (حكاية بحار غريق)تذكرنا منذ البداية بثالثة اع�م��ال �أدب �ي��ة مهمة ه��ي( :موبي دي��ك) لهرمان ملفيل ،و(ال�شيخ والبحر) ل �ه �م �ن �غ��واي ،و(حت� ��ت � �س �م��اء اجلليد) جلان لندن ذلك ان هذه االعمال تقدم لنا �صراع االن�سان مع قوى الطبيعة املختلفة وانت�صار االن�سان عليها وتاكيد قدرته وب�سالته يف مواجهة امل�صاعب وال��د�أب على معانقة البقاء. ومنذ ال�سطور االوىل لعمل ماركيز (ظل ع�شرة اي��ام ب�صراع االم��واج على �سطح ع�ب��ارة م��ن خ�شب دون طعام �أو �شراب، ن���ودي ب��ه ب�ط�لا وط�ن�ي��ا،وق�ب�ل�ت��ه ملكات اجل �م��ال واغ �ن �ت��ه ال ��دع ��اوة،ث ��م �شجبته احلكومة ون�سي اىل �أبد الآبدين). نعرف باوجه اللقاء مع ملفيل وهمنغواي ولندن،ونعرف اي�ضا باوجه االختالف والتميز كماركيز يف(حكاية بحار غريق) اليقدم حالة ال�صراع وحدها من �أجل ان تكون هناك بطولة،انه يدين هذه البطولة ال �ق��ائ �م��ة ع �ل��ى امل �� �ص��ادف��ة ال االخ �ت �ي��ار، والتوقع بدال من الت�أمل( :مل اقم ب�أي جهد كي ا�صري بطال ،كانت كل جهودي عبارة عن رغبة يف النجاة). وال �ب �ح��ار ال �ف��ري��ق (ل��وي ����س اليخاندرو فيال�سكو) يقدمه لنا ماركيز بوثائقية حم���ددة ب��زم��ن(� �28ش �ب��اط )1955يوم �سقوط ثمانية بحارة كانوا على منت مدمرة تابعة لال�سطول البحري الكولومبي يف البحر امل�سمى(بحر االنتيل) وهي باجتاه قرطاجنة ومغادرتها ميناء االباما ..وكان فيال�سكو الوحيد ال��ذي جنا من الزوبعة والغرق بعد ان تعلق بعبارة خ�شبية وظل طافيا من دون زاد او �شراء مل��دة ع�شرة �أيام..حتى و�صل اىل �أر�ض جمهولة ،ثم اقتيد اىل قرطاجنة.
العدد ()2285ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )22ت�شرين االول 2011
العدد ()2285ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )22ت�شرين االول 2011
وكانت م�شكلة ماركيز مع ه��ذه احلكاية تتمثل يف (اق �ن��اع ال��ق��ارىء ب�صحتها) و(هناك كتب لي�ست ملك من يكتبها ،وامنا ه��ي ملك اول�ئ��ك ال��ذي��ن يجعلونها ممكنة بتجربتهم الأليمة). وم��ن هنا رف�ض فيال�سكو ك��ل ال�ضغوط التي كانت تريد منه ت�شويه الق�صة،ولهذا ال�سبب بالذات ف�صل من عمله يف البحرية.. والتوحد يف (حكاية بحار غريق) حالة ت�سعى اىل اللقاء بالآخرين،ى االنعزال عنهم،فالغريق فيال�سكو ك��ان يبحث عن زم�لائ��ه وي �ح��اول �سحبهم اىل عبارته، وعندما ف�شل راح يبحث عن نقطة تقتل ه��ذا التوحد مقرتنا بالزمن يف �ساعات
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
ظلت من ممتلكاته التي راح ي�صونها.. و�أ��س�م��اك ال�ق��ر���ش وال��دول�ف�ين والطائرة ال �ب �ع �ي��دة ،وال�ق�م�ي����ص امل �ف �ت��وح االزرار واجلاهز للتلويح ..وامل�ج��داف املك�سور والنوار�س املحلقة ،واال�ست�سالم لها لكي يقب�ض على �أحدها،فيقزز منها ومن نف�سه، فقد تذكر قول بحار متمر�س كان يحدثه دائما بان (النور�س بالن�سبة للبحار هو مبثابة �أر�ض تلوح يف االفق،قتل النور�س ل�ي����س �أم� ��را ج��دي��را ب��ن��ا)..واك��ل �سمكة نيئة،وتخا�صم مع �سمكة قر�ش من �أجل تلك ال�سمكة ال�صغرية ،وابتلعت �سمكة القر�ش ن�صف جمذابه عو�ضا.. واكت�شف ا�سفل العبارة قطعة من حطب العرق،فاخذ يقطعها ،وتاه لكن جرحه كان منقذا له�( ..آملني اجلرح ..وكان �سببا يف �إنقاذ حياتي ،كنت كالتائه بني الظلمات ولقد جعلني وخز اجلرح �أ�سرتجع �صلتي بج�سدي). اجل���رح ه�ن��ا ك ��ان م�ن�ب�ه��ا ،ف �ع�لا ،يقظا.. وح�صنه �ضد م��ا ك��ان يح�س ب��ان �سراب الياب�سة ع�ن��د ح ��دود ب �� �ص��ره ..ف�ق��د كان الي�أ�س قد ب��رح ب��ه( :ف�ضلت ال�ع��ودة اىل الرغبة يف امل��وت على ال�سقوط فري�سة اجل��ن��ون حت��ت ت���أث�ي�ر االوه� � ��ام) ولكن الياب�سة كانت حقيقة ..وعندما و�صلنا عومل كبطل ،و(لو كان معي يف الطوافة م�ؤونة من املاء والب�سكوت املعلب جيد ًا م��ن �أج� ��ل ��ص�ي��ان�ت��ه وب��و� �ص �ل��ة و�أدوات �صيد ،لو�صلت حي ًا ،بالتاكيد كما �أنا الآن، با�ستثناء هذا الفارق ،وهو انهم ماكانوا ليعاملونني كبطل). وهذه البطولة التي �إكت�شفها البحار،كانت �سباقة ملهمته يف امل��دم��رة ،فقد كانت به رغبة اىل ترك عمله وان تكون هذه رحلته االخ�ي�رة،وت��ردد يف الت�صريح خلطيبته ف�ي�م��ا ك ��ان ق��د ع ��زم ع �ل �ي��ه ..وم�صاعبه التي جعلت منه بطال ،وارادت ال�سلطة ا�ستثمارها لأغرا�ضها ،وال�شركات �أرادوا من م�شاقها..دعاية ل�ساعات معينة وحذاء
ك��ان ي��رت��دي��ه..ح �ت��ى � �ص��ار �سلعة ن��ادرة واغتنى ،لكنه كان يبحث عن جناته،مثل ذل ��ك ال�صحفي ال ��ذي تنكر ب ��زي طبيب ليعرف تفا�صيل ق�صته على حقيقتها، بعد �أن منع من احلديث وهو يف حلظات االنقاذ والرعاية..فالواقع هو �أنه بحار ال يريد ملهمته ان تتحول اىل �سلعة،و�إمنا هو بحار كان يعاين م�شاق البحر والعا�صفة واجل��وع والعط�ش..وكل ذهنه ين�صرف اىل النجاة فح�سب..بعد وقوعه يف فخ ال�ع�م��ل ع�ل��ى م�تن م��دم��رة حت�م��ل ب�ضائع ك��ول��وم�ب�ي��ة م �ه��رب��ة..وق �ت��ل ب�ط��ول��ة اري��د اقرتانه بها.. ان ماركيز �إذ يقدم هذه الرواية -الوثيقة، يعطينا ذل��ك احل�ل��م الكبري يف ان يكون للرواية ولكل عمل �إب��داع��ي خ�لاق قيمته العليا ..يف حتديد موقف م��ن الطبيعة والنا�س واحل�ي��اة..م��ن هنا كانت رواية (حكاية بحار غريق) عم ًال ف��ذا ،ومتالق ًا ومتميز ًا ،وبرغم انه عمل موجز ن�سبة اىل االعمال االدبية الثالثة التي �أ�شرنا اليها، يبق عمال يقف اىل جانبها ،وي�شكل معها ذلك ال�صدى العميق لبحار عا�ش حكايته، ورف�ض اال�ست�سالم لبطولة اقرتنت به.. وف �� �ض��ل ان ت �ك��ون بطولته..احلقيقية وحدها.
()4 رائحة اجلوافة
�سنة ح�صوله على ج��ائ��زة نوبل لالداب عام 1982وغابرييل غار�سيا ماركيز،يثري �إنتباه النقاد والقراء يف العامل �أجمع ،بعد �ألأن ترجمت �أعماله الروائية والق�ص�صية اىل اللغات احل�ي��ة ،و�أع�ي��د طبعها مرات عدة. و�أحدث كتاب �صدر باللغة العربية ملاركيز هو (رائحة اجلوافة) ويقوم هذا الكتاب على حوارات الكاتب الكولومبي بيلينيو مندوزا كان قد �أجراها مع ماركيز -دار
م��ن��ارات/االردن/ط - 1989/1والكاتب ي�ع��رف�ن��ا ب�ت�ج��رب��ة ال �ك �ت��اب��ة ع �ن��د ماركيز ويعك�س مواقفه على نحو مبا�شر ،خال من االنغالق والت�سطيح ،وامنا يقوم على وعي نا�ضح ور�ؤية حمددة. ان ماركيز الذي كان قد عالج يف (خريف البطريك) مو�ضوع احلاكم امل�ستبد الذي يعاين من مرحلة الي�أ�س االخ�يرة ،ومن ق�سوة العزلة واالن�ف��راد من خ�لال �إبداع ال���ص��ور امل�غ��رق��ة يف اخل�ي��ال مثل �إجبار االم��ري �ك �ي�ين ع �ل��ى م�ن�ح�ه��م ال �ب �ح��ر وف��اء لديونه ،ماركيز هذا اليتوانى عن تقدمي رواي �ت��ه (م��ائ��ة ع��ام م��ن ال �ع��زل��ة) لتكون هروبا من الواقع،كما يقول بع�ض النقاد الذين ينقل لنا املرتجم فكري بكر حممود �آراءهم. ويف م�سرية حياة ماركيز تكون ب�صمات ج ��ده االك�ث�ر و� �ض��وح��ا و�أه �م �ي��ة وكذلك زوجته (مر�سيد�س) التي مل يختلف معها ط��وال ( )25عاما وذل��ك ال�سر يكمن �أننا (مازلنا ننظر اىل اال�شياء بالطريقة ذاتها التي كنا ننظر بها لال�شياء قبل الزواج، ف��ال��زواج كما يقول ماركيز :مثل احلياة ذاتها �صعب للغاية للدرجة التي يتعني على املرء ان يبداه منتع�شا كل يوم وان يوا�صل هذا االح�سا�س طوال احلياة� ،أنها معركة م�ستمرة و�أحيانا ت�ستنزف املرء ولكنها ت�ستحق ذلك يف النهاية). ويف نظرية للكتابة يقول ماركيز( :الآن يحالفني احل��ظ �إذا كتبت ف�ق��رة واحدة ج�ي��دة يف ي��وم ب��أ��س��ره ،ف�ب�م��رور الوقت ت���ص�ب��ح ع�م�ل�ي��ة ال �ك �ت��اب��ة م �� �س ��أل��ة م�ؤملة للغاية). وهذا هو ال�سبب الذي يجعل ماركيز ينظر اىل الكتابة كمتعة ومعاناة معا ،فهو يفكر يف كتابة روايته (مائة ع��ام من العزلة) بينما يكتبها يف عامني. وقد �إحتاج اىل ثالثني عاما من �أجل كتابة ق�صة (م��وت معلن) ..و�سبعة ع�شر عاما ليكتب (خريف البطرياك). يقول ماركيز م�ؤكدا( :مل اكن مطلقا �أهتم �إهتماما حقيقيا باية فكرة ال ت�ستطيع ال �� �ص �م��ود �أم� � ��ام ال �ك �ث�ير م ��ن �سنوات االهمال). الفكرة �شاغل ي�ستمر وي�ك�بر معنا ،اما اذا ن�سينا فانه ال ي�ستحق منا الكثري من التفكري و�إلزام �أنف�سنا بكتابته. وي�ج�ي��ب م��ارك�ي��ز ع��ن � �س ��ؤال وج�ه��ه ليو م� �ن���دوزا ي �ت �ع �ل��ق ب ��ال� �ظ ��روف ال�صعبة واملريحة للكاتب..يقول: (ال �أ�ؤمن باال�سطورة الرومانتيكية التي تقول �أن الكاتب يجب ان يتظور جوعا وان ي��واج��ه �أ��ص�ع��ب االو���ض��اع ق�ب��ل �أن يتمكن من االنتاج). وق��د تتحكم ع��دة ظ��روف منها م��اه��و مر ��ص�ع��ب ،وم�ن�ه��ا م��ا ه��و �سهل مم�ت��ع ومن خ�لال�ه��ا مي�ك��ن للكاتب ان ي��واج��ه نف�سه وظ��روف��ه وي �ت �ح��ول اىل م �ب��دع حقيقي، اليجعله الرتف يتكا�سل ،وال الفقر عن اداء مهمته بحثا عن رغيف اخلبز ..والكاتب اجل� ��اد ك���ان ب��ام �ك��ان��ه ان ي�ك�ت��ب يف كل الظروف ..ولكن �أذا حتققت كل الظروف اجليدة ،ف��ان �شاغل الكاتب ين�شغل كليا اىل اب��داع��ه ،دون ان ي�صرف هم العي�ش على هم االب��داع ..ذلك (ان الكتاب دائما ي�ك��ون��ون وح�ي��دي��ن ،مثل ب �ح��ارة �سفينة حمطمة يف عر�ض املحيط،انها اكرث املهن فردية يف العامل،ال �أحد المكانه ان ي�ساعك يف كتابة ما تكتب،مكا يقول ماركيز. وبكل نبل وتوا�ضع يحر�ص ماركيز على ت�سجيل ن�صيحة وجهها اليه الكاتب جوان بو�ش من الدومنيكان منذ خم�سة وع�شرين عاما ..قال(انه يتعني على الكاتب ان يتعلم مهن الكتابة /التقنيات ،وا�سلوب البناء، والرتكيب املحكم والدقيق ،خ�لال فرتة ال�شباب فنحن الكتاب مثل البغاوات ،ال
13
يف طريقه اىل االحتفال بعيد ميالده الثمانني
ن�ستطيع ان نتعلم الكالم عندما ن�صبح ك �ب��ارا)ال �ك��ات��ب ينبغي ان يتقن حرفته وي�ع��رف اللغة ك� ��أداة م��ن �أدوات عمله.. �أن يحمل خزينا من الثقافة والتجارب، ف��امل��وه�ب��ة وح��ده��ا الت�ك�ف��ي الب� ��راز عمل ابداعي متميز.. وي ��ؤك��د م��ارك�ي��ز ق��ائ� ً لا(:ل�ي����س ثمة �سطر واح��د يف رواي��ات��ي ال يقوم على ا�سا�س ال��واق��ع ،وه��ذا التاكيد ينفي ماذهب اليه ال �ن �ق��اد م��ن ت�ف���س�يرات م �غ��اي��رة مل��ا قدمه ماركيز نف�سه وال ينفي ماركيز اعادته ق ��راءة ك��ون��راد واك �� �س��وب��ري ،ورواي ��ات عدة لتول�ستوي(:احلرب وال�سالم) �أف�ضل رواي� ��ة ع�ل��ى االط�ل��اق ،ول�ك�ن��ه يف نف�س ال��وق��ت يعلن( :ان �ن��ي..اح��اول دائ�م��ا اال اماثل اي �شخ�ص �آخر،كما اح��اول دائما ان اهرب من امل�ؤلفني الذين احبهم حتى ال اقع يف م�صيدة تقليدهم. اىل جانب اهتمام ماركيز بفوكرن ورامبو وكافكا و�سوفوكلي�س وغريهم،الينفي بان اهتمامه ب��االدب قد منا(من خالل ال�شعر ال��رديء ،ال�شعر ال�شعبي )..فقد تعلم منه ان يكتب ما هو �أغنى واف�ضل و�أعمق.. ه��ذا ال�ك�ت��اب ،غنى على �صعيد التجربة والر�ؤية واملوقف لدى ماركيز..انه يتجه ملنظور ي�ق��ول( :ب��ام�ك��ان امل��رء �أن يحول كامل غمو�ض امل ��دارات اال�ستوائية اىل رائحة جوافة عطنة).
()5 خرب �إختطاف ماركيز!
هل ت�شكل ال�شهرة خطر على املبدع وعلى �إبداعه؟ قد نواجه مثل هذا ال�س�ؤال �أو مامياثله ون�ح��ن ننتهي م��ن ق ��راءة �أح ��داث رواية ترجمت اىل العربية ملاركيز بعنوان: (خرب �إختطاف). فاجلميع-قراء ونقاد-يتفقون على مكانته االب��داع�ي��ة امل��رم��وق��ة ال�ت��ي ا�ستحق عنها
وبجدارة جائزة نوبل.. اال �أن م��ارك �ي��ز ال ي �ب��دو يف ه ��ذا العمل ال��روائ��ي ،يف حالة اخ�ت�لاف ت��ام ع��ن كل ماقراناه واعجبنا به من قبل..االمر الذي يجعلنا نعتقد �أن ال�شهرة التي امتلكها قد جعلته يكتب بعجاجة مل نعهدها فيه ،ومل ن�ألفها يف اعماله االبداعية ال�سابقة. ف�ه��و يف(خ�ب�ر اخ �ت �ط��اف) ي �ق��دم �صورة مكربة لعملية اختطاف �سيدتني من قبل ع�صابة تعمل يف املخدرات وما ي�صاحب تلك العملية م��ن ا��ش�ك��االت وخ�ف��اي��ا لكال اجلانبني -اخلاطف واملخطوف -وندرك ان م��ارك�ي��ز ي �ح��اول ان ي��دي��ن العمليات االرهابية �سردي روائي ،غري اننا ونحن نخل�ص م��ن ه��ذا العمل ال��روائ��ي الكبري حجما ،لنخل�ص منه اىل نتيجة احادية ال تخرج عن اط��ار التحقيقات ال�صحفية املطولة املكتوبة با�سلوب �أدب ��ي ،وهذا يعني ان ماركيز كتبها لأنه يريد ان يكتب، متكئا على �شهرته وقيمة اعماله ال�سابقة، وعلى ثقة القراء والنقاد بكل عمل يقدمه، �إال ان��ه يجعل �آمالنا تتبدد وهواج�سنا ت�سكن على الرتابة ،وااللق الروائي املبهر ال ��ذي عرفنا ب��ه م��ارك�ي��ز معنيا بالواقع ال�سحري لبالده ،حتى �صار اجتاها بارزا يف �أدب �أمريكا الالتينية..وقد �إنطفا كليا! �صحيح ان م��ارك �ي��ز ق��د خ ��رج م��ن عامله امل�سحور وكونية االن�سان ال��ذي يعالج م�شكالته بحميمية هي ج��زء ا�سا�س من �أدب ��ه ال �ف��ذ،وم��ع ان حريته يف اخل��روج عن م�ألوف رواياته ،م�س�ألة م�شرعة امام االبداع ،اال ان هذا اخلروج،البد �أن يكون نابعا م��ن ح��اج��ة،م��ن � �ض��رورة ،يتطلبها املعمار ال��روائ��ي ،وامل�ضمون اخلا�ص، والعامل املكت�شف. البد ان تكون هناك حاجة ما�سة وا�سا�سية يف التغيري ..ذل��ك ان التغيري لي�س زيا حمكوما مبتغريات الف�صول ،بقدر ما هو حتول وتغري مل�صالح العمل نف�سه ،حيث ان البقاء على ما اعتدنا على ما هو كائن
الآن �أو يف امل�ستقبل ،م�س�ألة فيها الكثري من التجني لي�س على املبدع نف�سه ،و�إمنا على العمل ذاته. اذا انتقال ماركيز اىل ماي�سمى :الرواية/ ال�صحفية ،انتقال غري مربر واقل بكثري من الطموح واملكانة التي كنا قد و�ضعنا فيها ماركيز ،وما قدمه يف(خرب �إختطاف) ميكن االق� ��دام على تنفيذه م��ن قبل �أي �صحفي موهوب..وماركيز �أكرب بكثري من كونه �صحفيا موهوبا. اننا وعلى مدى (� )333صفحة وبحروف �صغرية جدا ،مل نحفل مباركيز الذي كان ينقلنا اىل ذاك ��رة يقظة وح�س ان�ساين عميق ..فمثل ماركيز الميكن ان ينظر اىل املخطوفتني وي�صف حالهما هكذا(:كانت ق��د م�ضت ع���ش��رة اي ��ام ع�ل��ى االختطاف وق ��د ب ��دات ه��ي (م��ارخ��زن��ا) وبياتريت ع�ل��ى ال �� �س��واء ت �ع �ت��ادان ع�ل��ى روت�ي�ن بدا لهما يف الليلة االوىل غ�ير م�ع�ق��ول ان االي��ام الع�شرة لي�ست اياما عادية وامنا هي اوق��ات ع�صيبة ،كل حلظة فيها تهدد امل��رء بالتهايات الفاجعة ..كما �إن النظر اىل ال�شخ�صيتني نظرة واح��دة وانهما يف حالة �سوية ،يتلقان حالة االختطاف مب�شاعر واحدة ،م�س�ألة غري مقنعة وتكاد ان تكون م�ستحيل ..وما جرى يف الليلة االوىل لعملية االختطاف وما رافقها من رع��ب وقلق ،الميكن ان ين�سى بعجالة.. ولي�س من �شيء يبعث على الن�سيان �أبدا. لكن ماركيز نقل �صورة نقلها من خارج.. خارج المتا�س له به ،التفاعل معه ..الانتباه للغليان الذي ي�صاحب املرء وهو يتعر�ض لالختطاف ..انه حمكوم باملوت واالرهاب لأ�سباب العالقة له بعواقبها ..وال �شان له بوجودها �أ�ص ًال ..وكل ما يف االمر انه كان ال�ضحية ..فهل تن�سى ال�ضحية بكل هذه ال�سهولة التي يتحدث عنها ماركيز ..هل ت�ستكني للجالد بهذه ال�سرعة ،ولو جرى مثل هذا فع ًال ،عندئذ ربد ان جند انف�سنا يف حالة ت�سا�ؤل يقول :ماهي دوافع هذا
التغيري ،هذا اال�ست�سالم..؟ ماركيز ال يجيب ،ماركيز اليحلل ..ومن ثم فهو ال يقنع ..ومن ال يقنع �سواه،الميكن ان يكون م�ؤثرا وال فاع ًال! ويف م��وق��ع �آخ��ر م��ن ال��رواي��ة ن �ق��ر�أ(:ان اغ �ت �ي��ال م��اري �ن��ا ،وخ���ص��و��ص��ا الطريقة ال��وح �� �ش �ي��ة يف ال �ك �� �ش��ف ع ��ن االغ �ت �ي��ال و�إع�لان��ه ،ك��ان �سبي ًال يف الت�أمل الميكن جتنبه حول ما الذي يجب عمله يف ماهو �آت ،فقد ا�ستنفدت كل امكانية للو�ساطة على طريق االعيان ،ومع ذلك فانه مل يكم هناك كما يبدو اي و�سيط فعال ،وكانت االرادة الطيبة واال�ساليب غري مبا�شرة تخلو من �أي مغزى).
فاي �إح�سا�س هذا..للقائم بعملية االغتيال ول�ضحيته ،وما ال�صورة الوح�شية الغائبة عنا متاما ،ومل��اذا ف�ضل ماركيز ان يغيب �صورتها عنا؟ �إن الآت��ي مثري وب��اع��ث ترقب للجميع.. وحتى(الو�ساطة) لها حاالتها من القبول وال��رف ����ض وال �ت��وت��ر ..ومثلها (االرادة ال�ط�ي�ب��ة)ال�ت��ي ل�ه��ا دواف �ع �ه��ا و�أ�سبابها ودرجات العمل والتعلق بها.. م��ارك�ي��ز ي �ب��دو ..وك��ان��ه يف ح��ال��ة قطيعة كلية،بعد ان عن كل ماجرى ويجري انه يف موقع االع�صاب الباردة ،او يف حالة ال�سكون املختار واملهيمن على �شخ�صية ال تريد ان نفكر او تتامل �أو تنفعل..او ان جتعل من عينيها �شاهد فجيعة ،و�شاهد حقيقة دامية. يف(خ �ب�ر اخ �ت �ط��اف) ك ��ان م��ارك �ي��ز على فراق تام،على قطيعة ،على حدود فا�صلة م��ع ق��رائ��ه ال��ذي��ن غ �ف �ت �ق��دوا ف �ي��ه العامل ال�سحري لـ (مائة عام من العزلة) والعامل املدمر لـ (خريف البطررك) و�أل��ق احلياة يف(حب يف زمن الكولريا) ..و�سواها.. ح �ت��ى(اجل��واف��ة)ال �ق �� �ص�يرة واحلميمة وال ��ذات يف � �ص�يرورة وج��وده��ا ..كانت االك�ثر �ألقا من هذا اخلرب املطول واململ والعابر ..الذي الميكن ان ي�شكل ا�ضافة اىل تراث ماركيز االبداعي. ل�ق��د ك��ان��ت رواي ��ة(خ�ب�ر �إختطاف)عم ًال �صحفيا،زحفت عليه العبارة الوا�ضحة حد الت�سطيح،وغاب عنه �أبعاد الفعل الب�شري وهو يف كلية االن�سحاق والتدمري والقلق والعزلة والرتقب. م��ارك �ي��ز�..أخ��ذت��ه ال�شهرة لكتابة(خرب) و(�إختطفته) ال�شهرة كذلك ليكتب مادة �صحفية لها بعدها االحادي ح�سب! *خرب �إختطاف/غابرييل غار�سيا ماركيز ترجمة�:صالح علماين/ دار املدى
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
14
العدد ()2285ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )22ت�شرين االول 2011
العدد ()2285ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )22ت�شرين االول 2011
15
سيرة حياة الكولومبي األكثر شهرة ً حياة مليئة مت�ضي بعيداً �إىل ما وراء �آلته الكاتبة� ،أو كومبيوتره يف وقتنا لقد عا�ش غابرييل غار�سيا ماركيز� ،أكرث من معظم الكتاب، هذا ،كما جاء يف عر�ض جوناثان يارديل ل�سرية حياة الكاتب الكولومبي ال�شهري التي كتبها جريالد مارتن .فهو مل ي�ؤلف فقط �أعظم روايات القرن الع�شرين الثالث مئة عام من العزلة ،خريف البطريارك ،وحب يف زمن الكولريا ــ بل وكان م�شارك ًا فعا ً ال �إىل درجة عالية يف الأحداث العامة خالل زمن من التغري والنزاع الهائلني يف �أمريكا الالتينية .فكان �صديق ًا لر�ؤ�ساء دول (ودكتاتوريني)، ً إ�ضافة �إىل �أمور �أخرى .وهذا ،بالن�سبة لكاتب ومدافع ًا �أمامي ًا عن االجتاه ال�سيا�سي الي�ساري و�صحافي ًا م�ؤثراً مقروءاً على نطاق وا�سع� ، ال�سرية الأدبية ،خليط يبعث على الن�شوة .ولقد ظل جريالد مارتن ،وهو �أكادميي بريطاين متخ�ص�ص يف الأدب الأمريكي الالتيني، يفوت عموم ًا معظم " ي�شتغل على �سرية احلياة هذه مدة �سبعة ع�شر عام ًا " ،مع قبول " ودي ،وم�ضياف ومت�سامح " من �صاحبها ،ومل ِّ ٍ الفر�ص التي توفرها حياة غار�سيا ماركيز .وهو يتنقل هنا وهناك حول ن�شاطات ماركيز ال�سيا�سية ،لكنه يعر�ض لنا مبهارة كيف �أن فرتة التمهّن ال�صحفي قد �أدت �إىل االنفجار الإبداعي الع�سري على الت�صديق الذي �أنتج (مئة عام من العزلة).
تاريخ الصحافة في سرديات ماركيز
ت�أليف :جريالد مارتن ترجمة :عادل �صادق الكتاب " :غابرييل غار�سيا ماركيز :حياة "
�إن ق�صة �سنوات ماركيز املبكرة �ستكون م�ألوفة لدى كل َمن يعرف عمله :ميالده يف ع��ام 1927و��ص�ب��اه يف �أراكاتاكا، وه��ي ب�ل��دة كولومبية �صغرية حتولت يف ال �ن �ه��اي��ة ق���ص���ص�ي� ًا �إىل ماكوندو؛ ت��أث�ير ج��ده لأم��ه ،الكولونيل نيكوال�س ر .ماركيز " ،ال��ذي �أن�ق��ذه تدريجي ًا من ذل��ك العامل الن�سوي الأم�يرك��ي الالتيني امل �� �ش �ب��ع ب��اخل��راف��ة وال��ه��واج�����س ،تلك الق�ص�ص التي كانت تبدو وك�أنها تنبع من ظالم الطبيعة نف�سه ،ال��ذي �أق � َّره يف عامل ال�سيا�سة والتاريخ الرجايل جماعة برانكويال " من ال�صحافيني الكولومبيني التي وجد ماركيز نف�سه فيها خالل �أوائل اخل�م���س�ي�ن�ي��ات ،و�أق� ��ام ب�ع���ض� ًا م��ن �أه��م �صداقاته؛ الفقر ال�شديد يف باري�س يف ع��ام ،1957حني " كنتُ جائع ًا �إىل حد �أنني كنت �أ�سرتد ما �أ�ستطيع من نفاية �صديق و�أ�أكله على الفور ويف املكان ذاته "؛ الزواج يف عام 1958من مر�سيد�س بار�شا ،التي �ست�صبح ام��ر�أ ًة ال ي�ستغنى عنها بالن�سبة لرجلٍ كان يرى �أنه معتمد ع�ل��ى نف�سه ك�ل�ي� ًا "؛ ال�ك�ت��اب��ة املحمومة ل��رواي��ة (م �ئ��ة ع��ام م��ن ال �ع��زل��ة) يف عام 1965و 1966ون���ش��ره��ا االنت�صاري حمول ًة م�ؤلفها املفتقر يف ال�سنة التاليةّ ، وغ�ي�ر امل �ع��روف يف احل ��ال ت�ق��ري�ب� ًا �إىل واح��د م��ن �أ�شهر ك� َّت��اب الأدب اجل��اد يف العامل .وكانت (مئة عام من العزلة) كتابه الرابع .ومل تكن الثالثة الأوىل ــ عا�صفة الأوراق ( ،)1955لي�س للكولونيل َمن يكاتبه ( ،)1961يف �ساعة نح�س ()1962 ــ قد اجتذبت �إال القليل من االنتباه خارج دائرته الأدبية املبا�شرة ،ومل ُيرتجم �أي ك�ت��اب منها �إىل االنكليزية حتى جناح (مئة عام من العزلة) .وه��ذا �أم��ر ال قيمة له ،لأن قارئية readershipغار�سيا م��ارك �ي��ز واال��س�ت�ح���س��ان ال �ن �ق��دي ل��ه يف الواليات املتحدة على م�ستوى عالٍ ب�شكل ثابت وا�ستثنائي منذ عام ،1978مع ن�شر ترجمة غريغوري رابا�سا الالمعة لهذه http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
ال��رواي��ة ه�ن��ا .وم��ع �أن غار�سيا ماركيز ك��ان��ت ل��ه ن��زاع��ات��ه م��ع حكومة الواليات ل�سنوات عدة منحه املتحدة (التي رف�ضت ٍ ت��أ��ش�يرة دخ ��ول) ،ف��إن��ه ظ��ل على ال��دوام ��س��ري�ع� ًا يف �إي �� �ض��اح تثمينه جلماهري حمبيه الأمريكيني الوا�سعة .ولقد جعل جناح (مائة عام من العزلة) من غار�سيا ماركيز ال�صوت املهيمن يف فرتة االزدهار الأدب���ي الأم�يرك��ي ال�لات�ي�ن��ي ،ال ��ذي كان �أعالمه الثالثة الآخرون خوليو كورتاثار، ك��ارل��و���س فوينت�س ،وم��اري��و بارغا�س يو�سا .وم��ن امل�شهور �أن ه��ذا الأخ�ي�ر " �أ��س�ق��ط غار�سيا م��ارك�ي��ز �أر� �ض � ًا ب�ضربة لفيلم عر�ض �أول قوية يف الوجه " يف ٍ ٍ يف مك�سيكو �سيتي ع��ام ،1976ب�سبب
ا�ستخفاف حقيقي �أو متخ َّيل بزوجة ال�ك��ات��ب ال �ب�يروي يف م��ا ي �ب��دو .وظلت العالقات بني الرجلني باردة لثالثة عقود، بفعل ذل��ك �إ��ض��اف� ًة للخالفات ال�سيا�سية بينهما ،لكن يف عام 2007قام بارغا�س ي��و��س��ا ،مب��واف �ق��ةٍ م��ن غ��ار��س�ي��ا ماركيز، بحركة ت�صاحلية على �شكل مقالة تثمينية يف الذكرى الأربعني ل�صدور (مائة عام من العزلة) .وال ميكن �أن يكون هناك مقيا�س دقيق لعظمة غار�سيا ماركيز �أكرث من �أنه كان قادر ًا على �أن ُيتبع (مائة عام ،)..بعد ثماين �سنوات ،بتحفة ثانية" (خريف البطريارك) .فهذا الكتاب ،كما يو�ضح مارتن بحق ،لي�س كتاب ًا عن كولومبيا بل هو " كتاب �أمريكي التيني ،مكتوب بتلك القارئية الرمزية يف الذهن ،من دون بعدٍ كولومبي مهم تقريب ًا ،لي�س يف الأقل لأن كولومبيا مل يكن لديها �أبد ًا ذلك النوع من البطريارك الذي ُت�صوره الرواية " .فهو الكتاب ال��ذي يحيط " بان�شغاله الأدبي بال�سلطة �أو ال �ق��وة ،"powerوهو ب�إعطائه تعبري ًا مطلق ًا لذلك االن�شغال، ف�إنه يحرره ليم�ضي ُق� ُدم� ًا ،بعد عقدٍ من ال��زم��ن� ،إىل (ح��ب يف زم��ن الكولريا)، ا�ستك�شافه ال��رائ��ع ملو�ضوعته العظيمة الأخرى ،احلب ،من خالل تغطية متخ َّيلة لعالقة املغازلة �أو التودد بني �أبيه و�أمه. لقد ُن�شرت �أع�م��ال م��ن الأدب الق�ص�صي �أق��ل �ش�أن ًا منذ رواي��ة (مائة ع��ام ،)..لكن الروايات الثالث الآنفة الذكر هي �صرحه مب�ستوى �أقل كتابه (ع�شت الأدبي ،يتبعها ً لأروي) ،2004مذكراته ل�سنواته املبكرة، الذي ُن�شر حني كان يف �أواخر �سبعينياته بعد ح�صار طويل من مر�ض ج �دّي� .أما ما �إذا كان هناك جملد �آخر من املذكرات �سيظهر ،ف�إنه �أم��ر يبقى يف علم الغيب، لكن غار�سيا ماركيز قد �ضمن له ب�أعماله الرائعة هذه مكان ًا �إىل جنب فوكرن على قمة الأدب العاملي للقرن الع�شرين. عنThe Washington Post/
عبدالكرمي يحيى الزيباري �سُ ئ َل ماركيز( :ماذا كان هدفك ملَّا جل�ستَ لتكتب "مائة عام من العزلة"؟ �أنْ �أفتحَ مخَ ْ رَجَ ًا �أدبي ًا متكام ًال لكل التجارب التي قد تكون �أث � َّرتْ َّب�شكل �أو ب�آخر ،خالل يف، ٍ ن�ش�أتي /رائحة اجلوافة ���ص .140ف�إذا كانت ال�صحافة جتري يف دمائه ،فكيف ال يت�أثر بها يف �سردياته؟ �أمل يكن الأ�سلوب ال�صحايف حا�ضر ًا وبقوة يف �سرد ماركيز؟ يف حفل ت�سليم جائزة ال�صحافة التي ير�أ�سها ماركيز ،يف مدينة مونتريي املك�سيكية . 2008 وجوائز ال�صحافة هذه متنحها جمموعة �شركات �سيميك�س العمالقة� ،أعلن ماركيز �أنه يعاين(مثل الكلب" من الكتابة ال�صحفية الرديئة ،وذل��ك يف مثل هذه الأوق��ات التي تخ�ضع فيها ال�صحافة ل�سيطرة وهيمنة ال�شركات الكربى� ،أو احلكومات الفا�سدة .وتابع ماركيز حديثه الذي ن�شرته جريدة "البايي�س" اال�سبانية قائال" :ال�صحافة جتري يف دمائي ،فهي املهنة الأكرث روعة� ،أ�ستيقظ كل يوم �صباحا ،و�أق��ر�أ اجلرائد لأرى هل يقولون �شيئا جيدا �أم �شيئا �سيئا ،الأم��ر كامل�أ�ساة، با�ستثناء بع�ض التحقيقات التي �أجدها مثل اجلواهر النادرة ،يبدو �أنه ال وقت لديهم ،كعمل املاكينات ،ورمبا ال�صحافة التقليدية كانت �أف�ضل لأنها كانت �أك�ثر بطئا وتتيح لل�صحايف العمل بهدوء و�إت �ق��ان) .جريدة الريا�ض العدد � 6 14684سبتمرب .2008 (ال�صحافة �أفادتني بو�سائل لأعطي ق�ص�صي �صحَّ ة /رائحة اجلوافة��� -ص( .)61يكفي �أنْ نفتح اجلرائد لنعرف �أنَّ الأ�شياء اخلارقة حتدث بيننا ك َّل يوم /رائحة اجلوافة� -ص .)69ملاذا يبدو ال�صحافيون /الروائيون ك�أنهم منومون مغناطي�سيا؟ هل ب�سبب تز ّلف ال�سيا�سيني� ،أم املمولني للربامج اال�ستعرا�ضية والتجارية؟ ك�شفت جميع التقارير والتحقيقات �أنَّ النمو االقت�صادي والتطور احل�ضاري ال يتقدَّم خطوة بدون �صحافة حرة �أو �إعالم حر ميار�س رقابة حقيقية على �أجهزة الدولة ،وبهذا ال�صدد يقول روبرت دميون مدير معهد ال�صحافة يف جامعة كاليفورنيا الأنباء هي الأ�سا�س الذي يبني عليه الب�شر �آراءهم ،والأعما ُل َت َب ٌع للآراء ت�أمتِ ُر بها ،فالر�أي العام هو خال�صة الآراء الفردية ..ويقول جوزيف بولتيزر ال��ذي ُو ِل � َد يف املجر و�أ�صبح رئي�سا لتحرير جريدة نيويورك� :إنَّ الإن�سان يولد �أبله، لقب �آخر �إال �إذا �أع َّد نف�س ُه له ،لأنَّ كل مهنة من َ ولي�س له �أنْ يطمحَ �إىل ٍ املهن حتتاج �إىل �إعداد). هل يكفي الإع��داد املهني لتحويل �صحَّ ايف رديء �إىل �صحَّ ايف جيد؟ هل من ال�سهولة حتويل �صحايف جيد �إىل روائي جيد؟ كتب ماركيز "ق�صة موت معلن "1981/كق�صة ث�أر تناولتها ال�صحف ،كتبها كما يكتب حتقيق ًا ن�صار من قبل التو�أمني بيدرو وبابلو �صحفي ًا� ،أو ا�ستطالع ًا للآراء حول جرمية قتل �سانتياغو َّ فيكاريو ،هناك حادثة واحدة وهذه احلادثة هي نتيجة حادثة �أخرى هي �إعادة بيادو �سان رومان ل�شقيقة التو�أمني يف ليلة عر�سها لأ َّنها غري عذراء ،وال�سارد هو �شقيق مارغوت والرواة متعددون، كال�صحايف واحد ،و�آراء التحقيق متع ِّددَة بكرثة ،قد تالم�س جميع �أفراد القرية ،تبد�أ الرواية(يف اليوم الذي كانوا �سيقتلونه فيه...هذا ما قالته يل �أمه بالثيدا لوثريو وهي ت�ستح�ضر بعد �سبع وع�شرين �سنة تفا�صيل �أحداث يوم االثنني امل�ش�ؤوم -ق�صة موت معلن�/ص()7قالت يل الطاهية فيكتوريا غوثمان -ق�صة موت معلن�/ص�( )11صاحبة املحل الذي ينتظر فيه الرجالن اللذان ن�صار لقتله ،كلوتيدي �أرمينتا -ق�صة موت معلن�/ص()17ال�صبية الرائعة �أنخيال فيكاريو ينتظران ّ ابنة خالة ال�سارد وزوجة بيادو غري العذراء -ق�صة موت معلن�/ص()33خيمي �شقيق ال�سارد وله
�سبع �سنوات لكنه له رواية �أي�ض ًا(وقد روى يل خيمي �أ َّنها(والدة ال�سارد/لوي�سا �سانتياغو)كانت ب�صوت منخف�ض رجال �أ�شرار حيوانات)(الكولونيل الثاروا �أبونتي قد ا�ستيقظ حتدث نف�سها ٍ قبل ال�ساعة الرابعة بقليل وكان قد انتهى من حالقة ذقنه عندما �أخربه ال�شرطي لياندرو بورنوي بنوايا الأخوين فيكاريو .كان العمدة قد َّ ف�ض يف الليلة ال�سابقة خ�صومات كثرية بني �أ�صدقاء ولهذا مل يتعجل بالذهاب لف�ض نزاع جديد -ق�صة موت معلن�/ص .)55وهكذا ي�سرد لنا ال�ساحر ن�صار من رواة متعددين لهم ر�ؤى خمتلفة. ماركيز حادثة مقتل ّ �أمَّا روايته "يف �ساعة نح�س" فقد عاد ماركيز �إىل تاريخ ال�صحافة التي بد�أت بامل�س ّالت التي كان ري كبري يف حياة اليونانيني القدماء .تبد�أ الرواية با�ستيقاظ الأب �أجنيل(مكتئب ًا ...ليدرك لها ت�أث ٌ �أنه ال يزال على قيد احلياة وليتذ َّكر ا�سم اليوم وما يقابله من �أيَّام يف تقومي القدي�سني ،راح يحد ُِّث وب�صوت منخف�ض قال :القدي�س فران�سي�س الأ�سيزي، نف�سه :اليوم الثالثاء الرابع من �أكتوبر، ٍ ارت��دى مالب�سه دون �أن يغت�سل و دون �أن يرتل �صالته� ..أ�صهب له القوام امل�سامل وامل�ست�أن�س الذي يتمتع به ثور)ماركيز -يف �ساعة نح�س -ترجمة كامل يو�سف ح�سني -دار ال�ش�ؤون الثقافية -ط -1986 -2بغداد� -ص .15و�إذا كان زمن بدء الرواية قد حتدَّد بيوم 14ت�شرين االول وملنا�سبة عيد القدي�س فران�سي�س ف�إنَّ نهايتها كانت(ارتدى مالب�سه دون اغت�سال �أو �صالة ..مل يتحدَّث �أحد عن ن�شرات الف�ضائح ،يف غمار �صخب الأح ��داث الأخ�ي�رة...يف اخلام�سة �إال ع�شر دقائق �أدرك �أ َّن � ُه ال يزال ح َّي ًا فاقتع َد فرا�شه بجه ٍد وقور وهو يفرك جفنيه ب�أ�صابعه ويحد ُِّث نف�سه :الأح��د � 21أكتوبر ث َّم تذ َّكر القدي�س هيالري/ ���ص)227زم��ن ال��رواي��ة� :سبعة ع�شر ي��وم ب�ين عيد القدي�س فران�سي�س الأ��س�ي��زي الإي� �ط ��ايل()1226 -1182وب �ي�ن عيد القدي�س الفرن�سي هيالري( 449-401م) .ن�شرات الف�ضائح التي توقفت ،كانت هي ال�سبب(وفق ًا لتقديرات ال�سوري يبلغ ع��دد العائالت الراحلة مع ه��ذا التطور خم�س عائالت يف يت�صف �أ�سبوع واح��د�� � /ص)212و�إذا كانت(�أعظم ف�ضيلة ِّ بها الإن�سان �أن يعرف كيف يخفي الأ�سرار)ف�إنَّ هذه الف�ضيلة ال ت�ساوي �شيئ ًا من بدون ن�شرات ف�ضائح الفا�سدين ،التي �سبقت(العدالة ه��ذه الأي��ام ال تعتمد على االلتما�سات و�إ َّ منا على الطلقات�/ص .)217ك�أنَّ جميع �سرديات ماركيز هي حماوالت فا�شلة لكتابة "مائة عام من العزلة"(قال الأب �أجنيل� :إ َّن ُه اخلوري الذي خلفني يف ماكوندو ،كان يف املائة من عمره/يف �ساعة نح�س �ص .)59الطبيب والق�س يقفان عاجزين �أمام العمدة الذي يهددهما بالقتل �إذا تقدما خطوة، بحجة فح�ص اجلثة التي ينكر العمدة وجودها ويقول �أنَّ ال�سجني قد هرب ،والطبيب يريد ك�شف �سر نوبات الإغماء التي تنتاب ال�سجناء .هذه العا�صفة نتيجة لن�شرات الف�ضائح التي كانت تع َّلق على �أبواب �أهل القرية� ,سيزار مونتريو يقر�أ يف ن�شرات الف�ضائح �أنَّ با�ستور على عالقة بزوجته، فيقتله ،جرائم العمدة الغام�ضة واملق َّيدَة �ضد جمهول ،و�سجونه التي ال يعود من يدخلها ،والأب �أجنيل القذر الذي ي�ستيقظ من دون �أن يغ�سل وجهه �أو يتلو �صلواته ،يرف�ض �أية موجة تغيري ل�شعوره ب�أ َّنها تهدد �سلطته .من �أينَ جاء ماركيز بفكرة ن�شرة الف�ضائح؟ (كتاب العزلة هو كتابي الوحيد..ال�شخ�صية الرئي�سة يف "الأوراق ال�ساقطة"� -أول عمل �سردي ملاركيز -هي رجل يعي�ش وميوت يف عزلة مطلقة .العزلة موجودة �أي�ض ًا يف �شخ�صية "لي�س لدى الكولونيل من يرا�سله" العقيد مع زوجته وديكه .وهي موجود �أي�ض ًا يف عمدة "يف �ساعة نح�س" ال��ذي ال يتم َّكن من احل�صول على ثقة البلدة ويح�س عزلة ال�سلطة بطريقة خمتلفة /رائحة اجلوافة� -ص.)106
رئي�س جمل�س الإدارة رئي�س التحرير
نائب رئي�س التحرير ----------------عدنان ح�سني
مدير التحرير ----------------علي ح�سني االخراج الفني ----------------م�صطفى التميمي الت�صحيح اللغوي ----------------حممد حنون
طبعت مبطابع م�ؤ�س�سة لالعالم والثقافة والفنون
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
كيف يمكن كتابة رواية علي ح�سني ا�سمي ايها ال�سادة هو غابريل غار�سيا ماركيز ،ا�سف فانا �شخ�صيا ال يروقني هذا اال�سم النه �سل�سلة من كلمات عادية مل ا�ستطع قط ان اربطها بنف�سي.ولدت يف بلدة اراكاتاكا يف كولومبيا...وما �أزال غري ا�سف على ذلك.انني كاتب هياب. مهنتي احلقيقية مهنة �ساحر ،لكنني ارتبك ارتباكا �شديدا وانا احاول القيام ببع�ض احليل التي ا�ضطر اىل ان الوذ بها من جراء عزلة االدب. على كل حال ان كال الن�شاطني يقودان اىل ال�شيء الوحيد الذي اثار اهتمامي منذ ان كنت طفال :ان يحبني ا�صدقائي اكرث.. ان كوين كاتبا من الكتاب لي�س �سوى اجناز ا�ستثنائي النني رديء جدا يف الكتابة ،وعلي ان اخ�ضع نف�سي الن�ضباط ب�شع كي اجنز كتابة �صفحة واحدة ..انني انا�ضل ج�سديا مع كل كلمة ،لكن الكلمة هي التي تفوز يف الغالب). هكذا يتحدث املعلم غار�سيا ماركيز اىل قرائه يف هذه ال�سرية التي يقول م�ؤلفها جريالد مارتن �إنه �أنفق �سبعة ع�شر عام ًا يف تاليفها� ،سبعة ع�شر عام ًا �أم�ضاها يف قراءة �أعمال ماركيز ومنجزاته الإبداعية يف الق�صة الق�صرية والرواية واملقاالت ال�صحافية والن�صو�ص ال�سينمائية وال�سفر اىل عدد كبري من بلدان العامل ملقابلة �أ�صدقاء ملاركيز من �صحافيني و�أدباء وروائيني و�سيا�سيني وزعماء �أحزاب ور�ؤ�ساء دول ،بهدف الإطالع على تفا�صيل عالقاتهم مع الروائي الكولومبي الذي عرفه قراء الأدب باعتباره واحدا من اكرب الذين �أعادوا للرواية هيبتها وت�ألقها. يف ال�سابعة والع�شرين من عمره �ساقته دروب احلياة اىل عامل حافل باخليال ليقدم اوىل اعماله الروائية “عا�صفة الأوراق” فيتلقى ب�سببها ر�سالة من دار الن�شر يخربونه فيها، انه لي�س لديه �أي م�ستقبل يف كتابة الرواية ،مقرتحني عليه �أن يبحث عن مهنة �أخرى. املهنة االخرى كانت اال�صرار على الكتابة ليقدم يف النهاية عاملا ،،هو مزيج من ال�سرية الذاتية واخليال اجلامح، يتداخالن ويت�شابكان يف �أبعاد خمتلفة .وهو ما يت�ضح بكل روعة يف "مائة عام من العزلة" و «اجلرنال يف متاهته» و «خريف البطرياك» و «احلب يف زمن الكولريا» و «ق�صة موت معلن». بتوا�ضع الكبار يكتب املعلم“ :وجدت نف�سي ما �أزال يف مكاين ،حتى �إنني مل �أجد غرابة يف ا�ضطراري �إىل ع�ض ل�ساين كي ال �أ�س�أل من �ألتقي به :قل يل يا �أخي :اللعنة ،كيف ميكن كتابة رواية؟