Gabriel García Márquez

Page 1

‫رئي�س جمل�س االدارة رئي�س التحرير‬ ‫فخري كرمي‬ ‫ملحق ثقايف ا�سبوعي ي�صدر عن جريدة املدى‬

‫العدد (‪)2285‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )22‬ت�شرين االول ‪2011‬‬


‫‪2‬‬

‫العدد (‪)2285‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )22‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2285‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )22‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫م���������ارك���������ي���������ز‬ ‫نج��اح أش��به بالس��حر‬

‫كدمة ماركيز‪..‬‬

‫الوقائع بالن�سبة لهذا الكاتب ا�ستثنائية ب�شكل غري اعتيادي وال ت�صدق‪،‬‬ ‫عدد كبري من الكتاب �شقوا طريقهم من ا�صل متوا�ضع ولكن اجناز غابرييل‬ ‫غار�سيا ماركيز كان م�شهودا ب�شكل كبري مل يتحقق لغريه من قبل‪ ،‬لنتمعن‬ ‫يف هذه التفا�صيل‪ :‬ولد نحي ً‬ ‫ال منحرف ال�صحة‪ ،‬اقرب ما يكون اىل يتيم‪،‬‬ ‫ن�ش�أ يف منطقة نائية من كولومبيا‪ ،‬مدينة �صغرية �ضحلة اقرب ما تكون اىل‬ ‫املدن القدمية يف الغرب االمريكي‪ ،‬م�ؤلفة من ع�شرة �صفوف من البنايات‬ ‫فقط (ع�شرينيات القرن املا�ضي يف امريكا الالتينية) وعندما بلغ االربعني‬ ‫يوا�صل عمله مثابرا ك�صحفي وكانت ال اهمية له وغري معروف اال و�سط‬ ‫افراد عائلته‪ ،‬ويف عام ‪ 1967‬طبع رواية غريبة عن بلدته �شيء ا�شبه‬ ‫ب�سرية حياته‪،‬‬

‫ترجمة‪ :‬ابت�سام عبد اهلل‬

‫وا�شبه بالتاريخية وا�شبه باخليالية‪ :‬مائة عام‬ ‫من العزلة وتباع ماليني الن�سخ من الرواية ثم‬ ‫ماليني اخرى من املزيد من املاليني ويف خالل‬ ‫ا�سابيع او ب�ضعة ا�شهر‪ ،‬يحقق �شهرة عاملية‪.‬‬ ‫و�سرعان ما ي�صبح غنيا‪ ،‬يكتب املزيد من‬ ‫الروايات التي حتقق اعلى املبيعات خريف‬ ‫البطريريك‪ ،‬يوميات موت معلن‪ ،‬حب يف زمن‬ ‫الكولريا‪ ،‬ويعرف با�سلوب جديد‪ ،‬مل يكن اول‬ ‫من ابتدعه‪ ،‬ر�ؤ�ساء و�سيا�سيون يتوددون اليه‬ ‫ويبغون �صداقته‪ ،‬وي�صبح �صديقا مقربا من‬ ‫كا�سرتو ولكنه اي�ضا يرفع الكلفة مع بيل كلينتون‬ ‫ومع ذلك وبالرغم من ثرائه و�شهرته مل يفقد ابد ًا‬ ‫فطرته ال�سليمة‪ ،‬عندما فاز بالنوبل عام ‪1982‬‬ ‫رنت ابواق �سيارات االجرة الكولومبية ب�شدة‬ ‫وجنون حتية له‪ ،‬م�ؤمنني ب�أن جائزة لكاتبهم‬ ‫املحبوب «غابو» هي لهم اي�ضا‪.‬‬ ‫احلكاية هذه ا�شبه باخليالية‪ ،‬اكرث �سحرا من‬ ‫احلقيقة وقد كتب جريالد مارتن �سرية جديدة‬ ‫عن حياة ماكيز يف كتاب �ضخم ويكون الروائي‬ ‫الكولومبي بذلك الوحيد من بني �أقرانه يف‬ ‫الربع االخري من القرن املا�ضي‪ ،‬ي�ضعه «مارتن»‬ ‫يف مرتبة واحدة مع كافكاو برو�ست وجيم�س‬ ‫جوي�س اللذين كتب عنهما م�سبقا ان اجناز‬ ‫ماركيز قد جتاوز الفن واالبداع‪ ،‬فقد ا�صبح بطال‬ ‫يف احلكاية التي ما تزال م�ستمرة كيف ان الغرب‬ ‫ارغم على تغيري نظرته اىل ال�شعوب التي كانت‬ ‫من قبل م�ستعمرة‪.‬‬ ‫لقد لعب احلظ دوره‪ ،‬احلظ مل يكن �سيقابله‬ ‫مطلقا لو مل يحقق فورته االوىل عرب جملة‬ ‫فوغ العاملية‪ ،‬يف الفرتة من ‪ 1970-1964‬التي‬ ‫كتبت عن الكتاب املتميزين يف امريكا الالتينية‪:‬‬ ‫خوليو كوتاز (االرجنتني)‪ ،‬وكارلو�س فوينت�س‬ ‫(مك�سيكو) وماريو فاغا�س يو�سا (بريو)‬ ‫الروايات التي قدمت من اجلنوب كانت �ساخنة‬ ‫وملرحلة ما من الزمن يف فرتة بقاء ا�ؤلئك الكتاب‬ ‫يف اخلارج (املنفى) كانت �صداقة طيبة تربط‬ ‫بينهم‪ ،‬وهم ينتقلون ما بني ا�سبانيا وفرن�سا‪ ،‬ومل‬ ‫مير اال وقت ق�صري حتى بد�أ ماركيز يتقدم على‬ ‫زمالئه‪.‬‬ ‫وقد فرقت ال�سيا�سة فيما بعد بني ماركيز‬ ‫وفارغا�س يو�سا فاالخري انتقل من الي�سار اىل‬ ‫الو�سط ثم ابعد وبقي (غابو) قريبا من احلزب‬ ‫ال�شيوعي برغم عدم انتمائه اليه ر�سميا‪ ،‬واملكانة‬ ‫الثقافية التي و�صل اليها ماركيز مل جتعله الناطق‬ ‫القوي با�سم كولوبيا فقط بل اي�ضا المريكا‬ ‫الالتينية ب�أكملها ورمبا اي�ضا العامل الثالث‪،‬‬ ‫فالعامل ي�صغي اليه وما زال كذلك‪.‬‬ ‫عن ال�صنداي تاميز‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫ن����������ع����������وم ك������وه���ي��ن‬ ‫ترجمة‪ :‬جن��اح اجلبيلي‬ ‫كان العداء بني الكاتب الكولومبي غابرييل غار�سيا ماركيز والكاتب‬ ‫البريويف ماريو فارغا�س يو�سا‪ ،‬وكانا �صديقني يوم ًا ما‪ ،‬ميتلك كل‬ ‫عنا�صر الكال�سيك الأدبي‪ :‬اتهامات باخليانة‪ ،‬الغرية والزنا‪ ،‬ومواجهة‬ ‫عنيفة قبل ‪� 31‬سنة م�ضت حني حتولت الأمور �إىل دموية‪.‬‬ ‫غري �أن ما كان ينق�صها هو الدليل الوثائقي‪ .‬وكل ذلك تغري هذا ال�شهر‬ ‫مع ن�شر �صورتني �شخ�صيتني بالأبي�ض والأ��س��ود التقطتا يف يوم‬ ‫احلب عام ‪ 1976‬يف مك�سيكو �سيتي وفيها يظهر ال�سيد غار�سيا ماركيز‬ ‫و حول عينيه كدمة – وب��دا مبت�سم ًا وجدي ًا – بعد يومني من لكمة‬ ‫ال�سيد فارغا�س يو�سا ويقال �أن الكاتبني مل يتكلم �أحدهما مع الأخر‬ ‫منذ ال�شجار‪ .‬ا�ستعملت ال�صحيفة املك�سيكية " ال خورنادا" �صورة‬ ‫غار�سيا ماركيز املبت�سم كغالف يف عددها املخ�ص�ص بالذكرى الثمانني‬ ‫مليالده يف ‪� 6‬آذار‪ .‬يقول امل�صور الفوتوغرايف "رودريغو مايو" الذي‬ ‫التقط كال ال�صورتني والذي �أجرى حالي ًا مقابالت يف حمطات الإذاعة‬ ‫يف الأرجنتني وكولومبيا وت�شيلي ب�أن ال�صحف الأخرى يف �أمريكا‬ ‫الالتينية اهتمت باخلرب‪.‬‬ ‫يقول ال�سيد "مويا" يف ات�صال تلفوين باال�سبانية من "كيورونافاكا"‬ ‫يف املك�سيك حيث يعي�ش هناك‪� ":‬إنّ الأمر غريب ًا نوع ًا ما‪ .‬عندي الآالف‬ ‫من ال�صور املمتازة لكن هاتني ال�صورتني نالتا اهتمام ًا كبري ًا ب�سبب‬ ‫مو�ضوعهما"‪ .‬حاز ال�سيد غار�سيا ماركيز جائزة نوبل ل�ل�أدب عام‬ ‫‪ 1982‬تقدير ًا لرائعته " مائة عام من العزلة"‪.‬‬ ‫قال ال�سيد مويا �أن �صديقه ال�سيد غار�سيا ماركيز طلب منه التقاط‬ ‫�صورته بعني ك��دم��اء وعلى ال��رغ��م م��ن �أن ال�صورتني مل تن�شرا �إال‬ ‫�أن ال�سيد مويا كان قد طبعهما منذ زمن طويل لأحد �أ�صدقائه الذي‬ ‫عر�ضهما يف بيته‪ .‬ر�أى �أحد ال�صحفيني ال�صورة الفوتوغرافية هناك‬ ‫وطلب ال�سماح ال�ستعمالها يف جملته لكنهما مل ي�ستطيعا االتفاق على‬ ‫�شروط كما يقول ال�سيد مويا‪.‬‬ ‫وي�ضيف‪ ":‬لكن ظهرت �إ�شاعة تقول �أن ه��ذه ال�صورة م��وج��ودة و‬ ‫ت�سلمت ات�صا ًال من �صحيفة " ال خورنادا" التي عملت فيها �أحيان ًا‬ ‫وكانت لديّ عالقة جيدة معها وقررت �أن الوقت الكايف قد جتاوز"‪.‬‬ ‫�إن ظهور ال�صورتني ‪ -‬بعد "ثالثني �سنة من العزلة"‪ -‬كما قال �أحد‬ ‫املعلقني الفرن�سيني‪� -‬أعطى اهتمام ًا متجدد ًا بالأحداث التي �أدت �إىل‬ ‫املالكمة امل�شهورة‪ .‬تو�ضع املواجهة الأدب�ي��ة بني (م��اري��و فارغا�س‬ ‫يو�سا) و(غابرييل غار�سيا ماركيز) �ضمن �أ�شهر املعارك من بينها‬ ‫ليليان هيلمان مع م��اري مكارثي‪ ،‬فالدميري نابوكوف مع �أدموند‬ ‫ويل�سون‪ ،‬نورمان ميللر مع غور فيدال‪(.‬حني حتولت املواجهة بني‬ ‫ال�سيدين ميللر وفيدال �إىل ج�سدية �إن مل تكن دموية‪ ،‬يقال �أن ال�سيد‬ ‫فيدال �أجاب وهو مطروح �أر�ض ًا " الكلمات تخون نورمان ميللر الآن‬ ‫مرة �أخرى"‪ .‬يقول بابلو �أ�سبينوزا املحرر الثقايف يف �صحيفة " ال‬ ‫خورنادا" �أن ال�صحيفة طلبت من ال�سيد مويا كتابة مقالة مرفقة مع‬ ‫ال�صورتني لأن " هذه الق�صة كانت معروفة جد ًا لكل فرد‪� ،‬إال �أنهم مل‬ ‫يعرفوا تفا�صيلها"‪.‬‬ ‫ويف مقالته ي�ضع ال�سيد مويا امل�شهد التايل‪:‬‬ ‫�صالة �سينما يف مك�سيكو �سيتي تعج باجلمهور ال��ذي ك��ان يق�صد‬ ‫العر�ض الأول لفيلم عن نا�س ناجني من حتطم طائرة يف الأنديز‬

‫يتحولون �إىل �أكلة حلوم الب�شر‪ .‬ويف �إحدى اخلانات اندفع ال�سيد‬ ‫فارغا�س يو�سا نحو ال�سيد غار�سيا ماركيز الذي حاول �أن يعانقه‬ ‫برباءة من دون �سوء نية �إال �أن ال�سيد فارغا�س يو�سا لكمه فتدفق‬ ‫الدم من ال�سيد ماركيز يف كل مكان‪.‬‬ ‫و�أوج��ز بع�ضهم ب��أن املعركة رمبا كانت ل�سبب �سيا�سي لأن‬ ‫ال�سيد ماركيز كان دائم ًا يف �صف الي�سار بينما ال�سيد يو�سا يف‬ ‫ذلك الوقت بد�أ مييل لليمني‪( .‬فيما بعد حاول حماولة فا�شلة‬ ‫يف الرت�شح لرئا�سة اجلمهورية يف بريو عام ‪ 1990‬كونه من‬ ‫منا�صري ال�سوق احل��رة)‪ .‬لكن كما يو�ضح ال�سيد مويا كان‬ ‫�سبب ال�شجار امر�أة وحتديد ًا زوجة ال�سيد فارغا�س يو�سا التي‬ ‫وا�ساها ال�سيد ماركيز يف �أ�صعب فرتة من زواجها‪.‬‬ ‫وبينما تظهر ال�صورة الأوىل ال�سيد غار�سيا ماركيز‬ ‫وه��و يف م ��زاج طيب ق��ال ال�سيد م��وي��ا �أن‬ ‫ال �ع��واق��ب امل�ب��ا��ش��رة لل�شجار كانت‬ ‫م� ��روع� ��ة‪ .‬و�أ�ضاف" التقطت‬ ‫ال�صورة بعد احل��ادث بيومني‬ ‫ح�ي�ن ج ��اء �إىل ب �ي �ت��ي‪ ،‬كان‬ ‫من ال�صعب التقاط �صورة‬ ‫يظهر فيها ب�شكل �أف�ضل‪.‬‬ ‫ل� ��ديّ � �ص��ور ي �ب��دو فيها‬ ‫وك���أن��ه ك ��ان يف الواقع‬ ‫تعر�ض لل�ضرب من قبل‬ ‫ال�شرطة املك�سيكية"‪.‬‬ ‫وقال ال�سيد مويا �أنه مل‬ ‫يتلق حلد الآن تعليق ًا من‬ ‫ال�سيد غار�سيا ماركيز‬ ‫ع��ن ن���ش��ر ال�صورتني‪".‬‬ ‫كنا �صديقني طيبني لكننا‬ ‫تفرقنا‪ ،‬ف��أن��ا �أعي�ش يف "‬ ‫كويرنافاكا" وه��و يتجول‬ ‫مرحت ًال يف �أنحاء العامل"‪.‬‬ ‫هذا اال�سبوع جرى تكرمي ال�سيد‬ ‫غار�سيا ماركيز يف كولومبيا من‬ ‫قبل امل ��ؤمت��ر ال�ع��امل��ي ال��راب��ع للغة‬ ‫اال�سبانية الذي عقد يف "كارتاغانا"‬ ‫و�سوف تن�شر طبعة خا�صة من رواية‬ ‫" مائة عام من العزلة" ملنا�سبة مرور ‪40‬‬ ‫�سنة على �صدورها مع تقدمي بقلم ال�سيد‬ ‫فارغا�س يو�سا يطري فيها الرواية ويقال‬ ‫�أن املقالة كتبها قبل امل�شاجرة لكنه مل‬ ‫ين�شرها واحتفظ بها حتى الآن‪.‬‬ ‫وبخ�صو�ص رد فعل �صديقه حينذاك‬ ‫يقول ال�سيد مويا " �أنه �شديد التدقيق‬ ‫يف التفا�صيل ويرغب يف توثيق حياته‬ ‫يف حلظات خمتلفة‪ .‬كانت لديه فكرة‬ ‫متام ًا ب�أنه كان يرغب يف �أخذ �صورة‬ ‫له بعني كدماء"‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫وص�����ي�����ة م���ارك���ي���ز‬ ‫لو وهبني الله حياة �أطول لكان من املحتمل �أال �أقول كل ما �أفكر فيه‪ ،‬لكنني‬ ‫بالقطع كنت �س�أفكر يف كل ما �أقوله‪.‬‬ ‫كنت �س�أقيّم الأ�شياء لي�س وفق ًا لقيمتها املادية‪ ،‬بل وفق ًا ملا تنطوي عليه من معان‪.‬‬ ‫كنت �س�أنام � ّ‬ ‫أقل‪ ،‬و�أحلم �أكرث يف كل دقيقة نغم�ض فيها عيوننا نفقد �ستني ثانية‬ ‫من النور ‪ ،‬كنت �س�أ�سري بينما يتوقف الآخرون ‪� .‬أظل يقظ ًا بينما يخلد �آخرون‬ ‫للنوم ‪ ،‬كنت �س�أ�ستمع بينما يتكلم الآخرون ‪ .‬كنت �س�أ�ستمتع ب�آي�س كرمي لذيذ‬ ‫بطعم ال�شكوالتة ‪.‬‬ ‫لو �أن الله �أهداين بع�ض الوقت لأعي�شه كنت �س�أرتدي الب�سيط من الثياب ‪ ،‬كنت‬ ‫�س�أمتدد يف ال�شم�س تارك ًا ج�سدي مك�شوف بل وروحي �أي�ض ًا ‪.‬‬ ‫يا �إلهي ‪ ...‬لو �أن يل قلي ًال من الوقت لكنت كتبت بع�ض ًا مني على اجلليد‬ ‫وانتظرت �شروق ال�شم�س ‪.‬‬ ‫كنت �س�أر�سم على النجوم ق�صيدة 'بنيدتي' و�أحالم 'فان كوخ' كنت �س�أن�شد �أغنية‬ ‫من �أغاين '�سرات' �أهديها للقمر ‪ ،‬لرويت الزهر بدمعي ‪ ،‬كي �أ�شعر ب�أمل �أ�شواكه ‪،‬‬ ‫وبقبالت �أوراقه القرمزية ‪.‬‬ ‫يا �إلهي ‪� ...‬إذا كان مقدر ًا يل �أن �أعي�ش وقت ًا �أطول‪ ،‬ملا تركت يوم ًا واحد مير من‬ ‫من دون �أن �أقول للنا�س �أنني �أحبهم ‪� ،‬أحبهم جميع ًا ‪ ،‬ملا تركت رج ًال واحد ًا �أو‬ ‫امر�أة �إال و�أقنعته �أنه املف�ضل عندي ‪ ،‬كنت ع�شت عا�شق ًا للحب ‪.‬‬ ‫كنت �س�أثبت لكل الب�شر �أنهم خمطئون لو ظنوا �أنهم يتوقفون عن احلب عندما‬ ‫يتقدمون يف ال�سن ‪ ،‬يف حني �أنهم يف احلقيقة ال يتقدمون يف ال�سن �إال عندما‬ ‫يتوقفون عن احلب ‪.‬‬ ‫كنت �س�أمنح الطفل ال�صغري �أجنحة و�أتركه يتعلم وحده‬ ‫الطريان كنت �س�أجعل امل�سنني يدركون �أن تقدم العمر لي�س‬ ‫هو الذي يجعلنا منوت بل ‪ :‬املوت احلقيقي هو الن�سيان ‪.‬‬ ‫كم من الأ�شياء تعلمتها منك �أيها الإن�سان ‪ ،‬تعلمت �أننا‬ ‫جميعا نريد �أن نعي�ش يف قمة اجلبل ‪ ،‬من دون �أن ندرك‬ ‫�أن ال�سعادة احلقيقية تكمن يف ت�سلق هذا اجلبل ‪،‬‬ ‫تعلمت �أنه حني يفتح الطفل املولود كفه لأول مرة تظل‬ ‫كف والده تعانق كفه �إىل الأبد ‪ ،‬تعلمت �أنه لي�س من‬ ‫حق الإن�سان �أن ينظر �إىل الآخر ‪ ،‬من �أعلى �إىل �أ�سفل‬ ‫‪� ،‬إال �إذا كان ي�ساعده على النهو�ض ‪ ،‬تعلمت منك هذه‬ ‫الأ�شياء الكثرية ‪ ،‬لكنها للأ�سف لن تفيدين لأين عندما‬ ‫تعلمتها كنت �أحت�ضر ‪.‬‬ ‫عرب عما ت�شعر به دائم ًا ‪ ،‬افعل ما تفكر فيه‪ ..‬لو كنت �أعرف‬ ‫�أن هذه �ستكون املرة الأخرية التي �أراك فيها نائم ًا‬ ‫‪ ،‬لكنت احت�ضنتك بقوة ‪ ،‬ولطلبت من الله‬ ‫�أن يجعلني حار�س ًا لروحك‪.‬‬ ‫لو كنت �أعرف �أن هذه هي املرة‬ ‫الأخرية التي �أراك فيها تخرج‬ ‫من الباب لكنت احت�ضنتك‬ ‫‪ ،‬وقبلتك ‪ ،‬ثم كنت �أناديك‬ ‫لكي احت�ضنك و�أقبلك‬ ‫مرة �أخرى ‪ .‬لو كنت‬ ‫�أعرف �أن هذه هي �آخر‬ ‫مرة �أ�سمع فيها �صوتك‬ ‫لكنت �سجلت كل كلمة‬ ‫من كلماتك لكي �أعيد‬ ‫�سماعها �إىل الأبد ‪.‬‬ ‫لو كنت �أعرف �أن هذه‬ ‫هي �آخر اللحظات‬ ‫التي �أراك فيها لقلت لك‬ ‫'�أنني �أحبك' من دون‬ ‫�أن �أفرت�ض بغباء �أنك‬ ‫تعرف هذا فع ًال ‪.‬‬ ‫الغد ي�أتي دائم ًا ‪،‬‬ ‫واحلياة تعطينا فر�صة‬ ‫لكي نفعل الأ�شياء بطريقة‬ ‫�أف�ضل ‪.‬‬ ‫لو كنت خمطئ ًا وكان اليوم هو‬ ‫فر�صتي الأخرية ف�إنني �أقول كم‬ ‫�أحبك ‪ ،‬ولن �أن�ساكم �أبد ًا ‪ .‬ما من‬ ‫�أحد ‪� ،‬شاب ًا كان �أو م�سن ًا ‪ ،‬واثق‬ ‫من جميء الغد ‪ ،‬لذلك ال � ّ‬ ‫أقل من �أن‬ ‫تتحرك ‪ ،‬لأنه �إذا مل ي�أت الغد ‪ ،‬ف�إنك‬ ‫بال �شك �سوف تندم كثري ًا على‬ ‫اليوم الذي كان لديك فيه مت�سع كي‬ ‫تقول �أحبك ‪ ،‬لن تبت�سم لأن ت�أخذ‬ ‫ح�ضن ًا �أو قبلة �أو حتقق رغبة‬ ‫�أخرية ملن حتب‪.‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪4‬‬

‫العدد (‪)2285‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )22‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2285‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )22‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫مع كا�سرتو‬

‫ف�����ي م����دي����ح ال���س���اح���ر‬ ‫ع����ب����دال����ك����رمي ك���اظ���م‬ ‫لي�ست احل �ي��اة م��ا يعي�شه �أح��دن��ا‪ ،‬و�إمن���ا ما‬ ‫يتذكره وكيف يتذكره لريويه‪( .‬ماركيز) من‬ ‫م�ن��ا ال ي�ت��ذك��ر ال��رواي��ات العظيمة‪ ،‬ال�صخب‬ ‫والعنف لفوكرن‪ ،‬الأحمر والأ��س��ود ل�ستندال‪،‬‬ ‫لعبة الكريات الزجاجية لهريمان هي�سة‪ ،‬القلعة‬ ‫لكافكا‪ ،‬الأخ� ��وة ك��رم��ازوف لدي�ستوف�سكي‪،‬‬ ‫ال���ش�ي��خ وال �ب �ح��ر ل�ه�م�ن�غ��واي‪ ،‬وق �ل��ب الظالم‬ ‫جل��وزي��ف ك��ون��راد‪ ،‬وغ�يره��ا ال �ك �ث�ير‪� ...‬إننا‬ ‫نتذكرها جميع ًا‪� ،‬أعني نتذكر م�سرية �أبطالها‬ ‫ومنوها احلدثي و�سرديتها املذهلة‪ ،‬ونتذكر‬ ‫�أي���ض� ًا ح��وار �شخ�صياتها وف�صولها املمتعة‬ ‫والأم �ك �ن��ة ال�ت��ي دارت فيها الأح� ��داث وحتى‬ ‫�أزمنتها املتعاقبة‪ ،‬وهنا �أري��د �أن �أق��ول �أي�ض ًا‬ ‫م��ن م �ن��ا ي���س�ت�ط�ي��ع �أال ي �ت��ذك��ر وي�ستعر�ض‬ ‫باهتمام بالغ وب�صورة ا�ستثنائية �أي�ض ًا الرائي‬ ‫الكولومبي ال�ساحر غابريل غار�سيا ماركيز بعد‬ ‫قراءاتنا لرواياته الكبرية بدء ًا من مائة عام من‬ ‫العزلة ولي�س انتها ًء بذاكرة غانياتي احلزينات‬ ‫ال�ت��ي � �ص��درت م ��ؤخ��ر ًا ع��ن دار امل��دى للثقافة‬ ‫والن�شر بتوقيع املرتجم �صالح علماين‪،2005/‬‬ ‫فروايات هذا ال�ساحر هي امتداد حلياة مدونة‬ ‫بطريقة تغريبية متداخلة ب�شكل يدعو للده�شة‬ ‫والت�أمل حلر�صه دائ�م� ًا على �أن تكون عملية‬ ‫تدوين �أح��داث رواياته كما حدثت يف الواقع‬ ‫وبلغته ال�سحرية املعروفة لديه‪ ،‬ويخيل يل �أن‬ ‫رواياته قد كتبت لكل الديكتاتوريني يف هذا‬ ‫الزمن وحتى الزمن الآتي‪.‬‬ ‫بدء ًا ال بد من الت�سا�ؤل عن طبيعة النوايا التي‬ ‫�سبقت كتاباته لرواياته العظيمة حيث يتبدى‬ ‫لنـا للوهلة الأوىل من �أن النوايا الذاتية تكون‬ ‫مت�ضمنة وحا�ضرة يف ن�صو�صه ذاتها وميكننا‬ ‫ك�شف ذلك ب�إطالقنا ال�س�ؤال التايل‪ :‬هل كانت‬ ‫هذه النوايا ذات طابع روائي خال�ص؟ ومبعنى‬ ‫�أدق‪ ...‬هل كان غابريل غار�سيا ماركيز ي�سعى‬ ‫يف ح �ي��ات��ه الأدب� �ي ��ة �إىل ال ��ذه ��اب ب �ع �ي��د ًا يف‬ ‫مو�ضوعة الكتابة ليكتب لنا رواياته بنف�س ذلك‬ ‫الهم الإبداعي الذي كتبت به روايات املبدعني‬ ‫�أمثاله �أو لنقل رواياته هو ب�صورة ا�ستثنائية؟‬

‫�إن الإجابة على مثل هكذا ت�سا�ؤل لي�س بالأمر‬ ‫الب�سيط ولكن قراءة دقيقة متفح�صة قد متنحنا‬ ‫هذا االفرتا�ض ــ يف ت�سا�ؤالتنا ــ ما يدعمها من‬ ‫خالل طبيعة نتاجاته الروائية ومو�ضوعاتها‬ ‫وهناك �أي�ض ًا ما يدعم هذه االفرتا�ضات التي‬ ‫ق��د ت�ستجد بطريقة م��ا �أث �ن��اء ال �ق��راءة ميكن‬ ‫ح�صرها يف ن��واي��ا ال��رائ��ي الفنية التي‬ ‫تبتغي ت�ق��وي����ض ال �ب �ن��اءات الأ�سلوبية‬ ‫والتقليدية يف الكتابة الروائية و�إحالل‬ ‫ع�ن���ص��ري امل �غ��ام��رة وال �ت �ح��ري ����ض اللذين‬ ‫ي�ستفزان املتلقي معرفي ًا‪ ،‬كبديل لكتابة تنتمي‬ ‫يف طريقة تركيبها و�أ�سلوبها �إىل م��ا ميكن‬ ‫�أن نطلق عليه جماز ًا (عالــم ماركيز) بامتياز‪،‬‬ ‫وا�ضعني ن�صب �أعيننا �إمكانياته الإبداعية‬ ‫يف �صياغة ه��ذه اخل�صو�صية اخليالية لديه‬ ‫وتوظيفها على �أف�ضل ما يرام خ�صو�ص ًا وهو‬ ‫يوقظ لدينا �أ�سئلة مقموعة ح�ين يتكلم على‬ ‫�أمور م�سكوت عنها �أنتجها الواقع الذي نعي�ش‪.‬‬ ‫يف كثري من الأحيان �أرى �أن غابريل يريد من‬ ‫قارئه �أن يتمثله يف طموحاته ومغامراته وكذلك‬ ‫يف رح�لات��ه وجت��ارب��ه احلياتية داخ��ل الن�ص‬ ‫الروائي وهو بهذه احلالة يجعل من القارئ �أن‬ ‫ين�سج لنف�سه ــ خالل القراءة ــ طموح ًا‪ /‬مغامرة‬ ‫مماثلة ملا كان ينوي عليها الرائي �أو يتعمدها‬ ‫ويف هاتني احلالتني ن��راه قد �أعتمد �أ�سلوب ًا‬ ‫مغاير ًا لل�سائد يف بناء �أعماله الروائية حيث‬ ‫�أن القارئ ال ي�ستطيع يف قراءاته تلك �أن مي�سك‬ ‫�شيئ ًا �أو يتابعه حتى النهاية من دون الوقوع‬ ‫يف فخ الغرائبية املاركيزية التي يقرتحها على‬ ‫�شخو�صه الأ��س�ط��وري��ة‪� ،‬إن�ه��ا ح�ي��اة متداخلة‬ ‫وزمن �شائك وحكايات مت�شعبة تبد�أ من املا�ضي‬ ‫لتنتهي �إىل ما�ض �أعتق و�أعمق و�أحيان ًا يبد�أ‬ ‫باحلا�ضر لريمي بنا يف حا�ضر �آخر غريب عنا‬ ‫يجعلنا ن�ستدرك �أنف�سنا ب�شكل قلق وك�أننا ال‬ ‫نعرفه‪ .‬هذه هي البنى الروائية لهذا ال�ساحر‬ ‫التي ت�صدم القارئ من جهة ومن جهة �أخرى‬ ‫تنمي الرتبية الذوقية لديه التي جتعله حري�ص ًا‬ ‫على �أن ال يرتك باب ًا واحد ًا مو�صد ًا �إال و�أ�شبعه‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫ط��رق� ًا‪ .‬يف الكثري من‬ ‫م �ق��اب�لات��ه ال �� �ص �ح �ف �ي��ة التي‬ ‫�أج��ري��ت معه ل�ف�ترات متعاقبة ي��ؤك��د غابريل‬ ‫على واقعية رواياته وا�ستلهامها لواقع القارة‬ ‫(�أم��ري �ك��ا ال�لات�ي�ن�ي��ة) ول��و �أن ث�م��ة التبا�سات‬ ‫كثرية وخمتلفة تتعلق بهذه الت�سمية ومدى‬ ‫�صالحيتها التي قد ترتبط �أو ال ترتبط باملعنى‬ ‫اال�صطالحي واجلغرايف املراد لها مع العلم �أن‬ ‫هذه الت�سمية جاءت من خارج القارة‪ ،‬فقراءة‬ ‫�أحاديثه مع (ميندوزا) يف ع�شت لأروي التي‬ ‫ترجمها ��ص��ال��ح ع�ل�م��اين جتعلك ت�ت��داخ��ل مع‬ ‫حميمية غابريل وفطريته ال�سحرية ال�سردية‬ ‫وتقنياتها الرائعة و�صياغتها للأحداث عن تلك‬ ‫اجلوانب من �شخ�صيته الإبداعية وا�ستيعاب‬ ‫الكثري من عواملــه الروائية ولعل العبارة �أعاله‬ ‫التي تت�صدر عنوان مقالنا هذا تختزل �إىل حد‬ ‫كبري ر�ؤيتــه البانورامية للحياة والكون من‬ ‫خالل ذاكرته احلكائية املدرو�سة مبنتهى الدقة‬

‫م � � ��ن‬ ‫�أج� � � � � � � � � ��ل‬ ‫احل � �ك� ��اي� ��ة‬ ‫ولأج� �ل� �ه ��ا‪،‬‬ ‫وهنا �أي�ض ًا‬ ‫ت� � �ت � ��داخ � ��ل‬ ‫احل� � �ك�� ��اي�� ��ة‬ ‫بوتقة واحدة‬ ‫واحل� �ي���اة يف‬ ‫ت�صهرها تلك ال�ع�لاق��ات املتبادلة واملتالزمة‬ ‫داخ��ل ن�صو�صه الروائية بطريقة مثرية جد ًا‬ ‫والأمثلة كثرية على ذلك خ�صو�ص ًا يف خريف‬ ‫البطريارك‪ /‬مائة ع��ام من العزلة‪ /‬يف �ساعة‬ ‫نح�س‪ /‬اجلرنال يف متاهته‪ /‬ق�صة موت معلن‬ ‫وغريها الكثري من �أعماله املعروفة ‪.‬‬ ‫يف �أح��د �أح��ادي�ث��ه ي�ق��ول‪� :‬أن �أول كتاب قر�أه‬ ‫�أو ق��ر�أ مقاطع منه ه��و كتاب �أل��ف ليلة وليلة‬ ‫وهنا �أ�ستطيع القول �أن �شخ�صيات �أل��ف ليلة‬ ‫وليلة ق��وام�ه��ا الأ��س��ا��س��ي احل�ك��اي��ة (ال��راوي��ة‬ ‫الغائب‪ /‬الراوية احلا�ضر)‪� ،‬إذ ال قوام لها �إال‬ ‫�إذا �أن�ش�أت ال�سرد ب�صورة �أ�سا�سية �أو �أُن�شئت‬

‫يف ال�سرد بتعبري (عبد الفتاح كيليطو) �أي �أنها‬ ‫ال�شخ�صية‪ /‬ال�سرد �أو ال�شخ�صية‪ /‬احلكاية‬ ‫�أم� ��ام ��س�ل��وك م�ع�ظ��م ال�شخ�صيات الروائية‬ ‫امل �غ��ام��رة ال�ت��ي خلقتها خميلته‪ ،‬ف�ه��ي �أي�ض ًا‬ ‫تنطلق من حكاية لتف�ضي �إىل حكاية �أخ��رى ــ‬ ‫من خالل ال�سرد ــ ومن هنا ن�ستطيع القول �أن‬ ‫ال وجود حلقيقة ما يف الن�ص الروائي �إال عرب‬ ‫ما تناوله ال��رائ��ي يف عبارته املتعلقة بكيفية‬ ‫ال�ت��ذك��ر ال �ت��ي م��ن خاللها‬ ‫ينطلق حملق ًا بف�ضاءاته‬ ‫ال �ن �� �ص �ي��ة ل �ك��ي تتوالد‬ ‫ل�شخ�صياته املغامرة‬ ‫ال�سياق احلكائي فيقوم‬ ‫ال �ت��داخ��ل ب�ي�ن احلياة‬ ‫واحلكاية ي�أخذ مدياته‬ ‫امل��ت��ع��ددة �أو مبعنى‬ ‫�أدق م ��دي ��ات ��ه ال �ت��ي‬ ‫ي��ري��ده��ا ب�ين �سياقني‬ ‫�أو �أك �ث�ر ملو�ضوعة‬ ‫ال� ��� �س ��رد املت�ضمن‬ ‫ل� �ت� �ل ��ك ال�����س��ي��اق��ات‬ ‫ال� �ت ��ي ُت� ��� �س ��رد على‬ ‫ل�سان الرائي �سوى‬ ‫ب�صيغة املتكلم �أو‬ ‫يف �صيغة الغائب ومن‬ ‫هنا �أي�ض ًا �سوف تربز ال�صلة بني احلياة كعامل‬ ‫ال م�ت�ن��اه��ي والأح � ��داث ال �ت��ي ت ��روى ب�ضمري‬ ‫املخاطب يف بع�ض الأحيان متجاوز ًا ال�صيغة‬ ‫اجلماعية ب�صورة ق�صدية تتعلق يف ال�شكل‬ ‫الفني‪ /‬اجلمايل حلركية �شخو�صه وت�صاعدها‬ ‫احل��دث��ي‪ ،‬وعليه تكون ه��ذه الثنائية اجلدلية‬ ‫وجه ًا �آخر من �أوجه احلياة التي يُقربها الرائي‬ ‫ل ُت�صبح احل��دث الأب��رز يف نتاجاته الإبداعية‬ ‫ال�سحرية التي ت�شبه �سحر ال�صورة ال�شعرية‬ ‫بح�سب تعبري (اجل��رج��اين) وال �ت��ي ت�ضعنا‬ ‫كمتلقني يف حالة من التماثل كما �أ�سلفت �أعاله‬ ‫ويف بع�ض احلاالت جتعلنا بع�ض تو�صيفاته‬ ‫النقدية الالذعة يف حالة من الكوميديا ال�سوداء‬

‫بامل�صطلح امل�سرحي وهنا �أت��ذك��ر ه��ذا املقطع‬ ‫امل�ج�ت��زئ م��ن رواي ��ة خ��ري��ف ال�ب�ط��ري��اك الذي‬ ‫ي�ق��ول ف�ي��ه‪( :‬ك��ل ��ش��يء ل�ل�أغ�ن�ي��اء بالطبع وال‬ ‫�شيء للفقراء‪ ،‬لأنهم لن ميتلكوا �شيئ ًا مطلق ًا‬ ‫ويف ال �ي��وم ال ��ذي �سي�صري فيه ل �ل�براز �أدن��ى‬ ‫قيمة ف�إنهم �سوف يولدون من بدون م�ؤخرات)‬ ‫وكذلك مفردة (خــراء) كما وردت يف الرتجمة‬ ‫العربية والتي ينهي بها عمله املعروف لي�س‬ ‫لدى الكولونيل من يحاكمه فحني كان اجلرنال‬ ‫يف �أق�صى ح��االت العزلة والفاقة �أم��ر زوجته‬ ‫العجوز ب�إعطاء كل ما ميلكون من غ��ذاء �إىل‬ ‫ال��دي��ك وحينما ت�س�أله زوج�ت��ه م��اذا �سن�أكل؟‬ ‫ي�صرخ ق��ائ� ًلا خ ��راء‪ .‬خميلة غ��اب��ري��ل املذهلة‬ ‫�أ�ستمد منها الكثري من الق�ص�ص والأ�ساطري‬ ‫لي�شحن بها كتاباته للحد الذي جعله �أن يحقق‬ ‫�ألق ًا من�سجم ًا لهذا العامل الذي يطفو فوق الواقع‬ ‫بينما جذوره مت�أ�صلة فيه‪ ،‬فحني نتوغل عميق ًا‬ ‫يف �شخ�صياته الروائية و�أبعادها الإن�سانية‬ ‫وكينونتها جندها �أحيان ًا قا�سية يف التوغل‬ ‫بهذه الرحلة مع النف�س تارة ومع الآخ��ر تارة‬ ‫�أخ��رى يعك�سها لنا غابريل ع�بر لغة �سحرية‬ ‫مغرية‪ ،‬والإغ��راء ال��ذي �أق�صده هنا مت�أت من‬ ‫ال�شكل الفني الذي تولده حلظة الكتابة املتبوعة‬ ‫بلحظة القراءة والتي �سرعان ما تعود بالقارئ‬ ‫�إىل التوقف ملي ًا حتى ي�ستطيع امت�صا�ص‬ ‫انطباعاته الأوىل‪ ،‬هذا ما ميكن �أن تولده لغة‬ ‫و�أجواء غابريل لدى املتلقي الذي ين�شد الدقة‬ ‫الفكرية ليدرك يف الوقت نف�سه �أبعاد الر�سائل‬ ‫الإن�سانية املتعددة يف مواقفه احلياتية التي‬ ‫يعك�سها ويرتجمها تباع ًا يف نتاجاته الأدبية‪.‬‬ ‫�أحيان ًا ي�شتد بي االعتقاد لدرجة يدفعني �إىل‬ ‫ال �ق��ول مبنتهى احل ��زم‪� :‬أن ال ��ذي �سنحت له‬ ‫فر�صة قراءة غابريل بلغته الأ�صلية وذاك الذي‬ ‫يطلع على الرتجمة العربية لكتاباته الروائية‬ ‫ال بد له و�أن ي��درك اجلهد الكبري ال��ذي يبذله‬ ‫املرتجم للمحافظة على روح الن�ص الأ�صلي‬ ‫بلغة عربية جميلة واجلمال الذي �أق�صده هنا‬ ‫لي�س جمال ال�شكل �أو املفردة وح�سب بل جمال‬ ‫االختيار الدقيق للمفردة العربية التي متتلك من‬ ‫املو�سيقى الداخلية ما ينا�سب �أو يوازي مفردة‬ ‫غابريل و�أجواءه ال�سحرية التي ال تنف�صل عن‬ ‫بع�ضها البع�ض �إذ �أن مفردة غابريل ــ كما يبدو‬ ‫يل ــ تدل على �أجوائه كما تر�شدنا �أجوا�ؤه ــ يف‬ ‫الوقت نف�سه ــ �إىل مفرداته ورمبا ميكن للقارئ‬ ‫اجلاد �أن يت�صور ذلك اجلهد اخلرايف للمرتجم‬ ‫ــ باعتبار �أن الرتجمة واجب �أخالقي‪ /‬معريف‬ ‫قبل �أي تو�صيف �آخ��ر ح�سب �صبحي حديدي‬ ‫وهذه الإ�شارة املهمة تدفعني ال�ستي�ضاح �أمر‬ ‫الرتجمة من خ�لال ما ذه��ب �إليه اجلاحظ يف‬ ‫ه��ذا الأم ��ر مو�ضح ًا ذل��ك يف ه��ذا التعليق‪...‬‬

‫يقول الفرن�سيون من �أن الرتجمة خيانة ولكن‬ ‫اجل��اح��ظ ي�ستدرك ذل��ك ف�ي�ق��ول‪ ...‬ال ميكن �أن‬ ‫ترتجم من لغة �إىل �أخ��رى �إال مبا يوازيها �أو‬ ‫مياثلها فاال�ستحالة اجلاحظية �أذن حتى تلك‬ ‫املتعلقة بال�شعر لي�ست مطلقة بل هي مقيدة �إىل‬ ‫حد كبري مبا يوازيها �أو مياثلها على الأرجح‬ ‫يف الن�ص الأ�صلي ــ ال��ذي يعك�س ب�صورة �أو‬ ‫ب ��أخ��رى امل�ع�ل��وم��ات ال�ت��ي ت��زخ��ر بها رواي ��ات‬ ‫غابريل والتي تعك�س �أي�ض ًا ثقافته املو�سوعية‬ ‫خا�صة �إذا ما تعرفنا على م�صادره املعرفية‬ ‫والثقافية و�أفكاره ومواقفه‪.‬‬ ‫ك��ل ع�ب��ارة �أو م�ف��ردة يف رواي��ات��ه لها دالالتها‬ ‫املدرو�سة وم��ع ه��ذا ف��إن �شخ�صياته الروائية‬ ‫لي�س �شخ�صيات على الورق ــ من منا ي�ستطيع‬ ‫�أن ين�سى (فلورنيتنو اريثا) عا�شق غابريل يف‬ ‫رواي��ة احلب يف زمن الكولريا �أو الكولونيل‬ ‫(�أورالن ��دو بيونديا) ال��ذي �أجن��ب �سبعة ع�شر‬ ‫ابن ًا من �سبع ع�شرة امر�أة كلهم ماتوا يف اليوم‬ ‫نف�سه عدا واح��د هو ماركيز ــ �إنها �شخ�صيات‬ ‫تبدو حقيقية ب�سلوكياتها اخلرافية نتفاعل‬ ‫معها ونعي�ش حيواتها يف رحلتها الإن�سانية‬ ‫الوا�سعة و�شرورها وحتى عاطفيتها ورمبا‬ ‫لهذا ال�سبب بالدرجة الأوىل جند �أن �أعماله قد‬ ‫متثلت فر�صة نادرة للكثري ممن هم حري�صون‬ ‫على اق�ت�ن��اء ه��ذه الأع �م��ال وق��راءت�ه��ا مبنتهى‬ ‫احلر�ص واملتعة‪ .‬هذه املقالة ج��اءت كما بدى‬ ‫يل نتيجة لتعدد القراءات ولكن غايتها الأوىل‬ ‫هي القاء نظرة نتمى �أن نفي بع�ض �أغرا�ضها‬ ‫املتعلقة ب�أدب غابريل الروائي وهي ت�ستهدف‬ ‫يف الوقت نف�سه التعرف على قيمة �إجنازاته‬ ‫ال��روائ �ي��ة ب �� �ص��ورة م��وج��زة ب�ع����ض ال�شيء‪،‬‬ ‫فرواياته الذائعة ال�صيت جـّلها متتلك �ش�أن ًا فني ًا‬ ‫كبري ًا يقنعنا ــ كمتلقني ــ بقدراته الأدبية التي‬ ‫ال تقل �ش�أن ًا عن قدرات زمالئه من كتاب �أمريكا‬ ‫الالتينية على �سبيل امل �ث��ال‪� :‬أ�ستوريا�س‪/‬‬ ‫ماريا فارغا�س‪ /‬خورخي �أم��ادو‪ /‬كورتازار ‪.‬‬ ‫لعلها م�صادفة غريبة نوعا ما تلك التي جعلت‬ ‫م��ن قرية (م��اك��ون��دو) املن�سية �أن ت�شتهر من‬ ‫خالل روايته مائة عام من العزلة مثلما �أ�شتهر‬ ‫نهر (بويب) ال�صغري جد ًا من خالل �شعر بدر‬ ‫�شاكر ال�سياب وه��ذه املالحظة اجلميلة �سبق‬ ‫�أن �أ�شار �إليها يف فرتة الثمانينيات يف جريدة‬ ‫اجلمهورية البغدادية ال�شاعر العراقي عبد‬ ‫الرحمن طهمازي يف مقال له عن غابريل وهنا‬ ‫�أحببت �أن �أ�شري لذلك من باب التذكري لي�س �إال‪.‬‬ ‫يقول غابريل يف مذكراته (ع�شت لأروي) معلق ًا‬ ‫على مو�ضوع امل��وت‪ ..‬من �أن امل��وت �سيكون‬ ‫التجربة الوحيدة التي لن �أمتكن من الكتابة‬ ‫عنها ‪ ،‬ويف هذه احلالة هل ن�ستطيع �أن نقول‬ ‫بنا ًء على قوله هذا من �أنه قد �أ�ست�سلم ملو�ضوع‬ ‫املوت مثلما �أ�ست�سلمت احل�ضارة له وهل كان‬ ‫عليه يف الوقت نف�سه �أن يعلن احتجاج ًا ولو‬ ‫عابر ًا ملثل هكذا مو�ضوعات �أو �أن يرف�ض معنى‬ ‫�أن ميوت الإن�سان وي�أخذ بهذه ال�سهولة �إىل‬ ‫القرب ثم ما حاجة الكاتب �إىل الكتابة �إذا كان‬ ‫متيقن ًا من موته‪ ،‬هل هو بحث عن �شكوك جديدة‬ ‫ولي�س بحث ًا عن يقني‪ ،‬فال�شك هو حالة �إبداعية‬ ‫متنحنا دميومة التوا�صل يف الكتابة عن احلياة‬ ‫وهل �أراد �أن يثبت لنف�سه �أن الكتابة هي نوع‬ ‫من �أن��واع مقاومة هذه امليتات التي يتعر�ض‬ ‫لها الإن�سان يومي ًا وهي بدورها تعوي�ض عن‬ ‫الكثري من املفقودات‪ ،‬فاحلياة واملوت يربزان‬ ‫بالن�سة �إليه كما �أرى �شرطان مت�صالن‪ ،‬بحيث‬ ‫الحياة بال م��وت وال م��وت بال حياة واملعادل‬ ‫احلقيقي بينهما هو الكتابة‪ ،‬فالكتابة هنا هي‬ ‫املنقذ من املوت �أو مبثابة طوق جناة من العدم‪،‬‬ ‫ولأن �أح�سا�س الكاتب على ما يبدو مهدد بالفناء‬ ‫دائم ًا وهذا هو ال�سر يف جتربة املوت التي لن‬ ‫ي�ستطيع الكتابة عنها حني تخطر يف بال هذا‬ ‫املبدع‪ ،‬يبدو �أي�ض ًا �أن غابريل بهذه الإ�شارة‬ ‫املقلقة قد عزم �أم��ره على �إقامة جنته اخلا�صة‬ ‫على الأر���ض من خالل الكتابة‪ ،‬ثمة غرام كبري‬ ‫�أو عهد م�برم مع الكتابة مينحه تكيف ًا معين ًا‬ ‫من نوع ما ال تنهيه مالمح انت�صار املوت على‬ ‫احلياة‪ /‬الكتابة‪ ،‬وهل ثمة مهنة �أخرى للموت‬ ‫غري تدمري معامل احلياة؟‬

‫‪5‬‬

‫الوجـه الخفـي لماركيـز‬ ‫ترجمة‪ :‬عدوية الهاليل‬ ‫يعبد املاليني من القراء يف خمتلف انحاء العامل م�ؤلف رواية (مئة‬ ‫عام من العزلة) لكن القليل منهم فقط يعرفون مناطق الظل اخلفية‬ ‫يف حياته التي ك�شفها م�ؤخرا الكاتب الربيطاين جريالد مارتن يف‬ ‫�سرية تليق بالكاتب الكولومبي ال�شهري غابرييل غار�سيا ماركيز‬ ‫خا�صة وانها ا�ستغرقت ‪ 17‬عاما من العمل امل�ستمر‪ .‬ذات يوم‪ ،‬قال‬ ‫ال�شاعر الفارو موتي�س ان حياة ماركيز تتجاذبها ثالث مراحل‬ ‫متداخلة‪.‬‬ ‫املرحلة ال�شعبية واخلا�صة وال�سرية‪ ..‬واليوم وبعد ان بلغ الثانية‬ ‫والثمانني من عمره‪ ،‬مازال ماركيز ي�ستمتع بخداع عامله وازالة‬ ‫الغ�شاوة عن عينيه يف الوقت ذاته يف مبالغة ي�صعب ت�صديقها‬ ‫وتالعب موفق يف نقل احلقائق اجل��ارح��ة‪ ،‬فعلى �سبيل املثال‪،‬‬ ‫مازال م�ؤلف �سرية ماركيز يت�ساءل ان كان الروائي الكولومبي‬ ‫يوا�صل الكتابة كما يدعي ام انه القى بقلمه نهائيا ؟‬ ‫مييل اال�ستاذ اجلامعي جريالد مارتن ال��ذي ال��ف �سرية ماركيز‬ ‫اىل ال��وث��وق ب��ه حم��اوال الربهنة على ا�ستثنائية ح�ي��اة "غابو‬ ‫"‪-‬ا�سم التدليل ملاركيز –غري القابلة للت�صديق‪" ..‬هذا هو غابو‬ ‫‪..‬انه يروي الق�ص�ص با�ستمرار "‪..‬كان والده االقطاعي غار�سيا‬ ‫ماركيز يردد دائما‪ ،‬لكنه خمرتع حلبكات غريبة يف كتاباته كما يف‬ ‫حياته‪..‬وكان الكاتب الكولومبي قد وافق على ت�صنيفه ك�ساحر‬ ‫او م�شعوذ لأخرتاعه طريقة مبتكرة يف الكتابة ولبلوغه الذروة‬ ‫يف التعبري االدبي وال�سيا�سي اي�ضا‪ .‬يف عام ‪ ،1982‬ح�صل على‬ ‫جائزة نوبل ل�ل�آداب‪ ،‬وك��ان ماركيز قد بدا حياته ك�صحفي المع‬ ‫ثم مار�س كتابة ال�سيناريو وتخ�ص�ص بعدها يف االعالنات‪ ،‬كما‬ ‫كان و�سيطا و�سيا�سيا وكاتبا دراميا ون�صريا ل�ل�آداب والفنون‬ ‫ف�ضال عن تا�سي�سه مدر�سة لل�سينما يف كوبا ومعهدا لل�صحافة يف‬ ‫كارتاجني ‪....‬طاف ماركيز حول االر�ض يف فرتة كان ال�سفر فيها‬ ‫�صعبا وكان ذلك مفخرة حقيقية بالن�سبة ل�صحفي الميلك ماال كافيا‬ ‫واليجيد التحدث باالنكليزية ‪ .‬وعمل وقتها يف �صحيفة (هونغري)‬ ‫ال�شيوعية و(باري�س) الالتينية ومثلتا بالن�سبة له مرحلتني مهمتني‬ ‫يف حياته‪ ،‬اوال ب�سبب �سذاجة ال�صحفي ال�شاب املتاثر بال�سلطة‪،‬‬ ‫وثانيا ب�سبب ال�ع��وز ال�شديد ال��ذي عا�شه ‪ ..‬مل يبتكر ماركيز‬ ‫�شيئا يف كتاباته بل ا�ستوحى كل �شيء من حياته‪ ،‬وبالن�سبة ملن‬

‫يجهلونها‪ ،‬فان ماكوندو موجود ة ‪..‬تلك القرية الغريبة يف رواية‬ ‫( مئة عام من العزلة ) والقريبة من مدينة اراكتيكا التي ولد فيها‬ ‫غابو عام ‪ ،1927‬وهي منطقة زراعية مثمرة غزتها حملة امريكية‬ ‫وقتل فيها مئات العمال بعد قيامهم با�ضراب �شعبي عام ‪..‬هناك‪،‬‬ ‫تربى غابيتو ال�صغري يف كنف جده الكولونيل ثم انتقل اىل ح�ضن‬ ‫والديه وهما اللذان ا�ستوحى منهما ق�صة العا�شقني يف روايته‬ ‫الرائعة ( احلب يف زمن الكولريا ) ليرتبى مع ا�شقائه و�شقيقاته‬ ‫الع�شرة يف مقاطعة كارتاجني ‪ ..‬منذ الطفولة‪ ،‬ب��د�أت �آث��ار عامل‬ ‫ماركيز االدب��ي حيث البيئة االجتماعية القا�سية و�سحر ال�سلطة‬ ‫وعائلة ي�سيطر عليها االميان باخلرافات وال�ضحك واخلوف من‬ ‫املوت ‪..‬وحيث اال�سطورة اجمل من الواقع ‪ ..‬بعد �سرد طفولته‬ ‫يتوقف كاتب ال�سرية جريالد مارتن بعد ذلك عند موهبة ماركيز‬ ‫االدبية لكنه الميتلك ا�سلوبه الالمع فريويها بطريقته م�شريا اىل‬ ‫التاثريات ال�سيا�سية فيها مابني عام ‪ 1940‬واعوام االلفية الثالثة‬ ‫‪ ..‬لقد ب��دات عالقة ماركيز بال�سيا�سة م��ذ ك��ان طالبا يف الكلية‬ ‫فعدم ح�صوله على املال يحرمه من املنحة الدرا�سية ويبعده عن‬ ‫الكتابة ‪..‬بعدها ب��دات مرحلة االرتباطات ال�سيا�سية والثورات‬ ‫واال�شرتاكية االمريكية –الالتينية ومتويل الزمر امل�سلحة يف‬ ‫فنزويال واخريا عالقاته مع ذوي النفوذ من امثال ميرتان وملك‬ ‫ا�سبانيا وكلينتون وفيدل كا�سرتو و�صداقته مع القائد ماك�سيمو‬ ‫‪ ...‬مابني عامي ‪ 1967‬و‪،1985‬ب��دا ماركيز ي�شكل خطرا وخ�ضع‬ ‫لتج�س�س املخابرات املك�سيكية عليه ومنعته الواليات املتحدة من‬ ‫دخول ارا�ضيها‪ ،‬لكن ماركيز مل يجابه تلك املواقف باحلقد بل تفرغ‬ ‫للكتابة وابهار العامل بواقعيته ال�سحرية مانحا امريكا الالتينية‬ ‫هوية م�ستقلة متاما ‪...‬وال�ي��وم‪ ،‬يعي�ش ماركيز يف املك�سيك مع‬ ‫زوجته مار�سيد�س وميتلك دزينة من املنازل املتوا�ضعة احلجم‬ ‫‪ ..‬ت�ضم ال�سرية اي�ضا عالقته مع ولديه االثنني ونظرته للن�ساء‬ ‫و�سبب رف�ض املخرج الياباين اك�يرا كورا�ساوا حتويل روايته‬ ‫(خريف البطرياك ) اىل فيلم �سينمائي ‪..‬وت�ضم اي�ضا تعليقات‬ ‫البع�ض على ا�سلوبه ومنها ماقاله توما�س بين�شون (اوه ‪...‬تبا‬ ‫له ‪..‬ياله من كاتب جيد)! حملت ال�سرية عنوان (غابرييل غار�سيا‬ ‫ماركيز ‪...‬حياة )‪ .‬ومت ن�شرها يف دار ن�شر غرا�سييه الفرن�سية‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪6‬‬

‫العدد (‪)2285‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )22‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2285‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )22‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫ها هو يقرتب من الثمانني‪ ،‬ال�شخ�ص الأكرث �شعبية يف مناطق وا�سعة من �أمريكا‬ ‫الالتينية‪ ،‬وواحد من الأدباء القالئل يف العامل الذين يزاحمون فناين ال�سينما‬ ‫والريا�ضيني على ال�شهرة والنجومية‪ ..‬غابريل غار�سيا ماركيز املولود يف بلدة‬ ‫�أراكاتاكا يف كولومبيا يف العام ‪ ،1928‬يعدّ ه مواطنوه رمزاً للكرامة القومية ومفخرة‬ ‫للوطن‪ ،‬له عالقات وا�سعة مع �أ�صحاب ال�سلطة يف بلدان خمتلفة‪ ،‬وحتى مع ر�ؤ�ساء‬ ‫ع�صابات‪ ،‬وهو مو�ضع ثقة دائمة حتى عند �أكرث الأ�شخا�ص ت�شكك ًا مثل فيدل‬ ‫كا�سرتو‪ ،‬وقد ُك ِّلف مرات عدة ليكون و�سيط ًا للتفاو�ض بني اجلهات املتعادية‬ ‫واملتقاتلة بال�سالح‪ .‬وينتقده بع�ضهم كونه يحب التقرب من ال�سلطة على الرغم‬ ‫من �أنه ال يحبها‪ ،‬وي�ستمتع ب�أداء دور الو�سيط يف الأزمات‪ .‬وكولومبيا التي �أنهكتها‬ ‫احلرب الأهلية طوال قرن �أو �أكرث منذ ا�ستقاللها عن �إ�سبانيا يف عام ‪ 1819‬وما زالت‬ ‫تعاين من الفقر وجتارة املخدرات وال�صراعات ال�سيا�سية الدامية وانت�شار الع�صابات‬ ‫بقيت املادة اخلام الأ�سا�سية لرواياته‪ ،‬ال �سيما يف البيئة التي عا�ش فيها (قريته‬ ‫�أراكاتاكا) التي �أن�ش�أ مبخياله اخل�صب مكان ًا موازي ًا لها يف �أعماله الروائية الكبرية‬ ‫ف�ضاء حي ًا جلزء مهم من عامله الروائي‪.‬‬ ‫وهي (ماكوندو) لتكون‬ ‫ً‬

‫منزل الكولونيل �سيطلب ح�شي�ش ًا لي�أكل‪،‬‬ ‫وحني ت�س�أله زوجة الكولونيل؛ �أي نوع من‬ ‫احل�شي�ش يق�صد؟ �سيقول‪" .‬ح�شي�ش عادي‬ ‫ي��ا �سيدتي‪ ،‬م��ن ذل��ك ال�ن��وع ال��ذي تتعاطاه‬ ‫احلمري‪ .‬عا�صفة �ص‪. 28‬‬ ‫ت�ستحوذ ثيمتا احلب واملوت على الروايتني‬ ‫كما ه��ي احل��ال يف معظم رواي ��ات ماركيز‪،‬‬ ‫على ال��رغ��م م��ن �أن ثيمة امل��وت ت�ب��دو �أكرث‬ ‫ب ��روز ًا يف (عا�صفة الأوراق)‪ ،‬فيما تربز‬ ‫يف رواي��ة (ذاك��رة غانياتي احلزينات) ثيمة‬ ‫احل��ب‪ ،‬وميكن �أن نقول �أن ما ن�ست�شفه من‬ ‫خ�ل�ال ق ��راءة ال��رواي��ة الأوىل ه��و مع�ضلة‬ ‫غياب احلب‪ ،‬فامليل �إىل التوحد يف �شخ�صية‬ ‫الطبيب رمب��ا ك��ان ب�سبب الأنانية‪� ،‬أو عدم‬ ‫القدرة على التوا�صل‪ ،‬وقد يكون ب�سبب عدم‬ ‫ال�ق��درة على احل��ب‪� ،‬أو يف الأق��ل ف�شل تلك‬ ‫ال�شخ�صية يف �إظ�ه��ار ه��ذا احل��ب والتعبري‬ ‫عنه‪ ،‬مما و ّل��د لديه تلك النزعة املدمرة �إىل‬ ‫االختباء خلف جدران بيته واال�ستغراق يف‬ ‫حالة من العدمية‪ .‬و�إذ بد�أ حياته يف ماكوندو‬ ‫طبيب ًا ميار�س مهنته بجدية ف�إن جميء �شركة‬ ‫امل��وز �إىل البلدة وقيام م�ؤ�س�سات جديدة‪،‬‬ ‫منها عيادة خا�صة بالعمال �أ��ص��اب مهنته‪،‬‬ ‫ط�ب�ي�ب� ًا‪ ،‬ب��ال�ك���س��اد‪ ،‬وح�ي�ن غ���ادرت ال�شركة‬ ‫انكف�أ الطبيب على نف�سه ورف����ض العودة‬ ‫�إىل ممار�سة املهنة ثانية حتى حني �أح�ضر‬ ‫الأهايل �إىل بابه عدد ًا كبري ًا من اجلرحى من‬ ‫الذين �سقطوا‪ ،‬ملا اجتاح الربابرة امل�سلحون‬ ‫م��اك��ون��دو‪ ،‬وع���ص��ف ب��ال�ب�ل��دة ذل��ك الرعب‪،‬‬ ‫قال‪" :‬لقد ن�سيت كل ما له �صلة بهذه املهنة‪،‬‬ ‫فخذوهم �إىل مكان �آخر" عا�صفة �ص‪.127‬‬ ‫وك��اد الأه ��ايل ي�شعلون البيت ويحرقونه‬ ‫وهم يرون رجالهم ون�ساءهم ميوتون‪ ،‬فظهر‬ ‫(�ألبب) الق�س الذي جاء يف اليوم نف�سه الذي‬ ‫جاء فيه الطبيب �إىل البلدة ليحول دون تنفيذ‬ ‫ما رامت النا�س القيام به‪ .‬ومنذ ذلك احلني‬ ‫�أ�صبح الطبيب مو�ضع كراهية �شديدة من‬ ‫�أه��ل ماكوندو الذين �صبّوا عليه اللعنات‪،‬‬ ‫وقرروا �أن يرتكوه �ساعة ميوت ليتعفن يف‬ ‫بيته من غري �أن يُدفن حتى تنت�شر رائحته‬ ‫الكريهة يف الأرج� ��اء‪ .‬وال�ت��وت��ر يف ال�سرد‬ ‫يكمن‪ ،‬ه��ا هنا‪ ،‬وع��د الكولونيل ل��ه بدفنه‪،‬‬ ‫ورغبة �أهل ماكوندو مبعاقبته بتلك الطريقة‬

‫�سعد حممد رحيم‬

‫ب�����ي�����ن رواي�����ت�����ي�����ن‬ ‫يف بلد ه��و املتفائل فيه يف بلد م�ضطرب‬ ‫م�ث��ل ه ��ذا‪ ،‬وال���ذي ي �ق��ول ع�ن��ه �أن ��ه املتفائل‬ ‫الوحيد فيه‪ ،‬ا�شتغل ماركيز يف ال�صحافة‬ ‫منذ اخلم�سينيات بعد �أن اكت�شف يف نف�سه‬ ‫موهبة الكتابة مبكر ًا‪ ،‬ومل ي�ستطع �إكمال‬ ‫درا��س�ت��ه اجلامعية يف ال�ق��ان��ون ن��زو ًال عند‬ ‫رغ �ب��ة �أب �ي��ه‪ ،‬ت��ارك � ًا اجل��ام�ع��ة ال��وط�ن�ي��ة يف‬ ‫بوغوتا التي التحق بها‪ ،‬ف�سافر كثري ًا �إىل‬ ‫�أوروب��ا و�أمريكا حتى قبل �أن ينال ال�شهرة‪،‬‬ ‫وكان مراقب ًا ذكي ًا ملا يحدث حوله بعدما متثل‬ ‫تاريخ بلده والقارة احلديث‪ ،‬ووعى جذور‬ ‫امل�شكلة بح�س مارك�سي يف الغالب‪ ،‬وفهم لغز‬ ‫ال�سلطة كما ي�ؤكد‪ ،‬فكتب عمليه الكبريين‪:‬‬ ‫(مائة ع��ام من العزلة) وه��ي ترنيمة �شيقة‬ ‫وحزينة عن املع�ضلة الب�شرية‪ ،‬عن الب�شر يف‬ ‫حبهم وكرههم وق�سوتهم وغرابة �أطوارهم‬ ‫ومعتقداتهم املت�شربة باخلرافة‪ ،‬وعزلتهم‬ ‫يف بيئة ت�سودها �أج��واء �سحرية وموتهم‪.‬‬ ‫ورواية (خريف البطريرك) التي كانت هجا ًء‬ ‫مقذع ًا‪� ،‬أ�شبه م��ا تكون بكوميديا �سوداء‪،‬‬ ‫لل�سلطة امل�ستبدة يف �أنانيتها وق�سوتها‬ ‫ودناءتها و�أوهامها وعزلتها‪ ،‬وما حتمل يف‬ ‫�أح�شائها من بذور دمارها ودمار ما يحيطها‪.‬‬ ‫ي�شري ماركيز يف �أك�ثر من منا�سبة �إىل �أن‬ ‫م��ا كتبه م��ن �أ��ش�ي��اء و�أح���داث وم�ف��ارق��ات ال‬ ‫معقولة وغريبة مل تكن من بنات خياله و�إمنا‬ ‫ا�ستلهمها وا�ستمدها من الواقع الذي عا�شه‪،‬‬ ‫و�أن �أي �سائق تاك�سي يف كولومبيا ميكن‬ ‫�أن يحكي لك ــ كما يقول ــ ما حكاه هو يف‬ ‫رواياته وق�ص�صه‪ ،‬هو املغرم باحلكايات‪ ،‬هو‬ ‫الذي ترعرع يف منزل ُت�سرد فيه احلكايات‪،‬‬ ‫وبيئة منتجة لكل م��ا ه��و خ��ارق وخ��رايف‬ ‫و�ساحر‪ .‬فماركيز اب��ن جتربته الغنية وقد‬ ‫وهبه الله القدرة على احلكي‪ ،‬ووجد هدف‬ ‫حياته يف �أن يحكي‪ ،‬فعا�ش ليحكي‪.‬‬

‫ع�شت الحكي‬

‫(ع�شت لأحكي‪� ،‬أو لأروي) ه��ذا هو عنوان‬ ‫ك�ت��اب �سريته ال��ذي و�ضعه بعدما علم �أنه‬ ‫م���ص��اب ب��ال���س��رط��ان‪ ،‬و�أن���ه ق��ري��ب ج ��د ًا من‬ ‫ال� ��وادي الأخ�ي�ر وه��و يهبط �سفح احلياة‬ ‫من اجلهة الأخ��رى‪ ،‬على حد تعبري هريمان‬ ‫هي�سه‪ .‬وم��ا يبغي ماركيز �أن ي��روي��ه على‬ ‫ال��دوام‪ ،‬يف معظم �أعماله املعروفة‪ ،‬هو فعل‬ ‫الزمن يف الإن�سان‪ ،‬فعله يف عقله وروحه‪،‬‬ ‫يف م��زاج��ه ورغباته و�أف �ك��اره‪ ،‬م��ع مقاومة‬ ‫ال تهادن �ضد ذلك الفعل‪ ،‬و�ضد الزمن‪ .‬فيما‬ ‫جت ��رى ا� �س �ت �ع��ادة دائ �م��ة ل �ل��ذك��ري��ات مغلفة‬ ‫بالأ�سى وال�شجن‪ ،‬وببع�ض الأ�سف والندم‪،‬‬ ‫ف��أن��ا���س م��اك��ون��دو ال�صامتون كما ي�صفهم‬ ‫ماركيز يف رواية (عا�صفة الأوراق) هدتهم‬

‫الذكريات‪ ،‬وهم يف عزلتهم‪ ..‬ما فقدوه‪ ،‬وما‬ ‫يتوهمون �أنه كان لهم وفقدوه‪ .‬ومبعنى ما‬ ‫ف�إن روايات ماركيز تدور‪ ،‬يف حقيقتها‪ ،‬حول‬ ‫العزلة وال�ف�ق��دان‪ .‬عمّا ك��ان و��ض��اع‪ .‬ه��ذا ما‬ ‫يحدث للكولونيل‪ ،‬يف �سبيل املثال‪ ،‬يف رواية‬ ‫(لي�س لدى الكولونيل من يكاتبه) وللجرنال‬ ‫بوليفار يف رواي��ة (اجل�ن�رال يف متاهته)‪،‬‬ ‫وكذلك للكولونيل بوينديا يف رواي��ة (مائة‬ ‫عام من العزلة)‪.‬‬ ‫ث�م��ة �إ���ص��رار غ��ري��ب يطبع ��س�ل��وك ك�ثر من‬ ‫��ش�خ���ص�ي��ات م ��ارك� �ي ��ز‪� ..‬إ�� �ص���رار �صبور‪،‬‬ ‫�صادم‪ ،‬ويكاد يكون ال معقو ًال‪� ،‬أحيان ًا‪ ..‬يف‬ ‫رواي��ة (احل��ب يف زم��ن الكولريا) �سينتظر‬ ‫(فلورنتينو �أري �ث��ا) ن�صف ق��رن‪ ،‬و�سيكون‬ ‫�إذ ذاك يف اخلام�سة وال�سبعني من عمره‪،‬‬ ‫ليف�صح لـ (فريمينا داثا) عن حبه ك ّرة �أخرى‪.‬‬ ‫ليجدد عهد وفائه‪ ،‬مثلما �سيعرتف‪ ،‬للمر�أة‬ ‫التي رف�ضته بعد و��ص��ال ق�صري‪ ،‬ح�ين كان‬ ‫يف اخلام�سة والع�شرين‪ ،‬وتزوجت غريه‪،‬‬ ‫ف �ق��رر ه��و م��ن ي��وم�ه��ا �أن ال ي �ت��زوج ريثما‬ ‫ميوت زوجها‪ ،‬والذي �سيموت بعد خم�سني‬ ‫�سنة‪ .‬ه�ك��ذا‪ ،‬مت�شبث ًا باحلياة‪ ،‬على الرغم‬ ‫من ال�شيخوخة‪ .‬وها هو راو رواية (ذاكرة‬ ‫غانياتي احل��زي�ن��ات) يعلن منذ ال�ب��دء "يف‬ ‫ال�سنة الت�سعني من �سنوات حياتي‪ ،‬رغبت‬ ‫يف �أن �أه��دي �إىل نف�سي ليلة حب جمنون‪،‬‬ ‫م��ع م��راه�ق��ة عذراء" ���ص‪ .7‬ه��و ال�صحايف‬ ‫الذي يكتب عمود ًا �أ�سبوعي ًا منذ عقود طوال‬ ‫يف �صحيفة حملية‪� ،‬سيكون عليه �أال يجعل‬ ‫مقاله يف ذكراه "جمرد ح�سرة على ال�سنوات‬ ‫ال��ذاه �ب��ة‪ ،‬و�إمن� ��ا ال�ع�ك����س مت ��ام� � ًا‪ .‬متجيد‬ ‫ال�شيخوخة" ذاك ��رة �� ��ص‪� ..11‬إن ��ه يعي‬ ‫مدى اخل��راب الذي تركته‬ ‫ال�����س��ن��ون‬ ‫ع� � � �ل�� � ��ى‬ ‫ج �� �س��ده‪،‬‬ ‫وح� � �ي� � ��ن‬ ‫ي� �ن� �ظ ��ر يف‬ ‫امل� ��ر�آة يرى‬ ‫" ا حل�صا ن‬ ‫الذي نظر �إ ّ‬ ‫يل‬ ‫م � ��ن اجل���ان���ب‬ ‫الآخ � ��ر‪ ،‬مل يكن‬ ‫ميت ًا و�إمنا كئيب ًا‪،‬‬ ‫ول � ��ه غ��ب��ب حتت‬ ‫ذقنه كغبب البابا‪،‬‬ ‫وجفنان منتفخان‪،‬‬ ‫ون��ا��ص�ي��ة املو�سيقي‬ ‫ال� �ت���ي ك���ان���ت ل� ��ه قد‬ ‫تهدلت‪ "..‬ذاكرة �ص‪ .27‬لكنه‪ ،‬يف الوقت‬ ‫نف�سه‪ ،‬غ�ير حم�ب��ط‪ ،‬ويحمل ب�ين جوانحه‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫مقدار ًا هائ ًال من الرغبة يف اال�ستمرار‪.‬‬ ‫�شيّد ماركيز عامل ًا روائي ًا خا�ص ًا به‪ ،‬لي�س من‬ ‫خالل اللغة والأ�سلوب ومنط ال�شخ�صيات‬ ‫وبناء احلدث وطرق ال�سرد وح�سب‪ ،‬و�إمنا‬ ‫عرب �إيجاد �أر�ضية جغرافية وتاريخية متعينة‬ ‫لذلك ال�ع��امل‪ ،‬مت��ام� ًا مثلما فعل وليم فوكرن‬ ‫حني اختلق �إط��ار ًا مكاني ًا لرواياته مقاطعة‬ ‫متخيلة ا�سمها (يوكنا باتاوفا) وهي ت�شبه‪،‬‬ ‫�إىل حد بعيد‪ ،‬املقاطعة التي ولد وعا�ش فيها‬ ‫(نيو �ألباين قرب �أك�سفورد يف امل�سي�سبي)‪،‬‬ ‫ل�ت�ت�ك��رر الأ���س��م��اء و�أج� � ��زاء م��ن الأح� ��داث‬ ‫امل� ��� �س ��رودة ب�ي�ن بع�ض‬ ‫م��ن رواي��ات��ه وق�ص�صه‬ ‫ال �ق �� �ص�يرة‪ ..‬باملقابل‬ ‫ابتدع ماركيز قرية‪،‬‬ ‫�أو بلدة (ماكوندو)‬ ‫وهي ت�شبه �أي�ض ًا‪،‬‬ ‫ال �ق��ري��ة ال �ت��ي ولد‬ ‫وع � ��ا� � ��ش ف �ي �ه��ا‪،‬‬ ‫وكان فوكرن �أحد‬ ‫ملهمي ماركيز‪.‬‬ ‫وماركيز نف�سه‬ ‫ي � �ع �ت�رف يف‬ ‫م �ق��اب �ل��ة مع‬ ‫ب �ي �ل �ي �ن �ي��و‬ ‫�أب� ��ول � �ي� ��و‬ ‫م� �ن���دوزا؛‬ ‫"�إن م�شكلتي مل‬ ‫تكن يف كيفية تقليد فوكرن‪ ،‬ولكن‬ ‫يف تدمريه‪ .‬لقد كان ت�أثريه ي�شل حركتي"‪.‬‬ ‫وقبل �أن ين�شر ماركيز روايته (مائة عام من‬ ‫العزلة) التي كانت ال�سبب يف ذيوع �شهرته‬

‫وح�صوله على جائزة نوبل للآداب (‪)1982‬‬ ‫كتب ون�شر ب�ضعة �أعمال روائية مل ترث اهتمام‬ ‫القراء والنقاد منها (لي�س لدى الكولونيل من‬ ‫يكاتبه‪ ،‬حكاية غريق‪ ،‬عا�صفة الأوراق) بيد‬ ‫�أن هذه الأعمال مل تلفت �إليها االنتباه �إال بعد‬ ‫�صدور وانت�شار �أعماله الكبرية‪.‬‬

‫عا�صفة االوراق‬

‫تنتمي رواي��ة (عا�صفة الأوراق)* �إىل تلك‬ ‫الفرتة املبكرة من حياة ماركيز الإبداعية‬ ‫ح�ي��ث ك��ان ي�شتغل يف ال�صحافة ويعاين‬ ‫العوز والإه�م��ال‪ ..‬كان يف تلك الآون��ة �أكرث‬ ‫ح��ري��ة وه��و��س� ًا بالتجريب‪ ،‬و�إق ��دام� � ًا على‬ ‫املغامرة‪ ،‬هو الذي بقي يج ّرب ويغامر‪ ،‬و�إن‬ ‫بدرجة �أق��ل‪ ،‬كلما ذاع �صيته �أك�ثر و�ضغط‬ ‫عليه هاج�س االحتفاظ بامل�ستوى الإبداعي‬ ‫العايل لكل عمل جديد حا�سب ًا ح�ساب نقاده‬ ‫املرتب�صني ومتلقيه املنتظرين الذين يريدون‬ ‫من احلا�صل على جائزة نوبل للآداب ما هو‬ ‫متقن ورائع ويقرتب من الكمال‪� ،‬إىل جانب‬ ‫العبء ال��ذي يفر�ضه �إ��ص��دار ب�ضع روايات‬ ‫كبرية مدوية‪ ،‬حيث جتري املقارنة القا�سية‬ ‫بني ما ُكتب و�صدر قب ًال‪ ،‬وم��ا ُكتب و�صدر‬ ‫الآن‪ .‬واجلزء الأخري من هذا الكالم ينطبق‬ ‫على رواية ماركيز اجلديدة (ذاكرة غانياتي‬ ‫احلزينات)** التي تعك�س �أ�سلوب ماركيز‪،‬‬ ‫ومقدرته الفذة يف ال�سرد الروائي‪ ،‬وحتمل‬ ‫ب�صماته‪ ،‬لكنها لن ت�صمد بعدِّها عم ًال كبري ًا‬ ‫�إزاء روايات ماركيز الأخرى التي ذكرناها‪.‬‬ ‫�أما (عا�صفة الأوراق) فتبدو وك�أنها تره�ص‬ ‫لرواية (مائة عام من العزلة) فهناك القرية‬ ‫عينها التي جتري فيها الأح��داث (ماكوندو)‬

‫و�إ�شارة �إىل الكولونيل بوينديا‪ ،‬ف�ض ًال عن‬ ‫امل�سحة ال�سحرية الغرائبية التي تفعم �أجواء‬ ‫ال��رواي��ة‪ ،‬ول�غ��ة ال��روائ��ي املتدفقة بجملها‬ ‫الطوال‪ ،‬وا�ستعاراتها املده�شة‪ .‬ومقطع مثل‬ ‫هذا م�ستل من (عا�صفة الأوراق) ال بد من �أن‬ ‫يذ ِّكر بـ (مائة عام من العزلة)‪:‬‬ ‫"هناك وق��ت تنقطع فيه ف�ترة القيلولة‪،‬‬ ‫وت �ت��وق��ف �أث �ن��اء ذل ��ك ح�ت��ى �أدق احلركات‬ ‫ال�سرية‪ ،‬اخلفية للح�شرات‪ .‬كما �أن دورة‬ ‫ال�ط�ب�ي�ع��ة ت �ت��وق��ف ه��ي الأخ� � ��رى؛ ويتعرث‬ ‫اخللق على حافة الفو�ضى وتنه�ض الن�ساء‪،‬‬ ‫وق��د � �س��ال ال�ل�ع��اب م�ن�ه��ن‪ ،‬وان�ط�ب�ع��ت فوق‬ ‫خ��دوده��ن ورود امل �خ��دات امل� �ط ��رزة‪ ،‬وهن‬ ‫يختنقن م��ن احل��رارة وال�ضغينة‪ ،‬وعندها‬ ‫ف�إنهن يفكرن مع �أنف�سهن؛ ال يزال اليوم يف‬ ‫ماكوندو هو الأربعاء" عا�صفة �ص‪.61‬‬ ‫وعا�صفة الأوراق هي كناية تكاد تكون �ساخرة‬ ‫عن �شركة املوز (االحتكارية الأمريكية) التي‬ ‫�ستدخل البلدة لتغري �شكل حياتها‪ ،‬وتخرج‬ ‫منها تاركة اخلراب والذكريات احلزينة‪.‬‬ ‫ت�ب��د�أ رواي��ة (م��ائ��ة ع��ام م��ن العزلة) مب�شهد‬ ‫للكولونيل بوينديا وهو �أمام ف�صيل الإعدام‬ ‫يتذكر حادثة ر�ؤيته للثلج للمرة الأوىل‪ ،‬يف‬ ‫�أثناء ا�ستعرا�ض لفرقة �سريك ج��وّ ال��ة‪� ،‬أما‬ ‫رواي��ة (عا�صفة الأوراق) فتبد�أ مع حادثة‬ ‫م��وت طبيب قرية ماكوندو ال��ذي لن نعرف‬ ‫ا�سمه‪� ،‬أو من �أي��ن ج��اء‪ ،‬وك��ان قد �ضيفه يف‬ ‫م�ن��زل��ه خلم�س ��س�ن��وات ك��ول��ون�ي��ل متقاعد‬ ‫يف القرية على �إث��ر ر�سالة تو�صية موقعة‬ ‫م��ن ال�ك��ول��ون�ي��ل ب��وي�ن��دي��ا حملها الطبيب‬ ‫معه‪ .‬و�شخ�صية الطبيب ه��ذا غريبة‪ ،‬فهو‬ ‫منذ �أول جلو�س له على مائدة الطعام‪ ،‬يف‬

‫هو�س عجوز عا�شق‬

‫الرهيبة‪.‬‬ ‫ي�ستدعي الكولونيل العمدة ليعطيه �إذن � ًا‬ ‫بالدفن �إ ّال �أن العمدة ي�تردد يف �أول الأمر‬ ‫قبل �أن يقرر �إعطاء الإذن يف تلك الظهرية‬ ‫القائظة‪ ،‬بعد �أن ت�أكد من �أن م��رور ال�سنني‬ ‫جعل النا�س تن�سى‪� ،‬أو ال تبايل‪� ،‬أو تغفر‪.‬‬ ‫�إن حكاية ح�ضور الطبيب �إىل البلدة وموته‬ ‫ت�سرد لنا م��ن وجهة نظر ث�لاث �شخ�صيات‬ ‫ه��ي؛ الكولونيل اجل��د‪ ،‬واب�ن��ة الكولونيل‪،‬‬ ‫وحفيده‪ .‬وهذه الطريقة تذكرنا مبا فعل وليم‬ ‫فوكرن يف رواية (ال�صخب والعنف) و�أكرث‬ ‫يف رواية ( و�أنا �أحت�ضر) �إذ يتناوب الرواة‬ ‫يف �سرد ما يجري ليكمل بع�ضهم بع�ض ًا يف‬ ‫�إن�شاء كلية ال�سرد‪.‬‬ ‫بني تاريخ كتابة روايتي (عا�صفة الأوراق‪/‬‬ ‫‪ )1955‬و (ذاك � ��رة غ��ان�ي��ات��ي احلزينات‪/‬‬ ‫‪ )2004‬م�سافة زمنية تقرب من الن�صف قرن‪،‬‬ ‫وال �شك �أن جتربة ماركيز الفنية‪ ،‬يف غ�ضون‬ ‫هذه املدة‪ ،‬قد ن�ضجت‪ ،‬وكذلك ر�ؤيته‪.‬‬

‫ماركيز‪ ..‬عند اليابان!‬

‫ي��ق��ول �أن ق�� ��راءه م ��ن ال �ي��اب��ان �ي�ين ك��ان��وا‬ ‫يت�صورونه من �أ�صول يابانية‪ ،‬وي�شريون‬ ‫�إىل ت�شابه ع��وامل��ه م��ع تلك التي تزخر بها‬ ‫ال��رواي��ات التي كتبها كبار ك� ّت��اب اليابان‪،‬‬ ‫ول�ه��ذا ذه��ب ذات ي��وم �إىل املكتبة واقتنى‬ ‫ك��ل م��ا ه��و متوفر م��ن ال��رواي��ات اليابانية‬ ‫املرتجمة‪ ،‬فتلم�س ذلك اخليط ال�سري الذي‬ ‫ي�صله بال�سرد الياباين على الرغم من �أنه مل‬ ‫ّ‬ ‫يطلع عليه من قبل‪ .‬و�سحرته رواية بعينها‪،‬‬ ‫و َّد لو ك��ان هو كاتبها‪ ،‬وه��ي رواي��ة (منزل‬ ‫اجلميالت النائمات) ليا�سوناري كاوا باتا‪،‬‬ ‫ويبدو �أن �أجواء هذه الرواية بقيت عالقة يف‬ ‫ذهنه �أو �أنها ا�ستوطنت مكان ًا ما‪ ،‬جد حميم‪،‬‬ ‫من عقله الباطن ليكتب فيما بعد‪ ،‬وهو يقرتب‬ ‫م��ن ثمانينياته‪ ،‬رواي ��ة عنونها ب �ـ (ذاك ��رة‬ ‫غانياتي احلزينات) وم��ن ق��ر�أ الروايتني ال‬ ‫ب ّد من �أن يتح�س�س نقاط الت�شابه بينهما يف‬ ‫الإيقاع وتكثيف لغة ال�سرد‪ ،‬و�إىل حد ما يف‬ ‫الأ��س�ل��وب‪ ،‬و�إىل ح��د بعيد يف بنية احلدث‬ ‫ذات ��ه وم�ن��اخ��ه‪ .‬فكال ال��رواي �ت�ين حتكي عن‬ ‫اجنذاب مت�أخر‪ ،‬لرجل م�سن‪ ،‬للأنوثة اليانعة‬ ‫وهي تتفتح‪ ..‬هوىً ي�ستيقظ على حني فج�أة‪،‬‬

‫ويتخذ منحى ج�سدي ًا‪ ،‬لي�س متطلب ًا كثري ًا‪،‬‬ ‫ولي�س بريئ ًا مت��ام� ًا‪ ،‬م�ترع� ًا برغبة هادئة‪،‬‬ ‫متطامنة‪ ،‬وب�خ�ي��االت ملونة م���ش��دودة �إىل‬ ‫حرارة احلياة‪ ،‬وال تخلو من الأ�سى‪.‬‬ ‫يف رواية (منزل اجلميالت النائمات) يرتاد‬ ‫ال �ع �ج��وز �أن�غ��و��ش��ي م �ن��ز ًال ال ي�شبه بيوت‬ ‫الدعارة التقليدية‪ ،‬وال يعر�ض ن�سا ًء يبعن‬ ‫اللذة احل�سية‪ ،‬وال حتى على وف��ق طقو�س‬ ‫فتيات اجلي�شا يف اليابان‪ ..‬منز ًال مت�سرب ًال‬ ‫بال�سرية وال �غ��راب��ة وال�غ�م��و���ض‪ ،‬ي�ستقبل‬ ‫رج��ا ًال م�سنني ي��ؤ ِّم��ن لهم ال�ن��وم �إىل جانب‬ ‫فتيات ع� ��ذراوات ن��ائ�م��ات‪ ،‬ل��ن تت�سنى لهن‬ ‫ر�ؤيتهم‪ ،‬ولن يت�سنى لهم معرفة �أ�سمائهن‪،‬‬ ‫وال يحق للرجل حتى و�ضع �إ�صبعه يف فم‬ ‫امل ��ر�أة النائمة‪ ،‬وال حم��اول��ة عمل �أي �شيء‬ ‫م�شابه‪.‬‬

‫خبر اختطاف "الكاتب الكولومبي"‬ ‫َ‬ ‫ووكر �إ‪ .‬رو‬ ‫ترجمة‪ :‬عادل العامل‬

‫‪7‬‬

‫يف رواي ��ة (ذاك���رة غانياتي احلزينات)‬ ‫�سيدخل العجوز‪ /‬الراوي الغرفة يف بيت‬ ‫رو�سا كاباركا�س ال�سري ليجد فتاة عارية‬ ‫نائمة‪ ،‬عمرها ال يتعدى الرابعة ع�شرة �أو‬ ‫اخلام�سة ع�شرة‪� .‬سيجل�س �إىل جانبها‬ ‫على ال�سرير عاري ًا‪ ،‬ولن يحاول �إيقاظها‪،‬‬ ‫لكنه �سيلم�سها " م��ررت بطرف �سبابتي‬ ‫ان��زالق� ًا على قفا عنقها املبلل‪ ،‬فارتع�شت‬ ‫ك �ل �ه��ا م ��ن ال� ��داخ� ��ل‪ ،‬م �ث��ل وت� ��ر قيثارة‪،‬‬ ‫وانقلبت باجتاهي بهمهمة‪ ،‬و�أحاطتني‬ ‫بجو �أنفا�سها احلام�ضة‪� .‬ضغطت �أنفها‬ ‫بني �إبهامي و�سبابتي‪ ،‬فاهتزت‪ ،‬و�أبعدت‬ ‫ر�أ�سها‪ ،‬و�أولتني ظهرها دون �أن ت�ستيقظ"‬ ‫ذاكرة �ص‪. 27‬‬ ‫�إن وجود الفتاة النائمة على ال�سرير عينه‪،‬‬ ‫ُي�شعل اخل�ي��ال وي�ؤ�س�س ل��ذاك��رة بديلة‪،‬‬ ‫ل�شيء مل يحدث‪ ،‬لكنه يعلق يف الذاكرة‪ ،‬ال‬ ‫ُين�سى؛ "�أمر ال ُي�صدق‪ :‬ف�أنا �أراها و�أمل�سها‬ ‫وهي من حلم وعظم‪ ،‬فتبدو يل �أقل واقعية‬ ‫مما هي عليه يف ذكرياتي" ذاكرة �ص‪. 57‬‬ ‫�سيمنح ال�صحايف العجوز ه��ذه الفتاة‬ ‫ا��س�م� ًا اف�ترا��ض�ي� ًا ممو�سق ًا (ديلغادينا)‬ ‫و�سريف�ض �أن يعرف ا�سمها احلقيقي من‬ ‫�صاحبة البيت ال�سري‪ ،‬ومنذ الآن �سيكتب‬ ‫مقاالته‪ ،‬هو ابن الت�سعني‪ ،‬لها‪� ،‬أي� ًا كانت‬ ‫امل�س�ألة ال�ت��ي يتناولها‪ ،‬يبكي وي�ضحك‬ ‫م��ن �أج�ل�ه��ا‪ ،‬ويتخيلها ط ��وال ال��وق��ت يف‬ ‫بيته‪ ،‬جتوب �أنحاءه بخطواتها اخلفيفة‪،‬‬ ‫وه� �ن ��ا ��س�ت�ظ�ه��ر له‬

‫ميثل كتاب "خرب اختطاف" لغابرييل غار�سيا ماركيز عم ًال‬ ‫من �أعمال الكتابة ال�صحفية الذي يدعى بـ "بالال ق�صة ‪non-‬‬ ‫‪ ."fiction‬وهذا لي�س بالأمر العادي لدى �سنيور غابو‪ ،‬كما‬ ‫يدعوه مواطنوه الكولومبيون‪ ،‬لأنه يف العادة يكتب الق�صة‪.‬‬ ‫نحو �أف�ضل بكونه امل�ؤلف احلائز‬ ‫وهو‪ ،‬بالطبع‪ ،‬معروف على ٍ‬ ‫على جائزة نوبل لروايات " مائة عام من العزلة "‪ " ،‬حب يف‬ ‫زمن الكولريا "‪ ،‬و" اجلرنال يف متاهته "‪ .‬وهي من الأدب‬ ‫الق�ص�صي الذي ع ُِرف بـ " الواقعية ال�سحرية "‪.‬‬ ‫ويحكي "خرب اختطاف" ه��ذا حكايات اختطاف �أك�ثر من‬ ‫ع�شرة مواطنني كولومبيني على �أي ��دي زع�م��اء ع�صابات‬ ‫خمدرات �أ�صبحوا ي�سمّون بـ "املع ّر�ضني للت�سليم"‪ .‬ومل يعد‬ ‫ذلك اال�سم يف التداول اخلربي نظر ًا ملقتل بابلو �أ�سكوبار‬ ‫وزع�م��اء خم��درات �آخ��ري��ن وحتطم ك��ارت�لات امل�خ��درات �إىل‬ ‫جماميع �أ�صغر مب��ا يف ذل��ك جي�ش ح��رب الع�صابات الذي‬ ‫لي�س‪ ،‬بالطبع‪ ،‬جمموعة �صغرية ب�أية حال‪.‬‬ ‫وي�شري ا�سم " املع َّر�ضني للت�سليم " �إىل حقيقة �أن كولومبيا‬ ‫كانت قد و ّقعت على معاهدة تق�ضي بت�سليم زعماء املخدرات‬ ‫املطلوبني للواليات املتحدة ملحاكمتهم هناك‪.‬‬ ‫وكان اخلطف امل�صور يف هذا الكتاب حملة �إرهاب م�صمّمة‬ ‫للرد على هذا الت�شريع‪ .‬وكان لهذا فعله الكبري نظر ًا لكون‬ ‫قوانني الت�سليم قد مت ردّها‪.‬‬ ‫و ُت �ق��ر�أ الكتابة ال�صحفية يف ه��ذا الكتاب وك��أن�ه��ا رواي��ة‪.‬‬ ‫فنحن ن�شهد الفزع الذي ي ّت�سم به خطف الأ�شخا�ص‪ ،‬الذين‬ ‫يكونون فيما بعد �أ�سرى يف ميديلني و�أماكن � َأخ��ر‪ .‬ويكون‬ ‫العذاب ال�سايكولوجي بالن�سبة لل�سجناء �أ�سو�أ بفعل مواقف‬ ‫�آ�سريهم‪ .‬ففي حلظة ميكن �أن يكون ه��ؤالء لطفاء لينقلبوا‬ ‫بعد حني �إىل متوح�شني‪ .‬ومل يكونوا يتعر�ضون للتعذيب‬ ‫البدين �أو ت�ساء معاملتهم نف�سي ًا‪ ،‬غري �أن غيابهم عن عوائلهم‬ ‫لعام تقريب ًا وافتقارهم �إىل �أخبار عنهم ي�سبب لهم الإنهاك‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫جوانب من ذاته مل يكن يعرفها؛ " اكت�شفت‬ ‫�أنني ل�ست من�ضبط ًا بدافع الف�ضيلة‪ ،‬و�إمنا‬ ‫كرد فعل على تهاوين وتق�صريي‪ ،‬و�أنني‬ ‫�أب��دو �سخي ًا لكي �أواري خ�ستي‪ ،‬و�أنني‬ ‫�أت�ظ��اه��ر بالتعقل واحل� ��ذر‪ ،‬لأن �ن��ي �سيئ‬ ‫الظنون‪ ،‬و�أنني �أميل �إىل امل�صاحلة كي‬ ‫ال �أنقاد لنوبات غ�ضبي املكبوحة‪ ،‬و�أنني‬ ‫دقيق يف مواعيدي ملجرد �أ ّال ُيعرف مدى‬ ‫ا�ستهانتي بوقت الآخرين" ذاكرة �ص‪. 59‬‬ ‫�سيتفاج�أ بنف�سه واق �ع � ًا يف ح�ب�ه��ا‪ ،‬حد‬ ‫اجلنون‪ ،‬وحد املوت‪ ،‬حتى �إذا انقطعت عن‬ ‫زيارة البيت بعد جرمية قتل عابرة حدثت‬ ‫يف �إحدى غرفه راح هو يبحث عنها على‬ ‫الرغم من �أنه ال ي�ستطيع ت�صور مالحمها‬ ‫وكيف هي يف الواقع‪ ،‬م�ستيقظة ومرتدية‬ ‫ثيابها‪� ،‬إىل �أن يدخل امل�صنع الذي تعمل‬ ‫فيه فت�س�أله �إحدى العامالت �إن كان هو من‬ ‫يكتب ر�سائل احلب يف اجلريدة‪ ..‬يقول‪:‬‬ ‫"مل �أتخيل قط �أنه ميكن لطفلة نائمة �أن‬ ‫تحُ دث مثل هذا اخلراب"‪ .‬ذاكرة �ص‪.80‬‬ ‫يعي العجوز �أن��ه �سيموت‪� ،‬سيكون ميت ًا‬ ‫يف ه��ذه ال�سنة‪� ،‬أو بعد مائة �سنة‪� ،‬إىل‬ ‫�أب��د الآبدين‪ ،‬وان عليه �أن مي�ضي بالأمر‬ ‫�إىل النهاية‪ ،‬ف��روح��ه ت�ستعيد حيويتها‬ ‫وارت�ع��ا��ش��ة �شبابها فيفكر بالفتاة هذه‪،‬‬ ‫التي مل يك ِّلمها ق��ط‪ ،‬وال يعرف عنها �إال‬ ‫القليل‪ ،‬يفكر �أن يرتك لها كل ما ميلك �ساعة‬ ‫ميوت‪.‬‬ ‫(ذاك� � ��رة غ��ان �ي��ات��ي احل ��زي� �ن ��ات) رواي� ��ة‬ ‫ع��ن امل��ن��اورة ��ض��د ت�ي��ار ال��زم��ن ومتجيد‬ ‫ال�شيخوخة‪ ،‬والهرب من التوحد والعزلة‪،‬‬ ‫وباخت�صار عن احلب واملوت‪.‬‬ ‫* (ع��ا� �ص �ف��ة الأوراق)‬ ‫غابريل غار�سيا ماركيز‪..‬‬ ‫ترجمة‪ :‬م�صطفى عبود‪..‬‬ ‫دار املدى للثقافة والن�شر‪/‬‬ ‫دم�شق ‪. 2002‬‬ ‫** (ذاك� � � � ��رة غ��ان��ي��ات��ي‬ ‫احلزينات) غابريل غار�سيا‬ ‫م��ارك��ي��ز‪ ..‬ت��رج �م��ة‪� :‬صالح‬ ‫ع�ل�م��اين‪ ..‬دار امل��دى للثقافة‬ ‫والن�شر‪ /‬دم�شق ‪2005‬‬

‫وكان ب�إمكان بع�ضهم القفز ب�سهولة من النوافذ والهرب‪ .‬لكن‬ ‫اخلاطفني كانوا يع�صبون عيونهم �أو يح�شرونهم على �أر�ضية‬ ‫مكان ما‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ف�إنهم مل‬ ‫ال�سيارة حينما ي�أخذونهم �إىل ٍ‬ ‫يكونوايعرفون �أين هم حتى و�إن كانوا يف الغالب يف مدينة؟‬ ‫كما �أن الأ�سرى كانوا خمبّئني مب�شاركة من جريان‪ .‬ولهذا‪،‬‬ ‫ف��إذا ما ا�ستطاعوا التحرر‪ ،‬ف�إن �أولئك الذين يحيطون بهم‬ ‫�سي�شون بهم بالت�أكيد‪.‬‬ ‫لقد كانت هناك ملحة عن حياة غابرييل ماركيز يف جملة "‬ ‫النيو يور َكر " قبل �سنة �أو�سنتني‪ .‬ويبدو �أن��ه يقوم بدور‬ ‫دبلوما�سي و�سيط من دون �أجر ينقل ر�سائل بني الواليات‬ ‫املتحدة وكوبا فيدل كا�سرتو‪ ،‬ال��ذي ك��ان �صديق ًا له لوقت‬ ‫طويل‪ .‬وكما كانت احل��ال مع �أون��وري��ه دي ب�ل��زاك‪ ،‬فكتور‬ ‫هوغو‪� ،‬أو غور فايدال‪ ،‬فها لدينا اليوم �أي�ض ًا روائي منغمر‬ ‫يف العمل ال�سيا�سي �إ�ضاف ًة للكتابة‪.‬‬ ‫ف�إذا مل تكن قد قر�أتَ هذه الأعمال‪ ،‬فلتعلمنّ �أن �أدب ماركيز‬ ‫الق�ص�صي جدير باملتابعة‪.‬‬ ‫ولقد كان �أ�ستاذي يف الريا�ضيات يف الكلية‪ ،‬املحبط من دون‬ ‫�شك من الأوالد املفتقرين �إىل الرتبية الإن�سانية‪ ،‬يقدم عون ًا‬ ‫�إ�ضافي ًا لأولئك الذين قر�أوا " مائة عام من العزلة "‪ .‬وبالن�سبة‬ ‫يل‪ ،‬ف� ��إين ق��ر�أت �ه��ا ف�ق��ط ب�ع��د ان�ت�ه��اء ذل��ك ال���ص��ف‪ .‬وه��ي "‬ ‫‪ " Buddenbrooks‬بالن�سبة لأمريكا الالتينية‪ .‬فالكثري‬ ‫من م�شاهدها و�أفكارها م�ستمد من الأحرا�ش التي ن�ش�أ فيها‬ ‫ماركيز‪� .‬أما "حب يف زمن الكولريا"‪ ،‬فهي على وجه ال�ضبط‬ ‫كالتايل‪ :‬ق�صة حب جرت يف زمن �أتلفت فيه الكولريا ال�سكان‪.‬‬ ‫ولقد بقيتْ ر�ؤية جثث املوتى املنتفخة الطافية يف النهر ح ّي ًة‬ ‫يف عقلي‪ .‬و�أما "اجلرنال يف متاهته"‪ ،‬فهي نظرة روائية �إىل‬ ‫�سيمون بوليفار‪ ،‬حمرر �إكوادور‪ ،‬وبريو‪ ،‬وكولومبيا‪ .‬و�أنا‬ ‫�أحب هذه الكتب بقدر ما قر�أت كل واحدة منها ملرات عدة‪.‬‬ ‫عن ‪Amazon /‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪8‬‬

‫العدد (‪)2285‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )22‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2285‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )22‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫الروائية ال�ساحرة من دون ان يرحل يف املكان‬ ‫الكولومبي ويفهم جتلياته و�صراع اال�ضداد‬ ‫فيه بني املحافظني والليرباليني وبني املركز‬ ‫والهام�ش وبني الذين ميلكون ومن ال ميلكون‬ ‫وبني الريف واملدينة وهو كل ما ميثله تاريخ‬ ‫كولومبيا احلديث‪ .‬ك�أن ماركيز مل يكن قادر ًا‬ ‫على خلق عوامله ال�سحرية من دون ان يفهم‬ ‫مكونات وعنا�صر ال�تراث ال�شعبي واغاين‬ ‫وتطلعات وحنني املحرومني‪ .‬مل يكن ماركيز‬ ‫نبتة غريبة ع��ن االمكنة التي �صنعها‪ ،‬فقد‬ ‫عا�شها ومنذ ان اعتقد بقدرته على ممار�سة‬ ‫التعليق ال�سيا�سي وامل�ساهمة يف الكتابة‬ ‫ال�ساخرة يف ال�صحف الوطنية الكولومبية‬ ‫ان يف العا�صمة بوغوتا او قرطاجنة الحقا‬ ‫ق��رر ان يكر�س حياته للكتابة‪ .‬لكن طريقه‬ ‫مل يكن �سهال ففي حلظة كان عليه ان يواجه‬ ‫وال��ده احلانق عليه بعد ان قرر ترك درا�سة‬ ‫القانون والتفرغ للكتابة الذي �صرخ قائال انه‬ ‫�سينتهي ب�أن ي�أكل الورق‪.‬‬ ‫ماركيز حتى يف ايام طلبته يف بوغوتا عا�ش‬ ‫حياة �صعبة‪ ،‬حيث كان ي�ضطر للنوم احيانا‬ ‫على املقاعد يف احلدائق العامة او يف ممرات‬ ‫ال�صحف التي كان يعمل بها‪ .‬ويف فرتة من‬ ‫ال �ف�ترات ا��ض�ط��ر للعي�ش يف امل��واخ�ير مع‬ ‫العاهرات‪� ،‬صادقهن وكتب ر�سائلهن واعجب‬ ‫ب �ع��امل �ه��ن ا�� �س ��وة ب��ا� �س �ت��اذه‬

‫غابرييل غار�سيا ماركيز يعد من ا�شهر الروائيني الذين ظهروا‬ ‫يف العامل الثالث وعامل الرواية يف الن�صف الثاين من القرن‬ ‫الع�شرين‪ .‬وارتبط الكاتب الكولومبي مبدر�سة الواقعية ال�سحرية‬ ‫يف الراوية التي �شكلت حولها اتباعا وحواريني من خمتلف الدول‬ ‫واالعراق‪ .‬ويظل ماركيز الذي ولد عام ‪ 1927‬من ا�شهر كتاب‬ ‫الرواية والوجوه العامة املعروفة يف داخل امريكا الالتينية و‬ ‫العامل االول و�شهرته ال ت�ضاهيها �شهرة اي كاتب يف العامل‪ ،‬ففي‬ ‫الن�صف االول اجمع النقاد على جمموعة من كبار كتاب الرواية‬ ‫فوكرن‪ ،‬جوي�س‪ ،‬وولف‪ ،‬كافكا وبرو�ست ولكن يف الن�صف الثاين ال‬ ‫يوجد اال كاتب واحد عظيم وم�شهور وهو ماركيز‪.‬‬

‫امتدح موهبة الكاتب‪ .‬مما يعني ان ماركيز‬ ‫كان كاتبا حمدود التوزيع وال�شهرة يف هذه‬ ‫الفرتة‪ .‬وما يهم يف �سرية مارتن انها ت�ضع‬ ‫امامنا مراحل تطور افكار الكاتب وتقنياته‪.‬‬ ‫والكتاب مليء با�سماء االمكنة واال�شخا�ص‪.‬‬ ‫ويحتاج القارئ للرتكيز يف البداية لتحديد‬ ‫مالمح ال�صالت بني عائلة ماركيز‪ ،‬ويق�ص‬ ‫علينا الكاتب حكاية اجلرمية التي ارتكبها‬ ‫جد ماركيز ورحيل العائلة وكيف ان ماركيز‬ ‫عا�ش �سنواته ال�سبع االوىل بعيدا عن امه‬ ‫التي تركته مع جده الكولونيل املتقاعد الذي‬ ‫كان يرافقه يوميا يف رحلة يف �شارع اركاتاكا‬ ‫الرئي�سي وملركز الربيد يف انتظار تقاعده‪.‬‬

‫احلياة ال�صعبة يف اوروبا‬

‫من الف�صول املمتعة يف حياة ماركيز هي رحلته‬ ‫وحياته يف اوروب ��ا‪ ،‬فقد �سافر ع��ام ‪1955‬‬ ‫يف بعثة �صحافية لتغطية اجتماع االربعة‬ ‫ال �ك �ب��ار يف ج�ن�ي��ف ل���ص��ال��ح �صحيفته‬ ‫التي كان يعمل فيها يف‬

‫غابرييل غارسيا ماركيز‪ :‬سيرة حياة روائي‬ ‫تحول الى نجم عالمي‬ ‫فرائعته التي ن�شرها عام ‪ 1967‬مائةعام من‬ ‫العزلة وظهرت يف مرحلة التحول بني رواية‬ ‫احلداثة وما بعد احلداثة تعد الرواية اال�شهر‬ ‫التي وجدت قراء من خمتلف االعراق واللغات‬ ‫ب�شكل مل تقابله رواي ��ة ��ص��درت يف الفرتة‬ ‫ما بني ‪ 1950‬اىل عام ‪ .2000‬وعليه فانها‪،‬‬ ‫مبو�ضوعها العام ال�صراع ما بني احلداثة‬ ‫والتقاليد وبا�ستقبالها احلافل‪ ،‬اول رواية‬ ‫عاملية‪ .‬هذا ما يقول كاتب �سريته الر�سمية‬ ‫وغ�ير الر�سمية جريالد م��ارت��ن‪ .‬لكن ما يهم‬ ‫ان م��ارك�ي��ز ال��روائ��ي ه��و ظ��اه��رة ن ��ادرة من‬ ‫ناحية جمعه بني الكتابة والنجومية‪ .‬وهو‬ ‫اي�ضا كاتب جاد لكنه كاتب �شعبي على غرار‬ ‫ت�شارل�س ديكنز وفيكتور هوغو وارن�ست‬ ‫هيمنغوي‪ ،‬فكتبه تباع باملاليني و�صورته‬ ‫وتعامل االعالم معه ي�شبه تعامل االعالم مع‬ ‫جنم او العب كرة او جنم �سينمائي‪ .‬وا�صبح‬ ‫منذ نيله جائزة نوبل عام ‪ 1982‬ا�شهر روائي‬ ‫متنح له يف العقود االخرية‪ .‬وماركيز م�شهور‬ ‫ومعروف يف كل انحاء امريكا الالتينية‪ ،‬وهي‬ ‫القارة التي قدم لها عامل رائعته التي دارت‬ ‫احداثها يف ماكوندو ويعرف يف القارة با�سم‬ ‫غابو مثل جنم ال�سينما ال�صامتة ت�شاريل او‬ ‫العب الكرة اال�سطورة بيليه‪ .‬ومع انه يعد‬ ‫واحدا من ا�شهر اربعة او خم�سة �شخ�صيات‬ ‫يف القرن الع�شرين اال انه ولد يف بلدة تقع‬ ‫و�سط ال مكان �سكانها ب�ضعة �آالف ومعظمهم‬ ‫من االميني‪� ،‬شوارعها غري معبدة بال ا�سماء‬ ‫ومن دون نظام ت�صريف مياه �صحي ا�سمها‬ ‫اركاتاكا التي متثلت يف روايته مباكوندو‪.‬‬ ‫ويرى كاتب �سريته ان قلة قليلة من املبدعني‬ ‫جا�ؤوا من ار�ضية متوا�ضعة وبلدة �صغرية‬

‫ا� �س �ت �ط��اع��ت ان ت�ع�ي����ش زم �ن �ه��ا وحت��والت��ه‬ ‫الثقافية وال�سيا�سية و�شربته حتى الثمالة‬ ‫مثل هذه ال�شخ�صية‪ .‬اليوم ماركيز ثري ميلك‬ ‫�سبعة بيوت يف اماكن ال ي�سكنها اال االثرياء‬ ‫يف خم�س دولة خمتلفة‪ ،‬ويف العقود املا�ضية‬ ‫ك��ان بامكانه ان يطلب ويف ال�ع��ادة يرف�ض‬ ‫‪ 50‬ال��ف دوالر على مقابلة تلفزيونية او‬ ‫�صحافية ال ت�ستغرق اكرث من ن�صف �ساعة‪.‬‬ ‫وكان بامكانه اي�ضا ان ين�شر اي مقال يرغب‬ ‫يف ن�شره يف �صحيفة يف اي مكان يف العامل‬ ‫ويتقا�ضى مكاف�أة مالية هائلة لقاءها‪ .‬وتظهر‬ ‫ع�ن��اوي��ن رواي��ات��ه على ك��ل اغلفة ال�صحف‬ ‫واملجالت يف العامل‪ ،‬ويعرف القراء ا�سماءها‬ ‫مائةعام من العزلة‪ ،‬خريف البطريرك واحلب‬ ‫يف زم ��ن ال �ك��ول�يرا‪ .‬واك�ث�ر م��ن ه ��ذا ق�ضى‬ ‫ماركيز ن�صف حياته كنجم‪ ،‬ي�صادق النجوم‬ ‫وامل�شاهري ويعي�ش مثلهم‪ ،‬ومن بني ا�صدقائه‬ ‫ر�ؤ�� �س ��اء دول م �ث��ل امل�ك���س�ي��ك‪ ،‬وفران�سوا‬ ‫ميرتان‪ ،‬الرئي�س الفرن�سي ال�سابق‪ ،‬وفيليب‬ ‫غونزاليه وبيل كلينتون‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫ك��ل ال�شهرة وال�ث�راء واحل�ي��اة يف اال�ضواء‬ ‫ظل ماركيز رج�لا مرتبطا بالي�سار متم�سكا‬ ‫بر�ؤيته التقدمية‪ ،‬داعما للق�ضايا االيجابية‬ ‫واالع��م��ال ال �ب �ن��اءة م�ث��ل دع �م��ه ل�ب�ن��اء معهد‬ ‫لتدريب ال�صحافيني و�صناعة الفيلم‪ .‬ولأنه‬ ‫ارتبط بالي�سار فعالقته مع الرئي�س الكوبي‬ ‫فيديل كا�سرتو ظلت حمال للنقد واجلدل على‬ ‫مدى الثالثني عاما املا�ضية‪.‬‬

‫�سرية ر�سمية مت�سامح بها‬

‫ه��ذه احلياة بني اجلماهري والنجوم ت�ضع‬ ‫على كاهل اي كاتب �سرية يود كتاب �سريته‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫مهمة خا�صة وحت��دي��ات كبرية‪ .‬لكن مفهوم‬ ‫ال�ك�ت��اب��ة ع�ن��ه ك��روائ��ي وجن ��م ظ��ل ماركيز‬ ‫ي�ستبعدها ويرف�ضها الن ال�سرية الذاتية ال‬ ‫تكتب اال يف معر�ض امل��وت‪ ،‬فال�س�ؤال الذي‬ ‫تلقاه جريالد مارتن منه ك��ان مل��اذا تريد ان‬ ‫تكتب ��س�يرة ذات �ي��ة‪ ،‬فال�سري ال��ذات�ي��ة تعني‬ ‫املوت‪ .‬ويقول مارتن انه عمل ‪ 17‬عاما على‬ ‫��س�يرة وح�ي��اة ماركيز ال�ت��ي ��ص��درت حديثا‬ ‫يف ل�ن��دن غابرييل غار�سيا م��ارك�ي��ز‪ :‬حياة‬ ‫وان��ه عندما ب��د�أ ب��االع��داد لعمله وباملنا�سبة‬ ‫جاء يف ن�سخته االوىل يف الفي �صفحة‪ ،‬مل‬ ‫يلق ت�شجيعا من احد‪ ،‬واعتقد الكثريون انه‬ ‫�سيف�شل يف اق�ن��اع ماركيز لكن االخ�ير كان‬ ‫كرميا وم�ضيافا ومت�ساحما ومع مرور الوقت‬ ‫كان ال�س�ؤال املطروح عليه ان كانت �سريته‬ ‫عن ماركيز ر�سمية فيكون اجل��واب نعم وال‬ ‫ولكنها �سرية مت�سامح بها‪ .‬ويف عام ‪2006‬‬ ‫حت��دث م��ارك�ي��ز نف�سه ان م��ارت��ن ه��و كاتب‬ ‫�سريته الر�سمي‪ .‬وه��ذا االع�ت�راف ج��اء بعد‬ ‫االتفاق امل�شروط بينه وبني ماركيز الذي قال‬ ‫يف اول لقاء مت بينهما عام ‪ 1990‬انه م�ستعد‬ ‫للم�ضي يف امل�شروع طاملا مل يطلب منه مارتن‬ ‫ان يقوم بالوظيفة اي بالعمل‪ .‬والعمل اجلديد‬ ‫الذي ي�ضعه مارتن بني ايدينا هو ثمرة جهد‬ ‫لقي دعما وم�ساعدة من ماركيز كلما اقت�ضى‬ ‫االم��ر لكن الباحث اج��رى ن�ح��و‪ 300‬مقابلة‬ ‫م��ع م�ع��ارف ومقربني م��ن ماركيز الكثريين‬ ‫منهم َمنْ مل يعودوا بيننا ولكن غونزالي�س‬ ‫او فيديل كا�سرتو لي�سا من بني الذين قابلهم‪.‬‬ ‫ومثل كتاب ال�سرية مل يجد الكاتب هنا دعما‬ ‫عاطفيا من �صاحب ال�سرية‪ ،‬فالتفاعل بينهما‬ ‫ك��ان اخالقيا مل يحاول فيه ماركيز الت�أثري‬

‫على كاتب �سريته �أي �شيء كتبه بل �شجعه‬ ‫على الكتابة قائال اكتب ما ت��راه‪ ،‬و�أي � ًا كان‬ ‫ما تكتبه هو ما �س�أكونه‪ .‬يعرتف مارتن ان‬ ‫ق�صة ماركيز متعددة الطبقات واجلوانب‬ ‫قدمها لنا ماركيز نف�سه يف اك�ثر من �سياق‬ ‫ورواي ��ة‪ ،‬ولأن ماركيز نف�سه كاتب ال يحب‬ ‫الق�ص�ص العادية وي�شغف بالق�ص�ص املر�ضية‬ ‫واحل�ك��اي��ات ذات الطابع اال��س�ط��وري‪ ،‬فهو‬ ‫كاتب يحب الرواية ويكره ادوات االكادمييني‬ ‫مما ا�ضاف حتديات على كاهل كاتب ال�سرية‬ ‫ه�ن��ا‪ ،‬ول �ه��ذا ج ��اءت ح�ك��اي��ة وح �ي��اة ماركيز‬ ‫يف �أك�ثر م��ن �ستمائة�صفحة تالحق طفولة‬ ‫وح�ك��اي��ة �آل م��ارك�ي��ز وت��دخ��ل يف ا�سرارهم‬ ‫وح�ك��اي��ات�ه��م‪ .‬وم��ا ي�لاح�ظ��ه ال �ق��ارئ ه�ن��ا ان‬ ‫حكايات ماركيز‪ ،‬خا�صة رائعته مائةعام من‬ ‫العزلة مغرو�سة يف ما�ضي الكاتب وما�ضي‬ ‫عائلته‪ ،‬ومهمة مارتن يف مالحقته حلكاية‬ ‫ماركيز احلافلة وكفاحه من اجل االعرتاف‬ ‫به ككاتب على م�ستوى مهم يف عامل الرواية‬ ‫ال�ن��اط�ق��ة ب��اال��س�ب��ان�ي��ة ان ك��ل �شخ�صية من‬ ‫�شخ�صيات رواي��ات��ه لها ع�لاق��ات وجت��ذرات‬ ‫يف حياة وواقع ماركيز الذي عا�شه‪ .‬ومل يعد‬ ‫ماركيز نف�سه كاتبا او مدفوعا مبهمة كتابة‬ ‫الرواية العظيمة اال بعد ان اكت�شف ما�ضيه‪،‬‬ ‫ما�ضي امه وعائلتها وما�ضي والده وعائلته‪،‬‬ ‫وبعد �أن �صفى معرفته باملا�ضي اعترب نف�سه‬ ‫�شخ�صا م�ؤهال لكتابة رائعته‪.‬‬

‫املا�ضي اال�سطوري وال�سحري‬

‫مارتن يعتقد ان كل ما انتجه ماركيز وا�ضفى‬ ‫عليه روايته ال�سحرية مغرو�س يف ما�ضيه‪.‬‬ ‫ومل ي�ك��ن م��ارك�ي��ز ب �ق��ادر ع�ل��ى خ�ل��ق عوامله‬

‫ف��ول �ك�نر ال � ��ذي ام �ت��دح‬ ‫حياتهن‪ .‬وق��اد ماركيز‬ ‫ال ��ذي ت�شري �شهادات‬ ‫م��ارت��ن اىل ان ��ه كان‬ ‫ق��ان �ع��ا ب �ح �ي��ات��ه ومل‬ ‫ي َْ�ش ُك‪ ،‬حياة بوهيمية‬ ‫اق� � ��رب لل�صوفية‬ ‫وال �ع��زل��ة‪ ،‬وتقلب‬ ‫م��ن �صحيفة اىل‬ ‫اخ� ��رى وق �ب��ل يف‬ ‫مرحلة اخ��رى العمل يف‬ ‫جمال الدعاية للمو�سوعات والن�شريات‪ .‬قر�أ‬ ‫ماركيز كثريا واعرتف بت�أثريات هيمنغوي‪،‬‬ ‫حيث قر�أ له رواية ال�شيخ والبحر التي و�صفها‬ ‫بعد قراءته لها انها ت�شبه عود ديناميت وت�أثر‬ ‫بجوي�س و�شتاينبك وفرجينيا وول��ف وهم‬ ‫رواد احلداثة يف الرواية املعا�صرة‪.‬‬

‫�صهر بورخي�س ونقد ماركيز‬

‫قبل مائةعام م��ن العزلة ك��ان ماركيز كاتب ًا‬ ‫معروفا ب�شهرة متوا�ضعة‪� ،‬صحيح انه كتب‬ ‫اربع روايات لكنها مل تكن معروفة على نطاق‬ ‫وا� �س��ع‪ ،‬واح ��دة م��ن رواي��ات��ه عا�صفة ورقة‬ ‫مل تن�شر اال بعد �سبعة اع��وام م��ن كتابتها‪،‬‬ ‫‪ ،1955‬و�شكلت ار�ضية ملعظم املو�ضوعات‬ ‫التي طرحها يف م��ائ��ةع��ام م��ن العزلة وبذر‬ ‫فيها ب��ذور ماكوندو االوىل‪ .‬يف مرحلة من‬ ‫املراحل ار�سلها اىل بيون�س اير�س لكي تنظر‬ ‫اليها جلنة من امل�ؤلفني املعروفني يف االدب‬ ‫اال��س�ب��اين‪ .‬وك��ان رئي�س اللجنة غولريمو‬ ‫دي ت� ��وري‪ ،‬وه ��و ��ص�ه��ر ال �ك��ات��ب املعروف‬ ‫ب��ورخ�ي����س ق��د ك�ت��ب ر��س��ال��ة م��دم��رة ملاركيز‬ ‫قال فيها ان روايته ال ت�صلح للن�شر بعد ان‬

‫ب���وغ���وت���ا‪،‬‬ ‫و� �س��اف��ر من‬ ‫ال� �ع ��ا�� �ص� �م ��ة‬ ‫ا لكو لو مبية‬ ‫من نوع لوكهيد‬ ‫على منت طائرة‬ ‫اىل الكاريبي ومنها اىل نيويورك ومن هناك‬ ‫اىل ل�شبونة وبعدها اىل جنيف‪ .‬كان ماركيز‬ ‫يف اوروب� ��ا ب�ع��د ع���ش��رة اع���وام م��ن انتهاء‬ ‫احل��رب العاملية الثانية حيث كانت اوروبا‬ ‫تتعافى من جراحها‪ ،‬ودخلت يف حرب جديدة‬ ‫هي احلرب الباردة‪ ،‬مل يكتب ماركيز تقارير‬ ‫ذات طابع �سيا�سي اثناء تغطيته للم�ؤمتر‬ ‫واه �ت��م ب��ان�ط�ب��اع��ات��ه ع��ن جنيف وال�سكان‬ ‫ومناظر الطبيعة التي �شاهدها يف القطار‬ ‫الذي ركبه باجتاه جنيف حيث مل تتغري عن‬ ‫الطبيعة التي �شاهدها يف بالده‪.‬‬ ‫كان ماركيز قد اكت�شف ال�سينما اثناء عمله‬ ‫يف بوغوتا واعترب الفيلم مبثابة جن�س ادبي‬ ‫وال�سينما كونها اداة ان�سانية وحمل موقفا‬ ‫عدائيا جتاه �سينما هوليوود التجارية مع انه‬ ‫كان معجبا بت�شاريل �شابلن وار�سون ويلز‬ ‫باعتبارهما ا�ستثناء‪ .‬وبعد نهاية امل�ؤمتر‬ ‫رك��ب القطار اىل روم��ا ويف ذهنه م�شروع‬ ‫زيارة مدينة ال�صناعة ال�سينمائية �سين�سيتا‬ ‫حيث �سجل يف دورة لالخراج ال�سينمائي‪،‬‬

‫‪9‬‬

‫وكعادته مل ماركيز من الدورة وتركها ولكنه‬ ‫ظ��ل قريبا م��ن ال�سينما وط��ور معرفته بها‬ ‫�صوتا ون�صا وت�صويرا واخ��راج��ا‪ .‬كان يف‬ ‫ذهن ماركيز اثناء اقامته يف نيويورك فكرة‬ ‫اكت�شاف اوروب ��ا خلف ال�ستار احلديدي‪،‬‬ ‫حيث زار ت�شيكو�سلوفاكيا وهنغاريا وعاد‬ ‫اىل روما ومنها اىل باري�س‪.‬‬ ‫يف باري�س تكرر م�شهد حياته ال�شاقة الذي‬ ‫ع��ا��ش��ه اث �ن��اء درا� �س �ت��ه اجل��ام�ع�ي��ة‪ ،‬فانقالب‬ ‫ع�سكري اغلق �صحيفته وقطع عنه ال�شيك‬ ‫ال�شهري الذي كان ي�ضمن م�صاريفه وحياته‬ ‫يف اوروب� ��ا ال�غ��رب�ي��ة‪ .‬ف�م��ارك�ي��ز و� �ص��ل اىل‬ ‫اوروب��ا ومل يكن يعرف اال اللغة اال�سبانية‪.‬‬ ‫يف باري�س ا�ضطر اىل ان يبيع الزجاجات‬ ‫الفارغة واجلرائد القدمية كي يوا�صل احلياة‬ ‫ويف مرة ت�سول حتى يغطي نفقات رحلته يف‬ ‫املرتو‪ .‬وما عو�ضه ان �سيدة فرن�سية تفهمت‬ ‫م�شكلته وكانت يف كل مرة‬ ‫تنقله م��ن غرفة اىل غرفة‬ ‫حتى و�صل اىل اخر غرفة‬ ‫م ��ن دون ت��دف��ئ��ة‪ .‬ومل‬ ‫متنعه احل�ي��اة الفقرية‬ ‫وم�لاب �� �س��ه ال ��رث ��ة من‬ ‫م��وا� �ص �ل��ة الكتابة‪.‬‬ ‫واق� � � ��ام يف ف�ترت��ه‬ ‫الباري�سية عالقة مع‬ ‫ممثلة ا�سبانية مل‬ ‫تدم طويال ولكنه‬ ‫ت �� �ش��ارك احلياة‬ ‫ال�صعبة معها‪.‬‬ ‫ويف ف� �ت��رة‬ ‫ك � � ��ان يطلب‬ ‫من اجلزارين‬ ‫اعطاءه عظاما كانوا‬

‫يرمونها كي تقوم تات�شيا‬ ‫وهذا ا�سمها ب�صناعة طبق من ال�شوربة‪ .‬هذه‬ ‫احلياة ال�صعبة مل متنعه من موا�صلة الكتابة‬ ‫والبحث عن افكار ل��رواي��ات اخ��رى‪ ،‬فحالة‬ ‫االنتظار واالحباط ادت ل��والدة رواي��ة لي�س‬ ‫لدى الكولونيل من يرا�سله‪.‬‬

‫ماركيز العربي‬

‫ع��ا���ش م��ارك �ي��ز يف ب��اري ����س اث �ن��اء ال �ث��ورة‬ ‫اجل��زائ��ري��ة والن م�لاحم��ه ك��ان��ت ت�شي بانه‬ ‫عربي او ج��زائ��ري كثريا م��ا كانت ال�شرطة‬ ‫الفرن�سية تلقي القب�ض عليه ويركله عنا�صر‬ ‫ال�شرطة ويب�صقون عليه‪ ،‬وكان يجد نف�سه يف‬ ‫زنازين مكتظة باجلزائريني املعتقلني‪ ،‬ومن‬ ‫اجل اثارة وازعاج حر�س ال�سجن كان ماركيز‬ ‫ورفاقه اجلزائريون يق�ضون الليل يف الغناء‬ ‫وال�سب على احلر�س التافهني‪ .‬وكتب ماركيز‬ ‫قائال ان��ه تعرف الحقا على ظ��روف الثورة‬ ‫اجلزائرية وحرب التحرير من احد ا�صدقائه‬ ‫اجلزائريني‪ ،‬وهو طبيب ا�سمه احمد طبال‪.‬‬ ‫زار م��ارك�ي��ز مو�سكو واكت�شف يف زيارته‬ ‫تناق�ضات النظام ال�شيوعي ويف اثناء زيارته‬ ‫ل�ضريح �ستالني ولدت لديه فكرة كتابة رواية‬ ‫ظهرت فيما بعد بعنوان خريف البطرياك‪.‬‬ ‫كما زار لندن حيث كان يرغب يف تعلم اللغة‬ ‫االنكليزية‪ .‬وعلى الرغم من انطباعه الغام�ض‬

‫عن �سكانها اال ان املدينة منحته ما قال عنه‬ ‫ذل��ك احلبل ال�سري ال��ذي يجعل منها مدينة‬ ‫مثرية للكاتب وخياله‪ .‬يتابع مارتن رحلة‬ ‫ماركيز اىل كاركا�س يف فنزويال واملك�سيك‬ ‫وعالقته بالثورة الكوبية وفيديل كا�سرتو‪.‬‬

‫ق�صة مائةعام من العزلة‬

‫وي�ق��دم لنا ��ص��ورة ع��ن والدة رائ�ع��ة ماركيز‬ ‫مائةعام من العزلة والتي ول��دت يف �سحب‬ ‫زرق��اء من ال��دخ��ان‪ ،‬حيث اغلق ماركيز على‬ ‫نف�سه الباب ومل يكن يهتم ب�شيء يف البيت‬ ‫�سوى ار�سال االوالد للمدر�سة‪ ،‬وترك االمر‬ ‫لزوجته مر�سيد�س التي باعت كل مقتنيات‬ ‫البيت الكمالية ل�ضمان ا�ستمرار حياة العائلة‬ ‫فيما ت��راك��م اج��ر البيت وت�ضاعفت فاتورة‬ ‫اجلزار والبقال‪ .‬ويقول مارتن ان مر�سيد�س‬ ‫التي تزوجها ماركيز يف عام ‪ 1957‬مل تتجر�أ‬ ‫على بيع جهاز ت�سجيل لأن ماركيز كان يحب‬ ‫�سماع املو�سيقى‪.‬‬ ‫ي�ق��ول م��ارت��ن ان م��ارك�ي��ز وم��ر��س�ي��د���س بعد‬ ‫ان ت�أكدا من و�صول الن�سخة الرئي�سية من‬ ‫الرواية ايل بيون�س اير�س‪ ،‬قاما بحرق كل‬ ‫االوراق املتعلقة بها‪ .‬كانت الرواية جزء ًا من‬ ‫حماولة ماركيز االم�ساك بطفولته وذكرياتها‬ ‫الغنية وب��دال م��ن احل��دي��ث ع��ن طفولته قام‬ ‫با�ستعادة احلياة يف اركاكاتا اي ماكوندو‪.‬‬ ‫وم��ن اك�ثر اللحظات الدرامية التي واجهها‬ ‫ماركيز عندما قتل اورليانو بويندا يف الف�صل‬ ‫الثالث ع�شر‪ ،‬حيث بكى وندب بعد ان قتل اهم‬ ‫�شخ�صية من �شخ�صيات الرواية‪ .‬كان العامل‬ ‫االدبي ينتظر والدة هذا العمل‪ ،‬فاجزاء منه‬ ‫قرئت يف منا�سبات ادبية‪ ،‬و�سكرتريته التي‬ ‫�صححت و�شذبت العمل وطبعته كانت ت�أخذ‬ ‫ك��ل ف�صل يتم االن�ت�ه��اء منه اىل ا�صدقائها‬ ‫وتقر�ؤه عليهم‪ .‬يف احدى املرات كانت بريا‬ ‫وه��ذا ا�سمها والعمل �سيغيبان عن الوجود‬ ‫بعد ان جتنبت حافلة كانت �ستقتلها‪ .‬مائةعام‬ ‫ادخ��ل��ت م��ارك �ي��ز ع ��امل االع �ت��راف االدب� ��ي‪.‬‬ ‫وبعدها جاءت نوبل التي ر�شح لها اكرث من‬ ‫م��رة‪ .‬يف ع��ام ‪ 1948‬كتب ماركيز مقاال عن‬ ‫ا�ستاذه ومن��وذج��ه االدب��ي فولكرن مل متنح‬ ‫ل��ه ج��ائ��زة نوبل وعندما منحته االكادميية‬ ‫اجلائزة كتب قائال انها ج��اءت مت�أخرة‪ .‬يف‬ ‫عام ‪ 1982‬عندما منحته االكادميية اجلائزة‬ ‫كان مناحيم بيغن وارييل �شارون قد اجتاحا‬ ‫لبنان‪ ،‬فكتب قائال انه يجب على االكادميية‬ ‫ان متنحهما جائزة نوبل املوت‪ .‬مارتن يقدم‬ ‫تفا�صيل حياة ماركيز وجنوميته التي ال تزال‬ ‫وحت��ول��ه لظاهرة ادب�ي��ة جمعت ب�ين االديب‬ ‫اجل��اد وال�سيا�سي وال�صحايف وال�شخ�صية‬ ‫ال�ع��ام��ة‪� ،‬صديق الكبار وال�ن��ا���س العاديني‪.‬‬ ‫وال���س��ر ان م��ارك�ي��ز اح��ب احل �ي��اة وعا�شها‪،‬‬ ‫وفوق هذا احب احلكاية اجلميلة ولهذا كثريا‬ ‫ما ا�شار اىل اعجابه حتى التبجيل بق�ص�ص‬ ‫الف ليلة وليلة وق�صة دراك��وال‪ .‬وبالنتيجة‬ ‫ي�ق�ترح م��ارت��ن ان االدب اال��س�ب��اين ق��دم يف‬ ‫ع�صوره الو�سيطة قا�ص ًا وحكواتيا ا�سمه‬ ‫�سرفانتي�س وماركيز هو �سرفانتي�س معا�صر‪.‬‬ ‫املهم يف ق�صة ماركيز وت�شعباتها الكثرية‬ ‫ان خلف ال�صحايف الناجح كان هناك قا�ص‬ ‫جميل يحب املبالغة واحلكاية اجلميلة‪ ،‬واكرث‬ ‫من هذا ميلك �صربا على الواقع وحتديا له‬ ‫بقدرية املكافح ولي�س قدرية اخل��ان��ع‪ ،‬فمن‬ ‫بوغوتا اىل قرطاجنة برناكويال وكركا�س‬ ‫وباري�س ونيومك�سيكو مت�سك ماركيز بحلم‬ ‫الكاتب العظيم وانتهى اليه‪ .‬لقد �صنع ماركيز‬ ‫ا�سطورته ه��ذه باالنفتاح على احلياة ففي‬ ‫ا��ش��د ح��االت ف�ق��ره وع ��وزه ك��ان يجد فر�صة‬ ‫للرق�ص والغناء والعزف على الغيتار‪ ،‬فعل‬ ‫هذا يف بوغوتا ويف باري�س التي كان حذا�ؤه‬ ‫فيها خمرما تت�سرب اليه املياه وقمي�صه رث ًا‬ ‫وج�سده نحيال‪.‬‬ ‫عن كتاب ماركيز �سرية حياة‬ ‫تاليف جريالد مارتني ترجمة‬ ‫الدكتور حممد دروي�ش‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪10‬‬

‫العدد (‪)2285‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )22‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2285‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )22‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫ح�سب اهلل يحيى‬

‫مع اوالده وزوجته مر�سيد�س‬

‫غابرييل غارسيا ماركيز‪ :‬الواقع وابعاده‬ ‫(‪)1‬‬

‫يف ح��دي��ث للكاتب الكولومبي غارييل‬ ‫غار�سيا ماركيز‪،‬ت�ساءل ع��ن معنى منح‬ ‫�سفاح مثل(بيفن)جائزة نوبل لل�سالم‪،‬يف‬ ‫وقت ت�سلم فيه ماركيز جائزة نوبل للأدب‬ ‫لعام ‪.1982‬‬ ‫وك���ان م��ارك �ي��ز ق��د و� �ص��ف جل�ن��ة جائزة‬ ‫نوبل ب�أن(ه�ؤالء امل�سنني الذين يتخذون‬ ‫القرار‪،‬هم �أ�شبه بع�صابة تر�سم خططها‬ ‫يف ال�ظ�لام ال��دام����س �أو �أن مهمة ه�ؤالء‬ ‫تقت�صر ب�ع�ب��ارة واح��دة‪:‬ت��رج �م��ة القرار‬ ‫الذي تتخذه وكالة املخابرات املركزية �إىل‬ ‫اللغة ال�سويدية)ووجد يف اجلائزة(تهمة‬ ‫مروعة)‪.‬‬ ‫فكيف ناق�ض نف�سه وواف��ق على �إ�ستالم‬ ‫اجلائزة‪،‬مع �أن عالقته باملال‪(:‬هي عالقة‬ ‫حا�سة واحدة فقط‪..‬اللم�س)‪.‬‬ ‫وه ��ل مي �ك��ن ال�ف���ص��ل ب�ي�ن ج��ائ��زة نوبل‬ ‫لل�سالم وجائزة نوبل ل�ل�أدب‪،‬وه��ل ميكن‬ ‫و��ض��ع احل��ائ��زي��ن على ه��ذه اجل��ائ��زة يف‬ ‫موقع واحد؟‬ ‫ت �ع��د ج ��ائ ��زة ن��وب��ل م ��ن اه� ��م اجل��وائ��ز‬ ‫ال�ع��امل�ي��ة‪،‬وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن �أن �صاحبها‬ ‫نوبل ال�سويدي(‪)1896-1833‬قد �إخرتع‬ ‫الديناميت و�أح�سا�سه ب��ان��ه يتاجر من‬ ‫�أج��ل موت الكثري من الب�شر‪،‬دفعه ليجاد‬ ‫ه��ذه اجل��ائ��زة كبديل مل��ا فعله و�ضرورة‬ ‫تقدمي خدمات مكر�سة خلدمة الب�شرية‪..‬‬ ‫اال �أن جل��ان توزيع اجلوائز كل ع��ام يف‬ ‫ال�سويد منذ عام(‪)1901‬ظلت بعيدة عن‬ ‫حتقيق ق��در من املو�ضوعية يف تقدميها‬ ‫اجلوائز‪،‬و�صارت هذه اجلوائز حمكومة‬ ‫ب �� �ش��روط ��س�ي��ا��س�ي��ة و� �ض �غ��وط خمتلفة‬ ‫التتعلق بدقة ومو�ضوعية �إختيار الفائزين‬ ‫بها‪..‬فقد منحت جائزة ال�سالم لعدد من‬ ‫ال�سفاحني واع� ��داء ال���ش�ع��وب كـ(بيفن)‬ ‫واعطيت جائزة الأدب لروائيني جمهولني‬ ‫ب�ي�ن�ه��م ال���ص�ه�ي��ون�ي��ان ي��و� �س��ف عجنون‬ ‫وايزاك با�شفيز �سينجر‪..‬و�سلمت لأ�سماء‬ ‫غ�ير معروفة يف الفيزياء والكيمياء‪..‬‬ ‫و�صار من الندرة ان ن��رى �أك��ف النزاهة‬ ‫ترجح يف منح جائزة نوبل‪..‬وكما رف�ض‬

‫�سارتر �أن يت�سلم اجلائزة ب�أن(اجلائزة‬ ‫�أعطيت مل�شبوهني كثريين)‪.‬‬ ‫وع��ام ‪ 1982‬ف��از ماركيز بجائزة نوبل‬ ‫ل �ل ��أدب‪،‬وك � ��ان ف � ��وزه م��و� �ض��ع �إه �ت �م��ام‬ ‫االو�ساط الثقافية العربية والعاملية‪،‬ب�سبب‬ ‫مواقف ماركيز االيجابية امل�ؤيدة حلركات‬ ‫التحرير يف ال�ع��امل الثالث ووق��وف��ه اىل‬ ‫ج��ان��ب ق�ضايا الأم ��ة العربية والتنديد‬ ‫باالحتالل ال�صهيوين لفل�سطني‪..‬وملعرفة‬ ‫ال �ع��رب وال �ع��امل لأع�م��ال��ه ال��روائ �ي��ة التي‬ ‫لقيت �أ�صداء بني املثقفني وجهود القراء‬ ‫ع �ل��ى ح��د �� �س ��واء‪ ،‬وي �ع��د ب��اب �ل��و ن�ي�رودا‬ ‫روي���ة م��ارك �ي��ز(م��ائ��ة ع ��ام م��ن العزلة)‪،‬‬ ‫�أه��م رواي��ة كتبت باال�سبانية بعد رواية‬ ‫�سرفانت�س(دون كي�شوت)‪.‬‬ ‫فما تفا�صيل ح�ي��اة ماركيز وم��ا �أفكاره‬ ‫و�أع �م��ال��ه ال��روائ �ي��ة ال �ت��ي ام �ت��دت �آف ��اق‬ ‫االهتمام بها يف كل مكان؟‬ ‫ولد ماركيز عام ‪1928‬يف قر ية(�أرا كاتاكا)‬ ‫يف كولومبيا بامريكا الالتينية‪،‬وكتب‬ ‫�أع�م��ال��ه الق�ص�صية باللغة اال�سبانية‪..‬‬ ‫وتعلم من جديه �أثناء طفولته عوامل الواقع‬ ‫وال�سحر واخل��راف��ة من خ�لال احلكايات‬ ‫التي كانا يق�صانها عليه‪،‬وعا�ش �سنوات‬ ‫احل��زن والفقر م��ع زوجته(مار�سيد�س)‬ ‫يف ح ��ي حم� ��روم م ��ن �أب �� �س��ط احلقوق‬ ‫االن�سانية‪..‬‬ ‫يف عام ‪1947‬كتب الروائي �إدواردو ثالميا‬ ‫ب��وردا املحرر االدب��ي ل�صحيفة(املتفرج)‬ ‫تعليقا ي�صر فيه ع�ل��ى((�إن اجليل االدبي‬ ‫اجلديد يف كولومبيا يت�سم يف جمموعة‬ ‫ب��ال��ع��ق��م‪..‬وق��ر�أ م��ارك �ي��ز ه���ذا التعليق‬ ‫الر�ؤيوي وللتو �إ�ستيقظ يف نف�سه �شعور‬ ‫بالت�ضامن م��ع جيله االدبي‪..‬وجل�س‬ ‫لكتابه اول �إق�صو�صة له بعنوان(للمرة‬ ‫الثالثة خ�ضوعا للقدر)و�أر�سلها لإدوارد‬ ‫ال��ذي ن�شرها ب�صورة م�برزة معتذرا عن‬ ‫تعليقه ال�سابق)‪.‬‬ ‫من هنا تبد�أ كتابة ماركيز متحدية‪،‬متجاوزة‬ ‫مل��ا ه��و م���أل��وف وت�ق�ل�ي��دي وم���س�ط��ح يف‬ ‫احلياة االدبية الكولومبية‪..‬م�ستفيدا من‬ ‫جتارب كافكا يف قلب الواقع‪،‬ومن فوكرن‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫يف ت�ق��دمي ح�ي��اة النا�س امل�سحوقني يف‬ ‫�أمريكا ومن فرجينيا وولف يف التعامل‬ ‫مع الزمن‪..‬و�أخذ ي�سعى لكي ي�شق �سبيله‬ ‫ال�ف�ن��ي بخ�صو�صية‪..‬لكن ظ �ه��ور طابع‬ ‫العزلة يف معظم �أعماله الق�ص�صية جعل‬ ‫البع�ض يجدون يف هذه العزلة (كال�ضياع‬ ‫يف �أعمال كافكا وامل�أ�ساة يف �أعمال جوي�س‬ ‫والأمل يف �أع�م��ال د�ستوف�سكي‪)..‬ويرى‬ ‫البع�ض �إن روايته‪(:‬مئة عام من العزلة)‬ ‫ماهي �إال قراءة يف االعمال اال�صلية لكتاب‬ ‫�أمريكا الالتينية‪.‬‬ ‫و�أن تتمتع روايته ب�صفة ال�سحرية‪،‬لأن‬ ‫الرواية هي نتاج اخليال ولي�س املالحظة‬ ‫الواعية لوحدها‪..‬فل�سنا وحدنا لنتخيل‬ ‫اال�شياء بطريقة �سحرية بل اخليال نف�سه‬ ‫ي �ق��وم بعمله بطريقة ��س�ح��ري��ة‪ ،‬الميكن‬

‫تف�سريها �أو ذات ت�أثري خ��ارق ذي نتائج‬ ‫مده�شة‪.‬‬ ‫حكما ي�شري غالفر يف كتابه(�أدب امريكا‬ ‫الالتينية احلديث)وهذا يعني �إن ماركيز‬ ‫من �أ�سرة مثقفة وجمربة ومتفاعلة‪،‬م�ؤثرة‬ ‫ومتاثرة على حد �سواء يف العامل الذي‬ ‫ي�ق��ر�أه �أو يعي�شه �أو يتفاعل معه يوميا‬ ‫ث��م يعيد ب �ن��اءه م��ن ج��دي��د وف��ق ت�صور‬ ‫حم�سو�س‪.‬‬ ‫يقول ماركيز(�إن كل ماكتبته‪..‬عرفته او‬ ‫�سمعته قبل �أن �أب�ل��غ �سن الثامنة‪،‬ومنذ‬ ‫ذل���ك ال �ع �ه��د مل �أ���ش��اه��د ��ش�ي�ئ��ا م �ه �م��ا‪)..‬‬ ‫وي �� �ض �ي��ف(الي��وج��د يف ك�ت�ب��ي �أي �سطر‬ ‫الي�ستند اىل حدث واقعي)‪.‬‬ ‫ل��ذل��ك جن��د ه ��ذه ال��واق �ع �ي��ة ه��ي امل�صدر‬ ‫اال�سا�س يف �أعماله‪،‬ومن خاللها ينطلق‬ ‫اىل ت� �ق ��دمي واق�� ��ع �إب��داع��ي‪،‬وي��ل��ت��ق��ط‬ ‫بح�سا�سية دقيقة ال�صور واالحداث االكرث‬ ‫�صميمية و�شمولية يف ح�ي��اة االخرين‬ ‫(وم��ن الطريف ان يت�سلم ماركيز ر�سالة‬ ‫من �سيدة املانية تهدد بها باقامة دعوى يف‬ ‫املحكمة لأنه تعر�ض اىل ق�صة عائلتها)‪.‬‬ ‫والواقع اال�صيل الذي ينطلق من �أر�ضية‬ ‫معينة‪،‬يجد تاثريه وامل�شابه له يف ازمنة‬ ‫واماكن خمتلفة‪،‬وهذا هو اال�سا�س الذي‬ ‫يقوم عليه كل �أدب حقيقي فهو يغو�ص‬ ‫يف موقع معني مهما ك��ان �صغريا‪ ،‬لكنه‬ ‫يتلم�س من خالله واق��ع االن�سان و�أبعاد‬ ‫هذا الواقع يف االخرين‪.‬‬ ‫ماركيز يعي�ش الآن يف باري�س‪-‬املنفى‪،‬‬ ‫وم�ن�ف��اه اخ �ت �ي��اري‪ ،‬ذل��ك �أن ��ه مل يجد يف‬ ‫النظام القائم يف بالده مالئما له‪..‬واختار‬ ‫يف ال�ب��داي��ة ال�صمت لفرتة زمنية‪ ،‬لكنه‬ ‫تخلى ع��ن �صمته وراح يكتب ويتحدث‬ ‫لل�صحافة‪..‬ورغم الدعوى الر�سمية التي‬ ‫وجهت اليه للعودة اىل بالده‪ ،‬اال �أنه �أ�صر‬ ‫على البقاء يف املنفى‪ ..‬ثم عاد مرة �أخرى‬ ‫للحديث عن تفكريه بالعودة وبا�صدار‬ ‫جريدة من داخل وطنه‪..‬‬ ‫و�أطلق النقاد على ا�سلوب ماركيز م�صطلح‬ ‫(الواقعية ال�سحرية ‪ -‬اخليالية)واعتربوا‬ ‫رواي� ��ة (م��ائ��ة ع ��ام م��ن ال �ع��زل��ة) �أف�ضل‬

‫اعماله‪..‬لكنه يف�ضل رواي �ت��ه (يوميات‬ ‫موت معلن)‪.‬‬ ‫لكنه م��ن جهة اخ��رى ظ��ل يعتز بروايته‬ ‫(مائة عام من العزلة) ورف�ض مبلغا طائال‬ ‫اق�ت�رح عليه مقابل حتويلها لل�سينما‪..‬‬ ‫وق ��ال‪( :‬اف���ض��ل ان ي�ستمر ال�ن��ا���س على‬ ‫ت�صور ال�شخ�صيات كما ه��م‪ ،‬ويف يوم‬ ‫ت�صبح فيه هذه النقود �ضرورية حلركة‬ ‫الثورة يف امريكا الالتينية �ساقبل هذا‬ ‫العقد)‪.‬‬ ‫*مائة عام من العزلة‪:‬‬ ‫(ماكوندو) القرية هي بطلة رواية ماركيز‬ ‫وك ��ل ال�شخ�صيات حت ��وم حولها‪،‬وكل‬ ‫ال �ع��اومل الواقعية واخليالية ت�سري يف‬ ‫موكبها‪.‬‬ ‫القرية را�سخة بفلوكلورها‪ ،‬وازمنتها‬ ‫ال�سحيقة بالقدم وباملجهول‪ ..‬وانتقالها‬ ‫فيما بعد اىل ق��ري��ة ت�شهد االخ�تراع��ات‬ ‫والليايل البي�ضاء بعد �أعوام ال�شدة‪.‬‬ ‫ك��ان اول دار م�شيد فيها ب�ن��اه (جوزيه‬ ‫�أركاديو بونيديا) وزرع �أر�ضها بالتبغ‪،‬‬ ‫وا��ض��اع نف�سه يف قرية تنحدر غربا من‬ ‫جبال �سيريا يف كولومبيا‪ ..‬وحلقت به‬ ‫جماعة كانت تعي�ش حياة الفقر يف قرية‬ ‫تعود للهنود احلمر‪،‬وكونوا(ماكوندو)‬ ‫مكانا ج��دي��دا لهم وتعاقبت عليه �أجيال‬ ‫ع��دي��دة بعد �إن�ق��را���ض �ساللة بوينديا‪..‬‬ ‫ومع هذه االحداث (نتذر عدة مدن ذكرت‬ ‫يف الكتب املقد�سة منها‪�:‬إرم ذات العماد‪،‬‬ ‫�سدوم وزعمورية‪ ..‬كما ذكرت مدينة طيبة‬ ‫يف م�سرحية �سوفوكلي�س (اودي��ب ملكا)‬ ‫فهي م��دن �شيدت ث��م انقر�ضت وتعاقب‬ ‫عليها اجيال خمتلفة‪ ..‬حتى ان االع�صار‬ ‫الذي تواجهه (ماكوندو) يعترب اع�صارا‬ ‫مرت به تلك املدن‪ ..‬فهل كان ماركيز يعيد‬ ‫الكتابة ع��ن م��دن انقر�ضت ث��م بعثت من‬ ‫جديد؟ وهل يعني ذلك العودة اىل معاجلة‬ ‫مو�ضوع احلرية املحكومة بالقدر املجهول‬ ‫واملالزم حلياة االن�سان؟‬ ‫امليثولوجيا وا�ضحة مت��ام��ا يف اجواء‬ ‫رواي ��ة م��ارك�ي��ز‪،‬واث��ر ال�سحر واخلرافة‬ ‫امل �م �ت��زج�ين ب��ال��واق��ع ت���ش�ك�لان عن�صرا‬

‫ا�سا�سيا يف �صفحات ال��رواي��ة‪ ..‬والزمن‬ ‫يتداخل مع بع�ضه حتى لنح�س بانه زمن‬ ‫طويل الت�سا�ؤل له بل هو مرنتبط مب�ساحة‬ ‫معينة ي�سعى ماركيز للدوران حولها‪.‬‬ ‫وانحالل �ساللة بونيديا‪،‬كامنا هو حالة‬ ‫طبيعية لفرتة عجزت عن التقدم‪..‬وكان‬ ‫تدخل �شخ�صية الغجري الآ�سيوي ي�شكل‬ ‫ا�سهاما يف الك�شف عن توقف ال بونيديا‬ ‫عن العطاء‪ ..‬وجميء اجليل الآخر كان هو‬ ‫الآخر ي�شهد انحالال خلقيا عرب االبن‪-‬ابن‬ ‫خوزيه‪..‬‬ ‫ام� ��ا اجل��ي��ل ال��ث��ال��ث ف �ي �ظ �ه��ر م ��ن خ�لال‬ ‫�شخ�صية انتهازية تدعى(اركاديو) ت�سهم‬ ‫يف االنحالل‪..‬حتى اذا ب��د�أ اجليل الآخر‬ ‫وجدنا �أوجها جماعية نتبينها من خالل‬ ‫تظاهرات العمال �ضد ال�شركة امل�ستغلة‬ ‫ملزارع املوز‪..‬‬ ‫ان��ه جيل ق��وي ي�خ��رج م��ن ازم ��ة �شديدة‬ ‫ع��دي��دة لي�صل اىل ح��ال��ة ت��واج��د ب�شري‬ ‫خالق‪.‬‬ ‫وترى الناقدة بريجيت غالفادا ب�أن‪:‬زمن‬ ‫ال�ت��ا��س�ي����س(�أو الع�صر الذهبي)يحدث‬ ‫ع� �ل ��ى ث��ل��اث م� ��راح� ��ل رم� ��زي� ��ة يف حد‬ ‫ذاتها‪:‬اخلطيئة اال�صلية والهجرة‪،‬وحلم‬ ‫اال�ستقرار‪،‬والتقدم وجتربة احلدود)‪.‬‬ ‫وت�ضيف ب�أن‪(:‬املراجع الثقافية اال�سا�سية‬ ‫يف(مائة عام من العزلة)هي الكتاب املقد�س‬ ‫وهومري وفرتة(فرتة الك�شوفات الكربى‪..‬‬ ‫بعد ع�صرنتها فعلى �سبيل املثال لدينا‪-:‬‬ ‫مو�ضوع االنتقال عن الفو�ضى(الطبيعة‬ ‫الوح�شية)اىل الكون(املدينة)‪-‬والهجرة‬ ‫والكوارث مثل طاعون االرق واحلروب‬ ‫االهلية والطوفان والعا�صفة النهائية‪..‬‬ ‫بع�ض ال�شخ�صيات اي�ضا تربز �صلة وثيقة‬ ‫بتلك ال �ك �ت��ب‪-‬ك ��أور� �س��وال ال �ت��ي تتحول‬ ‫يف نهاية حياتها اىل مالك‪-‬واوريليانو‬ ‫بوينديا ال�شاب ال��ذي يعيد متثيل م�شهد‬ ‫امل�سيح و��س��ط االط �ب��اء لتف�سري انحدار‬ ‫ماكوندو)‪.‬‬ ‫م��ن هنا نتبني ان ه��ذه ال��رواي��ة تن�شغل‬ ‫على م�ستويات عدة واقعية وميثولوجية‬ ‫وخيالية ب�شكل متما�سك وم�تراب��ط مع‬ ‫بع�ضه‪ ،‬برغم �أن ماركيز كتبها خالل(‪)20‬‬ ‫ع��ام��ا وت��رك�ه��ا ام��ام�ن��ا ب�شكل بانورامي‬ ‫قريب اىل امل�شاهد ال�سينمائية املتحركة‬ ‫واملنطلقة من �أبعاد وزوايا عدة فهي لي�ست‬ ‫ملحمية كما ه��ي عند بري�شت ولي�ست‬ ‫واق�ع�ي��ة طبيعية كما ن��راه��ا عند زوال‪..‬‬ ‫م�ضافا اليها اهتمام ماركيز ببناء عامل‬ ‫جديد متخيل يواكب العامل االجتماعي‬ ‫القائم ويتفاعل ب�شكل مت�صاعد ومرتابط‬ ‫واقعيا وخياليا‪.‬‬ ‫انه يبد�أ من الواقع يلملمها ثم يعيد �صياغة‬ ‫واقع مو�ضوعي من خاللها م�ستفيدا من‬ ‫هذه اجل��ذور البكر يف االنتقال اىل عامل‬ ‫ا�سطوري وفنطازي‪..‬وهذه هي خا�صية‬ ‫ماركيز يف كتابة(مائة عام من العزلة)التي‬ ‫جند فيها قرية(ماكوندو)اجلزء ال�صغري‬ ‫من هذا العامل يتحول اىل هم يواجه �سكان‬ ‫عدد من القرى ومدن العامل‪،‬انها الالمكان‬ ‫والالزمان ولذلك تربز عامليتها‪..‬وهي وان‬ ‫ظهر ال�ي��أ���س يف �سايكولوجية ع��دد من‬ ‫�شخ�صياتها واجوائها فالن ماركيز اليريد‬ ‫�أن يقدم لنا ب�شرا يتمتعون باملثالية وعدم‬ ‫ال���س�ق��وط‪،‬وان��ه ي�سقط ن�ه��اي��ات ع��دد من‬ ‫النا�س ثم يعيد الوعي واملواقف احلا�سمة‬ ‫لي�سرتد حالة الي�أ�س اىل نوع من التفا�ؤل‬ ‫وحالة من التجدد يف بعث احلياة‪.‬‬ ‫ولكن امللفت للنظر �أن غابرييل غار�سيا‬ ‫ماركيز يكرر نف�سه‪ ،‬ويعيد كتابة امل�ضامني‬ ‫التي كان قد تناولها من قبل يف ق�ص�ص‬ ‫ق�صرية‪،‬فق�صة(غريق ه��و ال��و��س�ي��م يف‬ ‫العامل)يعيد �سرد وقائعها علينا يف (مائة‬ ‫عام من العزلة)�ص‪ 71‬فالغريق املجهول‬ ‫ال��ذي لعب بجثته االط �ف��ال واح��اط��ت به‬ ‫الن�ساء حت��ول اىل رم��ز للقرية بعد �أن‬ ‫اطلق عليه ا�سم خا�ص‪..‬وق�صة‪(:‬احلكاية‬

‫‪11‬‬

‫العجيبة واملحزنة الي��رن��دي��را ال�ساذجة‬ ‫وجدتها ال�شيطانية)وجدنا �أحداثها واردة‬ ‫يف رواية (مائة عام من العزلة)�ص‪.54‬‬ ‫وال نعلم ان ك��ان م��ارك �ي��ز ق��د ن�شر تلك‬ ‫الق�ص�ص قبل كتابة الرواية �أم بعدها‪..‬‬ ‫وه��ل ان��ه وج��د مت�سعا الح �ت��واء روايته‬ ‫عليها اكماال لالحداث ام �أن عن�صر التكرار‬ ‫واملراجعة هي التي جعلت ماركيز يعيد‬ ‫احلديث عنها لي�س تف�صيال وامن��ا بذات‬ ‫ال�صيغة وذات االح� ��داث يف �صفحات‬ ‫الرواية؟!‬ ‫انها م�س�ألة خطرة �أن يكرر الكاتب نف�سه‪.‬‬ ‫ان يعيد وقائع ماكتبه!‬

‫(‪)2‬‬ ‫عن احلب و�شياطني �أخرى‬

‫من امل�ؤكد ان الكاتب املثري للجدل‪،‬كاتب‬ ‫على درج��ة من االهمية‪�،‬سواء اتفقنا �أو‬ ‫اختلفنا مع طروحاته‪،‬املهم انه �أث��ار فينا‬ ‫فاعلية اجلدل‪،‬وله �شرف اقتحام قناعات‬ ‫معينة كانت م��زروع��ة فينا‪..‬االمر الذي‬ ‫جعلنا نتنبه ون��راج��ع معرفتنا مراجعة‬ ‫متانية‪.‬‬ ‫وغ��اب��ري�ي��ل غ��ار��س�ي��ا م��ارك �ي��ز‪،‬واح��د من‬ ‫�أب��رز املبدعني الذين �أث��اروا ج��دال ب�ش�أن‬ ‫املو�ضوعات ال�ساخنة واحلميمية التي‬ ‫طالعتنا بها �أعماله الروائية والق�ص�صية‬ ‫و�أفكاره الواردة يف حواراته ال�صحفية‪.‬‬ ‫ويف رواية حديثة له ترجمت اىل العربية‬ ‫ب�ع�ن��وان‪(:‬ع��ن احل��ب و�شياطني �أخ��رى)‬ ‫ترجمها عن اال�سبانية د‪.‬وليد �صالح‪.‬‬ ‫ي ��وا�� �ص ��ل م ��ارك� �ي ��ز ت��وج �ه��ات��ه االث�ي��رة‬ ‫بتوظيف امليثولوجيا واال� �س��اط�ير يف‬ ‫ن�صه االدب��ي‪،‬ف�م��ن خ�لال �أخ �ب��ار �صحفي‬ ‫يتعلق بالتنقيب يف قبور �أح��د االدب��رة‬ ‫القدمية‪،‬تكت�شف(جديلة حية ذات لون‬ ‫ن�ح��ا��س��ي ك �ث �ي��ف‪،‬ح��اول رئ �ي ����س العمال‬ ‫�إخ��راج �ه��ا كاملة مب�ساعدةعماله‪،‬لكنهم‬ ‫كانوا كلما �سحبوا منها جزءا تبدو �أ�شد‬ ‫ط��وال وغ��زارة‪،‬وا� �س �ت �م��ر ال�شد واجل��ذب‬ ‫اىل �أن خ��رج��ت �أخ� ��ر خ �� �ص�لات ال�شعر‬ ‫امل �غ��روزة يف جمجمة ط�ف�ل��ة)‪،.‬ع�بر هذا‬ ‫ال�ق�بر احل�ج��ري‪،‬و��ش��اه��دت��ه ال�ت��ي حتمل‬ ‫ا�سم‪�:‬سيريفا م��اري��ا‪،‬ت�ب��د�أ تفا�صيل هذه‬ ‫الرواية‪،‬حيث تبني ان جديلة هذه الطفلة‬ ‫ب �ط��ول ‪22‬م و‪� ��11‬س ��م‪،‬وان� �ه ��ا �أ�صيبت‬ ‫بع�ضة كلب م�سعور‪..‬مما يجعل عائلتها‬ ‫االر�ستقراطية ت��دع��وه��ا اىل دي��ر بهدف‬ ‫ا�ستخراج االرواح ال�شريرة هنا تعني‬ ‫انها م�سو�سة بال�شياطني‪..‬لكننا نتبني‬ ‫بعدئذ ان هذا ال�شك القائم على قوة خفية‬ ‫�شريرة كان جمرد وهم كبري‪..‬ذلك �إن هذه‬ ‫القوة ال�شر�سة‪ ،‬مل تكن �سوى جمموعة‬ ‫تعمل يف الدير نف�سه‪ ،‬تذيق الطفلة �شتى‬ ‫�صنوف التعذيب بهدف اخ��راج �شياطني‬ ‫وهمية خلقتها ذهنية متخلفة‪ ،‬حاولت‬ ‫عائلتها ان تطرد �شرا موهوما من طفلة‬ ‫بريئة �صادف ان ع�ضها كلب‪..‬االمر الذي‬ ‫جعل ه��ذه العائلة حتمي م�صاحلها من‬ ‫�أح ��د �أع���ض��ائ�ه��ا‪..‬وت�خ�ل��ت ع�ن��ه ب�سهولة‬ ‫حفاظا على امنها و�سالمتها قبل العناية‬ ‫بنقاء طفلة!‬ ‫ل �ك��ن م��ارك �ي��ز مل ي �ب��ق ع �ل��ى ه���ذا العامل‬ ‫املحفوف بال�شر واالنانية ومثله املتخلفة‬ ‫وخ��وف��ه امل��وه��وم‪،‬ب��ل و��ض��ع الطفلة يف‬ ‫م��وق��ع وج ��دت ف�ي��ه �ضالتها يف الراهب‬ ‫كايتانو الذي و�ضع يف مهمة معاجلتها‪..‬‬ ‫وعلى ال��رغ��م م��ن ك�بر �سنه بالن�سبة اىل‬ ‫�سنها‪..‬كان هناك حب يزهر وعقل ينري‬ ‫هذه العالقة التي كانت حماطة ب�شياطني‬ ‫ب�شرية حقيقية‪ ..‬تتبني �أمر هذا احلب‪..‬‬ ‫فتبعد ب�ين الطفلة وال��راه��ب‪..‬ح�ت��ى يعم‬ ‫ال �� �ش��ر‪..‬ومت��وت ال �ط �ف �ل��ة‪..‬يف �سريرها‪،‬‬ ‫وعيناها ت�شعان‪ ،‬وب�شرتها كانها ب�شرة‬ ‫طفل حديث ال��والدة‪ ،‬كانت جذور �شعرها‬ ‫قد نبتت كانها فقاعات يف الر�أ�س احلليق‪،‬‬

‫وبد�أ �شعرها ينمو �شيئا ف�شيئا‪..‬بينما مل‬ ‫يعرف م�صري كايتانو الذي طرد من الدير‪،‬‬ ‫ول�ع��ل م���ص��در اجل ��دل واالث� ��ارة يف هذه‬ ‫الق�صة الق�صرية‪،‬اليكمن يف مو�ضوعة‬ ‫احلب التي تناولها ماركيز ح�سب‪ ..‬فهي‬ ‫اىل ج��ان��ب اهميتها وع��ذوب��ة تناولها‪،‬‬ ‫وح �� �ض��وره��ا يف متعة وذاك� ��رة املتلقي‬ ‫للوهلة االوىل‪ ،‬فان هذه املو�ضوعة على‬ ‫نحو �آخر‪ ..‬تثري انتباهات عديدة وابعاد‬ ‫ف�ع��ال��ة وذل���ك م��ن خ�ل�ال تعميم عمليات‬ ‫القمع املختلفة يف كل زمان ومكان‪ ..‬وقد‬ ‫تكون حماكم التفتي�ش اال�سبانية (‪)1242‬‬ ‫واح��دة من هذه العمليات التي انت�شرت‬ ‫يف دول امريكا الالتينية التي ينتمي اليها‬ ‫ماركيز نف�سه‪ ..‬حيث يدان املرء ب�سهولة‬ ‫بتهمة االحلاء‪.‬‬ ‫م��ن هنا جن��د ماركيز يتخذ ق�صة احلب‬ ‫ب�صورتها االن�سانية املثلى وجاذبيتها‬ ‫الآخاذة‪،‬لينقلنا اىل ج��دل �أغنى واعمق‬ ‫وادل بني قوى احلب وق��وى الكراهية‪..‬‬ ‫ق�صة �سيريفا ماريا بجديلتها النحا�سية‬ ‫ال �ل��ون ال�ط��وي�ل��ة اىل ح��د ال�ل�ام���أل��وف‪..‬‬ ‫ب��اع��وام �ه��ا االث� �ن ��ي ع�شر‪،‬و�شياطينه‬ ‫املوهومة‪ ..‬حبها لالميان ال��ذي يج�سده‬ ‫الراهب الثالثيني عمرا‪:‬كايتانو‪..‬يجعلنا‬ ‫هذا احلب‪ ،‬ندرك اهمية املعطى االن�ساين‬ ‫بتجاوز العمر الزمني‪ ،‬بتجاوز �شر يعتقد‬ ‫انه يالزم الطفلة؛ واميان مقرتن بالراهب‪،‬‬ ‫يتجاوز التحام االر�ستقراطية االجتماعية‬ ‫واالر��س�ت�ق��راط�ي��ة امليثولوجية املقرتنة‬ ‫كذلك باميان ق�سري الميكن ادامته‪ ..‬نحو‬ ‫ك�شف كلي لعامل ت�سحقه الظاللة وي�سوده‬ ‫ال�شر وتعم فيه الكراهية واالفكار القائمة‬ ‫على فعل مغيب متاما‪..‬ال حتل ا�شكاالته‬ ‫اال بال�سحر‪�(:‬ساخربته �ساكنته ان ك�سوفا‬ ‫ت��ام��ا لل�شم�س �سيح�صل يف �شهر �آذار‪،‬‬ ‫وزودته مبعلومات كاملة عن املع�ضو�ضني‬ ‫يف ي ��وم االح���د االول م��ن ��ش�ه��ر كانون‬ ‫االول‪ ،‬اثنان منهم اختفيا بعد ان خباهما‬ ‫ا�صحابهما ملعاجلتهما بال�سحر‪،‬اما الثالث‬ ‫فقد مات بداء الكلب يف اال�سبوع الثالث)‪.‬‬ ‫مثل ه��ذه املعتقدات ال�غ��رائ�ب�ي��ة‪..‬ال جتد‬ ‫�سبيال اىل امل�ع��اجل��ة اال مب��ا مياثلها من‬ ‫غيبيات‪..‬هكذا يعادلها ماركيز‪،‬لكن نتيجة‬ ‫هذا التعادل اليو�صل �صاحبه اىل حلول‬ ‫منطقية �سليمة‪،‬بل يوقعه يف ا�شكاالت‬ ‫جديدة وم��آزق الحقة يك�شف عنها العامل‬ ‫الروائي ملاركيز‪.‬‬ ‫واذا ك��ان ماركيز قد و�ضع يف م�صطلح‬ ‫رواي� �ت���ه ه� ��ذه م �ق �ط �ع��ا م ��ن حكم‪:‬توما‬ ‫االك��وي�ن��ي ج��اء فيها‪(:‬يبدو ان اجلدائل‬ ‫البد لها من ان تنبعث‪،‬ولكن �أقل بكثري من‬ ‫�أج��زاء اجل�سد االخرى‪،‬وتوفيقه يف هذا‬ ‫االختيار املالئم لطبيعة هذا العمل الروائي‬ ‫ال �ف��ذ‪،‬ف��ان ج��دائ��ل ��س�ي�يرف��ا ماريا‪،‬كانت‬ ‫منذورة للكني�سة‪..‬حتى تكت�سب �صاحبتها‬ ‫ال�سعادة والفال احل�سن‪،‬فاذا بها ترحل مع‬ ‫اجل�سد كله رحلة امل��وت االبدية‪..‬وجاء‬ ‫االن �ب �ع��اث املتخيل ل�لاك��وي�ن��ي وماركيز‬ ‫معا‪،‬انبعاث هو مدعاة للتامل اجلليل اكرث‬ ‫من �أي �شيء �آخر‪.‬‬

‫(‪)3‬‬ ‫حكاية بحار غريق‬

‫ب�ع��د رواي��ة(م��ائ��ة ع��ام م��ن العزلة)التي‬ ‫ترجمها اىل العربية‪:‬د‪�.‬سامي اجلندي‬ ‫وان� �ع ��ام اجل �ن��دي‪،‬ت ��أل��ق ا� �س��م غابرييل‬ ‫غار�سيا م��ارك �ي��ز‪�،‬أو �صار ق��راء العربية‬ ‫يبحثون عن ترجمة لبقية اعمال ماركيز‬ ‫وادباء الطليعة يف �أمريكا الالتينية‪..‬‬ ‫وظهرت يف ع��دد من ال�صحف واملجالت‬ ‫العربية عدد من الق�ص�ص الق�صرية التي‬ ‫كتبها م��ارك�ي��ز ث��م ظ�ه��رت روايته(لي�س‬

‫◄‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪12‬‬

‫ل �ل �ج�نرال م��ن ي �ج �ي��ب) وت��رج��م ل��ه عمل‬ ‫ث��ال��ث ه��و رواي���ة (ح�ك��اي��ة ب�ح��ار غريق)‬ ‫ترجمها‪:‬حممد علي البو�سني‪ ..‬التي نحن‬ ‫ب�صدد احلديث عنها‪.‬‬ ‫(حكاية بحار غريق)تذكرنا منذ البداية‬ ‫بثالثة اع�م��ال �أدب �ي��ة مهمة ه��ي‪( :‬موبي‬ ‫دي��ك) لهرمان ملفيل‪ ،‬و(ال�شيخ والبحر)‬ ‫ل �ه �م �ن �غ��واي‪ ،‬و(حت� ��ت � �س �م��اء اجلليد)‬ ‫جلان لندن ذلك ان هذه االعمال تقدم لنا‬ ‫�صراع االن�سان مع قوى الطبيعة املختلفة‬ ‫وانت�صار االن�سان عليها وتاكيد قدرته‬ ‫وب�سالته يف مواجهة امل�صاعب وال��د�أب‬ ‫على معانقة البقاء‪.‬‬ ‫ومنذ ال�سطور االوىل لعمل ماركيز (ظل‬ ‫ع�شرة اي��ام ب�صراع االم��واج على �سطح‬ ‫ع�ب��ارة م��ن خ�شب دون طعام �أو �شراب‪،‬‬ ‫ن���ودي ب��ه ب�ط�لا وط�ن�ي��ا‪،‬وق�ب�ل�ت��ه ملكات‬ ‫اجل �م��ال واغ �ن �ت��ه ال ��دع ��اوة‪،‬ث ��م �شجبته‬ ‫احلكومة ون�سي اىل �أبد الآبدين)‪.‬‬ ‫نعرف باوجه اللقاء مع ملفيل وهمنغواي‬ ‫ولندن‪،‬ونعرف اي�ضا باوجه االختالف‬ ‫والتميز كماركيز يف(حكاية بحار غريق)‬ ‫اليقدم حالة ال�صراع وحدها من �أجل ان‬ ‫تكون هناك بطولة‪،‬انه يدين هذه البطولة‬ ‫ال �ق��ائ �م��ة ع �ل��ى امل �� �ص��ادف��ة ال االخ �ت �ي��ار‪،‬‬ ‫والتوقع بدال من الت�أمل‪( :‬مل اقم ب�أي جهد‬ ‫كي ا�صري بطال‪ ،‬كانت كل جهودي عبارة‬ ‫عن رغبة يف النجاة)‪.‬‬ ‫وال �ب �ح��ار ال �ف��ري��ق (ل��وي ����س اليخاندرو‬ ‫فيال�سكو) يقدمه لنا ماركيز بوثائقية‬ ‫حم���ددة ب��زم��ن(‪� �28‬ش �ب��اط ‪ )1955‬يوم‬ ‫�سقوط ثمانية بحارة كانوا على منت مدمرة‬ ‫تابعة لال�سطول البحري الكولومبي يف‬ ‫البحر امل�سمى(بحر االنتيل) وهي باجتاه‬ ‫قرطاجنة ومغادرتها ميناء االباما‪ ..‬وكان‬ ‫فيال�سكو الوحيد ال��ذي جنا من الزوبعة‬ ‫والغرق بعد ان تعلق بعبارة خ�شبية وظل‬ ‫طافيا من دون زاد او �شراء مل��دة ع�شرة‬ ‫�أيام‪..‬حتى و�صل اىل �أر�ض جمهولة‪ ،‬ثم‬ ‫اقتيد اىل قرطاجنة‪.‬‬

‫العدد (‪)2285‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )22‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2285‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )22‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫وكانت م�شكلة ماركيز مع ه��ذه احلكاية‬ ‫تتمثل يف (اق �ن��اع ال��ق��ارىء ب�صحتها)‬ ‫و(هناك كتب لي�ست ملك من يكتبها‪ ،‬وامنا‬ ‫ه��ي ملك اول�ئ��ك ال��ذي��ن يجعلونها ممكنة‬ ‫بتجربتهم الأليمة)‪.‬‬ ‫وم��ن هنا رف�ض فيال�سكو ك��ل ال�ضغوط‬ ‫التي كانت تريد منه ت�شويه الق�صة‪،‬ولهذا‬ ‫ال�سبب بالذات ف�صل من عمله يف البحرية‪..‬‬ ‫والتوحد يف (حكاية بحار غريق) حالة‬ ‫ت�سعى اىل اللقاء بالآخرين‪،‬ى االنعزال‬ ‫عنهم‪،‬فالغريق فيال�سكو ك��ان يبحث عن‬ ‫زم�لائ��ه وي �ح��اول �سحبهم اىل عبارته‪،‬‬ ‫وعندما ف�شل راح يبحث عن نقطة تقتل‬ ‫ه��ذا التوحد مقرتنا بالزمن يف �ساعات‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫ظلت من ممتلكاته التي راح ي�صونها‪..‬‬ ‫و�أ��س�م��اك ال�ق��ر���ش وال��دول�ف�ين والطائرة‬ ‫ال �ب �ع �ي��دة‪ ،‬وال�ق�م�ي����ص امل �ف �ت��وح االزرار‬ ‫واجلاهز للتلويح‪ ..‬وامل�ج��داف املك�سور‬ ‫والنوار�س املحلقة‪ ،‬واال�ست�سالم لها لكي‬ ‫يقب�ض على �أحدها‪،‬فيقزز منها ومن نف�سه‪،‬‬ ‫فقد تذكر قول بحار متمر�س كان يحدثه‬ ‫دائما بان (النور�س بالن�سبة للبحار هو‬ ‫مبثابة �أر�ض تلوح يف االفق‪،‬قتل النور�س‬ ‫ل�ي����س �أم� ��را ج��دي��را ب��ن��ا)‪..‬واك��ل �سمكة‬ ‫نيئة‪،‬وتخا�صم مع �سمكة قر�ش من �أجل‬ ‫تلك ال�سمكة ال�صغرية‪ ،‬وابتلعت �سمكة‬ ‫القر�ش ن�صف جمذابه عو�ضا‪..‬‬ ‫واكت�شف ا�سفل العبارة قطعة من حطب‬ ‫العرق‪،‬فاخذ يقطعها‪ ،‬وتاه لكن جرحه كان‬ ‫منقذا له‪�( ..‬آملني اجلرح‪ ..‬وكان �سببا يف‬ ‫�إنقاذ حياتي‪ ،‬كنت كالتائه بني الظلمات‬ ‫ولقد جعلني وخز اجلرح �أ�سرتجع �صلتي‬ ‫بج�سدي)‪.‬‬ ‫اجل���رح ه�ن��ا ك ��ان م�ن�ب�ه��ا‪ ،‬ف �ع�لا‪ ،‬يقظا‪..‬‬ ‫وح�صنه �ضد م��ا ك��ان يح�س ب��ان �سراب‬ ‫الياب�سة ع�ن��د ح ��دود ب �� �ص��ره‪ ..‬ف�ق��د كان‬ ‫الي�أ�س قد ب��رح ب��ه‪( :‬ف�ضلت ال�ع��ودة اىل‬ ‫الرغبة يف امل��وت على ال�سقوط فري�سة‬ ‫اجل��ن��ون حت��ت ت���أث�ي�ر االوه� � ��ام) ولكن‬ ‫الياب�سة كانت حقيقة‪ ..‬وعندما و�صلنا‬ ‫عومل كبطل‪ ،‬و(لو كان معي يف الطوافة‬ ‫م�ؤونة من املاء والب�سكوت املعلب جيد ًا‬ ‫م��ن �أج� ��ل ��ص�ي��ان�ت��ه وب��و� �ص �ل��ة و�أدوات‬ ‫�صيد‪ ،‬لو�صلت حي ًا‪ ،‬بالتاكيد كما �أنا الآن‪،‬‬ ‫با�ستثناء هذا الفارق‪ ،‬وهو انهم ماكانوا‬ ‫ليعاملونني كبطل)‪.‬‬ ‫وهذه البطولة التي �إكت�شفها البحار‪،‬كانت‬ ‫�سباقة ملهمته يف امل��دم��رة‪ ،‬فقد كانت به‬ ‫رغبة اىل ترك عمله وان تكون هذه رحلته‬ ‫االخ�ي�رة‪،‬وت��ردد يف الت�صريح خلطيبته‬ ‫ف�ي�م��ا ك ��ان ق��د ع ��زم ع �ل �ي��ه‪ ..‬وم�صاعبه‬ ‫التي جعلت منه بطال‪ ،‬وارادت ال�سلطة‬ ‫ا�ستثمارها لأغرا�ضها‪ ،‬وال�شركات �أرادوا‬ ‫من م�شاقها‪..‬دعاية ل�ساعات معينة وحذاء‬

‫ك��ان ي��رت��دي��ه‪..‬ح �ت��ى � �ص��ار �سلعة ن��ادرة‬ ‫واغتنى‪ ،‬لكنه كان يبحث عن جناته‪،‬مثل‬ ‫ذل ��ك ال�صحفي ال ��ذي تنكر ب ��زي طبيب‬ ‫ليعرف تفا�صيل ق�صته على حقيقتها‪،‬‬ ‫بعد �أن منع من احلديث وهو يف حلظات‬ ‫االنقاذ والرعاية‪..‬فالواقع هو �أنه بحار ال‬ ‫يريد ملهمته ان تتحول اىل �سلعة‪،‬و�إمنا هو‬ ‫بحار كان يعاين م�شاق البحر والعا�صفة‬ ‫واجل��وع والعط�ش‪..‬وكل ذهنه ين�صرف‬ ‫اىل النجاة فح�سب‪..‬بعد وقوعه يف فخ‬ ‫ال�ع�م��ل ع�ل��ى م�تن م��دم��رة حت�م��ل ب�ضائع‬ ‫ك��ول��وم�ب�ي��ة م �ه��رب��ة‪..‬وق �ت��ل ب�ط��ول��ة اري��د‬ ‫اقرتانه بها‪..‬‬ ‫ان ماركيز �إذ يقدم هذه الرواية‪ -‬الوثيقة‪،‬‬ ‫يعطينا ذل��ك احل�ل��م الكبري يف ان يكون‬ ‫للرواية ولكل عمل �إب��داع��ي خ�لاق قيمته‬ ‫العليا‪ ..‬يف حتديد موقف م��ن الطبيعة‬ ‫والنا�س واحل�ي��اة‪..‬م��ن هنا كانت رواية‬ ‫(حكاية بحار غريق) عم ًال ف��ذا‪ ،‬ومتالق ًا‬ ‫ومتميز ًا‪ ،‬وبرغم انه عمل موجز ن�سبة اىل‬ ‫االعمال االدبية الثالثة التي �أ�شرنا اليها‪،‬‬ ‫يبق عمال يقف اىل جانبها‪ ،‬وي�شكل معها‬ ‫ذلك ال�صدى العميق لبحار عا�ش حكايته‪،‬‬ ‫ورف�ض اال�ست�سالم لبطولة اقرتنت به‪..‬‬ ‫وف �� �ض��ل ان ت �ك��ون بطولته‪..‬احلقيقية‬ ‫وحدها‪.‬‬

‫(‪)4‬‬ ‫رائحة اجلوافة‬

‫�سنة ح�صوله على ج��ائ��زة نوبل لالداب‬ ‫عام ‪1982‬وغابرييل غار�سيا ماركيز‪،‬يثري‬ ‫�إنتباه النقاد والقراء يف العامل �أجمع‪ ،‬بعد‬ ‫�ألأن ترجمت �أعماله الروائية والق�ص�صية‬ ‫اىل اللغات احل�ي��ة‪ ،‬و�أع�ي��د طبعها مرات‬ ‫عدة‪.‬‬ ‫و�أحدث كتاب �صدر باللغة العربية ملاركيز‬ ‫هو (رائحة اجلوافة) ويقوم هذا الكتاب‬ ‫على حوارات الكاتب الكولومبي بيلينيو‬ ‫مندوزا كان قد �أجراها مع ماركيز ‪ -‬دار‬

‫م��ن��ارات‪/‬االردن‪/‬ط‪ - 1989/1‬والكاتب‬ ‫ي�ع��رف�ن��ا ب�ت�ج��رب��ة ال �ك �ت��اب��ة ع �ن��د ماركيز‬ ‫ويعك�س مواقفه على نحو مبا�شر‪ ،‬خال‬ ‫من االنغالق والت�سطيح‪ ،‬وامنا يقوم على‬ ‫وعي نا�ضح ور�ؤية حمددة‪.‬‬ ‫ان ماركيز الذي كان قد عالج يف (خريف‬ ‫البطريك) مو�ضوع احلاكم امل�ستبد الذي‬ ‫يعاين من مرحلة الي�أ�س االخ�يرة‪ ،‬ومن‬ ‫ق�سوة العزلة واالن�ف��راد من خ�لال �إبداع‬ ‫ال���ص��ور امل�غ��رق��ة يف اخل�ي��ال مثل �إجبار‬ ‫االم��ري �ك �ي�ين ع �ل��ى م�ن�ح�ه��م ال �ب �ح��ر وف��اء‬ ‫لديونه‪ ،‬ماركيز هذا اليتوانى عن تقدمي‬ ‫رواي �ت��ه (م��ائ��ة ع��ام م��ن ال �ع��زل��ة) لتكون‬ ‫هروبا من الواقع‪،‬كما يقول بع�ض النقاد‬ ‫الذين ينقل لنا املرتجم فكري بكر حممود‬ ‫�آراءهم‪.‬‬ ‫ويف م�سرية حياة ماركيز تكون ب�صمات‬ ‫ج ��ده االك�ث�ر و� �ض��وح��ا و�أه �م �ي��ة وكذلك‬ ‫زوجته (مر�سيد�س) التي مل يختلف معها‬ ‫ط��وال (‪ )25‬عاما وذل��ك ال�سر يكمن �أننا‬ ‫(مازلنا ننظر اىل اال�شياء بالطريقة ذاتها‬ ‫التي كنا ننظر بها لال�شياء قبل الزواج‪،‬‬ ‫ف��ال��زواج كما يقول ماركيز‪ :‬مثل احلياة‬ ‫ذاتها �صعب للغاية للدرجة التي يتعني‬ ‫على املرء ان يبداه منتع�شا كل يوم وان‬ ‫يوا�صل هذا االح�سا�س طوال احلياة‪� ،‬أنها‬ ‫معركة م�ستمرة و�أحيانا ت�ستنزف املرء‬ ‫ولكنها ت�ستحق ذلك يف النهاية)‪.‬‬ ‫ويف نظرية للكتابة يقول ماركيز‪( :‬الآن‬ ‫يحالفني احل��ظ �إذا كتبت ف�ق��رة واحدة‬ ‫ج�ي��دة يف ي��وم ب��أ��س��ره‪ ،‬ف�ب�م��رور الوقت‬ ‫ت���ص�ب��ح ع�م�ل�ي��ة ال �ك �ت��اب��ة م �� �س ��أل��ة م�ؤملة‬ ‫للغاية)‪.‬‬ ‫وهذا هو ال�سبب الذي يجعل ماركيز ينظر‬ ‫اىل الكتابة كمتعة ومعاناة معا‪ ،‬فهو يفكر‬ ‫يف كتابة روايته (مائة ع��ام من العزلة)‬ ‫بينما يكتبها يف عامني‪.‬‬ ‫وقد �إحتاج اىل ثالثني عاما من �أجل كتابة‬ ‫ق�صة (م��وت معلن)‪ ..‬و�سبعة ع�شر عاما‬ ‫ليكتب (خريف البطرياك)‪.‬‬ ‫يقول ماركيز م�ؤكدا‪( :‬مل اكن مطلقا �أهتم‬ ‫�إهتماما حقيقيا باية فكرة ال ت�ستطيع‬ ‫ال �� �ص �م��ود �أم� � ��ام ال �ك �ث�ير م ��ن �سنوات‬ ‫االهمال)‪.‬‬ ‫الفكرة �شاغل ي�ستمر وي�ك�بر معنا‪ ،‬اما‬ ‫اذا ن�سينا فانه ال ي�ستحق منا الكثري من‬ ‫التفكري و�إلزام �أنف�سنا بكتابته‪.‬‬ ‫وي�ج�ي��ب م��ارك�ي��ز ع��ن � �س ��ؤال وج�ه��ه ليو‬ ‫م� �ن���دوزا ي �ت �ع �ل��ق ب ��ال� �ظ ��روف ال�صعبة‬ ‫واملريحة للكاتب‪..‬يقول‪:‬‬ ‫(ال �أ�ؤمن باال�سطورة الرومانتيكية التي‬ ‫تقول �أن الكاتب يجب ان يتظور جوعا‬ ‫وان ي��واج��ه �أ��ص�ع��ب االو���ض��اع ق�ب��ل �أن‬ ‫يتمكن من االنتاج)‪.‬‬ ‫وق��د تتحكم ع��دة ظ��روف منها م��اه��و مر‬ ‫��ص�ع��ب‪ ،‬وم�ن�ه��ا م��ا ه��و �سهل مم�ت��ع ومن‬ ‫خ�لال�ه��ا مي�ك��ن للكاتب ان ي��واج��ه نف�سه‬ ‫وظ��روف��ه وي �ت �ح��ول اىل م �ب��دع حقيقي‪،‬‬ ‫اليجعله الرتف يتكا�سل‪ ،‬وال الفقر عن اداء‬ ‫مهمته بحثا عن رغيف اخلبز‪ ..‬والكاتب‬ ‫اجل� ��اد ك���ان ب��ام �ك��ان��ه ان ي�ك�ت��ب يف كل‬ ‫الظروف‪ ..‬ولكن �أذا حتققت كل الظروف‬ ‫اجليدة‪ ،‬ف��ان �شاغل الكاتب ين�شغل كليا‬ ‫اىل اب��داع��ه‪ ،‬دون ان ي�صرف هم العي�ش‬ ‫على هم االب��داع‪ ..‬ذلك (ان الكتاب دائما‬ ‫ي�ك��ون��ون وح�ي��دي��ن‪ ،‬مثل ب �ح��ارة �سفينة‬ ‫حمطمة يف عر�ض املحيط‪،‬انها اكرث املهن‬ ‫فردية يف العامل‪،‬ال �أحد المكانه ان ي�ساعك‬ ‫يف كتابة ما تكتب‪،‬مكا يقول ماركيز‪.‬‬ ‫وبكل نبل وتوا�ضع يحر�ص ماركيز على‬ ‫ت�سجيل ن�صيحة وجهها اليه الكاتب جوان‬ ‫بو�ش من الدومنيكان منذ خم�سة وع�شرين‬ ‫عاما‪ ..‬قال(انه يتعني على الكاتب ان يتعلم‬ ‫مهن الكتابة ‪ /‬التقنيات‪ ،‬وا�سلوب البناء‪،‬‬ ‫والرتكيب املحكم والدقيق‪ ،‬خ�لال فرتة‬ ‫ال�شباب فنحن الكتاب مثل البغاوات‪ ،‬ال‬

‫‪13‬‬

‫يف طريقه اىل االحتفال بعيد ميالده الثمانني‬

‫ن�ستطيع ان نتعلم الكالم عندما ن�صبح‬ ‫ك �ب��ارا)ال �ك��ات��ب ينبغي ان يتقن حرفته‬ ‫وي�ع��رف اللغة ك� ��أداة م��ن �أدوات عمله‪..‬‬ ‫�أن يحمل خزينا من الثقافة والتجارب‪،‬‬ ‫ف��امل��وه�ب��ة وح��ده��ا الت�ك�ف��ي الب� ��راز عمل‬ ‫ابداعي متميز‪..‬‬ ‫وي ��ؤك��د م��ارك�ي��ز ق��ائ� ً‬ ‫لا‪(:‬ل�ي����س ثمة �سطر‬ ‫واح��د يف رواي��ات��ي ال يقوم على ا�سا�س‬ ‫ال��واق��ع‪ ،‬وه��ذا التاكيد ينفي ماذهب اليه‬ ‫ال �ن �ق��اد م��ن ت�ف���س�يرات م �غ��اي��رة مل��ا قدمه‬ ‫ماركيز نف�سه وال ينفي ماركيز اعادته‬ ‫ق ��راءة ك��ون��راد واك �� �س��وب��ري‪ ،‬ورواي ��ات‬ ‫عدة لتول�ستوي‪(:‬احلرب وال�سالم) �أف�ضل‬ ‫رواي� ��ة ع�ل��ى االط�ل��اق‪ ،‬ول�ك�ن��ه يف نف�س‬ ‫ال��وق��ت يعلن‪( :‬ان �ن��ي‪..‬اح��اول دائ�م��ا اال‬ ‫اماثل اي �شخ�ص �آخر‪،‬كما اح��اول دائما‬ ‫ان اهرب من امل�ؤلفني الذين احبهم حتى ال‬ ‫اقع يف م�صيدة تقليدهم‪.‬‬ ‫اىل جانب اهتمام ماركيز بفوكرن ورامبو‬ ‫وكافكا و�سوفوكلي�س وغريهم‪،‬الينفي بان‬ ‫اهتمامه ب��االدب قد منا(من خالل ال�شعر‬ ‫ال��رديء‪ ،‬ال�شعر ال�شعبي‪ )..‬فقد تعلم منه‬ ‫ان يكتب ما هو �أغنى واف�ضل و�أعمق‪..‬‬ ‫ه��ذا ال�ك�ت��اب‪ ،‬غنى على �صعيد التجربة‬ ‫والر�ؤية واملوقف لدى ماركيز‪..‬انه يتجه‬ ‫ملنظور ي�ق��ول‪( :‬ب��ام�ك��ان امل��رء �أن يحول‬ ‫كامل غمو�ض امل ��دارات اال�ستوائية اىل‬ ‫رائحة جوافة عطنة)‪.‬‬

‫(‪)5‬‬ ‫خرب �إختطاف ماركيز!‬

‫هل ت�شكل ال�شهرة خطر على املبدع وعلى‬ ‫�إبداعه؟‬ ‫قد نواجه مثل هذا ال�س�ؤال �أو مامياثله‬ ‫ون�ح��ن ننتهي م��ن ق ��راءة �أح ��داث رواية‬ ‫ترجمت اىل العربية ملاركيز بعنوان‪:‬‬ ‫(خرب �إختطاف)‪.‬‬ ‫فاجلميع‪-‬قراء ونقاد‪-‬يتفقون على مكانته‬ ‫االب��داع�ي��ة امل��رم��وق��ة ال�ت��ي ا�ستحق عنها‬

‫وبجدارة جائزة نوبل‪..‬‬ ‫اال �أن م��ارك �ي��ز ال ي �ب��دو يف ه ��ذا العمل‬ ‫ال��روائ��ي‪ ،‬يف حالة اخ�ت�لاف ت��ام ع��ن كل‬ ‫ماقراناه واعجبنا به من قبل‪..‬االمر الذي‬ ‫يجعلنا نعتقد �أن ال�شهرة التي امتلكها قد‬ ‫جعلته يكتب بعجاجة مل نعهدها فيه‪ ،‬ومل‬ ‫ن�ألفها يف اعماله االبداعية ال�سابقة‪.‬‬ ‫ف�ه��و يف(خ�ب�ر اخ �ت �ط��اف) ي �ق��دم �صورة‬ ‫مكربة لعملية اختطاف �سيدتني من قبل‬ ‫ع�صابة تعمل يف املخدرات وما ي�صاحب‬ ‫تلك العملية م��ن ا��ش�ك��االت وخ�ف��اي��ا لكال‬ ‫اجلانبني ‪ -‬اخلاطف واملخطوف‪ -‬وندرك‬ ‫ان م��ارك�ي��ز ي �ح��اول ان ي��دي��ن العمليات‬ ‫االرهابية �سردي روائي‪ ،‬غري اننا ونحن‬ ‫نخل�ص م��ن ه��ذا العمل ال��روائ��ي الكبري‬ ‫حجما‪ ،‬لنخل�ص منه اىل نتيجة احادية‬ ‫ال تخرج عن اط��ار التحقيقات ال�صحفية‬ ‫املطولة املكتوبة با�سلوب �أدب ��ي‪ ،‬وهذا‬ ‫يعني ان ماركيز كتبها لأنه يريد ان يكتب‪،‬‬ ‫متكئا على �شهرته وقيمة اعماله ال�سابقة‪،‬‬ ‫وعلى ثقة القراء والنقاد بكل عمل يقدمه‪،‬‬ ‫�إال ان��ه يجعل �آمالنا تتبدد وهواج�سنا‬ ‫ت�سكن على الرتابة‪ ،‬وااللق الروائي املبهر‬ ‫ال ��ذي عرفنا ب��ه م��ارك�ي��ز معنيا بالواقع‬ ‫ال�سحري لبالده‪ ،‬حتى �صار اجتاها بارزا‬ ‫يف �أدب �أمريكا الالتينية‪..‬وقد �إنطفا كليا!‬ ‫�صحيح ان م��ارك �ي��ز ق��د خ ��رج م��ن عامله‬ ‫امل�سحور وكونية االن�سان ال��ذي يعالج‬ ‫م�شكالته بحميمية هي ج��زء ا�سا�س من‬ ‫�أدب ��ه ال �ف��ذ‪،‬وم��ع ان حريته يف اخل��روج‬ ‫عن م�ألوف رواياته‪ ،‬م�س�ألة م�شرعة امام‬ ‫االبداع‪ ،‬اال ان هذا اخلروج‪،‬البد �أن يكون‬ ‫نابعا م��ن ح��اج��ة‪،‬م��ن � �ض��رورة‪ ،‬يتطلبها‬ ‫املعمار ال��روائ��ي‪ ،‬وامل�ضمون اخلا�ص‪،‬‬ ‫والعامل املكت�شف‪.‬‬ ‫البد ان تكون هناك حاجة ما�سة وا�سا�سية‬ ‫يف التغيري‪ ..‬ذل��ك ان التغيري لي�س زيا‬ ‫حمكوما مبتغريات الف�صول‪ ،‬بقدر ما هو‬ ‫حتول وتغري مل�صالح العمل نف�سه‪ ،‬حيث‬ ‫ان البقاء على ما اعتدنا على ما هو كائن‬

‫الآن �أو يف امل�ستقبل‪ ،‬م�س�ألة فيها الكثري‬ ‫من التجني لي�س على املبدع نف�سه‪ ،‬و�إمنا‬ ‫على العمل ذاته‪.‬‬ ‫اذا انتقال ماركيز اىل ماي�سمى‪ :‬الرواية‪/‬‬ ‫ال�صحفية‪ ،‬انتقال غري مربر واقل بكثري‬ ‫من الطموح واملكانة التي كنا قد و�ضعنا‬ ‫فيها ماركيز‪ ،‬وما قدمه يف(خرب �إختطاف)‬ ‫ميكن االق� ��دام على تنفيذه م��ن قبل �أي‬ ‫�صحفي موهوب‪..‬وماركيز �أكرب بكثري من‬ ‫كونه �صحفيا موهوبا‪.‬‬ ‫اننا وعلى مدى (‪� )333‬صفحة وبحروف‬ ‫�صغرية جدا‪ ،‬مل نحفل مباركيز الذي كان‬ ‫ينقلنا اىل ذاك ��رة يقظة وح�س ان�ساين‬ ‫عميق‪ ..‬فمثل ماركيز الميكن ان ينظر اىل‬ ‫املخطوفتني وي�صف حالهما هكذا‪(:‬كانت‬ ‫ق��د م�ضت ع���ش��رة اي ��ام ع�ل��ى االختطاف‬ ‫وق ��د ب ��دات ه��ي (م��ارخ��زن��ا) وبياتريت‬ ‫ع�ل��ى ال �� �س��واء ت �ع �ت��ادان ع�ل��ى روت�ي�ن بدا‬ ‫لهما يف الليلة االوىل غ�ير م�ع�ق��ول ان‬ ‫االي��ام الع�شرة لي�ست اياما عادية وامنا‬ ‫هي اوق��ات ع�صيبة‪ ،‬كل حلظة فيها تهدد‬ ‫امل��رء بالتهايات الفاجعة‪ ..‬كما �إن النظر‬ ‫اىل ال�شخ�صيتني نظرة واح��دة وانهما‬ ‫يف حالة �سوية‪ ،‬يتلقان حالة االختطاف‬ ‫مب�شاعر واحدة‪ ،‬م�س�ألة غري مقنعة وتكاد‬ ‫ان تكون م�ستحيل‪ ..‬وما جرى يف الليلة‬ ‫االوىل لعملية االختطاف وما رافقها من‬ ‫رع��ب وقلق‪ ،‬الميكن ان ين�سى بعجالة‪..‬‬ ‫ولي�س من �شيء يبعث على الن�سيان �أبدا‪.‬‬ ‫لكن ماركيز نقل �صورة نقلها من خارج‪..‬‬ ‫خارج المتا�س له به‪ ،‬التفاعل معه‪ ..‬الانتباه‬ ‫للغليان الذي ي�صاحب املرء وهو يتعر�ض‬ ‫لالختطاف‪ ..‬انه حمكوم باملوت واالرهاب‬ ‫لأ�سباب العالقة له بعواقبها‪ ..‬وال �شان له‬ ‫بوجودها �أ�ص ًال‪ ..‬وكل ما يف االمر انه كان‬ ‫ال�ضحية‪ ..‬فهل تن�سى ال�ضحية بكل هذه‬ ‫ال�سهولة التي يتحدث عنها ماركيز‪ ..‬هل‬ ‫ت�ستكني للجالد بهذه ال�سرعة‪ ،‬ولو جرى‬ ‫مثل هذا فع ًال‪ ،‬عندئذ ربد ان جند انف�سنا‬ ‫يف حالة ت�سا�ؤل يقول‪ :‬ماهي دوافع هذا‬

‫التغيري‪ ،‬هذا اال�ست�سالم‪..‬؟‬ ‫ماركيز ال يجيب‪ ،‬ماركيز اليحلل‪ ..‬ومن ثم‬ ‫فهو ال يقنع‪ ..‬ومن ال يقنع �سواه‪،‬الميكن‬ ‫ان يكون م�ؤثرا وال فاع ًال!‬ ‫ويف م��وق��ع �آخ��ر م��ن ال��رواي��ة ن �ق��ر�أ‪(:‬ان‬ ‫اغ �ت �ي��ال م��اري �ن��ا‪ ،‬وخ���ص��و��ص��ا الطريقة‬ ‫ال��وح �� �ش �ي��ة يف ال �ك �� �ش��ف ع ��ن االغ �ت �ي��ال‬ ‫و�إع�لان��ه‪ ،‬ك��ان �سبي ًال يف الت�أمل الميكن‬ ‫جتنبه حول ما الذي يجب عمله يف ماهو‬ ‫�آت‪ ،‬فقد ا�ستنفدت كل امكانية للو�ساطة‬ ‫على طريق االعيان‪ ،‬ومع ذلك فانه مل يكم‬ ‫هناك كما يبدو اي و�سيط فعال‪ ،‬وكانت‬ ‫االرادة الطيبة واال�ساليب غري مبا�شرة‬ ‫تخلو من �أي مغزى)‪.‬‬

‫فاي �إح�سا�س هذا‪..‬للقائم بعملية االغتيال‬ ‫ول�ضحيته‪ ،‬وما ال�صورة الوح�شية الغائبة‬ ‫عنا متاما‪ ،‬ومل��اذا ف�ضل ماركيز ان يغيب‬ ‫�صورتها عنا؟‬ ‫�إن الآت��ي مثري وب��اع��ث ترقب للجميع‪..‬‬ ‫وحتى(الو�ساطة) لها حاالتها من القبول‬ ‫وال��رف ����ض وال �ت��وت��ر‪ ..‬ومثلها (االرادة‬ ‫ال�ط�ي�ب��ة)ال�ت��ي ل�ه��ا دواف �ع �ه��ا و�أ�سبابها‬ ‫ودرجات العمل والتعلق بها‪..‬‬ ‫م��ارك�ي��ز ي �ب��دو‪ ..‬وك��ان��ه يف ح��ال��ة قطيعة‬ ‫كلية‪،‬بعد ان عن كل ماجرى ويجري انه‬ ‫يف موقع االع�صاب الباردة‪ ،‬او يف حالة‬ ‫ال�سكون املختار واملهيمن على �شخ�صية ال‬ ‫تريد ان نفكر او تتامل �أو تنفعل‪..‬او ان‬ ‫جتعل من عينيها �شاهد فجيعة‪ ،‬و�شاهد‬ ‫حقيقة دامية‪.‬‬ ‫يف(خ �ب�ر اخ �ت �ط��اف) ك ��ان م��ارك �ي��ز على‬ ‫فراق تام‪،‬على قطيعة‪ ،‬على حدود فا�صلة‬ ‫م��ع ق��رائ��ه ال��ذي��ن غ �ف �ت �ق��دوا ف �ي��ه العامل‬ ‫ال�سحري لـ (مائة عام من العزلة) والعامل‬ ‫املدمر لـ (خريف البطررك) و�أل��ق احلياة‬ ‫يف(حب يف زمن الكولريا)‪ ..‬و�سواها‪..‬‬ ‫ح �ت��ى(اجل��واف��ة)ال �ق �� �ص�يرة واحلميمة‬ ‫وال ��ذات يف � �ص�يرورة وج��وده��ا‪ ..‬كانت‬ ‫االك�ثر �ألقا من هذا اخلرب املطول واململ‬ ‫والعابر‪ ..‬الذي الميكن ان ي�شكل ا�ضافة‬ ‫اىل تراث ماركيز االبداعي‪.‬‬ ‫ل�ق��د ك��ان��ت رواي ��ة(خ�ب�ر �إختطاف)عم ًال‬ ‫�صحفيا‪،‬زحفت عليه العبارة الوا�ضحة حد‬ ‫الت�سطيح‪،‬وغاب عنه �أبعاد الفعل الب�شري‬ ‫وهو يف كلية االن�سحاق والتدمري والقلق‬ ‫والعزلة والرتقب‪.‬‬ ‫م��ارك �ي��ز‪�..‬أخ��ذت��ه ال�شهرة لكتابة(خرب)‬ ‫و(�إختطفته) ال�شهرة كذلك ليكتب مادة‬ ‫�صحفية لها بعدها االحادي ح�سب!‬ ‫*خرب �إختطاف‪/‬غابرييل‬ ‫غار�سيا ماركيز‬ ‫ترجمة‪�:‬صالح علماين‪/‬‬ ‫دار املدى‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪14‬‬

‫العدد (‪)2285‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )22‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2285‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )22‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫‪15‬‬

‫سيرة حياة الكولومبي األكثر شهرة‬ ‫ً‬ ‫حياة مليئة مت�ضي بعيداً �إىل ما وراء �آلته الكاتبة‪� ،‬أو كومبيوتره يف وقتنا‬ ‫لقد عا�ش غابرييل غار�سيا ماركيز‪� ،‬أكرث من معظم الكتاب‪،‬‬ ‫هذا‪ ،‬كما جاء يف عر�ض جوناثان يارديل ل�سرية حياة الكاتب الكولومبي ال�شهري التي كتبها جريالد مارتن‪ .‬فهو مل ي�ؤلف فقط �أعظم‬ ‫روايات القرن الع�شرين الثالث مئة عام من العزلة‪ ،‬خريف البطريارك‪ ،‬وحب يف زمن الكولريا ــ بل وكان م�شارك ًا فعا ً‬ ‫ال �إىل درجة‬ ‫عالية يف الأحداث العامة خالل زمن من التغري والنزاع الهائلني يف �أمريكا الالتينية‪ .‬فكان �صديق ًا لر�ؤ�ساء دول (ودكتاتوريني)‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إ�ضافة �إىل �أمور �أخرى‪ .‬وهذا‪ ،‬بالن�سبة لكاتب‬ ‫ومدافع ًا �أمامي ًا عن االجتاه ال�سيا�سي الي�ساري و�صحافي ًا م�ؤثراً مقروءاً على نطاق وا�سع‪� ،‬‬ ‫ال�سرية الأدبية‪ ،‬خليط يبعث على الن�شوة‪ .‬ولقد ظل جريالد مارتن‪ ،‬وهو �أكادميي بريطاين متخ�ص�ص يف الأدب الأمريكي الالتيني‪،‬‬ ‫يفوت عموم ًا معظم‬ ‫" ي�شتغل على �سرية احلياة هذه مدة �سبعة ع�شر عام ًا "‪ ،‬مع‬ ‫قبول " ودي‪ ،‬وم�ضياف ومت�سامح " من �صاحبها‪ ،‬ومل ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫الفر�ص التي توفرها حياة غار�سيا ماركيز‪ .‬وهو يتنقل هنا وهناك حول ن�شاطات ماركيز ال�سيا�سية‪ ،‬لكنه يعر�ض لنا مبهارة كيف �أن‬ ‫فرتة التمهّن ال�صحفي قد �أدت �إىل االنفجار الإبداعي الع�سري على الت�صديق الذي �أنتج (مئة عام من العزلة)‪.‬‬

‫تاريخ الصحافة في سرديات ماركيز‬

‫ت�أليف‪ :‬جريالد مارتن‬ ‫ترجمة‪ :‬عادل �صادق‬ ‫الكتاب‪ " :‬غابرييل غار�سيا ماركيز‪ :‬حياة "‬

‫�إن ق�صة �سنوات ماركيز املبكرة �ستكون‬ ‫م�ألوفة لدى كل َمن يعرف عمله‪ :‬ميالده‬ ‫يف ع��ام ‪ 1927‬و��ص�ب��اه يف �أراكاتاكا‪،‬‬ ‫وه��ي ب�ل��دة كولومبية �صغرية حتولت‬ ‫يف ال �ن �ه��اي��ة ق���ص���ص�ي� ًا �إىل ماكوندو؛‬ ‫ت��أث�ير ج��ده لأم��ه‪ ،‬الكولونيل نيكوال�س‬ ‫ر‪ .‬ماركيز‪ " ،‬ال��ذي �أن�ق��ذه تدريجي ًا من‬ ‫ذل��ك العامل الن�سوي الأم�يرك��ي الالتيني‬ ‫امل �� �ش �ب��ع ب��اخل��راف��ة وال��ه��واج�����س‪ ،‬تلك‬ ‫الق�ص�ص التي كانت تبدو وك�أنها تنبع‬ ‫من ظالم الطبيعة نف�سه‪ ،‬ال��ذي �أق � َّره يف‬ ‫عامل ال�سيا�سة والتاريخ الرجايل جماعة‬ ‫برانكويال " من ال�صحافيني الكولومبيني‬ ‫التي وجد ماركيز نف�سه فيها خالل �أوائل‬ ‫اخل�م���س�ي�ن�ي��ات‪ ،‬و�أق� ��ام ب�ع���ض� ًا م��ن �أه��م‬ ‫�صداقاته؛ الفقر ال�شديد يف باري�س يف‬ ‫ع��ام ‪ ،1957‬حني " كنتُ جائع ًا �إىل حد‬ ‫�أنني كنت �أ�سرتد ما �أ�ستطيع من نفاية‬ ‫�صديق و�أ�أكله على الفور ويف املكان ذاته‬ ‫"؛ الزواج يف عام ‪ 1958‬من مر�سيد�س‬ ‫بار�شا‪ ،‬التي �ست�صبح ام��ر�أ ًة ال ي�ستغنى‬ ‫عنها بالن�سبة لرجلٍ كان يرى �أنه معتمد‬ ‫ع�ل��ى نف�سه ك�ل�ي� ًا "؛ ال�ك�ت��اب��ة املحمومة‬ ‫ل��رواي��ة (م �ئ��ة ع��ام م��ن ال �ع��زل��ة) يف عام‬ ‫‪ 1965‬و‪ 1966‬ون���ش��ره��ا االنت�صاري‬ ‫حمول ًة م�ؤلفها املفتقر‬ ‫يف ال�سنة التالية‪ّ ،‬‬ ‫وغ�ي�ر امل �ع��روف يف احل ��ال ت�ق��ري�ب� ًا �إىل‬ ‫واح��د م��ن �أ�شهر ك� َّت��اب الأدب اجل��اد يف‬ ‫العامل‪ .‬وكانت (مئة عام من العزلة) كتابه‬ ‫الرابع‪ .‬ومل تكن الثالثة الأوىل ــ عا�صفة‬ ‫الأوراق (‪ ،)1955‬لي�س للكولونيل َمن‬ ‫يكاتبه (‪ ،)1961‬يف �ساعة نح�س (‪)1962‬‬ ‫ــ قد اجتذبت �إال القليل من االنتباه خارج‬ ‫دائرته الأدبية املبا�شرة‪ ،‬ومل ُيرتجم �أي‬ ‫ك�ت��اب منها �إىل االنكليزية حتى جناح‬ ‫(مئة عام من العزلة)‪ .‬وه��ذا �أم��ر ال قيمة‬ ‫له‪ ،‬لأن قارئية ‪ readership‬غار�سيا‬ ‫م��ارك �ي��ز واال��س�ت�ح���س��ان ال �ن �ق��دي ل��ه يف‬ ‫الواليات املتحدة على م�ستوى عالٍ ب�شكل‬ ‫ثابت وا�ستثنائي منذ عام ‪ ،1978‬مع ن�شر‬ ‫ترجمة غريغوري رابا�سا الالمعة لهذه‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫ال��رواي��ة ه�ن��ا‪ .‬وم��ع �أن غار�سيا ماركيز‬ ‫ك��ان��ت ل��ه ن��زاع��ات��ه م��ع حكومة الواليات‬ ‫ل�سنوات عدة منحه‬ ‫املتحدة (التي رف�ضت‬ ‫ٍ‬ ‫ت��أ��ش�يرة دخ ��ول)‪ ،‬ف��إن��ه ظ��ل على ال��دوام‬ ‫��س��ري�ع� ًا يف �إي �� �ض��اح تثمينه جلماهري‬ ‫حمبيه الأمريكيني الوا�سعة‪ .‬ولقد جعل‬ ‫جناح (مائة عام من العزلة) من غار�سيا‬ ‫ماركيز ال�صوت املهيمن يف فرتة االزدهار‬ ‫الأدب���ي الأم�يرك��ي ال�لات�ي�ن��ي‪ ،‬ال ��ذي كان‬ ‫�أعالمه الثالثة الآخرون خوليو كورتاثار‪،‬‬ ‫ك��ارل��و���س فوينت�س‪ ،‬وم��اري��و بارغا�س‬ ‫يو�سا‪ .‬وم��ن امل�شهور �أن ه��ذا الأخ�ي�ر "‬ ‫�أ��س�ق��ط غار�سيا م��ارك�ي��ز �أر� �ض � ًا ب�ضربة‬ ‫لفيلم‬ ‫عر�ض �أول‬ ‫قوية يف الوجه " يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يف مك�سيكو �سيتي ع��ام ‪ ،1976‬ب�سبب‬

‫ا�ستخفاف حقيقي �أو متخ َّيل بزوجة‬ ‫ال�ك��ات��ب ال �ب�يروي يف م��ا ي �ب��دو‪ .‬وظلت‬ ‫العالقات بني الرجلني باردة لثالثة عقود‪،‬‬ ‫بفعل ذل��ك �إ��ض��اف� ًة للخالفات ال�سيا�سية‬ ‫بينهما‪ ،‬لكن يف عام ‪ 2007‬قام بارغا�س‬ ‫ي��و��س��ا‪ ،‬مب��واف �ق��ةٍ م��ن غ��ار��س�ي��ا ماركيز‪،‬‬ ‫بحركة ت�صاحلية على �شكل مقالة تثمينية‬ ‫يف الذكرى الأربعني ل�صدور (مائة عام من‬ ‫العزلة)‪ .‬وال ميكن �أن يكون هناك مقيا�س‬ ‫دقيق لعظمة غار�سيا ماركيز �أكرث من �أنه‬ ‫كان قادر ًا على �أن ُيتبع (مائة عام‪ ،)..‬بعد‬ ‫ثماين �سنوات‪ ،‬بتحفة ثانية" (خريف‬ ‫البطريارك)‪ .‬فهذا الكتاب‪ ،‬كما يو�ضح‬ ‫مارتن بحق‪ ،‬لي�س كتاب ًا عن كولومبيا بل‬ ‫هو " كتاب �أمريكي التيني‪ ،‬مكتوب بتلك‬ ‫القارئية الرمزية يف الذهن‪ ،‬من دون بعدٍ‬ ‫كولومبي مهم تقريب ًا‪ ،‬لي�س يف الأقل لأن‬ ‫كولومبيا مل يكن لديها �أبد ًا ذلك النوع من‬ ‫البطريارك الذي ُت�صوره الرواية "‪ .‬فهو‬ ‫الكتاب ال��ذي يحيط " بان�شغاله الأدبي‬ ‫بال�سلطة �أو ال �ق��وة ‪ ،"power‬وهو‬ ‫ب�إعطائه تعبري ًا مطلق ًا لذلك االن�شغال‪،‬‬ ‫ف�إنه يحرره ليم�ضي ُق� ُدم� ًا‪ ،‬بعد عقدٍ من‬ ‫ال��زم��ن‪� ،‬إىل (ح��ب يف زم��ن الكولريا)‪،‬‬ ‫ا�ستك�شافه ال��رائ��ع ملو�ضوعته العظيمة‬ ‫الأخرى‪ ،‬احلب‪ ،‬من خالل تغطية متخ َّيلة‬ ‫لعالقة املغازلة �أو التودد بني �أبيه و�أمه‪.‬‬ ‫لقد ُن�شرت �أع�م��ال م��ن الأدب الق�ص�صي‬ ‫�أق��ل �ش�أن ًا منذ رواي��ة (مائة ع��ام‪ ،)..‬لكن‬ ‫الروايات الثالث الآنفة الذكر هي �صرحه‬ ‫مب�ستوى �أقل كتابه (ع�شت‬ ‫الأدبي‪ ،‬يتبعها‬ ‫ً‬ ‫لأروي) ‪ ،2004‬مذكراته ل�سنواته املبكرة‪،‬‬ ‫الذي ُن�شر حني كان يف �أواخر �سبعينياته‬ ‫بعد ح�صار طويل من مر�ض ج �دّي‪� .‬أما‬ ‫ما �إذا كان هناك جملد �آخر من املذكرات‬ ‫�سيظهر‪ ،‬ف�إنه �أم��ر يبقى يف علم الغيب‪،‬‬ ‫لكن غار�سيا ماركيز قد �ضمن له ب�أعماله‬ ‫الرائعة هذه مكان ًا �إىل جنب فوكرن على‬ ‫قمة الأدب العاملي للقرن الع�شرين‪.‬‬ ‫عن‪The Washington Post/‬‬

‫عبدالكرمي يحيى الزيباري‬ ‫�سُ ئ َل ماركيز‪( :‬ماذا كان هدفك ملَّا جل�ستَ لتكتب "مائة عام من العزلة"؟‬ ‫ �أنْ �أفتحَ مخَ ْ رَجَ ًا �أدبي ًا متكام ًال لكل التجارب التي قد تكون �أث � َّرتْ َّ‬‫ب�شكل �أو ب�آخر‪ ،‬خالل‬ ‫يف‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ن�ش�أتي‪ /‬رائحة اجلوافة ���ص‪ .140‬ف�إذا كانت ال�صحافة جتري يف دمائه‪ ،‬فكيف ال يت�أثر بها يف‬ ‫�سردياته؟ �أمل يكن الأ�سلوب ال�صحايف حا�ضر ًا وبقوة يف �سرد ماركيز؟ يف حفل ت�سليم جائزة‬ ‫ال�صحافة التي ير�أ�سها ماركيز‪ ،‬يف مدينة مونتريي املك�سيكية ‪. 2008‬‬ ‫وجوائز ال�صحافة هذه متنحها جمموعة �شركات �سيميك�س العمالقة‪� ،‬أعلن ماركيز �أنه يعاين(مثل‬ ‫الكلب" من الكتابة ال�صحفية الرديئة‪ ،‬وذل��ك يف مثل هذه الأوق��ات التي تخ�ضع فيها ال�صحافة‬ ‫ل�سيطرة وهيمنة ال�شركات الكربى‪� ،‬أو احلكومات الفا�سدة‪ .‬وتابع ماركيز حديثه الذي ن�شرته‬ ‫جريدة "البايي�س" اال�سبانية قائال‪" :‬ال�صحافة جتري يف دمائي‪ ،‬فهي املهنة الأكرث روعة‪� ،‬أ�ستيقظ‬ ‫كل يوم �صباحا‪ ،‬و�أق��ر�أ اجلرائد لأرى هل يقولون �شيئا جيدا �أم �شيئا �سيئا‪ ،‬الأم��ر كامل�أ�ساة‪،‬‬ ‫با�ستثناء بع�ض التحقيقات التي �أجدها مثل اجلواهر النادرة‪ ،‬يبدو �أنه ال‬ ‫وقت لديهم‪ ،‬كعمل املاكينات‪ ،‬ورمبا ال�صحافة التقليدية كانت‬ ‫�أف�ضل لأنها كانت �أك�ثر بطئا وتتيح لل�صحايف العمل بهدوء‬ ‫و�إت �ق��ان)‪ .‬جريدة الريا�ض العدد ‪� 6 14684‬سبتمرب ‪.2008‬‬ ‫(ال�صحافة �أفادتني بو�سائل لأعطي ق�ص�صي �صحَّ ة‪ /‬رائحة‬ ‫اجلوافة‪��� -‬ص‪( .)61‬يكفي �أنْ نفتح اجلرائد لنعرف �أنَّ الأ�شياء‬ ‫اخلارقة حتدث بيننا ك َّل يوم‪ /‬رائحة اجلوافة‪� -‬ص‪ .)69‬ملاذا يبدو‬ ‫ال�صحافيون‪ /‬الروائيون ك�أنهم منومون مغناطي�سيا؟ هل ب�سبب‬ ‫تز ّلف ال�سيا�سيني‪� ،‬أم املمولني للربامج اال�ستعرا�ضية والتجارية؟‬ ‫ك�شفت جميع التقارير والتحقيقات �أنَّ النمو االقت�صادي والتطور‬ ‫احل�ضاري ال يتقدَّم خطوة بدون �صحافة حرة �أو �إعالم حر ميار�س‬ ‫رقابة حقيقية على �أجهزة الدولة‪ ،‬وبهذا ال�صدد يقول روبرت دميون‬ ‫مدير معهد ال�صحافة يف جامعة كاليفورنيا الأنباء هي الأ�سا�س الذي‬ ‫يبني عليه الب�شر �آراءهم‪ ،‬والأعما ُل َت َب ٌع للآراء ت�أمتِ ُر بها‪ ،‬فالر�أي العام‬ ‫هو خال�صة الآراء الفردية‪ ..‬ويقول جوزيف بولتيزر ال��ذي ُو ِل � َد يف‬ ‫املجر و�أ�صبح رئي�سا لتحرير جريدة نيويورك‪� :‬إنَّ الإن�سان يولد �أبله‪،‬‬ ‫لقب �آخر �إال �إذا �أع َّد نف�س ُه له‪ ،‬لأنَّ كل مهنة من‬ ‫َ‬ ‫ولي�س له �أنْ يطمحَ �إىل ٍ‬ ‫املهن حتتاج �إىل �إعداد)‪.‬‬ ‫هل يكفي الإع��داد املهني لتحويل �صحَّ ايف رديء �إىل �صحَّ ايف جيد؟ هل من ال�سهولة حتويل‬ ‫�صحايف جيد �إىل روائي جيد؟‬ ‫كتب ماركيز "ق�صة موت معلن‪ "1981/‬كق�صة ث�أر تناولتها ال�صحف‪ ،‬كتبها كما يكتب حتقيق ًا‬ ‫ن�صار من قبل التو�أمني بيدرو وبابلو‬ ‫�صحفي ًا‪� ،‬أو ا�ستطالع ًا للآراء حول جرمية قتل �سانتياغو َّ‬ ‫فيكاريو‪ ،‬هناك حادثة واحدة وهذه احلادثة هي نتيجة حادثة �أخرى هي �إعادة بيادو �سان رومان‬ ‫ل�شقيقة التو�أمني يف ليلة عر�سها لأ َّنها غري عذراء‪ ،‬وال�سارد هو �شقيق مارغوت والرواة متعددون‪،‬‬ ‫كال�صحايف واحد‪ ،‬و�آراء التحقيق متع ِّددَة بكرثة‪ ،‬قد تالم�س جميع �أفراد القرية‪ ،‬تبد�أ الرواية(يف‬ ‫اليوم الذي كانوا �سيقتلونه فيه‪...‬هذا ما قالته يل �أمه بالثيدا لوثريو وهي ت�ستح�ضر بعد �سبع‬ ‫وع�شرين �سنة تفا�صيل �أحداث يوم االثنني امل�ش�ؤوم‪ -‬ق�صة موت معلن‪�/‬ص‪()7‬قالت يل الطاهية‬ ‫فيكتوريا غوثمان‪ -‬ق�صة موت معلن‪�/‬ص‪�( )11‬صاحبة املحل الذي ينتظر فيه الرجالن اللذان‬ ‫ن�صار لقتله‪ ،‬كلوتيدي �أرمينتا‪ -‬ق�صة موت معلن‪�/‬ص‪()17‬ال�صبية الرائعة �أنخيال فيكاريو‬ ‫ينتظران ّ‬ ‫ابنة خالة ال�سارد وزوجة بيادو غري العذراء‪ -‬ق�صة موت معلن‪�/‬ص‪()33‬خيمي �شقيق ال�سارد وله‬

‫�سبع �سنوات لكنه له رواية �أي�ض ًا(وقد روى يل خيمي �أ َّنها(والدة ال�سارد‪/‬لوي�سا �سانتياغو)كانت‬ ‫ب�صوت منخف�ض رجال �أ�شرار حيوانات)(الكولونيل الثاروا �أبونتي قد ا�ستيقظ‬ ‫حتدث نف�سها‬ ‫ٍ‬ ‫قبل ال�ساعة الرابعة بقليل وكان قد انتهى من حالقة ذقنه عندما �أخربه ال�شرطي لياندرو بورنوي‬ ‫بنوايا الأخوين فيكاريو‪ .‬كان العمدة قد َّ‬ ‫ف�ض يف الليلة ال�سابقة خ�صومات كثرية بني �أ�صدقاء‬ ‫ولهذا مل يتعجل بالذهاب لف�ض نزاع جديد‪ -‬ق�صة موت معلن‪�/‬ص‪ .)55‬وهكذا ي�سرد لنا ال�ساحر‬ ‫ن�صار من رواة متعددين لهم ر�ؤى خمتلفة‪.‬‬ ‫ماركيز حادثة مقتل ّ‬ ‫�أمَّا روايته "يف �ساعة نح�س" فقد عاد ماركيز �إىل تاريخ ال�صحافة التي بد�أت بامل�س ّالت التي كان‬ ‫ري كبري يف حياة اليونانيني القدماء‪ .‬تبد�أ الرواية با�ستيقاظ الأب �أجنيل(مكتئب ًا‪ ...‬ليدرك‬ ‫لها ت�أث ٌ‬ ‫�أنه ال يزال على قيد احلياة وليتذ َّكر ا�سم اليوم وما يقابله من �أيَّام يف تقومي القدي�سني‪ ،‬راح يحد ُِّث‬ ‫وب�صوت منخف�ض قال‪ :‬القدي�س فران�سي�س الأ�سيزي‪،‬‬ ‫نف�سه‪ :‬اليوم الثالثاء الرابع من �أكتوبر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ارت��دى مالب�سه دون �أن يغت�سل و دون �أن يرتل �صالته‪� ..‬أ�صهب له القوام امل�سامل وامل�ست�أن�س‬ ‫الذي يتمتع به ثور)ماركيز‪ -‬يف �ساعة نح�س‪ -‬ترجمة كامل يو�سف‬ ‫ح�سني‪ -‬دار ال�ش�ؤون الثقافية‪ -‬ط‪ -1986 -2‬بغداد‪� -‬ص‪ .15‬و�إذا‬ ‫كان زمن بدء الرواية قد حتدَّد بيوم ‪ 14‬ت�شرين االول وملنا�سبة عيد‬ ‫القدي�س فران�سي�س ف�إنَّ نهايتها كانت(ارتدى مالب�سه دون اغت�سال‬ ‫�أو �صالة‪ ..‬مل يتحدَّث �أحد عن ن�شرات الف�ضائح‪ ،‬يف غمار �صخب‬ ‫الأح ��داث الأخ�ي�رة‪...‬يف اخلام�سة �إال ع�شر دقائق �أدرك �أ َّن � ُه ال‬ ‫يزال ح َّي ًا فاقتع َد فرا�شه بجه ٍد وقور وهو يفرك جفنيه ب�أ�صابعه‬ ‫ويحد ُِّث نف�سه‪ :‬الأح��د ‪� 21‬أكتوبر ث َّم تذ َّكر القدي�س هيالري‪/‬‬ ‫���ص‪)227‬زم��ن ال��رواي��ة‪� :‬سبعة ع�شر ي��وم ب�ين عيد القدي�س‬ ‫فران�سي�س الأ��س�ي��زي الإي� �ط ��ايل(‪)1226 -1182‬وب �ي�ن عيد‬ ‫القدي�س الفرن�سي هيالري(‪ 449-401‬م)‪ .‬ن�شرات الف�ضائح‬ ‫التي توقفت‪ ،‬كانت هي ال�سبب(وفق ًا لتقديرات ال�سوري يبلغ‬ ‫ع��دد العائالت الراحلة مع ه��ذا التطور خم�س عائالت يف‬ ‫يت�صف‬ ‫�أ�سبوع واح��د‪�� � /‬ص‪)212‬و�إذا كانت(�أعظم ف�ضيلة ِّ‬ ‫بها الإن�سان �أن يعرف كيف يخفي الأ�سرار)ف�إنَّ هذه الف�ضيلة‬ ‫ال ت�ساوي �شيئ ًا من بدون ن�شرات ف�ضائح الفا�سدين‪ ،‬التي‬ ‫�سبقت(العدالة ه��ذه الأي��ام ال تعتمد على االلتما�سات و�إ َّ‬ ‫منا‬ ‫على الطلقات‪�/‬ص‪ .)217‬ك�أنَّ جميع �سرديات ماركيز هي حماوالت فا�شلة لكتابة "مائة عام من‬ ‫العزلة"(قال الأب �أجنيل‪� :‬إ َّن ُه اخلوري الذي خلفني يف ماكوندو‪ ،‬كان يف املائة من عمره‪/‬يف �ساعة‬ ‫نح�س �ص‪ .)59‬الطبيب والق�س يقفان عاجزين �أمام العمدة الذي يهددهما بالقتل �إذا تقدما خطوة‪،‬‬ ‫بحجة فح�ص اجلثة التي ينكر العمدة وجودها ويقول �أنَّ ال�سجني قد هرب‪ ،‬والطبيب يريد ك�شف‬ ‫�سر نوبات الإغماء التي تنتاب ال�سجناء‪ .‬هذه العا�صفة نتيجة لن�شرات الف�ضائح التي كانت تع َّلق‬ ‫على �أبواب �أهل القرية‪� ,‬سيزار مونتريو يقر�أ يف ن�شرات الف�ضائح �أنَّ با�ستور على عالقة بزوجته‪،‬‬ ‫فيقتله‪ ،‬جرائم العمدة الغام�ضة واملق َّيدَة �ضد جمهول‪ ،‬و�سجونه التي ال يعود من يدخلها‪ ،‬والأب‬ ‫�أجنيل القذر الذي ي�ستيقظ من دون �أن يغ�سل وجهه �أو يتلو �صلواته‪ ،‬يرف�ض �أية موجة تغيري‬ ‫ل�شعوره ب�أ َّنها تهدد �سلطته‪ .‬من �أينَ جاء ماركيز بفكرة ن�شرة الف�ضائح؟ (كتاب العزلة هو كتابي‬ ‫الوحيد‪..‬ال�شخ�صية الرئي�سة يف "الأوراق ال�ساقطة"‪� -‬أول عمل �سردي ملاركيز‪ -‬هي رجل يعي�ش‬ ‫وميوت يف عزلة مطلقة‪ .‬العزلة موجودة �أي�ض ًا يف �شخ�صية "لي�س لدى الكولونيل من يرا�سله"‬ ‫العقيد مع زوجته وديكه‪ .‬وهي موجود �أي�ض ًا يف عمدة "يف �ساعة نح�س" ال��ذي ال يتم َّكن من‬ ‫احل�صول على ثقة البلدة ويح�س عزلة ال�سلطة بطريقة خمتلفة‪ /‬رائحة اجلوافة‪� -‬ص‪.)106‬‬

‫رئي�س جمل�س الإدارة‬ ‫رئي�س التحرير‬

‫نائب رئي�س التحرير‬ ‫‪----------------‬‬‫عدنان ح�سني‬

‫مدير التحرير‬ ‫‪----------------‬‬‫علي ح�سني‬ ‫االخراج الفني‬ ‫‪----------------‬‬‫م�صطفى التميمي‬ ‫الت�صحيح اللغوي‬ ‫‪----------------‬‬‫حممد حنون‬

‫طبعت مبطابع م�ؤ�س�سة‬ ‫لالعالم والثقافة والفنون‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫كيف يمكن كتابة رواية‬ ‫علي ح�سني‬ ‫ا�سمي ايها ال�سادة هو غابريل غار�سيا ماركيز‪ ،‬ا�سف فانا‬ ‫�شخ�صيا ال يروقني هذا اال�سم النه �سل�سلة من كلمات عادية‬ ‫مل ا�ستطع قط ان اربطها بنف�سي‪.‬ولدت يف بلدة اراكاتاكا يف‬ ‫كولومبيا‪...‬وما �أزال غري ا�سف على ذلك‪.‬انني كاتب هياب‪.‬‬ ‫مهنتي احلقيقية مهنة �ساحر‪ ،‬لكنني ارتبك ارتباكا �شديدا وانا‬ ‫احاول القيام ببع�ض احليل التي ا�ضطر اىل ان الوذ بها من‬ ‫جراء عزلة االدب‪.‬‬ ‫على كل حال ان كال الن�شاطني يقودان اىل ال�شيء الوحيد الذي‬ ‫اثار اهتمامي منذ ان كنت طفال‪ :‬ان يحبني ا�صدقائي اكرث‪..‬‬ ‫ان كوين كاتبا من الكتاب لي�س �سوى اجناز ا�ستثنائي النني‬ ‫رديء جدا يف الكتابة‪ ،‬وعلي ان اخ�ضع نف�سي الن�ضباط ب�شع‬ ‫كي اجنز كتابة �صفحة واحدة‪ ..‬انني انا�ضل ج�سديا مع كل‬ ‫كلمة‪ ،‬لكن الكلمة هي التي تفوز يف الغالب)‪.‬‬ ‫هكذا يتحدث املعلم غار�سيا ماركيز اىل قرائه يف هذه ال�سرية‬ ‫التي يقول م�ؤلفها جريالد مارتن �إنه �أنفق �سبعة ع�شر عام ًا‬ ‫يف تاليفها‪� ،‬سبعة ع�شر عام ًا �أم�ضاها يف قراءة �أعمال ماركيز‬ ‫ومنجزاته الإبداعية يف الق�صة الق�صرية والرواية واملقاالت‬ ‫ال�صحافية والن�صو�ص ال�سينمائية وال�سفر اىل عدد كبري‬ ‫من بلدان العامل ملقابلة �أ�صدقاء ملاركيز من �صحافيني و�أدباء‬ ‫وروائيني و�سيا�سيني وزعماء �أحزاب ور�ؤ�ساء دول‪ ،‬بهدف‬ ‫الإطالع على تفا�صيل عالقاتهم مع الروائي الكولومبي الذي‬ ‫عرفه قراء الأدب باعتباره واحدا من اكرب الذين �أعادوا‬ ‫للرواية هيبتها وت�ألقها‪.‬‬ ‫يف ال�سابعة والع�شرين من عمره �ساقته دروب احلياة اىل‬ ‫عامل حافل باخليال ليقدم اوىل اعماله الروائية “عا�صفة‬ ‫الأوراق” فيتلقى ب�سببها ر�سالة من دار الن�شر يخربونه فيها‪،‬‬ ‫انه لي�س لديه �أي م�ستقبل يف كتابة الرواية‪ ،‬مقرتحني عليه �أن‬ ‫يبحث عن مهنة �أخرى‪.‬‬ ‫املهنة االخرى كانت اال�صرار على الكتابة ليقدم يف النهاية‬ ‫عاملا‪ ،،‬هو مزيج من ال�سرية الذاتية واخليال اجلامح‪،‬‬ ‫يتداخالن ويت�شابكان يف �أبعاد خمتلفة‪ .‬وهو ما يت�ضح بكل‬ ‫روعة يف "مائة عام من العزلة" و «اجلرنال يف متاهته» و‬ ‫«خريف البطرياك» و «احلب يف زمن الكولريا» و «ق�صة موت‬ ‫معلن»‪.‬‬ ‫بتوا�ضع الكبار يكتب املعلم‪“ :‬وجدت نف�سي ما �أزال يف‬ ‫مكاين‪ ،‬حتى �إنني مل �أجد غرابة يف ا�ضطراري �إىل ع�ض‬ ‫ل�ساين كي ال �أ�س�أل من �ألتقي به‪ :‬قل يل يا �أخي‪ :‬اللعنة‪ ،‬كيف‬ ‫ميكن كتابة رواية؟‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.