Pablo Picasso

Page 1

‫رئي�س جمل�س االدارة رئي�س التحرير‬ ‫فخري كرمي‬ ‫ملحق ثقايف ا�سبوعي ي�صدر عن جريدة املدى‬

‫العدد (‪)2292‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )29‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫‪Picasso‬‬


‫‪2‬‬

‫العدد (‪)2292‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )29‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2292‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )29‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫‪3‬‬

‫قراءة اخرى‬ ‫�أمل بورتر‬ ‫باحث ــة عـ ـ ــراقي ـ ــة‬ ‫لقد ت�ن��اول نقاد الفن بيكا�سو بالتف�صيل ‪،‬‬ ‫ف�ق��د ح�ل�ل��وا اع�م��ال��ه وق�سموها اىل فرتات‬ ‫ل��ون��ي��ةواع��اد وا� �ص��ول �ه��ا اىل ال �ت ��أث�ي�رات‬ ‫الوا�ضحة عليها مثل كال�سيكية رومانية‬ ‫او اف��ري�ق�ي��ة ب��دائ �ي��ةاىل ك��ل م��ا ح��وت��ه �شبه‬ ‫اجل��زي��رة الأي �ب�يري��ة م��ن ا�ساليب ونزعات‬ ‫فنية ح�ضارية‪ ،‬كما وقارنوا اعماله بنتاجات‬ ‫غريه من الفنانني‪� ،‬إال انني هنا �س�أحاول ان‬ ‫افهم كيف نظر بيكا�سو اىل اال�شكال او املواد‬ ‫او بكلمة اخرى املفردات الت�شكيلية غريانني‬ ‫�سانظر ب�شكل خ��ا���ص اىل م �ف��ردة واح��دة‬ ‫معينة و اركز عليها �ضمن فرتة حمددة هي‬ ‫فرتة �شيوع الفكر النازي الفا�شي واملفردة‬ ‫هي امل��ر�أة �أو احل��زن اذ ان ن�ساء بيكا�سو‬ ‫�أقرتن باالمل واحلزن والقهر ومن ال�صعوبة‬ ‫ان نفرق بني املفردتني‪.‬‬ ‫مت�ك��ن بيكا�سو م��ن ال�ن�ظ��ر اىل (امل �ف��ردات‬ ‫الت�شكيلية املختلفة) من ب�شر او علبة �سكائر‬ ‫اوراق ال�صحف او اقداح املاء‪ ،‬مائدة ‪,‬كر�سي‬ ‫زج��اج��ة خمر‪�,‬شباك ال��خ‪ ,‬كنظرة الروائي‬ ‫ال��ذي يقتحم حياة ونف�سيات �شخ�صو�ص‬ ‫روايته‪ .‬ال�شخ�صية يف الرواية ينظر اليها‬ ‫من عدة زوايا وبعدة ابعاد ويف زمان ومكان‬ ‫متغري‪ ,‬ولكن �ضمن حيزفكري بنائي معني ‪،‬‬ ‫ومن خالل هذه املعطيات تظهر ال�شخ�صية‪-‬‬ ‫امل� �ف ��ردة ال�ت���ش�ك�ي�ل�ي��ة وت �ن �م��و وت �� �ص��ل اىل‬ ‫عنفوانها يف حلظة مهمة هي عقدة الرواية‬ ‫او حدود اللوحة يف الفن الت�شكيلي‪.‬‬ ‫وهذا ما فعله بيكا�سو مبفرادته الت�شكيلية اذ‬ ‫ا�صبح لهذه املفردات التي ا�ستعملها بيكا�سو‬ ‫ح���ض��ور ع���ض��وي ح ��ي‪ ,‬ن�ظ��ر بيكا�سو اىل‬ ‫هذه امل�صادرنظرة متعاطفة ولكن من دون‬ ‫حب او تعلق‪ ،‬بل نظرة احرتام من الباحث‬ ‫الدار�س املتفح�ص الذي يريد فهم جوهر تلك‬ ‫املفردات‪.‬‬ ‫ه� ��ذه امل� ��� �ص ��ادر ب��ال��ت��ايل ك �� �ش �ف��ت ل ��ه عن‬ ‫مكنوناتها‪ ,‬بنائها‪ ,‬تركيبتها‪ ,‬ابعادها وكل‬ ‫مفرداتها ال�شكلية واللونية‪ ،‬وخ�صو�صية‬ ‫موقعها وعالقتها مبا يجاورها من ا�شكال‬ ‫وك��ذل��ك اهمية االل ��وان التي تخ�ص املفردة‬ ‫واخللفية وبقية العنا�صر املوظفة يف اللوحة‬ ‫التي تعطيها بعدا حيا اخر وت�سهم يف اغناء‬ ‫وحدة ال�شكل وامل�ضمون‪.‬‬ ‫ولدت يف خميلة بيكا�سو االبعاد التكعيبية‬ ‫لال�شكال عندها اكت�شف بيكا�سو معنى ال�شكل‬ ‫احلقيقى �ضمن م�ساحة حمددة وحيز معلوم‬ ‫‪ ,‬بتك�سري ال�سطح الواحد املتعارف عليه اىل‬ ‫اكرث من �سطح ومن زاوي��ة نظر خمتلفة يف‬ ‫وقت واحد وبهذا ا�صبح املكان او امل�ساحة‬ ‫ملتقى لعدة ابعاد يف زمن حمدد ل�شكل معني‬ ‫ا�سا�سي(�شخ�صية‪-‬مفردة ت�شكيلية) كما يف‬ ‫الرواية‪.‬‬ ‫كان بيكا�سو قد جتاوز تاثريات الت�سطيح‬ ‫الذي طغى على اعمال جوجان و الذي تبناه‬ ‫ماتي�س فيما بعد ‪ ،‬والتج�أ اىل بلورة اال�شكال‬ ‫الهند�سية كماعند �سيزان(*‪ ،)1‬بدت له هذه‬ ‫(املفردات الت�شكيلية) ب�صور خمتلفة وعند‬

‫ال�ن�ظ��ر اىل ل��وح��ة ام وط�ف��ل(��س�ن��ة ‪)1921‬‬ ‫التي ر�سمها عقب ذهابه اىل ايطاليا وتاثره‬ ‫بالفن ال��روم��اين منها ال�سابحات‪ 1918‬و‬ ‫ث�لاث ن�ساء عند ال �ن��اف��ورة ‪1921‬وام � ��ر�أة‬ ‫تقر�أه ‪1920‬وال�سباق‪ ،1922‬جند يف لوحة‬ ‫ام وطفل ان امل��راة ال تتجاوز كونها متثال‬ ‫م�صنوعا م��ن م��ادة �صلبة ولي�ست م��ن حلم‬ ‫ودم‪ ،‬ونالحظ ان ال��زواي��ا ح��ادة‪ ،‬وامللم�س‬ ‫ب ��ارد اق ��رب اىل الكل�س‪ ،‬وت �ع��دد ال�سطوح‬ ‫وع��دم ان�سيابيتها‪ ،‬ه��ذة اللوحة تتكلم عن‬ ‫بيكا�سو النحات ال ال��ر��س��ام‪ ،‬وه��ذا وا�ضح‬ ‫جدا يف �ساق املر�أة وتديل ف�ستانها والطيات‬ ‫والثنيات‪ ,‬ان امتالء ج�سم املر�أة وت�سريحة‬ ‫ال�شعر واملالب�س تقودنا اىل الفن الروماين‪،‬‬ ‫ولكن جلو�س املر�أة على ال�شاطئ ابعدنا عن‬ ‫احل�س بكونها جمرد متثال اىل انها ان�سانة‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫حقيقية(*‪ )2‬ب��وج��ود اخللفية ذات اللون‬ ‫االزرق الرمادي الذي اختلفت درجاته ما بني‬ ‫ال�سماء وامل��اء ال��ذي ي�شاركها ف�ستان املر�أة‬ ‫نف�س االلوان البعيدة عن البهجة‪.‬‬ ‫وجه امل��ر�أة جامد ولكنه جمود حزين مبهم‬ ‫ال جند فيه بهجة االمومة اوفخرها ‪,‬ولكننا‬ ‫نرى احلركة الن�شطة للطفل‪ ,‬التي تعرب عن‬ ‫ال�شعور ب��االم��ان واالرت �ي��اح‪ ،‬اذ ان الطفل‬ ‫مي�سك بقدمه بكل دع��ة وطم�أنينة ‪ ،‬ويرفع‬ ‫ي��ده االخ��رى حم��اوال التقرب م��ن االم التي‬ ‫يبدو عليها االنتباه واالن�شغال التام بحركة‬ ‫الطفل‪ ،‬ولكن وجهها ال يبوح بالكثري وجه‬ ‫�ساهم واج ��م وي��ده��ا مت�سك ب�ساقها كانها‬ ‫ت �خ��اف ال��وق��وع وت��ري��د اال� �س �ت �ن��اد‪ ،‬واليد‬ ‫االخ��ري ال حتت�ضن الطفل بل تختفي خلف‬ ‫ظهر املولود‪.‬‬

‫هناك نوع من التغريب نقر�أوه بو�ضح يف‬ ‫اللغة التي يطرحها علينا ج�سم امل��ر�أة‪ ،‬هذه‬ ‫التعابري ال�سلبية ه��ي مقدمة ل�سل�سة من‬ ‫ر�سوم الن�ساء التي �ستت�سم م�ستقبال باالمل‬ ‫واحلزن الوا�ضح ال�صريح‪.‬‬ ‫جند ان بيكا�سو يف هذه الفرتة ي�صور املر�أة‬ ‫ب�شكل متفرد قريبة من الثماثيل االغريقية‬ ‫–الرومانية م�ع��اف��اة ي�ب��دو عليها الكمال‬ ‫اجل�سمي وبع�ض من البدانة‪ ،‬مع مبالغة يف‬ ‫طول اجلذع او الذراع او حجم ال�ساق‪ ,‬هنا‬ ‫يعرب بيكا�سو بكل و�ضوح عما قد ت�أثر به‬ ‫من ح�ضارة معينة ال يحاول اخفاء ذلك وال‬ ‫يربره او ي�ستحي منه بل يعلن بكل ا�صرار‬ ‫وعالنية عن تاثره وكذلك عن �شعوره جتاه‬ ‫املر�أة‪.‬‬ ‫بيكا�سو ال ي�تردد من ان ينتقل من ا�سلوب‬

‫تعبريي واحد اىل ا�سلوب تعبريي اخر او‬ ‫اح�ي��ان��ا ك�ث�يرة ي�سري اال�سلوبني جنبا اىل‬ ‫جنب كل ا�سلوب يعرب عن هاج�س واح�سا�س‬ ‫معني و�شرعي بعرف تقاليد وممار�سات علم‬ ‫اجلمال (اال�ستطيقا)‪.‬‬ ‫ول�ك��ن ب�ع��د ان جت ��اوز ه��ذه امل��رح�ل��ة وب��د�أ‬ ‫مرحلة خمتلفة لي�س فنيا فقط بل فكريا اي�ضا‬ ‫اذ اخ��ذت ال�ت�غ�يرات ال�سيا�سة يف ال�ساحة‬ ‫االوروبية ابعادا جديدة وكان لهذه التغريات‬ ‫وق��ع كبري على جممل احل�ي��اة الثقافية يف‬ ‫اوروبا ويف هذه الفرتة اخذ بيكا�سو بكتابة‬ ‫ال�شعر وظهر له ا�سلوب جديد خمتلف متاما‬ ‫عما انتجه �سابقا وك��ل انتاجاته ال�سابقة‬ ‫كانت مبثابة حت�ضري لهذا اال�سلوب الذي‬ ‫�سي�ستقر عليه بيكا�سو مع بع�ض التحويرات‬ ‫التعبريية الب�سيطة‪.‬‬ ‫م��ن ال�ل��وح��ات التي ر�سمها يف ه��ذه الفرتة‬ ‫التي تثري االهتمام لوحة ماري ترييز والتي‬ ‫يقال ان بيكا�سو احتفظ باللوحة لنف�سه حتى‬ ‫وفاته ‪،‬و نفذها باال�سلوب الذي �ستت�سم به‬ ‫اعماله م�ستقبال ولكن هذا اال�سلوب التعبريي‬ ‫�سي�أخذ ابعادا خمتلفة ح�سب يف كيفية البوح‬ ‫عن هذا ال�شعور يف الفرتات القادمة‪ ،‬ولرمبا‬ ‫هذه اللوحة هي الوحيدة لهذه الفرتة لأمر�أة‬ ‫ال يظهر االمل او احلزن فيها ب�شكل معلن‪.‬‬ ‫لو نظرنا بعمق اىل هذه اللوحة وحاولنا ان‬ ‫نق�سم الوجه افقيا بخط يف�صل العينني �سنجد‬ ‫م�سحة من احلزن يف النظرة واختالف لون‬ ‫الب�ؤب�ؤءين يعزز هذا االح�سا�س فب�أختياره‬ ‫ل�ل��ون االح�م��ر واالزرق وال�ت���ض��ادد اللوين‬ ‫بينهما وامل�ع�ن��ى ال�ضمني فيهما فاالحمر‬ ‫يرمز احيانا اىل االمل واالزرق يف العرف‬ ‫االوروبي اىل احلزن‪.‬‬ ‫كما وان الوجه اجلانبي ال يبتعد كثريا عن‬ ‫كونه متثاال اغريقيا‪-‬رومانيا ي�ستند على‬ ‫ق��اع��دة ه��ي ي��اق��ة امل� ��ر�أة ول��و ج��رن��ا اخليال‬ ‫ابعد قليال وق�سمنا الوجه حتى الظل االزرق‬ ‫لوجدنا يف طريقة ت�سريحة ال�شعر وان�سياب‬ ‫الرقبة و�صغر حجم االذن كلها مقومات الفن‬ ‫االغ��ري�ق��ي ال��ذي ك��ان ي��دع��و اىل ال�ك�م��ال يف‬ ‫مظاهر اجل�سم والتي بالتايل تعني اجلمال‬ ‫ويف عرف املجتمع االغريقي اليوناين تعنى‬ ‫قمة (اال�ستطيقا)‪.‬‬ ‫خ�ل�ف�ي��ة ه ��ذه ال �ل��وح ي�ط�ب��ق ف�ي�ه��ا بيكا�سو‬ ‫اب�سط التعلميات التي يتلقاها طالب الر�سم‬ ‫ب��و� �ض��وح وه ��ي و� �ض��ع خ �ط��وط ت ��دل على‬ ‫وجود االبعاد ولكنه وظفها ب�شكل ي�ؤكد على‬ ‫الفراغ اذ ان الألوان تتماهي مع بع�ضها اىل‬ ‫ان ت�صل اىل ي�سار اللوحة فيظهر الت�ضادد‬ ‫ال�ل��وين ه��ذا التماهي يف االل ��وان يوهمنا‬ ‫بالفراغ‪ .‬ام��ا مقدمة اللوح من ج�سم املر�أة‬ ‫والن�سب والت�شريح كلها تنبئ ب�شكل وا�ضح‬ ‫عن ق��درة الفنان ومتكنه من خطوطة ومن‬ ‫ف��ن التخطيط‪ ,‬الرتكيز هنا على اخلطوط‬ ‫والتي تبدو وكانها جزء من زخارف املالب�س‬ ‫ت�شريبو�ضوح اىل (كنتورات) اجل�سم وكيفية‬ ‫اجت��اه الع�ضالت باعتقادي ان هذه اللوحة‬

‫لوحة ماري ترييز‬ ‫هي اال�سا�س الذي ا�ستند عليه بيكا�سو يف‬ ‫تقدمي افكاره وا�سلوب تنفيذها م�ستقبال كما‬ ‫و�سيكون ال�سمة اال�سا�سية والطاغية على كل‬ ‫اعماله القادمة‪.‬‬ ‫بعد انتاجه لهذه اللوحة لن تت�صف م�ستقبال‬ ‫اي لوحة من لوحات بيكا�سو بالوحدة او‬ ‫اال�ستمرارية او اال�ستقرار بل �سنجد فيها‬ ‫ال�ت�ن��وع واالخ �ت�لاف واحل��ري��ة يف احلركة‬ ‫واللون وامل�ف��ردة الت�شكيلية التي تت�ضامن‬ ‫كلها لتقدم لنا مو�ضوعا ان�شائيا مميزا‪.‬‬ ‫ان التقنية الفنية واال�سلوب ال��ذي اعتمده‬ ‫بيكا�سو يف بلورة اال�شكال هي طليعية متاما‬ ‫ومتفردة وكذلك توظيفه للم�ساحات والرتكيز‬ ‫على الفراغ املوهوم دائما‪.‬‬ ‫يبدو لنا بو�ضوح هنا ان ال�شكل الذي ينوي‬ ‫بيكا�سو تنفيذه من االن ف�صاعدا �سيت�صف‬ ‫بفكرة التقطيع التي اعتمدها يف ا�سلوبه‬ ‫التكعيبي ول �ك��ن م��ن زواي� ��ة واح� ��دة فقط‬ ‫ومب�ستوى نظر معني حمدد ال تتداخل فيه‬ ‫االب�ع��اد املختلفة �أو زواي��ا النظر املتعددة‪,‬‬ ‫كما وان��ه �سيقت�صد يف ا�ستخدام املفردات‬ ‫و�ستكون هناك مفردة واحدة هي امل�سيطرة‬ ‫على املو�ضوع االن�شائي‪ ،‬ولي�س مثل الفرتة‬ ‫التكعيبة ال �ت��ي ت�ت���ش��ارك ك��ل امل��ف��ردات يف‬ ‫االهمية لتقدمي الفكر النهائي للعمل الفني‬ ‫ولكن هذه املفردة املوظفة يف العمل الفني‬ ‫�ستحتوي ع�ل��ى اج� ��زاء تبتعد ع��ن ا�صلها‬ ‫كثريا اذا ما نظرنا اليها الول وهلة ولكنها‬ ‫يف احلقيقة ت�سهم يف بلورة امل�ضمون متاما‬ ‫كما يف لوحة دورا مار التي �ساحتدث عنها‬ ‫الحقا‪.‬‬ ‫ركز بيكا�سو على مفردة املر�أة و ان ا�ستخدامه‬

‫جل�سم املر�أة وتقطيعه او ت�شويهه ما هي اال‬ ‫و�سيلة الي�صال االمل واحل��زن اىل املتلقي‬ ‫ع�بر امل ��ر�أة عندما ك��ان بيكا�سو ينفذ لوحة‬ ‫اجلورنيكا قال‪ :‬ان ما ار�سمه لي�س لتزويق‬ ‫ج��دران ال�شقق ال�سكنية بل و�سيلة ملحاربة‬ ‫القهر وقوى الظالم‪.‬‬ ‫�أن البعد ال�سيا�سي الذي تبناه بيكا�سو وهو‬ ‫الفكر الي�ساري (ب��رغ��م ان��ه مل ينتم ر�سميا‬ ‫للحزب ال�شيوعي اال بعد انتهاء احلرب)‬ ‫جعله على وعي وادراك تام مب�شاكل املر�أة‬ ‫�أن كانت اجتماعية او اقت�صادية او �سيا�سية‪,‬‬ ‫ح��رم��ان امل ��ر�أة م��ن اغلب حقوقها وو�ضعها‬ ‫مو�ضع االتهام واملراقبة او يف درجات ادين‬ ‫ك��ان��ت م��ن اه��م امل�سائل ال�ت��ي �شغلت افكار‬ ‫الي�سار املثقف وبيكا�سو كان وثيق ال�صلة‬ ‫بحلقات املثقفني تلك‪.‬‬ ‫ك��ان بيكا�سو �شديد ال��ول��ع بالن�ساء ولكل‬ ‫واح��دة من ن�سائه اهمية خا�صة يف نف�سه‪,‬‬ ‫وك��ل واح��دة منهن تركت اث��را ال ميحى يف‬ ‫نتاج بيكا�سو واالمثلة عديدة ‪.‬‬ ‫م��ن اه ��م ال �ن �� �س��اء ال �ل��وات��ي ع�ب�ر بيكا�سو‬ ‫ب��وا� �س �ط �ت �ه��ا ع ��ن احل�� ��زن ه ��ي امل �� �ص��ورة‬ ‫الفوتغرافية دورا م��ار (‪)Dora Marr‬‬ ‫والتي كانت ع�شيقته لفرتة‪ ,‬ا�ستعان بيكا�سو‬ ‫ب��وج��ه دورا يف ت���ص��وي��ره االمل يف لوحة‬ ‫اجلورنيكا‪.‬‬ ‫�سابقا كان قد ر�سم �صورة ل��دورا تعرب عن‬ ‫االمل واحل��زن وح��ول اهدابها اىل ما ي�شبه‬ ‫اجنحة الكوا�سر او تظهر على �شكل ر�ؤ�س‬ ‫قنابل فرانكو والعيون متورمة من البكاء‬ ‫دموعها وا�سنانها واظافرها مدببة واملنديل‬ ‫االبي�ض كل هذه العنا�صر توحدت لت�صور‬

‫القهر‪ ,‬ت�ضادد لوين ا�سود وابي�ض‪ ,‬قبعتها‬ ‫بالوانها امل�سرفة والكحل الكثيف والق�سوة‬ ‫الوا�ضحة لي�س فقط على عينيها بل وجهها‬ ‫كلها ادوات تعرب عن االمل واحل��زن و بنوع‬ ‫م��ن ال �ت��وري��ة التهكمية ع��ن م�سببات هذه‬ ‫امل�شاعر اال وه��ي اال�سلحة وادوات القهر‬ ‫والقتل وا�ستالب احلرية‪.‬‬ ‫هنا ا�ستعار بيكا�سو من نف�سه ووبالذات من‬ ‫��ص��ورة م��اري ترييز جن��د القبعة واالل��وان‬ ‫ال�براق��ة وخطوط ال�شعر‪ ،‬وكذلك اال�صابع‬ ‫ذات النهايات احلادة يف لوحة امر�أة جال�سة‬ ‫ن�ف��ذت ‪ ،1941‬يف ه��ذه ال �ف�ترة ك��ل اج�سام‬ ‫ن�سائة مقطعة اذ ا�ستخدم ج�سم املر�أة ليعرب‬ ‫عن �شعور مقرف غا�ضب حمبط‪.‬‬ ‫ه��ذه االدوات التي وظفها ب�شكل مركز يف‬ ‫لوحة دورا مار ا�ستخدمها جمددا يف ت�صويره‬ ‫للعنف واالمل ب�شكل مكثف ومتناثرعلى‬ ‫ام �ت��داد �سطح ل��وح��ة اجل��ورن�ي�ك��ا وب�شكل‬ ‫وا�ضح متاما ‪ ,‬مما يدل على ان بيكا�سو رغم‬ ‫تظاهره بالعفوية والتلقائية اال ان��ه جمرد‬ ‫تظاهر بعيد ع��ن اجل��وه��ر فهو يخطط عن‬ ‫�سبق ا�صرار عما يريد تقدميه للمتلقي‪ ،‬يفكر‬ ‫بكل مفردة بكثري من ال�تروي وي�ستخدمها‬ ‫كثريا يف نتاجات �سابقة ل�يرى وقعها على‬ ‫املتلقي ومدى تقبلها وكيفية �صياغتها �ضمن‬ ‫القيمة اجلمالية للعمل ككل كما ويقدمها يف‬ ‫م�ضمونها اجلديد لت�صدم املتلقي يف ال�صميم‬ ‫وك�أنه يراها للمرة االوىل‪.‬‬ ‫ج�سم امل� ��ر�أة ه�ن��ا يقي�س ل�ن��ا درج ��ة غ�ضب‬ ‫ب �ي �ك��ا� �س��و م ��ن االح� �ت�ل�ال وال �ف �ك��ر ال �ن��ازي‬ ‫العن�صري املتع�صب‪ ،‬وهذا وا�ضح اي�ضا يف‬ ‫لوحة امر�أة مت�شط او ت�صفف �شعرها حتى‬

‫ج�سم املر�أة هنا يقي�س لنا‬ ‫درجة غ�ضب بيكا�سو من‬ ‫االحتالل والفكر النازي‬ ‫العن�صري املتع�صب‪ ،‬وهذا‬ ‫وا�ضح اي�ضا يف لوحة امر�أة‬ ‫مت�شط او ت�صفف �شعرها‬ ‫حتى ن�ستطيع هنا ان‬ ‫ن�شخ�ص جزءا �صغري من‬ ‫جبهة و�شعر هتلر نف�سه‬ ‫اذ يبدو لنا ان هتلر قد‬ ‫احتل ج�سم املر�أة وتقم�صها‬ ‫و�شوهها وبرت اع�ضاءها‬ ‫ومثل بها‪.‬‬

‫ن�ستطيع هنا ان ن�شخ�ص ج��زءا �صغري من‬ ‫جبهة و�شعر هتلر نف�سه اذ يبدو لنا ان هتلر‬ ‫ق��د احتل ج�سم امل ��ر�أة وتقم�صها و�شوهها‬ ‫وب�تر اع�ضاءها ومثل بها‪ ،‬حتولت حلمات‬ ‫ثديها و�سرتها اىل ما ي�شبه ثقوب الطلقات‬ ‫النارية او فوهة بندقية‪ ،‬اقدام �ضخمة بعيدة‬ ‫كل البعد عن قدم اي امر�أة بل قد تكون اقدام‬ ‫جندي نازي و�ساق �ضخم م�شوه وق�صري يا‬ ‫ت��رى م��اذا تعني امل��ر�أة هنا؟ امل��ر�أة هنا هي‬ ‫ال��وط��ن املغت�صب االر� ��ض املحتلة احلرية‬ ‫امل�سلوبة كلها ت��وري��ات ع�بر عنها بيكا�سو‬ ‫ب�ك�ث�ير م��ن ال��و� �ض��وح وال �ع�لان �ي��ة م��ن دون‬ ‫م�ساومة او خ��وف‪ .‬وه��ذه املبالغة ال�شبة‬ ‫كاريكوتوريه الجزاء من اجل�سم والتي هي‬ ‫دخيلة وال �شك على ج�سم املر�أة هل هي حالة‬ ‫تهكمية �سوداء لواقع حال مزر وتعي�س وهي‬ ‫باحلقيقة كما ت�ب��دو اج ��زاء م��ن ج�سم اخر‬ ‫دخيل على ج�سم املر�أة‪-‬الوطن؟‬ ‫كل هذه الت�أثريات بقيت ترافق بيكا�سو يف‬ ‫نتاجاته القادمة اال ان الق�سوة واالمل اخذ‬ ‫يختفي تدريجيا ولكنه مل يهجر اهتمامته‬ ‫االوىل وت�أثره ببقية الفنون واالمثلة كثرية‬ ‫ووا�ضحة وهذا جمال لدرا�سة اخرى‪.‬‬ ‫***‬

‫‪ 1‬فرانك ايلجار بيكا�سو النا�شر‪� -‬سرببوك‪-‬‬ ‫بيكا�سو فارتيلي فابري ميالنو‪-‬النا�شر فانك‬ ‫و وجنال�س نيويورك‪.‬‬ ‫‪ 2‬يف هذه الفرتة رزق بيكا�سو ب�أول طفل له‬ ‫ولكننا ال نح�س ب�أي دفء عاطفي ابوي‪.‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪4‬‬

‫العدد (‪)2292‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )29‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2292‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )29‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫بابلو بيكاسو الخزاف‪..‬‬ ‫وسحر النساء على األواني‬ ‫واألطباق‬

‫السيرة والرؤية‬ ‫فن ( الكاتب �أو الفنان ) و�شخ�صيته ‪ .‬وبالطبع ُيحدث تناول‬ ‫ال�شا�شة ال�سينمائية لأدبية احلياة نوعا من التوازن املطلوب بني‬ ‫الكلمة املقروءة وال�صورة املرئية‪ ،‬ناهيك عن حماوالت " ال�صورة‬ ‫ال�سينمائية " ن��زع قد�سية تلك احل�ي��وات املكتوبة بت�صويرها‬ ‫مجُ ّ�سدة‪� ،‬إىل درج��ة ن�ستمتع فيها بيقني حوا�سنا حني ّ‬ ‫نطالع‬ ‫تفا�صيل حيوات عدة لـ ( فان كوخ – بيكيت – فرويد – �إليوت‬ ‫– لوركا ‪ )000‬وغريهم‪ ،‬معاين طفولتهم‪ ،‬ع�شقهم الأول وذنوبهم‬ ‫منو العبقرية فيهم‪ ،‬فنماثل بني حياة‬ ‫ال�صغرية‪ ،‬لن�شهد ب�أعيننا ّ‬ ‫نح�سها و�أخرى نتمناها ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫�أم��ا عن اجت��اه تناول ال�شخ�صيات التاريخية فيمكن القول �أنه‬ ‫ُيظهر الدور احلقيقي لل�شخ�صية يف حياة النا�س و�أثرها يف �صنع‬ ‫حوادث التاريخ‪ ،‬ب�شكل َيفرت�ض مو�ضوعية التناول – عادة –‬ ‫وعقالنية امل�شاهدة ‪.‬‬

‫املخرج‪:‬‬

‫بيكا�سو‪ ..‬بيكا�سو‪ ..‬احللم والرغبة وحب‬ ‫احلياة‪ ..‬ا�سطورة القرن الع�شرين ومعجزة‬ ‫الإب��داع‪ ..‬دائما تتجدد �سريته وحياته رغم‬ ‫رحيله عن عاملنا ع��ام ‪ 1973‬وعمره ثالثة‬ ‫وت�سعني عاما‪ ..‬عا�ش خاللها مع �سبع ن�ساء‪..‬‬ ‫ك��ل ام���ر�أة اح ��دث معها ان�ق�لاب��ا يف الفن‪..‬‬ ‫وكانت �آخرهن جاكلني روك التي ر�سمها يف‬ ‫ع�شرات اللوحات وظل ير�سمها حتي �آخر‬ ‫حلظة يف حياته ‪ ..‬وك��ان يكربها ب�أربعني‬ ‫عاما ‪ ..‬ومل تطق احلياة بعده فانتهت حياتها‬ ‫بر�صا�صة عام ‪1986‬‬ ‫بيكا�سو العبقري‪ ..‬الفنان وامل�صور الر�سام‬ ‫وامل�صمم‪ ..‬واملكت�شف وامل �خ�ترع يف دنيا‬ ‫اخل �ط��وط والأل � � ��وان‪�� ..‬س�ب�ع��ون ع��ام��ا من‬ ‫التوهج والتحفز واالن�ط�لاق يعرب خاللها‬ ‫بالفن �إىل �آف��اق بعيدة و�شواطىء جديدة‬ ‫وترك ثروة تقدر حاىلا مبليار ون�صف فرنك‬ ‫فرن�سى و�أكرث‪ ..‬موزعة على متاحف العامل‪.‬‬ ‫و�أخريا بيكا�سو اخلزاف ‪ ..‬الذي �شكل �سحر‬ ‫الن�ساء على الأوانى والأطباق واملزهريات‪.‬‬

‫بني اخلزف والعطور‬

‫فالوروى بلدة �صغرية من الريف الفرن�سى‬ ‫‪ ..‬تقع يف اجلنوب بالقرب من مدينة كان ‪..‬‬ ‫كان لها �شهرة كبرية يف انتاج اخلزف منذ‬ ‫الع�صر الرومانى وال��ذي متثل يف الأوانى‬ ‫امل�صنوعة من الطني‪ ..‬وا�سمها يعنى وادى‬ ‫ال��ذه��ب‪ ..‬ومت�ت��د حدائقها ال�غ�ن��اء بغابات‬ ‫ال���ص�ن��وب��ر و�أ� �ش �ج��ار ال��زي �ت��ون م��ع زه��ور‬ ‫البنف�سج واىلا� �س �م�ين‪ ..‬وق��د ا�شتهرت مع‬ ‫اخلزف ب�صناعة العطور ‪ ..‬ولكن من بداية‬ ‫العقد اخلام�س من القرن الع�شرين بد�أت‬ ‫تنقر�ض وتت�آكل مهنة اخلزف لدى الكثريين‬ ‫من �أبنائها ‪ ..‬مكتفني با�ستخراج الروائح‬ ‫العطرية‪ ..‬حتى مل يتبق بها �سوى ور�شة‬ ‫وحيدة متتلكها وتديرها ال�سيدة �سوزان‬ ‫وزوجها جورج رامية وكان االثنان من �أبرع‬ ‫�صانعى اخلزف يف ذلك الوقت‪ ..‬وبال�صدفة‬ ‫جاءت زيارة بيكا�سو لهما عام ‪ 1946‬وجرب‬ ‫بيكا�سو �أن ي�صوغ من الطني بع�ض الأ�شكال‬ ‫وعندما ع��اد بعد عامني كانت هناك ثالثة‬ ‫حمامات احرتقت يف الفرن واكت�سبت طالء‬ ‫المع ًا و�أ�صبحت قطعا جميلة من اخلزف ‪..‬‬ ‫وق��د فجر ه��ذا احل��دث ينابيع �إلهامه وكان‬ ‫مولعا بهذا الفن يطلق عليه فن «بال دموع»‪..‬‬ ‫فن اخلزف بعيدا عن املجهود الع�ضلى لفن‬ ‫النحت ف��اخل��زف �أدوات� ��ه قليلة وه��و �سهل‬ ‫الت�شكيل وال���ص�ي��اغ��ة ي�ستوعب �أك�ث�ر من‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫�أ��س�ل��وب م��ن �أ� �س��اىلب اخل�ل��ق واالب� ��داع ‪..‬‬ ‫العجيب �أنه �أنتج �ألفي قطعة يف عام واحد‪.‬‬ ‫البيت الأبي�ض‬ ‫ه �ن��اك يف ف ��ال ��وروى ع��ا���ش ب�ي�ك��ا��س��و بعد‬ ‫�أن اخ �ت��ار م�صنع م�ه�ج��ور للتقطري جاء‬ ‫مبثابة اال��س�ت��ودي��و ‪ ..‬ي�ج��رى فيه �أ�شكاله‬ ‫وب�ي��ت �أب�ي����ض على رب��وة ع��اىلة يقيم فيه‬ ‫‪ ..‬ك��ان بيكا�سو ي�شكال �أب �ق��ارا وحيوانات‬ ‫وطيورا حتى االطباق التقليدية والأوانى‬ ‫وال �� �س�لاط�ين وع �ل��ى ت �ل��ك الأ� �ش �ك��ال ير�سم‬ ‫ا�سماكا وازهارا ووجوها ن�سائية م�سكونة‬ ‫بال�سحر واجل �م��ال ‪ ..‬و�أ� �ش �ك��اال هند�سية‬ ‫ونقو�شا وهكذا عادت روح اخلزف من جديد‬ ‫يف تلك البلدة ال�صغرية ‪ ..‬وبد�أ يلتف �شباب‬ ‫ال�ف��ن م��ن مبدعى اخل��زف ح��ول بيكا�سو ‪.‬‬ ‫مع مئات املعجبني و�صائدى ال�سمك الذين‬ ‫خلدهم يف لوحاته ‪ ..‬و�أع��اد للقرية ا�سمها‬ ‫وملعانها ال�شهري و�أ�صبح يرتدد ويتداول يف‬ ‫ال�صحف واملجالت يف جميع انحاء العامل‪..‬‬ ‫وحتولت �صور انتاج بيكا�سو من اخلزف‬ ‫اىل بطاقات بريدية ويف ع��ام ‪ 1950‬حمل‬ ‫بيكا�سو لقب مواطن بلدة فالوروى مما دعا‬ ‫�إىل اهدائه املجل�س املحلى للبلدة ن�سخة من‬ ‫متثاله الراعى واحلمل وهي ن�سخة برونزيه‬ ‫و�ضعت يف رك��ن من ميدان الكني�سة هناك‬ ‫قريب من متثال احلرب الكبري‪ ..‬وقد حاول‬ ‫�أح��د الأمريكان �شراء ه��ذا التمثال ب�أربعة‬ ‫ماليني فرنك يف ذلك الوقت رفعها �إىل ع�شرة‬ ‫ماليني لكن بيكا�سو مل يوافق حبا وتقديرا‬ ‫لتلك القرية التي فجرت طاقاته االبداعية يف‬ ‫فن اخلزف‪.‬‬ ‫ه ��ذا ه��و ب�ي�ك��ا��س��و ال���ذي ك ��ان ي�ح�م��ل ا�سم‬ ‫ا�سطورة ميديا�س يف �أنامله ما �أن تلم�س‬ ‫�أ��ص��اب�ع��ه الأوراق حتى تتحول �إىل قطع‬ ‫من الذهب مع ما ك��ان ي�شكل ويبدع بطرق‬ ‫عديدة جاعال ن�صب عينيه افكاره اخلالقة‬ ‫والتي ت�ؤكد �أن حرية الفنان هي لغة القرن‬ ‫الع�شرين و�أن االلتزام بق�ضايا الإن�سان هي‬ ‫الهدف والغاية من الفن‪.‬‬ ‫ولقد ب��د�أت غرائبه يوم ولد عام ‪ 1881‬يف‬ ‫مدينة ماالقا جنوب ال�ساحل اال�سباين ‪..‬‬ ‫فعند والدته عندما غادر بطن �أمه رف�ض �أن‬ ‫يتنف�س وا�ضطر عمه الطبيب �أن ينفث يف‬ ‫وجهه �سحابة كثيفة من دخ��ان ال�سيجار‪..‬‬ ‫وعندئذ حترك وجهه وعال �صوته بالبكاء‪..‬‬ ‫اي��ذان��ا واع�ل�ان��ا ع��ن �أه ��م ف �ن��ان يف القرن‬ ‫الع�شرين‪.‬‬

‫عن جملة حواء‪� -‬آذار ‪2010‬‬

‫احمد ثامر جهاد‬ ‫يعد فيلم املخرج " جيم�س �آيفري " (‪SURVIVING – 1996‬‬ ‫‪ ) PICASSO‬واحدا من الأفالم ال�سينمائية عن �سرية الفنان‬ ‫املبدع " بابلو بيكا�سـو " �إىل جوار �أفالم �أخرى‪ ،‬كان �أبرزها فلم‬ ‫املخرج الفرن�سـي " �أالن رينيه " عام ‪ 1950‬الذي كان بعنوان "‬ ‫غورنيكا "‪� ،‬أ�شهر لوحات الفنان ‪.‬‬ ‫يقرتب " �آيفري " كثريا من املُ�شاهد يف �شريطه هذا‪ ،‬ليقدم ر�ؤية‬ ‫بانورامية متعددة اخلطوط يف ملحمة عن احلب واحلياة عا�شها‬ ‫" بيكا�سو " ‪ .‬من الزاوية هذه يبدو التناول موفق ًا �سينمائي ًا‪،‬‬ ‫�وج��زة لع�شر �سنوات م��ن حياة "‬ ‫واخ�ت�ي��ار ال�ف�ترة الزمنية املُ� ِ‬ ‫بيكا�سو " ميكن عده مغري ًا وجذاب ًا لإع��ادة النظر يف حياة هذا‬ ‫الفنان وفنه ‪.‬‬ ‫وان مل يذهب املخرج بعيدا يف تب ّني البحث عن ما ميكن �أن‬ ‫حتققه الأب�ع��اد اجلمالية للذهنية الت�شكيلية يف �أدن��ى حاالتها‪،‬‬ ‫�إ ّال �أننا وجدنا فيما نراه �سينمائيا‪� ،‬أهميته يف ا�ستنفار الطاقة‬ ‫اجلمالية اخلالقة "لبيكا�سو " �ضمن عالقة �صميمية امتازت‬ ‫باجلدل املحتدم بني حياته وفنه ‪� .‬إن تتبع هذه الناحية الدرامية‬ ‫بزواياها احل�سا�سة ومبناها الإيقاعي كفيل بخلق اجلو املنا�سب‬ ‫لل ُم�شاهد يف تف�سري �أي �شيء ي��راه‪ ،‬وم��ن ث��م ك�شف االرتباط‬ ‫احليوي والت�صميم الداخلي للفنان الذي يوحي بابتكار الأجواء‬ ‫الرومان�سية وال�ع��وامل ا ُ‬ ‫حللم ّية‪ ،‬التي و�إن اختلفت يف وزنها‬ ‫وملم�سها ف�إنها توا�صل عمل الت�أليف اجلمايل "للمنظر والتكوين‬ ‫"‪ .‬وهذه احلاالت على ب�ساطتها يف ال�شكل ال�سينمائي املقترَ َح‪،‬‬ ‫متلك وجهة نظرها وانتماءها ل��روح الع�صر ب�شكل ي�ؤكد قوة‬ ‫ـزع الفيلـم �إلـى التـركيز على‬ ‫"الرمز" وت�أثريه امل�ساحي ‪ .‬لذلك ن َ‬ ‫املواقف احلياتية وكثافتها الإيجابية �أو ال�سلبية بالن�سبة للرمز‬ ‫الأ�سا�س يف الت�شكيل ال�صوري" بيكا�سو " [ الذي له الكلمة العليا‬ ‫يف الفيلم نظر ًا لكونه فنان ًا مبدع ًا ذا �شخ�صية م�سيطرة وقوية‬ ‫وطاغية ]* ‪.‬‬ ‫حياة " بيكا�سو " هي مبثابة الدليل �إىل مفردات التكوين الفيلمي‪،‬‬ ‫ورمبا نعدها �أحد عنا�صر هذا التكوين‪ ،‬حيث �أن االجت��اه الذي‬ ‫يقود العني ب�صري ًا ب�شكل منظم وخمطط له‪ ،‬من نقطة �إىل �أخرى‪،‬‬ ‫ميلك �إمكانية التعامل مع اخلامة احلياتية ( كون احليوات خامات‬ ‫) �أو خطوط‪� ،‬أما �أن تكون م�ستقيمة �أو تكون متعرجة‪ ،‬منحنية‬ ‫�أو متقاطعة‪ ،‬مت�صلة �أو منف�صلة …وهذه احلاالت و�أن اختلفت‪،‬‬ ‫ف�إنها �ألقت بظلها الوافر على حياة " بيكا�سو " املرتددة بني ثقل‬ ‫الكتلة وقد�سية الفراغ‪ ،‬ناهيك عن رفعته ‪.‬‬ ‫�إن ت�صميم املخرج " �آيفري " وعزمه على تناول فرتة حمددة‬ ‫من حياة " بيكا�سو" متتد بني عامي ( ‪ ) 1943– 1953‬له ما‬ ‫ي�برره مبعيار ال�صعوبة الالزمة التي تواجهها ال�سينما �إذا ما‬ ‫�أرادت الت�صدي حلياة العظماء وامل�شاهري ‪ .‬فغالب ًا ما يحاول‬ ‫ال�شريط ال�سينمائي ت�أكيد جانب حيوي من جوانب ( ال�شخ�صية‬ ‫ مو�ضوع ال�شريط ) له دوره يف �إ�ضاءة ما يلزم �أ�ضاءته من‬‫اجلوانب الأخرى لتلك احلياة وذلك الفن ‪.‬‬ ‫وب�شكل عام ُينجز ال�شكل ال�سينمائي يف اجتاهه املتعاظم لتناول‬ ‫حياة الكتاب والفنانني‪ ،‬تراكما توثيقيا �ضروريا ال يخلو من‬ ‫جمال �أو احتفاء بحدود تلك احلياة مهما كانت ا�ستقالليتها جتاه‬

‫يف ع��ودة ل�ل��وراء بحثا عن بيكا�سو اختار جيم�س �آي�ف��ري " "‬ ‫فران�سواز جيلو اك�ثر عا�شقات "بيكا�سو" ت��أث�يرا عليه‪ ،‬وهي‬ ‫الوحيدة التي ا�ستطاعت النجاة �ساملة العقل من م�صري االنتحار‬ ‫�أو اجل�ن��ون ال��ذي �أقت�سمه ب��اق��ي الأب �ن��اء وال��زوج��ات‪ .‬فدونت‬ ‫مذكراتها كاملة يف كتابها (حياتي مع بيكا�سو) الذي اق ُت ِب�ست عنه‬ ‫ق�صة الفيلم ‪ .‬و�أ�شيع عنها عدم تعاونها مع الفيلم ونبذها فكرة‬ ‫�إخ��راج فيلم عن حياة " بيكا�سو "‪� ،‬إال �أن ذلك مل ُيثن املخرج "‬ ‫�إيفري " عن اال�ستمرار يف م�شروعه الذي ر�صد له ميزانيـة ُت َقـدر‬ ‫بـ ( ‪ 16‬مليون دوالر)‪ ،‬ف�أختار " باري�س " مكانا لت�صوير معظم‬ ‫م�شاهد فيلمه ال�سينمائي ‪.‬‬ ‫ويف ت�أكيد �أهمية املر�أة وت�أثريها يف حياة " بيكا�سـو " ونتاجه‬ ‫الفني‪ ،‬يقـول املخرج " �آيفري " ‪ [ :‬كل واحدة منهن ملهمة له مدة‬ ‫ثم يهملها ‪ .‬كل واح��دة منهن كانت تفقد ت�أثريها و�سحرها عليه‬ ‫تدريجيا‪ ،‬وعندما كان حبه لهن يخبو‪ ،‬كان ت�أثريهن عليه يت�ضاءل‬ ‫وي�صبح �سلبيا‪ ،‬وتو�ضح ر�سومـه هـذا ال�شـيء ‪ .‬فقد كـان " بيكا�سو‬ ‫" يخلق منطقة انفعالية مدم َرة حوله كما هو معروف]‪.‬‬ ‫يختلف املخرج " �آيفري " يف ر�ؤيته ل�ضرورة خلق �أفالم ممتعة‬ ‫لل ُم�شاهد ت�أخذ ِ�سري املبدعني وتركز على حياتهم �أكرث من تركيزها‬ ‫على عملية الإب� ��داع واخل �ل��ق ل��دي�ه��م‪ ،‬ع��ن امل �خ��رج الفرن�سي "‬ ‫فران�سوا تروفو " الـذي يـذهب �إلـى القول ‪ " :‬ال �أريد �أن �أ�صنع‬ ‫�أفالما لأنا�س ال يقرءون " م�شريا بذلك �إىل �أهمية ثقافة املُ�شاهد‬ ‫ومعرفته ‪ .‬وحتى نتبني املفهوم الذي يحبذه " �آيفري " يف هذا‬ ‫النوع من الأفالم ف�إننا نت�ساءل عما ي�شكله فيلم " بيكا�سو " من‬ ‫قيمة �أو متعة بالن�سبة للذين يجهلون معرفة هذا الفنان ‪ 000‬هل‬ ‫ميكن و�صفه من هذه الزاوية بالفيلم الثقيل �أو ال�ساذج ؟ هل على‬ ‫" �آيفري " �أن يفكر يف ذلك؟‬ ‫لقد وفق " �آيفري " �إىل حد ما يف خلق رواية �سينمائية جذابة‬ ‫تحُ ِف ُز على البحث عن بقايا حياة " بيكا�سو " وفنه‪ ،‬و ُتر�ضي‬ ‫يف الوقت نف�سه �أذواقا خمتلفة ‪ .‬عن ذلك يقول " �آيفري " ‪ [ :‬كم‬ ‫من املَ�شاهد ميكن ت�صويرها للفنان وهو ير�سم �أو ينحت ! الأمر‬ ‫املمتع هو كيف �سارت حياتهم وت�أثري ذلك على فنهم‪ ،‬ثم ما هي‬ ‫الدوافع التي جعلت هذا الفن يكون على هذا النحو …‪].‬‬ ‫لي�س غريبا �أن يكون " �آيفري " �أحد ابرز ال�سينمائيني املولعني‬ ‫بالتعامل مع الن�صو�ص الأدبية‪ .‬خا�صة وان ال�سينما دون باقي‬ ‫الفنون‪ ،‬متيل �إىل التكامل الوظيفي يف الأ�سلوب والإي�صال‬ ‫واملعاجلة اجلمالية‪ ،‬لت�سهم بجدارة يف خلق القيم التي نعي�ش‬ ‫بها ‪ .‬البد من الإ�شارة هـنا �إىل الأداء الرائـع واملتميز للممثلة "‬ ‫ناتا�شا ماكلون " واملمثل " �إنتوين هوبكنز " الذي �أ�ضاف بعدا‬ ‫جماليا �آخر للفيلم‪.‬‬ ‫*****‬ ‫جيم�س �آيفري‪ :‬خمرج �أمريكي مقيم يف بريطانيا من مواليد ‪1930‬‬ ‫عُرف عنه تعامله مع الن�صو�ص الأدبية املختلفة‪ .‬من �أفالمه نذكر‪:‬‬ ‫(�أهايل بو�سطن – ‪ )1984‬عن رواية لهرني جيم�س‪ ( .‬غرفة ذات‬ ‫منظر – ‪ )1985‬و(موري�س ‪ )1989-‬و (نهاية هوارد‪)1992 -‬‬ ‫عن ثالث رواي��ات لـ " �أي ‪� .‬أم ‪ .‬فور�سرت " كذلك فيلمه ال�شهري‬ ‫(بقايا النهار – ‪ ) 1993‬عن رواية للياباين " كازوو �إي�شغورو "‬ ‫الذي برع فيه املمثل " هوبكنز " واملمثلة " �أميا توم�سون"‪.‬‬ ‫*‪ :‬ما بني الأقوا�س الكبرية نق ً‬ ‫ال عن مقال‪:‬‬ ‫بحث ًا عن " بيكا�سو" ابت�سام عبد اهلل ‪ -‬املوقف الثقايف‬ ‫(‪ ) 1‬و (‪ 1996 / )2‬بغداد‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫هل استوحى بيكاسو فكرة‬ ‫"الغرنيكا" من السينما؟‬ ‫جزء من لوحة"اجلرنيكا" لبيكا�سو مع تو�ضيح الت�شابه بيها وبني الفيلم‬ ‫التزال لوحة بيكا�سو ال�شهرية "غرنيكا"‪ ،‬حتمل بني ثناياها العديد من‬ ‫عالمات الإ�ستفهام يف ما يتعلق بالوحي الذي �ألهم الفنان الإ�سباين يف‬ ‫ر�سمها‪ .‬وهذه املرة‪ ،‬قد يكون ال�شريط الفيلمي "وداع ًا لل�سالح" للمخرج‬ ‫فرانك ب��ورزي��ج‪ ،‬امل��أخ��وذة �أح��داث��ه عن رواي��ة �إيرن�ست همنغواي‪ ،‬هو‬ ‫من �أوحى بيكا�سو لإبداع لوحته اخلالدة‪ ،‬طبق ًا لدرا�سة �أعدها امل�صور‬ ‫ال�سينمائي املعروف خو�سيه لوي�س �ألكاينه‪.‬‬ ‫مو�سع ن�شره يف املجلة املتخ�ص�صة "كامريامان"‪ ،‬يك�شف‬ ‫ويف مقال ّ‬ ‫�ألكاينه عن تفا�صيل بحث �إ�ستغرق يف �إع��داده �أ�شهر عدة‪ .‬ومن بني ما‬ ‫يتناوله فيه‪ ،‬امل�شهد الذي يعر�ض‪ ،‬باللونني الأبي�ض والأ�سود‪ ،‬هروب‬ ‫الع�سكريني واملدنيني‪� ،‬أثناء الليل‪ ،‬عرب �إحدى الطرق التي تتعر�ض لق�صف‬ ‫بع�ض الطائرات‪ .‬يقول امل�صور ال�سينمائي مو�ضح ًا ذلك‪":‬كنت قد �شاهدت‬ ‫فيلم (وداع � ًا لل�سالح) يف �آواخ��ر �أع��وام ال�ستينيات‪ ،‬يف ن��ادي ال�سينما‬ ‫لقناة التلفزيون الثانية‪ .‬ولكن‪ ،‬بعد مرور �سنوات عدة عدت لأ�شاهده‬ ‫مرة �أخرى يف �شريط فيديو يف املنزل‪ ،‬و�أ�صابتني الده�شة حيال م�شهد‬ ‫الطريق‪� ،‬إذ ر�أيت نف�سي كما لو كنت واقف ًا �أمام لوحة غرنيكا"‪ .‬من الوهلة‬ ‫الأوىل‪ ،‬تلفت �إنتباهنا ثالثة �أ�شياء يف اللوحة‪� :‬أ�صابع اليد البي�ضاء‬

‫الثخينة يف الوحل‪ ،‬وهي يف حالة �إحت�ضار‪ ،‬واخليول الهاربة‪ ،‬ومن ثم‬ ‫�إمر�أة تنظر اىل ال�سماء وهي تبكي‪.‬‬ ‫مل يكن بيكا�سو مير بظروف يح�سد عليها عندما ر�سم "غرنيكا"‪ ،‬يف ايار‬ ‫من عام ‪ .1937‬حيث احلرب الأهلية قد دمرت �إ�سبانيا‪ ،‬واحلرب العاملية‬ ‫الثانية على و�شك �أن تع�صف ب�أوروبا‪.‬‬ ‫وحينما ر�سم الفنان البا�سكوي لوحته‪ ،‬كان فيلم "وداع ًا لل�سالح" ال يزال‬ ‫يعر�ض يف �صاالت ال�سينما‪ ،‬لأن نظام التوزيع‪ ،‬كما يذكر �ألكاينه‪ ،‬كان‬ ‫ي�شرتط‪ ،‬حينها‪ ،‬على �إ�ستمرار عر�ض الأف�لام ملدة �ست �سنوات‪ .‬ومن‬ ‫اجللي �أن يكون بيكا�سو قد �شاهد الفيلم خالل هذه املدة الطويلة‪ ،‬لي�س‬ ‫ب�سبب من عالقة ال�صداقة التي كانت تربطه بهمنغواي فقط‪ ،‬بل لأنه كان‬ ‫كثري ًا ما يرتاد ال�سينما ‪ ،‬يف ذلك احلني‪ ،.‬اىل جانب �إنها كانت من �أف�ضل‬ ‫الو�سائل ت�سلية‪ ،‬و�أكرثها توثيق ًا للواقع‪ .‬بالإ�ضافة اىل �أن الفيلم �أثار‬ ‫اجلدل حوله يف ذلك الوقت‪ ،‬بالنظر لنهايته ال�سعيدة‪ .‬وكان ال بد لبيكا�سو‬ ‫�أن ي�شاهده‪.‬‬ ‫ومن بني اللقطات الأخرى التي جتمع بني الفيلم واللوحة‪ ،‬كما ي�شري �إليها‬ ‫م�صور فيلم "احلياة جميلة" احلا�صل على جائزة �أو�سكار �أف�ضل فيلم‬ ‫�أجنبي‪ ،‬ق�صف الطائرات للع�سكريني واملدنيني ذاته‪ ،‬الذي يحدث لي ًال‪،‬‬ ‫كما هو يف اللوحة �أي�ض ًا‪ ،‬و�إن كان ذلك الق�صف يف احلقيقة قد حدث يف‬ ‫النهار‪ .‬ناهيك عن احلركة‪ ،‬يف كل من الفيلم واللوحة‪ ،‬والتي ت�سري من‬ ‫اليمني اىل الي�سار‪ ،‬مع ظهور اخليول وطيور الأوز يف �أجواء كليهما‪.‬‬ ‫وجدير ذك��ره �أن لوحة "غرنيكا" ال ت��زال معرو�ضة يف "متحف امللكة‬ ‫�صوفيا" يف مدريد منذ عام ‪ ،1992‬الذي �صادف يوم العا�شر من ال�شهر‬ ‫اجل��اري م��رور ‪ 30‬عام ًا على نقلها اىل �إ�سبانيا‪ .‬ويقوم املتحف‪ ،‬بهذه‬ ‫املنا�سبة‪ ،‬ب�إعداد �سل�سلة من الن�شاطات الثقافية والفنية‪ ،‬من بينها ندوات‪،‬‬ ‫وحما�ضرات‪ ،‬ومعر�ض فني‪ ،‬تتناول جميعها العقود الثالثة املا�ضية‪.‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪6‬‬

‫العدد (‪)2292‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )29‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2292‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )29‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫‪7‬‬

‫بين جان كوكتو وبابلو بيكاسو‬ ‫عدنان من�شد‬

‫بيكاسو الرسام األكثر عرضة للسرقة في العالم‬ ‫عدنان ح�سني �أحمد‬ ‫رمبا ال ي�صدّق البع�ض �أن عدد الأعمال الفنية امل�سروقة‬ ‫يف ال�ع��امل ق��د بلغ " ‪ " 170.000‬عم ًال فني ًا م��وزع� ًا بني‬ ‫اللوحة الزيتية‪ ،‬واملائية‪ ،‬والر�سم التخطيطي‪ ،‬والطباعي‬ ‫وما اىل ذلك‪ .‬ورمبا تزداد غرابة القارئ حينما يعلم ب�أن‬ ‫عدد لوحات بيكا�سو امل�سروقة قد بلغت " ‪ " 449‬لوحة‬ ‫كان �آخرهما لوحتان م�شهورتان وهما " مايا مع دمية "‬ ‫و بورتريه لـ " جاكلني " ُتقدّر قيمتهما بـ " ‪ " 66‬مليون‬ ‫دوالر �أمريكي �سرقهما ل�صو�ص حمرتفون يف �سرقة اللقى‬ ‫والأع�م��ال الفنية يف ‪ 26‬فرباير املا�ضي من منزل ديانا‬ ‫ويدماير‪ ،‬حفيدة بيكا�سو‪ ،‬التي تقطن يف احلي الراقي‬ ‫يف ال��دائ��رة ال�سابعة من باري�س‪ .‬وق��د متكنت ال�شرطة‬ ‫الفرن�سية من �إ�سرتداد اللوحتني يف ال�سابع من �أغ�سط�س‬ ‫اجلاري وهما بحالة جيدة‪ .‬ويرى مركز توثيق اللوحات‬ ‫الفنية امل�سروقة �أن ال�سبب الكامن وراء �إ�ستهداف �أعمال‬ ‫بيكا�سو على وجه التحديد هو �شهرته الفنية التي طبقت‬ ‫الآفاق‪ ،‬وغالء �أ�سعار لوحاته‪� ،‬إذ بيعت لوحة " �صبي مع‬ ‫غليون " بـ " ‪ " 104.2‬مليون دوالر‪ .‬كما �أنه غزير الإنتاج‬ ‫و�أعماله الفنية التي بلغت " ‪ " 20.000‬موزعة بني �أ�سبانيا‬ ‫وفرن�سا والواليات املتحدة الأمريكية والعديد من الدول‬ ‫الأوروبية الأمر الذي يجعلها عر�ضة لل�سرقة على رغم من‬ ‫الإح�ت�رازات والإج ��راء�آت الأمنية امل�شددة على املتاحف‬ ‫و�صاالت العر�ض التي حتت�ضن بني �أوان و�آخر معار�ض‬ ‫�إ�ستعادية لبيكا�سو يف هذا البلد �أو ذاك‪ .‬ويعاين الل�صو�ص‬ ‫غالب ًا من �شهرة بيكا�سو‪ ،‬و�أ�سلوبه املعروف يف الر�سم‬ ‫والذي يحول دون بيع اللوحات يف امل��زادات العاملية �أو‬ ‫حتى يف ال�سوق ال�سوداء‪ .‬وهذه لي�ست املرة الأوىل التي‬ ‫تتعر�ض فيها لوحات بيكا�سو لل�سرقة‪ ،‬ففي عام ‪ 1989‬قام‬ ‫ل�صو�ص حمرتفون ب�سرقة " ‪ " 12‬لوحة من منزل مارينا‪،‬‬ ‫حفيدة بيكا�سو الأخ��رى‪ ،‬وقد �أ�س ُتعيدت تلك الأعمال‬ ‫الحق ًا‪ ،‬وتقدر قيمتها املادية بـ " ‪ " 17‬مليون دوالر‪� .‬أما‬ ‫�أكرب عملية �سطو تعر�ضت لها �أعمال بيكا�سو فكانت‬ ‫يف عام ‪ ،1976‬حيث متت �سرقة " ‪ " 118‬عم ًال من‬ ‫�أعماله الفنية من متحف مدينة �آفينون الفرن�سية‪.‬‬

‫وجدير ذكره �أن جتربة بيكا�سو م َّرت ب�ست مراحل فنية‬ ‫�أ�سا�سية �أجد من املنا�سب �أن نتوقف عندها‪ .‬و�أول هذه‬ ‫املراحل هي ( املرحلة الزرقاء ) " ‪ " 1904-1901‬والتي‬ ‫َّ‬ ‫املخ�ضر‪ .‬كما تكررت‬ ‫هيمن فيها اللونان الأزرق‪ ،‬والأزرق‬ ‫ُرجع النقاد �سبب قتامة‬ ‫يف لوحاته �شخ�صية امله ِّرج‪ .‬وي ِ‬ ‫هذه املرحلة اىل �إنتحار كارلو�س كا�ساكاما�س‪� ،‬صديق‬ ‫بيكا�سو املق َّرب‪ .‬ومن �أبرز لوحات هذه املرحلة‬ ‫" احلياة " و " الوليمة املتق�شفة " و " وجبة‬ ‫ال��رج��ل الأع�م��ى "‪ .‬ث��م �أعقبتها املرحلة‬ ‫ال ��وردي ��ة " ‪ " 1907-1905‬التي‬ ‫متيزت ب�ألوانها املبهجة كالربتقايل‬ ‫وال ��وردي‪ ،‬ومل يغب املهرجون عن‬ ‫لوحاته‪ ،‬لكن ال�شيء اجلديد الذي‬ ‫برز يف هذه املرحلة هو فردناندا‬ ‫�أولييفه كنموذج لأعماله النحتية‪،‬‬ ‫وك��ان��ت تربطه بها ع�لاق��ة حميمة‪.‬‬ ‫�أما املرحلة الثالثة فهي مرحلة الت�أثر‬ ‫ب��ال�ف��ن الأف��ري �ق��ي ال �ت��ي �إم �ت��دت ب�ين "‬ ‫‪ ،" 1909-1907‬وقد �أجنز بيكا�سو‬ ‫عم ًال فني ًا م�شهور ًا يدعى‬ ‫" �آن�سات �آفينون‬ ‫" وال� � � � ��ذي‬ ‫جتلى فيه‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫الأ�سلوب التكعيبي �أول مرة‪ .‬وقد �أ�صبحت هذه اللوحة‬ ‫حمط �أنظار النقاد الفنيني‪� .‬أما املرحلة الرابعة " ‪-1909‬‬ ‫‪ " 1912‬وال �ت��ي �أط �ل��ق عليها �إ� �س��م امل��رح�ل��ة التكعيبية‬ ‫التحليلية حيث تطور الأ�سلوب التكعيبي على يد بيكا�سو‬ ‫و�صديقه براك اللذين �إ�ستعمال تقنية اللون الأحادي البني‬ ‫ودرجاته‪ .‬وقد ّ‬ ‫�شخ�ص النقاد ت�شابه العديد من الأعمال‬ ‫الفنية لبيكا�سو وبراك يف هذه املرحلة لأنهما‬ ‫�إع�ت�م��دا على �أ��س�ل��وب حتليل اال�شكال‬ ‫ال �ف �ن �ي��ة‪� .‬أم� ��ا امل��رح �ل��ة اخل��ام �� �س��ة "‬ ‫‪ " 1919-1912‬وال �ت��ي �أ�سميت‬ ‫بالتكعيبية الرتكيبة فهي التي‬ ‫جت�ل��ى ف�ي�ه��ا �إ��س�ت�ع�م��ال الكوالج‬ ‫�أول مرة حيث �أل�صق بيكا�سو‬ ‫ق�صا�صات م��ن ورق اجلرائد‬ ‫ع �ل��ى ال �� �س �ط��ح ال �ت �� �ص��وي��ري‬ ‫لأعماله الفنية‪ .‬ب��د�أت املرحلة‬ ‫ال�ساد�سة بعد احل��رب العاملية‬ ‫الأوىل وق� ��د �أ� �س �م �ي��ت ب� �ـ "‬ ‫الكال�سيكية وال�سريالية‬ ‫" ح �ي��ث ر�سم‬ ‫ف�� �ي�� �ه� ��ا‬

‫بيكا�سو �أه��م عمل فني على الإط�لاق‪ ،‬وهو " اجلورنيكا‬ ‫" والتي �إعتمد فيها الأ�سلوب الكال�سيكي اجلديد‪ ،‬وقد‬ ‫و�صف النقاد هذه املرحلة بالعودة اىل الأ�صل‪ ،‬كما عاد‬ ‫ديران وجيورجيو دو غريكو وبع�ض ر�سامي املو�ضوعية‬ ‫اجلديدة‪ .‬وتعترب " اجلورنيكا " �أ�شهر عمل فني لبيكا�سو‬ ‫ي�صوِّ ر ب�شاعة احلرب ووح�شيتها‪ .‬وقد ظلت هذه اللوحة‬ ‫ال�شهرية معلقة يف متحف الفن احل��دي��ث يف نيويورك‬ ‫ل�سنوات عدة‪ ،‬ثم نقلت عام ‪ 1981‬اىل �أ�سبانيا‪ ،‬وعر�ضت‬ ‫يف كازون ديل بوين ريتريو‪ .‬ويف عام ‪ 1992‬نقلت اىل‬ ‫متحف رينا �صوفيا يف مدريد ملنا�سبة �إفتتاحه‪� .‬أما " متثال‬ ‫بيكا�سو " فيعد الأ�شهر بني متاثيله املعرو�ضة يف �شيكاغو‪.‬‬ ‫يوحي �شكل التمثال اخلارجي بالغمو�ض‪� ،‬إذ ميكن �أن‬ ‫يكون �شك ًال حل�صان �أو لطائر �أو لإمر�أة يف الوقت ذاته‪.‬‬ ‫ويعد هذا التمثال من العالمات الفارقة يف مدينة �شيكاغو‪.‬‬ ‫�أزيح ال�ستار عنه عام ‪ ،1967‬وقد رف�ض بيكا�سو يف حينه‬ ‫�أن يتقا�ضى مبلغ " ‪ " 100.000‬دوالر عن هذا العمل‪ .‬وقد‬ ‫تربع باملبلغ املذكور اىل �أبناء املدينة‪ .‬ويف الثالثينات‬ ‫من القرن املا�ضي ّ‬ ‫حل امليناتور حمل امله ِّرج " امليناتور‪:‬‬ ‫�إن�سان خ��رايف بر�أ�س ثور وج�سم ب�شر " ويعزو النقاد‬ ‫ظهور امليناتور اىل عالقته بال�سرياليني الذين �إ�ستعملوه‬ ‫كرمز �أيقوين يف �أعمالهم الفنية‪ .‬وقد ظهر هذا الرمز يف‬ ‫" اجلورنيكا " �أي�ض ًا‪� .‬أما اللوحتان اللتان مت �إ�سرتدادهما‬ ‫فهما تنتميان اىل مرحلتني خمتلفتني من املراحل التي مر‬ ‫بها بيكا�سو‪ .‬فلوحة " مايا مع دمية " �أجنزها بيكا�سو عام‬ ‫جم�سد ًا فيها طفلته " مايا التي ولدت عام ‪1953‬‬ ‫‪ِّ ،1938‬‬ ‫من م��اري ترييز وال�تر �إح��دى ع�شيقاته الكثريات‪ .‬وقد‬ ‫ظلت معلقة ب�أمل ال��زواج ر�سمي ًا من بيكا�سو‪ ،‬لكنه مات‬ ‫ومل يحقق لها هذا الأمل الكبري‪ ،‬الأمر الذي دفعها للإنتحار‬ ‫�شنق ًا بعد �أرب��ع �سنوات من وفاته‪ .‬نفذ بيكا�سو لوحة "‬ ‫مايا مع دمية " بالزيت على كانفا�س قيا�س " ‪" 40×60‬‬ ‫�سم‪� .‬أما اللوحة الثانية فهي لزوجته الثانية جاكلني روغ‬ ‫ر�سمها الفنان عام ‪ .1961‬عا�ش بيكا�سو حياة مثرية على‬ ‫ال�صعيدين الفني والعاطفي‪ .‬وتويف عام ‪ 1973‬عن " ‪91‬‬ ‫" عام ًا‪.‬‬

‫بابلو بيكا�سو �أ�سم مرموق يف �سماء الفن‬ ‫الت�شكيلي العاملي‪ ،‬و�شخ�صية ف��ذة �شغلت‬ ‫ال�ق��رن الع�شرين برمته‪ ،‬وت��وات��رت �سريته‬ ‫و�آرا�ؤه التي قلبت موازين اجلمال واحتلت‬ ‫حيز ًا كبري ًا من الثقافة املعا�صرة‪ ،‬فالنجاح‬ ‫امل �ت �ف��رد ال� ��ذي ح�ق�ق��ه ب�ي�ك��ا��س��و يف حياته‬ ‫(‪ )1973-1881‬يعد �أمر ًا مل يكن له مثيل يف‬ ‫تاريخ الفن من قبل‪.‬‬ ‫ولعل كتاب فران�سواز جيلو (حياتي‬ ‫مع بيكا�سو) ال��ذي يجمع بني ال�سرية‬ ‫الذاتية وا�ستعرا�ض التجربة الفنية‬ ‫التي عا�صرت بيكا�سو من �أمثال هرني‬ ‫م��ات �ي ����س و�آن� ��دري� ��ه‬ ‫م���ال���رو وب���ول‬ ‫ال� � � � � �ي � � � � ��وار‬ ‫و� � � � �ش� � � ��اريل‬ ‫� � � �ش� � ��اب � � �ل� � ��ن‬ ‫وارغ � � � � � � � ��ون‬ ‫وب� � � � � � � � � � ��راك‬ ‫وك�� ��وك� � �ت�� ��و‬ ‫مي�ي��ط اللثام‬ ‫ع�� ��ن �أغ � � ��رب‬ ‫�شخ�صية فنية‬ ‫ظ �ل��ت خمفية‬ ‫حت��ت بهرجة‬ ‫االع� � �ل � ��ام اال‬ ‫ع � ��ن ال� �ن ��ا� ��س‬ ‫الذين كانوا على‬ ‫متا�س حقيقي معها‪ .‬رمب��ا يعد املخرج‬ ‫وامل�ؤلف واملمثل والر�سام جان كوكتو‬ ‫من �أقرب النا�س اىل بابلو بيكا�سو منذ‬ ‫�أرب�ع�ي�ن�ي��ات ال �ق��رن امل�ن���ص��رم‪ .‬وهاهي‬ ‫ق�صة ترويها ف��ران���س��واز جيلو حول‬ ‫ف���ش��ل االول وت���أل��ق ال �ث��اين يف عمل‬ ‫م�سرحي جمع االثنني ‪ ..‬ننقل الق�صة كما‬ ‫وردت ب�صراحة متناهية وبت�صرف قليل عن‬ ‫ترجمة االديبة العراقية مي مظفر التي �شابها‬ ‫العديد من االخطاء‪.‬‬ ‫جاء جان كوكتو يف �أحد �صباحات باري�س‬ ‫ال���ش�ت��وي��ة‪ ،‬م��ع ��ص��دي�ق��ه (ج���ان م��اري��ه) �أو‬

‫(ي��ان��وت) كما ك��ان ي�سميه‪ ،‬ليخرب بيكا�سو‬ ‫ان (ي��ان��وت) �أخ��ذ دور (ب�يرو���س) يف �أنتاج‬ ‫م�سرحية (ان��دروم��اك) جل��ان را��س�ين‪ .‬وقال‬ ‫كوكتو م�ؤكد ًا‪�( :‬سينال �صغرينا يانوت جناح ًا‬ ‫ملزم ًا) وكان (يانوت) قد قام حتى بت�صميم‬ ‫امل���ش��اه��د وامل�لاب ����س‪ ،‬وراح ك��وك�ت��و ي�صف‬ ‫ذل � ��ك ب���أ���س��ه��اب‪،‬‬ ‫وه� � ��و ي�ضفي‬ ‫ت ��أك �ي��د ًا حازم ًا‬

‫على الت�ضادد‬ ‫ال��درام��ي مابني املالب�س البي�ض واالعمدة‬ ‫ال�سود للق�صر‪ ،‬حتى ت�صور بيكا�سو كم‬ ‫يبدو يانوت ملوكي ًا بعباءته االرجوانية‬ ‫ال�ساحرة التي يبلغ طولها �أكرث من خم�سة‬

‫ع�شر قدم ًا‪ ،‬خ�صو�ص ًا حينما يلقي بنف�سه‬ ‫�أ�سفل �أح��د ال���س�لامل‪ ،‬منكب ًا على ر�أ�سه‪.‬‬ ‫وك��ان��ت ث��ال�ث��ة االث���ايف يف �أح ��د امل�شاهد‬ ‫املثرية ج��د ًا‪ ،‬تتعلق ب�أحتياج يانوت اىل‬ ‫�صوجلان‪ ،‬فهل ب�أمكان بيكا�سو ان ي�صمم‬ ‫له واح��د ًا؟‪ .‬فكر بيكا�سو للحظة‪ ،‬ثم قال‪:‬‬ ‫(ه��ل تعرفان �سوق ال���ش��ارع ال�صغري يف‬ ‫�شمال باري�س‪� ،‬أعني �شارع “وبو�سي”)‪.‬‬ ‫بدت الده�شة على كوكتو ويانوت‪ ،‬ولكنهما‬ ‫قاال �أجل انهما يعرفانه‪.‬‬ ‫“ممتاز!” قال بيكا�سو‪“ :‬اذهبا اىل هناك‬ ‫واج� � �ل� � �ب � ��ا‬ ‫يل ع�صا‬

‫مق�شة”‪ .‬بدا‬ ‫االث � � �ن� � ��ان يف‬ ‫حالة �أرتباك بع�ض ال�شيء‪ ،‬غري‬ ‫�أنهما يف النهاية خرجا وع��ادا بواحدة‪،‬‬ ‫�أخ��ذه��ا بيكا�سو وق��ال لهما‪( :‬ع ��ودا بعد‬ ‫يومني �س�أوجد منها �شيئ ًا)‪ .‬الق�صة طويلة‬ ‫بني كوكتو وبيكا�سو‪ ،‬كما وردت يف حياة‬ ‫فران�سواز جيلو‪ ،‬ولكننا نلم �شتاتها بال�شكل‬ ‫التايل‪ :‬بعد مغادرة كوكتو ويانوت‪� ،‬أخذ‬ ‫بيكا�سو ق�ضيب ًا حديدي ًا من النوع الذي‬ ‫يحرك ب��ه ال�ن��ار يف امل��وق��د الكبري‪ ،‬وراح‬ ‫يحرق الزينة التجريدية لع�صا املق�شة‪،‬‬ ‫ويق�صر طولها اىل حد معقول‪ ،‬حا�سب ًا عدم‬

‫ا�شتباكها بعباءة يانوت االرجوانية ذات‬ ‫اخلم�س ع�شرة ق��دم� ًا‪ ،‬وبو�سعه ان يتكئ‬ ‫عليها �أي�ض ًا‪ .‬حني وقت العر�ض مل�سرحية‬ ‫(ان ��دروم ��اك) جل��ان ك��وك�ت��و‪ ،‬مل ت�ك��م ثمة‬ ‫رغبة لبيكا�سو ان يذهب مل�شاهدتها‪ ،‬وال‬ ‫�أن يرى يانوت وهو ي�شهر �صوجلانه الذي‬ ‫�صنعه له‪ .‬ولهذا �أعطى بطاقة الدعوة اىل‬ ‫فران�سواز جيلو‪ .‬وكما كان امل��رء يتوقع‪،‬‬ ‫كانت ممثالت العر�ض حمت�شمات ب�أزيائهن‬ ‫على نحو غ��ث – م��ن احلنك اىل االر�ض‬ ‫– وامل �م �ث �ل��ون ي �ت �ق��اف��زون ويينططون‬ ‫ح� ��ول � �ه� ��ن م �ث��ل‬ ‫ج��رذان االوبرا‪،‬‬ ‫وي � � � ��رت � � � ��دون‬ ‫ت� � � � � �ن � � � � ��ورات‬ ‫ق�صرية تك�شف‬ ‫ع���ن �سيقانهم‬ ‫وب �ط��ون �ه��م اىل‬ ‫�أق�صى حد‪.‬‬ ‫�أ�� �ش ��د مايبعث‬ ‫ع �ل��ى الطرافة‬ ‫واال�� � �س�� ��ى يف‬ ‫ل� �ق ��اء كوكتو‬ ‫وب� �ي� �ك���ا�� �س���و‬ ‫ك �م��ا ت� �ق ��ول من‬ ‫امتلكت احلياة مع‬ ‫بيكا�سو‪� ،‬أعمدة ق�صر االمرية (اندروماك)‬ ‫ال�سود‪ ،‬اذ كلما �أتك�أ املمثل (يانوت) على‬ ‫احداها‪ ،‬يلطخ الدهان املائي الرخي�ص كفه‪.‬‬ ‫وحني يذهب بعد ذلك ملعانقة اندروماك يف‬ ‫�أخطر حلظة من حلظاته الدرامية‪ ،‬ف�أنه‬ ‫ي�ترك طبعة م��ن ذل��ك ال��ده��ان على ثوبها‬ ‫االبي�ض الف�ضفا�ض‪ ،‬اذ بات من املمكن ان‬ ‫يزعق املتفرجون‪ ،‬وان تدب حاالت ال�صفري‬ ‫واطالق اله�سي�س والدوي‪.‬‬ ‫وه� �ك ��ذا‪ ،‬ن��ح��رت وان��ت��ح��رت م�سرحية‬ ‫(اندروماك) جلني را�سني‪ ،‬على الرغم من‬ ‫التعاون امل�شرتك بني جان كوكتو وبابلو‬ ‫بيكا�سو‪ .‬والب��أ���س من القول �أخ�ي�ر ًا‪ ،‬انه‬ ‫امل�ن�ط��ق االع� ��رج ال���ذي ان�ت�ه��ى مب�شهدنا‬ ‫امل�سرحي اىل مقلب نفايات االمم‪.‬‬

‫عن موقع �إيالف االلكرتوين‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪8‬‬

‫العدد (‪)2292‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )29‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2292‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )29‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫والفن المسيحي األندلسي المستعرب‬ ‫ثالثة حتفظات منهجية يتوجب قولها قبل اخلو�ض يف مو�ضوع �صعب كهذا‬ ‫�شاكر لعيبي‬ ‫الأول‪:‬‬ ‫يتعلق بالقيمة الكبرية التي �صارت "�شعبية"‬ ‫لبيكا�سو والتي جتعل العودة �إليه‪ ،‬و�إعادة‬ ‫قراءته ك�أنها م�سا�س بقيمة ال ُتناق�ش‪ ،‬بل‬ ‫معاجلة غ�ير م�ستحبة لأي�ق��ون��ة ت�شكيلية‬ ‫ثابتة يف القرن الع�شرين‪ ،‬خا�صة �إذا طرحت‬ ‫ت�سا�ؤالت ال تطمئن للأفكار ال�شائعة‪.‬‬ ‫يرتافق مع هذا �أن ح�ساد بيكا�سو كانوا على‬ ‫الدوام من الكرثة مبكان عامليا‪ ،‬وقد �ضربوا‬ ‫خبط ع�شواء �أحيان ًا ب�سبب الغرية من تفوقه‬ ‫البال�ستيكي وجت ��دده ال��دائ��ب وحتوالته‬ ‫امل �ث�يرة‪ .‬ويف ه��ذا الإط ��ار َم�ن� َ�ح��تْ �شعبي ُة‬ ‫بيكا�سو ِق َي َم ُه جلميع الثقافات وال�شعوب‬ ‫واجلماليات التي ما انفكت تفت�ش فيه عن‬ ‫�شيء منها‪ .‬هكذا وجدنا نقاد ًا من �أمريكا‬ ‫الالتينية ي�ع��زون تفا�صيل بع�ض �أعماله‬ ‫ملنحوتات �أمريكية التينية‪ ،‬وعرب يعتقدون‬ ‫�أن��ه من �أ��ص��ول عربية‪ ،‬وغ�ير ذل��ك مما يدل‬ ‫خو�ض بها‪.‬‬ ‫على عاملية وعمق الهموم التي َّ‬ ‫الثاين‪:‬‬ ‫يتعلق بالثقافات واجلماليات الهام�شية يف‬ ‫العامل التي ال مكان تقريبا لها يف املراكز‬ ‫الثقافية لل�سرديات الكربى (�أو ماورائيات‬ ‫ال �� �س��رد)‪ .‬و�إذا م��ا قيل �أن ال�ت��اري��خ يكتبه‬ ‫املنت�صرون‪ ،‬ن�ستطيع القول بنوع من الثقة‬ ‫�أن ت��اري��خ الفن يكتبه املنت�صرون �أي�ض ًا‪.‬‬ ‫لقد �أفاد فنانو ال�سرديات الكربى دائما من‬

‫اجلماليات الهام�شية �أو املن�سية وفنون‬ ‫ال���ش�ع��وب امل�ستعمرة‪ ،‬و�أح �ي��ان��ا نهبوهاـ‬ ‫متام ًا كما ُنهبت �آثارها‪ ،‬دون �أن متنح تلك‬ ‫اجلماليات لوقت طويل �إال مكانة فلكلورية‬ ‫�أو فن املواطن الأ�صلي (الأهلي‪ ،‬ابن البلد‬ ‫‪ .)indigène، native‬نتذكر مربع‬ ‫ماليفليت�ش امل�أخوذ من ال�صوفية ال�صينية‪،‬‬ ‫وت �ع��ري��ف ن�ق�ط��ة ك��ان��دن�ي���س�ك��ي امل�ستلهم‬ ‫حرفي ًا من الهند�سة والريا�ضيات العربية‬ ‫الإ�سالمية وغ�ير ذل��ك‪ .‬لقد �أف��ادوا من جهل‬ ‫مواطنيهم بثقافة الآخ��ر وغ�ي��اب املعنيني‬ ‫�أنف�سهم يف حلظة معينة‪ ،‬وه��و م��ا يجعل‬ ‫الأم��ر قريبا من التحايل خا�صة يف بع�ض‬ ‫احل��االت‪ .‬هناك �شيء ال هو من هذا وال من‬ ‫ذاك يف حالة بيكا�سو‪ ،‬لأن و�ضعه ب�صفته‬ ‫�أندل�سي ًا من مالقا‪ ،‬قريبا للغاية لي�س فقط‬ ‫م��ن ف��ن امل�ستعربني ‪� Mozarabe‬إمنا‬ ‫من الفن الإ�سالمي يف منوذجه الأندل�سي‪،‬‬ ‫وعدم �إ�شارته لذلك �إال ب�شكل جد عابر‪ ،‬يبدو‬ ‫وك�أنه ي�ستهدف طمر �إرث ثقايف قدمي كان‬ ‫يف ما �سبق متقدما لكنه �صار‪ ،‬يف اللحظة‬ ‫التي ت�ألق الفنان بها يف القرن الع�شرين‪،‬‬ ‫مو�سوم ًا بالتخلف والرجعية والغياب‪ ،‬لقد‬ ‫كتب بيكا�سو تاريخه الفني وف��ق م��ا يو ّد‬ ‫ب�صفته منت�صر ًا‪.‬‬ ‫الثالث‪:‬‬ ‫يتعلق بالو�سيلة املو�ضوعية قدر الإمكان‬ ‫ال� �ت ��ي ن��ت��ج��اوز ف �ي �ه��ا م���ش�ك�ل�ت��ي القيمة‬ ‫اال�ستثنائية ال�شعبية لبيكا�سو التي متنع‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫ت�ق��ري�ب� ًا �إع� ��ادة ق� ��راءة بع�ض �أع �م��ال��ه‪� ،‬أو‬ ‫م��راج�ع��ة بع�ض ف�ترات��ه‪ ،‬ث��م الكيفية التي‬ ‫ت�ستعاد الثقة فيها �أثناء قراءة العنا�صر التي‬ ‫ال يود بع�ض الفنانني �إظهارها للعلن ل�سبب‬ ‫م��ن الأ� �س �ب��اب‪ .‬يف احل��ال��ة الأوىل �سن�ضع‬ ‫ب�ي�ك��ا��س��و يف م��واج �ه��ة م��ات�ي����س املُ �ع�ت ِ�رف‬ ‫�صراحة مبرجعياته‪ ،‬ويف الثانية �سن�ضعه‬ ‫يف مواجهة مواطنيه الذين اكت�شفوا عودته‬ ‫�إىل فن امل�ستعربني وا�ستلهامه منها من دون‬ ‫�أية �إ�شارة من طرفه‪.‬‬ ‫�أع�ت�رف يف ال�ب��دء �أن الأ� �ص��ل الأول الذي‬ ‫ا�ستثار هذا الت�أمل يقع يف �أمرين‪:‬‬ ‫الأول‪ :‬ال يخ�ص بيكا�سو مبا�شرة‪ ،‬وهو‬ ‫ت�ت�ب��ع ال �ت ��أث��رات ال���ص��وف�ي��ة والروحانية‬ ‫ال�شرقية‪ ،‬الإ��س�لام�ي��ة خا�صة ل��دى فنانني‬ ‫اع�ت�رف ��وا ب ��درج ��ات م �ت �ف��اوت��ة ب��ه��ا‪ ،‬مثل‬ ‫ماتي�س‪ ،‬كاندين�سكي‪ ،‬ماليفيت�ش وبول‬ ‫كليه وم��ارك توبي وهرني مي�شو و�أحيانا‬ ‫ك �ثي��رة م� ��ارك روت� �ك ��و‪ .‬وك� ��ان املو�ضوع‬ ‫حم��ور حما�ضراتي‪ ،‬ل�سنتني اثنتني‪� ،‬أمام‬ ‫طلبة املاج�ستري يف املعهد العايل للفنون‬ ‫واحل � ��رف ب �ق��اب ����س‪ ،‬ج �ن��وب ت��ون ����س‪ .‬يف‬ ‫حلظة من حلظات ذلك الدر�س برزت فج�أة‬ ‫�أثناء تكبريي يف جهاز الكومبيوتر لوحة‬ ‫لبيكا�سو �أث��ار تف�صيل فيها انتباهي‪ ،‬هي‬ ‫(جاكلني بزيّ تركي ‪Jacqueline en‬‬ ‫‪ )1955 costume turc‬التي خيّل يل‬ ‫ب�أين �أجد �شبه ًا كافي ًا مع الكتابة العربية يف‬ ‫غطاء الر�أ�س‪ ،‬بل كتابة تقلد اخلط الكويف‬

‫(ب�سودو ‪ .)pseudo-cufique‬مهما‬ ‫نتو�صل‬ ‫ق َّلبنا �أمر هذه "النق�شة" فلعلنا لن‬ ‫ّ‬ ‫�إىل مطابقتها بالأ�شكال الزخرفية امل�ؤ�سلبة‪،‬‬ ‫�إمن��ا بالكتابة غالبا‪ .‬هل كان بيكا�سو على‬ ‫دراية (ب�صرية) كافية بالكتابة العربية و�إنْ‬ ‫مل يعرف الكالم بها‪ .‬يف اللوحة تقع بالطبع‬ ‫مهارات بيكا�سو املهيمن على فنون الر�سم‬ ‫التقليدية و�سيطرته امل �ع��روف��ة يف ر�سم‬ ‫ال�شكل الب�شري والوجوه ونقل تعبرياتها‬ ‫مع ح�ضور نزوع زخريف – تلويني يجد له‬ ‫يف هذه اللوحة مكانا منا�سب ًا‪.‬‬ ‫ذكرت �أنني كنتُ �أجد يف غطاء الر�أ�س‪ ،‬يف‬ ‫لوحة (جاكلني بزيّ تركي) ‪Jacqueline‬‬ ‫‪� ،1955 en costume turc‬شبه ًا‬ ‫كافي ًا مع الكتابة العربية ولي�س بالأ�شكال‬ ‫الزخرفية امل�ؤ�سلبة‪ .‬وت�ساءلتُ فيما �إذا كان‬ ‫بيكا�سو على دراية (ب�صرية) كافية بالكتابة‬ ‫العربية و�إنْ مل يعرف الكالم بها‪.‬‬ ‫كنتُ على دراية كافية بدرا�سة �أو�ستا�ش دو‬ ‫لوري ‪ Eustache de Lorey‬القدمية‬ ‫(بيكا�سو وال�شرق الإ�سالمي) ال�صادرة عام‬ ‫‪ 1932‬ذات املعطيات املهمة التي مل ُت�ؤخذ‬ ‫على حممل اجلد‪ .‬و�أعلم �أن دو لوري كان قد‬ ‫خل�ص �إىل القول‪�" :‬إ�سبا ّ‬ ‫ين فقط من �أ�صول‬ ‫مغربية [‪ ]Maures‬ميكن �أن يكت�شف هذا‬ ‫الفن املفهومي عن جدارة‪ ،‬فهو ال ي�ستطيع‪،‬‬ ‫كما الح��ظ غيوم �أبولونري‪ ،‬منع نف�سه من‬ ‫االفرتا�ض �أنه ينحدر من م�سلم بعيد‪� ،‬شرقي‬ ‫بالطبع منح نف�سه (ل�شيطان التجريدية)"‬

‫‪ .‬مل يكن الأم��ر لري�ضي قناعتي الغام�ضة‬ ‫بوجود م�ؤثرات عميقة غري معرتف بها �أبدا‬ ‫من طرف بيكا�سو‪.‬‬ ‫لنقل ا�ستطراد ًا �إن مثل تلك الكتابة املق ِّلدة‬ ‫للعربية موجودة �أي�ضا يف عمل جليوتو‪،‬‬ ‫عيد امليالد ‪1300 La Nativité‬م‪ ،‬حيث‬ ‫ال يقوم الفنان بر�سم زخ��ارف معينة على‬ ‫ثوب العذراء فح�سب �إمنا من دون �أدنى �شك‬ ‫يقلد الكتابة العربية ‪.pseudo-arabe‬‬ ‫�أم��ر مبكر �سيتكرر الحق ًا يف بع�ض �أعمال‬ ‫ع�صر النه�ضة‪.‬‬ ‫نح�سب �أن ال �ف��ارق ج��وه��ري ب�ين جيوتو‬ ‫وب�ي�ك��ا��س��و‪ ،‬ف�ف��ي ح�ين ال ي �ع��رف ومل يزر‬ ‫الإي�ط��ايل بلد ًا ي�ستخدم ه��ذا احل��رف‪ ،‬ن�ش�أ‬ ‫بيكا�سو يف قلب الثقافة الأندل�سية وت�شكل‬ ‫ال�ث�ق��اف��ة ال�ع��رب�ي��ة الإ��س�لام�ي��ة املوزارابية‬ ‫عن�صرا جوهريا يف تكوينه‪ ،‬وه��و ما ر�آه‬ ‫�أب��ول��ون�ير يف وق��ت مبكر‪ ،‬ومل يعرتف به‬ ‫بيكا�سو بعناد‪.‬‬ ‫لكن النتيجة التي قد تقود مالحظة �أبولونري‬ ‫�إليها‪ ،‬بالن�سبة يل‪ ،‬هي الإمكانية الوا�سعة‬ ‫لت�أثري النق�ش والرق�ش الأندل�سي املبا�شر‪،‬‬ ‫الكامن يف الأق��ل يف بع�ض �أعمال بيكا�سو‬ ‫يف فرتة من الفرتات‪ .‬ولكي ال يكون الأمر‬ ‫حم�ض �إ�سقاط يبدو �أن و�ضع بيكا�سو يف‬ ‫مواجهة ماتي�س مفيد يف هذا املقام‪ .‬ففي حني‬ ‫�أن ماتي�س ذا الثقافة الفرن�سية اخلال�صة‪،‬‬ ‫كان يعلن �صراحة �أنه ي�ستند �إىل فن الإ�سالم‬ ‫لكي يبدع فنا و�صفه (باجلمالية الزخرفية)‬

‫‪ ، une esthétique décorative‬مل‬ ‫ي�ص ِّرح بيكا�سو‪ ،‬ذو املن�ش�أ الأندل�سي املالقي‪،‬‬ ‫املولود عام ‪1881‬م ب�أية عالقة له بهذا الفن‬ ‫بربغم �أنه قد ر�ضعه �صغري ًا‪ .‬ال يبدو املوقف‬ ‫متعلقا بالإيطيقيا فقط و�إمن ��ا بالأ�صول‬ ‫واجلماليات التي ت�سمح بتثمني وتذوق فن‬ ‫بيكا�سو‪ ،‬بل ب�إعادة قراءة نقدية وحتليلية‬ ‫له‪ ،‬وهو �أمر بالغ الأهمية‪.‬‬ ‫يف كتابها "ماتي�س وبيكا�سو‪� :‬صداقة يف‬ ‫الفن" ال�صادر عام ‪ 1991‬بطبعته الأوىل‪،‬‬ ‫تقدّم فران�سواز جيلو التي عا�شت مع بابلو‬ ‫بيكا�سو ث �م��اين � �س �ن��وات‪ ،‬ع�لاق��ة ماتي�س‬ ‫وب�ي�ك��ا��س��و ع �ل��ى ن �ح��و ي���ش�ير �إىل وج��ود‬ ‫م�شاحنة م�ستمرة بينهما و�إعجاب متبادل‬ ‫م�شوب بالغرية واملناف�سة يف �آن واحد‪.‬‬ ‫ُتعلن ه��ذه املناف�سة بل الغرية عن نف�سها‬ ‫ب�شكل �صريح يف حالة بيكا�سو على وجه‬ ‫اخل�صو�ص‪ .‬كان فارق ال�سن عن�صر ًا يف تلك‬ ‫املناف�سة‪ :‬فقد كانت ماتي�س تكربه بـ ‪� 12‬سنة‬ ‫�أتاحت له �سبق ًا يف الن�ضج ويف التجديد‪.‬‬ ‫ت�ت�ح��دث جيلو ع��ن ع�لاق��ة ال��رج �ل�ين خالل‬ ‫ال�سنوات التي عا�شتها م��ع بيكا�سو‪ ،‬من‬ ‫‪� 1946‬إىل ‪1954‬م‪ .‬عندما تع ّرف بيكا�سو‬ ‫على جيلو كان عمره �آنئذ ‪ 65‬عامًا‪ ،‬وكان‬ ‫يف قمة ال�شهرة ك�أعظم فنان غربي عرفه‬ ‫العامل‪ ،‬بينما كان ماتي�س يناهز الـ ‪ 77‬عامًا‪،‬‬ ‫وق��د حت��ول ب ��دوره �إىل �أي�ق��ون��ة يف مدينة‬ ‫باري�س التي كانت حينها قطب الفن احلديث‬ ‫العاملي‪.‬‬ ‫جوهر اخل�صومة ك��ان ي��دور ح��ول الطابع‬ ‫الزخريف يف �أعمال ماتي�س‪ .‬وه��و عن�صر‬ ‫ك��ان �سيزان قبل غ�يره يرف�ضه ب�شدة‪ ،‬فقد‬ ‫ق��ال م��رة عن ماتي�س بنربة فيها �شيء من‬ ‫االحتقار‪�" :‬إنه �صانع �صور �صينية" وهي‬ ‫كلمة ت�خ�ف��ي‪ ،‬ع�ل��ى م��ا ي �ق��ول ه��رب��رت ريد‬ ‫"رف�ض ًا لتلك الرمزية امل�صطنعة‪[ ،‬وللعن�صر‬ ‫الزخريف] التي كانت ب�شكل �أو ب�آخر ت�سم كل‬ ‫الفن الغربي يف ال�سنوات الع�شرين الأخرية‬ ‫من القرن التا�سع ع�شر"‪.‬‬ ‫رف ����ض ب�ي�ك��ا��س��و �إذن ال��زخ��م ال��زخ��ريف‬ ‫احلا�ضر يف �أعمال ماتي�س‪ .‬لكنه منذ بداية‬ ‫القرن الع�شرين مل ي�ستطع �أن يخفي حريته‬ ‫�أمام لوحة ماتي�س ال�ضخمة "عارية زرقاء"‬ ‫‪� ،1907‬إذ ق��ال‪�" :‬إذا ك��ان ي��ري��د �أن ير�سم‬ ‫ام��ر�أة‪ ،‬فلري�سم ام��ر�أة‪ .‬و�إذا �أراد �أن ير�سم‬ ‫ت�صميم ًا‪ ،‬فلري�سم ت�صميم ًا‪� .‬أم��ا ه��ذا ف�أمر‬ ‫وا�ضح‪.‬‬ ‫كان بيكا�سو الذي كان يف ذلك الوقت يعمل‬ ‫ر ّد ًا على لوحة ماتي�س "بهجة احلياة" ‪Le‬‬ ‫‪ 1905 ,bonheur de vivre‬وير�سم‬ ‫"�آن�سات �أفينيون"‪ ،‬ي��درك يف �أعماقه �أن‬ ‫الت�صميم الزخريف كان عن�صر ًا حا�سم ًا يف‬ ‫�أعمال ماتي�س‪ ،‬وهو يعك�س‪� ،‬إذا ما �أُح�سن‬ ‫ا�ستغالله يف العمل الفني‪� ،‬إيقاع ًا ب�صري ًا‬ ‫حم���ض� ًا‪ .‬ك��ان ي��رف����ض ظ��اه��ري � ًا االع�ت�راف‬ ‫ب�أن جماع ت�أثريات للإيقاع الزخريف ميكن‬ ‫�أن ت�شكل تيار ًا ت�شكيلي ًا راديكالي ًا‪ ،‬ولي�س‬ ‫حم�ض تناق�ض �شكلي مع التيارات ال�سائدة‪.‬‬ ‫ل�ك�ن��ه ا� �س �ت �خ��دم ه��و ن�ف���س��ه ��ش�ي�ئ��ا كثريا‪،‬‬ ‫على طريقته اخلا�صة‪ ،‬من تلك املوتيفات‬ ‫�ترح دائما �أنها مالقية �أندل�سية يف‬ ‫التي اق ُ‬ ‫ال�ع��دي��د م��ن ل��وح��ات��ه‪ .‬ذه��ب بيكا�سو للفن‬ ‫الزجني كما نعرف ك�أحد امل�صادر الأ�سا�سية‬ ‫ملرحلته التكعيبية‪ ،‬بينما ذهب ماتي�س للفن‬ ‫الإ�سالمي يف بحثني يفرتقان لكنهما يلتقيان‬ ‫من الداخل‪ ،‬خا�صة يف مرحلة الحقة من عمل‬ ‫بيكا�سو‪ .‬فقد دفع �إ�صرار ماتي�س الأ�سلوبي‬ ‫ال��ذاه��ب �إىل الفن الإ��س�لام��ي بيكا�سو �إىل‬ ‫مناف�سة لوحة ماتي�س "املغاربة" بلوحته‬ ‫"املو�سيقيون"‪.‬‬ ‫بعد موت ماتي�س عام ‪ 1954‬ر�سم بيكا�سو‬ ‫ال�ن���س��اء ال���ش��رق�ي��ات ب ��أ� �س �ل��وب ق��ري��ب من‬ ‫حمظيات ماتي�س‪ ،‬وك�أننا به يعيد بع�ضها‬ ‫ولكن ب�أ�سلوبه الرث احلر اخلا�ص وبباليتته‬ ‫ال�شخ�صية‪ ،‬م�ستعيد ًا يف لوحته (�سوزان‬ ‫وال�ع�ج��ائ��ز‪ ،‬ع��ام ‪ )1955‬ع��وامل��ه ال�شبقية‬ ‫الأث�ي�رة ال�ت��ي مل يكف ع��ن تقدميها طوال‬

‫‪9‬‬ ‫حياته‪ .‬لقد وقع اخت�صار زخارف الو�سائد‬ ‫وال�ف��را���ش بطريقة بال�ستيكية بينما وقع‬ ‫باملقابل و�ضع دوائر �شبه منحنية ذات طابع‬ ‫لُعُبي على �ساق املوديل‪� .‬أن خطوط ًا متوازية‬ ‫�أو متقاطعة‪ ،‬عر�ضية �أو طوالنية هي لعبة‬ ‫ت�شكيلية مل يكف بيكا�سو عنها غري معرتف‬ ‫ال�ب�ت��ة مب���ص��ادره��ا‪� ،‬إال ب�ع��د م��وت ماتي�س‬ ‫وبطريقة غام�ضة‪ ،‬فعندما ر�سم بعد عام‬ ‫واحد فقط من رحيل مناف�سه‪ ،‬لوحة �أ�سماها‬ ‫«ن�ساء اجلزائر‪( ،‬من وحي ديالكروا)» يظهر‬ ‫ماتي�سيا �أكرث من ماتي�س على ما يقول بع�ض‬ ‫م�ؤرخي الفن‪ ،‬وقد دافع بيكا�سو عن ذلك رد ًا‬ ‫على مالحظة �صديق له‪" :‬نعم �أنت على حق‪،‬‬ ‫فقد ترك ماتي�س بعد وفاته لوحات ن�سائه‬ ‫�إرث� � ًا يف ذم�ت��ي‪� ،‬أم��ا لوحاتي ه��ذه فتمثل‬ ‫ر�ؤيتي لل�شرق [يق�صد �شمال �أفريقيا] حيث‬ ‫مل �أذهب �إىل هناك �أبد ًا" ‪ .‬مل يذهب بيكا�سو‬ ‫�إىل �شمال �أفريقيا لكنه كان يعي�ش بربغم ذلك‬ ‫فيه‪ .‬عندما نفح�ص لوحته "ن�ساء اجلزائر"‬ ‫عام ‪ 1955‬وبعيد ًا عن موقفه املدافع فيها عن‬ ‫ن�ساء امل�ستعمرات الفرن�سية‪ ،‬كما بعيد ًا عن‬ ‫رده فيها على موقف دوالكروا الإكزوتيكي‬ ‫اال��س�ت���ش��راق��ي‪ ،‬ن��رى قليال �أو ك�ث�يرا دينه‬ ‫للفن ال�شرقي (حتى ال نقول الإ�سالمي)‪،‬‬ ‫قبل وبعد هذه اللوحة‪ ،‬ونرى فيها م�صادر‬ ‫زخرفية تنهل من معني ال يعرتف به تاريخ‬ ‫الفن �إال ن��ادرا على ا�ستحياء �شديد‪ ،‬كما ال‬ ‫يقول عنه بيكا�سو نف�سه �شيئا يُذكر‪.‬‬ ‫وقد ظهر ذلك يف �سل�سلة اللوحات اخلم�س‬ ‫ع�شرة التي �أجنزها على هدى لوحة "ن�ساء‬ ‫اجلزائر (من وحي ديالكروا)" �إذ �أكمل �أول‬ ‫اثنني منها يف ‪ 13‬كانون الأول (دي�سمرب)‬ ‫‪� ،1954‬أي ب�ع��د �ستة �أ��س��اب�ي��ع م��ن وف��اة‬ ‫ماتي�س‪ ،‬وك��ان ت�أثري لوحات الن�ساء التي‬ ‫ر�سمها الأخ�ي�ر‪ ،‬مب ��ؤث��رات �شرقية‪� ،‬شديد‬ ‫الظهور وا�ضحا وجليا يف ل��وح��ات��ه‪ .‬كان‬ ‫بيكا�سو يعرف جيدا ‪ -‬و�أ�شار �إىل ذلك يف‬ ‫موا�ضع ك�ث�يرة‪ -‬كيف تغلغل ماتي�س بعد‬ ‫وف��ات��ه يف �أع�م��ال��ه‪ ،‬لي�س فقط يف �سل�سلة‬ ‫�أع�م��ال م��ا بعد دي�لاك��روا‪ ،‬ولكن يف جممل‬ ‫�إنتاجه لتلك الفرتة‪ ،‬يظهر ذل��ك �أحيانا يف‬ ‫بع�ض مظاهر اللوحة ومناخها ال�ع��ام �أو‬ ‫يف روحيتها والأحا�سي�س التي حتيط بها‬ ‫و�أح�ي��ان��ا يف تكوينها وبنائها وتفا�صيل‬ ‫ب�صرية ك�ث�يرة فيها‪ .‬ك��ان ي��ود وي �ق��وم‪ ،‬ال‬ ‫��ش�ع��وري��ا يف ر�أي � ��ي‪ ،‬ب��ال��رد ع�ل��ى ماتي�س‬ ‫عمليا ب�إجناز لوحات ت�ؤكد �أنه يعرف الفن‬ ‫الإ�سالمي �أكرث منه‪.‬‬ ‫لنبق عند لوحته (ن�ساء اجلزائر) ولنالحظ‪،‬‬ ‫م��ن ال��زاوي��ة ال�ت��ي تعنينا ه�ن��ا ف�ق��ط‪ ،‬ب�أنها‬ ‫حم�ت���ش��دة ح��رف �ي � ًا ب�ك��ل امل��وت �ي �ف��ات امل�سماة‬ ‫عرابي�سك‪ :‬اخلطوط الطوالنية والعر�ضية‬ ‫و�أ�شكال املعينات‪ ،‬وجت��اوُر الأل��وان الزاهية‬ ‫كما يف ال���س�ج��اد‪ ،‬وال�ت�ج��ري��د‪ ،‬والتناظرات‬ ‫اللونية‪ ،‬وجميع الأ�شكال الهند�سية املرتاكبة‬ ‫كامل�ستطيل وامل�ث�ل��ث وال ��دائ ��رة‪ ،‬واملعاجلة‬ ‫اللونية الأخ�ي�رة التي متنح للعني لعبة من‬ ‫�ألعاب الأربي�سك برغم املوتيفات الت�شخي�صية‬ ‫امل��وج��ودة يف اللوحة‪� .‬إن االنطباع املمكن‬ ‫اخل ��روج ب��ه م��ن ه��ذه اللوحة �أن �ه��ا‪ ،‬ببنيتها‬ ‫ال�ع��ام��ة وتركيبها ال �ل��وين‪ ،‬وك��أن�ه��ا �سجادة‬ ‫�شرقية معمولة على م��زاج وب�إبداع بيكا�سو‬ ‫الفذ‪ .‬عندما �سيعيد معاجلة لوحة فيال�سكي�س‬ ‫ال�شهرية (و�صيفات ال�شرف‪ :‬ال�س مينينا�س‬ ‫‪Les ménines d'après )1656‬‬ ‫‪ Velasquez‬املر�سومة عام ‪ 1957‬ف�إنه‬ ‫لن يقوم �إال ب��الأم��ر عينه بال�ضبط برغم �أن‬ ‫ا�ستعارات ومنحى فيال�سكي�س يختلف عن‬ ‫معاجلة ور�ؤية ديالكروا‪ .‬لقد طواهما كليهما‬ ‫يف ر�ؤيته املزخ َرفة‪.‬‬ ‫مل��اذا ي�ستخدم الأ��س�ل��وب عينه بالعودة �إىل‬ ‫لوحتني ال ع�لاق��ة بينهما �شكلي ًا؟ �إن��ه يفعل‬ ‫ل�صالح همه الت�شكيلي وح��ده ال��ذي يبدو �أن‬ ‫هاج�سا ماتي�سيا ق��د ان�صب فيه ان�صباب ًا‪،‬‬ ‫وال��ذي يبدو بالتايل وقد �أخ��ذه �إىل الأماكن‬ ‫ذات�ه��ا التي ك��ان ماتي�س ي�سعى �إليها‪ :‬الفن‬ ‫ال�شرقي‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪10‬‬

‫العدد (‪)2292‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )29‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2292‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )29‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫بابلو بيكاسو ‪ -‬أوراق من حياته‬ ‫فران�سواز جيلو املر�أة ال�ساد�سة يف حياة الفنان الذي رحل عن عاملنا يف‪ 8‬ني�سان ‪�/‬أبريل‬ ‫عام ‪ ،1973‬التي قال عنها النقاد �إ ّنها كانت جمد بيكا�سو‪ ،‬ذكرت يف كتابها (حياتي مع‬ ‫ثم‬ ‫بيكا�سو) �أنّ رحلة بابلو اىل بولندا‪ ،‬وغيابه عنها لأول مرة قرابة ثالثة �أ�سابيع‪ّ ،‬‬ ‫توجهه �إىل باري�س بعد العودة وبقائه فيها لأ�سبوع‪ ،‬كانت يف احلقيقة حلظات الهدوء‬ ‫التي �سبقت العا�صفة‪ْ � ،‬أي تلك العا�صفة التي �أدت �إىل فراقهما �سنة ‪1953‬بعد حياة‬ ‫عائلية هادئة دامت ع�شرة �أعوام ‪ .‬كان بيكا�سو قد ا�ستعاد كل طاقته الإبداعية قرب‬ ‫هذه الفتاة اجلميلة التي ت�صغره ب�أربعني عاما‪ .‬ترك باري�س من �أجلها ليعي�ش يف‬ ‫مدينة فالوري�س ( جنوب فرن�سا)‪ ،‬حيث كان ميار�س الر�سم يوميا‪ ،‬ثم اقتحم ميدان‬ ‫اخلزف‪ ،‬وعاد من جديد �إىل الطباعة احلجرية ( الليتوغراف )‪ .‬وكل ذلك من �أجل �أن‬ ‫يلبي رغبتها يف �إقامة متحف خا�ص يحمل ا�سم بابلو بيكا�سو ‪ .‬من جانب �آخر‪ ،‬وعندما‬ ‫قرر بيكا�سو ال�سفر �إىل بولندا �أظهرت عدم ر�ضاها لأ ّنها مل تكن قد فكرت بغيابه‬ ‫عنها لفرتة طويلة‪ .‬ومع هذا �سافر وتركها لوحدها مع ابنهما ( كلود ) الذي مل يبلغ‬ ‫عامه الثاين بعد‪ .‬ومل يت�صل بها �شخ�صيا عندما كان يف بولندا‪ ،‬و�إمنا تكفل بهذا الأمر‬ ‫�سائقه و�سكرتريه اخلا�ص مار�سيل بوودين‪.‬‬

‫ما حكاية هذه الرحلة‬ ‫البولندية‪ ..‬وماهي‬ ‫تفا�صيلها؟‬

‫يف �صباح ي��وم الأرب �ع��اء ‪� 25‬آب‪�/‬أغ�سط�س‬ ‫‪ ،1948‬ب� � ��د�أت يف م��دي �ن��ة ف��روت �� �س��واف‬ ‫البولندية �أع �م��ال (امل ��ؤمت��ر ال�ع��امل��ي الأول‬ ‫للمثقفني للدفاع عن ال�سالم)‪ .‬ويف حوايل‬ ‫ال���س��اع��ة ال��واح��دة ظ �ه��را‪ ،‬هبطت يف مطار‬ ‫ه��ذه امل��دي�ن��ة ط��ائ��رة ب��اب�ل��و بيكا�سو قادمة‬ ‫من باري�س‪ .‬وهي طائرة ع�سكرية رو�سية‪،‬‬ ‫و�ضعتها احلكومة البولندية حتت ت�صرف‬ ‫بيكا�سو (�ضيف ال�شرف يف هذا امل�ؤمتر)‪ .‬كان‬ ‫ب�صحبة بيكا�سو �صديقه ال�شاعر الفرن�سي‬ ‫بول �إيلوار و�سائقه مار�سيل بوودين وثالثة‬ ‫من ال�صحفيني الإنكليز‪ ،‬وكذلك �أع�ضاء الوفد‬ ‫البولندي املرافق برئا�سة ال�سكرتري الأول‬ ‫يف ال�سفارة البولندية بباري�س‪ .‬وقد �أح�ضر‬ ‫بيكا�سو معه ع�شرين قطعة من اخل��زف من‬ ‫�إنتاجه الأخ�ير‪ .‬وقد عر�ضت هذه املجموعة‬ ‫من القطع يف القاعة الرئي�سة امل�ؤدية �إىل قاعة‬ ‫امل�ؤمتر‪ .‬كان معر�ض اخلزف هذا هو الأول‬ ‫الذي �أقامه بيكا�سو يف حياته ‪� .‬أثار و�صول‬ ‫بيكا�سو اىل مدينة فروت�سواف البولندية‬ ‫(الواقعة بالقرب من احل��دود الأملانية حيث‬ ‫تعر�ضت للدمار �أثناء احلرب العاملية الثانية)‬ ‫اهتمام �سكانها‪ .‬لقد كانوا طوال �أيام امل�ؤمتر‬ ‫ي�ق�ف��ون ��ص�ف��وف��ا ل��ر�ؤي �ت��ه وه ��و يتنقل بني‬ ‫قاعة امل�ؤمتر وفندق (مونوبول) حيث كان‬ ‫يقيم‪�،‬أوعندما كان يتجول يف �شوارع املدينة‬ ‫التي غطت جدران بناياتها املدمرة �شعارات‬ ‫الرتحيب ب�أع�ضاء امل�ؤمتر و�أع�لام بلدانهم‬ ‫‪.‬وك��ان ن�صيب بيكا�سو من ه��ذه ال�شعارات‬ ‫كبري ًا ‪� :‬أن��ت يف القلوب يا�صاحب غورنيكا‬ ‫ورجل ال�سالم (ا�شارة اىل لوحته ال�شهرية‪-‬‬ ‫غورنيكا‪ -‬التي ر�سمها عام ‪،1937‬كتعبري عن‬ ‫مواقفه املعادية جلرائم الدكتاتور الإ�سباين‬ ‫فرانكو)‪ ....،‬بولندا ترحب بالرفيق العظيم‬ ‫بابلو بيكا�سو (يف عام ‪� 1945‬أعلن بيكا�سو‬ ‫عن ع�ضويته يف احلزب ال�شيوعي الفرن�سي)‪.‬‬ ‫هذه ال�شعارات وغريها من مظاهر االهتمام‬ ‫ال�شعبي كانت وراء �سعادة بيكا�سو‪ .‬تقول‬ ‫املرتجمة البولندية املرافقة لبيكا�سو( �إيفا‬ ‫ليبين�سكا ) يف يومياتها ‪ " :‬بيكا�سو كان فرح ًا‬ ‫وم���س��رور ًا كالطفل ال�صغري‪ ..‬مل ي�صدق ما‬ ‫يجري حوله‪ ،‬حتى ب�سطاء النا�س والأطفال‬ ‫يلتفون حوله‪ .‬هذه هي املرة الأوىل يف حياته‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫ي�ستنكر ا�ستمرار بيكا�سو يف الر�سم بطريقة‬ ‫تقود �إىل هذه الدرجة من االنحطاط املعربة‬ ‫عن الثقافة الربجوازية الغربية الأ�شد �سوء ًا‪.‬‬ ‫وبعد �أن جل�س هذا الرو�سي‪ ،‬وقف بيكا�سو‬ ‫ل�يرد عليه و��س��ط �صمت ��س��اد ق��اع��ة الفندق‬ ‫قائال‪ " :‬لن �أ�سمح بان يهاجمني بهذه الطريقة‬ ‫كائن من كان ! ومن ال يعرف من هو‪ .‬ف�إذا �أراد‬ ‫�أح��د �أن ي�شتمني فعليه اختيار م�صطلحاته‬ ‫و�أن يدين �أحد خالقي التكعيبية ‪.‬لقد �سبق �أن‬ ‫هاجمني النازيون يف �أملانيا وفرن�سا خالل‬ ‫ف�ترة االح �ت�لال ك��ر��س��ام ي �ه��ودي‪ -‬مارك�سي‬ ‫‪ ."..‬ويف ه��ذه اللحظة ا��ض�ط��رب اجلميع‬ ‫وت��وال��ت االحتجاجات م��ن ك��ل اجل�ه��ات‪ ،‬يف‬ ‫ال��وق��ت ال��ذي ح��اول فيه البولنديون تهدئة‬ ‫الوفد ال�سوفييتي عرب ت�سليمهم ب�أن ق�سم ًا من‬ ‫لوحات بيكا�سو رمبا يكون منحطا‪ ،‬ولكنهم ال‬ ‫ميكن �أن ي�سمحوا �أبد ًا ب�شتم �ضيوفهم ‪.‬‬

‫بيكا�سو فوق من�صة اخلطابة‪:‬‬

‫خ � ��رج ب �ي �ك��ا� �س��و يف ال� �ي���وم الأخ� �ي ��ر من‬ ‫امل�ؤمتر(ال�سبت ‪� 28‬آب) ع��ن ذل��ك ال�صمت‬

‫مبنا�سبة م��رور رب��ع ق��رن على انعقاد هذا‬ ‫امل�ؤمتر ‪ .‬رافقت هذه الندوة مرا�سيم خا�صة‬ ‫ملنا�سبة رحيل الفنان بابلو بيكا�سو‪ ،‬وكان من‬ ‫املفرو�ض ح�ضور ال�شاعر بابلو نريودا ليلقي‬ ‫كلمة يف هذه املنا�سبة ومن على نف�س املن�صة‬ ‫التي وق��ف عليها �صديقه بيكا�سو قبل ربع‬ ‫قرن‪ .‬ولكن الأو�ضاع ال�سيا�سية التي �سبقت‬ ‫انقالب �أيلول‪�/‬سبتمرب عام ‪ 1973‬يف بالده‬ ‫حالت دون ح�ضوره‪ ،‬وبرغم هذا فقد �ألقيت‬ ‫هذه الكلمة نيابة عنه‪ .‬يذكر �أن نريودا تويف‬ ‫يف �سنتياغو يوم ‪� 23‬أيلول من العام املذكور‬ ‫بعد جناح انقالب الدكتاتور بينو�شيت‪.‬‬

‫بيكا�سو يف �ضيافة احلكومة‬ ‫البولندية‪:‬‬

‫�أحمد ح�سني‬ ‫التي يعي�ش فيها �أج��واء مثل ه��ذه اللقاءات‬ ‫اجلماهريية "‪ .‬ك��ان بيكا�سو خ�لال جل�سات‬ ‫امل�ؤمتر الأوىل هادئا و�صامتا‪ ،‬وه��و يتابع‬ ‫باهتمام ما يجري حوله من نقا�شات �ساخنة‬ ‫وح��ادة دون �أن ي�ساهم فيها �أو ي�سجل �أية‬ ‫مالحظات‪ .‬كان يجل�س يف ال�صف الأمامي من‬ ‫القاعة وهو حماط بالثالثي الدائم ‪ :‬ال�شاعر‬ ‫ب ��ول �إي� �ل ��وار‪ ،‬و��س��ائ�ق��ه م��ار��س�ي��ل بوودين‬ ‫وم�ترج�م�ت��ه ال �ب��ول �ن��دي��ة‪ .‬بينما يف ف�ترات‬ ‫اال�سرتاحة وبعد عودته �إىل الفندق‪ ،‬كانت‬ ‫هناك حياة �أخ��رى لبيكا�سو‪،‬حيث اللقاءات‬ ‫واحلوارات املمتعة مع بع�ض �أع�ضاء الوفود‬ ‫امل�شاركة يف امل�ؤمتر‪� .‬أ ّم��ا الفتاة ال�سمراء (‬ ‫دي �سيلفا )‪ ،‬رئي�سة وفد �سيالن‪� -‬سريالنكا‪،‬‬ ‫فكان لها ح�صة الأ�سد من تلك اللقاءات‪ .‬وقد‬ ‫انعك�س ه��ذه الأم��ر يف ال�صحف البولندية‬ ‫امل�ت��اب�ع��ة لأع��م��ال امل���ؤمت��ر م��ن خ�ل�ال كرثة‬ ‫التعليقات وال�صور الفوتغرافية التي يظهر‬ ‫فيها بيكا�سو �إىل جانب هذه الفتاة ال�شرقية‬ ‫اجلميلة بزيها ال��وط�ن��ي وال�ت��ي مل يفارقها‬ ‫طيلة �أيام امل�ؤمتر‪ .‬كما � ّأن �أم�سيات بيكا�سو‬ ‫مل تخلو من احل��وادث واحلكايات الطريفة‪.‬‬ ‫ففي م�ساء ال�ي��وم الأول م��ن امل ��ؤمت��ر خالل‬ ‫حفلة الع�شاء يف فندق ( مونوبول ) ابتعد‬ ‫بيكا�سو عن الثالثي املرافق له ليجل�س يف‬ ‫و�سط جمموعة من الفتيات‪ ،‬وبعد ارت�شاف‬ ‫الك�أ�س الأول �س�أل بيكا�سو �إح��دى الفتيات‬ ‫�إن كانت ال متانع ب�أنْ يخلع �سرتته (جاكيته)‬ ‫لأن��ه ي�شعر بحرارة اجل��و‪ .‬وبعد �أن وافقت‬ ‫على ذلك طلب منها بعد ب�ضع دقائق ال�سماح‬ ‫ل��ه بخلع ربطة العنق ث��م القمي�ص‪ .‬وهكذا‬ ‫ظهر الن�صف العلوي من ج�سده الأ�سمرعاريا‬ ‫على غرار ما يكون عليه عادة يف م�شغله يف‬ ‫فالوري�س‪ ،‬ولي�س يف حفلة ع�شاء ر�سمية ‪.‬‬ ‫ك��ان ال�شاعر ب��ول �إي�ل��وار يراقب امل�شهد عن‬ ‫بعد‪ ،‬وحينما ر�أى بيكا�سو واقفا‪،‬طلب من‬ ‫املرتجمة البولندية �أن ت�سرع �إليه قبل �أن‬ ‫يقوم بخلع �سرواله ( بنطلونه )‪ .‬وتروي‬ ‫املرتجمة كيف �أ ّنها �أقنعت بيكا�سو ب�أن ي�ضع‬ ‫�سرتته فوق كتفيه (على الأق��ل)‪ ،‬وكيف �أثار‬ ‫هذا امل�شهد اهتمام الن�ساء يف القاعة اىل احلد‬ ‫الذي اندفعت �إحداهن �صائحة ب�أعلى �صوتها‪:‬‬ ‫هكذا يجب �أن يكون ج�سد الرجل احلقيقي‪...‬‬ ‫و�إال‪ ..‬ف�لا ! !‪ .‬وبعد انتهاء وجبة الع�شاء‬ ‫يف ه��ذه الأم�سية‪ ،‬وق��ف �أح��د �أع�ضاء الوفد‬ ‫ال�سوفييتي وق��ال � ّإن الوفد �سعيد حل�ضور‬ ‫بيكا�سو �إىل هذا امل�ؤمتر‪ ،‬ولكنه كمثقف ملتزم‬

‫‪11‬‬

‫الذي رافقه خالل اجلل�سات ال�سابقة ووافق‬ ‫على ق��راءة م�سودة القرار املتعلق بال�شاعر‬ ‫الت�شيلي بابلو ن�يرودا (وه��و من �أ�صدقاء‬ ‫بيكا�سو املقربني‪،‬وكان يف تلك الفرتة مطاردا‬ ‫من قبل النظام يف ب�لاده) ‪ .‬كانت هذه �أبرز‬ ‫مفاجئة ح��دث��ت داخ ��ل �أروق� ��ة امل���ؤمت��ر‪ .‬مل‬ ‫يكن بيكا�سو خطيبا‪ ،‬ومل ي�سبق له �أن �ألقى‬ ‫خطابا جماهرييا‪ .‬فعندما نه�ض من مكانه‬ ‫وت �ق��دم نحو من�صة اخل�ط��اب��ة ��س��اد القاعة‬ ‫��س�ك��ون غ��ري��ب‪ ،‬و��ص�ف�ت��ه ب�ع����ض ال�صحف‬ ‫البولندية حينذاك ب�أنه ي�شبه حاالت الإغماء‬ ‫املفاجئة التي �أ�صابت احلا�ضرين وقطعت‬ ‫�أنفا�سهم‪ ،‬بحيث مل يعد ي�سمع �شيء �سوى‬ ‫خطوات بيكا�سو وهو مي�شي نـحو املن�صة‪،‬‬ ‫واالن��ده��ا���ش واال��س�ت�غ��راب‪ ..‬ك��ان الكل على‬ ‫ما يبدو ي�شك مبقدرته على احلديث و�إلقاء‬ ‫كلمة �أمام حوايل �ألف �إن�سان داخل القاعة‪،‬‬ ‫و�آالف �أخ��رى خارجها ويف �أم��اك��ن �أخرى‬ ‫(اجلل�سات اخلتامية للم�ؤمتر ّ‬ ‫مت نقلها على‬ ‫ال �ه��واء مبا�شرة م��ن قبل حم�ط��ات الإذاع ��ة‬ ‫البولندية والأجنبية)‪ .‬وق��ف بيكا�سو على‬

‫املن�صة‪ ،‬وقبل �أن يقر�أ ن�ص القرار املكتوب‪،‬‬ ‫�ألقى كلمة ق�صرية باللغة الإ�سبانية امتازت‬ ‫ب�صدق روحه الإن�سانية وبا�ستخدام مفردات‬ ‫حما�سية مثرية للم�شاعر‪ .‬وقد �أكد منذ اللحظة‬ ‫الأوىل �أن��ه ق��ادر على خماطبة اجلماهري‪،‬‬ ‫الأم��ر ال��ذي �أث��ار اهتمام احلا�ضرين‪ ،‬حيث‬ ‫ك��ان��وا يقفون وي�ت�ع��اىل ت�صفيقهم ل��ه كلما‬ ‫حتدث عن احلرية وال�سالم‪،‬وكلما ذكر ا�سم‬ ‫بابلو نريودا‪ .‬ويف نهاية كلمته هذه خاطب‬ ‫احل��ا� �ض��ري��ن ب ��أ� �س �ل��وب م���س��رح��ي ق��ائ�لا‪" :‬‬ ‫هل يعلم �أحدكم �أي��ن يعي�ش ن�يرودا الآن‪...‬‬ ‫�إن ��ه م �ط��ارد يف ب�ل��اده‪،‬وال ي�ع��ام��ل ك�إن�سان‬ ‫و�إنمّ ��ا كالكلب‪ ..‬ال �أح��د يعرف مكانه‪�...‬إنّ‬ ‫هذا امل�ؤمتر لن يكون م�ؤمترا لنا�س �أحرار‬ ‫مثلنا �إذا ل��ن يح�صل ه��ذا ال�شاعر العظيم‬ ‫على حريته‪ ."..‬ثم قر�أ بعد ذلك ن�ص م�سودة‬ ‫ال�ق��رار التي مت الت�صويت عليها بالإجماع‬ ‫و�سط هتافات وت�صفيق احلا�ضرين ‪� .‬أود �أن‬ ‫�أ�شري هنا �إىل �أن ( جمل�س ال�سلم العاملي ) قد‬ ‫نظم يف مطلع �آي��ار‪ /‬مايو عام ‪ 1973‬ندوة‬ ‫عاملية للمثقفني يف نف�س ه��ذا امل�ك��ان وذلك‬

‫يف �صباح يوم الأحد ‪� 29‬آب و�صل بيكا�سو‬ ‫ومرافقوه �إىل وار�شو‪ ،‬حيث �سكنوا يف فندق‬ ‫( بري�ستول) الواقع و�سط املدينة‪ .‬ومنذ هذا‬ ‫ال �ي��وم وح�ت��ى م�غ��ادرت��ه ب��ول�ن��دا ك��ان��ت �أي��ام‬ ‫بيكا�سو حافلة باللقاءات وال��زي��ارات‪ ،‬وقد‬ ‫رافقتها كالعادة ح��وادث وحكايات عديدة‪.‬‬ ‫�سنذكر البع�ض منها يف �سياق احلديث‪ .‬خالل‬ ‫ال�ساعات الأوىل من نهار هذا اليوم �أجرت‬ ‫بع�ض ال�صحف املحلية والأجنبية لقاءات‬ ‫�صحفية معه يف قاعة الفندق‪ .‬وق��د �شوهد‬ ‫بيكا�سو ولأول مرة منذ و�صوله اىل بولندا‬ ‫وه��و مي��ار���س ال��ر� �س��م‪ ،‬ح�ي��ث ر��س��م �صورة‬ ‫�شخ�صية (تخطيط ًا �سريع ًا بقلم الفحم)‬ ‫ل�صديقة الكاتب الرو�سي �إيليا �أرنبورغ‪،‬‬ ‫وكذلك ملرتجمته البولندية ( �إيفا ليبن�سكا‬ ‫)‪ .‬ويف م�ساء هذا اليوم ح�ضر بيكا�سو حفلة‬ ‫الع�شاء التي �أقامتها احلكومة البولندية على‬ ‫�شرف الوفود امل�شاركة يف م�ؤمتر املثقفني‬ ‫العاملي ‪ .‬بد�أت وفود امل�ؤمتر مبغادرة بولندا‬ ‫يف يوم االثنني ‪� 30‬آب بعد �أنْ قاموا بزيارة‬ ‫خل��رائ��ب و�أط �ل��ال وار�� �ش ��و ال �ق��دمي��ة التي‬ ‫دمرتها احل��رب‪� .‬أ ّم��ا بيكا�سو وب��ول �إيلوار‬ ‫ومار�سيل ب��وودي��ن وبع�ض �أع�ضاء الوفد‬ ‫الفرن�سي فقد و�ضعت احلكومة البولندية‬ ‫لهم برناجم ًا خا�ص ًا ا�ستمر �سبعة �أيام ‪ .‬بد�أ‬ ‫الربنامج يوم الثالثاء ‪� 31‬آب‪ ،‬حيث �سافر‬ ‫بيكا�سو ومن معه بطائرة خا�صة �إىل مدينة‬ ‫كراكوف التاريخية‪ .‬قام بيكا�سو خالل الأيام‬ ‫الثالثة التي ق�ضاها يف هذه املدينة بزيارة‬ ‫متاحفها الفنية ومعاملها الأث��ري��ة و�أ�سواق‬ ‫ال�ت�راث ال�شعبي‪ .‬وا� �ش�ترى جم�م��وع��ة من‬ ‫الثياب البولندية الرتاثية ( الأزياء اجلبلية)‬ ‫لفران�سواز جيلو‪ ،‬والبنه كلود ‪ .‬كما ا�شرتى‬ ‫ع� ��دد ًا م��ن ال�ت�م��اث�ي��ل و ال �ل��وح��ات الرتاثية‬ ‫ومناذج من الفن ال�شعبي البولندي ‪ .‬وترى‬ ‫املرتجمة البولندية �أنّ �أه��م ح��دث يف هذه‬ ‫ال��زي��ارة هو جولة بيكا�سو �إىل مع�سكرات‬ ‫االعتقـال النازية يف �ضاحية (�أو�شفين�شيم‬ ‫)‪ .‬وم�شاهدته لأف� ��ران وغ ��رف ال �غ��از التي‬ ‫ا�ستخدمها الأملان يف قتل �ضحاياهم وحرق‬ ‫جثثهم‪ .‬تقول املرتجمة ‪� " :‬أث��ارت م�شاهد‬ ‫غرف الغاز لدى بيكا�سو م�شاعر و�أحا�سي�س‬ ‫�إن�سانية غريبة ي�صعب و�صفها �أو احلديث‬ ‫عنها‪ ..‬رمبا كان ال�شاعر �إيلوار وحده يدرك‬ ‫عمق تلك امل�شاعر‪ ،‬عندما �أ�شار لنا ب�إمياءة‬ ‫من ر�أ�سه مبا معناه �أن نرتك بيكا�سو لوحده‬ ‫ونبتعد عنه قليال‪� ...‬أقول �إنني وبعد �ساعات‬ ‫م��ن ه��ذه اجل��ول��ة‪،‬ك�ن��ت �أخ���ش��ى �أن �أحدثه‪،‬‬ ‫لأنني كنت �أرى الأمل طاغيا على مالحمه‪،‬‬ ‫و�إنّ ال�سيكارة مل ت�ف��ارق �أ�صابعه‪ ."..‬يف‬ ‫�صباح ي��وم اجلمعة ‪� 3‬أيلول‪،‬وبعد عودته‬ ‫من كراكوف‪ ،‬وا�صل بيكا�سو برنامج لقاءاته‬ ‫وزي ��ارات ��ه‪ ،‬ح�ي��ث ق��ام مبعية ب��ول �إي �ل��وار‬ ‫وم��ار��س�ي��ل ب��وودي��ن ورئ�ي����س جلنة �إعمار‬ ‫وار��ش��و ب��زي��ارة �إىل �أح��د الأح�ي��اء ال�سكنية‬ ‫الذي ُدمِّر �أثناء احلرب العاملية الثانية‪ ،‬والذي‬ ‫بد�أت فيه عملية �إعادة البناء وت�شييد م�ساكن‬ ‫جديدة‪ .‬وخالل جتوالهم يف هذا احلي قادهم‬ ‫املهند�س الدليل �إىل �إحدى ال�شقق ال�صغرية‬ ‫الواقعة يف ال��دور الأر��ض��ي التي �أ�صبحت‬ ‫جاهزة لل�سكن‪ ،‬وقد طليت جدرانها الداخلية‬

‫باللون الأب �ي ����ض‪ ..‬فرح‬ ‫بيكا�سو بهذا الإجناز‬ ‫ال �� �س��ري��ع ودف �ع��ه �إىل‬ ‫�أن يطلب �سجل الزوار‬ ‫لكي يكتب بع�ض الكلمات‬ ‫يف ه��ذه املنا�سبة (ب�ع��د زيارته‬ ‫ملع�سكرات االعتقال النازية يف كراكوف‬ ‫رف�ض بيكا�سو تدوين �أي �شئ‪،‬واكتفى بو�ضع‬ ‫توقيعه حتت الن�ص الذي كتبه بول �إيلوار)‪.‬‬ ‫وحينما علم بعدم وج��ود مثل ه��ذا ال�سجل‬ ‫يف موقع البناء ا�ستدار نحو ب��ول �إيلوار‬ ‫وك�أنه ي�ستف�سرعن �أم��ر م��ا‪ .‬وعندما ابت�سم‬ ‫�إيلوار �أخرج من جيب �سرتته قطع ًا من �أقالم‬ ‫الفحم وق��ام خالل دقائق قليلة بالر�سم على‬ ‫�أحد جدران الغرفة الوحيدة يف ال�شقة‪ .‬كان‬ ‫الر�سم عبارة عن �شكل كبري احلجم ي�صور مع‬ ‫بع�ض التحوير رمز مدينة وار�شو‪ ( :‬حورية‬ ‫البحر‪� -‬سرينا )‪ .‬فقد ر�سمها وه��ي حتمل‬ ‫بيدها اليمنى مطرقة "رمز البناء والإعمار"‬ ‫بدال من ال�سيف "رمز احلرب والدمار" كما‬ ‫ه��و يف ال�شكل الأ��ص�ل��ي‪ ،‬ث��م و�ضع توقيعه‬ ‫وت��اري��خ ال �ي��وم ع�ل��ى اجل��ان��ب الأمي� ��ن من‬ ‫اللوحة‪ .‬كان طول اللوحة مرتين وعر�ضها‬ ‫مرت ًا‪ .‬رمبا تبدو هذه احلادثة جمرد واحدة‬ ‫من طرائف ون��وادر بيكا�سو الكثرية‪ ،‬ولكن‬ ‫الذي ح�صل هو �أن و�سائل الإعالم البولندية‬ ‫التي كانت تتابع حتركات هذا الفنان بد�أت‬ ‫تتناقل �أخبار حورية بيكا�سو (هكذا �أطلقت‬ ‫عليها ال�صحافة )‪ .‬وعرب النا�س عن رغبتهم‬

‫مب�شا هد ة‬ ‫ال� �ل ��وح ��ة يف‬ ‫ه � � � � � � � � ��ذه‬ ‫��ش��اه��دوا �صورها‬ ‫مكانها بعد �أن‬ ‫ع�ل��ى �صفحات اجل��رائ��د املحلية و�سمعوا‬ ‫عنها يف ن�شرات الأخبار الإذاعية‪ .‬ولغر�ض‬ ‫احلفاظ على هذا العمل الفني النادر اختارت‬ ‫بلدية وار��ش��و ال�سيدة �سافي�سكا وزوجها‬ ‫(مل ينجبا �أط �ف��ا ًال) لل�سكن يف ه��ذا املتحف‬ ‫ال�صغري( ال�شقة)‪ ،‬وتنظيم حركة زائريه‪.‬‬ ‫�سنعود �إىل ه��ذا امل��و��ض��وع بعد ا�ستكمال‬ ‫ب��رن��ام��ج زي � ��ارات بيكا�سو اخل��ا���ص ال��ذي‬ ‫كان �آخر يوم فيه هو ال�سبت ‪� 4‬أيلول‪ .‬ففي‬ ‫�صباح هذا اليوم ويف حفل توديعي يف ق�صر‬ ‫الرئا�سة البولندية ق��ام الرئي�س البولندي‬ ‫(بول�سواف ب�يروت) بتقليد بابلو بيكا�سو‬ ‫وب��ول �إي �ل��وار و�سامني م��ن ال��درج��ة الأوىل‬ ‫(و�سام نه�ضة بولندا)‪ .‬كان بيكا�سو قد و�صل‬

‫�إىل هذا املكان برفقة بول �إيلوار‬ ‫و�سائقه مار�سيل ب��وودي��ن وعدد‬ ‫م��ن مرا�سلي ال�صحف البولندية‬ ‫والأجنبية‪ .‬كان بيكا�سو يرتدي بدلة‬ ‫رمادية اللون وقمي�ص ًا �أبي�ض وربطة عنق‪.‬‬ ‫هذا الطقم هو نف�سه الذي كان يرتديه يوميا‬ ‫منذ و�صوله �إىل بولندا‪ ،‬مع �أنّ هناك �أعراف ًا‬ ‫وتقاليد خا�صة يف مثل هذه املنا�سبات‪ .‬وكان‬ ‫هذا الأمر وا�ضحا على �أزياء الآخرين يف هذا‬ ‫احلفل‪( .‬حاولت التدقيق يف �صور بيكا�سو‬ ‫وهو يف بولندا فالحظت �أنّ �سرتته ‪ -‬جاكيته‪-‬‬ ‫ينق�صها ثالثة �أزرار يف الكم الأي�سر‪ ،‬بينما‬ ‫هناك اختالف يف نوعية الأزرار املوجودة‬ ‫يف الكم الأمي��ن) ‪ .‬ت��روي فران�سواز جيلو‬ ‫يف مذكراتها بع�ض احلكايات ب�ش�أن بيكا�سو‬ ‫وم�شكلته مع املالب�س والأ�شياء القدمية‪.....‬‬ ‫ح �ي��ث ك� ��ان ال ي��رغ��ب يف �� �ش ��راء املالب�س‬ ‫اجل��دي��دة‪ .‬ك��ان ل��دي��ه طقمان ق��دمي��ان خالل‬ ‫�سنوات حياتهما امل�شرتكة‪ .‬تذكر جيلو " �أ ّنه‬ ‫ك��ان يرتدي الأق��دم بينهما ي��وم والدة ابنته‬ ‫بالوما‪ .‬كان هذا الطقم بالي ًا �إىل احلد الذي‬ ‫متزق فيه ال�سروال ‪-‬البنطلون‪ -‬عند الركبة‬ ‫وهو يهم بدخول ال�سيارة التي �ستقله �إىل‬ ‫العيادة‪ .‬وحني و�صل بابلو يف ذلك امل�ساء‪...‬‬ ‫الح�ظ��ت �أن ركبته عارية‪ ."...‬ول�ك��ن مهما‬ ‫كتب وقيل يف هذا املو�ضوع ف�إنّ " للعظماء‬ ‫طقو�سهم اخلا�صة وتقاليدهم يف احلياة‪...‬‬ ‫يجب مراعاتها دائما"‪ .‬بهذه الكلمات ختم‬ ‫كاتب بولندي مقالته التي و�صف فيها تلك‬

‫اللحظات‪ ،‬عندما كان بابلو بيكا�سو ببدلته‬ ‫القدمية يقف �إىل جانب الرئي�س البولندي‬ ‫بعد تقليده �أرفع و�سام يف بولندا‪ .‬وبطبيعة‬ ‫احل� ��ال مل ي �خ��ل ه ��ذا احل �ف��ل م��ن مفاج�آت‬ ‫بيكا�سو‪ .‬اع�تر��ض��ت جل�ن��ة اال��س�ت�ق�ب��ال يف‬ ‫ق�صر الرئا�سة على دخول مار�سيل بوودين‬ ‫�إىل ق��اع��ة امل��را��س�ي��م‪ ،‬ول�ك��ن بيكا�سو طالب‬ ‫بدخول �سائقه ووقفه �إىل جانبه حلظة تقليد‬ ‫الأو�سمة‪ .‬فكان له ما�أراد‪ "...‬مار�سيل قطعة‬ ‫من ال�تراب الفرن�سي " ‪ :‬ه��ذا ماكان يردده‬ ‫بيكا�سو دائ�م��ا ً ‪ .‬لـقد تغري ه��ذا الأم ��ر بعد‬ ‫�سنوات قليلة‪،‬وانتهت تلك العالقة احلميمة‬ ‫بينهما على �أث��ر ح��ادث �سيـر ب�سيط‪ ،‬يتعلق‬ ‫بعدم انتبـاه مار�سيل الذي �أدى �إىل حتطيم‬ ‫��س�ي��ارة بيكا�سو ال�ق��دمي��ة يف �أح��د �شوارع‬ ‫باري�س‪ .‬ي��رى كتاب �سرية بيكا�سو �أن هذا‬ ‫الفنان ك��ان ي�ست�شريمار�سيل ب��وودي��ن يف‬ ‫ك��اف��ة �أم��ورح�ي��ات��ه‪ ،‬وق��د ك��ان �أك�ث�ر �أ�صدقاء‬ ‫بيكا�سو من ال�شيوعيني الفرن�سيني ت�أثريا‬ ‫ًعليه يف دعوته �إىل �صفوف احلزب ال�شيوعي‬ ‫الفرن�سي‪ .‬ولكن ماحدث رمبا كان جزء من‬ ‫�أمور كثرية قادت فيما بعد �إىل حتوالت يف‬ ‫حياة بابلو بيكا�سو وعالقته مع الآخرين ‪.‬‬ ‫يف يوم الأحد ‪� 5‬أيلول كان بيكا�سو و�إيلوار‬ ‫ومار�سيل يف �ضيافة عائلة بولندية (من‬ ‫معارفه القدامى) يف بيتها الريفي الواقع‬ ‫يف �ضواحي العا�صمة وار�شو‪ .‬وقد توزعت‬

‫◄‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪12‬‬

‫العدد (‪)2292‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )29‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2292‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )29‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫�أوق��ات��ه حينئذ بني ال�سباحة يف البحريات‬ ‫ال �ق��ري �ب��ة و� �ص �ي��د ال �� �س �م��ك ور�� �س ��م �صور‬ ‫�شخ�صية (تخطيطات) لأفراد هذه العائلة و‬ ‫�ضيوفهم‪ .‬ويف �صباح يوم االثنني ‪� 6‬أيلول‬ ‫غ��ادر بيكا�سو ومرافقوه وار�شو بالطائرة‬ ‫البولندية اخل��ا��ص��ة‪ .‬وق�ب��ل �أنْ ي�خ��رج من‬ ‫فندق (بري�ستول) كان عليه �أن ي�شكر �إدارة‬ ‫الفندق بطريقته النادرة‪،‬حيث و�ضع توقيعه‬ ‫وتاريخ مغادرته على �أح��د �أطباق الطعام‪.‬‬ ‫كان هذا الطبق معرو�ض ًا ولفرتة طويلة يف‬ ‫خزانة زجاجية يف �صالة الفندق‪ ،‬ثم اختفت‬ ‫�آثاره منذ مطلع الثمانينيات‪ .‬وعندما و�صل‬ ‫باري�س مل يغادرها مبا�شرة �إىل (فالوري�س)‬ ‫حيث كلود و�أم��ه‪ ،‬و�إمن��ا بقي هناك ب�صحبة‬ ‫ب ��ول �إي� �ل ��وار وم��ار� �س �ي��ل ب ��وودي ��ن قرابة‬ ‫�سبعة �أي��ام للم�ساهمة مع احلزب ال�شيوعي‬ ‫الفرن�سي يف ت�شكيل (مكتب املثقفني العاملي‬ ‫لالت�صاالت)‪ .‬وهذا املكتب هو �إحدى اللجان‬ ‫التي وافق على ت�شكيلها امل�ؤمترالعاملي الأول‬ ‫للمثقفني للدفاع عن ال�سالم ‪.‬‬

‫العي�ش مع حورية بيكا�سو‬

‫يف واح��د من اللقاءات ال�صحفية الكثرية‪،‬‬ ‫واملن�شوريف جريـدة ال�سيا�سة البولندية ‪-‬‬ ‫ني�سان‪1975‬ملنا�سبة الذكرى الثانية لرحيل‬ ‫بابلو بيكا�سو‪،‬تروي ال�سيدة (�سافي�سكا)‬ ‫تفا�صيل الأعوام التي عا�شتها هي وزوجها‬ ‫املري�ض (كان من نزالء املعتقالت الأملانية)‬ ‫بالقرب من لوحة بيكا�سو‪ .‬كانت هذه ال�سيدة‬ ‫تعتقد يف البداية ب�أنّ العي�ش مع �أعمال فنان‬ ‫كبري ب�شكل دائم �شئ ممتع ويجلب الراحة‬ ‫وال�سرور‪ .‬ولهذا قامت بعمل �ستارة خا�صة‬ ‫تغطي ج��داري��ة بيكا�سو يف الليل وترفع‬ ‫عنها يف النهار‪ ،‬كما خ�ص�صت مكان ًا حتت‬ ‫اجلدارية لباقات الزهور‪ ،‬وو�ضعت بالقرب‬ ‫منه �سج ًال خ��ا��ص� ًا ل�ل��زائ��ري��ن م��ع مالحظة‬ ‫ت �ق��ول‪" :‬رجاء اك �ت��ب م��ا ي ��دور يف ذهنك‬ ‫بخ�صو�ص احلورية �سرينا‪ ،‬واترك توقيعك‬ ‫هنا كانت ه��ذه ال�شقة التي تبلغ م�ساحتها‬ ‫‪ 34‬مرت ًا مربع ًا وخالل خم�سة �أعوام متحف ًا‬ ‫�صغري ًا ومزارا لعامة النا�س وطالب املدار�س‬ ‫و�شخ�صيات �سيا�سية وثقافية وفنية كثرية‪.‬‬ ‫كان من بني الزائرين رئي�س الدولة و�أع�ضاء‬ ‫الربملان البولندي وبع�ض الوزراء ور�ؤ�ساء‬ ‫البعثات الدبلوما�سية وع��دد مـن الكتـاب‬ ‫وال�ف�ن��ان�ين البولنديني والأج ��ان ��ب‪ .‬و يف‬ ‫ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب عام ‪ 1950‬وملنا�سبة‬ ‫انعقاد امل�ؤمتر الثاين لأن�صار ال�سالم يف‬ ‫وار�شو زارت الوفود امل�شاركة يف امل�ؤمتر‬ ‫هذه ال�شقة (املتحف)‪ ،‬وك��ان من املفرو�ض‬ ‫ح�ضور بيكا�سو �إىل ه��ذا امل ��ؤمت��ر‪ ،‬ولكنه‬ ‫تغيب عن امل�شاركة ب�سبب ظ��روف عائلية‪.‬‬ ‫وهنا يتبادر �إىل ال��ذه��ن ال���س��ؤال التايل‪:‬‬ ‫م��اذا كان يحدث لو �أن بيكا�سو تواجد يف‬ ‫وار�شو يف ذلك العام ‪..‬؟؟ على كل حال نعود‬ ‫الآن �إىل ذلك اللقاء ال�صحفي‪ ،‬واىل حكايـات‬ ‫ال�سيدة (�سافي�سكا) وم��ا فيها م��ن طرف‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫ونوادر‪ .‬تروي هذه ال�سيدة قائـلة‪� " :‬أتذكر‬ ‫�أن�ن��ي �سمعت بعد �ساعات الظهر يف �أحد‬ ‫الأيام طرقا على الباب‪،‬وحينما فتحته كان‬ ‫هناك رئي�س الدولة ومعه رئي�س الربملان‬ ‫ال�ب��ول�ن��دي وع ��دد م��ن ال� ��وزراء واملرافقني‬ ‫‪...‬جل�س الرئي�س �أمام حورية بيكا�سو وهو‬ ‫ي�ستمع �إىل �شرح �أحد احلا�ضرين ‪..‬وبعد �أن‬ ‫قدمت لهم القهوة وقفت �إىل جانب زوجي‬ ‫الفرح جد ًا‪ .‬ويف هذه اللحظة �س�ألنا رئي�س‬ ‫ال�برمل��ان م��ازح� ًا‪ :‬رف��اق‪� ،‬أال تخافون النوم‬ ‫مع ه��ذه احل��وري��ة؟ ثم نظر �إ ّ‬ ‫يل ‪ ...‬رفيقه‪،‬‬ ‫�إنّ زوجتي ال ميكن �أن توافق على النوم‬ ‫يف هذا املكان ولو �أعطوها كنوز الدنيا‪...‬‬ ‫ابت�سم زوجي ورد قائال‪ :‬لكل مكان �أهله يا‬ ‫�سيدي! وبعد �أن ترك ه�ؤالء الزائرون �شقتنا‬ ‫ك��ان بانتظارهم يف اخل��ارج �أه��ايل احلي‪،‬‬ ‫ومن بينهم جمموعة كبرية من �سكان الثكنة‬ ‫الع�سكرية ال�ق��ري�ب��ة وه��م يهتفون بحياة‬ ‫الرئي�س ويطالبونه ب�سكن �أف�ضل‪ ...‬وبعد‬ ‫فرتة �أمر الرئي�س البولندي بت�شييد بناية‬ ‫�سكنية حديثة لهم �أطلق على هذه البناية يف‬ ‫البداية ا�سم الثكنة احلديثة‪ ،‬ثم تغري ا�سمها‬ ‫�إىل بناية الرئي�س بريوت‪� ...‬أقول �أن هذا قد‬ ‫ح�صل بف�ضل لوحة بيكا�سو‪ ،‬حتى �أن �سكان‬ ‫هذه البناية علقوا على بوابتها اخلارجية‬ ‫يافطة ُكت َِب عليها‪� :‬شكرا لبيكا�سو ‪� ..‬شكرا‬ ‫للرئي�س‪ ...‬وبف�ضل هذه اللوحة �أ�صبحت‬ ‫�أن��ا معروفة م��ن قبل النا�س‪ .‬ك��ان البع�ض‬ ‫يطلق علي ا�سم‪� :‬صاحبة بيكا�سو‪ ،‬والبع�ض‬ ‫الآخ��ر ك��ان يهم�س يف �أذين ‪:‬كيف حالك يا‬ ‫رفيقة �سرينا‪ ...‬كنت فرحة ممزوجة بتعب‬ ‫�شديد‪ ."..‬ب��د�أت هذه العائلة مبرور الأيام‬ ‫ت�شعر بال�ضجر وامل�ل��ل وع��دم اال�ستقرار‪،‬‬ ‫و�صار ال�سكن والعي�ش مع حورية بيكا�سو‬ ‫�أمر ًا ال يطاق‪ ،‬وال�سيما �أن عدد الزائرين �أخذ‬ ‫يتجاوز �أكرث من ‪ 400‬زائر وخا�صة يف �أيام‬ ‫الآحاد‪ .‬وكان بع�ض ه�ؤالء الزائرين يجلب‬ ‫الرتاب والغبار ب�أحذيته يف �أوقات ال�صيف‬ ‫والأوحال والأطيان يف ال�شتاء‪ .‬وكان �أكرث‬ ‫�إزعاجا لل�سيدة (�سافي�سكا )هو زيارة �صغار‬ ‫التالميذ وعمال املناجم والبناء مبالب�س‬ ‫ال �ع �م��ل‪ ،‬وك��ان��ت وح��ده��ا ت �ق��وم بتنظيف‬ ‫�أر�ضية ال�شقة يوميا دون م�ساعدة �أحد من‬ ‫امل�س�ؤولني‪ .‬تقدمت هذه العائلة يف منت�صف‬ ‫�سنة ‪ 1952‬بطلب �إىل التعاونية ال�سكنية‬ ‫يف بلدية وار��ش��و من �أج��ل احل�صول على‬ ‫�شقة �أخ��رى �أو �إيجاد حل جل��دران الغرفة‬ ‫التي حت��ول لونها الأبي�ض �إىل الرمادي‪،‬‬ ‫وان�ت���ش��رت ال�ب�ق��ع ال �� �س��وداء ف��وق �أر�ضية‬ ‫ال�شقة‪ .‬ولكن هذه الدائرة �أخربتها ب�أن الأمر‬ ‫مل يعد م��ن اخت�صا�صها وعليها الرجوع‬ ‫�إىل جمل�س �إع�م��ار حمافظة وار��ش��و واىل‬ ‫وزارة الثقافة والفنون‪ .‬ويف ‪� 14‬شباط‪/‬‬ ‫فرباير‪� 1953‬أر�سلت ال�سيدة �سافي�سكا �إىل‬ ‫هذه اجلهات طلب ًا جديد ًا يحتوي على كلمات‬ ‫تعرب عن التمرد والغ�ضب ال�شديد‪ "...‬نطلب‬ ‫االنتقال �إىل �شقة �أخ��رى �أو املوافقة على‬

‫ت��رم�ي��م �شقتنا وط�ل�اء ج��دران �ه��ا مب��ا فيها‬ ‫لوحة بيكا�سو‪ ..‬و�إال ��س��أق��وم بهذا الأمر‬ ‫بنف�سي‪ ."..‬وبعد �أيام انت�شر هذا اخلرب بني‬ ‫النا�س‪..‬وبد�أت املعارك ال�صحفية والكالمية‬ ‫بيـن امل��ؤي��دي��ن لإزال ��ة ه��ذه اللوحة وبيـن‬ ‫املعار�ضني لـهذا الأم��ر‪ .‬وقدمت مقرتحات‬ ‫كثرية‪ ،‬من بينها حتويل ال�شقة �إىل متحف‬ ‫�صغري لبيكا�سو‪� ،‬أو رف��ع طبقة اجلب�س‬ ‫املر�سوم عليها ثم �إعادة بنائها يف مكان �آخر‪.‬‬ ‫ولكن هذه املقرتحات وغريها ذهبت �أدراج‬ ‫الرياح‪ .‬ويف ‪� 12‬آب من هذا العام ح�صلت‬ ‫ال���س�ي��دة �سافي�سكا ع�ل��ى م��واف�ق��ة اجلهات‬ ‫امل�س�ؤولة لطالء جدران ال�شقة و�إزالة لوحة‬ ‫بيكا�سو‪ .‬وتتذكر هذه ال�سيدة تلك اللحظات‬ ‫التي اختفت فيها احلورية ( �سرينا )‪"...‬‬ ‫وقبل �أنْ يقوم ال�صباغ مببا�شرة عمله وقفت‬ ‫وزوج��ي �أم��ام ج��داري��ة بيكا�سو‪� ...‬شعرت‬ ‫ب�إح�سا�س غريب‪ ،‬وك�أننا نقف �أمام �إيقونة‬ ‫مقد�سة‪�...‬شاهدت احلزن يف عيون زوجي‬ ‫املري�ض‪ ،‬وكنت خائفة‪ ،‬ولكن ما العمل‪..‬؟؟‪..‬‬ ‫بد�أت مالمح اللوحة تختفي تدريجيا حتت‬ ‫فر�شاة ال�صباغ و�ألوانه البي�ضاء‪ . "...‬وبعد‬ ‫�أعوام قليلة تويف زوج ال�سيدة ( �سافي�سكا‬ ‫) و�أ� �ص �ي �ب��ت ه ��ي ب� �ح ��االت م ��ن ال��وح��دة‬ ‫واالكتئاب‪ ،‬ومل يكن مبقدورها العي�ش يف‬ ‫نف�س ال�شقة‪ .‬انتقلت �إىل �شقة �أخ��رى يف‬ ‫الطابق العلوي من نف�س البناية‪ ،‬ومعها‬ ‫�أر�شيفها اخل��ا���ص بحورية بيكا�سو‪ .‬وال‬ ‫�أدري ما ال�سبب وراء مر�ض هذه ال�سيدة‪..‬‬ ‫رمبا كان ال�سبب هو رحيل زوجها‪ ،‬ورمبا‬ ‫ك��ان هو غياب احلورية من حياتها‪ .‬ولكن‬ ‫حالتها كانت �أف�ضل من حالة زوجة بيكا�سو‬ ‫الأخ�يرة (جاكلني روك) التي عا�شت موت‬ ‫ال�ف�ن��ان ك ��داء مل ت�ب�ر�أ م�ن��ه‪ ،‬حتى انتحرت‬ ‫ب�إطالق الر�صا�ص على ر�أ�سها من م�سد�س‬ ‫ع ��ام ‪ .1986‬والأم� ��ر ال �غ��ري��ب يف حكاية‬ ‫ح��وري��ة بيكا�سو �أن�ه��ا مل تنته ب ��إزال��ة �آثار‬ ‫اللوحة من جدار تلك ال�شقة‪ ،‬و�إمنا ا�ستمرت‬ ‫ل�سنوات طوال‪،‬وال�سيما يف منا�سبات احياء‬ ‫ذك��رى الفنان (حتتفل الأو� �س��اط الثقافية‬ ‫والفنية يف بولندا �سنويا ب��ذك��رى رحيل‬ ‫بابلو بيكا�سو)‪� ،‬أو يف حالة افتتاح معر�ض‬ ‫لأعماله الفنية يف وار�شو‪ .‬جند �أنّ ال�صحافة‬ ‫البولندية تعيد �إىل الأذه��ان تفا�صيل تلك‬ ‫احل�ك��اي��ة وتناق�ش م�س�ؤولية �ضياع ذلك‬ ‫الأث��ر الفني العاملي‪ .‬ويف �سرية بيكا�سو‬ ‫هناك حكاية م�شابهة‪ .‬ففي �سنة ‪ 1903‬ر�سم‬ ‫الفنان لوحة جدارية كبرية يف بيت �صديقه‬ ‫(جيم �سابرت�س) يف بر�شلونه‪ .‬وكانت هذه‬ ‫اللوحة مر�سومة على كامل ج��دار �إحدى‬ ‫الغرف‪ ،‬وبعد بيع هذا البيت قام �أ�صحابه‬ ‫اجلدد بطالء جدرانه الداخلية وطم�س معامل‬ ‫هذه اللوحة‪ .‬وعندما بد�أت �شهرة بيكا�سو‬ ‫العاملية بالذيوع بعد �سنوات خيم الندم على‬ ‫�أ�صحاب هذا البيت‪ ،‬وحاولوا �إعادة احلياة‬ ‫�إىل تلك اجل��داري��ة‪ ،‬ولكن من دون جدوى‬ ‫حيث كانت �آثار التزوير وا�ضحة‪.‬‬

‫ماذا حدث بعد هذه الرحلة‬ ‫البولندية‪:‬‬

‫حني عاد بابلو بيكا�سو �إىل فالوري�س‪ ،‬وهو‬ ‫حممل بالهدايا البولندية مل يتوقع حدوث‬ ‫�شيء ما‪ .‬مار�سيل وحده كان خائفا من ثورة‬ ‫فران�سواز املفاجئة‪،‬لأنه ك��ان يحرر وحده‬ ‫الربقيات وير�سلها من بولندا با�سم بيكا�سو‪،‬‬ ‫وك��ان ي�ستخدم ع �ب��ارات لي�س م��ن قامو�س‬ ‫بيكا�سو الذي تعرفه فران�سواز جيد ًا‪ .‬كانت‬ ‫فران�سواز تنتظره على املقعد (امل�صطبة)‪،‬‬ ‫وحينما تقدم نحوها كان بيكا�سو من�شرحا‬ ‫للغاية ومبت�سما‪،‬وبادرها بالقول‪ ":‬ماذا؟‬ ‫�أم���س��رورة �أن��ت بر�ؤيتي ؟ " ف�صفعته ‪ :‬خذ‬ ‫ه ��ذه ق �ب�لات ال���س��ائ��ق ال�ط�ي�ب��ة ! و�أ�ضافت‬ ‫ق��ائ�ل��ة‪ :‬ب ��أ ّن��ه ح�ين ي�سافر يف امل��رة القادمة‬ ‫ملدة ثالثة �أيام ويعود بعد �شهر من دون �أن‬ ‫يكتب �سطر ًا واحد ًا لها‪ ،‬فلن تكون موجودة‬ ‫هناك بانتظاره‪ .‬ثم هرولت و�أغلقت الباب‬ ‫على نف�سها يف غرفة ابنها كلود‪ .‬كانت هذه‬ ‫ال�صفعة قد �أحدثت �أثرا مالئما‪ .‬وكما تقول‬ ‫فران�سواز‪ ":‬ك��ان بابلو ي��ردد طوعا الزمته‬ ‫املف�ضلة حول نوعيني من الن�ساء‪ :‬الإلهات‬ ‫واحل�صائر‪ ،‬وكنت �أرى �أين �إلهة ولو ب�شكل‬ ‫م�ؤقت "‪ .‬وبرغم كل ما ح��دث ف ��أن بيكا�سو‬ ‫ودون �أن يتحدث �أي منهما بكلمة واحدة‬ ‫عن م�شهد الليلة ال�سابقة‪ ،‬قدم لها يف �صباح‬ ‫اليوم التايل الهدايا التي �أتى بها من بولندا‪.‬‬ ‫وتتمثل الهدايا مبعطف ك�ستنائي من اجللد‪،‬‬ ‫مزخرف بالأحمر والأزرق والأ�صفر ومبطن‬ ‫بجلد خروف �أ�سود‪ ،‬مع معطف مماثل لكلود‪،‬‬ ‫لكنه مبطن بجلد خروف �أبي�ض‪ .‬عاد بيكا�سو‬ ‫من جديد �إىل ممار�سة الر�سم‪ ،‬وفران�سواز اىل‬ ‫جانبه‪ .‬ففي �شتاء هذا العام بد�أ بتنفيذ �سل�سلة‬ ‫من الر�سوم الليتوغرافية التي عرفت فيما‬ ‫بعد ب�صور(فران�سواز باملعطف البولندي)‬ ‫�أو�صور( فتاة مبالب�س بولندية) ‪ .‬كما ر�سم‬ ‫ع��دد ًا من اللوحات الزيتية لها والبنها كلود‬ ‫بالزي ال�شعبي البولندي‪ .‬وبرغم ه��ذا ف�أن‬ ‫حالة من الربود بد�أت تت�سرب �إىل عالقتهما‬ ‫العاطفية‪ .‬كان هناك �إح�سا�س داخلي يدفع‬ ‫ف��ران���س��واز �إىل التفكري ب���أن بابلو مل يعد‬ ‫كال�سابق‪ ،‬و�أن الكثري من رموزها ال�سابقة‬ ‫ب���د�أت تختفي م��ن لغتة ال�ف�ن�ي��ة‪ ،‬وال�سيما‬ ‫بعد �أن ان�شغل بتنفيذ �سل�سلة جديدة مـن‬ ‫الر�سوم الليتوغرافية التـي ت�صورحكايات‬ ‫الفر�سان‪،‬والتي ا�ستلهم عنا�صرها من تراث‬ ‫الفن ال�شعبي البولندي‪ .‬وكانت ر�سوم ه�ؤالء‬ ‫ال�ف��ر��س��ان و�أ�سلحتهم تالحقها يف �أح�ل�ام‬ ‫اليقظة واملنام‪ .‬ويف الوقت ذاته ف�أن التفاف‬ ‫(فر�سان) حركة ال�سالم حوله ومنذ عودته‬ ‫من بولندا‪ ،‬كان يثري قلقها وخوفها على ما‬ ‫تبقى من الع�شق القدمي ‪.‬‬ ‫يف ال��واق��ع �إنّ منزل بيكا�سو وم�شغله يف‬ ‫فالوري�س‪،‬حتول بعد الرحلة البولندية �إىل‬ ‫ف�ن��ار ي���س��اري �أوحم �ط��ة ي�ت�ردد عليـها عدد‬ ‫مـن ال�شخ�صيات الثـقافية البولندية‬ ‫والإ�سبانية‪ ،‬ون�شطاء حركة ال�سالم‬

‫الفرن�سية‪ .‬كما ان�شغل منذ �أواخر �سنة ‪1949‬‬ ‫�إىل جانب ال�شاعرين ب��ول �إي�ل��وار ولوي�س‬ ‫�آراغ� ��ون ب��الأع��داد للم�ؤمتر ال�ع��امل��ي الأول‬ ‫لأن�صار ال�سالم يف باري�س‪ ،‬وك��ان عليه �أن‬ ‫ي�صمم �شعار ًا لهذا امل�ؤمتر‪ .‬ويف هذا املجال‬ ‫هناك حكاية طريفة وذات دالالت توثيقية‬ ‫تقول تفا�صيلها ‪� :‬أوائل �شباط‪/‬فرباير‪1949‬‬ ‫ك��ان ه��و امل��وع��د الأخ�ي�ر لبيكا�سو يف تنفيذ‬ ‫ال�شعار‪ ،‬و�إر�ساله �إىل جلنة امل�ؤمتر‪ .‬ولكن‬ ‫هذا الأمر مل يحدث حتى منت�صف هذا ال�شهر‪،‬‬ ‫وع�ن��دئ��ذ ج��اء لوي�س �آراغ� ��ون �إىل مر�سمه‬ ‫ال�ب��اري���س��ي يف � �ش��ارع (غ��ران‪�-‬أوغ �� �س�تن)‪،‬‬ ‫فوجد �أن بيكا�سو مل يفعل �شيئا‪ ،‬ولي�س لديه‬ ‫فكرة حم��ددة ووا�ضحة‪ ،‬ومل يقرر بعد ماذا‬ ‫ير�سم‪ .‬ولكي ينقذ املوقف راح �آراغون يبحث‬ ‫يف ملفات ر�سوم بيكا�سو الكرافيكية‪ ،‬فوقع‬ ‫اختياره على �صورة حمامة‪ .‬وهنا انتهت‬ ‫حرية بيكا�سو وقلقه‪ ،‬و�أخذت هذه ال�صورة‬ ‫طريقها �إىل املطبعة‪ ."...‬ويف اخلام�س‬ ‫والع�شرين م��ن �آذار‪/‬م���ار����س‪ 1949‬ظهرت‬ ‫على ج��دران باري�س وغريها من العوا�صم‬ ‫الأورب �ي��ة مل�صقات (ب��و��س�ترات) تعلن عن‬ ‫موعد افتتاح هذا امل�ؤمتر‪ .‬وب��رزت يف هذه‬ ‫املل�صقات لأول مرة حمامة بيكا�سو‪ ،‬والتي ما‬ ‫تزال تعرف بحمامة ال�سالم‪� ،‬أو رمز ال�سالم‬ ‫�إىل يومنا هذا‪� ،‬أو تعويذة ال�سالم امل�ش�ؤومة‬ ‫(كما �أطلقت عليها فران�سواز جيلو ذات مرة)‪.‬‬ ‫وجتدر الإ�شارة هنا �إىل �أن هذه احلمامة هي‬ ‫ال�شكل الأ�صلي حلمامة ال�سالم‪،‬وبعد ذلك‬ ‫�أ�ستخدمت �أ�شكال �أخرى من احلمائم وكان‬ ‫�أغلبها من ر�سوم بيكا�سو �أو�أ�شكال مزورة‪.‬‬ ‫وق��د منح امل ��ؤمت��ر ال�ع��امل��ي ال �ث��اين لأن�صار‬ ‫ال�سالم (عقد يف وار�شو عام ‪ )1950‬بابلو‬ ‫بيكا�سو جائزة ال�سالم العاملي تثمينا لر�سمه‬ ‫�شعار ال�سالم (ال���ص��دف��ة)‪�،‬أو بالأحرى‬ ‫تثمينا حلمامته التي م�ل�أت الدنيا‬ ‫و�شغلت النا�س �إ�سوة ب�صاحبها‪.‬‬ ‫�إنّ هذه احلمامة ال�شهرية واحدة‬ ‫من �صور احلمام التي ر�سمها‬ ‫بيكا�سو يف مطلع عام ‪1949‬‬ ‫وح �� �س��ب من � ��وذج( م��ودي��ل)‬ ‫ح��ي‪ .‬وي�ع�ت�ق��د �أن �ه��ا �صورة‬ ‫�إح� ��دى احل �م��ام��ات الأرب� ��ع‬ ‫التي ح�صل عليها بيكا�سو‬ ‫من الر�سام الفرن�سي هرني‬ ‫ماتي�س كهدية �أومتائم مباركة‬ ‫بعيد عودته �ساملا من بولندا‪.‬‬ ‫وي��ذك��ر �أنّ بيكا�سو ك��ان ملحدا‬ ‫من حيث امل�ب��د�أ‪�،‬إال �أن��ه كان ي�ؤمن‬ ‫ببع�ض الطقو�س ال�سحرية‪،‬‬ ‫وم�صابا بالو�ساو�س‬ ‫الإ�� �س� �ب ��ان� �ي ��ة‪،‬‬ ‫وه � � � � ��ذا‬

‫ما حتدثت عنه بالتف�صيل فران�سواز جيلو‬ ‫يف مذكراتها‪� .‬أمّا عالقته باحلمام ور�سومها‬ ‫ف�ت�ع��ود �إىل ف�ت�رة طفولته‪،‬حيث ك��ان يقلد‬ ‫�أ�شكال احلمام التي ير�سمها وال��ده املغرم‬ ‫برتبية الطيورالبيتية‪ .‬كما �أنّ بيكا�سو ر�سم‬ ‫يف ع��ام ‪ 1943‬جمموعة م��ن �صور احلمام‬ ‫(تخطيطات ور� �س��وم ب��احل�بر)‪ ،‬وق��د بد�أت‬ ‫تظهر �أ�شكال احلمام كذلك يف بع�ض �إنتاجه‬ ‫اخل ��زيف وال��زي �ت��ي وال�ك��راف�ي�ك��ي م�ن��ذ �سنة‬ ‫‪. 1946‬‬

‫بالوما حمامة طارت مع �أمها‪:‬‬

‫تتحدث فران�سواز جيلو يف مذكراتها مبرارة‬ ‫عن �أح��داث �شهر ني�سان‪�/‬آبريل ‪ . 1949‬فقد‬ ‫ك��ان��ت يف الأي� ��ام الأخ �ي�رة م��ن ف�ت�رة حملها‬ ‫الثاين‪ ،‬بينما كان بابلو بيكا�سو من�شغال جدا‬ ‫مع رفاقه من حركة �أن�صار(فر�سان) ال�سالم ‪.‬‬ ‫ذهبت يف ال�ساد�س ع�شر من هذا ال�شهر �إىل‬ ‫طبيبها اخلا�ص‪ ،‬فتقول‪ " :‬فح�صني الطبيب‬ ‫علي �أن �أع��ود بعد ثالثة �أيام‪،‬ولدى‬ ‫و�أ��ش��ار ّ‬ ‫م��رور الأي��ام الثالثة‪� ،‬أم��رين بالدخول فور ًا‬ ‫�إىل عيادة ال��والدة ‪.‬ومب��ا �أن ذل��ك اليوم كان‬ ‫هو يوم ‪ 20‬ني�سان‪ ،‬وهو يوم افتتاح م�ؤمتر‬ ‫ال�سالم يف قاعة بالييل بباري�س‪ ،‬ومب��ا �أن‬ ‫بابلو �سيكون من�شغال يف امل ��ؤمت��ر‪� ،‬س�ألت‬ ‫الطبيب �إذا كان ذلك �ضروريا‪ ،‬ف�أكد يل ‪� :‬سوف‬ ‫�أزرقك ب�إبرة لت�سريع الوالدة‪ ،‬يف الوقت الذي‬ ‫�أجبته ب� ّأن الدخول �إىل العيادة يتم يف وقت‬ ‫غري منا�سب �إطالقا‪ .‬فقال ‪:‬ه��ذا ال يعنيني‪..‬‬ ‫� ّإن الأمر �ضروري‪ ،‬وال جدوى من املناق�شة "‪.‬‬ ‫بعدعودتها �إىل البيت‪ ،‬قالت لبيكا�سو ما قرره‬

‫‪13‬‬

‫يف واحد من اللقاءات‬ ‫ال�صحفية الكثرية‪،‬‬ ‫واملن�شوريف جريـدة‬ ‫ال�سيا�سة البولندية ‪-‬‬ ‫ني�سان‪1975‬ملنا�سبة الذكرى‬ ‫الثانية لرحيل بابلو‬ ‫بيكا�سو‪،‬تروي ال�سيدة‬ ‫(�سافي�سكا) تفا�صيل‬ ‫الأعوام التي عا�شتها هي‬ ‫وزوجها املري�ض (كان من‬ ‫نزالء املعتقالت الأملانية)‬ ‫بالقرب من لوحة بيكا�سو‪.‬‬

‫الطبيب‪ ،‬و�س�ألته �إذا كان يف و�سع مار�سيل �أنْ‬ ‫ي�أخذها �إىل العيادة‪ .‬فبدا عليه االنزعاج ‪" :‬‬ ‫�أنا بحاجة ملار�سيل اليوم ‪� .‬أنت تعرفني متام ًا‬ ‫� ّأن علي الذهاب مبكر ًا �إىل م�ؤمتر ال�سالم‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل مروري على املغني بول روب�سون‬ ‫ال�صطحابه �إىل امل�ؤمتر" ‪ .‬قالت له ب�أنها تفهم‬ ‫ظروفه‪ ،‬لكن �أمرها �صعب �أي�ضا‪ ،‬فرد عليها‬ ‫قائال‪ " :‬مبا �أن��ك بحاجة �إىل �سيارة‪ ،‬فال بد‬ ‫من �إي�ج��اد حل �آخ��ر ‪.‬مل��اذا ال تطلبني �سيارة‬ ‫�إ�سعاف؟ " كان مار�سيل يقر�أ‪،‬وقد رفع عينيه‪،‬‬ ‫وقال‪ " :‬ميكننا ا�صطحابها �إىل العيادة ونحن‬ ‫يف طريقنا �إىل امل�ؤمتر"‪ .‬هز بيكا�سو كتفيه‬ ‫وقال‪ " :‬خذين �أوال ثم عد ال�صطحابها‪ .‬ف�أنا‬ ‫ال �أريد �أن �أ�صل مت�أخر ًا"‪ .‬لقد كان امل�ؤمتر يف‬ ‫الواقع ي�ست�أثر بكل قلقه واهتمامه‪ ،‬فهو مل‬ ‫يكن ع�ضو ًا يف الوفد الفرن�سي �أو الإ�سباين‬ ‫و�إنمّ � ��ا ك��ان �شخ�صية ع��امل�ي��ة‪ .‬ف��وج��وده يف‬ ‫�أروقة امل�ؤمتر كان يعني ال�شيء الكثري‪ ،‬ولهذا‬ ‫كان له برناجمه اخلا�ص‪ .‬ابتد�أ الربنامج قبيل‬ ‫افتتاح امل��ؤمت��ر بااللتقاء بعدد م��ن �أع�ضاء‬ ‫ال��وف��ود الأورب �ي��ة‪ ،‬وال�سيما ب�أع�ضاء الوفد‬ ‫البولندي الذين اتفقوا معه على �أن يقوم هو‬ ‫بتقدمي اقرتاحهم �إىل رئا�سة امل�ؤمتر حول‬ ‫تخ�صي�ص جائزة لل�سالم العاملي‪ .‬وه��ذا ما‬ ‫ح��دث يف ال �ي��وم الأخ�ي�ر م��ن امل ��ؤمت��ر حيث‬ ‫ح�صل هذا االقرتاح على �إجماع احلا�ضرين‪.‬‬ ‫ويف ال�ساعة الثامنة من م�ساء هذا اليوم كان‬ ‫بيكا�سو جال�سا يف قاعة بالييل واىل جانبيه‬ ‫�إي �ل��وار و�آراغ� ��ون‪ .‬وبينما ك��ان يتابع كلمة‬ ‫افتتاح امل�ؤمتر باهتمام �أقرتب منه مار�سيل‬ ‫ليخربه ب ��والدة طفله ال �ث��اين‪ .‬وب��رغ��م �أ ّن��ه‬ ‫ا�ستقبل اخلرب بفرح �إ ّال �أ ّن��ه مل يغادر القاعة‬ ‫مب��ا يف ذل��ك يف ف�ترة اال� �س�تراح��ة‪ ،‬واكتفى‬ ‫مب�ك��امل��ة هاتفية م��ع ال �ع �ي��ادة م�ستعلما عن‬ ‫حالة فران�سواز وطفلها اجلديد‪ .‬وعندما علم‬ ‫ب� ّأن هذا الطفل هو �أنثى �أعطاها ا�سم بالوما‬ ‫(تعني حمامة بالإ�سبانية)‪ ،‬وك�أنه �أراد من‬ ‫وراء ذلك ‪ -‬على حد تعبري لوي�س �آراغون‪-‬‬ ‫�أن مي�ل��ك ح�م��ام�ت�ين يف �آن واح� ��د‪ ،‬واح ��دة‬ ‫لل�سالم‪،‬و�أخرى للحب‪ .‬ولكن هذه احلمامة‬ ‫الأخرية طارت مع �أمها بعد �أربعة �أعوام من‬ ‫هذا التاريخ‪ ،‬حينما �أ�صبحت احلياة ال تطاق‬ ‫م��ع بابلو‪ -‬كما قالت ف��ران���س��واز‪ . -‬وبذلك‬ ‫ان�ت�ه��ت ع�لام��ات امل�ح�ب��ة و� �ش��واه��ده��ا‪ ،‬حيث‬ ‫عادت مع طفليها �إىل باري�س تاركة بيكا�سو‬ ‫ل��وح��دت��ه‪ .‬وكحالته دائ �م � ًا وب�ع��د ك��ل قطيعة‬ ‫�أو عا�صفة مل يبق وحيد ًا لفرتة طويلة‪ ،‬فقد‬ ‫تعرف بعد �أ�شهر قليلة على (جاكلني روك)‬ ‫ال�ت��ي �أ��ص�ب�ح��ت م��ودي�ل��ه اخل��ا���ص وزوجته‬ ‫طوال الأعوام الع�شرين الأخرية من حيـاته‪.‬‬ ‫كان ير�سمها واملوت يداهمه يف يوم الأحد‪8‬‬ ‫ني�سان‪�/‬أبريل ‪.1973‬‬

‫عن كتاب بيكا�سو داعية لل�سالم‬ ‫ت�أليف �أحمد ح�سني‬ ‫دار التنوير ‪1997‬‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪14‬‬

‫العدد (‪)2292‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )29‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2292‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬ال�سبت (‪ )29‬ت�شرين االول ‪2011‬‬

‫هكذا استفاد المعماريون من بيكاسو‬

‫‪15‬‬

‫رئي�س جمل�س الإدارة‬ ‫رئي�س التحرير‬

‫ثمان سنوات في حياة بيكاسو‬

‫ك���ت���اب ي�����ص��ف ع�لاق��ت��ه احل��م��ي��م��ة م���ع �أب������رز ع�����ش��ي��ق��ات��ه‬

‫ان اف��ري��ل وم��ن خ�لال رواي�ت�ه��ا (ان ��ا‪ ،‬دورام ��ار)‬ ‫ا�ستعادت ذكريات تلك العالقات الن�سائية خلم�س‬ ‫من ع�شيقات بيكا�سو‪ :‬ب��دء ًا من اول�غ��ا‪ ،‬وماري‬ ‫ترييز وانتها ًء بفرن�سواز‪ ،‬وجاكلني‪ ،‬على ان بطلة‬ ‫الرواية هي دورام��ار التي تو�سطت تلك الن�ساء‬ ‫من ناحية ت�سل�سها بينهن حيث ا�ستمرت عالقتها‬ ‫�آنا دورامار‪ ..‬ثمان �سنوات يف حياة بيكا�سو‬ ‫م��ع بيكا�سو نحو ثماين ��س�ن��وات‪� ،‬شهدت هذه‬ ‫الأخ�يرة خاللها القليل من‬ ‫ترجمة‪� :‬سعد هادي �سليمان‬ ‫ال�سعادة والفرح والبهجة‪،‬‬ ‫والكثري من الأمل واحل�سرة‬ ‫وال��غ�ي�رة وال� �ع ��ذاب‪ .‬فلقد‬ ‫تت�صف حياة الفنان الكبري بابلو بيكا�سو‬ ‫ك��ان��ت دورام � ��ار �شاخ�صة‬ ‫بن�شوة وحيوية و�صلت حد الثمالة من‬ ‫يف ح��ي��اة ب �ي �ك��ا� �س��و ويف‬ ‫�ألوان وعالقات ن�سائية وع�شيقات يتعذر‬ ‫ل��وح��ات��ه ع�ل��ى ح��د � �س��واء ـ‬ ‫ح�صرهن‪ ،‬نظرا لعدم توفر املعلومات‬ ‫طاملا ان كل ع�شيقات الفنان‬ ‫الأكيدة يف هذا املجال‪.‬‬ ‫ك ��ن م ��ودي�ل�ات ل �ل��وح��ات��ه ـ‬ ‫يبدو �أن الفنان العاملي الكبري بابلو بيكا�سو‬ ‫من ع��ام ‪ 1936‬وحتى عام‬ ‫كان ي�ؤمن ب�شعاره اخلا�ص‪( :‬كل �شيء مباح‬ ‫‪ .1945‬ول�� ��دت ث� �ي ��ودوا‬ ‫يف احلب والفن!) لذلك فلقد كان بيكا�سو‬ ‫م��ارك��وف�ي����ش وه��و �أ�سمها‬ ‫عبقريا يف نتاجاته الت�شكيلية‪ ،‬وعبقريا‬ ‫الأ� � �ص � �ل� ��ي يف ب ��اري� �� ��س‪،‬‬ ‫خبيثا يف عالقاته الن�سائية �أي�ضا‪ ..‬ولقد‬ ‫�إال �أن �ه��ا ع��ا��ش��ت طفولتها‬ ‫حاولت الروائية نيكول افريل يف كتابها‬ ‫ونياعتها يف االرجنتني‪،‬‬ ‫املو�سوم (�آنا‪ ،‬دورامار)‪� ،‬سرد تفا�صيل ق�صة‬ ‫ول� �ق ��د �أخ � �ت� ��ارت لنف�سها‬ ‫العالقة احلميمة التي جمعت بيكا�سو‬ ‫�أ��س��م ال�شهرة (دورام� ��ار)‪.‬‬ ‫ودوراما عرب ثماين �سنوات‪ ،‬وما �شهدته‬ ‫وكانت �أيام �شبابها املندفع‬ ‫دورا من حزن وك�آبة وم�أ�ساة‪.‬‬ ‫م� ��� �ص ��ورة ف��وت��وغ��راف �ي��ة‬ ‫متمكنة‪ ،‬ومتار�س الر�سم‪،‬‬ ‫كما ان�ه��ا ك��ان��ت يف الوقت‬ ‫نف�سه �أمر�أة فكر وعلى قدر ال ب�أ�س به من الثقافة‪،‬‬ ‫ومنا�ضلة (ثورية) ووجه جميل بعينني زرقاوتني‬ ‫وج�سم متنا�سق‪ ،‬م�شكلة يف �صفاتها هذا منوذجا‬ ‫للمثقف الأوروب��ي الذي كان ينتمي اىل جيل ما‬ ‫بعد احلرب العاملية‪.‬‬ ‫ونظرا‪ ،‬لعدم قيام دورامار بكتابة مذكراتها‪ ،‬فلقد‬ ‫�سعت الكاتبة نيكول افريل اىل �أن ت�ستعني بكل‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫م�صادر املعلومات املتاحة لها وتتفح�صها بكل دقة‬ ‫ب�ضمنها ما روته دورامار عن عالقتها ببيكا�سو‪،‬‬ ‫وه��ي يف خ��ري��ف ال�ع�م��ر‪ ،‬ول�ق��د بثت الروائية‪،‬‬ ‫بطبيعة احلال ح�سها الن�سائي الرقيق و�أ�سلوبها‬ ‫ال�سردي اجلميل الذي امتزج مع موهبتها الأدبية‬ ‫العالية وجنحت فعال بكتابة ق�صة مليئة بالعاطفة‬ ‫امل�شو�شة �إنطالقا م��ن اللقاء الأول ال��ذي جمع‬ ‫يبكا�سو بدورامار‪ ،‬و�صوال اىل القطيعة النهائية‬ ‫التي ح�صلت بينهما‪ ،‬فلقد �أب��دع��ت الكاتبة يف‬ ‫روايتها هذه كونها عرفت كيف تبث ال��روح من‬ ‫جديد ببطلة الق�صة بعد �أن �أك�ستها حلما ودما‬ ‫وم�شاعر‪ ،‬وك�أنها �أرادت �أن تعيد دورام ��ار اىل‬ ‫احلياة من جديد لرتوي بنف�سها تفا�صيل عالقتها‬ ‫ببيكا�سو‪.‬‬ ‫مل تكن بطلة الق�صة ـ دورام��ار ـ يف بداية الأمر‬ ‫�سوى مر�شدة يف الأروقة ال�سرية مبتحف بابلو‬ ‫بيكا�سو‪ ،‬ومبا �أنها م�صورة فوتوغرافية حمرتفة‪،‬‬ ‫فلقد كانت جتيد التقاط م�شهد تزاحم املعجبات‬ ‫على الفوز ب�صداقة بيكا�سو‪ ،‬وتنقل الكاتبة عن‬ ‫دورام ��ار م��ا م �ف��اده‪( :‬لقد �أع ��ددت خطة للإيقاع‬ ‫ببيكا�سو بحيث ال �أدع له جماال للرتاجع‪� ،‬إال �أن‬ ‫ال�صدفة املح�ضة على ما يبدو هي التي قررت كل‬ ‫�شيء!!)‪ .‬و�إذا كانت دورام��ار قد عرفت ال�سعادة‬ ‫وال�شهرة والبهجة م��ن خ�لال عالقتها احلميمة‬ ‫مع بيكا�سو‪� ،‬إال �أن الأم��ر مل ي�ستمر طويال على‬ ‫ذل��ك ال�ن�ح��و‪ ،‬فمالمح القطيعة �أخ ��ذت تتو�ضح‬ ‫عندما رف�ضت دورام��ار ان تظهر مبوقف يعطي‬ ‫انطباع ًا على �أنها �أ�صبحت جمرد (ع�شيقة بيكا�سو‬ ‫ال�سابقة) حينها غرقت دورامار ببحر من الغرية‬ ‫وال�شك والعذاب وال�شعور بالذل‪ ،‬ومتكن منها‬ ‫الغ�ضب امل�ست�شيط‪ ،‬لتنهار نف�سيا مما تطلب تدخل‬ ‫(الك��ان) بالأمر وعمل على اخراجها من وحدتها‬ ‫وانزوائها وجل�سات ال�صدمات الكهربائية التي‬ ‫كانت تتعر�ض لها يف م�ست�شفى (�سانت �آن)‪.‬‬ ‫ومتكن من خاللها ان يجعلها تت�صالح مع نف�سها‬

‫وتتطبع مع حياتها اجل��دي��دة‪ ،‬مبدي ًا يف الوقت‬ ‫نف�سه �إ�صرار ًا على عدم قيام بيكا�سو بزيارتها بني‬ ‫مدة و�أخرى‪ ،‬لأن ذلك من �ش�أنه �أن ينع�ش الأمل يف‬ ‫�إمكانية جتديد العالقة بني االثنني‪ ،‬ويعيدها اىل‬ ‫و�ضع الع�شيقة املهجورة املذلولة‪.‬‬ ‫وف �ع�لا‪ ،‬ف�ل�ق��د ب�ق�ي��ت دورام�� ��ار � �س �ن��وات لي�ست‬ ‫بالق�صرية‪ ،‬بعد فراقهما‪ ،‬بعيدة عن بيكا�سو‪ :‬فهي‬ ‫مل تره ومل ت�سع اىل تق�صي �أخباره‪ ،‬لكنها فوجئت‬ ‫بو�صول طرد �ضخم وثقيل مغلف بغالف حمكم‪،‬‬ ‫بحيث يتعذر على امل��رء اكت�شاف ماهيته‪ ،‬وبعد‬ ‫فتحه �أت�ضح �أنه كر�سي بائ�س �ضخم وثقيل وال‬ ‫ينطوي على �أية قيمة تذكر‪ .‬مر�سل من بيكا�سو‬ ‫�إليها‪ ،‬ليعرف فيما �إذا كانت دورام ��ار ما زالت‬ ‫مرتبطة به عاطفيا‪� .‬أما دورامار من ناحيتها و�أن‬ ‫كانت للحظة قد وجدت الأمل يف �إعادة العالقة �إال‬ ‫�أنها وجدت يف هذا الطرد الثقيل ال�ضخم عالمة‬ ‫على مدى ف�ساد و�شر �صديقها احلميم وع�شيقها‬ ‫ال�سابق‪ .‬ويف هذا املوقف بالذات عمدت نيكول‬ ‫افريل اىل �إبراز م�شاعر دورامار املريرة ب�صراخها‬ ‫وانفعالها والأ� �س��ى واحل ��زن العميقني اللذين‬ ‫احتال قلبها وعقلها‪ ،‬فع�شيقها مل يكن عبقري الفن‬ ‫فح�سب‪ ،‬بل كان عبقري ال�شر مبعنى الكلمة!‬ ‫و�إذا كانت تلك ال�صفحات ال�سوداء قد �أعطتنا‬ ‫فكرة عن مدى م�أ�ساوية تلك العالقة‪� ،‬إال �أن الق�صة‬ ‫تت�ضمن �أي�ضا مدى ال�سعادة والتعاون الذي كان‬ ‫ي�سود العالقة بني االثنني قبل حدوث القطيعة‪،‬‬ ‫ولقد كانت دورام��ار ع�شيقة وموديل وم�ساعدة‬ ‫لبيكا�سو‪� :‬أمل ت�ستمر عالقتهما ثماين �سنوات‬ ‫متوا�صلة؟ يف احلقيقة لقد �أبدعت الروائية نيكول‬ ‫افريل يف جت�سيد �شخ�صية دورامار روائيا مثلما‬ ‫�أبدعت يف جت�سيد م�شاعر‪ :‬اخل�شية من احلقيقة‬ ‫يف هذا الكتاب‪.‬‬

‫عن ‪ Lepoint‬الفرن�سية‬

‫جوناثان كالن�سي‬ ‫ترجمة‪ :‬جناح اجلبيلي‬ ‫كتب املعماري ماك�س كلندننغ‪ ":‬حني كنت �أبحث يف‬ ‫كتبي التي تدور حول بيكا�سو �صادفت تلك التخطيطات‬ ‫التي ر�سمها يف عام ‪ 1958‬للبنايات‪ .‬وبينما كنت �أمر‬ ‫ببناية ج��دي��دة قامت يف الباربيكان‪ /‬لندن فوجئت‬ ‫بت�شابه �أ�شكالها مع تخطيطات بيكا�سو‪.‬‬ ‫ه��ل مي�ك��ن �أن ت �ك��ون ه ��ذه التخطيطات ه��ي م�صدر‬ ‫الإلهام؟‪.‬‬ ‫ح�سن‪ ،‬نعم وال‪ .‬ما تظهره ه��ذه التخطيطات هو �أن‬ ‫بيكا�سو كان يتالعب يف �شكل البنايات يف وقت كانت‬ ‫فيه مقاربته للر�سم والنحت �أع��ادت تعريف الت�صميم‬ ‫املعماري يف بع�ض الأحياء الراقية امل�ؤثرة‪� .‬إن ت�أثري‬ ‫لوحة "اجلورنيكا" لبيكا�سو التي ر�سمها للجناح‬ ‫الأ��س�ب��اين يف معر�ض باري�س ال ��دويل‪� ،‬أدت‬ ‫�إىل ت�صميم بع�ض �أعمق البنايات لي�س‬ ‫فقط يف منت�صف القرن الع�شرين بل كل‬ ‫الأزم��ان‪ .‬اليوم العديد من املعماريني‬ ‫– ال�ضجرين من اخلطوط امل�ستقيمة‬ ‫وال��زواي��ا القائمة م��ن جهة ‪،‬ومن‬ ‫ت�صميم م��ا بعد احل��داث��ة املبتذل‬ ‫ال��ذي فعل الكثري ج��د ًا جلعل �آفاق‬ ‫املدينة �ساذجة يف الثمانينيات من‬ ‫جهة �أخرى‪ -‬قرروا ب�أنهم يريدون �أن‬ ‫ي�صبحوا بيكا�سويني �أي�ض ًا‪ .‬يريدون‬ ‫�أن يت�شربوا بفكرة البنايات الواقعية‬ ‫م� �ث ��ل ق ��وال ��ب‬ ‫ا ملكا تب‬

‫وال�شقق مع �شيء من روح الفنان والنحات العظيم‪.‬‬ ‫ويبدو هذا �شيئ ًا جمي ًال �إذا ما ح�صل ‪ ،‬مث ًال‪� ،‬أن تكون‬ ‫ت�صاميم ف��ران��ك غ�يري العنيدة املت�ألقة مثل متحف‬ ‫"بلباو غوغنهامي " يف ا�سبانيا و "قاعة كون�سرت‬ ‫وولت دزين" يف لو�س �أجنلو�س‪ ،‬عملية وغنائية‪ .‬وكما‬ ‫كتبت �آدا لويزا هك�ستابل الناقدة وامل�ؤرخة الأمريكية‬ ‫�إىل غريي‪� ":‬إنه يبني على "ال�صندوق" املتحرر الذي‬ ‫فتحه "فرانك لويد رايت" للأبد والف�ضاءات املتحررة‬ ‫التي رفعها لو كوربوزيه �إىل الأعايل امل�شرقة"‪.‬‬ ‫�إن غ�يري ي�ق�دّر ل��و ك��ورب��وزي��ه تقدير ًا عالي ًا‪ .‬ويقول‬ ‫عن كني�سته ال�صغرية يف رون�شان التي �أن�شئت عام‬ ‫‪ ":1955‬يف كل مرة �أذهب هناك �أنخرط يف البكاء"‪.‬‬ ‫وبدورها تدين الكني�سة �إىل الت�أثري الكبري لبيكا�سو‪ .‬يف‬ ‫هذه البناية التي ترتفع على تل يف "الرون �ألب" بنى‬ ‫لو كوربوزيه نوع ًا من اجلورنيكا لكن بالكونكريت‪.‬‬ ‫وحتى بع�ض التفا�صيل‪ ،‬مثل املظالت املطرية الناتئة‬ ‫من ال�سقف العظيم كان لها مكان يف رائعة‬ ‫بيكا�سو يف الثالثينيات؛ يف هذه‬ ‫احلالة يف قناع قرين الثور‪.‬‬ ‫�إذا م��ا ك��ان لديك عالقة مع‬ ‫ه ��ذا ال ��ذك ��اء – لبيكا�سو‬ ‫وكوربوزيه‪ -‬فهناك �س�ؤال‬ ‫� �س �ه��ل ح� ��ول م ��ا �إذا ك��ان‬ ‫�شيئ ًا جيد ًا �أم ال؟ بالن�سبة‬ ‫للمعماري ح�ين يريد �أن‬ ‫ي�ك��ون ف�ن��ان� ًا �أو بطريقة‬ ‫�أخرى‪ ،‬بالن�سبة للمعماري‬ ‫ح�ين ي��ري��د �أن ي�ك��ون يبني‬ ‫فن ًا‪ .‬كني�سة رون�شان �إحدى‬ ‫�أع �ظ��م الأع��م��ال الفنية يف العامل‬ ‫وح��دث �أنها بناية وم��ع ذل��ك فهي من‬ ‫ال�ن��وع البعيد ج��د ًا ع��ن كونها جمرد‬ ‫���س��ق��ف ع� �ل ��ى ر�ؤو� � � ��س‬ ‫حمنية‪.‬‬ ‫وم��ع ذل��ك حتى‬ ‫امل �ع �م��اري�ي�ن‬ ‫ال��ع��ظ��م��اء‬ ‫م � �ث� ��ل ل��و‬

‫كوربوزيه والن�شطاء مثل غريي رمبا يجدون �أنه من‬ ‫ال�صعب عمل مثل هذا الفن البارز من قوالب املكاتب‪.‬‬ ‫رمبا ي�ستثمرون هذه مع الأ�شكال القوية �أو اجلديرة‬ ‫باحلب لكن لي�س مع الدقة ووط�أة العاطفة التي ت�أتي‬ ‫من مو�ضوعات مثل ق�صف فيلق الن�سر ملدينة جورنيكا‬ ‫�أو �إعادة بناء كني�سة �صغرية مكر�سة للعذراء املقد�سة‬ ‫التي مت تدمريها خالل احلرب العاملية الثانية‪.‬‬ ‫اليوم �أ�صحاب املهنة ‪ ،‬مب�ساعدة احلوا�سيب واملواد‬ ‫احلديثة‪ ،‬ي�ستطيعون �أن ي�صمموا ويبنوا �أ�شكا ًال‬ ‫ب� ��ارزة‪ .‬وم��ع ذل��ك ف���س��واء �أه ��ي ف��ن �أم ب�ل��وك مكتب‬ ‫ج��دي��د مب��ا ي�ع��ده "كلينددنغ" ك��ون��ه ق�ن��اع� ًا لتخطيط‬ ‫بيكا�سو‪ ،‬ف�إنها �إىل حد ما �أف�ضل من الت�صميم امل�ستقيم‬ ‫ال�صاعد والنازل لـ" ميز دي رو"‪،‬مث ًال‪ ،‬املع ّر�ض �إىل‬ ‫اال�ستجواب‪ .‬يف الواقع �أن بيكا�سو �أثر على املعماريني‬ ‫قبل ر�سم اجلورنيكا بعقود‪ .‬فمنذ �أن ر�سم "�آن�سات‬ ‫�آفينيون" يف ع��ام ‪ 1907‬واع �ت�برت ب���ص��ورة عامة‬ ‫مدخ ًال �إىل التكعيبية‪ ،‬ف�إن الفنان اال�سباين �أثر ت�أثري ًا‬ ‫كبري ًا على املعماريني الأورب�ي�ين ال�شباب امل�صممني‬ ‫على الثورة على املوا�ضيع اململة واجلليلة والعنيدة‬ ‫غالب ًا‪� .‬أعمال لو كوربوزيه املبكرة – ت�صاميم نظرية‬ ‫لبيوت كونكريتية كبرية احلجم ب�ضمنها بيت دومينو‬ ‫للفرتة ‪ 1915-1914‬وبيت �سرتوهان ‪� 1925‬إ�ضافة‬ ‫�إىل الأوىل يف فلله البي�ض املعروفة بالن�سبة للفنانني‬ ‫وجامعي التحف‪ -‬مت�أثرة بالتكعيبية ومدركة لذاتها‪.‬‬ ‫وال�شي املهم �أن غ�يري �أي�ض ًا حني ا�ستقر يف لو�س‬ ‫�أجنلو�س طور عالقة حميمة مع جمع من الر�سامني‬ ‫املعا�صرين والفنانني مثل جا�سرب جونز وروبرت‬ ‫رو�شنربغ وكال�س �أول��دن�برغ‪ .‬يقول غريي‪ ":‬للر�سم‬ ‫بداهة التم�ستها يف العمارة"‪.‬‬ ‫ت�ستطيع �أن ت��رى ال�ب��داه��ة يف تخطيطات بيكا�سو‬ ‫املعمارية‪ .‬غ�ير �أن ترجمة تلك الأف �ك��ار �إىل العمارة‬ ‫يتطلب منا�سبة �إ�ضافة �إىل موهبة كبرية يف الت�أويل‬ ‫واحلد�س‪ .‬وعلى �أية حال ف�إذا ما كانت اجلورنيكا ت�شي‬ ‫بت�صميم كني�سة رون�شان ف�إنها ال عالقة لها بت�صميم‬ ‫قوالب املكاتب املعا�صرة يف مدينة لندن‪.‬‬ ‫�إن �شكل بناية ما ي�ستحق �أن يربز من مزيج وظيفتها‬ ‫وم��ا متثله‪ ،‬وم��ن وظيفتها وكيف ي�ستطيع املعماري‬ ‫�أن يرتجمها �إىل ��ش��يء م��ا عميق ومبهج‪ .‬بالن�سبة‬ ‫للمعماريني ف ��إن بناء �أ�شكال غريبة م��ن �أج��ل بناية‬ ‫تختلف حني يتوىل ذلك فنان ًا‪ .‬ال بيكا�سو بالت�أكيد‪.‬‬

‫نائب رئي�س التحرير‬ ‫‪----------------‬‬‫عدنان ح�سني‬

‫مدير التحرير‬ ‫‪----------------‬‬‫علي ح�سني‬ ‫االخراج الفني‬ ‫‪----------------‬‬‫م�صطفى التميمي‬ ‫الت�صحيح اللغوي‬ ‫‪----------------‬‬‫حممد حنون‬

‫طبعت مبطابع م�ؤ�س�سة‬ ‫لالعالم والثقافة والفنون‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫ج�����رن�����ي�����ك�����ا‬

‫بول ايلوار ‪.......‬‬ ‫عن كتاب جرنيكا اللوحة‪ ،‬الق�صيدة‪ ،‬الفيلم‬ ‫ترجمة‪:‬جالل الع�شري‬

‫�أزمة �إن�سان الع�صر‬

‫الأطفال تهيئوا للرحيل‬

‫إح�سا�سا قويًا عار ًما‬ ‫يف �أنهما يح�سان �‬ ‫ً‬

‫يف احلزن وال�شجاعة‬

‫ب�صورة قاطعة‬

‫ب�أن الرغبة يف احلياة عبث‬

‫من احلياة ومن املوت‬

‫ول�سوف نعود نحن‬

‫كل �شيء يف الوحل ي�صب‬

‫املوت‪ ،‬ذلك الأمر الع�سري‬

‫�إىل ع�صرنا البدائي الأول‬

‫وال�شم�س يف الكون الأ�سود تغيب‬

‫ذلك الأمر الي�سري‬

‫حيث كانت دموع الفرح كما يقولون‬

‫يا �أ�ضرحة ال�شقاء‬

‫الن�سوة والأطفال يحتفظون بالكنز نف�سه‬

‫وكان الرجل يفتح ذراعيه‬

‫يا عامل البيوت املتداعية الرائع‬

‫يحتفظون به يف امل�آقي ويف العيون‬

‫ليعانق زوجته احلبيبة‬

‫عامل املناجم واحلقول‬

‫والرجال يذودون عنه‬

‫وكان الأطفال قريري العني‬

‫ً‬ ‫جيفا‬ ‫يا �إخوتي الذين �أ�صبحوا‬

‫يذودون عنه بقدر ما ي�ستطيعون‬

‫ي�شهقون وهم ي�ضحكون‬

‫�أ�صبحوا هياكل حمطمة‬

‫ً‬ ‫غدا هو الوقت الذي تتحمل فيه الأمل‬

‫عيون املوتى فيها ظالم الهول‬

‫الأر�ض يف حمابركم تدور‬

‫واخلوف واملوت‬

‫عيوين املوتى �ضمور الأر�ض البور‬

‫واملوت يك�سر توازن الزمن‬

‫ولكن الوقت الذي �سنزيل فيه �آثار اجلرمية‬

‫ال�ضحايا رعوا الدمع‬

‫لت�صبحوا �صحراء خاوية‬

‫�سيجيء مت�أخراً‬

‫جرعوه كال�سم الزعاف‬

‫�أنتم مادة للأ�شعار وطعام للغربان‬

‫ر�صا�ص املدافع الر�شا�شة‬

‫الإن�سان تلطخه الدماء‪.‬‬

‫و�أنتم اي�ضا �أملنا الذبيح املرجتف‬

‫يق�ضي على القتلى‬

‫حتى �أن ال�سفاحني �أ�صبحوا‬

‫حتت غابة البلوط امليتة يف "جرنيكا"‬

‫ر�صا�ص املدافع الر�شا�شة‬

‫�أقل مرارة من العنب املر‬

‫فوق حطام "جرنيكا"‬

‫يداعب الأطفال‬

‫العيون انفق�أت‬

‫حتت �سماء "جرنيكا" ال�صافية‬

‫�أ�سرع مما تداعبهم الريح‬

‫والقلوب انطف�أت‬

‫باحلديد والنار‬

‫والأر�ض �أ�ضحت باردة‬

‫عاد رجل كان يحمل بني ذراعيه‬ ‫ً‬ ‫حمال يئن ويف قلبه حمامة‬

‫منجما‬ ‫حفروا الإن�سان كما لو كان‬ ‫ً‬

‫ت�سرى فيها برودة املوت‬

‫يغني من �أجل الرجال الآخرين‬

‫حفروه كما لو كان ميتا بغري مركب‬

‫�أيها النا�س الذين من �أجلكم‬

‫�أغنية الثورة املجيدة‬

‫ً‬ ‫موقدا بغري نار‬ ‫حفروه كما لو كان‬

‫ترمنوا بهذا الكنز‬

‫التي تقول للحب مرحى‬

‫الن�سوة والأطفال‪ ،‬يحتفظون بالكنز نف�سه‬

‫�أيها النا�س الذين من �أجلكم‬

‫وتقول للظلم ال‬

‫قطرات اللنب الرائق‪ ،‬و�أوراق الربيع اخل�ضر‬

‫باعوا هذا الكنز‬

‫تقول �إن "جرنيكا" مثل "هريو�شيما"‬

‫كلها ترتقرق يف عيونهم ال�صافية‬

‫يف احت�ضار الأم والأخ واالبن فكروا‬

‫هي عا�صمة ال�سالم احلي‬

‫دائما وبا�ستمرار‬ ‫ترتقرق‬ ‫ً‬

‫يف ال�صراع الذي يق�ضي على احلياة فكروا‬

‫"جرنيكا" �إن الرباءة يا "جرنيكا"‬

‫الن�سوة والأطفال يحتفظون بالكنز نف�سه‬

‫فكروا يف احت�ضار احلب!‬

‫�ست�ستخل�ص حقها من براثن اجلرمية!‬

‫يحتفظون به يف امل�آقي ويف العيون‬

‫يف �أن ت�صونوا �أنف�سكم من ال�سفاحني‬

‫____________‬

‫والرجال يزودون عنه‬

‫يف �أن الطفل وال�شيخ يتقي�آن هول احلياة‬

‫يذودون عنه بقدر ما ي�ستطيعون‬

‫وهي تنعي حظها‬

‫* جرنيكا هي قرية ا�سبانية دكها الطريان الأملاين عام ‪1938‬م �أثناء‬ ‫احلرب الأهلية اال�سبانية؛ مل�صلحة قوات فرانكو الديكتاتور الفا�شي‪،‬‬ ‫ولتجريب ال�سالح الكيماوي �أي�ضا‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.