رئي�س جمل�س االدارة رئي�س التحرير فخري كرمي ملحق ثقايف ا�سبوعي ي�صدر عن جريدة املدى
العدد ()2292ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )29ت�شرين االول 2011
Picasso
2
العدد ()2292ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )29ت�شرين االول 2011
العدد ()2292ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )29ت�شرين االول 2011
3
قراءة اخرى �أمل بورتر باحث ــة عـ ـ ــراقي ـ ــة لقد ت�ن��اول نقاد الفن بيكا�سو بالتف�صيل ، ف�ق��د ح�ل�ل��وا اع�م��ال��ه وق�سموها اىل فرتات ل��ون��ي��ةواع��اد وا� �ص��ول �ه��ا اىل ال �ت ��أث�ي�رات الوا�ضحة عليها مثل كال�سيكية رومانية او اف��ري�ق�ي��ة ب��دائ �ي��ةاىل ك��ل م��ا ح��وت��ه �شبه اجل��زي��رة الأي �ب�يري��ة م��ن ا�ساليب ونزعات فنية ح�ضارية ،كما وقارنوا اعماله بنتاجات غريه من الفنانني� ،إال انني هنا �س�أحاول ان افهم كيف نظر بيكا�سو اىل اال�شكال او املواد او بكلمة اخرى املفردات الت�شكيلية غريانني �سانظر ب�شكل خ��ا���ص اىل م �ف��ردة واح��دة معينة و اركز عليها �ضمن فرتة حمددة هي فرتة �شيوع الفكر النازي الفا�شي واملفردة هي امل��ر�أة �أو احل��زن اذ ان ن�ساء بيكا�سو �أقرتن باالمل واحلزن والقهر ومن ال�صعوبة ان نفرق بني املفردتني. مت�ك��ن بيكا�سو م��ن ال�ن�ظ��ر اىل (امل �ف��ردات الت�شكيلية املختلفة) من ب�شر او علبة �سكائر اوراق ال�صحف او اقداح املاء ،مائدة ,كر�سي زج��اج��ة خمر�,شباك ال��خ ,كنظرة الروائي ال��ذي يقتحم حياة ونف�سيات �شخ�صو�ص روايته .ال�شخ�صية يف الرواية ينظر اليها من عدة زوايا وبعدة ابعاد ويف زمان ومكان متغري ,ولكن �ضمن حيزفكري بنائي معني ، ومن خالل هذه املعطيات تظهر ال�شخ�صية- امل� �ف ��ردة ال�ت���ش�ك�ي�ل�ي��ة وت �ن �م��و وت �� �ص��ل اىل عنفوانها يف حلظة مهمة هي عقدة الرواية او حدود اللوحة يف الفن الت�شكيلي. وهذا ما فعله بيكا�سو مبفرادته الت�شكيلية اذ ا�صبح لهذه املفردات التي ا�ستعملها بيكا�سو ح���ض��ور ع���ض��وي ح ��ي ,ن�ظ��ر بيكا�سو اىل هذه امل�صادرنظرة متعاطفة ولكن من دون حب او تعلق ،بل نظرة احرتام من الباحث الدار�س املتفح�ص الذي يريد فهم جوهر تلك املفردات. ه� ��ذه امل� ��� �ص ��ادر ب��ال��ت��ايل ك �� �ش �ف��ت ل ��ه عن مكنوناتها ,بنائها ,تركيبتها ,ابعادها وكل مفرداتها ال�شكلية واللونية ،وخ�صو�صية موقعها وعالقتها مبا يجاورها من ا�شكال وك��ذل��ك اهمية االل ��وان التي تخ�ص املفردة واخللفية وبقية العنا�صر املوظفة يف اللوحة التي تعطيها بعدا حيا اخر وت�سهم يف اغناء وحدة ال�شكل وامل�ضمون. ولدت يف خميلة بيكا�سو االبعاد التكعيبية لال�شكال عندها اكت�شف بيكا�سو معنى ال�شكل احلقيقى �ضمن م�ساحة حمددة وحيز معلوم ,بتك�سري ال�سطح الواحد املتعارف عليه اىل اكرث من �سطح ومن زاوي��ة نظر خمتلفة يف وقت واحد وبهذا ا�صبح املكان او امل�ساحة ملتقى لعدة ابعاد يف زمن حمدد ل�شكل معني ا�سا�سي(�شخ�صية-مفردة ت�شكيلية) كما يف الرواية. كان بيكا�سو قد جتاوز تاثريات الت�سطيح الذي طغى على اعمال جوجان و الذي تبناه ماتي�س فيما بعد ،والتج�أ اىل بلورة اال�شكال الهند�سية كماعند �سيزان(* ،)1بدت له هذه (املفردات الت�شكيلية) ب�صور خمتلفة وعند
ال�ن�ظ��ر اىل ل��وح��ة ام وط�ف��ل(��س�ن��ة )1921 التي ر�سمها عقب ذهابه اىل ايطاليا وتاثره بالفن ال��روم��اين منها ال�سابحات 1918و ث�لاث ن�ساء عند ال �ن��اف��ورة 1921وام � ��ر�أة تقر�أه 1920وال�سباق ،1922جند يف لوحة ام وطفل ان امل��راة ال تتجاوز كونها متثال م�صنوعا م��ن م��ادة �صلبة ولي�ست م��ن حلم ودم ،ونالحظ ان ال��زواي��ا ح��ادة ،وامللم�س ب ��ارد اق ��رب اىل الكل�س ،وت �ع��دد ال�سطوح وع��دم ان�سيابيتها ،ه��ذة اللوحة تتكلم عن بيكا�سو النحات ال ال��ر��س��ام ،وه��ذا وا�ضح جدا يف �ساق املر�أة وتديل ف�ستانها والطيات والثنيات ,ان امتالء ج�سم املر�أة وت�سريحة ال�شعر واملالب�س تقودنا اىل الفن الروماين، ولكن جلو�س املر�أة على ال�شاطئ ابعدنا عن احل�س بكونها جمرد متثال اىل انها ان�سانة
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
حقيقية(* )2ب��وج��ود اخللفية ذات اللون االزرق الرمادي الذي اختلفت درجاته ما بني ال�سماء وامل��اء ال��ذي ي�شاركها ف�ستان املر�أة نف�س االلوان البعيدة عن البهجة. وجه امل��ر�أة جامد ولكنه جمود حزين مبهم ال جند فيه بهجة االمومة اوفخرها ,ولكننا نرى احلركة الن�شطة للطفل ,التي تعرب عن ال�شعور ب��االم��ان واالرت �ي��اح ،اذ ان الطفل مي�سك بقدمه بكل دع��ة وطم�أنينة ،ويرفع ي��ده االخ��رى حم��اوال التقرب م��ن االم التي يبدو عليها االنتباه واالن�شغال التام بحركة الطفل ،ولكن وجهها ال يبوح بالكثري وجه �ساهم واج ��م وي��ده��ا مت�سك ب�ساقها كانها ت �خ��اف ال��وق��وع وت��ري��د اال� �س �ت �ن��اد ،واليد االخ��ري ال حتت�ضن الطفل بل تختفي خلف ظهر املولود.
هناك نوع من التغريب نقر�أوه بو�ضح يف اللغة التي يطرحها علينا ج�سم امل��ر�أة ،هذه التعابري ال�سلبية ه��ي مقدمة ل�سل�سة من ر�سوم الن�ساء التي �ستت�سم م�ستقبال باالمل واحلزن الوا�ضح ال�صريح. جند ان بيكا�سو يف هذه الفرتة ي�صور املر�أة ب�شكل متفرد قريبة من الثماثيل االغريقية –الرومانية م�ع��اف��اة ي�ب��دو عليها الكمال اجل�سمي وبع�ض من البدانة ،مع مبالغة يف طول اجلذع او الذراع او حجم ال�ساق ,هنا يعرب بيكا�سو بكل و�ضوح عما قد ت�أثر به من ح�ضارة معينة ال يحاول اخفاء ذلك وال يربره او ي�ستحي منه بل يعلن بكل ا�صرار وعالنية عن تاثره وكذلك عن �شعوره جتاه املر�أة. بيكا�سو ال ي�تردد من ان ينتقل من ا�سلوب
تعبريي واحد اىل ا�سلوب تعبريي اخر او اح�ي��ان��ا ك�ث�يرة ي�سري اال�سلوبني جنبا اىل جنب كل ا�سلوب يعرب عن هاج�س واح�سا�س معني و�شرعي بعرف تقاليد وممار�سات علم اجلمال (اال�ستطيقا). ول�ك��ن ب�ع��د ان جت ��اوز ه��ذه امل��رح�ل��ة وب��د�أ مرحلة خمتلفة لي�س فنيا فقط بل فكريا اي�ضا اذ اخ��ذت ال�ت�غ�يرات ال�سيا�سة يف ال�ساحة االوروبية ابعادا جديدة وكان لهذه التغريات وق��ع كبري على جممل احل�ي��اة الثقافية يف اوروبا ويف هذه الفرتة اخذ بيكا�سو بكتابة ال�شعر وظهر له ا�سلوب جديد خمتلف متاما عما انتجه �سابقا وك��ل انتاجاته ال�سابقة كانت مبثابة حت�ضري لهذا اال�سلوب الذي �سي�ستقر عليه بيكا�سو مع بع�ض التحويرات التعبريية الب�سيطة. م��ن ال�ل��وح��ات التي ر�سمها يف ه��ذه الفرتة التي تثري االهتمام لوحة ماري ترييز والتي يقال ان بيكا�سو احتفظ باللوحة لنف�سه حتى وفاته ،و نفذها باال�سلوب الذي �ستت�سم به اعماله م�ستقبال ولكن هذا اال�سلوب التعبريي �سي�أخذ ابعادا خمتلفة ح�سب يف كيفية البوح عن هذا ال�شعور يف الفرتات القادمة ،ولرمبا هذه اللوحة هي الوحيدة لهذه الفرتة لأمر�أة ال يظهر االمل او احلزن فيها ب�شكل معلن. لو نظرنا بعمق اىل هذه اللوحة وحاولنا ان نق�سم الوجه افقيا بخط يف�صل العينني �سنجد م�سحة من احلزن يف النظرة واختالف لون الب�ؤب�ؤءين يعزز هذا االح�سا�س فب�أختياره ل�ل��ون االح�م��ر واالزرق وال�ت���ض��ادد اللوين بينهما وامل�ع�ن��ى ال�ضمني فيهما فاالحمر يرمز احيانا اىل االمل واالزرق يف العرف االوروبي اىل احلزن. كما وان الوجه اجلانبي ال يبتعد كثريا عن كونه متثاال اغريقيا-رومانيا ي�ستند على ق��اع��دة ه��ي ي��اق��ة امل� ��ر�أة ول��و ج��رن��ا اخليال ابعد قليال وق�سمنا الوجه حتى الظل االزرق لوجدنا يف طريقة ت�سريحة ال�شعر وان�سياب الرقبة و�صغر حجم االذن كلها مقومات الفن االغ��ري�ق��ي ال��ذي ك��ان ي��دع��و اىل ال�ك�م��ال يف مظاهر اجل�سم والتي بالتايل تعني اجلمال ويف عرف املجتمع االغريقي اليوناين تعنى قمة (اال�ستطيقا). خ�ل�ف�ي��ة ه ��ذه ال �ل��وح ي�ط�ب��ق ف�ي�ه��ا بيكا�سو اب�سط التعلميات التي يتلقاها طالب الر�سم ب��و� �ض��وح وه ��ي و� �ض��ع خ �ط��وط ت ��دل على وجود االبعاد ولكنه وظفها ب�شكل ي�ؤكد على الفراغ اذ ان الألوان تتماهي مع بع�ضها اىل ان ت�صل اىل ي�سار اللوحة فيظهر الت�ضادد ال�ل��وين ه��ذا التماهي يف االل ��وان يوهمنا بالفراغ .ام��ا مقدمة اللوح من ج�سم املر�أة والن�سب والت�شريح كلها تنبئ ب�شكل وا�ضح عن ق��درة الفنان ومتكنه من خطوطة ومن ف��ن التخطيط ,الرتكيز هنا على اخلطوط والتي تبدو وكانها جزء من زخارف املالب�س ت�شريبو�ضوح اىل (كنتورات) اجل�سم وكيفية اجت��اه الع�ضالت باعتقادي ان هذه اللوحة
لوحة ماري ترييز هي اال�سا�س الذي ا�ستند عليه بيكا�سو يف تقدمي افكاره وا�سلوب تنفيذها م�ستقبال كما و�سيكون ال�سمة اال�سا�سية والطاغية على كل اعماله القادمة. بعد انتاجه لهذه اللوحة لن تت�صف م�ستقبال اي لوحة من لوحات بيكا�سو بالوحدة او اال�ستمرارية او اال�ستقرار بل �سنجد فيها ال�ت�ن��وع واالخ �ت�لاف واحل��ري��ة يف احلركة واللون وامل�ف��ردة الت�شكيلية التي تت�ضامن كلها لتقدم لنا مو�ضوعا ان�شائيا مميزا. ان التقنية الفنية واال�سلوب ال��ذي اعتمده بيكا�سو يف بلورة اال�شكال هي طليعية متاما ومتفردة وكذلك توظيفه للم�ساحات والرتكيز على الفراغ املوهوم دائما. يبدو لنا بو�ضوح هنا ان ال�شكل الذي ينوي بيكا�سو تنفيذه من االن ف�صاعدا �سيت�صف بفكرة التقطيع التي اعتمدها يف ا�سلوبه التكعيبي ول �ك��ن م��ن زواي� ��ة واح� ��دة فقط ومب�ستوى نظر معني حمدد ال تتداخل فيه االب�ع��اد املختلفة �أو زواي��ا النظر املتعددة, كما وان��ه �سيقت�صد يف ا�ستخدام املفردات و�ستكون هناك مفردة واحدة هي امل�سيطرة على املو�ضوع االن�شائي ،ولي�س مثل الفرتة التكعيبة ال �ت��ي ت�ت���ش��ارك ك��ل امل��ف��ردات يف االهمية لتقدمي الفكر النهائي للعمل الفني ولكن هذه املفردة املوظفة يف العمل الفني �ستحتوي ع�ل��ى اج� ��زاء تبتعد ع��ن ا�صلها كثريا اذا ما نظرنا اليها الول وهلة ولكنها يف احلقيقة ت�سهم يف بلورة امل�ضمون متاما كما يف لوحة دورا مار التي �ساحتدث عنها الحقا. ركز بيكا�سو على مفردة املر�أة و ان ا�ستخدامه
جل�سم املر�أة وتقطيعه او ت�شويهه ما هي اال و�سيلة الي�صال االمل واحل��زن اىل املتلقي ع�بر امل ��ر�أة عندما ك��ان بيكا�سو ينفذ لوحة اجلورنيكا قال :ان ما ار�سمه لي�س لتزويق ج��دران ال�شقق ال�سكنية بل و�سيلة ملحاربة القهر وقوى الظالم. �أن البعد ال�سيا�سي الذي تبناه بيكا�سو وهو الفكر الي�ساري (ب��رغ��م ان��ه مل ينتم ر�سميا للحزب ال�شيوعي اال بعد انتهاء احلرب) جعله على وعي وادراك تام مب�شاكل املر�أة �أن كانت اجتماعية او اقت�صادية او �سيا�سية, ح��رم��ان امل ��ر�أة م��ن اغلب حقوقها وو�ضعها مو�ضع االتهام واملراقبة او يف درجات ادين ك��ان��ت م��ن اه��م امل�سائل ال�ت��ي �شغلت افكار الي�سار املثقف وبيكا�سو كان وثيق ال�صلة بحلقات املثقفني تلك. ك��ان بيكا�سو �شديد ال��ول��ع بالن�ساء ولكل واح��دة من ن�سائه اهمية خا�صة يف نف�سه, وك��ل واح��دة منهن تركت اث��را ال ميحى يف نتاج بيكا�سو واالمثلة عديدة . م��ن اه ��م ال �ن �� �س��اء ال �ل��وات��ي ع�ب�ر بيكا�سو ب��وا� �س �ط �ت �ه��ا ع ��ن احل�� ��زن ه ��ي امل �� �ص��ورة الفوتغرافية دورا م��ار ()Dora Marr والتي كانت ع�شيقته لفرتة ,ا�ستعان بيكا�سو ب��وج��ه دورا يف ت���ص��وي��ره االمل يف لوحة اجلورنيكا. �سابقا كان قد ر�سم �صورة ل��دورا تعرب عن االمل واحل��زن وح��ول اهدابها اىل ما ي�شبه اجنحة الكوا�سر او تظهر على �شكل ر�ؤ�س قنابل فرانكو والعيون متورمة من البكاء دموعها وا�سنانها واظافرها مدببة واملنديل االبي�ض كل هذه العنا�صر توحدت لت�صور
القهر ,ت�ضادد لوين ا�سود وابي�ض ,قبعتها بالوانها امل�سرفة والكحل الكثيف والق�سوة الوا�ضحة لي�س فقط على عينيها بل وجهها كلها ادوات تعرب عن االمل واحل��زن و بنوع م��ن ال �ت��وري��ة التهكمية ع��ن م�سببات هذه امل�شاعر اال وه��ي اال�سلحة وادوات القهر والقتل وا�ستالب احلرية. هنا ا�ستعار بيكا�سو من نف�سه ووبالذات من ��ص��ورة م��اري ترييز جن��د القبعة واالل��وان ال�براق��ة وخطوط ال�شعر ،وكذلك اال�صابع ذات النهايات احلادة يف لوحة امر�أة جال�سة ن�ف��ذت ،1941يف ه��ذه ال �ف�ترة ك��ل اج�سام ن�سائة مقطعة اذ ا�ستخدم ج�سم املر�أة ليعرب عن �شعور مقرف غا�ضب حمبط. ه��ذه االدوات التي وظفها ب�شكل مركز يف لوحة دورا مار ا�ستخدمها جمددا يف ت�صويره للعنف واالمل ب�شكل مكثف ومتناثرعلى ام �ت��داد �سطح ل��وح��ة اجل��ورن�ي�ك��ا وب�شكل وا�ضح متاما ,مما يدل على ان بيكا�سو رغم تظاهره بالعفوية والتلقائية اال ان��ه جمرد تظاهر بعيد ع��ن اجل��وه��ر فهو يخطط عن �سبق ا�صرار عما يريد تقدميه للمتلقي ،يفكر بكل مفردة بكثري من ال�تروي وي�ستخدمها كثريا يف نتاجات �سابقة ل�يرى وقعها على املتلقي ومدى تقبلها وكيفية �صياغتها �ضمن القيمة اجلمالية للعمل ككل كما ويقدمها يف م�ضمونها اجلديد لت�صدم املتلقي يف ال�صميم وك�أنه يراها للمرة االوىل. ج�سم امل� ��ر�أة ه�ن��ا يقي�س ل�ن��ا درج ��ة غ�ضب ب �ي �ك��ا� �س��و م ��ن االح� �ت�ل�ال وال �ف �ك��ر ال �ن��ازي العن�صري املتع�صب ،وهذا وا�ضح اي�ضا يف لوحة امر�أة مت�شط او ت�صفف �شعرها حتى
ج�سم املر�أة هنا يقي�س لنا درجة غ�ضب بيكا�سو من االحتالل والفكر النازي العن�صري املتع�صب ،وهذا وا�ضح اي�ضا يف لوحة امر�أة مت�شط او ت�صفف �شعرها حتى ن�ستطيع هنا ان ن�شخ�ص جزءا �صغري من جبهة و�شعر هتلر نف�سه اذ يبدو لنا ان هتلر قد احتل ج�سم املر�أة وتقم�صها و�شوهها وبرت اع�ضاءها ومثل بها.
ن�ستطيع هنا ان ن�شخ�ص ج��زءا �صغري من جبهة و�شعر هتلر نف�سه اذ يبدو لنا ان هتلر ق��د احتل ج�سم امل ��ر�أة وتقم�صها و�شوهها وب�تر اع�ضاءها ومثل بها ،حتولت حلمات ثديها و�سرتها اىل ما ي�شبه ثقوب الطلقات النارية او فوهة بندقية ،اقدام �ضخمة بعيدة كل البعد عن قدم اي امر�أة بل قد تكون اقدام جندي نازي و�ساق �ضخم م�شوه وق�صري يا ت��رى م��اذا تعني امل��ر�أة هنا؟ امل��ر�أة هنا هي ال��وط��ن املغت�صب االر� ��ض املحتلة احلرية امل�سلوبة كلها ت��وري��ات ع�بر عنها بيكا�سو ب�ك�ث�ير م��ن ال��و� �ض��وح وال �ع�لان �ي��ة م��ن دون م�ساومة او خ��وف .وه��ذه املبالغة ال�شبة كاريكوتوريه الجزاء من اجل�سم والتي هي دخيلة وال �شك على ج�سم املر�أة هل هي حالة تهكمية �سوداء لواقع حال مزر وتعي�س وهي باحلقيقة كما ت�ب��دو اج ��زاء م��ن ج�سم اخر دخيل على ج�سم املر�أة-الوطن؟ كل هذه الت�أثريات بقيت ترافق بيكا�سو يف نتاجاته القادمة اال ان الق�سوة واالمل اخذ يختفي تدريجيا ولكنه مل يهجر اهتمامته االوىل وت�أثره ببقية الفنون واالمثلة كثرية ووا�ضحة وهذا جمال لدرا�سة اخرى. ***
1فرانك ايلجار بيكا�سو النا�شر� -سرببوك- بيكا�سو فارتيلي فابري ميالنو-النا�شر فانك و وجنال�س نيويورك. 2يف هذه الفرتة رزق بيكا�سو ب�أول طفل له ولكننا ال نح�س ب�أي دفء عاطفي ابوي.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
4
العدد ()2292ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )29ت�شرين االول 2011
العدد ()2292ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )29ت�شرين االول 2011
بابلو بيكاسو الخزاف.. وسحر النساء على األواني واألطباق
السيرة والرؤية فن ( الكاتب �أو الفنان ) و�شخ�صيته .وبالطبع ُيحدث تناول ال�شا�شة ال�سينمائية لأدبية احلياة نوعا من التوازن املطلوب بني الكلمة املقروءة وال�صورة املرئية ،ناهيك عن حماوالت " ال�صورة ال�سينمائية " ن��زع قد�سية تلك احل�ي��وات املكتوبة بت�صويرها مجُ ّ�سدة� ،إىل درج��ة ن�ستمتع فيها بيقني حوا�سنا حني ّ نطالع تفا�صيل حيوات عدة لـ ( فان كوخ – بيكيت – فرويد – �إليوت – لوركا )000وغريهم ،معاين طفولتهم ،ع�شقهم الأول وذنوبهم منو العبقرية فيهم ،فنماثل بني حياة ال�صغرية ،لن�شهد ب�أعيننا ّ نح�سها و�أخرى نتمناها . ّ �أم��ا عن اجت��اه تناول ال�شخ�صيات التاريخية فيمكن القول �أنه ُيظهر الدور احلقيقي لل�شخ�صية يف حياة النا�س و�أثرها يف �صنع حوادث التاريخ ،ب�شكل َيفرت�ض مو�ضوعية التناول – عادة – وعقالنية امل�شاهدة .
املخرج:
بيكا�سو ..بيكا�سو ..احللم والرغبة وحب احلياة ..ا�سطورة القرن الع�شرين ومعجزة الإب��داع ..دائما تتجدد �سريته وحياته رغم رحيله عن عاملنا ع��ام 1973وعمره ثالثة وت�سعني عاما ..عا�ش خاللها مع �سبع ن�ساء.. ك��ل ام���ر�أة اح ��دث معها ان�ق�لاب��ا يف الفن.. وكانت �آخرهن جاكلني روك التي ر�سمها يف ع�شرات اللوحات وظل ير�سمها حتي �آخر حلظة يف حياته ..وك��ان يكربها ب�أربعني عاما ..ومل تطق احلياة بعده فانتهت حياتها بر�صا�صة عام 1986 بيكا�سو العبقري ..الفنان وامل�صور الر�سام وامل�صمم ..واملكت�شف وامل �خ�ترع يف دنيا اخل �ط��وط والأل � � ��وان�� ..س�ب�ع��ون ع��ام��ا من التوهج والتحفز واالن�ط�لاق يعرب خاللها بالفن �إىل �آف��اق بعيدة و�شواطىء جديدة وترك ثروة تقدر حاىلا مبليار ون�صف فرنك فرن�سى و�أكرث ..موزعة على متاحف العامل. و�أخريا بيكا�سو اخلزاف ..الذي �شكل �سحر الن�ساء على الأوانى والأطباق واملزهريات.
بني اخلزف والعطور
فالوروى بلدة �صغرية من الريف الفرن�سى ..تقع يف اجلنوب بالقرب من مدينة كان .. كان لها �شهرة كبرية يف انتاج اخلزف منذ الع�صر الرومانى وال��ذي متثل يف الأوانى امل�صنوعة من الطني ..وا�سمها يعنى وادى ال��ذه��ب ..ومت�ت��د حدائقها ال�غ�ن��اء بغابات ال���ص�ن��وب��ر و�أ� �ش �ج��ار ال��زي �ت��ون م��ع زه��ور البنف�سج واىلا� �س �م�ين ..وق��د ا�شتهرت مع اخلزف ب�صناعة العطور ..ولكن من بداية العقد اخلام�س من القرن الع�شرين بد�أت تنقر�ض وتت�آكل مهنة اخلزف لدى الكثريين من �أبنائها ..مكتفني با�ستخراج الروائح العطرية ..حتى مل يتبق بها �سوى ور�شة وحيدة متتلكها وتديرها ال�سيدة �سوزان وزوجها جورج رامية وكان االثنان من �أبرع �صانعى اخلزف يف ذلك الوقت ..وبال�صدفة جاءت زيارة بيكا�سو لهما عام 1946وجرب بيكا�سو �أن ي�صوغ من الطني بع�ض الأ�شكال وعندما ع��اد بعد عامني كانت هناك ثالثة حمامات احرتقت يف الفرن واكت�سبت طالء المع ًا و�أ�صبحت قطعا جميلة من اخلزف .. وق��د فجر ه��ذا احل��دث ينابيع �إلهامه وكان مولعا بهذا الفن يطلق عليه فن «بال دموع».. فن اخلزف بعيدا عن املجهود الع�ضلى لفن النحت ف��اخل��زف �أدوات� ��ه قليلة وه��و �سهل الت�شكيل وال���ص�ي��اغ��ة ي�ستوعب �أك�ث�ر من http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
�أ��س�ل��وب م��ن �أ� �س��اىلب اخل�ل��ق واالب� ��داع .. العجيب �أنه �أنتج �ألفي قطعة يف عام واحد. البيت الأبي�ض ه �ن��اك يف ف ��ال ��وروى ع��ا���ش ب�ي�ك��ا��س��و بعد �أن اخ �ت��ار م�صنع م�ه�ج��ور للتقطري جاء مبثابة اال��س�ت��ودي��و ..ي�ج��رى فيه �أ�شكاله وب�ي��ت �أب�ي����ض على رب��وة ع��اىلة يقيم فيه ..ك��ان بيكا�سو ي�شكال �أب �ق��ارا وحيوانات وطيورا حتى االطباق التقليدية والأوانى وال �� �س�لاط�ين وع �ل��ى ت �ل��ك الأ� �ش �ك��ال ير�سم ا�سماكا وازهارا ووجوها ن�سائية م�سكونة بال�سحر واجل �م��ال ..و�أ� �ش �ك��اال هند�سية ونقو�شا وهكذا عادت روح اخلزف من جديد يف تلك البلدة ال�صغرية ..وبد�أ يلتف �شباب ال�ف��ن م��ن مبدعى اخل��زف ح��ول بيكا�سو . مع مئات املعجبني و�صائدى ال�سمك الذين خلدهم يف لوحاته ..و�أع��اد للقرية ا�سمها وملعانها ال�شهري و�أ�صبح يرتدد ويتداول يف ال�صحف واملجالت يف جميع انحاء العامل.. وحتولت �صور انتاج بيكا�سو من اخلزف اىل بطاقات بريدية ويف ع��ام 1950حمل بيكا�سو لقب مواطن بلدة فالوروى مما دعا �إىل اهدائه املجل�س املحلى للبلدة ن�سخة من متثاله الراعى واحلمل وهي ن�سخة برونزيه و�ضعت يف رك��ن من ميدان الكني�سة هناك قريب من متثال احلرب الكبري ..وقد حاول �أح��د الأمريكان �شراء ه��ذا التمثال ب�أربعة ماليني فرنك يف ذلك الوقت رفعها �إىل ع�شرة ماليني لكن بيكا�سو مل يوافق حبا وتقديرا لتلك القرية التي فجرت طاقاته االبداعية يف فن اخلزف. ه ��ذا ه��و ب�ي�ك��ا��س��و ال���ذي ك ��ان ي�ح�م��ل ا�سم ا�سطورة ميديا�س يف �أنامله ما �أن تلم�س �أ��ص��اب�ع��ه الأوراق حتى تتحول �إىل قطع من الذهب مع ما ك��ان ي�شكل ويبدع بطرق عديدة جاعال ن�صب عينيه افكاره اخلالقة والتي ت�ؤكد �أن حرية الفنان هي لغة القرن الع�شرين و�أن االلتزام بق�ضايا الإن�سان هي الهدف والغاية من الفن. ولقد ب��د�أت غرائبه يوم ولد عام 1881يف مدينة ماالقا جنوب ال�ساحل اال�سباين .. فعند والدته عندما غادر بطن �أمه رف�ض �أن يتنف�س وا�ضطر عمه الطبيب �أن ينفث يف وجهه �سحابة كثيفة من دخ��ان ال�سيجار.. وعندئذ حترك وجهه وعال �صوته بالبكاء.. اي��ذان��ا واع�ل�ان��ا ع��ن �أه ��م ف �ن��ان يف القرن الع�شرين.
عن جملة حواء� -آذار 2010
احمد ثامر جهاد يعد فيلم املخرج " جيم�س �آيفري " (SURVIVING – 1996 ) PICASSOواحدا من الأفالم ال�سينمائية عن �سرية الفنان املبدع " بابلو بيكا�سـو " �إىل جوار �أفالم �أخرى ،كان �أبرزها فلم املخرج الفرن�سـي " �أالن رينيه " عام 1950الذي كان بعنوان " غورنيكا "� ،أ�شهر لوحات الفنان . يقرتب " �آيفري " كثريا من املُ�شاهد يف �شريطه هذا ،ليقدم ر�ؤية بانورامية متعددة اخلطوط يف ملحمة عن احلب واحلياة عا�شها " بيكا�سو " .من الزاوية هذه يبدو التناول موفق ًا �سينمائي ًا، �وج��زة لع�شر �سنوات م��ن حياة " واخ�ت�ي��ار ال�ف�ترة الزمنية املُ� ِ بيكا�سو " ميكن عده مغري ًا وجذاب ًا لإع��ادة النظر يف حياة هذا الفنان وفنه . وان مل يذهب املخرج بعيدا يف تب ّني البحث عن ما ميكن �أن حتققه الأب�ع��اد اجلمالية للذهنية الت�شكيلية يف �أدن��ى حاالتها، �إ ّال �أننا وجدنا فيما نراه �سينمائيا� ،أهميته يف ا�ستنفار الطاقة اجلمالية اخلالقة "لبيكا�سو " �ضمن عالقة �صميمية امتازت باجلدل املحتدم بني حياته وفنه � .إن تتبع هذه الناحية الدرامية بزواياها احل�سا�سة ومبناها الإيقاعي كفيل بخلق اجلو املنا�سب لل ُم�شاهد يف تف�سري �أي �شيء ي��راه ،وم��ن ث��م ك�شف االرتباط احليوي والت�صميم الداخلي للفنان الذي يوحي بابتكار الأجواء الرومان�سية وال�ع��وامل ا ُ حللم ّية ،التي و�إن اختلفت يف وزنها وملم�سها ف�إنها توا�صل عمل الت�أليف اجلمايل "للمنظر والتكوين " .وهذه احلاالت على ب�ساطتها يف ال�شكل ال�سينمائي املقترَ َح، متلك وجهة نظرها وانتماءها ل��روح الع�صر ب�شكل ي�ؤكد قوة ـزع الفيلـم �إلـى التـركيز على "الرمز" وت�أثريه امل�ساحي .لذلك ن َ املواقف احلياتية وكثافتها الإيجابية �أو ال�سلبية بالن�سبة للرمز الأ�سا�س يف الت�شكيل ال�صوري" بيكا�سو " [ الذي له الكلمة العليا يف الفيلم نظر ًا لكونه فنان ًا مبدع ًا ذا �شخ�صية م�سيطرة وقوية وطاغية ]* . حياة " بيكا�سو " هي مبثابة الدليل �إىل مفردات التكوين الفيلمي، ورمبا نعدها �أحد عنا�صر هذا التكوين ،حيث �أن االجت��اه الذي يقود العني ب�صري ًا ب�شكل منظم وخمطط له ،من نقطة �إىل �أخرى، ميلك �إمكانية التعامل مع اخلامة احلياتية ( كون احليوات خامات ) �أو خطوط� ،أما �أن تكون م�ستقيمة �أو تكون متعرجة ،منحنية �أو متقاطعة ،مت�صلة �أو منف�صلة …وهذه احلاالت و�أن اختلفت، ف�إنها �ألقت بظلها الوافر على حياة " بيكا�سو " املرتددة بني ثقل الكتلة وقد�سية الفراغ ،ناهيك عن رفعته . �إن ت�صميم املخرج " �آيفري " وعزمه على تناول فرتة حمددة من حياة " بيكا�سو" متتد بني عامي ( ) 1943– 1953له ما ي�برره مبعيار ال�صعوبة الالزمة التي تواجهها ال�سينما �إذا ما �أرادت الت�صدي حلياة العظماء وامل�شاهري .فغالب ًا ما يحاول ال�شريط ال�سينمائي ت�أكيد جانب حيوي من جوانب ( ال�شخ�صية مو�ضوع ال�شريط ) له دوره يف �إ�ضاءة ما يلزم �أ�ضاءته مناجلوانب الأخرى لتلك احلياة وذلك الفن . وب�شكل عام ُينجز ال�شكل ال�سينمائي يف اجتاهه املتعاظم لتناول حياة الكتاب والفنانني ،تراكما توثيقيا �ضروريا ال يخلو من جمال �أو احتفاء بحدود تلك احلياة مهما كانت ا�ستقالليتها جتاه
يف ع��ودة ل�ل��وراء بحثا عن بيكا�سو اختار جيم�س �آي�ف��ري " " فران�سواز جيلو اك�ثر عا�شقات "بيكا�سو" ت��أث�يرا عليه ،وهي الوحيدة التي ا�ستطاعت النجاة �ساملة العقل من م�صري االنتحار �أو اجل�ن��ون ال��ذي �أقت�سمه ب��اق��ي الأب �ن��اء وال��زوج��ات .فدونت مذكراتها كاملة يف كتابها (حياتي مع بيكا�سو) الذي اق ُت ِب�ست عنه ق�صة الفيلم .و�أ�شيع عنها عدم تعاونها مع الفيلم ونبذها فكرة �إخ��راج فيلم عن حياة " بيكا�سو "� ،إال �أن ذلك مل ُيثن املخرج " �إيفري " عن اال�ستمرار يف م�شروعه الذي ر�صد له ميزانيـة ُت َقـدر بـ ( 16مليون دوالر) ،ف�أختار " باري�س " مكانا لت�صوير معظم م�شاهد فيلمه ال�سينمائي . ويف ت�أكيد �أهمية املر�أة وت�أثريها يف حياة " بيكا�سـو " ونتاجه الفني ،يقـول املخرج " �آيفري " [ :كل واحدة منهن ملهمة له مدة ثم يهملها .كل واح��دة منهن كانت تفقد ت�أثريها و�سحرها عليه تدريجيا ،وعندما كان حبه لهن يخبو ،كان ت�أثريهن عليه يت�ضاءل وي�صبح �سلبيا ،وتو�ضح ر�سومـه هـذا ال�شـيء .فقد كـان " بيكا�سو " يخلق منطقة انفعالية مدم َرة حوله كما هو معروف]. يختلف املخرج " �آيفري " يف ر�ؤيته ل�ضرورة خلق �أفالم ممتعة لل ُم�شاهد ت�أخذ ِ�سري املبدعني وتركز على حياتهم �أكرث من تركيزها على عملية الإب� ��داع واخل �ل��ق ل��دي�ه��م ،ع��ن امل �خ��رج الفرن�سي " فران�سوا تروفو " الـذي يـذهب �إلـى القول " :ال �أريد �أن �أ�صنع �أفالما لأنا�س ال يقرءون " م�شريا بذلك �إىل �أهمية ثقافة املُ�شاهد ومعرفته .وحتى نتبني املفهوم الذي يحبذه " �آيفري " يف هذا النوع من الأفالم ف�إننا نت�ساءل عما ي�شكله فيلم " بيكا�سو " من قيمة �أو متعة بالن�سبة للذين يجهلون معرفة هذا الفنان 000هل ميكن و�صفه من هذه الزاوية بالفيلم الثقيل �أو ال�ساذج ؟ هل على " �آيفري " �أن يفكر يف ذلك؟ لقد وفق " �آيفري " �إىل حد ما يف خلق رواية �سينمائية جذابة تحُ ِف ُز على البحث عن بقايا حياة " بيكا�سو " وفنه ،و ُتر�ضي يف الوقت نف�سه �أذواقا خمتلفة .عن ذلك يقول " �آيفري " [ :كم من املَ�شاهد ميكن ت�صويرها للفنان وهو ير�سم �أو ينحت ! الأمر املمتع هو كيف �سارت حياتهم وت�أثري ذلك على فنهم ،ثم ما هي الدوافع التي جعلت هذا الفن يكون على هذا النحو …]. لي�س غريبا �أن يكون " �آيفري " �أحد ابرز ال�سينمائيني املولعني بالتعامل مع الن�صو�ص الأدبية .خا�صة وان ال�سينما دون باقي الفنون ،متيل �إىل التكامل الوظيفي يف الأ�سلوب والإي�صال واملعاجلة اجلمالية ،لت�سهم بجدارة يف خلق القيم التي نعي�ش بها .البد من الإ�شارة هـنا �إىل الأداء الرائـع واملتميز للممثلة " ناتا�شا ماكلون " واملمثل " �إنتوين هوبكنز " الذي �أ�ضاف بعدا جماليا �آخر للفيلم. ***** جيم�س �آيفري :خمرج �أمريكي مقيم يف بريطانيا من مواليد 1930 عُرف عنه تعامله مع الن�صو�ص الأدبية املختلفة .من �أفالمه نذكر: (�أهايل بو�سطن – )1984عن رواية لهرني جيم�س ( .غرفة ذات منظر – )1985و(موري�س )1989-و (نهاية هوارد)1992 - عن ثالث رواي��ات لـ " �أي � .أم .فور�سرت " كذلك فيلمه ال�شهري (بقايا النهار – ) 1993عن رواية للياباين " كازوو �إي�شغورو " الذي برع فيه املمثل " هوبكنز " واملمثلة " �أميا توم�سون". * :ما بني الأقوا�س الكبرية نق ً ال عن مقال: بحث ًا عن " بيكا�سو" ابت�سام عبد اهلل -املوقف الثقايف ( ) 1و ( 1996 / )2بغداد.
5
هل استوحى بيكاسو فكرة "الغرنيكا" من السينما؟ جزء من لوحة"اجلرنيكا" لبيكا�سو مع تو�ضيح الت�شابه بيها وبني الفيلم التزال لوحة بيكا�سو ال�شهرية "غرنيكا" ،حتمل بني ثناياها العديد من عالمات الإ�ستفهام يف ما يتعلق بالوحي الذي �ألهم الفنان الإ�سباين يف ر�سمها .وهذه املرة ،قد يكون ال�شريط الفيلمي "وداع ًا لل�سالح" للمخرج فرانك ب��ورزي��ج ،امل��أخ��وذة �أح��داث��ه عن رواي��ة �إيرن�ست همنغواي ،هو من �أوحى بيكا�سو لإبداع لوحته اخلالدة ،طبق ًا لدرا�سة �أعدها امل�صور ال�سينمائي املعروف خو�سيه لوي�س �ألكاينه. مو�سع ن�شره يف املجلة املتخ�ص�صة "كامريامان" ،يك�شف ويف مقال ّ �ألكاينه عن تفا�صيل بحث �إ�ستغرق يف �إع��داده �أ�شهر عدة .ومن بني ما يتناوله فيه ،امل�شهد الذي يعر�ض ،باللونني الأبي�ض والأ�سود ،هروب الع�سكريني واملدنيني� ،أثناء الليل ،عرب �إحدى الطرق التي تتعر�ض لق�صف بع�ض الطائرات .يقول امل�صور ال�سينمائي مو�ضح ًا ذلك":كنت قد �شاهدت فيلم (وداع � ًا لل�سالح) يف �آواخ��ر �أع��وام ال�ستينيات ،يف ن��ادي ال�سينما لقناة التلفزيون الثانية .ولكن ،بعد مرور �سنوات عدة عدت لأ�شاهده مرة �أخرى يف �شريط فيديو يف املنزل ،و�أ�صابتني الده�شة حيال م�شهد الطريق� ،إذ ر�أيت نف�سي كما لو كنت واقف ًا �أمام لوحة غرنيكا" .من الوهلة الأوىل ،تلفت �إنتباهنا ثالثة �أ�شياء يف اللوحة� :أ�صابع اليد البي�ضاء
الثخينة يف الوحل ،وهي يف حالة �إحت�ضار ،واخليول الهاربة ،ومن ثم �إمر�أة تنظر اىل ال�سماء وهي تبكي. مل يكن بيكا�سو مير بظروف يح�سد عليها عندما ر�سم "غرنيكا" ،يف ايار من عام .1937حيث احلرب الأهلية قد دمرت �إ�سبانيا ،واحلرب العاملية الثانية على و�شك �أن تع�صف ب�أوروبا. وحينما ر�سم الفنان البا�سكوي لوحته ،كان فيلم "وداع ًا لل�سالح" ال يزال يعر�ض يف �صاالت ال�سينما ،لأن نظام التوزيع ،كما يذكر �ألكاينه ،كان ي�شرتط ،حينها ،على �إ�ستمرار عر�ض الأف�لام ملدة �ست �سنوات .ومن اجللي �أن يكون بيكا�سو قد �شاهد الفيلم خالل هذه املدة الطويلة ،لي�س ب�سبب من عالقة ال�صداقة التي كانت تربطه بهمنغواي فقط ،بل لأنه كان كثري ًا ما يرتاد ال�سينما ،يف ذلك احلني ،.اىل جانب �إنها كانت من �أف�ضل الو�سائل ت�سلية ،و�أكرثها توثيق ًا للواقع .بالإ�ضافة اىل �أن الفيلم �أثار اجلدل حوله يف ذلك الوقت ،بالنظر لنهايته ال�سعيدة .وكان ال بد لبيكا�سو �أن ي�شاهده. ومن بني اللقطات الأخرى التي جتمع بني الفيلم واللوحة ،كما ي�شري �إليها م�صور فيلم "احلياة جميلة" احلا�صل على جائزة �أو�سكار �أف�ضل فيلم �أجنبي ،ق�صف الطائرات للع�سكريني واملدنيني ذاته ،الذي يحدث لي ًال، كما هو يف اللوحة �أي�ض ًا ،و�إن كان ذلك الق�صف يف احلقيقة قد حدث يف النهار .ناهيك عن احلركة ،يف كل من الفيلم واللوحة ،والتي ت�سري من اليمني اىل الي�سار ،مع ظهور اخليول وطيور الأوز يف �أجواء كليهما. وجدير ذك��ره �أن لوحة "غرنيكا" ال ت��زال معرو�ضة يف "متحف امللكة �صوفيا" يف مدريد منذ عام ،1992الذي �صادف يوم العا�شر من ال�شهر اجل��اري م��رور 30عام ًا على نقلها اىل �إ�سبانيا .ويقوم املتحف ،بهذه املنا�سبة ،ب�إعداد �سل�سلة من الن�شاطات الثقافية والفنية ،من بينها ندوات، وحما�ضرات ،ومعر�ض فني ،تتناول جميعها العقود الثالثة املا�ضية.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
6
العدد ()2292ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )29ت�شرين االول 2011
العدد ()2292ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )29ت�شرين االول 2011
7
بين جان كوكتو وبابلو بيكاسو عدنان من�شد
بيكاسو الرسام األكثر عرضة للسرقة في العالم عدنان ح�سني �أحمد رمبا ال ي�صدّق البع�ض �أن عدد الأعمال الفنية امل�سروقة يف ال�ع��امل ق��د بلغ " " 170.000عم ًال فني ًا م��وزع� ًا بني اللوحة الزيتية ،واملائية ،والر�سم التخطيطي ،والطباعي وما اىل ذلك .ورمبا تزداد غرابة القارئ حينما يعلم ب�أن عدد لوحات بيكا�سو امل�سروقة قد بلغت " " 449لوحة كان �آخرهما لوحتان م�شهورتان وهما " مايا مع دمية " و بورتريه لـ " جاكلني " ُتقدّر قيمتهما بـ " " 66مليون دوالر �أمريكي �سرقهما ل�صو�ص حمرتفون يف �سرقة اللقى والأع�م��ال الفنية يف 26فرباير املا�ضي من منزل ديانا ويدماير ،حفيدة بيكا�سو ،التي تقطن يف احلي الراقي يف ال��دائ��رة ال�سابعة من باري�س .وق��د متكنت ال�شرطة الفرن�سية من �إ�سرتداد اللوحتني يف ال�سابع من �أغ�سط�س اجلاري وهما بحالة جيدة .ويرى مركز توثيق اللوحات الفنية امل�سروقة �أن ال�سبب الكامن وراء �إ�ستهداف �أعمال بيكا�سو على وجه التحديد هو �شهرته الفنية التي طبقت الآفاق ،وغالء �أ�سعار لوحاته� ،إذ بيعت لوحة " �صبي مع غليون " بـ " " 104.2مليون دوالر .كما �أنه غزير الإنتاج و�أعماله الفنية التي بلغت " " 20.000موزعة بني �أ�سبانيا وفرن�سا والواليات املتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية الأمر الذي يجعلها عر�ضة لل�سرقة على رغم من الإح�ت�رازات والإج ��راء�آت الأمنية امل�شددة على املتاحف و�صاالت العر�ض التي حتت�ضن بني �أوان و�آخر معار�ض �إ�ستعادية لبيكا�سو يف هذا البلد �أو ذاك .ويعاين الل�صو�ص غالب ًا من �شهرة بيكا�سو ،و�أ�سلوبه املعروف يف الر�سم والذي يحول دون بيع اللوحات يف امل��زادات العاملية �أو حتى يف ال�سوق ال�سوداء .وهذه لي�ست املرة الأوىل التي تتعر�ض فيها لوحات بيكا�سو لل�سرقة ،ففي عام 1989قام ل�صو�ص حمرتفون ب�سرقة " " 12لوحة من منزل مارينا، حفيدة بيكا�سو الأخ��رى ،وقد �أ�س ُتعيدت تلك الأعمال الحق ًا ،وتقدر قيمتها املادية بـ " " 17مليون دوالر� .أما �أكرب عملية �سطو تعر�ضت لها �أعمال بيكا�سو فكانت يف عام ،1976حيث متت �سرقة " " 118عم ًال من �أعماله الفنية من متحف مدينة �آفينون الفرن�سية.
وجدير ذكره �أن جتربة بيكا�سو م َّرت ب�ست مراحل فنية �أ�سا�سية �أجد من املنا�سب �أن نتوقف عندها .و�أول هذه املراحل هي ( املرحلة الزرقاء ) " " 1904-1901والتي َّ املخ�ضر .كما تكررت هيمن فيها اللونان الأزرق ،والأزرق ُرجع النقاد �سبب قتامة يف لوحاته �شخ�صية امله ِّرج .وي ِ هذه املرحلة اىل �إنتحار كارلو�س كا�ساكاما�س� ،صديق بيكا�سو املق َّرب .ومن �أبرز لوحات هذه املرحلة " احلياة " و " الوليمة املتق�شفة " و " وجبة ال��رج��ل الأع�م��ى " .ث��م �أعقبتها املرحلة ال ��وردي ��ة " " 1907-1905التي متيزت ب�ألوانها املبهجة كالربتقايل وال ��وردي ،ومل يغب املهرجون عن لوحاته ،لكن ال�شيء اجلديد الذي برز يف هذه املرحلة هو فردناندا �أولييفه كنموذج لأعماله النحتية، وك��ان��ت تربطه بها ع�لاق��ة حميمة. �أما املرحلة الثالثة فهي مرحلة الت�أثر ب��ال�ف��ن الأف��ري �ق��ي ال �ت��ي �إم �ت��دت ب�ين " ،" 1909-1907وقد �أجنز بيكا�سو عم ًال فني ًا م�شهور ًا يدعى " �آن�سات �آفينون " وال� � � � ��ذي جتلى فيه
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
الأ�سلوب التكعيبي �أول مرة .وقد �أ�صبحت هذه اللوحة حمط �أنظار النقاد الفنيني� .أما املرحلة الرابعة " -1909 " 1912وال �ت��ي �أط �ل��ق عليها �إ� �س��م امل��رح�ل��ة التكعيبية التحليلية حيث تطور الأ�سلوب التكعيبي على يد بيكا�سو و�صديقه براك اللذين �إ�ستعمال تقنية اللون الأحادي البني ودرجاته .وقد ّ �شخ�ص النقاد ت�شابه العديد من الأعمال الفنية لبيكا�سو وبراك يف هذه املرحلة لأنهما �إع�ت�م��دا على �أ��س�ل��وب حتليل اال�شكال ال �ف �ن �ي��ة� .أم� ��ا امل��رح �ل��ة اخل��ام �� �س��ة " " 1919-1912وال �ت��ي �أ�سميت بالتكعيبية الرتكيبة فهي التي جت�ل��ى ف�ي�ه��ا �إ��س�ت�ع�م��ال الكوالج �أول مرة حيث �أل�صق بيكا�سو ق�صا�صات م��ن ورق اجلرائد ع �ل��ى ال �� �س �ط��ح ال �ت �� �ص��وي��ري لأعماله الفنية .ب��د�أت املرحلة ال�ساد�سة بعد احل��رب العاملية الأوىل وق� ��د �أ� �س �م �ي��ت ب� �ـ " الكال�سيكية وال�سريالية " ح �ي��ث ر�سم ف�� �ي�� �ه� ��ا
بيكا�سو �أه��م عمل فني على الإط�لاق ،وهو " اجلورنيكا " والتي �إعتمد فيها الأ�سلوب الكال�سيكي اجلديد ،وقد و�صف النقاد هذه املرحلة بالعودة اىل الأ�صل ،كما عاد ديران وجيورجيو دو غريكو وبع�ض ر�سامي املو�ضوعية اجلديدة .وتعترب " اجلورنيكا " �أ�شهر عمل فني لبيكا�سو ي�صوِّ ر ب�شاعة احلرب ووح�شيتها .وقد ظلت هذه اللوحة ال�شهرية معلقة يف متحف الفن احل��دي��ث يف نيويورك ل�سنوات عدة ،ثم نقلت عام 1981اىل �أ�سبانيا ،وعر�ضت يف كازون ديل بوين ريتريو .ويف عام 1992نقلت اىل متحف رينا �صوفيا يف مدريد ملنا�سبة �إفتتاحه� .أما " متثال بيكا�سو " فيعد الأ�شهر بني متاثيله املعرو�ضة يف �شيكاغو. يوحي �شكل التمثال اخلارجي بالغمو�ض� ،إذ ميكن �أن يكون �شك ًال حل�صان �أو لطائر �أو لإمر�أة يف الوقت ذاته. ويعد هذا التمثال من العالمات الفارقة يف مدينة �شيكاغو. �أزيح ال�ستار عنه عام ،1967وقد رف�ض بيكا�سو يف حينه �أن يتقا�ضى مبلغ " " 100.000دوالر عن هذا العمل .وقد تربع باملبلغ املذكور اىل �أبناء املدينة .ويف الثالثينات من القرن املا�ضي ّ حل امليناتور حمل امله ِّرج " امليناتور: �إن�سان خ��رايف بر�أ�س ثور وج�سم ب�شر " ويعزو النقاد ظهور امليناتور اىل عالقته بال�سرياليني الذين �إ�ستعملوه كرمز �أيقوين يف �أعمالهم الفنية .وقد ظهر هذا الرمز يف " اجلورنيكا " �أي�ض ًا� .أما اللوحتان اللتان مت �إ�سرتدادهما فهما تنتميان اىل مرحلتني خمتلفتني من املراحل التي مر بها بيكا�سو .فلوحة " مايا مع دمية " �أجنزها بيكا�سو عام جم�سد ًا فيها طفلته " مايا التي ولدت عام 1953 ِّ ،1938 من م��اري ترييز وال�تر �إح��دى ع�شيقاته الكثريات .وقد ظلت معلقة ب�أمل ال��زواج ر�سمي ًا من بيكا�سو ،لكنه مات ومل يحقق لها هذا الأمل الكبري ،الأمر الذي دفعها للإنتحار �شنق ًا بعد �أرب��ع �سنوات من وفاته .نفذ بيكا�سو لوحة " مايا مع دمية " بالزيت على كانفا�س قيا�س " " 40×60 �سم� .أما اللوحة الثانية فهي لزوجته الثانية جاكلني روغ ر�سمها الفنان عام .1961عا�ش بيكا�سو حياة مثرية على ال�صعيدين الفني والعاطفي .وتويف عام 1973عن " 91 " عام ًا.
بابلو بيكا�سو �أ�سم مرموق يف �سماء الفن الت�شكيلي العاملي ،و�شخ�صية ف��ذة �شغلت ال�ق��رن الع�شرين برمته ،وت��وات��رت �سريته و�آرا�ؤه التي قلبت موازين اجلمال واحتلت حيز ًا كبري ًا من الثقافة املعا�صرة ،فالنجاح امل �ت �ف��رد ال� ��ذي ح�ق�ق��ه ب�ي�ك��ا��س��و يف حياته ( )1973-1881يعد �أمر ًا مل يكن له مثيل يف تاريخ الفن من قبل. ولعل كتاب فران�سواز جيلو (حياتي مع بيكا�سو) ال��ذي يجمع بني ال�سرية الذاتية وا�ستعرا�ض التجربة الفنية التي عا�صرت بيكا�سو من �أمثال هرني م��ات �ي ����س و�آن� ��دري� ��ه م���ال���رو وب���ول ال� � � � � �ي � � � � ��وار و� � � � �ش� � � ��اريل � � � �ش� � ��اب � � �ل� � ��ن وارغ � � � � � � � ��ون وب� � � � � � � � � � ��راك وك�� ��وك� � �ت�� ��و مي�ي��ط اللثام ع�� ��ن �أغ � � ��رب �شخ�صية فنية ظ �ل��ت خمفية حت��ت بهرجة االع� � �ل � ��ام اال ع � ��ن ال� �ن ��ا� ��س الذين كانوا على متا�س حقيقي معها .رمب��ا يعد املخرج وامل�ؤلف واملمثل والر�سام جان كوكتو من �أقرب النا�س اىل بابلو بيكا�سو منذ �أرب�ع�ي�ن�ي��ات ال �ق��رن امل�ن���ص��رم .وهاهي ق�صة ترويها ف��ران���س��واز جيلو حول ف���ش��ل االول وت���أل��ق ال �ث��اين يف عمل م�سرحي جمع االثنني ..ننقل الق�صة كما وردت ب�صراحة متناهية وبت�صرف قليل عن ترجمة االديبة العراقية مي مظفر التي �شابها العديد من االخطاء. جاء جان كوكتو يف �أحد �صباحات باري�س ال���ش�ت��وي��ة ،م��ع ��ص��دي�ق��ه (ج���ان م��اري��ه) �أو
(ي��ان��وت) كما ك��ان ي�سميه ،ليخرب بيكا�سو ان (ي��ان��وت) �أخ��ذ دور (ب�يرو���س) يف �أنتاج م�سرحية (ان��دروم��اك) جل��ان را��س�ين .وقال كوكتو م�ؤكد ًا�( :سينال �صغرينا يانوت جناح ًا ملزم ًا) وكان (يانوت) قد قام حتى بت�صميم امل���ش��اه��د وامل�لاب ����س ،وراح ك��وك�ت��و ي�صف ذل � ��ك ب���أ���س��ه��اب، وه� � ��و ي�ضفي ت ��أك �ي��د ًا حازم ًا
على الت�ضادد ال��درام��ي مابني املالب�س البي�ض واالعمدة ال�سود للق�صر ،حتى ت�صور بيكا�سو كم يبدو يانوت ملوكي ًا بعباءته االرجوانية ال�ساحرة التي يبلغ طولها �أكرث من خم�سة
ع�شر قدم ًا ،خ�صو�ص ًا حينما يلقي بنف�سه �أ�سفل �أح��د ال���س�لامل ،منكب ًا على ر�أ�سه. وك��ان��ت ث��ال�ث��ة االث���ايف يف �أح ��د امل�شاهد املثرية ج��د ًا ،تتعلق ب�أحتياج يانوت اىل �صوجلان ،فهل ب�أمكان بيكا�سو ان ي�صمم له واح��د ًا؟ .فكر بيكا�سو للحظة ،ثم قال: (ه��ل تعرفان �سوق ال���ش��ارع ال�صغري يف �شمال باري�س� ،أعني �شارع “وبو�سي”). بدت الده�شة على كوكتو ويانوت ،ولكنهما قاال �أجل انهما يعرفانه. “ممتاز!” قال بيكا�سو“ :اذهبا اىل هناك واج� � �ل� � �ب � ��ا يل ع�صا
مق�شة” .بدا االث � � �ن� � ��ان يف حالة �أرتباك بع�ض ال�شيء ،غري �أنهما يف النهاية خرجا وع��ادا بواحدة، �أخ��ذه��ا بيكا�سو وق��ال لهما( :ع ��ودا بعد يومني �س�أوجد منها �شيئ ًا) .الق�صة طويلة بني كوكتو وبيكا�سو ،كما وردت يف حياة فران�سواز جيلو ،ولكننا نلم �شتاتها بال�شكل التايل :بعد مغادرة كوكتو ويانوت� ،أخذ بيكا�سو ق�ضيب ًا حديدي ًا من النوع الذي يحرك ب��ه ال�ن��ار يف امل��وق��د الكبري ،وراح يحرق الزينة التجريدية لع�صا املق�شة، ويق�صر طولها اىل حد معقول ،حا�سب ًا عدم
ا�شتباكها بعباءة يانوت االرجوانية ذات اخلم�س ع�شرة ق��دم� ًا ،وبو�سعه ان يتكئ عليها �أي�ض ًا .حني وقت العر�ض مل�سرحية (ان ��دروم ��اك) جل��ان ك��وك�ت��و ،مل ت�ك��م ثمة رغبة لبيكا�سو ان يذهب مل�شاهدتها ،وال �أن يرى يانوت وهو ي�شهر �صوجلانه الذي �صنعه له .ولهذا �أعطى بطاقة الدعوة اىل فران�سواز جيلو .وكما كان امل��رء يتوقع، كانت ممثالت العر�ض حمت�شمات ب�أزيائهن على نحو غ��ث – م��ن احلنك اىل االر�ض – وامل �م �ث �ل��ون ي �ت �ق��اف��زون ويينططون ح� ��ول � �ه� ��ن م �ث��ل ج��رذان االوبرا، وي � � � ��رت � � � ��دون ت� � � � � �ن � � � � ��ورات ق�صرية تك�شف ع���ن �سيقانهم وب �ط��ون �ه��م اىل �أق�صى حد. �أ�� �ش ��د مايبعث ع �ل��ى الطرافة واال�� � �س�� ��ى يف ل� �ق ��اء كوكتو وب� �ي� �ك���ا�� �س���و ك �م��ا ت� �ق ��ول من امتلكت احلياة مع بيكا�سو� ،أعمدة ق�صر االمرية (اندروماك) ال�سود ،اذ كلما �أتك�أ املمثل (يانوت) على احداها ،يلطخ الدهان املائي الرخي�ص كفه. وحني يذهب بعد ذلك ملعانقة اندروماك يف �أخطر حلظة من حلظاته الدرامية ،ف�أنه ي�ترك طبعة م��ن ذل��ك ال��ده��ان على ثوبها االبي�ض الف�ضفا�ض ،اذ بات من املمكن ان يزعق املتفرجون ،وان تدب حاالت ال�صفري واطالق اله�سي�س والدوي. وه� �ك ��ذا ،ن��ح��رت وان��ت��ح��رت م�سرحية (اندروماك) جلني را�سني ،على الرغم من التعاون امل�شرتك بني جان كوكتو وبابلو بيكا�سو .والب��أ���س من القول �أخ�ي�ر ًا ،انه امل�ن�ط��ق االع� ��رج ال���ذي ان�ت�ه��ى مب�شهدنا امل�سرحي اىل مقلب نفايات االمم.
عن موقع �إيالف االلكرتوين http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
8
العدد ()2292ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )29ت�شرين االول 2011
العدد ()2292ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )29ت�شرين االول 2011
والفن المسيحي األندلسي المستعرب ثالثة حتفظات منهجية يتوجب قولها قبل اخلو�ض يف مو�ضوع �صعب كهذا �شاكر لعيبي الأول: يتعلق بالقيمة الكبرية التي �صارت "�شعبية" لبيكا�سو والتي جتعل العودة �إليه ،و�إعادة قراءته ك�أنها م�سا�س بقيمة ال ُتناق�ش ،بل معاجلة غ�ير م�ستحبة لأي�ق��ون��ة ت�شكيلية ثابتة يف القرن الع�شرين ،خا�صة �إذا طرحت ت�سا�ؤالت ال تطمئن للأفكار ال�شائعة. يرتافق مع هذا �أن ح�ساد بيكا�سو كانوا على الدوام من الكرثة مبكان عامليا ،وقد �ضربوا خبط ع�شواء �أحيان ًا ب�سبب الغرية من تفوقه البال�ستيكي وجت ��دده ال��دائ��ب وحتوالته امل �ث�يرة .ويف ه��ذا الإط ��ار َم�ن� َ�ح��تْ �شعبي ُة بيكا�سو ِق َي َم ُه جلميع الثقافات وال�شعوب واجلماليات التي ما انفكت تفت�ش فيه عن �شيء منها .هكذا وجدنا نقاد ًا من �أمريكا الالتينية ي�ع��زون تفا�صيل بع�ض �أعماله ملنحوتات �أمريكية التينية ،وعرب يعتقدون �أن��ه من �أ��ص��ول عربية ،وغ�ير ذل��ك مما يدل خو�ض بها. على عاملية وعمق الهموم التي َّ الثاين: يتعلق بالثقافات واجلماليات الهام�شية يف العامل التي ال مكان تقريبا لها يف املراكز الثقافية لل�سرديات الكربى (�أو ماورائيات ال �� �س��رد) .و�إذا م��ا قيل �أن ال�ت��اري��خ يكتبه املنت�صرون ،ن�ستطيع القول بنوع من الثقة �أن ت��اري��خ الفن يكتبه املنت�صرون �أي�ض ًا. لقد �أفاد فنانو ال�سرديات الكربى دائما من
اجلماليات الهام�شية �أو املن�سية وفنون ال���ش�ع��وب امل�ستعمرة ،و�أح �ي��ان��ا نهبوهاـ متام ًا كما ُنهبت �آثارها ،دون �أن متنح تلك اجلماليات لوقت طويل �إال مكانة فلكلورية �أو فن املواطن الأ�صلي (الأهلي ،ابن البلد .)indigène، nativeنتذكر مربع ماليفليت�ش امل�أخوذ من ال�صوفية ال�صينية، وت �ع��ري��ف ن�ق�ط��ة ك��ان��دن�ي���س�ك��ي امل�ستلهم حرفي ًا من الهند�سة والريا�ضيات العربية الإ�سالمية وغ�ير ذل��ك .لقد �أف��ادوا من جهل مواطنيهم بثقافة الآخ��ر وغ�ي��اب املعنيني �أنف�سهم يف حلظة معينة ،وه��و م��ا يجعل الأم��ر قريبا من التحايل خا�صة يف بع�ض احل��االت .هناك �شيء ال هو من هذا وال من ذاك يف حالة بيكا�سو ،لأن و�ضعه ب�صفته �أندل�سي ًا من مالقا ،قريبا للغاية لي�س فقط م��ن ف��ن امل�ستعربني � Mozarabeإمنا من الفن الإ�سالمي يف منوذجه الأندل�سي، وعدم �إ�شارته لذلك �إال ب�شكل جد عابر ،يبدو وك�أنه ي�ستهدف طمر �إرث ثقايف قدمي كان يف ما �سبق متقدما لكنه �صار ،يف اللحظة التي ت�ألق الفنان بها يف القرن الع�شرين، مو�سوم ًا بالتخلف والرجعية والغياب ،لقد كتب بيكا�سو تاريخه الفني وف��ق م��ا يو ّد ب�صفته منت�صر ًا. الثالث: يتعلق بالو�سيلة املو�ضوعية قدر الإمكان ال� �ت ��ي ن��ت��ج��اوز ف �ي �ه��ا م���ش�ك�ل�ت��ي القيمة اال�ستثنائية ال�شعبية لبيكا�سو التي متنع
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
ت�ق��ري�ب� ًا �إع� ��ادة ق� ��راءة بع�ض �أع �م��ال��ه� ،أو م��راج�ع��ة بع�ض ف�ترات��ه ،ث��م الكيفية التي ت�ستعاد الثقة فيها �أثناء قراءة العنا�صر التي ال يود بع�ض الفنانني �إظهارها للعلن ل�سبب م��ن الأ� �س �ب��اب .يف احل��ال��ة الأوىل �سن�ضع ب�ي�ك��ا��س��و يف م��واج �ه��ة م��ات�ي����س املُ �ع�ت ِ�رف �صراحة مبرجعياته ،ويف الثانية �سن�ضعه يف مواجهة مواطنيه الذين اكت�شفوا عودته �إىل فن امل�ستعربني وا�ستلهامه منها من دون �أية �إ�شارة من طرفه. �أع�ت�رف يف ال�ب��دء �أن الأ� �ص��ل الأول الذي ا�ستثار هذا الت�أمل يقع يف �أمرين: الأول :ال يخ�ص بيكا�سو مبا�شرة ،وهو ت�ت�ب��ع ال �ت ��أث��رات ال���ص��وف�ي��ة والروحانية ال�شرقية ،الإ��س�لام�ي��ة خا�صة ل��دى فنانني اع�ت�رف ��وا ب ��درج ��ات م �ت �ف��اوت��ة ب��ه��ا ،مثل ماتي�س ،كاندين�سكي ،ماليفيت�ش وبول كليه وم��ارك توبي وهرني مي�شو و�أحيانا ك �ثي��رة م� ��ارك روت� �ك ��و .وك� ��ان املو�ضوع حم��ور حما�ضراتي ،ل�سنتني اثنتني� ،أمام طلبة املاج�ستري يف املعهد العايل للفنون واحل � ��رف ب �ق��اب ����س ،ج �ن��وب ت��ون ����س .يف حلظة من حلظات ذلك الدر�س برزت فج�أة �أثناء تكبريي يف جهاز الكومبيوتر لوحة لبيكا�سو �أث��ار تف�صيل فيها انتباهي ،هي (جاكلني بزيّ تركي Jacqueline en )1955 costume turcالتي خيّل يل ب�أين �أجد �شبه ًا كافي ًا مع الكتابة العربية يف غطاء الر�أ�س ،بل كتابة تقلد اخلط الكويف
(ب�سودو .)pseudo-cufiqueمهما نتو�صل ق َّلبنا �أمر هذه "النق�شة" فلعلنا لن ّ �إىل مطابقتها بالأ�شكال الزخرفية امل�ؤ�سلبة، �إمن��ا بالكتابة غالبا .هل كان بيكا�سو على دراية (ب�صرية) كافية بالكتابة العربية و�إنْ مل يعرف الكالم بها .يف اللوحة تقع بالطبع مهارات بيكا�سو املهيمن على فنون الر�سم التقليدية و�سيطرته امل �ع��روف��ة يف ر�سم ال�شكل الب�شري والوجوه ونقل تعبرياتها مع ح�ضور نزوع زخريف – تلويني يجد له يف هذه اللوحة مكانا منا�سب ًا. ذكرت �أنني كنتُ �أجد يف غطاء الر�أ�س ،يف لوحة (جاكلني بزيّ تركي) Jacqueline � ،1955 en costume turcشبه ًا كافي ًا مع الكتابة العربية ولي�س بالأ�شكال الزخرفية امل�ؤ�سلبة .وت�ساءلتُ فيما �إذا كان بيكا�سو على دراية (ب�صرية) كافية بالكتابة العربية و�إنْ مل يعرف الكالم بها. كنتُ على دراية كافية بدرا�سة �أو�ستا�ش دو لوري Eustache de Loreyالقدمية (بيكا�سو وال�شرق الإ�سالمي) ال�صادرة عام 1932ذات املعطيات املهمة التي مل ُت�ؤخذ على حممل اجلد .و�أعلم �أن دو لوري كان قد خل�ص �إىل القول�" :إ�سبا ّ ين فقط من �أ�صول مغربية [ ]Mauresميكن �أن يكت�شف هذا الفن املفهومي عن جدارة ،فهو ال ي�ستطيع، كما الح��ظ غيوم �أبولونري ،منع نف�سه من االفرتا�ض �أنه ينحدر من م�سلم بعيد� ،شرقي بالطبع منح نف�سه (ل�شيطان التجريدية)"
.مل يكن الأم��ر لري�ضي قناعتي الغام�ضة بوجود م�ؤثرات عميقة غري معرتف بها �أبدا من طرف بيكا�سو. لنقل ا�ستطراد ًا �إن مثل تلك الكتابة املق ِّلدة للعربية موجودة �أي�ضا يف عمل جليوتو، عيد امليالد 1300 La Nativitéم ،حيث ال يقوم الفنان بر�سم زخ��ارف معينة على ثوب العذراء فح�سب �إمنا من دون �أدنى �شك يقلد الكتابة العربية .pseudo-arabe �أم��ر مبكر �سيتكرر الحق ًا يف بع�ض �أعمال ع�صر النه�ضة. نح�سب �أن ال �ف��ارق ج��وه��ري ب�ين جيوتو وب�ي�ك��ا��س��و ،ف�ف��ي ح�ين ال ي �ع��رف ومل يزر الإي�ط��ايل بلد ًا ي�ستخدم ه��ذا احل��رف ،ن�ش�أ بيكا�سو يف قلب الثقافة الأندل�سية وت�شكل ال�ث�ق��اف��ة ال�ع��رب�ي��ة الإ��س�لام�ي��ة املوزارابية عن�صرا جوهريا يف تكوينه ،وه��و ما ر�آه �أب��ول��ون�ير يف وق��ت مبكر ،ومل يعرتف به بيكا�سو بعناد. لكن النتيجة التي قد تقود مالحظة �أبولونري �إليها ،بالن�سبة يل ،هي الإمكانية الوا�سعة لت�أثري النق�ش والرق�ش الأندل�سي املبا�شر، الكامن يف الأق��ل يف بع�ض �أعمال بيكا�سو يف فرتة من الفرتات .ولكي ال يكون الأمر حم�ض �إ�سقاط يبدو �أن و�ضع بيكا�سو يف مواجهة ماتي�س مفيد يف هذا املقام .ففي حني �أن ماتي�س ذا الثقافة الفرن�سية اخلال�صة، كان يعلن �صراحة �أنه ي�ستند �إىل فن الإ�سالم لكي يبدع فنا و�صفه (باجلمالية الزخرفية)
، une esthétique décorativeمل ي�ص ِّرح بيكا�سو ،ذو املن�ش�أ الأندل�سي املالقي، املولود عام 1881م ب�أية عالقة له بهذا الفن بربغم �أنه قد ر�ضعه �صغري ًا .ال يبدو املوقف متعلقا بالإيطيقيا فقط و�إمن ��ا بالأ�صول واجلماليات التي ت�سمح بتثمني وتذوق فن بيكا�سو ،بل ب�إعادة قراءة نقدية وحتليلية له ،وهو �أمر بالغ الأهمية. يف كتابها "ماتي�س وبيكا�سو� :صداقة يف الفن" ال�صادر عام 1991بطبعته الأوىل، تقدّم فران�سواز جيلو التي عا�شت مع بابلو بيكا�سو ث �م��اين � �س �ن��وات ،ع�لاق��ة ماتي�س وب�ي�ك��ا��س��و ع �ل��ى ن �ح��و ي���ش�ير �إىل وج��ود م�شاحنة م�ستمرة بينهما و�إعجاب متبادل م�شوب بالغرية واملناف�سة يف �آن واحد. ُتعلن ه��ذه املناف�سة بل الغرية عن نف�سها ب�شكل �صريح يف حالة بيكا�سو على وجه اخل�صو�ص .كان فارق ال�سن عن�صر ًا يف تلك املناف�سة :فقد كانت ماتي�س تكربه بـ � 12سنة �أتاحت له �سبق ًا يف الن�ضج ويف التجديد. ت�ت�ح��دث جيلو ع��ن ع�لاق��ة ال��رج �ل�ين خالل ال�سنوات التي عا�شتها م��ع بيكا�سو ،من � 1946إىل 1954م .عندما تع ّرف بيكا�سو على جيلو كان عمره �آنئذ 65عامًا ،وكان يف قمة ال�شهرة ك�أعظم فنان غربي عرفه العامل ،بينما كان ماتي�س يناهز الـ 77عامًا، وق��د حت��ول ب ��دوره �إىل �أي�ق��ون��ة يف مدينة باري�س التي كانت حينها قطب الفن احلديث العاملي. جوهر اخل�صومة ك��ان ي��دور ح��ول الطابع الزخريف يف �أعمال ماتي�س .وه��و عن�صر ك��ان �سيزان قبل غ�يره يرف�ضه ب�شدة ،فقد ق��ال م��رة عن ماتي�س بنربة فيها �شيء من االحتقار�" :إنه �صانع �صور �صينية" وهي كلمة ت�خ�ف��ي ،ع�ل��ى م��ا ي �ق��ول ه��رب��رت ريد "رف�ض ًا لتلك الرمزية امل�صطنعة[ ،وللعن�صر الزخريف] التي كانت ب�شكل �أو ب�آخر ت�سم كل الفن الغربي يف ال�سنوات الع�شرين الأخرية من القرن التا�سع ع�شر". رف ����ض ب�ي�ك��ا��س��و �إذن ال��زخ��م ال��زخ��ريف احلا�ضر يف �أعمال ماتي�س .لكنه منذ بداية القرن الع�شرين مل ي�ستطع �أن يخفي حريته �أمام لوحة ماتي�س ال�ضخمة "عارية زرقاء" � ،1907إذ ق��ال�" :إذا ك��ان ي��ري��د �أن ير�سم ام��ر�أة ،فلري�سم ام��ر�أة .و�إذا �أراد �أن ير�سم ت�صميم ًا ،فلري�سم ت�صميم ًا� .أم��ا ه��ذا ف�أمر وا�ضح. كان بيكا�سو الذي كان يف ذلك الوقت يعمل ر ّد ًا على لوحة ماتي�س "بهجة احلياة" Le 1905 ,bonheur de vivreوير�سم "�آن�سات �أفينيون" ،ي��درك يف �أعماقه �أن الت�صميم الزخريف كان عن�صر ًا حا�سم ًا يف �أعمال ماتي�س ،وهو يعك�س� ،إذا ما �أُح�سن ا�ستغالله يف العمل الفني� ،إيقاع ًا ب�صري ًا حم���ض� ًا .ك��ان ي��رف����ض ظ��اه��ري � ًا االع�ت�راف ب�أن جماع ت�أثريات للإيقاع الزخريف ميكن �أن ت�شكل تيار ًا ت�شكيلي ًا راديكالي ًا ،ولي�س حم�ض تناق�ض �شكلي مع التيارات ال�سائدة. ل�ك�ن��ه ا� �س �ت �خ��دم ه��و ن�ف���س��ه ��ش�ي�ئ��ا كثريا، على طريقته اخلا�صة ،من تلك املوتيفات �ترح دائما �أنها مالقية �أندل�سية يف التي اق ُ ال�ع��دي��د م��ن ل��وح��ات��ه .ذه��ب بيكا�سو للفن الزجني كما نعرف ك�أحد امل�صادر الأ�سا�سية ملرحلته التكعيبية ،بينما ذهب ماتي�س للفن الإ�سالمي يف بحثني يفرتقان لكنهما يلتقيان من الداخل ،خا�صة يف مرحلة الحقة من عمل بيكا�سو .فقد دفع �إ�صرار ماتي�س الأ�سلوبي ال��ذاه��ب �إىل الفن الإ��س�لام��ي بيكا�سو �إىل مناف�سة لوحة ماتي�س "املغاربة" بلوحته "املو�سيقيون". بعد موت ماتي�س عام 1954ر�سم بيكا�سو ال�ن���س��اء ال���ش��رق�ي��ات ب ��أ� �س �ل��وب ق��ري��ب من حمظيات ماتي�س ،وك�أننا به يعيد بع�ضها ولكن ب�أ�سلوبه الرث احلر اخلا�ص وبباليتته ال�شخ�صية ،م�ستعيد ًا يف لوحته (�سوزان وال�ع�ج��ائ��ز ،ع��ام )1955ع��وامل��ه ال�شبقية الأث�ي�رة ال�ت��ي مل يكف ع��ن تقدميها طوال
9 حياته .لقد وقع اخت�صار زخارف الو�سائد وال�ف��را���ش بطريقة بال�ستيكية بينما وقع باملقابل و�ضع دوائر �شبه منحنية ذات طابع لُعُبي على �ساق املوديل� .أن خطوط ًا متوازية �أو متقاطعة ،عر�ضية �أو طوالنية هي لعبة ت�شكيلية مل يكف بيكا�سو عنها غري معرتف ال�ب�ت��ة مب���ص��ادره��ا� ،إال ب�ع��د م��وت ماتي�س وبطريقة غام�ضة ،فعندما ر�سم بعد عام واحد فقط من رحيل مناف�سه ،لوحة �أ�سماها «ن�ساء اجلزائر( ،من وحي ديالكروا)» يظهر ماتي�سيا �أكرث من ماتي�س على ما يقول بع�ض م�ؤرخي الفن ،وقد دافع بيكا�سو عن ذلك رد ًا على مالحظة �صديق له" :نعم �أنت على حق، فقد ترك ماتي�س بعد وفاته لوحات ن�سائه �إرث� � ًا يف ذم�ت��ي� ،أم��ا لوحاتي ه��ذه فتمثل ر�ؤيتي لل�شرق [يق�صد �شمال �أفريقيا] حيث مل �أذهب �إىل هناك �أبد ًا" .مل يذهب بيكا�سو �إىل �شمال �أفريقيا لكنه كان يعي�ش بربغم ذلك فيه .عندما نفح�ص لوحته "ن�ساء اجلزائر" عام 1955وبعيد ًا عن موقفه املدافع فيها عن ن�ساء امل�ستعمرات الفرن�سية ،كما بعيد ًا عن رده فيها على موقف دوالكروا الإكزوتيكي اال��س�ت���ش��راق��ي ،ن��رى قليال �أو ك�ث�يرا دينه للفن ال�شرقي (حتى ال نقول الإ�سالمي)، قبل وبعد هذه اللوحة ،ونرى فيها م�صادر زخرفية تنهل من معني ال يعرتف به تاريخ الفن �إال ن��ادرا على ا�ستحياء �شديد ،كما ال يقول عنه بيكا�سو نف�سه �شيئا يُذكر. وقد ظهر ذلك يف �سل�سلة اللوحات اخلم�س ع�شرة التي �أجنزها على هدى لوحة "ن�ساء اجلزائر (من وحي ديالكروا)" �إذ �أكمل �أول اثنني منها يف 13كانون الأول (دي�سمرب) � ،1954أي ب�ع��د �ستة �أ��س��اب�ي��ع م��ن وف��اة ماتي�س ،وك��ان ت�أثري لوحات الن�ساء التي ر�سمها الأخ�ي�ر ،مب ��ؤث��رات �شرقية� ،شديد الظهور وا�ضحا وجليا يف ل��وح��ات��ه .كان بيكا�سو يعرف جيدا -و�أ�شار �إىل ذلك يف موا�ضع ك�ث�يرة -كيف تغلغل ماتي�س بعد وف��ات��ه يف �أع�م��ال��ه ،لي�س فقط يف �سل�سلة �أع�م��ال م��ا بعد دي�لاك��روا ،ولكن يف جممل �إنتاجه لتلك الفرتة ،يظهر ذل��ك �أحيانا يف بع�ض مظاهر اللوحة ومناخها ال�ع��ام �أو يف روحيتها والأحا�سي�س التي حتيط بها و�أح�ي��ان��ا يف تكوينها وبنائها وتفا�صيل ب�صرية ك�ث�يرة فيها .ك��ان ي��ود وي �ق��وم ،ال ��ش�ع��وري��ا يف ر�أي � ��ي ،ب��ال��رد ع�ل��ى ماتي�س عمليا ب�إجناز لوحات ت�ؤكد �أنه يعرف الفن الإ�سالمي �أكرث منه. لنبق عند لوحته (ن�ساء اجلزائر) ولنالحظ، م��ن ال��زاوي��ة ال�ت��ي تعنينا ه�ن��ا ف�ق��ط ،ب�أنها حم�ت���ش��دة ح��رف �ي � ًا ب�ك��ل امل��وت �ي �ف��ات امل�سماة عرابي�سك :اخلطوط الطوالنية والعر�ضية و�أ�شكال املعينات ،وجت��اوُر الأل��وان الزاهية كما يف ال���س�ج��اد ،وال�ت�ج��ري��د ،والتناظرات اللونية ،وجميع الأ�شكال الهند�سية املرتاكبة كامل�ستطيل وامل�ث�ل��ث وال ��دائ ��رة ،واملعاجلة اللونية الأخ�ي�رة التي متنح للعني لعبة من �ألعاب الأربي�سك برغم املوتيفات الت�شخي�صية امل��وج��ودة يف اللوحة� .إن االنطباع املمكن اخل ��روج ب��ه م��ن ه��ذه اللوحة �أن �ه��ا ،ببنيتها ال�ع��ام��ة وتركيبها ال �ل��وين ،وك��أن�ه��ا �سجادة �شرقية معمولة على م��زاج وب�إبداع بيكا�سو الفذ .عندما �سيعيد معاجلة لوحة فيال�سكي�س ال�شهرية (و�صيفات ال�شرف :ال�س مينينا�س Les ménines d'après )1656 Velasquezاملر�سومة عام 1957ف�إنه لن يقوم �إال ب��الأم��ر عينه بال�ضبط برغم �أن ا�ستعارات ومنحى فيال�سكي�س يختلف عن معاجلة ور�ؤية ديالكروا .لقد طواهما كليهما يف ر�ؤيته املزخ َرفة. مل��اذا ي�ستخدم الأ��س�ل��وب عينه بالعودة �إىل لوحتني ال ع�لاق��ة بينهما �شكلي ًا؟ �إن��ه يفعل ل�صالح همه الت�شكيلي وح��ده ال��ذي يبدو �أن هاج�سا ماتي�سيا ق��د ان�صب فيه ان�صباب ًا، وال��ذي يبدو بالتايل وقد �أخ��ذه �إىل الأماكن ذات�ه��ا التي ك��ان ماتي�س ي�سعى �إليها :الفن ال�شرقي
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
10
العدد ()2292ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )29ت�شرين االول 2011
العدد ()2292ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )29ت�شرين االول 2011
بابلو بيكاسو -أوراق من حياته فران�سواز جيلو املر�أة ال�ساد�سة يف حياة الفنان الذي رحل عن عاملنا يف 8ني�سان �/أبريل عام ،1973التي قال عنها النقاد �إ ّنها كانت جمد بيكا�سو ،ذكرت يف كتابها (حياتي مع ثم بيكا�سو) �أنّ رحلة بابلو اىل بولندا ،وغيابه عنها لأول مرة قرابة ثالثة �أ�سابيعّ ، توجهه �إىل باري�س بعد العودة وبقائه فيها لأ�سبوع ،كانت يف احلقيقة حلظات الهدوء التي �سبقت العا�صفةْ � ،أي تلك العا�صفة التي �أدت �إىل فراقهما �سنة 1953بعد حياة عائلية هادئة دامت ع�شرة �أعوام .كان بيكا�سو قد ا�ستعاد كل طاقته الإبداعية قرب هذه الفتاة اجلميلة التي ت�صغره ب�أربعني عاما .ترك باري�س من �أجلها ليعي�ش يف مدينة فالوري�س ( جنوب فرن�سا) ،حيث كان ميار�س الر�سم يوميا ،ثم اقتحم ميدان اخلزف ،وعاد من جديد �إىل الطباعة احلجرية ( الليتوغراف ) .وكل ذلك من �أجل �أن يلبي رغبتها يف �إقامة متحف خا�ص يحمل ا�سم بابلو بيكا�سو .من جانب �آخر ،وعندما قرر بيكا�سو ال�سفر �إىل بولندا �أظهرت عدم ر�ضاها لأ ّنها مل تكن قد فكرت بغيابه عنها لفرتة طويلة .ومع هذا �سافر وتركها لوحدها مع ابنهما ( كلود ) الذي مل يبلغ عامه الثاين بعد .ومل يت�صل بها �شخ�صيا عندما كان يف بولندا ،و�إمنا تكفل بهذا الأمر �سائقه و�سكرتريه اخلا�ص مار�سيل بوودين.
ما حكاية هذه الرحلة البولندية ..وماهي تفا�صيلها؟
يف �صباح ي��وم الأرب �ع��اء � 25آب�/أغ�سط�س ،1948ب� � ��د�أت يف م��دي �ن��ة ف��روت �� �س��واف البولندية �أع �م��ال (امل ��ؤمت��ر ال�ع��امل��ي الأول للمثقفني للدفاع عن ال�سالم) .ويف حوايل ال���س��اع��ة ال��واح��دة ظ �ه��را ،هبطت يف مطار ه��ذه امل��دي�ن��ة ط��ائ��رة ب��اب�ل��و بيكا�سو قادمة من باري�س .وهي طائرة ع�سكرية رو�سية، و�ضعتها احلكومة البولندية حتت ت�صرف بيكا�سو (�ضيف ال�شرف يف هذا امل�ؤمتر) .كان ب�صحبة بيكا�سو �صديقه ال�شاعر الفرن�سي بول �إيلوار و�سائقه مار�سيل بوودين وثالثة من ال�صحفيني الإنكليز ،وكذلك �أع�ضاء الوفد البولندي املرافق برئا�سة ال�سكرتري الأول يف ال�سفارة البولندية بباري�س .وقد �أح�ضر بيكا�سو معه ع�شرين قطعة من اخل��زف من �إنتاجه الأخ�ير .وقد عر�ضت هذه املجموعة من القطع يف القاعة الرئي�سة امل�ؤدية �إىل قاعة امل�ؤمتر .كان معر�ض اخلزف هذا هو الأول الذي �أقامه بيكا�سو يف حياته � .أثار و�صول بيكا�سو اىل مدينة فروت�سواف البولندية (الواقعة بالقرب من احل��دود الأملانية حيث تعر�ضت للدمار �أثناء احلرب العاملية الثانية) اهتمام �سكانها .لقد كانوا طوال �أيام امل�ؤمتر ي�ق�ف��ون ��ص�ف��وف��ا ل��ر�ؤي �ت��ه وه ��و يتنقل بني قاعة امل�ؤمتر وفندق (مونوبول) حيث كان يقيم�،أوعندما كان يتجول يف �شوارع املدينة التي غطت جدران بناياتها املدمرة �شعارات الرتحيب ب�أع�ضاء امل�ؤمتر و�أع�لام بلدانهم .وك��ان ن�صيب بيكا�سو من ه��ذه ال�شعارات كبري ًا � :أن��ت يف القلوب يا�صاحب غورنيكا ورجل ال�سالم (ا�شارة اىل لوحته ال�شهرية- غورنيكا -التي ر�سمها عام ،1937كتعبري عن مواقفه املعادية جلرائم الدكتاتور الإ�سباين فرانكو) ....،بولندا ترحب بالرفيق العظيم بابلو بيكا�سو (يف عام � 1945أعلن بيكا�سو عن ع�ضويته يف احلزب ال�شيوعي الفرن�سي). هذه ال�شعارات وغريها من مظاهر االهتمام ال�شعبي كانت وراء �سعادة بيكا�سو .تقول املرتجمة البولندية املرافقة لبيكا�سو( �إيفا ليبين�سكا ) يف يومياتها " :بيكا�سو كان فرح ًا وم���س��رور ًا كالطفل ال�صغري ..مل ي�صدق ما يجري حوله ،حتى ب�سطاء النا�س والأطفال يلتفون حوله .هذه هي املرة الأوىل يف حياته
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
ي�ستنكر ا�ستمرار بيكا�سو يف الر�سم بطريقة تقود �إىل هذه الدرجة من االنحطاط املعربة عن الثقافة الربجوازية الغربية الأ�شد �سوء ًا. وبعد �أن جل�س هذا الرو�سي ،وقف بيكا�سو ل�يرد عليه و��س��ط �صمت ��س��اد ق��اع��ة الفندق قائال " :لن �أ�سمح بان يهاجمني بهذه الطريقة كائن من كان ! ومن ال يعرف من هو .ف�إذا �أراد �أح��د �أن ي�شتمني فعليه اختيار م�صطلحاته و�أن يدين �أحد خالقي التكعيبية .لقد �سبق �أن هاجمني النازيون يف �أملانيا وفرن�سا خالل ف�ترة االح �ت�لال ك��ر��س��ام ي �ه��ودي -مارك�سي ."..ويف ه��ذه اللحظة ا��ض�ط��رب اجلميع وت��وال��ت االحتجاجات م��ن ك��ل اجل�ه��ات ،يف ال��وق��ت ال��ذي ح��اول فيه البولنديون تهدئة الوفد ال�سوفييتي عرب ت�سليمهم ب�أن ق�سم ًا من لوحات بيكا�سو رمبا يكون منحطا ،ولكنهم ال ميكن �أن ي�سمحوا �أبد ًا ب�شتم �ضيوفهم .
بيكا�سو فوق من�صة اخلطابة:
خ � ��رج ب �ي �ك��ا� �س��و يف ال� �ي���وم الأخ� �ي ��ر من امل�ؤمتر(ال�سبت � 28آب) ع��ن ذل��ك ال�صمت
مبنا�سبة م��رور رب��ع ق��رن على انعقاد هذا امل�ؤمتر .رافقت هذه الندوة مرا�سيم خا�صة ملنا�سبة رحيل الفنان بابلو بيكا�سو ،وكان من املفرو�ض ح�ضور ال�شاعر بابلو نريودا ليلقي كلمة يف هذه املنا�سبة ومن على نف�س املن�صة التي وق��ف عليها �صديقه بيكا�سو قبل ربع قرن .ولكن الأو�ضاع ال�سيا�سية التي �سبقت انقالب �أيلول�/سبتمرب عام 1973يف بالده حالت دون ح�ضوره ،وبرغم هذا فقد �ألقيت هذه الكلمة نيابة عنه .يذكر �أن نريودا تويف يف �سنتياغو يوم � 23أيلول من العام املذكور بعد جناح انقالب الدكتاتور بينو�شيت.
بيكا�سو يف �ضيافة احلكومة البولندية:
�أحمد ح�سني التي يعي�ش فيها �أج��واء مثل ه��ذه اللقاءات اجلماهريية " .ك��ان بيكا�سو خ�لال جل�سات امل�ؤمتر الأوىل هادئا و�صامتا ،وه��و يتابع باهتمام ما يجري حوله من نقا�شات �ساخنة وح��ادة دون �أن ي�ساهم فيها �أو ي�سجل �أية مالحظات .كان يجل�س يف ال�صف الأمامي من القاعة وهو حماط بالثالثي الدائم :ال�شاعر ب ��ول �إي� �ل ��وار ،و��س��ائ�ق��ه م��ار��س�ي��ل بوودين وم�ترج�م�ت��ه ال �ب��ول �ن��دي��ة .بينما يف ف�ترات اال�سرتاحة وبعد عودته �إىل الفندق ،كانت هناك حياة �أخ��رى لبيكا�سو،حيث اللقاءات واحلوارات املمتعة مع بع�ض �أع�ضاء الوفود امل�شاركة يف امل�ؤمتر� .أ ّم��ا الفتاة ال�سمراء ( دي �سيلفا ) ،رئي�سة وفد �سيالن� -سريالنكا، فكان لها ح�صة الأ�سد من تلك اللقاءات .وقد انعك�س ه��ذه الأم��ر يف ال�صحف البولندية امل�ت��اب�ع��ة لأع��م��ال امل���ؤمت��ر م��ن خ�ل�ال كرثة التعليقات وال�صور الفوتغرافية التي يظهر فيها بيكا�سو �إىل جانب هذه الفتاة ال�شرقية اجلميلة بزيها ال��وط�ن��ي وال�ت��ي مل يفارقها طيلة �أيام امل�ؤمتر .كما � ّأن �أم�سيات بيكا�سو مل تخلو من احل��وادث واحلكايات الطريفة. ففي م�ساء ال�ي��وم الأول م��ن امل ��ؤمت��ر خالل حفلة الع�شاء يف فندق ( مونوبول ) ابتعد بيكا�سو عن الثالثي املرافق له ليجل�س يف و�سط جمموعة من الفتيات ،وبعد ارت�شاف الك�أ�س الأول �س�أل بيكا�سو �إح��دى الفتيات �إن كانت ال متانع ب�أنْ يخلع �سرتته (جاكيته) لأن��ه ي�شعر بحرارة اجل��و .وبعد �أن وافقت على ذلك طلب منها بعد ب�ضع دقائق ال�سماح ل��ه بخلع ربطة العنق ث��م القمي�ص .وهكذا ظهر الن�صف العلوي من ج�سده الأ�سمرعاريا على غرار ما يكون عليه عادة يف م�شغله يف فالوري�س ،ولي�س يف حفلة ع�شاء ر�سمية . ك��ان ال�شاعر ب��ول �إي�ل��وار يراقب امل�شهد عن بعد ،وحينما ر�أى بيكا�سو واقفا،طلب من املرتجمة البولندية �أن ت�سرع �إليه قبل �أن يقوم بخلع �سرواله ( بنطلونه ) .وتروي املرتجمة كيف �أ ّنها �أقنعت بيكا�سو ب�أن ي�ضع �سرتته فوق كتفيه (على الأق��ل) ،وكيف �أثار هذا امل�شهد اهتمام الن�ساء يف القاعة اىل احلد الذي اندفعت �إحداهن �صائحة ب�أعلى �صوتها: هكذا يجب �أن يكون ج�سد الرجل احلقيقي... و�إال ..ف�لا ! ! .وبعد انتهاء وجبة الع�شاء يف ه��ذه الأم�سية ،وق��ف �أح��د �أع�ضاء الوفد ال�سوفييتي وق��ال � ّإن الوفد �سعيد حل�ضور بيكا�سو �إىل هذا امل�ؤمتر ،ولكنه كمثقف ملتزم
11
الذي رافقه خالل اجلل�سات ال�سابقة ووافق على ق��راءة م�سودة القرار املتعلق بال�شاعر الت�شيلي بابلو ن�يرودا (وه��و من �أ�صدقاء بيكا�سو املقربني،وكان يف تلك الفرتة مطاردا من قبل النظام يف ب�لاده) .كانت هذه �أبرز مفاجئة ح��دث��ت داخ ��ل �أروق� ��ة امل���ؤمت��ر .مل يكن بيكا�سو خطيبا ،ومل ي�سبق له �أن �ألقى خطابا جماهرييا .فعندما نه�ض من مكانه وت �ق��دم نحو من�صة اخل�ط��اب��ة ��س��اد القاعة ��س�ك��ون غ��ري��ب ،و��ص�ف�ت��ه ب�ع����ض ال�صحف البولندية حينذاك ب�أنه ي�شبه حاالت الإغماء املفاجئة التي �أ�صابت احلا�ضرين وقطعت �أنفا�سهم ،بحيث مل يعد ي�سمع �شيء �سوى خطوات بيكا�سو وهو مي�شي نـحو املن�صة، واالن��ده��ا���ش واال��س�ت�غ��راب ..ك��ان الكل على ما يبدو ي�شك مبقدرته على احلديث و�إلقاء كلمة �أمام حوايل �ألف �إن�سان داخل القاعة، و�آالف �أخ��رى خارجها ويف �أم��اك��ن �أخرى (اجلل�سات اخلتامية للم�ؤمتر ّ مت نقلها على ال �ه��واء مبا�شرة م��ن قبل حم�ط��ات الإذاع ��ة البولندية والأجنبية) .وق��ف بيكا�سو على
املن�صة ،وقبل �أن يقر�أ ن�ص القرار املكتوب، �ألقى كلمة ق�صرية باللغة الإ�سبانية امتازت ب�صدق روحه الإن�سانية وبا�ستخدام مفردات حما�سية مثرية للم�شاعر .وقد �أكد منذ اللحظة الأوىل �أن��ه ق��ادر على خماطبة اجلماهري، الأم��ر ال��ذي �أث��ار اهتمام احلا�ضرين ،حيث ك��ان��وا يقفون وي�ت�ع��اىل ت�صفيقهم ل��ه كلما حتدث عن احلرية وال�سالم،وكلما ذكر ا�سم بابلو نريودا .ويف نهاية كلمته هذه خاطب احل��ا� �ض��ري��ن ب ��أ� �س �ل��وب م���س��رح��ي ق��ائ�لا" : هل يعلم �أحدكم �أي��ن يعي�ش ن�يرودا الآن... �إن ��ه م �ط��ارد يف ب�ل��اده،وال ي�ع��ام��ل ك�إن�سان و�إنمّ ��ا كالكلب ..ال �أح��د يعرف مكانه�...إنّ هذا امل�ؤمتر لن يكون م�ؤمترا لنا�س �أحرار مثلنا �إذا ل��ن يح�صل ه��ذا ال�شاعر العظيم على حريته ."..ثم قر�أ بعد ذلك ن�ص م�سودة ال�ق��رار التي مت الت�صويت عليها بالإجماع و�سط هتافات وت�صفيق احلا�ضرين � .أود �أن �أ�شري هنا �إىل �أن ( جمل�س ال�سلم العاملي ) قد نظم يف مطلع �آي��ار /مايو عام 1973ندوة عاملية للمثقفني يف نف�س ه��ذا امل�ك��ان وذلك
يف �صباح يوم الأحد � 29آب و�صل بيكا�سو ومرافقوه �إىل وار�شو ،حيث �سكنوا يف فندق ( بري�ستول) الواقع و�سط املدينة .ومنذ هذا ال �ي��وم وح�ت��ى م�غ��ادرت��ه ب��ول�ن��دا ك��ان��ت �أي��ام بيكا�سو حافلة باللقاءات وال��زي��ارات ،وقد رافقتها كالعادة ح��وادث وحكايات عديدة. �سنذكر البع�ض منها يف �سياق احلديث .خالل ال�ساعات الأوىل من نهار هذا اليوم �أجرت بع�ض ال�صحف املحلية والأجنبية لقاءات �صحفية معه يف قاعة الفندق .وق��د �شوهد بيكا�سو ولأول مرة منذ و�صوله اىل بولندا وه��و مي��ار���س ال��ر� �س��م ،ح�ي��ث ر��س��م �صورة �شخ�صية (تخطيط ًا �سريع ًا بقلم الفحم) ل�صديقة الكاتب الرو�سي �إيليا �أرنبورغ، وكذلك ملرتجمته البولندية ( �إيفا ليبن�سكا ) .ويف م�ساء هذا اليوم ح�ضر بيكا�سو حفلة الع�شاء التي �أقامتها احلكومة البولندية على �شرف الوفود امل�شاركة يف م�ؤمتر املثقفني العاملي .بد�أت وفود امل�ؤمتر مبغادرة بولندا يف يوم االثنني � 30آب بعد �أنْ قاموا بزيارة خل��رائ��ب و�أط �ل��ال وار�� �ش ��و ال �ق��دمي��ة التي دمرتها احل��رب� .أ ّم��ا بيكا�سو وب��ول �إيلوار ومار�سيل ب��وودي��ن وبع�ض �أع�ضاء الوفد الفرن�سي فقد و�ضعت احلكومة البولندية لهم برناجم ًا خا�ص ًا ا�ستمر �سبعة �أيام .بد�أ الربنامج يوم الثالثاء � 31آب ،حيث �سافر بيكا�سو ومن معه بطائرة خا�صة �إىل مدينة كراكوف التاريخية .قام بيكا�سو خالل الأيام الثالثة التي ق�ضاها يف هذه املدينة بزيارة متاحفها الفنية ومعاملها الأث��ري��ة و�أ�سواق ال�ت�راث ال�شعبي .وا� �ش�ترى جم�م��وع��ة من الثياب البولندية الرتاثية ( الأزياء اجلبلية) لفران�سواز جيلو ،والبنه كلود .كما ا�شرتى ع� ��دد ًا م��ن ال�ت�م��اث�ي��ل و ال �ل��وح��ات الرتاثية ومناذج من الفن ال�شعبي البولندي .وترى املرتجمة البولندية �أنّ �أه��م ح��دث يف هذه ال��زي��ارة هو جولة بيكا�سو �إىل مع�سكرات االعتقـال النازية يف �ضاحية (�أو�شفين�شيم ) .وم�شاهدته لأف� ��ران وغ ��رف ال �غ��از التي ا�ستخدمها الأملان يف قتل �ضحاياهم وحرق جثثهم .تقول املرتجمة � " :أث��ارت م�شاهد غرف الغاز لدى بيكا�سو م�شاعر و�أحا�سي�س �إن�سانية غريبة ي�صعب و�صفها �أو احلديث عنها ..رمبا كان ال�شاعر �إيلوار وحده يدرك عمق تلك امل�شاعر ،عندما �أ�شار لنا ب�إمياءة من ر�أ�سه مبا معناه �أن نرتك بيكا�سو لوحده ونبتعد عنه قليال� ...أقول �إنني وبعد �ساعات م��ن ه��ذه اجل��ول��ة،ك�ن��ت �أخ���ش��ى �أن �أحدثه، لأنني كنت �أرى الأمل طاغيا على مالحمه، و�إنّ ال�سيكارة مل ت�ف��ارق �أ�صابعه ."..يف �صباح ي��وم اجلمعة � 3أيلول،وبعد عودته من كراكوف ،وا�صل بيكا�سو برنامج لقاءاته وزي ��ارات ��ه ،ح�ي��ث ق��ام مبعية ب��ول �إي �ل��وار وم��ار��س�ي��ل ب��وودي��ن ورئ�ي����س جلنة �إعمار وار��ش��و ب��زي��ارة �إىل �أح��د الأح�ي��اء ال�سكنية الذي ُدمِّر �أثناء احلرب العاملية الثانية ،والذي بد�أت فيه عملية �إعادة البناء وت�شييد م�ساكن جديدة .وخالل جتوالهم يف هذا احلي قادهم املهند�س الدليل �إىل �إحدى ال�شقق ال�صغرية الواقعة يف ال��دور الأر��ض��ي التي �أ�صبحت جاهزة لل�سكن ،وقد طليت جدرانها الداخلية
باللون الأب �ي ����ض ..فرح بيكا�سو بهذا الإجناز ال �� �س��ري��ع ودف �ع��ه �إىل �أن يطلب �سجل الزوار لكي يكتب بع�ض الكلمات يف ه��ذه املنا�سبة (ب�ع��د زيارته ملع�سكرات االعتقال النازية يف كراكوف رف�ض بيكا�سو تدوين �أي �شئ،واكتفى بو�ضع توقيعه حتت الن�ص الذي كتبه بول �إيلوار). وحينما علم بعدم وج��ود مثل ه��ذا ال�سجل يف موقع البناء ا�ستدار نحو ب��ول �إيلوار وك�أنه ي�ستف�سرعن �أم��ر م��ا .وعندما ابت�سم �إيلوار �أخرج من جيب �سرتته قطع ًا من �أقالم الفحم وق��ام خالل دقائق قليلة بالر�سم على �أحد جدران الغرفة الوحيدة يف ال�شقة .كان الر�سم عبارة عن �شكل كبري احلجم ي�صور مع بع�ض التحوير رمز مدينة وار�شو ( :حورية البحر� -سرينا ) .فقد ر�سمها وه��ي حتمل بيدها اليمنى مطرقة "رمز البناء والإعمار" بدال من ال�سيف "رمز احلرب والدمار" كما ه��و يف ال�شكل الأ��ص�ل��ي ،ث��م و�ضع توقيعه وت��اري��خ ال �ي��وم ع�ل��ى اجل��ان��ب الأمي� ��ن من اللوحة .كان طول اللوحة مرتين وعر�ضها مرت ًا .رمبا تبدو هذه احلادثة جمرد واحدة من طرائف ون��وادر بيكا�سو الكثرية ،ولكن الذي ح�صل هو �أن و�سائل الإعالم البولندية التي كانت تتابع حتركات هذا الفنان بد�أت تتناقل �أخبار حورية بيكا�سو (هكذا �أطلقت عليها ال�صحافة ) .وعرب النا�س عن رغبتهم
مب�شا هد ة ال� �ل ��وح ��ة يف ه � � � � � � � � ��ذه ��ش��اه��دوا �صورها مكانها بعد �أن ع�ل��ى �صفحات اجل��رائ��د املحلية و�سمعوا عنها يف ن�شرات الأخبار الإذاعية .ولغر�ض احلفاظ على هذا العمل الفني النادر اختارت بلدية وار��ش��و ال�سيدة �سافي�سكا وزوجها (مل ينجبا �أط �ف��ا ًال) لل�سكن يف ه��ذا املتحف ال�صغري( ال�شقة) ،وتنظيم حركة زائريه. �سنعود �إىل ه��ذا امل��و��ض��وع بعد ا�ستكمال ب��رن��ام��ج زي � ��ارات بيكا�سو اخل��ا���ص ال��ذي كان �آخر يوم فيه هو ال�سبت � 4أيلول .ففي �صباح هذا اليوم ويف حفل توديعي يف ق�صر الرئا�سة البولندية ق��ام الرئي�س البولندي (بول�سواف ب�يروت) بتقليد بابلو بيكا�سو وب��ول �إي �ل��وار و�سامني م��ن ال��درج��ة الأوىل (و�سام نه�ضة بولندا) .كان بيكا�سو قد و�صل
�إىل هذا املكان برفقة بول �إيلوار و�سائقه مار�سيل ب��وودي��ن وعدد م��ن مرا�سلي ال�صحف البولندية والأجنبية .كان بيكا�سو يرتدي بدلة رمادية اللون وقمي�ص ًا �أبي�ض وربطة عنق. هذا الطقم هو نف�سه الذي كان يرتديه يوميا منذ و�صوله �إىل بولندا ،مع �أنّ هناك �أعراف ًا وتقاليد خا�صة يف مثل هذه املنا�سبات .وكان هذا الأمر وا�ضحا على �أزياء الآخرين يف هذا احلفل( .حاولت التدقيق يف �صور بيكا�سو وهو يف بولندا فالحظت �أنّ �سرتته -جاكيته- ينق�صها ثالثة �أزرار يف الكم الأي�سر ،بينما هناك اختالف يف نوعية الأزرار املوجودة يف الكم الأمي��ن) .ت��روي فران�سواز جيلو يف مذكراتها بع�ض احلكايات ب�ش�أن بيكا�سو وم�شكلته مع املالب�س والأ�شياء القدمية..... ح �ي��ث ك� ��ان ال ي��رغ��ب يف �� �ش ��راء املالب�س اجل��دي��دة .ك��ان ل��دي��ه طقمان ق��دمي��ان خالل �سنوات حياتهما امل�شرتكة .تذكر جيلو " �أ ّنه ك��ان يرتدي الأق��دم بينهما ي��وم والدة ابنته بالوما .كان هذا الطقم بالي ًا �إىل احلد الذي متزق فيه ال�سروال -البنطلون -عند الركبة وهو يهم بدخول ال�سيارة التي �ستقله �إىل العيادة .وحني و�صل بابلو يف ذلك امل�ساء... الح�ظ��ت �أن ركبته عارية ."...ول�ك��ن مهما كتب وقيل يف هذا املو�ضوع ف�إنّ " للعظماء طقو�سهم اخلا�صة وتقاليدهم يف احلياة... يجب مراعاتها دائما" .بهذه الكلمات ختم كاتب بولندي مقالته التي و�صف فيها تلك
اللحظات ،عندما كان بابلو بيكا�سو ببدلته القدمية يقف �إىل جانب الرئي�س البولندي بعد تقليده �أرفع و�سام يف بولندا .وبطبيعة احل� ��ال مل ي �خ��ل ه ��ذا احل �ف��ل م��ن مفاج�آت بيكا�سو .اع�تر��ض��ت جل�ن��ة اال��س�ت�ق�ب��ال يف ق�صر الرئا�سة على دخول مار�سيل بوودين �إىل ق��اع��ة امل��را��س�ي��م ،ول�ك��ن بيكا�سو طالب بدخول �سائقه ووقفه �إىل جانبه حلظة تقليد الأو�سمة .فكان له ما�أراد "...مار�سيل قطعة من ال�تراب الفرن�سي " :ه��ذا ماكان يردده بيكا�سو دائ�م��ا ً .لـقد تغري ه��ذا الأم ��ر بعد �سنوات قليلة،وانتهت تلك العالقة احلميمة بينهما على �أث��ر ح��ادث �سيـر ب�سيط ،يتعلق بعدم انتبـاه مار�سيل الذي �أدى �إىل حتطيم ��س�ي��ارة بيكا�سو ال�ق��دمي��ة يف �أح��د �شوارع باري�س .ي��رى كتاب �سرية بيكا�سو �أن هذا الفنان ك��ان ي�ست�شريمار�سيل ب��وودي��ن يف ك��اف��ة �أم��ورح�ي��ات��ه ،وق��د ك��ان �أك�ث�ر �أ�صدقاء بيكا�سو من ال�شيوعيني الفرن�سيني ت�أثريا ًعليه يف دعوته �إىل �صفوف احلزب ال�شيوعي الفرن�سي .ولكن ماحدث رمبا كان جزء من �أمور كثرية قادت فيما بعد �إىل حتوالت يف حياة بابلو بيكا�سو وعالقته مع الآخرين . يف يوم الأحد � 5أيلول كان بيكا�سو و�إيلوار ومار�سيل يف �ضيافة عائلة بولندية (من معارفه القدامى) يف بيتها الريفي الواقع يف �ضواحي العا�صمة وار�شو .وقد توزعت
◄
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
12
العدد ()2292ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )29ت�شرين االول 2011
العدد ()2292ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )29ت�شرين االول 2011
�أوق��ات��ه حينئذ بني ال�سباحة يف البحريات ال �ق��ري �ب��ة و� �ص �ي��د ال �� �س �م��ك ور�� �س ��م �صور �شخ�صية (تخطيطات) لأفراد هذه العائلة و �ضيوفهم .ويف �صباح يوم االثنني � 6أيلول غ��ادر بيكا�سو ومرافقوه وار�شو بالطائرة البولندية اخل��ا��ص��ة .وق�ب��ل �أنْ ي�خ��رج من فندق (بري�ستول) كان عليه �أن ي�شكر �إدارة الفندق بطريقته النادرة،حيث و�ضع توقيعه وتاريخ مغادرته على �أح��د �أطباق الطعام. كان هذا الطبق معرو�ض ًا ولفرتة طويلة يف خزانة زجاجية يف �صالة الفندق ،ثم اختفت �آثاره منذ مطلع الثمانينيات .وعندما و�صل باري�س مل يغادرها مبا�شرة �إىل (فالوري�س) حيث كلود و�أم��ه ،و�إمن��ا بقي هناك ب�صحبة ب ��ول �إي� �ل ��وار وم��ار� �س �ي��ل ب ��وودي ��ن قرابة �سبعة �أي��ام للم�ساهمة مع احلزب ال�شيوعي الفرن�سي يف ت�شكيل (مكتب املثقفني العاملي لالت�صاالت) .وهذا املكتب هو �إحدى اللجان التي وافق على ت�شكيلها امل�ؤمترالعاملي الأول للمثقفني للدفاع عن ال�سالم .
العي�ش مع حورية بيكا�سو
يف واح��د من اللقاءات ال�صحفية الكثرية، واملن�شوريف جريـدة ال�سيا�سة البولندية - ني�سان1975ملنا�سبة الذكرى الثانية لرحيل بابلو بيكا�سو،تروي ال�سيدة (�سافي�سكا) تفا�صيل الأعوام التي عا�شتها هي وزوجها املري�ض (كان من نزالء املعتقالت الأملانية) بالقرب من لوحة بيكا�سو .كانت هذه ال�سيدة تعتقد يف البداية ب�أنّ العي�ش مع �أعمال فنان كبري ب�شكل دائم �شئ ممتع ويجلب الراحة وال�سرور .ولهذا قامت بعمل �ستارة خا�صة تغطي ج��داري��ة بيكا�سو يف الليل وترفع عنها يف النهار ،كما خ�ص�صت مكان ًا حتت اجلدارية لباقات الزهور ،وو�ضعت بالقرب منه �سج ًال خ��ا��ص� ًا ل�ل��زائ��ري��ن م��ع مالحظة ت �ق��ول" :رجاء اك �ت��ب م��ا ي ��دور يف ذهنك بخ�صو�ص احلورية �سرينا ،واترك توقيعك هنا كانت ه��ذه ال�شقة التي تبلغ م�ساحتها 34مرت ًا مربع ًا وخالل خم�سة �أعوام متحف ًا �صغري ًا ومزارا لعامة النا�س وطالب املدار�س و�شخ�صيات �سيا�سية وثقافية وفنية كثرية. كان من بني الزائرين رئي�س الدولة و�أع�ضاء الربملان البولندي وبع�ض الوزراء ور�ؤ�ساء البعثات الدبلوما�سية وع��دد مـن الكتـاب وال�ف�ن��ان�ين البولنديني والأج ��ان ��ب .و يف ت�شرين الثاين/نوفمرب عام 1950وملنا�سبة انعقاد امل�ؤمتر الثاين لأن�صار ال�سالم يف وار�شو زارت الوفود امل�شاركة يف امل�ؤمتر هذه ال�شقة (املتحف) ،وك��ان من املفرو�ض ح�ضور بيكا�سو �إىل ه��ذا امل ��ؤمت��ر ،ولكنه تغيب عن امل�شاركة ب�سبب ظ��روف عائلية. وهنا يتبادر �إىل ال��ذه��ن ال���س��ؤال التايل: م��اذا كان يحدث لو �أن بيكا�سو تواجد يف وار�شو يف ذلك العام ..؟؟ على كل حال نعود الآن �إىل ذلك اللقاء ال�صحفي ،واىل حكايـات ال�سيدة (�سافي�سكا) وم��ا فيها م��ن طرف http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
ونوادر .تروي هذه ال�سيدة قائـلة� " :أتذكر �أن�ن��ي �سمعت بعد �ساعات الظهر يف �أحد الأيام طرقا على الباب،وحينما فتحته كان هناك رئي�س الدولة ومعه رئي�س الربملان ال�ب��ول�ن��دي وع ��دد م��ن ال� ��وزراء واملرافقني ...جل�س الرئي�س �أمام حورية بيكا�سو وهو ي�ستمع �إىل �شرح �أحد احلا�ضرين ..وبعد �أن قدمت لهم القهوة وقفت �إىل جانب زوجي الفرح جد ًا .ويف هذه اللحظة �س�ألنا رئي�س ال�برمل��ان م��ازح� ًا :رف��اق� ،أال تخافون النوم مع ه��ذه احل��وري��ة؟ ثم نظر �إ ّ يل ...رفيقه، �إنّ زوجتي ال ميكن �أن توافق على النوم يف هذا املكان ولو �أعطوها كنوز الدنيا... ابت�سم زوجي ورد قائال :لكل مكان �أهله يا �سيدي! وبعد �أن ترك ه�ؤالء الزائرون �شقتنا ك��ان بانتظارهم يف اخل��ارج �أه��ايل احلي، ومن بينهم جمموعة كبرية من �سكان الثكنة الع�سكرية ال�ق��ري�ب��ة وه��م يهتفون بحياة الرئي�س ويطالبونه ب�سكن �أف�ضل ...وبعد فرتة �أمر الرئي�س البولندي بت�شييد بناية �سكنية حديثة لهم �أطلق على هذه البناية يف البداية ا�سم الثكنة احلديثة ،ثم تغري ا�سمها �إىل بناية الرئي�س بريوت� ...أقول �أن هذا قد ح�صل بف�ضل لوحة بيكا�سو ،حتى �أن �سكان هذه البناية علقوا على بوابتها اخلارجية يافطة ُكت َِب عليها� :شكرا لبيكا�سو � ..شكرا للرئي�س ...وبف�ضل هذه اللوحة �أ�صبحت �أن��ا معروفة م��ن قبل النا�س .ك��ان البع�ض يطلق علي ا�سم� :صاحبة بيكا�سو ،والبع�ض الآخ��ر ك��ان يهم�س يف �أذين :كيف حالك يا رفيقة �سرينا ...كنت فرحة ممزوجة بتعب �شديد ."..ب��د�أت هذه العائلة مبرور الأيام ت�شعر بال�ضجر وامل�ل��ل وع��دم اال�ستقرار، و�صار ال�سكن والعي�ش مع حورية بيكا�سو �أمر ًا ال يطاق ،وال�سيما �أن عدد الزائرين �أخذ يتجاوز �أكرث من 400زائر وخا�صة يف �أيام الآحاد .وكان بع�ض ه�ؤالء الزائرين يجلب الرتاب والغبار ب�أحذيته يف �أوقات ال�صيف والأوحال والأطيان يف ال�شتاء .وكان �أكرث �إزعاجا لل�سيدة (�سافي�سكا )هو زيارة �صغار التالميذ وعمال املناجم والبناء مبالب�س ال �ع �م��ل ،وك��ان��ت وح��ده��ا ت �ق��وم بتنظيف �أر�ضية ال�شقة يوميا دون م�ساعدة �أحد من امل�س�ؤولني .تقدمت هذه العائلة يف منت�صف �سنة 1952بطلب �إىل التعاونية ال�سكنية يف بلدية وار��ش��و من �أج��ل احل�صول على �شقة �أخ��رى �أو �إيجاد حل جل��دران الغرفة التي حت��ول لونها الأبي�ض �إىل الرمادي، وان�ت���ش��رت ال�ب�ق��ع ال �� �س��وداء ف��وق �أر�ضية ال�شقة .ولكن هذه الدائرة �أخربتها ب�أن الأمر مل يعد م��ن اخت�صا�صها وعليها الرجوع �إىل جمل�س �إع�م��ار حمافظة وار��ش��و واىل وزارة الثقافة والفنون .ويف � 14شباط/ فرباير� 1953أر�سلت ال�سيدة �سافي�سكا �إىل هذه اجلهات طلب ًا جديد ًا يحتوي على كلمات تعرب عن التمرد والغ�ضب ال�شديد "...نطلب االنتقال �إىل �شقة �أخ��رى �أو املوافقة على
ت��رم�ي��م �شقتنا وط�ل�اء ج��دران �ه��ا مب��ا فيها لوحة بيكا�سو ..و�إال ��س��أق��وم بهذا الأمر بنف�سي ."..وبعد �أيام انت�شر هذا اخلرب بني النا�س..وبد�أت املعارك ال�صحفية والكالمية بيـن امل��ؤي��دي��ن لإزال ��ة ه��ذه اللوحة وبيـن املعار�ضني لـهذا الأم��ر .وقدمت مقرتحات كثرية ،من بينها حتويل ال�شقة �إىل متحف �صغري لبيكا�سو� ،أو رف��ع طبقة اجلب�س املر�سوم عليها ثم �إعادة بنائها يف مكان �آخر. ولكن هذه املقرتحات وغريها ذهبت �أدراج الرياح .ويف � 12آب من هذا العام ح�صلت ال���س�ي��دة �سافي�سكا ع�ل��ى م��واف�ق��ة اجلهات امل�س�ؤولة لطالء جدران ال�شقة و�إزالة لوحة بيكا�سو .وتتذكر هذه ال�سيدة تلك اللحظات التي اختفت فيها احلورية ( �سرينا )"... وقبل �أنْ يقوم ال�صباغ مببا�شرة عمله وقفت وزوج��ي �أم��ام ج��داري��ة بيكا�سو� ...شعرت ب�إح�سا�س غريب ،وك�أننا نقف �أمام �إيقونة مقد�سة�...شاهدت احلزن يف عيون زوجي املري�ض ،وكنت خائفة ،ولكن ما العمل..؟؟.. بد�أت مالمح اللوحة تختفي تدريجيا حتت فر�شاة ال�صباغ و�ألوانه البي�ضاء . "...وبعد �أعوام قليلة تويف زوج ال�سيدة ( �سافي�سكا ) و�أ� �ص �ي �ب��ت ه ��ي ب� �ح ��االت م ��ن ال��وح��دة واالكتئاب ،ومل يكن مبقدورها العي�ش يف نف�س ال�شقة .انتقلت �إىل �شقة �أخ��رى يف الطابق العلوي من نف�س البناية ،ومعها �أر�شيفها اخل��ا���ص بحورية بيكا�سو .وال �أدري ما ال�سبب وراء مر�ض هذه ال�سيدة.. رمبا كان ال�سبب هو رحيل زوجها ،ورمبا ك��ان هو غياب احلورية من حياتها .ولكن حالتها كانت �أف�ضل من حالة زوجة بيكا�سو الأخ�يرة (جاكلني روك) التي عا�شت موت ال�ف�ن��ان ك ��داء مل ت�ب�ر�أ م�ن��ه ،حتى انتحرت ب�إطالق الر�صا�ص على ر�أ�سها من م�سد�س ع ��ام .1986والأم� ��ر ال �غ��ري��ب يف حكاية ح��وري��ة بيكا�سو �أن�ه��ا مل تنته ب ��إزال��ة �آثار اللوحة من جدار تلك ال�شقة ،و�إمنا ا�ستمرت ل�سنوات طوال،وال�سيما يف منا�سبات احياء ذك��رى الفنان (حتتفل الأو� �س��اط الثقافية والفنية يف بولندا �سنويا ب��ذك��رى رحيل بابلو بيكا�سو)� ،أو يف حالة افتتاح معر�ض لأعماله الفنية يف وار�شو .جند �أنّ ال�صحافة البولندية تعيد �إىل الأذه��ان تفا�صيل تلك احل�ك��اي��ة وتناق�ش م�س�ؤولية �ضياع ذلك الأث��ر الفني العاملي .ويف �سرية بيكا�سو هناك حكاية م�شابهة .ففي �سنة 1903ر�سم الفنان لوحة جدارية كبرية يف بيت �صديقه (جيم �سابرت�س) يف بر�شلونه .وكانت هذه اللوحة مر�سومة على كامل ج��دار �إحدى الغرف ،وبعد بيع هذا البيت قام �أ�صحابه اجلدد بطالء جدرانه الداخلية وطم�س معامل هذه اللوحة .وعندما بد�أت �شهرة بيكا�سو العاملية بالذيوع بعد �سنوات خيم الندم على �أ�صحاب هذا البيت ،وحاولوا �إعادة احلياة �إىل تلك اجل��داري��ة ،ولكن من دون جدوى حيث كانت �آثار التزوير وا�ضحة.
ماذا حدث بعد هذه الرحلة البولندية:
حني عاد بابلو بيكا�سو �إىل فالوري�س ،وهو حممل بالهدايا البولندية مل يتوقع حدوث �شيء ما .مار�سيل وحده كان خائفا من ثورة فران�سواز املفاجئة،لأنه ك��ان يحرر وحده الربقيات وير�سلها من بولندا با�سم بيكا�سو، وك��ان ي�ستخدم ع �ب��ارات لي�س م��ن قامو�س بيكا�سو الذي تعرفه فران�سواز جيد ًا .كانت فران�سواز تنتظره على املقعد (امل�صطبة)، وحينما تقدم نحوها كان بيكا�سو من�شرحا للغاية ومبت�سما،وبادرها بالقول ":ماذا؟ �أم���س��رورة �أن��ت بر�ؤيتي ؟ " ف�صفعته :خذ ه ��ذه ق �ب�لات ال���س��ائ��ق ال�ط�ي�ب��ة ! و�أ�ضافت ق��ائ�ل��ة :ب ��أ ّن��ه ح�ين ي�سافر يف امل��رة القادمة ملدة ثالثة �أيام ويعود بعد �شهر من دون �أن يكتب �سطر ًا واحد ًا لها ،فلن تكون موجودة هناك بانتظاره .ثم هرولت و�أغلقت الباب على نف�سها يف غرفة ابنها كلود .كانت هذه ال�صفعة قد �أحدثت �أثرا مالئما .وكما تقول فران�سواز ":ك��ان بابلو ي��ردد طوعا الزمته املف�ضلة حول نوعيني من الن�ساء :الإلهات واحل�صائر ،وكنت �أرى �أين �إلهة ولو ب�شكل م�ؤقت " .وبرغم كل ما ح��دث ف ��أن بيكا�سو ودون �أن يتحدث �أي منهما بكلمة واحدة عن م�شهد الليلة ال�سابقة ،قدم لها يف �صباح اليوم التايل الهدايا التي �أتى بها من بولندا. وتتمثل الهدايا مبعطف ك�ستنائي من اجللد، مزخرف بالأحمر والأزرق والأ�صفر ومبطن بجلد خروف �أ�سود ،مع معطف مماثل لكلود، لكنه مبطن بجلد خروف �أبي�ض .عاد بيكا�سو من جديد �إىل ممار�سة الر�سم ،وفران�سواز اىل جانبه .ففي �شتاء هذا العام بد�أ بتنفيذ �سل�سلة من الر�سوم الليتوغرافية التي عرفت فيما بعد ب�صور(فران�سواز باملعطف البولندي) �أو�صور( فتاة مبالب�س بولندية) .كما ر�سم ع��دد ًا من اللوحات الزيتية لها والبنها كلود بالزي ال�شعبي البولندي .وبرغم ه��ذا ف�أن حالة من الربود بد�أت تت�سرب �إىل عالقتهما العاطفية .كان هناك �إح�سا�س داخلي يدفع ف��ران���س��واز �إىل التفكري ب���أن بابلو مل يعد كال�سابق ،و�أن الكثري من رموزها ال�سابقة ب���د�أت تختفي م��ن لغتة ال�ف�ن�ي��ة ،وال�سيما بعد �أن ان�شغل بتنفيذ �سل�سلة جديدة مـن الر�سوم الليتوغرافية التـي ت�صورحكايات الفر�سان،والتي ا�ستلهم عنا�صرها من تراث الفن ال�شعبي البولندي .وكانت ر�سوم ه�ؤالء ال�ف��ر��س��ان و�أ�سلحتهم تالحقها يف �أح�ل�ام اليقظة واملنام .ويف الوقت ذاته ف�أن التفاف (فر�سان) حركة ال�سالم حوله ومنذ عودته من بولندا ،كان يثري قلقها وخوفها على ما تبقى من الع�شق القدمي . يف ال��واق��ع �إنّ منزل بيكا�سو وم�شغله يف فالوري�س،حتول بعد الرحلة البولندية �إىل ف�ن��ار ي���س��اري �أوحم �ط��ة ي�ت�ردد عليـها عدد مـن ال�شخ�صيات الثـقافية البولندية والإ�سبانية ،ون�شطاء حركة ال�سالم
الفرن�سية .كما ان�شغل منذ �أواخر �سنة 1949 �إىل جانب ال�شاعرين ب��ول �إي�ل��وار ولوي�س �آراغ� ��ون ب��الأع��داد للم�ؤمتر ال�ع��امل��ي الأول لأن�صار ال�سالم يف باري�س ،وك��ان عليه �أن ي�صمم �شعار ًا لهذا امل�ؤمتر .ويف هذا املجال هناك حكاية طريفة وذات دالالت توثيقية تقول تفا�صيلها � :أوائل �شباط/فرباير1949 ك��ان ه��و امل��وع��د الأخ�ي�ر لبيكا�سو يف تنفيذ ال�شعار ،و�إر�ساله �إىل جلنة امل�ؤمتر .ولكن هذا الأمر مل يحدث حتى منت�صف هذا ال�شهر، وع�ن��دئ��ذ ج��اء لوي�س �آراغ� ��ون �إىل مر�سمه ال�ب��اري���س��ي يف � �ش��ارع (غ��ران�-أوغ �� �س�تن)، فوجد �أن بيكا�سو مل يفعل �شيئا ،ولي�س لديه فكرة حم��ددة ووا�ضحة ،ومل يقرر بعد ماذا ير�سم .ولكي ينقذ املوقف راح �آراغون يبحث يف ملفات ر�سوم بيكا�سو الكرافيكية ،فوقع اختياره على �صورة حمامة .وهنا انتهت حرية بيكا�سو وقلقه ،و�أخذت هذه ال�صورة طريقها �إىل املطبعة ."...ويف اخلام�س والع�شرين م��ن �آذار/م���ار����س 1949ظهرت على ج��دران باري�س وغريها من العوا�صم الأورب �ي��ة مل�صقات (ب��و��س�ترات) تعلن عن موعد افتتاح هذا امل�ؤمتر .وب��رزت يف هذه املل�صقات لأول مرة حمامة بيكا�سو ،والتي ما تزال تعرف بحمامة ال�سالم� ،أو رمز ال�سالم �إىل يومنا هذا� ،أو تعويذة ال�سالم امل�ش�ؤومة (كما �أطلقت عليها فران�سواز جيلو ذات مرة). وجتدر الإ�شارة هنا �إىل �أن هذه احلمامة هي ال�شكل الأ�صلي حلمامة ال�سالم،وبعد ذلك �أ�ستخدمت �أ�شكال �أخرى من احلمائم وكان �أغلبها من ر�سوم بيكا�سو �أو�أ�شكال مزورة. وق��د منح امل ��ؤمت��ر ال�ع��امل��ي ال �ث��اين لأن�صار ال�سالم (عقد يف وار�شو عام )1950بابلو بيكا�سو جائزة ال�سالم العاملي تثمينا لر�سمه �شعار ال�سالم (ال���ص��دف��ة)�،أو بالأحرى تثمينا حلمامته التي م�ل�أت الدنيا و�شغلت النا�س �إ�سوة ب�صاحبها. �إنّ هذه احلمامة ال�شهرية واحدة من �صور احلمام التي ر�سمها بيكا�سو يف مطلع عام 1949 وح �� �س��ب من � ��وذج( م��ودي��ل) ح��ي .وي�ع�ت�ق��د �أن �ه��ا �صورة �إح� ��دى احل �م��ام��ات الأرب� ��ع التي ح�صل عليها بيكا�سو من الر�سام الفرن�سي هرني ماتي�س كهدية �أومتائم مباركة بعيد عودته �ساملا من بولندا. وي��ذك��ر �أنّ بيكا�سو ك��ان ملحدا من حيث امل�ب��د�أ�،إال �أن��ه كان ي�ؤمن ببع�ض الطقو�س ال�سحرية، وم�صابا بالو�ساو�س الإ�� �س� �ب ��ان� �ي ��ة، وه � � � � ��ذا
ما حتدثت عنه بالتف�صيل فران�سواز جيلو يف مذكراتها� .أمّا عالقته باحلمام ور�سومها ف�ت�ع��ود �إىل ف�ت�رة طفولته،حيث ك��ان يقلد �أ�شكال احلمام التي ير�سمها وال��ده املغرم برتبية الطيورالبيتية .كما �أنّ بيكا�سو ر�سم يف ع��ام 1943جمموعة م��ن �صور احلمام (تخطيطات ور� �س��وم ب��احل�بر) ،وق��د بد�أت تظهر �أ�شكال احلمام كذلك يف بع�ض �إنتاجه اخل ��زيف وال��زي �ت��ي وال�ك��راف�ي�ك��ي م�ن��ذ �سنة . 1946
بالوما حمامة طارت مع �أمها:
تتحدث فران�سواز جيلو يف مذكراتها مبرارة عن �أح��داث �شهر ني�سان�/آبريل . 1949فقد ك��ان��ت يف الأي� ��ام الأخ �ي�رة م��ن ف�ت�رة حملها الثاين ،بينما كان بابلو بيكا�سو من�شغال جدا مع رفاقه من حركة �أن�صار(فر�سان) ال�سالم . ذهبت يف ال�ساد�س ع�شر من هذا ال�شهر �إىل طبيبها اخلا�ص ،فتقول " :فح�صني الطبيب علي �أن �أع��ود بعد ثالثة �أيام،ولدى و�أ��ش��ار ّ م��رور الأي��ام الثالثة� ،أم��رين بالدخول فور ًا �إىل عيادة ال��والدة .ومب��ا �أن ذل��ك اليوم كان هو يوم 20ني�سان ،وهو يوم افتتاح م�ؤمتر ال�سالم يف قاعة بالييل بباري�س ،ومب��ا �أن بابلو �سيكون من�شغال يف امل ��ؤمت��ر� ،س�ألت الطبيب �إذا كان ذلك �ضروريا ،ف�أكد يل � :سوف �أزرقك ب�إبرة لت�سريع الوالدة ،يف الوقت الذي �أجبته ب� ّأن الدخول �إىل العيادة يتم يف وقت غري منا�سب �إطالقا .فقال :ه��ذا ال يعنيني.. � ّإن الأمر �ضروري ،وال جدوى من املناق�شة ". بعدعودتها �إىل البيت ،قالت لبيكا�سو ما قرره
13
يف واحد من اللقاءات ال�صحفية الكثرية، واملن�شوريف جريـدة ال�سيا�سة البولندية - ني�سان1975ملنا�سبة الذكرى الثانية لرحيل بابلو بيكا�سو،تروي ال�سيدة (�سافي�سكا) تفا�صيل الأعوام التي عا�شتها هي وزوجها املري�ض (كان من نزالء املعتقالت الأملانية) بالقرب من لوحة بيكا�سو.
الطبيب ،و�س�ألته �إذا كان يف و�سع مار�سيل �أنْ ي�أخذها �إىل العيادة .فبدا عليه االنزعاج " : �أنا بحاجة ملار�سيل اليوم � .أنت تعرفني متام ًا � ّأن علي الذهاب مبكر ًا �إىل م�ؤمتر ال�سالم، �إ�ضافة �إىل مروري على املغني بول روب�سون ال�صطحابه �إىل امل�ؤمتر" .قالت له ب�أنها تفهم ظروفه ،لكن �أمرها �صعب �أي�ضا ،فرد عليها قائال " :مبا �أن��ك بحاجة �إىل �سيارة ،فال بد من �إي�ج��اد حل �آخ��ر .مل��اذا ال تطلبني �سيارة �إ�سعاف؟ " كان مار�سيل يقر�أ،وقد رفع عينيه، وقال " :ميكننا ا�صطحابها �إىل العيادة ونحن يف طريقنا �إىل امل�ؤمتر" .هز بيكا�سو كتفيه وقال " :خذين �أوال ثم عد ال�صطحابها .ف�أنا ال �أريد �أن �أ�صل مت�أخر ًا" .لقد كان امل�ؤمتر يف الواقع ي�ست�أثر بكل قلقه واهتمامه ،فهو مل يكن ع�ضو ًا يف الوفد الفرن�سي �أو الإ�سباين و�إنمّ � ��ا ك��ان �شخ�صية ع��امل�ي��ة .ف��وج��وده يف �أروقة امل�ؤمتر كان يعني ال�شيء الكثري ،ولهذا كان له برناجمه اخلا�ص .ابتد�أ الربنامج قبيل افتتاح امل��ؤمت��ر بااللتقاء بعدد م��ن �أع�ضاء ال��وف��ود الأورب �ي��ة ،وال�سيما ب�أع�ضاء الوفد البولندي الذين اتفقوا معه على �أن يقوم هو بتقدمي اقرتاحهم �إىل رئا�سة امل�ؤمتر حول تخ�صي�ص جائزة لل�سالم العاملي .وه��ذا ما ح��دث يف ال �ي��وم الأخ�ي�ر م��ن امل ��ؤمت��ر حيث ح�صل هذا االقرتاح على �إجماع احلا�ضرين. ويف ال�ساعة الثامنة من م�ساء هذا اليوم كان بيكا�سو جال�سا يف قاعة بالييل واىل جانبيه �إي �ل��وار و�آراغ� ��ون .وبينما ك��ان يتابع كلمة افتتاح امل�ؤمتر باهتمام �أقرتب منه مار�سيل ليخربه ب ��والدة طفله ال �ث��اين .وب��رغ��م �أ ّن��ه ا�ستقبل اخلرب بفرح �إ ّال �أ ّن��ه مل يغادر القاعة مب��ا يف ذل��ك يف ف�ترة اال� �س�تراح��ة ،واكتفى مب�ك��امل��ة هاتفية م��ع ال �ع �ي��ادة م�ستعلما عن حالة فران�سواز وطفلها اجلديد .وعندما علم ب� ّأن هذا الطفل هو �أنثى �أعطاها ا�سم بالوما (تعني حمامة بالإ�سبانية) ،وك�أنه �أراد من وراء ذلك -على حد تعبري لوي�س �آراغون- �أن مي�ل��ك ح�م��ام�ت�ين يف �آن واح� ��د ،واح ��دة لل�سالم،و�أخرى للحب .ولكن هذه احلمامة الأخرية طارت مع �أمها بعد �أربعة �أعوام من هذا التاريخ ،حينما �أ�صبحت احلياة ال تطاق م��ع بابلو -كما قالت ف��ران���س��واز . -وبذلك ان�ت�ه��ت ع�لام��ات امل�ح�ب��ة و� �ش��واه��ده��ا ،حيث عادت مع طفليها �إىل باري�س تاركة بيكا�سو ل��وح��دت��ه .وكحالته دائ �م � ًا وب�ع��د ك��ل قطيعة �أو عا�صفة مل يبق وحيد ًا لفرتة طويلة ،فقد تعرف بعد �أ�شهر قليلة على (جاكلني روك) ال�ت��ي �أ��ص�ب�ح��ت م��ودي�ل��ه اخل��ا���ص وزوجته طوال الأعوام الع�شرين الأخرية من حيـاته. كان ير�سمها واملوت يداهمه يف يوم الأحد8 ني�سان�/أبريل .1973
عن كتاب بيكا�سو داعية لل�سالم ت�أليف �أحمد ح�سني دار التنوير 1997 http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
14
العدد ()2292ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )29ت�شرين االول 2011
العدد ()2292ال�سنة التا�سعة -ال�سبت ( )29ت�شرين االول 2011
هكذا استفاد المعماريون من بيكاسو
15
رئي�س جمل�س الإدارة رئي�س التحرير
ثمان سنوات في حياة بيكاسو
ك���ت���اب ي�����ص��ف ع�لاق��ت��ه احل��م��ي��م��ة م���ع �أب������رز ع�����ش��ي��ق��ات��ه
ان اف��ري��ل وم��ن خ�لال رواي�ت�ه��ا (ان ��ا ،دورام ��ار) ا�ستعادت ذكريات تلك العالقات الن�سائية خلم�س من ع�شيقات بيكا�سو :ب��دء ًا من اول�غ��ا ،وماري ترييز وانتها ًء بفرن�سواز ،وجاكلني ،على ان بطلة الرواية هي دورام��ار التي تو�سطت تلك الن�ساء من ناحية ت�سل�سها بينهن حيث ا�ستمرت عالقتها �آنا دورامار ..ثمان �سنوات يف حياة بيكا�سو م��ع بيكا�سو نحو ثماين ��س�ن��وات� ،شهدت هذه الأخ�يرة خاللها القليل من ترجمة� :سعد هادي �سليمان ال�سعادة والفرح والبهجة، والكثري من الأمل واحل�سرة وال��غ�ي�رة وال� �ع ��ذاب .فلقد تت�صف حياة الفنان الكبري بابلو بيكا�سو ك��ان��ت دورام � ��ار �شاخ�صة بن�شوة وحيوية و�صلت حد الثمالة من يف ح��ي��اة ب �ي �ك��ا� �س��و ويف �ألوان وعالقات ن�سائية وع�شيقات يتعذر ل��وح��ات��ه ع�ل��ى ح��د � �س��واء ـ ح�صرهن ،نظرا لعدم توفر املعلومات طاملا ان كل ع�شيقات الفنان الأكيدة يف هذا املجال. ك ��ن م ��ودي�ل�ات ل �ل��وح��ات��ه ـ يبدو �أن الفنان العاملي الكبري بابلو بيكا�سو من ع��ام 1936وحتى عام كان ي�ؤمن ب�شعاره اخلا�ص( :كل �شيء مباح .1945ول�� ��دت ث� �ي ��ودوا يف احلب والفن!) لذلك فلقد كان بيكا�سو م��ارك��وف�ي����ش وه��و �أ�سمها عبقريا يف نتاجاته الت�شكيلية ،وعبقريا الأ� � �ص � �ل� ��ي يف ب ��اري� �� ��س، خبيثا يف عالقاته الن�سائية �أي�ضا ..ولقد �إال �أن �ه��ا ع��ا��ش��ت طفولتها حاولت الروائية نيكول افريل يف كتابها ونياعتها يف االرجنتني، املو�سوم (�آنا ،دورامار)� ،سرد تفا�صيل ق�صة ول� �ق ��د �أخ � �ت� ��ارت لنف�سها العالقة احلميمة التي جمعت بيكا�سو �أ��س��م ال�شهرة (دورام� ��ار). ودوراما عرب ثماين �سنوات ،وما �شهدته وكانت �أيام �شبابها املندفع دورا من حزن وك�آبة وم�أ�ساة. م� ��� �ص ��ورة ف��وت��وغ��راف �ي��ة متمكنة ،ومتار�س الر�سم، كما ان�ه��ا ك��ان��ت يف الوقت نف�سه �أمر�أة فكر وعلى قدر ال ب�أ�س به من الثقافة، ومنا�ضلة (ثورية) ووجه جميل بعينني زرقاوتني وج�سم متنا�سق ،م�شكلة يف �صفاتها هذا منوذجا للمثقف الأوروب��ي الذي كان ينتمي اىل جيل ما بعد احلرب العاملية. ونظرا ،لعدم قيام دورامار بكتابة مذكراتها ،فلقد �سعت الكاتبة نيكول افريل اىل �أن ت�ستعني بكل http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
م�صادر املعلومات املتاحة لها وتتفح�صها بكل دقة ب�ضمنها ما روته دورامار عن عالقتها ببيكا�سو، وه��ي يف خ��ري��ف ال�ع�م��ر ،ول�ق��د بثت الروائية، بطبيعة احلال ح�سها الن�سائي الرقيق و�أ�سلوبها ال�سردي اجلميل الذي امتزج مع موهبتها الأدبية العالية وجنحت فعال بكتابة ق�صة مليئة بالعاطفة امل�شو�شة �إنطالقا م��ن اللقاء الأول ال��ذي جمع يبكا�سو بدورامار ،و�صوال اىل القطيعة النهائية التي ح�صلت بينهما ،فلقد �أب��دع��ت الكاتبة يف روايتها هذه كونها عرفت كيف تبث ال��روح من جديد ببطلة الق�صة بعد �أن �أك�ستها حلما ودما وم�شاعر ،وك�أنها �أرادت �أن تعيد دورام ��ار اىل احلياة من جديد لرتوي بنف�سها تفا�صيل عالقتها ببيكا�سو. مل تكن بطلة الق�صة ـ دورام��ار ـ يف بداية الأمر �سوى مر�شدة يف الأروقة ال�سرية مبتحف بابلو بيكا�سو ،ومبا �أنها م�صورة فوتوغرافية حمرتفة، فلقد كانت جتيد التقاط م�شهد تزاحم املعجبات على الفوز ب�صداقة بيكا�سو ،وتنقل الكاتبة عن دورام ��ار م��ا م �ف��اده( :لقد �أع ��ددت خطة للإيقاع ببيكا�سو بحيث ال �أدع له جماال للرتاجع� ،إال �أن ال�صدفة املح�ضة على ما يبدو هي التي قررت كل �شيء!!) .و�إذا كانت دورام��ار قد عرفت ال�سعادة وال�شهرة والبهجة م��ن خ�لال عالقتها احلميمة مع بيكا�سو� ،إال �أن الأم��ر مل ي�ستمر طويال على ذل��ك ال�ن�ح��و ،فمالمح القطيعة �أخ ��ذت تتو�ضح عندما رف�ضت دورام��ار ان تظهر مبوقف يعطي انطباع ًا على �أنها �أ�صبحت جمرد (ع�شيقة بيكا�سو ال�سابقة) حينها غرقت دورامار ببحر من الغرية وال�شك والعذاب وال�شعور بالذل ،ومتكن منها الغ�ضب امل�ست�شيط ،لتنهار نف�سيا مما تطلب تدخل (الك��ان) بالأمر وعمل على اخراجها من وحدتها وانزوائها وجل�سات ال�صدمات الكهربائية التي كانت تتعر�ض لها يف م�ست�شفى (�سانت �آن). ومتكن من خاللها ان يجعلها تت�صالح مع نف�سها
وتتطبع مع حياتها اجل��دي��دة ،مبدي ًا يف الوقت نف�سه �إ�صرار ًا على عدم قيام بيكا�سو بزيارتها بني مدة و�أخرى ،لأن ذلك من �ش�أنه �أن ينع�ش الأمل يف �إمكانية جتديد العالقة بني االثنني ،ويعيدها اىل و�ضع الع�شيقة املهجورة املذلولة. وف �ع�لا ،ف�ل�ق��د ب�ق�ي��ت دورام�� ��ار � �س �ن��وات لي�ست بالق�صرية ،بعد فراقهما ،بعيدة عن بيكا�سو :فهي مل تره ومل ت�سع اىل تق�صي �أخباره ،لكنها فوجئت بو�صول طرد �ضخم وثقيل مغلف بغالف حمكم، بحيث يتعذر على امل��رء اكت�شاف ماهيته ،وبعد فتحه �أت�ضح �أنه كر�سي بائ�س �ضخم وثقيل وال ينطوي على �أية قيمة تذكر .مر�سل من بيكا�سو �إليها ،ليعرف فيما �إذا كانت دورام ��ار ما زالت مرتبطة به عاطفيا� .أما دورامار من ناحيتها و�أن كانت للحظة قد وجدت الأمل يف �إعادة العالقة �إال �أنها وجدت يف هذا الطرد الثقيل ال�ضخم عالمة على مدى ف�ساد و�شر �صديقها احلميم وع�شيقها ال�سابق .ويف هذا املوقف بالذات عمدت نيكول افريل اىل �إبراز م�شاعر دورامار املريرة ب�صراخها وانفعالها والأ� �س��ى واحل ��زن العميقني اللذين احتال قلبها وعقلها ،فع�شيقها مل يكن عبقري الفن فح�سب ،بل كان عبقري ال�شر مبعنى الكلمة! و�إذا كانت تلك ال�صفحات ال�سوداء قد �أعطتنا فكرة عن مدى م�أ�ساوية تلك العالقة� ،إال �أن الق�صة تت�ضمن �أي�ضا مدى ال�سعادة والتعاون الذي كان ي�سود العالقة بني االثنني قبل حدوث القطيعة، ولقد كانت دورام��ار ع�شيقة وموديل وم�ساعدة لبيكا�سو� :أمل ت�ستمر عالقتهما ثماين �سنوات متوا�صلة؟ يف احلقيقة لقد �أبدعت الروائية نيكول افريل يف جت�سيد �شخ�صية دورامار روائيا مثلما �أبدعت يف جت�سيد م�شاعر :اخل�شية من احلقيقة يف هذا الكتاب.
عن Lepointالفرن�سية
جوناثان كالن�سي ترجمة :جناح اجلبيلي كتب املعماري ماك�س كلندننغ ":حني كنت �أبحث يف كتبي التي تدور حول بيكا�سو �صادفت تلك التخطيطات التي ر�سمها يف عام 1958للبنايات .وبينما كنت �أمر ببناية ج��دي��دة قامت يف الباربيكان /لندن فوجئت بت�شابه �أ�شكالها مع تخطيطات بيكا�سو. ه��ل مي�ك��ن �أن ت �ك��ون ه ��ذه التخطيطات ه��ي م�صدر الإلهام؟. ح�سن ،نعم وال .ما تظهره ه��ذه التخطيطات هو �أن بيكا�سو كان يتالعب يف �شكل البنايات يف وقت كانت فيه مقاربته للر�سم والنحت �أع��ادت تعريف الت�صميم املعماري يف بع�ض الأحياء الراقية امل�ؤثرة� .إن ت�أثري لوحة "اجلورنيكا" لبيكا�سو التي ر�سمها للجناح الأ��س�ب��اين يف معر�ض باري�س ال ��دويل� ،أدت �إىل ت�صميم بع�ض �أعمق البنايات لي�س فقط يف منت�صف القرن الع�شرين بل كل الأزم��ان .اليوم العديد من املعماريني – ال�ضجرين من اخلطوط امل�ستقيمة وال��زواي��ا القائمة م��ن جهة ،ومن ت�صميم م��ا بعد احل��داث��ة املبتذل ال��ذي فعل الكثري ج��د ًا جلعل �آفاق املدينة �ساذجة يف الثمانينيات من جهة �أخرى -قرروا ب�أنهم يريدون �أن ي�صبحوا بيكا�سويني �أي�ض ًا .يريدون �أن يت�شربوا بفكرة البنايات الواقعية م� �ث ��ل ق ��وال ��ب ا ملكا تب
وال�شقق مع �شيء من روح الفنان والنحات العظيم. ويبدو هذا �شيئ ًا جمي ًال �إذا ما ح�صل ،مث ًال� ،أن تكون ت�صاميم ف��ران��ك غ�يري العنيدة املت�ألقة مثل متحف "بلباو غوغنهامي " يف ا�سبانيا و "قاعة كون�سرت وولت دزين" يف لو�س �أجنلو�س ،عملية وغنائية .وكما كتبت �آدا لويزا هك�ستابل الناقدة وامل�ؤرخة الأمريكية �إىل غريي� ":إنه يبني على "ال�صندوق" املتحرر الذي فتحه "فرانك لويد رايت" للأبد والف�ضاءات املتحررة التي رفعها لو كوربوزيه �إىل الأعايل امل�شرقة". �إن غ�يري ي�ق�دّر ل��و ك��ورب��وزي��ه تقدير ًا عالي ًا .ويقول عن كني�سته ال�صغرية يف رون�شان التي �أن�شئت عام ":1955يف كل مرة �أذهب هناك �أنخرط يف البكاء". وبدورها تدين الكني�سة �إىل الت�أثري الكبري لبيكا�سو .يف هذه البناية التي ترتفع على تل يف "الرون �ألب" بنى لو كوربوزيه نوع ًا من اجلورنيكا لكن بالكونكريت. وحتى بع�ض التفا�صيل ،مثل املظالت املطرية الناتئة من ال�سقف العظيم كان لها مكان يف رائعة بيكا�سو يف الثالثينيات؛ يف هذه احلالة يف قناع قرين الثور. �إذا م��ا ك��ان لديك عالقة مع ه ��ذا ال ��ذك ��اء – لبيكا�سو وكوربوزيه -فهناك �س�ؤال � �س �ه��ل ح� ��ول م ��ا �إذا ك��ان �شيئ ًا جيد ًا �أم ال؟ بالن�سبة للمعماري ح�ين يريد �أن ي�ك��ون ف�ن��ان� ًا �أو بطريقة �أخرى ،بالن�سبة للمعماري ح�ين ي��ري��د �أن ي�ك��ون يبني فن ًا .كني�سة رون�شان �إحدى �أع �ظ��م الأع��م��ال الفنية يف العامل وح��دث �أنها بناية وم��ع ذل��ك فهي من ال�ن��وع البعيد ج��د ًا ع��ن كونها جمرد ���س��ق��ف ع� �ل ��ى ر�ؤو� � � ��س حمنية. وم��ع ذل��ك حتى امل �ع �م��اري�ي�ن ال��ع��ظ��م��اء م � �ث� ��ل ل��و
كوربوزيه والن�شطاء مثل غريي رمبا يجدون �أنه من ال�صعب عمل مثل هذا الفن البارز من قوالب املكاتب. رمبا ي�ستثمرون هذه مع الأ�شكال القوية �أو اجلديرة باحلب لكن لي�س مع الدقة ووط�أة العاطفة التي ت�أتي من مو�ضوعات مثل ق�صف فيلق الن�سر ملدينة جورنيكا �أو �إعادة بناء كني�سة �صغرية مكر�سة للعذراء املقد�سة التي مت تدمريها خالل احلرب العاملية الثانية. اليوم �أ�صحاب املهنة ،مب�ساعدة احلوا�سيب واملواد احلديثة ،ي�ستطيعون �أن ي�صمموا ويبنوا �أ�شكا ًال ب� ��ارزة .وم��ع ذل��ك ف���س��واء �أه ��ي ف��ن �أم ب�ل��وك مكتب ج��دي��د مب��ا ي�ع��ده "كلينددنغ" ك��ون��ه ق�ن��اع� ًا لتخطيط بيكا�سو ،ف�إنها �إىل حد ما �أف�ضل من الت�صميم امل�ستقيم ال�صاعد والنازل لـ" ميز دي رو"،مث ًال ،املع ّر�ض �إىل اال�ستجواب .يف الواقع �أن بيكا�سو �أثر على املعماريني قبل ر�سم اجلورنيكا بعقود .فمنذ �أن ر�سم "�آن�سات �آفينيون" يف ع��ام 1907واع �ت�برت ب���ص��ورة عامة مدخ ًال �إىل التكعيبية ،ف�إن الفنان اال�سباين �أثر ت�أثري ًا كبري ًا على املعماريني الأورب�ي�ين ال�شباب امل�صممني على الثورة على املوا�ضيع اململة واجلليلة والعنيدة غالب ًا� .أعمال لو كوربوزيه املبكرة – ت�صاميم نظرية لبيوت كونكريتية كبرية احلجم ب�ضمنها بيت دومينو للفرتة 1915-1914وبيت �سرتوهان � 1925إ�ضافة �إىل الأوىل يف فلله البي�ض املعروفة بالن�سبة للفنانني وجامعي التحف -مت�أثرة بالتكعيبية ومدركة لذاتها. وال�شي املهم �أن غ�يري �أي�ض ًا حني ا�ستقر يف لو�س �أجنلو�س طور عالقة حميمة مع جمع من الر�سامني املعا�صرين والفنانني مثل جا�سرب جونز وروبرت رو�شنربغ وكال�س �أول��دن�برغ .يقول غريي ":للر�سم بداهة التم�ستها يف العمارة". ت�ستطيع �أن ت��رى ال�ب��داه��ة يف تخطيطات بيكا�سو املعمارية .غ�ير �أن ترجمة تلك الأف �ك��ار �إىل العمارة يتطلب منا�سبة �إ�ضافة �إىل موهبة كبرية يف الت�أويل واحلد�س .وعلى �أية حال ف�إذا ما كانت اجلورنيكا ت�شي بت�صميم كني�سة رون�شان ف�إنها ال عالقة لها بت�صميم قوالب املكاتب املعا�صرة يف مدينة لندن. �إن �شكل بناية ما ي�ستحق �أن يربز من مزيج وظيفتها وم��ا متثله ،وم��ن وظيفتها وكيف ي�ستطيع املعماري �أن يرتجمها �إىل ��ش��يء م��ا عميق ومبهج .بالن�سبة للمعماريني ف ��إن بناء �أ�شكال غريبة م��ن �أج��ل بناية تختلف حني يتوىل ذلك فنان ًا .ال بيكا�سو بالت�أكيد.
نائب رئي�س التحرير ----------------عدنان ح�سني
مدير التحرير ----------------علي ح�سني االخراج الفني ----------------م�صطفى التميمي الت�صحيح اللغوي ----------------حممد حنون
طبعت مبطابع م�ؤ�س�سة لالعالم والثقافة والفنون
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
ج�����رن�����ي�����ك�����ا
بول ايلوار ....... عن كتاب جرنيكا اللوحة ،الق�صيدة ،الفيلم ترجمة:جالل الع�شري
�أزمة �إن�سان الع�صر
الأطفال تهيئوا للرحيل
إح�سا�سا قويًا عار ًما يف �أنهما يح�سان � ً
يف احلزن وال�شجاعة
ب�صورة قاطعة
ب�أن الرغبة يف احلياة عبث
من احلياة ومن املوت
ول�سوف نعود نحن
كل �شيء يف الوحل ي�صب
املوت ،ذلك الأمر الع�سري
�إىل ع�صرنا البدائي الأول
وال�شم�س يف الكون الأ�سود تغيب
ذلك الأمر الي�سري
حيث كانت دموع الفرح كما يقولون
يا �أ�ضرحة ال�شقاء
الن�سوة والأطفال يحتفظون بالكنز نف�سه
وكان الرجل يفتح ذراعيه
يا عامل البيوت املتداعية الرائع
يحتفظون به يف امل�آقي ويف العيون
ليعانق زوجته احلبيبة
عامل املناجم واحلقول
والرجال يذودون عنه
وكان الأطفال قريري العني
ً جيفا يا �إخوتي الذين �أ�صبحوا
يذودون عنه بقدر ما ي�ستطيعون
ي�شهقون وهم ي�ضحكون
�أ�صبحوا هياكل حمطمة
ً غدا هو الوقت الذي تتحمل فيه الأمل
عيون املوتى فيها ظالم الهول
الأر�ض يف حمابركم تدور
واخلوف واملوت
عيوين املوتى �ضمور الأر�ض البور
واملوت يك�سر توازن الزمن
ولكن الوقت الذي �سنزيل فيه �آثار اجلرمية
ال�ضحايا رعوا الدمع
لت�صبحوا �صحراء خاوية
�سيجيء مت�أخراً
جرعوه كال�سم الزعاف
�أنتم مادة للأ�شعار وطعام للغربان
ر�صا�ص املدافع الر�شا�شة
الإن�سان تلطخه الدماء.
و�أنتم اي�ضا �أملنا الذبيح املرجتف
يق�ضي على القتلى
حتى �أن ال�سفاحني �أ�صبحوا
حتت غابة البلوط امليتة يف "جرنيكا"
ر�صا�ص املدافع الر�شا�شة
�أقل مرارة من العنب املر
فوق حطام "جرنيكا"
يداعب الأطفال
العيون انفق�أت
حتت �سماء "جرنيكا" ال�صافية
�أ�سرع مما تداعبهم الريح
والقلوب انطف�أت
باحلديد والنار
والأر�ض �أ�ضحت باردة
عاد رجل كان يحمل بني ذراعيه ً حمال يئن ويف قلبه حمامة
منجما حفروا الإن�سان كما لو كان ً
ت�سرى فيها برودة املوت
يغني من �أجل الرجال الآخرين
حفروه كما لو كان ميتا بغري مركب
�أيها النا�س الذين من �أجلكم
�أغنية الثورة املجيدة
ً موقدا بغري نار حفروه كما لو كان
ترمنوا بهذا الكنز
التي تقول للحب مرحى
الن�سوة والأطفال ،يحتفظون بالكنز نف�سه
�أيها النا�س الذين من �أجلكم
وتقول للظلم ال
قطرات اللنب الرائق ،و�أوراق الربيع اخل�ضر
باعوا هذا الكنز
تقول �إن "جرنيكا" مثل "هريو�شيما"
كلها ترتقرق يف عيونهم ال�صافية
يف احت�ضار الأم والأخ واالبن فكروا
هي عا�صمة ال�سالم احلي
دائما وبا�ستمرار ترتقرق ً
يف ال�صراع الذي يق�ضي على احلياة فكروا
"جرنيكا" �إن الرباءة يا "جرنيكا"
الن�سوة والأطفال يحتفظون بالكنز نف�سه
فكروا يف احت�ضار احلب!
�ست�ستخل�ص حقها من براثن اجلرمية!
يحتفظون به يف امل�آقي ويف العيون
يف �أن ت�صونوا �أنف�سكم من ال�سفاحني
____________
والرجال يزودون عنه
يف �أن الطفل وال�شيخ يتقي�آن هول احلياة
يذودون عنه بقدر ما ي�ستطيعون
وهي تنعي حظها
* جرنيكا هي قرية ا�سبانية دكها الطريان الأملاين عام 1938م �أثناء احلرب الأهلية اال�سبانية؛ مل�صلحة قوات فرانكو الديكتاتور الفا�شي، ولتجريب ال�سالح الكيماوي �أي�ضا.