رئي�س جمل�س االدارة رئي�س التحرير فخري كرمي ملحق ثقافـي ا�سبوعي ي�صدر عن جريدة املدى
العدد ()2304ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )16ت�شرين الثاين 2011
ط���اغ���ور 150عاما على ميالده
2
العدد ()2304ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )16ت�شرين الثاين 2011
العدد ()2304ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )16ت�شرين الثاين 2011
3
اول عبقري من الشرق حاز على جائزة نوبل �سامل االلو�سي كان امل�سرت "مايرتا" امل�ست�شار الثقافـي فـي �سفارة الهند ببغداد ي�سعى �سعيا حثيثا لت�أ�سي�س جمعية ثقافـية حتمل ا�سم ال�شاعر الفـيل�سوف الهندي "طاغور" ،وقد اقام لهذا الغر�ض دعوة �شاي بداره الواقعة فـي منطقة العطيفـية بجانب الكرخ ،دعا اليها عددا من اال�ساتذة ال�شعراء واالدباء والفنانني ورجال ال�صحافة ،القى خاللها حما�ضرة عن "رابندرانات طاغور" ومكانته العاملية فـي االدب وال�شعر وامل�سرح وكان ذلك ربيع عام .1960
ج� �م� �ع� �ي ��ة ب � ��اس � ��م ط�� ��اغ�� ��ور ف � �ـ� ��ي ب � �غ� ��داد
عندما زار الفـيلسوف الهندي العراق! جل�سة ادبية
وف�ـ��ي خ��ري��ف ال �ع��ام نف�سه دع��ان��ا ال�شاعر ال�ك�ب�ير اال� �س �ت��اذ ح��اف��ظ جميل اىل وليمة ع �� �ش��اء ب � ��داره ت �ك��رمي��ا ل�ل���س�ي��د "مايرتا" ح���ض��ره��ا ع ��دد م��ن ال���ش�خ���ص�ي��ات االدبية وال�سيا�سية وال�صحفـية منهم اال�ساتذة: حممد �سليم الرا�ضي – �سفـري العراق فـي الهند �سابقا ،وال��دك�ت��ور م�صطفى جواد، حقي ال�شبلي ،جعفر اخلليلي ،ف�ؤاد عبا�س، م�شكور اال� �س��دي ،اح�م��د ح��ام��د ال�صراف، �صبيح الغافقي ،طلعت �شوكة ،وع��دد �آخر من االدباء والفنانني وكاتب هذه الكلمة. حتولت الوليمة اىل جل�سة ادبية �شعية من الطراز االول دار فـيها احلديث عن طاغور و�شعره وم�سرحياته ودعواته اال�صالحية ال �ت��ي اك���س�ب�ت��ه � �ش �ه��رة ع��امل �ي��ة ف��و� �ص��ف بـ "�شاعر احلب وال�سالم" وقد حتدث كل من اال�ساتذين احمد حامد ال���ص��راف وجعفر اخلليلي ع��ن ا�شعار ط��اغ��ور املرتجمة اىل ال�ف��ار��س�ي��ة وغ�يره��ا م��ن ال �ل �غ��ات ،ث��م تكلم اال��س�ت��اذ حممد �سليم ال��را��ض��ي واال�ستاذ ف��ؤاد عبا�س عن طاغور وم�ساعيه ودعوته لن�شر مفاهيم ال�سالم والتعاون بني االمم ون�ب��ذ العنف واحل���روب ال�ت��ي ع��ان��ت منها الب�شرية وم��ا تركته من ك��وارث وفواجع، وقد و�صف اال�ستاذ ال�صراف زيارة طاغور اىل ال��ع��راق ع ��ام ،1931ك�م��ا اق�ت�رح ان تتوىل اجلمعية املفرتح ت�أ�سي�سها االحتفال بالذكرى املئوية مليالده " "1861والذكرى الع�شرينية لوفاته فـي 1941/8/7توثيقا ل��رواب��ط ال�صداقة ب�ين ال�شعبني العراقي والهندي ،وق��د رح��ب احلا�ضرون بالفكرة وفـي مقدمتهم ال�سيد "مايرتا" ال��ذي قال انه �سيعمل جادا ليكون هذا االحتفال على امل�ستوى الر�سمي بالتعاون والتن�سيق بني
اجلهات الثقافـية فـي العراق والهند كخطوة اوىل تتبعها خ�ط��وات ل��دع��م ال�ت�ع��اون بني البلدين ال�صديقني. انتقل احلديث بعدها اىل زيارة الفـيل�سوف "طاغور" اىل العراق فـي الربع االول من ع��ام 1931وق��د ت��وىل اال�ستاذ احمد حامد ال�صراف و�صف مظاهر اال�ستقبال واحلفاوة التي قوبل بها �شاعر الهند الكبري وقد جاءت هذه الزيارة تلبية لدعوة من امللك فـي�صل االول ،ا�شرفت عليها وزارة املعارف على عهد وزيرها ال�سيد عبد احل�سني اجللبي فـي وزارة نوري ال�سعيد االوىل .،وقد نه�ضت الوزارة باملهمة ف�شكلت هيئة ا�ستقبال م�ؤلفة من :ال�شاعر جميل �صدقي الزهاوي ،الدكتور حممد فا�ضل اجلمايل ،العالمة حممد بهجة االث��ري ،املرتجم اال�ستاذ عبد امل�سيح وزير وق��د توجهت الهيئة اىل خانقني ال�ستقبال ال�ضيف القادم من ايران ،وقد �صحب الهيئة امل�صور ار�شاك.
تكرمي طاغور فـي بغداد
اقيمت لطاغور عدة حفالت ووالئم احتفا ًء به وتقديرا ملنزلته ،تبارى فـيها ال�شعراء واالدب�� � ��اء ورج� � ��ال ال �� �ص �ح��اف��ة ك� ��ان فـي مقدمتهم الزهاوي واال�ستاذ االث��ري ،كان اال�ستاذ ال�صراف ك�شري اال�شادة بالزهاوي وبق�صيدته ،هنا ان�برى ال�شاعر اال�ستاذ حافظ جميل معقب ًا بقوله انه يف�ضل ق�صيدة االثري على ق�صيدة الزهاوي لكونها ارقى �سبكا وابلغ نظما وادق تعبريا ،ي�ضاف اىل ذلك م�ضامينها الوطنية والقومية ،ا�ؤكد على ذلك – والقول حلافظ – وعلى م�س�ؤوليتي ك�شاعر .وقد ا�صطف االديب ال�شاعر جعفر اخل �ل �ي �ل��ي اىل ج��ان��ب ح��اف��ظ ج �م �ي��ل فـي اال�شادة بامل�ستوى الرفـيع لق�صيدة االثري،
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
الن�ه��ا �شعر مبعنى ال�ك�ل�م��ة ،بينما جاءت ق�صيدة الزهاوي خيالية �ضعيفة ال ترقى اىل امل�ستوى امل�أمول من �شاعر كبري مثله. وملا احتدم اجلدل والنقا�ش بني احلا�ضرين نه�ض ال�شاعر حافظ اىل مكتبته وعر�ض دي ��وان ال��زه��اوي و�صحيفة م��ن ال�صحف ال�ب�غ��دادي��ة ال�ت��ي ن�شرت ق�صيدة اال�ستاذ االثري وطلب اىل اال�ستاذ ال�صراف ان يقر�أ ق�صيدة الزهاوي ،واىل اال�ستاذ ف�ؤاد عبا�س قراءة ق�صيدة االث��ري ،وبعد ذلك طلب اىل احلا�ضرين التحكيم واملفا�ضلة بينهما، وقد اجمع احلا�ضرون على حيازة اال�ستاذ االثري ق�صب ال�سبق وانه املجلي فـي ميدان ال�شعر. وتوثيقا ل�ه��ذه اجلل�سة االدب �ي��ة ال�شعية، وح �ف��اظ��ا ع�ل��ى االم��ان��ة ال�ت��اري�خ�ي��ة نن�شر الق�صيدتني ليطلع عليهما القراء: ق�صيدة الزهاوي كنت "طاغور" ماثال فـي خيايل حيثما التفت اجدك حيايل عن مييني اذا نظرت مييني و�شمايل اذا نظرت �شمايل مثل جنم يهوي ابت�ساما جميال فـي دجى الليل من مكان عالٍ وانا با�سط اليك يدي فـي �ضرع اليائ�س الكثري املالل قلت يل ان اردت ان نتناجى فادن مني وفـي الدنو تعال قلت ال ا�ستطيع ذاك الين من �شكوكي ا�سوح فـي االوحال قلت حاولت منها بنف�سك افال تا فحاولته فبان كاليل و�ضعت فـي جيدي الطبيعة اغال ال فما حيلتي مع االغالل ما بو�سعي الدنو اال اذا حر
وتني او خففت الغايل ثم ملا ت�صرم الليل ين�أى وبدا ال�صبح ابي�ض االذيال لفظ النا�س من كراها حتيي موكب ال�شم�س طالعا فـي جالل مل يكن قد بان يومئذ يل غري طيف من احلقيقة خال وارى اليوم بالنواظر ماقد كنت قبال ر�أيته فـي اخليال
عتاب االثري !
ك��ان��ت االو���ض��اع ال�سيا�سية ف�ـ��ي العراق م�ضطربة وغري م�ستقرة وعواطف ال�شعب ثائرة مائجة ،وال�صحافة الوطنية تهاجم �سيا�سة ن��وري ال�سعيد وخ�ضعه مل�شيئة االنكليز وتنفـيذه رغباتهم ب�سبب عقده معاهدة 1930اجلائرة ،وقد عمدت الدوائر اال�ستعمارية الربيطانية بخبث ودناءة اىل ان جتعل تاريخ اب��رام هذه املعاهدة التي رف�ضها ال�شعب العراقي بكل اباء وكربياء "يوم 30حزيران" وه��و ت��اري��خ ثورة ال�شعب العراقي �ضد االحتالل االنكليزي للعراق. نقول فـي ه��ذا اجل��و امل�شحون بالعواطف الثائرة �ضد االحتالل واملعاهدة ،والغليان ال �� �ش �ع �ب��ي ع �ل��ى ا�� �ش ��ده ك ��ره ��ا لالنكليز ومعار�ضة ل��وزارة نوري ال�سعيد ،تتزامن زيارة الفـيل�سوف الهندي "طاغور" داعية احلب وال�سالم ،ويومها ف�سرتها االو�ساط الوطنية بانها –اي الزيارة – قد خطط لها وكامنا جيء بطاغور لن�شر دعابةة مغلفة تهدف اىل ال�سكينة والهدوء ورف�ض العنف، وب�ك�ل�م��ة اخ ��رى التخفـيف م��ن معار�ضة ال���ش�ع��ب ال �ع��راق��ي لل�سيا�سة االنكليزية والدعوة اىل امل�ساملة ،وعلى قدر موجبات
اللياقة مع �ضيف امللك فـي�صل االول ،وجه اليه العالمة االث��ري ق�صيدة يحتفـي بها ب�شاعر الهند� ،ضيف العراق �ضمنها عبارات، ي�شم من ثناياها بع�ض العتاب م�ؤكدا على ان امل�ساملة تختلف من حال اىل ح��ال ،فقد تكون فـي بع�ض االح��وال من موقع القوة واالق �ت��دار ،وتقت�ضيها احلكمة والتدبري، وق��د تكون م��ن ع��وام��ل العجز والق�صور، فتكون حينئذ خ�ضوعا وانقيادا لل�سيا�سة الغا�شمة ،فلن�ستمع ونقر�أ ق�صيدة العالمة االثري التي قال فـيها: ب�سمت لبغداد وبغداد ثاكله فلم تر اال ان ته�ش جماملة وبغداد ثغر �صاغه الله با�سما لكل اديب حط فـيها رواحله حملة اجواد على بعد عهدها عن البدر تقري ال�ضيف بالروح عاجلة هواها العلى فامل�س نوازي نب�ضها جتد وثبات الدم فـيهن جافلة وغن لها اغنية املجد متتلك هواها وذكرها الذوابل عا�سله هنالك ان تفعل تر اليوم امه اعز من االقدار جا�شت مقاتله وما هي اال ان ترى االمر �سائحا وما هي اال ان تثور م�صاوله لها عزمة فـيها اناة ومن يكن كذلك ي�صرب او يعز قبائله اذا ما اق�شعر الدهر فارقب فعالها وا�صغ اىل �صوت القوا�ضب قا�صلة اال ..اليرعك القول مني اقوله وان بك �ضدا للذي جئت حامله فانا على حال اذا ما دريته عذرت ورمت العفو ان كنت جاهله وقد يدع الر�أي امر�ؤ مت�صلب وين�صر ر�أيا عا�ش دهر ًا منا�ضله
انور �شا�ؤول اديب عراقي راحل
م��ا زل��ت ات��ذك��ره كيف طلع علينا بقامته املديدة وج�سمه املمتلئ يلفه جلباب قمحي ال�ل��ون ،ف�ضفا�ض ،ت�سرت�سل على �صدره حلية بي�ضاء عري�ضة وهو ماد الينا يديه، يتطلع بعينني �شهالوين وا�سعتني ي�شع منهما ب��ري��ق � �س��اح��ر ..ك�ي��ف ان���س��ى تلك ال �� �ص��ورة امل�لائ�ك�ي��ة ل�شاعر ال�ه�ن��د الكبري وفـيل�سوفها احلكيم رابندرانات طاغور؟ رحمة الله على روحه الطاهرة! ك��ان ذل��ك فـي اواخ��ر �شهر ني�سان من عام 1932ع�ن��دم��ا ��س��اف��رن��ا اىل ب�ل��دة خانقني ونحن جلنة برئا�سة الطيب الذكر جميل �صدقي الزهاوي الفت خ�صي�صا ال�ستقبال ال�ضيف وال�سهر على راح�ت��ه واالحتفال بتكرميه. وتعانق اول من تعانق ال�شاعران العمالقان ورح��ب اح��ده�م��ا ب��االخ��ر ،ق��ال الزهاوي: "اهال ب���ش��اع��ر ال �ه �ن��د امل �ل �ه��م وحكيمها العظيم" .فاجابه طاغور" :واهال ب�شاعر العرب الغريد وفـيل�سوفهم احلكيم" .وبعد ا��س�تراح��ة وت �ن��اول طعام الفطور ا�ستقل املوكب القطار اىل العا�صمة ،بغداد ،حيث بد�أت املهرجانات االدبية ،حتتفـي بطاغور وتكرمه وتتيح الفر�صة جلمهور احلا�ضرين لال�ستماع اىل ق�صائده ال��رائ�ع��ات يلقيها باللغة البنغالية وي�شفعها برتجمة انكليزية لها بقلمه.. وع�شنا ا�سبوعا اغر فـي تاريخ االدب على نطاق عاملي ،وقبله بزمان كنا قد �سمعنا وق��ر�أن��ا الكثري عن حياة طاغور احلافلة، عرفنا قبل ه��ذه ال��زي��ارة ان رابندرانات طاغور ولد فـي مدينة كلكوتا عام ()1861 مل��دد ط��وال فن�ش�أ االب��ن طاغور فـي عزلة، ال اني�س ل��ه ��س��وى الطبيعة ،م��ا لبثت ان ات�ضحت ف��اذا ب��راب�ن��دران��ات ط��اغ��ور يطل ع�ل��ى وط �ن��ه وع �ل��ى ال �ع��امل اج �م��ع �شاعرا عبقريا وفـيل�سوفا حكيما ومو�سيقارا موهوبا ور�ساما مبدعا ومربيا فذا حنكته االي� ��ام .ن�ظ��م ال�شعر وك �ت��ب امل�سرحيات وو�ضع جمهرة امثال تهدف اىل التوعية والدعوة اىل تفهم احلياة تفهما �صحيحا واىل �سلوك اف�ضل ال�سبل اىل خري االن�سان و�سعادة املجتمع ع��ن طريق تنقية الفكر وال��وج��دان م��ن �شوائب امل ��ادة ،والتحلي بالت�سامح والالعنف. وع�ن��دم��ا ح�صل ط��اغ��ور ع��ام 1913على
ج��ائ��زة نوبل االدب �ي��ة وك��ان ق��دره��ا قرابة ثمانية االف جنيه ع��ن جم�م��وع��ة �شعره امل�سماة (جيتاجنلي) اي (قرابني االغاين) طارت �شهرته �شرقا وغربا وا�صبح �شاعرا عامليا ترتجم ا�شعاره وم�ؤلفاته فـي العديد من اقطار العامل. ول �ط��اغ��ور اك�ث�ر م��ن �ستني ك�ت��اب��ا ن�صفها �شعر والن�صف االخ��ر نرث واالخ�ير اكرثه م�سرحيات وق�ص�ص كتبها باللغة البنغالية احلديثة ثم نقل بع�ضها اىل االنكليزية بقلمه وو�ضع بع�ضها باالنكليزية فـي اال�صل.
وف �ـ��ي اح ��د االح �ت �ف��االت ال �ت��ي اق �ي �م��ت له فـي نطاق زي��ارت��ه للعراق احت��ف طاغور م�ستمعيه بق�صيدته (ده�شمايا – او �صراع النف�س فـي حمنتها) باللغتني االنكليزية وال�ب�ن�غ��ال�ي��ة .وك ��ان يلقيها ب���ص��وت عذب ممو�سق فاذا بنا ن�سمع حديثا مالئكيا هو ا�شبه بالغناء .وطلب عدد من احلا�ضرين ان ي�سمعوا ترجمة عربية لهذه الرائعة الطاغورية – فكيف يت�سنى ذلك هنا اقرتح بع�ضهم علي ان اعد ترجمة عربية �شعرية لهذه الق�صيدة على ان القيها فـي احتفال
ق��ادم من االحتفاالت تكرمي ال�ضيف .فلم ي�سعني اال ان اوافق متهيبا .و�سر طاغور لهذه املبادرة واعطاين ن�سخة انكليزية من الق�صيدة وكان عنوانها (ايها الطائر) .وهو يريد بهذا الطائر وطنه الهند وي�صف فـي معاناته معاناة لهند ذاتها فـي �سبيل التحرر واالنعتاق. وهكذا ،وفـي االحتفال التايل الذي القى فـيه طاغور روائع اخرى من ا�شعاره قرات انا على احلا�ضرين ترجمتي ال�شعرية لق�صيدة (ده�شمايا) او (ايها الطائر).
ايها الطائر ان يكن ليلك وافـي ما�شيا بانئاد فوق هامات البطاع م�سكنا من قد تغنى �شاديا برنني مطرب او بنواح ان يكن كل رفـيق نائيا عنك فـي وكنته حيث ا�سرتاح ودجى الليل اخاف احلاديا وال�سما اخفى حمياها الو�شاح فت�شجع ايها الطائر يا طائري املحبوب ،ال تطو اجلناح ال *** لي�س ما ت�سمعه االذن �صدى رهبة االوراق فـي الغاب الكثيف انه البحر تعاىل مزبدا مثل افعى �صوتها الداوي خميف! لي�س هذا يا�سمينا ما غدا راق�صا بل انه املوج الزحوف اه اين ال�ساحر املهدي يدا؟ اين ا�ضحى ع�شك الزاهي اللطيف فت�شجع ايها الطائر يا طائري املحبوب ،ال تطو اجلناح *** وح�شة الليل احاطت بالطريق ال �ضياء ،ال غناء ،ال نبات وال�ضحى يرقد ريان ال�شروق خلف هاتيك اله�ضاب البا�سمات والدرازي حب�ست منها اخلفوق حت�سب ال�ساعات ت�سرتجي الغداة وخيوط البدر ،والبدر رقيق �سبحت فوق الدياجي احلالكات فت�شجع ايها الطائر يا طائري املحبوب ،ال تطوي اجلناح *** ايها ال�سابح فـي هذا الف�ضاء ال رجاء لك فـيه ال فزع ان�صت ال�سمع مليا ال نداء ال وال هم�س �ضعيف ي�ستمع لي�س من م�أوى امين او مباء جتد ال�صفو به ،ال م�ضطجع ما لك االن �سوى تيه ال�سماء و�سوى خفق جناح مبتدع فت�شجع ايها الطائر ياطائري املحبوب ال تطو اجلناح
من مذكرات انور �شا�ؤول عام 1986
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
4
العدد ()2304ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )16ت�شرين الثاين 2011
العدد ()2304ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )16ت�شرين الثاين 2011
5
ط����������اغ����������ور...
ض���ي���ف ب�����غ�����داد ال���س���ام���ي! ر�شيد اخليون
عبد اجلبار ال�سامرائي فـي الع�شرين من �أيار /مايو عام 1932زار بغداد ال�شاعر الهندي الفـيل�سوف الكبري (رابندرانات طاغور) ( )1941/1861بدعوة من املرحوم فـي�صل االول ،ملك العراق. لقد ا�ستقبل طاغور فـي بغداد اروع ا�ستقبال من قبل ال�سيا�سيني وال�شعراء واالدباء، وكان فـي مقدمتهم ال�سيد حممد ال�صدر ،وجعفر با�شا الع�سكري وحممد بهجة االثري ،ومعروف الر�صافـي وجميل �صدقي الزهاوي ،ونوري ثابت �صاحب جريدة (حبزبوز) وغريهم من الوجوه املعروفة انذاك .بتاريخ 2من حزيران ،1932ن�شرت احدى ال�صحف العراقية هذا العنوان ( :رابندرانات طاغور – من خانقني اىل بغداد) نقلت االخت �سهيلة داود �سلمان جانبا منها فـي جريدة (الزمان) الطبعة البغدادية، العدد 2178فـي 3من �آب � ،2005ص 13جاء فـيها:
زيارة الشاعر الهندي طاغور بغداد (ال�شاعر االكرب على احلدود ،ال�ساعة العا�شرة والن�صف �صباحا، وال�شم�س و�ضاحة اجلبني ،الغيم ي�سرتها وال غبار عندما كنا فـي دائ��رة ج��وازات ال�سفر على احل��دود العراقية ،كنا ننتظر بفارغ ال�صرب �سيارة ال�ضيف املحبوب. مل يطل االنتظار حتى واف��ت ال�سيارة تتبعها اخ��رى ،تقدمت نحونا ببطء واذ �صارت على مقربة منا ،تطلعنا فاذا هي حتمل من اوفدنا ال�ستقباله وم ّد ر�أ�سه قليال من نافذة ال�سيارة ،تبدو على حمياه امارات الب�ش املمزوج بعناء ال�سفر ،وابت�سم ابت�سامة خفـيفة وهو ي�صافح �شاعرنا الكبري جميل �صدقي الزهاوي،رئي�س الوفد :يرحب العراق ب�شاعر ال�شرق العظيم ،ويحييه ويحيي فـيه العبقرية والنبوغ. كانت تلك الكلمات القليلة اجلامعة التي خاطب بها الزهاوي�ضيف العراق ،فكان جواب طاغور كلمات موجزة اي�ضا ،قالها ال�شاعر الكبري ب�صوت خفـي�ض: (ان�ن��ي ل�سعيد ب�ه��ذه احل �ف��اوة ،وف�خ��ور مب�ج��يء �شاعر العرب لتحيتي حتية �شاعر ل�شاعر). وتقدم اىل طاغور اع�ضاء الوفد واح��دا ف��واح��د ًا ،ي�صافحونه مرحبني به وبـ (كنته) و�سكرتريه ،ثم رجوه ان يتف�ضل بالنزول من ال�سيارة الخذ ر�سم تذكاري على احلدود مع اع�ضاء الوفد، فلبى الرجاء عن طيب خاطر. ومما قاله طاغور( :انني ارجو ان يكون العراق حا�ضرة االمن وال�سالم واملحبة والوحدة) فاجابه الوفد( :ان العراق لفخور بوحدته ،معتز بهذه الوحدة املقد�سة بني ابنائه على اختالف طبقاتهم واديانهم). ترى لو عاد ال�شاعر الكبري طاغور اىل احلياة وزار العراق حاليا، فماذا �سيقول له العراقيون؟ وماذا �سيقول هو عن حال العراق والعراقيني بعد االحتالل؟! وتنقل لنا االخت �سهيلة عن اخر م�ساء ق�ضاه طاغور فـي بغداد على �ضفاف دجلة فتقول ،ان احتفاالت عديدة اقيمت ل�ضيف العراق الكرمي الدكتور رابندرانات طاغور طوال االيام الع�شرة التي ق�ضاها فـي ب�غ��داد ،ك��ان فـي كلها مو�ضع حفاوة واجالل واع� ��زاز ..وك��ان االح�ت�ف��ال االخ�ي�ر ال��ذي اق�ي��م لل�شاعر الكبري م�ساء االحد املا�ضي – ومل يذكر التاريخ بالتحديد – كان اكرث االحتفاالت جماال – وا�شدها اثرا فـي النفو�س .لقد كان احتفال الوداع. ففـي ق�صر ال�شابندر املطل على �شواطئ الكاورية فـي دجلة ،اجتمع لفـيف من االدب��اء وال�صحفـيني ،يحيطون بال�ضيف العزيز ،كل �شيء كان �سحريا� ،شعريا ،الطبيعة هادئة ،الن�سيم عليل ،االزهار يفوح �شذاها ،النهر يجري رقراقا ،واملغنية العراقية ال�شهرية ال�ست جليلة تطرب فـي هذا االجتماع ال�شاعر العاملي الذي رغب
فـي ا�ستماع مو�سيقانا وغنائنا باعذب االغاين العراقية ال�شجية، م�صحوبة بانغام جوقها املبدع. وفـي ام�سية الوداع ،انربى ال�صحفـي واالديب العراقي ابراهيم حلمي العمر ،فارجتل كلمة وداعية كلها رقة وبالغة ،وقد اجابه املحتفى ب��ه كلمة ارق واب�ل��غ ث��م دع��ا �صاحب جملة (احلا�صد) (وهو انور �شا�ؤول) ليلقي كلمة با�سم ال�صحفـيني ،فارجتل كلمة منا�سبة جاء فـيها: ( ..ازه��ار �شاعرية طاغور كانت تنع�ش القريب والبعيد ،ونهر حكمه الفـيا�ض ك��ان وم ��ازال ي�سقي ع��امل��ا ب��ا��س��ره .ان طاغور كال�شم�س ك��ان وم ��ازال يبعث باال�شعة اىل مرتفعات اجلبال واعماق االودية ا�شرقا كان ام غربا ،جنوبا ام �شماال). �شكر طاغور ال�صحافة العراقية والعراقيني كافة ،ثم القى نظرة على دجلة ،وتن�شق ه��واء العراق م��لء رنتيه ،وتطلع اىل عقد امل�صابيح الكهربائية اخلافقة فـي تلك ال�ساعة التذكارية اجلميلة – حيث كانت الكهرباء ال تنقطع فـي بغداد – وقال ال�شاعر الكبري معروف الر�صافـي معلقا( :ان هذا اخلفوق وهذه املناظر الطبيعية اخلالبة الف�صح منا ل�سانا ،واقدر على التعبري عما فـي ال�صدر فـي مثل هذه املواقف). لقد ودع طاغور بغداد الوداع االخري ،بغداد ان حقق امنيته فـي زيارتها والتمتع بجمالها وبجمال دجلتها واللقاء مع نخبة من ادبائها وباهلها الطيبيني الذين ما عرفوا للطائفـية واملذهبية معنى ،وال عرفوا للتفجريات واملفخات معنى ،ومل ين�س طاغور ان يخلد ذك ��راه فـي ب�غ��داد بنظم اغنية بعنوان (ي��ا بلبل غن اجلريانا) غنتها له املطربة زكية جورج فـي عام .1932 يا بلبل غن اجلريانا غن وتفنن احلانا فـينتهم �سرقت قلبي وليبق لديها جذالنا وحلقل ابيها من حقلي تتطاير ا�سراب النحل فع�شقت النحلة من حبي ووجدت فري�ستها عقلي ازهار حديقتها ت�شري فـي ال�سوق ومتلأها ب�شرا لو كنت غنيا ذا ك�سب ل�شربت الباعة والزهرا هكذا كانت كلمات االغ��اين ،وهكذا كانت اال�صوات اال�صيلةت�صدح باالحلان والكلمات الرقيقة املعربة ،اما اليوم ،فقد بد�أنا ن�سمع اغنية من قبيل ( :ميه كر�صتني عكربه)! او (التلدغة احلية يخاف من جرة احلبل) اىل �آخر الهذيان!.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
تقدم اىل طاغور اع�ضاء الوفد واحدا فواحداً، ي�صافحونه مرحبني به وبـ (كنته) و�سكرتريه ،ثم رجوه ان يتف�ضل بالنزول من ال�سيارة الخذ ر�سم تذكاري على احلدود مع اع�ضاء الوفد ،فلبى الرجاء عن طيب خاطر.
اح�ت�ف��ل ق�ب��ل اي ��ام ب��ال��ذك��رى اخلم�سني بعد املائة مليالد عظيم الهند رابندرانات طاغور "ت )1941وحلاجة �شديدة مبا �آل��ت اليه اح���وال ب �غ��داد م��ن � �س��وء ف�ـ��ي ال�ث�ق��اف��ة على امل�ستوى الر�سمي ان مينع مهرجان مو�سيقى ببابل مثال ،وجدت من ال�ضرورة .ولو عرب مقال ،ا�ستعادة ذكرى زيارته بغداد التا�سعة وال�سبعني ب�غ��داد ال�ت��ي يحل االن �ضيوف دائمون على �شا�شتها الر�سمية وهم يقدمون ال���ش�ع��وذة ع�ل��ى ط�ب��ق ال��دي��ن ،ودع��ون��ا من عناوين مغالطة م��ن مثل م�ؤ�س�سة االعالم امل�ستقلة .ا�ستمع ل�برن��ام��ج �شاعر �سوري الدائم دميومة ال�شيخ االخ��واين فـي القناة التي ت�أ�س�ست من اجل امثاله االخوان يظهر متمنطق ًا مع حركات ا�ستعرا�ضية وحا�شيا عقول العراقيني مبادة بائ�سة غار�سة اجلهل على انه ثقافة وعلم �آل البيت م�ستخدما تلك اال�سماء ب�ضاعة اتذكر به م�شايخ الدعاية املذهبية والدينية عرب ال�شا�شات الهابطة!. ك��ل امتياز ه��ذا ال��رج��ل ان��ه تفريق �شهادات ال ��دك� �ت ��وراه .وف �ـ��ي ك��ل �آن ي�ع�ق��د جمل�سا لتوزيع ال��دك�ت��وراه الفخرية واال�صلية من جامعته "االبداع" ويعلم الله كم من حامل لها فـي اروق ��ة ال�برمل��ان وال��دول��ة! وال�سعر خم�سة االف دوالر ما كنت ا�صدق ل��وال ان ورق��ة بخطه قدمها يل اح��د الراغبني بهذه الدكتوراه .تقول له بخط املاجك :ت�ستحق الدكتوراه على ما كتبته وان احد النزهاء من اهل النجف ،قال يل :رف�ضت عر�ضه دكتوراه بخم�سة االف دوالر. قبل ت�سعة و�سبعني عاما كان �ضيوف بغداد م��ن م�شاهري ال���ش��رق ،اث�ن��ان كانا يخطوان نحو ال�شهرة ام كلثوم (ت )1975بعدها عرفت بكوكب ال�شرق وحممد عبد الوهاب (ت )1991ام��ا ال�ث��ال��ث ف�ه��و ��ش��اع��ر الهند وفـيل�سوفها ،ولي�س ا�شهر من حيازة جائزة ن��وب��ل ��ش��رف�ت��ه وت �� �ش��رف��ت ب��ه ع ��ام ،1913 ولي�س ا�شهر من و�سام الفار�س منحه له ملك بريطانيا العظمى .1915 ا�ستقبلت ام ك�ل�ث��وم بق�صائد �شخ�صيات ال�ع��راق� :شعراء وادب��اء فقهاء من معتمري العمائم كانت العمائم من نوع �آخر ي�ستظل بها من الهاجرة .وال يخ�شى منها على الدنيا وال��دي��ن ال ت��ؤم��ن بال�سالح ال�ن��ووي ولي�س حتتها �سوى اخل�ير :حممد ج��واد ال�شبيبي (ت ،)1944وجنله حممد باقر ال�شبيبي (ت ،)1960وحممد بهجة االث��ري (ت )1996 وابراهيم ادهم الزهاوي (ت .)1962 غنى حممد عبد ال��وه��اب ،ام��ام امللك فـي�صل االول الحمد �شوقي (ت )1932وك��ان ماء العراق عنوانا للق�صيدة ومو�ضوعا ومنها "يا �شراعا وراء دجلة يجري ..فـي دموعي جتنبتك ال �ع��وادي� .سر على امل��اء كامل�سيح رويدا ..واجر فـي اليم كال�شعاع الهاديء �إال انه من �سوء حظ العراق ان يهوي ال�شراع مبكرا ،ومل يدم م�شرعا �سوى خفقة من الزمن ( )1932 – 1921هي �سنوات البداية من الال�شيء لي�أت مثل ال�شاعر املتفقة بال�شعوذة واحليلة لي�ضحك على العقل العراقي. كتب االديب واملحامي العراقي انور �شا�ؤول (ت ،)1984وه��و اح��د املكلفـني اىل جانب جميل �صدقي الزهاوي (ت )1931با�ستقبال
ال�ضيف بخانقني " :مازلت اتذكره كيف طلع علينا بقامته املديدة ،وج�سمه املمتلئ يلفه جلباب قمحي اللون ف�ضفا�ض ،ت�سرت�سل على �صدره حلية بي�ضاء عري�ضة ،وهو ماد الينا يديه ،يتطلع بعينني �شهالوين وا�سعتني ي�شع منهما بريق �ساحر كيف ان�سى تلك ال�صورة املالئكية ل�شاعر الهند الكبري وفـيل�سوفها احلكيم رابندرانات طاغور" (ق�صة حياتي فـي وادي الرافدين). كان ذلك فـي اواخر ني�سان ،1932ال قر وال حر فـي ربوع العراق رحب الزهاوي بطاغور ق��ائ�لا" :اهال ب�شاعر الهند امللهم وحكيمها العظيم" .فرد ال�ضيف" :واهال ب�شاعر العرب الغريد وفـيل�سوفهم احلكيم" .مل تكن امل�شاعر حينها مت�صلبة فلو قب�ض لطاغور ان يقولها ال�ي��وم لف�سدت ال��زي��ارة .ك��ان ال��زه��اوي من دوحة كردية فكيف يخاطب :ب�شاعر العرب! كذلك البد ان يت�ألف الوفد امل�ستقبل ح�سب املحا�ص�صة ورمبا اختري له رئي�سان ولأحتار
طاغور مبن يبد�أ العناق. اعدت بغداد لطاغور ا�سبوعا حافال من اما�سي �شعرية ولقاءات ادبية ،وا�ستقبله امللك مرتني مع �صاحب العمامة ال�سوداء املهيبة حممد ال�صدر (ت ،)1956ووجهاء العراق االكابر القى طاغور ق�صيدته "ده�شمايا" (�صراع النف�س فـي حمنتها) باالنكليزية والبنغالية، اع �ج��ب احل �� �ض��ور ب��ال �ق��ائ��ه .م�ث�ل�م��ا يعجب ال�سامعون بق�صائد اجلواهري (ت )1997 ب�صوته وهبته فرمبا ينفرك االلقاء من معلقة املعلقات ،املفرو�ض ان يتحلى ال�شاعر بجودة القاء ،مع انه ال ي�سمن ال�شعر الهزيل. طلب اجلمهور �سماع الق�صيدة بالعربية، فقام بهذه املهمة �شا�ؤول وجعلها بفنه مقفاة، فـيومها مل يظهر ال�شعر احلديث بعد ومنها: "لي�س ما ت�سمعه االذن �صدى ..رهبة االوراق فـي الغاب الكثيف" (ق�صة حياتي). ك�ثر ال �ك�لام ع��ن اغ�ن�ي��ة ل�ه��ا �شعبية وا�سعة ب �ب �غ��داد "يا ب�ل�ب��ل غ�ن��ي اجلريانا" .حيث
�صار موثقا على انها من كلمات طاغور وان الزهاوي مرتجمها ،حلنها امللحن العراقي �صالح داوود الكويتي (ت ،)1979وغنتها زكية ج��ورج (ت ، )1966ارى انها لي�ست من مزاج طاغور وال الزهاوي ،لكنها غنيت فـي حفل م��ن حفالت اال�ستقبال ،وم��ا اكرث الن�صو�ص اليتيمة م��ن ا�سم �صاحبها وما يحز فـي النف�س ،ان �صاحب ال�صوت ال�شجي ح�سني ال�سعدي اع��اد غناءها ،فـي اوا�سط ال�ستينيات ،لكن ال�ف�ترة القومية ان��ذاك مل ت�سمح باعالن ا�سم ملحنها كونه من يهود العراق مع ان هذا الرجل وابناء قومه كانوا وراء النه�ضة الفنية بالعراق ،وم��ا اعجب اجل �م �ه��ور امل �� �ص��ري وك �ب��ار ف�ن��ان�ي��ه باملقام العراقي �إال بف�ضلهم ،لكن االغنية احتفظت با�سم م�ؤلفها اخلط�أ ،على اغلب الظن. كانت االغنية دليال اخ��ر ،اىل جانب زيارة طاغور على الذوق الرفـيع ال�ساري فـي روح بغداد ،فكلماتها �سجلتها من �صوت مغنيتها
االوىل" :يا بلبل غن اجل�يران��ا ..غن وتفنن احلانا ..فبنيتهم �سرقت قلبي ..وليبقى لديها ج��ذالن��ا ..وحلقل ابيها من حقلي ..تتطاير ا�سراب النحل ..فع�شقت النحلة من حبي.. ووج��دت فري�ستها عقلي ..ازه��ار حديقتها ت�شرى ..فـي ال�سوق متل�ؤها ن�شر ًا ..لو كنت غني ًا ذا ك�سب ل�شربت الباعة والزهرا.".. �إن عظمة ط��اغ��ور لي�ست فـي �شعره وادبه فح�سب ،امن��ا ك��ان ن��اب��ذا للتع�صب مب�شرا مبحبة االن�سانية ،تخلى عن و�سام الفار�س الربيطاين عندما تعر�ض �شعبه الهندي اىل جمزرة قتل فـيها 400ان�سان كان اليدري من اي قوم هم ومن اية ديانة ،فاين �ضيف بغداد طاغور من �ضيوف �شا�شتها الر�سمية اليوم؟ وك�أن الت�سع وال�سبعني �سارت بنا اىل الوراء كل �سنة منها تعادل قرنا من الزمان.
عن جريدة االحتاد االمارتية
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
6
العدد ()2304ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )16ت�شرين الثاين 2011
طــاغـور . .شاعر الهند الملهم حممد �سعيد الطريحي �شاعر الهند الكبري (راب �ن��دران��ات طاغور) �أب�صر النور يف مدينة كلكتا عام 1861يف بيت ار�ستقراطي لأ��س��رة تنحدر من زعماء الطائفة ال�براه�م�ي��ة ،وه��ذا م��ا جعل نزعته الدينية ب��ارزة يف حياته و�شعره على �أكرث م��ن �صعيد ،فقد �أخ��ذ ع��ن الرباهمة احرتام الطبيعة وتبجيلها باعتبارها �أح��د املظاهر املقد�سة لآلهتهم ،ولكنه جت��اوز تلك النظرة ال�ضيقة للمذهب الديني ،وانطلق نحو �آفاق �إن�سانية تتخطى ك��ل احل��واج��ز اجلغرافية والعرقية واجلن�سية ،وبذلك �سبق الفيل�سوف الربيطاين (برتراند ر�سل) زمنيا يف دعوته �إىل عاملية احل�ضارة الب�شرية ،بل الفرق بني الدعوتني� ،إن دع��وة (برتراند ر�سل) قائمة على ق��رارات وخمططات ناجتة عن درا�سة ال�شروط ال�سيا�سية للمرحلة الراهنة ،بينما دعوة طاغور قائمة على رغبة فردية ،مبنية
العدد ()2304ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )16ت�شرين الثاين 2011
ع�ل��ى امل�ح�ب��ة واحل ��ق وال �� �س�لام والت�ضحية والت�سامح. ورغم الظروف الهانئة التي تهي�أت لطاغور م��ن الناحية االجتماعية وامل��ادي��ة مل يع�ش حياة مل�ؤها ال�سعادة واحل �ب��ور ،فقد فجع بفقدان الأحبة منذ �صغره ،ففقد والدته وهو يف ال�سابعة من عمره ،ثم فجع مبوت زوجته، ثم ابنته الكربى ،فوالده ،حتى و�صل املوت �إىل ابنه الأ�صغر .وهذا ما ترك �أثرا بالغا يف نف�س ال�شاعر احل�سا�س ،و�أ�ضفى م�سحة من احلزن على �شعره ،ولكنه مل يكن حزنا �سلبيا، فالفواجع التي تعر�ض لها جعلته �أكرث �صربا وحكمة ،كما مل جتعله يفقد ثقته بعدالة من يف ال�سماء. ال�سفر خارج الهند ك��ان��ت �أول رح�ل��ة ل �ـ (ط��اغ��ور) خ ��ارج الهند وه��و يف ال�سابعة ع�شرة �إىل اجن�ل�ترا عام
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
،1878ثم تعددت رحالته فطاف الكثري من ال ��دول الأوروب� �ي ��ة ،وتنقل ب�ين ال�ع��دي��د من الدول الآ�سيوية ،كما زار القارتني الأمريكية والأفريقية ،ومن الدول العربية زار العراق، وكان من م�ستقبليه �آنذاك ال�شاعران (جميل �صدقي الزهاوي -معروف الر�صايف) ويف م�صر ا�ستقبله ال���ش��اع��ران (�أح �م��د �شوقي- حافظ �إبراهيم) ومم��ا قاله (ط��ه ح�سني) يف (طاغور) �آن��ذاك�( :إمن��ا ال��ذي ميلأ نف�سك يف ح�ضرة طاغور هو جتلي فكرته الروحية يف كل �شيء يف كيانه املادي). ولكن الأث��ر الكبري يف فكر طاغور تكون من خالل زياراته املتكررة لأوروبا ،وقد كتب عن تلك املرحلة ثالثة كتب هي( :خطابات �سائح يف �أوروب� ��ا) و(ي��وم�ي��ات ح��اج يف �أوروب ��ا) و(ر�سائل من رو�سيا) وهي من �أهم كتب �أدب الرحالت يف العامل.
درا�سة ومدار�س مل ي�ط��ق (ط��اغ��ور) ال��درا� �س��ة �ضمن مناهج مقررة ق�سرا منذ �صغره ،لذلك ترك املدر�سة ب��اك��را ،فا�ستقدم وال��ده املدر�سني �إىل بيته لتعليم ولده ذي الطباع الغريبة ،ثم �أر�سله �إىل اجنلرتا لدرا�سة القانون ،ولكن نفور طاغور من �صرامة التعليم مل يتبدل ،فرتك اجلامعة �أي�ضا ،و�أخ��ذ يتعلم اللغة االنكليزية ،وهذا ما م ّكنه من االطالع على الآداب الأوروبية، والأث ��ر الأك�ب�ر ك��ان لأدب ��اء االنكليزية التي �أت�ق�ن�ه��ا ،ف�ق��د ك��ان معجبا ب�ـ(��ش�ي�ل��ي) وهذا م��ا حل�ظ��ه ع��ام��ة الأدب � ��اء يف دي��وان��ه الأول (�أنا�شيد امل�ساء) ال�صادر عام ،1884فلقبوه ب(�شيلي الهند) تقديرا و�إعجابا .كما �شغف بـ(�شك�سبري) الذي قال عنه يف �إحدى ق�صائده (�أثمن كنز يعتز به قلب اجنلرتا). ومل يكتب (طاغور) باللغة االنكليزية حتى بلغ اخلم�سني من العمر ،ومل يكتف بكتابة ال�شعر بغري لغته الأم ،وهذا ما حقق له �شهرة م�ضاعفة فقد انت�شرت دواوينه وذاع �صيته. لهذا مل يكن غريبا �أن ينال جائزة نوبل للآداب عام ،1912وكان بذلك �أول كاتب هندي -بل و�آ��س�ي��وي -ينال ه��ذه اجل��ائ��زة الكبرية .ثم �سرعان ما �أخ��ذت �أعماله ترتجم �إىل �سائر اللغات .ف ��إىل الفرن�سية نقل بع�ض �أعماله الأديب الفرن�سي املعروف (اندره جيد) الذي قال عنه (ال �أظنني عرفت يف الآداب العاملية نربة �أ�سمى و�أجمل من نربة طاغور� .إن ما يعجبني فيه وميل�ؤين دموعا وابت�ساما ،تلك احليوية اخل�صبة التي يفي�ض بها �شعره). ويف مطلع ع�شرينيات القرن املا�ضي ،بد�أت تظهر الرتجمات لبع�ض كتب (طاغور) ،ولكن مل تن�شر �أعماله كاملة حتى الآن. واحتفت اجنلرتا بـ (ط��اغ��ور) للعالقة التي تربطها ببلده �آن ��ذاك ،فقد كانت الهند �أحد م�ستعمراتها ،فمنح لقب sirع��ام ،1914 ول �ك �ن��ه ت �ن��ازل ع��ن ه ��ذا ال �ل �ق��ب ب �ع��د خم�س �سنوات احتجاجا على �أح��د امل �ج��ازر التي نفذها اجلي�ش الربيطاين يف �إقليم البنجاب، فلم يكن (طاغور) بعيدا عن ال�سيا�سة ،و�إن مل ينخرط فيها ويكر�س لها حياته. يف الأدب البنغايل عقب عودته �إىل الهند بعد رحلته الأوىل بد�أ (طاغور) بكتابة ال�شعر وكان دون الع�شرين م��ن ال�ع�م��ر ،ف ��أح��دث حت��وال مهما يف �آداب اللغة البنغالية التي يكتب فيها ،فقد �أدخل جت��دي��دا يف ال���ش�ع��ر ال�ب�ن�غ��ايل ع�ل��ى �صعيد الوزن والقافية ،فكتب ق�صائد تعتمد �إيقاعا مو�سيقيا متحررا �إىل ح��د كبري م��ن تقاليد النظم التقليدية. ومل تقت�صر �إ�سهاماته يف �إثراء الأدب الهندي على ال�شعر ،فقد كتب يف جم��ال( :الأغاين- امل�سرح -الق�صة الق�صرية -ال��رواي��ة) ومن �أ�شهر رواياته (البيت والعامل) التي كتبها عام ،1916و�أر�سى بها فن الرواية االجتماعية يف الأدب البنغايل� .إ�ضافة �إىل كتاباته يف جماالت :النقد ،واللغة ،والتاريخ ،ور�سائله لأ��ص��دق��ائ��ه ال�ت��ي ت ��أخ��ذ قيمتها الأدب �ي��ة من عنايته ب�أ�سلوبه ولأهمية الأفكار املبثوثة بني �سطورها .كما كتب يف الفل�سفة �أي�ضا ،ونفى �أن يكون فيل�سوفا لأنه ال يعتمد منطقا فكريا جم��ردا ،بل ينهل من جتربته ال�شخ�صية يف عامل اجلمال ،لهذا و�صف نف�سه ب�أنه �شاعر لي�س بعيد ًا ع��ن الفل�سفة ،ولي�س فيل�سوفا يكتب ال�شعر. ومن �أهم �آراء (طاغور) يف الفل�سفة الأوروبية: �إنها ن�ش�أت يف املدن ،بعك�س الفل�سفة الهندية التي ن�ش�أت يف رح��اب الطبيعة ،لهذا تتميز الفل�سفة الهندية بان�سجامها م��ع الطبيعة، ب�ع�ك����س ال�ف�ل���س�ف��ة الأوروب � �ي� ��ة ال �ت��ي تريد ال�سيطرة عليها وت�سخريها مل�صلحة الب�شر، لهذا تطغى النزعة املادية على روح الإن�سان الأوروبي فتحول الب�شر �إىل �آالت جمردة من احل�س اجلمايل .كما حذر من القوة املفرطة التي يلج�أ �إليها الأوروب�ي��ون �ضد ال�شعوب الأخرى ،وهو يرى �أن االنت�صار يكون للحق ولي�س للقوة ،فالقوة ال ت�أخذ م�شروعيتها يف
حال غياب العدالة. وك��ان��ت فل�سفة (ط��اغ��ور) يف احل�ي��اة بعيدة ن�سبيا عن الفل�سفة الأوروبية و�أكرث قربا من الفل�سفات ال�شرقية ،مثل الفل�سفات ال�صينية واليابانية ،وذلك رغم �إعجابه الكبري بالآداب الأوروبية ،ولكن هذا الإعجاب مل مينعه من االنتقاد ال�صارم �أحيانا ،فقد هاجم درا�سة الأدب من زاوية التحليل النف�سي �أو تف�سريه بناء عليه ،لأن هذا ينحرف بالأدب عن م�ساره الطبيعي ،وي�سقط عنه جمالياته املحببة �إىل النف�س. فنان ت�شكيلي ومن اجلدير بالذكر �أن (طاغور) كان �شديد العناية بكتاباته حتى بعد ن�شرها ،فقد كان ي �ع��دل وي �ب��دل يف ق���ص��ائ��د ح�ت��ى يف �شعره املطبوع ،فهو يرى �أن من حق الكاتب الإ�ضافة واحلذف مادام ذلك يف �صالح ال�شاعر وال�شعر وقارئه. ويف ع�م��ر م�ت��أخ��ر جل���أ �إىل �أ� �س �ل��وب جديد يف التعبري ،فقد ب��د�أ ير�سم بعدما جتاوز ال�سبعني ،وف�سر اختياره للري�شة �إ�ضافة �إىل القلم بقوله� :إن لوحاتي هي �شعري منظوما يف خطوط .لين�شر �أ�سلوبا جديدا يف التعليم يخالف الأ�ساليب التي نفر منها مذ طفولته، �أن �� �ش ��أ يف كلكتا م��در��س��ة ل�ل�أط �ف��ال ا�سماها (�شانتي نكتال) (دار ال�سالم) ،1901وكانت ال ��درو� ��س ت�ل�ق��ى يف رح ��اب الطبيعة حتت ظ�لال الأ�شجار ال��وارف��ة ،ويف تلك املدر�سة النموذجية ت��در���س الأدي� ��ان م��ع املو�سيقى والآداب� ،إ�ضافة �إىل الرق�ص ،وكان التعليم ال يغفل التعاليم الروحية �إىل جانب درا�سة املاديات .وهنا يلتقي (طاغور) مع (رو�سو) يف ت��رك ال�ط�ف��ل يتعلم دون ال�ضغط عليه وق�سره على احلفظ دون طاقته ،ولكنه مل يقل برتك الأطفال دون معلم .وكان يرى �أنه يجب تعليم الأطفال باللغة الأم فقط ،دون �أن يعني ه��ذا رف�ض االط�لاع على الثقافات الأجنبية ب�ع��د �أن ي�شب ال�ط�ف��ل وت�ت�ك��ون �شخ�صيته امل�ستقلة ،كما �أك��د على ��ض��رورة العمل �إىل جانب الت�أمل. ثم تو�سعت تلك املدر�سة حتى �صارت جامعة ع��امل�ي��ة ي�ح��ا��ض��ر ف�ي�ه��ا ن�خ�ب��ة م��ن املدر�سني من كافة �أن�ح��اء ال�ع��امل ،وي��در���س فيها طالب وط��ال �ب��ات م��ن خمتلف اجل�ن���س�ي��ات ،وبذلك �أ�صبحت مركزا دوليا للتعارف والتعاون بني ال�شرق والغرب مازال قائما حتى الآن. رحيل املعلم الأكرب غادرت روح طاغور ج�سده عام ،1941وقال الزعيم الهندي الكبري (غاندي) يف ذلك (مل حتلق يف الف�ضاء و�إمنا عادت من حيث �أتت �إىل عاملها الأعظم) كما لقبه �أي�ضا بـ(كروديف) �أي (املعلم الأكرب) وكان يرى فيه (منارة الهند الدائمة). و�أحرقت جثة (طاغور) وبقي تراثه الأدبي الكبري يف م��ا ي�ق��ارب �أل��ف ق�صيدة باللغتني البنغالية واالجنليزية ،و�ألفي �أغنية ،وثالثة �آالف ل��وح��ة ،وم �ئ��ات الق�ص�ص الق�صرية، وال��ط��وي��ل��ة ،وامل�����س��رح��ي��ات ،وامل� �ق���االت، واملحا�ضرات ،والر�سائل. [من ق�صيدة احلياة لطاغور] ال �أريد �أن �أموت يف هذا العامل اجلميل �أريد �أن �أحيا مع الب�شر يف �ضوء ال�شم�س يف هذه احلديقة املزهرة و�سط القلوب احلية دعني �أجد مكانا على هذه الأر�ض تفي�ض احلياة دوما كم فيها من فراق ولقاء ،و�ضحك وبكاء دعني �أبني بيتا عامرا طاغور �شاعر الهند امللهم ت�أليف :جمموعة من الباحثني اخ��ت��ي��ار وت��ع��ري��ب :دائ���رة امل��ع��ارف الهندية �إ�شراف :حممد �سعيد الطريحي النا�شر :دار نينوى بدم�شق� -أكادميية الكوفة يف هولندا 2010
7
الهندي البسيط الذي أدهش العالم الدكتور عبـد القـادر ح�سني
احتفـلت الـهـنـد ب��ال��ذك��رى املئة واخلم�سني لـمـيـالد رابندرانات طاغور ،كـ “�أعظم كاتب يف الأدب الهندي احلديث” لكونه “جمع بني فنون ال�شعر وال��رواي��ة والفل�سفة وامل�سرح واملو�سيقى” و�ساهم يف و�ضع الكثري من �أ�س�س الرتبية الروحية التي “�أده�شت النا�س و�أ�سكنتهم يف طم�أنينة احلياة ” حتى فاقت �شهرته حدود الهند. �إ�سمه يعني “ال�شم�س امل�شرقة” ،وهـو من الأدبـاء القالئل الذين فاقت �شهرتهم� ،شهرة جائزة نوبل .كثريون ح��ازوا ه��ذه اجلائزة وت�سلقوا �سلم املجد الأدبي بف�ضلها ،وبع�ضهم طواه الن�سيان .لكن هذه اجلائزة ،التي نالها طاغور عام ،1913بقيت تف�صي ًال ب�سيط ًا يف جتربته الغنية ،الوا�سعة التي تخطت حدود ب�لاده الهند لتكون حا�ضرة مبختلف لغات العامل. ُول��د رابـنـدرانـات طاغـور يف مدينة كلكتا يف عـام 1861لأب �سليل عراقة ونبل؛ ُيعـد من �أعالم الت�صوف .ذاق طاغور يف طفولته املبكرة رغـد العي�ش ،و�أتاحت له هذه الن�ش�أة �أن ينهل من ينابيع الفن ال�صافية من ر�سم وغ�ن��اء و�شعر �إ�ستحوذ على اهتمام �أف��راد �أ�سرته املثقفة .كان يلقى اهتمام ًا خا�ص ًا من والده الذي ا�صطحبه ذات يوم يف رحلة اىل جبال الهمااليا� .سترتك هذه الرحلة �أثر ًا يف م�شاعـر الطفل الذي عرف ،منذ تلك اللحظة، عظمة ال �ك��ون وج�م��ال��ه و “الت�أمت ال�صور وال �ط �ي��وف وال� �ظ�ل�ال ،م�ت�ن��اغ�م��ة ،م�ؤتلفة، لتت�سرب ذات يوم �إىل كتاباته”. بيد �أن رغـد العي�ش هذا مل يدم طوي ًال ،ف�سرعان ما رحلت والدته ،فالذ بالطبيعة و�أَنِ�س �إليها؛ يناجيها ويتعلم منها ،بل ر�أى فيها خال�صه. يف ال �ع��ام ال �ت��ايل ان �ت �ح��رت �شقـيقـته ،مما �سبـ َّ َب له �صدمة هائلة ،وق��اده ذلك �إىل حمبة الإن�سانية جمعاء ،ب��د ًال من التم�سك باحلب الفردي واخلا�ص. �شب الفتى �أراد والده �أن يدر�س القانون، حني َّ ف�أر�سله �إىل كلية برايتون يف �إنكلرتا ،غري �أن��ه مل يجد يف درا� �س��ة ال�ق��ان��ون م��ا يُر�ضي لهفته اجلاحمة �إىل الفن والأدب .لكنه ا�ستفاد كثري ًا من وج��وده يف �إجنلرتا ب�إطالعه على روائ��ع وليم �شك�سبري وج��ون ملتون ووليم بليك وغريهم .وعند عودته اىل بالده �أ�صدر دي��وان��ه الأول “�أغاين امل�ساء” ال��ذي قوبل بالثناء والت�شجيع ،و�أردف��ه بديوان “�أغاين ال�صباح” الذي نحا فيه نحو الرمزية. يف هذه املرحلة خرب طاغور ،من جديد ،مرارة املوت� ،إذ فقد زوجته وحلق بها ابنه وابنته و�أبوه يف فرتات متتابعة .لكن عا�صفة املوت اجلديدة هذه �أ�شعرته بالنق�ص وحفزته على ن�شدان الكمال ،و�ألهمته �أن العامل “ال يفقد ما ي�ضيع فيه” .هذا احلزن الذي ا�ستبد بقلبه طبع �شعره بطابع الأ�سى ،ق�صائد مرتعة مبعاين املوت واحلزن ال�شفيف دفع بالكاتب والنـاقـد الفرن�سي �أندريه جيد للقول“ :لي�س يف ال�شعر العاملي كله ما يدانيها عمق ًا وروعة”. �أح�س �أنه مثل زهرة ان ُت ِزعت بتالتها واحدة تلو الأخرى ،و�أ�صبحت كالثمرة التي �سي�أتي املوت ليقطفها يف كمال ن�ضجها ،ومع ذلك فقد جعل منه �صفا�ؤه الوا�سع و�ضبطه لنف�سه �إن�سان ًا نادر العظمة ،ين�شد يف �إحدى �أغانيه: “�أنا هذا البخور الذي ال ي�ضوّ ع عطره ما مل يُحرق� ،أنا هذا القنديل الذي ال ي�شع �ضو�ؤه ما مل يُ�شعَل”. وت �ع��اق �ب��ت ،ب �ع��د ذل� ��ك ،ك �ت��اب��ات ط��اغ��ور يف الفل�سفة والق�صة والرواية وال�شعر وامل�سرح، ف�ض ًال عن موهبته املت�أخرة يف الر�سم .وعلى
الرغم من هيمنة هذا املنحى الأدبي ال�شجي، وتلك النربة الغنائية على ه��ذه “الروائع” ين�س ق�ضيته الوطنية ،فقد دعا فـ�إن طاغور مل َ على الدوام اىل خال�ص �شعـبه ،وقدم درو�س ًا يف الرتبية الوطنية ،كما ح�صل �إب��ان ثورة البنجاب ع��ام 1919ال�ت��ي قابلتها �سلطات اال��س�ت�ع�م��ار ال�بري �ط��اين ب�سيا�سة احلديد والنار ،فقام طاغور ب�إعـادة لـقـب �“ Sirسري” �إىل ملك بريطانيا ال��ذي منحه �إي��اه من قبل “�إعجاب ًا ب�شعره واعرتاف ًا بعبقريته ”.وكتب مـئـات املقاالت التي حتيي ال�شعور الوطني وحت��ر���ض الـهـنـود ع�ل��ى م�ق��اوم��ة االحتالل الربيطاين . مل يكتف طاغور بدرا�سة ال�شعر وامل�سرح بل در�س ريا�ضة اجل��ودو واللغة ال�سن�سكريتية و�آدابها وعلم الفلك واللغة الإنكليزية ،وهكذا �شكلت الفنون والآداب والعلوم جزء ًا كبري ًا من حياته. �أمدَّه الـفـالحـون الب�سطاء الذين عا�ش بينهم بالكثري من الإلهام حول �أو�ضاعهم املعي�شية وعاداتهم االجتماعية ومفاهيمهم احلياتية التي ظهرت روعـتها يف كتاباته الـنـرثية التي متيزت مبقدرته على رواية الأحاديث برهافة ـ�س و�أ�سلوب فكاهي ان�سحب على جممل ح ّ جتربته الأدبية.
�أدرك ط��اغ��ور ج��وه��ر ال���س�ل��وك االجتماعي للـفـالحني وهو االعتماد على الذات واملبادرة املحلية يف املجتمع ال �ق��روي وه��و م��ا �شكل �أ��س��ا���س �إع���ادة تنظيم املجتمع يف املناطق الريفية الهندية فعمل على �إدخال ر�ؤاه الفكرية التعليمية لتطوير الريف الهندي. ال تخلو ك�ت��اب��ات ط��اغ��ور م��ن القيم الفكرية والفل�سفية وامل �ب��ادئ الأخ�لاق �ي��ة � �س��واء يف ق�ص�صه و�أ�شعاره �أو يف رواي��ات��ه الواقعية ال �ت��ي �شكلت فيها الطبيعة رك �ن � ًا �أ�سا�سي ًا مبختلف �صورها وجتلياتها ،حتى ليظن املرء وهو يطالع هذه الروائع �أنه ي�سري يف حديقة ي�شم فيها رحيق الأزهار وي�صغي اىل حفيف الأ�شجـار وخرير امل��اء وخفقة جناح الطري عرب توظيفه ه��ذا اجلمال يف �صياغة احلكم والأمثال. وحفلت جت��رب��ة ط��اغ��ور املميزة ال�ت��ي �أثرت الرتاث الإن�ساين ب�أكرث من �ألف ق�صيدة �شعرية و 25م�سرحية وثمانية جم�ل��دات ق�ص�صية وثماين رواي��ات �إ�ضافة �إىل ع�شرات الكتب واملقاالت واملحا�ضرات يف الفل�سفة والدين والرتبية وال�سيا�سة والق�ضايا االجتماعية. و�إىل جانب هذه الكتابات فقد اجتهت عبقرية ط��اغ��ور �إىل ال��ر��س��م ال ��ذي اح�ترف��ه يف �سن مت�أخرة ن�سبيا حيث �أنتج �آالف اللوحات كما
كانت له �صوالت �إبداعية يف املو�سيقى فو�ضع �أك�ثر م��ن �أل�ف��ي �أغـنـيـة مت اختيار اثـنـتـيـن منها لت�صبحا الن�شيدين ال��وط�ن�ي�ين للهند وبنغالدي�ش. كتب عنه ميخائيل نعيمة مبنا�سبة مرور مئة عام على ميالده ،وذلك عام “ :1861كان �أن�شودة عـذبة يف فم احلياة ،فكانت احلياة �أن���ش��ودة يف ف�م��ه ،وك��ان ج��وه��رة ن ��ادرة يف خزانتها ،فكانت جوهرة ن��ادرة يف خزانته، لقد غـنـّتـه فغـنـَّاها ،و�أغـنته ف�أغـناها”. ويرى الدكتور �شكري عياد �أن طـاغـور “… ال يف ّرق يف تقديره للإن�سان بني جن�س وجن�س، وال بني لون ولون ،وال بني دين ودين… كان الإن�سان عنده هو الإن�سان ،يف �أي��ة �صورة جاء ،ويف �أية �أر�ض ن�ش�أ”. ظ� َّل طاغور متمك�س ًا مببادئه من نبذ للعنف و�إ�شاعة املحبة وب�ساطة العي�ش حتى وفاته يف الثامن من �شهر �آب عام 1941وقد �أده�ش ال�ك�ث�يري��ن ب ��أف �ك��اره وط��ري�ق��ة التعبري عنها فا�ستحق لقب “منارة الهند” الذي و�سـَمـَه به الـمـهـاتـمـا غاندي. تركت وفـاة �أمـه �أث��ر ًا عميق ًا يف نف�س طاغور � ،إذ كتب معلق ًا “ :لقد حرمني ال�ق��در �أمي، و�أنا بعد فتى �صغري ،ف�أ�صبحت وحيد ًا �ألوذ بنافذتي و�أت���أم��ل يف الطبيعة و�أر� �س��م يف
خميلتي ما يرتقرق يف الكون من �صور �شتى. لقد كانت الطبيعة رفيقي ال��ذي وجدته �إىل جواري دائم ًا”. وهو ال يوظف جمال الطبيعية وال ي�ستعني بفتنتها وتوازنها واعتدالها� ،إال لكي ي�صوغ حكمة� ،أو يبث مقولة �أو �أم�ث��ول��ة تعرب عن فكرة فل�سفية مكثفة .وهذا ما الحظه الكاتب الفرن�سي روم��ان روالن بعد لقاء مع الأديب الهندي� ،إذ كتب“ :حني تقرتب م��ن طاغور ينتابك �شعور �أنك يف معـبد ،فتتكلم ب�صوت خفي�ض .و�إن �أتيح ل��ك ،بعد ه��ذا� ،أن تتملى ق�سمات وجهه الدقيقة الأبية ،ف�إنك واج ٌد خلف مو�سيقى خطوطها وطم�أنينتها ،الأحزان التي هيمن عليها ،وال �ن �ظ��رات ال�ت��ي مل يداخلها الوهم ،والذكاء اجلريء الذي يواجه �صراع احلياة يف ثبات”. ولد الإن�سان ،بر�أي طاغور ،حمب ًا للآخرين، وح��ر ًا ،ولي�س عبد ًا ل�شهواته وال للآخرين. و�إمن ��ا ه��و ح��ر يف اخ�ت�ي��اره ه��ذا امل��وق��ف �أو ذاك ،وعلى الإن���س��ان �أن ي�شعر بوحدته مع الكون بكامله ،فالإن�سان متحد مع عنا�صر ال�ك��ون ،يت�أثر بها وي��ؤث��ر فيها ،ولكي يحب الإن�سان الكون مبا فيه ،ومن فيه عليه معرفة الكون و�إدراكه ،لأن الإن�سان بطبيعته عدو ملا يجهل ،فاملعرفة هي و�سيلة من و�سائل املحبة، حمبة الإن �� �س��ان لنف�سه ول�ل�آخ��ري��ن وللكون بكامله… ال يفرق طاغور بني �إن�سان و�آخر، وي��رى �أن الأنانية تعمي ب�صريتنا ،وحتول دون ر�ؤية احلقيقة ،وال معنى للحياة �إال يف خدمة الآخرين لدرجة الذوبان يف الآخرين، ون�سيان الذات ،ويركز طاغور على مفهومي املحبة واملعرفة ،ويرى �أنهما متكامالن. وي��رى ط��اغ��ور �أن م��ن �أخ �ط��اء الإن���س��ان �أنه يحاول �أن يربح اجلزء فيخ�سر الكل .وعندما ي�ضحي الإن�سان باجلزء �أي بالقليل ف�إنه يربح الكثري ،وعلى الإن�سان حتمل الأمل وحتويله �إىل فرح .ويجب �أال يخ�شى املر�ض واملوت، ول��ذل��ك فهو ي��رى � �ض��رورة امل�ح�ب��ة ،ب�صفتها ��ش�ع��ور ًا �سامي ًا وم�ف�ي��د ًا ,والتعبري ع��ن هذا ال�شعور بالفعل �أكرث من القول .يقول طاغور يف �إحدى �أغنياته: كـان طـاغـورمنذ طفولته مولع ًا بالقراءة، ويـقـول “ :قر�أت يف طفولتي كل كتاب وقع بني ي��ديّ من الغالف �إىل الغالف” و�ساعده مناخ الأ� �س��رة على �إب ��راز عبقريته يف كافة املجاالت ،امل�سرح وال�شعر والر�سم وال�سيا�سة والغـناء… �ألـَّف طاغور �أكرث من �ألف ق�صيدة و�أكرث من �ألفي �أغنية ،وبد�أ ير�سم يف ال�سبعني من عمره ،فر�سم خالل الع�شر �سنوات الأخرية من عمره �أكرث من ثالثة �آالف لوحة. مل تتزعزع ثقته بح�ضارة الهند العريقة على الرغم من �إطالعه على الثقافة الغربية ،ويرى �أن احل�ضارة العاملية هي �صنع كل ال�شعوب ولكن بع�ضها يف ف�ترات معينة يُ�سهم �أكرث م��ن غ�يره يف �صنع ه��ذه احل�ضارة .وكانت تت�صارع يف ذات��ه ث�لاث��ة اجت��اه��ات االجت��اه الوطني والديني والأدب��ي� .سمَّاه الـمـهـاتـمـا غاندي “املعلم الأول” . وبـعــد ،لـقـد خـ�سـر طـاغـور كل مباهج احلياة ليظفر بالثمرة النا�ضجة ،ووظ�ـَّ��ف �سنوات عمره يف �سبيل رفعة الكلمة ،و�سمو احلرف. وم�ه�م��ا �سعى امل ��رء اىل الإح��اط��ة بتجربته ال��وا��س�ع��ة والغـنية فلن ي�ق��دم ��س��وى ج��زء ًا ي�سري ًا من مالمح موهـبة تعددت وتنوعـت على نحو ف��ري��د ،فطاغور ال�شاعر والقا�ص وامل�سرحي والر�سام واملو�سيقي“ ،مـُذهـل يف م��داه ،ومـُذهـل يف عوامله” التي جعـلته �أحد �أعظم كتاب الهند يف خمتلف الع�صور.
عن جملة نزوة خريف 2011
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
8
العدد ()2304ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )16ت�شرين الثاين 2011
العدد ()2304ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )16ت�شرين الثاين 2011
مع غاندي
9
مع ان�شتاين
ه����ك����ذا غ���ن���ى ط�����اغ�����ور.. ولد �شاعر الهند العظيم رابندرانات طاغور عام 1861مبدينة كلكتا يف �أ�سرة هندوكية معروفة باملكانة العلمية والوجاهة االجتماعية ،وي�صف طاغور عائلته البنغالية بكلماته علي �أنها نتاج «االندماج بني ثالث ح�ضارات ،الهندوكية والإ�سالمية والربيطانية» .فاالنتماء الطائفي لأ�سرته مل مينع مواطني بنغالدي�ش -و�أغلبهم من امل�سلمني -من ال�شعور بالتوحد مع طاغور و�أفكاره ،وال تزال �أ�شعاره و�أغانيه ترتدد يف �أنحاء اجلزء ال�شرقي من الهند ويف كل �أنحاء بنغالدي�ش ،كما �أن رواياته ومقاالته ال تزال تقر�أ علي نطاق وا�سع بالرغم من وفاته عام .1941وقد در�س طاغور يف انكلرتا قلي ً ال ،ولكنه طاف بها وب�أوروبا كثرياً ،ون�ش�أت بينه وبني �شعراء �أوروبا و�أمريكا عالقات وثيقة ،خا�صة عزرا باوند وويليام ييت�س .ويف عام 1914نال طاغور جائزة نوبل للآداب عن ديوانه «جنتجايل» (قربان الأغاين) فكان �أول �شاعر �شرقي يحظي بها .ويف العام احتجاجا علي الأعمال القمعية التي قامت بها التايل ،منحته احلكومة الربيطانية لقب «�سري» و هو اللقب الذي �أعاده لها ً عام 1919ب�إقليم البنجاب .كانت لطاغور فل�سفة خا�صة يف التعليم وقد �أ�س�س مدر�سة ثم جامعة تتلمذ فيها نوابغ الهند املعا�صرون مثل عامل االقت�صاد ال�شهري �أمارتيا �سني .وهو بجمعه بني الفل�سفة والقيادة الفكرية والثقافية يف �شبه القارة الهندية وبني موهبته يف ال�شعر والكتابة والر�سم يعد من �أندر �شعراء العامل يف الع�صر احلديث. املختارات التالية من املجموعة التي �صدرت يف ثالثة �أجزاء عن الدار العربية للكتاب بطرابل�س عام .1989
دُمي ما �أ�سعدك �أيها الطفل ال�صغري و�أنت جال�س فوق الرتاب بغ�صن �صغري تلعب طوال ال�صباح ٍ �إين �أ�ضحك من لهوك هذا بذلك الغ�صن املك�سور �أما �أنا فم�ستغرق ا�ستغرا ًقا كام ًال يف جمع �أرقامي� ،ساعات و�ساعات رمبا رمقتني مفك ًرا �ساخ ًرا قائ ًال يف ذهنك يا لها من لعبة غبية ي�ضيع فيها ال�صباح �أيها الطفل ،لقد ن�سيت فن اللعب والع�صي ب�أكوام الوَحل ّ �إين �أبحث عن دُمي غالية و�أجمع �أكوامًا من الذهب والف�ضة و�أنت ت�ستطيع خلق �ألعابك املفرحة بكل ما يقع حتت يدك �أما �أنا ف�إين �أبدد وقتي وقواي يف �سبيل �أ�شياء ال �أجنح �أبدًا يف احل�صول عليها و�أجهد نف�سي وزورقي البدائي اخلفيف لعبور بحر ال�شهوات و�أن�سى �أن زورقي هو الآخر
..جمرد لعبة حرية التحرر من اخلوف هو التحرر الذي �أطلبه لك يا وطني العزيز اخلوف ،ذلك املارد اخليايل الذي �صاغته �أحالمك املعوجة التحرر من �أثقال ال�سنني التي حتني ر�أ�سك وتك�سر ظهرك وتعمي عينيك عن نداء امل�ستقبل ال�ساحر التحرر من جذوع الك�سل واخلمول التي تقيد بها نف�سك اىل جمود الليل مرتابًا يف جنمة الليل التي ت�شري اىل طريق املغامرة يف �سبيل احلقيقة التحرر من نقي�صة الإقامة يف عامل من الدمى توجه حركاتها خيوط بال عقل ،ومكررة بال معني بحكم العادة وامل�ألوف حيث ال�شخو�ص تقف يف طاعة �سلبية منتظرة حمرك الدمى
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
يوقظها برهة ق�صرية من غفوتها ،لتقلد احلياة تقليدًا هزي ًال �أوربا�شي �أيتها املر�أة ل�ست من خلق الله وحده ولكنك � ً أي�ضا من خلق الرجال الذين يجعلونك بقلوبهم جميلة فال�شعراء ن�سجوا لك �شبكة من خيوط الأخيلة الذهبية والر�سامون �أعطوا دومًا لهيئتك خلودًا جديدًا والبحر يقدم اليك ل�ؤل�ؤة واملناجم ذهبها وب�ساتني ال�صيف متنحك زهورها لكي تو�شيك وتك�سوك وجتعلك على الدوام ثمينة غالية و�شوق قلو الرجال ب�سط جمده على �شبابك ف�صرت ن�صف امر�أة
ون�صف حلم متى؟ وملاذا؟ حني �أحمل اليك ،يا طفلي ال�صغري دُمى متعددة الألوان ف�إين �أفهم �سر وجود العديد من الألوان يف الغيوم واملاء و�أفهم ملاذا كانت الزهور ملونة وحني �أغني لرتقي�صك �أفهم ح ًقا ملاذا توجد مو�سيقى يف �أوراق ال�شجر والأمواج تر�سل �أنا�شيد �أ�صواتها املائية حتى تبلغ قلب الأر�ض امل�صغية اىلها حني �أقدم احللوى اىل يديك ال�شرهتني �أفهم ملاذا يوجد الع�سل يف �أكمام الزهر وملاذا كانت الفواكه مليئة بالع�صري اللذيذ وحني �أقبلك من �أجل �أن تبت�سم يا حبيبي� ،أفهم يقي ًنا تلك البهجة التي تنثال من ال�سماء يف �ضوء الفجر ،و�أي متعة
مينحها ن�سيم ال�صيف اىل كياين اجل�سدي حني �أقبلك من �أجل �أن تبت�سم جني الثمار هذه ال�سل�سلة املر�صعة باجلواهر �إنها تزينني لت�سخر مني وحني تطوق عنقي ت�ؤملني وتخنقني حني �أحاول نزعها �إنها تقب�ض على حلقي وتخنق غنائي لو كان يف و�سعي �أن �أهبها لك يا موالي حينئذ فقط �س�أكون ح ًرا فانزعها عني ً وعو�ضا عنها �شدين اليك ب�إكليل من �أكاليلك لأين �أ�شعر باخلجل لأن �أقف �أمام �سدتك بهذه ال�سل�سلة املر�صعة باجلواهر التي تطوق عنقي �شكر
�أولئك الذين ي�سلكون طريق الكربياء �ساحقني حتت �أقدامهم املخلوقات املتوا�ضعة مغطني خ�ضرة الأر�ض الغ�ضة ب�آثارهم الدموية يبتهجون ويرفعون ال�شكر اليك يا �إلهي لأن هذا اليوم يومهم ولكني �أ�شكرك لأنك جعلت ن�صيبي مع الفقراء املتوا�ضعني الذين يتعذبون ويتحملون عبء الت�سلط موارين وجوههم خانقني خفقات قلوبهم يف الظالم ذلك �أن كل خفقة من خفقات �آالمهم قد نب�ضت يف الهاوية اخلفية من ليلك وكل �إهانة قد حواها �صمتك الكبري �إن الغد لهم �أيتها ال�شم�س لت�شرقي فوق القلوب الدامية التي تتفتح يف �أزهار ال�صباح وفوق فجور الكربياء الليلي الذي حتول اىل رماد
�أيتها الأر�ض �أيتها الأر�ض لتقبلي اليوم حتيتي �آخر حتية ترفع اليك يف هيكل اليوم الذي يزول �أنت بطلة ،يتحقق فرحك يف الأبطال �أنت جميلة وقا�سية امر�أة ورجل يف وقت واحد تزعزعني حياة الإن�سان ب�صراعات ال تطاق باليد اليمنى متلئني الك�أ�س بالرحيق وبالي�سرى تبددينه بددًا ويف مكان لهوك يرتدد �صدى ال�سخرية ال�صاخبة �إن حياة البطل ،وريث احلياة النبيلة ترهقينها وجتعلينها قا�سية �إنك جتعلني من الع�سري بلوغ اخلري ولي�س يف قلبك رحمة للبائ�س �إن ال�صراع من �أجل البقاء الذي �أخفيته يف �أ�شجارك يظهر انت�صاره يف الثمار والغالل �أيها العامل �أنت حمبوب وقا�س ،قدمي ،وجديد على الدوام http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
10
11
العدد ()2304ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )16ت�شرين الثاين 2011
العدد ()2304ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )16ت�شرين الثاين 2011
يوم استقبلت بغداد شاعر الهند
طاغور ي�ستقبله في�صل االول ويبدو يف ال�صورة رئي�س جمل�س االعيان حممد ال�صدر ووزير الدفاع جعفر الع�سكري ونوري ال�سعيد
حارث طه الراوي قبل ثالثني �سنة ،تقريبا ،ن�شر ،فـي عاملنا العربي ،مرتجما اىل العربية ديوان "قربان االغاين" ل�شاعر الهند االعظم "رابندرانات طاغور" ف��ا��س��رع��ت ب �� �ش��راء ن�سختي منه وت�سرعت التهمها التهاما.. ك��ان ه��ذا ال��دي��وان ال�صغري بحجمه ،الكبري بافكاره واحا�سي�سه و��ص��وره ،رفـيقي فـي كل رحلة ،و�سمريي فـي كل ليلة ،وزاد �شغفـي به مبرور االيام حتى ا�صبحت احفظ بع�ض انا�شيده الروحية عن ظهر قلب ،وت�سربت مو�سيقاه العذبة اىل بع�ض نفثاتي فـي تلك االيام البعيدة... فما �سر هذا الهيام ب�صاحب "قربان االغاين" و"زورق االحالم"؟ لقد ا�س�ست انني امام نف�س كبرية ا�ستطاعت بجهادها امل�ت��وا��ص��ل ان ت�صبح نقية ،ومل ت�ست�أثر بنقائها وامن ��ا ارادت ل�ك��ل نف�س ب�شرية مثل ه��ذا النقاء امل�شع ،فبد�أت بذلك
مرحلة اخرى من اجلهاد وا�صلته ب�شجاعة حتى النف�س االخري... كانت تلك النف�س الكبرية تبحث ع��ن عامل مثايل ترفرف عليه راي��ات املحبة وال�سالم، وكانت تدرك جيدا ان مثل هذا العامل ال�سعيد ال ميكن الو�صول اليه اال بعد تطهري النفو�س الب�شرية م��ن ادران ال�شر فاالن�سان اخلري عماد الدولة اخلرية ومن ثم عماد االن�سانية اخل�يرة .وكان يهتف من اعماق قلبه الكبري خماطبا ربّه: "يا مهيمنا على جميع االمم وان اختلفت ال��وان �ه��ا ،وح��د ب�ين قلوبنا والهمنا تبادل املحبة" ول�ك��ن ك�ي��ف ت�ت��وح��د ق�ل��وب الب�شر وك �ي��ف ي�ت��م ت �ب��ادل امل�ح�ب��ة بينهم ف�ـ��ي عامل ي��دن���س��ه اال� �س �ت �ع �م��ار امل �ج��رم واال�ستغالل املجحف وم��ا ي�صاحبهما م��ن عنف اعمى، كفعل او رد فعل لهاتني االفتني الفتاكتني؟!. ان�ه��ا املهمة ال�صعبة ال�ت��ي واج�ه�ه��ا طاغور ب�شجاعة ،فكان يدعو اىل اال�صالح الروحي فـي �سبيل ا��ص�لاح اجتماعي ا�شد ر�سوخا
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
وام�ضى ثباتا ،..فلتتهذب العادات ولت�ستغل ن��واح��ي اخل�ي�ر وال�ف���ض�ي�ل��ة ف �ـ��ي االن�سان وليعرف االن�سان نف�سه لي�شعر بان�سانيته الكاملة... كان ي�ستقي افكاره النرية من الفل�سفة الهندية ذات البع�ض احل�ضاري العريق وي�ستند قوته الروحية من روح الهند العظيم ...الروح التي عرب عنها بقوله: "ان لكل قطر ح��دودا معنوية باطنية كما ل ��ه ح� ��دود م ��ادي ��ة ظ ��اه ��رة ،وف �ـ��ي احل���دود امل�ع�ن��وي��ة ي�ح�ك��م ال� ��روح وت�ه�ي�م��ن ،ولي�س للقوة املادية ان تقهر او تبط�ش او ت�ستويل على جزء �ضئيل ما من هذه اململكة املعنوية الروحية". هذا الر�أي اعلنه يوم وقف اىل جانب غاندي ليقول لالنكليز انكم لن ت�ستطيعوا ان حتكموا روح الهند با�ساليب القهر واال�ستعمار. وك ��ان وق��وف��ه اىل ج��ان��ب ال��زع �ي��م العظيم املهامتا غاندي منذ �سنة 1932ذا �أثر ايجابي على م�ستقبل الهند التي ا�صابت منه خريا
كثريا ،واننا لنذكر ب�شيء كثري من احلما�س واالجالل الق�صيدة امللتهبة التي كتبها طاغور اىل غاندي قبيل غروبه حيث قال: " ..اما نحن اعوان املهاراج غاندي فهدف واحد يجمعنا ال منلأ اكيا�سنا من ا�سالب الفقراء وال جتثوا امام غني، ان هجموا مهددين ف�صوّ بوا اللكمات ، او رفعوا الع�صي، ب�سمنا قائلني: ان �شررا يتطاير من عيونكم قد يوقظ الطفل مذعورا فـي مهده ولكن من يخيف ذاك الذي اليخاف؟ مامن حيلة دبلوما�سية ت�شوّ ه كلماتنا الب�سيطة ،القومية، ك �ل �م��ات ت �� �س�ير ب �� �ض �ح��اي��اك��م ح �ت��ى عتبة ال�سجون. امام �شبكات ال�سجن حتت�شد ال�ضحايا، وفجاة تتك�سر قيودهم الدهرية.
وتقع فـي الغبار، ومتحي كل و�صمات االهانات، وعلى اجلباه النقية تتاللأ بركات غاندي". مل يكن طاغور مفكرا نظريا بعيدا عن العمل االي�ج��اب��ي ول �ه��ذا ان�شا م��در��س��ة ث��م جامعة "�شانتي نكتان" ليبث فـيها تعاليمه اخلرية ب �� �ص��ورة ع�م�ل�ي��ة م�ب�ت��دئ��ا .كم�سلفه املفكر وامل��رب��ي ال�شهري "جان ج��اك رو�سو" ،من الطفل – ال�صفحة البي�ضاء لتي ينبغي ان تبقى فـي م��أم��ن م��ن التلوث ..-ولئن كان "رو�سو" يقد�س الطبيعة ويفر�س فـي نفو�س االطفال حب مفاتنها فان طاغور كان �شديد ال�شغف مبدر�سة الغابة ،لأنه كان يعتقد ان الطبيعة خري معوان للمعلم فـي عمله ...ومل يكن طاغور مفكرا مت�شائما لأنه كان ي�ؤمن بالفل�سفة الهندية ال�ق��دمي��ة املتفائلة التي �شرحتها تعاليم يوباني�شاد القائلة: "ان الكائنات جميعا امنا خلقها ابتهاج الله و�سروره الذي ال يحد وال يفنى". وعليه فان فكرة خلق الكائنات فـي هذا العامل امنا هي ايثار لها وم�سرة من الله بوجودها فال يفهم االن�سان – واحلالة هذه – حقائق اال� �ش �ي��اء اال ع��ن ط��ري��ق اخل�ي�ر وال �ت �ف��ا�ؤل واملحبة... وك� � ��ان ط���اغ���ور اول م �ف �ك��ر ���ش��رق��ي نقل للغرب ف�ضائل ال�شرق وجّ ��ر ال�غ��رب الآيل اال�ستعماري – ب�صراحة تامة – من مغبة الطمع واال�ستئثار واالبتعاد عن روحانية ال�شرق وف�ضائله والتمادي فـي هدر حقوق االن�سان وال�شعوب.. وبعد فلن اطيل تقييمي البعاد هذه ال�شخ�صية الهندية العظيمة التي جتلت فـيها عظمة الهند ب�أجلى مظاهرها ،فرمبا يعرف البع�ض اكرث بكثري مما اعرف عن مزايا هذا املعلم العظيم ال ��ذي تخطت اف �ك��اره ال�ساطعة وتعاليمه النرية ح��دود �شبه القارة الهندية املرتامية االط��راف اىل العامل االو�سع مما رفع را�س ال�شرق واظهر حقوقه واماط اللئام عن قيمته احلقيقية.. *** كان طاغور برغم تق�شفه وانطوائه على نف�سه على ات�صال وثيق بالعامل ،واكرب دليل على ه��ذا االت���ص��ال ه��و ال��رح�لات امل�ت�ع��ددة التي ق��ام بها وزار بها اق�ط��ارا كثرية فـي عاملنا الوا�سع ..فقد زار طاغور انكلرتا وفرن�سا �سنة 1912ثم زار اوروبا �سنة 1921وطاف باملانيا ث��م زار ال�ي��اب��ان وام�يرك��ا واالحت��اد ال�سوفـييتي وال�صني وجنوب افريقيا وكندا و�آخ��ر زي��ارة له الوروب��ا كانت �سنة 1926 ح�ي��ث زار اي�ط��ال�ي��ة ال�ف��ا��ش�ي��ة ،وخ�ل�ال هذه الرحلة زار تركية احلديثة وم�صر. ام��ا زي��ارت��ه للعراق – فـي العهد امللكي – فكانت �سنة 1932تلبية لدعوة تلقاها من ملك ال �ع��راق ،يومئذ ،فـي�صل االول وهي مو�ضوع مقالنا هذا. فـي الثاين والع�شرين من �أي��ار �سنة 1932 و�صل طاغور اىل مدينة "خانقني" العراقية ال��واق �ع��ة ب��ال �ق��رب م��ن احل � ��دود العراقية االي��ران �ي��ة ق��ادم��ا م��ن اي ��ران وك ��ان و�صوله فـي ال�ساعة التا�سعة �صباحا ي�صحبه ال�سيد ج�لال الدين كيهان قن�صل اي��ران العام فـي بومبي والربفـي�سور جاترجي احد ا�ساتذة كلية طاغور فـي الهند وال�سيد جكراواردي ال�سكرتري االول للدكتور ط��اغ��ور ،وكانت ترافق طاغور ال�سيدة كنته (زوج��ة ابنه). فا�ستقبلته جلنة اال�ستقبال الر�سمية العراقية برئا�سة ال�شاعر العراقي الكبري جميل �صدقي الزهاوي ( )1936 – 1863ال��ذي كان اول املتقدمني للرتحيب ب�شاعر الهند االعظم وحياه با�سم العراق بكلمات رقيقة منها: "يرحب ال �ع��راق ب�شاعر ال���ش��رق العظيم ويحييه ويحيي فـيه العبقرية والنبوغ". فرد عليه �شاعر الهند قائ ًال: "انني ل�سعيد مبجيء �شاعر العرب لتحيتي ،وهذه التحية هي حتية �شاعر ل�شاعر".
ثم جل�س ال�شاعر وكنته اللتقاط �صورة لهما ف ��أب��ى ط��اغ��ور اال ان ي�صور ه��و وال�شاعر ال��زه��اوي جنبا اىل جنب ،ثم رك��ب ال�ضيف الكبري وم��ن معه ال�سيارة وتبعتها �سيارة اع���ض��اء اللجنة اىل حم�ط��ة خ��ان�ق�ين حيث اق �ي��م اح�ت�ف��ال ف�خ��م ح���ض��ره ك �ب��ار موظفـي ال��دول��ة ورج ��ال امل �ع��ارف وك�شافة خانقني، وبعد انتهاء اال�ستقبال ق�صد اع�ضاء اللجنة ب�صحبة ال�ضيف الكبري اىل الق�صر الذي اعد ال�سرتاحته وهناك اقيمت له حفلة �شاء انيقة ح�ضرها املوظفون وبع�ض رجال البلد .وفـي ال�ساعة العا�شرة ا�ستقل �ضيف العراق القطار ومعه اع�ضاء جلنة ا�ستقباله ،قا�صدا بغداد، ومل��ا بلغ القطار بعقوبة ا�ستقبل ا�ستقباال ر�سميا و�شعبيا يليق مبقامه. وت�صف جريدة "العراق" ال�صادرة فـي 22 اي ��ار 1932ت��ودي��ع اه ��ايل بعقوبة ملوكب ال�ضيف الكرمي بقولها: " ..وق��د غ��ادر القطار حمطة بعقوبة بني ه�ت��اف امل�ستقبلني وت�صفـيقهم" .وي�صف مندوب اجلريدة املذكورة فحوى ما دار بني طاغور واع�ضاء اللجنة فـي غرفته بالقطار من احاديث بقوله: "اما فـي القطار فقد كان الدكتور طاغور حموطا باحرتام اع�ضاء اللجنة وعنايتهم اخلا�صة وقد دار بينه وبني اع�ضاء اللجنة احاديث طليّة عن نه�ضة ال�شرق وتطلعه اىل احلياة اجلديدة .وكان الدكتور طاغور يكرث من اال�سئلة اىل اع�ضاء اللجنة عن منتجات ال �ع��راق ال�ف�ك��ري��ة وال���ص�ن��اع�ي��ة والزراعية ب�صورة خا�صة وعن نه�ضة البالد العربية جمعاء ب�صورة عامة". وفـي ال�ساعة ال�ساد�سة والن�صف و�صل القطار بغداد ،كانت اجلماهري حمت�شدة فـي املحطة يتقدمها كبار رجال الفكر واالدب وعدد من ف�ضليات ال�سيدات واالوان�س وجماعة كبرية من اف��راد اجلالية الهندية لالحتفاء بقدوم ��ش��اع��ر ال�ه�ن��د االع �ظ��م .وارت �ف��ع الت�صفـيق وع�لا الهتاف بحياة �شاعر الهند ال��ذي بقي واقفا فـي مركبة القطار واىل جنبه �شاعرنا الزهاوي ،ف�صعد اليه اال�ستاذ ابراهيم حلمي العمر مرحبا ب�سالمة الو�صول .ثم تقدم اليه احل�ضور واحدا واحدا فحيوه .وقدمت اليه طفلة من الرو�ضة باقة رهور والقت احدى طالبات امل��در��س��ة امل��رك��زي��ة اخلطبة التالية باللغة االنكليزية: �ضيفنا االعز واالفخم: بقلوب ملآى باحلبور وال�سعادة نرحب بكم با�سم اخواتي تلميذات العراق: انها لفر�صة �سعيدة اتاحت لل�صغري وللكبري م��ن ال�ع��راق�ي�ين ان يحظى مبقابلة الرجل ال���ذي ك ��ان م��وف�ق��ا وق � ��ادرا ع�ل��ى مل����س وهز عواطف املحبة واجلمال فـي قلوب النا�س على اختالف اجنا�سهم ونحلهم ولذلك فنحن فرحون ،وفرحون جد ًا. لقد �سمعنا وقر�أنا عنك املحبة لالطفال واننا �سعيدات لنكون م��ن اول�ئ��ك ال��ذي��ن �شرفتهم وتف�ضلت عليهم ،وبا�سمهم نتقدم اليك وبا�سم اطفال هذا القطر لتتقبل منا هذه الزهور التي متثل عواطف احرتامنا و�سرورنا ورغباتنا الن تكون فـي زيارة مباركة و�سفر �سعيد". ث��م ت�ق��دم ال�ي��ه اح��د اف ��راد اجل��ال�ي��ة الهندية وطوق عنقه بطوق من الزهور بديع .وبعد ذلك نزل ال�شاعر االعظم من مركبة القطار بني الت�صفـيق والهتاف ورك��ب �سيارة اع��دت له وركبت معه كنته ف�سارت ال�سيارة اىل فندق "تايكري�س" تتبعها �سيارات عديدة .وقد توافد على الفندق ف�ضالء العا�صمة العراقية وادبا�ؤنا للتحيب بهذه ال�شخ�صية الفذة. وقد ابدت ال�صحافة العراقية اهتماما كبريا ب��زي��ارة ط��اغ��ور اىل ب �غ��داد .وع �ل��ى �سبيل املثال فان جريدة "االخاء الوطني" ن�شرت فـي العدد 179ال�صادر فـي 23اي��ار 1932 ��ص��ورة ط��اغ��ور فـي اعلى ال�صفحة االوىل وكتبت حتتها "�ضيف العراق العظيم ال�شاعر الهندي االك�بر راب�ن��دران��ات طاغور" وعلى
اجلهة الي�سرى من ال�صفحة االوىل ن�شرت ترجمة له حتت عنوان" :رابندرانات طاغور �شاعر الهند العظيم وفـيل�سوفها الكبري". وفـي ال�صفحة الثالثة من العدد نف�سه ن�شر مقال لالديب العراقي مهدي م�صطفى القزاز حتت عنوان "ر�سوال الثقافة رابندرانات ط��اغ��ور �شاعر احلكمة واجلمال" ج��اء فـي ختامه: " ..وال��ي��وم ت��رح��ب دار ال �� �س�لام (يعني ب �غ��داد) م��ن اق���ص��اه��ا اىل ادن��اه��ا بر�سول الثقافة و��ش��اع��ر احل��ق واجل �م��ال واحلكمة و��ش�ي��خ فال�سفة ال���ش��رق وف�خ��ر ال�ه�ن��د ذات القدم العريق فـي املعرفة والعلوم والفل�سفة. وين�ش�أ من هذا الرتحيب العظيم �صلة جديدة توثقها املعرفة واالدب بعدما وثقتها ت�شابه احل��االت ال�سيا�سية وما يعاين كال البلدين من جور امل�ستعمر وارهاقه. وهذه ال�صلة هي التي نرجو ان تكون فاحتة اخ��اء وم��ودة ب�ين ال�شعبني جتنى منه امم ال�شرق اخلري العظيم والنفع امل�شرتك". *** فـي م�ساء االح ��د امل��واف��ق � 22أي ��ار 1932 اقامت جلنة االحتفال بطاغور حفلة كربى له فـي حديقة امانة العا�صمة بباب املعظم ح�ضرها رئي�س ال ��وزراء وبع�ض ال��وزراء وكبار ال�شخ�صيات الفكرية واالدبية وبع�ض وج��وه اجلالية الهندية فـي ب�غ��داد .وكانت مو�سيقى اجلي�ش العراقي توا�صل عزفها بهذه املنا�سبة ال�سعيدة .ومل��ا حلت ال�ساعة ال�ساد�سة ق��دم ال�شاعر الكبري ف��اخ��ذ بيده �سكرتري جلنة االحتفال اىل املحل املعدله. وبعد جلو�سه تقاطر عليه املدعوون يتقدمهم رئي�س ال� ��وزراء ال��ذي اقتعد كر�سيا جنب ال�شاعر العظيم .وجل�س امل��دع��وون حول املوائد املنت�شرة فـي ارج��اء احلديقة .وبعد ان ادي��رت اك��واب ال�شاي على احلا�ضرين قام احد اع�ضاء جلنة االحتفال وقدم اال�ستاذ ابراهيم حلمي العمر ال��ذي افتتح االحتفال بكلمة نفـي�سة ترجمها على االثر اال�ستاذ عبد امل�سيح وزير اىل االنكليزية ومما قاله فـيها: "�سيدي ال�شاعر االعظم� ،سيداتي و�سادتي جنتمع فـي هذا املكان لتكرمي �شاعر عظيم، ��ش��اع��ر ان �� �س��اين وع��امل��ي ،ه��و الفـيل�سوف الفذ ،وحامل علم االن�سانية ،وراي��ة العدل، وممثل الروح ال�سامي التي بد�أت تتمخ�ض به املدنيات احلديثة ،هو من نراه بيننا االن فـي هيبته ووقاره ،ونقر�أ فـي ا�سارير طلعته النبوغ والعبقرية وال��ذك��اء واالملعية ،تلك املواهب التي قلما يجود الزمان بامثالها ،هو ال�شاعر طاغور وهو هذا الفـيل�سوف اجلال�س بيننا حت ّفه املحبة واالكبار واالعجاب .هو ه��ذا ال�شيخ اجلليل ال��ذي مل تقعده االيام وال �� �س �ن��ون ع��ن در����س ن�ف���س�ي��ات ال�شعوب وا�ستقراء مدنياتها واملقابلة بني حا�ضرها وغ��اب��ره��ا ،ف��احت��ف دي ��وان الب�شرية باخلد ال�شعر وامتع االنتاج العقلي وال��ذي يزور العراق للدر�س والبحث وت�صفح ال�صورة احلقيقية لنه�ضته املجيدة ،وا�سماع �شعب ع��ري��ق ف�ـ��ي االجم ��اد واحل �� �ض��ارات� ،شعبنا ال �ع��راق��ي ،ان �� �ش��ودة م��ن ان��ا��ش�ي��ده اخلالدة التي �سرتتلها االج�ي��ال والع�صور اعجابا واغتباطا. اننا نحن ع�صبة االدب واخوان القلم والفكر فـي هذه البالد فخورون جدا بزيارة �شيخ فال�سفة الع�صر وامري البيان وال�شعر العاملي ط��اغ��ور ب�لادن��ا .وت�ع��د ه��ذه ال��زي��ارة مقدمة ات�صال وثيق بني ادبينا العربي والعاملي وو�سيلة ح�سنة لرتكيز دعائم نه�ضتنا االدبية وت�سيريها فـي جمرى النه�ضات الراقية فـي االمم الراقية بحيث تكون موفـية بحاجات االمة وممثلة لنزعتها ومعربة عن �شعورها احل���ي واح �� �س��ا� �س �ه��ا ال �ع �م �ي��ق م ��ع مرافقة ال�ت�ط��ورات التي تولدها العالقات النامية بني �شعوب العامل على اختالفها ،واذا كان
◄
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
12
13
العدد ()2304ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )16ت�شرين الثاين 2011
العدد ()2304ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )16ت�شرين الثاين 2011
ن�شرت جملة ( دبي الثقافـية ) فـي عددها ل�شهر ايلول لهذا العام خربا مفاده ان اجلمعية العامة لالمم املتحدة �أقدمت على ما مل تقدم عليه من قبل منذ تاريخ ت�أ�سي�سها فـي عام ، 1945قررت ت�سمية عامنا احلايل بعام طاغور � ،أطلق عليه ملنا�سبة االحتفال بذكرى والدته املائة واخلم�سني .ومن اجلميل حقا ان تهتم املنظمة الدولية ب�أعالم الرتاث االن�ساين ،على الرغم من مهامها اجل�سيمة ،فالتاريخ االن�ساين لي�س التاريخ ال�سيا�سي فح�سب ،وما يحمله من م�شاهد املوت والدمار واالنهيار او م�شاهد االنبعاث واالعمار .التاريخ االن�ساين احلقيقي هو تاريخ االبداع والتميز ،تاريخ من بقي فـي ذاكرة ال�شعوب ووجدانها على مر الع�صور. حري بالتنويه وجدير باالحتفال ،فقد ترك من وال ن�ضيف جديدا بالقول ان ال�شاعر الهندي الكبري طاغور ( 7 -1861اب )1941 ّ االثار والذكريات ال�شيء اجل�سيم واملمتع ،غري ان ما يهمنا من طاغور و�سريته الرائعة ،وما ينا�سب املقام هنا ،ان ال�شاعر الكبري زار العراق وا�ستقبل ا�ستقباال كبريا واحتفـي به وب�أبداعه فـي �أوائل الثالثينيات من القرن املن�صرم.ونعر�ض فـي هذا املقال بع�ض جمريات زيارته لبغداد ،وما احتجنته من م�شاهد وذكريات.
الزهاوي يحيي طاغور الدب �ن��ا ال�ق��وم��ي وج �ه��ة خ��ا��ص��ة ب�ن��ا وطابع يختلف عنه فـي �آداب االمم االخ��رى اال انه فـي الوقت نف�سه يجتمع ب��االدب االن�ساين فـي �سمو الهدف ونبل الغر�ض ،فنحن نكرب م��ن ه��ذه اجل�ه��ة ب�ن��وع خ��ا���ص ف�ـ��ي ال�شاعر االعظم نزعته االن�سانية ال�صادقة ،وجنل فـي ادبه الثمني تلك الروح العالية فـي الوقت الذي جند فـي نزعة ادبنا القومي ما يحقق حاجات بالدنا وميثل نف�سيتها ويرتجم عن رغائبها ويعرب باخال�ص عن عميق �شعورنا ورق �ي��ق اح���س��ا��س�ن��ا .وه ��ذه احل��اج��ات هي رك��ن من ارك��ان ال�سلم ودع��ام��ة من دعامات ال �ع��دل ،ين�شده ال�شاعر ط��اغ��ور ع��ن طريق االن�سانية "...الخ.. وبعد ان انتهى اخلطيب� ،صدحت املو�سيقى، ثم تقدم �أحد افراد ا�سرة التعليم فـي العراق والقى خطابا باللغة االنكليزية ا�شاد فـيه باجلانب ال�ترب��وي عند �شاعر الهند ،ومما قاله بهذا ال�صدد: " ..ان��ك معروف يا�سيدي ،ل��دى الكثريين م�ن��ا ب�شعرك وفل�سفتك ،ول�ك��ن القليل منا يعرف ان��ك كبري ،وان��ك فـي جامعتك ،وفـي م ��دار� ��س اح��ي��اء ال��ق��رى ال �ت��ي ت��دي��ره��ا قد تو�صلت اىل ا�سمى فل�سفة تربوية حا�ضرة، فقد جمعت اف�ضل ما تو�صل اليه الغرب مع روح�ي�ت��ك ال�سامية وحكمتك البليغة ،وما اح��وج مدار�سنا نحن ال�ي��وم اىل االهتمام بالروحية ال�شرقية ال�سامية بجانب اهتمامها بالعلوم احلديثة". ث��م ت�ق��دم ال�شاعر ال�ع��راق��ي الكبري معروف الر�صافـي ( )1945 – 1875ف�ألقى ق�صيدة بهذه املنا�سبة نالت ا�ستح�سان احلا�ضرين، وك��ان ع�ن��وان الق�صيدة "احلقيقة املطلقة" اقتطف منها االبيات التالية: ما للحقيقة من بداية كال ولي�س لها نهاية هي عند ارباب العقو ل �أقل من حد وغاية خفـيت ،ولكن كم وكم ظهرت لها فـي الكون �آية كم راح مرفوعا لها فوق الربى علم وراية اىل ان يخاطب طاغور قائال: ف�أليك يا طاغور جئت عن احلقيقة واحلكاية انت الذي قال احلقيـــ ـــقة بال�صراحة والكناية ما �أخط�أت �سنن االىل اذ هذبتك يد العناية ث��م ت��ق��دّم ال �� �ش��اع��ر ال �ك �ب�ير ج�م�ي��ل �صدقي الزهاوي ف�ألقى ق�صيدة طويلة بهذه املنا�سبة نالت اعجاب احلا�ضرين منها: �أيها ال�شاعر العظيم �سالم من حمب لأي �شعرك تال و�سالم عليك فـي كل يوم و�سالم عليك فـي كل حال معدن انت للق�صائد غ ّرا مثلما البحر معدن للآيل امنا هذا ال�شعر حني تغنيه على قربة بعيدة املنال
انني ال اخ�شى عليه زواال انه للخلود ال للزوال انت ان رمنا للنوابغ عدّا واحد من اولئك االبطال وقد قوبلت هذه الق�صيدة بالت�صفـيق احلاد وا�ستعيدت بع�ض ابياتها .وبعد ف�ترة من ال�صمت نه�ض الدكتور طاغور والقى كلمة رائ�ع��ة ق��ال عنها انها ام��ان��ة م��ن قبل الهنود اخ��وان العراقيني فـي الهند .وك��ان يع ّربها اال�ستاذ عبد امل�سيح وزير جملة جملة .قال طاغور: ا�صحاب الفخامة واملعايل اخواين ال�شعراء �سيداتي و�سادتي ارفع بادئ بدء اىل ح�ضرة �صاحب اجلاللة امللك فـي�صل �شكري ال�صميم لتف�ضل جاللته ب��دع��وت��ي اىل مملكته ،وب��ذل��ك متكنت من الوقوف بينكم فـي هذه ال�ساعة التي ا�شهد فـيها بعث امة قدمية واختمار حياة مبدعة تن�شىء ثقافتها من �أجل احل�صول على حرية جميدة غنية بجالل التعبري عمّا فـي ذاتها. ف�أ�شعر بانني فـي حميط م�شبع بتوثيق ال�شباب ال��ذي يح ّرك ق��ارة �آ�سيا اليوم .ذلك التوثب الذي ي�ستفزه ع�صر م�آت جديدة. وي ��ؤ� �س �ف �ن��ي ان ��س�ن��ي و� �ص �ح �ت��ي ،ع �ل��ى ما تعلمون ،ال ي�ساعدانني على حتمل م�شقات ال�سفر وال�ت�غ�ل��ب ع�ل��ى ن��زع�ت��ي اىل العزلة واالنفراد .لذلك ي�ستحيل علي ،هذه حالتي اجل�سمانية ،ان انزل عند امالكم فـي القابل بال�شيء الكثري ترحيبكم بي ،هذا الرتحيب املفعم بجم اللطف وغمر الف�ضل. لقد ات�صل ب��ي ان ال��دع��وة فـي ه��ذا اليوم ج��اءت �ن��ي م��ن ادب� ��اء ب� �غ ��داد .ف �م��ن اللباقة ان تقيم ع�ترة حملة االق�ل�ام ،ال�ت��ي افتخر باالنتماء اليها ،اول حفلة عامة لالحتفاء بي ،ويرتع قلبي ال�سرور ان اعلم ان كتبي �سبقت فع ّرفتني اليكم وان بع�ضها قد نقل اىل لغتكم وان لها فـي قلوبكم منزلتها .وهذا دليل �آخ��ر على ان ال ف��روق فـي ال�ع��رق فـي دول��ة االدب ،وان��ه لفـي م�ستطاع افكارنا ان تتالقى وتتمازج وتتكاتف على ت�شييد �صرح كمال نحلم به – �صرح يحتوي خري االن�سان
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
االبدي. لقد ق�سا قلب التاريخ الب�شري على االن�سان ف�أملي ج�شع االقوياء �شروطه الثقيلة على االق � ��وام ال�ضعيفة ف��اره�ق�ه��ا وا�ستثمرها ال�شباع نهمه الدن�س .وقد مزق االمل والريبة او�صال الب�شرية وذلك بتفريق الكلمة تفريقا فتك الفتك املريح ب�صميم حياتنا على وجه الب�سيطة ،فعلينا نحن اخوان االدب ان ننقذ االن�سانية من هذا ال�شقاء املنطوي على عالقة غري طبيعية ،وان ننه�ض بال�شعوب املختلفة اىل م�ستوى كيان ارف��ع .وعلينا ان ن�سعى اىل ه��ذه الغاية مهما تباينت االقطار التي ننتمي اليها .ولننب ا�سا�سا متينا للت�آخي على ه��ذا امل�ستوى – م�ستوى امل�ساعي املتحدة للت�أليف بني القلوب. علينا ان نف�سح الطريق لع�صر العقل – ع�صر التعاون – ع�صر تبادل الثقافات تبادال �سمحا يك�شف لنا الكنوز الثمينة الدفـينة فـي قلب االن�سانية املت�آخية املتحدة. فـيا ايها االخوان ،لقد جئتكم حامال بني حنايا ال�ضلوع هذه الرغبة ال�شديدة .فلأفرغن من قلبي ه��ذا ال�سر املنطوية عليه زيارتي اىل بالدكم. لقد قدمت اليكم النا�شدكم الله ،ايها االخوان ،ان تعقدوا معنا اخلنا�صر فـي مكافحة خطر ال�شكوك املتبادلة – مكافحة نفاق ال�سيا�سة الدولية الذي ميزق اليوم قلب حياة الب�شر املدنية .ففـي امل��ع ع�صور تاريخكم املجيد ب�سطت جزيرة العرب �سيادتها على ن�صف العامل فـي ال�شرق وفـي الغرب ،وحتى االن ال يزال نفوذها امل�ستحوذ على الهند باديا فـي حياتنا الروحية والعقلية ،نظرا اىل وجود جانب عظيم من �سكان البالد امل�سلمني فـي و�سطنا .فارفعوا �صوتكم مرة اخرى ليقطع �صداه بحر العرب حامال ما ينطوي عليه من جالل املثل العاملي االعلى" ...الخ... وب�ع��د ان انتهى ال�شاعر العظيم م��ن القاء كلمته �س�أل احلا�ضرين اذا كانوا يرغبون فـي ان ي�سمعوا ق�صيدة منه وعمّا اذا كانت تلقى باالنكليزية او الهندية او باللغتني على التوايل ف�صاح احلا�ضرون لتقر�أ باللغتني. فبدا طاغور بان�شاد ق�صيدته باالنكليزية ثم ان�شدها ثانية بالهندية بطريقته ال�ساحرة فـي
االلقاء .وكانت الق�صيدة بعنوان" :ده�شمايا – �صراع النف�س العنيف فـي خيبتها" وهذا ن�ص ترجمتها العربية: "ايها الطائر طائري اعرين �سمعك ،وال تخف�ض جناحيك وان م�شى امل�ساء اليك متثاقل اخلطى وقد �أوما اىل االغاريد طرا باالنقطاع وان ه ��د�أ ج��ا���ش احل �ن��ان ف�ـ��ي نف�سك وانت م�ضنى وان وخم اخلو�ض فـي الظالم وتوارت طلعة ال�سماء خلف برقع الديجور *** لي�ست اجلهومة التي ت�ستقبلك عبو�سة اوراق الغابة بل ال��ذي ت��راه ام��واج اخل�ضم املتقلبة تقلب ا�سود عربيد ولي�س امل�شهد الذي ننظره رق�ص اليا�سمني الزاهر بل ذلك االهتزاز زبد وام�ض ايه ايها الطائر اين ال�شاطىء االخ�ضر فـي نور ال�شم�س اين ع�شك اال ايها الطائر ،طائري ،انت اىل ن�صحي وال تخف�ض جناحيك ارى وح�شة الليل راب�ضة على �سبيلك والفجر غارقا فـي �سبات عميق وراء التالل ال�ضليلة هو ذا الزهر النريات حاب�سة انفا�سها تعد الورد وال�ق�م��ر ال���ش��اح��ب ي�سبح ف�ـ��ي جل�ن��ة الليل العميق فـيا ايها الطائر ،طائري ،ا�سمع كالمي وال تخف�ض جناحيك *** لقد انقطع حبل املك وانحلت �سورة اخلوف عنك فال نب�سة وال هم�سة وال �صرغة ،بعد الآن ول��ن جت��د ل��ك دارا ت� ��أوى ال�ي�ه��ا وال فرا�شا ت�ضطجع عليه ،وال مرقدا ت�سرتيح فـيه فلي�س ل��ك االن غ�ير جناحيك وغ�ير جماهل الف�ضاء التي ال تهتدي فـيها اىل طريق فـيا ايها الطائر ،طائري ،ا�سمعني وال تخف�ض جناحيك.
وفـي م�ساء اليوم الرابع والع�شرين من �أيار 1932اقام نادي املعلمني حفلة ع�شاء لتكرمي طاغور فـي فندق "نايكر�س باال�س" وافتتح احللة اال�ستاذ متي عقراوي بكلمة رحب فـيها با�سم ن��ادي املعلمني باملحتفلني به واعقبه املحامي انور �شا�ؤول فالقى ق�صيدة لطاغور ث��م خطب اال��س�ت��اذ حم�م��ود فهمي دروي�ش فا�شاد ب��أخ�لاق �شاعر الهند وعر�ض جانبا من جوانب حياته النرية .فاجابهم ال�شاعر االع �ظ��م بالكلمة التالية ال�ت��ي اوج ��ز فـيها نظريته ال�صائبة فـي ا�صول التعليم ومهمة املعلم حيث قال: "انني ا�شعر نف�سي بني ا�صدقائي بالرغم من ان هذه هي املرة االوىل التي اراكم فـيها ورمب��ا تكون االخ�يرة .فلذلك ل�ست م�ضطرا اىل تزييف الكالم وتنميق ع�ب��ارات ال�شكر امل�صطنعة .فاعتقد ان ��ش�ك��ري ل�ك��م ظاهر و�صداقتي وا�ضحة. ح�سبما ا�ستنتجت من اقوال اخلطباء الذين �سبقوين انهم كانوا يفت�شون عن تعريف يل ليعرفونني به ،ويخال ا ّ يل انهم مل يهتدوا اىل ذلك التعريف .فمنهم من و�صفني بالرجل العظيم ومنهم بال�شاعر او بالفـيل�سوف وفـي احلقيقة انني �شخ�صيا ال اقدر ان اهتدي اىل تعريف اعرف به نف�سي ،فانا �شاعر وك�شاعر انا معلم واين الفتخر بهذا اللقب. انتم معلمون واعتقد انكم م�شغوفون مبهنتكم واذا كانت احلالة ه��ذه فهاكم طريقتي فـي التعليم والرتبية: على كل معلم ان يكون �شاعرا الن ال�شاعر لديه خيال وعلى املعلم ان يكون خياليا لكي يتمكن من ان يت�صور عقلية الطالب ويغري عقليته وقت احلاجة اىل عقلية االطفال. يعتقد اغلب املعلمني مبا انهم كبار فـي ال�سن ال ي �ق��درون ان ي���ش�ع��روا ب�شعور االطفال وعقليتهم ولكن ذلك خط�أ حم�ض .وهذا هو النق�ص الوحيد فـي املعلمني. ان �ن��ي ا� �ش �ع��ر ب���ش�ع��ور االط� �ف ��ال واعاملهم ب�ك��ل �شفقة وح �ن��ان واح �ت�رم ج�ه��د الطاقة �شخ�صياتهم وعقلياتهم ف�أكيف عقليتي ح�سب عقليتهم وادع�ه��م يعتقدون انهم ه��م الذين يتعلمون بانف�سهم ولي�س انا معلمهم ،فبهذه الطريقة يعتمدون على انف�سهم وين�ش�أون رجاال معتمدين على نفو�سهم. انكم ال �شك ق��ر�أمت ع��ن حياتي �شيئا ،فاين دخلت املدر�سة وان��ا ح��دث ولكنني كرهتها وك �ن��ت اع �ت�بره��ا مب �ث��اب��ة ��س�ج��ن للعذاب، فلذلك كنت انتعرب منها واق��ع حتت طائلة الق�صا�ص. وفن التعليم الع�صري يق�ضي على املدر�س اال يحتكر الكالم بل يبقى بامل�ؤخرة ويدع املجال اىل الطالب .وانا �شخ�صيا ال اهتم باملناهج بقدر ما اهتم باجلو املدر�سي الذي يجب ان يكون م�شبعا باحلرية واال�ستقالل. لي�س املعلم احلقيقي م��ن ي�ن��ال ال�شهادات العالية ،بل هو الذي ي�شعر بروحية التالمذة وه��ذا النوع من املدر�سني �صعب ايجادهم النهم الي��درب��ون بالتعليم بل يولدون وبهم هذه الفطرة الطبيعية. العلماء فـي الوقت احلا�ضر يفكرون مبختلف ا�ساليب الرتبية اذ يعتقدون ان العامل فـي طور وتطور فـي ا�ساليب الرتبية.
وختم ال�شاعر واملربي الكبري كالمه بعبارات رقيقة م�ؤداها انه يود ان نذكره لي�س كرجل عظيم او ك�شاعر او كمعلم بل ك�شخ�ص منا يعي�ش معنا ونعي�ش معه. وهل بعد هذا التوا�ضع ال��ذي اب��داه طاغور من توا�ضع؟! *** ومما قاله "رابندرانات طاغور" فـي الدعوة التي اقامها له امللك فـي�صل االول عن دور العراق احل�ضاري: " ..لقد قطعت احل�ضارة احل��دود ال�ضيقة وق�ضت على العزلة فهمنا ال�ي��وم ان نبني م�ستقبل االن �� �س��ان ع�ل��ى تفهم �شخ�صيتنا القومية املتباينة تفهما قيما يغني احلياة، وان نبنيه على الت�ساهل والتعاون احلبّي فـي م�سعانا ال�شاق لتحرير العقل الب�شري من �سورة احلماقة وال�شكوك املتبادلة ،والعتاقه من التبجح بتذابح املللل و�شهوة الك�سب. واملي ان يفقه العراق هذه التبعة اخلطرية – تبعة احل�ضارة املقبلة .فالعراق ،وهو البقعة التي واكبت فـيها عقول �سكانها ع�صور بطولة عظيمة ،وهو القطر الواقع فـي و�سط منطقة م �ع��دودة ه�م��زة و��ص��ل ب�ين ال�شرق وال �غ��رب ،يحق ل��ه ان ي ��ؤم��ل ان��ه �سي�صبح يوما ما حلقة حية فـي �سل�سلة �شعوب العامل املتحد فـي امل�ستقبل .فليظهر العراق – وله ب�صره املمتد اىل �آف��اق بعيدة جذابة وجوّ ه الالمع و�صدى �سمائه الندي وفـي�ض رافديه املتدفقني فـي ع�صور جمد زاهية – ليظفر بحقه فـي حرية غري حمدودة يتمتع بها فـي دولته العظيمة ،وليعلن حتت قباب �سمائه الزرقاء جالل روح االن�سان ،وهي املقد�س الذي حتل فـيه روح الله. وفـي ختام الكالم اتلو �شعرا نظمته خمت�ص ًا بهذه الكلمة اليكم ترجمته: لقد اجنلى الليل فاطفئوا ال�سرح امل�شتعلة. فـي زواياكم ال�ضيقة زوايا �سوّ دها �سناج اللهيب ها هو ذا ال�صبح العظيم – متعة النا�س ط ّرا منبعثا فـي امل�شرق فليعلن نوره بع�ضنا لبع�ض نحن املدجلني فـي �صراط قبلة واحدة بغداد فـي � 25أي��ار �سنة ( 1932رابندراات طاغور) *** ورغب طاغور فـي م�شاهدة الرق�ص العراقي و�سماع املو�سيقى العراقية فه ّي�أ له ادباء العراق حفلة �شائقة م�ساء � 29أيار 1932فـي ق�صر ال�شابندر املطل على نهر دجلة اجلميل فـي منطقة الكرادة ببغداد .ونرتك "جريدة العراق" ال�صادرة فـي � 31أيار 1932ت�صف لنا هذه احلفلة الفنية وانطباعات طاغور عنها .قالت اجلريدة: " ..وف �ـ��ي ال���س��اع��ة اخل��ام���س��ة والن�صف اقيمت حفلة �شائقة فـي ق�صر �آل ال�شابندر ع �ل��ى ��ض�ف��ة دج �ل��ة ال �ي �م �ن��ى ف �ـ��ي ال� �ك ��رادة وتربعت ال�سيدة جليلة املطربة واملغنية العراقية هي وجوقها باحل�ضور لتحقيق رغ �ب��ة ال���ش��اع��ر ال�ع�ظ�ي��م .وح���ض��ر احلفلة جماعة من كبار ادباء العراق وبع�ض ارباب
ال�صحف". وملا بد�أ جوق ال�سيدة جليلة بالعزف والغناء ا�ستغرق ال�شاعر االعظم فـي خياله واعرب لال�ستاذ ابراهيم حلمي العمر �سكرتري جلنة اال�ستقبال عن اعجابه العظيم باملو�سيقى ال �ع��راق �ي��ة ومب ��ا ي���ش�ه��ده م��ن ف��ن الرق�ص العراقي ال��ذي ق��ال عنه ان��ه اف�ضل من هذا ال��رق����ص ال�شائع فـي اوروب ��ا وادع ��ى اىل اللذة والبهجة. وق�ضى طاغور – كما قال – �ساعة من اهن�أ �ساعات حياته الطويلة احلافلة بامل�شاهد الرائعة. وقبيل االن�صراف نه�ض اال�ستاذ ابراهيم حلمي العمر فارجتل كلمة عن اث��ر زيارة الدكتور "رابندرانات طاغور" فـي احلركة االدب�ي��ة العراقية ومتنى ان يكون �شاعر الهند – وهو م�سافر اىل ب�لاده – قد مل�س جوانب ه��ذا ال��روح العراقي ال��ذي يقد�س العظمة والبطولة ويكرب العقول املنتجة ويحرتم العبقريات. وق��د ت��رج��م الكلمة اال� �س �ت��اذ ع�ب��د امل�سيح وزير. وتقول جريدة "العراق" فـي عددها امل�شار اليه: "وكانت ا��س��اري��ر ال�شاعر الكبري تربق ب�شرا و���س��رورا ،ث��م انطلق كال�سيل يرد على خطبة �سكرتري اللجنة منوّ ها بالكرم ال �غ��رب��ي ..و��ش�ك��ر جل�ن��ة اال��س�ت�ق�ب��ال التي ه�ي��أت ل��ه االط�ل�اع على نه�ضة ال�ع��راق من جميع ن��واح�ي�ه��ا ،وق��د اك�ب�ر فـيها الهدف وال�شعور والثقة بالنف�س .وامتدح ال�شاعر بلغة روح�ي��ة ب�لاد ال�ع��راق وخا�صة منظر دج �ل��ة اجل �م �ي��ل واث� �ن ��ى ع �ل��ى املو�سيقى العراقية والغناء القومي فـي هذه البالد. وانه يبارح البالد غدا حامال ل�شعبه احلي اخلد الذكريات. وفـي �صباح يوم االثنني املوافق � 30أيار 1932غ��ادر �شاعر الهند االعظم مع كنته العراق على منت طائرة هوالنديية قا�صدا مدينة "كلكتة" مودعا مبثل ما قوبل به من حفاوة وترحيب. وقبيل �سفره حيّا �شبيبة العراق فـي كلمة �شكر رائعة ملح فـيها �آفاق امل�ستقبل البا�سم لل�شباب ال�ع��راق��ي ال��و ّئ��اب وح� ّي��ا اجلهات االدبية والر�سمية التي اكرمته .ومما قاله فـي حتيته ل�شباب العراق: "احيي ال�شبيبة العراقية ،وانا فـي املرحلة االخ �ي��رة م ��ن م ��راح ��ل ع� �م ��ري .واغتبط بالفر�صة ال�سانحة ل�ه��م لطبع م�صريهم ب�ط��اب��ع ج��دي��د ي�سم ح�ي��اة بعثهم قاطعني فـي م�ضمار تاريخهم �شوطا ينتهي بهم اىل م�سلك قومي وئ��اب ينف�ضون فـيه عن عواتقهم ك��ل ال��ذي ت��راك��م عليها م��ن اعباء العقم ورفات الع�صور املائتة .واين الحيي فـي العراق روح��ه الفتية واحيي البطولة العزيزة واالل��ق اخل��ال��د فـي اول�ئ��ك الذين ي�سعون اىل م�ستقبل المع فـي ع�صر حافل باالبداع "...الخ..
جملة املورد العدد ال�سابع 1978
وكان طاغور يحب ال�سفر والتجوال فـي �أنحاء العامل ،وال �أدري هل كانت زياراته لدول عديدة تلبية لدعوات رفـيعة امل�ستوى ت�أتيه من تلك الدول ؟ فقد كان زاهدا متق�شفا ،غري ان زيارته للعراق كانت بدعوة من ملك العراق فـي�صل االول .وقد زار قبل هذا انكلرتا وفرن�سا واملانيا واليابان و�أمريكا واالحتاد ال�سوفـييتي وال�صني وجنوب افريقيا وكندا وايطاليا وتركيا وم�صر .ويذكر ان امللك فـي�صل االول اراد ا�ستدعاء بع�ض ال�شخ�صيات االدبية والعلمية اىل العراق الطالعهم على معامل النه�ضة على عهده ،ومن ه�ؤالء ال�شاعر الكبري احمد �شوقي ،اال ان هذا اعتذر ملر�ضه وار�سل الفنان حممد عبد الوهاب عنه اىل املعر�ض ال�صناعي الزراعي فـي بغداد فـي ني�سان 1932وغنى فـيه ق�صيدة �شوقي (يا �شراعا وراء دجلة يجري). وفـي الع�شرين من ايار �سنة 1932و�صل االديب الهندي الكبري رابندرنات طاغور اىل احلدود العراقية قادما من االرا�ضي االيرانية ،عند بلدة خانقني .وكانت احلكومة العراقية قد اعدت وفدا ال�ستقباله عند احلدود ،مكونا من عدد من املثقفـني العراقيني برئا�سة ال�شاعر جميل �صدقي الزهاوي، وفا�ضل اجلمايل وعبد القادر �أ�سماعيل وال�شيخ كمال الدين الطائي ونوري ثابت وال�شيخ حممد بهجة االثري وعبد امل�سيح وزير و�أنور�شا�ؤل وابراهيم حلمي العمر (اال�سماء ح�سب ال�صورة امللتقطة لهم مع طاغور فـي خانقني). و�صل طاغور اىل االرا�ضي العراقية فـي ال�ساعة التا�سعة من �صباح ذلك اليوم ويرافقه القن�صل االيراين فـي بومبي جالل الدين كيهان والدكتور جاترجي اال�ستاذ فـي كلية طاغور فـي الهند و�سكرتري طاغورال�سيد جكراواردي وزوجة ابن طاغور املدعوة (كنته) .كان ال�شاعر الزهاوي اول املتقدمني للرتحيب به وقال له :يرحب العراق ب�شاعر ال�شرق العظيم ويحيي فـيه العبقرية والنبوغ .فرد عليه طاغور قائال :انني �سعيد مبجيء �شاعر العرب الكبري لتحيتي وهي حتية �شاعر ل�شاعر .ثم التقطا �صورة وهما جنبا اىل جنب .ثم تقدم اع�ضاء وفد اال�ستقبال ورحبوا بال�ضيف الكرمي .وا�ستقل اجلميع ال�سيارات اىل حمطة قطار خانقني حيث اقيم احتفال ترحيبي بطاغور ،ح�ضره كبار املوظفـني وطلبة املدار�س وفرق الك�شافة .وبعد حفلة �شرب ال�شاي� ،صعد اجلميع القطار املتوجه اىل بغداد .وعندما و�صل القطار اىل مدينق بعقوبة ا�ستقبل �ضيف العراق ا�ستقباال ر�سميا و�شعبيا كبريا .وتابع القطار �سريه نحو بغداد ،وعلى امتداد الطريق جرى حديث ادبي ماتع بني طاغور واللجنة
اخلا�صة مبرافقته ،وكان احلديث يدور حول نه�ضة ال�شرق وتطلعه اىل حياة جديدة ،وكان طاغور ي�س�أل عن احوال العراق وما ينتجه �صناعيا وزراعيا وفكريا. وفـي ال�ساعة ال�ساد�سة والن�صف من م�ساء اليوم و�صل القطار بغداد ،وكانت حمطة القطار غا�صة بامل�ستقبلني من كبار ال�شخ�صيات االدبية والعلمية وموظفـي الدولة وعدد من ال�شخ�صيات الن�سوية ،ا�ضافة اىل عدد كبري من اجلالية الهندية فـي العراق .وما ان نزل طاغور من عربة القطار حتى عال اجلو �صوت الت�صفـيق والهتاف ،ثم تقدمت طالبة من املدر�سة املركزية للبنات والقت خطبة باللغة االنكليزية .وتقدم احد اع�ضاء اجلالية الهندية وطوق عنقه بطوق من الزهور .وبعدها ا�ستقل �سيارة خا�صة نقلته اىل مكان اقامته فـي بغداد وهو فندق ق�صر دجلة (تايكر�س بال�س) فـي �شارع الر�شيد (ال�سنك). وفـي اليوم التايل ا�ستقبل طاغور فـي مقره املرحبني به من جميع طبقات ال�شعب و�شرائحه الثقافـية .وكانت الق�صائد والكلمات تتلى امامه ،وقد تناوب على الرتجمة اثنان من املرتجمني احدهما عراقي وهو اال�ستاذ عبد امل�سيح وزير، والثاين كان هنديا يعمل فـي املقيمية الربيطانية ببغداد .اما ماجرى لطاغور ببغداد بعد هذا ،فنجمله فـي الفقرات التالية : اول حفلة اقيمت لطاغور ،نظمتها جلنة االحتفال به م�ساء يوم 23ايار على حديقة امانة العا�صمة املجاورة لقاعة امللك فـي�صل (ال�شعب فـيما بعد) ،ح�ضرها رئي�س الوزراء والوزراء والنواب وكبار ال�شخ�صيات العراقية واالجنبية .وبد�أت بو�صالت مو�سيقية لفرقة مو�سيقى اجلي�ش ثم كلمة جلنة االحتفال القاها ابراهيم حلمي العمر ،وفـي هذه احلفلة القى ال�شاعر الكبري معروف الر�صافـي ق�صيدته ال�شهرية (احلقيقة املطلقة) �ضمنها العديد من افكاره فـي وحدة الوجود ،وهي ما اعتنقه الر�صافـي بعد بحث وتفكري طويلني وف�صله فـي كتابيه (ر�سائل التعليقات) و("ال�شخ�صية املحمدية) ،وجتد ن�صها فـي ديوان الر�صافـي (اجلزء االول �ص ،)115ومطلعها: ما للحقيقة من بداية كال ولي�س لها نهاية كما القى ال�شاعر الكبري جميل �صدقي الزهاوي ق�صيدة جتد ن�صها فـي ديوانه (االو�شال) ،مطلعها: كنت طاغور ماثال فـي خيايل حيثما التفت اجدك حيايل ثم القى ال�شيخ حممد بهجة االثري ق�صيدته ومطلعها: ب�سمت لبغداد وبغداد ثاكلة فلم تر اال ان ته�ش جماملة وكانت ق�صيدة االثري من ال�شعر ال�سيا�سي اذ �ضمنها �شكواه من الواقع ال�سيا�سي فـي العراق يومئذ .والقى ال�شاعر العظيم طاغور كلمة رائعة ترجمها للحا�ضرين اال�ستاذ عبد امل�سيح وزير ،واردفها بق�صيدة جميلة من �شعره ،القاها باللغتني الهندية واالنكليزية .وكانت زوجة ابنه (كنته) تلقي ق�صيدته مغناة. * واقام نادي املعلمني حفلة ع�شاء ل�ضيف العراق يوم 24 ايار فـي الفندق نف�سه الذي يقيم فـيه ال�شاعر الهندي الكبري (تايكر�س بال�س) ،افتتح احلفلة اال�ستاذ متي عقراوي عميد دار املعلمني ،ثم القى ال�شاعر انور �شا�ؤل ق�صيدة باملنا�سبة (مذكراته �ص ،)181اعقبه اال�ستاذ حممود فهمي دروي�ش. وانتهى احلفل بكلمة عن املعلم والتعليم القاها ال�ضيف الكرمي. *وفـي ق�صر ال�شابندر املطل على دجلة فـي الكرادة اقيمت حفلة �شائقة لل�ضيف احيتها املطربة العراقية جليلة وجوقها املو�سيقي ،وقد ا�ستمع طاغور للغناء العراقي وابدى اعجابه باملو�سيقى العراقية وما �شاهده من رق�ص جميل ،وانتهت احلفلة بكلمة البراهيم حلمي العمر �سكرتري جلنة اال�ستقبال. * وكان يوم االثنني الثالثني من ايار 1932يوم وداع طاغور فـي مطار بغداد املدين ،فا�ستقل طائرة هولندية اىل كلكتا فـي الهند ،وقد ودع مبثل ما ا�ستقبل من حفاوة وترحيب. * ومن الطريف ذكره ان مغنية عراقية �شهرية هي زكية جورج غنت من �شعر طاغور اغنية (يا بالبل غن جلريانك غن وتفنن باحلانك) واعيد غنا�ؤها فـي ال�سنوات التالية با�صوات اخرى.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
14
15
العدد ()2304ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )16ت�شرين الثاين 2011
العدد ()2304ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )16ت�شرين الثاين 2011
طاغور ..حياة بين العواصف وعشق السالم
اىل طاغور
الحقيقة المطلقة معروف الر�صافـي ان�شدها ال�شاعر الكبري معروف الر�صافـي فـي احلفلة التي اقيمت م�ساء 22ايار 1932ل�شاعر الهند الكبري وفـيل�سوفها طاغورحني زار بغداد.وقد انطوت الق�صيدة على بع�ض املعاين الفل�سفـية التي اعتنقها الر�صافـي ،وال ريب ان احلقيقة التي ق�صدها ال�شاعر هي الذات االلهية كمافـي فكرة وحدة الوجود التي مل يجد الر�صافـي حمي�صا من االميان بها بعد بحث وتفكري .وقد ف�صل فـيها القول فـي كتابيه ( ر�سائل التعليقات ) و( ال�شخ�صية املحمدية ) .وكان اال�ستاذ عبد امل�سيح وزير يرتجم لل�شاعر الهندي ما يذكره �شاعرنا اىل اللغة االنكليزية.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
م��ال��ل��ح��ق��ي��ق��ة م���ن ب��داي��ه ه���ي ع��ن��د ارب�����اب ال��ع��ق��و خ��ف��ـ��ي��ت ول���ك���ن ك���م وك��م ك����م راح م���رف���وع���ا ل��ه��ا ه���ي ف��ـ��ي م��ق��ام ظ��ه��وره��ا م����اب��ي�ن اع���ي��ن م����ن ي���رو ف���ل���و اجن����ل����ت غ��ف�لات��ن��ا ه���ي م��ن��ظ��ر ف��ـ��ي��ه اجل�لا هي فـي الطبيعة ت�ستفـيـ هي فـي ال�ضياء وفـي الظال هي فـي الف�ضيلة والف�ضو هي فـي اللباب وفـي الق�شو هي فـي ال�سالم وفـي احلرو ه���ي ك���ل م��ا���ش��ك��ت ال�شكا ه��ي ف��ـ��ي ال��رم��اة اذا رم��وا ه��ي ف��ـ��ي العفـــــــــــــــا هي فـي الغيا�ض وفـي الريا ه���ي ف��ـ��ي امل���غ���اين وامل��ب��ا ه���ي ف��ـ��ي ال��غ��ب��اء وال��ذك��ا هي فـي امل�لاح وفـي القبا واىل احل��ق��ي��ق��ة تنتهي ه��ي م��ن مي���وت وم���ن يعيـ ه���ي ك���ل م���ا وع����ت ال��ع��ق��و م��ن��ه��ا ال��ف��ن��ا وب���ه���ا ال��ب��ق��ا ل��ي�����س ال����وج����ود ل��غ�يره��ا واذا ن����ظ����رت ال��ك��ائ��ن��ا اين ارى ����س���ر احل���ق���ي وارى ال���وج���ود وان تعـ ال���ي���ك( ي���ا ط���اغ���ور) جئـ ان����ت ال�����ذي ق����ال احل��ق��ي��ـ م���ا اخ���ط����أت ���س�نن ال��ع�لا ال زل����ت م�����ش��م��ول اجل��ن��ا
ك���ل��ا ول����ي���������س ل����ه����ا ن���ه���اي���ه ل اج������ل م�����ن ح�����د وغ���اي���ه ظ���ه���رت ل��ه��ا ف��ـ��ي ال���ك���ون اي��ه ف������وق ال�����رب�����ا ع���ل���م وراي������ه ك��ال�����ش��م�����س حت��ج��ب��ه��ا غ��ي��اي��ه ن وب����ي����ن����ه����ا اال ����ش���واي���ه ل��ت��ك�����ش��ف��ت ع���ن���ا ال���ع���م���اي���ه ل����وخم��ب�ر ف���ـ���ي���ه ال���ك���ف���اي���ه ���ض ع��ل��ى ال���وج���ود ل��ه��ا ج��راي��ه م وف��ـ��ي امل�سري وف��ـ��ي ال�سرايه ل وف��ـ��ي النقي�صة وال���زراي���ه ر وف���ـ���ي احل���ث���ال���ة وال��ن��ف��اي��ه ب وف���ـ���ي ال����ه����وادة وال��ن��ك��اي��ه ة وك�����ل م����ا ب���ع���ث ال�����ش��ك��اي��ه وه���ي اال���ص��اب��ة ف��ـ��ي ال��رم��اي��ه ء وف��ـ��ي اجل��ن��اة وف��ـ��ي اجلناية ���ض وف��ـ��ي ال��ف��را���ش��ة واجل��داي��ه ين وال�����ب�����ن�����اة وال���ب���ن���اي���ه ء وف��ـ��ي ال�����ش��ف��اع��ة وال��و���ش��اي��ه ح وف��ـ��ي ال��ر���ش��اد وف��ـ��ي الغوايه ط�����رق ال�������ض�ل�ال���ة وال���ه���داي���ه ������ش وك�������ل ق����اب����ل����ة وداي�������ه ل وك�����ل م����ا روت ال����رواي����ة وم�����ن ال���ف���ن���اء ه����ي ال���وق���اي���ه اال خ�����ي�����اال ف����ـ����ي م����راي����ه ت ب��ا���س��ره��ا ف��ه��ي ال�����س��ن��اي��ه ق����ة ك���ائ���ن���ا ف���ـ���ي ال�لان��ه��اي��ه د واح���������دا ع���ن���د ال�����دراي�����ة ت ع���ن احل��ق��ي��ق��ة ب��احل��ك��اي��ه ق���ة ب��ال�����ص��راح��ة وال��ك��ن��اي��ه اذ ه���ذب���ت���ك ي�����د ال���ع���ن���اي���ه ب م���ن احل��ق��ي��ق��ة ب��ال��رع��اي��ة
اعداد /منارات "مهما يكن م��ن ��ش��يء ف���إين ل��ن �أرت �ك��ب اخلطيئة اخل� �ط�ي�رة :خ�ط�ي�ئ��ة ف� �ق ��دان الإمي� � ��ان ب��الإن �� �س��ان، وال��ر� �ض��وخ ل�ل�ه��زمي��ة ال �ت��ي ح��اق��ت ب �ن��ا يف الوقت احلا�ضر على اعتبارها نهائية وحا�سمة" كانت هذه هي كلمات ال�شاعر الهندي العظيم رابندرانات طاغور والتي دونها مبقدمة كتابه "البيت والعامل" ترجمة د. �شكري حممد عباد عن "دار الهالل". ويف �شهر اب حلت ذك��رى ط��اغ��ور حائز نوبل يف الآداب ل �ع��ام ،1913وال���ذي ق ��ررت منظمة الأمم املتحدة للعلوم والثقافة "اليون�سكو" تخ�صي�ص عام 2011مبنا�سبة مرور 150عام ًا على ميالده. قال طاغور يوما يف كتابه "الإ�سالم ور�سوله يف فكر ه�ؤالء": "الإ�سالم دين عظيم ،ا�ستطاع �أن ي�شد �إليه النا�س يف كل مكان ،ل��ذا ف��اع��دا�ؤه ك�ث�يرون ،لكنه لب�ساطته القوية� ،سيظل رافع ًا راياته". كما قال يف ق�صيدة له �" :س�أحطم احلجر و�أنفذ خالل ال�صخور و�أفي�ض على الأر�ض و�أملأها نغما� ،س�أنتقل من قمة �إىل قمة ،ومن تل �إىل تل ،و�أغو�ص يف واد وواد .و�س�أ�ضحك مبلء �صدري و�أجعل الزمن ي�سري يف ركابي" ،وت�شري ه��ذه الكلمات حل�ي��اة طاغور بالفعل حيث متكن م��ن ال��و��ص��ول لكل ب�لاد العامل ب�شعره و�أفكاره ،و�إميانه القوي بالإن�سان والطبيعة، وو�صف نف�سه من قبل ب�أنه "كالبخور ال ينت�شر عطره ما مل يحرق".
ق�صة حياة
ولد طاغور يف ال�ساد�س من مايو عام 1861يف ق�صر "جورو�سنكو" مبدينة كلكتا فكان �سليل �أ�سرة هندية عريقة ،و�أ�صغر �أخواته ال�سبعة� ،أطلق عليه والده ا�سم "رابندار" ويعني "ال�شم�س" تيمن ًا ب�أنه �سي�شرق كال�شم�س ،وكان والده �أحد �أعالم نحلة "اليوباني�شاد" الدينية التي تركت يف الهند �أثر ًا �صوفي ًا بالغ ًا. وح��ر���ص ال��وال��د على تعليم �إب �ن��ه وا�صطحابه يف رحالت كثرية كان �أبعدها �أث��ر ًا يف نف�سه رحلته �إىل جبال الهيمااليا ،ثم جاء �أث��ر رحيل الأم قا�سيا على نف�س طاغور ،وظل يتذكرها وي�شعر بفجيعة فقدها وهو ال يزال �صغريا .ورمبا هذا ما دفعه للت�أمل املبكر يف الطبيعة ويعتربها رفيقه اجلديد . حينما �أ�صبح �صبيا ،بد�أ طاغور يف التمرد على بع�ض
التقاليد املتبعة ومنها الإكراه على الزواج وبدا ذلك يف روايته "حطام ال�سفينة" وحينما تزوج يقول عن زوجته " لقد داعبت مو�سيقا الأ�شياء كلها �أع�ضاءها لتمنحها �إه��اب اجلمال� ،إنها زوج��ي ...لقد �أ�شعلت م�صباحها يف بيتي و�أ�ضاءت جنباته". ولكن ال�سعادة ال تدوم فقد رحلت زوجته خملفة ثالثة �أطفال وهي يف ريعان �شبابها ،وحلق بها �إبنه وابنته و�أبوع يف فرتات متتابعة مما خلف يف نف�سه جرح ًا عميق ًا .ولكن طاغور يكتب يف ديوانه "الهالل" يقول �" :إن عا�صفة املوت التي اجتاحت داري �أ�ضحت يل نعمة ورحمة ،فقد �أ�شعرتني بنق�صي وحفزتني على ن�شدان الكمال و�ألهمتني �أن العامل ال يفتقد ما ي�ضيع منه". ونال طاغور ب�سبب ديوانه "جيتنجايل" جائزة نوبل ل�ل�آداب وك��ان �أول �شاعر �شرقي يفوز بها حتى قال الكاتب الفرن�سي �أندريه جيد "لي�س يف ال�شعر العاملي كله ما يداين طاغور عمق ًا وروعة". يف ع��ام 1909ان���ش��أ ط��اغ��ور يف �إح ��دى �ضواحي "كلكتا" مدر�سة �سماها "�شانتينيكيتان" والتي تعني "مرف�أ ال�سالم" حر�ص فيها �أن يتلقى الطلبة درو�سهم �إىل جانب التمتع بالطبيعة وامل�ساهمة يف املحافظة عليها والزيادة يف جتميلها ،وقد �ألقى طاغور يف هذه املدر�سة العديد من املحا�ضرات التي جمعها يف كتابه ال�شهري "�سادهانا". جاء �إنتاج طاغور غزير ًا ما بني فل�سفة و�شعر ورواية وق�صة وم�سرح ،ن�شر �أوىل حماوالته ال�شعرية يف �إح��دى املجالت الأدب�ي��ة ال�صادرة بكلكتا ،وق��د لقبه الزعيم الهندي املهامتا غاندي بـ "منارة الهند" ،وجاء ديوانه الأول بعنوان "�أغاين امل�ساء" ونال ت�شجيع الأو�ساط الأدبية وثناء النقاد ،و�أعقب ديوانه هذا بديوان "�أغاين ال�صباح". ذكريات طاغور يف مقدمة كتابه "ذكرياتي" يكتب طاغور "الذكريات لي�ست ت��اري �خ � ًا ،ب��ل �إب ��داع ��ات �أ��ص�ي�ل��ة ل�ف�ن��ان غري منظور" ،ويف ق�صيدة ي�شرح فيها م��ا ك��ان اخلدم يفعلونه معهم وهم �أطفال حني ير�سمون بالطب�شور دائرة ال يتعدونها يف حركتهم ولكنه حينما كرب وجد �أن الدائرة املقيدة حميطة به ب�شكل �آخر والأفق بعيدا ولي�س يف متناول يده ،يقول : كان الطري الأليف يف القف�ص والطليق يف الغابة �شاء القدر �أن يتقابال يوم ًا �صاح الطري احلر "دعنا نطري �إىل الغابة يا حبيبي" هم�س طري القف�ص "تعال هنا ،دعنا نعي�ش مع ًا يف القف�ص" قال الطري احلر "بني الق�ضبان حيث ال مكان لنا لفر�ش �أجنحتنا؟" "واح�سرتاه" �أج���اب ط�ير القف�ص "�أنا ال �أع���رف �أي ��ن �أح ��ط يف ال�سماء" زار طاغور العديد من دول العامل كان �أولها عندما �أر�سله والده �إىل اجنلرتا لدرا�سة القانون ولكنه مل يوفق يف ذل��ك ،وبالرغم من �أن��ه مل يعود �إىل بالده بال�شهادة التي كان يتمناها والده �إىل �أنه متكن من جمع ح�صيلة واف��رة من املعلومات والتجارب التي �أ�ضافت الهتماماته يف جماالت الأدب واملو�سيقى ،ثم قام برحلة ثانية �إىل �أوروب��ا زار فيها بريطانيا مارا بفرن�سا وايطاليا ،كذلك ق��ام ب��رح�لات �أخ��رى حول العامل حققت له الكثري من ال�شهرة العاملية ،وكانت بغداد من العوا�صم التي ا�ستهوته فزارها عام 1932 حيث اتخذ منها ج�سر ًا ي�صله بكبار �أدباء العامل ،كما �ساهمت يف التعريف ب�أدبه ور�سالته �إىل �أن رحل عام 1941يف الثمانني من عمره . وكان قد منح تكرميا من دول العامل ،ففي الهند حاز الدكتوراه الفخرية ،كما منحته احلكومة الربيطانية لقب "�سري" وهو اللقب الذي قام ب�إعادته للحكومة الربيطانية عقب الأعمال القمعية التي قامت بها عام 1919ب�إقليم البنجاب. وق��د مت�ك��ن ع��ام 1921ب�ع��د ج�ه��د ك�ب�ير م��ن افتتاح جامعته العاملية في�سفابهاراتي وهي الت�سمية التي ا�ستوحاها من �أحد الأبيات ال�شعرية ال�سان�سيكريتية وتعني "املكان الذي يتحد فيه العامل".
رئي�س جمل�س الإدارة رئي�س التحرير
نائب رئي�س التحرير ----------------عدنان ح�سني
مدير التحرير ----------------علي ح�سني االخراج الفني ----------------م�صطفى التميمي الت�صحيح اللغوي ----------------حممد حنون
طبعت مبطابع م�ؤ�س�سة لالعالم والثقافة والفنون
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
ط��������اغ��������ور وال���������س����ي����ن����م����ا فوزي كرمي يف مطلع �شهر ماي�س حتتفل ل�ن��دن الثقافية (الهندية واالنكليزية) بذكرى مرور � 150سنة على ميالد ال�شاعر الهندي الكبري طاغور ( .)1941-1861الن�شاط الثقايف االنكليزي يقت�صر يف احتفاله على ج��ان��ب م��ن عبقرية طاغور بالغة اخل�صو�صية ،والتي تخ�ص الفن ال�سينمائي: يف قاعات �سينما معاهد الفيلم يف جممع "ال�ساوث بانك" مو�سم ق�صري للأفالم التي �أ�سهم فيها طاغور� ،سينمائي ًا، روائ�ي� ًا �أو مو�سيقي ًا� .إىل جانب فيلم وثائقي عن حياته و�إجن��ازات��ه .و�إجن���ازات ه��ذه املوهبة ال�شرقية الرائعة عديدة :ال�شعر و�شعر الأغنية ،املقاالت ،الدراما والرق�ص والت�أليف املو�سيقي ،والر�سم .وقد �أ�صبح ر�سام ًا بعد �أن بلغ ال�ستني من العمر .كنت �أطمع بح�ضور هذه العرو�ض. وجري ًا للعادة ات�صلت ب�شباك التذاكر للحجز فاعتذروا ،لأن جميع التذاكر بيعت للعرو�ض الأوىل .وتركوا يل فر�صة �شراء عر�ض مت�أخر ،بعد �أكرث من �أ�سبوعني .مل ا�ستجب، وجل�أت �إىل االنرتنيت �أ�ستجوب "اليوتيوب" عن الأفالم
واحد ًا �إثر �آخر .فكان كرم اليوتيوب كالعادة وافر ًا .الأفالم متوفرة كلها ،با�ستثناء الفيلم الوثائقي ،الذي ع ّزيت النف�س ب�أين �س�أعرث عليه بالت�أكيد ،داخل هذه العلبة املعدنية التي َّ من علينا بها القرن احلادي والع�شرون. لديّ �شا�شة كومبيوتر معقولة ال�سعة ،وكر�سي للكومبيوتر جديد ،ومريح متام ًا .ثم �إن من ف�ضائل العر�ض احلميمي ه��ذا �إن��ك متلك �أن توقفه ،لأي �سبب م��ن الأ��س�ب��اب ،متى ت�شاء� .أو �أن ت�ؤجل امل�شاهدة �إىل ما بعد الغداء جمل ًة. وباملنا�سبة ،ف ��إن االقت�صار يف امل�شاهدة (اجل��دي��ة) على ال�شا�شة احلميمية ال�صغرية ينطوي على متع خا�صة، لعل �أهمها �إح�سا�سك ب�أنك داخل �شاغل ثقايف .و�إنك داخل �شاغل خيايل توحي املخيل ُة لك فيه �أنك �أمام �شا�شة �سينما ف�ضية �صغرية ،وداخل قاعة للعر�ض �صغرية ،و�إنك مثلهما �صغري ،ومنا�سب. كان ال�شاعر طاغور قد �أ�سهم بق�سط من عطاياه االبداعية يف ال�سينما الهندية .حتى انه �أخرج فيلم ًا بنف�سه عام ،1934 نق ًال مبا�شر ًا عن خ�شبة امل�سرح .هذا الفيلم حدث �أن ُفقد ،ثم عُرث عليه م�ؤخر ًا� .أما بقية الأفالم اخلم�س فتعتمد رواياتٍ
يلتق مع نتاج طاغور الأدبي هذا �إال خمرجون على له .ومل ِ درجة عالية من اجلدية .يف طليعتهم تقف قامة "�ساتياجيت راي" ،الذي قدم ق�صة "البنات الثالث"( )1961يف �أفالم ثالثة يعالج الأول منها ،بغنائية "راي" املعهودة ،حكاية "موظف الربيد" الذي يفد �إىل قرية مقطوعة ،حيث تت�شكل عالقة حميمة بخادمته ال�صبية .وحكاية امل��ر�أة امل�أخوذة مبجوهراتها يف الفيلم الثاين .والثالث عن امل��ر�أة التي تكت�شف عاطفة احلب لزوجها بعد �أن تزوجته ق�سر ًا�.إىل جانب الفيلم املت�أخر ن�سبي ًا "البيت والعامل" ( ،)1981ذي ال�شاغل التاريخي ،ال�سيا�سي عند تق�سيم بلد "البنغال" يف مرحلة اال�ستعمار الربيطاين. الأف�ل��ام ال�ث�لاث��ة ال�ب��اق�ي��ة مل�خ��رج�ين ال ي�ق� ّل��ون ج��دي��ة عن "راي" .الأول "تابان �سينها" يف فيلمه "احلجارات اجلائعة"( .)1960ح �ك��اي��ة ج��ام��ع � �ض��رائ��ب ينتقل �إىل ب�ي��ت م�سكون ب��الأ� �ش �ب��اح ح�ي��ث ي�ق��ع يف ح��ب �شبح ام ��ر�أة �آ� �س��رة اجل �م��ال .ال�ث��اين "هيمني غوبتا" يف فيلم "كابوليواال"( ،)1961عن �أفغاين متعلق بابنته ،يهاجر �إىل الهند ،وهناك يجد ال�سلوان يف عالقته الأبوية بفتاة
�أرادها بديلة ،ولكن عاطفته الربيئة �أثارت هم�س ًا مت�شكك ًا من حوله .والثالث "كومار �شاهاين" يف فيلم "�أق�سام �أربعة"( .)1997وف �ي��ه ت��وج��ه ن �ق��ديّ الذع للمتطرفني الأيديولوجيني داخ��ل حركة التحرير الوطنية الهندية. وي�صح على غري الهندية بالت�أكيد. ولد طاغور يف عام ، 1861وكان الأ�صغر �سن ًا يف عائلة مكونة من 14طفال .ب��د�أ كتابة ال�شعر يف �سن ال�سابعة، وات�سعت �شهرته عاملي ًا عرب ديوانه ال�شهري "غيتاجنايل" : الذي بدت ح�سا�سيته جديدة جد ًا يف �أفق ال�شعر العاملي، الذي بدا مُعتم ًا على �أثر احلرب العاملية الأوىل ،حتى �أن طاغور حاز على �أثر ديوانه جائزة نوبل للآداب يف .1913 ترجمت ه��ذه الق�صائد اىل لغات عاملية ع��دة .وباعتباره تربوي ًا كبري ًا �أقام مدر�سة يف الهواء الطلق ،وكلية للفنون ذات طبيعة تنويرية متحررة .وكرجل عاملي عرف بتبادله الر�سائل مع ييت�س ،عزرا باوند ،وروبرت برجز .ويف وقت الحق مع �ألربت �أين�شتاين ،رومان روالن وجورج برنارد �شو .وقد ترجمت �أعماله اىل الفرن�سية على يد �أندريه جيد ،واىل الرو�سية على يد ال�شاعرة �آنا �أخماتوفا