Rabindranath Tagore

Page 1

‫رئي�س جمل�س االدارة رئي�س التحرير‬ ‫فخري كرمي‬ ‫ملحق ثقافـي ا�سبوعي ي�صدر عن جريدة املدى‬

‫العدد (‪)2304‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )16‬ت�شرين الثاين ‪2011‬‬

‫ط���اغ���ور‬ ‫‪ 150‬عاما على ميالده‬


‫‪2‬‬

‫العدد (‪)2304‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )16‬ت�شرين الثاين ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2304‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )16‬ت�شرين الثاين ‪2011‬‬

‫‪3‬‬

‫اول عبقري من الشرق حاز على جائزة نوبل‬ ‫�سامل االلو�سي‬ ‫كان امل�سرت "مايرتا" امل�ست�شار الثقافـي فـي �سفارة الهند ببغداد ي�سعى �سعيا حثيثا لت�أ�سي�س‬ ‫جمعية ثقافـية حتمل ا�سم ال�شاعر الفـيل�سوف الهندي "طاغور"‪ ،‬وقد اقام لهذا الغر�ض‬ ‫دعوة �شاي بداره الواقعة فـي منطقة العطيفـية بجانب الكرخ‪ ،‬دعا اليها عددا من اال�ساتذة‬ ‫ال�شعراء واالدباء والفنانني ورجال ال�صحافة‪ ،‬القى خاللها حما�ضرة عن "رابندرانات‬ ‫طاغور" ومكانته العاملية فـي االدب وال�شعر وامل�سرح وكان ذلك ربيع عام ‪.1960‬‬

‫ج� �م� �ع� �ي ��ة ب � ��اس � ��م ط�� ��اغ�� ��ور ف � �ـ� ��ي ب � �غ� ��داد‬

‫عندما زار الفـيلسوف الهندي العراق!‬ ‫جل�سة ادبية‬

‫وف�ـ��ي خ��ري��ف ال �ع��ام نف�سه دع��ان��ا ال�شاعر‬ ‫ال�ك�ب�ير اال� �س �ت��اذ ح��اف��ظ جميل اىل وليمة‬ ‫ع �� �ش��اء ب � ��داره ت �ك��رمي��ا ل�ل���س�ي��د "مايرتا"‬ ‫ح���ض��ره��ا ع ��دد م��ن ال���ش�خ���ص�ي��ات االدبية‬ ‫وال�سيا�سية وال�صحفـية منهم اال�ساتذة‪:‬‬ ‫حممد �سليم الرا�ضي – �سفـري العراق فـي‬ ‫الهند �سابقا‪ ،‬وال��دك�ت��ور م�صطفى جواد‪،‬‬ ‫حقي ال�شبلي‪ ،‬جعفر اخلليلي‪ ،‬ف�ؤاد عبا�س‪،‬‬ ‫م�شكور اال� �س��دي‪ ،‬اح�م��د ح��ام��د ال�صراف‪،‬‬ ‫�صبيح الغافقي‪ ،‬طلعت �شوكة‪ ،‬وع��دد �آخر‬ ‫من االدباء والفنانني وكاتب هذه الكلمة‪.‬‬ ‫حتولت الوليمة اىل جل�سة ادبية �شعية من‬ ‫الطراز االول دار فـيها احلديث عن طاغور‬ ‫و�شعره وم�سرحياته ودعواته اال�صالحية‬ ‫ال �ت��ي اك���س�ب�ت��ه � �ش �ه��رة ع��امل �ي��ة ف��و� �ص��ف بـ‬ ‫"�شاعر احلب وال�سالم" وقد حتدث كل من‬ ‫اال�ساتذين احمد حامد ال���ص��راف وجعفر‬ ‫اخلليلي ع��ن ا�شعار ط��اغ��ور املرتجمة اىل‬ ‫ال�ف��ار��س�ي��ة وغ�يره��ا م��ن ال �ل �غ��ات‪ ،‬ث��م تكلم‬ ‫اال��س�ت��اذ حممد �سليم ال��را��ض��ي واال�ستاذ‬ ‫ف��ؤاد عبا�س عن طاغور وم�ساعيه ودعوته‬ ‫لن�شر مفاهيم ال�سالم والتعاون بني االمم‬ ‫ون�ب��ذ العنف واحل���روب ال�ت��ي ع��ان��ت منها‬ ‫الب�شرية وم��ا تركته من ك��وارث وفواجع‪،‬‬ ‫وقد و�صف اال�ستاذ ال�صراف زيارة طاغور‬ ‫اىل ال��ع��راق ع ��ام ‪ ،1931‬ك�م��ا اق�ت�رح ان‬ ‫تتوىل اجلمعية املفرتح ت�أ�سي�سها االحتفال‬ ‫بالذكرى املئوية مليالده "‪ "1861‬والذكرى‬ ‫الع�شرينية لوفاته فـي ‪ 1941/8/7‬توثيقا‬ ‫ل��رواب��ط ال�صداقة ب�ين ال�شعبني العراقي‬ ‫والهندي‪ ،‬وق��د رح��ب احلا�ضرون بالفكرة‬ ‫وفـي مقدمتهم ال�سيد "مايرتا" ال��ذي قال‬ ‫انه �سيعمل جادا ليكون هذا االحتفال على‬ ‫امل�ستوى الر�سمي بالتعاون والتن�سيق بني‬

‫اجلهات الثقافـية فـي العراق والهند كخطوة‬ ‫اوىل تتبعها خ�ط��وات ل��دع��م ال�ت�ع��اون بني‬ ‫البلدين ال�صديقني‪.‬‬ ‫انتقل احلديث بعدها اىل زيارة الفـيل�سوف‬ ‫"طاغور" اىل العراق فـي الربع االول من‬ ‫ع��ام ‪ 1931‬وق��د ت��وىل اال�ستاذ احمد حامد‬ ‫ال�صراف و�صف مظاهر اال�ستقبال واحلفاوة‬ ‫التي قوبل بها �شاعر الهند الكبري وقد جاءت‬ ‫هذه الزيارة تلبية لدعوة من امللك فـي�صل‬ ‫االول‪ ،‬ا�شرفت عليها وزارة املعارف على‬ ‫عهد وزيرها ال�سيد عبد احل�سني اجللبي فـي‬ ‫وزارة نوري ال�سعيد االوىل‪ .،‬وقد نه�ضت‬ ‫الوزارة باملهمة ف�شكلت هيئة ا�ستقبال م�ؤلفة‬ ‫من‪ :‬ال�شاعر جميل �صدقي الزهاوي‪ ،‬الدكتور‬ ‫حممد فا�ضل اجلمايل‪ ،‬العالمة حممد بهجة‬ ‫االث��ري‪ ،‬املرتجم اال�ستاذ عبد امل�سيح وزير‬ ‫وق��د توجهت الهيئة اىل خانقني ال�ستقبال‬ ‫ال�ضيف القادم من ايران‪ ،‬وقد �صحب الهيئة‬ ‫امل�صور ار�شاك‪.‬‬

‫تكرمي طاغور فـي بغداد‬

‫اقيمت لطاغور عدة حفالت ووالئم احتفا ًء‬ ‫به وتقديرا ملنزلته‪ ،‬تبارى فـيها ال�شعراء‬ ‫واالدب�� � ��اء ورج� � ��ال ال �� �ص �ح��اف��ة ك� ��ان فـي‬ ‫مقدمتهم الزهاوي واال�ستاذ االث��ري‪ ،‬كان‬ ‫اال�ستاذ ال�صراف ك�شري اال�شادة بالزهاوي‬ ‫وبق�صيدته‪ ،‬هنا ان�برى ال�شاعر اال�ستاذ‬ ‫حافظ جميل معقب ًا بقوله انه يف�ضل ق�صيدة‬ ‫االثري على ق�صيدة الزهاوي لكونها ارقى‬ ‫�سبكا وابلغ نظما وادق تعبريا‪ ،‬ي�ضاف اىل‬ ‫ذلك م�ضامينها الوطنية والقومية‪ ،‬ا�ؤكد على‬ ‫ذلك – والقول حلافظ – وعلى م�س�ؤوليتي‬ ‫ك�شاعر‪ .‬وقد ا�صطف االديب ال�شاعر جعفر‬ ‫اخل �ل �ي �ل��ي اىل ج��ان��ب ح��اف��ظ ج �م �ي��ل فـي‬ ‫اال�شادة بامل�ستوى الرفـيع لق�صيدة االثري‪،‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫الن�ه��ا �شعر مبعنى ال�ك�ل�م��ة‪ ،‬بينما جاءت‬ ‫ق�صيدة الزهاوي خيالية �ضعيفة ال ترقى‬ ‫اىل امل�ستوى امل�أمول من �شاعر كبري مثله‪.‬‬ ‫وملا احتدم اجلدل والنقا�ش بني احلا�ضرين‬ ‫نه�ض ال�شاعر حافظ اىل مكتبته وعر�ض‬ ‫دي ��وان ال��زه��اوي و�صحيفة م��ن ال�صحف‬ ‫ال�ب�غ��دادي��ة ال�ت��ي ن�شرت ق�صيدة اال�ستاذ‬ ‫االثري وطلب اىل اال�ستاذ ال�صراف ان يقر�أ‬ ‫ق�صيدة الزهاوي‪ ،‬واىل اال�ستاذ ف�ؤاد عبا�س‬ ‫قراءة ق�صيدة االث��ري‪ ،‬وبعد ذلك طلب اىل‬ ‫احلا�ضرين التحكيم واملفا�ضلة بينهما‪،‬‬ ‫وقد اجمع احلا�ضرون على حيازة اال�ستاذ‬ ‫االثري ق�صب ال�سبق وانه املجلي فـي ميدان‬ ‫ال�شعر‪.‬‬ ‫وتوثيقا ل�ه��ذه اجلل�سة االدب �ي��ة ال�شعية‪،‬‬ ‫وح �ف��اظ��ا ع�ل��ى االم��ان��ة ال�ت��اري�خ�ي��ة نن�شر‬ ‫الق�صيدتني ليطلع عليهما القراء‪:‬‬ ‫ق�صيدة الزهاوي‬ ‫كنت "طاغور" ماثال فـي خيايل‬ ‫حيثما التفت اجدك حيايل‬ ‫عن مييني اذا نظرت مييني‬ ‫و�شمايل اذا نظرت �شمايل‬ ‫مثل جنم يهوي ابت�ساما جميال‬ ‫فـي دجى الليل من مكان عالٍ‬ ‫وانا با�سط اليك يدي فـي‬ ‫�ضرع اليائ�س الكثري املالل‬ ‫قلت يل ان اردت ان نتناجى‬ ‫فادن مني وفـي الدنو تعال‬ ‫قلت ال ا�ستطيع ذاك الين‬ ‫من �شكوكي ا�سوح فـي االوحال‬ ‫قلت حاولت منها بنف�سك افال‬ ‫تا فحاولته فبان كاليل‬ ‫و�ضعت فـي جيدي الطبيعة اغال‬ ‫ال فما حيلتي مع االغالل‬ ‫ما بو�سعي الدنو اال اذا حر‬

‫وتني او خففت الغايل‬ ‫ثم ملا ت�صرم الليل ين�أى‬ ‫وبدا ال�صبح ابي�ض االذيال‬ ‫لفظ النا�س من كراها حتيي‬ ‫موكب ال�شم�س طالعا فـي جالل‬ ‫مل يكن قد بان يومئذ يل‬ ‫غري طيف من احلقيقة خال‬ ‫وارى اليوم بالنواظر ماقد‬ ‫كنت قبال ر�أيته فـي اخليال‬

‫عتاب االثري !‬

‫ك��ان��ت االو���ض��اع ال�سيا�سية ف�ـ��ي العراق‬ ‫م�ضطربة وغري م�ستقرة وعواطف ال�شعب‬ ‫ثائرة مائجة‪ ،‬وال�صحافة الوطنية تهاجم‬ ‫�سيا�سة ن��وري ال�سعيد وخ�ضعه مل�شيئة‬ ‫االنكليز وتنفـيذه رغباتهم ب�سبب عقده‬ ‫معاهدة ‪ 1930‬اجلائرة‪ ،‬وقد عمدت الدوائر‬ ‫اال�ستعمارية الربيطانية بخبث ودناءة اىل‬ ‫ان جتعل تاريخ اب��رام هذه املعاهدة التي‬ ‫رف�ضها ال�شعب العراقي بكل اباء وكربياء‬ ‫"يوم ‪ 30‬حزيران" وه��و ت��اري��خ ثورة‬ ‫ال�شعب العراقي �ضد االحتالل االنكليزي‬ ‫للعراق‪.‬‬ ‫نقول فـي ه��ذا اجل��و امل�شحون بالعواطف‬ ‫الثائرة �ضد االحتالل واملعاهدة‪ ،‬والغليان‬ ‫ال �� �ش �ع �ب��ي ع �ل��ى ا�� �ش ��ده ك ��ره ��ا لالنكليز‬ ‫ومعار�ضة ل��وزارة نوري ال�سعيد‪ ،‬تتزامن‬ ‫زيارة الفـيل�سوف الهندي "طاغور" داعية‬ ‫احلب وال�سالم‪ ،‬ويومها ف�سرتها االو�ساط‬ ‫الوطنية بانها –اي الزيارة – قد خطط لها‬ ‫وكامنا جيء بطاغور لن�شر دعابةة مغلفة‬ ‫تهدف اىل ال�سكينة والهدوء ورف�ض العنف‪،‬‬ ‫وب�ك�ل�م��ة اخ ��رى التخفـيف م��ن معار�ضة‬ ‫ال���ش�ع��ب ال �ع��راق��ي لل�سيا�سة االنكليزية‬ ‫والدعوة اىل امل�ساملة‪ ،‬وعلى قدر موجبات‬

‫اللياقة مع �ضيف امللك فـي�صل االول‪ ،‬وجه‬ ‫اليه العالمة االث��ري ق�صيدة يحتفـي بها‬ ‫ب�شاعر الهند‪� ،‬ضيف العراق �ضمنها عبارات‪،‬‬ ‫ي�شم من ثناياها بع�ض العتاب م�ؤكدا على‬ ‫ان امل�ساملة تختلف من حال اىل ح��ال‪ ،‬فقد‬ ‫تكون فـي بع�ض االح��وال من موقع القوة‬ ‫واالق �ت��دار‪ ،‬وتقت�ضيها احلكمة والتدبري‪،‬‬ ‫وق��د تكون م��ن ع��وام��ل العجز والق�صور‪،‬‬ ‫فتكون حينئذ خ�ضوعا وانقيادا لل�سيا�سة‬ ‫الغا�شمة‪ ،‬فلن�ستمع ونقر�أ ق�صيدة العالمة‬ ‫االثري التي قال فـيها‪:‬‬ ‫ب�سمت لبغداد وبغداد ثاكله‬ ‫فلم تر اال ان ته�ش جماملة‬ ‫وبغداد ثغر �صاغه الله با�سما‬ ‫لكل اديب حط فـيها رواحله‬ ‫حملة اجواد على بعد عهدها‬ ‫عن البدر تقري ال�ضيف بالروح عاجلة‬ ‫هواها العلى فامل�س نوازي نب�ضها‬ ‫جتد وثبات الدم فـيهن جافلة‬ ‫وغن لها اغنية املجد متتلك‬ ‫هواها وذكرها الذوابل عا�سله‬ ‫هنالك ان تفعل تر اليوم امه‬ ‫اعز من االقدار جا�شت مقاتله‬ ‫وما هي اال ان ترى االمر �سائحا‬ ‫وما هي اال ان تثور م�صاوله‬ ‫لها عزمة فـيها اناة ومن يكن‬ ‫كذلك ي�صرب او يعز قبائله‬ ‫اذا ما اق�شعر الدهر فارقب فعالها‬ ‫وا�صغ اىل �صوت القوا�ضب قا�صلة‬ ‫اال‪ ..‬اليرعك القول مني اقوله‬ ‫وان بك �ضدا للذي جئت حامله‬ ‫فانا على حال اذا ما دريته‬ ‫عذرت ورمت العفو ان كنت جاهله‬ ‫وقد يدع الر�أي امر�ؤ مت�صلب‬ ‫وين�صر ر�أيا عا�ش دهر ًا منا�ضله‬

‫انور �شا�ؤول‬ ‫اديب عراقي راحل‬

‫م��ا زل��ت ات��ذك��ره كيف طلع علينا بقامته‬ ‫املديدة وج�سمه املمتلئ يلفه جلباب قمحي‬ ‫ال�ل��ون‪ ،‬ف�ضفا�ض‪ ،‬ت�سرت�سل على �صدره‬ ‫حلية بي�ضاء عري�ضة وهو ماد الينا يديه‪،‬‬ ‫يتطلع بعينني �شهالوين وا�سعتني ي�شع‬ ‫منهما ب��ري��ق � �س��اح��ر‪ ..‬ك�ي��ف ان���س��ى تلك‬ ‫ال �� �ص��ورة امل�لائ�ك�ي��ة ل�شاعر ال�ه�ن��د الكبري‬ ‫وفـيل�سوفها احلكيم رابندرانات طاغور؟‬ ‫رحمة الله على روحه الطاهرة!‬ ‫ك��ان ذل��ك فـي اواخ��ر �شهر ني�سان من عام‬ ‫‪ 1932‬ع�ن��دم��ا ��س��اف��رن��ا اىل ب�ل��دة خانقني‬ ‫ونحن جلنة برئا�سة الطيب الذكر جميل‬ ‫�صدقي الزهاوي الفت خ�صي�صا ال�ستقبال‬ ‫ال�ضيف وال�سهر على راح�ت��ه واالحتفال‬ ‫بتكرميه‪.‬‬ ‫وتعانق اول من تعانق ال�شاعران العمالقان‬ ‫ورح��ب اح��ده�م��ا ب��االخ��ر‪ ،‬ق��ال الزهاوي‪:‬‬ ‫"اهال ب���ش��اع��ر ال �ه �ن��د امل �ل �ه��م وحكيمها‬ ‫العظيم"‪ .‬فاجابه طاغور‪" :‬واهال ب�شاعر‬ ‫العرب الغريد وفـيل�سوفهم احلكيم"‪ .‬وبعد‬ ‫ا��س�تراح��ة وت �ن��اول طعام الفطور ا�ستقل‬ ‫املوكب القطار اىل العا�صمة‪ ،‬بغداد‪ ،‬حيث‬ ‫بد�أت املهرجانات االدبية‪ ،‬حتتفـي بطاغور‬ ‫وتكرمه وتتيح الفر�صة جلمهور احلا�ضرين‬ ‫لال�ستماع اىل ق�صائده ال��رائ�ع��ات يلقيها‬ ‫باللغة البنغالية وي�شفعها برتجمة انكليزية‬ ‫لها بقلمه‪..‬‬ ‫وع�شنا ا�سبوعا اغر فـي تاريخ االدب على‬ ‫نطاق عاملي‪ ،‬وقبله بزمان كنا قد �سمعنا‬ ‫وق��ر�أن��ا الكثري عن حياة طاغور احلافلة‪،‬‬ ‫عرفنا قبل ه��ذه ال��زي��ارة ان رابندرانات‬ ‫طاغور ولد فـي مدينة كلكوتا عام (‪)1861‬‬ ‫مل��دد ط��وال فن�ش�أ االب��ن طاغور فـي عزلة‪،‬‬ ‫ال اني�س ل��ه ��س��وى الطبيعة‪ ،‬م��ا لبثت ان‬ ‫ات�ضحت ف��اذا ب��راب�ن��دران��ات ط��اغ��ور يطل‬ ‫ع�ل��ى وط �ن��ه وع �ل��ى ال �ع��امل اج �م��ع �شاعرا‬ ‫عبقريا وفـيل�سوفا حكيما ومو�سيقارا‬ ‫موهوبا ور�ساما مبدعا ومربيا فذا حنكته‬ ‫االي� ��ام‪ .‬ن�ظ��م ال�شعر وك �ت��ب امل�سرحيات‬ ‫وو�ضع جمهرة امثال تهدف اىل التوعية‬ ‫والدعوة اىل تفهم احلياة تفهما �صحيحا‬ ‫واىل �سلوك اف�ضل ال�سبل اىل خري االن�سان‬ ‫و�سعادة املجتمع ع��ن طريق تنقية الفكر‬ ‫وال��وج��دان م��ن �شوائب امل ��ادة‪ ،‬والتحلي‬ ‫بالت�سامح والالعنف‪.‬‬ ‫وع�ن��دم��ا ح�صل ط��اغ��ور ع��ام ‪ 1913‬على‬

‫ج��ائ��زة نوبل االدب �ي��ة وك��ان ق��دره��ا قرابة‬ ‫ثمانية االف جنيه ع��ن جم�م��وع��ة �شعره‬ ‫امل�سماة (جيتاجنلي) اي (قرابني االغاين)‬ ‫طارت �شهرته �شرقا وغربا وا�صبح �شاعرا‬ ‫عامليا ترتجم ا�شعاره وم�ؤلفاته فـي العديد‬ ‫من اقطار العامل‪.‬‬ ‫ول �ط��اغ��ور اك�ث�ر م��ن �ستني ك�ت��اب��ا ن�صفها‬ ‫�شعر والن�صف االخ��ر نرث واالخ�ير اكرثه‬ ‫م�سرحيات وق�ص�ص كتبها باللغة البنغالية‬ ‫احلديثة ثم نقل بع�ضها اىل االنكليزية بقلمه‬ ‫وو�ضع بع�ضها باالنكليزية فـي اال�صل‪.‬‬

‫وف �ـ��ي اح ��د االح �ت �ف��االت ال �ت��ي اق �ي �م��ت له‬ ‫فـي نطاق زي��ارت��ه للعراق احت��ف طاغور‬ ‫م�ستمعيه بق�صيدته (ده�شمايا – او �صراع‬ ‫النف�س فـي حمنتها) باللغتني االنكليزية‬ ‫وال�ب�ن�غ��ال�ي��ة‪ .‬وك ��ان يلقيها ب���ص��وت عذب‬ ‫ممو�سق فاذا بنا ن�سمع حديثا مالئكيا هو‬ ‫ا�شبه بالغناء‪ .‬وطلب عدد من احلا�ضرين‬ ‫ان ي�سمعوا ترجمة عربية لهذه الرائعة‬ ‫الطاغورية – فكيف يت�سنى ذلك هنا اقرتح‬ ‫بع�ضهم علي ان اعد ترجمة عربية �شعرية‬ ‫لهذه الق�صيدة على ان القيها فـي احتفال‬

‫ق��ادم من االحتفاالت تكرمي ال�ضيف‪ .‬فلم‬ ‫ي�سعني اال ان اوافق متهيبا‪ .‬و�سر طاغور‬ ‫لهذه املبادرة واعطاين ن�سخة انكليزية من‬ ‫الق�صيدة وكان عنوانها (ايها الطائر)‪ .‬وهو‬ ‫يريد بهذا الطائر وطنه الهند وي�صف فـي‬ ‫معاناته معاناة لهند ذاتها فـي �سبيل التحرر‬ ‫واالنعتاق‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬وفـي االحتفال التايل الذي القى فـيه‬ ‫طاغور روائع اخرى من ا�شعاره قرات انا‬ ‫على احلا�ضرين ترجمتي ال�شعرية لق�صيدة‬ ‫(ده�شمايا) او (ايها الطائر)‪.‬‬

‫ايها الطائر‬ ‫ان يكن ليلك وافـي ما�شيا‬ ‫بانئاد فوق هامات البطاع‬ ‫م�سكنا من قد تغنى �شاديا‬ ‫برنني مطرب او بنواح‬ ‫ان يكن كل رفـيق نائيا‬ ‫عنك فـي وكنته حيث ا�سرتاح‬ ‫ودجى الليل اخاف احلاديا‬ ‫وال�سما اخفى حمياها الو�شاح‬ ‫فت�شجع ايها الطائر يا‬ ‫طائري املحبوب‪ ،‬ال تطو اجلناح ال‬ ‫***‬ ‫لي�س ما ت�سمعه االذن �صدى‬ ‫رهبة االوراق فـي الغاب الكثيف‬ ‫انه البحر تعاىل مزبدا‬ ‫مثل افعى �صوتها الداوي خميف!‬ ‫لي�س هذا يا�سمينا ما غدا‬ ‫راق�صا بل انه املوج الزحوف‬ ‫اه اين ال�ساحر املهدي يدا؟‬ ‫اين ا�ضحى ع�شك الزاهي اللطيف‬ ‫فت�شجع ايها الطائر يا‬ ‫طائري املحبوب‪ ،‬ال تطو اجلناح‬ ‫***‬ ‫وح�شة الليل احاطت بالطريق‬ ‫ال �ضياء‪ ،‬ال غناء‪ ،‬ال نبات‬ ‫وال�ضحى يرقد ريان ال�شروق‬ ‫خلف هاتيك اله�ضاب البا�سمات‬ ‫والدرازي حب�ست منها اخلفوق‬ ‫حت�سب ال�ساعات ت�سرتجي الغداة‬ ‫وخيوط البدر‪ ،‬والبدر رقيق‬ ‫�سبحت فوق الدياجي احلالكات‬ ‫فت�شجع ايها الطائر يا‬ ‫طائري املحبوب ‪ ،‬ال تطوي اجلناح‬ ‫***‬ ‫ايها ال�سابح فـي هذا الف�ضاء‬ ‫ال رجاء لك فـيه ال فزع‬ ‫ان�صت ال�سمع مليا ال نداء‬ ‫ال وال هم�س �ضعيف ي�ستمع‬ ‫لي�س من م�أوى امين او مباء‬ ‫جتد ال�صفو به‪ ،‬ال م�ضطجع‬ ‫ما لك االن �سوى تيه ال�سماء‬ ‫و�سوى خفق جناح مبتدع‬ ‫فت�شجع ايها الطائر‬ ‫ياطائري املحبوب ال تطو اجلناح‬

‫من مذكرات انور �شا�ؤول‬ ‫عام ‪1986‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪4‬‬

‫العدد (‪)2304‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )16‬ت�شرين الثاين ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2304‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )16‬ت�شرين الثاين ‪2011‬‬

‫‪5‬‬

‫ط����������اغ����������ور‪...‬‬

‫ض���ي���ف ب�����غ�����داد ال���س���ام���ي!‬ ‫ر�شيد اخليون‬

‫عبد اجلبار ال�سامرائي‬ ‫فـي الع�شرين من �أيار ‪ /‬مايو عام ‪ 1932‬زار بغداد ال�شاعر الهندي الفـيل�سوف الكبري‬ ‫(رابندرانات طاغور) (‪ )1941/1861‬بدعوة من املرحوم فـي�صل االول‪ ،‬ملك العراق‪.‬‬ ‫لقد ا�ستقبل طاغور فـي بغداد اروع ا�ستقبال من قبل ال�سيا�سيني وال�شعراء واالدباء‪،‬‬ ‫وكان فـي مقدمتهم ال�سيد حممد ال�صدر‪ ،‬وجعفر با�شا الع�سكري وحممد بهجة‬ ‫االثري‪ ،‬ومعروف الر�صافـي وجميل �صدقي الزهاوي‪ ،‬ونوري ثابت �صاحب جريدة‬ ‫(حبزبوز) وغريهم من الوجوه املعروفة انذاك‪ .‬بتاريخ ‪ 2‬من حزيران ‪ ،1932‬ن�شرت‬ ‫احدى ال�صحف العراقية هذا العنوان ‪( :‬رابندرانات طاغور – من خانقني اىل بغداد)‬ ‫نقلت االخت �سهيلة داود �سلمان جانبا منها فـي جريدة (الزمان) الطبعة البغدادية‪،‬‬ ‫العدد ‪ 2178‬فـي ‪ 3‬من �آب ‪� ،2005‬ص ‪ 13‬جاء فـيها‪:‬‬

‫زيارة الشاعر الهندي طاغور بغداد‬ ‫(ال�شاعر االكرب على احلدود‪ ،‬ال�ساعة العا�شرة والن�صف �صباحا‪،‬‬ ‫وال�شم�س و�ضاحة اجلبني‪ ،‬الغيم ي�سرتها وال غبار عندما كنا فـي‬ ‫دائ��رة ج��وازات ال�سفر على احل��دود العراقية‪ ،‬كنا ننتظر بفارغ‬ ‫ال�صرب �سيارة ال�ضيف املحبوب‪.‬‬ ‫مل يطل االنتظار حتى واف��ت ال�سيارة تتبعها اخ��رى‪ ،‬تقدمت‬ ‫نحونا ببطء واذ �صارت على مقربة منا‪ ،‬تطلعنا فاذا هي حتمل‬ ‫من اوفدنا ال�ستقباله وم ّد ر�أ�سه قليال من نافذة ال�سيارة‪ ،‬تبدو‬ ‫على حمياه امارات الب�ش املمزوج بعناء ال�سفر‪ ،‬وابت�سم ابت�سامة‬ ‫خفـيفة وهو ي�صافح �شاعرنا الكبري جميل �صدقي الزهاوي‪،‬رئي�س‬ ‫الوفد‪ :‬يرحب العراق ب�شاعر ال�شرق العظيم‪ ،‬ويحييه ويحيي فـيه‬ ‫العبقرية والنبوغ‪.‬‬ ‫ كانت تلك الكلمات القليلة اجلامعة التي خاطب بها الزهاوي‬‫�ضيف العراق‪ ،‬فكان جواب طاغور كلمات موجزة اي�ضا‪ ،‬قالها‬ ‫ال�شاعر الكبري ب�صوت خفـي�ض‪:‬‬ ‫(ان�ن��ي ل�سعيد ب�ه��ذه احل �ف��اوة‪ ،‬وف�خ��ور مب�ج��يء �شاعر العرب‬ ‫لتحيتي حتية �شاعر ل�شاعر)‪.‬‬ ‫وتقدم اىل طاغور اع�ضاء الوفد واح��دا ف��واح��د ًا‪ ،‬ي�صافحونه‬ ‫مرحبني به وبـ (كنته) و�سكرتريه‪ ،‬ثم رجوه ان يتف�ضل بالنزول‬ ‫من ال�سيارة الخذ ر�سم تذكاري على احلدود مع اع�ضاء الوفد‪،‬‬ ‫فلبى الرجاء عن طيب خاطر‪.‬‬ ‫ومما قاله طاغور‪( :‬انني ارجو ان يكون العراق حا�ضرة االمن‬ ‫وال�سالم واملحبة والوحدة) فاجابه الوفد‪( :‬ان العراق لفخور‬ ‫بوحدته‪ ،‬معتز بهذه الوحدة املقد�سة بني ابنائه على اختالف‬ ‫طبقاتهم واديانهم)‪.‬‬ ‫ترى لو عاد ال�شاعر الكبري طاغور اىل احلياة وزار العراق حاليا‪،‬‬ ‫فماذا �سيقول له العراقيون؟ وماذا �سيقول هو عن حال العراق‬ ‫والعراقيني بعد االحتالل؟!‬ ‫وتنقل لنا االخت �سهيلة عن اخر م�ساء ق�ضاه طاغور فـي بغداد‬ ‫على �ضفاف دجلة فتقول‪ ،‬ان احتفاالت عديدة اقيمت ل�ضيف‬ ‫العراق الكرمي الدكتور رابندرانات طاغور طوال االيام الع�شرة‬ ‫التي ق�ضاها فـي ب�غ��داد‪ ،‬ك��ان فـي كلها مو�ضع حفاوة واجالل‬ ‫واع� ��زاز‪ ..‬وك��ان االح�ت�ف��ال االخ�ي�ر ال��ذي اق�ي��م لل�شاعر الكبري‬ ‫م�ساء االحد املا�ضي – ومل يذكر التاريخ بالتحديد – كان اكرث‬ ‫االحتفاالت جماال – وا�شدها اثرا فـي النفو�س‪ .‬لقد كان احتفال‬ ‫الوداع‪.‬‬ ‫ففـي ق�صر ال�شابندر املطل على �شواطئ الكاورية فـي دجلة‪ ،‬اجتمع‬ ‫لفـيف من االدب��اء وال�صحفـيني‪ ،‬يحيطون بال�ضيف العزيز‪ ،‬كل‬ ‫�شيء كان �سحريا‪� ،‬شعريا‪ ،‬الطبيعة هادئة‪ ،‬الن�سيم عليل‪ ،‬االزهار‬ ‫يفوح �شذاها‪ ،‬النهر يجري رقراقا‪ ،‬واملغنية العراقية ال�شهرية‬ ‫ال�ست جليلة تطرب فـي هذا االجتماع ال�شاعر العاملي الذي رغب‬

‫فـي ا�ستماع مو�سيقانا وغنائنا باعذب االغاين العراقية ال�شجية‪،‬‬ ‫م�صحوبة بانغام جوقها املبدع‪.‬‬ ‫وفـي ام�سية الوداع‪ ،‬انربى ال�صحفـي واالديب العراقي ابراهيم‬ ‫حلمي العمر‪ ،‬فارجتل كلمة وداعية كلها رقة وبالغة‪ ،‬وقد اجابه‬ ‫املحتفى ب��ه كلمة ارق واب�ل��غ ث��م دع��ا �صاحب جملة (احلا�صد)‬ ‫(وهو انور �شا�ؤول) ليلقي كلمة با�سم ال�صحفـيني‪ ،‬فارجتل كلمة‬ ‫منا�سبة جاء فـيها‪:‬‬ ‫(‪ ..‬ازه��ار �شاعرية طاغور كانت تنع�ش القريب والبعيد‪ ،‬ونهر‬ ‫حكمه الفـيا�ض ك��ان وم ��ازال ي�سقي ع��امل��ا ب��ا��س��ره‪ .‬ان طاغور‬ ‫كال�شم�س ك��ان وم ��ازال يبعث باال�شعة اىل مرتفعات اجلبال‬ ‫واعماق االودية ا�شرقا كان ام غربا‪ ،‬جنوبا ام �شماال)‪.‬‬ ‫�شكر طاغور ال�صحافة العراقية والعراقيني كافة‪ ،‬ثم القى نظرة‬ ‫على دجلة‪ ،‬وتن�شق ه��واء العراق م��لء رنتيه‪ ،‬وتطلع اىل عقد‬ ‫امل�صابيح الكهربائية اخلافقة فـي تلك ال�ساعة التذكارية اجلميلة‬ ‫– حيث كانت الكهرباء ال تنقطع فـي بغداد – وقال ال�شاعر‬ ‫الكبري معروف الر�صافـي معلقا‪( :‬ان هذا اخلفوق وهذه املناظر‬ ‫الطبيعية اخلالبة الف�صح منا ل�سانا‪ ،‬واقدر على التعبري عما فـي‬ ‫ال�صدر فـي مثل هذه املواقف)‪.‬‬ ‫لقد ودع طاغور بغداد الوداع االخري‪ ،‬بغداد ان حقق امنيته فـي‬ ‫زيارتها والتمتع بجمالها وبجمال دجلتها واللقاء مع نخبة من‬ ‫ادبائها وباهلها الطيبيني الذين ما عرفوا للطائفـية واملذهبية‬ ‫معنى‪ ،‬وال عرفوا للتفجريات واملفخات معنى‪ ،‬ومل ين�س طاغور‬ ‫ان يخلد ذك ��راه فـي ب�غ��داد بنظم اغنية بعنوان (ي��ا بلبل غن‬ ‫اجلريانا) غنتها له املطربة زكية جورج فـي عام ‪.1932‬‬ ‫يا بلبل غن اجلريانا‬ ‫غن وتفنن احلانا‬ ‫فـينتهم �سرقت قلبي‬ ‫وليبق لديها جذالنا‬ ‫وحلقل ابيها من حقلي‬ ‫تتطاير ا�سراب النحل‬ ‫فع�شقت النحلة من حبي‬ ‫ووجدت فري�ستها عقلي‬ ‫ازهار حديقتها ت�شري‬ ‫فـي ال�سوق ومتلأها ب�شرا‬ ‫لو كنت غنيا ذا ك�سب‬ ‫ل�شربت الباعة والزهرا‬ ‫ هكذا كانت كلمات االغ��اين‪ ،‬وهكذا كانت اال�صوات اال�صيلة‬‫ت�صدح باالحلان والكلمات الرقيقة املعربة‪ ،‬اما اليوم‪ ،‬فقد بد�أنا‬ ‫ن�سمع اغنية من قبيل ‪( :‬ميه كر�صتني عكربه)!‬ ‫او (التلدغة احلية يخاف من جرة احلبل) اىل �آخر الهذيان!‪.‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫تقدم اىل طاغور اع�ضاء الوفد واحدا فواحداً‪،‬‬ ‫ي�صافحونه مرحبني به وبـ (كنته) و�سكرتريه‪ ،‬ثم‬ ‫رجوه ان يتف�ضل بالنزول من ال�سيارة الخذ ر�سم‬ ‫تذكاري على احلدود مع اع�ضاء الوفد‪ ،‬فلبى الرجاء‬ ‫عن طيب خاطر‪.‬‬

‫اح�ت�ف��ل ق�ب��ل اي ��ام ب��ال��ذك��رى اخلم�سني بعد‬ ‫املائة مليالد عظيم الهند رابندرانات طاغور‬ ‫"ت ‪ )1941‬وحلاجة �شديدة مبا �آل��ت اليه‬ ‫اح���وال ب �غ��داد م��ن � �س��وء ف�ـ��ي ال�ث�ق��اف��ة على‬ ‫امل�ستوى الر�سمي ان مينع مهرجان مو�سيقى‬ ‫ببابل مثال‪ ،‬وجدت من ال�ضرورة‪ .‬ولو عرب‬ ‫مقال‪ ،‬ا�ستعادة ذكرى زيارته بغداد التا�سعة‬ ‫وال�سبعني ب�غ��داد ال�ت��ي يحل االن �ضيوف‬ ‫دائمون على �شا�شتها الر�سمية وهم يقدمون‬ ‫ال���ش�ع��وذة ع�ل��ى ط�ب��ق ال��دي��ن‪ ،‬ودع��ون��ا من‬ ‫عناوين مغالطة م��ن مثل م�ؤ�س�سة االعالم‬ ‫امل�ستقلة‪ .‬ا�ستمع ل�برن��ام��ج �شاعر �سوري‬ ‫الدائم دميومة ال�شيخ االخ��واين فـي القناة‬ ‫التي ت�أ�س�ست من اجل امثاله االخوان يظهر‬ ‫متمنطق ًا مع حركات ا�ستعرا�ضية وحا�شيا‬ ‫عقول العراقيني مبادة بائ�سة غار�سة اجلهل‬ ‫على انه ثقافة وعلم �آل البيت م�ستخدما تلك‬ ‫اال�سماء ب�ضاعة اتذكر به م�شايخ الدعاية‬ ‫املذهبية والدينية عرب ال�شا�شات الهابطة!‪.‬‬ ‫ك��ل امتياز ه��ذا ال��رج��ل ان��ه تفريق �شهادات‬ ‫ال ��دك� �ت ��وراه‪ .‬وف �ـ��ي ك��ل �آن ي�ع�ق��د جمل�سا‬ ‫لتوزيع ال��دك�ت��وراه الفخرية واال�صلية من‬ ‫جامعته "االبداع" ويعلم الله كم من حامل‬ ‫لها فـي اروق ��ة ال�برمل��ان وال��دول��ة! وال�سعر‬ ‫خم�سة االف دوالر ما كنت ا�صدق ل��وال ان‬ ‫ورق��ة بخطه قدمها يل اح��د الراغبني بهذه‬ ‫الدكتوراه‪ .‬تقول له بخط املاجك‪ :‬ت�ستحق‬ ‫الدكتوراه على ما كتبته وان احد النزهاء من‬ ‫اهل النجف‪ ،‬قال يل‪ :‬رف�ضت عر�ضه دكتوراه‬ ‫بخم�سة االف دوالر‪.‬‬ ‫قبل ت�سعة و�سبعني عاما كان �ضيوف بغداد‬ ‫م��ن م�شاهري ال���ش��رق‪ ،‬اث�ن��ان كانا يخطوان‬ ‫نحو ال�شهرة ام كلثوم (ت ‪ )1975‬بعدها‬ ‫عرفت بكوكب ال�شرق وحممد عبد الوهاب‬ ‫(ت ‪ )1991‬ام��ا ال�ث��ال��ث ف�ه��و ��ش��اع��ر الهند‬ ‫وفـيل�سوفها‪ ،‬ولي�س ا�شهر من حيازة جائزة‬ ‫ن��وب��ل ��ش��رف�ت��ه وت �� �ش��رف��ت ب��ه ع ��ام ‪،1913‬‬ ‫ولي�س ا�شهر من و�سام الفار�س منحه له ملك‬ ‫بريطانيا العظمى ‪.1915‬‬ ‫ا�ستقبلت ام ك�ل�ث��وم بق�صائد �شخ�صيات‬ ‫ال�ع��راق‪� :‬شعراء وادب��اء فقهاء من معتمري‬ ‫العمائم كانت العمائم من نوع �آخر ي�ستظل‬ ‫بها من الهاجرة‪ .‬وال يخ�شى منها على الدنيا‬ ‫وال��دي��ن ال ت��ؤم��ن بال�سالح ال�ن��ووي ولي�س‬ ‫حتتها �سوى اخل�ير‪ :‬حممد ج��واد ال�شبيبي‬ ‫(ت ‪ ،)1944‬وجنله حممد باقر ال�شبيبي (ت‬ ‫‪ ،)1960‬وحممد بهجة االث��ري (ت ‪)1996‬‬ ‫وابراهيم ادهم الزهاوي (ت ‪.)1962‬‬ ‫غنى حممد عبد ال��وه��اب‪ ،‬ام��ام امللك فـي�صل‬ ‫االول الحمد �شوقي (ت ‪ )1932‬وك��ان ماء‬ ‫العراق عنوانا للق�صيدة ومو�ضوعا ومنها‬ ‫"يا �شراعا وراء دجلة يجري‪ ..‬فـي دموعي‬ ‫جتنبتك ال �ع��وادي‪� .‬سر على امل��اء كامل�سيح‬ ‫رويدا‪ ..‬واجر فـي اليم كال�شعاع الهاديء �إال‬ ‫انه من �سوء حظ العراق ان يهوي ال�شراع‬ ‫مبكرا‪ ،‬ومل يدم م�شرعا �سوى خفقة من الزمن‬ ‫(‪ )1932 – 1921‬هي �سنوات البداية من‬ ‫الال�شيء لي�أت مثل ال�شاعر املتفقة بال�شعوذة‬ ‫واحليلة لي�ضحك على العقل العراقي‪.‬‬ ‫كتب االديب واملحامي العراقي انور �شا�ؤول‬ ‫(ت ‪ ،)1984‬وه��و اح��د املكلفـني اىل جانب‬ ‫جميل �صدقي الزهاوي (ت ‪ )1931‬با�ستقبال‬

‫ال�ضيف بخانقني ‪" :‬مازلت اتذكره كيف طلع‬ ‫علينا بقامته املديدة‪ ،‬وج�سمه املمتلئ يلفه‬ ‫جلباب قمحي اللون ف�ضفا�ض‪ ،‬ت�سرت�سل على‬ ‫�صدره حلية بي�ضاء عري�ضة‪ ،‬وهو ماد الينا‬ ‫يديه‪ ،‬يتطلع بعينني �شهالوين وا�سعتني ي�شع‬ ‫منهما بريق �ساحر كيف ان�سى تلك ال�صورة‬ ‫املالئكية ل�شاعر الهند الكبري وفـيل�سوفها‬ ‫احلكيم رابندرانات طاغور" (ق�صة حياتي‬ ‫فـي وادي الرافدين)‪.‬‬ ‫كان ذلك فـي اواخر ني�سان ‪ ،1932‬ال قر وال‬ ‫حر فـي ربوع العراق رحب الزهاوي بطاغور‬ ‫ق��ائ�لا‪" :‬اهال ب�شاعر الهند امللهم وحكيمها‬ ‫العظيم"‪ .‬فرد ال�ضيف‪" :‬واهال ب�شاعر العرب‬ ‫الغريد وفـيل�سوفهم احلكيم"‪ .‬مل تكن امل�شاعر‬ ‫حينها مت�صلبة فلو قب�ض لطاغور ان يقولها‬ ‫ال�ي��وم لف�سدت ال��زي��ارة‪ .‬ك��ان ال��زه��اوي من‬ ‫دوحة كردية فكيف يخاطب‪ :‬ب�شاعر العرب!‬ ‫كذلك البد ان يت�ألف الوفد امل�ستقبل ح�سب‬ ‫املحا�ص�صة ورمبا اختري له رئي�سان ولأحتار‬

‫طاغور مبن يبد�أ العناق‪.‬‬ ‫اعدت بغداد لطاغور ا�سبوعا حافال من اما�سي‬ ‫�شعرية ولقاءات ادبية‪ ،‬وا�ستقبله امللك مرتني‬ ‫مع �صاحب العمامة ال�سوداء املهيبة حممد‬ ‫ال�صدر (ت ‪ ،)1956‬ووجهاء العراق االكابر‬ ‫القى طاغور ق�صيدته "ده�شمايا" (�صراع‬ ‫النف�س فـي حمنتها) باالنكليزية والبنغالية‪،‬‬ ‫اع �ج��ب احل �� �ض��ور ب��ال �ق��ائ��ه‪ .‬م�ث�ل�م��ا يعجب‬ ‫ال�سامعون بق�صائد اجلواهري (ت ‪)1997‬‬ ‫ب�صوته وهبته فرمبا ينفرك االلقاء من معلقة‬ ‫املعلقات‪ ،‬املفرو�ض ان يتحلى ال�شاعر بجودة‬ ‫القاء‪ ،‬مع انه ال ي�سمن ال�شعر الهزيل‪.‬‬ ‫طلب اجلمهور �سماع الق�صيدة بالعربية‪،‬‬ ‫فقام بهذه املهمة �شا�ؤول وجعلها بفنه مقفاة‪،‬‬ ‫فـيومها مل يظهر ال�شعر احلديث بعد ومنها‪:‬‬ ‫"لي�س ما ت�سمعه االذن �صدى‪ ..‬رهبة االوراق‬ ‫فـي الغاب الكثيف" (ق�صة حياتي)‪.‬‬ ‫ك�ثر ال �ك�لام ع��ن اغ�ن�ي��ة ل�ه��ا �شعبية وا�سعة‬ ‫ب �ب �غ��داد "يا ب�ل�ب��ل غ�ن��ي اجلريانا"‪ .‬حيث‬

‫�صار موثقا على انها من كلمات طاغور وان‬ ‫الزهاوي مرتجمها ‪ ،‬حلنها امللحن العراقي‬ ‫�صالح داوود الكويتي (ت ‪ ،)1979‬وغنتها‬ ‫زكية ج��ورج (ت ‪ ، )1966‬ارى انها لي�ست‬ ‫من مزاج طاغور وال الزهاوي‪ ،‬لكنها غنيت‬ ‫فـي حفل م��ن حفالت اال�ستقبال‪ ،‬وم��ا اكرث‬ ‫الن�صو�ص اليتيمة م��ن ا�سم �صاحبها وما‬ ‫يحز فـي النف�س‪ ،‬ان �صاحب ال�صوت ال�شجي‬ ‫ح�سني ال�سعدي اع��اد غناءها‪ ،‬فـي اوا�سط‬ ‫ال�ستينيات‪ ،‬لكن ال�ف�ترة القومية ان��ذاك مل‬ ‫ت�سمح باعالن ا�سم ملحنها كونه من يهود‬ ‫العراق مع ان هذا الرجل وابناء قومه كانوا‬ ‫وراء النه�ضة الفنية بالعراق‪ ،‬وم��ا اعجب‬ ‫اجل �م �ه��ور امل �� �ص��ري وك �ب��ار ف�ن��ان�ي��ه باملقام‬ ‫العراقي �إال بف�ضلهم ‪ ،‬لكن االغنية احتفظت‬ ‫با�سم م�ؤلفها اخلط�أ‪ ،‬على اغلب الظن‪.‬‬ ‫كانت االغنية دليال اخ��ر‪ ،‬اىل جانب زيارة‬ ‫طاغور على الذوق الرفـيع ال�ساري فـي روح‬ ‫بغداد‪ ،‬فكلماتها �سجلتها من �صوت مغنيتها‬

‫االوىل‪" :‬يا بلبل غن اجل�يران��ا‪ ..‬غن وتفنن‬ ‫احلانا‪ ..‬فبنيتهم �سرقت قلبي‪ ..‬وليبقى لديها‬ ‫ج��ذالن��ا‪ ..‬وحلقل ابيها من حقلي‪ ..‬تتطاير‬ ‫ا�سراب النحل‪ ..‬فع�شقت النحلة من حبي‪..‬‬ ‫ووج��دت فري�ستها عقلي‪ ..‬ازه��ار حديقتها‬ ‫ت�شرى‪ ..‬فـي ال�سوق متل�ؤها ن�شر ًا‪ ..‬لو كنت‬ ‫غني ًا ذا ك�سب ل�شربت الباعة والزهرا‪."..‬‬ ‫�إن عظمة ط��اغ��ور لي�ست فـي �شعره وادبه‬ ‫فح�سب‪ ،‬امن��ا ك��ان ن��اب��ذا للتع�صب مب�شرا‬ ‫مبحبة االن�سانية‪ ،‬تخلى عن و�سام الفار�س‬ ‫الربيطاين عندما تعر�ض �شعبه الهندي اىل‬ ‫جمزرة قتل فـيها ‪ 400‬ان�سان كان اليدري من‬ ‫اي قوم هم ومن اية ديانة‪ ،‬فاين �ضيف بغداد‬ ‫طاغور من �ضيوف �شا�شتها الر�سمية اليوم؟‬ ‫وك�أن الت�سع وال�سبعني �سارت بنا اىل الوراء‬ ‫كل �سنة منها تعادل قرنا من الزمان‪.‬‬

‫عن جريدة االحتاد االمارتية‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪6‬‬

‫العدد (‪)2304‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )16‬ت�شرين الثاين ‪2011‬‬

‫طــاغـور ‪ . .‬شاعر الهند الملهم‬ ‫حممد �سعيد الطريحي‬ ‫�شاعر الهند الكبري (راب �ن��دران��ات طاغور)‬ ‫�أب�صر النور يف مدينة كلكتا عام ‪ 1861‬يف‬ ‫بيت ار�ستقراطي لأ��س��رة تنحدر من زعماء‬ ‫الطائفة ال�براه�م�ي��ة‪ ،‬وه��ذا م��ا جعل نزعته‬ ‫الدينية ب��ارزة يف حياته و�شعره على �أكرث‬ ‫م��ن �صعيد‪ ،‬فقد �أخ��ذ ع��ن الرباهمة احرتام‬ ‫الطبيعة وتبجيلها باعتبارها �أح��د املظاهر‬ ‫املقد�سة لآلهتهم‪ ،‬ولكنه جت��اوز تلك النظرة‬ ‫ال�ضيقة للمذهب الديني‪ ،‬وانطلق نحو �آفاق‬ ‫�إن�سانية تتخطى ك��ل احل��واج��ز اجلغرافية‬ ‫والعرقية واجلن�سية‪ ،‬وبذلك �سبق الفيل�سوف‬ ‫الربيطاين (برتراند ر�سل) زمنيا يف دعوته‬ ‫�إىل عاملية احل�ضارة الب�شرية‪ ،‬بل الفرق بني‬ ‫الدعوتني‪� ،‬إن دع��وة (برتراند ر�سل) قائمة‬ ‫على ق��رارات وخمططات ناجتة عن درا�سة‬ ‫ال�شروط ال�سيا�سية للمرحلة الراهنة‪ ،‬بينما‬ ‫دعوة طاغور قائمة على رغبة فردية‪ ،‬مبنية‬

‫العدد (‪)2304‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )16‬ت�شرين الثاين ‪2011‬‬

‫ع�ل��ى امل�ح�ب��ة واحل ��ق وال �� �س�لام والت�ضحية‬ ‫والت�سامح‪.‬‬ ‫ورغم الظروف الهانئة التي تهي�أت لطاغور‬ ‫م��ن الناحية االجتماعية وامل��ادي��ة مل يع�ش‬ ‫حياة مل�ؤها ال�سعادة واحل �ب��ور‪ ،‬فقد فجع‬ ‫بفقدان الأحبة منذ �صغره‪ ،‬ففقد والدته وهو‬ ‫يف ال�سابعة من عمره‪ ،‬ثم فجع مبوت زوجته‪،‬‬ ‫ثم ابنته الكربى‪ ،‬فوالده‪ ،‬حتى و�صل املوت‬ ‫�إىل ابنه الأ�صغر‪ .‬وهذا ما ترك �أثرا بالغا يف‬ ‫نف�س ال�شاعر احل�سا�س‪ ،‬و�أ�ضفى م�سحة من‬ ‫احلزن على �شعره‪ ،‬ولكنه مل يكن حزنا �سلبيا‪،‬‬ ‫فالفواجع التي تعر�ض لها جعلته �أكرث �صربا‬ ‫وحكمة‪ ،‬كما مل جتعله يفقد ثقته بعدالة من‬ ‫يف ال�سماء‪.‬‬ ‫ال�سفر خارج الهند‬ ‫ك��ان��ت �أول رح�ل��ة ل �ـ (ط��اغ��ور) خ ��ارج الهند‬ ‫وه��و يف ال�سابعة ع�شرة �إىل اجن�ل�ترا عام‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫‪ ،1878‬ثم تعددت رحالته فطاف الكثري من‬ ‫ال ��دول الأوروب� �ي ��ة‪ ،‬وتنقل ب�ين ال�ع��دي��د من‬ ‫الدول الآ�سيوية‪ ،‬كما زار القارتني الأمريكية‬ ‫والأفريقية‪ ،‬ومن الدول العربية زار العراق‪،‬‬ ‫وكان من م�ستقبليه �آنذاك ال�شاعران (جميل‬ ‫�صدقي الزهاوي‪ -‬معروف الر�صايف) ويف‬ ‫م�صر ا�ستقبله ال���ش��اع��ران (�أح �م��د �شوقي‪-‬‬ ‫حافظ �إبراهيم) ومم��ا قاله (ط��ه ح�سني) يف‬ ‫(طاغور) �آن��ذاك‪�( :‬إمن��ا ال��ذي ميلأ نف�سك يف‬ ‫ح�ضرة طاغور هو جتلي فكرته الروحية يف‬ ‫كل �شيء يف كيانه املادي)‪.‬‬ ‫ولكن الأث��ر الكبري يف فكر طاغور تكون من‬ ‫خالل زياراته املتكررة لأوروبا‪ ،‬وقد كتب عن‬ ‫تلك املرحلة ثالثة كتب هي‪( :‬خطابات �سائح‬ ‫يف �أوروب� ��ا) و(ي��وم�ي��ات ح��اج يف �أوروب ��ا)‬ ‫و(ر�سائل من رو�سيا) وهي من �أهم كتب �أدب‬ ‫الرحالت يف العامل‪.‬‬

‫درا�سة ومدار�س‬ ‫مل ي�ط��ق (ط��اغ��ور) ال��درا� �س��ة �ضمن مناهج‬ ‫مقررة ق�سرا منذ �صغره‪ ،‬لذلك ترك املدر�سة‬ ‫ب��اك��را‪ ،‬فا�ستقدم وال��ده املدر�سني �إىل بيته‬ ‫لتعليم ولده ذي الطباع الغريبة‪ ،‬ثم �أر�سله �إىل‬ ‫اجنلرتا لدرا�سة القانون‪ ،‬ولكن نفور طاغور‬ ‫من �صرامة التعليم مل يتبدل‪ ،‬فرتك اجلامعة‬ ‫�أي�ضا‪ ،‬و�أخ��ذ يتعلم اللغة االنكليزية‪ ،‬وهذا‬ ‫ما م ّكنه من االطالع على الآداب الأوروبية‪،‬‬ ‫والأث ��ر الأك�ب�ر ك��ان لأدب ��اء االنكليزية التي‬ ‫�أت�ق�ن�ه��ا‪ ،‬ف�ق��د ك��ان معجبا ب�ـ(��ش�ي�ل��ي) وهذا‬ ‫م��ا حل�ظ��ه ع��ام��ة الأدب � ��اء يف دي��وان��ه الأول‬ ‫(�أنا�شيد امل�ساء) ال�صادر عام ‪ ،1884‬فلقبوه‬ ‫ب(�شيلي الهند) تقديرا و�إعجابا‪ .‬كما �شغف‬ ‫بـ(�شك�سبري) الذي قال عنه يف �إحدى ق�صائده‬ ‫(�أثمن كنز يعتز به قلب اجنلرتا)‪.‬‬ ‫ومل يكتب (طاغور) باللغة االنكليزية حتى‬ ‫بلغ اخلم�سني من العمر‪ ،‬ومل يكتف بكتابة‬ ‫ال�شعر بغري لغته الأم‪ ،‬وهذا ما حقق له �شهرة‬ ‫م�ضاعفة فقد انت�شرت دواوينه وذاع �صيته‪.‬‬ ‫لهذا مل يكن غريبا �أن ينال جائزة نوبل للآداب‬ ‫عام ‪ ،1912‬وكان بذلك �أول كاتب هندي‪ -‬بل‬ ‫و�آ��س�ي��وي‪ -‬ينال ه��ذه اجل��ائ��زة الكبرية‪ .‬ثم‬ ‫�سرعان ما �أخ��ذت �أعماله ترتجم �إىل �سائر‬ ‫اللغات‪ .‬ف ��إىل الفرن�سية نقل بع�ض �أعماله‬ ‫الأديب الفرن�سي املعروف (اندره جيد) الذي‬ ‫قال عنه (ال �أظنني عرفت يف الآداب العاملية‬ ‫نربة �أ�سمى و�أجمل من نربة طاغور‪� .‬إن ما‬ ‫يعجبني فيه وميل�ؤين دموعا وابت�ساما‪ ،‬تلك‬ ‫احليوية اخل�صبة التي يفي�ض بها �شعره)‪.‬‬ ‫ويف مطلع ع�شرينيات القرن املا�ضي‪ ،‬بد�أت‬ ‫تظهر الرتجمات لبع�ض كتب (طاغور)‪ ،‬ولكن‬ ‫مل تن�شر �أعماله كاملة حتى الآن‪.‬‬ ‫واحتفت اجنلرتا بـ (ط��اغ��ور) للعالقة التي‬ ‫تربطها ببلده �آن ��ذاك‪ ،‬فقد كانت الهند �أحد‬ ‫م�ستعمراتها‪ ،‬فمنح لقب ‪ sir‬ع��ام ‪،1914‬‬ ‫ول �ك �ن��ه ت �ن��ازل ع��ن ه ��ذا ال �ل �ق��ب ب �ع��د خم�س‬ ‫�سنوات احتجاجا على �أح��د امل �ج��ازر التي‬ ‫نفذها اجلي�ش الربيطاين يف �إقليم البنجاب‪،‬‬ ‫فلم يكن (طاغور) بعيدا عن ال�سيا�سة‪ ،‬و�إن مل‬ ‫ينخرط فيها ويكر�س لها حياته‪.‬‬ ‫يف الأدب البنغايل‬ ‫عقب عودته �إىل الهند بعد رحلته الأوىل بد�أ‬ ‫(طاغور) بكتابة ال�شعر وكان دون الع�شرين‬ ‫م��ن ال�ع�م��ر‪ ،‬ف ��أح��دث حت��وال مهما يف �آداب‬ ‫اللغة البنغالية التي يكتب فيها‪ ،‬فقد �أدخل‬ ‫جت��دي��دا يف ال���ش�ع��ر ال�ب�ن�غ��ايل ع�ل��ى �صعيد‬ ‫الوزن والقافية‪ ،‬فكتب ق�صائد تعتمد �إيقاعا‬ ‫مو�سيقيا متحررا �إىل ح��د كبري م��ن تقاليد‬ ‫النظم التقليدية‪.‬‬ ‫ومل تقت�صر �إ�سهاماته يف �إثراء الأدب الهندي‬ ‫على ال�شعر‪ ،‬فقد كتب يف جم��ال‪( :‬الأغاين‪-‬‬ ‫امل�سرح‪ -‬الق�صة الق�صرية‪ -‬ال��رواي��ة) ومن‬ ‫�أ�شهر رواياته (البيت والعامل) التي كتبها عام‬ ‫‪ ،1916‬و�أر�سى بها فن الرواية االجتماعية‬ ‫يف الأدب البنغايل‪� .‬إ�ضافة �إىل كتاباته يف‬ ‫جماالت‪ :‬النقد‪ ،‬واللغة‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬ور�سائله‬ ‫لأ��ص��دق��ائ��ه ال�ت��ي ت ��أخ��ذ قيمتها الأدب �ي��ة من‬ ‫عنايته ب�أ�سلوبه ولأهمية الأفكار املبثوثة بني‬ ‫�سطورها‪ .‬كما كتب يف الفل�سفة �أي�ضا‪ ،‬ونفى‬ ‫�أن يكون فيل�سوفا لأنه ال يعتمد منطقا فكريا‬ ‫جم��ردا‪ ،‬بل ينهل من جتربته ال�شخ�صية يف‬ ‫عامل اجلمال‪ ،‬لهذا و�صف نف�سه ب�أنه �شاعر‬ ‫لي�س بعيد ًا ع��ن الفل�سفة‪ ،‬ولي�س فيل�سوفا‬ ‫يكتب ال�شعر‪.‬‬ ‫ومن �أهم �آراء (طاغور) يف الفل�سفة الأوروبية‪:‬‬ ‫�إنها ن�ش�أت يف املدن‪ ،‬بعك�س الفل�سفة الهندية‬ ‫التي ن�ش�أت يف رح��اب الطبيعة‪ ،‬لهذا تتميز‬ ‫الفل�سفة الهندية بان�سجامها م��ع الطبيعة‪،‬‬ ‫ب�ع�ك����س ال�ف�ل���س�ف��ة الأوروب � �ي� ��ة ال �ت��ي تريد‬ ‫ال�سيطرة عليها وت�سخريها مل�صلحة الب�شر‪،‬‬ ‫لهذا تطغى النزعة املادية على روح الإن�سان‬ ‫الأوروبي فتحول الب�شر �إىل �آالت جمردة من‬ ‫احل�س اجلمايل‪ .‬كما حذر من القوة املفرطة‬ ‫التي يلج�أ �إليها الأوروب�ي��ون �ضد ال�شعوب‬ ‫الأخرى‪ ،‬وهو يرى �أن االنت�صار يكون للحق‬ ‫ولي�س للقوة‪ ،‬فالقوة ال ت�أخذ م�شروعيتها يف‬

‫حال غياب العدالة‪.‬‬ ‫وك��ان��ت فل�سفة (ط��اغ��ور) يف احل�ي��اة بعيدة‬ ‫ن�سبيا عن الفل�سفة الأوروبية و�أكرث قربا من‬ ‫الفل�سفات ال�شرقية‪ ،‬مثل الفل�سفات ال�صينية‬ ‫واليابانية‪ ،‬وذلك رغم �إعجابه الكبري بالآداب‬ ‫الأوروبية‪ ،‬ولكن هذا الإعجاب مل مينعه من‬ ‫االنتقاد ال�صارم �أحيانا‪ ،‬فقد هاجم درا�سة‬ ‫الأدب من زاوية التحليل النف�سي �أو تف�سريه‬ ‫بناء عليه‪ ،‬لأن هذا ينحرف بالأدب عن م�ساره‬ ‫الطبيعي‪ ،‬وي�سقط عنه جمالياته املحببة �إىل‬ ‫النف�س‪.‬‬ ‫فنان ت�شكيلي‬ ‫ومن اجلدير بالذكر �أن (طاغور) كان �شديد‬ ‫العناية بكتاباته حتى بعد ن�شرها‪ ،‬فقد كان‬ ‫ي �ع��دل وي �ب��دل يف ق���ص��ائ��د ح�ت��ى يف �شعره‬ ‫املطبوع‪ ،‬فهو يرى �أن من حق الكاتب الإ�ضافة‬ ‫واحلذف مادام ذلك يف �صالح ال�شاعر وال�شعر‬ ‫وقارئه‪.‬‬ ‫ويف ع�م��ر م�ت��أخ��ر جل���أ �إىل �أ� �س �ل��وب جديد‬ ‫يف التعبري‪ ،‬فقد ب��د�أ ير�سم بعدما جتاوز‬ ‫ال�سبعني‪ ،‬وف�سر اختياره للري�شة �إ�ضافة �إىل‬ ‫القلم بقوله‪� :‬إن لوحاتي هي �شعري منظوما‬ ‫يف خطوط‪ .‬لين�شر �أ�سلوبا جديدا يف التعليم‬ ‫يخالف الأ�ساليب التي نفر منها مذ طفولته‪،‬‬ ‫�أن �� �ش ��أ يف كلكتا م��در��س��ة ل�ل�أط �ف��ال ا�سماها‬ ‫(�شانتي نكتال) (دار ال�سالم) ‪ ،1901‬وكانت‬ ‫ال ��درو� ��س ت�ل�ق��ى يف رح ��اب الطبيعة حتت‬ ‫ظ�لال الأ�شجار ال��وارف��ة‪ ،‬ويف تلك املدر�سة‬ ‫النموذجية ت��در���س الأدي� ��ان م��ع املو�سيقى‬ ‫والآداب‪� ،‬إ�ضافة �إىل الرق�ص‪ ،‬وكان التعليم‬ ‫ال يغفل التعاليم الروحية �إىل جانب درا�سة‬ ‫املاديات‪ .‬وهنا يلتقي (طاغور) مع (رو�سو)‬ ‫يف ت��رك ال�ط�ف��ل يتعلم دون ال�ضغط عليه‬ ‫وق�سره على احلفظ دون طاقته‪ ،‬ولكنه مل يقل‬ ‫برتك الأطفال دون معلم‪ .‬وكان يرى �أنه يجب‬ ‫تعليم الأطفال باللغة الأم فقط‪ ،‬دون �أن يعني‬ ‫ه��ذا رف�ض االط�لاع على الثقافات الأجنبية‬ ‫ب�ع��د �أن ي�شب ال�ط�ف��ل وت�ت�ك��ون �شخ�صيته‬ ‫امل�ستقلة‪ ،‬كما �أك��د على ��ض��رورة العمل �إىل‬ ‫جانب الت�أمل‪.‬‬ ‫ثم تو�سعت تلك املدر�سة حتى �صارت جامعة‬ ‫ع��امل�ي��ة ي�ح��ا��ض��ر ف�ي�ه��ا ن�خ�ب��ة م��ن املدر�سني‬ ‫من كافة �أن�ح��اء ال�ع��امل‪ ،‬وي��در���س فيها طالب‬ ‫وط��ال �ب��ات م��ن خمتلف اجل�ن���س�ي��ات‪ ،‬وبذلك‬ ‫�أ�صبحت مركزا دوليا للتعارف والتعاون بني‬ ‫ال�شرق والغرب مازال قائما حتى الآن‪.‬‬ ‫رحيل املعلم الأكرب‬ ‫غادرت روح طاغور ج�سده عام ‪ ،1941‬وقال‬ ‫الزعيم الهندي الكبري (غاندي) يف ذلك (مل‬ ‫حتلق يف الف�ضاء و�إمنا عادت من حيث �أتت‬ ‫�إىل عاملها الأعظم) كما لقبه �أي�ضا بـ(كروديف)‬ ‫�أي (املعلم الأكرب) وكان يرى فيه (منارة الهند‬ ‫الدائمة)‪.‬‬ ‫و�أحرقت جثة (طاغور) وبقي تراثه الأدبي‬ ‫الكبري يف م��ا ي�ق��ارب �أل��ف ق�صيدة باللغتني‬ ‫البنغالية واالجنليزية‪ ،‬و�ألفي �أغنية‪ ،‬وثالثة‬ ‫�آالف ل��وح��ة‪ ،‬وم �ئ��ات الق�ص�ص الق�صرية‪،‬‬ ‫وال��ط��وي��ل��ة‪ ،‬وامل�����س��رح��ي��ات‪ ،‬وامل� �ق���االت‪،‬‬ ‫واملحا�ضرات‪ ،‬والر�سائل‪.‬‬ ‫[من ق�صيدة احلياة لطاغور]‬ ‫ال �أريد �أن �أموت يف هذا العامل اجلميل‬ ‫�أريد �أن �أحيا مع الب�شر‬ ‫يف �ضوء ال�شم�س‬ ‫يف هذه احلديقة املزهرة‬ ‫و�سط القلوب احلية‬ ‫دعني �أجد مكانا‬ ‫على هذه الأر�ض تفي�ض احلياة دوما‬ ‫كم فيها من فراق ولقاء‪ ،‬و�ضحك وبكاء‬ ‫دعني �أبني بيتا عامرا‬ ‫طاغور �شاعر الهند امللهم‬ ‫ت�أليف‪ :‬جمموعة من الباحثني‬ ‫اخ��ت��ي��ار وت��ع��ري��ب‪ :‬دائ���رة امل��ع��ارف‬ ‫الهندية‬ ‫�إ�شراف‪ :‬حممد �سعيد الطريحي‬ ‫النا�شر‪ :‬دار نينوى بدم�شق‪� -‬أكادميية‬ ‫الكوفة يف هولندا ‪2010‬‬

‫‪7‬‬

‫الهندي البسيط الذي أدهش العالم‬ ‫الدكتور عبـد القـادر ح�سني‬

‫احتفـلت الـهـنـد ب��ال��ذك��رى املئة واخلم�سني‬ ‫لـمـيـالد رابندرانات طاغور ‪ ،‬كـ “�أعظم كاتب‬ ‫يف الأدب الهندي احلديث” لكونه “جمع بني‬ ‫فنون ال�شعر وال��رواي��ة والفل�سفة وامل�سرح‬ ‫واملو�سيقى” و�ساهم يف و�ضع الكثري من‬ ‫�أ�س�س الرتبية الروحية التي “�أده�شت النا�س‬ ‫و�أ�سكنتهم يف طم�أنينة احلياة ” حتى فاقت‬ ‫�شهرته حدود الهند‪.‬‬ ‫�إ�سمه يعني “ال�شم�س امل�شرقة”‪ ،‬وهـو من‬ ‫الأدبـاء القالئل الذين فاقت �شهرتهم‪� ،‬شهرة‬ ‫جائزة نوبل‪ .‬كثريون ح��ازوا ه��ذه اجلائزة‬ ‫وت�سلقوا �سلم املجد الأدبي بف�ضلها‪ ،‬وبع�ضهم‬ ‫طواه الن�سيان‪ .‬لكن هذه اجلائزة‪ ،‬التي نالها‬ ‫طاغور عام ‪ ،1913‬بقيت تف�صي ًال ب�سيط ًا يف‬ ‫جتربته الغنية‪ ،‬الوا�سعة التي تخطت حدود‬ ‫ب�لاده الهند لتكون حا�ضرة مبختلف لغات‬ ‫العامل‪.‬‬ ‫ُول��د رابـنـدرانـات طاغـور يف مدينة كلكتا‬ ‫يف عـام ‪ 1861‬لأب �سليل عراقة ونبل؛ ُيعـد‬ ‫من �أعالم الت�صوف‪ .‬ذاق طاغور يف طفولته‬ ‫املبكرة رغـد العي�ش‪ ،‬و�أتاحت له هذه الن�ش�أة‬ ‫�أن ينهل من ينابيع الفن ال�صافية من ر�سم‬ ‫وغ�ن��اء و�شعر �إ�ستحوذ على اهتمام �أف��راد‬ ‫�أ�سرته املثقفة‪ .‬كان يلقى اهتمام ًا خا�ص ًا من‬ ‫والده الذي ا�صطحبه ذات يوم يف رحلة اىل‬ ‫جبال الهمااليا‪� .‬سترتك هذه الرحلة �أثر ًا يف‬ ‫م�شاعـر الطفل الذي عرف‪ ،‬منذ تلك اللحظة‪،‬‬ ‫عظمة ال �ك��ون وج�م��ال��ه و “الت�أمت ال�صور‬ ‫وال �ط �ي��وف وال� �ظ�ل�ال‪ ،‬م�ت�ن��اغ�م��ة‪ ،‬م�ؤتلفة‪،‬‬ ‫لتت�سرب ذات يوم �إىل كتاباته”‪.‬‬ ‫بيد �أن رغـد العي�ش هذا مل يدم طوي ًال‪ ،‬ف�سرعان‬ ‫ما رحلت والدته‪ ،‬فالذ بالطبيعة و�أَنِ�س �إليها؛‬ ‫يناجيها ويتعلم منها‪ ،‬بل ر�أى فيها خال�صه‪.‬‬ ‫يف ال �ع��ام ال �ت��ايل ان �ت �ح��رت �شقـيقـته‪ ،‬مما‬ ‫�سبـ َّ َب له �صدمة هائلة‪ ،‬وق��اده ذلك �إىل حمبة‬ ‫الإن�سانية جمعاء‪ ،‬ب��د ًال من التم�سك باحلب‬ ‫الفردي واخلا�ص‪.‬‬ ‫�شب الفتى �أراد والده �أن يدر�س القانون‪،‬‬ ‫حني َّ‬ ‫ف�أر�سله �إىل كلية برايتون يف �إنكلرتا‪ ،‬غري‬ ‫�أن��ه مل يجد يف درا� �س��ة ال�ق��ان��ون م��ا يُر�ضي‬ ‫لهفته اجلاحمة �إىل الفن والأدب‪ .‬لكنه ا�ستفاد‬ ‫كثري ًا من وج��وده يف �إجنلرتا ب�إطالعه على‬ ‫روائ��ع وليم �شك�سبري وج��ون ملتون ووليم‬ ‫بليك وغريهم‪ .‬وعند عودته اىل بالده �أ�صدر‬ ‫دي��وان��ه الأول “�أغاين امل�ساء” ال��ذي قوبل‬ ‫بالثناء والت�شجيع‪ ،‬و�أردف��ه بديوان “�أغاين‬ ‫ال�صباح” الذي نحا فيه نحو الرمزية‪.‬‬ ‫يف هذه املرحلة خرب طاغور‪ ،‬من جديد‪ ،‬مرارة‬ ‫املوت‪� ،‬إذ فقد زوجته وحلق بها ابنه وابنته‬ ‫و�أبوه يف فرتات متتابعة‪ .‬لكن عا�صفة املوت‬ ‫اجلديدة هذه �أ�شعرته بالنق�ص وحفزته على‬ ‫ن�شدان الكمال‪ ،‬و�ألهمته �أن العامل “ال يفقد ما‬ ‫ي�ضيع فيه”‪ .‬هذا احلزن الذي ا�ستبد بقلبه طبع‬ ‫�شعره بطابع الأ�سى ‪ ،‬ق�صائد مرتعة مبعاين‬ ‫املوت واحلزن ال�شفيف دفع بالكاتب والنـاقـد‬ ‫الفرن�سي �أندريه جيد للقول‪“ :‬لي�س يف ال�شعر‬ ‫العاملي كله ما يدانيها عمق ًا وروعة”‪.‬‬ ‫�أح�س �أنه مثل زهرة ان ُت ِزعت بتالتها واحدة‬ ‫تلو الأخرى‪ ،‬و�أ�صبحت كالثمرة التي �سي�أتي‬ ‫املوت ليقطفها يف كمال ن�ضجها‪ ،‬ومع ذلك فقد‬ ‫جعل منه �صفا�ؤه الوا�سع و�ضبطه لنف�سه‬ ‫�إن�سان ًا نادر العظمة‪ ،‬ين�شد يف �إحدى �أغانيه‪:‬‬ ‫“�أنا هذا البخور الذي ال ي�ضوّ ع عطره ما مل‬ ‫يُحرق‪� ،‬أنا هذا القنديل الذي ال ي�شع �ضو�ؤه‬ ‫ما مل يُ�شعَل”‪.‬‬ ‫وت �ع��اق �ب��ت‪ ،‬ب �ع��د ذل� ��ك‪ ،‬ك �ت��اب��ات ط��اغ��ور يف‬ ‫الفل�سفة والق�صة والرواية وال�شعر وامل�سرح‪،‬‬ ‫ف�ض ًال عن موهبته املت�أخرة يف الر�سم‪ .‬وعلى‬

‫الرغم من هيمنة هذا املنحى الأدبي ال�شجي‪،‬‬ ‫وتلك النربة الغنائية على ه��ذه “الروائع”‬ ‫ين�س ق�ضيته الوطنية‪ ،‬فقد دعا‬ ‫فـ�إن طاغور مل َ‬ ‫على الدوام اىل خال�ص �شعـبه‪ ،‬وقدم درو�س ًا‬ ‫يف الرتبية الوطنية‪ ،‬كما ح�صل �إب��ان ثورة‬ ‫البنجاب ع��ام ‪ 1919‬ال�ت��ي قابلتها �سلطات‬ ‫اال��س�ت�ع�م��ار ال�بري �ط��اين ب�سيا�سة احلديد‬ ‫والنار‪ ،‬فقام طاغور ب�إعـادة لـقـب ‪�“ Sir‬سري”‬ ‫�إىل ملك بريطانيا ال��ذي منحه �إي��اه من قبل‬ ‫“�إعجاب ًا ب�شعره واعرتاف ًا بعبقريته‪ ”.‬وكتب‬ ‫مـئـات املقاالت التي حتيي ال�شعور الوطني‬ ‫وحت��ر���ض الـهـنـود ع�ل��ى م�ق��اوم��ة االحتالل‬ ‫الربيطاين ‪.‬‬ ‫مل يكتف طاغور بدرا�سة ال�شعر وامل�سرح بل‬ ‫در�س ريا�ضة اجل��ودو واللغة ال�سن�سكريتية‬ ‫و�آدابها وعلم الفلك واللغة الإنكليزية ‪ ،‬وهكذا‬ ‫�شكلت الفنون والآداب والعلوم جزء ًا كبري ًا‬ ‫من حياته‪.‬‬ ‫�أمدَّه الـفـالحـون الب�سطاء الذين عا�ش بينهم‬ ‫بالكثري من الإلهام حول �أو�ضاعهم املعي�شية‬ ‫وعاداتهم االجتماعية ومفاهيمهم احلياتية‬ ‫التي ظهرت روعـتها يف كتاباته الـنـرثية التي‬ ‫متيزت مبقدرته على رواية الأحاديث برهافة‬ ‫ـ�س و�أ�سلوب فكاهي ان�سحب على جممل‬ ‫ح ّ‬ ‫جتربته الأدبية‪.‬‬

‫�أدرك ط��اغ��ور ج��وه��ر ال���س�ل��وك االجتماعي‬ ‫للـفـالحني وهو االعتماد على الذات واملبادرة‬ ‫املحلية يف املجتمع ال �ق��روي وه��و م��ا �شكل‬ ‫�أ��س��ا���س �إع���ادة تنظيم املجتمع يف املناطق‬ ‫الريفية الهندية فعمل على �إدخال ر�ؤاه الفكرية‬ ‫التعليمية لتطوير الريف الهندي‪.‬‬ ‫ال تخلو ك�ت��اب��ات ط��اغ��ور م��ن القيم الفكرية‬ ‫والفل�سفية وامل �ب��ادئ الأخ�لاق �ي��ة � �س��واء يف‬ ‫ق�ص�صه و�أ�شعاره �أو يف رواي��ات��ه الواقعية‬ ‫ال �ت��ي �شكلت فيها الطبيعة رك �ن � ًا �أ�سا�سي ًا‬ ‫مبختلف �صورها وجتلياتها ‪ ،‬حتى ليظن‬ ‫املرء وهو يطالع هذه الروائع �أنه ي�سري يف‬ ‫حديقة ي�شم فيها رحيق الأزهار وي�صغي اىل‬ ‫حفيف الأ�شجـار وخرير امل��اء وخفقة جناح‬ ‫الطري عرب توظيفه ه��ذا اجلمال يف �صياغة‬ ‫احلكم والأمثال‪.‬‬ ‫وحفلت جت��رب��ة ط��اغ��ور املميزة ال�ت��ي �أثرت‬ ‫الرتاث الإن�ساين ب�أكرث من �ألف ق�صيدة �شعرية‬ ‫و ‪ 25‬م�سرحية وثمانية جم�ل��دات ق�ص�صية‬ ‫وثماين رواي��ات �إ�ضافة �إىل ع�شرات الكتب‬ ‫واملقاالت واملحا�ضرات يف الفل�سفة والدين‬ ‫والرتبية وال�سيا�سة والق�ضايا االجتماعية‪.‬‬ ‫و�إىل جانب هذه الكتابات فقد اجتهت عبقرية‬ ‫ط��اغ��ور �إىل ال��ر��س��م ال ��ذي اح�ترف��ه يف �سن‬ ‫مت�أخرة ن�سبيا حيث �أنتج �آالف اللوحات كما‬

‫كانت له �صوالت �إبداعية يف املو�سيقى فو�ضع‬ ‫�أك�ثر م��ن �أل�ف��ي �أغـنـيـة مت اختيار اثـنـتـيـن‬ ‫منها لت�صبحا الن�شيدين ال��وط�ن�ي�ين للهند‬ ‫وبنغالدي�ش‪.‬‬ ‫كتب عنه ميخائيل نعيمة مبنا�سبة مرور‬ ‫مئة عام على ميالده‪ ،‬وذلك عام ‪“ :1861‬كان‬ ‫�أن�شودة عـذبة يف فم احلياة‪ ،‬فكانت احلياة‬ ‫�أن���ش��ودة يف ف�م��ه‪ ،‬وك��ان ج��وه��رة ن ��ادرة يف‬ ‫خزانتها‪ ،‬فكانت جوهرة ن��ادرة يف خزانته‪،‬‬ ‫لقد غـنـّتـه فغـنـَّاها‪ ،‬و�أغـنته ف�أغـناها”‪.‬‏‬ ‫ويرى الدكتور �شكري عياد �أن طـاغـور “… ال‬ ‫يف ّرق يف تقديره للإن�سان بني جن�س وجن�س‪،‬‬ ‫وال بني لون ولون‪ ،‬وال بني دين ودين… كان‬ ‫الإن�سان عنده هو الإن�سان‪ ،‬يف �أي��ة �صورة‬ ‫جاء‪ ،‬ويف �أية �أر�ض ن�ش�أ”‪.‬‏‬ ‫ظ� َّل طاغور متمك�س ًا مببادئه من نبذ للعنف‬ ‫و�إ�شاعة املحبة وب�ساطة العي�ش حتى وفاته‬ ‫يف الثامن من �شهر �آب عام ‪ 1941‬وقد �أده�ش‬ ‫ال�ك�ث�يري��ن ب ��أف �ك��اره وط��ري�ق��ة التعبري عنها‬ ‫فا�ستحق لقب “منارة الهند” الذي و�سـَمـَه به‬ ‫الـمـهـاتـمـا غاندي‪.‬‬ ‫تركت وفـاة �أمـه �أث��ر ًا عميق ًا يف نف�س طاغور‬ ‫‪� ،‬إذ كتب معلق ًا ‪“ :‬لقد حرمني ال�ق��در �أمي‪،‬‬ ‫و�أنا بعد فتى �صغري‪ ،‬ف�أ�صبحت وحيد ًا �ألوذ‬ ‫بنافذتي و�أت���أم��ل يف الطبيعة و�أر� �س��م يف‬

‫خميلتي ما يرتقرق يف الكون من �صور �شتى‪.‬‬ ‫لقد كانت الطبيعة رفيقي ال��ذي وجدته �إىل‬ ‫جواري دائم ًا”‪.‬‬ ‫وهو ال يوظف جمال الطبيعية وال ي�ستعني‬ ‫بفتنتها وتوازنها واعتدالها‪� ،‬إال لكي ي�صوغ‬ ‫حكمة‪� ،‬أو يبث مقولة �أو �أم�ث��ول��ة تعرب عن‬ ‫فكرة فل�سفية مكثفة‪ .‬وهذا ما الحظه الكاتب‬ ‫الفرن�سي روم��ان روالن بعد لقاء مع الأديب‬ ‫الهندي‪� ،‬إذ كتب‪“ :‬حني تقرتب م��ن طاغور‬ ‫ينتابك �شعور �أنك يف معـبد‪ ،‬فتتكلم ب�صوت‬ ‫خفي�ض‪ .‬و�إن �أتيح ل��ك‪ ،‬بعد ه��ذا‪� ،‬أن تتملى‬ ‫ق�سمات وجهه الدقيقة الأبية‪ ،‬ف�إنك واج ٌد خلف‬ ‫مو�سيقى خطوطها وطم�أنينتها‪ ،‬الأحزان التي‬ ‫هيمن عليها‪ ،‬وال �ن �ظ��رات ال�ت��ي مل يداخلها‬ ‫الوهم‪ ،‬والذكاء اجلريء الذي يواجه �صراع‬ ‫احلياة يف ثبات”‪.‬‬ ‫ولد الإن�سان‪ ،‬بر�أي طاغور‪ ،‬حمب ًا للآخرين‪،‬‬ ‫وح��ر ًا‪ ،‬ولي�س عبد ًا ل�شهواته وال للآخرين‪.‬‬ ‫و�إمن ��ا ه��و ح��ر يف اخ�ت�ي��اره ه��ذا امل��وق��ف �أو‬ ‫ذاك‪ ،‬وعلى الإن���س��ان �أن ي�شعر بوحدته مع‬ ‫الكون بكامله‪ ،‬فالإن�سان متحد مع عنا�صر‬ ‫ال�ك��ون‪ ،‬يت�أثر بها وي��ؤث��ر فيها‪ ،‬ولكي يحب‬ ‫الإن�سان الكون مبا فيه‪ ،‬ومن فيه عليه معرفة‬ ‫الكون و�إدراكه‪ ،‬لأن الإن�سان بطبيعته عدو ملا‬ ‫يجهل‪ ،‬فاملعرفة هي و�سيلة من و�سائل املحبة‪،‬‬ ‫حمبة الإن �� �س��ان لنف�سه ول�ل�آخ��ري��ن وللكون‬ ‫بكامله… ال يفرق طاغور بني �إن�سان و�آخر‪،‬‬ ‫وي��رى �أن الأنانية تعمي ب�صريتنا‪ ،‬وحتول‬ ‫دون ر�ؤية احلقيقة‪ ،‬وال معنى للحياة �إال يف‬ ‫خدمة الآخرين لدرجة الذوبان يف الآخرين‪،‬‬ ‫ون�سيان الذات‪ ،‬ويركز طاغور على مفهومي‬ ‫املحبة واملعرفة‪ ،‬ويرى �أنهما متكامالن‪.‬‏‬ ‫وي��رى ط��اغ��ور �أن م��ن �أخ �ط��اء الإن���س��ان �أنه‬ ‫يحاول �أن يربح اجلزء فيخ�سر الكل‪ .‬وعندما‬ ‫ي�ضحي الإن�سان باجلزء �أي بالقليل ف�إنه يربح‬ ‫الكثري‪ ،‬وعلى الإن�سان حتمل الأمل وحتويله‬ ‫�إىل فرح‪ .‬ويجب �أال يخ�شى املر�ض واملوت‪،‬‬ ‫ول��ذل��ك فهو ي��رى � �ض��رورة امل�ح�ب��ة‪ ،‬ب�صفتها‬ ‫��ش�ع��ور ًا �سامي ًا وم�ف�ي��د ًا‪ ,‬والتعبري ع��ن هذا‬ ‫ال�شعور بالفعل �أكرث من القول‪ .‬يقول طاغور‬ ‫يف �إحدى �أغنياته‪:‬‏‬ ‫كـان طـاغـورمنذ طفولته مولع ًا بالقراءة‪،‬‬ ‫ويـقـول ‪“ :‬قر�أت يف طفولتي كل كتاب وقع‬ ‫بني ي��ديّ من الغالف �إىل الغالف” و�ساعده‬ ‫مناخ الأ� �س��رة على �إب ��راز عبقريته يف كافة‬ ‫املجاالت‪ ،‬امل�سرح وال�شعر والر�سم وال�سيا�سة‬ ‫والغـناء… �ألـَّف طاغور �أكرث من �ألف ق�صيدة‬ ‫و�أكرث من �ألفي �أغنية ‪ ،‬وبد�أ ير�سم يف ال�سبعني‬ ‫من عمره ‪ ،‬فر�سم خالل الع�شر �سنوات الأخرية‬ ‫من عمره �أكرث من ثالثة �آالف لوحة‪.‬‬ ‫مل تتزعزع ثقته بح�ضارة الهند العريقة على‬ ‫الرغم من �إطالعه على الثقافة الغربية‪ ،‬ويرى‬ ‫�أن احل�ضارة العاملية هي �صنع كل ال�شعوب‬ ‫ولكن بع�ضها يف ف�ترات معينة يُ�سهم �أكرث‬ ‫م��ن غ�يره يف �صنع ه��ذه احل�ضارة ‏‪ .‬وكانت‬ ‫تت�صارع يف ذات��ه ث�لاث��ة اجت��اه��ات االجت��اه‬ ‫الوطني والديني والأدب��ي‪� .‬سمَّاه الـمـهـاتـمـا‬ ‫غاندي “املعلم الأول” ‪.‬‬ ‫وبـعــد‪ ،‬لـقـد خـ�سـر طـاغـور كل مباهج احلياة‬ ‫ليظفر بالثمرة النا�ضجة‪ ،‬ووظ�ـَّ��ف �سنوات‬ ‫عمره يف �سبيل رفعة الكلمة‪ ،‬و�سمو احلرف‪.‬‬ ‫وم�ه�م��ا �سعى امل ��رء اىل الإح��اط��ة بتجربته‬ ‫ال��وا��س�ع��ة والغـنية فلن ي�ق��دم ��س��وى ج��زء ًا‬ ‫ي�سري ًا من مالمح موهـبة تعددت وتنوعـت‬ ‫على نحو ف��ري��د‪ ،‬فطاغور ال�شاعر والقا�ص‬ ‫وامل�سرحي والر�سام واملو�سيقي‪“ ،‬مـُذهـل يف‬ ‫م��داه‪ ،‬ومـُذهـل يف عوامله” التي جعـلته �أحد‬ ‫�أعظم كتاب الهند يف خمتلف الع�صور‪.‬‬

‫عن جملة نزوة خريف ‪2011‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪8‬‬

‫العدد (‪)2304‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )16‬ت�شرين الثاين ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2304‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )16‬ت�شرين الثاين ‪2011‬‬

‫مع غاندي‬

‫‪9‬‬

‫مع ان�شتاين‬

‫ه����ك����ذا غ���ن���ى ط�����اغ�����ور‪..‬‬ ‫ولد �شاعر الهند العظيم رابندرانات طاغور عام ‪ 1861‬مبدينة كلكتا يف �أ�سرة هندوكية معروفة باملكانة العلمية والوجاهة‬ ‫االجتماعية ‪ ،‬وي�صف طاغور عائلته البنغالية بكلماته علي �أنها نتاج «االندماج بني ثالث ح�ضارات‪ ،‬الهندوكية والإ�سالمية‬ ‫والربيطانية» ‪ .‬فاالنتماء الطائفي لأ�سرته مل مينع مواطني بنغالدي�ش ‪-‬و�أغلبهم من امل�سلمني‪ -‬من ال�شعور بالتوحد مع‬ ‫طاغور و�أفكاره ‪ ،‬وال تزال �أ�شعاره و�أغانيه ترتدد يف �أنحاء اجلزء ال�شرقي من الهند ويف كل �أنحاء بنغالدي�ش‪ ،‬كما �أن رواياته‬ ‫ومقاالته ال تزال تقر�أ علي نطاق وا�سع بالرغم من وفاته عام ‪ .1941‬وقد در�س طاغور يف انكلرتا قلي ً‬ ‫ال‪ ،‬ولكنه طاف بها‬ ‫وب�أوروبا كثرياً ‪ ،‬ون�ش�أت بينه وبني �شعراء �أوروبا و�أمريكا عالقات وثيقة‪ ،‬خا�صة عزرا باوند وويليام ييت�س‪ .‬ويف عام‬ ‫‪ 1914‬نال طاغور جائزة نوبل للآداب عن ديوانه «جنتجايل» (قربان الأغاين) فكان �أول �شاعر �شرقي يحظي بها‪ .‬ويف العام‬ ‫احتجاجا علي الأعمال القمعية التي قامت بها‬ ‫التايل‪ ،‬منحته احلكومة الربيطانية لقب «�سري» و هو اللقب الذي �أعاده لها‬ ‫ً‬ ‫عام ‪ 1919‬ب�إقليم البنجاب‪ .‬كانت لطاغور فل�سفة خا�صة يف التعليم وقد �أ�س�س مدر�سة ثم جامعة تتلمذ فيها نوابغ الهند‬ ‫املعا�صرون مثل عامل االقت�صاد ال�شهري �أمارتيا �سني‪ .‬وهو بجمعه بني الفل�سفة والقيادة الفكرية والثقافية يف �شبه القارة‬ ‫الهندية وبني موهبته يف ال�شعر والكتابة والر�سم يعد من �أندر �شعراء العامل يف الع�صر احلديث‪.‬‬ ‫املختارات التالية من املجموعة التي �صدرت يف ثالثة �أجزاء عن الدار العربية للكتاب بطرابل�س عام ‪.1989‬‬

‫دُمي‬ ‫ما �أ�سعدك �أيها الطفل ال�صغري‬ ‫و�أنت جال�س فوق الرتاب‬ ‫بغ�صن �صغري‬ ‫تلعب طوال ال�صباح‬ ‫ٍ‬ ‫�إين �أ�ضحك من لهوك هذا بذلك‬ ‫الغ�صن املك�سور‬ ‫�أما �أنا فم�ستغرق ا�ستغرا ًقا كام ًال‬ ‫يف جمع �أرقامي‪� ،‬ساعات و�ساعات‬ ‫رمبا رمقتني مفك ًرا �ساخ ًرا قائ ًال يف ذهنك‬ ‫يا لها من لعبة غبية ي�ضيع فيها ال�صباح‬ ‫�أيها الطفل‪ ،‬لقد ن�سيت فن اللعب‬ ‫والع�صي‬ ‫ب�أكوام الوَحل‬ ‫ّ‬ ‫�إين �أبحث عن دُمي غالية‬ ‫و�أجمع �أكوامًا من الذهب والف�ضة‬ ‫و�أنت ت�ستطيع خلق �ألعابك املفرحة‬ ‫بكل ما يقع حتت يدك‬ ‫�أما �أنا ف�إين �أبدد وقتي وقواي‬ ‫يف �سبيل �أ�شياء ال �أجنح �أبدًا‬ ‫يف احل�صول عليها‬ ‫و�أجهد نف�سي وزورقي البدائي اخلفيف‬ ‫لعبور بحر ال�شهوات و�أن�سى‬ ‫�أن زورقي هو الآخر‬

‫‪ ..‬جمرد لعبة‬ ‫حرية‬ ‫التحرر من اخلوف‬ ‫هو التحرر الذي �أطلبه لك‬ ‫يا وطني العزيز‬ ‫اخلوف‪ ،‬ذلك املارد اخليايل‬ ‫الذي �صاغته �أحالمك املعوجة‬ ‫التحرر من �أثقال ال�سنني‬ ‫التي حتني ر�أ�سك‬ ‫وتك�سر ظهرك‬ ‫وتعمي عينيك‬ ‫عن نداء امل�ستقبل ال�ساحر‬ ‫التحرر من جذوع الك�سل واخلمول‬ ‫التي تقيد بها نف�سك اىل جمود الليل‬ ‫مرتابًا يف جنمة الليل التي ت�شري‬ ‫اىل طريق املغامرة يف �سبيل احلقيقة‬ ‫التحرر من نقي�صة الإقامة يف‬ ‫عامل من الدمى توجه حركاتها‬ ‫خيوط بال عقل‪ ،‬ومكررة بال معني‬ ‫بحكم العادة وامل�ألوف‬ ‫حيث ال�شخو�ص تقف يف طاعة �سلبية‬ ‫منتظرة حمرك الدمى‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫يوقظها برهة ق�صرية‬ ‫من غفوتها‪ ،‬لتقلد احلياة تقليدًا هزي ًال‬ ‫�أوربا�شي‬ ‫�أيتها املر�أة‬ ‫ل�ست من خلق الله وحده‬ ‫ولكنك � ً‬ ‫أي�ضا من خلق الرجال‬ ‫الذين يجعلونك بقلوبهم‬ ‫جميلة‬ ‫فال�شعراء ن�سجوا لك �شبكة‬ ‫من خيوط الأخيلة الذهبية‬ ‫والر�سامون �أعطوا دومًا‬ ‫لهيئتك خلودًا جديدًا‬ ‫والبحر يقدم اليك ل�ؤل�ؤة‬ ‫واملناجم ذهبها‬ ‫وب�ساتني ال�صيف متنحك زهورها‬ ‫لكي تو�شيك وتك�سوك‬ ‫وجتعلك على الدوام‬ ‫ثمينة غالية‬ ‫و�شوق قلو الرجال‬ ‫ب�سط جمده‬ ‫على �شبابك‬ ‫ف�صرت ن�صف امر�أة‬

‫ون�صف حلم‬ ‫متى؟ وملاذا؟‬ ‫حني �أحمل اليك‪ ،‬يا طفلي ال�صغري‬ ‫دُمى متعددة الألوان‬ ‫ف�إين �أفهم �سر وجود العديد من الألوان‬ ‫يف الغيوم واملاء‬ ‫و�أفهم ملاذا كانت الزهور ملونة‬ ‫وحني �أغني لرتقي�صك‬ ‫�أفهم ح ًقا ملاذا توجد مو�سيقى‬ ‫يف �أوراق ال�شجر‬ ‫والأمواج تر�سل �أنا�شيد‬ ‫�أ�صواتها املائية حتى تبلغ قلب الأر�ض امل�صغية‬ ‫اىلها‬ ‫حني �أقدم احللوى اىل يديك ال�شرهتني‬ ‫�أفهم ملاذا يوجد الع�سل‬ ‫يف �أكمام الزهر‬ ‫وملاذا كانت الفواكه مليئة‬ ‫بالع�صري اللذيذ‬ ‫وحني �أقبلك من �أجل �أن تبت�سم‬ ‫يا حبيبي‪� ،‬أفهم يقي ًنا‬ ‫تلك البهجة التي تنثال من ال�سماء‬ ‫يف �ضوء الفجر‪ ،‬و�أي متعة‬

‫مينحها ن�سيم ال�صيف اىل كياين اجل�سدي‬ ‫حني �أقبلك من �أجل �أن تبت�سم‬ ‫جني الثمار‬ ‫هذه ال�سل�سلة املر�صعة باجلواهر‬ ‫�إنها تزينني‬ ‫لت�سخر مني‬ ‫وحني تطوق عنقي‬ ‫ت�ؤملني‬ ‫وتخنقني حني �أحاول نزعها‬ ‫�إنها تقب�ض على حلقي‬ ‫وتخنق غنائي‬ ‫لو كان يف و�سعي �أن �أهبها لك‬ ‫يا موالي‬ ‫حينئذ فقط �س�أكون ح ًرا‬ ‫فانزعها عني‬ ‫ً‬ ‫وعو�ضا عنها �شدين اليك‬ ‫ب�إكليل من �أكاليلك‬ ‫لأين �أ�شعر باخلجل‬ ‫لأن �أقف �أمام �سدتك‬ ‫بهذه ال�سل�سلة املر�صعة باجلواهر‬ ‫التي تطوق عنقي‬ ‫�شكر‬

‫�أولئك الذين ي�سلكون طريق الكربياء‬ ‫�ساحقني حتت �أقدامهم املخلوقات املتوا�ضعة‬ ‫مغطني خ�ضرة الأر�ض الغ�ضة‬ ‫ب�آثارهم الدموية‬ ‫يبتهجون ويرفعون ال�شكر اليك‬ ‫يا �إلهي‬ ‫لأن هذا اليوم يومهم‬ ‫ولكني �أ�شكرك لأنك جعلت‬ ‫ن�صيبي مع الفقراء املتوا�ضعني‬ ‫الذين يتعذبون‬ ‫ويتحملون عبء الت�سلط‬ ‫موارين وجوههم‬ ‫خانقني خفقات قلوبهم يف الظالم‬ ‫ذلك �أن كل خفقة من خفقات �آالمهم‬ ‫قد نب�ضت يف الهاوية اخلفية من ليلك‬ ‫وكل �إهانة قد حواها �صمتك الكبري‬ ‫�إن الغد لهم‬ ‫�أيتها ال�شم�س‬ ‫لت�شرقي فوق القلوب الدامية‬ ‫التي تتفتح يف �أزهار ال�صباح‬ ‫وفوق فجور الكربياء الليلي‬ ‫الذي حتول اىل رماد‬

‫�أيتها الأر�ض‬ ‫�أيتها الأر�ض‬ ‫لتقبلي اليوم حتيتي‬ ‫�آخر حتية‬ ‫ترفع اليك يف هيكل اليوم الذي يزول‬ ‫�أنت بطلة‪ ،‬يتحقق فرحك يف الأبطال‬ ‫�أنت جميلة وقا�سية‬ ‫امر�أة ورجل يف وقت واحد‬ ‫تزعزعني حياة الإن�سان ب�صراعات ال تطاق‬ ‫باليد اليمنى متلئني الك�أ�س بالرحيق‬ ‫وبالي�سرى تبددينه بددًا‬ ‫ويف مكان لهوك يرتدد �صدى ال�سخرية ال�صاخبة‬ ‫�إن حياة البطل‪ ،‬وريث احلياة النبيلة‬ ‫ترهقينها وجتعلينها قا�سية‬ ‫�إنك جتعلني من الع�سري بلوغ اخلري‬ ‫ولي�س يف قلبك رحمة للبائ�س‬ ‫�إن ال�صراع من �أجل البقاء الذي �أخفيته‬ ‫يف �أ�شجارك‬ ‫يظهر انت�صاره يف الثمار والغالل‬ ‫�أيها العامل‬ ‫�أنت حمبوب وقا�س‪ ،‬قدمي‪ ،‬وجديد على الدوام‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪10‬‬

‫‪11‬‬

‫العدد (‪)2304‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )16‬ت�شرين الثاين ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2304‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )16‬ت�شرين الثاين ‪2011‬‬

‫يوم استقبلت بغداد شاعر الهند‬

‫طاغور ي�ستقبله في�صل االول ويبدو يف ال�صورة رئي�س جمل�س االعيان حممد ال�صدر ووزير الدفاع جعفر الع�سكري ونوري ال�سعيد‬

‫حارث طه الراوي‬ ‫قبل ثالثني �سنة‪ ،‬تقريبا‪ ،‬ن�شر‪ ،‬فـي عاملنا‬ ‫العربي‪ ،‬مرتجما اىل العربية ديوان "قربان‬ ‫االغاين" ل�شاعر الهند االعظم "رابندرانات‬ ‫طاغور" ف��ا��س��رع��ت ب �� �ش��راء ن�سختي منه‬ ‫وت�سرعت التهمها التهاما‪..‬‬ ‫ك��ان ه��ذا ال��دي��وان ال�صغري بحجمه‪ ،‬الكبري‬ ‫بافكاره واحا�سي�سه و��ص��وره‪ ،‬رفـيقي فـي‬ ‫كل رحلة‪ ،‬و�سمريي فـي كل ليلة‪ ،‬وزاد �شغفـي‬ ‫به مبرور االيام حتى ا�صبحت احفظ بع�ض‬ ‫انا�شيده الروحية عن ظهر قلب‪ ،‬وت�سربت‬ ‫مو�سيقاه العذبة اىل بع�ض نفثاتي فـي تلك‬ ‫االيام البعيدة‪...‬‬ ‫فما �سر هذا الهيام ب�صاحب "قربان االغاين"‬ ‫و"زورق االحالم"؟‬ ‫لقد ا�س�ست انني امام نف�س كبرية ا�ستطاعت‬ ‫بجهادها امل�ت��وا��ص��ل ان ت�صبح نقية‪ ،‬ومل‬ ‫ت�ست�أثر بنقائها وامن ��ا ارادت ل�ك��ل نف�س‬ ‫ب�شرية مثل ه��ذا النقاء امل�شع‪ ،‬فبد�أت بذلك‬

‫مرحلة اخرى من اجلهاد وا�صلته ب�شجاعة‬ ‫حتى النف�س االخري‪...‬‬ ‫كانت تلك النف�س الكبرية تبحث ع��ن عامل‬ ‫مثايل ترفرف عليه راي��ات املحبة وال�سالم‪،‬‬ ‫وكانت تدرك جيدا ان مثل هذا العامل ال�سعيد‬ ‫ال ميكن الو�صول اليه اال بعد تطهري النفو�س‬ ‫الب�شرية م��ن ادران ال�شر فاالن�سان اخلري‬ ‫عماد الدولة اخلرية ومن ثم عماد االن�سانية‬ ‫اخل�يرة‪ .‬وكان يهتف من اعماق قلبه الكبري‬ ‫خماطبا ربّه‪:‬‬ ‫"يا مهيمنا على جميع االمم وان اختلفت‬ ‫ال��وان �ه��ا‪ ،‬وح��د ب�ين قلوبنا والهمنا تبادل‬ ‫املحبة" ول�ك��ن ك�ي��ف ت�ت��وح��د ق�ل��وب الب�شر‬ ‫وك �ي��ف ي�ت��م ت �ب��ادل امل�ح�ب��ة بينهم ف�ـ��ي عامل‬ ‫ي��دن���س��ه اال� �س �ت �ع �م��ار امل �ج��رم واال�ستغالل‬ ‫املجحف وم��ا ي�صاحبهما م��ن عنف اعمى‪،‬‬ ‫كفعل او رد فعل لهاتني االفتني الفتاكتني؟!‪.‬‬ ‫ان�ه��ا املهمة ال�صعبة ال�ت��ي واج�ه�ه��ا طاغور‬ ‫ب�شجاعة ‪ ،‬فكان يدعو اىل اال�صالح الروحي‬ ‫فـي �سبيل ا��ص�لاح اجتماعي ا�شد ر�سوخا‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫وام�ضى ثباتا‪ ،..‬فلتتهذب العادات ولت�ستغل‬ ‫ن��واح��ي اخل�ي�ر وال�ف���ض�ي�ل��ة ف �ـ��ي االن�سان‬ ‫وليعرف االن�سان نف�سه لي�شعر بان�سانيته‬ ‫الكاملة‪...‬‬ ‫كان ي�ستقي افكاره النرية من الفل�سفة الهندية‬ ‫ذات البع�ض احل�ضاري العريق وي�ستند قوته‬ ‫الروحية من روح الهند العظيم‪ ...‬الروح‬ ‫التي عرب عنها بقوله‪:‬‬ ‫"ان لكل قطر ح��دودا معنوية باطنية كما‬ ‫ل ��ه ح� ��دود م ��ادي ��ة ظ ��اه ��رة‪ ،‬وف �ـ��ي احل���دود‬ ‫امل�ع�ن��وي��ة ي�ح�ك��م ال� ��روح وت�ه�ي�م��ن‪ ،‬ولي�س‬ ‫للقوة املادية ان تقهر او تبط�ش او ت�ستويل‬ ‫على جزء �ضئيل ما من هذه اململكة املعنوية‬ ‫الروحية"‪.‬‬ ‫هذا الر�أي اعلنه يوم وقف اىل جانب غاندي‬ ‫ليقول لالنكليز انكم لن ت�ستطيعوا ان حتكموا‬ ‫روح الهند با�ساليب القهر واال�ستعمار‪.‬‬ ‫وك ��ان وق��وف��ه اىل ج��ان��ب ال��زع �ي��م العظيم‬ ‫املهامتا غاندي منذ �سنة ‪ 1932‬ذا �أثر ايجابي‬ ‫على م�ستقبل الهند التي ا�صابت منه خريا‬

‫كثريا‪ ،‬واننا لنذكر ب�شيء كثري من احلما�س‬ ‫واالجالل الق�صيدة امللتهبة التي كتبها طاغور‬ ‫اىل غاندي قبيل غروبه حيث قال‪:‬‬ ‫"‪ ..‬اما نحن اعوان املهاراج غاندي‬ ‫فهدف واحد يجمعنا‬ ‫ال منلأ اكيا�سنا من ا�سالب الفقراء‬ ‫وال جتثوا امام غني‪،‬‬ ‫ان هجموا مهددين‬ ‫ف�صوّ بوا اللكمات ‪،‬‬ ‫او رفعوا الع�صي‪،‬‬ ‫ب�سمنا قائلني‪:‬‬ ‫ان �شررا يتطاير من عيونكم‬ ‫قد يوقظ الطفل مذعورا فـي مهده‬ ‫ولكن من يخيف ذاك الذي اليخاف؟‬ ‫مامن حيلة دبلوما�سية‬ ‫ت�شوّ ه كلماتنا الب�سيطة‪ ،‬القومية‪،‬‬ ‫ك �ل �م��ات ت �� �س�ير ب �� �ض �ح��اي��اك��م ح �ت��ى عتبة‬ ‫ال�سجون‪.‬‬ ‫امام �شبكات ال�سجن حتت�شد ال�ضحايا‪،‬‬ ‫وفجاة تتك�سر قيودهم الدهرية‪.‬‬

‫وتقع فـي الغبار‪،‬‬ ‫ومتحي كل و�صمات االهانات‪،‬‬ ‫وعلى اجلباه النقية‬ ‫تتاللأ بركات غاندي"‪.‬‬ ‫مل يكن طاغور مفكرا نظريا بعيدا عن العمل‬ ‫االي�ج��اب��ي ول �ه��ذا ان�شا م��در��س��ة ث��م جامعة‬ ‫"�شانتي نكتان" ليبث فـيها تعاليمه اخلرية‬ ‫ب �� �ص��ورة ع�م�ل�ي��ة م�ب�ت��دئ��ا‪ .‬كم�سلفه املفكر‬ ‫وامل��رب��ي ال�شهري "جان ج��اك رو�سو"‪ ،‬من‬ ‫الطفل – ال�صفحة البي�ضاء لتي ينبغي ان‬ ‫تبقى فـي م��أم��ن م��ن التلوث ‪ ..-‬ولئن كان‬ ‫"رو�سو" يقد�س الطبيعة ويفر�س فـي نفو�س‬ ‫االطفال حب مفاتنها فان طاغور كان �شديد‬ ‫ال�شغف مبدر�سة الغابة‪ ،‬لأنه كان يعتقد ان‬ ‫الطبيعة خري معوان للمعلم فـي عمله‪ ...‬ومل‬ ‫يكن طاغور مفكرا مت�شائما لأنه كان ي�ؤمن‬ ‫بالفل�سفة الهندية ال�ق��دمي��ة املتفائلة التي‬ ‫�شرحتها تعاليم يوباني�شاد القائلة‪:‬‬ ‫"ان الكائنات جميعا امنا خلقها ابتهاج الله‬ ‫و�سروره الذي ال يحد وال يفنى"‪.‬‬ ‫وعليه فان فكرة خلق الكائنات فـي هذا العامل‬ ‫امنا هي ايثار لها وم�سرة من الله بوجودها‬ ‫فال يفهم االن�سان – واحلالة هذه – حقائق‬ ‫اال� �ش �ي��اء اال ع��ن ط��ري��ق اخل�ي�ر وال �ت �ف��ا�ؤل‬ ‫واملحبة‪...‬‬ ‫وك� � ��ان ط���اغ���ور اول م �ف �ك��ر ���ش��رق��ي نقل‬ ‫للغرب ف�ضائل ال�شرق وجّ ��ر ال�غ��رب الآيل‬ ‫اال�ستعماري – ب�صراحة تامة – من مغبة‬ ‫الطمع واال�ستئثار واالبتعاد عن روحانية‬ ‫ال�شرق وف�ضائله والتمادي فـي هدر حقوق‬ ‫االن�سان وال�شعوب‪..‬‬ ‫وبعد فلن اطيل تقييمي البعاد هذه ال�شخ�صية‬ ‫الهندية العظيمة التي جتلت فـيها عظمة الهند‬ ‫ب�أجلى مظاهرها‪ ،‬فرمبا يعرف البع�ض اكرث‬ ‫بكثري مما اعرف عن مزايا هذا املعلم العظيم‬ ‫ال ��ذي تخطت اف �ك��اره ال�ساطعة وتعاليمه‬ ‫النرية ح��دود �شبه القارة الهندية املرتامية‬ ‫االط��راف اىل العامل االو�سع مما رفع را�س‬ ‫ال�شرق واظهر حقوقه واماط اللئام عن قيمته‬ ‫احلقيقية‪..‬‬ ‫***‬ ‫كان طاغور برغم تق�شفه وانطوائه على نف�سه‬ ‫على ات�صال وثيق بالعامل‪ ،‬واكرب دليل على‬ ‫ه��ذا االت���ص��ال ه��و ال��رح�لات امل�ت�ع��ددة التي‬ ‫ق��ام بها وزار بها اق�ط��ارا كثرية فـي عاملنا‬ ‫الوا�سع‪ ..‬فقد زار طاغور انكلرتا وفرن�سا‬ ‫�سنة ‪ 1912‬ثم زار اوروبا �سنة ‪ 1921‬وطاف‬ ‫باملانيا ث��م زار ال�ي��اب��ان وام�يرك��ا واالحت��اد‬ ‫ال�سوفـييتي وال�صني وجنوب افريقيا وكندا‬ ‫و�آخ��ر زي��ارة له الوروب��ا كانت �سنة ‪1926‬‬ ‫ح�ي��ث زار اي�ط��ال�ي��ة ال�ف��ا��ش�ي��ة‪ ،‬وخ�ل�ال هذه‬ ‫الرحلة زار تركية احلديثة وم�صر‪.‬‬ ‫ام��ا زي��ارت��ه للعراق – فـي العهد امللكي –‬ ‫فكانت �سنة ‪ 1932‬تلبية لدعوة تلقاها من‬ ‫ملك ال �ع��راق‪ ،‬يومئذ ‪ ،‬فـي�صل االول وهي‬ ‫مو�ضوع مقالنا هذا‪.‬‬ ‫فـي الثاين والع�شرين من �أي��ار �سنة ‪1932‬‬ ‫و�صل طاغور اىل مدينة "خانقني" العراقية‬ ‫ال��واق �ع��ة ب��ال �ق��رب م��ن احل � ��دود العراقية‬ ‫االي��ران �ي��ة ق��ادم��ا م��ن اي ��ران وك ��ان و�صوله‬ ‫فـي ال�ساعة التا�سعة �صباحا ي�صحبه ال�سيد‬ ‫ج�لال الدين كيهان قن�صل اي��ران العام فـي‬ ‫بومبي والربفـي�سور جاترجي احد ا�ساتذة‬ ‫كلية طاغور فـي الهند وال�سيد جكراواردي‬ ‫ال�سكرتري االول للدكتور ط��اغ��ور‪ ،‬وكانت‬ ‫ترافق طاغور ال�سيدة كنته (زوج��ة ابنه)‪.‬‬ ‫فا�ستقبلته جلنة اال�ستقبال الر�سمية العراقية‬ ‫برئا�سة ال�شاعر العراقي الكبري جميل �صدقي‬ ‫الزهاوي (‪ )1936 – 1863‬ال��ذي كان اول‬ ‫املتقدمني للرتحيب ب�شاعر الهند االعظم‬ ‫وحياه با�سم العراق بكلمات رقيقة منها‪:‬‬ ‫"يرحب ال �ع��راق ب�شاعر ال���ش��رق العظيم‬ ‫ويحييه ويحيي فـيه العبقرية والنبوغ"‪.‬‬ ‫فرد عليه �شاعر الهند قائ ًال‪:‬‬ ‫"انني ل�سعيد مبجيء �شاعر العرب لتحيتي‬ ‫‪ ،‬وهذه التحية هي حتية �شاعر ل�شاعر"‪.‬‬

‫ثم جل�س ال�شاعر وكنته اللتقاط �صورة لهما‬ ‫ف ��أب��ى ط��اغ��ور اال ان ي�صور ه��و وال�شاعر‬ ‫ال��زه��اوي جنبا اىل جنب‪ ،‬ثم رك��ب ال�ضيف‬ ‫الكبري وم��ن معه ال�سيارة وتبعتها �سيارة‬ ‫اع���ض��اء اللجنة اىل حم�ط��ة خ��ان�ق�ين حيث‬ ‫اق �ي��م اح�ت�ف��ال ف�خ��م ح���ض��ره ك �ب��ار موظفـي‬ ‫ال��دول��ة ورج ��ال امل �ع��ارف وك�شافة خانقني‪،‬‬ ‫وبعد انتهاء اال�ستقبال ق�صد اع�ضاء اللجنة‬ ‫ب�صحبة ال�ضيف الكبري اىل الق�صر الذي اعد‬ ‫ال�سرتاحته وهناك اقيمت له حفلة �شاء انيقة‬ ‫ح�ضرها املوظفون وبع�ض رجال البلد‪ .‬وفـي‬ ‫ال�ساعة العا�شرة ا�ستقل �ضيف العراق القطار‬ ‫ومعه اع�ضاء جلنة ا�ستقباله ‪ ،‬قا�صدا بغداد‪،‬‬ ‫ومل��ا بلغ القطار بعقوبة ا�ستقبل ا�ستقباال‬ ‫ر�سميا و�شعبيا يليق مبقامه‪.‬‬ ‫وت�صف جريدة "العراق" ال�صادرة فـي ‪22‬‬ ‫اي ��ار ‪ 1932‬ت��ودي��ع اه ��ايل بعقوبة ملوكب‬ ‫ال�ضيف الكرمي بقولها‪:‬‬ ‫"‪ ..‬وق��د غ��ادر القطار حمطة بعقوبة بني‬ ‫ه�ت��اف امل�ستقبلني وت�صفـيقهم"‪ .‬وي�صف‬ ‫مندوب اجلريدة املذكورة فحوى ما دار بني‬ ‫طاغور واع�ضاء اللجنة فـي غرفته بالقطار‬ ‫من احاديث بقوله‪:‬‬ ‫"اما فـي القطار فقد كان الدكتور طاغور‬ ‫حموطا باحرتام اع�ضاء اللجنة وعنايتهم‬ ‫اخلا�صة وقد دار بينه وبني اع�ضاء اللجنة‬ ‫احاديث طليّة عن نه�ضة ال�شرق وتطلعه اىل‬ ‫احلياة اجلديدة‪ .‬وكان الدكتور طاغور يكرث‬ ‫من اال�سئلة اىل اع�ضاء اللجنة عن منتجات‬ ‫ال �ع��راق ال�ف�ك��ري��ة وال���ص�ن��اع�ي��ة والزراعية‬ ‫ب�صورة خا�صة وعن نه�ضة البالد العربية‬ ‫جمعاء ب�صورة عامة"‪.‬‬ ‫وفـي ال�ساعة ال�ساد�سة والن�صف و�صل القطار‬ ‫بغداد‪ ،‬كانت اجلماهري حمت�شدة فـي املحطة‬ ‫يتقدمها كبار رجال الفكر واالدب وعدد من‬ ‫ف�ضليات ال�سيدات واالوان�س وجماعة كبرية‬ ‫من اف��راد اجلالية الهندية لالحتفاء بقدوم‬ ‫��ش��اع��ر ال�ه�ن��د االع �ظ��م‪ .‬وارت �ف��ع الت�صفـيق‬ ‫وع�لا الهتاف بحياة �شاعر الهند ال��ذي بقي‬ ‫واقفا فـي مركبة القطار واىل جنبه �شاعرنا‬ ‫الزهاوي ‪ ،‬ف�صعد اليه اال�ستاذ ابراهيم حلمي‬ ‫العمر مرحبا ب�سالمة الو�صول‪ .‬ثم تقدم اليه‬ ‫احل�ضور واحدا واحدا فحيوه‪ .‬وقدمت اليه‬ ‫طفلة من الرو�ضة باقة رهور والقت احدى‬ ‫طالبات امل��در��س��ة امل��رك��زي��ة اخلطبة التالية‬ ‫باللغة االنكليزية‪:‬‬ ‫�ضيفنا االعز واالفخم‪:‬‬ ‫بقلوب ملآى باحلبور وال�سعادة نرحب بكم‬ ‫با�سم اخواتي تلميذات العراق‪:‬‬ ‫انها لفر�صة �سعيدة اتاحت لل�صغري وللكبري‬ ‫م��ن ال�ع��راق�ي�ين ان يحظى مبقابلة الرجل‬ ‫ال���ذي ك ��ان م��وف�ق��ا وق � ��ادرا ع�ل��ى مل����س وهز‬ ‫عواطف املحبة واجلمال فـي قلوب النا�س‬ ‫على اختالف اجنا�سهم ونحلهم ولذلك فنحن‬ ‫فرحون‪ ،‬وفرحون جد ًا‪.‬‬ ‫لقد �سمعنا وقر�أنا عنك املحبة لالطفال واننا‬ ‫�سعيدات لنكون م��ن اول�ئ��ك ال��ذي��ن �شرفتهم‬ ‫وتف�ضلت عليهم‪ ،‬وبا�سمهم نتقدم اليك وبا�سم‬ ‫اطفال هذا القطر لتتقبل منا هذه الزهور التي‬ ‫متثل عواطف احرتامنا و�سرورنا ورغباتنا‬ ‫الن تكون فـي زيارة مباركة و�سفر �سعيد"‪.‬‬ ‫ث��م ت�ق��دم ال�ي��ه اح��د اف ��راد اجل��ال�ي��ة الهندية‬ ‫وطوق عنقه بطوق من الزهور بديع‪ .‬وبعد‬ ‫ذلك نزل ال�شاعر االعظم من مركبة القطار بني‬ ‫الت�صفـيق والهتاف ورك��ب �سيارة اع��دت له‬ ‫وركبت معه كنته ف�سارت ال�سيارة اىل فندق‬ ‫"تايكري�س" تتبعها �سيارات عديدة‪ .‬وقد‬ ‫توافد على الفندق ف�ضالء العا�صمة العراقية‬ ‫وادبا�ؤنا للتحيب بهذه ال�شخ�صية الفذة‪.‬‬ ‫وقد ابدت ال�صحافة العراقية اهتماما كبريا‬ ‫ب��زي��ارة ط��اغ��ور اىل ب �غ��داد‪ .‬وع �ل��ى �سبيل‬ ‫املثال فان جريدة "االخاء الوطني" ن�شرت‬ ‫فـي العدد ‪ 179‬ال�صادر فـي ‪ 23‬اي��ار ‪1932‬‬ ‫��ص��ورة ط��اغ��ور فـي اعلى ال�صفحة االوىل‬ ‫وكتبت حتتها "�ضيف العراق العظيم ال�شاعر‬ ‫الهندي االك�بر راب�ن��دران��ات طاغور" وعلى‬

‫اجلهة الي�سرى من ال�صفحة االوىل ن�شرت‬ ‫ترجمة له حتت عنوان‪" :‬رابندرانات طاغور‬ ‫�شاعر الهند العظيم وفـيل�سوفها الكبري"‪.‬‬ ‫وفـي ال�صفحة الثالثة من العدد نف�سه ن�شر‬ ‫مقال لالديب العراقي مهدي م�صطفى القزاز‬ ‫حتت عنوان "ر�سوال الثقافة رابندرانات‬ ‫ط��اغ��ور �شاعر احلكمة واجلمال" ج��اء فـي‬ ‫ختامه‪:‬‬ ‫"‪ ..‬وال��ي��وم ت��رح��ب دار ال �� �س�لام (يعني‬ ‫ب �غ��داد) م��ن اق���ص��اه��ا اىل ادن��اه��ا بر�سول‬ ‫الثقافة و��ش��اع��ر احل��ق واجل �م��ال واحلكمة‬ ‫و��ش�ي��خ فال�سفة ال���ش��رق وف�خ��ر ال�ه�ن��د ذات‬ ‫القدم العريق فـي املعرفة والعلوم والفل�سفة‪.‬‬ ‫وين�ش�أ من هذا الرتحيب العظيم �صلة جديدة‬ ‫توثقها املعرفة واالدب بعدما وثقتها ت�شابه‬ ‫احل��االت ال�سيا�سية وما يعاين كال البلدين‬ ‫من جور امل�ستعمر وارهاقه‪.‬‬ ‫وهذه ال�صلة هي التي نرجو ان تكون فاحتة‬ ‫اخ��اء وم��ودة ب�ين ال�شعبني جتنى منه امم‬ ‫ال�شرق اخلري العظيم والنفع امل�شرتك"‪.‬‬ ‫***‬ ‫فـي م�ساء االح ��د امل��واف��ق ‪� 22‬أي ��ار ‪1932‬‬ ‫اقامت جلنة االحتفال بطاغور حفلة كربى‬ ‫له فـي حديقة امانة العا�صمة بباب املعظم‬ ‫ح�ضرها رئي�س ال ��وزراء وبع�ض ال��وزراء‬ ‫وكبار ال�شخ�صيات الفكرية واالدبية وبع�ض‬ ‫وج��وه اجلالية الهندية فـي ب�غ��داد‪ .‬وكانت‬ ‫مو�سيقى اجلي�ش العراقي توا�صل عزفها‬ ‫بهذه املنا�سبة ال�سعيدة‪ .‬ومل��ا حلت ال�ساعة‬ ‫ال�ساد�سة ق��دم ال�شاعر الكبري ف��اخ��ذ بيده‬ ‫�سكرتري جلنة االحتفال اىل املحل املعدله‪.‬‬ ‫وبعد جلو�سه تقاطر عليه املدعوون يتقدمهم‬ ‫رئي�س ال� ��وزراء ال��ذي اقتعد كر�سيا جنب‬ ‫ال�شاعر العظيم‪ .‬وجل�س امل��دع��وون حول‬ ‫املوائد املنت�شرة فـي ارج��اء احلديقة‪ .‬وبعد‬ ‫ان ادي��رت اك��واب ال�شاي على احلا�ضرين‬ ‫قام احد اع�ضاء جلنة االحتفال وقدم اال�ستاذ‬ ‫ابراهيم حلمي العمر ال��ذي افتتح االحتفال‬ ‫بكلمة نفـي�سة ترجمها على االثر اال�ستاذ عبد‬ ‫امل�سيح وزير اىل االنكليزية ومما قاله فـيها‪:‬‬ ‫"�سيدي ال�شاعر االعظم‪� ،‬سيداتي و�سادتي‬ ‫جنتمع فـي هذا املكان لتكرمي �شاعر عظيم‪،‬‬ ‫��ش��اع��ر ان �� �س��اين وع��امل��ي‪ ،‬ه��و الفـيل�سوف‬ ‫الفذ‪ ،‬وحامل علم االن�سانية‪ ،‬وراي��ة العدل‪،‬‬ ‫وممثل الروح ال�سامي التي بد�أت تتمخ�ض‬ ‫به املدنيات احلديثة‪ ،‬هو من نراه بيننا االن‬ ‫فـي هيبته ووقاره‪ ،‬ونقر�أ فـي ا�سارير طلعته‬ ‫النبوغ والعبقرية وال��ذك��اء واالملعية‪ ،‬تلك‬ ‫املواهب التي قلما يجود الزمان بامثالها‪ ،‬هو‬ ‫ال�شاعر طاغور وهو هذا الفـيل�سوف اجلال�س‬ ‫بيننا حت ّفه املحبة واالكبار واالعجاب‪ .‬هو‬ ‫ه��ذا ال�شيخ اجلليل ال��ذي مل تقعده االيام‬ ‫وال �� �س �ن��ون ع��ن در����س ن�ف���س�ي��ات ال�شعوب‬ ‫وا�ستقراء مدنياتها واملقابلة بني حا�ضرها‬ ‫وغ��اب��ره��ا‪ ،‬ف��احت��ف دي ��وان الب�شرية باخلد‬ ‫ال�شعر وامتع االنتاج العقلي وال��ذي يزور‬ ‫العراق للدر�س والبحث وت�صفح ال�صورة‬ ‫احلقيقية لنه�ضته املجيدة‪ ،‬وا�سماع �شعب‬ ‫ع��ري��ق ف�ـ��ي االجم ��اد واحل �� �ض��ارات‪� ،‬شعبنا‬ ‫ال �ع��راق��ي‪ ،‬ان �� �ش��ودة م��ن ان��ا��ش�ي��ده اخلالدة‬ ‫التي �سرتتلها االج�ي��ال والع�صور اعجابا‬ ‫واغتباطا‪.‬‬ ‫اننا نحن ع�صبة االدب واخوان القلم والفكر‬ ‫فـي هذه البالد فخورون جدا بزيارة �شيخ‬ ‫فال�سفة الع�صر وامري البيان وال�شعر العاملي‬ ‫ط��اغ��ور ب�لادن��ا‪ .‬وت�ع��د ه��ذه ال��زي��ارة مقدمة‬ ‫ات�صال وثيق بني ادبينا العربي والعاملي‬ ‫وو�سيلة ح�سنة لرتكيز دعائم نه�ضتنا االدبية‬ ‫وت�سيريها فـي جمرى النه�ضات الراقية فـي‬ ‫االمم الراقية بحيث تكون موفـية بحاجات‬ ‫االمة وممثلة لنزعتها ومعربة عن �شعورها‬ ‫احل���ي واح �� �س��ا� �س �ه��ا ال �ع �م �ي��ق م ��ع مرافقة‬ ‫ال�ت�ط��ورات التي تولدها العالقات النامية‬ ‫بني �شعوب العامل على اختالفها‪ ،‬واذا كان‬

‫◄‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪12‬‬

‫‪13‬‬

‫العدد (‪)2304‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )16‬ت�شرين الثاين ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2304‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )16‬ت�شرين الثاين ‪2011‬‬

‫ن�شرت جملة ( دبي الثقافـية ) فـي عددها ل�شهر ايلول لهذا العام خربا مفاده ان اجلمعية العامة لالمم املتحدة �أقدمت على ما مل‬ ‫تقدم عليه من قبل منذ تاريخ ت�أ�سي�سها فـي عام ‪ ، 1945‬قررت ت�سمية عامنا احلايل بعام طاغور ‪� ،‬أطلق عليه ملنا�سبة االحتفال‬ ‫بذكرى والدته املائة واخلم�سني‪ .‬ومن اجلميل حقا ان تهتم املنظمة الدولية ب�أعالم الرتاث االن�ساين ‪ ،‬على الرغم من مهامها‬ ‫اجل�سيمة ‪ ،‬فالتاريخ االن�ساين لي�س التاريخ ال�سيا�سي فح�سب ‪ ،‬وما يحمله من م�شاهد املوت والدمار واالنهيار او م�شاهد االنبعاث‬ ‫واالعمار‪ .‬التاريخ االن�ساين احلقيقي هو تاريخ االبداع والتميز ‪ ،‬تاريخ من بقي فـي ذاكرة ال�شعوب ووجدانها على مر الع�صور‪.‬‬ ‫حري بالتنويه وجدير باالحتفال ‪ ،‬فقد ترك من‬ ‫وال ن�ضيف جديدا بالقول ان ال�شاعر الهندي الكبري طاغور ( ‪ 7 -1861‬اب ‪)1941‬‬ ‫ّ‬ ‫االثار والذكريات ال�شيء اجل�سيم واملمتع ‪ ،‬غري ان ما يهمنا من طاغور و�سريته الرائعة ‪ ،‬وما ينا�سب املقام هنا ‪ ،‬ان ال�شاعر الكبري‬ ‫زار العراق وا�ستقبل ا�ستقباال كبريا واحتفـي به وب�أبداعه فـي �أوائل الثالثينيات من القرن املن�صرم‪.‬ونعر�ض فـي هذا املقال‬ ‫بع�ض جمريات زيارته لبغداد ‪ ،‬وما احتجنته من م�شاهد وذكريات‪.‬‬

‫الزهاوي يحيي طاغور‬ ‫الدب �ن��ا ال�ق��وم��ي وج �ه��ة خ��ا��ص��ة ب�ن��ا وطابع‬ ‫يختلف عنه فـي �آداب االمم االخ��رى اال انه‬ ‫فـي الوقت نف�سه يجتمع ب��االدب االن�ساين‬ ‫فـي �سمو الهدف ونبل الغر�ض‪ ،‬فنحن نكرب‬ ‫م��ن ه��ذه اجل�ه��ة ب�ن��وع خ��ا���ص ف�ـ��ي ال�شاعر‬ ‫االعظم نزعته االن�سانية ال�صادقة‪ ،‬وجنل‬ ‫فـي ادبه الثمني تلك الروح العالية فـي الوقت‬ ‫الذي جند فـي نزعة ادبنا القومي ما يحقق‬ ‫حاجات بالدنا وميثل نف�سيتها ويرتجم عن‬ ‫رغائبها ويعرب باخال�ص عن عميق �شعورنا‬ ‫ورق �ي��ق اح���س��ا��س�ن��ا‪ .‬وه ��ذه احل��اج��ات هي‬ ‫رك��ن من ارك��ان ال�سلم ودع��ام��ة من دعامات‬ ‫ال �ع��دل‪ ،‬ين�شده ال�شاعر ط��اغ��ور ع��ن طريق‬ ‫االن�سانية‪ "...‬الخ‪..‬‬ ‫وبعد ان انتهى اخلطيب‪� ،‬صدحت املو�سيقى‪،‬‬ ‫ثم تقدم �أحد افراد ا�سرة التعليم فـي العراق‬ ‫والقى خطابا باللغة االنكليزية ا�شاد فـيه‬ ‫باجلانب ال�ترب��وي عند �شاعر الهند‪ ،‬ومما‬ ‫قاله بهذا ال�صدد‪:‬‬ ‫"‪ ..‬ان��ك معروف يا�سيدي‪ ،‬ل��دى الكثريين‬ ‫م�ن��ا ب�شعرك وفل�سفتك‪ ،‬ول�ك��ن القليل منا‬ ‫يعرف ان��ك كبري‪ ،‬وان��ك فـي جامعتك‪ ،‬وفـي‬ ‫م ��دار� ��س اح��ي��اء ال��ق��رى ال �ت��ي ت��دي��ره��ا قد‬ ‫تو�صلت اىل ا�سمى فل�سفة تربوية حا�ضرة‪،‬‬ ‫فقد جمعت اف�ضل ما تو�صل اليه الغرب مع‬ ‫روح�ي�ت��ك ال�سامية وحكمتك البليغة‪ ،‬وما‬ ‫اح��وج مدار�سنا نحن ال�ي��وم اىل االهتمام‬ ‫بالروحية ال�شرقية ال�سامية بجانب اهتمامها‬ ‫بالعلوم احلديثة"‪.‬‬ ‫ث��م ت�ق��دم ال�شاعر ال�ع��راق��ي الكبري معروف‬ ‫الر�صافـي (‪ )1945 – 1875‬ف�ألقى ق�صيدة‬ ‫بهذه املنا�سبة نالت ا�ستح�سان احلا�ضرين‪،‬‬ ‫وك��ان ع�ن��وان الق�صيدة "احلقيقة املطلقة"‬ ‫اقتطف منها االبيات التالية‪:‬‬ ‫ما للحقيقة من بداية‬ ‫كال ولي�س لها نهاية‬ ‫هي عند ارباب العقو‬ ‫ل �أقل من حد وغاية‬ ‫خفـيت‪ ،‬ولكن كم وكم‬ ‫ظهرت لها فـي الكون �آية‬ ‫كم راح مرفوعا لها‬ ‫فوق الربى علم وراية‬ ‫اىل ان يخاطب طاغور قائال‪:‬‬ ‫ف�أليك يا طاغور جئت‬ ‫عن احلقيقة واحلكاية‬ ‫انت الذي قال احلقيـــ‬ ‫ـــقة بال�صراحة والكناية‬ ‫ما �أخط�أت �سنن االىل‬ ‫اذ هذبتك يد العناية‬ ‫ث��م ت��ق��دّم ال �� �ش��اع��ر ال �ك �ب�ير ج�م�ي��ل �صدقي‬ ‫الزهاوي ف�ألقى ق�صيدة طويلة بهذه املنا�سبة‬ ‫نالت اعجاب احلا�ضرين منها‪:‬‬ ‫�أيها ال�شاعر العظيم �سالم‬ ‫من حمب لأي �شعرك تال‬ ‫و�سالم عليك فـي كل يوم‬ ‫و�سالم عليك فـي كل حال‬ ‫معدن انت للق�صائد غ ّرا‬ ‫مثلما البحر معدن للآيل‬ ‫امنا هذا ال�شعر حني تغنيه‬ ‫على قربة بعيدة املنال‬

‫انني ال اخ�شى عليه زواال‬ ‫انه للخلود ال للزوال‬ ‫انت ان رمنا للنوابغ عدّا‬ ‫واحد من اولئك االبطال‬ ‫وقد قوبلت هذه الق�صيدة بالت�صفـيق احلاد‬ ‫وا�ستعيدت بع�ض ابياتها‪ .‬وبعد ف�ترة من‬ ‫ال�صمت نه�ض الدكتور طاغور والقى كلمة‬ ‫رائ�ع��ة ق��ال عنها انها ام��ان��ة م��ن قبل الهنود‬ ‫اخ��وان العراقيني فـي الهند‪ .‬وك��ان يع ّربها‬ ‫اال�ستاذ عبد امل�سيح وزير جملة جملة‪ .‬قال‬ ‫طاغور‪:‬‬ ‫ا�صحاب الفخامة واملعايل‬ ‫اخواين ال�شعراء‬ ‫�سيداتي و�سادتي‬ ‫ارفع بادئ بدء اىل ح�ضرة �صاحب اجلاللة‬ ‫امللك فـي�صل �شكري ال�صميم لتف�ضل جاللته‬ ‫ب��دع��وت��ي اىل مملكته‪ ،‬وب��ذل��ك متكنت من‬ ‫الوقوف بينكم فـي هذه ال�ساعة التي ا�شهد‬ ‫فـيها بعث امة قدمية واختمار حياة مبدعة‬ ‫تن�شىء ثقافتها من �أجل احل�صول على حرية‬ ‫جميدة غنية بجالل التعبري عمّا فـي ذاتها‪.‬‬ ‫ف�أ�شعر بانني فـي حميط م�شبع بتوثيق‬ ‫ال�شباب ال��ذي يح ّرك ق��ارة �آ�سيا اليوم‪ .‬ذلك‬ ‫التوثب الذي ي�ستفزه ع�صر م�آت جديدة‪.‬‬ ‫وي ��ؤ� �س �ف �ن��ي ان ��س�ن��ي و� �ص �ح �ت��ي‪ ،‬ع �ل��ى ما‬ ‫تعلمون‪ ،‬ال ي�ساعدانني على حتمل م�شقات‬ ‫ال�سفر وال�ت�غ�ل��ب ع�ل��ى ن��زع�ت��ي اىل العزلة‬ ‫واالنفراد‪ .‬لذلك ي�ستحيل علي‪ ،‬هذه حالتي‬ ‫اجل�سمانية‪ ،‬ان انزل عند امالكم فـي القابل‬ ‫بال�شيء الكثري ترحيبكم بي‪ ،‬هذا الرتحيب‬ ‫املفعم بجم اللطف وغمر الف�ضل‪.‬‬ ‫لقد ات�صل ب��ي ان ال��دع��وة فـي ه��ذا اليوم‬ ‫ج��اءت �ن��ي م��ن ادب� ��اء ب� �غ ��داد‪ .‬ف �م��ن اللباقة‬ ‫ان تقيم ع�ترة حملة االق�ل�ام‪ ،‬ال�ت��ي افتخر‬ ‫باالنتماء اليها‪ ،‬اول حفلة عامة لالحتفاء‬ ‫بي‪ ،‬ويرتع قلبي ال�سرور ان اعلم ان كتبي‬ ‫�سبقت فع ّرفتني اليكم وان بع�ضها قد نقل‬ ‫اىل لغتكم وان لها فـي قلوبكم منزلتها‪ .‬وهذا‬ ‫دليل �آخ��ر على ان ال ف��روق فـي ال�ع��رق فـي‬ ‫دول��ة االدب‪ ،‬وان��ه لفـي م�ستطاع افكارنا ان‬ ‫تتالقى وتتمازج وتتكاتف على ت�شييد �صرح‬ ‫كمال نحلم به – �صرح يحتوي خري االن�سان‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫االبدي‪.‬‬ ‫لقد ق�سا قلب التاريخ الب�شري على االن�سان‬ ‫ف�أملي ج�شع االقوياء �شروطه الثقيلة على‬ ‫االق � ��وام ال�ضعيفة ف��اره�ق�ه��ا وا�ستثمرها‬ ‫ال�شباع نهمه الدن�س‪ .‬وقد مزق االمل والريبة‬ ‫او�صال الب�شرية وذلك بتفريق الكلمة تفريقا‬ ‫فتك الفتك املريح ب�صميم حياتنا على وجه‬ ‫الب�سيطة‪ ،‬فعلينا نحن اخوان االدب ان ننقذ‬ ‫االن�سانية من هذا ال�شقاء املنطوي على عالقة‬ ‫غري طبيعية‪ ،‬وان ننه�ض بال�شعوب املختلفة‬ ‫اىل م�ستوى كيان ارف��ع‪ .‬وعلينا ان ن�سعى‬ ‫اىل ه��ذه الغاية مهما تباينت االقطار التي‬ ‫ننتمي اليها‪ .‬ولننب ا�سا�سا متينا للت�آخي على‬ ‫ه��ذا امل�ستوى – م�ستوى امل�ساعي املتحدة‬ ‫للت�أليف بني القلوب‪.‬‬ ‫علينا ان نف�سح الطريق لع�صر العقل – ع�صر‬ ‫التعاون – ع�صر تبادل الثقافات تبادال �سمحا‬ ‫يك�شف لنا الكنوز الثمينة الدفـينة فـي قلب‬ ‫االن�سانية املت�آخية املتحدة‪.‬‬ ‫فـيا ايها االخوان‪ ،‬لقد جئتكم حامال بني حنايا‬ ‫ال�ضلوع هذه الرغبة ال�شديدة‪ .‬فلأفرغن من‬ ‫قلبي ه��ذا ال�سر املنطوية عليه زيارتي اىل‬ ‫بالدكم‪.‬‬ ‫لقد قدمت اليكم النا�شدكم الله‪ ،‬ايها االخوان‬ ‫‪ ،‬ان تعقدوا معنا اخلنا�صر فـي مكافحة خطر‬ ‫ال�شكوك املتبادلة – مكافحة نفاق ال�سيا�سة‬ ‫الدولية الذي ميزق اليوم قلب حياة الب�شر‬ ‫املدنية‪ .‬ففـي امل��ع ع�صور تاريخكم املجيد‬ ‫ب�سطت جزيرة العرب �سيادتها على ن�صف‬ ‫العامل فـي ال�شرق وفـي الغرب ‪ ،‬وحتى االن‬ ‫ال يزال نفوذها امل�ستحوذ على الهند باديا فـي‬ ‫حياتنا الروحية والعقلية‪ ،‬نظرا اىل وجود‬ ‫جانب عظيم من �سكان البالد امل�سلمني فـي‬ ‫و�سطنا‪ .‬فارفعوا �صوتكم مرة اخرى ليقطع‬ ‫�صداه بحر العرب حامال ما ينطوي عليه من‬ ‫جالل املثل العاملي االعلى"‪ ...‬الخ‪...‬‬ ‫وب�ع��د ان انتهى ال�شاعر العظيم م��ن القاء‬ ‫كلمته �س�أل احلا�ضرين اذا كانوا يرغبون‬ ‫فـي ان ي�سمعوا ق�صيدة منه وعمّا اذا كانت‬ ‫تلقى باالنكليزية او الهندية او باللغتني على‬ ‫التوايل ف�صاح احلا�ضرون لتقر�أ باللغتني‪.‬‬ ‫فبدا طاغور بان�شاد ق�صيدته باالنكليزية ثم‬ ‫ان�شدها ثانية بالهندية بطريقته ال�ساحرة فـي‬

‫االلقاء‪ .‬وكانت الق�صيدة بعنوان‪" :‬ده�شمايا‬ ‫– �صراع النف�س العنيف فـي خيبتها" وهذا‬ ‫ن�ص ترجمتها العربية‪:‬‬ ‫"ايها الطائر طائري‬ ‫اعرين �سمعك‪ ،‬وال تخف�ض جناحيك‬ ‫وان م�شى امل�ساء اليك متثاقل اخلطى‬ ‫وقد �أوما اىل االغاريد طرا باالنقطاع‬ ‫وان ه ��د�أ ج��ا���ش احل �ن��ان ف�ـ��ي نف�سك وانت‬ ‫م�ضنى‬ ‫وان وخم اخلو�ض فـي الظالم وتوارت طلعة‬ ‫ال�سماء خلف برقع الديجور‬ ‫***‬ ‫لي�ست اجلهومة التي ت�ستقبلك عبو�سة اوراق‬ ‫الغابة‬ ‫بل ال��ذي ت��راه ام��واج اخل�ضم املتقلبة تقلب‬ ‫ا�سود عربيد‬ ‫ولي�س امل�شهد الذي ننظره رق�ص اليا�سمني‬ ‫الزاهر‬ ‫بل ذلك االهتزاز زبد وام�ض‬ ‫ايه ايها الطائر‬ ‫اين ال�شاطىء االخ�ضر فـي نور ال�شم�س‬ ‫اين ع�شك‬ ‫اال ايها الطائر‪ ،‬طائري‪ ،‬انت اىل ن�صحي وال‬ ‫تخف�ض جناحيك‬ ‫ارى وح�شة الليل راب�ضة على �سبيلك‬ ‫والفجر غارقا فـي �سبات عميق وراء التالل‬ ‫ال�ضليلة‬ ‫هو ذا الزهر النريات حاب�سة انفا�سها تعد‬ ‫الورد‬ ‫وال�ق�م��ر ال���ش��اح��ب ي�سبح ف�ـ��ي جل�ن��ة الليل‬ ‫العميق‬ ‫فـيا ايها الطائر‪ ،‬طائري‪ ،‬ا�سمع كالمي وال‬ ‫تخف�ض جناحيك‬ ‫***‬ ‫لقد انقطع حبل املك وانحلت �سورة اخلوف‬ ‫عنك‬ ‫فال نب�سة وال هم�سة وال �صرغة‪ ،‬بعد الآن‬ ‫ول��ن جت��د ل��ك دارا ت� ��أوى ال�ي�ه��ا وال فرا�شا‬ ‫ت�ضطجع عليه‪ ،‬وال مرقدا ت�سرتيح فـيه‬ ‫فلي�س ل��ك االن غ�ير جناحيك وغ�ير جماهل‬ ‫الف�ضاء التي ال تهتدي فـيها اىل طريق‬ ‫فـيا ايها الطائر‪ ،‬طائري‪ ،‬ا�سمعني وال تخف�ض‬ ‫جناحيك‪.‬‬

‫وفـي م�ساء اليوم الرابع والع�شرين من �أيار‬ ‫‪ 1932‬اقام نادي املعلمني حفلة ع�شاء لتكرمي‬ ‫طاغور فـي فندق "نايكر�س باال�س" وافتتح‬ ‫احللة اال�ستاذ متي عقراوي بكلمة رحب فـيها‬ ‫با�سم ن��ادي املعلمني باملحتفلني به واعقبه‬ ‫املحامي انور �شا�ؤول فالقى ق�صيدة لطاغور‬ ‫ث��م خطب اال��س�ت��اذ حم�م��ود فهمي دروي�ش‬ ‫فا�شاد ب��أخ�لاق �شاعر الهند وعر�ض جانبا‬ ‫من جوانب حياته النرية‪ .‬فاجابهم ال�شاعر‬ ‫االع �ظ��م بالكلمة التالية ال�ت��ي اوج ��ز فـيها‬ ‫نظريته ال�صائبة فـي ا�صول التعليم ومهمة‬ ‫املعلم حيث قال‪:‬‬ ‫"انني ا�شعر نف�سي بني ا�صدقائي بالرغم‬ ‫من ان هذه هي املرة االوىل التي اراكم فـيها‬ ‫ورمب��ا تكون االخ�يرة‪ .‬فلذلك ل�ست م�ضطرا‬ ‫اىل تزييف الكالم وتنميق ع�ب��ارات ال�شكر‬ ‫امل�صطنعة‪ .‬فاعتقد ان ��ش�ك��ري ل�ك��م ظاهر‬ ‫و�صداقتي وا�ضحة‪.‬‬ ‫ح�سبما ا�ستنتجت من اقوال اخلطباء الذين‬ ‫�سبقوين انهم كانوا يفت�شون عن تعريف يل‬ ‫ليعرفونني به‪ ،‬ويخال ا ّ‬ ‫يل انهم مل يهتدوا‬ ‫اىل ذلك التعريف‪ .‬فمنهم من و�صفني بالرجل‬ ‫العظيم ومنهم بال�شاعر او بالفـيل�سوف وفـي‬ ‫احلقيقة انني �شخ�صيا ال اقدر ان اهتدي اىل‬ ‫تعريف اعرف به نف�سي‪ ،‬فانا �شاعر وك�شاعر‬ ‫انا معلم واين الفتخر بهذا اللقب‪.‬‬ ‫انتم معلمون واعتقد انكم م�شغوفون مبهنتكم‬ ‫واذا كانت احلالة ه��ذه فهاكم طريقتي فـي‬ ‫التعليم والرتبية‪:‬‬ ‫على كل معلم ان يكون �شاعرا الن ال�شاعر‬ ‫لديه خيال وعلى املعلم ان يكون خياليا لكي‬ ‫يتمكن من ان يت�صور عقلية الطالب ويغري‬ ‫عقليته وقت احلاجة اىل عقلية االطفال‪.‬‬ ‫يعتقد اغلب املعلمني مبا انهم كبار فـي ال�سن‬ ‫ال ي �ق��درون ان ي���ش�ع��روا ب�شعور االطفال‬ ‫وعقليتهم ولكن ذلك خط�أ حم�ض‪ .‬وهذا هو‬ ‫النق�ص الوحيد فـي املعلمني‪.‬‬ ‫ان �ن��ي ا� �ش �ع��ر ب���ش�ع��ور االط� �ف ��ال واعاملهم‬ ‫ب�ك��ل �شفقة وح �ن��ان واح �ت�رم ج�ه��د الطاقة‬ ‫�شخ�صياتهم وعقلياتهم ف�أكيف عقليتي ح�سب‬ ‫عقليتهم وادع�ه��م يعتقدون انهم ه��م الذين‬ ‫يتعلمون بانف�سهم ولي�س انا معلمهم‪ ،‬فبهذه‬ ‫الطريقة يعتمدون على انف�سهم وين�ش�أون‬ ‫رجاال معتمدين على نفو�سهم‪.‬‬ ‫انكم ال �شك ق��ر�أمت ع��ن حياتي �شيئا‪ ،‬فاين‬ ‫دخلت املدر�سة وان��ا ح��دث ولكنني كرهتها‬ ‫وك �ن��ت اع �ت�بره��ا مب �ث��اب��ة ��س�ج��ن للعذاب‪،‬‬ ‫فلذلك كنت انتعرب منها واق��ع حتت طائلة‬ ‫الق�صا�ص‪.‬‬ ‫وفن التعليم الع�صري يق�ضي على املدر�س اال‬ ‫يحتكر الكالم بل يبقى بامل�ؤخرة ويدع املجال‬ ‫اىل الطالب‪ .‬وانا �شخ�صيا ال اهتم باملناهج‬ ‫بقدر ما اهتم باجلو املدر�سي الذي يجب ان‬ ‫يكون م�شبعا باحلرية واال�ستقالل‪.‬‬ ‫لي�س املعلم احلقيقي م��ن ي�ن��ال ال�شهادات‬ ‫العالية‪ ،‬بل هو الذي ي�شعر بروحية التالمذة‬ ‫وه��ذا النوع من املدر�سني �صعب ايجادهم‬ ‫النهم الي��درب��ون بالتعليم بل يولدون وبهم‬ ‫هذه الفطرة الطبيعية‪.‬‬ ‫العلماء فـي الوقت احلا�ضر يفكرون مبختلف‬ ‫ا�ساليب الرتبية اذ يعتقدون ان العامل فـي‬ ‫طور وتطور فـي ا�ساليب الرتبية‪.‬‬

‫وختم ال�شاعر واملربي الكبري كالمه بعبارات‬ ‫رقيقة م�ؤداها انه يود ان نذكره لي�س كرجل‬ ‫عظيم او ك�شاعر او كمعلم بل ك�شخ�ص منا‬ ‫يعي�ش معنا ونعي�ش معه‪.‬‬ ‫وهل بعد هذا التوا�ضع ال��ذي اب��داه طاغور‬ ‫من توا�ضع؟!‬ ‫***‬ ‫ومما قاله "رابندرانات طاغور" فـي الدعوة‬ ‫التي اقامها له امللك فـي�صل االول عن دور‬ ‫العراق احل�ضاري‪:‬‬ ‫"‪ ..‬لقد قطعت احل�ضارة احل��دود ال�ضيقة‬ ‫وق�ضت على العزلة فهمنا ال�ي��وم ان نبني‬ ‫م�ستقبل االن �� �س��ان ع�ل��ى تفهم �شخ�صيتنا‬ ‫القومية املتباينة تفهما قيما يغني احلياة‪،‬‬ ‫وان نبنيه على الت�ساهل والتعاون احلبّي‬ ‫فـي م�سعانا ال�شاق لتحرير العقل الب�شري من‬ ‫�سورة احلماقة وال�شكوك املتبادلة‪ ،‬والعتاقه‬ ‫من التبجح بتذابح املللل و�شهوة الك�سب‪.‬‬ ‫واملي ان يفقه العراق هذه التبعة اخلطرية‬ ‫– تبعة احل�ضارة املقبلة‪ .‬فالعراق‪ ،‬وهو‬ ‫البقعة التي واكبت فـيها عقول �سكانها ع�صور‬ ‫بطولة عظيمة‪ ،‬وهو القطر الواقع فـي و�سط‬ ‫منطقة م �ع��دودة ه�م��زة و��ص��ل ب�ين ال�شرق‬ ‫وال �غ��رب‪ ،‬يحق ل��ه ان ي ��ؤم��ل ان��ه �سي�صبح‬ ‫يوما ما حلقة حية فـي �سل�سلة �شعوب العامل‬ ‫املتحد فـي امل�ستقبل‪ .‬فليظهر العراق – وله‬ ‫ب�صره املمتد اىل �آف��اق بعيدة جذابة وجوّ ه‬ ‫الالمع و�صدى �سمائه الندي وفـي�ض رافديه‬ ‫املتدفقني فـي ع�صور جمد زاهية – ليظفر‬ ‫بحقه فـي حرية غري حمدودة يتمتع بها فـي‬ ‫دولته العظيمة‪ ،‬وليعلن حتت قباب �سمائه‬ ‫الزرقاء جالل روح االن�سان ‪ ،‬وهي املقد�س‬ ‫الذي حتل فـيه روح الله‪.‬‬ ‫وفـي ختام الكالم اتلو �شعرا نظمته خمت�ص ًا‬ ‫بهذه الكلمة اليكم ترجمته‪:‬‬ ‫لقد اجنلى الليل‬ ‫فاطفئوا ال�سرح امل�شتعلة‪.‬‬ ‫فـي زواياكم ال�ضيقة‬ ‫زوايا �سوّ دها �سناج اللهيب‬ ‫ها هو ذا ال�صبح العظيم –‬ ‫متعة النا�س ط ّرا‬ ‫منبعثا فـي امل�شرق‬ ‫فليعلن نوره بع�ضنا لبع�ض‬ ‫نحن املدجلني فـي �صراط قبلة واحدة‬ ‫بغداد فـي ‪� 25‬أي��ار �سنة ‪( 1932‬رابندراات‬ ‫طاغور)‬ ‫***‬ ‫ورغب طاغور فـي م�شاهدة الرق�ص العراقي‬ ‫و�سماع املو�سيقى العراقية فه ّي�أ له ادباء‬ ‫العراق حفلة �شائقة م�ساء ‪� 29‬أيار ‪ 1932‬فـي‬ ‫ق�صر ال�شابندر املطل على نهر دجلة اجلميل‬ ‫فـي منطقة الكرادة ببغداد‪ .‬ونرتك "جريدة‬ ‫العراق" ال�صادرة فـي ‪� 31‬أيار ‪ 1932‬ت�صف‬ ‫لنا هذه احلفلة الفنية وانطباعات طاغور‬ ‫عنها‪ .‬قالت اجلريدة‪:‬‬ ‫"‪ ..‬وف �ـ��ي ال���س��اع��ة اخل��ام���س��ة والن�صف‬ ‫اقيمت حفلة �شائقة فـي ق�صر �آل ال�شابندر‬ ‫ع �ل��ى ��ض�ف��ة دج �ل��ة ال �ي �م �ن��ى ف �ـ��ي ال� �ك ��رادة‬ ‫وتربعت ال�سيدة جليلة املطربة واملغنية‬ ‫العراقية هي وجوقها باحل�ضور لتحقيق‬ ‫رغ �ب��ة ال���ش��اع��ر ال�ع�ظ�ي��م‪ .‬وح���ض��ر احلفلة‬ ‫جماعة من كبار ادباء العراق وبع�ض ارباب‬

‫ال�صحف"‪.‬‬ ‫وملا بد�أ جوق ال�سيدة جليلة بالعزف والغناء‬ ‫ا�ستغرق ال�شاعر االعظم فـي خياله واعرب‬ ‫لال�ستاذ ابراهيم حلمي العمر �سكرتري جلنة‬ ‫اال�ستقبال عن اعجابه العظيم باملو�سيقى‬ ‫ال �ع��راق �ي��ة ومب ��ا ي���ش�ه��ده م��ن ف��ن الرق�ص‬ ‫العراقي ال��ذي ق��ال عنه ان��ه اف�ضل من هذا‬ ‫ال��رق����ص ال�شائع فـي اوروب ��ا وادع ��ى اىل‬ ‫اللذة والبهجة‪.‬‬ ‫وق�ضى طاغور – كما قال – �ساعة من اهن�أ‬ ‫�ساعات حياته الطويلة احلافلة بامل�شاهد‬ ‫الرائعة‪.‬‬ ‫وقبيل االن�صراف نه�ض اال�ستاذ ابراهيم‬ ‫حلمي العمر فارجتل كلمة عن اث��ر زيارة‬ ‫الدكتور "رابندرانات طاغور" فـي احلركة‬ ‫االدب�ي��ة العراقية ومتنى ان يكون �شاعر‬ ‫الهند – وهو م�سافر اىل ب�لاده – قد مل�س‬ ‫جوانب ه��ذا ال��روح العراقي ال��ذي يقد�س‬ ‫العظمة والبطولة ويكرب العقول املنتجة‬ ‫ويحرتم العبقريات‪.‬‬ ‫وق��د ت��رج��م الكلمة اال� �س �ت��اذ ع�ب��د امل�سيح‬ ‫وزير‪.‬‬ ‫وتقول جريدة "العراق" فـي عددها امل�شار‬ ‫اليه‪:‬‬ ‫"وكانت ا��س��اري��ر ال�شاعر الكبري تربق‬ ‫ب�شرا و���س��رورا‪ ،‬ث��م انطلق كال�سيل يرد‬ ‫على خطبة �سكرتري اللجنة منوّ ها بالكرم‬ ‫ال �غ��رب��ي‪ ..‬و��ش�ك��ر جل�ن��ة اال��س�ت�ق�ب��ال التي‬ ‫ه�ي��أت ل��ه االط�ل�اع على نه�ضة ال�ع��راق من‬ ‫جميع ن��واح�ي�ه��ا‪ ،‬وق��د اك�ب�ر فـيها الهدف‬ ‫وال�شعور والثقة بالنف�س‪ .‬وامتدح ال�شاعر‬ ‫بلغة روح�ي��ة ب�لاد ال�ع��راق وخا�صة منظر‬ ‫دج �ل��ة اجل �م �ي��ل واث� �ن ��ى ع �ل��ى املو�سيقى‬ ‫العراقية والغناء القومي فـي هذه البالد‪.‬‬ ‫وانه يبارح البالد غدا حامال ل�شعبه احلي‬ ‫اخلد الذكريات‪.‬‬ ‫وفـي �صباح يوم االثنني املوافق ‪� 30‬أيار‬ ‫‪ 1932‬غ��ادر �شاعر الهند االعظم مع كنته‬ ‫العراق على منت طائرة هوالنديية قا�صدا‬ ‫مدينة "كلكتة" مودعا مبثل ما قوبل به من‬ ‫حفاوة وترحيب‪.‬‬ ‫وقبيل �سفره حيّا �شبيبة العراق فـي كلمة‬ ‫�شكر رائعة ملح فـيها �آفاق امل�ستقبل البا�سم‬ ‫لل�شباب ال�ع��راق��ي ال��و ّئ��اب وح� ّي��ا اجلهات‬ ‫االدبية والر�سمية التي اكرمته‪ .‬ومما قاله‬ ‫فـي حتيته ل�شباب العراق‪:‬‬ ‫"احيي ال�شبيبة العراقية‪ ،‬وانا فـي املرحلة‬ ‫االخ �ي��رة م ��ن م ��راح ��ل ع� �م ��ري‪ .‬واغتبط‬ ‫بالفر�صة ال�سانحة ل�ه��م لطبع م�صريهم‬ ‫ب�ط��اب��ع ج��دي��د ي�سم ح�ي��اة بعثهم قاطعني‬ ‫فـي م�ضمار تاريخهم �شوطا ينتهي بهم‬ ‫اىل م�سلك قومي وئ��اب ينف�ضون فـيه عن‬ ‫عواتقهم ك��ل ال��ذي ت��راك��م عليها م��ن اعباء‬ ‫العقم ورفات الع�صور املائتة‪ .‬واين الحيي‬ ‫فـي العراق روح��ه الفتية واحيي البطولة‬ ‫العزيزة واالل��ق اخل��ال��د فـي اول�ئ��ك الذين‬ ‫ي�سعون اىل م�ستقبل المع فـي ع�صر حافل‬ ‫باالبداع‪ "...‬الخ‪..‬‬

‫جملة املورد العدد‬ ‫ال�سابع ‪1978‬‬

‫وكان طاغور يحب ال�سفر والتجوال فـي �أنحاء العامل‪ ،‬وال �أدري‬ ‫هل كانت زياراته لدول عديدة تلبية لدعوات رفـيعة امل�ستوى‬ ‫ت�أتيه من تلك الدول ؟ فقد كان زاهدا متق�شفا‪ ،‬غري ان زيارته‬ ‫للعراق كانت بدعوة من ملك العراق فـي�صل االول‪ .‬وقد زار‬ ‫قبل هذا انكلرتا وفرن�سا واملانيا واليابان و�أمريكا واالحتاد‬ ‫ال�سوفـييتي وال�صني وجنوب افريقيا وكندا وايطاليا وتركيا‬ ‫وم�صر‪ .‬ويذكر ان امللك فـي�صل االول اراد ا�ستدعاء بع�ض‬ ‫ال�شخ�صيات االدبية والعلمية اىل العراق الطالعهم على معامل‬ ‫النه�ضة على عهده‪ ،‬ومن ه�ؤالء ال�شاعر الكبري احمد �شوقي‪ ،‬اال‬ ‫ان هذا اعتذر ملر�ضه وار�سل الفنان حممد عبد الوهاب عنه اىل‬ ‫املعر�ض ال�صناعي الزراعي فـي بغداد فـي ني�سان ‪ 1932‬وغنى‬ ‫فـيه ق�صيدة �شوقي (يا �شراعا وراء دجلة يجري)‪.‬‬ ‫وفـي الع�شرين من ايار �سنة ‪ 1932‬و�صل االديب الهندي‬ ‫الكبري رابندرنات طاغور اىل احلدود العراقية قادما من‬ ‫االرا�ضي االيرانية‪ ،‬عند بلدة خانقني ‪ .‬وكانت احلكومة‬ ‫العراقية قد اعدت وفدا ال�ستقباله عند احلدود‪ ،‬مكونا من عدد‬ ‫من املثقفـني العراقيني برئا�سة ال�شاعر جميل �صدقي الزهاوي‪،‬‬ ‫وفا�ضل اجلمايل وعبد القادر �أ�سماعيل وال�شيخ كمال الدين‬ ‫الطائي ونوري ثابت وال�شيخ حممد بهجة االثري وعبد امل�سيح‬ ‫وزير و�أنور�شا�ؤل وابراهيم حلمي العمر (اال�سماء ح�سب‬ ‫ال�صورة امللتقطة لهم مع طاغور فـي خانقني)‪.‬‬ ‫و�صل طاغور اىل االرا�ضي العراقية فـي ال�ساعة التا�سعة من‬ ‫�صباح ذلك اليوم ويرافقه القن�صل االيراين فـي بومبي جالل‬ ‫الدين كيهان والدكتور جاترجي اال�ستاذ فـي كلية طاغور فـي‬ ‫الهند و�سكرتري طاغورال�سيد جكراواردي وزوجة ابن طاغور‬ ‫املدعوة (كنته)‪ .‬كان ال�شاعر الزهاوي اول املتقدمني للرتحيب‬ ‫به وقال له ‪ :‬يرحب العراق ب�شاعر ال�شرق العظيم ويحيي فـيه‬ ‫العبقرية والنبوغ‪ .‬فرد عليه طاغور قائال ‪ :‬انني �سعيد مبجيء‬ ‫�شاعر العرب الكبري لتحيتي وهي حتية �شاعر ل�شاعر‪ .‬ثم التقطا‬ ‫�صورة وهما جنبا اىل جنب‪ .‬ثم تقدم اع�ضاء وفد اال�ستقبال‬ ‫ورحبوا بال�ضيف الكرمي‪ .‬وا�ستقل اجلميع ال�سيارات اىل حمطة‬ ‫قطار خانقني حيث اقيم احتفال ترحيبي بطاغور‪ ،‬ح�ضره كبار‬ ‫املوظفـني وطلبة املدار�س وفرق الك�شافة‪ .‬وبعد حفلة �شرب‬ ‫ال�شاي‪� ،‬صعد اجلميع القطار املتوجه اىل بغداد‪ .‬وعندما‬ ‫و�صل القطار اىل مدينق بعقوبة ا�ستقبل �ضيف العراق ا�ستقباال‬ ‫ر�سميا و�شعبيا كبريا‪ .‬وتابع القطار �سريه نحو بغداد‪ ،‬وعلى‬ ‫امتداد الطريق جرى حديث ادبي ماتع بني طاغور واللجنة‬

‫اخلا�صة مبرافقته‪ ،‬وكان احلديث يدور حول نه�ضة ال�شرق‬ ‫وتطلعه اىل حياة جديدة‪ ،‬وكان طاغور ي�س�أل عن احوال العراق‬ ‫وما ينتجه �صناعيا وزراعيا وفكريا‪.‬‬ ‫وفـي ال�ساعة ال�ساد�سة والن�صف من م�ساء اليوم و�صل القطار‬ ‫بغداد‪ ،‬وكانت حمطة القطار غا�صة بامل�ستقبلني من كبار‬ ‫ال�شخ�صيات االدبية والعلمية وموظفـي الدولة وعدد من‬ ‫ال�شخ�صيات الن�سوية‪ ،‬ا�ضافة اىل عدد كبري من اجلالية الهندية‬ ‫فـي العراق‪ .‬وما ان نزل طاغور من عربة القطار حتى عال‬ ‫اجلو �صوت الت�صفـيق والهتاف‪ ،‬ثم تقدمت طالبة من املدر�سة‬ ‫املركزية للبنات والقت خطبة باللغة االنكليزية‪ .‬وتقدم احد‬ ‫اع�ضاء اجلالية الهندية وطوق عنقه بطوق من الزهور‪ .‬وبعدها‬ ‫ا�ستقل �سيارة خا�صة نقلته اىل مكان اقامته فـي بغداد وهو‬ ‫فندق ق�صر دجلة (تايكر�س بال�س) فـي �شارع الر�شيد (ال�سنك)‪.‬‬ ‫وفـي اليوم التايل ا�ستقبل طاغور فـي مقره املرحبني به من‬ ‫جميع طبقات ال�شعب و�شرائحه الثقافـية‪ .‬وكانت الق�صائد‬ ‫والكلمات تتلى امامه‪ ،‬وقد تناوب على الرتجمة اثنان من‬ ‫املرتجمني احدهما عراقي وهو اال�ستاذ عبد امل�سيح وزير‪،‬‬ ‫والثاين كان هنديا يعمل فـي املقيمية الربيطانية ببغداد‪ .‬اما‬ ‫ماجرى لطاغور ببغداد بعد هذا‪ ،‬فنجمله فـي الفقرات التالية ‪:‬‬ ‫اول حفلة اقيمت لطاغور‪ ،‬نظمتها جلنة االحتفال به م�ساء يوم‬ ‫‪ 23‬ايار على حديقة امانة العا�صمة املجاورة لقاعة امللك فـي�صل‬ ‫(ال�شعب فـيما بعد)‪ ،‬ح�ضرها رئي�س الوزراء والوزراء والنواب‬ ‫وكبار ال�شخ�صيات العراقية واالجنبية‪ .‬وبد�أت بو�صالت‬ ‫مو�سيقية لفرقة مو�سيقى اجلي�ش ثم كلمة جلنة االحتفال‬ ‫القاها ابراهيم حلمي العمر‪ ،‬وفـي هذه احلفلة القى ال�شاعر‬ ‫الكبري معروف الر�صافـي ق�صيدته ال�شهرية (احلقيقة املطلقة)‬ ‫�ضمنها العديد من افكاره فـي وحدة الوجود‪ ،‬وهي ما اعتنقه‬ ‫الر�صافـي بعد بحث وتفكري طويلني وف�صله فـي كتابيه (ر�سائل‬ ‫التعليقات) و("ال�شخ�صية املحمدية)‪ ،‬وجتد ن�صها فـي ديوان‬ ‫الر�صافـي (اجلزء االول �ص‪ ،)115‬ومطلعها‪:‬‬ ‫ما للحقيقة من بداية كال ولي�س لها نهاية‬ ‫كما القى ال�شاعر الكبري جميل �صدقي الزهاوي ق�صيدة جتد‬ ‫ن�صها فـي ديوانه (االو�شال)‪ ،‬مطلعها‪:‬‬ ‫كنت طاغور ماثال فـي خيايل‬ ‫حيثما التفت اجدك حيايل‬ ‫ثم القى ال�شيخ حممد بهجة االثري ق�صيدته ومطلعها‪:‬‬ ‫ب�سمت لبغداد وبغداد ثاكلة‬ ‫فلم تر اال ان ته�ش جماملة‬ ‫وكانت ق�صيدة االثري من ال�شعر ال�سيا�سي اذ �ضمنها �شكواه‬ ‫من الواقع ال�سيا�سي فـي العراق يومئذ‪ .‬والقى ال�شاعر العظيم‬ ‫طاغور كلمة رائعة ترجمها للحا�ضرين اال�ستاذ عبد امل�سيح‬ ‫وزير‪ ،‬واردفها بق�صيدة جميلة من �شعره‪ ،‬القاها باللغتني‬ ‫الهندية واالنكليزية‪ .‬وكانت زوجة ابنه (كنته) تلقي ق�صيدته‬ ‫مغناة‪.‬‬ ‫* واقام نادي املعلمني حفلة ع�شاء ل�ضيف العراق يوم ‪24‬‬ ‫ايار فـي الفندق نف�سه الذي يقيم فـيه ال�شاعر الهندي الكبري‬ ‫(تايكر�س بال�س)‪ ،‬افتتح احلفلة اال�ستاذ متي عقراوي عميد‬ ‫دار املعلمني‪ ،‬ثم القى ال�شاعر انور �شا�ؤل ق�صيدة باملنا�سبة‬ ‫(مذكراته �ص‪ ،)181‬اعقبه اال�ستاذ حممود فهمي دروي�ش‪.‬‬ ‫وانتهى احلفل بكلمة عن املعلم والتعليم القاها ال�ضيف الكرمي‪.‬‬ ‫*وفـي ق�صر ال�شابندر املطل على دجلة فـي الكرادة اقيمت‬ ‫حفلة �شائقة لل�ضيف احيتها املطربة العراقية جليلة وجوقها‬ ‫املو�سيقي‪ ،‬وقد ا�ستمع طاغور للغناء العراقي وابدى اعجابه‬ ‫باملو�سيقى العراقية وما �شاهده من رق�ص جميل‪ ،‬وانتهت‬ ‫احلفلة بكلمة البراهيم حلمي العمر �سكرتري جلنة اال�ستقبال‪.‬‬ ‫* وكان يوم االثنني الثالثني من ايار‪ 1932‬يوم وداع طاغور‬ ‫فـي مطار بغداد املدين‪ ،‬فا�ستقل طائرة هولندية اىل كلكتا فـي‬ ‫الهند‪ ،‬وقد ودع مبثل ما ا�ستقبل من حفاوة وترحيب‪.‬‬ ‫* ومن الطريف ذكره ان مغنية عراقية �شهرية هي زكية جورج‬ ‫غنت من �شعر طاغور اغنية (يا بالبل غن جلريانك غن وتفنن‬ ‫باحلانك) واعيد غنا�ؤها فـي ال�سنوات التالية با�صوات اخرى‪.‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪14‬‬

‫‪15‬‬

‫العدد (‪)2304‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )16‬ت�شرين الثاين ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2304‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )16‬ت�شرين الثاين ‪2011‬‬

‫طاغور‪ ..‬حياة بين العواصف وعشق السالم‬

‫اىل طاغور‬

‫الحقيقة المطلقة‬ ‫معروف الر�صافـي‬ ‫ان�شدها ال�شاعر الكبري معروف الر�صافـي فـي احلفلة التي اقيمت‬ ‫م�ساء ‪ 22‬ايار ‪ 1932‬ل�شاعر الهند الكبري وفـيل�سوفها طاغورحني زار‬ ‫بغداد‪.‬وقد انطوت الق�صيدة على بع�ض املعاين الفل�سفـية التي‬ ‫اعتنقها الر�صافـي ‪ ،‬وال ريب ان احلقيقة التي ق�صدها ال�شاعر هي‬ ‫الذات االلهية كمافـي فكرة وحدة الوجود التي مل يجد الر�صافـي‬ ‫حمي�صا من االميان بها بعد بحث وتفكري‪ .‬وقد ف�صل فـيها القول فـي‬ ‫كتابيه ( ر�سائل التعليقات ) و( ال�شخ�صية املحمدية )‪ .‬وكان اال�ستاذ‬ ‫عبد امل�سيح وزير يرتجم لل�شاعر الهندي ما يذكره �شاعرنا اىل‬ ‫اللغة االنكليزية‪.‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫م��ال��ل��ح��ق��ي��ق��ة م���ن ب��داي��ه‬ ‫ه���ي ع��ن��د ارب�����اب ال��ع��ق��و‬ ‫خ��ف��ـ��ي��ت ول���ك���ن ك���م وك��م‬ ‫ك����م راح م���رف���وع���ا ل��ه��ا‬ ‫ه���ي ف��ـ��ي م��ق��ام ظ��ه��وره��ا‬ ‫م����اب��ي�ن اع���ي��ن م����ن ي���رو‬ ‫ف���ل���و اجن����ل����ت غ��ف�لات��ن��ا‬ ‫ه���ي م��ن��ظ��ر ف��ـ��ي��ه اجل�لا‬ ‫هي فـي الطبيعة ت�ستفـيـ‬ ‫هي فـي ال�ضياء وفـي الظال‬ ‫هي فـي الف�ضيلة والف�ضو‬ ‫هي فـي اللباب وفـي الق�شو‬ ‫هي فـي ال�سالم وفـي احلرو‬ ‫ه���ي ك���ل م��ا���ش��ك��ت ال�شكا‬ ‫ه��ي ف��ـ��ي ال��رم��اة اذا رم��وا‬ ‫ه��ي ف��ـ��ي العفـــــــــــــــا‬ ‫هي فـي الغيا�ض وفـي الريا‬ ‫ه���ي ف��ـ��ي امل���غ���اين وامل��ب��ا‬ ‫ه���ي ف��ـ��ي ال��غ��ب��اء وال��ذك��ا‬ ‫هي فـي امل�لاح وفـي القبا‬ ‫واىل احل��ق��ي��ق��ة تنتهي‬ ‫ه��ي م��ن مي���وت وم���ن يعيـ‬ ‫ه���ي ك���ل م���ا وع����ت ال��ع��ق��و‬ ‫م��ن��ه��ا ال��ف��ن��ا وب���ه���ا ال��ب��ق��ا‬ ‫ل��ي�����س ال����وج����ود ل��غ�يره��ا‬ ‫واذا ن����ظ����رت ال��ك��ائ��ن��ا‬ ‫اين ارى ����س���ر احل���ق���ي‬ ‫وارى ال���وج���ود وان تعـ‬ ‫ال���ي���ك( ي���ا ط���اغ���ور) جئـ‬ ‫ان����ت ال�����ذي ق����ال احل��ق��ي��ـ‬ ‫م���ا اخ���ط����أت ���س�نن ال��ع�لا‬ ‫ال زل����ت م�����ش��م��ول اجل��ن��ا‬

‫ك���ل��ا ول����ي���������س ل����ه����ا ن���ه���اي���ه‬ ‫ل اج������ل م�����ن ح�����د وغ���اي���ه‬ ‫ظ���ه���رت ل��ه��ا ف��ـ��ي ال���ك���ون اي��ه‬ ‫ف������وق ال�����رب�����ا ع���ل���م وراي������ه‬ ‫ك��ال�����ش��م�����س حت��ج��ب��ه��ا غ��ي��اي��ه‬ ‫ن وب����ي����ن����ه����ا اال ����ش���واي���ه‬ ‫ل��ت��ك�����ش��ف��ت ع���ن���ا ال���ع���م���اي���ه‬ ‫ل����وخم��ب�ر ف���ـ���ي���ه ال���ك���ف���اي���ه‬ ‫���ض ع��ل��ى ال���وج���ود ل��ه��ا ج��راي��ه‬ ‫م وف��ـ��ي امل�سري وف��ـ��ي ال�سرايه‬ ‫ل وف��ـ��ي النقي�صة وال���زراي���ه‬ ‫ر وف���ـ���ي احل���ث���ال���ة وال��ن��ف��اي��ه‬ ‫ب وف���ـ���ي ال����ه����وادة وال��ن��ك��اي��ه‬ ‫ة وك�����ل م����ا ب���ع���ث ال�����ش��ك��اي��ه‬ ‫وه���ي اال���ص��اب��ة ف��ـ��ي ال��رم��اي��ه‬ ‫ء وف��ـ��ي اجل��ن��اة وف��ـ��ي اجلناية‬ ‫���ض وف��ـ��ي ال��ف��را���ش��ة واجل��داي��ه‬ ‫ين وال�����ب�����ن�����اة وال���ب���ن���اي���ه‬ ‫ء وف��ـ��ي ال�����ش��ف��اع��ة وال��و���ش��اي��ه‬ ‫ح وف��ـ��ي ال��ر���ش��اد وف��ـ��ي الغوايه‬ ‫ط�����رق ال�������ض�ل�ال���ة وال���ه���داي���ه‬ ‫������ش وك�������ل ق����اب����ل����ة وداي�������ه‬ ‫ل وك�����ل م����ا روت ال����رواي����ة‬ ‫وم�����ن ال���ف���ن���اء ه����ي ال���وق���اي���ه‬ ‫اال خ�����ي�����اال ف����ـ����ي م����راي����ه‬ ‫ت ب��ا���س��ره��ا ف��ه��ي ال�����س��ن��اي��ه‬ ‫ق����ة ك���ائ���ن���ا ف���ـ���ي ال�لان��ه��اي��ه‬ ‫د واح���������دا ع���ن���د ال�����دراي�����ة‬ ‫ت ع���ن احل��ق��ي��ق��ة ب��احل��ك��اي��ه‬ ‫ق���ة ب��ال�����ص��راح��ة وال��ك��ن��اي��ه‬ ‫اذ ه���ذب���ت���ك ي�����د ال���ع���ن���اي���ه‬ ‫ب م���ن احل��ق��ي��ق��ة ب��ال��رع��اي��ة‬

‫اعداد ‪ /‬منارات‬ ‫"مهما يكن م��ن ��ش��يء ف���إين ل��ن �أرت �ك��ب اخلطيئة‬ ‫اخل� �ط�ي�رة‪ :‬خ�ط�ي�ئ��ة ف� �ق ��دان الإمي� � ��ان ب��الإن �� �س��ان‪،‬‬ ‫وال��ر� �ض��وخ ل�ل�ه��زمي��ة ال �ت��ي ح��اق��ت ب �ن��ا يف الوقت‬ ‫احلا�ضر على اعتبارها نهائية وحا�سمة" كانت هذه‬ ‫هي كلمات ال�شاعر الهندي العظيم رابندرانات طاغور‬ ‫والتي دونها مبقدمة كتابه "البيت والعامل" ترجمة د‪.‬‬ ‫�شكري حممد عباد عن "دار الهالل"‪.‬‬ ‫ويف �شهر اب حلت ذك��رى ط��اغ��ور حائز نوبل يف‬ ‫الآداب ل �ع��ام ‪ ،1913‬وال���ذي ق ��ررت منظمة الأمم‬ ‫املتحدة للعلوم والثقافة "اليون�سكو" تخ�صي�ص عام‬ ‫‪ 2011‬مبنا�سبة مرور ‪ 150‬عام ًا على ميالده‪.‬‬ ‫قال طاغور يوما يف كتابه "الإ�سالم ور�سوله يف فكر‬ ‫ه�ؤالء"‪:‬‬ ‫"الإ�سالم دين عظيم‪ ،‬ا�ستطاع �أن ي�شد �إليه النا�س‬ ‫يف كل مكان‪ ،‬ل��ذا ف��اع��دا�ؤه ك�ث�يرون‪ ،‬لكنه لب�ساطته‬ ‫القوية‪� ،‬سيظل رافع ًا راياته"‪.‬‬ ‫كما قال يف ق�صيدة له ‪�" :‬س�أحطم احلجر و�أنفذ خالل‬ ‫ال�صخور و�أفي�ض على الأر�ض و�أملأها نغما‪� ،‬س�أنتقل‬ ‫من قمة �إىل قمة‪ ،‬ومن تل �إىل تل‪ ،‬و�أغو�ص يف واد‬ ‫وواد‪ .‬و�س�أ�ضحك مبلء �صدري و�أجعل الزمن ي�سري‬ ‫يف ركابي"‪ ،‬وت�شري ه��ذه الكلمات حل�ي��اة طاغور‬ ‫بالفعل حيث متكن م��ن ال��و��ص��ول لكل ب�لاد العامل‬ ‫ب�شعره و�أفكاره‪ ،‬و�إميانه القوي بالإن�سان والطبيعة‪،‬‬ ‫وو�صف نف�سه من قبل ب�أنه "كالبخور ال ينت�شر عطره‬ ‫ما مل يحرق"‪.‬‬

‫ق�صة حياة‬

‫ولد طاغور يف ال�ساد�س من مايو عام ‪ 1861‬يف ق�صر‬ ‫"جورو�سنكو" مبدينة كلكتا فكان �سليل �أ�سرة هندية‬ ‫عريقة‪ ،‬و�أ�صغر �أخواته ال�سبعة‪� ،‬أطلق عليه والده‬ ‫ا�سم "رابندار" ويعني "ال�شم�س" تيمن ًا ب�أنه �سي�شرق‬ ‫كال�شم�س‪ ،‬وكان والده �أحد �أعالم نحلة "اليوباني�شاد"‬ ‫الدينية التي تركت يف الهند �أثر ًا �صوفي ًا بالغ ًا‪.‬‬ ‫وح��ر���ص ال��وال��د على تعليم �إب �ن��ه وا�صطحابه يف‬ ‫رحالت كثرية كان �أبعدها �أث��ر ًا يف نف�سه رحلته �إىل‬ ‫جبال الهيمااليا‪ ،‬ثم جاء �أث��ر رحيل الأم قا�سيا على‬ ‫نف�س طاغور‪ ،‬وظل يتذكرها وي�شعر بفجيعة فقدها‬ ‫وهو ال يزال �صغريا ‪ .‬ورمبا هذا ما دفعه للت�أمل املبكر‬ ‫يف الطبيعة ويعتربها رفيقه اجلديد ‪.‬‬ ‫حينما �أ�صبح �صبيا‪ ،‬بد�أ طاغور يف التمرد على بع�ض‬

‫التقاليد املتبعة ومنها الإكراه على الزواج وبدا ذلك‬ ‫يف روايته "حطام ال�سفينة" وحينما تزوج يقول عن‬ ‫زوجته " لقد داعبت مو�سيقا الأ�شياء كلها �أع�ضاءها‬ ‫لتمنحها �إه��اب اجلمال‪� ،‬إنها زوج��ي ‪ ...‬لقد �أ�شعلت‬ ‫م�صباحها يف بيتي و�أ�ضاءت جنباته"‪.‬‬ ‫ولكن ال�سعادة ال تدوم فقد رحلت زوجته خملفة ثالثة‬ ‫�أطفال وهي يف ريعان �شبابها‪ ،‬وحلق بها �إبنه وابنته‬ ‫و�أبوع يف فرتات متتابعة مما خلف يف نف�سه جرح ًا‬ ‫عميق ًا‪ .‬ولكن طاغور يكتب يف ديوانه "الهالل" يقول‬ ‫‪�" :‬إن عا�صفة املوت التي اجتاحت داري �أ�ضحت يل‬ ‫نعمة ورحمة‪ ،‬فقد �أ�شعرتني بنق�صي وحفزتني على‬ ‫ن�شدان الكمال و�ألهمتني �أن العامل ال يفتقد ما ي�ضيع‬ ‫منه"‪.‬‬ ‫ونال طاغور ب�سبب ديوانه "جيتنجايل" جائزة نوبل‬ ‫ل�ل�آداب وك��ان �أول �شاعر �شرقي يفوز بها حتى قال‬ ‫الكاتب الفرن�سي �أندريه جيد "لي�س يف ال�شعر العاملي‬ ‫كله ما يداين طاغور عمق ًا وروعة"‪.‬‬ ‫يف ع��ام ‪ 1909‬ان���ش��أ ط��اغ��ور يف �إح ��دى �ضواحي‬ ‫"كلكتا" مدر�سة �سماها "�شانتينيكيتان" والتي تعني‬ ‫"مرف�أ ال�سالم" حر�ص فيها �أن يتلقى الطلبة درو�سهم‬ ‫�إىل جانب التمتع بالطبيعة وامل�ساهمة يف املحافظة‬ ‫عليها والزيادة يف جتميلها‪ ،‬وقد �ألقى طاغور يف هذه‬ ‫املدر�سة العديد من املحا�ضرات التي جمعها يف كتابه‬ ‫ال�شهري "�سادهانا"‪.‬‬ ‫جاء �إنتاج طاغور غزير ًا ما بني فل�سفة و�شعر ورواية‬ ‫وق�صة وم�سرح‪ ،‬ن�شر �أوىل حماوالته ال�شعرية يف‬ ‫�إح��دى املجالت الأدب�ي��ة ال�صادرة بكلكتا‪ ،‬وق��د لقبه‬ ‫الزعيم الهندي املهامتا غاندي بـ "منارة الهند"‪ ،‬وجاء‬ ‫ديوانه الأول بعنوان "�أغاين امل�ساء" ونال ت�شجيع‬ ‫الأو�ساط الأدبية وثناء النقاد‪ ،‬و�أعقب ديوانه هذا‬ ‫بديوان "�أغاين ال�صباح"‪.‬‬ ‫ذكريات طاغور‬ ‫يف مقدمة كتابه "ذكرياتي" يكتب طاغور "الذكريات‬ ‫لي�ست ت��اري �خ � ًا‪ ،‬ب��ل �إب ��داع ��ات �أ��ص�ي�ل��ة ل�ف�ن��ان غري‬ ‫منظور"‪ ،‬ويف ق�صيدة ي�شرح فيها م��ا ك��ان اخلدم‬ ‫يفعلونه معهم وهم �أطفال حني ير�سمون بالطب�شور‬ ‫دائرة ال يتعدونها يف حركتهم ولكنه حينما كرب وجد‬ ‫�أن الدائرة املقيدة حميطة به ب�شكل �آخر والأفق بعيدا‬ ‫ولي�س يف متناول يده ‪ ،‬يقول ‪:‬‬ ‫كان الطري الأليف يف القف�ص والطليق يف الغابة‬ ‫�شاء القدر �أن يتقابال يوم ًا‬ ‫�صاح الطري احلر "دعنا نطري �إىل الغابة يا حبيبي"‬ ‫هم�س طري القف�ص "تعال هنا‪ ،‬دعنا نعي�ش مع ًا يف‬ ‫القف�ص"‬ ‫قال الطري احلر "بني الق�ضبان حيث ال مكان لنا لفر�ش‬ ‫�أجنحتنا؟"‬ ‫"واح�سرتاه"‬ ‫�أج���اب ط�ير القف�ص "�أنا ال �أع���رف �أي ��ن �أح ��ط يف‬ ‫ال�سماء"‬ ‫زار طاغور العديد من دول العامل كان �أولها عندما‬ ‫�أر�سله والده �إىل اجنلرتا لدرا�سة القانون ولكنه مل‬ ‫يوفق يف ذل��ك‪ ،‬وبالرغم من �أن��ه مل يعود �إىل بالده‬ ‫بال�شهادة التي كان يتمناها والده �إىل �أنه متكن من‬ ‫جمع ح�صيلة واف��رة من املعلومات والتجارب التي‬ ‫�أ�ضافت الهتماماته يف جماالت الأدب واملو�سيقى‪ ،‬ثم‬ ‫قام برحلة ثانية �إىل �أوروب��ا زار فيها بريطانيا مارا‬ ‫بفرن�سا وايطاليا‪ ،‬كذلك ق��ام ب��رح�لات �أخ��رى حول‬ ‫العامل حققت له الكثري من ال�شهرة العاملية‪ ،‬وكانت‬ ‫بغداد من العوا�صم التي ا�ستهوته فزارها عام ‪1932‬‬ ‫حيث اتخذ منها ج�سر ًا ي�صله بكبار �أدباء العامل‪ ،‬كما‬ ‫�ساهمت يف التعريف ب�أدبه ور�سالته �إىل �أن رحل عام‬ ‫‪ 1941‬يف الثمانني من عمره ‪.‬‬ ‫وكان قد منح تكرميا من دول العامل‪ ،‬ففي الهند حاز‬ ‫الدكتوراه الفخرية‪ ،‬كما منحته احلكومة الربيطانية‬ ‫لقب "�سري" وهو اللقب الذي قام ب�إعادته للحكومة‬ ‫الربيطانية عقب الأعمال القمعية التي قامت بها عام‬ ‫‪ 1919‬ب�إقليم البنجاب‪.‬‬ ‫وق��د مت�ك��ن ع��ام ‪ 1921‬ب�ع��د ج�ه��د ك�ب�ير م��ن افتتاح‬ ‫جامعته العاملية في�سفابهاراتي وهي الت�سمية التي‬ ‫ا�ستوحاها من �أحد الأبيات ال�شعرية ال�سان�سيكريتية‬ ‫وتعني "املكان الذي يتحد فيه العامل"‪.‬‬

‫رئي�س جمل�س الإدارة‬ ‫رئي�س التحرير‬

‫نائب رئي�س التحرير‬ ‫‪----------------‬‬‫عدنان ح�سني‬

‫مدير التحرير‬ ‫‪----------------‬‬‫علي ح�سني‬ ‫االخراج الفني‬ ‫‪----------------‬‬‫م�صطفى التميمي‬ ‫الت�صحيح اللغوي‬ ‫‪----------------‬‬‫حممد حنون‬

‫طبعت مبطابع م�ؤ�س�سة‬ ‫لالعالم والثقافة والفنون‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫ط��������اغ��������ور وال���������س����ي����ن����م����ا‬ ‫فوزي كرمي‬ ‫يف مطلع �شهر ماي�س حتتفل ل�ن��دن الثقافية (الهندية‬ ‫واالنكليزية) بذكرى مرور ‪� 150‬سنة على ميالد ال�شاعر‬ ‫الهندي الكبري طاغور (‪ .)1941-1861‬الن�شاط الثقايف‬ ‫االنكليزي يقت�صر يف احتفاله على ج��ان��ب م��ن عبقرية‬ ‫طاغور بالغة اخل�صو�صية‪ ،‬والتي تخ�ص الفن ال�سينمائي‪:‬‬ ‫يف قاعات �سينما معاهد الفيلم يف جممع "ال�ساوث بانك"‬ ‫مو�سم ق�صري للأفالم التي �أ�سهم فيها طاغور‪� ،‬سينمائي ًا‪،‬‬ ‫روائ�ي� ًا �أو مو�سيقي ًا‪� .‬إىل جانب فيلم وثائقي عن حياته‬ ‫و�إجن��ازات��ه‪ .‬و�إجن���ازات ه��ذه املوهبة ال�شرقية الرائعة‬ ‫عديدة‪ :‬ال�شعر و�شعر الأغنية‪ ،‬املقاالت‪ ،‬الدراما والرق�ص‬ ‫والت�أليف املو�سيقي‪ ،‬والر�سم‪ .‬وقد �أ�صبح ر�سام ًا بعد �أن‬ ‫بلغ ال�ستني من العمر‪ .‬كنت �أطمع بح�ضور هذه العرو�ض‪.‬‬ ‫وجري ًا للعادة ات�صلت ب�شباك التذاكر للحجز فاعتذروا‪ ،‬لأن‬ ‫جميع التذاكر بيعت للعرو�ض الأوىل‪ .‬وتركوا يل فر�صة‬ ‫�شراء عر�ض مت�أخر‪ ،‬بعد �أكرث من �أ�سبوعني‪ .‬مل ا�ستجب‪،‬‬ ‫وجل�أت �إىل االنرتنيت �أ�ستجوب "اليوتيوب" عن الأفالم‬

‫واحد ًا �إثر �آخر‪ .‬فكان كرم اليوتيوب كالعادة وافر ًا‪ .‬الأفالم‬ ‫متوفرة كلها‪ ،‬با�ستثناء الفيلم الوثائقي‪ ،‬الذي ع ّزيت النف�س‬ ‫ب�أين �س�أعرث عليه بالت�أكيد‪ ،‬داخل هذه العلبة املعدنية التي‬ ‫َّ‬ ‫من علينا بها القرن احلادي والع�شرون‪.‬‬ ‫لديّ �شا�شة كومبيوتر معقولة ال�سعة‪ ،‬وكر�سي للكومبيوتر‬ ‫جديد‪ ،‬ومريح متام ًا‪ .‬ثم �إن من ف�ضائل العر�ض احلميمي‬ ‫ه��ذا �إن��ك متلك �أن توقفه‪ ،‬لأي �سبب م��ن الأ��س�ب��اب‪ ،‬متى‬ ‫ت�شاء‪� .‬أو �أن ت�ؤجل امل�شاهدة �إىل ما بعد الغداء جمل ًة‪.‬‬ ‫وباملنا�سبة‪ ،‬ف ��إن االقت�صار يف امل�شاهدة (اجل��دي��ة) على‬ ‫ال�شا�شة احلميمية ال�صغرية ينطوي على متع خا�صة‪،‬‬ ‫لعل �أهمها �إح�سا�سك ب�أنك داخل �شاغل ثقايف‪ .‬و�إنك داخل‬ ‫�شاغل خيايل توحي املخيل ُة لك فيه �أنك �أمام �شا�شة �سينما‬ ‫ف�ضية �صغرية‪ ،‬وداخل قاعة للعر�ض �صغرية‪ ،‬و�إنك مثلهما‬ ‫�صغري‪ ،‬ومنا�سب‪.‬‬ ‫كان ال�شاعر طاغور قد �أ�سهم بق�سط من عطاياه االبداعية يف‬ ‫ال�سينما الهندية‪ .‬حتى انه �أخرج فيلم ًا بنف�سه عام ‪،1934‬‬ ‫نق ًال مبا�شر ًا عن خ�شبة امل�سرح‪ .‬هذا الفيلم حدث �أن ُفقد‪ ،‬ثم‬ ‫عُرث عليه م�ؤخر ًا‪� .‬أما بقية الأفالم اخلم�س فتعتمد رواياتٍ‬

‫يلتق مع نتاج طاغور الأدبي هذا �إال خمرجون على‬ ‫له‪ .‬ومل ِ‬ ‫درجة عالية من اجلدية‪ .‬يف طليعتهم تقف قامة "�ساتياجيت‬ ‫راي"‪ ،‬الذي قدم ق�صة "البنات الثالث"(‪ )1961‬يف �أفالم‬ ‫ثالثة يعالج الأول منها‪ ،‬بغنائية "راي" املعهودة‪ ،‬حكاية‬ ‫"موظف الربيد" الذي يفد �إىل قرية مقطوعة‪ ،‬حيث تت�شكل‬ ‫عالقة حميمة بخادمته ال�صبية‪ .‬وحكاية امل��ر�أة امل�أخوذة‬ ‫مبجوهراتها يف الفيلم الثاين‪ .‬والثالث عن امل��ر�أة التي‬ ‫تكت�شف عاطفة احلب لزوجها بعد �أن تزوجته ق�سر ًا‪�.‬إىل‬ ‫جانب الفيلم املت�أخر ن�سبي ًا "البيت والعامل" (‪ ،)1981‬ذي‬ ‫ال�شاغل التاريخي‪ ،‬ال�سيا�سي عند تق�سيم بلد "البنغال" يف‬ ‫مرحلة اال�ستعمار الربيطاين‪.‬‬ ‫الأف�ل��ام ال�ث�لاث��ة ال�ب��اق�ي��ة مل�خ��رج�ين ال ي�ق� ّل��ون ج��دي��ة عن‬ ‫"راي"‪ .‬الأول "تابان �سينها" يف فيلمه "احلجارات‬ ‫اجلائعة"(‪ .)1960‬ح �ك��اي��ة ج��ام��ع � �ض��رائ��ب ينتقل‬ ‫�إىل ب�ي��ت م�سكون ب��الأ� �ش �ب��اح ح�ي��ث ي�ق��ع يف ح��ب �شبح‬ ‫ام ��ر�أة �آ� �س��رة اجل �م��ال‪ .‬ال�ث��اين "هيمني غوبتا" يف فيلم‬ ‫"كابوليواال"(‪ ،)1961‬عن �أفغاين متعلق بابنته‪ ،‬يهاجر‬ ‫�إىل الهند‪ ،‬وهناك يجد ال�سلوان يف عالقته الأبوية بفتاة‬

‫�أرادها بديلة‪ ،‬ولكن عاطفته الربيئة �أثارت هم�س ًا مت�شكك ًا‬ ‫من حوله‪ .‬والثالث "كومار �شاهاين" يف فيلم "�أق�سام‬ ‫�أربعة"(‪ .)1997‬وف �ي��ه ت��وج��ه ن �ق��ديّ الذع للمتطرفني‬ ‫الأيديولوجيني داخ��ل حركة التحرير الوطنية الهندية‪.‬‬ ‫وي�صح على غري الهندية بالت�أكيد‪.‬‬ ‫ولد طاغور يف عام ‪ ، 1861‬وكان الأ�صغر �سن ًا يف عائلة‬ ‫مكونة من ‪ 14‬طفال‪ .‬ب��د�أ كتابة ال�شعر يف �سن ال�سابعة‪،‬‬ ‫وات�سعت �شهرته عاملي ًا عرب ديوانه ال�شهري "غيتاجنايل" ‪:‬‬ ‫الذي بدت ح�سا�سيته جديدة جد ًا يف �أفق ال�شعر العاملي‪،‬‬ ‫الذي بدا مُعتم ًا على �أثر احلرب العاملية الأوىل‪ ،‬حتى �أن‬ ‫طاغور حاز على �أثر ديوانه جائزة نوبل للآداب يف ‪.1913‬‬ ‫ترجمت ه��ذه الق�صائد اىل لغات عاملية ع��دة‪ .‬وباعتباره‬ ‫تربوي ًا كبري ًا �أقام مدر�سة يف الهواء الطلق‪ ،‬وكلية للفنون‬ ‫ذات طبيعة تنويرية متحررة‪ .‬وكرجل عاملي عرف بتبادله‬ ‫الر�سائل مع ييت�س‪ ،‬عزرا باوند‪ ،‬وروبرت برجز‪ .‬ويف وقت‬ ‫الحق مع �ألربت �أين�شتاين‪ ،‬رومان روالن وجورج برنارد‬ ‫�شو‪ .‬وقد ترجمت �أعماله اىل الفرن�سية على يد �أندريه جيد‬ ‫‪ ،‬واىل الرو�سية على يد ال�شاعرة �آنا �أخماتوفا‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.