رئي�س جمل�س االدارة رئي�س التحرير فخري كرمي ملحق ثقايف ا�سبوعي ي�صدر عن جريدة املدى
m a n a r a t
العدد ()2346ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )28كانون االول 2011
2
العدد ()2346ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )28كانون االول 2011
العدد ()2346ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )28كانون االول 2011
3
علي املندالوي ر�سمته ،وكتبت عنه عندما �سمح له رئي�س البالد "ب�شار اال�سد" �شخ�صيا ،ومن دون كل النا�س ،ب�أن ي�صدر على مزاجه الكاريكاتوري اخلا�ص �صحيفته "الدومري" يف �سابقة مل حت�صل ال يف زمن الأ�سد الأب ،وال الأ�سد االبن ،وكان ذلك يف عام .2001فالأ�سد االب الذي جاء اىل احلكم بانقالب ع�سكري كر�س نظام حكم القائد اىل االبد ،بتوريث احلكم(بعد عمر طويل) اىل ولده ب�شار ،ونظام احلزب الواحد الذي ال �شريك له (اال بجبهة وطنية ال حول لها والقوة) ،ونظام الر�أي الواحد بجريدة، وقناة تلفزيونية ،واذاعة ر�سمية واحدة..ذات ر�سالة خالدة!
علي فرزات ..قلم دمشق الفوالذي
تحيـة إلـى علـي فـرزات �سامي كليب ال ميكن لر�سام كاريكاتري �أن يكون خطر ًا على الأمن القومي .اخلطري هو من ي�ضرب ر�سام ًا برقة علي فرزات وذكائه وطرافته .واخلطري هو من يقدّم للعامل ذريعة ملهاجمة بالده يف حمنتها الراهنة .هي اليد اخل�شنة الظالمية تواجه �أنامل الفن لتزيد يف ت�شويه �صورة بالد احل�ضارة العريقة يف وقتها الع�صيب. يعرف العرب كثري ًا من ر�سوم علي فرزات ،ولكن قلة منهم يعلمون ان للرجل ق�صة الفتة مع الرئي�س ب�شار اال�سد .جرى اللقاء االول بينهما قبل و�صول اال�سد اىل الرئا�سة .كان يزور مركز ًا ثقافي ًا فرن�سي ًا ،وكان فرزات يعر�ض فيه ر�سوم ًا كاريكاتورية ناقدة مبا فيها لأهل ال�سلطة .هي ر�سوم كانت ممنوعة من الن�شر وجدت طريقها اىل املعار�ض ،حيث عني الرقابة نادرة والأيدي اخل�شنة ال تعرف اليها �سبي ًال .توقف اال�سد عند �إحداها ،متعن يف اللوحة� ،أدرك �أنها تعنيه .خاف فرزات ،لكن �سرعان ما فوجئ بالرئي�س ي�ضحك. راح الأ�سد يجول يف املعر�ض ،يتوقف عند الر�سوم الناقدة لرجال اال�ستخبارات .ي�ستدير اىل �أحد ه�ؤالء من بني مرافقيه ،ي�ضحك ويقول« :هذه عنكم» .يبت�سم الرجل اال�ستخباراتي ابت�سامته ال�صفراء املعهودة .يكمل الرئي�س جولته ،يتوقف �أمام علي فرزات ،ي�س�أله ما اذا كانت ر�سومه هذه تن�شر ،يجيب الر�سام بالنفي ،فالرقابة متنع كل ما ينتقد هيبة الدولة .ي�صافحه الرئي�س ويطلب منه �أن ين�شرها ،ال بل يت�صل الأ�سد نف�سه بوزير الإعالم ،و�سرعان ما يكت�شف ال�سوريون ان ر�سوم علي فرزات الناقدة لكل �شيء باتت تن�شر يف �صحيفة «ت�شرين» .زادت مبيعات ال�صحيفة. تن َّف�س النا�س. كان ذلك اللقاء بني الأ�سد وفرزات مقدمة ل�شيء من �صداقة كادت تتعمّق .ي�ؤكد ر�سام الكاريكاتور �أن اال�سد كان يزوره يف بيته �أو معار�ضه وي�شجعه. علي فرزات رجل طريف ودمث .رافقته الطرافة منذ نعومة اظافره .كان والداه يخرجانه من البيت خج ًال من ال�ضيوف فهو مل يكن يتوانى عن تقليد اي زائر او �ضيف .ي�ضحك �أهله ويخجلون ،لكن �أحد ًا مل ي�ضربه وهو �صغري ال�سن لهواية التقليد او الر�سم .وحني التقى فرزات بالأ�سد اكت�شف هو الآخر �أن الرئي�س يتمتع بروح النكتة حتى يف �أكرث الأوقات حراجة. �صدَّق علي فرزات �أحالم الطفولة� .صار ر�سام ًا �شهري ًا .انت�شرت ر�سومه يف معظم ال�صحف العربية .ر�أت جملة «الدومري» النور على يديه .انتع�ش النقا�ش بني املثقفني� .أرخت احلرية �شيئ ًا من ا�شعتها على املناخ الدم�شقي� .شعر املثقفون ب�أن �سنوات كثرية �صارت ترفرف فوق ربيع دم�شق .لو ا�ستمر الربيع لتفادت �سوريا الكثري مما ي�صيبها اليوم .مهما ر�سم علي فرزات ومهما انتقد فهو يبقى �أقل خطر ًا من الذين ت�سببوا يف ك�سر يده وت�شويه وجهه وت�شويه �صورة �سوريا. من م�صلحة النظام ال�سوري الك�شف عن الفاعلني .هذا �سكني يف �صدر الإ�صالحات قبل ان تولد. عن ال�سفري اللبنانية
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
ب��ه��ذا ك��ان��ت ال� ��دوم� ��ري ال�صحيفة ال��وح �ي��دة ،ال �ت��ي ت���ص��در ب ��الأل ��وان، ف�صحيفة الدولة وجمالتها ،وان كانت تطبع ب�صبغات ال تعد وال حت�صى، اال انها كانت بلون فكر حزب البعث احلاكم ،وحر�سه القدمي ،واملنتفعني ال �ق��دم��اء ،واجل ��دد م��ن ق�ط��ط النظام ال���س�م��ان ال���ش��ر��س�ين يف ال��دف��اع عن م�صاحلهم ،ومن ينتفع منهم ،ولهم. الق��ت ال��دوم��ري م�ن��ذ � �ص��دور عددها االول ت��رح�ي�ب��ا واق� �ب ��اال جماهرييا وا�سعا ،فهي ال�صحيفة امل�ستقلة االوىل التي ت�صدر يف البالد منذ عقود ،وهي ا�ضافة اىل ذلك �صحيفة نقدية �ساخرة من طراز رفيع ،وفوق هذا وذاك يتقدم ف�صيل الكتاب والر�سامني ال�ساخرين فيها رئي�س حتريرها ر�سام �سوريا ال�شهري"علي فرزات". وبحكم خ�صو�صيتها الكاريكاتورية، وج � ��ر�أة ف� ��رزات ك���ش�ف��ت ال�صحيفة م��واط��ن اخل�ل��ل ،والف�ساد ،واالهمال احل �ك��وم��ي ،وال�ت�ق��ط فريقها املثابر املفارقات من حياة املواطن اليومية القا�سية ،ف�أقبل النا�س على مطالعتها، و�شرائها ،ف ��زادت الن�سخ املطبوعة م�ن�ه��ا اىل 60ال ��ف ن���س�خ��ة ،وزادت م�ساحة االع�لان��ات فيها الأم ��ر الذي �ساعد على دميومة �صدورها. غري ان هذا النجاح املدوي لل�صحيفة ك�شف زي��ف دع��وة النظام للإ�صالح والتغيري ،حتت قيادة الرئي�س ال�شاب ب�شار ،الذي �أظهر ب�سحب ترخي�صها، واغالقها بعد عامني من �صدورها عدم قدرته على قبول الر�أي، والر�أي الآخر ب�أي �شكل من اال��ش�ك��ال ،فكيف ان كان ه��ذا ال�شكل ن�ق��دا مغلفا بالهزل ،وال�سخرية من �أداء حكومته ،وك�شفا �صريحا ملفا�سد نظامه، واخفاقاته ،و�شروره! وب��إغ�لاق ال��دوم��ري �سد ال�ن�ظ��ام ال �ب��اب والنافذة ع �ل��ى ف � ��رزات ،وع �ل��ى كل من قد يحلم ب�إ�صدار مطبوع �آخر. ويف مبادرة ذات مغزى �أ�س�س فرزات �صالة للفن ال�ساخر يف موقع ا�صدار ال�صحيفة امل�م�ن��وع��ة ،و يف مقابلة اج��ري��ت م�ع��ه يف ح�ي�ن��ه �أك ��د الفنان على� ":أن ق ��رار �سحب الرتخي�ص �شكل �صدمة بالن�سبة له ،وان ال�صالة هي امتداد مل�شروع جريدة الدومري، ال�ت��ي اغلقتها احل�ك��وم��ة ،م�ضيفا ان هذا املنع حثه على البحث عن طريقة �أخ ��رى للتوا�صل م��ع النا�س" ومن الوا�ضح انه كان وجها اخر ال�ستمرار مهمته يف مقارعة النظام يف عقر داره ب�أخطر �سالح امتلكه فنان حتى يومنا هذا � ..سالح الكاريكاتور! يف احد املعار�ض الدولية التي ا�شرتكنا فيها معا ،وكان ( مهرجان جملة املجلة للر�سم ال�ساخر لندن – )1998ر�سم فرزات طائرا ملونا مبنقار على �شكل ري�شة ر��س��ام كاريكاتور ،وه��و ينقر مبنقاره هذا املقب�ض اخل�شبي لف�أ�س تلوث ن�صله بالدماء ،ويف اللوحة كان املقب�ض الغليظ املتداعي رقبة لرجل مت�أنق ،بدا وا�ضحا ان الفنان يق�صد به الأنظمة الدكتاتورية ،ومنها نظام بالده.
ومن مراجعة ملجمل جتربة فرزات منذ ظهور �أول ر�سم كاريكاتوري له يف جريدة "الأيام" يف عام 1963ومن قراءتي لهذه التجربة الرثية من خالل ما كان ين�شر من ر�سوم يف ال�صحافة اخل �ل �ي �ج �ي��ة خ �ل�ال ال �ع �ق��ود الثالثة امل��ا� �ض �ي��ة ،ويف م��واق��ع االنرتنيت العربية والعاملية �أجد ب�أنه مل ينحرف ع ��ن خ �ط��ه يف ر���س��م ال �ك��اري �ك��ات��ور ال�سيا�سي ،والذي كان حماربة الظلم، ومعاداة االنظمة الدكتاتورية ،وك�شف مفا�سد الأنظمة العربية ،مبا فيها نظام بالده يف �صلب هذا التوجه. وع �ن��دم��ا و� �ص �ل��ت ال� �ن ��ار اىل ثياب االم �ب��راط � ��ور ،وب� � ��د�أ ال �� �س��وري��ون انتفا�ضتهم قبل �أ�شهر انتف�ض فرزات على طريقته ،وب ��د�أ ح��رب��ه م��ن دون وجل من داخ��ل عرين الأ�سد بر�سوم ن��اري��ة �أظ �ه��ر ف�ي�ه��ا ال �ن �ظ��ام جم�سدا ب�شخ�ص رئي�سه ب�شار على حقيقته، فاحلرب ال��ذي ك��ان ير�سم به الرئي�س ال�سكة التي ي�سري عليها قطار اال�صالح املتوقف نفذ يف اح��د ه��ذه الر�سوم، وانتظار يوم اجلمعة بات كابو�سا له يف ر�سم اخر ،ور�سوم اخرى وجدت طريقها اىل مواقع االنرتنيت. ومن الوا�ضح ان �صرب النظام الذي نفد مع املطرب "ابراهيم القا�شو�ش" الذي غنى لالنتفا�ضة ،فوجد مذبوحا م��ن حنجرته ��ش��ارف على النفاد مع ف��رزات بن�شره لكاريكاتور يقف فيه اال�سد مع وزير خارجيته املعلم على قارعة الطريق ،وهما ي�شريان للقذايف الهارب من بالده ،ليحملهما معه. ف �ك��ان م��ا ك ��ان م��ن خ �ط��ف ،و�ضرب، وك���س��ور تعر�ض لها ال�ف�ن��ان ال�شيخ على اي ��دي ازالم ال�ن�ظ��ام املتداعي، الذين رموه على قارعة احدى الطرق وه��و ب�ين احل�ي��اة وامل��وت يف ر�سالة وا�ضحة لغريه من الفنانني واملفكرين واالدب��اء يف �سوريا بـ"عدم التطاول على �أ�سيادهم !" كما جاء على ل�سان خاطفي فرزات ،وهم يو�سعونه �ضربا و�شتما. ع �ل��ي ف� ��رزات � �ص��اح��ب "قلم دم�شق الفوالذي" ال�ك�ت��اب ال ��ذي � �ص��در يف الواليات املتحدة عن دارة ن�شر"كون" و�ضم �أكرث من 370ر�سما كاريكاتوريا ل ��ه ،وم �ن��ع م��ن ال� �ت ��داول يف موطنه �سوريا ا�ستعاد عافيته ،كما �ست�ستعيد �سوريا عافيتها بالعقاب م��ن القتلة والل�صو�ص ،وم�صا�صي دماء �شعبها. وبهذا االعتداء الوح�شي ال�سافر حقق فرزات �شهرة عاملية وا�سعة ا�ضيفت اىل ر�صيده العري�ض ال�سابق من ال�شهرة، ال�ت��ي حققها خ�لال الثمانينيات من القرن املا�ضي يوم رف�ض (معهد العامل العربي ) طلب ممثل النظام العراقي رفع اح��دى لوحاته من معر�ض كبري للر�سامني ال �ع��رب اق�ي��م ع�ل��ى احدى قاعاته ،وكما �أخط�أ نظام �صدام يف ح�ساباته ،كما �صرح الفنان فرزات بعد ا�صابته ،بقوله":غباء النظامني العراقي " �صدام" وال�سوري " الأ�سد" دف�ع�ن��ي ن�ح��و العاملية" اخ �ط ��أ نظام ب�شار ،لأنه بهذا االعتداء �أ ّلب عليه كل ر�سامي الكاريكاتور يف العامل ،الذين �سارعوا اىل ا�شهار ري�شهم النارية يف وجهه ،و وجه نظامه الدميم ،وهو ما نراه يف مواقع مهمة على االنرتنيت كموقع "ايران كرتون" وموقع "عرب الكرتون" وم��وق��ع "داريل كاغل" وغريها الكثري.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
4
العدد ()2346ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )28كانون االول 2011
العدد ()2346ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )28كانون االول 2011
قرر �أن يقتل ال�شرطي يف ر�أ�سه وير�سم
فنان الكاريكاتير علي فرزات :الكاريكاتير التحريضي يضع عبوة ناسفة في جذور المشكلة حاوره يف دم�شق ـ وحيد تاجا : يرى ر�سام الكاريكاتري ال�سوري ال�شهري "علي فرزات" �أن اللوحة الكاريكاتريية �أ�صبحت حتمل قيمة اللوحة الفنية الت�شكيلية ،ومن ثم �أ�صبح لها �صفة اخللود .ولكن الر�سم الكاريكاتريي لفرزات يتجاوز القيمة الفنية ليحمل �أبعادا اجتماعية و�سيا�سية ،بل ور�ؤية للكون واحلياة ،ويف حواره الآتي مع "ا�شرعة" يك�شف لنا الفنان علي فرزات تفا�صيل وجهة نظره ب�ش�أن العديد من املوا�ضيع ..
* ما �أه��م امل��ؤث��رات التي دفعتك باجتاه فن الكاريكاتري؟ ** ر�سام الكاريكاتري مل ي�أت من الف�ضاء ،فهو اب��ن بيئته ،وك��ل ما حوله ي��زوده مبقومات اللوحة الكاريكاتريية� ،سواء ال�سيا�سية �أو االجتماعية �أو االقت�صادية ،والوطن العربي يف حد ذاته هو لوحة كاريكاتريية متتد من املحيط �إىل اخلليج ،فالإن�سان على �أر�ض ه��ذا ال��وط��ن يعي�ش تناق�ضات اجتماعية، و�سيا�سية ،و�سلوكية ،وحتى هذه ال تنتمي �إىل م�ك��ان �أو زم ��ان م�ع�ين ،فلها ام �ت��دادات تاريخية ،وغالبا ما ت�ستمر م�ستقبليا كذلك �إذا بقيت الأمور كما هي .فبدءا من ال�سلوك وعلى م�ستوى العائلة جند مثال �أن الأم تطلب من ابنها التحلي ب�سلوك الف�ضيلة ،بينما جند الأب يطالب ابنه �أن ي�صرف زائرا غري مرغوب فيه ،ويقول له� :إنه غري موجود (�أي الوالد)، امل�س�ألة تبدو هنا غاية يف الب�ساطة ،ولكنها حتمل يف طياتها �أبعادا كثرية يف نف�س الطفل الذي يقع يف تناق�ض �أخالقي يحمله معه �إىل امل�ستقبل ،وميار�سه فيما بعد بطرق خمتلفة،
وهكذا نرى الفرد الذي رمبا ي�صبح يف يوم من الأيام م�س�ؤوال �سيا�سيا �أو اجتماعيا ،يف ر�أي��ك م��اذا �سي�صدر عن ه��ذا الإن�سان الذي �شوهته التناق�ضات منذ طفولته؟ م�ث��ال �آخ��ر ذل��ك الإن���س��ان ال��ذي ي��رف��ع �شعار احلفاظ على البيئة ،ونحن مل ن�سمع حتى الآن ب � ��أن ح �ي��وان��ا ث �ق��ب ط�ب�ق��ة الأوزون، وب�صراحة مل ن�شاهد جمموعة من الذئاب �أو ال�ضباع �شنت حروبا �أعنف و�أ�شر�س من تلك التي �شنها الإن�سان و�أباد فيها ال�شعوب ،ي�أتي ويخرتع الديناميت ،وم��ن ثم يعمل جائزة "نوبل لل�سالم"!! ول�ع��ل �أو� �ض��ح م�ث��ال على التناق�ضات التي يعي�شها الإن�سان العربي تلك ال�شعارات التي تطرح يف كل مرحلة ،فما كان خيانة بالأم�س �أ�صبح �أك�ث�ر ال���ش�ع��ارات وطنية يف مرحلة الحقة ،والأمثلة كثرية ومعروفة لدى القارئ، هذه املفارقات ال ميكن �أن يلتقطها �أو يعرب عنها �إال فنان الكاريكاتري بحكم تكوينه� ،أو دقة مالحظته ووعيه وثقافته ،وهي كافية؛ لأن ت�شكل له ذخرية ال تن�ضب.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
* م���ت���ى ن�������ش���رت �أول ر���س��م كاريكاتريي يف ال�صحف؟ ** �إن �أول ر�سم يل ا�ستقيته من دهّ ��ان �أتى ليطلي ج��دران منزل العائلة ،وك��ان يتلهى �أثناء فر�صة غدائه بر�سم �صور ب�شرية على احل��ائ��ط بقلم خ�شبي ،وق��د انتزعتني تلك الوجوه من حالة �ساكنة يف داخلي �إىل حالة فاعلة م�شرقة ،حيث كنت �أح�م��ل الفحم من املنقل لأكرر تلك الر�سوم على جدران احلي، �أو على معامالت النا�س التي كان �أبي يحملها معه �إىل املنزل� .أم��ا �أول ر�سم ظهر يل على ال�صحف فكان يف املرحلة الإعدادية ،وعمري ال يتجاوز ال��راب�ع��ة ع�شرة ،يومها �أر�سلت �إحدى الر�سوم �إىل (�صحيفة الأي��ام) ،والتي كانت ت�صدر يف دم�شق يف �أوائل ال�ستينيات، وكانت الر�سمة تتناول بالتعليق على اتفاقية ( 1ن �ي �� �س��ان) واالن �� �س �ح��اب ال �ف��رن �� �س��ي من اجلزائر ،فن�شرتها اجلريدة ،وفوجئت عندما �أر��س��ل يل رئي�س التحرير (ن�صوح بابيل) ر�سالة ي��دع��وين فيها �إىل مقابلته م��ن �أجل بحث �إمكانية التعاون يف جمال الكاريكاتري،
ومل �أذه ��ب يومها خ�شية �أن ي�س�ألني �أين �أب��وك؟ ويظن �أنني اب��ن الر�سام ول�ست هو �شخ�صيا ،لكن هذه الواقعة �شجعتني كثريا على موا�صلة الر�سم يف هذا االجت��اه .وبعد ح�صويل على البكالوريو�س ��س��اف��رت �إىل دم�شق للعمل يف ال�صحافة واالنت�ساب �إىل كلية الفنون اجلميلة ،ومل �أ�ستطع يومها �أن �أعمل ب�سهولة ،وبقيت عدة �أ�شهر �أ�سكن مع �صديق يف غرفة �صغرية ،فيها �سرير واحد، وك��ان �صديقي ينام يف الليل ،و�أن��ام �أن��ا يف النهار ،وقد �أفادتني هذه التجربة كثريا يف حياتي العملية فيما بعد ،والطريف �أنني عندما كنت �أذه ��ب لبع�ض امل �ج�لات ملقابلة ر�ؤ�ساء التحرير كي �أعر�ض عليهم ر�سوماتي، ك��ان ال�ب��واب ه��و ال��ذي يح�سم الأم��ر ويقرر رف�ضي دائ�م��ا .و�أذك��ر �أنني ذهبت ذات مرة �إىل جملة "اجلندي" فقابلني البواب ،وطلب ر�ؤية ر�سوماتي ،وبعد �أن �أخذها وقلبها قال: ر�سوماتك حلوة ،لكنني مل �أفهم منها �شيئا، و�أ���ض��اف" :ب�صراحة ي��وج��د لدينا ر�سام، ول�سنا بحاجة �إىل ر��س��ام �آخ ��ر ،ميكنك �أن
تبحث عن عمل يف حمل �آخر �أو دكانة ثانية.. هذه احلادثة جعلتني كلما �أمر بجانب جريدة �أو جملة �أو دائرة حكومية ف�أرى �شخ�صا قرب الباب ينتابني �شعور �أنه الوزير �أو املدير �أو رئي�س التحرير. * م��ا م��ف��ه��وم ال��ك��اري��ك��ات�ير من الناحية ال�شكلية والفنية؟ ** الكاريكاتري عبارة م�شتقة من الالتينية وه��ي (ك��اري �ك�يرة) �أي امل�ب��ال�غ��ة ،وم��ن هنا ج��اءت ت�سمية ال�ك��اري�ك��ات�ير فيما بعد على �أ�سا�س �أن املبالغة هي املقيا�س الأ�سا�سي لفن الكاريكاتري؛ لذلك نالحظ �أحيانا �أن هناك ر��س��وم��ات ك�ث�يرة تعتمد فقط على الناحية ال�شكلية بالر�سم ،كر�سم الوجوه مثال ب�شكل كاريكاتريي ال يوجد فكرة و�إمنا ر�سم �شكلي فقط لإن�سان معني ،يكون �شكله فيها طويل الأنف� ،أو عري�ض الوجه� ...إلخ ،الكاريكاتري يحاول ت�ضخيم الأ�شياء الظاهرة� ،أو العيوب ال �ب��ارزة ،ويبالغ ف�ي�ه��ا ...وفيما بعد تطور مفهوم الكاريكاتري لي�شمل املبالغة بال�شكل وامل���ض�م��ون �أي���ض��ا .وللكاريكاتري ج��ذوره الفنية التي تتداخل فيها الق�ضايا ال�سلوكية والنف�سية مع امل�شاهدات الواقعية ،فهناك مزج بني الواقع ال��ذي يعي�شه الإن�سان ،واحلالة النف�سية التي ي�شعر من خاللها بهذه الوقائع ويف�سرها بالطريقة التي يراها منا�سبة. * ه��ل ن�ستطيع ال��ق��ول �إن فن الكاريكاتري هو �أحد فروع الفن الت�شكيلي �أو على الأح���رى هل ميكن اعتباره فنا �أكادمييا ؟ ** الكاريكاتري ال ينف�صل عن الفن الت�شكيلي ب�شكل ع��ام ،بعك�س اعتقاد البع�ض لي�س له ع�لاق��ة ل��ه بالفن الت�شكيلي ،وف��ن اللوحة، وامل ��دار� ��س امل ��وج ��ودة ب��ال �ف��ن (الواقعية، والتعبريية ،واالن�ط�ب��اع�ي��ة) ،فالكاريكاتري م�شتق م��ن امل��در��س��ة التعبريية ،وه��و �أحد املذاهب املعروفة يف الفن الت�شكيلي ،ومن امل�ع��روف �أن ف��ن الأ��س�ل��وب التعبريي نف�سه ي�سمح ب�شيء من املبالغة ،وباملنا�سبة ف�إن املدر�سة التعبريية ه��ي مدر�سة مبالغ فيها ن�سبة لبقية الفنون واملذاهب ،والكاريكاتري م�شتق م��ن ال�ت�ع�ب�يري��ة وم �ب��ال��غ ف�ي��ه ب�شكل م�ضاعف .ويالحظ هذا مثال يف لوحة الفنان (غويا) عندما ر�سم لوحته امل�شهورة للعائلة املالكة يف �إ�سبانيا ،فقد كانت مالمح الوجوه حت��وي الكثري م��ن امل�ب��ال�غ��ة ،وجت�سد حالة الغباء الالمتناهي ،وكانت ت�ضم �أي�ضا الكثري من النيا�شني وال��زخ��ارف ،وعندما اكت�شفت العائلة املالكة هذه املعاين من خالل �أ�شخا�ص �آخرين لوحق (غويا) وطرد. * وه��ل يكفي ان يتعلم �أح��دن��ا الر�سم اكادمييا لي�صبح ر�ساما ك��اري��ك��ات�يري��ا �أم �أن ه��ن��اك موا�صفات البد لفنان الكاريكاتري �أن يتمتع بها؟ ** ال ي�ستطيع �أي ف �ن��ان �أك ��ادمي ��ي طبعا �أن ي�صبح ر� �س��ام��ا ك��اري �ك��ات�يري��ا ،فر�سام الكاريكاتري له طينة خا�صة ب��ه ..و�صفات خا�صة ،فمن املمكن �أن ي�صبح الإن�سان العادي ر�ساما �إذا در�س قواعد الر�سم ..ولكن لي�س بال�ضرورة �أن ي�صبح فنانا� ..إذ �إن املعنى هنا �أعمق ،ولكن ال بد للفنان الكاريكاتريي �أن يعرف الر�سم الأكادميي حتى ي�ستطيع �أن يتقن احلركة ،كالت�شريح ال�صحيح للج�سم، وه��ذه تعد �أبجدية لفنان الكاريكاتري� ،إذ ال ي�ستطيع فنان الكاريكاتري عمل لوحة مقنعة لإن���س��ان مثال م��ن خ�لال حركته وتعبرياته �إال �إذا �أت�ق��ن معرفة في�سيولوجية الوجه، وحركة اجل�سم ،ولنفر�ض مثال �أنني �أريد ر� �س��م م�لام��ح ل�شخ�صية معينة ف�ي�ه��ا بعد اجتماعي معني� ..إن�سان ذكي �أو م�س�ؤول... �أو� ...إل��خ ،كيف ميكنني �أن �أو�صل للقارئ احلالة االجتماعية التي بذهني �إذا مل �أكن �أع��رف �أبجديات الر�سم وق��واع��ده؟ فال�شكل الفني للوحة ي�ساعد على تو�صيل الفكرة وامل�ضمون ب�شكل �صحيح�.أما �إذا كان هناك
تناق�ض ما بني الفكرة وال�شكل فال ميكن �أن يكون هناك تو�صيل �صحيح �أب��دا ،ولرمبا تنقلب الآية واملق�صود. * الكاريكاتري يف الوطن العربي قيا�سا بالكاريكاتري يف العامل.. �أين ميكننا �أن ن�صنفه من حيث الطرح ..امل�ضمون ..ال�شكل؟ ** للكاريكاتري يف الوطن العربي جذوره التي متتد يف عمق التاريخ� ،إال �أن��ه كباقي الفنون يحتاج دائما �إىل ثقافة ووعي� ،إ�ضافة �إىل التقنيات العلمية التي ينفذ بها ،كالأدوات الفنية �أو التقنية �أو حتى الطباعية ،وهو ما زال يف هذه النواحي متخلفا بع�ض ال�شيء. فكما هي العادة �أننا ن�صدر للخارج اخلامات وال �ت��راث ...وم��ا حتتويه ه��ذه الكلمة من م �� �ض��ام�ين ،ون �� �س �ت��ورده��ا م ��رة �أخ� ��رى من اخل ��ارج �ضمن ق��وال��ب �أ��س�ل��وب�ي��ة وتقنية، ح�ت��ى م�ضامني ف�ك��ري��ة ،ون �ب��د�أ يف م�س�ألة التقليد امل�صنع لأفكارنا امل�صورة ،حتى �إننا �أ�صبحنا كمن ي�صدر ر�ؤو�سا ب�شرية لتفرغ من الداخل ،وتعب�أ من جديد بعقول ببغائية، ونطلق على �أنف�سنا بعد ذلك �صفات متعددة م��ن الإب��داع��ات واالب �ت �ك��ارات ،على �أن�ن��ا مل ن��أت ب�شيء ذي �صلة بوعينا ومبا �صدرناه بالأ�صل ،و�أ�صبحنا مثل الزجاجات الفارغة التي ميكن �أن تعب�أ مبختلف امل��واد ،ولي�س لنا حتى �صفة م�ستقلة .طبعا يف كل الأحوال الب��د م��ن اال�ستثناءات حتى نكون عادلني، لكن هذه اال�ستثناءات ال ت�شكل قاعدة عامة، وه ��ذا م��ا ينطبق ع�ل��ى ك��ل � �ش��يء ب ��دءا من احل��ذاء وانتهاء بالفكر ،فعندما جند يف كل �أن �ح��اء ال�ع��امل جمموعة ك�ب�يرة م��ن ر�سامي الكاريكاتري متتاز بالنوعية ،وهي من ناحية الكم ال ي�ستهان بها �أبدًا ،ويف املقابل ال جند يف وطننا العربي �إال الكم الكبري والنوعية ال�سيئة ،ففي كل معر�ض �أو مهرجان يقام تفاج�أ �أن عدد امل�شاركني من ال��دول العربية ال يتجاوز ال�شخ�صني �أو الثالثة يف �أح�سن الأحوال ،بينما نالحظ �أنه ومن دولة واحدة فقط ي���ش��ارك م��ا ال يقل ع��ن ع�شرة فنانني، وهذا بعد الغربلة .ويدل هذا على �أن هناك جمموعة من الر�سامني املنفذين فقط ،لي�س لهم �صفة امل�ب��ادرة يف اختيار املو�ضوعات وطرحها من خالل ال�صحف واملجالت ،بينما يتمتع الكاريكاتري يف الدول الغربية بن�سبة كبرية م��ن احل��ري��ة والدميقراطية يف طرح املو�ضوعات املختلفة ،لكننا ال نرى ال�شيء نف�سه يف وطننا العربي.ويف اعتقادي �أن كل الأمور احلياتية التي يعي�شها �أي مواطن بدء ًا من ممار�سته الأعمال الدنيوية ،وانتهاء مبمار�سة الفكر مرتابطة ح�ضاريا ،ومير بها خيط ي�صلها جميعا ببع�ضها البع�ض ،فال يتم �شيء على ح�ساب �شيء �آخ��ر ،فعندما ي�ك��ون ه�ن��اك ع�ل�م��اء وم �ف �ك��رون ،وح�ضارة فكرية وفنية وا�سعة ،ف�إننا ن�ستنتج باملنطق �أن نظام ال�سري يف ذلك البلد ال بد �أن يكون �سليما.يف الوطن العربي جتد من ي�ضاهي كبار املفكرين واملبدعني بقدراته الذهنية و�إبداعاته� ،إال �أن هناك مئات احلواجز التي تعيقه عن ممار�سة �إب��داع��ه وعطاءاته ،هذا �إذا مل يتهم ب��اخل��روج ع��ن القيم والتقاليد االجتماعية املختلفة التي خرج منها ليطرح البديل الأف�ضل ،وغالبا ما ينكفئ على ذاته �أو يحزم حقائبه ويتجه �إىل الأر���ض التي ت�ساعده على تطوره.فاخلروج من الوطن يكون �أحيانا ب�شكل جمازي ،وهو �أن يبحث الفنان عن قنوات عاملية تنقذه من �ضائقة املحلية�� ،س��واء �أك��ان ذل��ك ب�إقامة املعار�ض باخلارج� ،أو لفت نظر ال�صحف العاملية مبا يقوم به من �أعمال خارجة عن امل�ألوف املتبع ل��دى الكثري من الفنانني ،وبالتايل ف ��إن كل فنان حقيقي ن�ش�أ من بيئة وو�سط اجتماعي معني ،ثم حافظ على التزامه جتاه بيئته تلك، ف�سيجد نف�سه منطلقا من املحلية �إىل العاملية، بحيث ت�صبح همومه البيئية هموما عاملية تالم�س عقول وم�شاعر النا�س يف كل مكان
من �أنحاء العامل. * ه��ل الكاريكاتري الناجح هو ذلك الذي يعتمد على الرمز �أم املبا�شرة؟ ** عندما يلج�أ الكاريكاتري �إىل الرمز فال بد �أن هناك �أ�سبابا وراء ذلك ،هذه الأ�سباب لها ال�صفة الإيجابية يف موقع م��ا ،و�أي�ضا لها ال�صفة ال�سلبية يف م��وق��ع �آخ ��ر ،فمثال يف بلد متقدم ي�ستخدم ر�سام الكاريكاتري فيه الرمز ،فهذا من دواع��ي التقدم الفكري، وال �ب �ع��د ال��ذه �ن��ي ل ��دى ال��ر� �س��ام وامل�ت�ل�ق��ي. وعندما ي�ستعمل الفنان الرمز يف الدول التي تقمع الفكر وتخ�شاه ،ف�إن ذلك لتمرير بع�ض الق�ضايا التي ال ي�ستطيع متريرها ب�شكل ظاهر� ،صحيح �أن املتلقي يف هذه الدول لي�س على الدرجة نف�سها من الوعي والقدرة على التعامل مع الرموز ،ولكن ا�ستمرار الو�ضع يخلق عنده نوعا من القدرة على قراءة الرمز الذي يعنيه الر�سام �أو ذاك بالتحديد. وي �ل �ع��ب ال ��رم ��ز ك�ل�م��ة ال �� �س��ر ب�ي�ن الر�سام واملتلقي ،ويف كلتا احلالتني يكون الرمز يف الكاريكاتري ه��و ال�سيد دائ �م��ا ،وال��ذي ي�صبح فيما بعد �أم ًرا ال ميكن اال�ستغناء عنه من الطرفني؛ لأن يف ذلك تقديرا واحرتاما كبريين م��ن ال��ر��س��ام ي�ق��وم بهما جت��اه عقل القارئ يف �إعطائه فر�صة للبحث يف العالقات والرموز ،وال �أق�صد هنا الطال�سم وقراءتها واال�ستمتاع باالكت�شاف. * عُ ��رف ف��ن الكاريكاتري ب�أنه فن �ساخر ،فهل ن�ستطيع القول �إن هدفه الإ�ضحاك فقط �أم �أن هناك �أ�شياء �أعمق من هذا؟ ** امل�ع��روف �أن ال�سخرية م��ن �شيء لي�س مق�صود بها دائما الإ�ضحاك ،فهناك ال�سخرية امل��رة ،وهناك ال�سخرية ال���س��وداء ،وهنالك ال�سخرية م��ن �أج��ل الإ� �ض �ح��اك .لكن ر�سام الكاريكاتري امللتزم بهموم النا�س ،ال يعقل �أن يجعل هدفه الإ�ضحاك من �أجل الإ�ضحاك الذي يكون و�سيلة ولي�س غاية ،وهو ج�سر ي�صل القارئ ما بني ال�ضحكة والأمل �أحيانا، وباعتبار �أن�ن��ا نعي�ش على ج��زء م��ن العامل ت���ص��ادف�ن��ا االب�ت���س��ام��ات ف�ي��ه م���ص��ادف��ة ،فال ميكنني ـ بالطبع ـ �أن �أتفرغ مل�س�ألة ال�ضحك
هذه الواقعة �شجعتني كثريا على موا�صلة الر�سم يف هذا االجتاه. وبعد ح�صويل على البكالوريو�س �سافرت �إىل دم�شق للعمل يف ال�صحافة واالنت�ساب �إىل كلية الفنون اجلميلة ،ومل �أ�ستطع يومها �أن �أعمل ب�سهولة ،وبقيت عدة �أ�شهر �أ�سكن مع �صديق يف غرفة �صغرية ،فيها �سرير واحد، وكان �صديقي ينام يف الليل ،و�أنام �أنا يف النهار ،وقد �أفادتني هذه التجربة كثريا يف حياتي العملية فيما بعد ،والطريف �أنني عندما كنت �أذهب لبع�ض املجالت ملقابلة ر�ؤ�ساء التحرير كي �أعر�ض عليهم ر�سوماتي ،كان البواب هو الذي يح�سم الأمر ويقرر رف�ضي دائما. و�أذكر �أنني ذهبت ذات مرة �إىل جملة "اجلندي" فقابلني البواب، وطلب ر�ؤية ر�سوماتي ،وبعد �أن �أخذها وقلبها قال :ر�سوماتك حلوة ،لكنني مل �أفهم منها �شيئا،
ف��امل �ج��ازر ،وامل ��ذاب ��ح ،وال �ق �م��ع ،والإره� ��اب التي متار�س ال ميكنها �أن ت�ضحكنا .وميكن القول �إن الكاريكاتري يلعب دورا تنفي�سيا عندما يالم�س امل�شكلة من اخلارج فقط� ،أما الكاريكاتري التحري�ضي فهو ال��ذي ي�ضع عبوة نا�سفة يف جذور امل�شكلة. * تتمحور معظم �أعمالك حول ثالثية " :القمع ـ اخل��ط��اب��ات ـ الكر�سي"؟ ** ه��ذا ه��و ال �ه��رم ال ��ذي ي�شكل ال�سيا�سة الأ�سا�سية يف حياتنا ،فقد زرع التاريخ الكبري للقمع يف هذه املنطقة �شرطيا يف ر�أ���س كل مواطن ،لكنني قررت �أن �أقتل هذا ال�شرطي يف ر�أ� �س��ي و�أر� �س��م� ،أم��ا م�س�ألة اخلطابات فتاريخنا العربي الن�ضايل كله �شعر ومعلقات وخطابات ،و�إال ما الذي �أو�صلنا �إىل هنا �إال الكالم الكثري والفعل القليل؛ ف�أنا �أنتقد �أن يكون الكالم على ح�ساب الفعل ،ور�سوماتي تخاطب ه�م��وم الإن �� �س��ان وق���ض��اي��اه ب�شكل ع��ام؛ لأن الإن�سان� ..إن�سان �أينما كان ويف كل زم��ان ومكان ،و�أن��ا م�صمم على الرتكيز يف �أعمايل على الظلم ..والقمع ..والبيئة.. واخل�ير ..واجل��وع ..والفقر ..تلك الأ�شياء التي ت�ستطيع �أن ت�ستنبط من خاللها مفردات وعالقات �إن�سانية ،وهذه العالقات لي�س لها مكان �أو زم��ان ،وبالنتيجة نحن نبحث عن حل فيه �شيء من احل��ب ،و�شيء من املحبة بني النا�س من خالل رف�ضنا للأ�شكال الأخرى ال�ظ��امل��ة ال�ت��ي مت��ار���س �ضد الإن �� �س��ان و�ضد الإن�سانية ب�شكل فا�ضح. * يلج�أ بع�ض ر�سامي الكاريكاتري �إىل ا���س��ت��خ��دام رم��ز ل�شخ�صية مميزة يف �أعمالهم مثل "حنظلة" ناجي العلي ،ما ر�أيك؟ ** حياتنا مليئة بالرموز ،وكل �إن�سان منا �أ�صبح رم��زا يف ه��ذه احل�ي��اة فما معنى �أن ت�ضيف رم��زا �آخ��ر؟ وبر�أيي �أن فكرة العمل يف حد ذاتها حتمل قيمة الرمز الذي حتمله ه��ذه ال�شخ�صية ،وم��ن ال�ن��اح�ي��ة ال�شكلية ف ��إن ال��رم��ز ال��دائ��م ق��د ي�سبب �إرب��اك��ا للفنان ال��ذي ي�ضطر لأن يبحث ل��ه با�ستمرار عن موقع �إخ��راج��ي ،وبالتايل �سوف ي�أخذ من فكرته الأ�سا�سية وي�شتتها ،وق��د يكون هذا اال��س�ت�خ��دام ح�لا يف اللوحة ال�ت��ي حتتوي على عبارات ،فهذا يقول كذا ،والرمز يقول ع�ب��ارة مناق�ضة حتى يح�صل املونولوج، ولكن يف �أعمايل ف�إن املونولوج بني العمل واملتلقي نف�سه.ور�سوماتي ح��وار م�ستمر بني �شرائح اجتماعية خمتلفة ،مثل العالقة بني رجل ال�شرطة واملواطن ،وبالتايل ف�إن حوار ال�شرائح االجتماعية املرمز ال يحتمل �أن يت�ضمن �شاهد رمز ،كحنظلة عند الر�سام الراحل ناجي العلي. * م��ا ال���ذي دف��ع��ك م���ؤخ��را �إىل ا�ستخدام الأل��وان يف �أعمالك.. ب��رغ��م �إ����ص���رارك ال��دائ��م على الر�سم بالأبي�ض والأ�سود ؟ ** راودت��ن��ي ف �ك��رة ال��ر��س��م ب ��الأل ��وان منذ �سنوات ع��دة ،فا�ستخدام اللون يف اللوحة الكاريكاتريية ميثل يل حتديا يوميا؛ لأن لكل لون احتماالت وتف�سريات عدة ترتبط ب��احل��االت الإن�سانية املختلفة ،وق��د بقيت م�ت�رددا ف�ترة طويلة ع��ن اخل��و���ض يف هذه التجربة خوفا �أال �أ�ستطيع الو�صول باللون �إىل امل���س�ت��وى نف�سها م��ن �إي �ق��اع الأ� �س��ود والأب��ي�����ض يف ال �ل��وح��ة ،مم��ا ��س�ي�ق�ل��ل من �أهميتها يف �أذهان النا�س ،وبقيت �أعمل �أكرث من �سنتني كي �أ�صل �إىل عجينة من الألوان حتمل قيمة تعبريية تخدم فكرة املو�ضوع، وال تبقى جمرد تزيني �أو جتميل ،وقد �سررت جدا من النتيجة؛ لأن املتلقي تفاعل مع هذه الأعمال وعلقها يف بيته ،و�أ�صبحت اللوحة الكاريكاتريية حتمل قيمة اللوحة الفنية الت�شكيلية؛ �أي �أ�صبح لها �صفة اخللود.
5
علي فرزات جمانة حداد
لي�س غريب ًا �أن ت�ضيق الأنظمة الديكتاتورية بالك ّتاب والأقالم و�أ�صحاب الآراء والأفكار والر�سوم� ،إذا مل ي�سبّح ه�ؤالء بحمدها ،ويكونوا يف خدمتها. �أنا �أو ال �أحد ،يقول لك النظام الديكتاتوري .هكذا ،ال ّ يحق لأي �شخ�ص� ،أن ينظر ب�شزر اىل نظام كهذا� ،أو حتى �أن ي�ضمر فكرة �سلبية �أو نقدية حياله ،باعتبار �أنه واحد �أحد ،منجز ،ونهائي� .أي �أنه �صنو املقدّ�س ،بل �صنو الإلهي. ال �شريك يف القول والتعبري واملوقف والر�أي للنظام الديكتاتوري .كل �شريك� ،أي ًا يكن ،هو عدوّ .تالي ًا ،يجب �إلغا�ؤه� .إما بالإ�سكات .و�إما بالرتويع .و�إما بالقتل. و�إما بالرتغيب. هذه هي طبيعة الديكتاتورية .ف�إذا مل متار�س طبيعتها الأحادية ،تكون تلغي نف�سها بنف�سها .فمن "الطبيعي" ،واحلال هذه� ،أن تعبرّ عن �أحاديتها ب�أ�شكال �شتى. من هذا املنظار بالذات� ،أتطلع اىل االعتداء الوح�شي الرهيب الذي كان عر�ضة له فنان الكاريكاتور ال�سوري علي فرزات .بل �أتطلع اىل كل �أعمال القمع التي يتعر�ض لها املثقفون والك ّتاب و�أهل الر�أي وال�صحافيون والفنانون ،لي�س يف �سوريا فح�سب� ،إمنا يف كل �أنحاء العامل العربي ،ابتداء من لبنان ولي�س انتهاء مب�شارق �أر�ضنا وال بخليجها وال مبغاربها. فماذا "ارتكب" علي فرزات� ،سوى �أنه عبرّ عن ر�أيه ،عن غ�ضبه� ،أو �أمله ،او وجعه، �أو ي�أ�سه ،بالر�سم الكاريكاتوري؟! هذا يذ ّكرين بكل الذين �أُدخلوا ال�سجون �أو ع ِّذبوا� ،أو ُقتلوا ،ب�سبب �آرائهم "املخالفة" لأحادية الديكتاتورية .وه�ؤالء الئحتهم طويلة ،بل طويلة جد ًا .كل تعداد على هذا امل�ستوى ال ب ّد �أن يقع يف النق�صان. على كل حال ،ما فعله "ال�شبّيحة" ،و�إن ح ّقق بع�ض ًا من غايته باالعتداء اجل�سدي ر�سام الكاريكاتور ال�سوري �إ ّال ت�صميم ًا على امل�ضي قدما يف على الفنان ،مل يزد ّ عمله ،معترب ًا �أن الر�سم "قدره" ،وذلك بعد �ساعات من قيام عنا�صر �أمن ملثمني فجر اخلمي�س الفائت بخطفه و�ضربه بوح�شية قبل �إطالقه ورميه على طريق املطار، ما �أدى اىل �إ�صابته بجروح وك�سور يف �أنحاء خمتلفة من ج�سده ،خ�صو�ص ًا يف الوجه واليدين. "ا�ضربوه ا�ضربوه كي يتوقف عن الر�سم والتطاول على �أ�سياده" .هذا ما قاله �أحد املعتدين .لكن ،هل يكفي هذا االعتداء لإ�سكات �صوت الفن ونداء احلرب؟ هل يكفي التنكيل والرتويع والرتهيب والرتغيب والقتل الفردي واجلماعي ملحو الأحرار؟ وال�ستتباب "النظام"؟ �أعتقد ،يف هذه احلال� ،أنه ال ب ّد من قتل ال�شعب ك ّله لكي يطمئن من لن ي�ستطيع �أن يعرث بعد الآن على االطمئنان.
عن النهار
عن موقع الكاريكاتري العربي http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
6
العدد ()2346ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )28كانون االول 2011
العدد ()2346ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )28كانون االول 2011
7
رحلة الى عالم فرزات
ثمة �أنا�س تتعرف عليهم فتتمنى لو �أنك قد تعرفت عليهم منذ زمن بعيد ،و�أنا�س تتعرف عليهم يف هذه احلياة تتمنى لو انك مل تتعرف عليهم و�أنا �س تلتقي بهم فيبقى هذا اللقاء عالقا يف ذاكرتك مدى احلياة التقيت بالفنان العاملي علي فرزات منذ قرابة ربع قرن ،برغم �أن هذا اللقاء كان عابرا وبال�صدفة � ،إال �أن هذا اللقاء بقي عالقا يف ذاكرتي برغم مرور هذا الزمن الطويل وكا ن ذلك �أيام درا�ستي اجلامعية يف جامعة حلب اذ ح�ضرت معر�ضا فنيا له �أقامه يف املكتبة املركزية بجامعة حلب.
بهزاد عبد الباقي
دخلت املعر�ض بينما ه��و ك��ان يتجول م��ع جمموعة م��ن ال�ط�لاب �أم��ام لوحاته ف�س�أله �أحد الطالب على ماذا يرمز �أحد ل��وح��ات��ه؟ ف�ق��ال للطالب م��اذا فهمت من اللوحة؟ فعر�ض الطالب وجهة نظره فقال للطالب �صحيح ،بينما طالب �آخر حت��دث ع��ن وج�ه��ة نظر �أخ ��رى ف�ق��ال له �أي�ضا �صحيح http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
فقلت يا �أ�ستاذ قلت لالثنني �صحيح فكيف يح�صل هذا؟ ف�أجاب :ان جمالية اللوحة الكاريكاتريية تعرب عن وج��وه خمتلفة م��ن ال ��ر�أي وبعد �أن ف��رغ م��ن التجوال يف قاعة املعر�ض جل�س وراء الطاولة ونحن ن�ستمع اليه بد�أ يتحدث عن الفن والثقافة واحلياة وال�سيا�سة ،ورحلنا م��ع اح��ادي�ث��ه اىل ع��امل جميل و�شفاف
عامل ت�شعر ب�أنك �أمام فنان مبدع لي�س يف الفن وحده بل يف جميع جماالت احلياة ،فكل كلمة ينطق بها يفوح منها رائحة احلكمة وت��ود �أن حتفر ه��ذه الكلمة يف ذاكرتك وال تن�ساها مدى احلياة. وكل جملة ينطق بها ت�سمع يف نهايتها زفرة حت�س ب�أن وراءه��ا معاناة ان�سان مبدع لأن��ه ال يوجد اب��داع م��ن دون �أن
يكون هناك معاناة ،وعندما تنظر اىل عينيه يجعلك ترحل اىل عامل امل�ضطهدين وعامل املعذبني وعامل املطالبني باحلرية يف هذا الكون كان هادئا يف حديثه مثل الهدوء الذي ي�سبق العا�صفة وحديثه كان مرنا ولينا كمرونة النبتة التي ال ت�ستطيع �أقوى ال �ع��وا� �ص��ف �أن تقتلعها وح��دي �ث��ه فيه من احلكمة والعقالنية والعمق كعمق ال�ب�ح��ار مهما غ�صيت يف ه��ذا البحر حت�صل على الدرر واملرجان واجلواهر ،ولكن هذا البحر عندما يهوج في�ستطيع ان ينحت يف اق�سى ال�صخور من خالل ري�شته التي ير�سم بها لوحاته ،وقفت م�شدوها ام��ام ه��ذا االن�سان املتوا�ضع الذي كان يتحدث معنا ك�أنه يعرفنا منذ زم��ن بعيد ف�أيقنت ب�أنني �أم��ام ان�سان عظيم ومبدع وكيف ال ؟ وقد نالت احدى لوحاته اجل��ائ��زة الثالثة على م�ستوى العامل يف تلك الفرتة ر�أيته متحدثا يف �أمور �شتى من بينها ما قال عن الفنان الكاركاتريي الفل�سطيني املرحوم ناجي العلي ب�أنهما كانا يعمالن يف اح� ��دى دول اخل �ل �ي��ج ف �ق��ام��ت هذه ال��دول��ة بطرد ناجي العلي ف�سافر اىل لندن فبعث اليه ( علي ف��رزات ) بربقية كتب فيها عبارة ( انتم ال�سابقون ونحن الالحقون ) ومرت االيام وجاء دور علي فرزات فجرى طرده من تلك الدولة متاما كما حدث مع زميله ناجي العلي ف�صدقت ن�ب��وءت��ه ويف احلقيقة مل اك��ن اود ان اغ ��ادره و�أودع ��ه ولكن قبل ان اغ��ادره طرحت عليه � �س ��ؤاال ف��اج ��أه يف بداية الأم��ر فقلت له ا�ستاذ علي :هل ا�صولك كوردية فقال :ان اخ��وايل من الكردمن عائلة الربازي يف حماة � ،أما من ناحية والدي فال �أعلم ،فقلت له مالحمك ولون ب���ش��رت��ك ول� ��ون ع�ي�ن�ي��ك ت ��دل ح �ت��ى من ناحية وال��دك بانك ك��وردي فقال ثانية: ال اعلم فرتك هذا ال�س�ؤال ن�صفه غام�ضا كغمو�ض هذا الواقع الذي نعي�شه الآن ويف اخلتام �أقول :حمدا لله على ال�سالمة يا �أبا مهند وبرت الله الأيادي الآثمة التي امتدت اليك ايادي الغدر واالجرام.
علي فرزات ..باألبيض أقوى عدنان ح�سني لي�س بال�ضرورة �أن ي�شبه ر�سام الكاريكاتري ر�سومه فيكون �شخ�ص ًا مرح ًا جت��ري النكات والطرائف على ل�سانه بجزالة .بل �إن معظم ر�سامي الكاريكاتري الذين عملت معهم كانوا يرتاوحون بني اجلا ّد واملتجهم الوجه دائم ًا ،والقلة كانوا غري ذلك ،و�أحدهم علي فرزات. لـعلي فرزات الذي عملت معه �سنتني كاملتني �شخ�صية جميلة للغاية ..هو بالطبع من �أبرع ر�سامي الكاريكاتري على ال�صعيدين العربي والعاملي ،وهذا ت�أكيد حلقيقة معروفة على �أو�سع نطاق ولي�س �شهادة له مني ،ففنه العبقري هو �شهادته العليا ...روح��ه مرحة ونف�سه طيبة وذوق��ه رفيع� ..سريع البديهة ول��ه قف�شات ّ تدل على ذك��اء وا�ضح ،وهو ج��ا ّد يف حبه وطنه� ،سوريا، كما يحب الع�شاق حبيباتهم ،لكنه منفتح يف وطنيته..
يُ�شعرك ب�أنه ابن بلدك �أي�ض ًا ..وه��ذا �أح��د �أ�سرار �أن ر�سوماته املناه�ضة لال�ستبداد والقمع كنا جندها، نحن معارفه الذين جئنا �إىل دم�شق منفيني من عوا�صم عربية خمتلفة ،تعنينا يف املقام الأول ..فالعراقي يرى �أن علي �إمن��ا ي�سخر يف ر�سومه م��ن ��ص��دام ح�سني، والليبي يعتربه ي�سخر من القذايف وامل�صري من مبارك وال�سوداين من منريي وال�سوري من حافظ الأ�سد. ذات مرة ا�شرتك علي ف��رزات يف معر�ض للكاريكاتري العربي يف العا�صمة الفرن�سية ،وك��ان �أح��د ر�سومه ي���ص��وّ ر ج �ن�را ًال ع���س�ك��ري� ًا� ،أو �شخ�ص ًا ي��رت��دي بزة اجلرناالت ،يغرف ل�شعبه اجلائع امليداليات والنيا�شني من قدر �شوربة .وما �أن ر�أى �سفري �صدام يف باري�س الر�سم حتى ُ�صعق وثار وطلب �إزاحة الر�سم يف احلال، مهددا اجلهة العار�ضة (معهد العامل العربي) بوقف متويلها .وقد �أ�سعد ذلك الت�صرف علي فرزات مع انه مل
يق�صد �صدام حتديد ًا ،و�إمنا كل من هو على �شاكلته من احلكام العرب وغري العرب. مل يكن علي منتظم ًا يف حزب �أو حركة �سيا�سية ،لك ّنه كان مثلنا ،نحن �ضحايا القمع ال�سيا�سي يف بلداننا، مثق ًال باله ّم ال�سيا�سي واالجتماعي حيال القمع والفقر واملهانة خ�صو�صا ..ك��ان من �أي�سر الي�سري عليه �أن ين�صرف عن هذا الهم في�صبح من املح�ضيني واجلل�ساء والندماء للحكام والأثرياء حمدثي النعمة ،لكنه كان يف�ضل رفقتنا نحن املقموعني املطاردين ،وال ي�ستبدل بهذه الرفقة كنوز الأر�ض. مل يكن علي ف��رزات ي�سعى �إىل مكانة �سيا�سية ،لكن "�شبيحة" النظام ال�سوري جعلوا منه الآن رغما عنه وع�ن�ه��م ،ب�ط� ً لا ورم ��ز ًا وط�ن�ي� ًا ك �ب�ير ًا ،وه��ذا م��ن فرط �ضحالة التفكري اال�ستبدادي لنظام (ال�شبّيحة) الذي تف ّتق ذهنه املغلق ع��ن فكرة ه��وج��اء ه��ي �أن يتعامل
مع الفنان ب�صورة �أك�ثر ق�سوة وهمجية من التعامل مع قاطع طريق مثال �أو مه ّرب خم��درات �أو مغت�صب �أطفال. �أن��ا واث��ق م��ن �أن علي ف��رزات ك��ان ي�ضحك ك�ث�ير ًا يف �س ّره على "�شبيحة" النظام ال�سوري الذين اختطفوه الأ�سبوع املا�ضي وع ّذبوه وحاولوا تك�سري �أ�صابعه وعظام يديه حتى ال يعود �إىل �سخريته املر�سومة من �أ��س�ي��اده��م ...واث��ق من �أن علي قد حتامل على �آالمه املربحة ور�أى انه قد انت�صر على جالديه حتى وهو بني �أيديهم املتوح�شة ،وانه كان م�شغوال بكيفية ال�سخرية �أك�ث�ر م��ن ن �ظ��ام ال�شبّيحة م��ا �أن ي �خ��رج م��ن براثن �شبّيحته ...واثق من �أن �أجمل �سخريات علي فرزات و�أقواها هي التي �سري�سمها ب�أ�صابعه امللفوفة بال�ضماد الأبي�ض ويف ما بعد
عن /املدى
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
10
العدد ()2346ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )28كانون االول 2011
العدد ()2346ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )28كانون االول 2011
الذي بين علي فرزات وناجي العلي علي فرزات كان حمظوظ ًا ،كما يقول هو ،فقد ا�شتهر عامليا بف�ضل �صدام ح�سني ،و�شهرته العاملية �أتته هذه املرة ال من ق�صته الأخرية مع ال�سلطة فقط ،حيث تناولها االعالم العاملي ،بل عندما رفع النا�س يف �أق�صى الأرياف النائية �صوره وا�سمه ،وهذا �أف�ضل تقدير كان يحلم به مثقف مثله .ال�صدفة وحدها �أنقذت علي فرزات عندما تعطلت حافلة عمال فقراء �أمام ج�سده املدمى الذي مل يجر�ؤ �أحد �إنقاذه ،خب�أه العمال بينهم و�أنزلوه �أمام امل�ست�شفى.
فاطمة املح�سن
�آخ � ��ر ر���س��م ظ �ه��ر ل� ��ه� �� ،ص ��ورة �شخ�صية با�صابع يده املك�سورة وبينها �أ�صبع واحد ي�ستهدفهم .تلك �شتيمة �ضحك لها النا�س ملء �أفواههم ،وتو�سطت ف�صال من الكر والفر بني فرزات وال�سلطة ،ومل يكن فتح حتقيق ب�ش�أن االعتداء عليه� ،سوى نكتة ت�شبه تلك التي يوظفها فرزات يف ر�سمه الكاركاتريي. من هنا تبد�أ معادلة علي فرزات ،وقبله ناجي العلي ،زميله الذي �سقط على ر�صيف لندين م�ضرجا بدمائه ،ف��رث��اه ف��رزات و�شكل مع �أحبته جمعية با�سمه .بدا فرزات منذ اغتيال ناجي العلي ال ��وارث احلقيقي لفنه ،لهذا امل�سرح الفكاهي حيث اللعب على خ�شبته يكلف الكثري ،فالعلي ال��ذي �ضاع دم��ه بني منظمة التحرير وعمالء ا�سرائيل داخلها، �أوج�ع�ت�ه��م ر� �س��وم��ه ،يكفيه م��ا خ�ط��ه يوما "الثورة بدها رجال ..بدها رجال �أعمال". موتيفات ن��اج��ي العلي جن��ده��ا يف �صمت �شخ�صيات ف ��رزات ،يف خ��اط��ر ا�ستعادتها ومت ّثلها وتعميمها كنماذج مكتفية بذاتها.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
هيئة �أ��ص�ح��اب ال�ك��رو���ش املليئة بفقاعات الكالم الثوري ،املنت�شني بتجارة الأوطان، و�أول��ئ��ك ال��ذي��ن يتمتعون ب���س��ادي��ة �سحق النا�س و�إرك��اع �ه��م .ا�ستعاد ف ��رزات بع�ض الر�ؤ�ساء العرب التي ر�سمها العلي ،مثلما ال�ضعفاء ،والنا�س الغالبى :امل��ر�أة احلانية واخلائفة ،والفقري ال��ذي ميلك فطنة القلب ونباهته. مل يكف فرزات عن �صناعة ال�ضحك املر ،ذاك الذي �صور م�شهدا واحدا لرجل يقطع �ساق �سجني ويبكي يف اللحظة نف�سها من لقطة يف فيلم عاطفي� .شجاعة ف��رزات �أ�سقطت رج��ال ال�سلطة يف حرية التعامل معه ،فهو يباغتهم من حيث ال يعلمون ،ويرفع الثوب عن عوراتهم. كان ال�سفري العراقي يف فرن�سا الت�سعينيات، ق��د �أدى م��ن دون �أن ي ��دري� ،أك�ب�ر دور يف ف�ضح طاغيته ،فقد طالب معهد العامل العربي بباري�س ب��رف��ع ل��وح��ة ف ��رزات ال�ت��ي ت�صور ج�نراال ي�ضع كومة �أو��س�م��ة يف �إن��اء رجل
جائع .ه��دد ال�سفري وتوعد و�أن��ذر بغ�ضب ب�غ��داد م��ن �أ�صدقائها الفرن�سيني .ال�ضجة ال�ت��ي تنقلت مثل ك��رة ثلج ب�ين ال�صحافة العاملية� ،أثبتت ان الغباء والق�سوة يت�سكنان يف قلب اجلالد .مل يكتف فرزات بهذا الر�سم، بل دافع يف كل ر�سومه وكتاباته ومقابالته عن العراقيني وحقهم يف ان يزيحوا كابو�س الطاغية ع��ن �أح�لام�ه��م .ال�سلطة ال�سورية وقتها ��س�يرت مظاهرة �ضد ف ��رزات تتهمه بالعمالة ل�ل�أم�يرك��ان ،ولكنه مل يكف على �أن يرفع قبعته ب�ين ف�ترة و�أخ ��رى ،ليلوح للمبعدين العراقيني بتحية بقيت حمفورة يف القلوب. عندما ان��دل�ع��ت ال �ث��ورة ال���س��وري��ة ،ولعلها الأك�ثر �إقداما والأج��در بالتبجيل من كل ما خطته الثورات العربية يف �سجل البطوالت، كان فرزات قد م�ضى يف �شوطه البعيد على �إيقاعها ،وه��و يهج�س مثلما هج�س ناجي العلي ،تلك اخلطوات التي كانت تتبعه يف غدوه ورواحه.
ك�ي��ف ل��ك �أن ُت���ض�ح��ك ال �ن��ا���س وه��م يف عز ا�ستنفارهم ،وم��ن �سلطة تريد �أن تبكيهم وتفجعهم؟ لعل توليد ال�سخط ال�ضاحك، وهذه وظيفة الكاركاتري ،يخفف من ال�شحنة الدراماتيكية للواقع ،فالهزء من الأقوياء يحول االعرتا�ض �إىل فعل يفتقد العاطفة، ان��ه ح��اد وم��ره��ف يف رد عدوانية الت�سلط ب �ع��دوان �ي��ة ال �ك �� �ش��ف.والن ك��ارك��ات�ير علي ف ��رزات ي�صطاد �ضحاياه م��ن املتجربين، فما عليه �سوى �أن يظهر ارتكاباتهم على انها �أفعال حمق وتهريج .انه ي�ستهني بهم ال بالهتاف �ضدهم ،بل ب�إجادة فن االحتقار. فالطاغية مب��رور ال��وق��ت ،ال يعود كما هو، بل هو متورط يف حماقته ،متورط بج�سده الذي ال يعينه على �أن يبدو كما يريد ،متورط باملكان واللحظة التي توقت فعله� .سريى نف�سه وراء ق�ضبان كر�سيه ،او حتت م�سامري تق�صيه عنه ،فيجل�س على حافة ال�سقوط. ال��دك�ت��ات��وري��ون يقعون حت��ت وط� ��أة �أناهم املت�ضخمة ،تلك التي مت�ل�أ ف�ضاء حياتهم اليومية ،فتجثم يف النهاية مثل �صخرة على ر�ؤو�سهم .كانت املوا�ضيع ت�أتي �إىل فرزات م��ن �أم�ث��ال النا�س اليومية وم��ن حكاياتهم الغزيرة عن القمع. لقد م�ضى ف ��رزات �إىل النهاية يف حكاية تليق ب�سوريا ،هذا البلد اجلميل الذي كان يوما ب�ستان العرب ،وبقيت تقاليد التجارة وثقافتها املتح�ضرة متد النا�س بطول بالهم على الطغيان ،و�صرب على املظامل كي ي�سعوا لرزق وحياة تدير خدها الأمي��ن كي ت�ضمن �سالما وا�ستقرارا يليق بتقاليدها .وكان فرزات من بني املثقفني الذين حاولوا اختبار ال�سلطة على حد رقابهم .ا�صدر "الدومري" ج��ري��دت��ه يف ال�ع�ه��د اجل��دي��د ال ��ذي ب�شر به الرئي�س ال�شاب �شعبه .رجع عمر �أمريالي، وانتع�شت ذاك��رة الثقافة بب�صي�ص �أمل من ان متر �أيام �سوريا ب�سالم ،ويتنف�س النا�س ه��واء احل��ري��ة ال�ت��ي حلموا ب�ه��ا .انتع�شت نوادي الثقافة وملتقياتها ،ولكن غول القمع الذي �سمن على مدى عقود ط��وال ،ال ميكن ان ي�سمح بحرية م��وارب��ة ،ح��ري��ة مهادنة ح�ت��ى ،فمن ي�ستطيع �أن يلغي وظيفة من تعوّ د على القتل من دون ح�سيب ورقيب. طالت يد الأمن الناعمة مثل طحالب املوت، جريدة الدومريي ،فهي ويا للمفارقة ،كانت متثل ال�صدمة الأ�شد وقعا على مراكز الأمن واملتنفذين وال�صاعدين يف اقت�صاد ال�سوق اجلديد� .أرادوا حتويلها �إىل متنف�س لكرب النا�س ،مثلما فعل غ��وار الطو�شي ،ومثلما فعل عدي يف عهد �أبيه ال�سعيد ،فطلبوا من ف��رزات ان تكون تابعة ل�ل�إع�لام الر�سمي. �أُغلقت جريدته ،ولكنه مل ي�صمت �أو يغادر �سوريا وال �سكتت ري�شته عن الكالم املباح. وب��رغ��م الرتهيب وق��وان�ين امل�ن��ع ،مل يهادن الكثري من املثقفني ال�سوريني ،ومل ي�ست�سلموا لآل��ة القمع ،فكانوا روادا منذ الثمانينيات يف �سينما االحتجاج التي انتجت �أفالم ًا ت�صل يف م�ستواها �إىل العاملية ،ولكن العقد الأخري �سجل للمثقفني ال�سوريني �سابقة يف النتاجات اجلريئة ،ال��رواي��ات التي كتبها ال���ش�ب��اب ع��ن ال�ق�م��ع وال �ف �� �س��اد واخل� ��راب، ت�شارك فيها ح�شد من الكتاب� ،أدب ال�سجون وال�سينما الوثائقية ورائدها عمر �أمريالي ورف�ي �ق��ه ��س�ع��دال�ل��ه ون��و���س .مل يفعل عمر �أم�ي�رالي الكثري يف فيلمه الوثائقي الذي ��ص��وره يف ال��داخ��ل ،ت��رك كامريته �أمامهم ليبدو الهتاف وال�شعارات مفارقة كاركاتريية يف مكان يعج بالب�ؤ�س. علي فرزات كان حمظوظ ًا ،كما يقول هو ،فقد ا�شتهر عامليا بف�ضل �صدام ح�سني ،و�شهرته العاملية �أتته هذه املرة ال من ق�صته الأخرية م��ع ال�سلطة ف �ق��ط ،ح�ي��ث ت�ن��اول�ه��ا االع�ل�ام ال�ع��امل��ي ،ب��ل عندما رف��ع النا�س يف �أق�صى الأرياف النائية �صوره وا�سمه ،وهذا �أف�ضل تقدير كان يحلم به مثقف مثله
�صحيفة الريا�ض ال�سعودية
11
علي فرزات رسام المهمشين دلور ميقري 1 ع �ل��ي ف� � ��رزات ،ال��ر���س��ام ال �ك��اري �ك��ات��وري لي�س ا�سم ًا عادي ًا يف عامل الفن. ال�سوريَ ، �إنّ جم ّرد وجود توقيعه ،الب�سيط واملعبرّ يف كاف لكي �آن ،على لوحة تت�صدّر �صحيفة ماٍ ، ي�ش ّد نظ َر القارئ .وخطوط فرزات� ،أي�ض ًا، فهي بر�شاقتها وتوا�ضع ت�شبه توقيعهَ : تقنيتها ،كانت جديرة دوم � ًا بالفكرة التي تعبرّ عنها .واملالحظ ،بهذا اخل�صو�ص� ،أنّ ف��رزات ينتمي ملا ميكن ت�سميته مبدر�سة " بال تعليق "؛ �أي �أنّ لوحته تخفي فكرتها خل َل خطوطها .ورمب��ا �أنّ فناننا ،يف هذه النقطة على الأق��ل ،يفارق �أ�سلوب زميله، الفنان ال�شهيد ناجي العلي ،ال��ذي ع َ ُرف بالتعليقات ال�لاذع��ة على ل�سان " حنظلة "؛ �شخ�صيته ال�شهرية ،املُختلقة ،املُرافقة جلمي َع ر�سومه ،حتى �أنها �أ�ضحت مبثابة توقيع ��ص��اح�ب�ه��ا.و�إذ ق��د ّر لناجي العلي، �إب��داع�� ًا وم��وق �ف � ًا� ،أن ي�ك��ون رم ��ز ًا ملعاناة الفل�سطيني ،كما ولآماله ،ف�إنّ علي ال�شعب ّ ف��رزات ،من جهته� ،صا َر اليوم يف املوقع نف�سه يف ن�ف��و���س م��واط�ن�ي��ه ال�سوريني، ال�ث��ائ��ري��ن على اال��س�ت�ب��داد وال�ت��ائ�ق�ين لغدٍ جدير ب�إن�سانيتهم :ر�صا�صة غادرة ،جبانة، اخرتقت جبني ناجي ،املكلل ب�سعفة الغار كما ب�إكليل ال�شوك .وع�صا �سوداء ،ال تقل خ�سة وحقد ًا باللون نف�سه ،حاولت �أن ّ ت�شل �أن��ام��ل ف ��رزات ،املبدعة .رب��ع ق��رن ،ه� َ�و ما احلدثي؛ بني بطليهما ال�شهيد يف�صل بني نْ الفل�سطيني ،الفنان ،ورفيق دربه ال�سوريّ ، ّ احلي .بي َد �أنّ ناجي العلي ،اخلالد ال�شهيد ّ يف �ضمري �شعبه ،قد �سل َم لعلي فرزات راية الإبداع ،وك�أنهما يتبادالن ا�سم ًا بكنية. 2 ه ��ذه اجل �م �ل��ة ،املُ� �ح�� ِ ّ�ورة ح��دي�ث��ا �شريفا، ك��ان��ت ع�ل��ى ل���س��ان م��واط��ن ب�سيط يت�أمل ر� �س �م � ًا ل �ف �ن��ان �ن��ا؛ وه � ��ذه ،ك��ان��ت لوحتي ال�ك��اري�ك��ات��وري��ة ،ال�ت��ي �أه��دي�ت�ه��ا لفرزات، �أثناء �أحد لقاءاتي معه يف مكتبه ال�صغري، يف �صحيفة " ال�ث��ورة " ،ال�سورية .ثالثة عقود ،مرت على ذلك اللقاء .وقتئذٍ ،كانت ل��ديّ جتربة ق�صرية ،متوا�ضعة ،يف هذا هو �أكرث جدارة الفنّ ال�ساخر ،ومل �أجد من َ من علي فرزات ،لكي �أعر�ض عليه مناذج من ر�سومي. كنت يف ذلك اليوم ب�صحبة كاريكاري�ست �اب ،ي�ن�ح��د ُر مثلي م��ن ح� ّ�ي ركن �آخ ��ر� � ،ش� ّ الدين ،الدم�شقي .هذا ال�شاب ،الذي رافقني الحقا يف رحلة الدرا�سة الفنية ملو�سكو،
ا�ستم ّر �آنذاك يف التوا�صل مع فنان �سورية، الأب� ��رز ،م��ن خ�لال رف��د �صحيفته بر�سوم اجتماعي .وعلى مائدة الغداء ذات طابع ّ الكرمية يف �ضيافة �أب�ي��ه ،الأ��س�ت��اذ حممد علي طه ،ت�سنى يل اللقاء بعلي فرزات ملرة �أخرية .ومل يكن ثمة �سبب ما� ،إ�شكا ّ يل ،يف ع��دم ا�ستمراري بطق�س اللقاء م��ع فناننا الكبري ،الله ّم �سوى ان�صرايف �إىل �إقامة معار�ض خا�صة� ،شخ�صية وم�شرتكة ،بعيد ًا عن ال�صحافة الر�سمية. وكم �أ�سعدين ،وحملني على الفخر �أي�ض ًا، ا�شرتاكي يف معر�ض الكاريكاتور العربي
الثاين ،خالل �شتاء 1981؛ حينما وجدتُ ا�سمي يف برو�شري امل�شاركني ،جنب ًا جلنب م��ع ا�سم علي ف��رزات ون��اج��ي العلي .هذا الأخ�ي�ر ،التقيتُ معه يف " �صالة ال�شعب للفنون الت�شكيلية " ،يف مركز ال�شام� ،أين ّ مت تنظيم املعر�ض� .ستة ر��س��وم ،قدّمتها ل�ل�ع��ر���ض ،ك��ان��ت حم�ج��وب��ة ع��ن احل�ضور ول�سبب مل يرد �أحد من امل�سئولني تو�ضيحه. ه��ذا بالرغم من املفارقة ،املتمثلة بوجود ا�سمي �ضمن امل�شاركني ،كما وح�صويل على �شهادة املعر�ض ف�ض ًال عن هدية رمزية ؟ الفنان ن��اج��ي ،ورد ًا على � �س ��ؤال م��ن �أحد
الأ�صدقاء حول منع ر�سومي من العر�ض، �أب ��دى ا��س�ت�غ��راب��ه وع ��دم معرفته بالأمر. �وج��ه �إ ّ يل باهتمام ،لي�س�ألني بدوره ث � ّم ت� ّ ع��ن الأف �ك��ار ال�ت��ي طرحتها ر��س��وم��ي تلك، امل�ح�ج��وب��ة .يف �سياق احل��دي��ث ،وحينما �أعلمته ب��أن�ن��ي ن�شرت �أوىل ر��س��وم��ي يف تب�سم وقال� " :إنها جملة " احلرية " ،ف�إنه ّ نف�س امل�ج�ل��ة ،ال�ت��ي ظ�ه��رت فيها لوحاتي ال�ك��اري�ك��ات��وري��ة ،بف�ضل ال�ك��ات��ب ال�شهيد غ�سان ك�ن�ف��اين؛ ال ��ذي ك��ان �آن� ��ذاك رئي�س بقي جم�ه��و ًال كذلك، حتريرها " .ول�سبب َ غ��اد َر ناجي دم�شق عائد ًا �إىل ب�يروت قبل
انتهاء �أي��ام املعر�ض .وك��ان فناننا قد فاز باجلائزة الأوىل يف معر�ض العام املن�صرم ( ،) 1980فيما ف��از بها ع��ن ال�ع��ام التايل زميله يف الإبداع؛ علي فرزات. 3 �إح��ال��ة مبتد�أ حديثي ،عن ب�ساطة خطوط علي فرزات ،جتيز يل اال�ستطراد بالت�أكيد، �أنّ خ�ل��ق ف�ن��ان�ن��ا ه ��ذا ك ��ان ع�ل��ى اخل�صلة نف�سها من الب�ساطة :مالمح وجهه الرقيقة، املتجذر فيها عينان جميلتان ،عميقتا الغور؛ �ضحكته ال�ساحرة ،الهادئة؛ حركات يديه، امل�ضطربة قلي ًال ..جميعها ،كانت تف�صح عن �شخ�صية خجولة نوع ًا؛ عن توا�ضع مبدع ّ حق� ،أ�صيل .ويف هذا املقام ،ال ميكنني �أن أ�سلو تعليقه ،الطريف ،على تلك اللوحة، � َ املو�صوفة �آنفا ،التي �أهديتها له� " :أخ�شى �أن يخلط " �أحدهم " بني علي فرزات وعلي بن �أبي طالب " ،قالها �ضاحك ًا وهو ي�شدّد على الفعل يف جملته. بعد �سنة� ،أو �أك�ث�ر ق�ل�ي� ً لا ،م��ن لقائنا يف مكتبه ،ح�صلت املجزرة الكربى ،املروّ عة، يف م��دي �ن �ت��ه؛ ح �م��اة .وع �ل��ى ال�ع�ك����س من ر�سامي الكاريكاتور الآخرين ،يف ال�صحافة احل�ك��وم�ي��ة ،ال�ل��ذي��ن ان��دف �ع��وا يف مقاربة بروباغندا امل�ؤامرة اخلارجية ،لتربير عنف النظام الغا�شم ،ف ��إنّ علي ف��رزات �آث��ر عدم اخلو�ض يف تلك الأحداث. ب��ذرائ��ع امل �ق��اوم��ة وامل�م��ان�ع��ة ذات �ه��ا ،جن ُد نف�س �أولئك الر�سامني ،ال�سلطويني ،وهم ميعنون ال�ي��و َم يف " الت�شبيح " �إعالمي ًا على ثورة ال�شعب ال�سوريّ ،العظيمة بكل املعاين الإن�سانية واحل�ضارية� .إال �أنّ علي فرزات ،الفنان والإن�سان ،مل يلتزم ال�صمتَ ه��ذه امل��رة :ري�شته املبدعة� ،أ�ضحت �أحد �أه� � ّم �أ�سلحة ال �ث��ورة ،ويف ال��وق��ت عينه، �ضربة �سديدة� ،صائبة ،لدعاية نظام الأ�سد ال�صغري ،عما ي�س ّميه باملجموعات ال�سلفية امل�سلحة. �صب �شبيحة النظام ولهذا ال�سبب ،حتديد ًاّ ، حقدَهم ال�ضاري ،املجنون ،على ج�سد علي هاهي حماة �أبي الفداء تبعث فرزات .ولكن، َ من �شهادتها ،خالل الثورة احلالية ،بروح �أك�ثر �صالبة وزخم ًا .كذلك الأم��ر بالن�سبة البنها ،الفنان املبدع ،الذي ك�أمنا �أ�صبحت له �أنامل ماي�سرتو لتوجيه اورك�سرتا الثورة، امل �� �ش��ارك فيها ك� ّ�ل م��واط��ن � �س��وريّ تائق للحرية والكرامة� .أنام ُل علي فرزات ،التي قا َم ال�شبيحة بتك�سريها� ،ستبقى جذورها ح� ّي��ة ،عميقة ،مت � ّد تربة ال��وط��ن بالعزمية والثبات واملَ�ضاء.
عن جريدة االنوار اللبنانية http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
12
العدد ()2346ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )28كانون االول 2011
العدد ()2346ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )28كانون االول 2011
بعيداً عن التوغل يف تتبع تعريفات فن الكاريكاتري ،الكثرية ،ف�إنه ميكن اال�ستخال�ص �إىل �أحدها ،طبق ًا للرتجمة الإيطالية لكلمة" cariareالتي تعني املبالغة ،ويقابلها يف الإنكليزية اللفظ امل�شتق منها".* ”caricature و�إذا كان امل�صطلح قد �أطلق يف عام 1646من قبل مو�سيني ،ف�إنه ي�شار-وفق ذاكرة حمرك البحث غوغل�-إىل �أن هذا امل�صطلح قد احتاج �إىل نحو عقدين من الزمان ،كي يتعرف عليه املجتمع الفرن�سي ،ويتم انت�شاره �ضمن دائرته، ب�شكل وا�ضح ،ولتنداح الدئرة ب�أكرث ،فيغدو لغة عاملية ،ما من �أحد على وجه الب�سيطة من اليعرف �أبجديتها�،أو يعي عن فك رموزها ،و�شفراتها الوا�ضحة ،بل لتتطورهذه اللغة ،وتزداد حروف �أبجديتها ،على �شكل خطوط ،ال �أمي ًا �أمامها البتة!..
علي فرزات يهز عرش االستبداد
�إبراهيم اليو�سف و�إذا كان احلديث-هنا -عن تبلور م�صطلح الكاريكاتري ،تبع ًا ل��دورة الزمان ،ف��إن الفن ال�ك��اري�ك��ات�يري ،ق��د �سبق تبلور م�صطلحه ب�ق��رون ،حيث ك��ان معروف ًا يف احل�ضارات ال�ب���ش��ري��ة الأوىل� � ،س��واء �أك� ��ان ذل ��ك عند اليونانيني �أو عند الآ�شوريني �أوامل�صريني، �إذ ي�شار�إىل وجود ر�سوم كاريكاتريية منذ عام 1250ق م ،يف ع�صور الرعام�سة-وفق ال��ذاك��رة الغوغلية نف�سها -وث�م��ة م��ن عزا �أ�سباب اعتماد هذه الر�سوم لدى امل�صريني، �إىل وج��ود "خلل ما يف العالقة بني احلاكم واملحكوم". وم � ��ادام �أن ال �ك��اري �ك��ات�ير ق��د ان �� �ص��رف يف ب��داي��ات��ه ،الأوىل ،وم �ن��ذ �أن ك ��ان يحبو، للرتكيز على وجود "هوَّ ة بني عاملي ال�سلطة ال�سيا�سية العليا ،والعامة من النا�س"***، ف�إنه مل يتوان البتة عن �أداء مهمات �أخرى له ،ومنها تناول ق�ضايا اجتماعية عامة� ،إذ روى امل�ؤرخ بلنيو�س �أن امل َّثالني اليونانيني" بوبالو�س و�أنتي�س" �صنعا متثا ًال لل�شاعر الدميم ايبوناك�س ،وك��ان هذا التمثال يثري �ضحك كل من ينظر �إليه ،ما ا�ستفز ال�شاعر ايبوناك�س ،ودف �ع��ه لهجائهما يف ق�صيدة كانت �سبب ًا يف انتحارهما!.. وت�����ش�ي�ر ال� ��درا� � �س� ��ات �إىل �أن ال��ر���س��وم الكاريكاتريية الأوىل كانت قد حفرت على احلجارة� ،أو الفخار ،وكان يف جلوء الفنان امل�صري لر�سمها على مثل هاتني الأدات�ين، �سبب ًا يف احل �ف��اظ عليها ،ج�ي� ً لا بعد جيل، من دون �أن تتلف� ،أو ت�ضيع ،ال�سيما و�إنها حفظت يف املعابد ،واملقابر ،و�أ�سبغت عليها ال�صفة امليثولوجية.
كما وت�شري الدرا�سات الفنية ،نف�سها**� ،إىل م��دار���س ع��دة ،للكاريكاتري ،منها" املدر�سة الأورب�ي��ة ال�شرقية" ،وه��ي �أنها ت�صب على االه�ت�م��ام ب" تف�صيالت الر�سم" م��ن دون اللجوء �إىل التعليقات" ،بعك�س املدر�سة الأوربية الغربية التي يقرتن فيها" الر�سم التخطيطي" ب" النكتة" ،م��رك��زة على عملية الإي �� �ص��ال ،رمب��ا ب ��أك�ثر م��ن غريها، بيد �أن امل��در��س��ة الأمريكية-كما ت��رى هذه امل ��راج ��ع -ت��رك��ز ع�ل��ى "اجلمع ب�ين هاتني املدر�ستني ال�سابقتني"،من دون �إغفال عن�صر احل��وار،وه��وم��ا ك��ان ق��د ا�ستحوذ اهتمام الفنان العلي. وعلى هذا النحو ،فقد ن�ش�أ فن الكاريكاتري، جنب ًا �إىل جنب مع فن الر�سم ،لي�شق طريقه اخلا�ص ،ال�سيما بعد �أن �أ�س�س لنف�سه لغته اخلا�صة ،حيث باتت �أبجديته تتو�سع،كي ت�صبح لغة عاملية� ،ش�أن لغة الر�سم ،بل �إنه يكاد يتفوق عليه ،على اعتباره الأق��رب �إىل املتلقي ،ال�سيما و�أن ا�ستعانة ،واحت�ضان ال�صحافة الورقية ،للكاريكاتري ،منذ وقت مبكر م��ن عمرها ،ق��د فتحت �أم��ام��ه الآف��اق، وو�سعت من دائ��رة االهتمام ب��ه ،فانت�شرت لغته ،وباتت بع�ض الر�سوم ال�شهرية ،را�سخة يف ذاكرة النا�س ،وبخا�صة تلك التي تتناول ق�ضايا مهمة ،تتعلق بتفا�صيل حيواتهم اليومية ،بعد �أن ات�سع البون ،بني ال�شرائح االجتماعية والنخب احلاكمة،يف الكثري من بلدان العامل ،وهو ما جعل هذا الفن م�ستقطب ًا ملليارات النا�س ،على وجه الب�سيطة ،ولي�س �أد َّل على هذا من قول ال�شاعر الكبري حممود دروي�ش-الذي ت�صادف ذكرى رحيله الثالثة هذه الأيام -عن �صديقه الفنان الكاريكاتريي الفل�سطيني ناجي العلي" الذي حتل الذكرى
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
ال��راب�ع��ة والع�شرين ،ال�ست�شهاده�-أي�ض ًا- يف ه��ذه الأيام" �أن��ه تعود على فتح جريدة ال�صباح ،م��ن ال�صفحة الأخ�ي�رة ،ال�صفحة ال �ت��ي ك��ان��ت حتت�ضن ر� �س��وم ال �ع �ل��ي ،و�إن ك��ان��ت ر� �س��وم��ه،ه��ذه� ،ستت�سبب يف ن�شوء خالف بني هذين املبدعني ،مل مينع دروي�ش من رث��اء �صديقه على نحو جد م�ؤثر ،بعيد ا�ست�شهاده� ،صديقه ال��ذي هو" مثل الرادار ير�صد اخلط�أ" ،على حد تعبريه ،حيث كان ق��ال �أي���ض� ًا�" :أغبطه ك��ل �صباح� ،أو ق��ل �إنه ه��و ال��ذي �صار يحدد مناخ �صباحي ،ك�أنه فنجان القهوة الأول يلتقط جوهر ال�ساعة
مادام �أن الكاريكاتري قد ان�صرف يف بداياته ،الأوىل ،ومنذ �أن كان "هوة يحبو ،للرتكيز على وجود َّ بني عاملي ال�سلطة ال�سيا�سية العليا، والعامة من النا�س"*** ،ف�إنه مل يتوان البتة عن �أداء مهمات �أخرى له ،ومنها تناول ق�ضايا اجتماعية عامة� ،إذ روى امل�ؤرخ بلنيو�س �أن امل َّثالني اليونانيني" بوبالو�س و�أنتي�س" �صنعا متثا ً ال لل�شاعر الدميم ايبوناك�س ،وكان هذا التمثال يثري �ضحك كل من ينظر �إليه ،ما ا�ستفز ال�شاعر ايبوناك�س، ودفعه لهجائهما يف ق�صيدة كانت �سبب ًا يف انتحارهما!..
الرابعة والع�شرين ،وع�صارتها فيدلني على اجتاه بو�صلة امل�أ�ساة وحركة الأمل اجلديد الذي �سيعيد طعن قلبي ،خط ،خطان ،ثالثة ويعطينا مفكرة ال��وج��ع ال�ب���ش��ري ،خميف ورائع هذا ال�صعلوك الذي ي�صطاد احلقيقة مبهارة ن��ادرة ،ك�أنه يعيد انت�صار ال�ضحية يف �أوج ذبحها و�صمتها� ،إنه احلد�س العظيم وال�ت�ج��رب��ة امل ��أ� �س��اوي��ة ،فل�سطيني وا�سع القلب� ،ضيق املكان �سريع ال�صراخ ،وطافح بالطعنات ويف �صحته حت ��والت املخيم. وكان �أن ر�سم العلي لوحة كاريكاتريية عن دروي�ش ،بعنوان" اليحق لل�شاعر ما اليحق لغريه ،منتقد ًا فيه �أح��د مواقفه ال�سيا�سية، �آنذاك. وي� �ع ��ود ال �ف �� �ض��ل يف ر� �س��م الكاريكاتري، وكتابة التعليقات الكاريكاتريية�إىل يعقوب �صنوع****،حيث �أ��ص��در جريدة �ساخرة هي" �أبو ن�ضارة" ،لتن�ش�أ يف ما بعد نواة فن كاريكاتريي عربي ،باتت مالحمه وهويته ت�ظ�ه��ران ع�ل��ى ن�ح��و ج �ل��ي ،ق��د ب��رزع��دد من ال�ف�ن��ان�ين ال�ك�ب��ار وم�ن�ه��م� :أ� �س��ام��ة ح�ج��اج- فل�سطني وم�ؤيد نعمة –العراق و م�صطفى ح�سني وبهجت عثمان –م�صر ور�شيد ح�سني –ال�سعوديةوعبدال�سالم الهليل-ال�سعودية وعلي ف��رزات وعبدالهادي ال�شماع ويا�سر عبد الله ونور الكردي �-سوريا وعبد العزيز العدوان-ال�سعوديةوعدنان عبا�س-العراق وغريهم كثريون جد ًا. وطبيعي� ،إن الفن الكاريكاتريي ،قد �أ�صبح الآن �أك�ثر انت�شار ًا،ليغدو �أ�شبه بالرغيف والهواء ،بالن�سبة ملتابعيه،ال�سيما بعد ثورة االت�صاالت الهائلة التي ي�شهدها العامل ،فقد باتت هناك مواقع �إلكرتونية ،خا�صة ،تقدم لوحات الكاريكاتري ،ويف �إمكانها ا�ستقطاب
�أعداد هائلة من ال��زوار ،وقد ن�شرت وكاالت الأن�ب��اءخ�بر ًا م�ف��اده� :إن املوقع الإلكرتوين اخلا�ص للفنان ال�سوري العاملي علي فرزات، قد توقف �أم�س الأول ،وذل��ك بعيد االعتداء عليه ،ب�سبب مواقفه من حمام الدم يف بلده، ما �أدى �إىل خطفه ،و�ضربه ،وك�سر�أ�صابعه وي��ده ،بطريقة م�شينة ،كما مت حلق حليته و�شاربيه� ،إم�ع��ان� ًا يف �إه��ان�ت��ه ،ث��م مت رميه يف مكان بعيد ،لتكون له�ؤالء املعتدين عليه، ر�سالة لكل مثقف �صاحب ر�أي ،ال�سيما و�أن ذلك مت ع�شية ا�ستذكار الفنان ال�شهيد ناجي العلي يف ذكراه الرابعة والع�شرين. ولعل الفنان علي فرزات"� ،"1951أحد ه�ؤالء الفنانني الكبار ،ممن �شغلت لوحاتهم النا�س، وحتولت �إىل خبز ون�سغ حقيقيني لهم ،فقد �آل على نف�سه �أن يكون ل�سان حال امل�ضطهدين، وامل �ق �ه��وري��ن ،م��ن دون �أن ي�ن���ص��رف عن ت �ن��اول ال�ق���ض��اي��ا ال� �ك�ب�رى ،وق ��د ا�ستطاع عربعالقاته ال�شخ�صية -احل�صول على �أولترخي�ص لأول �صحيفة ورقية يف �سوريا، يف ع ��ام ،2000بعد �أن مت ت�أميم ال�صحافة ال�سورية ،ومنع �إ�صدار �أية �صحيفة خا�صة م�ن��ذ ان �ق�لاب ع � ��ام ،1963م��ا ع��دا ال�صحف ال�سورية الثالث" ت�شرين-الثورة-البعث"، ومل تخف �صحيفته" الدومري" وهو موقد الفواني�س ل�ي� ً لا ،باللهجة الدم�شقية ،وهو م���أخ��وذ م��ن كلمة" ال�ضوء" ،وق ��د ح��اول ترجمة ا��س��م ال�صحيفة ،م�ت�ج��اوز ًا م��ا كان موجود ًا من " خطوط حمراء"� ،إذ راح ينقد بع�ض" �أ�صحاب الر�ؤو�س الكبرية"-بح�سب لغة الأدي��ب ال�سوري الراحل د .عبدال�سالم العجيلي�،إال�أنه مت منع جريدته من التوزيع يف عام ،2003و�سحبت الرخ�صة املعطاة له- ا�ستثنائي ًا -نتيجة قربه" �آنذاك" من الرئي�س ال�سوري ال�شاب د .ب�شار الأ�سد ،ولقد رفع الفنان ف��رزات من وترية موقفه �سواء �أكان ع�بر ر�سومه ال�صريحة ،واق�ف� ًا م��ع الثورة ال�سورية� ،أو ع�بر ال�ل�ق��اءات التلفزيونية، راف���ض� ًا احل��ل الأم �ن��ي ،م��وا��ص� ً لا ف�ضح �آلة الف�ساد. ك ��ان ف� ��رزات ق��د ت�ع��ر���ض حلملة ت�شهرييف ال�ع��ام ،2004يف �صحيفة ت�شرين التي كان يعمل بها�،إذ مت ن�شر مادة عنه يف �صفحتني كاملتني بعنوان" باع الدم ودموع الأطفال"، م��ع �أن ال�صحيفة اعتمدت يف �إ��س��اءت��ه �إىل ر�سوم له ،ن�شرت يف ،1991وكررت ن�شرها ال�صحف التي ن�شرتها ،لأول مرة ،وهذا من حقها� ،أثناء حرب اخلليج الثالثة،وكان قد مت الت�ضييق عليه قبل ذلك �إثر ن�شره ر�سوم ًاعن �صدام ح�سني ،وهويقف �أمام" قدر" كبري، يغرف مبلعقة كبرية الرتب والنيا�شني ،ومع بدء الثورة ال�سورية ،كر�س ف��رزات ري�شته خلدمة الثورة� ،إال �أنه تعر�ض لعملية اخلطف تلك ،وه��و ما يذكر باالعتداء على مواطنه الفنان" �إب��راه �ي��م قا�شو�ش"" اب��ن حماه" الذي مت ا�ستئ�صال حنجرته ،وذبحه ورميه يف مياه نهر العا�صي .هاتان احلادثتان هما ت�ك��رار ل�لاع�ت��داء على املغني فيكتورجارا، الذي مت برت�أ�صابعه ،و�أطرافه ،وحنجرته، ب��إ��ش��راف ال�ضابط ماريوباتريكي�س� ،إثر انقالب بينو�شيت،وهو يغني للثورة امل�ؤودة، ولت�شيلي ،ع�ق��اب� ًا ل��ه ،على �أن ��ه ك��ان مغني الثورة ،وقتل بعد �أن مت تعذيبه بوح�شية، يف �أح��د امل�لاع��ب الريا�ضية ،م��ع �آخرين،، لرتمى جثته يف �أحد �شوارع �سانتياغو. ت ��أ� �س �ي �� �س � ًا ع��ل��ى م��ا���س��ب��ق ،ف � � ��إن للوحة ال �ك��اري �ك��ات�يري��ة دور ًا ك��ب�ي�ر ًا يف احلياة اليومية ،وحياة ال�شعوب ،وهي �أداة للدفاع عن املظلومني وامل�ضطهدين ،كما �أنها ُّ تق�ض م�ضاجع الدكتاتوريات� ،أينما كانوا ،لذلك، فهم يعمدون على مواجهة الفنانني �أ�صحاب امل��وق��ف ،ب�ك��ل �� �ض ��راوة ،م��ادام��ت اللوحة الكاريكاتريية ،تهز عر�ش اال�ستبداد� ،أينما كان� ،إذا توافرذلك الفنان ،الأ�صيل ،ال�شهم، الويف لرتاب الوطن ،ووجوه �أهله ،و�صاحب املوقف والر�ؤية الوا�ضحة.
13
ح�سن .م .يو�سف احلدث الفني الأكثـر �أهمية الذي �شهدته العا�صمة ال�سورية م�ؤخرا هو افتتاح معر�ض فنان الكاريكاتري الالمع علي فرزات يف املركز الثقايف الفرن�سي بدم�شق. يف هذا املعر�ض ي�ؤكد علي فرزات مكانته العالية كفنان كاريكاتري هجاء من نوع فريد ،كما ي�ؤكد ن�ضج �أدواته الفنية وتفتح موهبته ،وعمق تفكريه .فلوحاته يف هذا املعر�ض ت�شبه البحريات العميقة العذبة ،كونها جتمع ال�شفافية والعمق ،مبهارة تالم�س االعجاز!
علي فرزت :صراخ الكاريكاتير الصامت وت�ق��وم دار (ال� �س��وي) الباري�سية ،حاليا، ب� ��إع ��داد ك �ت��اب ع�ن��ه ي�ضم 400ل��وح��ة ل��ه ، ويقوم ر�سام اللوموند الفنان املعروف جان بالنتو بر�سم مقدمة للكتاب ،جت�سد بلغة الكاريكاتري� ،أب��رز املحطات يف حياة علي فرز�آت. �أعلنت موهبة علي فرزات عن نف�سها يف وقت مبكر ،فعندما ك��ان طالبا يف ال�صف الثالث الإع ��دادي� ،أر�سل كاريكاتريا كان قد ر�سمه اىل �إح��دى ال�صحف ،فما ك��ان م��ن �صاحب جريدة (الأي��ام ) ورئي�س حتريرها املرحوم �صفوح بابيل �إال �أن ن�شر الكاريكاتري يف ال�صفحة الأوىل حتت املان�شيت مبا�شرة. وم�ن��ذ ذل��ك ال �ي��وم اح�ت�رف ع�ل��ي ف ��رزات فن الكاريكاتري ومل ّ يتخل عنه �أبدا. يتميز كاريكاتري علي ف��رز�آت ب�أنه يخاطب ال �ن��ا���س ب�ل�غ��ة ال���ص�م��ت ،وه ��و ي�ع�ت�ق��د �أن ال �ك��اري �ك��ات�ي�ر ال �� �ص��ام��ت �أك �ث��ر وق��ع��ا من الكاريكاتري الذي يعتمد على الكالم املكتوب. وه ��و ي�ط�م��ح اال ي �ك��ون ك��اري �ك��ات�يره بعمر اجلريدة اليومية التي ين�شر فيها .لذا فهو ال يركز على الأحداث الأنية ،بل يطرق ما هو �أعمق يف االن�سان واملجتمع ! وه��ذا ال�ك�لام ينطبق على ل��وح��ات معر�ضه الأخري .فاللوحة تعطيك نف�سها خالل حلظة واحدة ،لكنها تبقى عالقة يف داخلك ،تفعل فعلها كدواء بطيء املفعول .كثريا ما ت�ضحك ! لكنه �ضحك له نكهة البكاء! م�ك�ت��ب ف �خ��م ��ض�خ��م ،ل�ي����س خ�ل�ف��ه �أح ��د،واىل جانبه �سلة مهمالت مليئة باملراجعني املجعدين ! غريق يلفظ �أنفا�سه ،وح�شد من ال�سادةاملت�أنقني يحيون حفال خطابيا ت�ضامنا معه على ال�شاطئ! م�ي�ك��روف��ون ينتهي ب��إن���ش��وط��ة م�شنقة !كر�سي �ضخم حتته زنزانة ! غ�صن ال��زي�ت��ون ال��ذي ينمو يف ي��د منتظر
م �ن��ذ ق ��راب ��ة رب� ��ع ق� ��رن وق� � ��راء ال�صحف ال�سوريون يدمنون على ارت�شاف ر�سومات علي فرزات مع قهوة ال�صباح .ما يدلل ب�شكل �صريح ووا�ضح على ات�ساع �شعبية فرزات ،ه��و �أن��ه ،ق��د نقل م��زاج��ه الكاريكاتوري اىل قرائه ،فقد جعلنا ندمن قراءة اجلريدة اليومية م��ن �آخ��ره��ا مبتدئني بكاريكاتريه الذي كان ين�شر يف �صفحة الثورة الأخرية ، ثم انتقل اىل ال�صفحة الأخرية من ت�شرين. منذ زهاء خم�سة ع�شر عاما بد�أ فرزات ين�شر ر�سومه يف ال�صحف العربية ،ف��ذاع �صيته عربيا وعامليا ،و�صار يعد �أحد �أهم ر�سامي الكاريكاتري ال�ع��رب �إن مل يكن �أهمهم على الإطالق. ول��د ال�ف�ن��ان ع�ل��ي ف���رزات يف م��دي�ن��ة حماه ال���س��وري��ة ع��ام ،1946ودر� ��س ال��ر��س��م يف كلية الفنون اجلميلة بدم�شق ،و�شارك يف اث�ن�ين وع�شرين معر�ضا ف��ردي��ا وم�شرتكا يف �سورية وم�صر وتون�س واملغرب وكندا وفرن�سا ورو�سيا وبلجيكا و�إنكلرتا واليابان و�سوي�سرا. يف عام 1980فاز باجلائزة الأوىل للفنانني ال �� �ش �ب��اب يف م �ه��رج��ان ال �غ��راف �ي��ك ال ��دويل ب�أملانيا .ويف عام 1985فاز باجلائزة الثالثة يف مهرجان غابروفو الدويل الذي �شارك فيه فنانون من ثالث وخم�سني دول��ة .ويف عام 1987ف��از باجلائزة الذهبية يف امل�سابقة العاملية التي �أقيمت يف �صوفيا حتت �شعار ( احلرب على احلرب ). يف ع���ام 1991ف���از ب��امل �ي��دال �ي��ة الذهبية ال�ستفتاء جريدة ال�شرق الأو��س��ط ك�أف�ضل ر�سام كاريكاتري عربي. ويف ع���ام 1994اخ��ت��ارت��ه جل �ن��ة م ��ورج ال�سوي�سرية كواحد من �أه��م الر�سامني يف العامل ومت تكرميه ،وعقب ذلك تلقى دعوة م��ن جامعة الأل��زا���س ال�سوي�سرية لإقامة معار�ض متجولة يف الألزا�س وليون.
ال�سالم اىل �أن يتحول اىل غابة ملتفة حوله! قلم ري�شته �إ�صبع يب�صم ! حيوانات تتفرج بذهول وا�ستنكار علىمعارك ينقلها التليفزيون ! رجل ي�ضع قناع حمار كي ي�ستطيع التفاهممع حمار زي �ش�أن ! رجالن راكعان لهما �شكل فردتي احلذاء! ج�لاد يقطع �أح��د �أط ��راف �أح��د ال�سجناء،ويبكي على م�سل�سل ميلودرامي ي��رده يف التليفزيون ! امر�أة عيونها وفمها على �شكل ثقوب القفلوزوجها يحمل املفاتيح بيده! ان�سان متوح�ش � ،ضار ،يطارد ذئبا مذعورام�سكينا! جرنال مقيد بكر�سي احلكم و�سجني �سيا�سيمقيد بالأ�صفاد! م�صيدة فئران كبرية ،يف داخلها رغيفو��ص�ح��ن م��ن الفا�صوليا و�أم��ام �ه��ا موظف حمدود الدخل ! فار�سان يقتل كل منهما الآخ��ر بوح�شيةبينما ح�صاناهما يتحابان ! هذا هو عامل فرزات يف �آخر جتلياته يف عدد يوليو 1988من جملة العربي ،قال يل علي فرزات عندما تقابلنا يف باب (وجه ًا لوجه ). مل ما �أعرفه هو �أنه يجب علي �أن �أكون �صادقا مع نف�سي � ،أن �أمتثل الواقع بدقة ومن دون تزويق ،هذا من حيث امل�ضمون �أما من حيث ال�شكل ،ف�أعتقد �أن ال�شخو�ص التي تعاي�شني و�أع�بر عنها تفر�ض علي �أ�سلوبا معينا يف الر�سم ،لي�س غريبا عن م�ضمونها ،فال�شكل عندي يواكب امل�ضمون با�ستمرار .ومعر�ض علي ف��رزات اجلديد هو خطوة جبارة على درب فنان �صادق ،يعرف ما يريد! ل �ك��ن ال �ت �ح��دي اجل��دي��د ال� ��ذي ي��واج��ه علي ف��رزات الآن ه��و �أن ال��واق��ع العربي �أ�صبح كاريكاترييا� ،أكرث من �أي كاريكاتري! جملة نزوى العمانية
الفنان الذي استهدفه جهلة الفن واألدب حممد علي �شاهني
ولد الفنان ال�سوري علي فرزات يف عام 1951يف مدينة حماة ب�سورية ،بد�أت موهبته الفنيّة يف �سن مبكرة ،در�س يف �أكادميية الفنون بدم�شق ،وح�صل خالل حياته العملية علي 13جائزة و�أقام �أكرث من ثالثني معر�ضا عامليا. وو�صفه الن ّقاد يف مهرجان " مورج " يف �سوي�سرا ب�أ ّنه من �أف�ضل الر�سامني اخلم�سة املوجودين يف العامل تقدير ًا لأدائه الفني العايل ،ومنح العديد من �شهادات التقدير. �أثارت املوا�ضيع التي طرقها يف ر�سومه اجلريئة الكثري من التناق�ضات والإ�شكاالت مع الأنظمة العربية امل�ستبدّة، واحلكومات اجلائرة. �شرع فرزات ب�إ�صدار جريدة (الدومري) �أول جريدة �سورية م�ستقلة منذ انقالب الثامن من �آذار عام 1963ي�سمح لها بال�صدور ،والتي مت ايقاف ترخي�صها عام 2003ب�سبب نقدها ال�شديد لكل �أ�شكال الف�ساد ،حتت دعوى "خمالفتها لقانون املطبوعات وبالتايل منع �أي مطبعة من طباعة �صحيفة الدومري". وخالل هذه الفرتة تع ّر�ض �صاحبها للتهديد ،كما تع ّر�ضت
مو�ضوعاتها ملق�ص الرقيب ،لأنّ الرقيب تعوّ د حجب ّ كل الق�صائد اجليادّ ، وكل املقاالت والر�سوم اجلريئة املعبرّ ة عن �ضمائر الأحرار. و�أعاد �إىل الذاكرة �صفحات (امل�ضحك املبكي) الأ�سبوعيّة الهزلية االنتقادية ،و�أ�شهر جملة كاريكاترييّة �سوريّة، ل�صاحبها حبيب كحالة وابنه الفنان �سمري كحالة �صاحب الر�سوم الكاريكاتريية اجلريئة التي تناولت كل جوانب احلياة ال�سورية بالنقد الذكي ،على مدى �سبعة وثالثني عام ًا من العطاء ،حتى �صدور الأمر ب�إغالقها يف عام .1966 وجرت حماوالت لإحياء الدومري لكنّ �صاحبها قال ب�صراحته املعهودة " مل ولن �أحاول لأن �إعالمنا مير من قنوات �أمنية معروفة ،ور�سمية غري م�ؤمنة بالإ�صالح �أو االنفتاح �أو حرية التعبري ". ويف 2011/8/25خـُـطِ ف علي فرزات ومت تعذيبه ،من قبل موالني للرئي�س ال�سوري ب�شار الأ�سد ،ثم �ألقي يف الطريق الدويل امل�ؤدّي ملطار دم�شق. وعرثت عليه �سيّارة وهو ملقى على قارعة الطريق يف حالة �إعياء ،والدماء تنذف من ج�سده ،ونقلوه �إىل م�ست�شفى الرازي حيث يرقد الآن.
علي فرزات الفنان الذي �أعاد للر�سم الكاريكاتوري �أهميّته كقيمة فنيّة ،و�أ�سلوب معبرّ عن هموم املواطن العربي يف زمن الكبت ال�سيا�سي وحكم ع�صابات (ال�شبيحة) ،وعبرّ عن روح ال�شعب وتط ّلعاته بري�شة فنان ،وكان �أدا�ؤه رائع ًا ،ال يعرف قيمته �إال من تذوقه. وح�س ًا مرهفا ،وقلم ًا �ساحر ًا، امتلك فرزات موهبة فنيّة ّ فا�ستطاع بر�سومه النقديّة ال�ساخرة جتاوز الن�ص الأدبي والق�صيدة ال�شعريّة �إىل لغة تعبرييّة عامليّة جديدة ،ف�أ�ضحك النا�س من الديكتاتور و�أزالمه و�شبيحته ،وا�ستهز�أ بالقتلة، و�سارقي قوت ال�شعب ،و�أدعياء املقاومة. واجتاز حاجز اللغة بنجاح منقطع النظري ،واقتحم القلوب بح�سن اختيار املو�ضوعات ،و�صدق االنتماء لق�ضايا الوطن واملواطن. فال عجب �أن ي�ستهدفه جهلة الفن والأدب الذين تب ّلدت �أحا�سي�سهم وم�شاعرهم ،وق�ست قلوبهم ،فال يعرفون �سوى لغة العنف التي يتهمون بها خ�صومهم ،وال يتذوّ قون �سوى طعم الدماء. ُ�ش ّلت الأيدي التي نالت من ج�سده ،وتطاولت على قامته، وله ال�صحّ ة وال�سعادة وطول العمر.
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
14
العدد ()2346ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )28كانون االول 2011
العدد ()2346ال�سنة التا�سعة -االربعاء ( )28كانون االول 2011
تعالوا نضحك مع علي فرزات
15
على فرزات يرسم النهاية
عي�سى خملوف تعالوا ننظر �إىل ر�سوم علي فرزات ون�ضحك ...حلظة يبلغ العنف حدوده الق�صوى ،ت�أتي تلك الر�سوم لتزيح الغيمة ال�سوداء الكبرية عن ال�صدور .تفتح من َفذ ًا حني ُتغ َلق جميع املنافذ ،وتك�سر حدّة املناخ امل�أ�ساوي الذي يريده اجل ّالد �سما ًء ثانية .ت�أتي لتك�شف � ّأن الذي ميلك القدرة على القتل لي�س الأقوى بال�ضرورة .القادر على انتزاع ابت�سامة وعلى �إثارة ال�ضحك يف قلب الأهوال يعرف � ّأن الطاغية مثري لل�سخرية حتى لو كانت يف يده �آلة القمع ،و� ّأن املل َّثم هو اخلائف الذي يتحرك يف الظالم ،يحوك الد�سائ�س ويتالعب بالب�شر من وراء الأقنعة .تعالوا ن�ضحك من ّ ع�شاق التوريات النافلة وال�سجع الركيك، يعتدون عليك ويح ّثونك على تقدمي دعوى ق�ضائية �ض ّد من اعتدى عليك� .إنهم مع تطبيق القانون، وثمة قوانني ترعى الظلم وحتمي الظامل .يعيّنون ل�ص ًا يف موقع مدير م�صرف ،و�أمي ًا مدير ًا جلامعة، ويختارون جمرمي احلرب ليكونوا م�س�ؤولني عن حماية املعوّ قني .الذين ي�ستعملون �أياديهم لل�ضرب، و�أقدامهم للرف�س ،و�أدمغتهم للت�آمر ،ي�سمّمون احلياة وال يريدون لأحد �أن يفرح .الفرح ،بالن�سبة �إليهم، تهديد للأمن القومي .املت�س ّلط متجهِّم عَبو�س ،يريدنا �أن ن�صدّقه ونخاف! تعالوا نتحالف فقط مع الإله يحب �أن يغ ّني وي�ضحك .ال�ضحك ،هنا، الذي ،مثلناّ ، �سالح �إن�ساين �سلمي يف مواجهة ال�سالح الهمجي القاتل .يف فيلم "الديكتاتور" ل�شاريل �شابلن تطالعنا �شخ�صية هنكل الذي مي ّثل هتلر ومن خالله كل الطغاة يف التاريخ .يف �أحد امل�شاهد الرائعة ،نرى هنكل وهو يراق�ص الكر َة الأر�ضية .يالعبها ويقذفها بيديه وقدميه .وي�شعر �أنها ملكه يفعل بها ما ي�شاء .فائ�ض ال�سلطة ي�ؤدي �إىل جنون املت�س ّلط .يف�صله عن الواقع من حوله ويخلخل عالقته به .تعالوا ن�ضحك من ّ �سيظل حاكم ًا �إىل الأبد، غباء الطاغية الذي اعتقد �أنه �أي �أنه من طينة الآلهة� ،أبديّ �سرمدي .يتعاطى مع الب�شر ب�صفتهم عبيد ًا له ولأبنائه من بعده .له املجد ولل�شعوب ال�صفع واحلذاء الثقيل فوق الرقاب .تعالوا ن�ضحك على الظلم الذي ّ حل بالأمة العربية منذ ن�صف قرن حتى اليوم و�أخرج العامل العربي من الزمن احلديث .ن�ضحك من �صور الطاغية ومتاثيله ال�شاهقة متلأ ال�شوارع وال�ساحات العامّة ،يراها ويتوهّ م �أنه ال يُقهَر .يرفع يده ملوّ ح ًا للم�ص ّفقني له ،الالهثني وراء غبار �سرابه ،ويرفعها تار ًة �أخرى ليعطي الأوامر ب�إطالق النار على ر�ؤو�س الذين رف�ضوا املذ ّلة .الذين مل يجدوا خبز ًا لي�أكلوا وال مدار�س ليتع ّلموا .ك�أنه يقتلهم م ّرات عدّة قبل القتل الأخري .تعالوا ن�ضحك من الذين يتج�س�سون على �أحالمنا ويحا�صرونها ظ ّن ًا منهم �أنهم قادرون على الإم�ساك بها وت�صفيتها� .أولئك الذين ينادون بالعلمانية واملجتمع املدين ويف الوقت نف�سه ب�ؤجّ جون الطائفية ويعملون على تكري�سها. تعالوا ن�ضحك من الذين يعدون � ّأن قتل ال�شعب قرار ًا وي�صب يف �سرتاتيجي ًا يح�شر العدوّ يف الزاوية ّ الفتي وال يعرف �صالح البلد .الر�صا�ص يخرتق القلب ّ � ّأن هذا القلب الواحد ينب�ض يف ماليني القلوب .تظنّ اليد العابثة املتوحّ �شة �أ ّنها حتكم قب�ضتها على العامل. جت ّز احلنجرة التي تغ ّني ،تدمي اليد التي تر�سم، امل�س بكل ما يرتقي وتفجّ ر الر�أ�س الذي يف ّكر .حتاول ّ بالإن�سان ومييّزه .تريد اليد العابثة املتوحّ �شة �أن تدمّر من يف�ضح حقيقة وجودها ،وهو �أي�ض ًا ف�ضح للجانب املظلم للإن�سان على م ّر الع�صور� .أما َ يدك يا علي ،ف�ستنه�ض من جديد� .ستهز�أ من املل ّثمني وتنزع الأقنعة عن وجوههم� .ستقول لنا ر�سومك � ّإن العنف يج�سد الظلم والطغيان �أكرث �سالح ال�ضعفاء و� ّإن الذي ّ ه�شا�شة مما ميكن املرء �أن يت�صوّ ر. جريدة ال�سفري
http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
manarat رئي�س جمل�س الإدارة رئي�س التحرير
نائب رئي�س التحرير ----------------عدنان ح�سني
مدير التحرير ----------------علي ح�سني االخراج الفني ----------------م�صطفى التميمي
عادل ال�سنهوري النظام اال�ستبدادي الذي يحاول ته�شيم يد و�أ�صابع املبدع والفنان علي ف ��رزات ..ر�سام الكاريكاتري ال�سوري ال�شهري ،يلفظ �أنفا�سه الأخ�يرة ،فلم يعد قادرا على احتمال ري�شة فنان� ،أو قلم مبدع ..هو كل �سالحه يف املقاومة يف وج��ه القمع واملجازر ال�ت��ى ي�ق��وم بها ن�ظ��ام ب�شار الأ� �س��د �ضد ال�شعب ال�سوري ،منذ نحو خم�سة �شهور. ال���ش��را��س��ة وال �ع��دوان �ي��ة والهمجية ال �ت��ي مت بها االعتداء علي ف��رزات ،يعني �أن نظام ب�شار و�صل �إىل �أق�صى مراحل القمع �ضد �شعبه ،وهى املرحلة الأخرية من عمر هذا النظام ،ليلحق بقطار النهاية مع زين العابدين ،ومبارك ،والقذافى ،وابن �صالح، ليكون رابعهم �أو خام�سهم. تركيز بلطجية وعمالء �أو �شبيحة النظام ال�سوري على يدي فرزات ،كان ر�سالة �إىل �أن ب�شار و�أركان نظامه امل�ت�ه��اوي ،ل��ن ي�سمح ب��أي��ة معار�ضة حتى
لوكانت من ر�سومات كاريكاتريية ،ال ميلك �صاحبها من �أ�سلحة املقاومة �ضد قمع حرية ال�شعوب� ،سوى ري���ش��ة و�أل � ��وان ،ت�ق��ف يف وج��ه دب��اب��ات ومدافع و�شبيحة النظام ال�سورى. مل يعد الأ��س��د مبالي ًا �أو مهتم ًا بتح�سني �صورته امللوثة بدماء �آالف ال�شهداء من ال�شعب ال�سوري الذي ينا�ضل من �أجل حريته ،ف�آلة القمع ت�ستدير الآن �إىل �أ�صحاب الفكر واملثقفني واملبدعني ،فالح�صانة لأحد مهما بلغت �شهرته العربية والعاملية .فالفنان على فرزات من �أ�شهر ر�سامي الكاريكاتري العرب، الذين ح�صلوا على �شهرة عاملية ،وفاز بالعديد من اجلوائز العربية والعاملية ،مثل اجلائزة الأوىل يف مهرجان �صوفيا ال��دويل يف بلغاريا (،)1987 وج��ائ��زة الأم�ير كالو�س الهولندية ( )2003وقد جلبت ل��ه تلك اجل��وائ��ز �شهرة عاملية ك �ب�يرة ،ملا لر�سومه الكاريكاتورية من قيمة رفيعة ،عملت على نقد اال�ستبداد والديكتاتورية للنظام ال�سوري الذي حاول يف البداية �إبداء نوايا الإ�صالح ف�سمح له عام
2001ب�إ�صدار �أول جريدة م�ستقلة يف �سوريا ،منذ عام 63وهي جريدة «الدومري» ،و�شهدت رواجاُ ك�ب�ير ًا يف �سوريا ،لكن ب�شار ونظامه مل يحتمل ال�صحيفة وق��رر �إغالقها ،و�سحب ترخي�صها عام ،2003بعد �أن �أ�صبحت يف فرتة قليلة ،املعرب عن �صوت و�ضمري ال�شعب ال�سوري. ما حدث لر�سام الكاريكاتري العربى ال�سوري على ف ��رزات اخلمي�س امل��ا��ض��ي يف � �س��وري��ا ،ح��دث ما ي�شابهه مع املبدع الفل�سطينى ر�سام الكاريكاتري ناجي العلي ،الذى اغتالته ر�صا�صات جمهولة من �أنظمة مل حتتمل �أي�ضا ر�سوماته وانتقاداته يف لندن عام .79 لكن بقي ناجي يف �ضمري وت��اري��خ �أم�ت��ه ،وبقيت ر�سوماته واب��داع��ات��ه ،وذه��ب الذين اغتالوه �إىل مزبلة ال�ت��اري��خ ،مثلما �سيبقى ف ��رزات و�ستبقى ر�سوماته.
الت�صحيح اللغوي ----------------حممد حنون
طبعت مبطابع م�ؤ�س�سة املدى لالعالم والثقافة والفنون
نقال عن اليوم ال�سابع http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com
أصابع االبداع تحت المطرقة تختف هذه ال�صورة الب�شعة كثريا عنا ،لرمبا عهدناها مل ِ كثريا يف احلقبة الغابرة التي مرت على العراق ،لكنه ذات ال�شريط ال�سينمائي املخيف يكرر نف�سه من جديد. ا�صابع طاملا ابدعت و ر�سمت العديد من اللوحات الفنية الكاريكاتريية الناقدة ،و نالت عددا من اجلوائز الدولية العاملية منها منها اجلائزة الأوىل يف مهرجان �صوفيا ال��دويل يف بلغاريا ( ،)1987وج��ائ��زة الأم�ي�ر كالو�س ال�ه��ول�ن��دي��ة ( )2003و منها اي���ض��ا ..م�ط��رق��ة النظام ال�سوري عام 2011ليكتمها متاما و يحيلها ه�شاما يلفظ
منه االبداع انفا�سه االخرية . لعل هذه احلادثة امل�ؤملة عرفت عد�سات الكامريا على وجه علي امله�شم اكرث من ر�سوماته .و لعلها اي�ضا وجهت طعنة لالبداع العربي تثري ال�سخط بقلب كل من ال زال ميلك واحدا .لن�سلط ال�ضوء على هذه ال�شخ�صية املظلومة و املرمية االن يف اح��دى امل�ست�شفيات مع كدمات و يدين مه�شمة حتمل ب�صمات النظام ال�سوري املتوح�ش. ولد علي فرزات يف حماة عام 1951و ن�شرت ر�سوماته يف العديد من ال�صحف ال�سورية والعربية الأجنبية.
�أ� �ص��در يف ع��ام � 2000صحيفة خ��ا��ص��ة "الدومري" ال�ساخرة. وح�صل فرزات على ترخي�ص با�صدار جريدة "الدومري" يف عام 2001وكان ذلك اول ترخي�ص يعطى ل�صحيفة م�ستقلة يف �سوريا منذ 1963و�شهدت رواج��ا كبريا منذ بدء �صدورها مع طبع 60الف ن�سخة ،اال انه نتيجة بع�ض امل�شاكل مع ال�سلطات توقفت اجلريدة عن ال�صدور بعد ان مت �سحب الرتخي�ص منه يف عام .2003 و�أ�س�س فرزات �صالة للفن ال�ساخر التي اتخذت من مقر
ج��ري��دة ال��دوم��ري موقعا لها لتكون ا�ستمرارا لفكرها معتمدا على النجاح الذي ح�صدته اجلريدة لدى اجلمهور الذي نقلت همومه وعك�ست واقعه وكانت ل�سان حاله. وف��از علي ف��رزات بعدد من اجلوائز الدولية والعربية، منها اجل��ائ��زة الأوىل يف مهرجان �صوفيا ال��دويل يف بلغاريا ( ،)1987وج��ائ��زة الأم�ي�ر ك�لاو���س الهولندية ( .)2003وقد اق��ام معر�ضا يف معهد العامل العربي يف ب��اري����س ( ،)1989ون���ش��رت ر��س��وم��ات��ه يف ال�ع��دي��د من ال�صحف ال�سورية والعربية االجنبية.