Ali Farzat

Page 1

‫رئي�س جمل�س االدارة رئي�س التحرير‬ ‫فخري كرمي‬ ‫ملحق ثقايف ا�سبوعي ي�صدر عن جريدة املدى‬

‫‪m a n a r a t‬‬

‫العدد (‪)2346‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )28‬كانون االول ‪2011‬‬


‫‪2‬‬

‫العدد (‪)2346‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )28‬كانون االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2346‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )28‬كانون االول ‪2011‬‬

‫‪3‬‬

‫علي املندالوي‬ ‫ر�سمته‪ ،‬وكتبت عنه عندما �سمح له رئي�س البالد "ب�شار اال�سد" �شخ�صيا‪ ،‬ومن دون كل النا�س‪ ،‬ب�أن‬ ‫ي�صدر على مزاجه الكاريكاتوري اخلا�ص �صحيفته "الدومري" يف �سابقة مل حت�صل ال يف زمن الأ�سد‬ ‫الأب‪ ،‬وال الأ�سد االبن‪ ،‬وكان ذلك يف عام ‪ .2001‬فالأ�سد االب الذي جاء اىل احلكم بانقالب ع�سكري‬ ‫كر�س نظام حكم القائد اىل االبد‪ ،‬بتوريث احلكم(بعد عمر طويل) اىل ولده ب�شار‪ ،‬ونظام احلزب‬ ‫الواحد الذي ال �شريك له (اال بجبهة وطنية ال حول لها والقوة)‪ ،‬ونظام الر�أي الواحد بجريدة‪،‬‬ ‫وقناة تلفزيونية‪ ،‬واذاعة ر�سمية واحدة‪..‬ذات ر�سالة خالدة!‬

‫علي فرزات ‪ ..‬قلم دمشق الفوالذي‬

‫تحيـة إلـى علـي فـرزات‬ ‫�سامي كليب‬ ‫ال ميكن لر�سام كاريكاتري �أن يكون خطر ًا على الأمن القومي‪ .‬اخلطري هو من ي�ضرب ر�سام ًا‬ ‫برقة علي فرزات وذكائه وطرافته‪ .‬واخلطري هو من يقدّم للعامل ذريعة ملهاجمة بالده يف حمنتها‬ ‫الراهنة‪ .‬هي اليد اخل�شنة الظالمية تواجه �أنامل الفن لتزيد يف ت�شويه �صورة بالد احل�ضارة‬ ‫العريقة يف وقتها الع�صيب‪.‬‬ ‫يعرف العرب كثري ًا من ر�سوم علي فرزات‪ ،‬ولكن قلة منهم يعلمون ان للرجل ق�صة الفتة مع‬ ‫الرئي�س ب�شار اال�سد‪ .‬جرى اللقاء االول بينهما قبل و�صول اال�سد اىل الرئا�سة‪ .‬كان يزور مركز ًا‬ ‫ثقافي ًا فرن�سي ًا‪ ،‬وكان فرزات يعر�ض فيه ر�سوم ًا كاريكاتورية ناقدة مبا فيها لأهل ال�سلطة‪ .‬هي‬ ‫ر�سوم كانت ممنوعة من الن�شر وجدت طريقها اىل املعار�ض‪ ،‬حيث عني الرقابة نادرة والأيدي‬ ‫اخل�شنة ال تعرف اليها �سبي ًال‪ .‬توقف اال�سد عند �إحداها‪ ،‬متعن يف اللوحة‪� ،‬أدرك �أنها تعنيه‪ .‬خاف‬ ‫فرزات‪ ،‬لكن �سرعان ما فوجئ بالرئي�س ي�ضحك‪.‬‬ ‫راح الأ�سد يجول يف املعر�ض‪ ،‬يتوقف عند الر�سوم الناقدة لرجال اال�ستخبارات‪ .‬ي�ستدير اىل‬ ‫�أحد ه�ؤالء من بني مرافقيه‪ ،‬ي�ضحك ويقول‪« :‬هذه عنكم»‪ .‬يبت�سم الرجل اال�ستخباراتي ابت�سامته‬ ‫ال�صفراء املعهودة‪ .‬يكمل الرئي�س جولته‪ ،‬يتوقف �أمام علي فرزات‪ ،‬ي�س�أله ما اذا كانت ر�سومه هذه‬ ‫تن�شر‪ ،‬يجيب الر�سام بالنفي‪ ،‬فالرقابة متنع كل ما ينتقد هيبة الدولة‪ .‬ي�صافحه الرئي�س ويطلب‬ ‫منه �أن ين�شرها‪ ،‬ال بل يت�صل الأ�سد نف�سه بوزير الإعالم‪ ،‬و�سرعان ما يكت�شف ال�سوريون ان‬ ‫ر�سوم علي فرزات الناقدة لكل �شيء باتت تن�شر يف �صحيفة «ت�شرين»‪ .‬زادت مبيعات ال�صحيفة‪.‬‬ ‫تن َّف�س النا�س‪.‬‬ ‫كان ذلك اللقاء بني الأ�سد وفرزات مقدمة ل�شيء من �صداقة كادت تتعمّق‪ .‬ي�ؤكد ر�سام الكاريكاتور‬ ‫�أن اال�سد كان يزوره يف بيته �أو معار�ضه وي�شجعه‪.‬‬ ‫علي فرزات رجل طريف ودمث‪ .‬رافقته الطرافة منذ نعومة اظافره‪ .‬كان والداه يخرجانه‬ ‫من البيت خج ًال من ال�ضيوف فهو مل يكن يتوانى عن تقليد اي زائر او �ضيف‪ .‬ي�ضحك �أهله‬ ‫ويخجلون‪ ،‬لكن �أحد ًا مل ي�ضربه وهو �صغري ال�سن لهواية التقليد او الر�سم‪ .‬وحني التقى فرزات‬ ‫بالأ�سد اكت�شف هو الآخر �أن الرئي�س يتمتع بروح النكتة حتى يف �أكرث الأوقات حراجة‪.‬‬ ‫�صدَّق علي فرزات �أحالم الطفولة‪� .‬صار ر�سام ًا �شهري ًا‪ .‬انت�شرت ر�سومه يف معظم ال�صحف‬ ‫العربية‪ .‬ر�أت جملة «الدومري» النور على يديه‪ .‬انتع�ش النقا�ش بني املثقفني‪� .‬أرخت احلرية �شيئ ًا‬ ‫من ا�شعتها على املناخ الدم�شقي‪� .‬شعر املثقفون ب�أن �سنوات كثرية �صارت ترفرف فوق ربيع‬ ‫دم�شق‪ .‬لو ا�ستمر الربيع لتفادت �سوريا الكثري مما ي�صيبها اليوم‪ .‬مهما ر�سم علي فرزات ومهما‬ ‫انتقد فهو يبقى �أقل خطر ًا من الذين ت�سببوا يف ك�سر يده وت�شويه وجهه وت�شويه �صورة �سوريا‪.‬‬ ‫من م�صلحة النظام ال�سوري الك�شف عن الفاعلني‪ .‬هذا �سكني يف �صدر الإ�صالحات قبل ان تولد‪.‬‬ ‫عن ال�سفري اللبنانية‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫ب��ه��ذا ك��ان��ت ال� ��دوم� ��ري ال�صحيفة‬ ‫ال��وح �ي��دة‪ ،‬ال �ت��ي ت���ص��در ب ��الأل ��وان‪،‬‬ ‫ف�صحيفة الدولة وجمالتها‪ ،‬وان كانت‬ ‫تطبع ب�صبغات ال تعد وال حت�صى‪،‬‬ ‫اال انها كانت بلون فكر حزب البعث‬ ‫احلاكم‪ ،‬وحر�سه القدمي‪ ،‬واملنتفعني‬ ‫ال �ق��دم��اء‪ ،‬واجل ��دد م��ن ق�ط��ط النظام‬ ‫ال���س�م��ان ال���ش��ر��س�ين يف ال��دف��اع عن‬ ‫م�صاحلهم‪ ،‬ومن ينتفع منهم‪ ،‬ولهم‪.‬‬ ‫الق��ت ال��دوم��ري م�ن��ذ � �ص��دور عددها‬ ‫االول ت��رح�ي�ب��ا واق� �ب ��اال جماهرييا‬ ‫وا�سعا‪ ،‬فهي ال�صحيفة امل�ستقلة االوىل‬ ‫التي ت�صدر يف البالد منذ عقود‪ ،‬وهي‬ ‫ا�ضافة اىل ذلك �صحيفة نقدية �ساخرة‬ ‫من طراز رفيع‪ ،‬وفوق هذا وذاك يتقدم‬ ‫ف�صيل الكتاب والر�سامني ال�ساخرين‬ ‫فيها رئي�س حتريرها ر�سام �سوريا‬ ‫ال�شهري"علي فرزات"‪.‬‬ ‫وبحكم خ�صو�صيتها الكاريكاتورية‪،‬‬ ‫وج � ��ر�أة ف� ��رزات ك���ش�ف��ت ال�صحيفة‬ ‫م��واط��ن اخل�ل��ل‪ ،‬والف�ساد‪ ،‬واالهمال‬ ‫احل �ك��وم��ي‪ ،‬وال�ت�ق��ط فريقها املثابر‬ ‫املفارقات من حياة املواطن اليومية‬ ‫القا�سية‪ ،‬ف�أقبل النا�س على مطالعتها‪،‬‬ ‫و�شرائها‪ ،‬ف ��زادت الن�سخ املطبوعة‬ ‫م�ن�ه��ا اىل ‪ 60‬ال ��ف ن���س�خ��ة‪ ،‬وزادت‬ ‫م�ساحة االع�لان��ات فيها الأم ��ر الذي‬ ‫�ساعد على دميومة �صدورها‪.‬‬ ‫غري ان هذا النجاح املدوي لل�صحيفة‬ ‫ك�شف زي��ف دع��وة النظام للإ�صالح‬ ‫والتغيري‪ ،‬حتت قيادة الرئي�س ال�شاب‬ ‫ب�شار‪ ،‬الذي �أظهر ب�سحب ترخي�صها‪،‬‬ ‫واغالقها بعد عامني من �صدورها‬ ‫عدم قدرته على قبول الر�أي‪،‬‬ ‫والر�أي الآخر ب�أي �شكل من‬ ‫اال��ش�ك��ال‪ ،‬فكيف ان كان‬ ‫ه��ذا ال�شكل ن�ق��دا مغلفا‬ ‫بالهزل‪ ،‬وال�سخرية من‬ ‫�أداء حكومته‪ ،‬وك�شفا‬ ‫�صريحا ملفا�سد نظامه‪،‬‬ ‫واخفاقاته‪ ،‬و�شروره!‬ ‫وب��إغ�لاق ال��دوم��ري �سد‬ ‫ال�ن�ظ��ام ال �ب��اب والنافذة‬ ‫ع �ل��ى ف � ��رزات‪ ،‬وع �ل��ى كل‬ ‫من قد يحلم ب�إ�صدار مطبوع‬ ‫�آخر‪.‬‬ ‫ويف مبادرة ذات مغزى �أ�س�س فرزات‬ ‫�صالة للفن ال�ساخر يف موقع ا�صدار‬ ‫ال�صحيفة امل�م�ن��وع��ة‪ ،‬و يف مقابلة‬ ‫اج��ري��ت م�ع��ه يف ح�ي�ن��ه �أك ��د الفنان‬ ‫على‪� ":‬أن ق ��رار �سحب الرتخي�ص‬ ‫�شكل �صدمة بالن�سبة له‪ ،‬وان ال�صالة‬ ‫هي امتداد مل�شروع جريدة الدومري‪،‬‬ ‫ال�ت��ي اغلقتها احل�ك��وم��ة‪ ،‬م�ضيفا ان‬ ‫هذا املنع حثه على البحث عن طريقة‬ ‫�أخ ��رى للتوا�صل م��ع النا�س" ومن‬ ‫الوا�ضح انه كان وجها اخر ال�ستمرار‬ ‫مهمته يف مقارعة النظام يف عقر داره‬ ‫ب�أخطر �سالح امتلكه فنان حتى يومنا‬ ‫هذا ‪� ..‬سالح الكاريكاتور!‬ ‫يف احد املعار�ض الدولية التي ا�شرتكنا‬ ‫فيها معا‪ ،‬وكان ( مهرجان جملة املجلة‬ ‫للر�سم ال�ساخر لندن – ‪ )1998‬ر�سم‬ ‫فرزات طائرا ملونا مبنقار على �شكل‬ ‫ري�شة ر��س��ام كاريكاتور‪ ،‬وه��و ينقر‬ ‫مبنقاره هذا املقب�ض اخل�شبي لف�أ�س‬ ‫تلوث ن�صله بالدماء‪ ،‬ويف اللوحة كان‬ ‫املقب�ض الغليظ املتداعي رقبة لرجل‬ ‫مت�أنق‪ ،‬بدا وا�ضحا ان الفنان يق�صد‬ ‫به الأنظمة الدكتاتورية‪ ،‬ومنها نظام‬ ‫بالده‪.‬‬

‫ومن مراجعة ملجمل جتربة فرزات منذ‬ ‫ظهور �أول ر�سم كاريكاتوري له يف‬ ‫جريدة "الأيام" يف عام ‪ 1963‬ومن‬ ‫قراءتي لهذه التجربة الرثية من خالل‬ ‫ما كان ين�شر من ر�سوم يف ال�صحافة‬ ‫اخل �ل �ي �ج �ي��ة خ �ل�ال ال �ع �ق��ود الثالثة‬ ‫امل��ا� �ض �ي��ة‪ ،‬ويف م��واق��ع االنرتنيت‬ ‫العربية والعاملية �أجد ب�أنه مل ينحرف‬ ‫ع ��ن خ �ط��ه يف ر���س��م ال �ك��اري �ك��ات��ور‬ ‫ال�سيا�سي‪ ،‬والذي كان حماربة الظلم‪،‬‬ ‫ومعاداة االنظمة الدكتاتورية‪ ،‬وك�شف‬ ‫مفا�سد الأنظمة العربية‪ ،‬مبا فيها نظام‬ ‫بالده يف �صلب هذا التوجه‪.‬‬ ‫وع �ن��دم��ا و� �ص �ل��ت ال� �ن ��ار اىل ثياب‬ ‫االم �ب��راط � ��ور‪ ،‬وب� � ��د�أ ال �� �س��وري��ون‬ ‫انتفا�ضتهم قبل �أ�شهر انتف�ض فرزات‬ ‫على طريقته ‪ ،‬وب ��د�أ ح��رب��ه م��ن دون‬ ‫وجل من داخ��ل عرين الأ�سد بر�سوم‬ ‫ن��اري��ة �أظ �ه��ر ف�ي�ه��ا ال �ن �ظ��ام جم�سدا‬ ‫ب�شخ�ص رئي�سه ب�شار على حقيقته‪،‬‬ ‫فاحلرب ال��ذي ك��ان ير�سم به الرئي�س‬ ‫ال�سكة التي ي�سري عليها قطار اال�صالح‬ ‫املتوقف نفذ يف اح��د ه��ذه الر�سوم‪،‬‬ ‫وانتظار يوم اجلمعة بات كابو�سا له‬ ‫يف ر�سم اخر‪ ،‬ور�سوم اخرى وجدت‬ ‫طريقها اىل مواقع االنرتنيت‪.‬‬ ‫ومن الوا�ضح ان �صرب النظام الذي‬ ‫نفد مع املطرب "ابراهيم القا�شو�ش"‬ ‫الذي غنى لالنتفا�ضة‪ ،‬فوجد مذبوحا‬ ‫م��ن حنجرته ��ش��ارف على النفاد مع‬ ‫ف��رزات بن�شره لكاريكاتور يقف فيه‬ ‫اال�سد مع وزير خارجيته املعلم على‬ ‫قارعة الطريق‪ ،‬وهما ي�شريان للقذايف‬ ‫الهارب من بالده ‪ ،‬ليحملهما معه‪.‬‬ ‫ف �ك��ان م��ا ك ��ان م��ن خ �ط��ف‪ ،‬و�ضرب‪،‬‬ ‫وك���س��ور تعر�ض لها ال�ف�ن��ان ال�شيخ‬ ‫على اي ��دي ازالم ال�ن�ظ��ام املتداعي‪،‬‬ ‫الذين رموه على قارعة احدى الطرق‬ ‫وه��و ب�ين احل�ي��اة وامل��وت يف ر�سالة‬ ‫وا�ضحة لغريه من الفنانني واملفكرين‬ ‫واالدب��اء يف �سوريا بـ"عدم التطاول‬ ‫على �أ�سيادهم !" كما جاء على ل�سان‬ ‫خاطفي فرزات‪ ،‬وهم يو�سعونه �ضربا‬ ‫و�شتما‪.‬‬ ‫ع �ل��ي ف� ��رزات � �ص��اح��ب "قلم دم�شق‬ ‫الفوالذي" ال�ك�ت��اب ال ��ذي � �ص��در يف‬ ‫الواليات املتحدة عن دارة ن�شر"كون"‬ ‫و�ضم �أكرث من ‪ 370‬ر�سما كاريكاتوريا‬ ‫ل ��ه‪ ،‬وم �ن��ع م��ن ال� �ت ��داول يف موطنه‬ ‫�سوريا ا�ستعاد عافيته‪ ،‬كما �ست�ستعيد‬ ‫�سوريا عافيتها بالعقاب م��ن القتلة‬ ‫والل�صو�ص‪ ،‬وم�صا�صي دماء �شعبها‪.‬‬ ‫وبهذا االعتداء الوح�شي ال�سافر حقق‬ ‫فرزات �شهرة عاملية وا�سعة ا�ضيفت اىل‬ ‫ر�صيده العري�ض ال�سابق من ال�شهرة‪،‬‬ ‫ال�ت��ي حققها خ�لال الثمانينيات من‬ ‫القرن املا�ضي يوم رف�ض (معهد العامل‬ ‫العربي ) طلب ممثل النظام العراقي‬ ‫رفع اح��دى لوحاته من معر�ض كبري‬ ‫للر�سامني ال �ع��رب اق�ي��م ع�ل��ى احدى‬ ‫قاعاته‪ ،‬وكما �أخط�أ نظام �صدام يف‬ ‫ح�ساباته‪ ،‬كما �صرح الفنان فرزات‬ ‫بعد ا�صابته‪ ،‬بقوله‪":‬غباء النظامني‬ ‫العراقي " �صدام" وال�سوري " الأ�سد"‬ ‫دف�ع�ن��ي ن�ح��و العاملية" اخ �ط ��أ نظام‬ ‫ب�شار‪ ،‬لأنه بهذا االعتداء �أ ّلب عليه كل‬ ‫ر�سامي الكاريكاتور يف العامل‪ ،‬الذين‬ ‫�سارعوا اىل ا�شهار ري�شهم النارية يف‬ ‫وجهه‪ ،‬و وجه نظامه الدميم‪ ،‬وهو ما‬ ‫نراه يف مواقع مهمة على االنرتنيت‬ ‫كموقع "ايران كرتون" وموقع "عرب‬ ‫الكرتون" وم��وق��ع "داريل كاغل"‬ ‫وغريها الكثري‪.‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪4‬‬

‫العدد (‪)2346‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )28‬كانون االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2346‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )28‬كانون االول ‪2011‬‬

‫قرر �أن يقتل ال�شرطي يف ر�أ�سه وير�سم‬

‫فنان الكاريكاتير علي فرزات‪ :‬الكاريكاتير‬ ‫التحريضي يضع عبوة ناسفة في جذور المشكلة‬ ‫حاوره يف دم�شق ـ وحيد تاجا ‪:‬‬ ‫يرى ر�سام الكاريكاتري ال�سوري ال�شهري "علي فرزات" �أن اللوحة الكاريكاتريية �أ�صبحت حتمل قيمة اللوحة‬ ‫الفنية الت�شكيلية‪ ،‬ومن ثم �أ�صبح لها �صفة اخللود‪ .‬ولكن الر�سم الكاريكاتريي لفرزات يتجاوز القيمة الفنية‬ ‫ليحمل �أبعادا اجتماعية و�سيا�سية‪ ،‬بل ور�ؤية للكون واحلياة‪ ،‬ويف حواره الآتي مع "ا�شرعة" يك�شف لنا الفنان علي‬ ‫فرزات تفا�صيل وجهة نظره ب�ش�أن العديد من املوا�ضيع ‪..‬‬

‫* ما �أه��م امل��ؤث��رات التي دفعتك‬ ‫باجتاه فن الكاريكاتري؟‬ ‫** ر�سام الكاريكاتري مل ي�أت من الف�ضاء‪ ،‬فهو‬ ‫اب��ن بيئته‪ ،‬وك��ل ما حوله ي��زوده مبقومات‬ ‫اللوحة الكاريكاتريية‪� ،‬سواء ال�سيا�سية �أو‬ ‫االجتماعية �أو االقت�صادية‪ ،‬والوطن العربي‬ ‫يف حد ذاته هو لوحة كاريكاتريية متتد من‬ ‫املحيط �إىل اخلليج‪ ،‬فالإن�سان على �أر�ض‬ ‫ه��ذا ال��وط��ن يعي�ش تناق�ضات اجتماعية‪،‬‬ ‫و�سيا�سية‪ ،‬و�سلوكية‪ ،‬وحتى هذه ال تنتمي‬ ‫�إىل م�ك��ان �أو زم ��ان م�ع�ين‪ ،‬فلها ام �ت��دادات‬ ‫تاريخية‪ ،‬وغالبا ما ت�ستمر م�ستقبليا كذلك‬ ‫�إذا بقيت الأمور كما هي‪ .‬فبدءا من ال�سلوك‬ ‫وعلى م�ستوى العائلة جند مثال �أن الأم تطلب‬ ‫من ابنها التحلي ب�سلوك الف�ضيلة‪ ،‬بينما جند‬ ‫الأب يطالب ابنه �أن ي�صرف زائرا غري مرغوب‬ ‫فيه‪ ،‬ويقول له‪� :‬إنه غري موجود (�أي الوالد)‪،‬‬ ‫امل�س�ألة تبدو هنا غاية يف الب�ساطة‪ ،‬ولكنها‬ ‫حتمل يف طياتها �أبعادا كثرية يف نف�س الطفل‬ ‫الذي يقع يف تناق�ض �أخالقي يحمله معه �إىل‬ ‫امل�ستقبل‪ ،‬وميار�سه فيما بعد بطرق خمتلفة‪،‬‬

‫وهكذا نرى الفرد الذي رمبا ي�صبح يف يوم‬ ‫من الأيام م�س�ؤوال �سيا�سيا �أو اجتماعيا‪ ،‬يف‬ ‫ر�أي��ك م��اذا �سي�صدر عن ه��ذا الإن�سان الذي‬ ‫�شوهته التناق�ضات منذ طفولته؟‬ ‫م�ث��ال �آخ��ر ذل��ك الإن���س��ان ال��ذي ي��رف��ع �شعار‬ ‫احلفاظ على البيئة‪ ،‬ونحن مل ن�سمع حتى‬ ‫الآن ب � ��أن ح �ي��وان��ا ث �ق��ب ط�ب�ق��ة الأوزون‪،‬‬ ‫وب�صراحة مل ن�شاهد جمموعة من الذئاب �أو‬ ‫ال�ضباع �شنت حروبا �أعنف و�أ�شر�س من تلك‬ ‫التي �شنها الإن�سان و�أباد فيها ال�شعوب‪ ،‬ي�أتي‬ ‫ويخرتع الديناميت‪ ،‬وم��ن ثم يعمل جائزة‬ ‫"نوبل لل�سالم"!!‬ ‫ول�ع��ل �أو� �ض��ح م�ث��ال على التناق�ضات التي‬ ‫يعي�شها الإن�سان العربي تلك ال�شعارات التي‬ ‫تطرح يف كل مرحلة‪ ،‬فما كان خيانة بالأم�س‬ ‫�أ�صبح �أك�ث�ر ال���ش�ع��ارات وطنية يف مرحلة‬ ‫الحقة‪ ،‬والأمثلة كثرية ومعروفة لدى القارئ‪،‬‬ ‫هذه املفارقات ال ميكن �أن يلتقطها �أو يعرب‬ ‫عنها �إال فنان الكاريكاتري بحكم تكوينه‪� ،‬أو‬ ‫دقة مالحظته ووعيه وثقافته‪ ،‬وهي كافية؛‬ ‫لأن ت�شكل له ذخرية ال تن�ضب‪.‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫* م���ت���ى ن�������ش���رت �أول ر���س��م‬ ‫كاريكاتريي يف ال�صحف؟‬ ‫** �إن �أول ر�سم يل ا�ستقيته من دهّ ��ان �أتى‬ ‫ليطلي ج��دران منزل العائلة‪ ،‬وك��ان يتلهى‬ ‫�أثناء فر�صة غدائه بر�سم �صور ب�شرية على‬ ‫احل��ائ��ط بقلم خ�شبي‪ ،‬وق��د انتزعتني تلك‬ ‫الوجوه من حالة �ساكنة يف داخلي �إىل حالة‬ ‫فاعلة م�شرقة‪ ،‬حيث كنت �أح�م��ل الفحم من‬ ‫املنقل لأكرر تلك الر�سوم على جدران احلي‪،‬‬ ‫�أو على معامالت النا�س التي كان �أبي يحملها‬ ‫معه �إىل املنزل‪� .‬أم��ا �أول ر�سم ظهر يل على‬ ‫ال�صحف فكان يف املرحلة الإعدادية‪ ،‬وعمري‬ ‫ال يتجاوز ال��راب�ع��ة ع�شرة‪ ،‬يومها �أر�سلت‬ ‫�إحدى الر�سوم �إىل (�صحيفة الأي��ام)‪ ،‬والتي‬ ‫كانت ت�صدر يف دم�شق يف �أوائل ال�ستينيات‪،‬‬ ‫وكانت الر�سمة تتناول بالتعليق على اتفاقية‬ ‫(‪ 1‬ن �ي �� �س��ان) واالن �� �س �ح��اب ال �ف��رن �� �س��ي من‬ ‫اجلزائر‪ ،‬فن�شرتها اجلريدة‪ ،‬وفوجئت عندما‬ ‫�أر��س��ل يل رئي�س التحرير (ن�صوح بابيل)‬ ‫ر�سالة ي��دع��وين فيها �إىل مقابلته م��ن �أجل‬ ‫بحث �إمكانية التعاون يف جمال الكاريكاتري‪،‬‬

‫ومل �أذه ��ب يومها خ�شية �أن ي�س�ألني �أين‬ ‫�أب��وك؟ ويظن �أنني اب��ن الر�سام ول�ست هو‬ ‫�شخ�صيا‪ ،‬لكن هذه الواقعة �شجعتني كثريا‬ ‫على موا�صلة الر�سم يف هذا االجت��اه‪ .‬وبعد‬ ‫ح�صويل على البكالوريو�س ��س��اف��رت �إىل‬ ‫دم�شق للعمل يف ال�صحافة واالنت�ساب �إىل‬ ‫كلية الفنون اجلميلة‪ ،‬ومل �أ�ستطع يومها �أن‬ ‫�أعمل ب�سهولة‪ ،‬وبقيت عدة �أ�شهر �أ�سكن مع‬ ‫�صديق يف غرفة �صغرية‪ ،‬فيها �سرير واحد‪،‬‬ ‫وك��ان �صديقي ينام يف الليل‪ ،‬و�أن��ام �أن��ا يف‬ ‫النهار‪ ،‬وقد �أفادتني هذه التجربة كثريا يف‬ ‫حياتي العملية فيما بعد‪ ،‬والطريف �أنني‬ ‫عندما كنت �أذه ��ب لبع�ض امل �ج�لات ملقابلة‬ ‫ر�ؤ�ساء التحرير كي �أعر�ض عليهم ر�سوماتي‪،‬‬ ‫ك��ان ال�ب��واب ه��و ال��ذي يح�سم الأم��ر ويقرر‬ ‫رف�ضي دائ�م��ا‪ .‬و�أذك��ر �أنني ذهبت ذات مرة‬ ‫�إىل جملة "اجلندي" فقابلني البواب‪ ،‬وطلب‬ ‫ر�ؤية ر�سوماتي‪ ،‬وبعد �أن �أخذها وقلبها قال‪:‬‬ ‫ر�سوماتك حلوة‪ ،‬لكنني مل �أفهم منها �شيئا‪،‬‬ ‫و�أ���ض��اف‪" :‬ب�صراحة ي��وج��د لدينا ر�سام‪،‬‬ ‫ول�سنا بحاجة �إىل ر��س��ام �آخ ��ر‪ ،‬ميكنك �أن‬

‫تبحث عن عمل يف حمل �آخر �أو دكانة ثانية‪..‬‬ ‫هذه احلادثة جعلتني كلما �أمر بجانب جريدة‬ ‫�أو جملة �أو دائرة حكومية ف�أرى �شخ�صا قرب‬ ‫الباب ينتابني �شعور �أنه الوزير �أو املدير �أو‬ ‫رئي�س التحرير‪.‬‬ ‫* م��ا م��ف��ه��وم ال��ك��اري��ك��ات�ير من‬ ‫الناحية ال�شكلية والفنية؟‬ ‫** الكاريكاتري عبارة م�شتقة من الالتينية‬ ‫وه��ي (ك��اري �ك�يرة) �أي امل�ب��ال�غ��ة‪ ،‬وم��ن هنا‬ ‫ج��اءت ت�سمية ال�ك��اري�ك��ات�ير فيما بعد على‬ ‫�أ�سا�س �أن املبالغة هي املقيا�س الأ�سا�سي لفن‬ ‫الكاريكاتري؛ لذلك نالحظ �أحيانا �أن هناك‬ ‫ر��س��وم��ات ك�ث�يرة تعتمد فقط على الناحية‬ ‫ال�شكلية بالر�سم‪ ،‬كر�سم الوجوه مثال ب�شكل‬ ‫كاريكاتريي ال يوجد فكرة و�إمنا ر�سم �شكلي‬ ‫فقط لإن�سان معني‪ ،‬يكون �شكله فيها طويل‬ ‫الأنف‪� ،‬أو عري�ض الوجه‪� ...‬إلخ ‪،‬الكاريكاتري‬ ‫يحاول ت�ضخيم الأ�شياء الظاهرة‪� ،‬أو العيوب‬ ‫ال �ب��ارزة‪ ،‬ويبالغ ف�ي�ه��ا‪ ...‬وفيما بعد تطور‬ ‫مفهوم الكاريكاتري لي�شمل املبالغة بال�شكل‬ ‫وامل���ض�م��ون �أي���ض��ا‪ .‬وللكاريكاتري ج��ذوره‬ ‫الفنية التي تتداخل فيها الق�ضايا ال�سلوكية‬ ‫والنف�سية مع امل�شاهدات الواقعية‪ ،‬فهناك مزج‬ ‫بني الواقع ال��ذي يعي�شه الإن�سان‪ ،‬واحلالة‬ ‫النف�سية التي ي�شعر من خاللها بهذه الوقائع‬ ‫ويف�سرها بالطريقة التي يراها منا�سبة‪.‬‬ ‫* ه��ل ن�ستطيع ال��ق��ول �إن فن‬ ‫الكاريكاتري هو �أحد فروع الفن‬ ‫الت�شكيلي �أو على الأح���رى هل‬ ‫ميكن اعتباره فنا �أكادمييا ؟‬ ‫** الكاريكاتري ال ينف�صل عن الفن الت�شكيلي‬ ‫ب�شكل ع��ام‪ ،‬بعك�س اعتقاد البع�ض لي�س له‬ ‫ع�لاق��ة ل��ه بالفن الت�شكيلي‪ ،‬وف��ن اللوحة‪،‬‬ ‫وامل ��دار� ��س امل ��وج ��ودة ب��ال �ف��ن (الواقعية‪،‬‬ ‫والتعبريية‪ ،‬واالن�ط�ب��اع�ي��ة)‪ ،‬فالكاريكاتري‬ ‫م�شتق م��ن امل��در��س��ة التعبريية‪ ،‬وه��و �أحد‬ ‫املذاهب املعروفة يف الفن الت�شكيلي‪ ،‬ومن‬ ‫امل�ع��روف �أن ف��ن الأ��س�ل��وب التعبريي نف�سه‬ ‫ي�سمح ب�شيء من املبالغة‪ ،‬وباملنا�سبة ف�إن‬ ‫املدر�سة التعبريية ه��ي مدر�سة مبالغ فيها‬ ‫ن�سبة لبقية الفنون واملذاهب‪ ،‬والكاريكاتري‬ ‫م�شتق م��ن ال�ت�ع�ب�يري��ة وم �ب��ال��غ ف�ي��ه ب�شكل‬ ‫م�ضاعف‪ .‬ويالحظ هذا مثال يف لوحة الفنان‬ ‫(غويا) عندما ر�سم لوحته امل�شهورة للعائلة‬ ‫املالكة يف �إ�سبانيا‪ ،‬فقد كانت مالمح الوجوه‬ ‫حت��وي الكثري م��ن امل�ب��ال�غ��ة‪ ،‬وجت�سد حالة‬ ‫الغباء الالمتناهي‪ ،‬وكانت ت�ضم �أي�ضا الكثري‬ ‫من النيا�شني وال��زخ��ارف‪ ،‬وعندما اكت�شفت‬ ‫العائلة املالكة هذه املعاين من خالل �أ�شخا�ص‬ ‫�آخرين لوحق (غويا) وطرد‪.‬‬ ‫* وه��ل يكفي ان يتعلم �أح��دن��ا‬ ‫الر�سم اكادمييا لي�صبح ر�ساما‬ ‫ك��اري��ك��ات�يري��ا �أم �أن ه��ن��اك‬ ‫موا�صفات البد لفنان الكاريكاتري‬ ‫�أن يتمتع بها؟‬ ‫** ال ي�ستطيع �أي ف �ن��ان �أك ��ادمي ��ي طبعا‬ ‫�أن ي�صبح ر� �س��ام��ا ك��اري �ك��ات�يري��ا‪ ،‬فر�سام‬ ‫الكاريكاتري له طينة خا�صة ب��ه‪ ..‬و�صفات‬ ‫خا�صة‪ ،‬فمن املمكن �أن ي�صبح الإن�سان العادي‬ ‫ر�ساما �إذا در�س قواعد الر�سم‪ ..‬ولكن لي�س‬ ‫بال�ضرورة �أن ي�صبح فنانا‪� ..‬إذ �إن املعنى‬ ‫هنا �أعمق‪ ،‬ولكن ال بد للفنان الكاريكاتريي‬ ‫�أن يعرف الر�سم الأكادميي حتى ي�ستطيع �أن‬ ‫يتقن احلركة‪ ،‬كالت�شريح ال�صحيح للج�سم‪،‬‬ ‫وه��ذه تعد �أبجدية لفنان الكاريكاتري‪� ،‬إذ ال‬ ‫ي�ستطيع فنان الكاريكاتري عمل لوحة مقنعة‬ ‫لإن���س��ان مثال م��ن خ�لال حركته وتعبرياته‬ ‫�إال �إذا �أت�ق��ن معرفة في�سيولوجية الوجه‪،‬‬ ‫وحركة اجل�سم ‪ ،‬ولنفر�ض مثال �أنني �أريد‬ ‫ر� �س��م م�لام��ح ل�شخ�صية معينة ف�ي�ه��ا بعد‬ ‫اجتماعي معني‪� ..‬إن�سان ذكي �أو م�س�ؤول‪...‬‬ ‫�أو‪� ...‬إل��خ‪ ،‬كيف ميكنني �أن �أو�صل للقارئ‬ ‫احلالة االجتماعية التي بذهني �إذا مل �أكن‬ ‫�أع��رف �أبجديات الر�سم وق��واع��ده؟ فال�شكل‬ ‫الفني للوحة ي�ساعد على تو�صيل الفكرة‬ ‫وامل�ضمون ب�شكل �صحيح‪�.‬أما �إذا كان هناك‬

‫تناق�ض ما بني الفكرة وال�شكل فال ميكن �أن‬ ‫يكون هناك تو�صيل �صحيح �أب��دا‪ ،‬ولرمبا‬ ‫تنقلب الآية واملق�صود‪.‬‬ ‫* الكاريكاتري يف الوطن العربي‬ ‫قيا�سا بالكاريكاتري يف العامل‪..‬‬ ‫�أين ميكننا �أن ن�صنفه من حيث‬ ‫الطرح‪ ..‬امل�ضمون‪ ..‬ال�شكل؟‬ ‫** للكاريكاتري يف الوطن العربي جذوره‬ ‫التي متتد يف عمق التاريخ‪� ،‬إال �أن��ه كباقي‬ ‫الفنون يحتاج دائما �إىل ثقافة ووعي‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إىل التقنيات العلمية التي ينفذ بها‪ ،‬كالأدوات‬ ‫الفنية �أو التقنية �أو حتى الطباعية‪ ،‬وهو ما‬ ‫زال يف هذه النواحي متخلفا بع�ض ال�شيء‪.‬‬ ‫فكما هي العادة �أننا ن�صدر للخارج اخلامات‬ ‫وال �ت��راث‪ ...‬وم��ا حتتويه ه��ذه الكلمة من‬ ‫م �� �ض��ام�ين‪ ،‬ون �� �س �ت��ورده��ا م ��رة �أخ� ��رى من‬ ‫اخل ��ارج �ضمن ق��وال��ب �أ��س�ل��وب�ي��ة وتقنية‪،‬‬ ‫ح�ت��ى م�ضامني ف�ك��ري��ة‪ ،‬ون �ب��د�أ يف م�س�ألة‬ ‫التقليد امل�صنع لأفكارنا امل�صورة‪ ،‬حتى �إننا‬ ‫�أ�صبحنا كمن ي�صدر ر�ؤو�سا ب�شرية لتفرغ‬ ‫من الداخل‪ ،‬وتعب�أ من جديد بعقول ببغائية‪،‬‬ ‫ونطلق على �أنف�سنا بعد ذلك �صفات متعددة‬ ‫م��ن الإب��داع��ات واالب �ت �ك��ارات‪ ،‬على �أن�ن��ا مل‬ ‫ن��أت ب�شيء ذي �صلة بوعينا ومبا �صدرناه‬ ‫بالأ�صل‪ ،‬و�أ�صبحنا مثل الزجاجات الفارغة‬ ‫التي ميكن �أن تعب�أ مبختلف امل��واد‪ ،‬ولي�س‬ ‫لنا حتى �صفة م�ستقلة‪ .‬طبعا يف كل الأحوال‬ ‫الب��د م��ن اال�ستثناءات حتى نكون عادلني‪،‬‬ ‫لكن هذه اال�ستثناءات ال ت�شكل قاعدة عامة‪،‬‬ ‫وه ��ذا م��ا ينطبق ع�ل��ى ك��ل � �ش��يء ب ��دءا من‬ ‫احل��ذاء وانتهاء بالفكر‪ ،‬فعندما جند يف كل‬ ‫�أن �ح��اء ال�ع��امل جمموعة ك�ب�يرة م��ن ر�سامي‬ ‫الكاريكاتري متتاز بالنوعية‪ ،‬وهي من ناحية‬ ‫الكم ال ي�ستهان بها �أبدًا‪ ،‬ويف املقابل ال جند‬ ‫يف وطننا العربي �إال الكم الكبري والنوعية‬ ‫ال�سيئة‪ ،‬ففي كل معر�ض �أو مهرجان يقام‬ ‫تفاج�أ �أن عدد امل�شاركني من ال��دول العربية‬ ‫ال يتجاوز ال�شخ�صني �أو الثالثة يف �أح�سن‬ ‫الأحوال‪ ،‬بينما نالحظ �أنه ومن دولة واحدة‬ ‫فقط ي���ش��ارك م��ا ال يقل ع��ن ع�شرة فنانني‪،‬‬ ‫وهذا بعد الغربلة‪ .‬ويدل هذا على �أن هناك‬ ‫جمموعة من الر�سامني املنفذين فقط‪ ،‬لي�س‬ ‫لهم �صفة امل�ب��ادرة يف اختيار املو�ضوعات‬ ‫وطرحها من خالل ال�صحف واملجالت‪ ،‬بينما‬ ‫يتمتع الكاريكاتري يف الدول الغربية بن�سبة‬ ‫كبرية م��ن احل��ري��ة والدميقراطية يف طرح‬ ‫املو�ضوعات املختلفة‪ ،‬لكننا ال نرى ال�شيء‬ ‫نف�سه يف وطننا العربي‪.‬ويف اعتقادي �أن‬ ‫كل الأمور احلياتية التي يعي�شها �أي مواطن‬ ‫بدء ًا من ممار�سته الأعمال الدنيوية‪ ،‬وانتهاء‬ ‫مبمار�سة الفكر مرتابطة ح�ضاريا‪ ،‬ومير بها‬ ‫خيط ي�صلها جميعا ببع�ضها البع�ض‪ ،‬فال‬ ‫يتم �شيء على ح�ساب �شيء �آخ��ر‪ ،‬فعندما‬ ‫ي�ك��ون ه�ن��اك ع�ل�م��اء وم �ف �ك��رون‪ ،‬وح�ضارة‬ ‫فكرية وفنية وا�سعة‪ ،‬ف�إننا ن�ستنتج باملنطق‬ ‫�أن نظام ال�سري يف ذلك البلد ال بد �أن يكون‬ ‫�سليما‪.‬يف الوطن العربي جتد من ي�ضاهي‬ ‫كبار املفكرين واملبدعني بقدراته الذهنية‬ ‫و�إبداعاته‪� ،‬إال �أن هناك مئات احلواجز التي‬ ‫تعيقه عن ممار�سة �إب��داع��ه وعطاءاته‪ ،‬هذا‬ ‫�إذا مل يتهم ب��اخل��روج ع��ن القيم والتقاليد‬ ‫االجتماعية املختلفة التي خرج منها ليطرح‬ ‫البديل الأف�ضل‪ ،‬وغالبا ما ينكفئ على ذاته‬ ‫�أو يحزم حقائبه ويتجه �إىل الأر���ض التي‬ ‫ت�ساعده على تطوره‪.‬فاخلروج من الوطن‬ ‫يكون �أحيانا ب�شكل جمازي‪ ،‬وهو �أن يبحث‬ ‫الفنان عن قنوات عاملية تنقذه من �ضائقة‬ ‫املحلية‪�� ،‬س��واء �أك��ان ذل��ك ب�إقامة املعار�ض‬ ‫باخلارج‪� ،‬أو لفت نظر ال�صحف العاملية مبا‬ ‫يقوم به من �أعمال خارجة عن امل�ألوف املتبع‬ ‫ل��دى الكثري من الفنانني‪ ،‬وبالتايل ف ��إن كل‬ ‫فنان حقيقي ن�ش�أ من بيئة وو�سط اجتماعي‬ ‫معني‪ ،‬ثم حافظ على التزامه جتاه بيئته تلك‪،‬‬ ‫ف�سيجد نف�سه منطلقا من املحلية �إىل العاملية‪،‬‬ ‫بحيث ت�صبح همومه البيئية هموما عاملية‬ ‫تالم�س عقول وم�شاعر النا�س يف كل مكان‬

‫من �أنحاء العامل‪.‬‬ ‫* ه��ل الكاريكاتري الناجح هو‬ ‫ذلك الذي يعتمد على الرمز �أم‬ ‫املبا�شرة؟‬ ‫** عندما يلج�أ الكاريكاتري �إىل الرمز فال‬ ‫بد �أن هناك �أ�سبابا وراء ذلك‪ ،‬هذه الأ�سباب‬ ‫لها ال�صفة الإيجابية يف موقع م��ا‪ ،‬و�أي�ضا‬ ‫لها ال�صفة ال�سلبية يف م��وق��ع �آخ ��ر‪ ،‬فمثال‬ ‫يف بلد متقدم ي�ستخدم ر�سام الكاريكاتري‬ ‫فيه الرمز‪ ،‬فهذا من دواع��ي التقدم الفكري‪،‬‬ ‫وال �ب �ع��د ال��ذه �ن��ي ل ��دى ال��ر� �س��ام وامل�ت�ل�ق��ي‪.‬‬ ‫وعندما ي�ستعمل الفنان الرمز يف الدول التي‬ ‫تقمع الفكر وتخ�شاه‪ ،‬ف�إن ذلك لتمرير بع�ض‬ ‫الق�ضايا التي ال ي�ستطيع متريرها ب�شكل‬ ‫ظاهر‪� ،‬صحيح �أن املتلقي يف هذه الدول لي�س‬ ‫على الدرجة نف�سها من الوعي والقدرة على‬ ‫التعامل مع الرموز‪ ،‬ولكن ا�ستمرار الو�ضع‬ ‫يخلق عنده نوعا من القدرة على قراءة الرمز‬ ‫الذي يعنيه الر�سام �أو ذاك بالتحديد‪.‬‬ ‫وي �ل �ع��ب ال ��رم ��ز ك�ل�م��ة ال �� �س��ر ب�ي�ن الر�سام‬ ‫واملتلقي‪ ،‬ويف كلتا احلالتني يكون الرمز‬ ‫يف الكاريكاتري ه��و ال�سيد دائ �م��ا‪ ،‬وال��ذي‬ ‫ي�صبح فيما بعد �أم ًرا ال ميكن اال�ستغناء عنه‬ ‫من الطرفني؛ لأن يف ذلك تقديرا واحرتاما‬ ‫كبريين م��ن ال��ر��س��ام ي�ق��وم بهما جت��اه عقل‬ ‫القارئ يف �إعطائه فر�صة للبحث يف العالقات‬ ‫والرموز‪ ،‬وال �أق�صد هنا الطال�سم وقراءتها‬ ‫واال�ستمتاع باالكت�شاف‪.‬‬ ‫* عُ ��رف ف��ن الكاريكاتري ب�أنه‬ ‫فن �ساخر‪ ،‬فهل ن�ستطيع القول‬ ‫�إن هدفه الإ�ضحاك فقط �أم �أن‬ ‫هناك �أ�شياء �أعمق من هذا؟‬ ‫** امل�ع��روف �أن ال�سخرية م��ن �شيء لي�س‬ ‫مق�صود بها دائما الإ�ضحاك‪ ،‬فهناك ال�سخرية‬ ‫امل��رة‪ ،‬وهناك ال�سخرية ال���س��وداء‪ ،‬وهنالك‬ ‫ال�سخرية م��ن �أج��ل الإ� �ض �ح��اك‪ .‬لكن ر�سام‬ ‫الكاريكاتري امللتزم بهموم النا�س‪ ،‬ال يعقل‬ ‫�أن يجعل هدفه الإ�ضحاك من �أجل الإ�ضحاك‬ ‫الذي يكون و�سيلة ولي�س غاية‪ ،‬وهو ج�سر‬ ‫ي�صل القارئ ما بني ال�ضحكة والأمل �أحيانا‪،‬‬ ‫وباعتبار �أن�ن��ا نعي�ش على ج��زء م��ن العامل‬ ‫ت���ص��ادف�ن��ا االب�ت���س��ام��ات ف�ي��ه م���ص��ادف��ة‪ ،‬فال‬ ‫ميكنني ـ بالطبع ـ �أن �أتفرغ مل�س�ألة ال�ضحك‬

‫هذه الواقعة �شجعتني كثريا على‬ ‫موا�صلة الر�سم يف هذا االجتاه‪.‬‬ ‫وبعد ح�صويل على البكالوريو�س‬ ‫�سافرت �إىل دم�شق للعمل يف‬ ‫ال�صحافة واالنت�ساب �إىل كلية‬ ‫الفنون اجلميلة‪ ،‬ومل �أ�ستطع‬ ‫يومها �أن �أعمل ب�سهولة‪ ،‬وبقيت‬ ‫عدة �أ�شهر �أ�سكن مع �صديق يف‬ ‫غرفة �صغرية‪ ،‬فيها �سرير واحد‪،‬‬ ‫وكان �صديقي ينام يف الليل‪ ،‬و�أنام‬ ‫�أنا يف النهار‪ ،‬وقد �أفادتني هذه‬ ‫التجربة كثريا يف حياتي العملية‬ ‫فيما بعد‪ ،‬والطريف �أنني عندما‬ ‫كنت �أذهب لبع�ض املجالت ملقابلة‬ ‫ر�ؤ�ساء التحرير كي �أعر�ض عليهم‬ ‫ر�سوماتي‪ ،‬كان البواب هو الذي‬ ‫يح�سم الأمر ويقرر رف�ضي دائما‪.‬‬ ‫و�أذكر �أنني ذهبت ذات مرة �إىل‬ ‫جملة "اجلندي" فقابلني البواب‪،‬‬ ‫وطلب ر�ؤية ر�سوماتي‪ ،‬وبعد �أن‬ ‫�أخذها وقلبها قال‪ :‬ر�سوماتك‬ ‫حلوة‪ ،‬لكنني مل �أفهم منها �شيئا‪،‬‬

‫ف��امل �ج��ازر‪ ،‬وامل ��ذاب ��ح‪ ،‬وال �ق �م��ع‪ ،‬والإره� ��اب‬ ‫التي متار�س ال ميكنها �أن ت�ضحكنا‪ .‬وميكن‬ ‫القول �إن الكاريكاتري يلعب دورا تنفي�سيا‬ ‫عندما يالم�س امل�شكلة من اخلارج فقط‪� ،‬أما‬ ‫الكاريكاتري التحري�ضي فهو ال��ذي ي�ضع‬ ‫عبوة نا�سفة يف جذور امل�شكلة‪.‬‬ ‫* تتمحور معظم �أعمالك حول‬ ‫ثالثية ‪" :‬القمع ـ اخل��ط��اب��ات ـ‬ ‫الكر�سي"؟‬ ‫** ه��ذا ه��و ال �ه��رم ال ��ذي ي�شكل ال�سيا�سة‬ ‫الأ�سا�سية يف حياتنا‪ ،‬فقد زرع التاريخ الكبري‬ ‫للقمع يف هذه املنطقة �شرطيا يف ر�أ���س كل‬ ‫مواطن‪ ،‬لكنني قررت �أن �أقتل هذا ال�شرطي‬ ‫يف ر�أ� �س��ي و�أر� �س��م‪� ،‬أم��ا م�س�ألة اخلطابات‬ ‫فتاريخنا العربي الن�ضايل كله �شعر ومعلقات‬ ‫وخطابات‪ ،‬و�إال ما الذي �أو�صلنا �إىل هنا �إال‬ ‫الكالم الكثري والفعل القليل؛ ف�أنا �أنتقد �أن‬ ‫يكون الكالم على ح�ساب الفعل‪ ،‬ور�سوماتي‬ ‫تخاطب ه�م��وم الإن �� �س��ان وق���ض��اي��اه ب�شكل‬ ‫ع��ام؛ لأن الإن�سان‪� ..‬إن�سان �أينما كان ويف‬ ‫كل زم��ان ومكان‪ ،‬و�أن��ا م�صمم على الرتكيز‬ ‫يف �أعمايل على الظلم‪ ..‬والقمع‪ ..‬والبيئة‪..‬‬ ‫واخل�ير‪ ..‬واجل��وع‪ ..‬والفقر‪ ..‬تلك الأ�شياء‬ ‫التي ت�ستطيع �أن ت�ستنبط من خاللها مفردات‬ ‫وعالقات �إن�سانية‪ ،‬وهذه العالقات لي�س لها‬ ‫مكان �أو زم��ان‪ ،‬وبالنتيجة نحن نبحث عن‬ ‫حل فيه �شيء من احل��ب‪ ،‬و�شيء من املحبة‬ ‫بني النا�س من خالل رف�ضنا للأ�شكال الأخرى‬ ‫ال�ظ��امل��ة ال�ت��ي مت��ار���س �ضد الإن �� �س��ان و�ضد‬ ‫الإن�سانية ب�شكل فا�ضح‪.‬‬ ‫* يلج�أ بع�ض ر�سامي الكاريكاتري‬ ‫�إىل ا���س��ت��خ��دام رم��ز ل�شخ�صية‬ ‫مميزة يف �أعمالهم مثل "حنظلة"‬ ‫ناجي العلي‪ ،‬ما ر�أيك؟‬ ‫** حياتنا مليئة بالرموز‪ ،‬وكل �إن�سان منا‬ ‫�أ�صبح رم��زا يف ه��ذه احل�ي��اة فما معنى �أن‬ ‫ت�ضيف رم��زا �آخ��ر؟ وبر�أيي �أن فكرة العمل‬ ‫يف حد ذاتها حتمل قيمة الرمز الذي حتمله‬ ‫ه��ذه ال�شخ�صية‪ ،‬وم��ن ال�ن��اح�ي��ة ال�شكلية‬ ‫ف ��إن ال��رم��ز ال��دائ��م ق��د ي�سبب �إرب��اك��ا للفنان‬ ‫ال��ذي ي�ضطر لأن يبحث ل��ه با�ستمرار عن‬ ‫موقع �إخ��راج��ي‪ ،‬وبالتايل �سوف ي�أخذ من‬ ‫فكرته الأ�سا�سية وي�شتتها‪ ،‬وق��د يكون هذا‬ ‫اال��س�ت�خ��دام ح�لا يف اللوحة ال�ت��ي حتتوي‬ ‫على عبارات‪ ،‬فهذا يقول كذا‪ ،‬والرمز يقول‬ ‫ع�ب��ارة مناق�ضة حتى يح�صل املونولوج‪،‬‬ ‫ولكن يف �أعمايل ف�إن املونولوج بني العمل‬ ‫واملتلقي نف�سه‪.‬ور�سوماتي ح��وار م�ستمر‬ ‫بني �شرائح اجتماعية خمتلفة‪ ،‬مثل العالقة‬ ‫بني رجل ال�شرطة واملواطن‪ ،‬وبالتايل ف�إن‬ ‫حوار ال�شرائح االجتماعية املرمز ال يحتمل‬ ‫�أن يت�ضمن �شاهد رمز‪ ،‬كحنظلة عند الر�سام‬ ‫الراحل ناجي العلي‪.‬‬ ‫* م��ا ال���ذي دف��ع��ك م���ؤخ��را �إىل‬ ‫ا�ستخدام الأل��وان يف �أعمالك‪..‬‬ ‫ب��رغ��م �إ����ص���رارك ال��دائ��م على‬ ‫الر�سم بالأبي�ض والأ�سود ؟‬ ‫** راودت��ن��ي ف �ك��رة ال��ر��س��م ب ��الأل ��وان منذ‬ ‫�سنوات ع��دة‪ ،‬فا�ستخدام اللون يف اللوحة‬ ‫الكاريكاتريية ميثل يل حتديا يوميا؛ لأن‬ ‫لكل لون احتماالت وتف�سريات عدة ترتبط‬ ‫ب��احل��االت الإن�سانية املختلفة‪ ،‬وق��د بقيت‬ ‫م�ت�رددا ف�ترة طويلة ع��ن اخل��و���ض يف هذه‬ ‫التجربة خوفا �أال �أ�ستطيع الو�صول باللون‬ ‫�إىل امل���س�ت��وى نف�سها م��ن �إي �ق��اع الأ� �س��ود‬ ‫والأب��ي�����ض يف ال �ل��وح��ة‪ ،‬مم��ا ��س�ي�ق�ل��ل من‬ ‫�أهميتها يف �أذهان النا�س‪ ،‬وبقيت �أعمل �أكرث‬ ‫من �سنتني كي �أ�صل �إىل عجينة من الألوان‬ ‫حتمل قيمة تعبريية تخدم فكرة املو�ضوع‪،‬‬ ‫وال تبقى جمرد تزيني �أو جتميل‪ ،‬وقد �سررت‬ ‫جدا من النتيجة؛ لأن املتلقي تفاعل مع هذه‬ ‫الأعمال وعلقها يف بيته‪ ،‬و�أ�صبحت اللوحة‬ ‫الكاريكاتريية حتمل قيمة اللوحة الفنية‬ ‫الت�شكيلية؛ �أي �أ�صبح لها �صفة اخللود‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫علي فرزات‬ ‫جمانة حداد‬

‫لي�س غريب ًا �أن ت�ضيق الأنظمة الديكتاتورية بالك ّتاب والأقالم و�أ�صحاب الآراء‬ ‫والأفكار والر�سوم‪� ،‬إذا مل ي�سبّح ه�ؤالء بحمدها‪ ،‬ويكونوا يف خدمتها‪.‬‬ ‫�أنا �أو ال �أحد‪ ،‬يقول لك النظام الديكتاتوري‪ .‬هكذا‪ ،‬ال ّ‬ ‫يحق لأي �شخ�ص‪� ،‬أن ينظر‬ ‫ب�شزر اىل نظام كهذا‪� ،‬أو حتى �أن ي�ضمر فكرة �سلبية �أو نقدية حياله‪ ،‬باعتبار �أنه‬ ‫واحد �أحد‪ ،‬منجز‪ ،‬ونهائي‪� .‬أي �أنه �صنو املقدّ�س‪ ،‬بل �صنو الإلهي‪.‬‬ ‫ال �شريك يف القول والتعبري واملوقف والر�أي للنظام الديكتاتوري‪ .‬كل �شريك‪� ،‬أي ًا‬ ‫يكن‪ ،‬هو عدوّ ‪ .‬تالي ًا‪ ،‬يجب �إلغا�ؤه‪� .‬إما بالإ�سكات‪ .‬و�إما بالرتويع‪ .‬و�إما بالقتل‪.‬‬ ‫و�إما بالرتغيب‪.‬‬ ‫هذه هي طبيعة الديكتاتورية‪ .‬ف�إذا مل متار�س طبيعتها الأحادية‪ ،‬تكون تلغي نف�سها‬ ‫بنف�سها‪ .‬فمن "الطبيعي"‪ ،‬واحلال هذه‪� ،‬أن تعبرّ عن �أحاديتها ب�أ�شكال �شتى‪.‬‬ ‫من هذا املنظار بالذات‪� ،‬أتطلع اىل االعتداء الوح�شي الرهيب الذي كان عر�ضة له‬ ‫فنان الكاريكاتور ال�سوري علي فرزات‪ .‬بل �أتطلع اىل كل �أعمال القمع التي يتعر�ض‬ ‫لها املثقفون والك ّتاب و�أهل الر�أي وال�صحافيون والفنانون‪ ،‬لي�س يف �سوريا‬ ‫فح�سب‪� ،‬إمنا يف كل �أنحاء العامل العربي‪ ،‬ابتداء من لبنان ولي�س انتهاء مب�شارق‬ ‫�أر�ضنا وال بخليجها وال مبغاربها‪.‬‬ ‫فماذا "ارتكب" علي فرزات‪� ،‬سوى �أنه عبرّ عن ر�أيه‪ ،‬عن غ�ضبه‪� ،‬أو �أمله‪ ،‬او وجعه‪،‬‬ ‫�أو ي�أ�سه‪ ،‬بالر�سم الكاريكاتوري؟! هذا يذ ّكرين بكل الذين �أُدخلوا ال�سجون �أو‬ ‫ع ِّذبوا‪� ،‬أو ُقتلوا‪ ،‬ب�سبب �آرائهم "املخالفة" لأحادية الديكتاتورية‪ .‬وه�ؤالء الئحتهم‬ ‫طويلة‪ ،‬بل طويلة جد ًا‪ .‬كل تعداد على هذا امل�ستوى ال ب ّد �أن يقع يف النق�صان‪.‬‬ ‫على كل حال‪ ،‬ما فعله "ال�شبّيحة"‪ ،‬و�إن ح ّقق بع�ض ًا من غايته باالعتداء اجل�سدي‬ ‫ر�سام الكاريكاتور ال�سوري �إ ّال ت�صميم ًا على امل�ضي قدما يف‬ ‫على الفنان‪ ،‬مل يزد ّ‬ ‫عمله‪ ،‬معترب ًا �أن الر�سم "قدره"‪ ،‬وذلك بعد �ساعات من قيام عنا�صر �أمن ملثمني فجر‬ ‫اخلمي�س الفائت بخطفه و�ضربه بوح�شية قبل �إطالقه ورميه على طريق املطار‪،‬‬ ‫ما �أدى اىل �إ�صابته بجروح وك�سور يف �أنحاء خمتلفة من ج�سده‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف‬ ‫الوجه واليدين‪.‬‬ ‫"ا�ضربوه ا�ضربوه كي يتوقف عن الر�سم والتطاول على �أ�سياده"‪ .‬هذا ما قاله‬ ‫�أحد املعتدين‪ .‬لكن‪ ،‬هل يكفي هذا االعتداء لإ�سكات �صوت الفن ونداء احلرب؟‬ ‫هل يكفي التنكيل والرتويع والرتهيب والرتغيب والقتل الفردي واجلماعي ملحو‬ ‫الأحرار؟ وال�ستتباب "النظام"؟‬ ‫�أعتقد‪ ،‬يف هذه احلال‪� ،‬أنه ال ب ّد من قتل ال�شعب ك ّله لكي يطمئن من لن ي�ستطيع �أن‬ ‫يعرث بعد الآن على االطمئنان‪.‬‬

‫عن النهار‬

‫عن موقع الكاريكاتري العربي‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪6‬‬

‫العدد (‪)2346‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )28‬كانون االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2346‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )28‬كانون االول ‪2011‬‬

‫‪7‬‬

‫رحلة الى عالم فرزات‬

‫ثمة �أنا�س تتعرف عليهم فتتمنى لو �أنك قد تعرفت‬ ‫عليهم منذ زمن بعيد ‪ ،‬و�أنا�س تتعرف عليهم يف هذه‬ ‫احلياة تتمنى لو انك مل تتعرف عليهم و�أنا �س تلتقي بهم‬ ‫فيبقى هذا اللقاء عالقا يف ذاكرتك مدى احلياة التقيت‬ ‫بالفنان العاملي علي فرزات منذ قرابة ربع قرن ‪ ،‬برغم‬ ‫�أن هذا اللقاء كان عابرا وبال�صدفة ‪� ،‬إال �أن هذا اللقاء‬ ‫بقي عالقا يف ذاكرتي برغم مرور هذا الزمن الطويل وكا‬ ‫ن ذلك �أيام درا�ستي اجلامعية يف جامعة حلب اذ ح�ضرت‬ ‫معر�ضا فنيا له �أقامه يف املكتبة املركزية بجامعة حلب‪.‬‬

‫بهزاد عبد الباقي‬

‫دخلت املعر�ض بينما ه��و ك��ان يتجول‬ ‫م��ع جمموعة م��ن ال�ط�لاب �أم��ام لوحاته‬ ‫ف�س�أله �أحد الطالب على ماذا يرمز �أحد‬ ‫ل��وح��ات��ه؟ ف�ق��ال للطالب م��اذا فهمت من‬ ‫اللوحة؟ فعر�ض الطالب وجهة نظره‬ ‫فقال للطالب �صحيح‪ ،‬بينما طالب �آخر‬ ‫حت��دث ع��ن وج�ه��ة نظر �أخ ��رى ف�ق��ال له‬ ‫�أي�ضا �صحيح‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫فقلت يا �أ�ستاذ قلت لالثنني �صحيح فكيف‬ ‫يح�صل هذا؟ ف�أجاب‪ :‬ان جمالية اللوحة‬ ‫الكاريكاتريية تعرب عن وج��وه خمتلفة‬ ‫م��ن ال ��ر�أي وبعد �أن ف��رغ م��ن التجوال‬ ‫يف قاعة املعر�ض جل�س وراء الطاولة‬ ‫ونحن ن�ستمع اليه بد�أ يتحدث عن الفن‬ ‫والثقافة واحلياة وال�سيا�سة ‪ ،‬ورحلنا‬ ‫م��ع اح��ادي�ث��ه اىل ع��امل جميل و�شفاف‬

‫عامل ت�شعر ب�أنك �أمام فنان مبدع لي�س يف‬ ‫الفن وحده بل يف جميع جماالت احلياة‬ ‫‪،‬فكل كلمة ينطق بها يفوح منها رائحة‬ ‫احلكمة وت��ود �أن حتفر ه��ذه الكلمة يف‬ ‫ذاكرتك وال تن�ساها مدى احلياة‪.‬‬ ‫وكل جملة ينطق بها ت�سمع يف نهايتها‬ ‫زفرة حت�س ب�أن وراءه��ا معاناة ان�سان‬ ‫مبدع لأن��ه ال يوجد اب��داع م��ن دون �أن‬

‫يكون هناك معاناة ‪ ،‬وعندما تنظر اىل‬ ‫عينيه يجعلك ترحل اىل عامل امل�ضطهدين‬ ‫وعامل املعذبني وعامل املطالبني باحلرية‬ ‫يف هذا الكون‬ ‫كان هادئا يف حديثه مثل الهدوء الذي‬ ‫ي�سبق العا�صفة وحديثه كان مرنا ولينا‬ ‫كمرونة النبتة التي ال ت�ستطيع �أقوى‬ ‫ال �ع��وا� �ص��ف �أن تقتلعها وح��دي �ث��ه فيه‬ ‫من احلكمة والعقالنية والعمق كعمق‬ ‫ال�ب�ح��ار مهما غ�صيت يف ه��ذا البحر‬ ‫حت�صل على الدرر واملرجان واجلواهر‬ ‫‪ ،‬ولكن هذا البحر عندما يهوج في�ستطيع‬ ‫ان ينحت يف اق�سى ال�صخور من خالل‬ ‫ري�شته التي ير�سم بها لوحاته ‪ ،‬وقفت‬ ‫م�شدوها ام��ام ه��ذا االن�سان املتوا�ضع‬ ‫الذي كان يتحدث معنا ك�أنه يعرفنا منذ‬ ‫زم��ن بعيد ف�أيقنت ب�أنني �أم��ام ان�سان‬ ‫عظيم ومبدع وكيف ال ؟ وقد نالت احدى‬ ‫لوحاته اجل��ائ��زة الثالثة على م�ستوى‬ ‫العامل يف تلك الفرتة‬ ‫ر�أيته متحدثا يف �أمور �شتى من بينها ما‬ ‫قال عن الفنان الكاركاتريي الفل�سطيني‬ ‫املرحوم ناجي العلي ب�أنهما كانا يعمالن‬ ‫يف اح� ��دى دول اخل �ل �ي��ج ف �ق��ام��ت هذه‬ ‫ال��دول��ة بطرد ناجي العلي ف�سافر اىل‬ ‫لندن فبعث اليه ( علي ف��رزات ) بربقية‬ ‫كتب فيها عبارة ( انتم ال�سابقون ونحن‬ ‫الالحقون ) ومرت االيام وجاء دور علي‬ ‫فرزات فجرى طرده من تلك الدولة متاما‬ ‫كما حدث مع زميله ناجي العلي ف�صدقت‬ ‫ن�ب��وءت��ه ويف احلقيقة مل اك��ن اود ان‬ ‫اغ ��ادره و�أودع ��ه ولكن قبل ان اغ��ادره‬ ‫طرحت عليه � �س ��ؤاال ف��اج ��أه يف بداية‬ ‫الأم��ر فقلت له ا�ستاذ علي‪ :‬هل ا�صولك‬ ‫كوردية فقال‪ :‬ان اخ��وايل من الكردمن‬ ‫عائلة الربازي يف حماة ‪� ،‬أما من ناحية‬ ‫والدي فال �أعلم ‪ ،‬فقلت له مالحمك ولون‬ ‫ب���ش��رت��ك ول� ��ون ع�ي�ن�ي��ك ت ��دل ح �ت��ى من‬ ‫ناحية وال��دك بانك ك��وردي فقال ثانية‪:‬‬ ‫ال اعلم فرتك هذا ال�س�ؤال ن�صفه غام�ضا‬ ‫كغمو�ض هذا الواقع الذي نعي�شه الآن‬ ‫ويف اخلتام �أقول‪ :‬حمدا لله على ال�سالمة‬ ‫يا �أبا مهند وبرت الله الأيادي الآثمة التي‬ ‫امتدت اليك ايادي الغدر واالجرام‪.‬‬

‫علي فرزات‪ ..‬باألبيض أقوى‬ ‫عدنان ح�سني‬ ‫لي�س بال�ضرورة �أن ي�شبه ر�سام الكاريكاتري ر�سومه‬ ‫فيكون �شخ�ص ًا مرح ًا جت��ري النكات والطرائف على‬ ‫ل�سانه بجزالة‪ .‬بل �إن معظم ر�سامي الكاريكاتري الذين‬ ‫عملت معهم كانوا يرتاوحون بني اجلا ّد واملتجهم الوجه‬ ‫دائم ًا‪ ،‬والقلة كانوا غري ذلك‪ ،‬و�أحدهم علي فرزات‪.‬‬ ‫لـعلي فرزات الذي عملت معه �سنتني كاملتني �شخ�صية‬ ‫جميلة للغاية‪ ..‬هو بالطبع من �أبرع ر�سامي الكاريكاتري‬ ‫على ال�صعيدين العربي والعاملي‪ ،‬وهذا ت�أكيد حلقيقة‬ ‫معروفة على �أو�سع نطاق ولي�س �شهادة له مني‪ ،‬ففنه‬ ‫العبقري هو �شهادته العليا‪ ...‬روح��ه مرحة ونف�سه‬ ‫طيبة وذوق��ه رفيع‪� ..‬سريع البديهة ول��ه قف�شات ّ‬ ‫تدل‬ ‫على ذك��اء وا�ضح‪ ،‬وهو ج��ا ّد يف حبه وطنه‪� ،‬سوريا‪،‬‬ ‫كما يحب الع�شاق حبيباتهم‪ ،‬لكنه منفتح يف وطنيته‪..‬‬

‫يُ�شعرك ب�أنه ابن بلدك �أي�ض ًا‪ ..‬وه��ذا �أح��د �أ�سرار �أن‬ ‫ر�سوماته املناه�ضة لال�ستبداد والقمع كنا جندها‪،‬‬ ‫نحن معارفه الذين جئنا �إىل دم�شق منفيني من عوا�صم‬ ‫عربية خمتلفة‪ ،‬تعنينا يف املقام الأول‪ ..‬فالعراقي يرى‬ ‫�أن علي �إمن��ا ي�سخر يف ر�سومه م��ن ��ص��دام ح�سني‪،‬‬ ‫والليبي يعتربه ي�سخر من القذايف وامل�صري من مبارك‬ ‫وال�سوداين من منريي وال�سوري من حافظ الأ�سد‪.‬‬ ‫ذات مرة ا�شرتك علي ف��رزات يف معر�ض للكاريكاتري‬ ‫العربي يف العا�صمة الفرن�سية‪ ،‬وك��ان �أح��د ر�سومه‬ ‫ي���ص��وّ ر ج �ن�را ًال ع���س�ك��ري� ًا‪� ،‬أو �شخ�ص ًا ي��رت��دي بزة‬ ‫اجلرناالت‪ ،‬يغرف ل�شعبه اجلائع امليداليات والنيا�شني‬ ‫من قدر �شوربة‪ .‬وما �أن ر�أى �سفري �صدام يف باري�س‬ ‫الر�سم حتى ُ�صعق وثار وطلب �إزاحة الر�سم يف احلال‪،‬‬ ‫مهددا اجلهة العار�ضة (معهد العامل العربي) بوقف‬ ‫متويلها‪ .‬وقد �أ�سعد ذلك الت�صرف علي فرزات مع انه مل‬

‫يق�صد �صدام حتديد ًا‪ ،‬و�إمنا كل من هو على �شاكلته من‬ ‫احلكام العرب وغري العرب‪.‬‬ ‫مل يكن علي منتظم ًا يف حزب �أو حركة �سيا�سية‪ ،‬لك ّنه‬ ‫كان مثلنا‪ ،‬نحن �ضحايا القمع ال�سيا�سي يف بلداننا‪،‬‬ ‫مثق ًال باله ّم ال�سيا�سي واالجتماعي حيال القمع والفقر‬ ‫واملهانة خ�صو�صا‪ ..‬ك��ان من �أي�سر الي�سري عليه �أن‬ ‫ين�صرف عن هذا الهم في�صبح من املح�ضيني واجلل�ساء‬ ‫والندماء للحكام والأثرياء حمدثي النعمة‪ ،‬لكنه كان‬ ‫يف�ضل رفقتنا نحن املقموعني املطاردين‪ ،‬وال ي�ستبدل‬ ‫بهذه الرفقة كنوز الأر�ض‪.‬‬ ‫مل يكن علي ف��رزات ي�سعى �إىل مكانة �سيا�سية‪ ،‬لكن‬ ‫"�شبيحة" النظام ال�سوري جعلوا منه الآن رغما عنه‬ ‫وع�ن�ه��م‪ ،‬ب�ط� ً‬ ‫لا ورم ��ز ًا وط�ن�ي� ًا ك �ب�ير ًا‪ ،‬وه��ذا م��ن فرط‬ ‫�ضحالة التفكري اال�ستبدادي لنظام (ال�شبّيحة) الذي‬ ‫تف ّتق ذهنه املغلق ع��ن فكرة ه��وج��اء ه��ي �أن يتعامل‬

‫مع الفنان ب�صورة �أك�ثر ق�سوة وهمجية من التعامل‬ ‫مع قاطع طريق مثال �أو مه ّرب خم��درات �أو مغت�صب‬ ‫�أطفال‪.‬‬ ‫�أن��ا واث��ق م��ن �أن علي ف��رزات ك��ان ي�ضحك ك�ث�ير ًا يف‬ ‫�س ّره على "�شبيحة" النظام ال�سوري الذين اختطفوه‬ ‫الأ�سبوع املا�ضي وع ّذبوه وحاولوا تك�سري �أ�صابعه‬ ‫وعظام يديه حتى ال يعود �إىل �سخريته املر�سومة من‬ ‫�أ��س�ي��اده��م‪ ...‬واث��ق من �أن علي قد حتامل على �آالمه‬ ‫املربحة ور�أى انه قد انت�صر على جالديه حتى وهو بني‬ ‫�أيديهم املتوح�شة‪ ،‬وانه كان م�شغوال بكيفية ال�سخرية‬ ‫�أك�ث�ر م��ن ن �ظ��ام ال�شبّيحة م��ا �أن ي �خ��رج م��ن براثن‬ ‫�شبّيحته‪ ...‬واثق من �أن �أجمل �سخريات علي فرزات‬ ‫و�أقواها هي التي �سري�سمها ب�أ�صابعه امللفوفة بال�ضماد‬ ‫الأبي�ض ويف ما بعد‬

‫عن ‪ /‬املدى‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬



‫‪10‬‬

‫العدد (‪)2346‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )28‬كانون االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2346‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )28‬كانون االول ‪2011‬‬

‫الذي بين علي فرزات وناجي العلي‬ ‫علي فرزات كان حمظوظ ًا‪ ،‬كما‬ ‫يقول هو‪ ،‬فقد ا�شتهر عامليا بف�ضل‬ ‫�صدام ح�سني‪ ،‬و�شهرته العاملية �أتته‬ ‫هذه املرة ال من ق�صته الأخرية‬ ‫مع ال�سلطة فقط‪ ،‬حيث تناولها‬ ‫االعالم العاملي‪ ،‬بل عندما رفع‬ ‫النا�س يف �أق�صى الأرياف النائية‬ ‫�صوره وا�سمه‪ ،‬وهذا �أف�ضل تقدير‬ ‫كان يحلم به مثقف مثله‪ .‬ال�صدفة‬ ‫وحدها �أنقذت علي فرزات عندما‬ ‫تعطلت حافلة عمال فقراء �أمام‬ ‫ج�سده املدمى الذي مل يجر�ؤ �أحد‬ ‫�إنقاذه‪ ،‬خب�أه العمال بينهم و�أنزلوه‬ ‫�أمام امل�ست�شفى‪.‬‬

‫فاطمة املح�سن‬

‫�آخ � ��ر ر���س��م ظ �ه��ر ل� ��ه‪� �� ،‬ص ��ورة �شخ�صية‬ ‫با�صابع يده املك�سورة وبينها �أ�صبع واحد‬ ‫ي�ستهدفهم‪ .‬تلك �شتيمة �ضحك لها النا�س ملء‬ ‫�أفواههم‪ ،‬وتو�سطت ف�صال من الكر والفر‬ ‫بني فرزات وال�سلطة‪ ،‬ومل يكن فتح حتقيق‬ ‫ب�ش�أن االعتداء عليه‪� ،‬سوى نكتة ت�شبه تلك‬ ‫التي يوظفها فرزات يف ر�سمه الكاركاتريي‪.‬‬ ‫من هنا تبد�أ معادلة علي فرزات‪ ،‬وقبله ناجي‬ ‫العلي‪ ،‬زميله الذي �سقط على ر�صيف لندين‬ ‫م�ضرجا بدمائه‪ ،‬ف��رث��اه ف��رزات و�شكل مع‬ ‫�أحبته جمعية با�سمه‪ .‬بدا فرزات منذ اغتيال‬ ‫ناجي العلي ال ��وارث احلقيقي لفنه‪ ،‬لهذا‬ ‫امل�سرح الفكاهي حيث اللعب على خ�شبته‬ ‫يكلف الكثري‪ ،‬فالعلي ال��ذي �ضاع دم��ه بني‬ ‫منظمة التحرير وعمالء ا�سرائيل داخلها‪،‬‬ ‫�أوج�ع�ت�ه��م ر� �س��وم��ه‪ ،‬يكفيه م��ا خ�ط��ه يوما‬ ‫"الثورة بدها رجال‪ ..‬بدها رجال �أعمال"‪.‬‬ ‫موتيفات ن��اج��ي العلي جن��ده��ا يف �صمت‬ ‫�شخ�صيات ف ��رزات‪ ،‬يف خ��اط��ر ا�ستعادتها‬ ‫ومت ّثلها وتعميمها كنماذج مكتفية بذاتها‪.‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫هيئة �أ��ص�ح��اب ال�ك��رو���ش املليئة بفقاعات‬ ‫الكالم الثوري‪ ،‬املنت�شني بتجارة الأوطان‪،‬‬ ‫و�أول��ئ��ك ال��ذي��ن يتمتعون ب���س��ادي��ة �سحق‬ ‫النا�س و�إرك��اع �ه��م‪ .‬ا�ستعاد ف ��رزات بع�ض‬ ‫الر�ؤ�ساء العرب التي ر�سمها العلي‪ ،‬مثلما‬ ‫ال�ضعفاء‪ ،‬والنا�س الغالبى‪ :‬امل��ر�أة احلانية‬ ‫واخلائفة‪ ،‬والفقري ال��ذي ميلك فطنة القلب‬ ‫ونباهته‪.‬‬ ‫مل يكف فرزات عن �صناعة ال�ضحك املر‪ ،‬ذاك‬ ‫الذي �صور م�شهدا واحدا لرجل يقطع �ساق‬ ‫�سجني ويبكي يف اللحظة نف�سها من لقطة‬ ‫يف فيلم عاطفي‪� .‬شجاعة ف��رزات �أ�سقطت‬ ‫رج��ال ال�سلطة يف حرية التعامل معه‪ ،‬فهو‬ ‫يباغتهم من حيث ال يعلمون‪ ،‬ويرفع الثوب‬ ‫عن عوراتهم‪.‬‬ ‫كان ال�سفري العراقي يف فرن�سا الت�سعينيات‪،‬‬ ‫ق��د �أدى م��ن دون �أن ي ��دري‪� ،‬أك�ب�ر دور يف‬ ‫ف�ضح طاغيته‪ ،‬فقد طالب معهد العامل العربي‬ ‫بباري�س ب��رف��ع ل��وح��ة ف ��رزات ال�ت��ي ت�صور‬ ‫ج�نراال ي�ضع كومة �أو��س�م��ة يف �إن��اء رجل‬

‫جائع‪ .‬ه��دد ال�سفري وتوعد و�أن��ذر بغ�ضب‬ ‫ب�غ��داد م��ن �أ�صدقائها الفرن�سيني‪ .‬ال�ضجة‬ ‫ال�ت��ي تنقلت مثل ك��رة ثلج ب�ين ال�صحافة‬ ‫العاملية‪� ،‬أثبتت ان الغباء والق�سوة يت�سكنان‬ ‫يف قلب اجلالد‪ .‬مل يكتف فرزات بهذا الر�سم‪،‬‬ ‫بل دافع يف كل ر�سومه وكتاباته ومقابالته‬ ‫عن العراقيني وحقهم يف ان يزيحوا كابو�س‬ ‫الطاغية ع��ن �أح�لام�ه��م‪ .‬ال�سلطة ال�سورية‬ ‫وقتها ��س�يرت مظاهرة �ضد ف ��رزات تتهمه‬ ‫بالعمالة ل�ل�أم�يرك��ان‪ ،‬ولكنه مل يكف على‬ ‫�أن يرفع قبعته ب�ين ف�ترة و�أخ ��رى‪ ،‬ليلوح‬ ‫للمبعدين العراقيني بتحية بقيت حمفورة‬ ‫يف القلوب‪.‬‬ ‫عندما ان��دل�ع��ت ال �ث��ورة ال���س��وري��ة‪ ،‬ولعلها‬ ‫الأك�ثر �إقداما والأج��در بالتبجيل من كل ما‬ ‫خطته الثورات العربية يف �سجل البطوالت‪،‬‬ ‫كان فرزات قد م�ضى يف �شوطه البعيد على‬ ‫�إيقاعها‪ ،‬وه��و يهج�س مثلما هج�س ناجي‬ ‫العلي‪ ،‬تلك اخلطوات التي كانت تتبعه يف‬ ‫غدوه ورواحه‪.‬‬

‫ك�ي��ف ل��ك �أن ُت���ض�ح��ك ال �ن��ا���س وه��م يف عز‬ ‫ا�ستنفارهم‪ ،‬وم��ن �سلطة تريد �أن تبكيهم‬ ‫وتفجعهم؟ لعل توليد ال�سخط ال�ضاحك‪،‬‬ ‫وهذه وظيفة الكاركاتري‪ ،‬يخفف من ال�شحنة‬ ‫الدراماتيكية للواقع‪ ،‬فالهزء من الأقوياء‬ ‫يحول االعرتا�ض �إىل فعل يفتقد العاطفة‪،‬‬ ‫ان��ه ح��اد وم��ره��ف يف رد عدوانية الت�سلط‬ ‫ب �ع��دوان �ي��ة ال �ك �� �ش��ف‪.‬والن ك��ارك��ات�ير علي‬ ‫ف ��رزات ي�صطاد �ضحاياه م��ن املتجربين‪،‬‬ ‫فما عليه �سوى �أن يظهر ارتكاباتهم على‬ ‫انها �أفعال حمق وتهريج‪ .‬انه ي�ستهني بهم‬ ‫ال بالهتاف �ضدهم‪ ،‬بل ب�إجادة فن االحتقار‪.‬‬ ‫فالطاغية مب��رور ال��وق��ت‪ ،‬ال يعود كما هو‪،‬‬ ‫بل هو متورط يف حماقته‪ ،‬متورط بج�سده‬ ‫الذي ال يعينه على �أن يبدو كما يريد‪ ،‬متورط‬ ‫باملكان واللحظة التي توقت فعله‪� .‬سريى‬ ‫نف�سه وراء ق�ضبان كر�سيه‪ ،‬او حتت م�سامري‬ ‫تق�صيه عنه‪ ،‬فيجل�س على حافة ال�سقوط‪.‬‬ ‫ال��دك�ت��ات��وري��ون يقعون حت��ت وط� ��أة �أناهم‬ ‫املت�ضخمة‪ ،‬تلك التي مت�ل�أ ف�ضاء حياتهم‬ ‫اليومية‪ ،‬فتجثم يف النهاية مثل �صخرة على‬ ‫ر�ؤو�سهم‪ .‬كانت املوا�ضيع ت�أتي �إىل فرزات‬ ‫م��ن �أم�ث��ال النا�س اليومية وم��ن حكاياتهم‬ ‫الغزيرة عن القمع‪.‬‬ ‫لقد م�ضى ف ��رزات �إىل النهاية يف حكاية‬ ‫تليق ب�سوريا‪ ،‬هذا البلد اجلميل الذي كان‬ ‫يوما ب�ستان العرب‪ ،‬وبقيت تقاليد التجارة‬ ‫وثقافتها املتح�ضرة متد النا�س بطول بالهم‬ ‫على الطغيان‪ ،‬و�صرب على املظامل كي ي�سعوا‬ ‫لرزق وحياة تدير خدها الأمي��ن كي ت�ضمن‬ ‫�سالما وا�ستقرارا يليق بتقاليدها‪ .‬وكان‬ ‫فرزات من بني املثقفني الذين حاولوا اختبار‬ ‫ال�سلطة على حد رقابهم‪ .‬ا�صدر "الدومري"‬ ‫ج��ري��دت��ه يف ال�ع�ه��د اجل��دي��د ال ��ذي ب�شر به‬ ‫الرئي�س ال�شاب �شعبه‪ .‬رجع عمر �أمريالي‪،‬‬ ‫وانتع�شت ذاك��رة الثقافة بب�صي�ص �أمل من‬ ‫ان متر �أيام �سوريا ب�سالم‪ ،‬ويتنف�س النا�س‬ ‫ه��واء احل��ري��ة ال�ت��ي حلموا ب�ه��ا‪ .‬انتع�شت‬ ‫نوادي الثقافة وملتقياتها‪ ،‬ولكن غول القمع‬ ‫الذي �سمن على مدى عقود ط��وال‪ ،‬ال ميكن‬ ‫ان ي�سمح بحرية م��وارب��ة‪ ،‬ح��ري��ة مهادنة‬ ‫ح�ت��ى‪ ،‬فمن ي�ستطيع �أن يلغي وظيفة من‬ ‫تعوّ د على القتل من دون ح�سيب ورقيب‪.‬‬ ‫طالت يد الأمن الناعمة مثل طحالب املوت‪،‬‬ ‫جريدة الدومريي‪ ،‬فهي ويا للمفارقة‪ ،‬كانت‬ ‫متثل ال�صدمة الأ�شد وقعا على مراكز الأمن‬ ‫واملتنفذين وال�صاعدين يف اقت�صاد ال�سوق‬ ‫اجلديد‪� .‬أرادوا حتويلها �إىل متنف�س لكرب‬ ‫النا�س‪ ،‬مثلما فعل غ��وار الطو�شي‪ ،‬ومثلما‬ ‫فعل عدي يف عهد �أبيه ال�سعيد‪ ،‬فطلبوا من‬ ‫ف��رزات ان تكون تابعة ل�ل�إع�لام الر�سمي‪.‬‬ ‫�أُغلقت جريدته‪ ،‬ولكنه مل ي�صمت �أو يغادر‬ ‫�سوريا وال �سكتت ري�شته عن الكالم املباح‪.‬‬ ‫وب��رغ��م الرتهيب وق��وان�ين امل�ن��ع‪ ،‬مل يهادن‬ ‫الكثري من املثقفني ال�سوريني‪ ،‬ومل ي�ست�سلموا‬ ‫لآل��ة القمع‪ ،‬فكانوا روادا منذ الثمانينيات‬ ‫يف �سينما االحتجاج التي انتجت �أفالم ًا‬ ‫ت�صل يف م�ستواها �إىل العاملية‪ ،‬ولكن العقد‬ ‫الأخري �سجل للمثقفني ال�سوريني �سابقة يف‬ ‫النتاجات اجلريئة‪ ،‬ال��رواي��ات التي كتبها‬ ‫ال���ش�ب��اب ع��ن ال�ق�م��ع وال �ف �� �س��اد واخل� ��راب‪،‬‬ ‫ت�شارك فيها ح�شد من الكتاب‪� ،‬أدب ال�سجون‬ ‫وال�سينما الوثائقية ورائدها عمر �أمريالي‬ ‫ورف�ي �ق��ه ��س�ع��دال�ل��ه ون��و���س‪ .‬مل يفعل عمر‬ ‫�أم�ي�رالي الكثري يف فيلمه الوثائقي الذي‬ ‫��ص��وره يف ال��داخ��ل‪ ،‬ت��رك كامريته �أمامهم‬ ‫ليبدو الهتاف وال�شعارات مفارقة كاركاتريية‬ ‫يف مكان يعج بالب�ؤ�س‪.‬‬ ‫علي فرزات كان حمظوظ ًا‪ ،‬كما يقول هو‪ ،‬فقد‬ ‫ا�شتهر عامليا بف�ضل �صدام ح�سني‪ ،‬و�شهرته‬ ‫العاملية �أتته هذه املرة ال من ق�صته الأخرية‬ ‫م��ع ال�سلطة ف �ق��ط‪ ،‬ح�ي��ث ت�ن��اول�ه��ا االع�ل�ام‬ ‫ال�ع��امل��ي‪ ،‬ب��ل عندما رف��ع النا�س يف �أق�صى‬ ‫الأرياف النائية �صوره وا�سمه‪ ،‬وهذا �أف�ضل‬ ‫تقدير كان يحلم به مثقف مثله‬

‫�صحيفة الريا�ض ال�سعودية‬

‫‪11‬‬

‫علي فرزات رسام المهمشين‬ ‫دلور ميقري‬ ‫‪1‬‬ ‫ع �ل��ي ف� � ��رزات‪ ،‬ال��ر���س��ام ال �ك��اري �ك��ات��وري‬ ‫لي�س ا�سم ًا عادي ًا يف عامل الفن‪.‬‬ ‫ال�سوري‪َ ،‬‬ ‫�إنّ جم ّرد وجود توقيعه‪ ،‬الب�سيط واملعبرّ يف‬ ‫كاف لكي‬ ‫�آن‪ ،‬على لوحة تت�صدّر �صحيفة ما‪ٍ ،‬‬ ‫ي�ش ّد نظ َر القارئ‪ .‬وخطوط فرزات‪� ،‬أي�ض ًا‪،‬‬ ‫فهي بر�شاقتها وتوا�ضع‬ ‫ت�شبه توقيعه‪َ :‬‬ ‫تقنيتها‪ ،‬كانت جديرة دوم � ًا بالفكرة التي‬ ‫تعبرّ عنها‪ .‬واملالحظ‪ ،‬بهذا اخل�صو�ص‪� ،‬أنّ‬ ‫ف��رزات ينتمي ملا ميكن ت�سميته مبدر�سة "‬ ‫بال تعليق "؛ �أي �أنّ لوحته تخفي فكرتها‬ ‫خل َل خطوطها‪ .‬ورمب��ا �أنّ فناننا‪ ،‬يف هذه‬ ‫النقطة على الأق��ل‪ ،‬يفارق �أ�سلوب زميله‪،‬‬ ‫الفنان ال�شهيد ناجي العلي‪ ،‬ال��ذي ع َ‬ ‫ُرف‬ ‫بالتعليقات ال�لاذع��ة على ل�سان " حنظلة‬ ‫"؛ �شخ�صيته ال�شهرية‪ ،‬املُختلقة‪ ،‬املُرافقة‬ ‫جلمي َع ر�سومه‪ ،‬حتى �أنها �أ�ضحت مبثابة‬ ‫توقيع ��ص��اح�ب�ه��ا‪.‬و�إذ ق��د ّر لناجي العلي‪،‬‬ ‫�إب��داع�� ًا وم��وق �ف � ًا‪� ،‬أن ي�ك��ون رم ��ز ًا ملعاناة‬ ‫الفل�سطيني‪ ،‬كما ولآماله‪ ،‬ف�إنّ علي‬ ‫ال�شعب‬ ‫ّ‬ ‫ف��رزات‪ ،‬من جهته‪� ،‬صا َر اليوم يف املوقع‬ ‫نف�سه يف ن�ف��و���س م��واط�ن�ي��ه ال�سوريني‪،‬‬ ‫ال�ث��ائ��ري��ن على اال��س�ت�ب��داد وال�ت��ائ�ق�ين لغدٍ‬ ‫جدير ب�إن�سانيتهم‪ :‬ر�صا�صة غادرة‪ ،‬جبانة‪،‬‬ ‫اخرتقت جبني ناجي‪ ،‬املكلل ب�سعفة الغار‬ ‫كما ب�إكليل ال�شوك‪ .‬وع�صا �سوداء‪ ،‬ال تقل‬ ‫خ�سة وحقد ًا باللون نف�سه‪ ،‬حاولت �أن ّ‬ ‫ت�شل‬ ‫�أن��ام��ل ف ��رزات‪ ،‬املبدعة‪ .‬رب��ع ق��رن‪ ،‬ه� َ�و ما‬ ‫احلدثي؛ بني بطليهما ال�شهيد‬ ‫يف�صل بني‬ ‫نْ‬ ‫الفل�سطيني‪ ،‬الفنان‪ ،‬ورفيق دربه ال�سوريّ ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫احلي‪ .‬بي َد �أنّ ناجي العلي‪ ،‬اخلالد‬ ‫ال�شهيد‬ ‫ّ‬ ‫يف �ضمري �شعبه‪ ،‬قد �سل َم لعلي فرزات راية‬ ‫الإبداع‪ ،‬وك�أنهما يتبادالن ا�سم ًا بكنية‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ه ��ذه اجل �م �ل��ة‪ ،‬املُ� �ح�� ِ ّ�ورة ح��دي�ث��ا �شريفا‪،‬‬ ‫ك��ان��ت ع�ل��ى ل���س��ان م��واط��ن ب�سيط يت�أمل‬ ‫ر� �س �م � ًا ل �ف �ن��ان �ن��ا؛ وه � ��ذه‪ ،‬ك��ان��ت لوحتي‬ ‫ال�ك��اري�ك��ات��وري��ة‪ ،‬ال�ت��ي �أه��دي�ت�ه��ا لفرزات‪،‬‬ ‫�أثناء �أحد لقاءاتي معه يف مكتبه ال�صغري‪،‬‬ ‫يف �صحيفة " ال�ث��ورة "‪ ،‬ال�سورية‪ .‬ثالثة‬ ‫عقود‪ ،‬مرت على ذلك اللقاء‪ .‬وقتئذٍ ‪ ،‬كانت‬ ‫ل��ديّ جتربة ق�صرية‪ ،‬متوا�ضعة‪ ،‬يف هذا‬ ‫هو �أكرث جدارة‬ ‫الفنّ ال�ساخر‪ ،‬ومل �أجد من َ‬ ‫من علي فرزات‪ ،‬لكي �أعر�ض عليه مناذج من‬ ‫ر�سومي‪.‬‬ ‫كنت يف ذلك اليوم ب�صحبة كاريكاري�ست‬ ‫�اب‪ ،‬ي�ن�ح��د ُر مثلي م��ن ح� ّ�ي ركن‬ ‫�آخ ��ر‪� � ،‬ش� ّ‬ ‫الدين‪ ،‬الدم�شقي‪ .‬هذا ال�شاب‪ ،‬الذي رافقني‬ ‫الحقا يف رحلة الدرا�سة الفنية ملو�سكو‪،‬‬

‫ا�ستم ّر �آنذاك يف التوا�صل مع فنان �سورية‪،‬‬ ‫الأب� ��رز‪ ،‬م��ن خ�لال رف��د �صحيفته بر�سوم‬ ‫اجتماعي‪ .‬وعلى مائدة الغداء‬ ‫ذات طابع‬ ‫ّ‬ ‫الكرمية يف �ضيافة �أب�ي��ه‪ ،‬الأ��س�ت��اذ حممد‬ ‫علي طه‪ ،‬ت�سنى يل اللقاء بعلي فرزات ملرة‬ ‫�أخرية‪ .‬ومل يكن ثمة �سبب ما‪� ،‬إ�شكا ّ‬ ‫يل‪ ،‬يف‬ ‫ع��دم ا�ستمراري بطق�س اللقاء م��ع فناننا‬ ‫الكبري‪ ،‬الله ّم �سوى ان�صرايف �إىل �إقامة‬ ‫معار�ض خا�صة‪� ،‬شخ�صية وم�شرتكة‪ ،‬بعيد ًا‬ ‫عن ال�صحافة الر�سمية‪.‬‬ ‫وكم �أ�سعدين‪ ،‬وحملني على الفخر �أي�ض ًا‪،‬‬ ‫ا�شرتاكي يف معر�ض الكاريكاتور العربي‬

‫الثاين‪ ،‬خالل �شتاء ‪1981‬؛ حينما وجدتُ‬ ‫ا�سمي يف برو�شري امل�شاركني‪ ،‬جنب ًا جلنب‬ ‫م��ع ا�سم علي ف��رزات ون��اج��ي العلي‪ .‬هذا‬ ‫الأخ�ي�ر‪ ،‬التقيتُ معه يف " �صالة ال�شعب‬ ‫للفنون الت�شكيلية "‪ ،‬يف مركز ال�شام‪� ،‬أين‬ ‫ّ‬ ‫مت تنظيم املعر�ض‪� .‬ستة ر��س��وم‪ ،‬قدّمتها‬ ‫ل�ل�ع��ر���ض‪ ،‬ك��ان��ت حم�ج��وب��ة ع��ن احل�ضور‬ ‫ول�سبب مل يرد �أحد من امل�سئولني تو�ضيحه‪.‬‬ ‫ه��ذا بالرغم من املفارقة‪ ،‬املتمثلة بوجود‬ ‫ا�سمي �ضمن امل�شاركني‪ ،‬كما وح�صويل على‬ ‫�شهادة املعر�ض ف�ض ًال عن هدية رمزية ؟‬ ‫الفنان ن��اج��ي‪ ،‬ورد ًا على � �س ��ؤال م��ن �أحد‬

‫الأ�صدقاء حول منع ر�سومي من العر�ض‪،‬‬ ‫�أب ��دى ا��س�ت�غ��راب��ه وع ��دم معرفته بالأمر‪.‬‬ ‫�وج��ه �إ ّ‬ ‫يل باهتمام‪ ،‬لي�س�ألني بدوره‬ ‫ث � ّم ت� ّ‬ ‫ع��ن الأف �ك��ار ال�ت��ي طرحتها ر��س��وم��ي تلك‪،‬‬ ‫امل�ح�ج��وب��ة‪ .‬يف �سياق احل��دي��ث‪ ،‬وحينما‬ ‫�أعلمته ب��أن�ن��ي ن�شرت �أوىل ر��س��وم��ي يف‬ ‫تب�سم وقال‪� " :‬إنها‬ ‫جملة " احلرية "‪ ،‬ف�إنه ّ‬ ‫نف�س امل�ج�ل��ة‪ ،‬ال�ت��ي ظ�ه��رت فيها لوحاتي‬ ‫ال�ك��اري�ك��ات��وري��ة‪ ،‬بف�ضل ال�ك��ات��ب ال�شهيد‬ ‫غ�سان ك�ن�ف��اين؛ ال ��ذي ك��ان �آن� ��ذاك رئي�س‬ ‫بقي جم�ه��و ًال كذلك‪،‬‬ ‫حتريرها "‪ .‬ول�سبب َ‬ ‫غ��اد َر ناجي دم�شق عائد ًا �إىل ب�يروت قبل‬

‫انتهاء �أي��ام املعر�ض‪ .‬وك��ان فناننا قد فاز‬ ‫باجلائزة الأوىل يف معر�ض العام املن�صرم‬ ‫( ‪ ،) 1980‬فيما ف��از بها ع��ن ال�ع��ام التايل‬ ‫زميله يف الإبداع؛ علي فرزات‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫�إح��ال��ة مبتد�أ حديثي‪ ،‬عن ب�ساطة خطوط‬ ‫علي فرزات‪ ،‬جتيز يل اال�ستطراد بالت�أكيد‪،‬‬ ‫�أنّ خ�ل��ق ف�ن��ان�ن��ا ه ��ذا ك ��ان ع�ل��ى اخل�صلة‬ ‫نف�سها من الب�ساطة‪ :‬مالمح وجهه الرقيقة‪،‬‬ ‫املتجذر فيها عينان جميلتان‪ ،‬عميقتا الغور؛‬ ‫�ضحكته ال�ساحرة‪ ،‬الهادئة؛ حركات يديه‪،‬‬ ‫امل�ضطربة قلي ًال‪ ..‬جميعها‪ ،‬كانت تف�صح عن‬ ‫�شخ�صية خجولة نوع ًا؛ عن توا�ضع مبدع‬ ‫ّ‬ ‫حق‪� ،‬أ�صيل‪ .‬ويف هذا املقام‪ ،‬ال ميكنني �أن‬ ‫أ�سلو تعليقه‪ ،‬الطريف‪ ،‬على تلك اللوحة‪،‬‬ ‫� َ‬ ‫املو�صوفة �آنفا‪ ،‬التي �أهديتها له‪� " :‬أخ�شى‬ ‫�أن يخلط " �أحدهم " بني علي فرزات وعلي‬ ‫بن �أبي طالب "‪ ،‬قالها �ضاحك ًا وهو ي�شدّد‬ ‫على الفعل يف جملته‪.‬‬ ‫بعد �سنة‪� ،‬أو �أك�ث�ر ق�ل�ي� ً‬ ‫لا‪ ،‬م��ن لقائنا يف‬ ‫مكتبه‪ ،‬ح�صلت املجزرة الكربى‪ ،‬املروّ عة‪،‬‬ ‫يف م��دي �ن �ت��ه؛ ح �م��اة‪ .‬وع �ل��ى ال�ع�ك����س من‬ ‫ر�سامي الكاريكاتور الآخرين‪ ،‬يف ال�صحافة‬ ‫احل�ك��وم�ي��ة‪ ،‬ال�ل��ذي��ن ان��دف �ع��وا يف مقاربة‬ ‫بروباغندا امل�ؤامرة اخلارجية‪ ،‬لتربير عنف‬ ‫النظام الغا�شم‪ ،‬ف ��إنّ علي ف��رزات �آث��ر عدم‬ ‫اخلو�ض يف تلك الأحداث‪.‬‬ ‫ب��ذرائ��ع امل �ق��اوم��ة وامل�م��ان�ع��ة ذات �ه��ا‪ ،‬جن ُد‬ ‫نف�س �أولئك الر�سامني‪ ،‬ال�سلطويني‪ ،‬وهم‬ ‫ميعنون ال�ي��و َم يف " الت�شبيح " �إعالمي ًا‬ ‫على ثورة ال�شعب ال�سوريّ ‪ ،‬العظيمة بكل‬ ‫املعاين الإن�سانية واحل�ضارية‪� .‬إال �أنّ علي‬ ‫فرزات‪ ،‬الفنان والإن�سان‪ ،‬مل يلتزم ال�صمتَ‬ ‫ه��ذه امل��رة‪ :‬ري�شته املبدعة‪� ،‬أ�ضحت �أحد‬ ‫�أه� � ّم �أ�سلحة ال �ث��ورة‪ ،‬ويف ال��وق��ت عينه‪،‬‬ ‫�ضربة �سديدة‪� ،‬صائبة‪ ،‬لدعاية نظام الأ�سد‬ ‫ال�صغري‪ ،‬عما ي�س ّميه باملجموعات ال�سلفية‬ ‫امل�سلحة‪.‬‬ ‫�صب �شبيحة النظام‬ ‫ولهذا ال�سبب‪ ،‬حتديد ًا‪ّ ،‬‬ ‫حقدَهم ال�ضاري‪ ،‬املجنون‪ ،‬على ج�سد علي‬ ‫هاهي حماة �أبي الفداء تبعث‬ ‫فرزات‪ .‬ولكن‪،‬‬ ‫َ‬ ‫من �شهادتها‪ ،‬خالل الثورة احلالية‪ ،‬بروح‬ ‫�أك�ثر �صالبة وزخم ًا‪ .‬كذلك الأم��ر بالن�سبة‬ ‫البنها‪ ،‬الفنان املبدع‪ ،‬الذي ك�أمنا �أ�صبحت له‬ ‫�أنامل ماي�سرتو لتوجيه اورك�سرتا الثورة‪،‬‬ ‫امل �� �ش��ارك فيها ك� ّ�ل م��واط��ن � �س��وريّ تائق‬ ‫للحرية والكرامة‪� .‬أنام ُل علي فرزات‪ ،‬التي‬ ‫قا َم ال�شبيحة بتك�سريها‪� ،‬ستبقى جذورها‬ ‫ح� ّي��ة‪ ،‬عميقة‪ ،‬مت � ّد تربة ال��وط��ن بالعزمية‬ ‫والثبات واملَ�ضاء‪.‬‬

‫عن جريدة االنوار اللبنانية‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪12‬‬

‫العدد (‪)2346‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )28‬كانون االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2346‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )28‬كانون االول ‪2011‬‬

‫بعيداً عن التوغل يف تتبع تعريفات فن الكاريكاتري‪ ،‬الكثرية‪ ،‬ف�إنه ميكن اال�ستخال�ص �إىل �أحدها‪ ،‬طبق ًا‬ ‫للرتجمة الإيطالية لكلمة"‪ cariare‬التي تعني املبالغة‪ ،‬ويقابلها يف الإنكليزية اللفظ امل�شتق منها"‪.* ”caricature‬‬ ‫و�إذا كان امل�صطلح قد �أطلق يف عام ‪ 1646‬من قبل مو�سيني‪ ،‬ف�إنه ي�شار‪-‬وفق ذاكرة حمرك البحث غوغل‪�-‬إىل �أن هذا‬ ‫امل�صطلح قد احتاج �إىل نحو عقدين من الزمان‪ ،‬كي يتعرف عليه املجتمع الفرن�سي‪ ،‬ويتم انت�شاره �ضمن دائرته‪،‬‬ ‫ب�شكل وا�ضح‪ ،‬ولتنداح الدئرة ب�أكرث‪ ،‬فيغدو لغة عاملية‪ ،‬ما من �أحد على وجه الب�سيطة من اليعرف �أبجديتها‪�،‬أو‬ ‫يعي عن فك رموزها‪ ،‬و�شفراتها الوا�ضحة‪ ،‬بل لتتطورهذه اللغة‪ ،‬وتزداد حروف �أبجديتها‪ ،‬على �شكل خطوط‪ ،‬ال‬ ‫�أمي ًا �أمامها البتة‪!..‬‬

‫علي فرزات يهز عرش االستبداد‬

‫�إبراهيم اليو�سف‬ ‫و�إذا كان احلديث‪-‬هنا‪ -‬عن تبلور م�صطلح‬ ‫الكاريكاتري‪ ،‬تبع ًا ل��دورة الزمان‪ ،‬ف��إن الفن‬ ‫ال�ك��اري�ك��ات�يري‪ ،‬ق��د �سبق تبلور م�صطلحه‬ ‫ب�ق��رون‪ ،‬حيث ك��ان معروف ًا يف احل�ضارات‬ ‫ال�ب���ش��ري��ة الأوىل‪� � ،‬س��واء �أك� ��ان ذل ��ك عند‬ ‫اليونانيني �أو عند الآ�شوريني �أوامل�صريني‪،‬‬ ‫�إذ ي�شار�إىل وجود ر�سوم كاريكاتريية منذ‬ ‫عام ‪ 1250‬ق م‪ ،‬يف ع�صور الرعام�سة‪-‬وفق‬ ‫ال��ذاك��رة الغوغلية نف�سها‪ -‬وث�م��ة م��ن عزا‬ ‫�أ�سباب اعتماد هذه الر�سوم لدى امل�صريني‪،‬‬ ‫�إىل وج��ود "خلل ما يف العالقة بني احلاكم‬ ‫واملحكوم"‪.‬‬ ‫وم � ��ادام �أن ال �ك��اري �ك��ات�ير ق��د ان �� �ص��رف يف‬ ‫ب��داي��ات��ه‪ ،‬الأوىل‪ ،‬وم �ن��ذ �أن ك ��ان يحبو‪،‬‬ ‫للرتكيز على وجود "هوَّ ة بني عاملي ال�سلطة‬ ‫ال�سيا�سية العليا‪ ،‬والعامة من النا�س"***‪،‬‬ ‫ف�إنه مل يتوان البتة عن �أداء مهمات �أخرى‬ ‫له‪ ،‬ومنها تناول ق�ضايا اجتماعية عامة‪� ،‬إذ‬ ‫روى امل�ؤرخ بلنيو�س �أن امل َّثالني اليونانيني"‬ ‫بوبالو�س و�أنتي�س" �صنعا متثا ًال لل�شاعر‬ ‫الدميم ايبوناك�س‪ ،‬وك��ان هذا التمثال يثري‬ ‫�ضحك كل من ينظر �إليه‪ ،‬ما ا�ستفز ال�شاعر‬ ‫ايبوناك�س‪ ،‬ودف �ع��ه لهجائهما يف ق�صيدة‬ ‫كانت �سبب ًا يف انتحارهما‪!..‬‬ ‫وت�����ش�ي�ر ال� ��درا� � �س� ��ات �إىل �أن ال��ر���س��وم‬ ‫الكاريكاتريية الأوىل كانت قد حفرت على‬ ‫احلجارة‪� ،‬أو الفخار‪ ،‬وكان يف جلوء الفنان‬ ‫امل�صري لر�سمها على مثل هاتني الأدات�ين‪،‬‬ ‫�سبب ًا يف احل �ف��اظ عليها‪ ،‬ج�ي� ً‬ ‫لا بعد جيل‪،‬‬ ‫من دون �أن تتلف‪� ،‬أو ت�ضيع‪ ،‬ال�سيما و�إنها‬ ‫حفظت يف املعابد‪ ،‬واملقابر‪ ،‬و�أ�سبغت عليها‬ ‫ال�صفة امليثولوجية‪.‬‬

‫كما وت�شري الدرا�سات الفنية‪ ،‬نف�سها**‪� ،‬إىل‬ ‫م��دار���س ع��دة‪ ،‬للكاريكاتري‪ ،‬منها" املدر�سة‬ ‫الأورب�ي��ة ال�شرقية"‪ ،‬وه��ي �أنها ت�صب على‬ ‫االه�ت�م��ام ب" تف�صيالت الر�سم" م��ن دون‬ ‫اللجوء �إىل التعليقات"‪ ،‬بعك�س املدر�سة‬ ‫الأوربية الغربية التي يقرتن فيها" الر�سم‬ ‫التخطيطي" ب" النكتة"‪ ،‬م��رك��زة على‬ ‫عملية الإي �� �ص��ال‪ ،‬رمب��ا ب ��أك�ثر م��ن غريها‪،‬‬ ‫بيد �أن امل��در��س��ة الأمريكية‪-‬كما ت��رى هذه‬ ‫امل ��راج ��ع‪ -‬ت��رك��ز ع�ل��ى "اجلمع ب�ين هاتني‬ ‫املدر�ستني ال�سابقتني"‪،‬من دون �إغفال عن�صر‬ ‫احل��وار‪،‬وه��وم��ا ك��ان ق��د ا�ستحوذ اهتمام‬ ‫الفنان العلي‪.‬‬ ‫وعلى هذا النحو‪ ،‬فقد ن�ش�أ فن الكاريكاتري‪،‬‬ ‫جنب ًا �إىل جنب مع فن الر�سم‪ ،‬لي�شق طريقه‬ ‫اخلا�ص‪ ،‬ال�سيما بعد �أن �أ�س�س لنف�سه لغته‬ ‫اخلا�صة‪ ،‬حيث باتت �أبجديته تتو�سع‪،‬كي‬ ‫ت�صبح لغة عاملية‪� ،‬ش�أن لغة الر�سم ‪ ،‬بل �إنه‬ ‫يكاد يتفوق عليه‪ ،‬على اعتباره الأق��رب �إىل‬ ‫املتلقي‪ ،‬ال�سيما و�أن ا�ستعانة‪ ،‬واحت�ضان‬ ‫ال�صحافة الورقية‪ ،‬للكاريكاتري‪ ،‬منذ وقت‬ ‫مبكر م��ن عمرها‪ ،‬ق��د فتحت �أم��ام��ه الآف��اق‪،‬‬ ‫وو�سعت من دائ��رة االهتمام ب��ه‪ ،‬فانت�شرت‬ ‫لغته‪ ،‬وباتت بع�ض الر�سوم ال�شهرية‪ ،‬را�سخة‬ ‫يف ذاكرة النا�س‪ ،‬وبخا�صة تلك التي تتناول‬ ‫ق�ضايا مهمة‪ ،‬تتعلق بتفا�صيل حيواتهم‬ ‫اليومية‪ ،‬بعد �أن ات�سع البون‪ ،‬بني ال�شرائح‬ ‫االجتماعية والنخب احلاكمة‪،‬يف الكثري من‬ ‫بلدان العامل‪ ،‬وهو ما جعل هذا الفن م�ستقطب ًا‬ ‫ملليارات النا�س‪ ،‬على وجه الب�سيطة‪ ،‬ولي�س‬ ‫�أد َّل على هذا من قول ال�شاعر الكبري حممود‬ ‫دروي�ش‪-‬الذي ت�صادف ذكرى رحيله الثالثة‬ ‫هذه الأيام‪ -‬عن �صديقه الفنان الكاريكاتريي‬ ‫الفل�سطيني ناجي العلي" الذي حتل الذكرى‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫ال��راب�ع��ة والع�شرين‪ ،‬ال�ست�شهاده‪�-‬أي�ض ًا‪-‬‬ ‫يف ه��ذه الأيام" �أن��ه تعود على فتح جريدة‬ ‫ال�صباح‪ ،‬م��ن ال�صفحة الأخ�ي�رة‪ ،‬ال�صفحة‬ ‫ال �ت��ي ك��ان��ت حتت�ضن ر� �س��وم ال �ع �ل��ي‪ ،‬و�إن‬ ‫ك��ان��ت ر� �س��وم��ه‪،‬ه��ذه‪� ،‬ستت�سبب يف ن�شوء‬ ‫خالف بني هذين املبدعني‪ ،‬مل مينع دروي�ش‬ ‫من رث��اء �صديقه على نحو جد م�ؤثر‪ ،‬بعيد‬ ‫ا�ست�شهاده‪� ،‬صديقه ال��ذي هو" مثل الرادار‬ ‫ير�صد اخلط�أ"‪ ،‬على حد تعبريه‪ ،‬حيث كان‬ ‫ق��ال �أي���ض� ًا‪�" :‬أغبطه ك��ل �صباح‪� ،‬أو ق��ل �إنه‬ ‫ه��و ال��ذي �صار يحدد مناخ �صباحي‪ ،‬ك�أنه‬ ‫فنجان القهوة الأول يلتقط جوهر ال�ساعة‬

‫مادام �أن الكاريكاتري قد ان�صرف‬ ‫يف بداياته‪ ،‬الأوىل‪ ،‬ومنذ �أن كان‬ ‫"هوة‬ ‫يحبو‪ ،‬للرتكيز على وجود َّ‬ ‫بني عاملي ال�سلطة ال�سيا�سية العليا‪،‬‬ ‫والعامة من النا�س"***‪ ،‬ف�إنه مل‬ ‫يتوان البتة عن �أداء مهمات �أخرى‬ ‫له‪ ،‬ومنها تناول ق�ضايا اجتماعية‬ ‫عامة‪� ،‬إذ روى امل�ؤرخ بلنيو�س‬ ‫�أن امل َّثالني اليونانيني" بوبالو�س‬ ‫و�أنتي�س" �صنعا متثا ً‬ ‫ال لل�شاعر‬ ‫الدميم ايبوناك�س‪ ،‬وكان هذا‬ ‫التمثال يثري �ضحك كل من ينظر‬ ‫�إليه‪ ،‬ما ا�ستفز ال�شاعر ايبوناك�س‪،‬‬ ‫ودفعه لهجائهما يف ق�صيدة كانت‬ ‫�سبب ًا يف انتحارهما‪!..‬‬

‫الرابعة والع�شرين‪ ،‬وع�صارتها فيدلني على‬ ‫اجتاه بو�صلة امل�أ�ساة وحركة الأمل اجلديد‬ ‫الذي �سيعيد طعن قلبي‪ ،‬خط‪ ،‬خطان‪ ،‬ثالثة‬ ‫ويعطينا مفكرة ال��وج��ع ال�ب���ش��ري‪ ،‬خميف‬ ‫ورائع هذا ال�صعلوك الذي ي�صطاد احلقيقة‬ ‫مبهارة ن��ادرة‪ ،‬ك�أنه يعيد انت�صار ال�ضحية‬ ‫يف �أوج ذبحها و�صمتها‪� ،‬إنه احلد�س العظيم‬ ‫وال�ت�ج��رب��ة امل ��أ� �س��اوي��ة‪ ،‬فل�سطيني وا�سع‬ ‫القلب‪� ،‬ضيق املكان �سريع ال�صراخ‪ ،‬وطافح‬ ‫بالطعنات ويف �صحته حت ��والت املخيم‪.‬‬ ‫وكان �أن ر�سم العلي لوحة كاريكاتريية عن‬ ‫دروي�ش‪ ،‬بعنوان" اليحق لل�شاعر ما اليحق‬ ‫لغريه‪ ،‬منتقد ًا فيه �أح��د مواقفه ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫�آنذاك‪.‬‬ ‫وي� �ع ��ود ال �ف �� �ض��ل يف ر� �س��م الكاريكاتري‪،‬‬ ‫وكتابة التعليقات الكاريكاتريية�إىل يعقوب‬ ‫�صنوع****‪،‬حيث �أ��ص��در جريدة �ساخرة‬ ‫هي" �أبو ن�ضارة"‪ ،‬لتن�ش�أ يف ما بعد نواة فن‬ ‫كاريكاتريي عربي‪ ،‬باتت مالحمه وهويته‬ ‫ت�ظ�ه��ران ع�ل��ى ن�ح��و ج �ل��ي‪ ،‬ق��د ب��رزع��دد من‬ ‫ال�ف�ن��ان�ين ال�ك�ب��ار وم�ن�ه��م‪� :‬أ� �س��ام��ة ح�ج��اج‪-‬‬ ‫فل�سطني وم�ؤيد نعمة –العراق و م�صطفى‬ ‫ح�سني وبهجت عثمان –م�صر ور�شيد ح�سني‬ ‫–ال�سعوديةوعبدال�سالم الهليل‪-‬ال�سعودية‬ ‫وعلي ف��رزات وعبدالهادي ال�شماع ويا�سر‬ ‫عبد الله ونور الكردي ‪�-‬سوريا وعبد العزيز‬ ‫العدوان‪-‬ال�سعوديةوعدنان عبا�س‪-‬العراق‬ ‫وغريهم كثريون جد ًا‪.‬‬ ‫وطبيعي‪� ،‬إن الفن الكاريكاتريي‪ ،‬قد �أ�صبح‬ ‫الآن �أك�ثر انت�شار ًا‪،‬ليغدو �أ�شبه بالرغيف‬ ‫والهواء‪ ،‬بالن�سبة ملتابعيه‪،‬ال�سيما بعد ثورة‬ ‫االت�صاالت الهائلة التي ي�شهدها العامل‪ ،‬فقد‬ ‫باتت هناك مواقع �إلكرتونية‪ ،‬خا�صة‪ ،‬تقدم‬ ‫لوحات الكاريكاتري‪ ،‬ويف �إمكانها ا�ستقطاب‬

‫�أعداد هائلة من ال��زوار‪ ،‬وقد ن�شرت وكاالت‬ ‫الأن�ب��اءخ�بر ًا م�ف��اده‪� :‬إن املوقع الإلكرتوين‬ ‫اخلا�ص للفنان ال�سوري العاملي علي فرزات‪،‬‬ ‫قد توقف �أم�س الأول‪ ،‬وذل��ك بعيد االعتداء‬ ‫عليه‪ ،‬ب�سبب مواقفه من حمام الدم يف بلده‪،‬‬ ‫ما �أدى �إىل خطفه‪ ،‬و�ضربه‪ ،‬وك�سر�أ�صابعه‬ ‫وي��ده‪ ،‬بطريقة م�شينة‪ ،‬كما مت حلق حليته‬ ‫و�شاربيه‪� ،‬إم�ع��ان� ًا يف �إه��ان�ت��ه‪ ،‬ث��م مت رميه‬ ‫يف مكان بعيد‪ ،‬لتكون له�ؤالء املعتدين عليه‪،‬‬ ‫ر�سالة لكل مثقف �صاحب ر�أي‪ ،‬ال�سيما و�أن‬ ‫ذلك مت ع�شية ا�ستذكار الفنان ال�شهيد ناجي‬ ‫العلي يف ذكراه الرابعة والع�شرين‪.‬‬ ‫ولعل الفنان علي فرزات"‪� ،"1951‬أحد ه�ؤالء‬ ‫الفنانني الكبار‪ ،‬ممن �شغلت لوحاتهم النا�س‪،‬‬ ‫وحتولت �إىل خبز ون�سغ حقيقيني لهم‪ ،‬فقد �آل‬ ‫على نف�سه �أن يكون ل�سان حال امل�ضطهدين‪،‬‬ ‫وامل �ق �ه��وري��ن‪ ،‬م��ن دون �أن ي�ن���ص��رف عن‬ ‫ت �ن��اول ال�ق���ض��اي��ا ال� �ك�ب�رى‪ ،‬وق ��د ا�ستطاع‬ ‫عربعالقاته ال�شخ�صية‪ -‬احل�صول على �أول‬‫ترخي�ص لأول �صحيفة ورقية يف �سوريا‪،‬‬ ‫يف ع ��ام‪ ،2000‬بعد �أن مت ت�أميم ال�صحافة‬ ‫ال�سورية‪ ،‬ومنع �إ�صدار �أية �صحيفة خا�صة‬ ‫م�ن��ذ ان �ق�لاب ع � ��ام‪ ،1963‬م��ا ع��دا ال�صحف‬ ‫ال�سورية الثالث" ت�شرين‪-‬الثورة‪-‬البعث"‪،‬‬ ‫ومل تخف �صحيفته" الدومري" وهو موقد‬ ‫الفواني�س ل�ي� ً‬ ‫لا‪ ،‬باللهجة الدم�شقية‪ ،‬وهو‬ ‫م���أخ��وذ م��ن كلمة" ال�ضوء"‪ ،‬وق ��د ح��اول‬ ‫ترجمة ا��س��م ال�صحيفة‪ ،‬م�ت�ج��اوز ًا م��ا كان‬ ‫موجود ًا من " خطوط حمراء"‪� ،‬إذ راح ينقد‬ ‫بع�ض" �أ�صحاب الر�ؤو�س الكبرية"‪-‬بح�سب‬ ‫لغة الأدي��ب ال�سوري الراحل د‪ .‬عبدال�سالم‬ ‫العجيلي‪�،‬إال�أنه مت منع جريدته من التوزيع‬ ‫يف عام‪ ،2003‬و�سحبت الرخ�صة املعطاة له‪-‬‬ ‫ا�ستثنائي ًا‪ -‬نتيجة قربه" �آنذاك" من الرئي�س‬ ‫ال�سوري ال�شاب د‪ .‬ب�شار الأ�سد‪ ،‬ولقد رفع‬ ‫الفنان ف��رزات من وترية موقفه �سواء �أكان‬ ‫ع�بر ر�سومه ال�صريحة‪ ،‬واق�ف� ًا م��ع الثورة‬ ‫ال�سورية‪� ،‬أو ع�بر ال�ل�ق��اءات التلفزيونية‪،‬‬ ‫راف���ض� ًا احل��ل الأم �ن��ي‪ ،‬م��وا��ص� ً‬ ‫لا ف�ضح �آلة‬ ‫الف�ساد‪.‬‬ ‫ك ��ان ف� ��رزات ق��د ت�ع��ر���ض حلملة ت�شهرييف‬ ‫ال�ع��ام‪ ،2004‬يف �صحيفة ت�شرين التي كان‬ ‫يعمل بها‪�،‬إذ مت ن�شر مادة عنه يف �صفحتني‬ ‫كاملتني بعنوان" باع الدم ودموع الأطفال"‪،‬‬ ‫م��ع �أن ال�صحيفة اعتمدت يف �إ��س��اءت��ه �إىل‬ ‫ر�سوم له‪ ،‬ن�شرت يف ‪ ،1991‬وكررت ن�شرها‬ ‫ال�صحف التي ن�شرتها‪ ،‬لأول مرة‪ ،‬وهذا من‬ ‫حقها‪� ،‬أثناء حرب اخلليج الثالثة‪،‬وكان قد مت‬ ‫الت�ضييق عليه قبل ذلك �إثر ن�شره ر�سوم ًاعن‬ ‫�صدام ح�سني‪ ،‬وهويقف �أمام" قدر" كبري‪،‬‬ ‫يغرف مبلعقة كبرية الرتب والنيا�شني‪ ،‬ومع‬ ‫بدء الثورة ال�سورية‪ ،‬كر�س ف��رزات ري�شته‬ ‫خلدمة الثورة‪� ،‬إال �أنه تعر�ض لعملية اخلطف‬ ‫تلك‪ ،‬وه��و ما يذكر باالعتداء على مواطنه‬ ‫الفنان" �إب��راه �ي��م قا�شو�ش"" اب��ن حماه"‬ ‫الذي مت ا�ستئ�صال حنجرته‪ ،‬وذبحه ورميه‬ ‫يف مياه نهر العا�صي‪ .‬هاتان احلادثتان هما‬ ‫ت�ك��رار ل�لاع�ت��داء على املغني فيكتورجارا‪،‬‬ ‫الذي مت برت�أ�صابعه‪ ،‬و�أطرافه‪ ،‬وحنجرته‪،‬‬ ‫ب��إ��ش��راف ال�ضابط ماريوباتريكي�س‪� ،‬إثر‬ ‫انقالب بينو�شيت‪،‬وهو يغني للثورة امل�ؤودة‪،‬‬ ‫ولت�شيلي‪ ،‬ع�ق��اب� ًا ل��ه‪ ،‬على �أن ��ه ك��ان مغني‬ ‫الثورة‪ ،‬وقتل بعد �أن مت تعذيبه بوح�شية‪،‬‬ ‫يف �أح��د امل�لاع��ب الريا�ضية‪ ،‬م��ع �آخرين‪،،‬‬ ‫لرتمى جثته يف �أحد �شوارع �سانتياغو‪.‬‬ ‫ت ��أ� �س �ي �� �س � ًا ع��ل��ى م��ا���س��ب��ق‪ ،‬ف � � ��إن للوحة‬ ‫ال �ك��اري �ك��ات�يري��ة دور ًا ك��ب�ي�ر ًا يف احلياة‬ ‫اليومية‪ ،‬وحياة ال�شعوب‪ ،‬وهي �أداة للدفاع‬ ‫عن املظلومني وامل�ضطهدين‪ ،‬كما �أنها ُّ‬ ‫تق�ض‬ ‫م�ضاجع الدكتاتوريات‪� ،‬أينما كانوا‪ ،‬لذلك‪،‬‬ ‫فهم يعمدون على مواجهة الفنانني �أ�صحاب‬ ‫امل��وق��ف‪ ،‬ب�ك��ل �� �ض ��راوة‪ ،‬م��ادام��ت اللوحة‬ ‫الكاريكاتريية‪ ،‬تهز عر�ش اال�ستبداد‪� ،‬أينما‬ ‫كان‪� ،‬إذا توافرذلك الفنان‪ ،‬الأ�صيل‪ ،‬ال�شهم‪،‬‬ ‫الويف لرتاب الوطن‪ ،‬ووجوه �أهله‪ ،‬و�صاحب‬ ‫املوقف والر�ؤية الوا�ضحة‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫ح�سن‪ .‬م‪ .‬يو�سف‬ ‫احلدث الفني الأكثـر �أهمية الذي �شهدته العا�صمة ال�سورية م�ؤخرا هو افتتاح معر�ض فنان الكاريكاتري الالمع علي فرزات يف املركز الثقايف الفرن�سي بدم�شق‪.‬‬ ‫يف هذا املعر�ض ي�ؤكد علي فرزات مكانته العالية كفنان كاريكاتري هجاء من نوع فريد‪ ،‬كما ي�ؤكد ن�ضج �أدواته الفنية وتفتح موهبته ‪ ،‬وعمق تفكريه‪ .‬فلوحاته يف هذا‬ ‫املعر�ض ت�شبه البحريات العميقة العذبة ‪ ،‬كونها جتمع ال�شفافية والعمق ‪ ،‬مبهارة تالم�س االعجاز!‬

‫علي فرزت‪ :‬صراخ الكاريكاتير الصامت‬ ‫وت�ق��وم دار (ال� �س��وي) الباري�سية ‪ ،‬حاليا‪،‬‬ ‫ب� ��إع ��داد ك �ت��اب ع�ن��ه ي�ضم ‪ 400‬ل��وح��ة ل��ه ‪،‬‬ ‫ويقوم ر�سام اللوموند الفنان املعروف جان‬ ‫بالنتو بر�سم مقدمة للكتاب ‪ ،‬جت�سد بلغة‬ ‫الكاريكاتري‪� ،‬أب��رز املحطات يف حياة علي‬ ‫فرز�آت‪.‬‬ ‫�أعلنت موهبة علي فرزات عن نف�سها يف وقت‬ ‫مبكر‪ ،‬فعندما ك��ان طالبا يف ال�صف الثالث‬ ‫الإع ��دادي‪� ،‬أر�سل كاريكاتريا كان قد ر�سمه‬ ‫اىل �إح��دى ال�صحف ‪ ،‬فما ك��ان م��ن �صاحب‬ ‫جريدة (الأي��ام ) ورئي�س حتريرها املرحوم‬ ‫�صفوح بابيل �إال �أن ن�شر الكاريكاتري يف‬ ‫ال�صفحة الأوىل حتت املان�شيت مبا�شرة‪.‬‬ ‫وم�ن��ذ ذل��ك ال �ي��وم اح�ت�رف ع�ل��ي ف ��رزات فن‬ ‫الكاريكاتري ومل ّ‬ ‫يتخل عنه �أبدا‪.‬‬ ‫يتميز كاريكاتري علي ف��رز�آت ب�أنه يخاطب‬ ‫ال �ن��ا���س ب�ل�غ��ة ال���ص�م��ت ‪ ،‬وه ��و ي�ع�ت�ق��د �أن‬ ‫ال �ك��اري �ك��ات�ي�ر ال �� �ص��ام��ت �أك �ث��ر وق��ع��ا من‬ ‫الكاريكاتري الذي يعتمد على الكالم املكتوب‪.‬‬ ‫وه ��و ي�ط�م��ح اال ي �ك��ون ك��اري �ك��ات�يره بعمر‬ ‫اجلريدة اليومية التي ين�شر فيها‪ .‬لذا فهو ال‬ ‫يركز على الأحداث الأنية ‪ ،‬بل يطرق ما هو‬ ‫�أعمق يف االن�سان واملجتمع !‬ ‫وه��ذا ال�ك�لام ينطبق على ل��وح��ات معر�ضه‬ ‫الأخري‪ .‬فاللوحة تعطيك نف�سها خالل حلظة‬ ‫واحدة ‪ ،‬لكنها تبقى عالقة يف داخلك ‪ ،‬تفعل‬ ‫فعلها كدواء بطيء املفعول‪ .‬كثريا ما ت�ضحك‬ ‫! لكنه �ضحك له نكهة البكاء!‬ ‫ م�ك�ت��ب ف �خ��م ��ض�خ��م ‪ ،‬ل�ي����س خ�ل�ف��ه �أح ��د‪،‬‬‫واىل جانبه �سلة مهمالت مليئة باملراجعني‬ ‫املجعدين !‬ ‫ غريق يلفظ �أنفا�سه ‪ ،‬وح�شد من ال�سادة‬‫املت�أنقني يحيون حفال خطابيا ت�ضامنا معه‬ ‫على ال�شاطئ!‬ ‫ م�ي�ك��روف��ون ينتهي ب��إن���ش��وط��ة م�شنقة !‬‫كر�سي �ضخم حتته زنزانة !‬ ‫غ�صن ال��زي�ت��ون ال��ذي ينمو يف ي��د منتظر‬

‫م �ن��ذ ق ��راب ��ة رب� ��ع ق� ��رن وق� � ��راء ال�صحف‬ ‫ال�سوريون يدمنون على ارت�شاف ر�سومات‬ ‫علي فرزات مع قهوة ال�صباح‪ .‬ما يدلل ب�شكل‬ ‫�صريح ووا�ضح على ات�ساع �شعبية فرزات‬ ‫‪ ،‬ه��و �أن��ه ‪ ،‬ق��د نقل م��زاج��ه الكاريكاتوري‬ ‫اىل قرائه ‪ ،‬فقد جعلنا ندمن قراءة اجلريدة‬ ‫اليومية م��ن �آخ��ره��ا مبتدئني بكاريكاتريه‬ ‫الذي كان ين�شر يف �صفحة الثورة الأخرية ‪،‬‬ ‫ثم انتقل اىل ال�صفحة الأخرية من ت�شرين‪.‬‬ ‫منذ زهاء خم�سة ع�شر عاما بد�أ فرزات ين�شر‬ ‫ر�سومه يف ال�صحف العربية ‪ ،‬ف��ذاع �صيته‬ ‫عربيا وعامليا‪ ،‬و�صار يعد �أحد �أهم ر�سامي‬ ‫الكاريكاتري ال�ع��رب �إن مل يكن �أهمهم على‬ ‫الإطالق‪.‬‬ ‫ول��د ال�ف�ن��ان ع�ل��ي ف���رزات يف م��دي�ن��ة حماه‬ ‫ال���س��وري��ة ع��ام ‪ ،1946‬ودر� ��س ال��ر��س��م يف‬ ‫كلية الفنون اجلميلة بدم�شق ‪ ،‬و�شارك يف‬ ‫اث�ن�ين وع�شرين معر�ضا ف��ردي��ا وم�شرتكا‬ ‫يف �سورية وم�صر وتون�س واملغرب وكندا‬ ‫وفرن�سا ورو�سيا وبلجيكا و�إنكلرتا واليابان‬ ‫و�سوي�سرا‪.‬‬ ‫يف عام ‪ 1980‬فاز باجلائزة الأوىل للفنانني‬ ‫ال �� �ش �ب��اب يف م �ه��رج��ان ال �غ��راف �ي��ك ال ��دويل‬ ‫ب�أملانيا‪ .‬ويف عام ‪ 1985‬فاز باجلائزة الثالثة‬ ‫يف مهرجان غابروفو الدويل الذي �شارك فيه‬ ‫فنانون من ثالث وخم�سني دول��ة‪ .‬ويف عام‬ ‫‪ 1987‬ف��از باجلائزة الذهبية يف امل�سابقة‬ ‫العاملية التي �أقيمت يف �صوفيا حتت �شعار‬ ‫( احلرب على احلرب )‪.‬‬ ‫يف ع���ام ‪ 1991‬ف���از ب��امل �ي��دال �ي��ة الذهبية‬ ‫ال�ستفتاء جريدة ال�شرق الأو��س��ط ك�أف�ضل‬ ‫ر�سام كاريكاتري عربي‪.‬‬ ‫ويف ع���ام ‪ 1994‬اخ��ت��ارت��ه جل �ن��ة م ��ورج‬ ‫ال�سوي�سرية كواحد من �أه��م الر�سامني يف‬ ‫العامل ومت تكرميه ‪ ،‬وعقب ذلك تلقى دعوة‬ ‫م��ن جامعة الأل��زا���س ال�سوي�سرية لإقامة‬ ‫معار�ض متجولة يف الألزا�س وليون‪.‬‬

‫ال�سالم اىل �أن يتحول اىل غابة ملتفة حوله!‬ ‫ قلم ري�شته �إ�صبع يب�صم !‬‫ حيوانات تتفرج بذهول وا�ستنكار على‬‫معارك ينقلها التليفزيون !‬ ‫ رجل ي�ضع قناع حمار كي ي�ستطيع التفاهم‬‫مع حمار زي �ش�أن !‬ ‫رجالن راكعان لهما �شكل فردتي احلذاء!‬‫ ج�لاد يقطع �أح��د �أط ��راف �أح��د ال�سجناء‪،‬‬‫ويبكي على م�سل�سل ميلودرامي ي��رده يف‬ ‫التليفزيون !‬ ‫ امر�أة عيونها وفمها على �شكل ثقوب القفل‬‫وزوجها يحمل املفاتيح بيده!‬ ‫ان�سان متوح�ش ‪� ،‬ضار‪ ،‬يطارد ذئبا مذعورا‬‫م�سكينا!‬ ‫جرنال مقيد بكر�سي احلكم و�سجني �سيا�سي‬‫مقيد بالأ�صفاد!‬ ‫ م�صيدة فئران كبرية ‪ ،‬يف داخلها رغيف‬‫و��ص�ح��ن م��ن الفا�صوليا و�أم��ام �ه��ا موظف‬ ‫حمدود الدخل !‬ ‫ فار�سان يقتل كل منهما الآخ��ر بوح�شية‬‫بينما ح�صاناهما يتحابان !‬ ‫هذا هو عامل فرزات يف �آخر جتلياته يف عدد‬ ‫يوليو ‪ 1988‬من جملة العربي‪ ،‬قال يل علي‬ ‫فرزات عندما تقابلنا يف باب (وجه ًا لوجه )‪.‬‬ ‫مل ما �أعرفه هو �أنه يجب علي �أن �أكون �صادقا‬ ‫مع نف�سي ‪� ،‬أن �أمتثل الواقع بدقة ومن دون‬ ‫تزويق ‪ ،‬هذا من حيث امل�ضمون �أما من حيث‬ ‫ال�شكل ‪ ،‬ف�أعتقد �أن ال�شخو�ص التي تعاي�شني‬ ‫و�أع�بر عنها تفر�ض علي �أ�سلوبا معينا يف‬ ‫الر�سم ‪ ،‬لي�س غريبا عن م�ضمونها‪ ،‬فال�شكل‬ ‫عندي يواكب امل�ضمون با�ستمرار‪ .‬ومعر�ض‬ ‫علي ف��رزات اجلديد هو خطوة جبارة على‬ ‫درب فنان �صادق ‪ ،‬يعرف ما يريد!‬ ‫ل �ك��ن ال �ت �ح��دي اجل��دي��د ال� ��ذي ي��واج��ه علي‬ ‫ف��رزات الآن ه��و �أن ال��واق��ع العربي �أ�صبح‬ ‫كاريكاترييا‪� ،‬أكرث من �أي كاريكاتري!‬ ‫جملة نزوى العمانية‬

‫الفنان الذي استهدفه جهلة الفن واألدب‬ ‫حممد علي �شاهني‬

‫ولد الفنان ال�سوري علي فرزات يف عام ‪ 1951‬يف مدينة‬ ‫حماة ب�سورية‪ ،‬بد�أت موهبته الفنيّة يف �سن مبكرة‪ ،‬در�س‬ ‫يف �أكادميية الفنون بدم�شق‪ ،‬وح�صل خالل حياته العملية‬ ‫علي ‪ 13‬جائزة و�أقام �أكرث من ثالثني معر�ضا عامليا‪.‬‬ ‫وو�صفه الن ّقاد يف مهرجان " مورج " يف �سوي�سرا ب�أ ّنه‬ ‫من �أف�ضل الر�سامني اخلم�سة املوجودين يف العامل تقدير ًا‬ ‫لأدائه الفني العايل‪ ،‬ومنح العديد من �شهادات التقدير‪.‬‬ ‫�أثارت املوا�ضيع التي طرقها يف ر�سومه اجلريئة الكثري‬ ‫من التناق�ضات والإ�شكاالت مع الأنظمة العربية امل�ستبدّة‪،‬‬ ‫واحلكومات اجلائرة‪.‬‬ ‫�شرع فرزات ب�إ�صدار جريدة (الدومري) �أول جريدة �سورية‬ ‫م�ستقلة منذ انقالب الثامن من �آذار عام ‪ 1963‬ي�سمح لها‬ ‫بال�صدور‪ ،‬والتي مت ايقاف ترخي�صها عام ‪ 2003‬ب�سبب‬ ‫نقدها ال�شديد لكل �أ�شكال الف�ساد‪ ،‬حتت دعوى "خمالفتها‬ ‫لقانون املطبوعات وبالتايل منع �أي مطبعة من طباعة‬ ‫�صحيفة الدومري"‪.‬‬ ‫وخالل هذه الفرتة تع ّر�ض �صاحبها للتهديد‪ ،‬كما تع ّر�ضت‬

‫مو�ضوعاتها ملق�ص الرقيب‪ ،‬لأنّ الرقيب تعوّ د حجب ّ‬ ‫كل‬ ‫الق�صائد اجلياد‪ّ ،‬‬ ‫وكل املقاالت والر�سوم اجلريئة املعبرّ ة‬ ‫عن �ضمائر الأحرار‪.‬‬ ‫و�أعاد �إىل الذاكرة �صفحات (امل�ضحك املبكي) الأ�سبوعيّة‬ ‫الهزلية االنتقادية‪ ،‬و�أ�شهر جملة كاريكاترييّة �سوريّة‪،‬‬ ‫ل�صاحبها حبيب كحالة وابنه الفنان �سمري كحالة �صاحب‬ ‫الر�سوم الكاريكاتريية اجلريئة التي تناولت كل جوانب‬ ‫احلياة ال�سورية بالنقد الذكي‪ ،‬على مدى �سبعة وثالثني‬ ‫عام ًا من العطاء‪ ،‬حتى �صدور الأمر ب�إغالقها يف عام ‪.1966‬‬ ‫وجرت حماوالت لإحياء الدومري لكنّ �صاحبها قال‬ ‫ب�صراحته املعهودة " مل ولن �أحاول لأن �إعالمنا مير من‬ ‫قنوات �أمنية معروفة ‪ ،‬ور�سمية غري م�ؤمنة بالإ�صالح �أو‬ ‫االنفتاح �أو حرية التعبري "‪.‬‬ ‫ويف ‪ 2011/8/25‬خـُـطِ ف علي فرزات ومت تعذيبه‪ ،‬من‬ ‫قبل موالني للرئي�س ال�سوري ب�شار الأ�سد‪ ،‬ثم �ألقي يف‬ ‫الطريق الدويل امل�ؤدّي ملطار دم�شق‪.‬‬ ‫وعرثت عليه �سيّارة وهو ملقى على قارعة الطريق يف حالة‬ ‫�إعياء‪ ،‬والدماء تنذف من ج�سده‪ ،‬ونقلوه �إىل م�ست�شفى‬ ‫الرازي حيث يرقد الآن‪.‬‬

‫علي فرزات الفنان الذي �أعاد للر�سم الكاريكاتوري �أهميّته‬ ‫كقيمة فنيّة‪ ،‬و�أ�سلوب معبرّ عن هموم املواطن العربي يف‬ ‫زمن الكبت ال�سيا�سي وحكم ع�صابات (ال�شبيحة)‪ ،‬وعبرّ عن‬ ‫روح ال�شعب وتط ّلعاته بري�شة فنان‪ ،‬وكان �أدا�ؤه رائع ًا‪ ،‬ال‬ ‫يعرف قيمته �إال من تذوقه‪.‬‬ ‫وح�س ًا مرهفا‪ ،‬وقلم ًا �ساحر ًا‪،‬‬ ‫امتلك فرزات موهبة فنيّة ّ‬ ‫فا�ستطاع بر�سومه النقديّة ال�ساخرة جتاوز الن�ص الأدبي‬ ‫والق�صيدة ال�شعريّة �إىل لغة تعبرييّة عامليّة جديدة‪ ،‬ف�أ�ضحك‬ ‫النا�س من الديكتاتور و�أزالمه و�شبيحته‪ ،‬وا�ستهز�أ بالقتلة‪،‬‬ ‫و�سارقي قوت ال�شعب‪ ،‬و�أدعياء املقاومة‪.‬‬ ‫واجتاز حاجز اللغة بنجاح منقطع النظري‪ ،‬واقتحم القلوب‬ ‫بح�سن اختيار املو�ضوعات‪ ،‬و�صدق االنتماء لق�ضايا الوطن‬ ‫واملواطن‪.‬‬ ‫فال عجب �أن ي�ستهدفه جهلة الفن والأدب الذين تب ّلدت‬ ‫�أحا�سي�سهم وم�شاعرهم‪ ،‬وق�ست قلوبهم‪ ،‬فال يعرفون �سوى‬ ‫لغة العنف التي يتهمون بها خ�صومهم‪ ،‬وال يتذوّ قون �سوى‬ ‫طعم الدماء‪.‬‬ ‫ُ�ش ّلت الأيدي التي نالت من ج�سده‪ ،‬وتطاولت على قامته‪،‬‬ ‫وله ال�صحّ ة وال�سعادة وطول العمر‪.‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪14‬‬

‫العدد (‪)2346‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )28‬كانون االول ‪2011‬‬

‫العدد (‪)2346‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )28‬كانون االول ‪2011‬‬

‫تعالوا نضحك‬ ‫مع علي فرزات‬

‫‪15‬‬

‫على فرزات يرسم النهاية‬

‫عي�سى خملوف‬ ‫تعالوا ننظر �إىل ر�سوم علي فرزات ون�ضحك‪ ...‬حلظة‬ ‫يبلغ العنف حدوده الق�صوى‪ ،‬ت�أتي تلك الر�سوم‬ ‫لتزيح الغيمة ال�سوداء الكبرية عن ال�صدور‪ .‬تفتح‬ ‫من َفذ ًا حني ُتغ َلق جميع املنافذ‪ ،‬وتك�سر حدّة املناخ‬ ‫امل�أ�ساوي الذي يريده اجل ّالد �سما ًء ثانية‪ .‬ت�أتي‬ ‫لتك�شف � ّأن الذي ميلك القدرة على القتل لي�س الأقوى‬ ‫بال�ضرورة‪ .‬القادر على انتزاع ابت�سامة وعلى �إثارة‬ ‫ال�ضحك يف قلب الأهوال يعرف � ّأن الطاغية مثري‬ ‫لل�سخرية حتى لو كانت يف يده �آلة القمع‪ ،‬و� ّأن‬ ‫املل َّثم هو اخلائف الذي يتحرك يف الظالم‪ ،‬يحوك‬ ‫الد�سائ�س ويتالعب بالب�شر من وراء الأقنعة‪ .‬تعالوا‬ ‫ن�ضحك من ّ‬ ‫ع�شاق التوريات النافلة وال�سجع الركيك‪،‬‬ ‫يعتدون عليك ويح ّثونك على تقدمي دعوى ق�ضائية‬ ‫�ض ّد من اعتدى عليك‪� .‬إنهم مع تطبيق القانون‪،‬‬ ‫وثمة قوانني ترعى الظلم وحتمي الظامل‪ .‬يعيّنون‬ ‫ل�ص ًا يف موقع مدير م�صرف‪ ،‬و�أمي ًا مدير ًا جلامعة‪،‬‬ ‫ويختارون جمرمي احلرب ليكونوا م�س�ؤولني عن‬ ‫حماية املعوّ قني‪ .‬الذين ي�ستعملون �أياديهم لل�ضرب‪،‬‬ ‫و�أقدامهم للرف�س‪ ،‬و�أدمغتهم للت�آمر‪ ،‬ي�سمّمون احلياة‬ ‫وال يريدون لأحد �أن يفرح‪ .‬الفرح‪ ،‬بالن�سبة �إليهم‪،‬‬ ‫تهديد للأمن القومي‪ .‬املت�س ّلط متجهِّم عَبو�س‪ ،‬يريدنا‬ ‫�أن ن�صدّقه ونخاف! تعالوا نتحالف فقط مع الإله‬ ‫يحب �أن يغ ّني وي�ضحك‪ .‬ال�ضحك‪ ،‬هنا‪،‬‬ ‫الذي‪ ،‬مثلنا‪ّ ،‬‬ ‫�سالح �إن�ساين �سلمي يف مواجهة ال�سالح الهمجي‬ ‫القاتل‪ .‬يف فيلم "الديكتاتور" ل�شاريل �شابلن تطالعنا‬ ‫�شخ�صية هنكل الذي مي ّثل هتلر ومن خالله كل الطغاة‬ ‫يف التاريخ‪ .‬يف �أحد امل�شاهد الرائعة‪ ،‬نرى هنكل‬ ‫وهو يراق�ص الكر َة الأر�ضية‪ .‬يالعبها ويقذفها بيديه‬ ‫وقدميه‪ .‬وي�شعر �أنها ملكه يفعل بها ما ي�شاء‪ .‬فائ�ض‬ ‫ال�سلطة ي�ؤدي �إىل جنون املت�س ّلط‪ .‬يف�صله عن الواقع‬ ‫من حوله ويخلخل عالقته به‪ .‬تعالوا ن�ضحك من‬ ‫ّ‬ ‫�سيظل حاكم ًا �إىل الأبد‪،‬‬ ‫غباء الطاغية الذي اعتقد �أنه‬ ‫�أي �أنه من طينة الآلهة‪� ،‬أبديّ �سرمدي‪ .‬يتعاطى مع‬ ‫الب�شر ب�صفتهم عبيد ًا له ولأبنائه من بعده‪ .‬له املجد‬ ‫ولل�شعوب ال�صفع واحلذاء الثقيل فوق الرقاب‪ .‬تعالوا‬ ‫ن�ضحك على الظلم الذي ّ‬ ‫حل بالأمة العربية منذ ن�صف‬ ‫قرن حتى اليوم و�أخرج العامل العربي من الزمن‬ ‫احلديث‪ .‬ن�ضحك من �صور الطاغية ومتاثيله ال�شاهقة‬ ‫متلأ ال�شوارع وال�ساحات العامّة‪ ،‬يراها ويتوهّ م �أنه‬ ‫ال يُقهَر‪ .‬يرفع يده ملوّ ح ًا للم�ص ّفقني له‪ ،‬الالهثني وراء‬ ‫غبار �سرابه‪ ،‬ويرفعها تار ًة �أخرى ليعطي الأوامر‬ ‫ب�إطالق النار على ر�ؤو�س الذين رف�ضوا املذ ّلة‪ .‬الذين‬ ‫مل يجدوا خبز ًا لي�أكلوا وال مدار�س ليتع ّلموا‪ .‬ك�أنه‬ ‫يقتلهم م ّرات عدّة قبل القتل الأخري‪ .‬تعالوا ن�ضحك‬ ‫من الذين يتج�س�سون على �أحالمنا ويحا�صرونها ظ ّن ًا‬ ‫منهم �أنهم قادرون على الإم�ساك بها وت�صفيتها‪� .‬أولئك‬ ‫الذين ينادون بالعلمانية واملجتمع املدين ويف الوقت‬ ‫نف�سه ب�ؤجّ جون الطائفية ويعملون على تكري�سها‪.‬‬ ‫تعالوا ن�ضحك من الذين يعدون � ّأن قتل ال�شعب قرار ًا‬ ‫وي�صب يف‬ ‫�سرتاتيجي ًا يح�شر العدوّ يف الزاوية‬ ‫ّ‬ ‫الفتي وال يعرف‬ ‫�صالح البلد‪ .‬الر�صا�ص يخرتق القلب ّ‬ ‫� ّأن هذا القلب الواحد ينب�ض يف ماليني القلوب‪ .‬تظنّ‬ ‫اليد العابثة املتوحّ �شة �أ ّنها حتكم قب�ضتها على العامل‪.‬‬ ‫جت ّز احلنجرة التي تغ ّني‪ ،‬تدمي اليد التي تر�سم‪،‬‬ ‫امل�س بكل ما يرتقي‬ ‫وتفجّ ر الر�أ�س الذي يف ّكر‪ .‬حتاول ّ‬ ‫بالإن�سان ومييّزه‪ .‬تريد اليد العابثة املتوحّ �شة �أن‬ ‫تدمّر من يف�ضح حقيقة وجودها‪ ،‬وهو �أي�ض ًا ف�ضح‬ ‫للجانب املظلم للإن�سان على م ّر الع�صور‪� .‬أما َ‬ ‫يدك يا‬ ‫علي‪ ،‬ف�ستنه�ض من جديد‪� .‬ستهز�أ من املل ّثمني وتنزع‬ ‫الأقنعة عن وجوههم‪� .‬ستقول لنا ر�سومك � ّإن العنف‬ ‫يج�سد الظلم والطغيان �أكرث‬ ‫�سالح ال�ضعفاء و� ّإن الذي ّ‬ ‫ه�شا�شة مما ميكن املرء �أن يت�صوّ ر‪.‬‬ ‫جريدة ال�سفري‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫‪manarat‬‬ ‫رئي�س جمل�س الإدارة‬ ‫رئي�س التحرير‬

‫نائب رئي�س التحرير‬ ‫‪----------------‬‬‫عدنان ح�سني‬

‫مدير التحرير‬ ‫‪----------------‬‬‫علي ح�سني‬ ‫االخراج الفني‬ ‫‪----------------‬‬‫م�صطفى التميمي‬

‫عادل ال�سنهوري‬ ‫النظام اال�ستبدادي الذي يحاول ته�شيم يد و�أ�صابع‬ ‫املبدع والفنان علي ف ��رزات‪ ..‬ر�سام الكاريكاتري‬ ‫ال�سوري ال�شهري‪ ،‬يلفظ �أنفا�سه الأخ�يرة‪ ،‬فلم يعد‬ ‫قادرا على احتمال ري�شة فنان‪� ،‬أو قلم مبدع‪ ..‬هو‬ ‫كل �سالحه يف املقاومة يف وج��ه القمع واملجازر‬ ‫ال�ت��ى ي�ق��وم بها ن�ظ��ام ب�شار الأ� �س��د �ضد ال�شعب‬ ‫ال�سوري‪ ،‬منذ نحو خم�سة �شهور‪.‬‬ ‫ال���ش��را��س��ة وال �ع��دوان �ي��ة والهمجية ال �ت��ي مت بها‬ ‫االعتداء علي ف��رزات‪ ،‬يعني �أن نظام ب�شار و�صل‬ ‫�إىل �أق�صى مراحل القمع �ضد �شعبه‪ ،‬وهى املرحلة‬ ‫الأخرية من عمر هذا النظام‪ ،‬ليلحق بقطار النهاية‬ ‫مع زين العابدين‪ ،‬ومبارك‪ ،‬والقذافى‪ ،‬وابن �صالح‪،‬‬ ‫ليكون رابعهم �أو خام�سهم‪.‬‬ ‫تركيز بلطجية وعمالء �أو �شبيحة النظام ال�سوري‬ ‫على يدي فرزات‪ ،‬كان ر�سالة �إىل �أن ب�شار و�أركان‬ ‫نظامه امل�ت�ه��اوي‪ ،‬ل��ن ي�سمح ب��أي��ة معار�ضة حتى‬

‫لوكانت من ر�سومات كاريكاتريية‪ ،‬ال ميلك �صاحبها‬ ‫من �أ�سلحة املقاومة �ضد قمع حرية ال�شعوب‪� ،‬سوى‬ ‫ري���ش��ة و�أل � ��وان‪ ،‬ت�ق��ف يف وج��ه دب��اب��ات ومدافع‬ ‫و�شبيحة النظام ال�سورى‪.‬‬ ‫مل يعد الأ��س��د مبالي ًا �أو مهتم ًا بتح�سني �صورته‬ ‫امللوثة بدماء �آالف ال�شهداء من ال�شعب ال�سوري‬ ‫الذي ينا�ضل من �أجل حريته‪ ،‬ف�آلة القمع ت�ستدير الآن‬ ‫�إىل �أ�صحاب الفكر واملثقفني واملبدعني‪ ،‬فالح�صانة‬ ‫لأحد مهما بلغت �شهرته العربية والعاملية‪ .‬فالفنان‬ ‫على فرزات من �أ�شهر ر�سامي الكاريكاتري العرب‪،‬‬ ‫الذين ح�صلوا على �شهرة عاملية‪ ،‬وفاز بالعديد من‬ ‫اجلوائز العربية والعاملية‪ ،‬مثل اجلائزة الأوىل‬ ‫يف مهرجان �صوفيا ال��دويل يف بلغاريا (‪،)1987‬‬ ‫وج��ائ��زة الأم�ير كالو�س الهولندية (‪ )2003‬وقد‬ ‫جلبت ل��ه تلك اجل��وائ��ز �شهرة عاملية ك �ب�يرة‪ ،‬ملا‬ ‫لر�سومه الكاريكاتورية من قيمة رفيعة‪ ،‬عملت على‬ ‫نقد اال�ستبداد والديكتاتورية للنظام ال�سوري الذي‬ ‫حاول يف البداية �إبداء نوايا الإ�صالح ف�سمح له عام‬

‫‪ 2001‬ب�إ�صدار �أول جريدة م�ستقلة يف �سوريا‪ ،‬منذ‬ ‫عام ‪ 63‬وهي جريدة «الدومري»‪ ،‬و�شهدت رواجاُ‬ ‫ك�ب�ير ًا يف �سوريا‪ ،‬لكن ب�شار ونظامه مل يحتمل‬ ‫ال�صحيفة وق��رر �إغالقها‪ ،‬و�سحب ترخي�صها عام‬ ‫‪ ،2003‬بعد �أن �أ�صبحت يف فرتة قليلة‪ ،‬املعرب عن‬ ‫�صوت و�ضمري ال�شعب ال�سوري‪.‬‬ ‫ما حدث لر�سام الكاريكاتري العربى ال�سوري على‬ ‫ف ��رزات اخلمي�س امل��ا��ض��ي يف � �س��وري��ا‪ ،‬ح��دث ما‬ ‫ي�شابهه مع املبدع الفل�سطينى ر�سام الكاريكاتري‬ ‫ناجي العلي‪ ،‬الذى اغتالته ر�صا�صات جمهولة من‬ ‫�أنظمة مل حتتمل �أي�ضا ر�سوماته وانتقاداته يف‬ ‫لندن عام ‪.79‬‬ ‫لكن بقي ناجي يف �ضمري وت��اري��خ �أم�ت��ه‪ ،‬وبقيت‬ ‫ر�سوماته واب��داع��ات��ه‪ ،‬وذه��ب الذين اغتالوه �إىل‬ ‫مزبلة ال�ت��اري��خ‪ ،‬مثلما �سيبقى ف ��رزات و�ستبقى‬ ‫ر�سوماته‪.‬‬

‫الت�صحيح اللغوي‬ ‫‪----------------‬‬‫حممد حنون‬

‫طبعت مبطابع م�ؤ�س�سة املدى‬ ‫لالعالم والثقافة والفنون‬

‫نقال عن اليوم ال�سابع‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫أصابع االبداع تحت المطرقة‬ ‫تختف هذه ال�صورة الب�شعة كثريا عنا‪ ،‬لرمبا عهدناها‬ ‫مل ِ‬ ‫كثريا يف احلقبة الغابرة التي مرت على العراق‪ ،‬لكنه‬ ‫ذات ال�شريط ال�سينمائي املخيف يكرر نف�سه من جديد‪.‬‬ ‫ا�صابع طاملا ابدعت و ر�سمت العديد من اللوحات الفنية‬ ‫الكاريكاتريية الناقدة ‪ ،‬و نالت عددا من اجلوائز الدولية‬ ‫العاملية منها منها اجلائزة الأوىل يف مهرجان �صوفيا‬ ‫ال��دويل يف بلغاريا (‪ ،)1987‬وج��ائ��زة الأم�ي�ر كالو�س‬ ‫ال�ه��ول�ن��دي��ة (‪ )2003‬و منها اي���ض��ا ‪ ..‬م�ط��رق��ة النظام‬ ‫ال�سوري عام ‪ 2011‬ليكتمها متاما و يحيلها ه�شاما يلفظ‬

‫منه االبداع انفا�سه االخرية ‪.‬‬ ‫لعل هذه احلادثة امل�ؤملة عرفت عد�سات الكامريا على وجه‬ ‫علي امله�شم اكرث من ر�سوماته‪ .‬و لعلها اي�ضا وجهت طعنة‬ ‫لالبداع العربي تثري ال�سخط بقلب كل من ال زال ميلك‬ ‫واحدا ‪ .‬لن�سلط ال�ضوء على هذه ال�شخ�صية املظلومة و‬ ‫املرمية االن يف اح��دى امل�ست�شفيات مع كدمات و يدين‬ ‫مه�شمة حتمل ب�صمات النظام ال�سوري املتوح�ش‪.‬‬ ‫ولد علي فرزات يف حماة عام ‪ 1951‬و ن�شرت ر�سوماته‬ ‫يف العديد من ال�صحف ال�سورية والعربية الأجنبية‪.‬‬

‫�أ� �ص��در يف ع��ام ‪� 2000‬صحيفة خ��ا��ص��ة "الدومري"‬ ‫ال�ساخرة‪.‬‬ ‫وح�صل فرزات على ترخي�ص با�صدار جريدة "الدومري"‬ ‫يف عام ‪ 2001‬وكان ذلك اول ترخي�ص يعطى ل�صحيفة‬ ‫م�ستقلة يف �سوريا منذ ‪ 1963‬و�شهدت رواج��ا كبريا‬ ‫منذ بدء �صدورها مع طبع ‪ 60‬الف ن�سخة‪ ،‬اال انه نتيجة‬ ‫بع�ض امل�شاكل مع ال�سلطات توقفت اجلريدة عن ال�صدور‬ ‫بعد ان مت �سحب الرتخي�ص منه يف عام ‪.2003‬‬ ‫و�أ�س�س فرزات �صالة للفن ال�ساخر التي اتخذت من مقر‬

‫ج��ري��دة ال��دوم��ري موقعا لها لتكون ا�ستمرارا لفكرها‬ ‫معتمدا على النجاح الذي ح�صدته اجلريدة لدى اجلمهور‬ ‫الذي نقلت همومه وعك�ست واقعه وكانت ل�سان حاله‪.‬‬ ‫وف��از علي ف��رزات بعدد من اجلوائز الدولية والعربية‪،‬‬ ‫منها اجل��ائ��زة الأوىل يف مهرجان �صوفيا ال��دويل يف‬ ‫بلغاريا (‪ ،)1987‬وج��ائ��زة الأم�ي�ر ك�لاو���س الهولندية‬ ‫(‪ .)2003‬وقد اق��ام معر�ضا يف معهد العامل العربي يف‬ ‫ب��اري����س (‪ ،)1989‬ون���ش��رت ر��س��وم��ات��ه يف ال�ع��دي��د من‬ ‫ال�صحف ال�سورية والعربية االجنبية‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.