William Shakespeare

Page 1

‫رئي�س جمل�س االدارة رئي�س التحرير‬ ‫فخري كرمي‬ ‫ملحق ثقايف ا�سبوعي ي�صدر عن جريدة املدى‬

‫‪m a n a r a t‬‬

‫العدد (‪)2367‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )18‬كانون الثاين ‪2012‬‬


‫‪2‬‬

‫العدد (‪)2367‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )18‬كانون الثاين ‪2012‬‬

‫العدد (‪)2367‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )18‬كانون الثاين ‪2012‬‬

‫‪3‬‬

‫قلعتا المتنبي وشكسبير‬ ‫�صالح نيازي‬ ‫ال �أدري ّ‬ ‫وجه ال�صلة بني قلعة َ‬ ‫ُ‬ ‫احلدَ ث التي بناها �سيف الدولة احلمداين‪ ،‬وبني قلعة دن�سينان‬ ‫حق ًا ما‬ ‫ب�أ�سكتلندا‪ ،‬لكنني ما �أن �أقر�أ ق�صيدة املتنبي‪ ":‬على قدْ ر �أهل العزم ت�أتي‬ ‫العزائم" حتى يخطر ببايل فج�أة �شك�سبري‪ ،‬وما كتبه عن‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫الن�صينْ يف معيار واحد‪ ،‬فرمبا‬ ‫متزق مكبث داخل القلعة تلك‪ .‬رمبا لعدم وجود �صلة‪ ،‬وال حتى �أدنى ت�شابه هو الذي يغري بو�ضع‬ ‫ّ‬ ‫من خالل االختالفات والت�ضادات نتعرف �إىل بع�ض تقنيات الكتابة‪ ،‬لدى كل منهما‪.‬‬ ‫املو�ضوع واحد لدى ال�شاعرين‪ :‬احتالل قلعة احلدث من جهة‪ ،‬واحتالل قلعة دن�سينان من جهة �أخرى‪ .‬ولكن �أين كان يقف‬ ‫املتنبي حينما �ش ّنت قوات �سيف الدولة الهجوم على قلعة احلدث؟ وباملقابل �أين كان يقف �شك�سبري حينما حو�صرت قلعة‬ ‫دن�سينان؟ وهل ي�ؤثر ذلك يف الأ�سلوب والبناء والإيقاع واختيار الكلمات بكلمات �أخرى هل ت�ؤثر زاوية النظر يف الت�شكيلة‬ ‫النهائية للن�ص؟‬

‫املتنبي حتت اجلبل مع جي�ش �سيف الدولة‪.‬‬ ‫مل يذكر ّ‬ ‫قط �أيَّ �شيء كان ي��دور داخ��ل قلعة‬ ‫احل��دث‪ ،‬فهو �إذن ك��ان ينظر م��ن �أ�سفل �إىل‬ ‫�أعلى‪ .‬و�إذا �أخذنا بنظر احل�سبان �أن احتالل‬ ‫قلعة جبلية لي�س �شيئ ًا هين ًا‪� ،‬إذ ال بد له من‬ ‫ع�ضالت ج�سمانية م��د ّرب��ة وال ب � ّد م��ن َج َلد‬ ‫ود�أب‪ ،‬عرفنا ملاذا اختار املتنبي لو�صف هذا‬ ‫احلدث اجل�سيم‪� ،‬إيقاع ًا بطيئ ًا‪ ،‬مت ّثل هنا ببحر‬ ‫الطويل‪" :‬فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن"‪،‬‬ ‫وهذه التفاعيل حتى من دون كلمات‪ ،‬توحي‬ ‫جراء تكرارها املو�سيقي ب�إجهاد من نوع ما‪،‬‬ ‫بزفري ق�صري و�شهيق �أطول‪ ،‬بانب�ساط خاطف‬ ‫وانقبا�ض ثقيل‪� ،‬إنه هنا اللهاث الذي يعاين‬ ‫منه املت�سلق‪� ،‬إن��ه اخل �ط��وات احل ��ذرة التي‬ ‫يت�صف بها مقاتل ي�صعد جب ًال‪.‬‬ ‫كتمهيد لهجوم �صعب كهذا‪ ،‬ا�ستهل املتنبي‬ ‫ق�صيدته ببيتني حكيمني‪ ،‬هما كالكوابح لأية‬ ‫�سرعة‪:‬‬ ‫العزم ت�أتي العزائ ُم‬ ‫على َقدْر �أهل ِ‬ ‫و ت�أتي على َقد ِْرالكرام املكار ُم‬ ‫وتعظ ُم يف عني ال�صغري َ�صغارها‬ ‫العظيم العظائ ُم‬ ‫عني‬ ‫وت�صغر يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثم ينتقل بعد ذلك مبا�شرة �إىل‪:‬‬ ‫يك ّلف ُ‬ ‫�سيف الدولة اجلي�ش همّه‬ ‫ُ‬ ‫اجليو�ش اخل�ضار ُم‬ ‫وقد عجزت عنه‬ ‫حيث كلمات مثل‪ :‬يكلف و عجزت و اخل�ضارم‬ ‫تدل على ال�صعوبة التي �سيعاين منها جي�ش‬ ‫�سيف ال��دول��ة القليل ال �ع��دد بالن�سبة �إىل‬ ‫اجليو�ش اخل�ضارم‪.‬‬ ‫ثمة داللتان �أخريان على هذا البطء‪ .‬الأوىل‬ ‫تتعلق باحلركة الزاحفة �أي بال �أق��دام‪ .‬ففي‬ ‫ت�ضاعيف الق�صيدة ثمة �صور عدة لهذا النوع‬ ‫من احلركة الزاحفة مثل‪ :‬م��وج املنايا‪/...‬‬ ‫متالطم خمي�س‪ ...‬زحف ُه‪� ،/‬إذا زلقتْ ّ‬ ‫م�شيتها‬ ‫ببطونها‪ ،/‬كما تتم�شى يف ال�صعيد الأراقم‪./‬‬ ‫يف ه��ذه ال���ص��ور �إمن ��ا ك��ان املتنبي يهيىء‬ ‫لأك�بر ط��وف��ان يف ت��اري��خ الأدب‪ .‬خا�صة �أن‬ ‫يف الق�صيدة ميز ًة �أخ��رى‪� ،‬أال وهي احلركة‬ ‫املعاقة‪� ،‬أي ت�صادم قوة بقوة �أو فكرة بفكرة‪،‬‬ ‫�أو قنا يقرع القنا‪.‬‬ ‫ف�ب��احل��رك��ة ال��زاح �ف��ة ك� ��وّ نَ م��وج الطوفان‪،‬‬ ‫وباحلركة املعاقة‪� ،‬أن�ش�أ ال�شدة واال�ضطراب‪،‬‬ ‫و�أه��م من ذل��ك ال�صوت واجللجلة الالزمينْ‬ ‫نف�سي ًا لكل هول‪.‬‬ ‫لنع ْد ثانية �إىل زاوية نظر املتنبي‪ ،‬حيث قلنا‬ ‫�إنه كان ينظر من �أ�سفل �إىل �أعلى حيث ي�صبح‬ ‫الغمام والعقبان والن�سور جزء ًا طبيعي ًا يف‬ ‫جم��ال ب���ص��ره‪ .‬ه�ك��ذا ج��اءت ه��ذه العنا�صر‬ ‫بعيدة كل البعد عن التك ّلف والإق�ح��ام‪ ،‬وقد‬ ‫وظفها �أدق توظيف يف جممل الق�صيدة �إذ‬ ‫بهذه احليلة الب�صرية‪ ،‬تلتقي عينه بقلعة‬ ‫احلدث حيث ا�صطبغت بالدم‪:‬‬ ‫حلد َُث احلمرا ُء ُ‬ ‫هل ا َ‬ ‫تعرف لونها‬ ‫وتعل ُم �أيُ ال�ساقيني الغمائمُ؟‬ ‫�سواء �أكان املطر هنا ماء �أم دم ًا‪ ،‬ف�إنه يف كلتا‬ ‫احلالتني َز َلق يعيق حركة اجلي�ش الزاحف‪.‬‬ ‫حم�صنة‬ ‫ولكن كيف تت ّم ال�سيطرة على قلعة ّ‬

‫لقد �أكمل املتنبي و�صف‬ ‫العدة الع�سكرية وعنا�صر‬ ‫ُ‬ ‫الطبيعة املج ّندة‪ ،‬ولكن ما‬ ‫احلملة الفنية – �إن �صح‬ ‫التعبري – التي �سي�ش ّنها‬ ‫املتنبي لهذا الغر�ض؟ هنا ال‬ ‫بد من االفرتا�ض �أن ال�شاعر‬ ‫ً‬ ‫عادة‬ ‫يرجع يف حالة كهذه‬ ‫ّ‬ ‫�إىل خمزونه الثقايف‪ ،‬عله‬ ‫واجد �شيئ ًا �شبيه ًا‪ ،‬ي�ستمدّ‬ ‫منه وح ْي ًا ما �أو ا�ستلهام ًا‪.‬‬

‫يف جبل؟‬ ‫لقد �أك�م��ل املتنبي و�صف ال � ُع��دة الع�سكرية‬ ‫وعنا�صر الطبيعة املج ّندة‪ ،‬ولكن ما احلملة‬ ‫الفنية – �إن �صح التعبري – التي �سي�ش ّنها‬ ‫املتنبي لهذا الغر�ض؟ هنا ال بد من االفرتا�ض‬ ‫�أن ال�شاعر يرجع يف حالة كهذه ع��اد ًة �إىل‬ ‫خمزونه الثقايف‪ ،‬ع ّله واج��د �شيئ ًا �شبيه ًا‪،‬‬ ‫ي�ستم ّد منه وح ْي ًا ما �أو ا�ستلهام ًا‪.‬‬ ‫�أول م��ا يخطر على ال �ب��ال‪ ،‬ق�صة الطوفان‪،‬‬ ‫والآي � ��ة الكرمية‪ ":‬ق ��ال ���س���آوي �إىل جبل‬ ‫يع�صمني من املاء قال ال عا�صم اليوم من �أمر‬ ‫الله �إ ّال من رحم" (�سورة هود)‪.‬‬ ‫ب�براع��ة مذهلة ي�صنع املتنبي طوفان ًا فني ًا‬ ‫م��ن ن��وع غريب ت�شرتك فيه حا�ستا ال�سمع‬ ‫والب�صر‪:‬‬ ‫بناها ف�أعلى والقنا يقرع القنا‬ ‫وموجُ املنايا حو َلها متالط ُم‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫هذا الطوفان‪ ،‬هو حمور الق�صيدة‪ ،‬كما يبدو‪،‬‬ ‫و�أهم ما فيها‪ .‬ففي الأبيات الأوىل مل يظه ْر �إال‬ ‫�شخ�ص �سيف الدولة‪ ،‬وك�أنه حيزوم ال�سفينة‬ ‫يف مقدمة املعركة‪ ،‬وم��ن َث � ّم ت��أت��ي الأم��واج‬ ‫الب�شرية با�شكال غريبة‪:‬‬ ‫�أتوك يج ّرون احلدي َد ك�أمنا‬ ‫�سروا بجيا ٍد ما لهنّ قوائ ُم‬ ‫�إذا برقوا مل تعرف البي�ض منهم‬ ‫ثيابهم من مثلها والعمائ ُم‬ ‫يكتمل ه ��ذا ال �ط��وف��ان ب��ال �ع��دد ال�ك�ث�ي��ف من‬ ‫الع�سكر‪ ،‬و�أ�صوات الرعود املجلجلة‪:‬‬ ‫خمي�س ب�شرق الأر�ض والغرب زحف ُه‬ ‫ويف �أ ُذ ِن اجلوزاءِ منه زماز ُم‬ ‫هذا الطوفان اخلايل من املاء‪� ،‬أغرب طوفان‬ ‫يف ت��اري��خ الأدب‪� .‬أم ��واج ��ه دروع وخ��وذ‬ ‫وح��دي��د‪ ،‬و َق َر�شه وكوا�سجه‪ ،‬هي ال�سيوف‬ ‫وال �� �ص��وارم‪ ،‬و�أ��ش��رع�ت��ه الغمائم والن�سور‬

‫والعقبان‪.‬‬ ‫اما بالن�سبة �إىل قلعة دن�سينان يف م�سرحية‬ ‫مكبث فزاوية النظر معكو�سة متام ًا‪ ،‬حيث‬ ‫يقف �شك�سبري داخل القلعة املط ّلة على غابة‬ ‫برينام‪� ،‬أي �أنه كان ينظر من �أعلى �إىل �أ�سفل‪،‬‬ ‫و�أه� � ّم م��ن ذل��ك ك��ان ينظر يف �صميم مكبث‬ ‫من الداخل‪ ،‬وي�شهد انهياراته وتثلماته �إرب ًا‬ ‫وم��زق � ًا‪ ،‬حتى لتبدو القلعة وك��أن�ه��ا �سفينة‬ ‫تخو�ض يف الدماء التي �سفكها‪ .‬رياح اخلوف‬ ‫م��ن اخل��ارج و�أع��ا��ص�ير اخل��وف م��ن الداخل‬ ‫تفككان هيكلها وهيكله‪ ،‬وتقطعان �صواريها‬ ‫و�أوردته الدموية‪.‬‬ ‫الف�صل اخلام�س من م�سرحية مكبث‪ ،‬وهو‬ ‫ما يعنينا هنا – مكتوب باللهاث والفحيح‬ ‫والهلع‪ ،‬كما �أن �سرعة االنتقال من م�شهد �إىل‬ ‫م�شهد‪ ،‬واقت�ضاب احل��وار‪ .‬وكرثة ا�ستعمال‬ ‫فعل الأم��ر ال��ذي يندر وج��وده يف م�سرحية‬ ‫�أخرى‪ ،‬تومىء �إىل قبطان على و�شك اخلبال‬ ‫وفقدان كل �أمل يف النجاة‪ ،‬ولكن مع ذلك يبقى‬ ‫مكبث ب�صورة ما رابط اجل�أ�ش لأنه الوحيد‬ ‫الذي ظل يعتقد �أنه �أقوى قلعة ب�شرية من حلم‬ ‫ودم‪ ،‬ال تنو�شه �أية �أذية من �أي �إن�سان ولدته‬ ‫امر�أة‪ ،‬كما يف نبوءة الطيف الثالث‪.‬‬ ‫�إن ه��ات�ين ال �ن �ب��وءت�ين‪� ،‬أ� �ص �ب �ح �ت��ا مبثابة‬ ‫تعويذتني جعلتاه يطمئن �إىل انت�صاره‪،‬‬ ‫وي�ستخف يف الوقت نف�سه‪ ،‬ب�أي حت ّد ب�شري‬ ‫من �أي نوع‪ .‬ولكنهما �أي�ض ًا ف�صلتا عقله الآمن‬ ‫عن �صدره امل�ضطرب‪.‬‬ ‫ومب��وت الليدي مكبث تدخل قوة �أخ��رى يف‬ ‫ميدان مكبث احل��رب��ي‪� ،‬أال وه��ي ق��وة العقل‬ ‫الباطن التي جتعل منه �شاعر ًا فيل�سوف ًا من‬ ‫نوع مت�أمل‪:‬‬ ‫كان عليها �أن متوت يف وقت �آخر‬ ‫فثمة زمن �أف�ضل خلرب كهذا‬ ‫غدٌ‪ ،‬وغد‪ ،‬وغد‬ ‫ي��زح��ف ب �ه��ذا ال �ب� ْ�ط ء ال�ف��اج��ع م��ن ي��وم �إىل‬ ‫�آخر‪..‬‬

‫�إىل �آخر كلمة مدوّ نة يف الكتاب‪.‬‬ ‫وكل ما م�ضى من �سالف الأيام �أنار للحمقى‬ ‫الطريق �إىل املوت املُترْ ب‪،‬‬ ‫�إنطفئي �أيتها ال�شمعة الوجيزة فاحلياة جمرد‬ ‫ظل مي�شي‪ ،‬ممثل محُ زن‬ ‫ميثل باختيار وحما�سة دوره على امل�سرح‬ ‫وبعد ذلك ال يُ�سمع عنه �شيء‪ .‬احلياة حكاية‬ ‫يرويها مم ّثل �أخرق‪ ،‬مل�ؤها ال�صخب واحلمق‬ ‫وال تعني �شيئ ًا‪.‬‬ ‫( يختلف – وال غرابة – معظم ال�شارحني‬ ‫ون�ص كهذا يُفهم‬ ‫على معاين الأبيات �أعاله‪ّ ،‬‬ ‫بال�شعور‪ ،‬ويكون من العبث التفتي�ش فيه‬ ‫معان وا�ضحة‪� .‬إن �أبطال �شك�سبري حينما‬ ‫عن ٍ‬ ‫يبلغون ذروة نف�سية ال تتحملها احلوا�س‪،‬‬ ‫متتلئ تعبرياتهم بالغمو�ض العميق‪ ،‬ال�شديد‬ ‫الت�أثري)‪.‬‬ ‫موج املنايا املتالطم ي�شتد حول مكبث‪ ،‬فتتهدم‬ ‫قلعته النف�سية �آج ّرة �آج ّرة وعظم ًا عظم ًا‪� .‬إن‬ ‫احل�صار مل يبد�أ من اخل��ارج ح�سب‪ ،‬بل من‬ ‫داخل مكبث الذي ّ‬ ‫ظل يتقل�ص وينكم�ش وما‬ ‫�أن جاءه ر�سوله بخرب حت ّرك غابة برينام �إىل‬ ‫قلعة دن�سينان (وهي نبوءة الطيف الثالث )‬ ‫حتى ن�سي مقامه امللكي وخاطبه خماطبة الن ّد‬ ‫بقوله‪:‬‬ ‫�إذا كان ما تقوله كذب ًا‬ ‫ف�س�أعلقك على اقرب �شجرةٍ ح ّي ًا‬ ‫�إىل �أن ينكم�ش جلدك من اجلوع‪،‬‬ ‫و�إن كان كالمُك �صادق ًا ف�إنني ال �أهت ّم �إن فعلتَ‬ ‫بي ذلك ‪..‬‬ ‫ه��ذه الأب �ي��ات و�إن � َ��ص��وّ رتْ يف الظاهر ثق َة‬ ‫مكبث بنف�سه‪� ،‬إال �أن�ه��ا يف معناها الباطن‬ ‫ُت�ظ�ه��ر ك�ي��ف �أ� �ص �ب��ح مكبث ي�ع��ام��ل ر�سوله‬ ‫معاملة الندّ‪ ،‬مبعني �آخر‪ ،‬هذا �أول نذير على‬ ‫ت�ضع�ضعه‪ ،‬خا�صة �أنه ي�أمر �أ�صحابه بالت�سلح‬ ‫بعد ذلك ويقول‪:‬‬ ‫ف�إذا ت�أكد وظهر ما يقوله‬ ‫فال مهرب من هنا وال بقاء‪.‬‬ ‫هكذا تو�صل مكبث �إىل حقيقة ب��اردة برودة‬ ‫املوت‪ ،‬وهي من ناحية �أخرى �أكرب اختناق ال‬ ‫�أمل يف الإفالت منه ب�أية �صورة‪ .‬مل تبق لديه‬ ‫�إال تعويذة واح��دة‪ ،‬مل يبق لديه �إال جمداف‬ ‫واحد‪ ،‬ومتتلئ �سفينته هو بدمه‪ .‬غر ُقها من‬ ‫داخلها‪ ،‬وهذا بال �شك �أعجب غرق‪.‬‬ ‫ي�سقط فعل التعويذة فج�أة ونهائي ًا‪ ،‬حينما‬ ‫يخرب" مكدف" عدوّ ه مكبث‪ ،‬ب�أنه ان ُتزعَ من‬ ‫رحم �أمه قبل �أوان��ه‪ .‬ولكن مكبث الذي مزقه‬ ‫الأم ��ل و�شتته ال��وه��م‪ ،‬ع��اد يجمعه الي�أ�س‬ ‫لي�صبح كتلة واح��دة روح � ًا وج�سد ًا وعق ًال‬ ‫لأول مرة‪:‬‬ ‫رغم جميء غابة برينام �إىل قلعة دن�سينان‬ ‫و�إنك يا خ�صمي مل تلدك امر�أة‬ ‫ف�إنني �س�أحاول املحاولة الأخرية‪.‬‬ ‫ي�سقط مكبث مت�سرب ًال بدمائه‪ ،‬وهي الك�سوة‬ ‫الوحيدة التي مل يكن يفكر فيها‪ ،‬خا�صة �إذا‬ ‫علمنا �أن املالب�س يف م�سرحية مكبث‪ ،‬هي من‬ ‫عنا�صرها الأ�سا�سية ومن �أهم مقوماتها‪.‬‬

‫ال����ن����زي����ل‪..‬‬

‫�شك�سبري فوق �سلفر �سرتيت‬ ‫ترجمة‪ :‬عمران ال�سعيدي‬ ‫ا�سم الكتاب‪ :‬النزيل ‪the lodger‬‬ ‫ت�أليف‪� :‬شارك نيكول‬ ‫يف احل��ادي ع�شر م��ن �شهر اي��ار ع��ام ‪1612‬‬ ‫دخل �شك�سبري اىل حمكمة االلتما�سات �شاهدا‬ ‫يف اخ��ر اف��ادة له ثم وق��ع على تلك ال�شهادة‬ ‫امام القا�ضي‪ .‬ي�صف ال�سيد �شارك نيكول يف‬ ‫النزيل هذا احل��دث حالة �شك�سبري النف�سية‬ ‫وي �ق��ول ان التوقيع يعك�س ف �ق��دان ال�صرب‬ ‫وال�سرعة يف حركة القلم الذي وقع فيه على‬ ‫تلك ال�شهادة‪.‬‬ ‫مل ت�ك��ن الق�ضية ال�ت��ي ا��س�ت��دع��ي م��ن اجلها‬ ‫�شك�سبري من نوع الكوميديا او الرتاجيديا‬ ‫بل هي عبارة عن درام��ا حملية وم��ن النوع‬ ‫ال �ع��ادي ج��دا‪ .‬ي�ق��دم �ستيفن بيلوت �شكوى‬ ‫��ض��د وال ��د زوج �ت��ه ك��ري���س�ت��وف��ر مونتغوي‬ ‫ح��ول ق�ضية دفعه املهر الكامل‪ .‬االث�ن��ان من‬ ‫ا�صل فرن�سي وي�سكنان لندن‪ .‬بيلوت يعمل‬ ‫ك�صبي متدرب يف حمل ل�صنع زينة الرا�س‬ ‫والتي كانت �شائعة يف الع�صر االليزابيثي‬ ‫واجليم�سي‪.‬‬ ‫ك��ان �شك�سبري ن��زي� ً‬ ‫لا ل��دى م��ون�ت�غ��وي ويف‬ ‫الطابق ال��ذي يلي حم��ل الزينة خ�لال فرتة‬ ‫اللقاء العائلي لعقد ق��ران بيلوت على ابنة‬ ‫مونتغوي ويبدو ان �شك�سبري ك��ان و�سيط ًا‬ ‫يف عملية ال ��زواج وق��د ا�صبح م�سموحا له‬ ‫بح�ضور املحكمة �شاهدا على الزواج‪ .‬مل تكن‬

‫هذه التجربة مريحة لهذا الكاتب الكبري اذ ان‬ ‫متعته الوحيدة هي االراء العامة حني تعر�ض‬ ‫على امل���س��رح‪ .‬ي��ؤك��د نيكول يف ��س��رده لهذا‬ ‫احلدث على انه حمقق وخبري جيد يف القدرة‬ ‫على ك�شف ال�ضربة الوا�ضحة حول تفا�صيل‬ ‫حملية ب�سيطة لكن بامكانها انارة هذا العامل‪.‬‬ ‫يقدم ه��ذا ال�سرد �صورة للنا�س املوجودين‬ ‫�ضمن هذا احلدث وكانهم يف غرفة جماورة‪.‬‬

‫مقطع من حكاية النزيل‬

‫يكون قريب ًا من حيوات اولئك الذين يجري‬ ‫التحقيق معهم ولكن ب�صورة تعذيب غريبة‬ ‫ويتم تتبع اال�سماء من خ�لال وثائق مبهمة‬ ‫ومنا�شد ًا اق��رب م�صادر الق�صة وم�صري ما‬ ‫ي�سميه هو عامل االلهام والعالقة بني الع�شق‬ ‫وعامل التجارة‪.‬‬ ‫لقد �سار �شك�سبري هناك وكانت خطواته فوق‬ ‫ال�سلم متثل �شخ�صية مالوفة يف عملية فتح‬ ‫وغلق الباب‪.‬‬ ‫كان �شك�سبري يف عامه االربعني حني التحق‬ ‫بعائلة يف منطلقة �سلفر �سرتيت‪ .‬كان �شخ�ص ًا‬ ‫جنتلمان و�صاحب ارادة عالية وذا �شخ�صية‬ ‫متميزة ودودا غري منتحل لل�صفات اال انه‬ ‫ميثل �شخ�صية اجلنون والهمجية يف عامل‬ ‫الظل مل�سرحياته‪.‬‬ ‫مي�ث��ل �سكن �شك�سبري يف ه��ذا احل��ي حالة‬ ‫ممتعة وهو يف�ضل العي�ش مع الغرباء عادة‬ ‫وب�شكل خ��ا���ص م��ع الفرن�سيني وه��و يحب‬

‫فرن�سا كثري ًا وي�صفها دائما بالوردة احلمراء‬ ‫املتفتحة ويعتربها موطن �صراع بني احلب‬ ‫والفل�سفة‪.‬‬ ‫من معارف �شك�سبري البارزين هنا هو جورج‬ ‫ولكنز ال��ذي �شاركه يف م�سرحية بري�سيلر‪.‬‬ ‫كانت ل��دى ولكنز حانة وبيت دع��ارة وكان‬ ‫�شخ�صية عنيفة م��ع ال�ع��ام�لات ل��دي��ه‪ .‬كتب‬ ‫هذا الرجل م�سرحية ل�شركة �شك�سبري حتمل‬ ‫ع�ن��وان (�آالم زواج اج �ب��اري) وا�صبح هذا‬ ‫ال��رج��ل مالكا لبيلوت وم�يري خطيبته بعد‬ ‫م���س��اع��دة �شك�سبري يف ت��رت�ي��ب زواجهما‬ ‫ويحمل هذا الرجل �صفة الل�صو�صية وم�ستلم‬ ‫ال�سلع امل���س��روق��ة وه��و ميثل اول �ئ��ك الذين‬ ‫يعي�شون احلياة املتدنية واملنبوذين فوق‬ ‫ار�صفة لندن وان احل��ان��ة التي ميلكها هذا‬ ‫الرجل كانت تقع يف �شارع كاوكرو�س وال‬ ‫تزال قائمة اىل اليوم ويف املكان نف�سه‪.‬‬ ‫مل ت�ك��ن ع�لاق��ة �شك�سبري ب �ه��ذا ال��رج��ل غري‬ ‫طبيعية فكتابة امل�سرحيات وع�م��ل احلانة‬ ‫�سارتا ب�صورة جيدة حيث كانت امل�سارح يف‬ ‫تلك املرحلة �سيئة ال�سمعة وكان ويلكنز ميثل‬ ‫عامل ًا تنب�أ به �شك�سبري يف م�سرحيته االعتدال‬ ‫الجل االعتدال حيث م�شاهد احلياة الواطئة‬ ‫يف لندن ب��ارزة يف ذل��ك احل�ين وق��د ا�ستفاد‬ ‫�شك�سبري كثري ًا من هذا اجلانب االجتماعي‬ ‫ويف ال�ع��دي��د م��ن م�سرحياته ف�ت�راه ي�صف‬ ‫ال�سما�سرة واملوم�سات بلغة املتفهم جدا ملا‬ ‫يجري داخل هذه ال�شريحة من املجتمع‪.‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪4‬‬

‫العدد (‪)2367‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )18‬كانون الثاين ‪2012‬‬

‫العدد (‪)2367‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )18‬كانون الثاين ‪2012‬‬

‫‪5‬‬

‫كتب عن شكسبير‬ ‫�شك‬ ‫حد�سبري يف ا‬ ‫ال �أ‬ ‫حل ا ّبحلبّومال�صداقة‬ ‫ميك‬ ‫نه‬ ‫�‬ ‫أن‬ ‫يجعلنا نحبّ‬

‫ترج‬

‫مة‪ :‬جمال جمعة‬

‫كي‬ ‫ف �أ�صب َح �ش‬ ‫‪am‬ك�سب ُ‬ ‫ري �شك�سبرياً‬ ‫‪eare‬‬ ‫‪p‬‬ ‫‪es‬‬ ‫‪ak‬‬ ‫‪Sh‬‬ ‫‪e‬‬ ‫‪Bec‬‬

‫‪peare‬‬ ‫‪ld: How Shakes‬‬ ‫‪or‬‬ ‫‪W‬‬ ‫‪e‬‬ ‫‪th‬‬ ‫‪in‬‬ ‫‪ill‬‬ ‫‪W‬‬ ‫�شاب من �ضاحية‬ ‫�أعظم كاتب م�سر �صغرية ـ بال ثروة �أو ع‬ ‫القا‬ ‫ت‬ ‫وال‬ ‫ت‬ ‫عل‬ ‫يم‬ ‫ج‬ ‫ام‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عي ـ ينتقل اىل لندن‪.‬‬ ‫حي‪ ،‬لي�س يف ع�صره‬ ‫امل�سارح‪ ،‬حوّ ل فيها ال�سيا�سة اىل �شع فح�سب‪ ،‬بل ويف كل الع�صور‪� .‬أعماله حتتكم اوبزمن ق�صري ملفت للإن‬ ‫تب‬ ‫اه‬ ‫ي‬ ‫�ص‬ ‫بح‬ ‫هذا‬ ‫ال‬ ‫�شا‬ ‫ر‪.‬‬ ‫ب‬ ‫كان بال �إبالية ميزج الت‬ ‫ىل خربة مدينية و�أول م‬ ‫الظاهرة؟ �أن هذا ال‬ ‫حلي حلياة كتاب "ويل يف العامل"‪ ،‬هو ن�سيج فكريّ با هريج املبتذل بب�صرية الفيل�سوف‪ .‬كيف يا تر رة تردد فيها �إ�سمه على‬ ‫امل�سرد ا ّ‬ ‫رع‬ ‫هذا الكاتب امل�سر‬ ‫حي‪ .‬هنا نرى �شك�سبري و ي�ضفر التق ّ�صي الدقيق لطبيعة الع�صر الإليى ميكن تف�سري مثل هذه‬ ‫ّ‬ ‫ثم نتابعه و‬ ‫هو‬ ‫ي‬ ‫ن�‬ ‫زابي ّ‬ ‫شئ عائلته‪ ،‬وي�صوغ مهنة لنف�سه يف عامل قد �إكت�شف موهبته‪،‬‬ ‫ثي يف �إنكلرتا مع‬ ‫�آنذاك‪ ،‬يف‬ ‫حي‪ ،‬حي‬ ‫حبل امل�شنقالوقت الذي كان عليه �أن يت�صارع مع قوى دين لندن امل�سر ّ‬ ‫ث‬ ‫الت‬ ‫ناف‬ ‫�س‬ ‫ا‬ ‫لو‬ ‫ح�‬ ‫شي‬ ‫ية‬ ‫ّ الذي‬ ‫ة‪ .‬و‬ ‫وجولييت‪ ،‬هامل عالوة على ذلك‪ ،‬ف� ّإن م�شهد �أعماله العظيمة و�سيا�سية خطرية ميكنها �أن حتمل �أ�شخا�ص ًا‪ ،‬ال ّيرحم كان على �أ�شدّه‬ ‫�‬ ‫لن‬ ‫ً‬ ‫أق‬ ‫ي‬ ‫ت‪،‬‬ ‫ل‬ ‫غي‬ ‫ف‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫طن‬ ‫كب‬ ‫ة‬ ‫عن‬ ‫ث‪،‬‬ ‫من‬ ‫�‬ ‫أب‬ ‫ه‪،‬‬ ‫وغ‬ ‫ا‬ ‫�صا‬ ‫ري‬ ‫ً‬ ‫ىل‬ ‫رنا �أبدا يف هذا الكتاب‪:‬‬ ‫احلقائق املت‬ ‫ها من الأعمال التي �إ�ست‬ ‫‪ enblatt‬علقة بال�سرية الأ�سا�سية حلياة وليم �شك�سبري مرت بعد �أربعمئة �سنة يف �إبهاج ومتابعة امل حلم ليلة �صيف‪ ،‬روميو‬ ‫كان‬ ‫‪Gre‬‬ ‫�شاهد‬ ‫‪ Stephen‬كيف ميكن لتاريخ مثل هذه ت معروفة منذ �أكرث من قرن‪ ،‬لكن الآن يرينا ال ين لها يف ك ّل مكان‪ّ � .‬إن‬ ‫ا‬ ‫كات‬ ‫حلي‬ ‫ب‬ ‫اة‬ ‫�س‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫تي‬ ‫�ستثنائية �أن‬ ‫فن غرينبالت‬ ‫يكون �سبب ًا يف ظهور‬ ‫�أعظم كاتب يف العامل‪.‬‬

‫سبري برغم كل �شيء‬

‫�شك� ‪Shakespeare Aft‬‬ ‫‪er All‬‬ ‫كليزي ومديرة مركز العلوم‬ ‫وم بروفي�سورة الأدب الإن‬ ‫تق‬ ‫ري غاربر‬ ‫الإن�سانية يف جامعة هارفارد‪ ،‬د‪ .‬مارجو �سة ب�إعطائنا عمالً‬ ‫هذه الدرا‬ ‫‪arjorie Garber‬‬ ‫‪ً M‬يفوم�ستند ًا على حما�ضراتها‬ ‫نقدي ًا ر�صين ًا‪ ،‬مو ّثق ًا وج ّذابا‪ ،‬تها يف ال�صفوف الدرا�س ّية‬ ‫ال�شعبية الوا�سعة التي �ألق‬ ‫مبعلومات غزيرة عن الثقافة‬ ‫ذات‬ ‫جلامعتي يال وهارفارد‪ .‬ولأخري من القرن الع�شرين‪،‬‬ ‫ال�شك�سبريية يف الن�صف ا فية و�إ�ستك�شافية ل ّ‬ ‫كل‬ ‫ً اط‬ ‫يق ّدم لنا هذا الكتاب قراءة ع الثني التي كتبها �شك�سبري‪،‬‬ ‫من امل�سرحيات الثمانية والث تى "الن�سيبان النبيالن"‪.‬‬ ‫وح‬ ‫�إبتداء من " �سيدا فريونا" ري الكاتبة الزوايا املعتمة‬ ‫تن‬ ‫ب�سعة �إطالع خفيفة احلملامل�سرحيات وتن ّبهنا بعناية‬ ‫�صيل اخل�صبة لهذه‬ ‫أهمية يف �أعمال �شك�سبري‪:‬‬ ‫والتفادة ود ّقة اىل �أكرث الأ�شياء �‬ ‫�شدي‬ ‫ال�شخو�ص‪.‬‬ ‫اللغة‪ ،‬الثيمة‪ ،‬احلبكة‪ ،‬و نعرث على ت�أمالت عذبة عن‬ ‫هنا‪ ،‬بني ثنايا الكتاب‪� ،‬س منا بها مثل‪ :‬هاملت‪ ،‬امللك‬ ‫غر‬ ‫م�سرحيات طاملا عرفناها و�أ وجولييت‪ ،‬تاجر البندقية‬ ‫يو‬ ‫لري‪ ،‬ماكبث‪ ،‬عطيل‪ ،‬روم لك تعطينا د‪ .‬غاربر فر�صة‬ ‫و�أعمال كثرية �أخرى‪ .‬كذ لإ�سلوبي ل�شك�سبري ككاتب‬ ‫نادرة لنتتبع فيها التطور اهية لل�سيناريوهات الدرامية‬ ‫لل�شعر والنرث‪ ،‬وكمبتكر دا ل�سكيت�شات املر�أة والرجل‪،‬‬ ‫والعرو�ض‪ ،‬وخمطط بارع مع العليا وال�سفلى‪ .‬كل ذلك‬ ‫ومراقب �صارم لطبقات املجت حياة �شك�سبري وع�صره مع‬ ‫ت�ستكمله مقدمة م�ستفي�ضة عن �سبري بعد كل �شيء" عمل‬ ‫ببلوغرافيا �شاملة‪� .‬إنّ كتاب "�شكّاب �شهرة على م ّر الع�صور‪.‬‬ ‫و�سع من فهمنا لأكرث الكت‬ ‫مميز ي‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫تخيّل �شك�س‬ ‫ب‬ ‫ري‪:‬‬ ‫تا‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫�صو�ص‬ ‫‪f‬والر�ؤية‬

‫‪tory o‬‬ ‫‪espeare: A His‬‬ ‫‪Imagining Shak Texts and Visions‬‬ ‫ي�ستك�شف‬ ‫امل�صوّ ر وا لنا �أحد الرواد ال�شك�سب‬ ‫ريي‬ ‫ني‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫وائ‬ ‫ل‪،‬‬ ‫يف‬ ‫ه‬ ‫ذا‬ ‫جل‬ ‫الكتاب‬ ‫ميل‪ ،‬الطرق التي ّ‬ ‫مت تخيّل �‬ ‫الزمن الذي عا�ش فيه وحتى ع�صرنا احلا شك�سبري بها �إبتداء من‬ ‫ثاقبة من الت�أويالت وال�شروح ي�ستجلي لنا�ضر‪ .‬فمن خالل �سل�سلة‬ ‫‪en Orgel‬‬ ‫�ستيفن �أورجل‬ ‫ن�صو�ص �شك ‪ Steph‬الته ّكمات وا‬ ‫ملفا‬ ‫رقا‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫تي‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ّز‬ ‫ت‬ ‫�‬ ‫إ‬ ‫�سب‬ ‫عادة بناء‬ ‫ري‪� ،‬صورته‪� ،‬إخراج وت‬ ‫على �إمتداد القرون الأربعة املا�ضية‪ ،‬وحزيني م�سرحياته‪ ،‬وذلك‬ ‫تى‬ ‫ف‬ ‫اليها خلقه با�ستمرار يف خواتيم ع�صرنا الث هذه اللحظة التي يعاد‬ ‫قاف‬ ‫كتا‬ ‫ية‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫بر‬ ‫جلد‬ ‫�سوم مت‬ ‫يدة‪ .‬يعجّ‬ ‫نوعة للأداءات امل�سرحي‬ ‫والفنون الب�صريّة (من �ضمنها ف�صل خ ّال ّة وتواريخ للن�صو�ص‬ ‫ب‬ ‫"تخيّل‬ ‫يف‪،‬للبورتريهات)‪ .‬يك�شف‬ ‫والذكاء �شك�سبري" عن مدى ال‬ ‫تف‬ ‫نن‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ثقا‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ناق‬ ‫الذي �أ�ص‬ ‫ة‪ ،‬الإ�ستب�صار‬ ‫بح دمغة مميزة لإ�سلوب‬ ‫ي�سند معرفته ب�شك�سبري اىل ال�سجالت الت�أ �ستيفن �أوالرجل الذي‬ ‫امل�صنوعات املادية كاملخطوطات الأ� ريخية‪ ،‬وب�ضمنها‬ ‫صلية‪،‬‬ ‫الفنية وغريها‪.‬‬ ‫حا‬ ‫املنحوتات واللو ت‬

‫هو ال‬ ‫ثل �شك�سبري‪،‬‬ ‫بلوم كاتب الكال�سيكي الوحيد الذي ظ ّل ميتلك جم وال ً ي�ستطيع �أحد �أن ي‬ ‫جع‬ ‫لنا‬ ‫يائ‬ ‫�س‬ ‫ني‬ ‫م‬ ‫نه‬ ‫ا‬ ‫‪m‬‬ ‫هورا عري�ضاً‪ ،‬لي�س‬ ‫ىل ح ّد اللعنة كما يف‬ ‫‪ Allan Bloo‬ي‬ ‫حقيقة الطبيعة الإن�سانية كحاول الربهنة على ذلك هنا‪ ،‬على �إعتبار �أنهيف الواليات املتحدة فح�سب‪ ،‬بل يف عموم عل هو‪« .‬وليم �شك�سبري‬ ‫ال‬ ‫الب�شريّ �أو خال�صه‪ ،‬ف�شع ما فعل �شك�سبري‪ .‬وعلى خالف الرومانتي لي�س هناك من كاتب �آخر �أم�سك مبر�آة ا عامل الوا�سع‪ ،‬و�آالن‬ ‫الإيروتيكية �إبتداء من ا ره مينحنا بب�ساطة عيوناً لر�ؤية ما هو مو كيني واحلداثيني ف�إن �شك�سبري ال ميلك م�ش حل ًقيقة وجعلها تعك�س‬ ‫ال�صداقة الإ�شكالية بني لإخال�ص ذي الطالع ال�سيئ عند «روميو» جود‪ .‬نحن نرى‪ ،‬ب�شكل خا�ص‪ ،‬الت�شكيالت روعا لتح�سني اجلن�س‬ ‫وكليوباترا‪ ،‬امليزان‪« ،‬فال�ستاف» و»هال»‪ .‬يت�ضمن هذا الكتاب و»جولييت»‪ ،‬والرومان�س الفا�شل لـ «ترويل الكاملة للإرتباطات‬ ‫مقاالت‬ ‫و�س»‬ ‫ترويلو‬ ‫حيث ي�سحب معرفته الفل�سف �س وكري�سيدا‪ ،‬وحكاية ال�شتاء‪ .‬ومن خالل حول خم�س م�سرحيات ل�شك�سبري‪ ،‬هي‪ :‬رومو»كري�سيدا»‪ ،‬واىل تلك‬ ‫ية‬ ‫ه‬ ‫ا‬ ‫يو‬ ‫ذه‬ ‫حوار‪ ،‬لتنتج عن ذلك معاجلة لعظيمة ًب�إفالطون‪ ،‬رو�سو وفال�سفة �آخري امل�سرحيات اخلم�س يقوم بلوم بت�أمّل وجولييت‪� ،‬إنطوين‬ ‫كتق ّ�ص دقيق للروح الإن�سان �شاملة فعال لطبيعة الغريزة اجلن�سية وعو ن‪ ،‬لكي يجعل املفكرين الكال�سيكيني واملع جممل �أعمال �شك�سبري‬ ‫�إ ّن هذه الت�أويالت ذات الأ ية ب�شكل عام ونزوعها اىل ما ي�س ّميه بل اطف احلبّ ‪ ،‬لي�س فقط ك�إنعكا�س فل�س ا�صرين يف مو�ضع‬ ‫ّ‬ ‫�صالة ال‬ ‫وم «الآ�صرة‬ ‫في على �شك�سبري ولكن‬ ‫را�سخة ب�أ ّن هناك الكثري لنتعلمه منراقية للم�سرحيات ال�شك�سبريية حتمل يف ثن ‪onnectedness‬‬ ‫‪»C‬‬ ‫يف‬ ‫ا‬ ‫حل‬ ‫بّ‬ ‫وال‬ ‫�ص‬ ‫�شك‬ ‫ً‬ ‫داقة‪.‬‬ ‫اياها �‬ ‫�أخرى نحو �شك�سبري لأن م�سرحياته متن�سبري‪ .‬فح�سب وجهة نظر بلوم‪ ،‬نحن نعي�ش إحرتاما عميقاً مل�ؤلفها و‬ ‫حنا‬ ‫يف‬ ‫ق‬ ‫جتعلنا نح�صل على قناعة‬ ‫را‬ ‫ع�‬ ‫ءة‬ ‫صر‬ ‫ا‬ ‫غن‬ ‫ل‬ ‫ية ملا هو �أز ّ‬ ‫حول احلبّ اجلن� ّسي‪.‬‬ ‫إفتقار للحبّ ‪� ،‬إنه‬ ‫يل يف‬ ‫الطبيعة الب�شرية من دون �إ�شراك فر�ضيا يدعونا للإ�ستدارة مرة‬ ‫تنا املعا�صرة وت�أويالتنا‬

‫ّ‬ ‫املرمزة‬ ‫الظل‪ :‬الإعتقادات اخلف ّية والآراء ال�سيا�سية‬ ‫ّ‬ ‫خيال‬ ‫لوليم �شك�سبري‬

‫‪Shadowplay: The Hidden Beliefs and Coded Politics of William‬‬ ‫‪Shakespeare‬‬ ‫كزوج ٍة لأحد الدبلوما�سيني الربيطانيني الذين �أوفدوا اىل مو�سكو �أيام احلرب الباردة‪ ،‬بد�أت �أ�سكويث �أو ًال‬ ‫بالإرتياب يف �أن م�سرحيات �شك�سبري تت�ضمن معاين �سيا�سية ودينية مواربة مل يت ّم متحي�صها‪ ،‬وذلك حينما كانت‬ ‫ت�شهد عر�ض ًا م�سرحي ًا‪ ،‬غري �ضار على ما يبدو‪ ،‬يف �أحد امل�سارح ال�سوفيتية �آنذاك‪ ،‬فا�ست�ش ّفت ب�أنها كانت حم�شوّ ة‬ ‫أدبي ومك ّثف ت�س ّلط كلري‬ ‫باملعاين ال�س ّرية والتوريات املزدوجة‪ .‬يف كتاب �ضخم من القطع الكبري‪ ،‬وب�إ�سلوب � ّ‬ ‫�أ�سكويث ‪� Clare Asquith‬ضوء ًا �إ�ستثنائي ًا على الرمزية واملقا�صد املحتملة لأعمال �شك�سبري‪� .‬إنّ �شك�سبري‪،‬‬ ‫الكاثوليكي‪ ،‬كما ت�ؤكد �أ�سكويث‪ ،‬كان قد كتب تورياته ليتفوّ ق على دهاء "رجال امللكة" الذين‬ ‫امل�سرحي‬ ‫هذا الكاتب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أم�سكوا به فيما بعد‪ ،‬ولكن قبل �أن يكتب دزينة من امل�سرحيات التي تعك�س الإحباط احلزين لإ�ضطهاد الكاثوليكيني‬ ‫من قبل الربوت�ستانتية الإليزابيثية‪.‬‬ ‫�إ�ستعملت �أ�سكويث م�سرحيات �شك�سيرب كمو�شور ن ّفاذ ملراقبة الإ�ضطراب املرعب الذي يجي�ش به ذلك الع�صر‪� .‬إنّ‬ ‫نظرة ثانية اىل (يوليو�س قي�صر) �ستف�شي لنا ب�أنّ املت�آمرين الرومان مل يكونوا �سوى حم ّر�ضني بروت�ستانتيني‪،‬‬ ‫و�أنّ م�سرحية (ترويلو�س وكري�سيدا)‪ ،‬طبق ًا للم�ؤلفة‪ ،‬لي�ست �سوى تعليق على حالة الكاثوليك املعار�ضني للإ�صالح‬ ‫الربوت�ستانتي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫امل�سرحي روبرت غرين الذي كان ميتلك فرقة م�سرحية‬ ‫لكن �شك�سبري‪� ،‬أو "الغراب املغرور" كما ل ّقبه معا�صره‬ ‫ّ‬ ‫مناف�سة تقوم بوظيفة املاكنة الدعائية املق ّربة من "رجال امللكة"‪ ،‬وجد حماي ًة يف رعاية ال�سيدة ماجدلني مونتاغو‬ ‫وظف �شخ�صيتها يف العديد من م�سرحياته‪ ،‬من �ضمنهن‪ :‬حكاية �شتاء‪ ،‬روميو‬ ‫له‪ ،‬وكانت كاثوليكية‪ ،‬اىل درجة �أنه ّ‬ ‫وجولييت‪ ،‬وكوميديا الأخطاء‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فبالرغم من التعليمية التي تظهر يف الكتاب بني الفينة والفنية‪ ،‬ف�أنّ‬ ‫امل�ؤلفة تك�شف لنا عن �إ�ستنطاق مع ّقد يك�شف كثري ًا عن ت�أريخ �إنكلرتا يف القرن ال�سابع ع�شر الذي عا�ش فيه الكاتب‬ ‫وظهرت فيه م�سرحياته التي كان عليها �أن تقوم بوظيفتني يف �آن واحد‪ :‬املتعة واخلداع‪.‬‬

‫«��سسيايا�سة�سة �شك�سبري‬

‫�شك�سبري» �أو «الآراء ال�سيا�‬ ‫جامعة �شيكاغو �أالن بلوم مع كتابه سية ل�شك�سبري» هو الكتاب الثا‬ ‫ين‬ ‫ال‬ ‫ذي‬ ‫يق‬ ‫دمه‬ ‫لنا‬ ‫ا‬ ‫لرب‬ ‫وف‬ ‫ي�س‬ ‫«�شك�س‬ ‫ور يف‬ ‫النظر الكال�سي‬ ‫ً‬ ‫بري يف احلب وال�صداقة» الذي‬ ‫ّ‬ ‫يقا يف ر�ؤاهكية ب�أن ال�سيا�سة ت�ش ّكل وعي الإن�سان‪ ،‬ف�إ ّن �أالن بلوم هنا كتبه الحقا‪ .‬و�إذا �أخذنا وجهة‬ ‫عم ً‬ ‫يع‬ ‫ال‬ ‫�سي‬ ‫ترب‬ ‫�ش‬ ‫ا�س‬ ‫ً‬ ‫ية‪،‬‬ ‫ك�س‬ ‫ولذا فهو يف‬ ‫هذا‬ ‫بري كاتبا م�سرحي ًّا‬ ‫ا‬ ‫لكت‬ ‫اب‬ ‫يه‬ ‫دف‬ ‫ا‬ ‫ىل‬ ‫�‬ ‫إ�‬ ‫من‬ ‫ستع‬ ‫�‬ ‫أ‬ ‫جتعل عماله مرة تلو �أخرى م�ص ً‬ ‫درا معت ً‬ ‫مدا للدرا�سات اجلادة ادة الأفكار والإعتقادات التي‬ ‫ال‬ ‫وال�سيا�سة‪.‬‬ ‫تي‬ ‫تت‬ ‫محور حول �أ�سئلة الأخالق‬ ‫تتوزع الكت‬ ‫اب‬ ‫مقا‬ ‫الت‬ ‫يدر�س‬ ‫كيف �أ ّن �شك�سبري يق ّدم �صورةفيها امل�ؤلف‪ :‬يوليو�س قي�صر‪،‬‬ ‫ع‬ ‫طيل‬ ‫وتا‬ ‫جر‬ ‫الب‬ ‫ندق‬ ‫ية‪،‬‬ ‫ح‬ ‫يث يرينا بلوم‬ ‫الإن�سان التي‬ ‫فقط‪ ،‬وبهذا اال�ستحقاق يناق�ش بلوم الفل� ال تطمح اىل احل�صول على ا‬ ‫بي‬ ‫سفة‬ ‫دما لتميّز من �أجل النقد الأد ّ‬ ‫ا‬ ‫ل�س‬ ‫يا�‬ ‫سية ل�شك�سبري ً‬ ‫امل�شاكل ا‬ ‫تبا ملتعلقة ًبالأبطال ال�شك�سبرييني ممن ميكن النظر فيها‪ .‬و مق لنا ُبنية �شاملة يف نطاق‬ ‫كان كا ً‬ ‫هو‪،‬‬ ‫�س‬ ‫با‬ ‫يا�‬ ‫خت‬ ‫سيا‬ ‫�ص‬ ‫با‬ ‫ار‪،‬‬ ‫متياز‪ .‬ويرى الأ‬ ‫مر‬ ‫نف‬ ‫يجادل ب�أ ّن �شك�سبري‬ ‫�سه‬ ‫�شر‬ ‫يكه‬ ‫يف‬ ‫كت‬ ‫ابة‬ ‫جافا ‪Jaffa‬‬ ‫هذا الكت‬ ‫‪ ،Harry V.‬يف مقالته املهمة عن حدود ال�سيا�سة يف م اب عن �شك�سبري‪ ،‬هاري‪ .‬يف‪.‬‬ ‫�سرحية «امللك لري»‪.‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪6‬‬

‫العدد (‪)2367‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )18‬كانون الثاين ‪2012‬‬

‫العدد (‪)2367‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )18‬كانون الثاين ‪2012‬‬

‫شكسبير والثقافة العربية‬ ‫وليم �شك�سبري‪ -‬هو اكرب �شاعر‪ ،‬وكاتب م�سرحي انكليزي‪ ،‬وهو بالن�سبة للثقافة االنكليزية واالدب االنكليزي مفخرة التدانيها‬ ‫مفخرة اخري‪ ،‬ولذلك فان انكلرتا تتمجد به‪ ،‬طوال الوقت‪ .‬وكان برنارد�شو يقول‪ :‬لو خري االنكليز بني �شك�سبري والهند الختاروا‬ ‫�شك�سبري! (وال �شك انه كان يق�صد انكلرتا‪ -‬ال�شعب ولي�س انكلرتا‪ -‬االمربالية)‪ .‬وعلي �أية حال‪ ،‬فان �شك�سبري لي�س مفخرة‬ ‫انكليزية فح�سب‪ ،‬بل هو احد اجماد االدب العاملي‪ ،‬واحد اكرب اعالم واقعية ع�صر النه�ضة وما بعده‪ .‬وقد كتب �شك�سبري ال�شعر‬ ‫وامل�سرحيات‪ ،‬وترك تراث ًا فخم ًا باذخ ًا‪ ،‬الزال الباحثون يتناولونه بالتحليل والدرا�سة‪ ،‬ويف�صلون ويدققون يف ابداعه يف ال�شعر‪،‬‬ ‫والدراما‪ ،‬ويف كل ما له �صلة به‪ ،‬حتي ان (ال�شك�سبرييات) تعد علم ًا كبرياً‪ ،‬وا�سع ًا‪ ،‬له تالمذته يف معظم انحاء العامل‪ ،‬وله جديده‬ ‫يف كل عام‪.‬‬

‫الدكتور جليل كمال الدين‬

‫لقد كرث اللغط ب�شان �صلة �شك�سبري بالعرب‪،‬‬ ‫وت��أث��رات��ه بهم‪ .‬فمن ق��ائ��ل‪ -‬ان ال��رج��ل عربي‬ ‫ا��س�م��ه "�شيخ زبري"‪ ،‬او ان��ه م�غ��رب��ي ا�سمه‬ ‫"�شيخ بري"‪ ،‬وذل��ك ا�ستناد ًا ملا يقوله بع�ض‬ ‫ال�ك�ت��اب ال �ع��رب امل�ع��ا��ص��ري��ن (وب�ي�ن�ه��م احمد‬ ‫فار�س ال�شدياق‪ ،‬وان�ستا�س م��اري الكرملي‪،‬‬ ‫والدكتور �صفاء خلو�صي)‪ .‬وي�ستدلون على‬ ‫ذلك بتهجئات ال�سمه ورد فيها حرف (اخلاء)‬ ‫ب��د ًال م��ن ح��رف (ال �ك��اف)‪ .‬واحل��ق ان الرجل‬ ‫عبقرية فريدة قلما يجود الزمان مبثلها‪ ،‬ولذلك‬ ‫فال عجب ان تتناف�س يف ن�سبته اليها االمم‬ ‫(م��ن انكلو�سكون‪ ،‬وامل ��ان‪ ،‬وا�سكندينافيني‪،‬‬ ‫وعرب)‪.‬‬ ‫ولكن الرجل انكليزي‪ ،‬ومل يقم الدليل القاطع‬ ‫على كونه غري انكليزي‪.‬‬ ‫ويهمنا‪ ،‬هنا‪ ،‬ابداعه االدبي‪ ،‬و�صلته بالعرب‪،‬‬ ‫وكيف نظر �شك�سبري �إيل ال�ع��رب‪� ،‬أي موقفه‬ ‫منهم‪ ،‬وكذلك ت�أثره بالثقافة العربية‪ ،‬و�صورة‬ ‫العربي لديه‪.‬‬ ‫اذا ب� ��د�أن� ��ا ب��ال �� �س��ون��ات��ات او (االران� �ي ��ن)‬ ‫ال�شك�سبريية‪ ،‬فاننا �سنلم�س م��دي الت�أثري‬ ‫العربي (الذي ال ي�ستهان به) فيها‪.‬‬ ‫فكما يرى بع�ض الباحثني االخت�صا�صيني‪ ،‬فان‬ ‫هذه ال�سوناتات لي�ست اال الن�سخة ال�شك�سبريية‬ ‫من املو�شحات االندل�سية‪ .‬وقد نظم �شك�سبري‬ ‫ما يقارب املئة وخم�سني �سوناتة‪ ،‬و�شاع فيها‬ ‫الغزل على نحو مماثل المناط الغزل العربية‪،‬‬ ‫مبختلف ال��وان �ه��ا‪ .‬وح�ف�ل��ت ��س��ون��ات��ات��ه هذه‬ ‫بال�شعراء املناف�سني‪ ،‬واحلبيبات املخطوفات‪،‬‬ ‫واجلمال اال�سمر‪ ،‬وحتى ب�أو�صاف البوادي‬ ‫والقفار وما اليها‪.‬‬ ‫ان ال�سوناتات قد ج��اءت‪� ،‬أ�ص ًال‪ ،‬من ايطاليا‪،‬‬ ‫وان �ت �ق �ل��ت م��ن ه �ن��اك �إىل ان �ك �ل�ترا‪ .‬ع �ل��ى ان‬ ‫الأ�سا�س فيها هو املو�شحة االندل�سية‪ .‬وقد‬ ‫اثبت الباحثون االوربيون‪ ،‬خ�صو�ص ًا‪ ،‬انتقال‬ ‫اوزان ال�شعر العربي االندل�سي‪ ،‬واملو�شحات‬ ‫االندل�سية‪ ،‬بخا�صة‪� ،‬إىل مقاطعة الربوفان�س‬ ‫ال�ف��رن���س�ي��ة‪ ،‬ال �ت��ي ك��ان��ت م�ل�ح�ق��ة‪ ،‬وق �ت��ذاك‪،‬‬ ‫باالمرباطورية اال�سبانية‪ ،‬ثم عمت فرن�سا‪.‬‬ ‫وق��د بلغت ايطاليا ع��ن طريقني‪ :‬االول‪ -‬عن‬ ‫طريق فرن�سا‪ ،‬وال�ث��اين‪ -‬عن طريق الثقافة‪.‬‬ ‫العربية التي عمرت ق��رون � ًا ع��دة يف �صقلية‬ ‫وج �ن��وب اي�ط��ال�ي��ا‪ ،‬حتى بعد زوال الوجود‬ ‫العربي من هناك‪.‬‬ ‫واذا تفح�صنا م�سرحيات �شك�سبري ال�شهرية‪،‬‬ ‫مثل "اوتيللو" و"تاجر البندقية" و"العا�صفة"‬ ‫فاننا �سنجد العنا�صر العربية فيها على قدر ال‬ ‫ي�ستهان به كم ًا ونـوع ًا‪ .‬فان م�سرحية "اوتيللو"‬ ‫التي ترجمها ال�شاعر الراحل خليل مطران‪،‬‬ ‫وقتها‪ ،‬ب�ـ (عطيل)‪ ،‬او كما ترجمها الدكتور‬ ‫�صفاء خلو�صي بـ (عطاء ال�ل��ه)‪ -‬ت��دور حول‬ ‫مغربي نبيل يخنق زوجته (ديزدمونة) لظنه‬ ‫اخلاطئ ب�أنها تخونه‪ ،‬وحني يتحقق له خط�أ‬ ‫�شكوكه يقتل نف�سه تكفري ًا عن خطيئته‪.‬‬ ‫وي��رى دار��س��و ال�ت�راث ال�شك�سبريي ان هذه‬ ‫امل�سرحية ت�شبه‪ ،‬ب�شكل ما‪ ،‬حكاية (قمر الزمان‬ ‫ومع�شوقته)‪ .‬ب��ل ان بع�ضهم ي��رى ان ا�سم‬

‫"اوتيللو" قد يكون ت�صحيف ًا ال�سم (عبيد الله‬ ‫اجلوهري)‪ ،‬وهو بطل حكاية من حكايات �ألف‬ ‫ليلة وليلة‪ .‬ويف حكاية هذا اجلوهري تتماثل‬ ‫اخلامتة مع خامتة امل�سرحية ال�شك�سبريية‪،‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫فكال البطلني (عطيل) ال�شك�سبريي‪ ،‬واجلوهري‬ ‫(يف ح�ك��اي��ة "قمر الزمان"‪ ،‬يخنق زوجته‬ ‫ب�سبب الظن باخليانة‪ ،‬بل ان اجلوهري يخنق‬ ‫زوجته وجاريتها �أي�ض ًا غري ان الفارق هو ان‬

‫ديزدمونة مل تكن خائنة‪ ،‬اما زوجة اجلوهري‬ ‫فكانت تخونه حقا مب�ساعدة جاريتها‪ .‬ويرى‬ ‫الربوف�سور �آرب ��ري‪ ،‬امل�ست�شرق الربيطاين‬ ‫البارز‪ ،‬الذي ا�سلفنا اال�شارة اليه‪ ،‬ان �شك�سبري‬

‫مت�أثر‪ ،‬اىل حد كبري‪ ،‬بحكايات الف ليلة وليلة‪،‬‬ ‫حني ن�سج م�سرحيته (عُطيل)‪.‬‬ ‫اما امل�سرحية ال�شك�سبريية "العا�صفة"‪ ،‬فهي‬ ‫ت�شبه حكاية (جزيرة الكنوز) من حكايات الف‬ ‫ليلة وليلة‪ .‬فكلتاهما مليئة بال�شياطني واملردة‬ ‫واجل ��ن‪ ،‬وال ��وان ال�سحر وال���ش�ع��وذة‪ .‬وثمة‬ ‫�سلطان او حاكم يف اجلزيرة ت�أمتر ب�أمره هذه‬ ‫ال�شياطني واجلن واملردة‪.‬‬ ‫وي��زي��د بع�ض ال�ب��اح�ث�ين‪ ،‬ف�ي�رى ان ل�ك��ل من‬ ‫�شخ�صيتي م�سرحية "العا�صفة" ال�شك�سبريية‪:‬‬ ‫(كاليباين) و(ارب �ي��ل) مثيالتها ومكانها يف‬ ‫حكاية (الف ليلة)‪.‬‬ ‫ولي�ست م�سرحية "تاجر البندقية" ببعيدة‬ ‫عن ا�صول احدى حكايات الف ليلة‪ .‬ففي ر�أي‬ ‫بع�ض النقاد والدار�سني‪ ،‬فان م�سرحية (تاجر‬ ‫البندقية) ت�شبه‪ ،‬على نحو من االنحاء‪( ،‬حكاية‬ ‫م���س��رور ال�ت��اج��ر وزي ��ن امل��وا� �ص��ف)‪ .‬غ�ير ان‬ ‫خامتة اليهودي يف (الف ليلة) ا�شد هو ًال من‬ ‫م�صري اليهودي (يف امل�سرحية ال�شك�سبريية)‪.‬‬ ‫ويزيد امل�ستعربون‪ ،‬وعلى وجه اخل�صو�ص‪،‬‬ ‫الربوف�سور ارب��ري‪ ،‬ان ت�أثر �شك�سبري باالدب‬ ‫العربي‪ ،‬يف م�سرحيته هذه‪ ،‬وا�ضح واكيد‪.‬‬ ‫واذا تتبعنا الق�ص�ص وامل�سرحيات ال�شك�سبريية‬ ‫االخ� ��رى‪ ،‬ف��ان�ن��ا �سنجد ك �ث�ير ًا م��ن العنا�صر‬ ‫ال�ع��رب�ي��ة‪ .‬فما م��ن �شك ان مقدمة "تروي�ض‬ ‫النمرة" تعود �إىل �أ�صول عربية‪ ،‬ت�ستمد مادتها‬ ‫من (حكايات الف ليلة)‪ .‬واالمر يبدو �صحيح ًا‪،‬‬ ‫�أي�ض ًا بالن�سبة لق�صة (�سيدان من فريونا)‪.‬‬ ‫وكذلك القول يف ق�صة (امللك لري) ال�شك�سبريية‪،‬‬ ‫فهي وثيقة ال�صلة وقوية ال�شبه بحكاية (يونان‬ ‫واحلكيم رويان) يف (الف ليلة)‪ ،‬فكلتاهما تدور‬ ‫حول فكرة احلقوق‪ ،‬وعدم الوفاء‪ ،‬واجلحود‬ ‫وانكار اجلميل‪.‬‬ ‫ويبالغ بع�ض دار��س��ي ال�ت�راث ال�شك�سبريي‬ ‫العرب‪ ،‬مثل الدكتور �صفاء خلو�صي‪ ،‬فريى ان‬ ‫م�سرحية (هرني ال�ساد�س) تكاد تكون عربية‬ ‫اال� �ص��ول‪ ،‬ه��ذا ناهيك ع��ن امتالئها (يف ر�أي‬ ‫خلو�صي) باملجازات واال�ستعارات العربية‪،‬‬ ‫وحتى مب�ضامني ا�شعار عربية‪.‬‬ ‫فمث ًال‪ ،‬يقول (��س��اف��واك) يف ه��ذه امل�سرحية‪:‬‬ ‫(لي�ست االر���ض بغيتي‪ ،‬فلو كنت هناك لغدا‬ ‫القفر املوح�ش اه ًال واني�س ًا)‪ .‬وهذا �شبيه جد ًا‬ ‫(يف ر�أي د‪� .‬صفاء خلو�صي) بالبيت العربي‬ ‫امل�شهور‪:‬‬ ‫"وما حب الديار �شغفن قلبي‬ ‫ولكن حب من �سكن الديارا"‬ ‫ويجد د‪ .‬خلو�صي‪ ،‬يف مقطع �آخر‪ ،‬على ل�سان‬ ‫البطل ال�شك�سبريي (�سافواك) نف�سه‪ ،‬مو�ضع ًا‬ ‫ج ��دي ��د ًا‪ ،‬ت�ت�م��اث��ل ب��ل وت�ت�ط��اب��ق ف�ي��ه املعاين‬ ‫ال�شك�سبريية وال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬ف�ه��ذا البطل يقول‬ ‫حلبيبته‪:‬‬ ‫ "فحيثما تكن فهناك ال�ع��امل ب��ذات��ه‪ ،‬العامل‬‫املليء مب�سرات الدنيا جميع ًا‪ ،‬وحيثما تغب‬ ‫يكن القفر واليباب"‪.‬‬ ‫ويف ر�أي د‪ .‬خلو�صي‪ ،‬فان �أ�صل هذه االبيات‬ ‫موجود يف �أبيات لل�شاعر �أبي فرا�س احلمداين‬ ‫يقول فيها‪:‬‬

‫وليت الذي بيني وبينك عامر‬ ‫وبيني وبني العاملني خرابُ‬ ‫اذا �صح منك الود فالكل هني‬ ‫وكل الذي فوق الرتاب ترابُ‬ ‫ول��و عدنا �إىل الربوف�سور ارب��ري لوجدناه‬ ‫(ب�شهادة �شاهد من اهلها) ي�ؤيد ت�أثر �شك�سبري‬ ‫بالثقافة ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬ح�ي��ث ي �ق��ول‪( :‬ام ��ا الذي‬ ‫�شخ�ص ال�ع��رب ت�شخي�ص ًا حي ًا على امل�سرح‬ ‫االن �ك �ل �ي��زي‪ ،‬ف �ك��ان �شك�سبري‪ .‬ف�ف��ي م�أ�ساته‬ ‫ال�شهرية "عطيل" يقدم و�صف ًا بديع ًا‪ ،‬م�ستثري ًا‬ ‫للعاطفة‪ ،‬ملغربي نبيل الطبع‪ ،‬بينما ت�شخي�صه‬ ‫الم�ير مراك�ش "تاجر البندقية" يطلعنا على‬ ‫الفهم نف�سه ولطف التناول)‪.‬‬ ‫ومل��زي��د م��ن اال�ستق�صاء‪ ،‬ن�ستعني بالتاريخ‪.‬‬ ‫ف�ح�ين ب ��د�أ ول �ي��م �شك�سبري ب�ك�ت��اب��ة ا�شعاره‬ ‫وم�سرحياته كانت الثقافة العربية قد انت�شرت‬ ‫يف ك�ث�ير م��ن ان �ح��اء اوروب � ��ا‪ ،‬ح�ي��ث انتقلت‬ ‫عرب بالد االندل�س‪ ،‬وكذلك بوا�سطة احلمالت‬ ‫اال�سالمية وال�سيما عن طريق العثمانيني‪ ،‬كما‬ ‫�أ�سهم الرحالة االوربيون الذين عربوا البحر‬ ‫االبي�ض‪ ،‬وتنقلوا يف �شمال افريقيا‪ ،‬وانتقلوا‬ ‫�إىل فل�سطني وال�شام وال �ع��راق يف نقل اثار‬ ‫احل�ضارة العربية اال�سالمية �إىل بالدهم‪ .‬ومن‬ ‫املعلوم ان الثقافة اال�سالمية بني القرن الثامن‬ ‫وال �ق��رن الثالث ع�شر امل�ي�لادي�ين‪ ،‬كانت اكرث‬ ‫تقدم ًا من الثقافة االوروبية‪ ،‬ب�شهادة اجلميع‪،‬‬ ‫فكان من الطبيعي‪ ،‬بالتايل‪ ،‬جلوء االوروبيني‬ ‫اليها لال�ستفادة منها‪.‬‬ ‫وي�ؤكد الكثري من الدار�سني االوروبيني مبن‬ ‫فيهم الرو�س‪ ،‬ان الرحالة الغربيني وال�سيما‬ ‫االنكليز قد �أ�سهموا عموم ًا يف تقدمي العاملني‬ ‫العربي واال�سالمي �إىل االوربيني‪ ،‬خالل ع�صر‬ ‫النه�ضة‪ .‬ويف خالل الن�صف الثاين من القرن‬ ‫ال�ساد�س ع�شر توثقت الروابط بني االنكليز‬ ‫و�سكان �شمال �أفريقيا نتيجة الزدياد التجارية‪،‬‬ ‫حيث كانت هناك الزيارات املتبادلة واملنافع‬ ‫املتبادلة وتداعياتها‪ .‬وقد اظهر التجار العرب‬ ‫و�سواهم حذق ًا ملحوظ ًا يف التعامل بتجارة‬ ‫اخليول العربية التي ا�ستهوت االنكليز بخا�صة‬ ‫وخ�لال العهد االليزابيثي ازداد التفاهم بني‬ ‫املالحني االنكليز ونظرائهم املالحني العرب‬ ‫االف��ارق��ة‪ .‬ومي�ك��ن اال� �ش��ارة‪ ،‬م�ث� ً‬ ‫لا ال ح�صر ًا‪،‬‬ ‫�إىل م��ا كتبه الرحالة ال�ب��ارز (هاكلويت) عن‬ ‫انطباعاته وم�شاهداته وتقومياته للم�شاهد‬ ‫العربية يف �شمال افريقيا‪ ،‬يف عام ‪.1583‬‬ ‫وبنتيجة كل ما تقدم من ا�شارات �إىل العالقات‬ ‫العربية‪ -‬االوروبية‪ ،‬وعوامل اخري‪ ،‬اقتب�س‬ ‫االوروب� �ي ��ون ال�ك�ث�ير م��ن ال �ت �ج��ارب العلمية‬ ‫واالدب �ي��ة العربية‪ ،‬كتجارب جابر ب��ن حيان‬ ‫والكندي يف الكيمياء‪ ،‬وجت��ارب اب��ن الهيثم‬ ‫يف ال�ضوء والب�صريات‪ ،‬وجتارب اخلوازرمي‬ ‫يف الريا�ضيات‪ ،‬وجت��ارب ال��رازي يف الطب‪،‬‬ ‫وجتارب ابن البيطار يف النباتات‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬ ‫وعلى �صعيد االداب وال�ف�ن��ون‪ ،‬ت��أث��ر ال�شعر‬ ‫االوروب��ي كثري ًا (ال�تروب��ادور) و(الرتوفري)‬ ‫بال�شعر االندل�سي‪ .‬وت��أث��رت بع�ض التجارب‬

‫االدبية االوروبية باحلكايات العربية‪ ،‬فقد كان‬ ‫الروائي االملاين (كر�ستوفر فيالن)‪ ،‬مث ًال‪ ،‬اول‬ ‫من كتب رواية ت�شابه يف ا�سلوبها ون�سيجها‬ ‫(حل��د م��ا) ح�ك��اي��ات �أل��ف ليلة ول�ي�ل��ة‪ .‬وي�ؤكد‬ ‫(�صاموئيل جيو)‪ ،‬يف كتابه (الهالل والزهرة)‬ ‫ب�أن االوروبيني اقتب�سوا فن (احلكواتي) عن‬ ‫العرب‪.‬‬ ‫بل ان االوربيني اقتب�سوا حتى بع�ض االلعاب‬ ‫والت�سليات عن العرب‪ ،‬كال�شطرجن‪ ،‬والبولو‪.‬‬ ‫ويف �ضوء مثل هذه اخللفية‪ ،‬يرجح‪ ،‬كما يقول‬ ‫بع�ض الدار�سني (مثل ادل��ر‪ ،‬وايفانوف)‪ ،‬ان‬ ‫�شك�سبري قد ح�صل على معلوماته عن العرب‬ ‫وت�أثر بجانب من جوانب ثقافتهم وعلومهم‪،‬‬ ‫وعك�سها يف بع�ض ا�شعاره وم�سرحياته‪ .‬واذا‬ ‫كان �شك�سبري قد ت�أثر‪ ،‬فع ًال‪ ،‬باالدب اال�سباين‬ ‫املعا�صر له وما قبله‪ ،‬فمن حت�صيل احلا�صل ان‬ ‫ينقل ذلك االدب الت�أثري العربي اال�سالمي الذي‬ ‫�ساد بالد االندل�س (جراء مكوث العرب اكرث من‬ ‫ثمانية قرون يف ا�سبانيا والربتغال)‪ .‬و�أغلب‬ ‫الظن ان �شك�سبري كان مطلع ًا على الكتب التي‬ ‫�سجلت تلك اخللفية التي �أ�شرنا اليها‪ .‬وذلك‬ ‫ما �ساعده على ان تكون �شخ�صيتان رئي�ستان‬ ‫من اهم ال�شخ�صيات امل�سرحية ال�شك�سبريية‪،‬‬ ‫ذات ا� �ص��ول ع��رب �ي��ة‪ ،‬م�ث��ل ( ُع �ط �ي��ل) و(ام�ي�ر‬ ‫م��راك����ش)‪ ،‬يف ح�ين ان��ه ا�ستخدم العديد من‬ ‫التعبريات‪ ،‬وامل�صطلحـــــات العربية وبخا�صة‬ ‫الفولكلورية‪ ،‬يف الكثري من م�سرحياته‪.‬‬ ‫وال نريد التطرق‪ ،‬هنا‪� ،‬إىل �شخ�صية عطيل‬ ‫و"عربيتها"‪ ،‬وا�صل الق�صة التي اقتب�س عنها‬ ‫م�سرحيته‪ ،‬حيث ناق�ش هذا املو�ضوع الكثري‬ ‫من الباحثني‪ ،‬والكتاب‪ ،‬و�أثبتوه‪ ،‬ب�أدلة مادية‪.‬‬ ‫غري اننا نرى ان من املفيد ان نذكر ا�ستخدام‬ ‫�شك�سبري �شخو�ص ًا عربية اخرى يف م�سرحياته‬ ‫ق ��د ال ت �ك��ون ب�ن�ف����س اه �م �ي��ة ال�شخ�صيتني‬ ‫املذكورتني �سالف ًا (عطيل‪ ،‬وام�ير مراك�ش)‪.‬‬ ‫فاننا نالحظ ان �شخ�صية (ارون) يف م�سرحية‬ ‫(تيتو�س اندورنيك�س) هي عربية اي�ض ًا‪ .‬كما‬ ‫ان �شخ�صية (تول�ستاف) يف (هرني الرابع)‪،‬‬ ‫تقرتب يف �صفاتها‪ ،‬كما ي�شري الباحثون‪ ،‬من‬ ‫بع�ض ال�شخ�صيات العربية‪ ،‬التي ورد ذكرها‬ ‫يف االدب الكال�سيكي العربي‪.‬‬ ‫وا� �س �ت �ط��راد ًا يف ب�ح��ث ال �ت ��أث�يرات العربية‪،‬‬ ‫يف اب��داع �شك�سبري‪ ،‬ن�شري �إيل ان �شك�سبري‬ ‫ق��د ا�ستعار الكثري م��ن التعابري والعنا�صر‬ ‫الفولكلورية العربية‪ ،‬و�ضمنها يف م�سرحياته‬ ‫و�أ�شعاره‪ .‬ونذكر هنا بع�ض ًا منها‪:‬‬ ‫‪ .1‬العطور العربية‪:‬‬ ‫ي�ب��دو ان تلك ال�ع�ط��ور ن��ال��ت ح�ظ� ًا ك �ب�ير ًا من‬ ‫ال�شهرة‪ ،‬يف الع�صر االليزابيثي‪ ،‬بحيث بات‬ ‫ذكرها متوقع ًا يف م�سرحية �شك�سبري ال�شهرية‬ ‫(ماكبث)‪ .‬فقد جاء على ل�سان ليدي ماكبث "اية‬ ‫رائحة ال��دم ه��ذه يد على �صغرها ال تطهرها‬ ‫جميع العطور العربية‪ ..‬وكذلك ف��ان �شعراء‬ ‫�آخ��ري��ن ق��د ذك��روه��ا يف �أ� �ش �ع��اره��م‪ ،‬يف ذلك‬ ‫الع�صر‪.‬‬ ‫‪ .2‬النباتات‪:‬‬

‫‪7‬‬ ‫تتكرر ا�شارة �شك�سبري �إىل ال�شجرة العربية‬ ‫يف م�سرحياته‪ .‬ففي م�سرحية (العا�صفة) يظهر‬ ‫على ل�سان (�سبا�ستيان) يف امل�شهد الثالث من‬ ‫الف�صل الثالث‪ .‬كما يذكرها عطيل يف امل�شهد‬ ‫ال�ث��اين م��ن الف�صل اخلام�س م��ن امل�سرحية‪.‬‬ ‫وال �� �ش �ج��رة امل �ق �� �ص��ودة ه��ي (اخل� � ��اروب) او‬ ‫(اخل ��روب) التي ال تعي�ش اال يف ال�صحراء‬ ‫العربية‪ ،‬والتي ي�ستخرج منها الدواء‪.‬‬ ‫‪ .3‬الطيور‪:‬‬ ‫ج��اء ذك��ر لطائر (ال���ص�غ��ار)‪ -‬ال��ذي ع��ا���ش يف‬ ‫ب�لاد العرب‪ ،‬وانقر�ض‪ ،‬يف م�سرحية (هرني‬ ‫الثامن) و(م�سرحية هرني ال�ساد�س)‪ ،‬وكذلك‬ ‫يف م�سرحية (انطونيو وكليوباطرة)‪ ،‬ففي‬ ‫امل�شهد الثاين من الف�صل الثالث من امل�سرحية‬ ‫االخرية‪ ،‬يقول (اجريا)‪:‬‬ ‫(وم��ا اعجبك يا انطونيو! انك كالعنقاء التي‬ ‫يقول العرب با�ستحالة وجودها)‪.‬‬ ‫ويف م�سرحية (كما حتب) ي�شري �شك�سبري �إىل‬ ‫احلمام بو�صفه طائر ًا عربي ًا‪.‬‬ ‫ويف م�سرحية (روميو وجوليت) ا�شارة اخرى‬ ‫�إىل احلمام العربي‪.‬‬ ‫وي���ش�ير جيم�س ه��ارت �ن��غ‪ ،‬يف ك �ت��اب (طيور‬ ‫�شك�سبري) �إىل ال�ع�لاق��ة ب�ين ح�م��ام �شك�سبري‬ ‫وح �م��ام ال�ن�ب��ي حم�م��د (� ��ص) ح�ي��ث ع��رف عن‬ ‫الر�سول انه كان يطعم حمامة وهي تقف على‬ ‫كتفه‪.‬‬ ‫‪ .4‬رق�صة احل�صان‪:‬‬ ‫لقد تعلم االليزابيثيون (رق���ص��ة احل�صان)‬ ‫الفولكلورية امل�شهورة عن العرب‪ .‬وقد ا�شار‬ ‫�شك�سبري اليها يف امل�شهد الثاين من الف�صل‬ ‫الثالث من م�سرحية (هاملت)‪ .‬ويذكر الدار�س‬ ‫ال�شك�سبريي واملرتجم ال�شك�سبريي الراحل‬ ‫جربا ابراهيم جربا‪ ،‬يف هام�ش له‪ ،‬يف ترجمته‬ ‫م�سرحية (ه��ام �ل��ت) ه ��ذه امل�لاح �ظ��ة املهمة‪:‬‬ ‫"اقتب�س االنكليز عن العرب يف االندل�س رق�صة‬ ‫كان يلب�س فيها الراق�ص �شكل احل�صان‪ ،‬وي�أتي‬ ‫بحركات فاح�شة‪ .‬ويف ايام �شك�سبري �صدر امر‬ ‫مينع ا�ستعمال هذا (احل�صان ال�شعار) يف تلك‬ ‫الرق�صة‪ .‬كما ي�شري �شك�سبري �إىل تلك الرق�صة‬ ‫�أي�ض ًا يف م�سرحية (جهد احلب ال�ضائع)"‪.‬‬ ‫‪ .5‬الكبد‪:‬‬ ‫يقال ان الكبد هو ب ��ؤرة احل��ب‪ ،‬وه��ي مقولة‬ ‫�شعبية قدمية‪ ،‬ال تخلو من خرافة‪.‬‬ ‫وقد ا�ستخدمها العرب يف تعابريهم االدبية‪،‬‬ ‫وا�ستخدمها �شك�سبري بنف�س املدلول يف (جهد‬ ‫احل��ب ال�ضائع) و(جعجعة بال طحن) و(كما‬ ‫حتب) و(الليلة الثانية ع�شرة)‪.‬‬ ‫وي ��ذك ��ر (ت‪ .‬واي�� ��ر) يف ك �ت��اب��ه (فولكلور‬ ‫�شك�سبري) ب�أن ذلك االعتقاد (�أي االعتقاد ب�أن‬ ‫الكبد مركز احل��ب) قد ا�ستعاره �شك�سبري من‬ ‫العلماء العرب‪.‬‬ ‫‪ .6‬االماكن العربية‪:‬‬ ‫ي�ستطيع املتابع‪ ،‬من خالل ق��راءة م�سرحيات‬ ‫�شك�سبري‪ ،‬ان ي�ع�ثر ع�ل��ى ع��دة ا� �ش��ارات �إىل‬ ‫ال�ع��رب‪ ،‬واالم��اك��ن العربية‪ ،‬االم��ر ال��ذي يدلل‬ ‫على ان ذل��ك ال�شاعر الكبري ك��ان على اطالع‬ ‫بالعامل العربي‪ .‬ومن تلك اال�شارات ما جاء يف‬ ‫م�سرحية (انطونيو وكليوباطرة)‪ ،‬حيث يذكر‬ ‫ال�ع��راق و�سوريا‪ .‬وكذلك يذكر يف م�سرحية‬ ‫(يوليو�س قي�صر) �أح��د امل�ل��وك ال�ع��رب‪ ،‬ويف‬ ‫م�سرحية (ك��وري��والن����س) ي�شري �إيل ال�سيف‬ ‫العربي ومواطنه‪.‬‬

‫�أهم املراجع وامل�صادر‬ ‫ درا�� �س ��ة ال��دك �ت��ور � �ص �ف��اء خ �ل��و� �ص��ي ب�شان‬‫�شك�سبري‪ ،‬جملة "املعرفة"‪ ،‬بغداد ‪.1960‬‬ ‫ درا� �س �ت��ان ل�ل��دك�ت��ور ��ض�ي��اء اجل �ب ��وري‪( :‬يف‬‫جملة اف��اق عربية) و(يف كتاب "رحلة يف الفكر‬ ‫والرتاث")‪ ،‬من�شورات جامعة بغداد ‪.1980‬‬ ‫ درا��س��ة للدكتور حم�سن امل��و��س��وي (امل�صدر‬‫ال�سابق‪ -‬رحلة يف الفكر والرتاث)‪.‬‬ ‫ ترجمات خليل م�ط��ران‪ ،‬وج�بر ابراهيم جربا‬‫مل�سرحيات �شك�سبري‪.‬‬ ‫ اعمال �شك�سبري الكاملة (باالنكليزية)‪.‬‬‫‪" -‬واقعية �شك�سبري" (�سامارين) بالرو�سية‪.‬‬

‫عن كتاب درا�سات نقدية ال�صادر‬ ‫يف بريوت عام ‪1978‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪8‬‬

‫العدد (‪)2367‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )18‬كانون الثاين ‪2012‬‬

‫العدد (‪)2367‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )18‬كانون الثاين ‪2012‬‬

‫‪9‬‬

‫عاصفة شكسبير ‪ ..‬المأساة والملهاة‬ ‫وتعدد االعراق والسحرية‬ ‫تتحدث امل�سرحية عن برو�سبريو دوق ميالنو الذي يقع �ضحية م�ؤامرة حاكها له �أخوه ب�إبعاده عن احلكم ونفيه بعيدا يف جزيرة ال يحيطه‬ ‫فيها �سوى كتبه‪ ،‬وابنته مرياندا اجلميلة‪ ،‬وكاليبان اخلادم الوح�شي املم�سوخ‪ ،‬و�آرييل‪ ،‬روح من هواء‪� .‬إن هاتني ال�شخ�صيتني الغريبتني عن‬ ‫جميع ال�شخ�صيات التي ابتكرها �شك�سبري‪ ،‬ميثالن يف هذه امل�سرحية‪/‬الق�صيدة‪ ،‬طريف احللم واحلقيقة‪� .‬إن عا�صفة �شك�سبري هذه لي�ست ككل‬ ‫العوا�صف التي ت�ضمنتها معظم م�سرحياته‪� ،‬إنها عا�صفة يتحكم فيها �ساحر و�شاعر يدعي (برو�سبريو)‪ ،‬تارة يجعل منها و�سيلة لالنتقام‬ ‫والقتل والتدمري‪ ،‬وتارة �أخرى يتخذها �أداة للم�صاحلة وامليالد واحلب‪ .‬الق�صة �إن برو�سبريو‪ ،‬يالحظ ذات يوم �سفينة علي متنها �أخوه‬ ‫وجميع الرجال الذين ت�سببوا يف نفيه وجتريده من ال�سلطة‪.‬‬

‫الملك لير ‪ ..‬الجبل الذي ينبغي ان نتسلقه‬ ‫ال�سرية الفنية للـ �سري ديريك جاكوبي بد�أت منذ ان كان يف الثانية والع�شرين يف بريمنغهام ريب ولكن اداءه احلي يف امل�سل�سل‬ ‫التلفزيوين عام ‪ 1962‬وبعد عامني فقط من �شروعه يف التمثيل هو الذي اك�سبه الفر�صة الكربى‪ ،‬و�صادف لـ لورن�س اوليفيه ان‬ ‫�شاهد العر�ض يف احدى الفنادق ف�أعجب به �إىل درجة انه ا�ستدعى املمثل ال�شاب ووقع معه عقدا لي�شاركه يف مو�سم جيك�سرت‬ ‫امل�سرحي‪ ،‬واالن دارت العجلة دورتها الكاملة‪.‬‬

‫ق��دم��ت م�سرحية امل�ل��ك ل�ير جل��اك��وب��ي على‬ ‫م �� �س��رح دومن� ��ر وي ��ر ه��او���س و��س�ي�ت��م بثه‬ ‫ابتداء من اال�سبوع القادم لـ اثنني وع�شرين‬ ‫بلدا وت��أت��ي امل�سرحية بعد ان ام�ضى �سري‬ ‫جاكوبي ن�صف قرن يف التمثيل ادى خالله‬ ‫ادوار خارقة مثل دور كلوديو�س يف امل�سل�سل‬ ‫ال�ت�ل�ف��زي��وين ب��ال �ع �ن��وان نف�سه ودوره يف‬ ‫م�سرحية هاملت ال��ذي يعترب عالمة فا�صلة‬ ‫يف حياته الفنية حلقته ادوار �سريانو دي‬ ‫برجراك و ريت�شارد الثاين يف الثمانينيات‬ ‫ويف هذه ال�سنوات ا�شرتك يف اعمال املخرج‬ ‫امل���س��رح��ي م��اي�ك��ل غ��ران��دي��ج وب� ��د�أ م��ع دور‬ ‫برو�سبريو يف العا�صفة ودور فيليب الثاين‬ ‫يف م�سرحية �شيلر ( دون ك��ارل��و���س) دور‬ ‫مالفيلو يف الليلة الثانية ع�شرة وال��ذي فاز‬ ‫عنه بجائزة اوليفر عام ‪ 2009‬ك�أف�ضل ممثل‬ ‫واالن �سرنى �إىل اية درجة �سي�صل ابداعه بعد‬

‫ان بلغ الثانية وال�سبعني‪ ،‬املخرج بيرت بروك‬ ‫و�صف م�سرحية امللك لري ذات مرة (ب�أنها قمة‬ ‫جبل مل نبلغه ابدا) اما الناقد كينيث تاينان‬ ‫فقد كتب بان اخراج م�سرحية امللك لري ينبغي‬ ‫ان يكون مثل الهبوط باملظلة على قمة جبل‬ ‫االل�ه��ة‪ ،‬ام��ا ال�سري جاكوبي فيقول (عندما‬ ‫تكون ممثل كال�سيكي �شاب عليك ان تقتحم‬ ‫م�سرحية هاملت اوال ف�إذا جنحت ف�أنك ت�صبح‬ ‫خم��وال باالن�ضمام �إىل ال�ن��ادي الكال�سيكي‬ ‫ومن ثم اقتحام عامل امللك لري لتثبت الع�ضاء‬ ‫النادي بانهم كانوا على �صواب ل�سماحهم لك‬ ‫باالن�ضمام اليهم) لورن�س اوليفيه ادى دور‬ ‫البطولة يف امللك لري عندما كان يف االربعني‬ ‫كما كان جون غليكود وانتوين هوبكنز يف‬ ‫االربعينيات عندما ادوا ال ��دور وه��ذا امر‬ ‫منا�سب للغاية اما جاكوبي فقد انتظر حلني‬ ‫بلوغه الثانية وال�سبعني وهو ي�شعر بانه ال‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫زال يف قمة �شبابه ليمنح امل�سرحية كل طاقاته‪،‬‬ ‫فكلما ازدادت طاقاتك كلما زادت حيوية لري‪،‬‬ ‫غالبا ما يعطى املمثل الكبري يف ال�سن دورا‬ ‫يتنا�سب مع عمره فيتعلق بدوار كبار ال�سن‬ ‫وه��ذا يعني ان حيوية ال ��دور تتوقف على‬ ‫احليوية ال�شخ�صية للمثل‪ ،‬فالدور يكون يف‬ ‫ه��ذه احل��ال��ة ميتلك طابعا وداع�ي��ا ولكن يف‬ ‫امللك لري الذي يو�صف بانه يكاد يبلغ الثمانني‬ ‫من عمره فان هذا يعني االق�تراب من نهاية‬ ‫�سريتك الفنية‪ ،‬يف الأدوار الكال�سيكية لري‬ ‫ه��و االك�بر �سنا‪ ،‬وبعد ل�ير و�ضمن االدوار‬ ‫الرئي�سة ل�ـ �شك�سبري يت�ساءل امل��رء ‪ :‬م��ا ذا‬ ‫تبقى االن ؟ يف املرة االوىل التي �شاهدت فيها‬ ‫ملك لري كانت خالل زي��ارة مدر�سية لـ كينكز‬ ‫ثييرت عام ‪ 1953‬وكان دونالد ولفت ي�ؤدي‬ ‫دور لري‪ ،‬كان فخما ورائعا �إىل ابعد احلدود‬ ‫وكان اعداد امل�سرحية مادة خ�صبة يف ت�سلق‬

‫املمثل‪ ،‬بالن�سبة ل�ـ م��راه��ق ميتلك عاطفة ال‬ ‫تن�ضب للم�سرح كنت ا�شعر بان هذا هو املكان‬ ‫املنا�سب يل‪ ،‬ك��ان ام��را رائعا م�شاهدة لري‪،‬‬ ‫ال��رج��ل الغا�ضب‪ ،‬امللك ل�ير تدفع يف اجتاه‬ ‫ال��درج��ات الق�صوى من املعاناة وتظهر لنا‬ ‫�إىل اية درجة ميكن ان تبلغ املا�ساة االن�سانية‬ ‫وم ��ن ث��م ت �ت �� �س��اءل ك �ي��ف مي �ك��ن للممثل ان‬ ‫يجتاز تلك الهجمات العاطفية ليلة اثر ليلة‪،‬‬ ‫جاكوبي يقول ب�أنه غري واث��ق ولكنه ميكن‬ ‫ان يتحدث عن املو�ضوع يف ال�شهر القادم‬ ‫وي�ضيف ب�أن (لري لي�ست تلك ال�شخ�صية ذات‬ ‫القوة اخلارقة التي تتحول �إىل �شيخ م�صاب‬ ‫باجلنون‪ ،‬الهبوط من القمة �إىل اال�سفل تكون‬ ‫ع��ادة ظ��اه��رة وا�ضحة ج��دا ولكن رحلة لري‬ ‫اك�ثر تعقيدا) �شك�سبري ك��ان يكتب جلمهور‬ ‫مواز مل�شاهدي التلفزيون وهذا يعني للجميع‬ ‫برغم انها كتابات على م�ستوى عال من ال�شعر‬ ‫ويزخر بر�ؤى �سيكولوجية عميقة‪ ،‬ومع بع�ض‬ ‫اال�ستثناءات فان االخراج االخري يعتمد على‬ ‫ت�سهيل ادراك مكامن هذا ال�صرح امل�سرحي‬ ‫تت�سامى بقدر ما تطرح ق�ضايا عميقة‪ ،‬ومليئة‬ ‫بالغمو�ض والرعب‪ ،‬بالعوا�صف واالمطار‪،‬‬ ‫ب��احل��ب وال �ك��راه �ي��ة وح ��ول ح ��دود طاقات‬ ‫االن�سان واي نوع من االنحطاط هو التقدم‬ ‫يف ال�ع�م��ر‪ ،‬ه��ل ان��ا بحاجة �إىل ال �ق��ول ب�أن‬ ‫امل�سرحية تدور حول ملك يق�سم مملكته قبل‬ ‫االوان بني بناته مع و�ضعه ن�صب العني ان‬ ‫ي�صبح ال�ضيف امل�ستمر ولكن امل�ت��وايل يف‬ ‫ق�صور بناته ؟‪ ،‬حتى يف م�سرحية كوميدية‬ ‫فان مثل هذا املو�ضوع �سيكون ا�ستهالال ببدء‬ ‫�سل�سلة من امل�شاكل‪ ،‬ورغم ان هناك مهرج يف‬ ‫امل�سرحية ولكن لي�س هناك ما يثري ال�ضحك‬ ‫وحتى وف��ق قيا�سات م�سرحيات �شك�سبري‪،‬‬ ‫الغمو�ض يبلغ من االت�ساع �إىل درجة تكون‬ ‫هناك حاجة لق�صتني متداخلتني ت�ستخدمان‬ ‫ك�م��ر�آت�ين عاك�ستني للتوغل يف اع�م��اق ذلك‬ ‫ال�سر‪ ،‬االبناء العاقني يخونون االباء‪ ،‬الكبار‬ ‫يف ال�سن ي�ط��ردون ليواجهوا ق�سوة العامل‬ ‫اخل��ارج��ي‪ ،‬ومثل هاملت ك��ان من املمكن ان‬ ‫متتلئ خ�شبة امل���س��رح ب��اجل�ث��ث ل��وال قدرة‬ ‫التحمل ل��دى ال�ضحايا ولكنها م��ن جانب‬ ‫اخ��ر ق�صة عن ال��والء واحل��ب والرقة و�سط‬ ‫ال �ك��ارث��ة‪ ،‬ان�ه��ا م�سرحية عمالقة وتت�ضمن‬ ‫ادوار عمالقة‪ ،‬كورديليا وجوناثان هايد ايرل‬ ‫اوف كينت املخل�ص يرتكان انطباعات مذهلة‬ ‫ل��دى امل�شاهد ول�ك��ن م�شهد العا�صفة تبدد‬ ‫الكثري من املعامل ال�شعرية للم�سرحية‪ ،‬عندما‬ ‫يتحول لري من حالة االح�سا�س بالر�ضا عن‬ ‫النف�س �إىل حالة االحباط ثم نحو اال�ستعادة‬ ‫امل�ستنزفة للحكمة ( اي احلكمة التي تكت�سب‬ ‫بعد جتارب مريرة وقا�سية ) يتحرر لري من‬ ‫االوه��ام لي�صبح يف النهاية االب واالن�سان‬ ‫امللكي فقط ‪.‬‬ ‫ال�صحيفة ‪ :‬الديلي تيلغراف‬ ‫الكاتب ‪ :‬دومنيك كافندي�ش‬ ‫الرتجمة ‪ :‬عدنان توفيق‬

‫د‪ .‬حممد �سيف‬ ‫في�ستعمل قوته ال�سحر ية التي ق��ام بتطويرها خالل‬ ‫�سنوات النفي االثنتي ع�شرة‪ ،‬فيثري ويهيج عا�صفة‬ ‫ت� ��زرع ال��رع��ب واخل� ��وف وجت �ل��ب �إىل اجل ��زي ��رة كل‬ ‫�أ�شباح ما�ضيه القدمي‪ ،‬وبعد �أن تتحطم �سفينتهم على‬ ‫�شاطئ‪ ،‬ت�ستقبلهم اجلزيرة التي ي�سكنها برو�سبريو‪،‬‬ ‫مبظهر �سحري يليق مع الطباع املتباينة للرجال الذين‬ ‫لفظتهم ال�سفينة‪ ،‬فغونزالو (امل�ست�شار ال�شيخ الأمني)‬ ‫يجد ثيابهم (ك��أمن��ا هي �صبغت من جديد‪ ،‬وال لوثت‬ ‫باملاء املالح)‪ ،‬ولكن �أنطونيو و�سبا�ستيان ال�سكرانني‪،‬‬ ‫يعجزان عن ر�ؤية ذلك‪ .‬غونزا يقول‪( :‬ما �أينع الع�شب‪،‬‬ ‫ما �أن�ضره‪ ،‬ما �أخ�ضره)‪� ،‬أما انطونيو النذل الذي ال يري‬ ‫�شيئا �إال بعني ا َليرَ قان‪ ،‬فيجد الأر�ض (�صفراء)‪ ،‬لقد كتب‬ ‫�شك�سبري م�سرحية (العا�صفة) ع��ام ‪ ،1611‬وه��و يف‬ ‫ال�سابعة والأربعني‪ .‬وهي ح�سب الكثري من امل�ؤرخني‬ ‫�آخر ما كتب من امل�سرحيات بعدها غادر لندن‪ ،‬ليعود �إيل‬ ‫م�سقط ر�أ�سه (ا�سيرتاتفورد �أون �آف��ون)‪� ،‬إن م�سرحية‬ ‫العا�صفة‪ ،‬مزيج من ال�سحر والفتنة اللذين يحيطان‬ ‫بالق�صة‪ ،‬واملو�سيقي وال�شاعرية اللتني يفعمها بهما‪،‬‬ ‫مثلما هي خليط لأنواع م�سرحية عدة‪ ،‬وخا�صة امل�أ�ساة‬ ‫والهزل اللذين يلتقيان هنا يف مزاوجة ال ي�ستطيع احد‬ ‫ف�صمها‪� .‬إن هذه امل�سرحية التي تعترب خال�صة العبقرية‬ ‫ال�شك�سبريية‪ ،‬مبثابة مر�سى لكل ما ال يوجد يف �أي‬ ‫مكان‪� .‬ألي�ست هذه اجلزيرة التي نفي �إليها برو�سبريو‪،‬‬ ‫هي املكان ال��ذي يطرح فيه �شك�سبري م�س�ألة ال�سلطة‬ ‫بر�ؤية ومعاجلة خا�صة؟ �إن املخرج الفرن�سي دومنيك‬ ‫بتوازو م�أخوذ ب�سحر هذا الن�ص الذي ال ين�ضب‪ ،‬فها‬ ‫هو يعود ليقدم من جديد عا�صفة �شك�سبري على امل�سرح‪،‬‬ ‫جم�ن��دا ه��ذه امل ��رة تقنيات م�سرحية م�ت���ض��ادة جدا‪،‬‬ ‫م�صطحبا معه الدمي الكبرية التي �صممتها (كاترين‬ ‫مي�شيال) لإخراجاته ال�سابقة لنف�س الن�ص‪ ،‬وطاقما‬ ‫جديدا فرن�سي ًا وايطالي ًا وتون�سي ًا و�أملاني ًا‪ ،‬مبحرا يف‬ ‫جمال من العالقات احلميمة التي ت�سود بني برو�سبريو‬ ‫وابنته مرياندا‪ ،‬م�ست�ضيفا لهذه العا�صفة ظالل بيكيت‬ ‫وفرويد‪ ،‬زاجّ � ًا بنا يف عامل من املتاهة التي ال تعرف‬ ‫ح��دود ًا‪ .‬تعترب (العا�صفة) �آخر م�سرحية �شك�سبريية‪،‬‬ ‫وق��د ق��ر�أت �أنها الو�صية الأخ�ي�رة للدراماتورج‪ .‬وقد‬ ‫قدمها دومنيك ب�ت��وازو عديد امل��رات ‪-2003-2001‬‬ ‫‪ 2008‬وعندما �أخرجها ع��ام ‪ 2001‬عند و�صوله �إىل‬ ‫�إيطاليا‪ ،‬قال‪� :‬إن م�سرحية العا�صفة كانت مبثابة مفتاح‬ ‫جلميع الأ�سئلة اخلا�صة‪ ،‬ومفتاح مل�سريتي كمخرج‬ ‫بعيدا عن الوطن‪ .‬فامل�سرحية كانت تخاطبه وحتاوره‬ ‫من خالل ق�صتها وق�صته ال�شخ�صية‪ ،‬ق�صة رجل جاء‬ ‫لي�شتغل يف بلد �أجنبي‪ ،‬املنفي �إن هذا العر�ض كان يف‬ ‫�شكله وم�ضمونه ي�شبه رق�صة فال�سن قام بت�صميمها‬ ‫وو�ضع �أحلانها املخرج الفرن�سي دومنيك بتوازو من‬ ‫خالل �أربعة ايقاعات لغوية‪ :‬فرن�سية‪� ،‬إيطالية‪ ،‬عربية‬ ‫و�أملانية ج�سور عدة �ألقيت باجتاه �آفاق عدة وخميالت‬ ‫ووجهات نظر خمتلفة‪ .‬كان املمثلون ي�سبحون حتت‬ ‫حزم �ضوئية زرقاء مائية‪ ،‬لدرجة �أننا نعتقد حقيقة �أنهم‬ ‫يلعبون �أدوارهم فوق �سطح املاء �أو �أنهم غاط�سون يف‬ ‫عامل م�شحون بال�سحر‪.‬‬ ‫ومن ال�شخ�صيات العديدة التي اقرتحها �شك�سبري يف‬ ‫م�سرحيته‪ ،‬مل يخرت ويج�سد منهم امل�خ��رج دومنيك‬ ‫بتوازو �إال �ستة‪� :‬سكان اجلزيرة الأربعة برو�سبريو‪،‬‬

‫م�يران��دا‪ ،‬وكاليبان و�آري �ي��ل‪ ،‬وم��ن ث��م �سكران يدعى‬ ‫�ستيفانو‪ ،‬ومهرج ايطايل ي�سمى ترينكولو‪� ،‬أما جمل�س‬ ‫ال�ل��وردات االيطايل‪ ،‬ال��ذي يت�ضمن فرديناند ابن ملك‬ ‫نابويل‪ ،‬املولع الولهان مبرياندا‪ ،‬فم�صنوع من الدمى‬ ‫املتحركة التي يقوم بتحريكها طيلة العر�ض خم�سة‬ ‫ممثلني �أملانيني‪ .‬كل جمموعة من املجاميع التي ت�شرتك‬ ‫يف هذا العر�ض لها لغتها وطريقتها بالكالم ويف التمثيل‬ ‫�إنه متثيل م�سرحي خا�ص جت�سده �أربع لغات‪.‬‬ ‫لقد علمتنا العلوم الإن�سانية وخا�صة �أعمال وبحوث‬ ‫مار�سيل مو�س‪� ،‬أن اجل�سم الإن�ساين هو نتاج ثقافة‪.‬‬ ‫و�إن كل لغة من اللغات ُتكون ج�سدا خا�صا‪ ،‬مثلما ت�صيغ‬ ‫التفكري من خالل القواعد‪ ،‬وتر�سم مالمح الوجه من‬ ‫خالل ال�صوت وتردداته امل�ستخدمة‪ ،‬والهيئة واملظهر‪،‬‬ ‫وانحناءة الظهر‪ ،‬وا�ستخدام الذراعني‪ ..‬وكل العنا�صر‬ ‫التي تتفاعل يف لغة الأم تعمل علي �صناعة و�صياغة‬ ‫هذه املعطيات الثقافية‪� ،‬إن دومنيك بتوازو يهتم بجميع‬ ‫هذه املنجزات التي ميكن �أن تخلقها لغة من اللغات‪ ،‬لهذا‬ ‫يكتف يف العر�ض بلغة واحدة و�إمنا ب�أربع‪� .‬إن‬ ‫فهو مل ِ‬ ‫نقطة انطالق املخرج يف هذا العمل هي هوية املمثلني‬ ‫الوطنية (خليط ب�ين التكنيك الفني وامل�سرحي يف‬ ‫تاريخ هذه البلدان الثالثة‪ :‬فرن�سا‪ ،‬ايطاليا‪ ،‬و�أملانيا)‪.‬‬ ‫ومن �أجل �أن يفهم املتفرج العر�ض و�ضع املخرج �شا�شة‬ ‫بي�ضاء على درع��ي امل���س��رح‪ ،‬ي�ترج��م ف��وق �سطحهما‬ ‫احل��وارات �إىل اللغة الفرن�سية‪ ،‬معتمدا يف ذل��ك على‬ ‫ترجمة (جان مي�شال دب��رات) التي خرجت م�ؤخرا عن‬ ‫دار ن�شر بلياد‪.‬‬ ‫�إن تعددية اللغات يف هذا العر�ض مل ت�شكل �أبدا عقبة‬ ‫�أم ��ام فهم ال�ن����ص‪ ،‬ب��ل على العك�س‪ ،‬ع��ززت اخلطاب‬ ‫امل�سرحي وق��وة العالقات املت�صارعة يف قلب الن�ص‪.‬‬ ‫�إث �ن��ان فقط م��ن املمثلني ا�ستخدما اللغة الفرن�سية‬ ‫للتعبري‪ ،‬هما برو�سبريو (روالن ب�يرت�ين) ومرياندا‬ ‫(�سلفيان روز وه��ي ممثلة ��س��وي���س��ري��ة) �إن روالن‬ ‫بريتني دخل الكوميدي فران�سيز عام ‪ ،1983‬ويتميز‬ ‫هذا املمثل الفرن�سي ب�إلقائه اجلميل للجمل‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يبحث عنه املخرج دومنيك ب�ت��وازو يف ه��ذا العر�ض‬

‫على الأقل‪� ،‬إذ ا�ستطاع �أن يلعب على نوعية الأداء‪ ،‬الذي‬ ‫جاء يف العر�ض‪ ،‬جمي ًال ووا�ضح ًا وم�سموع ًا وحمكم ًا‬ ‫ومتنوع ًا‪.‬‬ ‫يف م�سرحية العا�صفة‪ ،‬تختلط امل�أ�ساة بالهزل‪ ،‬مثلما‬ ‫تختلط الأجنا�س ويعي�ش ويع�ش�ش الوهم يف اللغة‬ ‫�آرييل تلعب على الآخرين بوا�سطة الأفعال ال�شفوية‬ ‫للغة العربية‪ ،‬والقوة ال�سحرية التي تبعث بها نحوهم‪،‬‬ ‫وت�ستخدم اللغة الأملانية بالطريقة نف�سها‪ ،‬مثل �أداة‬ ‫للخطاب الفا�سد‪ ،‬فهي لغة الأم خلم�سة حمركني دمى‬ ‫ميثلون �أدوار �أمراء ميالنو ونابويل‪ .‬وقد �أخذ متثيل‬ ‫حمركي الدمى اخلم�سة طابعا فكاهيا مبالغ ًا فيه‪ ،‬من‬ ‫خالل تك�شرية الوجه و�سماع �صرير الأ�سنان وت�أرجح‬ ‫تعابريالوجه بني القبح والق�سوة وال�ضحك اله�ستريي‪،‬‬ ‫للداللة علي ال�شر الذي يختبئ يف �أعماق ه�ؤالء الأمراء‪.‬‬ ‫من خ�لال اللغة الأملانية يقوم �أنطونيو و�سبا�ستيان‬ ‫بالتحري�ض الغتيال �سيدهما‪ ،‬ومن خاللها يتناف�سان‬ ‫يف اللعب علي الكلمات لإ�سكات م�ست�شارهما القدمي‬ ‫غونزالو‪� .‬إذن‪� ،‬إن اللغة الأملانية متثل هنا لغة الأقوياء‬ ‫وال�سيا�سة‪ ،‬ولكن مرئية من وجهة نظر �شخ�صيات تافهة‬ ‫ومبتذلة‪ .‬امل�ست�شار غونزالو الوحيد يف امل�سرحية‬ ‫ال��ذي ال يكف �أب��دا ع��ن ال�ه��ذر وك�ثرة ال�ك�لام املتكلف‪،‬‬ ‫واالفتخار بلعبه علي الكلمات املثري لل�ضحك‪� .‬إذن‪� ،‬إن‬ ‫اللغة الأملانية يف هذا العر�ض‪ ،‬هي لغة الهزل والتهريج‬ ‫والت�شويه املخب�أ حتت ق�شرة من الرقة واجل��ودة‪� .‬أما‬ ‫اللغة الإيطالية‪ ،‬فهي بو�ضوح ومن غري �أي لب�س‪ ،‬تعترب‬ ‫يف هذا العر�ض‪ ،‬لغة التهريج‪ .‬ال�سكارى االثنان اللذان‬ ‫جنيا من ال�سفينة �ستفانو وترانكيلو‪ ،‬هما يف الواقع‬ ‫ايطاليان‪� ،‬ش�أنهما �ش�أن بقية ال�شخ�صيات كاليبان يتحدث‬ ‫لغتهما نف�سها‪� .‬إنه وح�ش من �سكان اجلزيرة الأ�صليني‬ ‫الذين علمهم برو�سبريو علم اللغة‪ .‬وبعيدا عن التنافر‬ ‫اخليايل‪ ،‬يجد الثالثي ـ ال�سكرانان واخل��ادم كاليبان ـ‬ ‫وحدتهم يف اللعب امل�ستوحى من الكوميديا دي الرتي‪،‬‬ ‫وما �أغاين ال�سكارى على وجه اخل�صو�ص �إال خري دليل‬ ‫على وحدتهم‪ .‬ترانكيلو‪ ،‬كما ه��و م�ع��روف يف قائمة‬ ‫ال�شخ�صيات بو�صفه مهرجا‪� ،‬أي مهرج ًا كما هو تقليديا‬ ‫يلب�س زي املهرجني الذي يت�ألف من �ألوان كثرية‪ ،‬رمبا‬ ‫كان بع�ضها من رقع ‪� .‬إن اللغة العربية الف�صحي هي‬ ‫لغة (�آري �ي��ل)‪ ،‬التي ت�ؤديها الفنانة التون�سية (هدى‬ ‫بنت كمال)‪ .‬وهي هنا‪� ،‬أي اللغة العربية‪ ،‬مبثابة لغة‬ ‫امل�سرح وع�صاه ال�سحرية‪ ،‬وهنا يكمن ال�سحر بامتياز‪،‬‬ ‫الذي يولد‪ ،‬ويخلق الوهم يف ذات الوقت‪� .‬إن (�آرييل)‬ ‫يف امل�سرحية خادمة برو�سبريو‪ ،‬التي تنفذ توجيهاته‬ ‫جميعها‪ .‬فعندما ال ت��دن��دن بلحن م��ن الأحل ��ان‪ ،‬تكون‬ ‫كلماتها يف معظمها تعزمي �أو �أ�شكال ذات ت�أثريات‬ ‫�سحرية‪ .‬ف�إن ال�سحر يكمن يف مو�سيقى اللغة العربية‬ ‫التي بقدر ما هي م�ألوفة للمتفرج الفرن�سي بقدر ما هي‬ ‫�أجنبية عليه‪ ،‬يف الوقت نف�سه ـ علما ب�أن اللغة العربية‬ ‫الف�صحي تختلف كثريا عن اللهجات العربية التي اعتاد‬ ‫علي �سماعها املتفرج الفرن�سي يف حياته اليومية‪� .‬إن‬ ‫ت�صرفات (�آرييل)‪ ،‬املالك الذي يطرح اختبارات قا�سية‪،‬‬ ‫مبثابة �شاهد على احل�ضارة العربية ‪/‬الغربية‪ ،‬التي‬ ‫تزاوج يف خيالنا بني ما هو م�صقول وهمجي‪.‬‬

‫* اكادميي عراقي مقيم يف باري�س‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪10‬‬

‫العدد (‪)2367‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )18‬كانون الثاين ‪2012‬‬

‫العدد (‪)2367‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )18‬كانون الثاين ‪2012‬‬

‫‪11‬‬

‫ه��ام��ل��ت ف��ي ال��م��س��رح ال��ع��راق��ي‬

‫مسرحية حلم منتصف ليلة صيف‬ ‫د ‪.‬فا�ضل اجلاف‬ ‫خلق املجنون والعا�شق وال�شاعر من اخليال جميعا‪:‬‬ ‫ف ��أح��ده��م ي ��رى م��ن ال���ش�ي��اط�ين م ��اال ت�سعه اجلحيم‬ ‫ال�شا�سعة‬ ‫ذاك هو املجنون‪� .‬أما العا�شق فهو ال يقل خبال‬ ‫�إذ يرى جمال هيلني يف جبهة غجرية!‬ ‫و�أما عني ال�شاعر التي تدور يف حما�س رهيف‬ ‫فهي تهبط من ال�سماء �إىل الأر�ض‪،‬‬ ‫ثم ت�صعد من الأر�ض �إىل ال�سماء‪،‬‬ ‫وبينما يج�سد اخليال �صور املجهول‪،‬‬ ‫ي�شكلها قلم ال�شاعر‪ ،‬ويجعل لهباء العدم‬ ‫مكانا يف الوجود ومينحه ا�سما حمددا‪.‬‬ ‫فاخليال القوي قادر على هذا اخلداع‬ ‫ف�إذا �أح�س ولو بفرح قليل‪،‬‬ ‫ت�صور م�صدرا ما لهذا الفرح ‪،‬‬ ‫و�إذا توهم بع�ض اخلوف �أثناء الليل‬ ‫فما �أي�سر �أن يت�صور ال�شجرة دبا مفزعا!‬ ‫(امل�شهد االول من الف�صل اخلام�س‪ ،‬ترجمة د‪ .‬حممد‬ ‫عناين)‬ ‫حقق ع��ر���ض م�سرحية حلم ليلة منت�صف ال�صيف‬ ‫ل�شك�سبري على امل�سرح امللكي با�ستوكهومل جناحا‬ ‫باهرا على ال�صعيدين الفني و اجلماهريي‪ ،‬مل يحققه‬ ‫�أي عر�ض �شك�سبريي اخ��ر على امل�سارح ال�سويدية‬ ‫ط��وال العقود االخ�ي�رة ‪.‬فقد اج�ت��از العر�ض املو�سم‬ ‫املن�صرم باقبال �شديد عليه‪ ،‬واليزال �إالقبال هذا يف‬ ‫�أوجه‪ ،‬ما يدل على �أن العر�ض �سيجتاز املو�سم احلايل‬ ‫�إىل املوا�سم املقبلة‪.‬‬ ‫من الأرج��ح ان م�سرحية حلم ليلة منت�صف ال�صيف‬ ‫كتبت ق��راب��ة ع��ام ‪�1595‬أي يف ال�سنة نف�سها التي‬ ‫كتب فيها �شك�سبري م�سرحيتي روم�ي��و وجوليت و‬ ‫تاجر البندقية‪ .‬ويذهب م�ؤرخو امل�سرح اىل االعتقاد‬ ‫ب�أن �أول عر�ض للم�سرحية جرى يف ق�صر لآل �ساوث‬ ‫ه��ام�ب�ت��ون يف ت�شان�سري ل�ين يف ه��ول�ب��ورن بلندن‬ ‫عام ‪ ،1604‬و�أن امل�سرحية كتبت خ�صي�صا لتقدميها‬ ‫يف حفلة زف��اف �إح��دى ال�سيدات التي ك��ان �شك�سبري‬ ‫يرتبط مع �إبنها ب�أوا�صر�صداقة متينة‪ .‬وبرغم ما قال‬ ‫فيها الناقد بيبو�س عام ‪1662‬م��ن �أنها �أتفه و�أ�سخف‬ ‫م�سرحية �شاهدها يف حياته‪ .‬فانها �أك�ثر م�سرحيات‬ ‫�شك�سبري رواجا و �شعبية‪ .‬فقد باتت تقدم ب�أ�شكال فنية‬ ‫خمتلفة‪ ،‬حيث �أخرجها للم�سرح على مر الع�صور كبار‬ ‫املخرجني من �أمثال با�سيل دين و ماك�س رينهاردت و‬ ‫بيرتبرووك وبيرت ه��ول و روب��رت ليباج يف الوقت‬ ‫احل��ا��ض��ر‪ ،‬كما انها كانت على م��ر الع�صور م�صدر‬ ‫�إل�ه��ام لعرو�ض �شهرية يف الباليه واالوب ��را من قبل‬ ‫املع م�ؤلفي املو�سيقي الكال�سيكية من امثال بور�سيل‬ ‫وميندل�سوهن و بريتني‪ .‬ناهيك عن االفالم ال�سينمائية‬ ‫العديدة التي ج�سدت هذه امل�سرحية‪.‬‬

‫يف معظم املعاجلات االخراجية ت�شكل ر�ؤي��ة املخرج‬ ‫للغابة ال�ن��واة وال �ب��ذرة االوىل يف ت�ن��اول املخرجني‬ ‫لهذه امل�سرحية ال�سهلة ظاهريا وال�شائكة جوهريا‪.‬‬ ‫ان الغابة يف م�سرحية حلم ليلة منت�صف ال�صيف ال‬ ‫متثل الطبيعة فح�سب بل تتعداها لكي متثل غرائزنا‬ ‫�أي�ضا على حد قول يان كوت يف كتابه القيم (�شك�سبري‬ ‫معا�صرنا)‪ ،‬فعلى �سبيل املثال كانت الغابة يف �إخراج‬ ‫املخرج النم�ساوي ماك�س رينهاردت الأخري للم�سرحية‬ ‫عام ‪ 1927‬جت�سيدا حقيقيا لعامل اجلن يف اطار حلم‬ ‫قائم على م�شاهد م�سرحية مو�سيقية راق�صة ك�أنها‬ ‫من��وذج من فن الباليه‪ .‬وال�شك ان املبادرة يف تناول‬ ‫حلم ليلة منت�صف ال�صيف ورواج�ه��ا و �شعبيتها يف‬ ‫امل�سرح احلديث تعود ب�شكل �أ�سا�س اىل رينهاردت‬ ‫ال��ذي �أ�ستمر يعيد �إخراجها منذ عام ‪ 1905‬مرة تلو‬ ‫االخرى‪1927‬حتى بلغت �إثنتي ع�شرة مرة‪.‬ليخلدها‬ ‫�أخريا يف �إنتاج �سينمائي اليزال يحتل مكانة متميزة‬ ‫�إىل يومنا هذا‪.‬اما يف �إخراج بيرت برووك ال�شهريعلى‬ ‫م�سرح روي ��ال �شك�سبري يف ال�سبعينات م��ن القرن‬ ‫املن�صرم فقد كانت الغابة ف�ضاء م�سرحيا عاريا ت�ضمه‬ ‫جدران بي�ضاء‪ ،‬يف حني كان املمثلون يقفون على مر�أى‬ ‫من املتفرجني مت�أهبني للدخول اىل امل�سرح امل�صمم‬ ‫على �شكل مكعب كبري‪ .‬كان كل �شيء مم�سرحا بدقة اىل‬ ‫اق�صى درجات امل�سرحة �أو التم�سرح‪ ،‬وكان �أداء املمثل‬ ‫املرتكز على الفعل احلركي والقائم على العاب ال�سحر‬ ‫وال�سريك وامل�صارعة واللعب على االراجيح‪ ،‬ي�شكل‬ ‫لولب العر�ض‪ .‬كان وا�ضحا ان برووك ا�ستلهم ا�سلوب‬ ‫اخ��راج امل�سرحية من منهج ميريهولد البيوميكانيك‬ ‫كما اقر بذلك بنف�سه يف برنامج العر�ض‪ .‬جاء عر�ض‬ ‫ب��رووك كرد على عر�ض م�سرحية حلم ليلة منت�صف‬ ‫ال�صيف للم�سرح نف�سه م��ن �إخ ��راج بيرت ه��ول قبل‬ ‫ذلك ب�أحد ع�شر عاما‪،‬وب�إ�سلوب م�سرف يف التفا�صيل‬ ‫الواقعية والطبيعية‪ .‬ففي م�شاهد الق�صر جل��أ هول‬ ‫اىل التج�سيد بالكوالي�س يف حماولة خللق الت�أثري‬ ‫الواقعي‪� .‬أم��ا يف الغابة فقد كانت ثمة �شجرة كبرية‬ ‫موحية بالغابة قابعة و�سط امل�سرح‪.‬‬ ‫يف الت�سعينيات حول املخرج الكندي روبرت ليباج‬ ‫خ�شبة م�سرح (�أوليفيه) الف�سيحة يف امل�سرح القومي‬ ‫بلندن اىل م�ستنقع موحل يتمرغ فيها الع�شاق يف‬ ‫جنون و�شبق بينما �أي��ادي اجل��ن املخفية تعبث بهم‬ ‫وتقودهم اىل الطي�ش واجلنون‪.‬‬ ‫هذه بع�ض امثلة لعرو�ض م�سرحية حلم ليلة منت�صف‬ ‫ال�صيف‪ ،‬والي�سع املقام لذكر امثلة اخرى لكرثتها‪.‬‬ ‫ا�ستقدم امل�سرح امللكي يف ا�ستوكهومل لإخ��راج هذه‬ ‫امل�سرحية امل�خ��رج الربيطاين ج��ون ك��اي��رد �أح��د �أهم‬ ‫خمرجي بريطانيا يف ال��وق��ت احلا�ضر وال��ذي عمل‬ ‫يف رويال �شك�سبري كومباين �إثني ع�شر عاما‪ .‬وهذه‬ ‫ه��ي امل��رة الثانية ي�خ��رج فيها ك��اي��رد م�سرحية حلم‬ ‫ليلة منت�صف ال�صيف‪.‬اما اح��دث اعماله االخراجية‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫يف بريطانيا فقد كان اخراجه م�سرحية هاملت على‬ ‫امل�سرح القومي بلندن يف �صيف عام املن�صرم‪ .‬ا�شتهر‬ ‫كايرد منذ بداية م�سريته الفنية بتعاونه الوثيق مع‬ ‫املخرج تريفور نن املخرج االول ومديرامل�سرح القومي‬ ‫(ا�ستقال منه قبل �شهرين فقط) ذلك التعاون الذي �أثمر‬ ‫عن اخراج م�شرتك لت�سعة اعمال م�سرحية طويلة لعل‬ ‫ا�شهرها اخراجهما امل�شرتك للم�سرحيات املو�سيقية‬ ‫ال�شهرية (نيكوال�س نيكلبي لت�شارلي�س ديكنز) و‬ ‫(الب�ؤ�ساء لفيكتور ه��وغ��و)‪ .‬والي ��زال الإق �ب��ال عليها‬ ‫�شديدا برغم م�ضي ‪ 17‬عاما على عر�ضها الإفتتاحي‪.‬‬ ‫ي �ط��رح ك��اي��رد ر�ؤي� ��اه للغابة يف ال�ب�ي��ان ال�صحفي‬ ‫التمهيدي للعر�ض على النحو التايل‪:‬‬ ‫ان امل�شهد االول يف امل�سرحية م�شهد غريب جدا‪ .‬كان‬ ‫ب�إمكان ه��ذا امل�شهد ان يكون م�شهدا �إ�ستهالليا الية‬ ‫م�سرحية تراجيدية‪ ،‬فهو �شبيه ملطلع م�سرحية روميو‬ ‫و جولييت‪� ،‬أب غا�ضب‪ ،‬دوق‪ ،‬اوالد يائ�سون‪ ،‬يعانون‬ ‫من م�شاكل احلب االبدية‪ .‬يف امل�شهد الثاين يدخل عدد‬ ‫من املمثلني وهم يخططون لإخراج م�سرحية‪.‬حينذاك‬ ‫فقط ي��درك امل��رء م��ن �سياق الأح� ��داث ان امل�سرحية‬ ‫كوميدية‪ .‬ثم ننتقل مع ب��وك و اجلنيات اىل الغابة‪.‬‬ ‫ونفهم ان امل�سرحية لي�ست جمرد ملهاة بل انها كوميديا‬ ‫جمنونة‪ ،‬ع��امل جمنون تال�شت فيه ق��واع��د ال�سلوك‬ ‫الإن�ساين ب�أ�سرها‪.‬‬ ‫م�سرحية حلم ليلة منت�صف ال�صيف م�سرحية مظللة‬ ‫ي�صعب ع�ل��ى امل �خ��رج مل ع��وامل �ه��ا امل �ت �ع��ددة االل ��وان‬ ‫والأج��واء يف بناء �إخراجي حمكم ومتزن تتمتع فيه‬ ‫جميع اج��زاء امل�سرحية بالن�سبة نف�سها م��ن البناء‬ ‫الفني املتنا�سق‪ .‬انها م�سرحية تبدو �سهلة يف ظاهرها‬ ‫ك�أية حكاية م�ألوفة من حكايات الع�شاق وعوامل اجلن‬ ‫واالح�لام ‪ ،‬مما يغري الكثري من املخرجني ويدفعهم‬ ‫للت�صدي لإخراجها‪ .‬لكن معظمهم يخفقون يف �إيجاد‬ ‫ذلك التوازن‬ ‫ال�ضروري بني �أجزائها ما مل يعتمد امل�خ��رج تقنية‬ ‫عالية ويتمتع بقدرة فنية كبرية مثل ماك�س رينهاردت‬ ‫و بيرت ب��رووك‪ .‬ذلك لأن �أج��زاء هذه امل�سرحية‪ ،‬دون‬ ‫الكثري من امل�سرحيات‪ ،‬ت�شكل عوامل خمتلفة يف طابعها‬ ‫ومناخاتها و�شخ�صياتها ولغتها وبنائها الدرامي‪ .‬عامل‬ ‫الع�شاق‪ :‬خ�صام ورومانتيكية وجنون وفظاظة يف‬ ‫الوقت نف�سه‪ .‬ع��امل اجل��ن ‪ :‬ع��امل ال�سحر وال�شاعرية‬ ‫وامل�سخ والالمعقول وال�شبق ممتزج باخلوارق‪ .‬عامل‬ ‫الق�صر‪:‬الإرادة االبوية املدعمة ب�سلطة الدوق احلا�سمة‬ ‫يف حتديد م�صري الع�شاق‪ .‬و�أخ�يرا ع��امل احلرفيني‪:‬‬ ‫عامل ف�ضاء امل�سرح الفقري وامل�سرح ال�شعبي‪.‬‬ ‫وينفرد احلرفيون بعامل متميز ال ي�ضاهي العوامل‬ ‫االخرى �سبكا ومتانة فح�سب‪ ،‬بل انه الأ�صعب جت�سيدا‬ ‫على اخل�شبة مبا ينطوي عليه من افكار مهمة يف فن‬ ‫املمثل وجماليات التج�سيد االبداعي يف عالقة املمثل‬ ‫باملتلقي‪� ،‬إىل جانب ت�صورات �شك�سبري العميقة عن‬

‫امل�سرح ال�شعبي و�ضرورة م�سرحة كل ماهو قائم على‬ ‫امل�سرح‪� ،‬إ�ضافة �إىل ت�أكيده على ا�سلوب امل�سرح داخل‬ ‫امل�سرح‪.‬‬ ‫مركزا على حتليل اجلانب الإيرو�سي من امل�سرحية‪،‬‬ ‫�أغ �ف��ل ي��ان ك��وت يف درا� �س �ت��ه العميقة للم�سرحية‪،‬‬ ‫�أهمية م�شاهد احلرفيني التي منها تنبع ا�صول االداء‬ ‫ال�شك�سبريي وب �ن��اء امل�سرحية ال�ق��ائ��م على مبادئ‬ ‫امل�سرحة البحتة‪.‬‬ ‫وميكن القول ان م�شاهد احلرفيني حتمل يف طياتها‬ ‫جت�سيدا فنيا ب��ارع��ا مل��ا ي�سمى باال�سلبة واملجازية‬ ‫والإيحاء والتلويح عند ميريهولد وعر�ض الدور دون‬ ‫تقم�صه والعالقة بني املمثل و املتلقي عند بريخت‪،‬‬ ‫و�صورة وا�ضحة ملا ي�سميه برووك بامل�سرح اخل�شن‪.‬‬ ‫وب �ه��ذا ي �ك��ون �شك�سبري ق��د �سبق خم��رج��ي امل�سرح‬ ‫احلديث واملعا�صر ممن ت�صدوا لال�ساليب الواقعية‬ ‫والطبيعية‪� ،‬أو مهد لهم ال�سبيل يف كثري من ك�شوفاتهم‬ ‫الإخراجية‪.‬‬ ‫و من دون فهم هذا اجلانب يتعذر على املخرج جت�سيد‬ ‫امل�سرحية يف �صورتها الفنيه الآ�سرة‪ .‬ويف �إعتقادي‬ ‫ان �سر �إبداع برووك يف �إخراجه الذي خلده ت�أريخ‬ ‫امل�سرح‪ ،‬يكمن يف فهمه العميق لهذه النقطة بالذات‪.‬‬ ‫�إن للع�شاق وامل�ج��ان�ين عقوال ف ��وارة وخيالهم قوي‬ ‫خالق‪ ،‬يرى ما يعجز عن �إدراكه العقل الهاديء(امل�شهد‬ ‫الأول من الف�صل اخلام�س)‪ .‬بهذا املنطق يرد الدوق‬ ‫على ع�شيقته هيبوليتا يف تف�سريه �سلوك الع�شاق وما‬ ‫جرى لهم من اعاجيب الق�ص�ص‪.‬‬ ‫باملنطق نف�سه يقيم ج��ون ك��اي��رد عر�ضه امل�سرحي‬ ‫ال�شيق م��ؤك��دا بالدرجة الأوىل على �سلوك الع�شاق‬ ‫ال�ساذج وتقلباتهم ال�سريعة امل�ضحكة ومطارداتهم‬ ‫ال �ه��وج��اء لبع�ضهم وحت��والت �ه��م يف �أق��ال �ي��م الغابة‬ ‫ال�سحرية‪ .‬ان الإط��ار اال�سطوري ال�سهل للم�سرحية‬ ‫واملمتع يف �آن واحد‪ ،‬ت�شكل نربة العر�ض الأ�سا�سية‬ ‫بعيدا ع��ن تعقيدات امل��دار���س النف�سية والتحليالت‬ ‫الفرودية التي ظلت تثقل كاهل هذه امل�سرحية اخلفيفة‬ ‫خفة الأحالم ال�شفافة‪ .‬ومن الناحية الفنية �أي�ضا يبتعد‬ ‫املخرج كل االبتعاد عن اال�ساليب امل�سرحيه املقحمة و‬ ‫الالم�ألوفة بق�صد خلق ت�أثريات م�سرحية يف اال�سلوب‬ ‫من النوع الذي ي�سمى �أحيانا بالتجريبية‪ .‬فالغابة غابة‬ ‫ح�سب واجلنيات ل�سن �إال جنيات كما ت�صورها الكتب‬ ‫واال�ساطري ولي�س �ضربا من مر�ضى فرويد امل�صابني‬ ‫بالهي�سترييا‪ ،‬كما يقول الناقد ال�سويدي ليف زيرن‪.‬‬ ‫ان كايرد مزج يف �إخراجه م�سرحية حلم ليلة منت�صف‬ ‫ال�صيف التقاليد ال�شك�سبريية بتقاليد الوي�ست �إيند‬ ‫اخلالبة ببهجته املو�سيقية ال�شجية و عنفوان رق�صاته‬ ‫اجليا�شة‪ ،‬ما ح��دا بال�سويديني ممن عرفوا بد�أبهم‬ ‫لل�سفر اىل الوي�ست �أيند وولعهم مب�شاهدة العرو�ض‬ ‫امل�سرحية هناك اىل ال�ق��ول‪ :‬لقد ج��اء الوي�ست �إيند‬ ‫بنف�سه �إلينا هذه املرة‪.‬‬

‫ول�ك�ن�ه��م م ��ادام ��وا ي���س�ع��ون �إىل اخلو�ض‬ ‫يف ت �� �س��ا�ؤالت �إن�سانية و�سيا�سية كربى‬ ‫تفر�ضها تعقيدات الع�صر ‪ ،‬و�أيديولوجياته‬ ‫‪ ،‬و�صراعاته ‪ ،‬وم�صاحله املت�شابكة ‪ ،‬ف�أين‬ ‫ي �ج��دون ن�ص ًا مثل "هاملت" ينفتح على‬ ‫ت�أويالت �سيا�سية و�سايكولوجية واجتماعية‬ ‫وفل�سفية وان�ثروب��ول��وج�ي��ة ال ح�صر لها؟‬ ‫ولكي ال �أغمط حق الذين ر�أوا يف التجديد‬ ‫دافع ًا لإقبال املخرجني على هذا الن�ص �أ�شري‬ ‫�إىل �أن الكثري من التجارب الإخراجية التي‬ ‫ا�شتغلت عليه يف �إطار خمتربي زاوجت بني‬ ‫نزعات �شكالنية حداثية ‪� ،‬أو ما بعد حداثية‬ ‫‪ ،‬وت �ق��دمي ت���أوي�ل�ات وم �ن �ظ��ورات خمتلفة‬ ‫لبنيتها الداللية‪ .‬وقد كان للم�سرح العربي‬ ‫ن�صيب غري قليل من تلك التجارب ‪ ،‬خالل‬ ‫العقود الأرب �ع��ة الأخ�ي�رة ‪ ،‬على ي��د بع�ض‬ ‫املخرجني ‪ ،‬منهم‪ :‬حميد حممد جواد ‪� ،‬سامي‬ ‫عبد احلميد ‪� ،‬صالح الق�صب ‪ ،‬جواد الأ�سدي‬ ‫‪ ،‬حممد ح�سني حبيب (من العراق) ‪ ،‬خالد‬ ‫الطريفي (من الأردن) ‪ ،‬و�سليمان الب�سام‬ ‫(من الكويت)‪.‬‬ ‫ُي��ع�� ّد ح�م�ي��د حم �م��د ج� ��واد �أ� �س �ب��ق ه� ��ؤالء‬ ‫املخرجني ‪ ،‬تاريخي ًا ‪ ،‬يف مغامرته التجريبية‬ ‫مع هذه امل�سرحية ‪ ،‬ففي عام ‪� 1967‬أخرجها‬ ‫يف معهد الفنون اجلميلة ببغداد بر�ؤية‬ ‫�سريالية ‪� ،‬أو على نحو �أدق متيز �إخراجه‬ ‫لها ب�شطحات �سريالية ‪ ،‬كما قيل يف حينها‬ ‫‪� ،‬إذ جعل خ�شبة امل�سرح على �شكل عالمة‬ ‫ا�ستفهام كبرية ‪ ،‬يف حني جعل بع�ض عنا�صر‬ ‫الف�ضاء امل�سرحي يتخذ �أ�شكا ًال �أخرى ذات‬ ‫انحناءات غريبة ‪ ،‬وبع�ضها الآخر على �شكل‬ ‫ع�صي‪ .‬كما و�ضع يف و�سط امل�سرح �ستارة‬ ‫ثقيلة كان بع�ض ال�شخ�صيات يف العر�ض‬ ‫يتحرك من ورائها على طريقة امل�سرحيات‬ ‫الظلية ‪ ،‬وت�صرف يف الن�ص ت�صرف ًا كبري ًا‬ ‫‪ ،‬ف�ألغى م�شهد ال�شبح ‪ ،‬جمرد ًا امل�سرحية من‬ ‫مالحمها امليتافيزيقية‪.‬‬ ‫بعد تلك التجربة ب�سبعة �أعوام �أخرج �سامي‬ ‫عبد احلميد امل�سرحية لفرقة امل�سرح الفني‬ ‫احلديث بعنوان "هاملت عربي ًا" ‪ ،‬مت�صور ًا‬ ‫�أنها دراما ت�أملية ل�شاب عربي متح�ضر ‪ ،‬ن�ش�أ‬ ‫يف بيئة عربية بدوية ‪ ،‬جت��اوز تلك البيئة‬ ‫وتهذب خالل درا�سته خارج بلده ‪ ،‬وتعاىل‬ ‫على ع ��ادات عائلته احلاكمة وتقاليدها ‪،‬‬ ‫ومل يعد �أهوج حتى يقدم على الأخذ بالث�أر‬ ‫ل��وال��ده ح ��ال اك�ت���ش��اف احل�ق�ي�ق��ة ‪ ،‬و�إمن ��ا‬ ‫تريث لي�ستجمع الأدل��ة على الفعلة الأثيمة‬ ‫‪ ،‬وينتظر الوقت املنا�سب لف�ضح املت�آمرين‬ ‫�أمام اجلميع‪ .‬ومن هنا جاء تردده‪ ...‬وكانت‬ ‫ر�ؤي��ة املخرج تقوم على �إيجاد خ�صو�صية‬ ‫للم�سرح العربي ‪ ،‬كما قال ‪ ،‬فافرت�ض وقوع‬ ‫�أحداث امل�سرحية يف منطقة ما على �ساحل‬ ‫اخلليج العربي ‪ ،‬على �أ�سا�س �أن م�سائل‬ ‫اخليانة واالغتيال والت�آمر توجد يف كل‬ ‫زمان ومكان ‪ ،‬وو�ضع للعر�ض �إطار ًا عربي ًا‬ ‫من خالل �سلوك ال�شخ�صيات وال�سينوغرافيا‬ ‫(اخل�ي��ام والب�سط وال�سجاجيد والأفر�شة‬ ‫العربية)‪ .‬وبنا ًء على ذلك حذف من الن�ص‬ ‫كل ما يحيل على املجتمع الدمناركي ‪ ،‬مثل‬ ‫املقاطع احل��واري��ة ‪ ،‬و�أ�سماء ال�شخ�صيات‬ ‫‪ ،‬وابقى على الألقاب فقط ‪ ،‬كامللك والأمري‬ ‫وال��وزي��ر وم��ا �إىل ذل��ك‪ .‬كما ح��ذف املخرج‬ ‫�شخ�صية ال�شبح ‪ ،‬وحول مقابلة هاملت له‬ ‫�إىل مناجاة للنف�س مير بها البطل ‪ ،‬ومن‬ ‫قبيل احل��د���س واجل��دل ح��ول ح��ادث��ة مقتل‬

‫حظيت م�سرحية "هاملت" ل�شك�سبري ‪ ،‬باهتمام الكثري من املخرجني ‪� ،‬سواء يف الغرب ‪� ،‬أو يف ال�شرق ‪ ،‬ف�أقبلوا على‬ ‫جتريب ر�ؤاهم الإخراجية املختلفة عليها ‪ ،‬وتقدمي مقاربات وت�أويالت جديدة لأحداثها و�شخ�صياتها وف�ضاءاتها‪.‬‬ ‫وكثرياً ما �أثري ت�سا�ؤل مفاده‪ :‬ما الذي يدفع ه�ؤالء املخرجني �إىل تكرار �إخراج هذه امل�سرحية ‪� ،‬أهي الرغبة املح�ضة‬ ‫يف التجديد فح�سب ‪� ،‬أم العبقرية التي ينطوي عليها الن�ص ذاته ‪ ،‬بحيث ي�سمح بقراءات ومقاربات معا�صرة لي�س لها‬ ‫حدود ‪ ،‬وتنفتح على �شتى النزعات والر�ؤى التجريبية ‪ ،‬والتطبيقات املختربية احلداثية ‪ ،‬وما بعد احلداثية؟ وقد‬ ‫ركزت �إجابات بع�ض امل�شتغلني يف امل�سرح ‪ ،‬والباحثني على ال�شق الأول من الت�سا�ؤل ‪ ،‬يف حني ركزت �إجابات �أخرى‬ ‫على ال�شق الثاين منه ‪ ،‬وهو ما �أميل �إليه �شخ�صي ًا‪ ،‬فلو كانت الرغبة املح�ضة يف التجديد فح�سب هي الدافع لوجد‬ ‫ه�ؤالء املخرجون �أمامهم ع�شرات الن�صو�ص امل�سرحية احلديثة التي تلبي تلك الرغبة‪.‬‬

‫عواد علي‬

‫الأب امللك وزواج العم من الأم وتربعه على‬ ‫ال�ع��ر���ش‪ .‬وا�ستثمر امل�خ��رج بع�ض �أغ��اين‬ ‫البحر اخلليجية التي تختلط بها الآهات‬ ‫واحل�شرجات مع �إيقاع الطبول والأواين‬ ‫اخلزفية والنحا�سية‪.‬‬ ‫ويفعام‪� 1980‬أخرج�صالحالق�صب(هاملت)‬ ‫يف �سياق ما ُع��رف بـ (م�سرح ال�صورة) ‪،‬‬ ‫ف�ش ّكل العر�ض �صدم ًة للو�سط امل�سرحي يف‬ ‫العراق ب�سبب انتهاكه الن�ص ال�شك�سبريي ‪،‬‬ ‫وغرائبيته ‪ ،‬وافرتا�ضاته و�صوره العجيبة‬ ‫‪ ،‬وت ��أوي�لات��ه ال�سايكولوجية ‪ ،‬و�أجوائه‬ ‫الطق�سية البدائية‪ :‬فقد افرت�ض املخرج عدم‬ ‫وجود جرمية حقيقية تق�ض م�ضجع هاملت‪،‬‬

‫وهي جرمية قتل �أبيه امللك ‪ ،‬و�إمنا هي وهم‬ ‫حم�ض �صاغه خمياله املري�ض ‪ ،‬كونه م�صابا‬ ‫بـاالنف�صام (ال�شيزوفرينيا) ‪ ،‬يف ذات الوقت‬ ‫ال��ذي تعاين فيه مملكته م��ن روح �شريرة‬ ‫مدمرة‪ .‬وعلى ه��ذا الأ�سا�س جعل الق�صب‬ ‫هاملت يتحرك يف خطني‪ :‬ي�سري الأول حتت‬ ‫�سيطرة ال��روح ال�شريرة ‪ ،‬وي�سري الثاين‬ ‫مبعزل عنها ‪ ،‬وهو ميثل الأفق العقالين يف‬ ‫�سلوكه ور�ؤيته ‪ ،‬فحينما يكون حتت ت�أثري‬ ‫ال ��روح ال�شريرة يظهر متلب�س ًا �شخ�صية‬ ‫�إفريقي بدائي ( م ّثلها ممثل �أ�سود الب�شرة)‬ ‫‪ ،‬وتبدو له �شخ�صية �أوفيليا بوجه �إفريقي‬ ‫بدائي (مثلتها ممثلة �سوداء �أي�ض ًا) ‪ ،‬ترتدي‬

‫زي � ًا متتزج فيه �أل ��وان زي ك��ل م��ن �أوفيليا‬ ‫وامللكة الأم احلقيقيتني ‪ ،‬وحينما يكون‬ ‫هاملت خ��ارج ت��أث�ير تلك ال��روح يظهر يف‬ ‫�شكله االعتيادي (م ّثله ممثل �أبي�ض) ‪ ،‬ويرى‬ ‫يف �أوفيليا احلقيقية (م ّثلتها ممثلة بي�ضاء‬ ‫ذات وج��ه ط�ف��ويل) روح ال�ب�راءة ‪ ،‬ومثا ًال‬ ‫للو�ضوح واحلب وامل�ستقبل‪ .‬ولكي يعمق‬ ‫الق�صب الب�ؤرة املر�ضية يف خميلة هاملت ‪،‬‬ ‫وروحه القلقة ‪ ،‬وانف�صامه العقلي فقد ّ‬ ‫وظف‬ ‫يف ف�ضاء العر�ض �أ�شكا ًال ور�سوم ًا و�أ�شياء‬ ‫خمتلفة م�ستوحاة م��ن الفنون البدائية ‪،‬‬ ‫كالأ�سماك احلجرية ‪ ،‬والأواين الفخارية‬ ‫‪ ،‬واحليوانات اخلرافية ‪ ،‬وعمد �إىل �شطر‬

‫ال�شخ�صيات ‪ ،‬وا�ستخدم يف بع�ض امل�شاهد‬ ‫امل���ؤث��رات ال�ضوئية اخل��ا��ص��ة ‪ ،‬كالأ�شعة‬ ‫ف��وق البنف�سجية ‪ ،‬خللق �أج��واء طق�سية ‪،‬‬ ‫و�صور ذات مالمح �سحرية ‪ ،‬تدعمها �أبخرة‬ ‫ودخان وروائح منت�شرة يف ف�ضاء العر�ض‪.‬‬ ‫ويف حماولة منه للإيحاء �إىل املتلقني ب�أن‬ ‫�أحداث امل�سرحية و�شخ�صياتها هي �أحداث‬ ‫و�شخ�صيات �شمولية (ك��ون�ي��ة) توجد يف‬ ‫�أي ع�صر ومكان ‪ ،‬فقد جردها من مالحمها‬ ‫البيئية ‪ ،‬و�إطارها التاريخي‪.‬‬ ‫ولكن ينبغي التوكيد على �أن ر�ؤية الق�صب‬ ‫ل�ه��ام�ل��ت و�أف �ي �ل �ي��ا بو�صفهما �شخ�صيتني‬ ‫متناق�ضتني ‪ ،‬تف�صح عن موقف كولونيايل‬ ‫ي�شبه مواقف �آرتو وبروك وغروتوف�سكي‬ ‫و�شي�شرن يف تعاملهم مع ال�تراث امللحمي‬ ‫والطق�سي ل�شعوب ال�شرق تعام ًال جرده‬ ‫م��ن �سياقه امل�ع��ريف وال��روح��ي ‪ ،‬وو�صمه‬ ‫بـ "البدائية" ‪� ،‬أو نتاج ًا للآخر "ال�شرقي"‬ ‫امل�خ�ت�ل��ف ‪ ،‬وال �� �س��اذج ‪ ،‬وغ�ي�ر العقالين‪:‬‬ ‫ف�شخ�صية ه��ام�ل��ت البي�ضاء ه�ن��ا تت�صف‬ ‫ب��ال �ع �ق�لان �ي��ة ‪ ،‬وال ��و�� �ض ��وح ‪ ،‬وال �ت �ح��رر‬ ‫م��ن � �س �ط��وة امل�ي�ت��اف�ي��زي�ق�ي��ا ‪ ،‬يف ح�ي�ن �أن‬ ‫�شخ�صيته ال �� �س��وداء ‪ ،‬وه��ي متثل الآخ��ر‬ ‫املختلف ‪ ،‬تت�صف بالبدائية ‪ ،‬والالعقالنية‬ ‫‪ ،‬واال�ست�سالم ل�سطوة ال��روح ال�شريرة‪.‬‬ ‫وكثري ًا ماعربت الكتابات اال�ست�شراقية عن‬ ‫مواقف �شبيهة متثل املركزية الغربية يف‬ ‫ر�ؤيتها للآخر‪.‬‬ ‫وجلواد الأ�سدي جتربة �إخراجية خمتربية‬ ‫م ��أخ��وذة ع��ن "هاملت" ‪� ،‬أي���ض� ًا ‪ ،‬بعنوان‬ ‫"�شباك �أوفيليا" �ضمن الور�شة امل�سرحية‬ ‫التي �أقامها مركز الهناجر يف القاهرة يف‬ ‫مو�سم ‪ 93‬ـ ‪ ، 94‬ولكنني مل �أ�شاهدها ‪ ،‬ومل‬ ‫�أفلح ‪ ،‬للأ�سف ‪ ،‬يف احل�صول على مراجع‬ ‫تتحدث عنها‪.‬‬ ‫و�أخ�ي�ر ًا ثمة عر�ض جديد للم�سرحية ُقدّم‬ ‫يف مدينة بابل العراقية ‪ ،‬قبل نحو �شهرين‬ ‫‪ ،‬للمخرج حممد ح�سني حبيب ‪� ،‬أطلق عليه‬ ‫ب�ع����ض الإع�لام �ي�ين جم� ��از ًا ا� �س��م "هاملت‬ ‫البابلي"‪ .‬وق��د متيز ه��ذا العر�ض بتغيري‬ ‫النهاية املعروفة يف الن�ص ‪ ،‬حيث �أبقى على‬ ‫هاملت حي ًا ‪ ،‬لأن له ‪ ،‬ح�سب ر�ؤية املخرج ‪،‬‬ ‫مهمة البد �أن ينجزها م�ستقب ًال ‪ ،‬وهي حترير‬ ‫�أبيه من قب�ضة الذين غدروا به ‪ ،‬وبقي "�أن‬ ‫نتحرر جميعنا لأننا مل نتحرر بعد" ‪ ،‬على‬ ‫حد قوله يف حواره الأخري الذي يختتم به‬ ‫العر�ض‪ .‬ويتناغم هذا التغيري ‪ ،‬الذي ن�سف‬ ‫الطابع ال�تراج�ي��دي لن�ص �شك�سبري ‪ ،‬مع‬ ‫التغيري الذي �أجراه عليه اللبناين طانيو�س‬ ‫عبده ‪ ،‬حينما ترجمه �إىل العربية عام ‪1910‬‬ ‫‪ ،‬حيث مل ي�سمح مبوت بطل كهاملت ‪ ،‬حتى‬ ‫ي�سرتد ع��ر���ش �أب�ي��ه املقتول ‪ ،‬على �شاكلة‬ ‫�سيف بن ذي يزن ‪ ،‬بد ًال من �أن يظل مرتدد ًا‬ ‫يت�ساءل" �أكون �أو ال �أكون"؟‬ ‫هذا على �صعيد املقاربات الإخراجية لن�ص‬ ‫"هاملت" ‪� ،‬أما على �صعيد الت�أليف فقد �أعاد‬ ‫عدد من كتاب امل�سرح العرب كتابته ‪ ،‬على‬ ‫غرار ما فعلوا مع ن�ص "�أوديب" االغريقي‬ ‫‪ ،‬وم��ن �أ�شهر الن�صو�ص التي قدمت ر�ؤى‬ ‫ج��دي��دة ل�شخ�صية ه��ام �ل��ت �أو لأح� ��داث‬ ‫امل�سرحية‪�" :‬أفكار جنونية فى دفرت هملت"‬ ‫لنجيب �سرور ‪ ،‬و"هاملت ي�ستيقظ مت�أخر ًا"‬ ‫مل �م��دوح ع���دوان ‪ ،‬و"هاملت ب�لا هاملت"‬ ‫خلزعل املاجدي‪ .‬و�س�أحاول يف مقال الحق‬ ‫الوقوف على هذه الن�صو�ص الثالثة‪.‬‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪12‬‬

‫العدد (‪)2367‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )18‬كانون الثاين ‪2012‬‬

‫العدد (‪)2367‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )18‬كانون الثاين ‪2012‬‬

‫ش������ك������س������ب������ي������ر‬ ‫ف��������������������������������������ي‬ ‫"رأس مــــــال" ماركس‬ ‫نعتقد ب�أن للنقود والطموح الذاتي انعكا�ساتهما لدى الأفراد يف خيانة ال�ضمري والأمانة االجتماعية‪ ،‬وهذا ما نالحظه يف بع�ض‬ ‫�شخ�صيات �شك�سبري‪ ،‬وبالأخ�ص يف بع�ض ال�شخ�صيات الرئي�سة‪ ،‬حيث يتم جت�سيد امل�صالح النفعية الذاتية لتلك ال�شخ�صيات التي‬ ‫تعمل ما بو�سعها لتحقيق امل�صالح الذاتية‪ ،‬وحتى لو اقت�ضى الأمر تبني اخليانة‪ ،‬ال�سرقة‪ ،‬القتل وما �إىل ذلك من الو�سائل اخل�سي�سة‬ ‫التي تتعار�ض مع الأخالق واملبادئ الإن�سانية ‪ .‬ومن اجلدير �أن ن�سلط ال�ضوء على ما تناوله (كارل مارك�س) يف كتاب “ ر�أ�س املال “‬ ‫ــ ويف جمال ال�سلعة والنقد واملبادالت من ناحية القيمة‪ ،‬وما جت�سد منها يف �سلوك بع�ض �شخ�صيات م�سرحيات �شك�سبري ‪ .‬قبل مائة‬ ‫وثالثة و�أربعني عاما ــ وبالتحديد يف عام ‪ 1867‬ــ �صدر اجلزء الأول من كتاب “ ر�أ�س مال “ كارل مارك�س يف مدينة “ هامبورغ “ يف‬ ‫�أملانيا ‪ .‬ومل يقت�صر هذا احلدث على كونه نقطة حتول يف تاريخ االقت�صاد ال�سيا�سي فح�سب‪ ،‬بل يف جممل حركة التطور العلمي‬ ‫والفكري املعا�صر‪� ،‬إذ يعد الكتاب واحدا من مفاتيح احل�ضارة احلديثة‪.‬‬

‫ترجمة و�إعداد ‪:‬‬ ‫عبد اهلل را�ضي‬ ‫وبرغم كل الدرا�سات وال�ق��راءات لهذا الرتاث‬ ‫الكال�سيكي العظيم‪ ،‬ظلت ال�ن�ظ��رة ال�سائدة‬ ‫جتاهه على �أنه كتاب اقت�صاد �سيا�سي �صرف‪� ،‬إال‬ ‫�أن معرفة مارك�س املو�سوعية للرتاث الإن�ساين‬ ‫العاملي‪ ،‬وخ�صو�صا يف جمال الأدب الكال�سيكي‬ ‫ــ �إ�ضافة �إىل الفل�سفة واالقت�صاد ــ �ساعدت على‬ ‫حت�س�س القيمة الأدبية لهذا الكتاب �إىل جانب‬ ‫قيمته العلمية واالقت�صادية ‪ .‬وعلى �سبيل املثال‬ ‫ال احل�صر‪ ،‬لو تناولنا املجلد الأول من ر�أ�س‬ ‫املال وبجزئيه الأول والثاين‪ ،‬لأدركنا القيمة‬ ‫احلقيقية ل��ذل��ك ال��رب��ط اجل��ديل ب�ين م��ا �أنتجه‬ ‫�أح��د عباقرة ال�ق��رن ال�ساد�س ع�شر يف جمال‬ ‫الأدب ــ ال�شاعر والكاتب امل�سرحي االنكليزي‬ ‫ول�ي��م �شك�سبري وب�ين ال�ن�ظ��رة العلمية التي‬ ‫�أراد مارك�س �أن يربهنها يف جم��ال االقت�صاد‬ ‫ال�سيا�سي ‪.‬‬ ‫ون�ستطيع الآن �أن ن�ب��د�أ برحلة م��ن �أج��ل فهم‬ ‫ذلك التفاعل احليوي بني �أ�شهر �أديب يف القرن‬ ‫ال�ساد�س ع�شر و�أ�شهر كتاب يف القرن التا�سع‬ ‫ع�شر‪ .‬مل يظهر وليم �شك�سبري كثريا يف كتاب‬ ‫ر�أ�س املال‪ ،‬ولكن امل�ساحة الن�سبية التي يظهر‬

‫فيها ت�ؤكد �أهميتها ‪� .‬إن مارك�س يعد �شك�سبري‬ ‫واح��دا م��ن ب�ين �أق��وى اهتماماته الأدب�ي��ة لأنه‬ ‫ميلك معرفة �شاملة به‪ ،‬وكثريا ما قر�أ العديد من‬ ‫�أعماله ب�صورة تامة ‪� .‬إ�ضافة �إىل �أن �شك�سبري‬ ‫ك��ان حمبوبا �أي�ضا من عائلة مارك�س‪� ،‬إذ �أنه‬ ‫كتب ر�سالة �إىل اجنلز بتاريخ ‪1856 / 4 /10‬م‬ ‫يقول فيها ‪� :‬إن الأطفال يقر�ؤون �شك�سبري على‬ ‫الدوام ‪ .‬لقد تركت �شخ�صيات �شك�سبري انطباعا‬ ‫كبريا لدى مارك�س �إىل درجة �أنها كانت تراود‬ ‫خميلته يف �أكرث الأحيان‪ ،‬و�أ�صبح ا�ستعمالها‬ ‫طبيعيا على �شكل و�سائل �إي�ضاح واعتادت بنات‬ ‫مارك�س على �إعطاء معارفهن �ألقابا م�ستقاة من‬ ‫�أ�سماء �أبطال �شك�سبري‪ .‬وهذا ما فعله مارك�س‬ ‫بالذات وذلك با�ستعماله لأ�سماء النماذج الهزلية‬ ‫من الأبطال ‪� .‬إن ا�ستخدام مارك�س ل�شخ�صيات‬ ‫من �أمثال فال�ستاف ممتع جدا ‪ .‬كان فال�ستاف‬ ‫بالن�سبة ملارك�س نوعا من ر�أ�س املال املج�سد يف‬ ‫هي�أة �إن�سان �أثناء ع�صر انبثاق الر�أ�سمالية الذي‬ ‫�أف�ضى �إىل برجوازية ع�صر الرتاكم الأويل ‪.‬‬ ‫لقد ك��ان (فال�ستاف) كذابا مارقا ‪،‬وباحثا عن‬ ‫املتعة ال�ضيقة‪ ،‬ال يفكر بغري م�صاحله املادية‪،‬‬ ‫خليعا فاجرا يعلن ب�صراحة عن احتقاره جلميع‬ ‫ال�شعائر الدينية للإقطاعية‪ ،‬قاطعا للطرق ولكنه‬ ‫يف نف�س ال��وق��ت جبانا ( وبكل معنى الكلمة‬ ‫)‪ ،‬غ�شا�شا مفرطا يف ال�سكر‪ ،‬وعلى ا�ستعداد‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫لأن يبيع ما عنده من �شهامة وف�ضائل مقابل‬ ‫ب��اون واح��د ‪ .‬ك��ان فال�ستاف منوذجا وا�ضحا‬ ‫املعامل لع�صر ال�تراك��م الأويل‪ ،‬وكانت �شظايا‬ ‫الأفكار الإقطاعية مبثابة مادة البناء للأخالقية‬ ‫الربجوازية اجلديدة ‪ .‬وبعد �أن يفلت فال�ستاف‬ ‫بجلده‪ ،‬وبطريقة خمادعة‪ ،‬من و�سط املعركة‪،‬‬ ‫يقذف ب�سيفه اىل الأر���ض يف �أول تقدم للعدو‪،‬‬ ‫ويتظاهر ب��أن��ه ميت‪ ،‬وي��ؤك��د ب ��أن �إن�ق��اذ املرء‬ ‫لنف�سه ه��و �أول �شهامة بطولية ل��ه ‪ .‬ن��رى �إن‬ ‫ه�ن��اك م �ف��ردات وج�م��ل مف�ضلة ل��دى فال�ستاف‬ ‫مثل ‪ :‬ال�سلب‪ ،‬االغت�صاب‪ ،‬ال�سرقة‪ ،‬الإعارة بال‬ ‫�إرجاع ال�شيء املعار حتى بعد ق�سم اليمني على‬ ‫فعل العك�س ( �أي �إرج��اع ما بذمته )‪ .‬وبعد �أن‬ ‫يراقب �شك�سبري ب�أ�سف �سقوط العامل الإقطاعي‪،‬‬ ‫ي��و��ض��ح رف���ض��ه مل�ج��ئ ال �ع��امل ال��ر�أ� �س �م��ايل يف‬ ‫�شخ�صية فال�ستاف الهزلية ‪.‬‬ ‫يعقد م��ارك����س يف ر��س��ائ�ل��ه م�ق��ارن��ة بني‬ ‫فال�ستاف و هريفوكت ممثل نابليون الثالث ــ‬ ‫وال��ذي يف�ضحه وي�سخر منه يف كتيب �شهري‪.‬‬ ‫مل يظهر فال�ستاف يف م��را��س�لات م��ارك����س و‬ ‫ر�أ�س املال فقط‪ ،‬بل �أي�ضا يف �أعمال �أخرى ‪.‬اذ‬ ‫�أن مارك�س ي�سخر يف كتابه النقد الأخالقي‬ ‫و�أخالقية النقد‬ ‫امل��وج��ه �ضد امل ��ادي ك��ارل هين�سن م��ن ت�أكيد‬ ‫الأخ�ير على �أن احلكومات امللكية هي ال�سبب‬

‫الرئي�س للفقر واملحن ‪ .‬و�أث�ن��اء �سخريته من‬ ‫مناق�شات هين�سن ي�شري مارك�س �إىل عبودية‬ ‫الواليات اجلنوبية جلمهورية �أمريكا‪ ،‬والتي‬ ‫ازده� ��رت م��ن دون وج ��ود ن �ظ��ام م�ل�ك��ي‪ ،‬ومن‬ ‫املمكن �أن تتوافق م��ع رغبة فال�ستاف ‪ ،‬وان‬ ‫مناق�شات كهذه رخي�صة برخ�ص نبات العليق‬ ‫‪ .‬وكثريا ما ن�شاهد �صورا �شك�سبريية �أخرى‬ ‫ل��دى مارك�س كما ج��اء يف كتابه الثامن ع�شر‬ ‫م��ن ب��روم�ير حيث يتكلم ع��ن بطله بالكلمات‬ ‫التالية ‪ :‬انه‪ ،‬وهو الفا�سق املاكر القدمي‪ ،‬ينظر‬ ‫�إىل احلياة التاريخية لل�شعوب وجميع املا�سي‬ ‫التي حتملها ه��ذه احل�ي��اة كنظرته �إىل ملهاة‬ ‫ب�أكرث املعاين اب�ت��ذاال‪ ،‬واىل م�سخرة ال تعني‬ ‫فيها املالب�س الفخمة واملواقف �شيئا ماعدا �أنها‬ ‫تخفي �أحقر النذاالت ‪ .‬ويف �أثناء الغارة التي‬ ‫�شنها نابليون على (بولون) �ألب�س بع�ض اخلدم‬ ‫اللندنيني البزات الع�سكرية الفرن�سية‪� ،‬إذ �أنهم‬ ‫كانوا ميثلون اجلي�ش ‪ .‬ويف جمعية العا�شر‬ ‫من كانون الأول ح�شد ع�شرة �آالف من الأوغاد‬ ‫كان عليهم �أن ي�ؤدوا دور ال�شعب‪ ،‬وكم نرى ــ نك‬ ‫بوتوم ــ ي�ؤدي دور الأ�سد ‪.‬‬ ‫�إن �أول �شخ�صية �شك�سبريية ظهرت يف ر�أ�س‬ ‫مال مارك�س هي �شخ�صية هزلية الأرملة كوكلي‬ ‫‪� ،‬صديقة فال�ستاف ويف الف�صل الأول من الكتاب‬ ‫الذي يتحدث عن القيمة ‪ .‬وكما نعرف �إن الأرملة‬

‫كوكلي �صاحبة احلانة واملولعة ب�شرب اخلمرة‬ ‫ــ كانت �أرملة مرحة جدا ‪� .‬إ�ضافة �إىل �أنها متثل‬ ‫�شخ�صية مكررة كثريا يف �أعمال �شك�سبري ‪� .‬إذ‬ ‫�أنها تظهر يف كال جزئي م�سرحية هرني الرابع‬ ‫‪ ،‬ويف اجلزء الأول من م�سرحية هرني اخلام�س‬ ‫‪ ،‬ويف م�سرحية ثرثارات وند�سور املرحات ‪.‬‬ ‫وم��ن �صفات كوكلي �إنها كانت مو�ضع �شجار‬ ‫�أينما حلت‪ ،‬ومن عادتها‪ ،‬ومن عادتها الك�شف‬ ‫عن �أ�سرار �شخ�صية ووقائع مثرية ‪� .‬إنها امر�أة‬ ‫وقحة وثرثارة وم�ستعدة لل�شجار يف �أي وقت‪،‬‬ ‫النقود‪ ،‬ولها‬ ‫وذو �إح�سا�س حاد حول قيمة‬ ‫اال�ستعداد �إن تعمل كل ما مطلوب منها من �أجل‬ ‫احل�صول على الثمن ‪ .‬وتظهر كوكلي يف الف�صل‬ ‫الأول من ر�أ�س املال الذي يتناول حتليل ال�سلع‪،‬‬ ‫حيث يتحدث مارك�س ع��ن قيمة امل ��ادة ليقود‬ ‫القارئ �إىل ا�ستنتاجه ال�شهري ب�أنه لي�ست ثمة‬ ‫ذرة واح��دة من امل��ادة الطبيعية لل�سلعة تدخل‬ ‫يف املادة من حيث قيمتها ‪ .‬وبعد التو�صل �إىل‬ ‫هذا اال�ستنتاج املهم وال�صعب يف الوقت نف�سه‪،‬‬ ‫يبد�أ مارك�س بت�سلية القارئ بالإ�شارة �إىل �أن‬ ‫احلقيقة التي حتللها قيمة الب�ضاعة تختلف‬ ‫عن �صديقة (فال�ستاف) الأرملة‪� ،‬إذ �أننا ال نعلم‬ ‫�أين جندها‪� .‬إ�ضافة �إىل �أن قيمة الب�ضائع هي‬ ‫الت�ضاد ال�صارخ م��ع فظاظة ج�سم الب�ضاعة‪،‬‬ ‫ولي�س ثمة ذرة واحدة من املادة تنفذ �إىل قيمتها‬ ‫‪ .‬وهذا ما يندر قوله عن كوكلي والتي يقال عنها‬ ‫ب�أنه ميكن احل�صول عليها يف �أي وقت يف لندن‪،‬‬ ‫يف اي�سرت جيب يف حانة بروز هيد ‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫�أنها غالبا ما تتواجد قريبا من فال�ستاف الذي‬ ‫ت�صرخ به بعد احد ف�ترات ال�شراب املنتظمة ‪:‬‬ ‫لقد حالفك النجاح‪ ،‬عرفتك خالل ت�سع وع�شرين‬ ‫�سنة كقرن البازال ‪� ،‬أمينا خمل�صا ‪،‬لقد حالفك‬ ‫النجاح ‪.‬‬ ‫يف الف�صل الأول من ر�أ�س املال ‪ ،‬الف�صل الذي‬ ‫ي��دور ح��ول الب�ضاعة‪ ،‬والعالقة املتبادلة بني‬ ‫اخل�صائ�ص امل��ادي��ة لل�سلعة‪ ،‬قيمة اال�ستعمال‬ ‫وقيمة اال�ستبدال ‪ .‬وعندما يتم تو�ضيح هذه‬ ‫العملية‪ ،‬يظهر �شك�سبري ثانية حل��د الآن مل‬ ‫يكت�شف �أي كيميائي قيمة تبادلية يف ل�ؤل�ؤة �أو‬ ‫يف ما�سة ‪� .‬إن علماء االقت�صاد الذين اكت�شفوا‬ ‫وابتكروا مواد كيميائية من هذا النوع‪ ،‬والذين‬ ‫يزعمون امليل �إىل التعمق‪ ،‬يجدون �أن القيمة‬ ‫النافعة للأ�شياء هي ملك لهذه الأ�شياء مبعزل عن‬ ‫خ�صائ�صها املادية‪ ،‬يف حني �إن قيمتها هي ملك‬ ‫لها من حيث كونها �أ�شياء ‪� .‬إن ما يثنيهم عن هذا‬ ‫الر�أي هي الظروف الغريبة املتمثلة ب�أن القيمة‬ ‫النافعة للأ�شياء ال تتحقق بالن�سبة للإن�سان‬ ‫دون عملية تبادل‪ ،‬يعني يف عالقة مبا�شرة بني‬ ‫ال�شيء والإن�سان‪ ،‬يف حني �إن قيمتها هي على‬ ‫العك�س‪ ،‬ال حتقق �إال يف التبادل ــ يعني يف عالقة‬ ‫اجتماعية ‪ .‬من منا ال يذكر �شخ�صية دوجربي‬ ‫والدر�س الذي يلقنه لـ �سيكول احلار�س الليلي‬ ‫‪� ( :‬أقبل يا جارنا �سيكول‪ ،‬لقد �أنعم الله عليك‬ ‫با�سم ح�سن ‪�،‬آن ح�سن املظهر حبوة القدر‪ ،‬ولكن‬ ‫معرفة القراءة والكتابة متنحها الطبيعة ) �إن‬ ‫املحادثة ما بني احل��را���س يف م�سرحية �ضجة‬ ‫كثرية لال�شيء ميكن الإ��ش��ارة �إليها على �أنها‬ ‫�أحد م�شاهد �شك�سبري الأكرث جناحا ــ �إنها حتتل‬ ‫مكانا مهما يف امل�سرحية ــ التي �سبقها مبا�شرة‬ ‫م�شهدا تراجيدي متوتر‪ .‬ي�أتي دون جون �إىل‬ ‫غرفة ليوناتو ‪ ،‬ويخرب كلوديا�س ع��ن خيانة‬ ‫فتاة �أحالمه احللوة ــ ت�شكل هذه الأنباء الزائفة‬ ‫�أ�سا�سا ملكيدة الكوميديا ــ‪ ،‬يعي�ش كلوديا�س يف‬ ‫خيبة �أمل‪ ،‬يتعهد جون دون ب�أن يربهن له حقيقة‬ ‫الأنباء الزائفة املزعجة ‪ .‬وبعد ذلك يعطي امل�شهد‬ ‫الثالث من الف�صل الثالث بديال هزليا ‪ :‬يعطي‬ ‫دوجربي الطيب القلب ــ توجيهات �إىل احلرا�س‬ ‫الليليني‪ ،‬ين�صحهم �إن ال عالقة لهم بالل�صو�ص‪،‬‬ ‫وبناء على ذل��ك‪� ،‬إن ال يحتجزوا �أو ي�سجنوا‬ ‫ال�شخ�صيات امل�شكوك فيها من غري احل�صول‬ ‫على اذن منه ‪ .‬مبعنى �آخر يريد �أن ي�شعرهم من‬ ‫خالل توجيهاته انه مل يعد هنالك حقا من �شيء‬ ‫للحرا�س الليليني �أن يقوموا به على الإطالق‬ ‫‪ .‬ويف احل ��وار ذات ��ه ب�ين احل��را���س الليليني‪،‬‬ ‫يقتب�س مارك�س قول دوجربي الذي يدور حول‬ ‫النظرات الطيبة وقابلية قراءة وكتابة الأحداث‬

‫‪ .‬وبعد �أن يلج�أ مارك�س مرتني �إىل �شك�سبري‬ ‫م��ن �أج��ل تو�ضيح نظرية القيمة‪ ،‬نالحظ �أنه‬ ‫ي�ل�ج��أ م��رة �أخ� ��رى �إىل �شك�سبري يف الف�صل‬ ‫ال �ث��اين م��ن ر�أ� ��س امل ��ال‪ ،‬ويف ف�صل املبادالت‬ ‫م��ن �أج��ل تو�ضيح م�س�ألة مهمة ج��دا تتعلق بـ‬ ‫عن�صر مهم يف التطور التاريخي لأهمية النقد‬ ‫‪� ،‬إىل جانب تعمق دورة ال�سلعة ‪ .‬يوجد هناك‬ ‫ازدياد يف قوة النقود ــ ذلك ال�شكل االجتماعي‬ ‫العام للرثوة ــ التي تكون دائما رهن الإ�شارة ‪.‬‬ ‫ي�صبح كل �شيء قابال للبيع وال�شراء‪ ،‬وت�صبح‬ ‫الدورة الرد االجتماعي احلا�سم التي يرجع لها‬ ‫كل �شيء‪ ،‬وتربز من جديد على �شكل بلور ذهبي‬ ‫‪ .‬وقد مت التعبري عن هذه الفكرة يف مقطوعة‬ ‫من �أحد م�سرحيات �شك�سبري امل�شهورة تيمون‬ ‫�أثينا ‪ ،‬التي تعد �أحد �أهم �أعماله الفل�سفية التي‬ ‫تتناول �سلطان الذهب على النا�س ‪ .‬يف امل�شهد‬ ‫الثالث من الف�صل الرابع ي�ضع �شك�سبري على‬ ‫ل�سان تيمون �أثينا املنولوج ال�شهري الذي يدور‬ ‫حول �سلطان الذهب‪ ،‬وكان املوقف الدراماتيكي‬ ‫ك��الآت��ي ‪ :‬هجره و�سخر منه �أ��ص��دق��ا�ؤه الذين‬ ‫�أغدق عليهم ب�أمواله عندما كان غنيا‪ ،‬لكن الذي‬ ‫جعله مو�ضع �سخرية وازدراء هو نفاد ثروته‬ ‫‪ .‬ينف�ض تيمون ت��راب �أثينا م��ن حت��ت قدميه‬ ‫ويبحث عن ملج�أ له يف كهف يف الغابة القريبة‬ ‫من البحر ‪ .‬ومن �أجل �أن ي�شبع جوعه يبحث عن‬ ‫جذور النباتات كغذاء له‪ ،‬ويبد�أ بحفر الأر�ض ‪.‬‬ ‫وفج�أة يعرث على كنز حيث يبد�أ بقول املنولوج‬ ‫التايل ‪:‬‬ ‫�أيها الذهب الثمني‪� ،‬أيها الذهب الرباق !‬ ‫هذا ذهب يكفي ليجعل الأ�سود �أبي�ض‪ ،‬والقبيح‬ ‫جميال‬ ‫والظامل ع��ادال‪ ،‬واللئيم نبيال‪ ،‬والعجوز فتية‪،‬‬ ‫واجلبان با�سال‬ ‫ما هذا �أيتها الآلهة اخلالدة‬ ‫هذا ما ي�شغل الكهنة وخدمهم عن مذابحكم ‪،‬‬ ‫هذا النقد الأ�صفر ــ يبني ويهدم �أديانكم‬ ‫وي�سلب و�سائد الرجال من حتت ر�ؤو�سهم‬ ‫ي �ب��ارك امل�لاع�ين‪ ،‬وي�ج�ع��ل الأب��ر���ص الأبي�ض‬ ‫معبودا ‪:‬‬ ‫ان ��ه ه��و ال ��ذي ي���ض��ع ال�ل���ص��و���ص ع�ل��ى مقاعد‬ ‫ال���ش�ي��وخ‪ ،‬مينحهم �أل�ق��اب�ه��م وم��ا يحيط بهم‬ ‫م��ن اح�ت�رام وخ �� �ض��وع‪ ،‬ان��ه ه��و ال ��ذي يجعل‬ ‫الأرم �ل��ة العجوز البالية عرو�سا �صبية‪ ،‬هيا‬ ‫�أيها ال�صل�صال امللعون ‪ ....،‬يا قوادة اجلن�س‬ ‫ال�ب���ش��ري �أم ��ا يف ال�ف���ص��ل ال ��ذي ي ��دور حول‬ ‫نهار العمل وال��ذي يتناول ا�ستغالل الأطفال‪،‬‬ ‫يعود مارك�س ثانية �إىل �شك�سبري عندما حتتج‬ ‫ال�برول�ي�ت��اري��ا على ق��ان��ون امل�ستغلني (بك�سر‬ ‫الغني)‪ ،‬حيث ي�شغلون �أوالدا ترتاوح �أعمارهم‬ ‫ما بني ( ‪ 8‬ــ ‪ ) 12‬عاما حتى ال�ساعة الثامنة‬ ‫والن�صف م�ساء ا�سوة بال�شغيلة البالغني ‪� .‬إذ �أن‬ ‫ر�أ�س املال يجيب ‪ :‬ــ‬ ‫فليقع عبء �أعمايل على ر�أ�سي !‬ ‫�أريد حقي ‪ :‬تنفيذ عقدي وجميع ما ن�ص عليه‬ ‫كانت ه��ذه كلمات �شايلوك يف م�سرحية تاجر‬ ‫البندقية يف حالة ع��دم متكن الأخ�ير دف��ع دين‬ ‫�شايلوك ‪ .‬وعندما ي�ستمر مارك�س يف مناق�شته‬ ‫ال�ستغالل الأطفال يتذكر كلمات �شايلوك ويقول‬ ‫‪ :‬ان عني ر�أ�س املال النفاذة اكت�شفت �إن قانون‬ ‫‪ 1844‬كان مينع حقا ت�شغيل العمال �أك�ثر من‬ ‫خم�س �ساعات قبل الظهر‪ ،‬دون فرتة راحة قدرها‬ ‫على الأقل ن�صف �ساعة ال�ستعادة الن�شاط‪ ،‬وكما‬ ‫ين�ص �أي�ضا على �شيء مماثل بالن�سبة للعمل‬ ‫الذي يجري بعد الظهر ‪ .‬مع ذلك‪ ،‬ح�صل ر�أ�س‬ ‫امل��ال على م��راده ــ لي�س فقط ب��أن يرهق �أوالدا‬ ‫يف الثامنة من �أعمارهم‪ ،‬ومن ال�ساعة الثانية‬ ‫حتى ال�ساعة التا�سعة من دون انقطاع‪ ،‬بل �أي�ضا‬ ‫ت�صوميهم وجتويعهم ‪ :‬ــ‬ ‫اللهم هو غايتي‬ ‫ه �ك��ذا ت �ق��ول ال��وث�ي�ق��ة ‪ ( ..‬م�سرحية ـ �ـ تاجر‬ ‫البندقية ــ الف�صل الرابع‪ ،‬البيتان ‪ 51 ،50 :‬ان‬ ‫طريقة كهذه يف الت�شبث بحرفية ق��ان��ون عام‬ ‫‪ ،1844‬من حيث �أنه ينظم عمل الأوالد‪ ،‬مل تكن‬ ‫تهدف �إال �إىل تهيئة التمرد ال�صريح املك�شوف‬ ‫�ضد القانون نف�سه‪ ،‬م��ن حيث ان��ه ينظم عمل‬ ‫املراهقني والن�ساء‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫شكسبير ‪ ..‬هل هو شكسبير حقا؟‬ ‫بيل بري�سون‬ ‫ترجمة ‪ /‬عادل العامل‬

‫ك�ثر احل��دي��ث م�ن��ذ م��دة ط��وي�ل��ة ب���ش��ان حقيقة الكاتب‬ ‫امل�سرحي االنكليزي ال�شهري �شك�سبري ‪ .‬فقد ت�شكك كثريون‬ ‫يف �أن يكون وليام �شك�سبري ‪� ،‬إبن بلدة �سرتاتفورد ‪ ،‬هو‬ ‫كاتب هذه امل�سرحيات الرائعة ‪ ،‬حتى جتاوز عدد الكتب‬ ‫املتعلقة بهذه امل�س�ألة املحيرّ ة اخلم�سة �آالف كتاب ‪ ،‬كما‬ ‫جاء يف عر�ض لكتاب بيل بري�سون ( �شك�سبري ) من خالل‬ ‫مقت َب ٍ�س منه ‪.‬‬ ‫ذلك �أن هذه امل�سرحيات تفي�ض باطالع وا�سع جد ًا ــ على‬ ‫القانون ‪ ،‬الطب ‪� ،‬إدارة الدولة ‪ ،‬حياة البالط ‪ ،‬ال�ش�ؤون‬ ‫الع�سكرية و الع�صور القدمية ‪ ...‬ــ �إىل حدٍ ال ميكن �أن‬ ‫تكون معه من نتاج رجل ريفي واح��د قليل التعليم ‪ .‬و‬ ‫�أحد االفرتا�ضات املطروحة هو �أن وليام �شك�سبري هذا‬ ‫ال يتعدى كونه ممث ًال ثانوي ًا يف �سرتاتفورد �أعار ا�سمه‬ ‫ل�صاحب موهبة �أعظم مل يكن بو�سعه ‪ ،‬ل�سبب �أو لآخر ‪،‬‬ ‫�أن يكون معروف ًا ككاتب م�سرحي ‪.‬‬ ‫كتاب واحد‬ ‫و هناك من ي�شري �إىل �أن �شك�سبري مل يكن لديه ٌ‬ ‫َ‬ ‫عار من و�سطه �إىل ما دون ‪.‬‬ ‫‪ ،‬بل و �أنه ق�ضى حياته‬ ‫ن�صف ٍ‬ ‫و ما يُفتقر �إليه هنا هو الدليل فقط ‪ ،‬ال املظهر �أو الكتب ‪.‬‬ ‫فقد ذكر وليام روبن�شتاين ‪ ،‬و هو ا�ستاذ جامعة ويلز ‪،‬‬ ‫يف م�ستهل درا�سته امليدانية امل�ضادة ل�شك�سبري �أن �أ ّي ًا من‬ ‫الوثائق الـ ‪ 75‬التي ت�س ّمي �شك�سبري ال تهتم بعمله كم�ؤلف‬ ‫‪ .‬و هذا لي�س بالر�أي القريب من املعروف‪ .‬ففي تقارير‬

‫عام ‪ 1604‬ــ ‪ 1605‬من �سجل امل�سرحيات املنجزة �أمام‬ ‫امللك ‪ ،‬يرد ذكر �شك�سبري �سبع مرات كم�ؤلف للم�سرحيات‬ ‫املقدمة ‪ ،‬كما يُذكر ا�سمه يف بع�ض طبعات م�سرحياته ‪،‬‬ ‫حيث ي�صفه �أحدهم ب�أنه واح��د من �أعظم ك ّتاب الع�صر‬ ‫امل�سرحيني العظام �إن ما تفتقر �إليه ال�سجالت املعا�صرة‬ ‫لي�س الوثائق التي تربط �شك�سبري ب�أعماله ‪ ،‬و �إمنا‬ ‫�شخ�ص �آخر بها ‪ .‬فما الذي جعل‬ ‫الوثائق التي تربط �أي‬ ‫ٍ‬ ‫البع�ض يرى �أن امل�سرحيات لي�ست من ت�أليف �شك�سبري ‪،‬‬ ‫�إبن بلدة �سرتاتفورد ‪ ،‬يا ُترى ؟‬ ‫تبد�أ الق�صة بامر�أة �أمريكية غريبة الأط��وار ُتدعى ديليا‬ ‫باكون ‪ ،‬املولودة يف عام ‪ ، 1811‬و كانت المع ًة و لطيفة‬ ‫لكنها غ�ير م ّتزنة ‪ ،‬لأ��س�ب��اب منها ‪ ،‬كما يبدو ‪� ،‬صدمة‬ ‫�أ�صابتها من جتربة حب فا�شلة مرت بها ‪ .‬و قد �أ�صبحت‬ ‫ل�سبب ما ‪ ،‬ب�أن الفيل�سوف وال�سيا�سي االنكليزي‬ ‫مقتنع ًة ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فران�سي�س باكون (‪ 1561‬ــ ‪ ، )1626‬ال��ذي ي�شبهها يف‬ ‫اال�سم العائلي ‪ ،‬هو م�ؤلف �أعمال �شك�سبري ‪ .‬و قد ا�ستندت‬ ‫يف ر�أيها هذا ‪ ،‬ال �إىل وثائق �أو معلومات من الأر�شيفات‬ ‫و املتاحف ‪ ،‬بل �إىل معلومات من الأماكن التي عا�ش فيها‬ ‫فران�سي�س باكون ‪ .‬و مع هذا ‪ ،‬فهي ال تذكر عنه �شيئ ًا يف‬ ‫درا�ستها (فل�سفة م�سرحيات �شك�سبري)‪ .‬و توفيت ديليا‬ ‫باكون هذه م�ضطربة العقل يف عام ‪ ، 1859‬و هي تعتقد‬ ‫ب�أنها ( الروح القد�س ) ! و قد �أ�صبح لنظريتها ‪ ،‬مع هذا ‪،‬‬ ‫م�ؤيدون عديدون منهم الكاتبان ال�شهريان مارك توين و‬ ‫هرني جيم�س ‪.‬‬ ‫و كان لأ�ستا ٍذ يُدعي توما�س لوين يف عام ‪ 1918‬ر�أيٌ‬ ‫�آخ��ر ت�ض َّمنه كتابه ( �شك�سبري املُماهى ‪identified‬‬ ‫) ‪ ،‬و هو �أن امل�ؤلف الفعلي لأعمال �شك�سبري كان �أيرل‬

‫�أوك�سفورد القرن ال�سابع ع�شر ‪� ،‬إدوارد دي فري ( و �أيرل ‪،‬‬ ‫هنا ‪ ،‬لقب انكليزي �أدنى من ماركيز ــ املرتجم ) ‪ .‬و بالرغم‬ ‫من �أن �إدوارد هذا كان ذكي ًا و �شاعر ًا و كاتب ًا م�سرحي ًا‬ ‫�أي�ض ًا ‪� ،‬إال �أنه كان يفتقر �إىل �سمات احلكمة ‪ ،‬و الهدوء ‪ ،‬و‬ ‫االعتدال ‪ ،‬و الرحمة ‪ ،‬التي م َّيزت م�ؤلف �أعمال �شك�سبري‬ ‫املعروفة ‪� .‬إ�ضاف ًة �إىل �أن لوين مل يورد دلي ًال واحد ًا مقنع ًا‬ ‫على ال�سبب الذي جعل �صاحب ُخ َيالء مثل �إدوارد يخفي‬ ‫هويته يف �أعمال رفيعة امل�ستوى هكذا ‪.‬‬ ‫و جاء وكيل مطبعة نيو يوركية يدعى كالفن هوفمان‬ ‫‪ ،‬و راح يحاول �إث�ب��ات �أن م�ؤلف �أع�م��ال �شك�سبري هو‬ ‫‪ ،‬يف احلقيقة ‪ ،‬كري�ستوفر مارلو ‪ ،‬و كان يف مثل �سن‬ ‫�شك�سبري تقريب ًا ‪ .‬ثم كان هناك مر�شح �آخر لهذا العمل ‪ ،‬و‬ ‫هي الكونني�سة ماري �سيدين ‪ ،‬و قد ا�ستدل �أن�صار هذه‬ ‫الفكرة على ذلك بجملة من الأمور ‪ ،‬مثل وجود ممتلكات‬ ‫لها يف �آفون ‪ ،‬و كونها متعلمة و من �أ�سرة �أدباء ‪� ،‬إذ كان‬ ‫خالها روبرت دَديل ‪� ،‬أيرل لي�س�سرت ‪ ،‬و �أخوها ال�شاعر‬ ‫�سري فيليب �سيدين ‪ .‬لكن من دون �شيءٍ يربطها ب�شك�سبري‬ ‫‪ .‬و هناك نظرية �أخرى تقول �إن م�سرحيات �شك�سبري على‬ ‫درجة عالية من الذكاء و �سعة االطالع ال يُحتمل معها �أن‬ ‫�شخ�صا واحدا!‬ ‫يكون م�ؤلفها‬ ‫ٌ‬ ‫و على كل حال ‪ ،‬ف�إن هناك �أكرث من ‪ 50‬مر�شح ًا كبدالء‬ ‫ل�شك�سبري ‪ .‬و الأم� ��ر ال ��ذي ت �ك��اد ت���ش�ترك ف�ي��ه جميع‬ ‫النظريات هو االقتناع ب�أن وليام �شك�سبري كان بطريقةٍ‬ ‫ُر�ض كم�ؤلف مل�سرحيات المعة‪ ،‬و هذا �أمر غريب‬ ‫ما غري م ٍ‬ ‫متام ًا يف الواقع!‬

‫عن ال�صنداي تاميز‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫‪14‬‬

‫العدد (‪)2367‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )18‬كانون الثاين ‪2012‬‬

‫العدد (‪)2367‬ال�سنة التا�سعة ‪ -‬االربعاء (‪ )18‬كانون الثاين ‪2012‬‬

‫‪15‬‬

‫كيف نتعامل مع مسرح شكسبير؟‬

‫�سامي عبد احلميد‬ ‫كانت اللوحة الأوىل املمنوحة عام ‪ 1856‬ل�صالة ال�صور الوطنية اجلديدة يف لندن لوليام‬ ‫�شك�سبري قد ادخرت �آنذاك باعتبارها تعود لرمز �أدبي من رموز بريطانيا‪ ،‬وعر�ضت يف‬ ‫�آذار املا�ضي ملنا�سبة الذكرى ‪ 150‬للمتحف‪ .‬لكن هل هذه ال�صورة ( الت�شاندوز) ‪chandos‬‬ ‫املزعومة متثل �شك�سبري ً‬ ‫حقا؟ ويف الواقع‪ ،‬هل �أي من ع�شرات اللوحات والر�سوم املنقو�شة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حقيقيا بالرجل الذي ولد يف بلدة �سرتاتفورد‪� -‬أبون‪-‬‬ ‫�شبها‬ ‫�أو املحفورة لـ(�شك�سبري) توفر‬ ‫�أفون عام ‪ 1564‬وتويف هناك عام ‪1616‬؟ هذان هما ال�س�ؤاالن املركزيان اللذان وجههما‬ ‫ً‬ ‫"بحثا عن �شك�سبري"‪.‬‬ ‫املتحف املذكور يف معر�ضه الفاتن‪،‬‬

‫بقلم‪� /‬أالن رايدنغ‬ ‫ترجمة‪ /‬عادل �صادق‬ ‫ولهذا الغر�ض‪ ،‬قام غالريي ال�صور الوطني للمرة‬ ‫الأوىل باجلمع بني اللوحات الزيتية ال�ست التي‬ ‫قيل تكرار ًا انها ت�صور �شك�سبري كما قدمت‪ ،‬من‬ ‫اجل املزيد من املقارنة‪ ،‬منقو�شة له من عام ‪1623‬‬ ‫يف (الكتاب الأول) من م�سرحياته املجموعة‪،‬‬ ‫ا�ضافة اىل قالب ج�صي للتمثال الن�صفي الذي‬ ‫و��ض��ع ف��وق ق�بره يف كني�سة ال�ث��ال��وث االقد�س‬ ‫يف �سرتاتفورد يف وقت ما بني عامي ‪ 1620‬و‬ ‫‪.1623‬‬ ‫حَ �سن‪ ،‬واجلواب؟ ميكننا القول انه مع كل ال�ضوء‬ ‫الذي �سلطه �شك�سبري على الطبيعة الب�شرية‪ ،‬فان‬ ‫حياته هي تبقى حماطة بالظالل‪:‬‬ ‫تعليمه‪" ،‬ال�سنوات ال�ضائعة" بني ‪ 1585‬و‪،1592‬‬ ‫عالقاته بزوجته واط�ف��ال��ه‪ ،‬ب��ل ومظهره ‪ ،‬اجل‬ ‫جميعها امور خا�ضعة للحد�س والتخمني‪.‬‬ ‫مع هذا‪ ،‬فمن بني كل اللوحات املتناف�سة‪ ،‬برزت‬ ‫�صورة الت�شاندوز باعتبارها املناف�س االقوى‬ ‫هنا‪ ،‬وق��د �صرحت تارينا كوبر‪ ،‬امينة لوحات‬ ‫القرن ال�ساد�س ع�شر يف الغالريي‪ ،‬التي نظمت‬ ‫العر�ض‪ ،‬قائلة ‪ ":‬انها لي�ست باالمر الذي ال لب�س‬ ‫فيه كلي ًا‪ ،‬لكن الدليل قد ازداد‪ ،‬فهي ال�صورة التي‬ ‫من املحتمل ان متثل �شك�سبري‪ ،‬ولكن هل �سيكون‬ ‫لدينا حق ًا دليل ال لب�س فيه؟"‬ ‫وك��ان الغالريي‪ ،‬كجزء من بحثه‪ ،‬قد جمع ادلة‬ ‫وثائقية يف ما يتعلق بحياة �شك�سبري‪ ،‬مبا يف‬ ‫ذل��ك ت�صديق الكني�سة املكتوب على زواج��ه من‬ ‫(�آن هاثاوي) يف عام ‪ ،1582‬وت�سجيل االبر�شية‬

‫وجوه شكسبير‬

‫لتعميد طفلته الأوىل �سوزانا‪ ،‬يف ع��ام ‪،1583‬‬ ‫وت�ع�م�ي��د ت��و�أم �ه��ا ه��ام�ن�ي��ت وج��ودي��ث‪ ،‬يف عام‬ ‫‪ ،1585‬ودف��ن هامنيت بعد ‪� 11‬سنة وو�صية‬ ‫�شك�سبري‪ ،‬التي ترك فيها "فرا�شه االف�ضل الثاين"‬ ‫الرملته‪.‬‬ ‫كما ع��ر���ض املعر�ض ازي ��اء امل�سرح تلك الفرتة‬ ‫وطبعات من م�سرحياته "قيا�س قطع الربع"‪-‬‬ ‫وحملت ا�سمه بعد عام ‪ 1598‬فقط‪ -‬و�صور ًا قيل‬ ‫انها لكاتبني زميلني له‪ ،‬بن جون�سون وجون دون‪،‬‬ ‫ا�ضافة لراعي �شك�سبري الأول‪ ،‬هرني ريوتيل�سي‪،‬‬ ‫ايرل �ساوثامبتون‪.‬‬ ‫غري ان ب�ؤرة الرتكيز كانت �شك�سبري نف�سه‪ ،‬وقد‬ ‫تو�صل ال�غ��ال�يري بعد �أك�ث�ر م��ن ث�لاث �سنوات‬ ‫م��ن ال��درا��س��ة واالخ�ت�ب��ارات اجلدلية اىل بع�ض‬ ‫اال�ستنتاجات فيما يتعلق بالكيفية التي كان يبدو‬ ‫بها‪.‬‬ ‫وقد اعطي وزنا للمنقو�شة ال��واردة يف (الكتاب‬ ‫الأول) ا��ض��اف��ة للتمثال الن�صفي يف كني�سة‬ ‫الثالوث االقد�س‪ ،‬وال�سبب يف ذلك انه يف كلتا‬ ‫احلالتني‪ ،‬من املفرت�ض ان النا�س الذين عرفوا‬ ‫�شك�سبري‪ -‬ا�سرته‪ ،‬واع�ضاء فرقته امل�سرحية‪ -‬قد‬ ‫تقبلوها ك�أمرين يجمع بينهما الت�شابه‪.‬‬ ‫وبينما يظهره التمثال الن�صفي مدور الوجنتني‬ ‫وم��زده��ر ًا‪ ،‬ت�صوره املنقو�شة م�ه��زو ًال وا�صغر‬ ‫�سن ًا‪.‬‬ ‫وعلى كل ح��ال‪ ،‬ف��ان اخلا�سر الكبري هنا هي ما‬ ‫يدعى ب�صورة الفلور ‪ ،Flower‬وهي �صورة‬ ‫م�ستن�سخة يف الغالب وت�شبه منقو�شة (الكتاب‬ ‫الأول) مل��ارت��ن دور�� �ش ��ارت اال� �ض �غ��ر‪ ،‬وم ��ع ان‬ ‫اللوحة الزيتية تعود بتاريخها اىل عام ‪،1609‬‬ ‫ف��ان فح�ص ًا تقني ًا اثبت انها ��ص��ورة م��ن القرن‬

‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬

‫التا�سع ع�شر ر�سمت ف��وق ل��وح��ة ايطالية من‬ ‫القرن ال�ساد�س ع�شر ملرمي العذراء والطفل‪" .‬وقد‬ ‫خدعت ال��دار��س�ين ك��ل ه��ذه امل��دة الطويلة" كما‬ ‫علقت كوبر‪.‬‬ ‫كما �صرف النظر عن ال�صورة املدعوة ب�صورة‬ ‫جان�سني ‪ ،Janssen‬التي تعود ملكتبة �شك�سبري‬ ‫يف وا�شنطن‪ ،‬وهي مكتوب عليها عمر اجلال�س‪،‬‬ ‫‪ 46‬يف ع ��ام ‪ ،1619‬وي �ت��زام��ن ه ��ذا م��ع عمر‬ ‫�شك�سبري‪.‬‬ ‫غري ان اختبارات �أجريت يف عام ‪ 1988‬اظهرت‬ ‫ان اللوحة اال�صلية ق��د مت التالعب بها الظهار‬ ‫رجل يزحف على ر�أ�سه ال�صلع وميكن ان يح�سب‬ ‫انه �شك�سبري‪ ،‬وقد ا�ستعيد خط �شعر اجلال�س فيما‬ ‫بعد‪.‬‬ ‫وه�ن��اك ال�ل��وح��ة امل�ع��روف��ة ب���ص��ورة ال�سوي�ست‬ ‫‪ soest‬التي ابرزت اي�ض ًا باعتبارها متثل �شبه ًا‬ ‫حقيقي ًا اال انها تو�صف الآن بانها �صورة تذكارية‪.‬‬ ‫�أي انها ر�سمت بعد موت �شك�سبري بن�صف قرن‪.‬‬ ‫وهي لوحة ح�سية‪ ،‬متثل اجلال�س مرتدي ًا ثياب ًا‬ ‫كثرية كما هي احلال مع �صورة الت�شاندوز‪ .‬كما‬ ‫انها ت�شري اىل ان �شك�سبري �آخ��ذ‪ ،‬عند منت�صف‬ ‫القرن ال�سابع ع�شر‪ ،‬بالعودة اىل الرواج‪.‬‬ ‫كما ت�ضمن العر�ض �صورتني قدمتا على انهما‬ ‫ل�شك�سبري ال�شاب‪ ،‬فقد مت تدوين عمر اجلال�س يف‬ ‫الزيتية املعروفة ب�صورة غرافتون‪ ،24،‬وتاريخ‬ ‫اللوحة ‪ ،1588‬وه��و ما ينطبق على �شك�سبري‪.‬‬ ‫لكن ما من �شيء �آخر يربطها بالكاتب امل�سرحي‪،‬‬ ‫ا�ضافة اىل ان اجلال�س م�صور بالثياب القرمزية‬ ‫اللون‪ ،‬وهو لون كانوا يفردونه يف ذلك الوقت‬ ‫للنبالة‪.‬‬ ‫واالكت�شاف االكرث حداثة هو ما يدعى ب�صورة‬

‫��س��ان��درز ‪ .sandars‬وه�ن��اك رق�ع��ة على ظهر‬ ‫ال �ل��وح تت�ضمن ال �ت��اري �خ�ين ال��دق�ي�ق�ين ل ��والدة‬ ‫�شك�سبري ووفاته‪ ،‬لكن يف القرن الثامن ع�شر فقط‬ ‫بد�أ االحتفال مبيالد �شك�سبري يوم ‪ 23‬ني�سان (كان‬ ‫تعميده يوم ‪ 26‬ني�سان ‪ ،1564‬واكرث من هذا ان‬ ‫اللوحة م�ؤرخة بعام ‪ ،1603‬حني كان �شك�سبري‬ ‫يبلغ من العمر ‪ 39‬عام ًا‪ ،‬غري ان اجلال�س يبدو‬ ‫ا�صغر من ذلك بكثري‪.‬‬ ‫واخري ًا‪ ،‬عالوة على ذلك‪ ،‬هناك �صورة الت�شاندوز‪،‬‬ ‫ال�ت��ي ارخ ��ت ب�ين ع��ام��ي ‪1600‬و ‪ .1610‬وهي‬ ‫ت�صور رج� ًلا ميكن ان يكون بحق الرجل نف�سه‬ ‫الذي يف منقو�شة ‪ 1623‬ومتثال الكني�سة‪ ،‬بخط‬ ‫ال�شعر امل�تراج��ع‪ ،‬واجل�ب�ه��ة ال�ع��ال�ي��ة‪ ،‬وال�شعر‬ ‫الطويل واللحية‪.‬‬ ‫وهو ي�ضع‪ ،‬يف ال�صورة قرط ًا باذنه اي�ض ًا‪ ،‬وكان‬ ‫ذلك �شائع ًا بني املمثلني يف وقت �شك�سبري‪ .‬ويف‬ ‫وق��ت مبكر كعام ‪ ،1719‬ذك��ر النقا�ش واالثري‬ ‫جورج فريتو انها كانت �صورة ل�شك�سبري ر�سمها‬ ‫جون تايلر وان هذا ورثها بو�صية لل�سري وليام‬ ‫ريفينانت‪ ،‬ابن �شك�سبري باملعمودية وهو نف�سه‬ ‫ك��ات��ب م�سرحي ذو �شهرة م��ن منت�صف القرن‬ ‫ال�سابع ع�شر‪.‬‬ ‫وهكذا فهل كان �شك�سبري هذا يف قرابة الأربعني‬ ‫من العمر؟‬ ‫يف القرن التا�سع ع�شر‪ ،‬مل يكن بع�ض االنكليز‬ ‫مييلون اىل ال�ف�ك��رة ‪ ،‬وق��د كتب ال�ن��اق��د ج‪.‬هني‬ ‫فري�سويل ق��ائ� ًلا "ال ميكن للواحد ان يت�صور‬ ‫عن طيب خاطر ان يكون �شك�سبرينا االنكليزي‬ ‫ب�صورة ا�سا�سية رج�ل ً�ا ثقي ًال‪ ،‬ق��امت ال �ل��ون‪ ،‬ذا‬ ‫تعبري اج�ن�ب��ي‪ ،‬وم�لام��ح ي �ه��ودي��ة‪ ،‬و��ش�ع��ر معد‬ ‫خفيف‪ ،‬وفم فا�سق بطريقة ما‪ ،‬وعينني حمراوي‬

‫احل��اف��ة‪ ،‬و��ش�ف��اه �شهوانية‪ ،‬ذوات تعبري فظ‪،‬‬ ‫واذناه مزينتان باالقراط"‪.‬‬ ‫ل�ك��ن ال���س�ي��دة ك��وب��ر‪ ،‬ال �ت��ي تعتقد ب ��ان �صورة‬ ‫ال �ت �� �ش��ان��دوز ه��ي � �ص��ورة "حمتملة ن��وع � ًا ما"‬ ‫ل�شك�سبري قالت ان فري�سول ميكن ان يكون قد‬ ‫خدعه طالء اللوحة اال�صفر الغامق‪" ،‬وال�صور‬ ‫لي�ست‪ ،‬وال ميكنها ان تكون اب��د ًا‪ ،‬دلي ًال �شرعي ًا‬ ‫على ال�شبه‪ ،‬واملقارنة امل�ستندة اىل التنا�سبات‬ ‫الوجهية لل�صورة ال ت�ع��زز ه��ذا لفهمنا �صور‬ ‫�شك�سبري املتنوعة املزعومة"‪.‬‬ ‫وقد قدمت م�ؤرخة الفن الأملانية هيلديغراد هومل‪،‬‬ ‫على كل حال‪ ،‬وجهة نظر �أكرث حتديد ًا‪ ،‬قائمة على‬ ‫اختبارات �شرعية وت�صوير كومبيوتري اجري‬ ‫يف املانيا‪.‬‬ ‫وبا�ستخدامها متثال ن�صفي ل�شك�سبري يف نادي‬ ‫غاريك وقناع م��وت مفرت�ض للكاتب امل�سرحي‪،‬‬ ‫قدمت �صورة كومبيوترية ل�شك�سبري "احلقيقي"‬ ‫تتزامن مع �صورتي الت�شاوندوز والفلور‪.‬‬ ‫لكن يف الوقت ال��ذي ف��ازت فيه هومل بعناوين‬ ‫ال�صحف يف بريطانيا تتعلق ب��ادع��ائ�ه��ا هذا‪،‬‬ ‫��س��رع��ان م��ا ان���ص��رف عنها دار� �س��ون م��ن معهد‬ ‫�شك�سبري يف �سرتاتفورد وم�س�ؤولون يف غالريي‬ ‫ال���ص��ور ال��وط �ن��ي‪ ،‬م��و��ض�ح�ين ان مت �ث��ال ن��ادي‬ ‫غاريك هو منحوته من القرن الثامن ع�شر‪ ،‬وان‬ ‫م�صداقية قناع املوت مل يتم اثباتها‪ ،‬وان �صورة‬ ‫الفلور مزيفة‪.‬‬ ‫ومن الوا�ضح ان البحث عن �شك�سبري يربهن على‬ ‫انه �أكرث خ�صب ًا من العثور عليه!‪.‬‬

‫عن‪ /‬االنرتن�شنال هريولد‬ ‫تربيون‬

‫خ�ل�ال ال �ق��رن ال�ع���ش��ري��ن ع��ال��ج امل �خ��رج��ون يف الغرب‬ ‫وال�شرق م�سرحيات �شك�سبري بر�ؤى خمتلفة وا�ساليب‬ ‫متنوعة‪( ،‬هاملت) مث ًال‪ ،‬قدمت على انها درام��ا �شاب‬ ‫م�ضطرب نف�سي ًا ويف غ��رف��ة اال�ستقبال او على انها‬ ‫دراما ع�صر الذرة لل�شخ�صيات املت�شظية‪ ،‬او على انها‬ ‫�سايكودراما عن عقدة اودي��ب‪ .‬وقدمتها انا نف�سي يف‬ ‫بغداد على انها درام��ا ت�أملية ل�شاب عربي متح�ضر يف‬ ‫بيئة عربية بدائية يتمرد على واقع املجتمع ويثور على‬ ‫الغدر واخليانة‪ .‬وا�ستند خمرجو (امللك لري) اىل ثيمات‬ ‫متنوعة اي�ض ًا فمنهم من اعتمد ثيمة عقوق االبناء ومنهم‬ ‫من اعتمد خرف ال�شيخوخة واعتمد اخرون النزاع على‬ ‫ال�سلطة وهكذا‪ .‬وعوجلت (عطيل) باعتبارها ت�صوير ًا‬

‫للتمييز العن�صري او ك�شف ًا لل�صراع على ال�سلطة او‬ ‫ته�شيم ًا لقيم الفرو�سية والنبل‪.‬‬ ‫وقدمتها انا يف بغداد اي�ض ًا على انها درام��ا يف مطبخ‬ ‫الحد الفنادق الكبرية حيث يعمل طباخون من خمتلف‬ ‫االجنا�س وحيث ال�صراع على املراكز‪ ،‬كما اين قدمت‬ ‫(حلم ليلة �صيف) على انها اح��دى حكايات ال��ف ليلة‬ ‫تقع احداثها يف بالد االندل�س‪ ،‬يف حني عاجلها املخرج‬ ‫االنكليزي الكبري (بيرت بروك) على وفق بيئة ال�سريك‬ ‫ولي�س الغابة‪.‬‬ ‫فلم هذا االختالف‪ ،‬ومل هذا التنوع؟ ال �شك ان الدافع‬ ‫االول له هو الرغبة يف التجديد‪ .‬اما ال�سبب فهو اختالف‬ ‫القراءات وبالتايل ال�سري مع متطلبات الع�صر‪ .‬وما دامت‬ ‫امل�سرحيات ال�شك�سبريية تنطوي على ابعاد �شمولية‬ ‫متعددة تظهر يف كل زم��ان ومكان ذل��ك ا�صبح بديهي ًا‬ ‫ان يلتقط ه��ذا املخرج فكرة من افكار ال�شاعر العظيم‬

‫بينما يلتقط االخر فكرة اخرى يكيفها ح�سب اهدافه‪.‬‬ ‫فال�صهاينة ال ينظرون اىل (تاجر البندقية) مثلما ينظر‬ ‫اليها ال�ع��رب‪ .‬ولكن ال��ذي يحدث احيان ًا يف بالدنا ان‬ ‫يتمادى بع�ض املخرجني يف تاليفهم اجلديد لن�صو�ص‬ ‫�شك�سبري امل�سرحية فيعمدون اىل اقتطاع اجزاء كبرية‬ ‫منه �أو اىل تغيري م�سارات حبكتها او اىل حذف البع�ض‬ ‫من �شخو�صها او اىل �شطر �شخو�ص اخ��رى ومن غري‬ ‫ادراك لقيمة وت ��أث�ير م��ا يفعلونه للمعاين وال�صور‪.‬‬ ‫فالن�ص ال�شك�سبريي ال يتميز ب�شخو�صه واحداثه‬ ‫فح�سب بل ببالغة كلماته وجملة اي�ض ًا‪ .‬وقد نخ�سر منها‬ ‫اذا ما جل�أنا اىل احلذف والتغيري‪ .‬ويف مناق�شة لر�سالة‬ ‫ماج�ستري عن امل�سرح ال�شك�سبريي علق احد اال�ساتذة‬ ‫املتخ�ص�صني قائ ًال عجيب امركم انتم ايها امل�سرحيون‬ ‫العراقيون فانتم تكربون �شك�سبري دائم ًا ومتتدحون‬ ‫ادب��ه امل�سرحي وتظهرون اعجاب ًا الح��د ل��ه بفنه ومع‬ ‫ذل��ك تعمدون دائم ًا اىل اال��س��اءة اليه وت�شوهون ادبه‬ ‫وتهم�شون فنه عندما تخرجون م�سرحياته‪ .‬وقد يكون‬ ‫لذلك اال�ستاذ احل��ق يف هجومه ولكن لي�س كل احلق‪،‬‬ ‫فم�س�ألة االخ�لا���ص لن�ص امل��ؤل��ف م��ا زال��ت م��دار بحث‬ ‫ونقا�ش‪ .‬وما دام االخراج تف�سري وابتكار اذن فمن حق‬ ‫املخرج ان يف�سر من وجهة نظره اخلا�صة‪ ،‬ومن حقه ان‬ ‫يبتكر وال يتم ذلك اال عن طريق اع��ادة تنظيم امل��ادة او‬ ‫امل�صدر ولكن لي�س من حقه ان ي�شوه‪ .‬ويف ح��وار مع‬ ‫املخرج االمريكي ال�شاب (مارك المو�س) قال‪« :‬ي�ستطيع‬ ‫املمثلون االم��ري�ك��ان تقدمي �شك�سبري با�سلوب اجنح‬ ‫من االنكليز‪ ..‬ذل��ك النهم يعاجلون ن�صو�صه القدمية‬ ‫با�ساليب ب�سيطة حديثة‪ ..‬انني ا�سمح لنف�سي ان اتعامل‬ ‫مع الن�ص امل�سرحي على انه م�سرحية جديدة»‪.‬‬ ‫ان التحدي اال�سا�سي الذي يواجه املخرجني يف جعل‬ ‫م�سرحيات �شك�سبري مقبولة لدى املتفرجني هذه االيام‬ ‫لي�س يف جعل �شك�سبري منا�سب ًا للع�صر‪ ،‬او يف الك�شف‬ ‫ع��ن اجل��وان��ب ال�سيا�سية يف م�سرحياته اذ ان جميع‬ ‫تلك امل�سرحيات تقريب ًا حتتوي على مواقف حا�ضرة‪،‬‬ ‫لها �صلة بزمننا‪ ،‬وامنا يف ازالة املفاهيم اجلامدة التي‬ ‫يحملها الكثري من م�سرحياته‪ .‬املهم تغيري االنطباع‬ ‫امل�سبق مع االحتفاظ باملادة اال�صلية‪ .‬واملهم النظر اىل‬ ‫اية م�سرحية من م�سرحياته من زاوية جديدة‪.‬‬

‫اليزال الشاعر األسطورة قبلة األنظار‬ ‫ترجمة ‪ :‬ف�ؤاد عبداجلبار‬ ‫�ستارتفورد التي على نهر افون يف انكلرتا وال�ساعة‬ ‫فيها االن ‪ 2:30‬ظهرا يف يوم بارد من �شهر كانون‬ ‫الثاين عندما دخل بول روان يف كني�سة الثالوث‬ ‫االقد�س ووقف امام قرب وليام �شك�سبري وقر�أ‬ ‫اللعنة التي نق�شت على �شاهد قربه‪:‬‬ ‫"بورك من يحفظ هذه االحجار"‬ ‫واللعنة على من يحرك عظامي هذه‬ ‫ماذا يعني هذا؟ ت�ساءل روان وهو مواطن يتحدث‬ ‫ال�صينية وي�صارع جاهدا ان يفهم ا�سلوب اللغة‬ ‫االنكليزية القدمي‪ .‬انه حتذير لكل من يعبث بهذه‬ ‫العظام الذي �ستحل عليه اللعنة‪ ،‬اجابه نيغل‬ ‫بني البالغ ‪ 67‬ويقدم اخلدمات يف هذه الكني�سة‬ ‫التاريخية على نهر افون‪ ،‬وا�سرت�سل قائال‪" :‬لقد‬ ‫ع ّمد �شك�سبري يف احلو�ض احلجري للكني�سة والذي‬ ‫متل�ؤه االن الزهور اال�صطناعية واملو�ضوعة على‬ ‫احلجر الذي يعلو قربه حني دفن عام ‪1616‬م"‪.‬‬ ‫لقد كان املتعارف عليه يف تلك االيام ان من يدفن‬ ‫يف هذه الكني�سة يبقى جثمانه ‪ 40‬عاما يف ذلك‬ ‫املكان املبجل وبعدها تنقل عظامه كي يف�سح املجال‬ ‫جلثة اخرى‪ .‬اال ان بني قال انه بعد فرتة ق�صرية‬ ‫من وفاة �شك�سبري كتب احدهم هذا ال�شعر حمذرا‬ ‫ان هذه العظام يجب ان ال تلم�س‪.‬‬ ‫واخرب بني روان لقد كان من الوا�ضح ان من‬ ‫كتبها كان يفكر كثريا به‪ .‬ورد عليه روان باملوافقة‬ ‫بامياءة من ر�أ�سه وهو يلتقط ال�صور من كامرته‬

‫االلكرتونية ال�صغرية وا�ضاف اىل قول بني " لقد‬ ‫كان �صديقا خمل�صا بالتاكيد " ‪ .‬وبرغم ان البع�ض‬ ‫يفرت�ض ان �شك�سبري نف�سه قد كتب تلك ال�سطور‬ ‫االربعة اال ان بني قال ال يوجد دليل على ذلك لكنه‬ ‫حمتمل‪.‬‬ ‫ويف ال�ساعة ‪ 2:45‬بعد الظهر و�صلت حافلة‬ ‫اكتظت بطالب ارجنتينيني جتمهروا حول احلاجز‬ ‫امل�صنوع من النحا�س اال�صفر واملمر الذي يحيط‬ ‫بالقرب امل�صنوع من املخمل االحمر‪ .‬وتبعهم زوار‬ ‫اخرون متلهفون اللقاء نظرة على املكان الذي‬ ‫ا�ستقر فيه الرجل الذي غالبا ما يدعى باعظم كاتب‬ ‫يف التاريخ‪ .‬وكان معظمهم يدفع اىل ال�سيدة ذات‬ ‫ال�شعر االبي�ض التي حت�صل على ثالثة باونات من‬ ‫كل زائر وباون واحد اذا كان طالبا ولكن هذا الدفع‬ ‫لي�س الزاميا‪.‬‬ ‫وحتاول جماعة اطلقت على نف�سها ا�صدقاء‬ ‫�شك�سبري ان جتمع مبلغ ثمانية ماليني دوالر لرتميم‬ ‫املكان‪ .‬بينهم املمثلة الربيطانية جودي دين�ش‪،‬‬ ‫التي ر�شحت يف ال�شهر املا�ضي جلائزة او�سكار‬ ‫الف�ضل ممثلة‪ ،‬هي احد الداعمني لهذا امل�شروع"‪.‬‬ ‫وقال بني "�ستكون خ�سارة عظيمة جدا لو تهاوت‬ ‫هذه الكني�سة" وكان ممتع�ضا ب�سبب الت�آكل الذي‬ ‫ا�صابها‪.‬‬ ‫والقى رجل نحيف يرتدي بدلة ذات خطوط دقيقة‬ ‫نظرة اىل ال�سقف اخل�شبي الذي يرتفع خم�سني‬ ‫قدما وا�شار اليه قائال خالل العوا�صف املطرية‬ ‫تت�ساقط املياه حتت االعمدة‪ .‬ونظر روان بحرية‪،‬‬

‫وهو من �سكان بكني يدر�س العلوم املالية يف احدى‬ ‫اجلامعات الربيطانية‪ ،‬اىل قرب �شك�سبري الواقع‬ ‫اىل ي�سار املعبد بجانب مرقد زوجته �آن هاثوي‪،‬‬ ‫ان اكرث من ‪ 200‬الف �شخ�ص يزورون الكني�سة كل‬ ‫عام معظمهم من اليابان والواليات املتحدة واعداد‬ ‫متزايدة من ال�صني‪.‬‬ ‫وعندما توجه روان عائدا اىل مركز املدينة الذي‬ ‫يبعد ب�ضعة قطاعات من البيوت تاركا وراءه‬ ‫ال�شباب االرجنتيني يلتقط ال�صور حول قرب‬ ‫�شك�سبري ويلتقط بع�ضهم ال�صور لالخر‪ .‬وبعدها‬ ‫ظهر احدهم وا�سمه نيكول قائال "هنالك الكثري‬ ‫من االموات هنا "‪ ،‬ولكن هذا امليت يبقى يجتذب‬ ‫اجلمهور‪ .‬ويف ال�ساعة ‪ 3:45‬دخل رفيقان من‬ ‫االملان فيما يبدو عليهما انهما مغرمان بامل�شاهري‬ ‫وحدقا على مرقد م�ؤلف "روميو وجولييت" وكانت‬ ‫الده�شة تعلو وجه كولن ديفز البالغ من العمر ‪25‬‬ ‫عاما وهو زارع للخ�ضرة والفواكه من والية الباما‬ ‫وقال "المنلك مثل هذه اال�شياء القدمية يف الواليات‬ ‫املتحدة" بينما كان راكعا يلتقط ال�صور‪.‬‬ ‫ويف ال�ساعة الرابعة بعد الظهر عندما بد�أت ا�شعة‬ ‫ال�شم�س التي تخرتق النوافذ وانطبعت على املعدن‬ ‫ال�صدئ ل�شبابيك الكني�سة‪ ،‬تذوي‪ ,‬و�صفت �ساندرا‬ ‫ها�شنك وهي ا�سرتالية هذا املكان الذي يجذب‬ ‫النا�س من جميع انحاء العامل "لقد تاثرنا جميعنا‬ ‫به على اختالف جن�سياتنا‪.‬‬

‫‪manarat‬‬ ‫رئي�س جمل�س الإدارة‬ ‫رئي�س التحرير‬

‫نائب رئي�س التحرير‬ ‫‪----------------‬‬‫عدنان ح�سني‬

‫مدير التحرير‬ ‫‪----------------‬‬‫علي ح�سني‬ ‫االخراج الفني‬ ‫‪----------------‬‬‫م�صطفى التميمي‬ ‫الت�صحيح اللغوي‬ ‫‪----------------‬‬‫حممد حنون‬

‫طبعت مبطابع م�ؤ�س�سة املدى‬ ‫لالعالم والثقافة والفنون‬

‫عن الوا�شنطن بو�ست‬ ‫‪http://www.almadapaper.com - E-mail: almada@almadapaper.com‬‬


‫ترجمة جديدة لهاملت ‪ ..‬تسترشد باألنوار الكشافة للشراح والمحللين‬ ‫عدنان ح�سني �أحمد‬ ‫تتناف�س الطبعات الربيطانية فيما بينها يف تقدمي‬ ‫ال �� �ش��روح وال�ه��وام����ش والإي �� �ض��اح��ات ل�ك��ل الأعمال‬ ‫امل�سرحية التي كتبها وليم �شك�سبري‪ ،‬فما بالنا يف‬ ‫م�سرحية " هاملت " التي �أثارت جد ًال وا�سع ًا مل تنت ِه‬ ‫تداعياته حتى الآن‪ .‬فهذه امل�سرحية كانت موجودة‪،‬‬ ‫وتمُ ثل على خ�شبات امل�سارح قبل �أن يكتب �شك�سبري‬ ‫عام ‪� 1600‬أو ‪ 1602‬هذا الن�ص امل�سرحي املعروف‬ ‫ب�صيغته احلالية‪� .‬أما حجم احلذف والإ�ضافة والتعديل‬ ‫فتلك ق�ضية �أخرى نرتكها للباحثني واملتخ�ص�صني يف‬ ‫هذا املجال‪� .‬إن ال�س�ؤال املهم ال��ذي يثريه هذا املقال‬ ‫يكمن يف ال�سبب ال��ذي يدفع باملرتجمني العرب اىل‬ ‫�إع��ادة ترجمة م�سرحيات �شك�سبري‪ ،‬وتقليب وجهات‬ ‫ال�ن�ظ��ر ف�ي�ه��ا‪ .‬ي��ا ت ��رى‪ ،‬ه��ل �أن ال�ترج �م��ات ال�سابقة‬ ‫االلرغم من �أن "‬ ‫قا�صرة؟ وما �سبب هذا الق�صور على‬ ‫ٍ‬ ‫هاملت " قد ُترجمت نحو ع�شر م��رات؟ ال �شك يف �أن‬ ‫�صالح نيازي مرتجم حمرتف‪� ،‬شديد الإخال�ص لهذه‬ ‫" املهنة الإبداعية "‪ ،‬وال يجد �ضري ًا يف �أن ي�سرت�شد‬ ‫ب ��آراء من �سبقوه من املحللني وال�ش ّراح واملف�سرين‬ ‫الربيطانيني‪ ،‬ولذلك فقد ج��اءت ترجمته لـ " هاملت‬ ‫" و " مكبث " من قبلها‪ ،‬دقيقة و�أمينة و�أقرب اىل‬ ‫الرغم من املالحظات واالنتقادات‬ ‫الن�ص الأ�صلي على ٍ‬ ‫احلادة التي يُبديها بع�ض املثقفني العراقيني على وجه‬ ‫التحديد! قد يتبادر اىل ذه��ن القارئ الكرمي �س�ؤال‬ ‫�آخر ال يقل �أهمية عن ال�س�ؤال ال�سابق مفاده‪ :‬هل �أن‬ ‫املرتجمني العرب ال يحبذون ا�ستعمال الأنوار ّ‬ ‫الك�شافة‬ ‫التي ت�ضيء لهم عتمة الن�ص‪ ،‬وتفك مغاليقه املتعددة؟‬ ‫يبدو �أن الأمر كذلك لعدد من املرتجمني العرب الذين‬ ‫ترجموا " هاملت " من دون االعتماد على ا�شرتاطات‬ ‫الرتجمة املعروفة‪ .‬فال غرابة �أن يعزز �صالح نيازي‬ ‫ترجمته اجلديدة لـ " هاملت " مبقدمة طويلة بلغت‬ ‫" ‪� " 48‬صفحة مو�ضح ًا فيها �أ�سلوبه اخلا�ص يف‬ ‫ترجمة الن�ص ال�شك�سبريي‪ .‬يعتقد نيازي �أن " التقنية‬ ‫" هي �أه��م �شرط من �شروط الرتجمة‪ ،‬وبالأخ�ص‬

‫حينما يتعلق الأمر ب�شك�سبري‪ .‬ويبدو �أن املرتجمني‬ ‫العرب ال�سابقني‪ ،‬وعلى ر�أ�سهم جربا �إبراهيم جربا‪،‬‬ ‫وع�ب��د ال �ق��ادر ال � ِق��ط‪ ،‬وحم �م��ود ال���س�م��رة‪ ،‬مل يعريوا‬ ‫اهتمام ًا كبري ًا لهذا اجلانب‪ ،‬ولهذا ف�إن ق�صورهم بدا‬ ‫وا�ضح ًا يف ترجمة املفهومات وامل�صطلحات املجازية‪.‬‬ ‫و�أك�ثر من ذل��ك ف�إنهم ترجموا " هاملت " كعبارات‬ ‫وجمل منف�صلة عن بع�ضها البع�ض‪ ،‬بينما تقت�ضي‬ ‫ٍ‬ ‫الرتجمة الأمينة �أن ي��أخ��ذوا العمل بو�صفه وحدة‬ ‫ّ‬ ‫مت�ضامنة و�صفها نيازي بالعمل املو�سيقي املتوا�شج‪،‬‬ ‫و�شبهّها �سدين بولت باللوحة الر�صينة التي ال تقبل‬ ‫التجزئة‪ .‬وب�سبب ه��ذا ال��ر�ؤي��ة التجزيئية القا�صرة‬ ‫ف�ه��م مل ينتبهوا اىل تقنية ت �ك��رار بع�ض الكلمات‬ ‫واملفهومات وال�صور ال�شعرية ودالالتها يف الن�ص‬ ‫امل�سرحي‪ ،‬الأمر الذي �أف�ضى بهم اىل ارتكاب العديد‬ ‫من الأخطاء القاتلة التي ال ُتغتفر حق ًا‪ .‬والأغ��رب من‬ ‫ذلك‪ ،‬كما ي�شري نيازي‪� ،‬أنهم‪� ،‬أي املرتجمون العرب‪ ،‬قد‬ ‫ترجموا الكلمات املكررة بكلمات مغايرة للكلمات التي‬ ‫ترجموها يف بداية الن�ص �أو يف و�سطه! ومن اجلدير‬ ‫ذكره يف هذا امل�ضمار �أن �صالح نيازي قد اعتمد‪ ،‬وبكل‬ ‫توا�ضع‪ ،‬على ال�شروحات والإي�ضاحات املوجودة يف‬ ‫طبعات " هاملت " كلها‪ ،‬ومن دون ا�ستثناء‪ ،‬وحتت�شد‬ ‫املقدمة ب�أ�سماء ه� ��ؤالء ال���ش� ّراح وامل�ح��رري��ن �أمثال‬ ‫�سدين بولت‪ ،‬هارولد جنكينز‪ ،‬جون‪� .‬أف‪� .‬أندروز‪،‬‬ ‫ج‪ .‬ويل�سون نايت‪ ،‬ج‪�.‬أ ْر هيبارد و�آخرين‪ .‬لنتوقف‬ ‫عند بع�ض العيّنات التي تعزز ر�أي �صالح نيازي يف‬ ‫هذا اجلانب التجزيئي‪ .‬يرتجم جربا اجلملة التالية‬ ‫" ‪The great man down, you mark,‬‬ ‫‪ " his favourite flies‬كالآتي‪� " :‬إن هوى الرجل‬ ‫العظيم ح�سبنا عليه ما دنا منه حتى ذباب "‪ .‬ت�صور‬ ‫جربا �أن " ‪ " flies‬تعني " ذباب " ولو عاد اىل �شرح‬ ‫ب�يرن��ارد ل��وت لإكت�شف ب�سهولة �أنها تعني " يهرب‬ ‫�أو يتخلى عن " وامل�لاح��ظ �أن " حتى " مُ�ضافة من‬ ‫عنديات الراحل جربا وهي لي�ست موجودة يف الن�ص‬ ‫الأ�صلي‪ .‬ويف املقطع ذاته ترجم جربا كلمة " ‪Poor‬‬ ‫" بـ " احلقري " يف حني �أنها �شائعة والكل يعرف �أنها‬ ‫" فقري " كما ترجم " ‪ " Fortune‬بـ " الزمان " يف‬

‫حني �أنها تعني " احلظ " وهي من الثيمات املتداولة‬ ‫يف م�سرحيات �شك�سبري‪� .‬أما " ‪Hollow friend‬‬ ‫" التي ترجمها بـ " اخلل الأجوف " يف حني �أنها تعني‬ ‫" عدو حمتمل " كما يذكر هارولد جينكينز‪� ،‬أو " رجل‬ ‫ال �أهمية له " كما ي�شري �أندروز‪� ،‬أو " فارغ‪ ،‬زائف‪� ،‬أو‬ ‫غري ويف " كما ترد يف " قامو�س �ألفاظ �شك�سبري "‪.‬‬ ‫ي�ؤكد نيازي على �أن لغة �شك�سبري " هي لغة تلميح ال‬ ‫ت�صريح " �أي �أنها لغة جمازية ت�شطح مبخيلة القارئ‬ ‫واربة‪� .‬أجد من‬ ‫اىل التورية واال�ستعارة والدالالت املُ ِ‬ ‫املنا�سب هنا �أن نتوقف عند املقطع التايل الذي ي�سخر‬ ‫فيه هاملت من لغة " �أو�سرك " املح�شوة بالزيف حيث‬ ‫ي �ق��ول‪A did comply with his dug"ِ :‬‬ ‫‪ " before a suck it‬يرتجم جربا هذا اجلملة‬ ‫على الوجه التايل‪ " :‬ال ريب �أنه مت�سّ ك ب��الآداب �إزاء‬ ‫ث��دي �أم��ه قبل �أن ير�ضع منه! " بينما يرتجمها عبد‬ ‫ال �ق��ادر ال�ق��ط على ال�شكل ال �ت��ايل‪ " :‬ال �شك �أن��ه كان‬ ‫ي��ؤدي التحيات لثدي �أمه قبل �أن ير�ضعه " يف حني‬ ‫�أن املعنى املجازي هو " �أن الذين ين�ش�أون يف حميط‬ ‫ال�ب�لاط يتكلمون بهذه اللغة العقيمة م��ذ ك��ان��وا يف‬ ‫بطون �أمهاتهم" ويف املقطع ذاته يرتجم جربا كلمة "‬ ‫‪ " Bevy‬بـ " الف�صيل " بينما يرتجمها القط " من هذا‬ ‫الطراز " ولو �أن املُرتجمَني نظرا اىل الن�ص كوحدة‬ ‫متوا�شجة لإكت�شفا �أن كلمة " �سرب " هي الأن�سب‬ ‫لأن " �أو� �س��رك " ك��ان ي�ت�ح��دث ع��ن ط��ائ��ر ال��زق��زاق‪،‬‬ ‫وغ��راب ال��زاغ‪ ،‬ودج��اج��ة احل��ر���ش‪� ،‬إ�ضافة اىل املثل‬ ‫الذي يقول " ب�أن الطيور على �أ�شكالها تقع " فامل�شهد‬ ‫كله كان معني ًا بالطيور وحري باملرتجمَني �أن يلتفتا‬ ‫اىل �أهمية الكلمات والعبارات التي ترد �ضمن بيئتها‪.‬‬ ‫كان الراحل جربا �أ�سري ًا للرتجمة احلرفية يف موا�ضع‬ ‫كثرية �سنختار منها اجلملة املجازية التالية‪A ِ " :‬‬ ‫‪took my father grossly, full of bread‬‬ ‫" حيث ترجمها جربا " لقد �أتى �أبي غ ّرة وهو ملئ‬ ‫بخبزه " بينما ترجمها نيازي " ُق�ضي على �أبي حينما‬ ‫كان منغم�س ًا يف ملذاته " وال �شك �أن الفرق كبري يف‬ ‫املعنيني‪ .‬تكمن �أهمية ترجمة نيازي يف �إ�ستقرائه‬ ‫للقرائن‪ ،‬ومعرفته ب��ال��دالالت والإ� �ش��ارات املجازية‬

‫�ضمن الن�ص كوحدة متكاملة ي�شبهها غالب ًا بالعمل‬ ‫ال�سمفوين املتوا�شج‪ .‬قدَّم نيازي حفنة من الكلمات‬ ‫وامل�صطلحات التي ترجمها جربا ع�شوائي ًا على ال�شكل‬ ‫التايل‪ :‬ترجم حَ َ�سك �أو �إبر القنفذ " الري�ش املزئرب "‬ ‫والف�أرة " الع�صفور " ومالك احلزين " الكركي " و‬ ‫ال�ضفدع " ال�سلحفاة " و ودجاجة احلر�ش " الع�صفور‬ ‫" والنخلة " غ�صن الزيتون "وال�شعر اجلنائزي "‬ ‫ر�سل "‪ ،‬وال�سنونو " الع�صفور " والرتاب‬ ‫ال�شعر املُ َ‬ ‫الناعم " الرتاب املحرتم‪ ،‬وكذلك فعل حممود ال�سمرة‪.‬‬ ‫ال يجوز للمرتجم‪ ،‬بح�سب ن�ي��ازي‪ ،‬امل�سا�س بثالثة‬ ‫�أ�شياء وهي " امل�صطلحات‪ ،‬واملفهومات‪ ،‬والإقتبا�سات‬ ‫" فال يجوز جلربا �أن يحوّ ل " النخلة " اىل " غ�صن‬ ‫زيتون " �أو اىل " الغار " كما فعل عبد القادر القط‬ ‫يف املقتب�س التايل‪A love between them " :‬‬ ‫‪ ." like the palm might flourish‬ترجم‬ ‫ج�ب�را " ‪ " Woodcock‬ال �ت��ي ت�ع�ن��ي دجاجة‬ ‫احلر�ش بالع�صفور‪ ،‬بينما ترجمها عبد القادر القط‬ ‫بديك ال�غ��اب��ة‪ ،‬و�شتان م��ا ب�ين الرتجمتني! ن�ستنتج‬ ‫من خ�لال ه��ذه املقدمة ال�شاملة والعميقة �أن �صالح‬ ‫نيازي كان معني ًا بالتقنيات التي اعتمدها �شك�سبري‬ ‫يف كتابة ن�صه امل�سرحي‪ ،‬كما كان معني ًا باملنظورية‬ ‫التي ت�ساعد املرتجم �أو القارئ يف متابعة م�سارات‬ ‫ال�ن����ص‪ ،‬وح��رك�ت��ه امل�شهدية امل�ت��وت��رة ال�ت��ي تعززها‬ ‫القرائن والأدلة �ضمن بيئة الن�ص وجوه العام كوحدة‬ ‫فنية متكاملة‪ .‬لذلك ف ��إن ق��ارئ " هاملت " برتجمة‬ ‫�صالح نيازي �سي�شعر بان�سيابية الن�ص‪ ،‬ومعقولية‬ ‫املفهومات والإ�صطالحات الواردة فيه‪ .‬ومن املفيد �أن‬ ‫ن�شري هنا اىل �أهمية " الوهج ودالالت النور الثابت‬ ‫واملتقطع‪ ،‬ومغزى النريان " التي تتبعها نيازي على‬ ‫وفق املنظورية‪ ،‬وتقنية احلوا�س و�صراعها املحتدم‬ ‫يف �أعماق هاملت‪.‬‬ ‫يف اخل �ت��ام ي�ج��ب �أن ن �ن��وِّ ه اىل �أه �م �ي��ة الهوام�ش‬ ‫والإح ��االت التي �أورده ��ا املرتجم �صالح نيازي يف‬ ‫نهاية كل ف�صل من ف�صول امل�سرحية اخلم�سة‪ .‬ففيها‬ ‫فائدة جمّة لقارئ الن�ص املرتجَ م الذي �سيكت�شف كل‬ ‫مكامن الغمو�ض التي وردت يف الرتجمات ال�سابقة‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.