أقواس
ملحق فصلي جمللة (كةوانة) صاحب األمتياز رئيس التحرير مدير التحرير
ساالر عمر نوري معتصم جنم الدين اوات حممد أمني
جنم الدين فقي عبداهلل هيئة التحرير :د .سربست نيب عبدالرمحن كريم درويش مسؤول املكتب فى اوروبا :نهاد القاضي 0031627621171 - 009647508606740 E-mail:alkadi13@hotmail.com
نسخة
1000
السعر 2500
طبع
مطبعة كارو
أقواس
المحتويات 6 ........................................ أالفتتاحية.... د.كاظم حبيب 9 .................... إسرتاتيجية التنمية الوطنية الشاملة على مشدين46 ......................... اإلعالم و وحدة اخلطاب الكردي يَ مواجهة َ أزمت االندماج واهلوية أ .م .د .رعد عبداجلليل مصطفى منوذج الدولة -األمة التقليدي يف ِ و د .حسام الدين علي جميد63 ........ 86 امحد خليل أرتيميت....... الفكر السياسي اليساري الغربي املعاصر ريدي مشو135 ...................... الراديكالية مفهوما وتصورا لدى الشعب املضط َهد د .خليل عبدالرمحن145 .............. من التنويـــر األوربي إىل استبداد الليربالية اجلديدة. يوسف يوسف170 ........................... التنوع واستقالل احليز الثقايف (العرب والكرد مثاال). غسان نعسان180 ...................... طاولة مستديرة على هامش مؤمتر موالنا خالد . 204 االهمية البالغة للمعايشة الودية بني اتباع الديانات واملذاهب ....نرمني عثمان............ م .حسن حسني صديق212 ............ فلسفة اللغة عند الفارابي « كتاب احلروف . د .عادل كرمياني229 ................ تشظيات الواقع الكردي يف روايات سليم بركات . 238 فيصل علي..................... واقع التنوع االقتصادي يف اقليم كردستان العراق.
أالفتتاحية
أقواس
6
يف عصر تتالطم فيه التعقيدات وتتنامى فيه االجتاهات املضادة ،وتتأهب لتحوالت عميقة قد تكون سلبية او اجيابية ،تتداخل فيها قوى واجتاهات عديدة ،لكن ما مييز هذه املرحلة تباين االراء وعدم اتصاهلا بسبب شيوع ثقافة التهجم واالصطفاف املتقابل واصبح االعتياش على حروب الكالم وتعبئة االفراد اىل التضاد ،من املؤشرات اخلطرة على تنامي العنف واالجنراف حنو الصراعات قد يعود بالذاكرة اىل مراحل مظلمة من التاريخ البشري اتصفت بالويالت واملصائب ،وتغيب لغة العقل والتحادث وتتعثر بها املصاحل املشرتكة والتضامن وكل القيم املبنية على التعاون والتقدم املثمر وتتنامى باملقابل كل املشاعر املصاحبة للعنف والصراع اليت لرمبا تقود باالنسانية اىل عاقبة غري حممودة ،ال نغالي اذا قلنا ان االفكار اليت بدأت تفرض نفسها على الساحة الثقافية وحتاول ان تقنع الناس باساطري قيامية خطرة مؤسسة على الصراع الالمنتهي ال ميكن ان تؤدي اىل العيش الكريم بل سوف تؤدي اىل انهيار قيم السالم والعيش املشرتك. فتغيب اقالم االخرين بل قد جتف الن تلك االقالم غري قادرة على خط كلمات حتمل يف طياتها معاني ظالمية ومتريرات مموهة ال ميكن اال ان تصدر عن اشخاص مترسوا يف التعبري عن الصراع يف احط معانيها واكثرها عبثية .فتصبح السطحية سيدة املوقف وتفقد التفاصيل والتخصيص أي قيمة هلا وكأن احلياة عبارة عن االمور العابرة واملرور على كل االمور مرور الكرام. حناول من خالل هذه اجمللة ان ندلي بكلمة معرفية نثق وبفضل العقول املؤمنة بالتعاون االنساني والتأسيس اىل االحرتام املتبادل وادراك طموحات وتوجهات اجلماعات واالف��راد دون احلط منها واعتبارها جرمية تعلن عليها اشد احلروب واكثرها فتكا ،بهذا نعلم جيدا باننا نعتمد على العلم ومنهاجه التحليلية ملعاجلة الظواهر املعوقة للتطور االنساني وتؤسس الفكار جديدة قد تكون حاملة الفق انسانية رحبة تنهي ترقب حظور املآسي والعيش يف ظل االنهيار. لذا تكون (اقواس) منربا لكل املثقفني والكتاب للتعبري عن اراءهم حبرية احلوار واحرتام املتبادل والتأسيس لثقافة السالم والتضامن املشرتك ،و حتويل االنظار اىل القضايا احلقيقة وطرح امكانية ً نهائيا من التأثريات السلبية للمشاكل اليت تولدها تلك القضايا. حلها بهدف التخلص الننا نعتقد بان مجيع املشاكل واملصاعب اليت تواجه البشرية ال ميكن حلها اال من خالل املبادرة اليت هي يف االصل جتسيد االبداع االنساني املتولد من فكرة صادقة واصيلة تنبع من اعماق اصحاب
االفكار النرية والعقول اخلرية الذين حيملون هموم االنسانية يف تفكريهم الذي تضيء وتنري بالفكرة املبدعة املولدة للمبادرات املؤسسة حلل املشاكل واملعضالت مجيعها ،بينما نؤمن بان وجود منرب حر يكفل حرية طرح االفكار ويؤسس ملناقشات علمية وفكرية تنمي قدرة تشكيل املبادرات وطرحها كي تؤسس بداية حلل املشاكل حال حقيقيا واجتماع اصحاب االقالم احلرة واليت ال جتيد التصارع والتكالب بل تبغي خريا وحمبة ومودة و ينشرون ما يفيدون به االنسانية مجعاء وباالخص اهل هذا البلد االمني الذين اوجعهم اخلالف وارهقهم اهل الصراع يف بث الفرقة بينهم ويعتشاون على االمهم ويتفنون يف قتل احالمهم بل ويدفنونها كي ال تظهر حتى على شكل مقالة. يف ظل مجيع التالطمات ويف ضيق الفرص بني ما يقال مدفوعا باجندات حياول املثقف ان حيصل على قوس يعرب من خالله عن فكره لكي حيصل على تلك الفرصة وبصعوبة بني اجلداالت الدائرة ،لذا جاءت هذه اجمللة (أقواس) لتوفر تلك الفرصة للمثقفني واصحاب االقالم احلرة كي يعرضوا وينشروا افكارهم ،وسوف متثل الفرصة اليت لطاملا انتظرها اصحاب االقالم احلرة واصحاب االفكار املبدعة اليت تتمايز عن ما ماثل يف االفق احلالي. نتمنى ان يعترب مجيع املثقفني واصحاب الفكر النري هذه اجمللة جملتهم وان يساعدوها على حتقيق مبتغاها.
7
أقواس
أقواس
8
أقواس
إسرتاتيجية التنمية الوطنية الشاملة يف االقتصاد واملجتمع يف العراق وإقليم كردستان
د .كاظم حبيب
9
أقواس
أقواس
10
الفصل األول طبيعة ومس��ات االقتصاد العراقي ،ومنها اقتصاد كردستان العراق ،يف املرحلة الراهنة إذا أهملنا الفرتة اليت سبقت احلرب العاملية األوىل واخلصائص اليت متيز بها العراق يف فرتة احلكم العثماني ،بسبب طبيعة احلكم العثماني الثيوقراطي الرجعي واملتخلف والطائفي، وحاولنا إبراز السمات اليت نشأت بسبب عواقب تلك الفرتة وما تراكم عليها بفعل السيطرة االستعمارية الربيطانية وممارسة سياساتها املعربة عن ص��راع فعلي بني مستوى التطور الرفيع يف االقتصاد واجملتمع ال��رأمس��ال��ي يف بريطانيا ،وبني رغبة احلكومة الربيطانية املعربة عن مصاحل االحتكارات الربيطانية يف ضمان احلصول على أقصى األرب��اح من خالل استغالل األي��دي العاملة الرخيصة يف العراق واستثمار م��وارده األولية جتلى يف دور اإلدارة الربيطانية باحلد من التطور االقتصادي السريع واملنشود ،واحلفاظ على العالقات اإلنتاجية شبه اإلقطاعية يف الريف واجملتمع العراقي من جهة ،والسماح بتطور حمدود ومراقب يف تلك اجمل��االت ال�تي ترتبط مبصاحلها االقتصادية والتجارية والسياسية يف البالد واليت ساعدت على إحداث شروخ يف اجلدار السميك والعالي العازل بني العراق واحلضارة البشرية احلديثة يف الغرب الرأمسالي .وكان هلذه الشروخ دورها يف مساعدة الشعب العراقي على حتطيم ذلك
اجل��دار ،ولكن ببطء شديد وخبسائر بشرية ومادية كبرية وباجتاهات غري عقالنية مل تضع العراق على السكة السليمة ،مما أدى إىل حتمل الشعب العراقي معاناة هائلة ما يزال يواجهها حتى يومنا هذا. ونتيجة لكل ذلك اكتسب االقتصاد العراقي عدداً من السمات األساسية اليت رافقته طيلة العقود املنصرمة واليت جندها يف الغالب األعم يف غالبية الدول النامية وأن اختلفت يف بعض العوامل ال�تي تسببت يف نشوئها م��ن جهة، وبعدد آخر من السمات الطارئة واجلديدة اليت نشأت وتطورت بفعل عوامل جديدة تسببت بها سياسات االستبداد واحل��روب واالحتالل واإلرهاب والطائفية السياسية اليت ُفرضت على العراق خالل العقود األربعة األخرية من جهة ثانية .كما إن التشابك بني السمات الرئيسة وتلك اجلديدة والطارئة يزيد باستمرار من تعقيدات احلالة العراقية ويعمق من صعوبات ً نسبيا هلذا إجي��اد احل��ل��ول العملية السريعة الواقع العراقي ،إذ إن عوامل سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وثقافية تتشابك هي األخ��رى يف ما بينها لتزيد من فعل وعواقب األوضاع الراهنة يف البالد ومن أوجاع اجملتمع العراقي اجلريح. فما هي السمات الرئيسية اليت متيز االقتصاد واجملتمع يف العراق ويف إقليم كردستان؟ ** السمة األوىل :طبيعة التشكيلة االقتصادية االجتماعية املتخلفة :رغم مرور ما يقربمن مخسة عقود على صدور قانون اإلصالح ال��زراع��ي األول (القانون 30لسنة )1958
وق��وان�ين أخ��رى الحقة ف��إن بقايا العالقات اإلن��ت��اج��ي��ة ش��ب��ه اإلق��ط��اع��ي��ة وتقاليدها االجتماعية والثقافية واملرتبطة بعملية إحياء للتقاليد والعادات واألعراف العشائرية ما تزال هي الفاعلة واملؤثرة على حياة الريف والزراعة العراقية وجتليات ذلك ،بهذا القدر أو ذاك ،على حياة وسلوك األفراد يف جمتمع املدينة ،وخاصة يف تلك املناطق الشعبية الواسعة االنتشار اليت ما تزال هلا عالقات عميقة مع الريف والزراعة واحل��ي��اة العشائرية .وق��د زاد يف ه��ذه احلالة االرتدادية بروز السمات الطارئة على االقتصاد واجملتمع يف العراق وذات األثر احلاد والواسع على ال��ف��رد واجملتمع .فاالقتصاد العراقي يعاني من ضعف شديد يف منو وتطور عالقات اإلنتاج الرأمسالية وينعكس بصورة صارخة يف مستوى تطور القوى املنتجة املادية والبشرية يف جممل العملية االقتصادية واالجتماعية اليت تتجلى بدورها يف ضعف النمو االقتصادي وض��ع��ف إمج��ال��ي اإلن��ت��اج وإن��ت��اج��ي��ة العمل وانكفاء اخلدمات االجتماعية وضعف مشاركة القطاعات االقتصادية غري النفطية يف تكوين الدخل القومي ويف معدل حصة الفرد الواحد السنوية منه ،إضافة إىل بروز التشوه الشديد يف البنية الطبقية للمجتمع. ** السمة الثانية :إن التخلف يف التشكيلة االقتصادية -االجتماعية يتجلى ب��دوره يف واقع التشوه يف بنية االقتصاد الوطين العراقي. فاالقتصاد العراقي ريعي وحيد اجلانب .وإذا كان يف البداية يعتمد تكوين الدخل القومي على القطاع ال��زراع��ي بشكل أس��اس��ي وعلى الصناعات احلرفية الصغرية بالدرجة الثانية،
فإنه وبعد اكتشاف النفط ،وبشكل خاص يف أعقاب احلرب العاملية الثانية ،بدأ كل من دور ال��زراع��ة واإلن��ت��اج السلعي احل��ريف الصغري يف التقلص السريع والشديد لصاحل قطاع النفط ً أساسا .ويف فرتة أالستخراجي املوجه للتصدير احلرب العاملية الثانية ويف أعقابها بدأ العراق يتوجه صوب التصنيع وبصعوبة فائقة بسبب تصدي الشركات التجارية الربيطانية اليت كانت حتتكر السوق العراقي لصادراتها السلعية لتنشيط احلركة الصناعية ،س��واء أك��ان ذلك بالنسبة للقطاع اخلاص أم للقطاع احلكومي، ً ضعيفا جداً وهلذا كان دور الصناعة احلديثة يف تكوين الدخل القومي .ورغم أن الصناعة ً نسبيا يف العقود اليت العراقية منت وتطورت أعقبت سقوط امللكية ،ولكنها مل تكن ذات باع طويل يف تكوين الدخل القومي العراقي .ثم تلقى القطاع الصناعي مبشاريعه احلكومية واخلاصة ضربات قاسية يف احلروب اخلارجية ال�تي خاضها ال��ع��راق منذ احل��رب العراقية اإليرانية فغزو الكويت وما ارتبط بها من حرب اخلليج الثانية ثم الضربات اجلوية املتكررة يف التسعينيات من القرن املاضي وأخرياً حرب اخلليج الثالثة ال�تي شنتها ال��والي��ات املتحدة وحليفاتها يف العام 2003اليت أتت على أغلب وأهم املشاريع الصناعية احلكومية اليت أقيمت منذ النصف الثاني من العقد الثامن والنصف األول من العقد التاسع من القرن املاضي .لقد احتل القطاع النفطي منذ اخلمسينيات من القرن العشرين ،وخاصة بعد املناصفة يف العوائد النفطية يف العام 1952/1951وبعد ذلك بعد عملية تأميم مصاحل الشركات األجنبية 11
أقواس
أقواس
12
يف القطاع النفطي ،املوقع األول وهيمن كلية على االقتصاد الوطين وطبع اقتصاد الدولة واجملتمع بالريعية. ورغم أهمية النفط إلنتاج الطاقة وتوفر مصادر أخرى يف العراق إلنتاج الطاقة ،فإن الطاقة تشكل عنق زجاجة شديدة تؤثر ً سلبا يف جممل العملية االقتصادية واالجتماعية والثقافية يف البالد وعلى البيئة ً أيضا وعلى اإلنسان واجملتمع .إن االقتصاد الريعي النفطي قد أنتج معه أو حول الدولة إىل دولة ريعية بكل مساتها السلبية وبضمنها غياب احلرية والدميقراطية وحقوق اإلنسان ووفر بذلك ً ب��دال من مستلزمات نزيف ال��دم يف البالد الرفاهية والعمر املديد. السمة الثالثة :استهالكية االقتصاد العراقي: بسبب ضعف اإلن��ت��اج ال��زراع��ي والصناعي التحويلي يف البالد أصبح العراق بلداً مستورداً ً ومستهلكا للسلع املنتجة يف االق��ت��ص��ادات األجنبية .ومل يقتصر االسترياد على السلع الصناعية فحسب ،بل وعلى استرياد السلع الزراعية كالرز واحلبوب املختلفة .أما اليوم فقد أصبح العراق كله يستورد أغلب املنتجات واحملاصيل الزراعية ويصرف عليها النسبة الكربى من الدخل القومي املتأتي من النفط اخلام .فهو يستخدم موارد النفط اخلام ال من أجل التنمية والتثمري اإلنتاجي ،بل يف استرياد السلع املادية إلشباع احلاجات االستهالكية والكمالية لفئات اجملتمع .كما أصبح قطاع اخلدمات يشكل نسبة عالية من تكوين الناتج احمللي اإلمجالي من دون النفط اخلام ،إذ قدرت بأكثر من .60%
السمة الرابعة استريادية االقتصاد العراقي: إن ختلف وت��ده��ور حجم اإلن��ت��اج الصناعي التحويلي والزراعي من جهة ،ونسب النمو السنوية العالية للسكان من جهة ثانية ،رغم العدد اهلائل من السكان ال��ذي يعد مبئات األلوف ممن ألتهمتهم احلروب واملاليني من السكان اليت ُه ِجرت قسراً أو تركت العراق ألسباب كثرية ،دفع بالسياسة احلكومية إىل توجيه املزيد من املوارد املالية النفطية لصاحل استرياد السلع واخلدمات .وقد اختل امليزان التجاري وميزان املدفوعات لوال موارد النفط السنوية اليت كانت تعيد التوازن إليه ولكن بصورة مشوهة ،كما جعلت االقتصاد العراقي ً مكشوفا بالكامل على االقتصاد الدولي وسوقه النفطية. السمة اخلامسة :غياب العدالة االجتماعية وتفاقم الفجوة بني األغنياء والفقراء ً رمسيا تشري إىل تكريس املعلومات املتوفرة السمة اخلامسة يف االقتصاد واجملتمع يف العراق، ظاهرة غياب العدالة االجتماعية وتفاقم الفجوة الدخلية ومستوى حياة ومعيشة الفئات االجتماعية املختلفة .وهذه احلقيقة تكشف عنها وزارة التخطيط العراقية واهليئات املالية الدولية ،رغم وجود حماوالت جادة للتغطية على حقيقة هذا الواقع .ومع ذل��ك ف��إن املكشوف منها يؤكد وج��ود نسب عالية من العائالت العراقية اليت تعيش حتت خطر الفقر املقرر ً دوليا للدول النامية .ولكن هناك نسبة مقاربة هلا من العائالت اليت تعيش على خط الفقر أو فوقه بقليل .واقدر بأن هذه النسبة تصل إىل أكثر من نصف سكان
العراق. السمة السادسة :موقع العراق اهلامشي يف التقسيم االجتماعي الدولي للعمل :إن السمات األرب��ع السابقة جمتمعة حت��دد بوضوح كبري موقع ال��ع��راق الضعيف والتبعي واهلامشي يف التقسيم ال��دول��ي ال��رأمس��ال��ي للعمل ،فهو موقع املنتج واملصدر للمواد األولية (النفط اخلام) واحلائز على الريع من جهة ،واملستورد واملستهلك للسلع امل��ادي��ة واملستهلك للقسم األكرب من ريع القطاع النفطي من جهة ثانية، والعاجز عن حتقيق التنمية والتثمري اإلنتاجي (االستثمار يف البنية التحتية ،ومنها الطاقة، ويف الصناعة التحويلية والزراعة ويف توفري فرص لتشغيل األيدي العاملة العاطلة من جهة ً ثالثة .فالعراق يشكل جزءاً عضويا من النظام الرأمسالي العاملي ،ولكنه اجلزء املتخلف والتابع واملُستنزف يف م���وارده االقتصادية وأمواله والقائم على عالقات اقتصادية غري متكافئة. إنه املتحرك على مدارات بعيدة ولكنها حول املراكز الصناعية الرأمسالية املتقدمة. وإذا كانت هذه هي السمات الرئيسية املميزة لالقتصاد العراقي ،فما هي مساته الطارئة األخ��رى والفاعلة يف واق��ع التخلف والتبعية واهلامشية اجلارية يف االقتصاد العراقي؟ السمة األوىل :الفساد املالي ح�ين ك��ان ال��ع��راق يئن حت��ت وط��أة النظام العثماني واستغالله البشع وظلمه ،وجد الفساد املالي على صعيد السلطة وأجهزة الدولة دون استثناء .وحني أقيم النظام امللكي تقلص الفساد املالي إىل أبعد احلدود يف ما عدا النهب اإلقطاعي للفالحني بشكل خاص ،سواء أكان ألراضيهم
أم لقوة عملهم أم لنسبة عالية من منتجاتهم الزراعية .وكان الفساد اإلداري موجوداً ولكنه حم��دود األث��ر ومرتبط ببعض اجمل��االت مثل الشرطة واجل��م��ارك وبعض السياسيني من احلكام .ولكن مل تكن هذه الظاهرة أساسية أو تشكل ظاهرة عامة يف اجملتمع. ولكن يف الفرتة اليت أعقبت حكم عبد الكريم قاسم ب��دأت مظاهر الفساد تتسع يف قطاع التجارة واملقاوالت والعقارات ويف أجهزة الدولة. ومع ذلك مل تشكل واحدة من السمات البارزة واملميزة لنظام احلكم القائم يف ال��ع��راق .إن وجود حزب البعث العربي االشرتاكي يف السلطة منذ العام 1968وجناح عملية التأميم وبدء هطول األم��وال النفطية على رؤوس احلكام كهطول األمطار الغزيرة حبيث أعمت البصرية والبصر وبدأ الفساد من قمة النظام وجملس قيادة الثورة والقيادتني القومية والقطرية ليمتد إىل مرافق الدولة األساسية وبشكل خاص يف جمال عقود النفط اخلام واسترياد األسلحة وعقود التصنيع وال��ري والزراعة واالسترياد واملنشآت الصناعية احلكومية وأجهزة األمن. وقد صدق املثل القائل بأن السمكة ال تتعفن إال من رأسها ومتتد العفونة إىل باقي اجلسد .إال إن هذه الظاهرة حتولت مع بدء احلرب العراقية اإليرانية إىل نظام للفساد املالي .وأصبح الفساد املتفاقم ،اب��ت��دا ًء من منتصف الثمانينيات م��ن ال��ق��رن العشرين ويف ف�ترة غ��زو الكويت واحتالهلا وبعد حرب اخلليج الثانية 1991 وفرتة احلصار االقتصادي الدولي وأثناء سنوات تنفيذ قرار جملس األمن الدولي «النفط مقابل الغذاء» ومبشاركة هيئات دولية وإىل نهايات عهد 13
أقواس
أقواس
14
الدكتاتورية َّ الصدامية ويف فرتة احلاكم بأمره ب��ول برمير وكثرة من حكام العراق اجل��دد، ً ً ً وفاعال ومؤثراً بصورة سلبية متكامال نظاما وتدمريية على العملية االقتصادية واجملتمع العراقي يف آن .وهو اليوم يساهم يف امتصاص مليارات من الدوالرات النفطية بطرق شتى من خزينة الدولة بصورة مباشرة أو غري مباشرة. إن��ه العامل املعرقل اإلض��ايف لعملية التنمية الوطنية الشاملة واملستنزف لألموال واملعطل لعملية االستثمار يف البنية التحتية واملشاريع الصناعية وامل��ع��رق��ل لتوفري ف��رص تشغيل جديدة لأليدي العاملة العاطلة وتنمية الدخل القومي .وبالتالي فالفساد املالي ،إضافة إىل الفساد اإلداري ،يساهمان يف تكريس كل السمات الرئيسة السلبية اليت جئنا على ذكرها .وهي الوجه اآلخر لعملية اإلره��اب الدموي اجلاري يف العراق منذ سقوط الدكتاتورية البعثية َّ الصدامية .ومل يعد الفساد اجلاري يف العراق ً حمليا فحسب ،بل بدأ منذ منتصف التسعينيات ً إقليميا حتى الوقت احلاضر وبشكل متفاقم ً ودوليا تشارك فيه الشركات والدول األجنبية وخاصة دول اجلوار والدول الكربى. إال إن نظام احلكم القائم على احملاصصة الطائفية-األثنية تسبب ب��دوره يف مواصلة ممارسة التمييز بني املواطنات واملواطنني .وإذا كان نظام احلكم البعثي قد ميز بني املوطنات واملواطنني على أساس القومية والفكر والرأي السياسي ،وإىل ح��د م��ا اإلقليم أو املنطقة اجلغرافية والطائفة الدينية أو املذهبية ،فأن نظام احلكم احلالي ميارس ،إضافة إىل كل ذلك املزيد من التمييز بني اإلناث والذكور لصاحل
الذكور .وهذه احلقيقة مع الفساد املالي جلبت معها الفساد اإلداري احلكومي على حنو خاص. فلم يعد احلديث يف العراق عن الفساد املالي فحسب ،بل وعن الفساد اإلداري املريع .والفساد مشل تزوير خمتلف أن��واع الشهادات وملختلف املراحل الدراسية بهدف احلصول على مراكز حكومية متقدمة ألعضاء مؤيدي األح��زاب احل��اك��م��ة وخ��اص��ة الدينية منها ،ولغرض احلصول على رواتب عالية. السمة الثانية :اإلرهاب املوجه ضد اجملتمع لقد كان اإلرهاب يف العراق حمصوراً بأجهزة ال��دول��ة احلكومية وخاصة الشرطة واألم��ن الداخلي أو األمن القومي يف فرتة البعثيني بهدف قتل املعارضني يف الداخل واخل��ارج أو سجنهم وتعذيبهم ..اخل .ولكن بعد سقوط النظام برز إرهاب جديد متارسه قوى النظام املقبور ،أي قوى أمن البعث وفدائيي صدام حسني ومجهرة من أعضاء ح��زب البعث املتشددين والذين مارسوا القتل والتعذيب وانتهاك حقوق اإلنسان من جهة ،ومتارسه من جهة أخرى قوى إسالمية سياسية متطرفة على الصعيد الدولي هي قوى القاعدة بالتعاون مع تنظيماتها احمللية يف العراق ،كما متارسه ميليشيات طائفية شيعية وسنية دخلت يف عملية قتل على اهلوية وبدعم مباشر وغ�ير مباشر من دول اجل��وار بشكل خاص .وظاهرة اإلره��اب ستبقى مستمرة ما دامت هناك عوامل اقتصادية وسياسية ودينية أو مذهبية واجتماعية كانت السبب وراء ظهورها يف العراق ،وهي الوجه الثاني لظاهرة اإلره��اب .واإلره��اب ال يقتل اإلنسان العراقي فحسب ،بل يأتي على القوى العلمية والفنية
والثقافية يف البالد وعلى الكثري من املوارد املادية ويهز األمن واالستقرار ،وبالتالي يعطل السري يف طريق التنمية ويعطل االستثمار احمللي واألجنيب ويعرقل عملية التصنيع وحتديث الزراعة ومكافحة اآلفات والسمات السلبية اليت يعاني منها العراق. السمة الثالثة :التلوث البيئي وإهمال محاية الطبيعة ومواردها يف العراق مل يكن العراق يعاني من التلوث الشديد لثالثة أسباب مهمة ،وهي: أ.ضعف النشاط الصناعي واملنشآت امللوثة للبيئة ،يف ما عدا قطاع النفط االستخراجي وما يرتبط به من الغاز املصاحب احملرتق، إضافة إىل عوامل التصحر وانهيارات األراضي، إذ مل تتخذ إجراءات كفيلة مبنع ذلك. ب .قلة عدد السكان وسعة املساحة العراقية. ت .قلة وسائط النقل املنتجة لغاز ثاني أوكسيد الكاربون. إال إن العراق ومنذ السبعينيات بدأ يعاني من تلوث مستمر ومتزايد للبيئة العراقية ناجتة عن عوامل عدة وأساسية: .1ع��دم اخت��اذ إج���راءات كافية حلماية البيئة من التلوث ومحاية املوارد االقتصادية واإلنسان من عواقب التلوث. .2تفاقم كبري يف التلوث بسبب إقامة صناعات ملوثة للطبيعة مل تؤخذ فيها معايري محاية البيئة ،مبا يف ذلك زيادة إنتاج وتصدير النفط اخلام ومنع الغاز املصاحب من االحرتاق. .3ك��ث��رة اس��ت��خ��دام ال��س��ي��ارات بأنواعها باالرتباط مع الفورة النفطية واستخدام
شتى أن��واع البنزين والكروسني وامل��ازوت امللوث بدرجة عالية للبيئة وامل��ؤذي ملوارد الطبيعة. .4احل����روب ال��ك��ث�يرة وال��ط��وي��ل��ة ال�تي استخدمت فيها شتى أنواع األسلحة احملرمة، كالسالح الكيماوي واجلرثومي والعتاد احلامل لليورانيوم املخصب امللوث للبيئة واألرض واملياه واملدمرة للغابات واألشجار والنخيل واملساهمة يف زيادة عوامل التصحر والتعرية والتآكل وانهيارات الرتبة والعواصف الرملية. ولكنها كانت وما تزال مضرة باإلنسان وبيئته ومنتجة ملزيد م��ن األم���راض السرطانية وتشوهات املواليد اجلدد وغريها من العلل. .5نشوء املستنقعات املائية العفنة يف املناطق السكنية وعواقبها على صحة اإلنسان، وكذلك زيادة امللوحة يف األراض��ي الزراعية، وخاصة يف الوسط واجلنوب وعواقبها السلبية على اإلنتاج الزراعي واإلنتاجية وتدهور غلة ال��دومن الواحد نتيجة تدهور شبكات الري وال��ب��زل واالس��ت��خ��دام غري العقالني للمياه وشحها. الفصل الثاني العواقب املرتتبة ع��ن ه��ذه السمات على االقتصاد واجملتمع يف الدولة االحتادية ويف اإلقليم ال ميكن ملثل هذه السمات وتشابك أفعاهلا املتبادلة التأثري إال أن ترتك عواقبها السلبية احل���ادة على جممل العملية االقتصادية واالجتماعية والثقافية والسياسية والبيئية 15
أقواس
أقواس
16
يف آن ،وبالتالي تقلل من املستوى النوعي حلياة وظ��روف عمل اإلنسان واجملتمع .وألهمية تلك العواقب اليت يفرتض إزالتها يف السنوات القادمة ،فإن اإلشارة إليها تصبح مهمة ال بد منها لتكون ضمن مهمات إسرتاتيجية التنمية الوطنية الشاملة يف العراق.
. 1يف احلياة والعملية االقتصادية نشأت عن هذه السمات األساسية يف االقتصاد العراقي وما حلق بها من مسات ثانوية طارئة ولكنها فاعلة ظواهر سلبية شديدة الفاعلية واألثر يف احلياة االقتصادية جتلت يف: ** قصور شديد يف عملية إع��ادة اإلنتاج وانشداد كامل هلا باالقتصاد الدولي وانكشاف تام على اخل��ارج استرياداً وتصديراً ،فليست هناك وحدة عضوية وديناميكية يف عملية إع���ادة اإلن��ت��اج املوسعة يف إط���ار االقتصاد العراقي بل ترتبط وتستكمل بشكل كبري جدا مع االقتصاد الدولي عرب عملييت تصدير النفط اخلام واسترياد السلع املصنعة .ونشأت وتفاقمت عن هذا التخلف وهامشية املوقع االقتصادي يف التقسيم ال��دول��ي الرأمسالي للعمل ظاهرة عدم التكافؤ يف عملية التبادل التجاري لتباين شديد يف القيم التبادلية نتيجة التباين الكبري يف مستوى تطور القوى املنتجة وإنتاجية العمل وكفاءة األداء لصاحل ً تقدما املستوردة للنفط اخلام ال��دول األكثر واملصدرة للسلع املصنعة. ** قصور كبري يف استخدام النفط اخلام والغاز الطبيعي ومواردهما املالية يف عمليات
التثمري اإلنتاجي أو االستثمارات اإلنتاجية يف القطاعات االقتصادية اإلنتاجية يف البنية التحتية ،وخاصة إنتاج الطاقة ،والصناعة التحويلية وال��زراع��ة والنقل وامل��واص�لات واالت���ص���االت ال�تي م��ن شأنها املساهمة يف حتقيق الرتاكم الرأمسالي وتنويع مصادر إنتاج وتكوين الدخل القومي وإغناء الثروة االجتماعية وت��أم�ين ف��رص عمل جديدة ً سنويا المتصاص الزيادات السنوية يف عدد السكان القادر على العمل وحتسني مستوى معيشة األفراد والعائالت. ** إن ه��ذا ال��واق��ع أب��ق��ى م��ع��دالت النمو االقتصادي واطئة جداً يف القطاعات اإلنتاجية الوطنية ،ع��دا النفط اخل��ام ،وع��اج��زة عن تلبية احتياجات التطور االقتصادي والتقدم االجتماعي .كما وجد ذلك تعبريه يف ضعف حجم اإلنتاج اإلمجالي وخاصة يف قطاعي الصناعة التحويلية والزراعة وما يرتبط بهما من مشروعات اقتصادية وضعف شديد يف إنتاجية العمل وكفاءة األداء وقلة غلة الدومن الواحد السنوية يف اإلنتاج الزراعي ،إضافة إىل صعوبة حتسني النوعية. ** إن الطابع الريعي لالقتصاد العراقي عطل من الناحية الفعلية استخدام األدوات املالية بصورة عقالنية لصاحل االقتصاد الوطين وخاصة تطبيق نظام ضرييب فعال وحمرك للعملية االقتصادية ومساهم يف حتسني عملية توزيع وإع���ادة توزيع الدخل القومي وإىل تفريط مستمر يف الثروة الوطنية .فالشعور بوجود ثروة النفط جتعل املسؤول السياسي
يعتقد بعدم ضرورة جباية الضرائب أو ممارسة ضريبة تصاعدية على الدخل الفردي السنوي. ** ومع األهمية الكبرية ج��داً للنفط اخلام املصدر يف تكوين النسبة العظمى من الدخل القومي يف مقابل ضعف شديد يف دوري الصناعة التحويلية والزراعة والبنية التحتية يف ذلك، ف��إن النفط اخل��ام والغاز الطبيعي ال يلعبان الدور الفعال والضروري يف إنتاج الطاقة ،وهي عصب التطور والتقدم االقتصادي واالجتماعي والثقايف يف البالد .وهو بهذا يعيد إنتاج التشوه املميز لبنية االقتصاد الوطين وتفككها وانعدام الديناميكية الداخلية الفاعلة يف تطوير عملية إعادة اإلنتاج املوسعة الضرورية للبالد، ** وبسبب السمة الريعية وتوفر املوارد املالية من صادرات النفط اخلام وزيادة حجم البطالة اجتهت الدولة بشكل مستمر صوب امتصاص جزء من البطالة املكشوفة ،وخاصة خرجيي املدارس والكليات واجلامعات ،يف أجهزة الدولة املدنية والعسكرية مما أدى إىل حصول تضخم ً سنويا املزيد من وترهل مرضي فيها استنزف الدخل القومي ومن كفاءة األداء بسبب نشوء ً بطالة مقنعة واسعة تصبح ً ثقيال على عبئا االقتصاد الوطين واجملتمع. ** ومنذ عقود أصبح االقتصاد العراقي عاجزاً ،وسنة بعد أخ��رى وأكثر فأكثر ،عن توفري األمن الغذائي للمجتمع باعتباره اقتصاداً ً مكشوفا بالكامل على اخلارج. ** كما إنه اقتصاد غري عادل وغري فعال وغري متنوع يف استخدام ثرواته األولية إزاء األجيال القادمة. ** وتشري املعلومات املتوفرة إىل إن مسرية
االقتصاد العراقي الراهنة تلحق املزيد من التلوث بالبيئة وتؤثر ً سلبا على موارد الطبيعة بسبب طبيعة التقنيات املتخلفة املستخدمة وأساليب العمل وقسوة التعامل مع الطبيعة. ** إن التخلف يف استخدام التقنيات احلديثة يف الصناعة والزراعة والبنية التحتية على حنو ً عموما وسوء استخدامها يف خاص وشح املياه الزراعة ،إضافة إىل وجود مصادر مياه األنهر الرئيسية والثانوية العراقية ه��ي م��ن كل تركيا وإيران حيث تلعب السياسة والسياسات االقتصادية للدولتني وسوريا دوراً ً فاعال يف هذه املشكلة ،إذ نشأت منذ عقود وتفاقمت مشكلة شح املياه خالل السنوات املنصرمة وستتفاقم أك��ث��ر فأكثر يف ال��س��ن��وات وال��ع��ق��ود القادمة باالرتباط مع واق��ع النمو السكاني وتطور االقتصاد الوطين وتنامي احلاجة إىل املياه. ** إن طبيعة التشكيلة االق��ت��ص��ادي��ة – االجتماعية ومستوى تطور القوى املنتجة سهلت على الشركات وال��دول األجنبية زيادة استغالهلا للمجتمع العراقي بالتحالف مع القوى الطبقية املهيمنة على حكم البالد وإىل غياب العدالة يف توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي وإىل ضعف شديد يف معدل حصة الفرد الواحد السنوية منه وإىل فجوة متسعة بني املداخيل السنوية لألفراد والفئات االجتماعية .كما أن السمات اجلديدة الطارئة تلعب اليوم دورها ال��ب��ارز واملميز يف زي��ادة نهب وسلب خزينة الدولة وثروة اجملتمع. ** واالقتصاد العراقي متفاوت جداً يف تطور مناطقه املختلفة وبني املدينة والريف أو بني 17
أقواس
أقواس
18
امل��دن الكبرية وامل��دن الصغرية والنائية عن العاصمة بغداد.
.2اجلانب االجتماعي إن هذه السمات املميزة للبنية االقتصادية والظواهر الناشئة جتلت سلبياتها على الواقع االجتماعي العراقي ال�تي ميكن بلورتها يف النقاط التالية: ** البنية املشوهة للمجتمع العراقي من حيث الرتكيب الطبقي ،فالعراق يعاني من ضعف شديد يف حجم وبنية الطبقة املتوسطة (الربجوازية املتوسطة) من جهة ،وحجم وبنية الطبقة العاملة من جهة أخرى .وهذا الضعف يتسبب يف مصاعب نشوء اجملتمع املدني ودور منظماته غ�ير احلكومية يف جممل العملية اجلارية يف البالد ،إذ إن كال من هاتني الطبقتني وفئات املثقفني هي احلامل الفعلي للمجتمع املدني، ** وضعف هاتني الطبقتني ودورهما ودور فئة املثقفني قد ساها يف إعاقة نشوء حركة تنوير دينية واجتماعية ،فكرية وسياسية يف البالد وساها يف تفاقم دور املؤسسات الدينية غري الواعية حلركة التطور واملعرقلة لتطوير وحتديث اجملتمع بسبب خشيتها من هذا التطور على دورها ومصاحلها .وقد حافظ هذا الواقع على ضعف مزمن يف الوعي الفردي واالجتماعي وهيمنة فعلية على نسبة عالية من السكان من الوعي املزيف واملشوه. ** ويف مقابل هاتني الطبقتني استعاد العراق دور شيوخ العشائر والعشائرية من كبار مالكي األراضي الزراعية الذين استعادوا السيطرة على األراضي الزراعية اليت كانت حبوزتهم وانتزعت
منهم على وفق بنود قوانني اإلصالح الزراعي الثالثة ( 1970 ،1958و ،)1975كما برز دور أكرب للكومربادور التجاري ومساسرة العقار والفئة البريوقراطية السياسية احلاكمة، وأغلبهم من فئات الربجوازية الصغرية والفئات الرثة السابقة ومن القطط السمان أو من ذوي النعمة احلديثة واملشاركني يف الفساد واإلفساد. ** وبقدر تراجع حجم الطبقة العاملة، ً اقتصاديا اتسعت يف البالد الفئات املهمشة ً ً وثقافيا واملتعرضة بصورة أكرب واجتماعيا ملخاطر تلوث البيئة العراقية وتلك املهاجرة من الريف إىل أطراف املدينة أو املسرحة من اخلدمة يف القوات املسلحة. ** التشوه يف بنية التعليم واجتاهات تطوره وتراجع العلم أمام الفكر الديين غري املتنور وت��ردي مستوى املناهج التعليمية ومستوى التعليم العام والتسرب الشديد يف مراحل التعليم األولية واملتوسطة والثانوية ،إضافة إىل بروز الفساد املالي يف منح الشهادات أو بيع أسئلة االمتحانات أو ممارسة الضغوط على أعضاء اهليئة التعليمية. ** ضعف املستوى الثقايف العام وتراجع شديد يف احلياة الثقافية واملوقف السليب من الفنون اإلبداعية والنقص الشديد يف ختصيصات وزارة الثقافة يف مواجهة متطلبات احلياة الثقافية العراقية. ** ويتجلى التخلف االجتماعي يف مستوى اخلدمات العامة اليت متارسها الدولة يف جمال الصحة العامة والتعليم والنقل واملواصالت واالتصاالت ،إضافة إىل تراجع شديد يف الضمانات االجتماعية على ضعفها واملوقف السليب من
املرأة وحقوقها املشروعة(.كيف ال وقد أصبح الثوار التقدميون محاة الدعوات اخليانية و الرجعية؟) ** كما يتجلى التخلف يف املوقف السليب العام من املرأة وضعف مشاركتها يف احلياة السياسية واالقتصادية ودوره��ا يف اجملتمع ،إضافة إىل ممارسة التقاليد البالية يف املوقف من املرأة وقتلها أو فرض االنتحار عليها ملا يسمى قسراً ً وظلما بغسل الشرف. ** الضعف الشديد يف ممارسة حقوق اإلنسان وحقوق املواطنة واليت تربز من خالل تقارير املنظمات الدولية مثل منظمة العفو الدولية واألم��م املتحدة وغ�يره��ا .إضافة إىل عمليات االحتجاج السكانية بني فرتة وأخ��رى .إذ إن أجهزة األمن تقوم بدور سليب خطرية يف حياة الناس بصورة غري مباشرة أو مباشرة. ويف اجلانب السياسي : إن السمات الرئيسة وتلك الثانوية الطارئة اليت يتميز بها االقتصاد العراقي والعواقب النامجة عنها على اجملتمع ساهمت يف خلق األرضية الصاحلة لنشوء الفردية واالستبداد يف احلكم اليت جتلت بدورها يف عدم اح�ترام الشرعية الدستورية والرأي العام العراقي والتجاوز الفظ على احلياة الدستورية واحلريات العامة واحلياة الدميقراطية وعلى حقوق اإلنسان وحقوق امل���رأة ،وك��رس��ت مستلزمات بقاء واستمرار ع�لاق��ات التسلط لتنتج جمتمعة ال��دول��ة االستبدادية .ورغم سقوطها على أيدي قوى خارجية ،نشأت على أنقاضها دولة ال ختتلف عنها كثرياً يف فردية واستبداد أغلب حكامها. ف��وج��ود مؤسسات دستورية ال يعين أداءه��ا
ملسؤولياتها وواجباتها إزاء الدستور واجملتمع ،بل اصبحت واجهة للتغطية على طبيعتها الفردية واالستبدادية والتجاوز على احلياة العامة. ويف اجلانب البيئي : إن اخلراب البيئي يف العراق يتجلى يف عدد من العواقب السلبية اليت ميكن تلخيصها يف النقاط التالية: ** األم��راض اجلديدة ،وخاصة السرطانية، اليت برزت يف مدن وقرى جنوب العراق نتيجة ً دوليا استخدام أن��واع من األسلحة احملرمة اليت أصيبت بها ال��والدات اجلديدة .وقد متت الربهنة على ذلك من خالل األحباث امليدانية يف البصرة ً مثال وأخذ عينات من الرتبة العراقية أو من مواقع قصف الدبابات العراقية ،وكذلك الصور اليت التقطت ألطفال مصابني باألمراض السرطانية والتشوهات اخللقية. ** اخل��س��ارة ال��ف��ادح��ة ال�تي عمت الوسط واجلنوب واملناطق احل��دودي��ة من كردستان بسبب تلوث الرتبة واملياه وزرع ما يقرب من عشرين مليون لغم يف املناطق احل��دودي��ة، وخاصة مع إيران .وميكن لزوار جنوب ووسط ً وقوفا ملاليني النخالت. العراق أن يكتشفوا املوت ** زحف التصحر على مساحات واسعة من مدن الوسط واجلنوب وغ��رب بغداد وهبوب العواصف الرملية عليها اليت تساهم يف إصابة الكثري من سكان هذه املناطق بأمراض احلساسية والربو وضيق التنفس وخاصة بني األطفال وكبار السن واملرضى ،إضافة إىل ما تتسبب به من خسائر اقتصادية وتدهور يف نوعية حياة اإلنسان والتكاليف العالية جداً ملعاجلة إصابة املزيد من السكان بعواقب التلوث البيئي. 19
أقواس
أقواس
20
** وتؤكد ال��دراس��ات اجل��ادة واحلديثة أن تكاليف التخلص من التلوث هي أعلى بكثري من تكاليف الصرف على محاية البيئة من التلوث ابتدا ًء أو بسبب عدم االهتمام بالتوقف عن إحلاق الضرر مبوارد الطبيعة املادية والبشرية من خ�لال أساليب استغالهلا غري العقالنية والقاسية مع الطبيعة. وخالصة هذا الواقع السليب تتجلى يف املوازنات العامة السنوية ،فهي التجسيد احلقيقي للبنية املشوهة لالقتصاد العراقي من حيث تكوين اإلي��رادات السنوية للموازنة العامة ،كما أنها التجسيد ال��واق��ع��ي للسياسات االقتصادية واالجتماعية اخلاطئة والسيئة اليت مارستها وما تزال متارسها احلكومات العراقية املتعاقبة منذ سقوط الدكتاتورية يف العراق واليت كان يفرتض أن تتجاوز سياسات احلكم الدكتاتوري وت��ط��رح م��وازن��ات أكثر عقالنية وسالمة. ونظرة فاحصة على امليزانية العامة نشخص بعض املالحظات اجلوهرية التالية: ** اعتمادها األس��اس��ي على م��وارد النفط املالية اليت تشكل أكثر من 90%من إيراداتها السنوية. ** غياب ال��ت��وازن بني اإلي���رادات السنوية واإلنفاق السنوي للميزانية العام. ** وضع امليزانية العامة بعجز سنوي كبري ناتج عن عدم معرفة دقيقة بإيرادات النفط السنوية باالرتباط مع احلراك املستمر لسعر ً هبوطا ،وكذلك وحبدود النفط اخلام صعوداً أو معينة كمية النفط السنوية املصدرة. ** غياب التوازن الضروري بني التخصيصات التشغيلية وتلك التخصيصات املوجهة ألغراض
االستثمار ،إذ تبلغ النسبة ،1:3مع التشوه الفعلي يف توزيع التخصيصات االستثمارية يف غري صاحل التنمية الصناعية والزراعية والبنية التحتية األساسية اليت ما تزال تعاني من تشوه وضعف شديدين. ** البؤس الشديد يف توجيه امل��وارد املالية لصاحل التعليم والثقافة ،يف حني حتظى الوزارات واملؤسسات العسكرية وال��رئ��اس��ات الثالث.. اخل حبصة هائلة من امليزانية العامة للدولة العراقية .كما هو الشأن يف حكومة أربيل. ** إن غياب السياسة االقتصادية واالجتماعية العقالنية وسيادة العفوية والفردية يف اختاذ القرارات قد انعكس بهذا القدر أو ذاك على السياستني املالية والنقدية ،إضافة إىل غياب التنسيق بني اجلهاز املالي واجلهاز النقدي ،أي بني وزارة املالية والبنك املركزي. إن توزيع أوج��ه اإلنفاق يف امليزانية العامة يلخص بكثافة شديدة الطبيعة االجتماعية والسياسية للنخب احلاكمة يف العراق ورهانها األساسي على موارد النفط املالية وعلى إنفاق ه��ذه امل���وارد على التشغيل واس��ت�يراد السلع االستهالكية ،مبا فيها املعمرة ،يف حني مل حتظ امليزانية االستثمارية إال باجلزء اليسري والذي مل يستخدم بصورة عقالنية ،إضافة إىل ظاهرة اإلمعان يف تأمني املصاحل الذاتية واملكاسب املالية من جانب النخب احلاكمة لصاحلها ،وكأنها تغرف من أم��واهل��ا اخلاصة وليس من أم��وال الشعب.
الفصل الثالث ما هي العوامل اليت كانت وما تزال وراء نشوء هذا الواقع يف االقتصاد واجملتمع والثقافة إن امل��ت��ت��ب��ع حل��رك��ة ال��ت��ط��ور االق��ت��ص��ادي واالجتماعي والثقايف والنظم السياسية العديدة اليت رافقت مسرية العراق خالل الفرتة اليت أعقبت سقوط الدولة العثمانية يعرف بأن السيطرة االستعمارية الربيطانية اليت بدأت ً فعليا مع نهاية احلرب العاملية األوىل قد مارست دورين متناقضني: أوهلما أنها أنقذت العراق من ظلمات الفرتة العثمانية وكسرت من حيث املبدأ قيود التخلف وفتحت الطريق للحداثة واالحتكاك باحلضارة الغربية والتقدم؛ وثانيهما أنها ،وباالرتباط مع أهداف السيطرة االستعمارية يف حتقيق اهليمنة املديدة واستغالل الشعوب ،ساهمت بوضع العقبات أمام تسريع عملية التحوالت االقتصادية واالجتماعية والثقافية متناغمة يف ذلك مع طبيعة القوى الطبقية القدمية اليت كانت تهيمن على األرض الزراعية وغالبية السكان الفالحية والبدوية وعالقات اإلنتاج املزدوجة واملتشابكة ،عالقات اإلنتاج األبوية وشبه اإلقطاعية يف ظل جمتمع عشائري أبوي. أما احلكومات امللكية العراقية املتعاقبة فقد ن��ف��ذت سياسات تستجيب م��ن جهة ملوقف ومصاحل بريطانيا يف العراق باعتبارها الدولة احمل��ررة للعراق والضامنة له من اع��ت��داءات الدول اجملاورة الطامعة بأرض العراق (تركيا
وإيران) على حنو خاص ،وبني الرغبة يف تطوير البالد وتقدمها مع احلفاظ على طبيعة عالقات اإلن��ت��اج القدمية وال��ق��وى الطبقية املتنفذة دون تغيري من جهة أخرى .وكان هذا مبثابة املطب الكبري والفعلي ال��ذي سقط فيه حكام تلك الفرتة وقاد إىل بروز التناقضات الداخلية ً تدرجيا والصراعات االجتماعية اليت حتولت إىل نزاعات سياسية انتهت بسقوط امللكية على أيدي القوات املسلحة .لقد خطا العراق خطوات ملموسة على طريق التخلص من سلبيات العهد العثماني يف جم��ال التعليم والصحة وإعمار البالد ،ولكنه مل يستطع وضع البالد بشكل مناسب على طريق اخل�لاص م��ن العالقات اإلنتاجية املعرقلة للتطور الصناعي والزراعي وتسريع تطور العالقات اإلنتاجية الرأمسالية رغم بدء تدفق موارد النفط املالية .فالسمات األساسية لالقتصاد العراقي تبلورت يف العهد امللكي ،ورغم احلراك الشديد الذي شهده العراق ً سياسيا عرب االنقالبات السياسية ،مل يستطع اخلالص من تلك السمات ،بل كرست أكثر فأكثر بفعل طبيعة النظم السياسية غري الدميقراطية واالستبدادية اليت سادت يف العراق يف أعقاب سقوط امللكية اليت فرطت باحلياة الدستورية والربملانية واالل��ت��زام ب��إرادة الشعب والرغبة يف تغيري األوض���اع لصاحل احل��داث��ة والتقدم ومصاحل الشعب .ولعبت السياسات االقتصادية ال�تي مارستها احلكومات املتعاقبة ،وبشكل خاص سياساتها النفطية ،دوراً بارزاً يف جعل العراق دولة ريعية وحيدة اجلانب يف بنيتها االقتصادية من جهة ،والسياسات القومية والشوفينية واالستبدادية من جهة أخ��رى، 21
أقواس
أقواس
22
دورها يف نشوب احلروب الداخلية واخلارجية وتدمري ما بين من منشآت ومؤسسات اقتصادية ومدنية ويف خلق مستلزمات إبقاء العراق ً ً وتابعا ومشوها البنية االقتصادية متخلفا واالجتماعية والثقافية وبعيداً عن التنوير ً وخاضعا للتيارات الفكرية الديين واالجتماعي السلفية واخلرافات اليت تعيق تقدم اجملتمع وحترره الكامل من املاضي السياسي واالقتصادي واالجتماعي والثقايف .ولعبت املؤسسات الدينية ال�تي مل تشهد حركة تنوير ونهضة ثقافية فعلية دوره��ا السليب يف تكريس ما هو قديم ومعرقل للتفتح الفكري واالجتماعي ،إضافة إىل ممارسات إفرازات نظم االستبداد والرجعية كالتمييز الديين واملذهيب والفكري والسياسي والتمييز ضد املرأة ومصادرة حقوقها وعدم مساواتها بالرجل ،إضافة إىل ما برز من تدهور القيم واملعايري السليمة يف املوقف من املال العام والعالقات بني األف��راد وتفاقم نزعات العنف اليت مارستها احلكومة وانتقلت إىل ممارسات فعلية يف اجملتمع وبشتى األشكال.
الفصل الرابع اإلم��ك��ان��ي��ات امل��ت��وف��رة لتحقيق التغيريات املنشودة يف االقتصاد واجملتمع يف العراق اإلمكانيات املتوفرة * نفوس العراق ( )30مليون نسمة. * ميتلك كوادر علمية وفنية وثقافية وخربات جيدة. * ميتلك موارد أولية كالنفط والغاز والكربيت على حنو خاص.
* وميتلك أرض واس��ع��ة ص��احل��ة للزراعة ونوعيات أرض خمتلفة ،كما ميتلك مناخات متعددة بسبب طبيعته اجلغرافية على الرغم من الدراسات واألحب��اث واملسوح الكثرية اليت أجريت على العراق خالل سنوات القرن العشرين ،إال إنها مل تستطع تغطية العراق بشكل مناسب ،إذ ما يزال الكثري الذي يستوجب البحث واملسح والتدقيق بأمل وض��ع لوحة كاملة عن إمكانيات البالد املادية والبشرية وطاقاته الفعلية املباشرة وغري املباشرة احمللية واإلقليمية والدولية اليت تساعده على وضع التشخيصات اآلفاقية وإسرتاتيجية التنمية الوطنية الشاملة واخلطط والربامج الضرورية لتطوره املتعدد اجلوانب ً حاليا ويف املستقبل. . 1السكان: على ض��وء آخ��ر املعلومات احلكومية غري الدقيقة يقطن العراق يف العام 2011حوالي 30مليون نسمة من قوميات عديدة هم العرب والكرد ،وبضمنهم ُ ُ الكرد الفيلية ،والرتكمان والكلدان واآلشوريني والفرس .ويشكل العرب ُ والكرد الغالبية العظمى من السكان على التوالي ويقطنان يف القسم العربي من العراق والقسم الكردستاني ،يف حني يتوزع باقي السكان، وبضمنهم ُ الكرد الفيلية ،على أحناء البالد كلها. وال تتوفر يف العراق إحصائيات دقيقة حول ت��وزي��ع السكان على أس��س أخ��رى كاالنتماء القومي والطبقي واملهين والتعليمي أو العمري أو عدد الذكور واإلناث وكذلك التوزيع اجلغرايف. وما هو متاح ال يتعدى التقديرات املستندة إىل إحصائيات قدمية تستخدم األدوات واألساليب
الرياضية يف احتسابها دون األخذ باالعتبار ما ومآس وحروب وموت حل بالعراق من كوارث ٍ مجاعي للسكان ،كما حصل يف إقليم كردستان العراق أو يف اإلقليمني اجلنوبي والوسط يف فرتات خمتلفة .كما أن النسبة احلقيقية لالمية يف الصراف خاضمة للتقدير وليس إلحصاء فعلي مت بشكل دقيق على مستوى امل��دن واألري��اف وعلى أساس الذكور واإلناث ،إذ من املعروف أن األمية يف الريف أوسع مما هي عليه يف املدينة وبني النساء أكثر مما هي عليه بني الرجال ،مع ضرورة األخذ باالعتبار اهلجرة الريفية الكبرية إىل املدينة وتراجع نسبة سكان الريف إىل املدينة بشكل عام. وم��ن امل��ع��روف أن ال��ع��راق ميتلك ك��ف��اءات اختصاصية علمية وتقنية وأدب��ي��ة وفنية بنسبة كبرية من السكان ،ولكن هذه احلقيقة نسبية ،خاصة وأن عدداً كبرياً من هذه القدرات والكفاءات مل تعد يف العراق بل تعيش خارج الوطن ،وهي ربح كبري لتلك ال��دول وخسارة فادحة للعراق ومهمات تقدمه .ويفرتض أن ال نضع باحلسبان عودة الكثري من تلك الكفاءات ألسباب ترتبط بعدد غري قليل من العوامل اليت تستوجب دراسات ميدانية وحتليل علمي سليم لتشخيصها وتقدير أوزان��ه��ا النوعية ومدى القدرة على تذليلها لصاحل العراق. ومع ذلك فما هو متاح يف العراق غري قليل لو استخدم بعقالنية وفاعلية وبعيداً عن العلل ً حاليا يف العراق ،وهو أمر غري ممكن السائدة يف واقع احلال ما مل يتغري بشكل جذري واقع العراق الراهن والظروف السائدة فيه. إن هذا الواقع العراقي يؤكد ضرورة استكمال
املسح الكامل مل��وارد العراق املادية والبشرية والفنية مبا يسمح بوضع املهمات البعيدة وذات امل��دى القريب بصورة أكثر ً قربا من الواقع الفعلي وحاجات التنمية الفعلية.
. 2املوارد األولية: ً خزينا تؤكد الدراسات الفنية أن العراق ميتلك ً هائال من النفط اخل��ام ويسبح بالكامل على حبرية نفطية تتجاوز مساحته الراهنة ،كما ميتلك الغاز الطبيعي الذي مل يستخدم حتى اآلن بصورة عقالنية ولصاحل االقتصاد الوطين. ويقدر االحتياطي النفطي حبدود 112مليار برميل ،إىل جانب تقدير إضايف يصل إىل أكثر من ضعفي هذا االحتياطي الثابت ،أي حبدود 240 مليار برميل .وهذا التقدير هو األكرب باملقارنة مع سائر احتياطي النفط يف ال��دول األخرى. وبالتالي يقدر بأن نفط العامل ميكن أن ينتهي ً نفطا للتصدير يف حني يبقى العراق ميتلك واالستخدام الصناعي التكريري والتحويلي يف الداخل .ورغم أن املسوحات مل تنته بعد ،فإن النفط متوفر يف جنوب ووسط العراق ويف مشاله وكذلك يف كردستان العراق .وتشري املسوحات إىل توفر القري(الزفت) يف القيارة ويف غرب العراق ولكنها مل تشر إىل وجود النفط اخلام. وإىل جانب النفط ميتلك العراق الكربيت ومواد أولية أخ��رى وخاصة يف املناطق اجلبلية من كردستان العراق اليت مل متسح مبا فيه الكفاية حتى اآلن ،رغم اجلهود اليت بذلتها حكومة اإلقليم خالل السنوات املنصرمة اليت أعقبت تشكيل الفيدرالية يف العام .1992وهناك 23
أقواس
أقواس
24
املوارد األولية اليت ميكن مبوجبها إقامة وتطوير صناعات م��واد البناء كاإلمسنت والطابوق وال��ك��ل��س واس��ت��خ��دام ال��س��ك��راب يف صناعات ً أخرى .كان العراق بلداً زراعيا يشبع حاجات سكانه .ولكنه اليوم يستورد القسم األعظم من حاجاته االستهالكية للمنتجات واحملاصيل الزراعية ،مبا يف ذلك اخلضر والفواكه ومنتجات الثروة احليوانية .وهو تعبري عن خلل يف بنية االقتصاد وعملية التنمية ويف غياب كلي وفعلي لألمن الغذائي .ففي العراق مساحات واسعة من األراضي الزراعية اليت مل تستخدم أو مل يستخدم الكثري منها بصورة اقتصادية فعالة ومثمرة. ويشمل هذا كل األراضي الزراعية العراقية دون استثناء .واخللل الكبري يكمن يف السياسات اليت مارستها وما تزال متارسها احلكومات العراقية املتعاقبة وحكومة إقليم كردستان منذ تأسيس الفيدرالية فيها .ورغم شح املياه ودور سياسة الدول اجملاورة يف التالعب حبصة العراق املائية، فإن ما هو متوفر منها وما يوجد يف األرض ً كافيا لزراعة حديثة العراقية كان وما يزال ومتقدمة ومساهمة يف توفري نسبة عالية جداً من حاجات العراق للغذاء ولبعض الصناعات الزراعية املهمة .كما أن املناخات املتنوعة يف العراق يف الوسط واجلنوب والشمال ُ وكردستان تساهم يف تنمية زراعية متنوعة ولفرتات مهمة من فصول السنة. ً ً ً ميتلك العراق خزينا مهما وحيويا من املوارد األساسية لتحقيق التنمية الزراعية والصناعية اليت مل تستثمر بعد أو أنها تستخدم بصورة جزئية أو بصورة غري جيدة .وم��ا حتتاجه البالد رسم سياسات اقتصادية صائبة وعملية
ً عضويا وديناميكيا مبصاحل وحاجات ترتبط اجملتمع العراقي.
الفصل اخلامس الصعوبات واملعوقات ال�تي تعرتض طريق التنمية الوطنية وحتقيق إسرتاتيجية عقالنية •غياب ال��وح��دة ال��ض��روري��ة يف السياسات احلكومية إزاء مستقبل البالد وعملية التنمية وال��ص��راع الشديد ح��ول املصاحل ال��ذي يتجلى ب���دوره يف غياب ال��رؤي��ة الوطنية املوحدة إلسرتاتيجية التنمية والسياسات االقتصادية واالجتماعية والسياسة النفطية وإنتاج الطاقة على املدى القريب والبعيد. •التخبط الفعلي لسياسة الدولة بني اللربالية واللربالية اجلديدة والرؤية الدينية الضبابية لالقتصاد والعالقات االقتصادية الدولية. •الدور السليب ال��ذي لعبته قوى االحتالل وخاصة ذلك النهج وسياسات الصدمة الفاشلة اليت مارسها بول برمير يف العملية االقتصادية العراقية واملوقف من قطاع الدولة والقطاع اخلاص والفساد املالي وتكريس النهج الطائفي يف سياسة احلكم اجلديد يف العراق. •غياب وض��وح ال��رؤي��ة يف حقيقة وأبعاد املشكلة املائية يف العراق وتأثريها على الزراعة والصناعة ومياه الشرب للزيادة السكانية خالل العقود القادمة. • طبيعة عالقات اإلنتاج السائدة ،أي ختلف التشكيلة االقتصادية االجتماعية. • غياب اجملتمع املدني واحلياة الدميقراطية احلرة.
• غياب القوانني االقتصادية الوضعية الضرورية اليت تنظم العالقات االقتصادية وضعف مواد الدستور يف هذا الصدد. • النظرة املتخلفة للتصنيع وحتديث الزراعة يف ال��ب�لاد وال��رغ��ب��ة يف احل��ص��ول ع��ل��ى سلع االستهالك عرب االسترياد. • نسبة مهمة من السكان .وخاصة الكوادر العلمية والفنية والثقافية .هجرت العراق ألسباب خمتلفةز • عدم استخدم ثروات البالد األولية بصورة عقالنية. ً حاليا يف العراق. • اإلرهاب السائد • الصراعات الطائفية والقومية واحلزبية الضيقة. • الفساد املالي واإلداري احملبط لذوي القدرات والكفاءات والغياب الكلي للعدالة االجتماعية. • غياب الشفافية واملصداقية والصراحة والثقة يف الدولة وسياسات احلكومة. • امل��وق��ع اهلامشي ال��ذي حيتله ال��ع��راق يف التقسيم الدولي الرأمسالي للعمل الذي مل يسمح له حتى اآلن باخلروج من احللقة املفرغة.
الفصل السادس رؤية مكثفة إلسرتاتيجية التنمية الوطنية الشاملة تستند إسرتاتيجية التنمية الوطنية الشاملة إىل مخسة أعمدة ،إذ أن ً كال منها يلعب دوره اإلجيابي أو السليب يف جمرى هذه العملية ويف النتائج اليت تتحقق لالقتصاد الوطين واجملتمع، وأعين بها:
.1املهمات السياسية واالس��ت��ق��رار األمين والسلم الوطين .2املهمات االقتصادية والعالقات االقتصادية اإلقليمية والدولية .3املهمات االجتماعية والتنمية البشرية .4املهمات الثقافية والفنون اإلبداعية .5املهمات البيئية ميكن مجعها بشعار أساسي عام واحد هو : تغيري ازدواج���ي���ة التشكيلة االقتصادية االجتماعية حنو تشكيلة رأمسالية وطنية وت��ط��وي��ر ال��ق��وى املنتجة وت��ط��وي��ر العلوم والتكنولوجيا واستخدامهما وتطويعهما لصاحل االقتصاد واجملتمع .وهذا يعين تغيري البنية السياسية وحتقيق األمن واالستقرار والسلم االجتماعي وتغيري بنية العالقات اإلنتاجية وهيكل االق��ت��ص��اد ال��وط�ني وبنية التجارة اخلارجية وتغيري مكونات ال��دخ��ل القومي وحتقيق العدالة يف توزيعه وتغيري عالقات العراق االقتصادية الدولية وموقعه الراهن، وتغيري بنية اجملتمع والتنمية البشرية وحتديث أسس وأساليب وأدوات التعليم وحتقيق الفصل بني العلم والدين وتطوير الثقافة الوطنية ومح��اي��ة البيئة وم���وارد الطبيعة وحتسني مستوى حياة ومعيشة وظروف عمل اإلنسان يف العراق. تفاصيل مكثفة إلسرتاتيجية التنمية الوطنية الشاملة يف البالد :1املهمات السياسية واالس��ت��ق��رار واألم��ن الوطين والسلم االجتماعي لقد عاش الشعب بأغلب فئاته االجتماعية 25
أقواس
أقواس
26
عقوداً طويلة حتت وطأة وهيمنة الدكتاتورية املتشابك واملطعم باالستبداد الشرقي وعانى من اجلور والظلم واالضطهاد وغياب احلريات الدميقراطية وحقوق القوميات وحقوق اإلنسان والتمييز القومي والديين واملذهيب، إضافة إىل معاناة شديدة لسنوات طويلة من احل��روب وامل��وت واحل��ص��ار االقتصادي ومن احل��رم��ان والفقر واهل��ج��رة القسرية .وبعد سقوط النظام وقع العراق حتت وطأة االحتالل وسياساته اليت أحلقت أضراراً فادحة بالعراق، كما سقط العراق يف مستنقع اإلرهاب والتمييز الطائفي السياسي والتمييز الديين واحملاصصة الطائفية وغياب األم��ن واالستقرار ،إضافة إىل غياب االنسجام والتفاهم بني القوى اليت تسلمت احلكم يف البالد وما جنم عن ذلك من صراعات ون��زاع��ات سياسية ما ت��زال تلحق أف��دح األض��رار بعملية التنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية .ال ميكن ألي حكم أن ميارس التنمية الوطنية الشاملة وهو يفتقد لألمن واالستقرار والسالم االجتماعي بني فئاته ومواطنيه ،كما يفتقد للرؤية املشرتكة للقوى احلاكمة حول وجهة التنمية وآفاقها ومستقبل البالد. مع ب��دء احل��رب العراقية-اإليرانية دخل العراق يف نفق مظلم متيز مبزيد من االستبداد والقهر وامل��وت وال�تراج��ع الشديد عن بعض مظاهر اجملتمع املدني وال��ع��ودة للعشائرية وتقاليدها وعاداتها وسلوكيات أفرادها إضافة إىل تنامي العنف العائلي واجملتمعي املقرتن بعنف ال��دول��ة إزاء امل��واط��ن��ات واملواطنني واجملتمع بشكل عام .وهو ما يزال يعاني من
هذا الواقع رغم سقوط النظام. وعلى هذا األساس فالشعب العراقي حباجة إىل : حكومة وطنية منسجمة يف سياساتهاومواقفها ومتناغمة مع مصاحل غالبية اجملتمع ومعربة عنها وملتزمة هلا. حكومة قادرة على حتقيق األمن واالستقراروكسر شوكة اإلرهاب والفساد يف البالد وجتد التأييد والدعم من غالبية بنات وأبناء الشعب. ح��ك��وم��ة حت�ت�رم ال��دس��ت��ور وامل��ؤس��س��اتالدستورية ،منظمات اجملتمع املدني وإرادة غالبية الناخبات والناخبني العراقيني. فالشعب حباجة ماسة إىل إقامة جمتمع مدنيدميقراطي دستوري حديث ودولة دميقراطية احتادية حديثة لكي يستطيع أن ينمو ويتطور ويتقدم اجملتمع واقتصاده وحياته العامة. دول��ة دستورية دميقراطية تأخذ مببدأالفصل بني السلطات والفصل بني الدين من جهة والسياسة والدولة من جهة أخرى مع اح�ترام تام لكافة األدي��ان واملذاهب الدينية واحرتام الرأي والرأي اآلخر. اعتماد مبدأ املواطنة احل��رة واملتساويةواح�ترام اإلنسان وحريته الفردية وكرامته وتوفري العمل والعيش الكريم له واألخذ مببدأ العدالة االجتماعية. إن اح�ترام حقوق اإلن��س��ان يعين اح�ترامحرية وحقوق الفرد ورفض التمييز بني املرأة والرجل واعتماد مبدأ املساواة بينهما. محاية اإلنسان من اإلرهاب ووجهه الثانيالفساد ،وممارسته حلقوقه كمواطن متساو يف احلقوق والواجبات بغض النظر عن القومية
واللغة والدين واملذهب والفكر واجلنس. :2املهمات االقتصادية وع�لاق��ات العراق االقتصادية على املستويني اإلقليمي والدولي إن إسرتاتيجية التنمية الوطنية الشاملة تستهدف: *** تغيري بنية االقتصاد مبا يزيل التشوهات الراهنة املميزة له بهدف تنويع مصادر إنتاج وتكوين الدخل القومي .وهو أفق تشخيصي ومهمة بعيدة امل��دى ال بد من حتقيقها عرب خطط وب��رام��ج ونشاطات حكومية وأهلية ومشاركة شعبية واسعة. *** تغيري ج��ذري يف أس��س توزيع وإع��ادة توزيع الدخل القومي مبا يسهم إىل ضمان أربع مسائل جوهرية: )1توزيع عقالني للدخل القومي بني العمل ورأس امل���ال ،أي ب�ين األج��ر وف��ائ��ض القيمة ً أوال ،أي بني االستهالك الفردي واالستهالك االجتماعي وال�تراك��م .وم��ن األهمية مبكان حتديد عالقة عقالنية ضرورية بني حصيت ال�تراك��م واالس��ت��ه�لاك ،مب��ا يسهم يف تنمية حصة التثمري اإلنتاجي (االستثمارات اليت توجه لتنمية اإلنتاج واخلدمات اإلنتاجية) يف االقتصاد الوطين مبا يسهم يف تغيري بنية االقتصاد املشوهة من خالل زي��ادة الرتاكمات الرأمسالية وتنمية الثروة الوطنية وإغناء اجملتمع وزيادة التشغيل. )2ممارسة سياسة عقالنية يف توزيع حصة االستهالك بني االستهالك الفردي واالستهالك االج��ت��م��اع��ي مب��ا يسهم يف حتقيق ال��ع��دال��ة االجتماعية واالستجابة حلاجات اجملتمع من خالل تنمية وتطوير اخلدمات االجتماعية.
)3ضمان العدالة والعقالنية يف عملية إعادة توزيع الدخل القومي على القطاعات اخلدمية وس��ب��ل االس��ت��ف��ادة منها م��ن ج��ان��ب الشعب وخاصة الغالبية العظمى من السكان اليت هي بأمس احلاجة لتلك اخلدمات. )4حتسني معدل حصة الفرد الواحد من الدخل القومي كمؤشر عام ،مع ضمان حتسني مستوى أج���ور ال��ع��م��ال وإي�����رادات العائالت الفالحية والفئات االجتماعية ذات الدخل احملدود والفقرية .إذ أن املؤشر العام ال يعكس عدالة التوزيع يف حالة حتسنه ،إذ يبقى مؤشر التغري الفعلي لصاحل الغالبية العظمى من السكان هو احملدد لعدالة التوزيع .كما أن زيادة حجم الدخل القومي ال يعكس التغري الفعلي يف بنية الدخل القومي املشوهة ،بل يفرتض التعرف على مكونات الدخل القومي. *** تطوير اقتصاد النفط والغاز الطبيعي من خالل بلورة إسرتاتيجية مدققة القتصاد النفط يف ضوء اإلسرتاتيجية التنموية الوطنية الشاملة تأخذ بعني االعتبار أربع مسائل جوهرية: )1ضمان امل��وارد املالية الضرورية لعملية التنمية الوطنية الشاملة ويف ض��وء القدرة على استيعابها ً فعال من جهة ،وتلبية حاجات السكان االستهالكية لتحديد حجم اإلنتاج والصادرات السنوية من النفط والغاز الطبيعي. )2ضمان توفري املوارد املالية ألغراض تنمية قطاع النفط اخل��ام والغاز الطبيعي لضمان القدرة على زي��ادة كميات النفط والغاز اليت تستخرج إلغراض التصدير السنوي على وفق حاجات العراق. )3ضمان حصة مناسبة من النفط املستخرج 27
أقواس
أقواس
28
ألغراض عمليات التكرير يف املصايف العراقية ولتنمية الصناعات التحويلية اليت تعتمد على النفط والغاز الطبيعي كمواد أولية إلنتاجها. )4لضمان إنتاج الطاقة الضرورية لعملية التنمية واستخدام السكان. *** تشكل عملية التصنيع احمللي وإقامة مشاريع البنية التحتية للخدمات اإلنتاجية أهمية استثنائية القتصاد البالد ،وهي تأتي بالدرجة الثانية من حيث األهمية بعد القطاع ال��زراع��ي ،النباتي واحليواني ،ولكنها تشكل القاعدة األساسية للتنمية الوطنية الشاملة .وال بد لعملية التصنيع احمللي أن تأخذ باالعتبار م���وارد ال��ع��راق األول��ي��ة ح�ين تقوم األجهزة املختصة بوضع إسرتاتيجية التنمية الصناعية وخاصة الصناعات البرتوكيمياوية والصناعات الدقيقة والصناعات الزراعية والصناعات البنائية والبنى التحتية ،مبا فيها املواصالت واالتصاالت احلديثة ..اخل. *** إيالء اهتمام أكرب باإلنتاج الزراعي من حيث بنية ونوعية وحجم اإلنتاج وإنتاجية العمل وم��ع��دالت الغلة السنوية واستخدام التقنيات واألساليب واألدوات اإلنتاجية األكثر ً تقدما وحداثة لصاحل تامني حاجات السكان السنوية لالستهالك وألغ���راض الصناعات الزراعية وضمان األمن الغذائي للسكان. *** إي�لاء اهتمام اكرب مبشكلة املياه خالل ال��ف�ترة ال��راه��ن��ة وال��ع��ق��ود ال��ق��ادم��ة ،إذ تشري الدراسات احلديثة يف هذا الصدد إىل تراجع شديد يف ما يصل العراق من مياه دجلة والفرات ومن مصادر املياه اإليرانية باالرتباط مع الزيادة السكانية السنوية يف العراق وعواقبها على
اإلنسان والزراعة واجملتمع وجممل االقتصاد الوطين. *** العمل على توفري فرص عمل جديدة الستيعاب ال��زي��ادات اجل��اري��ة يف ع��دد القوى ً سنويا واستيعاب البطالة القادرة على العمل والبطالة املقنعة الراهنة. *** تقليص االسترياد السلعي االستهالكي وزي��ادة استرياد سلع اإلنتاج لتنمية االقتصاد وحتقيق الرتاكم الرأمسالي. *** تأمني تطور وتقدم ملموس من أجل تسريع بناء مشاريع البنية التحتية إلنتاج الطاقة وألغ��راض االستهالك واإلن��ت��اج يف آن واحد ،مثل الكهرباء واملاء والصحة والتعليم والنقل...اخل .كما ال بد من التفكري باعتماد بدائل إلنتاج الطاقة الضرورية من الطاقة الشمسية أو الرياح أو غريها ال بهدف التوفري املالي فحسب ،بل من أجل إنتاج طاقة نظيفة بتقليص التلوث الناشئ من استخدام النفط والغاز يف ذلك ،إضافة إىل كونها أكثر توفرياً. *** إن عملية التنمية الصناعية والزراعية اليت ترتبط برفع معدالت النمو االقتصادي يشرتط بها أن تأخذ باالعتبار موضوع البيئة ومحايتها واالبتعاد عن التقنيات امللوثة للبيئة أو زي��ادة إنتاج اخلامات األولية مبا ي��ؤدي إىل ختريب الطبيعة والتسبب بكوارث طبيعية مدمرة. :3املهمات االجتماعية تشكل التنمية االجتماعية أو البشرية الوجه الثاني لعملية التنمية الوطنية ،إذ بدونها يصعب حتقيق وجهها األول ،التنمية االقتصادية وتطويرها ،فإحداهما تستوجب
وجود األخرى وتتكامل معها .وقد فشل الكثري م��ن جت��ارب التنمية الوطنية بسبب ختلف عملية التنمية البشرية .والتنمية االجتماعية متعددة اجلوانب وتنطلق من كون اإلنسان هو هدف التنمية وهو وسيلتها وأداتها الفعلية يف آن .فاالهتمام بالسكان من النواحي التعليمية العامة ،مبا يف ذلك مكافحة األمية ،والتعليم املهين واجلامعي النظري والتطبيقي والتأهيلي والعناية الصحية وتقليص نسب الوفيات السنوية بني األطفال والسيطرة املناسبة على نسب الوالدات السنوية ورفع مستوى عمر الفرد من النساء وال��رج��ال وحتسني مستوى حياة ومعيشة ومدخوالت األفراد والعائالت وظروف العمل من جهة ،واح�ترام حقوق األف��راد وأداء واجباتهم ومستوى توفري اخلدمات االجتماعية العامة من جهة أخ��رى تشكل حمور التنمية االجتماعية .ومن هنا تستوجب إسرتاتيجية التنمية الوطنية الشاملة وض��ع القوانني األساسية وااللتزام مبمارستها يف اجملاالت االتية: *** يشكل قطاع التعليم مبختلف مراحله واختصاصاته واجتاهاته النظرية والتطبيقية ً والبحث العلمي جزءاً عضويا من عملية التنمية االجتماعية ويتطلب بشكل خاص: .1فصل العلم عن الدين ،إذ إن العلم هو أس��اس التعليم وإط��اره األس��اس��ي ،كما أن لكل منهما دوره املستقل يف اجملتمع. .2ربط خمتلف مراحل التعليم باجملتمع وبالتنمية االقتصادية واالجتماعية والبيئية، وخاصة بالنسبة للدراسات املهنية والفنية والبيئة التطبيقية. .3رب��ط ب��رام��ج م��راك��ز البحث العلمي
والتطبيقي باجلامعات ومبؤسسات التنمية االقتصادية واالجتماعية. .4ضمان احلرية األكادميية وتبادل املعارف واخلربات مع بقية دول العامل. .5اعتماد التقنيات احلديثة واملختربات ً حديثا يف التعليم مبختلف مراحله اجملهزة واختصاصاته. .6اعتماد األساليب احلديثة يف التعليم واالبتعاد عن األساليب الزجرية والعقوبات وال��ت��أه��ي��ل امل��س��ت��م��ر ل��ل��ج��ه��از التعليمي وض��م��ان ال��رق��اب��ة ع��ل��ى م��س��ت��وى التعليم وعلمية املناهج التعليمية والتدريسية. .7ضمان حصول اخلرجيني على فرص عمل يف القطاعات االقتصادية اإلنتاجية واخلدمية اخلاصة واحلكومية املختلطة أو األجنبية. *** تأمني الضمانات االجتماعية لفئات الشعب ،مب��ا فيها الضمانات الصحية وضد البطالة والعجز والشيخوخة ...اخل. ** توفري اخلدمات االجتماعية اليت متس حياة امل��واط��ن��ات وامل��واط��ن�ين اليومية مثل الكهرباء وامل���اء وال��رع��اي��ة الصحية والنقل واملواصالت واالتصاالت احلديثة ....اخل *** تأمني احلقوق وال��واج��ب��ات املتساوية للمرأة مع الرجل يف اجملاالت كافة. *** تأمني حقوق ورعاية الطفل مبا يف ذلك إقامة دور احلضانة ورياض األطفال ..اخل. *** حقوق الطلبة والشبيبة وتطوير النشاط الرياضي وخمتلف جم��االت الفنون اإلبداعية وت��ام�ين احل��ص��ول على دع��م حكومي لفتح النوادي املتنوعة واملراكز الثقافية. 29
أقواس
أقواس
30
*** اإلسهام يف تطوير منظمات اجملتمع املدني واحلفاظ على استقالليتها وأداء دورها الفاعل واملؤثر والرقابي على أداء احلكومة ملهماتها.
:4املهمات الثقافية والفنون اإلبداعية تؤكد حضارة العراق القدمية ،وحضارات العامل القدمية واحلديثة مبا ال يقبل الشك ،أن ً الثقافة والفنون اإلبداعية تشكل جزءاً عضويا من وجود اإلنسان ووعيه لذاته والتعبري عن هذه الذات وما حييط بها أو يرتبط بها وحبياته اليومية ،بأحالمه وآماله وتطلعاته اآلفاقية، بأالمه ومشكالته وخم��اوف��ه وال��ك��وارث اليت تعرض هلا وعانى هو أو غريه منها ،بأحزانه وأفراحه ومسراته وعالقاته اإلنسانية ،حبياة السلم أو احل��رب اليت مر بها أو الشح والفقر واجلوع واحلرمان واجملاعات اجلماعية واألوبئة والفيضانات وال���زالزل واألع��اص�ير أو الوفرة واحلياة اهلانئة ،عن املوت واحلياة .لقد جسد اإلنسان كل ذلك يف ما تركه لنا من تراث ثقايف فكري وأدبي وفين رائع ومتعدد اجلوانب ومعرب بصورة أصيلة عن كل ذلك وغريه .جند ذلك يف الرقم الطينية من شعر وقصص وأساطري ،أو يف الرسوم الفنية اليت تركها منذ آالف السنني على جدران الكهوف أو النحت أو اهلندسة املعمارية للسكن وامل��ع��اب��د وهندسة ال��ري والبساتني واحلدائق...اخل .إن الثقافة والفنون اإلبداعية تشكل اجلانب الروحي لإلنسان اليت تشكل مبدأ التوازن يف اجلانب املادي لدى اإلنسان .فبقدر ما هو حباجة إىل الطعام واملاء وامللبس واملأوى،
هو حباجة ً أيضا إىل إشباع حاجاته الروحية يف القراءة والتخيل أو التصور ويف التعبري عن الواقع واخليال ونشاطه الذهين يف األعمال الثقافية والفنية سواء بإنتاجها أم استهالكها. من هنا ت�برز الثقافة وأهميتها يف املرحلة الراهنة اليت تشحذ فكر اإلنسان وتساعده على احليوية والنشاط املتعدد اجلوانب .والثقافة غري منقطعة اجلذور من جهة وغري منفصلة عن ثقافات شعوب يف مناطق ودول أخرى ،بل هي متفاعلة ومتالقحة فيما بينها .وبالتالي فرتاث العراق الثقايف الراهن قد لعب دوراً كبرياً ً حاليا، يف تطوير احلضارة البشرية املزدهرة يف حني يعاني الشعب اليوم من نقص شديد يف املستوى احلضاري ،رغم ذلك العز احلضاري ال��ذي عاشت فيه األق��وام العديدة يف العراق والذي يعترب تراث الشعب العراقي احلالي بكل قومياته. العراق حباجة إىل الثقافة والفنون اإلبداعية ألنها رمز اإلنسان واحلياة ،وهو حباجة ماسة إىل املثقفني ،إىل منتجي هذه الثقافة والفنون اإلبداعية للمشاركة الفاعلة يف التنوير الفكري واالجتماعي ويف رفع املستوى الثقايف لإلنسان ً رجال .فهي القادرة ال العراقي ،امرأة كانت أم على رفع مستوى الوعي اإلنساني فحسب ،بل وعلى مكافحة الوعي املزيف واملشوه ،الوعي اخلرايف املشوش لعقل اإلنسان وروحه وحياته اليومية .من هنا تربز احلاجة الفعلية إىل: . 1مسؤولية الدولة يف محاية ومجع الرتاث الفكري والثقايف والفين اإلب��داع��ي العراقي والعناية باملتاحف ومبهمات التنقيب عن اآلثار ومحايتها من النهب أو التخريب واستعادة ما
ً سابقا ويف السنوات ميكن استعادته مما سرق األخ�يرة باعتبارها أحد أب��رز معامل احلضارة العراقية. . 2اعتماد الدولة على مبدأ نشر وترويج ال�تراث الثقايف العراقي واإلنساني والفنون اإلبداعية بكافة تفرعاتها واجتاهاتها على امل��س��ت��وى ال��ش��ع�بي وت��ي��س�يره��ا مل��ن ي��رغ��ب يف احلصول عليها. . 2ض��م��ان ح��ري��ة ال��ث��ق��اف��ة وال��ت��ف��اع��ل والتالقح بني الثقافات يف العراق ومع الدول األخرى وتعزيز احلياة الثقافية الدميقراطية واملساهمة يف إقامة املراكز الثقافية ومراكز الفنون اجلميلة يف سائر املدن العراقية وإيصاهلا بطرق خمتلفة إىل سكان الريف. . 3التزام الدولة بتأمني الرعاية الفعلية للمثقفني والفنانني املبدعني ودع��م مباشر لنشر نتاجاتهم الفكرية واإلبداعية وإيصاهلا إىل املستهلك العراقي من أج��ل رف��ع املستوى الثقايف وال��ذوق الفين وختصيب خيال امللقي واملتلقي. مهمات االقتصاد السياحي: مل تلعب السياحة يف العراق دوراً كبرياً ومل يهتم بها حكام العراق ،بل كان حكام البعث لعدة عقود ضدها إال ما اقرتن بالدعاية للنظام. يف ح�ين تعترب صناعة السياحة املرتبطة بدورها بصناعة الفندقة أحد أهم القطاعات االقتصادية احملفزة على النمو االقتصادي واملنمية للدخل القومي والقادرة على استيعاب املزيد من األيدي العاملة العاطلة عن العمل، سواء أكانوا من خرجيي املراحل الدراسية األوىل أم من خرجيي الكليات واملعاهد واجلامعات
العراقية ،إضافة إىل خ��روج شغيلة من دون تعليم عام أو تعليم أو تدريب مهين .تستند السياحة يف العراق إىل ثالثة قطاعات أساسية مهمة يف حياة اجملتمع نشري إليها فيما يأتي: )1فالسياحة تعترب أحد عوامل التفاعل والتالقح بني ثقافات السياح القادمني من دول وشعوب كثرية من خالل االحتكاك املباشر مع الشعب العراقي وثقافته القدمية والراهنة. وه��ي تساهم يف التعريف بثقافات الشعب العراقي بكل مكوناته القومية وتساعد الشعب العراقي يف التعرف غري املباشر على ثقافات الشعوب األخرى وعلى تبادل اخلربة واملعرفة وعلى التفاهم بني الناس. . 2كما إن للسياحة دورا اجتماعيا حضاريا حني يلتقي العراقيون والعراقيات بسياح قادمني من بلدان أخرى حيملون معهم تقاليد وعادات وسلوكيات شعوبهم مما يسهم بنشوء ً حضاريا تفاعل له أثر إجيابي على سكان العراق ً واجتماعيا. . 3أما اجمل��ال الثالث فهو االقتصاد ،إذ إن السياحة ميكن أن تكون مصدر رزق للماليني من البشر يف خمتلف أحناء العراق حني يسود األم���ن واالس��ت��ق��رار ،وح�ين يتسنى للدولة واجملتمع استقبال املاليني من بنات وأبناء الشعوب األخرى يف املناطق السياحية .فالسياحة تتطلب جمموعة من املستلزمات ،منها على حنو خاص: أ) توفري الكوادر العلمية والفنية واإلداري��ة واألدالء أو املرشدين والقوى العاملة القادرة على النهوض بأعباء ومهمات ه��ذا القطاع احليوي واملهم من خالل تامني املعاهد الدراسية 31
أقواس
أقواس
32
املتخصصة بالسياحة والفندقة واملطاعم. ب) ت��وف�ير مشاريع البنية التحتية اليت يستوجبها اقتصاد السياحة ،مثل الشوارع والطرق املوصلة للمناطق السياحية وإقامة املزيد من الفنادق مبستويات خمتلفة وكذلك سلسلة من الفنادق وأكشاك األكالت السياحية ال��س��ري��ع��ة ،إض��اف��ة إىل ت��وف�ير امل���اء والطاقة الكهربائية والكثري من مستلزمات السياحة األخرى كإصدار الكتب والبطاقات التذكارية والتماثيل النحتية املصغرة ل�تراث العراق القديم وكذلك الصور والصناعات احلرفية العراقية املعروفة. ج) ضرورة توفري املواد الغذائية الضرورية لتلبية احتياجات املاليني من الزوار والسياح ً سنويا. إن ه��ذه املهمات تتطلب الكثري من رؤوس األم��وال اليت ميكن أن يتم توفريها عرب ثالثة مصادر أساسية :احلكومة العراقية ،القطاع اخل��اص احمللي أو القطاع املختلط (احلكومي واخل���اص) ،وكذلك القطاع اخل��اص األجنيب والذي ميكن أن حيقق الكثري من النتائج الطيبة واألرباح ألصحاب رؤوس األموال. إن قطاع السياحة يف العراق يتوزع على ثالثة جماالت: . 1السياحة الدينية أو الزيارات السنوية ملراقد األئمة واألول��ي��اء الصاحلني للمسلمات واملسلمني ،سواء أكانوا شيعة أم سنة ،وكذلك الكنائس واألدي��رة ألتباع الديانة املسيحية، سواء القدمية منها أم اجلديدة ،ومراقد أنبياء أتباع الديانة اليهودية امل��وزع��ة يف مناطق خمتلفة من العراق .كما أن هناك دور عبادة
ألديان أخرى عراقية مثل الصابئة املندائية واإلزيدية وبعض الديانات القدمية األخرى. ويقدر عدد هؤالء الزوار بعدة ماليني سنويا. وتشري املعلومات األولية إىل إن زوار مدينة كربالء ً مثال يصل إىل حدود 50مليون نسمة ً سنويا من داخل وخارج العراق. . 2سياحة املواقع األثرية العراقية واملتاحف، وخاصة حضارة وادي الرافدين الغزيرة باملواقع املهمة اليت تتحدث عن إحدى حضارات اإلنسان القدمية ،سواء أكان ذلك يف بابل أم نينوى أم الكهوف القدمية من العهد النحاسي يف كردستان العراق ..اخل. . 3سياحة االستجمام واالصطياف اليت يفرتض أن يتم تنظيمها واالستعداد الكبري هلا من جانب الدولة والقطاع اخلاص واجملتمع وبشكل خ��اص يف إقليم كردستان واملناطق الصحراوية من جنوب ووسط العراق. إن كل هذه اجمل��االت ستوفر للعراق مصدراً ً مهما من مصادر تشغيل األيدي العاملة وتكوين الدخل القومي وحتسني مستوى حياة ومعيشة نسبة مهمة من سكان العراق بصورة مباشرة أو غري مباشرة .ومثل هذه املهمة يفرتض أن تدخل ضمن إسرتاتيجية التنمية الوطنية الشاملة ويف الربامج واخلطط التفصيلية لنشاط الدولة والقطاع اخلاص احمللي واألجنيب. وال بد من اإلش��ارة إىل إن السياحة مبختلف أنواعها ً غالبا ما تتسبب بعواقب سلبية للبيئة وللبنى التحتية ولرتاكم النفايات أو تدمري احلدائق واملنتزهات ،كما حصل خالل السنوات اخلمس املنصرمة يف مدينة كربالء بسبب كثافة ال��زوار وصعوبة ضبط سلوكياتهم وطريقة
تعاملهم مع البنى التحتية والطبيعة .وهلذا ال بد من اختاذ إجراءات ضرورية ملواجهة التلوث احملتمل من جهة ،وممارسة التثقيف للشعب املستقبل للزوار والسياح وكذلك للزوار والسياح العراقيني وال��ع��رب واألج��ان��ب قبل وصوهلم إىل أرض العراق أو إىل املدن املقصودة من جهة ثانية ،مب��ا فيها ت��أم�ين مستلزمات السكن والصيانة واإلدامة وغريها .ومن املعروف ً عامليا أن تكاليف إزالة التلوث هي أغلى وأعقد بكثري من إجراءات منع التلوث. :6محاية البيئة واإلنسان وموارد الطبيعة من التلوث ً البيئة العراقية ملوثة جدا .واإلنسان العراقي يعيش يف بيئة ملوثة ،وهي خمالفة صرحية وجتاوز فظ على حقوق اإلنسان وحياة الكثري م��ن البشر معرضة ملخاطر ج��دي��ة .كما أن الطبيعة ومواردها معرضة للتخريب ،وهي حاضنة اإلن��س��ان ،وم��ن ثم تقود بدورها إىل مزيد من تلوث البيئة .إن بيئة العراق تشكل ج��زءاً من البيئة العاملية وما حيصل يف بقية مناطق العامل جيد تأثريه السليب أو اإلجيابي على الطبيعة والبيئة واإلنسان العراقي .هلذا ال بد للعراق أن يعمل مع بقية دول العامل يف إطار املؤمترات الدولية اخلاصة بهذا اجملال لضمان املشاركة يف قراراتها ومنافعها وتدارك العواقب السلبية للتلوث. إن سياسات النظم السابقة إزاء موارد الطبيعة والتلوث واإلنسان شكلت جرمية كبرية حبق اجملتمع العراقي وحياته وحياة أجياله القادمة مبا يف ذلك عمليات التسلح وإنتاج بعض األسلحة احملرمة دوليا وكذلك احل��روب ال�تي خاضها
النظام وغياب أي جهد حلماية موارد الطبيعة والبيئة واإلنسان ،مما يستدعي العمل اجلاد من أجل وضع برنامج متكامل هلذا الغرض. تطهري البيئة من التلوث ومحايتها بإجراءات علمية وفنية حديثة ،إضافة إىل االبتعاد عن استخدام التقنيات القدمية وتلك امللوثة للبيئة وتطهري األرض العراقية من األلغام ومن املواد املشعة ..اخل .إن العمل بهذا االجتاه العام حيقق يف احملصلة النهائية املهمات األساسية يف إسرتاتيجية التنمية الوطنية الشاملة ،أي رفع مستوى دخل الفرد ونوعية حياة ومعيشة اإلنسان العراقي، وتأمني العمل للعاطلني ومكافحة الفقر واألمية واهلامشية السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية وإرس��اء أسس بناء حياة متقدمة وهانئة تعتمد امل��س��اواة واحل��ري��ة والعدالة االجتماعية ،فاإلنسان ه��دف التنمية وهو وسيلتها وأداتها يف آن واحد .وال ميكن أن يتحقق ذلك دون االستثمار األكثر عقالنية وبرجمة للموارد االقتصادية املتوفرة يف البالد وتنميتها واعتماد أسس سليمة لعالقات العراق السياسية واالقتصادية مع الواقع العراقي.
الفصل السابع سياسات أو أدوات حتقيق التنمية الوطنية الشاملة خالل عقد السبعينيات من القرن املاضي وضع اخلرباء االقتصاديون العراقيون والعرب واألجانب ،بعض التنبؤات ومارسوا التخطيط االقتصادي ووضعوا خطة بعيدة املدى كانت تتناغم إىل ح��دود معينة م��ع واق��ع العراق 33
أقواس
أقواس
34
وإمكانياته وحاجاته الفعلية .وك��ان اجلهد ً املبذول يف هذا الصدد كبرياُ وهاما ،ولكن مل يكن ً كافيا لوجود قصور فعلي يف املعلومات واملسوح من جهة ،ويف مستوى أجهزة التخطيط ووعيها التخطيطي واالقتصادي السياسي وقدراتها الفنية على التحليل والتعامل م��ع الواقع العراقي وتعقيداته السياسية وطبيعة احلكم االستبدادي ال��ذي كان يفرض ما يشاء بغض النظر عن كل التحليالت والتقديرات السليمة ألجهزة التخطيط ً مثال. كما مل تكن أجهزة اإلدارة االقتصادية متتلك القدرات التخطيطية والفنية واالقتصادية والسياسية وال��رؤي��ة االجتماعية العقالنية للتعامل مع اخلطة ذات املدى البعيد لوضعها موضع التنفيذ يف خطط متوسطة وقصرية األم��د ،خاصة وأن املركزية الشديدة حرمت تلك األجهزة من املرونة الضرورية لتحديد احتياجاتها الفعلية. ً جيري احلديث أحيانا عن التخطيط االشرتاكي يف العراق يف فرتة حكم البعث ،وهي فرية كبرية ال جيوز القبول بها .فاسم حزب البعث العربي االشرتاكي ال يعين أن هذا احلزب الفاشي ميارس االشرتاكية ،وال يربر االدعاء باشرتاكية النظام البعثي وسياساته االقتصادية مبجرد وجود خ�براء سوفييت ساهموا يف وضع اخلطة ذات ً ً انتقائيا نظاما املدى البعيد .لقد كان البعث حيمل يف طياته مجيع املتناقضات اليت قادت البالد إىل احملن والكوارث واملآسي الكبرية ،فهو نظام مشولي وفاشي املمارسة والسلوك. إن طبيعة السلطة البعثية االستبدادية وسلوكية املستبد بأمره وق��ادة البعث الذين
تولوا مسؤولية تنفيذ السياسات االقتصادية ح��ادوا عن الطريق الصحيح وسلكوا أسلوب ال��رغ��ب��ات واإلرادة ال��ف��ردي��ة واجت��ه��وا صوب التصنيع العسكري على حنو خاص ووجهوا م��وارد مالية كبرية ج��داً هلذا الغرض وكانت الطامة الكربى حيث تفاقمت النزعة العسكرية وح��ل املشكالت الداخلية وم��ع دول اجل��وار بالطرق العسكرية والتهديد واحل��روب .ومع ذلك نشأت يف نهاية العقد الثامن وبداية العقد التاسع من القرن العشرين مؤسسات صناعية كبرية ومهمة ،كما ارتفعت ص��ادرات النفط اخلام وأزدادت موارد النفط املالية قبل نشوب احلرب العراقية اإليرانية إىل أعلى مستوى هلا يف تاريخ العراق كله ،رغم أن تكاليفها املالية كانت عالية جداً وم��ورس البذخ يف إقامتها بصورة غري معقولة كلفت خزينة الدولة مبالغ طائلة. لقد سادت النغمة السيئة اليت أطلقها طه ياسني رمضان حني قال ما معناه «حنن لدينا النقود ونريد كل شيء» وهو بهذا ضرب كل التوجهات العلمية والعملية اليت وضعتها أجهزة التخطيط واإلدارة االقتصادية العراقية حينذاك. لقد انتهت تلك الفرتة وبدأت فرتة جديدة بعد إسقاط النظام .ولكن اللوحة مل تتغري باالجتاه األصوب يف اجملال االقتصادي والتنمية الوطنية، ف��وض��وح ال��رؤي��ة غائبة ب��ش��أن إسرتاتيجية التنمية الوطنية واجتاه تطور البالد االقتصادي واالجتماعي والثقايف والبيئي واألمين والعدالة االجتماعية .وهي املشكلة الكربى اليت تواجه الدولة واجملتمع يف آن واحد .وما جيري اليوم يف العراق ال ميثل احلد األدنى الضروري والالزم لوعي التجارب العراقية املنصرمة وجتارب
شعوب الدول النامية والدول املتقدمة يف جمال التنمية الوطنية وتقدم البالد وبناء اجملتمع املدني الدميقراطي. إن وضوح الرؤية لدى احلكومة ووحدة موقفها من مستقبل التنمية الوطنية الشاملة اليت يفرتض ان تتجلى يف حتديد املهمات ذات املدى البعيد واملتوسط وسبل الوصول إليها ،يتطلب يف الوقت نفسه تشخيص وممارسة السياسات واألدوات الضرورية لوضع تلك اإلسرتاتيجية والبدء بتنفيذها .أي ال يكفي وضوح الرؤية على أهميته ،بل يستوجب اختيار األساليب واألدوات واختيار األجهزة اليت متارسها وحسن ً حاليا استخدامها .وهي وبكل وض��وح غائبة وما طرحته وزارة التخطيط ال جيسد بدوره الوجهة اليت يفرتض أن يأخذ بها العراق .إن ما طرحه الدكتور صربي زاير السعدي يف كتابه الصادر عن دار املدى حتى العام 2005حيتفظ حبيويته وصوابه حتى الوقت احلاضر ،2012 إذ مل يتغري أي شيء فعلي وإجيابي خالل الفرتة املنصرمة.
تتوزع األدوات والسياسات على اجملاالت االتية:
. 1أجهزة اإلحصاء يلعب اجلهاز املركزي لإلحصاء دوراً كبرياً ً وأساسيا يف توفري املعلومات واملسوح الضرورية يف جممل جوانب العملية االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية والتوزيع اجلغرايف للموارد األولية والبنية االقتصادية الراهنة واأليدي العاملة وتوزيعها النوعي املتعدد اجلوانب والكفاءات ...اخل مبا يساعد أجهزة التخطيط واإلدارة االقتصادية على وضع حتديد التنبؤات
واخلطط ذات املدى البعيد وعلى رسم اخلطط اخلمسية والتفصيلة مبا يسهم ويساعد على تنفيذها .إن اإلحصاء العراقي يف الوقت احلاضر فقري يف معلوماته ويف امل��س��وح االقتصادية واالجتماعية الضرورية ،كما إن��ه ال يكشف عن العيوب الفعلية يف اجملتمع مبا يساعد على إزالتها .وهو األمر الذي يفرتض أن يوىل العناية الضرورية لتطوير أجهزة اإلحصاء وطرقه وتأمني أفضل األج��ه��زة واألساليب احلديثة لتحسني نوعية املعلومات ودقتها ومساعدتها يف التحليل والتشخيص واالستنتاج ووضع األهداف. . 2أجهزة اإلدارة االقتصادية تتحمل أجهزة اإلدارة االقتصادية مسؤولية وضع التشخيصات اآلفاقية واالجتاهات األساسية إلسرتاتيجية التنمية الوطنية والتخطيط البعيد املدى وأجهزة الرقابة واملتابعة .فخالل العقدين املنصرمني فقد العراق الكثري من ك��وادره العلمية املتخصصة واملهنية يف جمال التخطيط واإلدارة االقتصادية حتت وطأة عوامل كثرية مبا فيها اهلجرة الواسعة قبل وبعد سقوط النظام الدكتاتوري .والبالد حباجة ً حاليا إىل بذل أقصى اجلهود الستعادة ماسة عدد مهم من تلك الكوادر ذات اخلربة الواسعة واملعرفة اجليدة بشؤون التخطيط والتنمية واإلدارة االقتصادية ،إضافة إىل ضرورة السعي لتكوين الكادر العلمي والفين واملهين إلجناز هذه املهمات على أفضل وجه ممكن واالستعانة خبربات أجنبية ً أيضا. 35
أقواس
أقواس
36
إن ال���ع���راق حب��اج��ة إىل حت��دي��ث نشاطه التخطيطي وإدارته االقتصادية ووضعها على أس��س علمية متماسكة تسمح باالستفادة القصوى من طاقات العراق وإمكانياته لوضع التنبؤات أو التشخيصات اآلفاقية وذات املدى البعيد على أس��س علمية تنطلق م��ن واق��ع وإمكانيات العراق الراهنة ودور النفط اخلام وللعقدين القادمني على أقل تقدير يف تأمني املوارد املالية لعملية التنمية على أن يتم تغيري بنية ال��دخ��ل القومي يف ه��ذه ال��ف�ترة لصاحل زيادة مشاركة القطاعات االقتصادية األخرى، وخاصة الصناعة والزراعة ،يف تكوين الدخل القومي ومت��وي��ل عملية االستثمار وتنويع مصادر التنمية الوطنية. إن عملية التخطيط يفرتض أن تستند إىل عدة مبادئ أو قواعد ملزمة ،من بني أهمها ما يأتي: ** التخطيط االحت���ادي يفرتض أن يشمل وضع التنبؤات واالجتاهات األساسية ونقاط الرتكيز لعملية التنمية الشاملة والعالقة بني الرتاكم واالستهالك يف توزيع الدخل القومي ووج��ه��ة االستثمار ال��وط�ني خ�لال العقدين القادمني ،إضافة إىل قضايا التشغيل والتوزيع اجلغرايف ملهمات التنمية ومشروعات البنية التحتية اليت متس الدولة االحتادية ومجلة من املشروعات االقتصادية ذات األهمية الفائقة حلياة وعيشة اجملتمع ومشكالت التنمية وسبل محايتها ومحاية املوارد الطبيعة .يف حني تأخذ األقاليم واحملافظات على عاتقها مهمات اخلوض بتفاصيل املشروعات االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية اليت يراد إقامتها مبا يتناغم م��ع حاجة اإلقليم أو احملافظة وبالتنسيق
والتكامل مع الدولة االحتادية .إن هذا التوجه يضعف املركزية ويزيد من املسؤولية الذاتية للمحافظات. ** ممارسة الدميقراطية يف عملية التخطيط واإلدارة االق��ت��ص��ادي��ة م��ن خ�ل�ال مناقشة اخلطط والتوجهات األساسية يف جملس النواب ويف مجيع أجهزة اإلع�لام واألح���زاب والقوى السياسية ومنظمات اجملتمع املدني واملؤسسات االقتصادية ،وعلى مستوى املعاهد ومراكز البحث العلمي. ** تنشيط أجهزة املتابعة والرقابة التشريعية واحلكومية والشعبية املستقلة وم��ن خالل منظمات اجملتمع املدني القادرة على املساهمة يف حتسني األداء ونقد األخطاء والنواقص .ومثل هذه املهمة ال تقتصر على وضع اخلطط فحسب، بل تشمل كامل مراحل عمليات التنفيذ ملختلف مشاريع التنمية والعملية االقتصادية. كما إن العراق حباجة إىل تغيري منط اإلدارة احلكومية واإلدارة االقتصادية على أسس علمية جديدة ،س��واء ارتبط هذا باألساليب واألدوات العلمية يف إدارة البالد واالقتصاد ،أم يف التقنيات احلديثة واالتصاالت ،أم يف الكوادر وال��ق��وى ال�تي يفرتض فيها أن تنهض بهذه املهمات .ومن األهمية مبكان استخدام احملاسبة االقتصادية املتقدمة يف املؤسسات االقتصادية لتحقيق الرقابة الضرورية وحتسني العالقة بني خمتلف أنواع التكاليف ،وخاصة بني األجور ووسائل اإلنتاج ،ومدى القدرة على تقليصها من خالل تطوير التقنيات املستخدمة وإعادة تأهيل املنتجني والعاملني يف قطاع اخلدمات لصاحل زي��ادة إنتاجية العمل وكفاءة اإلنتاج
وتقليص التكاليف وزيادة املردود االقتصادي واالجتماعي وحتسني نوعية اإلنتاج. .3السياسات املالية والنقدية تعترب السياستان املالية والنقدية ،برغم كونهما مستقلتني عن بعضهما ،إال إنهما تشكالن وح��دة واح��دة من حيث تكامل مهماتهما يف اجملالني املالي والنقدي .ولذا فأن التكامل يف النشاط املالي والنقدي بني وزارة املالية ،كسلطة مالية مستقلة ،والبنك املركزي ،كسلطة نقدية مستقلة ،حيتل أهمية استثنائية للوصول إىل أف��ض��ل النتائج ل��ص��احل تنفيذ السياسة االقتصادية يف البالد .إذ أنهما أداتان تنفيذيتان أساسيتان للسياسات االقتصادية اليت تضعها الدولة بقطاعها احلكومي واخل��اص واملختلط واألجنيب لتحقيق عملية التنمية الوطنية والتطور االقتصادي والتقدم االجتماعي .وإذا كانت السياسات املالية الكلية متتد لتشمل قضايا االستثمار ومتويل املشاريع االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية والسياسات الضريبية واجلمركية والتجارة اخلارجية والتامني وإعادة التأمني ،فأن السياسية النقدية متتد لتشمل جمموعة م��ن اإلج����راءات اليت يتخذها البنك املركزي لضمان السيولة النقدية املناسبة وقضايا القروض واالئتمان املصريف ومتويل التجارة اخلارجية والتحكم بسعر الفائدة ومراقبة التضخم ،سواء أكان مبمارسة سياسة انكماشية تسعى ملعاجلة حالة التضخم الذي يربز يف زيادة النقد املعروض واخنفاض سعر العملة احمللية وارت��ف��اع أس��ع��ار السلع
واخلدمات ،أم ممارسة سياسة نقدية توسعية بهدف السيطرة على حالة الركود واالنكماش االق��ت��ص��ادي .كما تتحمل السياسة النقدية مسؤولية تنشيط املصارف اخلاصة واملتخصصة كاملصارف التجارية أو املصرفني الصناعي والزراعي .وللسياسة النقدية دوره��ا الفعلي املباشر وغري املباشر على وجهة التوظيفات املالية م��ن خ�لال سياسات البنك امل��رك��زي النقدية باجتاه تنشيط التجارة اخلارجية ،أم تنشيط التوجه صوب االستثمارات الصناعية والزراعية وبقية القطاعات اإلنتاجية. وعلى العموم ميكن للسياستني املالية والنقدية أن تساهما يف تعديل ،بهذا القدر أو ذاك ،أخطاء السياسات االقتصادية أو تعميق وتشديد تلك األخطاء على وفق طبيعة تلك األجهزة واملصاحل ال�تي تدافع عنها واملستوى العلمي والفين واملهين ألجهزة الدولة املالية والتقنيات واألساليب اليت تستخدمها .ويبدو لي إن اخللل القائم يف السياسات االقتصادية للحكومات العراقية املتعاقبة بعد إسقاط الدكتاتورية حتى اآلن قد ساهم يف جعل السياسات املالية والنقدية تعيش اختالالت جدية وال تتجه صوب التنمية االقتصادية ،وخاصة التنمية الصناعية والزراعية ال�تي تسهم يف تنشيط التجارة اخلارجية .وتشارك وزارة املالية والبنك املركزي يف زيادة االختالل اجلاري يف السياسات االقتصادية للحكومة العراقية. :4أهمية التأمني ودوره يف االقتصاد الوطين رغم اجلهود اليت بذلت يف العهد امللكي منذ العام ( 1950شركة التأمني الوطنية) ومن 37
أقواس
أقواس
38
ثم يف العام ( 1959شركة التأمني العراقية ويف العام 1960شركة إعادة التأمني العراقية ،فأن عمل شركات التأمني وإعادة التأمني يف العراق مل حيظ باالهتمام الضروري يف فرتة حكم البعث وخاصة يف أعقاب احلرب العراقية اإليرانية، رغم احلركة الواسعة والتطور اإلجيابي الذي شهده التأمني يف العراق يف سنوات العقد الثامن من القرن العشرين .واليوم ال يلعب التأمني الدور املناسب والفعال لثالثة أسباب أساسية: . 1غياب ال��وع��ي بشأن أهمية ومهمات التأمني ودوره الكبري يف حياة البالد واجملتمع االقتصادية واالجتماعية ،وه��و نقص كبري يساهم يف خسارة العراق ملوارد مالية كبرية. . 2غياب السياسات االقتصادية واالجتماعية للحكومات العراقية املتعاقبة قبل إسقاط النظام الدكتاتوري وبعده ،وهو ما مييز احلالة العراقية الراهنة بكل أبعادها الدرامية. . 3ختلف القطاع اإلنتاجي واعتماد البالد على االسترياد من جهة وتصدير النفط اخلام من جهة أخ��رى ،وبالتالي فأن املسؤولني عن السياسات التأمينية ال ي��درك��ون ماألهمية التأمني وإع��ادة التأمني يف داخ��ل العراق من أهمية كبرية لالقتصاد اإلنتاجي. فالتأمني وإعادة التأمني هلما دورهما الكبري يف التأثري اإلجيابي يف حركة التطور يف القطاعات االقتصادية اإلنتاجية م��ن خ�لال تنشيط االستثمارات الرأمسالية ،وعلى ميزان املدفوعات وتأمني رؤوس أموال احتياطية لصاحل التنمية اإلنتاجية ومواجهة الكوارث الطبيعية وغريها، وضمان البديل املناسب عن االدخ��ار الفردي واملؤسساتي من خالل األقساط التأمينية اليت
يدفعها األفراد واملؤسسات والشركات .وال جيري احلديث هنا عن نوع واح��د من التأمني ،بل عن خمتلف جوانب التأمني ،كالتأمني الصحي والتامني على احلياة والتأمني على العربات وعلى الشركات واملؤسسات والتأمني على الدور واحملتويات...اخل. وال بد للتأمني وإع��ادة التأمني يف العراق أن يبنى على أس��س حديثة وتقنيات متقدمة وكوادر واعية ومتخصصة بعلم التامني وإعادة التأمني ،إض��اف��ة أىل ض���رورة حصر األعمال التأمينية داخل العراق وليس خارجه وتطوير الرقابة احلكومية على هذا القطاع احليوي واألساسي واملهم لعملية التنمية.
. 4السياسة االستثمارية حتتل السياسة االستثمارية أهمية فائقة يف جممل العملية االقتصادية ويف تطوير عملية إعادة اإلنتاج املوسعة ،فهي املسؤولة املباشرة عن زيادة وحتسن اإلنتاج وإنتاجية العمل وتقليص التكاليف وإغناء الثروة االجتماعية وزي��ادة التشغيل وزيادة القيمة املضافة. وتثار يف هذا اجملال العديد من األسئلة املهمة اليت تستوجب وضوح اإلجابة عنها من جانب السياسي وامل��ش��رع واحمل���دد لوجهة التنمية االقتصادية واالجتماعية ،منها على سبيل املثال ال احلصر: ما هو اجلزء الذي يقتطع من حصة الرتاكم لتستثمر يف القطاعات االقتصادية اإلنتاجية وتلك ال�تي تستقطع م��ن حصة االستهالك االجتماعي وتوجه ألغراض التنمية البشرية؟
م��ا ه��ي ال��ق��ط��اع��ات االق��ت��ص��ادي��ة وال��ف��روع اإلنتاجية اليت ستوجه إليها تلك االستثمارات؟ ما هي العالقة اليت يراد هلا أن تكون فعالة بني حصة األجر وحصة وسائل اإلنتاج ،أي بني العمل احلي والعمل امليت ،أي رأس املال املتحرك ورأس املال الثابت؟ وكيف يتم حتقيق التناغم بني التقنيات املستخدمة وأساليب اإلنتاج من جهة ومحاية البيئة وموارد الطبيعة من جهة أخرى؟ كيف ميكن تعبئة م��وارد البالد املالية لدى الدولة والقطاع اخلاص وما ميكن ضمان احلصول عليه من استثمارات خارجية لصاحل زي��ادة االستثمارات اإلنتاجية لتوظيفها يف الفروع اإلنتاجية والقطاعات املساعدة مباشرة ،مبا يف ذلك مراكز البحث العلمي النظري والتطبيقي، لتعجيل وحتسني مستوى التنمية وتغيري بنية اإلنتاج املشوهة وإغناء وتنويع الدخل القومي؟ كيف ميكن زيادة االدخار الفردي من خالل البنوك وصناديق التوفري وشركات التأمني وإعادة التأمني لزيادة االستثمارات الوطنية. والسؤال املهم هنا واملباشر هو :كيف ميكن زيادة إيرادات النفط بصورة عقالنية وتوجيه اجلزء األكرب منها ألغراض التنمية اإلنتاجية خالل العقدين القادمني مبا يقود إىل حتقيق التغيريات البنيوية املنشودة. . 5التحديد الدقيق ملهمات ودور القطاعات احلكومية واخلاصة احمللية واملختلطة والقطاع اخلاص األجنيب مرحلة التطور اليت مير بها تشري إىل وتؤكد ازدواجية التشكيلة االقتصادية – االجتماعية وختلفها بشكل عام وهي حباجة إىل دور متميز
للدولة لتجاوز الكثري من الصعاب اليت يعاني منها االقتصاد واجملتمع وتوفري مستلزمات حتقيق النمو االقتصادي مبستويات مناسبة من خالل عملية التنمية وحتديث االقتصاد ال��وط�ني وت��ن��وع��ه وت��أم�ين م��ش��ارك��ة كافة القطاعات االقتصادية من حيث امللكية يف هذه العملية من خالل زيادة التوظيفات االستثمارية الضرورية لتحقيق املزيد من الرتاكم الرأمسالي يف القطاعات اإلنتاجية واخلدمات اإلنتاجية واالجتماعية وزي��ادة تشغيل األي��دي العاملة العاطلة عن العمل .فدور قطاع الدولة يفرتض أن ال يقتصر على إدارة وتنظيم االقتصاد وال��رق��اب��ة وإق��ام��ة مشاريع البنية التحتية اإلنتاجية فحسب ،ب��ل وامل��ش��ارك��ة يف جممل العملية االقتصادية مبراحلها املختلفة ،وبشكل خاص االهتمام بالعملية اإلنتاجية وعلى النحو االتي: *** التوسع يف استثمارات الدولة يف قطاع استخراج النفط اخلام والغاز الطبيعي وتوسيع عمليات التنقيب عنهما يف خمتلف مناطق العراق لزيادة حجم االحتياطي النفطي والغاز الطبيعي املتوفر. *** توسيع حجم االستثمارات احلكومية يف البنية التحتية ،أو اخل��دم��ات اإلنتاجية للقطاعني الصناعي وال��زراع��ي واخل��دم��ات االجتماعية ،مبا يف ذلك الطاقة واملياه الصاحلة للشرب والري والبزل واملواصالت واالتصاالت احلديثة والصحة والتعليم..اخل ،لضمان تسريع عملية التنمية وتوفري اخلدمات للمجتمع. *** التوسع يف استثمارات الدولة الصناعية التحويلية اليت تشكل القاعدة املادية للتنمية 39
أقواس
أقواس
40
الوطنية واليت يعجز القطاع اخلاص احمللي عن التوظيف فيها بسبب قدراته املالية والفنية الضعيفة وحاجة االقتصاد الوطين إليها. وهذا التوجه ال يعين مصادرة دور القطاع اخلاص الرئيس يف عملية التنمية بل السعي ملساعدته يف ذلك من خالل مجلة من اإلجراءات الضرورية مبا يف ذلك إقامة البنى التحتية اليت يستفيد منها يف توجيه استثماراته الصناعية والزراعية واخلدمية ،إذ ميكن حتقيق مستوى مناسب من التنسيق والتكامل بني القطاعني، إضافة إىل تنشيط املصارف احلكومية املتخصصة كاملصرف الصناعي واملصرف الزراعي واملصرف العقاري وزيادة رؤوس أمواهلا لتقديم القروض الضرورية اليت حيتاجها القطاع اخلاص وبنسب فائدة ميسرة .كما يفرتض دعم جهود املصارف اخلاصة وتشجيعها على تقديم القروض لعملية التنمية والتثمري اإلنتاجي. إن مشاركة الدولة يف العملية االقتصادية يفرتض أن ال تأتي على حساب القطاع اخلاص احمل��ل��ي ،إذ أن االقتصاد العراقي يف املرحلة الراهنة بأمس احلاجة إىل هذا القطاع ً أيضا، ولكن إمكانياته احلالية حمدودة وجرأته على التوظيف ضعيفة ورغبته يف احلصول على الربح السريع واملضمون عالية واألمن الالزم الذي حيتاجه ما يزال مفقوداً .وهذه احلالة مت��س القطاع اخل��اص العربي واألج��ن�بي ،إذ إنهما لن جي��رءا على التوظيف ما مل يتحسن األم��ن ويتعزز االستقرار يف البالد وتتطور البنية التحتية وت���زول املصاعب اإلداري���ة ً حاليا يف مجيع أجهزة والبريوقراطية احلاكمة الدولة إضافة إىل الفساد املالي واإلداري .ال ميكن
ً حاليا بأن القطاع اخلاص احمللي قادر االدع��اء على القيام بالدور الرئيسي يف عملية التنمية وحتقيق النمو االقتصادي ،ولكن ميكن مبرور الزمن ومع توفري مستلزمات هذا النشاط ،أن يقوم مبثل هذا الدور يف املستقبل .ال تكمن أية رؤية أيديولوجية ضيقة وراء هذا املوقف ،بل إن الواقع العراقي هو الذي يؤكد هذا التوجه. إذ إن العراق حباجة ماسة إىل كل هذه القطاعات، مبا يف ذلك القطاع اخلاص األجنيب واملؤسسات املالية الدولية لضمان احلصول على توظيفات رأمسالية لتعجيل عملية إعادة األعمار والسري على طريق حتقيق التنمية الوطنية الشاملة واملستدامة .وال شك يف ض��رورة رسم خارطة واضحة لدور كل من هذه القطاعات يف الفرتة الراهنة والقادمة يف ضوء إسرتاتيجية التنمية وعدم تركها حلركة السوق وآلياتها اليت تواجه مصاعب جدية يف فعلها بسبب أوضاع العراق غري الطبيعية. . 6دور السوق االجتماعي وقوانينه ومهمات الدولة التصحيحية والرقابية اقتصاد السوق احل��ر على وف��ق ما جي��ري يف الدول الرأمسالية املتطورة وممارسة سياسات اللربالية اجلديدة سيقود إىل املزيد من املصاعب اجل��م��ة ال�تي ت��ع��رض االق��ت��ص��اد واجملتمع إىل ً حاليا .وهذا هزات حقيقية ال تعرف عواقبها التقدير مبين على مستوى تطور االقتصاد العراقي ومشكالته األساسية وتشوهات بنيته االقتصادية وضعف إمكانيات وكفاءة ودور القطاع اخل��اص .وه��ذا ال يعين أن االقتصاد العراقي مؤهل لتطبيق مبادئ االشرتاكية يف التخطيط والتنمية ،بل هو بعيد كثرياً عن
ه��ذه امل��رح��ل��ة ،وم��ن هنا ميكن احل��دي��ث عن اقتصاد السوق االجتماعي الذي ال خيرج عن إطار العالقات اإلنتاجية الرأمسالية يف ظروف وأوض��اع خاصة مير بها العراق وتستوجبها طبيعة املرحلة وأوض���اع سكان ال��ع��راق .إن اقتصاد السوق االجتماعي ال يرتك لقوانني اقتصاد السوق احل��ر أن تفعل دون رقابة أو تدخل من جانب الدولة بهدف تعديل مساراته وفعل آلياته وحركة قوانينه لصاحل اجملتمع والسلم االجتماعي وحتقيق النمو والتطور االقتصادي .وهذه الرقابة املسؤولة تتم عرب العمل ومن خالل قوانني تصدرها الدولة للحد من ش��دة االستغالل الرأمسالي ال�تي يتعرض هلا العمال املنتجون وبقية العاملني يف فروع االقتصاد الوطين األخرى ،ومنها اخلدمات ً أيضا. إنها قوانني اجتماعية وضمان صحي ورعاية وحتديد احل��د األدن��ى لألجر وساعات العمل اليومي والرقابة على األسعار والعطل السنوية، وكذلك من خالل فرض الضرائب التصاعدية املباشرة على الدخل. .7التجارة اخلارجية والعالقات االقتصادية الدولية العامل كله يعيش مرحلة العوملة االقتصادية يف ظل الثورة العلمية التقنية ومنجزاتها اهلائلة اإلنفوميديا .وه��ي عوملة رأمسالية خاضعة حلركة وفعل القوانني االقتصادية للرأمسالية. والعراق يشكل جزءاً من هذا العامل الرأمسالي، ولكن بقسمه املتخلف واملهمش .وال ميكن للعراق أن يبتعد عن هذه العوملة ،ولكن عليه أن يسعى باجتاهني: أ .االستفادة القصوى مما تقدمه هذه العوملة
من إمكانيات لتسريع عملية التطور والتقدم االقتصادي واالجتماعي العراقي. ب .العمل من أجل تقليص األضرار احملتملة النامجة عن العوملة الرأمسالية بسبب طبيعة القوانني االقتصادية يف التعامل غري املتكافئ مع الدول النامية والضعيفة وبسبب احملاوالت اجل��ادة واحلثيثة للدول الرأمسالية الكربى ٍلالستفادة من منجزات مرحلة العوملة لصاحلها وإعاقة النمو والتطور املناسب يف الدول النامية، ومنها العراق. وتشكل التجارة اخلارجية إح��دى األدوات األس��اس��ي��ة اهل��ام��ة وال���ض���روري���ة لتحقيق إسرتاتيجية التنمية الوطنية الشاملة .وتأمني ذل��ك يعتمد على طبيعة ووج��ه��ة السياسة التجارية اخل��ارج��ي��ة ال�تي متارسها ال��دول��ة. والتجارة اخلارجية يف املرحلة الراهنة تلعب ً دوراً سلبيا وتعرقل عملية السري صوب التنمية وإزالة التشويهات يف البنية االقتصادية والدخل القومي ،ألنها مفتوحة بالكامل على اخلارج ومكشوفة وبعيدة عن التوجه صوب التصنيع احلديث وحتديث الزراعة ،إذ تستخدم موارد النفط املالية لتغطية كافة حاجات العراق االستهالكية عرب االسترياد. وال ميكن أن يستمر هذا الوضع إن كان العراق ً ً عضويا راغبا يف حتقيق التنمية .وهي مرتبطة بنوعية االستثمارات ال�تي توجهها الدولة والقطاع اخل��اص ص��وب التنمية الصناعية والزراعية وقطاع النفط والغاز الطبيعي .ال ميكن أن يتوقف ال��ع��راق عن االس��ت�يراد ،فهو حمض خيال ،ولكن من املمكن والضروري ربط بنية اس��ت�يرادات العراق وص��ادرات��ه النفطية 41
أقواس
أقواس
42
بعملية التنمية املباشرة وتقليص االسترياد ً تدرجيا من خالل توفري اإلنتاج احمللي ورسم سياسة مجركية وضريبية تسمح مبساعدة اإلنتاج احمللي على النمو وتصريف منتجاته يف السوق احمللي. :8املوقف من العوملة ت��ت��خ��ذ ال��ك��ث�ير م���ن األوس�����اط السياسية ً ً مناهضا للعوملة اجلارية موقفا واالقتصادية على الصعيد العاملي وحتاول منع بلدانها من الولوج يف اقتصاد العوملة بسبل شتى ،وهي ً موضوعيا بسبب طبيعة ع��اج��زة ع��ن ذل��ك املرحلة ال�تي مير بها العامل كله .ومثل هذا التوجه ليس فقط غ�ير ممكن وم��ض��ر ،بل وجيسد عبثية وحماولة يائسة ال مربر منها. فالعوملة االقتصادية وبقية مكونات العوملة تعرب عن تطور موضوعي يف عالقات اإلنتاج الرأمسالية على الصعيد العاملي ،إنها مرحلة ً عضويا من مراحل تطور الرأمسالية وترتبط مبستوى تطور القوى املنتجة املادية والبشرية واليت عجلت بها الثورة العلمية والتقنية وثورة اإلنفوميديا خ�لال العقود الثالثة األخ�يرة. وهي بالتالي تعمل بذات القوانني االقتصادية الرأمسالية ذات الطبيعة االستغاللية .ومع ذلك فال بد للباحث أن مييز بني مسألتني مهمتني هما :العوملة كعملية موضوعية ال مفر منها ً أوال ،والعوملة كسياسات تضعها وتنفذها القوى املهيمنة على االقتصاد العاملي يف ظل العالقات الرأمسالية السائدة على الصعيد الدولي ً ثانيا. وإذا كان من غري املمكن جتنب املسار املوضوعي األول ،فأن هناك إمكانيات غري قليلة لتعديل وتصحيح املسار السياسي الثاني ،أي السياسات.
ال شك يف حقيقة أن القسم املتقدم واملتطور من العامل الرأمسالي ميتلك قدرات أوفر وإمكانيات غري حم��دودة لالستفادة القصوى من مرحلة العوملة الرأمسالية بسبب تقدمه االقتصادي وق��درات��ه على استخدام أح��دث التقنيات يف عملياته االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية والسياسية ،يف حني ال متتلك دول العامل النامي مثل هذه اإلمكانية والقدرة ،بل هي حمرومة حتى اآلن من الكثري من اجلوانب اإلجيابية اليت أفرزتها العوملة ال بسبب ختلف هذا ً ً واجتماعيا اقتصاديا القسم من العامل الرأمسالي ً ً ً وسياسيا فحسب ،بل وبسبب وبيئيا وثقافيا عاملني مهمني هما :أ) إج���راءات حكومات واحتكارات ال��دول الرأمسالية األكثر تطوراً اليت متنع من خالل عملية التقسيم الدولي الرأمسالي للعمل الدول النامية من االستفادة املناسبة من منجزات ه��ذه املرحلة العلمية والفنية وغريها؛ وب) السياسات غري العقالنية واخلاطئة اليت متارسها أغلب حكومات الدول النامية ،إضافة إىل غياب الدميقراطية عن حياة الكثري من شعوب ال��دول النامية ،بل ووجود حكومات مستبدة كثرية يف هذه الدول. ف��ال��ن��ض��ال ي��ف�ترض أن ي��ت��وج��ه ،م��ا دام��ت الرأمسالية قائمة على الصعيد العاملي ،صوب تغيري العالقات الدولية مبا يساعد على حتقيق مسألتني هما: . 1العمل من أجل حتقيق االستفادة القصوى من املنجزات الكبرية املتحققة يف هذه املرحلة من التطور الرأمسالي على الصعيد العاملي لصاحل الدول النامية. . 2العمل على حتقيق أقصى تقليص ممكن
من اآلثار السلبية النامجة عن السياسات اليت متارسها ال��دول الرأمسالية األكثر تطوراً على الصعيد العاملي وال�تي تلحق أض���راراً كبرية باالقتصاد واجملتمع يف الدول النامية. إن ممارسة مثل ه��ذه السياسة أم��ر ممكن باجتاهني :من خالل نشاط مشرتك جملموعة الدول النامية مثل جمموعة ألـ 77اليت شكلت قبل عقود أو النشاط امل��ش�ترك ل��دول آسيا وأفريقيا وأمريكا الالتينية يف األمم املتحدة وعلى الصعيد االقتصادي الدولي ،وكذلك عرب إج��راءات تتخذها كل دول��ة لضمان مصاحلها األساسية وتأمني استفادتها من منجزات مرحلة العوملة .وهي ليست قليلة يف هذا الصدد. كما ال بد من خوض شعوب ال��دول النامية ً نضاال مستمراً من أجل تغيري أوضاعها الداخلية وبشكل خاص لضمان سيادة مبادئ احلرية والدميقراطية وح��ق��وق اإلن��س��ان وجتليات ذلك يف دساتريها الوطنية وتنفيذها العملي لكي تستطيع رس��م سياسات وطنية تسهم يف تغيري واقعها االقتصادي ال��راه��ن ،وكذلك العمل من أج��ل تغيري مضمون عالقاتها مع ال��دول الرأمسالية املتقدمة وكذلك التأثري يف ضمان ممارسة نسبية متطورة ملبدأ العدالة االجتماعية يف الدول النامية. إن العوملة يف مضمونها الرأمسالي اجلاري ميكن أن تكون «الرمحة والغضب» على الفرد واجملتمع، وخاصة بالنسبة للفئات الفقرية والكادحة، يف آن واح��د ،ويفرتض أن يعرف املسؤولون يف العراق سبل االستفادة القصوى منها ،حيث ال جي��وز وال ميكن اهل���روب م��ن ه��ذه العملية املوضوعية اليت تشمل العامل كله ،ومنه العراق،
وخائبا ً ً ً حقا رجعيا بأي حال .وسيكون املوقف حني يرفض املسؤولون فهم ووع��ي طبيعة هذه العملية املوضوعية ،اليت هي خارج إرادة اإلنسان ورغباته ،ويرفضون التعامل الواعي ً ً جديا وغري سلبيا معها ،ولكن سيكون األم��ر مسؤول من جانب املسؤولني يف العراق حني ال يسعون إىل فهم وجتاوز السلبيات والصعوبات اليت ختلقها سياسات العوملة اليت متارسها الدول الرأمسالية الصناعية املتقدمة بعيداً عن مصاحل اإلنسان واجملتمعات النامية ،ومنها العراق. إذ أن كال من االجتاهني خاطئ وخطري يف آن، وعلينا جتاوزهما لصاحل العراق ،وبضمنه إقليم كردستان العراق.
التغريات النسبية يف إقليم كردستان العراق لقد حصلت تغريات نسبية مهمة يف واقع احلياة يف إقليم كردستان العراق واليت ختتلف بهذا القدر أو ذاك عن الواقع الراهن يف بقية أحن��اء العراق وال�تي ميكن تلخيصها بالنقاط االتية: .1سيادة األمن واالطمئنان على حياة السكان يف اإلقليم وقطع داب��ر قوى اإلره��اب الدموي من خمتلف األصناف ،وهي مسألة ذات أهمية بالغة للوضع النفسي اليومي للفرد واجملتمع. وكان هذا الواقع قد شجع الكثري من األشخاص والعائالت اليت تعرضت للتهديد بالقتل من أتباع خمتلف الديانات واملذاهب االنتقال والسكن يف اإلقليم للحفاظ على حياتهم. .2حركة عمرانية سريعة ومهمة يف جماالت 43
أقواس
أقواس
44
البناء ،سواء أكان لتشييد الدوائر احلكومية أم البيوت السكنية أم إنشاء الطرق واجلسور واملنتزهات وإيصال الطاقة الكهربائية للسكان لساعات طويلة وتوفري امل��اء الصاحل للشرب واخلدمات األخرى. .3أصبحت مدن مثل أربيل والسليمانية ودهوك عامرة وحديثة وال ميكن مقارنتها مع هذه املدن قبل إسقاط نظام البعث. .4تراجع نسبة الفقر بني سكان اإلقليم إذ قدرت بـ 5%من جمموع السكان يف مقابل 30 %يف باقي أحناء العراق. .5وإذ تراجعت نسب البطالة املكشوفة وجرى استخدام لأليدي العاملة األجنبية يف اخلدمات وإنشاء املشاريع العمرانية ،فإن البطالة املقنعة هي السائدة بشكل خاص وتكلف اإلقليم مبالغ ً ً ثقيال على الناس عبئا طائلة ،كما تشكل وحاجاتهم وعلى اجملتمع. حتسن احلالة املعيشية للغالبية العظمى من السكان مع حقيقة تنامي الفجوة الدخلية بني أصحاب الدخل احملدود وأصحاب الدخل العالي وأصحاب املاليني من ال���دوالرات األمريكية. وهي اليت ترتبط بسمة سلبية سائدة يف كل أحناء العراق ً أيضا هي الفساد املالي ،إضافة على احملسوبية واملنسوبية. .6إقرار قانون االستثمار الذي فسح يف اجملال لعدد من الشركات األجنبية للعمل يف كردستان وخاصة الشركات الرتكية على وفق تسهيالت وام��ت��ي��ازات كبرية ألص��ح��اب تلك الشركات. ولكنها ال تعمل يف القطاعني الصناعي والزراعي بل يف جمال البناء وتشييد املباني والطرق. (والكماليات) اليت أنقصت املدخوالت.
ورغ��م وج��ود صراعات سياسية وتباين يف وجهات النظر بني القوى واألحزاب السياسية، إال إنها اقل حدة مما هي عليه على مستوى الدولة االحتادية ويف بغداد وغري معرقل للبناء. إال إن السمات السلبية السائدة يف الدولة االحتادية جندها على مستوى اإلقليم ً ايضا.
اهلوامش صربي زاير السعدي د .التجربة االقتصادية يف العراق احلديث .النفط والدميقراطية والسوق يف املشروع االقتصادي الوطين.2006-1951 . دار املدى للثقافة والنشر .ط 1،دمشق.2009 . قارن :مهدي احلافظ د .سياسات العراق املالية عائق تنموي كبري ،مقابلة أجراها إبراهيم السامر ونشرت يف جملة األسبوعية ،بريوت بتاريخ .2011/12/18 راجع :مصباح كمال .هل هناك مشروع إلعادة هيكلة شركات التأمني العامة؟ متهيداً ملناقشة موسعة ،جملة التأمني. http://misbahkamal. blog-/06 /blogspot.com/2009 post_24.html كاظم حبيب د .العوملة وخم���اوف العاملني العربي واإلسالمي[ « NZZ .جريدة زوريخ اجلديدة] .2003 كاظم حبيب د .العوملة اجلديدة .يف :جملة الطريق اللبنانية .العدد .1998 .3 مالحظة :اطلع على هذه الدراسة املتواضعة بعض األخوة مشكورين ،ومنهم األستاذ الدكتور جعفر عبد الغين واألستاذ الدكتور صربي زاير السعدي واألستاذ مصباح كمال وأبدوا بعدد مهم من املالحظات املهمة اليت استفدت منها على وفق رؤييت للمسائل .وأنا املسؤول األول واألخري عن كل ما جاء فيها.
45
أقواس
أقواس
46
أقواس اإلعالم و وحدة الخطاب الكردي عىل شمدين
عند البحث يف موضوع كهذا ،مثة تساؤالت ملحة تفرض نفسها على املناقشة واحل��وار ، والش��ك ب��إن حماولة اإلج��اب��ة عنها تستدعي العودة إىل التجربة العملية لنضال احلركة الكردية لكونها األكثر مصداقية يف تقديم الصورة احلقيقية للخطاب الكردي املمزق، واألكثر تعبرياً عن هذا الواقع ّ املر الذي الذي ّ البد من العمل على تغيريه ،ألنها تظل حتتفظ بقدر أكرب من املوضوعية اليت جتنب اإلجنرار إىل مزالق التطرف وامل��غ��االة عند الشروع يف حتديد املفردات الضرورية ملثل هذا اخلطاب ال��ذي مل يعد بنائه ض���رورة سياسية فقط وإمنا مسؤولية قومية ً أيضا ،ملواجهة الظروف احلساسة والدقيقة اليت حتيط بالشعب الكردي وقضيته القومية والوطنية العادلة اليت القت الكثري من التشويه والتشويش والتضليل من لدن خصومها الذين مل يألوا جهداً أو وسيلة إللغاء هويته القومية والشطب عليها. ولعل مناقشة مثل هذه األسئلة ،تعد اخلطوة األه��م للخروج من دوام��ة اخلطابات الكردية املتشتتة واملتناحرة ،واملساهمة يف التمهيد لبناء خطاب كردي موحد ،خياطب الرأي العام اخلارجي بلغة موضوعية متزنة ومقنعة، ويقدم ص��ورة واقعية تعكس عدالة قضية الشعب الكردي ومشروعية نضاله ،ناهيك عن خماطبة الرأي العام الداخلي إلستنهاضه ّ وجره إىل صفوف النضال وفق سياسات بعيدة عن التطرف واملغاالت ومحايته من املنزلقات السياسية اليت مل ولن جتلب له سوى الكوارث والدمار .. -فما هو اخلطاب اإلعالمي بشكل عام والكردي
بشكل خاص؟؟ . متى بدأ اخلطاب الكردي بالتبلور ،وما هياملراحل الرئيسية اليت ّ مر بها هذا اخلطاب خالل مسريته إىل أن تبلور بصيغته الراهنة ؟؟ . ما هي أبرز مالحمه القومية ،وما هي جوانبالقصور فيه ؟؟ . كيف لنا املساهمة الفعلية يف رسم صيغةمشرتكة للخطاب الكردي املوحد ؟؟ . وما هي املفردات والعناصر اليت ميكن طرحهايف هذا اإلطار ،اليت من شأنها أن تشكل القاسم املشرتك األدن��ى ملختلف -اخلطابات -الكردية الراهنة ...؟؟!! . من املعلوم ب��إن اخلطاب اإلعالمي بأنواعه املختلفة (السياسي ،الثقايف ،اإلجتماعي ،الفين ..إخل) ،وهو ينقسم إىل (عقالني ،والعقالني) .ف��اخل��ط��اب العقالني :ه��و ال���ذي خياطب الوعي والعقل واملنطق ،عرب ط��رح الوقائع واإلحصائيات والرباهني وينطلق من احلقائق ، أما اخلطاب الالعقالني :فهو الذي يتوجه إىل الوعي الفرد والشعوره ،أي إىل املستوى الغرائزي من الشخصية ويسعى إىل إثارة املشاعر والعواطف واملواضيع اليت تفتقر إىل األدلة والرباهني . ً لغويا على أنه ( :كل كالم و ُي َع َّرف اخلطاب ً مكتوبا أو يتجاوز اجلملة الواحدة ،سواءاً أكان ً ملحوظا ،1)..ويساهم مثل هذا الكالم يف إنتاج ً نصوصا معرفية املعرفة اإلنسانية ويؤلف ً شامال ،و يف هذا اإلطار أيضاً ً تعطي ً فكريا نسقا يقول الكاتب اللبناني موريس أبو ناضر ،ما يلي ( :تستعمل كلمة خطاب كتسمية لواقع أَلسين وسطي بني اللغة والكالم ،واللغة من حيث كونها نظام من اإلش��ارات – حسب ما يقول سوسري- 47
أقواس
أقواس
48
يسمح للناس بالتواصل ،والكالم من حيث هو اإلستعمال ُ احل ّر الذي ميارسه اإلنسان على اللغة، أما اخلطاب فهو يف اآلن نفسه لغة وكالم . 2 ).. وهلذا يقول ماركس( :إن األفكار مهما كانت عظيمة ال تصبح قوة مادية حامسة ّ إال حينما تدخل إىل أذهان اجلماهري وتستقر يف ضمائرهم ،)..ومن هنا يتضح لنا حجم املسؤولية اليت ترتهن هلا العملية اإلعالمية ،يف نقل هذه األفكار إىل أذه��ان اجلماهري ،لتصبح قوة مؤثرة على سلوكهم وأفعاهلم فإن املعادلة اإلعالمية تتحدد بإختصار شديد يف العناصر األربعة التالية : (املرسل ،آلية اإلرس��ال ،املرسل إليه ،الرسالة أو اخلطاب) ،ويتحدد (املرسل) يف حالتنا قيد املناقشة يف الشخصية اإلعتبارية للحركة ً ً خصوصا اليت تسعى عموما ويف سوريا الكردية بأطرافها وعناصرها املتعددة إىل قيادة اجلماهري الكردية حنو رفع واقع الظلم واإلضطهاد القومي واإلنساني عن كاهله وحتقيق طموحاته يف احلرية والعدالة واملساواة . كما أن وسيلة نقل الرسالة اليت حيررها املرسل إليصاهلا إىل املرسل إليه أو ما يسمى باملتلقي، وال�تي تشمل ع��ادة جممل الوسائل املقروءة واملسموعة واملرئية القادرة على نقل الرموز اللغوية منها وغري اللغوية ،وهي ختتلف من طرف إىل آخر ،وحبسب اإلمكانات املتوفرة بني يدي احلركة يف أجزاء كردستان ،وهي تعتمد بشكل رئيسي – حتى يومنا هذا – على الصحافة املقروءة اليت تصدرها أطراف احلركة بإمكانات ً وأحيانا تعتمد على احملطات اإلذاعية ضعيفة، والتلفزيونية احمللية – خاصة يف كردستان العراق – هذا إىل جانب امتالك جمموعة من
القنوات الفضائية يف العقد األخري من القرن العشرين ،أما املرسل إليه والذي يفرتض له أن تصله هذه (الرسالة /اخلطاب) فيتحدد بالرأي العام (الكردي ،الوطين ،اإلقليمي ،العاملي ،)... وهي تعد دوائر متداخلة تكرب بإطراد والبد هلذه الرسالة أن تتحلي باملرونة والصراحة والصدق والدقة واملوضوعية ،ومن هنا يتحدد ال���دور اخلطري ال��ذي يلعبه اإلع�ل�ام خبطابه املطروح والذي يسري بإجتاهات ثالثة ( :األول خياطب عقل اإلنسان ،والثاني خياطب عاطفته، والثالث ترفيهي) ، 3ويف املوضوع ال��ذي حنن ب��ص��دده ،ف��إن الرسالة اإلعالمية (اخلطاب اإلعالمي) هي اليت تشكل احللقة الرئيسية اليت تتضمن املادة اإلعالمية وجوهرها واليت بدونها تصبح العملية اإلعالمية بدون هدف أو معنى .. وم��ن هنا ،ف��إن مثل ه��ذا اخلطاب هو الذي سنحاول التوقف عنده وسنسعى إىل تشخيص جوانب القصور فيه ،وسنحاول تلمس مالحمه اإلجيابية اليت بدونها يصبح حتقيق ما نصبوا إليه بعيد املنال .. وهكذا ميكن للمطلع على تاريخ اخلطاب الكردي أن يستقرئ احملطات الرئيسية اليت اجتازها يف مسرية تطوره إىل أن استقر على الصيغة الراهنة ،ولعل احملطة األقدم اليت حتمل البصمات األولية للخطاب القومي الكردي هي احملطة اليت ميثلها الشاعر والفيلسوف الكردي (أمحدي خاني )1707-1650 /الذي حمَ َّ َل ً ً قوميا له هويته ومفرداته خطابا أش��ع��اره الواضحة اليت ما زالت حتتفظ بقوتها وحيويتها رغم املسافة الزمنية اليت تفصلنا عنه ،فهو
الذي قال: ez mame di hikmta xwedê de kurmanc di dewleta dinê de eya bi çi wechî mane mehrûm û bil cumle ji bo çi bûne mehkûm lew pêkve hemîşe bê tifaqin dayim bi temrud û şiqaqin ger dê hebwa me itifaqek vêkra bikira me inqiyadek tekmîl di kir me dîn û dewlet tehsîl dikir me ilm û hukmet.4 ه��ذا ه��و اخل��ط��اب ال��ذي تناقلته اجلماهري الكردية شفاها حتى وقت قريب نظراً لغياب الوسائل اإلعالمية املختلفة – آنذاك– ومل يتجاوز دائرة إنتشاره سوى املتنورين يف ذاك احل�ين ،وانتقل اخل��ط��اب ال��ك��ردي إىل حمطة جديدة مع نهاية القرن التاسع عشر ،عندما بادر رائد الصحافة الكردية ومؤسسها األمري (مقداد مدحت بدرخان) ،إىل إصدار العدد األول من جريدة (كردستان) يف ()1898/4/22 باللغة الكردية من القاهرة ،وقد متيز اخلطاب ال��ذي إعتمدته اجل��ري��دة بنوع من النضوج السياسي النسيب ،سواء من جهة حتديد اهلوية ً فضال القومية وتشخيص خصومها ومؤيديها عن مشاريع تنمية الوعي القومي ،هذا اخلطاب ً الذي بدأ يستكمل مالحمه ليأخذ ً فشيئا شيئا طابعه اخلاص يف أعقاب إنتصار ثورة أكتوبر ووالدة املعسكر اإلشرتاكي الذي دخل يف حرب ب���اردة م��ع املعسكر ال��رأمس��ال��ي حتى أواخ��ر
الثمانينات من القرن العشرين ،هذه الظروف واملستجدات وغريها هي ال�تي ألقت بظالهلا بشكل مباشر على اخلطاب الكردي الذي بدأ يتتبع – وبشكل عاطفي -خطى اخلطاب اإلع�لام��ي االش�تراك��ي و ال��ي��س��اري ،ويتمثل مفرداته ويقلد ألوانه .. وقد شكل تأسيس األحزاب السياسية الكردية يف أج��زاء كردستان ،يف أعقاب احلرب العاملية الثانية ،مبثابة نقلة نوعية أخرى ،يف مفهوم امل��ف��ردات ال�تي تشكل اخلطاب ال��ك��ردي ،فإىل جانب إحتفاظه مبفردات احلرب الباردة ،كذلك برزت لديه مفردات قومية أكثر متيزاً ،وكان مبدأ حق تقرير املصري للشعوب املضطهدة يشكل القاسم امل��ش�ترك ب�ين ه��ذه امل��ف��ردات ً فضال عن أن اخلطاب (الطبقية ،القومية)، الكردي بدأ ينحو بإجتاه إكتساب خصوصيته القومية والوطنية يف كل جزء مبا يتميز عن خصوصية األج��زاء األخ��رى ،وما يرافقها من مفردات تعكس هذه اخلصوصية يف اخلطابات الكردية اليت بدأت على إثر ذلك تأخذ مساراتها املتعددة واملتنوعة ،ومع األسف فقد تعددت تلك اخلطابات فيما بعد أكثر فأكثر ،وتباينت ً أحيانا وذلك مع تزايد عدد إىل حد التناقض األحزاب الكردية بسبب تفشي ظاهرة االنشقاق والتشرذم بني صفوف احلركة الكردية ،وكان التباين يف اخلطاب اإلعالمي هل��ذه الفصائل ينبع من حماولتها إكتساب الشرعية وتربير انشقاقاتها ،فكانت تشحن خطاباتها باملفردات الطبقية والكردستانية املزاودة لتظهر نفسها بالثورية واليسارية ،وتفشت هذه الظاهرة يف الساحة الكردية حتى دفعت بأطرافها إىل حد 49
أقواس
أقواس
50
الصراع السياسي واإلقتتال الداخلي ،األمر الذي فرض على خطاباتها اإلعالمية مفردات تعكس هذا الشكل من املواجهة ،كاملهاترات والرتاشق باملفردات الرخيصة واأللفاظ النابية التخوينية اليت بدأت تأخذ مكانها يف هذه اخلطابات .. فقد محلت اخلطابات الكردية املتعددة هذه املفردات اليت تراكمت خالل مراحل مسريتها واحتفظت بها إىل أن أعلنت احلرب الباردة عن نهايتها مع إنهيار املعسكر اإلشرتاكي وتفكك اإلحتاد السوفيييت ونشوب حرب اخلليج الثانية ً ً عموما، أوضاعا هامة يف كردستان اليت أفرزت ً خصوصا ،كاهلجرة املليونية وكردستان العراق وإقامة املنطقة اآلمنة وإنتخاب الربملان الكردي وتشكيل احلكومة الكردية وإعالن الفدرالية كصيغة دميقراطية للعالقة مع احلكم املركزي يف بغداد ..اخلً ، فضال عن جناح القضية الكردية يف فرض نفسها على الرأي العام العاملي وعرض املآسي اليت حلت بالشعب الكردي عليه ،هذه املتغريات وغريها اليت أعقبت حرب اخلليج الثانية واليت رمست املالمح األساسية للنظام ال��دول��ي اجل��دي��د ال��ذي ك��ان م��ن أب��رز مساته الدعوة إىل الدميقراطية وإحرتام حقوق اإلنسان ً والشعوب ،األمر الذي أحدث تغيرياً جذريا يف املفردات املكونة للخطابات الكردية املختلفة، ً طبعا ،حيث ختلصت الكثري وإن بشكل نسيب منها م��ن م��ف��ردات احل��رب ال��ب��اردة وخاصة املاركسية واليسارية منها ..اخل ،إىل جانب تثبيت املفردات الدميقراطية اليت تدعو إىل إحرتام حقوق اإلنسان وإحرتام إرادة الشعوب والدعوة إىل حلها بالطرق السلمية والدميقراطية ،يف الوقت الذي كانت اخلطابات السابقة أيام احلرب
الباردة ترجح يف حمتواها أساليب العنف يف النضال من أجل حل القضية الكردية ،وترجح ً جتاوبا املفردات اليت حتبذ مثل هذه اخليارات مع ضرورات احلرب الباردة ومصاحل الدول اليت تقودها على حساب اخليارات الدبلوماسية ،وقد جتاوبت الفصائل الكردية املختلفة مع موجة التجديد هذه واليت هبت رياحها على خطاباتها اإلعالمية لتزيل عنها الكثري من املفردات اليت مل تعد تالئم العصر ،وإحالل مفردات جديدة تتضمن فحوى هذه املتغريات وتعكس مالحمها ورغم تطور اخلطابات اإلعالمية يف الساحة الكردية خبطوات ملموسة ،إال أنها ما زالت متشتتة و متبعثرة وفاقدة للخيط السياسي الناظم هلا وال��ذي يربطها ببعضها البعض، ألنها ظلت خطابات حزبية تعرب عن سياساتها ورؤيتها جت��اه التحديات والقضايا القومية والوطنية املختلفة ،األم��ر ال��ذي خلق فجوة عميقة بينها وبني الرأي العام الكردي والعاملي وحرمت احلركة من إمتالك خطة إعالمية ك��ردي��ة م��وح��دة تعتمد املوضوعية واللغة الدبلوماسية الذكية يف خماطبة األخر والتفاعل معه ،وت��رك أب��واب (املرسل إليه /املتلقي) للخطاب ال��ك��ردي مفتوحة على مصراعيها بدون منافسة تذكر أمام اخلطاب املضاد ليمعن يف تشويه صورة الشعب الكردي وإثارة األضاليل حبقه وخيلط األوراق ليظهر ه��ذا الكردي الضحية مبظهر اجلالد ،وبالعكس.. إننا ال نتوقف على ضرورات توحيد اخلطاب ال��ك��ردي ،ألنها باتت م��ن البديهيات ،وإمن��ا نسعى إىل تلمس اخلطوط العريضة لتوحيده، وآليات حتقيقه وذل��ك بالعمل ال��دؤوب على
إزالة املفردات الغريبة والشاذة اليت تشوب هذا اخلطاب وتنقيته منها ،إىل جانب إقرتاح املفردات واألطر العامة للمفاهيم اجلديدة اليت ال يزال اخلطاب الكردي أو اخلطابات الكردية يفتقدها ويفتقر إليها ،وبالتالي تقديم املالحظات اليت نعتقد جبدواها يف إضاءة الطريق حنو الوحدة املنشودة خلطاباتها .. ففي احلالة الكردية ،هناك ما ميكن اإلشارة ً مقدما يف هذا اجمل��ال وهو صعوبة – إن إليه مل نقل استحالة – حتقيق الوحدة الفعلية للخطابات الكردية ،على األق��ل يف الظروف الراهنة ،ما مل توحد أطراف احلركة جهودها يف أطر تنظيمية وحدوية أو حتالفيه أو أي إطار مشرتك آخر يؤمن فيما بينها شكل من أشكال التعاون والتفاهم والوئام الذي من شأنه أن يساهم وبشكل شبه أوتوماتيكي يف تقاطع ً وانطالقا خطاباتها وتداخلها إىل حد التطابق، من هذه العلة اليت تعد وحبق أم العلل يف الواقع الكردي ،ميكن تلمس جوانب اخللل والقصور يف بنية ه��ذه اخل��ط��اب��ات ،وحت��دي��د اجلوانب اإلشكالية اخلالفية غري احملسومة واليت تنبثق من حالة التعدد السياسي واحلزبي ،ومل تكن ً سببا هلذه احلالة كما يعتقد البعض ،ورغم سلبية الواقع الذي يعيشه اخلطاب الكردي إال أنه وحلسن احلظ ال خيلو من املفردات اإلجيابية اهلامة وإن كانت حالة الصراع فيما بينها قد وصلت إىل حد التناحر – أحيانا -لكنها مع ذلك ال ختتلف كثرياً يف حتديد املعامل األساسية هلويتها القومية ،وتتبنى معظمها املفردات القومية املعربة عن هذه اهلوية يف خطاباتها ال بل إن طروحاتها يف إطارها السياسي العام تكاد
تكون متشابهة إىل حد كبري ،و ما يلقي بظالله على خطاباتها من خالف وتباعد هو الظواهر السلبية اليت تفرزها العقلية احلزبية الضيقة لألطراف الكردية املختلفة واليت ختتلق لنفسها م��ف��ردات تعرب ع��ن فرديتها وخصوصيتها وتعظم من شأنها لتصبح هذه اخلطابات لسان حاهلا الذي يعكس موقفها احلزبي سواء يف حالة الصراع أم يف حالة الوئام بني هذه األح��زاب، فهي حتفل مبفردات القدح والذم والتكفري ..يف حالة اخلالف مع الغري ،وتستبدل تلك املفردات بنقيضاتها يف حالة التصاحل والوفاق ،وبتبدل العوامل املشكلة هلذا اجلانب من نضال احلركة سلبا أم ً – ً إجيابا – تتبدل معها مفردات اخلطاب الكردي اليت تزيد تباعدها أو تقاربها .. كما إن امل��وق��ف م��ن األنظمة ال�تي تقتسم كردستان وتشخيصها واختالف رؤية األطراف الكردية حول هذه النقطة تتسبب يف تسرب م��ف��ردات متناقضة إىل خطاباتها ،وتساهم يف توسيع اهل��وة بينها ،وينبع هذا األختالف يف أغلب األحيان -من رغبة بعض األطرافلإلستقواء بنظام من هذه األنظمة يف صراعها مع الطرف األخ��ر وبالعكس ،هذا إن مل يكن ً ً أص�لا م��ن جانب هذه مفتعال ه��ذا ال��ص��راع األنظمة بالذات بسبب العالقة املباشرة بينها وبني أطراف كردية معينة،األمر الذي ينتج باستمرار املفردات اليت ترتجم هذه الصراعات يف خطاباتها بشكل طردي .. كما ال خيفى بأن اخلالفات القائمة بني صفوف احلركة تساهم يف تضمني اخلطابات الكردية للمفردات املعربة عن الظواهر السلبية اليت تزداد ً تروجيا يف الساحة الكردية يف أج��واء الصراع، 51
أقواس
أقواس
52
واليت ختتفي يف حالة الوئام والتفاهم والسالم، وم��ن ه��ذه الظواهر ،التشجيع على العقلية العشائرية والتطرف أو التبعية والتعصب ً أحيانا إىل حد القومي ومتجيد الشخصيات التقديس واأللوهية ،وتعظيم الروح احلزبية واألنانية الضيقة ..إىل آخر هذه الظواهر اليت تضطر إليها األطراف املختلفة واليت تعتقد بأنها من خالل هذه األساليب تستطيع حشد القوى والطاقات إىل جانبها يف صراعاتها الداخلية هذه، لكي توحي بالتفوق والتظاهر بالقوة للتغطية على جوانب الضعف والقصور اليت تعيشها يف الواقع العملي ،متناسية التناقض األساسي مع ً مشرتكا اخلصم والعدو الذي يفرتض أن يكون بني اجلميع . إن حم���اوالت القفز على ال��واق��ع م��ن خالل طرح الشعارات املتطرفة هي األخرى تساهم يف التباعد القائم بني بعض األطراف الكردستانية واليت تتمحور يف حماور متناقضة ومتصارعة، تنتج هي األخ��رى امل��ف��ردات اإلعالمية اليت تروج هلذه العقلية ،فإن اتفاقية (سايكس - واقعا ً بيكو) ،أفرزت ً مؤملا من التجزئة واحلدود املصطنعة الفاصلة بني أجزاء كردستان ،األمر ال���ذي أض��ف��ى خصوصية لكل ج��زء ختتلف إىل ح��د م��ا ع��ن خصوصية اجل��زء األخ���ر ،إال أن بعض األط��راف الكردستانية أص��رت على ً ً كردستانيا خطابا جتاهل هذا الواقع ،وتبنت جمرداً مت تعميمه على أجزاء كردستان بالقسر وخاصة على الشعب الكردي يف سوريا وحركته السياسية دون أخذ خصائصها بعني اإلعتبار من خالل تضمني خطاباتها مبفردات تدعو إىل حترير كامل كردستان وتوحيدها يف أقرب
وقت وبلمح البصر ،دون إحرتام نضال احلركة يف ه��ذه األج���زاء املعنية ،أو أخ��ذ مشاعرها بعني اإلعتبار ،ال بل اعتمدت العنف يف حل هذه اخلالفات ً بدال من إسلوب احلوار األخوي املتكافئ ،وضمنت خطاباتها باملفردات اليت تدعو إىل إلغاء اآلخر وتكفريه واإلدعاء بإمتالك كامل احلقيقة وكامل القوة وكامل الصحة آلرائها وطروحاتها ،وتظهر كذلك إختالفها مع غريها من األطراف الكردستانية حول إختيار شكل النضال وإسلوبه ،حيث يؤكد خطابها على ترجيح اإلسلوب العسكري والكفاح املسلح يف وقت يرى األخرون أن الظروف ال تسمح إال بالنضال السياسي والدبلوماسي ،أو بالعكس من ذلك ،وهذا ينبع من اختالف وجهات نظر ه��ذه األط���راف يف تقييم ال��ظ��روف واألوض��اع اليت تستدعي مثل هذا الشكل من النضال دون ً أطرافا كردية ظلت حمتفظة بالكثري سواه إن م��ن م��ف��ردات احل��رب ال��ب��اردة ،رغ��م تراجع بريق الشعارات اليسارية واالشرتاكية وغياب مفرداتها من خطابات أط��راف كردية أخرى اليت تبنت ً بدال منها مفردات جديدة تنسجم مع النظام ال��دول��ي اجلديد ومساته البارزة كالتعددية والرأي اآلخر وإشاعة الدميقراطية وإحرتام حقوق اإلنسان والشعوب ..اخل ،.كما ال ختلو الساحة الكردية من أطراف أخرى تعتمد خطابات خاصة تعج باملفردات الدينية كما يف كردستان ال��ع��راق ،األم��ر ال��ذي يساهم من جهته يف توسيع اهلوة بني خطابها واخلطابات العلمانية األخرى . إن عقلية الصراع الداخلي والتناحر املستمر بني أط��راف احلركة من جهة ،أو بينها وبني
األنظمة الغاصبة ،أفرزت ً نوعا من الشك املفرط الذي ينمي يف نفوس هذه األط��راف ً شيئا من عقدة املؤامرة يف حتليل وتقييم األوضاع وتعليق األخطاء بشماعة الغري ،والتسرت من خالهلا على األخطاء وجوانب القصور الذاتي وبالتالي طرح الواقع وق��راءت��ه بشكل مشوش وخاطئ ،فال شك أن املنبت األيديولوجي لألطراف الكردية (القومي ،الطبقي ،الديين ،العشائري ..اخل)، يرتك آث��اره السلبية على رؤية هذه األطراف وقراءتها للوضع الدولي اجلديد ولقضية العوملة والتطور اهلائل يف وسائل اإلعالم واإلتصاالت احلديثة ،إذ مل ختل الساحة الكردية من اخلطاب الذي يرى هذه القضايا بأنها ّ شر مطلق من صنع اإلمربيالية و ال بد من مواجهتها ،يف الوقت الذي يدعو فيه خطابات أخرى على أنه وضع إجيابي ميكن االستفادة منه إذا ما أحسن التعامل معه، وال بد من اإلقرار بان بعض اخلطابات الكردية تتضمن أحيانا بعض املفردات اليت تنبع من ظاهرة التعصب القومي ،واليت تثري مع األسف لدى الشعوب املتعايشة مع الشعب الكردي يف إطار وطن واحد ،بعض احلساسية وردة الفعل، خاصة تلك املفردات اليت تعمم حالة العداء على تلك األوساط وتأخذ الشعوب جبريرة أنظمتها الديكتاتورية .. هذه بعض املالمح األساسية لصورة اخلطاب (اخلطابات) الكردي يف الوقت الراهن وما يشوبه من مفردات سلبية ضارة ،تساهم بفعالية يف تعميم فجوة اخل�لاف واإلختالف بني ألوانها املتعددة ،مثلما تساهم يف تشتيت هذا اخلطاب ودوران���ه يف حلقة مفرغة ال جيلب للحركة الكردية إال الضرر واملزيد من تفويت الفرص
الذهبية اليت توفرها هلا الظروف واملتغريات والتطورات الدولية منذ بداية التسعينات، وهل��ذا فإنه وم��ع ذل��ك الب ّ��د من ط��رق األب��واب اليت تؤدي إىل توحيد هذه اخلطابات يف خطاب كردي موحد ومشرتك يعرب عن جممل األلوان الفسيفسائية ويعكس عدالة القضية الكردية ً أيضا يف ومشروعيتها وسبل حلها ،ويساهم تقديم الصورة الكردية نقية وسليمة إىل املتلقي /املرسل إليه ،ال��ذي مل يتم تغطيته حتى يومنا هذا كما جيب مبثل هذا اخلطاب ّ إال بشكل متواضع وبسيط ال يتناسب مع حجم القضية اليت متثلها هذه اخلطابات . وكما أسلفنا ،فان السبيل الذي ال بديل عنه إىل حتقيق ما نطمح إليه من خطاب كردي موحد، هو االنطالق من ضرورات إجناز الوحدة السياسة والتنظيمية للحركة الكردية من خالل إجياد األطر املرنة اليت تضم هذه التلوينات السياسية بني صفوفها ،األم��ر ال��ذي يفتح األب��واب على مصراعيها لتنقية اخلطاب الكردي من أسباب الفرقة واخل�لافّ ، إال أنه ورغم هذه احلقيقة الساطعة فإنه ّ البد من رسم املالمح املستقبلية للخطاب املوحد املنشود ،وإن ما نطرحه هاهنا ما هو ّ إال جمرد مالحظات نأمل منها أن تكون مبثابة مساهمة لتسهيل مهمة أصحاب القرار السياسي يف األح��زاب الكردية اليت يقع على عاتقها اجلزء األكرب من هذا اهلدف املنشود ،فإن ً تقاربا يف التقارب السياسي فيما بينها حيقق خطاباتها السياسية بشكل طردي والعكس ليس ً صحيحا ،وأن جتربة العالقة بالضرورة أن يكون بني (االحتاد الوطين الكردستاني) و (احلزب الدميقراطي الكردستاني) تعكس هذه احلقيقة 53
أقواس
أقواس
54
بشكل جلي ،إذ أن اخلط البياني هلذه العالقة يؤثر بشكل ط��ردي على خطابهما السياسي منحى من التعاون والتصاحل الذي بات يأخذ ً والوئام بشكل يوازي حتقيق النتائج العملية اإلجيابية على طريق السالم والتفاهم بينهما ً ً وصوال إىل ما هم عليه أشواطا حنو األمام ودفعها أالن من اتفاق إسرتاتيجي تام يف خوض العملية ً السياسية ً عموما معا وبشكل موحد يف العراق ً خصوصا . وكردستان ولعل من أب��رز املالحظات اليت ميكن هلا أن تطرح على طريق املساعي املبذولة لتحقيق وحدة اخلطاب الكردي وتطويره ،هي : تنقية اخلطابات الكردية من املعلوماتالكاذبة وغري الدقيقة – إن وجدت – واحلرص كل احلرص على تقديم املعلومات الدقيقة عن الواقع الذي جيب قراءته بصدق وأمانة كما هو ال كما نرغب له أن يكون ،إذ أنه وكما يقول (آرثر سالسبورغر) مؤسس جريدة نيويورك تاميز يف هذا اجملال ( :أعط أي إنسان معلومات صحيحة ً معرضا للخطأ يف رأيه ثم اتركه وشأنه ،سيظل لبعض الوقت ولكن فرصة الصواب سوف تظل يف يده إىل األبد ،وأحجب املعلومات الصحيحة عن أي إنسان أو قدمها إليه مشوهة أو ناقصة أو حمشوة بالدعاية والزيف ،إذاً فقد دمرت كل جهاز تفكريه ونزلت به إىل ما دون مستوى اإلنسانية . 5).. قطع داب��ر املهاترات واحلمالت اإلعالميةالالذعة اليت تفرز مفردات مسمومة وجترميها، واإلنفتاح ً بدال من ذلك على القنوات احلوارية ال�تي من شأنها أن تسهل التالقح والتفاعل األخوي بينها ،وتبين مفردات احلوار والتعددية
واإلعرتاف باآلخر وإحرتام اخلصوصية احلزبية والفردية ،يف إطار ما يدعو إليه (فولتري) الذي يقول ( :قد أختلف معك يف الرأي ،ولكين على إستعداد أن أدفع حياتي ً مثنا كي تعرب عن رأيك حبرية . ).. تنقية اخلطاب الكردي من املفردات اليتتثري وتوحي بالدعوة إىل االنفصال و التجزئة والتقسيم وإق��ام��ة الكيان ال��ك��ردي املستقل، ً إنطالقا من كون ( :السياسة هي فن ممارسة واقعيا ال تنبأ ً ً راهنا املمكنات) ،واملمكنات احملددة – مع األسف – بتحقيق مثل هذه اهلواجس ولذلك طرح احلقوق والشعارات بشكل واضح يقطع الطريق أمام هذه اإلحياءات اليت تستغلها األنظمة الديكتاتورية لإلمعان يف إضطهاد الشعب الكردي وتذويبه . فرز اخلصم عن احلليف ،العدو عن الصديق،وجتنب اخللط بينهما ،واحل��رص على إب��راز ال��ت��ن��اق��ض ال��رئ��ي��س��ي ع��ل��ى ح��س��اب تهميش التناقضات الثانوية واجلانبية . العمل على طرح القضية الكردية يف كل جزءضمن إطار خصوصياتها وظروفها ،وبصيغتها املالئمة اليت تطرحها احلركة يف كل جزء ،بعيداً عن التطرف واملغاالة ،أو املساومة والتفريط، وحتديد أساليب النضال املعتمدة من أجل حلها مبفردات واضحة وصرحية بعيدة عن اهلالمية والغموض الذي حيتمل التأويالت املتناقضة والضارة والعمل على( :قول احلقيقة للجماهري مهما كانت ّ مرة وأليمة) ،كما يقول (لينني) . أن يتضمن هذا اخلطاب معاناة الشعب الكرديوطموحاته يف كل جزء ،عرباملفردات والصيغ اليت تالئم خصائصها ومبا يأخذ خصوصياتها
بعني اإلعتبار ،وحتقيق التعامل األخوي املتكافئ واإلحرتام املتبادل ،فإن ( :اإلعالم الذي ال يأخذ حاجات اجلماهري النفسية بعني اإلعتبار ،ينبذه اجلمهور بكل بساطة ،والناس إما أن يتجهوا إىل مصادر إعالمية أخرى ،وإما أن يكونوا إعالمهم اخلاص على شكل إشاعات ،6)..كما ال بد من تضمني هذا اخلطاب املوحد مفردات تلخص ضرورة احلوار ونبذ حالة التناحر واإلقتتال وحترميها . إبراز املفردات القومية على حساب املفرداتاليت متجد الروح احلزبية الضيقة ،مع إحرتام خصوصية كل حزب وشخصيته اإلعتبارية، ولكن على أن ال تطغى هذه احلزبية على اهلوية القومية بإعتبارها الفضاء النضالي األرحب لنضاهلا . تنقية اخلطاب الكردي من املفردات اليتتؤجج الصراعات األيديولوجية والطبقية والدينية والعشائرية ..اخل ،واإلنشغال ً بدال منها مبحاولة خلق منظومة من املفردات الفكرية ذات ط��اب��ع وط�ني وق��وم��ي ،وخ��ل��ق ال��ت��وازن واإلنسجام بينها. ال�ترك��ي��ز يف ه��ذا اخل��ط��اب على امل��ف��رداتال��دمي��ق��راط��ي��ة وال��ع��دال��ة وح��ق��وق اإلن��س��ان والشعوب ،وربط حل القضية الكردية يف كل جزء حبل مسألة الدميقراطية يف البلد املعين، ومن هنا ينبع ض��رورة تضمني هذا اخلطاب للمفردات اليت تعكس معاناة الشعوب املتعايشة والشعب الكردي ،وكذلك التضامن مع قضايا الشعوب املظلومة واملستعبدة يف العامل . أن يتضمن اخلطاب الكردي املفردات العامليةاليت أفرزتها الثورة اإلعالمية والتكنولوجيا
اهلائلة ،ومفردات العوملة كظاهرة تفرض نفسها على العامل ،وتقييمها وإبراز اجلوانب اإلجيابية فيها والوقوف يف وجه السلبيات النامجة عنها.. أن يرتجم الواقع املعاش يف اخلطاب الكرديمبفردات موضوعية سليمة تطرح صورته كما هو ،وتشخيص أمراض هذا الواقع وسبل جتاوزها ومعاجلتها وشحذ (املتلقي) لإلستقطاب حوله والتفاعل معه واملساهمة العملية يف حله ،والكف ع��ن ط��رح ه��ذا ال��واق��ع يف ق��وال��ب ج��ام��دة من املفردات القدمية اليت عفا عليها الزمن ومل تعد صاحلة للواقع الراهن ،وأن يأخذ هذا اخلطاب طبيعة ومزاج األوساط اليت يتوجه إليها هذا اخلطاب بعني اإلعتبار ،إذ أن املفردات املوجهة إىل الوسط الكردي ختتلف عن تلك املوجهة إىل الوسط الوطين . التحلي باملوضوعية واإلبتعاد عن إستخداممفردات التطرف والغرور واألنانية احلزبية، واألل��ف��اظ النابية أو القدح وال��ذم والتجريح والتشهري ،وعدم تكفري األخر املختلف ،وتنقية هذا اخلطاب من املفردات املضللة بأنواعها واليت يدفع ضريبتها الشعب الكردي بنفسه قبل اآلخرين وحماولة التضييق على اخلطاب املضاد وتصحيح الصورة الكردية ل��دى ال��رأي العام الوطين والعاملي . مع اإلح�ترام الشديد للكاريزمات الكردية،ّ إال أنه ّ البد من اإلبتعاد عن املبالغة واإلفراط يف ً أحيانا إىل حد التمجيد والتضخيم الذي يصل التملق واجملاملة ألن هذه املغاالة تنعكس عادة ً فضال عن بالضرر األكيد ،وتنقلب إىل الضد . أن املفردات املعربة عن هذه احلالة تأخذ حيزاً كبرياً من حجم اخلطاب مبا ال يتناسب مع 55
أقواس
أقواس
56
موضوعيته . أن يأخذ اخلطاب الكردي املنشود ،املفرداتالداعية إلي التنمية جبوانبها املختلفة بعني اإلعتبار ،وأن يتضمن امل��ف��ردات الداعية إىل مكافحة اجلهل والتخلف والالمباالة السياسية، ومكافحة ظاهرة اهلجرة واإلدمان والفساد .اخل . أن يتضمن املفردات املعربة عن كل فئة أوشرحية إجتماعية وطرح معاناتها (الشباب، امل��رأة ،)..وأن يفتح أب��واب هذا اخلطاب أمام شرحية املثقفني للمساهمة يف إغنائها وحتميله مفرداتهم الثقافية للخطاب اإلعالمي الكردي والسعي باجتاه نسج هذا اخلطاب الكردي الذي حيقق يف احملصلة النهائية التواصل الالزم مع اجلماهري الكردية والتفاعل معه . (خطاب التحالف والرؤية املشرتكة واملرجعية ،اإلتفاقيةاإلسرتاتيجي بني اوك و حدك)
اإلعالم والرأي العام الكردي يف سوريا ً سابقا مبثابة السلطة إذا كان يعد اإلع�لام الرابعة ،فإنه بات يشكل اليوم السلطة األوىل بدون منازع من حيث التأثري يف ال��رأي العام وتوجيهه ،وبات حيتل كذلك املرتبة اخلامسة من بني احلاجات اإلنسانية الضرورية بعد (املاء واهلواء والغذاء واملأوى) من حيث األهمية اليت باتت تشكلها هذه السلطة بالنسبة لتنمية اجملتمعات وتقدمها مبا يوازي القفزات النوعية أملذهلة اليت شهدتها العقود األخرية من القرن العشرين يف جمال تطور وسائل اإلعالم وخمتلف
ً قنوات اإلتصال اليت أحدثت انفجاراً إعالميا قرب املسافات الشاسعة بني البشر حتى باتت الكرة األرضية يف مدى مسع اإلنسان وبصره . وبتطور وسائله صار اإلعالم يلعب دوراً ً فتاكا يف بث الدعاية السياسية اليت يقول هتلر يف مدى خطورتها ما يلي ( :لقد أوصلتين الدعاية إىل احلكم وبالدعاية حافظنا على مراكزنا ،وبها سوف نستطيع أن نغزوا العامل كله) ،وهذا الدور الذي يلعبه اإلعالم يف التأثري يف الرأي العام هو الذي يفسر لنا توجه القائمني باالنقالبات يف العامل أول ما يتوجهون عادة إىل االستيالء على مباني اإلذاعة والتلفزيون ودور النشر .. واليوم وبعد ما يقارب العقد بعد املائة على صدور أول جريدة كردية باسم (كردستان) اليت تعد حبق أول انطالقة فعلية للصحافة املكتوبة يف التاريخ الكردي ،ال بد من وقفة ولو سريعة مع (الرأي العام الكردي يف سوريا) لالطالع على اجتاهاته واستقراء واقعه ومدى تفاعله مع هذا التطور اإلعالمي الكبري املتدفق إىل اجملتمع الكردي من كل اجلهات وعرب خمتلف القنوات والوسائل ،ونعتقد بأن أية حماولة جادة يف هذا اإلجتاه يستدعي التوقف عند هذه التساؤالت املشروعة اليت تطرح نفسها يف هذا اجملال ،واليت ميكن باإلجابة عنها أن خنرج بصورة صحيحة تعكس مالمح ال��رأي العام الكردي يف سوريا واجتاهاته السياسية : ما هي وسائل اإلع�لام املوجهة إىل • اجملتمع الكردي يف سوريا ومن ميتلكها ؟ . من املعلوم بأن وسائل اإلعالم احمللية املختلفة يف البال د هي وسائل رمسية تابعة للدولة بشكل مطلق وتعكس ً طبعا خطابها السياسي الرمسي
وغري السياسي دون أن ترتك أية فسحة للصوت الكردي يف سوريا كي يأخذ طريقه عربها إىل آذان اجلماهري . أما األحزاب والقوى الوطنية األخرى مبا فيها األحزاب الكردية ً أيضا فإنها تتابع نشر خطابها السياسي ع�بر إعالمها املقتصر فقط على الوسائل املقروءة حصراً وال�تي تصدر بشكل شبه علين ومن دون ترخيص قانوني حيميها ويصونها ،إضافة إىل استفادتها من صفحات األنرتنيت ً أيضا اليت توفرت هلا فيما بعد ،هذا إذا ما استثنينا منها صحافة األحزاب املنضوية حتت لواء (اجلبهة الوطنية التقدمية) واليت باتت منذ سنوات قليلة تصدر جرائدها بشكل علين ولكنها حمكومة كذلك بالضوابط الرمسية وملتزمة خبطاب السلطة يف موقفها من القضية الكردية يف سوريا البل يتخلف موقف البعض ً أحيانا -مع منها حتى عن موقف السلطة نفسها ً األسف الشديد -وإن بشكل نسيب طبعا ،ويعزى ذلك كما يعتقد لكون تلك الصحافة تطبع يف مطابع الدولة ً فضال عن أن خطابها هذا يعكس رؤيتها السياسية غري اإلجيابية بالذات من هذه القضية ،وكمثال على ذل��ك ال احلصر نذكر جريدة (النور) اليت يصدرها احلزب الشيوعي السوري /جناح يوسف فيصل ،اليت نشرت نص املقابلة اليت أجرتها قناة (اجلزيرة) مع رئيس اجلمهورية الدكتور بشار األسد يف أعقاب أحدث القامشلي اليت اندلعت يف (،)2004/3/12 والذي تطرق فيها إىل الشأن الكردي يف سوريا على خلفية ه��ذه األح����داث ،وح��دد موقفه بشكل إجيابي وجرئ من األك��راد وأعترب بأن: (القومية الكردية هي جزء من النسيج السوري
ومن التاريخ السوري) ،وقد بثت املقابلة كاملة يف الكثري من وسائل اإلعالم العاملية واحمللية، الرمسية منها وغري الرمسية ،ولكن الغريب إن (نور) بادرت إىل نشر املقابلة بعد أن اقتطعت هذه الفقرة اخلاصة باألكراد كاملة منها ،األمر ً امتعاضا لدى ال��رأي العام الكردي ال��ذي ترك ً وسبب كذلك حرجا كبريا ألعضاء ذاك احلزب وخاصة األكراد منهم .. أما إعالم القوى الوطنية والدميقراطية خارج ً السلطة ،فقد بدأ ً فشيئا يتفاعل مع هذه شيئا القضية ويعكسها يف خطابه بشكل إجيابي على الرغم من ختلف وسائل نشره وضيق دائرة توزيعه ،ومن هذه القوى نذكر التجمع الوطين الدميقراطي ،جلان إحياء اجملتمع املدني ،جلان حقوق اإلن��س��ان ،وال�تي تبث خطابها بشكل رئيسي عرب صفحات األنرتنيت وال�تي صارت دائ��رة ال بأس بها من اجملتمع الكردي تتابع هذا اخلطاب بشغف كونه يعكس تنامي دائرة االهتمام واالستقطاب يف الوسط الوطين حول املسألة الكردية ال�تي باتت إح��دى القواسم الوطنية املشرتكة للجنة التأسيسية للدفاع عن احلريات األساسية وحقوق اإلنسان يف سوريا واليت تشكلت مطلع عام 2005/بني فصائل احلركة الكردية وخمتلف القوى والفعاليات العربية يف سوريا . أم��ا احل��رك��ة السياسية الكردية يف سوريا، وبالرغم من الصعوبات والعقبات اليت اعرتضتها إال إن��ه��ا ب���ادرت وم��ن��ذ انطالقتها يف أواس��ط اخلمسينيات من القرن العشرين إىل التأسيس لصحافتها وإن بشكلها البدائي واعتمدتها إىل جانب الوسائل الكالسيكية األخرى كالـ (ندوات، 57
أقواس
أقواس
58
وفود ،لقاءات ،)..منطلقة يف ذلك من إمكانياتها الذاتية الشحيحة بالطبع ،وهي ما تزال تواظب إىل جانب الفعاليات الثقافية األخرى على إصدار مطبوعاتها وبإمكاناتها البسيطة وتتابع عقد الندوات اجلماهريية كأجنع السبل املتاحة هلا يف ظل ظ��روف االنفتاح النسيب جتاه األك��راد لالتصال املباشر م��ع مجاهريها والتفاعل معها مستثمرة ً اهلامش الدميقراطي النسيب املتوفر و متكنت بهذا الشكل تأمني التواصل مع مجاهريها وتعبئتها خبطابها السياسي إىل حد مقبول بالرغم من إغ��راق هذا اخلطاب حتى وقت قريب يف دوامة املهاترات واحلروب الكالمية والصراعات اهلامشية بني أط��راف احلركة ،وقد ختلفت كثرياً عن نقل هذا اخلطاب إىل الساحة الوطنية والعاملية إذا ما استثنينا بعض املبادرات احلزبية الفردية يف هذا اجملال . ً كما ص��ار اجملتمع الكردي مؤخراً مفتوحا على األقنية الفضائية وحمطات اإلذاعة العاملية اليت يتم استقباهلا عن طريق أجهزة الراديو والتلفزيون والساتاليت اليت تنتشر يف الوسط الكردي بشكل ملفت رغم تكاليفها الباهظة، وقد اكتسبت اإلذاعتني الربيطانية واألمريكية مصداقية كبرية وسجلت ح��ض��وراً ه��ام ً��ا يف الوسط الكردي خالل سنوات القرن املنصرم مقارنة مع وسائل اإلعالم العاملية األخرى اليت جتاهلت وبشكل مطبق القضية الكردستانية ناهيك عن الكردية يف سوريا ومن بينها إعالم ً صديقا املعسكر االش�تراك��ي ال��ذي ك��ان يعترب مفرتضا للشعب الكردي ،وال ميكن إال أن نذكر ما بثته إذاعة أملانية الشرقية يف أواخر الستينات بأن احلكومة األملانية تدين أعمال الشغب اليت
يقوم بها املخربني ال��ذي��ن يعيقون تطبيق ً تعليقا اخلطوات االشرتاكية يف سوريا ،..وذلك على االحتجاجات الكردية يف اجلزيرة على املشروع العنصري اليت أقدمت على تطبيقه السلطة احلاكمة آنذاك بإسم (مزارع الدولة)، واليت أقدمت مبوجب هذا املشروع على نزع يد الفالحني الكرد من أراضيهم الزراعية يف الشريط الذي صار يعرف بـ (احل��زام العربي) املمتد من (عني دي��وار) وحتى سري كانية (رأس العني) ً غربا ،بطول ( )275كم وعرض ( )15كم ،وهي من أخصب األراضي الزراعية اليت مت توزيعها على فالحني عرب استقدمتهم الدولة فيما بعد من حمافظيت حلب و الرقة و أسكنتهم فيها . ً ومن اجلدير ذكره يف هذا اجملال أيضا ،هو أن القنوات الفضائية واألرضية الكردية KURD- .. sat) ‘-tv KURDISTAN ’ROJ-tv (واإلذاع���ات الكردية (ص��وت شعب كردستان و صوت كردستان العراق ،والقسم الكردي يف صوت أمريكا ،)..قد سجلت خالل العقدين ً األخريين حضوراً واسعا بني اجلماهري الكردية يف سوريا من حيث املتابعة واالهتمام وهي تعود يف ملكيتها لألحزاب الكردستانية ،وختتلف سياسة هذه القنوات اإلعالمية حبسب سياسة األحزاب املشرفة عليها واجلهات املالكة هلا ،ومن هنا كثرياً ما استخدم بعض هذه القنوات بعكس ما تقتضيه مصلحة الشعب الكردي يف سوريا ومنها ما لعبت دوراً خطرياً يف تشجيع الظواهر الضارة باحلركة الكردية من جهة تقزيم دورها وتشجيع الصراعات وإس��ل��وب املهاترات بني صفوفها وبث روح التبعية وترويج الشعارات
املتطرفة والرباقة اليت ال تنسجم وخصوصية احلركة يف سوريا ... • ما اخلطاب السياسي ال��ذي تنقله هذه الوسائل إىل اجملتمع الكردي ؟. إن اخلطاب السياسي ال��ذي تعكسه وسائل اإلعالمية الرمسية يتجاهل ك��ل م��ا يتعلق باألنباء الكردية والكردستانية ،ويتجنب حتى ً أحيانا . ذكر كلمة (كردي) إال يف اإلطار العام أم��ا اخل��ط��اب السياسي ال��ذي يصل الوسط الكردي يف سوريا عرب القنوات العاملية ،فإنه بدأ، وخاصة بعد انتهاء احلرب الباردة ،يلعب دوراً ً إجيابيا يف تغذية الرأي العام الكردي يف سوريا وتزويده باألخبار اآلنية الساخنة عن الكثري من األح��داث والقضايا الكردستانية ،إال أنه مع األسف مل يغطي بعد املعاناة اليومية اليت يعيشها الشعب الكردي يف سوريا من اضطهاد وقمع وسياسات عنصرية ومشاريع استثنائية كما جيب ،وأن هذا اخلطاب مل يتطرق وحتى وقت قريب جداً إىل القضية الكردية يف سوريا إال نادراً وحبذر شديد .. وكذا األمر مع القنوات اإلعالمية الكردستانية ال�تي حت��اول بعضها جر ال��رأي العام الكردي يف سوريا إىل جانب صراعاتها الذاتية على ح��س��اب تقزيم ص���ورة احل��رك��ة ال��ك��ردي��ة يف سوريا وتغييب شخصيتها اإلعتبارية وجتاهل خصائصها القومية املميزة ،وساهم هذا اخلطاب الكردستاني وإن بشكل متفاوت بني طرف كردستاني وآخر ،يف نقل الكثري من السلبيات واألخطاء إىل الساحة الكردية يف سوريا .. ولكن اخلطاب السياسي الكردي الذي اعتمدته احلركة الكردية يف سوريا ونقلته عرب صحافتها
لعب دوراً مميزاً يف إب��راز القضية الكردية يف سوريا ،وإن بشكل بطئ ومتواضع ،و توجيه الرأي العام الكردي يف سوريا حنو االلتزام بقضاياه القومية والوطنية ،وأكتسب ه��ذا اخلطاب مقوماته املوضوعية أكثر بعد أن اجتمعت األطراف الرئيسية للحركة الكردية يف سوريا يف إطاري التحالف الدميقراطي الكردي ،واجلبهة الدميقراطية الكردية ،القائمني واللذين باتا يضمان أغلب األحزاب الكردية املتواجدة على الساحة الكردية ،واللذين ساهما بفعالية كل يف توحيد خطاب األحزاب املنضوية حتت لوائه، وخاصة فيما يتعلق باملسألة الكردية يف سوريا، ً واضحا ويتلخص جوهر هذا اخلطاب الذي طرح ً وصرحيا ،يف االلتزام بالقضايا القومية والوطنية املصريية ،ورفض واقع الظلم واإلضطهاد الذي مارسته ومتارسه السلطات املتعاقبة على دست احلكم يف البالد حبق الشعب الكردي ،والدعوة إىل تأمني حقوقهم القومية (السياسية والثقافية واإلجتماعية) وذلك يف ظل جمتمع دميقراطي تعددي تسوده احلرية وامل��س��اواة وبعيداً عن مظاهر التفرقة والتمييز ،وق��د أثبت هذا اخلطاب الواقعي واملتزن جدارته يف التعبري الدقيق عن معاناة الشعب الكردي ،وكان الصوت الصادق الذي نقل آالمه وطموحاته إىل اجلهات احمللية والعاملية املعنية ،وساهم يف تعريف الوسط الوطين غري الكردي بعدالة هذه القضية الوطنية بامتياز ،اليت ختص ج��زءاً ً هاما من النسيج السوري وجتاوز بذلك حلقته الضيقة ً سابقا واليت كانت تقتصر اليت كان يبث فيها على األعضاء واملؤيدين للحركة ،وتوسعت دائرة توزيع هذا اخلطاب ليشمل األوس��اط الشعبية 59
أقواس
أقواس
60
األخ��رى يف البالد ،وبهذا املنطق السليم لعب دوراً ً هاما ومؤثراً يف بناء الوعي القومي للشعب الكردي يف سوريا وتنمية شعوره خبصائصه ومقوماته ،وساهم يف تعريف األوساط األخرى بعدالة قضيته عرب فضح االتهامات والدعايات الكثرية الباطلة اليت أثريت حول الشعب الكردي وحم���اوالت التشكيك يف طموحاته وأه��داف��ه والتنكر لوجوده القومي ،وكانت الصحافة هي الوسيلة األساسية إىل جانب الندوات اجلماهريية اليت استطاعت احلركة الكردية يف سوريا أن تستخدمها بإجيابية يف خدمة نضاهلا القومي ً حمروما من فرص امتالك الوسائل بينما ظل األخ��رى بسبب شكل النضال السياسي الذي متليه خصائص احلركة يف هذا اجلزء مقارنة مع خصائصها يف األج��زاء األخرى اليت تعتمد األشكال املختلفة من النضال .. م��ا مستوى ال��وع��ي اجل��م��اه�يري يف • هذا اجملتمع ال��ذي يستقبل مثل هذا التدفق اإلعالمي املكثف ؟. ال شك أن اجملتمع الكردي يعاني كافة أشكال اجلهل والتخلف واحل��رم��ان بسبب السياسات واملشاريع االستثنائية العنصرية املطبقة حبقه منذ عقود طويلة ،األمر الذي هيأ تربة خصبة لنمو وانتشار الكثري من الظواهر السلبية كاإلشاعة والدعايات املضادة ال�تي تهدف إىل بث روح اليأس واإلحباط بني صفوف اجملتمع الكردي يف الوقت الذي ظل فيه اإلعالم الكردي ً يسري سرياً سلحفاتيا يف سباق ال تنام فيه األرانب، كما يقال ،وبقي خطابه ال يسمع إال يف دائرة ضيقة جداً ،خاصة وأن نضال الشعب الكردي يف سوريا ال يعتمد غري النضال السلمي الدميقراطي
مقارنة مع األج��زاء األخرى اليت متتلك حتى اخليارات العسكرية والنضال املسلح ً أيضا ،وكما هو معلوم فإن صوت الرصاصة بالنسبة للرأي العام يكون أعلى من صوت القلم كما يقال يف جمال اإلعالم والدعاية السياسية ،األمر الذي عرقل النضال من أجل بلورة رأي عام كردي يلتزم باخلطاب السياسي الواقعي الذي أفرزته التجربة املريرة لنضال احلركة الكردية وبفضل تصميم قيادتها النابع من انعدام اخليارات األخرى سوى اخليار السياسي فأبدعت يف هذا الشكل من النضال الدميقراطي مثلما يبدع الضرير يف جمال تنمية حاسة السمع والدقة يف متييز األشياء بالسمع ومن خالل األصوات فقط، وهكذا أبدعت قيادة احلركة الكردية يف سوريا ومنذ تأسيسها يف انتهاج برنامج سياسي واقعي يأخذ واقع الشعب الكردي وخصائصه القومية بعني اإلعتبار ،وقد طرح هذا الربنامج عرب خطاب واضح ومفهوم حيمل بني طياته بذور ثقافة قومية دميقراطية بعيدة عن اإلنعزالية والتطرف ،حتى بدأ هذا اخلطاب يأخذ مكانه يف اجملتمع الكردي ويستقر يف وعي مجاهريه وإن ً بشكل بطيء وحصنتها ً فشيئا يف مواجهة شيئا الغزوات الثقافية واإلعالمية املسمومة اليت تبث إليه عرب القنوات املضادة من كل حدب وصوب . وم��ع ذل��ك الزال الوعي اجلماهريي الكردي ً مباليا به يف سوريا غري مشجع إلعالمه وال مع األس��ف الشديد ،وال ت��زال عملية البحث عن القراء يف الوسط الكردي يف سوريا الذين يتابعون املنشورات الكردية ويقرءونها باهتمام ً صعبا ج��داً ،وه��ي والش��ك مفارقة ال وجدية
تتناسب ومستوى الوعي السياسي الذي ميتلكه الشعب الكردي يف سوريا مقارنة مع وعي هذا الشعب يف األجزاء األخرى والذي مل يتسنى له تنمية وعيه السياسي كما جيب سوى النخبة السياسية منه فقط ،وذل��ك بسبب االنشغال بالكفاح املسلح لسنوات طويلة ،وهذا اإلحجام عن متابعة اإلع�لام الكردي يف سوريا له بكل تأكيد أسبابه املوضوعية والذاتية ،فإن اجلماهري منشغلة بوضعها املعاشي الصعب إىل حد الشلل بسبب سياسات القمع واجل��وع واحلرمان من ف��رص العمل والعيش الكريم ،إىل جانب إن القنوات اإلعالمية األخ��رى تنافس اإلع�لام الكردي التابع بأغلبيته لألحزاب الكردية يف سوريا وال��ذي يعتمد تقنية قدمية جداً يف جمال ما يسمى بصناعة اخلرب ونقله وتوزيعه أو إيصاله إىل اجلماهري يف حينه وقبل فوات اآلوان إذ ال يصل اخلرب واملعلومة إال بعد فوات األوان عادة ،وتصدر النشرات السياسية الكردية ً زمنيا وغري منتظم تتجاوز عادة بشكل متباعد الشهر باستثناء اجلريدة املركزية اليت يصدرها احلزب الدميقراطي التقدمي الكردي يف سوريا ً دوريا بشكل نصف الـ (دميقراطي) اليت تصدر شهري منتظم ،كما إن معظم الكوادر اإلعالمية اليت تعمل يف صحافة احلركة الكردية يف سوريا هي من كوادر حزبية برزت بإمكاناتها الذاتية وبتجربتها العملية يف صفوف التنظيمات دون ً أكادمييا إال يف حاالت نادرة، أن تكون متخصصة وهي غري متفرغة لعملها اإلعالمي ،بل جتمع بني مهام عديدة ،تنظيمية وسياسية ووظيفية ..اخل ،وتعمل هذه الكوادر كجنود جمهولني ً فضال عن الصعوبات اليت يف هذا امليدان ،هذا
تفرزها اهلوامش الدميقراطية الضيقة اليت تعمل فيها الصحافة الكردية و تتسبب يف اإلبقاء على الصحافة الكردية متخلفة ً ً ومضمونا شكال ً وكذلك انتشاراً وتوزيعا .. ورغ��م ه��ذه الصعوبات اجلمة ،ف��إن إعالمنا الكردي (صحافة ،ندوات ،)..يقوم بدور غري بسيط يف املساهمة يف تنمية الوعي القومي لدى شعبنا الكردي يف سوريا ،وبلورة رأيه العام امللتزم بقضيته القومية والوطنية ،والصمود يف وجه احلمالت الدعائية املضادة واملضللة ،وقد جتلى هذا الدور يف التفاف الرأي العام الكردي خلف حركته السياسية يف حمطات عديدة هامة كانت آخرها أحداث الثاني عشر من آذار عام 2004/اليت بدأت يف القامشلي ،وما تالها من تداعيات ،عندما أبدت اجلماهري الكردية ومبختلف شرائحها وفعالياتها التزامها العالي باملوقف السياسي الذي أبدته احلركة الكردية عرب خطاب سياسي موحد حتت اسم (جمموع األحزاب الكردية) ،وأبدى الرأي العام الكردي يف ً ً سوريا ً متقدما عندما نبذ املواقف سياسيا وعيا احملرضة واإلنعزالية وامل��زاودة اليت بثت إليه من وسائل إعالمية عديدة رأت يف تلك األحداث (إنتفاضة) البد من تأجيجها واستمراها ،وقد لعب األنرتنيت دوراً خطرياً يف هذا اجملال حيث مت استغالله من قبل خصوم الشعب الكردي والذين ال يريدون اخلري له للتحريض والتضليل على احلقائق وتوريط الكرد مبا مل يرتكبوه من أعمال ال مسؤولة وحتميلهم ما مل يرتكبوه من تصرفات ال مسؤولة ،األمر الذي ساهم يف خلق الكثري من البلبلة والتشويش على الصورة الكردية أمام الرأي العام الوطين والعاملي . 61
أقواس
أقواس
62
وأخرياً ما هي اآلمال ؟. • احلقيقة إن اآلم���ال م��ا زال��ت معقودة على احلركة الكردية يف سوريا بروافدها األساسية م��ن األح����زاب وم��ن الفعاليات اجلماهريية والثقافية للتكاتف والتعاون ً معا لالرتقاء ً حسما بهذا السالح النضالي اهلام ليكون أكثر يف بناء وتوجيه ال��رأي العام الكردي ال��ذي ما ً مشوبا بشيء من التشتت والفوضى وعدم زال االستقرار ،والعمل من أجل دفع اإلعالم الكردي حنو األم��ام سواء يف جمال تطوير آلية إصداره من حيث الشكل واملضمون ومبا هو ممكن أو من حيث إعادة صياغة خطابه السياسي الذي ظل لوقت طويل يف مهب املهاترات احلزبية و الشعارات الرباقة (الكردستانية واملاركسية )..غري املنسجمة مع طبيعة النضال الكردي يف سوريا ،وصياغته مبا ينسجم مع املتغريات والتطورات (الدولية واإلقليمية واحمللية) وبشكل يعكس التوازن بني بعدي نضال الشعب ال��ك��ردي يف س��وري��ا (ال��وط�ني والقومي) ،وأن تفتح األح��زاب منابرها اإلعالمية املوجودة ب��دون ت��ردد أم��ام املثقفني والكتاب والكوادر اإلعالمية املتخصصة املستقلة لتعرب حبرية عن أفكارها وآرائها ومواقفها للجماهري ،وأن ال يقف املثقفون كذلك متفرجني خلف واجهة املبالغة يف معاداة األطر التنظيمية واحلزبية الكردية جلعلها مشاعة يعلقون عليها مشاكلهم ونقاط ضعفهم اليت بدت وبعد انتشار األنرتنيت بأنها ليست قليلة ،بل رمبا جتاوزت ما تعانيه أطراف احلركة نفسها من مشاكل مع األسف .. ً والبد أن يكون دور اجلماهري حامسا يف دفع املسرية اإلعالمية حنو األمام وذلك بعدم الرتدد يف
فتح القنوات معها إلشراكها يف نسج هذا اخلطاب وتأمني اآللية الالزمة للنضال من أجل نشره ونقله إىل الوسطني الكردي والوطين ،ولعل جتربة اجمللس العام يف التحالف الدميقراطي الكردي يف سوريا تعكس هذا التوجه النبيل بشكل جيد ،حيث يشارك الوطنيني الكرد ً تقريبا املستقلني يف قيادة التحالف بنسبة تعادل نسبة متثيل األحزاب يف هذا اجمللس وقراراتهم السياسية تكون ملزمة ألحزاب التحالف . وإن بذل اجلهود يف هذا اإلجتاه الشك سيفتح اآلف��اق أم��ام اإلع�لام ال��ك��ردي يف سوريا الذي يعاني ما يعانيه من مشاكل وصعوبات تفوق إمكانات احلركة لوحدها ،وقد أثبتت التجربة بأن اإلعالم ال ميكن أن تكتمل دورته النضالية بدون تضافر هذه احللقات األساسية يف إعداد اخلطاب ونشره ونقله وتوزيعه وتقاسم اجلميع هلموم تغطية تكاليفه مع حركتهم السياسية، عندئذ ستكون وكما يقول املثل :األفعال أعلى و ٍ ً صوتا من األقوال يف هذا اجملال .
أقواس أ .م .د .رعد عبدالجليل مصطفى و د .حسام الدين عيل مجيد
منوذج الدولة -األمة التقليدي يف مواجه ِة أز َمتَي االندماج والهوية
63
أقواس
أقواس
64
ُيعد حتقيق االندماج بني املكونات الثقافية مبثابة الغاية األهم يف مشروع بناء الدولة– االمة حبيث جتري عمليات االندماج يف َّ شتى ُص�� ُع ِ��د ال��دول��ة وهياكلها ،فهي تستهدف بناء كيان سياسي جديد يتمايز عن كافة الكيانات ٍ ٌ ِّ واجلماعات املكونة له فهو كيان مشرتك من حيث شعور االف��راد واجلماعات َ جتاه ُه ِّ حب ِس مبعنى آخرَّ ،أن الدولة هي َم ْن املُقاسمَ ة واملشاركة ً يعمل على توليد الشعور لدى اعضائها بكونها ٌ استمراريته مشرتك عام يقتضي احلفاظ على ِ جهة اخرى بغية دوام اجملتمع بأسر ِه وم��ن ٍ ً تغدو الدولة ً وحداته مشرتكا بالنسبة اىل كيانا ِ االدارية الداخلية من حيث تنظيمها وكيفية ادارتها والتعامل معها ومثل هذا الوالء املشرتك والتنظيم العام ملكونات الدولة الثقافية منها واالدارية إنمَّ ا ينبعث نتيجة العمل مبشروع بناء الدولة – االمة. َ إزالة الغموض من من هنا تأتي أهمية حماولة ِ ِ ُ الدراسات الراهنة واليت وضعها البحث ن ْص َب خبصوص أزيَمَ�َت� االندماج واهلوية ،من عينه ِ ِ َّ َ حيث تعاملها مع هاتني األزمتني على أنهما األزمة عينها ْ جانب آخر هناك مَ��ن يتعامل معهما ومن ٍ باعتبارهما من املؤشرات السلبية اليت تدل بفعل تبلور نزعات على فشل الدولة وزواهل��ا ِ اإلنفالت من قبضة املركز ،اليت تنذر بإمكانية ��امل تشضي ع��امل ال��دول��ة – االم��ة و والدة ع ٍ ً جنبا اىل اهلويات الثقافية حبيث يرتافق ذلك جنب مع معاودة بروز فكرة بناء الدولة -االمة يف ِّ ظل العوملة وآلياتها السيما االتصالية منها واالقتصادية مثل هذا الوضع دفع بنا اىل اثارة
تساؤالت جوهرية تصب يف دائرة العالقة عدة ٍ ما بني االندماج واهلوية وبني مشروع بناء الدولة – االمة ،ومنها :ملاذا تتولد أزمة االندماج وكيف؟ وما عالقتها بأزمة اهلوية؟ وهل هما أزمتان متباينتان أم َّأنهما األزمة عينها وكيف؟ وما عالقتهما مبشروع بناء الدولة – االمة؟ وحنن يف سبيلنا لالجابة على هذه التساؤالت افرتضنا كون يَ أزمت االندماج واهلوية َ أزمتان ً خالفا للرأي القائل بكونهما أزمة متباينتان َّ واح��دة ،ألن كل أزم��ة منهما حت��دث يف سياق خمتلف عن االخر ويف الوقت نفسه تتقاسم كلتا االزمتني خاصية كونهما مؤشرين يدالن على النمو والتطور ال الضعف والشذوذ ،نظراً َّ ألنهما ينبثقان ً اصال يف ظل مشروع بناء الدولة – االمة ال هدمها وتشتمل ه��ذه ال��دراس��ة على ثالثة حم��اور حاولنا يف أُوالها تبيان مفهوم االندماج وماهية أزمة االندماج ثم عمدنا يف ثانيها اىل تسليط الضوء على كيفية ب��روز أزم��ة اهلوية وأوج ِ��ه اختالفها عن أزمة االندماج اما ُ ثالث احملاور فهو حماولة من أجل الكشف عن طبيعة َ أزم يَت االندماج واهلوية يف العامل الثالث وتبيان كيفية اختالفهما عن مثيلتها يف منوذج الدولة – االمة الغربية. ً أوال – االندماج و أزمة االندماج ُق َب َ يل الولوج يف موضوع االندماج ال َّب��د من حقيقة مفادها كون الناس حمكومون تأشري ٍ باإلختالف ،ومن َّ ثم االنقسام وفق ما خيتلفون أك��ان موضوع االختالف ً فيه ،س��واءاً َ دينا أم ً طائفة أم ِع ً رقا أم طبقة أم آيديولوجية وربمَّ ا أُخ��رى غريها واالنقسام كما التفتت والتحلل
قانون ثابت يف الكائنات واملخلوقات هو مبثابة ٍ حيكم اجملتمعات االنسانية وما ُ األ ُم��م وال��دولُ ْ اشتملت عليه ،وهي واالمرباطوريات بكل ما أدوات إقناع وإغرا ٍء وإكراه سوى ٍ كذلك تفعل ،من ٍ َ مصطنعة أُ َ كيانات موحد ٍة ريد هلا خلق وإدامة ٍ ومندمجِ ة يف سعيها حنو جت��اوز ذلك القانون احلديدي وحماولة االلتفاف عليه ،بغية حتقيق املصاحل اليت تستلزمها حياة اجملتمع السياسي وخنبة من الناس وهو يف التحليل األخري ُّ يص ُب ٍ يف حتقيق االستقرار االجتماعي واستمرار احلياة وعلى كل حالُ ،ي َّعد ذلك مبثابة التحدي الذي َيفر ُ ضه علينا وجودنا املختلف وكينونتنا ِ املتمايزة عن بعضنا البعض؛ إذ َّ حال من يف نا أن ٍ الصراع مع قوانني الوجود املفروضة علينا من دواخل أنفسنا بوصفنا َب َش َراً والسؤال الذي يفرض ُ نفسه يف هذا السياق يدور حول الكيفية ِ َّ لمَ َ تفرق وتشكيل كلٍّ اليت ميكن بها شتات ما َّ املنقسمة موحد من أُولئك االفراد واجلماعات ِ على نفسها؟ ودعونا نبدأ مبفهوم االندماج ،فما ُ مستوياته؟ يعنيه وما هي الذي ِ وألغراض مفهو ُم االندماج Integration ِ مجاعات مبثابة العملية ال�تي توحد البحث ٍ ِ ً ً متباينة عن بعضها ثقافيا واجتماعيا ،وذلك يف اطار وحد ٍة اقليمية واحدة ومن َّ هوية ثم انشاء ٍ اليه قومية جامعة( )1وهو يتفق مع يذهب ِ موريس دوفرجيهMaurice Duverger بوصفه لإلندماج َّ بأن ُه عملية توحد اجملتمع ِ ً ً جعله «مدينة» منسجمة قائمة على ومتيل اىل ِ ً َّ ّ ُ نظام يحَ ّ ُس اعضاء اجملتمع بأنه نظا ٌم حقا()2 حيث َي َ عم ُد االندماج اىل الدفع باجتاه بناء جمتمع ً ً وثقافيا من حيث قيام سياسيا سياسي متناغم
التطابق ما بني «الدولة» بوصفها وحدة سياسية جانب وبني «االمة» بوصفها وحدة ثقافية من ٍ َ ُ آخر سوف ُي ُ الدولة على اساس االندماج قيم تقديس النظام ومحايته ،حبيث يشعر املواطن لكونه ً أصال حينها بقوة نظام الدولة – االمة ِ ٌ قائم على اساس متاسك االنتماء الثقايف لألمة وقوة االنتماء السياسي للدولة ً إتفاق على وتبعا لذلك ،ميكن القول بوجود ٍ صياغة عملية االندماج وجعلها جتري يف أربعة سارات رئيسية وذلك حبسب ِسعة نطاق كل َم ٍ مسار والغاية املرجوة منه ،وهذه املسارات هي: االندماج القومي واالندماج االقليمي ،واالندماج بني النخبة والعوام ثم االندماج الق َيمي وميكن تبيان ٍّ كل منها على النحو اآلتي: 1االن����دم����اج ال���ق���وم���ي National :Integrationويشري حتديداً اىل قضية اجي��ا ِد ح ِّ ��س اهلوية القومية االقليمية اليت تهيمن على كل ما َيليها من ال��والءات الثانوية او ُتقصيها إقصاءاً فاالندماج ً وفقا هلذا املعنى، ً ً فرت ُ ُي َ ثقافيا جمتمع متنوع عموما وجود ض فيه ٍ حبيث تتميز فيه كل مجاعة بلغتها اخلاصة او غريها من اخلصائص الثقافية ُ وتعنى عملية االندماج يف هذا املسار مبشكلة كون الدولة نفسها وحدات سياسية مستقلة ومتمايزة تتشكل من ٍ اليت على اساسها يتباين سكانها بعضهم عن البعض اآلخر()3بعبار ٍة اخ��رى ،تشري عملية هوية ثقافية جامعة االندماج القومي اىل بناء ٍ ُّ وكل ما عداها يدخل يف إطار اهلويات الفرعية عينه ،تكشف اليت ختضع لتلك اهلوية ويف الوقت ِ تطورت ه��ذه العملية عن س�ي�رور ٍة تارخيية ِ إمارات وممالك جمموعة الدولة يف سياقها من ٍ ِ 65
أقواس
أقواس
66
صغرية ومتمايزة ،حبيث َّ متك َن املركز مبرور ً مجيعا إخضاعها آليات معينة من ِ الزمن وبفعل ٍ هليمنته وجعلها تتكامل مع بعضها البعض. ِ 2االن���دم���اج االق��ل��ي��م��ي Territorial :Integrationويعين انشاء سلطة مركزية قومية تعلو على ّ شتى االقاليم وال��وح��دات ال�تي ق��د ت��ت��واج��د فيها مج��اع��ات متباينة ً ً اجتماعيا ،والتعامل معها على اساس ثقافيا او مبعنى آخ��ر ،العمل على حتويل املساواة()4 ً االطراف ِلوالءاتهم ومطاحمهم وسائر أنشطتهم بسلطان على كافة حنو املركز ال��ذي يتمتع ٍ مجاعات و وحدات فتغدو حمصلة مكوناته ٍ ِ ً جمتمع سياسي جديد ذلك متجسدة يف قيام ٍ يعلو على خمتلف اجلماعات والكيانات املوجودة من ذي قبل حبيث تصبح خصائص املركز ُ وهويت ُه الثقافية هي الغالبة على خصائص االطراف وهوياتهم ٌّ كل على حدة( )5ويف سبيل استمرارية هذه اهليمنة يعمد املركز اىل انتهاج املَ َأس َسة ،Institutionalizationبعد ُ ينتهج سياسة القوة والتمييز العرقي ْأن كان تعامله مع االطراف فاملَ َأس َسة تؤدي والثقايف يف ِ ً عمليا اىل تنمية فاعلية الدولة من خالل توزيع املهام والتخصص الوظيفي ،من حيث إستحداث بشكل مستمر حتى تتفاعل هياكل تنظيمية ٍ بدورها مع التغيريات االجتماعية واالقتصادية كس ُب الدولة ثم تستوعبها على النحو الذي ُي ِ جهة أُخرى تغدو املأسسة حالة االستقرار ومن ٍ ً متجسدة يف االمناط التنظيمية أو االجرائية اليت يتم فيها الفصل بني شخص املسؤول وبني املركز الوظيفي املوكول اليه ،واالحتكام اىل معايري حمددة وثابتة يف التعامل مع املطالب
واحل��اج��ات املتنوعة وامل��ت��زاي��دة فحينما ال ترى كل مجاعة يف غريها من اجلماعات سوى كونها عد ّوة رئيسة هلا ،فسيكون من الصعوبة مبكان احلفاظ على استمرارية وجود اجملتمع السياسي ،اال اذا برز تغي ٌري ملحوظ يف زاوية نظر هذه اجلماعات جتاه بعضها البعض وهو ما ميكن ُ وحتققه من منظور املركز به املأسسة ْأن َت ِع َد ِ على االقل (.)6 Elite- E 3 :Mass Integrationوت��ش�ير عملية االندماج هذه اىل اجياد عالقة الثقة بني احلكام واحملكومني على النحو الذي يتم فيه ردم ُ اهل ّوة القائمة بني اجلانبني ذات الصلة باختالفاتهما البينة يف املطامح والقيم فهذه ُ ِّ اهل ّوة قد تكون ً سكان غري فاعلني جمتمع كبرية يف مكون من ٍ ٍ ٍ ساعية اىل التحديث أو َّأن تلك اهلوة قد وخنبة ٍ ٍ ً تبقى ثابتة السعة نسبيا يف حال كانت العالقة اعاقة ب�ين خاصة ال��ن��اس وعوامهم عالقة ٍ وتثبيط متبادل حبيث يعمد ال َعوام اىل تنظيم انفسهم والعناية مبمارسة التأثري ،بينما تسعى النخبة باملقابل اىل انتهاج االك��راه او االقناع بهدف السيطرة على ال��عَ��وام حينها ستغدو احلرب األهلية يف ظل ظروف الصراع تلك هي التعبري األمثل عن واقع االنقسام والتشتت(.) 7 4االندماج القيمي :Value Integration ويعين اجياد ٍّ حد أدنى من االمجاع على القيم وامل��ب��ادئ ال�لازم��ة بغية احلفاظ على النظام االجتماعي والسياسي وقد يشتمل هذا االمجاع العام على القيم العليا ذات الصلة بالعدالة وتقاسم وحتقيق الرفاه االقتصادي، واملساواة، ِ ِ ورم����وز قوميني واب��ط��ال م����وروث م��ش�ترك ٍ ٍ ٍ
ومبعنى آخر ،االتفاق على بيان ماهية الغايات ً االجتماعية املرغوبة منها وغري املرغوبة ،أو قارب اىل اجياد ٍّ حد أدنى َّأنه قد يشري يف ً معنى ُم ِ من االمج��اع على القيم اجلوهرية للمجتمع السياسي ،اىل جانب اج��راءات ووسائل حتقيق تلك القيم وكيفية تسوية اخلالفات يف حال نشوئها وضمن ه��ذا السياق حت��دي��داً يصبح ً منصبا على املعايري القانونية ،وكذلك االهتمام شرعية اطار العمل الدستوري واالجراءات اليت ينبغي العمل بها أي َّأن ُه يتم االتفاق على كيفية التصرف واالج��راءات املطلوبة لتحقيق القيم وااله��داف االجتماعية()8ويف كلتا احلالتني ً متاحة تعمل الدولة على جعل كامل مؤسساتها امام كافة اعضاء اجملتمع السياسي ،لإلخنراط فيها على ق��دم امل��س��اواة بغض النظر عن تفاوتاتهم الثقافية السيما من حيث املعتقد والعرق واألصل االجتماعيُ ،ب َ جمتمع غية انشاء ٍ دولة موحدة متمدن وموحد يقع ضمن سلطان ٍ (.)9 تضح مم��ا ت��ق��دم ،م��ي ُ��ل مفهوم «االن��دم��اج القومي» اىل االهتمام وخماطبة تلك العواطف واملشاعر الذاتية اليت ُي ِّك ُنها االفراد جتاه الدولة رغم تفاوت انتماءاتهم الثقافية واالجتماعية او تباين ال��وح��دات االداري����ة ال�تي يعيشون ً فيه مفهوم فيها تارخييا ،يف الوقت الذي ُيعبرِّ ُ ِ «االندماج االقليمي» عن تلك السيطرة املادية اليت ُ ُ وهويته الثقافية() 10 حكومة املركز حتوزها ثم ميكن القول َّ ومن َّ بأن االندماج القومي هو املصب العام الذي تنتهي اليه املسارات الثالثة ً عموما إذ َّأن االندماج القومي االخرى لالندماج سلطة مركزية ينبثق من تفاعل عمليات بناء ٍ
مهيمنة ،والتناغم بني النخبة السياسية والعوام من حيث وحدة املطامح والقيم ،ثم اجياد احلد االدنى من املعايري واالجراءات الكفيلة باحلفاظ على بقاء اجملتمع السياسي يف قيد الوجود َّ ومر ًة ُ وعملياته االربع أُخرى يعين ذلكَّ ،أن االندماج إنمَّ ا جتسد مشروع بناء الدولة – االمة بعينه وهو ما ُ بي ُ سن ِّ نه يف الشكل ( )1أدناه :
ً وخصوصا يف النماذج من الناحية النظرية تستهد ُف بناء الدولة -االمة ،سيعمل املركز اليت ِ َ عمليتني توزيع جهود ِه بصور ٍة هادفة على على ِ ُ َ َ رئيستني متكاملتني ،أوالهما هي العملية (أ) ذات املنحى االفقي وتعرف بتسمية «عملية تكوين الدولة »State-formationحيث َيعمد فيها املركز اىل بناء املؤسسات واهلياكل الالزمة للسيطرة على أطراف الدولة وذلك من خالل املسار االقليمي لالندماج ويف عني االجتاه يتم اجي��اد عالقة الثقة املتبادلة ما بني اعضاء هذا اجملتمع السياسي الوليد من خالل عملية االندماج بني النخبة السياسية وعوام الناس، ً ع��ادة ما بغية توفري عنصر االستقرار ال��ذي تتطلبها الدولة يف سائر أطوار بنائها والسيما يف سياق عملية تكوين الدولة وبصورة ُّ جد َّ ماسة أرضية ويف هذا السبيل يتم الشروع يف بناء ٍ مشرتكة من الغايات االجتماعية واج��راءات حتقيق تلك الغايات ،لكي تغدو يف جمملها مساراً 67
أقواس
أقواس
68
حلل وتسوية الصراعات اليت ً عادة ما تنبعث يف أثناء اجناز مشروع بناء الدولة – االمة وعملية ً خصوصا أم��ا ثانيتهما فهي تكوين ال��دول��ة العملية (ب) ذات املنحى العمودي واليت تأخذ تسمية «عملية بناء االمة »Nation-building ويتم فيها ص ُّ َ��ب الرتكيز على توليد عالقة االنتماء بني الفرد واقليم الدولة ،حبيث ُتذاب كل اهلويات الفرعية الثقافية منها واملناطقية ً تدرجييا اىل اجياد ِّ حس على النحو الذي يقود االنتماء الثقايف اجلامع جت��اه اقليم الدولة، ً عمليا الغاية أي والدة «االم���ة» وجيسد ذل��ك املستهدفة من مسار االندماج القومي َ وس َت ُص ُّب كلتا العمليتني (أ) و(ب) يف نهاية املطاف يف دائرة بناء «الدولة الواحدة ذات االمة واهلوية الواحدة» ،لتقوم بذلك وضعية التطابق بني «الدولة» و»االمة». يتضح من ذلك فكرة كون عمليات االندماج ٌ يَ عمليت تكوين الدولة وبناء موزعة على االربع ً َ ندر ُج مجيعا يف سياق العملية االم��ة ،حبيث ت ِ (أ) عدا االندماج القومي الذي يعمل يف سياق العملية (ب) ،اىل ال��درج��ة ال�تي ميكن القول بتطابقهما وسيثور التساؤل هنا عن موقع َ أزم يَت االندماج واهلوية ضمن دائرة العالقات يَ بني عمليت تكوين الدولة وبناء األمة؟ وكيف ستحدث هذه األزم��ات؟ ومل��اذا؟ غري َّأن ُ��ه قبل اإلجابة عن هذه التساؤالت ينبغي االشارة اىل حقيقة مهمة وهي َّأن أزمة االندماج تحُ ُ يط يف واقعنا احلالي ليس بالكيانات التارخيية؛ العروق واألثنيات والطوائف واألديان وما َ شاكل فحسب، بل هي تشتمل ً أيضا على نتائج التقسيمات اليت أحدثتها عمليات التحديث والتصنيع والتنمية
يف جوانبها املختلفة ،كما أضافت العوملة من جانبها ُبعداً َّ مشدداً آخر على هذه التمايزات والتباينات بني الكيانات اإلجتماعية املختلفة. هناك َم ْن يرى يف عملية االندماج ً شكال من أشكال التفاعل ال��ذي ال َي ِق ُف عند ِّ حد زوال ض فيه ً فرت ُ أسباب التنازع فحسب ،بل و ُي َ ايضا منو التضامن فعملية التوحيد يف هذا اجملال تعين إزال���ة ال��ص��راع��ات ال�تي ِّ تقسم اجملتمع ومت��زق أواص��ر ُه ولكن اجملتمع ال��ذي ال صراع حق ًا وإمنا هو ٌ فيه ليس مبجتمع إنساني ّ حالة طوبائية واذا م��ا افرتضنا وج��ود مثل هذا اجملتمع ً فعال فسيعين ذل��ك جم��رد ُّ جتم ٍع من بعض االف��راد ،أعضاؤ ُه مضافون بعضهم اىل ٍ ً اضافة تعسفية ومن ّ ثم تنعدم الصالت الفاعلة بني أفراد ِه( )11وربمَّ ا مثل هذا اجملتمع الذي إن توفر ًيخَ لو من الصراعات ميكن توفر ُه ْ فعال- يف حالة اجملتمعات التقليدية اليت تعيش على ْ َ تدخل مرحلة الدولة بعد ذلك َّ ألن الكفاف ومل ٌ جمتمعات بسيطة يف اجملتمعات التقليدية هي مبنية ً ٌ أصال عموم تركيبتها من حيث كونها على االنتماءات العرقية واالثنية والدينية، اشكال معقدة من فهي بذلك ليست يف حاجة اىل ٍ التنظيم السياسي واالجتماعي ومتى ما أمسى شتم ًال حبكم التغيري ُّأي جمتمع من هذا الفصيل ُم ِ ٍ مجاعات متباينة االنتماءات ً وقوى املنظم على ٍ فعندئذ سيكون خمتلفة املصاحل والتوجهات، ٍ من الصعوبة مبكان احلفاظ على استمرارية هذا اجملتمع وحتقيق صور ٍة من صور اإلمجاع فيه وقد دفع ذلك يف أواخر الستينات املاضية ببعض اعضاء «جلنة السياسة املقارنة التابعة جمللس حبوث علم االجتماع »CCPSSRC
يف الواليات املتحدة اىل اطالق تسمية «أزمات التنمية »Crises of Developmentعلى مثل هذه االوضاع اليت تتميز بها اجملتمعات يف طور التغري والتحول ،وهذه االزمات هي :أزمة اهلوية وأزم��ة التغلغل واملشاركة والشرعية، كذلك أزمة التوزيع وأزمة االندماج()12 ويف ضوء ما تقدم ،ميكن القول بكون أزمة االندماج تتمثل يف ضعف قدرة الدولة ونظامها املسارعة والتفاعل السياسي على االستجابة ِ َّ البناء مع تنوع اهلويات الفرعية وتفاوت املصاحل اجلماعية ،والذي ينجم يف االصل عن اخنراط الدولة ومؤسساتها يف خمتلف عمليات االندماج بهدف توحيد مكوناتها الثقافية والسياسية بعبار ٍة اخرىَّ ،إن قضية االندماج ُ صلة مبدى ذات ٍ إنتظام النظام السياسي واستقرار ِه ،من حيث روابط متفاعلة تنشأ ما كون االخري هو نظا ُم ٍ َ بين ُه وبني خمتلف اجلماعات واملصاحل الساعية مطالب معينة لدى النظام السياسي اىل حتقيق ٍ ذاته ومثال ذلك واقع حال دول العامل الثالث إذ ِ ً ً أننا جند طيفا واسعا من اهلويات الفرعية فيها إضافة اىل مجاعات املصاحل ،وهذه َّ ً قلما تتفاعل اساس من وحدة اهلوية القومية، يف ما بينها على ٍ هويات قومية يف لكون هذه الدول التزال ذوات ٍ طور البناء والتشييد ومن ثم تسعى كل هوية بتلبية فرعية فيها اىل مطالبة النظام السياسي ِ مطالبها بصور ٍة منفصلة عن اهلويات االخرى ومطالبهاَّ ، وكأن التلبية واشباع املطالب فحسب هو ما يشغل بال هذه املكونات الثقافية وجيمعها ال وحدة االنتماء اىل الدولة ويف مثل هذه البيئة التنافسية ينبغي على النظام السياسي ْأن ِّ يب َت يف كل ه��ذه املطالب املتباينة واملتصارعة يف
وقت واحد ،بالرغم من كون النظام الزال ً أصال ٍ هياكله السياسية يف املراحل االوىل من بنا ِء ِ ً واالدارية()13وتبعا لذلك ،تغدو أزمة االندماج ً متمثلة يف أزمة الدولة ،حيث َّأنها ال تنبعث اإل يف سياق عملية تكوين الدولة ولكون عمليات االندماج هي نفسها مشروع بناء الدولة – االمة السيما ذات الصلة منها باجياد البنى واملؤسسات ال�لازم��ة إلستمرارية عملية تكوين الدولة ُ تواجه ذاتها أي مبعنى َّأن النخبة السياسية نى جديدة لكي واقع ازدياد احلاجة اىل خلق ُب ً يتم من خالهلا التغلغل يف مكونات اجملتمع الوليد وادماجها مع بعضها البعض( )14وآية ِّ ستول ُد ذل��ك َّأن عملية تكوين ال��دول��ة ه��ذه مؤسسات جديدة ،مثل اجليش واجلهاز االداري ٍ ُ ً ِّ ُ َ دولة ونظام احلكم ،وهي تشكل مجيعا جهاز ٍ َّ فعال يسيطر على كامل اقليم الدولة بغية جمتمع سياسي منظم يتمتع بالقدرة اجي��اد ٍ وتبايناته الثقافية اجملتمع على استيعاب ِ ِ وعي مجعي واالجتماعية ،وينتهي اىل صياغة ٍ شعور باإلنتماء املشرتك ل��دى اف��راد ِه وخلق ٍ ( )15وهو ما يؤكد ُه روبرت غوتربغ Robert وصفه للدولة الفاشلة إطار ِ I Rotbergيف ِ Failed Stateبكونها الدولة اليت ال تستطيع ضبط حدودها والسيطرة عليها فالتعبري عن السلطة حمدود حبدود العاصمة (املركز) وبعض املناطق اليت تقطنها أثنيات معينة ربمَّ ا تدين ُّ ويضل خاصة بها ألسباب بالوالء هلذه السلطة ٍ ٍ املعيار احلاسم يف حتديد مدى إندماج الدولة ٌ مقرون مبدى اإلتساع اجلغرايف الذي وقوتها ُ وقواها(. )16 تطال ُه بسلطاتها ِ ً ُ بيانه ،ف َّ ��إن اخنفاض تأسيسا على ما تقدم 69
أقواس
أقواس
70
مستوى فاعلية املركز يف اجناز عملية تكوين ً ت��درجي��ي��ا اىل ض��ع��ف ال��ق��درة ال��دول��ة ي��ق��ود االستيعابية للدولة ال�لازم��ة للتجاوب مع االط��راف من حيث تنوع اجلماعات وتناميها جهة اخرى من جهة ،وتنامي مطالبها من ٍ اىل جانب ذل��ك ،ميكن القول بفكرة َّأن أزمة عام ًلة االندماج ستبقى قائمة ما بقيت الدولة ِ على تشكيل املؤسسات فعملية تكوين الدولة إمنا تغيريات عميقة يف تؤدي يف اجلوهر اىل إحداث ٍ ً فضال على البنية الثقافية البنية االجتماعية للدولة ،وذلك نتيجة اخنراط االفراد يف الوظائف اجلديدة االدارية منها والعسكرية والسياسية مهنية جديدة مجاعات باإلضافة اىل توليد ٍ ٍ وأُخ��رى الت��زال ترتقب االخن��راط يف مؤسسات ً مجلة الدولة ،وأُخرى غريها تعارض اإلخنراط ً وتفصيال ألسباب َ شتى دينية واجتماعية مثل ٍ هذا التغيري االجتماعي واالقتصادي يف البنية االجتماعية مل يكن موجوداً قبيل انشاء الدولة ً ً وبسيطا يف تقليديا حينما كان اجملتمع اليزال تكويناته ثم َّأن عمق ونطاق التغيري يشمل ِ ً ايضا البنية الثقافية للدولة وبصور ٍة جوهرية ً مجيعا اىل احداث تغيريات متتالية مما يفضي وشديدة تتجسد يف بناء جمتمع حديث كلياً وباحملصلة َّ فإن مثل هذا التغيري املنظم واهلادف ً عمليا ص��وب إح���داث أزم��ة ه��و ال���ذي ي��ق��ود االندماج. وما يؤكد ذل��كَّ ،أن التفاوتات يف املطالب ما بني النخبة السياسية يف املركز وبني اجلماعات ستكتسب مبرور الزمن الثقافية يف االط��راف ِ ً أهمية متزايدة ،وخباصة عندما مييل التنوع والتخصص يف هياكل وبنى النظام السياسي
ً حنو تدرجيي فاإلختالف ليغدو أكثر عمقا على ٍ يف املطالب ٌ قائم على فكرة كون النخبة السياسية َ تعمل على َمركز ِة السلطة واالمكانات احلكومية، بغية السيطرة على عملية تكوين الدولة ودفعها من َّ ثم حنو التغلغل يف إقليمها وجمتمعها بوصفه جزءاً مهماً وفق أغراض هذا التغلغل ِ من عملية تكوين الدولة يف مقابل ذلك ،تسعى ً عموما اىل التوسيع من نطاق اجلماعات الثقافية املشاركة السياسية وحتقيق العدالة واملساواة يف توزيع الثروات واملراكز الوظيفية على النحو ال��ذي يتمتع ب ِ��ه أقرانهم من أبناء االكثرية املهيمنة وبالتالي َّ فإن إستمرار املركز يف القيام وهياكله ثم بتنويع مؤسسات النظام السياسي ِ ً وظيفيا سيدفع حنو زيادة وعي زيادة ختصصها تلك اجلماعات بذواتها الثقافية ،والعمل على بلورة مطالبها لتتجاوز اجملال اخلاص اىل اجملال العام ً ْ بناءا على ذلك ،فسوا ٌء زادت فاعلية الدولة أو َ تناقصت َّ احلالتني فإن أزمة االندماج يف كلتا ً قائمة مع مالحظة َّأن الفارق سيكون ستبقى ألن هذه األزمة أساساً ً يف الدرجة ال النوع ،نظرا َّ ً ليست مؤشراً سلبيا على مستوى فاعلية الدولة ً ً ٌ مؤشر إجيابي على مدى نقصانا ،بل هي زيادة أو وحتديثه بعبار ٍة الراك ِد من اجملتمع ِ حتريك ِ أوضحَّ ،إن أزمة االندماج هي من العالمات َّ الدالة على كون الدولة هي يف طور النمو والتطور على الصعيد املؤسساتي وبالنتيجة َّ فإن عدم تعانيه الدولة يف هذا الطور االستقرار الذي ِ ُّ والتخصص يستوج ُب قيامها باملزيد من التنويع ِ يف هياكلها التنظيمية ،وعلى حنو يتناسب طردياً ٍ مع تزايد التنوع يف البنى الثقافية واالجتماعية
واالقتصادية ،بغية التمكن من إستيعاب مطالب اجلماعات املتنامية ومن َّ ثم ،ربمَّ ا ِّ يص ُح بذلك ٌ القول بكون أزمة االندماج هي أزمة متواصلة بقيت الدولة ومركزها يف قيد الوجود حبيث ما ِ ُّ سع الدولة اليت مت ُر بأزمة االندماج اال ليس يف ِو ِ العمل على مواصلة رفع قدراتها االستيعابية على ُ الص ُع ِد الوظيفية واالقتصادية والفكرية، لكي تتواكب مع تصاعد الضغوط واملطالب من َل ُد ِن خمتلف ِّ مكونات الدولة الثقافية. والدولة من خالل بناء املؤسسات وحتديثها توليد ِح ِّس االنتماء املشترَ ك ما إنمَّ ا تعمل على ِ بني ّ شتى اجلماعات الثقافية وذلك عرب إجتذاب اهلويات الفرعية ودفعها صوب االخن��راط يف تلك املؤسسات وتلبية مطا ِلبها بالشكل الي ً عموما بقوة الدولة املادية منها ُي ْش ِع ُر االفراد والفكرية ،وضرورة إستمرار وجودها إلشباع تلك املطالب واحلاجات ،ومن َّ ثم توليد ِح ِّس االن��ت��م��اء اىل ال��دول��ة ومؤسساتها م��ن حيث اعتبارها ُمشترََ ٌك عام كما َّأن استمرار وجودها ٌ واج���ب ع��ام وم��ق��دس ف��ال��دول��ة وم��ن خالل املَنحى االفقي لعملية تكوين الدولة يف الشكل ( )1إنمَّ ا تسعى اىل تنظيم الصراع االجتماعي واستقرار نظامها السياسي وبالتالي َّ فإن دوام َ بيئة مأس َسة الدولة ُيفضي اىل إمكانية والد ِة ٍ ُ من األلفة املتبادلة بني اجلماعات الثقافية وبني الدولة الناشئة وليس بالضرورة ْأن تكون ً التآلف هذ ِه ً سلمية فقط ،بل َّإنها قد بيئة بيئة ِ تشتمل ً عالقات اجتماعية سلمية أيضا على ٍ ِ َّ ُ ٌ وتنازعية يف ٍآن واحد ،غري أنها تنازع بناء ُّ يصب يف صاحل دوام وجود الدولة ال زواهلا حبيث َّأن الدولة ضمن إطار أزمة االندماج ستغدو ً عادة
مبثابة املشترََ ك الوحيد ذي القدرة على توحيد اجلماعات الثقافية على إخ��ت�لاف مطالبها وإنتماءاتها الفرعيةِ ،لكونها ببساطة حتتكر القوة واجلاذبية الفكرية اللتني جتعالنها ً مالكة للقدرة على إشباع املطالب واحلاجات س��واءاً ً مادية أم معنوية. كانت ُ َّ ِّ ُ ومما يؤيد هذا املنظور فكرة أن االهداف ال ُعليا للدولة ربمَّ ا ال ميكن حتقيقها دون قيام الدولة عينها بإجياد الوعي القومي والشعور العام باإلنتماء اليها يف ما بني أعضاء اجملتمع َف َت َك ُّو ُن عد ً هذا الوعي وذاك الشعور ُي ُ غاية جوهرية َ الدولة يساع َد ذلك بذاتها يتوجب بلوغها لكي ِ يف حتقيق أهدافها االخرى ،مثل األمن والرفاه فس ُر سبب كون ِق ْس ً والعدالة وربمَّ ا هذا ما ُي ِّ ما طبيعة مادية وقسرية من أركان الدولة هو ذي ٍ طبيعة بكونه ذي بينما القسم اآلخر منها يتميز ٍ ِ فكرية ونفسية بل َّأن جاك دونديو دوفابر Jacques Donnedieu De Vabres َ يذهب اىل القول َّ ُ قضية الدولة هي اىل ٍّ حد «بأن ٌ قضية نفسية ..إذ َّأن ُه من املستحيل تقديم كبري الدولة بوصفها ٌ كيان لإلكراه اخلارجي فحسب تشغ َل ً دون ْأن َ َ حماكم َتهم قطعا ضم َري األفراد أو العقلية وال غر َو َّأن مساهمتهم يف تصرفاتها ربمَّ ا ً الشعوريا وغ َري نافذ، يكون سيء التنظيم أو إنكماشهم كما تستند اال َّأن سلطتها تستند اىل ِ تصرفاتها اىل إنصياعهم» (. )17 ويف ضوء ما تقدم َط ْر ُح ُه ،ميكن القول بكون الدولة وع�بر عمليات االن��دم��اج بعينها ربمَّ ا تسعى اىل حماكاة اجلماعات التقليدية ،من حيث نوعية انسجامها الداخلي ومتاسك أعضائها وطبيعة عضوية الفرد فيها حبيث ُي��را ُد من 71
أقواس
أقواس
72
خالل ذلك لمِ واطين الدولة ْأن يكونوا أج��زاءاً من كيانها ومنصهرين فيها على النحو الذي ال ميكن الفصل بينها وبينهم َف ُهم بالتالي ال يمُ ُسون جمرد أفرا ٍد يعيشون يف َك َنفها ،بل َّأن كل قيمة خارج دائرة نفسه من ٍ فر ٍد منهم لن يجَ ِ َد ِل ِ ً عمليا يف عضوية الدولة وهذا هو حال الفرد اجملتمعات التقليدية ،ففيها ُ يبل ُغ إنصهار الفرد لعل ُه لن ُ درجة َّ ً يبلغها ً يوما فالبدائي يف اجلماعة ٌ غارق ً غرقا َّ ٌ عنصر من تام ًا يف اجلماعة اليت هو ً نفسه وجوداً عناصرها ،وهو ال َي َت َّ مستقال صو ُر ِل ِ نفسه عضواً فيها ال فرداً عن وجودها ،و ُيدر ُك ُ ِ َ ومهما ْ جمتمع بلغ من يكن من أم��ر ،فما من ٍ اإلندماج ما َب َل ُ غته هذه اجملتمعات البدائية حتى اآلن()18 ُ يَ ُ ومما يجَ د ُر أخذه باحلسبان يف حالت الدولة واجمل��ت��م��ع التقليدي ه��ات�ين ،ه��و تقامسهما خلاصية السعي احلثيث اىل تنمية التضامن االجتماعي بغية البقاء على قيد احلياة رغم َ احلالتني ،من حيث َّأن الدولة الفارق بني كلتا ٌ ساع اىل بلوغ أعلى مستويات التضامن هي كيان ٍ االجتماعي بإعتبار ِه ً غاية جوهرية بذاتها ،اال وتناقضات ��ات ٍ ّأن ُ��ه يواجه يف مسار ال ُبلوغ أزم ٍ شتى بينما اجملتمع البدائي قد َّ ّ حقق هذه الغاية عن غري سبيل املؤسسات والتحديث ،نظراً ّ ألنه ِ ً مل ْ حاجة اليها أصال وإمنا قد وصل اىل يكن يف ٍ غايته تلك إعتماداً على اإلنتماء الثقايف األصلي ِ أو العفوي ً وأوج��ه ثانيا – كيفية نشوء أزم��ة اهلوية ِ اختالفها عن أزمة االندماج يف املُستهل ينبغي االش���ارة اىل َّأن مفهوم أزمة اهلوية Identity Crisisقد أُ ُ قي ست َ
ُ إستخدام ُه يف األصل من علم النفس فهو ُيعنى ً عموما باألبعاد النفسية والفكرية ذات الصلة بشعور الفرد جتا َه عضوية الدولة اليت يعيش يف ظلها و ً وفقا ملنظور لوسيان باي Lucian ُ حتدث أزمة اهلوية يف سياق عملية W Pye جمتمع ما َّ ٌ بأن بناء االم��ة« ،وذل��ك حينما جيد َ ح���از ُه ومتتع به ذات ي��وم ،باعتبار ِه ما قد ً مالئما له بصور ٍة حتمية خبصوص تعريفات لذاته َ اجلمعية اجملتمع املادية منها واملعنوية ِ ْ تعريفات غري ،Collective Selfقد اضحت ِ مالئمة يف ظل الظروف التارخيية اجلديدة» ً مستوى َف ِلكي يستطيع النظام السياسي بلوغ ج��دي��د م��ن الفاعلية والس��ي��م��ا على صعيد القدرة على إح��داث التغيري ،س��واءاً من حيث نطاق أو شدة أو جوهر فاعلية النظام عينه، َّ ف��إن م��ن االهمية مبكان للمساهمني يف هذا النظام ْأن ُيعيدوا النظر يف تعريفهم ألنفسهم من حيث بيان ْ من هم؟ وكيف خيتلفون عن غريهم من املشاركني يف االنظمة السياسية واالجتماعية االخرى؟( )19فإعتقاد احدى اجلماعات الثقافية بعدم االنتماء اىل الدولة ً ْ اعتقدت هذه حال ونظامها السياسي كليا ،أو يف ِ ثقافية أُخرى مجاعة اجلماعة بعدم إنتماء ٍ ٍ اىل الدولة ذاتها بالرغم من كون هذه اجلماعة األخرية تعيش يف َك َن ِف الدولة أُ ً سوة بغريها من فحينئذ ميكن القول بوجود أزمة اجلماعات، ِ اهلوية()20 واستناداً اىل طروحات لوسيان باي و ليونارد بايندر Lucian Binderميكن ْأن َنتبنى رأي ً��ا مفا ُد ُه َّأن ألزم ِ��ة اهلوية أربعة ان��واع ً وفقا ألبعاد اهلوية وتكويناتها السيما ذات الصلة منها
بإقليم الدولة والبنية االجتماعية والتباينات ً فضال على امل���وروث الثقايف وميكن االثنية ُ االشارة اىل هذه االنواع على النحو اآلتي بيانه: .1أزمة اهلوية من حيث عالقة اهلوية بإقليم الدولة: ً لكون اهلوية قائمة يف جز ٍء رئيسي منها على اعتبارات جغرافية ذات العالقة بإقليم الدولة، ٍ َّ ف��إن أزم��ة اهلوية قد حت��دث حينما تتسبب دولة جديدة االحداث التارخيية يف انشاء حدود ٍ بصور ٍة عشوائية وتعسفيةْ ، كأن ُتقتطع من َ دولة أُخرى دولة ما مناطق معينة لتضاف اىل ٍ ٍ جم��اورة وبذلك تستمر أزم��ة اهلوية مادامتْ قطاعات ملحوظة من سكان تلك املناطق ال ٍ َّ صلة تربطها بالدولة اجلديدة تعرتف بوجود أية ٍ ونظامها السياسي أو قد حت��دث أزم��ة اهلوية حينما تفشل االكثرية املهيمنة يف االع�تراف ً عموما يتمتعون بحِ ِّق بكون سكان االط��راف ُ االنتماء اىل الدولةْ ، وأن تعبرَِّ هذه الدولة عنهم حاهلم حال االكثرية املهيمنة يف املركز()21 هذه األمناط من التشوهات على الصعيد العرقي ُ تعيشه أغلب بلدان العامل النامي واألثين هو واقع َّ ج��راء التعارض القائم بني ختطيط احلدود السياسية وتوزيع اجلماعات البشرية وأما آثاره على اهلوية فال تقف عند حد الدفع بعدم بلورة أشكال مندجمة من التواجد السكاني ،بل كثرياً ٍ ُ جتاوزته ص َ ��وب إزال��ة احلصانة عن حدود ما إلحتكاكات مستمرة اإلقليم وجعلها ُعرضة ٍ مع البلدان احمليطة حبجة عدم دقة ترسيمات احلدود وتبعية األقليات القاطنة داخل حدود األقاليم املتنازع عليها وإدعاء محاية حقوقها اىل ذرائع وحجج()22 آخر ما هنالك من ٍ
.2أزم��ة اهل��وي��ة م��ن حيث عالقة اهلوية بال ُبنية االجتماعية: ويف هذا اخلصوص حتدث أزمة اهلوية حينما تكون انقسامات البنية االجتماعية والسيما التفاوتات الطبقية من السعة مبكان حبيث َّأنها حتول دون قيام وح��د ٍة قومية فعالة فعندما اهل ُ تكون ُّ ��وة ما بني الطبقات االجتماعية ُّ جد عميقة بالشكل الذي ال ُيتيح السبيل للحديث حينئذ تصبح الدولة عن املصاحل املشرتكة، ٍ ً ً ً عمليا من أُمتني ال ام��ة واح��دة غري مكونة األخذ ُ باحلسبان فكرة كون هذه َّأن ُه البد من ِ ً عامال مؤثراً يف امناط التفاوتات الطبقية تعد َّ صلة املشاركة السياسية ،أي مبعنى أنها ذات ٍ مباشرة َ بأزم يَت املشاركة والتغلغل ،وال تشكل بذاتها ً ً سببا مباشرا إلنبعاث أزمة اهلوية()23 وإذا كانت أزمة اهلوية هنا يف إنعكاساتها على ُّ تفت ِت وختندق ال��والءات هي ٌ نتاج موضوعي أو غري مقصود ،ربمّ اّ ، جراء عمليات التحديث َ واحل ْض َرنة وما شابه من سبل التغيري اليت تلجأ اليها النظم السياسية يف العادة ،اإل َّأن هناك من عمليات َك َم َن ْت خلفها مقاصد ناحية أُخ��رى ٍ ٍ ً ْ ّ سياسية داخلية وخارجية أدت تارخييا اىل هذه النتائج ،وكان من بني أسبابها التقسيم التعسفي لألقطار أ ّب َ ��ان اهليمنة اإلستعمارية وسيطرة أقليات قومية أو أثنية وس��وى ذل��ك ،حبيث متايزات طبقية ُّ جد استمرت آثارها على شكل ٍ حادة .3أزم��ة اهل��وي��ة م��ن حيث عالقة اهلوية بالتباينات االثنية: ُ ويف هذا اجملال تنشأ أزمة اهلوية نتيجة عدم 73
أقواس
أقواس
74
استطاعة الدولة أداء وظائفها بصور ٍة كاملة، من حيث حتقيقها لمِ ا ُيط ِل ُق عليه فيكي راندل Vicky Randallوروبني ثيوبولد Robin Theoboldتسمية «االندماج الثقايف» ،أي حتويل الدولة ل��والء الناس وانتماءاتهم من العشائر ُ والقرى واإلمارات الصغرية اىل النظام ُ وباعث نقصان فاعلية السياسي املركزي()24 ال��دول��ة يتمثل يف ك��ون قطاعات واس��ع��ة من السكان الزالت تتمسك بشدة بهوياتها الثقافية ً اشواطا عدة من رغم كون الدولة قد قطعت التحديث فينشأ عن ذلك الصراع ما بني الوالء للهويات الفرعية وبني الوالء للهوية القومية املشرتكة (األمة) ،فكل منها يسعى للسيطرة على الدولة ومؤسساتها فالفكرة اجلوهرية اليت يقوم عليها نظام الدولة – االمة هي َّأن الدولة واهلوية القومية ترتبطان بعالقة وثقى فتربز أزمة اهلوية حينما ال يتولد التطابق التام بني نطاق الدولة وامتدادها وبني وعي اجلماعة بوجودها ً ��ص��دام بني إذ َّأن املشكلة عموما تتعلق ب��ال ِ يَ مجاعت االكثرية املهيمنة واالقلية من حيث صعوبة جعلهما حيوزان الشعور بكون الدولة ُم ُ لك اجلميع وتنتمي للجميع دون متييز()25 .4أزمة اهل��وي��ة م��ن حيث ع�لاق��ة اهلوية باملوروث الثقايف: َي ُ نت ُج التغيرُّ ُ االجتماعي السريع ونشو ُء الوعي احلاد بالتفاوتات العميقة يف القوة واملصاحل َّ جرا َء األخ��ذ بالوسائل واالفكار الغربية يف حتديث اجملتمع السياسي ،فيعمل على َتقويض الشعور بالثقة واالطمئنان يف الدول الناشئة وذلك من ً حيث ُغد ّو ِه شعوراً مرتبكا ودائراً حول كم من التقاليد ينبغي االبقاء عليها وكم منها يتوجب
تغيري ُه لكي يصبح هذا اجملتمع جزءاً من العامل احلديث ،أي العامل الغربي بعبار ٍة أوضح فالقادة واملثقفون يف هذه الدول يشريون بصور ٍة واعية اىل حالة «الالإنتماء »rootlessnessاليت يعيشونها ،و ُي��ع�ِّب�رِّ ون ص��راح ً��ة عن حاجتهم ّ هوية قومية جامعة وذلك يف ظل املاسة إلجياد ٍ التفاوتات الكبرية ما بني «هم» الذين ميثلون العامل احلديث وبني «حن��ن» الذين َي َ ند ِرجون حتت عنوان «جمتمع متأخر» ليس اإل(. )26 ويف ضوء ما تقدم ِذكر ُهَّ ، فإن الرأي القائل بكون أزمة اهلوية حتدث يف إطار التنمية السياسية ٌ رأي ال يتعارض مع فكرة َّأن هذه األزمة تتولد يف خضم عملية بناء االمة وذلك َّ ألن التنمية السياسية عملية جوهرية تقع ضمن اطار املشروع الكلي ،أي مشروع ب��ن��اء الدولة – االمة وبالتالي َّ فإنها ال تشتمل فقط على انشاء املؤسسات وتنظيم العالقات فيما بينها واليت مبجملها تشكل البنية التحتية الالزمة لوجود الدولة – االمة ،بل تنطوي التنمية السياسية ً ايضا على انتهاج سياسة اهلوية القومية داخل ُ ��وج��ده��ا هذه نطاق املؤسسات عينها ال�تي ت ِ التنمية وعلى النحو الذي جيعل ظاهرة القومية هي السمة الغالبة على احلياة السياسية لذا تغدو ً شرطا ال غنى عنه لضمان قيام النزعة القومية التنمية السياسية ،حيث تعمل االخ�يرة على إحداث التغيري يف امليول والنزعات َّ املشتتة وغري املنظمة للقومية وحتويلها اىل روح املواطنة ذاته تعمل على اجياد املؤسسات اليت ويف الوقت ِ مبقدورها حتويل مطامح اهلوية القومية اىل سياسات وبرامج عملية ومن َّ ثم ربمَّ ا ال نجُ انب الصواب حني القول بكون التنمية السياسية هي
بعينها عملية بناء االمة ()27 يَ جانب آخر ُي َ الحظ َّأن العالقة بني أزمت من ٍ االندماج واهلوية هي من قبيل العالقة بني «الكل» و»اجلزء» فأزمة اهلوية (اجلزء) ً عادة ما ال تتولد بذاتها وامنا هي تنبعث بفعل غريها من أزمات التنمية االخرى ،مثل أزمة التغلغل وأزمة املشاركة وأزمة التوزيع ،غري ان اكثرها ً تأثرياً وأهمية هي أزمة االندماج (الكل) وذلك لكونها تنطوي على عمليات متشابكة وهادفة اىل بناء اهلوية املوحدة يف نهاية املطاف وهو عني اهلدف الذي ترمي اليه حصراً عملية بناء االمة اليت حتدث أزمة اهلوية يف سياقها ،اال َّأن االخ�يرة تشتمل حتديداً على انبعاث اهلويات الثقافية وتنافسها مع اهلوية القومية على حيازة الدولة ومؤسساتها ،أو قد تتطور األزمة اىل حد مطالبتها باالنفصال ثم الشروع يف بناء امة خاصة بها ولذلك فان أزمة اهلوية دولة – ٍ تشكل احللقة النهائية لسلسلة أزمات التنمية تلك ،حبيث َّأن انبعاثها يستدعى تكثيف الدولة لفاعليتها وقدراتها ثم الدفع بها صوب تلبية املطالب واحلاجات بقدر انسجامها مع البعد الوحدوي ملشروع بناء الدولة -االمة مما يؤكد حلقات ذلك فكرة كون أزمات التنمية عبارة عن ٍ مرتابطة حبيث ُيفضي انكسار َّأي ِة واحد ٍة منها ً تباعا ع��دا أزمة اىل ان��دالع االزم��ات االخ��رى اهلوية وربمَّ ا يعود ذلك اىل َّأن هذه األزمة هي أعمق ما ميكن ْأن تصل اليه حالة التأزم ،وليس وراء اهلوية من ش��ي ٍء آخر حمل تقدير ،فهي مقدساته، وانتمائه ،أي بذات االنسان ِ ِ تتعلق ِ خب�لاف احل��ال يف األزم��ات االخ��رى ال�تي جتسد ً وأقرانه على عموما واقع التنافس بني االنسان ِ
حيازة املصاحل املادية ذوات الصلة املباشرة بهم ٌ تساؤل جوهري وهوَ :م ْن أو ِبدولتهم وهنا يربز سيأتي بعد َم ْن ،الدولة أم االمة؟ لكل االع��ت��ب��ارات ال�تي مت ذك��ره��ا ،تتخذ عملية تكوين ال��دول��ة شكل عملية بنيوية بينما تسري عملية بناء االمة يف منحاها اخلاص ٌ عملية ذات أبعا ٍد ِق َيمية بقدر عالقتها بوصفها وارتباطها بالثقافة السياسية يف املقام االول اال أن األمر سوف لن يتوقف مع الدولة عند حد اقامة ومؤسسات جديدة كي ُيشا َر بها اىل وجود بنى ٍ ً الدولة ،بل ينبغي ايضا ْأن تكون تلك البنى ً عمليا ال جمرد واملؤسسات ذوات نتائج ملموسة هياكل مفرغة من جوهرها احلقيقي( )28وهو ما يعين االنتقال مع الدولة من الطور الشكلي أي مبعنى بناء املؤسسات ،اىل العمل على اعطاء ً حمتوى خاص جديد ُي ْل ِز ُم أو قد ُيغري األفراد اهتمام جديدة واجلماعات بالتحول ناحية بؤرة ٍ متثلها وتقوم على خدمتها اآلن رموز ومؤسسات الدولة قيد البحث هذا االجت��اه يف تفسري بناء الدولة-األمة قد ال يستنفد كل األمثلة أو النماذج يف هذا الصدد قد يصدق مثل هذا االجتاه على تلك النماذج التارخيية يف أملانيا وايطاليا ورمبا اهلند وبعض احمل���اوالت املتواصلة حتى اآلن اطار موحد تقام على أسسها من أجل ِ صياغة ٍ األمة اجلديدة ،وهذا هو وضع العديد من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء ،اال أنه قد يفشل مع ذلك يف يف تقديم منوذج يصلح من أجل املساعدة ً شعوبا يف تفسري حماوالت بعض الدول اليت حتوز هي أجزاء من أمة تناثرت أشالؤها بني العديد من الدول اجلديدة كاألمة العربية ،وهي على أية حال ليست الوحيدة يف هذا املضمار هنا 75
أقواس
أقواس
76
جند َّأن الدول قد أوجدت مؤسساتها اخلاصة، ً ومع ذلك َّ عاجزة عن صياغة مفهومها ظل ْت اخلاص عن األمة ،كما ظل أفرادها ومجاعاتها ترنو بابصارها عرب حدود دوهلا وهو ما يعين وانقسامه بني املركز على األقل ازدواجية الوال ِء ِ القطري احمللي القائم واآلخر األوسع واألمشل الذي ينتظر التحقيق وعلى أية حال ال ينفي هذا املثال صحة الفرض األس��اس واملتجسد يف عمل الدولة على تشكيل األمة بكل ما يشتمل عليه من ُبنى وقيم ومثل وأدي��ان ومذاهب، وفق مقاسات معينة حددتها طبيعة القوى االجتماعية والسياسية املهيمنة ،اضافة اىل أشياء وعوامل أخرى بالطبع ،قد ال يتسع البحث احلالي لالجابة عليه ه��ذا االجت���اه يصب اذن يف نفس التيار َ��ت االم��ة ال بكون ال��دول��ة هي ال�تي بَ��ن ِ القائل ِ الرأي القائل َّ بأن االمة هي َم ْن َّ دت الدولة شي ِ فهذا االجتاه األخري ربمَّ ا قد غاب عن ُحسبانه االخ��ذ بالتمييز بني عملييت تكوين الدولة ً عملية واحدة يشتملها وبناء االمة ،فأعتَبرَ هما جهة مشروع بناء الدولة – االمة( )29من ٍ يستم ُد الرأي األخري أُ ُ اخرى ِّ صوله من التنظري الذي يبحث يف كيفية نشوء الدولة وليس اجلانب التطبيقي هلذه الكيفية فهو ُمستقى حتديداً من منظور الليربالية الكالسيكية والسيما آراء جون لوك وجان جاك روسو ،ويقوم على فكرة التعاقد االجتماعي ما بني االفراد (االطراف) بغية االنتقال من اجملتمع الطبيعي اىل اجملتمع آنئذ كانت السياسي ويبدو َّأن غاية الليربالني ٍ ً متجسدة يف اجياد الفصل بني مؤسسات الدولة وب�ين شخص القائم عليها ،اي مبعنى األخذ
باملؤسساتية ،وذل��ك يف سبيل تفكيك هيمنة السلطة االطالقية يف اوربا بعبار ٍة أُخرى ،كانت الغاية من وراء فكرة َّأن وجود االمة يسبق وجود الدولة هي حتقيق الفصل ما بني شرعية الدولة وب�ين شرعية احلكومة حبيث تبقى الدولة ً شرعية ومحَ ل تقديس اجلميع حتى يف حال عدم شرعية احلكومة ،نظراً اىل كون الدولة ً عادة ما جتسد إرادة كافة االطراف ومصاحلهم العليا بينما ُتعبرِّ ُ احلكومة عن إرادة جمموعة افراد ومصاحلهم اخلاصة وهذا ما يفسر سبب اتسام الدولة خباصية الثبات واالستمرارية خبالف احلكومة اليت تتميز خباصية التبدل وعدم االستقرار ،فعلى الرغم من َّأن مصد َر واحد يف ِكال َ ٌ احلالني ويتمثل يف الشرعية هو ً َّ اجملتمع ،اال أنهما خيتلفان جوهريا من حيث نطاق الشرعية وامتدادها ونوعية الوالء للدولة واحلكومة. يَ َّ باالضافة اىل ذل��ك ،جند أن عمليت تكوين بعالقة وثقى وهي الدولة وبناء االمة ترتبطان ٍ االش�تراك يف بناء اهلوية اجلامعة فعملية بناء رموز االم��ة تضطلع بتصنيع املشرتكات ،من ٍ ً وقيم وتقاليد واسلوب حياة ،غري َّأنها غالبا ما ختص االكثرية املهيمنة يف املركز ثم َّ يتم تعميم تلك املشرتكات من خ�لال مؤسسات التعليم عتم ُد َ لغة تلك االكثرية بهدف اليت بدورها َت ِ جعلها اللغة املشرتكة ،وكذلك بواسطة املؤسسة العسكرية عرب اعتماد التجنيد االلزامي ثم الولوج يف حروب الدولة مع اعدائها على الصعيد اخلارجي وسريتفع من خالل ذلك مستوى بناء ً ً جوهريا يف زيادة عامال اهلوية القومية ليغدو فاعلية مؤسسات الدولة من حيث نيلها الشرعية
الالزمة ألداء وظائفها ومع ذلك ال ميكن االعتماد على امناء املشاعر القومية واملشترَ كات اجلماعية فقط من أجل إجناح عملية بناء االمة على املدى البعيد ،وقد يكون هذا َم َ كم ُن ال ِع َل ِل الذي وقع ً الحقا ويرجع فيه القوميون ثم االسالميون ً ذلك اىل كون مشروع بناء الدولة عموما والدولة خصوصا يتوجب ْأن يتم فيه ً ً ايضا – االمة دوام تغذية اهلوية القومية باالجنازات املادية، ً مثال، كالتصنيع والعمران والتقدم العلمي حبيث َت ْش ِم ُل منافعها َ سائر االفراد واجلماعات دون متييز فيتولد بذلك لدى كل فرد وينمو نفسه ُّ حس االنتماء اىل تلك املؤسسات يف َقرار ِة ِ واالجنازات ً كيانه معا واعتبار ِه إ ّياها جزءاً من ِ َّ وأنها قد أُوج َ أجله ويف سبيل حتقيق ��د ْت من ِ ِ وسعادته مبعنى بنا َء املواطن املندمج خ�ير ِه ِ ُ ��درك قيمة مثل يف عضوية الدولة والذي ال ُي ِ هذه العضوية خارج َم ِّ دولته وبذلك تكون عي ِة ِ شتم ًلة على عضوية الكيان املواطنة بذاتها ُم ِ الفكري والرمزي للدولة ،أي اهلوية القومية واالس��اس الفكري للدولة ال��ذي جيسد بدوره املنظم حلركتها على مرجعية الدولة واالطار ِ الصعيدين الداخلي والدولي. ه��ذا املنظور عن املواطنة قريب من فكرة املواطن الصاحل يف الفكر السياسي اليوناني، مدينته احتاداً نيان ِ حيث يتحد املواطن مع ُب ِ ً تاما غري َّأنه يف حالة الدولة – االمة ال يكون ً ُ مطلقا بل َّأن املواطن نفسه قد اندمج اندماج ُه دولته لكي حيافظ من خالل ذلك على يف كيان ِ خصوصيته الفردية فالدولة – االم��ة اصالً ِ ذات مرجعية ليربالية – قومية رغم كونها قد نشأت يف رحم الدولة االطالقية وقد ال جنانب
الصواب حني القول ب��أن مثل ه��ذه املواطنة ً َ ليست منظوراً الكثري حتقيق خياليا بل ميكن ِ تفاصيله وذلك من خالل انتهاج التنمية من ِ السياسية ،بوصفها العملية اليت ستضمن حيادية الدولة يف تعاملها مع مكوناتها ،واملؤسساتية اليت ُي ْف َص ُل فيها بني شخص املسؤول وبني املسؤولية املوكولة اليه إذ َّأن انتهاج التمييز واحملاباة ضمن نة املؤسسات يف اطار عملية بناء االمة ثم َش ْخ َص ِ سياق عملية تكوين الدولة ،ستؤدي بالضرورة اىل استمرار تناقص فاعلية الدولة يف التعامل ً مع يَ خصوصا ،ثم بروز أزمت االندماج واهلوية أزم��ات نة من التأزم تتخذ شكل ٍ حالة ُم ْز ِم ٍ ٍ ُم َّ ركبة ومتكيفة مع البنية االجتماعية ،حبيث َّأنها ستدفع الدولة بأسرها اىل وضعية اجلمود ومن َّ ثم الزوال يف آخر املطاف اذ تكون الدولة فقدت هي االخرى شرعيتها جنباً ْ حينئذ قد ً اىل جنب احلكومة ،فال تغدو الدولة ُمعبرِّ ة عن ارادة كافة االطراف وصالحِ هم العام ،وإنمَّ ا عن إرادة ومصاحل االكثرية املهيمنة حصراً فتشرع بإطار آخر لإلنتماء االقليات باملقابل يف التفكري ٍ ُيب ِعدها عن املركز ،لينتهي بها احلال اىل املباشرة يف بناء دوهلا اخلاصة وعلى نفس منوال األكثرية املهيمنة. واع ُث أزمة اهلوية يف ضوء مدخل املركز – َب ِ االطراف ُ ً َّ ينبغي التأكيد َّ مرة أخرى على أن أزمة اهلوية هي يف التحليل األخري طو ٌر من اط��وار النمو، البد للنظم السياسية من الدخول فيه ومعاناة تعقيداته وآثاره السيما بعد ْأن َّ تتعرض أساليب ِ ُ ُ احلياة التقليدية وقيم اجملتمع وبناه االساسية لعمليات التغيري بوصفها من املآالت االساسية 77
أقواس
أقواس
78
للتنمية السياسية فأزمة اهلوية هي ُ األخرى ٌ مؤشر على النمو والتغري ال الضعف والشذوذ، َّ ألن هذه األزم��ة تنشأ يف اطار حتديث اجملتمع من حيث القيم واملفاهيم ومنط العيش حينها ً ُ جمتمعة أو كل على تشعر اجلماعات الثقافية َ حدة ب َّ ��أن شكل وجودها اجلمعي ،املعرتف به من قبلها ،مل َي ُع ْد على النحو الذي كان عليه بعد التغيريات التحديثية اجلديدة أزمة اهلوية إذن ،تبدأ حينما يشعر اعضاء اجملتمع بأنهم حال املواجهة مع جمرد «غرباء مل يعودوا يف ِ صراع تقليدي، »Foreignersوضمن اطار ٍ ��ول تارخيي بل َّإن املواجهة نفسها هي مع حت ٍ ً جوهريا يف كل كبري يدعوهم اىل اعادة النظر القيم واملُثل القائمة وممارساتها أي َّأن التحدي يواج ُه اجملتمع يتجسد يف وجوب احلقيقي الذي ِ نظر جديدة خل��وض جتربة اعتماد ِه زاوي��ة ٍ التكيف والتجانس مع الذات selfمن ناحية ناحية والعالقة مع االخرين othersمن ٍ أُخرى( )30 وتكاد تكون حالة جمتمعات العامل الثالث املثال األب��رز ْإن مل ْ تكن َع َل َم ًا على هذا النوع ً من العمليات وكذلك كال من تعقيداتها وآثارها فالعزلة اليت كانت تغلب على حياة كل جمتمع منها قد مزقتها وسائل االت��ص��ال احلديثة، وتعرض افرادها اىل اساليب احلياة الغربية اليت مل يكونوا َ يأل َ فونها من قبل َ فأوج َد ذلك كون ثقايف ً حالة من الوعي باآلخرين لدى كل ُم ِّ ٍ م��ن مج��اع��ات وجتمعات ُ مثل ه��ذه الظروف ً كافية اىل ِّ ه��ز امن��اط حياة اجلماعات تغدو ُ التقليدية وأ َ سس هوياتها الفرعية ،ثم الدفع ً مجيعا او ف���رادى اىل البحث ع��ن ذواتها بها
اجلماعية واع��ادة تعريف ُ أنفسها مبا ينسجم مع التغيريات اجلديدة ،وذلك عرب الشروع يف وضع تساؤالت جوهريةَ ،ف ُهم َم ْن يكونون يا ِ ترى؟ وكيف خيتلفون عن اجلماعات الثقافية والسياسية االخرى؟( )31فهل هم ينتمون اىل مناطق َت َو ُّط ِنهم أم اىل مجاعاتهم التقليدية، أم َّأنهم ينتمون اىل وطنهم األكرب الذي تتغلغل ً تدرجييا مؤسسات الدولة الناشئة فهذه فيه ِّ التساؤالت ُتؤك ُد بروز أزمة اهلوية واالنتماء اىل الدولة ً فضال على ذل��ك ،يبدو َّأن السبب اجلوهري ورا َء انبعاث أزمة اهلوية يتجسد يف الطبيعة بعينه إذ القسرية ملشروع بناء الدولة – االمة ِ َّأن االكثرية املهيمنة يف املركز تبتغي من وراء هذا املشروع إفناء التباينات الثقافية القائم ما بينها وبني االقليات ،بهدف التخلص من ِّأي بديل ثقايف ينافس االكثرية املهيمنة يف اسلوب ٍ حياتها وثقافتها مما يشري ذلك بدوره اىل كون هذا السعي لالستحواذ على الدولة من قبل االكثرية نفسها إمنا هو آلية للدفاع عن وجودها وهويتها اجلماعية ،من خالل العمل على إزالة التباينات الثقافية ثم م��واالة اجلميع للقيم عينهما ويتم ذلك عرب عملية واسلوب احلياة ِ بناء االم��ة لكونها تقوم على اس��اس سياسات االستيعاب القسري ،assimilationمثل االب���ادة اجلماعية ،وترحيل بعض املكونات الثقافية قسراً ،واعادة ترسيم حدود الوحدات االدارية ،واعتماد لغة ورموز االكثرية املهيمنة وثقافتها وال تتفاوت الدول – االمم القدمية منها واجلديدة يف هذا اخلصوص اإل يف درجة االكراه املُما َرس جتاه أبناء االقليات ( )32ففي
حالة الدول – االمم اليت تلجأ اىل انتهاج الكثري من القسر ،تعمل السياسات االستيعابية على احلد من اسباب التنظيم والنشاط الفكري اليت ُتعنى بهوية االقلية وتعزز من وجودها ،كذلك ً ألقابهم اكراه املواطنني كافة على عدم استخدام ِ وكناياتهم االجتماعية أو حتى امسا ِئهم اليت تعكس انتماءاتهم االثنية والعرقية والدينية أما يف حالة الدول – االمم اليت تعتمد القليل من القسر ،فقد يتم فيها احرتام حقوق الفرد املدنية اال انها ترفض االعرتاف ِبلغات االقليات وثقافاتها او توفري الدعم ٍّ ألي منها ويف مقابل ذلك تشدد هذه ال��دول على فكرة كون مجيع مؤسسات ال��دول��ة ينبغي ْأن تعكس ثقافة االكثرية املهيمنة ولغتها ويف ِكلتا يَ حالت الدول هاتنيَّ ، فإن اهلدف من سياسات االستيعاب تلك يتجسد يف اجبار كافة املواطنني على النظر جمتمع واحد اىل أنفسهم من زاوية َّأنهم اعضاء ٍ ينتمون اىل ثقافة قومية واحدة ،واليت تندمج فيها وتتالشى كل التباينات االثنية ذوات الوجود السابق على الدولة(. )33 ً ُ ُ ُ طرحه ،قد ْ يصدق رأ ُينا تأسيسا على املتقدم القائل َّ بأن أزمة اهلوية هي نتيجة مباشرة ألزمة االندماج فاألخرية ً اصال هي نتاج ضعف فاعلية الدولة يف توظيف قدراتها املادية والفكرية يف استيعاب التنوع املتنامي جلماعات اجملتمع ومطالبها هذا ُ النقصان سيؤدي اىل تعميق أزمة ً اساسا ضمن اطار عملية بناء اهلوية املتولدة االم��ة حبيث َّأن س��و َء توزيع امل��وارد والثروات َ َ ونظام ُه السياسي املركز على ِق َّلتها سيقود حنو فقدان الشرعية ،ومن َّ ثم بروز وضعية التنافس والتنازع ما بني املركز واالط��راف
لإلستيالء على الدولة ومثل هذا الوضع سيدفع تعامله مع املركز اىل تصعيد مستوى االكراه يف ِ االطراف غري املوالية حتديداً وهو ما سيفضي ً الحقا اىل استنزاف املزيد من م��وارد الدولة وتغليب هوية االكثرية وهيمنتها على سائر اهلويات الفرعية ،وم��ن ثم مج��ود مؤسسات الدولة يف ِكال َمسا َري مشروع الدولة – االمة ،أي تكوين الدولة وبناء االمة حبيث تندفع الكثري من االقليات َع َل ًنا او ِض ً منا اىل االرتداد عن مواالة الدولة وتغليب مصاحلها وهوياتها الفرعية على مصاحل االكثرية واالنتماء املشرتك وبذلك َّ فإن نذ ُر استمرارية حالة اجلمود املؤسسي هذه ُت ِ بتوفر البيئة املالئمة لقيام االنقالبات وربمَّ ا الثورات()34 ً ثالثا – تجَ ليات األزمة وآثارها يف العامل الثالث ليس ب َد ً عا القولَّ ،أن ال��دول النامية تبدو ِ ً ً كثري من الدول من ومتاسكا اندماجا أقل اليوم ٍ ٌ ُ فراجعة أسباب ذلك التقليدية واحلديثة أما كثري منها يف بعض جوانبها املهمة اىل عجز ٍ عن أداء وظائفها على حن ٍ��و َيفي مبتطلبات التحوالت واحل��اج��ات ال�تي تنتظرها ً ك�لا من النخبة السياسية وعامة الناس فعندما تزداد وظائف النظام السياسي أو عندما تطمح النخبة السياسية يف توسيع دائرة وظائف هذا النظام، َّ فإن ذلك يستوجب رفع مستوى االندماج اىل ً مستوى جديد ُبغية استيعاب املشاكل اجلديدة َّ تتمخض ع��ن عملية تكوين ال��دول��ة ال�تي مبعنى آخرَّ ،إن ارتفاع مستوى التغيري ()35 ً االجتماعي واالق��ت��ص��ادي يفضي اىل توليد 79
أقواس
أقواس
80
مطالب ومهام جديدة ً غالبا ما ال تتناسب مع ٍ ٍ إمكانات دول العامل الثالث وحكوماتها حبيث َّأن سعي النخبة السياسية أو عوام الناس يف زيادة ً ع��ادة ما يتسبب يف وظائف النظام السياسي احداث مشاكل االندماج ،ويف اكثر االحيان ينشاً ذلك السعي نفسه عن احلاجة ِّ امللحة اىل معاجلة مثل هذه املشاكل خشية ْأن تشكل تهديداً لوجود الدولة ونظامها السياسي ثم َّأن مشاكل االندماج نفسها تكون شديدة احل��دة َّ ألن احلكومة قد ً وقعت على عاتقها َم ً ْ جوهريا ،أو هاما جديدة بسبب ضخامة مهامها القدمية وتراكمها ،ومن ستعنى هذه احلكومة َد ً ثم ُ َّ وما بقضية تعبئة بشكل َّ فعال(.)36 مواردها وتوزيعها ٍ مبثيله يف حالة وحني مقارنة هذه الوضع ِ الدميقراطيات الليربالية الغربية ،جند أنَّ االخ�يرة قد مت فيها العمل ً غالبا على معاجلة يَ أزمت االندماج واهلوية ُق َبيل انبعاث األزمات االخ���رى والسيما املشاركة وال��ت��وزي��ع حيث متكن ُّ كل نظام سياسي فيها من التعامل مع ازدياد الضغوط الرامية اىل املشاركة يف احلياة السياسية ،ويف عني الوقت َّ مت ْت تلبية املطالب املتنامية بإعادة توزيع ال��ث��روات وامل���وارد يف ً مقابل ذل��كَّ ، عموما ف��إن دول العامل الثالث ْ ُ عال كافة أزمات التنمية يف ٍآن واحد، ينبغي أن ت جِ وهو ما يفوق ً عادة قدرات أنظمتها السياسية وامكانياتها(.)37 ويف ضوء ذلك ،ميكن القول َّأن الظروف والعوامل ْ أسهمت بصور ٍة اجيابية يف صاحل الداخلية اليت مشروع بناء الدولة – االمة يف الدميقراطيات ً الغربية ،جندها تؤدي بذاتها دوراً سلبيا للغاية يف العامل الثالث أي َّأن ما أسهم يف بناء الدولة
– االمة يف السياق التارخيي الغربي(الزماني ذاته بعينه على واملكاني) يعمل تفتيت املشروع ِ ِ ِ ُب َع َ إنتقاله اىل العامل الثالث حيث َّأن املؤسسات يد ِ التعليمية والعسكرية والبريوقراطيةً ، فضال عن ٌ قائمة املؤسسات الوسيطة كاألحزاب والنقابات، ً مجيعا على أساس االنتماء اىل العصبية املهيمنة على املركز س��واءاً أكانت ق َبلية او طائفية او عرقية إذ َّ مت تكييف تلك املؤسسات مبا يتالئم مع توازنات اجملتمع التقليدي ال ْأن تعمل بذاتها على ازالة تلك التوازنات وفرض معايري جديدة ً ونتيجة عامة وجمردة من االنتماءات الثقافية ف��إن مؤسسات ال��دول��ة ُ لذلكَّ ، ستمسي جمرد أدوات عاملة يف خدمة تلك العصبية ودوامها ال ٍ وترسيخه فالدولة بناء مشروع الدولة – االمة ِ نة نفسها بنفسها من بذلك تعمل على َع ْص َب ِ خالل قيام مؤسسات الدولة بتعميق حدة أزمة ً قائمة على االندماج مادامت تلك املؤسسات اساس االنتماءات الثقافية مثل هذا الوضع ُيبقي جمتمعات الدول النامية بشكل حقيقي يف العملية جمرد رعايا ال تشارك ٍ السياسية ،والسيما يف ظل ضعف التنظيمات السياسية الوسيطة والنمط األبوي للحكم ،من مثل ممارسة السلطة من منطلق شخصنة الدولة ال املؤسساتية( )38مما ال يمَُ ِّك ُن ذلك عوام الناس من التنبؤ مباهية القرارات املتخذة، َف َيص ُري َ اساس موقفهم من النخبة السياسية هو الالمباالة والسلبية يف ظل انتهاج هذه النخبة لسياسة «فرق تسد» يف التعامل مع خمتلف القوى السياسية وانتماءاتها الثقافية ،وكذلك تحَ ُّك ِم اعتبارات ال��والء الشخصي واالق�ت�راب املكاني ً والزماني من َّ قاعدة ملمارسة احلكام لتكون
التأثري السياسي(.)39 أما يف املَنحى العمودي ملشروع بناء الدولة – االم��ة ً وفقا للشكل ( )1حيث يتم بناء االمة واهلوية املشرتكةَّ ، فإن أزمة اهلوية فيه أشد حدة أزمة ُم َّ من أزمة االندماج إذ َّأنها ٌ ركبة ومتكيفة ً خصوصا لدول العامل مع البنية االجتماعية َّ الثالث وذلك من حيث أن عملية بناء االمة فيها ال ُتفضي اىل قيام املستوى العام ألزمة اهلوية فقط واملتجسد يف انبعاث اهلويات الفرعية وإبدائها املمانعة الثقافية ،بل يرافق ذلك ألزمة اهلوية ،أوهلما هو أزمة ُمستو َيني آخرين ِ مرجعية الدولة وثانيهما هو أزمة اقليم الدولة وحدودها ،وميكن توضيحهما على النحو اآلتي: 1أزمة مرجعية الدولة: وتعين تبلور االزدواجية يف االساس الفكري ملشروع بناء الدولة -االمة ،من حيث عدم القدرة على حتقيق التوازن بني األصالة واملعاصرة، َّ ستتمخ ُض ضمن نطاق اهلوية اجلامعة اليت عن عملية بناء االمة بعبار ٍة أُخرى ،بروز حالة وبنائه التشكيك يف أصالة اجملتمع السياسي ِ ستم ٌّد ً الفكري الذي هو ُم َ جماله اصال من غري ِ الثقايف ،وذلك من حيث غموض عالقة اهلوية القومية املشرتكة بعناصر املوروث الثقايف ،من القيم والتقاليد والدين ،فهل َّأنها عالقة توازن أم عالقة خضوع َ وت ُّ غرب. َ املالحظ َّأن هذه االزدواجية قد جنمت ومن يف جوهرها عن االحتكاك بالثقافة الغربية واستلهام مشروع الدولة – االمة منها بصور ٍة مباشرة او غري مباشرة ،حبيث أدى ذل��ك يف نهاية امل��س��ار اىل تعايش َ فئتني م��ن السكان َ بقطاعني اقتصاديينَ َ َ ونظامني مرتبطتني
َ ومنطني للسلوك ومستو َيني للمعيشة للقيم ُ َّ فثم َة أقلية تشبه سكان اجملتمعات املتقدمة، وتتمتع باملستوى الثقايف والتقين نفسه واملثل وطريقة احلياة عينها ،بينما يكون مستوى ً وبشكل عام متدنيا للغاية معيشة االكثرية ٍ تهيمن تلك االقلية على هذه االكثرية بواسطة ً غالبا ُبأصول دكتاتوريات عسكرية مقنعة انتخابية وبرملانية شكلية خب�لاف احل��ال يف الدول الغربية( .)40 ُ فأزمة اهلوية يف هذا الصعيد تتجسد بذلك يف عدم القدرة على اقامة التوازن بني ما تتطلبه مدنية معاصر ٍة احلداثة؛ اي كونك جزءاً من ٍ رغ ُم َك على العيش فيها ،وبني االنتماء غا ِلبة ُت ِ ً تارخييا حيث هوية ذات موروث ثقايف عميق اىل ٍ َ جيد فيها الفرد واجلماعة َ نفسيهما مشدودين اليها بأواصر قوية ومن َّ ثم سينصب التفكري على مسألة ٍّأي من القيم والتقاليد سيتم التمسك بها وكم منها س ُي َتخلى عنها لصاحل اعتماد ما َ أفرز ُه عامل الدول الغربية من مفاهيم واساليب حياة( )41ونظراً هليمنة النخبة املتغربة على مؤسسات الدولة ومفاصلها يف العامل الثالث ،فانها سرتنو اىل تغليب القيم واملعايري الغربية بصور ٍة يَ عمليت تكوين الدولة وبناء االمة، مشوهة يف ِّ فعل معاكسة من على النحو الذي س ُيول ُد ردود ٍ لدن اجلماعات املتمسكة باملوروث الثقايف ،مما ُيعزز ذلك من عدم االستقرار السياسي والفكري للدولة الناشئة. 2أزمة اقليم الدولة وحدودها: وتتجسد هذه األزمة يف كون املسألة اجلوهرية يف اجل��دال السياسي الدائر يف الكثري من دول ً متمثلة وحسب يف قضية العامل الثالث مل َت ُع ْد 81
أقواس
أقواس
82
َم ْن حيكم؟ او كيف حيكم؟ ،بل اصبحت تتمثل ً ايضا وبصور ٍة رئيسة يف «هوية الدولة واقليمها»، فهل َّأن الدولة الناشئة ٌّ كتمل غري قابل كل ُم ِ حميط جغرايف اوسع؟ للتجزئة أم َّأنها جز ٌء من ٍ وهل هذه الدولة قادرة بشكلها الراهن على ْأن ً وخادمة تغدو ُمعبرِ ًة عن االرادة العامة ملواطنيها ملصاحلهم املشرتكة؟( ) 42وباعث هذه األزمة هو كون احلدود السياسية لغالبية دول العامل ُ ٌ ��س طبيعية الثالث ح��دود غري قائمة على أ ُس ٍ وإجتماعية ثابتة ،بل ُرسمِ ْت ً وفقا ملصاحل القوى الدولية املتصارعة و ِلكون اهلوية القومية ً أصال ِ ُِ املوطن مهم منها على إي�لا ِء ِ تشتمل يف ج��ز ٍء ٍ ً أهمية ُعليا يف ذاكرة أعضاء اجلغرايف وحدود ِه اجملتمع ومخَُ َيلتهم( ،) 43فقد أ ّدى ذل��ك اىل حالة من َت ُّ شو ِش اهلوية القومية عينها توليد ٍ ُث َّم َّأن عملية تكوين الدولة كانت تتم أساساً عرب حتريك املشاعر القومية ضمن اطار هذا مبعنى آخرَّ ،أن عملية تكوين االقليم املصطنع ً الدولة ً ً وفقا للشكل ( )1جتري بناءا على وجود حدو ٍد سياسية ثابتة إلقليم الدولةَّ ، ولكن الذي ً عمليا هو َّأن االقليم ( )Aالذي تتم فيه حيدث العملية هو إمتدا ٍد طبيعي واجتماعي ألقاليم جمتمعات من عني دول اخرى جماورة وذوات ٍ ٍ فصيل اجملتمع يف االقليم ( ،)Aوجتري يف تلك ايضا عمليات تكوين دول ٌ االقاليم ً كل على حدة ٍ او ربمَّ ا حتوي االقاليم ( )Bو( )Cو( )Dعلى كون ثقايف ينتمي اىل االقليم (ُّ ،)A وهلم َّ جرا. ُم ِّ ٍ ففي حالة ال��دول العربية ً مثال ،ج َ َ���ر ْت يف ك ِّ َ عملية تكوين ال��دول��ة على اساس ��ل منها حدودها السياسية املصطنعة ،بينما عملية بناء االم��ة فيها تدفع امل��رء لإلعتقاد بوجو ِد
اهلوية القومية العربية اليت تتجاوز بدورها تلك احلدود القطرية الثابتة َف ُيمسي املواطن ازدواجية َّ قلما حتدث يف غريها من بالتالي أس َري ٍ ُ هوية ُقطرية الدول – األمم ،وتتمثل يف بناء ٍ وأُخرى قومية تتعدى احلدود القطرية لتلتقي بامتداداتها االجتماعية والثقافية فالقوميني العرب منذ بداية اخلمسينات املنصرمة َّ وكأنهم أرادوا بذلك إمتطاء َف َرسني يف ٍآن واحد يسريان ُ َ يتجه حنو متعاكسني؛ احدهما يف إجت��اهَ�ين مركز الدولة القطرية واقليمهما ،بينما الثاني ينحو صوب اإلقليم األكرب ذي املراكز املتنا ِفسة على ريادة مشروع بناء الدولة العربية الكربى َفقا َدهم ذلك اىل إستنزاف املزيد من امل��وارد غري ذي َزرع املادية والفكرية عرب َز ِ رعها يف وا ٍد ِ
خالصة نخَ ُل ُص من ما تقدم َط ُ رحه اىل َّأن مشروع بناء الدولة – االمة يتوزع يف جوهر ِه على َمسا َرين ُ ُم ِ َ الوجهة و ُي ْ��ع َ��ر ُف تعاضدين؛ أوهلما أفقي ِ بإسم «عملية تكوين الدولة» ويتم فيها انشاء املؤسسات والبنى اليت بدورها تساهم يف حتقيق االندماج بني مكونات الدولة عرب تفكيك هويات اجلماعات االولية والكيانات السياسية ،من اجل استخالص االف���راد من ه��ذه اهل��وي��ات ُف��رادى َ العمليتني فهي ذات ذرات بال جامع أما ثاني َك ٍ اجتا ٍه عمودي وتتمثل يف عملية بناء االمة، بأواصر جديدة من وفيها ُيعاد توحيد االفراد ٍ هوية قومية موحدة لتكون خالل دجمهم يف ٍ ً اهلوية األعلى منزلة ما بني سائر اهلويات االخرى. ْ َّ لكن هذا ينبغي أن ال يدفعنا لإلعتقاد بسالسة اجن��از مشروع بناء الدولة – االم��ة وإمكانية ٌ مشروع لكونه حنو َيسري وذلك ِ َق ِ طف مثار ِه على ٍ ً وغالبا ما ال يتم بلوغ ُ غايت ُه يثياته، معقد يف َح ِ النهائية واملتجسدة يف قيام الدولة الواحدة ذات االم��ة ال��واح��دة فهذه الدولة تكاد تكون ً حالة افرتاضية حتى يومنا الراهن وعلى أية ُ ح��ال ،ف َّ نفسه يستند يف جوهر ِه ��إن املشروع ً مجيعا حتقيق تستهد ُف اىل جمموعة عمليات ِ االندماج ،أي بناء املواطن الصاحل الذي يشعر دولته َب َ يد َّأن كيان ِ بكونه جز ٌء ال َي ِ ِ نفص ُم عن ِ مثيله يف دويالت املدن هذا االندماج خيتلف عن ِ ٌ إندماج نسيب ال مطلق كونه اليونانية من زاوية ِ ٌ نتق ُص من خصوصية مبعنى َُّأن��ه إندماج ال َي ِ
الفرد بل يوسع من نطاقها ،وذلك ً وفقا ملنظور ً عموما. الليرباليني ويف ضوء ذلكَ ،يتبينَّ ُ َّأن بلوغ مثل هذه الغاية ً غالبا ما ُترا ِف َق ُه أزمات عديدة ومتشابكة ُت ْع َر ُف الة عدم بأزمات التنمية ،اليت تصيب الدولة بحِ ِ االستقرار ،اإل َّأن اكثرها ً شدة هما أزمتا االندماج واهلوية فالعالقة الوثيقة بينهما هي من قبيل العالقة بني «الكل» و»جل��زء» فأزمة اهلوية هي جزء من أزمة االندماج حبيث َّأن أزمة اهلوية ُتشكل احللقة النهائية يف سلسلة أزمات التنمية تلكِ ،لكونها تجُ سد أعمق مكان ميكن ْأن تصل نامجة ً ٌ أصال عن اليه حالة التأزم هذه العالقة ارتباط عملية تكوين الدولة بعملية بناء االمة َ فهاتني االزمتني حتدثان يف سياق مشروع بناء الدولة – االمة فقط وليس يف ظل ِّأي مشروع آخر لبناء الدولة ،كالدولة الدينية والدولة االمرباطورية على سبيل املثال ومن ناحية أُخ��رى َّإن ع��دم االستقرار الناجم عن قيام َّأية أزمة من أزم��ات التنمية هو حالة مؤقتة ً الحقا اىل االستقرار سواءاً على الصعيد ستتحول السياسي أو على صعيد املرجعية الفكرية للدولة َّ ويتمخ ُض هذا التحول عن ازدياد – االم��ة القدرة االستيعابية للدولة ،حبيث سينعكس ً اجيابيا يف مستوى االندماج املتحقق ،وهو ذلك ما سيزيد بدور ِه من القدرات االخرى للدولة والسيما الوظيفية والفكرية منها وبذلك َّ فإن َ ً طرديا مع القدرة تناسبا االندماج يتناسب االستيعابية للدولة ً وفقا للمنظور الليربالي
83
أقواس
أقواس
84
قائمة املصادر املصادر العربية ً اوال – الكتب: .1جاك دوندير دوف��اب��ر ،ال��دول��ة ،ترمجة د.مسوحي ف��وق ال��ع��ادة ،منشورات عويدات، بريوت ،ط.1982 ،2 .2د.رعد عبداجلليل علي ،التنمية السياسية ٌ مدخل للتغيري ،اجلامعة املفتوحة ،طرابسل، .2002 .3د سعد ناجي جواد ،التطورات السياسية احلديثة يف أفريقيا ،جامعة ب��غ��داد ،بغداد، 1991 .4د.صادق االسود ،علم االجتماع السياسي: أُسسه وابعاده ،جامعة بغداد ،بدون تاريخ. .5مادهوك بانيكار ،ال��ث��ورة يف أفريقيا، املؤسسة املصرية العامة ،القاهرة ،بدون تاريخ .6موريس دوف��رج��ي��ه ،م��دخ��ل اىل علم السياسة ،ترمجة د.سامي الدوربي ود.مجال االتاسي ،دار اجليل ،بريوت ،بدون تاريخ. َ ثانيا – البحوث والدراسات: .7د.جالل ع��ب��داهلل م��ع��وض ،أزم���ة عدم االن��دم��اج يف ال���دول ال��ن��ام��ي��ة ،جملة العلوم االجتماعية ،جامعة الكويت ،الكويت ،اجمللد ،14العدد ،4شتاء .1986 .8أنظر د رعد عبد اجلليل علي ،اجلمود املؤسسي وأث��ره يف فشل التنمية السياسية: حم��اول��ة م��ن أج��ل بناء مفهوم ،جملة العلوم السياسية ،كلية العلوم السياسية جبامعة بغداد، العدد ،40كانون الثاني .2010 .9شفيع بو منيجل« ،هوية الدولة واملسألة
الدميقراطية يف الوطن العربي» ،يف ،امحد ع��وض ال��رمح��ون وآخ���رون ،ال��دول��ة الوطنية املعاصرة :أزم��ة االن��دم��اج والتفكيك ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بريوت ،آب .2008 املصادر االجنبية First–Encyclopediasand Dictionaries: 10.Paul Barry Clark and Joe Foweraker (eds.), Encyclopedia of democratic thought, Routledge, London, 2001. 11.Roger Scruton, the Palgrave Macmillan dictionary of Political thought, Palgrave Macmillan, New York, 3rd ed., 2007. Second – Books: 12.Jochen Hippler, Violent conflicts prevention and nationbuilding: a key concept for peaceful conflict transformation?, Trans by Barry Stone, Pluto Press, London, 2005. 13.Vicky Randall and Robin Theobald, Political change and underdevelopment: a critical introduction to Third World politics, The Macmillan Press Ltd., London, 1985. 14.Walter Rodney, How Europe underdeveloped Africa, Bogle-
social change, 2nd ed., John Wiley and Sons Inc., New York, 1941. 20. Robert I Rotberg, “The New nature of nation-state failure”, in, The Washington Quarterly, The Center for Strategic & International Studies and the Massachusetts Institute of Technology, No 25, Vol 3, Summer 2002 21. Myron Weiner, “Political integration and political development”, in, George S Masannat (ed.), The Dynamics of modernization and social change: a reader, Goodyear Publishing Company Inc., California, 1973. 22. Will Kymlicka and Wayne Norman, “Citizenship in culturally diverse societies: issue contexts”, in, Will Kymlicka and Wayne Norman (eds.), Citizenship in diverse societies, Oxford University press, Oxford, 2003. اهلوامش Myron Weiner, «Political .1 integration and political development», in, George S. Masannat (ed.), The Dynamics of
أقواس
85
LῸuverture publisher, London, 1972 Third – Articles and Studies: 15. Hendrik Spruyt, “The Origins, development and possible decline of the modern state», in, The Annual Review of Political Science, No 5, 2002. 16. Karin Von Hipple «Democracy by force: a renewed commitment to nation building», in, The Washington Quarterly, No.23, Vol.1, Winter 2000 17. Leonard Binder, “The Crises of political development”, in, Leonard Binder & Others, Crises and sequences in political development, Princeton University Press, New Jersey, 1971. 18. Lucian W Pye, “Identity and the political culture”, in, Leonard Binder & Others, Crises and sequences in political development, Princeton University Press, New Jersey, 1971. 19. Lucian W Pye, “The Concept of political development”, in, Jasm L Finkle and Richard W Gable (eds.), Political development and
86
.221 ص، مصدر سابق،السياسة التنمية،رع��د عبداجلليل علي. أنظر د.12 ص، م��ص��در س��اب��ق،السياسية م��دخ��ل للتغيري .117-116 ،106ص علم،ص���ادق االس���ود. ( )ق���ارن م��ع د.13 ، جامعة بغداد، أُسسه وأبعاده:االجتماع السياسي .288 ص،بدون تاريخ See Vicky Randall and Robin .14 Theobald, Political change and underdevelopment: a critical introduction to Third World politics, The Macmillan Press Ltd., .London, 1985, p.29 See Jochen Hippler, Violent .15 conflict prevention and nationbuilding: a key concept for peaceful conflict transformation?, Trans. by Barry Stone, Pluto Press, .London, 2005, p.9 For more details see Robert .16 I. Rotberg, “The New nature of nation-state failure”, The Washington Quarterly, No. 25, .Vol. 3, Summer 2002, p. 86 للمزيد من التفاصيل حول طبيعة الدولة.17 . ترمجة د، الدولة،أنظر جاك دونديو دوفابر ، بريوت، منشورات عويدات،مسوحي فوق العادة .15-14 ،9 ص ص،1982 ،2ط مدخل اىل علم، أنظر موريس دوفرجيه.18 .264 ص، مصدر سابق،السياسة Lucian W. Pye,»Identity and .19
أقواس
modernization and social change: a reader, Goodyear Publishing Company Inc., California. 1973, .p.166 ، مدخل اىل علم السياسة، موريس دوفرجيه.2 ، دار اجليل،مجال االتاسي. سامي الدروبي ود. د:ت .221 ص، بدون تاريخ،بريوت Myron Weiner, Political .3 integration and political .development, op.cit., p.166 .167-See Ibid., pp. 166 .4 For more details see Philomena .5 Murray, «Integration», in, Paul Barry Clarke and Joe Foweraker (eds.), Encyclopedia of democratic thought , Rutledge, London, 2001, .456-pp.455 التنمية،رعد عبداجلليل علي. قارن مع د.6 ، اجلامعة املفتوحة،السياسية مدخل للتغيري .107 ص،2002 ،طرابس Myron Wiener, Political .7 .integration, op.cit., p. 167 See Ibid. p.167 ( ) .8 See Roger Scruton, The .9 Palgrave Macmillan dictionary of political thought, Palgrave Macmillan, New York, 3rd ed., .2007, p. 334 See Myron Wiener, Political .10 .integration, op.cit., p. 167 مدخل اىل علم، انظر موريس دوفرجيه.11
W. Pye, Identity and the political See .118-culture, op.cit., pp.115 also Leonard Binder, «The Crises of political development», in, Leonard Binder, et al, crises and sequences in political development, op.cit., .54-pp. 53 For more details see Lucian .26 W. Pye, Identity and the political .123-development, op.cit., pp. 118 See also Leonard Binder, The Crises of political development, .op.cit., p. 54 See Lucian W. Pye, «The .27 Concept of political development», in, Jasm L. Finkle and Richard W. Gable (eds.), Political development and social change, 2nd ed., John Wiley & Sons Inc., New York, 1941, pp. 45- 46. See also Leonard Binder, The Crises of political .development, op. cit., p. 66 See and compare with Karin .28 von Hipple, «Democracy by force: a renewed commitment to nation building», in, The Washington Quarterly, No.23, Vol.1, Winter .109-2000, pp. 104 علم االجتماع،ص���ادق االس���ود.انظر أي��ض ً��ا د .286 ص، مصدر سابق،السياسي ُ علىHipple تذهب اليه هيبل وهو ما.29
أقواس
87
the political culture», in, Leonard Binder, et al, Crises and sequences in political development, Princeton University Press, New .111-Jersey, 1971, pp. 110 See Sidney Verba, «Sequences .20 and development», in, Leonard Binder, et al, Crises and sequences in political development, op.cit., .p. 299 For more details see Lucian .21 W. pye, Identity and the political .114-culture, op.cit., pp. 112 For more details see .22 Walter Rodney, How Europe underdeveloped Africa, BogleLΌuverture publisher, London, .1972, p. 255 ً وأنظر ، الثورة يف أفريقيا،أيضا مادهوك بانيكار ب��دون تاريخ، القاهرة،املؤسسة املصرية العامة ً أنظر.31 29- ص ص ، سعد ناجي جواد.أيضا د جامعة،التطورات السياسية احلديثة يف أفريقيا .73 ص،1991 ، بغداد،بغداد 23. See Lucian W. Pye, Identity and the political culture, op.cit., pp. 111, 114 -115 See Vicky Randall and Robin .24 Theobald, Political change and .underdevelopment, op.cit., p.29 For more details see Lucian.25
أقواس
88
سبيل املثال ،وذلك عرب تشديدها على كون بناء األمة يعين يف احلقيقة بناء الدولة بعينها ،انظر: Karin von Hipple, Democracy by .force, op. cit., p. 96 See Lucian W. Pye, Identity ( .30 and the political culture, op.cit., p. .111 .See Ibid., p. 111 (.31 .32للمزيد من التفاصيل حول تلك السياسات االستيعابية وأنواعها انظر: Will Kymlicka and Wayne. Norman, «Citizenship in culturally diverse societies: issues contexts», in, Will Kymlicka and Wayne Norman, Citizenship in diverse societies, Oxford University .14-Press, Oxford, 2003, pp. 12 See also Myron Weiner, Political .integration, op.cit., p. 170 See Will Kymlicka and .33 Wayne Norman, Citizenship in culturally diverse societies, op.cit., .p. 14 .34أنظر د .رعد عبد اجلليل علي ،اجلمود املؤسسي وأثره يف فشل التنمية السياسية :حماولة من أجل بناء مفهوم ،جملة العلوم السياسية ،كلية العلوم السياسية جبامعة بغداد ،العدد ،40كانون الثاني ،2010ص .103 See Myron Weiner, Political .35 .integration, op.cit., p. 168وانظر ً ايضا جاك دونديو دوفابر ،الدولة ،م .س ،ص.7
For more details see Myron .36 Weiner, Political integration, .op.cit., pp. 173, 179 See Vicky Randall and Robin .37 Theobald, Political change and .underdevelopment, op.cit., p. 29 .38مثل هذا الوضع قد دفع بالبعض اىل ِّ حد جعل هذه الصفة ،أي ال َعصبنة َ والشخصنة ،مبثابة ميز ٍة إنفردت بها الكيانات السابقة على وجود الدولة ،فهي أقرب اىل اجلماعات العصبوية اليت ال تدين سوى ِلزعاماتها .فأعضاء هذه اجلماعات ال حال الوالء سوى ما جيدون من التزام يبقيهم يف ِ ٍ ُ غدقها عليهم عليه من أت��اوات وأم��وال ت ِ حيصلون ِ زعاماتهم .للمزيد من التفاصيل أنظر: Hendrik Spruyt, « The Origins,. development and possible decline of the modern state», in, The Annual Review of Political Science, No. 5, .131-2002, pp. 130 .39للمزيد من التفاصيل انظر د.جالل عبداهلل معوض ،أزمة عدم االندماج يف الدول النامية ،جملة العلوم االجتماعية ،جامعة الكويت ،الكويت ،اجمللد ،14العدد ،4شتاء ،1986ص .66 .40انظر موريس دوفرجيه ،مدخل اىل علم السياسة ،م��ص��در س��اب��ق ،ص ص .302،306 ول��ل��م��زي��د م��ن ال��ت��ف��اص��ي��ل ح���ول دور ال��ق��وى االستعمارية يف تفضيل وحماباة األقليات ومتكينها م��ن اس��ب��اب ال��ق��وة على حساب االك��ث��ري��ة ،انظر د.ج�لال عبداهلل معوض ،أزم��ة عدم االندماج يف الدول النامية ،مصدر سابق ص ص .73-71 .41للمزيد م��ن التفاصيل ح��ول امل��واق��ف
واالجتاهات املرتتبة على التعامل مع قيم احلداثة الغربية ،انظر د.رعد عبداجلليل علي ،التنمية السايسية مدخل للتغيري ،مصدر سابق ،ص ص .128-123 .42انظر شفيع بو منيجل« ،هوية الدولة واملسألة الدميقراطية يف ال��وط��ن ال��ع��رب��ي» ،يف، امحد عوض الرمحون وآخ��رون ،الدولة الوطنية املعاصرة :أزمة االندماج والتفكيك ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بريوت ،آب ،2008ص.92 Hendrik Spruyt, The Origins, (.43 development and possible decline .of the modern state, op.cit., p.128
89
أقواس
أقواس
90
أقواس الفكر السيايس اليساري الغريب املعارص
احمد خليل أرتيمتي
املقدمـــة مي��ث��ل ال��ف��ك��ر ال��ي��س��اري جم��م��وع��ة االف��ك��ار وتيارات اليت تقوم برد واقع املعاشي والعمل على تأسيس واقع جديد أكثرتطوراً تسودها املساواة والعدالة ،وقد تعقدت وتشعبت مفاهيم اليسارية مبرور الزمن وازدادت أهميتها بزيادة مزاولتها من قبل احلركات والتيارات السياسية ً مناقضا للفكر الليربالي العاملية وكانت بدايتها ُ وتأثرياته على طبقات اجملتمع ،وكانت تؤكد على حتمية الوصول حلالة املشاعية اليت متتاز باملساواة واخلالية من العقد واخلالفات ،وقد ظهرت حركات تزعمت هذا الفكر السياسي وحماوالتهم لتوضيح حقائق اجملتمعية وبث التوعية الفكرية بني االف��راد اجملتمع ،وقد تبلو َر يف ذه��ن الباحث مجلة م��ن تساؤالت خبصوص ه��ذا امل��وض��وع من أمثلتها :ماهية االسباب املوضوعية لظهور وأنبثاق هذا اجتاه من الفكر السياسي؟ وما العوامل االقتصادية واالجتماعية والسياسية والفكرية املساعدة لنهضة هذه االفكار؟ وما الطبقة االجتماعية اليت خرجت من عباءتها هذه االفكار السياسية؟ وملاذا ؟ وما اسباب أنتشار هذا الفكر السياسي ؟ وم��ادور وتأثريات ثورة أكتوبر (1917م) يف توسيع الفكر االش�تراك��ي ومساندة احلركات االشرتاكية يف العامل ؟ وهل استمر تطبيق فكر املاركسي يف االحتاد السوفيييت ؟ ماهو تاثريات تفكيك االحت���اد السوفيييت على املنظومة االشرتاكية ؟ وماهية آفاق ومستقبل االشرتاكية ؟ كل هذه التساؤالت حفزت الباحث على أجراء
هذه البحث وصوالً اىل إجابات وافية عنها ،سيما وانه مل يعثر على دراسة سابقة بهذا التوجه يف ُ أطار ُ وجامعته. كليته أهمية البحث: يعترب الفكر السياسي اليساري أح��د أهم املنظومات الفكرية السياسية املعاصرة أذ دارت حوهلا خالل القرن املنصرم الكثري من اجلدل وق��ادت دوال ًوشكلت أحزابا ً يف معظم أحناء العامل ،وبوصفها منظومة فكرية متكاملة ذات ٌ تساؤالت تيارات وأجتاهات متعددة ،الزال هنالك كثرية حوهلا وحول أهميتها باحلياة السياسية واالجتماعية يف القرن احل��ال��ي ،وتأتي هذه الدراسة لتوضيح أو عرض االفكار السياسية اليسارية وتبيان أهميتها يف تطوير اجملال السياسي الغربي ،وسيفيد املعنيني بالعلوم السياسية كالباحثيني وطلبة العلوم السياسية من خ�لال أط�لاع على ط��روح��ات وحيثيات ومالمح االفكار اليسارية الغربية املعاصرة اليت سيكشف عنها البحث ،وكذلك سيشكل البحث أضافة معرفية للمكتبة الكوردية ،ونتاجا ً ً متواضعا يف ميدان العلوم السياسية من علميا ً خالل تسليط الضوء على خصائص ومالمح وآثار هذا النمط من الفكر السياسي املعاصرعلى وفق املنهج العلمي. فرضية البحث: أن هذا االجتاه من الفكر السياسي الغربي كان ُله املربرات الواقعية واملنطقية للظهور والتوسع وتأثريات فاعلة وحمركة يف حياة الشعوب من النواحي الثقافية واالجتماعية واالقتصادية 91
أقواس
أقواس
92
والسياسية ،وتفرتض الدراسة أن الفكر السياسي اليساري املعاصر منظومة فكرية حيوية وفاعلة على الساحة السياسية العاملية وخباصة الساحة الغربية ،والزال��ت فاعلة مل تتوقف مديات تطورها التفاعلي الفكري. الفصل االول :نشأة الفكر السياسي اليساري الغربي: املطلب االول :ماهية الفكر السياسي اليساري اوال:الصريورة التارخيية لظهور اليسارية ان بدايات اليسارية تعود لفرتة حكم عائلة فالويس Valois Dynastyواليت إمتدت من 1328م إىل 1589م يف فرنسا حيث كانت طبقات الشعب يف ذلك الوقت مقسما إىل ثالث طبقات رئيسية ليست يف فرنسا وحدها بل يف معظم أوروبا ،وكانت تتكون من امللك وطبقة رج��ال الدين ،وطبقة النبالء االقطاعيون و طبقة العامة املتوسطة و كانت هذه الطبقة تكون 98%من الشعب الفرنسي وكانوا أفرادها معظمهم متعلمني ،وق��د انتابهم الشعور بعدم الرضا عن املكانة اليت حيتلونها بالقياس إىل طبقة النبالء ،وأصحاب املقام الرفيع يف الكنيسة ( )1وكان اليسار ُ منذ بداية نشوءه وم��رورا بالثورة الصناعية معارضا لتمركز القوة وال��ث��روة يف طبقة معينة من طبقات اجملتمع ويسعى القضاء على الالمساواة عن طريق تشجيع الدميقراطية وإص�لاح��ات يف جم��ال ملكية األراض��ي وتبين بشكل تدرجيي لقضايا الطبقة العاملة يف املصانع من ضمانات اجتماعية وإنشاء نقابات للعمال أخذ مواقف مناهضة لإلمربيالية ومعارضة العوملة ،وبعد صدور نظرية التطور لعامل التاريخ الطبيعي
(تشارلز داروين ) Charles Darwinساند اليسار وبقوة هذه النظريات بل نشأ تيار يساري باسم الداروينية والداروينية االجتماعية يف القرن العشرين ومع تصاعدوترية احلركات املناهضة للتمييز العنصري تبنى اليسار قضايا اإلجحاف بسبب العرق واجلنس والدين فقام اليسار بالتحالف مع بعض التيارات الدينية هلذه األغ��راض مثل (حركة مارتن لوثر كنج ) Martin Luther King JRوحركات ليست ذات طابع ديين مثل احلركات املطالبة حبقوق املرأة (.)2 واليسارية تؤكد أن البشرية مرت مبراحل عديدة وهذا ماأكد عليه هيغل واستمد منه ماركس حيث يرى ان االوىل مراحل البشرية هي املشاعية البدائية ففي هذا اجملتمع البدائي كانت ادوات العمل بسيطة جدا كالبلطة والفاس واخل ( )3أما العالقات االجتماعية لالنتاج فقد كانت متناسبة مع هذا املظهر البسيط االوىل لقوى االنتاج ولكن هذه احلالة اصيبت باالنهيار عندما ازداد احتكار مبتطلبات احلياة مما أدى زي��ادة قوة عند طبقة (السيدة)العتداء على طبقة االخرى(العبيد) من خالل استغالهلم وسلبهم وه��ذه ماتسمى مبرحلة بالعبودية ( )4ويف ه��ذه املرحلة فقد ت��ط��ورت وسائل العمل وزادت بدورها أنتاجية العمل يف الزراعة واستمرت عملية التقسيم العمل ،ومنت املدن وتطورت التجارة وظهرت الطبقة االقتصادية لدفع استمرارية احلياة ومن ثمَظهور مؤسسات ونظام السياسي ونشوء النظام السياسي عند اليساريني هو اصل الظلم الن يقوم دحر طبقة كبرية من اجل طبقة صغرية ،ومن هنا تظهر
مرحلة اخرى اال وهي مرحلة االقطاع ( )5حيث ترتبط طبقة العبيد باالرض وليس باسيادهم االقطاعيني ويف هذه املرحلة حتولت الطبقتني املذكورتني لطبقة االقطاعيني وطبقة الرق ومن هنا مت حتديد أطار السلطة السياسية ،الن االقطاع حباجة حل��دود لفرض والء التابعني ويتم مزاولة التجارة ليحصلون على االموال وبهذا حياولون اخلروج عن حدود االقطاعيون الن االقطاعيون اليسمحون بتنمية التجارة الن النظام االقطاعي كانت يعمل وفقا مبدأ االكتفاء ذاتي لذا هم غري حمتاجون لشراء احلاجات وكان هناك مبدا املقايضة ايضا وبعد ذلك ادى بهم اىل مزاولة العملة مقابل احلاجة و ظهر مفهوم (الربح) ويف نفس الوقت كانوا حباجة اىل قوة واالي��دي عاملة للحفاظ على تلك الثروة ()6 وبهذا ظهرت طبقة الربجوازية فقد ادت الثورة البورجوازية اىل نشوء شكل جديد من اشكال الرتكيب االجتماعي وهو النظام الذي تقوم فيها العالقات االنتاج ايضا على اساس امللكية اخلاصة لوسائل االنتاج مما ادى اىل متييز بني طبقات وظهرت الطبقة الوسطى الربجوازية وطبقة ارستقراطية املنحدرة من طبقة االقطاعية مما أدى اىل نشوب احلروب بني الطبقتني والطبقة العاملة ك��ان��ت حليفة لطبقة ال�برج��وازي��ة لتخلص من سيطرة االقطاعية وليصبحوا ُ حيث طبقة عاملة عند طبقة الربجوازية، ان طبقة االقطاعية كانت نشاطاتهم حمدودة بينما طبقة الربجوازية كانت طموحاتهم واالفكارهم واسعة ،ومن ثم قاموا بأنشاء املعامل واملصانع وبهذا هاجر الفالحون ليكونوا عمال يف تلك املصانع واحلاجة اىل حمروقات استوجب
بهم فتح مناجم الفحم الطبيعي وهذا بدوره حباجه اىل عمال ،ل��ذا الكثري من سكان اورب��ا اصبحوا عمال وقد مسيوا بالربوليتاريا (.)7 وبهذا امللكية اجلماعية لوسائل االنتاج قد انتج نظاما االشرتاكيا فالصفة اجلماعية لالنتاج تقابلها صفة مجاعية للملكية وسائل االنتاج أي امتالك للخريات املنتجة ويف هذه املرحلة جتد املبادئ التالية (كل االنسان جيب ان يعمل وفق متطلباته) فانها حتتاج اىل مرحلة جديدة اخرى هي مرحلة اجملتمع اخلالي من الطبقات وهي مرحلة الشيوعية (.)8 ثانيا :املاهية اليسار كمنظومة فكرية نشأة كرد فعل ضد السياسات الليربالية بأعتبارها التستطيع ضمان مستقبل واض��ح وزاه���ر وت��ك��ون حم��ط االم��ل العامل ،وقد أخذت املنظومة اليسارية خبصائص الرينساس واالنسانوية وكانوا يف البادئ على هيئة منظومة مثالية أو ( ايديالية) واشتقوا أالف��ك��ار فالسفة عصر اليوناني و اعتمدوا على البناء املساواتي باعتبارها حجر االساس لنيل متطلبات الوصول لسعادة ،وحاول بعض من روادها مثل (سان سيمون) مبحاولة انشاء جمتمع من��وذج��ي خالي م��ن الظلم الطبقي باالعتماد على املساواة ( )9ومتثلت اليسارية باالجتاهات اليت ب��رزت يف نهاية قرن الثامن عشر وبداية قرن تاسع عشر وكانت على شكل جمموعة متكاملة من األفكار واملناهج والوسائل السياسية واالجتماعية اليت تشرتك بصرف النظر عن االختالف يف التفاصيل ،يف رفض ً إميانا ال يتزعزع اجملتمع االستغاللي ،وتؤمن بالتقدم احلتمي للمجتمعات ،مؤكدة إرادتها 93
أقواس
أقواس
94
يف إقامة جمتمع أكثر ً عدال وكفاية ويف حتقيق املساواة الفعلية بني مجيع الناس ومجيع األمم ( )10إتفقت على رفض الواقع املعاش والرغبة يف أستبداله بشكل كامل وجذري بواقع جديد ً تقدما وازدهاراً (.)11 أكثر ً ثالثا:التعريف ً ً سياسيا فكريا و ميثل الفكر اليساري تيارا يرتاوح من الليربالية واإلشرتاكية إىل الشيوعية مروراً ًبالدميقراطية االجتماعية و الليربالية اإلشرتاكية وتسعى ب��دوره��ا لتغيري اجملتمع إىل حالة أكثر مساواة بني أف��راده ( )12وان إستعماالت مصطلح اليسارية أزدادت تعقيدا ً وتشعبا مبرور الزمن حبيث اصبح من الصعوبة بل من املستحيل إستعماهلا كمصطلح موحد لوصف التيارات املختلفة املتجمعة حتت مضلة اليسارية ،و(اليسار ) left-wingمصطلح سياسي يعين االحزاب االشرتاكية ،ويعود أصله اىل اجلمعية الوطنية الفرنسية عام 1789م حيث جلس النبالء يف جملس ال��ش��رف على ميني الرئيس وجلس جملس العموم اىل اليسار، واص��ب��ح ه��ذا الرتتيب تقليداً ً يف الربملانات االوروبية ،حيث جيلس التقدميون على اليسار واحملافظون على اليمني ،أما اليسار اجلديد new leftمصطلح يشمل سلسلة عريقة من النظريات واحلركات السياسية الراديكالية اليت ظهرت يف أواخر اخلمسينات من القرن العشرين َ وخصوصا كرد فعل لالخفاقات اليت بنيت بها املنظمات اليسارية التقليدية ،وكذلك تاثر اليسار اجلديد حبركة احلقوق املدنية االمريكية
إفضل النشاط السياسي كطريقة لتحدي سيطرة املؤسسات احلكومية ،وأعجب باليسار اجلديد أبناء الطبقة الوسطى من املتعلمني الشباب ( )13وتتعدد معاني فكر اليساري ففي الغرب تشري إىل اإلشرتاكية او الدميقراطية االجتماعية (يف أوروبا) و الليربالية (يف الواليات املتحدة) ،من جهة اخرى فإن اليسارية يف األنظمة الشيوعية تطلق على احلركات اليت التتبع املسار املركزي للحزب الشيوعي وتطالب بالدميقراطية يف مجيع جم��االت احلياة ،وهناك مصطلح آخر ضمن السياق العام لليسارية وتسمى الالسلطوية واليت ميكن إعتبارها بأقصى اليسار اواليسارية الراديكالية ،يف حني يوجد هناك جدل بني تيارات الفكر اليساري حول معنى اليساري فالبعض يرفض رفضا قاطعا اي صلة باملاركسية و الشيوعية و الالسلطوية بينما يرى البعض اآلخ��ر ان اليساري احلقيقي جي��ب ان يكون شيوعيا او اشرتاكيا ،بصورة عامة خيتلف اليسار السياسي عن اليمني بتبنيها للحريات الشخصية و العلمانية و العدالة االجتماعية ويف معظم دول الشرق األوس��ط تأتي اليسارية مرادفة للعلمانية علما ان بعض احلركات اليسارية التارخيية كانت تتبنى املعتقدات الدينية ومن ابرزها حركة إنهاء التمييز العنصري يف الواليات املتحدة على يد القس (مارتن لوثر كنج) ( )14وماجيدر االشارة له ان فلسفة الفكر السياسي اليساري بصورة عامة تركز على بناء ٌ وعدل ويكون فيه توزيع جمتمع أكثر مساواة عادل للثروة(.)15 ومن الناحية السياسية يشريالفكر اليساري اىل ان مصدر التشريع هو العقل والعلم أساسا
وبالتالي يدافع عن العلمانية مع األخذ بعني االعتبار اخلصوصية الثقافية وايديولوجية، و يدعم اليسار التغيري االجتماعي والثقايف والسياسي (.)16 املطلب الثاني: اخللفية اجملتمعية لنشاة الفكر السياسي اليساري املعاصر: ً اوال :العوامل االجتماعية . ً ً اساسيا عامال كانت الثورة الصناعية اجلديدة يف من��و السكان ومت��رك��زه��م يف امل��دن وظهور مشاكل عديدة يف هذه املدن واخنفاض االمية بني السكان وظهور املطبوعات الدورية اهلائلة العدد كالصحف واجملالت ،ومن ناحية االخرى اشتداد حدة الصراعات العنيف اخذت تظهر بوادره بني الطبقة املتوسطة والربوليتاريا ،فما ان حترر العمال ونالوا قسطا من التعليم حتى حولوا االحزاب السياسية اىل مناصرة مصاحلهم اخل��اص��ة واصبحت االش�تراك��ي��ة حركة كفاح العمال ترمي اىل استخدام السلطة السياسية يف احلصول على املكاسب االقتصادية ،واتسع نطاق احلركة االشرتاكية واصبحت عاملية يف اغراضها، وكان تاثرها يشتد يف املناطق اليت يشتد فيها النظام الطبقي ويسيطر عليها النظام االقطاعي وظهرت نقابات العمال كوسيلة للمساومة اجلماعية لصاحل الطبقة العاملة (.)17 نشوب الثورة الصناعية أدت بدورها اىل زيادة يف ث��روة الربجوازيني الرأمساليني وعددهم وقوتهم ،كما اف��رزت يف الوقت نفسه زي��ادة يف عدد العمال وتنامي عملية استغالهلم ،مما ادى اىل دفع الكثري من الطبقة املثقفة اىل التعاطف
مع الطبقة العاملة ،لذلك ميكن ان يقال ان ً ً اساسيا لظهور عامال الثورة الصناعية كانت االفكار االشرتاكية ( )18اىل جانب تفشي الفساد االداري يف انظمة احلكم اليت كانت هلا دور كبري ومن ثم توسع الكبري يف الفكر االشرتاكي الذي شهد ُه قرن العشرين كلها تعترب من العوامل املساعدة لتوسع الفكر اليساري الغربي(.)19 ً ثانيا :العوامل االقتصادية حقق النظام الرأمسالي ً منذ القرن الثامن عشر اجنازات كبرية قادت اىل أحداث الكثري من التطورات االقتصادية و االجتماعية والسياسية والثقافية ،يف الوقت الذي كان البعض على قناعة بأن املنتظم الليرباليي حتمل يف أعماقها القدرة على جتاوز تلك التعقيدات بزيادة االنتاج عن طريق زيادة يف توضيف رؤوس االموال وبالتالي حتسني احلالة املعيشية للطبقات املعدومة وآلجل ذلك اشرتطوا ضمان احلرية االقتصادية يف أوس��ع جماالتها ،غري ان هذا مل يتحقق من الناحية الفعلية و بقيت تشكل معضلة يضيق بها النظام الرأمسالي نفسه ،فقام بعض املفكرين االخرين وبناءاً على التداعيات االجتماعية املرافقة للتحوالت االقتصادية وحمدودية نتائج التصورات الفكرية السابقة باصدار احكام اخالقية بصدد اجملتمع ال��ذي يعيش يف كنف هذا النظام ،وأعتقد أخ��رون بأن هذا النظام الناشئ سوف خيلق مضاعفات خطرية ً ً معارضا منها ،وق��اد التطور موقفا فاختذوا الصناعي الذي حققته دول اوربا الغربية خالل القرن الثامن عشر والنصف االول من القرن التاسع عشر أثار عميقة على واقعها االقتصادي 95
أقواس
أقواس
96
واالجتماعي فقد خلقت الثورة الصناعية اليت أنطلقت بادئ االمر من إنكلرتا العوامل املادية واملعنوية املهيمنة لقلب اهلياكل االقتصادية واالجتماعية يف هذه الدول و أثرت يف معطيات االنتاج االساسية فقلبتها كما أنها مزقت عالقات االنتاج القائمة ( )20ومن َ ثم ظهرت االفكار االشرتاكية كرد فعل لواقع املعاش اليت عانتها اجلماهري من اج��ل حتقيق اعلى رب��ح ممكن، ولكن باجور متدنية وساعات عمل طويلة، وانعدام الرعاية الصحية ،واستخدام الرجال والنساء واالطفال يف العمل ،وادى اىل اضطرابات اجتماعية وث��ورات سياسية واقتصادية ومن هنا ظهرت افكار تنادي بانصاف الطبقة العاملة وحتسني احواهلم املادية واملعاشية وكانت معظم الكتابات تصف الواقع وتتطلع اىل جمتمعات مثالية (.)21 و قد ظلت اهلوة بني الذين ميلكون وال الذين الميلكون تتزايد اىل ان بلغت ذروتها يف النصف االول من القرن التاسع عشر ففي هذه الفرتة كانت الظروف االقتصادية واالجتماعية العداد العمال املتزايدة يف ظل التوسع الصناعي يف تدهور واحنطاط بينما كانت رؤوس االموال ترتاكم يف مشروعات الصناعية بدرجة كبرية ع��اش ه��ؤالء العمال ح��ول املصانع يف االك��واخ متالصقة التعرف النور او اهلواء وانتشر بينهم امل��رض والبطالة مما اوج��د ً خلال يف النظام االقتصادي لوجود فوارق أجتماعية كبرية بني افراد الشعب متمثلة يف طبقة االثرياء اصحاب املصانع وطبقة العمال الذين ظلوا يعيشون يف فقر مرفع ،ومل يكن هناك من عوامل توقف هذا اجتاه أو ختفف من غلوائه فقد كانت الدولة
التتدخل يف احلياة االقتصادية لتعيد التوازن املفقود وذلك يعود لالنتشار املذهب االقتصادي احلر وسيطرته على مفاهيم السياسية ورجال الدولة يف ذلك احلني وحلداثة الدولة باحلياة الصناعية وخشيتها من ان يؤدي تدخلها اىل عرقلة التقدم الصناعي ظلت الطبقة العمالية طوال هذه الفرتة وحتى بعد صياغة النظرية املاركسية بال قوانني حتمي مصاحلها وبال إج���راءات تنظم شؤونها )22أم��ا من ناحية اخرى مل يكن العامل حق يف تكوين نقابات أو هيئات تتوىل الدفاع عن مصاحلهم يف مواجهة أرباب العمل ومل يكن هلم يف النشاط السياسي حظ يذكر إذ مل تكن لديهم جتمعات سياسية أو حزبية ومل يكن بالتالي تاثريهم يف احلياة ً ملموسا يف خصم ه��ذه الظروف السياسية االقتصادية واالجتماعية ،ظهرت الكتابات االشرتاكية يف القرن التاسع عشر ك��رد فعل على احلياة البائسة الغري االنسانية ملاليني البشرالذين يعيشون يف ش���روط عمل غري صاحلة اىل جانب ظروف أقتصادية واجتماعية تهدد حياة العامل والواقع ان الفكر االشرتاكي ليس وليد يومه فجذوره بعيدة االمتداد وعرب التاريخ ومصاحبة هلذا الصراع االقتصادي االجتماعي ،غري ان هذه االفكار كانت متناثرة مشتته حتى نهاية ق��رن الثامن عشر ومن ثم مت صياغتها يف قوالب نظرية تعكس روح العصر ومتطلباته ،وان هذا الفكر يدور حول حم��ور رئيسي وه��و الدعوة اىل تدخل النقاذ العمال وأرت��ق��اء مبستواهم ،وك��ذل��ك هاجم اشرتاكيون الفلسفة السياسية االقتصادية الفردية معتربينها املسؤولة عن السيئات الثورة
الصناعية النها تضمن متلك االف��راد لوسائل االنتاج وجتعل الربح الشخصي احملرك الوحيد لنشاط االقتصادي وترفض مبدأ تدخل الدولة يف احلياة االقتصادية (.)23 ً ثالثا :ثورة اكتوبر 1917 جاءت ثورة أكتوبر تعبرياً عن ّ تفجر تناقضات الرأمسالية يف إح��دى اضعف حلقاتها ،وهي ً خالفا ملا يدعيه بعض املؤرخني الربجوازيني، فأنها ثورة حقيقة انطلقت من أعماق اجملتمع الروسي مبشاركة واسعة من مجاهري الفالحني املسحوقة يف الريف ،والطبقة العاملة النشيطة يف امل��دن ،وأقسام واسعة من الفئات الوسطى احلضرية وقد سبقت االنتصار احلاسم للثورة بقيادة حزب البالشفة ،جمابهات وانتفاضات، ضد السلطة القيصرية االستبدادية وضد طغيان االقطاعيني وكباراملالكني ،مل يكن ً خافيا على لينني ورفاقه ان روسيا ،حلظة االستيالء على السلطة مل تكن متتلك الشروط املادية لقيام االشرتاكية ،فقد حت��دث لينني يف اكثر من مناسبة عن ختلف قوى االنتاج يف روسيا والطابع الربجوازي الصغري لرأمساليتها وع��دم بلوغ العالقات الرأمسالية فيها درجة النضج ال��ك��ايف إلجن��از البناء االش�تراك��ي فهي تناقض نظرية ماركس حول امكانية قيام ثورة يف ظل وجود نظام صناعي اال أن البالشفة مل جيدوا يف التعارض القائم بني نضج الشرط السياسي املتمثل باستيالء الطبقة العاملة وحلفائها على السلطة ،وع��دم توفر بعض عناصر الشرط املوضوعي إلقامة االشرتاكية ( )24ولكن استطاعوا البالشفة انتصار يف ثورة عام 1917م وللمرة االوىل يف العامل نشأت
سلطة سياسية تعتمد على العقيدة املاركسية يف بناء دولتها واصبحت االشرتاكية امام حتدي التطبيق. وتعترب ثورة اكتوبر نقطة التحول بنسبة لالفكار اليسارية حيث قد َم (فالدميري لينني) ثورة مهدت الطريق لعامل االشرتاكية ومن ثم انشاء دولة تقوم على اسس االشرتاكية واليت بدورها أخذت تتبنى هلا احلركات التحررية يف اسيا وافريقيا وامريكا الالتينية وكانت احلافز االقوى النتشار الفكر املاركسي اللينيين الثوري حيث كانت تنادي اىل حتقيق املساواة والعدالة االجتماعية ،كانت الثورة سياسية واجتماعية وثقافية مستنده على فلسفة وافكار سياسية تعاجل متطلبات احلياة املادية واملعيشية والثقافية ،وامتد تأثريها اىل العديد م��ن دول ال��ع��امل م��ع ام��ت��داد الفكر اليساري التقدمي وانتشاره بشكل واس��ع وخباصة يف ال��دول اليت تعاني من االستعمار واالستغالل ( )25وكانت تؤكد على ضرورة وجود احلزب الطليعي القادر على تعبئة اجلماهري من أجل املعركة الوطنية ،إن جن��اح الثورة البلشفية يف روسيا ،وجن��اح أي ث��ورة اشرتاكية يف العامل مرتبط بعدة شروط ،أهمها السياسة الصحيحة املقنعة هلذه اجلماهري اليت ستكون عماد الثورة مع االنضباط احلديدي الذي يقوم بشكل أساسي على وعي الطليعة الربوليتارية ووفائها ملبادئ الثورة ومقدرتها على التقرب من اجلماهري الكادحة واإلندماج معها وخباصة الربوليتاريا، ومن ثم أن النضال السياسي يبدأ من نشر الفكر االشرتاكي والنظرية الثورية وإيصاهلا للجماهري الكادحة ( )26كذلك قدمت الثورة التجربة 97
أقواس
أقواس
98
معاشة لبناء االشرتاكية حولت االشرتاكية من نظرية اىل واقع معاش رغم كل النواقص والثغرات اال انها حققت اجنازات مل جيد اقطاب الرامسالية بدا من تبنيها يف سياق تنافسهم على كسب ثقة البشرية ،واستطاعت بزخم اجنازها وتعميم جتاربها ودعمها للشعوب املكافحة من اجل حتررها االجتماعي والسياسي من اتساع جماهلا وتكوين املعسكراالشرتاكي وبهذا فان أوىل البصمات اليت تركتها االشرتاكية يف ميدانها العملي وعلى الساحة الدولية متثلت بهذه الثورة (.)27 ً رابعا :العوامل الفكرية . أدى أخرتاع الطابعة أنتشار الكتب واملؤلفات بني خمتلف طبقات الناس وأصبحت املعرفة وأراء ال��ف�لاس��ف��ة وامل��ف��ك��ري��ن واملصلحني االجتماعيني يف متناول أي��دي اجلميع وهذا َ ساعد اىل أنتشار التعليم بشكل واسع بدوره مما سبب خلق حالة من الوعي لدى الشعوب مل تكن متوفرة يف االزمان السالفة وهكذا ظهرت احلركات التحررية ونظريات عديدة لالصالح االجتماعي خاصة يف القرنني الثامن عشر والتاسع عشر وكانت الغاية من تلك النظريات أع��ادة تنظيم احلياة االجتماعية والسياسية حبيث يزول الشعور بالغنب من كل فئة من فئات اجملتمع وحيل حمله الشعور بالقناعة والرضى واالطمئنان ( )28لذلك ظهرت جمموعة االفكار اليت اخذت ال��دور املناهض للفلسفة الفردية اليت كانت تستدعي فكرة عدم التدخل السلطة السياسية يف شؤون االقتصادية ومتثلت بتيارات وألوان كثرية من اليسارية يف القرن التاسع عشر اليت أصبحت خلفية لليسار املعاصر.
املطلب الثالث: تيارات الفكر السياسي اليساري الكالسيكي: اوال:االشرتاكية الطوبائية أو املثالية. ان االساس الفلسفي الذي أعتمدوا عليه هو أن اجملتمع العادل ينشأ عن طريق تثقيف اصحاب العمل الربجوازيني وبهذا يقومون بتطبيق ق��واع��د ال��ع��دال��ة ،وان سبب تسميتهم هلذة الدعوة للتغيري باخليالية او الطوبائية هو لعدم جدواهم من الناحية العملية ،لذا اطلق على هذه املدارس الثالث أسم االشرتاكية املثالية أو الطوبائية ( )29ومنها: االفكار االشرتاكية املثالية اليت ظهرت يف انكرتا كانت نتيجة تطور الرامسالية السريعة فيها ً مقارنتا بالدول االوروبية االخرى ،فالتشريع القاسي ف��رض على الربوليتاريا االنكليزية شروطا حياتية قاسية ( )30وان هذه االفكار متخضت من خ�لال مفكرين اساسيني وهما (روبرت أوين_وليم كودوين) فقد اعترب اوين ان الرأمسالية مبا تنطوي عليه من البحث عن املنفعة الشخصية واملنافسة احلرة تعترب منافية للوضع الطبيعي ( )31وق��ام بربط ما بني االصالح االخالقي وحتوالت النظام االقتصادي، وقد اخذ بسياسة فعالة لتحسني شروط احلياة االنسان وهذه السياسة قائمة على علم االخالق، ان املبدا االس��اس هلذا العلم سوف يتلخص يف ان الناس هلم مصلحة يف ان يتحدوا يف العمل، ويتعاون بعضهم مع البعض االخر ،وقد اراد ان ُ ملصنعه وكذلك الدارته يطبق افكار ُه من خالل ِ العمل على ختليص العمال من استغالل التجار
الصغار ،وح��اول تطبيق اف��ك��اره االشرتاكية ُ حماوالته التعاونية باقامة جمتمع تعاوني أال ان ب��اءت بالفشل ( )32أم��ا وليم كوديون الذي انطلق من مبدأ املنفعة ولكنه يستخدمه بشكل خاص ،حيث جيمع مابني هذا املبدأ والفكرة القائلة ان اجملتمع ينبغي ان يكون خاضعا ملبدأ التعقل ،وكذلك أكد على انه كل فرد يسري وراء مصلحته الشخصية ويبحث عن احلد أالعلى من السرور ويرى ان الرياضيات اخالقية اليت يذكرها النفعيون جيب ان تطبق على مستوى جمموع اجملتمع ،وكذلك ا ُن��ه يسري على مبدا (احلد االعلى من االشباع ) وجيند نفسه لنقد امللكية باملفهوم الذي كان شائعا يف زمانه ،وان شكل الوحيد للملكية ال��ذي يبدو متمتعا يف نظره بالشرعية ،هي اليت توزع بنسبة حلاجات فرد ،وكان يرى ان احلق يف االرث الذي كان قد صيغ من قبل احلكومات هو املسؤول عن حالة عدم املساواة و ان امللكية يف مجيع االشكال اليت تتخذها كانت قد تثبتت بفضل التدخل املباشر الذي يضطلع به تنظيم معني من اجل العودة اىل النظام الطبيعي لالشياء ل��ذا جيب ألغاء امللكية. وبهذا يطالب كودوين مبجتمع يستفاد فيه كل االف��راد من العمل املشرتك وفقا حلاجاته وهو يطالب كذلك مبجتمع بال حكومة وذلك باعتقاده من غري املمكن عمل قوانني وتطبيقها واملعاقبة مبوجبها دومنا خترق فيها استقالل الفرد ل��ذا جيب التفكري بدولة جيد فيها كل واحد فقط التحكيم الضروري عندما تكون هنالك تنازع ما بني املصاحل الفردية ،ويؤكد ان الوسيلة ل��وص��ول مل��س��اواة ه��ي ليست عن
طريق الثورة العنيفة بل بتغري االخالق بشكل تدرجيي ( )33أما االفكار االشرتاكية املثالية ال�تي ظهرت يف فرنسا ف��ان مؤرخي العقائد االشرتاكية يعتمدون اليوم على اعمال كل من (سان سيمون) و(فوربيه) فهم يف مقدمة املفكرين الذين أخ��ذوا باالفكار االشرتاكية الطوبائية يف فرنسا. ان سان سيمون جعل من تطور العقل االنساني القوة احملركة للتطور االجتماعي وكان يرى بان نظام العبودية استبدل تارخييا بالنظام االقطاعي بسبب من ان الفالسفة العصور الوسطى ك��ان��وا ق��د أدرك���وا وخلقوا تنظيما اجتماعيا اكثر كماال مما ادرك وخلق فالسفة االغريق وال��روم��ان ،وكذلك يرى ان حتطيم النظام االقطاعي الالهوتي هو نتيجة الطبيعة لتطور العلوم الفيزيائية والرياضية وأكد على اهمية العوامل املادية فقد اشار اىل ان السياسة علم االنتاج ،وأكد على التقدم الصناعي الذي ارتبط بالرأمسالية ولكن بنظر ِه هي رأمسالية مؤقته كما هو احل��ال بالنسبة لالقطاع ،أما فوربيه فقد ك��ان ي��رى ب��ان املصانع تتقدم على حساب فقر العامل ول�لاص�لاح اجملتمع يؤكد فوربيه على (املشارك) اي على نوع من اجلمعيات املغلقة املؤلفة من 1600شخص تقريبا ويتوجب عليهم القيام بكل الوظائف ً نظاما االجتماعية ،وان املشرك ليس أطالقا شيوعيا ،وكان فوربيه يكره الفوضى وحيرتم االرث ويعترب الثروة والفقر امرين طبيعيني وحياول ان يغري الرأمساليني بالتلويح هلم بامل الربح املدهش بتوظيف امواهلم يف املشارك وجيب ان تكون هذه املشارك تقام حبرية مبوجب( 99
أقواس
أقواس
100
اتفاق حيب) موكدا ان إعادة تنظيم اجملتمع جيب ان تنطلق من حتت وليس من فوق وان فوربيه ال يعتمد على الدولة يف اقامة املشارك وكان يرتعب من كل نظام تسلطي مركزي والدولة بنسبة اليه كانت عبارة عن احتاد جمموعات حرة( )34أما االفكار االشرتاكية يف أملانيا فقد كانت هذه االفكار تتميز بالطابع االيديولوجي ً مقرانتا باالفكار االشرتاكية اليت واضح وعميق ظهرت يف فرنسا ،وكذلك كانت ه��ذه االفكار مربوطة بتطور اليسار اهليكلي ،وتتمثل هذه االفكار بـ (لودفيك فويرباخ) حيث ان االفكار أملانية ترتبط يف االصوهلا بالنقد الديين الذي اعتمده اليسار اهليغلي الذي اوحى به لودفيك فويرباخ فقد استخلص من نقده الديين مذهبا اجتماعيا موضحا عيبا اساسيا الذي يتمييز به لذا يرى جيب تبديد التصور الديين واعادة ِ أدراج التوعيات اليت استلبت يف القوة الغيبية وان يتحد م��ع اجل��م��اع��ة ف��ان��ه ب��ذل��ك يفقد االنانية اليت هي مصدر عدم العدالة وعدم املساواة والبؤس وهذا التاكيد االول لفويرباخ على ض��رورة إلغاء اجملتمع الربجوازي القائم على الفردانية واالنانية وأالستبادله مبجتمع االشرتاكي( )35وكذلك احلال مع موسس هس ( )1875-1812استوحى مفهوم االشرتاكية من فويرباخ وتطبيق فكرة استالب يف نقد الرأمسالي ،ومن ثم أكد على ُ انه يف ظل النظام القائم على اساس من امللكية اخلاصة والبحث عن الربح س��وف يكون القانون االس��اس هو قانون املنافسة الذي يضع االفراد يف حالة من تعارض فيما بينهم ويؤدي اىل أنانية واستغالل، ومن اجل أزالة هذا االغرتاب الذي يفسد الناس
وجيعلهم عبيدا ينبغي ألغاء امللكية اخلاصة والتنافس واستبدال النظام الرامسالي بالنظام االشرتاكي الذي هو الوحيد الذي يسمح باالزالة االنانية واقامة عالقات اجتماعية بني الناس قائمة على أساس من احلب (.)36 ثانيا :االشرتاكية العلمية: يعد (كارل ماركس) و (فرديك اجنلز) مؤسسي االشرتاكية العلمية او املذهب الشيوعي¬¬ فقد ظهرت االشرتاكية العلمية من فكرة جدلية التاريخ الكوني الذي تهيمن عليه التناقضات اليت تقوده حنو أالمآل نهائية و حتمية أندالع الثورة بهدف خلق جمتمع شيوعي يف العامل، ففي عام 1864م مت تأسيس احلزب االشرتاكي لتبشري باالشرتاكية العلمية واعالن الثورة ضد النظام الرأمسالي وضد االستعمار يف أرجاء العامل وراى ماركس ان طبقة الربجوازية متارس اضطهاد واستغالل الربوليتاريا مبظاهر دينية او وطنية حيث ميلكون اجهزة االعالم والدعاية حيمسون أو يشحنون الربوليتاريا بتيارات وش��ع��ارات دينية او وطنية سياسية ليظل هؤالء ال يفكرون يف الثورة ضد وطنهم ودينهم او ساستهم ،اما احلقيقة حسب راي��ه فهي ان الربوليتاريا الوطن هلم ورجال دينهم خيدمون اهداف الربجوازية ويساعدون هؤالء ساستهم الذين هم زعماء الطبقة ال�برج��وازي��ة اليت استغلتهم ،ويقول ماركس ان شعارات الليربالية اليت اشبع متكلموا الربجوازية الطبقة الكادحة عنها والتشدق فيها كلها شعارات مزيفة خادعة ليست هلم او تعنيهم فلما يتكلم الليربالي عن احلقوق االنسان واحلقوق الطبيعية للفرد فهو يتكلم ويدافع عن حقوق طبقته الربجوازية
وليس عن عامة الشعب. وقد تبنى ماركس منظورا ديناميا وصراعيا للرأمسالية ففي نظرية االستغالل وفائض القيمة وك���ان ي��رى ال��ع��امل احل��دي��ث كرتاكم للبضائع ،وت��أت��ي قيمة ه��ذه البضائع من العمل اإلنساني الذي هو متضمن يف البضاعة، فالرأمسالية ال ت��ش�تري ك��ل العمل امل��ب��ذول من ط��رف الربوليتاري ،ويدعى ان الطبقة الربجوازية شجعت تكاثر النسل عند الطبقة العاملة ليمكنهم هذا من شراء طاقات العمال بارخص مثن لكثرة عددهم واملنافسة بينهم، وبسلب الربوليتاريا من طاقاتهم ومثن عملهم الصحيح تتكدس ام��وال الطبقة الربجوازية اكثر واكثر فتقوى شوكتها اكثر وتكرب مصانعها وتتكاثر اعداد املستبعدين من الربوليتاريا فيها ( )37ويف نظرية الطبقات االجتماعية فريى الصراعات الطبقية متعادية ومتصارعة من أجل السيطرة على اإلنتاج هو حمرك التاريخ يف إطار النظام الرأمسالي ،ويف نظريته يف تفسري االقتصادي للتاريخ واحل��ض��ارات فيقول ان امل��ادة (اقتصاد) هو احملرك الرئيسي الحداث التاريخ واملكيف االعظم للمجتمع االنساني ( )38ويرى بعد ان تنمحي الطبقة الربجوازية وتطرد الدولة اليت متثلها يأتي عهد رؤساء الربوليتاريا الذين تزعموا الثورة واليت أمساها بعهد دكتاتورية الربوليتاريا ُ حيث يتعاونون مع بعضهم البعض الجي��اد جمتمع االشرتاكي صاحل ( ،)39وكان يهدف اىل توصل العامل اىل حالة الفوضى اجيابية ذلك الن اعترب اي دولة اداة طغيان على شعبها لذا بعد ان يتم تعليم وتثقيف الشعب كل حلقوقه وواجباته املشرتكة
واملتساوية تذوي دكتاتورية الربوليتاريا نفسها وم��ن ث��م ت��زول اذ ال يوجد هل��ا داع للوجود حينئذ يصل اجملتمع لشيوعية ( )40وكان يرى ان الثورة تاتي بعد مرور اجملتمع بتلك املرحلة وبعدها تاتي الثورة ومن َ ثم دكتاتورية الربوليتاريا وزوال الدولة ،فاهلدف الرئيسي لالشرتاكية العلمية هو هدف دميقراطي يقوم على املساواة والعدالة لكل شخص يف االمة()41 و يف عام 1847اجتمع الشيوعيون ليؤسسوا عصبتهم وف��وض م��ارك��س واجن��ل��ز ليشكلوا مبادئ ه��ذه العصبة وبرناجمها املتبع وقد ع��رف فيما بعد بـ(بيان الشيوعية) وففي البيان رأى ماركس وأجنلز ان تاريخ اجملتمع البشري هو تاريخ صراع الطبقات املختلفة يف اجملتمع على املادة ،وان نشاة الطبقة الربجوازية اليت مجعت كل املادة يف اجملتمع االوربي احلديث ابرز هذا الصراع بكل وضوح ،اذ اصبح بعدها صراع بني طبقتني فقط طبقة الربوليتاريا طبقة الكادحني واملضطهدين وطبقة رأس املال الربجوازية ،وجيب أن يؤدي هذا الصراع إىل الثورة إذا ما عرف العمال كيف يتنظمون يف حزب ميكن من اإلطاحة باجملتمع الربجوازي، شعاراته وقد حاول ابعاد الشعور القومي من ِ حيث ن��ادى بالقول (يا عمال العامل احت��دوا) حيث ك��ان ميهد لعقيدة االشرتاكية العلمية وجيسد املادية التارخيية بعيدا عن الكنيسة أو الدين أو الطائفية املهنية ،فإن املنطق يفرض حتما بأن مستوى تطور الطبقة الربجوازية (اإلنتاج الكبري) سيصل بها إىل حد ال تستطيع فيه التقدم ،وعندها ستقوم الربوليتارية بسحق هذه الطبقة (الربجوازية) ورفع اجلور والظلم 101
أقواس
أقواس
102
عن الطبقة العاملة (الربوليتاريا) وعندها يتحقق اجملتمع الشيوعي حيث تنتفي فيه امللكية اخلاصة اليت ما حتصل عليه اال نتيجة لقيام بالعمل ويقدم ماركس تفسرياً للماضي واملستقبل و تفسري تطور اجملتمع يف كتاباته عن نظرية التاريخ وعالقة التاريخ بفكرة معينة ُ فلسفته السياسية عن امليتافيزيقيا وتتكون من تعاليم عن التاريخ وامليتافيزيقيا أي عن اجملتمع الراهن وعن نشاة اجملتمعات وانقراضها مبا يف ذلك اجملتمعات الراهنة(.)42 .3االشرتاكية الفابية .Fabianism بالرغم من ان االشرتاكية الفابية تعترب من االشرتاكية الكالسيكية اال انها استمرت يف مرحلتها الثانية بوصفها تياراًإشرتاكيا معاصراً فاالشرتاكية الفابية :نشأت يف انكلرتا يف أواخر ال��ق��رن امل��اض��ي ( ،)1883وأصبحت املُ ِّ مثلة األساسية لالشرتاكية يف بريطانيا منذ ذلك احلني حتى اآلن ،وكان هلا شأن يف تطوير ِحزب ال ُع ّمال الربيطاني ،ومن اشهر ُم ِّ ؤسسي هذه االشرتاكية سيدني وي��ب ،وج��ورج برناردشو وقد َّ حدد ِّ مؤسسوا االشرتاكية الفابية املعامل األس��اس��ي��ة لالشرتاكية يف بريطانيا ،وه��ي: اعتناق األه��داف االشرتاكية مع رفض ُ األ ُسس النظرية اليت تستند إليها املاركسيةِّ ، واتباع ِسياسة ُّ التدرج ال الثورة االجتماعية يف إقامة ّ النظري وتطبيق االشرتاكية ،والواقع أن اجلانب أساسا مذه ًبا يف ُ ُي َ عترب ً األسلوب والوسيلة أكثر َّ وتتلخص هذه منه يف النظريات واألف��ك��ار، ِّ السياسة يف كلمتني :إشاعة املعرفة واإلصالحات َّ فتتحقق عن التدرجيية ،أم��ا إشاعة املعرفة طريق نشر األف��ك��ار االشرتاكية ،وكذلك من
خالل التغيرُّ ات االجتماعية والسياسية اليت تستدعيها هذه األفكار مبا فيها حتقيق املُساواة بني املُواطنني من ِرجال و ِنساء ،أما اإلصالحات التدرجيية ،فمن أجلها ُي َ طلق على الفابية ً أحيانا اسم االشرتاكية اإلصالحية ،فقد آمن الفابيون بأن الوسائل ُّ الدستورية والدميقراطية هي خري الوسائل لتحقيق اإلصالحات االشرتاكية ال��ت��درجي��ي��ة ،ألن��ه��ا َّ تتفق م��ع ط��اب��ع احلياة التقليدية يف بريطانيا(.)43 الفصل الثاني: ت��ي��ارات الفكر السياسي اليساري الغربي املعاصر: املطلب االول :املاركسية املعاصرة: اوال:املاركسية السوفيتية ميثل الفكر املاركسي السوفيييت الصيغة التأسيسية االوىل اليت اختذها الفكر املاركسي التقليدي نظريا وتطبيقيا عند (فالدميري التش لينني) ( )1924-1870يف ضوء خصوصية جمتمعه وعصره ،فعندما أجريت آلول مرة تنظيم حزب االشرتاكي ماركسي يف روسيا يف االوائل الثمانينيات من القرن التاسع عشر اتبع اشرتاكية من انتاج وطنه هلا فلسفة ذات طابع زراع��ي وانساني بوجه عام كان يشارك متاما النظرية املراكسية رآيها يف أن الثورة االشرتاكية جيب ان تكون حركة الربوليتارية ( )44وقد كتب لينني قائال ان من أستحالة قيام ثورة دون وضع ثوري ولكن ليس من ضرورة أن يفضي كل وض��ع ث��وري اىل قيام ث��ورة ال�تي التنبثق عن كل وضع بل عندما يضاف اىل كل التغريات املوضوعية تغيري ذاتي جتسده قدره الطبقة الثورية على قيادة اعمال تكون كافية لتحطيم
به احلزب، النظام القديم وه��ذا دور يتكفل ِ ومن ثم يؤكد عدم وجود رابطة ميكانيكية بني النضال الطبقي للعمال والوعي االشرتاكي فالوعي االش�تراك��ي الينبثق اال ع��ن معرفة علمية عميقة وه��ذا مايفتقد ُه الربوليتاريا فيجب ان يأتي هذا الوعي من خارج وهذا هو دور احلزب وهي جمرد مرحلة سيتم جتاوزها يات الحقا ( )45ويرى البعض على ان لينني مل ِ جبديد يف مفهوم الدولة قياسا مبا كتبه ماركس واجنلز وان��ه مل يفعل أكثر من تثبيت آراء هذين املفكرين بالقول ان الدولة تولد وتنمو وتتدهور ثم ختتفي واقعها مثل واقع شيئا أخر وآلن تارخيها حيكمة قوانني اجلدل الشمولية، وتبنى لينني وجهة نظر اجنلز القائلة بان وضع الدولة لنفسها فوق اجملتمع بكامله يقتضي منها أن تضع نفسها ف��وق الطبقات ول��و يف الظاهر ،وكذلك يرى ايضا ان الدولة اليت توجد بوجود الطبقات ستختفي بأختفاء الطبقات النها تضمحل بأضمحالل الشروط املوضوعية لوجودها فالربوليتاريا ع��ن طريق الثورة تقوم بأزالة الدكتاتورية الربجوازية لتحل حملها الدكتاتورية الربوليتاريا فبعد سيطرة الربوليتاريا على السلطة تزيل الدولة بوصفها دولة أي ازالة الدولة الربجوازية ،ويرى لينني ضرورة هذا النظام الذي اليقتصر على أسقاط الربجوازية ومؤسساتها فحسب أمنا املرحلة التارخيية الفاصلة بني الرأمسالية واالشرتاكية املتقدمة( )46وقد كان لينني بعيدا عن حل الوحدة الوطنية يف فدرالية تضم حشدا من اهليئات احمللية ،فالربوليتاريا تلجأ اىل تنظيم أكثر عيانية بالقياس اىل التنظيم الربجوازي
لتضمن حتقيق الوحدة الوطنية عن طريق امل��رك��زي��ة الدميقراطية احلقيقية وهكذا فان دكتاتورية الربوليتارية هي دكتاتورية للربجوازية ودميقراطية للشعب ،وبهذا يطرح الطابع الكلي الشامل للدميقراطية مسالة املضطهدة لغريها والدولة العالقة بني الدولة ِ املُ َ ضطهدة من غريها أي بالقضية القومية ،وقد رأى لينني أن االستعمار هو االضطهاد املتنامي المم االرض من قبل حنفة صغرية من القوى العظمى وأن الربنامج الدميقراطي االجتماعي ينبغي أن يركز على أنقسام االم��م اىل امم َ ضطهدة على أعتبار أن هذا ضطهدة وامم ُم ُم ِ االنقسام يشكل جوهر االستعمار(.)47 وبعد لينني مت تعيني (ج��وزي��ف ستالني) يف قيادة احلزب الشيوعي ،ولقد دافع ستالني عن ال��ث��ورة بيقظة بروليتاريا ضد االفكار والتيارات املعادية والقضاء عليهم ،ولقد ظهرت مالمح ستالينية كشكل فكري ماركسي متميز ومستقل من اللينينة ،لقد عولت ثورة أكتوبر عام 1917من خالل أفكار لينني وستالني على مساندة الثورة الغربية هل��ا ،وأك��د على أن جهود بلد واح��د التكفي لتحقيق النصر النهائي لالشرتاكية خصوصا اذا ك��ان البلد فالحيا مثل روسيا مما يقتضي تضافر جهود عدة اقطار متقدمة لتحقيق هذا النصر ،ومن َ ثم يرى بان االحتاد السوفيييت مل يعد يف وضع يستطيع ُ معه انتظار الدعم اخلارجي بل أن عليه تقديم الدعم الالزم للثورات اليت تتم يف اخلارج ،لكن اوال وقبل ذلك جيب تكثيف جهوده لبناء جتربته االشرتاكية اخلاصة اليت يتحول بها ومعها اىل ق��وة فعلية ق��ادرة على مد يد 103
أقواس
أقواس
104
العون اىل تلك الثورات وهذا هو جوهر نظرية االشرتاكية يف بلد واحد ( )48وقد قامت نظرية االشرتاكية يف بلد واحد على االعتقاد بأن جهود روسيا وحدها ميكن أن تكفي للتنظيم الكامل لالقتصاد االشرتاكي حبكم أمكانيتها اهلائلة وما يتمتع به اقتصاد االحتاد السوفيييت اخلاضع الش��راف الدولة وختطيطها من تفوق بنيوي يؤهله للحاق بالرأمسالية ال�تي تعاني أزمة الميكنها جت��اوزه��ا ولكن كل ذل��ك الميكن أن يتحقق بدون صراع ليكون التطويق الرأمسالي للتجربة االشرتاكية السوفيتية احتماال قائما ومقاومة العدو الداخلي واخل��ارج��ي شرطا الزم��ا حلماية االشرتاكية ،واستخلص قانونا مس��ي( بقانون ستالني) ويقضي ب��ان صراع الطبقات يتفاقم بعد استالم السلطة وتتصاعد االشرتاكية بنسبة مساوية للنجاحات املتحققة، ويؤكد ستالني ان الثورتي (1871-1848م) يف فرنسا فشلتا بسبب حتالف الحتياطي الفالحني مع الربجوازية أما ثورة أكتوبر 1917عرفت كيف تنزع هذا الحتياطي ليكون اىل جانب الربوليتاريا( )49أم��ا وج��ه نظر ستالني يف القضية الوطنية يؤكد أن التاريخ يقول لنا بأن الوسيلة الوحيدة حملو عدم املساواة بني األمم، الوسيلة الوحيدة إلقامة نظام التعاوني بني اجلماهري العاملة يف األمم املظلومة واألمم غري املظلومة ،هي القضاء على الرأمسالية ،وإقامة النظام السوفيييت ،ففي ذكره ملراحل القضية القومية يؤكد يف العامل الثالث يف أن روسيا السوفييتية قد سجلت عدة انتصارات يف نضاهلا ضد االستعمار ،فأهلمت بطبيعة احلال شعوب الشرق املظلومة املضطهدة وأيقظتها ،وأثارتها
للنضال ،وساعدتها على إنشاء اجلبهة املشرتكة للقوميات املظلومة (.)50 وبعد ستالني يف مارس عام 1955م اصبح (نيكيتا خروتشوف) السكرتري االول للحزب الشيوعي السوفيييت حيث ُ انه مل يكن مهتما بأثراء املاركسية اللينينة بااليدولوجيات ُ النه كان يعترب مستقبل الشيوعية يف روسيا مسالة عمل أكثر منه مسألة فلسفة عقائدية كما أنه قام بنقض الستالينية فكرا وتطبيقا واصفا أياها بنمط من امناط العبادة الشخصية ومن ثم ق��ام بطرح جمموعة من االفكار البديلة منها ،وج��د أن احل��رب االهلية ليس السبيل الوحيد لبعض البلدان الرأمسالية من اجل عبور لالشرتاكية وان احلصول على االكثرية الربملانية املتينة املعتمدة على احلركة الثورية جلماهري الربوليتاريا ميكن أن توفر للطبقة العمالية يف خمتلف البلدان الرأمسالية والبلدان َ املستعمرة ،واعتقد أن الربوليتاريا ميكنها ،يف ظل الدكتاتورية الربجوازية ،وفقا للقوانني االنتخابية ال�برج��وازي��ة ،أن تكسب أغلبية ال تتزعزع يف الربملان ويقول أن��ه يف االقطار الرأمسالية سوف تصبح الطبقة العاملة حبشدها الفالحني الكادحني واملثقفني وك��ل القوى الوطنية حول نفسها وبانزال ال��ردع احلازم بالعناصر االنتهازية اليت ترفض التخلي عن سياسة املساومة مع الرأمسالية واالقطاعية يف وضع ميكنها من هزمية القوى الرجعية اليت تقف ضد مصاحل الشعب ،ومن كسب أغلبية املسيطرة يف ال�برمل��ان ،وي��رى خروتشيف أن الربوليتاريا اذا متكنت من كسب االغلبية يف الربملان فان هذا سيكون مساويا لالستياء على
السلطة وحتطيم جهاز الدولة الربجوازي ،وقال ان كسب هذه املكانه يف الربملان ،من شأنه أن خيلق للطبقة العاملة يف العدد من االقطار الرأمسالية واالق��ط��ار ال�تي كانت مستعمرات يف املاضي ( )51بالرغم انها كانت أعادة فكرة أجنلز وكما كان من االفكاره ايضا هو العيش السلمي بني املعسكرين االشرتاكي والرأمسالي الن احلرب النووية ت��ؤدي اىل القضاء عليهما ل��ذا افضل طريقة هو التنافس السلمي بينهما على صعيد عام وحتديدا يف تنمية قوى االنتاج وتوفري اعلى مستويات الرفاهية لالفراد معتقدا ان يف نهاية يصب ملصلحة االشرتاكية ويف عام 1959م قدم مشروع باسم مشروع بناء الشيوعية الذي يتضمن تنظيم والشكل وك��ذل��ك أك��د على إمكانية تنمية املنظمات العامة أو اجلمعيات اليت تكون هي ايضا حتت توجيه احلزب (.)52 وبعد ُه جاء (غورباتشوف) الذي حاول تغيري التيار املاركسي تغيريا شامال لكي يستطيع اخل��روج من تلك أالزم��ات اليت أصابت التيار واحملاولة لوضع أسس ومقومات جديدة كي ينتشر الفكراالشرتاكي على املستوى العاملي لذا أقد َم على نظرية البريوسرتوكيا ويعين (أعادة البناء) ( )53جاءت هذه النظرية كعالج لوضع الصعب الذي ُ عاشه االحتاد السوفيييت مع حلول مثانينات قرن العشرين بعد أن أخذ يفقد قوة الدفع فيه ،وشرعت تطفو على سطحه عناصر ال��رك��ود ال�تي متثلت أول مالحمها يف تباطؤ النمو االقتصادي يف قيم الشعب السوفيييت االيديولوجية والثقافية (.)54 هذا ومن ناحية االخرى فقد ولد صراع بني طبقات اجملتمع لسوء االدارة يف البالد وأنعدام
الثقة رآي العام يف النظام السوفيييت وأضعاف شعور بالتضامن بني املواطنني وتراكم عناصر ال��رك��ود يف ج��وان��ب السياسية واالجتماعية واالقتصادية اىل جانب منو البريوقراطية اليت حجبت امللكية العامة بالتدرج عن مالكها احلقيقي مما ادى بغورباتشوف باالحساس حمل��اول��ة لتغيري وال����ذي ج��س��د ُه يف نظرية البريوسرتوكيا ويقول أنها ثورة بقدر ماحتتوي على أس���راع احل��اس��م بالتطور االجتماعي واالقتصادي والثقايف للمجتمع السوفيييت دون أن تكون بديل عن الثورة أكتوبر 1917بل جمرد مرحلة على طريق أجناز مهام تلك الثورة فحملة البريوسرتوكيا بداية بناء على مبادرة احل��زب ال��ذي طرحها وت��وىل قيادتها وأن هذه احلملة تعطي أهمية كبرية للسياسية وأولوية كبرية للتدابري السياسية ومن الصحيح انها غري قادرة على التصفية الفورية التامة جلميع مظاهر التخلف والالدميقراطية اليت الزمت اجملتمع الروسي وسائر الشعوب السوفيتية طوال القرون املتعاقبة ولكنها وضعت البداية الناجحة لنهاية التخلف والتقوقع والالدميقراطية ()55 وهي تبدا من الفرد وتعمل على مسوه واعطائه ق��وة معنوية وه��ذا ماتوفرها الدميقراطية ويقوم بربط االشرتاكية بالدميقراطية وعلى أعتبارها عالقة مهمة جداً وكذلك يؤكد على أعادة ترتيب أوضاع االقتصاد ويوضح عالقة الربطية بني الدميقراطية واالدارة أذ يتحدث عن الظروف الغري العادية اليت أدت اىل املركزية الصارمة يف االدارة السوفيتية مماترتب عليه تقلص االساس الدميقراطي للنظام االدارة الذي تشكل يف الثالثينيات واالربعينيات يتعارض 105
أقواس
أقواس
106
مع مطالب التقدم االقتصادية والذي انهك كل مقوماته االجيابية ،أما على مستوى عالقات ِ الدولية فتؤكد البريوسرتوكيا أن السالح النووي املستخدم لالغراض عسكرية يعرض بشرية خلطر ل��ذا جي��ب أن تبنى العالقات القائمة على تكافؤ واالح�ترام املتبادل بني املعسكرين االشرتاكي والرأمسالي (.)56
ثانيا:املاركسية الغربية اذا ك��ان الفكر امل��ارك��س��ي ق��د حظي باهم تطبيقاته يف التجربة السوفيتية ومن خالهلا فقد تعرضت هذه التجربة للنقد من الفريق من املفكرين املاركسيني مما ادى بفريق اخر منهم اىل اعادة النظر بالفكر املاركسي بقصد تطويره وتاليف سلبيات التجربة السوفيتية، وم��ن ضمنهم (ك���ارل كاوتسكي) حيث قام ب��ان��ت��ق��اد ال��ب�لاش��ف��ة خ�ل�ال ت��ن��اول��ه اجل��ان��ب الدميوقراطي يف ث��ورة أكتوبر وتسائل ملاذا ينبغي أن ترتدي سيادة الربوليتاريا شكال ال يتالئم مع الدميقراطية ،ورأى أن النظام الذي يتمتع جبذور راسخة بني اجلماهري ،يعرف أن اجلماهري تكون جلانبه ولن خياف من االنتخابات الدميقراطية كخيار توصل اجلديرين إىل سدة احلكم ولن يلجأ إىل العنف إال من أجل محاية الدميوقراطية ،غري أن البالشفة برأيه قد قضوا على الدميوقراطية ،عندما اختاروا طريق الديكتاتورية ( )57كذلك اوض��ح ان مفهوم املاركسية لتأريخ ال يتضمن التأكيد على الدور احلاسم لعوامل االقتصادية فقط امنا تأكيد على دور عوامل االيديولوجية االخالقية
كذلك ال يقبل بالتسليم مبوقف )برنشتاين( ً مالكا ملفاتيح التأريخ الذي جعل من االنسان فاالنسان كما يرى كاوتسكي عاجزا عن أن يكون سيد القوى االقتصادية يف اجملتمع الرأمسالي مما يعين ضرورة التمييز بني الفرتات اليت يستطيع فيها االنسان سيطرة على قوى االقتصادية يف هذا اجملتمع والفرتات اليت ال يستطيع فيها ذلك النه قد يستطيع السيطرة على هذه القوى االقتصادية يف فرتات ازدهار االقتصادي ()58 ومن ثم يرى ان الفالحون واحلرفيون وحتى الرأمساليني اليسيطرون على القوى االقتصادية بل هم فقط كبار الرأمساليني الذين ال يشكلون كل اجملتمع بل االنسانية مبجموعها ال تستطيع تكون سيدة القوى االقتصادية اال اذا هيمنت فيها مصلحة مجاعية على مصلحة خاصة، فالربنامج اجلديد املعرف بأسم (أيرفورت ) الصادر عام (1891م) تضمنت مقدمة نظرية كتبها كاوتسكي بلغة املصطلحات املاركسية فيؤكد فيها ان الدميقراطية تهدف اىل دعوة ُ حزبه اسلوب الصراع الطبقي السلمي ،وأن ث��وري غري أن��ه ليس احل��زب الصانع لثورات فاالهداف الميكن حتقيقها اال من خالل الثورة ولكنهم ليسوا خبالقي ه��ذه الثورة مثلما أن االع���داء ليس مب��ق��دوره��م كبح مجاحها أو احليلولة دون قيامها ( )59ويرى من الضروري لالشرتاكية الدميقراطية أن تتجنب بل وحتارب كل مايؤدي اىل استفزاز الطبقة احلاكمة أو دفعها اىل مالحقة االشرتاكيني الدميقراطيني، هكذا يكون كاوتسكي قد افرغ املاركسية من به من ثورية ليبقى عند حدود كل ماتتسم ِ ُ التطور االرتقائي الذي يضمنه يف رآيه النمو
املستمر لالصوات االنتخابية مما يوجب على االشرتاكيني احل��رص على هذا النمو والعمل ُ حتقيقه من خالل الربملان الن أي نشاط على ُ خارجه سيكون مقرونأ باخلطر ،وخنلص مما تقدم اىل ان كاوتسكي بذل جهداً كبريا لتحقيق التوافق بني املاركسية والتطورات االقتصادية واالجتماعية والسياسية اليت شهدتها أوربا يف نهاية قرن التاسع عشر .والشك ان جهد ُه يف هذا به اىل صياغة ماركسية جديدة اجملال قد انتهى ِ محلت تسمية املاركسية الكاوتسكية ()60 ُ ُ وموقفه من مسألة مشاركة حزب رؤيته يعكس بروليتاري مع األح��زاب الربجوازية يف تأليف حكومة ،البد أن يرتتب على ذلك وقوع احلزب الربوليتاري يف تناقضات تفضي به يف النهاية إىل اإلخفاق ألن هذا احلزب يقع يف حرية االختيار حيث يتجاذبه ط��رف��ان السلطة والشعب، وبالتالي مع من يقف فيصبح حمرقة فيما لو مال إىل السلطة وابتعد عن اجلماهري الشعبية، وان مشاركة احل���زب االش�تراك��ي يف السلطة ستجين ف��ائ��دة م��ن مشاركة احل��زب يف كتلة برجوازية ،وهي العناصر اليت ال ترى يف احلزب االشرتاكي سوى مطية للصعود ،فاحلزب إذن عندما ميارس حياة دميقراطية داخل التنظيم بإمكانه التخلص من هذه العناصر االنتهازية املتقاعسة ،واليت ينتهي مشوارها النضالي حيث مصلحتها الذاتية يف حال مشاركة الربوليتاريا الطبقة املالكة يف احلكم ،هلذا تعمد الطبقة املالكة إىل استثمارالسلطة ملصلحتها ،وقمع الربوليتاريا بالتالي يتجلى التناقض يف احلكومة االئتالفية ،عندما تذهب الربوليتاريا تطالب أجهزة الدولة مبؤازرتها ضد ال��رأس امل��ال يف
حني تعمد الطبقة املالكة على استثمار السلطة لقمع الربوليتاريا فتخفق األوىل وتفلح الثانية و وتقف عاجزة عن أي نشاط مثمر بسبب احلرج به أمام الشعب بل ستكون النتيجة الذي تشعر ِ توريط احل��زب الربوليتاري ،وتلويث مسعته وتضليال لطبقة العاملة وتشتيت صفوفها يف وقت معارضتها فساد طبقات احلاكمة ()61 أما ( روزا لكسمبورغ) تعتربا ً منطا ً أخر من املاركسيني ذوي االسهامات اخلاصة على االقل يف ميادين معينة وقد ظهرت أفكارها الواسعة يف كراسات معينة مثل (االض��راب العام) اليت توضح فيها الدور الي ميكن أن يلعبه االضراب اجلماهريي يف العمل ضد النظام الرأمسالي ()62 وقد حددت موقفها من املسالة القومية حيث رفضت منذ البداية حياتها السياسية وحتى نهايتها املوقف املاركسي االساس القائل باالهمية البالغة لنضال االمم القوميات املضطهدة من اجل حقها يف تقرير املصري ،وكانت ترى ان احد أه��داف االشرتاكية هو القضاء على كل أشكال االضطهاد مبا فيها أخضاع أمة الخ��رى ،لكن من اخلطا أن يستجيب الثوريون أستجابة غري مشروطة حلق االمم يف تقرير مصريها ،وقد كانت روزا تعتقد أن الدفاع عن حق االمم يف تقرير املصري يضر مبصاحل الطبقة العمالية النه يقوي احلركات القومية الواقعة الحمالة حتت سيطرة الربجوازية وكانت ترى إن النضال النقابي يشمل املصاحل املباشرة للطبقة العاملة بينما يشمل النضال االشرتاكي الدميوقراطي مصاحلها املستقبلية ،وذكره يف البيان الشيوعي أن الشيوعيني مي��ث��ل��ون امل��ص��احل املشرتكة للربوليتاريا ككل بعكس امل��ص��احل اجلزئية 107
أقواس
أقواس
108
املتعددة سواء أكانت حملية أو قومية ،وهم يف املراحل املختلفة لتطور الصراع الطبقي ميثلون مصاحل احلركة كلها أي ميثلون اهلدف النهائي اال وهو حترير الربوليتارياّ ،أما النقابات فتمثل فقط املصاحل الفئوية ويف مرحلة واح��دة من مراحل تطور احلركة العمالية ،إن االشرتاكية الدميوقراطية متثل الطبقة العاملة وهدف حتررها ككل ،من هنا ف��إن عالقة النقابات باإلشرتاكية الدميوقراطية هي عالقة اجلزء بالكل ،وعندما جتد نظرية (السلطة املتساوية) للنقابات واالشرتاكية الدميوقراطية هذا القدر من الصدى اإلجيابي بني قادة النقابات فإنها تقوم على س��وء فهم أساسي ملاهية النقابية ول��دوره��ا يف النضال ال��ع��ام م��ن أج��ل حرية الطبقة العاملة( )63وقد اعتمدت روزا نوع من العفوية يف العمل السياسي يتعارض مع توجهات لينني ،فرتى ان تنظيم الربوليتارية ليس مرتبطا باالشرتاكية الدميقراطية اليت عندها الربوليتاريا ذاتها الن العفوية والوعي ليستا عمليتني منفصلتني ،فمن خالل الصراع نفسه حيرز العمال مزيدا من الوعي مبهام هذا الصراع ،وترى أن الثورة الروسية عام 1905 يعرب عن قوة طبقة عاملة مجاهريية يف املقاوالت الصناعية ،كانت ماركسية روزا لوكسمبورغ مهيأة كليا لدمج هذه املستجدات ،ومل تعارض بناء احلزب ،لكنها متسكت باقتناع أساسي بأن احلزب نتاج صراع الطبقات والطبقة العاملة ذاتها ،وبالتالي قد يولد يف بعض الظروف من نشاط الربوليتاريا وهذا النشاط ال غنى عنه، يف تطوراته املستقلة ،لقيادة احلزب يف الوجهة الصحيحة ،تؤكد أن الواقع ليست االشرتاكية
الدميقراطية مرتبطة بتنظيم الربوليتاريا، إنها حركة الربوليتاريا ذاتها النتيجة ال ميكن ملركزية االشرتاكية الدميقراطية إال أن تكون اإلرادة املمركزة لإلفراد واجلماعات اليت متثل القطاعات األكثر تقدما ووعيا طبقيا والتزاما من الطبقة العاملة ( )64وبهذا ترتبت على روزا ان تتخذ طابعا مركزيا كاحلزب الذي اسسه لينني وكشف يف سياساته عن التقصري هذه التنظيمات بالقياس اىل املبادرة اخلالفة للطبقة العاملة ،واكدت أن الطليعة الواعية وبدال من أن تسبق احلركة اجلماهريية أو تقودها كما تزعم ظلت يف الواقع جمرورة خلف هذه احلركة يف املناسبات ثورية عديدة وه��ذا ما ادى بها اىل القول ان التنظيم املركزي للحزب شرط االساسي لقدرة اجلماهري على النضال والوصول لالهدافهم املطلوبة (.)65 وقد َ افلح (ليون تروتسكي)يف تاسيس االممية الرابعة اليت أدت بدورها أن تلف اليها عدد من املفكرين املاركسني املعارضني للتجربة للسوفيتية ،فقد اقدم اىل صياغة نظرية الثورة الدائمة اليت تعترب من أهم اإلسهامات املاركسية يف نظرية ال��ث��ورة ،ورغ��م أن ه��ذه النظرية تنسب إىل ليون تروتسكي إال أن جذورها تعود إىل ماركس وإجنلز ،وطورها تروتسكي يف نقل املمارسة على واق��ع معني ( )66وه��ي كانت متناقضة مع االفكار ستالني وفتح شقا جديد يف تيار املاركسي وان هذهّ نظرية الثورة اليت ولدت عام (1905م) بينت َّأن املهام الدميقراطية يف األمم الربجوازية املتأخرة تقتضي يف عصرنا ً رأس��اَّ ، وأن هذا ،قيام دكتاتورية الربوليتاريا هذه الدكتاتورية تضع املهام االشرتاكية يف حيز
التنفيذ ،وهنا تكمن الفكرة الرئيسية يف هذه النظرية ،فبينما كان الرأي التقليدي يقولَّ :إن الطريق إىل دكتاتورية الربوليتاريا مير خالل مرحلة دميقراطية طويلة ،أك��دت نظرية الثورة الدائمة على َّأن الطريق إىل االشرتاكية مير بدكتاتورية الربوليتاريا يف الدول املتخلفة، ويؤكد على َّإن الطابع األممي للثورة االشرتاكية، هي املقومة الثالثة من مقومات الثورة الدائمة، ينبثق من الوضع الراهن َّ لالقتصاد ومن البنيان االجتماعي يف العامل ،وان األممية ليست مبدأً جمرداً ،وإنَمّ ا هي انعكاس نظري على الصعيد العاملي ،ومن ثم رأى أن تبدأ الثورة االشرتاكية على أسس وطنية ولكن ال ميكن إجنازها ضمن ه��ذا اإلط��ارَّ ، ألن حصر ث��ورة الربوليتاريا ال ميكن َّ إال ْأن يكون خطوة مرحلية ،وإذا نظرنا إىل الثورة الوطنية من هذه الزاوية جند َّأنها ً ليست ً متكامال ،وإنَمّ���ا هي جم��رد حلقة ك�لا يف سلسلة ال��ث��ورات األمم��ي��ة) ) كما دحض تروتسكي التنظريات املاركسية اليت ترى ان الثورة الروسية يف تلك احلقبة ثورة برجوازية و ان الثورة االشرتاكية ال ميكن ان تقوم اال يف جمتمع رأمسالي حديث و مع منو الثروة اليت تؤدي اليه و يف كتابه نتائج و توقعات يقول تروتسكي :ميكن للربولتاريا يف بلد متأخر اقتصاديا ان تستولي على السلطة بصورة اسرع مما يف البلدان اليت تكون فيها الرأمسالية متقدمة و اك��د ان املاركسية الكالسيكية و احلجج املستخلصة من ادبياتها حول تعاقب الثورتني ال�برج��وازي��ة و الربوليتارية شىء مستبعد ،و اثبت ان املاركسية هي قبل كل شيء طريقة لتحليل العالقات اإلجتماعية ()67
وقد ظهرت العديد من املنظمات اليت انتهجت النظرية الرتوتسكية مثل( السكرتارية العاملية واللجنة العاملية واللجنة الباريسية من اجل إعادة تنظيم االممية الرابعة) واخل ،وكذلك ان كل تفرعات االممية الرابعة تشرتك يف اعتبار نظرية تروتسكي الثورة الدائمة نقطة ارتكازها االساسية (.)68 وك��ان املاركسيون يعتربون الثورة يف روسيا يف تلك حقبة ثورة برجوازية هدفها أطاحة القيصرية وتكنيس ارثها شبه االقطاعي وكانوا يقولون ان��ه لن يستطيع اجملتمع الرأمسالي وصناعي حديث ان ينمو يف روسيا ويتطور بشكل كامل اال بعد حتقيق تلك االه���داف، ولن تستطيع االشرتاكية الثورية أن تستولي على السلطة وجتيب عن تطلعات اجلماهري اىل املساواة ،اال يف اجملتمع من هذا النموذج ومع منو الثروة والتوسع االقتصادي ال��ذي يؤدي اليه وك��ان املاركسيون يعتقدون بالطبع أن الوضع ناضج للثورة االشرتاكية يف بلدان الغرب الرأمسالية القدمية ،وكانت االشرتاكية يف الغرب توشك ان تنتصر ،بينما كان الشرق اليزال يف طور الثورة الربجوازية وكانت تلك حقائق ثابتة ل��دى االشرتاكيي اوروب���ا الغربية ،أما تروتسكي فاعرتض على معظم تلك التأكيدات فهو كالبالشفة كان يعترب الربجوازية عاجزة عن قيادة الثورة وي��رى ان على الربوليتاريا الصناعية ان تضطلع بهذا ال��دور ،البل مضى ابعد من ذلك وكان يعتقد انه ملا كانت الطبقة العاملة متسك بالتفوق السياسي فسيؤدي بها ذلك اىل االنتقال بالثورة الروسية من الطور البورجوازي اىل مرحلة االشرتاكية وذلك حتى 109
أقواس
أقواس
110
قبل ان يستلم االشرتاكيون السلطة يف الغرب وتتجلى دميومة الثورة يف الواقع انه يستحيل حصرها ضمن حدود انتفاضة برجوازية) . الرتوتسكية املعاصرة على الرغم من تعدد ألوانها وتنظيماتها تبقى متثل تيارا من تيارات ً خصوصا بعد ان ظهر بعض املاركسية اللينينية املفكرين ممن راح يعمل على اثرائه ،فقد بقي اسحق دويتشر متفاعال مع الفكر الرتوتسكي على ال��رغ��م م��ن ان��ه قطع صلته الرمسية ُ مناصرته الفكار بالرتوتسكية اال انُ��ه اب��دى تروتسكي ونظرية الثورة الدائمة ورفضه لنقيضها نظرية ستالني عن االشرتاكية يف بلد واحد اليت اعتربها ردة فعل أيديولوجية على ظروف أنية ،ومن ثم يرى دويتشر اىل ان الثورة الدائمة عادت اىل السابق عهدها فمهما طالت اسرتاحتها املقبلة ومهما بلغت هزائمها الالحقة فستبقى املضمون االجتماعي السياسي للقرن العشرين ،اال ُ انه يالحظ ايضا أن الثورة الدائمة سلكت خطا خيتلف كل االختالف عن اخلط الذي توقع هلا تروتسكي أن تسلكه لتكون بلدان الشرق املتخلفة واملتأخرة املسرح الرئيسي للفصول القادمة منها بدال من أن يكون مسرحها ً انسجاما مع دول الغرب املتقدمة واملتحضرة التقاليد املاركسية التقليدية. أما (ارنست ماندل) فقد كان متجاوبا مع تروتسكي فلم ُيثر اي اعرتاض بصدد الثورة الدائمة بل العكس من ذلك بذل جهدا من اجل رصانتها مبحاولة التقريب بني افكار لينني وتروتسكي يف هذا اجملال فقد اوضح ماندل أن لينني تصور قيام الدكتاتورية الدميقراطية للعمال والفالحني على قاعدة اقتصاد رأمسالي
يف اطار دولة برجوازية ،ويتابع ماندل افكار تروتسكي عن ض��رورة االنتقال السريع من ال��ث��ورة الدميقراطية ال�برج��وازي��ة اىل ث��ورة االشرتاكية النها الميكنها االكتفاء بتحقيق املهام التارخيية للثورة الدميقراطية الربجوازية بعد استيالئها على السلطة الن عليها املبادرة ايضا اىل االستيالء على املعامل وإلغاء االستغالل الرأمسالي والبدء ببناء اجملتمع االشرتاكي حماوال أن جيد سندا لذلك يف التطورات االقتصادية ال�تي حدثت يف االحت��اد السوفييت بعد ثورة أكتوبرعام 1917م ،ويرى ان الثورة الروسية قد لعبت دورها كمفجر ومنوذج حمفز للثورة االشرتاكية العاملية فاذا مل حتقق هذه الثورة العاملية االنتصار فذلك يرجع اىل مجلة اسباب منها احل���رب االهلية ال�تي خاضتها روسيا السوفيتية مما مل يسمح هلا بتقديم العون املادي والعسكري الالزم للثورات االوربية ،وان االشرتاكيني الدميقراطيني بعد انضمامهم اىل صفوف الثورة املضادة سعوا اىل حرف العمال يف الدول الغربية عن النضال من اجل السلطة مبختلف الوعود واملخادعات (.)69
املطلب الثاني:اليسارية الغربية اوال:اليساروية املعاصرة اليساروية متثل قبل كل شئ نظرية اجملتمع احلالي وجمتمع املستقبل والعبور من أحداهما اىل االخر وإن كانت التزال بعيدة عن ان تكون نظرية متكاملة ،فقد ظ��ه��رت اليساروية واكتسبت أهميتها كبديل نظري للماركسية اللينينية ال�تي أحتكرت الفكر الراديكالي
من الناحية العملية طيلة نصف االخ�ير من القرن العشرين ،ونقصد باليساروية هنا هي تلك الشرحية من احلركة الثورية اليت تقدم أو تنزع اىل تقديم بديل ج��ذري للماركسية اللينينية بوصفها نظرية احلركة العماليه وتطورها ويعين ه��ذا ض���رورة استبعاد كل احملاوالت إعادة التجديد النظري املتاتيه عن االشرتاكية الدميقراطية اليت تبدو غري ثورية فال تستهدف قلب اجملتمع الرأمسالي يف احلال وبشكل كلي ،كما انه يعين ايضا ضرورة استبعاد املعارضة والتجديد الشيوعيية اللذان اليقدمان ب��دي�لا وإمن���ا ي��ق�ترح��ان ال��ع��ودة اىل امل��ص��ادر اللينينية والثورية للشيوعية أو جتديدها ما الشك فيه أن اليساروية متثل نقدا وممارسة ونظرية يف آن واحد فهي نقدا للماركسية بهدف نقضها بوصفها نظرية ثورية ،فوفقا هلذا النقد سيبدو م��ارك��س ويف ح��دود معينة بوصفه منظر الثورة الربجوازية املندفعة حتى النهاية يف إمكانيتها كما ستبدو النظرية اللينينية اخلاصة بالتنظيم ومفهومها اخلاص بالثورة بوصفها أسلوبا يف االستيالء على السلطة من االعلى ومطبوعة كلها بطابع الفكر الربجوازي لذلك فليس من املستغرب يف مثل هذه احلالة أن تؤدي الثورة الروسية اىل نظام رامسالية الدولة مستعيدة بذلك نظام اهليمنة الطبقية يف شكله االكثر اتقانا وتركزا ( )70وكانت اليساروية بوصفها نقدا قد ختلت عن كل ثورات القرن العشرين وانكرت عليها طابعها االشرتاكي بعد أن نظرت اليها بوصفها أخر الثورات الربجوازية مما قادها اىل اعتبار الشيوعية واالشرتاكية الدميقراطية املنظمتني ليس جمرد احنراف
عن النموذج املثالي بل مؤسستني رأمساليتني متيالن اىل تدمري اجملتمع الرأمسالي جلعله أكثر فعالية وتزويده بسلطة أكثر مركزية ،أما من ناحية االخرى ان اليساروية ترفض التطورية االقتصادية اليت اثبتت تعارضها مع الواقع وتوفر مكانا واسعا ل�لادارة الثورية وبالتالي للوعي االشرتاكي دون ان تكون هنالك حاجة الدخ���ال مثل ه��ذا ال��وع��ي م��ن اخل���ارج ()71 ومن ماجيدر االشارة به أن االقتصاد الرأمسالي ليس خاليا من التناقضات فسيالحظ أن هذا النظام استطاع ايضا االم��س��اك ب��زم��ام هذه التناقضات وتعلم كيفية إطالة أمد وجوده وضمان استمراره واستقراره يف ظل وجودها واستمرارها وسيطرته عليها ،أم��ا بالنسبة للثورة عند اليسارويني ص��راع وعلى مجيع اجلبهات الزالة كل اشكال االغرتاب السيكولوجي وااليديولوجي واجلنسي وبالتاكيد االقتصادي كذلك لتتسع جبهة النضال وي���زداد عمقها يف مثل هذه احلالة بشكل ملحوظ وهي ذات امتدادات زمنية ومكانية واجتماعية واسعة الن هدفها االع��ل��ى ه��و االس��ت��ي�لاء على كل السلطات وإنهاء كل اشكال االغرتاب مما الميكن أن يكون موضوعا النتفاضة واحدة بل يقتضي فرتة تارخيية كاملة بكل صراعاتها وانتفاضاتها ( )72أن ما أصاب االحتاد السوفيتيي من هزائم على الصعيد الدولي كانت لديها نتائج جانبيه حيث بدأ لون من ألوان اليساروية تلمح يف فضاء أوروبا باسم الشيوعية األوروبية ،ومع تصدع املشروع اللينيين انتهزت الربجوازية الوضيعة األوروبية الفرصة لتعلن أن القراءة اللينينية ملاركس ليست صحيحة بل وأن بعض ما يف 111
أقواس
أقواس
112
املاركسية نفسها جرى عليه التقادم ومل يعد معاصراً ،وهكذا خرجت الربجوازية الوضيعة األوروبية حتت راية يساروية امسها الشيوعية األوروبية من معسكر الربوليتاريا لتنضم إىل املعسكر الربجوازي بقيادة الرأمساليني وقالت بإمكان ال��وص��ول إىل اإلش�تراك��ي��ة ع��ن طريق اإلنتخابات ،شأنها يف ذلك شأن أحزاب اإلشرتاكية الدميوقراطية يف أوروب��ا الغربية اليت مل يعد هلا أدن��ى عالقة باإلشرتاكية ،يف مقاربة هذا اإلنشقاق الطبيعي واخلطري بذات الوقت فإن كل مقاتل يف جبهة الربوليتاريا ال يفارقه الشعور بأن الربجوازية الوضيعة األوروبية اقتفت أثر الربجوازية الوضيعة السوفيتية اليت أنزلت هزمية ساحقة باملشروع اللينيين وأن تدعي بأن املشروع اللينيين حيمل يف ذاته بذورانهياره، وكذلك الشيوعية األوروبية يف الستينيات كانت الطيف اليساروي األول والذي استدعى جممل األطياف اليساروية األخ��رى ،صحيح أن بعض اجلماعات اليت ا ّدعت اإلشرتاكية تواجدت قبل الستينيات ،اال انها مل تنحدر حتت راية اليسار، وكذلك يف اوال كانت الربجوازية الوضيعة اليت حاربت الثورة اإلشرتاكية من داخلها ،ويف الثاني أولئك الذين مل يدركوا األسباب احلقيقية اليت عملت على انهيار املشروع اللينيين فظنوها خطأ يف النظرية ولذلك خرجوا منها ،وهؤالء بعمومهم من الربجوازية الوضيعة ً أيضا ،كل الذين يرفعون راية اليسار اليوم هم من الذين يرفضون القراءة اللينينية ملاركس ومن الذين يشككون يف صحة املاركسية كعلم للتطور اإلجتماعي وبأنكار دكتاتورية الربوليتاريا يعين إنكارهم الصراع الطبقي( )73ما يؤكد
تهافت يسارية اليساريني هو أنهم مل يتعرفوا ً إط�لاق��ا على أي��ة ق��وى اش�تراك��ي��ة يف اجملتمع السوفيييت وهم لذلك يضطرون إىل القول بأن ستالني ومنذ أن توىل منصب األمني العام للحزب الشيوعي السوفيييت يف العام 1922م انتهج القضاء على كل القوى اإلشرتاكية ،وعندما يتأكد بعض هؤالء بأن مثل هذه املزاعم ختلو من العقالنية حيث ال ميكن ألي جمتمع أن خيلو من القوى اإلشرتاكية خاصة وقد تضاعف حجم الربوليتاريا فيه ثالث مرات (.)74
ثانيا:االشرتاكية الدميقراطية احلديثة تعود نشأة االشرتاكية الدميقراطية لعام ُ حيث اطلق عليها لفظ االممية 1889م الثانية وارجع بعضهم نشأتها اىل عام 1848م وه��و تاريخ ال��ث��ورات االوروب��ي��ة ال�تي تأثرت ب��ال��ث��ورة ال��ف��رن��س��ي��ة،ال�تي اس��ق��ط��ت امللكية واعلنت اجلمهورية ،وقد اخت��ذت االشرتاكية الدميقراطية تسميات خمتلفة فقد اطلق عليها يف أملانيا ( االشرتاكية الدميقراطية) ويف بريطانيا (االشرتاكية الفابية) ويف فرنسا استخدم لفظ االشرتاكية ويف اجلنوب (بلدان العامل الثالث) تركزت اجلهود من اجل تعزيز طريق وسط بني اح��زاب الدولية الثالثة أي االشرتاكية السوفيتية وشقيقاتها واالح��زاب الرأمسالية يف اوروبا الغربية والواليات املتحدة ومما الشك فيه فأن االشرتاكية الدميقراطية اصبحت حتظى بأهتمام عاملي متزايد بعد االجنازات اليت حققتها يف بلدان اوروبا الغربية والبلدان االسكندنافية وكذلك يف بلدان امريكا
اجلنوبية حيث ختيم افكار اليسارية بصورة عامة على القسم االعظم من القارة()75 وأستخد َم وصف االشرتاكية الدميقراطية من قبل احلركات االشرتاكية واملنظمات املختلفة، لتأكيد على الطابع الدميقراطي ومليوهلم السياسية ،وأح��ي��ان��ا كمصطلح م���رادف مع الدميقراطية االجتماعية ،وكثري من الذين يعرفون بأنهم من االشرتاكيني الدميقراطيني يعارضون الدميقراطية االجتماعية املعاصرة ألنها حتتفظ بنمط اإلنتاج الرأمسالي ،وغالبا ما تستخدم االشرتاكية الدميقراطية على النقيض احل��رك��ة استبدادية يف الشيوعية (اللينينية) ،وتعارض املركزية الدميقراطية مفهوم الطليعة الثورية ،والدعوة بدال من ذلك خللق الدميقراطية االقتصادية من قبل طبقة العاملة ( )76وكذلك ظهرت مالمح االشرتاكية الدميقراطية بشكال عام يف القرنني التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وبشكال خاص بعد ثورة اكتوبر 1917ومتثلت بفالدميري لينني وروزا لكسمبورغ ففي ذلك احلني كان نضال اجلماهري مشتداً ليس من أجل الدميقراطية السياسية وحدها ولكن من اجل الدميقراطية االجتماعية كذلك ،وي��رى للفكر االقتصادي املاركسي اىل ان فالدميري لينني هو من ساهم ووضع َ بلورة اسس االشرتاكية الدميقراطية حيث ان لينني رف��ض فكرة الدميقراطية الربملانية مبفهومها الغربي او الرأمسالي بشكل خاص ،معتربا ان وجود اقلية يف الربملان ممثلة للشعب تصبح مقادير الشعب بني أيديهم ويرى ان هؤالء الذين ينوبون عن الشعب قد خيونون هذه الثقة ومن املمكن شراءهم سواء من احلكومة
او غريها ،وإن نضال االشرتاكيني الدميقراطيني يستند اىل مجلة من املعطيات املمكن امجاهلا على شكل االتي :اوال ان اوروبا املتطورة مل تصل اىل نظامها الدميقراطي يف حلظة مضيئة من الزمن وامنا كان ذلك مندرجا مع النمو املتزايد للوعي السياسي واالجتماعي وال���ذي ميلك القدرة على خلق او صنع الرآي العام اجلمعي يطالب باحلاح قد يصل اىل حد الثورة حبقوقه السياسية واالجتماعية كماحصل يف الثورة الفرنسية عام 1789وثورة 1848والثورة البلشفية عام 1917م .ثانيا :ان االشرتاكيني الدميقراطيني يؤمنون بتعدد املراكز هلذه احلركة وجتاوز فكرة القطب الواحد او الوطن االم ذات الطابع الدميقراطي االشرتاكي وهذه املراكز تستند اىل خصوصية كل جمتمع وما يتضمنه من قيم اجتماعية وسياسية ودرجة تطور بناه التحتية سواء منها املادية ام الفكرية اوالروحية ،ثالثا هذه االشرتاكية الدميقراطية تستند اىل مبادئ معاصرة فهي تتمسك بالقيم االنسانية اليت تتبناه الدميقراطيات العاملية واليت تنسجم مع تطلعاتها وتراثها احلضاري والقيمي ،وأن اخلطأ الذي وقعت فيه اوروبا الشرقية واالحتاد السوفيييت السابق هوعزله بني مسألة احلرية الفردية والشخصية وعدم ربطها بقضية العدالة ،كما هو معروف االنسان كائن مادي ومعنوي معا فاحلركة اذن هنا تربط ما بني احلرية السياسية واحلرية االجتماعية، واالشرتاكية الدميقراطية ال تؤكدعلى التعددية واحلرية السياسية والربملانية والتطور السلمي فحسب بل تعمل على حتقيق مستوى مرتفع من النمو وتوفري الضمانات للمواطنني ()77 113
أقواس
أقواس
114
كما ترى على انها الطريق لتحقيق العدالة وبناء نظام دميقراطي مناهض لكل اشكال االستبداد ،وأن انتشارهذه أفكار عقب احلرب العاملية الثانية يف معظم أحناء أوروبا الغربية كانت تدعو إىل التخلي عن الصراع الطبقي واملبادئ املاركسية األخرى وإىل ضرورة مشاركة كل فئات الشعب يف قيادة السلطة السياسية واالقتصادية ،وتكوين جمتمع يعمل فيه مجيع الناس متساوين ( )78وان هذه احلركات أيدت مبدأ الرقابة الدولة وكذلك رفضت أسلوب التخطيط املركزي الشامل وتبنت مدخل السوق التنافسية احلرة ،حبيث يتوافر أكرب قدرممكن من املنافسة والتخطيط ،وكان النتشار أالفكار االشرتاكية الدميقراطية يف أوروبا الغربية أثر بالغ يف تبين الكثري من الدول األوربية الغربية إجراءات اقتصادية واجتماعية متعددة اعتماد إج��راءات واسعة يف نطاق الرقابة احلكومية على االقتصاد ،وحتقيق إصالحات بنيوية يف حقل الضمان االجتماعي ( )79ويف احملصلة فأن االشرتاكية الدميقراطية هي نهج فكري عاملي يعتمدعلى اساسني هما:اوهلما يهدف اىل حترير االنسان عرب ضمان حريته وبناء نظام دميقراطي تعددي يضمن املشاركة والتداول السلمي للسلطة ويرفض أي شكل من أشكال االستئثار من جانب سلطة الفرد والطبقة او احلزب الواحد ،وبناء نظام برملاني حيتكم اىل الدستور ويفصل ب�ين السلطات الثالث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) ويبين الدولة املدنية الدميقراطية دول��ة املؤسسات وس��ي��ادة القانون وثانيا :يهدف اىل حترير ً ً واقتصاديا واقامة التوازن اجتماعيا االنسان
بني حاجات االنسان املادية والروحية واقامة التوازن بني مصلحة االنسان (الفرد) ومصلحة اجملتمع واقامة جمتمع تسوده روح العدالة وامل��س��اواة ،وعلى هذا االس��اس فأن االشرتاكية الدميقراطية تزاوج بني االشرتاكية من جهة والدميقراطية من جهة اخرى وترفض العنف ودكتاتورية الطبقة وتنادي بالتطورالسلمي والتدرجيي ،وكذلك التؤمن بضرورة القضاء على اجلميع مظاهر امللكية اخل��اص��ة ،وامنا االبقاء على املشروع ،وتؤمن هذه االشرتاكية بأجبار الرأمسالية على اخلضوع الرادة الشعب باالساليب الدميقراطية ،وضرورة نقل املشاريع الكبرية من قطاع اخلاص اىل قطاع االشرتاكي (.)80
ثالثا:املدرسة النقدية رمبا الخيتلف الفكر السياسي اليساري الغربي املعاصر عن الفكر السياسي املاركسي كثريا النهما يشرتكان يف نقد اجملتمع القائم والبحث عن بديل له ،وقد ظهرت مدرسة فرانكفورت منذ أواخ��ر الثلث االول من القرن العشرين، رواجا ً ً عامليا اال بعد انتشار حركة ولكنها مل تلق اليسار اجلديد وقد بلغ تاثري افكار املدرسة أوج��ه ع��ام 1968م وذل��ك يف اي��ام التحركات الفوضوية للطالب الفرنسيني واالمل���ان مما توفق مع فرتة حتركات القوى املضادة للثورة يف تشيكوسلوفاكيا واختذت مدرسة فرانكفورت تسميتها من مركز نشاط مؤسسيها (ماكس هوركهمري وتيودر أدورن��و وهربرت مركوز واري��خ فروم وفريدريك بولوك وغريهم،ويف الستينات ظهر اجلبل الثاني من ممثلي املدرسة
:يورغن هابرماس والفريدمشيدت الكسندر ميشرليخ واوس��ك��ار نيغت وال�برخي��ت ويلمر وغريهم) . (م��اك��س ه��ورك��ه��امي��ر)ب��ع��د ان ط��ور اسس النظرية النقدية يف جمموعة دراسات بعنوان (النظرية التقليدية والنظرية النقدية) ،فقام بتجديد البعد امل��ادي للنزعة النقدية ،حيث أنطلق من ان حياة اجملتمع هي نتاج العمل، وحتى اذا كان تقسيم العمل يف العامل الرأمسالي جيري بشكل سيء فذلك ال يسمح لنا ان نعترب ان هذه القطاعات اخلاصة للعالقة الديناميكية اليت يقيمها اجملتمع مع الطبيعة وللمجهود ال��ذي يبذله اجملتمع من اجل االستمرار كما هو ،فال بنية االنتاج الصناعي والزراعي وال انقسام الوظائف اىل قيادية واخرى تنفيذية ام���ران ثابتان مؤسسان يف الطبيعة ()81 وجاءت أفكار املدرسة لتعيد دراسة النظرية املاركسية وما تبنته من أفكار وتصورات خاصة تصورات هيجل املثالية ،والنظرية التشاؤمية عند شوبنهاور وه��ذا ما ظهر خ�لال وجود الكثري من التناقض يف التحليل املثالي لقضايا املاركسية العامة مثل الربوليتاريا كطبقة وقوة ثورية يعتمد عليها يف عمليات التغري اجلذري يف اجملتمع وقضايا أخرى مثل االغرتاب أو التنبؤ بانهيار النظام الرأمسالي أو فكرة اختفاء الدولة احلديثة والسبب يف ذلك حسبهم هو استنباط األفكار دون حتليلها وهذا ما اثر على تصورات أص��ح��اب امل��درس��ة ال��ذي��ن رأوا ض���رورة إع��ادة النظر فيما توصلت إليه املاركسية من قضايا ومقوالت وقوانني لتطور احلياة االجتماعية ( )82وتتسمك النظرية النقدية بالتفكري
الرافض الذي راى فيه (ماركوزاا)أحد اعالم هذه النظرية املصدر الوحيد للنقد االجتماعي اخل�لاق الن ألغاء التفكري الرافض يعين ألغاء ملكه االب��داع يف احلياة االجتماعية ،وكذلك تقوم النظرية النقدية على رفض التجريبية احملضة على الرغم من الزعم بقدرة هذه االخرية على إقامة الفلسفة على أساس عيين يتوافق واالساس العيين الذي تعتمده النظرية النقدية واليت تقوم عليه ،حيث ترى النظرية النقدية بطالن هذه املزاعم وجتد أن الواقعية التجريبية احملضة حترص على االلتزام بالواقع يف صورته القائمة بالفعل والتعين كثريا بنقده أو تغيريه (.)83 ولعل التجربة األساسية يف حياة ماركوزاا الفكرية هي فشل اليسار املاركسي يف االستيالء على السلطة بعد جناح الثورة البلشفية يف أوائل القرن ،كما أن��ه الح��ظ تزايد هيمنة النظم الشمولية اليمينية (الفاشية يف إيطاليا والنازية يف أملانيا) واليسـارية (السـتالينية يف االحتاد السوفييت) ،ثم الح��ظ يف اخلمسينيات ،بعد احلرب العاملية الثانية ،تزا ُيد رسوخ الرأمسالية االستهالكية يف الواليات املتحدة وأورب��ا ،وهي ضرب من ضروب الشمولية ،وحاول ماركوزاا خالل كل هذه األعوام أن ُيبقى الفكر املاركسي أداة حية وفعالة لتحليل اجملتمع ويف نهاية األمر تغيريه ،ووص��ف ماركوزاا لإلنسان ذي ال ُبعد الواحد( )84رأى انه تطوير لفكرة اإلنسان االقتصادي واجلسماني (اإلن��س��ان الطبيعي) حيث بينَّ أن نسق اإلنسان ذي ال ُبعد الواحد هو ّ واحدي مغلق ،ولذا فإنه حيـاول أن يفتح نسـق النسـق ،وكي يفعل ذلك ،كان البد له أن خيرج 115
أقواس
أقواس
116
من الواقع املغلق كي يقوم بتحليل وتقييم الكل الكامن املتجاوز هلذا الواقع الظاهر ،ويرى اإلنسان العقالني بوسعه أن يتجاوز النظام االجتماعي القائم ويصل إىل مستوى أعلى من خالل عقله الذي يقارن املعطى املباشر (اجملتمع األح��ادي البعد) باملعايري اإلنسانية العقالنية العاملية ،واحلقيقي هو ما يتفق مع هذه املعايري، وهي معايري العقل ،إذ أن التاريخ نفسه حسب هذه الرؤية يتحرك حسب معايري العقل ،أما الالعقالني فهو ال ت��ارخي��ي وغ�ير حقيقـي، ويذهب ماركوزاا شأنه شأن املاركسيني إىل أن اجملتمع الفاضل هو اجملتمع ال��ذي ال يستغل اإلن��س��ان فيه أخ��اه اإلن��س��ان ،وحسب تصور ماركوزاا وصل التطور التكنولوجي إىل الدرجة ً ضروريا اليت أصبح القمع الشديد معها ليس بعد أن َّأدى قمع الغرائز وظيفته التارخيية، فاإلنسان الغربي َّ طور تكنولوجيا جتعل بإمكان كل شخص أن يعيش يف حرية وكرامة وإشباع دون احلاجة لقمع ( )85ويسأل ماركوزاا عن العقبات النفسية اليت تقف يف طريق حتقق مثل هذا اجملتمع ،ويف كتابه املذكور يرى أن إيروس (مبدأ اللذة واحلياة) يبحث ً دائما عن التحقق واإلش��ب��اع م��ن خ�لال إع���ادة صياغة النظام االجتماعي والعالقات االجتماعية فيه (مبدأ الواقع) وهو يرى إمكانية املوازنة بني العقل واحلس والسعادة واحلرية يف جمتمع خال من القمع ،أي أن اإليروس (بهذا املعنى) إمكانية كامنة يف اإلنسان تمُ ِّكنه من أن يتجاوز عامله ذا ال ُبعد الواحد ،وميكن مالحظة سر التقاء ماركوزاا باملاركسية الميكن فهمه إال يف االطار الفكري واالجتماعي الذي يتميز به اجملتمع
املعاصر وهو الوقوف يف واجهة الصراع ضد الربجوازية اليت أغرقت العامل الغربي يف مشاكل سياسية واقتصادية متنوعة إال ان املسار الفعلي لألحداث منذ بداية القرن العشرين سار يف اجتاه خمتلف عن ذلك االختالف يف رأي ماركوزاا يف البالد الرأمسالية الكربى مل ترد فيها حدة التناقض بني الطبقتني الرئيسيتني()86 ويرى ماركوزاا أن طريق الثورة على هذا الواقع القمعي مسدود يف الوقت الراهن حيث أن الطبقة العاملة يف أمريكا وأوربا الغربية قد اندجمت يف الرأمسالية وأصبحت قوة حمافظة ومل تعد الطبقة العاملة طبقة ثورية ( )87وقد استعاد بتفاؤل مقوالته السابقة يف كتابه (دراسات يف التحرر) بعد االح��داث اليت انفجرت يف اوربا يف نهاية عقد الستينات من القرن العشرين ومنحته الثقة بامكانية التحرر عرب ظواهرها املختلفة خ��ارج الرأمسالي وداخله ب��دءا من النضال الثوري يف فيتنام وكوبا والصني وانتهاء مبعارضة الطلبة احملتجني يف العامل كله للنظام التعسفي وحيدد بنوع من الواقعية مسألتني اساسيتني بهذا الشأن هما:دور الطلبة واملثقفني ودور الطبقة العمالية ،فالطلبة واملثقفون اليشكلون بذاتهم قوة ثورية لكنهم ميكن ان يكونوا فتيل تفجري للثورة ،أما طبقة العمالية فهي وحدها ودائما االداة املوضوعية للتحوالت االجتماعية وان كانت من الناحية الذاتية مدرجة االن يف اجملتمع الرأمسالي دون وعي سياسي ،لذلك ينبغي انتظار حدوث العلمانية الثورية يف البلدان العامل الثالث باعتبارها احللقة االكثر ضعفا يف الكتلة الرأمسالية (*) ويرى ان الثورة السوفيتية أنطلقت من نبؤتني
هما اندالع الثورة االشرتاكية يف اوربا الشرقية واح��ت��دام االزم���ة العامة للنظام الرأمسالي العاملي ولكن هاتني النبؤتني مل حتققا واملهم يف التفسري هو القليل من القيمة االمكانيات االقتصادية والسياسية للرأمسالية والتغري يف املوقف الربوليتاريا ،فهنالك رفض الستخالص النتائج النظرية هل��ذا الواقع اجلديد ،وهذا الرفض يعترباخلاصية املميزة لكل التطور الذي عرفته اللينينية وأحد االسباب الرئيسية يف االنفصال بني النظرية واملمارسة يف املاركسية السوفيتية وعدم استخالص النتائج النظرية هل��ذا ال��واق��ع اجل��دي��د ه��و ال���ذي ق��اد ال��ث��ورة السوفيتية اىل مماراسات التنسجم مع جوهر املاركسية حتى بات اجملتمع السوفيييت يشبه أي جمتمع صناعي حديث اخر ،وحياول ماركوزاا يف ض��وء ماتقدم الكشف ع��ن جوهر الدولة السوفيتية اليت متارس على حد قوله الوظائف السياسية واحلكومية ضد الربوليتاريا خالفا ملا ذهب اليه ماركس واجنلز من ان اساس التحوالت الثورية هو تغيري الوظائف العامة للدولة لتفقد خاصيتها السياسية وتصبح جمرد وظائف ادارية ملصاحل اجملتمع احلقيقية ،ففي ظل تقسيم العمل ويف أط��اره تبقى السيطرة وظيفية متخصصة حتتكرها البريوقراطية سياسية واالقتصادية والعسكرية ،ويؤكد ان دور البريوقراطية ميثل مظهرا مميزا من مظاهر ممارسات الثورة البلشفية حيث تشكل البريوقراطية عنده طبقة منفصلة متارس السلطة على السكان التابعني هلا بفضل رقابة اجل��ه��از السياسي واالق��ت��ص��ادي والعسكري، كما ان ممارسة البريوقراطية هل��ذه السلطة
ختلق سلسلة كاملة من املصاحل اخلاصة اليت تستخدمها الطبقة البريوقراطية لتؤكد نفسها بفضلها ،أما على املستوى االخالقي فان ماركوزاا يرى أن االخالق اليت جاءت بها الثورة البلشفية مفروضة من اخلارج الفرد وليست نابعة من داخله( )88وان ه��ذه االخ�لاق ال�تي عرضها برنامج احلزب الشيوعي السوفييت عام 1961م حترض على العمال وتفرض نفسها على الناس بنوع من الشدة تتجاوز الشدة اليت تفرض بها االخالق الربجوازية نفسها عليهم ،كما يرى أن على خالف هذا متاما فالفرد هناك مت احتواؤه وادماجه يف نظام العمل املفروض من اعلى ،فهو انسان ذو بعد واحد حمكوم بنظام بريوقراطي حمض ان متابعة افكار هربرت ماركوزا كنموذج الفكار مدرسة فرانكورت تسمح بالقول بان مفكري هذه املدرسة سلكوا سلوكا انتقاديا جتاه اجملتمعات الرأمسالي واالشرتاكية املعاصرة معا من خالل اعتمادهم للنظرية النقدية اليت تاكدت مقوالتها اكثر فأكثر مع تطور هذه اجملتمعات (.)89 رابعا:االوروشيوعية تعرب االوروشيوعية عن امل��واق��ف الفكرية اخلاصة اليت اختذتها بعض االحزاب الشيوعية االوربية مبا يعكس من جهة متسكها بفكرها الشيوعي ومراعاتها من جهة ثانية للخصائص االقتصادية واالجتماعية والسياسية املميزة للدول الرأمسالية املتطورة ،واذا كانت املواقف الفكرية اليت تعرب عنها االوروشيوعية ترجع بأصوهلا اىل عهود سابقة ،فأن أجلدل الذي دار داخ��ل احلركة الشيوعية العاملية ،هي ليست 117
أقواس
أقواس
118
وليد أح��داث قريبه ب��اجل��ذور فهي متتد إىل بداية الستينات ،وفيما يتعلق بتطور احلركة الشيوعية وموقع االحت��اد السوفيييت منها فاألوضاع ما قبل ذلك التاريخ ،كانت تعكس خالفات حول مشاكل العالقات الدولية بالدرجة األوىل ،واحن��ص��رت ب�ين االحت���اد السوفيييت وال��ص�ين الشعبية وأوروب���ا الشرقية بصفة أساسية ومل تصل إىل حد االنقسام اخلطري حول جوهر العقيدة املاركسية ،أما مناقشات مؤمتر برلني ،فقد دفعت بقوة إىل حلبة الصراع، وبأفكار جديدة متثل حتديا للحركة الشيوعية فى الوقت املعاصر دارت حول الدميقراطية، وتعدد الطرق حنو االشرتاكية ،ورف��ض فكرة مركزية القيادة فى احلركة الشيوعية العاملية، واملقصود بصفة مباشرة االحت��اد السوفيييت الذى يعد النبع االساسي للحركة ولقد شهدت السنوات األخ�ي�رة داخ��ل احل��رك��ة الشيوعية العاملية ،نشاطا سوفييتيا ملحوظا ،سواء على املستوى النظري أو العملي ،وبهذا ظهرت يف خطابات االح��زاب الشيوعية اوربية السخط ٌ مطالبة بنوع من املركزية الشيوعية يف روسيا من االستقاللية ملواجهة صراع الرامسالي وفى مؤمتر برلني ارتفعت حدة االنتقادات السياسية السوفييتية ،وأخ���ذت شكال اك��ث��ر صراحة ووضوحا ،حيث قال سانياجو كاريللو زعيم احلزب الشيوعي األسباني( أنه ال يوجد هناك مركز دولي للشيوعية ،ومل يعد من املمكن أن يوجد ال على التضامن العاملي ،وال على النطاق األوروب��ي أن الواقع الراهن للحركة العاملية، وللعالقات بني األح��زاب الشيوعية ،تقتضى التخلي عن أساليب عفا عليها الزمن ،وعلينا أن
نسلم بان تطوير تعاليم املاركسية ،مل يواكب التحوالت العظمى فى واقع عاملنا املعاصر،وأنه مل يعد يوجد حزب قائد وال دولة) وهذا يدل على رفض استمرار قيادة السوفييت للحركة الشيوعية العاملية ،أما جورج مارشيه زعيم احلزب الشيوعى الفرنسى ذكر فى 2يوليو عام 1976م على أن الفكرة القائلة (بان مؤمترات ق��ادم��ة ك��ه��ذه ل��ن تتالئم م��ع احتياجاتنا املتجددة) وفى تعليق لزعيم احلزب الشيوعي الربيطاني على أع��م��ال مؤمتر ب��رل�ين ،جاء قوله( إن املؤمترات إشارات إىل أن بعض الوسائل املستخدمة اآلن فى احلركة الشيوعية العاملية ،ال تفى بالغرض موضوع آخر من املوضوعات التى كشفت عنها مناقشات برلني) ،وميثل حتديا آخر للنموذج السوفييتى ،هو إعالن بعض األحزاب، اختاذ مواقف جديدة فيما يتعلق بالسري حنو االشرتاكية ،ويركز الشيوعيون األوروب��ي��ون موقفهم االنتقادي للدور السوفيييت ( )90فى أن املركزية الشديدة التى يسري عليها النظام السوفيييت ،رمبا تكون قد الئمت سنوات احلكم السوفيييت فى السنوات األوىل للثورة البلشفية ولكن هذا ال يربر أن يظل هذا األسلوب شيئا سرمديا ،ومن ناحية أخرى يقولون أن القادة السوفييت عليهم أن يدركوا أن ال ميكن حتقيق االشرتاكية دون خماطر ومييزون بني املستوى الذى وصل إليه املواطنون السوفييت من تقدم اقتصادي وفين وعلمي ،ومن ناحية أخرى يرون أن اجملتمعات الشيوعية تواجه أزمات منو غري متوازن ،وال تعيش نفس املستوى املادي ،ومن ثم ال يفهمون اعرتاض السوفييت على تعاملهم مع أوروب���ا الغربية ،وعلى ض��وء املالحظات
السابقة يعتقدون أن األنظمة الشيوعية حققت مستوى ماديا متقدما ،برغم الفوارق النسبية بينها إال أن ذل��ك مل يواكب بتقدم مواز على املستوى السياسي ،والتحررالفكري، واإلقرار باحلقوق املدنية للمواطنني اخل ..وهلذا يطالبون السوفييت بالسماح بوجود املعارضة السياسية لكل ذلك جاءت وثيقة مؤمتر برلني، معربة عن هذه االجتاهات اجلديدة( )91فنصت على إعطاء احلق الكامل لكل شعب فى حرية اختيار طريق تطوره من اج��ل االشرتاكية، واع��ت��ب��ار احل���وار وال��ت��ع��اون ب�ين الشيوعية وك��ل ال��ق��وى الدميقراطية واحمل��ب��ة للسالم، يف ح�ين حي��اول السوفييت اإلحي���اء ب��ان هذه التيارات اجلديدة ال تشكل خطرا على الدور السوفيييت ،وال على احلركة الشيوعية ككل، إال أن السوفييت ظلوا حمافظني على نغمتني هما :ض��رورة التمسك بالوحدة والعاملية ،مع احلرية االستقاللية لألحزاب الشيوعية فى الطريق إىل االشرتاكية( )92كما يؤكد كاريللو هي اخلصوصية اليت تتميز بها البلدان االوربية املتقدمة وتستدعي البحث عن احللول تناسب بلداننا املتقدمة اليت تعيش وتتطور يف قرننا املعاش ،لكنها ال تنطبق فقط على بلدنا وعلى غ�يره م��ن ال��ب��ل��دان ال�تي وصلت مستوى من التطوراملشابه أو االرف��ع مستوى ،وي��رى أن تاثري مستوى تطور االنتاج يف احملتوى الواقعي احلقيقي لعالقات االنتاج والذي يتعدى يف سعته وعمقه حتى ما ميكننا اقراره من حدود لذلك التاثريعلى البنى الفوقية يستتبع التاكيد على ان التطور املتحقق على مستوى وسائل االنتاج يف الدول الرأمسالية االوربية املتقدمة البد وأن
حيكم البنى الفوقية فيها ومينحها مضمونا جديدا يقرره مستوى التطور يف وسائل االنتاج، ومن هنا تنطلق االوروشيوعية للقول بضرورة إع��ادة النظر والتفكري ال��ذي يف واق��ع الدولة الرأمسالية القائمة اليت متثل يف رأيهما حقيقة واقعة وينبغي التعامل والتفاعل معها بوصفها كذلك مما يعين إمكانية دمقرطة جهاز الدولة الرأمسالية وحتويله اىل اآلدارة قادرة على بناء جمتمع اشرتاكي دون احلاجة اىل حتطيمه بالقوة ومن االساس( )93ولتحقيق هذا اهلدف االمثل فلن يكفي التخلص فقط من بعض املوضوعات ال�ت�ي ت��ق��دم ب��ه��ا امل��ن��ظ��رو االوروش��ي��وع��ي��ة التقليديون كدكتاتورية الربوليتاريا مثال أو االصرار على احرتام لعبة الدميقراطية فحسب، امن��ا حيتاج االم��ر اىل دراس��ة حتليلية شاملة للمجتمع الرأمسالي املتطور ،وحتليل شامل لنتائج تطور وسائل االنتاج والبنى االجتماعية اليت هيأ هذا التطور لظهورها (.)94 املطلب الثالث:آفاق الفكر االشرتاكي. أوال:واقع وحتديات املاركسية يف العامل الغربي. ان ماتلت من صياغة نظرية وافية اليت قدمها كل من ك��ارل ماركس واجنلز يف تنشئة فكر يساري على مر القرن من تطورات وحتديات قد اث��ارت منهجا جديدا لتاريخ و تطوره ،و قدما أيضا مجلة من املقوالت اليت لعبت دورا مهما يف تطوير الفكر االشرتاكي العاملي على املستويني النظري و العملي ،بيد أن مجلة من التطورات التارخيية اليت تلت ذلك قد أفرزت مجلة حقائق جديدة ينبغي أن تؤخذ باحلسبان ولعل أبرز هذه احلقائق أن القرن العشرين قد 119
أقواس
أقواس
120
شهد والدة أول دولة اختذت من الفكر املاركسي منهجا يف إدارة الدولة وال�تي بدورها كان هلا التأثري الواسع يف انتشار للفكر املاركسي يف اوربا الشرقية وخصوصا بعد احلرب العاملية الثانية، وعلى الرغم من أمتداد تأثري الفكر املاركسي إىل دول العامل مبراحل فأن بعض البلدان قد حققت إجنازات اقتصادية و اجتماعية مهمة إال أن البعض منها قد فشلت على املستوى السياسي، كما أن مثلها اعلى ( االحتاد السوفييت ) قد سلك يف أحايني كثرية سلوك الدولة االستعمارية يف تعامله مع الدول الصغرى من حيث فرض اهليمنة أو من طبيعة ال��والء كما أن التجربة االش�تراك��ي��ة يف االحت���اد السوفييت وباعتماد على دكتاتورية أدى بها اىل انهيار تارخيي يف االحت��اد السوفييت واملنظومة االشرتاكية يف أوربا الشرقية فضال عن تراجع كبري يف شعبية األحزاب املاركسية يف أوربا الغربية كما هو احلال يف فرنسا و ايطاليا و أسبانيا ،يف حني صمدت جت��ارب أخ��رى يف الصني وفيتنام ،وواجهت الصعوبات وال��ص��راع��ات بينها وب�ين الكتلة الغربية واالشرتاكية يف العصر احلديث واجهتها حتديات عديدة منها حتديات العوملة والثورة املعلوماتية ،و التحول النوعي يف طبيعة الطبقة العاملة نفسها ،واملسأئل الدينية ،و نقد التجربة املاضية ،و جتديد البنية التنظيمية و صياغة أساليب العمل السياسي لألحزاب املاركسية، وجتديد الفكر املاركسي على املستويني النظري و التطبيقي ،و كل هذه التحديات مرتابطة مع بعضها البعض حتى ليمكن القول أنها شبه متداخلة ومتبادلة التأثري فيما بينها إىل حد بعيد ( )95اال انه مايزال حيتل الفكر املاركسي
املكانه املتميزة يف الساحة الدولية وماتزال االفكار اليسارية تشوب اجملتمعات املناهضة لنظام الليربالي ،وتسعى ل�لاع��ادة وتارخيها احلافل بالثورات وجتربتها التارخيية. ً ثانيا:مستقبل الفكر اليساري الغربي املعاصر أت��س��م��ت م��رح��ل��ة م��ا ب��ع��د احل���رب العاملية الثانية حتى اليوم بأنتشار افكار االشرتاكية الدميقراطية يف معظم البلدان االوربية ويف كثري من البلدان االسيوية واالمريكية الالتينية ويف كندا واسرتاليا ،واستطاعت بعض االحزاب االشرتاكية الدميقراطية يف ع��دد من ال��دول تأليف حكومات ائتالفية تسلمت السلطة يف أزمنة متفاوتة ،كذلك يشهد ه��ذا العصر تبدالت عميقة يف جمموعة البلدان االشرتاكية وختلي معظم البلدان االشرتاكية االوربية عن االشرتاكية العلمية وتبنيها مذهب االصالح االقتصادي وافكار االشرتاكية الدميقراطية واالن��ت��ق��ال اىل اقتصاد ال��س��وق ،ففي االحت��اد السوفيييت السابق أدت املمارسة البريوقراطية زمنا طويال اىل تباطئ معدالت النمو وبروز عدد كبري من حاالت عدم التوازن االقتصادي، وتضاؤل مستويات التطور التقين يف بعض فروع الصناعة واالنتاج ،وقد تضمن برنامج إع��ادة البناء (البريوسرتويكا) ال��ذي طرحه غورباتشوف يف االحتاد السوفيييت عام 1985م دعوة اىل تعددية احلزبية واالنتقال املربمج اىل اقتصاد السوق والتعايش أشكال متنوعة من ملكية وسائل االنتاج وأنهاء احل��رب الباردة، وكان هلذه االم��ور أثر البالغ يف تسريع وتأثر التحوالت االقتصادية والسياسية االخرية اليت جرت يف البلدان االشرتاكية االوربية ،ويف زيادة
نشاط االجتاهات اليت تنادي باالصالح يف اماكن عدة يف العامل. مع التأييد الواسع الذي لقيته أفكار العلنية االنفتاح وإع��ادة البناء يف املستويني الداخلي والعاملي ،فقد عانى االحتاد السوفيييت صراعا ح��اداً بني االجتاهات السياسية والتنموية يف البالد ،ب��داً من االجت��اه ال��ذي حي��اول التمسك بأسلوب االدارة التقليدية السابقة للبالد، واحملافظة على أص��ول املاركسية اللينينية ويطلق عليه بعضهم االجتاه (املاركسي االصولي) ثم االجتاه الذي ميثله غورباتشوف ،الذي يركز على االنتقال التدرجيي اىل اقتصاد السوق مع أقامة مالئم للمراجعة واالشراف مع استمرار التعايش بني اشكال متنوعة من ملكية وسائل االنتاج ،واخ�يرا االجت��اه الليربالي ال��ذي يدعو النتقال اىل اقتصاد الرأمسالي بالسرعة املمكنة على غرار البلدان الرأمسالية الغربية ()96 أن الشعوراليساري يكاد يكون مالزما النسانية الفرد ،الن فكرة املساواة واجلماعية والتعاون والعدل شغلت أى انسان طبيعي اذ ميكن القول إن االشرتاكية فطرة ،بينما االنانية والتملك ش��ذوذ ع��ام طبيعي ،رغ��م ُ ان��ه السائد بسبب غلبة الفكر غري االشرتاكي ،ألن قيام اجملتمعات والقدرة على البقاء وسط طبيعة شرسة مت من خالل اجلماعية والتعاون ونظريات االنسان ذئب اخيه االنسان (هوبز) واحلاجة اىل عقد اجتماعي بسبب التنافس والنزاع هي مرحلة الحقة مع ظهور امللكية اخلاصة ( )97وهذا يعين انه طاملا ظلت هناك دع��وة اىل العدالة واملساواة فهناك يسار وهذا ليس مرتبطا بوجود روسيا والصني او كوبا ،قد نسمي هذه الدعوة
اشرتاكية او شيوعية او عدالة اجتماعية ،فهي يف النهاية اسس ومنطق وجود يسار كأالفكار او تيار او حزب او تنظيم لذلك احلديث عن نهاية اليسار جمرد مكايدة سياسية ،وال ميكن التنبؤ بنهاية اليسار ،قد يكون احلديث عن احنسار سياسي مؤقت بسبب سوء التنظيم او االخطاء، ولكن جوهر مستقبلية الفكر ال ميكن التشكك فيه اال اذا حرمنا االنسان من اهم قيمة :العدالة واملساواة التعاون( )98وميكن جتاوز ما حدث يف االحتاد السوفياتي سابقا و ماشهدتها من األزمة األخ�يرة وانهيار نظام فريد من نوعه الذي هو االنقياد التام لتفسري املاركسي من حيث أسلوبها يف املادية التارخيية والتحليل الطبقي، وبعبارة أخ��رى،ان فشل االحتاد السوفيييت مل يكن االشرتاكية ولكن النظام الذي يدير االمور واالعمال الدولة. والواقع انه يتحتم على االشرتاكيني الذين يرغبون يف مستقبل ما بعد الرأمسالية لفهم ما حدث ،ما مت بناؤه وماذا فشلت واالشرتاكية يف االحتاد السوفياتي ،جيب عليهم تقدير التكاليف والعواقب املرتتبة على ه��ذا الفشل ،وانهيار ما وصفته باالشرتاكية القائمة فعال ،وانهيار االحت��اد السوفياتي ال يعين نهاية االشرتاكية ولكن فقط يف نهاية حماولة العامل على نطاق واسع أول من جتاوز الرأمسالية وبناء االشرتاكية اجملتمع ،يف منظور أوسع نطاقا يف القرن املقبل وميكن توصيف األزمة احلالية لالشرتاكية بأنها فرتة من تراجع مؤقت يف مرحلة االنتقال اىل االشرتاكية املصريية ول��ذل��ك ،إذا كنا نعتقد ب��أن الرأمسالية حت��اول تبطيل االشرتاكية، فأن األفكار األساسية واملثل العليا لالشرتاكية 121
أقواس
أقواس
122
توفر اإلط��ار الوحيد املمكن للمجتمع إنساني الئق ،يف وقت الذي يراد فيه ابتعاد عن التخلي عن األمل جملرد أن احمل��اوالت األوىل لتحقيقها يف الواقع يف ظل ظ��روف صعبة للغاية وغري مواتية ،وانها ب��اءت بالفشل لكن وجيب أن ال ي��زال النضال من أجل االشرتاكية ،ونأمل أن يرفض قبول الرأمسالية باعتبارها مصري ال مفر منه للبشرية ،وبالتالي فمن الذي مل يسدد حتى اآلن يف املسابقة بني هذين النهجني يف التنمية االجتماعية واإلنسانية ،نتائجه ال يزال مفتوحا ،يف وجهة نظر تارخيية طويلة املدى،حيث أن عام 1917م يعترب بداية حلقبة جديدة يف تاريخ البشرية ولكن يتم حتميل هذا اليوم على امل��دى الطويل مع اإلشكالية، م��رة واح���دة متاح للرأمسالية م��ن أج��ل أن تظهروتوطد نفسها وتنمو مهيمنة ،والوقت مل يعد متاحا حتى إىل االشرتاكية اليت لديها أيضا اآلثار األكثر خطورة على مستقبل البشرية، وق��د أظ��ه��رت ال��رأمس��ال��ي��ة يف ال��واق��ع مرونة ملحوظة وجنا من وراء ما ميكن وصفها بأنها املرة التارخيية ،ولكن وضعت بقائها اآلن عالمة استفهام حول مستقبل البشرية ( )99ولكن النضال من طبقات خمتلفة من العمال ،جنبا إىل جنب مع ظواهر احلركات االجتماعية اجلديدة، ه��ي استجابة ألع���راض خمتلفة م��ن احن��دار الرأمسالية ،فمن املستحيل الدفاع عن مستويات املعيشة واحلقوق الدميقراطية ،ووقف تدمري البيئة ،والسماح وحده انهاء الصراعات الدموية املختلفة على الصعيد الدولي ،من دون التصدي لقوة الطبقة الرأمسالية ،أولئك الذين يقبلون على سوق كشكل األبدية للتنظيم االجتماعي
والفقر الشامل ،والصراع وقبول السوق يعين قبول هيمنة اإلنتاج العاملي والتجارة العاملية من قبل حفنة صغرية من االحتكارات الرأمسالية الكربى ،وعلى هذا األساس ميكن تطبيق العلم والتكنولوجيا إلنتاج بطريقة متوازنة ،لتلبية احتياجات اإلنسان والتنمية املتناغمة للمجتمع يف م��ص��احل األغلبية ،وإال على ه��ذا األس��اس التناقضات األساسية للرأمسالية امللكية اخلاصة لوسائل اإلنتاج وتقسيم لالقتصاد العاملي يف نهاية املطاف تعود اىل اقتصادات وطنية معادية ميكن التغلب عليها ،وبالتالي القضاءعلى اجلذوراألساسية لالضطهاد والصراع من خالل التدخل يف الصراع واحلوار مع العمال والشباب، ه��و وض��ع برنامج االش�تراك��ي ال��ذي سيوفر حنو فعال دليل للعمل ،وإع��ادة إرس��اء سلطة املاركسية احلقيقية ( )100وه��ذا ما يفسر ميل الغرب اىل الطريق الثالث بني الرأمسالية االشرتاكية مبا يفسر ايضا امليل حنو االحزاب االشرتاكية الدميقراطية وفوزها يف عدد من البلدان االوروب��ي��ة واليمينيون احملافظون اصحاب التوجهات الرأمسالية الذين حيكمون اورب��ا اآلن قد ادخ��ل��وا يف براجمهم تعديالت تهتم بالضمانات االجتماعية ودور الدولة ،لذا فان اليسار موجود بالقوة وميكن ان يتحول وج��وده اىل فعل وهذا مرتبط بتوحده حول برامج حمددة ختاطب مشكالت ملموسة بعيدا عن التقعر اآليديولوجي لكن هذا ال يعين عدم وجود رؤية شاملة هي اليت وضعت تلك الربامج ومع الفقر والتخلف واخطار البيئة واهليمنة االجنبية وال��ت��ط��ور غ�ير املتكافئ يف العامل (.)101
اخلامتة واالستنتاجات
يعترب الفكر اليساري ُ منذ بداياته يف فرتة حكم عائلة فاليوس يف فرنسا الفكر املناهض للصراع الطبقي ال��ذي ك��ان يسود اجملتمعات االوربية ،حيث كان اجملتمع كما ذكرناه سابقا ً يتكون من ثالث طبقات رئيسية وهي الطبقة احلاكمة وطبقة النبالء والطبقة العامة ،وبهذا ٌ نتيجة للصراع فقد تبلور الفكر اليساري الطبقي أصبح متهيداً آلنتشار الفكر الرافض هل��ذه السياسات وم��ن ث��م تغلغل ه��ذا الفكر يف اجملتمعات االورب��ي��ة ،وظهر كرد فعل ضد السياسات الليربالية واملعارض لفكرة متركز القوة والثورة يف يد طبقة معينة من طبقات اجملتمع والسعي للقضاء على الالمساواة عن طريق تشجيع الدميقراطيات واالصالحات يف جمال ملكية االراضي وغري ذلك من حقوق. ونتيجة لسوء العوامل االجتماعية اليت كانت تعم اجملتمعات أن��ذاك وأنتشار الفقر والعوز اليت تلت الثورة الصناعية وسوء احلالة املعيشية للعمال ومن ثم عدم وجود قوانني حمددة للعمل وأستغالل الطبقة العامة من قبل الرأمساليني فقد كان له الدور الكبري يف أنتشار وتوسعه ،وكذلك العوامل االقتصادية اليت الفكر ِ ساهمت بدورها يف تصعيد االحساس برفض الواقع وذلك بسب توسيع نفوذ الرأمساليني على حساب الفقراء ،كما كان آلنتشار الصحف والدوريات واخ�تراع الطباعة ال��دور الكبري يف نشر التوعية الفكرية أنذاك ،وقد تنوعت هذه االفكار لتتخذ لنفسها أل��وان وتيارات عديدة منها االشرتاكية املثالية اليت ظهرت يف أملانيا
وفرنسا وأنكلرتا وكانت فلسفة هذه االجتاهات تقوم على تثقيف أصحاب رؤوس االموال الذين هم بدورهم يقومون بتأسيس جمتمع يسود ُه العدالة واملساواة ،ثم بزغت االشرتاكية العلمية لتفرض مبادئها ومفاهيمها على الفكر اليساري ٌ مستمدة افكارها من جذور ومراحل تارخيية اليت تؤكد العودة باجملتمع اىل املشاعية واحلالة االخ�يرة من الرفاهية ،وأخ��ذت من الطبقة الربوليتاريا منطلقا هلا للوصول اىل الدكتاتورية الربوليتارية اليت حتكم نفسها بنفسها ،ويعترب ُ وصديقه اجنلز املبادئ اليت صاغها كارل ماركس احلجر االساس للفكر االشرتاكي والشيوعي. ويف بدايات لقرن العشرين ونتيجة لرتاكم العوامل االقتصادية واالجتماعية والسياسية السيئة فقد مت تنفيذ أوىل جتربة أشرتاكية اليت كان يدعى هلا ك��ارل ماركس ولكن ليس بالشروط ال�تي ك��ان ي��ن��ادي بها م��ارك��س الن مستوى الصناعي للمجتمع الروسي مل يكن مناسبا ً لقيام الثورة يف عام 1917م ،أال أن الثورة أنطلقت من أعماق اجملتمع الروسي مبشاركة واسعة من مجاهري الفالحني والطبقة العاملة وأقسام واسعة من الفئات الوسطى بأحتادهم أستطاعوا أسقاط احلكم القيصري وانتصار بالثورة ،وأقامة دولة تقوم على ألسس االشرتاكية وتقوم بدعم كل احلركات والتيارت االشرتاكية يف العامل ،وقد أستمر فالدميري لينني يف تبين افكار كارل ماركس وتطبيقها يف ادارة الدولة ،وبعد لينني جاء ستالني لرئاسة احلكم وليعطي استمرارية يف تطبيق االفكار املاركسية اللينينية وقد قام بالقضاء على كل معارضيه وقد حول اجملتمع الروسي من جمتمع زراعي 123
أقواس
أقواس
124
ُ مشروعه اىل جمتمع صناعي متطور من خالل (إعادة البناء). وبعد ستالني ترأس خروتشوف االدارة احلكم اال ان ُ��ه خروتشوف مل يأخذ اجلانب النظري املاركسي اللينيين بل ركز على اجلانب العملي على اعتبار أنها التتناسب مع تطورات الواقع أذ ُ أنه قام بتغيري سياسة الدولة على صعيدها الداخلي واخلارجي ،وبعد خروتشوف ترأس غورباتشوف دفة احلكم والذي ب��دور ِه اعطى ُ مشروعه الدميومة ألفكار خروتشوف ،فقد صاغ (البريوسرتويكا) ال��ذي كان يظن بها االفضل تأقلما ً مع الواقع وأعتبارها نقطة التحول ملواكبة التطورات العصرية واملخرج الرئيسي لالزمات اليت مير بها اجملتمع السوفيييت ،وقد حصل انشقاقات يف بداية تبين الفكر الشيوعي ُ ُ وصبغاته فقد ظهرت تيارات ألوانه وتعددت عديدة تنتقد التفسري اللينيين للماركسية وق��د متثل مبجموعة مفكرين م��ن ضمنهم كارل كاوتسكي الذي انتقد افكار البالشفة من النواحي السياسية واالقتصادية واالجتماعية ،وافكار تروتسكي ونظريته ُ (الثورة الدائمة) اليت كانت عبارة عن نقيض لكتاب االشرتاكية يف بلد واحد الذي أكد عليها ستالني ،ومن ثم ظهور الرتوتسكية اجلديدة اليت تبنت افكار تروتسكي وك��ان��ت ت��دع��وا هل��ا ،وم��ن ث��م ظ��ه��ور ت��ي��ارات عديدة اليت كانت تنتقد املاركسية اللينينية ومن ضمنها اليساروية املعاصرة اليت كانت تناقض تفسري لينني للماركسية وكذلك ظهور تيارات اخرى حتت رايه االشرتاكية اليت كانت تربط بني االشرتاكية والدميقراطية ومتثلت ب(بروزا لكسمبورغ) اليت كانت ترفض أحادي
القطبية يف االدارة االشرتاكية وترفض الصراع الطبقي واملبادئ االخرى للماركسية ،وكذلك املدرسة النقدية واالوروشيوعية ودورهما يف اجراء تعديالت يف مفاهيم املاركسية من أجل ان تتكيف مع واقع تطورات ال��دول املتقدمة وأخذ استقاللية يف مواجهة الفكر الليربالي، وعلى الرغم من انتشار الفكر االشرتاكي اىل دول كثرية يف العامل اال انها قد فشلت من النواحي االقتصادية والسياسية وجنحت يف نواحي اخرى ،اال أن االفكار االشرتاكية واجهت حتديات العوملة ،والتحول النوعي يف طبيعة الطبقة العاملة ،ونقد التجربة املاضية ،وجتديد البيئة التنظيمية ،وصياغة أساليب العمل السياسي ل�لاح��زاب امل��ارك��س��ي��ة وك��ل ه��ذه التحديات مرتابطة ومتجانسة مع بعضها البعض ،وبهذا فان مستقبل فكر اليساري يبقى مستمرا أذ أن تفكيك االحتاد السوفيتيي مل يكن عامل النهيار االشرتاكية أمنا عامل ألنهيار االحتاد السوفيييت فقط ،على رغم من تراجع الفكر الشيوعي بعد ذلك أال لن الفكر اليساري يبقى كمنظومة فكرية علمية مستمرة لطاملا يوجد هنالك جمتمع يعاني من أستغالل الطبقة الرأمسالية وطاملا كانت ختلو من املساواة ،وبهذا نرى ان تاريخ الفكر اليساري ما انفك يطالب حبقوق الطبقة الفقرية واملضطهدة لتحقيق جمتمع خيلو من اخل�لاف��ات والعقد وجمتمع يسوده العدالة واملساواة لكل افراد اجملتمع ،وقد متت احملاولة لتطبيق هذه االمال من خالل حركات وتيارات عديدة وقد كان للتجربة السوفيتية الدور الكبري يف توثيق أركان هذا الفكر الذي واجه الفكر الليربالي قرابة سبعني عاما ًأال أن
بسبب االنشقاقات واالنتقادات والتحديات اليت واجهت االشرتاكية السوفيتية وضغوطات اليت شنتها الليربالية وعليها أستطاعت ان تضيق بها اخلناق مما أدى اىل تفكيك االحتاد السوفيييت اال ان هذا الفكر استمر رغم كل العقبات واالزمات، وبنظري للمحافظة على هدفهم االنساني النبيل ولتوصيل رسالتهم يف الوقت احلاضر يستوجب عليهم التأقلم والتكييف مع التطورات احلالية ألحياء افكارهم والتمديد بها ،ولألاستفاد من جتربتهم املاضية واالنتقادات اليت واجهتها، من أجل رسم معامل طريقهم املستقبلي ،وبهذا فان الفكر السياسي اليساري كان ومايزال حيتل أهمية كبرية يف جامعات واملعاهد واملؤسسات االكادميية العاملية كمنهجا ً ً مهما يف قسم الفكر السياسي الغربي املعاصر. اهلوامش :
()1بدايات ال��ي��س��اري��ة .دع���اة أون الي��ن، http://www.doaahonline.net/ . newsphp ( )2شارلز روب��رت داروي��ن :ع��امل حيوان، إجنليزي اجلنسية ،اشتهر بنظرية التطور ومبدأ االنتخاب الطبيعي ،حول نشأة اإلنسان ،ولد يف إجنلرتا يف 12فرباير 1809يف شرو سبوري لعائلة إجنليزية علمية وت��ويف يف 19أبريل ، 1882جملة االبتسامة ،املوقع االلكرتوني: http://www.ibtesama.com/vb/ .showthread-t_191325.html ( . -)3مارتن لوثر كنج جونيور :ولد يف 15 يناير عام ،1929وتويف يف 4أبريل .)1968 زعيم أمريكي من أصول إفريقية ،قس وناشط
سياسي إنساني ،من املطالبني بإنهاء التمييز العنصري ضد بين جلدته ،يف عام 1964م حصل على جائزة نوبل للسالم ،وكان أصغر من حيوز عليها .اغتيل يف الرابع من نيسان/ أبريل عام ،1968اعترب مارتن لوثر كنج من أهم الشخصيات اليت دعت إىل احلريه وحقوق اإلن��س��ان ،ع��امل جوجل ،امل��وق��ع االل��ك�ترون��ي: (http://www.googlewd.net/ )4 . news/6419.html ()5اليسارية كمنظومة فكرية .منتديات ف��ارس الشهداء http://pflp-g.yoo7. : .com ( )6ال��ي��اس ف���رح .ت��ط��ور الفكر املاركسي ع����رض ون����ق����د،دار ال��ط��ل��ي��ع��ة ل��ل��ط��ب��اع��ة والنشر،بريوت،ص.50 ( )7عبدالرمحن كريم درويش .من حماضرة يف الفكر السياسي املعاصر ألقاها،يف كلية القانون والسياسية،قسم العلوم السياسية،جامعة سليمانية ،بتاريخ . 2012/4/4 ()8ألياس فرح .املصدر السابق،ص. 51 ( )9املصدر نفسه ،ص.52 ( )10عبدالرمحن كريم دروي��ش :مصدر سابق. ( )11الياس فرح .مصدر سابق،ص.53،54 ( . )12عبدالرمحن كريم درويش .املصدر السابق. ( )13عصام خ���وري .تقرير ح��ول تاريخ االفكار االشرتاكية ،صhttp://www. . .1 .arabency.com ()14عبدالرضا حسني الطعان واخ��رون .مدخل الفكر السياسي احلديث واملعاصر، 125
أقواس
أقواس
126
مطبعة بغداد،2008،ج ،2ص.115 ()15تعريف اليسارية.منتديات ف��ارس الشهداءhttp://pflp-g.yoo7.com/ ، .t11-topic ()16هتشنسون .م��ع��ج��م االف���ك���ار واالع�لام،ت��رمج��ة:خ��ل��ي��ل رائ��د اجل��ي��وش،دار الفارابي،بريوت2007،م،ص.559 ()17امحد العتوم .املعهد العربي للبحوث وال��دراس��ات االسرتاتيجية،مفهوم اليسارية : http://www.airssforum.com/ . showthread.php?t=58377 ()18مفهوم ال��ي��س��ار،وج��ه��ة نظر،موقع االش���ت���راك�������ي م����ص����ري http:// : egyptiansocialist.worldgoo. .com ( )19مس�ي�ر ب���ل���ي���دا .ت��ع��ري��ف احل���زب اليساري،احلزب اليساري اجلزائري،مدونات ياهو :املوقع االلكرتوني http://mailnasro. . maktoobblog.com/178385 ()20لويس ل.ش��ن��اي��در .ال��ع��امل يف القرن العشرين،مؤسسة فرانكلني املساهمة للطبع والنشر1961،م،ص.10 ()21فاضل حسني و كاظم هاشم نعمة. تاريخ االوربي احلديث –1815،1939ط،1 1982م،ص. 102 ()22نفس املصدر ،ص.103 ( )23عبدالرضا حسني الطعان .تاريخ الفكر السياسي احلديث،ج ،1ص .536 ( )24قحطان امح��د سليمان احلمداني. النظرية السياسية املعاصرة،ط1،2003م، ص.146
( )25موسى ابراهيم ،فكر السياسي احلديث واملعاص ،دار املنهل اللبناني ،بريوت2011،م ،ط ،1ص .217 ( )26نفس املصدر ،ص . 219 ()27خيارنا االشرتاكي .دروس من بعض التجارب االشرتاكية،احلزب الشيوعي العراقي : http://www.iraqicp.com/2010،1 6191،2011،08،25،0/2،30،11،08،49 . html.8،01،18 .فالدميري لينني زعيم الربوليتاريا الروسية والدولية ،ومؤسس احلزب الشيوعي لالحتاد السوفييت والدولة السوفيتية ولد يف سيمربس. ويف ع��ام 1887فالدميري لينني،املاركسية، املوقع االلكرتوني www.marxists.org/ .arabic/archive ()28جاك دروز .التاريخ العام لالشرتاكية م���ن 1875اىل ،1945ترمجة ان��ط��ون محصي،دمشق2001،م،ج،3ص.26 ()29ثورة أكتوبر العظيمة ،موقع االدينني العرب،نظره يف تاريخ ،2012/3/14املوقع االلكرتوني http://www.ladeenyon. ./net ()30حسني قومجان .ذك��رى ث��ورة أكتوبر مبفهوم فاحل عبداجلبار،املوقع االلكرتوني احلوار http://www.ahewar.org/debat/ : show.art.asp ( )31لويس ل.شنايدر .مصدر سابق،ص .10 .موسى ابراهيم .املصدر السابق ،ص.220 .ج��ان توشار .تاريخ الفكر السياسي ،دار العاملية للطبع والنشر والتوزيع،ص432،433
. .32عبدالرضا حسني الطعان .املصدر السابق،ج 1ص.552 ،551 ( )33مةلةك يةحيا سةالحى،هزرة روذئ�����اوا ل��ة س��ةدةى سياسيةكانى َ ��ران ،ه��ي��وا ب���ي���س���ت���ةم���دا،وةرط��� َي� ِ مةجيد،هةولير2008،ز ،ال .105،106 34عبدالرضا حسني الطعان .املصدر السابق، ج،2ص..553،554 .سان سيمون ( )1760،1825ولد هنري ك��ل��ودد س��ان سيمون يف ب��اري��س م��ن عائلة َ ً ومحل ً اجتماعيا هو الكونت، لقبا ارستقراطية ً ضابطا برتبة مالزم أول ملا كانت فرنسا وكان ً خت��وض ح��رب��ا ض��د اإلجنليز يف مش��ال القارة األمريكية،وقد عرب عن اف��ك��اره االشرتاكية ابتداءا من عام ( )1802وبعد عام()1815 ليربز بأعتباره حقا رئيس املدرسة االشرتاكية الطوبائية.خليل عبدالرمحن،حلم سان سيمون االجتماعي،جريدة االحت���اد عدد:66147 h t t p ://w w w .a l i t t h a d .c o m / paper.php?name=News&file=art .icle&sid=66147 .35فوربيه ( .)1772،1837حيتل شارل ف��ورب��ي��ه مكانا ب���ارزة يف الفكر االش�تراك��ي الطوبائي وكان ذا تطلعات غريبة فقد انتقد النظام الرأمسالي انتقاداً ح��اداً وك��ان يرى بالنظام الصناعي بان كل شئ فيه فاسدا على عكس السان سيمونييون فلم يكن له ميل اىل الصناعة :عبدالرضا حسني طعان،املصدر السابق،ص.554 .36ج����ان ت���وش���ار ،امل���ص���در ال��س��اب��ق،
ص.442،443 .37عبدالرضا حسني الطعان .املصدر السابق،ج ،1ص.559 .نفس املصدر ،ص.564 ¬¬¬ .38كارل ماركس ()1818،1883 ً ل�لاب حم��ام ي��ه��ودي أملاني ول��د يف (ترفيس) لذا وطبقا لرغبة وال��ده أكمل كلية القانون يف جامعة برلني األ انها مل تستهويه لوقت طويل فرتكها ليدرس التاريخ والفلسفة وانهى دراسته اجلامعية بكتابته آلطروحته اجلامعية املتعلقة بفلسفة الطبيعية لدى دميقرطس وابيقور.وكان يتطلع للحصول على كرسي جامعي كأستاذ جامعي ف��ح��از على درج��ة الدكتوراه يف الفلسفة عام 1841وتأثر عميقا كراس بفلسفة هيغل ،ومع ذلك على أثر نشر ٍ ميس الدين كان قد كتبه مع صديق له كان قد سبق له ان شغل هذا املنصب هجر هذا املشروع فانصرف اىل الصحافة لكن مل يوفق يف مسعاه بسبب املضايقة له من قبل احلكومة أملانية لذا قرر ترك أملانيا من ثم هاجر اىل باريس الجئا عام ،1843كارل ماركس ،كلية االداب ،جامعة بابل ،املوقع االلكرتونيhttp://www. : uobabylon.edu.iq/uobcoleges/ .lecture.aspx?fid .39فريدك اجنلز ( )1820،1895ولد اجنلز يف عائلة يهودية بدولة بروسيا االملانية، وك��ان وال��ده ميلك مصانع النسيج يف بروسيا ويف مدينة مانشسرت االجنليزية املشهورة بتلك الصناعة،ويعد اجنلز مع شريكه الفلسفي كارل ماركس موحدي املذهب الشيوعي او االشرتاكية العلمية،فقد نشر االثنان (البيان الشيوعي) 127
أقواس
أقواس
128
عام 1848م بعد ان اسسا قبلهما بعام مامسوه بعصبة الشيوعية ويف عام 1864م اسس هو وماركس احلزب االشرتاكي االممي االول وبعد ممات ماركس تزعم اجنلز الفكر الشيوعي، وقد تاثر قتبس اجنلز الكثري من اراء ونظريات عالمة اجملتمع االمريكي املعروف هنري لويس مورجانويرى اجنلز يف نظريته هذه ان احملرك الرئيسي ملا حيدث يف التاريخ هو املادة والسعي وراءه��ا ويعطي امثاال ليربهن نظريته هذه فيقول مثال ان ثورة االصالح يف انكلرتا واليت لبست شعارتنا ومظاهرا دينية هي يف الواقع ث��ورة اقتصادية اثارتها الطبقة الربجوازية اجلديدة على انكلرتا وقصدت فيها حتطيم الطبقة االقطاعية االرستقراطية السائدة حينذاك لتاخذ هي السلطة والنفوذ منها، احلوار املتمدنhttp://www.ahewar. : .org/m.asp .40فايز صاحل ابو جابر.الفكر السياسي احلديث،دار اجليل،بريوت1985،م،ص.210 .41نفس املصدر،ص.211،213 .42نفس املصدر ،ص.210،219 :. 43جملة العلوم اإلنسانية ،.ع��دد 63 يوليوز 1996املوقع االلكرتوني http:// .maarouf.maktoobblog.com ( )44ف��اي��ز ص���احل اب���و ج��اب��ر .م��ص��در سابق،ص.220،221 ( )45ليو شرتاوس وجوزيف كرويسى .تاريخ الفلسفة السياسية (:من جون لوك اىل هيدجر)، ترمجة حممود سيد أمح��د ،اجمللس االعلى للثقافة،ج ،2ط ، 2005 ،1ص.467 ( )46الفابية .م��وس��وع��ة شبكة املعرفة
الريفية.الفابية ،املوقع االكرتونيwww. : encyc.reefnet.gov.sy./page . 47يعترب فالدميري لينني زعيم الربوليتاريا الروسية والدولية ،ومؤسس احلزب الشيوعي لالحتاد السوفييت وال��دول��ة السوفيتية .ولد يف سيمربس .ويف ع��ام ،1887بعد أن أنهى دراس��ت��ه ال��ث��ان��وي��ة ،دخ��ل كلية احل��ق��وق يف كازان ،ولكنه اعتقل بسبب نشاطه يف احلركة الطالبية ،واختفى يف املدينة ووض��ع حتت رقابة البوليس يف قرية كوكوشيكتو .ويف عام 1891خترج كطالب منتسب (من اخلارج) يف جامعة سان بطرسربغ .ويف ك��ازان (–1888 )1889ومس��اري ( )1893–1898درس املاركسية وأصبح ماركسيا ،ونظم أول مجاعة ماركسية يف مدينة مس��اري .وعندما وصل على سان بطرسربغ عام 1893أصبح زعيم املاركسيني فيها فالدميري لينني،املاركسية، املوقع االلكرتوني www.marxists.org/ .arabic/archive . 48جورج أسباين .تطور الفكر السياسي، ت��رمج��ة راش���د ال��ب�راوى ،ك ،5دار امل��ع��ارف مبصر،1971،ص .1054،1055 ( . )49عبدالرضا حسني الطعان واخرون. املصدر السابق،ج،2ص.118 ( )50عبدالرضا حسني الطعان ،املصدر السابق،ج،2ص119،120 ( )51نفس املصدر ،ص.122 .52ج��وزي��ف فيساريونوفيتش ستالني ،الكنية األصلية :دجوغاشفيلي 21 ،ديسمرب 5 - 1879م��ارس .1953القائد الثاني لإلحتاد السوفيييت .يف ف�ترة توليه السلطة،
ق��ام بقمع وتصفية خصومه السياسيني بل ومش��ل القمع والتصفية كل من كانت حتوم حوله الشكوك ،قام بنقل اإلحت��اد السوفيييت م��ن جمتمع فالحي اىل جمتمع صناعي مما أمكن اإلحتاد السوفيييت من اإلنتصار على دول احملور يف احلرب العاملية الثانية،و ُولد ستالني يف مدينة «جوري» يف مجهورية جورجيا إلسكايف مشاركته مع احلركة يدعى «بيسو ويعود بداية ِ اإلشرتاكية اىل فرتة املدرسة األرثودوكسية واليت قامت بطردة من على مقاعد الدراسة يف العام 1899لعدم حضوره يف الوقت ّ احملدد لتقديم اإلختبارات .ومن ذاك الوقت ،إنتظم ستالني ولفرتة 10سنوات يف العمل السياسي اخلفي وتعرض لإلعتقال ،بل واإلب��ع��اد اىل مدينة «سيبرييا» ب�ين األع���وام 1902اىل ،1917 وإعتنق ستالني املذهب الفكري لـ «فالدميري لينني»ّ ، وتأهل لشغل منصب عضو يف اللجنة املركزية للحزب البلشفي يف عام .1912ويف ع��ام ّ ،1913 تسمى ب��اإلس��م ستالني وتعين الرجل ال��ف��والذي.ج��وزي��ف ستالني،االخوية نيت http://www.akhawia.net/ : .showthread.php?t=8934 .53عبدالرضا حسني الطعان .مصدر السابق ،ج،،2ص.128 ( )54عبدالرضا حسني الطعان ،املصدر السابق،ص.131 ()55جوزيف س���ت���ال�ي�ن .امل��ارك��س��ي��ة وال��ق��ض��ي��ة ال��ق��وم��ي��ة،دار النهضة احل��دي��ث يف ب��ي�روت،ت����رمج����ة،راب����ط����ة ال���ك���ت���اب التقدميني،ص.113 ( . 56نيكيتا سريغيفيش خروتشوف)
ولد يف كالينكوفا مبقاطعة كورسك الواقعة على احل��دود الفاصلة بني روسيا وأوكرانيا، من عائلة يعمل أفرادها يف املناجم ،عمل يف ً عامال يف مصانع احلديد البداية راع��ي ً��ا ثم والصلب ،وانتسب إىل احل��زب الشيوعى عام 1918وحارب إىل جانب احلرس األمحر أثناء احلرب األهلية ،وبعد أن استب السالم بانتصار ال��ث��ورة ،اشتغل كعامل مناجم وانتسب إىل اجلامعة العمالية عام 1922حيث أصبح أمني سر خلية شيوعية فيها ،وبعد أن أنهى دراسته يف اجلامعة العمالية تفرغ للعمل السياسى يف احلزب الشيوعى األوكرانى.وهو زعيم شيوعى ورجل دولة سوفييتى ،حكم االحتاد السوفيييت من() 1964 ،1953ومتيز حكمه باملعاداة الشديدة للستالينية وانتعاش التحريفية وبإرساء الدعائم األوىل لسياسة االنفراج الدولي والتعايش السلمى اليت تعترب ردة عن القواعد اللينينية،مدونات ياهو املوقع االلكرتوني http://gmulham.maktoobblog.: .com ()57هينيت .كراسات املاويه حول الثورة الربوليتارية وحتريفية خ��روش��وف،ح��زب ش��ي��وع��ي ال��ص��ي�ني،م��ك��ت��ب��ة ال��ش��ي��وع��ي��ة املاويه،ع.3،2011 ()58عبدالرضا حسني ال��ط��ع��ان .املصدر السابق ،ج،2ص.132 ( .59ميخائيل سريغيفيتش غرباتشوف (بالروسية (ولد 2مارس 1931شغل منصب رئيس الدولة يف اإلحت��اد السوفيييت السابق بني عامي 1988و 1991ورئيس احلزب الشيوعي السوفييت بني عامي 1985و.1991 129
أقواس
أقواس
130
كان يدعو إىل إعادة البناء و الربوسرتويكا شارك رونالد ريغان يف إنهاء احل��رب الباردةوحصل على ج��ائ��زة نوبل للسالم ع��ام 1990آتت الربوسرتويكا مثارها يف 26ديسمرب 1991 عندما دخل اإلحت��اد السوفييت صفحات كتب ال��ت��اري��خ بعد توقيع ب��وري��س يلتسن على إتفاقية حل احت��اد اجلمهوريات السوفيتية االشرتاكية،غورباتشوف: http://book-stock.blogspot. 60 blog-post_2739./06/com/2010 .html .عبدالرمحن كريم درويش :املصدر السابق. ()61م������������س������������ع������������ود حم������م������د. ب�ي�ري���س�ت�روي���ك���ا ن���ق���د وحت��ل��ي��ل،م��ط��ب��ع��ة احلوادث،بغداد،1989،ج،1ص.129 ( )62فاطمة ال��ع��راق��ي��ة .االن��ه��ي��ار واف��اق االش�تراك��ي��ة يف ع��امل ال��ي��وم،م��رك��ز ال��دراس��ات واالحباث املاركسية واليسار ،املوقع االلكرتوني http://www.ahewar.org/debat/ .show.art ( )63عبدالرضا حسني الطعان .املصدر السابق ،ج،2ص.133،134 .64كارل كاوتسكي ولد يف براغ ،يف 16أكتوبر ،1854و أصبح ناشطا يف سياسة اشرتاكية عندما ك��ان يف جامعة فيينا،يف ع��ام 1880 انتقل إىل كاوتسكي زيوريخ حيث التقى وتأثر بادوارد برينشتاين وأوضح أن عالقته الوثيقة مع فريدريك إجنلز يف أبريل عام 1917شكلوا أعضاء احلزب االشرتاكي الدميقراطي ()SDP و احل��زب االشرتاكي املستقل ،ومشلت أعضاء كاوتسكي ،آيزنر كورت ،إدوارد برينشتاين ،
ليرب وليوس Breitscheild ،رودول��ف و رودولف هيلفردينغ عنوانه ،وهو من أنصار الوسط يف احلركة األممية ،وقد هامجه لينني وأنتقده انتقادا الذعا يف كتابه املعروف (الثورة الربوليتارية واملرتد كاوتسكي) ،وذلك بسبب حماولته االنتهازية اليت تهدف السيطرة على نظام احلكم،عاد كاوتسكي للحزب االشرتاكي الدميقراطي بعد احل��رب ،وانتقل إىل فيينا، واستمرت يف الكتابة لكنه اضطر اىل الفرار من البالد بعد أن اجليش األملاني احتل النمسا يف عام .1938وتويف كارل كاوتسكي يف أمسرتدام يوم 17أكتوبر .1938كارل كاوتسكي ،سبارتاكوس http://www.spartacus. للتعليم: schoolnet.co.uk/GERkautsky. )htm(65 دهام حسني .الطريق اىل السلطة ،كلكامش، امل��وق��ع االل��ك�ترون��ي www.gilgamish. . Orgviewarticle.com . 66إدوارد برنشتاين 1850ـ 1932م .دمي��ق��راط��ي اج��ت��م��اع��ي أمل��ان��ي ،م��ن أوائ���ل املنظرين للماركسية ،ولكنه صار فيما بعد من أش��د نقادها .ول��د يف برلني ع��ام ،1850 ً مستخدما يف مصرف يف املدة بني عامي وعمل 1879و1888م .ثم ص��ار برنشتاين أحد أوائل حمرري صحيفة «الدميقراطي االشرتاكي» اليت تصدر يف سويسرة ،وتطور إبان مكافحة بسمارك لالشرتاكيني باجتاه املاركسية .ويف ع��ام 1888م ط��رد م��ن سويسرة بناء على طلب ب��س��م��ارك ،ف��أق��ام ب��ل��ن��دن ،حيث اتجّ��ه حنو اإلصالحية والتطوريةّ ، تأثر بالفابيني وباحلركة العمالية الربيطانية .تذ ّرع برنشتاين
ببعض مالحظات كتبها أنغلز لينازع يف بعض النتائج اليت انتهى إليها كارل ماركس ،فرتكز رأس املال ً ً مثال ال يبدو له ً وسريعا بالدرجة عاما اليت يعلنها البيان الشيوعي لعام ،1848وقد رأى برنشتاين أن عمل العمال بأشكاله املختلفة حيول دون أن يصبح الربوليتاريون أكثر شقاء، وأن السياسة االستعمارية وت ّ��دخ��ل الدولة ينطويان على مظاهر إجيابية: .املوسوعة العربيةwww.arab-ency.com. ( )67عبدالرضا حسني الطعان ،املصدر السابق،ج،2ص.137،138 ( )68نفس املصدر،ص.139 ( )69عبدالرضا حسني الطعان ،املصدر السابق،ج،2ص .140 ()70دهام حسني .املصدر السابق www. : . gilgamish.Orgviewarticle.com
. 71روزا لكسمبورغ ،ول��دت يف 5مارس 1870يف بلدة بلونية صغرية تابعة ملقاطعة زاموسك ومنذ ريعان شبابها ،أب��دت نشاطا ملحوظا يف احلركة االشرتاكية .حيث انتسبت إىل حزب ثوري الربوليتاريا تأسس عام 1882 أي قبل ما يقارب 21عاما من ظهور احلزب االشرتاكي الدميقراطي الروسي (البالشفة و املناشفة) .وكان حزب الربوليتاريا من حيث املبادئ و املناهج ومنذ بداياته أكثر تطورا بدرجات من احلركة الثورية يف روسيا،وغادرت بولندا الروسية سنة 1889لتنضم إىل الثوريني املنفيني الروس بزعامة بليخانوف يف زوريخ حيث درست العلوم ونالت شهادة الدكتوراة، وتوفيت يف مطلع سنة 1919أي بعد شهرين من إع�لان ليبكنخت للجمهورية االشرتاكية
األمل��ان��ي��ة .توني كليف،حملة ع��ن حياة روزا لكسمبورغ،املوقع االلكرتوني املنضالةhttp://، w w w .a l m o u n a d i l -a .i n f o / .article1344.html ()72عبداهلل سليم،االمربيالية )1(:النظرية الكالسيكية م��ن م��ارك��س اىل لينني،مركز الدراسات االشرتاكية،مصر : .Www. socialists.net/node ()73روزا لكسمبورغ .احلاجة اىل عمل موحد بني االشرتاكية الدميقراطية والنقابات،مركز ال��دراس��ات واالحب����اث املاركسية وال��ي��س��ار: ، http://www.ahewar.org/debat/ .show ( )74ف����ران����س����وا ف��ي�رك����ام����ن .روزا ل��وك��س��م��ب��ورغ:م��ن��اض��ل��ة ث��وري��ة وم��ن��ظ��رة ماركسية،مركز الدراسات واالحباث املاركسية واليسارhttp://www.ahewar.org/ : ، .debat/show.art.asp ()75عبدالرضا حسني ال��ط��ع��ان .املصدر السابق،ج،2ص.145-144 . 76ليون تروتسكي امسه احلقيقي ليف دافيدوفيتش برونشتاين ()1940 ،1879 هو ماركسي بارز واحد زعماء ثورة أكتوبر يف روسيا عام 1917إضافة إىل احلركة الشيوعية العاملية يف النصف األول للقرن املاضي ومؤسس الرتوتسكية بصفتها احدى فصائل الشيوعية اليت تدعو إىل الثورة العاملية الدائمة وهو أيضا مؤسس اجليش االمحر وعضو املكتب السياسي فياحلزب البلشفي ابان حكم لينني،ولد ليف برونشتاين يف 25أكتوبر/تشرين االول عام 1879يف أوكرانيا باالمرباطورية الروسية 131
أقواس
أقواس
132
يف عائلة يهودية من أصحاب العقارات .واجاد ليون يف طفولته اللغتني الروسية واالوكرانية باإلضافة إىل هلجة اإلقليم األملاني الشمالي. وأم��ض��ى ال��س��ن��وات التسع األوىل م��ن حياته يف م��زرع��ة العائلة وت��رع��رع يف اي��ام شبابه ودراسته باملدارس الثانوية يف مدينيت أوديسا ونيكوالييف،وأغتيل يف مكسيك عام .1940 ليون تروتسكي ،املعرفة http://www. ./marefa.org/index.php ()77ليون تروتسكي ،نتائج وتوقعات والثورة الدائمة،مركز الدراسات واالحب��اث املاركسية www.socialists.net/: وال��ي��س��ار. taxonomy ( )78انور جنم الدين .الرتوتسكية نظرية الثورة الدائمة ،مقتطفات من الرتوتسكية ثورة مضادة .www.ahewar.org : ()79تروتسكي ول���ي���ن�ي�ن ه����ل م��ن خ�لاف.؟،االمم��ي��ة ال��راب��ع��ة،م��رك��ز دراس���ات واالحباث املاركسية واليسار http://www. : .ahewar.org/debat/show.art.asp ()80عبدالرضا حسني ال��ط��ع��ان .املصدر السابق ،ج،2ص .147 ()81إسحق دوي��ت��ش��ر .ال��ن�بي امل��س��ل��ح، ،1879،1921ترمجة:كميل تروتسكي قيصر داغ��ر،امل��ؤس��س��ة ال��ع��رب��ي��ة ل��دراس��ات والنشر،ص.176 .82أرنست ماندل .ول��د ارنست ماندل ألبوين يهوديني أملانيني يف ابريل 1923- تلك السنة املختتمة بهزمية نهائية للحقبة الثورية األملانية ،اليت بدأت مع نهاية احلرب العاملية األوىل وهو ماركسي بلجيكي .مؤسس
وقائد األمانة املتحدة لألممية الرابعة،معروف كأحد االقتصاديني املاركسيني البارزين .ولد ارنست ماندل سنة 1923بفرانكفورت من عائلة ث��وري��ة شيوعية .ك��ان أب��وه عضوا يف حركة سبارتكوس بوند ،وق التحق بصفوف األممية الرابعة ببلجيكا يف ً سنا مبكر وتويف يف .1995فرانسوا فريكامن ،ارنست ماندل 1995 1923مسرية مناضل ثوري الطويلة،املوقع االلكرتوني املناضلةhttp://www.، almounadil-a.info/article1963. .html . 83عبد الرضا حسني الطعان .املصدر السابق،ج،2ص151 .147،146، ( )84عبدالرضا حسني الطعان،املصدر السابق،ص.184،185 نفس املصدر .ص.186 ( )85نفس املصدر .ص.187،188 ()86عبدالرضا حسني ال��ط��ع��ان .املصدر السابق،ص.190،192 ()87فؤاد ال��ن��م��ري .املتلفعون باليسارو اليساروية،مركز الدراسات واالحباث العلمانية يف العامل العربيhttp:// 2011/4/21، www.ssrcaw.org ()88فؤاد ال��ن��م��ري .العقبة ال��ك�برى أم��ام استئناف العمل الشيوعي،احلزب الشيوعي ال��ل��ب��ن��ان��ي http://alinahrilcp. : . wordpress.com ()89اراء ح��ول االشرتاكية الدميقراطية، جريدة اجلريدة،عدد http://www. ،332 )aljaredah.com/paper.php (90 Democratic socialism: www.
. sccs.swarthmore.edu ()91أكرم الشيخ مهدي مقلد .االشرتاكية الدميقراطية هل هي احلل ،اجلريده اجلريده http://www.aljaredah.com/ : .paper.php (What is Democratic )92 Socialism،Accredited to The Socialist Party of Wisconsin: http://expandyourmind.tripod. .com ()93منتدى كلية احل��ق��وق .االش�تراك��ي��ة ال���دمي���ق���راط���ي���ة uni.net/la/ : . .showthread.phpwww ()94قحطان امحد سليمان احلمداني .املصدر السابق،ص.149 ()95مجاعة من االساتذة السوفيات .موجز ت��اري��خ الفلسفة،ترمجة توفيق س��ل��وم،دار الفارابي،بريوت ،ط1989 ،1م ،ص.717 .96هوركهامير)عامل اجتماع وفيلسوف أمل��ان��ي ي��ه��ودي ،ول��د يف ح��ي زوفنهوسن من شتوتغارت ،درس الفلسفة وعلم االجتماع يف اجلامعات األملانية ،وه��و ك��ان اح��د اعضاء املدرسة الفرانكفورتية وحصل على درجة الدكتوراه عام 1922وتأثر هوركهامير بفكر ٍّ كل من ماركس ونيتشه وبرجسون وديلثي وفرويد ،ونفي هوركهامير من قبل احلكومة النازية ويف عام .1933وهاجر إىل سويسرا، ومن ثم إىل الواليات املتحدة يف العام التالي، حيث استضافت جامعة كولومبيا ومعهد يف املنفى .يف ع��ام 1940حصل على اجلنسية االمريكية هوركهامير وانتقلت اىل منطقة
احمليط اهل���ادئ باليسيدز يف ل��وس اجنليس، كاليفورنيا ،حيث تعاونه مع أدورن��و سوف تسفر عن جدلية التنوير .يف السنوات اليت تلت ذلك ،على الرغم من انه استمر يف حترير دراس����ات يف الفلسفة وال��ع��ل��وم االجتماعية اال ُ ان��ه نشر القليل و توفى ع��ام 1973م. عبدالوهاب املسريي،ماكس هوركهامير املوقع االلكرتونيhttp://www.elmessiri. : com/encyclopedia/JEWISH/ ENCYCLOPID/MG3/GZ2/ .BA13/MD5.HTM ()97مازن لطيف .مدرسة الفرانكفورتيه النقدية ،،2007/7/10،موقع االلكرتوني،النور http://www.alnoor.se/article. .asp?id=7665 ( )98هميل حسني ،املدرسة الفرانكفورتية، امل��وق��ع االل��ك�ترون��ي http://wings. : .ahlamontada.net/t76،topic . 99هربرت م��ارك��وزاا (1979 ،1898 فيلسوف ومفكر أمل��ان��ي أم��ري��ك��ي ،معروف بتنظريه لليسار الراديكالي وحركات اليسار اجلديد ونقده احلاد لألنظمة القائمة.ولد يف برلني لعائلة يهودية ،خدم يف اجليش األملاني خالل احلرب العاملية األوىل ودرس يف جامعتها وحصل على الدكتوراه من جامعة فرايبورغ عام 1922وعمل بعدها لغاية عام 1928يف بيع الكتب ثم انضم إىل مساعدة مارتن هايدجر ً منتسبا ملعهد ال��دراس��ات يف دراس��ات��ه ،وك��ان االجتماعية يف فرانكفورت (حيث ان��ه كان يشكل مجاعة فكرية ذات توجه ماركسي) لغاية عام ،1933حيث بعد استالم احلزب االشرتاكي 133
أقواس
أقواس
134
القومي (احل��زب ال��ن��ازي) السلطة ق��ام احلزب بإغالق املعهد وسافر ماركوزاا بعدها إىل سويسرا ملدة عام ثم هاجر إىل الواليات املتحدة األمريكية وانضم إىل معهد الدراسات االجتماعية هناك يف جامعة كولومبيا عام .1934عمل خالل احلرب العاملية الثانية يف أجهزة االستخبارات احلربية األمريكية (مكتب املعلومات احلربية ومكتب اخلدمات االسرتاتيجية) حيث عمل يف الدعاية املضادة للنازية وتفكيك النازية. خ�لال اخلمسينات د ّرس الفلسفة والسياسة بشكل متتابع يف جامعات كوملبيا وهارفارد وبرانديس ويف جامعيت كاليفورنيا .هربرت ماركوزاا،املعرفة،املوقع االلكرتونيhttp:// : ,/www.marefa.org/index.php ()100عبدالرضا حسني ط��ع��ان .املصدر السابق ،ج،2ص.167،189 ()101هربات م��ارك��وزا .االنسان ذو البعد ال���واح���د،دار االداب.ب�ي�روت،ت���رمج���ة:ج���ورج طرابيشي،ط1988 ،3م،ص.10 قائمة مصادر اوال :الكتب واملراجع ا .املصادر باللغة العربية .1ألياس ف��رح .تطور الفكر املاركسي ع����رض ون����ق����د،دار ال��ط��ل��ي��ع��ة ل��ل��ط��ب��اع��ة والنشر،بريوت. .2عصام خ��وري .تقرير حول تاريخ االفكار االشرتاكية. .3عبدالرضا حسني الطعان واخرون .مدخل الفكر السياسي احلديث واملعاصر، مطبعة بغداد،2008،ج.2
.4ه��ت��ش��ن��س��ون .م��ع��ج��م االف���ك���ار واالع�لام،ت��رمج��ة:خ��ل��ي��ل رائ��د اجل��ي��وش،دار الفارابي،بريوت2007،م. .5لويس ل.شنايدر .العامل يف القرن العشرين،مؤسسة فرانكلني املساهمة للطبع والنشر1961،م. .6فاضل حسني و كاظم هاشم نعمة. تاريخ االوربي احلديث –1815،1939ط،1 1982م. .7عبدالرضا حسني الطعان .تاريخ الفكر السياسي احلديث،ج.1 .8قحطان امح��د سليمان احلمداني. النظرية السياسية املعاصرة،ط1،2003م. .9م��وس��ى اب��راه��ي��م .ت��ط��ور الفكر السياسي احلديث واملعاصر. .10جاك دروز .التاريخ العام لالشرتاكية م���ن 1875اىل ،1945ترمجة ان��ط��ون محصي،دمشق2001،م،ج.3 .11جان توشار .تاريخ الفكر السياسي، دار العاملية للطبع والنشر والتوزيع . .12فايز صاحل ابو جابر .الفكر السياسي احلديث،دار اجليل،بريوت1985،م. .13ليو ش�تراوس وجوزيف كرويسى . تاريخ الفلسفة السياسية :من جون لوك اىل هيدجر،ترمجة حممود سيد أمح��د ،اجمللس االعلى للثقافة،ج.2 .14جورج أسباين .تطور الفكر السياسي، ت��رمج��ة راش���د ال��ب�راوى ،ك ،5دار امل��ع��ارف مبصر.1971، .15مسعود حممد .برييسرتويكا نقد وحتليل،مطبعة حلوادث،بغداد،1989،ج.1
.16إس��ح��ق دوي��ت��ش��ر .ال��ن�بي امل��س��ل��ح، تروتسكي ،1879،1921ترمجة:كميل قيصر داغر،املؤسسة العربية لدراسات والنشر. .17هربات ماركوزا .االنسان ذو البعد ال���واح���د،دار االداب.ب�ي�روت،ت���رمج���ة:ج���ورج طرابيشي،ط1988 ،3م. ب .املصادر باللغة الكوردية بةشيرية،ماركسيزمى .18حسةين روذئ�����اواي�����ى، ف��ةل��س��ةف��ي��ى َ �ران،ل��ةف��ارس��ي��ةوة،م��ةن��س��وور وةرط � َي� ِ ت��ةي��ف��وورى ،مةكتةبى ِري��ك��خ��راروة دي���م���وك���رات���ي���ةك���ان���ى(ى،ن،ك) سل َيمانى2009،ز. .19فليمنط ج��وي��ل وئ��ةوان��ةى فرانكفورت،فةلسةفة تر .قوتابخانةى َ تيورييةكى رةخنةيى،وةرط َي ِران. وةك َ لةسويدييةوة عوسمان حةمة،سليمانى، 2011ز . .20م������ةل������ةك ي���ةح���ي���ا روذئ��اوا سةالحى،هزرة سياسيةكانى َ لة سةدةى بيستةمدا،وةرط َي ِران ،هيوا مةجيد،هةولير2008،ز. ثانيا:املواقع االلكرتونية .1بدايات اليسارية .وكيبيديا املوسوعة احل��رة http://ar.wikipedia.org/ : . wiki .2اليسارية كمنظومة فكرية .منتديات ف��ارس الشهداء http://pflp-g.yoo7. : com
.3امحد العتوم .املعهد العربي للبحوث وال��دراس��ات االسرتاتيجية،مفهوم اليسارية : http://www.airssforum.com/ . showthread.php?t=58377 .4مفهوم اليسار،وجهة نظر،موقع االشرتاكي مصري http://egyptiansocialist. : .worldgoo.com .5مسري بليدا .تعريف احلزب اليساري،احلزب اليساري اجل��زائ��ري،م��دون��ات ياهو :املوقع http://mailnasro. االل���ك�ت�رون���ي )*(maktoobblog.com/178385 .6خيارنا االش�تراك��ي .دروس م��ن بعض التجارب االشرتاكية،احلزب الشيوعي العراقي http://www.iraqicp.com/2010 : 6191،2011،08،25،/،12،30،11،08،49 . html.08،01،18 .7فالدميري لينني املاركسية ،املوقع االل��ك�ترون��ي www.marxists.org/ .arabic/archive .8ثورة أكتوبر العظيمة ،موقع االدينني العرب،نظره يف تاريخ ،2012/3/14املوقع االلكرتوني http://www.ladeenyon. ./net .9حسني قومجان .ذكرى ثورة أكتوبر مبفهوم ف��احل عبداجلبار،املوقع االلكرتوني احل��وار http://www.ahewar.org/ : .debat/show.art.asp .10الفابية .موسوعة شبكة املعرفة الريفية.الفابية ،املوقع االكرتونيwww. : . encyc.reefnet.gov.sy./page 135
أقواس
أقواس
136
. .11ده������ام ح��س�ين .ال���ط���ري���ق اىل السلطة ،كلكامش ،املوقع االلكرتونيwww. . gilgamish. Orgviewarticle.com .12إدوارد برنشتاين :املوسوعة العربية. ..arab-ency.com www سليم،االمربيالية)1(: .13ع��ب��داهلل ال��ن��ظ��ري��ة ال��ك�لاس��ي��ك��ي��ة م���ن م���ارك���س اىل لينني،مركز ال���دراس���ات االش�تراك��ي��ة،م��ص��ر .Www. socialists.net/node: .14ف��ؤاد النمري .املتلفعون باليسارو اليساروية،مركز الدراسات واالحباث العلمانية يف العامل العربيhttp:// 2011/4/21، www.ssrcaw.org .15ف��ؤاد النمري .العقبة الكربى أمام استئناف العمل الشيوعي،احلزب الشيوعي ال��ل��ب��ن��ان��ي http://alinahrilcp. : . wordpress.com Democratic socialism: .16 . www.sccs.swarthmore.edu What is Democratic .17 Socialism،Accredited to The Socialist Party of Wisconsin: http://expandyourmind.tripod. .com .18منتدى كلية احل��ق��وق .االشرتاكية ال���دمي���ق���راط���ي���ة uni.net/la/ : . .showthread.phpwww .19مازن لطيف .مدرسة الفرانكفورتيه م��وق��ع النقدية،،2007/7/10، االلكرتوني،النور http://www.alnoor. .se/article.asp?id=7665
.20املدرسة الفرانكفورتيةhttp:// : w i n g s .a h l a m o n t a d a .n e t / .t76،topic .21ع��ب��دال��وه��اب امل���س�ي�ري .ه��رب��رت ماركوزاا واملاركسية اجلديدة ،املوقع االلكرتوني امل��س�يريhttp://www.elmessiri. ، com/encyclopedia/JEWISH/ . ENCYCLOPID .22ال�����ن�����ظ�����ري�����ة امل�����ع�����اص�����رة ب���ع���د امل����دي����رم امل���ارك���س���ي���ة امل���ع���اص���رة، www.b-c30 /up1/uploads/files/ .bh30.com28dd136a5a.com .23حسني قومجان .ثورة اكتوبرواالممية http://www.thawabitna.com/ : . Article .24ع���ب���د ال���ع���اط���ي حم���م���د امح����د. االوروش����ي����وع����ي����ىة وال�����ت�����وازن ال���دول���ي اجل��دي��د،س��ي��اس��ة االحت����اد ال��س��وف��ي�تي جت��اه الشيوعية االوربية،موقع االلكرتوني االهرام الرقمي http://digital.ahram.org. : . eg/articles.aspx?Seria .25حوار مع منصور حكمت .تطورات اورب��ا الشرقية واف��اق االشرتاكية العمالية : http://www.wpiraq.net/arabic/ . mansor،hekmat/eourpe.htm .26حيدر إبراهيم علي .مستقبل اليسار . www.Sudaneseonline.com : .27جملة العلوم اإلنسانية ،.ع��دد 63 يوليوز 1996املوقع االلكرتوني http:// .maarouf.maktoobblog.com .28أكرم الشيخ مهدي مقلد .االشرتاكية
.net/showthread.php?t=8934 نيكيتا سريغيفيش خروتشوف.37 http://: مدونات ياهو املوقع االلكرتوني، .gmulham.maktoobblog.com :ميخائيل سريغيفيتش غرباتشوف.38 http://book-stock.blogspot. blog-post_2739./06/com/2010 .html س��ب��ارت��اك��وس، ك����ارل ك��اوت��س��ك��ي.39 http://www.spartacus. :للتعليم schoolnet.co.uk/GERkautsky. )*(htm امل����وق����ع، روزا ل���ك���س���م���ب���ورغ.40 http://www.،املنضالة االل��ك�ترون��ي almounadil-a.info/article1344. .html http:// املعرفة، ليون تروتسكي.41 ./www.marefa.org/index.php ع��ب��دال��وه��اب،)ماكس ه��ورك��ه��امي��ر.42 :ماكس هوركهامير املوقع االلكرتوني،املسريي http://www.elmessiri.com/ e n c y c l o p e d i a /J E W I S H / ENCYCLOPID/MG3/GZ2/ .BA13/MD5.HTM Randhir Singh، Article .43 under the title،Future of Socialism،An address to the journal Itihasbodh at Allahabad on March 8, 2007 ،http://mrzine. m o n t h l y r e v i e w .o r g /2 0 0 7 / .singh291207.html
أقواس
137
اجلريده اجلريده،الدميقراطية هل هي احلل http://www.aljaredah.com/ : .paper.php ، اراء حول االشرتاكية الدميقراطية.29 http://www. :332 عدد،جريدة اجلريدة .aljaredah.com/paper.php ، دع��اة أون الين. بدايات اليسارية.30 http://www.doaahonline.net/ . news.php جملة، ش��ارل��ز روب����رت داروي�����ن.31 http:// : امل��وق��ع االل��ك�ترون��ي،االب��ت��س��ام��ة w w w .i b t e s a m a .c o m /v b / .showthread-t_191325.html عامل، مارتن لوثر كنج جونيور.32 http://www. :املوقع االلكرتوني، جوجل . googlewd.net/news/6419.html موقع،وجهة نظر، مفهوم اليسار.33 http:// : االش���ت���راك�������ي م����ص����ري egyptiansocialist.worldgoo. .com حلم، خليل عبدالرمحن، سان سيمون.34 ج��ري��دة االحت��اد،س��ان سيمون االج��ت��م��اع��ي http://www.alitthad. :66147عدد com/paper.php?name=News&fi .le=article&sid=66147 كلية االداب، ¬¬¬كارل ماركس.35 http:// : املوقع االلكرتوني،جامعة بابل، w w w .u o b a b y l o n .e d u .i q / .uobcoleges/lecture.aspx?fid ، جوزيف فيساريونوفيتش ستالني.36 http://www.akhawia. : االخوية نيت
أقواس
138
LYNN WALSH، What .44 future for Socialism http:// www.marxist.net/statement/ .socialism.htm ً ثالثا :اجملالت والدوريات .1عبدالرمحن كريم درويش .من حماضرة يف الفكر السياسي املعاصر ألقاها،يف كلية قانون والسياسية،كلية،العلوم جامعة سليمانية، بتاريخ . 2012/4/4 ً رابعا :الوثائق .1هينيت .ك��راس��ات امل��اوي��ه ح��ول الثورة الربوليتارية وحتريفية خ��روش��وف،ح��زب ش��ي��وع��ي ال��ص��ي�ني،م��ك��ت��ب��ة ال��ش��ي��وع��ي��ة املاويه،ع.3،2011
أقواس
ريدي مشو
الراديكالية مفهوما وتصورا لدى الشعب املضط َهد
139
أقواس
أقواس
140
الكثري من املفاهيم العميقة وال�تي يصعب التعامل معها يف صورتها األدبية ،ميكن رؤيتها يف أبسط املواقف واآلراء لدى أفراد اجملتع .مثال لو اشرتيت قميصا بألوان وموديل معينني ولبسته ،حينها سيبدي من حولك رأيهم فيه. أحدهم سيقول :قميص مجيل ويتوقف دون أن يضيف أي تفصيل ملا هو مجيل وآخر سيقول بأنه مجيل مع ذكر تفصيل معني وآخر سيكون أكثر حتديدا ويقول بأن اللون لو كان غري الذي عليه لكان مجيال على وجهم وبذلك يعين بأن اللون احلالي ال يناسب وجهك وأنك ال حتسن اإلختيار وبصورة أعمق يستهدف حالة منوذج الذوق لديك وكأنك ال تعرف ما يناسبك .آخر لن يعجبه املوديل ألنه كالسيكي أو صبياني ،آخر سريفض القميص مجلة وتفصيالألنه يذكره بفكرة أو بصورة معادية ،مثال قد يكون أحد أعدائه قد لبس مثل هذا القميص أو قد يرى اللون أو األلوان املتواجدة يف القميص باعتبارها ألولوان ورمزو تعود إىل أعدائه ،وهكذا توجد عشرات املداخالت واآلراء حول هذا القميص. بالطبع أنا م��ررت بتجربة مماثلة من قبل، وحدثت وقتها نقاشات مطولة بدأت بالقميص وانتهت بقمصان الشعب وكيفية التحكم بعقلية الشعب وفق منهج القميص وانتهاءا بالصعود اىل اجلبل ،وحتى اجلبل مل يكن ليفلت من براثن وفوهات بنادق واالحالم احلجرية هلذه النقاشات ،ألن أحدهم ،وهناك دوما أحدهم، سيجلب قميصه ويلبسه للجبل !. أحيانا كان الوضع يتفاقم يف هذه اجملادالت ويتجاوز احلاضرون آداب اجل��دل وختصيص
امل��وض��وع ،فيأخذ ّ ك��ل واح��د بتقييم حياة وم��ب��ادئ اآلخ��ر ،ويكر بذلك شريط حياته ومواقفه وآرائ��ه ،وقد تنتهي اجللسة بفرقة قصرية أو طويلة ،ولن يذكر أحد منهم بأن ّ كل ما حدث قد بدأ من قميص ،ألنهم برأيهم أعلى مرتبة من ذلك ،فهم ال يتحدثون إال باألمور العظيمة واملهمة ! .ورغم أنهم من اولياء الشؤون العظيمة ،فإنه غالبا ما ينقادون إىل خالفات عظيمة إنطالقا من أمور جدا بسيطة تقودهم بشكل سريع ومفاجئ اىل تصوراتهم املنطقية ومفاهيمهم الناصعة .خالصة ما ذكرته هو أن الصراع أو الرفض املكبوت ميكن أن يبدأ من قميص أو رمانة ،وبنفس الوترية يتعامل هؤالء األفراد مع االمور والقضاية الكبرية. اإلن��س��ان يتميز ع��ن امل��خ��ل��وق��ات األخ���رى مبنظومة عالقاته مع احمليط وال�تي تقودها إنفعاالته وأفعاله وف��ق خط حي��دده تفاعل الشعور – الوعي ،هذه العالقات منها ما هو موجه للتعامل مع اآلخرين ومنها ما تفسر ذاته وحياته الداخلية وهذه األخرية هي األهم وهي ما جتعل الفرد الفالني متميزا عن اآلخر. لذا فإنه من خالل حفاظ الفرد على منظومته ال��ذات��ي��ة وتوسيعها وتنقيتها م��ن شوائب التفاعالت العامة ،ميكنه اإلرتقاء بذاته وحتديد حدود منظومته بدقة دون أن تتشابك ذاته مع ذوات اآلخرين ،أي مبعنى آخر فإن كل ما يسعى إليه الفرد هو أن تكون حياته واضحة املعامل بالنسبة له ولآلخرين وبذلك فقط ميكنه أن يسري يف احلياة وفق وترية منتظمة زمتناسقة مع احمليط .لكن يف حياة األفراد الذين يتبعون منهج القميص يف التمحيص وإص�لاح القديم
واحلديث ،فإنهم يفشلون يف رسم احلدود بني ما خيصهم وما خيص اآلخرين ،ألنهم يف احلقيقة خيشون أن تكون هلم حدود واضحة بالنسبة لآلخر ،وبالتالي سيفهمه اىلخ��ر وي��درك ما هو عليه ،لذا تراهم حياولون اخللط بني احلد الذاتوي واحلد الكلي التابع للمجتمع وبذلك يهربون من احملددات الذاتية إىل احملددات الكلية ،وال�تي أع�ني بها حم��ددات الشعب وح��دوده، باعتبارها حمدداتهم الذاتية ،وعلى هذا فهم الشعب والشعب ه ُ��م ،ويغيب معهم املواضيع الذاتية وتتحول يف أي حلظة إىل موضوع عام بشكل أوتوماتيكي .ه��ذا اهل��م اجلمعي الذي يبدونه يف أي موضوع يوحي بأنه هلم انتماء ال مثيل له ،وأنهم يتخلون عن حياتهم مقابل حياة اآلخرين ،لكن برأيي هذا اإلنتماء الذي يكون يف كثري من أوجهه فظا ووقحا ليس إال حماولة إنقاذ ذواتهم من مواجهات لن يكونوا إال خاسرين فيها ،هلذا فإن تأطري أي مسألة بهم كلي التوجه جتعل منها فضفاضة ويضيع املنطق واحلقائق فيها ويصبح املزاج والدوافع املكبوتة هي القائدة للجدال واحلوار والنقاش والعالقات والتفسريات وما إىل ذلك من مصطلحات التعبري عن العالقات بني البشر. خلط احل��دود ومتويه احمل��ددات ل��دى هؤالء األفراد يشعرهم باالنتصار دوما ،ألنهم ،وكما يعتقدون ،قد تغلبوا والتفوا ح��دول العقل اجلمعي ال بل باتوا ق��دوة لآلخرين وبشكل ما وكأنهم يقودون اجملتمع حقا انطالقا من تصوراتهم .وإن كان هناك فشل فإنه ال خيصهم بل يوزع على ّ الكل ،ويستثنون أنفسهم . مسألة األنتصار والفشل أمر يف غاية االهمية
لدى هؤالء األفراد ،فالنصر هلم بكليته إن كان هناك نصر ،والفشل م��وزع بالضرورة على مكونات الكل ،وحتى وصمهم لآلخرين بالفشل يشعرهم بالنصر ،ألنه توجيه االتهام لآلخر دوم��ا هي وسيلتهم الدفاعية حلجب ذواتهم وحقيقة حياتهم .حني يوجهون االتهام ّ للكل وحيملونه أسباب الفشل كاملة فإنهم يوحون يف الوقت نفسه بأنه هناك ّ حل بسيط ميكن للكل اتباعه والقفز من الفشل اىل النجاح ،أال وهو أن يكون الكل على صورتهم وما رمسوه من حدود ينبغي أن يتحرك فيه األفردا واجلماعات وفق قوانني حمددة سلفا .هذه الثقة العمياء واجلمود ال��ذي حييط بأناهم املتضخمة إمن��ا هو على حساب املدى والقدرة الشعورية لديهم واليت تنكمش تدرجييا على حساب االنفالت الصوري واالنفعاالت اليت ال تزيد إال الوهم نضجا يف أشكاله املختلفة. حدث يف وقت ما أن التقيت بأحد األشخاص من الذين حيسبون بأن قراءة بضعة كتب سيوصله اىل مصاف املثقفني والكتاب الكبار ،واضح بأن عقدته كانت الثقافة وليس لديه اإلمكانيات الضرورية ليتدرب على ذلك سنة بعد سنة، وكالبقية فإنه يبقى حيلم بتلك الكتب اليت ستجلعه مثقفا ويقضي أيامه بالتفكري بالكتب اليت سيقرأها يف وقت ما ،وهو بذلك يدخل يف طور آخر إال وهو سيعتقد بأنه مثقف مبجرد أن همه ثقايف ،سأدعو هذا الشخص فقاعة املطر. ومثل هذا الشخص هو فريسة سهلة للكثريين مم��ن جي��ول��ون يف ال��ش��وراع باحثني ع��م هذه الشاكلة ،وحينما يقول أحدهم له :يا لك من مثقف ،أنت متتلك خياال خصبا وقدرات هائلة 141
أقواس
أقواس
142
فقط حتتاج اىل الدعم املعنوي ،وأنه سيلعب دورا مهما يف تقدم ونضال شعبه ،فإن فقاعة املطر سيعتقد بانه هو من ملئ السماء بالغيم وانزل املطر ،وبذلك يتحول الذي أوحى إليه بأهميته إىل قديس ومناضل ال مثيل له وحكيم زمانه. وهناك املئات من فقاعات املطر يف الشوارع وهم جنود من يوحي إليهم بأهميتهم ،وسيكونون أوفياء خملصني ومتحجرين .بعد عدة سنوات أتاني الشخص الذي التقيت به ،وكان يبحث عن كتب فكرية وفلسفية واجتماعية و ...أخل، وحني سألته ملا يريد كل هذه التشكلية قال ألجل جتهيز منهاج تعليمي ثقايف سياسي فكري اجتماعي ،وحني قلت :من سيقوم بكل هذا، قال :انا ! .عرفت جليا ما حدث معه ومن اوحى إليه بقدراته اجلبارة واهلائلة !. ه��ذه ال��ق��درات اهلائلة وال�لاحم��دودة دائما تتواجد عند أفراد الشعوب املضطهدة ،فمثال يف حالة الكورد فأن األفراد واجلماعات يتحدثون وفق منهج القميص ويبدون آراءه��م الثابتة واملطلقة بشكل ح��اد وقاسي ويلغون بذلك إي رأي آخ��ر بل جيهضون أي احتمال ل��والدة رأي آخر ،ألن رأيهم يعرب عن الكل وهم ليسوا يتحدثون إال ألجل مصلحة الكل وبذلك هم معصومون عن اخلطأ وال��ذل��ل .ه��ذه الرؤية جتعل من ّ الكل ميزانا إلخفاء الوزن احلقيقي هلم ،ويبدون من خالل رؤياهم بأنهم جيلسون على القمر وحيللون األحداث واالخطاء والذالت وما وجودهم على األرض إال إلرشاد شعبهم اىل طريق الصواب والفعل الرشيد. إذا فالفرد لدى الشعب املضطهد يكون ناقد بالضرورةّ ، كل كوردي ناقد بالفطرة .الواحد
ينتقد الكلّ ، والكل ليس له وجود إال تصورا يف خميلة هؤالء األفراد ،وال ميكن ّ للكل أن يصبح مفهوما يف جمتمع كهذا ،فليس هناك جمال ليلتئم الكل يف وح��دة مفهومية يف خميلة أفرادها الذين يقودون احلياة بسلوك جاهل ومتعالي منفصل عن واقعها .إن مل يكن هناك جمال خللق واب��داع وح��دة مفهومية ،سيكون الباب مفتوحا إذا خللق وابداع املزيد من احلدود واحمل��ددات بني األف��راد واجلماعات ،وستزداد اإلط��ر السياسية واالجتماعية منها يصنعها أصحاب القميص ومنها ما هو مفروض على الشعب من قبل أعدائه. ضمن ه��ذه املنظومة من األط��ر السياسية واالجتماعية واليت يقودها أفراد ويعيش فيها أناس يسريون وفق منهج القميص ،فإنه لو ظهر أحدهم وقال بأنى يسعى إىل خلق رؤية جديدة على املستوى العام ،فلن يكون امامه جمال سوى حتطيم هذه األطر بداية واللجوء اىل سلوك حاد وقاس وب��دون ذلك ستتحول رؤي��اه إىل مهزلة وأضحوكة ،وألنه واثق من نفسه فلن يرضى بذلك وسيختار املواجهة ألنه أهل لذلك ولن يواجه غري أهله بداية. ما السبيل إىل خلق رؤية وبنية غري مؤطرة بشكل حادوميكنها أن تضم اجلميع أو على األقل تعرب عن طموحات اجلميع ؟ ،هذا هو السؤال الذي يفكر فيه اجلميع قبل البدء مبشروعهم والعمل على رؤاهم السياسية والثقافية ،وهو سؤال البد منه ملن له هذا اهلم اجلمعي ويساعد صاحبه لتحديد أي��ن يقف وم��ا هي املسافة الفاصلة بينه وبني اآلخرين .لكن ما أن يبدؤون بالعمل تتحول رؤياهم اىل إطار جديد يف الساحة
ويتناطحون مع اآلخرين وحيذفون ما أمكنهم ذلك باسم إطارهم اجلامع والشامل !. ما يهم فيما قيل هنا هو فشل الفرد يف حتديد ح��دوده الذاتية والتعويض عن ذلك باللجوء اىل احل��دود العام للشعب ،وجل��وءه هذا يتحول إىل مفتاح نضاله وهو باألساس ليس إال مفتاح فشله .سأركز فيما سيأتي على قراءة نفسية الفرد واجلماعات ذات التوجه اإلطاراتي ودراسة امناط السلوك اليت تصدر عنهم. التوجه اإلط��ارات��ي أي التوجه ال��ذي ترتكز مفاهيمه على اإلطار وتشكيالته املختلفة هو توجه قديم سياسيا واجتماعيا ،وأصحاب هذه الرؤية غالبا ما يؤمنون بالصراع واملواجهة ويرون أن اإلطار كحد فاصل بني األشياء هي بنية طبيعية ،وأن��ه يف حميط اإلط��ار هناك صراع دائم ومواجهة مستمرة .بالنسبة هلم فإن الصراع يدور حول حتديد اإلط��ار واحملافظة عليه كيفما كان وبأية وسيلة ،لذا وانطالقا من إميانهم هذا فالصراع يصبح ثنائي اإلجتاه حنو اخل��ارج والداخل ،ويتحول اإلط��ار اىل يوتوبيا البقاء والصراع وحده يقود إىل اكتمال الرسالة. س��أرك��ز ب��ص��ورة خ��اص��ة على ال��ص��راع حنو الداخل مع الشرائح اليت تعنيها اإلطار بشكل مباشر إي ابناء الشعب ذاته الذي ينتمي اليه ه��ؤالء اإلط��ارات��ي��ون ،مبينا بذلك الطبيعة النفسية واآلليات السلوكية اليت يتفاعل بها اإلطاراتي مع الداخل ،علما أنين سأستخدم كلمة راديكالي بدل إطاراتي يف هذا النص ،باعتبارها الكلمة االكثر وضوحا ورواجا لدى مجيع القراء وسيسهل علي الكثري من التفسريات. الراديكالي هو من يقوده انفعاله حنو مثالياته،
وهذا يشمل كافة مستويات الراديكالية بدءا من الراديكالي اجلاهل واملريد وانتهاءا بالراديكالي الذي يكون مستعدا معرفيا للدفاع عن مثالياته وقضيته لكن املعرفة غالبا ما ال توسع آفاقه وال تتحول اىل سلوك معريف ويبدو بذلك مريدا ملثالياته وعبدا هلا ،فالراديكالي يعيش ضمن سجن يوتوبياه وضوابطه النفسية اخلاصة به مبعزل عن اآلخرين وضوابطهم العامة .بصورة خاصة أقصد ذاك الراديكالي املنخرط يف حركات سياسية وثورية وثقافية وليس ذاك الفرد ذات التوجه الراديكالي الضيق ،فإن قرأنا الراديكالي يف خارطة االنتماء اىل جغرافية اجملتمع سنجده منتميا اىل االط��راف ،فمسعاه أصال يتجلى يف النضال من أجل حتديد إطار الشيء دون التعمق يف خصوصية الشيء ودون التحاور معه وبذلك يكون حتديده حاد وصارم متجاوزا بذلك كل شيء ما عدا مهمته املتجسدة يف رؤياه العائمة فوق يوبياه ومدينته الفاضلة .هذا التوجه التحديدي الذي يتجاهل غالبا احلالة العامة يف اجملتمع يقود تدرجييا اىل حتول الراديكالي لشخص غريب عن احلالة العامة ،حينها يأخذ الناس حيطتهم كلما توجه الراديكالي إليهم بالكالم وكلما مشى يف الشوراع ،وإن حتدث عن إجنازاته وما فعله من اجلهم لن يشعر الناس بأن االمر يعنيهم ال بل لن يروا غري األذية املصاحبة لكل إجناز ويستخدمونها يوما بعد يوم لزيادة غربة الراديكالي. الراديكالي عندما يشري اىل احلالة العامة بني احلني واآلخ��ر فإنه يبحث عن نقطة ارتكاز ليزيد من ثباتية إطاره ويزيد إحساسه بوجوده ليس أكثر وهو بذلك يؤسس لغربته. 143
أقواس
أقواس
144
لتفسري سلوك الراديكالي سأجلئ اىل الفيزياء وبعض قوانينها ،فاجملتمع يف هندسته ال خيتلف عن أي بنية مادية ،كالذرة مثال ،لذا وحبسب القوانني الفيزيائية فإن النواة وطاقتها هي ما حتدد حدود الذرة وليس العكس ،ويف حالة الراديكالي فإنه يسعى اىل حتديد احل��دود ( اإلطار ) بدون الرجوع اىل طاقة النواة ودون مراعاتها أصال وكأن حدود الذرة هي األساس يف حتديد ماهية الذرة! ،لذا تصبح النواة تابعة إلطاره ورؤياه. واحلقيقة الفيزيائية اليت تقول بأن التفاعالت اليت حتدث مع احمليط يقوم بها الكرتون يشغل مدارا فارغا وقلقا وبذلك فقط ميكنه التفاعل، والتفاعالت على مستوى احمليط غالبا ما تكون قابلة لإلرتداد حتت ظروف مناسبة وهذا شيء يتعارض مع الرؤية الكلية والكاملة اليت يسعى بها الراديكالي يف تشييد إطاره اليوتيوبي ،وما نعرفه جليا هي أن التفاعالت اليت حتدث على مستوى النواة هي وحدها القادرة على تغري بنية النواة وبذلك تغري ماهية ال��ذرة وليس جمرد تغيري يف البنية الفيزيائية كزيادة امليوعة او الصالبة النامجة عن اإلرتباطات يف مستوى احمليط وهي التغريات اليت غالبا ما يتمسك بها الراديكالي .بناءا على ذلك فإن الراديكالي ومهما كان انتماءه االيديولوجي فأنه يسعى اىل خلق حجاب عام حول يوتوبياه ويكفيه املظهر اخلارجي وم��ا حيققه من اجن��ازات حتى ولو كان اجملتمع يتالشى ثقافيا واجتماعيا حتت نري قوانينه النفسية والالمنتمية اىل اإلرادة العامة .هذا امل��زج النيوتروني على مستوى النواة واليت يستفاد منها يف خلق النبلة الذرية
ذات الطاقة اهلائلة ال ميكن إجنازها بسهولة فهي حتتاج اىل معدات جدا معقدة وعالوة على ذلك إىل طاقات بشرية قادرة على إجراء التفاعالت بال اخطاء ،وهؤالء العلماء وهذه املنشأة الذرية ينبغي ان تكون يف منطقة حممية وآمنة كليا، بالنسبة للتيارات الراديكالية ويف اي جمتمع سطحي ( ثنائي األبعاد ) فإنها ال متتلك كل هذه املقومات وباألخص تلك املساحة اآلمنة من األرض فرتاهم يرتاكضون من مكان ملكان ليحموا أنفسهم من أبناء شعبهم تارة وتارة من أعدائهم ،ومع ذلك تراهم ينادون بتغيري كامل على مستوى النواة ،واحلقيقة هي غري ذلك فأي تغري جوهري على مستوى النواة سيغري من حالة إلكرتونات احمليط وقدرتها على التفاعل، وب��ذل��ك سيفقد الراديكالي م��ا ت��درب عليه مطوله وما أسس عليه مجهوريته الفاضلة، وملنع حدوث هذا التغيري يسعى الراديكالي اىل التحكم باحمليط أكثر وإقامة ارتباطات طويلة االمد مع اآلخر خارج حدود الشعب ،وبذلك سيمنع ذاك التغيري قدر اإلمكان وسيحافظ بدوره على إطاره ومكانته .هذه االرتباطات مع اخل��ارج جدا مهمة يف مسرية الراديكاليني فهي مبثابة خبزهم وملحهم ،وهي وحدها ما تبقيهم ثابتني يف أماكنهم ،ومن اجلهة األخرى فإن االعداء كذلك يستفيدون من وجود هذه احلركات ألنه تبقي النواة مبعزل عن اخلارج ومتنعها من التطور أو تقلل من وترية تطورها. انطالقا من ه��ذا التفسري الفيزيائي بتنا نعرف يف أي مستوى يعمل الراديكالي وما هي طبيعة التغيريات اليت ميكن أن حيدثها يف ماهية القضية اليت يعمل على حتديدها ضمن
إطاريوتيوبي. العالقة بني النواة واحمليط معقدة وما يتحكم فيها هو حقل كهرومغنطيسي باإلضافة اىل قوة اجلاذبية ،فاحلقل الكهربائي يولد من حركة اإللكرتونات يف م��درات ال��ذرة وكذلك حركة النيوترونات يف النواة ،واحلقل املغناطيسي يولد نتيجة احلركة العكسية لإللكرتونات يف املدار، وقوة اجلاذبية تنشأ يف الذرة نتيجة كثافة النواة ولذلك تدور اإللكرتونات حول النواة كما تدور الكواكب حول الشمس .ما دخل كل هذا بفعل الراديكالي ،سأبني ذلك بالتفصيل. باعتبار الراديكالي ليس إال إلكرتونا يف احمليط وكونه يسعى إىل احلفاظ على هذا املستوى فإن ما جيذبه اىل النواة أكثر سيكون أشبه بعدو له، فاإلقرتاب أكثر من النواة يعين التالشي بالنسبة له وبالطبع ال ميكن لإللكرتون أن يندمج يف النواة كليا وهذا سيؤدي اىل فقدان النواة لذاتها، وهلذا ال جند جمتمعا او شعبا راديكاليا بشكل ك��ام��ل ،فالنواة تبقى مبعزل ع��ن طموحات الراديكاليني الذين يقتلهم فكرة بقاءهم يف احمليط دوما وحقيقة ان سيبقون خارج النواة ما بقوا هكذا ،هلذا فأن تدمري قوة اجلاذبية هذه هي من اهم مساعي الراديكاليني ،ويقومون بذلك من خالل بث روح اليوتوبيا اخليالية واليت يصعب حتقيقها على أرض الواقع بالصورة اليت يصفونها وإمكانية حتقيقها وفق برناجمهم الزمين ،إن غلبة الوهم اليوتيوبي بني أفراد اجملتمع من شأنه يفقدهم القدرة على أبتكار احالم معقولة وقابلة للتحقيق ،ال بل تصبح االح�لام البسيطة عابرة ومبثابة ذنب يقوم ه��ؤالء األف��راد ،وه��ذا ال��روح الوهمي من شأنه
يقلل من جاذبية اجملتمع وطاقته تدرجييا. ومن ناحية األخرى فإن األمتوسفري الذري الذي يؤمنها حركة اإللكرتونات العكسية وتولد احللق الكهرومغناطيسي بني املدرات والنواة ،فكذلك يواجها الراديكالي ألنها تفرض قوانني ثابتة يصعب العمل بعكسها بسهولة وإال كان املصري هو انعدام الذرة كبنية واحدة ،وألن الراديكالي له خصوصيته واستقالليته عن النواة كما قلنا، فهو يسعى إىل تقليل هذا احلقل الكهرومغنطيسي م��ن خ�لال ح��ذف اإلل��ك�ترون املقابل وال��ذي يتحرك بعكس حركته ،كي يستفرد الراديكالي بالفراغ اإللكرتوني املوجود ويستقل يف مداره وبذلك ميكنه توجيه التفاعالت حبسب نواياه وم��ص��احل��ه .ه��ذا احل��ذف ال��ذي يعيش عليه الراديكالي وال ميكنه االستغناء عنه بأي شكل من األشكال وإن استغنى عن ذلك سيفقد ّ كل ما له وسيفقد السيطرة على حميطه ومبادئه وستتالشى دعائم مجهورية يوتوبياه .بصورة عامة فإن تصرف الراديكالي والي من املفرتض أنه موجه إىل خدمة شعبه ،يكون يف احلقيقة هو السلوك األكثر توجها حنو تفكيك مفاصل القوة يف اجملتمع وجعله فضفاضا يسمح له حبرية احلركة والتصرف دون أن يكون هناك من ميكنه الوقوف أمامهم أو توجيه التساؤالت هلم. إذا بث الوهم يف عقول الناس من جهة وحذف القوى األخ��رى يف اجملتمع هو ّ لب اسرتاتيجية البقاء لدى راديكاليي الشعوب املضط َهددة. هذا املسعى احلاد لدى الراديكالي واستقالليته عن النواة وتطبيق قوانينه وافرتاضاته بشكل مستمر جيعل النواة يف حالة دف��اع ومواجهة معه لدرجة ان موقف النواة (اجملتمع) الذي 145
أقواس
أقواس
146
من املفرتض أن��ه معتدل سيصبح ذات بعد راديكالي يف وجه الراديكالي ويبقى معتدال فيما خيص العدو وهذه احلالة بالذات تزيد من توتر العالقة بني احمليط وبني النواة مما يؤخر من حتديد مواصفات هذه الذرة وبذلك يكون املستفيد الرئيسي من هذا الصراع هو العدو. ه��ذه العالقة املتوترة ال�تي تتوفر فيها كل مقومات التالشي تتصاعد وت��زداد حضورا بوجود الربوباكاندا اإلعالمية ال�تي تضخم الرؤى وتزيد الوهم حضورا يف كال اجلانبني، وزي��ادة الوهم جيعل من التصادم أمر حتمي على األرض ،وحينها لن يكون القتال بني أفراد طبيعيني بل بني أفراد حلموا طويال كغرباء وحتولوا إىل مكونات عابرة يف سياق حاد وقاس كحد نفوسهم وه��ش ول�ين كلحظة موتهم، شروط هذا التصادم بسيطة وقد تبدأ من أي شيء ولو كان وهميا. إن التيار املعتدل متمثال باجملتمع وقوانينه الطبيعية ال�تي يسري عليها ال��ن��اس سيتخذ موقفا راديكاليا من الراديكالي ورؤياه ولن يقل قسوة وحدية من مواقف الراديكالي ،وهذا ما يسعى إليه اآلخرون من أعداء حقوق الشعب. سيتبنى املعتدلون إط��ارا آخ��را حلجبهم عن الراديكالي الذي سيصبح بني نارين أحدهما من اخلارج واآلخر من الداخل وبذلك سيزداد حقده ويتوسع ليشمل كل من يقف يف طريقه، ويتجاوز ما ك��ان يعمل ألجله مقابل إشباع رغباته اليت يقودها احلقد ،وبالنسبة لي فأن الراديكاليون هم أكثر أف��راد اجملتمع سذاجة على اإلط�لاق ،وكيف ميكنه أن يتورط كيفما حترك.
املعروف عن الشعوب املضطهدة أن كل مفاصل حياتهم ال ختلو تقريبا من نظرة راديكالية بدءا من منظومة األسرة وانتهاءا بالقضية الكربى، لكن هناك ضوابط يف بنية اجملتمع متمثلة جبملة القوانني املستوحاة من العادات والتقاليد الشعبية واليت جتعل البعد الراديكالي هذا يف مستوياته الدنيا ،لكن الراديكالي يف نضاله يوجه ضرباته بداية اىل مجلة القوانني هذه قبل أي شيء آخر وبذلك هو نفسه يفتح الباب للبعد واملزاج الراديكالي لدى العامة والذين إن واجهوا سيواجهون الراديكاليني بعنف ونفور ال تقل عن عنف ونفور الراديكاليني للمجتمع. املسعى الراديكالي خيتلف فيما إذا كانت احلركة أو احل��زب الراديكالي هو ذات أهداف سياسية أو اجتماعية وفيما إذا كانت مجاعة راديكالية ،فاحلزب السياسي الراديكالي يسعى اىل حتديد اإلطار العام والشامل للجماعة ،بينما اجلماعة الراديكالية فتسعى لوضع اإلطار العام للفرد ،ف��األوىل تقود اىل بناء الدولة والثانية تقود اىل احنالل اجملتمع وتهديم الدولة .وما هو مدرك متاما أن كل حركة سياسية راديكالية تتحول يف النهاية اىل مجاعة راديكالية نتيجة انعزاهلا عن النواة واستقالليتها الدائمة واليت جتعل منها أسرية مصاحلها وتفوقها بعيدا ّ عما ميكن أن حيصل عليه الشعب ،ال بل أن الشعب، أي شعبهم ،يصبح هدفا مباشرا إن واجههم وعارض توجهاتهم الفكرية واألخالقية. س��أرج��ع جم���ددا وأف��س��ر ال��س��ل��وك النفسي للراديكالي اعتمادا على الكيمياء اليت ابرع فيها كوني صيدالني .الشكل الراديكالي كيميائيا هو تركيب فاعل دوما ليس كما أغلبية املركبات
الكيميائية األخ���رى ال�تي حتتاج اىل حتفيز لتتفاعل أي أن تفاعلها منفعل ،وبالرجوع اىل اجملتمع جند بأن الراديكالي يتفاعل بصورة سريعة مع االح��داث وهذا يوحي بأنه جاهز ومستعد مسبقا لكل ش��يء ،لكن التفسري يف هذه احلالة هو أكثر تعقيد من هذه القراءة البسيطة ،فتفاعالت الراديكالي كما املركبات الراديكالية تكون سريعة بالفعل لكنها يف معظمها تكون سلبية س��واء عليه أو على من تتفاعل معه ،هذه التفاعالت السريعة واملباشرة توحي ب��أن الراديكالي حم��اط بكليته باهلم واحلقوق اجلماعية ،وأنه يف كل حلظة متزن ومستقر ،لكن احلالة هي عكس ذلك بالضبط ، فالراديكالي دوما لديه توتر وقلق إزاء ما يسعى إليه وما ميكنه القيام به ،وبصورة عامة اخلوف يقود الراديكالي يف كل سبيل يسلكه ،ويسعى من خالل تفاعالته ال خللق بنية جديدة بل ليشعر هو باالستقرار بداية ،وهذا االستقرار غالبا يكون على حساب اآلخرين. الراديكالي عندما يدعوا ال إىل قبول حقيقة م��ا ،ف��إن دعوته ه��ذه تكون مشبعة باخلوف ويدفع اآلخرين اىل أقصى درجات اخلوف وفقط حينها ميكنه أن يأخذ مصريهم وحياتهم لتكون وسيلة خوف أخرى .فكلما تصاعد هذا اخلوف كلما تصاعد وترية األحالم والرؤى اليت جتعل املتلقي مستقرا ضمن منظومتهم وحدها وليس يف احلياة العامة .وعلى هذااخلوف تتفق مجيع التيارات الراديكالية سواء كانت دينية او علمانية أو ّأي شيء آخر ،فالكل يستند إىل احلقيقة املتأتية من اخل��وف ،وبهذه احلقيقة يؤسسون يوتوبياهم !.
املسؤليات واملثاليات الكثرية هي ما جتعل الراديكالي سريع التفاعل بداية وبعد ذلك يتدخل احلقد الناجم من رفض اآلخرين له وملعتقداته ويوتوبياه ،على هذا فأن الراديكالي هو أكثر الناس قلقا ويفتقر اىل االستقرار مع كل إداعاءات االستقرار اليت يبديها يف حميطه. لذا وكونه األقل استقرار فهو أكثر الناس قابلية لإلرتاد والتخلي عن رؤيته يف حلظة مقابل حالة استقرار أو قيمة وهمية تؤمن له الشعور بالسيطرة على الوضع ،فكل االحالم واملعنويات اليت يفرزها يف اجلوار هي موجهة له أوال قبل غريه وسيسعى اىل حتقيقها ولو على حساب غريه. إن عملية ال��ن��ض��ال م��ن اج��ل ب��ن��اء ال��دول��ة السياسية أو حتديد احلدود كان مرتافقا دوما مع ظهور حركات وت��ي��ارات راديكالية على مر التاريخ ،ويبدو أنها ّ ّ سنة البد منها لبناء الدولة القومية .سيكون هناك دوم��ا ويف كل مرحلة شرحية من الشعب املضط َهد ممن ال يرون إال اإلطار وال يسعون إال اىل هذا التحديد احلاد .يف املقابل هناك املعتدلون كما قلت ممن يتبعون يف نضاهلم قوانني اجملتمع الطبيعية وال يتجاوزونها حتى يف عملهم السياسي وعلى ذلك سيكون هناك دوما حالة من الصدام بني راديكاليي األط��راف وراديكاليي النواة وكال الطرفني يدعمون آراءه��م وفعلهم السياسي والثوري حبجج تتمحور حول مصلحة الشعب وحقوق الشعب وسيادة الشعب ! .كذلك هناك الشرحية احليادية األكثر تواجدا يف أي جمتمع، لكن هنا سأركز على شرحية الكتاب والفنانني ذات امليول الثقافية والذين يلعبون دورا وسيطا 147
أقواس
أقواس
148
بني املعتدل السياسي والراديكالي السياسي. أن احللم النهائي ألي جمتمع ميكن أن نستشفه من هذه الطبقة بالذات ،لكن وعلى ما يبدو أن ظروف األضطهاد املستمرة لدى أي شعب جتعل حتى من ه��ذه الشرحية فريسة الراديكالية الثقافية التائهة واالنفعالية اليت يغيب فيها أي تفسري ويتوه احللم بني االنتماءات الوهمية والتقلبات الشخصية .بالنسبة للكورد يبدو أن املثقفون يلعبون دورا أكثر من سليب خلدمة تأجيج االنفعاالت بني الشرائح التائهة ،ال بل يهدمون ما هو طبيعي وقابل لإلصالح من خالل ميوهلم وتقلباهم وآراءه��م السياسية، وال أع��رف كيف ميكن ملن يقول بأنه مثقف أن يكون سلوكه هو عبارة عن ردة فعل تدور يف فلك التشتت واالن��ف�لات .هناك الكثري من اإلطرابات يف الذوق الثقايف والتوجهات الثقافية لدى الكورد خاصة ألن املشاكل اليت نواجهها لبناء ال��دول��ة ليست مقتصرة على عالقتنا مع أعداءنا ونضالنا من أجل حقوقنا .فكما قلت ب��داي��ة أن أف���راد اجملتمع ب��ص��ورة عامة لديهم حالة من االنفالت واالستقاللية عن جمتمعهم ،واألمر ذاته ينطبق على اجلماعات كذلك ،ويبدو أن املثقفون ليسوا مبنأى عن هذا االنفالت واالستقاللية ،فهم كذلك من مؤمتر ملؤمتر يؤججون التوتر بني شرائح اجملتمع وكأنهم يلعبون دورا سياسيا وليس ثقافيا ،وال ميكن تفسري هذا السلوك إال حبالة الالانتماء. وأصال ميكن تفسري النفسية الثقافية لديهم من خالل توجههم االدبي والذي يرتكز بشكل كلي تقريبا على الشعر ،وكما نعرف ان الشعر هو الشكل األدبي الذي يسمح باالنفالت وخلق
مدرات جديدة ،فالوهم الشعري هو احلقيقة الشعرية ،لذا ترى الكورد كلهم شعراء وحتى إن كانوا صحفيني أو فنانيني أو روائيني. واألمر اآلخر الغريب يف احلالة الثقافية لدى ال��ك��ورد ،أن النقد حم��رم ،وإن ح��دث وانتقد أحدهم كتابا ما كما ي��راه أدب��ي��ا ،ف��إن نقده سيتحول سبب للفرقة بينه وبني املؤلف إن كانا صديقني ،أو سيقوم املؤلفبنشر مقال حاد حول عمل هذا الناقد وما إىل ذلك من حاالت شذوذ يف السلوك األدبي .على هذا ال أظن أن الشرحية الثقافية الكوردية قادرة على ملئ الفراغات املتشكلة بني احمليد والنواة بصورة مستمرة ،ال بل هم يرون أنفسهم مبثابة تيار آخر يف اجملتمع ويلعبون دورهم السياسي ويزيدون بدورهم اهلوة بني احمليط والنواة. هل ميكن للسلوك الراديكالي أن يكون احلل يف عصر التسويات الكربى الذي نعيشه ،حيث ّ الكل متواجد على رقعة الشطرنج وحيث األحالم تفرض والنتائج حمسومة سلفا .بالنسبة لي أعتقد أن القوى الراديكالية هي وسيلة إلبعاد أي قضية عن الساحة مع الزمن ،وابتعادهم هم كذلك عن القضية عينها. يف النهاية اجد بأن الراديكالية هو توجه البد منه لدى الشعوب املضطهدة وال ميكن إلغاءه كليا ضمن شرائح الشعب املضطهد ،لذا ميكن فقط التعامل معها وتهذيبها وتقليل فرص زيادة احلقد لديهم ،والتعامل معهم على اساس سياسي خلدمة اجملتمع وحماولة جذبهم باستمرار اىل احللقة الداخلية.
أقواس من التنويـــر األوريب إىل استبداد الليربالية الجديدة
د .خليل عبدالرحمن
149
أقواس
أقواس
150
1التنويـــر األوربيً غريبا أن يكون التنوير يف بداية عصر ليس النهضة مبثابة نقد وإع��ادة حتديث للمجتمع ً وحامال ألفكار حول الكون واإلنسان األورب��ي، ً واحل��ض��ارة ،وصانعا ملذاهب فلسفية ب��دأت يف الظاهر م��ذاه��ب تأملية (مثالية) كفلسفة «دي��ك��ارت»« ،اليبنز» و»ك��ان��ط» ،لكنها كانت يف تكتف جوهرها طاقة العقل اإلدراكية ،اليت مل ِ بتحديد أدوات املعرفة فحسب ،ب��ل أع��ادت اكتشاف قوانني العقل ذاته وكيفية استعماله، كما هو احلال لدى « كانط « يف كتاباته النقدية َ حاول «كانط» اكتشاف الطرائق املعروفة .لقد واألساليب واملبادئ اليت خيضع هلا العقل وأهم ً املفارقات اليت يقع فيها ،كما َ طويال أمام وقف ً مرادفا الستعمال مصطلح التنوير ،حيث اعتربه العقل ،ومبا يتفق مع العقل ذاته دون تدخل من السلطة ودون التماشي مع األهواء واألغراض. وقد َ كتب مقاله «ما التنوير» على أس��اس أن التنوير نشاط متسق مع مبادئ وضعها العقل، وأن االلتزام بذلك النشاط يؤدي إىل حياة أفضل. كما أش��ا َر فالسفة التنوير قبله« ،روس��و»، «فولتري» و»مونتسكيو» ،بأن التنوير قد َ وضع َ العقل والقانون واجملتمع وحتى الدين يف إطار إنساني ،أي عودة تلك املبادئ إىل اإلنسان بعد أن سلبها كهنة الكنيسة والسياسةُ . وت َع ُّد آراء «روسو» يف هذا الشأن ّ هامة وعميقة ،وخباصة يف كتابيه «العقد االجتماعي» و»أصل التفاوت بني ً البشر» عندما َّ ً ً وفلسفيا اجتماعيا حتليال حل َل مشكلة احلقوق املمنوحة لإلنسان ،ب��دءاً من العقد االجتماعي بني البشر وانتها ًء برفع أصر
قدم معايري لقمع الناسَ . التسلط الذي ُي ّ وقال بأن «اإلرادة العامة» هي جتسيد لوعي الناس مبساواتهم يف احلقوق ومبطالبتهم بالواجبات، وهذا هو مبدأ احلوار العقالني التنويري. َ ً تارخييا باحلرية ،وهو الوعي ارتبط التنوير باحلرية يف مستوياتها الناقدة لذاتها إذا حتولت إىل تقييد أو انغالق على النفس وحرمان اآلخ��ري��ن منها .ويتطلب التنوير معاجلة ً تارخييا يقع مببتدأ متعددة اجلوانب ،حبكم أنه عصر الفلسفة احلديثة ،أي حلظة االنتقال من ٍ تاريخ إنساني مليء باملعطيات إىل عصر ،ومن ٍ الفكرية والدينية والثقافية (العصور الوسطى) ً ً وفلسفيا بعصر وضعيا تاريخ أخر ُيسمى إىل ٍ النهضة ،حيث يتبنى األخري أفكاراً غيرّ ت الصور النمطية للتفكري الوسيط ،حتى قيل إن التنوير مبجمله حماولة لتأصيل الفكر اإلنساني ،مبعنى آخ��ر ،حماولة التوصل إىل أساليب خمتلفة يف التفكري ،خمتلفة عما هو سائد .ومن هنا يندرج التنوير يف هذا االنتقال وحيمل طابعه ،وهو كأداة وكعملية معرفية وعقلية ال ُب َّد أن يأخذ ً فلسفيا من التفسريات العلمية بعيدة جذوره عن اخلرافات واألساطري اليت ّ غصت بها القرون الوسطى قبل االنصياع لالكتشافات العلمية والتكنولوجية ،وقبل اعتبار املعرفة اإلنسانية أك�بر س�لاح خلدمة اإلن��س��ان وحتسني حياته الدنيوية. وإذا كانت الفلسفة احلديثة ،خباصة يف جانبها العملي لدى «كبلر» و»جاليلو» ،قد بدأت بالتوصل إىل تصورات وطرائق معرفية غري تقليدية، فقد َ نتج عن ذلك هدف يف غاية اخلطورة أال وه��و إع��ادة تأسيس ال��وج��ود ً ب��دال من جعله
ً موضوعا لالغرتاب ،مما أ ّدى إىل ثقة اإلنسان يف الطبيعة ورغبته امللحة يف البحث عن قوانني َ يفسر الظواهر ثابتة يستطيع يف ضوئها أن الطبيعية والسعي إىل إجيا ِد مفهوم ّ موحد عن الكون واالع�تراف حبقوق اإلنسان الطبيعية. وهذا ُع َّد متيزاً عن األفكار السابقة اليت انصبت على اليقني ُ األخروي وتركيز االهتمام بقضايا احلياة بعد امل��وت ،األم��ر ال��ذي َّ مت معه إغفال دور العقل ،بل َّ مت إلغاء العقل بصدد طرح أسئلة ّ حرة وناقدة ،واألخطر من كل ذلك هو اخلوف من العامل الواقعي الذي اعتربته القرون الوسطى ً مليئا بالشرور واآلثامِ ،لذا سعى اإلنسان أن َ ينقذ نفسه فقط ً بدال من البحث فيه وفهمه، وبالتالي تغيريه. ميكن مقاربة األهمية اخل ّ ��اص��ة بالتنوير وعصره إذا أخذنا يف االعتبار االجتاهات واألفكار اليت ظهرت يف عصر النهضة ،واليت مشلت أغلب وجسدت معامل ّ اجلوانب احلياتيةّ ، هامة غ ّريت جمرى التفكري الفلسفي والعلمي على حد سواء. وهي اجتاهات ميكن هلا أن ّ حتد َد أهمية التنوير. أ .أهمية معرفية ُ يتضح أكثر يف فلسفة إن اجلانب املنهجي التنوير ،ألن مفهومه سيحمل معامل املنهج، ً مذهبا ،بل طريقة يف املعرفة فليس التنوير والتفكري دون اعتبارات سلطوية .وأبرز ما مي ّيز التنوير ،بفضل اجلانب املعريف الذي تأثر به، أنه يهدم السلطة سوا ًء كانت دينية أو سياسية أو معرفية. ب .أهمية نقدية كانت املفاهيم النقدية من أب��رز املعطيات ال�تي يعمل عربها التنوير .وتلك اإلشكالية
ُ َ التنوير كمفهوم نقدي من خالل إزاحة تطرح اليقينيات الفلسفية ،فإذا كانت الفلسفة ُ تعمل ً تارخييا عن طريق العقائد واملذاهب واالجتاهات التوكيدية ،فليس التنوير يف ه��ذا اإلط��ار سوى تقويض لتلك الثوابت من خالل تقديم تصورات وأفكار مغايرة حول املعرفة والنقد وفاعلية اإلنسان كذات مفكرة .ووصل األمر يف مداه إىل بلورة عقائد دينية جديدة ،أي أنسنة الدين من خالل الدين الطبيعي ،أو على األقل إظهار الطابع اإلنساني للقضايا الدينية. ج .أهمية عقلية ُ التـنوير من العقـل معياراً ملمارسة اتـّخذ دوره ،األمـر الـذي أ ّدى إلـى ترسيخ مبادئ يف جم��االت السياسية واجملتمع املدني ومبادئ إنسانية أخرى ،حبكم أن البشر ،يف ضوء التنوير، ميكن أن يتساووا يف القدرات العقلية .إن اإلميان بالعقل هو اإلميان أو االعرتاف بأن لدى كل امرء ق��درة حقيقية أو عينية على إدراك قضايا معينة اليت ميكنها أن تكون صائبة أو خاطئة. د .أهمية نقد اخلطاب الديين ما يكشف عنه التنوير يتمثل يف نقد اخلطاب الديين ً أيضا ،وهو نقد للفكر الذي حي ّول دون ً فهم الدين ً عصريا وجتديد األفكار الدائرة فهما حوله ،وكيف ميكن الوصول إىل معرفة احملددات اليت جيري بها االعتقاد الديين ،وليس نقداً لفكرة الدين ال��ذي ينطوي على جانب إهلي وتشريعي وأخالقي وعقيدي .وهل��ذا السبب ظهرت حركة اإلص�لاح الديين اليت َدع��ت إىل تقويض سلطة الكنيسة وما يتبعها من مجود وتقليد والتأكيد على اخل�برات الفردية ذات الطابع الشخصي الداخلي. 151
أقواس
أقواس
152
َ ووص��ل األم��ر بهؤالء اإلصالحيني إىل إجياد بديل عقائدي ّ خاص باإلنسان يقو ُم على اإلميان بقدراته إزاء ظواهر الكون ،وأنه كائن يستطيع أن يفسر ه��ذه الظواهر ويستجلي الغامض منه ،وإمكانية خلق ديانة تقوم على طبيعة اإلنسان مبا هو كذلك ،حبيث تكون مستقلة عن َ فظهر نقد كل التقاليد والطقوس الشكلية. متواصل للخطاب الديين التقليدي لدى أغلب فالسفة التنوير مثل «بودين»« ،فولتري»« ،روسو»، «ل���وك» و»ه��وب��ز» ،ال��ذي��ن أفسحوا اجمل��ال أم��ام مراجعة الرتاث الالهوتي ،واعتقدوا بأن النهضة لن ُّ تتم ولن تستطيع بناء جمتمع حر وأخالق منفتحة على اآلخر إال بنقد هذا الرتاث .أي أن اإلنسان ،من خالل إميانه باخلري وممارسته ومن خالل االخنراط يف احلياة االجتماعية املتفاعلة، ً ً متساحما ال ميارس جمتمعا ميكن له أن يؤسس ق��ه��راً ،وأن الوسيلة الوحيدة لتجنب القهر والوقوع حتته هو التنوير. َّ اهتم التنوير برتسيخ ِقيم جديدة حول اإلنسان ،وليس هناك ما هو أقرب إىل طرح هذه القيم سوى إنشاء أخالق متحررة تعطي اإلنسان ِ ً مساحة ملمارسة سلوكه .ودائما ما كانت هناك مذاهب فلسفية تتناول موضوع احلرية من القيم األخالقية السائدة، خالل مناقشة ونقد ِ َ اإلنسانُّ ، القيم هي قضية ُّ متس متس ألن قضية ِ َّ واهتم أصحاب النزعة ماهية وطبيعة أفعاله. اإلنسانية بهذا اجلانب ،فسعى «بومبونازي» إىل َ وناقش البحث يف الروح اإلنسانية واألخ�لاق، مشكلة الروح وخلودها يف ضوء العقل الفطري، َ واستعان بفكرة «أرسطو» بشأن التطور املتصل الذي ال جمال فيه للطفرات وال إىل تدخل املبادئ
اليت ال تأتي بالضرورة من تطورات سابقة .أما خطورة آراء «بومبونازي» فتكمن يف قوله بأن اخلري والشر ال يتوقفان على السلطة الدينية ،بل على جدارتهما سواء مبمارسة اخلري أو باجتناب الشر ،وهذا يتفق مع مبادئه يف حتقيق احلرية الفردية . جيب على اإلنسان البحث عن الفضيلة ألنها قيمة يف ذاتها ،والفضيلة اليت ُتصنع بغية ثواب خارجي تنفي وجودها وقيمتها ،أما الشر الذي ُّ يتم جتنبه ل ِعلة خارجية فإنه يف احلقيقة قهر ال اختيار فيه .وإذا كان هذا البعد عن الشر ً امتحانا لقدرة اإلنسان على ضبط نفسه فينبغي أن يكون الوازع لتجنبه ً نابعا من نفس اإلنسان ال من خارجه .كانت حماولة «بومبونازي» مرحلة ّ هامة يف نقد الرتاث الذي ينظر إىل هذه القضايا األخالقية كجزء ال يتجزأ من اله��وت الثواب َ ابتعد فيها والعقاب يف املسيحية ،وهي حماولة عن تأثريات الفلسفة الدينية ،وعما هو مطروح من أفكار مسيحية خالصة بشأن حرية اإلرادة والعناية اإلهلية والصلب والفداء(. )2 ُ تهيمن السلطة الدينية على أفق عندما العامل يصبح هناك الهوت سياسي أنطولوجي، ويصري التاريخ مقيداً به ،أو باألحرى ُّ يتم رسم طريق حمدد فيما يسمى باحلتمية التارخيية. ً ً مرسوما ملمارسة الكهانة مسرحا وميثل التاريخ الفلسفية والسياسية وتبلغ ذروتها يف توقيف تطوره لدى مسات ومعامل بعينها ،كما هو لدى القديس «أوغسطني» وتصوراته عن مدينة اهلل ً تارخييا ومدينة الشيطان( .)3وهو أمر يتكرر ً واجتماعيا كما أشا َر «فرنسيس فوكوياما» إىل نهاية التاريخ يف احلقبة املعاصرة ،مع هيمنة
اإلم�براط��وري��ة األمريكية على العامل ،حيث حتاول تشكيل الهوته السياسي والعوملي(. )4 استدعت نهاية التاريخ ،باملفهوم األورب��ي الوسيط ،رد فعل حديث أكثر قوة ،حيث غدا ه��ذا العصر احلديث مبجمله حماولة لتأطري تاريخ خمتلف ،أي وضع أسس خمتلفة ،باملفاهيم اليت أشرنا إليها تواً .كان العصر احلديث بصدد تأثري آلة للتفكري خمتلفة كل االختالف عما سبقها من اآلالت اليونانية أو الوسيطة ،وإن كانت ال تنفصل عن األخرية ،بل هي تعمل على َ اشتهر العصر احلديث بعصر التنوير، تراثها. وهذه سابقة مل تكن معروفة يف تاريخ الفكر الغربي ،إنه العصر الذي يرجع (أي يفحص) عصراً ،بل عصوراً غربية. يرتبط مفهوم التنوير بأمناط من التحديث والتحضر ،وهذا هو السبب وراء االختالف املميز ً انطالقا من العصور حلقبة احلداثة الغربية احلديثة إىل بداية القرن التاسع عشر .وإذ أردنا أن نعطيه داللة أولية فإن التنوير عبارة عن عملية متأصلة للتطور التارخيي واالجتماعي وال��ف��ك��ري ،ه��و األف���ق األك��ث��ر ب����روزاً يف تلك االجتاهات واملمارسات العقالنية أثناء االنتقال من القديم ،وم��ن ال�تراث إىل احل��داث��ة ،لذلك ً ً وثيقا .ومتيزت عملية ارتباطا يرتبط بالتقدم التنوير يف العصور احلديثة باالستمرارية ،حيث مل يكف العلماء والفالسفة والتنويريون عن نقد وإضاءة اآلفاق البعيدة للتطورات احلادثة. كما ال ميكن هلا أن تنفصل عن معطيات معينة س��واء أك��ان موروثة أو مستخدمة يف املعرفة والتقنية واألح��داث االجتماعية .وهي أخذت أش��ك ً ��اال متنوعة يف كافة اجمل��االت وبالتوازي
ً فيلسوفا مثل وبالتبادل فيما بينها ،فنجد أن «كانط» يتحدث عن األخالق العملية ارتباطاً بالقانون واجملتمع وعندما يتحدث «لوك» عن التسامح بنربة دينية عالية ،ويعلم متام العلم االختالفات بني املِلل املسيحية ،وكيف حت ّولت ال��ص��راع��ات الدينية إىل ص��راع��ات سياسية واجتماعية ،لذلك يقول يف إطار ذلك« :يبدو لي أن الدولة جمتمع من البشر يتشكل بهدف توفري اخلريات املدنية واحلفاظ عليها ،وتنميتها، َ احلياة واحلرية والصحة وأعين باخلريات املدنية وراحة اجلسم ،باإلضافة إىل امتالك األشياء مثل املال واألرض والبيوت واألثاث ،وما شابه ذلك» (.)5باتت عملية التنوير ،كحركة فكرية يف سياقها ،أكرب مما يستوعبها جمموعة فالسفة أو مذهب بعينه ،فقد َ شارك يف تأسيسها من ال ً ظاهريا حبسب املبادئ املطروحة ينتمون إليها للتنوير خبصوص العقل أو نقد الرتاث أو جتديد الفكر ال��دي�ني .وم��ع ذل��ك فقد بلغت عملية التنوير ذروتها يف القرن الثامن عشر ،أما أبرز ما مييزها فهو االعتداد بالعقل ،وبأن العقالنية ليست اعتقادات ميكن أن يتقبلها اإلنسان مبجرد أن َّ متر على العقل فتصبح مبثابة العقائد ،لكنها أسلوب يف طرح املوضوعات ،وال ميكن قبول شيء إال بعد فحصه ومعرفة األساس املنطقي الذي ً ً ُب َ عقالنيا وعيا ين عليه .هلذا اُعت َرب التنوير ُ يسهم دون هوادة يف تطور اجملتمعات البشرية، َ الوعي العامل احلاسم للتغلب على واُعت َرب ذلك ُ معوقات التقدم اإلنساني .كما ُّ اهتم التنوير من جهة أخرى مبحاوالت التغلب على الشرور االجتماعية املرتتبة على اجلهل بالطبيعة البشرية (.)6 153
أقواس
أقواس
154
أُسندت إىل التنوير وظائف هامة جتسدت يف حترير العقل البشري من كافة السلطات املفروضة عليه لتقليص مساحة اجملهول ،اليت كان يستغلها رجال الدين يف إحكام سيطرتهم على البشر العاديني ،وإذا كان اجلنب كما يرى «كانط» هو سبب مباشر لسوء استخدام العقل، فإن التنوير يشحذ هذا االستخدام بكشف مجيع األسرار أو نقدها ،أي تعريضها للهواء الطلق الذي يزيل منها مواطن العفن واجلمود« .إنين ال أريد سوى أن تتعلم األوث��ان القدمية ماذا يعين أن تكون أقدامها من صلصال ،أن أطيح باألوثان هو عني املهمة األوىل للمفكر الذي يوجد بداخلي، ً وبقدر ما اخرتعنا ً مثاليا بقدر ما جردنا عاملا الواقع من قيمته ومعناه وحقيقته ،ومن ثم فإن أكذوبة املثالي هي لعنة الواقع ،وبها فإن َّ أشد ً تأسيسا فيه قد أصبحت كاذبة الغرائز اإلنسانية القيم اليت ُتعبد هي ومزيفة ،ومن ثم أصبحت ِ القيم القيم اليت تتطاحن يف عداوة مع ِ بالضبط ِ اليت تضمن ازدهار اإلنسان ومستقبله وحقه يف َ انتشر يف القرن الثامن ذلك املستقبل( . )7لذلك عشر ً رأيا مفاده بأن احلياة اإلنسانية مل تعدْ مصدراً للمعاناة والقهر ،إمنا هي حياة جديرة ُ بالعيش ،بل َ اإلنسان أمامه حماولة فهم وضع طبيعة الكون ،وبلوغ قوانني مؤسسة تأسيساً ً ً وعلميا للتحكم باألشياء ،فمن أهداف معرفيا العلم سيطرة اإلنسان على الطبيعة من حوله، وصارت املعرفة على يد «بيكون» قوة. كما ً التنوير شعارات جوفاء ،وإمنا ً ُ هائال ليس من املؤلفات الفلسفية والفكرية بشكل عام .كما أن هذه الوظيفة وضعته يف محأة الصراع مع الظروف واملالبسات املعيشية اليت اختلفت مع
أطروحاته الفكرية .لذلك ال ميكن تصور تنوير خ��ارج التاريخ وخ��ارج الصراع اإليديولوجي التنوير َ ُ لسلطة الكنيسة .لقد َّ الناس من حرر عبوديتهم للكنيسة ،بل كان مبثابة التمزيق األيديولوجي لقناع الكنيسة واإلقطاع وإضاءة اجلوانب املعتمة يف أنظمة احلكم ،بعبارة أخرى ُ التنوير حيارب هؤالء الذين حيتكرون احلق كان َ أخطر ما أوضحه التنوير اإلهلي يف السلطة .إن هو أننا ميكن أن نفكر بطرق أخرى غري اليت كانت متاحة ،وأن هناك اجتاهات ال حصر هلا أمام العقل البشري كي ينفتح على االختالف، وليس بالضرورة أن تكون احلقيقة واحدة كما كان ُيعتقد. َّ حت����و َل ال��ت��ن��وي ُ��ر م��ن جم���رد ك�ل�ام للنخبة السياسية والفكرية إىل ت��ي��ارات اجتماعية ت��ن��ادي باحلرية والدميقراطية ال�تي كانت مفقودة يف العصور الوسطى .كان «كوبرنيكوس» و»برونو» أنبياء احلقائق االجتماعية ،ومثلما ً أساسا جملتمع كانت أفكار «مونتسكيو» و»روسو» قادم يبشر بغد أفضل لإلنسان األورب��ي ،ذلك أن القول بكروية األرض وحركتها واكتشاف البارود واخرتاع اآلالت البخارية ،هو الذي دشن افتتاح األسواق االقتصادية على أنقاض امللكية ً ممكنا لـ»لوثر» و»كالفن» اإلقطاعية .ومل يكن أن يلغيا النظام الكهنوتي القائم على الرهبنة وسلطة البابا وأن يرتمجا الكتاب ّ املقدس من الالتينية لوال أن قصة اخللق من ناحية وقصة الفداء من ناحية أخرى قد تعرضتا هلزة عنيفة نتيجة االكتشافات العلمية والفكرية اجلديدة. أبرز ما أظهره التنوير فكرة «احلقوق» اليت ً فبدال من احلقوق ينبغي أن يتمتع بها اإلنسان،
اليت تعطي له وهي ضئيلة وتكاد تكون معدومة من قبل السلطات املهيمنة على اجملتمعَ ، طالب التنويريون حبقوق اإلنسان ،وبأنه وحده الذي يقرر ماهية تلك احلقوق ،وال سواه يتمتع بها، وألول م��رة ،خبالف العصور الوسطى ،يعطي اإلنسان حق ممارسة السلطة عن طريق اإلرادة العامة والنظام السياسي الذي هو منه وإليه .كان ً مدفوعا بتحديد ،إن مل نقل بتغيري، التنوير األس��اس الذي ميكن أن ينطلق منه التفكري يف قضايا الكون والتاريخ والدين ،مبعنى أن احلقب القروسطية مل تكن لتعطي اإلنسان عناية إال بإحالته إىل مرجعية غري إنسانية. لقد متثلت تلك املرجعية يف سلطة الكهنوت احتكرت املعرفة والتفكري ً َ معا ،فأين ال�تي اإلنسان الذي ينبغي أن يعيش يف ظروف وسياق اجتماعي؟ إن النظام الكنسي أن��ش ََ��أ نظامه االجتماعي والعبودي اخلاص به ،أي حتول إىل واقع اجتماعي ،يصارع أية قوة أخرى ويسعى لدحرها إن حاولت مقاومته .إن هذا النظام حتول إىل مطلق الوجود ،وكلما حاول اإلنسان أن يقرتب منه ال يتحقق له إال وجود هامشي .وال َّ أدل على ذلك من أن هناك احتاداً غري منفصم بني الكنيسة والسلطة ،أ ّدى إىل النظر بنظرة دونية جتاه اإلنسان واعتربته يف كل األحوال ً خاضعا هلاتني القوتني. وقبل أن يكون لإلنسان أدنى حق يف التعبري أو الوجود االجتماعي أو السياسي أو الديين ،ال ُب َّد أن تتقرر احلقوق الكهنوتية لرجال الدين الذين نظروا إىل اإلنسان كخادم يف بالط الكنيسة. ومن هنا وضعت الكنيسة قيوداً على منظومة اإلنسان الفكرية ،معتقدة أنها من ممتلكاتها
اخلاصة ،بل حظرت على الناس البحث يف الذات اإلنسانية نفسها خمافة أن ال يتفق مع تعاليمها، وح��ال��ت بينهم وب�ين التحرر ال��روح��ي من سلطانها ،فالبحث يف اجلانب اإلنساني قد ينتهي مبفاهيم غري الهوتية. كان التنوير ً قائما على معرفة األبعاد اخلفية يف فكر العصور الوسطى عندما أخضعه للنقد، فأضا َء جوانب معتمة يف تاريخ اإلنسان األوربي، َ ُ مركز االهتمام ال باملعنى الديين اإلنسان وصا َر أو الكهنوتي ،لكن باملضمون اإلنساني ،النسيب ً وانطالقا من ذلك تشكلت أسئلة واحلياتي. التنوير على الشكل اآلتي :ما هي اإلكراهات اليت تك ّبل كاهل اإلنسان؟ ما هي احملرمات الكهنوتية اليت ُ تضع حدوداً للمعرفة اإلنسانية مبا فيها املعرفة الذاتية؟ ماذا لو حترر اإلنسان كفرد ومن ثم كجماعة؟ ما هي الوسائل اليت ال ُب َّد من االعتماد عليها لتخليص اإلنسان من تلك القيود؟. مل تكن ردود أفعال التنوير سلبية ،أي رف��ض ال�ت�راث األورب���ي ،ب��ل ب��دأَ التنويريون بالتنقيب عن اإلنسان يف ال�تراث ،ألن��ه حمور النظرة اجلديدة ،فحاولوا إعادته إىل الواجهة مرة أخرى خبالف ما كان موجوداً يف العصر الكنسي ،ومن خالل هذا التنقيب كان ال ُب َّد أن َ يزيح الرتاكمات التارخيية عن متعلقات اإلنسان، كاحلرية ،األدب ،الفن ،التاريخ والعقل .من هنا أخذ هذا التنقيب صورة احلركة اإلنسانية اليت ّ اهتمت مبا هو إنساني من إنتاج وإبداع اإلنسان، وح��ص��رت البحث يف الطبيعة حم��اول��ة دفع اإلنسان السيطرة عليها ً بدال من البحث يف عامل آخر ال يعرفه اإلنسان. 155
أقواس
أقواس
156
ظل التنوير ً لذلك َّ إنسانيا ال ً ً دينيا أو فعال ً شيئا آخر ،فاإلنسان هو الذي يقوم بهذا الفعل، ومن يتلقاه هو اإلنسان اآلخر ً أيضا ،وال ميكن أن يتوجه به إىل مجاد أو حيوان ،بل للمجتمع ً وعيا مبحيطهم واآلخ��ري��ن الذين ي���زدادون االجتماعي والفكري ،وبالتالي ي��زدادون ثرا ًء ً فكريا وميكن هلم أن يتقدموا (.)8 إذا كانت احلركة اإلنسانية ذات ُبعد فردي يف البدء حني انصبت على حرية الفرد ،إال أنها سرعان ما حتولت إىل طابع اجتماعي أخذ ُّ ميتد مع البناء االجتماعي للمدن االيطالية .فقد َ شرع ملوك وأمراء ايطاليا يف نشر تلك احلركة حتى أضحت موضع عناية العائالت ذاتها ،األمر الذي أ ّدى إىل فرز تيارات متباينة داخلها .ففي مدينة «فلورنسا» كان االهتمام باألدب شديداً علي يد عائلة «ميدتشي» ،ويف «مانتوا» اجته الناس إىل االهتمام بالتقاليد التحررية اليت تلتزم مبعايري تشرعها لنفسها دون التقيد بسلطات فوقية، ويف «ميالنو» جرت العناية باملعارف والسلوكيات الفردية ،ثم انتقلت تأثريات احلركة اإلنسانية إىل فرنسا ،وبعد ذلك وصلت إىل اجنلرتا وأملانيا وهولندا وبولندا وأسبانيا. ال ينفصل التنوير عن حركة اإلنسان ،أي أن اإلنسان حبكم حضارته ومشكالتها حيتاج إىل خلفيات ومفاهيم تضيء له طريق وج��وده. والتنوير ميثل حماولة للفهم والتجاوز ،لكنه يقوم بهاتني العمليتني من خالل موضوع دائم الطرح ،أي ال ُّ يتم هذا التنوير يف ف��راغ ،فهو هام ألن موضوعاته ونتائجه كذلك ،لذا ميكن أن نرى فيه مناذج عديدة واجتاهات خمتلفة مبقدار تعدد موضوعاته .ويرتبط التنوير
باحلرية ،ألن القيود حتول بينه وبني ممارسة دوره ،ومع ذلك هو يزيد من رقعة اتساعه، ً فضال عن إظهار اإلكراهات الواقعة عليها ،هلذا جند فالسفة التنوير يتحدثون يف فلسفاتهم عن احلرية وأهمية جتسدها يف األنظمة االجتماعية، ألنها تتيح الفرصة تلو الفرصة ملمارسة النقد واإلبداع. 2من التنوير إىل الليرباليةّ يقول «جان جاك روسو» بأن «احلرية احلقة هي أن نطيع القوانني ال�تي اشرتعناها حنن ألنفسنا» .فهي ،حبسب ه��ذا املفهوم ،عملية انكفاء على ال��داخ��ل ،وعملية انفتاح جتاه القوانني اليت تشرعها النفس .فاالنكفاء على الداخل مترد وهروب من كل ما هو خارجي، واالنفتاح طاعة القوانني اليت تشرعها النفس من الداخل .وميكن أن متثل الليربالية حالة انكفاء على استقاللية النفس مع االنفتاح على إتباع قوانني الدولة واحرتام طقوس اجملتمع. إن جوهر الليربالية ّ يتمثل بالرتكيز على أهمية الفرد ،وضرورة حترره من كل أنواع السيطرة واالستبداد ،والليربالي يصبو على حنو خاص إىل التحرر من سطوة التسلط بنوعيه :تسلط الدولة (االستبداد السياسي) ،وتسلط اجلماعة (االستبداد االجتماعي) .وميكن صياغة فهم ذلك عرب توفري احلريات السياسية والفكرية والشخصية لإلنسان من خالل دستور حيدد واجباته ومينحه حقوقه كاملة. مل تتبلور الليربالية كنظرية يف السياسة واالقتصاد واالجتماع على يد مفكر واحد ،بل أسهم عدة مفكرين يف إعطائها شكلها األساسي.
ففي اجلانب السياسي يعترب «جون لوك» أهم ً إسهاما ،ويف اجلانب االقتصادي وأول الفالسفة «آدم مسيث» ،وكذلك كان لكل من «روسو» و»جون ستيوارت م��ل» إسهامات واضحة يف سبيلها، ً وصوال إىل مفكرين ّ ومنظرين غربيني يف القرن العشرين .وأغلب املفكرين والفالسفة احملدثني يف القرنني التاسع عشر والعشرين ،من ضمنهم «كارل ماركس» وفريدريك أجنلز» و»ماكس فيرب» و»ديفيد هيوم» ،كانوا قد خلقوا أفكارهم يف ِّ ظل عامل ليربالي ومن خالل أدوات ليربالية حتى يغدو العامل احلديث مبثل كل هذه األساليب احلديثة اليوم .من هنا ندرك بأن ال ليربالية من دون دميقراطية حقيقية ،إذ تقرتن األخرية بتوفري احلريات وااللتزام بالدستور الذي ال ُب َّد أن يتضمن مضامني مدنية حبتة توفر حقوق وواجبات املنظومة البشرية (.)9 ً فكريا تعين الليربالية ح��ري��ة االعتقاد ً واقتصاديا هي حرية امللكية والتفكري والتعبري، الشخصية وحرية الفعل االقتصادي املنتظم وف��ق قانون السوق ،وعلى املستوى السياسي تعين «ح��ري��ة» التجمع وت��أس��ي��س األح���زاب واختيار السلطة .هكذا نالحظ أن مقولة احلرية ال تشكل مبدأً من مجلة مبادئ فحسب، بل هي مرتكز لتأسيس غريها من املبادئ .بعد هذا يواجهنا سؤال :هل الليربالية هي احلرية؟ حيلو لدعاة املذهب الليربالي اختزال اإلجابة على سؤال ما الليربالية؟ بالقول :إنها مذهب احلرية ،وكأن مذهبهم هو الوحيد الذي نادى باحلرية وعمل على طلبها .وحتى لو كنا نؤمن مببادئ الليربالية إال أن احتجاز مثال من املُثل اإلنسانية داخ��ل سياج مذهيب ،مهما كانت
مرونته واتساعه ،سيكون أضيق من أن حيتوي على طالقة املثال أو يستنزله من علوه .واملُثل، من حيث طبيعتها و ُبعدها الوظيفي ،ينبغي أن تبقى ُم ً ثال ،إذ بذلك تبقى ً أفقا جيتذب الرؤيا والفعل البشري فنضمن إمكان ترقي اإلنسان، حيث أنه مسكون بنزوع نفسي حنوها. ُتعرف الليربالية ،كما أسلفنا ،بأنها أيديولوجية احلرية ،أي أن اإلنسان الليربالي هو ،من الناحية النظرية ،ذلك الذي وضع احلرية فوق أي اعتبار آخر .إال أن الليربالي حيتاج ً دائما إىل شيء ما لكي يتحرر منه ،من ناحية املمارسة االجتماعية والسياسية ،أي أنه حباجة للتمرد ،من أجل التحرر ،من أي مم��ارس��ات قسرية قد تكون سياسية أو اجتماعية أو أخالقية أو دينية .إال ً أن هذا التمرد من أجل احلرية ليس مترداً مبنيا على الفوضى وال ينتمي إىل األفكار املطروحة من قبل الفكر الفوضوي .فالليرباليون ينطلقون من سيادة القانون ،وهم يقولون «حنن أحرار إذا ً مجيعا بالتساوي لقوانني متفق عليها»، خضعنا و ُبنا ًء عليه ،فهم يعتقدون أن انعدام القانون سيؤدي إىل الظلم ،وبالتالي إىل سيادة قانون الغاب ومنطقه «البقاء لألقوى». وقد اكتسبت الليربالية يف العامل الغربي منذ ً ً مجهوريا من الناحية طابعا القرن التاسع عشر السياسية ،فالنظام امللكي املطلق يف الكثري من ً انطالقا من املمالك الغربية كان فوق القانون، أن البشر ليسوا متساوين أمام القانون .يف هذه اإلطار ال ُب َّد من القول بأن الليربالية مل تصل إىل كل ال��دول بنفس الطريقة ،ومل تستثمر فيها على نفس املنوال كما أنها مل تصل إىل املواطنني بنفس درجة التأثري .فعلى سبيل 157
أقواس
أقواس
158
املثال ،اُ ُ ستخدم لفظ ليربالي ألول مرة يف اسبانيا حماولة للرتغيب يف مطلع القرن التاسع عشر يف ٍ يف امللكية الدستورية اليت كانت تعتمد على دستور مماثل للدستور اإلجنليزي ،أي أن سلطة ً التحكم باألفراد كانت متثل وقتها ً قدميا نسقا أما اجلديد آنذاك فكان احرتام احلريات الفردية أو ما يسمى باحلقوق اإلنسانية. أما الليربالية االقتصادية فكانت مشروطة بعدم وض��ع ال��دول��ة العراقيل على اإلنتاج والتوزيع واالستهالك .فمحاربة التمرد على أي شكل من أشكال العراقيل االقتصادية ميثل أهم ميزة فكرية لليربالية( )10االقتصادية ونضاهلا ،وهذا النضال يتضح جبالء ليس من خالل اخلطاب الفكري فحسب ،بل ً أيضا من خالل إبراز احلاجة للمطالبة بتحرر األفراد ،واملطالبة بالدفاع عن املبادرة الذاتية أو اجلماعية باسم املنافسة .وهنا يفرض نفسه هدف آخر من أهداف املطالبة باحلرية ،الذي يتمثل يف حترير مصادر الثروة واألسواق والتخلي عن املؤسسات االقتصادية للدولة سوا ًء كانت عمومية أو شبه عمومية والدفع بها إىل اخلوصصة حبجة أن االقتصاد جيب أن ينطلق بذاته وليس من خالل التخطيط .وقد واجهت هذه املطالب الليربالية اجملحفة صعوبات كثرية خ�لال نهاية القرن التاسع عشر نتيجة النتشار األيديولوجيات املاركسية ،كما أن تأسيس االحت��اد السوفياتي َّ شك َل عقبة رئيسية يف وجه الليربالية طيلة ً تقريبا ،بسبب ما كان ميثله هذا القرن العشرين َ النظام من فكر مضاد لليربالية ساعد يف املرحلة األوىل على التأكيد على دور الفرد يف مواجهة رأس املال .و ُبنا ًء عليه ،وعلى الرغم من القدرة
الدعائية واألطروحات الفكرية الغربية ،فقد ظهرت يف أوربا جمموعة من األفكار (واستقرت فيها بعد ذل��ك) تدعو إىل ن��وع م��ن التدخل احلكومي للتحكم بعوامل االقتصاد ،وتعززت احلاجة إىل التخطيط ً أمال يف خدمة ما يسمى باالستقرار أو الرخاء االجتماعي .وكانت هذه التدخالت والتخطيطات تشبه يف بعض جوانبها تلك اليت ُطبقت يف االحت��اد السوفييت ،إال أنها كانت خاضعة ألشكال من الضبط والتقييم واملتابعة ،وقد َّ مت ذلك بفضل حترك احلركات االجتماعية والنقابات باعتبارها ج��زءاً من القوى املتفاعلة داخل اجملتمع .وهكذا أدخلت بعض األمناط االجتماعية إىل األنظمة الليربالية ش َ ��اع لدى الكثريين بأن الليربالية هي حركة حترير مطلقة باعثها هو تقدير حرية الشخص ذاته ،بينما هي يف األصل حركة قامت بتوظيف قيمة احلرية على حنو يناسب شرطها التارخيي. ففي عصر النهضة أخذ الوعي األورب��ي ُ يشهد ً ً ِح ً مزامنا حلراك واقعي كان يؤسس ثقافيا راكا َ فانفتح ذلك ملدن جتاريه مفتوحة على العامل, الوعي على عوامل عربية وإغريقية ورومانية، وهي عوامل أدهشت العقل األوربي كونها كانت تقع خارج مدار النص الكنسي ،وأثبتت له أن مثة إمكانات معرفية أرقى من تلك اليت خلفتها له قرونه الوسطى املشدودة إىل النص اإلجنيلي. هذا االنفتاح الثقايف على احلضارة اإلسالمية واملوروث اهلليين كان ال ُب َّد أن تعارضه الكنيسة، وكان ال ُب َّد أن يستشعر مفكرو النزعة اإلنسانية احلاجة إىل احلرية والتو ق إليها ،وهو الشعور ال��ذي كان ً قابال لالستواء يف أي شكل مذهيب حيلم بتجسيده (.)11
يف املدن التجارية برزت فئة جديدة هي فئة التجار ،وتطور األم��ر مع حركة االكتشافات اجلغرافية َّ لتعم مركز الثقل االقتصادي يف القارة األوربيةَّ . وأسست املعرفة العلمية للثورة الصناعية ،وحتولت القوة التجارية املتمركزة يف املدن إىل قوة صناعية .لكن التصنيع حيتاج ً فضال عن الرأمسال الذي إىل أمرين أساسيني، ك��ان متوفراً بفعل احلركة التجارية ،هما: املعادن والقوة البشرية .أما املعادن فقد تكفلت االكتشافات اجلغرافية بفتح الطريق أمام أكرب حركة نهب شهدتها اإلنسانية وال زال العامل يشهد هذه احلركة وبصور عديدة ،وكثرياً ما تقوم املؤسسات الدولية بتشريع هذه العملية وإعطائها الشروط القانونية الالزمة .لكن القوة البشرية العاملة يف احلقل ،يف ذلك الوقت( ،نظام األقنان) كانت مشدودة إىل األرض وتعيش بني سياجها .مبعنى آخ��ر ،كان النظام اإلقطاعي ً عائقا يعرتض حراك القوة البشرية األورب��ي وانتقاهلا من (احلقل /القرية) إىل (املصنع/ املدينة) فكان ال بد من تفكيكه بنقض نظام (القنانة /العبودية) حترير العبد ليتمكن من االنتقال إىل املدينة .هنا كان ال ُب َّد للفكر من توظيف (املثال /القيم) ليجري اجتذاب الوعي والفعل ليكسر نظام حلظته فينتقل إىل نظام بديل .وكان املثال هو احلرية اليت ُ ست َق َّدم مبدلول خاص يتناسب مع الظرف التارخيي واحلاجة اجملتمعية الوليدة .فولدت مقولة احلرية مبدلوهلا الليربالي بوصفها حتريراً للعبد ليتحول إىل عامل .فالليربالية مل تنشأ بوصفها توكيداً حلرية اإلنسان ،بل بوصفها توكيداً للحاجة إىل استغالله بطرق مغايرة
لالستغالل العبودي ,أي طرائق تناسب الثورة الصناعية .ودليل ذلك أن إبادة اهلنود احلمر، اليت ج��اءت مقرتنة مع بداية انهيار النظام اإلقطاعي ،واستعباد شعوب إفريقيا واستعمارها ونهب مقدراتها مل تكن صنعة اإلقطاع ،بل صدرت عن النظام الليربالي الرأمسالي ,وكان التسويغ التشريعي هلذا االستعباد ص��ادراً من داخل الربملانات الليربالية الرافعة لشعار اإلخاء واحلرية واملساواة. ورغ��م ذلك نرى أن الفكر الليربالي كان له الفضل يف إبراز قيمة حرية الفرد ،وهي قيمة ليست من إنتاج هذا الفكر ،كما أسلفنا ،فإذا كان الفكر الليربالي قد ابتذل حرية الفرد باختزاهلا إىل حرية الفرد املالك فإنه بتأكيده على احلرية الشخصية دف��ع إىل واج��ه��ة التأمل الفلسفي أشكال من احلرية َّ وعم َق استهجان السلطة االس��ت��ب��دادي��ة .كما أن اإلس��ه��ام��ات الفلسفية الليربالية ُت َّ عد أكثر نتاجات الوعي الفلسفي إظهارا ملساوئ االستبداد السياسي وتوكيداً على قيمة احلرية .كما جيب أال ننسى أن هذا اإلظهار والتوكيد ينبغي تشميلهما ليفضيا إىل فضح االستبداد املتخفي خلف املنظور الليربالي ذاته. نستغرب عندما نرى (الفكر /الفعل) الغربي يكيل مبكيالني ،ولكن إذا تذكرنا آباء الليربالية سيزول هذا االستغراب .أن منظر احلرية األكرب وأحد األعمدة املؤسسة للنظرية الليربالية وهو «جون لوك» ،رغم كل تنظريه للحرية وتعقيده ألصوهلا ،كان تاجراً للرقيق! ،كما كان «مالتوس» ً ً بروتستانتيا وأح���د أك�بر املنظرين راه��ب��ا االقتصاديني تأثرياً يف الوعي األوربي وصاحب أكثر ال��رؤى الليربالية ال إنسانية ،وم��ن أشد 159
أقواس
أقواس
160
املعارضني لإلعانات ّ املقدمة للفقراء ،مربراً ذلك «بأن الفقر ناتج عن غلط الفقراء أنفسهم»؟!. كيف ميكن تفسري هذا التناقض الصارخ بني أفكارهم وأفعاهلم؟ عندما نقرأ للغربيني عن احلرية والعدالة وامل��س��اواة ثم ن��رى سلوكهم يناقض ه��ذه القيم ال�تي يطرحونها ال جند أمامنا إال عدة إجابات هي :أن هذه القيم اليت يتغنون بها ال جيب أن تؤدى إال هلم ،أما لغريهم فهناك طرق خمتلفة للتعامل .فنفس هؤالء املنظرين الذين ُي ِّ نظرون للحرية هم الذين َّ نظروا لالستعمار ونهب ثروات الشعوب ،وألبسوا سرقاتهم ثوب املصلحة اإلنسانية ومسوها «عبء الرجل األبيض!» أي أن هذا الرجل (األبيض – األوربي) ُ حيق له احتالل البلدان وأخذ ثرواتها ليقو َم بتعاليم أهلها وجعلهم يرتقون يف سلم احلضارة واملدنية .أنها الداروينية االجتماعية اليت تعين البقاء لألقوى ،واليت نراها جمسدة ً حاليا يف حق النقض «الفيتو» يف جملس األمن, ويف رفض الواليات املتحدة حماكمة جنودها يف أي حمكمة دولية وإن اقرتفوا أبشع اجلرائم يف حق اإلنسانية! .أنهم يستنسخون «لوك» ِّ فينظرون للحرية ويصدرون التقارير النتهاكاتها ولكنهم أول من خيونها وأكثر من يبيع العبيد يف كل مكان! .وجدير بالذكر ً أيضا ،رغم االنتقادات الشديدة ال�تي تلقاها الفكر املالتوسي فإن الليربالية الراهنة ال ت��زال تنهج وفق رؤيته هذه ،خباصة يف حتليلها للوضع الدولي ورمسها للسياسات االجتماعية واالقتصادية للعامل الثالث ،بل َ أسهم فكره يف بلورة مواقف غري إنسانية جتاه حق احلياة .وهذا ما يبدو يف بعض اآلراء ّ الفجة اليت يطلقها بعض السياسيني كتلك
اليت كتبها األمري «فيليب» زوج ملكة بريطانيا يف مقدمة سريتها الذاتية« :لو ُقدر لي أن َ أولد مرة أخرى فأنين أمتنى أن َ أولد يف شكل فريوس قاتل ألساهم يف حل مشكلة ازدياد عدد السكان(. )12 إذا كانت الليربالية بوصفها فلسفة سياسية ومنظومة اقتصادية ق��د ب��دأت يف التشكل والتبلور النظري يف القرن الثامن عشر فإن الليربالية اجلديدة ،حبسب دعاتهاٌ ، ٌ جديد خط داخ��ل التيار الليربالي َ ظهر يف ب��داي��ة عقد السبعينات من القرن العشرين .لقد شهدت اجملتمعات الغربية خ�لال النصف األول من ال��ق��رن العشرين جمموعة أح���داث وحت��والت جذرية يف بنياتها السياسية ونظمها وطرائق إدارتها للمجتمع ،إذ خلفت احلرب العاملية األوىل ً ً دوليا جديداً شهد بروز ظواهر وقوى واقعا جديدة بفعل انتصار الثورة البلشفية سنة ً الحقا 1917ونشأة النظام االشرتاكي ،ثم ظهرت األنظمة الفاشية ,حيث ب��رز شرط واقعي جديد متثل يف ب��روز نظم وإن كانت ً احنطاطا على مستوى احلريات فأنها يف تشهد املقابل أجنزت بفعالية ملحوظة نقالت هائلة يف جمتمعاتها ،خباصة على مستوى التصنيع ،وذلك بفعل سلطة الدولة اجل ّبارة .ثم جاءت األزمة العاملية سنة 1929لتشكل ضربة هائلة َّ اهتز هلا االقتصاد الرأمسالي إىل درجة االنهيار. كانت هذه األزم��ة مناسبة إلط�لاق التفكري الليربالي حملاولة فهم جوهر املشكلة .وما أثا َر انتباه منظري االقتصاديات السياسي الليربالي هو أن هذه األزمة اهلائلة مل متس االقتصاديات ال�تي ختضع لسيطرة ال��دول��ة (االقتصاديات االشرتاكية) ،بل عصفت االقتصاديات الليربالية
ً عضويا. الرأمسالية واالقتصاديات املرتبطة بها وبنا ًء عليه ستظهر النظرية الكينزية بوصفها حماولة لتعديل النمط االقتصادي الرأمسالي حيث سيقرتح االقتصادي الربيطاني اللورد «جون كينز» يف كتابة الشهري «النظرية العامة» (سنة ً )1936 حال مرتكزاً على ضرورة تدخل الدولة .وقد َّأس َس حله هذا على حتليل شامل لالقتصاد السياسي الليربالي وتطبيقاته, منتقداً النظرية الليربالية الكالسيكية يف نظرتها لسوق الشغل حيث مل تنتبه ملشكلة البطالة ومل تبلور معاجلات هلا .كذلك انتقدها بسبب تقدميها رؤية سطحية ملسألة النقود. كما َ عاب على الليربالية افتقارها إىل النظرة الكلية للواقع االقتصادي ،فهي بسبب فردانيتها تنظر إىل اجملتمع بوصفه جمموعة من األفراد ينبغي أن تعطى هلم حرية مطلقة يف الفعل، ً تلقائيا بنا ًء على تلك أما اجملتمع فأنه سينتظم العالقة احلاكمة بني أفراد أحرار يف سلوكهم، بينما أثبتت األزم��ات اليت عصفت باالقتصاد الرأمسالي أنه ال ُب َّد من تدخل الدولة لرتشيد السلوك االقتصادي .ويف هذا السياق ستتجه امل��درس��ة الكينزية إىل إجن��از تعديل كبري يف النظرية الليربالية حيث نادت بوجوب تدخل ً مرتهنا الدولة ب��دل ت��رك الفعل االقتصادي بفردانية «دعه يعمل دعه مير» ،مبلورة برؤية تقلل من استقاللية وحرية الفعل االقتصادي, وه��ذا ما امس��اه بعضهم بإنقاذ الليربالية من فوضى احلرية!. لقد كان النقد الكينزي للنظرية الليربالية أعمق وأوس��ع مشروع نقدي صدر من داخل املذهب الليربالي ,وقد حظي بانتشار كبري يف
األوساط األكادميية ،وقا َم أغلب الدول الرأمسالية بتطبيقها ،وقد عاجلت هذه النظرية الكثري من اإلشكاالت اخلانقة اليت عصفت باالقتصاد الليربالي .لكن يف بداية السبعينات ()1973 سيشهد االقتصاد العاملي أزم��ة جديدة عقب ارتفاع سعر النفط ،وهي أزمة جديدة مل تكن معروفة ،وتتمثل جدة هذه األزم��ة يف اقرتان التضخم بالبطالة وهو اقرتان نادر احلدوث يف تاريخ االقتصاد الرأمسالي .ويف هذا الظرف احلرج كان ال ُب َّد من انطالق مراجعة نقدية للنظرية ،وبالفعل ستربز رؤى اقتصادية عملت على بلورة إطار نظري مغاير لإلطار الكينزي, حيث ستزعم هذه ال��رؤى أن سبب األزم��ة ال يكمن فقط يف ارتفاع سعر النفط فحسب ،بل يف ارتفاع نفقات الدولة على اخلدمات العامة اليت تقدمها للطبقات الفقرية واملتوسطة ،وكان احلل املقرتح هو تقليل هذه النفقات والرتاجع عن النظرية الكينزية بالعودة إىل املنطق الليربالي القاضي بوجوب إطالق الفعل االقتصادي من كل قيد خارجي واختزال سلطات الدولة من مهامها ونفوذها ،وجعل السوق كينونة مستقلة بذاتها .ه��ذا احل��ل سيجري االص��ط�لاح على تسميتها بـ»الليربالية اجلديدة».
3استبداد الليربالية اجلديدةظهر يف العقدين األخريين يف الواليات املتحدة وبريطانيا مذهب اقتصادي أيديولوجي مسي بـ»الليربالية اجلديدة»َّ . ولعل أهم عنصر جديد يف هذا املذهب هو دعواه اإليديولوجية اليت تبشر بنموذج جديد للدولة ،متا َرس السلطة فيه على 161
أقواس
أقواس
162
أساس مبدأ «الكوفرينانس» ،governance على غرار شركات املساهمة يف النظام الرأمسالي ذي التقاليد األجنلوساكسونية ،حيث ميارس ً نوعا من «الرقابة» والتوجيه، محلة األسهم عند توزيع األرباح ،بهدف دفع املدراء إىل العمل على حتقيق أقصى قدر من الربح للمؤسسات اليت يتولون تسيريها .وهذا النوع من ممارسة السلطة يف إط��ار من الرقابة ال�تي يقوم بها املعنيون باألمر هو مضمون «الكوفرينانس»، وهي كلمة إجنليزية مشتقة من ))govern اليت تعين يف آن واحد «احلكم» مبعنى ممارسة ال��س��ل��ط��ة (احل��ك��وم��ة )government و(الرقابة والتوجيه .)controlإذن ،منوذج «احلكم» ال��ذي تبشر به «الليربالية اجلديدة» يهدف إىل تقليص دور ال��دول��ة حبيث تكون مهمتها القيام بالتسيري حتت توجيه ومراقبة أولئك الذين يوازي وضعهم إزاءها وضع محلة األسهم بالنسبة للمديرين يف الشركات الكربى. وع��ل��ى أس���اس ه��ذه امل��ق��اص��د ِّ ت��ع��رف ال��ورق��ة التوجيهية مفهوم «الكوفرينانس» بكونه «حييل إىل عملية ممارسة السلطة باملعنى الشامل للكلمة ،فهو ُّ يضم ليس فقط احلكومة اليت تتألف من مؤسسات وفاعلني مكلفني مبمارسة ُ يشمل ً أيضا عناصر مماثلة السلطة فحسب ،بل تنتمي إىل القطاع اخلاص واجملتمع املدني .إن مفهوم «الكوفرينانس» يراد به اإلمساك بظاهرة معقدة ،قوامها آل��ي��ات ومؤسسات وفاعلني يف ال��دول��ة وس��وق وحميط اجتماعي ،وأن��واع التداخل القائمة بني مجيع هذه العناصر ،كل ذاك يف مقاربة مشولية ومنهجية(.)13 لقد أخ��ذ أح��د مؤسسي الليربالية اجلديدة
ً انطالقا «فريدريش فون حايك» على عاتقه، ً خصما وناقداً عنيداً لـ «كينز» ،أن من كونه ً ّ يقدم لليربالية أسسا جديدة ،أيديولوجية، وسياسية واقتصادية .فقا َم بتحديث العبارة الرمزية لـ»مسيث» عن اليد اخلف ّية برؤيته للمجتمع ول��ل��س��وق باعتبارهما «نظامني إنساني خال من عفويني» ناجتني عن عمل ّ التخطيط املسبق .وابتدا ًء من 1944يف كتابه» طريق العبودية» ّأك��د أن ّأي شكل من أشكال تدخل الدولة يف االقتصادّ ، خاصة إذا سعى إىل حتقيق خرافة العدالة االجتماعية ،ال ميكن أن متاما لتلك ّ يؤ ّدي إال إىل نتائج مغايرة ً املتوقعة، وبالتالي متهيد الطريق أمام احلكم الشمولي. ويرى أن أزمة السبعينات والثمانينات مل تكن سوى مثرة السياسات الكينزية يف تدخل الدولة، وأن البطالة هي العالج الضروري الستعادة التوازنات اليت ّ أضرت بها تلكم السياسات. ّأما «ميلتون فريدمان» ،فهو الناطق الرمسي ّ واألشد جناعة لليربالية اجلديدة، األوسع شهرة وهو ّ األساسي لت ّيار «النقدانية» ،ويضع املنظر ّ ّ التضخم املالي أولويته املطلقة قبل مقاومة مقاومة البطالة .ويف ثوب ّ نيب السوق «دعه يعمل» يف خمتلف جماالت النشاط االقتصادي، ً بديال عن تدخل الدولة يطرح «فريدمان» الكينزية ّ فك ارتباط الدولة نهائ ّيا باالقتصاد، واخلوصصة ورف��ع القيود ،وإض��ع��اف النفوذ النقابيّ ، وك��ل القيود ال�تي ّ تؤثر على سوق الشغل مثل التأمني ّ ض��د البطالة ،واألج��ر األدنى املضمون .فهذه القيود هي املسؤولة عن املستوى املرتفع ملا ّ يسميه «فريدمان» بـ»النسبة الطبيعية للبطالة».
وعلى احل ّ��د األقصى من الليربالية اجلديدة جند ت ّيارات مثل اقتصاد العرض ،والفوضوية الرأمسالية .فالت ّيار األ ّول يستلهم من «االقتصاد الريغاني» (نسبة إىل الرئيس األمريكي ريغان)، فيدعو إىل تقليص ضرائب األفراد األكثر ثراء، وإىل ح��ذف ك ّ��ل برامج احلماية االجتماعية ال�تي تصلح حلماية الكساىل واملنحرفنيّ .أما الت ّيار الثاني أي الفوضوية الرأمساليةّ ، املسمى «التحرري»ّ ، ّ النهائي فإنه يقرتح احلذف أيضا ّ والتا ّم للدولة ،وخوصصة حتى وظائف اجليش والشرطة والقضاء. ً تتقاسم ه��ذه التيارات الفكرية ع��ددا من القناعات ال�تي ّ تشكل دع��ام��ة أيديولوجية لسياسات رفع القيود وتفكيك دول��ة الرفاه، وهي سياسات مط ّبقة منذ الثمانينات يف بعض الدول ،مصحوبة بإزالة القيود املالية يف املستوى العاملي .ففي»العامل الشمولي» ويف ِّ ظل العوملة ّ يبدو الفقري املتخلف مبوجب اخلطاب النظري لليربالية اجلديدة وكأنه املسؤول الوحيد عن ختلفه ،وتعزو هذه النظرية أسباب التخلف إىل أمور مالزمة ذاتية ،ويف هذه احلالة تطلق العنان لبعض التعبريات اللغوية املركبة ،ومنها على سبيل املثال :النمو السكاني املتسارع ،التخلف يف طبيعة التفكري (كالقول بأن الثقافة هي سبب التخلف) ،االفتقار أو انعدام روح املبادرة، االفتقار للطاقة البشرية لتغيري الظروف احمليطة ،العراقيل اليت تضعها الدولة .ويف كل احلاالت ُتعزى املسؤولية عن التخلف إىل الطرف ً إطالقا، املتخلف ذاته وال يتحملها الطرف املتكلم انطالقا من أن القوي هو اآلخذ بزمام الكالم ً دائما وأن الضعيف هو الصامت الصاغي ،ويطرح
هذا املتكلم نفسه كطرف شهم ومنجد ،همه الوحيد هو حماولة إنقاذ اآلخر وحتريره من التخلف وذلك من خالل تقديم الدعم بواسطة «برامج مساعدة التنمية» ،وميرر ذلك بواسطة اخلطابات اليت أشرنا إليها يف الفقرة السابقة .أما املساعدات اليت تقدم للطرف املعولمَ فعلى الرغم ً من أهميتها الظاهرة فهي ليست إال أمراً جتميليا ظاهرياً . ً مثال ،شطب ديون مثاني عشرة دولة ً أفريقية يعترب أمراً إجيابيا ،ولكن إمجالي ديون القارة مل يتأثر ً بتاتا وال زالت تشكل العبء األكرب على القارة َّ اجملوعة أكثر من األمراض الفتاكة اليت كان جيب أن تكون على قائمة األولويات، كاإليدز واملوت اجلماعي لألطفال. كل هذا ُي ُّ عد جزءاً من ثقافة الليربالية املعوملة، وهذا يعين ،بالنسبة ملنظريها ،بأن الثقافة إذا ً عامال للتقدم فمن املمكن أن تكون ً أيضا كانت ً عامال مضاداً له ،أي ً سببا يف الفقر والتخلف، والنتيجة املرتتبة على هذا الطرح هي« :حنن أغنياء ألن ثقافتنا تدفع وتشجع على ذلك، وهم فقراء ،ألن ثقافتهم ال تسمح هلم بالتقدم، ً مرهونا بالثقافة، و ُبنا ًء عليه فإذا كان االزدهار فالتخلف نتيجة هلا أيضا( . )14أي أن الثقافة حتدد فرص التنمية أو التخلف ،فإذا ما أخذنا بهذا التحليل فال جمال للهروب من هذا املصري، واحملصلة النهائية اليت ترتتب عن ذلك هي بكل وضوح :إن الدول النامية ال مفر هلا من العوملة. جلأت الليربالية اجلديدة إىل استعادة بعض مفاهيم الليربالية التقليدية مثل أهمية الفرد واحلد من دور وتدخل مؤسسة الدولة والسوق ً وانطالقا من النظرة اجلديدة ألهمية احلرة. الفرد ابتدعت مفاهيم لغوية مسايرة مثل 163
أقواس
أقواس
164
الفردية كآلية عمل ،وهذا يعين بأنه جيب على الدولة أن متتنع عن أي تدخل يف شؤون األفراد ألن كل فرد يعرف ما يريده وهو حر يف تصرفه، وسوف يبحث بأسلوبه اخلاص عن وسيلة من الوسائل لتحقيق مآربه .أما من حيث التخطيط وتوزيع األدوار فاملفهوم الذي ُ استخدم من قبل الليربالية اجلديدة يتمثل يف أن السوق ٌّ ند للدولة، فالسوق تتميز بكفاءة أكرب على توزيع األدوار، مقارنة مبحدودية قدرة الدولة على التدخل والتأثري ،وبهذا املنظار ُّ حتل السوق حمل الدولة وتقوم مقامها ،وقد استخدم اخلطاب الليربالي اجلديد التعبريات التالية :التبادل الطوعي للسلع واخلدمات ،زيادة مرونة السوق ،املنافسة احلرة ،الصرف احلر ،سوق العمالة ،اخلوصصة... ً ضمنا اخل .وكل هذه العبارات حتتوي ظاهراً أو على كلمة حرية أو معناها. تسعى اهليمنة الليربالية اجلديدة إىل تشميل منوذجها اجملتمعي لإلنسان ،حيث تسعى هذه الثقافة إىل جتذير ما يسميه «جارودي» بنموذج «إنسان السوق» ،أي اإلنسان االستهالكي ,إنسان ً منشغال ً يدو ُر ُّ كليا بالسعي ويلف حول األشياء حنو امتالكها ،إنسان حمكوم بـ»أنا أستهلك إذن أنا موجود» .وهو منوذج ُّ يظن أن كينونة ووجود اإلنسان ال يتحققان إال باالمتالك كما يقول «إيريك ف��روم» منتقداً املفهوم ال��ذي تشيعه ثقافة احلداثة ,وأن سيادة هذا املفهوم ال ُب َّد من أن تنتهي باإلنسان إىل الدمار النفسي وضنك العيش ألنه داخل يف إيقاع االستهالك وامتالك األش��ي��اء ،وه��ذا ما سيطحنه ويفنيه ويفرغ حياته من املعنى والقيم. إذا كانت الليربالية الكالسيكية ترتبط بالفكر
األورب���ي ونتائجه ،ف��إن الليربالية اجلديدة ترتبط بالفكر األمريكي وممارساته ،وخباصة بعدما غدت القطب األوحد يف العامل .ويعتقد العديد من الكتاب بأن الليربالية األوىل إذا كانت نقلة نوعية ،بالنسبة ألوربا ،يف قضية حقوق اإلنسان وتطور العامل ،فإن الليربالية اجلديدة ُت ُّ عد انتكاسة حقيقية حلقوق اإلنسان ،حتت مسع وبصر العامل الذي مل َي ْ عد متطوراً ،بل يف غاية ّ التوحش ليس اإلنسان الغربي فحسب ،بل اإلنسان الشرقي والشمالي واجلنوبي .ومل يعد للحريات اإلنسانية مكان إال احلريات اليت متليها القوة الكربى (أمريكا) بسيطرتها احملكمة على مراكز األرض ،فكل من خيرج عن إرادة هذه القوة الكربى فهو خارج عن القانون (إرهابي). فالقاعدة هي« :إما أن تكون معنا ،أو مع اإلرهاب، أي ضدنا» .وال ميلك العامل أمام هذه القوة اهلائلة إال اخلنوع والرضوخ إلرادتها ،وتنفيذ كل ما يطلب منها ،وإال كان مصريها التأديب باسم النظام الدولي متمثال يف هيئة األمم املتحدة، صندوق النقد الدولي ،البنك الدولي ومنظمة التجارة العاملية ،كذلك باسم مكافحة اإلرهاب، والقضاء على الشر .إن معادلة هذه املرحلة ،تسري وفق التصور التالي :الليربالية اجلديدة (انتهاك حقوق اإلنسان) = العوملة +ال��دور البوليسي للقوة الكربى – الليربالية األوىل (احلرية). فما الذي أبقته الليربالية اجلديدة من حقوق ً اإلنسان وهي اليت َّ طويال ُّ تعد اإلعالن ظلت العاملي حلقوق اإلنسان واحداً من أهم اجنازاتها يف االلتزام بتطبيق مواده االثنتني والثالثني؟ وما الذي تغيرََّ حتى تعلن حالة طوارئ عاملية حتمل الكوكب كله إىل قلعة حماصرة باألسلحة
الفتاكة واملنظومات الصاروخية املتطورة واألقمار الصناعية التجسسية أو جتعله أشبه جبزيرة كبرية حماطة حبامالت الطائرات؟. كان اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان مثرة نضال طويلة خاضته البشرية وقواها اخل�ّي�رّ ة من أجل احلقوق الطبيعية للبشر يف احلياة والعمل والتعليم والتعبري واملشاركة يف احلياة العامة والعيش بكرامة دون قهر أو استالب .ورغم أن الربجوازية الصاعدة قد خاضت معركتها ضد اإلقطاع يف أوربا حتت شعارات العدالة واألخوة واملساواة اليت تلتقي مع بعض احلقوق املثبتة يف اإلعالن ،إال أن انتصارها مل مينعها من طي ه��ذه الشعارات يف بلدانها أو نسيانها ً كليا يف حروب االستعمار واإلب��ادة والنهب اليت شنتها ضد الشعوب الضعيفة يف آسيا وأفريقيا وأمريكا الالتينية .ومل يتحول اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان إىل صيغة قابلة للتطبيق على املستوى الدولي إال بعد اندحار الفاشية وحصول نوع من التوازن بني الرأمسالية من جهة واالشرتاكية املتحالفة مع حركات التحرر الوطين الناهضة من جهة ثانية توجت بإنشاء األمم املتحدة عام 1945وبإقرار اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان عام .1948 وقد َ صمد التوازن بضعة عقود بفضل حزمة من العهود الدولية واملعاهدات ال�تي أتاحت ً فرصا مثينة لعرض مظاملها لألفراد والشعوب على اجملتمع الدولي وجتنب البشرية كوارث شبيهة بتلك اليت وقعت يف النصف األول من القرن العشرين .لكن طغيان املصاحل وهيمنة نزعة التفوق وآث��ار العنف دفعت الليربالية اجلديدة املتوحشة إىل حتطيم التوازن القائم
وفرض إرادتها وأمناط سلوكها بالقوة والقهر واحل��ص��ار واإلف��ق��ار والعنف والنهب املنظم، واستبدلت التعاون الدولي بالرؤية النخبوية ً حروبا ال واألحادية الضيقة األفق ،فقد شنت مربر هلا َّ ومولت حروب إبادة قذرة يف أفريقيا وآسيا ول ّوثت بيئة الكوكب بصورة غري مسبوقة وخرقت عدداً من املعاهدات الدولية املتعلقة باألسلحة النووية واجلرثومية َّ وهددت استقرار ً حربا مستمرة ضد إره��اب مل العامل بإعالنها جير تعريفه بوضوح أو إقرار لسبل مواجهته من قبل اجملتمع الدولي وهيئة األمم املتحدة املعنية .وقد قالت األديبة السمراء األمريكية احلاصلة على جائزة نوبل «توني موريسون» يف روايتها «جنة»« :ليس لدينا ذاكرة يف أمريكا وحنن مهووسون باملستقبل وبضربة واحدة نشوه املاضي من دون أن نفهمه» .إن استقرار العامل وأمنه معرضان للتهديد أكثر من أي وقت مضى وحريات األفراد والشعوب عرضة للخطر. ً طويال من أجل أن يتوقف لقد ناضلت البشرية العنف وتسرتد احلقوق من أجل أن تغدو إجنازات اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان أشجاراً باسقة يف غابة احلضارة اإلنسانية اجلميلة بغناها وتنوعها ال أن حتول إىل نباتات للزينة ال يرجتى منها أي نفع(.)15 احلرية طبعت النشاط اإلنساني منذ التواجد األول له .ومبا إن الزوجني الكاثوليكيني (املال والسلطة) ال ميكنهما سلب اإلنسانية املرتهنة أحالمها ورؤاه���ا واستشرافاتها املستقبلية، فإنهما يتوجهان إىل إيقاف التاريخ عند ختوم الضرورة بقتل أساطري اإلنسانية اليت تسعى إىل إع��ادة تشكيل العامل بتحويلها إىل خرافات 165
أقواس
أقواس
166
يقينية ثابتة .لقد قرن السيد «بوش» ليرباليته ً داعيا إن اجلديدة ،بأصولية إجنيلية متطرفة، الرب أوعز إليه مناطحة قوى الشر يف العامل كما أوعز إىل أسالفه إب��ادة سكان أمريكا األصليني عن بكرة أبيهم إلنقاذهم من الوثنية ،وهداية القليل املتبقي منهم إىل عبادة ال��رب احلق! والتمتع مبزايا الرأمسالية الليربالية املضمخة بالدم والنهب واالستغالل .لقد َ جاب العامل وهو حيمل مشروعه الليربالي اجلديد ليحرق األخضر واليابس ويبيد احلرث والنسل حيثما َّ حلت عساكره وشركاته االحتكارية ،دميقراطية امللل والنحل واإلثنيات ،واألقارب والعشائر واحلارات، بأسلوب التوافقات واحملاصصات ونهب الثروات. إذا كان للتاريخ منطق ال يشتغل إال بداللته غري مبال برغباتنا ،ومبا نرمسه له من حدود جمالية ،فإن منطقه يف الوقت الراهن يقول أن الرأمسالية يف طورها االمربيالي مل تصل إىل نهاياتها ،لكنها يف الوقت ذاته مل تعد هي ذاتها، ً بل دخلت ً تطوريا جديداً هو زمن العوملة زمنا قد يفضي على وج��ه االحتمال إىل تشكيلة أخ��رى .وإذا كانت األفكار والعقائد املؤسسة للرأمسالية قد َّ مت وضعها بصورة منهجية من قبل فالسفة واقتصاديني سياسيني مرموقني يف القرنني السابع عشر والثامن عشر ،فإن تطورات مهمة طرأت على هذه األفكار والعقائد يف املراحل الالحقة من تطور الرأمسالية. لقد احنرفت العوملة احلالية عن مسار احلضارة األوربية ،وخباصة عن ثقافة التنوير ،وذهبت يف مهب الريح ِقيم الليربالية والدميقراطية بعد أن استبدلتهما بالليربالية العسكرية اجلديدة وبـ»دميقراطية السوق» ،بديكتاتورية
احلرية ،ألن الشركات وحدها جيب أن يكون هلا حق االنتخاب والرتشيح والتصويت .وحت ّولت الرأمسالية الصناعية على يدها إىل رأمسالية مالية ،وأفرغت املواطنة من حمتوياتها ،فصارت مواطنة الواجب ال احل��ق ،مواطنة التلقي ال املشاركة ،مواطنة االنضباط ال الفعل ،أي املواطنة اليت تسري وفق تصور منطق تراكم رأس املال، مبعنى آخر حت ّو َل مواطنة االنتماء إىل «مواطنة السوق» واملواطن إىل زبون .وعلى هذا األساس، ليس املطلوب هنا (يف تصور فاعلي العوملة) إشاعة قيم الليربالية السياسية وشفافية «السوق السياسي» ،بقدر ما هو مطلوب توظيفها لفتح جمال املواطنة مبا هو جمال الستهالك جديد تتساوى يف ظله خمتلف الشرائح ومستويات قدرتها على االقتناء واالستهالك(.)16 تريد العوملة فضا ًء ً عاما تسود بداخله ِقيم السلعة والواجبات ال احلقوقِ ،قيم االمتثال ال ِقيم التشاركية واحلوارِ ،قيم العوملي غري الواضح ال قيم احمللي امللموس .ال مواطنة يف زمن العوملة إال مواطنة السوق املنصهرة يف دميقراطية السوق .العوملة نقيض مطلق للوطنية .كما أن فكرة العوملة ،باملنطق ال��ذي يتحقق ،هو منطق سوق كبري تسافر فيه البضائع ويهدد مواطنة اجلميع ،املواطنة املهددة باجتياح قيم ومناذج وقوالب ثقافية وحضارية ال تعرب عنها، حيث ق��وة رأس امل��ال الكوكيب ،حبسب «نعوم تشومسكي» ،تهمش دور الشعوب والربملانات يف صنع القرار اخل��اص بهاِّ ، وتهدد الثقافات الروحية اإلنسانية( .)17يستحيل السيطرة على عامل يعيش حركة مستمرة .ماذا لدينا لندافع عن هويتنا وحريتنا؟ للدفاع عن حقنا
يف الوجود كأفراد ومجاعات وأال نكون خارج العامل؟ يوجد حداثة واحدة ،ولكن هناك طرق عديدة للوصول إىل التحديث لو َّ مت اح�ترام العقالنية وحقوق اإلنسان ،وإال ،ألجل التواصل، س ُيستخدم السوق أو البندقية(.)18 ع��امل بال ح��دود ،بال دول��ة ،بال وط��ن ،عامل شركات عمالقة وعابرة للقارات تعمل من أجل األرب��اح وامل��ال واالستثمار واألعمال التجارية الضخمة ،وحتقق أكرب املنافع وأفضلها من خالل تعظيم ق��درات الفرد على االختيار بصفته ً أسواقا بال حدود، مستهلكا .وصارت 186دولة مراع لقطعان االستثمار ،ومن حياول غلق الباب ٍ لن َ يسلم من عصا العوملة التأديبية املتمثلة يف صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العاملية ووكاالت اإلعالم والشركات متعددة اجلنسيات، ً وانطالقا من شعارات الدميقراطية وحقوق اإلنسان سوف تسقط حكومات وتقيم أخرى حتى تركع إلله السوق وصنم املال (.)19 ً العوملة هي أكثر عمليات التغيري عمقا اليت جتري يف العامل اليوم ،وال ندري على وجه اليقني كيف ستكون نهايتها .فالعوملة أيديولوجية متكاملة حتاول أن تفرض نفسها على اجتاهات املستقبل الكوني .حنن ال ندخل يف إطار جمتمع كوني جديد بقدر دخولنا يف إطار فضاء كوني ج��دي��د يتسم بالفوضوية واجملهول(.)20 وص��ارت الدميقراطية يف الليربالية اجلديدة ملكية املصاحل اخلاصة ،بل أن «هايك» يذهب حد املطالبة بالتخلي عنها ،ألن يف جرأته إىل ِ الناس الرعاع ال يستحقون حتى حق االقرتاع، وألن الدميقراطية َّ حتولت على يدهم إىل طغيان األغلبية .هلذا كان عليه اخ�تراع دميقراطية
ً واستقالال عن صناديق االقرتاع، أكثر طواعية، إن��ه��ا «ال��دمي��ارش��ي��ة» ،أي دمي��ق��راط��ي��ة ب��دون انتخابات .وه��ذا ال يعين إلغاء االق�ت�راع ،بل جعله قليل الفاعلية قدر اإلمكــان ،ويربر هذا بأن سكان العامل كثرة ،وأن االقتصاد الرأمسالي وحده ميكنه إطعامهم ،وإذا انهارت الرأمسالية ً جوعا( .)21ويعتقد فإن العامل الثالث ميوت َ «فوكوياما» ،بأنه لن يبق يف نهاية التاريخ أي منافس حقيقي للدميقراطية الليربالية ،ومن ثم يتساءل ملاذا ال تكون كل البلدان دميقراطيات تنتمي إىل األمن��وذج األمريكي؟ ( )22ويرى «صموئيل هنتنغتون» ،إن ً عاملا ب��دون سيادة الواليات املتحدة األمريكية سيكون ً عاملا أكثر ً ً قوميا وأقل دميقراطية ،وأدنى يف النمو عنفا، االقتصادي (.)23 تقوم العوملة األمريكية بفرض اهليمنة على العامل كتفكري اسرتاتيجي ،وتعمل على تعميم ً منط حضاري ُّخي��ص بلداً معينا على بلدان ُ وتهدف إىل نشر ثقافة العوملة اليت العامل أمجع، تعين االنتقال من حقبة الثقافات الوطنية والقومية إىل ثقافة كونية واح��دة من أجل ُ وختطط، سيطرة اقتصادية شاملة(.)24 ً اسرتاتيجيا ،كي تكون هي احلاكم األوحد للقرية الكونية ،وذلك من خالل قاعدة تكنولوجية رهيبة ،قاعدة اقتصادية متنامية وسيطرة شبه تامة على كل مؤسسات العوملة ،قاعدة سياسية عن طريقة إضعاف دور األمم املتحدة وفرض اهليمنة السياسية وكذلك اللجوء للقوة، قاعدة عسكرية رهيبة ،قاعدة ثقافية ضخمة، وذلك عن طريق سيطرة شبه تامة على امليديا، وإنتاج أكرب كم من األفكار واالبتكارات ،وجذب 167
أقواس
أقواس
168
العقول املبتكرة ،وجتنيد عقول مبدعة يف كل مكان لصاحل كل ما هو أمريكي. ً هل متثل الثقافة مشروعا حموريا تستمد منه السياسة األمريكية املعاصرة توجهاتها ورؤاها وفلسفتها ساعية حنو تكريس قوة الفكر؟ هل متثل السياسة األمريكية مرجعية ثقافية معرفية تدأب حنو تأصيل فكر القوة؟ وهو ما دفع البعض حنو اخلوض يف خطاب حتليلي حول مفهوم قوة الفكر باعتبارها جوهر الطاقة الذهنية ّ اخلالقة الداعمة ألي حركة ارتقائية بكافة املعطيات للشعوب واجملتمعات ،فهي اليت ِّ حتدد معايري استخدام القوة وطرائقها وأساليبها ً اتساقا مع ض��رورة وأدوات��ه��ا مبنظور إجيابي إنهاض الوعي اإلنساني وتفعيله إلحداث توازناً ً ّ دقيقا بني كينونة اإلمرباطورية املرتبعة خاص ًا ً حضاريا وعصمتها من مهاوي السقوط .أما فكر القوة فهو ذلك الفكر القائم على ضعف وخواء اآلخر والذي ال يستمد قواه من ذاته وإمنا من إرهابية آلته العسكرية ،ومن ثم فهو يقو ُد حنو االستخدام السليب الطائش للقوة .وبالطبع ليس فكر القوة هو املرحلة املنطقية لقوة الفكر إال يف إطار وجود الظاهرة االستعمارية ذات النزوع الدموي الدائم واملطامع املمتدة املشمولة بشهوة االستحواذ وآليات التسلط ،وعلى ذل��ك فقد متحورت اإلمرباطوريات طيلة التاريخ اإلنساني بني قوة الفكر وفكر القوة .لكن متى َ بلغ فكر القوة هذه الدرجة من اجلموح والشطط مثلما بلغ مع اإلمرباطورية األمريكية وال�تي مرت ً طبقا لذلك ب��أط��وار وحت���ورات نفسية عدة بفعل واقعية سيادة فكر القوة ،منها :الكاريزما والبارانويا املنتهية إىل السادية املعاصرة بشقيها
املعنوي وامل���ادي .وبصفة عامة فقد ّ قدمت األط��روح��ة وق��ف��ة موضوعية م��ع اخلطاب السياسي األمريكي املعاصر يف أش��د حلظات مجوحه وتطرفه من خالل تسجيل مالحمه ومضموناته وانعكاساته على ال��ذات واآلخر وقراءة مستقبله مبنظور ثقايف معريف(.)25 أننا نوشك أن نغتال أحفادنا ،هكذا يعتقد ً ونعد انتحاراً «روجيه جاروديُّ ، كوكبيا يف القرن احل��ادي والعشرين إذا ما استسلمنا لالحنراف القائم يف الليربالية اجلديدة ،اليت ّ تصدر البطالة واهلجرة والغربة داخل الوطن ،واجلوع يف ثالثة أرباع العامل لنظام عاملي جديد يوشك أن يكون ً عاملا جديداً بال نظام .الثقافة اليت تفتقد ألي روح ،وليس لديها أي مشروع مجاعي من أجل مستقبل اإلن��س��ان ،اللهم إال تطوير إنتاجها واستهالكها اعتماداً على التفوق يف السالح و»وحدانية السوق» ،مبعنى حتويل «السوق إىل ديانة» ليصبح «احمل��رك الوحيد يف العالقات االجتماعية الشخصية أو القومية واملصدر الوحيد للسلطة والتسلسل االجتماعي» .وما «نهاية ال��ت��اري��خ» إال نهاية إنسانية اإلنسان واالستسالم حلتميات اقتصادية كأنها قوانني طبيعية ،إنه هبوط باإلنسان ليعيش يف غابة احليوان حيث ينهش القوي الضعيف .إن ما مييز «وح��دان��ي��ة ال��س��وق» يف ال��واق��ع ه��و تلك «الليربالية الشمولية» وه��ذا االحتقار حلرية الفرد حني جترده من أبعاده اإلنسانية ،وحينما ً فاعال ومنفذاً فقط ملشروعات وتطلعات يكون السوق (.)26 إن تقسيم العامل بني تارخيي وما بعد تارخيي يتعدى جمرد الشائعة األيديولوجية اجلديدة،
ألنه مي ّهد إىل نوع من إعادة التشكيل التارخيي. أي تأسيس قطيعة صارمة يف صميم الكيان اإلنساني ،إلخ��راج معظم أو بقية العامل من دائ��رة تصنيف البشر القادرين على فرض االع�تراف بهمّ ، مما ي ّربر حرمان هؤالء البشر الفاشلني (؟) م��ن احل��ي��اة. ب��دأت الليربالية اجلديدة تفرض نفسها بكل أشكاهلا على اآلخر، مع تلقني هذا اآلخر ،أنه ال ميكن أن ّ يتحرر من واستعماره ،وتؤكد على مركزيتها وعدم غزوه ِ حاجتها إىل حميط ،كوجود فعلي (سياسي ـ ً خصوصا مع الصعود اخلطري اقتصادي ـ معريف)، للمحافظني اجلدد وأصولية السوق أو «إمربيالية العقل» ،إذا استخدمنا لغة «بيري بورديو» وهو يتحدث عن همجية العقل الغربي يف تعامله مع األطراف أو عن «إنتاج العقل لالعقل(. )27 نعيش عصر انتصار العوملة األمريكية اليت تهدف إىل حمو الوطنية ،والدولة/األمة ،ليرتك ّ اخلالقة» اليت أب��رز أبطاهلا اجمل��ال لـ»الفوضى «السوق» و»البورصة البشرية» وبرميل البرتول». كما أنها قضت على املدينة (كمكان تقليدي لظهور املواطنة) ،فيغادر البشر إىل املناطق السكانية ،إىل املدن الكربى .املدن الكربى ليست ً مدنا ،بل مناطق سكانية ،ألن املدن اليت نعيش فيها ممزقة بني الصفوة اليت تعيش االقتصاد ً تقريبا، من دون اجملتمع ،وآخ��رون يعيشون ومجاهري مستبعدة ومهمشة ً متاما من اجملتمع واحلياة .لقد انتقلنا ،مع احلركة واهلجرة ،من جمتمع األماكن إىل جمتمع التدفقات ،ومع الوقت سنصري أكثر عجزاً عن التوفيق بني االنتماء إىل ذات األم��ة وب�ين الدفاع عن ِقيم كونية، للقيم وبالتالي سنخضع ِلقيم الليربالية املعوملةِ ،
السهلة واملستهلكةِ ،قيم الكوكا كوال واملاغدونالز القيم اليت تسود اآلن يف ظل هيمنة والكابويِ ، املدنية الكونية (التوحيد) اليت تقوم بتحويل اجملتمع من طابعه السياسي املمثل (بدولة املدنية) إىل مدينة كبرية ال شكل وال طعم هلا، ويعيش فيها «اإلنسان ذو البعد الواحد». جنحت الليربالية املعوملة يف أن ختلق داخل اجملتمعات حالة أق��رب ما تكون حبالة التعلم الغرضي ،فالعقل األمريكي برامجاتي -نفعي وذو نزعة اختزالية ،ف�يرى «وليم جيمس» أن الصدق واملنفعة صفتان متالزمتان ،وأن أفكار اإلنسان وآراءه ذرائع يستعني بها حلفظ بقائه ً أوال ثم السري حنو السمو والكمال ً ثانيا. والنشاط اإلنساني له وجهتان ،فهو عقل ،وهو أداة ،ومنوه كعقل ينتج العلم ،وحني يتحقق ك��إرادة يتجه حنو الدين ،فالصلة بني العلم والدين ترد إىل الصلة بني العقل واإلرادة .أما عن فكرة االعتقاد ،حبسب «جيمس» ،فإنها «مفيدة كونها صادقة( ،)28و»أن��ه��ا صادقة ألنها مفيدة» .وانبثق من هذا الشق الفلسفي الربمجاتي الشق السيكولوجي ،والذي يستند إىل الوظيفية ،فالوظيفية خاصية مميزة للتفكري السيكولوجي األم��ري��ك��ي ،وم��ن هنا ت��رى أن التفكري األمريكي ً دائما ميكانيكي ،ذرائعي حتى يف وظيفتيه ،وكذلك حتكمه مكيافيلية نابعة من اجلذور الفلسفية اليت شكلت برامجاتيته.
خامتة ليست مفاهيم الليربالية والدميقراطية مثلها مثل مجيع املفاهيم النظرية ثابتة وجامدة وإمن��ا تولد ثم تغتين باملعاني مع الزمن من 169
أقواس
أقواس
170
خالل اخل�برة العملية التارخيية .فالليربالية كانت تشري بداية إىل فلسفة جديدة ارتبطت منذ البداية بالنزعة اإلنسانية والرفض املطلق لكل أشكال التقييد من حرية الفرد وحقوقه، أي لكل أشكال االضطهاد السياسي سوا ًء جا َء من طرف السلطة أم من طرف اهليئات االجتماعية. ويف ه��ذا املستوى تشري الليربالية إىل فكرة وفلسفة إجيابية يف االستخدام اليومي مقابل ن��زوع النظم الدينية أو القومية اليت تنكر الفردية احلرة وتركز على احلقوق اجلماعية إىل ممارسة الضغوط على األف��راد واحل��د من حرياتهم الشخصيةَ . بيد أن معنى الليربالية مل جيمد على هذا املستوى خالل التاريخ املاضي بأكمله ،فقد قادت النظم الليربالية الكالسيكية اليت عرفتها البلدان الصناعية يف القرن التاسع عشر إىل أزمات اجتماعية كربى بسبب جتاهلها للعوامل االقتصادية واالجتماعية يف ممارسة احلرية .وكان التعبري األعمق عن هذه األزمات هو نشوء الشيوعية نفسها بوصفها فلسفة النقد ْ للمسلمات الرئيسية لليربالية اجلذري والشامل وكنقض منهجي وعملي هلا .لكن يف إطار الرد على الشيوعية ومواجهة الثورة االجتماعية اليت فجرتها يف ال��دول الصناعية حصلت أول طفرة داخ��ل الفكر الليربالي نفسه يف اجتاه االع�تراف خبطأ االعتقاد بالتطابق التلقائي واالنسجام الطبيعي بني احلرية االقتصادية واحل��ري��ة السياسية وب�ين امل��ص��احل الفردية واملصاحل اجلمعية .وق��ام االقتصاديون وعلى رأسهم «كينز» بتطوير نظرية تدخل الدولة يف االقتصاد عن طريق التوجيه واإلنفاق وسياسات األجور فكسروا ألول مرة «تابو» أو حمرم تدخل
الدولة يف احلياة االقتصادية. ويف م��وازاة ذلك وحتت تأثري الكفاح اليومي للمنتجني والطبقات العاملة حصل تطور مماثل يف الفكر السياسي الليربالي يف اجتاه القبول بتطوير نظام من احلقوق والضمانات ً شرطا من شروط االجتماعية اليت أصبحت املشاركة يف احلياة الوطنية واالن���دراج فيها. ومنذ ذلك الوقت تطور املصطلح السياسي يف الدول الصناعية حتى مل يعد هناك تشكيالت سياسية كثرية تربط امسها بالليربالية بينما مست األح��زاب ال�تي ق��ادت أورب��ا للخروج من أزم��ة الثالثينيات الطاحنة نفسها بأمساء الدميقراطية ،سواء أكانت دميقراطية اشرتاكية أم دميقراطية مسيحية .واهل��دف من ذلك أن تشري إىل أن ه��ذه التجارب السياسية الكربى جت���اوزت الليربالية الكالسيكية ال�تي جترم وحت���رم ت��دخ��ل ال��دول��ة يف عملية التنظيم االقتصادي واالجتماعي لصاحل مفهوم احلرية الفردية الذي يرتجم مع غياب شروط املنافسة املتكافئة بني األف��راد إىل حرية األق��وى .وقد جتاوزتها باسم الدميقراطية ،أي باسم تعميم قيمة احلرية نفسها وترسيخها وليس باسم إلغائها أو استبداهلا بالشيوعية أو االشرتاكية .مل ختطئ املاركسية يف تشخيص نقاط التناقض يف الفكرة الليربالية ولكنها أخطأت يف حتديد الدواء هل��ا .ف��إذا كانت احلرية اجمل��ردة املنظور إليها خارج شروط احلياة االقتصادية واالجتماعية للفرد ال تقيم دميقراطية فعلية ،فال ميكن ً أيضا إقامة هذه الدميقراطية بنفي احلرية الفردية. لكن هناك حلظة ثالثة ال ميكن جتاهلها عندما نتحدث عن معنى الليربالية والدميقراطية
ومفهومهما اليوم وأع�ني حلظة ال��ردة على االشرتاكية الدميقراطية األوربية .فمما ال شك فيه أن الركود االقتصادي وتراجع معدالت النمو وانتشار البطالة واألزمة املالية والتضخم قد حضر ذلك كله النقالب فكري جديد ضد الدميقراطية االشرتاكية أو االجتماعية ويف سبيل العودة إىل مبادئ الليربالية األوىل .وكان على رأس ه��ذا االن��ق�لاب «مارغريت تاتشر» و»رونالد ريغان» ثم انتشرت الفكرة يف العامل أمج��ع ال���ذي يعيش ال��ي��وم ع���ودة الليربالية وانتصارها كما قال «فوكوياما» على كل ما عداها من عقائد اجتماعية باستثناء اإلسالم الذي ال يزال يقاوم احلداثة وأصوهلا. هناك ث�لاث أط��روح��ات رئيسية لليربالية اجل��دي��دة ،أوهل��ا أن سبب األزم��ة االقتصادية الرئيسي هو تدخل الدولة الكبري يف تنظيم احلياة االقتصادية خاصة عن طريق املشاركة بقطاع عام واسع وزيادة اإلنفاق العام ومتويل مشاريع الضمانات الصحية واالجتماعية .أما األطروحة الثانية فهي العمل على توسيع دائرة التبادل التجاري وخلق سوق اقتصادية عاملية هي وحدها اليت تستطيع أن تقدم اإلطار الذي يسمح باستمرار النمو والرتاكم االقتصادي العاملي وتقديم حلول لألزمات اليت تعاني منها ال��دول الصناعية ويف مقدمها تضاؤل النمو وتفاقم البطالة .واألطروحة الثالثة هي تلك املتعلقة بالتحرر من عقدة الذنب القدمية ً سابقا وال��ع��ودة من جت��اه الشعوب املستعمرة جديد إىل تأكيد تفوق الثقافة الغربية وقيمها كما عكسه كتاب «هنتنغتون» .ويف هذا السياق تستعاد التجربة االستعمارية اليت حصلت يف
سياق ليربالي ً أيضا كتجربة إجيابية كما تتبلور نزعات متجددة لفرض الوصاية بطريقة أو أخرى من قبل ال��دول الكربى باسم مبادئ الليربالية والدميقراطية على الشعوب األخرى. وميكن القول إن الصراع يدور اليوم بني ليربالية ً أحيانا باملتوحشة ألنها تنزع إىل أمريكية توسم القضاء على كل الرتاث املعاصر من محاية بيئة العمل والطبقات املنتجة حلساب تأمني حرية أكرب ألصحاب رأس املال وحتقيق التنافس األمثل يف اإلنتاجية من جهة ،ومن جهة ثانية بني ليربالية دميقراطية تسعى إىل إخضاع قوانني السوق يف ميدان البضاعة واخلدمات وميدان العمل ً معا حلد أدنى من الضبط والتنسيق باسم املزيد من احلرية واملساواة والعدالة االجتماعية وليس ضد احلرية الفردية أو اجلماعية(.)29
171
أقواس
أقواس
172
1يوسف كرم ،تاريخ الفلسفة احلديثة ،جلنةالتأليف والرتمجة والنشر ،القاهرة،1965 ، ص .12 - 2نفس املرجع ،ص .18 15- - 3زينب اخلضريي ،الهوت التاريخ عند القديس أوغسطني ،دار قباء للنشر والتوزيع، القاهرة ،1996 ،ص.20 - 4فرنسيس فوكوياما ،نهاية التاريخ، ترمجة حسني أمح��د أم�ين ،مؤسسة األه��رام للنشر والتوزيع ،القاهرة ،1995 ،ص.33 - 5جون لوك ،رسالة يف التسامح ،ترمجة منى أبو سنة ،املشروع القومي للرتمجة ،اجمللس األعلى للثقافة ،القاهرة ،2005 ،ص.23 6مراد وهبة ،املعجم الفلسفي ،دار الثقافةاجلديدة ،القاهرة ،الطبعة الثالثة،1979 ، ص .135 - 7فريدريك نيتشه ،ه��ذا ه��و اإلن��س��ان، ترمجة جماهد عبد املنعم جماهد ،سلسلة آفاق الرتمجة ،اهليئة العامة لقصور الثقافة (العدد )33سبتمرب ،الطبعة األوىل ،القاهرة،1997 ، ص .10 - 8جابر عصفور ،هوامش على دفرت التنوير، اهليئة املصرية العامة للكتاب ،القاهرة،1994 ، ص .32 - 9الطيب بو عزة ،نقد الليربالية ,سلسلة جملة «البيان» ,الطبعة األوىل ،الرياض،2009 ، ص .34 - 10حممد املذكوري املعطاوي ،الليربالية اجلديدة والعوملة والثقافة :حتليل اخلطاب
التارخيي لألنا على اآلخر - 11صحيفة البيان ،العدد ،94الرياض، ،2008ص .15 - 12الطيب بو عزة ،نقد الليربالية ،ص 36 – .40 - 13حممد عابد اجلابري ،أوهام الليربالية اجل��دي��دة ،ه��ل ميكن االنتقال إىل الليربالية اجلديدة يف بلد متخلف؟ مناقشة املفاهيم. ندوة «احلكم والتنمية االقتصادية واالجتماعية ومكافحة الفقر» اليت عقدتها اإليسكوا (اللجنة االقتصادية واالجتماعية لغرب آسيا التابعة لألمم املتحدة) بالقاهرة ما بني 13-11نوفمرب .2001 - 14فرانز ج .فورتونا ،مل��اذا النفور من العوملة ،دار احلوار ،دمشق ،2007 ،ص .76 - 15ديفيد ه��اريف ،اإلمربيالية اجلديدة، ترمجة وليد شحادة ،دار احلوار الثقايف ،بريوت، ،2004ص .165 - 16حييى اليحياوي ،العوملة ،واملواطنة «العاملية» ،يف :صحيفة العلم.2001 /06 /23 ، - 17انظر :نعوم تشومسكي ،ضبط الرعاع، ترمجة هيثم على ح��ج��ازي ،األهلية للنشر والتوزيع ،عمان.1997 ، - 18حوار مع «آالن تورين» ،حاوره :خوستو با ّرانكو – البانغوارديا ،ترمجة ناجي نصر ،يف: http://aelatri.maktoobblog. com - 19حول هذا املوضوع راجع :السيد ياسني، املواطنة يف زمن العوملة ،الدار املصرية للطباعة، القاهرة.2002 ، - 20انظر :علي ليلة ،اجملتمع املدني العربي،
قضايا املواطنة وحقوق اإلنسان ،مكتبة األجنلو املصرية ،القاهرة.2007 ، - 21انظر :رج��ب ب��ودب��وس ،ضد العوملة، أكادميية الفكر اجلماهريي ،طرابلس.2006 ، - 22فرنسيس فوكوياما ،نهاية التاريخ وخامت البشر ،ص .205 - 23راجع بهذا الصدد :صموئيل هنتنغتون، صدام احلضارات ،ترمجة حممود خلف ،مالك أبو شهيوة ،دار اجلماهريية ،طرابلس.1999 ، - 24ناهد طالس ،العوملة :حماولة يف فهمها وجتسيدها ،دار ط�لاس ،دمشق،1999 ،ص .149 - 25حول هذا املوضوع راجع :حممد حسني أبو العال ،ديكتاتورية العوملة( ،القاهرة ،)2004 السادية األمريكية (القاهرة .)2008 - 26روج��ي��ه ج����ارودي ،أمريكا طليعة االحنطاط :كيف نعد للقرن الواحد والعشرين، ترمجة ،عمرو زه�يري ،دار ال��ش��روق ،بريوت ،1998ص .214 - 27عبد النور اهل��ن��داوي ،االستبداد يف نهاية التاريخ «لـ فوكوياما» وصدام احلضارات هلنتغتون ،يف جملة :الفكر السياسي ،منشورات احتاد الكتاب العرب ،العدد 26السنة الثامنة، دمشق ،2006 ،ص .45 - - 28انظر :حييى هويدي ،قصة الفلسفة احلديثة ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،القاهرة، .1993 - 29ناهض ح�تر ،الليربالية اجل��دي��دة يف مواجهة الليربالية الدميقراطية ،دار أزمنة، الطبعة األوىل ،عمان ،2003 ،ص .34
173
أقواس
أقواس
174
أقواس
يوسف يوسف
التنوع واستقالل الحيز الثقايف (العرب والكرد مثاال)
مل يكن الفيلسوف واملفكر الشهري(غوستاف لوبون) يقصد كما قد يتوهم البعض الدعوة للعزلة واالنفصال بني الشعوب عندما حتدث فقال ب��أن ك��ل شعب حيمل يف كيانه العقلي نواميس مآله يف الوجود .هو مل يكن يقصد ذلك ،ألنه ليس من السذاجة حبيث يعتقد بأن الناس ميكنهم االستغناء عن بعضهم والعيش يف جزر متباعدة ال جيمعها راب��ط قوي .ويف اعتقادنا فإن اللذة العظيمة اليت شعر بها( رالف لينتون) وحتدث عنها يف كتابه الشهري ( العوامل الثالثة ) ،عندما اكتشف بأن ما كان يظنه إبداعا أمريكيا مائة يف املائة مل يكن كذلك ،إمنا تؤكد هي األخرى صحة فرضية التنوع الثقايف الذي من بني أهم خصائصه وفوائده إثراء حياة البشر ،واملضي بهم إىل أفضل مراتب احلضارة ال�تي ال ميكن أن يصنعها شعب من الشعوب مبفرده بصرف النظر عن املكانة العقلية اليت وصل إليها ودرج��ة وعيه ،على اعتبار أن ما اكتشفه لينتون يفيد بأن تلك األشياء اليت كانت ّ تعد أمريكية مائة يف املائة ،إمن��ا هي ليست كذلك ،وقد انتجتها جمتمعات متعددة ، ليست أمريكية خالصة ،كما أنها من جهة أخرى سبقت كولومبوس مكتشف أمريكا بقرون ،أو حتى بآالف السنني .وهذا يعين بأن أية حماولة الختزال الثقافة وحصرها يف أمنوذج واحد ،إمنا هي حماولة فاشلة ،وذلك ألن الثقافة من بني مجيع ما أنتجه االنسان ال ميكن اختزاهلا مهما تنوعت األساليب للوصول إىل هذا اهلدف . فالتنوع الثقايف يف اعتقادنا ،وليس االستقالل واالنعزال يف غيتوات منعزلة مقفلة على أنفسها ،وغري متفاعلة فيما بينها ومع ما حوهلا ،هو
ما جيب التمسك به والدفاع عنه ،حتى لو كانت الثقافة – الثقافات األخرى ختتلف يف اجتاهاتها وقواعدها .أما ملاذا جيب أن حيدث هذا ،فذلك ألن التنوع يعنى التعايش املشرتك ،ونفي أسباب االصطدام بني الثقافات ،وتقليل املسافات الفاصلة بني البشر ،والتقريب بينهم ،وختفيف ّ حدة احلروب اليت ميكن أن خيوضوها ّ ضد بعضهم ،وتربيتهم على وفق قاعدة التآلف وليس االحرتاب وقيام بعضهم برجم البعض اآلخر حبجارة احلقد والضغينة والكراهية . على أن هذا ال يعين بتاتا وج��وب قطع دابر مفهوم االستقالل الثقايف متاما ،فهو مفهوم قائم معجميا وله معناه الكبري الذي يهدف يف اعتقادنا إىل استقالل احليز الثقايف ،ومقاومة كل املساعي الرامية إىل تسليع الثقافة( حتويلها إىل سلعة تباع وتشرتى) ،وتنميطها على وفق مثال واحد حمدد من األمناط الثقافية بصرف النظر عن جنسيته ،وهل هو منط غربي أو شرقي . يف احلديث ح��ول التنوع الثقايف على وفق هذااألساس ،حديث حول التوحيد التكاملي بني الثقافات أيضا .وهذا أمر حقيقي وواقعي ، إذ أن الثقافات البشرية مجيعها وبدون استثناء يتغذى بعضها من البعض اآلخ��ر ،مبا فيها الثقافة الغربية ،اليت تغذت وما تزال تتغذى كما يبني هذا إدوارد سعيد يف كتابه الشهري ( الثقافة واالمربيالية ) من الثقافات األخرى ،مبا فيها تلك الثقافات اليت أنتجتها الشعوب املستعمرة ( بفتح امليم) يف آسيا وإفريقيا ، واليت يتم وصفها يف املركزيات الظاملة املتسلطة بالثقافات اهلامشية اليت ال قيمة هلا مقارنة 175
أقواس
أقواس
176
بالثقافات اليت أنتجها الغرب. وعلى وفق هذا التصور أيضا ،فإن اجملتمعات يف حالة التنوع والدفاع عنه كمثل دفاعها عن الذات ،إمنا تقوم بواحدة من العمليات اخلالقة ،حيدث فيها نوع من التواصل واحلوار الثقايف ،بني ثقافتني أو اكثر ،تسعى كل واحدة منها إبانهما ،إىل التفاعل مع نظرياتها بهدف األخذ منها وإعطائها يف الوقت نفسه ،دون أن يرتك ذلك أثرا سيئا على اخلصوصيات اليت تتميز بها عن بعضها البعض . لسنا هنا يف صدد احلديث عن معنى املثاقفة ودالالتها ،فقد توقفنا أمام هذا األمر مليا يف أمكنة أخرى ( يف املقدور العودة إىل العددين 268،275من جملة أفكار ) ،كما وقد بينا كيفيات التفاعل الثقايف وشروطه ،فأصبحت مفردة املثاقفة واضحة املالمح واألبعاد .إننا يف جم��ال البحث عن مسارات ميكن للبشر أن يسلكوها للعيش يف وئام مع بعضهم ،يبدأ كما نرى من عدم اصطدام ثقافاتهم ببعضها .وهو االصطدام الذي ال حيدث إال إذا ّ مت توجيه هذه الثقافة أو تلك ،هذا اجملتمع أو ذاك ،توجيها تتحول فيه الثقافة املساملة إىل ثقافة أخرى تكون فيها ثقافة عدائية ،بدل أن تبقى مساملة كما هي ،تؤمن بأن الفرض بالقوة والقهر كما حياول املستعمر أن يفعل ،ال ميكن أن يستمر ، على اعتبار أن الثقافة هي من بني ما ينتجه االنسان ال تقبل السيطرة عليها من قبل الثقافات األخرى ،ألنها وهذه واحدة من بني أبرز صفاتها ،املنتج (بفتح التاء) البشري احليادي الذي يأبى اإلذالل واخلنوع ألي سبب كان ،وإذا وقع ذلك ومرت الثقافة مبرحلة حرجة ،فإنها ستكون
مرحلة عابرة ،وال ميكن أن تستمر لألبد . رمبا يكون يف حديث البعض حول ما يعتربها هجمة غربية على املسلمني يف أوروبا وأمريكا الكثري من الصحة خصوصا وأن��ه مثة هناك أصولية دينية كمثل ما يف بالد املسلمني ،إال أن هذا األمر ّ يعد وجها واحدا ملا حيدث هناك .وأما الوجه اآلخر فغالبا ما يصار إىل االبتعاد عنه ، وعدم التقرب منه ،ألسباب ترتبط يف اعتقادنا بالرغبة يف تربئة النفس ،وإلقاء تبعات ما حي��دث على اآلخ��ر وح��ده .وألج��ل توضيح ما نقصده متكن مالحظة ما يقوم به أنصار الثقافة املستقلة ( هكذا يسمونها يف أدبياتهم) من املسلمني يف أمريكا ،أولئك الذين يقول عنهم (تيودور بلتشيين) يف دراس��ة له حول صدام القيم يف أمريكا ،إنهم يؤيدون التنشئة الرتبوية يف حميط ثقايف إسالمي على حنو متميز ويف استقاللية كاملة عن الثقافة األمريكية اليت يشاطرون أهلها األرض والفضاء والدولة كذلك رمبا الذين حيملون ثقافة إسالمية ال تقبل التفاعل مع غريها من الثقافات واالنفتاح عليها ،يؤيدون فعل أولئك الذين يدعون إىل بروز ثقافة إسالمية مستقلة يف أمريكا ،وهم يف الغالب قد يوافقونهم يف سعيهم لالنفصال عن «املينسرتيم» الثقايف األمريكي ،إال أن الرافضني يف أمريكا ذاتها من األمريكيني هلذا االستقالل لن يوافقوا على ذلك .وهو مما سيقود إىل صدام القيم بني طرفني :واحد له ثقافة إسالمية تبحث هلا عن مكان يف بلد يقوم على التنوع ، وآخر له ثقافة تؤمن مبا هوعكس ذلك ومضاد له متاما .فهل نفهم معنى التنوع الثقايف وفوائده اليت ال ميكن أن تأتي للبشرإال باخلري
مهما صغرت قيمته ؟ عندما نظرنا إىل أطروحة طه حسني من النافذة اليت أطل منها عبد اهلل إبراهيم ،صار من املهم التنبيه إىل ما يسجله رافضو هذه األط��روح��ة على آرائ��ه من العيوب .فهو كما يقولون قد أغفل ومثله آخرون كان هلم املوقف ذاته ،اجلوهر احلواري يف املعرفة االنسانية .إن مثل هذا اإلغفال يف نظر أعدائه ،هو الذي أفضى إىل رؤية الذات بئرا ناضبة ،يف حني أنه بسببه قد رأى الغرب نبعا متدفقا ،وقطعا فإن مثل هذه النظرة هي ما جعلت معارضيه يصبون عليه جام غضبهم ولرمبا لعناتهم باعتباره مفكرا مارقا .إن ما ينطبق على طه حسني، سوف ينطبق على أي من املفكرين الكرد مثال ممن قد حياولون القيام مبقارنات ظاملة كمثل تلك اليت قام بها طه حسني ،ونقصد هنا أولئك الذين قد حياولون وضع الذات الكردية كثقافة يف موقع أدنى من الثقافة العربية لتربير األخذ منها كمثل ما فعل طه حسني وهو يدعو العرب لألخذ من الثقافة الغربية هكذا بدون أن تأخذ الثانية الغربية من ثقافتهم شيئا على اعتبار أنها الثقافة األمسى واألرق��ى .إن أمثال هؤالء املفكرين ،ابتداء من طه حسني ،وانتهاء بآخر مفكر ميكنه أن ي��رى ال��ذات يف مقابل اآلخر كمثل ما رآه��ا األول ،إمنا يفعلون ذلك ألنهم حيبون السجون وال ميقتونها ويألفون العيش بني جدرانها بدون أدنى تذمر ،وإال فإنهم سوف يعارضون ما يسميها (ك��ارل بوبر) أسطورة االطار مهما كان نوع هذا االطار ومهما كانت جنسيته .وسوى هذا فإننا ننظر بازدراء كبري، إىل أولئك الذين ال خيجلون من إظهار انبهارهم
بالعقل الغربي ومنجزاته يف مقابل احتقارهم العقل العربي ومنجزاته ّ ، ونعد ذلك نوعا من التواطؤ الذي تأباه نفوسنا متاما ،وإىل هذا نشري إىل حديث عبدالعزيز محوده يف كتابه ( املرايا املقعرة) حول ثنائية االنبهار واالحتقار ،اليت يرفضها بشدة فيقول :وبدال من منطقة وسط يأخذ فيها املثقف العربي ما يتناسب مع ثقافته العربية وتراثه الطويل ،جتد الغالبية تعيش الثنائية بكل تناقضاتها وخصاهلا (.)1 عندما توقف الكاتب املغربي حممد بنيس وه��و عربي القومية أم��ام ما يظنها بدايات نفور ( املغرب العربي) من ( املشرق العربي) ، متلكتين احلرية والفرحة معا ،ليس ألنين من الدعاة هلذا النفور ،أو ألن حممد بنيس فضح هذا ( املشرق) الذي ال يعرف الكثري عن هذا ( املغرب) الذي أنتج عشرات الكتاب واملفكرين الذين أثروا الثقافتني العربية واالسالمية معا وعلى حد سواء ،فتعامل معه بالتالي بفوقية رمبا وبنظرة علوية ،وإمنا ألن منطق التطور يعين وجوب رفض فكرة املركز واحمليط مجلة وتفصيال ، هكذا وبدون أدنى مقدمات ،على اعتبار أننا من بني أكثر من اكتوا بنريانها احلارقة املؤملة ، وأصبحنا رافضني هلا عند احلديث عن التغريب ( مبعنى الذهاب إىل الغرب) منبهرين مبا أجنزه على رغم عظمته اليت ال ينكرها إال جاحد أو جاهل :فماذا أمام هذا الذي نطرحه خبصوص العالقة الثقافية بالكرد ؟ لسنا نظن أن حممد بنيس أراد أكثر من رفع عقرية الدفاع عن الذات املغربية اليت أراد العرب املشارقة إخراجها من 177
أقواس
أقواس
178
حلبة الوجود ،ومصادرة حقها يف التعبري عن النفس اليت جعلتها الديانة أساسا للتغيري .أي إنه إمنا كان يعبرّ عن رفض االنقياد للمتخيل الذي حيمله العقل املشرقي ،وهو نفسه ما حيق للكردي هو اآلخر أن يرفض االنقياد إليه . وملا كانت احلال يف حياة البشر متضي على وفق اآلية القرآنية اليت منها (قل كل يعمل على شاكلته) ،وأن��ه ليس مثة هناك مركز وحميط وتابع ومتبوع وس��ادة وعبيد كمثل ما كانت عليه األحوال يف أيام زمان ،وأن لكل واحد منا حنن البشر ( وجهة هو موليها ) كما يقول النص القرآني ،فكيف يتم التعامل بني الثقافتني الكردية والعربية ؟ إننا يف هذا امليدان ال منيل إىل االعتقاد بصحة ما ذهب إليه ماركس يف حديثه عما قال إنه عجز الشرقيني عن متثيل أنفسهم وضرورة القيام بتمثيلهم( . )2ومثل ذلك أيضا فإننا ال نؤمن بصحة القول بأن الكرد عاجزون عن متثيل أنفسهم ،ذلك ألنهم عرب تارخيهم الطويل قدموا عالمات كثرية تشري إىل امتالكهم مثل هذه القدرة .صحيح أن اللغة الكردية مثال هلا صله بعيدة على حنو ما باللغة الفارسية باعتبارهما تنتميان إىل جمموعات اللغات اهلندو أوروبية ،إال أنهما ختتلفان فيما بينهما يف نواح عديدة سواء يف املفردات أو النحو والصرف ، أو يف النطق .فاللغة الكوردية كما أكد (سدني مس��ي��ث) لغة مستقلة مت��ام االس��ت��ق�لال هلا تطوراتها التارخيية احلقيقية ،وهي لغة آرية ممتازة تعيش منذ القدم إىل يومنا هذا يف جبال كردستان بشكل نقي وسليم (.)3 لقد قيل بأن املصطلحات – ما دمنا يف صدد
دراسة املثاقفة والتثاقف -هي نقاط االرتكاز احلضارية واملعامل الفكرية اليت حتدد هوية األمة ،أية أمة ،مبا هلا من رصيد نفسي ودالالت فكرية وتطبيقات تارخيية مأمونة .إنها أوعية النقل الثقايف ،وأقنية التواصل احلضاري ، وع��دم حتديدها وتوضيح أبعادها يؤديان إىل لون من التسطيح اخلطري يف الشخصية ، والتقطيع لصورة تواصلها احل��ض��اري .هذا املفهوم بلوره عبداهلل إبراهيم بقوله :إن املعرفة اليت هي خالصة املمارسات العقلية لالنسان ،تتشكل ضمن أطر ثقافية وحضارية حمددة ،وتدخل يف عالقة حوار ومثاقفة مع أطر ثقافية وحضارية أخرى ،بسبب احلاجة ،أو بفعل االتصال ،ومن ثم فاملعرفة تنتج أجهزة اصطالحية تستدعيها احلاجة املباشرة أو غري املباشرة يف عملية التكوين املعريف ( .)4 واجملتمعات كما نعرف أمن��اط متنوعة يف مستوياتها احلضارية ،وهلا أيضا منظوماتها اليت هلا وحداتها الداخلية اخلاصة بها ،ومن هذه اجملتمعات اجملتمع الكردي ،الذي له ما لسواه من اجملتمعات .وهذا يعين يف جانب منه ظهور نوع من « املواضعة» حول أشكال االصطالحات ومفاهيمها – املثاقفة مثال يف حالة هذه الدراسة .وهذه املواضعة ومبا ال يقبل اجلدل ، جزء من مالمح الشخصية املستقلة .وملا كانت هذه االصطالحات ومفاهيمها هي ما يتفق مع البنية الثقافية من ناحية ،ومع شروط حقل املعرفة من ناحية ثانية ،فإنها ال ّ بد ان ختضع حلاجات التلقي – داخليا ،ولالتصال بالثقافات األخرى خارجيا. كردستان أو مملكة األكراد ،قطر كبري وإقليم
واسع معظمه يف تركيا ،وقسم غري قليل منه يف إيران ،واألقل منه يك ّون القسم الشمالي لبالد العراق احلالية .مسي باسم العنصر الغالب من السكان وهم الكرد ( .)5صحيح أنه مثة تباين بني هلجات اللغة الكردية ،إال أنه ليس من املعقول اختاذ ذلك ذريعة للطعن بأصالة اللغة الكردية ،واستقالليتها كلغة مميزة عما جياورها من لغات ( .)6وقد بقيت اللغات العربية والرتكية والفارسية يف كردستان لغات ثانوية قلما يلم بها غالبية الكرد (.)7 لقد شعر الكرد منذ القدم بوجودهم املستقل ،وبوحدة اللغة واألدب والثقافة والتاريخ .كما وظهروا كشعب له خصائصه اليت متيزه عن الشعوب األخ��رى ،وال ّ بد أنه كان هلذا الشعب علماؤه وأدباؤه ومؤرخوه( .)8صحيح أنه رمبا تكون بدايات ظهور األدب الكردي غري معروفة متاما أو أنه من الصعوبة حتديد زمانها ،إال أن اللغة الكردية مثال ،وعلى الرغم من تعدد حم��اوالت إقصائها عن ميدان احلياة – حياة الكرد ،بقيت حتتفظ أسوة باللغات االنسانية األخ��رى مبجاهلا التعبريي وخاصية شفراتها (.)9 ي��ق��ول س��ق��راط يف حم���اورة ( كراتيلوس) ألف�لاط��ون :إن غاية الكلمات متييز األشياء بعضها عن بعض ،وتلقني بعضنا بعضا هذه األشياء ،ومتييز األشياء بعضها عن بعض يقصد به التمثل ،أما تلقني أحدنا اآلخر هذه األشياء فيعين التواصل ( . )10وهذا كله يفيد يف جانب منه ،بأن للكرد هويتهم ،على اعتبار أن العالقة اللغوية جتسد العالقات االجتماعية ملستعمليها ،اليت هي هويتهم .إننا يف احلديث عن عالقة
بني ثقافتني :شعبني أو جمتمعني ،ال ّ بد أن نتوقف مليا أمام حديث ( إدوارد سابري) اللغوي واألنثروبولوجي األمريكي ح��ول اللغة :إن اللغة قوة كبرية يف عملية التنشئة االجتماعية .ولرمبا تكون األكرب .وهذا ال يعين أنه بدونها ال ميكن أن تكون هناك عالقات اجتماعية مهمة .وإمنا يكفي وجود كالم مشرتك ،على اعتبار أن مثل هذا الكالم يقوم بوظيفة الرمز الفعال على حنو مميز لتحقيق التضامن االجتماعي بني أولئك الذين يتكلمون لغة واحدة (،)11 لذا مل يكن أمرا طارئا أن يفضل الكردي سواء كان من ( األغ��وات) أو من ( العوام) أن ينتمي إىل عائلة كبرية من العشائر (.)12 ال شك أن الناس كانوا أمة واح��دة ،لكنهم اختلفوا .هكذا قامت اخلليقة وهكذا أيضا انشطرت أسرة آدم وحواء اليت ميكن أن نقدمها كمثال ناصع لكل ه��ذا ال��ذي نتحدث عنه . رمبا الغرب يف عقائده الدينية يقدم املربرات الخ�تراق اآلخ��ر ،إال أن االس�لام يف واقعيته ، اعرتف باالختالف يف العقائد واألفكار واأللوان واألطياف ،على الرغم من أنه ينشد وحدة األمة (.)13 ويف صريح العبارة فقد ذهب ذلك الزمن الذي كانت فيه باريس ولندن ونيويورك وموسكو وشيكاغو مدن اخلوارق واملعجزات ،فمنذ عام 1996صارت كوااللومبور عاصمة ماليزيا الدولة اآلسيوية هي املدينة اليت ترتبع على كتفيها أعلى ناطحة سحاب يف العامل .كما مل تعد برلني هي املدينة اليت يعلو سطوحها أكرب عدد من آالت البناء الرافعة ،إمنا هي اآلن بكني 179
أقواس
أقواس
180
وشنغهاي( . )14فهل من املعقول حتدث البعض حول وجوب إحكام القبضة على اآلخرين ممن يعيشون إىل جانب العربي ومنهم الكردي حتت خمتلف الذرائع مبا فيها ذريعة احملافظة على األوط��ان وعدم متزيقها ؟ إذا حدث مثل هذا ،فإنها ال ّ بد أن تكون واحدة من عمليات االبادة املعنوية والروحية اليت ترتكز بالدرجة األساسية على اهلوية الثقافية .وعندما وقف الرئيس األمريكي ج��ورج ب��وش بعد حرب اخلليج االوىل ليقول بأن القرن القادم – القرن احل��ادي والعشرين -سوف يشهد انتشار القيم األمريكية وأمناط العيش والسلوك األمريكي ،كتب علي عقلة عرسان ير ّد عليه وقد كان يف رده على حق :هذا نزوع استعماري لغزو اآلخرين ثقافيا ،وملهامجة اهلويات الثقافية القومية وفرض التبعية عليها أو إذابتها(.)15 فماذا عن عالقتنا بالكرد وكيف تكون املثاقفة معهم ؟ إننا يف احلديث حول التنوع الثقايف واملثاقفة ،إمنا نضع يف حسابنا أن املقصود إمنا يتمثل برتتيب أمر العالقة بني شخصيتني ثقافيتني ،لكل واح��دة منهما لغتها وديانتها وعاداتها وتقاليدها وأعرافها ،وهلا سوى هذا كله ذاكرتها ووجدانها اجلماعي كذلك .وألن الكرد ميتلكون هذه العناصر مجيعها ،فإن أية حماولة لتعريبهم ( حماولة جعله عربا ) لن ختتلف عن حماوالت األمركة ( جعل الناس أمريكانا) املرفوضة ،بصرف النظر عن أبعادها وأهدافها وأدوات تنفيذها اليت ال ّ بد أن ختتلف عن حماوالت األمركة اليت تعترب شكال من أشكال اخرتاق الشعوب وتدمري شخصياتها وأبنيتها .
ليس التمركز كما قد يتوهم البعض ضرورة بنيوية .وقد رفضه كثريون بصرف النظر عن مصدره .وحنن هنا ض ّ��ده ،ونقف إىل جانب ه��ؤالء الذين يدافعون عن فضاءات اآلخرين كمثل دفاعهم عن فضاءاتهم ذاتها ،وإن كنا ال خنفي مناوءتنا للهويات املتصلبة كما أطلق عليها إدوارد سعيد ،ذات النزعات االنفصالية اليت تصنف نفسها نقيضا لآلخر ،وتقيم احلواجز بينها وبني العامل ،وحت ّبذ العيش يف عزلة . إذا كانت الكاتبة بديعة أمني قد اعتربت ما حدث إبان العهد العثماني غزوا ثقافيا ()16 قالت فيه (:وأعود للغزو الثقايف فأؤكد صفته املعاصرة نظرا إىل أننا كنا قد تعرضنا قبل ذلك هليمنة ثقافية أجنبية إب��ان العهد العثماني ) ومل خيفف من حدة غضبها على هذا الغزو كون العثمانيني مسلمني مثلها ،فماذا سنقول يف مقابل ذلك عن حماولة إحالل ثقافة عربية يف مكان الثقافة الكردية؟ ألن يعترب ما ميكن أن نقوم به غزوا كذلك وال خيتلف إال يف بعض التفاصيل عن الغزو العثماني ؟ عندما حبث شاعر النيل (حافظ إبراهيم) عن هوية يستند إليها يف رفضه االستبداداالجنليزي يف مصر وال��س��ودان مل جي��د أفضل م��ن اللغة العربية لتكون اهلوية اليت يبحث عنها .ومثل ذل��ك أيضا ،أمل يكن من حق أمح��دي خاني الشاعر الكردي الشهري اختيار اللغة الكردية بدل أي من اللغات الثالث اليت كان يتقنها : الفارسية والعربية والرتكية لكتابة امللحمة الشهرية (مم وزين) بها ؟ وكالهما حينما فعل ذلك ،فإمنا العتقادهما اجل��ازم بأن موقع اللغة ال مثيل له ،ويف ذلك
دالل��ة أيضا على افتخار االثنني بهويتيهما : األول بهويته العربية والثاني بهويته الكردية ،واستعدادهما للدفاع عنهما ذلك أن من اوىل أدبيات الس ّيد الذي يريد أن يكون س ّيدا على جمرد أتباع ،العمل على زرع لغته بدل لغة اآلخر وحبسب ما يرى أكثر من عامل اجتماع .والتاريخ البعيد ،والقريب ،كالهما معا ،ال يزاالن يشهدان على ما جرى بني شعوب الكرة األرضية ،ذلك أن اللغة هي األداة الربهانية ملسلمات العقل التارخيي ،ومثة ما يتعني على السلطان اجلديد أن يفعله إلحكام هيمنته على اآلخر ،أن ينسخ لغة اآلخر ،وحيل لغته مكانها ( .)17ولرمبا هلذا السبب فعل الشاعران العربي والكردي ما فعاله من الكتابة كل واحد منهما بلغته ،اليت هي لغة قومه اليت حيافظ باستخدامها على شخصيته وهويته . ما يطمح إليه الكرد أمر طبيعي ،حتى لو نظرنا إليه مبعزل عن خمتلف املؤامرات اليت حيكت ّ ضدهم فوزعتهم ووزعت أرضهم بني أربعة بلدان .فاستقالل احليز الثقايف ال يتحدد ّ ويعد حالة معنوية بعائدية األرض أيضا ، وروحية من حق املكون االجتماعي احملافظة عليها ،دون أن يغيب عن األذهان أن الكرد مل يظهروا إىل التاريخ فجأة ،وإن وجودهم يف ذات املكان الذي يعرف اليوم باسم كردستان يعود إىل ما قبل امليالد كما سبقت االشارة .واعتبارا من ذلك التاريخ يالحظ الباحثون أن الكرد قد حافظوا على وحدتهم وخصائصهم األثنية ، وعلى لغتهم وهويتهم القومية ضمن وطنهم التارخيي كوردستان رغم ع��دم متكنهم من تشكيل كيان سياسي مستقل مثل سائر شعوب
املنطقة ( . )18وه��ذا ما ي��راه كذلك العامل األنثروبولوجي ( هنري فيلد) الذي قال عن الكرد بأنهم شعب أو مجاعة متجانسة ،فرقهم عن سواهم يتمثل يف عرض الرأس(. )19 وحنن عند احلديث عن شعب متجانس من حيث خصائصه األنثروبولوجية ،ال يغيب عن أذهاننا التعاقب املكاني حلضارة متعددة الوجوه أنتجها الكرد عرب تاريخ حياتهم احلافلة بالعدوانات عليهم وبهجمات الغزاة اليت ما إن تتوقف ،حتى تعود من جديد .وهو التاريخ الذي ميتشقوه كما ميتشق الفرسان السيوف يف دفاعهم عن كيانهم الوجودي ،ومنه الكيان الثقايف .هنا يأخذ رشيد فندي صاحب كتاب ( الفكر القومي الكردي) عن الرحالة العثماني ( أوليا جليب) الذي كان قد ارحتل يف كوردستان الشمالية يف عام 1655م قوله ( هناك مخسة عشر جامعا كبريا يف ديار بكر ،ويف كل واحد منها توجد مدرسة لدراسة العلوم ،ومنها مدرسة اإليبارية املشهورة ،إذ يد ّرس فيها علم البيان ،ومدرسة خسرو باشا ويد ّرس فيهاعلم الكالم .ويف ديار بكر ستون سوقا مثل سوق الزجاج وسوق العطارين وسوق الداللني وسوق احلدادين ..إخل)(. )20 إن التواصل واحلوار الثقايف يعين عملية اللقاء بني ثقافتني متميزتني تسعى كل واحدة منهما إىل التفاعل مع اآلخرين يف عملية تبادل وعطاء وتواصل دون أن يؤثر ذلك على خصوصية أي منهما( . )21وبعكس ذلك فإن ثقافة االخرتاق اليت هي نفسها الثقافة املستبدة املتعالية ،تقوم على فكرة خرق الثقافات األخرى ،غري املشابهة هلا ،بهدف تدمري نسيجها الداخلي ،وإع��ادة 181
أقواس
أقواس
182
تركيبها على وفق هواها ورغباتها ،ومبا يتالءم مع حماولة دجمها يف جماهلا وتذويبها متاما حبيث ال يبقى هلا أي وجود . لقد كتب الكثري حول الثقافة الغربية ،فقيل فيها أنها ثقافة إمرباطورية تنحو إىل السيطرة ،فأنتجت االستعمار والعنصرية ،ودفعت الكثريين بالتالي حملاكمتها وفضح موجهاتها غري االنسانية ،فهل ميتلك املثقف العربي مثل هذا االستعداد للجلوس يف قاعة احملكمة ليحاكم كما حوكم كثري من املثقفني الغربيني ممن أنتجوا ثقافة املستعمر ؟ إنه يف حالة االجابة بالنفي ،وه��و ما نتمناه ،مدعو للنظر إىل الثقافة الكردية كمثل نظرته لثقافته العربية ،وذلك على اعتبار أن األساس يف كل ثقافة من ثقافات االنسان ،إمنا هو الرتكيب التفاعلي بني عناصر الوجود االجتماعي :األشخاص وا ِألشياء واألفكار مجيعها معا . أخريا علينا أن ندرك بأنه ضمن الرتكيب ، أعاله تتوجه الثقافة إىل أن تكون إطارا لتحقيق الفعالية أو الركود ،ولالستقالل يف حيزها املكاني ال��ذي نقصده ،وتسعى إليه الثقافة الكردية يف جتلياتها .
اهلوامش :
--------( )1د .عبد العزيز محوده /املرايا املقعرة / ص31 ( )2إدوارد سعيد /االستشراق /ترمجة كمال أبوديب /مؤسسة األحباث العربية /1984ص54 ( )3د .فؤاد محه خورشيد /اللغة واللهجات الكردية ،دار الثقافة والنشر الكردية ،بغداد ،2005ص3 ( )4د .عبداهلل إبراهيم /الثقافة العربية وامل��رج��ع��ي��ات امل��س��ت��ع��ارة /املؤسسة العربية للدراسات والنشر /بريوت 2004ص115 ( )5أنظر – حممد علي عوني /املقدمة إىل كتاب « شرفنامة» تأليف األمري شرفخان البدليسي /الطبعة الثالثة ،2007ص73 ( )6د .فؤاد محه خورشيد /املرجع نفسه، ص14 ( )7ديرك كينن /الكرد وكردستان /ترمجة صالح عرفان /مركز ال��دراس��ات الكوردية ،سليمانية ،2010، ص17 ( )8رشيد فندي /الفكر القومي الكوردي / دار سبرييز للطباعة والنشر دهوك ،2008 ،ص12 ( )9علي حسن الفواز /عواء الطبيعة ،قراءة يف حداثة االبداع الكردي، من املقدمة ،السليمانية ،2009ص17 ( )10جون جوزيف /اللغة واهلوية /ترمجة د .عبدالنور خراقي /سلسلة
عامل املعرفة ،ع،2007/349 :ص35 ( )11جون جوزيف /اللغة واهلوية ،مرجع سابق ،ص85 ( )12دي��رك كينن /الكرد وكوردستان/ ص22 ( )13د .علي حميي الدين القره داغي /حنن واآلخر /مؤسسة باتلي للنشر/ ،2006ص144 ( )14هانس بيرت م��ارت��ن /ف��خ العوملة / ترمجة عدنان عباس علي /سلسلة عامل املعرفة،1998 /238 /ص55-54 ( )15د .ع��ل��ي عقلة ع��رس��ان /العوملة واهلوية /جملة أوراق /عمان /العدد 2000/14 ( )16أنظر بديعة أم�ين /مواقف يف الفكر والثقافة /دار الشؤون الثقافية ، بغداد،2001 ،ص52 ()17أمحد ف���ؤاد س��ل��ي��م /جم��ل��ة العصور اجلديدة /القاهرة 1999 ( )18د .فؤاد محه خورشيد /أصل الكرد/ وزارة الثقافة ،بغداد،2006 ص25 ( )19أنظر فؤاد محه خورشيد ،نفسه ص32 ( )20رشيد فندي /الفكر القومي الكردي، مرجع سابق ،ص48 ( )21إمي��ان زم��زم /ح��وار الثقافات وصراع احلضارات /جملد ألف ياء/ 2001 /1
183
أقواس
أقواس
184
أقواس طاولة مستديرة عىل هامش مؤمتر موالنا خالد أجرى الحوار باألملانية وترجمه إىل العربية غسان نعسان
ــ الجزء األول ــ أرح��ب يف ه��ذا اللقاء على هامش مهرجان موالنا خالد النقشبندي يف السليمانية بتاريخ ( 27ــ 29نيسان ) 2009بالسادة :مارتن فان بروينسن وميخيل ليزنربع وميشائيل كيمبل .انا أعلم أن السيد مارتن فان بروينسن هو شخصية معروفة جداً يف األوساط الكردية بكل شرائحها ،ليس يف كردستان العراق فقط، بل يف باقي أج��زاء كردستان ً أيضا .أنت تهتم بالشأن الكردي منذ بداية سبعينيات القرن املاضي .فعشت يف كردستان تركيا وتعلمت اللغة الكردية ،حيث قضيت إحدى املرات أكثر من ً متنقال بني القرى الكردية ،وعشت مع سنتني املريدين النقشبنديني من الفالحني هناك ،كما قمت برحلة مماثلة اكثر من مرة إىل كردستان اي��ران .وزرت كردستان سورية ،وتنقلت من ديريك يف أقصى الشمال الشرقي حتى عفرين يف أقصى الشمال الغربي .وكتبت الكثري من الدراسات واألحباث واملقاالت ،والعديد من الكتب حول الكرد ،خاصة اجملتمع الكردي وثقافته. ومليخيل جتربة طويلة مع كردستان ،ولو أنك عدت إليها هذه امل��رة بعد إنقطاع دام مخس عشرة سنة .أما ميخائيل فهذه هي زيارتك أألوىل لكردستان .أما أنا كما تعرفتم علي فإمسي غسان نعسان ،كردي من اجلنوب الصغري (سورية)، وأعيش منذ مخس سنوات هنا يف السليمانية، وأعمل يف مكتب الفكر والوعي لإلحتاد الوطين الكردستاني ،وه��ذا املكتب ه��و واح���دة من املؤسسات الثقافية اليت أقامت مؤمتر موالنا خالد الدولي ،والذي أنتم من ضيوفه .درست
يف أملانيا علوم مسرحية ،وعشت فيها ()22 ً ً ً وكاتبا يف اجملال وخمرجا ممثال سنة ،وإشتغلت ً املسرحي والتلفزيون .أؤل��ف حاليا وأترجم الكتب من األملانية إىل العربية ،واعمل عضواً يف هيئة حترير جملة (طالو َيذ نوآ) العربية .أرجو من كل منكم تعريف امسه ،وجمال عمله احلالي يف بداية حوارنا حول هذه الطاولة املستديرة املصغرة. ميخائيل كيمبل :بروفيسور يف جامعة أمسرتدام يف هولندا يدرس كاختصاصي يف علوم ً سابقا عالقة بالكرد أوربا الشرقية :مل يكن لي وقضاياهم ،إختصاصي هو العلوم اإلسالمية واإلس�ل�ام يف روس��ي��ا ،وأن��ا باألصل من أملانيا. بوخوم. ميشيل ليزنربغ :أنا أعمل كمدرس يف قسم الفسلفة يف جامعة أمسرتدام ،وحصراً أعمل على برنامج حول اإلسالم يف العامل احلديث .كنت ً مهتما بالشؤون الكردية. منذ بداية التسعينات كنت يف اإلنتخابات الربملانية األوىل يف كردستان العراق ،يف سنة ( )1992بصفة مراقب .قمت بزيارة كردستان العراق مرات عديدة ،وتعلمت اللغة الكردية. غسان نعسان :أرج��و أن يلخص ك��ل منكم مضمون البحث ال��ذي ساهم فيه ضمن إطار فعاليات مهرجان موالنا خالد النقشبندي ،كي يطلع القارئ ،الذي مل تتسن له الفرصة حلضور املهرجان ،على مضمون مساهماتكم؟ مارتن فان بروينسن :البحث ال��ذي قدمته ي��دور حول تأثري موالنا خالد على املسلمني يف إندونيسيا ،هذا هو العنوان .والبحث يسلط الضوء على حقيقة أن موالنا خالد واحد من 185
أقواس
أقواس
186
الكثريين من املشايخ الكرد الذين لعبوا دوراً ،يف التواصل الثقايف بني الثقافة اهلندية اإلسالمية والثقافة اإلندونيسية .مايثري اإلهتمام أن اهلند وإندونيسيا التفصلهما عن بعض مسافة طويلة، ورغم ذلك فأن التأثري الذي أتى من اهلند إىل إندونيسيا مل يأت بشكل مباشر ،بل وصل عن طريق الشرق األوسط .والالفت للنظر أن معظم الذين قاموا بهذا الدور هم من املشايخ الكرد. موالنا خالد كان األخري ،رغم أنه مل يكن لديه طلبة كرد ،يتعلمون منه طريقته ،أي مل يأت إليه طلبة كرد إىل العراق أو إىل سورية ،كي يتعلموا منه .بداية فقط عندما كان يعلم يف مكة أصبح لديه عدد من الطلبة الكرد هناك. غ��س��ان :وه��ل ك��ان ل��دى م��والن��ا خالد طلبة أندونسيون يف مكة؟ مارتن :موالنا خالد بالذات مل يكن لديه طلبة أندونسيون يف مكة ،ولكن خليفته هناك، وهو الشيخ عبداهلل أرزينجاني كان لديه العديد م��ن الطلبة األندونيسيني .الشيخ عبداهلل أرزينجاني يف مكة أعطى عدداً كبرياً من الطلبة األندونسيني ((إجازات)) .وكان هؤالء يأتون إىل احلجاز من أجل احلج ،وتعلم ماميكنهم من علوم الدين على ايدي املشايخ املتواجدين يف احلجاز. وعندما كانوا يعودون إىل ديارهم ،كانوا يلقون اإلحرتام واملكانة املميزةً ، أوال ،ألنهم أصبحول ً ً وثانيا اإلج��ازات اليت كانوا حيصلون حجاجاـ عليها يف علوم الدين ،متنحهم مكانة خاصة ومميزة يف أوساط اجملتمع األندونيسي .ورغم أن هؤالء الطلبة األندونيسيني مل يتمتعوا مبعرفة جيدة باللغة العربية ،ولكن عندما يتعلم أحدهم لدى أحد املشايخ أحاديث البخاري ،أو أي
مادة أخرى ،كان حيصل على إجازة يف هذا العلم الذي تعلمه ،وكان هؤالء الطلبة يتعلمون أصول وطقوس الطريقة اخلالدية مبساعدة خليفة الشيخ خالد ،الشيخ عبداهلل أرزينجاني ،أو أحد مساعديه االندونيسيني ،وعندما رجع هؤالء الطلبة إىل اندونيسيا شرعوا بنشر الطريقة اخلالدية هناك .وهكذا بعد مضي عشرات قليلة من السنني اصبح للطريقة اخلالدية أع��داد كبرية من األتباع بلغت حوالي عشرة آالف تابع. واآلن أصبح عدد أتباع الطريقة اخلالدية يف أندونيسيا األكرب يف مجيع أحناء العامل اإلسالمي. هذا هو ملخص للبحث الذي قدمته ضمن إطار مؤمتر موالنا خالد النقشبندي. غسان :وأنت سيد ميخائيل كيمبل هل تتفضل بإجياز مضمون حبثك يف هذا املؤمتر. ميخائيل كيمبل :حبثي كان بشكل من األشكال ً شبيها ببحث الربوفيسور مارتن :لكن حول مكان آخ��ر يف العامل اإلسالمي هو داغستان، يف مش��ال القفقاس ،حيث إنتشرت الطريقة اخلالدية يف الثلث األول م��ن ال��ق��رن التاسع عشر ،حيث جرت مابني (1828ــ )1859 إالنتفاضة الداغستانية ضد القيصر الروسي ونشأت عنها حروب كانت تسمى ((اجلهاد)). ويسمى املقاتلون الداغستانيون يف هذه احلرب، من قبل األدبيات الروسية بـ ((املريدين)). ويعزى سبب هذه التسمية إىل وقوف اخلالدية النقشبندية خلف هذا ((اجلهاد)) .ويف نهاية السبعينات من القرن العشرين توصلت العلوم اإلسالمية إىل أن أفكار الطريقة اخلالدية طبقت ً عمليا يف داغستان يف مرحلة ((اجلهاد)) املذكورة هذه .هذا يعين ان مفهوم اخلالدية حول اجلهاد
جرى تطبيقه يف داغستان .غري أنين مل أجد يف داغستان ذاتها أدبيات عن موالنا خالد يف حقبة اجلهاد هذه .نظرييت هي أن الداغستانيني مل يعلموا الكثري عن موالنا خالد ،ولكن يف ذات الوقت قرأت أدبيات اخلالديني يف دمشق وبغداد، ومل أجد من هذه األدبيات يف داغستان .وأرجع ذلك إىل ضعف اإلحتكاك بني الداغستانيني والعامل اإلسالمي يف الشرق األوس��ط .يتحدث علماء اإلجتماع عن إتصال ((ضعيف)) كما يعرفه العامل كلينز إذ يقول(( :إن��ه إتصال وحيد ،لكنه مهم جداً ،ويتم عن طريقه إيصال معلومات مهمة ،وينتهي هذا اإلتصال بسرعة))، وإذا عدنا إىل املنطقة األخرى من هذا اإلتصال الضعيف ،أي إىل داغستان ،حيث يتوضح ملاذا تطورت الطريقة اخلالدية هناك ،بشكل مستقل عن اخلالدية يف اإلمرباطورية العثمانية .وكيف إرتطبت هناك حبركة جهادية. ويعود سبب ذلك إىل عزلة داغستان الكاملة عن بقية العامل اإلسالمي اثناء فرتة احلرب، وهذه العزلة قامت روسيا بفرضها .ومن ناحية أخرى تؤكد الوثائق الداغستانية أن الصوفيني ذاتهم مل يشاركوا يف تلك احلرب بشكل مباشر، صحيح أنهم ساهموا يف العمل الدعائي من أجل اجلهاد ضد القوات الروسية ،لكنهم مل يشرتكوا يف العمليات العسكرية ،أو بأي شكل آخر من أشكال النشاطات العسكرية. حنن نرى إذاً أن عالقة داغستان باخلالدية ختتلف عن عالقة إندونيسيا مع اخلالدية ،كما بينها حبث الربوفيسور مارتن فان بروينسن، حيث عاد بإستمرار احلجاج االندونيسيون من مكة وبغداد ودمشق بأعداد كبرية ،وهم حيملون
(اإلجازات)) ّأي (الشهادات) من مشاخيهم هناك، وهذا شكل تواصل مستمر ،بينما األمر يف حالة داغستان إقتصر على ((إجازة))وحيدة واحدة من شيخ نقشبندي ،ثم تال ذلك إنقطاع ،ثم تطور للطريقة هناك بشكل مستقل .توجد نقطة أخرى مهمة فيما خيص داغستان ،وهي إتصال مع الطريقة الشاذلية ،وهي طريقة صوفية جاءت إىل داغستان من املغرب .وهي وصلت ،كالطريقة اخلالدية عن طريق (إتصال ضعيف) ،وبالتالي نشأت هناك صيغة مستقلة داغستانية .ومل يكن هناك شيخ شاذلي آخر من الطريقة الشاذلية يف داغستان ،ينتقد الصيغة الداغستانية من الطريقة الشاذلية ويقومها وفق التعاليم األصلية للشاذلية .والنقطة الثالثة اليت ميكن مقارنتها مع اخلالدية يف إندونيسيا، اخلالدية اليوم هي أن يف داغستان ،اجلمهورية الصغرية يف االحتاد الفيدرالي الروسي ،تسيطر على كل ما له عالقة باإلسالم من مؤسسات. فأتباع اخلاليدية يسيطرون على جملس املشايخ، ومجيع املدارس واجلامعات الدينية اإلسالمية، ً ايضا على كل ماميت للدين كما يسيطرون اإلسالمي بصلة .جتدر اإلشارة إىل أن اخلالدية طريقة صوفية أزارية ،نسبة إىل الشعب اآلزاري (أو القبيلة اآلزاري��ة) ،وهو واحد من الشعوب (أو القبائل) الداغستانية اخلمس وعشرين. إذ يوجد يف داغستان شعوب (قبائل) صغرية كثرية ج��داً ،يف بلد جبلي صغري .وال��واق��ع أن اآلزاريني حيتكرون الطريقة اخلالدية ألنفسهم. واملناهضون حملاوالت سيطرة الثقافة اآلزارية على ثقافات الشعوب األخرى ،يستخدمون يف هذا ً طرقا صوفية أخرى .هذا هو ماتطرق الصراع 187
أقواس
أقواس
188
حبثي إليه ولكن بتفصيل أكثر بالطبع. غ��س��ان :ش��ك��راً ل��ك سيد ميخائيل كيمبل، واآلن سيد ميخيل ليزنربغ أرج��و أن حتدثنا عن موضوع مساهمتك يف هذا املؤمتر ،ولنبدأ بعنوان حبثك. ميخيل ليزنربغ :ال أعلم بالتحديد عنوان حب��ث��ي ،لكين بكل األح����وال ك��ان موضوعي الرئيس هو حول التجديد من الناحية اللغوية لدى موالنا خالد .لقد متكن من إجناز جتديد لغوي .جيب بداية أن أعرتف بأني لست خبرياً ً خمتصا ،فيما خيص موالنا خالد ،ولكن لدي جتربة وأحب��اث ودراس���ات ح��ول التحديث يف العامل اإلسالمي ،وإنشغلت عدة سنوات بأوضاع العامل اإلسالمي الراهنة ،وسوف أحاول شرح دور موالنا خالد يف عملية التحديث يف العامل اإلسالمي. منذ عدة عقود جيري احلديث يف أوساط العلماء عن ظهور حركة جتديدية يف اإلس�لام ،وذلك يف نهاية القرن الثامن عشر .ويقال عن هذه احلركة أن رموزها كانوا يتصفون باملوضوعية والعقالنية والفردية ،وأنهم بعيدون عن النهج التقليدي الكالسيكي القديم ،وأقرب مايكون إىل احلداثة .كما يقال أن وراء هذه احلركة ،على األقل لدى البعض كانت هناك دوافع سياسية. ول��ك��ن املشكلة أن م��والن��ا خ��ال��د الي��ت�لاءم مع حركة التحديث ه��ذه ،تلك ال�تي مسيت بالصوفية اجلديدة .وقد ألقيت الضوء على هذه النقطة يف حبثي .حيث ذك��رت فيه ً أوال بعض النقاط .اليت قرأتها ألوغوستس هوغمان، واليت يقارن فيها بشكل مقنع ،بني األفكار اليت طرحتها احلركة الوهابية وبني افكار موالنا
خالد ،وخيلص فيها إىل وج��ود تناقض ،فيما بينهما ،بكل وض��وح .كانت احلركة الوهابية يف بداية القرن التاسع عشر قوية يف احلجاز، لكنها إمتدت لتحتك مع السنة يف جنوب العراق حتى بغداد .ميكن للمراقب أن يلحظ أن بعض طروحات موالنا خالد ميكن رؤيتها كبديل للطروحات الوهابية .على سبيل املثال يقول حممد بن عبدالوهاب يف كتابه التوحيد(( :جيب على املسلم أال يتبع تعاليم شيخ أو داعية عندما تناقض هذه التعاليم مع أحكام الشريعة أو السنة )).كما ورد يف كتاب ((التوحيد)) ما معناه( :عندما يدعو عامل ما إىل إعتبار املشايخ والعلماء اصحاب سلطة دينية كاآلهلة ً بدال من ً مشركا إتباع الشريعة والسنة ،فإنه يصبح بعمله هذا ).ولكن تعاليم موالنا خالد تدعوا ً غالبا إىل اإللتزام بـ ((تقاليد السلف)) وإتباع املريدين للمشايخ واملذاهب والسلف .أما ماهو مشرتك بني تعاليم موالنا خالد وحممد بن عبدالوهاب ،وبعض طروحات الشيخ ولي اهلل، إن الطرفني يستخدمان صياغة لغوية بسيطة يف شرح األدبيات اإلسالمية ،حبيث أن اإلنسان العادي ،أي غري العلماء وأصحاب اإلختصاص، يستطيع فهم وإستيعاب مضمون هذه األدبيات وفهمها .وبهذا ختتلف تلك األدبيات عن األدبيات اإلسالمية الكالسيكية السابقة .وهذا مانراه يف كتاب ((التوحيد)) بلغته البسيطة والسلسة، وخيتلف بالكامل ع��ن األدب��ي��ات اإلسالمية الكالسيكية ،بتفاصيلها الالنهائية ،وبإسلوبها البالغ التعقيد .إن��ه كتاب بسيط يتضمن إستشهادات من القرآن واألح��ادي��ث النبوية، ً ً بعضا من تعاليم حممد بن عبدالوهاب وأحيانا
ذاته .إنه عرض مبسط ،كتب من أجل مجهور ً موجها إىل شرحية النخبة قراء بسيط ،وليس املثقفة .هذا يشبه كتاب ((عقيدة نامه)) ملوالنا خالد ،الذي كتب باللغة الكردية ،ومن الواضح جداً أن هذا الكتاب مل يكتب من أجل شرحية قراء تتمتع مبستوى ثقايف خنبوي(( .عقيدة نامه)) هو أول كتاب نثري باللغة الكردية، أي باللهجة السورانية على اإلطالق .وما يثري اإلهتمام هو وجود كتاب آخر قبل ((عقيدة نامه)) هو ((األمحديني)) ملوالنا خوسري يف السليمانية والشيخ معروف النودهي ،لقد حاول اإلثنان صياغة العلوم اإلسالمية بلغة كردية ــ سورانية بسيطة ومفهومة ،وقد كان هدفهما من وراء ذلك الوصول إىل أوس��ع قطاع ممكن من مجاهري القراء بني الكرد .وإذاً تأملنا اللغة واالسلوب اليت كتب بها كتاب ((عقيدة نامه))، ً نسبيا فأننا نراها بسيطة أي��ض ً��ا ،وتتضمن جوهر التعاليم اإلسالمية إىل مجهور ،اليتمتع بتحصيل علمي رفيع املستوى ،بل إىل أولئك الذين مل يتعلموا القراءة والكتابة. غ��س��ان :إذاً أن��ت ت��رى أن إس��ت��خ��دام إسلوب اللغة البسيطة ،يف صياغة تعاليم دع��وة حممد عبدالوهاب وم��والن��ا خالد ،ك��ان من األسباب املهمة يف إنتشار تعاليهمها ،بهذا الشكل اجلماهريي الواسع ،وخاصة تعاليم الطريقة اخلالدية اليت جتاوزت حدود كردستان والعراق وسورية وسائر أرجاء اإلمرباطورية العثمانية، حتى وصلت إىل أندونيسيا ،بينما إقتصر إنتشار الوهابية على اجلزيرة العربية بشكل أساس. ميخيل :وه��ذه هي الفكرة اليت صغتها عن كيفية استخدام موالنا خالد اللغة البسيطة
اليت يسهل على كل إنسان فهمها ،إليصال أفكاره ومعتقداته الدينية اليت تقوم عليها طريقته اخلالدية ،وبهذا متكن من الوصول إىل شرائح واس��ع��ة م��ن عامة ال��ن��اس ،وميكن ال��ق��ول إىل الغالبية العظمى اليت التتقن القراءة والكتابة. وهذا برأيي جتديد مهم جداً يف العامل اإلسالمي، ألن هذا التجديد متكن من كسب قطاع واسع من اجلماهري ،وجلب إهتمامه إىل العلوم اإلسالمية، وبعد ف�ترة وجيزة من ذل��ك ج��رى دف��ع هذا القطاع اجلماهريي الواسع لإلهتمام بالقضايا الدنيوية والسياسية .وبهذا متكن هذا التجديد اللغوي من تغيري املفهوم اللغوي الكالسيكي الذي كان أثناء اإلمرباطورية العثماينة سائداً، والذي كان يقسم الناس إىل «العامة» و»اخلاصة» حيث «اخلاصة» كانوا الطبقة املتعلمة واليت كانت تنفرد بتقرير ماهو الصح ،وماهو اخلطأ، يف املواضيع الفكرية والدينية ،والعامة هم عامة الناس الذين اليتقنون القراءة والكتابة، وكانوا ملزمني بالرأي الذي تقره ((الطليعة)) أو ((اخل��اص��ة)) .وبشكل خ��اص لعب موالنا خالد دوراً يف اجملتمع الكردي ،عندما راح يكتب تعاليمه باللغة الكردية ،األمر الذي اتاح لغالبية الكرد اليت التتقن لغة أخرى غري الكردية ،أن تتمكن من قراءة ،واإلطالع على أدبيات العلوم اإلسالمية دون حاجتها لإلملام بالعربية أو الفارسية أو الرتكية .وهذا أفاد فيما بعد احلركة القومية التحررية الكردية .هذا هو يف الواقع ملخص حبثي الذي قدمته ضمن إطار مهرجان موالنا خالد هنا يف السليمانية. غسان :شكراً لك ميخيل لعرض موجز عن حبثك .اآلن أري��د أن أط��رح معكم على بساط 189
أقواس
أقواس
190
البحث م��وض��وع األج���واء ال�تي س��ادت خالل املؤمتر .بالتحديد ال أهتم بالتفصيالت التقنية واآلليات والتنظيم ..اخل ،ليس اآلن على األقل، ولكن هناك سجال دار ً دائما حول أهمية موالنا خالد وطريقته الصوفية اخل��ال��دي��ة .على األقل منذ إندالع الثورات التحررية القومية الكردية احلديثة وسجاالت رموزها ،مع ممثلي اإليديولوجية اليسارية واملاركسية .كان هناك حم���وران أس��اس��ي��ان فيما خي��ص م��والن��ا خالد وطريقته ،إضافة إىل حمور ثالث ديين أو صويف اليرى يف موالنا خالد أكثر من شيخ طريقة، ذي صويف جاذبية قيادية ،ساعدته على نشر وتنظيم الدعوة إىل طريقته ،بشكل ناجح ً نسبيا ،من حبيث متكن ،خ�لال ف�ترة قصرية التفوق على الطرق األخرى .هذه التمحورات متثلت بقوة عرب آراء املشاركني والضيوف يف هذا املؤمتر ،إضافة إىل آراء خمتلفة عديدة أخرى. ضمن هذا السياق أود معرفة رأي كل منكم بهذه السجاالت ،إن صح التعبري بشكل خاص كمشاركني يف هذا املؤمتر بصفاتكم العلمية واملهنية. مارتن :أتذكر هنا مبناسبة هذا السؤال حديثاً جرى بينك عزيزي غسان وبيين يف اليوم األول جمليئنا إىل السليمانية ،علمت من خالل هذا احلديث أنك ابن عائلة كردية مسلمة سنية، وأن عمك شيخ طريقة نقشبندية خالدية وهو أحد خلفاء مريدي موالنا خالد .وكونك ً ً وعلمانيا وخلفيتك اإليديولوجية ليرباليا ً حائال بينك وبني املاركسية ،كل هذا اليقف جاذبية الثقافة الصوفية اليت تشدك إليها ،وهذا بغض النظر عن ج��ذورك العرقية والدينية
واملذهبية .واجلميل يف هذا أن الثقافة الصوفية تثري إلهتمام ،وتشد إليها أن��اس خمتلفون، بغض النظر عن إنتماءاتهم وعقائدهم ،املؤمن منهم باملعنى الكالسيكي لإلميان كما العلماني وحتى امللحد .على سبيل املثال مداخلة الشاعر الكردي أثناء املؤمتر ،أعتقد كان إمسه لطيف هلمت ،ال أعتقد أن��ه ((مسلم أردثوكسي)) لكنه حيب الصوفية ،وحيب ثقافة الطريقة القادرية ،فماطرحه مثري لإلهتمام واجلدل، ً متطرفا ،وقد قد يبدو رأيه بالنسبة للكثريين يالقي تأييداً من آخرين ،لكنه عرب عن وجهة نظره .يف ذات الوقت عرب رجال الدين من الكرد والعرب وغريهم عن رايهم مبوالنا خالد من وجهة نظر دينية ،كما يرونها هم .والقوميون الكرد طرحوا وجهات نظرهم يف دور موالنا خالد وتأثري أفكاره على احلركة التحررية ً بعضا من حضور القومية الكردية .صحيح أن املهرجان غ��ادروا القاعة ،بسبب طروحات مل تلق إستحسانهم ،لكن هؤالء يبقون إستثناءات قليلة ،ميكن غ��ض البصر عنها وجت��اوزه��ا، عندما ي��رى امل��رء اجل��و ال��ذي س��اد املهرجان: طرح وجهات نظر واإلستماع إىل نقيضها بروح عالية من تقبل الراي اآلخر .قد ينفعل قليل ً هنا ،أو هناك معارض أو مؤيد ،لكن رداً هادئا، يأتيه من معارض لرأيه ،حيمله على ختفيف حدة إنفعاله .رغم أن بعض الطروحات كانت قاسية بالنسبة لبعض احلضور ،إال أنهم إستمعوا إليها بكل ه��دوء وص�بر ،وعندما سنحت هلم الفرصة ،علقوا وردوا على تلك الطروحات، مبوضوعية وروي��ة .كان هناك كم مذهل من اآلراء املختلفة ،ولكن التعامل مع هذه اآلراء
ً ً مذهال أكثر أحيانا ،كان املختلفة ،والراديكالية بروحية تقبل الراي االخر اليت غلبت عليه. النتيجة كانت إستمرار جلوس احلضور ً معا يف قاعة املهرجان ،وإستمرار احلوار فيما بينهم، واجلامع هلم هو اإلهتمام مبوالنا خالد وبثقافة طريقته النقشبندية .ال��روح الدميوقراطية اليت عمت القاعة خالل ايام املهرجان ،بشكل عام ،تدعو املرء إىل اإلعجاب والتقدير واإلحرتام، إزاء مجهور املهرجان والقائمني على تنظيمه. صحيح أني مل أتطرق إىل ال��رد على سؤالك حول موقفي من السجالت الدائرة منذ أمد طويل حول موالنا خالد ،والسبب هو رغبيت يف التعبري عن إعجابي باألجواء اليت عشتها خالل ايام املهرجان الثالثة ،لكين ال أبرر تهربي من سؤالك ،سوف أرد عليه.... ميخائيل :عذراً على املقاطعة مارتن ،أرجو أال ننسى ردك على سؤال غسان ،ولكن مبناسبة احلديث عن أجواء املؤمتر َّ لدي مالحظة أود ً ممكنا. قوهلا بهذا اخلصوص .إذا كان ذلك غسان :ال أرى أن مارتن لديه مانع ،تفضل ميخائيل. ً ميخائيل :أوال أنا أش��ارك مارتن باإلنطباع اإلجيابي ال��ذي تركته األج��واء اإلجيابية اليت س��ادت املؤمتر يف نفسي .شاركت أنا نفسي يف مؤمترات ومهرجانات وندوات كثرية يف بلدان خمتلفة وثقافات متنوعة ،سواء يف الغرب أم يف الشرق ،مل أر يف أي من تلك املؤمترات السابقة أجواء تسامح وتقبل الرأي اآلخر أكثر مما رأيته هنا يف جلسات هذا املؤمتر وهذا املهرجان .هلذا السبب التقدير واإلعجاب ليس هدية مين ،وإمنا اجلميع بال إستثناء إستحق ذلك عن جدارة.
ً مثاليا ،هناك نواقص الأقصد أن كل شيء كان َ دائ��م��ا ،لكن وج��وده��ا الينغص جناح صغرية املهرجان ،ووفائه للغرض املنتظر من إقامته. مالحظيت اليت أريد إضافتها ،ملا عرضه مارتن هي احلضور الكبري جليل الشباب ومواكبتهم جلميع فعالياته .كنت أظن أن أغلبية احلضور ستكون م��ن رج��ال دي��ن وعلماء وخمتصني جتاوزوا منتصف العمر إذا مل نقل شاخوا على مقاعد الدراسة ،ويف املكتبات ،وحلقات الذكر الصوفية ،ولكين يف الواقع رأي��ت أن أكثر من نصف احلضور كان من اجليل الشاب .مل يقتصر حضورهم على التواجد السليب ،بل كان حضوراً ً فعاال .فقد شاركوا مبداخالتهم ،واعربوا عن إنتقاداتهم ،وطرحوا إقرتاحاتهم ،بكل جرأة وحيوية .كما لفت نظري وجود املرأة وإهتمامها بفعاليات املهرجان ،وهذا برأيي دليل على أن امل��رأة يف اجملتمع الكردي التوافق على إعتبار موضوع موالنا خالد ،وطريقته والصوفية حكراً ،بإهتمام الرجال فقط. غسان :احلقيقة جيب أن أعرتف لكم أن تسلسل ً مسبقا تداخلت، فقرات جلستنا اليت أعددتها وبشيء أكثر دقة ميكن القول ((تلخبطت)). سأحاول أن أمسك من جديد بزمام خيوط اجللسة. ميخائيل :لكنك هكذا كما تدير اجللسة اآلن أشعر باملتعة فيها ً حقا ،جرعة اإلرجت��ال هذا تضفي على النقاش مسحة من اإلغناء والتلوين. غسان :احلقيقة هي أن احلوار مهما تفرع ممتع معكم ،وسبب ذلك يعود إىل نقطتني اساسيتني، األوىل هي أن موضوع موالنا خالد ،حبد ذاته، يثري إهتمامنا حبق ،والثانية أملس لديكم رابطة 191
أقواس
أقواس
192
عاطفية خاصة مبوضوع الصوفية بشكل عام. مارتن :هذا صحيح ،ولكن أنت ذاتك تشرتك معنا يف هذه الرابطة العاطفية مع الصوفية، وذلك بغض النظر عن إميانك أو عدم إميانك. غ��س��ان :واحل���ال ه��ك��ذا أن��ن��ا متفقون على إستمتاعنا باحلوار ،ما رأيكم يف املتابعة؟ رأيتم تنوع املشاركني باملهرجان وإختالف مشاربهم، بل جنسياتهم وإنتماءاتهم ،ماهو القاسم املشرتك الذي جيمعهم ،وماالذي يدفعهم للوقوف عند موالنا خالد واإلهتمام به اآلن سنة ( )2009يف إقليم كردستان العراق يف السليمانية؟ م��ارت��ن :ح��ول إق��ام��ة ه��ذا املهرجان هنا يف السليمانية هناك مالحظة سوف أتطرق فيما بعد إليها .ولكن اآلن سأجيب على سؤالك الرئيسي .ميكن القول ،بكل بساطة وإجياز ،أن موالنا خالد هو ((األب)) بالنسبة للفكر الكردي القومي واحلركة التحررية القومية الكردية. لقد جعل موالنا خالد تنظيم حركة حتررية ً ممكنا .كما نستطيع القول أنه قومية كردية مهد لإلنتفاضات والثورات الكردية األوىل ذات الطابع القومي الكردي .هنا قد يعرتض ،على ثورة الشيخ عبيد اهلل النهري من يقول بأنها مل تكن ذات طابع قومي كردي ،ولكن ذلك الينفي عنها صبغة الوعي القومي الكردي ،الذي مييز الكرد عن الشعوب األخ��رى ،كالشعب األرمين ً مثال ،ويرى ضرورة إنشاء دولة قومية كردية. وهذا الوعي القومي كان لدى الشيخ عبيد اهلل ً واضحا ج��داً .بهذا املعنى لقد وجدت احلركة التحررية القومية الكردية ج��ذوره��ا لدى الطريقة اخلالدية النقشبندية .منذ الثورات األوىل الكبرية ،بدءاً بالشيخ عبيداهلل حتى ثورة
الشيخ سعيد ،كان من يوجه ويقود هذه الثورات املشايخ اخلالديون ،وكانوا ناجحني يف التنظيم، ويف حشد الناس ،ألنهم إعتمدوا على الشبكة التنظيمية ال�تي ك��ان موالنا خالد ،قد سبق وعلمهم كيفية بنائها .بإمكان املرء صياغة هذا الكالم بشكل آخر ،إن طريقة موالنا خالد ،يف تشكيل شبكة خلفائه يف الطريقة ،قد جعلت تنظيم وحشد الناس يف اإلنتفاضات والثورات ً ممكنا .أعتقد أن عدداً ال بأس به ،من املشاركني يف املهرجان يشاركونين يف هذا ال��رأي ،وهؤالء أغلبهم من القوميني الكرد .بهذا أجبت على سؤالك السابق حول موقفي من احمل��اور اليت تبلورت أثناء املهرجان .هذا اليعين بالضرورة، بأنين من أصدقاء الفكر القومي ،وإمنا أنا أحاول أن أحلل تأثري طريقة موالنا خالد النقشبندية على التحوالت اإلجتماعية ال�تي ظهرت يف اجملتمع الكردي. غسان :أشرت إىل وجود مالحظة لديك حول إنعقاد املهرجان يف السليمانية هنا ،مدينة موالنا خالد الذي إضطر إىل هجرها ،والتوجه إىل مكة وبغداد فدمشق ،ليحقق النجاح يف الدعوة إىل طريقته .ماهي مالحظتك؟ كل من مارتن :هناك ختمني مفاده أن وراء ٍ احل��زب�ين الرئيسيني يف ك��ردس��ت��ان ال��ع��راق: اإلحتاد الوطين الكردستاني الطريقة القادرية، الدميوقراطي الكردستاني الطريقة اخلالدية النقشبندية .أنا أرى يف حالة صحة هذا التخمني أن األم��ر يثري اإله��ت��م��ام .إذ أن ك�لا احلزبني علمانيون والعدد األعظم من كوادرهما هم مثقفون وعلمانيون ،ورغ���م ذل��ك التوتر العاطفي الذي يسببه التنافس بني الطريقتني
الصوفيتني اليزال حتى اليوم موجوداً .جيب علينا رؤية األمور بروية وموضوعية ،إذا أردنا معاجلة األزمات اإلجتماعية .رغم أن اجملتمع الكردي يف اإلقليم هنا جمتمع مدني وعلماني، وي��ق��وده ح��زب��ان علمانيان ،إال أن ال��ص��راع القديم بني الطريقتني الصوفيتني :القادرية ً قائما حتى اليوم .لقد والنقشبندية ،الي��زال رأينا ه��ذا التوتر أثناء املهرجان ،راينا هنا اجملتمع احلديث واملتحضر مبثقفيه وعلمائه ً منقسما على ذاته، وأساتذته اجلامعيني ،اليزال فيما خيص التنافس بني هاتني الطريقتني. ويبدو أن البعض يذهب مبشاعره وإنفعاالته إىل حد بعيد ألن الشيخ معروف النودهي على سبيل امل��ث��ال ،مل يظهر القدر امل��ف��روض من اإلحرتام ملوالنا خالد. ً غسان :إذا كان ختمينك صحيحا ،فإن مدينة السليمانية قلعة الطريقة القادرية هي اليت حتتضن م��ه��رج��ان م��والن��ا خ��ال��د ،وحتتفي بالطريقة اخلالدية النقشبندية ،ومؤسسات حزب اإلحتاد الوطين الكردستاني ((القادري)) الثقافية مولت هذا املهرجان .أمل يكن وفق ً منطقيا أك��ث��ر ل��وك��ان حزب ه��ذا التخمني ال��دمي��وق��راط��ي الكردستاني ((النقشبندي اخلالدي)) نظم هذا املهرجان يف أربيل؟. ميخائيل :هذا صحيح يف الواقع ،ولكننا جيب أال ننسى أن موالنا خالد يبقى إبن السليمانية ً ايضا. ميخيل :البد من اإلش��ارة هنا إىل أن موالنا خالد شخصية مهمة ،فهو لعب دوراً كبرياً يف التاريخ الثقايف هلذه املدينة ،وهو شخصية اثارت يف وقتها ً جدال يف اجملتمع ،وآثار هذا اجلدل مل
تزل موجودة لدى الناس كما رأينا يف املهرجان. غسان :رمبا يريد اإلحتاد الوطين الكردستاني بإقامة هذا املهرجان هنا يف السليمانية إرسال رسالة إىل الطرف االخر ،بأنه يهتم بالنقشبندية اخلالدية ً أيضا ،األمر الذي يساعد على ختفيف حدة التوتر ،إذا وصلت هذه الرسالة .أود أن أمسع رأيك أنت ً ايضا ميخيل ،مبا قاله مارتن قبل قليل :إنه يعترب موالنا خالد (( األب)) بالنسبة للفكر القومي التحرري الكردي .ماذا تقول أنت؟ ميخائيل :أنا أواف��ق مارتن رأي��ه بشكل عام فيما خيص دور موالنا خالد وتـأثريه على الفكر القومي التحرري الكردي .وه��ذا يف نقطتني اساسيتني: األوىل :لقد متكن موالنا خالد من خلق وبناء شبكة تنظيمية ،خللفائه ومريديه ،واحلركة القومية التحررية الكردية إستفادت من هذه الشبكة التنظيمية ،فيما بعد .والنقطة الثانية هي التجديد اللغوي ،وذلك عرب خماطبة مريديه باللغة الكردية ،بشكل علين ،خ�لال دعوته لطريقته وجناحه يف كسب أعدا ٍد مذهلة. غسان :عرب كل منا حتى اآلن عن رأيه حبرية، وه��ذا بديهي ،مارأيكم أن من��ارس اآلن حرية التفكري والتحليل ،وأن حنلل الدوافع اليت تكمن وراء إقامة مثل هذا املهرجان. ميخيل :بصراحة أن��ا سألت نفسي أثناء املهرجان مثل هذا السؤال ،وفكرت ماذا ميكن أن يكون اهلدف املأمول منه .وصلت إىل طرح أو ً طويالً . طبعا فكرت حبرية، تفسري بعد أن فكرت ً والتفكري احلر اليعين دائما التفكري الصحيح .أود 193
أقواس
أقواس
194
عن أعرضه عليكم ،تفسريي اخلاص هذا .صحيح أني مل آت إىل إقليم كردستان منذ قرابة مخس ً تقريبا ،والحظت يف هذه الزيارة أن عشرة سنة احلزبني الكبريين هنا مل يعد بوسعهما التأثري، بشكل كبري ،على األجيال الشابة ،يف الرتويج الفكري القومي الكردي من خالل ثقافة دماء ً دفاعا عن حرية الشهداء الذين ضحوا حبياتهم الشعب ال��ك��ردي ووج���وده ،تلك الثقافة اليت حتمتها ظروف القمع وأعمال اإلرهاب والرتويع ال�تي كانت السلطة العراقية الديكتاتورية متارسها ليس فقط ضد الناشطني من الكوادر السياسية الكردية ،بل طالت املواطنني الكرد العزل من النساء واألطفال والشيوخ ،وسياسة طمس اهلوية الكردية يف ال��ع��راق ال�تي سعت السلطات العراقية إليها طالت البشر والطبيعة، فأحرقت الغابات والشجر ودمرت آالف القرى، وهجرت سكانها قسراً ،وإرغمتهم على التجمع يف اجملمعات القسرية حتت الرقابة واحلصار .وصل القمع واإلرهاب الذي مارسته سلطة صدام إىل حد حماولة إبادة الشعب الكردي ،عندما أقدم على قصف كردستان باألسلحة الكيميائية، حيث سقط يف عملية قصف حلبجة ما اليقل عن مخسة آالف مواطن كردي ،وعمليات األنفال اليت جرت فيها تفريغ القرى والقصبات الكردية من سكانها ،وتهجريهم قسراً إىل الصحارى يف جنوب العراق ،حيث أختفى اثر مئات اآلالف من املواطنني الكرد ،ويف ظل مثل تلك الظروف إستثنائية ،إىل أبعد حد ،تكون ثقافة مقاومة الظلم والدفاع عن الذات والشعب ،موضع تقدير وتبجيل من معظم فئات الشعب الكردي ،ومن البديهي أن ينال من يفقد حياته ،ويستشهد
اثناء نضاله حلماية شعبه مكانة مقدسة ،لدى بقية الكرد ،وأن تبقى ذكراه حمتفظة مبكانة سامية يف النفوس .ولكن منذ اإلنتفاضة ،وبعد زوال كابوس الرعب واإلرهاب ،وشروع القيادة الكردية ببناء مؤسسات كردية تتوىل إدارة اإلقليم بنفسها ،بعد سحب بغداد إدارتها منه، ب��دأت مرحلة جديدة هلا متطلباتها اخلاصة بها .صحيح أن احلركة التحررية الكردية كانت متتلك اخلربات بإدارة املناطق احملررة فيما قبل، ولكن التحدي بعد اإلنتفاضة كان ميثل للقيادة ً حتديا كبرياً .وهي جنحت إىل درجة الكردية كبرية يف هذا التحدي ويف مدة قياسية قصرية. ورغم البدايات الصعبة إال أنها إستطاعت القيام ً عوضا عن اجلهاز بتقديم اخلدمات األساسية اإلداري العراقي ،وشكلت حكومة كردية هلذا الغرض وأجرت إنتخابات لربملان اإلقليم .ولكن وقوع احلرب األهلية بني احلزبني الكبريين كان خطري للتجربة الدميوقراطية مطب مبثابة ٍ ٍ الكردية أدى إىل إعاقة تسارعها ،يف حركة إجناز مهامها اليت أخذتها على عاتقها ،وسبب إنقسام اإلدارة الكردية نتيجة للصراع الداخلي إىل إرهاق كاهل املواطن الكردي ،مبعاناة إضافية كان يف غنى عنها .حلسن احلظ متكن احلزبان بعد جهود مضنية حثيثة ومفاوضات طويلة من إيقاف الصراع ،وبعد عدة سنوات من إعادة توحيد اإلدارة الكردية ،ولكن اآلثار السلبية يف نفوس املواطنني الكرد اليت خلفها هذا الصراع، تنمح بالكامل. خاصة يف األجيال الشابة ،مل ِ واآلن بعد مضي ستة أعوام على سقوط نظام البعث يف بغداد ،وبعد مضي ست عشرة سنة على اإلنتفاضة ،تغريت الظروف بشكل هائل .غياب
شبح اإلرهاب البعثي ،وأجواء احلرية اجلديدة، وفك العزلة واحلصار على كل األصعدة ،وتطور تقنيات اإلتصاالت مع العامل الذي أصبح مبتناول يد اجملتمع الكردي أدى إىل إنفتاحه على بقية ً جيال جديداً أثناء ذلك، العامل ،كل هذا خلق إن��ه جيل جتربة احلرية يف اقليم كردستان بإجابيتها وسلبيتها .هذا اجليل خيتلف عن جيل الشباب قبل اإلنتفاضة .لفهم هذا اجليل أكثر ،الذي أصبح اآلن يف منتصف العشرينات من العمر ،حنن حباجة إىل حبوث ودراسات مفصلة، لسنا هنا بصدد معاجلتها وحتليلها .ما أريد قوله أن هذا اجليل التستطيع األحزاب الكردية اليوم خماطبته باخلطاب القومي الكردي السابق، مبا يتضمنه من مقدسات ورم��وز ومفردات. إنها حباجة إىل البحث عن نقاط إرتكاز مواكبة ومالئمة للمرحلة اجل��دي��دة ،من أج��ل كسب ثقة ه��ذا اجليل ال��ك��ردي ال��ش��اب ،وم��ن أجل احلفاظ على مصداقيتها أمامه .املالحظة اليت أثارت دهشيت خالل املهرجان ،هي أن األهتمام بالدين واحلديث عنه اليوم أكثر بكثري ،مما كان عليه احلال قبل مخس عشرة سنة ،ليس فقط من قبل الشباب ،بل ً أيضا من قبل الكوادر والقياديني احلزبيني .قبل مخسة عشرة سنة كان ينظر إىل اإلسالميني بإستخفاف وسخرية، ومل يؤخذوا يف كردستان على حممل اجلد .أنا أعتقد أن املغزى السياسي من وراء إقامة هذا املهرجان من قبل املعنيني ،هو رمبا حماولة البحث عن إمكانيات جديد للتأكيد على نوع معني من اهلوية القومية الكردية اليت الترتكز من كل بد على الكفاح املسلح( لكوادر علمانية) كانت يف املاضي ،وإمنا تعتمد على تفكري قومي
ديين ،مناهض للفكر الوهابي بشدة ،وهذا يعين مناهض للسلفية اإلسالمية .بعبارة أخرى أعتقد أن احلزبني الكرديني الكبريين يريدان تبين صيغة بديلة ،من الفكر الكردي الديين بطريقة مناهضة لطرح األح��زاب اإلسالمية الكردية السلفية مثل بقية األحزاب اإلسالمية السياسية السلفية يف املنطقة والعامل اإلسالمي، وكما قلت هذه جمرد أفكار ،وقد التكون مصيبة بالكامل. ً مارتن :رمبا حتليلك هذا صحيح إنطالقا من مواقف ودواف��ع احلزبني الكرديني الكبريين: اإلحت��اد الوطين الكردستاني والدميوقراطي الكردستاني ،ولكن ال��دور الكبري واملساهمة الفعالة لكل من الدكتور هلكوت حكيم وفاضل كريم أمحد (أي ماموستا جعفر) رئيس اللجنة التحضريية للمؤمتر ،وأن��ا أعلم بأنهما منذ عشرات السنني ،أي ط��وال سنوات معرفيت بهما ،كانا على الدوام مهتمني بكل ما له عالقة باملواضيع والشخصيات الدينية اليت متت بصلة مع الثقافة الكردية .إهتمامهم ونشاطهم هذا مبوالنا خالد ليس جديداً ،وهذا ينسجم مع طبيعة ٍك منهما ،عندما يسعيان وينجحان يف إقامة مثل ه��ذا املؤمتر .مايثري إهتمامي ً شخصيا ،هو معرفة كيف متكنا من إقناع أنا املعنيني على تقديم هذا الدعم السخي ،من أجل إقامة املهرجان. غسان :أعتقد أن لدى قيادة اإلحتاد الوطين الكردستاني فكرة شاملة وجيدة عن كل من ماموستا جعفر وال��دك��ت��ور هلكوت حكيم. عندما تكون ثقة احلزب كبرية إىل درجة إعطاء 195
أقواس
أقواس
196
ماموستا جعفر مهمة تولي مسؤولية مكتب حساس ،من مكاتب احلزب ،مثل مكتب الفكر والوعي ،حينها اليدهشين أن يقنع هذا الشخص املعنيني يف حزبه بتمويل مثل هذا املؤمتر .يف كل األحوال سوف أحيل هذا التساؤل أو السؤال إىل ماموستا جعفر ،كي يرد ويشرح ،بشكل يشفي غليل دهشتك عزيزي مارتن .حتى ذلك احلني أود أن أحرض ميخائيل كي يتفاعل مع طاولتنا املستديرة ،بشكل أكثر حيوية ،حتى اآلن كانت مساهمتك أنت ميخائيل يف نقاشاتنا األقل ،مع ذلك أنت مستمع جيد ،وهلذين السببني أريد ً تعليقا على طرح ميخيل حول تعاطي منك اإلدارة الكردية مع الثقافة الدينية ،على ضوء اإلنطباعات اليت تكونت لديك خالل إسبوع، من اإلقامة هنا يف إقليم كردستان. ميخائيل :احلقيقة أنا أستمتع بالطروحات واآلراء اليت أمسعها منكم ،وهي تثري إهتمامي. لقد ش��ارك��ت يف م��ؤمت��رات ع��دي��دة ،ويف دول إسالمية خمتلفة يف آسيا الوسطى ،وبشكل خاص يف مناطق اإلحتاد السوفييت السابق ،أو يف مناطق اإلحتاد الروسي اإلسالمية .سبق أن ذكرنا األجواء الدميوقراطية اليت سادت أجواء املؤمتر هنا ،أن جتربيت مع املؤمترات األخرى ختتلف عما رأيته هنا .هذه املؤمترات تتعلق ً أيضا بالصوفية .حاولت ه��ذه امل��ؤمت��رات أن تتناول شخصيات مشايخ صوفيني من القرون الوسطى ،كي تقوم ب��ذات الوقت باإلحتفاء بهويتها القومية والدينية ،ولكن بطريقة ختتلف بالكامل عن املؤمتر هنا .املؤمترات هناك توجه من األعلى ،بشكل مركز وصارم ،والجتري نقاشات ،تطرح فيها آراء متناقضة ومتضاربة،
ويف النهاية خي��رج امل��ؤمت��رون ه��ن��اك ببيان مشرتك ختامي ،يرد فيه على سبيل املثال، قبول حتليل الشيخ (أبو سعيد أبو اخلري) من القرن الثالث عشر ،كما خترج توصية بإطالق إسم (أبو سعيد) على أحد املستشفيات ،وجيب أن يطبع كتاب عن (أب��و سعيد) .تطغى على هذه املؤمترات إسلوب تفكري مشولي ،ميلي من األعلى على من هو أدنى ماجيب ،وكيف جيب، أن يتم التعاطي مع هذا اإلرث الثقايف الديين. هنا خيتلف املؤمتر بالكامل عن تلك املؤمترات يف آسيا الوسطى ،وهذا ما آثار إعجابي .تعدد اآلراء املطروحة وتناقضها ،يأتي من يقول أن موالنا خالد كان شيخ طريقة صوفية ليس إال ،ثم يأتي بعده من يقول ان موالنا خالد كان ضد البابانيني ،والتالي يقول أنه كان مع البابانيني. ثم يأتي الشاعر لطيف هلمت ،ليخربنا أن هذا ً صوتا كله ال عالقة له بالصوفية .ونسمع ً معرتضا يقول: ((ماذا يفيدنا كل هذا؟)) .أعتقد كان هذا أحد الشباب امللحدين ،هل يوجد اروع من تعدد اآلراء ه��ذا؟ صحيح ان احلركة التحررية الكردية القومية إستفادت يف عملية جتنيد املؤيدين من الرتاث الصويف الكردي يف القرن التاسع عشر، وإستخدمته من أجل حتقيق أهداف سياسية. ولكن اجلمهور الكردي يتعامل اليوم مع تراثه الصويف القومي بروحية تعدد املواقف واآلراء. ميخيل :ولكن كان هناك من ح��اول إقرتاح بعض التوصيات على املؤمتر. غسان :صحيح ،ولكن هذا خيتلف عن البيان املشرتك الذي يأتي من األعلى ،ويتوجب على
املشاركني يف املؤمتر أن يقبلوا به .وهذا مامل حيدث يف هذا املؤمتر على اإلطالق. مارتن :هذا خيتلف بالكامل بالفعل عن أجواء املؤمترات يف وسط آسيا اليت حدثنا ميخائيل عنها. غسان :إذا وضعنا العوامل السابقة اليت حتدثنا عنها ،واليت لعبت دوراً ً مهما بالنسبة للكرد والصوفيني واملسلمني ،وحبثنا عن زاوية نظر أخرى نرى من خالهلا موالنا خالد والطريقة اخلالدية النقشبندية أكثر آنية وأهمية ،هل جيدي هذا البحث ويفضي إىل ابعاد جديدة تغين واقعنا اليومي اآلن؟. ً مارتن :إذا تركنا العامل السياسي جانبا وألقينا نظرة على العامل مبجمله ،فإننا نرى اليوم أن مجيع الشعوب إختلفت نظرتها إىل الدين .اليوم يرى الكثريون أن للدين دوراً أهم بكثري مما كانوا يرون يف السابق .إنهم يرون الدين كجزء مهم من ثقافاتهم ،ومعرب عنها .وهذا خمالف لوجهة النظر اليت كانت سائدة لدى جيلنا .حنن ظننا أن عصر الدين قد وىل .فكرنا لفرتة طويلة أن الدين شيء خيص املاضي ،ولكننا نكتشف اليوم أن الدين إستعاد أهميته ل��دى الناس. عندما كنت يف السبعينات هنا يف كردستان مل يظهر الناس الذين كنت أحتدث معهم أي إهتمام ب��اإلس�لام ،بينما أرى اليوم الطرق الصوفية واحلركات اإلسالمية احلديثة ،صحيح التشكل األغلبية يف اجملتمع الكردستاني ،لكنها تشكل اقلية مهمة فيه ،إضافة إىل أنها قوة ثقافية وسياسية هلا وزنها .وهنا جيب علينا أال ننسى اإلشارة إىل الثقافة الكردية ،إىل األدب الكردي وإىل أهم أعمدته ،وهو الشعر الكردي ،فنرى
معظم الشعراء الكرد الكالسيكيني إستخدموا الرموز اإلسالمية ،عدا أن عدد ليس بقليل ً مشاخيا .وهكذا ليس من املستغرب منهم كانوا اإلكتشاف اجلديد للرموز اإلسالمية ،والنظر إليها ،كأحدى أدوات الوعي القومي. ميخيل :منذ إنهيار الكتلة اإلشرتاكية شرق أوروب��ا سنة ( ،)1989وبعد تفجريات ()11 اي��ل��ول سنة ( )2001يف ال��والي��ات املتحدة األمريكية ،برز فجأة إهتمام جديد بالدين، كمضمون سياسي ،مل يكن موجوداً يف السابق. وه���ذا ليس جم��رد ع���ودة إىل ال��دي��ن القديم وتسييسه ،ولكنه شكل خمتلف من إضفاء نوع من الشرعية األخالقية على السياسة .السياسة اليوم مل تعد كما كانت يف السابق ،إنها ليست تكراراً لألزمات ،كاحلديث عن احلرب الباردة، وما شابه من األزمات السياسية القدمية .تبسيط صحيحا ً ً دائما ،كاحلديث السابق عن األمور ليس أن احلزب الدميوقراطي الكردستاني هو حزب العشائر ،وأن اإلحتاد الوطين الكردستاني هو حزب املثقفني من أهل املدن ،وهذا تبسيط يشبه القول القديم أن الدميوقراطي الكردستاني هو حزب اللهجة البادينانية واإلحتاد الوطين الكردستاني ه��و ح��زب اللهجة السورانية. والقول بأن اإلحتاد الوطين هو حزب الطريقة القادرية الدميوقراطي الكردستاني هو حزب الطريقة النقشبندية ،هو من نفس نوعية هذه مغر للذهاب إىل مثل هذه التبسيطات .األمر ٍ التبسيطات املرحية ،ولكن ليست بالضرورة أن ً دائما ،ولكين تكون هذه التبسيطات صحيحة ً شخصيا البحث عن أن��واع التعبري عن أح��اول األزمات اجلديدة .وتوصلت إىل صيغة جديدة 197
أقواس
أقواس
198
للتعبري عن األزمات. مارتن :ماذا تقصد بهذه الصياغة اجلديدة لألزمات؟. ميخيل :أنا أعين أنه ليس من السهل إجياد صياغة جديدة للتعبري عن األزمات بني اإلحتاد الوطين واحلزب الدميوقراطي الكردستاني .إن احلزبني حياوالن باملعنى احلريف للكلمة ،خوض اإلنتخابات القادمة يف إقليم كردستان بقائمة م��وح��دة .ل��دى ه��ذان .احل��زب��ان إيديولوجية مشرتكة ،وهي مايسمى ((ثقافة الشهيد)) ،كما ً ً مشرتكا ،وهو اإلسالم املسيس. حتديا يواجهان كنت أجتول اليوم يف بازار السليمانية ،فإلتقيت بأحد الشباب الكرد يف مكتبة ،وكان قد أشرتى نسخة مرتمجة إىل الكردية من كتاب جربان خليل جربان ((النيب)) .األمر الالفت للنظر أن هذا الكتاب املرتجم أىل اللغات األوروبية، منذ أكثر من ( )100سنة ،وينظر إليه هناك بوصفه ً نوعا من الشخصيات الروحية الشرقية. ولكن جربان يعترب يف العامل العربي واحداً من املساهمني مبا يسمى (عصر النهضة) األدبية العربية ،وليس شخصية روحية أو دينية ً بل جم��دداً لغويا .ولكن على مايبدو أن اليوم أصبح الناس جيدونه هنا يف الشرق األوسط بصفته شخصية روح��ي��ة .إنهم ي��رون فيه اجلانب الروحي ،وهذا هنا جديد .إن مصطلح ((روحانية)) ذاته هو مصطلح جديد ،وله قصة خاصة به .يبدو أن احلاجة إىل ((الروحانيات)) ً عوضا عن احلاجة إىل النضال من أجل القضايا اإلجتماعية والطبقية والعدالة ،هو تطور جديد ،وليس ببساطة عبارة عن تكرار االزمات سابقة من امل��اض��ي .رمب��ا يوافقين ميخائيل
وغسان يف رأيي هذا ،أما مارتن فانا لست متأكداً. األفضل أن أترك زمام األمور إىل غسان ،ليمسك خيوط اجللسة ،من جديد ،ويطرح أسئلته. غسان :رمبا يريد أحد غريي طرح السؤال التالي؟. ميخائيل :أنت بدأت بهذه املهمة ،وجيب عليك إكماهلا .التهرب ليس من صفاتك. غسان :كما تريدون .تصوروا أن مؤمتر موالنا خالد أقيم يف مكان آخر ،يف برلني أو أمسرتدام أو يف مدينة أوروبية أخرى ،هل كان سيجري على غرار ماجرى يف السليمانية ،أم بشكل خمتلف؟ ميخائيل :هذا السؤال أعجبين جداً ،لكين أرى أن مارتن متحمس جداً للرد عليه .فليبدأ ً أوال. مارتن :شكراً ميخائيل .لو أقيم هذا املؤمتر يف مدينة أوروب��ي��ة ،لكان ج��رى بشكل آخر. وأنا ذاتي تصورت قبل إنعقاده ،بأنه سيجري بطريقة خمتلفة بالكامل عما رأيته .ألن هلكوت حكيم ،وه��و زميل يف املهنة لي يف األوس��اط األكادميية األوروب��ي��ة ،حتدث يف كلمة إفتتاح املؤمتر عن املؤمتر الذي عقد سنة ()1985 عن النقشبندية يف فرنسا ،حيث شارك هو فيه، وأنا ً أيضا .تصوري املسبق عن املؤمتر هنا يف السليمانية كان حضور حشد من الزمالء ،من عدد من اإلختصاصات ،كعلماء التاريخ ،وعلماء النصوص ،واملخطوطات ،وعلماء اللغة ،وعلماء دين خمتصني بالطريقة النقشبندية ،ولكن األمور جرت بغري الشكل الذي توقعته .املثري لإلهتمام أنه كان عدد من العلماء املختصني بني احلضور ،ومن بينهم حنن كعلماء أجانب، ولكن كان هناك عدد ضخم من العلماء من شتى اإلختصاصات من كردستان ،علماء لغة ودين،
وعلماء خمطوطات وتاريخ وجامعي خمطوطات ودارسني وقراء خمطوطات. وك��ان هناك كتاب وش��ع��راء ،إضافة إىل عدد كبري من املشايخ ،ورجال الدين ،وأصحاب طرق صوفية ،وحشد كبري من املثقفني والسياسيني واملهتمني بالصوفية ومبوالنا خالد .كان لقاء ً طبيعيا وحيويا. هذا احلشد املشرتك واملتنوع اجلميع جلس وطرح وناقش واستمع بطريقة عفوية .هكذا الميكن أن حيدث يف أوروبا .لوجرى هذا املؤمتر يف أوروبا رمبا دعا القائمون عليه أحد املشايخ كرمز للمشاركة يف املؤمتر ،على ً غريبا عن األجواء ،إضافة إىل األغلب ،بوصفه العلماء املختصني .الميكن أن يكون هذا املؤمتر يف أوروبا مبثل الروعة واحليوية اليت كان عليها يف السليمانية. اجلزء الثاني -إم��ت��دت ج��ل��س��ات احل����وار وال��ن��ق��اش ح��ول ((طاولتنا املستديرة)) على إمتداد مثانية أيام يف عدة ج��والت حسب ماسنحت لنا الفرصة خالل ايام املؤمتر الثالثة ،اليت كانت حافلة بالبحوث واملناقشات واملداخالت .كنا نتبادل إنطباعاتنا ح��ول معايشاتنا للمؤمتر خالل وقفات اإلسرتاحات أو اثناء الفطور وقبل البدء بالربنامج اليومي للمؤمتر وخالل تناول وجبة الغداء .ثم نتابع حواراتنا املاراثونية مسا ًء بعد إنتهاء فعاليات املؤمتر ،وذلك بال كلل أو ملل. كنا حنن األربعة نستمتع بكل معنى الكلمة بهذا التواصل وموضوعه ،ورمبا هلذا السبب مل حيس أو يشكو احد منا من التعب أو اإلرهاق رغم الساعات الطوال اليت قضيناها يف االستماع
إىل اإلحباث والدراسات اثناء املؤمتر ثم جلسات أو وقفات حواراتنا ط��وال النهار واإلستمرار فيها حتى ساعات متأخرة من الليل .كان كل منا يقول لآلخرين ،سوف يكون بعد املؤمتر متسع م��ن ال��وق��ت ك��ي ن��رت��اح ،اآلن فرصتنا فلنتابع طاملا أمامنا الفرصة .وهذا مافعلناه حتى بعد نهاية املؤمتر خالل األي��ام اخلمسة اليت ترافقنا خالهلا يف اجلوالت اإلستطالعية يف شتى أرجاء كردستان وزياراتنا حللبجة وطويلة وبياره وسركلو وبركلو وإىل خمتلف التكايا واخلانقات واألض��رح��ة يف أماكن خمتلفة من املدن والقرى والقصبات .صحيح أني كنت أوجه أغلب األحيان أسئليت إىل الربوفيسور مارتن فان بروينسن ،ولكن مل يكن هذا هو السبب الوحيد لقلة مداخالت الربوفيسورين ميخائيل وميخيل ،بل ألنهما كانا يفضالن اإلستماع إىل مايقوله مارتن األكثر خربة ،أو بسبب موافقته برأيه فيما يقول .كنا حنن الثالثة نستمتع بسماع مايرويه مارتنً ، أوال بسبب إهتمامنا ً وثانيا ألن مارتن لديه املقدرة مبوضوع احلوار، على صياغة أفكاره مهما بلغت من التعقيد، بلغة سلسة يفهمها ويستسيغها كل مستمع. ً احيانا باحلديث بسبب كنت أتركه يسرتسل أهمية مايرويه ويفسره ويستنتجه من جهة، ً ُ أحيانا بسماع معلومات منه مل أتفاجئ وألني أكن أعلمها صراحة رغم أني ك��ردي .أحياناً أخرى كنت اقاطعه وأستفزه كي أحرضه للبوح ً أيضا مبا يعتلج داخله من مشاعر وليس فقط مبا يفكر به عقله .فأنا أعرف أن هذا اإلنسان ً ً وعاملا يف جمال خمتصا بالقضية الكردية ليس ً اجملتمع الكردي وملما بتاريخ أدب وثقافة 199
أقواس
أقواس
200
ً عاطفيا بالكرد يف شتى الكرد فقط ،بل يرتبط أجزاء كردستان وخارجها منذ أكثر من ثالثة عقود ،حيث نشأت خالهلا صداقات كثرية بينه وب�ين اشخاص ك��رد من شتى األن���واع .كانت إستفزازاتى له تسره وسرعان مايلتقط مفزاها وي��رد عليها بداعبة ماكرة تتضمن بدورها ً ((حسنا ،لك ماتريد)). إستفزازاً ،كانه يقول: على سبيل مثال كنت يف سياق سؤال ما اقول ً ً كرديا ....ماذا مواطنا له (( :بصفتك لست ترى ،أو ما رأيك بإعتبار الكرد موالنا خالد ً ً رمزاً كرديا؟)) فيجيبيين حبزم وحتدي: ثقافيا ً كرديا؟)) فيضحك (( ومن قال لك أني لست كل من ميخائيل وميخيل ويتشفون بود من مارتني كونه وقع يف املصيدة وباح حببه للكرد، األم��ر ال��ذي كنت اسعى لسماعه منه .فتعلو ً حسنا ،إذا كانت التهمة ضحكته وهو يقول (( : أني أحب الكرد ،فأنا أتشرف بهذه التهمة)). بعد تبادل املزاح والدعابات نعود مرة أخرى ملتابعة مواضيعنا وحواراتنا بقدر كاف من اجلدية واملوضوعية .أثناء ذلك إنتهى املؤمتر وأصبح الظرف أكثر مالئمة إلستمرار نقاشنا بهدوء نسيب إذا أن األصدقاء مارتن وميخائيل وميخيل ق��رروا البقاء يف كردستان عدة أيام أخرى بهدف اللقاء باملعارف الكرد واألصدقاء والقيام جبولة للتعرف على معامل وخلفاء ومريدي الطريقة اخلالدية النقشبندية اليوم يف كردستان .بعد جتوالنا يف املدينة القدمية يف السليمانية خرجنا من ش��ارع مولوي إىل ش��ارع س��امل .ك��ان مارتن وميخيل يتناقشان حول اإلختالف بني اللهجات الكردية ،وخاصة الكرماجنية الشمالية (بادينانية) والكرماجنية
ً متفاجئا اجلنوبية (السورانية) .كان ميخيل أن الفرق ليس إىل احلد الذي كان يتصوره ،فهو يتقن الكرماجنية الشمالية بشكل جيد كمارتن، واكتشف ذلك لدى مساع الكرد هنا يف السليمانية يتكلمون بالسورانية .ك��ان يفهم مايقولون وجييب بالكرماجنية الشمالية .وكان مارتن من رأي ميخيل ،أما ميخائيل فهو اليتقن الكردية، إن��ه يتقن العربية ،لكنه يتمنى أن يتعلم الكردية ً يوما ما .إقرتحت عليهم الدخول إىل حديقة الشعب كي يشاهدوا التماثيل النصفية هناك للشعراء والشخصيات الكردية املوجودة فيها .بعد ذلك جلسنا قرب قسم ألعاب األطفال. وعدنا إىل حديثنا عن موالنا خالد: غسان :بغض النظر عن التأثريات اليت خلفها موالنا خالد على اجملتمع الكردي واحلركة الصوفية واحلركة التحررية الكردية ،هل أثرت طروحاته وأعماله على اآلخرين كغري املسلمني أو غري كرد؟ مارتن :الأستطيع تقييم ذلك ،فأنا لست خمتصاً مبوالنا خالد كما أني مل أقرأ أعماله بصراحة. ولكين مطلع على التأثريات اإلجتماعية اليت تركها يف اجملتمع الكردي على األقل .على سبيل املثال إستطاع أن يسبب حركة حيوية عاصفة يف احلركة النقشبندية جتلت بالدرجة األوىل يف ًَ عمليا على طريقة ممارسة الطريقة الصوفية أرض الواقع ،فقد عمل على تقوية مايسمى بـ (الرابطة) مع خلفائه الذين كانوا بالتالي صلة الوصل بينه وبني املريدين األمر الذي حافظ على بقاء الطريقة متمركزة حول شخصه ملدة طويلة ،وحنن رأينا أنه بعد وفاته بنصف قرن ً مرجعا بالنسبة للثورات كان بشكل أو بآخر
والتمردات الكردية .وهكذا بوسع املرء رؤية تأثريه على احلركة التحررية القومية الكردية يف مشال وجنوب كردستان .أكرر القول أني ال استطع احلديث عن أفكار ،ولكن أجد أنه من األهمية مبكان إستكشاف عوامل فكره من قبل املختصني وتقييمه وتسليط الضوء على عالقة هذا الفكر ببداية حركة التحديث ،وفيما إذا كان قد تضمن مثة عناصر من عناصر التحديث. غسان :إستمعتم اثناء املؤمتر إىل النقاشات واجل��داالت حول حقيقة دور موالنا خالد أو تأثريه على احلركة القومية التحررية الكردية، األراء كانت متضاربة بشكل الفت للنظر ،فبعض اآلراء كانت ترى فيه املكافح القومي الذي يضمر يف أفكاره شيئا يصل أىل حد تأسيس دولة كردية ً مستقلة ،وآراء أخرى ترى أنه لعب دوراً رجعيا ً تقريبا ،ورأي آخر الي��رى يف أو ماشابه ذلك الرأيني األول والثاني مايشري إىل احلقيقة ألن موالنا خالد مل يكن سوى واح��داً من مشايخ الطرق الصوفية الكثرية رغم تمً يزه يف هذا اإلطار .أين تقف أنت برايك بني هذه اآلراء؟. ميخائيل :يف احلقيقة كل رأي من هذه اآلراء املتضاربة يشكل جزء من احلقيقة. غسان :ولكن كل واحد من هذه اآلراء ينفي ويفند صحة اآلراء األخ���رى ،واليقبل احلل ً تقريبا. الوسط مارتن :أنا أستطيع اجلزم بأنه مل يكن قومياً، أقصد قومي باملفهوم السياسي ،ألنه مل يكن يف عصره وارداً طرح تأسيس دولة قومية كردية موحدة ومستقلة ،ولكن وعيه بإنتمائه القومي ً واضحا ،فهو كان يدرك إختالفه ككردي كان عن العرب أو الرتك .عدا ذلك كان هو من أوائل
الذين كتبوا باللغة الكردية ،ولذلك يعترب عن جدارة كواحد من (اآلب��اء)) الذين شرعوا بالكتابة باللهجة السورانية .موالنا خالد مل يكن غري مسيس ،ألننا نعلم بأنه ح��اول يف البداية إنشاء عالقة مع البابانيني ،وبعد ذلك اصبح على عالقة وثيقة مع احلاكم يف بغداد، وهذه سلوكيات سياسية .ويقع ضمن هذا اإلطار موقفه املناهض للشيعة واملسيحية ،وموقفه من احلكومة الكافرة يف اهلند ( املسيحية) صحيح أنه مل يناهض اإلستعمار بطريقة منهجية، ولكنه كان ينفر من الربيطانيني ،وقد ملس ري��ج ل��دى موالنا خالد أن��ه ك��ان ي��درك تأثري احلكومة الربيطانية يف اهلند على الوضع يف ايضا وهلذا السبب كان موقفه منها ً العراق ً سلبيا على مايبدو .عدا ذلك موقفه السياسي كان كما ذكرت التقرب من احلكام ومناهضته للمسحيني والشيعة احملليني. غسان :ماهي الدوافع اليت كمنت وراء تقرب موالنا خالد من أصحاب السلطة. مارتن :الش��ك بأنه ك��ان يهدف من التقرب حتقيق اق��ص��ى م��ا ميكنه م��ن ت��أث�ير ونفوذ إجتماعي عرب عالقاته مع احلكام ،إضافة اىل تقوية موقفه يف مناهضة الشيعة واملسيحيني ورمبا َ ايضا أنشاء حتالف حملي مسلم سين يف مواجهة الربيطانيني الذي مل يكن خيفى نفوره منهم على اإلطالق.كما جيب أال ننسى التنافس بني مشايخ الطرق الصوفية ،وقرب هذا الشيخ أو ذاك من احلاكم يعززموقفه يف مواجهة املشايخ اآلخرين. ميخيل :جيب أن اقر بان معلوماتي عن أعمال موالنا خالد حمدودة للغاية ،من القليل الذي 201
أقواس
أقواس
202
أعرفه عن أعماله كتاب ((عقيدة نامه)) وكتاب (( اإلعتقاد نامه))وهما موجهان إىل العلن ،اي ليس من ضمن التعليمات الداخلية اليت كان يكتبها إىل خلفائه ومريديه .الذي لفت إنتباهي خالل املهرجان هو احل��وارات والنقاشات اليت متيزت بالطابع الفكري والسياسي ،مل تقتصر على ه��ذي��ن اجلانبني ب��ل ك��ان��ت اي��ض ً��ا على املستوى الروحاني والعرفاني الداخلي ..وقد جرى خالل املهرجان مناقشة هذين املستويني ومدى عالقتهما وتأثريهما يف الوقت الراهن على الناحية السياسية .مل حتظ هذه املنطقة حتى اآلن بالدراسات الكافية وبالتحليل الذي تستحقه .وأن��ا آم��ل أن تؤخذ ه��ذه النقطة باإلهتمام الكايف من قبل املختصني يف املستقبل القريب. ماأثار إنتباهي لدرجة كبرية هو اجلدل الساخن جداً الدائر بني ((التقليدي)) و((احلداثوي)). وج��ه��ة ن��ظ��ري الشخصية ح��ول ه��ذا اجل��دل ح��ول ال��ص��راع بني الطروحات والكليشهات الكالسيكية ،أي بني التقليدي الديين من جهة واحلداثوي ،أو العلماني القومي من جهة أخرى. برأيي أنا اليصح النظر إىل احلداثة كمفهوم بهذا الشكل املبسط ،ألن أهم شيئ يف احلداثة هو النظر إليها كمفهوم سياسي شامل وهي مالصقة للتغيريات املرتاكمة ضمن إطارها واليت أفضت إىل تغيريات جوهرية .من الضروري التفكري ضمن سياق موضوعنا ،أي موالنا خالد، بالدرجة األوىل بأن عالقة مفهوم السياسي أو السلطة أو احلاكم لدى موالنا خالد كانت تغلب عليها مسحة تقليدية واضحة ،وذلك عرب البحث عن أصحاب السلطة ،رمبا من أجل احلصول على
((النصيحة)) ،ولكن ب��ذات الوقت من جهة ً حداثويا منه سعيه لكسب اجلماهري أخرى يبدو الواسعة كمريدين ومؤيدين من عامة الشعب. صحيح أن عدد مريدي طريقته شهد أثناء حياته عددا فاق عدد مريدي أقرانه من املشايخ الصوفيني ،ميكن القول أنه إكتسح الساحة، ولكن إحتاجت طريقته إىل مئة عام تقريبا كي تصبح مجاهريية على نطاق كل أرجاء العامل ً سياسيا يف بداية القرن اإلسالمي ولكي تؤثر العشرين على قطاعات واسعة بني اجلماهري الكردية .لكن يظل موالنا خالد هو أول من بادر بكتابة أدبيات طريقته باللغة الكردية .أعود ألقول أن الدراسات الزالت شحيحة حول دوره وتأثري طريقته يف احلركة القومية التحرية الكردية. غسان :رغم مشاركتنا الفعالة حنن األربعة يف فعاليات ه��ذا املهرجان وإنشغالنا باحلوار والنقاش حول الدور السياسي واإلجتماعي عدا الصويف الديين ،نبقى مع ذلك لسنا أخصائيني وال اق��ول لسنا مهتمني وك��ل منا له دوافعه للمشاركة ،وأقلها الفضول ،واحلال هكذا هل ترى ً مشروعا ،ملاذا النلم بكل طرح السؤال علينا أعمال موالنا خالد. م��ي��خ��ائ��ي��ل :ألن���ك نفسك ق��ل��ت أن��ن��ا لسنا أخصائيني ،وه��ذا جزء من احلقيقة ضئيل. أنا مهتم بنابليون بونابرت وتأثريه السياسي واإلجتماعي والتارخيي ولكين مل أقرأ أعماله، واحل��ال هذه تنطبق على موالنا خالد .وكما قال ميخيل مبا معناه أن موالنا خالد كشخص ظاهرة مل تأخذ حقها مبا فيه الكفاية من تسليط االض���واء وال��دراس��ة والبحث يف شتى
اجلوانب الضرورية. مارتن :القاسم املشرتك الذي جيمع فيما بيننا بصدد موضوع موالنا خالد هو الدور الذي لعبه يف شتى النواحي وه��و األم��ر ال��ذي شكل أكثر إهتمامنا. غسان :وأنت ميخيل هل لديك ماتضيفه يف هذا السياق؟ ميخيل :مل أحتدث يف احملاضرة اليت ألقيتها يف املهرجان عن هذه النقطة ،ولكين ذكرت فيها أن مارتن يهتم بالناحية اجملتمعية التارخيية، بينما انا أهتم بالناحية الفكرية التارخيية. من املثري لإلهتمام متابعة البحث والدراسة من خالل ربط هاتني الناحيتني من أجل كشف تأثري كل منهما باألخرى .بعض األفكار مرتبطة بالدين أو بالتجربة العملية السياسية ،ولكن الحتقق مجيع ه��ذه األفكار النجاح ،وبعضها حيقق النجاح يف التجربة بشكل يثري الدهشة، وإذا كان بوسع املرء فصل تعاليم موالنا خالد عن جتربته العملية ،يف هذه احلالة فقد حقق درجة عالية جداً من النجاح والتأثري.. ً إنطالقا من وجهة النظر التارخيية إذا غسان: قارنا بني شخصية موالنا خالد مع شخصيات أخ��رى عرفناها يف تاريخ احلركات الصوفية والدينية مثل حممدين عبدالوهاب أو حممد عبده أو أمحد ابن إدري��س أو الشيخ ولي اهلل وغريهم من الشخصيات ال�تي عرفها تاريخ احلركات الدينية والصوفية ،ماهي النتائج اليت سوف تفضي إليها مثل هكذا مقارنة؟ ميخائيل :تأثري موالنا خالد مل يكن أقل من التأثري الذي أحدثته بعض هذا الشخصيات ،بل فاق التأثري الذي حققه بعضهم اآلخر .األمر
الذي الأستطيع شرحه ملاذا مل ينل موالنا خالد ً ً مماثال من البحث والدراسة كهؤالء ومل نصيبا جير حتليل ك��اف لشخصيته كظاهرة تركت بصمتها يف تاريخ احلركة الصوفية .ولكن أعتقد أن ميخيل يستطيع شرح هذه النقطة أفضل. ً ايضا ال أستطيع تفسري اسباب ميخيل :أنا التقصري حبق موالنا خالد ون��درة الدراسات والبحوث حوله مقارنة مع االمساء اليت وردت واليت فاق تأثري موالنا خالد التـأثري الذي تركته معظمها .مهما يكن فإن الطريقة اخلالدية حتى بداية القرن العشرين بكل األح���وال وصلت إىل مرحلة من األهمية التقل عما كانت عليه احلركة السلفية ،ولكن اليوم اليسمع املرء سوى عن احلركة السلفية ،على األق��ل نسمع اليوم عن احلركة السلفية أكثر بكثري مما نسمعه عن احلركة اخلالدية .بالطبع توجد حقائق تارخيية ك��ان هلا دوره���ا ،على سبيل املثال ق��رار منع الطرق الصوفية يف تركيا بداية القرن العشرين، وهذا القرار ركز بشكل خاص على الطريقة اخلالدية .وهناك حقيقة تارخيية أخرى ،وهي إستيالء احلركة الوهابية على مكة ،األمر الذي شكل ضربة قاسية للحركة اخلالدية ألن مكة توقفت بذلك عن كونها مركزاً ألنشطتها .كما الميكن جتاهل ثورة أكتوبر يف روسيا وتشكيل اإلحتاد السوفييت ،الذي كان يشمل اجلمهوريات االسيوية والقوقاز مما تسبب تضييق اخلناق على احلركة اخلالدية وبالتالي تراجع وإحنسار أنشطتها .أما ماحدث يف القرن التاسع عشر فهو يدعو املرء لإلنبهار واإلعجاب ،ما إطلعت عليه هنا يف املهرجان أذهلين .وكما سبق أن اشرت اىل إهتمامي بالتوليفة فيما بني تاريخ األفكار وبني 203
أقواس
أقواس
204
التاريخ اإلجتماعي ،وملاذا بعض األفكار حتظى يف وقت ما بالنجاح ثم تتالشى يف وقت آخر ،وهنا جيب أن تسلط األض��واء على التجربة العملية لفهم سريورة ماحيدث مع مثل هذه الظواهر، ففهم العقائد واألفكار وعمليةالتنظيم التفسر ذلك مبفردها. ميخائيل :أنت تتحدث عن تاريخ األفكار ،أنا ال أعلم عن أية فكرة تتحدث أو تقصد .األشياء ال�تي ح��ددن��اه��ا بطريقتنا ه��ذه ه��ي عملية تبسيط إىل اقصى مدى .أنها تبسيط للتجربة العملية وللعقيدة وذلك بإستخدام لغة أبسط. حنن النعلم فيما أذا كانت توجد أفكار أخرى على مستوى عقائدي تنتج بالفعل نظريات، سواء كان هلا عالقة بالعصر الراهن أو العالقة هلا ،لكنها ضمن النسيج التقليدي فقط كانت خمتلفة عما سبقها ،ويف احلقيقة هذا بالنسبة مهماً ، لنا ليس ً مهما بالنسبة لنا كما قال مارتن هو التأثري .وعندما أتأمل النقشبنديني الذين أعرفهم ،أرى أن كل أعماهلم تتحرك ضمن إطار حمدد ومعني والخترج على اإلطالق خارج هذا اإلطار .املهم هنا برأيي ،وهو ماال يفعله موالنا خالد ً أيضا ،أعتقد أنه متكن من كسب املؤيدين عرب تبسيط أفكار الصوفية اليت صاغها غريه بطريقة معقدة تصعب على الناس البسطاء فهمها .هذا إنطباعي الشخصي الذي ال استطيع دعمه بإستشهادات من األعمال اليت خلفها. غسان :إنطباعك الشخصي صحيح ميخائيل إال أنين ارى ان تبسيط موالنا خالد لألفكار الصوفية ال�تي روج هلا ليس لوحده السبب وراء كسبه أعداداً كبرية من املريدين يف الفرتة ً نسبيا اليت دعى ورج خالهلا لطريقته، القصرية
خاصة وأن الساحة مل تكن خالية من الطرق الصوفية اآلخ��ر ،بل بالعكس من ذل��ك لدى عودته من اهلند إىل كردستان كانت الطريقة القادرية هي املسيطرة فيها .البد من وجود أسباب أخرى ً ايضا ،ماهي؟ مارتن :هناك ظاهرة إجتماعية تتعلق بطبع شخصيته ،إذا قمنا بتبسيط املسألة سوف نغفل عن قضية الكاريزما ،حنن نعلم من خالل وصف معاصري موالنا خالد لشخصيته بأنه كان ميتلك كاريزما قوية ج��داً ،وقد إعرتف شيخه ش��اه غ�لام يف اهلند بذلك وك��ل الذين عاصروه هنا يف السليمانية على سبيل املثال، حتى بعد مماته مبدة طويلة إستمر احلديث عن الكاريزما القوية اليت كان يتمتع بها. ميخائيل :ولكن هذا ال عالقة له باألفكار! م��ارت��ن :ه��ل أن��ت متأكد أن الع�لاق��ة لذلك باألفكار؟ ميخائيل :إذا أخذنا الشيخ اهلندي الذي كان ً مناهضا لإلحتالل الربيطاني ،ال أذكر إمسه.. مارتن :تقصد الشيخ ولي اهلل. ميخائيل :بالضبط .عندما نفكر بالشيخ ولي اهلل أو باملدارس اإلسالمية اهلندية ،نفكر باحلال مبسألة الكفاح ضد اإلستعمار الربيطاني،حيث نرى فجأة ظهور تصنيف جديد للعقيدة ،حيث يصبح احلديث عن البلد اليت حيكمها الكفار بأنها ((دار الكفر)) .باحلقيقة هذه الفكرة اجلديدة تناقض حقيقة أن املسلم املؤمن الجيري منعه من ممارسة عبادته من قبل احملتل الربيطاني ال��ذي اليتدخل يف ش��ؤون املسلمني الدينية. صحيح هناك إحتالل بريطاني ولكن هذا اليغري على أرض الواقع حقيقة أن هذا البلد رغم
ً أنه حمتل لكنه يبقى بلداً إسالميا بكل معنى الكلمة .مصطلح (دارالكفر) هو عبارة عن فكرة ً تظهر وحتدث اثراً سياسيا .اثناء املهرجان مل أمسع ً شيئا من هذا القبيل .مامسعته هو أقرب ً شخصا ع��ادي ً��ا ج��داً، إىل أن موالنا خالد ك��ان رجل متمسك بدينه ولطيف املعشر وميتلك نفوذاً ً قويا على مريديه ،وهذا ليس له عالقة بالكاريزما ،ومعظم الناس تقول عنه أنه كان ً ً ومتفهما.... منفتحا للنقاش ً ً لطيفا (مقاطعا) الشيعة مل جي��دوه مارتن بسبب موقفه منهم. ميخائيل :الاذكر أنه جرى التطرق إىل هذه النقطة أثناء املهرجان ،وال اعلم مالسبب مارتن :كما أنه مل يظهر الود جتاه اهلندوس عندما كان يف اهلند ،وه��ذا يثبته تقرير من اهلند يتحدث عن موقفه العدائي املباشر جتاه اهلندوس. ً ميخائيل :حتى لوكان ه��ذا صحيحا ،فإنه اليتعدى إطار نسيج جممل آرائه بكل األحوال. مارتن :بالطبع ،الشك بذلك حتى موقفه املناهض للمسيحيني رغم أنه كان أكثر عدا ًء، لكنه مل يبلغ حدود التعصب مثل بعض املشايخ اآلخرين .والدليل على ذلك نراه لدى خلفائه وأتباع طريقته حتى اليوم النسمع أو نقرأ مثل هذه املواقف. غسان :موقفه من اإلمرباطورية العثمانية ال�تي ك��ان ي��رى فيها دول��ة اخلالفة العثمانية وت��أي��ي��ده هل��ا يف ص��راع��ه��ا م��ع خصومها من الدول األوربية املسيحية (الكافرة) كان سبب مناهضته للمسيحيني،إضافة إىل اإلحتالل الربيطاني للهند وتدخل القوى األوروبية يف
اراضي اإلمرباطورية العثمانية .أحب أن ألفت أنتباه ً كال من مارتن وميخائيل إىل أننا مل نكمل النقاش حول عالقة الكاريزما باألفكار. مارتن( :إىل ميخائيل) كنت تتسائل فيما إذا كان هناك مثة صلة بني الكاريزما واألفكار. ميخائيل :هذا صحيح ،ما أود قوله هو أننا نبحث بفهمنا احلديث عن رؤي��ة ،نبحث عن إجن��از جديد نستطيع أن نقول عنه هذا هو إجنازنا ،هذا هو إجناز على صعيد تاريخ األفكار، حينها نكون على الطريق اخلاطئ. حتت عنوان تاريخ األف��ك��ار ميكن تصنيف الصراع الذي إحتدم بني موالنا خالد والشيخ معروف النودهي بعد ع��ودة األول من اهلند، وال���ص���دام يف ب��غ��داد م��ع ن��ف��وذ ال��وه��اب��ي�ين ً جانبا والسلفيني .إذا تركنا النقاش برمته حول التقليد والتحديث واألصالة وتأثرياتها، وإذا أخذنا جوهر العقيدة اإلسالمية اليت تتكون من القرآن والسنة النبوية وإتباع السلف الصاحل من الصحابة ،ن��رى أن موالنا خالد متيز يف الواقع بطروحاته العقائدية اجلريئة والنتائج اليت توصل إليها ،على أقل أكثر جرأة مما طرحه حممد بن عبدالوهاب .وهلذا أنا اقول أنه ليس مهما من ناحية تاريخ األفكار متابعة اجلدل :تقليدي أم حداثوي ،األهم برأيي هل أرى ت��أث�يرات أو أدل��ة تشري إىل العالقات بني املتنافسني الذين كانت هلم أرائهم وطروحاتهم ورؤاهم العقائدية والفكرية .صحيح أن مجيع هؤالء املتنافسون جيمعهم متسكهم بالشريعة والسنة وإتباع السلف الصاحل من الصحابة، إال الكل منهم كان لديه منظومته العقائدية والفكرية املتكاملة واليت تتصف باإلستقالليه 205
أقواس
أقواس
206
عن منظومات منافسيه. غسان :أود العودة لتحديد مالذي مثله وميثله موالنا خالد سواء بالنسبة ملريديه وخلفائه أو بالنسبة لنا. ميخائيل :ب��ك��ل األح����وال م��والن��ا خ��ال��د يف ال��درج��ة األوىل ميثل بالنسبة لنا الطريقة الصوفية النقشبندية اخلالدية التجددية كما متارس طقوسها يف كردستان والشرق األوسط وإندونيسيا وآسيا الوسطى والصغرى ،بإمكاننا ً رجعيا، تصنيفه كما يفعل بعض الناس بأنه أو أنه شيخ متكن مبا كان يتمتع به من فكر ً قدما بطريقته الصوفية وكاريزما من املضي ونشرها يف تلك املساحات الشاسعة من العامل اإلسالمي وإستطاع أن جيمع حوله آالف عديدة من املريدين .وألسباب إجتماعية وتارخيية متكن من إبراز جناحات تفوق الكثريين من املشايخ يف أماكن وأزمنة أخرى .أعتقد هذه حقائق لديها كل األدلة الضرورية. مارتن :ال تنسى أن الكاريزما جيب أن ختضع للتنظيم .الناس تعتقد أن لدى املرء كاريزما، ولكن الكاريزما هي عالقة بني البشر ،وهذه العالقة ه��ي ظ��اه��رة إجتماعية تتشكل عرب تفاعالت إجتماعية .وبالضبط يوجد فيما خيص هذا بعض التغيريات اليت طرأت واليت أستطيع يف ال��واق��ع النظر إليها بأنها ج��زء م��ن تاريخ األف��ك��ار .على سبيل املثال إعترب موالنا خالد ((الرابطة)) ذات أهمية مركزية يف طريقته، مفهوم (الرابطة) كان موجوداً منذ أمد طويل قبل موالنا خالد ،أعتقد أن الشيخ حسن العطار هو أول من إستخدم هذا املفهوم ولكن اجلديد لدى (رابطة) موالنا خالد أنها التعين العالقة أو الصلة
بني الشيخ ومريده أو خليفته خالل مرحلة حياة الشيخ فقط بل متتد اىل مابعد موت الشيخ. هناك نقطة أخرى يف الطريقة اخلالدية وهي تسمى (اخللوة) أو (السلوك) ويطلق عليها لدى النقشبنديني اخلالديني (اخللوة األربعينية) وهي عبارة عن دورة إعداد روحية متتد أربعني ً يوما ويقوم باالشراف عليها موالنا خالد بذاته ً وأحيانا تشمل هذه أو يكلف أحد خلفائه بها، الدورة املكثفة على عدد كبري من املريدين .وقد اثبت هذه الطريقة فاعليتها يف اإلعداد الروحي والرتبوي لعدد كبري من املريدين ،وقد كانت ً سببا يف سرعة إنتشار الطريقة .وقد طلب موالنا خالد من خلفائه إتباع هذه الطريقة مع مريديهم. ميخائيل :ولكن هذا كان ً سببا من األسباب الذي مزق شبكة املريدين اليت نسجها موالنا خالد ،ألن خلفائه ربطوا مريديهم بذاتهم وليس مبوالنا خالد. مارتن :ه��ذا مل حي��دث س��وى بعد جيلني من موت موالنا خالد ،إذ أنه أثناء حياته كان يطالب خلفائه ويشدد عليهم أن يعقدوا (الرابطة) ً شخصيا وقد إطاعة مجيع بني مريديهم وبينه خلفائه يف هذه النقطة. ميخائيل :أنا ال أوافقك بهذا الرأي ،على االقل ماحدث يف داغستان سرعان ماشرع خليفة موالنا خالد هناك لربط املريدين اجلدد بنفسه مباشرة وليس بشيخه موالنا خالد ،وذلك بعد موت موالنا خالد بسنة واحدة .الأعلم رمبا كان الوضع يف كردستان والشرق األوسط كما تصفه أنت. مارتن :إذا فعل هذا خليفة واحد من خلفاء موالنا خالد بعد سنة من موته فإن ذلك اليعين
أن مريدي الطريقة اخلالدية راح��وا يربطون باخللفاء وليس مبوالنا خالد بعد سنة ،إذ أن بقية اخللفاء طوال جيلني بعد موته ظلوا يعقدون (الرابطة) بني مريديهم اجل��دد وبني شيخهم موالنا خالد.
207
أقواس
أقواس
208
أقواس
نرمني عثامن
( األهمية البالغة للمعايشة الودية بني اتباع الديانات واملذاهب عىل صعيد العراق عرب االعرتاف املتبادل بالحقوق الدينية واملذهبية لكل فرد )
ورقة البحثية قدمت اىل مؤمترهيئة الدفاع عن اتباع ديانات و مذاهب فى العراق الذى انعقدت فى سليمانية فى تشرين الثانى 2012
املقدمة : مما ال شك فيه ان لألديان دور هام يف تامني احلياة األمنة واالستقرار يف العامل ، ففلسفة كافة االديان هي املناداة بالسالم واحملبة والتعايش السلمي بني البشر ،ورسل هذه االديان هم خري من مثلها وعرب عن اهدافها االنسانية املؤثرة يف التاريخ البشري ،واصبحت هلذه االديان القدوة احلسنة يف مراحل التطورات التارخيية لالنسانية ،ورافقت التغريات اجلذرية ملراحل التطور فكانت من العوامل الرئيسية املوثرة على جمريات التغريات البشرية يف مراحل خمتلفة ،ان اختالف التعبري عن فلسفة األدي��ان او طريقة ايصاهلا اىل البشرية ال ميحو اهدافها السمحاء واليت تتمحور حول اهمية االنسان والدعوة اىل التعايش الودي السلمي بني األف��راد واجملتمعات وحنن أذ نتعايش يف العراق كخليط ممتزج من ادي��ان خمتلفة ف��أن مجيع ه��ذه األدي��ان امن��ا هلا قاسم مشرتك روحي وهو األميان باهلل الواحد وان مجيعها حترتم املشاعر األنسانية وتقدر الفرد وتنكر اهانة وفرض حاالت القسر واألكراه والغائه وتسعى كل هذه األديان للخري واألعمال الصاحلة وتنادي بالتسامح واحملبة بني الكل دون متييز وهي ب��ذاك تعرب عن اجلوهر احلقيقي لفلسفة تلك األديان يف احرتام االنسان وأحرتام عقيدته الدينية وحريته يف اعتناق ما يؤمن به . ان ل�لأدي��ان يف اجملتمع العراقي حاله كحال اجملتمعات الشرقية وال��ع��امل��ي��ة دور ب���ارز يف
رس��م وحتديد اخالقيات األف��راد وسلوكياتهم وعالقاتهم وأذا اقرنا بوجود القاسم املشرتك بينها فأنه البد وان يكون هناك أيضآ أرضية مشرتكة لتعميمها ،فاألديان ليست حالة مطلقة لتحديد الضوابط األميانية والتعبدية بل تتعداها اىل الضوابط األخالقية واالجتماعية العامة مبا يدعو اىل نشر روح احملبة والتعايش وقبول األخر واالميان حبرية العقيدة الدينية وجاء يف بعض الكتب املقدسة ما يؤكد هذه األهداف وهي بذاك تعرب عن احلالة الروحية النفسية لكافة األديان األخرى فجاء بالقران الكريم ( يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) .. وجاء يف الكتاب املقدس عند اليهودية واملسيحية ( الحيسن ان يكون األنسان وحده ،فأصنع عونا بأزائه ) . اذا فهذا هو جوهر األدي��ان ورسالتها ويفرتض ان ينصاع اتباعها لنصوصها السمحاء فتخصب األرضية املشرتكة بتلك األه��داف النبيلة اليت ستؤدي اىل خلق جو للتعايش ال��ودي واألح�ترام املتبادل وسكون اجملتمع اىل السالم والطمأنينة وراح��ة االف��راد ،ولكن ما واجهنا ولألسف بعد سقوط النظام 2003هو مغاير كليا اىل روحية تلك املبائ السمحاء وانقلبت احلالة اىل الوضع السيء املسري من قبل املتطرفني واتباعهم اجلاهلني عن جوهر الروحية التساحمية لألديان املشرتكة فتعرضت العديد من األقليات الدينية يف العراق من املسيحني والصابئة املندائني وااليزيديني إیل العديد من اهلجمات األرهابية اثارت الرعب واخلوف بني ابنائها وبني ابناء اجملتمع العراقي بكل اطيافه ومعتقداته ،وادت اىل ما ادت اليه 209
أقواس
أقواس
210
من اهلجرة واهلروب القسري من مناطق السكن األصلية والتعرض احيانا اىل اإلبادة املنظمة وقتل رموزها الدينية وتدمري دور العبادة وغريها من االعمال األجرامية حبقهم ،ومل تشمل تلك احلالة هذه االطياف فقط بل وتعداها اىل صراع وقتال مؤسف داخل املذاهب من دين واحد وهو ما حصل بني املتطرفني من اهل السنة والشيعة واثروا على احلياة العامة و وصل احلال اىل قلق ورعب منتشر يف معظم مناطق العراق وانتقل القتال التقليدي الذي تشنه األنظمة املتعاقبة على اهلوية القومية اىل قتال األدي��ان واملذاهب وتصفية اتباعه ،ان احلالة هذه تستوجب بذل اجلهود خللق حالة من الوعي بني افراد اجملتمع العراقي تقوده اىل االح�ترام وال��ود املتبادل بني االدي��ان كافة وه��ذا ي��ؤدي اىل حماربة التعصب الديين والتمييز القائم على اساس الدين واملذهب ونرسخ بذلك مفهوم عملي للعملية الدميقراطية اليت تسكن يف ظالهلا كل احلريات مبا فيهااحلريات الدينية واملذهبية واملدنية . تواجد االديان واملذاهب يف العراق وما • آلت اليه الظروف : من املعلوم ان هناك نسيج ديين ومذهيب متنوع يف العراق وحسب دراسات التعداد السكاني لعام 1977فأن املسلمني شغلوا 97%من السكان واملسيحني 2.14%والصابئة كان عددهم ١٦ الف نسمة واليهود حوالي ٤٠٠نسمة و االيزيديني 100الف نسمة ويف الواقع فان املذاهب املوجودة يف العراق هي : االس��ل�ام ،امل��س��ي��ح��ي��ة ،ال��ي��ه��ودي��ة،ال��ص��اب��ئ��ة املندائية،اليزيدية،الكاكائية أما البابية و البهائية
فهما متارجحتان بني الدين واملذهب وأما املذاهب املعروفة فهي ( السنة والشيعة ،الكاثوليك واألرثدوكس والربوستات و النصارى ) . لقد عاشت على م��ر السنني ه��ذه الرتكيبة املختلطة من االديان واملذاهب متقاربة ومتباعدة احيانا إال إن مجيعها حافظت على قدر من االحرتام الضروري واالعرتاف املتبادل ال سيما من خالل التعايش املشرتك االنساني ،ومل تسعی األغلبية اىل اقصاء األخرين ومل ختضع األقلية اىل األنصياع واخل��ض��وع ب��ل ك��ان ذل��ك التنوع م��ص��دراً غنى للمجتمع وبغض النظر عن التوترات السياسية ً صراعا دينيا واحيانا القومية فلم يكن هناك ومذهبيا بل ان خط التعايش كان األوثق واملشرتك االنساني كان السائد اال ان هذا املشرتك قد تبدل مواز ملوجة العنف اليت اجتاحت ولألسف وبشكل ٍ العراق بعد ، 2003كان ألتباع الديانات األخرى غري األسالمية نصيب االس��د من تلك املوجة املوجهة وال ينكر انها مشلت أيضآهوية املذهب فسقط االكثري من االبرياء ضحايا ملنهج العنف الذي سن وشرع وطبقها املتطرفون واملستفيدون من اتباع املذاهب وخيصنا بالذكر املذهبني السين والشيعي إال ان حجم األضرار واملخاوف من طمس الواقع الديين قد مشل االدي��ان غري األسالمية وهو ما أثر على روح التسامح واملودة الذي كان سائدا وكان له دوراً على مر العصور يف احلفاظ على الشعور االنساني املتبادل واألعرتاف باألخر وضمان حرية األفراد واألديان مما كان له األثر األكرب على وضعية األستقرار الداخلي والطمأنينة والسالم لدى املواطن مبختلف اطيافه وال نريد هنا ان حنصي حجم االضرار اجلسدية واملعنوية واملادية ملا تعرض له اتباع الديانات واملذاهب
املختلفة بالعراق فالوقائع اليومية اليت عشناها من تفجري وتدمري اماكن العبادة املقدسة والقتل العشوائي على املذهب و الدين إمنا كفيلة لسرد حجم املأساة. ونرى ان هناك ً ً خلال أجتماعياً وحكوميا جديداً قد هيأ شرخ يف اجلدار املتني الذي متيز به اجملتمع العراقي املتنوع دينيا ً على مر التأريخ وهو جدار التعايش واملودة املتبادلة فاجملتمع مبذاهبه واديانه قد خرق من قبل اصحاب األفكار املتشددة م��ن كافة األط���راف ال�تي هدمت تلك املعايشة التأرخيية اىل حالة صراع مستديم ستبقى اثارها ولألسف اىل زمن غري معلوم و احلكومة وقفت يف كثري من األحيان دون اداء دوره��ا القيادي والقانوني داخ��ل ه��ذه الفوضى فكان هلا ايضا نصيب من احلالة املزرية اليت وصلنا اليها فواقع احلكومة مقسمة على تلك التوزيعات الطائفية وهي عاجزة عن اداء دورها كقاسم مشرتك بني الكل وبالذات تقيدها بالتوزيع اجلغرايف املذهيب فهذا هو الواقع وال ميكن جتاهله عرب التصرحيات األعالمية الرنانة وخطب االماكن املقدسة فلقد اضعنا الشيء الكثري من ذلك االحساس بالتعايش السلمي وامل��ودة املتبادلة ولالسف هناك حرب علنية وخمفية بني اتباع املذاهب والديانات وحيذف من هذه احلالة أصحاب االفكار املدنية املتمسكني بالقيم الدميقراطية وكذلك اهل االعتدال واملنطق من اتباع الديانات واملذاهب ،يف الواقع حنن امام صورة ضبابية يف العالقات اليت تسود الفرقاء يف احلكم ويف داخل اجملتمع وان كانوا ضمن املذهب او الطائفة الواحدة ،حنن من يعيش هذا الوضع السئ و يدفع مثنها وحنن اوىل حبلها عرب األحرتام املتبادل والتعايش السلمي واحرتام
حرية االدي��ان والتعبري عنها يف اطار اجتماعي ضمن دستور شامل ضامن لكل احلقوق . •احلقوق الدينية ضمن الدستور العراقي تسري حياة اجملتمعات احلديثة وف��ق ملعاير قانونية تستنبط من القانون االساسي أال وهو الدستور ،ذلك العقد االجتماعي بني املواطنني والدولة ال��ذي يلزم الكل باحلقوق والواجبات واملعلوم ان الدساتري تضم يف طياتها حقوق الكل دون متييز يف العرق واجلنس والدين واملذهب وال بدلنا وحنن منر بهذه املرحلة الصعبة من حياة جمتمعنا حيث تطغى عليه حالة من العنف املتبادل و إبتعد حلد ما عن جو التسامح السلمي الذي عرف به فال بد وان حنتكم ونسري حياتنا وفقا للدستور الذي صوت عليه الغالبية الكربى من الشعب العراقي ونسعى عمليا اىل تطبيق بنودها وان ال يكون حربا على ورق . أكد القانون األساسي العراقي الصادر عام 1925 على مساواة العراقيني بصرف النظر عن الدين وضمن حرية األعتقاد التامة جلميع ساكين البلد مبا فيها حرية القيام بشعائر العبادة ويف الدستور املؤقت 1958أكد على املساواة بني املواطنني دون متيز بسبب الدين وتكرر ذلك يف الدستور امل��ؤق��ت لعام 1968وعليه ف��إن هناك قاسم مشرتك بني مجيع السلطات بشأن حرية العقيدة الدينية وضمان ممارسة شعائرها دون متييز وتساوي املواطنني يف احلقوق ومنع الدستور مطاردة ومالحقة اتباع األديان واملذاهب الذين سكنو جنبا مع بعضهم يف معظم احناء البلد بل وتاكد ذلك يف قانون العقوبات العراقية رقم 111 لعام 1969حيث نص على معاقبة من يعتدي بطريقة علنية على معتقد الح��دى الطوائف 211
أقواس
أقواس
212
الدينية او من يقوم بتحقري شعائرها ومعاقبة من خرب ودنس او أتلف اماكن العبادة او مواقع دينية . ويف الدستور العراقي اجلديد اشار يف الفقرة ثانيا من املادة الثانية اىل ضمان كامل احلقوق الدينية جلميع االفراد يف حرية العقيدة واملمارسة الدينية كاملسيحني وااليزيديني والصابئة املندائني هذا اضافة اىل احلقوق الثابته للدين االسالمي الذي اكد على انه دين الدولة الرمسي ( ونرى ان هناك ً ً واضحا يف هذه الفقرة حيث مل يشر اىل نقصا الديانة اليهودية ) ،من نظرتنا إیل هذا النص يف الدستور نرى انه اع�تراف صريح حلالة التنوع الديين يف العراق اذا فال بد من وجود ضوابط دستورية حلماية هذه األديان ومذاهبها واتباعها ويشكل هذا النص ً اساسا للحرية الدينية وحرية املعتقد اىل حرية الفرد واجملتمع ومنه ميكن فهم املساواة العملية يف احلقوق والواجبات فالعراقيون متساوون امام القانون دون متييز وهذه املساواة تؤكد حرية الفكر والعقيدة ومتنح احلق واحلرية التباع كل دين او مذهب يف ممارسة شعائرهم وطقوسهم وتتكفل الدولة محاية اماكن عبادتهم و ميكننا ان نرتجم هذا النص الدستوري يف حياتنا العملية اليومية ونهتدي به ألحرتام األخر ونشر ثقافة التعايش السلمي والتسامح وتفهم حق حرية املعتقد واتباع االفراد ملا يؤمنون به من األديان واملذاهب فنرسخ بذلك اجلهود املوضوعية لنبذ العنف ونشر السالم والطمأنينة بني األفراد مجيعا . •اهمية الدولة املدنية والثقافية الدميقراطية يف تثبيت التعايش السلمي . قد خيتلف الكثريون حول مفهوم الدولة املدنية
وان كان كال التياران الديين والعلماني يصبوان اليه ولكن وف��ق مفهوميته وفلسفته اخلاصة ،ويف الواقع ف��أن الدولة املدنية عرب تأسيسها ألجهزة سياسية وقانونية خارجة عن تأثري القوى والنزاعات الفردية او الدينية او املذهبية تكون هلا القدرة على تنظيم احلياة العامة للكل فردا وجمتمعا بصرف النظر عن األنتماء الديين وامل��ذه�بي وه��و خ�ير تعبري ع��ن ارادة اجملتمع كوحدة متكاملة غري جمزأة و متأثرة بالنزعة الدينية السلطوية وحيظى يف كنفه كل األديان واملعتقدات وامل��ذاه��ب بكافة حقوقه من دون متييز وهي احلالة املثالية والعملية ملسايرة ما آلت اليه وضعية اجملتمعات يف عصرنا بعد التغريات والتطورات البشرية التأرخيية حيث وصلت اجملتمعات اىل مرحلة من الرقي والتطور اصبحت فيه قيادة اجملتمعات وتقدمها وتعايشها اجلماعي مرهونة بالدساتري املدنية اليت تضمن وتصون احلقوق ،اذن ال جم��ال من ادارة الدولة بدون مؤسسة مدنية ودول��ة مدنية وف��رز السلطات الثالثة وكل يأخذ دوره احلقيقي دون التدخل ويطبق سواسية القوانني على كل فرد من افراد اجملتمع وهي ما تشكل يف النهاية الثقافة املدنية ال�تي ختطط وترسم حياة األف��راد وعالقاتهم على اساس النظام ال الفوضى وعلى السالم وال العنف وعلى التعايش السلمي ال النبذ ونكران األخر فتثبت القيم األنسانية العامة وتلغى القيم الفردية املتسلطة والنزاعات املتطرفة والدينية. اما املواطنة فهي شرط أس��اس ملفهوم الدولة املدنية ،املواطن يف اجملتمع له حقوقه وعليه واجبات وال تفرق الدولة بني مواطنيها إال امام القانون وتطبيق العدالة األجتماعية وترسيخ
دعائم الدميقراطية والسياسة و األقتصاد على اجلميع . •حوار األدي���ان واألف���راد وحتمية التعايش السلمي . ان التنوع الديين يف ال��ع��راق مصدر لتنوير األفكار وتكامل احلياة من كافة األوج��ه فلطاملا عاشت هذه األدي��ان واملذاهب على مر التأريخ جبانب بعضها واحرتمت املقابل وال بد أن تتواصل هذه الوضعية وتتقدم بشكل يوازي تطور وتقدم حياة البشرية وال بد من االخذ حبتمية التعايش السلمي والعالقات الودية بينها كي حتفظ لكل منها حقوقها وحرياتها اتباعا وفكرا وعقيدة وال بد ان تثبت السالم و وسائل تطبيقها يف قاموس احلياة اليومية هلذه االديان واملذاهب ،ان احلياة البشرية بشكل عام امنا هي حالة من التناقض واالختالف وتقاطع وتضارب يف االراء واالفكار وسبل تطبيقها اذا فال بد ان يكون هناك دوما حوارا مستمرا من املتناقضات تسري امور االفراد داخ��ل اجملتمع وااله��م هو احل��وار ال��ذي جيب ان يتواصل بني االديان واملذاهب من التقارب وفهم بعضهم لالخر واحرتام العقيدة املقابلة وتشجيع روح التفاهم والتسامح بينهم. ان عقد املؤمترات والندوات هو الوسيله االكثر جناحا بهذا االجتاه حيث تلتقي النخب املتنوره واملثقفه من خمتلف االدي��ان واملذاهب وشرائح اجملتمع املدني فتتوضح حساسية و خطورةاالمور الشائكه بينها فتتحاور وختطط لتهيئة االرضية الصحية لتعايشها وتكاتفها حلماية اتباعها وحرية عقيدتها يف العباده واح�ترام الطقوس الدينيه للمقابل وحتذير اجملتمع من َ ماسي ووي�لات االن��زالق يف وهم االفكار املتشدده اليت
جترنا اىل نشوء الصراعات الدموية واليت تؤدي اىل خ��راب البيوت وسقوط االالف بل املاليني من االب��ري��اء كضحية هل��ذه املمارسات واالفكار َ الباليه مثلما حدث يف روان��دا والبوسنه وابادة االرمن وهذه دالئل على خطورة تطور اخلالفات َ الروحيه لتصل اىل حالة العنف االشد وتشرخ جدران املودة واحملبة بني االديان واملذاهب ويكون رمادهااتباعها. . ان هذه احلاله ولألسف امنا نعيشها يف العراق وبدرجات متفاوته وال يسعنا ان نذكر االحداث املروعة اليت حدثت وبالذات يف بداية سقوط الطاغية واليت القت بظالهلا املفزعة على طبيعة العالقات الودية بني اتباع الديانات واملذاهب فنشر الرعب بينهم اىل حد الفزع من طبيعة االسم الشخصي واهلوية الدينية واملذهبية اليت راح ضحيتها مئات االلوف من العراقني ناهيك عن االضرار واالعتداءات على دور العباد واالماكن املقدسة فكان اخل��راب العام للمتلكات واالث��ار واملوروثات وغريت طبيعة العالقات االجتماعيه واصبحت هناك حساسية مفرطة يف احلديث عن االديان واملذاهب داخل اجملتمع بل و وصلت اىل قاعة الربملان ومؤسسات الدولة وهي ماخييفنا ُ ضبابا ق��امت ً��ا على مستقبل اوضاعنا وخيلق وطبيعة التعايش السلمي الذي اعتاده هذا اجملتمع على الرغم من اخلالفات واحلاالت الفردية اليت كانت حتدث على ارضية اختالف العقيدة واصبح اتباع االديان واملذاهب ضحايا هلذا الوضع املأساوي اجلديد الغريب فال بد اذا من احلوار لكي نصل اىل حالة اتفاق وتفاهم العادة زرع الثقه بني االديان واملذاهب ونبذ العنف ونشر فكرة العدالة واملساواة للجميع واح�ت�رام دور العبادة ورج���ال الدين 213
أقواس
أقواس
214
والتأكيد على حرية العقيدة والعبادة وترسيخ حقيقة ان الدين هلل والوطن للجميع وعليه جيب ان نسكن ونتعايش مجيعا معا بسالم وهدوء . •ملاذا وكيف نتعايش سلميا ؟ لقد اصبحت املناداة العادة مناخ روح التعايش السلمي والعالقات الوديه بني األدي��ان واملذاهب ً يف العراق امراً حتميا لتاليف الويالت واملستـقبل الضبابي للحياة وتأثرياته املأساوية على اتباعها , ان الوضع احلالي ينذر مبستقبل خطر للعالقات الودية اليت كانت شائعة بني االتباع وهلا تاثري واض��ح على حرية العبادة وممارسات الشعائر اخلاصة باملذاهب وهي جترنا اىل مزيد من االزمات والقلق على حياة اجملتمع الذي سيكون له تبعيته اخلطرة على الوضع العام للبلد وسيمتد تاثريه السليب على العالقات السياسيه االجتماعية ومسرية بناء الوضع الدميقراطي ضمن اجملتمع املدني ذلك اجملتمع ال��ذي يعيش يف كنفه الكل سواسية دون متييز جنس وعرق ودين ومذهب , ستؤثر نتائج هذا التشذرم والتفكك وعدم احرتام العقيدة املقابلة اىل تدمري كل ماسعى اليه ابناء هذا البلد لبناء وطن ودولة حديثة يعيش يف ظلها االنسان كرميا متمتعا حبقوقه املشروعة وحريته يف التعبري عن رأيه وعقيدته الدينية واملذهبية ويؤدي بدوره اىل تدمري البلد اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا وقتل التجربة الدميقراطية اليت كان الشعب العراقي بأوج احلاجة هلا بعد ان عاش ً عقبا من الزمن يف ظل نظامه الدكتاتوري اذا فال بد أوال واخريا ان نركز على حالة التعايش السلمي وتهيئة مناخ العالقات الودية بني االديان واملذاهب لكي تعود ثقة اتباعها ببعضها وتزول
أغشية الرعب والفزع يف أعتناق العقيدة اليت يؤمن بها اتباعها ،فعلينا إذآ ان ندرك اهمية نشر وعي ثقافة التسامح الديين ملا يرتكها من اثر جوهري يف الواقع االجتماعي العام كونه ضروره تهيء فضاءا اجيابيا خللق اج��واء ومناخ اوفر ُ للحريات الدينية وتنتج استقراراً حقيقيا جملتمع آمن نشط بعيدا عن ازمات الصراعات واالقتتاالت الطائفيه والدينيه واملذهبيه ،ان استيعاب نشر ثقافة التسامح الديين امنا ينصب يف االجتاهات االجيابيه االخرى اليت تنطلق من حقيقة الوجود والتعايش اليت الزمت ان يكون اجملتمع االنساني يف شكل جتمعات بشرية وهي ان اتفقت على احلياة املشرتكة واحلرص على البقاء والرغبة يف السعي القامة التمدن والعمران باجتاه االرتقاء والتقدم فانها ستؤمن حبقيقة ماتنفرد به كل جمموعة من خصوصية عرقية ودينية وثقافية وستحمي يف ظلها احلقوق لالتباع واالفراد سواسية وبشكل عادل ضمن قانون ودستور مدني. ان التعايش هو ضرب من التعاون يقوم على اساس الثقة واالحرتام املتبادلني ويهدف اىل حتقيق غايات يتفق عليها كافة االطراف اليت ترغب يف التعايش فتحمي بذلك افرادها واتباعها وال بد من التاكيد ان التعايش اليعين متييع املواقف وخلط االوراق ومزج العقائد وتذويبها وصبها يف قالب واحد حتى وان بدى ذلك يف قالب انساني او وطين الن افراد واتباع العقائد اليقبلون باخللط الغامض واالفراط خبصوصياتهم وقيمهم بل ان التعايش هو ان حيتفظ كل طرف بدينه ومذهبه كامال على اساس التفاهم واالحرتام املتبادل والرغبة يف التعاون خلري االنسانية ومن هذا املنطلق ميكن ان نتعمق يف اجتاه البحوث العلمية للوصول اىل
نتائج تدعم اسس التعايش الودي ،ان مايشجعنا يف لقاءاتنا عرب هذه املؤمترات والندوات هو ان اكثر االراء من كافة االديان واملذاهب والشخصيات الفكرية والثقافية املؤمنة باملبادئ الدميقراطية تتفق على اهمية سيطرة لغة العقل واملنطق على لغة التعصب ,اليت تهدد حياة جمتمعنا ويرون ان توحيد اجلهود للتثقيف العملي املستند اىل االميان بأهمية التعايش السلمي حملاربة التعصب الديين واملذهيب والطائفي هي الضمانة العملية حلماية حرية االميان واختيار العقيدة واملذهب وصيانة كرامة وحقوق اتباعها . وهنا نرى انه ال بد من نشر تلك القيم بوسائل حديثة مقنعة و أن نبتعد عن الطرق التقليدية اليت ال توازي و حالة التطور احلاصل يف وسائل التكنولوجيا و املفاهيم العصرية. انه من االجدر ان نراجع ونستمد من التجارب و االح��داث ال�تي م��رت بها اجملتمعات والبلدان االورب��ي��ة وال�تي شابهت يف كثري م��ن مفاصلها ظروفنا من جت��ارب و ن��درس كيف ان علماءها ومثـقـفيها قد خططوا الصالح اجملتمع وانهوا التناحر الديين واملذهيب وخففوا اشكال التعصب وبنوا اجملتمع املدني حامال القيم الدميقراطية اليت ضمنت احلياة واحلقوق والواجبات وبشكل ع��ادل للكل وامنوا حياة امنة متطورة حيرتم فيها االنسان بعضه لالخر يف حريته يف أختيار العقيدهةوالدين واملذهب . لبث افكار التسامح ال بد لنا ان نعتمد على عقد املؤمترات وماشابهها من الندوات الثقافيه وتغذيتها بالبحوث واالراء العلمية املختلفة وأن خترج بتوصيات وخطط عمل قابلة للتطبيق وعلينا ان نعتمد على املعاير اإلجتماعية احلديثة
لرتسيخ احلياة املدنية الدميقراطية ونلجأ اىل الفن واالدب لنشر ثقافة التقارب واحملبة وندعم الربامج الثقافية اليت تسعى اىل نشر قيم اجملتمع املدني وندعم الشباب والنساء عرب جهودهم الفنيه ومشاريعهم الداعمه للتسامح والود بني اتباع الديانات اذا فال بد من وجود خط تواصل مدني روحي لنشر مفهوم اهمية التعايش السلمي وترسيخ روحية العالقات الودية بني األدي��ان واملذاهب حلماية اتباعها والدفاع عن احلريات الدينية ،ولوزارة الرتبيه والتعليم العالي ووزارة الثقافه دور هام لزرع روحية إحرتام املقابل و بدون إحنياز من خالل االعالم والكتاب ونتعامل وفق فصل الدين عن الدوله الدين لالفراد والدوله للجميع . والبد أن خترج املومترات املنشودة بتوصيات لدعم اجلهود املبذولة ألصدار قانون دولي مينع فيه سياسة تغيري الدين والعقيده كرها وجتريم من خيالف املبدأ . وختاما للوصول للهدف املنشود علينا أن نعرف التعايش السلمي ووسائل التعامل مببادئه واسسه وحندد اهدافه وفقا للمعطيات املنطقية لظروف بلدنا وتألقمه مع اجلو االنساني العام.
215
أقواس
أقواس
216
أقواس فلسفة اللغة عند الفارايب « كتاب الحروف أمنوذجاً « دراسة تحليلية
الباحث م .حسن حسني صديق
متهيد: إن دراس��ة اللغة ضمن إط��ار فلسفة اللغة عمال ً ً سهال وذلك بسبب وجهات النظر ليس الكثرية واملختلفة حول املوضوع.كما أن اللغة تعترب من الظواهر البارزة والعجيبة يف الوجود وهي خاصة باالنسان ضمن إطار معرفتنا إلننا النستطيع اجلزم بإن ليس هناك كائنات أخرى متتلك اللغة ً أيضا،هلذا نقول أنها خاصة باالنسان ضمن كوكبنا(االرض) .وهي عالمة مميزة من العالمات اليت متييزه عن الكائنات االخرى ،من هنا صارت اللغة من إهتمامات العلماء والفالسفة من حيث النشأة واملفهوم واملصطلح .حيث أتفق كثري من الفالسفة بإن اللغة ظاهرة إجتماعية نشأة يف أح��ض��ان اجملتمع ك��ض��رورة تارخيية ترتبط بتطور البشر فكريا ومعرفيا.وهي ايضا،أي ليس ً ظاهرة كونية-عاملية ً ملكا جلنس دون غريه أو شعب دون أخر.وقد دافع (فارابي) ً وخصوصا(اللغة عن فكرة كونية وعاملية اللغة العربية) كونها لغة (القرأن الكريم). من هنا خصصنا حبثنا هذا لدراسة فلسفة اللغة عند (ابو نصر الفارابي) يف حدود كتابه (احلروف) حماولني أن نبني موقفه من مفهوم اللغة وكيفية ظهورها ونشأتها وأهميتها للمنطق والفلسفة.فهناك أكثر من مدرسة تناولت موضوع نشأة اللغة بني االصطالحيني والتوقيفيني ،فمثال(هرياقليطس)يرى بإن اللغة اهلام من اهلل اىل البشر(اي توقيفي)،يف حني يرى(دميقريطس)العكس (أي ان اللغة اصطالح من البشر).ومن فالسفة االس�لام من يرى أن
اللغة هي توقيف من السماء للبشر كهبة اهلية ً الصفاء)مثال .ومل يكن (الفارابي) بعيداً (اخوان عن تلك االراء ،فهو من القائلني بإن اللغة هي إصطالح بني البشر وفق إتفاق بينهم. ً منهجا يف ه��ذا البحث منهج حتليلي- وك��ان عرضي ملوضوعات البحث. حيث قسمنا حبثنا إىل متهيد وثالثة مباحث رئيسية وقسمنا كل مبحث إىل فقرات خاصة. تناول املبحث االول اللغة بني النشأة واملفهوم واملصطلح.ويف املبحث الثاني عرضنا موقف الفارابي من مشكلة العالقة بني اللفظ واملعنى. أما يف املبحث الثالث فتناولنا العالقة بني اللغة واملنطق وبيان اهمية كل واحد لالخر. املبحث االول :اللغة بني النشأة واملفهوم و املصطلح. اوال :اللغة بني التحديد والفهم. إن اللغة حبد ذاتها ظاهرة فريدة من نوعها وكائن ذو حيوية وفعالية تتمثل يف عملية التعبري عن افكارنا ومشاعرنا وم��ا يراودنا من حاالت وحت��والت ،فهي االلة او االداة اليت يستعني بها ال��ن��اس للتعبري ع��ن حاجاتهم االجتماعية واملعرفية واالميانية ،ولكل قوم لغته اخلاصة يستخدمها يف التواصل االجتماعي – املعريف مع بين جلدتهم ،فهي اذن جمموعة من االصوات املعربة عن حالة من احلاالت او حاجة من احلاجات ،هلذا جند ( ابن اجلنى ) يف كتابه ( اخلصائص ) يعرف اللغة بقوله (( :أنها اصوات يعرب بها كل قوم عن اغراضهم )) .فاللغة يف هذه احلالة الخترج عن كونها نظاما من الرموز 217
أقواس
أقواس
218
واحلروف الصوتية .وقد أغفل (ابن اجلنى) (( الرموز الكتابية )) أو (( اللفظ املكتوب )) واللغة عنده التعين االلفاظ املكتوبة ،بل حصرها فقط يف االصوات املسموعة ،فما نسمعه إذن هو اللغة أما ما نكتبه فهو ليس بلغة :نفهم من قول ( ابن اجلنى ) ان ما نسمعه فقط هو اللغة النها اي اللغة هي القالب الذي نفرغ فيها الفكر ،بعبارة اخرى حنن عن طريق اللغة نعرب عن افكارنا وهذا يعين ان اللغة هي الفكرونستطيع ان نقول أن ما نفكر به هو اللغة بالقوة وما نقوله هو اللغة بالفعل ،كما ان الكتابة هي الوسيلة حلفظ اللغة املسموعة فهي ليس بلغة بل اداة حلفظها من الضياع او الفناء .الن االنسان مير حبالة من التحاور واحملادثة مع ذاته دون أن يكشف عنها او يظهرها ويسمى ذلك عند بعض الفالسفة من امثال( ادموند هوسرل) باحملادثة الداخلية يف مقابل احملادثة اخلارجية املعربة عنها باللغة املسموعة ،اما يف حالة احملادثة الداخلية مع الذات فتكون غري منطوقة ومعلنة لالخر .من هنا نستطيع القول بوجودين للغة هما وجود بالقوة متمثلة باحملادثة الداخلية ووج��ود بالفعل متمثلة باحملادثة اخلارجية. من هنا نستطيع القول بان اللغة كائن قابل للتطور مادام هلا القدرة على الظهور من حالة الكمون اىل حالة الوجود ،فهي اذن تتغري مع مستجدات العصر ،حيث جند ان ( ابن منظور ) يف معجم لسان العرب يقول (( :أن اللغة تتبدل وتتغري وتتطور حسب تبدل االق��وام واالحوال وان مصدر كلمة ( لغة) هي ( اللغو) وهو ماكان من الكالم غري املعقود عليه ،وهو ايضا ماال يعتد به من الكالم لتقلبه من حال
اىل حال» .واللغة بهذه الصورة عبارة عن ظاهرة اجتماعية وهي اداة التفاهم واالتصال بني افراد االمة وهي كذلك منط من السلوك لدى االفراد واجلماعات(.)2فمثال العامل يف جتاربه العلمية يلجأ اىل اللغة من اجل صياغة ما توصل اليه من االحداث ،فهو باللغة خيلق تلك االحداث العلمية ،اي ان اللغة تعترب وسيلة للتوصل اىل معرفة العامل وصياغتها والتعبري عنها لالخرين من اقرانه(.)3فاللغة يف راي ( ليوبولد) متثل القدرة على االتصال باالخرين ،مبا يف ذلك أشكال التواصل وانواعه كافة ،وهي كذلك اليت يتم فيها التعبري عن االفكار واملشاعر يف شكل رموز حبيث ميكن لتلك الرموز ان تنقل املعاني لالخرين(.)4اي ان االنسان منذ ان خلق خلقت معه حاجته اىل االتصال بسواه من البشر ،ومع تطور حالته البيولوجية وصراعه مع تقلبات الطبيعة وتغريات البيئة واسس عالقاته مع االخرين ،دفعت تلك احلاجة للبحث عن وسيلة تيسر عليه عملية االتصال بهم إضافة اىل تسهيل استخدام عقله بيسر حيت ياتي بنتائج وفق االستجابات تكون كفيلة بأرضاء ما يتوق اليه نفسيا وما تتطلب منه احلياة مجله من مشاكل عمليا .لذا كانت إمياءاته البدائية وانفعاالته الصوتية هي عالماته اللغوية االوىل(.)5 فاللغة حبسب ما ذكرناه اعاله هي قاعدة أو قانون أو ألة إن مل تكن ذات نتائج عملية فال فائدة منها فعلينا ان نركز على اجلانب العملي منها دون احملتوى ،فاللغة إن مل متدنا بنتائج عملية واقعية كي نفهم حقيقة احلياة والواقع فال تصلح كقاعدة للعمل او التفاهم والتواصل مع االخرين ،وهلذا وجدنا يف اكثر التعاريف
إش��ارة اىل ان اللغة ظاهرة اجتماعية هدفها وغايتها التواصل بني اف��راد اجملتمع ،فكيف يتحقق إن مل يكن اللغة قاعدة عملية تصلح ملعرفة احلقيقة؟ إذن اللغة عبارة عن نسق نشأ وتطور من خالل النشاط اجلمعي العملي االنتاجي من خالل عمل اجلماعة يف انتاج أسباب البقاء واحلماية. واطراد التطور التارخيي للفكر االجتماعي يف اقرتان باطراد عملية العمل أو النشاط االنتاجي اجلمعي اهلادف للمجمتع .وثراء اللغة أو الفكر هو مثرة االنتاج واالبداع وثراء الواقع(.)6 فاللغة يف هذه احلالة تعترب اح��دى القوى اليت ساعدت االنسانية على اخلروج من العامل احل��ي��وان��ي واالن��ض��واء يف مج��اع��ات ،وتطور لديه ال��ق��درة على التفكري ،وتنظيم احلياة االجتماعية وحتقيق درجة التقدم اليت عليها انسان اليوم ،الن الكالم يفتح العامل املغلق يف حياتنا الداخلية ،ويسمح لنا باخلروج عنه ،انه مبدع ،وصانع احلياة االجتماعية(.)7 ثانيا :نشأة اللغة: إن موضوع نشأة اللغة من املوضوعات املثارة للجدل يف دائ��رة البحث الفلسفي حول اللغة، فهناك عدة نظريات قد تناولت كيفية نشوء اللغة الن حتديد الزمن الذي نشأت فيه اللغة ليس بأمر سهل ،لذا تفاوتت االراء حول كيفية نشأتها .ومن تلك النظريات اليت تطرقت اىل نشوء اللغة ( ،نظرية احملاكات الصوات الطبيعة) و( نظرية التعبري الطبيعي عن االنفعاالت )و( نظرية ال��رن�ين الطبيعي ) و( نظرية لغة االش��ارات اليدوية) و( النظرية االهلامية
والنظرية االتفاقية ) ،ولكن موضوعنا اليسع ان نطيل الكالم حول هذه النظريات بل رأينا من باب االستفادة من العلم بها ان نذكرها فقط. ولكن من بني النظريات اليت دار حوهلا اجلدل بني الفالسفة والعلماء ( النظرية التوقيفية والنظرية االصطالحية) ،وان فيلسوفنا ( ابو نصر الفارابي) من انصار ومؤيدي النظرية االصطالحية ل��ذا نكتفي بعرض النظرية االصطالحية فقط .حيث جن��د الفاربي يف كتابه ( احلروف )* وشروحاته لكتاب ( العبارة ) الرسطو يقدم رأيه يف مسألة نشوء اللغة ،ويف اعتقاده أن االنسانية أبتدأت باالشارات ،فهو يرى يف احتياج االنسان لغريه بان يعرفه ما يف ضمريه ،فكانت االشارة أقرب شي اليه ليلتمس غريه منه مايريد ،ورغم ذلك يرى الفارابي أن االشارة غري كافية الفهام الغري ،فأثبت عجزها، ليبحث عن شي أخر يكون ادق وأعم منها ،فكانت االصوات باعتبارها دالة ،وموصلة لالفكار فهي البديل ،النها أول ما حيتاج املتكلم يف االصطالح عليه)8(،والقول به هو االص��وات الدالة على النداء ،ثم يبدأ باستخدام االصوات للداللة على االشياء احلسية ،وليحل الصوت حمل االشارة يف ذلك .ولكن عندما تكون اللغة يف االصوات ،البد من تكوين مقاطع هلا حتى تتفرق عن االصوات احليوانية اليت الحتمل معنى ،فهذه املقاطع تتكون من احلروف ،فريى انها ترتكب من قبل االنسان عن طريق التوالي اي بناؤها حرفا حرفا ،حتى تتكون الكلمة اليت منها يفهم املعنى امل��راد ،فيضطرون اىل تركيب بعضها اىل بعضها مبواالة حرف حبرف ،فنحصل على الفاظ من حرفني أو عدة حروف فيستعملونها 219
أقواس
أقواس
220
عالمات ايضا الشياء اخرى ،فتكون احلروف وااللفاظ االوىل عالمات حملسوسات ميكن ان يشار اليها ،وملعقوالت تستند اىل حمسوسات ميكن ان يشار اليها(.)9 نفهم مما سبق ذك��ره أن اللغة ومفرادتها اصطالحية – توافقية ب�ين ال��ن��اس عندما يتفقون على تسمية شي ما باسم من االمساء ينسجم مع الصفات الظاهرية لذلك الشي ،وهذا يعطي للغة طابع التغري والدميومة باستمرار كلما اقتضت احلاجة اىل ذلك ،الننا نرى الفارابي يف كتابه ( احلروف) يشري اىل تواضعية اللغة كما يف قوله (( :كلما حدث يف ضمري انسان منهم شي احتاج أن يفهمه غريه ممن جياوره ،أخرتع تصويتا فدل صاحبه عليه ومسعه منه فيحفظ كل واحد منهما ذلك وجعاله تصويتا داال على ذلك الشئ )) .اي ان اللغة ظهرت لسد احتياجات االنسان وهو يعيش يف اجملتمع مع اقرانه ،وهذا ي��دل على ان اللغة تتمتع خباصية التطور والتبدل كلما اقتضت الضرورة لذلك وبالتالي فان اللغة اصطالحية يتم وضعها باالتفاق بني البشر وتكون من وظفية ومهام الفيلسوف او احلاكم. ولكي يربر الفارابي موقفه من اصطالحية اللغة ياتي بنصوص اخ��رى يثبت ب��ان اللغة قد مت االتفاق عليها ،حيث يقول (( :هكذا حتدث أوال حروف تلك االمة والفاظها الكائنة عن تلك احلروف .ويكون ذلك اوال ممن اتفق منهم .فيتفق أن يستعمل الواحد منهم تصويتا او لفظة يف الداللة على شي ما عندما خياطب غريه فيحفظ السامع ذلك ،فيستعمل السامع ذلك بعينه عندما خياطب املنشئ االول لتلك
اللفظة ،ويكون السامع االول قد احتذى بذلك فيقع به ،فيكونان قد اصطلحا وتواطئا على تلك اللفظة ،فيخاطبان بها غريهما اىل ان تشيع عند اجلماعة )) .إذن الفارابي بكل وضوح يقرر أن اللغة اصطالح وتواطؤ لذلك كان ينطلق من مرحلة النشاة لبيان متلك املتكلم االصلي للغة قومه ،ويف هذا السياق يقول (( :فينشأ من نشأ فيهم على اعتيادهم النطق حبروفهم والفاظهم الكائنة عنها ،واقاويلهم املؤلفة عن الفاظهم من حيث أعتيادهم هلا يف أنفسهم وعلى السنتهم حتى اليعرفوا غريها )) .يف هذا النص تقرير واضح من الفارابي بالربط بني الفطرة والعادة وحتوهلا اىل ملكة ،وان ذلك يف جمال اللغة يؤدي اىل اكتسابها ومتلكها عند الناشئ يف اجملتمع اللغوي ،فاسحة اجمل��ال اىل مسرية االصطالح حتى تسجل اللغة وتدون ويأخذ علم اللسان مكانته يف هذا السياق . من هنا نفهم من الفارابي ان واضعي احلروف، او االصوات وضعوها حسب ما يرونه امامهم من أشياء حمسوسة ،فهي اليت أثارتهم ،فوضعوا هلا مصطلحات مسعها عنهم االخرون ،فاستعملوها، واصطلحوا عليها ،وهكذا متت املواضعة.ولكن السؤال الذي يطرح ذاته هي ،كيف كان االنسان يطلق االمساء على االشياء؟ هل كانت االمساء تستخدم بصورة عامة عن الشي أم كان االنسان مييز بني اسم الشي وما حتتويها من االشياء االخرى؟ فمثال عندما نطلق كلمة الغابة على منطقة معينة هل تشتمل االسم على مجيع ما موجود يف داخل الغابة أم منيز الغابة حلد ذاتها عن حمتوياتها؟ فمن خالل عرضنا للنص السابق للفارابي حول تواضعية اللغة نفهم ان
االنسان االول عندما نطق باالمساء على االشياء من خ�لال حاسة النظر واملالحظة مل يكن مييز بني االسم والشي وما حيتويها من اشياء اخ��رى وق��د تبعهم االخ���رون يف استخدامهم لتلك االمس��اء يف مرحلة من مراحل تطورها املعريف.ولكن هذه املرحلة غري كافية لكي يتم عملية التواصل املعريف بني البشر ،بل حيتاج االنسان اىل دور العقل يف اداء وظيفتها الرتكيبية والتنظيمية والتحليلية لتلك االمساء من اجل إمتام عملية الفهم وسد احلاجة مع االخرين. املبحث الثاني :تكوين االلفاظ بني الناس ( االلفاظ واملعاني ). ان عالقة اللفظ واملعنى اعتربت من اهم املشكالت اليت شغلت تفكري املناطقة واللغويون باعتبارها مشكلة ابستيمولوجية وك��ان اهتمامهم الرئيسي هو دراس��ة عالقة اللفظ باملعنى او ان االلفاظ تدل على املعاني بذواتها، فالنحو يهتم باللفظ واملعنى و ان االع��راب يف النحو هي من اجل االبانة عن املعنى ،فالنحو ليس جمرد قواعد لتعلم النطق السليم والكتابة الصحيحة بل هو قوانني للفكر داخل اللغة ،من خالل عالقة اللفظ باملعنى ظهرت العالقة بني اللغة واملنطق ،إذ تأثر فالسفة االسالم مبنطق ارسطو يف دراساتهم عن اللفظ واملعنى .وقد ذهب الفارابي اىل ان اللفظ هو املعرب الوحيد عما يدور يف داخل االنسان وهو الوحيد الذي به يفهم االنسان ما يقصده اخوه االنسان ،اذن البد ان يكون اللفظ معربا عن املعنى الذي حيمله االنسان وم��ن هنا نشات العالقة بني اللفظ واملعنى.
يرتبط اللفظ باملعنى يف ارتباط وثيق من حيث ان اللفظ هو التعبري عن املعنى ،وبدأ من ان اللغة هي تعبري عن الفكر وان الفكر ال ميكن فهمه اال باللغة .ومبا ان موضوع اللغة هو اللفظ وموضوع املنطق هو املعنى ،حيث انقسم الدارسون ملوضوع العالقة اىل قسمني ،االول اكد هذه العالقة اما الثاني فانكرها وادت هذا االنقسام اىل تعدد وجهات النظر حول املوضوع. إننا نتفق ان موضوع العالقة بني اللفظ واملعنى من وجهة نظر الفارابي خصوصا يف كتابه ( احلروف ) هي عالقة توافقية ،فهو يرى (( : أن الناس وهم يكونون يف مسكن وبلد حمدود ، ويفطرون على صور وخلق يف ابدانهم حمدودة، وتكون أبدانهم على كيفية وامزجة حمدودة، وتكون أنفسهم معدة وم��س��ددة حنو معارف وتصورات وختيالت مبقادير حمدودة يف الكمية والكيفية فتكون هذه اسهل عليهم من غريها. وان االنسان اذا خال من اول ما يفطر ينهض ويتحرك حنو الشئ ال��ذي تكون حركته اليه اسهل عليه بالفطرة وعلى النوع الذي تكون به حركته أسهل عليه ،فتنهض نفسه اىل ان يعلم أو يفكر أو يتصور أو يتخيل أو يتعقل ،واول ما يفعله شيئا من ذلك يفعل بقوة فيه بالفطرة، ومبلكة طبيعية ،ال باعتياد له سابق قبل ذلك، وال بصناعة ،واذا كرر فعل شي من نوع واحد مرارا حدثت له ملكة اعتيادية إما خلقية او صناعية)) . هنا يف ه��ذا النص نفهم م��ن ال��ف��اراب��ي أن االن��س��ان يستطيع مبا لديه ملكات ان تكون لديه تصورات عن االشياء ويتخليها ويصورها ويتعقلها ويتأملها من دون صناعة سابقة عليه، 221
أقواس
أقواس
222
اي من وج��ود مسبق هلا او أن تكون فطرية، وامنا اذا ما أعاد العملية مرارا حدثت له ملكة إعتيادية ،أي أصبح لديه القدرة على وضع االلفاظ لتصوراته وختيالته ،وبهذا مييزه عن باقي الكائنات االخرى .اال اننا نستطيع القول بان االنسان ميتلك يف ذاته قدرات واستعدادت مسبقة وهي يف حالة سكون غري فعالة فيحتاج اىل قوى خارجية تنشط تلك القدرات الكامنة فيه ،هنا نكون امام حقيقتني ،هما ،أن االنسان لديه قدرات فطرية غري فعالة ( اي يف صورة عدم بالعرض) فحتى جيعل منها فعالة حيتاج اىل مؤثرات خارجية وه��ي متمثلة بالبيئة واحمليط واجملتمع ،من هنا تصبح الفاظ اللغة وضعية توافقية بني الناس من جهة اكتسابها للقوى املؤثرة من خارج ذاته ،ومن جهة اخرى فطرية كما هي حال تلك القدرات الكامنة الغري الفعالة. ول��ك��ن اذا م��ا استقل االن��س��ان نفسه عن االخرين ،هل بامكانه ان يستمر يف تصوراته وختيالته دون ان حيتاج اىل االخرين يف نقل ما يشعره وحيسه يف نفسه .هنا جند الفارابي يف نص اخر يشري اىل ان االنسان (( :اذا احتاج أن يعرف غريه ما يف ضمريه او مقصوده بضمريه أستعمل االشارة اوال يف الداللة على ما كان يريد ممن يلتمس تفهيمه اذا كان من يلتمس تفهيمه حبيث يبصر إش��ارات��ه ،ثم استعمل بعد ذلك التصويت)) .اي ان االنسان حتى وان استطاع ً ألفاظا ،فإن مل أن يضع لتصوراته وختيالته جيد وسيلة لنقله إىل االخرين لن حتدث عملية التواصل بني البشر. ولكن السؤال املركزي الذي يطرح نفسه يف
هذه احلالة هو ،هل االنسان مستقال عن االخر بامكانه ان يضع لتصوراته وختيالته الفاظا ام انه يف حاجة ماسة اىل نوع من التعاون من اجل ذلك ؟ يظهر لنا ان االنسان ككائن إجتماعي يكون بني أقرانه يف مسكن وبلد حمدد على حد تعبري الفارابي ،فانه حيتاج اىل نوع من التعاون مع االخرين يف سبيل التواصل معهم النتاج ووضع االلفاظ لتصوراته ،ويف هذا يقول االمام ( فخرالدين ال��رازي) (( :أن السبب يف وضع االلفاظ ،هو أن االنسان الواحد وحده ال يستقل جبميع حاجاته بل ال بد من التعاون ،وال تعاون اال بالتعارف ،وال تعارف اال باالسباب ،كحركات ، وأشارات ،أو نقوش او الفاظ توضع بازاء املقاصد ،وايسرها وافيدها وأعمها االلفاظ ،أما أنها أيسر فألن احلروف كيفيات تعرض الصوات عارضة للهواء اخلارج بالتنفيس الضروري ،واحملدود من قبل الطبيعة ،دون تكلف اختياري ،وأما أنها أعمها فليس ميكن أن يكون لكل شي نقش» . لذلك جند الفارابي يشري اىل ان االنسان لكي يعرب عن ما يف داخله سواء كان حركيا أو أشاريا ، يلجأ اىل استعمال تصويتات خمتلفة حيث يقول الفارابي (( :إن االنسان يستعمل تصويتات خمتلفة يدل بواحد واحد منها على واحد واحد مما يدل عليه باالشارة اليه واىل حمسوساته ،فيجعل لكل مشار اليه حم��دود تصويتا ما حمدودا ال يستعمل ذلك التصويت يف غريه ،وكل واحد من كل واحد كذلك)) .يف هذه احلالة ،أو الذي نفهمه من كالم الفارابي ،ان لكل لفظ من االلفاظ تصور يقابله يف الذهن وحتى تأتي تلك االلفاظ متطابقا مع تصوراتنا الذهنية علينا ان حنتكم اىل قوانني الفكر االساسية يف املنطق
،ونستخدم يف التعبري عن تصوراتنا الذهنية نظرية ( واحد لواحد) ،أي أن نضع لكل تصور ذهين له ما يقابله يف اخلارج من االشياء لفظا ً ومطلبا،أي يعرب يتناسب معه مقصدا ومفهما عن قصدية املتكلم ويف نفس الوقت يكون ً مفهوما من قبل املستمع. هنا جند ان الفارابي يتحدث عن العالمات والدالالت اخلاصة باحلروف ،حيث يقول (( : يضطر االنسان اىل تركيب احلروف بعضها اىل بعض مبواالة حرف حرف ،فتحصل يف الفاظ من حرفني او حروف ،فيستعملونها عالمات أيضا الشياء اخرى .فتكون احلروف وااللفاظ االول عالمات حملسوسات ميكن أن يشار اليها وملعقوالت .تستند اىل حمسوسات ميكن أن يشار اليها ،ف��ان كل معقول كلي له اشخاص غري اشخاص املعقول االخر )) . وقد أثار الفارابي قضية مهمة تتعلق بنوعية العالقة بني اللغة والفكر ( االلفاظ واملعقوالت ) ،وهذه خاصة باملنطق ،الن املنطقي يضع القوانني االنسانية ال�تي تعصم ال��ذه��ن من الوقوع يف اخلطأ يف عمليات الفكر ،واملنطق عند الفارابي علم ينصب على املعقول وليس على احملسوس .وبااللفاظ نعرب عن تلك املعقوالت ، أي ان هناك عالقة وثيقة بني اللفظ وحمتواه املعقول ،أي بني اللغة والفكر والميكن ان يوضع مقولة او فكرة حتدده قوانني معينة يف قوالب ، اي االلفاظ ،ال قوانني هلا وال قياس هلا وال موازين حتددها .واللغة ليست جمرد أص��وات ،بل هي أصوات هلا دالالت معاني ،وهذا هو االساس يف اللغة اليت ختضع للقياس النحوي. من هنا تبدا املعرفة احلقة وال سيما الفلسفية
منها .حيث يشري الفارابي اىل العالقة بني اللغة واملعرفة وكيفية نقل االلفاظ الفلسفية من امة اىل اخرى ،او كما يقول (( :ينبغي أن تؤخذ املعاني الفلسفية إما غري مدلول عليها بلفظ أصال ،بل من حيث هي معقولة فقط ،وإن اخذت مدلوال عليها بالفاظ فامنا ينبغي أن تؤخذ مدلوال عليها بالفاظ أي أمة أتفقت واالحتفاظ فيها عندما ينطق بها وقت التعلم لشبهها باملعاني العامية اليت منها نقلت الفاظها. هنا يرفض الفارابي ان يكون اللغة عبارة عن تقليد او حماكاة النه كما أشرنا سابقا ،هو من املؤيدين بإن اللغة عبارة عن توافق وتواضع بني الناس يف مسألة حتديد العالقة بني االسم واملعنى مبا تقتضيه الضرورة. و م��ن هنا يتبني لنا أن ال��ف��اراب��ي ال يقول بنظرية احملاكاة املتعلقة بااللفاظ واملعاني من جهة واملوجودات من جهة اخرى ،فهل هناك أختالف بني الكلمتني ( احملاكاة ) و ( الشبه ) ، فاذا كانت اللغة ترادفا بني اللفظتني ،يف جهة من وجهات داللتهما فان الفارابي مييز االلفاظ باملوجودات يف درجة أوىل ،إذن نظرية الشبه عند الفارابي تعتمد اللغة يف مستويني :مستوى االنتزاع واالبتعاد عن الوجود ،ومستوى مباشر ه��و االرت��ب��اط احلميمي الفطري باملوجود تتخللهما حلظة االستعارة والتجوز. اي ان الفارابي حبسب منهجه ونظامه الفلسفي اليقول باللغة التوقيفية بل وجدناه يقر بان اللغة اصطالحية ،وهذا يعين أن العالقة بني اللفظ واملعنى إما أن تكون عالقة واحد بواحد أو عالقة حماكاة وتقليد ،ولكن الفارابي يرى بأننا نضع لكل ظاهرة لفظا ينسجم مع صفاتها 223
أقواس
أقواس
224
املعروفة لنا ويتفق مع املعنى املعطى للظاهرة ً ً قريبا منها حتى يعطي شبيها هلا او حبيث يكون املعنى نفسه لدى السامع ،وهذا يدل على ان اللغة املطابقة للواقع مطابقة حرفية الجندها مع الفارابي الن��ه يؤمن بالطابع التطوري للغة ،اي ان اللغة قابلة للتبدل والتغري مع مقتضيات العصر واحلاجة .اذن الفارابي يضع عالقة اللفظ باملعنى يف اطارها الوضعي القابل للتعديل وليس بصورة حماكاة وتقليد الغري القابل للتبدل. أم��ا ما يتعلق ب��ال��دال من االل��ف��اظ ،فهو عالمة تتفق عليها مجاعة لغوية لتعريف شي ما .فاالشياء مل توجد ،والكائنات مل ختلق مع مسمياتها ،وتظل بالنسبة الينا جمرد صور بصرية ( إنطباعات ) ريثما نلغونها ( اي نشري اليها بعالمات لغوية ) مبا تتفق عليه من إصطالح :كلمة أو اكثر وال تعين هذه العالمة اي عالقة عضوية ( مضمونية ) متصلة بالشي أو الكائن احل��ي .فالصقر يكنى صقرا الننا اخرتنا له هذا االسم .وكذلك احلال بالنسبة اىل العصفور. املبحث الثالث :العالقة بني اللغة واملنطق. اوال :اهمية اللغة لعلم املنطق: هناك ج��دل واس��ع ب�ين الفالسفة وعلماء املنطق واللغة فيما يتعلق بنوع العالقة بني اللغة واملنطق السيما يف مسألة ايهما ميد االخر بالقوانني واملبادئ ،هل اللغة تستند يف وضع قوانينها اىل ما موجود يف املنطق من مبادئ وقوانني ام ان املنطق يستلهم من قواعد اللغة مبادئها يف التفكري ؟ فلو حبثنا يف تاريخ الفلسفة
لوجدنا جذور هذه العالقة بني اللغة واملنطق يف فلسفة ( أرس��ط��و ) ،حيث ي��رى ( أمييل بنفنيست ) وه��و احد علماء اللغة يف الوقت احلاضر ،ان ارسطو قد أستفاد كثريا من دراسة اللغة اليونانية ،الن حتليل املقوالت االرسطية مستوحى يف االصل من البنية اخلاصة باللغة اليونانية ،ولكنه مل يوظف كل ما هو موجود يف اللغة اليونانية ،وإمن��ا انتقى منها بعض اجلوانب الغ��راض خاصة ،الن ما كان يشغل فكر ارسطو ليس النحو وإمنا املعايري املنطقية واالنطولوجية ،بالرغم من وجود فكرة كانت متداولة يف تاريخ الفلسفة واملنطق على السواء ، وهي انه – مادامت مقوالت ارسطو هي مقوالت اللغة اليونانية وان مقوالت الفكر هي مقوالت اللغة فانه بالنتيجة ستكون خاصة باليونان فقط. ولكن مع الفارابي تظهر أهمية اللغة لعلم املنطق للوهلة االوىل يف كتابه ( احصاء العلوم ) ،ونعلم ان ارسطو يف تصنيفه للعلوم يف عصره مل يضع علم املنطق من بني العلوم ،النه أعترب املنطق ودراسته ومعرفة قواعده وقوانينه (مقدمة) ضرورية للبحث يف كل العلوم االخرى ،أو كما قال شراح ارسطو أن املنطق عنده هو ( اورغ��ان��ون ) أي :ألة العلوم كلها.أما موقف مناطقة العرب من املسألة فانهم أعلنوا بكل وضوح أن علم اللغة يعترب مدخال اساسيا حتى لعلم املنطق. ونفس املوقف جنده مع فيلسوفنا ( ابو نصر الفارابي ) يف كتابه ( إحصاء العلوم ) ،حيث وضع علم اللغة يف ترتيبه املنطقي أول العلوم يف زمانه ،ويسميه ب( علم اللسان ) ،ثم يليه
علم املنطق والرياضيات والعلم الطبيعي والعلم االهلي وعلوم االخالق والسياسة والفقه وعلم الكالم.هنا يف مقارنة ه��ذا الرتتيب املنطقي للعلوم ،بني كل من ارسطو والفارابي ،يظهر إختالف جوهري حول أهمية ومكانة اللغة ، حيث جند مع أرسطو أن املنطق ليس علما بل ألة للعلوم ،يف حني مع الفارابي احتل اللغة املرتبة االوىل يف التصنيف ،وه��ذا حبد ذاته تعترب منعطفا فكريا وابستيمولوجيا يف تلك املرحلة من فلسفة الفارابي ،وهي إشارة واضحة من الفارابي اىل ما للبحث اللغوي من أهمية وضرورة لفهم املصطلحات املنطقية والفلسفية إضافة اىل احساس الفارابي بضرورة توضيح تلك املصطلحات وبيان معانيها والفاظها الزالة الغموض عليها.وأن حجتنا فيما قام به الفارابي ً ً ً ومعرفيا فكريا منعطفا يف جمال اللغة وأعتربناه هي يف ترتيبه وتقسيمه لعلوم زمانه يف كتابه (إحصاء العلوم) وجعله لعلم اللسان(اللغة) أول تلك العلوم من حيث االهمية ،الن الفارابي كان يعتقد مدى أهمية اللغة يف التعلم والتفكري ومن دون اللغة ال ميكن ان تتم أية عملية تواصلية- معرفية .ومن جهة أخرى إعتقاد الفارابي بإن علم املنطق تستنبط قوانينها الفكرية من قوانني اللغة بصورة عامة ،وه��ذا دليل على مدى إنتباه الفارابي إلهمية اللغة بالنسبة لعلم املنطق وهلذا السبب وضعها يف املرتبة االوىل من تصنيفها لعلوم زمانه. وه��ذا ي��دل على بلوغ النظرية اللغوية يف التحليل اللغوي مع الفارابي ذروتها الشاخمة ، حيث امتاز بقدرة على البحث عن قوانني اللغة وعن بنياتها الداخلية ،ولعله اول من حاول أن
يكتشف هذه العالئق الداخلية اليت كانت اللغة العربية تنحو وفقا هل��ا.الن اللغة كيان حيمل يف داخله مجلة من العالقات اليت تنكشف يف املباشر اللغوي اي يف الظاهر ،وهذا يعين ان البحث يف كليات اللغة ( عالئقها وقوانينها االشد عمومية ) هو املوضوع املركزي لفلسفة اللغة. حيث تبني أن اللغة ك��ي��ان م��ن مجلة من العالقات والقوانني ،ونعلم أن املنطق أيضا عبارة عن جمموعة من القوانني تعصم الذهن من الوقوع يف اخلطأ الفكري ،فهل تعترب اللغة ضرورية للمنطق ؟ أم أن املنطق ضروري للغة ؟ مع الفارابي جند أن للغة أهمية ضرورية لصناعة املنطق ،وه��ذا ما أك��ده يف كتابه ( احل��روف ) ،ولكي نوضح تلك االهمية ناخذ مثالني ،أحدهما مبحث لغوي كمقدمة لشرح معاني ( اجلنس والنوع واخلاصة واملاهية ) يف املنطق ،واالخر مبحث لغوي لشرح املقوالت. فمثال عندما اراد شرح معاني ( اجلنس والنوع ) حتدث يف حرف ( ما ) واستخداماته ،حيث يقول ك (( يستعمل يف السؤال ،فأنه وما قام مقامه يف سائر االلسنة إمنا وضع اوال للداللة على السؤال عن شي ما مفرد .وهذا احلرف قد يقرن باللفظ املفرد والذي للداللة عليه اوال وضعنا اللفظ داال عليه ،وهو الشي الذي جعل ذلك اللفظ داال عليه ،فأن الشي هو اعم ما ميكن أن نعلمه .فاذا علم انه دال على شي ما ،فامنا جهل الشي الذي جعل ندا له .وكقول القائل « ما املعنى « اذا اتفق ان علم انه اسم دال على شي ،وقد يقرن مبحسوس أدرك ما احسن فيه من االحوال او االعراض يف اجلملة ،وجهل منه شي اخر ،كقولنا « ما الذي نراه « ،وقد يقرن 225
أقواس
أقواس
226
باسم معقول املعنى عرف ضربا من املعرفة ، كقولنا « االنسان ما هو « فيطلب معرفته وإقامة معناه يف النفس وأن حتصل ذاته معقولة بضرب أزيد مما عرف به اوال .أما يف شرحه للمقوالت فيقول (( :املوجود لفظ مشرتك يقال على مجيع املعقوالت ،واالفضل ان يقال إنه اسم جلنس من االجناس العالية على انه ليست له داللة يف ذاته ،ويقال على مجيع أنواعه بتواطؤ مثل اسم « العني « فأنه اسم النواع كثرية ويقال عليها باشرتاك ،ثم يقال على كل ما حتت نوع بتواطؤ على اسم اول لذلك النوع ،وقد يقال على الشي « أنه موجود « ويعين به أنه منحاز مباهية شي ما خارج سواء تصور يف النفس أم مل يتصور ،وباجلملة إمنا تسمى املاهية كل ما للشي ،صح ان جياب به جواب « ما « هو هذا الشي أو يف جواب املسؤول عنه بعالقة أخرى ،فقد جياب عنه جبنسه أو بفصله أو مبادته أو بصورته أو حبده». أي ان املفاهيم الكلية ( العامة) هي تلك املفاهيم اليت التعطي معناها بذاتها بل البد من وجود االفراد يف اخلارج وحيصل حالة التطابق بينهما من حيث االسم واملسمى،فمثال لفظة ( املوجود) أو (الوجود) هي لفظة كلية حتمل عليها االشياء مجيعا،أي تشرتك فيها مجيع االشياء يف صفة الوجود.فلفظة الوجود غري موجودة يف الواقع، بل هي مقولة فلسفية تستخدم لالشارة اىل أشياء يف العامل ونسميها موجودة.وهكذا بالنسبة اىل املقوالت االخ��رى مثل مقولة ( االنسان) هي ايضا مقولة كلية.هلذا جند يف سؤالنا ( من هو زيد ) نقول ( زيد إنسان) فمقولة االنسان لفظ مشرتك يقال على كثريين متفقني يف صفة
االنسنة.أو نقول (زيد إنسان ناطق) ،هنا لفظة (ناطق) هي لفظة عامة تستخدم للفصل بني االنسان والكائنات االخرى،وهكذا بالنسبة ملادة الشي وصورته وحده. يظهر لنا من النصوص الفارابية حول العالقة بني اللغة واملنطق االهتمام الذي اعطاه للغة ، الن املناطقة عندما يعريون اهتمامهم اىل اللغة ،فانهم ينطلقون من العالقة املوجود بني « االلفاظ واملعاني « « الفكر واللغة « ،من حيث أن اللغة أداة للتعبري عن افكارنا وهي وسيلة للتفاهم بني افراد البشر ،وهي الوسيط احملسوس الذي يرتجم افكارنا عن االشياء اخلارجية بنسق ،فاللغة تربط بني احملسوس وفكرنا عنه ، وكلما اوغلنا يف التجريد العقلي وابتعدنا عن احملسوس ،كلما ازداد غموض اللغة وابهامها ، وهذا ما نصادفه يف التفكري امليتافيزيقي اجملرد. إضافة لذلك جند ان اهتمام الفارابي بالفرق بني اللغات يعد داللة أخرى على منهجه اللغوي يف دراسة املنطق .وعلى وفق مواقفه الكونية فانه مل يعط اللغة العربية تفصيال يف تعامله معها .ورمبا ميكن توضيح ذلك مبقطع طويل من كتاب ( احلروف ) حيث يناقش فيه غياب الفعل الرابط يف اللغة العربية .وعندما يتطرق اىل الفئات فانه يذكر فئة « املوجود « ثم يقول (( :وليس يف العربية منذ اول وضعها لفظة تقوم مقام ( هست ) يف الفارسية وال مقام ( أستني ) يف اليونانية وال مقام نظائر هاتني اللفظتني يف سائر االلسنة .وهذه حيتاج اليها ضرورة يف العلوم النظرية ويف صناعة املنطق .فلما انتقلت الفلسفة اىل ال��ع��رب واحتاج الفالسفة الذين يتكلمون بالعربية وجيعلون
عباراتهم عن املعاني اليت يف الفلسفة واملنطق بلسان العرب ،ومل جيدوا يف لغة العرب منذ اول ما وضعت لفظ ينقلون بها االمكنة اليت فيها ( أستني ) يف اليونانية و ( هست ) يف الفارسية جيعلونها تقوم مقام هذه االلفاظ يف االمكنة اليت يستعملها فيها سائر االمم ،فبعضهم رأى أن يستعمل لفظة ( هو ) مكان(هست) بالفارسية و (أستني) باليونانية. فان هذه اللفظة قد تستعمل يف العربية كناية يف مثل قوهلم ( هو يفعل ) و ( هو فعل ) ،ورمبا أستعملوا ( هو ) يف العربية يف بعض االمكنة اليت يستعمل فيها سائر أهل االلسنة تلك اللفظة املذكورة .وذلك مثل قولنا ( هذا هو زيد ) فان لفظة ( هو ) بعيد جدا يف العربية أن يكونوا قد أستعملوها ههنا كناية .كذلك ( هذا هو ذاك الذي رأيته ) و ( هذا هو املتكلم يوم كذا كذا ) و ( هذا هو الشاعر) وكذلك ( زيد هو عادل ) وأشباه ذلك .فاستعملوا ( هو ) يف العربية مكان هست يف الفارسية يف مجيع االمكنة اليت يستعمل الفرس فيها لفظة ( هست) . ثانيا :ض��رورة اللغة يف توضيح املصطلحات الفلسفية. قبل قليل بينا اهمية اللغة لعلم املنطق ونرى من باب الضرورة ان نوضح تلك العالقة واالهمية من خالل عرضنا لبعض املصطلحات الفلسفية ودور اللغة يف توضيحها وبيان معانيها ،وم��ن ه��ذه املصطلحات ( العرض ،اجلوهر، الذات و الوجود ). العرض -:يقدم الفارابي الفرق بني استعمال اللغويني ملصطلح ( العرض ) واستعماله عند
الفالسفة ،فهو عند اللغويني يقال على كل ما كان نافعا يف هذه احلياة الدنيا فقط ،وقد يقال أيضا على كل ما سوى الدراهم والدنانري وما قام مقامهما من فلوس وحناس أو دراهم حديد مما استعمل مكان الدراهم والدنانري.و(العرض) ع��ب��ارة ع��ن معنى زائ��د على ال���ذات اي ذات اجلوهر ،جيمع على اعراض ،وهو االمر عرض اي عارض اي زائل يزول ،وعرض لفالن أمر اي معنى ال قرار له وال دوام لعدم بقائه ،وهلذا ال جيعلون الصفات القائمة بذاته تعاىل اعراضا.أما (العرض) عند الفالسفة ،فيقال على كل صفة وصف بها امر ما ومل تكن الصفة (حمموال) محل على (املوضوع) ،او مل يكن احملمول داخال يف ماهية االمر املوضوع أصال ،بل كان يعرف منه ما هو خارج عن ذاته وماهيته.والعارض عند اجلمهور هو كل ما كان قليل املكوث سريع ال��زوال من سائر املقوالت ويسمون العوارض انفعاالت.اال اننا نالحظ ان املفكرين العرب مل يتفقوا مجيعا على توضيح الفارابي ،اذ جند ( الباقالني ) يعرف (العرض) على حنو يوفق بني املعنيني اللغوي والفلسفي حيث يقول : ((العرض هو الذي يعرض يف اجلوهر ،واليصح بقاؤه وقتني» .واالع���راض هي ال�تي ال يصح بقاؤها وهي اليت تعرض يف اجلواهر واالجسام وتبطل يف ثاني حال وجودها .وقول أهل اللغة عرض بفالن عارض من محى او جنون اذ مل يدم به ذلك )) .ويعطي الباقالني مثاال للعرض، حترك اجلسم بعد سكون او سكونه بعد حركته. اجل��وه��ر :عند اجلمهور يقال على االشياء املعدنية واحلجارية اليت هي عندهم بالوضع واالعتبار ،وه��ي ال�تي يتباهون يف اقتنائها 227
أقواس
أقواس
228
ويغالون يف امثانها مثل اليواقيت واللؤلؤ ، فان هذه ليس فيها بالطبع وال حبسب رتبة املوجودات جاللة يف الوجود وال كمال تستاهل بها يف الطبع االجالل والصيانة .ويقولون يف من عندهم من الناس نفيس ذو فضائل عندهم « إنه جوهر من اجلواهر « ...وقد يستعملون اسم اجلوهر يف مثل قولنا « زيد جيد اجلوهر « ويعنون به جيد اجلنس وجيد االباء وجيد االمهات ،أما يف الفلسفة فان (اجلوهر) يقال على املشار اليه الذي هو ال يف موضوع أصال. ويقال على كل (حممول) عرف ما هو هذا املشار اليه من نوع أو جنس أو فصل ،وعلى ما عرف ماهية نوع من ان��واع هذا املشار اليه وما به ماهيته وقوامه. الذات :يقال على كل مشار اليه ال يف موضوع. ويقال على ما يعرف يف مشار اليه مما ليس يف موضوع ما هو ،مما تدل عليه لفظة مفردة أو قول .ويقال ايضا على كل مشار اليه يف موضوع. ويقال على كل ما يعرف يف مشار اليه مما يف موضوع ما .وهو يقال على كل ما يقال عليه اجلوهر وعلى ما ال يقال عليه اجلوهر .فان املشار اليه الذي يف موضوع ليس يقال إنه جوهر اصال ال باطالق وال باضافة.وهي لفظة يتداوهلا الفالسفة واهل العلوم النظرية فاذا كان اللفظ مذكرا قيل أنه ذو ذاك االمر ،واذا كان مؤنثا قيل ذات ذاك االمر ،فهذه اللفظة وضعت الفادة هذه النسبة والداللة على ثبوت هذه االضافة اذا عرفت هذا فنقول :انه من احملال ان تثبت هذه الصفة لصفة ثانية ،والصفة الثانية لصفة ثالثة وهكذا اىل غري النهاية.
املوجود :فمن معاني هذا املصطلح ما يلي :إنه مشتق من مصدر « الوجود « كما يدل على موضوع موصوف بالوجود ،وصيغته موضوعية للداللة على املفعولية ،هذه املفعولية تستلزم فاعال هو « الواجد « وفعال هو (س ) « وجد « .ويقال ايضا على ما له ماهية خارج النفس وال يقال على ماهية متصورة فقط فبهذا يكون الشي اعم من الوجود .واملوجود يقال على القضية الصادقة ،والشي اليقال عليها .فانا ال نقول هذه القضية شي وحنن نعين به انها صادقة بل امنا نعين ان هلا ماهية ،ونقول « زيد موجود عادل « وال نقول « زيد شي عادل « .واحملال يقال عليه إنه شي واليقال عليه إنه موجود .فالشي إذن يقال على كثري مما يقال عليه املوجود وعلى أمور اليقال عليها املوجود. النتائج. توصلنا من خالل حبثنا هذا اىل عدة نتائج ، منها ان اللغة ظاهرة اجتماعية واداة للتفاهم واالتصال ونقل املعلومات بني االفراد .وان اللغة تتصف بالتبدل والتطور والتغري وفقا ملقتضيات العصر .كما ان نشأة اللغة كانت اصطالحية – توافقية بني الناس وفقا للضرورة االجتماعية. ومن ادلة اصطالحية اللغة قدرة االنسان على تكوين تصورات عن االشياء من خالل ملكاته اخلاصة ومن ثم التعبري عنها بااللفاظ ،اي ان اللغة اصطناعية .لذلك عندما يكون االنسان منعزال عن االخرين اليستطيع التعبري عن افكاره اخلاصة ،الن اللغة ال يظهر اال يف احضان اجملتمع .اضافة اىل ان لكل تصور يف الذهن لفظ خاص يوجد ما يقابله يف اخل��ارج .كما
ان القوانني املنطقية مستنبطة من القواعد اللغوية ،اي ان قواعد اللغة هي املصدر الرئيسي النتاج القوانني االساسية للفكر . باالضافة اىل ذلك وجدنا ان نظرة الفارابي اىل اللغة كانت نظرة علمية –جتريبية ،فهو مل يقول بإن اللغة توقيفية أو إهلام من اهلل اىل البشر ،بل اللغة هي توافقية – إصطالحية، ظهرت نتيجة للحاجة االنسانية كي يعرب عن شعوره وإحساسه باالخرين ولنقل ما يدور خبلده لالخرين حتى تستمر عملية التواصل بني البشر.فهو بدأ بتحليل اللغة من منظور واقعي ،أي هناك توافق بني اللفظ واملعنى حسب إتفاق الناس فيما بينهم بإن تلك االلفاظ يتطابق مع تلك املعاني واالشياء املوجودة يف الواقع. من هنا نستطيع أن الفارابي هو الفيلسوف الذي نظر اىل اللغة نظرة حتليلية مثلما فعل ذل��ك يف العصر احلديث الفيلسوف االمل��ان��ي « لودفيج فتجنشتاين» .أي أن للفارابي السبق يف ذلك وهذه هي أصالة الفارابي يف جمال فلسفة اللغة.
دةرئةنجام: لةم تويذينةودا طةيشتن بة هةندي دةرئةنجام سةبارةت بة فةلسةفةي زمان الي (فارابي)،لةوانة زمان بريتية لة دياردةيةكي كومة ًالييةتي وئامرازيك بؤ ليك تيطةيشتن و كومونيكةيشن و طواستنةوةي زانياري نيوان تاكةكاني كومةلًطا. هةروها زمان دوخيكي ضةسثيو نية بةلكو بةردةوام لة طورانداية،لة طةشةكردنداية بة ثيي ًثيداويستيية سةردةميةكان.زمان لة روانطةي (فارابي)وة لةاليةن مرؤظةكانةوة دانراوة نةك وةك بةخششيك لةاليةن ئةسمانةوة بة مرؤظ بةخشراوبيت.ضونكة بؤ هةر تيطةيةك كة لة زةيني مرؤظدا هةبي ئةوا لة جيهاني دةرةوةدا شتيك هةية لةطةليدا دةطونجي. هةروها لة ثةيوةندي نيوان (لوجيك و زمان) بؤمان دةرك��ةوت كة ياساكاني لوجيك لة طرتووة.ليردا ياساكاني زمانةوة سةرضاوةيان ً (فارابي) لة روانطةيةكي (زانستي – ئةزموونيةوة) دةروانيتة زمان ،وة ثيي واية زمان لةاليةن مرؤظةكانةوة دانراوة بةثيي ريكةوتنيان لة سةر شتةكان. واتاي ً
229
أقواس
أقواس
230
اهلوامش : (-)1صاحل ،حسن بشري ،عالقة املنطق باللغة عند فالسفة املسلمني ،دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ،االسكندرية ،ط ،2003 ،1ص .101 (-)2منظور،أبن ،لسان العرب ،نقال عن،السيد،خالدعبدالرزاق،اللغة بني النظرية والتطبيق،مركزاالسكندريةللكتاب2003، ،ص11 -)3بوانكاري،هنري،قيمة العلم،ترمجة،ميلودي شغموم،دار التنويرللطباعة والنشروالتوزيع،بريوت،2006،ص .143 ( -)4املصدر نفسه ،ص .13 (-) 5كنانة ،علي ناصر ،اللغة وعالئقيها،منشورات دار اجلمل ،لبنان-بريوت، ،2009ص.5 ( -)6جالل،شوقي،الفكر العربي وسيسولوجيا الفشل،مكتبة مدبولي، ط،1،2002ص .165 (-) 7لعييب ،هادي نهر ،اللسانيات االجتماعية عند العرب ،عامل الكتب احلديث ،اربد- االردن،ط ،2009 ،1ص.9 (-) 8السيد ،خالد عبدالرزاق ،اللغة بني النظرية والتطبيق ،مصدر سبق ذكره ،ص .30-27 **-ينظر كتاب احلروف للفارابي ،ص -138 .139 ( -)9الفارابي،كتاب احلروف ،املصدر السابق، ص .137-136 ( -)10املصدر نفسه ،ص .138 (-) 11املصدر نفسه ،ص .137
( -) 12امحدن خملوف سيد ،اللغة واملعنى، مقاربات يف فلسفة اللغة ،منشورات االختالف، ط،2010 ،1ص.53 (-) 13املصدر نفسه ،ص .54 (-) 14الفارابي،ابو نصر ،كتاب احلروف، مصدر سبق ذكره ،ص .135-134 (-) 15املصدر نفسه ،ص .135 (-) 16الرازي ،لالمام فخرالدين حممد بن عمر ،احملصول يف علم االصول ،دراسة وحتقيق د .طه جاب العلواني ،ط، 2مؤسسة الرسالة بريوت 1992 ،ج، 2ص .256 (-) 17الفارابي ،ابو نصر ،احلروف ،مصدر سبق ذكره ،ص .135 (-) 18الفارابي ،ابو نصر ،احلروف ،مصدر سبق ذكره ،ص .136 (-) 19أبو ريان،حممد،دراسة حتليلية مقارنة بني املنطق والنحو ورأي الفارابي فيها، الفارابي واحلضارة االنسانية ،وقائع مهرجان الفارابني مطابع دار احلرية ،بغداد،1975 ، ص .190 ( -)20بغورة ،الزواوي ،الفلسفة واللغة ،دار الطليعة،بريوت،ط،2005 ،1ص .36 ( -)21امحد ،خملوف سيد ،اللغة واملعنى ، مصدر سبق ذكره ،ص .49 (-) 22كنانة ،علي ناصر ،اللغة وعالئقياتها، مصدر سبق ذكره ،ص .17 -) 23( 1امحد ،خملوف سيد ،اللغةواملعنى ن مصدر سبق ذكره ،ص .38 (-) 24زيدان ،حممود فهمي ،يف فلسفة اللغة، دار النهضة العربية ،بريوت ،،1985 ،ص .155
(-) 25زيدان ،حممود فهمي ،يف فلسفة اللغة،املصدر السابق ،ص .155 (-) 26الفارابي ،ابو نصر ،إحصاء العلوم ،قد له وشرحه وبوبه،د.علي بو ملحم،دار وكتبة اهلالل ،بريوت-لبنان ،ط ،1996 ، 1ص.11-8 ( -)27امحد ن خملوف سيد ،اللغة واملعنى ، املصدر السابق ذكره ،ص .41 ( -)28املصدر نفسه ،ص.42 (-) 29الفارابي ،ابو نصر ،كتاب احلروف ، مصدر سبق ذكره ،ص .166-165 ( -)30املصدر نفسه ،ص .115 ( -)31أبو ريان،حممد،دراسة حتليلية مقارنة بني املنطق والنحو ورأي الفارابي فيها ،الفارابي واحلضارة االنسانية ،مصدر سبق ذكره ،ص .205 ( -)32الفارابي ،كتاب احلروف ،مصدر سبق ذكره ،ص .112وكذلك انظر :فري ستيج ،كيس ،اعالم الفكر اللغوي التقليد اللغوي الغربي ،ترمجة ،د .امحد شاكر الكالبي ،دار الكتاب اجلديد ،ط،2007 ،1ج ،3ص -127 .128 ( -)33الفارابي ،كتاب احلروف ،املصدر السابق ،ص .95 (-) 34امحد ،خملوف سيد ،اللغة واملعنى ، املصدر السابق ،ص .55 (-) 35الفارابي ،كتاب احلروف ،مصدر سبق ذكره ،ص .95 (-) 36امحد ،خملوف سيد ،اللغة واملعنى، مصدر سبق ذكره ،ص .55 ( -)37الباقالني،االنصاف ،املوسوعة الشاملة،نقال عن موقع الوراق ،ج ،1ص .71
(-) 38زيدان ،حممود فهمي ،يف فلسفة اللغة، مصدر سبق ذكره ،ص .159 (-) 39الفارابي ،كتاب احلروف ،مصدر سبق ذكره ،ص .100-97 (-) 40املصدر نفسه ،ص .106 (-) 41امحدن خملوف سيد ،اللغة واملعنى ، مصدر سبق ذكره ،ص .56 ( -)42امحدن خملوف سيد ،اللغة واملعنى ، مصدر سبق ذكره ،ص .57 ( --) 43الفارابي ،كتاب احلروف ،مصدر سبق ذكره ،ص .128وانظر ايضا :زيدان، حممود فهمي ،يف فلسفة اللغة ،مصدر سبق ذكره ،ص .160
231
أقواس
232
ait has taken from language rules, the language rules are major source to produce major rules to the thought. According to the important to the role of the language and the process analysis and to declare concepts and philosophical items. The language is the rare phenomena from existence phenomena. .قائمة املصادر واملراجع مقاربات، اللغة واملعنى، خملوف سيد،امحد1، 1 ط، منشورات االختالف، يف فلسفة اللغة .2010 امل��وس��وع��ة،االن��ص��اف، ال��ب��اق�لان��ي- 2.1 ج،نقال عن موقع الوراق،الشاملة دار، الفلسفة واللغة، ال��زواوي، بغورة3.2005 ، 1 ط، بريوت، الطليعة ، ترمجة، قيمة العلم، هنري، بوانكاري4 دار التنوير للطباعة والنشر،ميلودي شغموم .2006 ، بريوت، والتوزيع الفكر العربي وسيسولوجيا، شوقي، جالل5.2002 ،1ط، مكتبة مدبولي، الفشل لالمام فخرالدين حممد بن عمر، الرازي6دراس���ة وحتقيق، احملصول يف علم االص��ول، مؤسسة الرسالة، 2 ط، طه جاب العلواني.د 2 ج1992 ،بريوت ، يف فلسفة اللغة، حممود فهمي، زيدان7.1985 ، بريوت،دار النهضة العربية اللغة بني، خالد عبدالرزاق، السيد8، مركز االسكندرية للكتاب،النظرية والتطبيق
Results
أقواس
We are arrive through this research to many results, once of them is that the language is social phenomena and an instrument to understand and communication and to transfer information between each other. The Language describe by replacement. And development and change accordance with the age .The development of the language to be a traditional – and argument between people according to the social necessary from the traditional guides are human can make imagination about things through his special abilities and after that he make words and pronounce it as a words, this is give to the language his artificiality. When human be alone he cant make a special thoughts , because the language appear in the social or in the group it cant appear in the human alone. Every imagine in the mind it has his special pronounce when it meet with external world. All logics rules
2003 9صاحل ،حسن بشري ،عالقة املنطق باللغةعند فالسفة املسلمني ،دار ال��وف��اء لدنيا الطباعة والنشر ،االسكندرية ،ط.2003 ،1 10ال��ف��اراب��ي ،اب��و نصر ،كتاب احل��روف،حتقيق :حمسن مهدي ،دار امل��ش��رق ،ب�يروت، .1970 11الفارابي،ابو نصر،إحصاء العلوم،قدم لهوشرحه وبوبه،د.علي بو ملحم،دار ومكتبة اهلالل ،بريوت-لبنان،ط.1996 ، 1 12أبو ريان،حممد ،دراسة حتلياية مقارنةبني املنطق والنحو ورأي الفارابي فيها ،الفارابي واحلضارة االنسانية ،وقائع مهرجان الفارابي ، مطابع دار احلرية ،بغداد1975 ، 13فريستيج ،كيس ،اعالم الفكر اللغويالتقليد الغربي ،ج ، 3ترمجة ،دز امحد شاكر الكالبي ،دار الكتاب اجلديد ،ط. 2007 ، 1 14كنانة ،علي ناصر ،اللغة وعالئقياتها،منشورات دار اجلمل ،لبنان ،بريوت.2009 ، 15لعييب ،هادي نهر ،اللسانيات االجتماعيةعند ال��ع��رب ،ع��امل الكتب احل��دي��ث ،ارب��د، االردن،ط.2009 ، 1 (-)1صاحل ،حسن بشري ،عالقة املنطق باللغة عند فالسفة املسلمني ،دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ،االسكندرية ،ط ،2003 ،1ص .101 (-)2منظور،أبن ،ل��س��ان ال���ع���رب ،نقال عن،السيد،خالدعبدالرزاق،اللغة بني النظرية والتطبيق،مركزاالسكندريةللكتاب2003 ، ،ص11 ( )3بو ا نكا ر ي ،هنر ي ،قيمة
ال������ع������ل������م،ت������رمج������ة،م������ي������ل������ودي ش�����غ�����م�����وم،دار ال���ت���ن���وي���رل���ل���ط���ب���اع���ة والنشروالتوزيع،بريوت،2006،ص .143 (-) 4املصدر نفسه ،ص .13 (-) 5ك����ن����ان����ة ،ع���ل���ي ن����اص����ر ،ال��ل��غ��ة وعالئقيها،منشورات دار اجلمل ،لبنان-بريوت، ،2009ص.5 (-) 6جالل،شوقي،الفكر العربي وسيسولوجيا الفشل،مكتبة مدبولي ،ط،1،2002ص .165 (-) 7لعييب ،هادي نهر ،اللسانيات االجتماعية عند ال��ع��رب ،ع��امل الكتب احل��دي��ث ،ارب��د- االردن،ط ،2009 ،1ص.9 (-) 8السيد ،خالد ع��ب��دال��رزاق ،اللغة بني النظرية والتطبيق ،مصدر سبق ذك��ره ،ص .30-27 **-ينظر كتاب احلروف للفارابي ،ص -138 .139 ( -)9الفارابي،كتاب احلروف ،املصدر السابق، ص .137-136 (-) 10املصدر نفسه ،ص .138 (-) 11املصدر نفسه ،ص .137 ( -) 12امحدن خملوف سيد ،اللغة واملعنى، مقاربات يف فلسفة اللغة ،منشورات االختالف، ط،2010 ،1ص.53 ( -)13املصدر نفسه ،ص .54 (-)14الفارابي،ابو نصر ،كتاب احل��روف، مصدر سبق ذكره ،ص .135-134 (-)15املصدر نفسه ،ص .135 (-) 16ال��رازي ،لالمام فخرالدين حممد بن عمر ،احملصول يف علم االصول ،دراسة وحتقيق د .طه جاب العلواني ،ط، 2مؤسسة الرسالة 233
أقواس
أقواس
234
بريوت 1992 ،ج، 2ص .256 ( -)17الفارابي ،ابو نصر ،احل��روف ،مصدر سبق ذكره ،ص .135 (-)18الفارابي ،ابو نصر ،احل��روف ،مصدر سبق ذكره ،ص .136 ( -)19أبو ريان،حممد،دراسة حتليلية مقارنة بني املنطق والنحو ورأي الفارابي فيها ،الفارابي واحلضارة االنسانية ،وقائع مهرجان الفارابني مطابع دار احلرية ،بغداد ،1975 ،ص .190 (-) 20بغورة ،ال��زواوي ،الفلسفة واللغة ،دار الطليعة،بريوت،ط،2005 ،1ص .36 ( -)21امحد ،خملوف سيد ،اللغة واملعنى ، مصدر سبق ذكره ،ص .49 (-) 22كنانة ،علي ناصر ،اللغة وعالئقياتها، مصدر سبق ذكره ،ص .17 -)23 (1امحد ،خملوف سيد ،اللغة واملعنى نمصدر سبق ذكره ،ص .38 ( -)24زيدان ،حممود فهمي ،يف فلسفة اللغة، دار النهضة العربية ،بريوت ،،1985 ،ص .155 (-) 25زي�����دان ،حم��م��ود فهمي ،يف فلسفة اللغة،املصدر السابق ،ص .155 ( -)26الفارابي ،ابو نصر ،إحصاء العلوم ،قد له وشرحه وبوبه،د.علي بو ملحم،دار وكتبة اهلالل ،بريوت-لبنان ،ط ،1996 ، 1ص.11-8 ( -)27امحد ن خملوف سيد ،اللغة واملعنى ، املصدر السابق ذكره ،ص .41 (-) 28املصدر نفسه ،ص.42 (-) 29الفارابي ،ابو نصر ،كتاب احلروف ، مصدر سبق ذكره ،ص .166-165 ( -) 30املصدر نفسه ،ص .115 ( -)31أبو ريان،حممد،دراسة حتليلية مقارنة
بني املنطق والنحو ورأي الفارابي فيها ،الفارابي واحلضارة االنسانية ،مصدر سبق ذكره ،ص .205 (-) 32الفارابي ،كتاب احلروف ،مصدر سبق ذك��ره ،ص .112وكذلك انظر :فري ستيج ، كيس ،اعالم الفكر اللغوي التقليد اللغوي الغربي ،ترمجة ،د .امحد شاكر الكالبي ،دار الكتاب اجلديد ،ط،2007 ،1ج ،3ص .128-127 (-) 33ال��ف��اراب��ي ،كتاب احل��روف ،املصدر السابق ،ص .95 (-) 34امح��د ،خملوف سيد ،اللغة واملعنى ، املصدر السابق ،ص .55 (-) 35الفارابي ،كتاب احلروف ،مصدر سبق ذكره ،ص .95 ( -)36امحد ،خملوف سيد ،اللغة واملعنى، مصدر سبق ذكره ،ص .55 امل��وس��وع��ة (-)37الباقالني،االنصاف، الشاملة،نقال عن موقع الوراق ،ج ،1ص .71 (-) 38زيدان ،حممود فهمي ،يف فلسفة اللغة، مصدر سبق ذكره ،ص .159 ( -)39الفارابي ،كتاب احلروف ،مصدر سبق ذكره ،ص .100-97 (-) 40املصدر نفسه ،ص .106 (-) 41امح��دن خملوف سيد ،اللغة واملعنى ، مصدر سبق ذكره ،ص .56 (-) 42امح��دن خملوف سيد ،اللغة واملعنى ، مصدر سبق ذكره ،ص .57 ( --) 43الفارابي ،كتاب احلروف ،مصدر سبق ذكره ،ص .128وانظر ايضا :زيدان ،حممود فهمي ،يف فلسفة اللغة ،مصدر سبق ذكره ،ص .160
أقواس تشظيات الواقع الكردي يف روايات سليم بركات د .عادل كرمياين
235
أقواس
أقواس
236
شهد الواقع الكردى يف بقاع كردستان حتى بدايات القرن السادس عشر ه��دوءا ملموسا ، ولكن بعد معركة جالديران يف ع��ام 1514 انقسم الواقع الكردي على جانيب االمرباطورية الفارسية الصفوية واالمرباطورية العثمانية ، اليت خرحت من املعركة فائزة بعد جناح االمري البدليسي يف ضم احنياز االمراء الكرد آنذاك اىل جانب اجليش العثماني ودعمه . وازداد ال��واق��ع ال��ك��ردي بؤسا بعد توقيع معاهدة لوزان يف عام ، 1923واليت نصت على تقسيم ارض كردستان وتوزيعها على الدول االربعة العراق وتركيا وايران وسوريا ،وهكذا وجد املواطن الكردي نفسه حماط باحلدود الرمسية لتلك الدول ،وفقد ما كان يتمتع به من حرية السفر والتجوال من دون جواز سفر بني بقاع وطنه كردستان . وشهدت الثقافة والتعليم الكردية بعد تلك املعاهدة تدهورا ملموسا ،فقد ُف��ر َ ض على ِ املواطن الكردي يف كل دول��ة من تلك ال��دول االربعة التعلم والدراسة فقط بلغة ذلك البلد ، بل وصلت االمور اىل حد سحب وحمو الشخصية القومية هلم ،خاصة يف تركيا وسوريا ،حيث اعترب كمال اتاتورك مؤسس الدولة الرتكية اجلديدة املواطنني الكرد يف تركيا بانهم اتراك جبليون وليسوا ُكرداً ،واعتربت سوريا َ الكر َد لديها مواطنون س��وري��ون م��ن دون منحهم شهادات املواطنة السورية حلد اآلن وتركتهم اشبه حبال البدون يف الكويت .ومل يكن حال املواطن الكردي يف ايران باألفضل ،فقد حاول بعض الكتاب من امثال رشيد يامسي اعتبار اللغة الكردية من هلجات اللغة الفارسية ،
وحاولت الدولة االيرانية تشييع الكرد وتغيري انتمائهم املذهيب الديين اىل الطائفة الشيعية بكل شكل ،وحرمت عليهم الدراسة والتعلم بلغتهم االم الكردية ،والزال هذا الواقع املؤسف مفروضا حلد اآلن . ومن باب قول الصدق واحلقيقة فأن حال الكرد يف العراق ،بعد معاهدة ل��وزان يف عام ، 1923أفضل من بقية ابناء قومهم يف سوريا وتركيا وايران .فقد ضمن اول دستور عراقي ، بعد تشكيل الدولة العراقية عام ، 1921بعض احلقوق القومية الثقافية البسيطة للكرد ،مثل التكلم والدراسة والتعلم بلغتهم االم الكردية ،واص��دار كتبهم وصحفهم وجمالتهم بلغتهم الكردية ،وكان احلاكم الربيطاني يف السليمانية امليجر سون اول املبادرين اىل اصدار اول جريدة كردية باللغة الكردية حتت اشرافه املباشر بأسم ( بيشكه وتن – التقدم ) يف عام ،1919بعد ان جلب مطبعة لبلدية السليمانية .وهكذا ظهرت ظاهرة كتابة االدب الكردي باحلروف العربية ( يف العراق واي��ران ) والالتينية ( يف تركيا ) والسالفية ( يف ارمينيا السوفياتيية انذاك ) من قبل الكرد اإليزدين واالرمن اهلاربني من ظلم السلطات العثمانية يف اعوام نهاية القرن التاسع عشر ،باالضافة اىل سيطرة اللهجات الكردية على ثقافة املتنورين الكرد وع��دم اهتماهم بشكل كبري باستخدام اللغة الكردية املوحدة . من هكذا واقع كردي مرير وجد سليم بركات ال��س��وري وال��ك��ردي االص��ل نفسه جم�برا على الدرسة والتعلم والكتابة باللغة العربية فقط ، من دون اكتساب القدرة على تعلم الكتابة بلغته الكردية .
شهد التالقح الثقايف بني الكرد والعرب ،قدميا وحديثا ،دورا ملموسا للعديد من املثقفني واالدباء والكتاب الكرد يف جمال اغناء الثقافة واالدب العربي بالعديد من النتاجات الفكرية واالدبية .وهناك العديد من األمثلة ، حيث يشري املرحوم مصطفى نرميان يف كتابه ( ما أسداه ُ الكرد اىل املكتبة العربية ) اىل أكثر من مئيت كاتب كردي قدموا نتاجاتهم الفكرية واألدبية باللغة العربية كأدلة على التفاعل الثقايف بني الكرد والعرب منذ قديم الزمان .وه��ن��اك ادب���اء ك��رد م��ن ش��ع��راء وقصاصني وروائيني اغنوا املكتبة العربية خالل القرن املاضي بنتاجاتهم املكتوبة باللغة العربية ،من امثال العائلة التيمورية يف مصر وعباس حممود العقاد وامح��د شوقي وال��زه��اوي وعبداجمليد لطفي وبلند احليدري ويوسف احليدري وحمي الدين زنكنة وسليم بركات وحليم يوسف وآخرون اليسع املقام لذكرهم مجيعا . عرف عن املبدع سليم بركات ،املولود عام 1951يف قرية ( موسيسانا ) التابعة ملدينة قامشلي يف غرب كردستان ،والواقعة يف مشال شرق سوريا ،واليت « كانت كافية ليتعرف على مفرداته الثقافية باإلضافة إىل الثقافات اجملاورة كاآلشورية واألرمنية .انتقل يف عام 1970إىل العاصمة دمشق ليدرس األدب العربي ولكنه مل يستمر أكثر من سنة ،ولينتقل من هناك إىل بريوت ليبقى فيها حتى عام ، 1982ومن بعدها انتقل إىل قربص ويف عام 1999انتقل إىل السويد «( . )1وكذلك عرف عن سليم بركات ،والذي يعيش حاليا كالجىء يف السويد منذ عام 1999بعد ان ضاق مرارة شظف العيش
وق��س��اوة الغربة يف لبنان وت��ون��س وق�برص وروم��ا ،بأنه مبدع متميز باسلوبه يف كتابة الشعر والرواية ،حيث قال عنه الشاعر العراقي املغرتب سعدي يوسف « انك أعظم كردي بعد صالح الدين ، « 2وق��ال عنه الشاعر السوري املشهور ادونيس « الكردي الذي ملك مفاتيح اللغة العربية « ،وقد اهداه الشاعر الفلسطيين املبدع حممود درويش قصيدة بعنوان ( ليس للكردي سوى الريح ) . اصدر سليم بركات خالل سنوات ابداعه سبعة عشر رواية هي ( :فقهاء الظالم 1985/ – الريش – 1990/ارواح هندسية1987/ – معسكرات االبد – ثالثية الفلكيون يف ثلثاء املوت ( 1-عبور البشروش 2-الكون 3-كبد ميالؤس ) -انقاض األزل الثاني – األختام والسديم – دلشاد ( فراسخ اخللود املهجورة ) -كهوف هايدراهوداهوس – ثادرمييس – موتى مبتدئون – السالمل الرملية – لوعة األليف الالموصوف يف صوت سارماك – هياج االوز– السماء شاغرة ف��وق اورشليم) ،وقد اصدر ايضا مخسة عشر جمموعة شعرية هي (:كل داخل سيهتف ألجلي ،وكل خارج ايضا – 1973/هكذا ابعثر موسيسانا –1975/ للغبار ،لشمدين ،ألدوار الفريسة وأدوار املمالك –1977/اجل��م��ه��رات – 1978/الكراكي – 1981/بالشباك ذاتها ،بالثعالب اليت تقود الريح – 1987/البازيار –1991/األعمال الشعرية – 1992/طيش الياقوت – اجملابهات ،املواثيق األج��ران ،التصاريف ،وغريها – املثاقيل – املعجم – شعب الثالثة فجرا من اخلميس الثالث – ترمجة البازلت – السيل ) 237
أقواس
أقواس
238
،باألضافة اىل سريتني هما (:اجلندب احلديدي – 1980/سرية الطفولة ) ،و( هاته عاليا، هات النفري على آخره – سرية الصبا 1982/ ) ،باألضافة اىل كتاب ( األقراباذين – مقاالت يف علوم النظر ) ،وكتاب (التعجيل يف قروض النثر مقاالت) ،وكتاب (كنيسة احملارب – يوميات .)1977/علما « أن بركات نشر أول قصيدة له بعنوان ( نقابة األنساب ) يف جملة ( الطليعة ) األسبوعية السورية ،وكان ذلك يف عام 1971 ...واذا ما عددنا هذه القصائد أوىل قصائده ، فأن ( فقهاء الضالم ) تعد أوىل رواياته ،وقد نشرها يف عام . )3 (« 1985 عرف عن سليم بركات – رغم كرديته - أنه يكتب بلغة عربية فصيحة وبليغة يصفها بعض الباحثني بأنها لغة وحشية قلما جند نظري هلا عند كتاب الرواية والشعر العربي ، حتى أن ترمجة رواياته للغات اآلخرى اصبحت مهمة صعبة .ومهما يكن درجة استخدامه للغة العربية اضطرارا – لعدم تعلمه اللغة الكردية دراسة وكتابة بسبب ظروف معيشته ودراسته يف سوريا ، -لكن هموم انتماءه القومي الكردي ت�برز يف ع��دة رواي���ات من حيث ثيمة النص الروائي وزمكانه وتسمية شخصياته الروائية ،وهذا ما حدى بنا اىل تناول تشظيات الواقع الكردي يف رواياته ،فمن حقنا كمثقفني كرد ان نفتخر بهكذا كاتب كردي مبدع ،واليصح جتاهل نتاجاته يف دراساتنا عن االدب الكردي املعاصر ،بل وننصح بعدم تناول نتاجاته باملقارنة بل باملوازنة عند كتابة دراس��ة عن االدب الكردي املعاصر ،ألن هناك العديد من شروط اهلوية القومية الكردي للنص األدبي يف
نتاجاته ،من حيث كون اصل الكاتب هو كردي واجواء نصوصه على األغلب كردية وتسميات شخوصه كردية ،ول��ذا اليعد لغة النص هو الفيصل احلاسم يف اهلوية القومية للنص األدبي . يقول سليم بركات عن سبب كتابة نتاجاته باللغة العربية »:كان ممكن أن أكتب بالكردي ً مثال لو أنا عندي يعين موهبة أكثر مثل أقراني َّ الكردية يف املنفى األكراد الثانيني ،تعلموا اللغة ،وتعلموها بإتقان ،بس ميكن كان إحساسي إنه ما دمت أقدر أعرب بأي لغة عن نفسي ،سواء بتهمين إذا كانت هي اللغة لغة األصل أم ال ،أو اللغة الوافدة ،وكون اللغة العربية بالنسبة لنا ً دينيا ،هي ما كانت لغة وافدة ،لغة موجودة مش لغة فرنسية جاية على اجل��زائ��ر ،على اإلط�لاق ،هي لغة الدين ،هي لغة الفقه ،لغة ً غريبا عليها الشريعة ،مل أجد ،..يعين مل أكن ،ثم وجدتها لغة َّ غنية جداً ،ميكن التعبري بها عن خصوصييت ككردي أكثر حتى من اللغة ًّ الكردية ،كل ما وجدت يف لغة ما فضاء شاسع للتعبري عن نفسك كإنسان بالتأكيد بتعربي عن نفسك بطريقة أمجل وأقوى ،وكانت اللغة َّ العربية من الشساعة ومن السعة ومن الثراء إىل درج��ة أستطيع أن أعرب بها عن كردييت ، إىل احلد ،لن أقول احلد األقصى ،أبالغ لكن إىل احلد الضروري للتعبري عن نفسي َّ ، حولت اللغة هوية َّ العربية معي إىل َّ َّ كردية « .ذهبت يف اجتاه َّ الكردية فذهبت إليه شريك منعين عن اللغة ً متساحما بلغته اليت هي اقتداري على تدبري حرييت يف بالغتها ،وتدبريي هوييت يف نبلها ً مستغال استغالل العاشق تواطؤها مع األعمق
أعماقي على تدبري املعنى الذي يستحقه كردي يف اإلشارة إىل دجاجات أمه وتبغ أبيه «(. ) 4 استفدنا من املنهجني الوصفي والتحليلي يف كتابة هذه الدراسة ،وتتكون دراستانا هذه من متهيد ومبحثني ،خصصنا احدهما للحديث عن السرية الذاتية للروائي سليم بركات ، وخصصنا املبحث الثاني للحديث بشكل مفصل عن الواقع املرير للمواطن الكردي يف سوريا ، ومستوى وعيه الثقايف والسياسي .كذلك هناك خالصة بالنتائج وقائمة باملصادر اليت استفدنا منها لكتابة هذه الدراسة املوسومة بـ ( تشظيات الواقع الكردي يف روايات سليم بركات ) . شهدت بقاع كردستان ( بعد احلرب العاملية االوىل ) نوعا من االستعمار الربيطاني والفرنسي ،كإقامة املعسكرات وتولي رجاهلما ادارة شؤون تلك البقاع الكردية كمستشارين ،لكن الكرد مل يظلوا مكتويف األي��دي ،فقد كان للثورات والتمردات واألنتفاضات الكردية دورها يف رفع الصوت الكردي املناهض ملثل ذلك اإلحتالل ،مثل انتفاضات الشيخ حممود يف كردستان العراق ،وانتفاضة مسكو يف ايران وثورة الشيخ سعيد بريان يف كردستان تركيا وانتفاضة اكراد سوريا .وحبكم ال��روائ��ي من مواليد مدينة قامشلي يف كردستان سوريا ،لذا فهو يتناول يف روايته املوسومة بـ ( معسكرات األبد ) نضال الشعب الكردي يف سوريا ضد االحتالل الفرنسي ،حيث يكون للشيح سعيد الدقوري ،الذي اقام ثورته يف اقليم ( عامودا ) ،دوره الريادي يف تلك املقاومة الشريفة اليت تدوم لستة سنني من دون أن يعلمنا الروائي مبصري ذلك الشيخ اجلليل وما آلت اليه انتفاضته ضد اإلحتالل
الفرنسي يف تلك املنطقة الكردية الواقعة على احل��دود الرتكية السورية ،حيث ي��دور هذا احلوار بني الشيخ سعيد وموسى موزان ( ابو البنات ) « :فطأطأ موسى بدوره ،هامسا (( : هذا أمر جديد علينا يا سيد سعيد .منذ ست سنني وحنن النعرف ما الذي سنفعله )) ،ثم رفع وجهه الغارق يف ظالم النقاب (( :ست سنني واألمر مايزال جديدا علينا )) ،واضاف سائال : (( أهكذا حالك ،ايضا؟ )) .حدق (( سعيد )) يف شيخ الرجل الطويل (( :لدينا متسع من الوقت )) (( .أي وقت تعين ياسيد سعيد ؟ )) سأله (( موسى )) بنربة قلقة ،فر ٌد ذو اللحية الزرقاء مبتسما (( :ملاذا أنت قلق ؟ لديك متسع من املكان )) ،وأشار بيده من التخوم اليت توقف يها – لصق احلدود الرتكية السورية املتداخلة – صوب اهلضبة (( لديك املكان املشرف على املياه يا سيد موسى ،أنت يف الكمني «( . )5 وك��ع��ادة احملتلني يف اض��ط��ه��اد واعتقال مناهظيهم وانصارهم ،فقد جلأ قائد معسكر الفرنسيني اىل اعتقال ( حسني مصطفى آغا) واقتياده اىل بلدة ( دير الزور ) ،لكونه كان « ممن ميدون (( سعيد آغا الدقوري )) بالكثري ،يف ث��ورت��ه ،دون اض��ط��رار اىل احل��رب على الفرنسيني جهرا «( . ) 6ومل يكتف احملتلون الفرنسيون بذلك ،بل جلأو قبلها اىل تنصيب رجل متنفذ عربى على تلك املنطقة الكردية ،بعد أن يقومو باشعال نار الفتنة واملعركة بني الكرد والعرب »:انطلقت حرب شعواء يف الشمال الغربي بني عشائر (( بكارة ) العربية وبني عشائر (( كيكان )) الكردية بتحريض فرنسي صرف ،لكن عشرية ( حرب ) العربية وقفت اىل 239
أقواس
أقواس
240
جانب االكراد يف هذه احلرب اليت مسيت ( حرب كر ٌ كيكان) ،وقد دامت سنني بني ُ وفر ،ونهب وسلب ،وغزو ،وغدر ،وقطع طرق .فلما مالت الكفة لصاحل الكرد تدخل الفرنسيون فأوقفوا املهزلة اليت حبكوها .ال أحد يدري ،بعد ذلك ،من أوعز اىل الفرنسيني اللجوء اىل تنصيب (( آغا )) عربي على عشائر منطقة (( درباسية )) ،عندما استعصت عليهم استمالة أولئك الكرد املسرفني يف النظر اليهم ككفار .فقد عينوا عربيا هو (( عيسى القطنة )) يف منصب ( آغا ) ،على حنو مل يكن معهودا يف تاريخ الكرد .فاآلغا ،عادة ،هو سليل آغوات آخرين ،أبا عن جد ، وله دم كردي صرف «(. ) 7 هذا التصرف املشني للفرنسيني جاءت بعد فشلها يف كسب ود الكرد عن طريق ( جالدت بدر خان ) »:الفرنسييون بعيدون جنوبا ، لكنهم حذرون من اتساع شهرة (( سعيد آغا )) الذي مل حيتكوا احتكاكا حقيقا به ،ألختبار قوتهم ،بل ابتعدو عن العشائر اليت متتعت بـ(( جفاف )) مقلق يف مشاعرها ازاء وجودهم ،بالرغم انهم حاولوا ،مرارا ،جرهم اىل حلف عرب وعود باعطاء شبه اجلزيرة الكردية ،مشال سوريا ،استقالال ميكن الكرد ،هناك ،من اقامة كيان ما .والغرض املغري لقي بعض االستجابة بني عشار ق��رى (( الدرباسية )) ،الواقعة شرقي اقليم (( ع��ام��ودا )) ،بسبب دخول احدى العائالت الكردية – الدمشقية ،العريقة ،على اخلط ،بني الفرنسيني وبني العشائر املتامخة للحدود الرتكية .فقد اوفدت عائلة (( بدرخان باشا )) ابنها (( جالدت بك )) اىل الشمال السوري مرتني ،جاهدا ان يقنع عشرية
(( آزي��زان )) باملشروع الفرنسي ،مصطحبا معه ضابطا كرديا من دمشق امسه (( كابنت قاسم )) ،فالتقى كال من (( حاج درويش )) ، شريف قرية (( قره مانيه )) و(( فرحان آغا )) شريف قرية (( الغنامية )) ،وهما ولدا عمومة متنافسان على زعامة عشرية (( آزي��زان )) . بيد انهما ،السباب خارجة على تقدير الربح واخلسارة ،والشهامة والشرف ،آثرا دعم ثورة (( سعيد آغا الدقوري )) ،حتى حني آلت زعامة عشرية (( آزيزان )) اىل (( فرحان آغا )) دون ابن عمه (( حاج درويش )) .) 8(». يستخدم سليم بركات يف ،هذه الرواية ، ال��راوي كلي العلم ،ال��ذي هو بشكل ما ميثل شخصية الروائي عند امتالكه ملعلومات وافية عن احداث وشخصيات روايته .وهذه الظاهرة موجودة يف االسلوب ال��روائ��ي لسليم بركات يف كافة رواياته .وبهذا الصدد يشري د.شاهو سعيد اىل « تتمحور األحداث واألفكار حول رؤية الراوي يف معظم روايات سليم بركات .ويتميز هذا الراوي بقدرته على التحليل واالستبطان والتغلغل يف أمور باطنية وميتافيزيقية .ويف بعض املقامات تصل ق��درة االستبطان عند ال���راوي اىل درج��ة يقرأ معها ما ي��دور خلف األحداث والن ٌيات واألشياء ،ويستكنه ما يدور يف خلد اآلدميني واحليوانات واألشياء اجلامدة ايضا «(. ) 9 قدميا اشار ارسطو يف كتابه ( فن الشعر ) اىل مهمة املؤرخ ومهمة الشاعر ،حني اشار اىل ان املؤرخ يدون ماجرى من احداث املاضي ،وان الشاعر يدون ما سيحدث يف املستقبل .وحديثا نقول :ان مهمة امل��ؤرخ هو الصدق يف تدوين
اح��داث املاضي ،ومهمة الروائي هو تشذيب احداث املاضي ومنحها نوعا من اخليال الفين عند تصوير احداث املاضي .فهل ياترى لعب سليم بركات دور امل��ؤرخ والروائي يف تدوين مثل تلك االحداث من تارخينا احلديث ،حني يتناول اح��داث��ا خت��ص قوميته الكردية يف بدايات القرن املاضي ،علما بأن احداث روايته تدور يف املناطق القريبة من مدينته ( قامشلي ) موطن والدته؟! ،حيث قدم يف بداية روايته وصفا جغرافيا لداخل هذه املدينة وختومها من القرى والشوارع والطرق ،مثل قرى ( اهلاللية ) و( حلكو ) ونهر ( جغجغ ) . وبذات الروح الواقعية والتارخيية ُ ،يقدم سليم بركات على تناول اح��داث اي��ام ما بعد اسقاط مجهورية كردستان ،اليت يطلق البعض عليها ( مجهورية مهاباد ) ،واليت استمرت ألحد عشر شهرا فقط ( خالل عامي 1947-1946 ) ،بعد أن ختلى ( جوزيف ستالني ) واالحتاد السوفياتي السابق عن دعم ومناصرة القاضي حممد رئيس تلك احلكومة املخنوقة ،فيبقى مقاوما مع مجاعته ،واليهرب أو يرتك ساحات الوغى حتى يلقى القبض عليه مع بعض رفاقه ويشنقون وتبقى اجسادهم الطاهرة معلقة على اعواد املشانق يف ميدان ( جوار جرا – املشاعل االربعة ) وسط مدينة مهاباد . تبدأ أحداث هذه الرواية من داخل ساحة املشاعل االربعة بعد اي��ام من اع��دام القاضي حممد ورفاقه »:احل��ذر يقتضي اإلحجام عن مقاربة كل غريب .هم حيملون يف عظامهم عزيف احل��ذر ُم��ذ ف ٌ��ر من (( مهاباد )) ذات العويل املرتطم َ كالف َراش بسراج الغدر ،جسد
القاضي حممد يتدىل من عمود وسط حديقة من احلبال نبتت يف اطرافها رؤوس متكسرة األعناق .إعدامات خبتم ذي نصفني أحدهما إيراني ،واآلخ��ر بلشفي «( . )10هذا اإلتهام لألحتاد السوفياتي جن��ده يتكرر م��رة أخرى يف هذه الرواية حني ،يقول ال��راوي »:سلمت الكرملني عنق القاضي الدمث اىل مطحنة العصف الفارسي «( . ) 11وكذلك يف مكان آخر من هذه الرواية بصدد هذه القضية يقول « : بعد اعالن مهاباد دولة ذات جملس ،وقوانني ، وحكومة من اربعة عشر وزيرا ،بدعم ستاليين أجلم البهلويني يف طهران عن تقويضها «( . )12 هذا املدح جنده يف مكان آخر يتحول اىل ذم حاد »:مل يكن من امل للقاضي حممد ،بعدما فتح الشاه البهلوي لستالني ممرا اىل حدائق الذهب االسود «( . )13 وينتقد الراوي طبيعة حكم كمال اتاورك وقساوته جتاه الكرد يف تركيا ،حيث تعيش املدن الكردية حتت حراب ازالم النظام العسكري الدكتاتوري االتاتوركي ،والذي يصف الراوي صوره املنقوشة ،على مكان بارز من كل مدينة كردية ،يف اكثر من مكان يف روايته ،مبايلي « الرسم املرصود باحلجر لرأس الذئب األغرب «( . )14 هناك حكاية ساذجة ملفقة عن اصل الكرد ،اختلقها املسعودى يف كتابه ( نزهة القلوب ) ، حني يصف الكرد بأنهم شعب من بقايا جتامع جن النيب سلمان مع بعض خادماته اجلميالت ،وهذه احلكاية يصورها سليم بركات بالشكل التالي حني يقول احد الفرس املعقبني للرجال اخلمسة الكرد الفارين بعد خروجهم من احد 241
أقواس
أقواس
242
االب��واب التسعة مليدان (جوار جرا – املشاعل االربعة) »:الكرد من نسل اجلن « ،ثم يقول الراوي على لسان ( شهبور ) البارع يف استخدام حواسه لتعقب الفارين « سرب ُشهب ع��ذراوات قادهن عتاق اجلن من ضفاف االنهار ،يف اقاليم اوروبا ،اىل مملكة سليمان .وملا بلغ ُهم ُ امللك محَُ ِلم موت ِ الطري تزوج ِع ُ تاق ٌ اجلناوالء العذراوات ،اللواتي اختطفوهن ملتعة السيد ،فأجننب الكرد «( )15 .وعلى نفس املنوال ينتقد سليم بركات الكرد اخلونة حني يصبحون ادوات بيد اعداؤهم ، كما هو حال زاهدان نوري الذي يصبح ترمجان من الكردية اىل الفارسية ضمن الرجال االحدى والعشرين ،الذين يقودهم ( زادة بزربادي ) للتحري وقتل الرجال الكرد اخلمسة الفارين من مهاباد ،وخاصة ( شريف رن��دو ) أمني الرسائل بني الرئيس القاضي حممد والعشائر الكردية ،وهنا يقول الراوي قولته البليغة »: َ َ الكردي إال مبؤازرة الكردي على الينتصر غري من َ كردي «( . )16ويشري ايضا اىل كتاب الكردي َ الكردي اخلائن ( ُغوك ألب ) بالقول ُ »:غوك ألب َ الكردي وضع كتابا عن (( مبادىء القومية أبن الرتكية ))يف عشرينات هذا القرن ،مسكونا بتذويب األع��راق يف مظهر الفكرة كي يرجع اخللق ،أمجعني ،اىل مقام اللب (( يف البطيخ األمح��ر)) (( .الكل لرتكيا )) ،سهر مصطفى كمال األغرب على سطور ألب ،صنف احلياة على مثاقيل ميزان سطور ألب « . بهذا الشكل والصور املختلفة صور لنا سليم بركات ،يف هذه الرواية ،جوانب من تشظيات الواقع الكردي يف بقاع كردستان ايران وتركيا .وتنتهي ه��ذه ال��رواي��ة بشكل تراجيدي
مأساوي حني يتمكن فريق القتلة االيرانيون من اصطياد الفارين الكرد اخلمس وقتلهم مع ثالثة وعشرين شخصا من أهالي قرية ( كايي خودان – ثور اهلل ) يف كردستان تركيا ،بعد ان يلجأ افارون الكرد اليها والبقاء فيها لبضعة ايام . اهلوامش - 1من االنرتنيت . - 2شاكر صابر حممد – الفضاء الروائي عند سليم بركات – قراءة يف ثالثية (الفلكيون يف ثالثاء املوت ) ،اطروحة دكتوراه مقدمة اىل كلية االداب /جامعة بغداد ، 2009 ،ص43 - 3من االنرتنيت - 4سليم بركات – رواية معسكرات األبد ، دار التنوير للطباعة والنشر ،لبنان 1993 ، ،ص244-243 - 5نفس املصدر ،ص 155 - 6نفس املصدر ،ص111 - 7نفس املصدر ،ص93 - 8د .شاهو سعيد – التبئر الفلسفي يف الرواية – مقاربة ظاهراتيه يف جتربة سليم بركات ،مطبعة دار سردم للطباعة والنشر ، السليمانية ، 2007 ،ص 421 - 9سليم بركات– رواية أنقاض األزل الثاني ،دار النهار للنشر ،بريوت، 1999 ،ص13-12 - 10نفس املصدر ،ص 13 - 11نفس املصدر ،ص 99 - 12نفس املصدر ،ص 131 - 13نفس املصدر ،ص 123 - 14نفس املصدر ،ص 114 - 15نفس املصدر ،ص 132
- 16نفس املصدر ،ص 133
اخلالصة 1سليم بركات من الروائيني الكرد الذينيكتبون باللغة العربية . 2يطغي اهلم القومي الكردي على بعضرواياته ،ول��ذا جند فيها تشظيات من الواقع الكردي . 3جيعل الروائي سليم بركات من اجلانبالتارخيي اطارا لبناء حدث رواياته . 4لغته الروائية واسلوبه الروائي رصني ،يكثر من السرد الروائي مع توظيف بعض اجلوانب من املعتقدات الكردية . 5ينتهل الروائي سليم بركات من الواقعيةالتارخيية والنقدية والسحرية يف بناء فضاءه السردي امللفت لنظر قارىء رواياته . املصادر 1شاكر صابر حممد – الفضاء الروائي عندسليم بركات – قراءة يف ثالثية (الفلكيون يف ثالثاء املوت ) ،اطروحة دكتوراه مقدمة اىل كلية االداب /جامعة بغداد 2009 ، 2سليم بركات – رواية معسكرات األبد ،دار التنوير للطباعة والنشر ،لبنان 1993 ، 3د .شاهو سعيد – التبئر الفلسفي يفالرواية – مقاربة ظاهراتيه يف جتربة سليم بركات ،مطبعة دار سردم للطباعة والنشر ، السليمانية 2007 ، 4سليم بركات– رواية أنقاض األزل الثاني ،دار النهار للنشر ،بريوت1999 ، -من االنرتنيت .
شاكر صابر حممد – الفضاء الروائي عندسليم بركات – قراءة يف ثالثية (الفلكيون يف ثالثاء املوت ) ،اطروحة دكتوراه مقدمة اىل كلية االداب /جامعة بغداد ، 2009 ،ص43 من االنرتنيت سليم بركات – رواية معسكرات األبد ،دارالتنوير للطباعة والنشر ،لبنان ، 1993 ، ص244-243 نفس املصدر ،ص 155 نفس املصدر ،ص111 نفس املصدر ،ص93 د .شاهو سعيد – التبئر الفلسفي يف الرواية– مقاربة ظاهراتيه يف جتربة سليم بركات ، مطبعة دار سردم للطباعة والنشر ،السليمانية ، 2007 ،ص 421 سليم بركات– رواية أنقاض األزل الثاني ،دار النهار للنشر ،بريوت، 1999 ،ص13-12 نفس املصدر ،ص 13 نفس املصدر ،ص 99 نفس املصدر ،ص 131 نفس املصدر ،ص 123 نفس املصدر ،ص 114 نفس املصدر ،ص 132 -نفس املصدر ،ص 133
243
أقواس
أقواس
244
أقواس واقع التنوع االقتصادي يف اقليم كردستان العراق فيصل عيل
املقدمة يتمتع إقـليم كردستان العراق الـذي تبلغ مساحته م��ا يقارب( )39000كم ( 2عدا املناطق املتنازع عليها) و يبلغ ع��دد سكانه ( )4.5مليون نسمة ،مب��ـ��وارد اقتصاديـة كثرية و متنوعة ،و من املمكن استخدامها يف النشاطات االقتصادية لتلـبية مقتضيات التنمية االقتصادية و االجتماعية ،غري ان التجارب برهنت ان وفرة امل��وارد لوحدها ال تليب مقتضيات التطور والتنمية إال إذا مت االستخدام األمثل لتلك املوارد الطبيعية وفق خطط و برامج مسبقة. عملت احلكومة العراقية السابقة (قبل التغيري ً متخلفا يف ،)2003على إبقاء إقليم كردستان يف نواحي كثرية ،منها اإلقتصادي و اإلجتماعي و الثقايف و السياسي ،و ذل��ك من خ�لال هدم ال ُبنية التحتية و الذي ميكن مالحظة بعض مــن ش��واه��ده من خ�لال التطهري العرقي و عمليات االبادة اجلماعية ،و استخدام األسلحة الكيمياوية و غريها من العمليات الكثرية، باالضافة اىل هدم القرى اليت وصلت اىل مــا
يقارب 5000قرية يف مجيع مناطق اإلقليم، كما مبني يف اجلدول رقم (. )1
يتبني من خ�لال اجل��دول رق��م ( ،)1مدى صعوبة األعمال والواجبات امللقاة على عاتق حكومــة إقليم كردستان يف ظل اإلمكانات املادية املتواضعة اليت كانت متوفرة يف بداية التسعينات ،لقد مت تشكيل حكومة االقليم بعد انتخابات ايار عام . 1992لقد تبني من اجلدول بان نسبة % 92من قرى كردستان 245
أقواس
أقواس
246
قد دمرت من قبل احلكومة العراقية يف عقدي السبعينات والثمانينات ،وذلك تنفيذا لسياسة األرض احملروقة ،لقد مر األقتصاد يف األقليم بظروف سيئة جدا يف فرتة التسعينات وذلك لالسباب االتية: 1وجود حصارين على االقليم ،االولك��ان متمثال باحلصار ال��دول��ي على العراق والذي اثر بدوره على االقليم ،و ثانيا حصار احلكومة املركزية على اقليم كردستان . 2اندالع حرب داخلية يف األقليم بنياحلزبني الرئيسيني واليت استغرقت اكثر من اربع سنوات . اال ان بعض التحسن قد ط��رء على اقتصاديات اقليم كردستان ،كما هو احلال يف بقية مناطق العراق بعد تنفيذ قرار جملس األم��ن ( 986النفط مقابل الغذاء ) ،حيث توفرت السلع الغذائية األساسية ،مع بعض زيادات يف األنفاق على اخلدمات الصحة والتعليم واملاء والكهرباء ...اخل من اخلدمات األساسية . اما بعد التغيري النظام السياسي عام ، 2003فقد مت ختصيص 17%من ايرادات احلكومة املركزية لالقليم ،بعد استبعاد اإلنفاق على املشاريع املركزية مــن هـــذه اإلي��رادات للموازنة العمومية ،فان حصة اإلقليم مـن اإليرادات خالل سنيت 2004و 2005بلغت ( ) 3مليارات دوالر يف السنة ،حيث كانت اإلي��رادات املركزية حبدود 24مليار دوالر يف السنة .ويف السنوات الالحقة ،و بعد سجال كبري بني مندوبي اقليم كردستان و االخرين حول نسبة االقليم من املوازنة العامة ،حيث طالب ن��واب اخ��رون بتخفيض ه��ذه النسبة
باعتبارها اكرب من ما يستحقه االقليم وفق التوزيع السكاني للموازنة ،يف حني يطالب نواب التحالف الكردستاني باجراء عملية االحصاء السكاني لبيان حقيقة االمر ،هلذا بقيت النسبة على حاهلا ،اال ان احلكومة االحتادية تقوم يف كل اعداد للموازنة بزيادة النفقات السيادية و احلاكمة اىل مستويات قياسية كي ختفض نسبة االقليم بطريقة اخرى .كما يبينه اجلدول رقم (.)2
خصائص اقتصاد اقليم كردستان اختالفا مع اقتصاد العراق قبل ،٢٠٠٣تبنى االقليم نظام اقتصاد السوق ،حيث حتدد فية قوى الطلب و العرض املعطيات االقتصادية االساسية ،واليت تتمثل باالسعار و االستثمار يف القطاعات االقتصادية ،اخلدمية و االنتاجية، دون تدخل مباشر من قبل احلكومة .فقد مت تبين سياسة اقتصادية منفتحة تعتمد على حرية االستثمار و التجارة يف مجيع اجملاالت، اال ان هذه السياسة مل تتبلور بالشكل الذي هي عليه يف االقتصاديات االخ��رى ،حيث مل تواكب هذه السياسة االقتصادية رؤية حكومية واضحة حتدد من خالهلا الدور الذي ينبغي على
القطاع اخلاص من ادائة ،و زيادة دوره يف العملية االقتصادية و احلد من التدخل احلكومي يف االقتصاد ،اي ان احلكومة بالرغم من ادعائها باتباع نظام اقتصاد السوق ،اال انها يف الواقع مل تقم باختاذ االجراءات الالزمة بذلك.
النفط تعتمد على الطلب يف اس��واق النفط العاملية و تقلبات االسعار فيها مما يؤدي اىل عدم االستقرار يف تدفق هذه االيرادات لينعكس سلبا على االنفاق احلكومي الكلي و بالتالي تتأثر االنشطة االقتصادية يف قطاعي العام و اخلاص.
اوال :ميتاز اقليم كردستان ،مثل بقية الدول النفطية ،باعتباره جزءا من العراق ،باالعتماد الكبري علي الريع النفطي ،حيث يشكل النفط العنصر الرئيس يف اي��رادات الدولة العراقية الالزمة لتغطية االنفاق العام %١٧( ،من هذه االي���رادات ختصص لالقليم) ،حيث ان هذة النسبة املخصصة تشكل اكثر من ( )%٩٨من ايرادات االقليم) ،كما مبني يف اجلدول رقم (.)3 جدول رقم ()3
ثانيا :اقتصاد خدمي ضعيف االنتاج يعاني من اختالالت هيكلية واضحة ،اي سيادة واضحة لقطاع اخل��دم��ات دون توفر جهاز انتاجي (زراع��ي و صناعي) متطور و مرن ،مما يعين وجود سيولة نقدية متثل يف ق��درات شرائية تزيد من ضغوط الطلب لذا فأن عجز االنتاج احمللي ملواجهة الطلب الداخلي يعين الطلب على السلع املستوردة للتعويض ،مما يضع ضغوط قوية على ميزان املدفوعات و يرفع من درجة تزايد االعتماد على اخلارج.
لكن جيب االشارة يف هذا السياق اىل ان االعتماد على النفط سلبيات تتمثل بأن النفط مورد ناضب و غري متجدد ،االمر الذي حيتم اجياد مصادر بديلة للدخل لالعتماد عليها مستقبال عند نفاذ ه��ذا امل���ورد .و كذلك ف��أن اي��رادات
ثالثا :ارتفاع سريع يف االنفاق احلكومي دون استجابة مناسبة من اجلهاز االنتاجي احمللي، انتج من��وا واضحا للضغوط التضخمية اليت تركت اثارا واضحا على حركة االنتاج احمللي. وان االنفاق احلكومي استمر بالتزايد و خاصة االنفاق العام اجلاري ،ويظهر ذلك بشكل واضح يف موازنات ( 2005اىل )2011حيث ترتاوح بني ( %٦٤اىل ،)%٨١لذا قد يكون هذه النسبة من االنفاق العام من النسب العالية على مستوى دول العامل.
247
أقواس
أقواس
248
ان احلاجة اىل اع��ادة االعمار سوف تؤدي اىل ارتفاع نسب االنفاق احلكومي اىل الناتج احمللي االمج��ال��ي .هل��ذا االستنتاج نتائج سياسية و اقتصادية ال تصب يف مصلحة التحوالت و االص�لاح املنشود يف النظام االقتصادي بشكل متسارع. ان ه��ذا االجت��اه ال يوفر البيئة االقتصادية املناسبة لنمو القطاع اخلاص الذي هو االمل غري النفطي الرئيس يف النهوض بالناتج احمللي ِ و كسر املعادلة النفطية ال�تي حتكم املسار االقتصادي و السياسي. رابعا :انهيار البنية التحتية املادية اليت تعد من اساسيات التكوين الرأمسالي الثابت بسبب سياسات احلكومة املركزية السابقة ،و كذلك بسبب سوء ادارة هذه املرافق من قبل حكومة
اقليم كردستان بالرغم من ختصيص جزء غري قليل من املوازنة العامة لصيانة و توسيع املرافق العامة و توسيع طاقاتهما لتتناسب مع الطلب املتنامي الناتج عن النمو السكاني ()%٣ يف االقليم .اال ان احلكومة من خالل النفقات االستثمارية الكبرية لديها مل تتمكن من تنفيذ املشاريع املقررة يف املوازنة بالشكل املطلوب. خامسا :ميتاز االقليم بصغر حجم سوقه احمللي الذي ميثله عدد السكان و البالغ حوالي ( )4.5مليون نسمة ،االمر الذي حيد من مدى تطور قطاعاته االقتصادية .اال ان السياسة التجارية املتبعة يف االقليم ترك السوق احمللي مفتوحا امام سيل السلع و البضائع االجنبية لتغرقه اىل احلد الذي ال يستطيع االنتاج احمللي من ان ينهض من جديد ،النه غري قادر على
منافسة الصادرات االجنبية من حيث السعر و الشكل. سادسا :ارتفاع معدالت البطالة و البطالة املقنعة :يقدر حجم البطالة وفق بيانات وزارة التخطيط يف كردستان ( .)%١٧.٨٦اما نسبة البطالة املقنعة يف املؤسسات العامة للدولة وفق تصريح صحفي لوزير التخطيط السابق ،تصل اىل ( .)%٤٥وفق التصرحيات الصحفية لوزير التخطيط يف ،2011اخنفضت نسبة البطالة اىل ( ،)14%و كذلك يف مقابلة م��ع مدير احصاء السليمانية يؤكد على ان هذه النسبة قد اخنفضت ايضا اىل ( )12%وفقا ملقاييس االمم املتحدة.
و ينتج عن تركز البطالة يف هذة الفئة العمرية تبعات اقتصادية و اجتماعية و سياسية واضحة.
اجلدول رقم ()6
ان امناط النمو االقتصادي املتأتية .2 من منو القطاع النفطي الريعي على حساب معدالت منو بسيطة يف القطاعات االنتاجية، هي احد اسباب تفاقم مشكلة البطالة.
البد ان نشري هنا اىل مسألتني هامتني هما: .1تركز البطالة يف االعمار الشابة بسبب الرتكيبة السكانية يف اقليم كردستان العراق، حيث يصنف االقليم ضمن الرتكيبة الفتية اليت تتميز باتساع قاعدة اهلرم السكاني فيها،
سابعا :التشوهات اهليكلية :ظهرت تشوهات هيكلية و اداري���ة بسبب هيمنة ال��دول��ة و القطاع العام على مجيع العمليات االقتصادية، و توجيهها غري الكفوء للموارد االقتصادية املتاحة .و هذا يرجع اىل استقرار التقليد على متلك القطاع العام لوسائل االنتاج بصفته قوة موجهة رئيسة يف االقتصاد الوطين ،و نشأت هذه احلالة مباشرة من اعتماد الدول املنتجة 249
أقواس
أقواس
250
للنفط يف منطقة شرق االوسط على ايرادات النفط ،مقرتنا مبلكية احلكومة جلميع املوارد اهليدروكربونية. ثامنا :الفساد االداري و امل��ال��ي و ان��ع��دام الشفافية و املسائلة :تفشت مظاهر الفساد االداري و املالي متمثلة يف غياب الشفافية و املسائلة يف السياسات املتبعة و خاصة سياسات االنفاق العام .من مظاهر انعدام االفصاح و املساءلة اليت دأبت الكثري من مؤسسات الدولة على حجب البيانات عن املواطنون ،فمثال مل يطلع املواطنني اال يف السنتني االخريتني علي موازنة الدولة بشقيها اجلاري و االستثماري. لذا فأن الفساد املالي و االداري يشكل حتديا كبريا يواجة احلكومة و يعترب افة اقتصادية تواجة الدول و خاصة املتحولة منها ،لذا فأن انهاء او احلد من عمليات الفساد املالي و االداري يف املؤسسات احلكومية من خالل رقابة شديدة و انهاء حالة االرت��زاق الوظيفي اليت تعد من املظاهر الواضحة يف مشاريع القطاع العام. تقييم السياسات املتبعة يف اقليم كردستان تتبنى الدول املنتجة للنفط سياسة التنويع االقتصادي ليس فقط بسبب نضوب النفط، امنا لتتفادي تقلبات اسعار النفط يف اسواق النفط العاملية .اي ان الغاية االساسية للتنويع االقتصادي هي التخفيف من االعتماد على النفط قبل ان تنضب م��واردة مبدة طويلة، بغية احلد من اثر تقلبات اسعاره على مداخيل ال��ص��ادرات و احلسابات اجل��اري��ة و االي���رادات احلكومية.
السياسات االقتصادية املتبعة يف العراق هي امتداد للسياسات االقتصادية اليت انتهجتها احلكومة العراقية بعيد جناح عملية تأميم النفط عام ،1972حيث ارتفعت مساهمة القطاع النفطي االستخراجي يف الناتج احمللي االمج��ال��ي اىل اك��ث��ر م��ن ( ،)%٧٠عمل هذا التحول يف السياسة املتبعة على تكريس حالة التخصص االنتاجي و التجاري يف االقتصاد العراقي كاقتصاد نفطي ،و ترك اثره البالغ على السياسات التنموية يف العراق ،و ابعدته عن االنشطة السلعية االساسية اليت تساعد الدول النفطية من استغالل االيرادات النفطية لتنويع اقتصادياتها و بالتالي تنويع صادراتها اخلارجية. ويف اقليم كردستان ،بالرغم من عدم توفر اية سياسات تشري اىل التنويع االقتصادي (عدا ما ورد يف مسودة اخلطة االسرتاتيجية حلكومة االقليم) ،اال ان هناك م��ؤش��رات وان كانت بسيطة ،تدل على سري احلكومة بهذا االجتاه، سنحاول هنا االشارة اىل هذه املؤشرات ،من خالل التعرج على السياسات االقتصادية القطاعية املتبعة عرب ختصيصات املوازنة هلذة القطاعات االساسية ،وكذلك السياسة االستثمارية ،اليت ميكن بواسطتها التخفيف من اعتمادها على املوارد اهليدروكربونية. من اجلدير بالذكر هنا ،ان الكثري من السياسات االقتصادية يف اقليم كردستان باعتباره اقليما فدراليا ضمن اجلمهورية العراقية االحتادية، وفق املادة رقم ( )١٠٩من دستور عام ،٢٠٠٥هو من الصالحيات احلصرية للحكومة االحتادية،
نذكر منها ،السياسات املالية ،السياسات النقدية، اع��داد املوازنة العامة .اي ان حكومة االقليم غري ق��ادرة على املساهمة الفاعلة يف صياغة هذه السياسات املهـمة اليت تنعكس بشكل كبري على اجتاهات منوها االقتصادي ،او اية خطوة ختطوها باجتاه تنويع اقتصادها .اال ان حكومة االقليم حتاول من خالل حصتها من املوازنة العامة االحتادية من اعداد موازنة عامة خاصة بها ،العادة توزيع احلصة اليت تقررها احلكومة االحتادية البالغة ( ،)%١٧وفق اولوياتها على القطاعات االقتصادية .حيث تشكل هذة احلصة من املوازنة العامة االحتادية املتأتية اساسا من ايرادات النفط ،كما اشرنا اليها معظم ايرادات حكومة االقليم .و كذلك من خ�لال سياسة جذب االستثمارات اىل داخل اقتصاد االقليم. ناتي هنا اىل شرح وتوضيح قطاعي الزراعة والصناعة يف األقليم لبيان التطور احلاصل يف القطاعني نتيجة وجود األستثمارات سواء كان حكومية او اخلاصة . القطاع الزراعي يعترب ال��ق��ط��اع ال��زراع��ي م��ن القطاعات األقتصادية املهمة رغ��م وج��ود العديد من املشاكل واملعوقات اليت تعيق تطور هذا القطاع ،اال ان األحصاءات الرمسية اليت ص��درت من وزارة الزراعة يف حكومة اقليم كردستان تبني بان األنتاج الزراعي يف هذا القطاع مل يصل اىل املستوى املطلوب وسد احلاجات الغذائية للسكان، على سبيل املثال ،ان انتاج احلنطة خالل الفرتة ( ) 2007 1988-يف اقليم كردستان مل يسد احلاجة احمللية اال بنسبة ( ) % 50خالل الفرتة
املذكورة كمتوسط السنوي .اما انتاج الشلب فلم يسد اال نسبة ( ) 5%من احلاجة احمللية للرز ، يف نفس الفرتة. ان وضع انتاج بقية احملاصيل األخرى سواء شتوية ام صيفية مل يكن افضل من احلنطة و الشلب ،وان األنتاج احليواني ايضا قد شهد تراجعا واضحا يف النمو خالل الفرتة (– 2003 ) 2010حيث بلغ هذا الرتاجع يف النمو مقدار ( )% 22خالل الفرتة املذكورة. لغرض تطوير القطاع الزراعي ورفع االنتاج النباتي واحليواني يف ه��ذا القطاع ،فقد مت وض��ع خطة اسرتاتيجية مخسية م��ن قبل وزارة الزراعة يف اقليم كردستان خالل الفرتة( ،) 2013 2009وذل��ك بتخصيص مبالغمعينة لألستثمار الزراعي واعطاء القروض املصرفية للفالحني والعاملني يف القطاع ال��زراع��ي وف��ق ش��روط معينة لزيادة األنتاج النباتي واحليواني ،ولتوضيح اخلطة ناتي جدول رقم ()8 يتضح من اجلدول اعاله ،ان على حكومة اقليم كردستان ان ختصص سنويا وفق اخلطة املرسومة مبلغ ( ) 10471297الف دوالر خالل فرتة اخلطة ،و اذ نظرنا اىل ما متت املوافقة عليه من التخصيصات يف املوازنة العامة لالقليم خالل السنوات االوىل من عمر اخلطة اقل بكثري مما هي عليها يف خطة وزارة الزراعة ،هذا يبني قصر نظر معدي اخلطة النهم مل ياخذوا بنظر االعتبار االمكانات املالية و املادية لالقليم و كذلك اولويات احلكومة اليت ركزت على حل مشكلة الكهرباء ،مما ترتب عليه فجوة متويلية 251
أقواس
أقواس
252
ضخمة مل تؤد اىل حتقيق النتائج املخططة هلا .و
اال ان عدد املشاريع املقرتحة كانت يف بداية
اجلدول رقم ( )9يبني حجم االموال املخصصة للقطاع الزراعي. ان امل��ب��ال��غ املخصصة للمشاريع األخ���رى لغرض األستثمار الزراعي باشكاله املختلفة قد وزعت حسب ما موضح يف اجل��دول بشكل متوازن تقريبا وذلك حسب اعتقادهم جبدوى اسرتاتيجية التنمية امل��ت��وازن��ة وه��ي احد األسرتاتيجيات املتبعة يف التنمية الزراعية .
اخلطة اك�بر كلما تقدمنا يف اخلطة ينخفض عدد املشاريع املقرتحة ،مثال ان عدد املشاريع املقرتحة يف عام 2009كان ( ) 377مشروعا اما يف عام 2010قد وصل اىل ( ) 349ويف عام 2011وصل اىل ( ) 319اما يف عامي 2012 و 2013كان عدد املشاريع ( 298و) 302 على التوالي على مستوى األقليم رغم ان املبالغ املخصصة للسنوات 2011و 2012و2013
قد تصل اىل ( ) 7740354الف دوالر امريكي اي حوالي ( )80%من جممل املبالغ املخصصة لألستثمار يف القطاع الزراعي. القطاع الصناعي هناك اهمية أقتصادية كبرية للقطاع الصناعي بشكل العام ،وذل��ك يف جم��ال تشغيل االي��دي العاملة و تكوين الدخل القومي وخلق منو اقتصادي كبري ،و وجود روابط خلفية وامامية قوية يف القطاع الصناعي و وجود عالقة قوية بني القطاع الصناعي والقطاعات األخرى ،رغم ذلك ليس هناك اهتمام واضح و كبري يف هذا القطاع ،وان اهم مامييز هذا القطاع هو عدم وجود استثمارات كافية سواء كانت حكومية او عائدة للقطاع اخلاص للنهوض به .كما وان هلذا القطاع دور مهم من خالل الروابط االمامية و
اخللفية مع القطاعات االقتصادية االخرى و املساهمة يف معاجلة اختالل اهليكل االقتصادي و حتسني ميزان املدفوعات من خالل احالل الواردات و تشجيع الصادرات و استيعاب االيدي العاملة و حتسني املستوى املعاشي. ويعاني القطاع م��ن ت��دن بالغ يف املستوي العلمي يف اهليئات و املؤسسات احلكومية اليت تقوم ب��ادارة النشاط الصناعي ،اذ اليتجاوز محلة الشهادات اجلامعية فما فوق اكثر من ( )7.60%عام ،2007يف حني يشكل حاملوا الشهادة االبتدائية فما دون نسبة (،)52.57% و ال خيتلف االم��ر كثريا بالنسبة للمشاريع الصناعية للقطاع اخلاص ،و يرتبط باملؤشرات اعاله تدني انتاجية العامل يف القطاع الصناعي يف اقليم كردستان .اجل��دول رقم ( )10يبني الصورة بشكل اوضح.
253
أقواس
أقواس
254
اجل�����������دول رق�������م ( )10م�����������ا دون االبتدائية و يعاني مشاريع القطاع العام الصناعي من صعوبات خاصة بها تتعلق باالدارة املركزية و التقييدات الكثرية و ضعف الصالحيات و ضعف احملاسبة على النتائج و ضعف روح املبادرة و حتمل املسؤلية و حتدد اجلهات الوصائية، بالتالي ضعف املرونة و املبادرة و نقص املهارات االداري��ة احلديثة ،و عدم القدرة على اختاذ ال��ق��رارات املستقلة وفق املعايري االقتصادية، و ضعف العوامل احملفزة ،و بفائض عمالة يف جماالت عدة ،و باساءة استخدام الصالحيات و الفساد مما يزيد من تكاليف االنتاج. ويعاني القطاع اخل��اص الصناعي من كون مشاريعه عائلية صغرية ،تتسم بضعف اساليب ادارتها و دوران اليد العاملة فيها ،ف��االدارة يف مشاريع قطاع اخل��اص الت��زال معظمها ادرة عائلية ال تفصل االدارة عن امللكية ،و تنقصها املهارات االداري��ة احلديثة ،و تغيب احملاسبة احلديثـة وفق املعايري الدولية ،و غياب دراسة متطلبات االسواق احمللية و اخلارجية و ضعف التسويق. لقد عان هذا القطاع الكثري من املشاكل اليت حالت دون تطوره ،بل اىل اكثر من ذلك دون استمراره و توقف النسبة العظمى منها بشكل كلي مم��ا ش��ل حركة التنمية الصناعية يف اقتصاد االقليم ،االمر الذي ادى اىل توجه السوق حنو السلع االجنبية ،و تزامن ذلك مع انهيار البنية االقتصادية واالنفتاح غري املسبوق على العامل اخلارجي ،االمر الذي ساهم بشكل كبري يف تدمري الصناعات احمللية العامة و اخلاصة و
حتول الكثري من الصناعيني اىل جتار صناعيني. و خبصوص مساهمة القطاع الصناعي يف توليد الناتج احمللي االمجالي ،يف عام 2008 مقارنة ب��اع��وام 2005و 2006و 2007 فقد شهدت ارتفاعا يف مساهمتها ،اال انها هي متدنية مقارنة بالقطاعات االقتصادية االخرى ،وكذلك مقارنة مبدى مساهمة القطاع الصناعي يف الناتج احمللي االمجالي لعام 2001 يف كل من مصر و االردن و تونس،25.9% ، 18.6% ،15.7%على التوالي ,مما يدل على ضعف مساهمة الصناعة يف اقليم كردستان يف توليد الناتج احمللي االمجالي و اخنفاض االهمية النسبية هلذا القطاع مقابل القطاعات االقتصادية االخرى يف االقليم و كذلك مقارنة بالدول اجملاورة .اجلدول رقم ( )11يبني ذلك. ويعاني القطاع الصناعي من تدني القدرة التنافسية مقابل املنتجات املستوردة ،الن القدرة التنافسية تعتمد على العديد من العوامل كاجلودة و السعر و الرتويج و كفاءة االنتاج و التكنلوجيا و القدرات الفنية و املهنية للعاملني. ملواجهة هذا الواقع ،اقدمت احلكومة على خصخصة معظم مصانع قطاع العام كما يبينه اجلدول رقم (.)12 امحد امساعيل ق��ادر ،حتليل جتارب دولية خمتارة يف اخلصخصة مع الرتكيز على حتليل وتقييم عمليات خصخصة القطاع الصناعي يف اقليم كردستان العراق للمدة (،)2008-1997 رسالة ماجستري مقدمة اىل كلية االدارة و االقتصاد ،جامعة السليمانية.2009 ، كما يبينه اجلدول اعاله ،ان عمليات اخلصخصة بدأت منذ عام 2002دون اية اسرتاتيجية او
االعباء املالية الكبرية اليت كانت تقع على عاتق احلكومة الدارة هذه املشاريع اخلاسرة. ان عدد املشاريع الصناعية الصغرية ومتوسطة وكبرية احلجم لقطاع اخلاص (غري احلكومية) مل يتجاوز ( ) 547مشروعا لغاية عام 2001 ،وان ( ) 520مشروعا من هذه املشاريع تتكون من املشاريع الصغرية ،وان عدد املشتغلني يف هذه املشاريع كان ( ) 11248عامال.
سياسة مرسومة مسبقا ،نظرا لصغر حجم القطاع الصناعي احلكومي يف االقليم الذي يتكون من ( )20مصنعا ،كان تأثري خصخصة ( )13مصنعا منه ليس باملستوى املطلوب .كان اهلدف الرئيس من هذه العملية هو التخلص من
اما بعد عام 2002بدات احلكومة بعملية االستثمار واعطاء جمال اكثر لقطاع اخلاص بالعمل يف ه��ذا القطاع ،لقد مت تشغيل اكرب ع��دد ممكن من االي��دي العاملة يف االقليم يف هذا القطاع ،ولتوضيح اكثر ناتي جبدول رقم (. )13 يتضح م��ن اجل���دول اع�ل�اه ارت��ف��اع املبالغ املستثمرة يف هذا القطاع من سنة ألخرى خالل
255
أقواس
أقواس
256
الفرتة املذكورة ،ان خلق فرصة عمل واحدة يف القطاع اخلاص يف عام 2002قد كلف مقدار ( ) 15.5مليون دينار ،يف عام 2003كلف ( )23مليون دينار ،ويف ع��ام 2004كلف ( )23.3مليون دي��ن��ار ،و يف ع��ام 2005 كلف ( ) 12مليون دينار ،ويف ع��ام 2006 كلف ( )14.9مليون دينار ،اما معدل تكلفة خلق فرصة عمل واحدة يف السنوات اخلمسة املذكورة بلغ ( )15.7مليون دينار ،ويتضح ايضا ان معدالت النمو السنوي لعدد املشاريع وكمية راس امل���ال املستثمر وف���رص العمل اجلديدة ختتلف من سنة أل خرى ،حيث ان اكرب نسبة للنمو للمؤشرات الثالثة قد سجلت يف عام . 2003 و يتضح ايضا ،ان معدالت النمو يف سنة معينة لكل من ع��دد املشاريع وراس امل��ال املستثمر وفرص العمل غري متساوية ،بل ختتلف فيما
العمل مل يتجاوز نسبة ( ، ) 59.5%ان هذا التفاوت موجود يف مجيع السنوات املذكورة . وان هذه التفاوت يف معدالت النمو للمؤشرات يف سنة واحدة يعود اىل طبيعة العمل يف القطاع الصناعي ،وارت��ف��اع مستوى ال��ع��ام لألسعار وبالتالي ارتفاع كلفة انتاج السلع واخلدمات ،وارتفاع األج��ور وال��روات��ب ،ومشاكل اخرى متعلقة باسرتاد املكائن واآلالت ..... ،اخل . من هذا اجلدول يتضح اهمية األستثمار يف القطاع الصناعي و دوره يف خلق فرص عمل وخلق منو اقتصادي يف اقليم كردستان رغم وجود عدد من املشاكل امام تطوير هذا القطاع. مع هذا ان احلكومة مل ختصص من نفقاتها االستثمارية اال مبالغ ضئيلة جدا كما مبني يف اجل��دول رق��م ( )14حبجة انها ماضية يف خصخصة ما متلكها من مشاريع.
بينها مثال يف عام 2006قد بلغ معدل النمو لعدد املشاريع املقامة نسبة ( ) 35.4%اما معدل النمو ل��ل��راس امل��ال املستثمر ق��د بلغ ( )99.4%و ان معدل النمو خللق فرص
رص��دت احلكومة من امل��وازن��ة العامة لسنة 2010و 2011مبلغ ( )50مليار دينار و ()75 مليار دينار على التوالي ،على شكل تسهيالت مصرفية لدعم القطاع الصناعي اخلاص ،الذي
مل يكن احسن حاال من القطاع احلكومي ،اال انه يف 2010مل يتمكن القطاع اخلاص ان يستفيد منه بسبب عدم قدرة وزارتي الصناعة و املالية من تفعيل املصرف الصناعي و اصدار التعليمات الالزمة كي يتوىل هذا االمر .و يف ،2011بسبب التعقيدات االدارية و الشروط الكثرية و بالرغم من تدخل نواب يف الربملان لتعديل التعليمات املتعلقة بالية الصرف ،مل يتمكن القطاع اخلاص االستفادة الكاملة منه. هناك العديد من املشاكل و املعوقات اليت تواجه القطاع الصناعي ،نذكر منها: .1حمدودية القدرة الصحاب االعمال و املنشأت الصغرية يف احلصول على مصادر التمويل اليت حيتاجونها يف انشطتهم الصناعية. .2املشاكل الفنية املتمثلة يف ندرة العمالة الفنية و املدربة ،و عدم ق��درة املوجود منها
السلع و البضائع االجنبية بسبب ارتفاع تكاليف االن��ت��اج للمواد اخل��ام و مستلزمات االنتاج ،باالضافة اىل ضعف احلماية املتوفرة هلا من جهة و عدم وجود اجراءات حلماية املستهلك من جهة اخرى. .6عدم االتزام مبتطلبات و شروط املواصفات القياسية. .7االفتقار اىل اسرتاتيجية واضحة للتنمية الصناعية. .8االفتقار اىل بنية حتتية صناعية مالئمة. .9عدم االهتمام الكايف و املطلوب بالقطاعات ال�تي متثل لبنة اس��اس��ي��ة لتطوير القطاع الصناعي مثل الزراعة و التعدين. .10عدم االهتمام مبراكز االحباث و الدراسات و التطوير الصناعي. ثالثا /األستثمار األجنيب يف اقليم كردستان
للوصول اىل املستوى املناسب. .3املشاكل االدارية و التنظيمية و التسويقية. .4مشكلة احلصول على املعلومات اخلاصة بغرض االستثمار و التكنولوجيات املستخدمة يف هذا اجملال. .5عدم قدرة الصناعة احمللية على منافسة
خالل الفرتة ( )2010-2006 تتطلع حكومة اقليم كردستان اىل جذب اكرب قدر ممكن من األستثمارات األجنبية بشكليها املباشر وغري املباشر اىل األقليم وذلك لغرض حتقيق منو اقتصادي .واجياد حلول مناسبة لبعض املشاكل .لقد متكن اقليم كردستان العراق 257
أقواس
أقواس
258
بعد سقوط النظام السابق كما متت االشارة اليه من ختصيص ( ) 17%من االي��رادات الكلية للدولة العراقية القليم كردستان ،وق��د مت انفاق تلك املبالغ من قبل حكومة االقليم وفق سياسة ادارتني منفصلتني انذاك يف كردستان ،اىل ان مت انتخاب برملان جديد يف كردستان يف بدايات عام 2005ومت توحيد ادارتني وذلك من خالل تشكيل الكابينة اخلامسة املوحدة حلكومة اقليم انذاك. ان توحيد األدارت��ي�ن و ص���دور قانون األستثمار من قبل برملان كردستان و توفر االمن واالستقرار يف األقليم ،كان من األسباب ال�تي ادت اىل انتعاش األقتصاد يف كردستان مقارنة م��ع مناطق العراق األخ��رى يف تلك الفرتة ،لقد بدات الرساميل الوطنية ( استثمار خاص و عام ) واألجنبية بالتوجه اىل االقليم حيث تنشط فيه .ولغرض توضيح حجم هذه الرساميل املستثمرة يف اقليم كردستان بشكل عام ناتي باجلدول رقم (.)15 يتضح من اجل��دول اعاله بان املبالغ املسثمرة خ�لال ال��ف�ترة امل��ذك��ورة ق��د بلغت
) 14.782مليون دوالر ،وان نسبة ( 59.8 ) %من املبالغ قد استثمرت يف حمافظة اربيل وتليها حمافظة السليمانية حيث بلغت نسبة األستثمارات ( ، ) 32.08%اما اقل نسبة من األستثمارات سجلت يف حمافظة ده��وك حيث كانت ( . ) % 7.09ويالحظ من اجلدول تركز االس��ت��ث��م��ارات يف حمافظتني و بنسب عالية من االستحواذ بني احملافظات بينما كانت االستثمارات يف حمافظة دهوك اقل من حمافظة اربيل ( ) 8.5مرة واقل من حمافظة السليمانية ( ) 5مرات . ومن ناحية اخرى ،ان األستثمارات الوطنية يف األقليم كانت هلا حصة األسد حيث قدرت ه��ذه الرساميل مببلغ ( ) 10.288مليون دوالر اي ما يشكل نسبة ( )69.6%من املبلغ الكلي للرساميل املستثمرة اما نسبة االستثمار األجنيب مل تتجاوز ( )% 25.91واليت بلغت ( ) 3.830مليون دوالر ،امااألستثمار املشرتك قد بلغ ( ) 665مليون دوالر واليت مل تتجاوز نسبة ( ) 4.5%من جمموع األستثمارات .
كذلك يالحظ من اجلدول رقم ( )16بان االستثمار االجنيب الزال دون مستوى الطموح مما يتطلب اجي��اد ارضية تشريعية و اداري��ة تشجيعية لغرض ج��ذب األستثمار األجنيب بشقيه املباشر وغري املباشر اجلدول رقم ()16 اجلدول رقم ( )16يبني بان حجم االستثمارات يف ال��ق��ط��اع ال��زراع��ي منخفض ج��دا و دون املستوى املطلوب ،يف حني كان من املفروض ان يكون حجم هذه االستثمارات مبستوى تغطية الفجوة بني ما تتطلبه خطة وزارة الزراعة و االستثمارات احلكومية هلذا القطاع .اما بالنسبة لالستثمارات يف القطاع الصناعي ،بالرغم من ارتفاعها النسيب اال انها مل تكن ق��ادرة على زيادة دور هذا القطاع يف توليد الناتج احمللي االمجالي ،هذا باالضافة اىل قصور السياسات التجارية حلماية الصناعة احمللية الوليدة كي تتمكن من الصمود بوجة سيل السلع و البضائع االجنبية املستوردة.
األستنتاجات ميكن ان نستنتج من خالل ما ورد سلفا ما يلي اآلتية : )1يعتمد االقليم بشكل رئيسي على حصته ( )17%من املوازنة العامة للحكومة االحتادية ،حيث يكون معظم ايرادات املوازنة العامة من مبيعات النفط .اي ان االقليم غري قادر ان يعتمد على نفسه يف ادارة اقتصاده ،هلذا فان االقليم سنويا ينتظر احلكومة االحتادية القرار موازنته كي يعد موازنته السنوية. )2ايرادات احمللية لالقليم مقارنة بالنفقات العامة لالقليم ضئيلة جدا و تكون غري مؤثرة. مما يؤكد ضعف السياسة الضريبية يف االقليم كما هي عليه يف العراق. )3عدم وج��ود خطة للتنمية االقتصادية معتمدة لالقليم حبيث تكون االس��اس الذي تعتمد عليه العداد املوازنة السنوية. )4ان الزراعة هي القطاع الوحيد يف اقليم كردستان العراق اق��رت خطة خاصة بها ،اال ان حجم املبالغ امل��رص��ودة النعاش الزراعة اكرب بكثري من االمكانيات املالية للحكومة ،يف حني السياسات االستثمارية ايضا مل تتمكن من توجيه االستثمارت صوب هذا القطاع لتغطية العجز الذي خلفته االستثمارات احلكومية. )5مل تولي احلكومة االهتمام الكايف بالقطاع الصناعي بداعي اخلصخصة و التخلص من مشاريعه بدل من ان تقوم بتطويره و بناء صناعات ج��دي��دة ك��ي يستطيع االقليم من االعتماد على نفسه النتاج ما حيتاجه السوق و تعوض عن ما تستوره من اخلارج. )6اق��ر برملان االقليم قانون تشجيع 259
أقواس
أقواس
260
االستثمار كاساس قانوني و تشريعي جلذب االستثمارات اخلاصة اىل داخل قنوات االقتصاد لتكون مكملة لالستثمارات احلكومية العمار االقليم ،مع هذه اخلطوة الكبرية اال ان هيئة االستثمار و احلكومة بشكل ع��ام مل تتمكنا من خلق البيئة االستثمارية املناسبة لتوجيه هذه االستثمارات صوب القطاعات اليت يكون االقتصاد يف حاجة ماسة لتطويرها كي تكون االساس لتنويع االنتاج و بالتالي تنويع مصادر دخله. )7الت��وج��د يف االدب��ي��ات االق��ت��ص��ادي��ة يف اقليم كردستان اية اهتمام بعملية التنويع االقتصادي ،وان االحصائيات املتوفرة تبني هذه احلقيقة. )8عدم ت��وزي��ع األس��ت��ث��م��ارات احلكومية و ك��ذل��ك اس��ت��ث��م��ارات ال��ق��ط��اع اخل���اص على القطاعات األقتصادية بشكل متوازن او قريبا من التوازن ،مما يدل على عدم وجود االهتمام بالتنويع االقتصادي و ختفيف االعتماد على االيرادات النفطية. التوصيات: )1االسراع يف اعداد خطة اسرتاتيجة ذات رؤى و اهداف واضحة املعامل ،و تقر من قبل الربملان كي تلزم احلكومة بتنفيذها .وعلى اخلطة ان تاخذ بنظر االعتبار التنوع االقتصادي من خالل االستفادة القصوى من االيرادات املتاتية من مبيعات النفط ،و توزيعها بشكل متوازن وفق اولويات حمددة. )2ان ت��ق��وم هيئة االس��ت��ث��م��ار مبساعدة املؤسسات احلكومية و القطاع اخل��اص خبلق بيئة استثمارية مناسبة ق��ادرة على جذب
املزيد من االستثمارات االجنبية و توجيهها حنو القطاعات االنتاجية ،و خاصة الزراعة و الصناعة و السياحة .اي اعادة هيكلة استثمارات القطاع اخلاص بالشكل الذي خيدم عملية التنوع االقتصادي. )3ان تقوم احلكومة بوضع اسرتاتيجية صناعية و ت��وف��ر ال��ي��ة م��رن��ة ل��ل��ق��روض و ال��ت��س��ه��ي�لات امل��ص��رف��ي��ة لتشجيع و ج��ذب االستثمار لبناء الصناعات وفق االسرتاتيجيات الصناعية املوجودة (التصنيع الحالل الواردات، التصنيع من اج��ل التصدير) ،كي تستطيع منتجات االقليم يف الفرتات املقبلة على منافسة السلع و البضائع املستوردة ،كذلك تستطيع ايضا ان تعدل من هيكل امليزان التجاري بالتالي تنويع مصادر الدخل. )4تعديل اخل��ط��ة االسرتاتيجية للقطاع الزراعي كي تكون اكثر واقعية و متناسقة مع التوجهات العامة للسياسات االقتصادية. )5ان ت��ق��وم حكومة القليم بالعمل مع احلكومة االحتادية على اع��داد قانون جديد للضريبة بالشكل ال���ذي يتجاوب م��ع روح العصر ،كي يكون رافدا جديدا لاليرادات ،كما هو عليه احلال يف الدول غري الريعية. )6ان تقوم منظمات القطاع اخلاص و معها املنظمات االقتصادية من توحيد توجههاتها كعامل ضغط ك��ي ت��ق��وم احل��ك��وم��ة بعملية االصالح االقتصادي و االداري ،من خالل عقد امل��ؤمت��رات العلمية و املناظرات االعالمية و املقابالت الصحفية.
املصادر: )1حكومة اقليم كردستان ،رئاسة جملس الوزراء ،وزارة التخطيط ،هيئة احصاء االقليم، اجملموعة االحصائية رقم ( )1لسنة .2007 )2حكومة اقليم كردستان ،رئاسة جملس الوزراء ،وزارة التخطيط ،مسودة خطة التنمية االسرتاتيجية القليم كردستان للسنوات 2011 – .2015 )3برملان اقليم كردستان العراق ،قوانني امل��وازن��ة العامة لالقليم للسنوات 2007و 2008و 2009و 2010و .2011 )4حكومة اقليم كردستان ،وزارة الزراعة ،املديرية العامة للتخطيط واملتابعة ،اخلطة األس�ترات��ي��ج��ي��ة للقطاع ال��زراع��ي يف اقليم كردستان العراق ( ،ط ، 1ج ، 2مطبعة وزارة الزراعة ،اربيل .)2009 ، )5حكومة اقليم كردستان ،وزارة املالية بيانات غ�ير منشورة ع��ن امل��وازن��ات العامة لالعوام 2007و 2008و 2009و 2010 و .2011 )6حكومة اقليم كردستان ،وزارة الصناعة و الطاقة ،تقرير لنشاطات الوزارة لسنة 2007 بيانات غري منشورة. )7حكومة اقليم كردستان ،هيئة االستثمار، بيانات منشورة يف موقها االلكرتوني. )8حكومة اقليم كردستان ،وزارة التخطيط، مديرية احصاء حمافظة السليمانية ،بيانات غري منشورة. )9امحد امساعيل قادر ،حتليل جتارب دولية خمتارة يف اخلصخصة مع الرتكيز على حتليل و تقييم عمليات خصخصة القطاع الصناعي
يف اقليم كردستان ال��ع��راق للمدة (-1997 ،)2008رسالة ماجستري مقدمة اىل كلية االدارة و االقتصاد ،جامعة السليمانية.2009 ، *نائب رئيس منتدى كردستان االفتصادي
261
أقواس