أبو العلا السلاموني

Page 1



‫المكرمون‬

‫رئيس المهرجان‬

‫أ‪.‬د‪ /‬حسن عطية‬ ‫مدير المهرجان‬

‫أ‪ /‬إسماعيل مختار‬

‫رئيس تحرير المطبوعات‬

‫د ‪ /‬مصطفى سليم‬ ‫المنسق العام‬

‫ماجدة عبد العليم‬ ‫جرافيكس المطبوعات‬ ‫واإلخراج الفني‬

‫محمد عبد الحكيم الكومي‬



‫كــــــلــــــمــــــات‬


‫وزير الثقافة‬ ‫أ‪.‬د ‪ /‬إيناس عبد الدايم‬

‫أبو العال السالموين‬

‫‪7 6‬‬


‫ ‬ ‫يعد المسرح أحد روافد الثقافة المصرية‪ ،‬معبرا عن واقعه‪،‬‬ ‫ ‬ ‫ومتطلعا لتغييره‪ ،‬ومشتركا مع كافة الفنون األخرى فى نشر‬ ‫الوعي بين الجماهير واالرتقاء بالذوق العام لمواجهة التطرف‬ ‫الفكري‪ ،‬مما يدعونا إلى ضرورة عودة الثقافة إلى المواطن من‬ ‫خالل تكاتف جميع القطاعات والتنسيق فيما بينها ‪ ،‬وإلى العمل‬ ‫من أجل تحقيق التواصل بين المركز فى العاصمة واألطراف فى‬ ‫األقاليم‪ ،‬والسعى للكشف عن هوية كل بيئة ‪ ،‬بما يعكس هوية‬ ‫هذا المجتمع األصيل الخالد‪.‬‬ ‫ومن ثم يعتبر المهرجان القومي للمسرح هو النافذة التى‬ ‫ ‬ ‫نطل منها على كل منتج إبداعي فى كافة األقاليم والقطاعات‬ ‫والتوجهات‪ ..‬أنه بانوراما مختارة لهذا الكم الرائع من العروض‬ ‫المسرحية التى قدمت خالل العام الماضى ‪ ،‬بما يسمح بالتعرف‬ ‫على مالمح تطور هذا المسرح‪ ،‬ورصد مساره المتقدم دوما لألمام‪.‬‬ ‫تحية تقدير للقائمين على هذه التظاهرة الثقافية التي‬ ‫ ‬ ‫تعبر عن وجه من أوجه حضارتنا متمثال في أبو الفنون ‪ ..‬المسرح‬ ‫الذي سيظل دوما مساحة من التفاعل الثقافي االبداعي الحي‬ ‫المعبر عن العصر وهمومه وطموحاته‪.‬‬


‫أ‪.‬د‪ .‬حسن عطية‬ ‫رئيس المهرجان‬

‫أبو العال السالموين‬

‫‪9 8‬‬


‫أنه تكريم لهم ‪ ..‬وشرف للمهرجان‬ ‫عندما قرر المهرجان القومى للمسرح فى دورته الحالية‬ ‫ ‬ ‫تكريم مجموعة من رموز المسرح المصرى‪ ،‬كان يسير على منوال الدورات‬ ‫السابقة‪ ،‬ويستكمل مسيرة التكريم فى الحركة الثقافية فى المجتمع‪ ،‬ويصبو ألن‬ ‫يمثل المكرم ذاته كمبدع وناقد وكممثل لجيل ومرحلة ومعبر عن رؤية للعالم‬ ‫والمجتمع والفن المسرحي‪ ،‬فالمبدع أو الناقد ُيكون ذاته بنفسه‪ ،‬منتميا لجيل‬ ‫يحمل هموم الواقع والعالم ويعبر عنها بصياغات متعددة تحكمها غالبا رؤية‬ ‫هذا الجيل للدور المؤثر للفن عامة والمسرح خاصة فى مجتمعه‪ ،‬كما أن هذا‬ ‫المبدع أو الناقد يوجد داخل مرحلة زمنية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية‬ ‫تحاول تجاوز ما سبقها وتبنى عليه أو تغير فى مفاصله أو تهدمه تماما صانعة‬ ‫مرحلة مغايرة لما سبقها‪ ،‬مما يجعله يتخذ موقفا مسايرا أو مناوئا لهذه المرحلة‬ ‫الزمنية التى يعيشها ويعبر عنها وداخلها‪ ،‬متسلحا برؤية للعالم والحياة َكونها‬ ‫باختياره مما طرحه جيله من أفكار وصياغات جمالية محددة‪ ،‬وما أثارته من‬ ‫قضايا المرحلة أو المراحل الزمنية التى عاشها وتطور وعيه داخلها‪.‬‬ ‫ينتمى المبدع والناقد بالضرورة لمجتمعهما‪ ،‬وال يستطيع المسرحى‬ ‫ ‬ ‫خاصة‪ ،‬مبدعا أو ناقدا‪ ،‬أن ينفلت لحظة من التعبير عن حركة مجتمعه‪ ،‬فالمبدع‬ ‫مهما تخفي خلف األقنعة الفنية المتعارف عليها هو معبر عما يجيش به صدر‬


‫مجتمعه وناقدا لما يراه ناقصا فى واقعه أو إيديولوجية مضادة للشرائح المجتمعية‬ ‫التى ينتمي فكريا لها‪ ،‬والناقد مهما ناور فى كتاباته الصحفية واألكاديمية‬ ‫وأستخدم مصطلحات ملتبسة‪ ،‬فهو محاور لما تقدمه الحركة المسرحية‪ ،‬وما يراه‬ ‫متسقا أو مخالفا لما يأمل تحقيقه للمسرح والمجتمع معا‪.‬‬ ‫نحن ال نصدر هذه الكتب المحتفية بالمكرمين‪ ،‬والتى قد يفرض االحتفاء‬ ‫ ‬ ‫هيمنة النظرة الفرحة بهم‪ ،‬المبتهجة بتكريم المهرجان لهم‪ ،‬ولكننا نحلم أن نضع‬ ‫أمام األجيال الجديدة الساعية لتغيير العالم‪ ،‬أو المحبطة من ظروف معوقة‬ ‫لهذا التغيير‪ ،‬نضع أمامها نماذج من إبداع أجيال صارعت أزمانها‪ ،‬وتصدت‬ ‫للمتغيرات المحيطة بها‪ ،‬وتعرضت لمضايقات أنظمة جاءت بسياسات تعادى‬ ‫ما آمنت هذه األجيال بها‪ ،‬لم تيأس لحظة‪ ،‬ولم تمل من المواجهة‪ ،‬ولم تكتف‬ ‫بكتابات الحوائط‪ ،‬لتكون بديال عن الكتابات المسرحية والنقدية‪ ،‬نزلت للشارع‬ ‫لتكتب مسرحا واعيا وشرسا فى مواجهة الفساد واإلرهاب وكل خلل طرأ على‬ ‫المجتمع وأصاب ذاكرته بالشلل‪ ،‬ولتبنى مسرحا صار صرحا لشباب اليوم‬ ‫وتجاربه المثيرة للجدل‪ ،‬ولتؤسس فرقة مستقلة تهفو ظاهريا لرسم البهجة على‬ ‫الوجوه‪ ،‬مع أنها تسعي لتغيير وعى جمهورها بنقد حاد لما تراه من سياسات‬ ‫ال تؤمن بها‪ ،‬ولتشارك فى صياغة الصور المسرحية الراقية المعودة للعين‬ ‫على إدراك الفرق بين جمال الفن وقبح الواقع‪ ،‬ولتؤسس أكاديميا جيال من‬ ‫المخرجين والممثلين صار درة المسرح الراهن‪ ،‬ولتطارد بنقدها كل مفسدات‬ ‫الحياة الكريمة العادلة وكل إبداع يروج ويزين لها‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪11 10‬‬


‫لقد تعودنا أن نذكر فى كتاباتنا أسماء مثل «ستانيسالفسكى» و»أدولف‬ ‫ ‬ ‫آبيا» و«بيرتولت بريشت» و«بيتر بروك»‪ ،‬ونستشهد بأقوال «نيتشه» و«دريدا»‬ ‫و «باختين»‪ ،‬ونزهو بصياغات «بيراندللو» و«بيتر بروك» و«جروتوفسكي»‬ ‫المسرحية‪ ،‬متعالين على إبداعات «سعد أردش» و«كرم مطاوع» و«كمال‬ ‫ياسين» و«عبد الرحمن الشافعي»‪ ،‬ومتغافلين عن أفكار «طه حسين» ود‪«.‬محمد‬ ‫مندور» ود‪«.‬لويس عوض» و«فاروق عبد القادر» و«سامى خشبة»‪ ،‬بل وال‬ ‫نعرف أحيانا كتابات ألجيال قريبة من لحظتنا الراهنة‪ ،‬ومازالت تكتب لنا مثل‬ ‫د‪«.‬أسامة أبو طالب» ود‪«.‬أحمد سخسوخ» و«عبد الرازق حسين» و«زينب‬ ‫منتصر» و«محمد الرفاعي»‪ ،‬ومع احترامنا الكامل لكتاب الغرب‪ ،‬فلكتابنا‬ ‫ومبدعينا حضور مهم فى حياتنا‪ ،‬ومهم أن نضعهم فى ذاكرتنا الخصبة‪ ،‬وننعشها‬ ‫بإبداعهم المدهش ابن واقعنا المعيش‪ ،‬وبأفكارهم النيرة وليدة الحوار الخالق‬ ‫بين النظريات النقدية الغربية وحركة اإلبداع المسرحي المصرى داخل سياق‬ ‫مجتمعي متغير‪.‬‬ ‫ورغم طبيعة النشر المحدودة للمهرجان القومى‪ ،‬وقلة عدد نسخ كل‬ ‫ ‬ ‫كتاب‪ ،‬أال أننا نأمل أال يتوقف تلقي هذه الكتب‪ ،‬عند االقتناء وأخبار عنها‪ ،‬بل أن‬ ‫تفتح حوارا معها ومع أصحابها‪ ،‬كى تتواصل األجيال مع بعضها البعض‪ ،‬فما‬ ‫زلنا نرى نصوصا غربية كتبت من عدة قرون برؤى معاصرة‪ ،‬ويغييب عن‬ ‫مسارحنا عروضا ونقادا الحديث عن ُكتاب ومخرجين ومصممى سينوجرافيا‬


‫وأساتذة أكاديميين قدموا أعماال لم تبعد عن عامنا الحالي ربع قرن فقط‪.‬‬ ‫هذا كتاب للحوار مع كتابه‪ ،‬وحول صاحبه المبدع أو الناقد‪ ،‬فهذا هو هدفنا‬ ‫األول من كتابته ونشره وتوزيعه‪ ،‬علنا نستطيع أن نخلق تواصال بين األجيال‬ ‫يخلق بدوره حوارا جديدا فى ساحة اإلبداع المسرحية‪.‬‬

‫أبو العال السالموين‬

‫‪13 12‬‬


‫أ‪ .‬أحمد عبد الرازق أبو العال‬

‫تـــــــقـــــــديـــــــم‬


‫(‪)1‬‬ ‫ُيعد الكاتب المسرحي (محمد أبو العال السالموني) واحدا من كتاب الجيل‬ ‫الثالث في المسرح المصري‪ ،‬والذي جاء بعد جيلين‪ ،‬األول منهما هو (جيل‬ ‫الرواد)‪ ،‬ممثال في توفيق الحكيم ومعه كتاب المسرح الشعري (أحمد شوقي –‬ ‫عزيز أباظة) والثاني منهما (جيل الستينيات)‪ ،‬ممثال في عدد كبير من كتاب‬ ‫المسرح منهم (يوسف إدريس – نعمان عاشور – سعد الدين وهبة – الفريد‬ ‫فرج – محمود دياب – صالح عبد الصبور‪ -‬ميخائيل رومان‪ ..‬وغيرهم)‪.‬‬ ‫الجيل الثالث‪ -‬الذي ينتمي إليه كاتبنا – ال ينطلق ‪ -‬كتابه ‪ -‬من منطلق‬ ‫فكري‪ ،‬أو إبداعي واحد‪ ،‬ألن لكل واحد منهم طريقته‪ ،‬ومنهجه‪ ،‬ونظرته إلي‬ ‫الحياة‪..‬‬ ‫والسبب في ذلك‪ ،‬يعود إلي غياب الهم القومي الذي يلتف من حوله الكتاب –‬ ‫كما حدث مع جيل الستينيات – مما أثر علي توجهاتهم‪ ،‬وجعل مواقفهم متباينة‪،‬‬ ‫وأدي إلي عدم وجود عوامل مشتركة تجمع بينهم‪ ،‬فصار االجتهاد الشخصي‪،‬‬ ‫الكتاب‪.‬‬ ‫محددا لمدي تميز أعمال الكاتب‪ ،‬وسط أقرانه من ُ‬ ‫إلي جانب السبب الذي ذكرته‪ ،‬واجه ذلك الجيل عددا من التحديات‪ ،‬يذكرها‬ ‫كاتبنا‪ ،‬ويعتبرها من األسباب‪ ،‬التي كان من الممكن أن تقتل الكتاب كمدا وهي‪:‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪15 14‬‬


‫عدم وجود مظلة نقدية تحمي ظهورهم أثناء مسيرتهم الصعبة‪ ،‬باإلضافة إلي‬ ‫وجود وسائل فنية أخري مثل التلفزيون والفيديو‪ ،‬داهمتهم‪ ،‬بما أثر علي تلقي‬ ‫الفن المسرحي لدي الناس‪ ،‬فضال عن المتغيرات السريعة التي نتج عنها خلل‬ ‫المبدع والبيئة‪ ،‬التي يعيش فيها‪ ،‬تلك العالقة الجدلية التي‬ ‫كبير في العالقة بين ُ‬ ‫تمخض عنها لحظات اإلبداع الحقيقية‪ ،‬لقد تعرضت هذه العالقة لزلزال أفقد‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الكاتب القدرة علي استيعاب هذه المتغيرات‪.‬‬ ‫كل تلك األسباب‪ ،‬أدت إلي تفاوت التجربة اإلبداعية‪ ،‬لدي هؤالء الكتاب‪،‬‬ ‫مما دفع ناقدا مسرحيا هو (فاروق عبد القاهر) إلي اتهام بعضهم‪ ،‬بأنهم كانوا‬ ‫سببا‪ ،‬بل وساهموا ‪ -‬بما قدموه‪ -‬في انهيار خشبة المسرح المصري‪ ،‬وأن‬ ‫عددا قليال من هؤالء ‪ -‬ومنهم (السالموني) ‪ -‬كانوا فرسانا صعدوا إلي الخشبة‬ ‫(‪)2‬‬ ‫المنهارة‬ ‫ُ‬ ‫في أجواء المتغيرات التي أحدثتها هزيمة ‪ ،67‬واآلثار التي خلفتها‪ ،‬واجه‬ ‫أبناء ذلك الجيل‪ ،‬مجموعة من التحديات‪ -‬التي ذكرت بعضها‪ -‬كان عليهم‬ ‫مواجهتها‪ ،‬ليستطيعوا التعبير عن أنفسهم‪ ،‬معلنين عن موقفهم‪ ،‬تجاه الواقع‬ ‫المحيط بهم‪ ،‬فأخذ كل واحد منهم يبحث لنفسه عن طريق جديد‪ ،‬ربما يختلف‬ ‫عن الطريق الذي سار فيه كتاب الستينيات‪ ،‬ولم يعد الهم القومي العام – خاصة‬ ‫بعد حرب أكتوبر‪ ،‬وانتهاج سياسة االنفتاح االقتصادي‪ ،‬وإبرام اتفاقية السالم مع‬ ‫إسرائيل‪ -‬في عهد السادات موجودا – كما ذكرت – فالذ كل واحد منهم إلي‬ ‫تجربته‪ ،‬باحثا عن هم إبداعي‪ ،‬وشخصي‪ ،‬وفني خاص به‪.‬‬


‫(‪)2‬‬ ‫ذهب (أبو العال السالموني) باحثا في الجذور‪ ،‬ذهب إلي التراث (التاريخي ‪-‬‬ ‫األسطوري ‪ -‬الشعبي ) ليعبر ‪ -‬بالمعالجة المعاصرة‪ -‬عن الواقع‪ ،‬بكل ما فيه‬ ‫من تناقضات‪ ،‬وصراعات أحدثتها المتغيرات الجديدة‪.‬‬ ‫و(السالموني) يختلف عن أبناء جيله ‪ -‬ومعه الكاتب يسري الجندي ‪ -‬في‬ ‫أنهما بدآ معا الكتابة للمسرح في الستينيات‪ ،‬لكن الضوء كان ُمسلطا – أيامها –‬ ‫علي ُكتاب العاصمة‪ ،‬دون غيرهم من الذين يعيشون بعيدا عنها‪ ،‬ولذلك تأخرت‬ ‫أعماله‪ ،‬وغاب تقديمها علي خشبة المسرح‪ ،‬ولم تجد النور علي المسارح‬ ‫الرسمية إال في أوائل الثمانينيات حين أخرج له المخرج (عبد الرحيم الزرقاني)‬ ‫(‪)3‬‬ ‫مسرحية (الثأر ورحلة العذاب) إنتاج المسرح الحديث‬ ‫ولهذا السبب ال ُيعد تعبير(الجيل) موضوعيا‪ ،‬وحين نستخدمه‪ ،‬نستخدمه‬ ‫كإجراء نقدي‪ ،‬نوضح به بعض المالحظات‪ ،‬أو نحدده كسياق للتعرف علي‬ ‫تجربة الكاتب‪.‬‬ ‫ولو كانت مسألة المجايلة دقيقة‪ ،‬لكان (السالموني) منتميا إلي جيل‬ ‫الستينيات‪ ..‬لماذا ؟ ألنه كتب أعماال مسرحية في تلك الفترة منها (درس‬ ‫في المأساة ‪ -1961‬مباراة بال نتيجة ‪ -1962‬حكاية ليلة القدر ‪-1963‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪17 16‬‬


‫تحت التهديد ‪ -1964‬سيف هللا (فرسان هللا واألرض) ‪ -1965‬الجانب اآلخر‬ ‫‪ -1967‬الحريق ‪ -1968‬أبو زيد في بلدنا ‪ )1969‬ليس هذا فقط‪ ،‬بل أن بعض‬ ‫األعمال‪،‬عرضت فوق خشبة المسرح في الثقافة الجماهيرية ‪ -‬وقتها‪-‬‬ ‫هذه‬ ‫ُ‬ ‫الكتاب الذين يعيشون‬ ‫لكن مأزق العاصمة‪ ،‬والمركزية‪ ،‬كان ُمعوقا كبيرا أمام ُ‬ ‫بعيدا عنها‪ ،‬خاصة‪ ،‬وأن الظروف ‪ -‬وقتها ‪ -‬لم تساعد الكاتب – أي كاتب –‬ ‫ليستطيع تقديم أعماله‪ ،‬في القاهرة‪ ،‬فوسائل االتصال لم تكن متاحة بالصورة‬ ‫التي عليها اآلن‪ ،‬حتى وسائل المواصالت – أيضا ‪ -‬لم تكن سهلة‪ ...‬تلك‬ ‫الظروف الصعبة‪ ،‬أبعدت بعض الكتاب عن مركزية العاصمة‪ ،‬وكانت سببا في‬ ‫تأخر ظهورهم‪ ،‬وتعرف الناس علي أعمالهم‪.‬‬ ‫والمفارقة الغريبة‪ ،‬أن كاتبنا حين قدم أول عمل له علي مسارح الدولة‬ ‫في عام ‪ ،1982‬اعتبرته الحركة النقدية كاتبا جديدا‪ ،‬وشابا‪ ،‬وتم التعامل معه‬ ‫علي ذلك النحو‪ ،‬وكأن تجربته الممتدة قبل هذا التاريخ بأكثر من عشرين عاما‪،‬‬ ‫سقطت من ذاكرة الحركة النقدية‪ ،‬التي لم تواكب إال القريبين من الضوء‪،‬‬ ‫والمقربين من النقاد‪.‬‬ ‫وأعمال الكاتب المتراكمة‪ ،‬أثبتت أن تلك الفترة التي سقطت من ذاكرة‬ ‫النقد‪ ،‬جاءت في صالحه‪ ،‬ألن أعماله التي ُعرضت متأخرة‪ ،‬قدمته كاتبا كبيرا‪،‬‬ ‫بل ومن أهم كتاب ذلك الجيل المسرحي‪ ،‬إلي جانب (يسري الجندي – رأفت‬ ‫الدويري – شوقي عبد الحكيم – السيد حافظ‪ -‬بهيج إسماعيل – نبيل بدران –‬ ‫لينين الرملي)‪.‬‬


‫ما يميز تجربة (أبو العال السالموني) أن لديه مشروعا مسرحيا متكامال‬ ‫وكامال‪ ،‬يكتب ويعرف لماذا يكتب‪ ،‬يكتب ويعلم أن الكتابة ضرورة‪ ،‬يكتب‬ ‫محددا موقفه تجاه الواقع‪ ،‬ورؤيته الفنية تعكس هذا الموقف‪ ،‬بشكل متميز‬ ‫والفت‪ ..‬تعامل مع التراث التاريخي لضرورة‪ ،‬حين استخدمه كوسيلة إسقاط‬ ‫علي الواقع بقضاياه السياسية واالجتماعية‪،‬وتعامل مع التراث الشعبي ُمستلهما‬ ‫منه العناصر التي بها يستطيع تقديم مسرح له مالمح وهوية‪..‬‬ ‫معياره في كل الحاالت هو صدق التناول‪ ،‬وبراعة المعالجة‪ ،‬ووضوح‬ ‫الرسالة‪.‬‬ ‫انحاز مشروعه المسرحي لفعل التنوير‪ ،‬في زمن معاداته (فرمال اإلظالم‬ ‫تزحف من الصحراء علي الوادي لتحجب ما تأسس من استنارة‪ ،‬وسيوف‬ ‫الجهالة تحاول استئصال ما ترسخ من مبادئ للعقالنية‪ ،‬ورماح التعصب ال‬ ‫تكف عن مناوشة كل ما ورثناه من وعي نقدي‪ ،‬وأقدام التقليد تدوس في غلظة‬ ‫جاسية علي كل ما يولده السؤال ‪ -‬ماذا حدث للتنوير‪ -‬من تطلع إلي أفق‬ ‫(‪)4‬‬ ‫معرفي ال حد له‬ ‫هذا االنحياز لفعل التنوير‪ ،‬أضاف ُبعدا آخر إلي أبعاد تجربته اإلبداعية‬ ‫المسرحية‪ ،‬حين تفاعل‪ ،‬وعالج متغيرا كبيرا‪ ،‬فرض نفسه في مصر منذ‬ ‫السبعينيات‪ ،‬ومازال فارضا نفسه حتى اآلن ‪ -‬ليس في مصر فقط‪ ،‬ولكن في‬ ‫المنطقة العربية‪ ،‬كلها ‪ -‬وأعني به متغير (اإلرهاب باسم الدين) وقضية خلط‬ ‫األوراق بين الدين والسياسية‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪19 18‬‬


‫المتعددة شكلت مالمح إبداعه المسرحي‪ ،‬وأكدت عمق‬ ‫تلك المحاور ُ‬ ‫مشروعه – الذي أشرت إليه‪ -‬وهو حين يعالج موضوعات تتضمنها تلك‬ ‫المحاور ‪ -‬بعدد كبير من النصوص ‪ -‬ال نجد فيها نصا يشبه اآلخر‪ ،‬برغم أن‬ ‫القضية تبدو أمامك واحدة‪ ،‬ذلك التنوع‪ ،‬وفرته موهبته الكبيرة‪ ،‬ووعيه الفكري‬ ‫وثقافته الشمولية‪ ،‬وثراء تجربته اإلنسانية بشكل عام‪.‬‬ ‫(‪ -)1‬في محور معالجة التاريخ قدم نصوص (فرسان هللا واألرض ‪-1965‬‬ ‫األرض والمغول‪ -1971‬الثأر ورحلة العذاب ‪ -1980‬رجل في القلعة‬ ‫‪ -1981‬محكمة الحكماء ‪ -1984‬زوبة المصرية ‪ -1995‬المصري وأمير‬ ‫الفرنجة ‪ -1998‬المحروس والمحروسة ‪)2012‬‬ ‫(‪ -)2‬في محور توظيف عناصر التراث الشعبي مسرحيا كتب (أبو زيد في‬ ‫بلدنا ‪ -1969‬الحريق ‪ -1968‬تغريبة مصرية ‪ -1992‬مولد يابلد‪-1991‬‬ ‫المليم بأربعة ‪ -1988‬حكاية ليلة حرب ‪ -1963‬أبو نضارة ‪ -1986‬مآذن‬ ‫المحروسة ‪ -1982‬رواية النديم عن هوجة الزعيم ‪ -1970‬مالعيب عنتر‬ ‫‪.)1991‬‬ ‫(‪ -)3‬في المحور الخاص بمعالجة قضية اإلرهاب والتطرف الديني كتب‬ ‫مسرحيات (السحرة ‪ -1975‬المليم بأربعة ‪ -1988‬أمير الحشاشين‪-1993‬‬ ‫ديوان البقر‪ -1994‬القتل في جنين‪ -2002‬الحادثة اللي جرت في شهر‬ ‫سبتمبر‪ -2002‬رسائل الشيطان‪ -2017‬جهاد الفواحش في زمن الدواعش‬ ‫‪)2018‬‬


‫فضال عن نصوص أخري ال تندرج تحت أحد من المحاور السابقة‬ ‫وهي (درس في المأساة ‪ -1961‬مباراة بال نتيجة ‪ -1962‬تحت التهديد‬ ‫‪ -1964‬الجانب اآلخر‪ -1967‬زيارة عزرائيل ‪ -1973‬دكتوراه في الحب‬ ‫‪ -1989‬أمير المسرح ‪ -1990‬الحب في ميدان التحرير ‪ -2011‬عرش الحب‬ ‫‪.)2016‬‬ ‫كل هذه األعمال تكشف أننا أمام كاتب غزير اإلنتاج‪ ،‬وبرغم تلك الغزارة‪،‬‬ ‫إال أن ارتباط أعماله بقضايا مجتمعه‪ ،‬تجعلها معبرة عنه تعبيرا شامال علي‬ ‫المستويات‪ :‬السياسية واالجتماعية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واإلنسانية أيضا‪ ،‬بدون‬ ‫تكرار‪ ،‬أو ضعف نص أمام نص آخر‪.‬‬

‫أبو العال السالموين‬

‫‪21 20‬‬


‫(‪)3‬‬ ‫سبعة عشر نصا مسرحيا‪ ،‬هي النصوص التي تناولتها في هذا الكتاب‪،‬‬ ‫وتندرج تحت محورين من محاور التجربة اإلبداعية لدي كاتبها وهما‪:‬‬ ‫ محور توظيف عناصر التراث الشعبي في المسرح‪.‬‬‫ ومحور معالجة قضية اإلرهاب والتطرف باسم الدين‪..‬‬‫في نصوص المحور األول (توظيف عناصر التراث في المسرح) وصوال‬ ‫لصيغة يمكن أن ُنطلق عليها اسم (المسرح الشعبي) حاولت اإلجابة علي‬ ‫مجموعة من التساؤالت النقدية والفنية‪ ،‬التي تعكس اإلشكاليات التي تواجه‬ ‫الكاتب المسرحي‪ ،‬حين يحاول الكتابة في هذا النوع من المسرح‪.‬‬ ‫أولها‪ :‬هل سيستطيع إضفاء صفة الشعبي علي مسرحه أم لن يستطيع‪ ،‬برغم‬ ‫توافر معيارين حددهما د‪(.‬حسن عطية) ‪ -‬ونشير إليهما في متن الدراسة ‪-‬‬ ‫وهما استلهام الموروث الشعبي ووضعه في سياقه الثقافي‪ ،‬فضال عن القيام‬ ‫بإعادة صياغة هذا الموروث صياغة فنية جديدة ؟‬ ‫وثانيهما‪ :‬هل سيستطيع الكاتب أن يجعل هذا المسرح‪ ،‬قادرا علي عرض قصة‬ ‫من قصص الحياة‪ ،‬وليس الحياة نفسها كما أكد علي ذلك الدكتور(علي الراعي)؟‬


‫وثالثهما‪ :‬هل استطاع الكاتب استغالل منهج األداء في السير الشعبية ‪ -‬الذي‬ ‫لجأ إليه في بعض النصوص ‪ُ -‬ليضفي به الطابع الشعبي علي قالب مسرحياته؟‬ ‫وهل االتجاه إلي توظيف العناصر الشعبية في المسرح ‪ -‬مادة وأداة‪ -‬يعني‬ ‫غياب المصادر التراثية غير الشعبية عن دائرة التوظيف نهائيا ؟ وهو األمر‬ ‫الذي شغل من قبل باحثا اهتم بهذا الموضوع وهو (الدكتور عز الدين إسماع‬ ‫يل)؟‬ ‫كل هذا األسئلة ‪ -‬وغيرها – كانت منطلقا أثناء قراءة النصوص‪ ،‬وتحليلها‪،‬‬ ‫وتحديد العنصر الشعبي الذي استعان به الكاتب‪ ،‬ومعرفة كيف وظفه‪ ،‬وكيف‬ ‫طوعه دراميا‪ ،‬ليؤدي وظيفته‪ ،‬بدون اإلخالل بطبيعته التراثية‪.‬‬ ‫وفي نصوص المحور الثاني الخاص بمعالجة قضية اإلرهاب والتطرف‬ ‫باسم الدين مسرحيا‪ ،‬تساءلت‪ :‬كيف تعامل الكاتب مع تلك القضية الشائكة‪،‬‬ ‫وهل سيعالج الفكر أو يقدم الوقائع‪ ،‬وكيف سيتعامل مع المادة التسجيلية‪ ،‬حين‬ ‫استعانت بعض النصوص بها؟‪ ،‬وهل ستغفل المعالجة الدرامية الجوانب الفنية‪،‬‬ ‫المتعلقة بالحدث وطبيعته‪ ،‬وتطوره‪ ،‬والفعل الدرامي‪ ،‬والشخصية بمكوناتها‪:‬‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬والفكرية‪ ،‬والنفسية‪ ،‬وكيف ستكون الرسالة‪ ،‬وما هي طبيعتها؟‬ ‫مرجعية الكاتب المعرفية حول هذا الموضوع كبيرة جدا‪ ،‬ومصادره متعددة‪،‬‬ ‫األمر الذي جعلني ‪ -‬أنا اآلخر – أعود إليها‪ ،‬ألقف علي األرضية نفسها التي‬ ‫وقف عليها الكاتب‪ ،‬ألعرف كيف استفاد من الوقائع‪ ،‬وكيف وظف الوثائق‪،‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪23 22‬‬


‫وكيف تعامل مع الشخوص التي استحضرها من الواقع – في بعض النصوص‪-‬‬ ‫وكيف تعامل – أيضا – مع التاريخ‪ ،‬الذي يمثل مرجعية هامة‪ ،‬أثناء المعالجة‪.‬‬ ‫ وحين يقدم الكاتب سبعة نصوص في هذا المحور‪ ،‬فهذا دليل علي أنه‬‫مهموم به‪ ،‬في الوقت الذي لم ينتبه فيه معظم الكتاب إلي هذا الموضوع برغم‬ ‫خطورته‪ ،‬ليتم تناوله إبداعيا وفنيا‪ ،‬واالهتمام به ُيعد نوعا من أنواع المقاومة‪،‬‬ ‫والمسرح‪ ،‬قادر علي القيام بها بشرط أن يكون تناول القضية قادرا علي إثارة‬ ‫جذوة الحماس لمواجهة التطرف‪ ،‬وقادرا علي إذكاء الوعي‪ ،‬وتنميته‪ ،‬وقادرا‬ ‫علي االنتصار لثقافة التسامح‪ ،‬في مواجهة ثقافة العنف والتطرف‪.‬‬ ‫الفرجة‪ ،‬والمتعة‬ ‫المسرح يستطيع القيام بهذا‪ -‬كله‪ -‬بما يملكه من أدوات ُ‬ ‫واإلبهار‪.‬‬ ‫والسؤال الذي دائما ما أسأله‪ ،‬ويسأله معي كاتبنا (لماذا في مقاومة اإلرهاب‬ ‫كلنا مرتعشون)؟‬ ‫سألته من قبل حين بحثت عن القصة القصيرة التي تناولت هذا الموضوع‬ ‫في مصر‪ ،‬فلم أجد أكثر من ثالثين قصة عالجته‪ ،‬وتحدثت عنها في كتابي (ثقافة‬ ‫(‪)5‬‬ ‫العنف واإلرهاب الديني والسياسي)‬


‫وترجع أهمية الكتابات التي تُعبر عن هذه الظاهرة الخطيرة‪ ،‬ليس فقط‬ ‫في أنها تنمي الوعي لدي الناس‪ ،‬ولكن ألنها تعمل علي (التأثير علي حركة‬ ‫المجتمع وتوجيهه نحو مسار الدولة المدنية الحديثة‪ ،‬بدال من الردة التي كبلت‬ ‫مساره فترات طويلة‪ ،‬وجعلت خطواته خطوة لألمام وخطوتين للخلف‪ ،‬وكما‬ ‫هو معروف فان العالم المتقدم لم يخط خطواته الواسعة إلي األمام إال عندما‬ ‫نحي السلطة الدينية عن السلطة المدنية‪ ،‬وذلك من خالل صراع طويل ومرير‬ ‫كان لإلبداع األدبي والفني دور كبير أن لم يكن له الدور األساسي)‬

‫ ‬ ‫ ‬

‫أبو العال السالموين‬

‫‪25 24‬‬

‫أحمد عبد الرازق أبو العال‬ ‫الهرم – مايو ‪2018‬‬


‫المحور األول‬ ‫عناصر الــمــســرح الشعبي‬


‫قدم الكاتب (محمد أبو العال السالموني) عددا من النصوص المسرحية‪ ،‬التي‬ ‫تندرج تحت ما ُيسمي بالمسرح الشعبي‪ ،‬ذلك المسرح الذي ظهرت نصوصه‬ ‫لدي عدد من كتاب الجيل الثالث ومنهم – باإلضافة إلي كاتبنا‪( :‬شوقي عبد‬ ‫الحكيم – محمد الفيل – عبد الغني داود – رأفت الدويري – يسري الجندي)‬ ‫(محمود دياب)‬ ‫وكان قد سبقهم إلي كتابه ذلك النوع من المسرح الكاتب‬ ‫في مسرحيتيه (ليالي الحصاد – الزوبعة) وكذلك بعض أعمال (الفريد فرج)‬ ‫و(فاروق خورشيد)‪ ،‬وقبل كل هؤالء (توفيق الحكيم) حين كتب مسرحية‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(الزمار)(‪ )1‬والصفقة (‪ )2‬ويا طالع الشجرة‬ ‫كل هذه الكتابات ‪ -‬وغيرها ‪ -‬استطاعت أن تحدد مالمح هذا المسرح‪ ،‬الذي‬ ‫حاول الدكتور علي الراعي أن يكتب عنه ما يشبه األرجانون الصغير للمسرح‬ ‫الذي كتبه (بريخت) تنظيرا للمسرح الملحمي‪ ،‬فكان ما كتبه – في تصوري‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ هو‪ :‬ارجانون المسرح الشعبي‬‫وسأقتبس هنا بعض السطور التي جاءت في كتاب (مسرح الشعب) وحاول‬ ‫فيها تحديد مالمح هذا المسرح‪ ،‬وأسسه‪ ،‬وقوامه‪ ،‬حين قال‪( :‬إن المسرح الشعبي‬ ‫ال يعنيه أن ينسي المتفرج أن ما يجري أمامه‪،‬إنما هو مجرد عرض مسرحي‪،‬‬ ‫وال هو يسعي إلي أن يندمج متفرجه في العرض المسرحي‪ ،‬حتى لينسي نفسه‪،‬‬ ‫وينسي الزمان‪ ،‬والمكان‪ ،‬الذي يعيش فيه‪ ،‬إن المسرح الشعبي ال يجد غضاضة‬ ‫في أن يتنبه متفرجه كل التنبه‪ ،‬ويعي تماما أن ما أمامه عرض لقصة من‬ ‫قصص الحياة وليس الحياة ذاتها‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪27 26‬‬


‫كذلك نالحظ القصد التام في استخدام المهمات المسرحية‪ ،‬فليس يهم المسرح‬ ‫الشعبي‪ ،‬أن ُيبهر‪ ،‬وإنما يهمه أن ُيوحي‪ ،‬وليس في ظهور ممثل ما بزي واحد‬ ‫لعدة أدوار‪ ،‬ما يخدش اإلحساس الفني لدي المتفرج مرة أخري‪ ،‬ألن عنصر‬ ‫اإليهام عنده ليس هاما‪ ،‬وألنه ال ينتظر من العرض المسرحي أن ُيطابق الحياة‪،‬‬ ‫وإنما يرمز لها‪ ،‬ويمثلها تمثيال فنيا‪ ،‬إلي جوار هذا نجد تكيف الفنان بالظروف‬ ‫المحيطة به‪ ،‬وعدم تردده في اختصار العرض‪ ،‬أو مده تبعا لألحوال‪ .‬فالفنان‬ ‫الشعبي أيضا ال يخجل من اعتبار عمله الفني نوعا من البضاعة يطرحها‬ ‫(‪)5‬‬ ‫للتداول‪ ،‬وقد يجد البعض في هذا لونا من السوقية)‬ ‫وهذا الذي كتبه الدكتور (علي الراعي) جاء أدق – في اعتقادنا – مما كتبه‬ ‫رائد المسرح العربي (توفيق الحكيم) حين تحدث عن بعض مفردات المسرح‬ ‫المغاير‪ ،‬دون أن ُيطلق عليه عبارة المسرح الشعبي‪ ،‬برغم أن ما تحدث عنه‬ ‫(الحكيم) هو من عناصر هذا المسرح‪ .‬خاصة حين تحدث عن الحكواتي‪،‬‬ ‫والمقلداتي‪ ،‬والمداح‪ .‬وحين تكلم عن السامر‪ ،‬والفنون الشعبية الريفية‪ ،‬من‬ ‫رقص‪ ،‬وتحطيب‪ ،‬وغناء‪ ،‬بل وحديثه عن الحاوي‪.‬‬ ‫وألن هذا النوع من الكتابة لم تكن قد تشكلت مالمحها بعد‪ ،‬ذكر‪ :‬إن هذا‬ ‫القالب المسرحي الذي تحدث عنه‪ ،‬ليس في حقيقته مسرحا بالمعني المفهوم‪..‬‬ ‫ومع ذلك نراه يؤكد علي أهمية وهدف هذا القالب في تقديم عمل نبيل هو‪:‬‬ ‫تبسيط الوسيلة التي تحمل بأقل التكاليف أرقي آثار الفن والذهن اإلنساني إلي‬ ‫الشعب كله في أحيائه وقراه‪..‬‬ ‫إذن نراه يؤكد علي أن المفردات الشعبية قادرة ‪ -‬لو استخدمت جيدا ‪ -‬علي‬ ‫(‪)6‬‬ ‫أن تجعل المسرح للشعب – علي حد قوله‪.‬‬


‫وربما هذا االختالف في وجهة نظر الرجلين (الراعي ‪ -‬الحكيم) هو ما‬ ‫دفع الحكيم إلي االحتجاج الصامت – كما يصرح د‪ .‬علي الراعي في مقدمة‬ ‫كتاب مسرح الشعب ‪ -‬علي كتاب الكوميديا المرتجلة‪ ،‬حين صدر في نفس‬ ‫(‪)7‬‬ ‫الفترة التي صدر فيها كتاب (قالبنا المسرحي)‬ ‫وإذا كنا ‪ -‬هنا ‪ -‬نستخدم مصطلح (المسرح الشعبي) فهذا يعني أن ذلك‬ ‫المسرح له مالمحه‪ ،‬وعالماته‪ ،‬وأسسه الفنية التي يقوم عليها‪ ،‬ولقد بينا بعضها‬ ‫حين أشرنا إلي (الحكيم والراعي) ‪ ..‬وأضيف إليهما ما ذكره الناقد الدكتور‬ ‫(حسن عطية) حين حاول تحديد مفهوم هذا المسرح‪ ،‬فذكر أن الشعبي‬ ‫صفة من كلمة شعب‪ ،‬وهذا المصطلح‪ -‬يعني به الشعب ‪ -‬يسري علي األمة‬ ‫بأكملها‪ ،‬ويمثلها روحيا‪ ،‬لكن الشعبي – كصفة – ( يشير إلي الجماهير العاملة‪،‬‬ ‫التي تقابل الجماهير غير العاملة‪ ،‬وبالتالي فان إبداعهم قابل للتبديل والتحوير‬ ‫والتعديل واتساق النمط‪ ،‬وعدم وجود نص ثابت‪ ،‬وهي سمات ارتبطت تاريخيا‪،‬‬ ‫بتلك اإلبداعات التي ال تصدر عن أصحاب السلطات‪ ،‬ممتلكي القدرة علي‬ ‫(‪)8‬‬ ‫التسجيل‪ ،‬والتدوين والطرح الرسمي إلبداعاتهم علي كل األمة)‬ ‫من هنا يمكن الوصول للتحديد األولي للمسرح الشعبي (أنه ذلك العرض‬ ‫المعبر عن العقلية الجمعية لجماهير الشعب العاملة‪ ،‬والمتجه لذات العقلية‬ ‫الفني ُ‬ ‫الجمعية الشعبية بكافة األشكال المتفقة مع طريقتها في الحياة‪ ،‬وفي اإلبداع‬ ‫وتلقيه‪ ،‬ومن ثم فهو يتجمد بتجمدها‪ ،‬ويتطور بتطور احتياجاتها ومطالبها‪ ،‬فكما‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪29 28‬‬


‫تبرز األغنية حينا‪ ،‬وأحيانا تبرز الرقصة الجمعية أو الفردية‪ ،‬أو زاوية السير‬ ‫والحكايات‪ ،‬أو تنازل األمثال واألحاجي‪ , ،‬أحيانا تختفي هذه أو تلك أمام ابتكار‬ ‫وسائل جديدة تستوعب إمكانيات كل شكل من أشكال المأثورات الشعبية وتزيد‬ ‫عليه‪ ،‬ليس با لحتم أن يبرز المسرح الشعبي كجماع للفنون الدرامية المختلفة‬ ‫من حوار ورقص وأغاني ومرئيات مسرحية‪ ..‬الخ إال عندما يتطلب الواقع‬ ‫(‪)9‬‬ ‫المعاش ذلك الشكل الجمعي)‬ ‫ُ‬ ‫ولكن ما هي المعايير التي نرتكز عليها حين نتعامل مع المسرح الشعبي ؟‬ ‫يحددها د‪ .‬حسن عطية في معيارين‪ :‬األول‪ :‬استلهام الموروث الشعبي‪ ،‬ووضعه‬ ‫في سياقه الثقافي الممتد منذ تخلقه والمنتهي من الزمن الحاضر‪.‬‬ ‫والثاني‪ :‬القيام بإعادة صياغة هذا الموروث الشعبي‪ ،‬صياغة فنية ال تطمس‬ ‫معالمه‪ ،‬وال تفرغه من محتواه الرئيسي في نفس الوقت‪ ،‬الذي ال تقف به لحظة‬ ‫(‪)10‬‬ ‫زمنية لم يقف بها هو أصال من قبل‬ ‫ومع صحة المعيارين الذين حددهما الدكتور (حسن عطية) إال أننا ربما‬ ‫نقع في مأزق‪ ،‬يتعلق بقدرة الكاتب المسرحي علي إضفاء صفة الشعبي علي‬ ‫مسرحه ‪ -‬أتحدث هنا عن القالب أو الشكل‪ ،‬وليس عن المضمون‪ ،‬ألن الحديث‬ ‫عن المضمون يتحدد حين نتعرض لطريقة المعالجة والطرح‪ ،‬التي يمارسها‬ ‫الكاتب حين يلجأ إلي استحضار الموروث الشعبي لتكون مادته هي أداته في‬ ‫معالجة فكرة ما أو لتقديم رسالة ما ‪ -‬في هذا اإلطار الشكلي الخالص أتساءل‪:‬‬ ‫هل استطاع كاتب المسرح الشعبي أن يستغل منهج األداء في السير الشعبية –‬


‫كمثال – في إضفاء الطابع الشعبي علي قالب مسرحياته ؟ وهل غلبة االتجاه‬ ‫إلي توظيف العناصر الشعبية في المسرح –مادة وأداة – يعني غياب المصادر‬ ‫التراثية غير الشعبية عن دائرة التوظيف نهائيا ؟ وتلك التساؤالت التي أراها‬ ‫مهمة بالفعل‪ ،‬يجيب عليها الدكتور عز الدين إسماعيل حين ذكر (إن األداء‬ ‫الشعبي في المسرحيات التي ارتبطت بالتراث الشعبي‪ ،‬لم تستطع أن تستغل‬ ‫منهج األداء في السير الشعبية‪ ،‬في إضفاء الطابع الشعبي علي قالبها باستثناء‬ ‫مسرحية ياسين وبهية لنجيب سرور) (‪ ،)11‬لكنني مع ذلك أقول ‪ :‬إن استلهام‬ ‫كافة عناصر الموروث الشعبي‪ ،‬وليست السيرة فقط‪ ،‬يمكن أن تُضفي الطابع‬ ‫الشعبي علي قالبها – إذا اهتم الكاتب بذلك ‪ -‬وهذا ما سنحاول البحث عنه ونحن‬ ‫نتناول مسرحيات (أبو العال السالموني) في هذا االتجاه‪...‬‬ ‫أما فيما يتعلق بغياب العناصر غير الشعبية عن دائرة التوظيف نهائيا‪،‬‬ ‫فسأحاول البحث عنها ‪ -‬أيضا ‪ -‬حين أتناول مسرحياته‪ ،‬ألن هذا التوظيف‬ ‫(قد حدث بطريقة جزئية – لدي معظم الكتاب – في سياق الحوار علي نحو‬ ‫يتفاوت بين الخفاء والوضوح‪ ،‬فضال عن أن غلبة االتجاه إلي توظيف العناصر‬ ‫(‪)12‬‬ ‫الشعبية ال يعني غياب المصادر غير الشعبية)‬ ‫لقد كتب (محمد أبو العال السالموني عددا من المسرحيات التي يضمها‬ ‫ ‬ ‫هذا المفهوم وهي‪( :‬أبو زيد في بلدنا ‪ -‬الحريق ‪ -‬تغريبه مصرية ‪ -‬مولد يابلد‬ ‫ المليم بأربعة ‪ -‬حكاية ليلة حرب ‪ -‬أبو نظارة ‪ -‬مآذن المحروسة ‪ -‬رواية‬‫أبو العال السالموين‬

‫‪31 30‬‬


‫النديم عن هوجة الزعيم ‪ -‬مالعيب عنتر)‬ ‫إليمانه القديم بأن (المسرح في بدايته له نشأة واحدة عند كل البشر‪،‬وهي النشأة‬ ‫الشعبية‪ ،‬التي من أخص خصائصها لعبة االرتجال والتشخيص‪ ،‬التي ظهرت‬ ‫في الشارع‪ ،‬كما حدث عند اإلغريق فيما عرف باالحتفاالت الديثرامبية‪ ،‬أو‬ ‫في أوربا المسيحية في الساحات والقرى‪ ،‬والمدن والعربات الجوالة‪ ،‬أو في‬ ‫الكوميديا الديالرتية الشعبية‪ ،‬أو في االحتفاالت في الشرق األقصى كعروض‬ ‫النو والكابوكي‪ ،‬أو عندنا نحن في الشرق األوسط الممثلة في فنون السامر‬ ‫والسير الشعبية والموالد والحكواتي والتعازي والفنون االحتفالية وغيرها)(‪)14‬‬ ‫(‪)13‬‬

‫ أبو زيد في بلدنا‪:‬‬‫الراوي في المسرح بشكل عام يقوم بقص وسرد أحداث المسرحية بشكل‬ ‫متسلسل‪ ،‬وفي المسرح الملحمي – بوجه خاص – ُيخبر الجمهور بطبيعة‬ ‫األحداث وخلفيتها‪ ،‬ليخرجه من حالة الترقب أثناء المشاهدة‪ ،‬ويتدخل من حين‬ ‫إلي آخر في أحداث المسرحية ُليعلق‪ ،‬أو يضيف رأيا‪ ،‬ولذلك فهو يقوم بكسر‬ ‫اإليهام‪ ..‬ونراه هنا في مسرحية (أبو زيد في بلدنا) يقوم بدور الراوي الشعبي‬ ‫الذي يروي الحكاية في الموال‪ ،‬أو يقص تفاصيل السيرة‪ ،‬هنا نراه يمثل‬ ‫شخصية أبو زيد ويتحدث عنها‪ ،‬ووظيفة هذه الراوي في األدب الشعبي‪ ،‬غير‬ ‫وظيفته في المسرح‪ ،‬ألن المسرح – بطبيعته‪ -‬عبارة عن شخوص وحوار‬ ‫وأحداث‪ ،‬وأفعال تخلق الدراما‪ ،‬والتي هي أساسه‪ ،‬ولذلك يستدعي شخص‬ ‫السيرة (أبو زيد الهاللي) ليجعله شخصية من شخصيات المسرحية‪ ،‬تتحدث‬ ‫(‪)15‬‬


‫وتتحاور مع اآلخرين‪ ،‬هذا االستخدام ُيضفي علي المعالجة جوا شعبيا ليس‬ ‫بسبب – فقط – استدعاء شخصية أبو زيد‪ ،‬أو قيام الراوي بتشخيصها‪ ،‬ولكن‬ ‫بسبب عبق أسلوب ومنهج الحكي والروي ذاته‪.‬‬ ‫وإذا كان الراوي في السيرة يتحدث نائبا عن الغير‪ ،‬فهو هنا ُيشخص‬ ‫الشخصية‪ ،‬ويستدعيها من داخل السيرة ذاتها‪ ،‬ويضعها في مواجهة شخوص‬ ‫المسرحية‪ ،‬محددا موقفها تجاه األحداث التي تدور فيها‪ ،‬بل ويجعلها ذات تأثير‬ ‫في تغيير مسار األحداث‪ ،‬وتطورها‪ ،‬وذات أثر علي مواقف الشخوص في‬ ‫المسرحية‪ ،‬وتصرفاتها‪ ،‬إذن‪ :‬هو هنا ليس نائبا عن الغير‪ ،‬وليس حياديا‪ ،‬لكنه‬ ‫مشارك وفاعل‪ ،‬ومؤثر‪ ،‬مما يعطينا إحساسا بأن المسرحية ذاتها تُروي أمام‬ ‫الجمهور كما تُروي السيرة‪ ،‬ولكن الروي يتم عن طريق شخوصها‪ ،‬ومواقفها‬ ‫وأحداثها‪ ،‬وليست أحداث السيرة المنتمي لها أبو زيد‪ ،‬إنها سيرة جديدة‪ ،‬يستخدم‬ ‫فيها المؤلف شخصية السيرة األصلية استخداما دالليا‪ ،‬ورمزيا‪ ،‬ليكون استدعاء‬ ‫للمعني قبل الشخص‪.‬‬ ‫بمعني آخر تمت مسرحة الشاعر الشعبي ‪-‬إذا صح التعبير ‪ -‬ليكون راويا‬ ‫يؤدي دورا مختلفا‪.‬‬ ‫الراوي (عم إبراهيم أبو ربابة) ُيخبر الجمهور أنه جاء ليحكي لهم حكاية جديدة‪،‬‬ ‫مفادها أن أبو زيد جاء إلي القرية التي ينتمي لها الراوي‪ ،‬وأن الناس رأوه‪،‬‬ ‫وتحدثوا معه‪ ،‬ويقوم بتقديم أحداث المسرحية‪ ،‬وبعدها يترك خشبة المسرح‬ ‫ليفسح المجال أمام الممثلين‪ ،‬فنعرف – من خاللهم‪ -‬أن هناك صراعا في‬ ‫القرية بين معسكرين‪ ،‬متضادين‪ :‬معسكر األعيان ويمثله (العمدة ‪ -‬سلطان‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪33 32‬‬


‫ دياب ‪ -‬حسونة) ومعسكر الفالحين ويمثله (أبو أحمد ‪ -‬ربيع ‪ -‬عاشور ‪-‬‬‫أم صفية) باإلضافة إلي المهندس الشاب الوافد الجديد الذي وقف إلي جوار‬ ‫الفالحين‪ ،‬رافضا االستجابة لوسائل اإلغراء التي عرضها عليه شخوص‬ ‫معسكر األعيان‪ ..‬صراع أساسه سيطرة األعيان علي مقاليد وأمور الجمعية‬ ‫(‪)16‬‬ ‫الزراعية‬ ‫تلك السيطرة التي حولت الفالحين إلي مجرد عبيد‪ ،‬يعملون بالسخرة‪،‬‬ ‫ضعفاء‪ ،‬وال يملكون‬ ‫فكان من الضروري مواجهة الظلم والقهر‪ ،‬لكن الفالحين ُ‬ ‫شجاعة المواجهة‪ ..‬هنا يظهر الراوي من جديد ُليخبرنا أن أحوال القرية‪،‬‬ ‫وأحوال الفالحين فيها‪ ،‬دفعته للتعاطف معهم ولذلك لجأ للغناء علي الربابة‪،‬‬ ‫لينزاح عنهم الهم والحزن ‪:‬‬ ‫(قعدت أغني علي الربابة لغاية الفجر والناس كليتها قاعدة في قهوة عم‬ ‫اسماعين تسمعني‪ ،‬وأني بقول علي حكاية أبو زيد الهاللي سالمة‪ ،‬وهو بيحارب‬ ‫عدوينه‪ ،‬تصدقوا باهلل يا رجالة‪ ،‬الناس ما كانتش عايزة تروح أبدا‪ ،‬كنت آجي‬ ‫أخلص يقولولي تاني ياعم إبراهيم‪ ،‬أي وهللا‪ ..‬كانت ليلة من أعجب الليالي‪..‬‬ ‫تعرفوا ايه اللي حصل‪ ،‬ظهر لنا أبو زيد الهاللي سالمة بذات نفسه)‬ ‫هنا يقوم الراوي بخلع عباءته‪ ،‬فيظهر في مالبس الفروسية التي يرتديها‬ ‫(أبو زيد الهاللي)‪ ،‬ثم ُيخرج من صرة المالبس‪ ،‬قلنسوة ويضعها علي رأسه‪،‬‬ ‫وشاربا ضخما ويضعه تحت أنفه‪ ،‬بعدها يتجه إلي الفالحين في دور أبو‬ ‫زيد‪.‬وهنا تبدأ رحلة المقاومة‪ ،‬فنراه يتحدث إليهم‪ ،‬ويبث فيهم جذوة الحماس‪،‬‬ ‫وشجاعة المواجهة‪ ،‬للخروج من أزمتهم‪ ،‬والتخلص من ظلم األعيان‪ ،‬ويدور‬


‫بينه وبينهم حوارا نفهم منه أنهم يريدون مساعدته لهم‪ ،‬ليكون نائبا عنهم –‬ ‫لمواجهة األعيان‪ ،‬فيقول لهم‪:‬‬ ‫ اسمعوا يارجالة‪ ..‬أني صحيح أقدر أعمل لكم اللي أنتوا عايزينه‪ ،‬أطير‬‫رقبتهم‪ ،‬واحد واحد‪ ،‬وأنضف لكم البلد من الحرامية والخطافين‪ ،‬بس فيه حاجة‬ ‫يارجالة‪ ..‬مين يضمن بعد كده أن ما يظهرش حرامية وخطافين تانيين؟!‬ ‫عطية ‪ :‬وأنت فين ياأبو زيد ؟‬ ‫حسن ‪ :‬أيوه ياأبو زيد‪.‬ز داأنت الخير والبركة‬ ‫أبو زيد‪ :‬لكن أنا يارجالة مش قاعد هنا علطول‬ ‫عاشور ‪ :‬أعمل معروف ياأبو زيد‪ ..‬أنت الزم تفضل معانا‪ ،‬أيوه‪ ..‬أني حدايا‬ ‫حته كده علي قد الحال تنام فيها معانا‪.‬‬ ‫عطية ‪ :‬داحنا نشيلك علي راسنا‬ ‫حسن ‪ :‬ياسالم ‪ ..‬دا أحنا ناخدك جوه عنينيا‪ ..‬جوه قلوبنا‬ ‫أبو زيد ‪ :‬متشكر يارجالة‪ ..‬بس أني عايز أقول لكم حاجة‪ ،‬الحكاية مش حكاية‬ ‫قطع رقبة‪ ،‬الحكاية أكبر من كده‪ ،‬أني ياما قطعت وياما عملت‪ ،‬لكن إيه النتيجة‬ ‫؟ الحرامية لسه موجودين‪ ،‬والخطافين لسه موجودين‪ ،‬واللي بياكلوا عرق‬ ‫الغالبة لسه موجودين‪.‬‬ ‫أبو أحمد‪ :‬يعني علي رأي المثل‪ ..‬كأنك ياأبو زيد ما غزيت‬ ‫أبو زيد ‪ :‬تمام ياأبو أحمد‪ ..‬تعرف ليه‪ ..‬تعرف ليه ياربيع‪ ..‬علشان أنا كنت أبو‬ ‫زيد لوحدي‪ ،‬كنت بطل لوحدي‪ ،‬إنما لو كانت كل الناس الغالبة عملت أبو زيد‬ ‫كانت قدرت تعمل حاجات كتير‪ ،‬أيوه يارجالة‪ ،‬أبو زيد لوحده مهما عمل مش‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪35 34‬‬


‫ممكن يجيب نتيجة‪ ،‬وعشان كده الزم تكون كل الناس أبو زيد‪.‬‬ ‫هنا نري أبو زيد نفسه‪ ،‬ليس مقتنعا بالبطولة الفردية‪ ،‬ألنها ليست السبيل‬ ‫لوضع نهاية للظلم‪ ،‬ويدفع الفالحين لتبني البطولة الجماعية‪ ،‬والقدرة علي‬ ‫المواجهة الجماعية‪ ،‬يعلمهم الثورة‪ ،‬ويخبرهم بضرورة الترشح لعضوية مجلس‬ ‫إدارة الجمعية الزراعية أ ليستطيعوا إدارة شؤونهم بأنفسهم‪ ،‬بدون تدخل من‬ ‫أحد فهو األغلبية‪ ،‬وتضامنهم‪ ،‬سيجعلهم ينتصرون‪ ،‬وبالفعل حين استجابوا‬ ‫لمشورته‪ ،‬نجحوا‪ ،‬وتحول الصراع بين المعسكرين ليكون بين قوتين‪ ،‬وليس‬ ‫بين قوي وضعيف‪ ،‬كما كان األمر من قبل ظهور أبو زيد الهاللي‪ ،‬وكلما كان‬ ‫يظهر لهم شخص أبو زيد حين يقوم بتشخيصه الراوي‪ ،‬ال يفعل شيئا سوي‬ ‫تحفيزهم علي المواجهة‪ ،‬واإلثناء علي ما حققوه من نجاحات أثناء المواجهة‪،‬‬ ‫وحتى حين استغل األعيان موقف الفالحين‪ ،‬حين نشروا خبر وجود (أبو زيد)‬ ‫في القرية ورؤية الفالحين له‪ ،‬وحديثهم معه‪ ،‬ليخبروا المسئولين الكبار‪ ،‬بأن‬ ‫أعضاء مجلس اإلدارة ‪ -‬من الفالحين ‪ -‬هم مجرد مجموعة من المجانين‪،‬‬ ‫يتهيئون أشياء غير حقيقية‪ ،‬وحين يجيء التفتيش ليتيقن من ذلك‪ ،‬يجدهم ينكرون‬ ‫ذلك‪ ،‬ويندهشون كيف يأتي أبو زيد إلي القرية ؟؟ ويؤكدون علي أن من يقول‬ ‫ذلك ُيعد مجنونا !! هنا فشلت لعبة األعيان تماما‪ ،‬وانكشف عنهم الغطاء‪،‬‬ ‫ووقفت الوزارة مع الفالحين‪ ،‬وأبعدت عنهم الفاسدين من األعيان‪.‬‬ ‫(‪)17‬‬

‫عندما يظهر لهم ‪ -‬مع نهاية المسرحة‪ -‬أبو زيد – الذي يقوم الراوي‬ ‫بتشخيصه – يخاطبهم برسالة العرض‪:‬‬


‫ أنا ما عملتش حاجة‪ ..‬وزي ما قلت لكم‪ ،‬أبو زيد لوحده عمره ما يجيب‬‫نتيجة‪ ،‬إنما الناس‪ ،‬كل الناس هي اللي تقدر تعمل حاجات كتير‪ ،‬زي انتوا ما‬ ‫عملتوا تمام‪ ،‬أنا باهنيكم‪ ،‬علي المكسب الكبير اللي أنتو حققتوه‪ ،‬ودي الوقت‬ ‫قبل ما أفوتكم أنا باطلب منكوا وعد‬ ‫‪ .........‬زي ما قلت لكم يارجالة‪ ..‬انسوا أني جيت‪.‬‬ ‫ وما تنسوش أني أبو زيد بتاع زمان‪ ..‬بتاع الحكايات‪ ،‬إنما أبو زيد بتاع‬‫دللوقت‪ ،‬هو أنتوا‪ ،‬أنتوا كلكم أبو زيد‪ ،‬والبلد كلها أبو زيد‪ ،‬احنا يا رجالة في‬ ‫عصر الناس فيه هي البطل‪ ،‬الناس فيه هي اللي بتحرك الدنيا والزمان‪ ،‬انما‬ ‫العصر اللي كان فيه البطل بطل لوحده فده عصر انتهي خالص‪ ،‬وعشان كده‬ ‫(‪)18‬‬ ‫أنا ماشي يارجالة‬ ‫أصبح الراوي في المسرحية‪ ،‬وسيلة إذكاء الوعي‪ ،‬وإشعال جذوته في‬ ‫نفوس الفالحين‪ ،‬أصبح الراوي فاعال‪ ،‬فلم يعد هو الراوي الذي يكتفي برواية‬ ‫األحداث‪ ،‬أو تقديمها‪ ،‬لكنه أصبح شخصا متحركا بين الشخوص‪ ،‬حتى ولو أخذ‬ ‫من الملحمية‪،‬بعض خصائصها‪..‬‬ ‫في نهاية المسرحية ُيعلن موقفه ‪ -‬وبشكل مباشر تماما يتوافق مع تلك‬ ‫الملحمية التي أشرت إليها‪ ،‬وان كنت أري أن ما قاله واستحضره هنا ليس‬ ‫مطلوبا‪ ،‬وجاء زائدا عن حاجة المسرحية‪ ،‬ألن المعني الذي أراد تأكيده هو نفسه‬ ‫المعني الذي وصل للمشاهد من قبل‪ ،‬المعني الداللي‪ ،‬والرمزي‪ ،‬المعني الكامن‬ ‫من وراء الشخصية التراثية‪.‬‬ ‫يقول‪( :‬عايز أقول لكوا حاجة‪ ..‬أبو زيد اللي أنتوا شفتوه ده‪ ،‬مش أبو زيد‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪37 36‬‬


‫الحقيقي‪ ،‬إنما أبو زيد اللي شفتوه هو العزيمة اللي في قلوبنا‪ ،‬هو القوة اللي جوه‬ ‫هنا (يشير إلي صدره) أبو زيد موجود في قلب كل واحد فيكم بيحب أرضه‪ ،‬في‬ ‫قلب كل واحد فيكم بيشقي عشان عياله‪ ،‬في قلب كل واحد فيكم بيحامي عن حقه‬ ‫وتعبه وشقاه‪, ،‬آدي أنتوا شفتوا رجالة بلدنا وستاتها عملوا ايه‪ ،‬كل واحد فيهم‬ ‫خلي أبو زيد اللي في قلبه يطلع وينفذ اللي هو عايزه‪ ،‬وآدي الجمعية اللي كانت‬ ‫الديابة والحرامية واكالها‪ ،‬مين كان يصدق‪ ،‬وهللا وال في المنام‪ ،‬حاتقولولي‬ ‫أبو زيد اللي عمل‪ ،‬أبدا‪ ..‬آدي انتوا شفتوا‪ ،‬أبو زيد ما عملش حاجة خالص‪،‬‬ ‫(‪)19‬‬ ‫الرجالة هي اللي عملت‪ ..‬رجالة بلدنا األبطال‬


‫ثالثية المولد الشعبي‪:‬‬ ‫(‪ -)1‬مولد يابلد‬ ‫للكاتب ثالثية مسرحية تتناول ظاهرة الموالد الشعبية وتضم ثالث‬ ‫مسرحيات هي (مولد يا بلد – المليم بأربعة – مالعيب عنتر)‪.‬‬ ‫والمولد بوصفه ظاهرة احتفالية شعبية‪ُ ،‬يعد وسيلة من وسائل البهجة‬ ‫والدهشة‪ ،‬والفرجة‪ ،‬التي تُسعد زواره بعيدا عن اهتمامهم بصاحب المقام ذاته‪،‬‬ ‫وذلك ألن الناس يسعون إلي إسعاد نفوسهم بالذهاب إليه‪ ،‬وحين ُيصبح قبلتهم‪،‬‬ ‫فإنه يتشابه هنا مع المسرح‪ ،‬بما فيه من عناصر الفرجة والبهجة والدهشة‪،‬‬ ‫المولد بما يقدمه من حلقات الذكر‪ ،‬أو غناء المداحين‪ ،‬أو مشاركة الالعبين‬ ‫(من الحواة وألعاب القوة وألعاب التسلية والحظ‪ ،‬وألعاب السيرك والساحر‬ ‫وصندوق الدنيا وغيرها) كان هذا المولد ُملهما للكاتب‪ ،‬خاصة وأن منزله‬ ‫ كما يذكر ‪ -‬كان مجاورا لمولد أبو المعاطي‪ ،‬أشهر مولد في مدينة دمياط‬‫يقول‪ ):‬لقد استهوتني هذه الظاهرة االحتفالية منذ صغري‪ ،‬خصوصا ألعاب‬ ‫التياترو‪ ،‬والتشخيص الشعبي الذي يعتمد علي االرتجال‪ ،‬ولعل هذا هو الدافع‬ ‫وراء اتجاهي للفن عموما‪ ،‬والمسرح بوجه خاص‪ ،‬ومن ثم كان حبي الشديد‬ ‫لهذا المولد‪ ،‬باعتباري مدينا له بما صنعه في داخلي من حب للفن والثقافة بكل‬ ‫أنواعها‪ ،‬من تشخيص وتشكيل وغناء ورقص‪ ،‬وهو ما تمثل في صورة عشق‬ ‫(‪)20‬‬ ‫للمسرح الذي هو أبو الفنون جميعا)‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪39 38‬‬


‫وحين قامت السلطات في محافظة دمياط بإلغاء تلك االحتفالية‪ ،‬بزعم أنه‬ ‫ُيفسح المجال لفساد األخالق‪ ،‬حيث أصبح مرتعا للصوص‪ ،‬ومروجي المخدرات‪،‬‬ ‫وبعض ألعابه تُعد ألعابا للقمار‪ ..‬كل هذه األسباب لم تكن ُمقنعة للكاتب أو لغيره‬ ‫من الناس الذين يتحمسون لظاهرة المولد بوصفها ظاهرة احتفالية شعبية‪ ،‬تُعبر‬ ‫عن الوجدان الشعبي الجمعي‪ ،‬وبما لها من جذور تاريخية‪ ،‬من الصعب قبول‬ ‫قرار إلغائها هكذا بسهولة‪ ،‬هنا نراه يكتب مسرحية (مولد يابلد) مدافعا عن تلك‬ ‫الظاهرة‪ ،‬بوصفها استدعاء للتراث الفني للشعب المصري‪ ،‬في مواجهة (الهجمة‬ ‫الشرسة من قبل جماعات الظالم المتطرفة‪ ،‬تلك التي أرغمت السلطات علي‬ ‫إلغائه) يكتبها(السالموني)انحيازا ودفاعا عن عناصر الفن الشعبي المتعددة التي‬ ‫(‪)21‬‬ ‫يقدمها المولد‬ ‫ومن المفارقة الالفتة لألنظار أن مستشرقا أجنبيا مثل (مكفرسون)(‪ )22‬اهتم‬ ‫بهذه الظاهرة‪ ،‬وكتب عنها كتابا هاما‪ ،‬في الوقت الذي نسعى فيه ‪ -‬نحن ‪ -‬إلي‬ ‫طمسها‪ ،‬ومحوها من الذاكرة الشعبية‪ ،‬هذا المستشرق الذي عاش فترة طويلة‬ ‫في مصر‪ ،‬واهتم‪ -‬أثناء إقامته فيها ‪ -‬بظاهرة الموالد‪ ،‬رأيناه يدافع عنها ضد‬ ‫من ينادون بإلغائها حين قال (ال يجوز تخريب وتدمير العادات والتقاليد والنظم‬ ‫(‪)23‬‬ ‫الدينية الموروثة مهما كانت الدعوة إلي اإلصالح)‬


‫واآلن‪ :‬أتساءل‪ :‬كيف عالج الكاتب موضوعه في هذه المسرحية ؟‬ ‫كان الدافع لدي الكاتب ليكتب نصه هو تأثير جماعات التطرف باسم الدين علي‬ ‫المحافظ الذي استجاب وأصدر قرار المنع‪ ،‬وعلي الرغم من أن هذا النص ال‬ ‫ُيعد من النصوص التي تدخل ضمن النصوص التي كتبها ُمعالجا فيها قضية‬ ‫التطرف باسم الدين‪ ،‬إال أنني أعتبرها إرهاصا أتاح له فرصة تناول الموضوع‬ ‫في مسرحيات أخري منها (المليم بأربعة – ديوان البقر – الحادثة التي جرت‬ ‫في شهر سبتمبر‪ -‬السحرة – أمير الحشاشين – رسائل الشيطان – جهاد‬ ‫الفواحش في زمن الدواعش)‪.‬‬ ‫مسعود‪ :‬أنت مش مصدق‪ ..‬أصل الموج عالي قوي اليومين دول‪ ،‬وعشان كده‬ ‫لغوا المولد‪ ،‬ومش كده وبس‪ ،‬وبيقولك حايلغوا المسرح والسيمة والتلفزيون‬ ‫والراديو‪ ،‬أصل بيقولك بدعة من بدع أهل أوربا الكفرة‪.‬‬ ‫مسعد‪ :‬علي كده حايلغوا كل حاجة ؟ ما هي كل حاجة جاية من أوربا‬ ‫مسعود‪ :‬أنت بتقول فيها‪ ،‬ما هو بيقولك حايلغوا كل حاجة‪ ..‬التليفون واألتوبيسات‬ ‫والقطارات والمكن والطيارات والدبابات‪ ..‬وبيقولك حا نرجع تاني زي زمان‪،‬‬ ‫نركب الحمير والجمال ونحارب بالسيوف والسهام‪ ،‬ونسكن الكهوف والخيام‪،‬‬ ‫ونرعي األغنام‪.‬‬ ‫بالطبع هذا الحوار يسخر من تفكير تلك الجماعات التي تظن أنها تستطيع‬ ‫التأثير باسم الدين‪ ،‬وباسم محاربة الفسق‪ ،‬واالنحالل‪.‬‬ ‫وهذا النص ُكتب بأسلوب الكوميديا‪ ،‬التي تتيح االرتجال لشخوصها‪ ،‬خاصة‬ ‫هؤالء الذين يقومون بتشخيص بعض المشاهد المتعلقة بظواهر المولد‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪41 40‬‬


‫وعلي الرغم من نمطية معظم شخوص المسرحية‪ ،‬إال أن نمطيتهم تتيح لهم‬ ‫فرصة استغالل موضوع إلغاء المولد‪ ،‬ليكون منطلقا لالرتجال‪ ،‬وإضافة جوانب‬ ‫إلي الموضوع ربما لم يلتفت لها مؤلف النص‪ ،‬برغم أنه حدد حوارا لشخوصه‪..‬‬ ‫فمن عناصر (مسرح االرتجال القدرة الذكية علي التقاط الحادث االجتماعي الذي‬ ‫يشغل الرأي العام‪ ،‬ثم إدخاله فورا إلي صلب العرض المسرحي‪ ،‬بغية جذب‬ ‫الجمهور‪ ،‬وتحويل جانب من اهتمامه بالحدث إلي اهتمام بالعرض المسرحي‬ ‫أيضا‪ ،‬ولذلك فان الفنان يدعو جمهوره إلي التعاطف مع فنه‪ ،‬بعد أن تعاطف مع‬ ‫اهتماماته السياسية واالجتماعية‪ ،‬وفي الوقت ذاته يقوم الفنان بجزء من دوره‬ ‫(‪)24‬‬ ‫الرئيسي‪ ،‬وهو عرض الحياة وانتقاده انتقادا فنيا)‬ ‫ولهذا السبب لجأ (السالموني) إلي السخرية أحيانا لتكون مادة لحوار‬ ‫الشخوص‪ ،‬ولجأ إلي التشخيص‪ ،‬كأداة من أدوات المسرح الشعبي‪ ،‬وقبل أن‬ ‫أشير إلي هذا التشخيص‪ ،‬وكيفية استخدامه‪ ،‬أشير أوال إلي الموضوع الذي‬ ‫المنتمي لها‬ ‫اختاره لمسرحيته‪ :‬الدكتور (معاطي) أستاذ الفلكلور‪ ،‬ابن المدينة ُ‬ ‫مقام الولي (أبو المعاطي) يأتي ومعه مستر (بالك) االنجليزي الذي جاء لرؤية‬ ‫االحتفاالت المتعلقة بالمولد‪ ،‬الهتمامه بها‪ ،‬ورغبته في رؤيتها وحين يفاجأ‬ ‫بموضوع إلغاء المولد نراه متحمسا للدفاع عنه‪ ،‬ويأتي بعض الفنانين من قصر‬ ‫المحيطة بالمقام‪ ،‬وتقديم صورة مصغرة لمظاهر‬ ‫ثقافة المدينة‪ ،‬إلحياء الساحة ُ‬ ‫المولد االحتفالية‪ ،‬ليفاجأ الجميع بالمعلم االنفتاحي يخبرهم بأنه اشتري األرض‬ ‫التي كان يقام عليها المولد من الحي‪ ،‬وعليهم مغادرته‪ ،‬ويتصدي له الجميع‪،‬‬


‫ويحدث نزاع تكون نتيجته اقتراح تشكيل ما يشبه المحكمة‪ ،‬المتخيلة لحل النزاع‬ ‫ويكون أعضاؤها من األهالي‪ ،‬فيتم اختيار نفس الشخوص الذين سبق تقديمهم‬ ‫في بداية المسرحية‪ ،‬وذكرت – بشأنهم – أن االرتجال يتيح لهم فرصة األداء‬ ‫المغلف بالكوميديا – كما أشرت – وبأسلوب التشخيص‬ ‫التلقائي‪ ..‬االرتجال ُ‬ ‫يتم األداء التمثيلي في مشهد المحكمة‪ ،‬ويرفضون ملكية المعلم ألرض المولد‪،‬‬ ‫برغم اإلغراءات الكثيرة التي قدمها لهم‪ ،‬وهنا يتفتق ذهن مستر بالك متعاونا‬ ‫المباعة‪ ،‬مفادها‬ ‫مع الدكتور معاطي‪ ،‬عن حيلة يتم علي أساسها استرداد األرض ُ‬ ‫أن يقوم الرجل األجنبي بشراء األرض‪ ،‬زاعما إنشاء مشروع سياحي كبير‬ ‫عليها‪ ،‬وبصفته مستثمرا أجنبيا‪ ،‬تكون كل اتفاقاته محمية بالقوانين الدولية‪ ،‬و‬ ‫بعد أن يشتري األرض يقوم أحد األفراد برفع دعوي أمام الحكومة لمنعه من‬ ‫التصرف في األرض‪ ،‬وحين تتراجع الحكومة‪ ،‬يقوم هو بطلب تعويض كبير‪..‬‬ ‫ويسلم تنازله‬ ‫وبعد أن اشتراها بالفعل‪ ،‬يقوم بالتنازل عنها للحكومة المصرية‪ُ ،‬‬ ‫لضابط الشرطة الذي حضر النزاع منذ البداية‪ ،‬وتنتهي المسرحية بإقامة بروفة‬ ‫الليلة الكبيرة لمولد أبو المعاطي(‪ ..)25‬ويكون استعراض الختام‪.‬‬ ‫والسؤال كيف تم توظيف مفردات المولد‪ ،‬ومظاهر االحتفال الشعبي في‬ ‫هذه المسرحية‪ ،‬إلضفاء صفة الشعبية عليها ؟ تم ذلك بطريقتين أولهما‪ :‬أثناء‬ ‫مناقشة موضوع المولد‪ ،‬وما كان يقدم أثناء إقامته‪ ،‬يتم االستعانة ببعض ظواهر‬ ‫تلك االحتفاالت الشعبية (الساحر ‪ -‬الحاوي ‪ -‬بائعو اليانصيب‪ -‬السيرك –‬ ‫المداحين – حلقات الذكر والمجاذيب‪..‬الخ)‪.‬‬ ‫والطريقة الثانية‪ :‬أثناء مجيء رجال قصر الثقافة لتنظيم احتفالية المولد تحديا‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪43 42‬‬


‫لقرار اإللغاء‪ ..‬وأيضا أثناء حديث ودفاع دكتور الفلكلور عن المولد‪ ،‬ورفض‬ ‫قرار اإللغاء‪ .‬بالطريقتين يتم تقديم مسرحية شعبية تحتوي علي عدة عناصر‪،‬‬ ‫بالغالف الشعبي‪ .‬وتحدد سمتها‪ ،‬وتؤكد خصوصيتها‪.‬‬ ‫ومفردات تراثية‪ ،‬تُغلفها ُ‬ ‫(‪ -)2‬المليم بأربعة‪:‬‬ ‫بعد انتهاج سياسة االنفتاح االقتصادي في عام ‪ ،1974‬وتحديدا في‬ ‫عام ‪ 1978‬ظهرت شركات األموال في مصر‪ ،‬بزعم توظيفها في مشاريع‬ ‫إسالمية ربحية‪ ،‬وتوظيف المدخرات في مشاريع تتفق مع أحكام الشريعة‪ ،‬وكل‬ ‫المشاريع التي أنشأتها تلك الشركات اقترنت بعبارة (اإلسالمية) دون المرور‬ ‫علي البنوك‪ ،‬وبدون خضوع لهيئة سوق المال ومصلحة الشركات‪ ،‬لتفادي‬ ‫الربا – كما أدعوا – وحين صدرت تقارير تؤكد أن معظم الذين أسسوا تلك‬ ‫العملة‪ ،‬تم إغالق حسابات بعضهم لهذا السبب‪،‬‬ ‫الشركات كانوا يتاجرون في ُ‬ ‫وهذه الشركات لم تقم باستثمارات حقيقية داخل مصر أو خارجها‪ ،‬ووضعت‬ ‫نسبة تتجاوز ‪ %80-70‬من األموال في البنوك الفرنسية واأللمانية‪ ،‬والمتبقي‬ ‫الذي ال يتجاوز ‪ %30-20‬تم توظيفه في الداخل عبر مضاربات – كما نشر‬ ‫وقتها – في الذهب والنقد األجنبي وتجارة العملة‪ ،‬وتم رشوة عدد كبير من‬ ‫المسئولين الكبار ورؤساء الصحف‪ ،‬لتظهر مشاريع وهمية عمالقة !! فيما سمي‬ ‫طلب ‪ -‬من أصحابها‬ ‫ب (كشوف البركة) وعندما انكشف الغطاء عن حقيقتها‪ ،‬و ُ‬ ‫‪ -‬رد الودائع إلي المودعين‪ ،‬تهربوا‪ ،‬وهرب منهم من هرب خارج مصر‪،‬‬


‫ودخل منهم من دخل السجن‪ ،‬وضاعت أموال المصريين متوسطي الحال‪.‬‬ ‫ولقد تجلت خطورة تلك الشركات‪ ،‬ليس فقط في أنها قامت بعملية نصب كبري‪،‬‬ ‫بل ألنها مارست الفساد‪ ،‬واعتمدت علي الرشوة‪ ،‬وتاجرت بالدين‪ ،‬وبالفتاوى التي‬ ‫أطلقها رجال الدين‪ ،‬وحرموا بها فوائد البنوك‪ ،‬لدعم تلك الشركات وأصحابها‪..‬‬ ‫ الدين – هنا – لعب دورا كبيرا وخطيرا‪ ،‬حين تم توظيفه للضحك علي‬‫المصريين الذين صدقوا رجاله‪ ،‬وصدقوا الفتوى !!‬ ‫حدث هذا في الوقت الذي كان أحدهم ُيصرح قائال (لدي في شركتي مفتاح لكل‬ ‫قفل من أقفال الحكومة‪ ،‬لدي طاقم من الموظفين بشركتي يستطيعون إقناع أي‬ ‫موظف لدي الدولة ممن يملكون اتخاذ القرارات‪ ،‬فمن يصلي منهم فلدينا في‬ ‫الشركة من يجيد الحديث في الدين‪ ،‬ومن يريد اللهو فلدينا في الشركة‪ ،‬من يعرف‬ ‫أماكن اللهو‪ ،‬ومن كان يريد المال فلدينا بالشركة من يتخصص في توزيع المال‬ ‫(‪)26‬‬ ‫والهدايا)‬ ‫وبعد فضح ممارسات تلك الشركات وانكشاف أمرها‪ ،‬كتب (أبو العال‬ ‫السالموني) مسرحية (المليم بأربعة) في عام ‪ 1988‬متناوال من خاللها كيف‬ ‫استطاع هؤالء المتاجرة بأموال المصريين‪ ،‬والضحك عليهم باسم الدين‪ ،‬وهم‬ ‫أصحاب اللحى الطويلة التي تركوها عالمة علي تدينهم الزائف‪.‬‬ ‫هنا يستدعي الكاتب أجواء المولد للمرة الثانية‪ ،‬بعد أن استدعاها في نص‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪45 44‬‬


‫(مولد يابلد)‪ ..‬ألنه أراد توظيف اللعبة المعروفة باسم (المليم بأربعة) التي‬ ‫تنتشر في الموالد‪ ،‬وهي لعبة تشبه القمار‪ ،‬يلعبها النصابون في الموالد‪ ،‬حين‬ ‫ينادي الواحد منهم علي مكان الصورة في أي ورقة من الورقات الثالث ؟ ومن‬ ‫يستطيع الوصول إليها يحصل علي أربعة مليمات مقابل المليم الذي دفعه أثناء‬ ‫اللعب‪،‬لكن مهارة النصاب‪ ،‬كانت تمنع فوز الزبائن‪..‬‬ ‫أراد الكاتب أن يقول‪ :‬إن شركات توظيف األموال مارست اللعبة بنفس طريقة‬ ‫العب القمار‪ ،‬وعكست صفتهم‪ ،‬فهذا الذي صدقه الزبائن‪ ،‬منعتهم مهارته‬ ‫وقدرته علي النصب‪،‬من الحصول علي أيه مكاسب‪ ،‬بينما حصل – هو – علي‬ ‫كل شيء!!‬ ‫أصبح المولد – هنا – مكانا صالحا‪ ،‬وموحيا‪ ،‬ودالليا‪ ،‬ورمزيا للتجربة‪،‬‬ ‫وإبراز الفكرة‪ ..‬فكرة النصب علي األبرياء‪ ،‬الذين يبحثون عن العائد المستريح‪،‬‬ ‫فيصدقون من أقنعهم بأنه قادر علي إعطائهم عائدا أعلي من عائد البنوك‪،‬‬ ‫فيعطونه‪ ،‬عن طيب خاطر ما يملكون‪ ،‬حتى وان كان هو كل ما لديهم من‬ ‫مدخرات علي بمبه (العب الثالث ورقات) يعود إلى المولد من جديد‪ ،‬بعد‬ ‫عودته من الخارج‪ ،‬أتي ببعض األموال‪ ،‬وكان قد ترك البالد فقيرا‪ ،‬استطاع‬ ‫تكوين شركه لتوظيف أموال المودعين مقابل فائدة كبيرة‪ ،‬اكبر من الفائدة التي‬ ‫حددتها البنوك الحكومية‪ ،‬ضم إلى شركته كل زمالئه من العاملين في المولد‪،‬‬ ‫بأنماطهم المختلفة‪ ،‬واستطاع – بمساعدتهم ‪ -‬إقناع معظم الناس بمشروعه‬ ‫الذي ُيحقق لهم أرباحا حالال‪ ،‬فالمليم يساوي أربعة مالليم‪ ،‬والجنيه أربعة‬ ‫جنيهات وهكذا؟! وهي مسالة حسابية تجافي المنطق‪ .‬وتتعارض مع الحكمة‪،‬‬


‫وتدعو إلى التأمل‪ ،‬ولكن ال أحد يتأمل‪ ،‬وال أحد يتساءل‪ ،‬ولهذا السبب استطاع‬ ‫ضيع حق المودعين‬ ‫جمع ماليين الجنيهات‪ ،‬استولي عليها لحسابه الخاص‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫في الحصول على أموالهم‪ ،‬نتيجة تقاعسه في الرد‪ ،‬وحين تتدخل الحكومة‪،‬‬ ‫تكتشف انه استطاع شراء ذمم بعض المسئولين الكبار‪ ،‬فيما اسماه بكشوف‬ ‫البركة‪ ،‬وهذه الكشوف‪ ،‬تُعطي لهم الحق في صرف فوائد شهرية لرصيد‬ ‫وهمي يحدده صاحب الشركة لهم‪ ،‬مقابل تسهيالت يحصل عليها منهم لتيسير‬ ‫أعماله‪.‬‬ ‫تلك الشركات أدارت لعبتها بنفس طريقة اللعبة المعروفة في الموالد باسم‬ ‫«المليم بأربعة» هي لعبة اقرب ما تكون إلي (القمار)‪ ،‬النص يقول‪ :‬إن الكل‬ ‫شارك في هذه اللعبة‪ :‬الحكومة‪ ..‬المودعون ‪ ..‬على حد سواء ‪ ،‬ولم ينس النص‬ ‫أن أصحاب هذه الشركات كانوا يتمسحون بالدين‪ ،‬ويتخذونه سندا لهم‪ ،‬في‬ ‫ممارسة النصب على األبرياء‪.‬‬ ‫علي بمبه هذا‪ ،‬وضع شروطا الختيار العاملين معه في شركته‪ ،‬تلك الشروط‬ ‫تتوافق – تماما – ما سبق أن استشهدت به‪ ،‬وجاء علي لسان واحد من أصحاب‬ ‫تلك الشركات‪ ..‬يقول في المسرحية‪:‬‬ ‫ حانختبرهم عشان نختار العناصر اللي هي‪ ..‬ال تقولولي أهل الثقة‪،‬‬‫ ‬ ‫وال أهل الخبرة‪ ،‬إحنا ما بنشترطش شهادة حسن سير وسلوك‪ ،‬وال فيش وتشبيه‪،‬‬ ‫وال أي مؤهل‪ ،‬شرطنا الوحيد أنه يكون ما ولدتهوش والدة في اللعبة اللي‬ ‫بيلعبها في المولد‪ ،‬إحنا عايزين والد الجحور والموالد‪ ،‬والد الديابة والتعالب‪،‬‬ ‫والد البيضة والحجر والتالت ورقات‪ ،‬والجوكر اللي يكسب والولد اللي‬ ‫(‪)27‬‬ ‫يقش‬ ‫أبو العال السالموين ‪47 46‬‬


‫وبالتالي يختار (العب الثالث ورقات – الساحر – العبة الكهرباء‪ -‬العب فتح‬ ‫عينك تاكل ملبن – البصاص – النشال)‬ ‫هنا أصبحت ألعاب المولد والمسميات المستخدمة فيه‪ ،‬هي وسائل أصحاب‬ ‫شركات توظيف األموال‪ ..‬هؤالء الذين أصبحوا هم شخوص المسرحية‪،‬‬ ‫ومادتها الدرامية‪ ،‬أصبحت ألعاب‪(:‬الثالث ورقات – فتح عينيك تاكل ملبن‬ ‫– المليم بأربعة) هي المعادل الموضوعي والتجربة الفنية التي يقدمها النص‬ ‫إسقاطا علي موضوع طرح نفسه في مصر الثمانينات‪ ،‬حين سمحت الدولة‬ ‫بعمل تلك الشركات‪ ،‬وأصدرت لهم القوانين التي احتموا بها‪ ،‬ثم انكشف أمرهم‬ ‫بعدها فطالبتهم بوقف النشاط‪ ،‬ورد األموال إلي أصحابها‪.‬‬ ‫علي بمبة هذا الذي كان العبا للثالث ورقات في المولد‪ ،‬وأصبح – بطريقة‬ ‫طفيلية – صاحب شركة توظيف أموال‪ُ ،‬يخاطب ضابط الشرطة الذي جاء‬ ‫لتنفيذ أمر القبض عليه من أجل ضمان حقوق المودعين قائال له‪:‬‬ ‫(هو ده الخطأ اللي وقعتوا فيه‪ ،‬أنا ماشي بالقانون اللي وضعته الحكومة بنفسها‪،‬‬ ‫والدليل علي كده أني بقالي أربع سنين والحكومة موافقة علي كل اللي عملته في‬ ‫الشركة‪ ،‬جايين تحاسبوني علي ايه ؟ علي قانون أنتوا عملتوه! والمشايخ ورجال‬ ‫الدين باركوه‪ ،‬والصحافة والتلفزيون هللوله‪ ،‬حاسبوا نفسكم قبل ما تحسبوني يا‬ ‫حكومة‪ ،‬ولعلمكم القانون بتاعكم حا يطلعني براءة‪ ،‬واذا ما طلعتونيش براءة‪،‬‬ ‫مش حاتطولوا مني حاجة‪ ،‬وشوفوا بقي حاترجعوا حقوق المودعين ازاي ؟ وما‬


‫تنسوش معايا كشوف البركة‪ ،‬وماسك الحكومة من مناخيرها)‬ ‫هذا الذي كتبه الكاتب علي لسان شخص المسرحية‪ ،‬يكشف تواطئا تم‬ ‫بين أصحاب تلك الشركات‪ ،‬وبين مؤسسات الدولة الرسمية‪ ،‬كان ضحاياه‬ ‫هم البسطاء‪ ،‬وأبناء الطبقة المتوسطة‪ ،‬الذي أودعوا مدخراتهم‪ ،‬وصدقوا أنهم‬ ‫سيحققون حلم العيش الكريم‪ ،‬بالفائدة التي تفوق فائدة البنوك بكثير‪.‬‬ ‫والسؤال‪ :‬لماذا استدعي الكاتب المولد الشعبي في هذه المسرحية ؟‬ ‫استدعي المولد ومفرداته‪ ،‬وظواهره الشعبية‪ ،‬ليس فقط ليمثل البعد المكاني‬ ‫في المسرحية‪ ،‬ولكن ليمثل البعد الداللي أيضا‪ ،‬وهذا هو المهم‪ ،‬بل وأراه الدافع‬ ‫للتشابه بين المجالين‪..‬‬ ‫األساسي‪ ،‬وذلك‬ ‫فوضي االنفتاح االقتصادي‪ ،‬وفوضي ظهور الشركات الطفيلية التي أطلقت‬ ‫شعار االستثمار‪ ،‬وفوضي القوانين التي حمت الطفيليين‪ ،‬علي حساب الفقراء‪..‬‬ ‫تلك الفوضى تشبه فوضي المولد نفسه‪ ،‬ألن ظروفه‪ ،‬وظروف الزحام‪ ،‬وطبيعة‬ ‫المستخدمين للعناصر الشعبية فيه‪ ،‬ربما تتعارض مع منظومة القيم النبيلة‪،‬‬ ‫خاصة إذا غابت الرقابة الشعبية‪ ،‬أو تقاعست الشرطة عن القيام بواجبها نحو‬ ‫ضبط إيقاع المولد‪ ،‬والسيطرة علي فوضاه‪.‬‬ ‫(‪)28‬‬

‫(‪ -)3‬مالعيب عنتر‬ ‫تتجلي شعبية هذا النص في استعانة الكاتب بالسيرة الشعبية لعنتر بن شداد‪،‬‬ ‫واستدعاء بطلها الشعبي ليكون بطل هذه المسرحية‪ ،‬من حوله تدور األحداث‪،‬‬ ‫وبه ينمو الصراع‪ ،‬ويشتد الفعل الدرامي‪ ..‬فضال عن أن الكاتب استعان – أيضا‬ ‫(‪)29‬‬

‫أبو العال السالموين‬

‫‪49 48‬‬


‫– بالمولد وأجوائه الشعبية‪ ،‬ووظف مقام الشيخ نفسه صاحب المقام‪ ،‬ليصبح له‬ ‫دورا خفيا في تطور األحداث ونموها وصوال لذروة المسرحية ونهايتها كما‬ ‫سنري‪..‬‬ ‫الكاتب عالج السيرة معالجة جديدة تماما‪ ،‬وان حافظ علي بعض عناصرها‪..‬‬ ‫فقدم – بالنص – سيرة جديدة لهذا البطل الشعبي‪ ،‬وعالج موضوعه معالجة‬ ‫معاصرة تتوافق مع المتغيرات الجديدة التي فرضها النظام العالمي الجديد‪،‬‬ ‫الذي يمارس اللعب‪ ،‬من أجل إثبات القوة‪ ،‬ونهب خيرات الشعوب‪ ،‬ويستخدم‬ ‫بعض الحكام العرب حين يلمس (عنتريتهم) ليكونوا أداته في فرض الهيمنة‪،‬‬ ‫تحقيقا للمطامع‪ ..‬وحين ينطلق في معالجة موضوعه من عبارات جاءت في‬ ‫قصة (محمد فريد أبو حديد) (أبو الفوارس عنترة بن شداد) تتعلق بشخصية‬ ‫البطل الذي استدعاه من السيرة‪ ،‬فهذا يؤكد علي رغبته في معالجة السيرة‬ ‫معالجة جديدة‪ ،‬تستند إلي التاريخ‪ ،‬وال تبتعد عنه‪ ،‬حتى وإن جاءت األحداث‬ ‫في المسرحية ‪ -‬التي بين أيدينا ‪ -‬مغايرة تماما عما جاء في التاريخ‪ ،‬وما جاء‬ ‫في السيرة أيضا‪.‬‬ ‫والعبارات التي استحضرها واعتمد علي مغزاها حين عالج موضوعه‪،‬‬ ‫تتعلق بواقعة قبض ملك الحيرة علي (عنترة بن شداد) حين وجده متلبسا‬ ‫بسرقة النوق العصافير‪ ،‬فاتهمه بأنه لص حقير‪ ..‬ساعتها رد عليه عنترة قائال‪:‬‬ ‫(بل أنا أحد هؤالء العرب الذين يطلب بعضهم أبل بعض في الغزوات‪،‬‬ ‫فما أنا أيها الملك‪ ،‬وما أنت وما هؤالء الشيوخ جميعا سوي عرب يترددون بين‬


‫األودية في نجد وتهامة وهضاب الدهناء واليمامة وكلهم يسلب ويغزو‪ ،‬لست‬ ‫باللص أيها الملك‪ ،‬إذا لم تكن أنت لصا‪ ،‬وإذا لم يكن هؤالء جميعا لصوصا)‬ ‫وهنا تقبله الملك وعفا عنه وأعاد إليه النوق التي سرقها‪ ،‬وكأن لسان حاله‬ ‫يقول‪ :‬صدقت يا عنترة‪ ،‬فهذا هو حالك وحالنا يا صديقي فكلنا لصوص‪،‬‬ ‫ومنذ ذلك اليوم‪ ،‬وقد صار عنترة فارسا في خدمة ملك الحيرة‪ ،‬وسيد كسري‬ ‫ملك الفرس (‪ )30‬هم إذن استخدموه حين شعروا بأن اعترافه يمكن توظيفه‬ ‫لمصلحتهم‪ ،‬إذا أرادوا ذلك‪.‬‬ ‫تلك المعالجة الهزلية للسيرة وبطلها‪ ،‬نجحت في توصيل الرسالة التي‬ ‫ ‬ ‫أرادها الكاتب‪ ،‬وأراد من خاللها فضح ضيق األفق العربي‪ ،‬ووعي الحكام‪،‬‬ ‫أثناء حرب الخليج‪ ،‬وأصبح عنترة معادال موضوعيا للحاكم العنتري الذي يظن‬ ‫أنه يملك القوة التي تحميه‪ ،‬وتحمي بلده‪ ،‬في حين أن الحقيقة عكس ذلك تماما‪،‬‬ ‫ألن هناك من هم أقوي منه بالتفكير والدهاء والحيلة‪ ،‬وليس قوة العضالت‪،‬‬ ‫أو الُقدرة علي رفع األتوبيس أو تحطيم القيود الحديدية‪ ،‬أو التصدي‪ -‬غير‬ ‫المدروس‪ -‬للبلطجة كما حدث في مولد تلك المسرحية‪.‬‬ ‫ولكن كيف قدم الكاتب سيرته الشعبية الجديدة‪ ،‬وكيف تعامل مع بطله‬ ‫ ‬ ‫الشعبي‪ ،‬وكيف وظف مفردات المولد ليقدم نصا شعبيا من األلف إلي الياء؟‬ ‫يعيش عنتر مع أخيه شهبوب وأمه زنوبة في المولد‪ ،‬ويعملون فيه‪ ،‬يمارس‬ ‫األلعاب الخارقة ويتبع المعلم حواش‪ ،‬الذي يتضح من خالل تطور األحداث أنه‬ ‫يستغل المولد ستارا هو وأخيه (علوش) في تجارة وجلب المخدرات‪ ،‬يساعدهم‬ ‫ويحميهم (البلطي) سامبو‪ ،‬الذي ينقلب عليهم ساعة‪ ،‬وينضم إليهم ساعة أخري‪،‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪51 50‬‬


‫تبعا لطبيعة المصالح التي تفرض عليه هذا التحول‪ .‬ويعلم عنتر عن طريق‬ ‫أمه‪ ،‬أن (شواش) هذا هو أبوه الذي لم يعترف به‪ ،‬برغم زواجه الشرعي من‬ ‫وعلمته تجارة المخدرات‪.‬‬ ‫أمه‪ ،‬خوفا من زوجته (توحة) التي آوته في قصرها‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ويكتشف – أيضا ‪ -‬أن الفتاة التي أحبها (ُفله)هي ابنة عمه‪ ..‬هنا يواجهه االبن‬ ‫بمعرفة الحقيقة التي ينفيها في البداية‪ ،‬ثم ال يريد االعتراف بها أبدا‪ ..‬وتتصاعد‬ ‫أحداث المسرحية‪،‬وتظهر قوي الشر المتمثلة في كل من‪:‬‬ ‫(‪ -)1‬سامبو فتوة المولد‪ ..‬اللص‬ ‫(‪ – )2‬شواش وعلوش تاجرا المخدرات‬ ‫كل من القوتين‪ ،‬يحاول أفرادهما ضم (عنتر) إليهما‪ ،‬لحماية كل مجموعة‬ ‫ ‬ ‫المغريات تارة‪ ،‬والتهديد تارة‬ ‫في مواجهة المجموعة اآلخري‪ ..‬وكل قوة تُقدم ُ‬ ‫أخري‪ ،‬المهم أن يقوم (عنتر) بالحماية الالزمة‪ ،‬وينفذ الدور المنوط به‪.‬‬ ‫يتم استغالل قدرة (عنتر) الجسدية لمواجهة جبروت وبلطجة (سامبو) الذي‬ ‫يريد الحصول علي مقابل كبير ثمنا لحماية الشقيقين من الحكومة وعدم الزج‬ ‫بهما داخل السجن‪ ،‬وبالفعل يتدخل (عنتر) لكن حين يرفض أبوه االعتراف‬ ‫به‪ ،‬ويرفض عمه رغبته في الزواج من ابنته نراه يمارس أالعيبا متعددة‪،‬‬ ‫فمرة يرتدي مالبس الغازية ويرقص بها في المولد مدعيا أنه امرأة‪ ،‬ومرة‬ ‫يرتدي مالبس الدراويش ويصبح من مريدي الشيخ أبو المعاطي صاحب المقام‬ ‫الذي يقام المولد باسمه في الساحة المجاورة له‪ ،‬ويدعي بل ويقنع الناس أن‬ ‫أبا المعاطي هو أبوه‪ ،‬وأنه جاءه في المنام ليخبره أن المولد أصبح مستقال‪،‬‬ ‫وأن كل ما فيه أصبح ملكا لمن يعملون فيه‪ ،‬وليس ألي أحد سلطة عليه‪ ،‬أو‬


‫علي أصحابه‪ ،‬وتلك اللعبة لمواجهة خطة أبوه وعمه في جلب كمية كبيرة من‬ ‫المخدرات لوضعها داخل المقابر‪ ،‬وتهريبها أثناء االحتفال بالليلة الكبيرة‪..‬‬ ‫ومعرضا حياته‬ ‫وتتأزم المواقف‪ ،‬وتتصاعد األحداث‪ ،‬ويصبح (عنتر) مهددا‪ُ ،‬‬ ‫المهربة – بعد أن وضع عليها مادة حارقة‬ ‫للخطر‪ ،‬حين يقرر إحراق المخدرات ُ‬ ‫ في حالة تعرضه ألي اعتداء من أي أحد‪ .‬هنا يأتيه (سامبو) بلطجي المولد‬‫ليعرض عليه اتفاقا قائال له‪:‬‬ ‫(حلو‪ ..‬هي لعبة حانلعبها علي أبوك شواش وعمك علوش‪ ،‬وحانكسب من‬ ‫وراها الدهب‪ ،‬أنت حاتعمل البعبع اللي يخوفهم‪ ،‬ويرعبهم‪ ،‬واحنا حانكون‬ ‫الحماية اللي حا تهديهم وتطمنهم‪ ،‬احنا نقبض منهم‪ ،‬وأنت تقبض مننا‪ ،‬وبكده‬ ‫يصفي لنا الجو واللعب يحلو‪ ..‬استبينا)‬ ‫فيرد عنتر استبينا ياريس سامبو‬ ‫سامبو‪ :‬هي دي خطتنا‪ ،‬وهنسميها أسم حركي زي بتوع السي ان أن‪ ..‬عاصفة‬ ‫الصحراء‪ ..‬ايه رأيك ؟‬ ‫عنتر‪ :‬ال ياريس سامبو‪ ..‬حانسميها أم المعارك‪.‬‬ ‫وحين تأتي إليه حبيبته فله‪ ،‬لتمنعه من هذا االتفاق‪ ،‬يخبرها أنه لن يستطيع‬ ‫الرفض‪ ،‬ألنه سيموت‪.‬‬ ‫وهنا تنتهي أحداث المسرحية بعبارات فله‪(:‬موت ياعنتر‪..‬ألجل تتطهر وتبقي‬ ‫مثال لفارسنا الشهيد‪ ،‬موت يا عنتر ألجل ما يقولوا عليك مات موتة األبطال في‬ ‫أرض المعركة وقلبه حديد‪ ،‬موت ياعنتر ده أحنا محتاجين راجل يشيل راسه‬ ‫علي كفه يموت ويقوم تاني‪ ،‬يموت ويقول لهم‪ :‬هل من مزيد ؟ موت ياعنتر ‪,,‬‬ ‫لو بتفهم‪ ..‬موت ده شرفك أكيد)‬ ‫أبو العال السالموين ‪53 52‬‬


‫واذا كان بطل السيرة الشعبية (لم يستسلم‪ ،‬بل ناضل من أجل االعتراف‬ ‫بحريته‪ ،‬ومن أجل االنتصار في حبه والظفر بحبيبته‪ ،‬فهو ضحي بحياته من‬ ‫أجل العشيرة‪ ،‬وسبق إلي المخاطر ولم يتنازل ُمطلقا عن حريته‪ ،‬وال عن‬ ‫حبيبته‪ ،‬بل خاض ضد القبيلة حربا الهوادة فيها‪ ،‬لكي ينتزع االعتراف بحريته‬ ‫الكاملة‪ ،‬ولكي يتزوج المرأة التي أحبها‪ ..‬البطل العربي ال ينهزم‪ ،‬بل يتخطي‬ ‫(‪)31‬‬ ‫العقبات كلها ويحصل في النهاية علي حريته وحبيبته)‬ ‫هو هنا في مسرحية (مالعيب عنتر) ‪ -‬التي جاءت علي غرار مالعيب‬ ‫شيحة في سيرة الظاهر بيبرس‪ ،‬ومالعيب علي الزيبق في سيرته‪ -‬لم يستطع‬ ‫الحصول علي حريته‪ ،‬ولم يستطع حماية حبيبته‪ ،‬أو أهله وعشيرته‪.‬‬ ‫تلك (المالعيب) التي قام بها في النص انقلبت عليه‪ ،‬وعرضت الجميع‬ ‫للخطر‪ ،‬تلك المعارضة الفنية جاءت لتؤكد علي أن العنترية‪ ،‬في ظل متغيرات‬ ‫النظام العالمي الجديد‪ ،‬ليست مقبولة في مواجهة الدهاء‪ ،‬والقدرة علي حبك‬ ‫المؤامرات‪ ،‬التي تجب القوة العضلية‪ ،‬التي لم تعد هي الوسيلة لتحقيق القوة ال‬ ‫مطلقة‪.‬‬ ‫المعالجة الجديدة للسيرة‪ ،‬أراها متوافقة ‪ -‬إلي حد‬ ‫النتيجة التي أوصلتنا لها ُ‬ ‫الكتب القديمة التي كانت تتحدث عن نبوءة بعض أبطال‬ ‫ما ‪ -‬مع ما ذهبت إليه ُ‬ ‫السير‪ ..‬فعنترة كان الحديث عنه (يبدأ بجملة قضاء هللا المرسل إلذالل العرب‬ ‫قبل رسالة محمد صلي هللا عليه وسلم‪ ،‬والحديث عنه ال يظهر أنه نبوءة سابقة‬ ‫لميالده‪ ،‬وإنما ُيذكر علي أنه قدر ُكتب علي العرب ألسباب خاصة بهم‪ ،‬فعنترة‬ ‫هو محقق اإلرادة اإللهية‪ ،‬وفعله نتيجة عبث العرب وطغيانهم‪ ،‬فوجود عنترة‬


‫إنما هو وجود كوني يلعب دورا في حركة جماعة بأكملها ليساهم في تغيير‬ ‫(‪)32‬‬ ‫معتقد)‬ ‫ حافظ الكاتب علي اسم (عنتر) كما هو‪ ،‬بينما قام بتغيير األسماء األصلية –‬‫ألنه يصنع كما ذكرت سيرة جديدة لبطل السيرة – فأصبح شيبوب في السيرة‬ ‫هو (شهبوب) وأصبحت عبلة هي (ُفلة) وأصبح شداد (شواش) وأصبحت زبيدة‬ ‫(زنوبة)‪ ..‬إنها شخوص جديدة في أسمائها‪ ،‬وفي مواقفها‪ ،‬وانفعاالتها‪ ،‬لكنها‬ ‫موصولة بخيوط رفيعة تربط بينها وبين السيرة األصلية‪ ..‬هي خيوط العالقات‬ ‫فقط‪.‬‬ ‫وحين يلجأ الكاتب هنا للمولد ليكون مكانا ألحداث المسرحية‪ ،‬فهو ‪-‬‬ ‫ ‬ ‫أيضا ‪ -‬يستخدمه‪ ،‬كما استخدمه في مسرحية (المليم بأربعة) ليكون ُمعادال‬ ‫موضوعيا لما حدث في حرب الخليج‪ ،‬ألن تلك الحرب تشبه المولد في فوضاه‪،‬‬ ‫ومفرداته‪ ،‬ومظاهره‪.‬‬ ‫إذن هو وظف بطل السيرة للوصول إلي المعني‪ ،‬ووظف المكان‬ ‫ ‬ ‫بمظاهره وعناصره الشعبية‪ ،‬لتأكيد المعني‪ ..‬وحين تُشاهد العرض مجسدا‪،‬‬ ‫ستري أن كل العناصر الشعبية ‪ -‬فيه ‪ -‬متضافرة‪ ،‬ومتماهية في نسيج واحد‪،‬‬ ‫يتحقق من خالله مفهوم المسرح الشعبي بشكل تطبيقي‪.‬‬ ‫مآذن المحروسة‬ ‫ُيعد كتاب (المصريون المحدثون)(‪ )34‬للمستشرق االنجليزي (ادوارد وليم‬ ‫(المحبظين)‬ ‫لين) من أهم المراجع التي يستند إليها الباحثون‪ ،‬حين يتحدثون عن ُ‬ ‫(‪)33‬‬

‫أبو العال السالموين‬

‫‪55 54‬‬


‫وفرقهم‪ ،‬باعتبارهم مظهرا من مظاهر الفرجة الشعبية التي انتشرت أيام الحملة‬ ‫الفرنسية‪ ،‬وما بعدها‪ .‬وقد ذكر فيه أنهم كانوا يقدمون عروضهم التمثيلية في‬ ‫مناسبات الختان والزواج‪ ،‬في بيوت األثرياء‪ ،‬وأحيانا كانوا يقدمونها في شوارع‬ ‫القاهرة والميادين‪ ،‬حيث يجتمع من حولهم الناس علي هيئة حلقة تشبه حلقة‬ ‫(الحاوي) وكانت تلك العروض تحتوي علي نكات بذيئة‪ ،‬وحركات داعرة‪،‬‬ ‫والمشاركين فيها من الفنانين كلهم من الرجال والصبيان‪ ،‬وبعضهم كان يؤدي‬ ‫أدوار النساء‪ ،‬بعد ارتدائهن لثيابهن‪ ،‬وكان موضوع هذه الهزليات أخالقي‪،‬‬ ‫(يعالج في األغلب مظاهر الفساد االجتماعي مثل فساد جباة الضرائب‬ ‫انتقادي‪ُ ،‬‬ ‫علي سبيل المثال)‬ ‫المحبظين‬ ‫ويشير الناقد (فؤاد دوارة) إلي عدم اهتمام أحد بالبحث عن معني ُ‬ ‫االشتقاقي‪ ،‬مما دفعه للبحث عن أصل تسميتهم‪ -‬في القواميس‪ -‬فوجد مادة‬ ‫قريبة منها وهي (حبض) الوتر‪ ،‬حبضا‪ ،‬أي انطلق بشدة فصوت‪ ،‬وحبض‬ ‫الوتر‪ ،‬جذبه إليه ثم أرسله فصوت‪ ،‬أي أحدث صوتا‪ ،‬وعلي ذلك فيمكن القول‬ ‫المحبظين هم العازفون علي األوتار‪ ،‬أو علي اآلالت الموسيقية بشكل عام‪،‬‬ ‫بأن ُ‬ ‫المحبظين‪ ،‬وقلب حرف الضاد‬ ‫وقد رأينا أن العزف من بين خصائص فرق‬ ‫ُ‬ ‫(‪)35‬‬ ‫إلي ظاء‪ ،‬مألوف في العامية المصرية‪ ،‬حيث نقول ( ظابط) من (ضابط)‬ ‫المحبظين‪ ،‬كعنصر من‬ ‫لقد استحضر الكاتب(محمد أبو العال السالموني) ُ‬ ‫عناصر الفرجة الشعبية‪ ،‬ليقدم من خاللهم وبهم موضوعه‪ ،‬وأحداث مسرحيته‬ ‫(مآذن المحروسة)‪.‬‬


‫والمعالجة الفنية التي تقوم علي عملية المزج بين المادة التاريخية‪ ،‬وعناصر‬ ‫والمحبظين والمداحين‪ ،‬تكشف عن مدي‬ ‫الفرجة الشعبية المتمثلة في خيال الظل ُ‬ ‫قدرة الكاتب علي توظيف تلك العناصر مع مادة جادة‪ ،‬ربما يبدو من الصعب‬ ‫امتزاجها‪ ،‬لتكون نسيجا واحدا‪ ،‬متناغما ومتماهيا‪.‬‬ ‫ونجاحه في تحقيق ذلك‪ ،‬يكشف ‪ -‬أيضا‪ -‬عن أن تلك العناصر يمكن‬ ‫استخدامها كأداة فنية لتقديم نص شعبي‪ ،‬حتى وان عالج موضوعا من التاريخ‪.‬‬ ‫والموضوع يعود إلي عام ‪ ،1798‬حين دخل الفرنسيون إلي القاهرة‪ ،‬ومنها‬ ‫إلي مدن مصرية أخري‪ ،‬فيما ُعرف باسم الحملة الفرنسية علي مصر‪ ،‬مبينا‬ ‫كيف استطاع الشعب المصري مقاومة تلك الحملة‪ ،‬والتصدي لنابليون بونابرت‬ ‫قائدها‪ ،‬وكيف استطاع األزهر بعلمائه المستنيرين‪ ،‬مواجهة قائد تلك الحملة‪،‬‬ ‫بل ودفع الشعب ليس فقط للمقاومة‪ ،‬بل بإعالن الثورة المسلحة علي الغزاة‪.‬‬ ‫عرض أمامنا خمسة أحداث متعلقة بتلك الحملة‪ ،‬عرضها أمام الجمهور‬ ‫(المحبظين) المكونة من ثالثة‬ ‫– بحضور نابليون نفسه‪ -‬وعن طريق فرقة ُ‬ ‫أفراد (علي كاكا‪ -‬أبو عجور – حسون) يقودهم سعدون ‪ -‬قائدهم والمشرف‬ ‫علي عملهم ‪ -‬وبمشاركة(زوبة) شقيقة (سعدون)‪ ،‬وأيضا بمشاركة بعض من‬ ‫الذين قبال القيام بالتشخيص‪ ،‬إلي‬ ‫مجاوري األزهر (الشيح أحمد – الشيخ محمد) َّ‬ ‫المحبظين‪ ،‬لكي يخاطبوا الناس بوجهة نظر األزهر‪ ،‬لدفعهم للمقاومة‪،‬‬ ‫جانب ُ‬ ‫وأثناء ذلك تتحول عملية التشخيص‪ ،‬التي كان هدفها تسلية نابليون ‪ -‬حين‬ ‫دعا الجميع لحضور احتفاالت بمناسبة وفاء النيل‪ ،‬والمولد النبوي‪ ،‬وعيد‬ ‫الجمهورية الفرنسية – إلي مواجهة حقيقية بين نابليون وشيوخ األزهر ‪ -‬في‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪57 56‬‬


‫نهاية المسرحية ‪ -‬لتنتصر إرادة الشعب‪ ،‬وتقوم الثورة لتحقيق العدل‪ ،‬والدفاع‬ ‫عن الحق‪ ،‬ومواجهة للظلم‪ ،‬وضد الشر‪.‬‬ ‫المؤلف من التاريخ‪ ،‬وعالجها‬ ‫ ما هي األحداث الخمسة التي استحضرها ُ‬‫بأدوات التشخيص والتحبيظ‪ ،‬والتقليد‪ ،‬واالستفادة من كل مظاهر االحتفاالت‬ ‫الشعبية‪ُ ،‬منتصرا لعنصر الفرجة‪ ،‬التي هي أساس المسرح الشعبي؟‬ ‫األول‪ :‬دخول الفرنسيين القاهرة في عام ‪ 1795‬بعد مقاومة كبيرة‪ ،‬واستقرارهم‬ ‫بمصر‪ ،‬وحينها قام نابليون بونابرت قائد الحملة بوضع نظام حكم البالد‪ ،‬فقرر‬ ‫حكم القاهرة بمجلس مكون من تسعة أعضاء‪ ،‬علي أن تكون السلطة المدنية‬ ‫للحكومة بيده‪ ،‬وكان الشيخ الشرقاوي (شيخ األزهر) عضوا في هذا المجلس‪،‬‬ ‫ثم تكوينه لمجلس في كل مديرية يتكون من سبعة أعضاء‪ ،‬وتم اختيار الشيخ‬ ‫الشرقاوي رئيسا للديوان‪ ،‬باإلضافة إلي مشيخة أألزهر‪ ،‬وعلي هذا األساس ظن‬ ‫نابليون أنه استطاع شراء ضمير الشيخ الشرقاوي‪ ،‬فقام بوضع العلم الفرنسي‬ ‫علي كتفه‪ ،‬فرماه الشيخ علي األرض‪ ،‬واندلعت ثورة القاهرة األولي ‪.‬‬ ‫(مشخصا) شخصية نابليون‪:‬‬ ‫علي كاكا ُ‬ ‫حسن جدا‪ ..‬مادمنا متفقين إذن‪ ،‬فدعوني أخلع علم فرنسا عليكم‪ ،‬تقديرا‬ ‫ ‬ ‫مني يا سادة علماء األزهر‪.‬‬ ‫أحمد (الشيخ الشرقاوي)‪ :‬كال يا ساري عسكر نابليون‪ ..‬إنا ال نعمل في ظل‬ ‫فرنسا‪ ،‬بل مصر‪ ،‬ومصر فقط‬ ‫ تصدي الشيخ للفرنسيين كثيرا‪ ،‬لدفع األذى عن المصريين‪ ،‬وتم اعتقاله بتهمة‬‫انحيازه للثورة ووضع في سجن القلعة‪ ،‬هو وعدد من العلماء‪ ..‬وبعد فشل‬


‫كون‬ ‫الثورة‪ ،‬قام نابليون بحل المجلس‪ ،‬واإلفراج عن الشيخ الشرقاوي‪ ،‬وبعدها َّ‬ ‫مجلسين أولهما‪ :‬هو الديوان العمومي‪ ،‬وثانيهما‪ :‬الديوان الخصوصي‪ ،‬وكان‬ ‫الشرقاوي رئيسا لهذا المجلس و هو عبارة عم مجلس وزراء وبإشراف الوزاراء‪.‬‬ ‫الحدث الثاني‪ :‬إعالن رغبة نابليون في الزواج من (زوبة) ابنة (السيد البقلي)‬ ‫التي أحبت نابليون وتعلقت به‪ ،‬ورفض شيوخ األزهر ووقوفهم ضد هذا الزواج‪،‬‬ ‫بسبب اختالف الديانة‪.‬‬ ‫الحدث الثالث‪ :‬إعالن نابليون إسالمه‪ ،‬هو وبعض جنوده‪ ،‬من أجل كسب‬ ‫تعاطف المصريين‪ .‬وفضح ذلك‪ ،‬بمخاطبته بضرورة التوقف عن شرف الخمر‪،‬‬ ‫وأن يقوم جنوده بإجراء عمليه الختان‪ ،‬وهذا ما رفضه تماما‪.‬وهنا نسمع مجاور‬ ‫األزهر (أحمد) الذي ُيشخص دور الشيخ الشرقاوي يقول أثناء عملية التحبيظ‪:‬‬ ‫(كل حاكم ظالم عايز يضمن استمرار حكمه‪ ،‬كان دايما يتمسح باسم الدين‪،‬‬ ‫المماليك حكمونا ظلم باسم الدين‪ ،‬وباسم الدفاع عن الدين‪ ،‬والعثمانيين كتموا‬ ‫علي أنفاسنا من مئات السنين‪ ،‬بحجة أن السلطان العثماني ظل هللا في أرض‬ ‫المسلمين‪ ،‬ودي الوقت ساري عسكر ما عندوش أي مانع يلعب نفس اللعبة‪،‬‬ ‫ُيعلن إسالمه هو وجنوده عشان يضمن والء المسلمين‪ ،‬وهي دي الخطورة في‬ ‫األمر‪ ،‬خطورة استخدام الدين في السياسة‪ ،‬خطورة خلط األوراق بين الدولة‬ ‫والدين)‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪59 58‬‬


‫الحدث الرابع‪:‬‬ ‫حكاية محمد كريم حاكم اإلسكندرية‪ ،‬الذي رفض تسليم اإلسكندرية لنابليون قائد‬ ‫الحملة الفرنسية علي مصر‪ ،‬وقاد المقاومة الشعبية عندما وصل الفرنسيون‬ ‫إلي اإلسكندرية تحت قيادة نابليون‪ ،‬ومن فوق حصون اإلسكندرية‪ ،‬صد نيران‬ ‫الفرنسيين‪ ،‬ولم يستسلم حتى ُدمرت تماما‪ ،‬فحاربهم في الشوارع‪ ،‬ولكنه اعتقل‬ ‫وحاول نابليون إغراءه‪ ،‬ليكسب وده فأطلق سراحه‪ ،‬لكنه عاد من جديد ليقود‬ ‫المقاومة‪ ،‬ويصد هجوم نائب نابليون الجنرال (كليبر) حين حاول احتالل‬ ‫دمنهور‪ ،‬وهناك أعتقل للمرة الثانية‪ ،‬وتم حبسه في البوارج الفرنسية في أبو‬ ‫قير ثم أُرسل إلي نابليون في القاهرة فحاكمه محاكمة صورية‪ ،‬وقضي بإعدامه‬ ‫رميا بالرصاص في ميدان القلعة‪.‬‬ ‫الحدث الخامس ‪:‬‬ ‫محاولة نابليون التشبه باألسكندر األكبر‪ ،‬حين خاطب مشايخ األزهر‪ ،‬بإعطائه‬ ‫موافقة واعترافا بوجوده‪ ،‬كما سبق أن فعل االسكندر األكبر بعد دخوله إلي‬ ‫مصر‪ ،‬حين حصل علي مباركة كهنة آمون ومنحوه لقب (أبن آمون)‪ ..‬هنا‬ ‫يريد نابليون أن يحقق حلمه ليكون مثل األسكندر األكبر‪ ،‬لكنهم رفضوا طلبه‬ ‫تماما‪ ،‬وأخبروه بأنهم ليسوا الكهنة‪ .‬وهنا وفي تلك اللحظة ‪ -‬تحديدا ‪ -‬غاب‬ ‫التشخيص‪ ،‬وحضرت المواجهة الحقيقية‪ ،‬بعيدا عن لعبة التحبيظ‪ ،‬لقد تحولت‬ ‫اللعبة إلي حقيقة‪ ،‬وشارك نابليون فيها‪ ،‬حين تحدث بلسانه هو وليس بلسان‬ ‫المحبظين ‪ ,‬حين قال‪:‬‬ ‫ُ‬


‫ نابليون‪ :‬بل أنتم كهنة هذا العصر‪ ..‬وسواء عندي أن ترضوا أم ال‪ ،‬فلسوف‬‫تقومون بنفس الدور السابق‪ ،‬أعني ما صنع الكهنة لألسكندر في معبد آمون‪.‬‬ ‫أحمد ‪ :‬حاشانا يا ساري عسكر أن نفعل هذا األمر‬ ‫نابليون ‪ :‬ولم‪ ..‬أو ينكر أحد ما قد حدث هنالك لآلسكندر في معبد آمون؟‬ ‫محمد ‪ :‬هذا في زمن الوثنية‪ ،‬ال في زمن التوحيد‬ ‫نابليون ‪ :‬ال فرق هناك‪ ..‬إذ إن الفيصل في هذا الموضوع وقائع هذا األمر‪.‬‬ ‫أحمد ‪ :‬ما يدريك بأن فعلوا ذلك ُكرها ال طوعا يا ساري عسكر نابليون‪.‬‬ ‫نابليون ‪ :‬ليكن‪ ..‬أني أطلب تنفيذ الدور ولو ُكرها‬ ‫أحمد ‪ :‬إنا نرفض‬ ‫نابليون ‪ :‬أيضا اليجدي هذا مادمتم ستقومون بهذا رغما عنكم‪.‬‬ ‫محمد ‪ :‬لن نفعل شيئا رغما عنا يا ساري عسكر‬ ‫نابليون ‪ :‬وهم وهراء أني أملك أن أرغمكم وأدبر أمري معكم مثل األسكندر في‬ ‫معبدكم آمون‪ ،‬بل أملك أكثر من هذا‪ ،‬أملك أن أزحف نحو الكعبة في مكة كي‬ ‫(‪)36‬‬ ‫أعلن نفسي حامي حمي الحرمين‪ ،‬وسيركع كل الشرق أمامي بال استحياء‬ ‫وبتلك المواجهة التي صنعها التحبيظ‪ ،‬وتسبب فيها المحبظون‪ ،‬تنتهي‬ ‫ويصبح عنوان‬ ‫ويقتل الجنرال (ديبوي) انطالقا من األزهر‪ُ ..‬‬ ‫المسرحية‪ ،‬بالثورة‪ُ ،‬‬ ‫(مآذن المحروسة) عنوانا داال‪ ،‬ألن مآذن األزهر الشريف تشير إلي رجاله‪،‬‬ ‫وعلمائه الذين واجهوا طغيان وصلف نابليون‪ ،‬ورفضوا تحقيق حلم التواجد‬ ‫بفتوى رسمية‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪61 60‬‬


‫محمد‪ :‬ال يا هذا الجنرال‪ ..‬األزهر بيت هللا‪ ،‬وال يملك أن ُيخضعه إنسان‪،‬‬ ‫األزهر شمس هللا بأرض المحروسة ال يملك أن يطفئها نفخ األفواه الخربة‪،‬‬ ‫األزهر أكبر من كل األوهام المجنونة واألفكار العفنة‪ ،‬األزهر أكبر منكم يا‬ ‫سادة‪ ،‬األزهر أكبر من كل العدوان‪ ،‬ومن كل األوثان (صفحة ‪)97‬‬ ‫ بالحيلة الفنية التي عالج بها (أبو العال السالموني) موضوعه التاريخي‪،‬‬‫وأعني بها التحبيظ‪ ،‬والتشخيص‪ ،‬وإعادة تمثيل التاريخ‪ ،‬أصبحت شعبية‬ ‫المسرحية‪ ،‬تعبيرا عن شعبية الثورة التي قادها رجال األزهر ضد نابليون‪،‬‬ ‫تلك الثورة الشعبية قام بها الفنان في المسرحية‪ ،‬بما يشير إلي أهمية الفن‪ ،‬حين‬ ‫ومعبرا عن قضايا الواقع‪ ،‬ألنه ُيشعل جذوة الحماس لدي الناس‪.‬‬ ‫يكون صادقا ُ‬ ‫سعدون‪ :‬وكمان مصر الفنان‬ ‫مصر الكلمة والنغمة‪ ،‬مصر األرغول والناي‪ ،‬ياهلل ياجدعان‪ ،‬قوموا ياجدعان‪،‬‬ ‫وروهم دور الفن في وسط الناس‪ ،‬وازاي الفن يأثر في اإلحساس‪ ،‬وازاي الكلمة‬ ‫والنغمة‪ ،‬تتحول بارود ورصاص‪.‬‬ ‫‪ -‬تغريبة مصرية‬

‫(‪)37‬‬

‫سأبدأ من اسم المسرحية نفسه (تغريبة مصرية) باحثا عن مدي توافر‬ ‫مفردات المسرح الشعبي في هذا النص ‪.‬‬


‫كلمة تغريبة تأتي من الفعل (غرب) بمعني الذي تمعن في السفر‪ ،‬وابتعد عن‬ ‫الوطن‪ ،‬متوجها نحو بالد الغرب‪ ،.‬وتستخدم دائما في السير الشعبية‪.‬واالبتعاد‬ ‫عن الوطن أو ُبعد الوطن عن صاحبه (بالمعني الداللي) ُيعد تغربا إجباريا‬ ‫يدفع ثمنه بطل السيرة‪.‬‬ ‫‪ :‬لماذا تُستخدم تلك الكلمة دائما في السير الشعبية؟‬ ‫ ‬ ‫والسؤال‬ ‫اإلجابة هي ‪ :‬أن الكلمة تُستخدم ألن معظم موضوعات السير تدور حول‬ ‫الهجرة والسفر الدائم‪.‬‬ ‫هنا يدور موضوع المسرحية حول بطلها (علوان) الذي صار اسمه‬ ‫(غريب) بعد عودته من الحرب‪ ،‬التي أصيب فيها بفقد الذاكرة‪ ،‬ونسي بلده‬ ‫وأهله‪ ،‬ورافقه الراوي (وكأنه راوي السيرة) وجاب به بلدانا وقري كثيرة‪ ،‬لعله‬ ‫يتذكر من هو‪ ،‬وتلك الرحلة تبدو أمامنا وكأنها رحلة البحث عن ذات الجندي‬ ‫الضائعة‪ ،‬بعد عشر سنوات من النسيان‪ ،‬وبعد انتهاء الحرب‪ ،‬يعود ليري كل‬ ‫شيء قد تغير‪ ،‬بعد أن ترك القرية وسافر مع رفاقه إلي ميدان الحرب‪ ،‬رحلة‬ ‫السفر تلك‪ ،‬تعقبها ‪ -‬بعد االنتصار الذي شارك في تحقيقه ‪ -‬رحلة أخري داخل‬ ‫الوطن باحثا عن أهله وناسه‪ ،‬فيكتشف أنه فقد الوطن أيضا‪ ،‬حين سيطر عليه‬ ‫االنفتاحيون الذين استفادوا من الحرب‪ ،‬وتسببوا في ضياع البالد‪ ،‬وإفقارها‪..‬‬ ‫أزمة البطل تشتد كلما اقترب من الحقيقة‪ ،‬يشعر باغتراب وغربة شديدة‪،‬‬ ‫نتيجة ضياع الحلم‪ ،‬وضياع األمل‪.‬‬ ‫اإلحساس بالهزيمة الداخلية لبطل المسرحية‪ ،‬هو الذي أفقده الذاكرة‪ ،‬لكنه‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪63 62‬‬


‫بمساعدة الراوي واآلخرين ‪ -‬حين يذكرونه بحرب أكتوبر التي خاضها‪،‬‬ ‫ويستدعون مشاهدها أمامه ‪-‬يستعيد ذاكرته من جديد‪ ،‬ويتعرف علي أهله‬ ‫وناسه‪ ،‬لكنه وجد نفسه‪ ،‬مضطرا لخوض حرب أخري داخلية‪ ،‬ضد الفاسدين‪،‬‬ ‫والمستفيدين‪ ،‬وأعداء الداخل‪ ،‬هو في حالة حرب مستمرة‪ ،‬وحالة سفر دائم‪،‬‬ ‫ويظل عائشا في دائرة التغريبة الجهنمية‪ ،‬التي تسلبه حق الراحة‪ ،‬وحق‬ ‫االستمتاع في العيش الكريم‪ ،‬في وطن استرد كرامته‪ ،‬وحقق كبرياءه‪ ،‬حين‬ ‫انتصر علي الغيالن‪.‬‬ ‫(علوان) يبدو في المسرحية‪ ،‬بطال يماثل بطل السيرة الشعبية تماما‪ ،‬حين‬ ‫يضعه المؤلف‪ ،‬في مواجهة الغيالن‪ ،‬في رحلة البحث عن الجوهرة‪ ،‬التي هي‬ ‫شرط استرداده للذاكرة (قوم يا أبو زيد – قوم يا فارس‪ ،‬قوم يا عنتر‪ ،‬قوم يا‬ ‫بيبرس) وتبدو تلك الرحلة‪ ،‬متشابهة مع رحلة الشاطر حسن في السيرة التي‬ ‫تحمل اسمه مع حبيبته (ست الحسن) حين سافر من أجل تنفيذ طلب حصوله علي‬ ‫الجوهرة التي تتيح له فرصة تحقيق حلمه بالحصول علي ست الحسن‪ ،‬والتي‬ ‫استمرت ألف عام‪ ،‬تحملهم من أجل تحقيق الحلم‪ ،‬بطل مسرحيتنا‪ ،‬ليس لديه‬ ‫طلب منه‪ ،‬إلثبات‬ ‫مانعا‪ ،‬ليفعل هذا‪ ،‬ليس هذا فقط‪ ،‬بل أعلن استعداده للقيام بما ُ‬ ‫هويته‪ ،‬حين ُفرض عليه أن يضع جسده داخل تابوت‪ ،‬ويلقي في المقبرة‪ ،‬لمدة‬ ‫يوم‪ ،‬فإذا لم يمت فهذا إثبات بأنه فعال‪ ،‬ابن هذا الوطن الذي اليعترف به‪ .‬وهذا‬ ‫الفعل يتشابه أيضا – مع ما حدث ألوزوريس في األسطورة الفرعونية (ايزيس‬ ‫وأوزيريس) حيت قطع جسده (ست) ورماه في النهر‪ ،‬وقامت (ايزيس) حبيبته‪،‬‬


‫بتجميع أشالئه‪ ،‬وإعادته إلي الحياة من جديد‪ ،‬تأكيدا لفكرة البعث‪ ،‬وتأكيدا لفكرة‬ ‫انتصار الخير علي الشر‪ ،‬حين يكون هناك صراع بينهما‪.‬‬ ‫البطل هنا‪ ،‬قام بحل اللغز حين واجه الغيالن واألعداء‪ ،‬كما سبق وحله‬ ‫(أوديب) في األسطورة اليونانية (أوديب) وكل هذا الذي فعله‪ ،‬قام به حين‬ ‫ُفرض عليه‪ ،‬ولم يخف‪ ،‬ولم يتراجع‪ ،‬برغم أن أعداءه‪ ،‬أرادوا التخلص منه عن‬ ‫طريق كل تلك الحيل‪.‬‬ ‫نري – إذن‪ -‬المؤلف (محمد أبو العال السالموني) وقد وضع بطله‪ ،‬في‬ ‫مواجهة مواقف‪ ،‬ودفعه للقيام بأفعال‪ ،‬ليست فقط من مواقف وأفعال أبطال‬ ‫السير الشعبية‪ ،‬ولكنها أيضا من أفعال أبطال األساطير (المصرية واليونانية)‬ ‫وهذا ما جعل بطلنا (علوان) أو الغريب يبدو بطال ملحميا‪ ،‬وشعبيا في الوقت‬ ‫نفسه‪ ..‬كيف ؟‬ ‫ملحميا‪ ،‬ألنه ُمحارب اتصف بصفات المحاربين العظماء مثل الشجاعة‪،‬‬ ‫والتواضع والحكمة والفضيلة‪ ،‬وأيضا ألن سفره جاء من أجل خوض المعارك‪،‬‬ ‫ضد األشرار‪ ،‬وهو يملك قدرات خارقة ساعدته علي المواجهة‪ ..‬مواجهة الشر‪.‬‬ ‫وشعبيا‪ ،‬ألنه ُمحارب من الفالحين‪ ،‬وابن من أبناء الفقراء والمكافحين من‬ ‫أجل العيش الكريم‪ ،‬و بطوالته هي التي خلدت ذكراه‪ ،‬وجعلته في ذاكرة الناس‪،‬‬ ‫وذاكرة البسطاء من أبناء الشعب‪ ،‬هو في نظر الجماعة الشعبية نموذج حقيقي‬ ‫للبطل الذي يستحق أن تُكتب عنه األشعار‪ ،‬وتُروي من أجله السير‪ ،‬ويرافقه‬ ‫الرواة لنقل سيرته إلي الناس‪ ،‬حتى التنسي أفعاله البطولية‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪65 64‬‬


‫وأعتقد أن تلك المعالجة قدمت لنا بطال بمواصفات جديدة‪ ،‬جمعت – كما‬ ‫ذكرت‪ -‬بين الصفتين‪ ،‬وحيث إن السير الشعبية تحكي حياة وأعمال شخصيات‬ ‫قامت بأعمال عظيمة ألهلهم‪ ،‬وقدموا تضحيات كبيرة للدفاع عن القبيلة‪ ،‬أو‬ ‫األمة ضد الغزاة الغرباء‪ ،‬والمعتدين‪ ،‬فان كل هذا قد تحقق في هذه المسرحية‪،‬‬ ‫لكن المؤلف‪ ،‬غامر ببطله أكثر‪ ،‬ليجعله معادال موضوعيا‪ ،‬يكشف به عن‬ ‫تجربة كل أبناء الوطن من الفقراء‪ ،‬الذين حاربوا وانتصروا‪ ،‬لكن إهمال‬ ‫بطوالتهم‪ ،‬وإغفال دورهم‪ ،‬بطمس معالم الوطن الذي تحرر من الغزاة‪ ،‬علي‬ ‫يد الذين لم يحاربوا‪ ،‬ولم يغامروا‪ ،‬ولم يضحوا بشيء‪ ،‬لكنهم يسرقون قوت‬ ‫هؤالء المحاربين‪ ،‬الذين يمثلون الشريحة األكبر من أبناء الوطن‪ ..‬هذا المعني‬ ‫الكبير‪ ،‬الذي أراده المؤلف‪ ،‬اتسعت معه التجربة الفنية‪ ،‬فلم تعد – فقط – مجرد‬ ‫سيرة شعبية معاصرة – كما ُذكر علي غالف المسرحية‪ -‬لكنها سيرة شعبية‬ ‫وملحمية‪ ،‬تحمل دالالت‪ ،‬وعالمات كثيرة جدا‪ ،‬لقضية حيوية‪ ،‬تتعلق بإنسان‬ ‫ما بعد الحرب‪ ،‬هذا الذي اتهم به األدب العالمي‪ ،‬ولم نهتم به نحن في أعمالنا‬ ‫المؤلف حين كتب مقاال‬ ‫وسأستحضر‪ -‬هنا ‪ -‬سؤاال سبق وأن طرحه ُ‬ ‫َّ‬ ‫وتحدث عن تجربته المسرحية في إطار استلهام التراث والتاريخ‬ ‫تناول فيه‪،‬‬ ‫حين ذكر قبل أن يسأل (‪ ...‬نجد أنفسنا أمام بطل من أبطال حرب العبور الذي‬ ‫حقق بطوالت فائقة‪ ،‬إال أنه عاد بعد عشر سنوات وقد فقد ذاكرته‪ ،‬ويبدأ رحلته‬ ‫وغربته في كل كفور ونجوع مصر‪ ،‬مصطحبا أحد رواة السيرة من عازفي‬ ‫الربابة‪ ،‬لعله يعثر علي أهله خصوصا وقد وجد أمه قد تزوجت عمه‪ ،‬وزوجته‬


‫تُزف إلي ابن عمه‪ ،‬وعمه وأبنه قد استوليا علي أرض أبيه الذي مات حزنا‬ ‫وكمدا بل أن ابنه الذي تركه وذهب إلي الجبهة وهو في بطن أمه قد ُنسب إلي‬ ‫غيره‪ ،‬إن (تغريبة مصرية) تعتبر محاولة تجريبية في السير علي خطي ونهج‬ ‫السيرة الشعبية‪ ،‬ولكن بصورة معاصرة) وبعد أن ذكر هذا طرح سؤاله‪ :‬إلي أي‬ ‫مدي نجحت هذه المحاولة سواء في استلهام شكل السيرة أو مضمونها ؟ (‪)38‬‬ ‫وألن هذا السؤال سؤال نقدي‪ ،‬فسأحاول اإلجابة عليه‪ ،‬في ضوء ما سبق طرحه‬ ‫في السطور السابقة‪.‬‬ ‫استحضر هنا عبارات ذكرها (فاروق خورشيد) حين تحدث عن الجذور‬ ‫الشعبية للمسرح العربي‪،‬قال‪( :‬ربما هدف ُكتاب السيرة كان إبداع تاريخ شعبي‬ ‫يقف إلي جوار تاريخ الملوك والقواد‪ ،‬والوزراء الذي حفلت كتب التاريخ‬ ‫العربي‪ ،‬وربما أرادوا أن يؤكدوا وحدة هذا الشعب أمام األحداث‪ ،‬ومن قديم‬ ‫الزمان‪ ،‬فهم يوصلون نسب هذا الشعب‪ ،‬كما يوصلون دائما أنساب األبطال‪،‬‬ ‫مسايرين في هذا تقليدا عربيا قديما‪ ،‬يعني باألنساب‪ ،‬وتقليدا سياسيا قلما يريد أن‬ ‫(‪)39‬‬ ‫يوحد بين فئات الشعب العربي‪ ،‬في مواجهة العدوان المستمر علي أراضيه)‬ ‫هذا الذي يقوله (فاروق خورشيد) برغم وجود كلمة (ربما) هو ما تحقق مع‬ ‫هذه المسرحية‪ ،‬ألن العمل قدم صورة إلبداع الشعب المصري‪ ،‬بتراثه الشعبي‬ ‫واألسطوري ليجعل تاريخ الجندي المصري (بطل العبور) يقف جنبا إلي جنب‬ ‫تاريخ الملوك والقواد‪ ،‬سواء كانوا عظاما أو غير عظام‪ ،‬لكنه علي أي حال‬ ‫تاريخ‪ ،‬واثبت أن هوية بطله ونسبه ممتدة عبر تاريخه‪ ،‬وأن هذا التاريخ كله‪،‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪67 66‬‬


‫يستطيع حمايته لو حاول أي أحد أن يسلبه حقه في الحياة‪ ،‬أو يطمس هويته‪،‬‬ ‫وهو أيضا وحد – من خالل أبراز مواقف فئات الشعب مع بطله في المسرحية‬ ‫– بين فئات الشعب لمواجهة العدوان سواء كان علي أراضيه‪ ،‬أو علي وطنه‬ ‫من الداخل‪.‬‬ ‫مدرس التاريخ في المسرحية يقول له‪:‬‬ ‫(افتكر قصة كفاحنا ضد أعدائنا من الهكسوس‪ ،‬وأطماع المغول)‪.‬‬ ‫ويخاطب زوجته (خضرة)‪:‬‬ ‫(فكريه بالحب والمواويل‪ ،‬والروايات العجيبة والحكايات اللي خدها عند سيدنا‪،‬‬ ‫وعند أمه وعندي)‪.‬‬ ‫وحين يتحول بطل المسرحية إلي رمز يقول‪:‬‬ ‫(هو ده علوان بلدنا‪ ،‬ابن مصر الفالحين‪ ،‬ابن آالف السنين اللي عايشه فيه‬ ‫بطوالت الحكاوي والروايات واألساطير‪ ،‬واللي باقية معاه أساطير البطولة‬ ‫والشهامة والرجولة من سنين حتى جه اليوم‪ ،‬وانطلب للجيش مع اللي في سنه‬ ‫من أهل البلد‪ ،‬ده طريق شبان بلدنا الطيبين‪ ،‬بعد ما كان الطريق م البيت لغاية‬ ‫(‪)40‬‬ ‫الغيط‪ ،‬بقي من البيت وم الغيط للميدان‪ ،‬واستعدوا كلهم ويا علوان للسفر)‬ ‫وألن السير الشعبية تُعد مصدرا من مصادر الدراما‪ ،‬التي يمكنها مساعدتنا‬ ‫علي كتابة نصوص للمسرح الشعبي‪ ،‬بمالمح جديدة‪ ،‬وهوية متميزة عن‬ ‫المسرح غير الشعبي‪ ،‬هنا تصبح مفردات السيرة – ذاتها‪ -‬مدعمة للصيغة‬ ‫المؤكد لهذا التميز‪.‬‬ ‫والقالب ُ‬


‫ومفردات السيرة التي استند إليها الكاتب (محمد أبو العال السالموني) في هذا‬ ‫النص ما يلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬امتزاج الشعر بالنثر‬ ‫‪ -2‬التداخل مابين الواقعي والخيالي‬ ‫‪ -3‬البطولة الممتزجة بالحس اإلنساني‪.‬‬ ‫‪ -4‬بساطة الطرح وبساطة األسلوب‪ ،‬ألن السيرة تُروي علي الناس جميعا‪ ،‬وليس‬ ‫لطائفة بعينها‪.‬‬ ‫‪ -5‬األحداث تدور حول شخص محوري‪ ،‬يعكس صورة البطولة الفردية كما‬ ‫رأينا في سير (أبو زيد الهاللي – عنترة بن شداد‪ -‬سيف بن ذي يزن‪ -‬الزير‬ ‫سالم – األميرة ذات الهمة – أدهم الشرقاوي – يس وبهية – حسن ونعيمة)‪.‬‬ ‫ويمثلها هنا (الغريب) بوصفه‬ ‫‪ -6‬االحتفاء بالعادات والتقاليد وبالنماذج الشعبية‪ُ ،‬‬ ‫نموذجا للجندي المصري الذي قاتل وكافح‪ ،‬وأصيب‪ ،‬وحين عاد إلي جماعته‪ ،‬لم‬ ‫يستطع التواؤم معهم‪ ،‬فيفقد إنسانيته‪ ،‬ويشعر بالغربة‪.‬‬ ‫المتعلقة بالقالب ‪ -‬فضال عن استخدامه لبعض الظواهر‬ ‫كل هذه المفردات ُ‬ ‫الشعبية‪ ،‬المتمثلة في (المداحين – حلقات الذكر – جوقة الزار – الحكايات‬ ‫الشعبية)‪ -‬ساعدت النص ليكون بالفعل ‪ -‬نصا شعبيا ‪ -‬بصرف النظر عن‪ :‬هل‬ ‫يشبه السيرة الشعبية‪ ،‬أو ال يشبهها‪ ،‬لماذا ؟ ‪ -‬ألن الراوي هنا لم يقم بنفس‬ ‫الوظيفة التي قام بها أثناء رواية السيرة‪ ،‬ألن المعتاد روايتها بشكل حيادي تماما‪،‬‬ ‫باعتبارها أحداثا تمت في الماضي‪ ،‬وهي تنتقل ‪ -‬بهم ‪ -‬من جيل إلي جيل‪،‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪69 68‬‬


‫ومن راوي إلي راوي آخر‪ ،‬لكنه هنا في المسرحية شخصية من شخوصها‪،‬‬ ‫ال يروي بنفس الطريقة التقليدية‪ ،‬لكنه يشارك البطل مأساته وهمومه‪ ،‬ولذلك‬ ‫فان هذا العنصر – في اعتقادي – يجعلها سيرة غير مكتملة من ناحية الشكل‪،‬‬ ‫أما فيما يتعلق بالمضمون‪ ،‬فان الكاتب قد نجح في تقديم موضوع يطرح‬ ‫مضمونا يتوافق مع موضوعات السيرة ومضمونها‪ ،‬بالطريقة التي وضحتُها‬ ‫حين تعرضت لموضوع المسرحية‪.‬‬ ‫حلم ليلة حرب‬

‫(‪)41‬‬

‫هذه المسرحية هي أول مسرحية كتبها (محمد أبو العال السالموني) في‬ ‫عام ‪ 1963‬استلهاما من التراث الشعبي‪ ،‬بما يعني اهتمامه المبكر بالبحث عن‬ ‫صيغة للمسرح الشعبي‪ ،‬وسط الدعوات التي دعي إليها كل من (يوسف إدريس)‬ ‫و(توفيق الحكيم) للبحث عن قالب مختلف عن قالب المسرح الغربي‪ ،‬والتي‬ ‫طبقها توفيق الحكيم في مسرحيته (يا طالع الشجرة) في عام ‪ ،1962‬وطبقها‬ ‫يوسف إدريس في مسرحية (الفرافير) ‪..1964‬‬ ‫ولو كانت تلك المسرحية قد ُنشرت وقتها‪ ،‬لكان لها شأنا آخر‪ ..‬كتبها بعنوان‬ ‫(حكاية ليلة القدر) ثم غير عنوانها ليصبح (حلم ليلة حرب) وال أعلم السبب‬ ‫الذي جعل المؤلف ُيغير أسمها‪ ،‬برغم أن داللة االسم األول أعمق‪ ،‬ويتوافق‬ ‫مع الحس الشعبي الذي تسعي المسرحية لتحقيقه‪ ..‬وذلك ألن الحكاية الشعبية‬


‫زمنها‬ ‫التي استحضرها الكاتب وقام بمسرحتها ـ أو بمعالجتها مسرحيا ‪ -‬ارتبط ُ‬ ‫بالعشر األواخر من رمضان‪ ،‬وحدثها الرئيسي يتم في ليلة القدر تحديدا‪ ،‬ولذلك‬ ‫فان الحكاية ُعرفت في التراث باسم (حكاية بغلة العشر)‪ ..‬ومؤداها أن (بغلة‬ ‫كانت تظهر ‪ -‬فيما يقولون‪ -‬في العشر األولي من المحرم‪ ،‬وبعضهم يطلقها‬ ‫علي العشر األخير من رمضان‪ ،‬وتدور في شوارع القاهرة بعد منتصف الليل‪،‬‬ ‫وعليها خرج مملوء ذهبا‪ ،‬وفوق الخرج رأس قتيل‪ ،‬فمن كان جيد الحظ عثر‬ ‫عليها‪ ،‬يأخذ ما في الخرج ويملؤه قشر بصل أحمر‪ ،‬وإذا أسعده الحظ أدخلها إلي‬ ‫بيته‪ ،‬ربما اعتادت ذلك كل سنة‪ ،‬وقد تذهب البغلة إلي باب المحظوظ من نفسها‬ ‫وتدقه برأسها‪ ،‬فيفتحون لها فتدخل وتلقي ما عليها‪ ،‬وادعي قوم أنهم رأوها‪،‬‬ ‫(‪)42‬‬ ‫ولذلك كثير ممن كانوا فقراء اغتنوا بلقياهم (بغلة العشر)‬ ‫وألن الحكاية الشعبية – بشكل عام‪ -‬تُعد جزءا من الموروث الشعبي‬ ‫للمجتمعات‪ ،‬ألنها تعبر عن حياتهم االجتماعية‪ ،‬واإلنسانية والنفسية‪ ،‬وتعكس‬ ‫طريقة نظرتهم للحياة‪ ،‬نري أن الذين يقولون أن (العشر) مقصود بها ليلة‬ ‫العاشر من المحرم‪ ،‬يقولون هذا ألنه التاريخ الذي ُقتل فيه الحسين‪ ،‬ولذلك فان‬ ‫هؤالء يعتبرون أن رأس القتيل هي رأس الحسين‪ ،‬والبغلة تجيء في هذا اليوم‬ ‫تحمل خرجين أحدهما فيه رأس الحسين‪ ،‬واآلخر فيه نقود ذهبية‪ ،‬ومن يأخذ‬ ‫تلك الرأس وغسلها وطيبها بألوان الطيب‪ ،‬ومشط شعرها ووضعها كما كانت‬ ‫في الخرج‪ ،‬وترحم علي صاحبها‪ ،‬فمن حقه أن يأخذ األموال الذهبية من الخرج‬ ‫الثاني‪..‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪71 70‬‬


‫وبعيدا عن المضمون الديني الذي انطوت عليه الحكاية عند هؤالء‪،‬‬ ‫استحضر(السالموني) الحكاية‪ ،‬مجردة من هذا المضمون‪ ،‬ألنه ليس غايته أثناء‬ ‫المعالجة‪ ،‬لكن غايته هي التعبير عن أحالم الثراء التي تراود الفقراء‪ ،‬هؤالء‬ ‫الذين يسعون لتغيير حياتهم باالرتكان إلي الخرافة‪ ،‬وعدم االعتراف بالحقيقة‪،‬‬ ‫ألن حقيقة واقعهم مؤلمة‪ ،‬وقاسية وقاهرة‪.‬‬ ‫لقد تناولها برؤية فلسفية‪ ،‬اعتمدت علي فكرة (نسبية الحقيقة) تلك التي‬ ‫سبق (لتوفيق الحكيم) تناولها مسرحيا في مسرحية (أهل الكهف) تأثرا بالكاتب‬ ‫االيطالي (لويجي براندللو) حين كتب مسرحية (هنري الرابع)‪ ..‬في كل تلك‬ ‫(حلم ليلة حرب) يختلط الواقع بالخيال‪،‬‬ ‫المسرحيات – بما في ذلك مسرحية‬ ‫ويختلط الوهم بالحقيقة‪ ،‬وال نعرف هل ما يحدث من فعل‪ ،‬هو فعل حقيقي أم‬ ‫وهمي‪.‬‬ ‫حلم األسرة الفقيرة – في مسرحية (السالموني) – بالثراء‪ ،‬كحل للخروج‬ ‫من الفقر والمعاناة التي يعيشها أفرادها شبابا ونساء ورجاال‪ ،‬جعلهم يتخيلون‬ ‫أن البغلة قد جاءتهم بالفعل‪ ،‬وبها رأس القتيل‪ ،‬وبها الكنز أيضا‪ ،‬وكانت رأس‬ ‫القتيل هي رأس صاحب البيت‪ ،‬الذي حاول طردهم مرارا بسبب امتناعهم عن‬ ‫دفع األجرة‪ ،‬لعدم استطاعتهم‪ ،‬والكنز هو ماله المختزن تحت بالط شقته‪ ،‬حين‬ ‫يأتيهم االبن أثناء سكره برأس قتيل – أو هكذا كانوا يظنون – يخبرونه بأنه‬ ‫قتل الرجل‪ ،‬وسرق نقوده‪ ،‬لكن االبن حين يفيق يكذب ذلك‪ ،‬وينفي أنه قام بقتل‬ ‫الرجل‪ ،‬ويحاولون دفعه للتصديق‪ ،‬وكأنهم اليريدون االعتراف بأن ما رأوه‬ ‫خياال‪ ،‬وليس واقعا‪ ،‬حلما وليس حقيقة‪ ..‬دفعهم إليه الفقر‪ ،‬ورغبتهم في الثراء‪،‬‬


‫حتى ولو أتي عن طريق القتل‪ ،‬وبوسيلة غير مشروعة‪..‬‬ ‫لكنه حين يتذكر‪ ،‬يذكر لهم أنه كان يحلم‪ ،‬وأن ما فعله لم يكن سوي حلم‬ ‫سامي‪ :‬كان حلم غريب‪ ..‬حلمت أنني خرجت في الشوارع زي التايه‪ ،‬ما‬ ‫كنش فيه حد ماشي‪ ..‬وكان فيه غارة‪ ،‬والطيارات في السما والقنابل بتضرب‬ ‫والدنيا ضلمة‪ ،‬ضلمة‪ ،‬وبعدين بصيت لقيت قدامي بغلة‪ ،‬سودة زي الضلمة‬ ‫تمام‪ ،‬هي بغلة العشر‪ ،‬كان لها خرجين‪ ،‬خرج فيه رأس البني آدم المقطوعة‪،‬‬ ‫وخرج فيه الكنز‪ ،‬فرحت ساعتها‪ ،‬حسيت أن البغلة دي هي الخالص‪ ،‬هي‬ ‫المنقذ‪ ،‬جريت عشان أمسكها‪ ،‬لقيتها بتجري‪ ،‬جريت وراها‪ ،‬قعدت أجري وهي‬ ‫تجري‪ ،‬أجري وهر تجري‪ ،‬كان أملي أنني أمسكها لكن لألسف‪ ،‬فجأة لقيتها‬ ‫اختفت‪ ،‬فين ما أعرفش‪.‬‬ ‫وبسبب سيطرة الحلم عليهم‪ ،‬ورغبتهم الشديدة في أن يتحول الوهم إلي حقيقة‪،‬‬ ‫ذهب أحدهم (شهدي) إلي صاحب البيت وقتله بالفعل‪ ،‬ليس بقصد سرقته‪،‬‬ ‫وليس بقصد قتله‪ ،‬ولكن ليتأكد من صحة الفعل‪ :‬هل وقع أم ال ؟‬ ‫قابله الرجل وظن أنه جاء لسرقته‪،‬وأثناء دفاعه عن نفسه‪ ،‬لف الشاب يديه‬ ‫حول رقبته فخنقه‪ ،‬وفر هاربا‪..‬‬ ‫الحقيقة الوحيدة هنا‪ ،‬هي أن الرجل ُقتل بسبب الوهم الذي عاشته تلك األسرة‬ ‫الفقيرة‪ ،‬وأراد أحد أفرادها الخروج منه بالبحث عن الحقيقة‪ ،‬فارتكب جريمة‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪73 72‬‬


‫قتل‪ ،‬ال عالقة لها ببغلة العشر‪ ،‬ولكن لها عالقة بذلك الوهم الذي عاشه الجميع‬ ‫فيما عدا (زاهر) خال المتهم البريء الذي يرد علي شقيقته‪ ،‬حين وجدها ُمصرة‬ ‫علي اتهام ابنها بقتل صاحب البيت قائال‪:‬‬ ‫زاهر‪ :‬كالم فارغ‪ ..‬كل اللي حصل مجرد وهم‪ ،‬حلم خرافة‪ ،‬عشناها‪،‬‬ ‫هربنا فيها من قسوة الواقع اللي بنعيش فيه‪ ،‬عشان مش قادرين نستحمل نقوم‬ ‫نحلم بالخالص‪ ،‬بالبغلة والكنز‬ ‫حتى أن الدفاع داخل المحكمة أثناء محاكمة القاتل قال‪:‬‬ ‫الدفاع‪ :‬لقد سيطر الوهم علي أذهان جميع أفراد األسرة‪ ،‬وجعلهم‬ ‫يعيشون في حالة غريبة أشبه ما تكون باألحالم األسطورية‪ ،‬والدليل علي هذا‬ ‫واضح أمامكم‪ ،‬هاهو األستاذ عزوز مازال حتى هذه اللحظة يعيش هذا الحلم‬ ‫األسطوري‪ ،‬ومازالت أسطورة البغلة والكنز تعيش في ذهنه وكأنها عقيدة‬ ‫راسخة‪ ،‬لذلك فأني أطالب بشهادته‪.‬‬ ‫وحين يتم استدعاؤه يقول‪:‬‬ ‫عزوز‪ :‬بغلة العشر يا سيادة القاضي‪ ،‬أنا شفتها بعنيه دول‪ ،‬صحيح أنا‬ ‫ما بشوفش لكن شفتها‪ ،‬أي وهللا‪ ،‬ومسكتها بأدية دول (مستدركا) معلش يا ست‬ ‫زينب أنا مضطر أتكلم عن سر البغلة‪ ،‬ويروح الكنز بقي زي مايروح‪ ،‬أنا وهللا‬ ‫ما أنا زعالن علي حاجة‪ ،‬إال عشان سي سامي‪ ،‬ده شاب طيب وابن حالل‪،‬‬ ‫ومش وش بهدله أبدا‪ ،‬أي وهللا كده ياجناب القاضي‪ ،‬صحيح هو راح جاب‬


‫رأس القتيل‪ ،‬وبعدين جاب الكنز من ُخرج البغلة‪ ،‬وأنا اللي خدت الكنز معايا‬ ‫في عشة الفراخ‪...‬لكن ده مش معناه أنه قتل صاحب البيت‪ ..‬مش ممكن أبدا‪..‬‬ ‫(‪)43‬‬ ‫أبدا‪ ..‬أبدا‬ ‫وتنتهي المسرحية باعتراف شهدي القاتل‪ ،‬بأنه ارتكب جريمته ألنه أراد‬ ‫الخروج من الوهم‪ ،‬وحين خرج منه‪ ،‬كانت الحقيقة هي قيامة بعملية القتل‪.‬‬ ‫شهدي‪ :‬ما كنش الزم أنزل وأخرج من الوهم‪ ،‬ما كنش الزم أنزل أبدا‪،‬‬ ‫ومع ذلك يا خال‪ ،‬كان الزم تحصل جريمة‪ ،‬ألن الجريمة زي ما بتقول دايما‬ ‫نتيجة أكيدة في مجتمع ظالم‪ ،‬هو ده كالمك ياخال اللي كنت بسمعه‪ ،‬واتريق‬ ‫عليه‪ ،‬لكن دللوقت آمنت به‪ ،‬وعرفت أن فيه حلم تاني لإلنسان‪ ،‬حلم أكبر‪،‬‬ ‫وأعظم من حلم البغلة والكنز‪ ،‬الحلم اللي يحقق العدل واألمان لكل الناس‪ ،‬في‬ ‫كل زمان وفي كل مكان(‪)44‬‬ ‫ لقد قدم (أبو العال السالموني) حكاية جديدة موازية للحكاية األصلية‪،‬‬‫تضمنت عناصر التشويق‪ ،‬والمفاجأة والمبالغة والخيال‪ ،‬والغرائبية‪ ،‬صار‬ ‫النص‪ -‬بتلك المعالجة‪ -‬حكاية شعبية جديدة تماما‪ ،‬يمكن أن تُحكي‪ ،‬ويمكن أن‬ ‫تُروي‪ ،‬كما تُروي الحكاية األصلية تماما‪ ،‬لم يعد اجتهاد الكاتب في هذا النص‪،‬‬ ‫اجتهادا يتعلق بالقالب المسرحي الشعبي فقط‪ ،‬بل صار متعلقا بالمضمون‬ ‫أيضا‪ ،‬وبتضافر العنصرين (الشكل والمضمون) أستطاع أن ُيقدم نصا شعبيا‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪75 74‬‬


‫ويعد نموذجا – من وجهة نظري – للمسرحية التي تُعبر عن هذا‬ ‫بكل المقاييس‪ُ ،‬‬ ‫االتجاه‪ ،‬واعني به اتجاه الكتابة في المسرح الشعبي‪.‬‬ ‫الحريق‬

‫(‪)45‬‬

‫يستحضر الكاتب في هذه المسرحية طقسا شعبيا‪ ،‬يمارسه أبناء مدن القناة‬ ‫ودمياط‪ ،‬في ليلة شم النسيم‪ ،‬ويتمثل فيما يسمي (حرق اللنبي)‪ ،‬واللنبي هذا‬ ‫عبارة عن دمية كبيرة مصنوعة من القماش والورق‪ ،‬ويعود أصلها إلي عام‬ ‫‪ 1917‬تاريخ الحرب العالمية األولي‪ ،‬وما تبعها من أحداث في مصر‪ ،‬حيث‬ ‫حظي الجنرال البريطاني (ادموند أللنبي) بشهرة كبيرة حين استولت بالده ‪-‬‬ ‫بقيادته ‪ -‬علي أرض فلسطين وسوريا‪ ،‬بعدها عمل مندوبا ساميا لبريطانيا في‬ ‫مصر‪ ،‬وكان قاسيا مع المصريين‪ ،‬وقام باضطهاد أبناء القناة‪ ،‬حين كان يمنعهم‬ ‫عن مقاومة االحتالل‪ ،‬فيأمر بحظر التجوال‪ ،‬والقبض عليهم‪ ،‬وهنا تفتق خيالهم‬ ‫عن حيلة مؤداها‪ :‬صناعة ُدمية كبيرة تشبه وجهه‪ ،‬قاموا بحرقها أمامه‪ ،‬إعالنا‬ ‫صريحا واحتجاجا علي تصرفاته معهم‪ ،‬ونتيجة لذلك تم عزله وعاد إلي بالده‪..‬‬ ‫ومنذ ذلك التاريخ‪ ،‬وأصبحت تلك العادة طقسا تتوارثه األجيال‪ ..‬هذا الفعل الذي‬ ‫جاء احتجاجا وموقفا سياسيا تجاه األعداء‪ ،‬تحول إلي ما يشبه الطقس الشعبي‪،‬‬ ‫صاحبته أغنية شهيرة‪ ،‬تحمل سخرية الذعة من هذا الجنرال وزوجته‪ ،‬وتلك‬ ‫األغنية يعرفها أهل مدن القناة ودمياط‪ ،‬ويغنونها مع االحتفال ‪ -‬حتى اليوم‪-‬‬ ‫وكلماتها تقول ‪:‬‬


‫ياألنبي‪ ..‬ياأبن ألنبوحة‬ ‫مي قالك‪ ..‬تتجوز توحة‬ ‫ومراتك حلوة وشرشوحة‪..‬الخ‪،‬‬ ‫ويتم ترديد كلمات تلك األغنية بطريقة تشبه طريقة الكورال الغنائي الجماعي‪.‬‬ ‫هذا الطقس أصبح معادال موضوعيا للتجربة التي أراد (السالموني) معالجتها‬ ‫مسرحيا‪ ،‬قام بمسرحة الطقس‪ ،‬وجعله أداة من أدوات مقاومة الظلم االجتماعي‬ ‫الذي تعرض له أبطال المسرحية الذين يمثلون طبقة الفالحين األجراء‪ ،‬الذين‬ ‫ال يملكون من أمر أنفسهم شيئا‪ ،‬وصاروا عبيدا يعملون بأمر السيدة األجنبية‬ ‫التي تزوجها الباشا (عثمان بيه) في القصر الخاص بهما‪ ..‬صارت اللعبة أداة‬ ‫للمقاومة‪ ،‬وحين أرادت هي تحويلهم إلي أدوات للعبة‪ ،‬حين طلبت منهم‪ ،‬تجهيز‬ ‫الساحة أمام قصرها لممارسة الطقس في ليلة االحتفال‪ ،‬حتى تكون سعيدة‪،‬‬ ‫ساخرة منهم‪ ،‬ومن قريتهم‪ ،‬وأهلها‪ ،‬وسر سعادتها يكمن في إحساسها أن الكل‬ ‫أصبح تحت أمرها‪ ،‬و رهن طاعتها‪..‬‬ ‫هنا يستيقظ ضمير الرجال‪ ،‬ويجدونها فرصة‪ ،‬للتخلي عن السحر الذي‬ ‫أصابهم‪ ،‬وجعلهم عاجزين عن المواجهة‪ ،‬وتصحيح أوضاعهم‪ ،‬وعالقتهم بمن‬ ‫يغتصبون حقهم في الحياة‪..‬‬ ‫هنداوي‪ :‬النهارده اتفك السحر يا زغلول‪ ،‬اتفك السحر خالص عن عم‬ ‫مسعود‪ ،‬وعن شبان البلد‪ ،‬وبنات البلد‪ ،‬وعن كل الناس‪...........‬‬ ‫في المواجهة األخيرة نسمع هنداوي ‪ -‬الذي قاد المقاومة ‪ -‬مخاطبا الباشا‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪77 76‬‬


‫قائال‪:‬‬ ‫ أصل البلد ياعثمان بيه‪ ،‬فيها سحر رابطها‪ ،‬عمل معمول لها‪ ،‬وماينفكش العمل‬‫إال لما نحرق األلنبي ومراته‪ ،‬مش كده يازغلول‬ ‫أصبح الطقس هنا وسيلة مالئمة‪ ،‬يستطيعون بها توصيل رسالة واضحة‬ ‫بالكراهية‪ ،‬مثل تلك الرسالة التي أوصلها األجداد للمحتل األجنبي قديما‪.‬‬ ‫فيصنعون دمية كبيرة المرأة ترتدي فستانا سرقوه من حجرة زوجة الباشا‪،‬‬ ‫ويسمونها (توحة) تبعا لما جاء في األغنية التي أشرت إليها‪ ،‬ويصنعون معها‬ ‫دمية أخري تشبه الباشا تماما‪ ،‬ويسمونها (اللنبي)‪.‬‬ ‫يقومون بحرق الدميتين‪ ،‬داخل قصر الباشا‪ ،‬فأصبح المكان متوهجا بنيران‬ ‫الحريق‪.‬‬ ‫ نجح الكاتب بالفعل في معالجة ذلك الطقس وتوظيفه‪ ،‬لتقديم نص شعبي‪،‬‬‫نجد فيه استحضارا لمظهر من مظاهر تراثنا وهو (خيال الظل) مصورا – من‬ ‫خالله‪ -‬بعض المواقف التي لم يقدمها عن طريق حوار الممثلين‪ ،‬لكنه قدمها‬ ‫عن طريق الصورة الظلية التي يصنعها الخيال‪ ،‬تواجد (خيال الظل) في أكثر‬ ‫من مشهد في المسرحية‪ ،‬بما يتيح للمخرج‪ ،‬أن يوظفه تبعا لرؤيته‪ ،‬وذلك ألن‬ ‫الكاتب أعطاه مساحة للخيال‪ ،‬ليتصرف تبعا لما يراه‪ ،‬وتبعا لما تفرضه عليه‬ ‫طبيعة المسرح الشعبي‪ ،‬الذي يتطلب وعيا مماثال من المخرج الذي يتعامل معه‪،‬‬ ‫وتلك نقطة علي جانب كبير من األهمية‪ ،‬وأعني بها ضرورة أن يملك المخرج‬ ‫رؤية‪ ،‬ووعيا يماثل رؤية ووعي المؤلف الذي يريد أن ُيقدم مسرحا شعبيا‪،‬‬


‫فبدون هذا ربما يصبح العرض عرضا عاديا ـ ال نشعر معه بتلك الخصوصية‬ ‫التي يسعي إليها مؤلف المسرح الشعبي‪.‬‬ ‫أبو نضارة‬

‫(‪)46‬‬

‫قدم المؤلف تلك المسرحية في قالب جديد يعتمد عن فن االرتجال الشعبي‬ ‫(الكوميديا ديالرتي) أو ما يسمي عندنا بالكوميديا الشعبية‪ ،‬تلك التي كانت‬ ‫المحبظون‪.‬‬ ‫الفرق الجوالة تقدمها‪ ،‬ويقدمها كذلك ُ‬ ‫وذلك النوع من المسرح ُيعد الممثل فيه هو العنصر األساسي بوصفه ُمؤديا‬ ‫يعتمد علي الحركات اإليمائية‪ ،‬ويملك القدرة علي االرتجال‪ ،‬وبهما يترك تأثيرا‬ ‫ومضحكا‪ ،‬ومن الممكن لهذا الممثل أن يستخدم األقنعة التي تشير إلي‬ ‫ضاحكا ُ‬ ‫الشخوص التي يقوم بتشخيصها‪.‬‬ ‫وهذا الشكل ‪ -‬بالفعل‪ -‬هو األنسب لموضوع مسرحية (أبو نضارة) ألن‬ ‫الكاتب ُيعالج فيها موضوعا متعلقا بالظروف التي نشأ فيها مسرح (يعقوب‬ ‫الملقب بأبي نضارة‪ ،‬وكيف كان يعتمد علي جوقة من الممثلين‬ ‫صنوع) ُ‬ ‫والممثالت‪ ،‬يقدم بهم ما أسماها باألالعيب المسرحية‪ ،‬وهي أالعيب تعتمد علي‬ ‫فنون الفرجة الشعبية‪،‬وأهمها االرتجال‪ ،‬والتشخيص‪.‬‬ ‫واالرتجال هنا ‪ -‬بوصفه عنصرا من عناصر المسرح الشعبي ‪ -‬جاء‬ ‫موفقا تماما‪ ..‬لماذا ؟ ألن الكاتب (محمد أبو العال السالموني) أراد وهو‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪79 78‬‬


‫ُيقدم شخصيته الرئيسة (أبو نضارة) أن ُيلقي الضوء ‪ -‬بالحوار ‪ -‬علي دور‬ ‫المسرح‪ ،‬ووظيفته‪ ،‬في ظل واقع لم يكن يعرف من المسرح إال الفارس‪،‬‬ ‫والكوميديا الخفيفة‪ ،‬وحكايات الحب والغرام‪ ،‬التي كانت تُقدم بشكل ساخر‪ ،‬وفي‬ ‫ظل سلطة سياسية متمثلة في (الخديوي إسماعيل) الذي قاوم محاوالت يعقوب‬ ‫حين أراد أن يطور من وظيفة المسرح‪ ،‬ودوره في المجتمع ‪ -‬كما يشير النص‬ ‫ أقول إن عنصر االرتجال جاء موفقا ومناسبا‪ ،‬ألنه يتيح‪ ،‬ولقد أتاح بالفعل‬‫الفرصة لتتحقق فكرة (المسرح داخل المسرح) وهو المسرح الذي يجعل من‬ ‫الهم المسرحي موضوعا له‪ ،‬وتصبح قضية المسرح ودوره وكل ما يتعلق به‬ ‫مادة لالرتجال والحوار التلقائي‪ ،‬وكل هذا تحقق في هذا النص‪.‬‬ ‫وأري أن المؤلف حين أستحضر شخصية (يعقوب صنوع) هنا‪ ،‬أراد من‬ ‫خاللها أن يؤكد ليس فقط علي مسألة الريادة التي ارتبطت به‪ ،‬ولكن ليبين كيف‬ ‫أن السلطة الغاشمة تكره المسرح‪ ،‬وتقاومه‪ ،‬وتطارد رجاله‪ ،‬لو أرادا التعبير‬ ‫عن الواقع السياسي‪ ،‬وذلك ألن المسرح ُيعد فنا ثوريا وله دور بالغ من هذه ال‬ ‫زاوية‪.‬‬ ‫ومن المعروف أن(يعقوب صنوع) ُيعد واحدا من ثالثة رواد للمسرح‬ ‫العربي الحديث‪ :‬مارون النقاش – أحمد أبو خليل القباني‪ ،‬وهؤالء الرواد لم يدر‬ ‫في ذهنهم الخروج عن مفهوم المسرح التقليدي في أوربا‪ ،‬ولذلك فان المسرح‬ ‫(الذي تمت والدته علي أيديهم‪ ،‬كان مسرحا مستوردا منذ البداية‪ ،‬وان الضغوط‬ ‫التي أدت إلي والدته هي أوال‪ :‬شعور هؤالء الرواد بشيء من العار‪ ،‬إذ‬


‫وجدوا المسرح في أوربا زاهيا‪ ،‬ومزدهرا‪ ،‬بينما أمتهم العربية ال تعرف عنه‬ ‫شيئا‪ ،‬إال ما تراه القلة من خاصة المثقفين‪ ،‬قادما مع الفرق األجنبية‪ ،‬ثم حماس‬ ‫هؤالء الرواد الشديد الستقدام هذا الفن الباهر‪ ،‬واستنباته في التربة العربية‪،‬‬ ‫(‪)47‬‬ ‫رفعا لألمة‪ ،‬وتهذيبا لها وإمتاعا)‬ ‫ وبعيدا عن الغموض الذي أحاط بشخصية (يعقوب صنوع) فيما يتعلق‬‫بريادته‪ ،‬أو بدوره المسرحي‪ ،‬أو بحقيقة عالقته مع (الخديوي إسماعيل) أو‬ ‫األمير (حليم) أحد أمراء العائلة الخديوية‪ ،‬والذي حرمه إسماعيل من الحكم‪،‬‬ ‫وكان علي خالف وعداء دائم معه‪ ،‬ومدي عالقة (صنوع) بالثورة العرابية‪،‬‬ ‫وبزعيمها (أحمد عرابي)‪..‬‬ ‫بعيدا عن كل هذا الجدل الذي أثاره البعض‪ ،‬نتيجة الشكوك والغموض‬ ‫الذي أحاطه‪ ،‬أقول‪ :‬إن الكاتب أستحضره هنا كشخصية محبة للمسرح‪ ،‬مؤمنا‬ ‫بدوره‪ ،‬ورسالته‪ ،‬لديه القدرة علي المواجهة‪ ،‬حتى وان دفع ثمن ذلك‪ ،‬النفي‬ ‫خارج البالد‪ ،‬والنفي أشد عقوبة‪ ،‬من إغالق مسرحه‪ ،‬وطرد جوقته‪ ،‬وتشريد‬ ‫أفرادها‪ ،‬لقد أراده (السالموني) رمزا‪ ،‬فكان رمزا‪ ،‬وأراده‪ ،‬مقاوما فكان مقاوما‪،‬‬ ‫وأراده صاحب رسالة‪ ،‬فكان صاحب رسالة‪ ،‬وأري أنه – كمؤلف‪ -‬لم تهمه‬ ‫الشخصية الواقعية‪ ،‬بقدر ما كان يهمه توظيفها لتوصيل رسالة‪ ،‬تتوافق مع‬ ‫رسالة الرجل التي كان يريد تأديتها في عام ‪ 1870‬وقبل أن يكون لدينا مسرحا‬ ‫مصريا له طبيعة وخصوصية‪ ،‬لقد تخيل دورا آخر للشخصية‪ ،‬ووضعها في‬ ‫خضم الصراع علي كافة المستويات‪ :‬الشخصية‪ ،‬والعامة‪ ،‬الشخصية المتمثلة‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪81 80‬‬


‫في معاناته‪ ،‬ودفعه ثمن تلك المعاناة‪ ،‬والعامة‪ ،‬حين‪ ،‬ارتبط بالحركة الوطنية‪،‬‬ ‫التي َّ‬ ‫مثلها في ذلك الوقت كل من‪ :‬جمال الدين األفغاني – ومحمد عبده‪ ،‬وعلي‬ ‫مبارك‪ ،‬وعبد هللا النديم‪ ،‬تلك الشخصيات التي استدعاها – أيضا – المؤلف‬ ‫في هذا النص‪ ،‬ليوضح طبيعة العالقة‪ ،‬وموقف كل هؤالء من السلطة المتمثلة‬ ‫في (الخديوي إسماعيل) الذي لم يتورع‪ ،‬في بيع مصر‪ ،‬بالديون الكثيرة التي‬ ‫وضعته في مأزق عدم القدرة علي السداد‪ ،‬فأضطر ـ للموافقة‪ ،‬علي ما يشبه‬ ‫وضع مصر تحت الحماية األجنبية‪ ،‬حتى تقوم بتسديد الدين !!‬ ‫وأري أنه ليس مهما أن يكون كل الكالم الذي جاء علي لسان شخصية‬ ‫أبو نضارة هنا‪ ،‬قد حدث في الواقع‪ ،‬تفصيال‪ ،‬صحيح أن المسرحية تعتمد في‬ ‫جزء منها علي التسجيلية‪ ،‬لكنها في نفس الوقت‪ ،‬ليست عمال تسجيليا خالصا‪،‬‬ ‫بل هي عمل فني‪ ،‬يخضع لشروط الفن ـ الذي يتطلب من الكاتب‪ ،‬وعيا جديدا‬ ‫ورؤية‪ ،‬تساعدانه علي تقديم شخصية ثرية‪ ،‬هي في النهاية شخصية مسرحية‪.‬‬ ‫من هنا يصبح ذلك الخطاب المباشر الموجه من (يعقوب صنوع) للخديوي‬ ‫إسماعيل مبررا فنيا‪ ،‬ومتسقا مع طبيعة المعالجة‪ ،‬يقول علي سبيل المثال‪:‬‬ ‫ كل ده من غير حرية الكلمة الشيء‪ ..‬الشعب اللي يقدر يقول كلمته‬‫الحرة من فوق خشبة المسرح‪ ،‬معناه أنه شعب متحضر‪ ،‬هو ده المقياس‪ ،‬إنما‬ ‫الكلمة المخنوقة فوق المسرح معناه أن الشعب مخنوق‪ ،‬ممسوك من زمارة‬ ‫رقبته‪ ،‬ومش قادر ينطق أو حتى يتنفس‪ ،‬يبقي إيه يكون الزمة اللي أنت عملته‪،‬‬ ‫والشعب أخرس مش عارف ينطق كلمة من فوق خشبة المسرح‪ .‬كل اللي أنت‬


‫عملته ياجناب الخديو محصلته النهائية الشيء‪ ،‬مجرد ديكور في مسرحية‬ ‫(‪)48‬‬ ‫هزلية‪ ،‬بيشخص فيها حاكم معتوه‬ ‫وفي نفس إطار المواجهة‪ ،‬يواجه ناظر المعارف (علي باشا مبارك(الذي‬ ‫كان يري أن المسرح ال ُيعد فنا محترما‪.‬‬ ‫وسخر من يعقوب صنوع‪ ،‬حين نعته ب (أراجوز مصر) !‬ ‫أبو نضارة‪ :‬ال مؤاخذة يا باشا‪ ..‬جنابك تقصد هجاء وال مديح ؟‬ ‫علي باشا‪ :‬أظنك أقدر علي فهم المقصود يا أستاذ‪ ،‬خصوصا وانك شاعر‬ ‫مثقف ومدرس قدير في مدرسة المهند سخانة‬ ‫أبو نضارة‪ :‬شوف يا باشا‪ ،‬إذا كنت بتشبه التياترو اللي أنشأته باألراجوز‪،‬‬ ‫فده شرف كبير ألني فعال استفدت من األراجوز في كل المالعيب اللي أنا‬ ‫ألفتها وشخصتها‪.‬‬ ‫علي باشا‪ :‬عظيم‪ ،‬وأكيد استفدت كمان من فرقة أوالد رابية والمحبظين‬ ‫والخالبيص‪ ،‬وما إلي ذلك من فن الحرافيش‪.‬‬ ‫أبو نضارة‪ :‬ده بقي أسمه فن الشعب ياباشا‪ ،‬وده فن محترم‪.‬‬ ‫علي باشا‪ :‬أنت هتعلمني ايه هو الفن المحترم‪ ،‬واللي مش محترم يا حضرة؟‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪83 82‬‬


‫أبو نضارة‪ :‬العفو ياباشا‪ ..‬منك نستفيد‬ ‫علي باشا‪ :‬الزم تفهم كويس يا أستاذ‪ ،‬إن اللي أنت بتسميه تياترو ده بدعة‪،‬‬ ‫ضاللة‪ ،‬ومفسدة لألخالق‪ ،‬ومضيعة للوقت‪ ،‬ورجس من عمل الشيطان‪ ،‬أيضا‬ ‫تقليد ال يليق بمجتمعاتنا الشرقية المحافظة علي التقاليد والقيم األخالقية‪ ،‬ثم أن‬ ‫عملك بالتشخيص ال يليق علي اإلطالق‪ ،‬دي مسخرة ال تليق بكونك مدرسا في‬ ‫مدرسة محترمة‪ ،‬زي مدرسة المهندسخانة‬ ‫وينتهي هذا الحوار بفصل ورفد (يعقوب صنوع) من عمله بالمدرسة‪.‬‬ ‫كيف وظف الكاتب فن االرتجال الشعبي في نصه‪ ،‬ليقدم نصا شعبيا ؟‬ ‫ اعتمد علي تقنية المسرح داخل المسرح‪ ،‬وذلك ألن طبيعة فن التشخيص‬‫واالرتجال المرتبط به يتيح تلك التقنية‪ ،‬فهناك حدث رئيسي يتعلق بجوقة‬ ‫فرقة أبو صنوع نفسها‪ ،‬بأفرادها‪ ،‬كيف يفكرون‪ ،‬كيف يتعاملون مع مديرهم‪،‬‬ ‫كيف يرون دور المسرح ووظيفته‪ ،‬العالقات اإلنسانية التي تربط بينهم‪ ،‬أثناء‬ ‫العمل‪ ،‬وخارجه‪ ،‬عالقات الحب التي تجمع بين رجلين داخل الفرقة وفتاتين‬ ‫فيها‪ ،‬المفارقات التي تحدث‪ ،‬واألحالم التي تراودهم‪ ،‬إنه عالم كامل يتعلق بهم‪،‬‬ ‫ومن داخل الحدث الرئيسي‪ ،‬يأتي حدث آخر يمثل المسرحية الثانية التي تلتقي‬ ‫المزمع‬ ‫مع األولي‪ ،‬في تداخل‪ ،‬هارموني‪ ،‬حين يقومون بتشخيص المسرحية ُ‬ ‫تقديمها للجمهور‪ ،‬وهم يخبرونه بذلك وبشكل صريح‪ ،‬فيتابع الجمهور الحدثين‬


‫معا‪ :‬الخاص بالفرقة‪ ،‬علي المستوي الخاص‪ ،‬والخاص بالمسرحية التي تتحدث‬ ‫عن(يعقوب صنوع) وما جري له‪ ،‬علي المستوي العام‪ ،‬وهناك خروج ودخول‬ ‫متزامن بين المسرحيتين‪،‬يتيحه االرتجال‪ ،‬وتتيحه عملية التشخيص‪ ،‬التي‬ ‫تخبر الجمهور أن ما يتم هو مسرحية‪ ،‬وتمثيل‪ ،‬ولذلك يمكن للجمهور – هنا‬ ‫المشاركة‪ ،‬إن أراد‪ ،‬فله مساحة يحقق فيها هذا األمر‪ .‬وتلك المسألة تحسب‬ ‫لمسرح االرتجال‪ ،‬الذي يدور في إطار من الكوميديا غير المبتذلة‪ ،‬فهي – هنا‪-‬‬ ‫كوميديا الموقف‪ ،‬والمسرحية المرتجلة‪ ،‬أو الكوميديا الشعبية‪ ،‬تحتوي نصا‬ ‫(مكتوبا قابل للتغيير حسب األحوال‪ ،‬وممثلون يؤدون هذا النص علي الخشبة‪،‬‬ ‫وهم مهيئون نفسيا لتقبل أي تغيير طارئ عليه‪ ،‬وممثل يختبئ مرتين‪ ،‬يختبئ‬ ‫في المرة األولي وراء كلمات نصه األصلي‪ ،‬ويختبئ للمرة الثانية في الكواليس‬ ‫ُيلقن الممثلين ردودهم علي هجمات المتفرجين علي النص‪ ،‬فيجري حين ذاك‬ ‫نوع طريف من التأليف الفوري‪ ،‬ثم جمهور اليؤمن قط بأن دوره هو مجرد‬ ‫االستمتاع السلبي بما يجري أمامه‪ ،‬وإنما يري أن دوره هو أن يكون المتفرج‬ ‫(‪)49‬‬ ‫اليقظ الذكي‪ ،‬الذي يتابع وينقد ويحكم)‬ ‫الكاتب هنا ُيوفر مساحات – في مناطق كثيرة من المسرحية – ليمارس فيها‬ ‫المضحكة‪ ،‬التي تدخل في إطار تجارب أبو‬ ‫الممثل قدراته التمثيلية االرتجالية ُ‬ ‫نضارة في مسرح الديالرتي‪ ،‬أو ما كان يسميه (الفودفيل) خاصة في مشهد‬ ‫شرب القهوة الخديوية التي يقال أن بها سما‪ ،‬وحين أورد مشاهدا من بعض‬ ‫مسرحيات (يعقوب صنوع) مثل مسرحية (غندور مصر) ومسرحية (ليلي)‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪85 84‬‬


‫و(ملعوب القرداتي) ومحاولته لتقديم بعضا مما جاء في مسرحيته (الوطن‬ ‫والحرية) والتي بسببها أغلق مسرحه‪ ،‬وطرد خارج البالد‪..‬‬ ‫حين فعل مؤلف النص كل هذا‪ ،‬جعل نصه‪ ،‬نصا شعبيا متكامال بعناصر‬ ‫متعددة‪ ،‬إضافة إلي استدعائه لبعض أزجال (عبد هللا النديم) ومنها زجله الشهير‬ ‫(شرم برم حالي تعبان) وهو حين استحضر مشاهدا من مسرحيات صنوع‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وبين ‪ -‬من خالل ما كتبه ‪ -‬طبيعة االرتجال‪ ،‬الذي يخلط مابين‬ ‫قدمها‪،‬‬ ‫الواقعي‪،‬والخيالي المتمثل في التشخيص‪ ،‬أي أن ما يقدم علي خشبة المسرح‪،‬‬ ‫ليس حقيقيا بل هو تشخيص ألحداث حدثت من قبل‪ ،‬وليس اآلن‪.‬‬ ‫وحين يتداخل التشخيص مع الحقيقي خارج منطقة التشخيص‪ ،‬تقع مشادات‬ ‫بين الممثلين‪ ،‬وتحدث مفارقات‪ ،‬والتباسات‪ ،‬تدفع الجمهور إلي الضحك‪ ،‬كلها‬ ‫عناصر‪ ،‬تم معالجتها بطريقة واعية‪ ،‬بطبيعة توظيف فن االرتجال‪ ،‬وتقديمه‬ ‫في مسرحية‪ ،‬تعتبر خلقا جديدا لفن أندثر‪ ،‬ولم نحاول استعادته في نصوصنا‪،‬‬ ‫من أجل أن يكون لدينا مسرحا متوافقا وثقافتنا الشعبية‪ ،‬التي هي ثقافة الشعب‪،‬‬ ‫والمسرح أساسا فن جماهيري‪ ،‬يتوجه إلي الشعب‪.‬‬ ‫وكانت آخر كلمات وضعها (السالموني) علي لسان(يعقوب صنوع) هي‪:‬‬ ‫(‪ ....‬المسرح ده حياة عظيمة‪ ،‬حياة أعمق وأشمل من حياة اإلنسان نفسه‪،‬‬ ‫الممثل فينا بيعيش الحياة بالطول وبالعرض‪ ،‬بيقول اللي نفسه يحققه‪ ،‬ويكلم‬ ‫الناس بدون حواجز كأنه عايش في عالم األطياف‪ ،‬أول اإلنسان ما يحط رجله‬ ‫علي خشبة المسرح‪ ،‬بيحس بالفعل أنه أعظم مخلوق في الوجود‪, ،‬أنه جدير‬ ‫بهذا العالم الجميل‪ ،‬وساعتها بتتفجر في داخله طاقة جبارة ضد الشر والظلم‬


‫والطغيان‪ ،‬ضد مظاهر العفونة والبشاعة اللي بتشوه جمال العالم‪ ،‬وعظمة‬ ‫اإلنسان‪ ،‬المسرح ده هو جنة اإلنسان الوحيدة علي األرض‪ ،‬المسرح هو‬ ‫(‪)50‬‬ ‫الطهارة والبراءة‪ ،‬هو عزاء اإلنسان الوحيد في عالم الشر واالستبداد)‬ ‫رواية النديم عن هوجة الزعيم‬

‫(‪)51‬‬

‫تُعد تلك المسرحية استكماال ألحداث الفترة التاريخية الالحقة للفترة التي‬ ‫عالجت ‪ -‬بعض أحداثها‪ -‬مسرحية (أبو نضارة)‪.‬‬ ‫(أبو نضارة) تعرضت للعالقة المضطربة التي كانت بين (يعقوب صنوع)‬ ‫والخديوي إسماعيل‪ ،‬و(رواية النديم) تعرضت للعالقة المضطربة التي كانت‬ ‫بين (عرابي) والخديوي توفيق من جهة‪ ،‬وبينه وبين (عبد هللا النديم) من جهة‬ ‫أخري‪ .‬وفي كلتاهما يعالج الكاتب فكرة مقاومة االستبداد‪ ،‬ومواجهة صلف‬ ‫الحاكم وغروره وتهور تصرفاته‪.‬‬ ‫وكان من المتوقع أن يكون نزول (إسماعيل) عن عرشه‪ ،‬إيذانا بزوال أكبر‬ ‫عقبة اعترضت سبل اإلصالح في مصر‪ ،‬إال أن آثار عهده السيئ(استمرت‬ ‫مدة طويلة بعد اعتزاله الحكم‪ ،‬وكانت التركة التي تركها ثقيلة األعباء بغير‬ ‫خالف‪ ،‬فخزانة الدولة مفلسة‪ ،‬ونظام الجيش مضطرب‪ ،‬وطبقات المجتمع غير‬ ‫مستقرة من جراء ما يعانيه الفقراء من إرهاق الحكام واألغنياء من تهديد سلب‬ ‫(‪)52‬‬ ‫ما حصلوا عليه من مزايا وحقوق)‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪87 86‬‬


‫وسط هذه األجواء من عدم االستقرار‪ ،‬وفي عام ‪ 1881‬ظهر (أحمد‬ ‫عرابي) ليكون زعيما يتحرك باسم الفالحين‪ ،‬مدافعا عنهم وعن مصالحهم‪،‬‬ ‫ودفعهم للثورة علي الطغيان‪ ،‬ومقاومة االحتالل الذي جاء بزعم الحماية‪،‬‬ ‫ولعل مسيرة (عرابي) علي رأس ‪ 2500‬جندي وثمانية عشر مدفعا إلي ميدان‬ ‫عابدين‪ ،‬كانت بمثابة إنذار بالثورة ضد الخديوي توفيق‪ ،‬عارضا مطالب الشعب‬ ‫(عزل الوزارة المستبدة – إقامة مجلس نيابي – إصالح نواحي الجيش وحاالت‬ ‫الجنود)‬ ‫والثورة العرابية ‪ -‬في بدايتها – كانت (تستهدف إنصاف الضباط‬ ‫ ‬ ‫الوطنيين‪ ،‬والتوصل إلي حقوق كانوا محرومين منها في الترقي إلي الرتب‬ ‫األعلى‪ ،‬بينما نعم بها أصحاب الجنسيات األخرى المتحكمة في البالد‪ ،‬كما‬ ‫كانت صرخة من أجل وضع حد للمعاملة السيئة التي كانوا يلقونها من رؤسائهم‬ ‫األتراك‪ ،‬والشراكسة في الجيش المصري‪ ،‬كما هو مفروض‪ ،‬ثم تطورت‬ ‫لتصبح حركة عامة شاركت فيها فئات األمة للتخلص من الحكم االستبدادي‬ ‫بالنسبة لهم‪ ،‬والضعيف في نظر الدول األوربية‪ ،‬والتي أحس الوطنيون أنهم‬ ‫يعدون مصر لتكون أكلتهم التي علي وشك أن يلتهموها‪ ،‬وكسبت الحركة هذه‬ ‫الجولة في شكل تحقيق مطالب الضباط فنالوا حقوقهم في الترقي‪ ،‬وزالت عنهم‬ ‫القيادة غير المرغوبة‪ ،‬كما تقرر النظام الدستوري‪ ،‬وتشكيل مجلس نيابي جديد‬ ‫تمثلت فيه األمة – ولو بشكل مبدئي‪ -‬ولكنها كانت ُخطوة علي طريق الكفاح‬ ‫(‪)53‬‬ ‫من اجل الحرية الكاملة)‬


‫كل هذه األحداث‪ ،‬استحضرها الكاتب (محمد أبو العال السالموني) وعالجها‬ ‫باستخدام حيل وأالعيب المسرح الشعبي‪ ،‬المتمثلة في التشخيص‪ ،‬وخيال الظل‪،‬‬ ‫والمسرح داخل المسرح‪ ،‬قدمها وكأنها لعبة شعبية تقدم أبطال ملحمة المقاومة‪،‬‬ ‫ومشخصا لشخصية‬ ‫حين استحضر ‪ -‬أيضا ‪ -‬عبد هللا النديم ليجعله متحدثا‪ُ ،‬‬ ‫أحمد عرابي في المسرحية‪ ،‬عرابي‪ ،‬كان منفيا خارج البالد‪ ،‬ولم يكن موجودا‬ ‫وجودا حتميا في النص‪ ،‬وعبد هللا النديم (خطيب الثورة) كان مطاردا‪ ،‬ومطلوبا‬ ‫حيا أو ميتا‪ ،‬من قبل الخديوي‪ ،‬واالنجليز‪ ،‬وظل هاربا لسنوات‪ ،‬في حماية‬ ‫الفالحين‪ ،‬حين انتقل من مكان إلي مكان آخر‪ ،‬كان يسلك سلوكا‪ ،‬كسلوك‬ ‫األبطال الشعبيين في السير‪ ،‬فنجده يمارس األالعيب كما مارسها من قبل (علي‬ ‫الزيبق) في سيرته‪..‬‬ ‫هنا في المسرحية أصبح بطال شعبيا بنفس المواصفات التي حددتها السيرة‬ ‫للبطل‪ ،‬ولم يستطع أعداؤه النيل منه‪ ..‬هو الذي يروي سيرة عرابي وثورته‪،‬‬ ‫وهو الذي يشعل جذوة الحماس في الناس وهو يشخص (عرابي) فأصبح (عرابي‬ ‫بطال) يتحرك ويتكلم بلسان النديم‪ ،‬وأصبح النديم قادرا علي إشعال الثورة‪،‬‬ ‫واستكمال ما بدأه (عرابي) اللعبة التي لجأ إليها الكاتب‪ ،‬أو قل الحيلة الفنية‪،‬‬ ‫جاءت مناسبة تماما‪ ،‬ومختلفة‪ ،‬ألنه لم يقدم التاريخ‪ ،‬أو سيرة عرابي وثورته‪،‬‬ ‫ومقاومته‪ ،‬بطريقة تقليدية‪ ،‬ربما تجعل المتلقي يمل المتابعة‪ ،‬ويهرب‪ ..‬لكنه‬ ‫جعل األحداث في قالب شعبي‪ ،‬حين وظف (خيال الظل) أيضا‪ ،‬ليكون وسيلة‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪89 88‬‬


‫فنية شعبية‪ ،‬تصور المشاهد علي الشاشة البيضاء‪ ،‬وكأنها شاشة سينما‪ ،‬وسحر‬ ‫(خيال الظل) وقدرته علي التجسيد‪ ،‬وإنتاج الداللة‪ ،‬عامل من عوامل نجاح‬ ‫النص‪ ،‬ألنه أصبح – بتلك الصورة – نصا شعبيا‪ ،‬وليس نصا تاريخيا جامدا‪.‬‬ ‫يتخفي (عبد هللا النديم) وخادمه (حسن) في زي المخايلين‪ ،‬ويقومان بإعداد‬ ‫منصة وستارة مسرح خيال الظل‪ ،‬ويستخدمان بعض األقنعة والطراطير‬ ‫والطرابيش‪ ،‬ويعلقانها علي فرع شجرة الجميز بالساحة الواسعة للقرية‪.‬‬ ‫والنديم َّ‬ ‫فضل أال يهرب‪ ،‬لكنه آثر أن يقول كلمته‪:‬‬ ‫(الزم أقول اللي في قلبي‪ ،‬االنجليز والخديوي والباشوات شوهوا عرابي‬ ‫وثورته‪ ،‬زيفوا كل حاجة في البلد‪ ،‬خلوا األصالة زيف‪ ،‬خلوا النور ضلمة‪،‬‬ ‫خلوا الحق باطل)‬ ‫آثر أن يقول كلمته (ألنه يعرف حق المعرفة أنه العدو اللدود للخديوي‪،‬‬ ‫ولقوة االحتالل‪ ،‬ولسلطان باشا‪ ،‬ورياض باشا‪ ،‬وللسلطان نفسه‪ ،‬وأن هؤالء‬ ‫جميعا سوف يجتمعون علي االنتقام منه‪ ،‬وتلفيق التُهم التي تودي به جزاء‬ ‫تشهيره بهم‪ ،‬وهجومه عليهم‪ ،‬وسيكون أفظع انتقام‪ ،‬ولذلك قرر االختفاء أمال‬ ‫في أن يسافر إلي دمياط لينضم إلي قائد حاميتها (عبد العال حلمي) الذي لم يكن‬ ‫بعد قد استسلم‪،‬بل أعلن المقاومة‪ ،‬فان أتستسلم عبد العال حلمي سافر هو إلي‬ ‫(‪)54‬‬ ‫الشام ثم إلي أوربا ليواصل جهاده في سبيل قضية وطنه)‬


‫باستخدام التشخيص‪،‬واألراجوز‪،‬وخيال الظل‪،‬أعلن الحقيقة أمام الناس‪،‬وأصبحت‬ ‫المسرحية التي جاءت من داخل المسرحية األساسية‪ ،‬هي حكاية أو رواية النديم‬ ‫عن ماحدث لعرابي وثورته‪ ..‬وهو حين يحكي الحكاية ُيعلن للعامة أنه سيحكيها‬ ‫في أربع بابات‪ ،‬في كل بابة حكاية‪ ،‬وهذا الشكل الذي لجأ إليه (السالموني) جاء‬ ‫(‪)55‬‬ ‫استنادا علي ما كتبه (بن دانيال)‬ ‫في باباته الشهيرة التي استخدم فيها (خيال الظل) واعتمدت علي مقومات‬ ‫استقاها من األدب الشعبي‪ ،‬حين جاء إلي مصر في العصر المملوكي‪ ،‬ونقل‬ ‫إليها (خيال الظل) أثناء حكم الظاهر بيبرس (ولم يكن غريبا في النصف األول‬ ‫من القرن السابع الهجري‪ ،‬أن يتأثر ابن دانيال باألدب الشعبي في مصر‪ ،‬بعد أن‬ ‫أخذت مقوماته المستمدة من اللغة العامية في التبلور‪ ،‬وتكوين الشخصية الذاتية‬ ‫التي اكتسبت كثيرا من خصائصها من اللغة الفصحى‪ ،‬واشتقت روحها من‬ ‫الصميم الشعبي وعراقة مورثاته المزاجية‪ ،‬وتمايزت بأدواتها المؤدية لبالغتها‬ ‫الناشئة‪،‬ولهذا كتب شمس الدين بن دانيال باباته‪ ،‬بلغة هي مزيج من الفصحى‬ ‫والعامية‪ ،‬تتولي الفصحى فيها زمام التعبير والقيادة الشكلية‪ ،‬من سجع وأحكام‬ ‫عامة‪ ،‬وتُكمل العامية الدائرة بمستحدث األلفاظ‪ ،‬والمشاعر الشعبية‪ ،‬والقيم الفنية‬ ‫(‪)56‬‬ ‫الجماهيرية‪ ،‬بحكم أنها منبع الموضوع‪ ،‬وخالقة صوره وأحاسيسه)‬ ‫عبد هللا النديم يقوم بتشخيص شخصية (أحمد عرابي) وينجح (حسن) خادمه‪،‬‬ ‫والراوي‪ ،‬ومقدم الشخوص‪ ،‬ومايسترو اللعبة‪ ،‬في إقناع بعض الشخصيات‬ ‫والمخايلة‪ُ ،‬يقنعهم بالمشاركة في‬ ‫الهامة من الذين حضروا لرؤية االحتفال‪ُ ،‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪91 90‬‬


‫المتعلقة بعالقة (عرابي) بالخديوي توفيق‪ ،‬ومن هؤالء الذين‬ ‫تشخيص األحداث ُ‬ ‫شاركوا في التشخيص‪ :‬المأمور الذي شخص (المستشار االنجليزي) والعمدة‬ ‫شخص (رياض باشا) والدرمللي الذي شخص(شريف باشا رئيس الوزراء)‬ ‫وسلماني الذي شخص (سلطان باشا) واألغا الذي شخص (الخديوي توفيق)‬ ‫باإلضافة إلي مشاركة الفالحين‪ ،‬بالتدخل والمشاركة‪.‬‬ ‫إذن اللعبة المسرحية شارك فيها الجميع‪ ،‬لنعرف ما حدث من خاللهم‪،‬‬ ‫المعالجة‪ ،‬وهنا ظهر تكنيك‬ ‫وكان الدخول للحدث‪ ،‬والخروج منه‪ ،‬هو سمة ُ‬ ‫المسرح داخل المسرح‪ ،‬كما ظهر من قبل في مسرحية (أبو نظارة)‪.‬‬ ‫والخروج من حالة التشخيص للحدث الرئيسي‪ ،‬كان يتم لحظة المشاحنة بين‬ ‫الشخصيتين الرئيسيتين وهما (الشمام األول والشمام الثاني) اللذين يطاردين‬ ‫النديم‪ ،‬ويحاوالن اإليقاع به للحصول علي مكافأة األلف جنيها‪ ،‬التي رصدتها‬ ‫السلطات لمن ُيرشد عنه‪ ،‬يراقبان اللعبة‪ ،‬ويتمكن أحدهما من اكتشاف شخصية‬ ‫النديم بالفعل‪ ،‬ولكنه حين ُيبلغ عنه‪ ،‬ال يتحقق مراده بسبب دهاء النديم‪ ،‬الذي‬ ‫يراقبهما هو أيضا‪ ،‬وعلي مستوي الحدثين الواقعي‪ ،‬والتشخيصي يتم العرض‪،‬‬ ‫بمساعدة عنصر (خيال الظل) الذي قام بدور كبير في تجسيد الشخوص علي‬ ‫شاشة العرض‪ ،‬وتجسيد المشاهد الحركية التي تصور مثال‪ :‬مذبحة اإلسكندرية‬ ‫التي نفذها الخديوي لتوريط (عرابي) ومحاصرته‪ ،‬ليثبت فشله في المحافظة‬ ‫علي أمن البالد‪ ،‬ومشاهد األسطول البريطاني وهو يقذف مدينة اإلسكندرية‪،‬‬


‫والمشاهد التي ُتبين تضحيات الشعب‪ ،‬ومشاهد احتفاالت الشعب بعد هزيمة‬ ‫الجيش البريطاني‪ ..‬وهكذا ُيصبح خيال الظل ‪ -‬هنا ‪ -‬بديال للصورة السينمائية‪،‬‬ ‫والمخايلة لعبة لفضح‬ ‫وتُصبح شاشة العرض هنا‪ ،‬مجاال لحركة الخيال‪ُ ،‬‬ ‫وكشف الستار عن األحداث التي تمت من قبل‪ ،‬ويتم استعادتها بكل تلك األدوات‬ ‫الفنية المشار إليها‪.‬‬ ‫في نهاية لعبة التشخيص ينكشف أمر (عبد هللا النديم) بسبب بالغة خطابه‪،‬‬ ‫وحماسه‪ ،‬ووطنيته‪ ،‬ودفاعه عن عرابي‪ ،‬ومواجهة من يدعون أنه ُهزم أمام‬ ‫المخلص كشفه أمام الجميع أثناء التشخيص‪.‬‬ ‫االنجليز‪ ..‬أداؤه ُ‬ ‫النديم‪ :‬هي دي صيحة عرابي ياشراكسة‪ ..‬ياتراكوة‪ ،‬يا أجانب‪ ،‬ياأنجليز‪ ،‬هي‬ ‫دي الصيحة اللي مش ممكن تموت‪ ،‬مستحيل صيحة رجال عصر الشهادة‬ ‫والبشارة‪ ،‬مستحيل أبدا تموت‪.‬‬ ‫المأمور‪ :‬سلم نفسك أحسن لك عبد هللا نديم‬ ‫النديم‪ :‬شعب مصر الحر مش ممكن يسلم يا انجليز‬ ‫المأمور‪ :‬ما تحاولش عبد هللا نديم‬ ‫النديم‪ :‬مهما كان في ايديكوا قوة وبطش برضه شعبنا أكبر‪.‬‬ ‫المأمور‪ :‬ده آخر إنذار عبد هللا نديم‬ ‫النديم‪ :‬برضه بنقول شعب مصر الحر مش ممكن يسلم يا انجليز‬ ‫المأمور‪ :‬الزم تعرف عبد هللا نديم‪ ،‬إن عساكر بريطانيا عظمي حوالين البلد‪.‬‬ ‫يخرج النديم من حالة التشخيص تماما‪ ،‬وتبدأ المواجهة الحقيقية‪ ،‬حين نراه‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪93 92‬‬


‫يقول‪:‬‬ ‫النديم‪ :‬ال يا قنصل بريطانيا العظمي ال‪ ..‬الرواية ما أنتهتش‪ ،‬إحنا لسه في‬ ‫البداية‪ ،‬شعبنا له دور معانا في الرواية لسه دوره ما أنتهاش‪ ..‬الرسل واألنبياء‬ ‫بيموتوا لكن دعوة الحق اللي قالوها بتفضل عايشه في قلوب الشعوب‪،‬‬ ‫الحر‬ ‫الفوارس والرجال‪ ..‬القمة في عصر البطولة والشهادة والعذاب‪ ،‬صوتهم ُ‬ ‫المعذب باقي حي في كل تاريخ الشعوب زى الوقود‪ ،‬يشعل النار من جديد‬ ‫ُ‬ ‫جوه النفوس‪ ،‬يا عرابي يا شهيد‪ ،‬يا سليل عصر الشهادة‪ ،‬والطهارة‪ ،‬والبطولة‪،‬‬ ‫والبشارة‪ ،‬أشعل النار من جديد‪ ،‬ضد عصر الظلم‪ ،‬والنار والحديد‪ ،‬اشعل النار‬ ‫من جديد‪.‬‬


‫أما بعد‪:‬‬ ‫أعيد – اآلن ‪ -‬السؤال الذي سبق أن طرحته في البداية‪.‬‬ ‫ومرجعه يعود لما سبق أن تناوله الدكتور(عز الدين إسماعيل) أثناء‬ ‫ ‬ ‫تناوله لقضية (توظيف التراث في المسرح) خاصة فيما يتعلق بجزئية توظيف‬ ‫الكتاب‪ ،‬أو عدم نجاحهم في ذلك التوظيف –‬ ‫العناصر الشعبية‪ ،‬ومدي نجاح ُ‬ ‫مادة وأداة (‪)57‬‬ ‫وهذا الطرح النقدي أراه مهما للغاية حين نتناول أعمال المسرح الشعبي‪.‬‬ ‫ هل استطاع الكاتب (محمد أبو العال السالموني) أن يستغل منهج األداء‬‫في السير الشعبية ‪ -‬حين كتب نصوصا ‪ -‬تستفيد من عناصرها‪ ،‬في إضفاء‬ ‫الطابع الشعبي علي قالب مسرحياته؟‬ ‫وهل استطاع توظيف العناصر الشعبية فيها ؟‬ ‫أقول‪ :‬إن الكاتب حين استلهم عناصر الموروث الشعبي‪ ،‬استطاع إضفاء الطابع‬ ‫الشعبي علي قالبها بالفعل‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬فيما يتعلق بمنهج األداء في السير الشعبية نجح في إضفاء الطابع الشعبي‬ ‫في مسرحيات (أبو زيد في بلدنا – تغريبة مصرية – مالعيب عنتر)‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬فيما يتعلق بعناصر الموروث الشعبي التي استطاع بها إضفاء الطابع‬ ‫الشعبي‪ ،‬نجح في مسرحيات (المليم بأربعة – مولد يا بلد – الحريق – حكاية‬ ‫ليلة حرب – مالعيب عنتر – مآذن المحروسة – رواية النديم عن هوجة‬ ‫الزعيم)‪.‬‬

‫أبو العال السالموين‬

‫‪95 94‬‬


‫ الكوميديا المرتجلة في مسرحيتي (مولد يا بلد‪ -‬أبو نضارة)‪.‬‬‫ ألعاب الموالد‪ ،‬وتوظيف دالال لتها في مسرحيات (المليم بأربعة – مولد‬‫يابلد‪ -‬مالعيب عنتر)‪.‬‬ ‫المحبظون‪ ،‬وتقنية أو لعبة المسرح داخل المسرح في نصوص (مآذن‬ ‫ ُ‬‫المحروسة – رواية النديم عن هوجة الزعيم ) وتوظيف خيال الظل والمداحين‬ ‫فيهما‪.‬‬ ‫ مفردات السيرة الشعبية في مسرحية (تغريبة مصرية)‪.‬‬‫ الحكاية الشعبية وتوظيفها في نص (الحريق)‪.‬‬‫ لعبة التشخيص في مسرحيات (أبو نضارة – رواية النديم عن هوجة الزعيم‬‫– أبو نضارة – مولد يا بلد)‪.‬‬ ‫الدمية الشعبية في نص(الحريق)‪.‬‬ ‫ ُ‬‫وحقيقة األمر أن معظم العناصر الشعبية جاءت متداخلة في كل النصوص‪،‬‬ ‫لكنني ‪ -‬هنا ‪-‬أشير فقط إلي ابرز العناصر في النص الواحد‪.‬‬ ‫أما فيما يتعلق بالعناصر غير الشعبية‪ ..‬أتساءل‪ :‬هل استطاع توظيفها‪ ،‬أم‬ ‫أنها غابت تماما عن نصوصه ؟‬ ‫ إن العناصر غير الشعبية لم تغب تماما عن مسرحه‪ ،‬فهي موجودة‪ ،‬وموظفة‬‫في سياق الحوار ذاته‪ ،‬فنجد مثال أن الكاتب يستطيع أن يجعل لغة حواره‬ ‫المسرحي متوافقة مع طبيعة العناصر ذاتها‪ ،‬فحين يظهر البطل بسماته‬


‫الشعبية‪ ،‬يتحول إلي رمز‪ ،‬أو معادل موضوعي للتجربة الفنية‪ ،‬فتظهر عليه‬ ‫سمات البطل الشعبي‪ ،‬وليس البطل التقليدي‪ ،‬وتلعب اللغة لعبتها في ذلك‪،‬‬ ‫حيث نجدها لغة وجدانية‪ ،‬تأخذ من الشعر إيقاعه وموسيقاه‪ ،‬وان لم تكن‬ ‫شعرا خالصا‪ ،‬ليتضافر هذا مع طبيعة الحوار الدرامي‪ ،‬الذي ُيعد عنصرا‬ ‫من العناصر غير الشعبية‪ ..‬ويقدم نسيجا دراميا له إيقاعه الخاص ومالمحه‪.‬‬ ‫وفي هذا اإلطار – أيضا‪ -‬نراه يستطيع الجمع بين العامية والفصحى‪ ،‬في لغة‬ ‫الحوار بشكلها التقليدي‪ ،‬كما حدث مثال في مسرحية (رواية النديم عن هوجة‬ ‫الزعيم) ومسرحية (أبو نضارة)‪.‬‬ ‫ونري الحوار ساخرا‪ ،‬أو فكاهيا‪ ،‬أو يعكس هزال‪ ،‬حين يجيء علي لسان‬ ‫الشخوص‪ ،‬لحظة تعبيرها عن نفسها في موقف ما‪ ،‬كما اتضح ذلك في‬ ‫(المحبظين) أو (المخايلين)‬ ‫حوار النصوص التي اعتمدت علي عناصر ‪ُ :‬‬ ‫أو(المشخصاتية) أو من يعملون في مهن المولد‪.‬‬

‫أبو العال السالموين‬

‫‪97 96‬‬


‫المحور الثاني‬ ‫مــــقــــاومــــة اإلرهـــــــاب‬


‫اختار الكاتب (محمد أبو العال السالموني) الطريق الصعب‪ ،‬حين اقتحم‬ ‫ ‬ ‫المحرمة‪ ،‬التي تعكس الفكر المتطرف‪ ،‬واإلرهاب الذي‬ ‫عالم التابو والمناطق ُ‬ ‫يمارسه البعض باسم الدين‪ ،‬هذا (الذي كان سبب تخلفنا القرون السابقة‪ ،‬وسيظل‬ ‫سبب كبواتنا في القرون الالحقة إن لم يستأصل من جذوره فكرا وفعال)‪ ،‬فكتب‬ ‫عددا من المسرحيات التي تناولت هذه القضية‪ ،‬واستقي بعض موضوعاتها من‬ ‫التاريخ‪ ،‬والبعض اآلخر من الواقع الحالي‪،‬موضحا ‪ -‬بالمعالجة الفنية ‪ -‬أن‬ ‫الفكر المتطرف يتخذ من الدين ستارا لتحقيق مآربه‪ ،‬وأن أصحابه وظفوا الدين‬ ‫في السياسة‪ ،‬وخلطوا األوراق‪ ،‬ومارسوا كل ألوان العنف واالستبداد واإلرهاب‬ ‫للوصول إلي غايتهم‪.‬‬ ‫في هذا اإلطار الشائك‪ ،‬كتب نصوص (السحرة‪ -1975‬المليم بأربعة ‪-1988‬‬ ‫أمير الحشاشين ‪ -1993‬ديوان البقر‪ -1994‬الحادثة التي جرت في شهر‬ ‫سبتمبر‪ -2002‬رسائل الشيطان ‪ -2017‬جهاد الفواحش في زمن الدواعش‬ ‫‪ –2018‬القتل في جنين ‪.)2002‬‬ ‫وهذا العدد من النصوص ليس هينا‪ ،‬خاصة حين يكتبها كاتب واحد‪ ،‬في‬ ‫الوقت الذي لم يهتم فيه كثير من كتاب المسرح‪ ،‬بمعالجة الموضوع فنيا‪،‬‬ ‫مواجهة منهم لتلك الظاهرة التي باتت تُهدد حياتنا‪ ،‬وتتطلب مواجهة حاسمة‪،‬‬ ‫يكون اإلبداع فيها أداة قوية للمقاومة‪ ،‬ألن األمر يتعلق بتنمية وعي الناس‬ ‫ليستطيعوا المواجهة‪ ،‬وحتى ال ينجرفوا نحو تصديق ادعاءات المتطرفين‪،‬‬ ‫خاصة حين يتخذون الدين أداة للتأثير‪ ،‬وستارا للفعل‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪99 98‬‬


‫وقبل أن أتناول تلك النصوص بالبحث والدرس‪ ،‬أود توضيح بعض النقاط‬ ‫المتعلقة بها‪:‬‬ ‫أوال‪ُ :‬نالحظ اهتمام الكاتب (محمد أبو العال السالموني) بهذا الموضوع‬ ‫منذ سنوات طويلة‪ ،‬ليس فقط‪ ،‬حين كتب نصه األول في هذا اإلطار‪ ،‬وهو‬ ‫نص السحرة (الذي أعده عن نص ساحرات سالم للكاتب األمريكي أرثر ميللر)‬ ‫في عام ‪ 1975‬ولكن في نصوص أخري لم يكن موضوعها الرئيسي هو‬ ‫التطرف واإلرهاب‪ .‬صحيح أنها مجرد إشارات‪ ،‬لكنها كشفت عن اهتمامه‬ ‫بهذا الموضوع‪،‬الذي أصبح شغله الشاغل‪ ،‬ومشروعه التنويري‪ ،‬الذي استكمله‬ ‫المشار إليها‪.‬‬ ‫في النصوص ُ‬ ‫وتلك اإلشارات وردت في نصوص (مآذن المحروسة ‪ -1982‬مولد يا بلد‬ ‫‪ -1991‬تغريبة مصرية ‪.)1992‬‬ ‫ في مآذن المحروسة‪ :‬تناول موقف نابليون حين أعلن إسالمه هو وبعض‬‫جنوده أثناء الحملة الفرنسية علي مصر‪ ،‬محاوال استخدام الدين لنيل ثقة‬ ‫المصريين‪ ،‬ورجال الدين‪ ،‬ليستمر تواجده في مصر‪.‬‬ ‫أحمد‪ :‬أنت عارف انه ُيعلن إسالمه هو وجنوده ده معناته ايه‪ ..‬معناته أنه ناوي‬ ‫يغزونا من الداخل‪ ،‬بعد ما فشل بغزونا من الخارج‪.‬‬ ‫ويواصل قائال‪ :‬هيه دي المشكلة العويصة‪ ،‬كل حاكم ظالم عايز يضمن‬ ‫استمرار حكمه‪ ،‬كان دايما يتمسح باسم الدين‪ ،‬المماليك حكمونا ظلم باسم الدين‪،‬‬ ‫وباسم الدفاع عن الدين‪ ،‬والعثمانيين كتموا علي أنفاسنا مئات السنين بحجة‬


‫أن السلطان العثماني ظل هللا في أرض المسلمين‪ ،‬ودي الوقت ساري عسكر‬ ‫ماعندوش مانع يلعب نفس اللعبة‪ ..‬يعلن إسالمه هو وجنوده عشان يضمن والء‬ ‫المسلمين‪ ،‬وهي دي الخطورة في األمر‪ ،‬خطورة استخدام الدين في السياسة‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫خطورة خلط األوراق بين الدين والدولة‬ ‫وعندما يتمادي نابليون في األمر‪ُ ،‬مستخدما ورقة الدين‪ ،‬يطلب من علماء‬ ‫األزهر إصدار فتوى تؤيد وجود حملته في مصر‪ ،‬وتدعو لطاعته‪ ،‬والحكم علي‬ ‫من يخرج عليه بالكفر والعصيان‪ .‬مذكرا إياهم بأن كهنة آمون أعطوا الفتوى‬ ‫لألسكندر األكبر من قبل (فلسوف تقومون بنفس الدور السابق‪ ،‬أعني ما صنع‬ ‫الكهنة لألسكندر في معبد آمون)‬ ‫وهنا يرد عليه واحد من مجاوري األزهر قائال‪ :‬كال يا ساري عسكر‬ ‫نابليون‪ ..‬كال لسنا كهانا لنتاجر بالدنيا والدين‪ ..‬وإذا كنا سالمناك‪ ،‬وأسلمناك‬ ‫األمر فذاك إلي حين‪ ،‬حتى يقضي هللا قضاء يعلمه كيف يكون‪.‬‬ ‫هنا يؤكد المؤلف علي محاولة استناد نابليون إلي الدين إلحكام السيطرة‬ ‫علي المصريين‪ ،‬والحصول علي طاعتهم‪ ،‬ليس هذا فقط‪ ،‬بل واتهام من يخرج‬ ‫عن طاعته بالكفر والعصيان‪.‬‬ ‫ وفي مسرحية (مولد يابلد) يشير إلي موقف جماعات التطرف الديني من‬‫ممارسة شعائر واحتفاالت مولد (أبو المعاطي) الذي كان ُيقام في دمياط في‬ ‫شهر ابريل من كل عام‪ ،‬وكيف استطاعوا إجبار محافظ دمياط ‪ -‬وقتها‪-‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪101 100‬‬


‫بحرمانية االحتفال به‪ ،‬فأصدر قرار المنع الذي مازال ساريا حتى اآلن‪ ،‬برغم‬ ‫أن الموالد لم يتم منعها في أي مكان آخر داخل مصر‪ ،‬وهذا يكشف سطوة تلك‬ ‫الجماعات في تلك المحافظة‪.‬‬ ‫ولهذا السبب ونتيجة لالستجابة لطلبات الجماعات‪ ،‬نجد المؤلف ‪ -‬وبشكل‬ ‫ساخر – ينتقد تلك االستجابة‪ ،‬ألنها ستكون البداية للقضاء علي الثقافة ذاتها‪،‬‬ ‫وإلغاء كل ما يتعلق بها‪.‬‬ ‫مسعود‪ :‬وبيقولك بدل ما يسموه قصر الثقافة‪ ،‬حا يسموه كوم الثقافة‬ ‫مسعد‪ :‬يا جدع ما تقولش الكالم ده أمال‬ ‫مسعود‪ :‬أنت مش مصدق‪ ..‬أصل الموج عالي قوي اليومين دول‪ ،‬وعشان كده‬ ‫لغوا المولد‪ ،‬ومش كده وبس‪ ،‬وبيقولك حايلغوا المسرح والسيمة والتلفزيون‬ ‫والراديو‪ ،‬أصل بيقولك ده بدعة من بدع أهل أوربا الكفرة‬ ‫مسعد‪ :‬علي كده حايلغوا كل حاجة‪ ،‬ماهي كل حاجة جاية من أوربا‬ ‫مسعود‪ :‬أنت بتقول فيها‪ ،‬ماهو بيقولك حايلغوا كل حاجة‪ ،‬التلفزيون واألتوبيسات‬ ‫والقطورات والمكن والطيارات والدبابات‪ ،‬وبيقولك حانرجع تاني زي زمان‪،‬‬ ‫نركب الحمير والجمال‪ ،‬ونحارب بالسيوف والسهام‪ ،‬ونسكن الكهوف والخيام‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ونرعى األغنام‬ ‫وفي مسرحية (تغريبة مصرية) التي عالج فيها موضوع‪ :‬إنسان ما بعد حرب‬ ‫أكتوبر‪ ،‬وكيف أن االنفتاحيين هم الذي حصدوا نتائج االنتصار‪ ،‬وتسببوا في‬


‫إهدار حق المقاتلين من أبناء الفقراء‪ ،‬ليعيشوا عيشا كريما في وطن بات غريبا‬ ‫عنهم‪ ،‬و(الغريب) في المسرحية‪ ،‬عاد بعد الحرب فاقدا للذاكرة‪ ،‬وال يعرف من‬ ‫هو‪ ،‬وفي رحلة البحث عن الذات‪ ،‬يكتشف أن أشياء كثيرة قد ُفُقدت‪ ،‬وضاعت‪،‬‬ ‫وعليه أن يستعد لمواجهة حرب جديدة‪ ،‬لكنها ‪ -‬هذه المرة‪ -‬ستكون مع أعداء‬ ‫الداخل‪ ،‬ويكتشف أن زميال له كان جنديا شارك‪ -‬معه ‪ -‬في حرب تحرير‬ ‫األرض‪ -‬اسمه عطوة‪ -‬تم تجنيده ‪ -‬بعد سنوات من خروجه ‪ُ -‬ليجاهد في‬ ‫أفغانستان‪ ،‬ألن هناك من أقنعوه أنها أرض الجهاد‪ ،‬وما هي إال أرض تصدير‬ ‫اإلرهابيين الذين ينطلقون بأوامر أمرائهم‪ ،‬وباسم الدين‪.‬‬ ‫وحين يراه (غريب) بطل المسرحية‪ ،‬مرتديا رداءا غريبا يسأله‪:‬‬ ‫غريب‪ :‬إيه بقي اللبس الغريب اللي أنت البسه‪ ..‬مش ده لبس الفالحين!‬ ‫عطوة‪ :‬هو ده لبس الجهاد‬ ‫غريب‪ :‬الجهاد ؟ شيء غريب‬ ‫سليم‪ :‬موش غريب‪ ..‬ما غريب إال الشيطان‪ ..‬أصله مش فاهم يا عطوة‪ ..‬فهمه‬ ‫يطلع معاك ألجل ما يحارب هناك‪.‬‬ ‫غريب‪ :‬لسه حانحارب كمان؟‬ ‫ضاحي‪ :‬أيوه طبعا‪ ..‬الجهاد واجب وفرض‪ ،‬وهو ده لبس الجهاد‪ ..‬قول يا‬ ‫عطوة‪ ..‬فهمه معني الجهاد‪.‬‬ ‫هنا نري (ضاحي وسليم) من عناصر تجنيد الشباب‪ ،‬وإرسالهم إلي أرض‬ ‫أفغانستان‪ ،‬ليحاربوا باسم الجهاد‪ ،‬والدفاع عن اإلسالم‪ ،‬هؤالء هم تجار العقيدة‬ ‫والجهاد‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪103 102‬‬


‫وعندما يتساءل (الغريب) من هؤالء ؟؟ يجيبه المدرس المستنير‪:‬‬ ‫المدرس‪ :‬أنا أقولك همه مين‪ ..‬الجماعة‪ ..‬اللي بيتاجروا بشبابنا تحت رايات‬ ‫العقيدة والجهاد‪ ،‬اللي دايما يلعبوا اللعبة الخطيرة‪ ،‬لعبة الدين والسياسة‪،‬‬ ‫والسيوف جنب المصاحف‪ ،‬حتى خلوا تاريخنا كله فتنة كبري‪ ،‬قتل سفك بدم‬ ‫بارد واغتيال‪ ،‬والنهاردة بيلعبوها مرة تانية‪ ..‬والشعار نفس الشعار‪ ،‬ألجل‬ ‫يتورط شبابنا ويبقوا لعبة بين أيديهم‪ ،‬يصنعوا منهم قنابل تنفجر أو تنتحر‪،‬‬ ‫ويحولوا األرض الخراب هيه دي السكة ياعطوة‪ ،‬ناوي ترجع وال ناوي تستمر‬ ‫(‪)3‬‬ ‫في سكة األرض الخراب ؟‬ ‫وتُصبح عبارة المدرس ذات داللة واضحة صريحة‪ ،‬وهو يوجهها لعطوة‬ ‫(‪)4‬‬ ‫(قوم ياعطوة اخلع هدوم العنف والمتطرفين)‬ ‫ تلك اإلشارات الثالث التي وردت في النصوص المشار إليها‪ ،‬تؤكد أن قضية‬‫التطرف الديني‪ ،‬واإلرهاب باسم الدين‪ ،‬وممارسة سياسة خلط األوراق‪ ،‬حين‬ ‫يلعب البعض لعبة الدين والسياسة‪ ..‬قضية ُتلح علي كاتبنا إلحاحا كبيرا‪ ،‬وحين‬ ‫يستحضرها‪ ،‬يضعها في موضعها الصحيح داخل النصوص المسرحية‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬كيف بدأت ُلعبة خلط األوراق‪ ،‬ولعبة اإلرهاب والقتل باسم الدين؟؟‬ ‫الكبرى في عام ‪35‬ه‪ ،‬حين ُقتل (عثمان بن عفان) بدأت‬ ‫مع اندالع الفتنة ُ‬ ‫الحروب األهلية في الدولة اإلسالمية‪ ،‬وكلها تقوم علي خالفات سياسية‪..‬‬ ‫وشاعت وقتها قصة (قميص عثمان)‪ -‬التي استمرت من يومها حتى يومنا هذا‪-‬‬


‫وهو القميص الذي كان يرتديه (عثمان) ُملطخا بدمائه لحظة مقتله‪ ،‬ووقتها‬ ‫قامت مجموعة من (الخوارج) بتعليقه علي منبر المسجد الجامع بدمشق كيدا‬ ‫(لعلي بن أبي طالب) الذي آلت إليه الخالفة بدعوي الثأر لمقتل (عثمان) ومنذ‬ ‫تلك اللحظة بدأ توظيف الدين في السياسة‪.‬‬ ‫فقام الخوارج باالنحياز لمعاوية بن أمية‪ ،‬وادعوا بأنه أحق بالخالفة من‬ ‫(علي) ولقي هذا األمر هوي من (معاوية) فلم يقم بمبايعة (علي) بحجة ضرورة‬ ‫القصاص أوال‪ :‬لمقتل (عثمان بن عفان)‪.‬‬ ‫هنا قامت معركة بين أنصار (معاوية) وأنصار (علي) وعندما خاف‬ ‫(معاوية) من الهزيمة‪ ،‬لجأ إلي التحكيم‪ ،‬برفع المصاحف علي أسنة الرماح‪،‬‬ ‫تحت ضغط أنصاره والخوارج‪ ..‬وهنا استجاب (علي) حقنا للدماء‪..‬‬ ‫نتيجة لذلك انقلب الخوارج علي (علي) بسبب قبوله التحكيم‪ ،‬واتهموه‬ ‫باالبتداع‪ ،‬وعندما حاول استئناف قتال جيش (معاوية) اتهموه ‪ -‬ثانية ‪ -‬بأنه‬ ‫لم يغضب هلل‪ ،‬وإنما غضب لنفسه‪ ،‬ورموه بالكفر وطالبوه بالتوبة والرجوع‬ ‫إلي اإلسالم !!‬ ‫وهنا قالوا مقولتهم الشهيرة (ال حكم إال هلل)‪ ،‬بعدها قاتلهم (علي) حتى قضي‬ ‫عليهم‪.‬‬ ‫ استمر النزاع السياسي علي السلطة‪ ،‬حتى مقتل (علي) في عام ‪40‬ه وتمت‬‫أبو العال السالموين‬

‫‪105 104‬‬


‫مبايعة ابنه (الحسن) الذي تنازل طواعية لمعاوية بعد ستة شهور حقنا للدماء‪،‬‬ ‫وظل (معاوية) حتى عام ‪ 60‬ه وورث بعده ابنه (يزيد) لتتحول الخالفة بعدهما‬ ‫إلي بيعة وشوري‪.‬‬ ‫الحكم بين يزيد والحسين‪ُ ،‬قتل الحسين‪ ،‬وسيطر‬ ‫وبسبب النزاع علي ُ‬ ‫األمويون علي الخالفة‪ ..‬في وسط تلك األجواء ظهرت فرق جديدة للخوارج‪،‬‬ ‫استحلت الدماء‪ ،‬واألعراض‪ ،‬وأموال المسلمين بعد تسييس الدين‪ ،‬واالنحراف‬ ‫به في صراعها علي السلطة‪ ،‬وتلك الفرق الجديدة ظهرت بأسماء (القرامطة –‬ ‫المعتزلة – األزارقة – النجدات – األباضية – الصفرية – الشيبية – األشاعرة‬ ‫– الحشاشين) وكلها تؤمن بالعمل السري‪ ،‬وترفع السالح‪ ،‬وتمارس العنف‬ ‫واإلرهاب‪ ،‬واالغتياالت‪ ،‬ولقد أحدثت – بوجودها وبممارساتها – شرخا سياسيا‬ ‫في بناء الدولة اإلسالمية‪ ،‬ظل قائما حتى اليوم‪ ،‬وكأن التاريخ ُيعيد نفسه من‬ ‫جديد‪ ،‬وتظهر فرق جديدة‪ ،‬تُمارس نفس اللعبة‪ ،‬وتقوم بنفس الدور‪ ،‬وتخلط‬ ‫األوراق‪ ،‬وتلعب لعبة الدين والسياسية‪ ،‬مثل (جماعة اإلخوان المسلمين ‪-‬‬ ‫التكفير والهجرة (‪ -)5‬الجهاد ‪ -‬الجماعة اإلسالمية (‪ –)6‬القاعدة – داعش)‪.‬‬ ‫ثالثا‪:‬كيف ُيعالج الكاتب ‪ -‬أي كاتب ‪ -‬موضوع التطرف الديني واإلرهاب باسم‬ ‫الدين‪ ،‬هل يتناول الفكر ؟أم يتناول الفعل ؟‬ ‫المتطرف‪ ،‬أجدي كثيرا من معالجة الفعل‪ ،‬ألن‬ ‫أري أن معالجة الفكر ُ‬ ‫الفعل هو نتيجة طبيعية للفكر الذي أدي إليه‪ ،‬ولكي نستطيع منع الفعل‪ ،‬فال بد‬ ‫أن نتعرف أوال علي الفكر‪ ،‬لكي نواجهه مواجهة حقيقية‪ ،‬ليس بالدخول في‬


‫حوار مع عناصر الجماعات المتطرفة – كما حدث علي أرض الواقع بالفعل –‬ ‫ولكن بمواجهة األسباب‪ ،‬وتعديل المناخ الذي يسمح لهؤالء بالتواجد بين الناس‪،‬‬ ‫والتأثير علي بعضهم من أجل تحقيق األهداف‪.‬‬ ‫ هؤالء الذين يوظفون الدين في السياسة‪ ،‬يعلمون أن الدين هو الورقة الرابحة‬‫للتأثير‪ ،‬بسبب تدين شعبنا ‪ -‬بطبعه‪ -‬لكن سياسة خلط األوراق والخداع ربما‬ ‫تغيب عن أذهان الناس‪ ،‬ولذلك ينبغي العمل علي فصل الدين عن الدولة‪.‬‬ ‫وأعضاء الجماعات المتطرفة‪ ،‬عندما يرون المنادين بالدولة المدنية‪ ،‬أو‬ ‫العلمانية‪ ،‬أو الليبرالية‪ ،‬يتهمونهم ‪ -‬فورا ‪ -‬بالكفر والخروج علي الدين‪،‬‬ ‫ويحلون دمهم !! ويمارسون أساليب العنف بكل األدوات‪ ،‬ليس فقط عنفا فكريا‪،‬‬ ‫أو لفظيا‪ ،‬لكنه العنف الجسدي المتمثل في التصفية‪ ،‬وإراقة الدماء‪ ،‬حتى وان‬ ‫كانت دماء األبرياء‪.‬‬ ‫ علي الجانب اآلخر أود اإلشارة إلي أن األعمال المسرحية التي تعرض‬‫الفعل اإلجرامي وتُجسد العنف فوق خشبة المسرح‪ ،‬ليست هي األعمال التي‬ ‫ندخلها في إطار مواجهة اإلرهاب ‪ -‬فنيا ‪ -‬للسبب الذي ذكرته من قبل‪.‬‬ ‫وفي تلك القراءة سأحاول اإلجابة علي السؤال السابق‪ ،‬لنتبين كيف عالج‬ ‫الكاتب (محمد أبو العال السالموني) تلك القضية‪ ،‬التي تُعد مشروعا تنويريا‪،‬‬ ‫حقيقيا في مسيرته المسرحية‪.‬‬

‫أبو العال السالموين‬

‫‪107 106‬‬


‫أمير الحشاشين‬

‫(‪)7‬‬

‫ُيقدم الكاتب (محمد أبو العال السالموني) مسرحيته (أمير الحشاشين) بعبارة‬ ‫قالها (ابن خلدون) في مقدمته مفادها‪( :‬العرب أصعب األمم انقيادا بعضهم‬ ‫وبعد الهمة والمنافسة في الرياسة‪ ،‬فقلما تجتمع أهواؤهم‪،‬‬ ‫لبعض للغلظة واألنفة ُ‬ ‫الملك إال بصبغة دينية من نبوة أو رياسة أو أثر‬ ‫ومن أجل ذلك ال يحصل لهم ُ‬ ‫الجملة)‪.‬‬ ‫من دين علي ُ‬ ‫و (ابن خلدون) ‪ -‬بتلك المقولة ‪ -‬يضع يده علي (أس الداء في نظام الحكم‬ ‫العربي الذي ال يتم إال بصيغة دينية‪ ،‬ومن ثم اختلطت أوراق الدين بأوراق‬ ‫السلطة طوال تاريخنا منذ أن رفع األمويون المصاحف علي أسنة الرماح‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ورفع الخوارج شعار ال حكم إال هلل)‪..‬‬ ‫المقدمة الصريحة الكاشفة‪ ،‬فهذا معناه أن‬ ‫وحين يبدأ الكاتب مسرحيته بتلك ُ‬ ‫فكرته قد تحددت سلفا‪ ،‬وقضيته‪ ،‬قد فرضت نفسها عليه‪ ،‬حتى قبل أن يكتب‪،‬‬ ‫ولذلك فإن الجانب التسجيلي‪ ،‬الذي يجيء ُمستلهما من التاريخ‪ُ ،‬يصبح هو مادة‬ ‫المسرحية‪ ،‬وإن َّ‬ ‫تدخل الخيال أثناء المعالجة‪.‬‬ ‫ليس من الضروري ‪ -‬فنيا ‪ -‬أن يلتزم الكاتب باألحداث التاريخية حرفيا‪ ،‬ألنه‬ ‫ال يعالج التاريخ كمنهج‪ ،‬بل ُليسقط ‪ -‬من خالله ‪ -‬علي ما يحدث في الواقع‬ ‫المعالجة‪.‬‬ ‫اآلني‪ ..‬وهذا هدف وضرورة تتطلبها ُ‬


‫وقد نتساءل‪ :‬هل كانت هناك عالقة بالفعل بين الشاعر (تميم بن المعز لدين‬ ‫هللا الفاطمي) وراقصة تدعي (برديس) كما ذكر المؤلف في مسرحيته؟ وأن‬ ‫تلك العالقة كانت سببا دفع أبوه(المعز) حاكم مصر في عصر الدولة الفاطمية‪،‬‬ ‫عندما فتحها في عام ‪ 361‬ه إلبعاده عن والية العهد‪ ،‬وجعلها البنه الثاني (عبد‬ ‫هللا) الذي توفي‪ ،‬فجعلها من بعده لولده (العزيز) ؟؟‬ ‫الكتب التي تحدثت‬ ‫أطرح هذا السؤال ألنني لم أجد ذكرا لهذه الواقعة في ُ‬ ‫عن (تميم) بل وليست هناك قصيدة واحدة كتبها عن (برديس)‪ ،‬أقول هذا مع‬ ‫إيماني بحرية الكاتب في أن يتصرف تبعا لما يراه في ضوء بعض الوقائع التي‬ ‫ذكرها التاريخ‪..‬‬ ‫المراجع حددت أن الشاعر تميم كان يحب المجون واللهو‪ ،‬ويحب مشاركة‬ ‫المصريين احتفاالتهم‪ ،‬وينزل إليهم ويعيش بينهم‪ ،‬ولذلك فإنه من الممكن أن‬ ‫تكون هناك عالقة بينه وبين فتاه من عامة الشعب‪ ،‬وتكون هذه العالقة من‬ ‫األسباب التي أدت إلي إبعاده عن والية العهد‪ ،‬هذا باإلضافة إلي أن المراجع‪،‬‬ ‫أجمعت علي أن (تميما) اتسمت حياته بالغموض‪ ..‬وأشارت إلي أن سبب إبعاد‬ ‫(المعز) لولده (تميم) يعود إلي أنه كان يميل إلي أصحاب الوقيعة‪ ،‬والثورة‬ ‫من أقربائه‪ ،‬فضال عن أنه لم يتسم بالطهارة كاملة‪( .‬فكان علي صلة قوية ببني‬ ‫عمومته من أبناء القائم‪ ،‬وأبناء المنصور باهلل‪ ،‬فهؤالء األمراء كانوا بالمهدية‪،‬‬ ‫ولم يطمئن الخلفاء إليهم‪ ،‬بل جعل أمر الرقابة عليهم‪ ،‬وعلي قصورهم إلي‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪109 108‬‬


‫األستاذ(جوذر) الذي كان ُمطلعا علي أسرار هذه األسرة‪ ،‬بل علي أسرار الدولة‬ ‫كلها‪ ،‬فكان يعلم أمر الخالف الشديد بين أبناء عبيد هللا المهدي‪ ،‬من ناحية‪،‬‬ ‫وأبناء القائم من ناحية أخري‪ ،‬وأمر الخالف الذي كان بين هؤالء جميعا وبين‬ ‫المنصور وأبنائه‪ ،‬ولقد أدي هذا بالمنصور إلي أن يصف أبناء عمومته وأقربائه‬ ‫بقوله في رسالة له إلي ولي عهده المعز « واعلم يا بني أن الشجرة الملعونة في‬ ‫القرآن هم بنو أمية باألمس‪ ،‬وبنو جديك المهدي باهلل والقائم بأمر هللا‪ ،‬ألن بني‬ ‫أمية إنما استحقوا ذلك لعداوتهم لجدك رسول هللا ووصية علي بن أبي طالب‪،‬‬ ‫وكذلك استحق هؤالء ذلك بعداوتهم هلل‪ ،‬وألولياء هللا‪ ،‬وجحدهم فضلنا‪ ،‬وإنكارهم‬ ‫(‪)8‬‬ ‫حقنا‪ ،‬فاعلم ذلك وتدبره « ولقبهم في رسالة أخري بالحمير والبقر)‬ ‫وأيا كانت األسباب التاريخية‪ ،‬فالمهم عند الكاتب أن واقعة اإلبعاد تمت‬ ‫تاريخيا بالفعل‪ ،‬وفي المسرحية‪ ،‬وظفها لمعالجة قضية اللعب سياسيا تحت‬ ‫شعار الدين‪ ،‬ألن بعض الفرق السياسية ومنها (فرقة الحشاشين) استغلت واقعة‬ ‫إبعاد (تميم) ونفيه إلي خارج البالد‪ ،‬إلحداث وقيعة بين الشقيقين‪ ،‬حتى تستطيع‬ ‫تلك الفرق تحقيق مكاسب سياسية‪ ،‬للوصول إلي السلطة‪ ،‬زاعمة أن (تميما)هو‬ ‫اإلمام الحق‪ ،‬ومن هنا لعبت لعبتها اإلرهابية التي تعتمد علي االغتيال السياسي‪.‬‬ ‫المعالجة ‪ -‬إسقاط حدث األمس البعيد علي عالمنا العربي‬ ‫ويريد الكاتب ‪ -‬بتلك ُ‬ ‫واإلسالمي حاليا‪ ،‬حيث تقوم جماعات (اإلرهاب والهوس الديني بتأكيد العالقة‬ ‫المتقدم منذ قرون‪،‬‬ ‫بين الدين والسياسة‪ ،‬تلك العالقة التي حسمتها أوربا والعالم ُ‬ ‫بالكفر أو الردة‪ ،‬التي‬ ‫بينما نحن ما زلنا نخشى مجرد مناقشتها حتى ال ُنتهم ُ‬


‫أدت ‪ -‬في النهاية ‪ -‬إلي تشويه صورة اإلسالم والمسلمين لدي اآلخرين)‬ ‫النقطة الثانية التي أكد عليها الكاتب هي التشكيك في نسب المعز وأوالده‬ ‫إلي الرسول‪ ،‬وأن الفاطميين ال أصول لهم‪ ،‬وهذا األمر كان ُيزعج (المعز لدين‬ ‫هللا الفاطمي) كثيرا‪،‬فلعبت فرقة الحشاشين علي هذا الوتر‪ ،‬لتهديد الحكم‪.‬‬ ‫(‪)9‬‬

‫وعلي الرغم من أنه ليس هناك خالفا علي تسلسل نسب (تميم بن المعز لدين‬ ‫هللا الفاطمي بن المنصور باهلل بن القائم بأمر هللا) إال أن الخالف شديد في نسبة‬ ‫(القائم بأمر هللا) إلي عبيد هللا المهدي مؤسس الدولة الفاطمية‪ ،‬والخالف أيضا‬ ‫شديد في نسب (عبيد هللا المهدي)‪ ..‬هذا الخالف يرجع لسببين (األول ما نجده‬ ‫في شعر تميم من إلحاح شديد في االنتساب إلي الرسول الكريم‪ ،‬والسبب الثاني‬ ‫هو وجود خالف شديد بين أفراد أسرة الخالفة الفاطمية‪ ،‬مما كان له أثر قوي‬ ‫(‪)10‬‬ ‫في حياة األمير تميم)‬ ‫ وهذا الذي تقوله المراجع ُيعارضه ما جاء في المسرحية علي لسان تميم‬‫حين واجه أبوه قائال له‪( :‬ال احنا من أهل البيت وال كانت أصولنا فاطمية‪،‬‬ ‫الحكاية لعبة الحكم الذكية اللي بتغلفها أفكار القداسة‪ ،‬وفي حقيقتها مطامع‬ ‫(‪)11‬‬ ‫سلطوية)‬ ‫ ‬ ‫وجاءت العالقة بين الشقيقين (تميم ‪ -‬العزيز) متوافقة مع ما جاء في‬ ‫المراجع‪ ،‬حيث كانت العالقة بينهما طيبة‪ ،‬ولم يكن أمر توليه العهد للعزيز‬ ‫تؤرق (تميما) أبدا برغم محاوالت قائد فرقة الحشاشين إلحداث الوقيعة‪،‬‬ ‫واستغاللها‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪111 110‬‬


‫استبدل الكاتب اسم (حسن الصباح) أمير الحشاشين‪ ،‬باسم (برهام) في‬ ‫المسرحية‪ ،‬ليؤكد ‪ -‬بشكل فني ‪ -‬علي أن معالجة الموضوع التاريخي‪ ،‬أمر ال‬ ‫يهمه‪ ،‬بقدر ما يهمه توظيف تلك األحداث‪ ،‬لتوصيل رسالة‪ ،‬تتوافق مع متغيرات‬ ‫الواقع الحالي‪.‬‬ ‫و(برهام) هذا يلعب لعبته‪ ،‬علي الشقيقين‪ ،‬وال يهمه من أمرهما شيئا ـ‬ ‫بقدر ما يهمه تحقيق هدف الوصول إلي السلطة‪ ،‬حتى ولو زرع الفتنة بينهما‪،‬‬ ‫واحترقت البالد‪.‬‬ ‫ينسج ‪ -‬في البداية ‪ -‬خيوط المؤامرة‪ ،‬التي لم يتبينها (تميم) بسبب ُحسن‬ ‫النية‪.‬‬ ‫وأمير الحشاشين (برهام) ‪ -‬كما قدمه الكاتب في المسرحية ‪ُ -‬يذكرنا‬ ‫باإلرهابي (شكري مصطفي) أمير جماعة التكفير والهجرة‪،‬التي ظهرت في‬ ‫(الشيخ الذهبي) شيخ األزهر‪ ،‬فضال عن‬ ‫مصر السبعينيات‪ ،‬وقامت بقتل‬ ‫(‪)12‬‬ ‫اتهامها للمجتمع المصري بالكفر والزندقة‬ ‫يتحدث (برهام) مخاطبا الجماهير قائال‪:‬‬ ‫برهام‪ ) :‬يقف خطيبا) يا إخواني‪ ..‬حمدا هلل علي أن وفقنا في الهجرة من‬ ‫أرض الكفر وأرض العصيان‪ ،‬لنكون هنا في أرض الهجرة واإليمان‪ ،‬الهجرة‬ ‫ياأخوان‪ ،‬هي أول رحلتنا‪ ،‬لكن العودة آخرها‪ ،‬مابين الهجرة والعودة‪ ،‬سيكون‬


‫ونعد العدة والقوة لنواجه من كانوا سببا‬ ‫لدينا الوقت لنشحذ همتنا وعزيمتنا‪ُ ،‬‬ ‫ونطهر أرضا عاثوا فيها فسادا وفسوقا‪ ،‬ونخلصهم من حكم‬ ‫في هجرتنا‪ُ ،‬‬ ‫الطاغوت الكافر وتراث المجتمع الكافر‪.........................‬لكنا يا أخوان‬ ‫كي ننجح في إسقاط المجتمع الكافر‪ ،‬البد لكل يد فيكم تحمل سيفا‪ ،‬أن تدرك أن‬ ‫الطاعة ديدنها وبدايتها ونهايتها‪ ،‬ليحقق غايتها‪ ،‬والطاعة يا أخوان‪ ،‬تعني التسليم‬ ‫المطلق‪ ،‬أعني الطاعة عمياء‪ ،‬خرساء وبكماء‪ ،‬فليقسم كل منكم يا أخوان أن‬ ‫ُ‬ ‫(‪)13‬‬ ‫الطاعة عمياء‬ ‫وعلي طول المعالجة الدرامية‪ ،‬يوضح الكاتب كيف يمارس األمير سطوته علي‬ ‫الجميع‪ ،‬وكيف يتشدق باإليمان‪ ،‬ويتكلم باسم اإلسالم‪ ،‬وباسم الدين‪ ،‬للدرجة‬ ‫التي أزعجت (العزيز) حين رأي مدي استجابة الناس له‪ ،‬وتصديقهم لكالمه‪،‬‬ ‫ونجاحه في الوقيعة‪ ،‬وجر البالد نحو القتال‪ ،‬فحاول إقناع شقيقه باستعادة الحكم‪،‬‬ ‫لكن(تميما) رفض‪ ،‬وتمسك بما أحبه‪ ،‬وهو الشعر‪ ،‬وأعلن رفضه للحكم‪ ،‬ولهذا‬ ‫السبب سيطر (برهام) سيطرة كاملة علي القصر‪ ،‬برجاله الذين هددوا الناس‬ ‫داخله وخارجه‪ ،‬وبرهام حين خاطب األمير‪ ،‬تحدث باسم الشرع والشريعة‪،‬‬ ‫طالبا منه أن ُيعلن أن الحكم باطل‪ ،‬والمجتمع صار جاهليا‪،‬وفاجرا‪ ،‬وكافرا‪،‬‬ ‫ورأينا (العزيز) ضعيفا أمام ذلك اإلرهابي‪ ،‬الذي يستخدم الدين أداة تهديد‬ ‫ووعيد‪ ،‬فارضا شروطه عليه‪.‬‬ ‫برهام‪ :‬كل أمراء الجماعات اللي نشأت للجهاد‪ ،‬يحموا األقاليم بأنحاء البالد‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪113 112‬‬


‫العزيز‪ :‬أمركم‪ ..‬أمراؤكم يحكموا كل البالد‪.‬‬ ‫الزوجة (زوجة المعز)‪ :‬هو ده معقول‪ ،‬أمراء الحشاشين يحكموا‪ ،‬ويتحكموا‬ ‫في أمر البالد‪.‬‬ ‫برهام‪ :‬ال مؤاخذة يا أميرة يحكموها بأمر مني‬ ‫الزوجة‪ :‬بأمر منك ؟ والعزيز موالك!؟‬ ‫برهام‪ :‬العزيز مواليا حا ينفذ أوامري‪..‬‬ ‫الزوجة‪ :‬شيء عظيم‪ ،‬وأنت صفتك إيه تكون ؟‬ ‫برهام‪ :‬اإلمام والفقيه‪ ،‬وكبير األمراء‪ ،‬واألمير والوزير‪ ،‬حامل التشريع وفي‬ ‫ايديا القوامة واإلمامة‪ ،‬صاحب الفتوى‪ ،‬وأنا القيم علي أمر الجماعة‪ ،‬وأنا اآلمر‬ ‫الناهي‪ ،‬أنا رب الشفاعة‪ ،‬أنا المسول عن الدولة‪ ،‬وعن الدين‪ ،‬والصالة وقت‬ ‫الجماعة‪ ،‬وأنا الضامن المضمون لتنفيذ الحدود وتطبيق الشريعة‪ ،‬باستطاعة‬ ‫وفوق حدود االستطاعة‪.‬‬ ‫ويبدأ معلنا طلباته‪ ،‬التي تُوضح مرجعيته الدينية الزائفة‪ ،‬تلك التي يستند‬ ‫عليها ليقنع الناس بأنه جاء مدافعا عن الدين‪ ،‬وليس باحثا عن السلطة‪ ،‬جاء‬ ‫إلعادة المجتمع الكافر إلي صوابه‪ ،‬بعد أن فقد صوابه في عهد (العزيز) يقول‪:‬‬ ‫برهام‪ :‬أصدر اآلتي ياموالي العزيز‪ ..‬من أمير األمراء وفقيه الفقهاء‪ ،‬اإلمام‬ ‫برهام أمير المسلمين الصالحين‪ ،‬الرجل يخرج بدون لحية حرام‪ ..‬بدون جالبية‬ ‫بيضة حرام‪ ..‬ست تخرج دون نقاب حرام‪ ..‬زينة في األفراح حرام‪ ..‬التنزه‬ ‫والتمشي علي النيل حرام‪ ..‬التمتع بالجناين وشم النسيم حرام‪ ،‬الجلوس علي‬ ‫المقاهي حرام‪ ،‬أكل الكوسة والكسكسي حرام‪ ..‬رؤية الحاوي وخيال الظل‬


‫حرام‪ ..‬ألعاب المحبظاتية والتشخيص حرام‪ ..‬عروسة المولد وحصان المولد‬ ‫حرام‪ ،‬الربابة والغناء والرقص حرام‪ ..‬شعر أو شعرا حرام‪ ..‬طبل زمر‬ ‫ناي حرام‪ ..‬العالج عند الطبيب حرام‪،‬األكل بالشوكة والسكين حرام‪ ..‬لبس‬ ‫(‪)14‬‬ ‫السراويل والفساتين حرام‬ ‫بينما الحالل الذي يراه هو‪( :‬الزواج من أربعة حالل‪ ..‬اقتناء الجواري‬ ‫والعبيد حالل ؟؟ قتل الكفار وغير المسلمين حالل‪ ،‬حرق كتب الشعر والمنطق‬ ‫حالل‪ ..‬شرب ماء البير حالل‪ ..‬أكل الفول المدمس حالل)‬ ‫وعندما يطلب من األمير وضع توقيعه علي تلك الشروط‪ ،‬يدخل أخوه (تميم)‬ ‫ليعلن أن الشعب جاهز للمقاومة‪ ،‬ولن يستسلم للعبة أمير الحشاشين أبدا‪ ،‬وال‬ ‫لشروطه‪ ،‬ومحاولة سيطرته علي الحكم‪ ،‬وتنتصر إرادة الجماهير‪.‬‬ ‫التأكيد علي فكرة مقاومة اإلرهاب‪ ،‬هي الرسالة التي يوجهها هذا النص‬ ‫إلي المتلقي‪ ،‬بدون تبني تلك الفكرة‪ ،‬سيستمر اإلرهاب معلنا شروطه‪ ،‬وإعالء‬ ‫كلمته‪ ،‬حتى ولو قامت علي باطل‪.‬‬ ‫ويوضح الكاتب كيف أن أصحاب هذا الفكر ُيقلقهم من يواجههم بالفكر‪،‬‬ ‫ ‬ ‫ُ‬ ‫ويفضح ممارساتهم وفكرهم‪ ،‬حين يقومون بطعن (معروف) الذي يمثل الفكر في‬ ‫هذه المسرحية‪ ،‬ويعتبر معادال موضوعيا لمفهوم االستنارة‪ ،‬يطعنونه بالخنجر‬ ‫بعد اتهامه بالكفر والردة‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪115 114‬‬


‫معروف‪ :‬نربأ بالدين عن مالعيب الحكام في الحكم‬ ‫برهام‪ :‬أيوه‪ ..‬قصدك فصل الدولة عن الدين‪ ،‬مش ده غرضك يا شيخ معروف؟‬ ‫معروف‪ :‬أفهمني يا برهام‪ ..‬أنا قصدي ما نخلطش أمور الدولة في أمور الدين‪،‬‬ ‫خلط األوراق بين األمرين لعبة خطيرة‪ ،‬بتشوه صورة األتنين‪ ،‬ودي مأساتنا في‬ ‫كل تاريخنا‪ ،‬ودي غلطتنا اللي مازالت في مطاردتنا‪ ،‬من عصر الفتنة الكبرى‬ ‫لحد اآلن‪ ،‬والخوف يطاردنا ليوم الدين‪ ..‬غلطة خلط األوراق‪ ،‬واللبس الحاصل‬ ‫بين الناس وفي أذهانهم‪ ،‬حتى اختل الميزان‪ ،‬وظهر حكام أشكال وألوان‪ ،‬وفرق‬ ‫وشيع وملل ونحل من كل مكان‪ ،‬وفي كل زمان‪ ،‬مسكوا ايدينا اللي بتوجعنا‬ ‫واللي تفرقنا وتجمعنا‪ ،‬والكل رافع راية التحكيم‪ ،‬ويقول ال حكم بغير الدين‪،‬‬ ‫طب مين علي حق‪ ،‬ومين علي دين‪ ،‬تعرفوا تقولوا يا مصريين‪ ،‬ازاي تختاروا‬ ‫(‪)15‬‬ ‫الحكم لمين والحق لمين‪ ،‬والكل بيرفع قدامكم ألوية الدين‬ ‫موت معروف في هذه المسرحية ال يعني االستسالم‪ ،‬بل يعني ضرورة‬ ‫المواجهة‪ ،‬ألن تلك الجماعات تُعيدنا إلي عصر الجاهلية‪ ،‬وتغيب التفكير‪،‬‬ ‫وتنتصر لفعل الطاعة العمياء‪ ،‬وتنتصر للقيم الرديئة التي تهدم وال تبني مجتمعا‪،‬‬ ‫هنا ُيحاكم الكاتب الفكر المتخلف‪ ،‬الفكر المتطرف‪ ،‬وينتصر لثقافة التسامح في‬ ‫مواجهة ثقافة التعصب‪ ،‬تلك الثقافة التي تروج لها جماعات اإلسالم السياسي‬ ‫منذ عصر الفتنة الكبرى حتى اآلن‪.‬‬


‫ديوان البقر‬

‫(‪)16‬‬

‫تأتي مسرحية (ديوان البقر) لتؤكد علي ضرورة مقاومة أفعال التعصب‬ ‫والتطرف باسم الدين‪ ،‬والتصدي لفكر الكراهية والعنف‪،‬والدعوة إلي احترام‬ ‫العقل‪ ،‬والعلم‪ ،‬فبهما سنستطيع مواجهة الذين يريدون تعطيل العقل‪ ،‬ألن العقل‬ ‫وحده قادر علي مواجهة الجهل‪ ،‬والخرافة‪ ،‬وإحداث حالة من التنوير‪ ،‬لن‬ ‫يستطيع أي متطرف أن يلعب لعبته البغيضة في ظلها‪.‬‬ ‫المستند إلي مفهوم خاطئ للدين الحنيف‪،‬‬ ‫والتصدي للفكر المتعصب‪ُ ،‬‬ ‫يتطلب – كما ذكرت من قبل – معرفة الفكر الذي تقوم عليه إستراتيجية‬ ‫جماعات التطرف‪ ،‬وبدون هذه المعرفة لن تُجدي المقاومة‪ ..‬وهذا ما عالجه‬ ‫الكاتب في تلك المسرحية‪ ،‬وبشكل واضح تماما كما سنري‪.‬‬ ‫استدعي الكاتب حكاية ذكرها (أبو الفرج األصفهاني) في كتابه الشهير‬ ‫(األغاني) وعالجها معالجة جديدة‪ ،‬قدم من خاللها‪ ،‬محاكمة فنية لفكر الجماعات‬ ‫المتطرفة‪ ،‬التي تتحرك وتتحدث باسم الدين‪ ،‬وبمغالطات‪ ،‬ينبغي مواجهتها‬ ‫بحسم‪ ،‬وليس بمواجهات مراوغة يحكمها الضعف‪ ،‬والخوف‪.‬‬ ‫والحكاية مؤداها‪ :‬أن عثمان الوراق قال‪ :‬رأيت العتابي يأكل خبزا علي‬ ‫الطريق بباب الشام فقلت له‪ :‬ويحك‪ ..‬أما تستحي؟ فقال لي‪ :‬أرأيت لو كنا في‬ ‫دار فيه بقر كنت تستحي وتحتشم أن تأكل وهي تراك؟ فقلت‪ :‬ال‪ ...‬قال فأصبر‬ ‫حتى أعلمك أنهم بقر‪ ..‬فقام ووعظ وقص ودعا‪ ،‬حتى كثر الزحام عليه ثم قال‬ ‫لهم‪ :‬روي لنا غير واحد أنه من بلغ لسانه أرنبة أنفه لم يدخل النار‪ ..‬فما بقي‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪117 116‬‬


‫أحد إال وأخرج لسانه يومئ به نحو أرنبة أنفه‪ ،‬ويقدر حتى يبلغها أم ال‪ ..‬فلما‬ ‫تفرقوا قال العتابي‪ :‬ألم أخبرك بأنهم بقر ؟؟‬ ‫تلك الحكاية التراثية عالجها الكاتب‪ُ ،‬مسقطا معناها علي ما تفعله جماعات‬ ‫التطرف الديني في واقعنا الحالي‪ ،‬كاشفا عن فكرها وتفكيرها‪ ،‬وأساليبها‬ ‫للسيطرة علي الناس وإقناعهم باألفكار المتعارضة مع العقل‪ ،‬في محاولة منهم‬ ‫لجعل الناس قطعانا من األبقار تتدلي ألسنتها لتلعق أنوفها‪ ،‬اتقاء لنار جهنم‪،‬‬ ‫وعذاب القبر‪ ،‬بمقوالت ظاهرها الرحمة‪ ،‬وباطنها العذاب‪.‬‬ ‫وقف (حمود بن المودود) ‪ -‬في المسرحية ‪ -‬هو وتابعه (مولود) في تلك المدينة‬ ‫الخيالية ليكمل حكاية األصفهاني ُمخاطبا الناس وكأنه (العتابي) ‪ ....( :‬أنا‬ ‫أدعي حمود بن المودود‪ ،‬جئت من المشرق‪ ،‬حيث الشمس المشرقة تضيء‪،‬‬ ‫وتمأل عالمنا بالنور وبالجود‪ ،‬أنا حمود بن المودود‪ ،‬ونسبي يمتد إلي آدم جد‬ ‫البشرية دون حدود‪ ...‬هذا هو نسبي المبروك‪ ،‬والممتد بعيدا ُبعد الشمس‬ ‫عن األرض‪ ،‬بل ُبعد الطول عن العرض‪ ،‬فتري ماذا جاء بحمود المبروك‬ ‫بن المودود لبلدتكم‪ ،‬ومدينتكم بالذات ؟ ماذا يحمل من ُبشري األجداد إلي‬ ‫األحفاد‪ ،‬أنا يا إخواني أحمل رؤيا تنقذكم من نار جهنم‪ ،‬وعذاب القبر‪ ..‬هل‬ ‫تسمعون‪ ..........‬رؤياي تقول‪ :‬من أمكنه أن يلعق أرنبة األنف بطرف لسانه‪،‬‬ ‫لن يدخل نارا أو يتعذب‪ ،‬هذا حق يا قوم‪ ،‬رؤياي أتت عن أكثر من واحد‪،‬‬ ‫(‪)17‬‬ ‫وتقول‪ :‬من أمكنه أن يلعق أرنبة األنف سينجو حتما من نار جهنم)‬


‫من هنا بدأت لعبة هذا الدعي‪ ،‬التي يلعبها باسم الدين‪ ،‬وهدفه األساسي‬ ‫هو الوصول إلي كرسي الحكم‪ ،‬فلقد حاول أن يثبت لرفيقه (مولود) أنه بهذه‬ ‫الطريقة سيستطيع أن يجعله أميرا علي هذه البلدة التي نزل بها‪ ،‬وسيستطيع‬ ‫أن يجعلهم مثل األبقار‪ ،‬يحركون ألسنتهم لعقا لتصل إلي أنوفهم‪ ،‬بهدف دخول‬ ‫الجنة‪ ،‬والنجاة من عذاب النار‪ ،‬ولن يفكروا‪ ،‬ألن األبقار ال تفكر‪ ،‬ولذلك سيسهل‬ ‫عليه السيطرة عليهم‪ ،‬ويحولهم إلي مسخ‪ ،‬كما يريد‪ ،‬حتى أن ملك البالد صدق‬ ‫دعوته‪ ،‬وفعل مثلما أمر‪ ،‬بل وتنازل له عن الحكم طواعية‪ ،‬ونفذ أوامره‪ ،‬حين‬ ‫أراد التخلص من رموز التنوير في تلك المدينة (وزير الملك‪ ،‬وأبنته نورهان)‬ ‫التي تعلمت خارج البالد‪ ،‬وتؤمن بالعقل‪ ،‬كما يؤمن به والدها‪ ،‬أصدر أوامره‬ ‫بإحراقهما إرضاء للمتطرف الذي جعل معظم الناس يسيرون تحت عباءته‪،‬‬ ‫حتى أن تلك الفتاة الصغيرة – حين رأت جهل الحاكم‪ ،‬رضيت بطلب الزواج‬ ‫منها‪ ،‬لتفتح أبواب الحرية والعلم‪ ،‬أمامه‪ ،‬ولتنشر رسالتها التنويرية‪ ،‬لتنقذه من‬ ‫المثلي لمواجهة‬ ‫أيدي حمودة بن المودود‪ ،‬إيمانا منها بأن العلم هو الوسيلة ُ‬ ‫زحف جماعات الظالم والجهل‪.‬‬ ‫قررت مواجهة بن المودود‪ ،‬وخاطبت الملك والناس‪ ،‬لتنقذهم من الجهل‬ ‫واالستسالم للتطرف‪.‬‬ ‫نورهان‪ :‬شيء رائع أن يسعي اإلنسان لكي يتوقي نار جهنم‪ ،‬لكن أسألكم‪ ..‬هل‬ ‫يخبرني أحد منكم عن سبب يربط بين الظاهرتين‪ ..‬لعق األنف ونار جهنم ؟‬ ‫أهنالك ما يربط بينهما (ال أحد يجيب) وأذن ال أحد يجيب‪ ،‬إذا ليس هنالك في‬ ‫الواقع ما يربط بينهما‪ ،‬وكذلك ليس للعق األنف أو الحلمة صلة بدخول النار‬ ‫(‪)18‬‬ ‫أو الجنة‬ ‫أبو العال السالموين ‪119 118‬‬


‫المسرحية تنحاز لقيمة العلم والتفكير في مواجهة الجهل والخرافة‬ ‫والتخلف‪ ،‬وتشير إلي طبيعة الصراع غير المتوازن بين قوتين‪ :‬قوة من‬ ‫يؤمنون بالعقل‪ ،‬وقوة من ال يؤمنون به‪.‬‬ ‫نورهان‪ :‬يا أهل مدينتنا العقالء‪ ،‬عودوا للعقل لكي يعصمكم من هذا الجهل‪ ،‬يا‬ ‫أهل مدينتنا العقالء‪ ،‬الحق أقول ال حل سوي العقل‪ ،‬والعقل هو الحل‪.‬‬ ‫الصراع بين العقل والجهل‪ ،‬يخلقه هؤالء المتطرفون بأفكارهم المتخلفة‪،‬‬ ‫وتحكيم العقل سيجعلنا ال نصدق أن اللسان يمكنه الوصول إلي أرنبة األنف‪،‬‬ ‫والذي يصدق ذلك هو نفسه الذي سيصدق الحاوي أو الساحر‪ ،‬حين ُيخرج‬ ‫الكتكوت من فمه‪ ،‬أو أذنه‪ ،‬أو أي مكان آخر‪ ،‬لكن من يفكر سيتساءل‪ :‬هلي‬ ‫يعني هذا أن الكتاكيت كانت في معدة الحاوي‪ ،‬فأخرجها من فمه‪ ،‬أو إذنه ؟؟! أم‬ ‫أن األمر يعود إلي خفة يديه ومهارة حركته ؟؟؟ في حالة تصديق لعبة الحاوي‬ ‫أو الساحر‪ ،‬نقول‪ :‬إن اإلنسان قام بإلغاء العقل‪ ،‬أو ما أسماه أستاذ التاريخ الدولي‬ ‫(‪)19‬‬ ‫الحديث في جامعة ليدز البريطانية (فيليب تايلور) قصف العقول‬ ‫وما أسماه ‪-‬أيضا‪ -‬الدكتور عبد المحسن صالح‪( :‬االنحراف الفكري)‬ ‫حين تحدث عنه قائال‪( :‬هذا االنحراف الفكري عن شرائع هللا في كونه‬ ‫العظيم‪ُ ،‬يعد انحرافا في توجيه عقول الناس عامة‪ ،‬والشباب خاصة‪ ،‬وجهة ال‬ ‫عقالنية‪ ،‬فبدال من أن يسلكوا طريق العقل والصواب‪ ،‬نراهم يعيشون في عالم‬ ‫التصورات الرديئة‪ ،‬واألوهام المريضة‪ ،‬وبدال من ترشيدهم‪ ،‬وإرشادهم للبحث‬ ‫(‪)20‬‬ ‫عن الحقيقية‪ ،‬تكفيهم هذه الخزعبالت السقيمة‬


‫وألن حمودة اإلرهابي اليستطيع مواجهة (نورهان) حين تبث الوعي لدي‬ ‫الناس‪ ،‬ويعلم أنها تستطيع القيام بذلك ـ لقوة حجتها‪ ،‬مع علمه بأنه كاذب‪ ،‬نراه‬ ‫ويعلن عن ذلك‬ ‫ينتقل سريعا الستكمال خطته‪ ،‬مواجهة لنتائج فعل التنوير‪ُ ،‬‬ ‫الحجة‪،‬‬ ‫صراحة‪ ،‬بما يكشف عن وجهه الحقيقي‪ ،‬وجه اإلرهابي‪ ،‬الذي ال يملك ُ‬ ‫ويوظف الخرافة‪ ،‬لتحقيق أغراضه فقط‪ ،‬فيطلب من (مولود) الذي نصبه أميرا‪،‬‬ ‫بال إمارة‪ ،‬توزيع األسلحة علي الناس‪ ،‬لمواجهة تقويض المجتمع الكافر ‪ -‬علي‬ ‫حد قوله – وحين ُيخاطبهم نكتشف طبيعته الهمجية‪ ،‬والعدوانية‪ ،‬واإلرهابية‪.‬‬ ‫حمود‪ :‬يا قوم‪ ..‬يا أهل مدينتنا‪ ،‬يا أصحاب اللحية والثوب األبيض‪ ..‬كارثة‬ ‫كبري سوف تهب عليكم وعلينا كالطوفان‪ ،‬أصحاب الفكر المستورد من أرض‬ ‫الروم يريدون لكم شرا‪ ،‬والزج بكم في النار‪ ،‬ووسيلتهم في ذلك فيما يزعم‬ ‫كهنتهم إعمال العقل‪ ،‬لكن من قال بأن العقل وسيلة فهم أو إدراك ؟ العقل وسيلة‬ ‫إبليس وآل الشيطان‪ ،‬ودمار لإلنسان‪ ،‬العقل عدو لإليمان‪ ،‬باهلل عليكم‪ ،‬كيف‬ ‫لعقل يفهم معجزة لسان يتطلع لألفق المتمثل في أرنبة األنف ؟ ألهذا تفسير عند‬ ‫العقل ؟ ألدى العقل القدرة كي يفهم معني أن يصل لسان المرء إلي حلمة أذنيه‬ ‫؟ أتحدي أن يفهم عقل هذا المعني‪.‬‬ ‫وحين ُيكمل (مولود) اإلرهابي التابع‪ ،‬رسالة سيده‪ ،‬نراه يخاطب الناس‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫مولود‪( :‬وهو يلوح بالخنجر والجنزير) يا قوم‪ ..‬يا أتباع بن المودود‪ ،‬اليوم‬ ‫سنبدأ حملتنا ضد المجتمع الموبوء الكافر‪ ،‬هذا المجتمع حالل فيه القتل‪ ،‬وحالل‬ ‫فيه السرقة والسلب‪ ،‬فلتُقتل ولتُسلب كل امرأة ال تتحجب أو تتنقب‪ ،‬وإذا أخذتكم‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪121 120‬‬


‫فيهن الرحمة فخذوهن سبايا للمتعة واللهو‪ ،‬أما عن كل رجال المجتمع الفاسق‪،‬‬ ‫فليسحل وليصلب ولتقطع منهم كل األيدي واألرجل وخصوصا من لم يطلق‬ ‫لحيته السوداء‪ ،‬ويرتدي الجلباب األبيض‪ ،‬أو يكشف عن ساقين بزغب الشعر‪،‬‬ ‫(‪)21‬‬ ‫هيا انطلقوا يا قوم لنقوض مجتمع الكفرة والكفر‬ ‫هذا الذي قاله (مولود) أمير تلك المدينة‪ ،‬تردد صداه في عالمنا المعاصر‪،‬‬ ‫حين خاطب اإلرهابي (عاصم عبد الماجد)(‪ )22‬الناس في ميدان رابعة أثناء‬ ‫(‪)23‬‬ ‫سنقاتل الحضارة الكافرة‬ ‫اعتصامهم الشهير قائال‪:‬‬ ‫وبرغم أن الكاتب (محمد أبو العال السالموني) كتب نصه في عام ‪1994‬‬ ‫أي قبل أحداث رابعة بتسعة عشر عاما‪ ،‬إال أنها نفس العبارات‪ ،‬بما يكشف‬ ‫عن أفكار تلك الجماعات ومنطلقاتهم الواحدة المحفوظة‪ ،‬حين يلعبون بالدين‬ ‫السلطة‪ ،‬إنها التُهمة‬ ‫من أجل السياسية‪ ،‬وحين يخلطون األوراق‪ ،‬للوصول إلي ُ‬ ‫الجاهزة‪ ،‬تهمة التكفير‪ .‬مهما اختلف الزمن وتباعدت السنون‪.‬‬ ‫رصد الكاتب أفكار تلك الجماعات‪ ،‬من خالل المواقف واألحداث الدرامية‪،‬‬ ‫تلك األفكار أبرزها النص‪ ،‬وعالجها‪ ،‬وكشفها‪ ،‬وفضحها أمامنا لنتعرف علي‬ ‫طبيعتهم‪ ،‬وعقليتهم‪ ،‬وأهدافهم‪ ،‬ومن هذه األفكار‪:‬‬ ‫(‪ -)1‬أنهم يبدأون بدون استناد ألي قوة‪ ،‬سوي قوة االدعاء‪ ،‬فيلجأون إلي حيلة‬ ‫الموحد المتمثل في الجلباب األبيض‪ ،‬للرجال‪ ،‬والنقاب للنساء‪،‬‬ ‫ارتداء الزى ُ‬ ‫وهذا المظهر العام ‪ -‬مع تزايد األعداد ‪ُ -‬يظهر وجودهم الذي ُيلقي الرعب –‬ ‫علي حد تعبيرهم – في نفوس الناس‪ ،‬ويوحي بالجبروت وبالطاغوت‪.‬‬ ‫فحين ُيولي حمود (مولودا) أميرا علي تلك المدينة‪ ،‬يتساءل ماذا سيفعل في‬


‫مواجهة قوة الملك‪.‬فيخبره حمود‪:‬‬ ‫حمود‪ :‬األمر بسيط‪ ..‬شعب مدينتك األبقار‪ ،‬تجمعهم صفارة‪ ،‬ويفرقهم نبوت‪،‬‬ ‫وهذا ما سوف يسهل لك من شأن الحكم (مولود يصفر فيتجمع الناس ثم يرفع‬ ‫النبوت فيتراجعون) أرأيت ؟‬ ‫مولود‪ :‬هذا حق يا سيدنا‪ ..‬أبقار‬ ‫نعناعة‪ :‬ماذا سيكون األمر إذا ما جاء الملك ومعه الحراس؟‬ ‫حمود‪ :‬لن يجرؤ أن يمسس أحدا منا مهما كان‬ ‫نعناعة‪ :‬ال أفهم كيف‪ ،‬وأنت بدون سالح أو أعوان‪ ..‬والناس كما أنت تقول‬ ‫يفرقهم نبوت؟‬ ‫حمود‪ :‬سترين المعجزة الكبرى‪ ،‬حين أحول من كان يفرقهم نبوت إلي طاغوت‬ ‫مخاطبا مولود‪ :‬لك أن تتصور يامولود‪ ..‬ماذا نصنع كي نوحي أن الحكم لنا‬ ‫والغلبة والسلطة لنا ؟‪ .............‬نلبس زيا ُيظهرنا كي نوحي أن السوق لنا‪،‬‬ ‫والغلبة في أيدينا‪.‬‬ ‫نعناعة‪ :‬ال أفهم ماذا تعني يا حمود ؟‬ ‫حمود‪ :‬صبرا يا نعناعة‪ ..‬مولود أرأيت إذا نحن طلبنا أن تتزيا النسوة زيا متحدا‬ ‫كمالبس نعناعة بعد التوبة‬ ‫مولود‪ :‬ما أجمله من زى‬ ‫حمود‪ :‬أيضا ما رأيك إن نحن دعونا أن يرتدي رجال مدينتنا أردية بيضاء‬ ‫قصيرة‪ ،‬ويربون اللحية سوداء‪ ،‬مثلك ومثلي ؟‬ ‫مولود‪ :‬هذا وهللا جميل‪..‬جلباب أبيض واللحية سوداء‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪123 122‬‬


‫وبعد ارتدائهم للزى الموحد يقول‪:‬‬ ‫حمود‪ :‬أرأيت إذن‪ ..‬من ينظر إلي الناس بهذا الزى‪ ،‬ماذا سيقول؟‬ ‫نعناعة‪ :‬سيقول بأن الحكم لكم‪ ،‬السلطة تحت أياديكم‪ ،‬والشارع والسوق وكل‬ ‫الناس جميعا رهن إشارتكم‪.‬‬ ‫حمود‪ :‬مع أنا ال نملك أية قوة‪..‬وكل األمر مجرد زى واحد‪ ،‬لكن الزى الواحد‬ ‫(‪)24‬‬ ‫ُيلقي الرعب‪ ،‬ويوحي بالجبروت وبالطاغوت‬ ‫(‪ -)2‬أنهم يفسرون الدين تفسيرا يدعم أهواءهم‪ ..‬مثل تفسيرهم للزواج‪.‬‬ ‫حمود مخاطبا (نعناعة) الراقصة التي تابت برشوة مالية‪ ،‬حين طلبت منه‬ ‫الزواج بها‪ ،‬قال‬ ‫لها‪.‬‬ ‫حمود‪ :‬ال بأس‪ ..‬أتزوجك لعدة ساعات‪ ،‬ثم أزوجك لمولود‬ ‫‪ .......‬مولود أولي بك‪ ،‬وإذا لم يعجبك طلقتك منه‪ ،‬اختاري رجال أيا كان‪،‬‬ ‫وسوف أزوجك إياه‪ ،‬وإذا لم ُيعجبك أزوجك لرجل آخر‪ ،‬ولرجل ثالث أو رابع‪،‬‬ ‫كل رجال مدينتكم يتمني أن يتزوج منك ليوم أو يومين‪ ،‬ال تخشي يا نعناعة‪،‬‬ ‫حين يتم لنا حكم مدينتكم‪ ،‬فأنا أملك كل الفتيات بزواج أو بطالق‪ ،‬وبحكم‬ ‫الشرع‪ ،‬وإذا كنت تريدين زواج جميع رجال مدينتكم فسأكفله لك‪ ،‬بطالق‬ ‫وزواج أيضا وفق الشرع‪.‬‬ ‫(‪ -)3‬استعمال األسلحة لتخويف الناس وقتلهم‪ ،‬حتى ولو كانت أسلحة بدائية‬ ‫مثل الخنجر والسيف والجنزير‪.‬‬


‫(‪ -)4‬الخلط بين أوراق الدين والسياسة‪ ،‬في أكثر من موقع داخل المسرحية‪.‬‬ ‫المطلق بثقافة التعصب‪ ،‬وغياب ثقافة التسامح‪.‬‬ ‫(‪ – )5‬اإليمان ُ‬ ‫(‪ -)6‬االنتقال من وطن إلي آخر‪ ،‬وعدم التمسك بوطن واحد‪ ،‬ألنهم يؤمنون أن‬ ‫الدين ال وطن له‪ ..‬وتصبح أي أرض يوجدون عليها هي وطنهم‪ .‬ولوقت محدد‪.‬‬ ‫أما عن موقف الملك كما قدمه لنا الكاتب‪ ،‬فهو موقف ساخر‪ ،‬وضعه في‬ ‫هذا القالب‪ ،‬ليوضح كيف أن بعض الحكام يخشون جبروت وعنف وإرهاب تلك‬ ‫الجماعات المتطرفة‪ ،‬ويتعاونون معهم‪ ،‬خوفا علي أنفسهم‪ ،‬فيبادلونهم الغزل‪،‬‬ ‫واالحتضان‪ ،‬وهذا األمر حدث كثيرا علي المستوي الواقعي‪ ،‬وليس الفني‪،‬‬ ‫(أنور السادات) حين قام‬ ‫ومازال يحدث‪ ،‬ونتذكر موقف الرئيس الراحل‬ ‫بمواجهة اليسار باليمين الديني‪ ،‬ألنه كان يشعر أن اليسار ال يتفق مع سياساته‪،‬‬ ‫ويعارض مواقفه‪ ،‬خاصة بعد تصريحه الشهير‪ ،‬بأن عام ‪ ،1971‬سيكون هو‬ ‫عام الحسم ‪ -‬أي الذي سيتم فيه تحرير األرض التي أغتصبها العدو اإلسرائيلي‬ ‫في ‪ - 67‬ومرت األعوام ‪ -‬بعد هذا التصريح ولم يتحقق ما صرح به !! فقامت‬ ‫مظاهرات الطلبة المناهضة‪ ،‬التي قادها اليسار‪ ،‬ففكر ‪ -‬علي الفور‪ -‬في إفساح‬ ‫المجال أمام التيارات الدينية لمواجهة المد اليساري داخل الجامعات‪.‬‬ ‫ومن المفارقات العجيبة أن تشكيل الجماعة اإلسالمية من الطالب اإلسالميين‪،‬‬ ‫تم بمساندة من النظام‪ ،‬فعندما تولي (محمد عثمان إسماعيل) أمين عام االتحاد‬ ‫االشتراكي ‪ -‬في ذلك الوقت ‪ -‬منصب محافظ أسيوط في عام ‪ ،1972‬أشرف‬ ‫بنفسه‪ ،‬وبأوامر من السادات علي فض االعتصام الشهير بجامعة أسيوط‪ ،‬والذي‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪125 124‬‬


‫قاده طالب اليسار‪ ،‬وكان للرجل نظرية مفادها‪ :‬أنه إذا حصل اإلسالميون علي‬ ‫المعارضين‬ ‫التمويل الالزم ألنشطتهم‪ ،‬فإنهم سيحلون محل الطالب اليساريين ُ‬ ‫للسادات‪ ،‬ولذلك انشأ مكتبا بالمحافظة‪ ،‬كانت وظيفته إعداد الكوادر للتصدي‬ ‫للطالب اليساريين‪ ،‬وإجهاض قوتهم داخل الجامعة‪ ،‬وكانت تلك هي البداية‪،‬‬ ‫المتطرفة‪ ،‬المتسترة بالدين‪ ،‬من‬ ‫التي ساعدت علي ظهور عدد من التنظيمات ُ‬ ‫أجل العمل علي تحقيق أهدافها الخاصة‪ :‬تنظيم الفنية العسكرية ‪ -‬تنظيم التكفير‬ ‫والهجرة ‪ -‬الجماعة اإلسالمية ‪ -‬الجهاد ‪ -‬وغيرها من التنظيمات األخرى‪.‬‬ ‫والخطأ الذي وقع فيه السادات‪ :‬هو محاولة استخدام الجماعات الدينية‬ ‫لخدمة أغراضه‪ ،‬ولم يكن يعلم أنها سرعان ما تنتقل إلى العمل لحسابها الخاص‪،‬‬ ‫وتمزيق اإلطار الذي يراد منها أن تعمل في داخله‪ ،‬ألنه (من االستحالة حصر‬ ‫(‪)25‬‬ ‫هذه الجماعات في إطار محدد سلفا‬ ‫والدليل علي ذلك أن اإلرهاب بدأ وافدا من الخارج‪ ،‬حين وجد أصحابه‬ ‫المتطرف‪ ،‬حيث ظهرت مجموعة‬ ‫المناخ مهيأ ‪ -‬في مصر – لممارسة النشاط ُ‬ ‫العقيد (صالح سرية) الفلسطيني المولد‪ ،‬األردني اإلقامة‪ ،‬وأتهم هناك بالتآمر‬ ‫وحكم عليه باإلعدام‪ ،‬ففر إلى العراق‪ ،‬ومنها إلى بعض‬ ‫علي الملك حسين‪ُ ،‬‬ ‫طرد منها‪ ،‬ليجد مستقره األخير في مصر‪ ،‬فقام‬ ‫الدول العربية األخرى التي ُ‬ ‫بممارسة مغامراته‪ ،‬حين قام باحتالل الكلية الفنية العسكرية‪ ،‬وقتل سبعة عشر‬ ‫شخصا‪ ،‬معتقدا أنه قد ُيحدث انقالبا في مصر في عام ‪ ،1974‬لكن مغامرته‬ ‫باءت بالفشل‪ ،‬وتم إعدامه …‬ ‫وتسلل إلى مصر ‪ -‬أيضا ‪ -‬إرهابي آخر ُيدعي (محمد سالم الرحال) الذي‬


‫قام بجمع فلول تنظيم (صالح سرية) وكان يطلق عليه اسم (حزب التحرير‬ ‫حرم أكل‬ ‫اإلسالمي) لينشئ تنظيما جديدا هو تنظيم (الجهاد اإلسالمي) الذي َّ‬ ‫ذبائح المصريين ألنهم كفار‪ ،‬والصالة في المساجد الحكومية ألن الحكومة –‬ ‫في نظرهم – حكومة كافرة‪ ،‬وحرضوا أتباعهم ضد التجنيد‪ ،‬وزعموا أن قتال‬ ‫المصريين أولي من قتال العدو اإلسرائيلي !! وقاموا بسرقة أسلحة من الجيش‪،‬‬ ‫وانكشفت مؤامرتهم‪ ،‬وتم القبض عليهم‪ ،‬وكان من بين المقبوض عليهم أربعين‬ ‫من الصبيان الصغار الذين ُحفظ التحقيق بالنسبة لهم علي أساس أنه غرر بهم‪،‬‬ ‫وانتهت مجموعة الجهاد األولي لتقوم علي أنقاضها مجموعة الجهاد الثانية‪ ،‬التي‬ ‫قامت بالصغار الذين تركتهم الحكومة رأفة بهم لصغر سنهم و ارتكب بعض‬ ‫(‪)26‬‬ ‫أفرادها حادثة المنصة وقتل (أنور السادات)‬ ‫الكاتب علي وعي بطبيعة هؤالء الحكام‪ ،‬ووعيه جعله يؤكد علي هذا‬ ‫المعني في مسرحية (أمير الحشاشين) حين جعل (العزيز بن المعز لدين هللا‬ ‫الفاطمي) يضع يده في أيدي المتطرفين بقيادة أميرهم (برهام) ولم ينقذ البالد من‬ ‫هذا التصرف األهوج سوي موقف أخيه (تميم) حين دعي للمقاومة‪ ،‬ورفض ال‬ ‫استسالم‪.‬‬ ‫وهو ما حدث – أيضا ‪ -‬في مسرحية (ديوان البقر) حين تمسكت (نورهان) ابنه‬ ‫وزير الملك‪ ،‬بضرورة مقاومة تلك العصابة التي تزعمها (حمود بن المودود)‬ ‫ودفعت الشعب للكالم واالحتجاج‪ ،‬بعد أن طالت ألسنتهم‪ ،‬نتيجة استمرارهم في‬ ‫لعق أرنبة األنف‪ ،‬وفقدوا بعدها القدرة علي الكالم‪ ،‬وقفت ضدهم ومعها أبوها‬ ‫الوزير‪ ،‬ونعناعة الراقصة التي اكتشفت زيف وكذب وبهتان (حمود) وتنتهي‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪127 126‬‬


‫المسرحية بكلمات (نورهان) التي حملت كثيرا من معاني المقاومة‪ ،‬وقوة‬ ‫المواجهة‪ ،‬تلك القوة التي دفعت (حمود بن المودود) ورفيقه‪ ،‬إلي الرحيل عن‬ ‫تلك المدينة‪ ،‬النكشاف أمرهما‪ ،‬وعدم قدرتهما علي تفعيل فعل بقرنة الناس‪.‬‬ ‫نورهان‪ :‬يا أهل مدينتنا‪ ،‬أنا أعلم أن البقرنة استشرت فيكم وفقدتم فعل النطق‪،‬‬ ‫لكن ال يعني هذا أن تتسرب فيكم روح اليأس‪ ..‬كال‪ ..‬يا أهل مدينتنا‪ ،‬الطائر قد‬ ‫ال يتكلم‪ ،‬لكن يمكنه أن يرقص‪ ،‬ويطير ويمكنه التغريد‪ ،‬الزهرة قد ال تتحدث‪،‬‬ ‫لكن ُيمكنها أن تبتسم وترقص طربا وتميد‪ ،‬وإذن فلنرقص ونغنى كالزهرة‪،‬‬ ‫وطيور الغيد‪ ،‬هيا يا نعناعة‪ ،‬مدي يدك ليرقص ويغني معك أهالي مدينتنا‪ ،‬حتي‬ ‫تنفك األلسنة المعقودة ويعود النطق (ترقص نعناعة كالطائر المذبوح ويستجيب‬ ‫الناس رويدا رويدا حتي ينطلق الجميع في رقص محموم‪ ،‬وهم يتخلصون من‬ ‫ألسنتهم المتضخمة وهم يغنون)‪.‬‬ ‫بالقوي الناعمة ‪ -‬كلها ‪ -‬نستطيع مواجهة اإلرهاب‪ ،‬ألن المتطرفين يعلمون‬ ‫مدي تأثير تلك القوي‪ ،‬وقدرتها علي حماية أي مجتمع يلعب فيه التطرف دورا‬ ‫في تغييب الوعي‪،‬ولذلك فإنهم ينادون بتحريم كل أدوات الفنون والثقافة‪ ،‬ومن‬ ‫المضحكة في هذا اإلطار (أن الخوميني حين تولي الحكم في إيران‪،‬‬ ‫األشياء ُ‬ ‫أصدر أول قرار له بمنع الموسيقي واألغاني في التلفزيون واإلذاعة‪ ،‬فلما‬ ‫قالوا له إن هذه األجهزة تأتي بالموسيقي واألغاني من الدول األخرى‪ ،‬أصدر‬ ‫قرارا بأال ُيسمح ببيع أي تلفزيون أو راديو‪ ،‬إال لمن يثبت أنه متدين‪ ،‬فكان‬ ‫المواطن الذي يريد شراء جهاز يذهب إلي الشرطة‪ ،‬والحزب‪ ،‬وعدة جهات‬ ‫أخري الستخراج شهادات بأنه متدين وعلي خلق‪ ،‬ونفس الشيء حدث عندما‬


‫الحكم في بالدهم‪ ،‬فكان أول قرار لرئيس الدولة‬ ‫وصل المجاهدون األفغان إلي ُ‬ ‫هو إلغاء األغاني والموسيقي‪ ،‬هذا في الوقت الذي لم تُصدر أي من الدولتين‬ ‫(‪)27‬‬ ‫قرارا بتطبيق مبدأ الشورى الذي هو دعامة الحكم في اإلسالم)‬ ‫(‪)28‬‬ ‫الحادثة اللي جرت في شهر سبتمبر‬ ‫في الحادي عشر من سبتمبر عام ‪ 2001‬وفي الساعة الثامنة والدقيقة‬ ‫الخمسين صباحا‪ ،‬ارتطمت طائرة نقل بالبرج الشمالي من مركز التجارة‬ ‫العالمي‪ ،‬وباشرت محطات التلفزيون بثها المباشر من نيويورك‪ ،‬وعند الساعة‬ ‫التاسعة والدقيقة الثالثة صباحا اصطدمت طائرة نقل أخري بالبرج الجنوبي‬ ‫لمركز التجارة العالمي‪ ،‬وحصل االصطدام للبرج الجنوبي في وقت كانت فيه‬ ‫معظم المحطات تبث مشاهد للبرج الشمالي وهو يشتعل‪ ،‬لذلك شاهده الماليين‬ ‫علي الهواء مباشرة‪ ،‬ثم أُعلن عن هجوم آخر علي وزارة الدفاع األمريكية‪،‬‬ ‫وفي الساعة العاشرة صباحا انهار البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي‬ ‫مباشرة عبر شاشات التلفزيون‪ ،‬وبعدها بنصف ساعة انهار البرج الشمالي‪،‬‬ ‫وتصاعد الدخان ولف الغبار المدينة‪ ،‬وأُعلن عن موت عشرات اآلالف من‬ ‫األشخاص‪،‬ودفعت هذه الهجمات السلطات األمريكية إلي إخالء جميع المباني‬ ‫الحكومية في واشنطن‪ ،‬بما في ذلك البيت األبيض‪ ،‬والمباني العالية في أنحاء‬ ‫البالد‪ ،‬كما أدي الحادث إلي قطع جميع االتصاالت والهواتف المحمولة في‬ ‫الساحل الشرقي‪ ،‬ووقف جميع الرحالت الجوية التجارية‪ ،‬ووقف حركة سير‬ ‫القطارات في شرق البالد بين واشنطن وبوسطن‪ ،‬كما أغلقت الحدود مع‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪129 128‬‬


‫المكسيك‪ ،‬وأوقفت الحركة المرورية بأسرها عند الحدود‬ ‫عن تلك الوقائع تدور أحداث مسرحية (الحادثة اللي جرت في شهر سبتمبر)‬ ‫والتي كتبها (أبو العال السالموني) في عام ‪ 2002‬أي بعد الحادث بعام واحد‬ ‫أو أقل من العام‪ ،‬بما يعني أنه تعامل معها حسب ما ُنشر وقتها‪ ،‬وبالمعالجة‬ ‫التي قام بها ‪ -‬ولم يعتمد فيها تماما علي تفاصيل الحادثة ‪ -‬استطاع نصه‬ ‫أن يكون صادقا‪ ،‬ومؤثرا تماما‪ ،‬برغم ظهور تفسيرات جديدة للحادث‪ ،‬بعد‬ ‫حدوثه بسنوات‪ ،‬تفسيرات وأسرار ووثائق‪ ،‬تشير إلي أن ثمة مؤامرة تمت‬ ‫واستخدم فيها اإلرهابيون الذين وظفتهم أمريكا من قبل‪ ،‬وساعدتهم للقيام‬ ‫بأعمال لصالحها ـ وأن كل ذلك تم بهدف إلصاق تهمة اإلرهاب باإلسالم‬ ‫والمسلمين‪ ،‬حين أرادت أمريكا التخلص من عمالئها‪.‬‬ ‫هذه التفسيرات لم تقلل من قيمة النص – كما أشرت – لماذا؟ ألن الكاتب‬ ‫أولي اهتمامه بطبيعة العالقة التي ربطت بين جماعات اإلرهاب‪ -‬باسم الدين‬ ‫ وأمريكا‪ ،‬باإلضافة إلشارته إلي التداعيات التي خلفتها تلك الحادثة‪ ،‬ودفع‬‫ثمنها المسلمون داخل أمريكا وخارجها‪.‬‬ ‫المتعلقة بالحدث‪ ،‬وأعلن‬ ‫في معالجته اعتمد الكاتب علي المادة التسجيلية ُ‬ ‫المتعلق به‪ ،‬بما جاء علي لسان الدكتور‬ ‫عن موقفه الفكري تجاهه‪ ،‬وتجاه السياق ُ‬ ‫(أبو الفرج الشرقاوي) – بطل المسرحية – األستاذ بجامعة نيويورك‪ ،‬والمتزوج‬ ‫باألمريكية (ليزا) التي أنجبت له ولدا وبنتا‪ ،‬صارا في مرحلة الشباب‪ ،‬ذلك‬ ‫الرجل وجد نفسه فجأة مطرودا من عمله‪ ،‬ويتم التحقيق معه بمعرفة المباحث‬ ‫الفيدرالية‪ ،‬فضال عن إحراق فيلته‪ ،‬واالعتداء علي أوالده في الجامعة‪ ،‬ومطالبة‬ ‫(‪)29‬‬


‫حماه األمريكي (جونسون) وإصراره علي تطليق زوجته ‪ .‬بزعم حماية ابنته‬ ‫منه‪ ،‬وحين رفض طلب التطليق‪ ،‬وأمام تمسك الزوجة به‪ ،‬هدده بالتحقيق معه‪،‬‬ ‫وتحمل التبعات‪ ،‬ألن شقيقيه ينضمان لجماعة إرهابية‪ ،‬وقد يكونا لهما صلة‬ ‫بالحادث‪ ..‬تحت هذا التهديد‪،‬وجد حياته تتحطم أمامه تماما‪ ،‬برغم أنه يجمع‬ ‫بين الجنسيتين األمريكية والمصرية‪ ،‬ويعلم الجميع ‪ -‬بما في ذلك المباحث‬ ‫نفسها ‪ -‬أن سيرته ال تشوبها شائبة‪ ،‬وسمعته طيبة‪ ،‬وكل هذا لم يشفع له‪ ،‬أمام‬ ‫المتطرف‪ ،‬الذي يريد استغالل الحادثة‪ ،‬في حملته االنتخابية ـ‬ ‫حماه األمريكي ُ‬ ‫لعضوية الكونجرس ‪ -‬معلنا أنه ُيقاوم اإلرهاب‪ ،‬وأنه طلق ابنته من زوجها‬ ‫ألنه إرهابي‪ ،‬أراد استخدام ذلك ليقنع المجتمع األمريكي‪ ،‬بأنه فعل الصواب‪،‬‬ ‫برغم مغامرته بمستقبل أسرة ابنته‪ ،‬وحياتها‪ ،‬من أجل تحقيق مآربه الخاصة‪.‬‬ ‫(جونسون) هذا يقدمه الكاتب ُممثال للسياسة األمريكية‪ ،‬التي تتبني فكر‬ ‫كرس لثقافة الكراهية‪،‬‬ ‫(االسالموفوبيا) وصدام الحضارات‪ ،‬هذا الفكر الذي َّ‬ ‫وحكم علي اإلسالم بأنه يحتضن اإلرهاب‪.‬‬ ‫ومصطلح (االسالموفوبيا) الذي يعني كراهية المسلمين احتضنه الغرب منذ‬ ‫عام ‪ )30(1996‬وأصبح في أمريكا هو الفكرة التي علي أساسها يتم التعامل‬ ‫مع العرب المسلمين بعد حادثة سبتمبر‪.‬‬ ‫ونتيجة لذلك تعرضت الجالية العربية‪ ،‬واإلسالمية لسلسلة من االعتداءات‬ ‫من َقبل بعض األمريكيين‪ ،‬كما تعرضت إلي االعتقاالت والتفتيش والمراقبة‪،‬‬ ‫والمحاكمات من ِقبل الحكومة األمريكية بموجب القوانين الجديدة التي صدرت‬ ‫بعد ‪ 11‬سبتمبر‪ ،‬فضال عن فصل الكثير من العرب والمسلمين من مختلف‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪131 130‬‬


‫المعامل والمصانع‪ ،‬ثم إبعادهم من حقلي الطيران وقيادة المحروقات‪ ،‬واستمرت‬ ‫هذه الموجة من االعتداءات‪ ،‬ووفقا إلحصائية أعدها مكتب التحقيقات الفيدرالي‪،‬‬ ‫لتصل نسبة جرائم التمييز والكراهية ضد الجالية العربية واإلسالمية ل‪%1600‬‬ ‫في العام الذي تال الهجمات‪ ،‬باإلضافة إلي الدور الكبير الذي مارسه اإلعالم‬ ‫(‪)31‬‬ ‫األمريكي في عملية التشويه وتنظيم حمالت الهجوم‪ ،‬وبث الكراهية‬ ‫أما فيما يتعلق بمصطلح (صدام الحضارات) فإن الكاتب يشير إلي كتاب‬ ‫(صامويل هنتنجتون) علي لسان (جونسون) الذي أراد استثمار الحادثة لصالحه‬ ‫– كما أشرنا من قبل – والكتاب هو (صدام الحضارات – إعادة صنع النظام‬ ‫العالمي) والذي قال فيه (إن الخطر الذي يهدد أمريكا هو خطر المسلمين)‬ ‫جونسون‪ :‬اللي حصل دللوقت أفظع من الهزيمة‪ ،‬ومن أي كارثة حصلت في‬ ‫التاريخ‪ ..‬مستقبل الحضارة والمدنية مهدد يا دكتور من قبل عدو إرهابي شرير‪.‬‬ ‫أبو الفرج‪ :‬ما هو ده الكالم اللي بيقوله الكتاب المشبوه بتاع صدام الحضارات‬ ‫ياحمايا العزيز‪ ..‬أمريكا عاوزة مبرر‪ ،‬عاوزة عدو بعد تفكيك االتحاد السوفيتي‬ ‫عشان تستعمل معاه الترسانة العسكرية‪ ،‬وال أنت عاوز أسلحتها تتحول لخردة‬ ‫وتقفل مصانع السالح اللي بتكسب مليارات ؟‬ ‫جونسون‪ :‬ما تحاولش تهون من اللي حصل في سبتمبر يادكتور‪ ..‬أنا متأكد أن‬ ‫اللي حصل وراه مخطط إرهابي بتموله دول زي دول الخليج !‬ ‫أبو الفرج‪ :‬آدي أنت جيبت الغايبة ياحمايا‪ ،‬موش غريبة أن دول الخليج اللي‬ ‫فيها الثروة البترولية الهائلة هي اللي تتهمها أمريكا بتمويل اإلرهاب‪ ،‬ومكدسة‬ ‫جيوشها وأساطيلها في الخليج بحجة ضرب العراق محور الشر‪ ،‬أكيد أنت‬


‫عارف يا حمايا العزيز إن أمريكا هيه اللي سلحت العراق لضرب إيران‪ ،‬وهي‬ ‫اللي شجعت العراق علي احتالل الكويت‪ ،‬عشان يبقي فيه مبرر تحط رجلها‬ ‫في الخليج وتفضل تستنزف الثروة البترولية لحد ما تجف‪ ،‬بعده أمريكا تمشي‬ ‫وتقول ما عدش فيه إرهاب‪ ،‬قصدي ما عدش فيه بترول‪.‬‬ ‫(جونسون) هنا يتحدث عن تهديد الحضارة والمدنية علي أيدي اإلرهابيين‪،‬‬ ‫وكأنه يريد أن يقول إن المسلمين بال حضارة‪ ،‬ألنه يعتبر اإلرهابيين يمثلون‬ ‫العالم اإلسالمي‪ ،‬وال يريد االعتراف بأنهم ال يمثلون إال أنفسهم‪ ،‬وتلك هي‬ ‫المعضلة‪ ،‬واألكذوبة الكبرى التي يحاول األعداء تصديرها للعالم كله ليصدقها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫المشار إليه حين ذكر أن (المشكلة‬ ‫كتابه‬ ‫في‬ ‫(هنتنجتون)‬ ‫يؤكده‬ ‫المعني‬ ‫وهذا‬ ‫ُ‬ ‫المهمة بالنسبة للغرب‪ ،‬ليست األصولية اإلسالمية‪ ،‬بل اإلسالم‪ ،‬فهو حضارة‬ ‫ُ‬ ‫المهمة بالنسبة‬ ‫المشكلة‬ ‫قوته‪،‬‬ ‫ضآلة‬ ‫وهاجسه‬ ‫ثقافته‪،‬‬ ‫بتفوق‬ ‫مقتنع‬ ‫شعبها‬ ‫مختلفة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫لإلسالم ليست المخابرات المركزية األمريكية‪ ،‬وال وزارة الدفاع‪ ،‬المشكلة هي‬ ‫الغرب‪ :‬حضارة مختلفة شعبها مقتنع بعلمية ثقافته‪ ،‬ويعتقد أن قوته المتفوقة إذا‬ ‫كانت متدهورة‪ ،‬فإنها تفرض عليه التزاما بنشر هذه الثقافة في العالم‪ ،‬هذه هي‬ ‫المكونات األساسية التي تُغذي الصراع بين اإلسالم والغرب)(‪( )32‬إن الخطر‬ ‫الذي ُيهدد أمريكا هو خطر المسلمين) تأمل معي عبارة(إن الخطر الذي يهدد‬ ‫أمريكا هو خطر المسلمين) قال المسلمين‪ ،‬ولم يقل المتطرفين‪ ..‬وذلك مقصود‬ ‫بالفعل‪ ،‬لممارسة عملية تهديد العالم اإلسالمي‪ ،‬بينما العقل يقول إن األقلية‬ ‫المتطرفة ال تُمثل األغلبية المتسامحة‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪133 132‬‬


‫أبو الفرج‪ :‬يابنتي اعلقي‪ ،‬بتصدقي الكالم ده‪ ..‬مسلمين مين اللي بيهددوا‬ ‫أمريكا؟!‬ ‫مروان‪ :‬وهو أحنا شوية يادادي ؟ ده أحنا يجي مليار ونص من سكان العالم‪.‬‬ ‫أبو الفرج‪ :‬يا أبني الحكاية موش حكاية عدد‪ ،‬العدد في الليمون‪ ،‬اليهود يادوبك‬ ‫ما يزيدوش عن كام مليون‪ ،‬ومع ذلك مسيطرين علي أمريكا والعالم‪.‬‬ ‫مروة‪ :‬أمال بيعتبرونا خطر ليه يادادي؟‬ ‫أبو الفرج‪ :‬بينفخوا فينا يا بنتي عشان يستفزونا ويضربونا‪ ،‬ويستنزفونا وياكلونا‬ ‫لحم ويرمونا عضم‬ ‫من خالل أزمة الدكتور المصري األمريكي المسلم‪ ،‬نتعرف علي أطراف‬ ‫األزمة‪:‬‬ ‫الطرف األول‪ :‬المتمثل في أمريكا ذاتها‪ ،‬تلك الدولة التي ساعدت اإلرهابيين‪،‬‬ ‫ليكونوا أداتها ومخلبها لتنفيذ عمليات لصالحها ولحماية مصالحها‪ ،‬حين‬ ‫استخدمتهم للقضاء علي االتحاد السوفيتي وتمزيقه‪ ،‬بزعم شيوعيته وإلحاده‪،‬‬ ‫ليكون االتهام حافزا للمجاهدين‪ ،‬الذي انطلقوا من أفغانستان وغيرها‪ ،‬ونجحت‬ ‫مهمتهم بالفعل‪.‬‬ ‫والطرف الثاني‪ :‬المتمثل في اإلرهابيين أنفسهم‪ ،‬هؤالء الذي حصلوا علي‬ ‫الدعم الكامل (ماديا) وعسكريا‪ ،‬لتنفيذ عملياتهم‪ ،‬وحين تحقق ألمريكا حلمها بأن‬ ‫أصبحت يدها هي الطولي في العالم‪ ،‬انقلبت عليهم‪ ،‬وحاولت التبرؤ منهم‪ ..‬هنا‬ ‫أدرك اإلرهابيون اللعبة‪ ،‬فانقلبوا علي شيطانهم انتقاما‪.‬‬ ‫والطرف الثالث‪ :‬هم الضحايا األبرياء‪ ،‬الذين يمثلهم ‪ -‬هنا ‪ -‬الدكتور الجامعي‬


‫طرد إلي مصر‪ ،‬وفي مصر‪ ،‬يذهب إلي طبيب نفسي‪ ،‬ليعالجه‪ ،‬حين ظن‬ ‫الذي‪ُ ،‬‬ ‫نفسه (أسامة بن الدن) من وقع االتهامات التي طاردته‪ ،‬وهناك داخل العيادة‪،‬‬ ‫يسترجع األحداث كلها‪.‬‬ ‫فنتبين باإلضافة إلي ما حدث له في أمريكا‪ ،‬تعرضه ألحداث أكثر‬ ‫ ‬ ‫إرهابا في بلده‪ ،‬من قبل زوجتي شقيقيه‪ ،‬حين تدخلتا في حياته وحياة أسرته‪،‬‬ ‫فتحول االبن إلي ملتحي‪ ،‬وتزوج من فتاة كانت زوجة لألمير التي تنازل عنها‬ ‫ليتزوجها الشاب‪ ،‬وما حدث مع االبن حدث مع االبنة أيضا‪ ،‬وحين حاولت‬ ‫امرأة أخيه‪ ،‬السيطرة علي زوجته األمريكية‪ ،‬لم يستسلم‪ ،‬ولم تستسلم كذلك‬ ‫زوجته‪ ،‬وكان فعل المقاومة‪ ،‬هو الفعل الوحيد الذي قام به كل من الزوجين‪،‬‬ ‫أمام تطرف وإرهاب المرأتين‪ ،‬ورفيقاتهما من النساء‪.‬‬ ‫ُيحاكم الكاتب ‪ -‬في مسرحيته ‪ -‬الفكر المتطرف‪ ،‬والسلوك الذي قوامه‬ ‫والمفتقد لثقافة التسامح‪ ،‬مبينا – في بعض أجزاء منها – أن اإلرهاب‬ ‫العنف‪ُ ،‬‬ ‫صناعة أمريكية‪ .‬وأن ما حدث كان نتيجة طبيعية لتلك الصناعة‪ ،‬وأن لعبة‬ ‫تبادل األدوار‪ ،‬ومحاولة إبراز القوة بين طرفين‪ ،‬هي لعبة شيطانية‪ ،‬يلعبها‬ ‫شياطين‪ ،‬ويدفع ثمنها اإلنسان‪.‬‬ ‫المتطرف عن أسباب اإلقدام علي تلك الحادثة قائال‪:‬‬ ‫أبو الفرج يسأل شقيقه ُ‬ ‫أمريكا نفسها عاوزة تفهم منكوا أنتوا ليه عملتوا فيها كده ؟‬ ‫أبو الفتوح‪ :‬وصدقتها يادكتور؟‬ ‫أبو الفرج‪ :‬ما صدقهاش ليه‪ ،‬دول أفرجوا عني مخصوص ورجعولي أوالدي‬ ‫عشان أسألكوا السؤال ده‪ ،‬وتجاوبوني عليه بصراحة‪ ،‬ليه بعد ما لجأتوا ألمريكا‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪135 134‬‬


‫ووفرت لكم الحرية واألمان‪ ،‬انقلبتوا عليها‪ ،‬وكرهتوها لحد ما ضربتوها ضربة‬ ‫سبتمبر الفظيعة‪.‬‬ ‫أبو الحسن‪ :‬معقول يا دكتور يا أستاذ في أعظم جامعة أمريكية ما تعرفش إجابة‬ ‫سؤال زى ده؟‬ ‫أبو الفرج‪ :‬أنا عارف اإلجابة‪ ،‬لكن عاوز اجابتكوا انتوا بالذات‪ ،‬اللي اعرفه‬ ‫إنكم اختلفتوا مع حكومة الثورة‪ ،‬وهربتوا علي أمريكا وعيشتوا فيها وأدت لكم‬ ‫فرصة تجمعوا نفسكم وتكونوا التنظيم الدولي لإلخوان المسلمين علي مستوي‬ ‫العالم كله‪ ،‬وعملتوا جماعات تحت اسم اإلسالم السياسي‪ ،‬وذودتكوا باألسلحة‬ ‫واألموال‪ ،‬ومراكز التدريب ووسائل اإلعالم‪ ،‬يعني كنتوا متجوزين أمريكا‬ ‫وعايشين معاها في التبات والنبات‪ ،‬وخلفتوا منها تنظيمات متطرفة‪.‬‬ ‫ويواصل أبو الفتوح حواره مع شقيقه قائال‪:‬‬ ‫أبو الفتوح‪ :‬عليك نور‪..‬أمريكا لما أديتنا فرصة نعمل التنظيم الدولي لإلخوان‬ ‫المسلمين واللي خالنا أنشأنا الجماعات اإلسالمية‪ ،‬والتنظيمات السرية اللي‬ ‫بتقولوا عليها جماعات أصولية متطرفة‪ ،‬عارف كان هدف أمريكا إيه‪،‬‬ ‫والنظم الوطنية اللي بترفع شعار‬ ‫إننا نساعدها علي القضاء علي الشيوعية ُ‬ ‫االشتراكية‪ ،‬وبتعادي المصالح األمريكية‪ ،‬واالمبريالية‪ ،‬وكان المقابل‪ ،‬إن‬ ‫أمريكا تساعدنا لالستيالء علي السلطة‪ ،‬والحكم في الدول العربية واإلسالمية‪،‬‬ ‫ونرجع نظام الخالفة تحت راية التنظيم بتاعنا‪.‬‬ ‫لعبة الشيطان تلك التي يكشفها الكاتب علي لسان أحد شخوص‬ ‫ ‬ ‫المسرحية‪ ،‬هي اللعبة التي تتم علي أرض الواقع بالفعل‪ ،‬والكاتب التزم‬


‫المتعلقة بأمر اإلرهابيين وعالقتهم بأمريكا‪،‬‬ ‫بالوثائق‪ ،‬واألوراق‪ ،‬والبيانات‪ُ ،‬‬ ‫ولم يأت بشيء من عنده يتعارض مع الواقع‪ ،‬والنص ُيعد نصا تسجيليا‪ ،‬تمت‬ ‫فيه عملية توظيف المادة الجافة دراميا‪ ،‬فاكتسبت سمة الدراما التسجيلية‪ ،‬وتقنية‬ ‫االسترجاع أو العودة إلي الماضي‪ ،‬التي هي من تقنيات الرواية السردية‪،‬‬ ‫أكثر من كونها من تقنيات المسرح‪ ،‬وظفها الكاتب هنا توظيفا جيدا‪ ،‬ألن زمن‬ ‫المسرحية الفني لم يتعد سوي الوقت الذي قضاه (د‪ .‬أبو الفضل) في عيادة‬ ‫الطبيب النفسي‪ ،‬واسترجع معه األحداث التي حدثت من قبل‪ ..‬في الرواية تتم‬ ‫عملية االسترجاع بلغة السرد‪ ،‬وبواسطة الراوي‪ ،‬وهنا – في المسرحية – تعتمد‬ ‫علي عناصر مغايرة تماما‪ُ ،‬يوظفها المخرج‪ ،‬برغم أن اإلرشادات المسرحية‬ ‫التي أشار إليها الكاتب حددت شاشة العرض السينمائي – كمثال‪ -‬مضافا إليها‬ ‫عنصري اإلضاءة والموسيقي‪.‬‬ ‫السؤال الذي طرحه النص هو هذا‪ :‬من يستطيع محاسبة أمريكا‪ ،‬تلك الدولة‬ ‫التي احتضنت اإلرهاب‪ ،‬وساعدته‪ ،‬وقوته‪ ،‬لتحقق به أغراضها‪ ،‬في الهيمنة‬ ‫علي العالم ؟‬ ‫تأكيدا لفكرة فرض الهيمنة علي العالم باسم محاربة اإلرهاب‪ ،‬استحضر‬ ‫هنا – وقبل أن أعرض عليكم إجابة السؤال الذي طرحه النص – جزءا من‬ ‫خطاب الرئيس األمريكي (بوش) الذي ألقاه أمام الكونغرس بتاريخ ‪20‬سبتمبر‬ ‫‪ 2001‬أي بعد الحادثة بتسعة أيام وقال فيه‪( :‬إن الحرب ضد اإلرهاب تبدأ‬ ‫بتنظيم القاعدة‪ ،‬لكنها ال تنتهي هناك‪ ،‬إن الحرب ضد اإلرهاب لن تنتهي حتى‬ ‫أبو العال السالموين ‪137 136‬‬


‫يتم العثور علي كل مجموعة إرهابية في العالم‪ ،‬وحصارها‪ ،‬وهزيمتها‪ ،‬وعلي‬ ‫كل أمه‪ ،‬وكل منطقة أن تتخذ قرارها اآلن‪ ،‬إما أن تكون مع الواليات المتحدة‪،‬‬ ‫أو مع اإلرهابيين‪ ،‬وأنه من اليوم وصاعدا كل أمة تواصل إيواء اإلرهاب‬ ‫(‪)33‬‬ ‫ستعتبر من ِقبل اإلدارة األمريكية نظاما معاديا‬ ‫هذا الذي قاله (بوش) ُممثال لإلدارة األمريكية‪ ،‬يوضح كيف أن أمريكا‬ ‫استطاعت توظيف الحدث‪ ،‬لفرض الهيمنة علي العالم‪ ،‬واعتبار من ليس معها‬ ‫فهو ضدها‪ ،‬وما أشار إليه منذ ذلك التاريخ‪ ،‬لم يتحقق علي أرض الواقع‪،‬‬ ‫المدعم لم ينتهي‪ ،‬ولم يضعف‪ ،‬بل اشتد‪ ،‬وزاد‪ ،‬وبدال من‬ ‫حيث إن اإلرهاب ُ‬ ‫القاعدة ظهرت داعش‪ ،‬وبدال من (ابن الدن) ظهر (أبو مصعب الزرقاوي)‬ ‫الحجة الظاهرة‬ ‫والدائرة الجهنمية تدور‪ ،‬طالما لعبة الشيطان مستمرة‪ ،‬ولتكن ُ‬ ‫هي مواجهة اإلرهاب‪ ،‬أما الباطن المستتر‪ ،‬فهو مساندته في الخفاء‪ ،‬الستخدامه‬ ‫في الوقت المناسب‪.‬‬ ‫واآلن كيف أجاب النص علي السؤال الذي طرحه‪ ،‬والمتعلق بمن يستطيع‬ ‫محاسبة أمريكا ؟‬ ‫ُيجيب أبو الفرج‪:‬‬ ‫أبو الفرج‪ :‬الرأي العام العالمي هو اللي يقدر يحاسب أمريكا‪ ،‬الجمعية العامة‬ ‫لألمم المتحدة‪ ،‬محكمة العدل الدولية‪ ،‬منظمات السالم وحقوق اإلنسان‪ ،‬محاكم‬ ‫جرائم الحرب‪ ،‬األحزاب والجمعيات األهلية‪ ،‬والمدنية‪ ،‬والنقابات واالتحادات‪،‬‬ ‫والروابط والنوادي‪ ،‬كل دول ببساطة يقدروا يرفعوا دعاوي قضائية ضد‬ ‫المسئولين األمريكان في السي آي ايه والبنتاجون‪ ،‬يطلبوا تقديمهم للمحاكمة‬


‫بتهمة تشجيع جماعات اإلرهاب‪ ،‬وتربية كوادر تنظيم القاعدة وتمويل التنظيم‬ ‫الدولي لجماعة األخوان في أمريكا وأوربا‪ ،‬وإنشاء مراكز تدريب عناصر‬ ‫التطرف‪ ،‬وتشجيع األصوليات الدينية في العالم‪ ،‬هما دول محور الشر الحقيقي‬ ‫(‪)34‬‬ ‫والمسئولين عن اللي حصل لنا واللي حصل في سبتمبر والي لسه حا يحصل‬ ‫المعلوماتية في هذه المسرحية‪ ،‬تم معالجتها دراميا‪ ،‬وكان من الضروري‬ ‫ ‬ ‫االستناد إليها‪ ،‬حين ُيعالج الكاتب موضوعا شائكا مثل هذا الموضوع‪ ،‬ألن‬ ‫طبيعته السياسية تتطلب قدرا كبيرا من الوعي بتفصيالته ‪ -‬تفصيالت القضية‬ ‫ وليس الحادث نفسه‪،‬ألن الحادث كان مجرد مفجر لتلك المعالجة الفنية‪،‬‬‫التي أضافت إلي خبرتنا – كمتلقين‪ -‬خبرة جديدة‪ ،‬وهذه الخبرة من األهمية‬ ‫بمكان‪ ،‬أن تصل إلينا لنستطيع مقاومة اإلرهاب‪،‬فبدون معرفة األسباب‪ ،‬ودراسة‬ ‫األفكار‪ ،‬والوقوف علي الدوافع‪ ،‬لن نستطيع مقاومته‪ ،‬والتفكير ‪ -‬هنا – يصبح‬ ‫أداة من أدوات المقاومة‪ ،‬ألننا نعيش في عالم تحكمه األكاذيب الكبرى‪.‬‬ ‫رسائل الشيطان‬

‫(‪)35‬‬

‫في كتابه (طبائع االستبداد ومصارع االستعباد) ُيعلن مؤلفه‪ :‬عبد الرحمن‬ ‫الكواكبي أسفه (علي هذا الدين الحر الحكيم‪ ،‬السهل‪ ،‬السمح‪ ،‬الظاهرة فيه‬ ‫آثار الرقي علي غيره من سوابقه‪ ،‬الدين الذي رفع اإلصر واألغالل‪ ،‬وأباد‬ ‫الميزة واالستبداد‪ ،‬الدين الذي ظلمه الجاهلون فهجروا حكمة القرآن‪ ،‬ودفنوها‬ ‫في قبور الهوان‪ ،‬الدين الذي فقد األنصار األبرار والحكماء األخيار‪ ،‬فسطا‬ ‫أبو العال السالموين ‪7139 138‬‬


‫عليه المستبدون والمترشحون لالستبداد‪ ،‬واتخذوه وسيلة لتفريق الكلمة وتقسيم‬ ‫األمة شيعا‪ ،‬وجعلوه آلة ألهوائهم السياسية‪ ،‬فضيعوا مزاياه‪ ،‬وحيروا أهله‬ ‫بالتفريع والتوسيع‪ ،‬والتشديد والتشويش‪ ،‬وإدخال ما ليس منه فيه‪ ،‬كما فعل قبلهم‬ ‫أصحاب األديان السائرة‪ ،‬حتى جعلوه دينا حرجا‪ ،‬يتوهم الناس فيه أن ما دونه‬ ‫المتفننون بين دفتي كتاب ُينسب السم إسالمي‪ ،‬هو رمز الدين‪ ،‬وبمقتضاه أال‬ ‫يقوي علي القيام بواجباته وآدابه ومريداته إال من ال عالقة له بالحياة الدنيا‪ ،‬بل‬ ‫أصبحت بمقتضاها حياة اإلنسان الطويل العمر‪ ،‬العاطل عن كل عمل‪ ،‬ال تفي‬ ‫بتعلم ما هي اإلسالمية‪ ،‬عجزا عن تمييز الصحيح من الباطل من تلك اآلراء‬ ‫المتشعبة‪ ،‬التي أطال أهلها فيها الجدال والمناظرة‪ ،‬وما افترقوا إال وكل منهم‬ ‫في موقفه األول‪ُ ،‬يظهر أنه ألزم خصمه الحجة وأسكته بالبرهان‪ ،‬والحقيقة أن‬ ‫(‪)36‬‬ ‫كال منهما قد سكت تعبا وكالال من المشاغبة)‬ ‫هذا الذي يتحدث عنه (الكواكبي) هو نفسه ما يفعله أخوان هذا الزمان‪،‬‬ ‫المرشحون لالستبداد‪ ،‬حين اتخذوا‪ -‬ومازالوا يتخذون‪ -‬الدين وسيلة لتفريق‬ ‫الكلمة‪ ،‬وتقسيم األمة‪ ،‬وجعلوه آلة ألهوائهم السياسية‪ ،‬ويعتبرون اإلرهاب‬ ‫المصحف والسيفين‪ ،‬وتحتهما كلمة‬ ‫شعارهم‪ ،‬وبشكل علني‪ ،‬اليدارونه‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ط ْعتُم ِّمن ُقَّو ٍة‬ ‫استَ َ‬ ‫(وأَع ُّدوا َل ُهم َّما ْ‬ ‫(وأعدوا)‪ ،‬وهي أول كلمة ِفي اآلية ِالكريمة َ‬ ‫ِ‬ ‫للا َو َع ُدَّو ُك ْم) صدق هللا العظيم‬ ‫ون ِبه َع ُدَّو َّ‬ ‫َو ِمن ِّرَباط اْل َخْي ِل تُْر ِهُب َ‬ ‫هنا يقولون‪ :‬إنها دعوة رب العزة‪ ،‬حين يقول لهم أن يرهبوا أعداء هللا‪،‬‬ ‫ ‬ ‫الذين هم أعداء األخوان‪،‬ويفسرونها هكذا‪ :‬لدينا عدوان‪ :‬عدو هللا‪ ..‬وعدونا !!‬ ‫ومسرحية (رسائل الشيطان) ألبي العال السالموني‪ ،‬تناقش هذا الفكر‪،‬‬ ‫ ‬


‫وتوضح كيف أنهم يسيرون علي نهج مرشدهم (حسن البنا) الذي وضع أسس‬ ‫جماعته وتنظيمه في الرسائل التي تحمل اسمه‪ .‬عالج موضوعه دراميا‪،‬‬ ‫وذهب إلي التسجيلية‪ ،‬التي منحت نصه مصداقية‪ ،‬الستناده إلي أوراق الجماعة‪،‬‬ ‫وبعض أفعالها‪ ،‬وتاريخها الممتد منذ نشأت في عام ‪ 1928‬إلي أن اصطدمت‬ ‫بالحكومة المصرية في عام ‪ 1948‬صداما داميا‪ ،‬أسفر عن حلها ثم اغتيال‬ ‫مؤسسها حسن البنا في عام ‪ ،1949‬ثم عملها بشكل غير ُمعلن فيما بعد‪،‬‬ ‫واستمرارها حتى يومنا هذا‪.‬‬ ‫ولقد استند الكاتب‪ ،‬إلي مرجعيات متعددة‪ ،‬ووثائق‪ ،‬تتعلق بتلك الجماعة‪ ،‬أولها‪:‬‬ ‫المرشد (حسن البنا) التي توضح فكر الجماعة‪ ،‬وتكشف منهجهم في‬ ‫رسائل ُ‬ ‫العمل‪ ،‬وتلك الرسائل ‪ -‬كما يصفها (مفستو) شيطان فاوست‪ ،‬والذي ارتدي‬ ‫قناعه (رجل المخابرات األمريكية) في المسرحية – (هي سفر الفتن الكبرى‪،‬‬ ‫والمحن العظمي في هذا العصر‪ ..‬إنجيل األخوان‪ ،‬وقرآن األخوان‪ ،‬ودستور‬ ‫(‪)37‬‬ ‫والملهم للتنظيمات اإلرهابية في العالم)‬ ‫األخوان‪ُ ،‬‬ ‫وثانيها‪ :‬االغتياالت المبكرة التي نفذتها الجماعة بعد إنشاء التنظيم الخاص أو‬ ‫السري لإلخوان (اغتيال محمود النقراشي باشا رئيس الوزراء‪ -‬القاضي أحمد‬ ‫الخازندار‪ -‬سليم زكي حكمدار أمن القاهرة)‬ ‫وثالثها‪ :‬وثائق المخابرات األمريكية التي ُنشرت‪ ،‬وكشفت طبيعة العالقة‬ ‫المبكرة بين التنظيم الدولي لإلخوان – في بداية النشأة – بقيادة (سعيد رمضان)‬ ‫ُ‬ ‫والمخابرات األمريكية في عهد الرئيس (ايزنهاور) منذ مطلع الخمسينيات‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪141 140‬‬


‫والسؤال اآلن هو هذا‪ :‬كيف تعامل الكاتب مع تلك المعلومات والوثائق‬ ‫والمرجعيات فنيا‪ ،‬وكيف أخضعها للقالب المسرحي بما يتطلبه من مواصفات‬ ‫وخصائص ؟‬ ‫المتعارف عليه‪ ،‬وبصرف النظر‬ ‫قدم مسرحيته في قالب المسرحية التسجيلية ُ‬ ‫عن العبارة التي وضعها أسفل عنوان المسرحية ذاكرا فيها إنها (دراما مسرحية‬ ‫شبه تسجيلية)‪ ،‬أقول بصرف النظر عن هذا الذي ذكره‪،‬فإن المسرحية تسجيلية‬ ‫بالفعل‪ ،‬وليست شبه تسجيلية‪ ،‬وهذا األمر ال يقلل من شأنها من الناحية الفنية‪،‬‬ ‫كما سنوضح ذلك‪.‬‬ ‫وربما يعود السبب في حرص الكاتب علي ذكر تلك العبارة‪ ،‬لمواجهة تخوفه‬ ‫– وهو نفس التخوف الذي واجه نقاد المسرح التسجيلي – حين رأوا أن (كتاب‬ ‫المسرح التسجيلي وقعوا في تناقض حاد وصعب الحل بين رغبتهم في االلتزام‬ ‫بنقل الواقع والتاريخ‪ ،‬في صورة طبق األصل بقدر اإلمكان‪ ،‬وبين رغبتهم في‬ ‫إبراز قضايا اإلنسان عامة‪ ،‬من خالل هذا الشكل بحيث تكون قابلة للحل) (‪)38‬‬ ‫وإذا كانوا قد نجحوا في تقديم طريقتين ‪ -‬علي األقل‪ -‬لتحقيق صفة الشمول‬ ‫المرغوبة‪ ،‬مع التزام قيمة الصدق التاريخي في التعامل مع األحداث الماضية‬ ‫عن طريق اختصار العنصر الحواري في المسرحية واالعتماد علي الصورة‬ ‫أكثر‪ ،‬وتقديم نصوصهم بلغة خاصة غير واقعية‪ ،‬ربما تكون اللغة الشعرية‪،‬‬ ‫إذا كانوا قد فعلوا ذلك‪ ،‬لمواجهة تلك اإلشكالية‪ ،‬فان الكاتب (محمد أبو العال‬ ‫السالموني) قد استطاع الخروج من هذا المأزق‪ ،‬بطريقتين مختلفتين عن سابقيه‬


‫وهما‪ :‬أوال‪ :‬محافظته علي الشخصية المسرحية بطبيعتها الدرامية‪ ،‬وبخصائصها‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬ومواصفاتها الدرامية‪ ،‬ولم يجعلها بوقا يردد أفكار المرجع التسجيلي‪،‬‬ ‫أو أفكار الكاتب ذاته‪.‬‬ ‫وثانيا‪ :‬اعتماده علي الخيال الذي ال يتعارض مع طبيعة التسجيلية‪ ،‬ألن الخيال‬ ‫ويعمق فيها المعني‪ ،‬وذلك حين استحضر شيطان‬ ‫المتوافق مع التجربة يثريها‪ُ ،‬‬ ‫(فاوست) ‪ -‬من األسطورة التي تحمل أسمه ‪ -‬والمسمي (مفيستو) وجعله‬ ‫قناعا لرجل المخابرات األمريكية الذي عقد صفقة الدم مع ممثل التنظيم الدولي‬ ‫لإلخوان (سعيد رمضان)‪ ،‬ودفعه للتوقيع علي عقد االتفاق بدمه‪ ،‬بتلك الطريقتين‬ ‫استطاع الكاتب أن ُيقدم نصا تسجيليا‪ ،‬التزم فيه بالوقائع التاريخية‪ ،‬وباألقوال‬ ‫ذاتها‪ ،‬واألفعال أيضا‪ ،‬وفي نفس الوقت لم يتخل ‪ -‬أثناء المعالجة ‪ -‬عن متطلبات‬ ‫البعد التراجيدي الذي أضفاه علي بعض‬ ‫الكتابة الدرامية‪ ،‬حتى أننا لمسنا ذلك ُ‬ ‫شخوص المسرحية‪( ،‬حسن البنا‪ -‬سعيد رمضان‪ -‬هاني ابن سعيد رمضان) ذلك‬ ‫البعد التراجيدي تجلي من خالل إصرار الشخصية علي السير في طريقها علي‬ ‫ُ‬ ‫الرغم من معرفتها أنه سيفضي بها إلي الموت‪ ،‬لكنه االستسالم لقدرها الحتمي‪،‬‬ ‫الذي ال تستطيع التخلص منه‪ ،‬أو مواجهته‪ ،‬ولعبت اللغة دورها في كشف‬ ‫مشاعر الشخصية الداخلية‪ ،‬وبشكل إنساني‪ ،‬بعيدا عن موقفنا منها‪ .‬ففي نهاية‬ ‫الفصل األول‪ ،‬وفي المشهد األخير منه‪ ،‬نري لحظة سقوط (حسن البنا) وعلمه‬ ‫بأنه سيموت‪ ،‬ومع ذلك لم يستطع مواجهة هذا اإلحساس إال باالستسالم له‪،‬‬ ‫باختياره‪ ،‬ورغبته‪ ،‬فبعد إجباره علي كتابة بيان لألمة‪ُ ،‬يعلن فيه ‪ -‬عقب عملية‬ ‫االغتياالت التي قامت بها جماعته ‪ -‬ويعترف بأن القتلة (ليسوا إخوانا‪ ،‬وليسوا‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪143 142‬‬


‫مسلمين) فضال عن دعائه للملك فاروق بأن يحفظه هللا ويسدد خطاه‪ ،‬وبعد أن‬ ‫قام بهذا نتيجة ضغط مصطفي باشا مرعي وزير الدولة‪ ،‬وكان يعلم أنهم حين‬ ‫تركوه طليقا‪ ،‬برغم الجريمة‪ ،‬فهذا معناه أن هناك أمرا يدبر له في الخفاء‪ ،‬أي‬ ‫كان يشعر بأنه سيتعرض لالغتيال‪ ،‬ومع ذلك تحرك بحريه‪ ،‬وانطالق‪ ،‬وهذا‬ ‫ليس دليل شجاعة‪ ،‬لكنه دليل استسالم للموت‪ ،‬ألنه النهاية الطبيعية التي أدركها‬ ‫بنفسه‪ ،‬يقول ألبنته وزوجها‪ ،‬حين طلبا منه االختباء‪.‬‬ ‫المرشد‪ :‬تلك الحرية تخنقني‪ ،‬ولذلك أخرج كي أتحرر من سجن الحرية‪.‬‬ ‫سعيد‪ :‬أين ستذهب يا موالي‪ ،‬وقد أعلنت األحكام العرفية‪ ،‬وتقرر حل األخوان؟‬ ‫المرشد‪ :‬أنا من أنشأت جماعتنا وحدي‪ ،‬وسأنشئها ثانية وحدي‪ ،‬كما نشأت أول‬ ‫مرة‪ ،‬وإذا لم أفعل فالبركة فيك وفي التنظيم الدولي‪.‬‬ ‫وحين خرج متحررا من سجن الحرية‪ ،‬تم اغتياله بالرصاص‪ ،‬ومات علي‬ ‫الفور‪.‬‬ ‫حتى حفيد حسن البنا (هاني) الذي عقد صفقة جديدة مع الشيطان بعد موت والده‬ ‫(سعيد رمضان) يشعر بنفس الشعور‪ ،‬ويتمسك بما كتبه القدر له‪ ،‬ويعلم أنه‬ ‫المرشد‪،‬‬ ‫سيموت‪ ،‬ولكن ال رجعة أبدا‪ ،‬فنراها يقول لعم أمه (جمال البنا) شقيق ُ‬ ‫ويعطي المشورة‪ ،‬وال أحد‬ ‫والذي كان ال يعترف بمنهجهم‪ ،‬ويخالفهم الرأي‪ُ ،‬‬ ‫يستمع إليه‪ ،‬يقول له حين أراد نصيحته باالبتعاد عن الشيطان الذي يوظفه لتنفيذ‬ ‫الضالل والوهم والخيال‪.‬‬ ‫هاني‪ :‬ال ترهق نفسك يا عماه‪ ،‬أنا لن أخرج معك وال والدتي يمكنها أن تخرج‪،‬‬ ‫المظلم مهما كان‪ ،‬ذلك أنا أوقعنا أنفسنا بإرادتنا أو حتى من غير‬ ‫من هذا النفق ُ‬


‫إرادتنا في شرك الشيطان‪ ،‬نحن لعبنا اللعبة معه‪ ،‬وكنا نطمع أن نستخدمه ال أن‬ ‫(‪)39‬‬ ‫يستخدمنا‪ ،‬فإذا اللعبة تنقلب علينا تدهمنا‪ ،‬تغرقنا في هذا الطوفان‬ ‫ الكاتب إذن – وكما ذكرت‪ -‬تعامل مع الشخصية التاريخية نفسها‪،‬‬‫واستنطقها بمواقفها في الماضي‪ ،‬لكنه وضعها في اإلطار اإلنساني‪ ،‬ليعكس‬ ‫أحوالها وتناقضاتها‪ ،‬وموقفها من نفسها ومن الحياة‪ ،‬قدمها وكأنه يعرفها جيدا‪،‬‬ ‫ومرجعية المعرفة‪ ،‬تعود إلي خبرة الكاتب في التعامل مع المادة التاريخية‪،‬‬ ‫فمعظم إنتاجه المسرحي‪ ،‬دار في فلك توظيف التاريخ‪ ،‬ومعالجته عصريا‪،‬‬ ‫بغرض إسقاط الوقائع القديمة علي واقعنا الحالي‪ ،‬لنتخذ موقفا‪ ،‬ونملك وعيا‪.‬‬ ‫في تلك المسرحية معلومات كثيرة‪ ،‬ووقائع كثيرة‪ ،‬تساعدنا علي‬ ‫معرفة طبيعة تلك الجماعة‪ ،‬وطريقة تفكيرها‪ ،‬ومرجعيتها‪ ،‬وسلوك أفرادها‪،‬‬ ‫ومنهجها‪ ..‬استطاع من خاللها أن يقدم أفكارا كثيرة جدا‪ ،‬ووقائع مهمة أيضا‪،‬‬ ‫وبين من خالل كل هذا كيف أن األخوان كجماعة وتنظيم‪ ،‬ال يتورعون عن‬ ‫التحالف مع الشيطان نفسه‪ ،‬في سبيل تحقيق أحالمهم في حكم العالم‪ ،‬ليس‬ ‫ُمهما أن تحدث عملية خلط الدين بالسياسة‪ ،‬وليس مهما أن يكون هناك انتماء‬ ‫للوطن‪ ،‬ألنهم يصرحون بأن الدعوة أممية‪ ،‬يؤمنون بالعمل السري بالتنظيم‬ ‫الخاص أو السري‪ ،‬العتمادهم علي تنفيذ العنف‪ ،‬وإظهار التنظيم الدولي معتمدا‬ ‫علي الدعوة مع إنكار العنف‪ ،‬البيعة تعني الطاعة العمياء للمرشد‪ ،‬ألن (العضو‬ ‫المنضم إلي التنظيم‪ ،‬كمثل الميت بين يدي من سوف يغسله حتى يودعه القبر)‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أيضا استناده إلي رسائل (حسن البنا) ُموضحا كيف أنها أصبحت هي ميثاق‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪145 144‬‬


‫عمل الجماعة برغم تغير الزمن‪ ،‬واختالف السياق‪ ،‬صارت بالنسبة لهم مثل‬ ‫القرآن‪ ،‬ال يجوز الخروج عليها‪ .‬تلك الرسائل‪ ،‬وتأثيرها علي العمود الفقري‬ ‫الذي يقوم عليه جسد المسرحية – إذا صح التعبير‪ -‬ألنها هي التي حركت‬ ‫األحداث‪ ،‬وطورت الشخوص‪ ،‬وبينت ردود األفعال‪ ،‬وطبيعة الصراع‪.‬‬ ‫ كيف عالج الكاتب المسرحي كل هذا من خالل القالب التسجيلي الذي أشرنا‬‫إليه ؟‬ ‫ (رجل صالح يهدي الشيطان‪ ،‬لكن الشيطان تبرأ مما يفعله اإلنسان)‬‫المسرحية تتكون من فصلين‪ ،‬تدور أحداث الفصل األول في مصر‪ ،‬وأحداث‬ ‫الفصل الثاني خارج مصر‪.‬‬ ‫يبدأ الفصل األول بمشهد يصحو فيه (سعيد رمضان)(‪ )40‬من نومه فزعا‬ ‫ألنه رأي حلما مزعجا‪ ،‬مؤداه أن ناسكا رآه يحاول هداية إبليس‪ ،‬إال أن إبليس‬ ‫أخبر الناسك أنه ال يتحدي هللا‪ ،‬وال يستطيع ذلك‪ ،‬وكذلك اليغوي أحدا‪ ،‬بل نفس‬ ‫اإلنسان األمارة بالسوء‪ ،‬ويدعو الشيطان الناسك لرؤية ما يحدث‪ ،‬فنراه ُيخرج‬ ‫لعبة علي هيئة ثعبان من صندوق‪ ،‬ويلقيه – أثناء وقوفه في السوق المزدحم‬ ‫– بجانب الكلب الذي قفز نابحا ففزعت القطة وقفزت مصطدمة بالحلواني‬ ‫الذي فقد سيطرته علي قدر الزيت فانقلب الوعاء‪ ،‬وانقلب موقد النار‪ ،‬وجري‬ ‫الحلواني خلف الكلب ليضربه‪،‬فأتي صاحب الكلب ليمنعه‪ ،‬فدارت معركة اختلط‬ ‫فيها الحابل بالنابل‪ ،‬بينما نار الموقد امتدت وأشعلت السوق بأكمله‪ ..‬هنا قال‬ ‫إبليس للناسك‪ :‬أتراني أغريت الناسك بحرق السوق؟‬


‫فيرد الناسك‪ :‬لكنك أنت وضعت البذرة التي كانت سببا في حرق السوق‪ ،‬أعني‬ ‫الثعبان‪ .‬فيرد إبليس‪ :‬كان مجرد لعبة‪ .‬فيرد الناسك‪ :‬هو ثعبان اإلغواء‪ ،‬من‬ ‫أغوي آدم حتى أخرجه من الجنة‪ ..‬فيقول إبليس‪ :‬إني أبرأ من حرق السوق‪..‬‬ ‫ويتركه ويرحل‪.‬‬ ‫لقد ذكرت الموقف كامال‪ ،‬ألن الكاتب وظفه كمعادل موضوعي للتجربة‬ ‫المسرحية كلها‪ ،‬فهذا الشيطان‪ ،‬يفعل شيئا يراه بسيطا‪ ،‬لكن الشيء الذي فعله‪،‬‬ ‫يكون سببا في كوارث كثيرة‪ ،‬وهذا بالضبط‪ ،‬ما فعله األخوان‪ ،‬حين كتب‬ ‫المرشد رسائله‪ ،‬فأصبحت رسائل إغواء ودمار البشر‪ ،‬بل والعالم كله‪ ،‬ألنها‬ ‫صارت دستورا‪ ،‬لمن آمن بها‪ ،‬وكلها تقوم علي أفكار متطرفة‪ ،‬وخطيرة‪ ،‬حتى‬ ‫أن شيطان المسرحية (مفستو) يقول عنها – مخاطبا ابنة حسن البنا‪ :‬ال نقرأها يا‬ ‫سيدتي فحسب‪ ،‬بل ندرسها‪ ،‬نتعلم منها‪ ،‬وأكاد أقول‪ :‬هي ما كانت عونا لسياستنا‬ ‫في فهم العقليات اإلسالمية والشرقية‪ ،‬أنا شخصيا أثق بأن تعاوننا معكم هو ما‬ ‫(‪)41‬‬ ‫سوف يؤدي حتما لسقوط السوفييت‬ ‫وتلك الرسائل ‪ -‬أيضا‪ -‬ظاهرها يدعو لهداية البشر بنور اإلسالم‪ ،‬ورفع‬ ‫علمه خفاقا علي كل ربوع األرض‪ ،‬لكنها تؤكد‪ -‬في نفس الوقت ‪ -‬علي‬ ‫أن القرآن الكريم يقيم المسلمين أوصياء علي البشرية القاصرة‪ ،‬ويعطيهم حق‬ ‫الهيمنة عليها‪ ،‬وحق السيادة علي الدنيا‪ ،‬لتصير كل الدنيا إسالمية‪ ،‬وذلك حين‬ ‫يقول في رسالته الثالثة (نحو النور)‪( :‬كانت قيادة الدنيا في وقت ما شرقية‬ ‫ثم صارت بعد ظهور اليونان والرومان غربية‪ ،‬ثم نقلتها النبوات الموسوية‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪147 146‬‬


‫والعيسوية والمحمدية إلي الشرق مرة ثانية‪ ،‬ثم غفا الشرق غفوته الكبرى‪،‬‬ ‫وورث الغرب القيادة العالمية‪ ،‬فلم يبق إال أن تمتد يد شرقية‪ ،‬إذا بالدنيا مسلمة‬ ‫هانئة تهتف بشعار اإلخوان‪( :‬إسالمية‪ ..‬إسالمية) وتشير إلي أن األمة التي‬ ‫تُحسن صناعة الموت‪ ،‬وتعرف كيف تموت الميتة الشريفة‪ ،‬يهب هللا لها الحياة‬ ‫العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في اآلخرة‪ ،‬وأن المؤمن في سبيل هذه الغاية قد‬ ‫باع نفسه وماله‪ ،‬فليس له فيها شيء‪ ،‬وإنما هي وقف علي نجاح هذه الدعوة‪.‬‬ ‫والرسائل تُشير إلي تكفير المجتمعات الخارجة عن طوع األخوان‪ ،‬ولذلك‬ ‫فإنها تمثل دستورا لجميع التنظيمات اإلسالمية التي ظهرت في العالم‪ ،‬وخاصة‬ ‫التي ظهرت أثناء الحرب األفغانية ضد السوفييت‪ ..‬فضال عن أنها تتحدث عن‬ ‫الجهاد الفريضة الماضية إلي يوم القيامة‪ ،‬وهو المقصود ‪ -‬من وجهة نظر‬ ‫المرشد ‪ -‬بقول رسول هللا صلي هللا عليه وسلم (من لم يغزو ولم ينو الغزو‪،‬‬ ‫(‪)42‬‬ ‫المرشد التي تعكس أفكارا كثيرة‬ ‫مات ميتة جاهلية)‬ ‫من هنا أصبحت رسائل ُ‬ ‫متطرفة‪ ،‬أشار إليها النص في سياق المعالجة الدرامية‪ ،‬هي الثعبان الذي وضعه‬ ‫الشيطان في صندوقه‪ ،‬وحين أخرجه‪ ،‬تسبب في إحراق السوق (العالم) كله‪.‬‬ ‫ وفي الفصل األول – أيضا‪ -‬نتعرف علي طقوس البيعة‪ ،‬وعلي طبيعة وأصل‬‫الخالف بين القيادتين الرئيسيتين بعد المرشد وهما‪( :‬سعيد رمضان) المسئول‬ ‫عن التنظيم الدولي و(عبد الرحمن السندي)(‪ )43‬مؤسس التنظيم الخاص أو‬ ‫السري‪ ،‬وكيف أن (حسن البنا) استثمر هذا الخالف‪ ،‬ووظفه لصالح الجماعة‪،‬‬ ‫وكان األول يؤمن بضرورة التوسع في مفهوم التنظيم السري ليستوعب العالم‪،‬‬ ‫ليحقق صيغته األممية‪ ،‬بينما يري الثاني أن إجراء التوسع‪ ،‬ضد السرية‪ ،‬ذلك‬


‫النخبة والصفوة‪ ،‬وبأرقام وبأسماء حركية‪ ،‬أما‬ ‫أن السرية تعتمد علي أعضاء ُ‬ ‫المتسعة في العضوية‪ ،‬وبصورته العلنية‪،‬‬ ‫التنظيم الدولي سيعتمد علي رقعته ُ‬ ‫و(السندي) كان دافعه ‪ -‬حين أراد المحافظة علي السرية – اعتماده علي تنفيذ‬ ‫العنف‪ ،‬بينما الدولي يعتمد علي أسلوب الدعوة‪ ،‬بل إنكار العنف‪ ،‬بينما(سعيد)‬ ‫يري أن العنف والقتل ال ينبغي لهما أن يكونا في التنظيم‪ ،‬أما عن رأي المرشد‬ ‫في تلك المسألة فان الكاتب يشير إليه في نصه حين تحدث قائال‪:‬‬ ‫المرشد‪ :‬أنا مع رأيك ياسندي بسرية هذا التنظيم الخاص‪ ،‬وتنفيذ العمليات‬ ‫النوعية والخاصة بحماية دعوتنا بالقوة ورباط الخيل‪ ،‬حتى بالعنف أو القتل‪،‬‬ ‫كي نرهب أعداء هللا وأعداء جماعتنا‪ ،‬ولنلقي الرعب بداخلهم كأداة للردع‪،‬‬ ‫وليثقوا أن جهاد اإلخوان جهاد ديني قدسي‪ ،‬ليس مجرد عنف أو قتل‪ ،‬هم حقا‬ ‫سيقولون إنا أرباب اإلرهاب أو العنف‪ ،‬لكن لن ترعبنا كلمات هي ترهبهم أكثر‬ ‫مما ترهبنا نحن‪ ،‬هذا رأيي في رأيك ياسندي‪ ،‬أما عن رأيي فيما قال سعيد في‬ ‫شأن التنظيم الدولي‪ ،‬فأنا معه تماما في الرأي‪،‬وال يتعارض والسرية في التنظيم‬ ‫الخاص‪ ،‬إذ للدعوة وجهان‪ :‬وجه سري يعمل تحت األرض‪ ،‬وهذا دورك يا‬ ‫سندي‪ ،‬دورك وحدك‪ ،‬أما التنظيم الدولي سيعمل فوق األرض وفي كل بقاع‬ ‫(‪)44‬‬ ‫األرض‪ ،‬وبالطول وبالعرض‪ ،‬وهذا دور سعيد رمضان‬ ‫الشخصيات الواقعية التي استحضرها الكاتب من صفحات التاريخ (حسن‬ ‫البنا‪ -‬سعيد رمضان‪ -‬عبد الرحمن السندي – جمال البنا) كلها تتحدث بلسان‬ ‫حالها‪ ،‬لكن الكاتب وضعها ووظفها في إطار المعالجة الدرامية التي أرادها‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪149 148‬‬


‫لموضوعه‪ ،‬ليوضح لنا كيف أن تاريخ تلك الجماعة‪ ،‬قائم علي الدم‪ ،‬منذ البداية‪،‬‬ ‫وكيف أن نظام البيعة يجعل أمر طاعة المرشد فوق كل اعتبار‪ ،‬حتى ولو كان‬ ‫الشخص يحمل رأيا مختلفا‪ ،‬لكنه ال يستطيع المجاهرة به‪ ،‬أو العمل عكس ما‬ ‫يطلب منه‪ ،‬وتلك األفكار جميعها‪ ،‬بما تحمل من تطرف‪ ،‬ومغالطة‪ ،‬حتى في‬ ‫فهم صحيح الدين‪ ،‬ساعد الدول الغربية صاحبة المصلحة‪ ،‬وعلي رأسهم أمريكا‬ ‫في توظيف‪ ،‬ذلك‪ ،‬حتى أن أمريكا نفسها كانت ومازالت تحرض تلك الجماعة‪،‬‬ ‫الكفر وضد اإللحاد‪ ،‬ليتسع‬ ‫والجماعات المنبثقة عنها إلعالن الحرب الدينية ضد ُ‬ ‫العالم لهيمنتها وحدها بعد سقوط السوفييت‪ ،‬وهذا‪ ،‬ما يتناوله الفصل الثاني من‬ ‫المسرحية‪ ،‬والذي تدور أحداثه – كلها – خارج مصر‪.‬‬ ‫هذا الفصل كان فيه (سعيد رمضان) هو البطل الدرامي الذي تدار به‬ ‫ ‬ ‫ومعه األحداث‪ ،‬وقبل أن استعرض مواقفه‪ ،‬أود التأكيد علي أن النص أشار‬ ‫إلي قضية الخلط بين الدين والسياسة‪ ،‬هذا الذي يقوم عليه منهج اإلخوان‪ ،‬في‬ ‫الحوار الذي دار بين (سعيد رمضان) و(جمال البنا) ‪ -‬شقيق المرشد‪ ،‬والذي‬ ‫اعترض علي تكوين الجماعة أصال‪ ،‬ولم ينضم لها ‪ -‬نراه ينتقد الخطوات التي‬ ‫اتخذها (سعيد) لتشكيل تنظيم يتبع اإلخوان في الدول األوربية قائال‪:‬‬ ‫جمال‪ :‬عجبا !! إن كنت تُشكل تنظيما في دول إسالمية فاألمر طبيعي‬ ‫يتالءم مع مفهوم اإلسالم‪ ،‬أما في الدول األوربية واألمريكية‪ ،‬فاألمر سياسة‬ ‫ال دين‪.‬‬ ‫سعيد‪ :‬هذا هو ما أعنيه وبالتحديد‪ ،‬دين وسياسة‪ ،‬وسياسة مع دين‪.‬‬ ‫جمال‪ :‬هذا خلط لألوراق مشين‬


‫وفاء(ابنة المرشد)‪ :‬يا عماه‪ ..‬ما أعرفه أن أبي ال يخلط بين االثنين‪.‬‬ ‫سعيد‪ :‬بل يخلط بينهما‪ ،‬وإال ما معني شعار اإلخوان المصحف والسيفين‪ ،‬ما‬ ‫معني الدعوة إلعادة دولتنا‪ ،‬وخالفتنا اإلسالمية‪ ،‬أو ليست تلك األفكار الواردة‬ ‫المرشد‪ ،‬وخصوصا في المؤتمر الخامس وضرورة تنصيب‬ ‫بكل رسائل والدك ُ‬ ‫(‪)45‬‬ ‫إمام هو ظل هللا علي األرض‪ ،‬أو ليست تلك سياسة ؟‬ ‫في الفصل الثاني‪ :‬تتم عملية استثمار رسائل (حسن البنا) لمساعدة‬ ‫أمريكا لتُصبح القطب الواحد في العالم‪ ،‬وإنهاء حربها الباردة مع السوفييت‪،‬‬ ‫فنري السفير األمريكي في مصر (جيفرسون كافري) ُيطلع الرئيس األمريكي‬ ‫(ايزنهاور) علي تلك الرسائل‪ ،‬ويشرح له كيف يمكن تحويل الحرب الباردة‬ ‫إلي حرب دينية ضد الشيوعية‪.‬‬ ‫الرئيس‪ :‬ماذا؟! أتريد ألمريكا الديمقراطية والليبرالية أن تدخل حربا دينية يا‬ ‫مستر كافري؟‬ ‫السفير‪ :‬عفوا يا مستر بريزدنت‪ ،‬لسنا من سنقوم بتلك الحرب‬ ‫الرئيس‪ :‬حسنا‪ ..‬من سوف يقوم بها؟‬ ‫السفير‪ :‬من يعتنق األفكار الواردة هنا برسائل حسن البنا‬ ‫الرئيس‪ :‬تعني أعضاء التنظيم اإلخوان في مصر؟‬ ‫السفير‪ :‬بل كل شعوب الدول العربية اإلسالمية في أقطار األرض‬ ‫الرئيس‪ :‬وهل تعتنق الدول العربية واإلسالمية أفكار اإلخوان وحسن البنا؟‬ ‫السفير‪ :‬هذا هو دور األجهزة لدينا‪ ..‬السي أي ايه يمكنها إقناع الدول العربية‬ ‫(‪)46‬‬ ‫واإلسالمية برسائل حسن البنا لمقاومة الشيوعية‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪151 150‬‬


‫من هنا بدأت لعبة الشيطان‪ ،‬وتم توظيف (سعيد رمضان) المؤمن‬ ‫برسائل حسن البنا‪،‬وزوج ابنته‪ ،‬ووضعت أربعة برامج للتنظيم الدولي‪،‬‬ ‫لمساعدته علي تحقيق هذا الهدف‪.‬األول يعتمد علي فلسفة التخويف‪ ،‬وتقديس‬ ‫الرعب‪ ،‬بما يعنيه اإلخوان بلفظ الجهاد في سبيل هللا‪ ،‬والثاني‪ :‬برنامج لمقاومة‬ ‫المقاتلة‪ ،‬أو القتل باسم الحرية‪ ،‬وهذا المشروع سري‬ ‫الشيوعية باسم الحرية ُ‬ ‫بين البنتاجون واألمن القومي‪ ،‬يمول حربا ثقافية في كل مجاالت الفن وفي‬ ‫اآلداب‪ .‬والثالث‪ :‬برنامج الخنزير األحمر‪ ،‬بذيل علي شكل (المنجل والمطرقة)‬ ‫شعار السوفييت‪ ،‬ألن الخنزير هو الحيوان المكروه لدي المجتمعات اإلسالمية‪،‬‬ ‫والبرنامج الرابع هو مشروع (جراهام) ضد الشيوعية وهو عبارة عن شعارات‬ ‫مسيئة للدين اإلسالمي‪ ،‬لتثير الغضب لدي تلك المجتمعات‪ ،‬وهنا تم إقناع (سعيد‬ ‫رمضان) عميل المخابرات األمريكية‪ ،‬لتبني نظرية اإلسالم السياسي بديال‬ ‫عن النظريات الشيوعية واالشتراكية‪.‬وتمت دعوته لحضور مؤتمر(جامعة‬ ‫(‪)47‬‬ ‫برنستون) األمريكية في عام ‪1953‬‬ ‫والكاتب (محمد أبو العال السالموني) لجأ إلي الرمز‪ ،‬ليؤكد أن ذلك التحالف‬ ‫الذي تم بين سعيد رمضان والمخابرات األمريكية‪ ،‬هو تحالف بينه وبين‬ ‫الشيطان‪ ،‬فجعل رجل المخابرات يرتدي قناع (مفستو) شيطان أسطورة فاوست‪،‬‬ ‫ذلك الذي عقد معه فاوست اتفاقا‪ ،‬فتفوق عليه‪ ،‬وجرده من عظمته‪ ،‬حين أصبح‬ ‫أقوي من الشيطان نفسه‪ ،‬هذا هو ما أصبح عليه (سعيد رمضان) بكل ما فعله‪،‬‬ ‫وقام بتنفيذه‪ ،‬بناء علي أوامر وتعليمات شيطان المخابرات األمريكية‪ ،‬الذي‬


‫شجعه علي إعالن الحرب القدسية‪ ،‬حرب الجهاد اإلسالمي ضد شيوعية روسيا‬ ‫بمشاركة الدول العربية واإلسالمية‪ ،‬وحين استجاب‪ ،‬مارست أمريكا تحريضها‬ ‫الكفر وضد اإللحاد‪ ،‬وأصبحت‬ ‫لتلك الجماعات إلعالن الحرب الدينية ضد ُ‬ ‫العالقة بين الطرفين عالقة قويه‪ ،‬ال يستطيع (سعيد رمضان)التخلص منها حتى‬ ‫بعد موته‪ ،‬فاستمر ابنه سائرا علي نفس الدرب‪َّ ،‬‬ ‫ووقع اتفاقا جديدا بدمه مع‬ ‫الشيطان‪ ،‬بما يشير إلي أن عالقة اإلخوان بالمخابرات مستمرة حتى اليوم‪،‬ولن‬ ‫(‪)48‬‬ ‫الخطط تتم باسم الدين‬ ‫تنتهي‪ ،‬طالما ُوجدت المصالح المشتركة بينهما‪ ،‬وكل ُ‬ ‫بهذه المعالجة الفنية للوقائع التاريخية‪ ،‬استطاع الكاتب أن ُيقدم عمال مسرحيا‬ ‫تسجيليا‪ ،‬تضافرت فيه عناصر متباينة‪ ،‬جمعت بين الواقعي والمتخيل‪ ،‬لكن‬ ‫المتخيل هنا‪ ،‬جاء متوافقا مع الفكرة‪ ،‬وليس معارضا لها‪.‬‬ ‫جهاد الفواحش في زمن الدواعش‬

‫(‪)49‬‬

‫المختصرة بالعربية لعبارة (الدولة اإلسالمية في العراق‬ ‫داعش‬ ‫(‪)50‬هي التسمية ُ‬ ‫وألنهم يعلمون أنها ليست دولة معترف بها من قبل المجتمع‬ ‫والشام)‬ ‫الدولي‪ ،‬لجأوا إلي التسمية المختصرة ‪ -‬في اعتقادي‪ -‬لبث الرعب في نفوس‬ ‫الناس‪ ،‬وهذا هدف أساسي من أهدافهم‪ ،‬ألن الذين يقودون هذا التنظيم هم‬ ‫مجموعة من اإلرهابيين‪ ،‬يؤمنون بوهم الخالفة ويتحدثون باسم الدين‪ ،‬والدين‬ ‫منهم ومن أفعالهم براء‪.‬‬ ‫هذا التنظيم‪ -‬بما فعله وما يفعله من أعمال عنف وإرهاب ‪ -‬فاق بكثير كل‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪153 152‬‬


‫ما فعلته الجماعات والطوائف األخرى من الخوارج الذين ظهروا علي مدار‬ ‫التاريخ العربي اإلسالمي منذ أحداث الفتنة الكبرى‪،‬وجاءوا – في عصرنا‬ ‫الحالي ‪ -‬امتدادا طبيعيا لجماعة اإلخوان المسلمين‪( ،‬التي ألهمت كل جماعات‬ ‫اإلسالم السياسي ودعاة التطرف واإلرهاب‪ ،‬والتكفير في كل أنحاء العالم)‬ ‫تلك الجماعات تسعي للحصول علي السلطة‪ ،‬مستخدمة الدين‪ ،‬فيخلطون‬ ‫المغرضة‪ ،‬التي ال تمت بصلة إليه‪.‬‬ ‫بينه وبين السياسة ‪ .‬ويصدروا به الفتاوى ُ‬ ‫ويتصورون أنهم سيستطيعون إعادة نظام الخالفة التي ألغاها (مصطفي كمال‬ ‫(‪)51‬‬ ‫أتاتورك) في عام ‪1924‬‬ ‫إلغاؤها قضي علي الفكرة التي كانت مستقرة لدي المسلمين – حتى ذلك‬ ‫الحين‪ -‬أن الخالفة اإلسالمية ضرورة دينية‪ ،‬وركن من أركان اإلسالم‪ ،‬حتى‬ ‫اعتقد البعض بأن من مات بغير خليفة أو إمام فقد مات ميتة جاهلية‪ ،‬وهذا‬ ‫االعتقاد مازال قائما في عقلية كل الذين يسعون من أجل إعادتها ‪ -‬ولو‬ ‫الوجهة‬ ‫باستخدام العنف واإلرهاب‪ -‬وألن األمر غير حقيقي‪ ،‬وغير صحيح من ُ‬ ‫الدينية‪ ،‬ويتصدي له العقالء من التنويريين‪ ،‬لجأ الذين يريدون اللعب بالنار‪،‬‬ ‫إلي تكوين جماعات وتنظيمات‪ ،‬تمارس اإلرهاب والعنف‪ ،‬بزعم دفاعهم عن‬ ‫الدولة اإلسالمية‪ ،‬وإعادة نظام الخالفة من جديد‪.‬‬ ‫في تلك اآلونة التي انتهت فيها تلك الخرافة‪ ،‬رأينا من كان يسعي إليها (من‬ ‫الحكام العرب والمسلمين في ذلك الوقت‪ ،‬منهم الشريف حسين‪ ،‬والملك سعود‬ ‫والملك فؤاد‪ ،‬وابنه الملك فاروق الذي أدعي نسبه إلي آل البيت الهاشميين‪،‬‬ ‫وكأنه يريد أحياء خرافة الصراع القديم‪ ،‬وينافس الشيعة في إيران التي تنسب‬


‫إلي أئمتها التقديس بانتسابهم إلي أبناء (علي) من الهاشميين‪ ،‬ثم يظهر فيما بعد‬ ‫طامعون في الخالفة آخرون ليسوا من الهاشميين‪ ،‬ويدعون االنتساب إلي أهل‬ ‫الحكم والسلطة‪ ،‬أمثال طالبان في أفغانستان‬ ‫السنة لمناوأة أهل الشيعة واقتناص ُ‬ ‫وباكستان‪ ،‬وخليفة (داعش) في العراق والشام‪ ،‬فضال عن أطماع (أردوغان)‬ ‫السلطان العثماني‪ ،‬بدعم من التنظيم الدولي‬ ‫في تركيا الستعادة عصر حريم ُ‬ ‫لإلخوان تحت رعاية الواليات المتحدة األمريكية التي تسعي الستنساخ الفتنة‬ ‫الكبرى القديمة في صورة جديدة‪ ،‬وهي نظرية الفوضى الخالقة التي تشتعل‬ ‫اآلن بين الطامعين في تجزئة المنطقة وتقسيمها من جديد‪ ،‬وتوزيع غنائمها بين‬ ‫الجدد في إسرائيل‪،‬‬ ‫السنة في تركيا‪ ،‬والفرنجة ُ‬ ‫الفرس الشيعة في إيران‪ ،‬والروم ُ‬ ‫المتطرفة في المنطقة (اإلخوان ‪ -‬السلفيون‪ -‬القاعدة – داعش)‬ ‫وللجماعات‬ ‫ُ‬ ‫(‪)52‬‬ ‫وغيرها من جماعات الذئاب الشاردة والمنفردة‪ ،‬عمالء المخابرات المركزية‬ ‫معالجة هذا الموضوع الخطير مسرحيا ‪ -‬وما تعلق به من فتاوى تؤكد‬ ‫جهل الذي نصب نفسه خليفة بالسيف والسكين والخنجر – ليست سهلة أبدا‪،‬‬ ‫ألنه موضوع فكري في األساس‪ ،‬لكن الكاتب اقتحمه‪ ،‬وبادر بمعالجته‪ ،‬وقدم‬ ‫نصا يفضح فيه‪ ،‬فكر تلك الجماعة‪ ،‬وخليفتها المزعوم‪.‬‬ ‫تلك المسرحية تناقش الموضوعات الشائكة‪،‬المرتبطة بقضايا المرأة‪ ،‬وما‬ ‫يتعلق بها من ممارسات تحصر عالقتها بالرجل في البعد الجنسي فقط ‪،‬‬ ‫حتى لو اقتضي األمر أن تكون العالقة اغتصابا‪ ،‬المهم أن يستمتع الجنود‬ ‫المشاركين في جيش الخليفة‪ ،‬ألنهم يقاتلون في سبيل هللا – كما يزعمون‪ -‬من‬ ‫أجل إعالء راية الدولة اإلسالمية‪ ،‬وجميعنا ‪ -‬نساء ورجاال ‪ -‬نصبح مجرد‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪155 154‬‬


‫أسري وسبايا ورقيق وعبيد‪ ،‬يفعلون معنا ما شاء لهم الفعل‪ ،‬طالما أننا رضينا‬ ‫أن نعيش بدون خليفة !!‬ ‫وهذا الموضوع ُيعالج ُبعدا جديدا من أبعاد قضية اإلرهاب باسم الدين‪،‬‬ ‫التي اهتم بتناولها الكاتب (محمد أبو العال السالموني) في نصوص متعددة‪،‬‬ ‫البعد الجديد فرض نفسه‪ ،‬ومازال يفرض‬ ‫تناولتها بالدراسة والتحليل‪ ،‬وهذا ُ‬ ‫نفسه حتى اليوم‪ .‬تناوله معتمدا علي الوقائع التي ُنشرت‪ ،‬والملفات التي أشارت‬ ‫إلي مضمونه بخصوص فتاوى خليفة داعش المزعوم‪ ،‬التي تُبيح نكاح المرأة‬ ‫حتى ولو بدون عقد زواج‪ ،‬ألنها تساعد الجنود الذين يجاهدون في سبيل هللا‪،‬‬ ‫وترفه عنهم‪ ،‬وستصبح – هي األخرى ‪ -‬مجاهدة جزاء ما أعطت !! باإلضافة‬ ‫إلي الفتوى التي تقول‪ :‬إن المرأة األسيرة حين يطؤها ويعاشرها عشرة رجال‬ ‫من المجاهدين‪ ،‬تُصبح مسلمة بإذن هللا‪ ،‬وإذا خرجت عن التنظيم تُصبح في حكم‬ ‫(‪)53‬‬ ‫المرتد‪ ،‬ووجب رجمها وقتلها‬ ‫هم يفهمون عبارة (إن الضرورات تبيح المحظورات) فهما خاطئا‪ ،‬ويفسرونها‬ ‫علي هواهم‪ ،‬فيصبح المحظور أمرا عاديا‪ ،‬حتى وان جاء ُمخالفا للشرع‪.‬‬ ‫والمباح ‪ -‬هنا ‪ُ -‬يعبر عن هاجس الجنس وهوس النكاح‪ ،‬الذي جعل (أبو بكر‬ ‫البغدادي) خليفة الدواعش‪ُ ،‬يصدر الفتاوى التي تكشف عن هذا الهوس‪ ،‬ومنها‬ ‫الفتوى التي أسماها (جهاد النكاح) (ويدعو كل نساء العالم للهجرة إلي دولتهم‬ ‫السنة من رجال داعش إلمتاعهم‪ ،‬وهو ما‬ ‫لممارسة النكاح مع المجاهدين ُ‬ ‫يذكرنا بفرقة (حسن الصباح) اإلرهابية التي أقامت الجنة في قلعة الموت‪ ،‬التي‬ ‫تمتلئ بالحور العين‪ ،‬إلمتاع شباب المجاهدين الشيعة االنتحاريين من جماعة‬


‫الحشاشين)‬ ‫ولقد أثيرت قضية (جهاد النكاح) في سوريا‪ -‬أيضا‪ -‬حين ُنسبت بعض‬ ‫الفتاوى لبعض الشيوخ‪ ،‬تدعو إلي (نفير النساء) إلي سوريا بغرض إشباع‬ ‫الرغبات الجنسية للمجاهدين – هكذا يسمونهم – ويعتبرون هذا النوع من‬ ‫الزواج جهادا في سبيل هللا !!‬ ‫وحين نعلم أن هناك ُكتبا تتضمن العناوين التالية‪ :‬المباح في آداب النكاح –‬ ‫الطريقة النبوية السليمة في نكاح المرأة والبهيمة – شرح كتاب النكاح – الوشاح‬ ‫في فوائد النكاح ‪ -‬االنشراح في آداب النكاح‪ -‬المباح في آداب النكاح‪ -‬في‬ ‫فضل النكاح – الكفاءة في النكاح) وغيرها من تلك العناوين‪ ،‬هنا نتيقن أن‬ ‫هذا الموضوع ُيمثل الشغل الشاغل لبعض الذين يريدون الحديث عنه بمرجعية‬ ‫دينية‪ ،‬وليس بمرجعية علمية‪ ،‬نفسية‪ ،‬أو بيولوجية‪ ،‬وتلك المرجعية التي تدعي‬ ‫إسالميتها تسيء – في الغالب – لهذا الموضوع ذو الصبغة اإلنسانية‪ ،‬ألنها‬ ‫تعبر عن هوس جنسي كما أشرنا‪.‬‬ ‫وهنا ُيصبح حديث البعض من الذين يروجون لما يسمي بجهاد النكاح‪،‬‬ ‫أمرا طبيعيا – من وجهة نظرهم – فهم يصدرون الفتاوى التي تبيحه‪ ،‬وتبيح –‬ ‫بالتالي زواج المتعة – ويرون أن اإلسالم لم يحرمه‪ ،‬ويتغاضون عن اآليات‬ ‫التي تحرمه‪ ،‬أن تلك الفتاوى تصدر عن جهله‪ ،‬يسيئون لإلسالم والمسلمين‬ ‫عن عمد – كما أعتقد ‪ -‬أو عن جهل بين وخلل في التفكير العقلي‪ ،‬لتعارضه‬ ‫مع الطبيعة اإلنسانية‪ ،‬وتوافقه مع الطبيعة الحيوانية‪ ،‬التي ال تقدر المشاعر‪،‬‬ ‫وال تؤمن بالحب‪.‬‬ ‫(‪)54‬‬

‫أبو العال السالموين‬

‫‪157 156‬‬


‫هو فعل اغتصاب كامل األركان حتى وإن تم بزواج عرفي ‪..‬لماذا؟ ألن‬ ‫اإلسالم أحاط العقد بقدسية‪ ،‬توضحها اآلية الكريمة من سورة النساء (وكيف‬ ‫تأخذونه وقد أفضي بعضكم إلي بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا) (اآلية ‪..)21‬‬ ‫إن الذين يبيحون (جهاد النكاح) لإلرهابيين الذي يعتقدون أنهم يجاهدون في‬ ‫سبيل هللا‪ ،‬من أمرائهم‪ ،‬ومن بعض شيوخ الفتنة‪ ،‬يؤكدون علي‪:‬أوال‪ :‬همجية‬ ‫الفعل وثانيا‪ :‬الموقف المتدني تجاه الجنس والمرأة‪ ،‬ألنهم يرون أن الرجل‬ ‫صاحب السيطرة‪ ،‬ولذلك فإنه يحصر عالقته بها في نطاق المتعة الحسية‬ ‫فقط‪ ،‬وثالثا‪ :‬أن تلك الفتاوى التي تجيء من خارج نطاق ما يسمونه (الدولة‬ ‫اإلسالمية) تعكس فكر المجتمعات المتخلفة‪ ،‬التي تخرج منها مثل هذه الفتاوى‪،‬‬ ‫وتنظيم داعش‪ ،‬بوصفه تنظيما إرهابيا‪ ،‬ال يعنيه أمر الدين في شيء‪ ،‬بقدر ما‬ ‫يعنيه أن يحقق به‪ ،‬ومن خالله‪ ،‬أهدافه السياسية‪ ،‬لتحقيق حلم (الدولة اإلسالمية)‬ ‫وإعادة الخالفة من جديد‪ ،‬وكأنهم يعيدوننا إلي الماضي‪ ،‬الماضي الذي ُ​ُقتل فيه‬ ‫آالف المسلمين بأيدي المسلمين‪ ،‬وليس بأيدي غيرهم‪ ،‬دفاعا عن فكرة الخالفة‬ ‫المزعومة‪.‬‬ ‫كل الذي تحدثت عنه خالل السطور السابقة‪ُ ،‬يمثل المرجعية الفكرية‪ ،‬التي‬ ‫عالجها النص دراميا‪ ..‬والسؤال هو‪ :‬كيف عالجها دراميا ؟‬ ‫استخدام الكاتب تقنية (مسرح المناقشة) التي تعتمد علي الشخوص‬ ‫المسرحية‪ ،‬وحوارها‪ ،‬أكثر من اعتمادها علي الحركة والصورة المسرحية‪،‬‬ ‫فالشخوص يتحدثون‪ ،‬ومن خالل حديثهم نعرف ماضيهم‪ ،‬وما وقع لهم من‬


‫أحداث‪ ،‬أدت إلي الموقف النهائي الذي نراهم عليه وهم يقفون علي خشبة‬ ‫المسرح‪ ،‬وتلك الطريقة وجدناها لدي بعض ُكتاب المسرح العالميين الذي‬ ‫ابتكروا تلك التقنية في مسرحهم‪ ،‬مثل الكاتب النرويجي (هنريك إبسن) والكاتب‬ ‫االنجليزي الذي تأثر بإبسن ‪ -‬من هذه الناحية‪( -‬جورج برنارد شو)‪ ،‬والقضية‬ ‫في هذا النص قضية هادفة – وتلك طبيعة مسرح المناقشة ‪ -‬لتناولها للموقف‬ ‫الفكري – كما ذكرت – لتنظيم (داعش) اإلرهابي‪.‬‬ ‫وبرغم أن هذا النوع من المسرح‪ُ ،‬يمكن أن يتسبب في إحداث ملل لُلمتلقي‪،‬‬ ‫حين يحاكي موضوعه‪ ،‬موضوع ندوة سياسية أو مقال ـ إال أن الكاتب (محمد‬ ‫أبو العال السالموني) استطاع – برغم هذا‪ -‬أن يجعل الحوار حيويا‪ ،‬يدعوك‬ ‫للترقب‪ ،‬ويجبرك علي المتابعة‪ ،‬بسبب غرائبية الموضوع من ناحية‪ ،‬وبسبب‬ ‫أسلوب الكوميديا السوداء من ناحية أخري‪ ،‬وبطبيعة الحال فإن هذا الموضوع‬ ‫– بسمته الفكرية الخالصة – ُيمكن أن يعكس أثرا من المباشرة أحيانا‪ ،‬ومن‬ ‫الخطابية أحيانا أخري‪ ،‬ومع ذلك فإن العمل ال يخلو من عنصر التشويق الذي‬ ‫أشرت إليه‪ ،‬باإلضافة إلي تأثيره االيجابي علي المتلقي الذي يشارك مشاركة‬ ‫ايجابية‪ ،‬حين يتلقي تلك الغرائبية‪ ،‬ويفكر في طبيعتها‪ ،‬ومضمونها‪ ،‬وهو الهدف‬ ‫الرئيسي من هذا المسرح‪.‬‬ ‫وألن هذا النوع من الكتابة‪ ،‬يتطلب وعيا كبيرا من الكاتب بطبيعة الموضوع‪،‬‬ ‫ومعرفة‪ ،‬بكل الظروف والوقائع المحيطة به‪ ،‬نري أن الكاتب درسه دراسة‬ ‫وافيه‪ ،‬وقدم عالم تلك الجماعة من الداخل‪ ،‬وليس من الخارج‪ُ ،‬مركزا علي‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪159 158‬‬


‫ومبينا كيف أن تلك الطبيعة ببعدها الشاذ‪ ،‬تخلق مواقف‬ ‫كشف طبيعة التفكير‪ُ ،‬‬ ‫أكثر شذوذا‪ ،‬تدفعنا التخاذ موقف تجاه تلك الجماعات‪ ،‬فالكاتب هنا ُيحاكم فكر‪،‬‬ ‫وال يحاكم أحداث‪ ،‬ألن الفكر‪ ،‬فعل خطير جدا‪ ،‬خاصة حين يتم باسم اإلسالم‪،‬‬ ‫ويشوه صورته الناصعة أمام العالم‪ ،‬الذي ال يعرف عن اإلسالم شيئا‪.‬‬ ‫لم يتوسع في موضوعه‪ ،‬بل كثفه‪ ،‬حين اكتفي فقط بموقف واحد قام بمعالجته‬ ‫فنيا‪ ،‬وهو المتعلق بفتوي (جهاد النكاح) دون غيرها من ممارسات التنظيم اإل‬ ‫رهابي‪.‬‬ ‫تبدأ المسرحية بحوار بين إرهابيين من داعش‪ ،‬نفهم منه أن مجموعة من‬ ‫الفتيات جئن إلي معسكر التنظيم من أقصي بالد الشرق‪ ،‬بعد إعالن خليفة داعش‬ ‫علي موقع االنترنيت دعوته لنساء العالم من أجل جهاد نكاح شرعي يضمن‬ ‫للمرأة جنات الخلد‪ ،‬وتلك الفتيات جئن من الحانات والكباريهات المنتشرة هناك‪،‬‬ ‫وكن يرفهن ‪ -‬من قبل ‪ -‬عن الجند األمريكان‪ .‬لكنهن جئن هذه المرة للتطهر‪،‬‬ ‫والتوبة‪ ،‬ظنا منهن أن ذلك سيتم بزواج شرعي يحميهن‪ ،‬ويبعدهن عن العمل‬ ‫السفن‪ ،‬حين‬ ‫المخزي الذي قمن به من قبل‪ ،‬لكن الرياح تأتي بما ال تشتهي ُ‬ ‫ُ‬ ‫تقابل المرأة (لوتس) خليفة داعش‪ ،‬بمرافقة (وليد) الداعشي المترجم‪ ،‬تكتشف‬ ‫أن الخليفة يتعامل معها كعاهرة‪ ،‬لكنه في نفس الوقت يوافق علي مواقعة تلك‬ ‫الفتيات‪ ،‬وتكون المواقعة حالال بالال‪ ،‬اعتمادا علي أن الذنب سيقع عليهن وليس‬ ‫علي الجنود !! وحين يخبره (وليد) أنهن أتين من أجل التوبة‪ ،‬ويردن (جهاد‬ ‫المنكر والبغي‪ ..‬نري (الخليفة) يرد بأن ال أحد من‬ ‫نكاح) شرعي يبعدهن عن ُ‬ ‫الجنود سيرضي بالزواج من عاهرة‪ ،‬ولكن يمكن أن يتم ذلك إذا وافقن علي‬


‫أن يؤخذن سبايا‪ ،‬وهذا ما ترفضه (لوتس) وتتمسك بالزواج الشرعي من أجل‬ ‫التوبة‪ ،‬ثم توافق حين تتعقد األمور‪ ،‬وتري أن حياتها أصبحت في خطر‪.‬‬ ‫العهر‪.‬‬ ‫لوتس‪ :‬أو لست تري هذا أفضل مما كنا فيه من الرجس وأعمال ُ‬ ‫وليد‪ :‬ال‪ ..‬لست أري فرقا بين االثنين‪ ،‬بين حياة داعرة وحياة سبي‪ ..‬مفهوم‬ ‫السبي هنا في دولتنا ال يختلف عن العهر وهتك العرض‪.‬‬ ‫لوتس‪ :‬تعني أنا سنمارس نفس المهنة تحت مسمي آخر كسبايا ليس بغايا‬ ‫وليد ‪ :‬أهنالك فرق؟‬ ‫لوتس‪ :‬بل ثمة فرق‪ ..‬حين نكون بغايا نفعل ذلك بإرادتنا‪ ،‬وبرغبتنا ولذلك نأخذ‬ ‫عنه األجر‪ ،‬أما حين نكون سبايا مغتصبات‪ ،‬فاألمر يتم بدون إرادتنا أو رغبتنا‪،‬‬ ‫ويكون لنا شرف مقاومة المغتصبين لنا‪.‬‬ ‫هنا نطقت الغانية بلسان المؤلف‪ ،‬ليوضح لنا األمر‪ ،‬ويجعل تلك المرأة‬ ‫غير المسلمة‪ ،‬حين تتحدث بفطرتها السليمة‪ ،‬تبدو وكأنها مسلمة‪ ،‬رافضة لفعل‬ ‫االغتصاب تحت أي مسمي‪.‬‬ ‫وحين يشتد الخالف بين (وليد) و(الخليفة) بعد أن عاد إليه عقله‪ ،‬رافضا‬ ‫فتواه‪ ،‬لتعارضها مع الشريعة‪ ،‬وحبه للمرأة‪ ،‬وحبها المتبادل له‪ ،‬نراه يدافع‬ ‫عنها‪ُ ،‬معلنا حمايتها مهما كان الثمن‪ ،‬هنا نري الخليفة يشتاط غضبا‪ ،‬فيهدده‬ ‫بالحرق حيا‪ ،‬لخروجه عن طوعه‪ ،‬ومجادلته‪ ،‬خاصة حين أعلن عن رغبته في‬ ‫الزواج منها‪ ،‬زواجا شرعيا سليما‪ ،‬بعيدا عن الفتوى التي تفرض عليها أن تسلم‬ ‫نفسها لعشرة رجال‪ ،‬حتى تحصل علي التوبة‪.‬‬ ‫عاقبها والعقاب‪ :‬أن تكون جاريته‪ ،‬وبعدها يهبها لمن يشاء‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪161 160‬‬


‫الخليفة‪ :‬مادامت وهبتني النفس كجارية وبال إجبار‪ ،‬فأنا من حقي أن أهب‬ ‫الجارية لمن شئت (وبحزم) هذا هو القول الفصل‪ ،‬وال تعقيب عليه يا أخ وليد‪..‬‬ ‫خذها وأعلن فتواي علي الجند علي هذا النحو‪ :‬فيأخذها أول جندي ويعاشرها‬ ‫زمنا ثم لجندي آخر‪ ،‬ثم آلخر ودواليك‪.‬‬ ‫وليد‪ :‬موالي‪ ..‬هذا ما كانت تفعله في مهنتها األولي وأتت تتبرأ منها‪.‬‬ ‫الخليفة‪ :‬اسمع يا أخ وليد‪ ..‬في مهنتها األولي كانت تفعل ذلك وهي امرأة‬ ‫كافرة‪ ،‬عاهرة ال دين وال أخالق لها‪ ،‬أما اآلن فقد صارت أمة هللا‪ ،‬تُجاهد بنكاح‬ ‫شرعي‪ ،‬وهبته لوجه هللا ليمحو عنها ما اقترفته من اآلثام‪.‬‬ ‫المفارقة الباعثة للضحك هنا – وهو ضحك أشبه بالبكاء‪ -‬أن الحوار يدور‬ ‫ُ‬ ‫المتعلق بنكاح نساء بشكل غير شرعي‪،‬‬ ‫وهو‬ ‫دين‪،‬‬ ‫أي‬ ‫يقره‬ ‫ال‬ ‫موضوع‬ ‫حول‬ ‫ُ‬ ‫مكافأة للجنود‪ ،‬ألنهم يجاهدون في سبيل هللا‪ ،‬بينما هو يجاهدون من أجل إرضاء‬ ‫الشيطان‪ ،‬يتحاورون‪ ،‬ويتحدثون بمرجعية دينية‪ ،‬لكنها تتعارض – تماما‪ -‬مع‬ ‫ما يفعلونه‪ ،‬ويدعون إليه‪.‬ويبررون المعاصي‪.‬‬ ‫أبو الهيجاء‪( :‬منتشيا) يا هللا‪ ..‬دقات الكعب العالي تسري في جسدي كالرعشة‪.‬‬ ‫أبو عقبة‪ :‬اهدأ يا أبا الهيجاء‪ ..‬هذي خطوات رئيستهن بصحبة من يتولي‬ ‫الترجمة لها‪ ..‬األخ وليد‪.‬‬ ‫أبو الهيجاء‪ :‬ما أسعد هذا األخ وليد‪ ..‬قد كان رفيقا معنا في حرس القصر‪،‬‬ ‫أسعده الحظ بأن كان لديه المعرفة ببعض لغات أخري جعلته مترجم موالنا‬ ‫الشخصي‪ ،‬الشك له حق النظرات بال حد‪ ،‬فضال عن صحبته للمزة‪ ،‬وحديثهما‬ ‫الممتد‪ ،‬لكن‪ ..‬أو هذا ليس يخالف شرع هللا ؟‬


‫أبو عقبة‪ :‬يا أبا الهيجاء‪ ..‬القاعدة الفقهية تقضي‪ ،‬أن الضرورات تبيح‬ ‫المحظورات‪.‬‬ ‫هنا يقلبون القواعد رأسا علي عقب‪ ،‬باسم الضرورة‪.‬‬ ‫ويعلن (وليدا) حبه للمرأة‬ ‫ويتصاعد الصراع الدرامي بين شخوص المسرحية‪ُ ،‬‬ ‫(لوتس) ويصارحها بحقيقة تفكير تلك الجماعة‪.‬‬ ‫وليد‪ :‬المحنة قائمة في الفكر المتخلف لجماعتنا نحو المرأة‪ ،‬فكر ينظر للمرأة‬ ‫ليس كإنسان‪ ،‬لكن ينظرها موضوعا للشهوة واإلغراء‪ ،‬ويعاملها من منطلق‬ ‫الهوس الجنسي‪ ،‬أما النظرة للحب فال شيء‪ ،‬هذا فكر ال يعرف شيئا عن عاطفة‬ ‫الحب أو العشق‪ ،‬ال يعرف إال الشهوة والجنس‪ ،‬كل قضايا التحريم أو التابو‪ ،‬ال‬ ‫تصدر منهم إال عن جسد المرأة‪ ،‬مرض مأساوي وعضال في عقل جماعتنا‪،‬‬ ‫المعتل‪.‬‬ ‫وأنا ال أنوي أن أمضي مع هذا الفكر ُ‬ ‫وحين يشتد الصراع‪ ،‬نصل إلي النهاية التي أرادها المؤلف تشبه‬ ‫نهايات قصص الحب المأساوية‪ ،‬خاصة مأساة (روميو وجولييت) التي انتهت‬ ‫بانتحارهما‪ ،‬كحل للخروج من مشكالت ال يستطيعون مواجهتها‪ ..‬هنا يقررا‬ ‫ معا‪ -‬االنتحار داخل الخيمة التي أعدت لخلوتهما‪ ،‬حين أقنع (وليد)‬‫(الخليفة) كذبا بأنه سيواقع المرأة‪ ،‬وبعدها سيسلمها للجنود كما أراد‪ ..‬يطلقا‬ ‫علي رأسهما الرصاص‪ ،‬ويموتا‪ ،‬تعبيرا عن تمسكهما بالحب كقيمة‪ ،‬ال يعترف‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪163 162‬‬


‫المخالفة للشرع‪ ،‬وتعطيل‬ ‫بها هؤالء اإلرهابيون‪ ،‬وتعبيرا عن رفضهما للفتاوى ُ‬ ‫تنفيذها في دولة الخليفة‪.‬‬ ‫الخليفة (غاضبا)‪ :‬هذان الملعونان المنتحران يريدان بهذا تعطيل فتاوانا للدعوة‬ ‫لجهاد النكاح في دولتنا‪ ،‬لكن قسما عظما‪ ،‬ليكونن العبرة والعظة لمن ال عبره له‬ ‫(يأمر أتباعه)‪ ..‬خذا هذين الملعونين‪ ،‬واخلعا مالبسهما وال تقوال إنهما انتحرا‪،‬‬ ‫ضبطا في الخيمة‪ ،‬في حالة فحش وزنا‪ ،‬ولذلك أطلقنا النار عليهما‪،‬‬ ‫بل قوال إنهما ُ‬ ‫كجزاء لهما‪ ،‬ثم ُيعلقان فوق صليبين عاريين في الساحة‪ ،‬وأمام المارة لثالثة أيام‬ ‫قذفا باألحجار‪.‬‬ ‫وتنتهي المسرحية بعبارته (ال رجعة عن فتواي‪ ..‬من ال تقبل بمواقعة الجند‬ ‫العشرة راضية مرضية‪ ،‬حتى تتطهر من رجس الكفر أو العهر‪ ،‬تُصبح بمثابة‬ ‫زانية تُرجم باألحجار‪ ،‬وتُقذف قذفا من قبل رجال وجند الدولة‪ ،‬عارية حتى‬ ‫تشهق‪ ،‬ليس من اللذة‪ ،‬بل من شهقات القذف‬ ‫ وكما نري فان الكاتب استطاع بأدوات المسرح‪ ،‬أن يتناول موضوعا‪ ،‬يفضح‬‫فيه فكر تلك الجماعة اإلرهابية‪ ،‬منتصرا لقيمة الحب‪ ،‬في مواجهة الكراهية‪،‬‬ ‫ومنتصرا لدقات القلوب حين تعرف طريقها نحو الخير والنور‪ ،‬في مواجهة‬ ‫سواد القلوب التي ال تعرف إال طريق الشر والظالم‪ُ ،‬يقدم قصة حب جديدة‪ ،‬في‬ ‫تلك األجواء البغيضة‪ ،‬التي ال يمكن للحب أن يجد فيها مكانا ليحيا‪ ،‬وبالفعل‪،‬‬


‫لم يستطع أن يعيش‪ ،‬وسط السواد الحالك‪ ،‬الذي تريد تلك الجماعة‪ ،‬وغيرها من‬ ‫الجماعات أن تُسدل أستاره علينا‪.‬‬ ‫السحرة‬

‫(‪)55‬‬

‫التكريس لثقافة الخوف والتهديد واإلرهاب‬ ‫في أوائل السبعينيات من القرن الماضي‪ ،‬قام (السادات) بمواجهة اليسار‬ ‫ويعارض‬ ‫باليمين الديني‪ ،‬بسبب شعوره بأن اليسار ال يتفق مع سياساته‪ُ ،‬‬ ‫مواقفه‪ ،‬خاصة بعد تصريحه الشهير‪ ،‬بأن عام ‪ ،1971‬سيكون هو عام الحسم‬ ‫ أي الذي سيتم فيه تحرير األرض التي أغتصبها العدو اإلسرائيلي في ‪- 67‬‬‫ومرت األعوام ‪ -‬بعد هذا التصريح ‪ -‬ولم يتحقق شيئا مما صرح به !! فقامت‬ ‫المناهضة‪ ،‬التي قادها اليسار‪ ،‬فلجأ إلي إفساح المجال أمام‬ ‫مظاهرات الطلبة ُ‬ ‫التيارات الدينية لتواجه المد اليساري داخل الجامعات‪.‬‬ ‫ومن المفارقات العجيبة أن تشكيل الجماعة اإلسالمية من الطالب اإلسالميين‪،‬‬ ‫تم بمساندة من النظام‪ ،‬فعندما تولي (محمد عثمان إسماعيل) أمين عام االتحاد‬ ‫االشتراكي ‪ -‬في ذلك الوقت ‪ -‬منصب محافظ أسيوط في عام ‪ ،1972‬أشرف‬ ‫بنفسه ‪ -‬وبأوامر من (السادات) ‪ -‬علي فض االعتصام الشهير بجامعة‬ ‫أسيوط‪ ،‬الذي قاده طالب اليسار‪ ،‬وكان للرجل نظرية مفادها‪:‬أن اإلسالميين إذا‬ ‫استطاعوا الحصول علي التمويل الالزم لممارسة نشاطهم‪ ،‬ساعتها سيستطيعون‬ ‫إعاقة نشاط الطالب اليساريين المعارضين للسادات‪ ،‬ولذلك انشأ مكتبا بالمحافظة‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪165 164‬‬


‫كانت وظيفته إعداد الكوادر للتصدي للطالب اليساريين‪ ،‬وإجهاض قوتهم داخل‬ ‫الجامعة‪ ،‬وكانت تلك هي البداية‪ ،‬التي ساعدت علي ظهور عدد من التنظيمات‬ ‫المتطرفة‪ ،‬المتسترة بالدين‪ ،‬والتي تفرغت لتحقيق أهدافها الخاصة مثل‪( :‬تنظيم‬ ‫الفنية العسكرية ‪ -‬تنظيم التكفير والهجرة ‪ -‬الجماعة اإلسالمية ‪ -‬الجهاد ‪-‬‬ ‫وغيرها من التنظيمات‪.‬‬ ‫ولقد وقع السادات في خطأ كبير حين ظن أنه سيستطيع استخدام التيار‬ ‫الديني لخدمة أغراضه‪ ،‬بينما الذي حدث‪ ،‬أن هذا التيار سرعان ما انتقل للعمل‬ ‫لحسابه الخاص‪.‬‬ ‫وأصبح المناخ مهيئا أمام كل من يريد ممارسة نشاطه المتطرف‪ ،‬حتى‬ ‫ولو جاء من خارج مصر‪ ،‬فظهرت مجموعة العقيد (صالح سرية) الفلسطيني‬ ‫المولد‪ ،‬األردني اإلقامة (‪ )56‬وقام بممارسة مغامراته‪ ،‬حين احتل الكلية الفنية‬ ‫العسكرية‪ ،‬وقتل سبعة عشر شخصا‪ ،‬معتقدا انه قد ُيحدث انقالبا في مصر في‬ ‫عام ‪ ،1974‬لكن مغامرته باءت بالفشل‪ ،‬وتم إعدامه … وتسلل – أيضا ‪ -‬إلى‬ ‫مصر اإلرهابي (محمد سالم الرحال) الذي قام بجمع فلول تنظيم (صالح سرية)‬ ‫الذي عمل تحت اسم (حزب التحرير اإلسالمي) لينشئ تنظيما جديدا اسمه‬ ‫(الجهاد اإلسالمي) ‪ .‬حرم أكل ذبائح المصريين ألنهم كفار‪ ،‬و حرم الصالة‬ ‫في المساجد الحكومية‪ ،‬ألن الحكومة ‪ -‬في نظر أعضائه ‪ -‬حكومة كافرة‪،‬‬ ‫وحرضوا أتباعهم ضد التجنيد‪ ،‬وزعموا أن قتال المصريين أولي من قتال‬ ‫العدو اإلسرائيلي !! وقاموا بسرقة أسلحة من الجيش‪ ،‬وانكشفت مؤامرتهم‪،‬‬


‫وتم القبض عليهم‪ ،‬وكان من بين المقبوض عليهم أربعين من الصبيان الصغار‬ ‫الذين ُحفظ التحقيق بالنسبة لهم علي أساس أنه ُغرر بهم‪ ،‬وانتهت مجموعة‬ ‫الجهاد األولي لتقوم علي أنقاضها مجموعة الجهاد الثانية‪ ،‬التي قامت بالصغار‬ ‫الذين تركتهم الحكومة رأفة بهم لصغر سنهم‪ ،‬وارتكب بعض أفرادها حادثة‬ ‫(‪)57‬‬ ‫المنصة وقتل (أنور السادات)‬ ‫وحين قامت (جماعة التكفير والهجرة) بقيادة (شكري مصطفي) باختطاف‬ ‫وزير األوقاف الشيخ (حسن الذهبي) في عام ‪ - 1977‬واغتياله برصاصة‬ ‫في عينه اليسرى ‪ -‬حين أفتي بمروقهم – كانت هذه هي اإلشارة األولي‪،‬‬ ‫التي كشفت تعاظم نشاط تلك الجماعات‪ ،‬وكشفت خطورتها‪ ،‬خاصة أن تلك‬ ‫الجماعة لم تكن تعمل بشكل سري‪ ،‬بل قام أعضاؤها‪ ،‬بطرح أفكارهم عالنية‪،‬‬ ‫وتلك األفكار انتهجت نهج الخوارج في التكفير بالمعصية‪ ،‬هؤالء الذين قتلوا‬ ‫(عثمان ابن عفان) سنة ‪ 40‬هجرية‪ ،‬ألنه رأي الخالفة (قميصا ألبسه هللا‬ ‫إياه)‪ ،‬هاجرت تلك الجماعة من المجتمع‪ ،‬الذي تراه كافرا‪ ،‬وعاش أفرادها في‬ ‫منطقة صحراوية تقع بين المنيا والوادي الجديد‪ ،‬مارست أعمالها‪ ،‬وتدريباتها‪،‬‬ ‫ووضعت خططها وبرامجها‪ ..‬وحين ُقبض علي أميرها (شكري مصطفي)‬ ‫(‪)58‬‬ ‫تحدي المحققين‪ ،‬وادعي أن أحدا لن يستطيع إعدامه‪ ،‬ألنه المهدي المنتظر‬ ‫وكان للثورة اإلسالمية التي قامت في إيران عام ‪ ،1979‬تأثيرا علي أفراد‬ ‫تلك الجماعات‪ ،‬وأصبحت نموذجا ُيحتذي به للوصول إلى السلطة‪ ،‬وكانت‬ ‫النتيجة (اغتيال السادات) واستمرار نشاطهم بعد ذلك‪ ،‬وزيادة العنف‪ ،‬ومحاوالت‬ ‫االغتيال الفاشلة التي انتهت في عام ‪ ،1995‬بمحاولة اغتيال (حسني مبارك)‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪167 166‬‬


‫في أديس أبابا‪ ،‬ومذبحة األقصر في عام ‪ ،1997‬وتمكنت جماعة اإلخوان‬ ‫المسلمين من الوصول إلي السلطة عقب ثورة يناير ‪ ،2011‬واستمر عنفهم‬ ‫حتى اآلن‪.‬‬ ‫في الفترة التي أشرت فيها إلى أن السادات أحكم قبضته علي اليسار‪ ،‬بإعطاء‬ ‫الفرصة كاملة للتيار الديني لكي يعمل بتشجيع منه‪ ،‬طالب األدباء – خاصة‬ ‫هؤالء الذين يعيشون خارج العاصمة ‪ -‬وكان (محمد أبو العال السالموني)‬ ‫واحدا منهم‪ -‬بإقامة اتحاد مستقل للكتاب‪ ،‬يستطيعون من خالله ممارسة‬ ‫حريتهم في التعبير‪ ،‬ألنه سيوحد صفوفهم في مواجهة السلطة‪ ،‬التي حملت علي‬ ‫عاتقها مهمة تهميش دورهم تماما‪ ،‬باتهامهم بالشيوعية تارة‪ ،‬وبالكفر واإللحاد‬ ‫تارة أخري‪ ،‬فاشتد الخناق عليهم‪ ،‬و لم يستطيعوا نشر أعمالهم‪ ،‬أو ممارسة‬ ‫أنشطتهم الفكرية واألدبية والفنية‪ ،‬وكان قانون الرقابة علي المطبوعات‪،‬‬ ‫ويكشر عن أنيابه‪ ،‬أمام كل من يريد الخروج عن النهج‬ ‫يفرض سطوته‪ُ ،‬‬ ‫المتفق عليه !! وكان هذا سببا من األسباب التي دعت لصدور األعمال األدبية‬ ‫بطريقة الماستر‪ ،‬وهي طريقة للطباعة رديئة‪ ،‬وغير عمليه‪ ،‬كانت تتم بواسطة‬ ‫ماكينات تصوير األوراق‪ ،‬التي كانت ‪ -‬في تلك اآلونة ‪ -‬اختراعا جديدا‪ .‬ولم‬ ‫تستطع ‪ -‬مع ذلك‪ -‬أن تمارس عملها بعيدا عن مقصلة الرقيب‪.‬‬ ‫وسط هذه األجواء القلقة‪ ،‬كانت مدينة بور سعيد تستعد لالحتفال بعيد‬ ‫النصر في ليلة الثالث والعشرين من ديسمبر ‪ ،1974‬وكان من ضمن برنامج‬ ‫االحتفال عرض مسرحية السالموني (رواية النديم عن هوجة الزعيم)(‪ )59‬من‬


‫إخراج (عباس أحمد) وهناك ُطرحت فكرة االتحاد المستقل مرة أخري‪ ،‬وتم‬ ‫االتفاق علي إقامة مؤتمر قبل افتتاح المسرحية‪ ،‬يضم بعض األدباء من األقاليم‬ ‫المجاورة لبور سعيد‪ :‬دمياط والمنصورة‪ ،‬وإصدار بيان يعبر عن رأيهم في‬ ‫هذه القضية‪ُ ،‬يعلق أمام باب المسرح‪ ،‬للتوقيع عليه‪ ،‬وكنت‪ -‬آنذاك ‪ -‬واحدا‬ ‫من الذين حضروا هذا االحتفال‪ ،‬وشاهدت وقائعه ولم يذهب من ذاكرتي‪ ،‬علي‬ ‫الرغم من صغر سني في تلك المرحلة‪ ..‬وبالفعل تم تعليق البيان‪ ،‬ودار حوار‬ ‫حول تلك القضية بين الجمهور واألدباء في صالة العرض‪ ،‬وتحول هذا الحوار‬ ‫إلى مظاهرة سياسية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬تم علي أثرها استدعاء قوات األمن التي حاصرت‬ ‫قصر الثقافة‪ ،‬وتم إلقاء القبض علي معظم الذين شاركوا في هذا المؤتمر‪ ،‬من‬ ‫داخل المسرح‪ ،‬وتم إلقاء القبض علي بعضهم ليال أثناء نومهم‪ ،‬وكان (محمد‬ ‫أبو العال السالموني) واحدا من هؤالء الذين تم القبض عليهم ليال أثناء نومه‪،‬‬ ‫في منزل صديقه الكاتب (قاسم مسعد عليوة)‪ ..‬وتم ترحيلهم إلى السجن‪ ،‬وقضي‬ ‫مؤلف هذا النص ما يقرب من ثالثة شهور طبقا لقانون الطوارئ‪ ،‬متهما بتلك‬ ‫التهمة الجاهزة ‪ :‬وهي إحراز منشورات معادية‪ ،‬والعمل علي قلب نظام الحكم‬ ‫المعدة سلفا لكل الذين يعادون نظام السادات‪ ::‬تهمة‬ ‫!! فضال عن تلك التهمة ُ‬ ‫اعتناق الشيوعية !! تلك التهمة التي جعلت الساحة جاهزة الستقبال التيارات‬ ‫الدينية لكي تمارس نشاطها لمواجهة الشيوعية الكافرة !!‬ ‫كل هذه األحداث التي ذكرتها دفعت الكاتب (محمد أبو العال السالموني)‬ ‫للذهاب إلي نص الكاتب األمريكي (آرثر ميلر) الذي كتبه بعنوان (البوتقة) أو‬ ‫(ساحرات سالم) فأعد عنه النص – الذي بين أيدينا (السحرة) في عام ‪1975‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪169 168‬‬


‫أي بعد خروجه من السجن مباشرة‪.‬‬ ‫أما عن‪ :‬لماذا ذهب لهذا النص تحديدا ؟‬ ‫نقول‪ :‬ذهب إليه ألن األحداث التي ذكرتها آنفا‪ ،‬ومرت بها مصر‬ ‫السبعينيات‪ ،‬تشابهت مع األحداث التي دفعت (آرثر ميلر) لكتابه نصه‪.‬‬ ‫تلك األجواء المكارثية (‪ )60‬التي عاشها المعارضون لنظام السادات‪،‬‬ ‫الذين تعرضوا للسجن واالعتقال‪ ،‬وإلصاق تهمة االنتماء للشيوعية هي نفس‬ ‫التهمة التي لصقها (جوزيف مكارثي) ‪ -‬عضو الكونجرس األمريكي لكل‬ ‫المعارضين للنظام ‪ -‬في فترة الحرب الباردة ضد السوفييت في عام ‪1950‬‬ ‫حين أدعي ‪ -‬بدون دليل‪ -‬أن هناك عددا كبيرا من الشيوعيين والجواسيس‬ ‫السوفيت‪ ،‬والمتعاطفين معهم داخل الحكومة الفيدرالية األمريكية‪ .‬ونتيجة لما‬ ‫ادعاه‪ ،‬مورس اإلرهاب الثقافي والفكري ضد المثقفين‪ ،‬وبعض الفنانين‪ ،‬مما‬ ‫سلبيا على‬ ‫أدي إلى فتح تحقيق في هوليود بشأن عدد كبير منهم‪ ،‬فأثر ذلك ً‬ ‫مهنتهم الفنية‪.‬‬ ‫(‪)61‬‬ ‫وتشير األرقام إلى طرد أكثر من عشرة آالف شخص نتيجة مزاعم مكارثي‬ ‫و(آرثر ميلر) استوحي موضوع نصه من أحداث هوس ديني في قرية‬ ‫أمريكية في القرن السابع عشر‪ ،‬عقب أحداث مشابهة جرت في بداية‬ ‫الخمسينيات من القرن الماضي في أمريكا – تلك التي أشرت إليها ‪-‬‬ ‫األحداث القديمة التي استدعاها (ميلر) حدثت في عام ‪ 1692‬في بلدة سالم‬ ‫التابعة لوالية (ماساتشوستس) األمريكية‪ ،‬قام فيها األصوليون‪ ،‬بتشكيل محاكم‬


‫تفتيش‪ُ ،‬عرفت باسم (محاكم السحرة) كانوا فيها يلفقون التُهم للمعارضين‪ ،‬بزعم‬ ‫أنهم يستخدمون الشيطان والسحر في أعمال ضارة‪ ،‬بينما األمر لم يكن حقيقيا‪،‬‬ ‫فنتج عن ذلك مقتل كثير من الضحايا إما شنقا‪ ،‬أو كبسا تحت الحجارة!!‬ ‫وهذا الذي حدث في الماضي‪ ،‬استدعاه الكاتب األمريكي‪ ،‬ألنه وجد أن ما‬ ‫يحدث في أمريكا علي يد(مكارثي) والنظام المستجيب له‪ ،‬يشبه تلك األحداث‬ ‫القديمة‪ .‬حتى أن (ميلر) ‪ -‬نفسه ‪ -‬تعرض الضطهاد‪ ،‬نتيجة اتهامه بانتمائه‬ ‫للشيوعية‪ ،‬مما دفعه لكتابة النص في عام ‪ ،1953‬مواجهة الستبداد (المكارثية)‬ ‫نغصت علي الناس حياتهم أيامها‪،‬‬ ‫تجاه الحياة الفنية والسياسية والفكرية‪ ،‬التي َّ‬ ‫كتبها ليكشف عن قمع السلطات‪ ،‬التي قامت بالتحقيق واالستجواب‪ ،‬اعتمادا‬ ‫علي الضالل‪ ،‬وأكاذيب الناس الذين تحركهم الغرائز‪ ،‬وال يحركهم العقل‪.‬‬ ‫والكاتب (محمد أبو العال السالموني) قام بتمصير هذا النص‪ ،‬ليتوافق‬ ‫مضمونه مع الواقع السياسي واالجتماعي في مصر السبعينيات‪ ،‬وإذا كان‬ ‫(آرثر ميلر) قد ذهب إلي عام ‪ ،1692‬فان (السالموني) ذهب إلي عام ‪1517‬‬ ‫وما بعده (القرن السادس عشر الميالدي) وهو تاريخ الغزو العثماني لمصر‬ ‫بقيادة (سليم األول)‪.‬‬ ‫والسؤال هو‪ :‬لماذا ذهب إلي ذلك العصر ؟‬ ‫ذهب إليه‪ ،‬ألن الظروف السياسية واالجتماعية في تلك الفترة البعيدة‪ ،‬تشبه –‬ ‫من حيث مضمونها ومناخها – نفس ما حدث في مصر السبعينيات‪ ،‬حيث إتباع‬ ‫سياسة القمع‪ ،‬وتكريس ثقافة الخوف والتهديد واإلرهاب‪ ،‬باسم الدين أيضا‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪171 170‬‬


‫العثمانيون كانوا يزعمون أنهم جاءوا إلي مصر دفاعا عن الدين اإلسالمي‪،‬‬ ‫وحماية للشريعة‪ ،‬لكن الحقيقة كانت غير ذلك تماما‪ ،‬و(محمد ابن إياس الحنفي)‬ ‫مؤلف كتاب (بدائع الزهور في وقائع الدهور) كان حاضرا تلك األحداث‪ ،‬وذكر‬ ‫وقائعها في كتابه‪ ،‬وقال من ضمن ما قال‪ :‬إن سليم األول قال ‪ -‬حين كان‬ ‫في معسكره قبل دخوله القاهرة ‪( -‬غدا أدخل مصر فأحرق بيوتها‪ ،‬وألعب‬ ‫بالسيف في أهلها) وتلك العبارة ال يقولها إال إرهابي‪ ..‬دموي‪،‬جاء من أجل‬ ‫الذبح‪ ،‬ولم يجيء من أجل الدفاع عن الدين – كما زعموا – هذا الرجل قتل‬ ‫ويسهب‬ ‫ويلقي الجثة في النيل !! ُ‬ ‫أكثر من عشرة آالف‪ ،‬وكان يقطع الرأس ُ‬ ‫ابن إياس في سرد المذابح المروعة‪ ،‬التي شبهها بواقعة غزو الملك البابلي‬ ‫(نبوخد نصر الدين) لمصر في العصور القديمة‪ ،‬وباجتياح (هوالكو) بغداد‪،‬‬ ‫ويقول‪ :‬برغم أن (سليم) أوقف القتال‪ ،‬لكن جنوده كانوا يعتدون علي العوام‪،‬‬ ‫ويسرقونهم ويقومون ب(تشليح ثيابهم وسرقة عمائمهم في الطريق) فضال عن‬ ‫اقتحام األزهر‪ ،‬ومسجد ابن طولون‪ ،‬وجامع الحاكم‪ ،‬وإحراق جامع شيخو‪،‬‬ ‫وتخريب ضريح السيدة نفيسة‪ ،‬حين داسوا علي قبرها‪ ،‬وهذا يكشف أن السبب‬ ‫الحقيقي للغزو لم يكن الدفاع عن الدين‪ ،‬بل إنهاء دولة الخالفة اإلسالمية في‬ ‫مصر‪ ،‬ونقلها إلي اسطنبول‪ ،‬وهذا ما حدث بالفعل‪.‬‬ ‫وحين يستدعي (السالموني) ذلك التاريخ‪ُ ،‬ليذكرنا بتلك األحداث – دون‬ ‫أن يشير إليها صراحة في المسرحية‪ ،‬لكنها إشارات تكشف عن الفترة فقط‬ ‫‪ -‬حين يفعل ذلك فهو علي وعي بأن ذلك التفكير مازال قائما في عصرنا‬


‫الحديث‪ ،‬وبسببه ترتكب الجرائم‪ ،‬تحت أي مسمي‪ ،‬وتحت أي زعم‪ ،‬فمثال نري‬ ‫رجال مثل (أردوغان) رئيس تركيا‪ ،‬دائما ما يقول ويذكر أنه (حفيد العثمانيين)‬ ‫ولذلك نراه يتدخل في شئون الدول العربية واإلسالمية‪ ،‬وينصر اإلرهاب‪،‬‬ ‫ويساند الجماعات المتطرفة‪ ،‬ومنها اإلخوان المسلمين‪ ،‬وفي داخله يبكي علي‬ ‫زوال خالفة (آل عثمان)‪.‬‬ ‫هذا التاريخ من القمع‪ ،‬واللعب باسم الدين‪ ،‬وممارسة ظلم الناس‪ ،‬ممتد‬ ‫حتى اآلن‪ ،‬ولذلك حين تأتي مسرحية مثل تلك التي بين أيدينا‪ ،‬نجدها تعبر عنا‪،‬‬ ‫وتتحدث عن واقعنا‪ ،‬وإن ذهبت إلي الماضي‪ ،‬ويصبح الرجوع إليه‪ ،‬مجرد‬ ‫أداة فنية‪ ،‬لمعالجة‪ ،‬أحداث الحاضر‪ ،‬نظرا للتشابه الشديد‪ ،‬وليس هروبا‪ ،‬أو‬ ‫إسقاطا‪ ،‬كما يحدث عادة في األعمال التي تلجأ إلي التاريخ‪ ،‬وتعالجها معالجة‬ ‫جديدة‪ ،‬بهدف اإلسقاط‪ .‬هنا ليس إسقاطا‪ ،‬لكنه تأكيد علي امتداد الحدث‪ ،‬بنفس‬ ‫مضمونه‪ ،‬وأسبابه‪ ،‬وان اختلفت شخوصه فقط‪.‬‬ ‫عالج النص معالجة مصرية خالصة‪ ،‬ليقول ‪ -‬من خاللها ‪ :-‬إن األفكار‬ ‫المتشددة واإلرهاب الفكري هما اللذان يهددان حرية وأمن الوطن‪..‬‬ ‫والمسرحية تشير إلى أن السلطة هي التي سمحت لهذه التيارات بممارسة‬ ‫نشاطها ضد خصومها‪ ،‬وتركت لها الساحة لمباشرة مهامها إلرهاب المثقفين‪،‬‬ ‫واتهامهم بالردة والخروج علي الدين‪ ..‬وكما خرج (جوزيف مكارثي) بلجنته‬ ‫الفاشية من الكونجرس األمريكي‪ ،‬خرج علينا في مصر رجل يدعي (يوسف‬ ‫مكادي) (‪ )62‬وكان ضمن جماعة تسمى (لجنه النظام) من مهامها الهجوم علي‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪173 172‬‬


‫المعادي‬ ‫المثقفين من ُ‬ ‫الكتاب والمفكرين‪ ،‬وأساتذة الجامعات‪ ،‬بحجة النشاط ُ‬ ‫للنظام‪ ،‬وهذا التشابه هو الدافع إلى كتابة هذا النص المسرحي ‪.‬‬ ‫وعلي الرغم من أن المسرحية ُكتبت منذ سنوات طويلة‪ ،‬إال أنها تُعد بمثابة‬ ‫رؤية مستقبلية لألحداث التي أتت في مصر الثمانينات‪،‬ودفع السادات حياته‬ ‫ثمنا لها‪ ،‬حين تم اغتياله بأيدي هؤالء الذين قام بحمايتهم‪ ،‬وأعطاهم فرصة‬ ‫‪.‬‬ ‫الظهور علي الساحة‬ ‫ُيعالج الكاتب (محمد أبو العال السالموني) في هذا النص المسرحي‪ ،‬نفس‬ ‫الموضوع‪ ،‬ولكن من زاوية جديدة‪ ،‬مؤكدا ‪ -‬من خالله ‪ -‬علي أن السلطة‬ ‫تُمارس سطوتها علي المعارضين لها باسم الدين‪ ،‬متحالفة مع بعض المتهوسين‬ ‫والمتطرفين‪ ،‬الذين يلوحون بالتكفير تارة‪ ،‬وبالردة تارة أخري‪.‬‬ ‫إن مرض ابنة الشيخ (برهان) وابنة (الحاج جعفر) الذي قيل‪ ،‬وأشيع أنه‬ ‫المفجر الرئيسي ألحداث‬ ‫جاء نتيجة سحر مارسته بعض النساء عليهما‪ ،‬كان هو ُ‬ ‫المسرحية‪ ،‬فالحدث يتطور بشكل تلقائي كلما تواترت عمليه البحث عن النساء‬ ‫الساحرات‪ ،‬أو المتهمات بممارسة السحر‪ ،‬وأثناء رحلة البحث اختلط الحابل‬ ‫بالنابل‪ ،‬ووجهت االتهامات بشكل عشوائي‪ ،‬وبدون روية أو دليل قوي‪ ،‬وتم‬ ‫إعدام الكثيرات منهن‪ ،‬وحين تصدي واحد من الرجال المستنيرين لهذا السلوك‪،‬‬ ‫لقي من اإلهانة والتعذيب‪ ،‬ما جعله ‪ -‬في النهاية‪ -‬يفكر في االعتراف بانتمائه‬ ‫إلى جماعة الشيطان‪ ،‬برغم عدم انتمائه ألي جماعة‪ ،‬ليستطيع إنقاذ زوجته‬ ‫المتهمة بممارسة السحر‪ ،‬وتنتظر الحكم باإلعدام كغيرها من النساء‪ ،‬وحتى‬ ‫ُ‬


‫يكون اعترافه بمثابة حافز لكل من تسول له نفسه الخروج علي التعاليم‪ .‬انظر‬ ‫إلى تلك العبارات التي يقولها الشيخ برهان‪ ،‬الذي يدعي أن ابنته أصابها السحر‬ ‫من هؤالء المتعاونين مع الشيطان‪ ،‬وهو – في الوقت نفسه – يستخدم الدين‬ ‫لحماية فساده يقول‪:‬‬ ‫ أنا بيتي هو بيت البلد‪ ،‬مفتوح للناس كلهم‪ ،‬ومع ذلك الزم تعرفوا أني حامي‬‫حمي الدين في البلد‪ ،‬واللي يمسني يمس الدين‪ ،‬واللي حا يمس الدين مصيره‬ ‫جهنم وبئس المصير‪.‬‬ ‫والشيخ الشيرازي ‪ -‬في المسرحية ‪ -‬يقف في خندق المتشددين والمتنطعين‪،‬‬ ‫وفي نفس الوقت يقف مع السلطة ممثلة في (الوالي العثماني) ‪.‬اقرأ معي هذا‬ ‫الحوار الذي دار بينه وبين (حسين) ممثل المثقف المستنير الذي يعيش خالفا‬ ‫دائما مع السلطة الجائرة‪.‬‬ ‫الشيرازي‪ :‬حي‪ ..‬وهي األرواح خرافات يا سيد حسين؟‬ ‫حسين ‪ :‬أنا ما بنكرش األرواح ياسيدنا‪..‬أنا بانكر تحضير األرواح‪ ..‬ربنا‬ ‫بيقول يا سيدنا‪ :‬ويسألونك عن الروح‪ ..‬قل الروح من أمر ربي‪.‬‬ ‫الشيرازي ‪ :‬بس ما تقدرش تنكر األرواح اللي ظهرت مع جيوش موالنا الباب‬ ‫وهو بيحارب األعداء‪.‬‬ ‫العالي‬ ‫حسين ‪ :‬كالم فارغ‪ ..‬دي دعاية بيعملها التُرك عشان يحببوا الناس في‬ ‫حكمهم الظالم‪ ،‬ويفضلوا يسلبوا بالدنا وينهبوا باسم الدين‬ ‫الشيرازي‪ :‬يعني لهم حق اللي بيقولوا أنك ضد الترك والباب العالي‬ ‫حسين ‪ :‬أنا ضد الظلم واالستغالل يا سيدنا‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪175 174‬‬


‫المنحاز للوالي‪ ،‬وبأدائها الهزلي‪ ،‬كشفت عن غياب‬ ‫ تلك المحكمة بتشكيلها ُ‬‫فكرة العدالة‪ ،‬وكشفت عن الوالء للحاكم الظالم‪ ،‬دفاعا عن المصالح‪ ،‬وكشفت‬ ‫أن لعبة الدين‪ ،‬وخلطها بالسياسة هي لعبة كل من يريد أن ُيقنعك أنه علي‬ ‫حق‪ ،‬وأنك علي باطل‪ ،‬وسيتهمك فورا وبسهولة بالكفر‪.‬‬ ‫وإذا كان هذا هو موقف رجل الدين تجاه المثقف المختلف عنه‪ ،‬فان موقف‬ ‫رجل الدولة ‪ -‬وهو هنا القاضي ‪ -‬ومن البديهي أن يكون عادال ‪ -‬هو نفسه‬ ‫موقف رجل الدين تجاه المثقف المختلف معه‪ ،‬فحين تتم مواجهة المحكمة بدليل‬ ‫قاطع يشير إلى أن (الحاج جعفر) – من أعيان الوالي والملتزم بالضرائب‪-‬‬ ‫هو الذي ادعي أن ابنته أصابها المرض؛ بسبب ممارسة أحد الرجال للسحر‪،‬‬ ‫وذلك لكي يسجنه‪ ،‬ويستولي علي أرضه‪ ،‬وحين طلبت المحكمة من (حسين)‬ ‫أن يذكر اسم الرجل الذي قطع بهذا الدليل‪ ،‬رفض حسين طلب القاضي‪ ،‬واجهه‬ ‫القاضي قائال‪:‬‬ ‫شوف يا راجل أنت‪ ،‬لو كان الراجل بتاعك ده بيقول الحق كان زمانه جه‬ ‫هنا وقاله للمحكمة‪ ،‬لكن مادام خايف من المحكمة يبقي راجل كذاب‪ ،‬والزم‬ ‫يعاقب وإال حانقبض عليك أنت‬ ‫حسين ‪ :‬يا جناب القاضي اللي بتعملوه ده أسمه إرهاب‪ ،‬الناس بالطريقة‬ ‫دي حاتخاف تقول حاجة في المحكمة ‪..‬‬ ‫القاضي ‪ :‬المخطئ هو اللي دايما يخاف يا سيد حسين‪.‬‬ ‫حسين ‪ :‬لكن القانون اللي بتحكموا بيه هنا‪ ،‬هو قانون الخوف والتخويف‪..‬‬ ‫القاضي ‪ :‬أنا مش مسئول عن الخوف‪ ..‬وإذا كان موجود‪ ،‬فيبقي عشان فيه‬


‫مؤامرة علي الدين والدولة‪ ،‬البريء يا سيد حسين ما يخافش من المحكمة أبدا‬ ‫(لزيدان) أنت مقبوض عليك لغاية ما تعترف باسم الراجل‪..‬‬ ‫الوالي ‪ :‬عفارم‪ ..‬عفارم‪.‬‬ ‫من االستشهادات السابقة يتبين لنا؛ أن السلطة قد وضعت يدها في أيدي‬ ‫المتشددين من المتأسلمين الطامعين في الوصول إلى السلطة‪ ،‬بهدف قمع‬ ‫ومواجهة كل صاحب رأي ُمعارض ؛ أو مخالف‪ ،‬بصرف النظر عن قيمة‬ ‫الحقيقة التي يستند إليها؛ أي من التيارين‪ ،‬تكريسا لثقافة العنف واإلرهاب‬ ‫الديني والسياسي‪ ،‬تلك الثقافة التي فرضت نفسها علي الساحة لسنوات طويلة‬ ‫سابقة‪ ،‬وربما لسنوات أخري الحقة‪.‬‬ ‫القتل في جنين‬

‫(‪)63‬‬

‫علي ما يبدو أن هذا النص ُكتب ثالث مرات ‪ -‬تبين لنا ذلك باستقراء‬ ‫تواريخ الكتابة التي ذكرها المؤلف علي نصه ‪ -‬كتبه أول مرة في عام ‪1973‬‬ ‫عقب انتصار الجيش المصري في حرب ‪ 6‬أكتوبر ‪ ،73‬وعالج فيه موضوع‬ ‫الحرب بين الفلسطينيين واإلسرائيليين‪ ،‬ثم أعاد كتابته مرة أخري في عام‬ ‫‪ 85‬ليجعل قضيته هي قضية الحرب والسالم بين الفلسطينيين واإلسرائيليين‪،‬‬ ‫خاصة بعد إبرام اتفاقية السالم بين مصر وإسرائيل‪ ،‬وانعكاس تلك االتفاقية‬ ‫علي الفلسطينيين‪.‬‬ ‫في المعالجتين‪ ،‬كان النص اسمه (المزرعة) ثم ‪ -‬بعدها‪ -‬حدث االجتياح‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪177176‬‬


‫اإلسرائيلي لمخيم (جنين)(‪ )64‬الفلسطيني في أبريل عام ‪ ،2002‬فأعاد المؤلف‬ ‫كتابة النص‪ ،‬متناوال فيه تلك األحداث‪ ،‬مؤكدا‪ -‬من خالله ‪ -‬علي أن إسرائيل‬ ‫ترفض فكرة فلسطين الديمقراطية‪ ،‬تعبيرا عن نزعتها العنصرية‪ ،‬وهذه النزعة‬ ‫ستكون ضد السالم‪ .‬وسيصبح البيت الفلسطيني‪ ،‬والمزرعة الفلسطينية‪،‬في‬ ‫حوزة السلطة اإلسرائيلية‪ ،‬التي لم تعترف بحكم المحكمة التي عقدها الشاب‬ ‫الفلسطيني (عاصي) حين استطاع اقتحام البيت الذي تسكن فيه عائلة إسرائيلية‪،‬‬ ‫كانت قد استولت عليه‪ ،‬هو والمزرعة أثناء حرب ‪ ،1948‬وقتلت أصحابه‪،‬‬ ‫يقتحم البيت ويجعل من فيه من اإلسرائيليين رهائن‪ ،‬ويعقد محاكمة ‪ -‬بأطراف‬ ‫إسرائيلية‪ ،‬كانوا يحتفلون في البيت حفال تنكريا ‪ -‬للعائلة التي اغتصبت‬ ‫المزرعة‪ ،‬وبحضور ما تبقي من العائلة الفلسطينية من أصحاب البيت (سلمي‬ ‫ أبو غالب ‪ -‬كنعان) وتصل المحاكمة إلي االعتراف بحق األسرة الفلسطينية‪،‬‬‫في هذا البيت‪ ،‬بما تملكه من وقائع‪ ،‬ومستندات‪ ،‬وأدلة تاريخية‪.‬‬ ‫حاول الطرفان إيقاف نزيف الدم‪ ،‬تحقيقا للسالم بين العائلتين‪ ،‬وكتابة‬ ‫وثيقة تؤكد علي ذلك‪ ،‬بتوقيعهما‪ ،‬ألنه ال مناص من تواجد األسرتين معا‬ ‫بحكم األمر الواقع‪ -،‬كما يؤكد علي ذلك النص‪ -‬ولكن حين تصل السلطة‬ ‫اإلسرائيلية إلي البيت وتري الوثيقة‪ ،‬ترفض االعتراف بها‪ ،‬بزعم أنها بداية‬ ‫الهوية العربية‪ ،‬ولهذا السبب قرر رجال‬ ‫الهوية اإلسرائيلية‪ ،‬وذوبانها في ُ‬ ‫لضياع ُ‬ ‫السلطة اإلسرائيلية نسف البيت‪ ،‬وإعادة بنائه ليكون ملكا خالصا لإلسرائيليين‬ ‫وحدهم‪.‬‬ ‫والكاتب يؤكد – من خالل المعالجة الدرامية لهذا الموضوع – علي أن‬


‫الصهيونية التي تتزعمها أمريكا‪ ،‬صنعت ما أسمته (حرب اإلرهاب) وجعلته‬ ‫شعارا تضرب به كل الشعوب العربية‪ ،‬وحين تستخدمه‪ ،‬تخلط بينه وبين مفهوم‬ ‫المقاومة واالستشهاد في سبيل تحرير األرض‪ ،‬والدفاع عن الحق‪ ،‬هذا الخلط‬ ‫يكشف‪ ،‬أن شعار محاربة اإلرهاب‪ ،‬ما هو إال شعار يعيد التاريخ إلي ما قبل‬ ‫ويكرس لزمن البطالن‪ ،‬ونهاية لتاريخ اإلنسان‪.‬‬ ‫ظهور التاريخ‪ُ ،‬‬ ‫والحوار الذي دار بين (أبو غالب) الفلسطيني _و(رافي) القائد اإلسرائيلي‪-‬‬ ‫المتعمد‪ ،‬من قبل عدو‪ ،‬ال يري‬ ‫في نهاية المسرحية ‪ -‬يكشف عن ذلك الخلط ُ‬ ‫إال نفسه‪ ،‬وال يريد االعتراف بحق الفلسطيني في العيش‪ ،‬كما يريده لنفسه‪،‬‬ ‫والمقاوم‪ ،‬الذي‬ ‫وذلك حين جاء للقبض علي (عاصي) المناضل الفلسطيني‪ُ ،‬‬ ‫يدافع عن عرضه وأرضه‪ ،‬وناسه‪.‬‬ ‫أبو غالب‪ :‬الحق لكم في القبض عليه‪ ..‬هو تحت رعاية نشطاء حقوق اإلنسان‬ ‫رافي‪ :‬الحق إلرهابي في أي حقوق مهما كان‬ ‫عاصي‪ :‬أنا لست بإرهابي يا جنرال‬ ‫رافي‪ :‬تاريخك وأصابتك وعجزك يثبت أنك إرهابي‪..‬ال تنس أنك أول من صنع‬ ‫العمليات االستشهادية‪ ..‬إذ أنك من دفع بصاحبتك (سلمي) لتفجرنا نحن وإياها‪،‬‬ ‫في أكبر عملية إرهاب استشهادية‪ ،‬ونجوت أنا منها‪.‬‬ ‫يوديث‪ :‬وماذا عساها كانت تفعل وهي تري والدها ُينسف بالبيت‪ ،‬وبأيديكم‬ ‫بدماء باردة كالموت ؟‬ ‫رافي‪ :‬هذا عمل إرهابي مرفوض‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪179 178‬‬


‫أبو غالب‪ :‬بل تضحية وفداء‪ ..‬في لحظات اليأس الممقوت‪.‬‬ ‫رافي‪ :‬هذا في الزمن الماضي يا حضرات‪ ،‬ما قبل الحادي عشر من سبتمبر‪،‬‬ ‫أما اآلن‪ ،‬فقد انقلب السحر علي الساحر‪ ،‬أصبحت التضحية وعمليات االستشهاد‬ ‫مجرد إرهاب‪.‬‬ ‫هنا يتضح أن الكاتب يؤكد علي أن حادث انفجار البرجين في التاسع‬ ‫من سبتمبر ‪ 2001‬أصبح ذريعة أمام العالم‪ ،‬لوأد أي مقاومة‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫المقاومة الفلسطينية‪ ،‬التي تدافع عن أرض الفلسطينيين‪ ،‬ووصم من يقومون‬ ‫بهذا العمل بأنهم إرهابيين‪ ،‬ويعاملون بتلك الصفة‪ ،‬وهم بما يفعلون يخلطون‬ ‫األوراق‪ ،‬كما يفعلها المتطرفون‪،‬حين يخلطون بين الدين والسياسة‪ ،‬ويمارسون‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬هنا الصهيونية العالمية تُكرس لمفهوم خاطئ للمقاومة‪ ،‬وتنزعها‬ ‫وتلصق بها صفة التطرف واإلرهاب‪ .‬وتلك الصهيونية‬ ‫من مفهومها الوطني‪ُ ،‬‬ ‫نفسها‪ ،‬التي اصطنعت شعار حرب اإلرهاب‪ ،‬تنطلق من منطلق ديني‪ ،‬وباسمه‬ ‫مارست ومازالت تمارس إرهابا‪ ،‬ال يختلف عن إرهاب الذين يدعون أنهم‬ ‫يدافعون عن اإلسالم‪ ،‬بينما يدافعون عن مصالحهم من أجل الوصول للسلطة‪..‬‬ ‫ألن الصهيونية حين ظهرت ألول مرة علي مسرح أوربا السياسي (ظهرت‬ ‫كأيديولوجية سياسية شاملة‪ ،‬وحركة سياسة منظمة في أواخر القرن التاسع‬ ‫عشر‪ ،‬ولكنها كفكرة سبقت الصهيونية اليهودية إذ يعود تاريخها إلي ما قبل‬ ‫ذلك‪ ،‬لم تنشأ الفكرة الصهيونية‪ -‬بما في ذلك أسطورتها األساسية ‪ -‬في هذه‬ ‫الفترة‪ ،‬ولكنها تعود في تاريخها إلي ثالثمائة عام قبل المؤتمر الصهيوني األول‬


‫الذي ُعقد في (بازل) عام ‪ 1897‬حين التف مجموعة من اليهود األوربيين حول‬ ‫اللواء الصهيوني‪ .‬وقد اتخذ النسيج الصهيوني شكله خالل القرون األربعة لتاريخ‬ ‫أوربا الديني‪ ،‬واالجتماعي‪ ،‬والفكري‪ ،‬والسياسي‪ ،‬نتيجة تداخل خيوط كثيرة‬ ‫مختلفة من الثقافة الغربية‪ ،‬وفي طليعتها الخيوط الدينية‪ ،‬وعلي ذلك فالتعاليم‬ ‫الصهيونية غير اليهودية قائمة علي مجموعة من األساطير الصهيونية التي‬ ‫تسربت للتاريخ الغربي‪............‬واألساطير الصهيونية التي بدأ غرسها في‬ ‫المبكرة في البيئة غير اليهودية كانت متوافقة مع تلك التي أصبحت‬ ‫هذه المرحلة ُ‬ ‫تشكل في النهاية المنطق الروحي الباطني للصهيونية اليهودية السياسية‪ ،‬وهي‬ ‫المنتظر‪ ،‬وقد جعلت أسطورة‬ ‫أساطير الشعب المختار‪ ،‬والميثاق‪ ،‬وعودة المسيح ُ‬ ‫الشعب المختار اليهود أمة ُمفضلة علي اآلخرين‪،‬بينما كانت أسطورة الميثاق‬ ‫المختار‪ ،‬واألرض المقدسة كما وعد‬ ‫تُركز علي االرتباط السرمدي الدائم للشعب ُ‬ ‫هللا‪ ،‬وبذلك ُمنحت فلسطين لليهود كأرض كتبت لهم‪ ،‬أما أسطورة ترقب عودة‬ ‫المسيح فقد كفلت للشعب المختار‪ ،‬أن يضع حدا لتشرده في الوقت المناسب ليعود‬ ‫(‪)65‬‬ ‫لفلسطين إلقامة وطنه القومي هناك إلي األبد)‬ ‫المحتلة ‪ -‬الذي ركزت علي أبراز‬ ‫إذن فاإلرهاب الصهيوني في األرض ُ‬ ‫صورته تلك المسرحية ‪ -‬تحكمه مرجعية دينية أيضا‪ ،‬هو إرهاب باسم الدين‪،‬‬ ‫لكنه غير ُمعلن صراحة‪ ،‬واإلعالن يتضح‪ ،‬حين يتحدثون عن تلك األساطير‬ ‫التي أشرنا إليها‪ ،‬تلك التي تجعلهم يقتنعون بصحة ما يفعلونه‪ ،‬من إجراءات‬ ‫غير إنسانية‪ ،‬والكاتب يعكس وعيه ومعرفته‪ ،‬بطريقة تفكير الصهاينة‪ ،‬حين‬ ‫المقاوم الفلسطيني‪ ،‬حين خاطب الجنرال اإلسرائيلي‬ ‫يقول علي لسان (عاصي) ُ‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪181 180‬‬


‫الذي جاء العتقاله‪.‬‬ ‫عاصي‪ :‬سأقص عليكم قصة‪ ..‬واحدة من قصص التوراة لديكم‪ ،‬كي نعرف نحن‬ ‫وإياكم والعالم أيضا‪ ،‬هل مفهوم العمليات االستشهادية‪ ،‬يعني اإلرهاب‪ ،‬أم ال‪،‬‬ ‫هي قصة شمشون الجبار‪ ..‬من وقع أسيرا في أيدي سكان فلسطين األصليين‪،‬‬ ‫أصحاب األرض ‪,‬أصحاب فلسطين‪ ،‬وقع أسيرا رهن اليأس ورهن اإلحباط‪،‬‬ ‫ماذا كان عليه أن يفعل يا حضرات‪ ،‬المنطق إن كنتم تثقون برأي المنطق‪ ،‬أن‬ ‫يسعي للموت له‪ ،‬ولمن أسروه من األعداء‪ ،‬هذا هو حكم العدل كما جاء برأي‬ ‫التوراة‪ ،‬شمشون الجبار الواقع في األسر‪ ،‬لجأ إلي الرب‪ ،‬وطلب االستشهاد وقال‬ ‫مقولته المعروفة‪ ،‬يارب أعني واهدم معبدهم عليهم وعلي رأسي في آن واحد‪،‬‬ ‫وتقدم شمشون الجبار وحطم أعمدة المعبد حتى سقط عليه‪ ،‬وعلي كل المدنيين‬ ‫العزل وبدون استثناء‪ ،‬أطفال وشيوخ ونساء‪ ،‬الكل سواء‪ ،‬هذا هو شمشون‬ ‫ُ‬ ‫الجبار‪ ،‬المثل األعلى للتضحية الكبرى للبطل اإلسرائيلي الفذ‪ ،‬فتري‪ ..‬هل هذا‬ ‫والمبهر عمل إرهابي يا حضرات‪ ،‬هل يجرؤ أحد أن‬ ‫العمل االستشهادي الرائع ُ‬ ‫يجعل شمشون الجبار مثاال تاريخيا لإلرهاب ؟ وإذن فلماذا تُصبح عملية سلمي‬ ‫(‪)66‬‬ ‫االستشهادية عمال من أعمال اإلرهاب ؟)‬ ‫التاريخ يذكر أن تلك الدولة قامت علي أساس ديني‪ ،‬وإن أدعت العلمانية‪،‬‬ ‫فإرهاصات األيام الثالثة السابقة إلعالن دولة إسرائيل في ‪ 15‬مايو ‪1948‬‬ ‫تؤكد علي أن األحزاب الدينية التي كانت موجودة قبل إعالن الدولة وهي‬ ‫(المزراحي‪ -‬العامل المزراحي‪ -‬أجودات يسرائيل‪ -‬عمال أجوادات يسرائيل)‬ ‫تلك األحزاب الدينية فرضت الطابع اليهودي علي المجتمع اإلسرائيلي في‬


‫اإلطار العام للدولة‪ ،‬وقام (بن جوريون) بتشكيل هيئة مكونة من ‪ 13‬شخصا‬ ‫من المقربين إليه‪ ،‬ويمثلون تلك األحزاب‪ ،‬وحين اختلفوا ‪ -‬فيما بينهم ‪ -‬حول‬ ‫صيغة إعالن الدولة ‪ -‬فيما يتعلق باستخدام اسم الرب ‪ -‬اقترح (بن جوريون)‬ ‫تسوية بين المتنازعين‪ ،‬وكان النص النهائي علي النحو التالي‪( :‬بثقتنا في رب‬ ‫إسرائيل نوقع بأيدينا كشهود علي إعالننا هذا في دورة أعضاء مجلس الدولة‬ ‫المؤقت‪ ،‬بمن فيهم أعضاء الحكومة المؤقتة‪ ،‬هنا في المدينة العبرية تل أبيب‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫في هذا اليوم مساء السبت ‪ 14‬مايو ‪ )1948‬وهذا النص أرضي رجال األحزاب‬ ‫الدينية‪ ،‬وذلك لكونه مأخوذا من البركة األخيرة لصالة الخالق (ياحامي إسرائيل‬ ‫قم بمساعدة إسرائيل وأمنح عطيتك ليهودا وإسرائيل) ولقد قبل رجال المبام‬ ‫هذا النص‪ ،‬وقبلوا تفسير (بن جوريون) بأن كل واحد يمكنه أن يفهم رب‬ ‫(‪)67‬‬ ‫إسرائيل حسب رغبته !!‬ ‫هذا الذي يذكره التاريخ يؤكد علي أن تلك الدولة قامت علي أساس ديني‪،‬‬ ‫وإن أدعت فيما بعد – ظاهريا – أنها غير دينية‪ ،‬كل هذه األحزاب الدينية‪ ،‬تؤكد‬ ‫أنها احتضنت التطرف – منذ البداية ‪ -‬كما احتضنته‪ ،‬جماعات الخوارج‪ ،‬التي‬ ‫تدعي أنها تتحدث باسم اإلسالم‪.‬‬ ‫هنا كانوا يتحدثون باسم اليهودية‪ ،‬ليدعموا وجودهم‪ ،‬وعبارة (رب إسرائيل)‬ ‫تكشف مدي تطرفهم‪ ،‬وكأن الرب‪ ،‬لهم وحدهم دونا عن بقية الخلق‪ ،‬من غير‬ ‫اليهود !! وحتى هذه اللحظة‪ ،‬يدفعهم التطرف باسم الدين‪ ،‬واعتمادا علي ما جاء‬ ‫في العهد القديم‪ ،‬بعد تحريفه‪ ،‬من أنهم شعب هللا المختار‪ ،‬و ينبغي أن يكون لهم‬ ‫وطنا من النيل إلي الفرات‪ ،‬ويسعون – تبعا لهذه العقيدة الدينية – لتنفيذ ذلك‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪183 182‬‬


‫الم‬ ‫عن طريق القتل‪ ،‬واالغتيال‪ ،‬واستعمال كل أدوات اإلرهاب ُ‬ ‫المسلح‪ ،‬وغير ُ‬ ‫سلح‪..‬‬ ‫ولهذا السبب نفسه يؤكد المؤلف علي أن العقلية اليهودية المتطرفة‪ ،‬دائما‬ ‫ما تنطلق من أساس ديني‪ ،‬للتخلص من اآلخر‪ ،‬ومبررها الوحيد في ممارسة‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬هو تلك المرجعية الدينية التي تذكرها كتبهم‪ ،‬فهاهي (راكيل) زوجة‬ ‫المتطرف‪ُ ،‬مغتصب بيت (كنعان) الفلسطيني تُعلن عن كراهيتها‬ ‫(جاكوب) ُ‬ ‫للفلسطينيين‪ ،‬باعتقاد ديني‪ ،‬تقول (إن الكنعانيين أصابتهم لعنات الرب وأن‬ ‫بقاياهم مازالت في شعب فلسطين‪ ..‬اإلصحاح التاسع في سفر التكوين يقول‪:‬‬ ‫ملعون كنعان عبد العبيد يكون ألخوته من أبناء سام‪ ،‬وقال مبارك الرب اله سام‪،‬‬ ‫(‪)68‬‬ ‫ليكن كنعان عبدا لهم)‬ ‫بينما تري (يوديث) ابنتها ‪ :‬أن فلسطين هي أرض الشعب المختار‪ ،‬أرض‬ ‫يهود بني إسرائيل‪.‬‬ ‫المتطرف‪ ،‬نجد (فيير) الطيار األلماني الذي جاء متطوعا في‬ ‫ولهذا السبب الديني ُ‬ ‫الجيش اإلسرائيلي ظنا منه أنه سيحارب من أجل الحق‪ ،‬فإذا به يكتشف الخدعة‬ ‫الكبرى‪ ،‬فيقرر مغادرة إسرائيل والعودة إلي بالده برغم أنه كان ُيحب (يوديث)‬ ‫ابنة اإلرهابي (جاكوب) مغتصب بيت (كنعان) ومزرعته‪ ،‬هنا يقول حين سمع‬ ‫حبيبته تشبه الفلسطينيين بالهنود الحمر‪ :‬عفوا إن كنت أري في هذا أسلوب‬ ‫النازي واإلرهابيين‪.‬‬ ‫يوديث‪ :‬حتى إن كان كذلك يا كابتن ال حل سواه‪.‬‬


‫فبير‪ :‬لكني لم أتطوع معكم ألمارس هذا اإلرهاب‪ ،‬وهذا التطهير العرقي‪.‬‬ ‫يوديث‪ :‬عجبا‪ ..‬ولماذا جئت أذن ما دمت تخالفنا الرأي ؟‬ ‫فيبر‪ :‬يبدو أني حقا أخطأت التفكير‪ ..‬حين تطوعت تصورت بأني أصنع شيئا‬ ‫(‪)69‬‬ ‫من أجل يهود أوربا المضطهدين من األلمان النازيين‬ ‫ونعلم أيضا أن (جاكوب) الذي حصل علي بيت (كنعان) ومزرعته‪،‬‬ ‫كغنيمة حرب‪ ،‬بعد أن قتل أسرته (ولم يتبق منها سوي هو وابنته سلمي)‪ ،‬كان‬ ‫أول المشاركين في تنظيمات اإلرهاب الصهيونية في أرض فلسطين‪ ،‬كان‬ ‫واحدا من ضمن عصابات (األرجون (‪ – )70‬الهاجاناه – شتيرن (‪ ..)71‬إذن هو‬ ‫إرهابي‪ ،‬بالفعل‪ ،‬واالنتماء‪.‬‬ ‫والنص ُيدين (أمريكا) ألنها تُكيل األمور بمكيالين‪ ،‬ألنها حين تتحدث عن‬ ‫اإلرهاب تقول‪ :‬إنه يقتل المدنيين‪ ،‬األبرياء‪ ،‬بينما تغفل قتل الجنود اإلسرائيليين‬ ‫للمدنيين الفلسطينيين‪ ،‬وال تعتبر هذا القتل إرهابا‪ ،‬بل تعتبره حقا إلسرائيل‪،‬‬ ‫حين تحمي نفسها من إرهاب الفلسطينيين‪ ،‬وتنسي أنهم أصحاب األرض‪ ،‬وأن‬ ‫ما يقومون به هو مقاومة االحتالل‪ ،‬مفهوم اإلرهاب مراوغ‪ ،‬تبعا للمصالح‪،‬‬ ‫وتبعا للهوي‪.‬‬ ‫في برولوج المسرحية يقول المذيع‪ ،‬وقبل تجسيد األحداث دراميا‪:‬‬ ‫المذيع‪ :‬ماذا يعني اإلرهاب‪ ،‬هل هو قتل للمدنيين؟ وإذن ماذا حدث هنا بجنين‬ ‫؟ أو ليس الحادث في أرض فلسطين هنا أيضا قتل للمدنيين؟‪ ،‬ما األمر إذن‬ ‫يا سادتنا‪ ،‬يبدو أن اللعبة أكبر منا‪ ،‬أو أكبر من أن نفهمها أو نعقلها‪ ،‬إذ إن‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪185 184‬‬


‫المرجع والفتوى في مسألة اإلرهاب‪ ،‬هو أمريكا صاحبة الحل وصاحبة العقد‪،‬‬ ‫ومسببة األسباب‪ ،‬وخصوصا بعد الحادي عشر من سبتمبر‪ ،‬من ُيؤذي أمريكا‬ ‫أو يمسسها بالسوء هو اإلرهاب‪ ،‬من يمسس إسرائيل ربيبتها‪ ،‬أو ُيزعج فيها‬ ‫األمن تالحقه تهم اإلرهاب‪ ،‬أما أن تضرب أمريكا مدن اليابان بقنبلة ذرية‪ ،‬أو‬ ‫تضرب أرض فيتنام‪ ،‬ويموت المدنيون وباآلالف‪ ،‬فليس بإرهاب‪ ،‬أو تستوطن‬ ‫إسرائيل فلسطين وتقتل شعبا بالماليين‪ ،‬أيضا هذا ليس بإرهاب‪ ،‬يا سادتنا‪،‬‬ ‫إن كنتم تسعون لمعرفة السبب األول لإلرهاب‪ ،‬هي أمريكا سبب اإلرهاب‪،‬‬ ‫هم أول من ضربوا المدن بأسلحة التدمير الشامل‪ ،‬هم من زرعوا اإلرهاب‬ ‫بعالمنا اإلسالمي‪ ،‬وعالمنا العربي‪ ،‬وبالكامل‪ ،‬هم من بذروه وحصدوه بباكستان‬ ‫وأفغانستان‪ ،‬ليكون مبررهم للسيطرة علينا في كل مكان وزمان‪ ،‬نحن ضحايا‬ ‫(‪)72‬‬ ‫اإلرهاب وهم صناع اإلرهاب‬ ‫المؤلف علي لسان المذيع‪ ،‬وجاء مباشرا‪ ،‬وخطابيا‪ ،‬وملحميا‪،‬‬ ‫ هذا الذي يقوله ُ‬‫يؤكد علي أن النص‪ ،‬يدخل في إطار المسرح التسجيلي‪ ،‬وتلك التسجيلية‪،‬‬ ‫تفرضها ضرورة فنية‪ ،‬ترجع إلي الطبيعة السياسية للموضوع‪ ،‬فضال عن‬ ‫استحضار حدث واقعي‪ ،‬يتمثل في مذبحة جنين في أبريل عام ‪ ،2002‬والنص‬ ‫بهذه التسجيلية‪ ،‬وتلك المباشرة‪ُ ،‬يعد نصا يندرج تحت ما يسمي بالمسرح‬ ‫السياسي‪ ،‬يوجه اإلدانة‪ ،‬ليس فقط إلسرائيل‪ ،‬صانعة اإلرهاب في المنطقة‬ ‫العربية كلها‪ ،‬بل وحاميتها أمريكا صانعة اإلرهاب في العالم‪ ،‬هذا اإلرهاب‬ ‫الذي تدينه‪ ،‬وتدعي محاربته‪ ،‬إنما هو عمل من أعمالها من أجل فرض الهيمنة‬ ‫بالكامل علي العالم‪.‬‬


‫قلت إن هذا النص يندرج تحت ما يعرف باسم (المسرح السياسي) ذلك‬ ‫المسرح الذي ساهم كل من إروين بيسكاتور ‪ Erwin Piscator‬وبيتر فايس‬ ‫‪ Weise‬وجنتر جراس‪ ،‬وكيبارد وبريخت‪ ،‬وبعض المخرجين اآلخرين – في‬ ‫العالم ‪ -‬في تأسيس المسرح السياسي أو ما يسمى بالمسرح التسجيلي أو‬ ‫المسرح الوثائقي‪.‬‬ ‫وهناك من يعتبرون أن هذا المسرح بمباشرته‪ ،‬وخطابيته‪ ،‬ال ُيعد مسرحا‬ ‫بالمفهوم الفني للمسرح‪ ،‬وهنا أقول‪ :‬إن هذا الكالم يتعلق باإلشكالية الخاصة‬ ‫بمفهوم المسرح السياسي – بشكل عام – صحيح أن فيه مباشرة‪ ،‬وفيه خطابية‪،‬‬ ‫المتعلق بمدي قربه أو بعده عن مفهوم المسرح‪،‬‬ ‫لطبيعته التسجيلية‪ ،‬ولكن األمر ُ‬ ‫يرتبط ‪ -‬في اعتقادي‪ -‬بمدي وعي المؤلف‪ ،‬بطبيعة المسرح‪ ،‬ودوره‪ ،‬وتقنياته‪،‬‬ ‫ألنه يستطيع بهذا الوعي أن يوظف العناصر الدرامية كاملة‪ ،‬حين ُيعالج‬ ‫موضوعه السياسي التحريضي‪ ،‬الذي يهدف به إلي تنمية الوعي لدي المتلقي‪،‬‬ ‫وهذا هو هدفه األساسي‪.‬‬ ‫هذا الوعي الذي تحدثت عنه‪ ،‬أجده متوفرا تماما مع نص (القتل في‬ ‫جنين)‪ ،‬ألن المؤلف‪ ،‬لم يغفل‪ ،‬العناصر الفنية‪ ،‬التي تُحدث الدرامية‪ ،‬من حوار‪،‬‬ ‫وأحداث تتنامي‪ ،‬وصراع يتولد‪ ،‬وفعل درامي يتحقق وينمو‪.‬‬ ‫البعد الدرامي‪،‬‬ ‫ولذلك نري المؤلف يعتمد علي قيمتين حقق بهما ذلك ُ‬ ‫داخل نسيج التسجيلية التي أشرت إليها‪ ،‬القيمة األولي تتمثل في فعل المقاومة‪،‬‬ ‫ليس فقط ببعدها السياسي‪ ،‬ولكن ‪ -‬أيضا ‪ -‬ببعدها اإلنساني‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪187 186‬‬


‫وجاءت القيمة الثانية متمثلة في الحب‪ ،‬تلك القيمة التي تؤكد علي الصفة‬ ‫اإلنسانية وسط ركام الظلم‪ ،‬والقهر واإلرهاب‪ ،‬والتنكيل الذي يتعرض له‬ ‫شخوص المسرحية‪.‬‬ ‫قيمة المقاومة تتجلي في موقف (سلمي) تلك الفتاة الفلسطينية‪ ،‬ابنة‬ ‫(كنعان) التي رأت نفسها تعيش في بيتها مجرد ضيفة‪ ،‬وهي صاحبة المكان‪،‬‬ ‫وكانت راضية بذلك طالما أنها تعيش في آمان‪ ،‬ولكن حين رأت السلطات‬ ‫اإلسرائيلية‪ ،‬تجيء لتهدم البيت‪ ،‬وتغير معالمه ليصبح لإلسرائيلي (جاكوب)‬ ‫وينسف البيت به‪،‬‬ ‫وحده هو وأسرته‪ ،‬يتمسك (كنعان) به ويرفض مغادرته‪ُ ،‬‬ ‫فال تجد أمامها سوي تفجير جسدها وسط الجنود اإلسرائيليين‪ ،‬في أول عملية‬ ‫استشهادية تقوم بها فتاة في األرض المحتلة‪ ،‬تفعل هذا‪ ،‬ألنها لم تجد حال‬ ‫آخر أمامها‪ ،‬وهي تري أبوها يموت عنوة‪ ،‬وغدرا‪ ،‬وإرهابا علي أيدي العدو‪،‬‬ ‫تفعل هذا‪ ،‬برغم أنها فتاة تعيش وتحلم بحياة إنسانية‪ ،‬وببيت يجمعها مع حبيبها‬ ‫المقاوم الذي أحبها وأحبته‪ ،‬تُضحي بكل هذا‪ ،‬من أجل‬ ‫(عاصي) ذلك الشاب ُ‬ ‫حياة اآلخرين‪ ،‬ومواجهة للظالمين‪ ،‬والمغتصبين للحق‪.‬‬ ‫هنا يتحدث (أبو غالب) الفلسطيني‪ ،‬عم الفتاة قائال بعد استشهادها مؤكدا‬ ‫علي قيمة المقاومة كفعل من أفعال النضال قائال‪:‬‬ ‫أبو غالب‪ :‬انطلق الكل ُيسابق نحو الموت واالستشهاد‪ ،‬ولهذا صارت رحلة‬ ‫(سلمي) بثبات العرس الدموي هي رحلة كل الشعب اليائس من تحقيق العدل‪،‬‬ ‫لكن الشر الصهيوني يري في ذلك خطرا ويسميه اإلرهاب‪ ،‬أرأيتم تزييفا أفظع‬


‫من هذا‪ ،‬شعب ال يجد سوي الموت طريقا لمقاومة الظلم ُيقال له اإلرهاب‪،‬‬ ‫والعالم بدال من أن ُيشفق أو يتعاطف مع من يستشهد يصبح في نظر الكل‬ ‫(‪)73‬‬ ‫مجرد إرهاب‬ ‫وقيمة الحب أيضا تتجلي في تلك العالقة الرومانسية التي تجمع مابين‬ ‫(سلمي) و(عاصي) وسط الدمار‪ ،‬ووسط القتل‪ ،‬ووسط القمع‪ ،‬والمشاعر‬ ‫المؤلم الظالم‪ ،‬يمنعهما من‬ ‫المتأججة بين الطرفين‪ ،‬تعبر عن نفسها‪ ،‬لكن الواقع ُ‬ ‫العيش في سالم‪ ،‬ويمنعهما من تحقيق حلم العيش معا‪ ..‬الحب هنا يقوي اإلرادة‪،‬‬ ‫ويعد دافعا – أيضا – من دوافع المقاومة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫سلمي‪ :‬آه يا عاصي يا أملي المعبود‪ ،‬سنوات العمر جميعا ال أذكر منها إال‬ ‫لحظات تالقي أعيننا في وسط الظلمة والبارود‪ ،‬أحببتك لكن ال أدري كيف‪..‬‬ ‫لو أني أملك أن أعطيك الكون مقابل حبك‪ ،‬ما كنت توانيت‪ ،‬فلتغفر لي عجزي‬ ‫هذا يا أغلي من أحببت‪ ،‬ومن ناديت‪.‬‬ ‫عاصي‪ :‬ويحي‪ ..‬هذا حب ال يقدر أن يتحمله عاشق ليلي المجنون‪ ،‬آه يا سلمي‬ ‫أنت بهذا الحب حكمت علي قلبي بجنون العشق األبدي‪،‬أو يرضي قلبك أن‬ ‫أصبح هذا المجنون‪ ،‬هذا المفتون ؟!‬ ‫في هذا اإلطار‪ -‬أيضا‪ -‬وتجسيدا لفعل وقيمة الحب‪ ،‬نجد (يوديث) تلك‬ ‫الفتاة‪ ،‬التي أشرت في بداية حديثي عن تطرفها‪ ،‬حين نظرت إلي الفلسطينيين‪،‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪189 188‬‬


‫واعتبرتهم يشبهون الهنود الحمر‪ ،‬هؤالء الذين ال حق لهم في الحياة علي أرض‬ ‫الميعاد‪ ،‬تلك الفتاة اإلسرائيلية‪ ،‬حين اكتشفت الزيف‪ ،‬ولمست الظلم بنفسها‪،‬‬ ‫وعرفت الحقيقة‪ ،‬وعلمت كيف أستولي والدها علي البيت الفلسطيني والمزرعة‬ ‫بالقوة والعدوان‪ ،‬قررت العودة إلي فرنسا‪ ،‬وغيرت جنسيتها‪ ،‬لكنها عادت إلي‬ ‫فلسطين‪ ،‬أثناء مجزرة (جنين) بحثا عن صديقها وحبيبها ‪ .‬الشاب الفلسطيني‬ ‫الذي ارتبطت به وجدانيا‪ ،‬دون أن يعلم بذلك‪ ،‬جاءت للبحث عنه‪ ،‬ولالطمئنان‬ ‫عليه‪ ،‬ونراها تُقدم أوراقا إلي لجنة نشطاء حقوق اإلنسان بمثابة شهادة‪ ،‬عما‬ ‫يحدث داخل األرض المحتلة‪ ،‬واألوراق كان قد أرسلها إليها صديقها (عاصي)‬ ‫عبر االنترنيت‪ ،‬وتتعلق بمذابح جنين‪ ،‬عندما جاءت‪ ،‬شاهدت المأساة بنفسها‪،‬‬ ‫ورأت حجمها‪ ،‬وقوة الدمار‪ ،‬ومن هنا بدأت عملية استرجاع كل األحداث التي‬ ‫أشرت إليها آنفا‪ ،‬باستخدام تقنية العودة إلي الماضي أو(الفالش باك)‪.‬‬ ‫حبها لعاصي‪ ،‬هو ما دفعها للمجيء‪ ،‬واإلدالء بالشهادة‪،‬وقوفا إلي جانب‬ ‫الحق‪ ،‬بعد تخلصها من الضالل الذي صدقته‪ ،‬وعاشت فيه سنوات عمرها‪،‬‬ ‫فكما يقولون ‪ :‬إن الحب يصنع المعجزات‪.‬‬ ‫ودائما ما يؤكد الكاتب (أبو العال السالموني) ‪ -‬في مسرحه ‪ -‬علي تلك‬ ‫القيمة (قيمة الحب) ولعلنا نتذكر عالقة الحب التي جمعت بين (وليد) الداعشي‬ ‫المترجم في مسرحيته (جهاد الفواحش في زمن الدواعش) وكيف أن الحب‬ ‫ُ‬ ‫المضللة‪ ،‬الكاذبة‪ ،‬وكيف أنه تحمل‬ ‫فتواه‬ ‫مواجها‬ ‫(الخليفة)‬ ‫أمام‬ ‫يقف‬ ‫جعله‬ ‫ُ‬


‫الموت‪ ،‬في سبيل الدفاع عن حبيبته (لوتس) التي جاءت من الشرق‪ ،‬لتجاهد‪،‬‬ ‫لكنها اكتشفت اللعبة‪ ،‬وعرفت أن األمر ال يعدو أن يكون مجرد استخدام‬ ‫لجسدها‪ ،‬بدون عقد زواج كما كانت تظن‪ ،‬ففضلت الموت مع حبيبها‪ ،‬علي أال‬ ‫تستسلم لفتوى الخليفة الداعشي‪ ،‬فيطلقان علي رأسهما الرصاص‪ ،‬ويموتان‪ ،‬كما‬ ‫مات من قبل (روميو) وكما ماتت (جولييت)‪.‬‬ ‫في تلك المسرحية ‪ -‬أيضا‪ -‬يظهر أمامنا الجنرال اإلسرائيلي (رافي) الذي‬ ‫جاء للقبض علي (عاصي) حين تتبع (يوديث) وهو يعلم أنها ستقابله‪ ،‬وأعتبرها‬ ‫طعما لإليقاع بصديقها‪ ،‬ونراه ُيحدثها بنفس الطريقة التي كان يتحدث بها الخليفة‬ ‫(جهاد الفواحش في زمن الدواعش) قائال‪:‬‬ ‫مع (وليد المترجم) في مسرحية‬ ‫(قد جئت علي أمل للقاء الحب‪ ..‬لكن عفوا فأنا عشت بقية عمري منتظرا تلك‬ ‫اللحظة‪ ،‬آليت علي نفسي أال أعتزل الحرب‪ ،‬إال حين يتم القبض علي صاحبك‬ ‫(‪)74‬‬ ‫اإلرهابي‪ ،‬وبواسطتك أنت‪ ،‬حتى تكتمل نهاية قصة حب مأساوية)‬ ‫تلك القيم اإلنسانية العظيمة‪ ،‬صنعت األجواء الدرامية داخل المسرحية‪،‬‬ ‫ومألتها حياة‪ ،‬نابضة‪ ،‬وحددت طبيعة الصراع‪ ،‬وشكله‪ ،‬وأوصلته إلي الذروة‪،‬‬ ‫برغم تلك المباشرة‪ ،‬والخطابية‪ ،‬والتسجيلية التي أشرت إليها‪.‬‬

‫أبو العال السالموين‬

‫‪191 190‬‬


‫أما بعد‪:‬‬ ‫ومازال السؤال – الذي سبق وطرحه الدكتور جابر عصفور‪،‬‬ ‫ ‬ ‫واستحضرته في مقدمة الكتاب ‪ -‬مطروحا‪:‬‬ ‫ماذا حدث للتنوير؟‬ ‫أطرحه في سياق التأكيد علي أهمية مشروع أبو العال السالموني‬ ‫ ‬ ‫التنويري‪ ،‬الذي عالج فيه قضية التطرف باسم الدين‪ ،‬هذا المشروع الذي بدأه‬ ‫منذ أكثر من أربعين عاما‪ ،‬حين كتب نصه (السحرة) في عام ‪ ..1975‬وتلك‬ ‫الفترة الطويلة التي شهدت أحداثا كثيرة‪ ،‬علي أيدي اإلرهابيين المنتمين إلي‬ ‫جماعات مختلفة‪ ،‬تحركت باسم الدين‪ ،‬لم تجد اهتماما من المثقفين والمبدعين‬ ‫والكتاب‪ ،‬لتناول هذا الموضوع الحيوي الهام‪ ..‬إما عجزا‪ ،‬أو خوفا‪ ،‬حتى أن‬ ‫ُ‬ ‫هذا الخوف‪ -‬نفسه ‪ -‬تسرب إلي نفوس بعض المسئولين من الفنانين الذين‬ ‫منعوا ظهور مسرحيات (السالموني) علي خشبة المسرح‪ ،‬وعنهم يتحدث‬ ‫الكاتب ذاكرا مواقفهم التي بدأت بمهاجمة نص (السحرة) ‪ -‬الذي أخرجه‬ ‫(عباس أحمد) علي مسرح الطليعة ‪ -2003‬من قبل رئيس البيت الفني للمسرح‬ ‫وقتها‪ ،‬الذي هاجم النص علي صفحات الجرائد‪ ،‬وأمر بإيقاف العرض‪ ،‬ألن‬ ‫خالفا كان قائما بينه وبين مدير المسرح‪ ،‬ثم تكرر المنع نفسه مع مسرحية‬ ‫(سيف هللا) في يوم افتتاحها بمسرح الطليعة ‪ ،1980‬ألن مدير المسرح وقتها‬ ‫المتطرفة‪ ،‬وخاف من تهديداتها‪ ،‬وحدث نفس الشيء‬ ‫استجاب لضغط الجماعات ُ‬


‫مع مسرحيته (المليم بأربعة) التي أخرجها (جالل الشرقاوي) وأوقفها بعد‬ ‫شهرين من عرضها‪ ،‬بسبب تهديدات الجماعات المتطرفة بإحراق مسرح الفن‬ ‫الذي ُعرضت علي خشبته‪ ،‬في عام ‪ ،1990‬وتم إيقاف بروفات مسرحية (أمير‬ ‫الحشاشين) التي كان سيخرجها (سعد أردش) ليقدمها علي مسرح السالم‪ ،‬ألن‬ ‫مدير المسرح خاف من تهديدات الجماعات المتطرفة‪ ،‬وكذلك خاف مدير الفرقة‬ ‫االستعراضية‪ ،‬وتراجع عن إنتاجها برغم حماسه لها ‪ -‬بعد إيقاف إنتاجها في‬ ‫المسرح الحديث ‪ -‬وحدث الخوف نفسه‪ ،‬من ِقبل مدير المسرح القومي‪ ،‬حين‬ ‫منع عرض مسرحية (الحادثة اللي جرت في شهر سبتمبر)‪.‬‬ ‫وسط كل هذه األجواء من الخوف وارتعاش األيدي‪ ،‬لم يتوقف (السالموني)‬ ‫عن معالجة تلك القضية‪ ،‬بل استمر‪ ،‬حتى كتابة هذه السطور‪ ،‬فمن بين النصوص‬ ‫التي تناولتها في هذه الدراسة نصا مخطوطا‪ ،‬لم ُينشر بعد‪ ،‬وهو نص (جهاد‬ ‫الفواحش في زمن الدواعش)‪ .‬واألمر‪ -‬إذن‪ -‬يحتاج إلي شجاعة مماثلة لتقديم‬ ‫هذه النصوص وعرضها أمام الناس‪ ،‬إذا ُكنا نريد بالفعل مقاومة اإلرهاب‪،‬‬ ‫ومحاكمة فكر المتطرفين فنيا‪ ،‬ومسرحيا‪..‬‬ ‫وكان عدم خوف المخرج (كرم مطاوع)‪ -‬استثنائيا – حين أتاح لنص‬ ‫(ديوان البقر) فرصة الظهور علي خشبة المسرح‪ ،‬ليس هذا فقط‪ ،‬بل وتمثيل‬ ‫مصر في مهرجان عربي‪ ،‬وحصول النص علي جائزة هامة‪ ،‬وعنه يقول‬ ‫الكاتب أبو العال السالموني‪( :‬بارقة األمل الوحيدة وسط هذه الظلمة المدلهمة‪،‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪193 192‬‬


‫هي تجربتي مع مسرحية (ديوان البقر) التي أخرجها كرم مطاوع وكانت آخر‬ ‫أعماله قبل وفاته المفاجئ في منتصف التسعينيات‪ ،‬والحقيقة أن الفضل في‬ ‫نجاح تلك التجربة يعود إلي شجاعة الدكتورة هدي وصفي‪ ،‬مدير ومؤسس‬ ‫مسرح الهناجر التي تحمست للتجربة‪ ،‬وخاضتها بال خوف أو وجل‪ ،‬وكنا‬ ‫في وقت يكاد يكون اإلرهاب قد وصل إلي ذروته‪ ،‬ونجحنا بهذا العرض‪،‬‬ ‫وشارك في مهرجان قرطاج الذي احتفي به الجمهور التونسي أكثر مما احتفي‬ ‫به الجمهور المصري‪ ،‬وحصل العرض علي جائزة أفضل نص مسرحي في‬ ‫(‪)75‬‬ ‫المهرجان عام ‪)1995‬‬ ‫االنتكاسة التي حدثت للتنوير‪ ،‬أتاحت الفرصة أمام جماعات الظالم‪،‬‬ ‫لتتواجد وتفرض هيمنتها‪ ،‬في كل المؤسسات (التعليمية واإلعالمية والثقافية‬ ‫والدينية)‪ ،‬وتراجع المثقف عن دوره‪ ،‬لمواجهة الفكر المتطرف‪ ،‬دفع ثمنه‬ ‫المواطن العادي‪ ،‬حين لمس تداعيات اإلرهاب وآثاره علي حياته‪ ،‬اجتماعيا‪،‬‬ ‫واقتصاديا‪ ،‬وثقافيا‪.‬‬ ‫المواطن العادي يدفع ثمن تقاعس المثقف‪ ،‬هؤالء الذي يسمون النخبة‪ ،‬لم‬ ‫والمنتج لكثير من‬ ‫المحمل بالكثير من األعباء‪ُ ،‬‬ ‫يعد دورهم‪ ،‬ملموسا في واقعنا ُ‬ ‫الخسائر (وأي مقارنة بين أزمنة تنوير هذا الوطن‪ ،‬والزمن الذي نعيش فيه‬ ‫تبدو في صالح الماضي لألسف‪ ،‬كما لو كنا نتراجع إلي الوراء بدل أن نندفع‬ ‫إلي األمام‪ ،‬ونتقهقر صوب ظالم التخلف‪ ،‬بدل أن نستقبل أنوار التقدم‪ ،‬ولنتذكر‬ ‫روح التسامح الذي ظلل حوار محمد فريد وجدي وإسماعيل أدهم وأحمد زكي‬


‫أبو شادي عام ‪ ،1937‬ولنتذكر روح التسامح الذي ظلل‪ ،‬قبل ذلك بسنوات عدة‪،‬‬ ‫حوار فرح أنطون (‪ )1922-1861‬مع المجددين في الفكر اإلسالمي‪ ،‬أمثال‬ ‫األفغاني (‪ )1897 -1838‬ومحمد عبده (‪ )1905-1949‬وكان ذلك حين رد‬ ‫فرح أنطون بما يخالف ماذهب إليه األفغاني في (الرد علي الدهريين) وتحديد‬ ‫مذهب (النيتشريين)‪ ،‬ورأي في أفكار األفغاني « ما يقطع سبيل االرتقاء علي‬ ‫أمم المشرق اإلسالمية‪ ،‬ويناقض المصلحة المدنية فيه‪ ،‬ويحل عزائمها» فلم ينل‬ ‫أحد من فرح أنطون‪ ،‬وكان ذلك حين اشتبك فرح أنطون نفسه ومحمد عبده‬ ‫تلميذ األفغاني في مناظرة مهمة‪ ،‬حول ما كتبه (فرح أنطون عن فلسفة ابن رشد‬ ‫واضطهاده‪ ،‬وعن الموازنة بين إرهاب المسيحية واإلسالم للمفكرين والمبدعين‪،‬‬ ‫فيما بدأ ينشره في مجلة (الجامعة) التي أنشأها بعد قدومه إلي اإلسكندرية عام‬ ‫‪ ،1897‬واستمرت المناظرة ما بين صفحات (المنار) و(الجامعة) في مفتتح‬ ‫(‪)76‬‬ ‫القرن الماضي‪ ،‬دون أن تُصادر هذه المجلة أو تلك)‬ ‫كم نحتاج اآلن إلي هذه الظالل‪ ،‬التي حدثت في الماضي البعيد‪،‬‬ ‫ ‬ ‫لنستظل بها ونستعيد معها مكانتنا الفكرية‪ ،‬وإيماننا بالعقل‪ ،‬الذي به – وحده‬ ‫– سنستطيع مواجهة سلوك التطرف‪ ،‬ومظاهرة‪.‬‬ ‫ومحاوالت (أبو العال السالموني) تُعد محاوالت في إطار استعادة‬ ‫ ‬ ‫مكانة التنوير في إبداعنا المسرحي‪ ،‬ولو تضافرت جهود المبدعين‪،‬الحتضان‬ ‫تلك القضية‪ ،‬والعبير عنها‪ ،‬ألصبح لنا شأنا آخر‪ ،‬ولضاعت الفرصة أمام من‬ ‫يريدون تغييب العقل‪ ،‬وإزاحة الحكمة‪.‬‬

‫أبو العال السالموين‬

‫‪195 194‬‬


‫الهوامش والمراجع‬


‫هوامش المقدمة‬ ‫(‪ -)1‬اجتهادات مصرية في البنية المسرحية – محمد أبو العال السالموني –‬ ‫دراسات في المسرح المصري – المركز القومي للمسرح ‪ 2016‬صفحة ‪39‬‬ ‫(‪ -)2‬كتب دراسة بعنوان (الفرسان الصاعدون إلي الخشبة المنهارة) ‪ -‬في‬ ‫مجلة الكرمل – العدد ‪ - 1984 - 14‬ثم ُنشرت في كتابه (رؤى الواقع وهموم‬ ‫الثورة المحاصرة) ‪1989‬‬ ‫(‪ -)3‬الثأر ورحلة العذاب – ُقدمت علي خشبة مسرح السالم في عام ‪– 1982‬‬ ‫من إخراج عبد الرحيم الزرقاني‬ ‫(‪ -)4‬هوامش علي دفتر التنوير – د‪ .‬جابر عصفور – الهيئة العامة لقصور‬ ‫الثقافة – ‪ -2000‬صفحة ‪249‬‬ ‫(‪ -)5‬ثقافة العنف واإلرهاب الديني والسياسي – أحمد عبد الرازق أبو العال –‬ ‫مطبوعات المجلس األعلى للثقافة ‪2010‬‬ ‫هوامش المحور األول‪:‬‬ ‫(‪ -)1‬الزمار – ‪ – 1930‬استلهم فيها السامر الريفي‪ ،‬فجعل بطلها من زامري‬ ‫السامر‪ ،‬يشتغل فيه بالليل‪ ،‬ويعمل ممرضا بالنهار في عيادة مفتش صحة بالريف‪،‬‬ ‫المقدمة التي كتبها الحكيم‬ ‫فقلب عيادة هذا الطبيب إلي سامر حقيقي – أنظر ُ‬ ‫لكتابه (قالبنا المسرحي) ‪1967‬‬ ‫(‪ -)2‬الصفقة كتبت في عام ‪ 1956‬وهي محاولة إلدخال الفنون الشعبية الريفية‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪197 196‬‬


‫من رقص وتحطيب وغناء في إطار المسرحية‪ ،‬وتدور كلها في العراء أو الجرن‬ ‫أو أمام المصطبة‪ -.‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫(‪ -)3‬يا طالع الشجرة – ‪ – 1962‬وفيها قام بربط بعض المالمح الشعبية‬ ‫القديمة‪ ،‬بأحدث مالمح الفن المعاصر في محاولة منه لإلجابة علي السؤال‬ ‫التالي‪ :‬هل نستطيع أن نلحق بأحدث اتجاهات الفن العالمي عن طريق فننا وتراثنا‬ ‫الشعبي ؟‬ ‫(‪ -)4‬مسرح الشعب – الدكتور علي الراعي – وهو كتاب ضم ثالثة كتب هي‬ ‫(الكوميديا المرتجلة – فنون الكوميديا – مسرح الدم والدموع)‪.‬‬ ‫(‪ -)5‬مسرح الشعب – د‪ .‬علي الراعي – دار شرقيات‪ -1993 -‬صفحة ‪-34‬‬ ‫‪35‬‬ ‫(‪ -)6‬قالبنا المسرحي – توفيق الحكيم – مكتبة مصر – ‪1967‬‬ ‫(‪ -)7‬صدر كتاب قالبنا المسرحي في عام ‪ 1967‬بينما صدر كتاب الكوميديا‬ ‫المرتجلة عن دار الهالل في عام ‪ .1968‬أي بعد عام واحد من صدور كتاب‬ ‫توفيق الحكيم‪.‬‬ ‫(‪ -)8‬المسرح الشعبي المفهوم بين المطلوب والموروث – د‪ .‬حسن عطية – مجلة‬ ‫المسرح – و ازرة الثقافة – قطاع المسرح – العدد ‪ – 24‬يوليو ‪ -1984‬صفحة‬ ‫‪61 -60‬‬ ‫(‪ -)9‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫(‪ -)10‬المرجع السابق – صفحة ‪64‬‬ ‫(‪ -)11‬توظيف التراث في المسرح – الدكتور عز الدين إسماعيل – مجلة فصول‬


‫المجلد األول – العدد األول – أكتوبر ‪ 1980‬صفحة ‪179‬‬ ‫– ُ‬ ‫(‪ -)12‬المرجع السابق ‪ -‬صفحة‪181‬‬ ‫(‪ -)13‬الحريق ‪ – 1968‬أبو زيد في بلدنا ‪ -1969‬حلم ليلة حرب ‪-1963‬‬ ‫رواية النديم عن هوجة الزعيم ‪ -1970‬مآذن المحروسة ‪ -1982‬أبو نظارة‬ ‫‪ -1986‬المليم بأربعة ‪ -1988‬مولد يا بلد ‪ -1991‬مالعيب عنتر ‪-1991‬‬ ‫تغريبه مصرية ‪2007‬‬ ‫(‪ -)14‬من الورقة التي تقدم بها الكاتب(محمد أبو العال السالموني) إلي لجنة‬ ‫المسرح بالمجلس األعلى للثقافة‪ ،‬للموافقة علي تنظيم ُملتقي المسرح الشعبي‬ ‫األول والمنعقد في شهر ابريل ‪2018‬‬ ‫(‪ -)15‬تناقش هذه المسرحية قضية الديمقراطية في مواجهة سيطرة وفساد‬ ‫طرحت بشدة في‬ ‫بيروقراطية األجهزة الحكومية في الريف‪ ،‬وهذه القضية كانت قد ُ‬ ‫الكتاب – في‬ ‫أعقاب هزيمة ‪ 1967‬وانطلق السالموني للكتابة – هو وغيره من ُ‬ ‫الوقت الذي توقف فيه معظم ُكتاب الستينيات عن الكتابة وكأن الهزيمة جعلتهم‬ ‫يشعرون بمسؤوليتهم عنها‪ ،‬حين كتبوا عن الثورة ومتغيراتها‪ ،‬وهمها القومي‬ ‫ومبادئها‪ ،‬و أروا أن كل هذا ينهار أمام أعينهم وكأنه كذبة كبيرة عاشوها وشاركوا‬ ‫النظام في رعايتها‪.‬‬ ‫(‪ -)16‬في عام ‪ 1931‬انشيء بنك التسليف الزراعي الذي عهدت إليه الحكومة‬ ‫بإقراض الجمعيات التعاونية الزراعية والفالحين‪.‬وعندما قامت ثورة ‪ 1952‬قامت‬ ‫الدولة بتأميم هذه الجمعيات‪ ،‬وصدر قانون اإلصالح الزراعي رقم ‪ 178‬لسنة‬ ‫‪ ،1952‬ونصت مواده علي وجوب إنشاء الجمعيات التعاونية الزراعية‪ ..‬الخ وفي‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪7199 198‬‬


‫ظل هذه القوانين‪ ،‬والظروف المحيطة بها كتب أبو العال السالموني مسرحية أبو‬ ‫زيد في بلدنا في عام ‪1969‬‬ ‫(‪ -)17‬األعمال المسرحية الكاملة – المجلد الثالث – الهيئة المصرية العامة‬ ‫للكتاب – ‪ – 2003‬صفحة ‪114‬‬ ‫(‪ -)18‬المرجع السابق ‪ -‬صفحة ‪174‬‬ ‫(‪ -)19‬المرجع السابق – صفحة ‪187‬‬ ‫(‪ -)20‬اجتهادات مصرية في البنية المسرحية – محمد أبو العال السالموني –‬ ‫المركز القومي للمسرح – دراسات في المسرح المصري ‪ – 2016‬صفحة ‪64‬‬ ‫(‪-)21‬هذا العمل كان سيخرجه سعد أردش لفرقة دمياط المسرحية‪ ،‬إال أن المديرية‬ ‫– كما يذكر الكاتب في شهادته المنشورة في كتاب(اجتهادات مصرية) ‪ -‬السابق‬ ‫اإلشارة إليه – اجتمعت بأفراد المسرحية وعقدوا اجتماعا تاريخيا رفضوا فيه تقديم‬ ‫هذا العمل الذي يناوئ قرار المحافظ‪ ،‬وكتبوا عريضة وقعوا عليها بالرفض‪ ،‬وأنهم‬ ‫يبرءون ذمتهم أمام هللا والتاريخ‪ ،‬عن ممارسة هذا الرجس من عمل الشيطان !!‬ ‫(‪ -)22‬جوزيف ويليام مكفرسون – خدم في الحكومة المصرية (‪)1925-1901‬‬ ‫كان مدرسا للكيمياء في المدرسة الخديوية‪ ،‬وعندما قامت الحرب العالمية األولي‬ ‫التحق بالمجهود الحربي لبالده‪ ،‬فعين ضابطا بفرق الجمالة المصرية التي جندها‬ ‫البريطانيون خالل الحرب‪ ،‬وعندما أصيب أعيد إلي القاعدة في مصر‪ ،‬ثم عمل‬ ‫مأمو ار للضبط بالعاصمة المصرية‪ ..‬وظل في مصر حتى بلغ سن التقاعد‪،‬‬ ‫فترك الخدمة المصرية‪ ،‬واستقر في بيته الذي كان قد اشتراه بمنطقة بين السرايات‪،‬‬ ‫وأقام به حتى مات في عام ‪( 1946‬تلك المعلومات من مقدمة كتاب الموالد في‬ ‫مصر)‪.‬‬


‫(‪ -)23‬الموالد في مصر – ج‪.‬و‪ .‬مكفرسون – ترجمة وتحقيق‪:‬د‪ .‬عبد الوهاب‬ ‫بكر – مكتبة األسرة ‪ -1990‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.‬‬ ‫(‪ -)24‬مسرح الشعب – الكوميديا المرتجلة في المسرح المصري – د‪ .‬علي‬ ‫الراعي – دار شرقيات – ‪ -1993‬صفحة ‪36‬‬ ‫(‪ -)25‬اسمه (فاتح بن عثمان األسمر الدكرورى) جاء إلى دمياط من مراكش‬ ‫بالمغرب‪ ،‬في عام ‪ 1275‬بعد هدم المدينة فى عام ‪ 1250‬ورحيل لويس‬ ‫التاسع عنها‪ ،‬جاء إليها وكانت خرابا‪ ،‬ومعه عدد من رجال هللا جاءوا من أماكن‬ ‫مختلفة ‪,‬أقاموا فيها علي طريقة الصوفية في السياحة‪ ،‬ولقد ُسمي بأبي المعاطي‬ ‫حين أطلق عليه أهالي المدينة هذا االسم بسبب مساعدته للفقراء‪ ،‬وكثرة عطائه‬ ‫للمساكين وعابري السبيل‪.‬‬ ‫(‪ -)26‬صاحب هذه العبارات هو المهندس أشرف السعد‪ ،‬صاحب شركة السعد‬ ‫لتوظيف األموال‪ ،‬الذي أدمج مجموع شركاته مع مجموعة شركات الريان لتحمل‬ ‫أسما واحدا وهو (الريان والسعد) بعدها هرب إلي لندن ومازال هاربا فيها حتى‬ ‫كتابة هذه السطور‪ ،‬وانتهت شركته في عام ‪ 1990‬وكان عمره ال يتجاوز الثالثين‬ ‫عاما إال بعامين فقط‪.‬‬ ‫(‪ -)27‬األعمال الكاملة – المجلد الثالث – صفحة ‪(132‬مرجع سابق)‪.‬‬ ‫(‪ -)28‬المرجع السابق – صفحة ‪212‬‬ ‫(‪ -)29‬مالعيب عنتر – كتبها محمد أبو العال السالموني في عام ‪– 1991‬‬ ‫نشرت ضمن سلسلة المسرح العربي – العدد ‪ -117‬يناير – ‪ – 1998‬الهيئة‬ ‫المصرية العامة للكتاب‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪201 200‬‬


‫ُقدمت علي مسارح الثقافة الجماهيرية‪ :‬قصر المحمودية ‪1997‬من إخراج‪ :‬عبد‬ ‫الستار الخضري ‪-‬بيت منيا القمح من إخراج‪ :‬سمير زاهر ‪ -1998‬الفرقة‬ ‫المركزية من إخراج‪ :‬ناصر عبد المنعم ‪ -1996‬بيت سيدي سالم ‪ 2000‬من‬ ‫إخراج‪ :‬صبري عسس ‪ -‬بيت طوخ من إخراج‪ :‬محمد بحيري‪2001‬‬ ‫(‪ -)30‬مالعيب عنتر – محمد أبو العال السالموني ‪ -‬المرجع السابق – صفحة‬ ‫‪6-5‬‬ ‫(‪ -)31‬ثأر بن عنترة – دراسة تطبيقية في األدب الشعبي – أحمد عباس صالح‬ ‫– كتاب روز اليوسف – نوفمبر ‪ -1973‬صفحة ‪12‬‬ ‫(‪ -)32‬النبوءة أو قدر البطل في السيرة الشعبية العربية – د‪ .‬أحمد شمس الدين‬ ‫الحجاجي – مكتبة الدراسات الشعبية – الهيئة العامة لقصور الثقافة – رقم‬ ‫‪-57‬أغسطس ‪ – 2001‬صفحة ‪130-129‬‬ ‫(‪ -)33‬مآذن المحروسة – محمد أبو العال السالموني – األعمال الكاملة –‬ ‫المجلد الثاني – الهيئة العامة للكتاب ‪1995‬‬ ‫قدمت هذه المسرحية في ساحة وكالة الغوري ألول مرة خالل شهر رمضان وشوال‬ ‫(يونيو ويوليو ‪ 1983‬من خالل الفرقة النموذجية المركزية للثقافة الجماهيرية من‬ ‫أخراج‪ :‬سعد أردش‪.‬‬ ‫تمثيل‪ :‬فاروق نجيب – محمد أبو العينين‪ -‬هيام هالل – أحمد ماهر – محمد‬ ‫أحمد – انسي المصري – فتحي سعد‪ -‬فاروق الباجوري – أحمد فوزي – صالح‬ ‫سعد – محمد الشربيني – محمود بشير – محمد عساكر‪ -‬فايق سعيد – سعيد‬ ‫صديق – مصطفي أبو الخير‪ .‬أغاني وأشعار‪ :‬سمير عبد الباقي – ديكور‪:‬‬


‫أشرف نعيم – تصميم رقصات‪ :‬حسن السبكي – ألحان‪ :‬صالح محمود – عرائس‬ ‫وخيال ظل‪ :‬نجالء رأفت‬ ‫(‪ -)34‬المصريون المحدثون (شمائلهم وعاداتهم)‪ -‬ادوارد وليم لين – ترجمة‪:‬‬ ‫عدلي طاهر نور – ذاكرة الكتابة – الهيئة العامة لقصور الثقافة – جزءان ‪-‬‬ ‫‪1998‬‬ ‫(‪ -)35‬فؤاد دوارة – مآذن المحروسة وعودة المحبظين – مجلة الكواكب – دار‬ ‫الهالل – ‪1983/7/5‬‬ ‫(‪ -)36‬مآذن المحروسة – مرجع السابق – صفحة ‪95-94‬‬ ‫(‪ -)37‬تغريبة مصرية – محمد أبو العال السالموني – الهيئة العامة للكتاب‬ ‫‪ 1992‬الهيئة العامة لقصور الثقافة – ‪ -2007‬عرضت علي مسرح البالون‬‫في نفس العام ‪1992‬‬ ‫(‪ -)38‬مسرحنا والتاريخ وتراث القهر (تأمالت كاتب مسرحي معاصر) – نشر‬ ‫المقال ضمن كتاب‪ :‬اجتهادات مصرية في البنية المسرحية – سلسلة دراسات‬ ‫المسرح المعاصر – المركز القومي للمسرح ‪ 2016‬صفحة ‪102‬‬ ‫(‪ -)39‬فاروق خورشيد ‪ -‬الجذور الشعبية للمسرح العربي ‪ -‬دراسات أدبية ‪-‬‬ ‫الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪1991 -‬صفحة ‪134‬‬ ‫(‪ -)40‬تغريبة مصرية – مرجع السابق – صفحة ‪102‬‬ ‫(‪ -)41‬حلم ليلة حرب – تعد من األعمال األولي للكاتب محمد أبو العال‬ ‫السالموني‪ ،‬كتبها في عام ‪1963‬بعنوان (حكاية ليلة القدر) ونشرت في مجلة‬ ‫إبداع في عام ‪ ،1988‬ثم نشرت ضمن سلسلة المسرح العربي – رقم ‪ – 65‬الهيئة‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪203 202‬‬


‫المصرية العامة للكتاب – ‪ – 1992‬عرض علي مسرح الثقافة الجماهيرية (قومية‬ ‫ديرب نجم) من إخراج‪ :‬فوزي عبد هللا ‪ -1996‬بيت ثقافة نجع حماد من إخراج‪:‬‬ ‫عبد الفتاح قدورة ‪1992‬‬ ‫(‪ -)42‬قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية – أحمد أمين – مطبوعات‬ ‫المجلس األعلى للثقافة – ‪ -1999‬صفحة ‪164‬‬ ‫(‪ -)43‬المسرحية – مرجع السابق – صفحة ‪107-106‬‬ ‫(‪ -)44‬المسرحية – مرجع السابق – صفحة ‪116‬‬ ‫(‪ -)45‬الحريق – مسرحية – محمد أبو العال السالموني – كتبها في عام‬ ‫‪ -1967‬نشرت ضمن مطبوعات الكتاب األول في عام ‪ – 1971‬عرضت علي‬ ‫مسارح الثقافة الجماهيرية‪ :‬ميت غمر ‪ -1973‬إخراج‪ :‬علي سرحان – بورسعيد‬ ‫‪ 1984‬إخراج‪ :‬حمدي الوزير – دمياط ‪1984‬من إخراج‪ :‬محمد ناصف – كفر‬ ‫الزيات ‪ 1986‬من إخراج‪ :‬إبراهيم كريم – كفر سعد ‪1990‬من إخراج‪ :‬رضا‬ ‫حسني – قومية بني سويف ‪1974‬من إخراج‪ :‬رؤوف أألسيوطي‬ ‫(‪ -)46‬أبو نضارة – مسرحية – محمد أبو العال السالموني – األعمال الكاملة‬ ‫– المجلد الثاني – الهيئة المصرية العامة للكتاب – ‪1995‬‬ ‫كتبها في عام ‪ – 1986‬طبعة أولي هيئة الكتاب ‪-1988‬قدمت علي مسرح‬ ‫محمد فريد ‪ُ -1994‬قدمت علي مسارح الثقافة الجماهيرية (في قصر ثقافة كفر‬ ‫سعد ‪1993‬من إخراج‪ :‬فوزي سراج – قومية أسيوط ‪2001‬من إخراج‪ :‬إبراهيم‬ ‫فؤاد)‪.‬‬ ‫(‪ -)47‬د‪ .‬علي الراعي – المسرح في الوطن العربي – عالم المعرفة – الكويت‬


‫– العدد رقم ‪ -25‬يناير ‪ 1980‬صفحة ‪54‬‬ ‫(‪ -)48‬المسرحية – مرجع السابق – صفحة ‪265‬‬ ‫(‪ -)49‬د‪ .‬علي الراعي – الكوميديا المرتجلة في المسرح المصري – منشور‬ ‫ضمن كتاب مسرح الشعب – المرجع السابق – صفحة ‪30-29‬‬ ‫(‪ -)50‬مسرحية (أبو نضارة) – المرجع السابق – صفحة ‪273‬‬ ‫(‪ -)51‬رواية النديم عن هوجة الزعيم – مسرحية – كتبها في عام ‪– 1970‬‬ ‫نشرت في طبعتها األولي ‪ -1984‬الهيئة المصرية العامة للكتاب – ثم نشرت‬ ‫ضمن األعمال الكاملة (المجلد الثاني) ‪ – 1995‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‬ ‫– قدمتها مسارح الثقافة الجماهيرية (قصر السنبالوين ‪ 1980‬من إخراج‪ :‬عبد‬ ‫هللا عبد العزيز‪ -‬الفرقة النموذجية ‪1981‬من إخراج‪ :‬عبد الغفار عودة – كفر‬ ‫الشيخ ‪ 1974‬من إخراج محمد سالم – بورسعيد ‪ 1974‬من إخراج عباس أحمد‬ ‫– دمنهور ‪1975‬من إخراج‪ :‬جمال هاشم – أبو حمص ‪1979‬من إخراج‪ :‬جالل‬ ‫هاشم‬ ‫(‪ -)52‬لورد كرومر‪ -‬الثورة العرابية – ترجمة‪ :‬عبد العزيز عرابي – مكتبة‬ ‫األسرة – الهيئة المصرية العامة للكتاب – ‪ -1999‬صفحة ‪27‬‬ ‫(‪ -)53‬الثورة العرابية – مرجع السابق – من مقدمة الطبعة الثانية التي كتبها‬ ‫الدكتور‪ :‬يواقيم رزق مرقص‪ -‬صفحة ‪8‬‬ ‫(‪ -)54‬عبد هللا النديم خطيب الوطنية – الدكتور علي الحديدي – سلسلة أعالم‬ ‫العرب رقم ‪ – 9‬المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر – بدون تاريخ‪ -‬صفحة‬ ‫‪244‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪205 204‬‬


‫(‪ -)55‬شمس الدين محمد بن دانيال بن يوسف بن معتوق الخزاعي الموصلي‬ ‫الملقب بالشيخ والحكيم‪ ،‬طبيب رمدي (كحال) وشاعر وفنان وبرع في تأليف‬ ‫تمثيليات خيال الظل وتصوير حياة الصناع والعمال واللهجات الخاصة بهم‬ ‫وحاكى بطريقة مضحكة لهجات الجاليات التي كانت تعيش في مصر في زمنه‪.‬‬ ‫من أشهر تمثيلياته التي ال تزال مخطوطاتها موجودة « طيف الخيال «‪ ،‬و»‬ ‫عجيب غريب « و» المتيم وضائع اليتيم «‪.‬‬ ‫(‪ -)56‬خيال الظل وتمثيليات ابن دانيال ‪ -‬دراسة وتحقيق‪ :‬إبراهيم حمادة ‪-‬‬ ‫سلسلة تراثنا ‪-‬المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر ‪ -‬مصر ‪– 1963 -‬‬ ‫صفحة ‪117‬‬ ‫(‪ – )57‬د‪ .‬عز الدين إسماعيل – مرجع السابق‪.‬‬ ‫هوامش المحور الثاني‪:‬‬ ‫(‪ -)1‬مآذن المحروسة – مسرحية – محمد أبو العال السالموني – األعمال‬ ‫الكاملة – المجلد الثاني – الهيئة المصرية العامة للكتاب – صفحة ‪77‬‬ ‫(‪ -)2‬مولد يا بلد – دليل النصوص – مسرحيات مصرية – مطبوعات اإلدارة‬ ‫العامة للمسرح – الهيئة العامة لقصور الثقافة – العدد ‪ -2004 -18‬صفحة‬ ‫‪21-20‬‬ ‫(‪ -)3‬تغريبه مصرية – محمد أبو العال السالموني ‪ -‬مطبوعات الهيئة العامة‬ ‫لقصور الثقافة – ‪ 2007‬صفحة ‪98‬‬ ‫(‪ -)4‬المرجع السابق – صفحة ‪99‬‬


‫(‪ -)5‬قامت (جماعة التكفير والهجرة) بقيادة (شكري مصطفي) باختطاف وزير‬ ‫األوقاف الشيخ (حسن الذهبي) في عام ‪ - 1977‬واغتياله برصاصة في عينه‬ ‫اليسرى‪ ،‬ألنه أفتي بأنهم مارقون – كانت هذه هي اإلشارة األولي‪ ،‬التي تكشف‬ ‫تعاظم نشاط هذه الجماعات‪ ،‬وتكشف خطورتها‪ ،‬خاصة أن تلك الجماعة لم تكن‬ ‫تعمل بشكل سري‪ ،‬بل قاموا بطرح أفكارهم عالنية‪ ،‬وتلك األفكار انتهجت نهج‬ ‫الخوارج في التكفير بالمعصية‪ ،‬هؤالء الذين قتلوا (عثمان ابن عفان) سنة ‪40‬‬ ‫هجرية‪ ،‬بسبب أنه كان يري الخالفة (قميصا ألبسه هللا إياه)‪ ،‬وهاجرت الجماعة‬ ‫من المجتمع‪ ،‬الذي تراه مجتمعا كافرا‪ ،‬ليعش أفرادها في الصحراء في منطقة تقع‬ ‫بين المنيا والوادي الجديد‪ ،‬تمارس أعمالها‪ ،‬وتدريباتها ووضع خططها وبرامجها‪..‬‬ ‫وحين قبض علي أميرها (شكري مصطفي) تحدي المحققين‪ ،‬وادعي أن أحدا‬ ‫لن يستطيع إعدامه‪ ،‬ألنه المهدي المنتظر !! ولكنه أُعدم في ‪ 30‬مارس صبيحة‬ ‫زيارة السادات للقدس !!‬ ‫(‪ -)6‬في أوائل السبعينيات من القرن الماضي‪ ،‬قام (السادات) بمواجهة اليسار‬ ‫باليمين الديني‪ ،‬ألنه كان يشعر أن اليسار ال يتفق مع سياساته‪ ،‬ويعارض مواقفه‪،‬‬ ‫خاصة بعد تصريحه الشهير‪ ،‬بأن عام ‪ ،1971‬سيكون هو عام الحسم ‪ -‬أي‬ ‫الذي سيتم فيه تحرير األرض التي أغتصبها العدو اإلسرائيلي في ‪ - 67‬ومرت‬ ‫األعوام ‪ -‬بعد هذا التصريح ولم يتحقق ما صرح به !! فقامت مظاهرات الطلبة‬ ‫المناهضة‪ ،‬التي قادها اليسار‪ ،‬ففكر ‪ -‬علي الفور‪ -‬في إفساح المجال أمام‬ ‫التيارات الدينية لمواجهة المد اليساري داخل الجامعات‪.‬‬ ‫ومن المفارقات العجيبة أن تشكيل الجماعة اإلسالمية من الطالب اإلسالميين‪،‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪207 206‬‬


‫تم بمساندة من النظام‪ ،‬فعندما تولي (محمد عثمان إسماعيل) أمين عام االتحاد‬ ‫االشتراكي ‪ -‬في ذلك الوقت ‪ -‬منصب محافظ أسيوط في عام ‪ ،1972‬اشرف‬ ‫بنفسه‪ ،‬وبأوامر من السادات علي فض االعتصام الشهير بجامعة أسيوط‪ ،‬والذي‬ ‫قاده طالب اليسار‪ ،‬وكان للرجل نظرية مفادها‪ :‬أنه إذا حصل اإلسالميون علي‬ ‫التمويل الالزم ألنشطتهم‪ ،‬فإنهم سيحلون محل الطالب اليساريين المعارضين‬ ‫للسادات‪ ،‬ولذلك انشأ مكتبا بالمحافظة كانت وظيفته إعداد الكوادر للتصدي‬ ‫للطالب اليساريين‪ ،‬وإجهاض قوتهم داخل الجامعة‪ ،‬وكانت تلك هي البداية‪،‬‬ ‫التي ساعدت علي ظهور عدد من التنظيمات المتطرفة‪ ،‬المتسترة بالدين‪ ،‬من‬ ‫أجل العمل علي تحقيق أهدافها الخاصة‪ :‬تنظيم الفنية العسكرية – تنظيم التكفير‬ ‫والهجرة – الجماعة اإلسالمية ‪ -‬الجهاد ‪ -‬وغيرها من التنظيمات األخرى‪.‬‬ ‫والخطأ الذي وقع فيه السادات هو أنه حاول استخدام التيار الديني لخدمة‬ ‫أغراضه‪ ،‬ولم يكن يعلم أنها سرعان ما تنتقل إلى العمل لحسابها الخاص‪ ،‬وتمزيق‬ ‫اإلطار الذي يراد منها أن تعمل في داخله‪ ،‬ألنه (من االستحالة حصر هذه‬ ‫الجماعات في إطار محدد سلفا‬ ‫(‪ -)7‬كتبها محمد أبو العال السالموني في عام ‪ -1993‬نشرت في المجلد الرابع‬ ‫لمؤلفات الكاتب‪ -‬الهيئة المصرية العامة للكتاب – ‪ – 2006‬قدمت علي مسارح‬ ‫الثقافة الجماهيرية (بيت ثقافة الغنايم ‪1996‬من إخراج‪ :‬سيد الخولي – فرقة‬ ‫قنا ‪1997‬من إخراج‪ :‬إميل جرجس‪ -‬بيت ديرب نجم ‪1998‬من إخراج‪ :‬السيد‬ ‫الدميري‪ -‬قصر غزل المحلة ‪1998‬من إخراج‪ :‬أحمد عبد الجليل)‪.‬‬ ‫ونظ ار ألهمية ما صرح به مؤلف النص – بخصوصه‪ -‬في مقال كتبه بعنوان‬


‫(هموم كاتب مسرحي في عصر البقرنة) أستحضره هنا لتتبين كيف أن تفكير‬ ‫المسئول الثقافي مازال يتحرك في إطار المنع والمنح‪ ،‬خوفا أو رفضا‪ ،‬أو إيثا ار‬ ‫للسالمة‪ .‬حدث هذا في عام ‪1994‬‬ ‫يقول‪( :‬هذه المسرحية قمت بكتابتها من خالل ورشة عمل بيني وبين المخرج‬ ‫سعد أردش والشاعر سيد حجاب‪ ،‬وقدمت للفرقة االستعراضية لتعرض علي‬ ‫مسرح البالون‪ ،‬ولكن السيد رئيس قطاع الفنون الشعبية شعر بخطورة المسرحية‪،‬‬ ‫وبدعواها الشائكة والتي قد تعرضه لبطش الجناح العسكري للتطرف واإلرهاب‪،‬‬ ‫فقرر أن يتراجع عن تقديمها‪ ،‬ولكن كيف يتراجع وهو الذي وعد بتقديمها بدليل‬ ‫أنه أرسلها إلي الرقابة علي المصنفات الفنية مرتين‪ ،‬وبدليل أنه عرضها علي‬ ‫لجنة القراءة التي أقرتها ؟ كانت وسيلته في التراجع هو أن أعاد تشكيل لجان‬ ‫القراءة وأرسل المسرحية إلي لجنة قراءة جديدة‪ ،‬ملفتا نظرها إلي القضية الشائكة‬ ‫التي تحملها‪ ،‬فما كان من اللجنة التي استشعرت الخطر‪ ،‬إال أن رفضتها‪ ،‬وحينما‬ ‫احتججت علي ذلك أرسلها إلي مقرر لجنة القراءة المركزية بقطاع الفنون الشعبية‬ ‫الذي ما أن قرأها حتى فزع وجزع واتهمني تلفونيا في عقيدتي‪ ،‬ألنني أدعو إلي‬ ‫فصل السياسة عن الدين‪ ،‬وأرسلها إلي لجنة قراءة جديدة من بعض األساتذة‬ ‫الكبار الذين رفضوها أيضا من نفس المنطلق‪ ،‬حينئذ قررت سحب المسرحية‬ ‫باالتفاق مع (سعد أردش) من قطاع الفنون الشعبية إلي قطاع المسرح الذي‬ ‫استقبل المسرحية بالترحاب حيث قال رئيس القطاع‪ :‬كيف لي أن أرفض مسرحية‬ ‫يكتبها كاتب كبير ويخرجها مخرج كبير ويضع أشعارها شاعر كبير‪ ،‬هذه تعتبر‬ ‫في حد ذاتها لجنة قادرة علي تحمل المسؤولية‪ ..‬بعد فترة فوجئت بالسيد رئيس‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪209 208‬‬


‫القطاع يخبرني تلفونيا‪ ،‬أن هناك ضغطا شديدا من السيد رئيس قطاع الفنون‬ ‫الشعبية يحذره من إنتاج هذه المسرحية المشئومة‪ ،‬ومن األفضل أن يغض النظر‬ ‫عن عمل شائك قد يسبب له الكثير من الحرج أو اإليذاء خصوصا وهو علي‬ ‫أبواب الخروج إلي المعاش)‬ ‫المرجع‪ :‬اجتهادات مسرحية في البنية المسرحية – محمد أبو العال السالموني –‬ ‫المركز القومي للمسرح – سلسلة دراسات في المسرح المصري – صفحة ‪62-61‬‬ ‫(‪ -)8‬ديوان األمير تميم بن المعز لدين هللا الفاطمي – دار الكتب المصرية –‬ ‫‪ -1957‬مقدمة المحققين صفحة ‪8‬‬ ‫(‪ -)9‬أمير الحشاشين – مرجع السابق – صفحة ‪302‬‬ ‫(‪ -)10‬ديوان‪ :‬األمير تميم بن المعز لدين هللا الفاطمي – دار الكتب المصرية‬ ‫‪ 1957‬مقدمة المحققين‪ :‬محمد كامل حسين – أحمد يوسف نجاتي – محمد‬‫علي النجار‪ -‬صفحة ‪6-5‬‬ ‫(‪ -)11‬أمير الحشاشين – مرجع السابق – صفحة ‪320‬‬ ‫(‪ -)12‬التكفير عنصر أساسي في أفكار هذه الجماعة‪ ،‬فهم يكفرون كل‬ ‫من أرتكب كبيرة‪ ،‬وأصر عليها ولم يتب منها‪ ،‬وكذلك يكفرون الحكام الذين ال‬ ‫يحكمون بما أنزل هللا بإطالق ودون تفصيل‪ ،‬ويكفرون المحكومين ألنهم رضوا‬ ‫بذلك وتابعوهم أيضا بإطالق ودون تفصيل‪ ،‬ويكفرون العلماء ألنهم لم يكفروا‬ ‫هؤالء‪ ،‬وال أولئك‪ ،‬كما يكفرون كل من عرضوا عليه فكرهم فلم يقبله ولم ينضم‬ ‫إلى جماعتهم ويبايع إمامهم‪ !!.‬وشكري أحمد مصطفي من مواليد قرية الحواتكة‬ ‫بمحافظة أسيوط‪ ،‬أحد شباب جماعة األخوان المسلمين الذين اعتقلوا عام ‪1965‬‬


‫النتسابهم إليها‪ ،‬وكان عمره وقتئذ ثالثة وعشرون عاما‪ ،‬تولي قيادة الجماعة داخل‬ ‫السجن‪ ،‬وفي عام ‪ 1971‬أفرج عنه بعد أن حصل علي بكالوريوس الزراعة وبدأ‬ ‫التحرك في مجال الهيكل التنظيمي لجماعته‪ ،‬وتمت مبايعته أمي ار للمؤمنين‪ ،‬وفي‬ ‫سبتمبر ‪ 1973‬أمر بخروج الجماعة إلى المناطق الجبلية بدائرة أبي قرقاص‬ ‫بمحافظة المنيا‪ ،‬وفي عام ‪ 1973‬اشتبه في أمرهم رجال األمن فتم إلقاء القبض‬ ‫عليهم‪ ،‬وتقديمهم للمحاكمة في القضية رقم ‪ 618‬لسنة ‪ 73‬أمن دولة‪ ،‬وفي ‪21‬‬ ‫أبريل ‪ ،1973‬عقب حرب أكتوبر ‪ 1973‬صدر قرار جمهوري بالعفو عن شكري‬ ‫مصطفي وجماعته‪ ،‬فعاود نشاطه من جديد وبصورة مكثفة‪ ..‬وبعد إعدام شكري‬ ‫مصطفي‪ ،‬بسبب اختطاف الشيخ الذهب وقتله‪ ،‬اتخذت الجماعة طابع السرية‪،‬‬ ‫الذي لم تكن تنتهجه من قبل‪ ،‬إال أن نشاطها كان محدودا‪ ،‬بسبب الضربات‬ ‫األمنية المتالحقة ألفراد هذه الجماعة ‪.‬‬ ‫(‪ -)13‬المسرحية –مرجع السابق – صفحة ‪330-329‬‬ ‫(‪ :)14‬المسرحية – مرجع السابق صفحة ‪383‬‬ ‫(‪ -)15‬المسرحية – مرجع السابق صفحة ‪341‬‬ ‫(‪ -)16‬ديوان البقر – مسرحية‪ -‬كتبها في عام ‪ 1994‬نشرت ضمن األعمال‬ ‫الكاملة – المجلد الرابع – الهيئة المصرية العامة للكتاب – ‪2006‬‬ ‫عرضت هذه المسرحية علي خشبة مسرح مركز الهناجر للفنون خالل شهري‬ ‫فبراير ومارس ‪ 1995‬من إخراج‪ :‬كرم مطاوع – بطولة‪ :‬عبد الرحمن أبو زهرة‬ ‫– عايدة فهمي – أحمد حالوة‪ -‬ناهد رشدي‪ -‬ماجد الكدواني – عاصم نجاتي –‬ ‫ديكور ومالبس‪ :‬د‪ .‬محمود مبروك – أشعار‪ :‬خالد النشوقاتي – ألحان‪ :‬د‪ .‬جمال‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪211 210‬‬


‫سالمة‪ .‬وقدمت علي مسارح الثقافة الجماهيرية (النصر ببورسعيد من إخراج‪:‬‬ ‫طارق حسن)‪.‬‬ ‫(‪ – )17‬ديوان البقر – مرجع السابق – صفحة ‪247‬‬ ‫(‪ -)18‬ديوان البقر – مرجع السابق – صفحة ‪278‬‬ ‫(‪ -)19‬ذكر ذلك في كتابه المعنون (قصف العقول) – ترجمة‪ :‬سامي خشبة –‬ ‫سلسلة عالم المعرفة – الكويت – العدد ‪2000 -256‬‬ ‫(‪ -)20‬د‪ .‬عبد المنعم صالح – االنسان الحائر بين العلم والخرافة – سلسلة عالم‬ ‫المعرفة – الكويت – العدد ‪-1979 – 15‬صفحة ‪234‬‬ ‫(‪ -)21‬ديوان البقر – مسرحية ‪ -‬مرجع السابق – صفحة ‪282‬‬ ‫(‪ -)22‬عاصم عبد الماجد محمد ماضي (مواليد ‪ )1958‬عضو مجلس شورى‬ ‫الجماعة اإلسالمية في مصر والمتحدث باسمها‪ ،‬كان المتهم رقم ‪ 9‬في قضية‬ ‫اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام ‪ ،1981‬وصدر ضده في مارس ‪1982‬‬ ‫حكما بالسجن ‪ 15‬عاما أشغال شاقة‪ ،‬واتهم في قضية تنظيم الجهاد وبمحاولة‬ ‫قلب نظام الحكم بالقوة وتغيير الدستور ومهاجمة قوات األمن في أسيوط في‬ ‫‪ 1981/10/8‬حيث كان على رأس القوة المقتحمة لمديرية األمن التي احتلت‬ ‫المديرية ألربع ساعات‪ ،‬وأسفرت المواجهات في هذه الحادثة الشهيرة عن مصرع‬ ‫‪ 118‬شخص‪ ،‬وأصيب أثناء عملية االقتحام أصيب بثالثة أعيرة نارية في ركبته‬ ‫اليسرى والساق اليمنى فعجز عن الحركة مما أدى إلى نقله إلى المستشفى حيث‬ ‫تم القبض عليه ونقله إلى القاهرة‪ ،‬وصدر ضده حكم باألشغال الشاقة المؤبدة في‬ ‫‪ .1984/9/30‬شارك مع مجموعة منها عمر عبد الرحمن‪ ،‬عبود الزمر‪ ،‬طارق‬


‫الزمر‪ ،‬خالد اإلسالمبولي وغيرهم في تأسيس الجماعة اإلسالمية في مصر التي‬ ‫انتشرت بشكل خاص في محافظات الصعيد وبالتحديد أسيوط والمنيا وسوهاج‪.‬‬ ‫وشارك عاصم مجلس شورى الجماعة في كل ق ارراته‪ ،‬ومنها أعمال العنف من‬ ‫قبل عام ‪ 1981‬حتى نهاية العنف والصراع بمبادرة وقف العنف الصادرة في عام‬ ‫‪ .1997‬ويقيم عبد الماجد اآلن في دولة قطر بعد مظاهرات ‪ 30‬يونيو ‪2013‬‬ ‫وعزل محمد مرسي‬ ‫(‪ -)23‬بدأ االعتصام في رابعة العدوية يوم ‪ 28‬يونيو ‪ 2013‬وانتهي في يوم‬ ‫‪ 14‬أغسطس من نفس العام‪ .‬فبدايته تزامنت مع اعتصام معارضي مرسي بميدان‬ ‫تنديدا بسياسياته ومطالبته بالتنحي‪.‬‬ ‫التحرير ً‬ ‫(‪ -)24‬ديوان البقر – مسرحية – مرجع السابق – صفحة ‪173-172‬‬ ‫(‪ - -)25‬يمكن مراجعة مقال د‪.‬فؤاد زكريا المنشور في صحيفة األهرام تحت‬ ‫عنوان‪ :‬ثورة يوليو والجماعات اإلسالمية – أغسطس‪1985‬‬ ‫(‪ -)26‬معظم هذه المعلومات جاءت علي لسان المستشار (ماهر الجندي)‬ ‫وكيل نيابة أمن الدولة‪ ،‬الذي قام بالتحقيق في بعض قضايا هذه التنظيمات‪،‬‬ ‫ونشرت وقائعها في الصحف المصرية‪ ،‬وقد عمل فيما بعد محافظا لمحافظة‬ ‫الجيزة‪ ،‬حتى تمت أقالته بعد اتهامه في قضية (محمد فوده) المتهم باستغالل‬ ‫النفوذ والحصول علي رشاوى لتسهيل مهام بعض المستثمرين لدي المحافظة‪.‬‬ ‫(‪ -)27‬د‪ .‬أحمد شوقي الفنجري – التطرف واإلرهاب – سلسلة المواجهة – الهيئة‬ ‫المصرية العامة للكتاب – ‪ -1993‬صفحة ‪ 64-63‬ولقد استند الكاتب فيما‬ ‫وضع بين القوسين بما كتبه فهمي هويدي في كتابه (إيران من الداخل) فضال‬ ‫عن مقالة نشرها في صحيفة األهرام‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪213 212‬‬


‫(‪ -)28‬الحادثة اللي جرت في شهر سبتمبر – مسرحية – محمد أبو العال‬ ‫السالموني‪ -‬األعمال الكاملة – المجلد الرابع – الهيئة المصرية العامة للكتاب –‬ ‫‪ -2006‬نشر النص ألول مرة في عام ‪ 2004‬ضمن مطبوعات المجلس األعلى‬ ‫للثقافة‪.‬‬ ‫ كتبها في عام ‪ – 2002‬قدمت علي مسرح الطليعة في عام ‪2013‬‬‫(‪ -)29‬وردت اإلشارة إلي جريدة العرب – لندن ‪12‬سبتمبر‪ 2001‬ضمن كتاب‪:‬‬ ‫االسالموفوبيا – جماعات الضغط اإلسالمية في الواليات المتحدة األمريكية‬ ‫(منظمة كير) –د‪ .‬ربا قحطان الحمداني – دار العربي للنشر والتوزيع – القاهرة‬ ‫‪2011‬‬ ‫(‪ -)30‬ظهر مصطلح اإلسالموفوبيا عام ‪ -1996‬ألول مرة ‪ -‬بعد أن قام مركز‬ ‫دراسات «رونيميد ترست» اإلنجليزي بإعداد تقرير حول ظاهرة اإلسالموفوبيا في‬ ‫بريطانيا بإشراف البروفيسور غوردون كانوي نائب رئيس جامعة سسيكس‪ .‬ونشر‬ ‫التقرير عام ‪ 1997‬تحت عنوان «اإلسالموفوبيا تح ٍـد لنا جميعا»‪ .‬وقد عرف‬ ‫التقرير اإلسالموفوبيا بأنها «نظرة عالمية تشمل تخوفا دون سبب منطقي وكراهية‬ ‫للمسلمين ينتج عنها ممارسات تتسم باإلقصاء والتمييز»‪ .‬ويحدد التقرير مظاهر‬ ‫اإلسالموفوبيا في كراهية عامة لكل المسلمين وتمييز ضدهم في العمل والفرص‬ ‫االقتصادية والحياة العامة‪ .‬كما يتضمن المصطلح نظرة دونية لإلسالم ويعتبره‬ ‫أيديولوجية ينقصها المبادئ والقيم وال يتساوى مع الحضارة الغربية وهو دين عنيف‬ ‫أقرب إلى األيديولوجية السياسية منها إلى الدين‪.‬‬ ‫(‪ -)31‬االسالموفوبيا – جماعات الضغط اإلسالمية في الواليات المتحدة‬


‫األمريكية (منظمة كير) – د‪ .‬ربا قحطان الحمداني – دار العربي للنشر والتوزيع‬ ‫– القاهرة – ‪ -2011‬الصفحات‪148 -146 :‬‬ ‫(‪ -)32‬صامويل هنتنجتون – صدام الحضارات – إعادة صنع النظام العالمي‬ ‫– ترجمة‪ :‬طلعت الشايب – تقديم‪ :‬د‪ .‬صالح قنصوة ‪ -‬سطور – القاهرة‬ ‫‪– 1998‬صفحة ‪352‬‬‫(‪ -)33‬الحملة أألمريكية ضد اإلرهاب خارج أفغانستان – عادل محمد سليمان –‬ ‫مجلة السياسة الدولية – مؤسسة األهرام – القاهرة – العدد ‪2002-148‬صفحة‬ ‫‪185‬‬ ‫(‪ -)34‬مسرحية – الحادثة اللي جرت في شهر سبتمبر – مرجع سابق – صفحة‬ ‫‪508-507‬‬ ‫(‪ -)35‬رسائل الشيطان – دراما مسرحية شبه تسجيلية – محمد أبو العال‬ ‫السالموني‪ -‬سلسلة اإلبداع المسرحي – الهيئة المصرية العامة للكتاب – أكتوبر‬ ‫‪2016‬‬ ‫(‪ -)36‬عبد الرحمن الكواكبي – طبائع االستبداد ومصارع االستعباد – تحقيق‬ ‫وتقديم‪ :‬د‪ .‬محمد عمارة – دار الشروق ‪-2009‬صفحة ‪38‬‬ ‫(‪ -)37‬المسرحية – مرجع سابق – صفحة ‪135‬‬ ‫(‪)38‬من مقدمة مسرحية ما ار صاد – بيتر فايس‪ -‬ترجمة وتقديم د‪.‬يسري خميس‬ ‫– روائع المسرح العالمي – العدد ‪ 15 – 43‬مارس ‪ – 1967‬صفحة ‪15‬‬ ‫(‪ -)39‬المسرحية – مرجع سابق – صفحة ‪131‬‬ ‫(‪ -)40‬سعيد رمضان (‪ )1995-1926‬انضم إلي جماعة األخوان في عام‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪215 214‬‬


‫‪ ،1940‬وهو أحد الرعيل األول من قيادات جماعة األخوان المسلمين‪ ،‬وزوج‬ ‫ابنة المرشد (حسن البنا) والسكرتير الشخصي له‪ ،‬ومن قادة األخوان في أوربا‪،‬‬ ‫أسس في ألمانيا الجمعية اإلسالمية وهي من المنظمات اإلسالمية هناك والتي‬ ‫استغلها لتحقيق أهداف الجماعة ‪ُ -‬حكم عليه غيابيا باإلعدام لمشاركته في محاولة‬ ‫المؤرخ والكاتب البريطاني الشهير‬ ‫اغتيال جمال عبد الناصر ‪ – 1954‬كشف ُ‬ ‫(ستيفن دوريل) في كتابه الوثائقي (ام آي سكس‪ :‬مغامرة داخل العالم السري‬ ‫لجهاز المخابرات البريطانية المعتمد علي وثائق المخابرات األمريكية والسويسرية‬ ‫واأللمانية عن تفاصيل عمالة سعيد رمضان ألجهزة المخابرات العالمية‪ ،‬ويوضح‬ ‫الكتاب أنه في عام ‪ 1953‬التقي مع الرئيس األمريكي (ايزنهاور) في البيت‬ ‫األبيض الذي أقنعه عن طريق عميل السي آي ايه (روبرت دريهارد) بالبقاء في‬ ‫أوربا لمحاربة الشيوعية‪.‬‬ ‫(‪ -)41‬المسرحية – مرجع سابق – صفحة ‪101‬‬ ‫(‪ -)42‬من رسائل المرشد خرجت فتاوي بعض أمراء تنظيم الجهاد‪ ،‬ومنهم – علي‬ ‫سبيل المثال محمد عبد السالم فرج‪ ،‬الذي تم إعدامه الشتراكه في عملية اغتيال‬ ‫الرئيس السادات في عام ‪ ،1981‬ذكر في ورقته المسماة‪( :‬الفريضة الغائبة)‪:‬‬ ‫لقد أجمع المسلمون علي فرضية إقامة الخالفة اإلسالمية وإعالن الخالفة يعتمد‬ ‫علي وجود النواة‪ ،‬وهي الدولة اإلسالمية‪ ،‬ومن مات وليس في عنقه بيعة مات‬ ‫ميتة الجاهلية‪ ،‬فعلي كل مسلم السعي إلعادة الخالفة بجد‪ ،‬لكيال يقع تحت طائلة‬ ‫الحديث‪ ،‬والمقصود بالبيعة بيعة الخالفة‪.‬‬ ‫(‪)43‬عبد الرحمن السندي من مواليد المنيا عام ‪ ،1918‬توفي ‪ 1962‬نتيجة حمي‬


‫روماتيزمية وخلل في صمامات القلب‪ ،‬حاصل علي مؤهل متوسط‪ ،‬قاد التنظيم‬ ‫السري المسلح الذي تم تأسيسه تحت إشراف مباشر‪ ،‬وباختيار عناصره األساسية‬ ‫بمعرفة مرشد الجماعة (حسن البنا) وتؤكد الوقائع التاريخية والوثائق ومذكرات‬ ‫قادة األخوان‪ ،‬أنه الرجل األخطر بين أعضاء الجماعة‪ ،‬منذ نشأتها حتى اآلن‪ ،‬وال‬ ‫يكاد ينافسه علي موقعه إال حسن البنا مؤسسها‪ ،‬وعلي يديه تم اغتيال (النقراشي‬ ‫باشا‪ -‬حكمدار القاهرة – القاضي الخازندار) عام ‪ -1948‬ومحاولة اغتيال‬ ‫جمال عبد الناصر عام ‪1954‬‬ ‫(‪ -)44‬المسرحية – مرجع سابق – صفحة ‪45-44‬‬ ‫(‪ -)45‬المسرحية – مرجع سابق – صفحة ‪51‬‬ ‫(‪ -)46‬المسرحية – مرجع سابق – صفحة ‪75‬‬ ‫(‪ -)47‬عام ‪ 1953‬هو نفس العام الذي كتب فيه (برنارد لويس) المعروف بميوله‬ ‫الصهيونية‪ ،‬مقاله الشهير الذي بشر فيه بإستراتيجية أمريكية لتشجيع حركات‬ ‫إسالمية‪ ،‬ودعمها لتكون سالحا ضد السوفييت في الشرق األوسط‪ ،‬وهو المشروع‬ ‫الذي تلقاه (آالن داالس) مدير إدارة المخابرات المركزية‪.‬‬ ‫(‪ -)48‬يشرح «جمال البنا» شقيق (حسن البنا) لمؤلف كتاب «مسجد فى‬ ‫ميونخ»‪ ..‬الكاتب الكندى ابن جونسون»‪ ..‬كيف إن مرشد اإلخوان كان يرى فى‬ ‫ير للخارجية فهو متحدث لبق ورياضي نشط‪ ..‬ثم أنه العقلية‬ ‫سعيد رمضان وز ًا‬ ‫القانونية التي تبرر للناس ضرورة ارتقاء اإلخوان سلم السلطة بديال عن الخالفة‬ ‫اإلسالمية التي انهارت في اسطنبول‪ ..‬وكانت قاب قوسين أو أدنى من أن تسيطر‬ ‫على العالم كله‪..‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪217 216‬‬


‫ورمضان هو الذي أسس لفرع اإلخوان في األردن حتى منحه الملك عبد هللا األول‬ ‫بعيدا عن األعين التي بدأت تنتبه إليه بعد جرائم‬ ‫جواز سفر سمح له بحرية الحركة ً‬ ‫اإلخوان في مصر‪ ،‬وفى عام ‪ 1948‬رحل إلى باكستان وبعدها بعام تم اغتيال‬ ‫«البنا» ولم يتوقف نشاط رمضان ويجب أن نذكر بأن مؤتمرات عديدة عقدت بعد‬ ‫سقوط الخالفة‪ ..‬إليجاد بديل يجمع حشود المسلمين‪ ..‬وهو ما جعل (البنا) يعلن‬ ‫عن تنظيمه في هذا التوقيت‪ ..‬ولهذا اتجه سعيد رمضان إلى مفتى القدس أمين‬ ‫نظر إلى مكانة األقصى وفلسطين‪ ..‬وكذلك إلى تركيا التي كانت قد‬ ‫الحسيني‪ً ..‬ا‬ ‫اتجهت إلى العلمانية‪ ..‬وبذلك تم ربط القاهرة‪ ..‬باسطنبول‪ ..‬والقدس‪ ..‬وكراتشى‬ ‫من خالل المؤتمر اإلسالمي الذي جرى اإلعالن عنه وهو في حقيقة األمر يعلن‬ ‫داخليا في مصر بسلسلة‬ ‫عن الوجه الدولي لإلخوان بعد أن تم التضييق عليهم‬ ‫ً‬ ‫االغتياالت التي وقعت لشخصيات مرموقة‪ ..‬واإلعالن عن حل الجماعة (هذا‬ ‫الهامش منقول من كتاب (وثائق البيت األبيض تتحدث‪ :‬أمريكا واألخوان منذ‬ ‫خطة اغتيال عبد الناصر) للكاتب‪ :‬عاطف الغمري – دار نهضة مصر للنشر‬ ‫– ‪ – 2014‬الطبعة األولي)‪.‬‬ ‫(‪ -)49‬جهاد الفواحش في زمن الدواعش‪ -‬مسرحية – محمد أبو العال السالموني‬ ‫ ‪ -2018‬مخطوطة‬‫(‪ -)50‬انبثق تنظيم داعش من تنظيم القاعدة في العراق ‪,‬أسسه (أبو مصعب‬ ‫الزرقاني) في عام ‪ 2004‬عندما كان مشاركا في العمليات العسكرية ضد القوات‬ ‫التي قادتها الواليات المتحدة األمريكية والحكومات العراقية عقب غزو العراق عام‬ ‫المسلحة مثل مجلس شوري المجاهدين‪،‬‬ ‫‪ 2003‬مع غيرها من الجماعات السنية ُ‬


‫والتي مهدت لقيام تنظيم دولة العراق اإلسالمية‪ ،‬وابتداء من عام ‪ 2004‬انتشر‬ ‫تنظيم داعش في العراق وفي بعض المحافظات السورية من الرقة وأدلب ودير‬ ‫الزور وحلب بعد الدخول في الحرب األهلية السورية‪ ،‬صحيح أن تواجده أصبح‬ ‫اقل بعد مواجهته من التحالفات العربية‪ ،‬إال أنه مازال يتحرك في بعض المناطق‬ ‫في صورة عصابات‪ ،‬تقتل وتبث الرعب في نفوس اآلمنين‪.‬‬ ‫(‪ -)51‬في ذلك التاريخ – كما يذكر الدكتور‪ :‬محمد أبو اإلسعاد في كتابه‬ ‫(السعودية واألخوان المسلمين) – مركز الدراسات والمعلومات القانونية لحقوق‬ ‫اإلنسان‪ -‬القاهرة ‪ – 1996‬وجدها حكام البلدان اإلسالمية فرصة لتحقيق‬ ‫طموحاتهم السياسية العبيطة فمن أغاخان في الهند حتى ملك المغرب مرو ار‬ ‫بملك األفغان وشريف مكة وسلطان نجد‪ ،‬وملك مصر تطلعوا جميعا إلي عرش‬ ‫الخالفة‪ ..‬ووفقا لهذا الذي حدث وجه شيخ األزهر في ‪25‬مارس ‪ 1924‬بيانا إلي‬ ‫العالم اإلسالمي ضمنه دعوة رسمية لمؤتمر في القاهرة يتم عقده بعد عام – أي‬ ‫في مارس ‪ -1925‬لبحث مستقبل الخالفة اإلسالمية واختيار خليفة المسلمين‬ ‫مساندة للملك فؤاد في مصر‪ ،‬حين تطلع إلي عرش الخالفة‪ ،‬اعتمادا علي مركز‬ ‫مصر الحضاري في العالم اإلسالمي‪ ،‬وعلي القيمة الدينية التي ُيمثلها الجامع‬ ‫األزهر‪ .‬إال أن كل هذا تمت مقاومته والتصدي له من جانب العلمانيين المصريين‬ ‫دعاة الدولة المدنية الرافضين لفكرة الخالفة والدولة الدينية‪ ،‬وقد وصلت هذه‬ ‫المواجهة ذروتها بصدور كتاب الشيخ علي عبد الرازق في ابريل ‪ 1925‬عن‬ ‫اإلسالم وأصول الحكم‪ ،‬الذي انتهي فيه إلي أن الخالفة ليست أصال من أصول‬ ‫الحكم في اإلسالم‪ ،‬وأن اإلسالم لم يقرر نظاما بعينه للحكم بل ترك للمسلمين‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪219 218‬‬


‫الحرية في تنظيم الدولة وفقا لألحوال الفكرية واالجتماعية واالقتصادية‬ ‫مطلق ُ‬ ‫التي يكونون عليها مع مراعاة التطور االجتماعي ومقتضيات الزمن (صفحة‬ ‫‪ -47-46‬المرجع السابق)‪.‬‬ ‫(‪ -)52‬محمد أبو العال السالموني – مقدمة مسرحية (جهاد الفواحش في زمن‬ ‫الدواعش)‪.‬‬ ‫(‪ – )53‬جاءت هذه الفتوي – كما يذكر المؤلف في مقدمة مسرحيته – بعد‬ ‫اغتصاب فتاة عراقية تنتمي إلي الطائفة األزيدية‪ ،‬تم خطفها أثناء الغزو من قبل‬ ‫أعضاء التنظيم اإلرهابي‪ ،‬وقام أحد أعضاء التنظيم باغتصابها‪ ،‬ثم قام ببيعها إلي‬ ‫عضو آخر بالتنظيم الذي تناوب عليها عدة مرات قبل أن يقوم بدوره ببيعها إلي‬ ‫زميل ثالث‪ ،‬وبنفس الطريقة تم تمرير الفتاة علي أحد عشر إرهابيا من أعضاء‬ ‫ويؤكد‬ ‫التنظيم‪ ،‬ليتناوبوا اغتصابها بهذه الفتوى الشرعية التي أطلقها زعيم التنظيم‪ُ ،‬‬ ‫البغدادي خليفة داعش في فتاويه بأن داعش تعتبر الفرقة الناجية من النار‪،‬‬ ‫والخروج عليها ُيعد كف ار‬ ‫(‪ -)54‬من مقدمة المسرحية – مرجع سابق‬ ‫(‪ -)55‬السحرة – مسرحية – محمد أبو العال السالموني – من مؤلفات محمد‬ ‫أبو العال السالموني – المجلد الرابع – الهيئة المصرية العامة للكتاب – ‪-2006‬‬ ‫كتبها في عام ‪ 1975‬إعدادا عن مسرحية (ساحرات سالم) للكاتب األمريكي (أرثر‬ ‫ميلر)‪ ..‬وعرضت في مسرح الطليعة في عام ‪2003‬‬ ‫وحكم عليه باإلعدام‪ ،‬ففر إلى‬ ‫(‪ -)56‬أتهم هناك بالتآمر علي الملك حسين‪ُ ،‬‬ ‫طرد منها‪ ،‬ليجد مستقره‬ ‫العراق‪ ،‬ومنها إلى بعض الدول العربية األخرى التي ُ‬ ‫األخير في مصر‪.‬‬


‫(‪ -)57‬معظم هذه المعلومات جاءت علي لسان المستشار (ماهر الجندي) وكيل‬ ‫نيابة أمن الدولة‪ ،‬الذي قام بالتحقيق في بعض قضايا هذه التنظيمات‪ ،‬ونشرت‬ ‫وقائعها في الصحف المصرية‪ ،‬وقد عمل فيما بعد محافظا لمحافظة الجيزة‪ ،‬حتى‬ ‫تمت أقالته بعد اتهامه في قضية (محمد فوده) المتهم باستغالل النفوذ والحصول‬ ‫علي رشاوى لتسهيل مهام بعض المستثمرين لدي المحافظة‪.‬‬ ‫(‪ُ -)58‬نفذ فيه حكم اإلعدام في ‪ 30‬مارس صبيحة زيارة السادات للقدس !!‬ ‫(‪ -- )59‬صدرت هذه المسرحية عن هيئة الكتاب في عام ‪ ،1984‬وعرضت‬ ‫علي مسارح الثقافة الجماهيرية من إخراج‪ :‬عباس أحمد (‪ -)1974‬محمد سالم‬ ‫(‪ - )1974‬عبد الغفار عوده (‪..)1980‬‬ ‫(‪ -)60‬أطلق مصطلح المكارثية على كل من يمارس اإلرهاب الفكري ويوجه‬ ‫اتهامات بالخيانة والعمالة دونما أي دليل ملموس‪.‬‬ ‫عضوا‬ ‫(‪ -)61‬جوزيف مكارثي سياسي أمريكي من مواليد عام ‪ 1904‬انتخب‬ ‫ً‬ ‫في مجلس الشيوخ األمريكي عام ‪ ،1946‬وبعدها بأربع سنوات أضحى حديث‬ ‫األمريكيين لالتهامات التي أعلنها حول تسلل أكثر من ‪ 205‬شيوعيا إلى و ازرة‬ ‫الخارجية األمريكي فكان من نتائج ذلك تشكيل لجنة فرعية تابعة لمجلس الشيوخ‬ ‫عام ‪ ،1952‬وقد انحصرت مهمتها في التحقيق في هذه المزاعم‪ ،‬على أن يتولى‬ ‫مكارثي رئاسة اللجنة خالل العامين التاليين‪ ،‬شمل التحقيق مختلف اإلدارات‬ ‫الحكومية‪ ،‬وجرى استجواب عدد ضخم من الشهود‪ ،‬فأطلق على تلك الفترة اسم‬ ‫“الرعب األحمر وفي جلسة استماع علنية‪ ،‬جرى توبيخ مكارثي على يد الكونجرس‬ ‫األمريكي‪ ،‬وأدينت جميع تصرفاته‪ .‬فخرج من دائرة الضوء‪ ،‬وتوفي عام ‪1957‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪221 220‬‬


‫المقربين إلى مجلس قيادة الثورة‪ ،‬ال‬ ‫(‪ -)62‬يوسف مكادي من الضباط األحرار ُ‬ ‫سيما الرئيسين جمال عبد الناصر‪ ،‬وأنور السادات‪ ،‬كان والده يحمل رتبة بك‪ ،‬وله‬ ‫نفوذ في قريتهم بمحافظة المنيا‪ ،‬وتربطه عالقة نسب مع عائلة أنور السادات‪.‬‬ ‫(‪ -)63‬القتل في جنين‪ -‬مسرحية‪ -‬محمد أبو العال السالموني‪ -‬كتبها في عام‬ ‫‪85/73‬باسم المزرعة – نشرت في هيئة الكتاب في عام ‪ -1990‬وعرضت علي‬ ‫مسرح قاعة منف بالثقافة الجماهيرية في عام ‪ – 1993‬ثم أعاد الكاتب كتابها‬ ‫من جديد‪ ،‬وغير أسمها ليصبح (القتل في جنين) في عام ‪ُ – 2002‬نشرت في‬ ‫الهيئة المصرية العامة للكتاب في عام‪2005‬‬ ‫(‪ -))64‬اجتاحت قوات االحتالل اإلسرائيلية مخيم جنين لالجئين الفلسطينيين‬ ‫بالضفة الغربية الذي يضم ‪ 14,000‬نسمة في الثالث من أبريل ‪2002‬م وأعلنته‬ ‫منطقة عسكرية مغلقة‪ .‬وشارك في االجتياح الذي تم في إطار عملية السور‬ ‫الواقي التي هدفت لكبح االنتفاضة الفلسطينية ووقف العمليات االستشهادية أكثر‬ ‫من ‪ 60‬دبابة وعشرات المركبات المدرعة وطائرات مروحية حربية‪ .‬وعمدت‬ ‫قوات االحتالل إلى استخدام الجرافات لهدم المنازل على ساكنيها‪ .‬قاوم عدد من‬ ‫المقاتلين الفلسطينيين الهجوم الصهيوني بالبنادق ومتفجرات بدائية الصنع لمدة‬ ‫ثمانية أيام بسطت بعدها قوات االحتالل سيطرتها على المخيم‪ .‬وبعد أن منعت‬ ‫وسائل اإلعالم العالمية وسيارات اإلسعاف ووكاالت اإلغاثة من دخول المخيم‬ ‫قامت قوات االحتالل بإعدام العشرات من سكان المخيم‪ ،‬ودفنت مئات من جثث‬ ‫القتلى في الساحة المركزية للمخيم وردمتها بالجير الحي واإلسمنت‬ ‫(‪ -)65‬الصهيونية غير اليهودية – جذورها في التاريخ الغربي – ريجينا الشريف‬


‫– ترجمة‪ :‬أحمد عبد هللا عبد العزيز‪ -‬سلسلة عالم المعرفة ‪ -‬الكويت – العدد رقم‬ ‫‪ -96‬ديسمبر ‪ – 1985‬الصفحات ‪25-24‬‬ ‫(‪ -)66‬القتل في جنين – مسرحية – مرجع سابق – صفحة ‪117-116‬‬ ‫(‪ -)67‬القوي الدينية في إسرائيل بين تكفير الدولة ولعبة السياسة – د‪ .‬رشاد‬ ‫عبد هللا الشامي – عالم المعرفة – الكويت – رقم ‪ -186‬يونيو ‪ – 1994‬صفحة‬ ‫‪48-47‬‬ ‫(‪ -)68‬القتل في جنين – مسرحية – مرجع سابق – صفحة‪41‬‬ ‫(‪ -)69‬القتل في جنين‪ -‬مسرحية ‪ -‬مرجع سابق – ‪47‬‬ ‫(‪-)70‬األرجون هي المنظمة العسكرية القومية في إسرائيل وهي منظمة صهيونية‬ ‫شبه عسكرية‪ ،‬كانت موجودة قبل إعالن دولة الكيان الصهيوني في فلسطين‪،‬‬ ‫وكل مشاكل الشعب الفلسطيني يعود سببها إلي هذه المنظمة التي كانت موجودة‬ ‫صنفت تلك المنظمة من قبل السلطات‬ ‫في الفترة ما بين ‪ 1948-1931‬ولقد ُ‬ ‫االنجليزية كمنظمة إرهابية في عام ‪ 1931‬وقامت تلك المنظمة‪ ،‬بعمليات اغتيال‬ ‫كثيرة للفلسطينيين‪ ،‬وكان مناحم بيجين قائدا لعصابة األرجون في عام ‪ 1943‬كما‬ ‫تذكر الوثائق‬ ‫وعرفت باسم (المقاتلون من أجل حرية إسرائيل) وهي منظمة‬ ‫(‪-)71‬شتيرن‪ُ -‬‬ ‫إرهابية‪ ،‬أسسها البولندي (أبراهام يائير) وتُعد من أكثر الميلشيات الصهيونية‬ ‫شراسة‪ ،‬وهي منشقة عن منظمة األرجون‪ ،‬وقامت بعمليات اغتصاب لألرض‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬فضال عن تنظيم عمليات هجرة اليهود إلي فلسطين باإلضافة إلي‬ ‫قيامها بعمليات اغتيال‪.‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪223 222‬‬


‫(‪ -)72‬القتل في جنين‪ -‬مسرحية – مرجع سابق – صفحة ‪11-10‬‬ ‫(‪ -)73‬القتل في جنين – مسرحية – مرجع سابق – صفحة ‪109‬‬ ‫(‪ -)74‬القتل في جنين – مسرحية – مرجع سابق – صفحة ‪114‬‬ ‫(‪ -)75‬في مقاومة اإلرهاب كلنا مرتعشون‪ -‬محمد أبو العال السالموني – جريدة‬ ‫مسرحنا – الصادرة بتاريخ ‪23‬يونيو ‪ – 2017‬صفحة ‪27-26‬‬ ‫(‪ -)76‬د‪ .‬جابر عصفور – هوامش علي دفتر التنوير – مطبوعات الهيئة العامة‬ ‫لقصور الثقافة – رقم ‪ -2000 -58‬الطبعة الثالثة – صفحة ‪257-256‬‬ ‫المراجع‪:‬‬ ‫المسرحيات‪:‬‬ ‫(‪ -)1‬مالعيب عنتر– محمد أبو العال السالموني ‪ -‬سلسلة المسرح العربي –‬ ‫العدد ‪ -117‬يناير – ‪ – 1998‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‬ ‫(‪ -)2‬مآذن المحروسة – محمد أبو العال السالموني – األعمال الكاملة – المجلد‬ ‫الثاني – الهيئة العامة للكتاب ‪1995‬‬ ‫(‪ -)3‬تغريبة مصرية – محمد أبو العال السالموني – الهيئة العامة للكتاب‬ ‫‪ 1992‬الهيئة العامة لقصور الثقافة – ‪2007‬‬‫(‪ -)4‬حلم ليلة حرب – محمد أبو العال السالموني ‪ -‬سلسلة المسرح العربي –‬ ‫رقم ‪ – 65‬الهيئة المصرية العامة للكتاب – ‪1992‬‬


‫(‪ -)5‬الحريق – محمد أبو العال السالموني – مطبوعات الكتاب األول –‬ ‫المجلس األعلى للثقافة ‪1971 -‬‬ ‫(‪ -)6‬أبو نضارة – محمد أبو العال السالموني – األعمال الكاملة – المجلد‬ ‫الثاني – الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪1995‬‬ ‫(‪ -)7‬رواية النديم عن هوجة الزعيم – محمد أبو العال السالموني ‪ -‬األعمال‬ ‫الكاملة (المجلد الثاني) ‪ – 1995‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‬ ‫(‪ -)8‬مآذن المحروسة – محمد أبو العال السالموني – األعمال الكاملة – المجلد‬ ‫الثاني – الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪1995‬‬ ‫(‪ -)9‬مولد يا بلد – محمد أبو العال السالموني ‪ -‬دليل النصوص – مسرحيات‬ ‫مصرية – مطبوعات اإلدارة العامة للمسرح – الهيئة العامة لقصور الثقافة –‬ ‫العدد ‪2004 -18‬‬ ‫(‪ -)10‬تغريبه مصرية – محمد أبو العال السالموني ‪ -‬مطبوعات الهيئة العامة‬ ‫لقصور الثقافة – ‪2007‬‬ ‫(‪ -)11‬أمير الحشاشين ‪ -‬محمد أبو العال السالموني ‪ -‬المجلد الرابع لمؤلفات‬ ‫الكاتب‪ -‬الهيئة المصرية العامة للكتاب –‪2006‬‬ ‫(‪ -)12‬ديوان البقر – محمد أبو العال السالموني ‪ -‬األعمال الكاملة – المجلد‬ ‫الرابع – الهيئة المصرية العامة للكتاب – ‪2006‬‬ ‫(‪ -)13‬الحادثة اللي جرت في شهر سبتمبر –محمد أبو العال السالموني‪-‬‬ ‫األعمال الكاملة – المجلد الرابع – الهيئة المصرية العامة للكتاب – ‪2006‬‬ ‫(‪ -)14‬رسائل الشيطان– محمد أبو العال السالموني‪ -‬سلسلة اإلبداع المسرحي‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪225 224‬‬


‫– الهيئة المصرية العامة للكتاب – أكتوبر ‪2016‬‬ ‫(‪ -)15‬جهاد الفواحش في زمن الدواعش‪ -‬محمد أبو العال السالموني ‪-2018 -‬‬ ‫مخطوطة‬ ‫(‪ -)16‬السحرة‪ -‬محمد أبو العال السالموني –المجلد الرابع – الهيئة المصرية‬ ‫العامة للكتاب – ‪2006‬‬ ‫(‪ -)17‬القتل في جنين‪ -‬محمد أبو العال السالموني‪ -‬كتبها في عام ‪85/73‬باسم‬ ‫المزرعة – الهيئة المصرية العامة للكتاب‪1990 -‬‬ ‫دوريات‪:‬‬ ‫(‪ -)1‬د‪ .‬حسن عطية ‪ -‬المسرح الشعبي‪ ..‬المفهوم بين المطلوب والموروث‬ ‫–– مجلة المسرح – و ازرة الثقافة – قطاع المسرح – العدد ‪ – 24‬يوليو ‪1984‬‬ ‫(‪ -)2‬د‪ .‬عز الدين إسماعيل ‪ -‬توظيف التراث في المسرح –– مجلة فصول –‬ ‫المجلد األول – العدد األول –أكتوبر – ‪ 1980‬أكتوبر‬ ‫ُ‬ ‫المحبظين – مجلة الكواكب – دار‬ ‫وعودة‬ ‫المحروسة‬ ‫مآذن‬ ‫–‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫اد‬ ‫ؤ‬ ‫ف‬ ‫(‪-)3‬‬ ‫ُ‬ ‫الهالل – ‪1983/7/5‬‬ ‫(‪ -)4‬د‪.‬فؤاد زكريا ‪ -‬مقال ‪ -‬ثورة يوليو والجماعات اإلسالمية – صحيفة األهرام‬ ‫ أغسطس‪1985‬‬‫(‪ -)5‬محمد أبو العال السالموني – في مقاومة االرهاب كلنا مرتعشون‪ -‬جريدة‬ ‫مسرحنا – الهيئة العامة لقصور الثقافة – ‪23‬يونيو ‪2014‬‬


‫كتب‪:‬‬ ‫(‪ -)1‬محمد أبو العال السالموني ‪ -‬اجتهادات مصرية في البنية المسرحية –‬ ‫دراسات في المسرح المصري – المركز القومي للمسرح ‪2016‬‬ ‫(‪ -)2‬د‪ .‬علي الراعي ‪ -‬مسرح الشعب – وهو كتاب يضم ثالثة كتب هي‬ ‫(الكوميديا المرتجلة – فنون الكوميديا – مسرح الدم والدموع)‪ -‬دار شرقيات‪19 -‬‬ ‫‪93‬‬ ‫(‪ -)3‬توفيق الحكيم ‪ -‬قالبنا المسرحي – مكتبة مصر – ‪1967‬‬ ‫(‪ -)7‬ج‪.‬و‪ .‬مكفرسون ‪ -‬الموالد في مصر – ترجمة وتحقيق‪:‬د‪ .‬عبد الوهاب‬ ‫بكر – مكتبة األسرة ‪ -1990‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.‬‬ ‫(‪ -)10‬أحمد عباس صالح ‪ -‬ثأر بن عنترة – دراسة تطبيقية في األدب الشعبي‬ ‫ كتاب روز اليوسف ‪ -‬نوفمبر ‪1973‬‬‫(‪ -)11‬د‪ .‬أحمد شمس الدين الحجاجي ‪ -‬النبوءة أو قدر البطل في السيرة‬ ‫الشعبية العربية ‪ -‬مكتبة الدراسات الشعبية – الهيئة العامة لقصور الثقافة – رقم‬ ‫‪ -57‬أغسطس ‪2001‬‬ ‫(‪ -)12‬ادوارد وليم لين ‪ -‬المصريون المحدثون (شمائلهم وعاداتهم)‪ –-‬ترجمة‪:‬‬ ‫عدلي طاهر نور – ذاكرة الكتابة – الهيئة العامة لقصور الثقافة – جزءان ‪-‬‬ ‫‪1998‬‬ ‫(‪ -)13‬فاروق خورشيد ‪ -‬الجذور الشعبية للمسرح العربي ‪ -‬دراسات أدبية ‪-‬‬ ‫الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪1991 -‬‬ ‫(‪ -)14‬أحمد أمين ‪ -‬قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية – مطبوعات‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪227 226‬‬


‫المجلس األعلى للثقافة – ‪1999‬‬ ‫(‪ -)15‬د‪ .‬علي الراعي – المسرح في الوطن العربي – عالم المعرفة – الكويت‬ ‫– العدد رقم ‪ -25‬يناير ‪1980‬‬ ‫(‪ -)16‬لورد كرومر‪ -‬الثورة العرابية – ترجمة‪ :‬عبد العزيز عرابي – مكتبة‬ ‫األسرة – الهيئة المصرية العامة للكتاب – ‪1999‬‬ ‫(‪ -)17‬د‪.‬علي الحديدي ‪ -‬عبد هللا النديم خطيب الوطنية –– سلسلة أعالم‬ ‫العرب رقم ‪ – 9‬المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر – بدون تاريخ‬ ‫(‪ -)18‬ابن دانيال ‪ -‬خيال الظل وتمثيليات ‪ -‬دراسة وتحقيق‪ :‬إبراهيم حمادة‬ ‫ سلسلة تراثنا ‪ -‬المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر ‪ -‬مصر ‪1963 -‬‬‫(‪ -)19‬ديوان‪ :‬األمير تميم بن المعز لدين هللا الفاطمي – دار الكتب المصرية‬ ‫‪ 1957‬مقدمة المحققين‪ :‬محمد كامل حسين – أحمد يوسف نجاتي – محمد‬‫علي النجار‬ ‫(‪ -)20‬فيليب تايلور ‪( -‬قصف العقول) – ترجمة‪ :‬سامي خشبة – سلسلة عالم‬ ‫المعرفة – الكويت – العدد ‪2000 -256‬‬ ‫(‪ -)21‬د‪ .‬عبد المنعم صالح – اإلنسان الحائر بين العلم والخرافة – سلسلة‬ ‫عالم المعرفة – الكويت – العدد ‪1979 – 15‬‬ ‫(‪ -)22‬د‪ .‬أحمد شوقي الفنجري – التطرف واإلرهاب – سلسلة المواجهة – الهيئة‬ ‫المصرية العامة للكتاب – ‪1993‬‬ ‫(‪ -)23‬د‪ .‬ربا قحطان الحمداني – االسالموفوبيا – جماعات الضغط اإلسالمية‬ ‫في الواليات المتحدة األمريكية (منظمة كير) – دار العربي للنشر والتوزيع –‬ ‫القاهرة ‪2011‬‬


‫(‪ -)24‬صامويل هنتنجتون – صدام الحضارات – إعادة صنع النظام العالمي –‬ ‫ترجمة‪ :‬طلعت الشايب – تقديم‪ :‬د‪ .‬صالح قنصوة ‪ -‬سطور – القاهرة ‪1998-‬‬ ‫(‪ -)25‬عادل محمد سليمان ‪ -‬الحملة األمريكية ضد اإلرهاب خارج أفغانستان‬ ‫– مجلة السياسة الدولية – مؤسسة األهرام – القاهرة – العدد ‪2002-148‬‬ ‫(‪ -)26‬عبد الرحمن الكواكبي – طبائع االستبداد ومصارع االستعباد – تحقيق‬ ‫وتقديم‪ :‬د‪ .‬محمد عمارة – دار الشروق ‪2009‬‬ ‫(‪ )27‬بيتر فايس ‪ -‬مسرحية ما ار صاد –‪ -‬ترجمة وتقديم د‪.‬يسري خميس –‬ ‫روائع المسرح العالمي – العدد ‪ 15 – 43‬مارس ‪1967‬‬ ‫(‪ -)28‬عاطف الغمري (وثائق البيت األبيض تتحدث‪ :‬أمريكا واألخوان منذ‬ ‫خطة اغتيال عبد الناصر) – دار نهضة مصر للنشر – ‪ – 2014‬الطبعة‬ ‫األولي‬ ‫(‪ -)29‬د‪ .‬محمد أبو اإلسعاد ‪ -‬السعودية واألخوان المسلمين – مركز الدراسات‬ ‫والمعلومات القانونية لحقوق اإلنسان‪ -‬القاهرة ‪1996‬‬ ‫(‪ -)30‬ريجينا الشريف ‪ -‬الصهيونية غير اليهودية – جذورها في التاريخ الغربي‬ ‫–– ترجمة‪ :‬أحمد عبد هللا عبد العزيز‪ -‬سلسلة عالم المعرفة ‪ -‬الكويت – العدد‬ ‫رقم ‪ -96‬ديسمبر ‪1985‬‬ ‫(‪ -)31‬د‪ .‬رشاد عبد هللا الشامي ‪ -‬القوي الدينية في إسرائيل بين تكفير الدولة‬ ‫ولعبة السياسة –– عالم المعرفة – الكويت – رقم ‪ -186‬يونيو ‪1994‬‬ ‫(‪ -)32‬د‪.‬جابر عصفور – هوامش علي دفتر التنوير – مطبوعات الهيئة‬ ‫العامة لقصور الثقافة – رقم ‪-58‬سنة ‪2000‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪229 228‬‬


‫قائمة بمسرحيات‬ ‫محمد أبو العال السالموني‬


‫‪ -1‬درس يف المأساة ‪ 1961‬جمعية الرواد أألدبي�ة بدمياط ‪ - 1962‬لم تعرض‬ ‫‪ -2‬مباراة بال نتيجة ‪ 1962‬جمعية الرواد بدمياط ‪ -64‬مجلة إبداع ‪ -1988‬لم تعرض‬ ‫‪ -3‬حلم ليلة حرب ‪ 1 963‬هيئ�ة الكتاب ‪ 1992‬الثقافة اجلماهريية‬ ‫‪ -4‬حتت التهديد ‪ 1964‬مجلة إبداع ‪ 1983‬الثقافة اجلماهريية‪ -‬سنة ‪ -1990‬الطليعة‬ ‫‪ -1995‬الهناجر ‪2009‬‬ ‫‪ -5‬فرسان هللا واألرض (سيف هللا) ‪ 1965‬املركز القويم للفنون واآلداب ‪ -1985‬احتاد‬ ‫الكتاب العرب دمشق ‪ 2004‬أوقفت يف ليلة االفتت�اح بمسرح الطليعة ين�اير ‪1980‬‬ ‫‪ -6‬اجلانب اآلخر ‪ 1967‬لم تنشر عرضت يف املسرح املدريس سنة ‪1968‬‬ ‫‪ 1968‬مطبوعات الكتاب األول ‪ 1971‬الثقافة اجلماهريية‬ ‫‪ -7‬احلريق ‬ ‫‪ -8‬أبو زيد يف بلدنا ‪ 1969‬املجلد الثالث ‪ 2003‬الثقافة اجلماهريية ‪1969‬‬ ‫‪ -9‬رواية النديم عن هوجة الزعيم ‪ 1970‬هيئ�ة الكتاب ‪ 1984‬الثقافة اجلماهريية‬ ‫‪ -10‬األرض واملغول ‪ 1971‬املجلد الثالث‪ 2003‬مسرح املنصور يف الثمانيني�ات‬ ‫‪ -11‬زيارة عزرائي�ل ‪ 1973‬املجلد الثالث‪ 2003‬الثقافة اجلماهريية‬ ‫‪ -12‬السحرة (تمصري عن ساحرات سالم) ‪ - 1975‬املجلد الرابع ‪ -2006‬الطليعة ديسمرب‬ ‫‪2003‬‬ ‫‪ -13‬الثأر ورحلة العذاب (أمري الصعاليك) ‪ 1980‬ثقافة اجلزية ‪ -83‬مكتب�ة األسرة ‪2002‬‬ ‫املسرح احلديث – ديسمرب ‪1982‬‬ ‫‪ -14‬رجل يف القلعة (الصعود ايل القلعة) ‪ -1981‬مجلة املسرح ‪ -83‬مختارات فصول‬ ‫‪ -94‬مكتب�ة األسرة ‪ 1999‬املسرح القويم ين�اير ‪ -1987‬الطليعة ‪ -94‬الغد ‪2005‬‬ ‫‪ -15‬مآذن املحروسة ‪ 1982‬هيئ�ة الكتاب ‪ - 86‬وكالة الغوري ‪83‬‬ ‫أبو العال السالموين‬

‫‪231 230‬‬


‫‪ -16‬محمكة احلكماء (مدرسة املشاهدين) ‪ 1984‬هيئ�ة الكتاب ‪ -2003‬املسرح املتجول‬ ‫بالطليعة سنة ‪85‬‬ ‫‪ -17‬املزرعة (انفجار) ‪ 85-73‬هيئ�ة الكتاب ‪ 1990‬قاعة منف ‪1993‬‬ ‫‪ -18‬أبو نضارة ‪ 1986‬هيئ�ة الكتاب ‪ - 1988‬مسرح محمد فريد سنة ‪1994‬‬ ‫‪ -19‬حسان أقوي من اجلان (مسرحية لألطفال) ‪ 1986‬لم تنشر‪ -‬املسرح املدريس يف‬ ‫الثمانيني�ات‬ ‫‪ -20‬املليم بأربعة ‪ 1988‬هيئ�ة الكتاب ‪ - 1995‬مسرح الفن ‪1990‬‬ ‫‪ -21‬دكتوراه يف احلب (حببك يامجرم)‪ -1989‬مجلة مسرحنا ‪ -2010‬مسرح الفن ‪1990‬‬ ‫‪ -22‬أمري املسرح (محمد تيمور) ‪ 1990‬املركز القويم للمسرح ‪ -1998‬مسرح الهناجر ‪1999‬‬ ‫‪ -23‬مولد يابلد ‪ 1991‬الثقافة اجلماهريية – دليل النصوص ‪ -2004‬مسرح كفر الشيخ‬ ‫‪1993‬‬ ‫‪ -24‬مالعيب عنرت ‪ 1991‬هيئ�ة الكتاب ‪ 1997‬قاعة منف ‪1998‬‬ ‫‪ -25‬ست احلسن (تغريب�ة مصرية) ‪1992‬هيئ�ة الكتاب ‪ -1992‬مسرح البالون ‪1992‬‬ ‫‪ -26‬أمري احلشاشني ‪ 1993‬الثقافة اجلماهريية ‪ -1995‬الثقافة اجلماهريية‬ ‫‪ -27‬ديوان البقر ‪ 1994‬هيئ�ة الكتاب ‪ - 1995‬مسرح الهناجر ‪1995‬‬ ‫‪ -28‬زوبة مصرية ‪ 1995‬هيئ�ة الكتاب ‪ - 2002‬لم تعرض‬ ‫‪ -29‬املصري وأمري الفرجنة ‪ -1998‬احتاد الكتاب العرب دمشق ‪ - 2002‬لم تعرض‬ ‫‪ -30‬القتل يف جنني ‪2002‬هيئ�ة الكتاب ‪ -2004‬لم تعرض‬ ‫‪ -31‬احلادثة اللي جرت يف شهر سبتمرب‪ -2002 -‬املجلس األعلى للثقافة ‪ - 2004‬مسرح‬ ‫الطليعة ‪2010‬‬


‫‪ -32‬املحروس واملحروسة ‪ 2012‬هيئ�ة الكتاب ‪ 2012‬القويم ‪2013‬‬ ‫ لم تعرض‬‫‪ -33‬احلب يف ميدان التحرير ‪ 2011‬مجلة مسرحنا ‪ 2012-2011‬‬ ‫‪ -34‬القصر املسحور ‪ 2014‬الثقافة اجلماهريية ‪ -2014‬لم تعرض‬ ‫‪ -35‬عرش احلب ‪ 2016‬الثقافة اجلماهريية ‪ -2016‬لم تعرض‬ ‫‪ -36‬رسائل الشيطان ‪ 2017‬هيئ�ة الكتاب ‪ 2017‬لم تعرض‬ ‫‪ -37‬جهاد الفواحش يف زمن الدواعش‪ – 2018‬مخطوطة‪ -‬لم تعرض‬

‫أبو العال السالموين‬

‫‪233232‬‬


‫المحتويات‬


‫ تقديم‬‫ ‬

‫‪13‬‬

‫‪-‬المحور األول‪:‬‬

‫عناصر المسرح الشعبي ‪25‬‬

‫‪-‬المحور الثاني‪:‬‬

‫ ‬

‫مقاومة اإلرهاب ‪97‬‬

‫ هوامش ومراجع ‪195‬‬‫‪ -‬قائمة بمسرحيات السالموني ‪229‬‬




Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.