الملتقى الفكري

Page 1



‫أ‪.‬د‪ /‬حسن عطية‬ ‫مدير المهرجان‬

‫أ‪ /‬إسماعيل مختار‬

‫رئيس تحرير المطبوعات‬

‫الملتقى الفكري‬

‫رئيس المهرجان‬

‫د ‪ /‬مصطفى سليم‬ ‫المنسق العام‬

‫ماجدة عبد العليم‬ ‫مدير الملتقى الفكري‬

‫أحمد هاشم‬

‫جرافيكس المطبوعات‬ ‫واإلخراج الفني‬

‫محمد عبد الحكيم الكومي‬



‫كــــــلــــــمــــــات‬


‫وزير الثقافة‬ ‫أ‪.‬د ‪ /‬إيناس عبد الدايم‬

‫امللتقى الفكري‬

‫‪7 6‬‬


‫ ‬ ‫يعد المسرح أحد روافد الثقافة المصرية‪ ،‬معبرا عن واقعه‪،‬‬ ‫ ‬ ‫ومتطلعا لتغييره‪ ،‬ومشتركا مع كافة الفنون األخرى فى نشر‬ ‫الوعي بين الجماهير واالرتقاء بالذوق العام لمواجهة التطرف‬ ‫الفكري‪ ،‬مما يدعونا إلى ضرورة عودة الثقافة إلى المواطن من‬ ‫خالل تكاتف جميع القطاعات والتنسيق فيما بينها ‪ ،‬وإلى العمل‬ ‫من أجل تحقيق التواصل بين المركز فى العاصمة واألطراف فى‬ ‫األقاليم‪ ،‬والسعى للكشف عن هوية كل بيئة ‪ ،‬بما يعكس هوية‬ ‫هذا المجتمع األصيل الخالد‪.‬‬ ‫ومن ثم يعتبر المهرجان القومي للمسرح هو النافذة التى‬ ‫ ‬ ‫نطل منها على كل منتج إبداعي فى كافة األقاليم والقطاعات‬ ‫والتوجهات‪ ..‬أنه بانوراما مختارة لهذا الكم الرائع من العروض‬ ‫المسرحية التى قدمت خالل العام الماضى ‪ ،‬بما يسمح بالتعرف‬ ‫على مالمح تطور هذا المسرح‪ ،‬ورصد مساره المتقدم دوما لألمام‪.‬‬ ‫تحية تقدير للقائمين على هذه التظاهرة الثقافية التي‬ ‫ ‬ ‫تعبر عن وجه من أوجه حضارتنا متمثال في أبو الفنون ‪ ..‬المسرح‬ ‫الذي سيظل دوما مساحة من التفاعل الثقافي االبداعي الحي‬ ‫المعبر عن العصر وهمومه وطموحاته‪.‬‬


‫أ‪.‬د‪ .‬حسن عطية‬ ‫رئيس المهرجان‬

‫امللتقى الفكري‬

‫‪9 8‬‬


‫وحدة الوطن فى تنوع مسرحه‬ ‫إقامة أية تظاهرة فنية مثل المهرجان القومى للمسرح‬ ‫ ‬ ‫المصرى هو فعل احتفاء بعشق الحياة الحرة الكريمة‪ ،‬وحدث‬ ‫هام بإضاءة شعلة التنوير وسط ظلمة السكون والتكلس‪،‬‬ ‫وتفعيل للعقل المشتعل باألمل فى التغيير‪ ،‬وتنشيط‬ ‫للوجدان المتأجج بالرغبة فى أن يؤكد وجوده الفاعل وسط‬ ‫أهله وناسه ‪ ،‬هو فى النهاية عودة المسرح لجماهيره الباحثة‬ ‫عن نفسها فى دفء فضائه وحرارة أفكاره وسخونة تفاعله‬ ‫مع مجتمعه‪.‬‬ ‫هى الدورة الحادية عشرة للمهرجان‪ ،‬تحتضن فرقا‬ ‫ ‬ ‫قادمة نت العاصمة وأقاليمها‪ ،‬من مؤسساتها الرسمية‬ ‫وغير الرسمية‪ ،‬تؤكد بموهبة فنانيها وعطاء أعضائها وجهد‬ ‫صناعها على أن الوطن يمتلك قدرات فذة وإمكانات بارعة‬ ‫يمكن أن تغير الكون بمسرحها الجاد‪ ،‬وخاصة وهى تصر‬ ‫على عدم السقوط فى براثن المسرح التجارى والتليفزيوني‬ ‫الرخيص‪ ،‬وتتمسك بطرح األفكار السامية عبر نصوص شديدة‬


‫التماسك‪ ،‬تتجاوز نقل ما يحدث فى الشارع لفضاء المسرح ‪،‬‬ ‫وتنتقى أبرز الثمار من كل أرجاء العالم لتقدمه لجمهورها‬ ‫المتعين‪ ،‬فى عروض شديدة الثراء‪ ،‬برؤى معاصرة وشديدة‬ ‫الحساسية‪ ،‬مؤكدة على أن عودة الجمهور إلى المسرح‬ ‫ليست هى الغاية المبتغاة‪ ،‬بل الغاية الحقيقية هى عودة‬ ‫المسرح إلى جمهوره‪ ،‬أو بمعنى أكثر دقة إلى جماهيره‬ ‫المتعددة‪ ،‬فالوطن وحدته فى تعدد جماهيره وشرائحه‬ ‫المجتمعية وثقافاته الممتدة من النوبة وحاليب وشالتين‬ ‫حتى رفح والسلوم ‪.‬‬ ‫الوحدة فعال فى التنوع ‪ ،‬ومهرجان هذا العام ‪ ،‬كما يبدو‬ ‫ ‬ ‫من جدوله وكتابه الحالي ‪ ،‬يحتوى على كم هائل من التنوع ‪،‬‬ ‫ويكشف عن اهتمام حقيقى بنشر الثقافة المسرحية وسط‬ ‫أقاليم الوطن ‪ ،‬وفى الحقيقة هناك قضية شديدة األهمية‬ ‫تتعلق بنشر الثقافة هذه‪ ،‬حيث يتباين مفهوم الثقافة بين‬ ‫كونها مجموعة العقائد والقيم واللغة والسلوك التى‬ ‫تميز وطن عن غيره‪ ،‬وكونها منجزات إنسانية مجتمعية‬ ‫تشكل قوام صناعة ثقيلة وقوى ناعمة ال تخلق بذاتها ‪ ،‬بل‬ ‫تتطلب مواهب وقدرات وإرادة وامكانات تتحقق بها على‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪11 10‬‬


‫أرض الواقع‪ ،‬فالمسرح ال يتحقق بمجرد الرغبة فى تحقيقه‪،‬‬ ‫بل بالقراءة الجادة والبحث المستمر عن أفضل نصوصه ‪،‬‬ ‫والوعى بالمجتمع الذى سينتج فيه ‪ ،‬وثقافة هذا المجتمع‬ ‫المحلى داخل ثقافة الوطن بأكمله‪ ،‬ومن ثم اختيار أفضل‬ ‫أساليب التواصل جماليا مع جمهور هذا المجتمع المحلى‬ ‫وشرائحه المختلفة‪.‬‬ ‫إنها بانوراما مختارة من اإلنتاج المسرحي فى هذا‬ ‫ ‬ ‫الوطن‪ ،‬تحمل وجهات نظر أجيال شابة مازالت مصرة على‬ ‫اإلبداع وعلى أن تشارك فى صنع حاضر ومستقبل هذا‬ ‫الوطن ‪.‬‬


‫د‪ .‬مصطفى سليم‬ ‫كلمة التحرير‬

‫امللتقى الفكري‬

‫‪13 12‬‬


‫المهرجان القومي للمسرح المصري ببساطة‬ ‫ ‬ ‫انعكاس مباشر لواقع المسرح المصري ووجهه الحقيقي‬ ‫مهما تم تزيينه أو المزايدة عليه أو تزييفه أو ادخاله في‬ ‫مسارات مظلمة‪ ،‬ففي كل األحوال هو النبض الحي الذي‬ ‫يصف أحوالنا كمسرحيين ويصف الذوق العام للجماهير‪،‬‬ ‫هو بال شك التظاهرة التي نرى فيها أنفسنا لعلنا نحاسبها‬ ‫أو نتغاضى عن النقص فيها‪ ،‬ونولد من جديد ‪ ..‬وهو حلم‬ ‫صعب المنال فالميالد يتطلب رعاية والتزام وتضحية ورقي‬ ‫واختيارات محسوبة ورؤية مستقبلية ناضجة ودقيقة وكلها‬ ‫أشياء نتحدث عنها جميعا وننشدها ولكنها ما تزال بعيدة‬ ‫المنال‪ ،‬وألننا مازلنا أحياء كما أعلن كاليجوال فلن نفقد‬ ‫األمل في أن نكون بإرادتنا كما أراد هاملت ولكن يجب أن ال‬ ‫نتأخر هذه المرة ألن الزمن صعب‪.‬‬ ‫وتلك األجندة المطبوعة مساهمة محدودة في إعطاء‬ ‫ ‬ ‫المتابع ومضات سريعة تعينه على اختياراته للعروض‬ ‫والفعاليات المتعددة التي ينظمها المهرجان المعشوق‬ ‫لدينا ألننا جميعا نساهم فيه ونتفاعل معه في العروض‬ ‫والندوات واللجان والمقاالت واإلصدارات وكافة الفعاليات‬ ‫التي تجمعنا وتجعلنا نبحث عن صيغ جديدة وآفاق أرحب‬ ‫للفن المسرحي‪.‬‬



‫المحور األول‬ ‫مسرح محمود دياب‬


‫محمود دياب‬ ‫اإلنسان والقضية‪ ..‬األقدار و‪ ..‬والمنافحة‬

‫د‪ .‬حسين عبد القادر‬

‫فى الفن مازال اإلنسان وقد طغت عليه رغباته‪ ،‬يستطيع أن ينتج شيئا مماثال‬ ‫ ‬ ‫إلشباعها (سيجموند فرويدـ الطوطم والتابو)‬ ‫عندما يغالب اإلنسان حزنه الجمر‪ ،‬قد تتوه الكلمات مابين الحرف المجهد‪ ،‬والمعنى‬ ‫المشجون بتفاصيل أبدا ال تهدأ‪ .‬ومعها يتقطع القلب لخاطرة تأخذه لسماء أخرى حيث‬ ‫خلود اإلنسان‪ ،‬وإذ كيف يموت المبدع‪ ،‬وأعماله باقية حية‪ ،‬إذ هى شاهد عدل على‬ ‫أن الخالدين بأعمالهم أبدا ال يموتون‪ ،‬ومن ثم فإن هذه الصفحات إنما هى صفحات‬ ‫للتذكير ال للذكرى‪.‬‬ ‫إنها قراءة فى بعض آيات من عمر ممتد مذ كان عروجا لسماء أخرى‪ ،‬حيث‬ ‫الفردوس األعلى‪ ،‬فمن سطر فى دنياه بقلمه تراتيل إبداعات تأخذ قارئها‪ ،‬ومشاهدها‬ ‫ليتنسم عبير مراميها ما يوقظ دفقات من آمال الغد‪ ،‬وكأنا بهذا المعنى بإزاء عالم من‬ ‫عالم مبدع متفرد‪ ،‬والعلماء ـ كما نعلم ـ هم ورثة األنبياء‪ ..‬و‪ ..‬وهذا ما كانه المحمود‬ ‫فى اسمه‪ ،‬وفى مسيرة عمره‪ ..‬محمود دياب‪..‬‬ ‫إنسان شاءت األقدار أن يولد فى حومة القضية‪ ،‬بين المنافحين عن مصرهم فى‬ ‫الصفوف األولى من نضال فى مواجهة المستعمر الذى احتل األرض‪ ،‬واألرض لدى‬ ‫المصرى «عرض» بكسر العين الممهورة بسكون (المسكن) بعين المستعمر‪ ،‬كى‬ ‫ال يهدأ أبدا فمقاومة المحتل دين فى األعماق هيهات ينفك إوارها أو تركن لسكون‪،‬‬ ‫وأبعد من ذلك كله‪ ،‬وعى يستنهض همم الشعب‪ ،‬ويطوف بالعقول وبالوجدانات‪،‬‬ ‫ليروى عطش الظامئين لخالص ال منجاة بغيره‪ .‬وهو لم همو على خط النار‪ ،‬جمر ال‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪17 16‬‬


‫تظنه غير إرادة طرد المحتل‪ ،‬والمحمود باسمه كان بعض قدره أن ولد باإلسماعيلية‬ ‫(أغسطس‪ ،)1932‬المدينة التى تحيابجناحين‪ ،‬الحى العربى الذى ينظر شذراً وشظايا‬ ‫األعين تقتحم الحى اإلفرنجى‪ ،‬وليس غريباً أن يكتب محمود مع سنوات النضج طفل‬ ‫فى الحى العربى (‪ )1972‬أى فى سن األربعين (تلك العمر التى خصها القرآن بأى‬ ‫دعاء حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال هذا ربى الذى أوزعنى أن أشكر نعمتك‬ ‫التى أنعمت على والدى‪ ،‬وأن أعمل عمال صالحا ترضاه‪ 15(...‬اإلحقاف‪ ،‬ويالها من‬ ‫مفارقة‪ ،‬والطفل الذى عايش نبل المعنى فى مقاومة العدو مابين تنشئة األهل ودور‬ ‫المدرسة والحى والمجتمع جله‪ ،‬وتفتحت أذنيه على أغاريد الوقائع من حوله‪ ،‬وتدور‬ ‫رحاها فى بوتقة عشق الوطن وترانيم المقاومة‪ ،‬و‪ ..‬وكان ميالده كمبدع جد مبكى‬ ‫وبرهان حى على ما يقوله النفسيون من أن الطفل يولد ولديه إمكانات قابلة للتطور‬ ‫فى ظل تلكم المعانى التى تبثها التنشة األولى باألسرة ومن بعدها تتناول المدرسة‬ ‫هذا النتاج لتقومه‪ ،‬وتنمى أواصر القيم األعلى تلك التى تتعهدها بالرى لتكون نعم‬ ‫ثمار الغد‪.‬‬ ‫وفى هذا السياق هاهو األب الذى يرى بزوغ نجم ابنه فى صباه المبكر‪ ،‬فال يضن‬ ‫بمصاريف التعليم‪ ،‬والمدرسة آنذاك بمصر تزهو بعلمها وبالدور والمسؤلية الواجبة‬ ‫لتنشئة أبن سيبنى للغد اآلتى‪ ،‬ورغمها‪ ،‬ومع غرم التكلفة المادية وتبعاتها وخاص ًة‬ ‫بالنسبة‬ ‫للجامعة‪ ،‬ها هو األب بوعيه الذى يستلهم الغد‪ ،‬ال يضن بتكلفة التعليم الجامعى‪،‬‬ ‫فكان عنوانا بذاته على وعى محمود فاسمه كلية الحقوق‪ ،‬وهى آنذاك كلية القمة‬ ‫بالنسبة للمهمومين بالوطن والمتطلعين ألدوار فى سبيل حريته‪ ،‬والدفاع عن مصالح‬ ‫المقهورين من أبنائه‪ ،‬ويأتى المحمود إلى القاهرة والمقاومة الوطنية فى ذروتها‬ ‫والجامعة ذروتها‪ ،‬خاصة بعد أن كلف مصطفى النحاس زعيم حزب الوفد ورئيس‬


‫الوزراء فى حينها بعد فوز حزبه باألغلبية الساحقة فى إنتخابات عام ‪ ،1950‬وما‬ ‫قيل من أنه كلف «عبد الفتاح باشا حسن» أحد أعضاء وزارته ليتجه لمجلس النواب‬ ‫والشيوخ ويجمعهما معا بالبهو الفرعونى فى مقر البرلمان‪ ،‬كما طلب من الملك أن‬ ‫يتفضل لزيارته بمكتبه بمجلس الوزراء‪ ،‬وما تواتر من أنه عند وصول الملك لمكتبه‬ ‫أغلق النحاس عليه باب المكتب‪ ،‬وتوجه لمؤتمر مجس لنواب والشيوخ ليتلو عليهم‬ ‫خطابه التاريخى الذى سيظل يحفظ الزمان مقولته»» من أجل مصر وقعت معاهدة‬ ‫‪ ،1936‬ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها»‪.‬‬ ‫كان ذلك الخطاب فى الثامن عشر من أكتوبر‪ ،1950‬وياله من يوم‪ ،‬آه لو كنتم‬ ‫تسمعونه من المحمود دياب‪ ..‬بعصبيته المشبوبة يتوتر‪ ،‬وتبتهج معه كل خالياه فى‬ ‫تلك اللحظات التى يتذكر فيها هذا اللخطاب الذى كان متيما به‪ ،‬والعديد غيره مما‬ ‫كان يحفظه عن ظهر قلب‪ ،‬وبخاصة لعبدالناصر الذى الذى كان ولها به حتى كانت‬ ‫النكسة فى يونيو ‪ ،1967‬وما أشد غضبته لمن كانوا يعرفونه‪ ،‬عندمت يرد فى حديث‬ ‫ألى منهم كلمة نكسة‪ ،‬إذ يردد «الراجل فى ذمة التاريخ لكن الهزيمة يا سادة إسمها‬ ‫هزيمة»‪ ،‬وفى هذا السياق ومع العام األول للمحمود بالجامعة هاهو يحضر ـ كما‬ ‫حذثنى ـ تلك المظاهرة التى تداعت ذكرياتنا حولها فى حضرة الفنان «عمر عفيفى»‬ ‫الذى كنا نتشارك غرفتنا بدار األوبرا (األوبرا التى افتتحها الخديوى إسماعيل بأوبرا‬ ‫«ريجيليتو» بدال من عايدة التى لم يكملها «فردى» فى الموعد المضروب) وكان‬ ‫العم النبيل «عمر عفيفى» يلعب «بولونيوس» فى مسرحية «هاملت» لشكسبير‪،‬‬ ‫وأشارك فيها بدور «هورسيو» وكانت حجرتنا بين الفصول تموج بالقادمين لتحية‬ ‫المسرحى النبيل العم عمر‪ ،‬وفى الحضور خالد الذكرةفنان المسرح الحر «على‬ ‫الغندور» و‪...‬و أول من أخرج مسرحية قدمت لمحمود دياب «البيت القديم» وهى‬ ‫المسرحية التى فازت فى مطلع ستينات القرن الماضى بجائزة مجمع اللغة العربية‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪19 18‬‬


‫ليخرجها الغندور والذى كان كثيرا ما يحضر معه لفرقتنا « محمود دياب» وكنت‬ ‫أشارك فى مسرحية باب الفتوح بالمسرح القومى فى ذلك العرض الذى فوجئنا فى‬ ‫ليلة «الجنرال» أقصد البروفة الجنرال» بحضور «محمود» إلى المسرح وخالد‬ ‫الذكر «سعد أردش» والجميع فى اإلنتظار إذ ذهب محمود لمقابلة «عبدالقادر حاتم»‬ ‫الذى كان قد أصبح نائبا لرئيس الوزراء ووزير اإلعالم‪ ،‬وعاد محمود لنعرف أنه‬ ‫وافق على تأجيل العرض و‪ ..‬وكانت ليلة ال أراكم هللا أساها‪ ،‬وإن لم تكم غريبة على‬ ‫خشبات المسارح !!‬ ‫لم تكن البيت القديم أول جائزة يحصل عليها المحمود مع اإلشادة بإبداعه‪ ،‬فقد سبقتها‬ ‫«المعجزة» والتى حصلت على جائزة مؤسسة المسرح والموسيقى(‪ )1960‬ثم تأتى‬ ‫بعد هاتين الجائزتين جائزةاليونيسكو ألحسن كاتب مسرحى عربى عن مسرحية‬ ‫الزوبعة‪ ،‬وقد ترجمت لإلنجليزية‪ ،‬الفرنسية واأللمانية و‪ ..‬وأن ماوراء الزوبعة‬ ‫يتجاوز أن نشير إلى التكريم فحسب‪ ،‬بل أن نتجه أيضا لما يلزم به التحليل النفسى فى‬ ‫دراسته لإلبداع والمبدعين من أهمية دراسة مايتصل بحتوى العمل من الدوافع التى‬ ‫يمكن أن تضىء مزيدا من الفهم فى العالقة بين العمل وصاحبه (هو هنا كاتب النص‬ ‫األدبى فى تعدد تنويعاته) وفى هذا السياق‪ ،‬اإلمساك بديناميات شخصية المببدع‪،‬‬ ‫وفيها معطيات من تاريخ حياته ( التعدد النشوئى ‪ /‬اإلرتقائى ) من الطفولة الباكرة‬ ‫ومراحل التنشئة حتى تاريخ كتابة النص‪ ،‬وعندها قد نجد مسربا قصديا (يفصل بين‬ ‫الموت والحياة)) أو دوافع ال شعورية تفصل بين جنبات النص أو هى بذاتها تشى‬ ‫بأبعد مما نراه فى ظاهر النص‪ ،‬وهى بتعبير «كلود ليفى شتراوس» المخفى فى الما‬ ‫ظهر‪ ،‬وفى هذا السياق يرى التحليل النفسى أنه إذا ماكان رجل الجمهور يتنازل عن‬ ‫ذاتيته تواؤما مع الواقع ( وما أكثر األمثلة الشائعة فى هذا السياق من قبيل (معاهم‬ ‫معاهم‪ ،‬وعليهم عليهم)‪ .‬إنها سيكولوجية «الديماجوس» فى مقابل شخصية المبدع‬


‫الذى ينحبس فى ذاتيته ليفوز بصروحه الفنية التى يتشابك فيها الذاتى برؤاه للواقع‪،‬‬ ‫وما يرنو إليه من جدل يصنع بصائر للغد ناشدا إضاءة نجم فى سماء إبداع صروحه‬ ‫الفنية‪ ،‬ويالها من مسؤولية للذات فى تناول الموضوع‪.‬‬ ‫ونزيد هنا مايراه فرويد‪ ،‬وصدرنا به مبحثنا هذا من أنه « فى الفن مازال اإلنسان‬ ‫وقد طغت عليه رغباته يستطيع أن ينتج شيئا مماثال إلشباعها» وهاهو يكتي بعدها‬ ‫بسنوات كتابه العمدة « محاضرات فى التحليل النفسى» إذ يرى فى محاضرته عن‬ ‫«كيف تتكون األعراض»‪ ،‬وأن ما تتسم به حياة الخيال‪ ،‬لها طريقيمكن للمرء أن‬ ‫يعود به من « مملكة الخيال إلى دنيا الواقع ـ وهذا هو الفن « وكأن الفن بهذا عامال‬ ‫مساعدا الشفاء ـ بدرجة أو بأخرى ـ من عوارض المرض النفسى بقدر مايسهم أيضا‬ ‫فى إعالء الوعى بالواقع ودرء مسالبه‪.‬‬ ‫لقد دفعنى لهذه اإللماحات ما أراه بين طيات الزوبعة مع التسليم بأن مايراه البعض‬ ‫وهو صحيح قد ال نختلف حوله ـ من ظلم أثرياء القرية الظالمة‪ ،‬وأعيانها وإقطاعييها‪،‬‬ ‫وما أكثرهم فى ربوع مصر‪ ،‬وما تواكب مع ستينيات القرن الماضى وخاصة من بعد‬ ‫اإلنفصال بين مصر وسوريا‪ ،‬واستدارة ناصر لمواجهة اإلقطاع من جديد‪ ،‬وما أسفر‬ ‫عنه العرض المسرحى‪ ،‬وكأنه يساير هجمة النظام وقتذاك على بقايا اإلقطاع الذى‬ ‫عاود الظهور والهيمنة فى القرية المصرية‪ »...‬وإن أشير أيضا فى ذات المقال التى‬ ‫أحسبها من روائع ما كتب أعمال محمود دياب وبخاصة فى المسرح والسينما‪ ،‬بل‬ ‫واتصلت بمواقفه م الحياة‪ ،‬وهى للدكتور «حسن عطية» ( وأرى أن تلحق بالكتاب‬ ‫التذكارى‪ ،‬ومعها أى من كتابات خالد الذكر الفاروق عبدالقادر ( وهكذا اسمه فى‬ ‫شهادة ميالده)‪ ،‬لتكون إرهاصا بأنه قد يكون علم المهرجان القومى القادم للمسرح‬ ‫المصرى فى دورته الثانية عشر‪.‬‬ ‫ولنعد للزوبعة والتى تعود بى هذه المرة إلى نقطة بدء فى تواصل مع طور من‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪21 20‬‬


‫أطوار حياة المبدع عندما حط رحال المحمود دياب إلى مدينة أسيوط إذ كان نائبا‬ ‫بهيئة قضايا الحكومة ( وهى الهيئة التى تبوأ بها درجة المستشار‪ ،‬والتى كانت تتويجا‬ ‫لمثال األنا الذى تمثل قيمة من عالم القانون ودور القاضى‪ .‬وما أكثر آياته فى هذا‬ ‫السياق ومنهم من لم يكن قاضيا ( ونقصد هنا خالد الذكر يحيى حقى‪ ،‬وهو من درس‬ ‫الحقوق وعمل بالسلك الدبلوماسى‪ ،‬ومن قبلها بالمحاماة‪ ،‬كما عمل بالصحافة‪ ،‬ونحسبه‬ ‫كاف وسيظل عالمة ساطعة بذاتها فى تاريخ األدب والسينما‪ ،‬وهو ابن درب الميضة‬ ‫(الميضأة) المتاخمة لحى الصليبة بالقرب من مدرسة بنبا قادن اإلبتدائية حيث سبيل‬ ‫أم عباس ‪ /‬بنبا قادن والدة عباس األول‪ ،‬فى الثلث األول من شارع الخليفة الذى يبدأ‬ ‫من جوار مركز شرطة الخليفة بحى القلعة وقبل مسجد ابن طولون ليمتد الشارع حتى‬ ‫ميدان السيدة زينب وضريحها الشهير‪.‬‬ ‫نقول ذلك لنصل بين دور شخصية حية كانت فى حياة المحمود‪ ،‬كانت بثابة األنا‬ ‫المثالى الذى تمثله مبدعا فى أعماله األ دبية‪ ،‬وبقدر ما تمثله فى قيمه األخالقية‪.‬‬ ‫ويحيى حقى وللحق نموذج يحتذى فما بالنا وقد كان دياب من مريديه‪ ،‬بل‪ ،‬بل ونعلم‬ ‫من إبنته السيدة «هالة» أن ثمة صالت أسرية عمقت العالقة بين بين المحمود واليحيى‬ ‫حقى‪ ،،‬والذى كان ـ تبعا لحيثها معنا كان نعم الرائد والمعلم الذى كان يزكى أعمال‬ ‫المحمود‪ ،‬وال يضن عليه بنصائحه‪ ،،‬تقول ذلك كله‪ ،‬وقد يراه البعض خارج السياق‪،‬‬ ‫بينما نلراه جانبا هاما قد يجلى لنا بعدا آخر لم نره فى الدراسات النقدية التى إتصلت‬ ‫بالزوبعة‪ ،‬وال شىء فى ذلك فما أكثر مافى حياة المبدع من مواقف ودوافع تبين أوجه‬ ‫أخرى لما وراء هذا العمل أو ذاك مما كتبه المبدع لو كنا قد علمنا بمزيد من أطوار‬ ‫حياته ومراحلها المتعددة حتى تلك المرحلة التى تدافعت لتعانق كتابة النص وعندها‬ ‫أحسبنا كنا سنقترب أكثر مما وراء دوافعه فى كتابة العمل خاصة والتحليل النفسى‬ ‫يرى أن اإلنسان موجود وبما هو لغة‪ ،‬وفى اللغة تبين دينامية المبدع ودوافعه معا‪.‬‬


‫وكيف لى أن أغض الطرف عما فى مرحلة جد قريبة من كتابة المحمود مبدعا‪ ،‬وهو‬ ‫محمود اإلنسان الذى يعيش ـ ككل مبدع ـ ينحبس فى ذاتيته‪ ،‬أى فى أخاييله‪ ،‬وهو‬ ‫منصرف بجله فى العملية اإلبداعية‪ ،‬والتى ليست غير حركة دياليكتيكية فى الذهاب‬ ‫والمجىء بين المتخيل والمعيش والواقع معا ليقيم صرحه الفنى «أبولوينسى» كما‬ ‫سبق القول‪ ،‬فيصفى حسابه فى الذات والموضوع معا فى العمل اإلبداعى‪ ،‬وقد‬ ‫يعرف البعض ـ وهو ما استعت أن أستخلصه فى لقاء كم سعدت به مع ابنته الكبرى‬ ‫األستاذة «هالة» الرائعة وهى من تخرجت من كلية اآلداب جامعة عين شمس قسم‬ ‫الدراسات القديمة وآدابها ( أى الدراسات اليونانية والالتينة)‪ ،‬ومنها عرفت ما زادنى‬ ‫حزن بحزن فقد علمت بوفاة شقيقها هشام وكنت قد سعدت بلقائه مع الصحفى النبيل‬ ‫الذى ال يهرم وإن حسبت أنه اعتزل العمل الصحفى واإلعالمى « األستاذ محمد‬ ‫بركات» الذى ماكان يترك األستاذ «محمود دياب « إال نادرا‪ ،‬وهما سكان المنزل‬ ‫الواحد‪ ،‬و‪ ..‬وتكتمل الناصية فيما علمت من أن األم التى عشقها المحمود‪ ،‬وتزوجها‬ ‫إبان حقبة أسيوط ومقر عمله ومكتبه الذى يطل على قصر والد زوجته وهو من‬ ‫أثرياء أسيوط وكبرى عائالتها بل لنقل من الطبقة األرستقراطية من كبار المالك فى‬ ‫ذلك الحين‪ ،‬ومن يعرف المحمود وإصراره على ما يرنو إليه‪ ،‬سيدرك كيف أن نجم‬ ‫السماء ستكون طيعة لو قصد العروج إليها‪ ،‬وللحق كان جليا أنه قرر العروج ليتعانق‬ ‫ابن اإلسماعيلية‪ ،‬والوطنى المطبوع‪ ،‬والعاشق لمصره‪ ،‬تلك التى عايش ثورتها‪ ،‬ومن‬ ‫قبل ناضل ضد محتلها وسراياتها‪ ،‬وانتقد أثرياءها بأحيائهم فى أول مسرحية قدمت‬ ‫له على خشبات مسارح القاهرة (البيت القديم‪.‬ز و‪ ..‬وباإلصرار ونبل الحب وقدرة‬ ‫المحامى القدير إستطاع فى نهاية المطاف أن يبلغ السماء بعد أن أزاح كل غيم يحول‬ ‫وعناق نجمته والتى تزجها‪ .‬لتلطمه األقدار بخسوف السماء بوفاة الزوج المالك‪ ،‬وهما‬ ‫كانا يحلقان معا وكله يحملها متحديين معا الطبقة األرستقراطية‪ .‬اإلقطاعية بأصولها‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪23 22‬‬


‫التركية ووالدها «أحمد توفيق باشا‪ ،‬نعم والدها الباشا الذى خضع للشاب صاحب‬ ‫المنطق المتفردالجوائز التى تنهال على إبداعاته لكن العروج إلى السماء انتهى بأن‬ ‫سلب روحها مالك الموت الذى حملها مع أسراب من المالئكة الى الفردوس األعلى‬ ‫وكم كان يسألنى ومعه خالد الذكر على الغندورألم تكن نهاية هاملت‪ ..‬وهوراشيو‬ ‫يشيع جنازته‪ ..‬ثم يردف والدمعة تترقرق فى عينيه لكنها لم تتجاوز الثامنة عشر‬ ‫بعد‪ .‬وهشام (اإلبن األصغر) لما يبلغ الشهر الخامس بعد‪ ،‬والبرنسيس هالة تخطت‬ ‫عامها األول بشهرين‪ .‬أى أقدار هذه‪ ..‬ثم فى صرخة مكتومة الرحمة ‪ ..‬الرحمة يل‬ ‫هللا‪ ..‬وكم كان يسأل كيف تسنى لشكسبير أن يقول على لسان هاملت «الموت نوم‪..‬‬ ‫نوم ثم ال شىء‪..‬الموت رقاد « ثم يعاود تمتمة ليشيح عنا بوجهه ليدارى موعه التى‬ ‫تخذل تماسكه‪.‬‬ ‫لقد اندلعت الزوبعة بين المحمود وأسرة مالكه التى اختطفت روحها مالك الموت‪.‬‬ ‫لكنه نسى أنها تعيش بقلبه‪ ،‬ينبض دوما باسمها‪ ،‬متحديا بها بإرادته التى ال تعرف غير‬ ‫اإلصرار وحقه فى أن يأخذ إبنيه غلى اإلسماعيلية الموئل وآالمقام لتكون النشأة فى‬ ‫كنف الطبقة التى عاشها عمره‪ ،‬وكونت صروحا فى بنائه النفسى‪ ،‬ما أجل قضاياها‬ ‫فى وجدانه الذى كان هيهات أن يغض معه الطرف عن الصراع بين الطبقات‪ ،‬ذلك‬ ‫الذى اندلع إواره هذه المرة هذه المرة فى مواجهة عائلة الزوجة الملكة ‪ /‬المالك‪،‬‬ ‫وأم األميرة هالة واألمير هشام‪ ،‬لتكون الزوبعة وصراعاتها‪ ،‬وموقف المحمود من‬ ‫شخصياتها هى بداية مرحلة جديدة فى إبداعه المسرحى‪ ،‬وفى حقل الصراع بين‬ ‫سطوة األعيان‪ ،‬وأثرياء القرية ولئك الذين ال يتوقف نموهم شىء‪ ،‬لكن هاهو موت‬ ‫األعزيض بداية حياة لصراع دراما الزوبعة‪ ،‬والتى ال تقف عند موقف السلطة من‬ ‫بقايا اإلقطاع فى هذه الحقبة فحسب‪ ،‬بل هى فى بعد نفسى تعانق لهيب زوبعة اندلعت‬ ‫بكيان المبدع العصبى الذى ال يهدأ‪ ،‬وكم كان بحاجة ليتخفف من وطأة الصراع الذى‬


‫ينهش روحه المتأججة بتصفية الحساب مع من اهالوا عليه بسطوتهم وما كان له أن‬ ‫يقنع بغير إنتصار حاسم وكاشف لهذه الطبقة التى آن أن يقوم الفن بفضحها‪ ،‬ولتكون‬ ‫الزوبعة مرحلة جديدة فى إبداع المحمود والتى تبعتها «ليالى الحصاد» (‪،)1967‬‬ ‫والهالفيت‪ 1970‬لينتقل بعدها لمرحلة جديدة تأتى باب الفتوح ‪ 1971‬مستلهما من‬ ‫التاريخ سبيال لإلسقاط على واقع معيش‪ ،‬وإن أنسى ال أنسى ـ وكنت مشاركا فى‬ ‫العرض المسرحى الذى يخرجه خالد الذكر سعد أردشـ وفى ليلة الجنرال كما سبق‬ ‫القول وكلنا‪ ،‬المشاركون فى العرض مع النقاد فى تقليد القومى الشهير بأن تكون‬ ‫الجنرال عرضا مفتوحا‪ ،‬وإذ بمحمود يعود وعلى الوجه غبرة ـ إن صح التعبير ـ‬ ‫ويخبرنا بأنه فى لقائه بمحمد عبدالقادر حاتم ( وكان قد أصبح نائبا لرئيس مجلس‬ ‫الوزراء ووزيرا للثقافة واإلعالم)‪ ،‬قد وافق (أى محمود دياب) على تأجيل العرض‬ ‫والواضح أن الجنرال أوقف عرضه‪ ،‬هذا اإليقاف الذى استمر حتى قدمت ثانية‬ ‫‪ ،1976‬وإن كانت جامعة عين شمس من إخراج القدير «فهمى الخولى‪ ،‬وقد قدمها‬ ‫مع أول عام إلعادة قناع الجامعات‪ ،‬وحصلت على المرتبة الثانية‪ ،‬وحصل على القناع‬ ‫عامها «حسين عبدالقادر» بمسرحية جان أنوى «بيكيت أو شرف هللا»‪.‬‬ ‫ويظل التساؤل لم مان المنع ثم يسمح للجامعة (‪ )1975‬وقبل السماح للقومى من جديد‬ ‫بتقديمها !!!!!‬ ‫ثم تأتى رسول من قرية تميرة لإلستفسار ن مسألة الحرب والسالم (‪ ،)1974‬ليعاود‬ ‫فى نهاية العام (‪ )1974‬أهل الكهفأ والمنع للعرض لما يزل يعزف نشازه‪ ،‬وما أكثر‬ ‫ما قدم المحمود من إبداعات مسرحية‪ ،‬وقصصية بل وسينمائية‪ ،‬وفى كل عمل من‬ ‫أعماله سيجد الناقد فى تقويم ودراسته ما يشى بعديد من ديناميات شخصيته ومواقفه‬ ‫من قضايا الواقع وما يحسه دورا واجبا لبث وعى بقضايا الوطن ومعاناة إنسانه‪،‬‬ ‫بل وأمته‪ ،‬ومن قبل ومن بعد سيجد الدارس ألى من أعماله كيف أن المحمود يخفف‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪25 24‬‬


‫من الصراعات التى تتوهج لهيبها بداخله ليطفئها برائع إبداعهالذى يبثه ليتخفف من‬ ‫نفسه من لظى مايدور رحاه بروحه الشفيف ( وقد يكون ذلك فى مستوى ال شعورى)‬ ‫وإن لم ننف عنه قصدية بعينها إيمانا من المحمود بدور الفن والفنان فى إيقاظ الوعى‬ ‫بالدور والرسالة‪.‬‬ ‫وفى هذا السياق‪ ،‬أحسب أن إدارة المهرجان بوعيها الذى يتبدى فى مظاهر عديدة ال‬ ‫تخطئها العين برائع بصائرها فى عديد من جنبات تنظيم المهرجان لن تغفل إعداد‬ ‫قائمة بأعمال محمود فى ثبت زمانى‪ ،‬ومعها ليت وزارة الثقافة تقوم بإعداد طبعة‬ ‫كاملة بأعماله المسرحية والقصصية‪ ،‬وإعداد جزء خاص لضم فرائد الدراسات النقدية‬ ‫عن أعماله‪ ،‬وليتنا النغفل ما كتبه من سيناريوهات ألعماله السيبنمائية وبخاصة التى‬ ‫أعدها عن أعمال ديستويفسكى وقد قدم العديد منها بعد أن قام بتمصرها‪ ،‬ومنها اإلخوة‬ ‫األعداء والجريمة والعقاب‪ ،‬والشياطين‪ ،‬وما أكثر المحمود من أعمال ممصرة‪ ،‬ل‬ ‫وقدمت العديد من أعماله فى سوريا (وقد تزوج فى سوريا من السيدة سهام وكانت‬ ‫آخر زوجاته‪ ،‬وكانت مهندسة ديكور بالتليفزيون السورى‪ ،‬وأنجب منها هبة)‪ ،‬وتقول‬ ‫عنها البرنسيس هالة «كانت جميلة وبنت ناس»‪ ،‬وكم أسعدتنى البرنسيس بزيارة‬ ‫عزيزة ـ كم وددت لو كانت مبكرة هونا و‪ ..‬وأن تتكرر ألستجلى عديداً من جنبات‬ ‫شخصية المحمود والذى أشارت إلى آيات من ديناميات شخصيته‪ ،‬وبدأتها بمثاليته‬ ‫ونزعته للكمال التى قالتها باإلنجليزية (والغرابة فى ذلك وهى خريجة قسم الدراسات‬ ‫القديمة ‪ perfictionism‬وآدابها كما سبق القول) والتى أشارت إلى أنه كان نعم األب‬ ‫الذى جمع فى وجدانه بها وبأخيها دور األم أيضاً فى حنوه ورعايته لهما وإن كان مع‬ ‫حنوه لم يقرن الحنو بالتدليل الذى كان يكرهه بل كان أكثر من ذلك قد يقبل ابنته لكنه‬ ‫أبداً ال يحتضنها وكم كان يكره الكذب ويعتبره آفه ال تصح‪ ،‬وكان دوماً ما كان يقرأ‬ ‫عليها العديد من أعماله كما تحدثت عن حسه الوطنى وإيمانه بقضايا مصره وأمته‪،‬‬


‫وأما الصهاينه فكم كان ذكر أسمها يدفعه ليقرنها بالعصابة‪ ،‬ويتكلم عنها بضمير‬ ‫القاضى الذى يدين السارق والقاتل والمغتصب للحقوق‪ ..‬وكيف أن نصه المسرحى‬ ‫« رسول من قرية تميرة‪ »...‬كان دافعاً لشرائه قطعة أرض على طريق اإلسماعيلية‬ ‫ال تقل على مائة فدان وأسماها قرية تميرة‪ ،‬وكم أرادت بعض الشركات‪ ،‬وإحداها‬ ‫عالمية‪ ،‬كم ساومته تغويه بأرقام قد تثير لعاب غيره لكن كيف لضمير القاضى أن‬ ‫يغير من أحكامه ما دامت ال تحتمل شذرة من تغيير‪ ،‬لقد كان عنيداً فى الحق‪ ،‬مناضالَ‬ ‫من اجل قضايا وطنه‪ ،‬وال يهدأ فى الدفاع عن إنسانها وحقوقها وكم كان يبذل الجهد‬ ‫سهراً ال فى الكتابة فحسب بل كان قارئاً نهما وباحثاً ال يكف عن مصادر ألعماله‪،‬‬ ‫وبخاصة تلك التى كان يقوم بإعدادها عن نصوص عالمية‪ ..‬وما أكثر ما تحدثت‬ ‫اإلبنة عن بحثه الدءوب عن المصادر التى تعينه على مزيد و‪ ..‬وهنا ال مفر من أن‬ ‫أذكر وقعتين تذكى وتؤكد ما تقوله البرنسيسة هالة‪ ،‬وفى «أرض ال تنبت الزهور»‬ ‫كان مصدره التراثى كتاب (مجمع األمثال) للميدانى «أبو الفضل أحمد بن محمد بن‬ ‫احمد بن إبراهيم النيسابورى‪ ،‬الميدانى»‪،‬‬ ‫وفى حوار بيننا علم أننى أملك طبعة حققها وفصلها وضبط غرائبها وعلق حواشيها‬ ‫العالمة محمد محيى الدين عبدالحميد‪ ،‬ولم يكن مفر من أن يصحبنى للمنزل حتى‬ ‫يتأكد مما أقول‪ ،‬وقد كان ذا طابع وسواسى تؤكده نزعته للكمال‪ ،‬وبعدها إل أقرب‬ ‫محل تصوير لتصوير المثل كما جاءت فى هذه الطبعة بحواشيها وضبتها‪.‬‬ ‫وأما األهم من ذلك كله الذى ادخرته ليكون خاتمة مطاف فى التذكرة بإلماحات على‬ ‫تدقيقه وسعيه الذى ال يكل فى سبر غور المعرفة‪ ،‬وواتصل ذلك إبان خالفه مع‬ ‫األستاذ حسام الدين مصطفى بشأن إعداده «اإلخوة كرامازوف»‪ ،‬وخاصة فى بنيتها‬ ‫الدرامية فى اإلعداد ولغة الحوار التى تعبر عن شخصياتها‪ ،‬وأيضأ رأيه فى بعض‬ ‫ممثلى األدوار‪ ،‬وبخاصة دور «إليوشا»‪ ،‬وكم كان معترضا على من قام بالدور إذ‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪27 26‬‬


‫رآه مغايرا تما للشخصية كما كتبها «ديستويفسكى»‪ ،‬ومع إشتداد الخالف مع المخرج‬ ‫الذى لم يقتنع أيضا بوجهة النظر التى ال سبيل لخالف عليها وأعنى بذلك ماتناقشنا‬ ‫فيه حول مقالة متفردة لـ «سيجموند فرويد» كتبها لتكون تقديما للطبعة األلمانية كما‬ ‫طلبها الناشر‪ ،‬ومع الطلب كتب فرويد مقاله المتفرد بحق «ديستويفسكى وجريمة قتل‬ ‫األب ‪ Dostoevsky &Parricide‬فيه يربط فرويد بين المبدع دستيوفسكى وتاريخ‬ ‫حياته والعمل الروائى بقدر ما يقدم فى اآلن نفسه الجديد عن دستيوفسكى فى أبعاد‬ ‫ثالثة‪ ،‬المبدع‪ ،‬العصابى (الذى سبق وأشرنا إلى أن المبدع ينحبس فى ذاتيته) ليفوز‬ ‫بصروحه الفنية التى يتشابك فيها الذاتى برؤاه بالوا قع وما يرنو إليه فى دفع المتلقى‬ ‫ليعى بصائر الغد‪ ..‬ويحرك فهمه ليدفعه ألدوار جديدة‪.‬‬ ‫لكنه أيضاً يشير إلى بعد ثالث حيث اآلثم‪ ،‬فقد كان دستيوفسكى مقامراً‪ ..‬لكن أهم‬ ‫من ذلك‪ ،‬وهو نقطة الخالف التى أستعرت مع حسام مصطفى‪..‬لكن نحى بإلتزام‬ ‫المحمود برأى فرويد من ان كل من األخوة كان مستوى الشعورى يرغب فى‬ ‫القيام الجريمة ( قتل األب فيدروفيتش فى النص األصلى)والتى يتهم فيها دميترى‬ ‫ويحكم عليه بالنفى بخمسة وعشرين عاما فى سيبريا على جريمة لم يقترفها‪ ،‬وعندما‬ ‫يحاول أخويه إيفان وإليوشا أن يدبرا رشوة الحرس لتهريبه إذ بديمترى يرفض ذلك‬ ‫بإصرار ( على جريمة لم يقترفها ) ويصر أخوه إليوشا الراهب الذى أختار الدير‬ ‫للبعد عن هذه األسرة‪ ،‬إذ به يصر على مرافقة أخيه لمنفاه (على جريمة لم يقترفها‬ ‫)‪ ،‬وبالمثل تضطرب بنية إيفان (على جريمة لم يقترفها )‪ ،‬وإن إنتهى العمل بإنتحار‬ ‫أسمردياكوف ( األخ والخادم وأبن بلهاء القرية التى ألتقى بها األب الذى تخلى عن‬ ‫كل القيم إلى الحد الذى ينافس أبنه «ديمترى» فى حبه لبروشينكا‪ ،‬وتستعر الخالفات‬ ‫بين المحمود وحسام‪ ،‬وفى حوارى مع المحمود هاهو يختار الحل الحاسم بضمير‬ ‫القاضى‪ ،‬وهو ال يكتب اسمه فى تيترات العمل‪،‬لكن ثمة بعد تناقشت فيه مع المحمود‬


‫بقيمه والتزامه رؤيته مادامت تتسم وما يراه األمثل وإن كانت بعيدة عن أبعاد خالفه‬ ‫مع حسام مصطفى‪ ،‬وإن اتصلت هذه المرة بكثير من حياة دوستيوفسكى والتى‬ ‫وجدت مساربها فى العمل الروائى‪ ،‬وأن والده هو نفسه قتل على يد فالحيه‪ ،‬وأن‬ ‫دوستيوفسكى كان متهما بمحاولة إغتيال بطرس األكبر‪ ،‬وحكم عليه باإلعدام‪ ،‬وفى‬ ‫لحظة تنفيذ الحكم صدراألمر بتخفيه للنفى أربع سنوات بسيبريا‪ ،‬ومن غرائب ماكتشفه‬ ‫فرويد أن دوستوفسكى كانت تنتابه أعراض صرع ( وهى أعراض اسمردياكوف‬ ‫فى العمل الروائى)‪ ،‬وقد توقفت هذه األعراض إبان منفاه‪ ،‬وهو مانفى معه فرويد‬ ‫أن يكون دوستيوفسكى مصابا بالصرع (فالصرع عرض تثبت فيه إصابة عضوية)‪،‬‬ ‫فكيف يتوقف‪ ،‬لقد أعاد فرويد تشخيص حالة المبدع باعتبارها بغية هيستيريةو‪..‬‬ ‫و‪..‬وليس لنا إال أن نؤكد من جديد أن المبدعون ال يموتون‪ ،‬ونحسب أن المحمود‬ ‫سكن فى قلوب قارئيه‪ ،‬ومشاهدى أى من أعماله‪ ،‬فكم أسس من صروح فى المسرح‬ ‫والسينما والقصة‪ ،‬وما أكثر ما قدم‪ ،‬وهو الذى انتقل لخلوده‪ ،‬وهو الذى لم يتجاوز‬ ‫إحدى وخمسين قدم بين يديه إبداعا يوقظ العقول‪ ،‬ويأخذ بيد من ال يعلم إلى فوائد من‬ ‫علم ومعرفة‪ ،‬وفى المأثور»أن العلماء ورثة األنبياء»‪ ،‬وأحسب أنه مما قدمه بين يديه‬ ‫من مشاعل تنير السبيل لتزيل عن العقول ظالمها‪ ،‬فال غرو أن يكون هو نفسه سماء‬ ‫أخرى كم أضاء من أنجم إبداع تنشر سطوع أنوارها فى العقول قبل المتون‪ ...‬وسالم‬ ‫سالم‪..‬مسالم سالم عليه فى الخالدين إلى أن نلقاه‬

‫امللتقى الفكري‬

‫‪29 28‬‬


‫القضايا االجتماعية والشكل الفني في مسرحيات محمود دياب‬ ‫شيــماء توفيــق‬ ‫يعد محمود دياب (‪ )1983-1932‬واحد من رواد المسرح المصري والعربي في‬ ‫ستينيات وسبعينيات القرن الماضي‪ ،‬ورغم إبداعه منذ بداية رحلته الفنية واألدبية‬ ‫كقاص من خالل مجموعة قصصية قصيرة باسم «خطاب من قلبي»‪ ،‬ورواية قصيرة‬ ‫هي «الظالل في الجانب اآلخر»‪ ،‬وما تأكد معها من إمكاناتفنية وموهبة كانت تؤهله‬ ‫ألن يحتل مكانة متميزة كروائي في السنوات التالية‪ ،‬إال أنه احتل هذه المكانة في‬ ‫مؤكدا على كتابته الفريدة‪.‬‬ ‫المسرح منذ ذلك الوقت وحتى اآلن‬ ‫ً‬ ‫في أواخر الخمسينيات ومع مطلع الستينيات من القرن العشرين يبدأ محمود دياب‬ ‫رحلة الكتابة‪ ،‬تلك الفترة التي تزخر باألحداث السياسية لمجتمع يعيش نتائج ثورة‬ ‫يوليو التي قامت قبل سنوات قليلة‪ ،‬وعلى المستوى الفني والفكري تشهد مصر حركة‬ ‫فنية وثقافية كبيرة‪،‬فعلى سبيل المثال يظهر االتجاه الواقعي في المسرح‪ ،‬والذي‬ ‫رائدا من رواد المسرح الواقعي‬ ‫تبلور من خالل مسرحيات نعمان عاشور الذي يعد ً‬ ‫مقتربا من المتلقي وقضاياه في مجتمع ما بعد ثورة يوليو‪ ،‬كما ظهر خالل‬ ‫االشتراكي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مسرحيات غيره من كتاب المسرح مثل سعد الدين وهبة‪ ،‬وفي هذا االتجاه ظهرت‬ ‫األعمال المسرحية زاخرة بالشخصيات التي يستخدمها الكاتب كرمز صريح لطبقة‬ ‫بعينها أو للوطن بشكل عام‪ ،‬ونلحظ ذلك في مسرحية «الناس اللي تحت» لنعمان‬ ‫عاشور التي عبر من خاللها عن أفول نجم طبقة وصعود أخرى في مجتمع ما بعد‬ ‫الثورة‪ ،‬وكتابات سعد الدين وهبة الذي ذهب بمسرحه إلى القرية لمناقشة قضايا أبنائها‬ ‫كما اتضح في «كوبري الناموس» و«كفر البطيخ»‪ ،‬كماظهرت آثار الفكر الغربي‬ ‫في كتابات البعض على مستوى تكنيك الكتابةورسم الشخصيات كما في مسرحيات‬


‫ميخائيل رومان مثالً‪ ،‬األمر الذي ظهرت معه على الجانب المقابل دعوات التأصيل‬ ‫لمسرح مصري وعربي من خالل بعض الكتاب والمفكرين على نحو ما قام به يوسف‬ ‫إدريس عام ‪ ،1964‬وكذلك دعوة توفيق الحكيم خالل دراسته المعنونة باسم قالبنا‬ ‫المسرحي عام ‪.1967‬‬ ‫في خضم هذه االتجاهات يخرج محمود دياب بنصوص مسرحية ذات طابع خاص‪،‬‬ ‫وإن كان يتم تصنيف كتابته بأنها تنتمي لالتجاه الواقعي فإنه يتحرر من األزمة التي‬ ‫أسيرا لرمزية الشخصية التي تسم الكتابات المنتمية له‪،‬‬ ‫أصابت هذا االتجاه وال يبقى ً‬ ‫فعلى سبيل المثال نجده عبر بدقة عن القرية والعالقات القائمة بين أفرادها‪ ،‬وفي‬ ‫الوقت ذاته يتخطى حدود القرية وقضاياها وصوالً لقيم وعالقات إنسانية‪ ،‬ومن ثم‬ ‫ونفسيا دون االنحصار في إطار الرمز‪ ،‬وفي‬ ‫فنيا‬ ‫استطاع تجسيد عالم القرية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تجسيدا ً‬ ‫تكنيك الكتابة نجده اعتمد في أكثر من مسرحية على شكل السامر الشعبي‪ ،‬محققا‬ ‫بذلك خطوة بارزة في دعوة تأصيل لمسرح مصري وعربي‪ ،‬تلك الدعوة التي نادي‬ ‫كثيرا ما ظهرت في‬ ‫بها إدريس ولم تتحقق بشكل جلي في كتاباته المسرحية‪ ،‬بينما ً‬ ‫مسرحيات محمود دياب‪.‬‬ ‫المركز واألطراف‪:‬‬ ‫لعل العالقة بين المركز واألطراف من أبرز القضايا التي ظهرت في مسرحيات‬ ‫طارحا للكثير من‬ ‫محمود دياب‪ ،‬والتي يتخذها منطلًقا لعرض شتىاإلشكاليات‬ ‫ً‬ ‫التساؤالت‪،‬فكثيرا ما يتكرر تجسيده للقرية التي تبعد عن المدينة وتعاني بشكل أو‬ ‫ً‬ ‫بآخر من العزلة عن العالم الخارجي وما يترتب على ذلك من فسادوجهل وتخلف‪،‬‬ ‫وفي داخل القرية ليستلدى أبنائهاالرغبة في السعي لمعرفة هذا الخارج بل إن الجموع‬ ‫تتجاهل للرأي المستنير إن ُوجد‪ ،‬أو أن اآلراء الممثلة لهذا الرأي تعزل ذاتها متعالية‬ ‫عن الجموع‪،‬ففي مسرحية «الزوبعة» والتي كتبت عام ‪ ،1966‬يعرض الكاتب منذ‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪31 30‬‬


‫البداية الحال التي عليها هذه القرية وأبنائها منذ القدم‪ ،‬وبالتحديد يتم تأكيد الظلم الواقع‬ ‫ويحكم عليه‬ ‫على إحدى األسر التي ُيتهم عائلها ظلما بارتكاب جريمة لم يرتكبها ُ‬ ‫نظرا لوجود شاهدي الزور وحالة الصمت المخيمة على‬ ‫عاما ً‬ ‫بالسجن لمدة عشرين ً‬ ‫الجموع التي تبدو ساكنة‪ ،‬واألمر لم يكن حديث العهد من ظلم أهل القرية لعائل هذه‬ ‫ظلم الجد أيضأ وسط التجاهل والصمت التام‬ ‫األسرة «حسين أبو شامة» بل إنه سبق و ُ‬ ‫من الجميع‪.‬‬ ‫مع انتشار نبأ خروج «حسين أبو شامة» من سجنه وعودته للقريةمن خالل‬ ‫ ‬ ‫الشقيقان الثرثاران سرعان ما يدب الرعب في نفوس الجميع‪ ،‬وخاصة مع استعادة‬ ‫أحدهم توعد األول بأنه سوف يقوم باالنتقام من الجميع بأن يقتل عدد من أفراد القرية‬ ‫ظلما في السجن‪ ،‬هذا النبأ الذي يثير الخوف لدى‬ ‫يوازي عدد السنوات التي قضاها ً‬ ‫الجميع بداية من مرتكبي الجريمة الحقيقيين وصوالً لمن شاركوهم بالصمت‪ ،‬من هنا‬ ‫مكتفيا‬ ‫فإن شائعة عودة أبو شامة‪ ،‬والذي لم يستطرد الكاتب ويتوسع في الحديث عنه‬ ‫ً‬ ‫بظالل حضوره على الحدث رغم الغياب المادي‪ ،‬إنما هي شائعة تمثل حافز عمل‬ ‫على تحريك الوسط الساكن للكشف عن المنظومة الهشة التي تقوم عليها العالقات‬ ‫داخل القرية‪ ،‬وعملت على إزاحة الستار عن مفاسدها‪ ،‬فصالح االبن الذي يعاني من‬ ‫نبذ أبناء القرية له وال يرعاه سوى «الشيخ يونس»‪ ،‬والذي رغم ما يكنه له أبناء‬ ‫ضريرا على المستوى‬ ‫مؤثرا على مواقفهم‪ ،‬بل يبدو‬ ‫ً‬ ‫القرية من تقدير إال أنه ال يظهر ً‬ ‫وعاجزا عن الفعل‪ ،‬وحتى االحتفال الذي ُيقام ألحد أثرياء القرية «الحاج‬ ‫الجسدي‬ ‫ً‬ ‫شعالن» الحريص على المظاهر الدينيةوالعائد لتوه من أرض الحجاز‪ ،‬ذلك االحتفال‬ ‫الذي يتجمع فيه أهل القرية سرعان ما يتأكد أنه قام باالستيالء على أرض صالح‪ ،‬مع‬ ‫انتشار النبأ سرعان ما يتغير موقف الجميع تجاه أسرة أبو شامة‪ ،‬وبالطبع ليس نتيجة‬ ‫لالعتراف بالخطأ بقدر ما هو خوًفا من العقاب عند عودته‪ ،‬واألمر يصل لذروته‬


‫عند اعتراف أحد مرتكبي الجريمة الفعليين «حسن األعرج» أمام الجميع بالمشاركة‬ ‫عمر»مؤكدا على براءة «أبو شامة» أمامهم‪،‬‬ ‫مع آخر من أعيان القرية هو«خليل أبو‬ ‫ً‬ ‫األمر الذي يتسبب في مقتله دون الكشف الصريح عن هوية القاتل‪ ،‬ومن هنا يزداد‬ ‫الشعور بالخوف لدى الجميع والتي ينتج عنها محاولة استرضاء االبن «صالح» الذي‬ ‫كان ينبذه الجميع ويسلبون حقوقه المادية والمعنوية‪ ،‬ورد ما سلبوه من حقوق‪ ،‬وعلى‬ ‫راضيا رغم ما‬ ‫الرغم من التأكيد على أن أبو شامة لن يأتي ألنه قد توفى منذ سنوات‬ ‫ً‬ ‫تعرض له من ظلم ولم يكن ينوي أي انتقام‪ ،‬إال أن شائعة عودته قد أزاحت الستار عن‬ ‫طبيعة العالقات بين أهل القرية الذين اعتادوا فعل الظلم بالقيام به أو بغض الطرف‬ ‫عنه‪ ،‬ولم تعد الشخصيات كما كانت مع بداية الحدث‪ ،‬ومن الجدير بالذكر تأثر محمود‬ ‫دياب هنا بمسرحية «المفتش» للروسي نيقوالي جوجول التي كتبها عام ‪،1835‬‬ ‫وخاللها ينطلق الحدث مع نبأ وصول المفتش إلحدى المدن الصغيرة‪ ،‬ومع هذا النبأ‬ ‫الذي ينقله الثرثاران المتالزمان‪ ،‬وبأسلوب كوميدي يكشف الكاتب عن منظومة الفساد‬ ‫العامة التي تحكم العالقات ومؤسسات المدينةبداية من حاكمها وصوالً ألفراد شعبها‪،‬‬ ‫وحتى من يظنه الجميع هو المفتش ال يخلو من فساد‪ ،‬حيث يقوم وخادمه باستغالل‬ ‫الجميع‪ ،‬إال أن جوجول ينهي مسرحيته بنبأ وصول المفتش الحقيقي‪ ،‬األمر الذي معه‬ ‫يتوقع المتلقي ما سوف تواجهه هذه المنظومة الفاسدة التي تمت تعريتها مع المفتش‬ ‫المزعوم‪.‬‬ ‫وفي مسرحية «ليالي الحصاد» التي كتبها محمود دياب عام ‪ 1968‬يدور الحدث‬ ‫أيضا في إحدى القرى المنعزلة في ليلة سمر من ليالي الحصاد‪ ،‬ومن خالل تكنيك‬ ‫ً‬ ‫المسرح داخل المسرح يقوم الكاتب بالتعريف بالشخصيات‪ ،‬فأهل القرية هنا ال‬ ‫يقومون بتجسيد لعبة خارجهم‪ ،‬بل إنهم يجسدون واقعهم ويقومون بتقليد بعضهم‬ ‫البعض في مرآة ذواتهم‪ ،‬ففي بداية لعبة التشخيص يقوم أحدهم بأداء ساخر للشيخ‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪33 32‬‬


‫حجازي حين تمت سرقة حمارته‪ ،‬األمر الذي يثير حفيظته ويوشك على مغادرتهم‪،‬‬ ‫ثم يقوم الممثل بتعريف المتلقي مباشرة بشخصية «البكري» المرفوض من أهل القرية‬ ‫أيضا‪ ،‬كما أنهم يرفضون «صنيورة» ابنته بالتبني التي كان قد وجدها‬ ‫وهو يرفضهم ً‬ ‫في لفافة بجوار أحد القبور‪ ،‬والتي أصبحت شابة يشتهيها ويرفضها في ذات الوقت‬ ‫رجال القرية‪ ،‬وتكنلهانساءالقريةالحقد لما تمتلكه من جمال يأسر شيوخ القرية وشبابها‬ ‫ونظرا لتكرار‬ ‫الذين يتجمعون بالقرب من مسكنها أو يقومون بمحاوالت التودد لها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫هذا الفعل يشارك أحدهم وهو «علي الكتف» وهو من عاشقي «صنيورة» وكان قد‬ ‫تقدم للزواج منها ولكن البكري يرفض جميع خطابها‪ ،‬فيقوم الكتف بتقليد البكري وهو‬ ‫يعنف من يجلسون بجوار مسكنه خوًفا على ابنته بالتبني‪ ،‬وعلى الرغم من رفض أهل‬ ‫سببا لجميع الشرور في القرية إال أنهم ال‬ ‫القرية للبكري و صنيورة ورؤيتهم بأنهما ً‬ ‫يستطيعون الخالص من البكري ألنه يقوم باستشفاء الماشية عن طريق الكي بالنار‪،‬‬ ‫أحيانا‪ ،‬مع تكشف مالمح الشخصيات يقوم الكاتب‬ ‫بل إنهم يلجأون إليه الستشفائهم‬ ‫ً‬ ‫بإدانة الجميع‪ ،‬فهذه القرية تنعزل عن العالم الخارجي بفعل أحد أبناء القرية ذاتها وهو‬ ‫«بكري» الذي قام بكسر «المعدية» التي كانت تصل القرية بقرية «العالية» المجاورة‬ ‫حتى ال يتمكن حبيب صنيورة من الوصول إليها‪ ،‬وذلك ما يؤكده البكري ذاته أثناء‬ ‫اللعبة التمثيلية الداخلية‪ ،‬األمر الذي حال دون وصول الشيخ نور الدين إمام المسجد‬ ‫إلى القرية ليؤم المصلين‪ ،‬وهو ذاته يرفض أن يسلك طريًقا أخرى قد تستغرق منه‬ ‫بعض الوقت للوصول إلى القرية‪ ،‬رغم معرفته أنه ليس من أبناء القرية من يصلح‬ ‫كإمام للمصلين‪ ،‬وما يكسر عزلة هذه القرية نجده يتمثل في قصاصات الجرائد التي‬ ‫يمسك بها البكري وهو ذاته ال يستطيع قراءتها‪ ،‬وهذه القصاصات الورقية ال تحمل‬ ‫سوى صورة شائهة من أنباء عن حوادث أو جرائم‪ ،‬وفي الوقت الذي تُستخدم فيه‬ ‫أيضا من خالل اللعبة الداخلية حين‬ ‫اللعبة التشخيصية في التعريف بالقرية وأهلها يتم ً‬


‫يجسد البكري دور القاضي وحين يواجه باالتهامات من أهل القرية فإنه يؤكد على‬ ‫ان صنيورة تستحق الموت‪ ،‬وهنا يتحرك «علي الكتف» من مستوى اللعبة الداخلية‬ ‫لتحقيق هذا الحكم في لعبة التمثيل الخارجية حيث واقع القرية‪ ،‬إال أنه في واقع األمر‬ ‫سببا في أي من شرور وآفات القرية‬ ‫لم يقم إال بقتل «بهية» الفتاة البريئة التي لم تكن ً‬ ‫التي ظهر جميع أفرادها في موقف اإلدانة‪.‬‬ ‫أما مسرحية «رسول من قرية تميرة لالستفهام عن مسألة الحرب والسالم»التي‬ ‫ُكتبت عام ‪ 1974‬في أعقاب حرب أكتوبر‪ ،‬خاللهايتعرض محمود دياب للعالقة بين‬ ‫أيضا‬ ‫المركز واألطراف من خالل القرية التي نتعرف عليها منذ البداية‪ ،‬ونتعرف ً‬ ‫على مجتمع المدينة بسلبيات كل منها‪ ،‬ففي البداية نتعرف على قرية تميرة إحدى قرى‬ ‫مصر التي تبعد عن المدينة وشبه منعزلة عنها‪ ،‬فال يقف عندها القطار بل إن حافلة‬ ‫األقاليم قد تتوقف أمام القرية للحظات‪ ،‬وعلى الرغم من عزلة هذه القرية الصغيرة‬ ‫عن المدينة إال أنه هناك خمسة من أبنائها مجندون‪ ،‬عند عودة أحدهم وهو «فكري‬ ‫أبو إسماعيل» لقضاء إجازته‪،‬فسرعان ما يظهر الصراع بينه وبين عمه «دسوقي»‬ ‫الذي يطمع في االستيالء على فدان األرض الخاص بفكري وأخيه ووالدتهما‪ ،‬بدعوى‬ ‫أن أخاه قد باعه له قبل وفاته بشهادة إثنين من رجال دسوقي اللذين يتأكد زيفهما‬ ‫خالل حوار والدة فكري‪ ،‬وعلى الرغم من معرفة أهل القرية لشراهة العم إال أن‬ ‫موقفا فاعالً لرده عن جوره‪ ،‬بل إنه خالل حوارهم يذكر «أبو عارف»‬ ‫أحدا ال يتخذ ً‬ ‫ً‬ ‫الذي يمثل الرأي المستنير في القرية تاريخ دسوقي المزدحم بوقائع االستيالء على‬ ‫الممتلكات العامة والخاصة واآلن يحين الدور على أبناء أخيه‪.‬‬ ‫تظهر القرية منعزلة منذ البداية عن خارجها وال يصلها بما يحدث في المدينة‬ ‫دائما ما يتحرك بها «أبو عارف»والراديو الخرب الذي يحمله‬ ‫سوى الجريدة التي ً‬ ‫«محروس» والذي من خالله يعرف أهل القرية عبر صوت متقطع نبأ قيام الحرب‪،‬‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪35 34‬‬


‫وهنا يقرر أهل القرية إيفاد أحدهم إلى المدينة لمعرفة ما يدور ومصير أبنائهم‪،‬‬ ‫فيقومون بجمع المال الالزم لسفر «أبو عارف»‪ ،‬وفي المدينة وبينما كان يذهب ألحد‬ ‫أبناء القرية الذي يعمل بمقر إحدى الصحف الذي يعرف أنه كان قد سافر للخارج‪،‬‬ ‫فال يتمكن رسول القرية من معرفة أنباء بل يظهر اإلعالم المتجسد في الصحفية‬ ‫والمذيعة في غاية السطحية ال يسعى للقيام بدوره التنويري‪،‬األمر الذي ال يصل معه‬ ‫«أبو عارف» ألية معلومات‪ ،‬وعند العودة للقرية وتأنيب أهلها له لعدم توصله ألية‬ ‫معلومات عن أبنائهم‪ ،‬سرعان ما تصل سيارة عسكرية تخبرهم باستشهاد فكري خالل‬ ‫الحرب‪ ،‬وهو الحدث الذي يدفع أهل القرية للتكتل في مواجهة العم دسوقي ومنعه من‬ ‫االستيالء على أرض فكري الذي استشهد وهو يدافع عن أرض وطنه‪ ،‬في موازنة من‬ ‫الكاتب بين دسوقي والعدو اإلسرائيلي حيث يسعى كل منهما لالستيالء على األرض‪،‬‬ ‫وتأكيد في نهاية المسرحية على أن الحرب لم تنته بعد‪.‬‬ ‫من خالل النماذج السابقة يظهر محمود دياب وقد اتخذ القرية للتعبير عن‬ ‫شخصيات من لحم ودم تحكمها بيئة القرية وتفاصيلها‪ ،‬وفي الوقت ذاته يمكن أن‬ ‫مناقشا من خاللها موضوعات وطبائع إنسانية‬ ‫تنسحب العالقات على المجتمع بشكل عام ً‬ ‫تتخطى حدود القرية (مكانها وزمانها) ودون إغفال الجانب السياسي واالجتماعي‪،‬‬ ‫عامالً على توظيف ابتعاد هذه القرى عن المدينة في التأكيد على العالقة بين المركز‬ ‫واألطراف وغياب المسؤول وسيادة صوت الجماعة‪.‬‬ ‫مؤثــرات غربيــة‪:‬‬ ‫في الوقت الذي ينطلق فيه محمود دياب من داخل القرية المصرية في أكثر من‬ ‫مسرحية‪ ،‬فإنه اليمك نتجاهل أثر الثقافة الغربية التي ينعكس صداها على كتًّاب‬ ‫المرحلة‪ ،‬فال يمكن غض الطرف عن تأثر دياب بالكتابات الغربية‪ ،‬والتي ظهرت في‬ ‫رائدا فيه‪ ،‬ولعبة تبادل‬ ‫اعتماده على شكل المسرح داخل المسرح الذي يعد بيرانديللو ً‬


‫األدوار والمكانة الهامة للجمهور تلك التي عني بها بيرتولت بريشت في مسرحياته‬ ‫التي تنتمي للمرحلة الملحمية‪ ،‬فاهتم محمود دياب بدور الجمهور وردة فعله ومشاركته‬ ‫في اللعبة المسرحية على نحو ما ظهر في «ليالي الحصاد» و«الهالفيت» حيث يعتمد‬ ‫خاللها على المسرح داخل المسرح فتشارك الشخصيات في اللعبة كمؤدين ومتلقين‬ ‫تماما إلدخال المتلقي ورؤيته في‬ ‫في الوقت ذاته‪ ،‬إلى جانب النهايات الغيرمغلقة ً‬ ‫التفسير وملئ المساحات المسكوت عنها‪ ،‬وال يمكن إغفال تأثير كتابات مسرح العبث‬ ‫التي ظهرت بوضوح في ثالثيته «رجل طيب في ثالث حكايات»‪ ،‬فعلى الرغم من‬ ‫أن الطابع العام الذي تتسم به أعمال محمود دياب يهيمن عليه ااألسلوب التقليدي في‬ ‫البناء‪ ،‬حيث البنية التقليدية التي تتطور وتنمو بشكل هرمي‪ ،‬كمايستخدم األسلوب‬ ‫نفسه فيرسم الشخصيات التي تطالعنا وهي ذات مالمح و بنية نفسية واضحة وتاريخ‬ ‫كثيرا مايبقى الحدث دون نهاية مغلقة‪،‬‬ ‫ُيبنى لدى المتلقي مع تطور الحدث‪ ،‬إال أنه ً‬ ‫بل يبدو حرص دياب على إشراك المتلقي في اللعبة بعد طرح الكثير من التساؤالت‪،‬‬ ‫وفي هذه الثالثية ورغم تمسكه بالبنية التقليدية للحدث وتطوره إال أن المالمح العبثية‬ ‫تتضح من تأثير كتابات صمويل بيكيت ويونسكو من خالل طبيعة الشخصيات التي‬ ‫ال تحمل أسماء أو تتشابه مع غيرها ويتكرر ظهورها في المشهد واختفائها منه دون‬ ‫مبرر يحكمه المنطق‪.‬‬ ‫ففي مسرحية «الرجال ال يشربون القهوة» وبينما يدور الحدث في مكان عني‬ ‫دياب بوصف تفاصيله الواقعية أمام منزل قديم لرجل قارب على الستين من عمره‪،‬‬ ‫إال أن المتلقي سرعان ما يلمح بعض التأثيرات العبثية لدى كتّاب العبث بشكل عام‬ ‫ويونسكو بشكل خاص‪ ،‬بداية من الشخصيات التي ال تحمل أسماء‪ ،‬وصوالً لتكرار‬ ‫واحدا تلو اآلخر يحملون نفس المالمح وينطقون ذات الكلمات في ذات‬ ‫ظهور الغرباء ً‬ ‫الحركة اآللية في تراتب يستدعي معه شخصية رجل اإلطفاء في مسرحية «المغنية‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪37 36‬‬


‫الصلعاء» لـ يونسكو الذي يتكرر ظهوره ووصوله للمنزل رغم تأكيده على أنه قد أتى‬ ‫للمرة األولى إلى هذا المنزل إلخماد الحريق الغير مشتعل في األساس‪ ،‬أو «مرتجلة‬ ‫ألما» لذات الكاتب حين يتوافد على شخصية «يونسكو» الكاتب ثالثة من الشخصيات‬ ‫التي تحمل االسم ذاته‪ ،‬فيتوافد الغرباء في مسرحية دياب ال يحملون أسماء أو تاريخ‬ ‫لكل منها وفي النهاية يقومون بتمزيق كافة األوراق التي تثبت هويته أو تؤكد على‬ ‫امتالكه لبيته‪.‬‬ ‫وفي مسرحية «الرجال لهم رؤوس»وفي الوقت الذي يدور فيه الحدث بين‬ ‫رجل وزوجته داخل منزلهما الذي يعرض الكاتب لمفرداته الواقعية في بداية المشهد‬ ‫معا وصوالً للحديث عن عمل‬ ‫كما يدور بينهما حوار تقليدي رتيب حول حياتهما ً‬ ‫الزوج‪ ،‬يستعير دياب «الجثة» التي ظهرت لدى كتّاب مسرح العبث للموازنة بينها‬ ‫وبين الرجل العاجز عن الفعل في حين أنه يعاني من القهر في وظيفته ويتم تخطيه‬ ‫في الترقية التي يستحقها ثالث مرات‪ ،‬ورغم ذلك ال يهب للدفاع عن حقه المسلوب‬ ‫رغم حث الزوجة له على المواجهة‪ ،‬بل إنه يصر على الموقف السلبي غير الفاعل‪،‬‬ ‫وهنا يدق جرس الباب معلنا عن وصول طرد ضخم تم إرساله للرجل يحمل بداخله‬ ‫صغيرا بداخله الرأس التي‬ ‫جثة رجل عار بغير رأس‪ ،‬وسرعان ما يصل صندوًقا‬ ‫ً‬ ‫ترى فيه الزوجة مالمح زوجها‪ ،‬ومع تطور الحوار بينهما والدور الذي تلعبه الزوجة‬ ‫في دفعه نحو اتخاذ موقف إيجابي إزاء ما يمر به في كافة شئون حياته‪ ،‬هنا يتخذ‬ ‫الرجل قراره بالمواجهة للمرة األولى بأن يخطو أولى خطواته في سبيل المواجهة بأن‬ ‫يتحرك لإلبالغ عن هذه الجثة‪ ،‬عندئذ تختفي الجثة بعد أن تؤكد الزوجة عقب قرار‬ ‫زوجها بالفعل بأنها لم تعد ترى جثة في المنزل‪.‬‬ ‫اقترابا من مسرح العبث‪،‬‬ ‫أما المسرحية الثالثة «اضبطوا الساعات» تعد األكثر‬ ‫ً‬ ‫فالموضوع الرئيس خاللها هو فعل االنتظار‪ ،‬ذلك الفعل الذي يظهر في كتابات‬


‫مسرح العبث ويعتمد عليه صمويل بيكيت في مسرحيته «في انتظار جودو»‪ ،‬حين‬ ‫يبقى فالديمير واستراجون ينتظران مجيئ جودو الذي ال يأتي‪ ،‬وفي مسرحية دياب‬ ‫وخالل منظر لمكان من مفردات واقعية تظهر شخصيات أسرة في المنزل الخاص‬ ‫عاما ورغم ذلك تصر االبنة‬ ‫بها ينتظر أفرادها خطيب اإلبنة الذي اختفى منذ عشرين ً‬ ‫عهدا بانتظاره‪،‬‬ ‫على رفض من يتقدمون لخطبتها منتظرة مجيئه وقد عقدت على ذاتها ً‬ ‫فليس هناك أزمة بالمعنى التقليدي وإنما يظهر الجميع في حالة انتظار مجيئه الذي‬ ‫ال يتحقق حتى النهاية‪.‬‬ ‫من خالل النماذج سالفة الذكر وغيرها من األعمال التي ال تكفيها دراسة واحدة‬ ‫لتناولها‪ ،‬يظهر وعي محمود دياب في مناقشة شتى القضايا ودقته في بناء‬ ‫شخصياته‪،‬وتكثيفهللجمل الحوارية‪،‬في استيعاب تام لطبيعة القرية المصرية ومفرداتها‬ ‫في ذات الوقت الذي قد تنسحب فيه معالجاته لمناقشة قضايا إنسانية أكثر رحابة غير‬ ‫مقتصرة على مكان وزمان محددين في وقت كتابتها‪ ،‬بل إنها كتابات تصلح ألن تقدم‬ ‫هنا واآلن لقدرتها على مناقشة مشكالت واقعنا الراهن دون ان تبقى أسيرة لزمن‬ ‫كتابتها‪.‬‬ ‫ ‬

‫امللتقى الفكري‬

‫‪39 38‬‬


‫المحور الثاني‬ ‫الكتابات المسرحية الجديدة‬


‫حول الفعل المسرحي‪ :‬الظهور والحضور والنص‬ ‫عبد الناصر حنفي‬

‫‪ -1‬مقدمة ‪:‬‬ ‫عالقة ظاهرة المسرح بالنص المسرحي اللغوي أو األدبي‪ ،‬وربما باللغة بصفة عامة‪،‬‬ ‫هي أمر فريد ومثير للدهشة‪ ،‬فقد انبثقت الظاهرة المسرحية في بدايتها لمواجهة هذا‬ ‫التضخم الهائل ألفق التجريد الذي أنتجته الكتابة الصوتية وذلك عبر استردادها أو‬ ‫إعادتها وجلبها داخإلطار التعين الحسي‪ ،‬فحين كانت الحضارة اإلنسانية برمتها تندفع‬ ‫بجنون من الشفاهة إلى التدوين‪ ،‬ظهر المسرح ليسير في االتجاه العكسي ويقوم بتحويل‬ ‫النص المدون إلى حالة عابرة ومتبددة هي أقرب للشفاهة‪ .‬وعندما كانت موجات‬ ‫الحداثة منذ بداية القرن الماضي تتحرك تجاه إعالء النص اللغوي بوصفه الوعاء‬ ‫الوحيد للفكر‪ ،‬والشكل الجوهري لكل تواصل معرفي في العالم‪ ،‬أو ‪-‬باختصار‪ -‬بيت‬ ‫الوجود كما يقول هيدجر؛ كان المسرح يتحرك ‪-‬بعنف ضاري‪ -‬بعيدا عن نصه‬ ‫األدبي إلى أن أنزله من «تعاليه» ‪-‬مرة واحدة وإلى األبد‪ -‬ليصبح مجرد عنصر‬ ‫ضمن مجموعة كبيرة من العناصر المسرحية التي يتكون منها العرض‪.‬‬ ‫ولكن إذا كان المسرح قد انبثق بوصفه نوعا من التحدي لذلك العالم المتفاقم التجريد‬ ‫الذي أنتجته الكتابة الصوتية‪ ،‬فهذا ال يعني أنه قد خرج من جعبة اللغة أو األدب كما‬ ‫يفترض البعض‪ ،‬فالمسرح هو من قام باستدعاء الخطاب األدبي أو الشعري وعمل‬ ‫على مسرحته ثم تطويعه إلى أن تم استحداث نوع أدبي جديد بناء على متطلبات‬ ‫المسرح ذاته‪.‬‬ ‫وربما شيء من المقارنة بين حدثي ظهور المسرح وظهور السينما قد يكون مفيدا في‬ ‫إضاءة هذه النقطة‪ ،‬فنحن نستطيع أن نتفهم بسهولة أن ظاهرة السينما لم تخرج من‬ ‫جعبة السيناريو (اللغوي)‪ ،‬بقدر ما قامت باستحداثه وتطويره ليعمل لصالحها بوصفه‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪41 40‬‬


‫خطة تمهيدية وتنفيذية مفصلة تتيح تطوير الحالة السينمائية األولية إلى كيان جمالي‬ ‫أكثر تعقيدا متمثل في الفيلم السينمائي‪ ،‬وهو نفس ما تم قديما مع المسرح‪ ،‬فالمسرح‬ ‫لم يعدل من ذاته ليستقبل النص‪ ،‬بقدر ما أجبر اللغة األدبية على التعديل من ذاتها من‬ ‫أجل التوافق مع متطلباته الخاصة‪ ،‬وسعيا إلى تحقيقها‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬إذا كان من الميسور الحديث عن متطلبات السينما بوصفها نتاج مباشر لطبيعة‬ ‫هذه التكنولوجيا وتقنياتها وحدودها الحسية وضروراتها العملية‪ ،‬والتي أدت إلى فرض‬ ‫عالقة شبه مستقرة بين الفيلم والسيناريو بحيث أصبح األخير محايثا لألول وممهدا‬ ‫له دون أن يكتسب سلطات النوع األدبي المستقل بذاته؛ فإن تحليل عالقة المسرح مع‬ ‫نصه اللغوي ‪-‬منذ لحظة ظهوره وحتى اآلن‪ -‬هو أمر أكثر صعوبة وتعقيدا بما ال‬ ‫يقاس‪ ،‬فقد شهدت هذه العالقة العديد من التقلبات واإلزاحات واالنقالبات‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إلى أن األشكال والمسارات التي اتخذتها تمر وتتقاطع مع مسارات تطور أشكال‬ ‫التجمع اإلنساني ومع حراك األفق االبستمولوجي الذي يعيد باستمرار رسم حدود‬ ‫معرفتنا بالعالم‪ ،‬إن لم نقل أنه يعيد خلقه‪.‬‬ ‫وستحاول هذه الورقة تهدف طرح بعض التحليالت والتأمالت األولية حول الفعل‬ ‫المسرحي وعالقته بمكوناته ومنها النص‪ ...‬وصوال إلى استعراض بعض تبديات هذه‬ ‫العالقة في ظاهرة المسرح المصري‪.‬‬ ‫‪ -2‬من نظرية المسرح إلى تأسيس فينومينولوجيا المسرح‪:‬‬ ‫ثمة إشكالية منهجية هائلة تواجهها نظرية المسرح؛ فالظاهرة المسرحية ال تكاد‬ ‫تتطابق أبدا مع ذاتها على أي مستوى من مستويات «حدوثها» أو ظهورها‪ ،‬فالعمل‬ ‫المسرحي هو فعل متقطع في الزمان‪ ،‬ومتبدد وعابر؛ أي أن لحظة ظهوره هي مجرد‬ ‫انفتاح مؤقت بين لحظة «عدم وجوده» ولحظة اختفائه أو انعدامه‪ ،‬ولذلك فإن جزء‬ ‫كبير من مسارات هذه الظاهرة مستنفد بالكامل في خلق أفق حضور يمكنه استقبال‬


‫وإعادة إنتاج هذا الفعل وحفظ «أثره» وإتاحة إمكانية تكراره‪ ،‬وعدم التوقف أمام‬ ‫تلك المسارات هو ما أدى دائما إلى انفالت هذه الظاهرة أمام كافة المداخل الجمالية‬ ‫التي تتناول «الحضور المسرحي» بوصفه واقعة بسيطة ومألوفة‪ ،‬أو معطى مطروح‬ ‫مسبقا على نحو ال يستدعي التساؤل عن مصدره أو كيفية حدوثه وظهوره‪ .‬وهذا‬ ‫المنحى يصدق بالطبع على كافة المقاربات المسرحية التي كانت تستمد مفاهيمها‬ ‫وإجراءاتها من «نظرية األدب»‪ ،‬مثلما يصدق على النموذج السيميولوجي الذي ظل‬ ‫يوالي االلتفاف حول فرضياته الخاصة على نحو أحبط الكثير من اآلمال التي عقدت‬ ‫عليه بعد تراجع النموذج الدرامي المهيمن منذ أرسطو‪ ،‬وصوال إلى المدخل األدائي‬ ‫الصاعد بشدة منذ تسعينات القرن الماضي‪ -‬والذي رغم التفاته إلى الفعل المسرحي‬‫باعتباره ممارسة أو «أداء» (‪ )Performance‬إال أن منجزه النظري ال يكاد يتراكم‬ ‫إال حول اقتطاع بعض تبديات هذا الفعل بوصفها عينة تحليلية يتم فحصها من أجل‬ ‫الكشف عن مكوناتها وعالقاتها االجتماعية –أو حتى األنثروبولوجية‪ -‬أكثر مما يتم‬ ‫المضي معها في اتجاه تقصي الظاهرة المسرحية نفسها!‬ ‫وال يقدم تيار الدراسات الفينومينولوجية في مداخالته المسرحية ما يتجاوز كثيرا هذا‬ ‫المشهد النظري المرتبك‪ ،‬فالتأطير الفينومينولوجي التقليدي للعالم داخل حدود الوعي‬ ‫كان يعمل دائما بمثابة حاجزيحد من تحليل حاالت «الحدوث»‪ ،‬و»الظهور»؛ في‬ ‫عالقتها بمفاهيم «الحضور»‪ ،‬و»االستحضار»‪ ،‬وهي العالقات التي تنتج العالم كما‬ ‫هو معاش‪ ،‬مثلما تنتج الفعل المسرحي بوصفه معاشا!‬ ‫وفي هذا اإلطار تأتي مهمة «تأسيس فينومينولوجيا المسرح» بوصفها مشروع يهدف‬ ‫إلى وصف هذه الظاهرة ككل في عالقتها بالعالم‪ .‬وقد ناديت في تحليالت سابقة أن‬ ‫المضي في اتجاه هذه المهمة يتعين عليه أن يبدأ ‪-‬كخطوة أولى‪ -‬من التأطير العام‬ ‫لكل ما هو مسرحي بوصفه حالة خاصة من الممارسة االجتماعية التي تستهدف إنتاج‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪43 42‬‬


‫العالم‪ ،‬وذلك ليس فقط ألن هذه الممارسة هي ما تنتج الفعل المسرحي‪ ،‬بل أيضا ألنها‬ ‫هي ما تقوم باستعادته وإعادة إنتاجه في كافة تبدياته‪ ،‬وبمعنى آخر فهذا الفعل ال يكاد‬ ‫يوجد قط مستقال عن هذه الممارسة عبر كافة لحظات ظهوره أو حضوره‪ ،‬وبالتالي‬ ‫فهذا التأطير يتيح الفرصة لمعاينة أفق انتشار وحضور ما هو مسرحي ككل في‬ ‫الفضاء االجتماعي مثلما يكفل اإلمكانية لرصد عمليات ظهوره وحضوره في العالم‬ ‫عبر كافة تبدياته االجتماعية والجمالية (‪.)1‬‬ ‫أما الخطوة الثانية فتمثلت في إعادة تحليل ما هو مسرحي (بداية من الحاالت األولية‬ ‫بسيطة التكوين‪ ،‬وصوال إلى العرض المسرحي بالغ التركيب) بوصفه ظهور لحزم‬ ‫من «األداءات المتعينة» المتتالية والمتشابكة والتي تمثل استجابة غير مباشرة وغير‬ ‫محددة في عالقتها بأفق ما هو مجرد على نحو يسمح بتمييزها عن كل من األداءات‬ ‫اليومية (اإلجرائية‪ ،‬والمباشرة) واألداءات الطقسية «الغرضية» التي تنبني على‬ ‫توالي االندفاع تجاه تجريد محدد يعمل بمثابة خط النهاية أو نقطة الوصول لكل ما‬ ‫يقدمه الطقس من تعينات حسية (‪.)2‬‬ ‫أما هنا فسنحاول أن نخطو خطوة إضافية نحو تقديم وصففينومينولوجي أولي لعالقة‬ ‫ما هو مسرحي بمكوناته أو عناصره‪ ،‬وهو ما سيتيح لنا ‪-‬ضمنا‪ -‬تأسيس األرضية‬ ‫المنهجية التي تسمح بمقاربة العالقة بين المسرح ونصه «اللغوي»‪.‬‬ ‫‪« -3‬الكوجيتو المسرحي»‪ :‬تدريب ديكارتي على عالقات المسرح والحضور‪:‬‬ ‫وقبل أن نبدأ هذا التدريب الديكارتي يتعين علينا أن نرسم الحدود المنهجية للفضاء‬ ‫«الفينومينولوجي» الذي يمكن له أن يسري داخله‪ ،‬إذتهتم الفينومينولوجيا الكانطية‬ ‫بتحليل «وقع» ما يظهر داخل فضاء الحضور (أو ما يمكن تسميته بظل أو أثر‬ ‫الشيء في ذاته)‪ ،‬وتهتم الفينومينولوجيا الديكارتية الهوسرلية أوال‪ :‬بالوعي باعتبارهما‬ ‫يحضر دوما دون انقطاع (ديكارت)‪ ،‬وثانيا برد ووصف أنماط هذا الحضور ذاته‬


‫(هوسرل)‪ ،‬فيما تولع التحليالت الفينومينولوجية عند هيدجر بما ينكشف بوصفه ما‬ ‫يؤسس أو يعيد تأسيس ميدان الحضور‪ .‬وبالتالي فهذه المقارباتتترك تحليل الظهور‬ ‫وما يظهر خارج إطار التفكير إلى حد ما باعتباره مجرد معطى أولي (وأحيانا قبلي)‪.‬‬ ‫وهو ما يسبب الكثير من المشاكل للفينومينولوجيا أمام «المسرح» الذي هو بالمقام‬ ‫األول لعب في إطار ما يظهر‪ ،‬وليس في إطار ما يحضر فقط (مثلما هو الحال في‬ ‫بعض الممارسات الجمالية األخرى)‪ ،‬فالعمل المسرحي يستهدف باألساس «إظهار»‬ ‫مجموعة من الوقائع المتتالية على نحو منتظم ويمكن تكراره‪.‬‬ ‫ولنبدأ تدريبنا بسؤال يتقصى مبدأ التعليق الفينومينولوجي عبر طرح أو إسقاط كل ما‬ ‫يمكن فصله أو مباعدتهفي ظاهرة المسرح‪ :‬فهل يتضمن الفعل المسرحي مادة بعينها‬ ‫أو مكونا أصليا ال يمكن االستغناء عنه؟وهل توجد نقطة أصل أو «فعل إصدار» أو‬ ‫فاعل مؤسس؛ بحيث أنه باختفاء أو حذف أي منها ‪-‬أو جميعها‪ -‬يختفي أو يتالشى‬ ‫تماما كل ما هو مسرح؟‬ ‫ولسنا هنا بحاجة إلى تعداد وتصنيف «المكونات المسرحية» من أجل فحص مدى‬ ‫ضرورةأو لزوم ارتباطهابالفعل المسرحيأو إمكانية حذفها منه‪ ،‬فهذالمكونات أيا كانت‬ ‫ال تظهر إال داخل مجال حسي‪ ،‬وعادة ما يستخدم الفعل المسرحي حاستي البصر‬ ‫والسمع ليصنع عبر تداخلهما المتزامن مجالظهور مركب يستخدمه كمنصة حضور‬ ‫للتعينات التي يقدمها‪ ،‬غير أن األمر ال يسير دائما على هذا النحو‪ ،‬فنحن نعرف‬ ‫أنبعض «اللحظات المسرحية» تتضمن فترات من االنقطاع الحسي (إظالم‪ ،‬صمت)‬ ‫سواء للحاستين معا‪ ،‬أو إلحداهما دون األخرى‪ ،‬وبالطبع فهذا االنقطاع للمجال‬ ‫الحسي يؤدي إلى اختفاء كل التعينات الحسية المحمولة عليه‪ ،‬وصحيح بالطبع أن هذه‬ ‫االنقطاعات المؤقتة يجري وصلها داخل أفق الحضور الذي يخلقه الفعل المسرحي‬ ‫لنفسه‪ ،‬ولكن هذا يعني أيضا أن الفعل أو «الحدث» المسرحي ‪-‬كما نعايشه‪ -‬ال‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪45 44‬‬


‫يتطابق دائما مع مكوناته الجزئية وال يتوقف عليها‪ ،‬أي أنه ال يظهر بظهورها‬ ‫ويختفي باختفائها‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬وفي حاالت مسرحية بعينها سنشهد انقطاع كامل أو اختفاء دائم‬ ‫لحاسة بعينها‪ ،‬مثلما نجد في حاالت مسرح «المايم» مثال أو المسرح البصري‬ ‫الخالص بشكل عام حيث يتم االستغناء تماما عن حاسة السمع‪ ،‬مقابل المسرح‬ ‫اإلذاعي الذي يسقط حاسة اإلبصار بالكامل‪ ،‬وبغض النظر عن مدى تقييمنا الكتمال‬ ‫أو ابتسار هذه الحاالت المسرحية فهي مطروحة ومنتشرة بهذه الدرجة أو تلك‪ ،‬ناهيك‬ ‫عن أن ثمة «فعل مسرحي ما»هنا ال يمكن تجاهله أو نفيه باطمئنان‪.‬‬ ‫واآلن‪ :‬بما أن كل ما يمكن اعتباره مكون أو مادة مسرحية ال يظهر إال محموال‬ ‫على مجال حسي بعينه‪ ،‬بحيث أن انقطاع ذلك المجال يعني اختفاء أو انعدام تلك‬ ‫المادة‪ ،‬وبما أن الفعل المسرحي يمكنه االستغناء عن أي من مجاالته الحسية األساسية‬ ‫(السمع واإلبصار) بكل ما يتضمنه هذا المجال من مادة أو مكونات أو عناصر مختلفة‬ ‫ومتباينة‪ ،‬فهذا يعني أنه ال يوجد ضمن هذه «المادة» ما يمثل ضرورة مطلقة للفعل‬ ‫المسرحي‪ ،‬وهو ما يشمل كافة العناصر المسرحية التي تم اكتشافها وتطويرها عبر‬ ‫التاريخ‪ ،‬بداية من التمثيلوالنص اللغوي‪ ،‬وصوال إلى السينوغرافياوالميزانسين‪...‬‬ ‫الخ‪ ،‬بحيث سيبدو واضحا «هنا» أن هذه المادة هي مجرد «أعراض ثانوية» أو غير‬ ‫جوهرية؛ يستخدمها الفعل المسرحي كنقطة بداية ال أكثر ثم يصبح بمقدوره التحرك‬ ‫بعيدا عنها‪ ،‬إنها محض أداة يستخدمها الفاعل المسرحي لملء المجال الحسي بما‬ ‫يظهر تمهيدا لتأسيس فضاء حضور مسرحي يمكنه حفظ ذاته حتى عند اختفاء أغلب‬ ‫هذه المادة‪،‬وهو ما ينقلنا من تحليل مكونات الفعل‪/‬الظهور إلى تحليل الفاعل المؤسس‬ ‫للحضور‪.‬‬ ‫ونحن نعرف بالطبع أن الفاعل «المؤسس» في بعض العناصر المسرحية (مثل‬


‫عنصر النص المؤلف‪ ،‬أو عنصر اإلخراج) ال يكون كذلك إال على نحو غير مباشر‬ ‫ومن خالل فاعلين آخرين (الممثلين) يظهرون في حالة تعين حسي‪ ،‬ولكن في‬ ‫بعض الحاالت المسرحية قد ال يكون هناك أي ظهور حسي لفاعل مباشر على وجه‬ ‫اإلطالق‪ ،‬وهو ما نجده مثال في مسرح الدمى حيث يتعين الفعل المسرحيأمامنا عبر‬ ‫تحريك تلك الدمى فيما يتوارى الفاعل تماما‪.‬‬ ‫وإذا ما قمنا بتوسيع دائرة التحليلقليال لتشمل تلك التكوينات المسرحية التي تستجيب‬ ‫لتكنولوجيا التدوين الحداثية (مثل التسجيل الصوتي وأشرطة أو ملفات الفيديو أو‬ ‫السينما) فسنجد أنفسنا أمام فعل غير مباشر يقوم على استحضار «حدث» ظهور‬ ‫سبق تسجيله‪ ،‬وهو ما يعني أنه ال توجد ضرورة تحتم تطابق لحظة حضور الفاعل‬ ‫المسرحي مع لحظة حضور فعله‪ ،‬كما أن الفعل نفسه يمكن أن يتحول إلى محض‬ ‫«استحضار» عبر الفصل بين لحظة وقوع الفعل ولحظة حضوره‪ ،‬وهو ما يسري‬ ‫على حالة استخدام هذه التكنولوجيا كأحد عناصر الفعل المسرحي داخل مشهد بعينه‪،‬‬ ‫أو كأداة لتخزين أو تدوين الفعل المسرحي بأكمله‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬فالتدريب الديكارتي الذي نحاول إنجازه هنا يذهب بنا إلى إمكانية االنخالع‬ ‫أو التباعد بين ما هو مسرحي؛ وبين عناصره أو مادته التكوينية حينا‪ ،‬وفاعله وواقعة‬ ‫فعلهحينا آخر؛ طالما أنه قد تم تأسيس أفق حضور يسمح بذلك‪ ،‬وهو ما يعني أن‬ ‫تحقيق أو إحداث وحفظ هذا النمط من «الحضور» هو جوهر أو أصل كل ما هو‬ ‫مسرحي‪ ،‬أو بتعبير آخر فهو ما يمنح كل ما هو مسرحي هذه الصفة‪ ،‬وكما أسلفنا فإن‬ ‫أفق ما هو اجتماعي هو األرضية التي يتم عبرها ظهور وحضور وحفظ واستعادة‬ ‫ما هو مسرحي‪.‬‬ ‫إن العالقة بين «حدث» الظهور‪ ،‬وأفق الحضور الذي يخلقه هي ما تشكل عالمنا‬ ‫بوصفه كذلك‪ ،‬وفي الفينومينولوجيا التقليدية ‪-‬كما ذكرنا‪ -‬ال يتم مقاربة حدث الظهور‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪47 46‬‬


‫إال بوصفه معطى خارجي يطرح نفسه أمام الوعي‪ ،‬أما في المسرح فال يمكننا‬ ‫اإلقرار ببساطة بهذا األمر فواقعة ظهور ما هو مسرحي ليست معطى بقدر ما هي‬ ‫فعل إنساني يتالعب أو باألدق يلعب مع ما يطاله من أنماط وقواعد ظهور العالم‬ ‫عبر استخدام أو جلب مكونات أو عناصر هذا العالم إلى «حدث الظهور» وإخضاعها‬ ‫إلى عملية تحويل تتيح خلق مجال»الحضور المسرحي»‪،‬وتالقي حدث الظهور مع‬ ‫مجال الحضور يفضي أحيانا إلى عملية «االنكشاف» على النحو الذي حلله»هيدجر»‪،‬‬ ‫واالنكشاف هو اللحظة التي يصبح فيها حدث ظهور «ما هو كائن» محفزا أو ممهدا‬ ‫الستحداث ترابطات جديدة متعلقة به في ميدان الحضور‪ .‬ولذلك فحالة االنكشاف‬ ‫إما أن تدفع مجال الحضور للتغير وإعادة ترتيب مكوناته أو عالقاته‪ ،‬أو تدفعه على‬ ‫األقل إلى تمديد هذه العالقات‪ .‬وبهذا المعنى فاالنكشاف هو لحظة تالقي ما هو متعين‬ ‫بما هو مجرد‪.‬‬ ‫وما أن تتم هذه العملية حتى يكون بمقدور مجال الحضور الذي خلقه الفعل المسرحي‬ ‫أن يتحرك بعيدا عن حدث ظهوره بكل ما يتضمنهمن مكونات؛ ومن يتضمنه من‬ ‫فاعلين؛ بحيث يذهب إلى «التالقي» والتماهي أكثر فأكثر مع الفضاء العام لحضور‬ ‫العالم‪.‬وبالنسبة لكل فعل أو حدث مسرحي مفرد فإن هذا التالقي يفضي عادة إلى‬ ‫الذوبان في العالم بشكل أو بآخر‪ ،‬غير أنه حين تتراكم فعالية «االنكشاف» التي ينتجها‬ ‫هذا التالقي في بقاع بعينها من فضاء حضور العالم فإن هذا قد يؤدي إلى انبثاق‬ ‫ظواهر معرفية أو ابستمولوجية ‪-‬آن الكشف عنها‪-‬مثل «االستباق» (‪)Anticipation‬‬ ‫المسرحي‪ ،‬و»الجاهزية» (‪ )dispositif‬المسرحية‪ .‬وكالهما يمثالن األثر األخير‬ ‫واألكثر تجريدا‪ -‬الذي يتبقى من الفعل المسرحي الذي يبدأ بوصفه حسيا ومتعينا‪.‬‬‫و»االستباق» المسرحي‪ ،‬هو آلية ابستمولوجية كشفها ‪-‬منذ عدة قرون‪ -‬السير‬ ‫«فرانسيس بيكون» في نفس اللحظة التي ألقى فيها تعويذته ‪-‬أو لعنته‪ -‬عليها بوصفها‬


‫«وهم‪ ،‬أو صنم المسرح» فظلت مطمورة ومهجورة‪ ،‬وهويقوم على اصطناع صورة‬ ‫للعالم تبدأ مما قد يبدو أن هذا العالم يكونه «مسرحيا» ثم تنطلق نحو ما هو في سبيله‬ ‫إلى أن يكونه في الزمان؛ وهذه االستباقات الخاطفة التي تظهر وتختفي باستمرار‬ ‫تعطي ‪-‬في حالة توافقها وتراكمها‪ -‬شكال اتجاهيا داخل فضاء العالم‪ ،‬أو أنها ‪-‬بمعنى‬ ‫آخر‪ -‬تعبد أمامنا طرقا للذهاب إلى العالم‪.‬‬ ‫ومقابل هذا االستباق الذي يحاول التالقي مع العالم كما قد يأتي في المستقبل عبر بناء‬ ‫جسر ما يسمح لنا باستشرافه؛ فإن تراكم حركتنا فوق هذا الجسر قد ينتج عنه انبثاق‬ ‫سلسلة من الترابطات المعرفية المحددة والمتماسكة بحيث يجلب بعضها بعضا؛ والتي‬ ‫ترتكز على صورة العالم كما تم تمثلها مسرحيا‪ ،‬وهذه الترابطات يمكن استخدامها‬ ‫كمنصة إلعادة استحضار العالم الذي كان! ‪-‬أي أنها تدعونا إلى االنفتاح على ماضي‬ ‫العالم‪ -‬وفي استحداث توافق بين العالم كما هو كائن وبين تمثله المسرحي‪ ،‬وهو ما‬ ‫أطلق عليه الجاهزية (‪ )dispositif‬المسرحية‪ ،‬وتلك الجاهزية هي ما تمكننا ‪-‬على‬ ‫سبيل المثال‪ -‬من التفكير في العالم بوصفه مسرحا حاضرا أو قيد الظهور‪ ،‬أو‬ ‫التعاطي مع ذواتنا وذوات اآلخرين باعتبارها أدوارا مسرحية راسخة ومنقضية أو‬ ‫قابلة للعب والتبدل والتبادل واالنقالب واالختراق‪..‬الخ‪ ،‬أو إعادة تمثل حياتنا برمتها‬ ‫أو لحظاتها المعاشة وكأنها مجرد مشاهد مسرحية ‪-‬منتهية أو مستمرة‪ -‬يمكننا أن‬ ‫نندمج أو نتماهى فيها ونصبح جزءا منها مثلما يمكننا أن نخطو بعيدا عنها بحيثنتخارج‬ ‫منها ونتأملها وكأنها ال تخصنا‪ ،‬وكلها أمثلة تتجاوز حدود ما يمكن أن تسمح به البنية‬ ‫االستاتيكية لالستعارة البالغية التي عادة ما يتم طي هذه الحاالت تحت عباءتها‪.‬‬ ‫ومع نهاية هذا التدريب ربما يتضح أمامنا أنه ليس من قبيل التمحك الفلسفي ‪-‬إذا‪-‬‬ ‫الحديث عن «كوجيتو مسرحي» يمكن صكه في عبارة مقتضبة أو مبتسرة مثل‪:‬‬ ‫«المسرح يحضر إذا هو موجود»!‪ ،‬أو في صيغة أكثر شكلية مثل‪« :‬أينما كان هناك‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪49 48‬‬


‫حضور يمكن رده إلى ما هو مسرحي فثمة مسرح أو أثر مسرحي»‪ ،‬ورغم ذلك فال‬ ‫يزال أمام هذا التحليل الكثير مما يجب عليه إنجازه حتى يتحول من مجرد تدريب‬ ‫ديكارتي إلى تأسيس فينومينولوجيا للمسرح تتخطى المدارات التقليدية للفينومينولوجيا‬ ‫العامة‪.‬‬ ‫وعموما‪ ،‬يمكننا القول أن ما هو مسرحي يبدأ بوصفه استحداثا للظهور عبر تبديات‬ ‫متعينة حسيا وينتهي إلى حضور أكثر تجريدا يندمج بشكل أو بآخر في حضور‬ ‫العالم على نحو يسمح بانفتاحه على ذاته في اتجاهي الزمان القادم والماضي‪ ،‬أي‬ ‫نحو ما كانه هذا العالم وما قد يكونه‪ ،‬ولذلكفالمسرح هو أحد مؤسسات إنتاج العالم‪.‬‬ ‫والمسافة الفاصلة بين لحظتي ظهور ‪ -‬أو ما قبل ظهور‪ -‬ما هو مسرحي؛ ولحظة‬ ‫دمج حضوره في العالم؛ تمتلئ بما ال حصر له من عناصر ومواد وأفعال وفاعلين‪...‬‬ ‫إلخ‪ ،‬وبعضها مجلوب من العالم مباشرة وبعضها قام المسرح على مدى تاريخه‬ ‫بتطويره‪ ،‬ورغم ذلك فال يوجد ما يخص المسرح هنا بصفة مطلقة سوى تلك الرحلة‬ ‫التي يقطعها من الظهور إلى الحضور أو من التعين إلى التجريد‪ ،‬فالمسرح في‬ ‫جوهره هو حركة أو عملية «تحويل»‪ ،‬وكل تحويل ال يجد ما يخصه إال في مساره‬ ‫ال في مادته أو موضوعه‪ ،‬وصحيح أن هذه النتيجة قد تأخذناإلى أفق قريب من عتبة‬ ‫الجماليات أو اإلستطقياالكانطية التي قد تبدو «صورية» أكثر مما ينبغي بالنسبة‬ ‫للمسرح‪ ،‬ولكنها أيضا تفتح التحليل على الظاهرة المسرحية بوصفها كيان يتحرك‬ ‫في التاريخ وباعتباره كذلك فهومتغير وقابل لالنقراض أو االنمحاء في العالم مثلما‬ ‫هو قابل لالستبدال أو التقاطع والتماهي والذوبان في أي ظاهرة أخرى تستخدم نفس‬ ‫آلية التحويل التي يقوم عليها‪ ،‬ولكن إذا لم يكن للمسرح ‪-‬نظريا‪ -‬ما يخصه بصفة‬ ‫مطلقة أمام أي ظاهرة قائمة أو ممكنة‪ ،‬فعلى نفس النحو ليس لدى أي ظاهرة ما‬ ‫يخصها أمام المسرح‪ ،‬بمعنى أن المسرح يمتلك إمكانية التقاط مفردات أو مكونات‬


‫أي ظاهرة وإخضاعها لعملية التحويل المسرحي‪ ،‬مثلما يمكن ألي ظاهرة التقاط ما‬ ‫تم تخليقه أو تطويره داخل المسرح والتعاطي معه وكأنه يخصها بما في ذلك آليته‬ ‫التحويلية‪ ،‬والواقع أن جلب ما هو في الخارج إلى فضاء المسرح ثم إزاحة ما هو‬ ‫مسرحي إلى خارجه؛ هي حركة لم تتوقف أبدا طوال التاريخ الذي عاشه المسرح‪،‬‬ ‫وهي تصل أحيانا إلى حد يصعب فيه التمييز بين ما يعود للمسرح وما يعود لغيره‬ ‫من الظواهر‪،‬إال أن المطالبة بالبحث عن الفواصل المطلقة بين ظواهر العالم وكأنها‬ ‫كيانات مفارقة لبعضها بعضا‪ ،‬أواللهاث وراء التعريفات الجامعة المانعة التي ترغب‬ ‫في تحقيق ما هو أكثر من التمييز بين الظواهر على نحو يسمح بتصنيفها؛هي كلها‬ ‫هواجس نظرية لطيفة مبنية على افتراضات ميتافيزيقية لم يعد لديها ما تقدمه‪.‬‬ ‫ويبقى هنا أن نتوقف قليال أمام آلية التحويل المسرحي التي تنتج لنا كل ما هو‬ ‫مسرحي بوصفه كذلك‪ ،‬وهي تعمل على عدة مستويات سنهتم هنا باثنتين منها‪.‬‬ ‫المستوى األول‪ :‬هو استحداث «الظهور المسرحي» عبر جلب ما هو في العالم إلى‬ ‫حالة من التعين داخل إطار فعل مسرحييفتح أفق عالقات الحضور التي تحول تلك‬ ‫التعينات إلى مكون أو مادة مسرحية على النحو الذي نألفه‪ ،‬وهذا المستوى يكمن وراء‬ ‫ما أطلق عليه «المحاكاة» المسرحية قديما‪ ،‬وأيضا بعض مقاصد أو تضميناتمصطلح‬ ‫«المسرحة» أو التمسرح األكثر حداثة‪.‬‬ ‫المستوى الثاني‪ :‬يمكننا أن نطلق عليه «التطويع المسرحي»‪ ،‬وهو يقوم على خلخلة‬ ‫تركيب مجال الحضور الذاتي لهذه المكونات على نحو يجعلها أكثر توافقا ‪-‬أو حتى‬ ‫تضاربا‪ -‬مع مجال الحضور العام للعمل المسرحي‪ ،‬بحيث أن أي مكون يمتلك وجودا‬ ‫يخصه خارج المسرح (النص مثال أو الموسيقى‪ ،‬أو أي مكون أدائي آخر) سيتباعد‬ ‫عن قيمه أو تضميناته وعالقاته وارتباطاته الذاتية التي يمتلكها في العالم مقابل إعادة‬ ‫دمجه في عالقات أو ترابطات مسرحية تكسبه نمط حضور طارئ ومختلف عما‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪51 50‬‬


‫كان عليه في حالته ما قبل المسرحية وصوال إلى إعادة إنتاجه على نحو قد يقطع‬ ‫تماما بينه وبين حالته األصلية‪ ،‬وبعبارة أكثر اختزاال فما يدخل في الفعل المسرحي‬ ‫سيكتسب جمالياته وقبحه من داخل هذا الفعل نفسه‪ ،‬بغض النظر عن حالته خارجه‪.‬‬ ‫‪ -4‬ظهور الفعل المسرحي‪:‬‬ ‫إن كل ما يوجد أو يظهر أو يحضر هو في التحليل األخير حالة من حاالت استجابة‬ ‫القوى لذاتها طبقا الختالفاتها وحسب مساحة اللعب التي تفتحها لنفسها داخل أو‬ ‫خارج عماءها الخاص‪:‬أي حيث ال يمكن التمييز بين ما يكون وما ال يكون‪ ،‬وال‬ ‫يختلف الفعل اإلنساني كثيرا في هذا الصدد باستثناء أن مساحة اللعب التي يسري فيها‬ ‫(أي احتماالت اإلمكان وعدم اإلمكان) هي أكثر اتساعا ورحابة وانفتاحا على عماء‬ ‫الوجود‪ ،‬أما الفعل المسرحي بوصفه لعبا مع حاالت ظهور القوى التي يفترض أنه‬ ‫نتج عنها منذ البداية‪ ،‬فهو االستجابة األكثر تراكبا وتعقيدا للعب القوى‪.‬‬ ‫ولكن كيف يمكن االلتفاف حول تفاعالت القوى بحيث تصبح إمكانية الظهور التي‬ ‫هي خاصيتها الرئيسية في التفاعل مع نفسها مجرد عامل أولي أو فضاء أصلي في‬ ‫مدار ألعاب الفعل اإلنساني مع ذاته؟‬ ‫إن لعب القوى هو تلك المسافة المنفتحة بين اختالفاتها المستقرة واستجاباتها األكثر‬ ‫ترديدا‪ ،‬وهو الفضاء الذي تطورت داخله عمليات استحداث تلك الكيانات المتحركةالتي‬ ‫تملك إمكانية الفعل‪ ،‬بداية من الفعل المباشر واللحظي‪ ،‬وصوال إلى سلسلة األفعال‬ ‫المباشرة ذات الترابط المنقوص الممتلئ بالفجوات والتي يتوقف ظهورها في كل‬ ‫مرة على االستجابة المباشرة للعالم ‪-‬أو ما هو في الخارج‪ -‬ألفعال بعينها في هذه‬ ‫السلسلة؛ بحيث إما أن تحدث استجابة ترأب هذه الفجوات فتستمر السلسلة نحو‬ ‫نهايتها‪ ،‬أو تترك فجوة أو أخرى على حالها دون استجابة فينقطع ظهور السلسلة‪،‬‬ ‫وهذه اآللية هي ما أنتج الفعل اإلجرائي‪ ،‬أما عندما يمكن أن تستمر هذه السلسلة‬


‫دون انتظار أي استجابة خارجية ألفعالها‪ ،‬أي عندما تكتسب القدرة على الالمباالة‬ ‫أو تجاهل فجواتها الخاصة‪ ،‬فهنا نكون أمام تجلي «الفعل األدائي»‪ ،‬وهو اصل الفعل‬ ‫الطقسي وكل األفعال الجمالية بما فيها المسرح‪ ،‬وهو بداية لالبتعاد عن ارتباط الفعل‬ ‫اإلنساني باالستجابة المباشرة التي يستهدفها أوينتظرها‪ ،‬لصالح اإليغال في فتح مسافة‬ ‫اللعببين األفعال‪ ،‬إذ أن إزاحة االستجابات الداخلية الجزئية التي كان يتطلبها المرور‬ ‫من فعل آلخر بحيث تتراكم خارج سلسلة الفعل األدائي هو البذرة أو األرضية التي‬ ‫تم عبرها خلق مجال الحضور بوصفه في األصل انصهار أو تالقي الستجابات‬ ‫«مؤجلة»‪ ،‬قدر لها أن تظل غير مشبعة وغير منتهية على النحو الذي قد يولع‬ ‫«دريدا» بوصفه وتحليله‪.‬‬ ‫وهكذا يمكن تمييز األفعال اليومية «اإلجرائية» المعاشة عن الفعل األدائيأألولي‬ ‫باعتباره يقوم على تأخير «ظهور االستجابة» المصاحبة لألفعال الجزئية المكونة له‪.‬‬ ‫استبصار باربا‪:‬‬ ‫ولكن ما الذي يدشن ظهور الفعل المسرحي بالمقام األول؟‬ ‫ولبدء تحليل هذا السؤال فعلينا التوقف أمام مالحظةاستثننائية لـ «يوجينيوباربا»‬ ‫حواللتباين الملحوظ في كم الطاقة اإلنسانية التي ينفقها الممثل في الفعل المسرحي‬ ‫مقابل ما يبذل لتنفيذ نفس الفعل في الحياة اليومية‪ ،‬وهذه المالحظة تنطوي على‬ ‫استبصار يشمل الفعل المسرحي بصفة عامة وليس فن الممثل فقط‪ ،‬وهو استبصار‬ ‫يمكن االرتقاء به تحليليا ليصير بمثابة الفرضية األساسية التي تفسر ظهور الفعل‬ ‫المسرحي؛ أو بمعنى آخر «فعل الظهور المسرحي»‪ ،‬أيا كانت طبيعته أو امتداداته‬ ‫في الزمان أو مدى بساطته أو تركيبه وتعقيده‪.‬‬ ‫وطبقا لهذه الفرضية يتميز الفعل المسرحي بميل واضح إلىالسخاء المحسوب في إنفاق‬ ‫الطاقةداخل إطار لعبة استحداث ظهور تعيناته‪ ،‬وهو ابتكار يعود إلىاقتصاد «الفعل‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪53 52‬‬


‫الطقسي»؛الذي كان يتركبعادة من سلسلة أداءات محددة ومحدودة نسبيا بحيث تكاد‬ ‫تقتصر على بعض إيماءات حسيةوحركية محددة ومحدودة يجري تكرارها وتأكيدها‬ ‫المرة تلو األخرى على نحو مفرط لصالح «غرض» بعينه‪.‬‬ ‫وبصفة عامة‪ ،‬فالفعل الطقسي هوالنقطة التي تتقاطع عندها على نحو ما ظاهرتي‬ ‫الفعل المسرحي والفعل اللغوي‪ ،‬وبالتالي فمن الممكناستخدامه كنقطة جيوديسية‬ ‫لوصف بعض الخواص أو التباينات المشتركة والمتداخلة بين هذه الظواهر‪ ،‬وتقنية‬ ‫النقطة الجيوديسية (أو اإلحداثي المرجعي) هي منهجية وصفية ترتكز على نقطة‬ ‫أو مساحة ذات إحداثيات معروفة أو يمكن تمييزها لوصف نقاط أو مساحات أخرى‬ ‫تشاطرها نفس الفضاء‪ ،‬وتمتاز هذه التقنية بأنها ال تشترط أي مفاهيم أو متطلبات‬ ‫منهجية من قبيل األصل أو المركز‪ ..‬الخ‪ ،‬فهي تستطيع أن تعمل على أي فضاء‬ ‫يتضمن نقاطا يمكن تمييزها‪.‬‬ ‫واقتصاديات الفعل الطقسي هي الملمح األبرز في تمييزه عن الفعل األدائي البسيط‬ ‫الذي تطور عنه‪ ،‬فاالستجابة المؤجلة التي كان هذا الفعل يضعها خارج تكوينه‬ ‫ستتحول مع الطقس إلى «غرض» يستعيد شيئا من قوة حالة التطلب المباشر التي‬ ‫كانت تكسب الفعل اإلجرائي تماسكه؛بحيث سيصبح هذا الغرض بمثابة نقطة النهاية‬ ‫التي تتوجه إليها كافة التعينات التي يقدمها الفعل الطقسي‪ .‬وقد تطور تركيب الغرض‬ ‫الطقسي من حالة التطلب البسيط المشرعة في وجه العالم‪ ،‬مثلما نرى في طقوس‬ ‫الصيد أو المطر‪ ..‬إلخ؛ تجاه تطلبات أكثر تجريدا مما أدى إلى إنتاج األسطورة‬ ‫المفسرة بتكوينها اللغوي متزايد التجريد؛ والتي كانت تعيد باستمرار تركيب عالقات‬ ‫التطلب الطقسي بتعيناته على نحو يتعالى المرة تلو األخرى على الغرض البسيط‬ ‫الذي ينتظر استجابة العالم له‪ ،‬بحيث أصبحت األسطورة في النهاية تحيل إلى تطلب‬ ‫العالم لذاته أكثر مما تؤكد على تطلب بعينه في العالم‪ ،‬وهو ما ترافق مع انتشار‬


‫الكتابة الصوتية التي أدت إلى تزايد نمو األسطورة حول الطقس وبموازاته‪.‬‬ ‫وهكذا فالطقس هو باألساس عالقة رأسية أو هيراركية بين تعينات محددة وتطلب‬ ‫مجرد‪ ،‬أي أنه يعمل بمثابة جسر أو طريق ضيق ‪ -‬بقدر ما هو متماسك ‪ -‬يصل‬ ‫بين ظهور ما هو متعين وحضور ما هو مجرد‪ ،‬وهذا الترابط االستثنائي هو ما‬ ‫جعل الفعل الطقسي بمثابة الشكل الوحيد حصريا للممارسات التعبدية في كل الثقافات‬ ‫اإلنسانية على مر التاريخ‪ ،‬باعتباره بوابة أو عتبة أي ميتافيزيقا أو أسطورة مفسرة‬ ‫تسعى للحضور في الواقع‪ ،‬وبمعنى آخر فإن اقتصاديات الفعل الطقسي بما جلبته من‬ ‫ألعاب الظهور كانت هي العامل األساسي في إعادة خلق العالم اإلنساني على نحو‬ ‫يتجاوز حدود ما يظهر‪ ،‬وبذلك كانت ضربة البداية التي وجهت ألعاب الظهور لصالح‬ ‫إنتاج فضاء حضور أكثر اتساعا واتصاال في العالم‪.‬‬ ‫وانطالقا من تقنية الوصف الجيوديسي نستطيع عبر مرجعية الطقس رصد ظهور‬ ‫الفعل المسرحي بوصفهما تكون ببطء عبر التباعد المتوالي عن التطلب الضيق الذي‬ ‫يتسم به الطقس؛ وفي اتجاه التطلب المنفتح نحو العالم الذي خلقته األسطورة والذي‬ ‫خضع لعملية إعادة تكوين داخل النص اللغوي الذي اصطنعه المسرح لنفسه‪ ،‬بينما‬ ‫من جهة أخرى تكاثرت دائرة التعينات التي يمكن استخدامها في خلق حدث الظهور‬ ‫حتى أصبحت بال حدود تقريبا‪ ،‬إذ لم تعد هذه التعينات تستهدف المطلب الطقسي بل‬ ‫تستهدف تعيين النص المسرحي بما يقدمه من مساحة لعالقات الحضور في العالم‪.‬‬ ‫‪ -5‬المسرح والنص‪ :‬مراكز الفعل وفعاليات التحويل‪:‬‬ ‫وهكذا فقد ظهر «النص المسرحي» بوصفه استجابة لقدرة الفعل المسرحي على‬ ‫التعاطي مع دوائر أكثر اتساعا من أحداث التعين مقارنة بالفعل الطقسي وهو ما جعل‬ ‫المسرح قادرا على اقتحام ذلك األفق التجريدي الذي خلقته الكتابة الصوتيةوإعادة‬ ‫تشكيل النص اللغوي الذي تقدمه بحيث يصبح حامال لمساحة ‪-‬غير محدودة نظريا‪-‬‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪55 54‬‬


‫لما هو «حاضر» في العالم؛ والتي يمكن للفعل المسرحي استخدامها كنقطة انطالق‬ ‫أو منصة يتم عبرها ممارسة ألعاب الظهور الخاصة به‪ ،‬وهو ما يعيدنا إلى «فرضية‬ ‫باربا» التي تحكم ظهور الفعل المسرحي المتعين‪ ،‬فطبقالتلك الفرضية يتم تخزين‬ ‫أو تجميع الطاقة وإنفاقها أو باألحرى توزيعها على عناصر الظهور المسرحي‪،‬‬ ‫وهذا التوزيع عادة ما يكون متباينا على نحو يسمح باشتقاق أنماط وصيغ جزئية‬ ‫تشمل عناصر بعينها دون أخرى‪ ،‬وهو ما يمكن استخدامه لوصف مستويي التحويل‬ ‫المسرحي اللذين سبق ذكرهما‪.‬‬ ‫فمثال بالنسبة لعناصر مثل مفردات الديكور وقطع المالبس؛ والنص في بعض مراحله‬ ‫التاريخية‪ ،‬سنجد أنها تكتسب ظهورها في توقيت ما قبل العرض المسرحي‪ ،‬بينما ال‬ ‫تتغير حالتها كثيرا بعده‪ ،‬أي أنها بشكل ما تتمتع بوجود موازي للعرض‪ ،‬مثلما تبقى‬ ‫على نحو ما بعد اختفاءه‪،‬وبالتالي فهي عناصر يتم تجميع الطاقة الالزمة لظهورها‬ ‫لمرة واحدة عادة في مرحلة من مراحل العمل المسرحي‪ ،‬ثم يجريالتعامل معها بعد‬ ‫ذلك بوصفها عناصر يمكن توزيع الطاقة نحوها أو حولها لتشكيل تعينات الظهور‬ ‫المسرحي أي لتحقيق المستوى األول للتحويل المسرحي‪.‬‬ ‫وبعبارة أخرى‪ ،‬فإننمط التوزيع هنا يتعامل مع هذه العناصر بوصفها عامال يستخدم‬ ‫الستحداث ترابطات وعالقات متعينة ولكن دون أن ينتهك تركيبها الذاتي‪ ،‬وبذلك فهي‬ ‫أقرب إلى ما يصفه هيدجر بـ «شيئية العمل الفني»‪.‬‬ ‫ولكن برغم أن نمط التوزيع قد يكون هو نفسه بالنسبة لكل العناصر إال أنه ينتج عنه‬ ‫آثار هائلة االختالف إذا ما أخذنا في االعتبار قدرة كل عنصر منها على استقبال‬ ‫تراكم الحضور المسرحي‪ ،‬فالعناصر األكثر تعينا من الزاوية المادية مثل مفردات‬ ‫الديكور والمالبس تتحول إلى ما يشبه المهمالت فور خروجها من الفعل المسرحي‪،‬‬ ‫فيما يختلف األمر تماما بالنسبة لعنصر أكثر تجريدا مثل «النص»!‬


‫فالنص «اللغوي» ليس شيئا على اإلطالق سوى غمغمة صوتية أو خربشات مرئية إن‬ ‫لم يتأسس في مجال حضور عام ومشترك‪ ،‬ولذلك فهذا النص يأتي إلى منصة الفعل‬ ‫المسرحي محموال بالضرورة على أفق حضور ما‪ ،‬وعندما يتم إخضاعه أللعاب‬ ‫الظهور المسرحي فإن تفاعل حدث ظهور النص بوصفه تعين حسي سيتفاعل مع‬ ‫مجال حضوره على نحو يؤدي إلى إطالق عملية «االنكشاف» بما يستتبعه ذلك من‬ ‫إعادة ترتيب عالقات الحضور‪.‬‬ ‫وهذه اآللية قد نتج عنها واحدة من أكثر االضطرابات دويا في حقل الجماليات‪ ،‬فما‬ ‫يحضر‪-‬بحكم التعريف‪ -‬هو ما يبقى أو ما يمكن استبقاؤه من حدث الظهور‪ ،‬والنص‬ ‫اللغوي ‪-‬كما ذكرنا‪ -‬هو واحد من العناصر التي تبقى بعد الفعل المسرحي‪ ،‬ولكن‬ ‫خالفا لغيره من تلك العناصر فهو يمتلك مجال حضور يخصه قبل هذا الفعل‪ ،‬ولذلك‬ ‫فإن أفق الحضور الذي يخلقه المسرح كان عادة ما يتضايف مع مجال الحضور‬ ‫المسبق للنص‪ ،‬بحيث أنه لفترات طويلة توارى الفعل المسرحي ذاته خلف حضور‬ ‫النص الذي بات يمتلك استقالال يخصه بوصفه نوعا أدبيا بالمقام األول! بحيث أنه‬ ‫من أجل محاولة تخطي أو تجاوز حضور النص على حساب الفعل‪ ،‬أو باألحرى من‬ ‫أجل إعادة فتح مجال التفكير في المسرح بوصفه فعال مباينا لعالقات اللغة؛ تم ابتكار‬ ‫وتطوير «التحليل الدرامي» باعتباره محاولة الشتقاق أشكال انتظام سالسل الفعل‬ ‫المسرحي في عالقتها بالعالم‪.‬‬ ‫وعلى هذا النحو فقد تطور عنصر «النص» في البداية بأسرع مما تطور الفعل‬ ‫المسرحي الذي عاش لفترات طويلة بوصفه مجرد ظل حسي لحضور النص‪ ،‬وهو ما‬ ‫ترسخ أكثر عبر هيمنة األفق الميتافيزيقي الذي كان يعتبر النص‪/‬الكلمة بمثابة أصل‬ ‫العالموهو المفهوم الذي بلغ ذروته مع القرون الوسطى‪.‬‬ ‫ويمكننا تفسير هذا التطور الال‪-‬متكافئ من خالل تحليل عالقات مراكز الفعل‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪57 56‬‬


‫المسرحي‪ ،‬فهذا الفعل هو ممارسة جماعية واجتماعية بينما النص يوجد على الجهة‬ ‫المقابلة بوصفه فعال ينحدر من فرد بعينه‪ ،‬وهذه الفردية يجري منازعتها دائما من‬ ‫قبل مراكز الفعل األخرى داخل مجموعة العمل المسرحي‪ ،‬مثلما يتم «تهديدها» من‬ ‫تلك الذات الجمعية «التوافقية والمؤقتة» التي تتخلق أثناء مجريات اإلعداد للعرض‬ ‫عبر التفاعل بين فريق العمل بأكمله ومجتمعه المحيط‪ .‬وهذه التنازعات أو التفاعالت‬ ‫المتكسرة والمضطربة بين هؤالء الفاعلين كانت غالبا ما تجد رهانا يجمعها حول‬ ‫إمكان تسوية تعارضاتها ‪-‬المرة تلو المرة‪ -‬في إطار مجال حضور النص‪ ،‬ولصالح‬ ‫المؤلف الفاعل‪ ،‬بحيث يتحول العرض بأكمله إلى مجرد تبدي أو حتى تجلي إلرادة‬ ‫المؤلف الغائب والكامنة في نصه‪ ،‬على نحو يجعل المركز الفردي للمؤلف بمثابة أفق‬ ‫ميتافيزيقي ومتعالي بالنسبة للعرض الذي اصبح يتعين عليه أن يستمد قيمته بمقدار‬ ‫قدرته على التحرك إلى خارج ذاته نحو هذا األفق الغامض والمتباعد‪ ،‬وهنا يتحول‬ ‫«النص المسرحي» من مجرد كونه خطة تنفيذ أولية يتجمع حولها فريق العرض‬ ‫لبدء رحلتهم المسرحية إلى كيان «ميتافيزيقي» مهمته األساسية (التي يفترض أنه قد‬ ‫قام بأدائها بالفعل) هي اقتطاع شريحة ما ‪-‬متسعة قدر اإلمكان‪ -‬من عالقات العالم‬ ‫وجلبها إلى فريق العرض ليتقافزوا حولها أو يتسللوا إلى داخلها‪ ،‬أو ينظموا إقامتهم‬ ‫بين جنباتها‪ ،‬بحيث يكتسب العرض قيمته وتماسكه الذاتي من قدرته على مقاربة‬ ‫النصواستحضاره‪ ،‬وبالتالي يصبح االنكشاف الذي ينبثق أثناء العرض أمرا ال يخص‬ ‫فاعله بقدر ما يخص عالقة النص بالعالم الذي يقدمه‪ ،‬مما يؤدي إلى حالة من التخارج‬ ‫المستمر للفاعل المسرحي عن فعله على نحو يباعد الترابط بينهما ويعوق تطورهما‬ ‫معا‪.‬‬ ‫وربما نتيجة لهذا األمر نشأت بعض الحاالت المسرحية ‪-‬األكثر شعبية‪ -‬التي تكرس‬ ‫لما يمكن تسميته بـ «النكوص النصي» عبر االعتماد على نصوص (أو حتى مجرد‬


‫مواضيع درامية أحيانا) ذات درجة أقل من التماسك وتغطي مساحة أكثر ضآلة من‬ ‫عالقات العالم‪ ،‬وحافلة باالنقطاعات التي يتعين على الفاعل المسرحي (الممثل عادة)‬ ‫أن يمألها بما يخصه‪ .‬وبرغم أنه عادة ما كان يتم حذفأو تجاهل هذه الحاالت القائمة‬ ‫على إضعاف (متعمد أو شبه متعمد) لعنصر النص من قبل التاريخ الرسمي للمسرح؛‬ ‫إال أنها كانت بمثابة الوعاء الحاضن لتطوير الفاعل المسرحي غير النصي على نحو‬ ‫أدى فيما بعد إلى تغير مركز النص وخفض موقعه المتعالي أمام العرض‪ .‬وهو ما‬ ‫ينقلنا إلى تحليل المستوى الثاني من التحويل المسرحي‪ :‬أي «التطويع المسرحي»‬ ‫في عالقته بالنص‪.‬‬ ‫‪ -6‬التطويع المسرحي وتراجع هيمنة النص‪:‬‬ ‫مع استحداث أي فاعل أو عنصر مسرحي جديد (المخرج‪ ،‬الدراماتورج‪ ،‬السينوغرافر‪،‬‬ ‫الكريوجراف‪...،‬الخ) تتزايد رهافة ودقة تقسيم العمل المسرحي على نحو يستلزمإعادة‬ ‫التوازن للنقطة المرجعية التي يتم على أساسها تسوية تنازعات هؤالء الفاعلين‪ ،‬وآلماد‬ ‫طويلة كان النص هو ما يقوم بهذا الدور‪ ،‬أما مع الحاالت المسرحية التي تأسست على‬ ‫«النكوص النصي» فقد كان الممثل أو الممثلين هم من يحتلون هذا المركز انطالقا‬ ‫من عالقتهم المباشرة مع جمهورهم‪ ،‬وصوال إلى صعود «المخرج» بوصفه الفاعل‬ ‫الرئيسي للعرض‪ .‬وبصفة عامة فثمة عالقة بين مثل هذه التسويات وطبيعة التحويل‬ ‫المسرحي التي يخضع لها كل عنصر على حدة‪ ،‬فكلما ابتعد هذا الفاعل أو ذاك عن‬ ‫احتالل مركز النقطة المرجعية تزايد احتمال خضوعه لفعالية «التطويع المسرحي»‪،‬‬ ‫بمعنىمباعدته عن حضوره الخاص أو تركيبه السابق أو الموازي للعرض وإعادة‬ ‫تركيب عالقاته الداخلية المكونة له بحيث يصبح في النهاية أقرب إلى أن يكون شيئا‬ ‫مسرحيا محضا وكأنه ولد ألول مرة داخل العرض المسرحي على نحو ال يتيح رده‬ ‫بسهولة إلى ما كان عليه قبل تلك اللحظة‪.‬‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪59 58‬‬


‫وعلى سبيل المثال فالممثل الخاضع لعملية التطويع المسرحي تتباعد المسافة بينه وبين‬ ‫شخصيته المعاشة في الحياة اليومية‪ ،‬بينما تتقلص نفس المسافةعند الممثل الذي يحتل‬ ‫مركزا مرجعيافي الفعل المسرحي سواء بين حضوره في العرض مقابل حضوره‬ ‫اليومي‪ ،‬أو بين حضوره من عرض آلخر‪ .‬وإذا ما طبقنا «فرضية باربا» حول الطاقة‬ ‫الالزمة لخلق المسافة بين ما هو مسرحي وما هو يومي على هذه المالحظة فهذا يعني‬ ‫أن خضوع عنصر ما للتطويع المسرحي الذي يباعد المسافة عما هو معاش يتطلب‬ ‫إنفاق قدر أكبر من الطاقة‪ ،‬وهو ما يصبح متاحا أكثر فأكثر مع ارتقاء تقسيم العمل‬ ‫المسرحي الذي يكفل تنظيم تدفق طاقة الفاعلين على نحو متزامن تجاه عنصر بعينه‬ ‫أو مفردات بعينها‪ .‬وبذلك فالتطويع هو الحالة األكثر اكتماال لفعالية التحويل المسرحي‪.‬‬ ‫وربما مع النصف الثاني للقرن التاسع عشر بدأ الفعل المسرحي في بسط هيمنة أكبر‬ ‫على عناصره‪ ،‬وهي مرحلة أدت إلى تدشين دور المخرج بوصفه المرجعية األساسية‬ ‫لكل مسارات أو تنازعات العرض‪ ،‬بحيث تم إحالل هذا الفاعل غير المباشر ولكن‬ ‫الحاضر محل المؤلف أو ذلك الفاعل غير المباشر والغائب‪ .‬ومن منظور أكثر عمومية‬ ‫يمكننا أن نجد في هذا التبديل تناغما ما مع صعود النزعة اإلنسانية بوجهها الحداثي‪،‬‬ ‫ولكن مسرحيا كانت هذه الخطوة نتاجا لتطور التقنيات المسرحية وتكاثر الفاعلين‬ ‫المسرحيين وتعقد عالقات التوازن بينهم داخل العرض‪.‬‬ ‫وقبل أن نحلل أثر موجة التطويع هذه على مكانة ودور النص؛ سنتوقف أوال عند‬ ‫مثالدالعلى فعالية التطويع المسرحي على عنصر الموسيقى األكثر رسوخا واكتماال من‬ ‫الزاوية التاريخية‪ ،‬ففي معركة شهيرة اتهمنيتشةفاجنر أنه قد أخضع الموسيقى للمسرح‬ ‫على نحو أدى بها إلى «أن ال تكون موسيقى‪ ،...،‬بل خادمة للدراما»‪ ،‬وبرغم اعتراف‬ ‫نيتشة أن هذا التطويع المسرحي لم يفتقر إلى نتائج موسيقية ملحوظة باعتباره قد‬ ‫«ضاعف إلى ما ال نهاية من القدرات التعبيرية للموسيقى» إال أن ذلك كان من أجل‬


‫تحويلها إلى مجرد «بالغة مسرحية» أي أن المسرح هنا ‪ -‬طبقا لنيتشة ‪ -‬قد استحدث‬ ‫فعال موسيقيا مندمجا في الفعل المسرحي ويعمل لصالحه أكثر مما يعمل لصالح ذاته‪،‬‬ ‫وبمعنى آخر‪ :‬فقدت الموسيقى خصوصيتها واستقاللها لصالح المسرح وأصبحت‬ ‫تستمد جماليتها منه ال من تركيبها الداخلي‪ ،‬وهو ما يلخصه نيتشة بقوله‪« :‬والموسيقى‬ ‫الفاجنرية عندما ال تكون مدعومة بحماية الذوق المسرحي‪ ،....،‬هي بكل بساطة‬ ‫موسيقى رديئة» وهذه المعركة عادة ما كانت تتم معالجتها بعيدا عن المسرح بوصفها‬ ‫خالفا فكريا بين الرجلين محوره رؤية كل منهما للموسيقى‪ ،‬إال أنه من الواضح أن‬ ‫نيتشة كان يراقب بقلق بالغ حالة صعود المسرح في أواخر القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫ويعاني من جزع شديد أمام آثار التطويع المسرحي على الفن والعالم‪ ،‬فهو يتخوفمن‬ ‫أن «يصبح المسرح سيدا على الفنون»‪ ،‬وينددا بـ «حماقة اإليمان بريادة المسرح‪،‬‬ ‫وبحق المسرح في السيادة على بقية الفنون‪ ،‬على الفن عامة» معتبرا «المسرح شكل‬ ‫من التخريب في مجال األشياء التي تتعلق بالذوق»‪ ،‬وصوال إلى التحذير من تناقض‬ ‫عالقة ما هو مسرحي بما هو حقيقي‪« :‬يكون المرء مسرحيا عندما تكون له هذه‬ ‫الرؤيا التي يمتاز بها عن اآلخرين والقائلة‪ :‬ما يريد أن يبدو حقيقيا‪ ،‬ال ينبغي له أن‬ ‫يكون حقيقيا» (‪ !)3‬وهنا نستطيع أن نالحظ ذلك التوافق بين نيتشة وفرانسيس بيكون‪،‬‬ ‫فكالهما استبصر تأثير ما هو مسرحي في عالقته بحقيقة العالم بوصفه خطرا‪ ،‬خطرا‬ ‫على العلم عند بيكون‪ ،‬وخطر على أخالقيات الحقيقة عند نيتشة‪.‬‬ ‫هذا القلق ‪-‬الممزوج باالحتقار أحيانا‪ -‬من العرض المسرحي سيظل ملحوظا والفتا‬ ‫خاصة في تأثيره على النص حتى فترة ما بين الحربين‪ ،‬فكاتب مثل سترندبرج‬ ‫(في مقدمة مس جوليا) يرى أن»المسرح يخدم هؤالء الذين ال يمكنهم قراءة ما هو‬ ‫مطبوع‪ ،...‬مثل الشباب وأنصاف المتعلمين‪ ،‬والنساء الالتي مازلن يمتلكن قدرة‬ ‫فطرية على خداع أنفسهم»‪ ،‬بينما يرى بيراندلو أن العرض المسرحي ترجمة للنص»‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪61 60‬‬


‫وشأنه شأن أي ترجمة أخرى فهي أدنى مرتبة من األصل»‪ ،‬وهي تعليقات تشير إلى‬ ‫لواذ هؤالء المؤلفين بالجانب األدبي للنص المسرحي بحيث يصبح العرض إما شيئا‬ ‫اقل على الدوام‪ ،‬أو مجرد خدمة تجعل»النص المكتوب متاحا على نحو ما لمن ال‬ ‫يتاح لهم قراءته‪ ،‬أوالذين ال يستطيعون القراءة أصال» كما يقول الفيلسوف «كروتشة»‬ ‫(‪.)4‬‬ ‫أما «بريخت» المنظر والمخرج والمؤلف المسرحي‪ ،‬فقد حاول في شبابه إعادة‬ ‫غرس بعض التقاليد األدبية داخل العرض عبر بث العالمات اإلرشادية واللوحات‬ ‫التوضيحية المماثلة للهوامش الشارحة في الكتاب‪ .‬باإلضافة إلى محاولة أخرى أكثر‬ ‫خفة ونزقا تهدف إلى جلب «قارئ األدب» نفسه بعاداته القرائية إلى صالة العرض‬ ‫عبر السماح للمشاهدين بالتدخين! «ألنه من العبث أن يحاول المرء أن يسحر رجال‬ ‫يقوم بالتدخين‪ ،‬أي رجال كفاه انشغاله بنفسه‪ ،‬وبهذه الطريقة نصل إلى ملء قاعات‬ ‫المسارح باالختصاصيين‪ ،‬وليس من المعقول أن يحاول ممثلون أن يدسوا ألمثال‬ ‫هؤالء المشاهدين هذين الفلسين من المحاكاة الرخيصة التي يسمحون اآلن ألنفسهم‬ ‫القيام بها»(‪.)5‬‬ ‫وربما كانت هذه المحاولة األكثر طرافة لبريخت هي آخر نقطة استطاع بلوغها تيار‬ ‫مقاومة هيمنة العرض المسرحي على نصه «األدبي»‪.‬بحيث لم يعد العرض بديال‬ ‫للمطبعة‪ ،‬أو أداة للقراءة المسموعة لمن ال يجيدون أو ال يريدون القراءة‪ ،‬ولم يعد‬ ‫الفعل المسرحي يتخفى ليدفن داخله لحظات انكشافه أو يقمعها لصالحه‪ ،‬بل بات أكثر‬ ‫انفتاحا على مبادرات وتوافقات مبدعيه الحاضرين‪ ،‬حتى ولو أتى هذا على حساب‬ ‫تماسك أو تمزيق عالقات أو جمل وشخصيات النص وإعادة تكوينها‪ .‬وبالمجمل فقد‬ ‫خضع النص لعملية تطويع حولته إلى كيان محايث للعرض وال يكاد يوجد خارجه‬ ‫بحيث تباعدت المسافة بين النص المسرحي األدبي المكتوب مسبقا أو المطبوع‪ ،‬وبين‬


‫نفس النص عندما يصبح عنصرا أو مادة في الفعل المسرحي‪.‬‬ ‫‪ -7‬مالحظات حول الحالة المصرية‪:‬‬ ‫إذا فقد اجتاز المسرح الكثير من المراحل في عالقته بنصه‪ ،‬بدءا من خلقه وتطويره‪،‬‬ ‫مرورا بالتواري خلفه والتماهي معه‪ ،‬ثم االحتفاء بحاالت مسرحية تقوم على‬ ‫«النكوص النصي» أو اإلضعاف المتعمد للنص لصالح منح مساحات أوسع لعناصر‬ ‫أخرى‪ ،‬وصوال إلى تراجع النص وتطويعه ليصبح عنصرا داخليا في الفعل المسرحي‬ ‫ينمو ويتطور معه وفي نفس اتجاهه ال يمكن فصله عنه وال وجود له تقريبا خارجه‪،‬‬ ‫ومقابل ذلك بات على كتاب النص المسرحي إما أن يتعاملوا معه بوصفه نوعا أدبيا‬ ‫له قراءه والمهتمين به بمعزل عن العرض المسرحي‪ ،‬أو أن يقبلوا بلعب دور أشبه‬ ‫بدور كاتب السيناريو حيث يصبحون ضمن فريق عمل يلزمهم بمتطلباته وتوازناته‪.‬‬ ‫وقد مرت ظاهرة المسرح في مصر بهذه األحوال أو المراحل جميعها‪ ،‬فبدأت منذ‬ ‫نهاية القرن التاسع عشر عبر حالة «النكوص النصي» واستمرت في االبتعاد عنها‬ ‫واالقتراب منها حتى يومنا هذا‪ ،‬كما مرت بمرحلة التكريس النصي‪ ،‬أو إخضاع‬ ‫العرض لمتطلبات النص المكتوب‪ ،‬مثلما شهدت وقتا تبلورت فيه مشاريع الكتابة‬ ‫المسرحية على نحو شديد التمايز (الستينات)‪ ،‬وصوال إلى مرحلة صعود المخرج‬ ‫بوصفه الفاعل المسرحي الرئيسي حيث تراجع النص إلى موقع السيناريو األولي‬ ‫الذي ينتظر تعديله ليتناسب مع مجريات العرض‪.‬‬

‫امللتقى الفكري‬

‫‪63 62‬‬


‫الهوامش‪:‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‪« :‬نحو تأسيس فنومينولوجيا المسرح‪ :‬عن ظاهرة المسرح بوصفها ممارسة‬ ‫اجتماعية» العدد األول من نشرة المهرجان القومي للمسرح الدورة العاشرة‪ ،‬وموقع‬ ‫الحوار المتمدن بتاريخ ‪.2017-7-13‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‪ « :‬في جينيالوجيا األداء المسرحي وتكون ظاهرة المسرح»‪ -‬نشرة نوادي‬ ‫المسرح العدد الثامن ‪.2017-9-17‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‪ :‬نيتشة ‪« :‬قضية فاغنر‪ ،‬ويليه نيتشة ضد فاغنر»‪ -‬ترجمة‪:‬على مصباح–‬ ‫منشورات الجمل – ‪ ،2016‬واالقتباسات على التوالي من صفحات‪،59 ،43 ،42 :‬‬ ‫‪.64‬‬ ‫(‪ )4‬هذه االقتباسات أوردها مارفنكارلسون في ‪« :‬العرض المسرحي‪ ،‬رسم توضيحي‬ ‫أم ترجمة أم تحقق‪ ،‬أم إضافة « ترجمة حازم عزمي – فصول ‪ :‬العدد ‪2003 – 62‬‬ ‫ ص ‪.188-181‬‬‫(‪ )5‬انظر ‪« :‬مالحظات بريخت على اوبر االقروش الثالثة وطريقة قراءة الدراما»‪،‬‬ ‫ضمن «أوبراالقروش الثالثة ‪ -‬لوكلوس– بعل «ترجمة عبدالرحمن بدوي‪ ،‬سلسلة‬ ‫المسرح العالمي‪ ،‬يوليو ‪ -1977‬ص ‪143 ،142‬‬


‫الكتابة المسرحية الجديدة‬

‫أحمد خميس‬

‫في العام قبل الماضي كنت عضوا في لجنة إختيار العروض التي ستمثل مصر في‬ ‫الدورة الثالثة والعشرون للمهرجان التجريبي والذي تم تعديل إسمه ليصبح مهرجان‬ ‫(القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي) وكان ضمن العروض التي قدمت‬ ‫للجنة مسرحية بأسم «الجراية» وهي مسرحية تقوم علي ممثل أساسي وشخصية‬ ‫مساعدة يمكن إعتبارها ممثلة في العرض المسرحي إذ كانت تقوم بمناولة الفاكهة‬ ‫أو الماء أو المالبس للممثل الذي بدا وكأنه رياضي يقوم بعمل تمارين علي جهاز‬ ‫تزداد سرعته شيئا فشيئا وكان علي ذلك الممثل أن يمارس طقوس حياته اليومية‬ ‫وهو فوق ذلك الجهاز‪ ،‬في البداية تبدو اللعبة الدرامية مملة إلي حد ما إذ الجهاز ذو‬ ‫سرعة ضعيفة والفعل الدرامي لم يتبين بعد لكن وللحق إزدادت اللعبة تشويقا وقوة‬ ‫كلما زادت سرعة الجهاز للحد الذي يمزج الجمال بالقسوة ‪ ,‬كان مضمون العرض‬ ‫حينها يدل علي إنسان العصر الحديث الذي طحنته الظروف المحيطة فأصبح يمارس‬ ‫حياته اليومية وهو علي عجلة الزمن التي ال ترحم إنه اإلنسان الذي تحول (لشئ)‬ ‫فأر التجربة بالنسبة للرأسمالية المتوحشة والتي تعتبره ترس في عجلة اإلنتاج يمكن‬ ‫تبديله في اقرب وقت لو تهاوت قواة أو إنهارت ‪ ,‬في اللحظات االخيرة من العرض‬ ‫وقبل أن يهرب الممثل من علي «الجراية» ويطلق ساقيه للعنان كانت السرعة تزداد‬ ‫بشكل جنوني بينما كان عليه أن يبدل مالبسه وهو يجري فوقها وبال رحمة أو هوادة‬ ‫كادت تفرم أوصاله وتفتك به‪ ,‬وفي حين كانت الرسائل الضمنية للعرض المسرحي‬ ‫ذات شفرات سهلة التكوين إال أنها تحتاج لمتلقي خاص يستسيغ تلك االفعال الدرامية‬ ‫ويربط بينها وبين الواقع‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪65 64‬‬


‫قد يقول البعض بأن ذلك النوع من العروض ال يحتاج مؤلفا مسرحيا بالمعني‬ ‫المعروف للكلمة وإنما فقط لممثل قوي وتدريب شاق ليخرج العمل في صورة تليق‬ ‫بكونه عرضا مسرحيا مشوقا والسؤال الذي يطرح نفسه هل للكتابة الجديدة أي دور‬ ‫في ذلك العرض ؟‬ ‫ظني أنها صاحبة الدور المهم في تلك اللعبة الدرامية الشرسة فالكاتب الجديد هنا‬ ‫يفهم تماما الفارق الشاسع بين ما يكتب وبين المعني المتوارث لكلمة «مؤلف درامي»‬ ‫فالمكتسب المهم الذي سعي إلية معظم كتاب المسرح الجدد عندنا هو تخليص الكتابة‬ ‫المسرحية من جانبها األدبي وتقريبها لمفهوم اللعبة المسرحية ‪ ,‬وعلي نفس النهج الذي‬ ‫بدأت بة الدراسة قرأت تعبيرا مهما للكاتب السكندري الشاب «سامح عثمان» يقول‬ ‫فية إنه وعلي الرغم من وجود أكثر من ‪ 27‬مسرحية له في السوق إال أن المطبوع‬ ‫منها حتي األن ‪ 2‬فقط ويبدو المعني الضمني هنا أن المجد للعرض المسرحي الحي‬ ‫وليس للنص بالمعني القديم للكلمة ‪ ,‬أو أن تلك الكتابة عصية علي النشر حيث‬ ‫ستفقد حميمتها أو صناعتها الدقيقة التي تم االتفاق عليها بين مجموعة العمل حيث‬ ‫سيكون الدور األساسي للدراماتورج تجميع االلعاب الدرامية التي تم االتفاق عليها‬ ‫مع مجموعة العرض المسرحي والكاتب ‪ ,‬في هذا السياق منطقي جدا أن يستشعر‬ ‫الحرج من فكرة النشر ويعتبرها غير ذات جدوي أو أنها ستقلل من قيمة العمل إذ‬ ‫أن جزءا كبيرا من دور المؤلف وضع هوامش تشرح بعض األفعال غير المنطوقة‬ ‫أو التي تقوم علي الحركة وااللعاب الشعبية المعروفة ‪ ,‬وكانت المسرحية التي روج‬ ‫من خاللها إسم «سامح عثمان» كمؤلف شاب يجيد كتابة الخشبة هي مسرحية (القطة‬ ‫العميا) حيث اللعبة الشعبية تستدعي بعض الهواجس واألحالم والقضايا التي تخص‬ ‫الشباب وحيواتهم المليئة بالمعوقات ‪ ,‬وكان بناء المسرحية الداخلي يقوم علي التشييد‬ ‫والهدم فمع كل حكاية جديدة تدور رحي اللعبة الدرامية وكأنها تبدأ من حيث إنتهت‬


‫حكاية أخري في بني تخبو وتضئ كفالشات الكاميرا ‪ ,‬وعلي الالعبين أن يقسموا‬ ‫أنفسهم علي أحداث العرض بين البطولة واألدوار الهامشية الصغيرة فاللعب الدرامي‬ ‫هو البطل الحقيقي في الفعل المسرحي وعلي كل العب أن يقبل شروطتكوين اللعبة‬ ‫ليعي الغرض من فلسفتها ومردودها عند المتلقي‬ ‫وكانت علوم المسرح الجديدة وأخص منها (سوسيولوجيا المسرح والحداثة) قد‬ ‫قللت إلي حد كبير من أهمية النص الدرامي بإعتباره عنصر من عناصر العرض‬ ‫المسرحي ويمكن بسهولة اإلستغناء عنه فهناك الكثير من العروض في األونة األخيرة‬ ‫ال تقوم علي نص مكتوب وإنما يبني نص العرض أثناء تكوين اللعبة الدرامية وفي‬ ‫هذة الحالة يمكن اإلشارة لتوارث الفكرة من روافد عديدة منها قيام كثير من العروض‬ ‫علي االرتجال أو كتابة الجسد أو حتي عروض الحكي المسرحي التي إنتشرت بقوة‬ ‫بعد ثورة يناير ‪2011‬‬ ‫ومنها أيضا تنامي دور المخرج المؤلف والتي بدأت تنتشر منذ ستينيات القرن‬ ‫الماضي مع المخرج الكبير «كرم مطاوع» وكنت قد تتبعت مسيرته الجمالية منذ فترة‬ ‫وتوصلت الي نتيجة مفادها ‪:‬‬ ‫من يفتش في تاريخنا المسرحي القريب سيقف طويال امام تجربة المبدع «كرم‬ ‫مطاوع» متأمال تلك الروح التي تصر علي تتبع المناهج التي تقوم علي كسر القوالب‬ ‫التقليدية وتحتفي بكل ماهو غير مألوف فالمسرحيات التي تصدي لها عبر تاريخه‬ ‫المسرحي وأفكاره المبتكرة لم تأت من فراغ وانما من خالل وعي فارق يراهن علي‬ ‫السباحة في اإلتجاة المعاكس للتيار من خالل االهتمام بفنون العرض المسرحي الذي‬ ‫يقوم علي تفعيل فنون األداء وإعادة تشريح النص المسرحي وبناءة من جديد وتغيير‬ ‫وجهة النظر للعرض المسرحي من كونه صياغة محترفة الفكار الكاتب الي نوع آخر‬ ‫يعلي من وجود أهمية المخرج المبدع صاحب الصياغة المختلفة لكل تفاصيل العرض‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪67 66‬‬


‫المسرحي بما فيها نص المؤلف ذاته ‪ ,‬فاللعبة المسرحية لدي كرم مطاوع اليمكن أن‬ ‫تركن عند التفاصيل االولي والبناء المنطقي وإنما علي قوة المقابلة بين نص المؤلف‬ ‫وأفكار المخرج ورهان الواقع وتحدياته االجتماعية والسياسية والفنية ‪ ,‬وإن كان هناك‬ ‫أخيلة ثابتة تقلد بعضها البعض في تقديم العمل المسرحي فهنا ومع كرم مطاوع انت‬ ‫علي موعد دائم مع التغيير واالبتكار والتحدي حتي أنه قد رسخ في مخيلة معاصروة‬ ‫كمشاكس اليبحث عن نص متكامل العناصر مستوفي الشروط وإنما عن نص مراوغ‬ ‫لم يصل بعد لقناعات تامة ماذا يقدم وباي السبل والطرق الفنية) (‪)1‬‬ ‫وحينما تتبع مسيرة المخرجين الجدد الذين تتسم أعمالهم بالدراماتورجيا الجديدة ستجد‬ ‫العديد من األسماء منهم علي سبيل المثال ال الحصر (نورا امين – طارق الدويري‬ ‫– عبير علي –عفت يحي – هاني عفيفي– عمر المعتز باهلل – أحمد العطار) ‪,‬‬ ‫أما الكتاب المهتمين بطرق الكتابة في العشر سنوات األخيرة فيبرز منهم (إبراهيم‬ ‫الحسيني – رشا عبد المنعم – سليم كتشنر –محمود جمال ‪ -‬يوسف مسلم – سامح‬ ‫عثمان) ومن الكتاب الشباب (ياسمين إمام – عيسي جمال(‬ ‫وسوف أضع هنا نموذج أعتقد أنه مهم للغاية في طور التعامل كدراماتورج مع نص‬ ‫كالسيكي قديم‬ ‫عدو الشعب أو الثورة األن‬ ‫فاجأتنا «نورا امين» الممثلة والمخرجة صاحبة فرقة الموزيكا للعروض المسرحية‬ ‫بعرض مغاير تماما لتاريخ الفرقة وعروضها التى عادة ماكانت عروض راقصة‬ ‫ولم اكن اتوقع بأى حال من االحوال ان يقدم العرض فى تلك القاعه الصغيره بمسرح‬ ‫الهوسابير فحين دخلت فوجئت بضيق المكان وضأله حجمه بالنسبه لعرض ك (عدو‬ ‫الشعب ) وكانت الفرقه الموسيقيه تحتل مؤخره القاعه فخرجت مسرعا وانا اتسائل‬ ‫عن مكان العرض المسرحى اال ان احد اعضاء الفرقه الموسيقيه امسك بى مؤكدا‬


‫بأن العرض سوف يقدم فى نفس المكان وهو ما اثار دهشتى اذ كيف يمكن لمسرحيه‬ ‫مكونه من خمسه فصول وشخصيات كثيره ان تنحشر فى مكان ضيق كهذا ؟ عالوه‬ ‫على عدم وجود سينوغرافيا بالمعنى المفهوم للكلمه فالصوره كانت فقيره للغايه‬ ‫برتكابالت صغيره عاريه وبعض الكراسى المتناثره وكثير من الميكروفونات وممر‬ ‫ضيق بين المشاهدين وهى امور قلما تجتمع اال مع رؤيه مشوهه للنص الكالسيكى‪,‬‬ ‫ولكن فريق العمل اثبت عكس ذلك فالمكان الضيق وخشونه التناول كانا من سمات‬ ‫التناول الجاد وحتى االصوات الزاعقه والمعارك الطاحنه التى دارت فى الممر الضيق‬ ‫والتى الهبت الحدث واعطته اهميته مع موسيقى الميتال المؤهله والشارحه والمساعده‬ ‫والمعلقه فى بعض االحيان كل تلك العناصر ساعدت على دمج المتلقى الموروط‬ ‫منذ البدايه فقد بدا مشاهدو العرض ضمن نسيج اللعبه المتقنه فهم اهل المدينه الدين‬ ‫يساعدون الفساد ويرضون بالكسب الضيق مع علمهم التام بأن مايجرى قد يجرهم‬ ‫لويالت التحمد عقباها ولكنها لعبه االنتفاع السريع اواالندماج العفوى غير المحسوب‬ ‫مع الرأى الشائع أو أن بعضهم قد لبى دعوه مدفوعه االجر للتضليل او التواطؤ لصالح‬ ‫سياسه حزب بعينه ‪ ,‬فتسييس القاعده الجماهيريه العريضه وتوجيه رأيها سياسه تتبعها‬ ‫بعض الحكومات واالنظمه الفاسده والتى اليعنيها شئ سوى الكسب السريع‪ ,‬من هنا‬ ‫تبينت الموقف كامال فالقاعه الضيقه ومشاركه المتلقى ودمج المشاهد فى الحدث كل‬ ‫تلك االمور كانت مقصوده من قبل صناع العرض المسرحى لفضح الشعب الموروط‬ ‫و لتوجيه االتهام له صراحه فهو شعب خامل ومتخادل والثوره لن تحقق اهدافها طالما‬ ‫ان الشعب يعرف الفساد وصناعه ويسكت عليهم بل انه يشارك طواعيه بوصم العالم‬ ‫الشريف بعدو الشعب ؟؟؟‬ ‫ولما كانت التيمه الرئيسيه فىالعرض تقوم على فضح الفساد وكشف االنظمه المتواطئه‬ ‫مع السلطه وبالتالى الوصول للنتيجه التى تقول بأن مواطنا واحدا شريفا يستطيع‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪69 68‬‬


‫وحده ان يقاوم امه بأسرها طالما انه على حق ففى نهايه الحدث الدرامى بدا الدكتور‬ ‫ستوكمان وحيدا فى وجه العالم ولكنه تعلم من التجربه وفهم مغزاها فبدا صلدا اليمكن‬ ‫هزيمته ‪ ,‬وقد اعتمد جوهر التناول على تلك التفصيله الهامه وتم دمج المشاهد واعاده‬ ‫ترتيب االحداث وفقا لذلك الفهم وهو مافسر عدم االعتماد على التقديم التقليدى للحدث‬ ‫كما هو عند ابسن ودمجها بحيث يبدو الفصل الرابع هو محور التناول ومن ثم‬ ‫اتباع الصراع بين االخوين ( الدكتور توماس ستوكمان الطبيب المسئول عن الحمام‬ ‫العالجى واخوه بيتر ستوكمان القاضى العام والمسئول االول فى المدينه ورئيس‬ ‫مجلس اداره الحمام محور الحدث ) فبينما يصر االول على فضح الفساد المستشرى‬ ‫فى الحمام العالجى الدى انشأه مجموعه المستثمرين بالمدينه وبين بما اليدع مجاال‬ ‫للشك انه وهم كبير وضار جدا بالصحه وقد يفسد صحه اهل المدينه انفسهم ويدمر‬ ‫مستقبلهم لكونه يقوم على اوساخ وميكروبات ضاره جدا من جراء اختالط مياهه‬ ‫بمواسير الصرف العفنه وهو االمر الدى يرفضه اخوه برغم علمه بتلك الحقيقه ولكن‬ ‫االقرار بصحه التقرير الدى اعده الدكتور ستوكمان كان يعنى بالنسبه له وللمستثمرين‬ ‫دمار مشروعهم المربح وهو مايرفضه جمله وتفصيال ‪,‬من هنا تدور رحى الصراع‬ ‫الشرس بين ( العالم الشريف والحاكم الفاسد)(‪)2‬‬ ‫ومن العروض التي بينت بقوة أهمية الدراماتورج في الكتابة الجديدة يأتي عرض‬ ‫(الزومبي والخطايا العشر) كنموذج دال علي كيفيات دمج أكثر من عمل أدبي‬ ‫ودرامي في نسيج يناوش الواقع ويقف علي مشاكله األولي وعنه كتبت لجريدة‬ ‫القاهرة إبان تولي األستاذ سيد محمود رئاسة تحرير الجريدة‬ ‫الزومبى والخطايا العشر‬ ‫المتلقى صانع الحكايات‬ ‫احدث العرض المسرحى الذي قدم خشبه مسرح الهناجر لغطا كبيرا بين المهتمين‬


‫بالمسرح المصرى كونه عرض مغاير يتخذ من فنون مابعد الحداثه طريقا له فمن‬ ‫دخل للمسرح يبحث عن تيمه مترابطه األوصال أو من تصور أن هناك حكايه واحدة‬ ‫من الممكن تتبع قضاياها سيخرج من العرض خالى الوفاض ‪ ,‬وحتما سيلعن صناع‬ ‫العرض والمسئولين اللذين أعطوا لهؤالء الفرصه كى يخرجوا علينا بجنونهم غير‬ ‫المعتاد ؟ فالفعل المسرحى هنا قريب من عوالم السرياليه والتعبيريه حيث يسود منطق‬ ‫الحلم ويبدأ الحدث فى تصدير صور وافكار غير مترابطه وعلى المتلقى أن يبحث‬ ‫عن مأساته الخاصه ويصنع حكايته المقبوله مع العرض المسرحى وقتها من الممكن‬ ‫أن يتماس مع االلعاب والصور المتبدله بسرعه فائقه ويدرك حقيقه العمل ودورة فى‬ ‫تقديم رؤى جماليه تنحت لذاتها طريق صعب غير ممهد‬ ‫بدايه يقوم العرض على مجموعه من االعمال تتصدرها روايه جورج اورويل‬ ‫‪ 1984‬وفهرنهايت‪ 451‬لراى برادبرى وكتابات الشاعر اللبنانى وديع سعادة وقد‬ ‫تكونت ورشه كتابه من المخرج طارق الدويرى ونشوى محرم لدمج تلك االعمال‬ ‫وصناعه عرض مسرحى يتخذ من شخصيه (الزومبى) دليال لتسيير التيمات واالفكار‬ ‫المرتبطه بالصورة أكثر من كونها مرتبطه بالكلمه ‪ ,‬والزومبى حسب المصادر‬ ‫هو شخص مات ثم تمت اعادته للحياة مرة اخرى أو هو شخص تمت سرقه‬ ‫روحه بواسطه قوى خارقه ووصفات طبيه (عشبيه) وتم اجبارة على طاعه سيدة‬ ‫طاعه عمياء أو هو شخص فوضوى يميل للقتل والعنف والعشوائيه يتحرك بأليه‬ ‫وكأن الروح منزوعه منه وحتى تلك اللحظات التى يروى فيها حكايات عاديه يبدو‬ ‫االمر وكأنه غير منطقى أو غير معقول وكأنه حلم تسيح فيه اللحظات بين الممكن‬ ‫والمستحيل ‪ ,‬ومن ثم تتداعى االفكار والروايات التى تتلوها علينا الشخصيات لتبدو‬ ‫كأحالم غريبه متجاورة ‪ ,‬والحقيقه الملفته التى تواجه المتلقى أن كل شخص على‬ ‫خشبه المسرح إنما هو زومبى يتحرك دون منطق أو وعى كى يثبت وجودة وفعاليته‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪71 70‬‬


‫وإشتباكه مع اللحظه الراهنه ويتخذ المخرج من الواقع السياسى واالجتماعى غير‬ ‫المعقول دليال للدخول لعالم الال معنى والالهدف فبعض االحداث الراهنه وبعض‬ ‫المواقف السياسيه واالجتماعيه هى بشكل ما حكايات اسطوريه اليمكن تصديقها‬ ‫او اعتبارها معقوله الحدوث وتجاور اللحظات والحكايات وااللعاب والمواقف كان‬ ‫هدفا فى حد ذاته فى ذلك العرض ‪ ,‬فقط يقف المشهد الختامى والذى تتراص فيه‬ ‫الشخصيات فى طابور طويل كى تعود للعالم االخر مرة اخرى كدليل على النهايه‬ ‫التى ستجئ حتما والتى صنعت خصيصا بإشارات سينوغرافيه داله على العالم االخر‬ ‫الملئ بااللوان الضبابيه الحمراء والتى تنفصل عن العالم الحقيقى من خالل بوابه‬ ‫الموت التى تحجز تلك الذوات وتحاكم افعالها وتعيدها مرة اخرى لعالم الموتى أو‬ ‫عالم التوهه والمستحيل ‪ ,‬وحتى االخيله التى تتصارع وتقدم فى صور متكسرة أو‬ ‫حيه مصورة بأكثر من طريقه ويمكن متابعتها من خالل اكثر من منصه أو كاميرا‬ ‫فاللحظات هنا يمكن مراقبتها وتدوير زوايا رؤيتها كى تشدك لعالم الصورة وتبتعد‬ ‫رويدا رويدا عن المعنى الحرفى والسببى والمنطقى للكلمات المنطوقه أو تعتبرها‬ ‫هامش يمكن االستعاضه عنه بالمتاهات التشكيليه الجسديه التى تسودها الفوضى ‪,‬‬ ‫وعلى هؤالء المهمشين اللذين يشغلون الفراغ أن يصدروا افعال وتشكيالت حركيه‬ ‫غير منتظمه فالتصميم مرهون بتفعيل الذوات فى اطر منعزله غير متشابهه‬ ‫من هنا ومن هذا التراكم وتلك االلعاب حتما ستجد هناك إشارات داله وضعت كإطار‬ ‫خارجى يمكن منه تتبع حركه الواقع السياسى واالجتماعى الراهن فمثال إختبار‬ ‫سرعه البديهه أو المعرفه الذى تم إعادة تقديمه أكثر من مرة داخل نسيج العرض‬ ‫والذى كان يتسائل عن عدد االصابع فى الصورة المتحوله كان داال على عالقه‬ ‫السلطه بالمواطن االن وهنا فاى عدد من االصابع تشاهدة فى الصورة التى امامك‬ ‫؟ كما جاءت االصوات الخارجيه لكل من احمد مختار وحمادة شوشه مختارة بعنايه‬


‫ووعى كى تصيغ ذلك العالم الغريب الذى يحوطنا بينما وقفت ممثله شابه فى وسط‬ ‫المسرح كى تلعب لعبه مغايرة قوامها االشباح واالخيله االنسانيه التى فقدت التواصل‬ ‫مع ذلك العالم الغريب وبدأت فى تصدير غرابه الموقف وإنعزال الذوات وشرنقتها‬ ‫متخذة من كتابات وديع سعادة دليال لها حيث تم انتقاء مجموعه من اشعارة ووزعت‬ ‫على لحظات كثيرة من العرض بذوق جمالى يدرك اين يقف وكيف يمكن ان يطور‬ ‫وجودة (‪)3‬‬ ‫عروض الجسد وكتابة المسرح‬ ‫كان للمهرجان التجريبي الذي بدأ مع نهايات ثمانينات القرن الماضي دور مؤثر للغاية‬ ‫في مسيرة كثير من الكتاب والمخرجين في مصر حيث برز تيار المسرح الحركي‬ ‫الذي ال يعتمد بداهة علي حوار مسرحي وإنما تبني فلسفته علي إعطاء الجسد دور‬ ‫مهم للغاية في اللعبة المسرحية وكان في طليعة المخرجين الذين تأثروا بما قدم إلينا‬ ‫من عروض الراحل «منصور محمد» الذي أنشأ فرقة إستديو الممثل وقدم باكورة‬ ‫أعمالها بأسم (اللعبة) متأثرا بمنهج إحدي فرق أوروبا الغربية التي كانت قد قدمت في‬ ‫الدورة الثانية من عمر المهرجان عرضها الالمع (دون جوان)وعرض (اللعبة) كان‬ ‫يقوم بداهة علي مجموعة كبيرة من اللوحات التي تطرح فهم مجموعة من الشباب‬ ‫لطبيعة المشاكل التي تقابلهم يوميا سواء في الشارع أو األسرة أو اإلعالم وقد أحدث‬ ‫العرض جدال كبيرا بين النقاد والمهتمين لدرجة ان هناك أصوات نقدية لم تعبره‬ ‫عرضا مسرحيا ‪ ,‬وقد تطور ذلك التيار بشدة علي طريقتين أو أكثر فهناك عروض‬ ‫راقصة لن تجد بها حوار مسرحي بأي شكل من األشكال وهناك عروض تخلط‬ ‫الرقص المسرحي بالدراما وهو موضوع يحتاج دراسة مستقلة ولكن طالما كانت‬ ‫الدراسة تتعلق بالكتابات الجديدة فمن غير المعقول عدم اإلشارة لكتابات الجسد والتي‬ ‫يقوم الدراماتورج فيها بوصف الحركة الراقصة وقد وصف «مصطفي عبدالحميد»‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪73 72‬‬


‫أول دراماتورج مع الراحل منصور محمد ماقام به بكلمة(سيناريو)‬ ‫سينما ‪ 30‬عالمة علي الكتابة الواعية بقضايا العصر‬ ‫ومن العروض التي أحدثت جدال كبيرا في الفترة االخيرة العرض الذي كتبه وأخرجه‬ ‫الكاتب والمخرج الذي حصل من قبل علي جائزة أفضل مؤلف في المهرجان القومي‬ ‫للمسرح المصري «محمود جمال» وأقصد هنا عرضه الشهير (سينما ‪ )30‬فالعرض‬ ‫ورغم أن كتابتة ال جديد فيها من الناحية التقنية إال أن التكوين الداخلي يظهر مهارة‬ ‫الكاتب ووعيه الفارق في كيفيات تالفي اإلصتدام مع السلطة بأي شكل من األشكال‬ ‫فالموضوع برمته يدور في ثالثينات القرن الماضي حيث فريق العمل الذي أراد ان‬ ‫يأخذ الكاميرا ذلك اإلختراع الجديد حينها ويذهب بها الي إحدي قري الريف لتصوير‬ ‫مشاهد عابرة وصناعة فيلم يبدو للوهلة االولي أنه فيلم (وثائقي) وشيئا فشيئا تتحول‬ ‫األحداث فسلطة القرية تعاملت بسهولة في بداية األمر إليمانها بأن الموضوع لن‬ ‫يتسبب في أي أزمة ولكن وعي الكاتب بكيفيات تضمين القضايا أتاحت عمال يناقش‬ ‫السلطة في عالقتها بالناس وكيفيات القمع والتكيل وحدة الفقر وأثرها في حياة الناس‬ ‫الهوامش‬ ‫احمد خميس ‪ ,‬في حضرة المبدع كرم مطاوع ‪ ,‬نشرة مهرجان شرم الشيخ‬ ‫‪ -1‬‬ ‫الدولي للمسرح الشبابي ‪ ,‬الدورة الثالثة ‪ ,‬العدد األول‬ ‫أحمد خميس ‪ ,‬عدو الشعب أو الثورة األن ‪ ,‬مسرحنا‬ ‫‪ -2‬‬ ‫أحمد خميس ‪ ,‬الزومبي والخطايا العشر المتلقي صانع الحكايات ‪ ,‬جريدة‬ ‫‪ -3‬‬ ‫القاهرة‬


‫المعنى والمعنى المضاد في الكتابات المسرحية الجديدة‬ ‫د‪ /‬محمود سعيد‬ ‫مقدمة‪:‬‬ ‫كان بيرتولد بريخت يؤكد ضرورة اختيار موضوعات جديدة‪ ،‬وعرض عالقات‬ ‫جديدة في شكل درامي ومسرحي جديد‪ ،‬يقول محدداً فكرته‪:‬‬ ‫«كوارث اليوم التعرض لنا بصورة مستقيمة ومباشرة؛ وإنما هي تنمو من خالل‬ ‫أزمات دائرية‪ ،‬فاألبطال يتغيرون مع كل مرحلة‪ ،‬فهم قابلون للتبادل‪ ،‬وخط الفعل‬ ‫الدرامي يتعقد بأفعال محبطة أو مجهضة‪ ،‬والقدر لم يعد قوة أحادية‪ ،‬بل نحن نالحظ‬ ‫ساحات قوة تخترقها تيارات متعارضة‪ ،‬بل أكثر من ذلك‪ ،‬فإن مجموعات القوى‬ ‫التعمل وحسب في تحركات تتعارض فيما بينها‪ ،‬وإنما هي تخضع لتناقضات داخلية‪.‬‬ ‫وهذا أرمان جاتي‪ ،‬يؤكد أن كل موضوع يتمتع بمسرحانية خاصة به‪ ،‬وأن البحث‬ ‫عن البنى المعبرة عن هذه المسرحانية هو ما يشكل المسرحية‪ ،‬ومع ان بيير‬ ‫سارازاك الذي يعلن في مستقبل الدراما أنه اليكفي في المسرح أن نقول أشياء جديدة‪،‬‬ ‫وإنما ينبغي أيضاً أن نقولها بطريقة مختلفة‪ ،‬ننحاز في دراستنا لألعمال إلى جانب‬ ‫التجديدات الشكلية باعتبار أنها تكشف عن اهتمام المؤلفين بأن يأخذوا في الحسبان‬ ‫تطور العالم»( )‪.‬‬ ‫محمد أمين عبد الصمد ولعبة البطل المضاد (مسرحية الزناتي)‬ ‫الجميل في كتابات (محمد أمين عبدالصمد) أنه اليقلد كاتباً من الكتاب القدامى والحدثين‪،‬‬ ‫من العرب واألجانب الغربيين‪ ،‬بل هم ال يعظمون في عينيه وال يصغرون‪ ،‬فلديه‬ ‫(ند لهم)‪ ،‬فقد سلك منهجاً منفرداً في الكتابة‪ ،‬فخاصمت كتاباته المسرحية‬ ‫إيمان بأنه ّ‬ ‫المقلدين خصاماً عنيفاً ألن أعمالهم إنما هي نسخ ألعمال من انبهروا بهم إلى حد‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪75 74‬‬


‫العمى‪ ،‬لم ينبهر عبدالصمد صراحة بأحد (على حد علمي) وتلك من أجمل مفردات‬ ‫الكتابة لديه عدم االنبهار‪ ،‬يقدر اآلخر لكن دون الوقوع في أسره‪ ،‬يحترم كل الكتابات‬ ‫دون التحقير من شأن الضعيف‪.‬‬ ‫لعب عبدالصمد مع التراث أكثر من لعبه مقدماً لحلول بديلة ألحوال التعامل مع‬ ‫التراث والتياجتاحها الركود والسكون والتقليد والمرواءة المفزعة لتخرج كتاباته‬ ‫وكأنها تهتم بقضايا شتى‪ ،‬إال أنها كتابة مشروطة بالتركيز على الفعل الدرامي وعلى‬ ‫تقنين األفكار والمشاعر والمواقف واألدوار‪ ،‬مع إيجاد الكالم بين المتحاورين مع‬ ‫الربط بالجمهور المثقف والمتعلم وحتى األمي دون وصاية ودون إلقاء دروس تعليمية‬ ‫في األخالق والدين والسياسة واأليديولوجية‪ ،‬ودون غمز وال همز وال لمز‪.‬‬ ‫ليتحول الفعل الدرامي لديه كالتجربة اإلنسانية التي يراها المتلقي بالعين المجردة‪،‬‬ ‫ويحياها بالفكر واإلحساس ويسهم فيها بالقبول والرفض‪ ،‬كأن عبدالصمد يستكشف‬ ‫عوالم مجهولة حتى لو استخدم مفردات معلومة للقاصي والداني‪ ،‬وهو يستنطق‬ ‫المجهول من المعلوم‪ ،‬بفكر اإلنثروبولوجي ودهاء رجل القانون‪ ،‬يتحرك النص لغوياً‬ ‫لديه مخاطباً جمهوره بلغة مطواعة مشكلة حسب ذائقة الشارعومكتسباته ولهجاته‬ ‫حتى وتحريفاته‪ ،‬فاللغة االستعمالية التداولية في خطاب محمد أمين عبدالصمد هي‬ ‫بمثابة ابتكار وبراءة اختراع في حاجة لالعتراف الشاسع بها عبر الدرس النقدي‬ ‫الرصين لها‪.‬‬ ‫ولغة الشخصيات عربية صافية من الغريب والمهجور‪ .‬أسبابها ملتصقة بلغة‬ ‫المجتمع‪« ،‬مفهومة في مستواها األول ولكنها ذات مستويات متعددة من المعنى‬ ‫واإلشارة والتصريح والرمز والعالمة‪ ،‬إذ الكلمة المسرحية والجملة المسرحية‬ ‫والتعابير المسرحية إجماالً إنما التستهلك مستوياتها المتعددة والحافة والمتنقلة من‬ ‫حقل داللي إلى آخر والمشتبكة استهالكاً كلياً واحداً‪ ،‬بل يبقى منها من الدالالت ما هو‬


‫جدير بالتفكير والشرح والتأويل والنقاش»( )‪ .‬وكلما أعاد المتلقي قراءة المسرحية‬ ‫فطن إلى دالالت وعالمات جديدة‪ ،‬تلك هي طبيعة لغة المسرح الراقي المميز الذي‬ ‫يكتسب منطقته عبد الصمد‪.‬‬ ‫ففن المسرح اليحتمل اللغو‪ ،‬وال المزايدات الشعاراتية! لغته اإليجاز‪« ،‬ذلك أن الجملة‬ ‫المسرحية – وهذا مصطلح مسرحي – سواء كانت حرفاً واحداً أو مجموعة من‬ ‫الكلمات والحروف هي كبيت من الشعر‪ ،‬إذ للمسرح عروض خاف عمن اليدركه‬ ‫مثل عروض الشعر الظاهر‪ .‬إال أن لكل كاتب مسرحي عروضاً خاصة حميمية في‬ ‫نفسه‪ .‬واإليقاع في الجملة الواحدة يتناغم مع سائر الجمل المسرحية تارة ببطء وطوراً‬ ‫بتسارع متصاعد‪.‬‬ ‫والجملة المسرحية هي لبنة مادية ألنها ليست إيقاعاً فقط وال داللة وال عالمة فحسب‪،‬‬ ‫بل هي أيضاً شيء مادي نشيد به صرح المسرحية‪ :‬فالبد حينئذ من أسس متينة‬ ‫يقوم عليها الصرح وينهض‪ ،‬ألن هذا الصرح عبارة عن عمائر عربية‪ ..‬لها تجانس‬ ‫ولها تشكيل ولها انسجام مع بعضها البعض من حيث التوليف والتخطيط واحتالل‬ ‫الموقع»( )‪ .‬تلك إحدى مخاطبات فن المسرح‪.‬‬ ‫من وجهة نظر الكاتب المسرحي من الضروري أن يطرق موضوعاً استولى عليه‪،‬‬ ‫وأن يهمه وأن يهم الجمهور‪ ،‬موضوعاً من بيئته ومجتمعه ومن شعبه ولربما من أمته‬ ‫العربية أيضاً‪ ،‬موضوعاً كلياً ينظر إليه من زاوية معينة‪ ،‬اليطغى فيه الجانب السياسي‬ ‫مثالً على الجوانب األخرى‪ ،‬واليسود الجانب الفكري العميق الرصين كالفلسفة‬ ‫والعلوم اإلنسانية‪ ،‬وكأن لسان حال عبدالصمد يقول‪ :‬كيف أحكي حكايتي؟ كيف‬ ‫أسرد أحداثها على الجمهور العربي؟ كيف أصف شخصياتها وأدوارها ووقائعها؟ هل‬ ‫يكون ذلك على الطريقة العربية وبالرؤيا العربية وبالتقنيات العربية أم على الطريقة‬ ‫األوروبية الحديثة؟ أم المزج المتقن والحذر بين الطريقتين؟‪ ،‬إذ أنه اليكفي أن نكتب‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪77 76‬‬


‫مسرحية باللغة العربية حتى تكون مسرحية عربية‪ ،‬وأن نتناول موضوعاً عربياً حتى‬ ‫تكون مسرحية عربية تنفذ إلى وعي الجمهور العربي وإلى حميميته مباشرة دون‬ ‫عوائق ثقافية أو معرفية‪ ،‬فيجب حينئذ أن تكون الجماليات من أشكال وتقنيات سردية‬ ‫ووصفية ورؤى عربية وهي األسس التي يقوم عليها الصرح وينهض‪ ،‬هو كاتب‬ ‫صاحب مشروع مهم هذا المشروع‪ ،‬مشروع خاص إال أنه عام‪ ،‬بمعنى أنه بعد وقت‬ ‫طويل نحاول أن نعمل على إسماع كلمتنا الفنية المسرحية بين الكلمات األخرى في‬ ‫خضم هذه الموجات العاتية التي أخذت في تنميط كل شيء!‪ ،‬ذلك هو مشروع محمد‬ ‫عبدالصمد المسرحي‪.‬‬ ‫تتأسس كل األحداث اإلنسانية المرتبطة بالتفاعل االجتماعي (غالبية األفعال المسرحية)‬ ‫على استخدام اللغة كوسيلة أو أداة ال غنى عنها لتحقيقها‪ ،‬تكون اللغة حاضرة في‬ ‫كل فعل إنساني‪ ،‬مباشر أو غير مباشر‪ ،‬بالقياس بأن كل حدث يفكر‪ ،‬يقال ويقيم‬ ‫بواسطة أفكار‪ ،‬قبل‪ ،‬وأثناء وبعد التحقق‪ .‬كل فعل إنساني‪ ،‬مثل اللغة‪ ،‬هو في األساس‬ ‫«حواري»‪ ،‬يقود نحو آخر‪ ،‬لذلك كله فإن المسرح هو كلمة في فعل أو نشاط‪ :‬كلمات‬ ‫الكاتب األولى‪ ،‬كلمات الشخصيات وكلمات يقولها المتفرجون ألنفسهم أثناء وبعد‬ ‫المشاركة في عرض‪ .‬تأمل األحداث الحقيقية التي تثير أفعاالً ذهنية‪ ،‬محفزات‪ ،‬أفكاراً‬ ‫وانفعاالت‪ ،‬التي هي أيضاً حقيقية‪.‬‬ ‫«المسرح حدث فني ملمحه األساسي (والمختلف) هو العالقة الخاصة التي يقيمها بين‬ ‫الحقيقة والخيال‪ .‬في المسرح يصبح الخيال حقيقة وتتحول الحقيقة إلى خيال حقيقي‬ ‫وحقيقة منخيلة يجبرنا المسرح‪ ،‬بسبب طبيعته الخاصة‪ ،‬على التفكير في معنى الحقيقة‬ ‫والواقعية في الفن»( )‪ .‬كما يجبرنا محمد أمين عبدالصمد على إعادة قراءة الزناتي‪،‬‬ ‫الزناتي الحكاية‪ ،‬أم حكاية الزناتي؟ هذا هو السؤال‪.‬‬ ‫كما يقول سانتياجو‪« :‬إننا ال نتواصل أبداً مع األشياء كما هي‪ ،‬بل كما نبنيها‪ ،‬لذلك‪،‬‬


‫التوجد حقيقة فريدة من نوعها وموحدة‪ ،‬مسبقة وخارجية‪ ،‬حيث أن حقيقة كتلك هي‬ ‫بناء معرفي موضوع اعتباراً من اللغة والثقافة‪ .‬هذا الفعل هو ما يمنح مخططنا معنى‪،‬‬ ‫حيث يحاول تفسير كيف نبني تلك الحقيقة ودرجة االتساق والثقة التي نمنحها لكل‬ ‫مستوى من الحقيقة المبنية»( )‪.‬‬ ‫إن الحقيقة متعددة األسطح يعني أنها شيء آخر وأكثر تعقيداً‪ ،‬إنها ما يعرفه الحس‬ ‫العام كحقيقة عادية أو حقيقة واقعية‪ .‬واقعية محدودة لعرض هذه الحقيقة تكون محددة‬ ‫قليلة المنفعة في المسرح‪ .‬على النقيض‪ ،‬يفتح مفهوم للعالم مؤسس على تعددية ماهو‬ ‫حقيقي‪ ،‬أبواب المسرح على عوالم فنية ذات معنى وعمق أكبر بكثير‪ ،‬كما يظهر‬ ‫لنا مسرح عبدالصمد‪ :‬ليس أنه يريد إخفاء الحقيقة‪ ،‬بل معرفة أنها جماعية ومتعددة‬ ‫األسطح‪ ،‬إن الشخصيات التي تسكنها متنوعة أيضاً‪.‬‬ ‫«يمكن أن تبنى الحقيقة المتخيلة أنواعاً مختلفة من العوالم‪ ،‬عوالم ممكنة أو عوالم‬ ‫مستحيلة من خالل وجهة نظر الحقيقة الفعلية (عوالم حقيقية) أو عوالم محتملة أو غير‬ ‫محتملة من خالل وجهة نظر تماسكها أو صالبتها الداخلية (عوالم خيالية) ننشأ هنا‬ ‫عالقة بين الخيال والحقيقة»( )‪.‬‬ ‫إذا يحتاج المسرح‪ ،‬لمنظورات مسرحية تُقدم في مكان وزمان‪ ،‬لتحقيق «وجوده»‪،‬‬ ‫«إن الموقف التوصيلي الخاص بالمسرح هو جوهر العالقة – الجدلية أحياناً – التي‬ ‫من المعتاد تأسيسها بين المسرح والزمن الحاضر‪ ،‬ويجدر بالفعل أن نقدم الحاضر‬ ‫كزمن لـ األداء التمثيلي وللطابع الدرامي (ذي التمثيل المباشر) أمام الماضي كزمن‬ ‫للمؤلفات وللطابع السردي (ذي التمثيل غير المباشر)»( )‪.‬‬ ‫فالمسرح يعتمد على زمن حقيقي‪ ،‬تمثيلي – برجماتي‪ :‬إنه زمن األثر الفني والتوصيل‬ ‫غير المميزين‪ ،‬والذي يتمثل في ممانعة كبرى أو صالبة الدراما مقابل حرية كبرى‬ ‫للسرد في تمثيله للزمن‪ ،‬لتبدو لنا الزناتي وكأنها مشهد تمثيلي أو هي بروفة لمسرحية‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪79 78‬‬


‫ما كتبت منذ زمن وقد تبدو أنها لم تكتب أيضاً‪ ،‬خاصة «زمن التطور السردي‬ ‫لألحداث أو الداللي هو المستوى الزمني الذي يشمل المضمون الكلي وزمن الخيال‬ ‫بكل امتداده‪ ،‬على مستوى األحداث المعروضة كما على المروية بأية وسيلة بما فيها‬ ‫المعنى اللغوي المحض»( )‪.‬‬ ‫لعبة الثنائيات‬ ‫يجيد المؤلف اللعب على الثنائيات بشكل واضح بداية من العنوان (الزناتي) وتحول‬ ‫الكلمة مابين االسم والصفة االسم المحفور في ذاكرة التراث ووجدان البطل الشعبي‪،‬‬ ‫والصفة التي يسعى المؤلف لتوكيدها عبر أكثر من وسيلة‪.‬‬ ‫ففي المشهد األول ومع وصف حال الرواه‪ ...‬األول ضخم قوي يرتدي الجلباب‬ ‫الصعيدي واآلخر نحيف يرتدي جلبات تقليدي‪ ،‬إال أنه شديد التميز والسخرية‪...‬‬ ‫ليضعنا المؤلف أمام معضلة الثنائيات والضد منذ البداية حيث اختالف الشكل والفعل‬ ‫المغاير‪ ..‬في كسر للمألوف عبر فعل الهدم وإعادة البناء والتفكيك‪ ،‬لينطلق سؤال‬ ‫مهم‪..‬‬ ‫لماذا هذا االختالف الواضح بين الرواه في الشكل واألداء؟‬ ‫ومابين الراوي األول والثاني تنطلق الحكايات وتنساب في مرونة شديدة‪ ،‬إال أنها‬ ‫مرونة محسوبة‪ ،‬بمعنى أنها تنطلق من مناطق خاصة‪ ،‬فقد تخير الكاتب مناطق معينة‬ ‫لإلنطالق منها‪ ،‬فهو يكتب بكلتا يديه‪ ،‬يد المبدع المسرحي‪ ،‬ويد األنثروبولوجي المدقق‬ ‫في بعض التفاصيل ومابين الكاتب المسرحي واإلنثروبولوجي يبزغ لنا رجل القانون‬ ‫يدشن مذكرته بحرفة عالية الهثاً وراء تفاصيل وجذور األشياء‪ ،‬سعياً خلف قضيته‬ ‫ومشروعه‪ ،‬وفي مملكة الزناتي يوجد كل شيء الرجال وأشباه الرجال‪ ،‬سعدى األنثى‬ ‫التي تتفوق على الرجال‪ ،‬حاشية الزناتي وهم في نفس الوقت نقاط ضعفه‪ ،‬الزناتي‬ ‫بقوته‪ ،‬ومهارته و(الهصيص) كما يقول عنه الكاتب‪:‬‬


‫(يدخل الهصيص‪ ...‬شاب يافع كأنه نسخة مصغرة من الزناتي خليفة) ‬ ‫(المسرحية‪ ،‬ص‪)31‬‬ ‫ ‬ ‫وهو بذلك يقر أن لعبة الثنائيات‪ ،‬مازالت مستمرة بل وتلك لعبة االستنساخ‪ ،‬ليبدو‬ ‫الهصيص‪ ،‬وكأنه صوت الضمير أو العقل للزناتي خليفة‪..‬‬ ‫يستطنقه الكاتب بلسان حال األزمة عبر فعل الحكمة والتعقل‪.‬‬ ‫الهصيص‪ :‬على الراحة عودت األمرا‪ ...‬وبعدتهم عن كل حاجى‪ ..‬التثور منهم وال‬ ‫امرا (أمارة) وال كلمة حا‪ ..‬جة‪( ...‬المسرحية‪ ،‬ص ‪)33 ،32‬‬ ‫ومن خالل هذا االعتراف من الهصيص يفتح المؤلف نافذة أخرى لألحداث‪ ،‬يطل منها‬ ‫على مناطق أخرى هي مناطق الكشف واالعتراف بالخلل‪ ،‬والتي تمثل أول مراحل‬ ‫االنتصار في اللعبة السياسية‪ ،‬حيث االعتراف باألزمة‪ ،‬وتحديد مالمحها‪ ،‬هو أول‬ ‫خطوات وضع الحلول العقالنية لها‪ ..‬أما غض الطرف عنها هو بداية االنهيار‪ ،‬تلك‬ ‫هي الثنائية شديدة التكثيف التي يلعب عليها المؤلف‪.‬‬ ‫حتى الثنائيات على مستوى اللغة‪ ،‬واللعب باأللفاظ‪ ،‬وتحميله دالالت أكثر من المعاني‬ ‫المباشرة لها‪ ،‬لدرجة أن استخدم المؤلف أكثر من كلمة بأكثر من معنى مثل (الخليفة‬ ‫– الخلف – الخالف)‪ ،‬وفي موضع آخر نجد كلمات (أمير – إمارة – أملرة) وعلى‬ ‫تلك الوتيرة يمارس المؤلف لعبة هدم وبناء المعنى والدخول لعمق األحداث والمواقف‬ ‫بمهارة من يمتلك اللغة (نثراً وشعراً)‪.‬‬ ‫على حد كلمات المسرحية‪...‬‬ ‫الراوي‪ :1‬الزناتي حافض كتاب هللا‪ ...‬وموفي فرضه ودينه ماله مولى إاله‪ ..‬للخلق‬ ‫حماله دينه (ماعليه دين)‪.‬‬ ‫الراوي‪ :2‬في تونس‪ ...‬الرجل حاكم عقولهم‪ ...‬تقرأه سعدى وعالم والولد للوالدين‬ ‫عقولهم (عاق لهم) ناقص ربايه وعالم مأذن ماليه المدينة في كل شبر جامع هللا‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪81 80‬‬


‫يحرس دينه‪ ..‬ماحدا للندا سامع (المسرحية ص‪)36 ،35‬‬ ‫وما بين اإليحاء واإليحاء المضاد يتحرك النص‪ ،‬خاصة في اللعب باأللفاظ وتعدد‬ ‫مستويات استخدام الجمل‪ ،‬بين المعنى وقلب المعنى‪ ،‬حيث الكلمات (عقولهم – عاق‬ ‫لهم)‬ ‫(تقرأه سعدى وعالم – ناقص رباية وعالم)‬ ‫(موفي فرضه ودينه – ماله مولى إاله – للخلق ماله دينه)‬ ‫وهكذا يمارس المؤلف عمليات البناء والهدم في ظل لعبة الثنائيات واإليحاء‬ ‫ ‬ ‫بأشياء ثم عكسها‪ ،‬والتأكيد على معاني ما تم تفصيلها في معالجة ذكية للتراث‪ ،‬وقراءة‬ ‫جديدة لحدث قديم في حالة تحضير وإحضار متعمد لمواقف ما من التراث‪ ،‬مواقف‬ ‫يستخدمها استخدام مغايير‪ ،‬استخدام مواتي للظرف اآلني‪.‬‬ ‫الزناتي والبطل المضاد‪:‬‬ ‫قد تغيرت صفة البطولة في األعمال المسرحية بشكل واضح‪ ،‬بل إن مالمح البطولة‬ ‫ذاتها تغيرت‪ ،‬فقد يتحول اإلنسان الضعيف أو العادي إلى بطل‪ ،‬بل إن صفات مثل‬ ‫الضعف والقلق واأللم قد تكون مفردات للبطولة‪ ،‬وقليلة هي األعمال التي احتفظت‬ ‫للبطل بصورته الت اعتدناها الذي ينهي كل الصعاب‪ ،‬وينقلب على كل الظروف‬ ‫المحيطة‪ ،‬لذا فإن (محمد أمين عبدالصمد) قد وضع لنفسه بطالً خاصاً‪ ،‬بل شديد‬ ‫الخصوصية هو البطل المضاد‪ ،‬يقف بين حدي اإليجاب والسلب‪ ،‬يزاوج بين كلمة‬ ‫الحق والسيف يحمل فكراً مغايراً وأخالقاً مختلفة وتصورات جديدة‪ ،‬خاصة وهو‬ ‫يتحدث عن تونس وطريقة الحكم المثالية لنرى لذى إننا أمام عقل تقدمي شديد الذكاء‪،‬‬ ‫إال أن في كلماته القوية تبدو بذور صنفه‪...‬‬ ‫الزناتي ‪ :‬احكمها كيف بنية فتية‪ ..‬هي منك وأنت منها‪ ...‬وأعشق كل مافيها مسلميها‬ ‫ومجوسها‪ ..‬وبوم ربك ما يوافي أجله وأموت‪ ..‬ح يبقى اسمي دايب في اسمها‪.‬‬


‫الهصيص ‪:‬عشان كده راكن االمرا‪ ...‬ومحيد ملك البالد معبد‬ ‫الزناتي ‪( :‬يغضب) ملك البالد اللي يصونها‪ ...‬واللي بيراعي أهلها واللي ديمة‬ ‫يحرسها من عدو ساكن أو جالها‪ ..‬أنا الزناتي أبو سعدى‪ ،‬على زندي أنبتت ؟؟؟؟‬ ‫تونس وقضيت على كل العدا‪..‬وال باك يا واد مش حاسس وأسألوا تونس‪ ...‬يا‬ ‫ ‬ ‫كحيلة يازينة الميدان مين ترضيه فارس؟ قولي وسمعي اآلذان‪.‬‬ ‫(المسرحية ص‪)72‬‬ ‫يبدو من كلمات الزناتي التي تنطلق كالرصاص أحياناً‪ ،‬وكالهمس أحياناً أن البطل‬ ‫المعتاد هو الذي يحكم والمعاني المعتادة هي التي تسود وتسوق األحداث‪ ،‬حتى‬ ‫المعاني وتناقضاتها تتحكم في أمور الفعل الدرامي ومسار الشخوص المسرحية‬ ‫بشكل جعل من باقي شخوص السيرة ذاتها جميعهم أشبه بالرواة‪ ،‬منذ امتألت‬ ‫المسرحية بالرواة‪ ،‬بين التخفي والظهور‪ ،‬إال شخصية الزناتي نفسه‪ ،‬والذي ظهر‬ ‫كبطل تراجيدي يحمل بذور سقوطه بيده‪ ،‬وفي نفس الوقت قد يكون هو ترزياس في‬ ‫رائعة سوفوكليس أوديب‪ ،‬ترزياس األعمى البصير‪ ،‬الحكيم المتهور وفي مكر درامي‬ ‫واضح رسم المؤلف شخصية الزناتي برؤية مغايرة‪ ،‬وكأن المسرحية تحولت إلى فخ‬ ‫درامي‪ ،‬نصب بشتى الشخوص الدرامية وللمتلقي أيضاً في ذات الوقت عبر البطل‬ ‫المضاد المعروف بالزناتي خليفة‪.‬‬ ‫في كتابه أيضاً (كتابه ضد) نقف خارج وداخل النص في نفس الوقت هي الكتابة‬ ‫المراوغة‪ ،‬فقد سار بنا الكاتب في صحراء السيرة‪ ،‬وهو العليم بدروبها‪ ،‬سار كقصاص‬ ‫األثر‪ ،‬إال أنه كلما تحرك خطوة محاها كي اليتبعه أحد‪.‬‬ ‫فعلى حد قول (سيد خطاب) «لم يعد المنسق الحكائي للمسرحية بما هو سلسلة‬ ‫األحداث المتتابعة زمنياً هو غاية الرواة أو مؤلفنا بل ما وراء ظواهر األحداث»( )‪.‬‬ ‫مسرحية تحت الترابيذة لـ سامح عتمان‪:‬‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪83 82‬‬


‫النص وخارج النص‪:‬‬ ‫توجد العديد من المقاربات المختلفة للقارئ نحو النص المسرحي تجعل هناك حداً‬ ‫فاصالً بين النص وخارج النص إذ أن هناك القارئ المثبت في النص من جهو‪ ،‬وهناك‬ ‫الشخص الحي الذي الكتابة بين يديه من وجهة أخرى‪.‬‬ ‫ومن تلك الفرضية (النص وخارج النص) نحاول اختراق الكتابة لدى سامح عتمان‬ ‫في نصه (تحت الترابيزة)‪ ،‬عبر فعل القراءة‪ ،‬خاصة أن «القراءة فعل ملموس‪ ،‬وقابل‬ ‫للمالحظة‪ ،‬يستدعي ملكات محددة بدقة للكائن البشري فعال تتحقق القراءة دون تشغيل‬ ‫الجهاز البصري ووظائف الدماغ المختلفة‪ ،‬فالقراءة عملية إدراك وتحديد وتخزين‬ ‫للعالمات‪ ،‬تسبق كل تحليل للمحتوي»( )‪.‬‬ ‫خاصة أن اللغة والحوار في المسرحية «تحمل خصائص متفردة فهي تجنح إلى‬ ‫التشظي المتعمد‪ ،‬واالنتقال من فكرة إلى أخرى في تتابع اليسمح بالتواصل مع فكرة‬ ‫واحدة‪ ،‬فالحوار يختلقحاالت مزاجية وأفكار متشظية التتطور في خط متصاعد وعلى‬ ‫المتلقي أن يلملم شتات هذه األفكار والحاالت لينتج المعنى وفق منظور المتلقي الخاص‬ ‫به»( )‪.‬‬ ‫إذن نحن أمام عملية محاولة فك الرموز‪ ،‬وهي تكون غالباً سهلة حينما يتضمن النص‬ ‫كلمات موجزة ومعروفة ومتعددة المعاني مثل هذه المسرحية‪ ،‬فمنذ البداية وكلمات‬ ‫الراوي وترحيبه بالناس عبر األغنية الشعبية‪ ،‬أو مايسمى بالمهرجانات يدخل بنا‬ ‫المؤلفلعالم من التناقضات الخفية والجلية في ذات الوقت عبر االستخدامات المرنة‬ ‫للكلمات‪ ،‬والتي قد تحمل أكثر من معنى في جدلية واضحة بين اللفظ والمعنى‪.‬‬ ‫المسرحية وأقنعة القارئ‬ ‫إن عملية التواصل األدبي مابين القارئ والنص‪ ،‬تتوقف على نوعية الخطاب المكتوب‪،‬‬ ‫ففي اللحظة التي يكون فيها مفصوالً عن سياقه‪ ،‬فإنه يضع عالمه الرجعي بقوة الكلمات‬


‫وحدها ومن ثم يستسلم كال من المرسل والمتلقي الختزال الكتابة‪ ،‬لتبدو ازدواجية‬ ‫سلطتين المبدع والمتلقي‪ ،‬وبينهما أقنعة القارئ الوهمية‪.‬‬ ‫«لكل عالمة مسرحية مرجع متخيل يمكن أن يكون بدوره حقيقي متجاوز للحقيقة أو‬ ‫خيالي‪ ،‬إذ يمكن أن يبنى المسرح حقيقة متخيلة واقعية‪ ،‬حقيقة متخيلة فانتازية‪ ،‬أو‬ ‫يمزج بين االثنين‪ ،‬هذا يعني‪ ،‬الحقائق والعوالم الممكنة مثل غير الممكنة (تبعاً للعالم‬ ‫الحقيقي)‪ ،‬تكون حقيقية أو فانتازية‪ ،‬ممكنة أو غير ممكنة‪ ،‬دائماً ستكون حقائق وعوالم‬ ‫ذات طبيعة متخيلة بهيئة الواقع الحقيقي»( )‪.‬‬ ‫خاصة أنه تفرض الصفة الحقيقية بالضرورة والمدركة للمسرح تحديداً مادياً وزمانياً‬ ‫على الخيال المتخيل‪ ،‬عند كونها باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬نشاط محقق من قبل كائنات‬ ‫إنسانية‪ ،‬تنتج انتقال مباشر للخيال إلى العالم الحقيقي‪.‬‬ ‫إذ يبنى المسرح بطريقة خيالية بواسطة اللغة الشفهية أو اللفظية‪ ،‬اللغة في المسرح‬ ‫حقيقة حقيقية‪ ،‬فاللغة المكتوبة بشكل حواري‪ ،‬لها مراجعها الخاصة الداللية المادية‬ ‫التي هي نفسها الخاصة باللغة العادية‪ ،‬وحتى تستطيع تلك المراجع الحقيقية (للعالم‬ ‫الحقيقي‪ ،‬المتجاوز للحقيقية أو الخيالي) التحول إلى مراجع متخيلة‪ ،‬فالبد وأن تكتسب‬ ‫معنى سياقي متماسك مع العالم العام للعرض المتخيل‪.‬‬ ‫فالمسافة بين المحتوى الداللي الحقيقي للعالمات الشفهية المسرحية (مدلول) ومعناها‬ ‫الجديد الداللي السياقي والمتخيل (معنى) يمكن أن يكون كبيراً أو صغيراً‪ ،‬حسبما‬ ‫يحاول البناء أو االختالف لعالم خيالي متخيل واقعي أو عالم فانتازي‪ ،‬لكن سيكون‬ ‫دائماً من الضروري انتقال‪ ،‬تغيير ومقارنة استبدالية بين المراجع الحقيقية والمراجع‬ ‫المتخيلة»( )‪.‬‬ ‫فالتناقض األساسي للمسرح يتكون من خلق واقع حقيقي حقيقي فقط بشرط أن يتوقف‬ ‫عن كونه كذلك في الوقت نفسه لتتحول إلى حقيقية خيالية‪ ،‬مختلفة ومتخيلة التي‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪85 84‬‬


‫بدورها‪ ،‬البد وأن تكون مدركة بطريقة مباشرة‪ ،‬لذلك فإن المسرح يشارك بمستويين‬ ‫متعارضين من الحقيقة‪ ،‬الحقيقة الحقيقة والحقيقة الخيالية‪ ،‬الحقيقة وعدم الحقيقة‪،‬‬ ‫تسمح هذه الطبيعة الثنائية‪ ،‬بطريقة مميزة‪ ،‬باالنتقال من الحقيقة إلى الخيال ومن‬ ‫الخيال إلى الحقيقة‪ ،‬أو أيضاً‪ ،‬من العبور الحقيقي إلى الخيال‪ ،‬ومن الخيال إلى العبور‬ ‫الحقيقي‪.‬‬ ‫لذلك يخلق المسرح مكان وسط حتى يستطيع ما هو متخيل مرغوب أن يصبح حقيقياً‬ ‫وما هو حقيقي أن يصبح خياالً‪ ،‬نرغب في جعل األحالم والرغبات حقيقية‪ ،‬في الوقت‬ ‫نفسه الذي نحتاج فيه تقليل حقيقة الواقع الحقيقية‪ ،‬وأخذها بجدية أقل‪ ،‬لكننا النريد‬ ‫خلط الحقيقة بالخيال‪ ،‬بل مواجهتها‪ ،‬وهو ما يحاول سامح عتمان فعله‪.‬‬ ‫تنتج اليوم ظاهرة جديدة تجبر على إعادة بناء أو خلق حدود جديدة بين الحقيقة‬ ‫والخيال‪ ،‬لكن ليس تدميرها‪ .‬لتبدو متعة االختالف وهي متعة مرتبطة باالختالف‪،‬‬ ‫باإلبداع لحقائق جديدة أو لشيء غير موجود سابقاً‪ .‬هذه المتعة تذهب من الكاتب إلى‬ ‫المتفرج‪.‬‬ ‫أما متعة إعمال الفكر تشير هنا إلى المتعة التي تولد من حل مشكلة‪ ،‬من ممارسة‬ ‫الذكاء‪ ،‬المفهومة على أنها المقدرة على إيجاد تفسيرات‪ ،‬عمل استنباطات منطقية‪،‬‬ ‫ربط فرضيات‪ ،‬وبناء معنى متماسك‪.‬‬ ‫«إن األشكال المختلفة للمتعة الجمالية التي لها مكون معرفي قوي سنرى اآلن‬ ‫األشكال العاطفية للمتعة الجمالية‪ ،‬الفصل بين المعرفة والعاطفة تحليلياً أكثر منه‬ ‫حقيقياً‪ ،‬حيث إنه اليوجد تفكير بدون عاطفة‪ ،‬وال عاطفة بدون تفكير‪ ،‬بالرغم من‬ ‫ذلك‪ ،‬من المؤكد أيضاً أنه ليس الشيء نفسه تجربة مهيمنة معرفية أو ذهنية‪, ،‬اخرى‬ ‫مهيمنة عاطفياً أو تأثيرياً»( )‪.‬‬ ‫لذلك لعب المؤلف على متعة التجريد حيث‪ ،‬متعة تجريد الحقيقة‪ ،‬تبرز الجانب‬


‫المظلم‪ ،‬القبيح‪ ،‬الناقص‪ ،‬المجزء‪ ،‬الغير منظم والمرضى للكائنات الحية وللعالم‪،‬‬ ‫إنه شكل للتفادي أو االبتعاد بطريقة سحرية عن الشر والقبح‪ ،‬أمام استحالة إنكار‬ ‫وجودهما‪ .‬وأيضاً‪ ،‬يثير تجريد الحقيقة بنا‪ ،‬أكثر من كونه ضحكة أو سخرية‪ ،‬الشفقة‬ ‫والحنو‪ ،‬أيضاً نتماثل مع الضعف‪ ،‬اللين والعجز‪ ،‬ما هو مشوه وما هو قبيح‪ ،‬ألننا‬ ‫نعرف أن لدينا جميعاً جانبنا الكوميدي الخاص بنا‪ ،‬الضعيف وحتى القبيح‪ ،‬يمكن أن‬ ‫يظهر القبح أو المشوه أيضاً ممتزجاً مع مظاهر أخرى جميلة‪ .‬على األقل يمتزج ماهو‬ ‫جميل وما هو قبيح‪ ،‬المأساوي والكوميدي‪ ،‬ويختلطا بسهولة ما يمكن أن يدمر الجمال‬ ‫المفرط بملمح سلبي واحد‪ ،‬بالكيفية نفسها ملمح إيجابي يمكن أن يعوض عن القبح أو‬ ‫السيء‪ ،‬وتلك فرضية الكتابة الضد لدى سامح عتمان‪.‬‬ ‫لذلك يطرح المسرح دائماً‪ ،‬بسبب صفته الموضوعية‪ ،‬صراعاً بين المشهد و»العالم‬ ‫الداخلي»‪ ،‬من الصعوبة الشديدة‪ ،‬أن الكتاب‪ ،‬الممثلين والمخرجين يتردون في هوات‬ ‫الذاتية‪ ،‬الالوعي‪ ،‬الترابط الحر للصور‪ ،‬األفعال‪ ،‬اإلشارات‪ ،‬الحركات‪ ...‬اإليحائية‬ ‫جداً ربما‪ ،‬لكنها في الغالب غير مفهومة‪ ،‬غير مترابطة أو اعتباطية بالنسبة ألغلبية‬ ‫المتفرجين‪ ،‬تحقق خشبة المسرح‪ ،‬من البداية‪ ،‬وتعيد تقييم أية كلمة‪ ،‬فعل أو حركة‬ ‫تمثيلية لسبب بسيط وهو أن انتباه الجمهور يتبئور عليها‪.‬‬ ‫إذن كل ما ال يساهم في إبراز معنى العمل يعرقل معنى العمل‪ ،‬اإلفراط أو التقليل‬ ‫المفرط هو تخفيف وإضعاف للمعنى‪.‬‬ ‫«يقيم كل عمل آلياته الخاصة للتماسك‪ ،‬تعتمد وحدة العمل بخاصة عناصر الترابط‬ ‫التي تستخدم لتضع أجزاؤه في تواصل وتفاعل‪ ،‬يفرض التماسك ترتيباً معيناً أو تعاقباً‬ ‫لألحداث أو األفعال ليس أي ترتيب ممكن‪ ،‬البد وأن تكون تلك األفعال التي تولد‬ ‫أفعاالً أخرى أو أحداثاً واضحة‪ .‬إننا النتحدث‪ ،‬رغم ذلك‪ ،‬عن عالقة سببية‪ ،‬سيكون‬ ‫من المناسب هنا التمييز بين سبب‪ ،‬باعث‪ ،‬دافع‪ ،‬البد وأن تكون األحداث في المسرح‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪87 86‬‬


‫دافعة‪ ،‬لكن ليس من الضروري أن توضح البواعث أو أسباب األفعال‪.‬‬ ‫والبواعث هي التعليالت‪ ،‬الفردية أو الجماعية‪ ،‬لألفعال‪ ،‬األسباب هي الضروريات‬ ‫المتغيرة والكافية التي تفسر الظواهر‪ ،‬يهتم المسرح بالبواعث والدوافع أكثر من‬ ‫األسباب‪ ،‬من المعتاد أن تخفى األسباب (التفسيرات) الدوافع الحقيقية (الشعورية‬ ‫والالشعورية) لألفعال‪ :‬السيطرة‪ ،‬التحكم وخداع اآلخرين للوصول إلى موضوع‬ ‫الرغبة‪ ،‬لذلك‪ ،‬فإن للتماسك صلة بإمكانية أن يعرف المتفرج ويفهم دوافع أفعال‬ ‫الشخصيات واألحداث‪ ،‬لكل مايحدث على المسرح»( )‪.‬‬ ‫مسرحية ياليلة هوووي لـشاذلي فرح‬ ‫الكتابة بين الثابت والمتغير‬ ‫لعل األهمية العظيمة لمسألة الذات‪ ،‬أو مسألة أي شيء هي أننا نستطيع أن نذهب إلى‬ ‫أماكن جديدة توقف جريان وعينا المتعاطف‪ ،‬فال نعود نتعاطف مع أشياء ثابتة وربما‬ ‫ميته‪ ،‬وذلك كي نصل في الوقت ذاته لمناطق أخرى جديدة مغايرة‪ ،‬قد تهدم الثابت‬ ‫وتعلي من شأن المتغير في لعبة مسرحية جديدة للشاذلي فرح‪ ،‬وحكاياته الجنوبية‬ ‫في (ياليلة هوووي)‪ ،‬والكتابة الضد المتمردة لديه‪ ،‬وخاصة في الحكاية الثانية (مقتل‬ ‫المجرم ياسين العبادي)‪.‬‬ ‫ومن عنوان الحكاية يحاول شاذلي فرح خلق متلقي ضمني مختلف يبتعد عن التأثير‬ ‫العاطفي‪ ،‬وبعيداً عن ما يسمى بالتورط في المسرحية انتقاالً لمناطق أخرى مغايرة‪،‬‬ ‫وكأن المؤلف يستدرج المتلقي ليوقعه في شباك رؤيته‪ ،‬بل وفي شباك المكان‪ /‬جنوب‬ ‫مصر بعاداته وتقاليده المغايرة‪.‬‬ ‫خاصة أن «عالقة اإلنسان بالمكان تكون عالقة تضاد والتقاء في آن واحد تضم من‬ ‫حيث ثبات المكان وحركة الكائن والتقاءها في كونهما معاً يمثال الدارك والمدرك‬ ‫المحسوس‪ ،‬الحاوي والمحتوى»( )‪.‬ومابين الدارك والمدرك المادي والمعنوي يدشن‬


‫شاذلي فرح نصه المسرحي وحكاياته‪.‬‬ ‫فالمكان «هو الكيان االجتماعي الذي يحتوي على خالصة التفاعل بين اإلنسان‬ ‫والمجتمع الذي يعيش فيه‪ ،‬لذا فشأنه شأن أي نتاج اجتماعي آخر يحمل جزءاً من‬ ‫أخالقيات وأفكار ووعي ساكنيه»( )‪.‬‬ ‫وحاول شاذلي فرح في المسرحية خلخلة مفهوم الوعي بالمكان عبر هدم وعي ساكني‬ ‫المكان‪ ،‬بما يعتقدون فيه‪ ،‬من خالل رسم صورة لـ (ياسين) مغايرة عن المخيلة الشعبية‬ ‫المتوارثة في هدم وكسر للرؤية التقليدية المألوفة‪ ،‬بأن حاول أن يكشف الجانب اآلخر‪،‬‬ ‫وهو جانب أصلي لدى (ياسين) وهو قاطع الطريق واللص على عكس الصورة‬ ‫المرسومة والمتوارثة عنه كبطل شعبي وعاشق صادقوتسلح شاذلي هنا بتقارير‬ ‫وشهادات حية (اللواء محمد صالح حربي) كنوع من تأكيد الرؤية وتدعيمها بشكل‬ ‫توثيقي درامي كاشفاً لجانب غامض من هذا الموروث‪ ،‬والذي ارتبط أيضاً بالمكان‬ ‫بشكل واضح‪.‬‬ ‫«ويمكن تقسيم األماكن إلى أربع أنواع وفقاً للسلطة التي تخضع لها‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬عندي وهو الذي أمارس فيه سلطتي ويكون لي حميماً‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬عند اآلخرين الذي أخضع فيه لسلطة غيري‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬األماكن العامة التي يتجانس فيها كل أنواع البشر‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬المكان الالمتناهي»( )‪.‬‬ ‫فيقسم لنا يوري لوتمان العالقة بين المكان واإلنسان من خالل عدة مراحل يمر بها‬ ‫اإلنسان داخل الحياة ترتبط به وتؤثر ويتأثر إذاً فالمكان يؤثر في الشخصيات وتاريخها‬ ‫ويعطيها مكانة خاصة داخل العقل الباطن والالوعي فينتج منها تصرف خاص اتجاه‬ ‫هذا المكان المحدد‪.‬‬ ‫ومن خالل تلك الرؤية والرؤية المضادة للمكان‪ ،‬وعبر التناول الجديد لشاذلي فرح‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪89 88‬‬


‫لموضوع (ياسين) يبدو لنا أن «الشخصية التي تعيش في مكان محدد ينطبق عليها‬ ‫خصائص هذا المكان في شخصها وتؤثر وتتأثر به إما باإليجاب أو بالسلب من خالل‬ ‫تأقلمه أو رفضه هو نفسه بالمكان»( )‪.‬‬ ‫وفي حالة شاذلي فرح هو رفض وتمرد على المكان وما يحتويه من وعي مزيف‬ ‫لهذا البطل الشعبي المزيف أيضاً حيث أصبح (نموذجاً ضداً) عبر الشكل الملحمي‬ ‫المزيف مع تخليص الحدوته شيئاً فشيئاً من أية أحداث وجعلها تتمركز حول ما يعتبره‬ ‫المؤلف جوهرياً وهو وجود الموت‪ /‬القتل ليطرح النص سؤال مهم جداً (كيف نحي؟‬ ‫وماذا نحكي؟)‬ ‫وجاء الرد أو اإلجابة سريعاً على لسان (يس)‬ ‫‪ :‬عشت نص عمري أحلم أني أعيش بره الصحرا وجبالها ولما لقيت حياتي‬ ‫يس ‬ ‫مستحيل‪ ..‬عشت نص عمري التاني أحلم أن أموت بره الصحرا وجبالها‪ ..‬ياااه‪..‬‬ ‫صح كل واحد متشخبط على وشه قدره‪ ...‬دنيا غرورة كيف الجلبية التي متلفح بيها‬ ‫عرياااان‪...‬‬ ‫يوزباشي‪ :‬قتلت وسرقت ونهبت‪ ..‬تفتكر نهايتك كانت حتكون كيف‪ ...‬دنيا زي ما‬ ‫(المسرحية‪ ،‬ص‪)98‬‬ ‫ ‬ ‫تاخد عما تدي‬ ‫من فوق كلمات (ياسين واليوزباشي) يكشف لنا شاذلي فرح عن لعبته المسرحية‪ ،‬أو‬ ‫باألحرى عن مايسمى بالنص وخارج النص‪ ...‬بمعنى أن (حلم يس) حلم مستمر إال‬ ‫أنه صعب التحقيق‪ ،‬وواقعية اليوزباشي‪ ،‬واقعية مطلوبة في تداخل جميل بين الحقيقة‬ ‫والخيال‪ ،‬فالحقيقة قد تصنع خيال‪ ،‬وقد يصنع الخيال حقيقة أيضاً في لعبة دائرية قد‬ ‫تبدو ساذجة مباشرة‪ ،‬إال أنها تحمل عمقاً فلسفياُ شديد التكثيف‪ ،‬في عالقة تقليدية عادية‬ ‫بين النص وخارج النص الثابت والمتغير في ظل رغبة واضحة من المؤلف لكسر‬ ‫الثابت والمتغير‪ ،‬وتفنيد األدوار بين النص وخارجه بين (يس) في المخيلة الشعبية‪ ،‬و‬


‫(يس) في أوراق (اللواء محمد صالح حربي) شاهد عيان‪ .‬وبين شاهد العيان الحقيقي‬ ‫والعيون الشاهدة والمشهودة عبر الزمن وتعدد الحكايات سارت المسرحية يقود مجراها‬ ‫فعل الهدم‪ ،‬هدم السائد والتقليدي‪ .‬حتى اليطلب من المتلقي أن يلقي بنفسه في الحدوته‬ ‫خاصة أن أجزاء الحدوتة يعرض بعضها بعضاً بعناية وذلك بمنحها بنيتها الخاصة‪.‬‬ ‫إذ تمثل الكتابة المسرحية المتقطعة في شكل جزئيات معنونة مساحة كبرى في كتابات‬ ‫شاذلي فرح‪ ،‬بل وفي العديد من الحكايات الجديدة لتبدو أن الكتابة تبزغ من منطقة‬ ‫جماليات القبح المسرحي‪.‬‬ ‫الهوامش‬ ‫(‪ )1‬جان بيير رينجير‪ :‬قراءة المسرح المعاصر‪ ،‬ترجمة حمادة إبراهيم‪ ،‬إصدارات مهرجان‬ ‫القاهرة الدولي للمسرح التجريبي‪ ،‬القاهرة‪ ،2004 ،‬ص‪.77‬‬ ‫(‪ )2‬مجموعة مؤلفين‪ :‬من ندوة المسرح العربي بين المسكن والحرك‪ ،‬إصدارات الشارقة‬ ‫الثقافية‪ ،‬اإلمارات‪ ،2006 ،‬ص‪.19‬‬ ‫(‪ )3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.20‬‬ ‫(‪ )4‬سانتياجو ترانكون‪ :‬نظرية المسرح قواعد لتحليل العمل الدرامي‪ ،‬ترجمة رانيا الرباط‪،‬‬ ‫إصدارات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي‪ ،‬و ازرة الثقافة‪ ،‬القاهرة‪،2010 ،‬‬ ‫ص‪.440‬‬ ‫(‪ )5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.442‬‬ ‫(‪ )6‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.454‬‬ ‫(‪ )7‬خوسيه لويس جارثيا‪ :‬كيف تتعامل مع العمل المسرحي‪ ،‬ترجمة نادية جمال الدين‪،‬‬ ‫إصدارات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي‪ ،‬و ازرة الثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،2009 ،‬ص‪،115‬‬ ‫‪.116‬‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪91 90‬‬


‫(‪ )8‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.117‬‬ ‫( ‪ )9‬سيد خطاب‪ :‬من مقدمة مسرحية الزناتي‪ ،‬ص‪.21 ،20‬‬ ‫( ‪ )10‬فانسون جون‪ :‬القراءة‪ ،‬ترجمة محمد آيت لعميم وشكير نصر الدين‪ ،‬دار رؤية‬ ‫للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،2016 ،‬ص‪.22‬‬ ‫( ‪ )11‬أيمن الخشاب‪ :‬من مقدمة مسرحية تحت الترابيزة‪ ،‬الهيئة العامة لقصور الثقافة‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،2017 ،‬ص‪.13‬‬ ‫( ‪ )12‬سانتياجو ترانكون‪ :‬نظرية المسرح قواعد لتحليل العمل الدرامي‪ ،‬ترجمة‪ :‬رانيا‬ ‫الرباط‪ ،‬إصدارات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي‪ ،‬القاهرة‪ ،2010 ،‬ص‪،460‬‬ ‫‪.461‬‬ ‫( ‪ )13‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.462‬‬ ‫( ‪ )14‬سانتياجو ترانكون‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.491‬‬ ‫( ‪ )15‬سانتياجو ترانكون‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.600‬‬ ‫( ‪ )16‬مصطفى الضبع‪ :‬استراتيجية المكان‪ ،‬الهيئة العامة لقصور الثقافة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪ ،1998‬ص‪.59‬‬ ‫( ‪ )17‬ياسين النصير‪ :‬الرواية والمكان‪ ،‬دار الشئون الثقافية‪ ،‬بغداد‪ ،‬العراق‪،1986 ،‬‬ ‫ص‪.16‬‬ ‫( ‪ )18‬يوري لوتمان‪ :‬مشكلة المكان الفني‪ ،‬مجلة ألف‪ ،‬ترجمة‪ :‬سي از قاسم‪ ،‬الصادرة عن‬ ‫الجامعة األمريكية‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬القاهرة‪ ،1996 ،‬ص‪.89‬‬ ‫( ‪ )19‬ب‪.‬س‪ .‬ديفيز‪ :‬المفهوم الحديث للزمان والمكان‪ ،‬ترجمة‪ ،‬السيد عطا‪ ،‬الهيئة‬ ‫المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،1996 ،‬ص‪.120‬‬


‫تأمالت في الكتابة كوجود وتمثل‬

‫بقلم ‪ :‬ليلت فهمي‬

‫الريب أن الكتابة الدرامية هى المجال المعرفي الوحيد القادر على التصدي بالتفكير‬ ‫لظواهر الوجود المنتاقضة والغامضة‪ ،‬وليس عابراً ان تكون الدراما هى الركيزة‬ ‫والمرجع األول للعلوم األنسانية جميعها وخاصة ما يسمى بعلم النفس‪ ،‬بل يمكن‬ ‫اعتبارها العلم الحقيقي الوحيد فيما يتعلق بالبحث في األنسان وقضايا الوجود‪ ،‬ال ألنها‬ ‫األسبق‪ ،‬إنما ألنها قادرة على الوقوف المستمر على أرض القلق‪ ،‬في المنطقة الدامية‬ ‫ألسئلة الوجود األساسية والتي تشكل مناط فزع دائم لكل الحقول المعرفية األخرى‬ ‫والتى تتهرب بدورها من هذه االسئلة الجوهرية للوجود‪ .‬بإالضافة لذلك الدراما‬ ‫التتواطئ على حل الوضع اإلشكالي للوجود او اإليحاء بتنظيم مؤقت لفوضاه‪ ،‬بل‬ ‫انها ترصد العالقة اإلشكالية بين ما يبدو نظام وما يبدو فوضي‪ ،‬وتكشف عن السكون‬ ‫المتواطئ الذي يستقر ـبفعل التكرار والعادة ـفي أفقال عالمك منظور ورؤية وفعل‪،‬‬ ‫فتمر عبر هذه االنتظامات التى توحى باالستقرار للمعنى وللمفهوم ولألبنية العلية‬ ‫والسببية إلى ماهو خفي من تناقضات و تقلبات الوجود البشري‪ ،‬ولذلك ما تخبرنا به‬ ‫الدراما عن االنسان ال ينضب وال يزول النها تشير إلى فوضى دائمة وأزلية‪ ،‬وفزع‬ ‫يطفو بشكل دائم على السكون واالنتظام متنكر في عوارض اخرى‪.‬‬ ‫أي كتابة التكشف في بواطنها ومكمنها عن إضطراب وفوضى وعدم إستقرار اليمكن‬ ‫أعتبارها اال موائمة‪ ،‬وإنحياز ماوضوي لوجود منتهي بالفعل‪ ،‬وبالتالي يمكن اعتبارها‬ ‫ال درامية بجدارة‪ ،‬يمكن اعتبارها كتابة تأريخية اوفلسفية أو غيره‪ ،‬فاالضطراب‬ ‫العميق والصراع الخفي بين اشكال الفوضى واشكال االنتظام وتحوراتهما هي مفتاح‬ ‫ميالد الكائن الدرامي‪ ،‬سواء كان هذا االنتظام هو النظام القيمي للجماعة البشرية‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪93 92‬‬


‫في مجموعة من الشروط التي تُفرض على الوجود من خارجه تسمح بالتفاعل معه‬ ‫وبداخله‪ ،‬فى مقابل الفوضوي والالمنتظم والحيوي والمتغير والذي يعبر عن الوجود‬ ‫في ذاته كمتغير ذو قانون غير مدرك بشكل تام‪ ،‬او االنتظام بإعتباره في اعلى تجلياته‬ ‫بنية دراميية او شكل ‪ ،Form‬فكل بنية هي انعكاس النتظام معين يعبر عن رؤية‬ ‫العالم كنظام وسيرورة‪ ،‬في مقابله الفوضوي الشعري كمضمون ‪ Content‬هو‬ ‫تجلي للفوضي وتعبير عن نزوع الوجود إلنفالته نحو قانونه الخاص ووجوده الحر‪،‬‬ ‫فالدراما هي حركة الموضوع القلقة والديناميه داخل البنية المستقرة والراسخة او التى‬ ‫تبدو على األقل مستقرة بشكل ظاهري‪.‬‬ ‫وعليه فإن البنية هي واقع اليمكن استعارته ألنها رحم الدرامي بمعنى انها مستقره‬ ‫وانبساقه‪ ،‬وفي الوقت نفسه هي نطاق نفوره‪ ،‬هذا ما يجعلنا امام تأمل طويل للكتابات‬ ‫الدرامية في حيزنا المحلي‪ ،‬او مانسميه بالكتابة الدرامية‪ ،‬بإعتبارها شكل منتظم‬ ‫‪ form‬ومضمون ‪ ،Content‬بينهما توتر دائم ومع ذلك يستحيل الفصل بينهما‪،‬‬ ‫و أول االشكاليات هي محاولة الفصل بينهما‪ ،‬وبالتالى فض التوتر وهو مايعني‬ ‫فض الدرامي‪ ،‬وهنا يسعنا الحديث عن قضيتن اساسيتين اولهما استعارة اتجاهات‬ ‫وأبنية درامية من واقع فكري مغاير وهو مايعني يعنى مالحقة المضمون لشكل‪،‬‬ ‫وثانيهما إعتبار المسرح منصة خطابية وحامل للقضايا بإعتباره هيكل يتم حشوهه‬ ‫بقضايا سياسية واجتماعية وتعليمية وهو ما يعنى مالحقة الشكل للمضمون‪ ،‬وكالهما‬ ‫يحول الحياة الدرامية الشائكة والدائمة الجدل من التوتر كجوهر الوجود الدرامي الى‬ ‫الالإنسجام كعرض لتشوه الكائن الدرامي‪.‬‬ ‫وما نلحظه في كثير في االعمال المسرحية ويسمية البعض على سبيل االستسهال‬ ‫حداثة او مابعد حداثة‪ ،‬على ان هذه الكتابة حيث هي لهاث من المضمون وراء الشكل‬ ‫والعكس فقدت وجودها المنتظم الظاهري‪ ،‬والظاهري هنا ال تعنى نعت بالزيف‬


‫ولكن تعني نظام لرؤية العالم متماسك تتحرك بداخله فوضى الحياة فتتشابك وتتناحر‬ ‫معه‪ .‬وفي هذا السياق من االبنهار بالشكل في مجموعة االبنية او االنبهار باالفكار‬ ‫والعبارات الرنانة تم تعطيل إكتشاف الذات وموضوعاتها في مسرحنا المصري‪.‬‬ ‫أوالً ‪ :‬تتبع الشكل‬ ‫يمكن أن نلقي الضوء في هذا السياق على توفيق الحكيم بإعتباره رائد مسرحي ينتمي‬ ‫لحظة أكثر حراك ونشاط ممانحن عليها االن‪ ،‬هذه اللحظة تتماس مع أسئلة الذات‬ ‫االجتماعية بإلحاح وإنتظام فتمثل نقطة محورية في فهم حركة المسرح المصري‪ ،‬ينقل‬ ‫توفيق الحكيم مسرح العبث في تسمية الالمعقول‪ ،‬وبذلك ومن اللحظة االولى فهو يشير‬ ‫عبر التسمية «الالمعقول» إلخضاع االتجاه وسماته الشكلية لمنظومة افكار اخرى‪،‬‬ ‫وهو بالطبع نقل يراعي الفروق الثقافية ويعبر عن فهم شخصي عميق لسياقين ثقافيين‬ ‫مغايرين تماماً‪ ،‬ولكنه يغفل في اللحظة ذاتها عالقة هذا الشكل ‪ Form‬بسياقه الفكري‬ ‫كمنظور لرؤية العالم وتجلي له في لحظة ما‪ ،‬اليتفق هذا المنظور مع لحظتنا المغايرة‬ ‫ثقافياً وحضارياً من ناحية ومن ناحية اخرى المغايرة كموقع من صراعات العالم‪،‬‬ ‫وبالتالي فيمكن اعتبار هذا النقل مجرد تشويش على تراجع أسئلة الذات االجتماعية‬ ‫ومساءلة الوضع الثقافي والفكري الخاص‪ ،‬هذا اليعني بالضرورة أن مسرح العبث‬ ‫هو نقطة أعلى أو أدنى في التأمل الفكري االنساني‪ ،‬قدر ما يعنى أنه معبر عن سياقه‬ ‫متسقاً معه‪ ،‬فقد عبر عن لحظة إدانة عظمي من الثقافة الغربية لذاتها ولميراثها الفكري‬ ‫وحصاده‪،‬هذه ادانة لسنا ملتزمين بها في الحقيقة الننا لم نكن في نفس موقع الفعل‬ ‫الذي انتجه‪،‬ونقل توفيق الحكيم للعبث كشكل وتسميته بالالمعقول طاعناً بهذه التسمية‬ ‫في الجذور الفكرية لالتجاه‪،‬وهو نقل مضطرب بال انحياز فكري وجمالي لموقف‬ ‫محدد من العالم‪ ،‬فهذه الجذور الفكرية هي منظور لرؤية واضحة وعليه فإن العبث‬ ‫كبنية ليس إال تجلي إلنتظام ما في رأس رواده ليس مجرد شكله يمكن تسديد فراغاته‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪95 94‬‬


‫بأى محتوى‪ ،‬فهو شكل يعبر عن عدم اتفاق النظام الكالسيكي كبينية ورؤية ونسق مع‬ ‫اآلنية االوربية أنذاك‪ ،‬فهو إنقالب غاضب على الواقعية البرجوازية بإعتبارها إمتداد‬ ‫طبيعي للكالسيكية‪.‬‬ ‫وهذا االنقالب على قيم الواقعية والذي يمكن تتبع جذوره تنمو داخل بعض الكتابات‬ ‫الواقعية نفسها‪ ،‬عبر عن موقف اشكالي للذهنية االوروبية التي تجد ان التجربة‬ ‫االنسانية تعيد نفسها محاطة بالفشل وأن كل نظم السلطة من الدين واالسرة والتعليم‬ ‫أثبت فشلها منعكساً في فشل اجتماعي وسياسي هائل‪ ،‬وعليه ان حالة التكرار والعطل‬ ‫واالنتظار وفقدان االمل وفقدان االيمان والسخرية المريرة‪ ،‬كل هذا الالمنطق الذي‬ ‫يكتنف العبث هو تعبير عن معقولية العالم كنظام هزلي لم يثبت جدارته‪ ،‬فنفي معقولية‬ ‫العبث بترجمة الالمعقول من أجل إستزراعه في سياق لم يفقد االيمان بالسلطة وجميع‬ ‫مؤسساتها بل أنه لم يتسني له إختبارها بشكل فعلي بعيداً عن معاركه الجانبية مع‬ ‫االستعمار‪ ،‬ليس اال «استنبات لإليكهورنية «وهو نبات أعجب به‪ ،‬واستجلبه الخديوي‬ ‫توفيق لتزين البرك المائية وأصبح يهدد نسبة المياة في مصر ونسميه «ورد النيل «‪.‬‬ ‫إن خطورة إستعارة الشكل تساوي خطورة االيكهورنية على المياة‪ ،‬ألنها تقضي على‬ ‫العالقة الوظيفية للكائن في سياقة‪ ،‬وتفض التوتر الذي إستفضنا في الحديث عنه في‬ ‫البداية‪ ،‬والذي يظهر في نص مثل إنتظار «جودو» من تناحر الشكل والمضمون‪،‬‬ ‫فبينما يناشد العبث في بينيته معارضة كالسيكية وتعبير عن نظام يائس يتجلى في «‬ ‫البنية الدائرية « اال ان هذه البنية الدائرية والتكرارية تتضمن انتظار متيقن من وجود‬ ‫«جودو» اوالً ومن قيمة وجوده ثانياً‪ ،‬على الرغم من الدعوى الظاهرية للموضوع أنه‬ ‫بال دور واضح‪ ،‬ولكن في المستوى الشعري والدرامي الفوض ويخلف هذه البنية نجد‬ ‫حضوره المحوري يعبر عن اجابة واحدة وحيدة لسؤال الجدوى‪ ،‬أي أن الصخب الذي‬ ‫يعبر عن نفسه كوجود شعري تعارض مع تمظهر البنية وخلق هذا التوتر الدرامي‬


‫الكائن في عمق وجود النص‪ ،‬والذي هو في مضمونه مصالحة مع االيمان وانتظار‬ ‫عابث لقيمه القديمة ومهادنة لها‪ ،‬وفي هذا السياق لنصية النص يتضح منظور منتظم‬ ‫للعالم وتناحره مع الشعري الفوضوي‪ ،‬مما اليسمح بنقله كي التنفض تناقضاته‪ ،‬كما‬ ‫ان النقل بهذه الطريقة التي التحدث مراجعه لرؤية العالم والذي يجتزأ الشكل من‬ ‫سياقاته الفكرية‪ ،‬ينطوي على إعتبار ضمني أن العالم مجرد شكل وتقنية‪ ،‬وانه ليس‬ ‫سوى مجموعة من االشكال األبنية التؤدي الى شئ‪.‬‬ ‫أزمة االرتباك المفهومي التي تثار بوضوح وجالء بصدد ترجمة توفيق الحكيم للعبث‪،‬‬ ‫نجدها في عدد من النصوص المسرحية التي تصف نفسها عبر كتابها او عبر النقاد‬ ‫بأنها حداثية او مابعد حداثية‪ ،‬دون تأمل حقيقي لمدى إتساقها شكالً ومضمونا‪،‬ودون‬ ‫تأمل لطبيعة الخطاب الذي تؤديه‪ ،‬ودون تأمل لإلصطالح كدال له بيئة ينشط بداخلها‪،‬‬ ‫فالحداثة هي لفظة تعني تطور مجتمعي يتجاوز أطر تفاعله القديمة مع الواقع عبر‬ ‫إستحداثات تقنية وعلمية‪ ،‬وال تعبر عن تقدم زمني أو مستجدات شكلية وحسب‪،‬‬ ‫كما انها نطاق لنشاط فكري معرفي باألساس هذه االخيرة هي ما تخصنا بصدد‬ ‫الدراما كنشاط معرفي‪ ،‬وتحتل اللفظة مكانها كإصطالح دال على حركة مساءلة‬ ‫للماضي بالمعنى الجمالى والمعرفي مع شعراء مثل بودلير ورامبو وماالرمية‪ ،‬ومن‬ ‫المثير لالنتباه ان تكون اغلب بيانات التيارات التي نسميها حداثية والتيارات المضادة‬ ‫للواقعية‪،‬تنطلق من الشعر والفن التشكيلي‪ ،‬بينما يصك مصطلح ما بعد الحداثة من‬ ‫مجال العمارة‪ ،‬هي نقطة تستحق التأمل‪ ،‬ربما لسنا بصددها االن‪ ،‬انما يمكن ان تشير‬ ‫الى منظوران مغايران للعالم‪ ،‬أحدهم يري العالم بناء مغربل يحتوي على فراغات‬ ‫يمكن التشيد بداخلها من خاللها للترميم والتعديل وهو الحداثة‪ ،‬واالخر يري العالم‬ ‫كبناء مصمت وتراتب هائل اليسمح بوجود االماهو متراتب بالفعل‪ ،‬وعليه فإن إعادة‬ ‫تشكيله عبر تقويضه وهدمه هو الطريق وهو مابعد الحداثة‪.‬‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪97 96‬‬


‫هذه السياقات ليست مهمة إال بقدر ما تشير إليه من فهم لمواضعات إنبثاق وتفاعل‬ ‫هي االهم‪ ،‬فبقدر ماتدل الحداثة على موقف معرفي‪ ،‬بقدر ما تخبرنا ان الجاحظ‪ ،‬وابو‬ ‫العالء المعري‪ ،‬والنفري ينتمون للحداثة أكثر مما ننتمي نحن االن‪ ،‬بما لديهم من قدرة‬ ‫على المساءلة للموقف المعرفي‪ ،‬إذ أن أي مداوالت شكلية بالموقف معرفي وجمالي‬ ‫من الماضي اليمكن اعتبارها شيئ يذكر‬ ‫من أبرز السمات الشكلية التي نتداولها بكثافة في محيطنا المسرحي يتم توصيفها‬ ‫بالحداثية‪ ،‬نجد التقنية البراندلية الشهيرة في نموذجها «ستة شخصيات تبحث عن‬ ‫مؤلف» هي تقنية توصف لدينا بالحداثية‪ ،‬وقد إعاد برانديللو من خاللها فحص الجدر‬ ‫الميلودرامي للواقعية ووضعه في موقف اشكالي كموضوع فني داخل إطار معملي‬ ‫هو»النص نفسه»‪ ،‬بحيث يقومبتشريح للنوع عبر النص نفسه من خالل تكسير االبعاد‬ ‫بأليه هندسية‪ ،‬استخدمها كأداة لرؤية للعالم‪ ،‬وبها استطاع بسط المنظور أفقيا‪ ،‬كما عند‬ ‫بيكاسو وكاندنسكي‪ ،‬اوحتى ماتيس‪ ،‬او واقعية ادوارد هوبرالتي تعتبر اللوحة إستاتيكية‬ ‫هندسية‪ ،‬وان ارتكزت البراندلية على تعددية المنظورعلى طريقة بيكاسو‪ ،‬لتكشف عن‬ ‫اوجه الحقيقة‪ ،‬وتفرق بين الحقيقة ‪ ،Fact‬والواقع ‪ Reality‬عبر خلطهما وفصلهما‬ ‫لمرات‪ ،‬والتي تتحقق من خاللوجود واقعان احدهما جمالى واالخر فعلي‪ ،‬يناقش كل‬ ‫منهما االخر‪ ،‬بل ويهشم كل منهما االخر‪ ،‬واقع فعلي يلتزم بشروط واقعية نسميها‬ ‫حقيقة وهي ليست بالضرورة حقيقة‪ ،‬وواقع إفتراضي جمالي له شروط مغايرة للعلية‬ ‫والسببية ويتسم بأنه حقيقي رغم انه ال واقعي‪ ،‬وذلك من خالل تقنية المسرح داخل‬ ‫المسرح‪ ،‬وان كانت تقنية المسرح داخل المسرح سابقة على برانديللو االانها تتحتل‬ ‫موقعها ال كأداة ولكن كتقنية تكشف عن اوجه وجوانب الحقيقة‪ ،‬وهي تقنية مغرية تم‬ ‫استهالكها واستنفادها لدنيا ال من أجل الغرض نفسه الخاص ببيراندلو‪ ،‬ولكن من أجل‬ ‫التعبير عن مجموعة من القضايا السياسية التي يصعب تقديمها االفصاح عنها وتناولها‬


‫بوضوح‪ ،‬وبالتالى سهلت هذه التقنية مناقشة المجتمع والسلطة في اطار ان يكون هذا‬ ‫المجتمع هو مجمتع «فرقة المسرحية»كنوع من المراوغة للنظم الرقابية‪ ،‬مع الحفاظ‬ ‫على إشارات دائمة الى مجتمع اكبر من الفرقة المسرحية‪ ،‬ذلك دونالمرورالىغايات‬ ‫هذه التقنية الكشفية والمعرفية‪.‬‬ ‫أما عن السمات الشكلية التى يعبر عنها االن في مصر بإعتبارها مابعد حداثية‪،‬‬ ‫أوالً غياب الحدث‪ ،‬ثانياً طرح مجموعة من التعليقات المطولة في صورة حوار او‬ ‫مونولوجات تناقش اوضاع فعلية غير مصرح عنها في الفضاء النصي‪ ،‬هذه التعليقات‬ ‫تتجوار في النص تجاور آمن‪ ،‬مما يجعلها تعبير عن لحظة محسومة مسبقاً في رأس‬ ‫الكاتب‪ ،‬وبالتالي الكتابة ليست اال رص لمجموعة من التداعيات العاطفية والنتائج‬ ‫المحسومة حول الواقع‪ ،‬والتى تظهر وكأنها في موقع تناحر بينما هي منتهية سلفاً‬ ‫في منظومة أفكار تتجه نحو العالم بإعتباره فضاء حدي مستقر يمارس ضالالً مؤقتة‬ ‫وسوف يعود لهداه‪ ،‬وبالتالي فتنتهي هذه الكتابات الي مورالية دينية حتي وان كانت‬ ‫تنتصر في خطابها الدعائي لموقف علماني‪ ،‬هذه المورالية تتعارض مع جوهر‬ ‫المسرح كدرامي وجمالي‪ ،‬وتتعارض مع مايمكن ان نسميه مابعد حداثة على مستوى‬ ‫الممارسة المعرفية‪ ،‬وإذا إعتبرنا المسرح الوعظي والتعليمي مسرحاً‪ ،‬في إطار‬ ‫تعريف المسرح كونه ظاهرة تتضمن وجود جمهور وحدث عرض او خطاب‪،‬فإنه‬ ‫بنفس المنطق يمكن ان نسمي ذلك مسرحاً واليمكن بالطبع إعتباره دراما‪.‬‬ ‫باالضافة الى تلك التسميات والتصنيفات المرتكزة على تعميمات مخلة نجد أيضا‬ ‫مصطلح التفكيك‪ ،‬وهى االكثر تداوالً في ميادين فنية ونقدية مختلفة ال في مجال‬ ‫المسرح وحسب‪ ،‬يأتي كتعبير عن فوضي شكلية تخلو من الغاية او القصدية‪ ،‬بحيث‬ ‫يعبر عن تكنيك كتابة بال وظيفة فكرية بل أنه في كثير من األحيان ينتصر لموقف‬ ‫فكري راسخ ومستقر باالساس‪ ،‬واكثر مايتم تداوله هو تفكيك الشخصية‪ ،‬بحيث يتم‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪99 98‬‬


‫تقسيمها إلى إثنان أو ثالثة دون غاية من هذا التقسيم بل أنه في كثير من االحيان يكاد‬ ‫يكون تقسيم لألبعاد الكالسيكية للشخصية‪ ،‬وفي احسن االحوال ال يرمي هذا التقسيم‬ ‫الى شيئ وان تم حذفه لن يتضرر النص او يختل العالم الدرامي خاصة وانه يمضي‬ ‫غالبا كتجربة شكلية تجر خلفها عدد هائل من أفكار مكونة ومنتظمة تعبر عالم منتهي‬ ‫ومشيد بشكل تام‪ ،‬مالم يحقق التفكيك في مظهره و جوهره تهشيم بإعتباره معول هدم‬ ‫في شرط الوجود الدرامي في ذاته‪ ،‬وبالتالي هو معول لهدم النتظام العالم فإنه يصبح‬ ‫كالسيكية على مستوى الخطاب فقط‪.‬‬ ‫ثانياً ‪ :‬تتبع المضمون‬ ‫نجد في حالة مناقضة للسابقة كيف يجر المضمون الشكل خلفه‪ ،‬فيصبح الشكل هو‬ ‫مالحقة غير منتظمة لمجموعة أفكار متتالية فاقعة تضع االنا واالخر في مواقف‬ ‫تعميم‪ ،‬بحيث يصلح ان يحل كل منهما محل االخر‪ ،‬ليعبر النص المسرحي عن صياح‬ ‫كصياح الديكة لمقوالت مجردة التجد صداها كممارسة فعلية‪ ،‬وال تشكل موقف من‬ ‫المعرفة السابقة‪ ،‬بل أنها في كثير االحيان تسدعي المعرفة السابقة وتحتفي بها من‬ ‫جديد‪،‬وذلك من خالل إرجاء ازمات الواقع البسيطة والتى ندركها جميعاً‪ ،‬إلى وجود‬ ‫سابق على الحياة‪ ،‬فنجد تفسيرات تامة لعرض مثل العصاب وهو موضوع يتكرر‬ ‫في عدد من النصوص‪ ،‬ويتم التعامل معه الكعرض إكتئابي أو تعبير عن االنعزالية‬ ‫لعدم التوافق او الكبت االجتماعي و الجنسي‪ ،‬بل يتم التعامل معه بإعتباره لبس من‬ ‫الجن وهو تفسير الينتمى فقط بالمعنى العلمي إلى العصور الوسطى ولكنه يجيب‬ ‫بشكل تام إجابة منتهية‪ ،‬مما اليدع مجال للتفكير أوالجدل فينفي صفة الدراما‪ ،‬وفي‬ ‫سياق نصوص أخرى نجد الخالص األجتماعي من أعراض فشل تحدث عبر‬ ‫«التصوف»‪ ،‬او ما يطلق عليه «الشامنية «‪ ،‬هذه االحاالت لوقائع لغوية مجهولة او‬ ‫وقائع ميتافيزيقية‪ ،‬تشكل بناء ألعماق هي في الحقيقة الغور لها‪ ،‬بل أنها تساهم في‬


‫تضليل الوعي بالذات واالخر والعالم ومشكالتهم‪.‬‬ ‫هذا المضمون الذي يفصح عن ذاته بإعتباره خطاب يناقش الواقع‪ ،‬ينتحل شكل‪ ،‬هذا‬ ‫الشكل هيولي وسائل ألنه يتتبع رسالة ما يمكن ان تكتب على ورقة في سطر ونكون‬ ‫بالحاجة لنص مسرحي في خمسون صفحة اواقل او اكثر‪ ،‬ولذلك نجد أن حتى الشكل‬ ‫المستجلب إما يتم تخريبه لصالح الخطابية‪ ،‬او يتم التخلي عنه لسبب نفسه تحت دعوى‬ ‫المابعد حداثية ‪.‬‬ ‫ينتحل أحيانا المضمون خطاب تنويري فيبدأ بمناقشة السلطة بأنواعها محيالً هذه‬ ‫السلطة الى السلطة في المجتمع االوروبي‪ ،‬تحدث هذه اإلحالة عن طريق األسماء‬ ‫واالماكن والحوادث‪ ،‬بل والموضوعاتونسق القيم االجتماعية‪ ،‬مع االصرار على‬ ‫االتصال مع الواقع وهنا عادتاً يتعارض الشكل مع المضمون‪،‬ويظهر الخطاب مشوش‬ ‫وغير قادر على التعبير عن شيئ بل يعارض الرسالة المورالية التى تنتهى لها الكتابة‬ ‫كنوع من العجز عن تضمينها في النص‪.‬‬ ‫بالطبع ال يمكن الفصل بين الشكل والمضمون اال في حالة المجافاة بينهما‪ ،‬هذه‬ ‫المجافاة التى تجعل من الشكل غطاء‪ ،‬يستر مخاوف هائلة‪،‬فهنا يمكننا ان نعبر بجدارة‬ ‫عن موقف فكري مهتز يتسم بالخوف‪ ،‬الخوف من المواجهة والخوف من االفصاح‪،‬‬ ‫وعليه نالحظ اختيار اجواء وعوالم درامية تحقق درجة عالية من اإلبعاد‪ ،‬مثل تقديم‬ ‫الصراع في مجتمع صغير كمجتمع فرقة مسرحية كما اشرنا سابقاً واسقاط عالقات‬ ‫السلطة بالنسبة للفرقة على الواقع‪ ،‬او تقديم الصراع االجتماعي في مجتمع من الموتي‬ ‫أو من الدمي أو األشباح وهنا يكون النص مبني مضمونياً على استعارة لغوية في‬ ‫االساس ويحاول داخل هذا العالم االستعاري ترجمة عالقات الواقع عبر حيل هروبية‬ ‫تبدأ من أفتراض استعاري‪ ،‬وبالتالي مضمون خطابي مهتز ومرتبك ومتناقض‪.‬‬ ‫يضاف الي ذلك التاريخ كحقل تستقي منه الدراما مادتها في أحيان كثيرة‪ ،‬ونجد هنا‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪101 100‬‬


‫أن الرجوع لحوادث تاريخية سابقة تقدم التاريخ بإعتباره فانتازيا‪ ،‬البإعتباره واقع‬ ‫«ماضي» يشكل حلقة لفهم الحاضر والمستقبل‪ ،‬كما ان المادة التاريخية تلك يتم‬ ‫اخضاعها لتعميمات هائلة ممايجعلها تصلح إلسقاط الواقع الحالي عليها‪ ،‬هذا التعميم‬ ‫يفسد ادراكنا للحظتان معاً‪ ،‬الماضي والحاضر‪ ،‬كما أنه يفقد الدراما كونها إنسانية‬ ‫وحية تعبر عن حياة اشخاص بكل تناقضاتهم‪ ،‬باالضافة الى جعلها تقسم العالم‬ ‫لنصفان خير وشرير‪ ،‬وهذا التقسيم الحدى هو ال درامي ويعكس العجز عن االشتباك‬ ‫مع الواقع وفهمه كورطة اعقد من مفهومي الخير والشر‪.‬‬ ‫باإلضافة لإلبعاد الدرامي الظاهر في الكتابات االحديثة‪ ،‬وهو انعكاس لخوف يتجلى‬ ‫في أفق من الرقابة بكل أنواعها‪ ،‬نستطيع هنا أيضاً أن نتناول ما يخص الرقابة الذاتية‬ ‫النقدية‪ ،‬وهي ممارسة الكتابة كفعل تحليلي وتأويلي ال كفعل إستكشاف وهو ما يقضي‬ ‫على الكتابة الدرامية‪ ،‬وبالتالي تظهر نوع من الكتابات ليست إال كتابة نقدية على‬ ‫أعمال درامية عالمية أثارت إعجاب وإنسحاق بداخلها ولم يتم التعاطي معها بندية‬ ‫كافية تسمح بمضاهاتها‪ ،‬والحقيقة أيضاً انها أزمة ضاربة الجذور نجدها في نص‬ ‫«عيلة الدوغري» لنعمان عاشور على سبيل المثال‪ ،‬والناس اللى تحت للكاتب نفسه‪،‬‬ ‫و تمثل تطور لمرحلة مابعد التعريب او التمصير‪ ،‬اال انها االخطر‪ ،‬ألنها تعبر عن‬ ‫شعور عميق بعدم الجدارة‪.‬‬ ‫لو أن الكتابة في جوهرها ليست خطوة جديدة على أرض مجهولة من اإلنسان‬ ‫والوجود فال داعي منها‪ ،‬لو انها التبسط أمام كاتبها أوالً أرض جديدة لم يزرها من‬ ‫قبل‪ ،‬بل أنه ما إن غادرها لن يتمكن من العودة لها من جديد فال ضرورة منها‪.‬‬



‫الكتابة الجديدة‬ ‫و‬ ‫شهادات الكتاب‬


‫شهادة الكاتب ‪ :‬سامح عثمان‬ ‫من باب الشعر الغنائي دخلت الي عالم المسرح‪...‬وربما دخلت حسب ما قصدت‬ ‫بمنطق القصيدة ال بمنطوقها‪...‬فكتبت كما كنت اكتب الشعر وقتها بذات المنطق‪..‬‬ ‫مختب ار كيفية اإلدراك عن طريق الوجدان والروح ال العقل متخذا مقولة (مش مهم‬ ‫نفهم‪..‬المهم نحس) والتي كتبتها في مقدمة نص (القطة العمياء) عام ‪2003‬‬ ‫بوصلة واتجاها‪...‬مر الوقت وانا متكئ علي هذا المعتقد وعلي نفس النسق كتبت‬ ‫(تسمحيلي بالرقصة دي) ‪ 2004‬ثم (يمامة بيضا) عام ‪ 2005‬محاوال تطوير‬ ‫طريقة الكتابة في كل مرة عن سابقتها (وفقا لمفهومي طبعا) متخذا من بعض‬ ‫االلعاب الشعبية والشخصيات الفلكلورية مدخال لي طوال الوقت‪....‬كنت ومازلت‬ ‫مؤمنا بأن كل شئ من التراث االنساني قابل للفك والتركيب واعادة التوظيف‪...‬‬ ‫بداية من القصص الديني نفسه وصوال الي األفالم السينمائية الراسخة في العقل‬ ‫الجمعي‪..‬‬ ‫مع الحركة النقدية في بداية األلفية كنت امضي بالتوازي محاوال التطوير طوال‬ ‫الوقت‪...‬لم اكن ابدا من هؤالء الذين يرون في النقد عدوا إلبداعهم‪...‬بل علي‬ ‫العكس تماما‪...‬ساعدني النقد نصا تلو اآلخر علي تالفي عيوب وتطوير نسق‬ ‫كتابتي قدر امكاني‪...‬فالنقد مكمل طوال الوقت لمن يريد التطور‪..‬والناقد المتطور‬ ‫الحداثي هو بمثابة السباح المنقذ في احيان كثيرة للكاتب الباحث عن جديد في‬ ‫بحر مهنتنا هذه‪..‬وكثي ار ما ينقذه من موج اوهامه اذا ما انقلب بحره به‬ ‫مع نص (اكمل مكان النقط) والذي اعتبره رابع نص في ذات اتجاه الثالثة السابق‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪105 104‬‬


‫ذكرهم بات األمر سهال بشدة‪...‬واصبحت كتابة النص اقل معاناة بكثير‪...‬وهنا‬ ‫تملكني الخوف وقررت التوقف‪....‬فتوقفت باحثا عن اشكال اخري واتجهت الي‬ ‫االعداد والدراماتورجيا سواء عن روايات او نصوص لمدة من الزمن‬ ‫‪ .‬نصحني صديق بضرورة كتابة نص الحدوتة التقليدية وعلي مضض فعلت‬ ‫وشعرت انني قد تخلصت من عقدتي بعدها فصرت اكتب ما احب ايا كانت تقنية‬ ‫كتابته او شكل حبكته‪...‬النص هو الذي يفرض نفسه‬ ‫مع السنوات تغير الكم لصالح الكيف في معتقدي لم اعد هذا الذي من الممكن‬ ‫ان ينجز نصين في شهر واحد او ماشابه‪...‬صرت اكثر خوفا واهدأ حاال‪...‬‬ ‫نصا او نصين في العام هو معدلي الحالي باالسكندرية احب الكتابة في مقهي‬ ‫(البورصة التجارية) ستيناتي التصميم‪ ...‬رخيص الثمن‪ ...‬مطل علي البحر‬ ‫بغير عنجهية‪ ...‬ملئ بتنويعات بشرية‪...‬غير مزعج اطالقا‪ ...‬يحمل الكثير من‬ ‫ذكريات احبها‪ ....‬اما في القاهرة فال مكان محدد حتي اآلن‪ ،‬ايضا من نصوصي‬ ‫التي احبها ( موسم الدم – نساء شكسبير – شق القمر – سلك شائك – اربعين‬ ‫علي كام – فنتازيا الهروب – آخر حبة الوان – الحريق – اسطورة الفارس‬ ‫والبطل) وغيرهم‪.‬‬ ‫أؤمن بأن النص المسرحي مثل السيناريو السينمائي يكتب من اجل أن يري‬ ‫ويشاهد ال من اجل ان يق أر كالرواية والقصة‪...‬لهذا فالعرض المسرحي هو ما‬ ‫يسعدني اكثر من الكتاب المنشور‪...‬فنص المسرح يكتب من اجل المخرجين‬ ‫والفرقة ال من اجل القارئ العادي‪...‬هناك من يري غير ذلك ولكن هذه هي وجهة‬ ‫نظري‬


‫اعتبر نفسي منتميا لطائفة المسرح (مسرحجي ) وال انتمي أبدا لطائفة األدب‪...‬‬ ‫فأنا اكتب من اجل الفرجة ال من اجل القراءة‬ ‫هذا يقيني وتلك شهادتي وللجميع المحبة‬ ‫شهادة ‪ :‬الكاتب عيسى جمال‬ ‫بدأت بقراءة روايات الهالل و مسرحيات وليم شكسبير‪ ،‬حيث كنت أذهب مع‬ ‫اخي الكبير الى سور األزبكية نشتري الكتب والروايات والمسرحيات وعندما‬ ‫أصبحت في الثانية عشرة من عمري كتبت اول قصة لي وكانت متواضعة جداً‬ ‫لكن اخي الكبير قال لي وقتها انها عظيمة جدا وبعد سنوات اكتشفت تواضع‬ ‫قصتي وان ما قاله اخي لم يكن إال محاولة لتشجيعي باالستمرار في الكتابة‪...‬‬ ‫تعرفت من خالل قراءتي على األدب الساخر وادب الرحالت والقصص البوليسية‬ ‫فقراءت ل الكبير محمود السعدني‪ ...‬و اجاثا كريستي‪ ..‬وقرأت معظم اعمال‬ ‫االديب الروسي الكبير فيدور ديستوفيسكي بجانب إطالعي على أعمال توفيق‬ ‫الحكيم وتجيب محفوظ وعبقرية القصة القصيرة يوسف ادريس‪..‬وعندما التحقت‬ ‫بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم الدراما والنقد تعرفت على العديد من كتاب‬ ‫المسرح العربي وهم محمود دياب وميخائيل رومان وسعد الدين وهبه ‪..‬وبدأت‬ ‫الكتابة للمسرح أثناء التحاقي بمسرح المدرسة قبل دخولي معهد الفنون فكتبت‬ ‫مسرحيتين تم عرضهما على مسرح إدارة المطرية التعليمية هما « الغاية في‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪107 106‬‬


‫انتظار اسد « وهي مسرحية لالطفال ومسرحية « مالمح « و مسرحية « هاملت‬ ‫يعود حيا « ثم التحقت بمعهد الفنون ‪ ٢٠٠٥‬وبدأت كتاباتي لمسرح جامعة عين‬ ‫شمس فكتبت لكلية حقوق مسرحية»هرمجدون أو ارض الميعاد « وقدمت معالجة‬ ‫درامية مختلفة لمسرحية تاجر البندقيه‪...‬قدمها فريق كلية الطب‪...‬‬ ‫ال توجد موضوعات بعينها تستهويني كي اكتب فيها ف الكاتب عموما يترك‬ ‫خياله للقلم يذهب به إلى المنطقة التي يريدها والتي كثي ار ما يكون المؤلف مهموما‬ ‫بمجموعة من القضايا والتي ال تظهر على السطح اال من خالل كتاباته العمال‬ ‫درامية‬ ‫حصلت على جائزة التأليف من المعهد العالي للفنون المسرحية عام ‪٢٠٠٧‬‬ ‫عن مسرحية هرمجدون وفي عام ‪ ٢٠١١‬حصلت نفس المسرحية على جائزة‬ ‫ملتقى الشارقة لكتاب المسرح العربي وفي عام ‪ ٢٠١٢‬حصلت على جائزة‬ ‫المركز القومي للمسرح المركز الثالث عن مسرحية الغابة في انتظار اسد وفي‬ ‫عام ‪ ٢٠١٦‬حصلت على المركز األول في مسابقة الفريد فرج للتاليف المسرحي‬ ‫والمقدمة من المجلس األعلى للثقافة عن مسرحية « نقطة حدود « والتي تعرض‬ ‫االن على مسرح السالم تحت اسم « أمر تكليف « من إخراج باسم قناوي ‪..‬وفي‬ ‫بداية عام ‪ ٢٠١٨‬حصلت على جائزة ساويرس كأفضل نص مسرحي لعام ‪٢٠١٧‬‬ ‫وهو « الساعة األخيرة في حياة الكولونيل « والذي يعرض االن على خشبة مسرح‬ ‫الغد من إخراج االستاذ ناصر عبد المنعم‪....‬‬ ‫أما عن المشاريع الحالية فأفكر جديا بمحاولة اختراق دائرة األعمال التلفزيونية‪...‬‬


‫شهادة الكاتب ‪ :‬شاذلى فرح‬ ‫ولدت فى جنوب مصر بمدينة كوم امبو محافظة اسوان و هى مدينة يجرى فيها‬ ‫نهر النيل بشبابه العفى و بها معبد فرعونى لالله حورس و هو معبد بطلمى‬ ‫تم بناءه على اطالل معبد حتشبسوت‪ .‬فى طفولتى لمحت عيناى كل ما يدور‬ ‫من حولى ( عادات – تقاليد – طقوس – فنون ) و بدأت اسجل فى مخيلتى‬ ‫كل ما يدور فى جنوبنا الرائع و عندما كنت على مشارف الصبا بدأت اعى ما‬ ‫يدور حولى فكنت احضر كل فنون جنوبنا ( سيد الضوي راوي السيرة الهالليه‬ ‫– الشيخ أحمد آب برين – العجوز – أمين الدشناوى – ياسين التهامى و هم‬ ‫من اشهر المنشدين ( الشيخ عبد النبى الرنان اشهر المداحين – رمضان محمد‬ ‫احمد – ناصر جعفر – عادل كرامة – ابراهيم حسين ) و هم مطربين يقدمون‬ ‫الفن الجنوبى – و أبو درويش فنان النميم االول‪ .‬هذه الفنون و السوامر التى‬ ‫كانت تقام فى جنوبنا عن العادات والتقاليد التى افرزت العديد من الطقوس فكنت‬ ‫دوما لصيق بها وال افوت فرصة كمشاهد او طرف فى هذه الطقوس ( التحطيب‬ ‫بالقوالة – العديد و هو للميت – المرماح و هو سباق الخيل – التسبيل و هو‬ ‫خاص بحزن الرجال على فقد عزيز غالى – الحنة – الدخلة – الخطوبة – السبوع‬ ‫– زيارة المقابر ليال للخلفة‪ .‬كحريتة و هو جبل صغير تتدحرج عليه النساء لكى‬ ‫تحمل و هو موجود على مقربة من مقام الشيخ ادريس‪ .‬القودة و هو خاص بتقديم‬ ‫الكفن لمن عليه الثأر لمجموعة التى تطلب الثأر و ذلك حقنا للدماء – المجالس‬ ‫العرفية لالجاويد – مجلس ردم بورة الدم و البورة حفرة و يقودهم قاضى الدم‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪109 108‬‬


‫الذى يرتب للقودة – طقوس العزاء – الميالد – السفر – الترحال – الحج – حياة‬ ‫الغجر وعالمهم و دوما يستقرون على اطراف البلد‪ .‬كل هذه الطقوس و العادات‬ ‫و التقاليد و الفنون ادركت وقتها اني نتاج بيئة تعتمد على الصورة و هنا تشكل‬ ‫لدى الميل نحو كتابة المسرح‪ .‬و لست كاتبا رائعا و لكن انا من بيئة رائعة تحمل‬ ‫طقوسا و عادات وتقاليد بما لم تتوفر الى بيئة اخرى مثل الجنوب‪ .‬كنت دون‬ ‫العشرين من عمري و كتبت بعض النصوص المسرحية الصغيرة و كنت ال اعلم‬ ‫لمن اعطيها او كيفية نشرها او عرضها و ساقتنى قدماى لقصر الثقافة و الذى‬ ‫كنت اقوم بالتمثيل فيه الى نادى االدب وهناك قابلت المخرج خالد عطاهلل و‬ ‫المخرج محمد الشحات و الملحن عبد المنعم الشريف و الفنان التشكيلى محمد‬ ‫مختار و الفنان التشكيلى على المريخي و المثقف جمال فاضل‪ .‬هؤالء الستة‬ ‫كانوا يقرأون مسرحياتى و كانوا يوجهوننى للكتابة بشكل كبير و كنت اعتبرهم قامه‬ ‫في الفن واألدب و ذلك لفرق العمر بيننا فهم يكبروننى فى العمر و الثقافة وقتها‪.‬‬ ‫تركت الكتابة و لم اقم بكتابة اى نص مسرحى طوال عشرة اعوام و فيها اخذت‬ ‫ق ار ار ان احمل حقائبى و اذهب للقاهرة و قلبى وقتها يعتصر على هجرتى‬ ‫من جنوبى للعاصمة و انشغلت باالدارة العامة للمسرح و شرفت بالعمل مدي ار‬ ‫للمتابعة و اللجان ثم مدي ار الهم حركة فى مصر و هى ادارة نوادى المسرح‪ .‬فى‬ ‫عام ‪ 2007‬جلست مع صديقى المخرج اشرف النوبى و قدمت له سيناريو فيلم‬ ‫شيخ العرب ليقرأه و بالفعل قرأه فى ساعة زمن اسفل شجرة منف ووجدته منفعل‬ ‫ويطالبنى ان احوله لنص مسرحى و هنا تملكنى الخوف الننى قد تركت الكتابة‬ ‫للمسرح منذ سنوات و امام الحاحه كتبت النص المسرحى من السيناريو و قدمه‬


‫فى قومية االقصر و نجح العرض و وجدت نفسى انساق الى الكتابة المسرحية‬ ‫مرة اخرى‪.‬‬ ‫فى عام ‪ 2010‬اتصل بى الصديق المخرج عادل حسان ان اقدم في مشروع‬ ‫لمهرجان الشباب الثانى على مسرح الطليعة وتقدمت مع العديد من المخرجين وتم‬ ‫الموافقه علي مشروعي ووقتها اخرجت بعض قصاصات الورق القديمة التى كنت‬ ‫اكتب بعض االفكار او مالمح الشخصيات و عكفت على كتابة مسرحية الجنوبى‬ ‫وبالفعل تم إنجاز المشروع تأليفا واخراجا‪ ،‬وقمت بعمل البروفات والموسيقى‬ ‫وانتظرت شيك االنتاج و لكن قامت ثورة يناير ‪ 2011‬وتوقف المهرجان برغم‬ ‫مساعدة المخرج عادل حسان و المخرج هشام عطوة مدير الطليعة وقتها ومهندس‬ ‫الديكور وائل عبدهللا وتحمسهم لى‪.‬‬ ‫قمت بالتركيز فى الكتابة عامى ‪ 2011‬و ‪ 2012‬وقد انجزت العديد من النصوص‬ ‫و جاء فوزى بجائزة توفيق الحكيم وحصلت على الجائزة الثانية و تحمس المخرج‬ ‫الكبير األستاذ ناصر عبد المنعم لى كمؤلف وقام باخراج مسرحية الجنوبى و التى‬ ‫غير اسمها الى ليل الجنوب باالتفاق معى‪.‬‬ ‫مرحلتى كمعد او دراماتورج كانت مع المخرجة الموهوبة ريهام عبد الرازق تقابلنا‬ ‫فى المسرح العائم و اخبرتنى انها تريد تحويل نص بيت بيرنالدا البا ليوركا الى‬ ‫صعيدى‪ .‬رفضت رفضا شديدا وهى كيفية تحويل الشخصيات االسبان الى جنوب‬ ‫مصر و تحويل قانونهم وعاداتهم‪ ،‬ولكن امام اصرار ريهام عبد الرازق وافقت‬ ‫و خرج نص حريم النار و نجح نجاحا كبي ار وحصد جوائز عديدة فى مهرجان‬ ‫فرق البيوت و المهرجان القومى للمسرح المصرى‪ ،‬ويومها اخذت اول جائزة فى‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪111 110‬‬


‫مصر وهى جائزة الدراماتورج و بعدها تم تعميم الجائزة فى بعض المهرجانات‬ ‫وقد تم اخراج النص اكثر من عشرين مرة الى االن وقد وصل االمر الى ان اكثر‬ ‫الفتيات الالتى يقدمن فى اختبارات معهد فنون مسرحية يقدمن بأحد مونولوجات‬ ‫حريم النار‪.‬‬ ‫ناصر عبد المنعم هو من قدمنى كمؤلف والعمل معه متعة فهو استاذ يحمل فوق‬ ‫ظهره خبرات عديدة و تم عرض ليل الجنوب فى المانيا وتونس والجزائر‪ .‬كتاباتى‬ ‫كلها تحمل هموم المرأة الجنوبية والعادات والتقاليد والطقوس الننى ابن بيئة لديها‬ ‫العديد من الفنون و الطقوس والمسرح بحاجة الى تنوع انتاج على عدة مستويات‬ ‫تؤرخ للوطن وما يدور فى مدنه‪ .‬البعض يرى اننى تاجرت بطقوس واسرار‬ ‫الجنوب و المسكوت عنه وهؤالء تناسوا رائعة يحيى الطاهر عبداله فى الطوق‬ ‫واالسورة و روايات الكاتب الكبير عبد الوهاب االسوانى ( كرم العنب ‪ -‬اخبار‬ ‫الدراويش – النمل االبيض ) كل هذه الروايات قدمت الجنوب بما له و ما عليه‪.‬‬ ‫نحن نرصد مجتمعنا و بعيدا عن الصراخ او اصحاب الحقد‪ .‬اجمل ما فى حياتى‬ ‫نصوصى المسرحية و جائزة الدولة التشجيعية فى التأليف وكون المخرج الكبير‬ ‫ناصر عبد المنعم يخرج لي عرضا مسرحيا‬


‫شهادة الكاتبة‪ :‬صفاء البيلي‬ ‫ما يشبه التجربة‪ :‬المسرح الشعري بين غواية اإلبداع‪ ..‬وخصوصية التلقي!‬ ‫لم أكن أعلم أنني منذورة منذ طفولتي الغضة لخلق حيوات متعددة كتلك التي‬ ‫عبرت عنها ثنايا ذاكرتي المكتنزة بحكايات جدي الشهية والتي كانت كثي ار ما‬ ‫تنسيني لذة النوم في ليالي الشتاء الطويلة تحت الغطاء الوثير‪.‬‬ ‫عوالم القرية البكر!‬ ‫لم أكن أتصور وأنا الطفلة األولى لعائلة ريفية ميسورة الحال نعمت بالتدلل وعشت‬ ‫في بيت يجمع بين دفتيه ترمح بقدميها على جسر القرية المؤدي إلى المدرسة‬ ‫أنني سوف أمرر عليه شخصياتي الحية التي من لحم ودم‪.‬‬ ‫في قريتي منية سمنود إحدى قري الدقهلية العظيمة‪ ..‬تلك الرابضة في حضن‬ ‫النيل والتي تزخرف أحد اتجاهاتها الجغرافية جزر الموز وأشجار الكافور والجميز‬ ‫العتيقة كانت بداياتي‪ ..‬بدايات مفعمة بدراما غنية ما تكاد تنطفئ إحداها حتى‬ ‫تشتعل آالف غيرها مرة أخرى عبر شخصية رأيتها فأدهشني سمتها فحفرت في‬ ‫مخيلتي أو عبر موقف عايشته فظل مخزونا في دوالب ذكرياتي أو أشخاص‬ ‫تخيلتهم فصنعت معهم الحكايا وعشتها في خيال ال تنقصه سذاجة األطفال‪.‬‬ ‫جدي ألمي كان رجال صوفيا ال يعرف من الدنيا سوى غيطه وأبقاره و»ليالي‬ ‫الحضرة» التي كانت أجمل الليالي في مخيلتي‪ ..‬حيث «المندرة» الكبيرة والرجال‬ ‫ذوي الجالبيب الكالحة وكوفياتهم الصوفية التي يتلفعون بها من صقيع الشتاء‬ ‫وشعرهم األشيب الذي تبدو ذوائبه عبر الطواقي العالية كأنها طود شامخ‪.‬‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪113 112‬‬


‫تركت ليالي الحضرة في أعماقي دفء الثرثرة ودهشة محاوالتي المستميتة في‬ ‫فك طالسم ما تبوح به أفواه الرجال الذين عال الشيب رؤوسهم وتهشمت أسنان‬ ‫تخل من اإلرهاق والرضا!‬ ‫بعضهم األمامية في وجوه لم ُ‬ ‫وما بين خاتمة إنشادهم الرقراق واألخرى تطوف علينا أكواب القرفة الساخنة‬ ‫فتعبق رائحتها جو المكان وتترك في روحي لمساتها الشجية التي تطفو على‬ ‫السطح كلما سمعت زخات المطر أو هبت نسمات الشتاء الباردة‪.‬‬ ‫كانت جدتي تحتفظ باألكوابها المصونة في دوالب الفضة خصيصا لليالي‬ ‫الحضرة المباركة‪ ،‬والتي كانت تقول متفاخرة في كل مرة تخرجها فيها‪ :‬أن أباها‬ ‫الشيخ األزهري أحضرها لها من عند النبي صلى هللا عليه وسلم حين كان‬ ‫يؤدي فريضة الحج لذا كانت تأبى أن يشرب فيها غير ضيوف جدي الذاكرين‪،‬‬ ‫الساجدين المهللين المسبحين حتى تحصل على أكبر قدر من الحسنات!!‬ ‫تعلمت من جدي ألمي الصفاء الروحي واإليمان العميق بالقضاء والقدر والعطف‬ ‫والشفقة على اآلخرين‪.‬أما جدي ألبي فقد كان رجال متأنقا يحب الجمال ويعشق‬ ‫التنسيق في كل شيء فكنت أحب اصطحابه في كل جوالته خارج البيت‪،‬‬ ‫وكان محافظا يشتري طلبات البيت لجدتي‪ ،‬وكان المشوار اليومي للسوق وعبور‬ ‫الكوبري ومن تحته النيل يجري والذي يفصل بين قريتي منية سمنود ومدينة‬ ‫سمنود بلد النحاس باشا‪..‬كان بمثابة جرعة من العلم أتشربها منه ذوقا وحنانا‬ ‫ودقة وعطفا على الفقراء الذين اعتادوا قطع الطريق عليه لتقبيل يديه فكان يردهم‬ ‫بيد وباألخرى يعطيهم مما أعطاه هللا‪.‬‬ ‫ذات يوم ونحن نتسوق شهقت وقلت‪ :‬هللا يا جدي على هذه الطماطم ! إنها‬


‫حمراء كالدم! فامتعض وجه جدي وضغط بحنان على يدي التي كان يمسكها‬ ‫قائال‪ :‬ال تقولي هذا بل قولي حمراء كالورد‪ ،‬فالورد جميل والدم مقزز ومن يومها‬ ‫بدأت عندي ملكة انتقاء التعبيرات والتدقيق في ألفاظي قبل النطق بها وهو ما‬ ‫علي فيما بعد‪.‬‬ ‫أثر َّ‬ ‫كونت بدايات الذاكرة‪:‬‬ ‫أحداث َ‬ ‫كانت كثير من العادات التي أدهشت عقلي الصغير ـ والتي أعدت النظر فيها بعد‬ ‫علي وأتلمس‬ ‫أن نضجت فكريا ـ تحكم القرية كحفالت الزار والموالد‪ ،‬تسيطر َّ‬ ‫إليها ما تيسر من سبل الفرجة عليها ففي كل عام تقام في القرية عدة موالد‬ ‫وللحق كان أحدها يقام بجانب بيتنا على قارعة القرية وكنت في المرحلة اإلعدادية‬ ‫وكنت أنتظر ليالي المولد بفارغ الصبر‪ .‬وأحرص على متابعة الرجل الذي يعتلي‬ ‫منصة صنعوها له من ألواح الخشب وزينوها بالقماش األحمر المزركش فيكركر‬ ‫الرجل ويتغنى بحكايات الشاطر حسن وأبي زيد الهاللي وكنت أتلهف إلى سماع‬ ‫الحكايات التي حينما قرأت عرفت كيف كان الرجل يمزجها بخياالته ويؤطرها‬ ‫بأطر من الميثولوجيا التي ال تمت لها بصلة و التي تبهر المستمعين البسطاء‬ ‫وتحظى بانتباههم وإثارة خيالهم‪ ..‬ويا كم كنت أغالب النعاس وأنا أستمع إلى هذا‬ ‫احمت فوقه مع‬ ‫الرجل وأتذكر أنني ذات مرة كنت سأسقط من فوق السطوح الذي تز ُ‬ ‫أوالد الجيران بعد ألححت على أبي الذي كان يرى أن الذهاب للمولد عيب‪ ..‬ولكن‬ ‫أمي كانت تلح عليه فيوافق أن ألتحق بكتيبة السطوح من الجيران الذين ينخرط‬ ‫بعضهم في بكاء ونواح حينما يأتي المداح على ذكر موت أحد أبطاله ومن هنا‬ ‫بدأت الدراما تأخذ مكانها األثير في ذاكرتي وإن لم تظهر مسرحيا ولكنها ظهرت‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪115 114‬‬


‫من خالل قصائد البدايات األولى‪.‬‬ ‫سيد اإلبداع!‬ ‫الشعر عندي هو سيد اإلبداع ولما كنت أومن بالمقولة التراثية « الشعر ديوان‬ ‫العرب» فقد ظللت مخلصة له حتى اآلن وسأظل إن شاء هللا فكتبت القصيدة‬ ‫العمودية والتفعيلة ثم قصيدة النثر‪ ،‬بالرغم من اللغط الشديد الذي ُيثار حولها‬ ‫بالرفض والقبول‪.‬‬ ‫في قصائدي األولى كنت أجنح إلى استخدام تقنية قال وقلت وأزيد من استخدام‬ ‫فنبه هذا كثير من المبدعين الكبار الذين تربيت بينهم‬ ‫الشرح وااللتفات والوصف َّ‬ ‫في نادي أدب جامعة المنصورة و قصر ثقافة المنصورة وقصر ثقافة المحلة‬ ‫الكبرى وقصر ثقافة غزل المحلة وفيها كان يجتمع كبار المبدعين ففي المنصورة‬ ‫الكاتب الكبير فؤاد حجازي والقاص والروائي األستاذ محمد خليل والشاعر إبراهيم‬ ‫رضوان والشاعر محمد رمضان ومن زمالئي الذين كانوا يكبرونني بسنوات الشعراء‬ ‫محمود الزيات أحمد الخضري وحسني الزرقاوي وكريم عبد السالم وكثيرون من‬ ‫نفس عمري كضاحي عبد السالم وكثيرين ال تسعفني بهم الذاكرة ومن الغربية‬ ‫الراحالن الشاعر الكبيرعبد هللا سيد شرف الذي كان بيته مؤسسة ثقافية وحده‬ ‫والكاتب المسرحي المحالوي الكبير فتحي فضل الذي أدين له بالفضل في كتابة‬ ‫أول مشروع مسرحي وكانت مسرحية للطفل بعنوان» العش الذهبي» نعم هي اآلن‬ ‫تعتبر كتابة بدائية وساذجة‪ ..‬لكنني لما عدت إليها هذه األيام أحسست بطزاجة‬ ‫البدايات وهلت وعطرت روحي ذكرى األحباب الذين مروا عبر بوابة الحياة‪.‬‬ ‫خطوة أولى في عشق المسرح‬


‫العجيب أن ما دفعني لكتابة المسرح هو حدث غزو العراق للكويت في بداية‬ ‫التسعينيات وكنت قد بدأت في كتابة قصيدة طويلة امتدت ألكثر من عشر‬ ‫صفحات مليئة بالدراما وأسميتها نوبة رجوع لجليلة بنت مرة‪ ،‬فلما قرأتها في إحدى‬ ‫الندوات اقترح البعض علي كتابة مسرحية تعبر عن هذا المضمون معللين لهذا أن‬ ‫ّ‬ ‫قصيدتي مليئة بالدراما وفيها ما يسمى بتصاعد الحوار والحبكة الدرامية وغيرها‪..‬‬ ‫وحينها لم أكن قد قرأت مسرحا بشكل منظم وال كنت أدري كيف أكتب مسرحية‬ ‫فبدأت في مرحلة جديدة وهي مرحلة البحث‪ ..‬وأخذت أبحث عن كل ما يساعدني‬ ‫في ذلك‪ ..‬نصحني البعض بالقراءة والبعض اآلخر نصحني بقراءة كتب النقد‬ ‫التي تتحدث عن المسرح ومنها كتاب ما زلت أدين له بالفضل وهو «كيف تكتب‬ ‫مسرحية « لمؤلفه الجوس أجري وترجمة الناقد الراحل الكبير دريني خشبة الذي‬ ‫بدأت معه أولى خطواتي في الكتابة المسرحية‪.‬‬ ‫وكأنما أراد هللا أن يكون للوالد وابنه دوران متشابهان معي في حياتي اإلبداعية‪..‬‬ ‫فكما استفدت من كتاب دريني خشبة استفدت من الناقد الراحل الكبير سامي‬ ‫خشبة الذي فتح لي أبواب مجلة الثقافة الجديدة ألنشر فيها مقاالتي النقدية عن‬ ‫العروض المسرحية ولم يكن يتأخر في توجيه النصح لي وأتذكر أنه لم يختلف‬ ‫معي إال مرة واحدة في توضيح الفرق الجوهري بين األوبرا‪ ..‬والليبرتو ويبدو أن‬ ‫علي ولكنه رغم ذلك رفض أن يبدل كلمة واحدة في المقال‬ ‫األمر كان قد اختلط َّ‬ ‫ومنه تعلمت كيف يكون احترام الكلمة ولو مع مبدع مبتدئ ينشر له للمرة األولى‬ ‫مثال‪ ..‬وظللت أنشر مقاالتي النقدية وحواراتي مع المسرحيين الكبار حتى صدرت‬ ‫مجلة مسرحنا التي سلطت الضوء على الحياة المسرحية المصرية والعربية على‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪117 116‬‬


‫تفوق‪.‬‬ ‫حد السواء وغطت معظم األحداث بجدارة وقدرة تفوقت فيها على نفسها أيما ُ‬ ‫بين القراءة الحرة و الدراسة األكاديمية‪:‬‬ ‫كنت قد استبعدت فكرة دراسة المسرح بشكل أكاديمي «ولكنني عدت مؤخ ار‬ ‫والحمد هلل حيث أجهز اآلن لرسالة الماجستير» وركنت حينها إلى النصيحة التي‬ ‫وضعتني على طريق القراءة‪ ..‬في البدايات كانت القراءة المنظمة فأخذت أق أر‬ ‫لرواد كتاب المدارس المسرحية وفق الترتيب الزمني لمؤلفاتهم ألدرك وأكتشف‬ ‫لدي ركيزة نقدية بدأت أعتمد عليها في‬ ‫الفروق بين أعمال المؤلف الواحد وتكونت َ‬ ‫كتاباتي النقدية فيما بعد‪ .‬فالبدايات البكر األولى تختلف بالطبع عن آخر أعمال‬ ‫المبدعين والتي كانت كثي ار ما تبلغ ذروة إبداعهم‪..‬‬ ‫فقرأت معظم أعمال الكتاب المصريين الكبار (يسري الجندي أبو العال السالموني‬ ‫ألفريد فرج ومحمد سلماوي وميخائيل رومان ومحمود دياب وسعد الدين وهبة‬ ‫ونعمان عاشور ومحفوظ عيد الرحمن وكثيرين من كتاب المغرب العربي الكبار‬ ‫كالكاتب الكبير عبد الكريم برشيد‪ ..‬وسعد هللا ونوس كما التهمت نصوص ابسن‬ ‫وبرندلو بروتلد بريخت ويونسكو ويوجين أونيل وغيرهم إضافة لذلك قراءاتي‬ ‫لزمالئي من كتاب جيلي والجيل السابق علي دمث الخلق الذي فقده المسرح العام‬ ‫ّ‬ ‫الماضي الراحل محمد الشربيني ومن قبله د‪ .‬محسن مصيلحي وجميع األخوة‬ ‫واألبناء واألساتذة الذين فقدناهم في محرقة بني سويف التي لن تنمحي ذكراها من‬ ‫ذاكرتنا‪ .‬فتشبعت بهم جميعا وأنتجت نفسي!‬ ‫وكتبت أولى مسرحياتي وأسميتها نوبة رجوع لجليلة بنت مرة أو باروكة للصحراء‬ ‫وفيها فتحت الجرح العربي الذي لم يندمل بين األخوة العرب وجاءت كتابتها بعد‬


‫حرب العراق والكويت وحاولت من خاللها تقديم نموذج للعدل الذي نريد كما‬ ‫زاوجت فيها كعادتي بين التراث والحاضر‪.‬‬ ‫أسئلة حول التراث‪ ..‬الشعر المسرح؟ والعربية الفصحى؟ وأين أنا من مدارس‬ ‫التجريب وآلياته؟ وعالقتي بمسرح الطفل والنقد والنقاد ومسرح الدولة‪ ..‬والصحافة‬ ‫المسرحية‪ ..‬إلخ‬ ‫هذه أسئلة طرحها الكثيرون علي حينما استشعروا إصراري على كتابة المسرح‬ ‫ّ‬ ‫الشعري وقد يظن البعض أن هذا يكمن في إمكانات الكاتب المحدودة ولكنني‬ ‫أراها العكس تماما فال يستطيع االقتراب من التراث‪..‬شع ار وباللغة العربية الفصحى‬ ‫في سلة واحدة إال كاتب مجيد نافذ القريحة‪.‬‬ ‫لماذا الشعر؟!‬ ‫في اعتقادي أن المسرح ال ُيكتب إال شع ار كما كان في نشأته األولى‪ ،‬وال أقصد‬ ‫بالشعر هنا الكالم الموزون المقفى ولكنني أقصد الحالة الشعرية التي تسيطر‬ ‫على النص وتتلبس شخصياته‪ ،‬فالنص المسرحي عندي ال يعدو أن يكون نصا‬ ‫شعريا لكن أكثر درامية يمتلئ بحيو ٍ‬ ‫ات أكثر تعددية ورسوخا وتشعبا‪ ،‬ومع هذا‬ ‫فنصي له بنيان رشيق غير مثقل بالترهالت‪ ..‬تعبيراته موحية ومكتنزة وبعيدة عن‬ ‫التطويل بالرغم من أن عمله الحقيقي هو الحكي والبوح والتحليل والتفسير في‬ ‫مدبر بقوة ووعي يمتلك رؤية ثاقبة للجوهر‬ ‫أوقات كثيرة‪ ،‬ولكنه مع هذا أيضا‬ ‫حكي ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ويساعد كل ذلك المقدرة على اإلمساك بمقود األحداث حتى ال يتوه النص!‬ ‫لماذا التراث؟‬ ‫ألن الشعر تربة مناسبة وقماش ًة جيدة إلنتاج نص يعتمد على التراث مستدعيا‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪119 118‬‬


‫إما شخوصه أو أحداثه‪ ،‬أو كالهما معا‪ ،‬وأعشق المزاوجة بين التراث والواقعي‬ ‫بالدرجة التي أعشق بها المسرح شعرا‪ ..‬فللمسرح الشعري عندي غوايته وبقدر‬ ‫ما قد يري البعض غموضا في قصائدي‪ ..‬إال إنهم يرون العكس تماما في‬ ‫لغة المسرح الشعري عندي‪ ،‬وال أجد لذلك مبر ار إال ما كان من بدايات التكوين‬ ‫األولى‪ ..‬وأعترف أنني ال أقوم بضبط الوزن الشعري في مسرحياتي بميزان‬ ‫حساس‪ ،‬فطالما تختلط البحورعندي أو تتزاوج وكثي ار ما أستخدم الزحافات والعلل‬ ‫وغير ذلك دونما قصد‪ ..‬وكل ما أقصده فقط وأنا أكتب أال أشعر أو يشعر القارئ‬ ‫بسقطات في موسيقى الشعر معنى أو شكالً‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وهذا ال يتأتي إال بمراودة النص الذي أكتبه‪ ..‬فيمر معي بعدة مراحل تبدأ فور‬ ‫انتهائي منه مبدئيا‪ ،‬حيث أتركه مدة‪ ..‬ثم أعود إليه‪ ..‬وأكرر هذا وأظل في مراودة‬ ‫مع النص بين الهجر والعودة حتى أطمئن تماما إلى أنه صار نصا صالحا ليقرأه‬ ‫غيري وأبدأ فأعرضه على المقربين مني وكثي ار ما تكزن مالحظاتهم مهمة وآخذ‬ ‫بها‪.‬‬ ‫وعشقي للتراث يجعلني أغوص في أعمق أعماقه‪ ،‬فأستخرج منه ما يتوافق مع‬ ‫ما نعيشه من شخصيات وأحداث إليماني العميق أننا نعيش نفس األحداث‬ ‫التي عاشها األسبقون ونشعر نفس المشاعر الني كانوا يشعرون بها ونحيا نفس‬ ‫األزمات التي عاشوها لكننا ال نتعلم من تجاربهم ألننا ال نأخذ بمبدأ تراكمية‬ ‫التجارب وبالتالي االستفادة منها‪.‬‬ ‫المسرح الشعري وعمالقته الكبار!‬ ‫أبهرني المسرح الشعري واستهواني بعد قراءة أعمال شكسبير التي أتيت عليها‬


‫كاملة تقريبا على الرغم من أن الترجمة قد تفقد النص بعض شاعريته التي تبدو‬ ‫متدفقة عبر لغته األم كما التهمت نصوص صالح عبد الصبور نصا‪..‬نصا‬ ‫وأعمال عبد الرحمن الشرقاوي كما قرأت ما كتبه الشاعر الكبير أحمد سويلم‬ ‫ومحمد إبراهيم أبو سنة وفاروق جويدة وكلهم تقريبا اعتمدوا على التراث في بناء‬ ‫أعمالهم المسرحية التي التزموا فيها روح الشاعرية‪.‬‬ ‫نوبة رجوع‪:‬‬ ‫كتبت نوبة رجوع لجليلة بنت مرة مستلهمة حرب البسوس وموقف جليلة بنت‬ ‫مرة الحائر بين أخيها وزوجها وهي حيرة طبيعية حتى أن القارئ يظل حائ ار‬ ‫طوال قراءته للنص غير قادر على استنباط إلى أيهما تنتصر! تماما كما تلبست‬ ‫الحيرة اإلنسان العربي مع أيهما يقف ويحارب؟ مع العراق أم الكويت ؟ وفي كلتا‬ ‫الحالتين سيجد المنتصر نفسه خاس ار إذ أنه في حالة االنتصار أليهما يكون قد‬ ‫أخزى اآلخر الذي هو أخيه وتلك هي المشكلة!‬ ‫المصير؛ عشر نبضات في الحب والموت‪:‬‬ ‫ثم كان نص المصير بعد ذلك مستلهمة فيه حياة شاعرين جاهليين كبيرين هما‬ ‫النابغة الذبياني والمنخل اليشكري والملك النعمان بن المنذر والمتجردة مستخدمة‬ ‫تقنية المسرح داخل المسرح محاولة من خاللها التركيز على العدو الداخلي والعدو‬ ‫كل‬ ‫الخارجي الذي ينفث سمه في جسد وحدتنا العربية وقد جعلت فيها الشاعرين ٌ‬ ‫منهم على نقيض اآلخر فالنابغة نفعي برجماتي ال يؤمن إال بسيفه الذي في يده‬ ‫أي شيء له من منفعة مباشرة « كاش فاليو» واآلخر المنخل‬ ‫ومدى ما يحققه ُّ‬ ‫اليشكري إنسان مثالي يرى ضرورة توحيد األمة وأن لدينا القدرة على تجميل الحياة‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪121 120‬‬


‫بقليل من الجهد والعمل ويفكر دائما أن هناك شيئا ما ينتظره في البعيد‪ ..‬شيئا‬ ‫جميال ورائعا ومثاليا يستحق من حوله أن ينعموا بالحياة فيه بقليل من جهاد الروح‬ ‫وكثير من االنتماء والحب‪.‬‬ ‫الخروج من اللوحة‪:‬‬ ‫ثم جاء نص الخروج من اللوحة وهو يعتمد أيضا في بنيته األساسية على استلهام‬ ‫التراث ومكتوب بلغة شاعرية متخذة من «عريب» وهي جارية أثرت أيما تأثير‬ ‫في حياة خمسة من خلفاء الدولة العباسية وعاشت معهم جميعا أثرت وتأثرت بهم‬ ‫وهم» المأمون واألمين والمعتصم والمتوكل حتى عصر ابن المعتز الذي اعترفت‬ ‫أنها لم تحب غيره من الخلفاء لرقته وطيبته وقد بلغ من حب هؤالء الخلفاء لهذه‬ ‫الجارية ما دفع المأمون ألن يقبل قدميها على رؤوس األشهاد كما أثرت في سير‬ ‫الحياة السياسية بسبب عقدة االضطهاد التي كانت تطاردها منذ طفولتها وهي ابنة‬ ‫جعفر البرمكي الذي تزوج أمها رائعة الجمال وفرق بينهما يحي أخوه فظل حقد‬ ‫عريب مشتعال مما أهلها في عيون األعداء أعداء العرب للقيام بدور جاسوسي‬ ‫مخابراتي لكنها رفضت بسبب الحب أيضا!‪.‬‬ ‫الشراك «مأساة ديك الجن»‬ ‫وبعد ذلك جاء نص «الشراك» الذي يتماس وعطيل شكسبير عن طريق استدعاء‬ ‫شخصية ديك الجن «عبد السالم بن رغبان» الشاعر الحمصي الكبير الذي قتل‬ ‫وردا حبيبته بسبب شكوكه التي ال مجال للحقيقة فيها‪ ،‬كما قتل عطيل ديدمونة‬ ‫بعد شكه فيها‪ ،‬وحاولت من خالله التأكيد على فكرة الشك والغيرة القاتلة وأنه مهما‬ ‫امتلكنا المقدمات التي من الممكن أن توصلنا لنتائج مرضية إال إننا نسعى إلى‬


‫أي تحقق ُّ‪.‬‬ ‫حتفنا لنقع في شراك الشك والغيرة دونما ّ‬ ‫احتفال خاص على شرف المتنبي‪:‬‬ ‫أما نص «احتفال خاص على شرف المتنبي» فقد كتبته حبا في شاعر العربية‬ ‫األول الذي تربع على عرش الشعر ومع ذلك كانت عيونه على عرش الملك‬ ‫فكان يتمنى أن يصبح أمي ار على إحدى المقاطعات ولم يكفه أن يكون ملكا على‬ ‫مملكة الشعر وقلوب الجميع‪ ،‬وفيها استحضرت المتنبي لحما ودما فعاش حياتنا‬ ‫وتعرض لبعض ما نتعرض له فخاض االنتخابات وخطب في العالم وحوكم‬ ‫ودافع عن نفسه وفي النهاية يئس من حياتنا بالشكل الراهن واعترف بعجزه فرفض‬ ‫الحياة بعصرنا وترك عالمنا وعاد إلى عالمه مرة أخرى‪.‬‬ ‫الجنرال‪:‬‬ ‫ويأتي نص الجنرال وهو أحدث نصوصي وهو تحت الطبع ألثير فيه قضية‬ ‫شخصيتي المعلم يعقوب‬ ‫الوحدة الوطنية والمواطنة ومن خالل المزاوجة بين‬ ‫ِّ‬ ‫وسليمان الحلبي‪ ،‬فسليمان لم يكن مصريا ولكنه قتل الجنرال كليبر محققا لما‬ ‫يعتقده من صواب أن هذا من معاني الجهاد في سبيل هللا وأنه يخلص مصر‬ ‫من رأس أفعى المحتل في حين أن يعقوب في ذات العصر هو أول قبطي‬ ‫يحاول القيام بمحاولة انفصال لألقباط عن الدولة‪ ،‬وفي النص تقوم محاكمة كلتا‬ ‫الشخصيتين وتتاح لهما الفرصة ليعبر كل منهما عما جعله يقدم على ما قدم‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫ومن بعد هذه النصوص تأتي نصوص « زمن الخوف‪ /‬ظل السلطان ‪ /‬العابرون)‬ ‫وغيرها من النصوص الطويلة‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪123 122‬‬


‫في المونودرما‬ ‫سيدة المونودراما‪ ..‬هو اللقب الذي أطلقه علي أ‪ .‬د‪ .‬سيد علي األستاذ‏ بكلية‬ ‫ّ‬ ‫اآلداب جامعة حلوان‏‏ و‏‏أستاذ األدب العربي الحديث ونقده (المسرح) بكلية اآلداب‬ ‫جامعة حلوان‏ لدى‏المسرح‏‏‏‪ ..‬وال أدري إن كنت أستحقه أم ال‪.‬‬ ‫في المونودراما أجد الفرصة سانحة للبوح والتحرر وبالرغم من ذلك فقد كتبت ثالثة‬ ‫نصوص منها فقط «المطبعي» في أوائل التسعينيات و « ما قاله السيد للسيدة»‬ ‫عام ‪2009‬م « وامرأة عنيفة» ‪2010‬م وفوق الشوق‪ ..‬ولجوء اضطراري ‪ /‬بهنس‪،‬‬ ‫محطة عين شمس‪ ،‬الدّفان‪ ،‬وجوليا و‪ 5‬ش المتنبي ‪ 2017‬وغيرها الكثير وهو ما‬ ‫دعا أستاذ كبير مثل أ‪ .‬د‪ .‬سيد علي وعدد من النقاد إطالق لقب‪ :‬سيدة المونودراما‬ ‫علي‪....‬كما أن لدى تجربة وحيدة في الديو دراما وهى نص «جنة وهنا» ‪2008‬م‬ ‫ّ‬ ‫وهذه النصوص لم أكتبها شع ار ولكنني كتبتها بلغة شاعرية كما أحب أن أسميها‪.‬‬ ‫الفصحى والعامية واللغة البيضاء!‬ ‫أحب الكتابة باللغة العربية وأميل لها وحينما كتبت نصوصا نثرية « كتبتها بلغة‬ ‫بيضاء بين الفصحى والعامية فلم أستطع االنغماس في العامية وطالما ضبطت‬ ‫نفسي وأنا أكتب بالعامية أسطر تعبيرات فصيحة فأبقي عليها خاصة مع مناسبتها‬ ‫لوضعيتها‪ ،‬ولعلمي أن اللغة العربية هي األبقى حيث ترسخ في ذهني منذ قديم أن‬ ‫العامية ال تصلح للتدوين بل مكانها األصيل الشفاهة‪ .‬وسيأتي أحد القائلين متنم ار‬ ‫ِ‬ ‫وجه جمهورك كما تريد‬ ‫ليقول‪ :‬الفصحى غير مناسبة لعوام الجمهور وهنا أقول‪ّ :‬‬ ‫وحيث تريد ال كما يريد هو وحتماً سيصبح بعد ذلك طوع يمينك‪ ،‬فصناع المسرح‬ ‫لو قدموا مسرحا ملتزما ناضجا نسبة منه باللغة العربية لصار طبيعيا وجود‬


‫عروض بالفصحى يقبل عليها الجمهور ويجدون لذتهم فيها مثل تلك العروض‬ ‫الموجودة بالعامية‪ ..‬ورغم هذا صرت أكتب العامية بحب شديد وأقمت ما بيني‬ ‫وبينها حصونا من المودة‪ ..‬ظهرت في نصوصي التي تجلت بها‪.‬‬ ‫التجريب وآلياته‪:‬‬ ‫أما عن التجريب وآلياته‪ ..‬وسؤال هل يتوافق التجريب مع التراث الذي يمثل‬ ‫الثبات؟‬ ‫فالتجريب عندي ليس الخروج عن المألوف ولكنه البحث عن أعماق جديدة فيما‬ ‫هو موجود وليكن هذا الموجود هو التراث‪ ..‬فالغوص في مناطق عميقة حساسة‬ ‫تكسبني خبرة أكبر في الكتابة تجعلني أمتلك القدرة على معالجة األفكار بشكل‬ ‫جديد‪ ،‬فالمسرح عندي ليس طرحا لمجموع األسئلة ولكنه يسعى لتقديم إجابات أو‬ ‫يفتح أبواب اإلجابات على مصارعيها‪ ،‬وليس ضروريا أن تكون تلك اإلجابات‬ ‫نموذجية بقدر ما تكون محتملة التحقق‪.‬‬ ‫التجريب عند البعض يعني الدخول في عوالم الممنوع والمحال والمسكوت عنه‪،‬‬ ‫ففي المسرح ال مسكوت عنه حين أضع شخصياتي على خشبة المسرح‪ ،‬دائما‬ ‫ما أتركها حرة تفعل ما تشاء وكثي ار ال أقوم بوضع نهايات ألعمالي المسرحية‬ ‫أو حتى أخطط لها كيف تسير‪ ،‬بل أمسك بالفكرة فقط وأشرع في الكتابة وتظل‬ ‫علي حتى أنتهي‪ ،‬ثم أترك النص عدة أيام وأعود إليه ألعاود‬ ‫الفكرة هي المسيطرة َّ‬ ‫قراءته مرة ثانية فثالثة وفي أثناء الكتابة وإعادة الكتابة أترك لكل شخصية الحرية‬ ‫في تحديد مسارها‪ ،‬بل ومصيرها وتتضافر الشخوص عندي في خلق نهاية العمل‬ ‫ككل‪..‬‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪125 124‬‬


‫فالتجريب عندي يكون أحيانا في استخدام لغة بعينها أو ترتيب المشاهد بشكل‬ ‫مختلف أو في بناء النص نفسه ورؤية الحدث االمسرحي نفسه ومعالجته‪.‬‬ ‫في النقد‬ ‫تعمل حاسة النفد عندي عملها في نصوصي المسرحية وقد استفدت من مقولة‬ ‫الشاعر الكبير أحمد سويلم لي حين كان عمري ‪ 18‬عاما في السنة االولى بكلية‬ ‫اآلداب بجامعة المنصورة وكنت قد ُنشرت لي عدة قصائد في جريدة الجمهورية‬ ‫وأشعر أنني شاعرة كبيرة ال يدانيني أحد وناولته قصيدة كتبتها عن القدس ولما‬ ‫قرأها طلب مني حذف جزء كبير منها فلم أستطع‪ ،‬فقال لي‪ :‬ال يوجد نص مقدس‬ ‫إال القرآن الكريم فتعاملي مع نصوصك بقسوة حتى يحترمها اآلخرون وال تجعلي‬ ‫ِ‬ ‫فيؤذيك هذا نفسيا‪ .‬ومن حينها وأنا أتعامل مع نصوصي‬ ‫غيرك يتعامل معها بقسوة‬ ‫بشيء من الحزم مع إنني أحيانا أضبط نفسي وأنا متلبسة وواقعة في إغراء مقطع‬ ‫في قصيدة أو حوار ألحد شخوص مسرحياتي بما ال يجعلني أستطيع الفكاك منه‪.‬‬ ‫استفدت من رؤيتي الخاصة لإلبداع المسرحي في كتابة النقد التطبيقي للعروض‬ ‫التي كنت أراها وأخرج في معظم الوقت وأنا حانقة على مؤلفيها ومخرجيها‬ ‫وممثليها فدفعني ذلك لكتابة سلسلة مقاالت نقدية عن العروض المسرحية في‬ ‫عام‪2004‬م نشرت في جريدة القاهرة التي تصدر عن و ازرة الثقافة المصرية ثم‬ ‫قدمت في جريدة المحيط الثقافي التي كانت تصدر عن و ازرة الثقافة باباً شهريا‬ ‫تحت عنوان‪ »:‬مسرح المحيط» كنت أقدم من خالله قراءة لبعض العروض‬ ‫وبعض الشخصيات واألماكن والمصطلحات المسرحية‪.‬‬ ‫كذلك قدمت عدة مقاالت وحوارات مسرحية في مجلة الثقافة الجديدة حيث كان‬


‫يرأس تحريرها الناقد األستاذ سامي خشبة يرحمه هللا الذي تعلمت منه الكثير أقلها‬ ‫األمانة في النقد والمحايدة‪ ..‬كما كتبت مقاالت كثيرة ومتنوعة وحوارات في جريدة‬ ‫مسرحنا عن عروض مصرية وعربية عبر المهرجانات العربية التي شاركت فيها‬ ‫كناقدة وإعالمية مصرية وذلك منذ أعدادها األولى‪.‬‬ ‫قدريون أم أغبياء؟!‬ ‫في كتاباتي أومن بمقولة أكررها دائما ومازلت مصرة عليها في مقدمة نصوصي‬ ‫وهي‪ :‬هل نحن قدريون أم أغبياء؟ ذلك ألن التاريخ العربي واإلسالمي بخاصة‪..‬‬ ‫مليء بالمواقف المشابهة والمتكررة لمواقف نعيشها ونحياها اآلن وبالرغم من‬ ‫ٍ‬ ‫كماض عاشه األجداد واآلباء‪ ،‬وال ننظر بعين الفاهم الناقد‬ ‫ذلك ال نستفيد منها‬ ‫لنتائجها‪ ،‬فنفهمها ونعيها‪ ،‬بل دائما نتجاهلها أو نتلقاها بشيء من التهاون فنقع في‬ ‫أي شيء!!‬ ‫نفس أخطاء الماضي دون أن نتعلم منه شيئا‪َّ ..‬‬ ‫معاناة جيل!‬ ‫حينما أتحدث عن تجربتي المسرحية ال يمكنني أن أزعم بقيمتها العظيمة ولكنني‬ ‫موقنة على أقل تقدير بأنها على قدر من الجدة وااللتزام بقواعد الفن االنساني‬ ‫الراقي الذي يحترم عقلية القارئ أوال والمشاهد إن قدر هللا وتم عرض هذه األعمال‬ ‫يوما على خشبة المسرح!!‬ ‫وحينما أتحدث عن معاناتي ومعاناة جيلي من شباب المسرحيين في مصر أخشى‬ ‫أن يأتي كالمي تقليديا وربما يستشعر فيه من يقرأه السخط أو الشكوى نظ ار للحالة‬ ‫المتردية ألجنحة التلقي األخرى‪ ..‬وأقصد بها ‪ :‬النقد واإلخراج‪ ..‬النقد الذي يتجاهل‬ ‫أصحاب الكتابات الجدد ـ بالرغم من أننا لم نعد جددا فأحدثنا تجربة تجاوز العشر‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪127 126‬‬


‫سنوات ومنا من زاد على العشرين وهي عمر معظمنا في الكتابة‪.‬‬ ‫كما إن المخرجين ال ينفذون إال األعمال القديمة أو المشهور أصحابها ألسباب‬ ‫عديدة ال أريد ذكرها ألن المخرجين األعزاء أنفسهم يعرفونها والمعنى هنا‪ ..‬في‬ ‫بطن المخرج!!‬ ‫وذلك ألن نصوصي المسرحية ما تزال كسيحة حبيسة دفتي الكتب‪ ،‬شخوصها‬ ‫ّ‬ ‫ميتة بين السطور وأحداثها متوقفة‪ ..‬كل هذا بسبب المخرجين الشهماء الذين‬ ‫يمألون الجو صراخا لعدم وجود نصوص جيدة ترتقي لعبقريتهم السمحة وقدراتهم‬ ‫اإلخراجية العظيمة فتراهم إما يلجئون لنصوص أجنبية أو يؤلفون هم نصوصا‬ ‫كما يتراءى لهم ثم يقومون بإخراجها والتمثيل فيها أحيانا فينالون الحسنيين وأحيانا‬ ‫الثالث حسنيات!! والمؤلفون الشباب وغير الشباب من الذين حصدوا الجوائز‪..‬‬ ‫فليذهبوا إلى حيث يشاءون!!‬ ‫مسرح الطفل وأنا‬ ‫تجربتي في مسرح الطفل هى أحدث تجارب الكتابة لدي! حيث كتبت أربعة‬ ‫نصوص للطفل فقط والخامس مازال قيد االنتهاء‪ ..‬بدأتها بنص «استغماية ‪2012‬‬ ‫وحصل على جائززة الهيئة العربية للمسرح ‪ 2013‬ثانيها نص صندوق الحكايات‬ ‫الذي قمت ببعض التعديالت عليه وصار بعنوان فكار يبحث عن وظيفة‪..‬‬ ‫وترشح للقائمة القصيرة لجائزة الهيئة الربية للمسرح ‪ 2014‬ثم كتبت نص «مدينة‬ ‫بال أسوار ‪ ..2015‬ونص «كوكب ورد» وهو من نوعية الخيال العلمي لفئة هامة‬ ‫من ‪ 12‬إلى ‪ 18‬عاما‪ ..‬ونال النص الجائزة األولى للهيئة العربية للمسرح ‪2017‬‬ ‫وعن قريب انتهي من النص الخامس وهو أيضا من نصوص الخيال العلمي‪.‬‬


‫الجوائز‪..‬‬ ‫يتعجب البعض حينما يعرفون أنني حصلت على أكثر من اثنتا عشرة جائزة في‬ ‫المسرح عدا الشعر والدراسات األدبية! وما يثير دهشتهم عدم تجسيد مسرحياتي‬ ‫الفائزة على خشبة المسرح‪ ..‬والغريب أنني كدت أدمن تقديم أعمالي للمسابقات‬ ‫فقط لمجرد القراءة الجادة من كثرة يأسي من النقاد والعجب العجاب حين يهم أحد‬ ‫المخرجين بتقديم نصا من أعمالي‪ ،‬يطلب مني الذهاب لمدير المسرح أو رئيس‬ ‫الهيئة حتى يتمكن من تنفيذها‪ ..‬وفي نهاية األمر‪ ..‬أصاب بالتوتر والخجل‪..‬‬ ‫وأصمت فيصمتون كأنما بلعوا ألسنتهم التي كانت تصدح بالمديح والثناء فأشعر‬ ‫بالغصة تمأل قلبي وأوقن بالالجدوى!!‬ ‫والحق أقول‪ :‬لقد أورثني هؤالء النقاد كثي ار من الزهد فيما بين أيديهم وكثي ار من‬ ‫الحزن!‬ ‫هذا الزهد كما قلت فيما في أيدي النقاد عالوة على ما في أيدي مخرجي مسارح‬ ‫الدولة الذين عن تقديم النوعية التي أكتبها والذين يحرضون الكتاب على الكتابة‬ ‫بالعامية حتى يقدموا أعمالهم!‬ ‫مسرح الدولة‪:‬‬ ‫مسرح الدولة الرسمي اآلن يعيش أقسى حاالت التوتر بينه وبين الكتاب المسرحيين‬ ‫المصريين ومع هذا يتساءل النقاد والمهتمون عن أسباب هذا التوتر والغاء جوائز‬ ‫التأليف أفي المهرجان الوحيد المعبر عن المسرح المصري أو إعطائها مجاملة‬ ‫ألحدهم ألسباب خاصة‪ ..‬كأنهم ال يعلمون أن طريقة «الورش» واالستعانة‬ ‫بالكتابات العالمية أكثر من الكتابات المحلية والعربية التي تعبر عن حال المجتمع‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪129 128‬‬


‫واإلفيهات التي يلجأ إليها بعض المخرجين ليزخرفوا بها عروضهم وهى أعظم ما‬ ‫توصف به أنها عروض خالية الدسم وغنية فقط بالنكات والضحكات المستفزة‬ ‫التي ال يعنيها سوى الضحك من أجل التسلية وبالطبع هذا ليس هو دور المسرح‬ ‫الحقيقي‪ ،‬والبعد عن الكتاب المجيدين ليس إال لكونهم يكتبون بشكل ال يحبونه أو‬ ‫يكتبون بطريقة كالسيكية وغير ذلك‪..‬‬ ‫تجربتان‪ ..‬وغيرهما تنتظرن!‬ ‫امرأة عنيفة‬ ‫قدمت لي أول تجربة مسرحية وهى مونودراما «امرأة عنيفة» وكانت انتاج مستقل‬ ‫وعرضت كاستضافة على مسرح الهناجر عام ‪ 2013‬وسافر العرض الى دول‬ ‫عربية كثيرة كما تم تنفيذ النص في عدد من الدول العربية عالوة على تقريره ضمن‬ ‫مقرر دراسة المعهد العالي للفنون المسرحية بالجزائر‪.‬‬ ‫ثري دي‬ ‫بعد مجاهدة‪ ..‬ومثابرة‪ ..‬قدمت لي تجربة ظلت على مسرح الطليغة أكثر من ثالثة‬ ‫أشهر ونصف وهو عرض «ثري دي» من إخراج محمد عالم وقد نال العرض‬ ‫اهتمام النقاد والجمهور واألكاديميين حيث اعتمد على شكل جديد من الكتابة‪..‬‬ ‫وقام ببطولته مجموعة من شباب األكاديمية‪.‬‬ ‫السرير‬ ‫أعتقد أنها تجربة مهمة وأرجو أن تقدم قريبا على مسرح الدولة‪.‬‬ ‫كوكب ورد‬ ‫وهو نص للطفل‪ ..‬في مجال الخيال العلمي‪ ..‬مغاير عن السائد لغة وموضوعا‪..‬‬


‫وسيرى النور ثريبا على مسرح الدولة وأرجو أال يحدث معه ما حدث مع نص‬ ‫«استغماية»‬ ‫النقاد‬ ‫نفر قليل كتب عني بطريق‬ ‫من بين مئات النقاد الذين تمأل مقااللتهم الدنيا ٌ‬ ‫المصادفة البحتة في بداية األمر‪ ..‬فلوال المسابقات التي قدمت أعمالي من خاللها‬ ‫ما ق أر لي أحدهم فأتذكر ما كتبه الناقد الراحل الكبير رجاء النقاش عن عملي‬ ‫المسرحي األول نوبة رجوع حيث قال بالنص‪ « :‬هذا العمل المسرحي ناضج بغير‬ ‫جدال فهو يجمع بين جمال اللغة وقوة الشعر وبين الحبكة المسرحية التي تميل إلى‬ ‫صالح العرض وحيله وفنونه‪».‬‬ ‫وما كتبه أ‪.‬د‪ .‬رفيق الصبان عن نفس النص‪ »:‬هذا العمل المسرحي فيه رؤيا‬ ‫مسرحية شاملة للخالف العربي وأمل بمستقبل يقوم على العدل‪،‬كما أنه ُي ُّ‬ ‫عد‬ ‫استغالال ذكيا للتراث(قصة الزير سالم) كما تسيطر على المسرحية شاعرية حقيقية‬ ‫ال جدال فيها‪».‬‬ ‫وكتب أيضا أ‪.‬د‪ .‬رفيق عن عملي التالي «المصير» عشر نبضات في الحب‬ ‫والموت ‪ »:‬الفكرة جيدة تعتمد على التراث من خالل لعبة المسرح ضمن المسرح‬ ‫وتروي قصة المتجردة والنعمان والمنخل اليشكري‪ ..‬اللغة جميلة وشعرية والعمل‬ ‫جيد ومتوازن وبعيد عن االبتذال»‬ ‫كما قدمتني د‪ .‬هدى وصفي في أوائل التسعينيات وأنا غضة محدودة التجربة‬ ‫لكنني كنت شديدة الحماس للكتابة أقول قدمتني للناقد د‪ .‬أحمد سخسوخ على إنني‬ ‫أصغر كاتبة مسرحية في مصر والمرأة الوحيدة التي تحصلت على جائزة تيمور‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪131 130‬‬


‫المسرحية مرتين‪.‬‬ ‫وهاتفني الناقد الراحل األستاذ فاروق عبد القادر بعدما ق أر إحدى مسرحياتي قلت‬ ‫له والخوف يعتصر قلبي ‪ :‬ما رأيك يا أستاذنا؟ قال متحمسا ‪ :‬نص جميل وسكت‬ ‫لحظة وقال‪ :‬ولكن قلت حينها لكن هذه هي المهمة فقال ال أدري هل أقول إنني‬ ‫لم أق أر نصا مثل هذا منذ وفاة الرائع صالح عبد الصبور؟ صمت‪ ..‬وأردفت ‪ :‬ما‬ ‫ذا تعني يا أستاذنا ؟ قال أرى أنك امتداد لصالح عبد الصبور قلت‪ :‬هل هذا مدح‬ ‫أم ذم؟ قال‪ :‬افهميها كما تريدين!! ولكن عليك أن تتخطي صالح عبد الصبور‪.‬‬ ‫أما د‪ .‬حسين على محمد الشاعر والكاتب المسرحي واألكاديمي فقد كتب عن‬ ‫مسرحية الشراك دراسة مستفيضة ونشرها عبر االنترنت ورشح أعمالي لطلبة‬ ‫الدراسات العليا الذين يدرسون على يدية فقام عدد منهم بدراسة أعمالي في‬ ‫رسائلهم الجامعية وكانت هذه نقطة ضوء شريدة في تلقي أعمالي بشكل نقدي‬ ‫جيد ومحترم!!‬ ‫كذلك الدكتورة وفاء كمالو فقد كتبت دراسة مستفيضة عن نص «الجنرال» الذي‬ ‫حصل على جائزة األلسكو عام ‪ 2014‬وسافرت حينها للعراق وكنت أول عربية‬ ‫تحصل على الجائزة‪.‬‬ ‫بين العمل اإلعالمي واإلبداع‪:‬‬ ‫في النهاية‪ ..‬لي أن أعترف أن عملي كصحفية بل ومتخصصة في شئون‬ ‫المسرح ورئاستي لتحرير موقع «المسرح نيوز» أضرني في تسليط ضوء اإلعالم‬ ‫علي كمبدعة وبات الزمالء ينظرون لي على أنني « زميلتهم الكاتبة الصحفية‬ ‫ّ‬ ‫الشاطرة» ونسى الجميع أنني مبدعة خاصة وأنا ال أجيد التعامل مع مختلف‬


‫صنوف الميديا ولو من خالل أصدقائي الذين هم مبدعون أيضا بالدرجة نفسها!!‬ ‫في النهاية‬ ‫أتمنى أن أطير بجناحين وأرفرف بهما في سماء اإلبداع المسرحي وأرى نصوصي‬ ‫سواء بالعربية والفصحى حرة على خشبة المسرح كما رأيتها بين دفتي الكتب‬ ‫والدرس األكاديمي في رساالت الماجستير والدكتوراة‪ ..‬مسرح الناس الذي أتمناه‬ ‫مفتوحا هو اآلخر يدخلونه متى شاءوا بال شباك تذاكر أو بيروقراطية مقيتة في‬ ‫األداء‪..‬‬ ‫شهادة الكاتب‪ :‬بكري عبد الحميد‬ ‫أصعب ما مكن أن يتعرض له الكاتب هو أن يتحدث عن نفسه أو عن تجربته‪،‬‬ ‫إذا كيف لي أن انفصل عن نفسي و انظر إلي و إلى كتابتي من بعيد‪ ،‬و كيف‬ ‫ّ‬ ‫أرى كتابتي من منظوري الشخصي‪ ،‬أما و قد وضعت في هذا الموقف فإنني افعله‬ ‫مضط ار ال راضيا‪.‬‬ ‫في البداية و بطبيعة الحال كانت الرغبة في الكتابة ملحة‪ ،‬و لكن أيضا كانت‬ ‫هناك أسئلة ال بد من اإلجابة عنها قبل الشروع في الكتابة‪ ،‬و من بين هذه األسئلة‬ ‫‪ :‬ماذا ستكتب و لماذا تكتب‪ ،‬و كيف تكتب و لمن‪ ،‬و لكن السؤال األكثر إلحاحا‬ ‫و الذي مازال يراودني حتى اليوم مع كل نص مسرحي جديد اكتبه هو ما هو‬ ‫الجديد الذي ترغب تقديمه‪ ،‬فإن لم يكن هناك جديد ما داعي الكتابة أصال ؟ هذه‬ ‫أسئلة أرى انه يجب أن نطرحها على أنفسنا بين حين و آخر و أال نستسلم لنفس‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪133 132‬‬


‫الشكل من الكتابة‪ ،‬أو نفس الطرح من األفكار‪.‬‬ ‫و كان دم السواقي هو أول أعمالي المسرحية و الذي كتبته و خبأته عن العيون‬ ‫حيث أنني لم أكن واثقاً مما كتبت إلى أن أقنعني صديقي الكاتب المسرحي محمد‬ ‫عبد هللا أن أشارك به في مسابقة محمد تيمور لإلبداع المسرحي و بعد محاوالت‬ ‫كثيرة معي تقدمت للمسابقة على استحياء و عندما جاء خبر فوزي لم أكن مصدقا‬ ‫لكنني أيقنت أنني أقدم شيئا حقيقيا يمكننا أن نتفق أو نختلف عليه‪.‬‬ ‫و قد أخذت على عاتقي منذ البداية أال أكون‬ ‫حكاء‪ ،‬فأنا لست شاعر ربابة أعيد‬ ‫ً‬ ‫سرد األحداث على السامعين‪ ،‬و بما أن المعين الذي اغترف منه حكاياتي هو‬ ‫الموروث الشعبي و هو بئر ملئ بالحكايات‪ ،‬فال بد أن تختلف هنا الحكاية التي‬ ‫يرويها شاعر الربابة عن الحكاية التي تجسد اليوم على خشبة المسرح وال بد أن‬ ‫تحمل أفكا ار و رؤى معاصرة‪ ،‬فعلى سبيل المثال طرحت دم السواقي فكرة الموت‬ ‫الذي يصاحب الحب من خالل ثالث حكايات شعبية معروفة فنجد ياسين الذي‬ ‫أحب بهية تنتهي حكايته بموته‪ ،‬و حسن الذي حب نعيمه يموت أيضا حتى بين‬ ‫األخوين شفيقة و متولي‪ ،‬فقد أحبت شفيقة أخيها متولي و هو أحبها لكن الحب‬ ‫يتقاطع عند المصالح و ينتهي أيضا بالموت‪ ،‬مع ربط هذه الحكايات و قضايا‬ ‫األرض و الوطن و الشرف و غير هامه القضايا اآلنية‪ ،‬وكان أن اهتممت في‬ ‫قول يا مغنواتي بأن أؤكد أن للحقيقة أكثر من وجه‪ ،‬و أن كالً منا يرى الحقيقة‬ ‫من منظوره هو و من المكان الذي يقف فيه حيث يرى من زاوية واحدة بينما هناك‬ ‫زوايا عديدة للحقيقة‪.‬‬ ‫يمكننا لو تحركنا قليال أن نراها‪ ،‬و ذلك من خالل تجسيد شخصية بدران صديق‬


‫ادهم الشرقاوي و المتهم بخيانته في الوجدان الشعبي‪ ،‬و لكن‪ ..‬هل بدران خان‬ ‫صديقه حقيقة أم أن هناك زوايا مسكوت عنها اثر الضمير الشعبي إال يذكرها‪.‬‬ ‫وعندما كتبت الهاللي لم أكن ارغب في سرد السيرة الهاللية التي يعرفها الجميع‪،‬‬ ‫قدر ما كنت أريد أن اصرخ رافضا الصمت العربي لكل أشكال القهر التي تمارس‬ ‫على المواطن العربي و هو ال يفعل إال أن يشكو ذله و مهانته و ضعفه و قلة‬ ‫حيلته‪ ،‬رافضا حلمه بالبطل األوحد المخلص و الذي تمثل في شخصية ابو زيد‬ ‫الهاللي‪ ،‬لذا كان ابو زيد في النص مجرد شبح‪ ،‬لم يمكن موجوداً قدر ما كان‬ ‫موجوداً في مخيلة الضعفاء‪ ،‬و أيضا كان فزاعة في عقل القوي يخشاها و يعمل‬ ‫على قتلها داخلة و داخل كل حالم بها ٍ‪.‬‬ ‫ال أريد أن استرسل كثي ار في الحديث عن نصوص التي تجاوزت العشرين نصا‪،‬‬ ‫ما بين المسرح الشعبي _ و الذي عرفت به _ و بين األشكال المسرحية األخرى‬ ‫لكنني أريد أن أذكـّر أن الكتابة المسرحية اآلن اختلفت كثي ار عما سبق‪ ،‬و أنها‬ ‫أصبحت أكثر جرأة في بعض األحيان من حيث الموضوعات التي تتناولها أو من‬ ‫حيث التجديد على مستوى الشكل أو اللغة‪ ،‬و اعتقد أن لم أكن اجزم أن الكتابات‬ ‫الجديدة تمثل درجة هامه في طريقي المسرحي و قد أثبتت ذاتها بالفعل خالل‬ ‫السنوات العشرون الماضية و ارجوا أن تستمر في عطائها في حالة توافر مناخ‬ ‫من الحرية و النقد الموازي لها و اللذان اعتبرهما ال يقالن أهمية عن الكتابة نفسها‪.‬‬ ‫ ‬

‫امللتقى الفكري‬

‫‪135 134‬‬


‫المحور الثالث‬ ‫مسرح الطفل‬ ‫بين الواقع والمأمول‬


‫نحو مفاهيم جديدة لمسرح األطفال‬

‫أ‪.‬د‪ /‬محمد أبو الخير‬

‫إن الرؤية الى تحقيق مستقبل متطور وحضاري تعنى االهتمام باألطفال‪ ،‬ألن الطفل‬ ‫جوهر المجتمع األنسانى المتنامى لصنع الغد‪ ،‬وان بناء شخصية الطفل بصورة متكاملة‬ ‫فى جوانبها العقلية‪ ،‬والوجدانية‪ ،‬والجسدية‪ ،‬يعنى بناء أمة حضارية‪ ،‬قادرة إلى السير مع‬ ‫عجلة التاريخ المتجة دوما لألمام‪.‬‬ ‫ومن هنا فان ثقافة األطفال أحد الروافد الهامة فى نسيج الحياة الثقافية والفنية للطفل‬ ‫خاصة‪ ،‬وللمجتمع عامة‪ .‬ألن « ثقافة األطفال هى احدى الثقافات الفرعية فى المجتمع‪،‬‬ ‫فهى جزء من ثقافة المجتمع‪ ،‬وهي تشارك الثقافة العامة فى صفات عدة‪ ،‬ولكنها ال‬ ‫تشكل نسخة مكررة منها بأى حال من األحوال‪ ،‬كما أنها ال تشكل تصغي ار أو تبسيطا‬ ‫لها‪ ،‬بل هى كيان متميز‪ )1( ».‬حيث أن األهتمام بثقافة األطفال هو اهتمام بتراث األمة‬ ‫فى ماضيها وحاضرها ونظرة مستنيره الى مستقبلها‪.‬‬ ‫وانطالقا من أن مسرح األطفال وما يتضمنه من فنون مختلفة يعتبر أحد الروافد‬ ‫األساسية التى تساهم فى تشكيل الوعي الثقافى والفنى للطفل‪ ،‬لذلك فان هذه الدراسة‬ ‫تحاول أن تلقى مزيداً من الضوء على مالمح الدور الذي يجب أن يلعبه مسرح األطفال‬ ‫مع عالمنا المعاصر وما يفرضه من متغيرات يجب علينا أن نواكبها من أجل تحقيق‬ ‫شيء من االزدهار واالنتشار لحاضر مسرح األطفال ومستقبله‪.‬‬ ‫يقول مارك توين عن مسرح األطفال انه « أعظم األختراعات فى القرن العشرين‪ ...‬انه‬ ‫أقوى معلم لألخالق وخير دافع الى السلوك الطيب اهتدت اليه عبقرية األنسان‪ ،‬ألن‬ ‫دروسه ال تلقن بالكتب بطريقة مرهقة أو فى المنزل بطريقة مملة‪ ،‬بل بالحركة المنظورة‬ ‫التى تبعث الحماس‪ )2(»...‬وذلك ألن للمسرح خاصية متفرة‪ ،‬أال وهي التحام اآلدمية‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪137 136‬‬


‫باآلدمية‪ ،‬وجها لوجه‪ ،‬بال حواجز أو فواصل‪ ،‬وهذا ما يمنحه التأثير المباشر على‬ ‫المشاهد‪.‬‬ ‫إن الوقت الحالي والمستقبل القريب منحنى تاريخي جديد على خريطة التطور اإلنساني‪،‬‬ ‫يتضمن هذا المنحنى عديداً من األكتشافات العلمية‪ ،‬وثورة تكنولوجية‪ ،‬وثورة فى عالم‬ ‫األتصاالت‪ ،‬إن العالم يتغير‪ ،‬ولم تصبح الحدود المكانية والزمانية تتحكم فية‪ ،‬بل‬ ‫ظهرت مجتمعات معرفية جديدة ال تعترف بتلك الحدود‪ ،‬نتيجة تطور وسائل االتصاالت‬ ‫اإللكترونية‪ ،‬يقول بيل جيتس « سوف يأتي يوم يصبح بإمكانك فيه أن تدير أعمالك‪،‬‬ ‫وتدرس‪ ،‬وتستكشف العالم وثقافاته‪ ،‬وتستدعى على شاشة جهازك أى حفل أو عرض‬ ‫مسرحي كبير‪ ،‬وتكسب أصدقاء جددا‪ ...،‬دون أن تترك مكتبك أو كرسيك‪ ،‬ولن تخلف‬ ‫وراءك وصلتك مع الشبكة‪ ،...،‬لتصبح جواز مرورك إلى طريقة حياة جديدة قوامها‬ ‫الوسائط‪)3( ».‬‬ ‫ونتيجة لهذا التقدم التكنولوجى االتصالى الذي سيطر على الثقافة والحضارة‬ ‫ ‬ ‫اإلنسانية ظهر المجتمع الالمكانى ‪ ،Spaceless society‬أصبحت تقنية المعلومات‬ ‫والمعرفة‪ ،‬مكوناً هاماً من مكونات الثقافة والحضارة‪ ،‬حتى أضحى علينا أن نواكب‬ ‫هذا التطور لتحقيق التواجد العربى على الساحة العالمية‪ ،‬بحيث تكون لنا القدرة على‬ ‫المنافسة العالمية واستخدام لغة العصر‪ .‬وبهذا يتم تحقيق االنفتاح للطفل العربى على‬ ‫ثقافات الطفل في العالم كأساس للتعرف على العولمة « ‪ - « Globalization‬يشير‬ ‫إليها روبرت روبرتسون في تعريفه أنها «انضغاط العالم‪ ،‬وتكثيف الوعى بالعالم ككل»‬ ‫( ‪ -)4‬كتعددية ثقافية يجب فهمها والتعامل معها دون أن يفقد هويته‪ .‬وبالتالى يصبح‬ ‫هناك معيارية جديدة للمجتمع‪ ،‬وال بد لهذه المعيارية من تصور يتفاعل معها‪.‬‬ ‫إن المسرح عنصر هام فى المنظومة االجتماعية التى تعبر عنه وتعكس توجهاته‬ ‫ومشكالته ورؤاه وأحالمه‪ ،‬ومن ثم يبرز على العقل تساؤل‪ ،‬هل المتغيرات الحياتية تحتم‬ ‫تغير المعطيات الفنية فى ظل المتغيرات الجديدة؟ أو بمعنى أكثر وضوحا هل هناك‬


‫غائية جديدة لمسرح األطفال فى عصر العولمة؟ ومن هنا يبرز سؤال ضرورى وهو‬ ‫ماذا عن دور مسرح األطفال فى هذه المنظومة؟ هل سيظل كما هو أم سيتطور الى‬ ‫مواكبة هذا العصر المستقبلى بمفاهيم جديدة؟ ومن هنا فان هذه الدراسة تطرح مجموعة‬ ‫من التساؤالت‪:‬‬ ‫هل الموضوعات المطروحة لألطفال تتناسب مع المتغيرات الثقافية العالمية؟‬ ‫ ‬ ‫هل الطفل مشارك فى العملية الفنية؟‬ ‫ ‬ ‫ما هى مواصفات الممثل فى مسرح الطفل فى ظل هذه المتغيرات؟‬ ‫ ‬ ‫كيف يمكن انتشارمسرح الطفل من أجل دور أكثر فاعلية؟‬ ‫ ‬ ‫الروح العصرية ‪The MODERN SPIRIT‬‬ ‫إن موضوعات مسرح األطفال يجب أن تتجه لروح العصر والواقع الحضاري الذي صنع‬ ‫متغيرات كثيرة سواء على المستوى السلوكي أو المعرفي أو التقني‪ ،‬مثل التفكير العلمي‪،‬‬ ‫عالم الروبوتات‪ ،‬االستنساخ‪ ،‬المدن الفضائية‪ ،‬البحث عمن فى الكواكب األخرى‪ ،‬احترام‬ ‫ثقافة اآلخر‪...‬ـ ومن أهم هذه المتغيرات هو التطور األلكترونى الذى جعل العالم قرية‬ ‫صغيرة قائمة على شبكة اتصاالت من الحزم الضوئية‪ ،‬وهذا بالطبع فرض نفسه على‬ ‫الواقع الثقافى والمعرفى‪.‬‬ ‫إن ذلك يعنى «زيادة األنفتاح الثقافى واألجتماعى بالمعنى الواسع للكلمة الذي يشمل‬ ‫السياسة واالقتصاد وأساليب الفكر بحيث تتصل كل مجتمعات العالم بعضها بعضا‬ ‫بما يحقق التبادل الثقافى على أوسع نطاق نتيجة وسائل األعالم واألتصال المتطورة‪،‬‬ ‫وسوف يساعد هذا األنفتاح واألتصال على معرفة الثقافات المختلفة والمتباينة فى‬ ‫العالم‪ ،‬وإدراك كنهها ومعرفة رموزها ومعانى هذه الرموز مما يؤدى إلى احترام ثقافة‬ ‫األخرين» (‪ )5‬ونتيجة هذا االتصال الثقافي يمكن التعرف على األعمال الثقافية بشكل‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪139 138‬‬


‫عام‪ ،‬وعلى فن المسرح بشكل خاص فى البلدان المختلفة فى عالمنا‪ ،‬وهذا يتيح التعرف‬ ‫على التيارات والرؤى المختلفة‪ ،‬وعلى القيم فى الثقافات األخرى‪ ،‬ومن ثم فهذا يولد‬ ‫التالحم والتنوع والتالقح مع المعارف المغايرة هذا مما يولد ابداعات جديدة‪ .‬إن مجتمع‬ ‫اليوم قائم على الالمركزية‪ ،‬وعلى الخروج من قوقعة المكان الى االتساع‪ ،‬ومن فلسفة‬ ‫الجزر المنعزلة الى التعاون الجماعى من أجل التكامل‪ ،‬واستبدال « المعرفة القديمة‬ ‫بمعارف مستجدة‪ ،‬توضح الفرص المتاحة للتجديد‪ ،‬الذى يتأسس على الفكر والمعرفة‬ ‫كمصادر أولية‪ ،‬ويتطلب ذلك انفتاحا غير مشروط ومراجعة مستمرة‪ ،‬وابداعا دائما‬ ‫وتقييما متواصال ومعاينه دؤبة‪ ،‬وانتباها مشدودا باعتبار أن غدا يحمل مظاهر ذات‬ ‫جدة غير مسبوقة‪ )6( ».‬انها التعددية الثقافية التى يجب أن يحياها مسرح الطفل دون‬ ‫التخلى عن قيمة ومعايرية المستمدة من بيئته العربية لكي يحافظ على هويته وأصالته‬ ‫رغم هذه المتغيرات‪.‬‬ ‫وانطالقا من هذه الرؤية التى تحاول أن تحيا بفكر جديد‪ ،‬ومنطق جديد‪ ،‬وأن تساير هذا‬ ‫الزمان بشجاعة وإدراك ووعى نحو التطور مع هذا العصر‪ ،‬من الضرورى للنصوص‬ ‫المسرحية الموجههة الى األطفال أن تكون نابعة من طبيعة هذه المتغيرات‪ .‬إن دورثى‬ ‫هسكت ‪ )7( DOROTHY HEATHCOTE‬تؤكد ان عرض القضايا إلى األطفال‬ ‫برؤية موضوعية تجعل منهم شخصيات قادرة على الرؤية الصحيحة‪ ،‬وأيضاً على فهم‬ ‫األمور على حقيقتها دون مبالغة أو تزييف في الحقائق‪ ،‬مما يساعدهم على نمو النواحى‬ ‫اإلدراكية في شخصياتهم‪ ،‬وأيضاً على تطور الجوانب الوجدانية مما يساعد على نمو‬ ‫شخصياتهم بأسلوب متكامل يعمق من تفاعلهم مع الواقع وفى استبصاره نحو تحقيق‬ ‫ما هو أفضل‪.‬‬ ‫لهذا يجب أال تقتصر الموضوعات على الجانب العلمى فقط وإنما على منظومة قيم‬ ‫حضارية أخرى تكون « ذائعة وشائعة فى المجتمع من قاعدته إلى قمته ـ ومن ـ وأهم‬


‫تلك القيم هى‪ :‬تقديس الوقت‪ ..‬واأليمان بفاعليات العمل الجماعي‪ ..‬واألهتمام البالغ‬ ‫بالبشر (الموارد البشرية)‪ ..‬والتعليم القائم على األبداع (وليس التلقين)‪ ...‬وإشاعة روح‬ ‫توخى الكمال والتميز والسعى الدءوب لألتقان‪ ..‬ورسوخ فكرة عالمية المعرفة والعلم فى‬ ‫العقول‪)8( »..‬‬ ‫كما أنه من الضرورى االهتمام بالتراث ألنه روح األمة وتاريخها الذى نستخلص منه‬ ‫القيم االنسانية والمعرفة‪ ،‬كما ينبغي أال يقدم التراث المصرى والعربى في عالم مسرح‬ ‫األطفال من منظور الماضى البعيد‪ ،‬إن المحاكاة للماضى‪ ،‬تضع المسرح فى صورة‬ ‫جامدة غير متحركة وغير متفاعلة مع الحاضر‪ ،‬وإنما يقدم التراث برؤية جديدة تجمع‬ ‫بين القديم والجديد‪ ،‬الموروث والمعاصر‪ ،‬ليكون امتدادا فى المستقبل برؤية متطورة‪،‬‬ ‫سواء كان ذلك لتراث المسرح المصرى أو العربى أو العالمى‪ .‬ومن ثم تتطلب هذه‬ ‫المرحلة لمسرح األطفال أن يتفاعل مع القضايا الحياتية المعاصرة والمستقبلية سواء‬ ‫كانت محلية أو عالمية‪ ،‬ألن المسرح المصرى والعربى فى ظل العولمة والقنوات‬ ‫الفضائية البد أن يجد له طريقاً مستني اًر داخل منظومة المجتمع‪.‬‬ ‫قيم فنية وتربوية ‪ARTISTIC AND EDUCATIONAL VALUES‬‬ ‫هناك رأى ينظر إلى مسرح األطفال بإعتبارة وسيلة فنية ترفيهية‪ ،‬كما أن هناك رأى أخر‬ ‫يقر بأن مسرح األطفال وسيلة تربوية تعليمية‪ ،‬ولكل رأى مبرراته الموضوعية‪ ،‬ولكن‬ ‫يوجد طريق ثالث يدعو إلى كال الجانبين الفني والتربوي معا فى آن واحد وذلك ألن‬ ‫فن المسرح تتفاعل وتتجمع فى بوتقتة عديد من الفنون المكانية والزمانية والزمكانية معا‬ ‫(الكلمة‪ ،‬التمثيل‪ ،‬الموسيقى‪ ،‬الغناء‪ ،‬الديكور‪ ،‬المالبس‪ ،‬اإلكسسوار‪ ،‬النحت‪ ،‬الرسم‪،‬‬ ‫الرقص…‪ ).‬كل ذلك فى شكل مركب على خشبة المسرح‪ ،‬وهذا يجعل المسرح ثرى فى‬ ‫رؤيته الفنية والثقافية لتنوع الوسائط الفنية لدى المتلقى (جمهور األطفال) أو مجموع‬ ‫األطفال المشاركين مع المؤدين المحترفين فى صنع هذه العملية الفنية‪.‬‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪141 140‬‬


‫« فالعرض المسرحى يساعد على التكامل بين النظرية والتطبيق‪ ،‬فهو يجمع بين‬ ‫الخبرات النفسية‪ /‬العضلية والخبرات الوجدانية والمعرفية‪ ،‬ويوحد الفن والتكنولوجيا‬ ‫ويوثق الروابط بين المؤدى والجمهور‪ .‬وألن العرض المسرحى يتميز بتنوع معارفه‬ ‫وفنونه وبقدرته على التآلف والتكامل واألندماج بينها « (‪ )9‬وانطالقاً من ذلك نجد‬ ‫«أن العملية المسرحية تتحقق على مستويين متزامنين‪ :‬مستوى مادى ملموس يسعى‬ ‫الى تجسيد العرض عن طريق اختيار العمل المسرحى واعداده للعرض امام جمهور‬ ‫معين فى وقت معين‪ ،‬ومستوى تجريدى يتعلق بعملية التطوير والتنمية المستمرة‬ ‫للوظيفة الثقافية الشاملة للعرض المسرحي‪ )10(».‬إن التلقى للفنون من قبل المشاهد‬ ‫يطور من ادراكاته وتذوقه ومعرفته للفنون المختلفه‪ ،‬ومن جهة أخرى اذا كانت هذه‬ ‫الفنون تمارس اُثناء األعداد العملي لعرض المسرحي‪ ،‬فهذا يعمل على اذكاء قدرات‬ ‫ومواهب الممارسين لهذه الفنون‪ .‬مؤكدين في ذلك العمل مبدأ «التعلم عن طريق العمل‬ ‫‪ LEARNING BY DOING‬الذي نادى به المربى األمريكي جون ديوي» (‪)11‬‬ ‫التفاعلية ‪INTERACTIVE‬‬ ‫إذا كان التفاعل والمشاركة فى عالم المسرح سمة أساسية مقرونة بطبيعته حيث‬ ‫نجدها متمثلة أوال‪ ً:‬فى مشاركة الممثلين ببعضهم البعض بروح جماعية فى التجربة‬ ‫المعروضة‪ ،‬وثانياً‪ :‬فى ذلك الحوار الخفى الذى يسرى فى العرض إلى المتفرجين و‬ ‫بالعكس‪ ،‬أى بمعنى آخر تكون المشاركة هنا بين الممثل و المتفرج‪ ،‬وثالثا‪ ً:‬فى مشاركة‬ ‫كل متفرج و المتفرجين اآلخرين الذين يحضرون معه العرض « إن العرض المسرحي‬ ‫باعتباره مشاركة‪ ،‬وليس مظه اًر براقاً‪ ،‬أنه من الضروري لألطفال أن يتعلموا مسئولياتهم‬ ‫كمرسلين ومستقبلين‪ ،‬ويجب أن يتفهموا أن العرض ما هو أال سعى متعاون من خاللهم‬ ‫وليس أعانة من اآلخرين» (‪ )12‬وهذه المشاركة تتدرج ويتفاوت بعضها من لحظة إلى‬ ‫أخرى فى شد قوى وجذب خفيف‪ ،‬تبعاً لطبيعة العرض المسرحى فهناك لحظات تنادى‬


‫االندماج و المشاركة الوجدانية‪ ،‬ولحظات أخرى تنادى يقظة العقل – وتكسر اإليهام‬ ‫ لتصنع مشاركة عقلية ولحظات تفرضها المشاركة الحركية أو كلها معاً‪.‬‬‫إن العالقة بين المؤدى والمتلقى فى ضوء المسرح تكون تفاعلية‪ ،‬إن الجمهور أحد‬ ‫العناصر األساسية فى العرض المسرحى‪ ،‬والرؤية الجماعية للعرض المسرحى تعطى‬ ‫مزيدا من التوحد والحميمية داخل العمل الفنى‪« .‬وتمثل عملية دخول المتفرج الى عالم‬ ‫العرض عملية عبور على مستوى األدراك من منطقة الوعى التى تتصل بالعالم خارج‬ ‫المسرح الى منطقة الوعى التى تتصل بالعرض المسرحي»(‪ )13‬المسرح فن حى‬ ‫تفاعلى‪ ،‬والجمهور عنصر أساسى فى اتمام العرض المسرحى‪ ،‬وهناك تفاعل مباشر‬ ‫وخط اتصال بين مفردات العرض والجمهور المتلقى وخاصة فى مسرح األطفال‪ .‬إن هذه‬ ‫المشاركة تساهم فى نمو وتطور النواحى المعرفية لدى المشاركين‪ ،‬محققة مبدأ العالم‬ ‫التربوى فيجتسكى ‪)14( THE ZONE OF PROXIMAL DEVELOPMENT‬‬ ‫ان التفاعلية بين الممثلين كأشخاص ناضجين وبين األطفال فى مرحلة النمو‪ ،‬وأيضا‬ ‫بين األطفال بعضهم البعض يعطى مزيدا من الخبرات والمعارف نتيجة األحتكاك‪،‬‬ ‫وتبادل األراء‪ ،‬وتجسيد ما هو متخيل الى واقع عملى حى على خشبة المسرح أو فى‬ ‫اطار العرض المسرحى‪ ،‬هذا يساعد على تنمية القدرات األبداعية للمشاركين نحو‬ ‫التطور‪.‬‬ ‫لقد تحول اليوم األسلوب التربوى فى تعليم األطفال من األسلوب التقليدى التلقينى إلى‬ ‫أسلوب المشاركة والتفاعلية‪ ،‬وإنى أرى إن المسرح التقليدي الذي يفصل بين العرض‬ ‫المسرحي والمتفرجين لهو معادل لألسلوب السلبي‪ ،‬ومن ثم فإننا فى حاجة إلى أسلوب‬ ‫جديد يكون معادالً موضوعياً بل ومحققاً روح المشاركة و التفاعلية فى كل عناصر‬ ‫العرض المسرحي‪.‬‬ ‫إن المخرج فى مسرح الطفل عليه أن يضع فى اعتباره مسألة جوهرية أال وهي‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪143 142‬‬


‫المشاركة بين األطفال المتفرجين وعناصر العرض المسرحي‪ ،‬حتى يخلق حوا اًر متبادالً‬ ‫بينهم‪ ،‬مما يثرى العملية الفنية‪ .‬لذلك بمفهوم مسرح المشاركة ‪PARTICIPATION‬‬ ‫‪ )15( THEATRE‬يتم دفع عناصر المشاركة فى العرض المسرحي بين األطفال‪،‬‬ ‫وعناصر العرض المسرحي‪ ،‬بصورة حيوية ومرسومة مسبقاً (المناقشة‪ ،‬التمثيل‪ ،‬الغناء‬ ‫تغيير الديكورات‪ ،....‬ولكن تبدو تلقائية أثناء العرض من أجل أن يتحقق التفاعل بين‬ ‫المؤدى والمتلقي‪ .‬وعلى الشاطئ اآلخر في العملية الفنية هناك تفاعلية أللوان الفنون‬ ‫المختلفة مثل العرائس وخيال الظل وفن التمثيل الصامت والسينما وغيرها في بوتقة‬ ‫مسرح األطفال مما يثرى العملية الفنية‪.‬‬ ‫التكنولوجيا ‪TECHNOLOGY‬‬ ‫إن استخدام التكنولوجيا فى فن المسرح خلق جدالً كبي اًر بين المبدعين فى مجال المسرح‬ ‫العام ومسرح األطفال‪ ،‬ويمكن تلخيص هذا الجدل فى تيارين‪ ،‬التيار األول يرى المسرح‬ ‫ظاهرة إنسانية ويجب أن تخلو من هذه المظاهر التكنولوجية التى تعكر صفو التواصل‬ ‫والوجود اإلنساني في الظاهرة المسرحية‪ ،‬والتيار اآلخر يؤمن بتطور العصر ويؤيد‬ ‫استخدام التكنولوجيا فى مفردات العرض المسرحي‪.‬‬ ‫إن التقدم التكنولوجى فرض بعدا جديداً في مكونات العرض المسرحي لما له من‬ ‫قدرة كبيرة على خلق المناخ العام للعرض وعلى عنصر اإلبهار في تقديم المشاهد‬ ‫واألحداث لذلك أصبح هناك تعبير معروف في الغرب وفي أمريكا بالذات يسمونه‬ ‫« ‪ « TECHNOLOGICAL PLAY‬أو المسرحية التكنولوجية التي تعتمد في‬ ‫تقديم نفسها للمتفرج على التقنية العالية أو ما يسمى ‪ ،) 16( HIGH TECH‬إن‬ ‫آلية التكنولوجية (أجهزة اضاءة الليزر ‪ ،LASER LIGHTING‬تغير ديكور‪ ،‬أجهزة‬ ‫صوت‪ ،‬مؤثرات موسيقية‪ )......‬تساهم فى مفردات العرض المسرحي لتجعل منه عرضاً‬ ‫مشوقاً لجمهور األطفال أو الكبار‪ ،‬مثل استخدام ألوان وأطياف وشخصيات تتحرك‬


‫بألوان مبهرة على خلفيات وعلى شاشات في المسرح‪ ،‬تأثيرات األمطار والسحب والبرق‪،‬‬ ‫أصوات الزالزل واألمواج وسفن الفضاء‪ ،‬استخدام جهاز الهولوجرام ‪HOLOGRAMS‬‬ ‫وظهور شخصيات في الفراغ المسرحي تتحرك وتتحدث باألبعاد الثالثة‪...‬كل هذه‬ ‫األشياء جعلت التطور التكنولوجي يطور من سبل اإلخراج في المسرح العام ومسرح‬ ‫األطفال‪.‬‬ ‫ولقد ظهر استخدام التقنية الحديثة بقوة في المسرحيات الغنائية للكبار واألطفال في‬ ‫مسرحيات مثل « همتى دامتى ‪ HAMPTY DUMPTY‬حيث اعتمد المخرج على‬ ‫التكنولوجيا اعتماداً كبي ار فى تغيير المناظر‪ ،‬وفى اإلضاءة‪ ،‬وفى المؤثرات الصوتية‬ ‫حتى بدت المسرحية وكأننا نشاهد عالم من الخيال المبهر‪ ،‬لقد خلقت تشويقا كبي اًر لدى‬ ‫األطفال المشاهدين‪ ،‬ومنها أيضاً « البؤساء ‪ « LES MISERABLES‬المأخوذة عن‬ ‫نص البؤساء الشهير ل « فيكتور هوجو « أو « قطط ‪ « CATS‬عن قصيدة ألليوت‬ ‫أو « الملك األســد ‪ « THE LION KING‬و «شبح األوب ار ‪THE PHANTOM OF‬‬ ‫‪ »THE OPERA‬و»سندريال‪.« CINDERELLA‬‬ ‫لكن هذه التكنولوجيا مكلفة من الناحية المادية وتتطلب تقنيات في المكان قد يصعب‬ ‫توفيرها لعروض مسرح األطفال‪ ،‬هل يتوقف المسرح إذ ال بد من التكنولوجيا لكي نحقق‬ ‫المتعة والتعلم واإلبهار؟ ال أن المسرح يجب أن يستمر‪ ،‬ألن المسرح مساحة إبداع عقلي‪،‬‬ ‫ومن ثم نتجه إلى فكرة المسرح البسيط‪.‬‬ ‫المسرح البسيط ‪SIMPLE THEATRE‬‬ ‫تعتمد طبيعة هذا المسرح على فلسفة المينيمالية ( ‪ MINIMALISM )17‬كاتجاه في‬ ‫الفن يعتمد على مبدأ إنشاء وتكوين العمل الفني بجوهر مضمونه‪ ،‬وبأقل ما يمكن من‬ ‫الترميز والدالالت الشكلية‪ ،‬فهي بذلك تجنح نحو التقشف في اإلمكانيات‪ ،‬وهذا المبدأ‬ ‫الذى اعتمد عليه جيرزى جروتوفسكي‪)1999-1933( JERZY GROTOWSKI‬‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪145 144‬‬


‫المخرج البولندي‪ ،‬صاحب عبارة «المسرح الفقير ‪)18 ( »POOR THEATRE‬‬ ‫إنه يبحث عن مسرح بعيد عن اإلطار التقليدي للمسرح‪ .‬إن مسرحه يمكن أن يوجد‬ ‫دون ديكور دون أزياء دون إضاءة ودون مؤثرات صوتية‪ ...‬ولكنه ال يمكن أن يوجد‬ ‫دون تلك العالقة الحية بين الممثل والمتفرج‪ .‬يعتبر جروتفسكى كل األشياء األخرى‬ ‫إضافات‪ .‬وكل العناصر يمكن أن تقدم من خالل الممثل حتى ما هو سمعي وموسيقي‬ ‫يقدمه الممثل بصوته‪ .‬إن الممثل هو بطل العرض المسرحي‪ .‬لذلك من الضروري‬ ‫للممثل التمكن من أدواته الجسدية والصوتية واالنفعالية‪ ،‬والذي يستطيع أن يعزف عليها‬ ‫بشكل متميز إلقناع الجمهور‪ .‬ومع الممثل تستخدم المناظر البسيطة والمالبس الموحية‬ ‫واإلكسسوارات الدالة على األشياء‪ ....،‬إن جمهور األطفال سوف يكمل الصورة الكلية‬ ‫بعقله وخياله‪ ،‬وهذا أيضاً نوع آخر من تكاملية العملية الفنية في المسرح‪.‬‬ ‫الممثل الجوكر ‪ACTOR JOKER‬‬ ‫أن الممثل هو جوهرة العرض المسرحى فى مسرح األطفال ألنه العنصر اإلنسانى الذي‬ ‫يصل بين رؤية المخرج وجمهور األطفال‪ ،‬ومن ثم يقع على عاتقة أهمية كبيرة فى‬ ‫العرض المسرحى من توصيل الفكر‪ ،‬وتحقيق المتعة‪.‬‬ ‫إن المخرج يختار الممثل الذي يمكنه أن يرسم بجسمه فى الفراغ المسرحى ويعبر‬ ‫بصورته وأحساسيه وعواطفه عن الشخصية التى يؤديها‪ ،‬مبلو اًر رؤيته وينقلها إلى‬ ‫المتفرج‪ ،‬بأمانة‪ « .‬أنه يتحتم أن تكون أقوال كل ممثل متفقة والصفات الجسدية والنفسية‬ ‫واالجتماعية ألية شخصية فى المسرحية‪ ،‬كما يتحتم أن يبلغ الممثل بالفكرة إلى المستوى‬ ‫الذي يحرك عواطف المشاهدين ويشد إنتباههم ويستولى على اهتمامهم‪ ،‬وعند ذاك‬ ‫فقد يشعر األطفال بشعور الشخصيات ذاتها ويتجاوبون معها» (‪ )19‬من ثم يجب‬ ‫على الممثل أن يكون متمكناً من مرونة جسده‪ ،‬بحيث يستطيع أن يؤدى كل الحركات‬ ‫الصعبة‪ ،‬وكل ما يثير خيال الطفل ويجعله مبهو اًر‪ ،‬وأيضاً ذا مهاره متميزة فى صوته‬


‫وعواطفه وأحاسيسه إلى جانب سرعة بديهته وذكائه‪ .‬وإذا لم يكن ذا إعداد الئق لما‬ ‫يقدمه‪ ،‬فعلى المخرج أن يصنع له برنامجاً تدريبياً خاصاً‪ ،‬حتى تصل قدرته إلى القدر‬ ‫المطلوب لتوصيل المعانى المتضمنة فى العرض المسرحى‪.‬‬ ‫إذا كان بالمسرحية أجزاء تتيح عالقة مباشرة مع الجمهور أثناء العرض‪ ،‬فعلى المخرج‬ ‫أن يدرس مع الممثل كل األسئلة التى يمكن أن تطرح عليهم‪ ،‬وايضاً كل اإلجابات التى‬ ‫يمكن أن تجيب على تلك األسئلة‪ ،‬ويشترط أن تحترم عقلية المشاهد‪ ،‬المناقش‪ ،‬وعلى‬ ‫الممثل أن يلم بكل موضوع المسرحية‪ ،‬لمواجهة األسئلة حتى بعد العرض‪.‬‬ ‫أن دور الممثل فى هذا المنظور يتحول من الدور السلبي وهو األكتفاء بأداء دورة فقط‬ ‫الى دور أكبر وأبعد تأثي ار من الفاعلية والحيوية داخل إطار العرض المسرحى‪ ،‬فهو‬ ‫يلعب دو ار تمثيليا وتربويا معا ‪ )20( ACTOR AS FACILITATOR‬انه يتحول‬ ‫فى هذا األطار من األتجاه السلبى الى األتجاه األيجابى‪ ،‬الذى يخلق مجاالت للمعرفة‬ ‫والتفاعل داخل اطار العرض المسرحى‪.‬‬ ‫إن الممثل فى هذا النسق يكسر الحائط الرابع‪ ،‬فهو يحطمه‪ ،‬وأيضا يكون واعى لما يقدمة‬ ‫تبعا لضرورة اللحظة الدرامية‪ ،‬وبالتالى فهو يجب أن يكون على وعى بمناهج متعددة فى‬ ‫حرفة فن الممثل على سبيل المثال أن يتقن فن « البيوميكانيكية ‪BIOMECHANICS‬‬ ‫« الذي نادى به ميير هولد ‪ )21( MEYERHOLD‬وذلك النوع من التدريب الذي‬ ‫يهدف إلى تطوير العنصر الجسدى لدى الممثلين بحيث يتمتعون بلياقة بدنية عالية‬ ‫تمكنهم من أداء أصعب الحركات الرياضية‪ ،‬فاتقان الحركة ـ الفردية والجماعية ـ شىء‬ ‫مهم فى التعبير وخاصة فى مسرحيات األطفال‪.‬‬ ‫يجب أن يعى الممثل أيضاً مدرسة بريخت ‪ )23( BRECHT‬التي تعتمد على عدم‬ ‫اندماج الممثل فى الشخصية التى يقوم بها‪ ،‬بل يؤدى دوره وكأنه راوى له‪ ،‬وذلك لكى‬ ‫يبعد المتفرج عن األندماج معه فى الشخصية أو الحدث‪ ،‬وهذا لكى يفكر المشاهد فيما‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪147 146‬‬


‫يراه‪ ،‬بل وينقد ما يراه‪ ،‬انه يصنع عالقة تباعدية‪ ،‬ومن ثم فان الشخصية والممثل فى‬ ‫حوار مع المتفرج من أجل استنارة عقلية‪ .‬من خالل هذا المنطلق البد لممثل األطفال‬ ‫من الوعي الكامل بمفهوم التغريب ‪ ALIENATION‬والذى يعنى أن نجعل كل ما‬ ‫هو مألوف غريبا‪ ،‬على مستوى التمثيل‪ ،‬وأيضا مستوى المفردات الفنية (الموسيقى‪،‬‬ ‫المالبس‪ ،‬الديكور‪ ،‬الموسيقى‪ ،‬األكسسوار‪ ،‬األضاءة‪ ).....‬داخل إطار العرض‬ ‫المسرحي‪ ،‬وهذا من أجل استنارة جمهور األطفال بالمعانى التربوية والجمالية داخل‬ ‫الحدث المسرحي‪.‬‬ ‫ليست المهارة الجسدية وحدها القادرة على توصيل المعاني في العرض المسرحي وإنما‬ ‫مهارة استخدام اللغة في أن تكون ليس فقط لتوصيل األفكار والمضامين والتعبير عن‬ ‫الشخصيات‪ ،‬وإنما تتجلى أيضاً في فتح آفاق خيالية في العرض المسرحي من خالل‬ ‫آداء الممثل‪ ،‬اللغة قادرة على التحليق في أماكن مختلفة وأزمنة مختلفة على سبيل‬ ‫المثال يمكن أن يتعامل الممثل مع شيء غير مرئي مثل المشي على الحبل وهو يسير‬ ‫على األرض‪ ،‬ويمكنه الذهاب إلى مكان آخر‪ ،‬إلى القمر مثال‪ ،‬فإذا قلنا بأننا سوف نعد‬ ‫من ‪1‬إلى ‪ 10‬فإن ذلك يعنى أننا انتقلنا إلى القمر مع أننا فى نفس المكان‪ ،‬اللغة تنقلنا‬ ‫من الواقع إلى الخيال‪ ،‬وهنا يمكن أن يساعد الممثل الجمهور ليستخدموا خيالهم فى بناء‬ ‫الشيء الغير المرئى أو المتخيل‪ ،‬وهذه المساعدة تتم من خالل مجموعة من التساؤالت‬ ‫ما هذا‪..‬؟ لماذا‪..‬؟ ماذا لو‪..‬؟ كيف يمكن أن‪..‬؟ هذه التساؤالت تفتح عوالم جديدة‬ ‫للتخيل‪ ،‬تجعل المشاركين أكثر قدرة على الفعل وأكثر تفاعل داخل الحدث ( ‪)24‬‬ ‫إن الممثل فى مسرح األطفال ينتمي إلى رؤية أوجستو بوال ‪AUGUSTO BOAL‬‬ ‫(‪ )25( )2009-1931‬فى فن الممثل حيث الممثل الجوكر الذى يمتلك مرونه‬ ‫جسدية ولياقة بدنية عالية تمكنه من آداء حركات السيرك‪ ،‬خيال متوهج‪ ،‬قدرة على‬ ‫األرتجال‪ ،‬قدرة على التمثيل الصامت‪ ،‬قدرة على الغناء والعزف على آلة موسيقية‪ ،‬هذا‬


‫إلى جانب البعد الفكرى لدى الممثل وفهمه ووعيه لما يقوم به‪ ،‬ويقدمه أمام األطفال‪.‬‬ ‫تطوير مسرح األطفال ‪DEVELOPMENT OF CHILDREN›S THEATRE‬‬ ‫نحن نريد أن نقدم المسرح لكل األطفال‪ ،‬وهنا نقطة هامة يجب االهتمام بها‬ ‫ ‬ ‫وهى العالقة بين المدرسة والمسرح‪ ،‬حيث أن جمهور المسرح الحقيقى من األطفال‪،‬‬ ‫واألطفال بالمدرسة‪ ،‬وحيث أن المدرسة جهاز تابع إلى و ازرة التربية والتعليم‪ ،‬والمسرح‬ ‫جهاز تابع إلى و ازرة الثقافة‪ ،‬إذن البد من التخطيط بين الو ازرتين في الق اررات التي‬ ‫تحقق حالة من التوازن االقتصادى بين كليهما‪ ،‬وذلك بأن يحضر تالميذ المدارس‬ ‫عروض مسرح الطفل المحترف التي تقرها الجهة المختصة بو ازرة التربية والتعليم‪،‬‬ ‫مقابل أجر رمزى عن كل طالب يحضر العرض‪ ،‬يتقاضاه المسرح عن طريق المدرسة‬ ‫أو عن طريق بطاقة المسرح للطالب‪ ،‬وقد تم تنفيذ لذلك من خالل بروتوكول بين قطاع‬ ‫شئون اإلنتاج الثقافي وو ازرة التربية والتعليم عام ‪.2014‬‬ ‫ولمزيد من التطوير وانتشار مسرح األطفال‪ ،‬ينبغي مراعاة الجوانب التالية باعتبارها‬ ‫ذات تأثير مباشر لنجاح عروض المسرح‪:‬‬ ‫ توسيع قاعدة الجمهور عن طريق دعوة متفرجين دائمين للمسرح بوسائل الدعاية‬‫التكنولوجية الحديثة‪.‬‬ ‫ تحديث الدار المسرحية وخشبة المسرح وتزويدها باألجهزة التكنولوجية فى الصوت‬‫واألضاءة بما يتواكب مع التقنية الحديثة لمسرح األطفال‬ ‫ تخفيض أو إلغاء الضرائب التي تثقل مسارح األطفال‪.‬‬‫ تحقيق ترابط بين العاصمة واألقاليم عن طريق تنظيم جوالت مسرحية‬‫ إنشاء مسرح متنقل بمفهوم المسرح البسيط‪.‬‬‫ العمل على تحقيق تعاون متبادل مع قنوات التليفزيون لتصوير وعرض األعمال‬‫لجمهور أوسع‪.‬‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪149 148‬‬


‫ عمل مسابقات في التأليف لمسرح األطفال‬‫ عمل مهرجان الى مسرح األطفال للتعرف على حالته الراهنه والتطلع الى مستقبل‬‫أفضل‪.‬‬ ‫ إفتتاح معهد فنون الطفل بأكاديمية الفنون لكي يلعب دورة فى حركة الثقافة المصرية‬‫والعربية‪.‬‬ ‫ومسرح األطفال فى هذا األتجاه بحاجة ماسة الى تدعيم المؤسسات الحكومية وغير‬ ‫الحكومية حتى يكون له األنتشار المرجو حتى يحقق رسالته ألبناء مصر المستقبل‬ ‫وعالمنا العربى لغد مشرق‪.‬‬ ‫الهوامش‬ ‫(‪ )1‬الهيتى‪ ،‬هادى نعمان‪ :‬ثقافة األطفال‪ ،‬عام المعرفة ‪ ،123‬الكويت‪،‬‬ ‫ ‬ ‫‪ ،1988‬ص‪.33‬‬ ‫(‪ )2‬وارد‪ ،‬وينفريد‪ ،‬مسرح األطفال‪ ،‬ترجمة محمد شاهين الجوهرى‪ ،‬مطبعة المعرفة‪،‬‬ ‫ابيل ‪ ،1966‬ص ‪.44‬‬ ‫(‪ )3‬جيتس‪ ،‬بيل‪ :‬المعلوماتية بعد األنترنت‪ ،‬ترجمة عبد السالم رضوان‪ ،‬عالم المعرفة‬ ‫‪ ،321‬الكويت‪ ،1998 ،‬ص ‪.18،17‬‬ ‫(‪ ) 4‬ريبيالتو‪ ،‬دان‪ :‬المسرح والعولمة‪ ،‬ترجمة أريج إبراهيم‪ ،‬المركز القومى للترجمة‪،‬‬ ‫‪ ،2016‬ص ‪.20‬‬ ‫(‪ )5‬أبو زيد‪ ،‬أحمد‪ :‬الطريق إلى المعرفة‪ ،‬كتاب العربى ‪ ،46‬الكويت‪،2001 ،‬‬ ‫ص‪167‬‬ ‫(‪ )6‬فهمي‪ ،‬فوزى‪ :‬الثقافة والتجدد‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،1997 ,‬ص‪.17،18‬‬ ‫(‪)7‬‬


‫‪DRAMA AS C. LONDON THE ) 1980( HEATHCOTE, DOROTHY‬‬ ‫‪NOTIONAL ASSOCIATION FOR THE TEACHING OF ENGLISH‬‬ ‫‪ONTEXT‬‬ ‫( ‪ )8‬حجى‪ ،‬طارق‪ :‬قيم التقدم‪ ،‬سلسلة أقرأ‪ ،‬دار المعارف‪ ،2001 ،‬ص‪.22،21‬‬ ‫(‪ )9‬هلتون‪ ،‬جوليان‪ :‬نظرية العرض المسرحى‪ ،‬ترجمة د‪.‬نهاد صليحة‪ ،‬الهيئة‬ ‫ ‬ ‫المصرية العامة للكتاب‪ ،1994 ،‬ص‪.207‬‬ ‫(‪ )10‬نفسه‪ ،‬ص ‪.208‬‬ ‫(‪ )11‬اللقانى‪ ،‬فاروق عبد الحميد‪ :‬تثقيف الطفل‪ ،‬فلسفته وأهدافة ومصادره ووسائله‪،‬‬ ‫منشأة المعارف‪ ،‬األسكندرية‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬ ‫(‪)12‬‬ ‫‪CHILDREN AND DRAMA, LONGMAN )1981 ( SCCASLIN, NELLIE‬‬ ‫‪117.SECOND EDITION, , P‬‬ ‫(‪ )13‬أسعد‪ ،‬يوسف ميخائيل‪ :‬رعاية الطفولة‪ ،‬مطبعة نهضة مصر ‪ ،1979‬ص ‪.216‬‬ ‫(‪MIND IN SOCIETY, EDITED )1978( VYGOTSKY, L. S )14‬‬ ‫ ‬ ‫‪BY MICHAEL COLE AND OTHERS, LONDON, HARVARD‬‬ ‫‪.UNIVERSITY PRESS‬‬ ‫(‪ )15‬أبو الخير‪ ،‬محمد حامد‪ :‬مسرح الطفل‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،1988،‬‬ ‫ص ‪.101‬‬ ‫(‪ )16‬أبو الخير‪ ،‬محمد‪ :‬مسرح األطفال بين الكالسيكية واإلنترنت‪ ،‬دار الطالئع‪،‬‬ ‫‪ ،2009‬ص ‪.164‬‬ ‫( ‪)17‬‬ ‫‪2018-7-3 )https://en.wikipedia.org/wiki/Minimalism_(visual_arts‬‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪151 150‬‬


‫(‪ )18‬انظر أردش‪ ،‬سعد‪ :‬المخرج في المسرح المعاصر‪ ،‬عالم المعرفة‪،‬عدد ‪ ،19‬ص‬ ‫‪.309‬‬ ‫(‪ )19‬الهيتى‪ ،‬هادى نعمان‪ ،‬أدب األطفال‪ ،‬فلسفته‪ ،‬فنونه‪ ،‬وسائطه‪ ،‬الهيئة المصرية‬ ‫العامة للكتاب‪ ،‬األلف كتاب الثانى (‪ ،1986،)30‬ص‪.318‬‬ ‫(‪)20‬‬ ‫ ‬ ‫‪THE PROESS OF DRAMA, LONDON, )1992( :OTOOLE, JOHN‬‬ ‫‪ROUTLEDGE‬‬ ‫(‪)21‬‬ ‫‪EXPERIMENTAL‬‬ ‫‪) 1988( EVANS, GAMES‬‬ ‫‪ROOSE‬‬ ‫‪THEATRE‬‬ ‫‪FROM STANISLAVSKY TO PETER BROOK,‬‬ ‫‪.ROUTLEDGE & KEGANPAUL, LONDON‬‬ ‫(‪)23‬‬ ‫‪BRECHT: THE DRAMATIST. )1976( GRAY, RONALD‬‬ ‫‪.CAMBRIDGE. CAMBRIDGE UNTVERSITY PRESS‬‬ ‫(‪ )24‬أبو الخير‪ ،‬محمد‪ :‬دراما األطفال‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪ ،2013 ،‬ص‪.121‬‬ ‫(‪ )25‬بوال‪ ،‬أجستو‪ ،‬ألعاب الممثلين وغير الممثلين‪ ،‬مهرجان القاهرة الدولى التاسع‬ ‫للمسرح التجريبى‪ ،‬ترجمة الى األنجليزية‪ ،‬أدريان جاكسون‪ ،‬والى العربية‪ ،‬الحسين على‬ ‫يحيى‪ ،‬مراجعة‪ ،‬د‪ .‬محمد أبو الخير‪ ،1997 ،‬ص ‪.312-292‬‬


‫مسرح الطفل بين التطور والجمود‬

‫أ‪.‬د‪ .‬نبيله حسن‬

‫بالرجوع الي العديد من الدراسات واالبحاث التى تناولت مسرح الطفل بالدراسة والتحليل‬ ‫علي مدار الثالثون عاما السابقة نجد أن هناك ملمح أساسي يفرض نفسه وهو اإلضطراب‬ ‫والعشوائية في تنظيم الخريطة المسرحية والتى أدت إلي عدم تطوره ولكن جموده عند‬ ‫قالب واحد ال يتغير ودعونا نرصد الواقع‬ ‫ مكان العرض‪ :‬المسارح فقيرة من حيث األجهزة والمعدات‬‫ الميزانيات المتاحة توجه بنسبة كبيرة لألجور وليس للخامات والتصنيع‬‫ اإلخراج في األغلب األعم يعتمد علي فكرة الوصفة وهي تتكون من مجموعة من‬‫األغاني والرقصات و النكات‬ ‫ النصوص تعتمد علي نسبة كبيرة من المباشرة والموضوعات التقليدية التى توجه قيمة‬‫أخالقية ما‪.‬‬ ‫إذا كان هذا هو واقعنا والذي نحرص علي عدم تغييرة لعدم قدرتنا علي انتظام الصف‬ ‫وانتزاع مسرح الطفل من منظومة العمل العشوائية فكيف إذن سيتم تطويره لخدمة أطفال‬ ‫اليوم وهم بالتأكيد يختلفون عن األمس فمثالً دعونا ننظر إلي الخبرات المستفادة في هذا‬ ‫المكان ويحضرني مثالين أحد تقديمهما‬ ‫األول ‪:‬‬ ‫في مجال الدوبالج بالرغم من أن شركة ديزني وشركة سوني علي سبيل المثال هي‬ ‫الشركة المنتجة للفيلم اال انها تطالب الشركة المنفذة للدوبالج بتقديم جدول يحدد فيه‬ ‫القيم اإليجابية والقيم السلبية التى يحتوي عليها كل مشهد وذلك حرصا علي التأكد بأن‬ ‫الدوبالج لم يسئ الي محتوي الفيلم فيقوم فريق العمل بتقديم هذه الجداول حتى يتم‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪153 152‬‬


‫اعتماد الدوبالج‪.‬‬ ‫وهكذا نري حرص الشركات المنتجة علي اعمالها فيماذا نفعل نحن كخطوات إجرائية‬ ‫تنظم طبيعة المحتوي الذي نقوم بإعداده ألطفالنا علي سبيل المثال ال الحصر‪.‬‬ ‫والخبرة الثانية هي ‪ :‬الميكروتياترو‬ ‫الميكرو تياترو لألطفال‬ ‫وهي مسرحيات قصيرة مدتها ‪ 15‬دقيقة في قاعة ‪ 15‬متر لجمهور في حدود ‪ 15‬فرد‬ ‫حيث تقدم الحفالت لجميع المراجل العمرية حتى لألطفال الرضع‪ ،‬حيث تخصص الفترة‬ ‫الصباحية من الساعة ‪ 11.30‬حتى الساعة ‪ 1.30‬ظه ار للترحيب باالطفال في ايام‬ ‫السبت واالحد من كل اسبوع يقدم خاللها أربع مسرحيات مصممة خصيصاً لألطفال‬ ‫حيث يتم إدخالهم إلي عالم المسرح كشكل من اشكال التعبير الفنى حيث يعيش األطفال‬ ‫التجربة المسرحية عن قرب وفي بعض األحيان يتم دعوتهم للمشاركة الن المساحة‬ ‫الصغيرة التى يستمتع بها المكروتياترو تخلق مناخاً مريحاً يتناسب مع قدرات االطفال‬ ‫علي التركيز في يوم كهذا‪.‬‬ ‫أما بالنسبة لألطفال الرضع من سن ‪ 6‬شهور وحتى ثالث سنوات فنجد أنهم‬ ‫ ‬ ‫يتلقون عروضاً تعتمد علي المنبهات الجسدية من خالل األلوان واألصوات والملمس‬ ‫وذلك لتنمية إدراكهم المعرفي وذلك يولد لحظة مشتركة خاصة جداً بين األطفال واآلباء‬ ‫وبيننا تتميز بالدفئ والثقة ألنها أول خبرة فنية تولد بيننا‪.‬‬ ‫ومع بداية كل شهر يتم افتتاح مسرحيات جديدة ومن المعتاد وجود مساحة عند مدخل‬ ‫المسرح بها طاوالت مجهزة بلوحات وأوراق بااللوان وللرسم واللعب في الفترات المتاحة‬ ‫بين عرض وآخر المقدمة في نفس اليوم‬ ‫وتقدم العروض بأسعار مخفضة في متناول الجميع حيث تباع التذكرة من ‪ 3‬إلي ‪5‬‬ ‫يورو لكل عرض وهو لألطفال والكبار بنفس السعر‪ ،‬ويتاح في كافيتيريا المسرح‬


‫وجبات خفيفة لإلفطار والمشروبات‪ ،‬كل ذلك إليجاد روح األلفة وتقديم يوم ترفيهي ثقافي‬ ‫متكامل حيث ال يحتاج اآلباء إلي اصطحاب األطفال إلي مكان آخر الستكمال يومهم‪.‬‬ ‫لماذا ميكروتياترو‬ ‫في حالة الكساد وعدم استطاعة الجميع علي ممارسة ما تعود عليه سواء أكان عملية‬ ‫اإلنتاج أو االستهالك وذلك بسبب ارتفاع اسعار التذاكر جاءت فكرة الميكروتياترو‬ ‫ليعطينا توائم مع الواقع والظروف المعاشة للوصول بالفن الي عامة الناس ولتحقيق ذلك‬ ‫كانت الفكرة أن يكون صغي اًر ليمتد إلي كل شيء سواء من حيث مكان العرض‪ ،‬مدة‬ ‫العمل أو السعر أو عدد المشاهدين‪ .‬خبرة ال تفرق بين أحد الجميع داخل نفس المساحة‪.‬‬ ‫فمثال في عروض األطفال المعتادة سعر التذكرة ‪ 12‬يورو في حين أنه في الميكروتياترو‬ ‫بسعر ‪ 3‬يورو ولكن الحالة كلها مختلفة ألن حميمية العرض بين الملقي والمتلقي تجعل‬ ‫المشاعر أكثر توهجاً ثم بعد ذلك الخروجد والجلوس للرسم علي الورق في المكان المعد‬ ‫لذلك يسمح بتكوين صداقات جديدة وللنقاش في محتوي العرض واالستفادة من محتواه‬ ‫ثم يعود الطفل لمشاهدة عرض آخر يختلف من حيث النوع قد يكون عرض موسيقي‬ ‫أو قصة كالسيكية أو عرض بالعرائس‪.‬‬ ‫ويقدم في الميكروتياترو كل أنواع فنون العرض فيتم تقديم ميكرو استعراض‪ ،‬ميكرو‬ ‫سحر‪ ،‬ميكرو موسيقي‪ ...‬الخ‬ ‫الميكروتياترو ‪Micro Teatro‬هو شكل مسرحي مصغر‪ ،‬حيث تقل مده العرض عن‬ ‫فردا‪،‬‬ ‫‪ 15‬دقيقة‪ ،‬ويقدمفي فراغ في حدود ‪ً 15‬ا‬ ‫متر لعدد من الجمهور ال يزيد عن ‪ً 15‬‬ ‫اًماعن الممثلين فمن المعتاد أن يكونوامن واحد إلى ثالثة على األكثر‪ ،‬ويتم تقديم‬ ‫مجموعة من األعمال تحت مسمى فمثالً في البداية كانت أعمال قدمت في بيت دعارة‬ ‫قديم وكانت العمال تحت مسمى «من أجل المال» وبعد ذلك كان يتم تحديد المسمى‬ ‫الذي يجمع مجموعة العروض التي ستقدم حيث يتم عرض نفس المسرحية ‪ 6‬مرات‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪155 154‬‬


‫متتالية في نفس اليوم‪ ،‬وبعد ذلك أصبح الميكروتياترو يقدم حفالت لألطفال وأخرى لكل‬ ‫األسرة والساعات المتأخرة من الليل تقدم عروض ذات خصوصية جنسية أو توعوية‪.‬‬ ‫يقدم الميكروتياترو لحظة التحويل في حياة الشخصيات الدرامية‪ ،‬ويبدأ بالصراع‬ ‫من لحظةاالشتعال مما يجعل للعرض قوة تواصل طاغية‪ ،‬وألنه يتميز بالمرونةالكافيةفي‬ ‫التعامل مع كافة عناصر العرض‪ ،‬فإنه يسمح بعرض مواضع متنوعة لعوالم مختلفة‬ ‫قريبة من حياة الجمهور‪ ،‬فهو حالة انطالق ال تتوقف إال مع توقف الخيال‪ ،‬فهو ثقافة‬ ‫وفن وخبرة ال تتكرر وهو يشمل كافة أنواع العروض المسرحية حتى الموسيقية‪ ،‬ولقد‬ ‫شبه البعض الميكروتياترو بالفيلم القصير‪ ،‬حيث يحمل خصائص الفيلم الروائي ولكن‬ ‫بخصوصية الزمن المتاح‪.‬‬ ‫قرب الجمهور يجعل من التجربة المسرحية حالة متفردة من التواصل والتالحم‬ ‫ ‬ ‫يجمع مكان العرض ‪ 9‬عروض في وقت واحد مما يشكل حالة بهجة جماعية كل عرض‬ ‫ب‪ 5‬دوالر‪.‬‬ ‫باإلضافة للعروض التي نشاهدها نعيش حالة من المهرجان الفني إذ يعتبر الكافيتريا‬ ‫مكان التقاء‪ ،‬الميكروتياترو هو فرصة حقيقية لمن ليس لديهم وقت أو مال أو من‬ ‫يرغبون في ممارسة الفن المسرحي‪.‬‬ ‫يتم تقديم العرض ‪ 6‬حفالت متتالية وال يشعر الممثلون بالملل ألن رد فعل الجمهور‬ ‫يشكل روح مختلفة في الحالة المسرحية في كل مرة‪ ،‬هذا مع الكبار‪ ،‬أما مع األطفال‬ ‫نظ اًر للجميمية الشديدة فإن الطفل يصبح داخل الحدث فتصبح المشاركة التفاعلية سمة‬ ‫أساسية ال يمكن للممثل تجاهلها ولكن عليه التدرب واالستعداد لها‪.‬‬ ‫ولد الميكروتياترو عام ‪2009‬م في مدريد على يد المخرج المسرحي والتليفزيوني‬ ‫ ‬ ‫‪ Miguel ALCanTUd‬ميجيل ألكنتود‪ ،‬حيث جمع أكثر من خمسون فنانا بما فيهم‬ ‫الممثلون والكتاب والمخرجون ولمدة أسبوعين أعمالهم المسرحية داخل بيت دعارة سابق‬


‫قبل هدمه في إطار التوعية المجتمعية يحتوى على ‪ 13‬غرفة‪ ،‬حيث قامت الفرق‬ ‫المستقلة بتقديم عروض ال تزيد مدتها عن ‪ 10‬دقائق لجمهور ال يزيد عن ‪ 10‬أفراد‬ ‫وعمل الجميع حول موضوع واحد وهو الدعارة تحت مسمى «من أجل المال»‪.‬‬ ‫نجاحا مذهالً بالرغم من عدم وجود دعاية وإعالن لها إال عن طريق‬ ‫ولقد نجحت التجربة ً‬ ‫األفراد وشبكة التواصل االجتماعي والنتيجةهي طوابير تصل إلى ‪ 200‬متفرج حيث‬ ‫كانت العروض تقدم أكثر من‪ 20‬مرةيوميا بسعر يورو واحد كسعر رمزي‪.‬‬ ‫ونظ اًر لظروف الكساد االقتصادي الذى كانت تمربه إسبانيا آن ذاك‪ ،‬ومع النجاح‬ ‫المبهر للتجربة السابقة والحتياج الممثلين والمؤلفين لتقديم أعمالهم تم استغالل‪ ،‬مجزر‬ ‫قديم لتحويله لموقع ثابت للميكروتياترو من أجل المال وتم فتح شباك تذاكر منذ هذه‬ ‫اللحظة بشكل اعتقد مستقل ومقبول للجمهور من حيث السعر ألن التذاكر كانت تباع‬ ‫ب ‪ 3‬يورو للعرض الواحد‪ ،‬وكذلك أصبح من الممكن تحويل غرف المجزر إلى أماكن‬ ‫للعرض‪ ،‬فمع فتح وغلق الباب يجد المتفرج نفسه داخل عالم مختلف ويتمكن من‬ ‫مشاهدة ‪ 5‬أو ‪ 6‬عروض في نفس الليلة‪.‬‬ ‫لقد قام الميكروتياترو بعمل صدمة ثقافيةفي العديد من المدن اإلسبانية‪ ،‬حيث سمح‬ ‫للجمهور من االقتراب للمسرح بشكل بسيط وتلقائي‪ ،‬فهو يعتمد على الحميمية مع‬ ‫الجمهور‪ ،‬فهو ال يحتاج إلى كراسي فخمة أو أجهزة معقدة‪،‬فأي مكان يمكن أن يتحول‬ ‫إلى مسرح‪ ،‬كذلك لقد فض الميكروتياترو االشتباك في ظهور األعمال اإلبداعية فور‬ ‫إنتاجها‪ ،‬خالف ما كان سائداً حيث أن ما ينتج ورقاً كان أكثر بكثير من الفرص‬ ‫المتاحة للعرض‪ ،‬أي أنه أصبح فرصة حقيقية تشجع الجميع على العمل وإتاحته في‬ ‫كافة الظروف‪،‬فنحن أمام مفهوم جديد إلبداع مسرحي جذاب‪ ،‬مختلف‪ ،‬قريب‪ ،‬فورى‪،‬‬ ‫دون التخلي‬ ‫عن الجوهر الحقيقي للمسرح‪ ،‬فهو قوة تواصل طاغية سمحت بالوصول إلى جمهور‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪157 156‬‬


‫جديد غير معتاد على زيارة المسرح‪،‬والكل يتبع نظام اليوم المتكامل في العروض حيث‬ ‫لجمهور يجد خليط مدهش من العمال التي ترضي جميع األذواق والمراحل العمرية‬ ‫والتوجهات الفكرية كذلك قامت بعض الجهات التي تحتاج إلى توعية المجتمع بقضايا‬ ‫اجتماعية وثقافية بالتعاقد معهم إللقاء الضوء على مثل هذه القضايا مثل المجاهد في‬ ‫أفريقيا العنصرية واألمراض غير المعروفة‪ ،‬الوحدة‪ ،‬نقص المياه‪.‬‬ ‫ومن الطريق أن الجمهور اصبح قادر على اختيار قائمة مشاهدته المسرحية وتحديد‬ ‫ماذا يفعل في يومه المسرحي فمثال يتناول مشروب ثم يشاهد مسرحية كوميدية ثم‬ ‫يتناول بيت از ويتناقش مع رفقائه ثم يشاهد عرض غنائي ثم يأخذ قهوته ثم يشاهد عرض‬ ‫سياسي‪ ..‬الخ قائمة األعمال تحتمل التنوع حسب رغبة كل متفرج فالكل يجتمع على‬ ‫حب المسرح وعلى حب قضاء يوم ثقافي متنوع ومختلف كل حسب الوقت الذي يريد‬ ‫قضاءه في المسرح وحسب ما تسمح بيه ميزانيته الشخصية‪.‬‬ ‫وهذا بالطبع يذكرنا بتعاملنا اليومي مع اإلنترنت فنحن من نختار ماذا نشاهد وفي أي‬ ‫وقت دون أي امالء من أحد فالميكروتياترو هو إفراز وتطور طبيعي لدخول النت حياتنا‬ ‫وهو قد شكل استقبالنا وتذوقنا وأسلوب معيشتنا وهو يختلف عما كنا عليه في الماضي‬ ‫القريب‪.‬‬ ‫وماذا بعد رصدت الكثير من البحوث في فترة الثمانينات والتسعينات ما وقع علي‬ ‫المجتمع من أضرار نتيجة ألحتالل التليفزيون المكانة األهم داخل المنزل حيث يجلس‬ ‫الجميع في نفس الغرفة يشاهدون هذه الشاشة الساحرة وهي تملي عليهم كل ما يعد لها‬ ‫إال أننا اليوم نري أن هذه الشاشة وكل ما بها من اضرار قد يكون أهون بكثير مما‬ ‫وصلنا له اليوم فعلي أقل تقدير كان الجميع يجتمع في نفس المكان ليشاهد نفس‬ ‫المحتوي والكل يتكون لديه ذوق وثقافة متشابه تبعاً لنوعية األعمال الفنية والبرامج التى‬ ‫يتابعها الجميع فإذا كان ذلك علس مستوي االسرة الصغيرة فإنه كذلك علي مستوي‬


‫االسرة الكبيرة إال أننا اليوم ال نعرف ماذا يشاهد اآلخرون داخل نفس المنزل علي‬ ‫اإلنترنت وكيف يتم تشكيل الذوق والتوجه بشكل فردي داخل االسرة الواحدة فما بالنا‬ ‫علي مستوي الوطن حيث كان يكتب أن الطفل يعيش تحت تأثير القلب التليفزيوني فأي‬ ‫برنامج يحظي بمشاهدة كبيرة سيؤثر بنفس الطريقة أينما كان الطفل في اي بلد حيث‬ ‫سيعاني الجميع من نفس المشكلة السلبية سواء بسواء ألن التليفزيون كان هو المربي‬ ‫األول حيث يجلسون أمامه منذ الشهور األولي ومع العام الثالث يبدأ الطفل في إعادة‬ ‫التعرف بما قد شاهده واختزنه من شاشة التليفزيون في حياته اليومية وبالتالي قد عمل‬ ‫ذلك علي محو الخطوط الفاصلة بين عالم الطفولة وعالم الكبار وذلك لسببين‪ ،‬األول‬ ‫أنه ليس هناك ارشادات شارحة لما يقدمه‪ ،‬ثانيا ألنه ال يفصل بين أنواع المشاهدين‬ ‫فالجميع يستقبل نفس نوع المعلومات‪.‬‬ ‫وهذا بدوره انعكس علي المسرح فنري أن بداية من دور العرض وعددها وطبيعة األجهزة‬ ‫والمعدات ومدي تأهيل العاملين عليها وصوالً الي النصوصالتى يتم إنتاجها والمبالغ‬ ‫المرصودة لهذا اإلنتاج وثمن التذكرة ومدي مالءمتها لألحوال االقتصادية وبين دخل‬ ‫األسرة‪ ،‬كل ذلك أدي إلي هجران المسرح بنسبة كبيرة‪ .‬ولذلك نري أن الفنانين في اسبانيا‬ ‫ابتكروا فكرة المكروتياترو وبالرغم من أن فكرة المسرحيات القصيرة ليست بالجديدة اال‬ ‫أن الشكل الذي تم فيه المحتوي قد القي نجاح كبير وكل ما علينا أن نحدد ما هو المهم‬ ‫وما هو األهم وأري أنه حان الوقت ليجلس العاملين في مجال مسرح الطفل لتحديد‬ ‫ذلك بداية من تحديد المالمح األساسية التى تراعي في تقديم أعمال للطفل وهي تحديد‬ ‫العالقة التى تربط الملقي بالمتلقي فكالهما يرسل لآلخر اشارات ألنها عالقة تفاعليه‬ ‫داخلية تربط كال الطرفين حيث يقرر كل منهما ما يرسله اآلخير ويتجاوب معه‪ ،‬وجهاز‬ ‫اإلستقبال لدي الطفل شديد الحساسية حيث ان زمن مسرح الطفل المنغلق قد اصبح‬ ‫ملمح تاريخي لم يعد هناك مكان له وإنما مسرح اليوم يعتمد علي مالمح رمزية مركبة‬ ‫امللتقى الفكري‬

‫‪159 158‬‬


‫ألنها االقرب لعالم الطفل فالعرض ال يكتمل إال إذا قام كال الطرفين بالتفاعل وإكمال‬ ‫الصورة النهائية فنحن نعلم جيدا كيف يمسك الطفل بعصا ويتعامل معها علي انها‬ ‫سيارة فارهة وأنه إذا ما قدمنا له ورقة وقلم ليرسم لن يرسم العصا ولكن سوف يرسم‬ ‫السيارة الفارهه‪.‬‬ ‫فالنقطة الفاصلة للنجاح أو الفشل في التعامل مع مسرح الطفل هو الرؤية من خالل‬ ‫عيون طفل فهو يري الواقع المحيط به من خالل خياله ويترجم كل شيئ من خالل‬ ‫هذه الرؤية وبالتالي إذا اردنا إقامة حوار فعال معه البد من طرحه من خالل رؤيته هو‬ ‫ألننا نري األمور بشكل مختلف فمثالً في مرحلة ما نجده يري الكبار يأمرون وينهون‬ ‫النهم كبار في الحجم في حين أن حجمه هو أصغر فإذا ماكان صاحب حجم مماثل‬ ‫فسيتمكن من ادارة شئونه والكل يعلم أن من خالل وجهة نظر الكبار الحجم ال أهمية‬ ‫له ألن العقل والمسئولية والواقع والمجتمع هي التى تجعل الكبير يتخذ هذا القرار أو‬ ‫ذالك ولكننا لألسف مازلنا نتعامل مع الطفل باسلوب الوصاية ومن خالل أفكارنا نحن‬ ‫كما لو أننا لم نستفد مما تقوم به مصانع األلعاب من عقود وهو االستعانة باالطفال‬ ‫في تصميمات العابهم ألنه لديهم القدرة علي تصميم العابهم الخاصة‪ ،‬البد وأن يكون‬ ‫العرض المسرحي بالنسبة لهم مغامرة تخرج بهم من الروتين اليومي المعتاد الذي يعيشه‬ ‫الجميع بهدف تشجيع هذا المتلقي الصغير علي التفكير والتحليل والوصول للهدف الذي‬ ‫ينشده العمل الدرامي موضحين لهم نتائج الق اررات التى يتخذونها في كل موقف مع ترك‬ ‫فرص للتعبير التلقائي‪.‬‬ ‫مع األخذ في اإلعتبار أن لكل مرحلة صفات ومالمح اساسية منها علي سبيل المثال‬ ‫ال الحصر أن االطفال تحت سن العاشرة ال يرتكز استقبالهم علي إدراك المعاني الكبيرة‬ ‫وال المفاهيم المجردة ولكن في التفاصيل لشخص ما أو لشيء ما حيث يركزون مع أحد‬ ‫المؤثرات المركبة مثل االضاءة أو عروسة أو زي أو مؤثر موسيقي‪.‬‬


‫فمسرح الطفل اليوم هو أكثر واقعية يتم فيه تقديم رؤية للعالم تحث الطفل علي التفاعل‬ ‫وإدراك كيفية مواجهة هذا الواقع‪.‬‬

‫امللتقى الفكري‬

‫‪161 160‬‬


‫المحتوى‬


‫المحتويات‬

‫ ‬ ‫كلمات‬ ‫ ‬ ‫ص ‪15‬‬ ‫ ‬ ‫املحور األول ‪ :‬مسرح محمود دياب‬ ‫ص ‪16‬‬ ‫ ‬ ‫‪ -1‬اإلنسان والقضية‪ ..‬األقدار و‪..‬واملنافحة أ‪.‬د‪ /‬حسني عبد القادر‬ ‫ص ‪29‬‬ ‫ ‬ ‫‪ -2‬القضايا االجتماعية يف مسرحيات محمود دياب‪ .‬شيــماء توفيــق‬ ‫املحور الثاين ‪ :‬الكتابات املسرحية اجلديدة ‬ ‫ ‬ ‫‪ -1‬حول الفعل املسريح‪ :‬الظهور واحلضور والنص‪ .‬عبد الناصر حنفي‬ ‫ ‬ ‫‪ -2‬الكتابة املسرحية اجلديدة‪ .‬أحمد خميس‬ ‫ ‬ ‫‪ -3‬املعىن واملعىن املضاد يف الكتابات اجلديدة د‪ /‬محمود سعيد‬ ‫ ‬ ‫‪ -4‬تأمالت يف الكتابة كوجود وتمثل ليلت فهيم‬

‫ص ‪ 39‬‬ ‫ص ‪ 40‬‬ ‫ص ‪ 64‬‬ ‫ص ‪ 74‬‬ ‫ص ‪92‬‬

‫ ‬ ‫الكتابة اجلديدة وشهادات الكتاب‬ ‫ ‬ ‫‪ -1‬شهادة الكاتب ‪ :‬سامح عثمان‬ ‫ ‬ ‫‪ -2‬شهادة الكاتب ‪ :‬عيىس جمال‬ ‫‪ -3‬شهادة الكاتب ‪ :‬شاذىل فرح ‬ ‫ ‬ ‫‪ -4‬شهادة الكاتب�ة ‪ :‬صفاء البيلي‬ ‫ ‬ ‫‪ -5‬شهادة الكاتب ‪ :‬بكري عبد احلميد‬

‫ص ‪102‬‬ ‫ص ‪104‬‬ ‫ص ‪106‬‬ ‫ص ‪108‬‬ ‫ص ‪110‬‬ ‫ص ‪132‬‬

‫ ‬ ‫املحور الثالث ‪ :‬مسرح الطفل بني الواقع والمأمول‬ ‫‪ -1‬حنو مفاهيم جديدة ملسرح األطفال‪ .‬أ‪.‬د‪ /‬محمد أبو اخلري ‬ ‫ ‬ ‫‪ -2‬مسرح الطفل بني التطور واجلمود أ‪.‬د‪ .‬نبيله حسن‬

‫ص ‪135‬‬ ‫ص ‪136‬‬ ‫ص ‪ 152‬‬

‫ ‬


‫الملتقى الفكرى للمهرجان‬


‫السبت ‪ 21‬يوليو ‪..2018‬‬ ‫ ‬

‫( محور عن الكاتب محمود دياب )‬ ‫دكتور محمود نسيم‬

‫ ‬ ‫يدير الندوة‬

‫‪ :‬‬

‫ ‬ ‫المتحدثون‬

‫‪ :‬‬

‫أ‪ .‬د‪ /‬حسين عبدالقادر‬

‫ ‬

‫الناقد ‪ /‬محمد الروبى‬

‫ ‬

‫الباحثة‪ /‬شيماء توفيق‪.‬‬

‫االحد ‪ 22‬يوليو ‪.. 2018‬‬ ‫ ‬

‫( محور عن الكتابات الجديدة )‬ ‫سما ابراهيم‪..‬‬

‫ ‬ ‫يدير الندوة‬

‫‪ :‬‬

‫ ‬ ‫المتحدثون‬

‫‪ :‬‬

‫ ‬

‫الناقد ‪ /‬احمد خميس‬ ‫الناقد‪/‬‬

‫عبد‬

‫الناصر‬

‫حنفى‬ ‫شهادات الكتاب ‪( :‬عيسى جمال‪ ،‬صفاء البيلى‪ ،‬ياسمين امام)‬

‫امللتقى الفكري‬


‫االثنين ‪ 23‬يوليو ‪..2018‬‬ ‫(محور عن الكتابات الجديدة )‪..‬‬

‫ ‬

‫هشام ابراهيم ويتحدث‬

‫ ‬ ‫يدير الندوة‬

‫‪ :‬‬

‫ ‬ ‫المتحدثون‬

‫‪ :‬‬

‫الناقدة ‪ /‬ليليت فهمى‬

‫ ‬

‫الباحث‪ /‬رامز عماد‬

‫ ‬

‫الباحث‪ /‬د‪ .‬محمود سعيد‪.‬‬

‫شهادات الكتاب ‪ ( :‬سامح عثمان‪ ،‬شاذلى فرح‪ ،‬بكرى عبدالحميد)‬ ‫الثالثاء ‪ 24‬يوليو ‪..2018‬‬ ‫( محور عن مسرح الطفل)‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫يدير الندوة‬ ‫ ‬ ‫المتحدثون‬

‫‪ :‬‬

‫الفنانة عزة لبيب‬

‫ ‬ ‫‪:‬‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫المكان‬

‫‪ :‬المجلس االعلى للثقافة‬

‫ ‬ ‫التوقيت‬

‫‪ :‬الساعة ‪ 11‬صباحا‬

‫أ‪.‬د‪/‬محمد ابو الخير‬ ‫أ‪.‬د‪/‬نبيلة حسن‪.‬‬

‫‪4‬‬ ‫أيام‬





Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.