أ.د /حسن عطية مدير المهرجان
أ /إسماعيل مختار
رئيس تحرير المطبوعات
الملتقى الفكري
رئيس المهرجان
د /مصطفى سليم المنسق العام
ماجدة عبد العليم مدير الملتقى الفكري
أحمد هاشم
جرافيكس المطبوعات واإلخراج الفني
محمد عبد الحكيم الكومي
كــــــلــــــمــــــات
وزير الثقافة أ.د /إيناس عبد الدايم
امللتقى الفكري
7 6
يعد المسرح أحد روافد الثقافة المصرية ،معبرا عن واقعه، ومتطلعا لتغييره ،ومشتركا مع كافة الفنون األخرى فى نشر الوعي بين الجماهير واالرتقاء بالذوق العام لمواجهة التطرف الفكري ،مما يدعونا إلى ضرورة عودة الثقافة إلى المواطن من خالل تكاتف جميع القطاعات والتنسيق فيما بينها ،وإلى العمل من أجل تحقيق التواصل بين المركز فى العاصمة واألطراف فى األقاليم ،والسعى للكشف عن هوية كل بيئة ،بما يعكس هوية هذا المجتمع األصيل الخالد. ومن ثم يعتبر المهرجان القومي للمسرح هو النافذة التى نطل منها على كل منتج إبداعي فى كافة األقاليم والقطاعات والتوجهات ..أنه بانوراما مختارة لهذا الكم الرائع من العروض المسرحية التى قدمت خالل العام الماضى ،بما يسمح بالتعرف على مالمح تطور هذا المسرح ،ورصد مساره المتقدم دوما لألمام. تحية تقدير للقائمين على هذه التظاهرة الثقافية التي تعبر عن وجه من أوجه حضارتنا متمثال في أبو الفنون ..المسرح الذي سيظل دوما مساحة من التفاعل الثقافي االبداعي الحي المعبر عن العصر وهمومه وطموحاته.
أ.د .حسن عطية رئيس المهرجان
امللتقى الفكري
9 8
وحدة الوطن فى تنوع مسرحه إقامة أية تظاهرة فنية مثل المهرجان القومى للمسرح المصرى هو فعل احتفاء بعشق الحياة الحرة الكريمة ،وحدث هام بإضاءة شعلة التنوير وسط ظلمة السكون والتكلس، وتفعيل للعقل المشتعل باألمل فى التغيير ،وتنشيط للوجدان المتأجج بالرغبة فى أن يؤكد وجوده الفاعل وسط أهله وناسه ،هو فى النهاية عودة المسرح لجماهيره الباحثة عن نفسها فى دفء فضائه وحرارة أفكاره وسخونة تفاعله مع مجتمعه. هى الدورة الحادية عشرة للمهرجان ،تحتضن فرقا قادمة نت العاصمة وأقاليمها ،من مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية ،تؤكد بموهبة فنانيها وعطاء أعضائها وجهد صناعها على أن الوطن يمتلك قدرات فذة وإمكانات بارعة يمكن أن تغير الكون بمسرحها الجاد ،وخاصة وهى تصر على عدم السقوط فى براثن المسرح التجارى والتليفزيوني الرخيص ،وتتمسك بطرح األفكار السامية عبر نصوص شديدة
التماسك ،تتجاوز نقل ما يحدث فى الشارع لفضاء المسرح ، وتنتقى أبرز الثمار من كل أرجاء العالم لتقدمه لجمهورها المتعين ،فى عروض شديدة الثراء ،برؤى معاصرة وشديدة الحساسية ،مؤكدة على أن عودة الجمهور إلى المسرح ليست هى الغاية المبتغاة ،بل الغاية الحقيقية هى عودة المسرح إلى جمهوره ،أو بمعنى أكثر دقة إلى جماهيره المتعددة ،فالوطن وحدته فى تعدد جماهيره وشرائحه المجتمعية وثقافاته الممتدة من النوبة وحاليب وشالتين حتى رفح والسلوم . الوحدة فعال فى التنوع ،ومهرجان هذا العام ،كما يبدو من جدوله وكتابه الحالي ،يحتوى على كم هائل من التنوع ، ويكشف عن اهتمام حقيقى بنشر الثقافة المسرحية وسط أقاليم الوطن ،وفى الحقيقة هناك قضية شديدة األهمية تتعلق بنشر الثقافة هذه ،حيث يتباين مفهوم الثقافة بين كونها مجموعة العقائد والقيم واللغة والسلوك التى تميز وطن عن غيره ،وكونها منجزات إنسانية مجتمعية تشكل قوام صناعة ثقيلة وقوى ناعمة ال تخلق بذاتها ،بل تتطلب مواهب وقدرات وإرادة وامكانات تتحقق بها على امللتقى الفكري
11 10
أرض الواقع ،فالمسرح ال يتحقق بمجرد الرغبة فى تحقيقه، بل بالقراءة الجادة والبحث المستمر عن أفضل نصوصه ، والوعى بالمجتمع الذى سينتج فيه ،وثقافة هذا المجتمع المحلى داخل ثقافة الوطن بأكمله ،ومن ثم اختيار أفضل أساليب التواصل جماليا مع جمهور هذا المجتمع المحلى وشرائحه المختلفة. إنها بانوراما مختارة من اإلنتاج المسرحي فى هذا الوطن ،تحمل وجهات نظر أجيال شابة مازالت مصرة على اإلبداع وعلى أن تشارك فى صنع حاضر ومستقبل هذا الوطن .
د .مصطفى سليم كلمة التحرير
امللتقى الفكري
13 12
المهرجان القومي للمسرح المصري ببساطة انعكاس مباشر لواقع المسرح المصري ووجهه الحقيقي مهما تم تزيينه أو المزايدة عليه أو تزييفه أو ادخاله في مسارات مظلمة ،ففي كل األحوال هو النبض الحي الذي يصف أحوالنا كمسرحيين ويصف الذوق العام للجماهير، هو بال شك التظاهرة التي نرى فيها أنفسنا لعلنا نحاسبها أو نتغاضى عن النقص فيها ،ونولد من جديد ..وهو حلم صعب المنال فالميالد يتطلب رعاية والتزام وتضحية ورقي واختيارات محسوبة ورؤية مستقبلية ناضجة ودقيقة وكلها أشياء نتحدث عنها جميعا وننشدها ولكنها ما تزال بعيدة المنال ،وألننا مازلنا أحياء كما أعلن كاليجوال فلن نفقد األمل في أن نكون بإرادتنا كما أراد هاملت ولكن يجب أن ال نتأخر هذه المرة ألن الزمن صعب. وتلك األجندة المطبوعة مساهمة محدودة في إعطاء المتابع ومضات سريعة تعينه على اختياراته للعروض والفعاليات المتعددة التي ينظمها المهرجان المعشوق لدينا ألننا جميعا نساهم فيه ونتفاعل معه في العروض والندوات واللجان والمقاالت واإلصدارات وكافة الفعاليات التي تجمعنا وتجعلنا نبحث عن صيغ جديدة وآفاق أرحب للفن المسرحي.
المحور األول مسرح محمود دياب
محمود دياب اإلنسان والقضية ..األقدار و ..والمنافحة
د .حسين عبد القادر
فى الفن مازال اإلنسان وقد طغت عليه رغباته ،يستطيع أن ينتج شيئا مماثال إلشباعها (سيجموند فرويدـ الطوطم والتابو) عندما يغالب اإلنسان حزنه الجمر ،قد تتوه الكلمات مابين الحرف المجهد ،والمعنى المشجون بتفاصيل أبدا ال تهدأ .ومعها يتقطع القلب لخاطرة تأخذه لسماء أخرى حيث خلود اإلنسان ،وإذ كيف يموت المبدع ،وأعماله باقية حية ،إذ هى شاهد عدل على أن الخالدين بأعمالهم أبدا ال يموتون ،ومن ثم فإن هذه الصفحات إنما هى صفحات للتذكير ال للذكرى. إنها قراءة فى بعض آيات من عمر ممتد مذ كان عروجا لسماء أخرى ،حيث الفردوس األعلى ،فمن سطر فى دنياه بقلمه تراتيل إبداعات تأخذ قارئها ،ومشاهدها ليتنسم عبير مراميها ما يوقظ دفقات من آمال الغد ،وكأنا بهذا المعنى بإزاء عالم من عالم مبدع متفرد ،والعلماء ـ كما نعلم ـ هم ورثة األنبياء ..و ..وهذا ما كانه المحمود فى اسمه ،وفى مسيرة عمره ..محمود دياب.. إنسان شاءت األقدار أن يولد فى حومة القضية ،بين المنافحين عن مصرهم فى الصفوف األولى من نضال فى مواجهة المستعمر الذى احتل األرض ،واألرض لدى المصرى «عرض» بكسر العين الممهورة بسكون (المسكن) بعين المستعمر ،كى ال يهدأ أبدا فمقاومة المحتل دين فى األعماق هيهات ينفك إوارها أو تركن لسكون، وأبعد من ذلك كله ،وعى يستنهض همم الشعب ،ويطوف بالعقول وبالوجدانات، ليروى عطش الظامئين لخالص ال منجاة بغيره .وهو لم همو على خط النار ،جمر ال امللتقى الفكري
17 16
تظنه غير إرادة طرد المحتل ،والمحمود باسمه كان بعض قدره أن ولد باإلسماعيلية (أغسطس ،)1932المدينة التى تحيابجناحين ،الحى العربى الذى ينظر شذراً وشظايا األعين تقتحم الحى اإلفرنجى ،وليس غريباً أن يكتب محمود مع سنوات النضج طفل فى الحى العربى ( )1972أى فى سن األربعين (تلك العمر التى خصها القرآن بأى دعاء حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال هذا ربى الذى أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت على والدى ،وأن أعمل عمال صالحا ترضاه 15(...اإلحقاف ،ويالها من مفارقة ،والطفل الذى عايش نبل المعنى فى مقاومة العدو مابين تنشئة األهل ودور المدرسة والحى والمجتمع جله ،وتفتحت أذنيه على أغاريد الوقائع من حوله ،وتدور رحاها فى بوتقة عشق الوطن وترانيم المقاومة ،و ..وكان ميالده كمبدع جد مبكى وبرهان حى على ما يقوله النفسيون من أن الطفل يولد ولديه إمكانات قابلة للتطور فى ظل تلكم المعانى التى تبثها التنشة األولى باألسرة ومن بعدها تتناول المدرسة هذا النتاج لتقومه ،وتنمى أواصر القيم األعلى تلك التى تتعهدها بالرى لتكون نعم ثمار الغد. وفى هذا السياق هاهو األب الذى يرى بزوغ نجم ابنه فى صباه المبكر ،فال يضن بمصاريف التعليم ،والمدرسة آنذاك بمصر تزهو بعلمها وبالدور والمسؤلية الواجبة لتنشئة أبن سيبنى للغد اآلتى ،ورغمها ،ومع غرم التكلفة المادية وتبعاتها وخاص ًة بالنسبة للجامعة ،ها هو األب بوعيه الذى يستلهم الغد ،ال يضن بتكلفة التعليم الجامعى، فكان عنوانا بذاته على وعى محمود فاسمه كلية الحقوق ،وهى آنذاك كلية القمة بالنسبة للمهمومين بالوطن والمتطلعين ألدوار فى سبيل حريته ،والدفاع عن مصالح المقهورين من أبنائه ،ويأتى المحمود إلى القاهرة والمقاومة الوطنية فى ذروتها والجامعة ذروتها ،خاصة بعد أن كلف مصطفى النحاس زعيم حزب الوفد ورئيس
الوزراء فى حينها بعد فوز حزبه باألغلبية الساحقة فى إنتخابات عام ،1950وما قيل من أنه كلف «عبد الفتاح باشا حسن» أحد أعضاء وزارته ليتجه لمجلس النواب والشيوخ ويجمعهما معا بالبهو الفرعونى فى مقر البرلمان ،كما طلب من الملك أن يتفضل لزيارته بمكتبه بمجلس الوزراء ،وما تواتر من أنه عند وصول الملك لمكتبه أغلق النحاس عليه باب المكتب ،وتوجه لمؤتمر مجس لنواب والشيوخ ليتلو عليهم خطابه التاريخى الذى سيظل يحفظ الزمان مقولته»» من أجل مصر وقعت معاهدة ،1936ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها». كان ذلك الخطاب فى الثامن عشر من أكتوبر ،1950وياله من يوم ،آه لو كنتم تسمعونه من المحمود دياب ..بعصبيته المشبوبة يتوتر ،وتبتهج معه كل خالياه فى تلك اللحظات التى يتذكر فيها هذا اللخطاب الذى كان متيما به ،والعديد غيره مما كان يحفظه عن ظهر قلب ،وبخاصة لعبدالناصر الذى الذى كان ولها به حتى كانت النكسة فى يونيو ،1967وما أشد غضبته لمن كانوا يعرفونه ،عندمت يرد فى حديث ألى منهم كلمة نكسة ،إذ يردد «الراجل فى ذمة التاريخ لكن الهزيمة يا سادة إسمها هزيمة» ،وفى هذا السياق ومع العام األول للمحمود بالجامعة هاهو يحضر ـ كما حذثنى ـ تلك المظاهرة التى تداعت ذكرياتنا حولها فى حضرة الفنان «عمر عفيفى» الذى كنا نتشارك غرفتنا بدار األوبرا (األوبرا التى افتتحها الخديوى إسماعيل بأوبرا «ريجيليتو» بدال من عايدة التى لم يكملها «فردى» فى الموعد المضروب) وكان العم النبيل «عمر عفيفى» يلعب «بولونيوس» فى مسرحية «هاملت» لشكسبير، وأشارك فيها بدور «هورسيو» وكانت حجرتنا بين الفصول تموج بالقادمين لتحية المسرحى النبيل العم عمر ،وفى الحضور خالد الذكرةفنان المسرح الحر «على الغندور» و...و أول من أخرج مسرحية قدمت لمحمود دياب «البيت القديم» وهى المسرحية التى فازت فى مطلع ستينات القرن الماضى بجائزة مجمع اللغة العربية امللتقى الفكري
19 18
ليخرجها الغندور والذى كان كثيرا ما يحضر معه لفرقتنا « محمود دياب» وكنت أشارك فى مسرحية باب الفتوح بالمسرح القومى فى ذلك العرض الذى فوجئنا فى ليلة «الجنرال» أقصد البروفة الجنرال» بحضور «محمود» إلى المسرح وخالد الذكر «سعد أردش» والجميع فى اإلنتظار إذ ذهب محمود لمقابلة «عبدالقادر حاتم» الذى كان قد أصبح نائبا لرئيس الوزراء ووزير اإلعالم ،وعاد محمود لنعرف أنه وافق على تأجيل العرض و ..وكانت ليلة ال أراكم هللا أساها ،وإن لم تكم غريبة على خشبات المسارح !! لم تكن البيت القديم أول جائزة يحصل عليها المحمود مع اإلشادة بإبداعه ،فقد سبقتها «المعجزة» والتى حصلت على جائزة مؤسسة المسرح والموسيقى( )1960ثم تأتى بعد هاتين الجائزتين جائزةاليونيسكو ألحسن كاتب مسرحى عربى عن مسرحية الزوبعة ،وقد ترجمت لإلنجليزية ،الفرنسية واأللمانية و ..وأن ماوراء الزوبعة يتجاوز أن نشير إلى التكريم فحسب ،بل أن نتجه أيضا لما يلزم به التحليل النفسى فى دراسته لإلبداع والمبدعين من أهمية دراسة مايتصل بحتوى العمل من الدوافع التى يمكن أن تضىء مزيدا من الفهم فى العالقة بين العمل وصاحبه (هو هنا كاتب النص األدبى فى تعدد تنويعاته) وفى هذا السياق ،اإلمساك بديناميات شخصية المببدع، وفيها معطيات من تاريخ حياته ( التعدد النشوئى /اإلرتقائى ) من الطفولة الباكرة ومراحل التنشئة حتى تاريخ كتابة النص ،وعندها قد نجد مسربا قصديا (يفصل بين الموت والحياة)) أو دوافع ال شعورية تفصل بين جنبات النص أو هى بذاتها تشى بأبعد مما نراه فى ظاهر النص ،وهى بتعبير «كلود ليفى شتراوس» المخفى فى الما ظهر ،وفى هذا السياق يرى التحليل النفسى أنه إذا ماكان رجل الجمهور يتنازل عن ذاتيته تواؤما مع الواقع ( وما أكثر األمثلة الشائعة فى هذا السياق من قبيل (معاهم معاهم ،وعليهم عليهم) .إنها سيكولوجية «الديماجوس» فى مقابل شخصية المبدع
الذى ينحبس فى ذاتيته ليفوز بصروحه الفنية التى يتشابك فيها الذاتى برؤاه للواقع، وما يرنو إليه من جدل يصنع بصائر للغد ناشدا إضاءة نجم فى سماء إبداع صروحه الفنية ،ويالها من مسؤولية للذات فى تناول الموضوع. ونزيد هنا مايراه فرويد ،وصدرنا به مبحثنا هذا من أنه « فى الفن مازال اإلنسان وقد طغت عليه رغباته يستطيع أن ينتج شيئا مماثال إلشباعها» وهاهو يكتي بعدها بسنوات كتابه العمدة « محاضرات فى التحليل النفسى» إذ يرى فى محاضرته عن «كيف تتكون األعراض» ،وأن ما تتسم به حياة الخيال ،لها طريقيمكن للمرء أن يعود به من « مملكة الخيال إلى دنيا الواقع ـ وهذا هو الفن « وكأن الفن بهذا عامال مساعدا الشفاء ـ بدرجة أو بأخرى ـ من عوارض المرض النفسى بقدر مايسهم أيضا فى إعالء الوعى بالواقع ودرء مسالبه. لقد دفعنى لهذه اإللماحات ما أراه بين طيات الزوبعة مع التسليم بأن مايراه البعض وهو صحيح قد ال نختلف حوله ـ من ظلم أثرياء القرية الظالمة ،وأعيانها وإقطاعييها، وما أكثرهم فى ربوع مصر ،وما تواكب مع ستينيات القرن الماضى وخاصة من بعد اإلنفصال بين مصر وسوريا ،واستدارة ناصر لمواجهة اإلقطاع من جديد ،وما أسفر عنه العرض المسرحى ،وكأنه يساير هجمة النظام وقتذاك على بقايا اإلقطاع الذى عاود الظهور والهيمنة فى القرية المصرية »...وإن أشير أيضا فى ذات المقال التى أحسبها من روائع ما كتب أعمال محمود دياب وبخاصة فى المسرح والسينما ،بل واتصلت بمواقفه م الحياة ،وهى للدكتور «حسن عطية» ( وأرى أن تلحق بالكتاب التذكارى ،ومعها أى من كتابات خالد الذكر الفاروق عبدالقادر ( وهكذا اسمه فى شهادة ميالده) ،لتكون إرهاصا بأنه قد يكون علم المهرجان القومى القادم للمسرح المصرى فى دورته الثانية عشر. ولنعد للزوبعة والتى تعود بى هذه المرة إلى نقطة بدء فى تواصل مع طور من امللتقى الفكري
21 20
أطوار حياة المبدع عندما حط رحال المحمود دياب إلى مدينة أسيوط إذ كان نائبا بهيئة قضايا الحكومة ( وهى الهيئة التى تبوأ بها درجة المستشار ،والتى كانت تتويجا لمثال األنا الذى تمثل قيمة من عالم القانون ودور القاضى .وما أكثر آياته فى هذا السياق ومنهم من لم يكن قاضيا ( ونقصد هنا خالد الذكر يحيى حقى ،وهو من درس الحقوق وعمل بالسلك الدبلوماسى ،ومن قبلها بالمحاماة ،كما عمل بالصحافة ،ونحسبه كاف وسيظل عالمة ساطعة بذاتها فى تاريخ األدب والسينما ،وهو ابن درب الميضة (الميضأة) المتاخمة لحى الصليبة بالقرب من مدرسة بنبا قادن اإلبتدائية حيث سبيل أم عباس /بنبا قادن والدة عباس األول ،فى الثلث األول من شارع الخليفة الذى يبدأ من جوار مركز شرطة الخليفة بحى القلعة وقبل مسجد ابن طولون ليمتد الشارع حتى ميدان السيدة زينب وضريحها الشهير. نقول ذلك لنصل بين دور شخصية حية كانت فى حياة المحمود ،كانت بثابة األنا المثالى الذى تمثله مبدعا فى أعماله األ دبية ،وبقدر ما تمثله فى قيمه األخالقية. ويحيى حقى وللحق نموذج يحتذى فما بالنا وقد كان دياب من مريديه ،بل ،بل ونعلم من إبنته السيدة «هالة» أن ثمة صالت أسرية عمقت العالقة بين بين المحمود واليحيى حقى ،،والذى كان ـ تبعا لحيثها معنا كان نعم الرائد والمعلم الذى كان يزكى أعمال المحمود ،وال يضن عليه بنصائحه ،،تقول ذلك كله ،وقد يراه البعض خارج السياق، بينما نلراه جانبا هاما قد يجلى لنا بعدا آخر لم نره فى الدراسات النقدية التى إتصلت بالزوبعة ،وال شىء فى ذلك فما أكثر مافى حياة المبدع من مواقف ودوافع تبين أوجه أخرى لما وراء هذا العمل أو ذاك مما كتبه المبدع لو كنا قد علمنا بمزيد من أطوار حياته ومراحلها المتعددة حتى تلك المرحلة التى تدافعت لتعانق كتابة النص وعندها أحسبنا كنا سنقترب أكثر مما وراء دوافعه فى كتابة العمل خاصة والتحليل النفسى يرى أن اإلنسان موجود وبما هو لغة ،وفى اللغة تبين دينامية المبدع ودوافعه معا.
وكيف لى أن أغض الطرف عما فى مرحلة جد قريبة من كتابة المحمود مبدعا ،وهو محمود اإلنسان الذى يعيش ـ ككل مبدع ـ ينحبس فى ذاتيته ،أى فى أخاييله ،وهو منصرف بجله فى العملية اإلبداعية ،والتى ليست غير حركة دياليكتيكية فى الذهاب والمجىء بين المتخيل والمعيش والواقع معا ليقيم صرحه الفنى «أبولوينسى» كما سبق القول ،فيصفى حسابه فى الذات والموضوع معا فى العمل اإلبداعى ،وقد يعرف البعض ـ وهو ما استعت أن أستخلصه فى لقاء كم سعدت به مع ابنته الكبرى األستاذة «هالة» الرائعة وهى من تخرجت من كلية اآلداب جامعة عين شمس قسم الدراسات القديمة وآدابها ( أى الدراسات اليونانية والالتينة) ،ومنها عرفت ما زادنى حزن بحزن فقد علمت بوفاة شقيقها هشام وكنت قد سعدت بلقائه مع الصحفى النبيل الذى ال يهرم وإن حسبت أنه اعتزل العمل الصحفى واإلعالمى « األستاذ محمد بركات» الذى ماكان يترك األستاذ «محمود دياب « إال نادرا ،وهما سكان المنزل الواحد ،و ..وتكتمل الناصية فيما علمت من أن األم التى عشقها المحمود ،وتزوجها إبان حقبة أسيوط ومقر عمله ومكتبه الذى يطل على قصر والد زوجته وهو من أثرياء أسيوط وكبرى عائالتها بل لنقل من الطبقة األرستقراطية من كبار المالك فى ذلك الحين ،ومن يعرف المحمود وإصراره على ما يرنو إليه ،سيدرك كيف أن نجم السماء ستكون طيعة لو قصد العروج إليها ،وللحق كان جليا أنه قرر العروج ليتعانق ابن اإلسماعيلية ،والوطنى المطبوع ،والعاشق لمصره ،تلك التى عايش ثورتها ،ومن قبل ناضل ضد محتلها وسراياتها ،وانتقد أثرياءها بأحيائهم فى أول مسرحية قدمت له على خشبات مسارح القاهرة (البيت القديم.ز و ..وباإلصرار ونبل الحب وقدرة المحامى القدير إستطاع فى نهاية المطاف أن يبلغ السماء بعد أن أزاح كل غيم يحول وعناق نجمته والتى تزجها .لتلطمه األقدار بخسوف السماء بوفاة الزوج المالك ،وهما كانا يحلقان معا وكله يحملها متحديين معا الطبقة األرستقراطية .اإلقطاعية بأصولها امللتقى الفكري
23 22
التركية ووالدها «أحمد توفيق باشا ،نعم والدها الباشا الذى خضع للشاب صاحب المنطق المتفردالجوائز التى تنهال على إبداعاته لكن العروج إلى السماء انتهى بأن سلب روحها مالك الموت الذى حملها مع أسراب من المالئكة الى الفردوس األعلى وكم كان يسألنى ومعه خالد الذكر على الغندورألم تكن نهاية هاملت ..وهوراشيو يشيع جنازته ..ثم يردف والدمعة تترقرق فى عينيه لكنها لم تتجاوز الثامنة عشر بعد .وهشام (اإلبن األصغر) لما يبلغ الشهر الخامس بعد ،والبرنسيس هالة تخطت عامها األول بشهرين .أى أقدار هذه ..ثم فى صرخة مكتومة الرحمة ..الرحمة يل هللا ..وكم كان يسأل كيف تسنى لشكسبير أن يقول على لسان هاملت «الموت نوم.. نوم ثم ال شىء..الموت رقاد « ثم يعاود تمتمة ليشيح عنا بوجهه ليدارى موعه التى تخذل تماسكه. لقد اندلعت الزوبعة بين المحمود وأسرة مالكه التى اختطفت روحها مالك الموت. لكنه نسى أنها تعيش بقلبه ،ينبض دوما باسمها ،متحديا بها بإرادته التى ال تعرف غير اإلصرار وحقه فى أن يأخذ إبنيه غلى اإلسماعيلية الموئل وآالمقام لتكون النشأة فى كنف الطبقة التى عاشها عمره ،وكونت صروحا فى بنائه النفسى ،ما أجل قضاياها فى وجدانه الذى كان هيهات أن يغض معه الطرف عن الصراع بين الطبقات ،ذلك الذى اندلع إواره هذه المرة هذه المرة فى مواجهة عائلة الزوجة الملكة /المالك، وأم األميرة هالة واألمير هشام ،لتكون الزوبعة وصراعاتها ،وموقف المحمود من شخصياتها هى بداية مرحلة جديدة فى إبداعه المسرحى ،وفى حقل الصراع بين سطوة األعيان ،وأثرياء القرية ولئك الذين ال يتوقف نموهم شىء ،لكن هاهو موت األعزيض بداية حياة لصراع دراما الزوبعة ،والتى ال تقف عند موقف السلطة من بقايا اإلقطاع فى هذه الحقبة فحسب ،بل هى فى بعد نفسى تعانق لهيب زوبعة اندلعت بكيان المبدع العصبى الذى ال يهدأ ،وكم كان بحاجة ليتخفف من وطأة الصراع الذى
ينهش روحه المتأججة بتصفية الحساب مع من اهالوا عليه بسطوتهم وما كان له أن يقنع بغير إنتصار حاسم وكاشف لهذه الطبقة التى آن أن يقوم الفن بفضحها ،ولتكون الزوبعة مرحلة جديدة فى إبداع المحمود والتى تبعتها «ليالى الحصاد» (،)1967 والهالفيت 1970لينتقل بعدها لمرحلة جديدة تأتى باب الفتوح 1971مستلهما من التاريخ سبيال لإلسقاط على واقع معيش ،وإن أنسى ال أنسى ـ وكنت مشاركا فى العرض المسرحى الذى يخرجه خالد الذكر سعد أردشـ وفى ليلة الجنرال كما سبق القول وكلنا ،المشاركون فى العرض مع النقاد فى تقليد القومى الشهير بأن تكون الجنرال عرضا مفتوحا ،وإذ بمحمود يعود وعلى الوجه غبرة ـ إن صح التعبير ـ ويخبرنا بأنه فى لقائه بمحمد عبدالقادر حاتم ( وكان قد أصبح نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للثقافة واإلعالم) ،قد وافق (أى محمود دياب) على تأجيل العرض والواضح أن الجنرال أوقف عرضه ،هذا اإليقاف الذى استمر حتى قدمت ثانية ،1976وإن كانت جامعة عين شمس من إخراج القدير «فهمى الخولى ،وقد قدمها مع أول عام إلعادة قناع الجامعات ،وحصلت على المرتبة الثانية ،وحصل على القناع عامها «حسين عبدالقادر» بمسرحية جان أنوى «بيكيت أو شرف هللا». ويظل التساؤل لم مان المنع ثم يسمح للجامعة ( )1975وقبل السماح للقومى من جديد بتقديمها !!!!! ثم تأتى رسول من قرية تميرة لإلستفسار ن مسألة الحرب والسالم ( ،)1974ليعاود فى نهاية العام ( )1974أهل الكهفأ والمنع للعرض لما يزل يعزف نشازه ،وما أكثر ما قدم المحمود من إبداعات مسرحية ،وقصصية بل وسينمائية ،وفى كل عمل من أعماله سيجد الناقد فى تقويم ودراسته ما يشى بعديد من ديناميات شخصيته ومواقفه من قضايا الواقع وما يحسه دورا واجبا لبث وعى بقضايا الوطن ومعاناة إنسانه، بل وأمته ،ومن قبل ومن بعد سيجد الدارس ألى من أعماله كيف أن المحمود يخفف امللتقى الفكري
25 24
من الصراعات التى تتوهج لهيبها بداخله ليطفئها برائع إبداعهالذى يبثه ليتخفف من نفسه من لظى مايدور رحاه بروحه الشفيف ( وقد يكون ذلك فى مستوى ال شعورى) وإن لم ننف عنه قصدية بعينها إيمانا من المحمود بدور الفن والفنان فى إيقاظ الوعى بالدور والرسالة. وفى هذا السياق ،أحسب أن إدارة المهرجان بوعيها الذى يتبدى فى مظاهر عديدة ال تخطئها العين برائع بصائرها فى عديد من جنبات تنظيم المهرجان لن تغفل إعداد قائمة بأعمال محمود فى ثبت زمانى ،ومعها ليت وزارة الثقافة تقوم بإعداد طبعة كاملة بأعماله المسرحية والقصصية ،وإعداد جزء خاص لضم فرائد الدراسات النقدية عن أعماله ،وليتنا النغفل ما كتبه من سيناريوهات ألعماله السيبنمائية وبخاصة التى أعدها عن أعمال ديستويفسكى وقد قدم العديد منها بعد أن قام بتمصرها ،ومنها اإلخوة األعداء والجريمة والعقاب ،والشياطين ،وما أكثر المحمود من أعمال ممصرة ،ل وقدمت العديد من أعماله فى سوريا (وقد تزوج فى سوريا من السيدة سهام وكانت آخر زوجاته ،وكانت مهندسة ديكور بالتليفزيون السورى ،وأنجب منها هبة) ،وتقول عنها البرنسيس هالة «كانت جميلة وبنت ناس» ،وكم أسعدتنى البرنسيس بزيارة عزيزة ـ كم وددت لو كانت مبكرة هونا و ..وأن تتكرر ألستجلى عديداً من جنبات شخصية المحمود والذى أشارت إلى آيات من ديناميات شخصيته ،وبدأتها بمثاليته ونزعته للكمال التى قالتها باإلنجليزية (والغرابة فى ذلك وهى خريجة قسم الدراسات القديمة perfictionismوآدابها كما سبق القول) والتى أشارت إلى أنه كان نعم األب الذى جمع فى وجدانه بها وبأخيها دور األم أيضاً فى حنوه ورعايته لهما وإن كان مع حنوه لم يقرن الحنو بالتدليل الذى كان يكرهه بل كان أكثر من ذلك قد يقبل ابنته لكنه أبداً ال يحتضنها وكم كان يكره الكذب ويعتبره آفه ال تصح ،وكان دوماً ما كان يقرأ عليها العديد من أعماله كما تحدثت عن حسه الوطنى وإيمانه بقضايا مصره وأمته،
وأما الصهاينه فكم كان ذكر أسمها يدفعه ليقرنها بالعصابة ،ويتكلم عنها بضمير القاضى الذى يدين السارق والقاتل والمغتصب للحقوق ..وكيف أن نصه المسرحى « رسول من قرية تميرة »...كان دافعاً لشرائه قطعة أرض على طريق اإلسماعيلية ال تقل على مائة فدان وأسماها قرية تميرة ،وكم أرادت بعض الشركات ،وإحداها عالمية ،كم ساومته تغويه بأرقام قد تثير لعاب غيره لكن كيف لضمير القاضى أن يغير من أحكامه ما دامت ال تحتمل شذرة من تغيير ،لقد كان عنيداً فى الحق ،مناضالَ من اجل قضايا وطنه ،وال يهدأ فى الدفاع عن إنسانها وحقوقها وكم كان يبذل الجهد سهراً ال فى الكتابة فحسب بل كان قارئاً نهما وباحثاً ال يكف عن مصادر ألعماله، وبخاصة تلك التى كان يقوم بإعدادها عن نصوص عالمية ..وما أكثر ما تحدثت اإلبنة عن بحثه الدءوب عن المصادر التى تعينه على مزيد و ..وهنا ال مفر من أن أذكر وقعتين تذكى وتؤكد ما تقوله البرنسيسة هالة ،وفى «أرض ال تنبت الزهور» كان مصدره التراثى كتاب (مجمع األمثال) للميدانى «أبو الفضل أحمد بن محمد بن احمد بن إبراهيم النيسابورى ،الميدانى»، وفى حوار بيننا علم أننى أملك طبعة حققها وفصلها وضبط غرائبها وعلق حواشيها العالمة محمد محيى الدين عبدالحميد ،ولم يكن مفر من أن يصحبنى للمنزل حتى يتأكد مما أقول ،وقد كان ذا طابع وسواسى تؤكده نزعته للكمال ،وبعدها إل أقرب محل تصوير لتصوير المثل كما جاءت فى هذه الطبعة بحواشيها وضبتها. وأما األهم من ذلك كله الذى ادخرته ليكون خاتمة مطاف فى التذكرة بإلماحات على تدقيقه وسعيه الذى ال يكل فى سبر غور المعرفة ،وواتصل ذلك إبان خالفه مع األستاذ حسام الدين مصطفى بشأن إعداده «اإلخوة كرامازوف» ،وخاصة فى بنيتها الدرامية فى اإلعداد ولغة الحوار التى تعبر عن شخصياتها ،وأيضأ رأيه فى بعض ممثلى األدوار ،وبخاصة دور «إليوشا» ،وكم كان معترضا على من قام بالدور إذ امللتقى الفكري
27 26
رآه مغايرا تما للشخصية كما كتبها «ديستويفسكى» ،ومع إشتداد الخالف مع المخرج الذى لم يقتنع أيضا بوجهة النظر التى ال سبيل لخالف عليها وأعنى بذلك ماتناقشنا فيه حول مقالة متفردة لـ «سيجموند فرويد» كتبها لتكون تقديما للطبعة األلمانية كما طلبها الناشر ،ومع الطلب كتب فرويد مقاله المتفرد بحق «ديستويفسكى وجريمة قتل األب Dostoevsky &Parricideفيه يربط فرويد بين المبدع دستيوفسكى وتاريخ حياته والعمل الروائى بقدر ما يقدم فى اآلن نفسه الجديد عن دستيوفسكى فى أبعاد ثالثة ،المبدع ،العصابى (الذى سبق وأشرنا إلى أن المبدع ينحبس فى ذاتيته) ليفوز بصروحه الفنية التى يتشابك فيها الذاتى برؤاه بالوا قع وما يرنو إليه فى دفع المتلقى ليعى بصائر الغد ..ويحرك فهمه ليدفعه ألدوار جديدة. لكنه أيضاً يشير إلى بعد ثالث حيث اآلثم ،فقد كان دستيوفسكى مقامراً ..لكن أهم من ذلك ،وهو نقطة الخالف التى أستعرت مع حسام مصطفى..لكن نحى بإلتزام المحمود برأى فرويد من ان كل من األخوة كان مستوى الشعورى يرغب فى القيام الجريمة ( قتل األب فيدروفيتش فى النص األصلى)والتى يتهم فيها دميترى ويحكم عليه بالنفى بخمسة وعشرين عاما فى سيبريا على جريمة لم يقترفها ،وعندما يحاول أخويه إيفان وإليوشا أن يدبرا رشوة الحرس لتهريبه إذ بديمترى يرفض ذلك بإصرار ( على جريمة لم يقترفها ) ويصر أخوه إليوشا الراهب الذى أختار الدير للبعد عن هذه األسرة ،إذ به يصر على مرافقة أخيه لمنفاه (على جريمة لم يقترفها ) ،وبالمثل تضطرب بنية إيفان (على جريمة لم يقترفها ) ،وإن إنتهى العمل بإنتحار أسمردياكوف ( األخ والخادم وأبن بلهاء القرية التى ألتقى بها األب الذى تخلى عن كل القيم إلى الحد الذى ينافس أبنه «ديمترى» فى حبه لبروشينكا ،وتستعر الخالفات بين المحمود وحسام ،وفى حوارى مع المحمود هاهو يختار الحل الحاسم بضمير القاضى ،وهو ال يكتب اسمه فى تيترات العمل،لكن ثمة بعد تناقشت فيه مع المحمود
بقيمه والتزامه رؤيته مادامت تتسم وما يراه األمثل وإن كانت بعيدة عن أبعاد خالفه مع حسام مصطفى ،وإن اتصلت هذه المرة بكثير من حياة دوستيوفسكى والتى وجدت مساربها فى العمل الروائى ،وأن والده هو نفسه قتل على يد فالحيه ،وأن دوستيوفسكى كان متهما بمحاولة إغتيال بطرس األكبر ،وحكم عليه باإلعدام ،وفى لحظة تنفيذ الحكم صدراألمر بتخفيه للنفى أربع سنوات بسيبريا ،ومن غرائب ماكتشفه فرويد أن دوستوفسكى كانت تنتابه أعراض صرع ( وهى أعراض اسمردياكوف فى العمل الروائى) ،وقد توقفت هذه األعراض إبان منفاه ،وهو مانفى معه فرويد أن يكون دوستيوفسكى مصابا بالصرع (فالصرع عرض تثبت فيه إصابة عضوية)، فكيف يتوقف ،لقد أعاد فرويد تشخيص حالة المبدع باعتبارها بغية هيستيريةو.. و..وليس لنا إال أن نؤكد من جديد أن المبدعون ال يموتون ،ونحسب أن المحمود سكن فى قلوب قارئيه ،ومشاهدى أى من أعماله ،فكم أسس من صروح فى المسرح والسينما والقصة ،وما أكثر ما قدم ،وهو الذى انتقل لخلوده ،وهو الذى لم يتجاوز إحدى وخمسين قدم بين يديه إبداعا يوقظ العقول ،ويأخذ بيد من ال يعلم إلى فوائد من علم ومعرفة ،وفى المأثور»أن العلماء ورثة األنبياء» ،وأحسب أنه مما قدمه بين يديه من مشاعل تنير السبيل لتزيل عن العقول ظالمها ،فال غرو أن يكون هو نفسه سماء أخرى كم أضاء من أنجم إبداع تنشر سطوع أنوارها فى العقول قبل المتون ...وسالم سالم..مسالم سالم عليه فى الخالدين إلى أن نلقاه
امللتقى الفكري
29 28
القضايا االجتماعية والشكل الفني في مسرحيات محمود دياب شيــماء توفيــق يعد محمود دياب ( )1983-1932واحد من رواد المسرح المصري والعربي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ،ورغم إبداعه منذ بداية رحلته الفنية واألدبية كقاص من خالل مجموعة قصصية قصيرة باسم «خطاب من قلبي» ،ورواية قصيرة هي «الظالل في الجانب اآلخر» ،وما تأكد معها من إمكاناتفنية وموهبة كانت تؤهله ألن يحتل مكانة متميزة كروائي في السنوات التالية ،إال أنه احتل هذه المكانة في مؤكدا على كتابته الفريدة. المسرح منذ ذلك الوقت وحتى اآلن ً في أواخر الخمسينيات ومع مطلع الستينيات من القرن العشرين يبدأ محمود دياب رحلة الكتابة ،تلك الفترة التي تزخر باألحداث السياسية لمجتمع يعيش نتائج ثورة يوليو التي قامت قبل سنوات قليلة ،وعلى المستوى الفني والفكري تشهد مصر حركة فنية وثقافية كبيرة،فعلى سبيل المثال يظهر االتجاه الواقعي في المسرح ،والذي رائدا من رواد المسرح الواقعي تبلور من خالل مسرحيات نعمان عاشور الذي يعد ً مقتربا من المتلقي وقضاياه في مجتمع ما بعد ثورة يوليو ،كما ظهر خالل االشتراكي، ً مسرحيات غيره من كتاب المسرح مثل سعد الدين وهبة ،وفي هذا االتجاه ظهرت األعمال المسرحية زاخرة بالشخصيات التي يستخدمها الكاتب كرمز صريح لطبقة بعينها أو للوطن بشكل عام ،ونلحظ ذلك في مسرحية «الناس اللي تحت» لنعمان عاشور التي عبر من خاللها عن أفول نجم طبقة وصعود أخرى في مجتمع ما بعد الثورة ،وكتابات سعد الدين وهبة الذي ذهب بمسرحه إلى القرية لمناقشة قضايا أبنائها كما اتضح في «كوبري الناموس» و«كفر البطيخ» ،كماظهرت آثار الفكر الغربي في كتابات البعض على مستوى تكنيك الكتابةورسم الشخصيات كما في مسرحيات
ميخائيل رومان مثالً ،األمر الذي ظهرت معه على الجانب المقابل دعوات التأصيل لمسرح مصري وعربي من خالل بعض الكتاب والمفكرين على نحو ما قام به يوسف إدريس عام ،1964وكذلك دعوة توفيق الحكيم خالل دراسته المعنونة باسم قالبنا المسرحي عام .1967 في خضم هذه االتجاهات يخرج محمود دياب بنصوص مسرحية ذات طابع خاص، وإن كان يتم تصنيف كتابته بأنها تنتمي لالتجاه الواقعي فإنه يتحرر من األزمة التي أسيرا لرمزية الشخصية التي تسم الكتابات المنتمية له، أصابت هذا االتجاه وال يبقى ً فعلى سبيل المثال نجده عبر بدقة عن القرية والعالقات القائمة بين أفرادها ،وفي الوقت ذاته يتخطى حدود القرية وقضاياها وصوالً لقيم وعالقات إنسانية ،ومن ثم ونفسيا دون االنحصار في إطار الرمز ،وفي فنيا استطاع تجسيد عالم القرية ً ً تجسيدا ً تكنيك الكتابة نجده اعتمد في أكثر من مسرحية على شكل السامر الشعبي ،محققا بذلك خطوة بارزة في دعوة تأصيل لمسرح مصري وعربي ،تلك الدعوة التي نادي كثيرا ما ظهرت في بها إدريس ولم تتحقق بشكل جلي في كتاباته المسرحية ،بينما ً مسرحيات محمود دياب. المركز واألطراف: لعل العالقة بين المركز واألطراف من أبرز القضايا التي ظهرت في مسرحيات طارحا للكثير من محمود دياب ،والتي يتخذها منطلًقا لعرض شتىاإلشكاليات ً التساؤالت،فكثيرا ما يتكرر تجسيده للقرية التي تبعد عن المدينة وتعاني بشكل أو ً بآخر من العزلة عن العالم الخارجي وما يترتب على ذلك من فسادوجهل وتخلف، وفي داخل القرية ليستلدى أبنائهاالرغبة في السعي لمعرفة هذا الخارج بل إن الجموع تتجاهل للرأي المستنير إن ُوجد ،أو أن اآلراء الممثلة لهذا الرأي تعزل ذاتها متعالية عن الجموع،ففي مسرحية «الزوبعة» والتي كتبت عام ،1966يعرض الكاتب منذ امللتقى الفكري
31 30
البداية الحال التي عليها هذه القرية وأبنائها منذ القدم ،وبالتحديد يتم تأكيد الظلم الواقع ويحكم عليه على إحدى األسر التي ُيتهم عائلها ظلما بارتكاب جريمة لم يرتكبها ُ نظرا لوجود شاهدي الزور وحالة الصمت المخيمة على عاما ً بالسجن لمدة عشرين ً الجموع التي تبدو ساكنة ،واألمر لم يكن حديث العهد من ظلم أهل القرية لعائل هذه ظلم الجد أيضأ وسط التجاهل والصمت التام األسرة «حسين أبو شامة» بل إنه سبق و ُ من الجميع. مع انتشار نبأ خروج «حسين أبو شامة» من سجنه وعودته للقريةمن خالل الشقيقان الثرثاران سرعان ما يدب الرعب في نفوس الجميع ،وخاصة مع استعادة أحدهم توعد األول بأنه سوف يقوم باالنتقام من الجميع بأن يقتل عدد من أفراد القرية ظلما في السجن ،هذا النبأ الذي يثير الخوف لدى يوازي عدد السنوات التي قضاها ً الجميع بداية من مرتكبي الجريمة الحقيقيين وصوالً لمن شاركوهم بالصمت ،من هنا مكتفيا فإن شائعة عودة أبو شامة ،والذي لم يستطرد الكاتب ويتوسع في الحديث عنه ً بظالل حضوره على الحدث رغم الغياب المادي ،إنما هي شائعة تمثل حافز عمل على تحريك الوسط الساكن للكشف عن المنظومة الهشة التي تقوم عليها العالقات داخل القرية ،وعملت على إزاحة الستار عن مفاسدها ،فصالح االبن الذي يعاني من نبذ أبناء القرية له وال يرعاه سوى «الشيخ يونس» ،والذي رغم ما يكنه له أبناء ضريرا على المستوى مؤثرا على مواقفهم ،بل يبدو ً القرية من تقدير إال أنه ال يظهر ً وعاجزا عن الفعل ،وحتى االحتفال الذي ُيقام ألحد أثرياء القرية «الحاج الجسدي ً شعالن» الحريص على المظاهر الدينيةوالعائد لتوه من أرض الحجاز ،ذلك االحتفال الذي يتجمع فيه أهل القرية سرعان ما يتأكد أنه قام باالستيالء على أرض صالح ،مع انتشار النبأ سرعان ما يتغير موقف الجميع تجاه أسرة أبو شامة ،وبالطبع ليس نتيجة لالعتراف بالخطأ بقدر ما هو خوًفا من العقاب عند عودته ،واألمر يصل لذروته
عند اعتراف أحد مرتكبي الجريمة الفعليين «حسن األعرج» أمام الجميع بالمشاركة عمر»مؤكدا على براءة «أبو شامة» أمامهم، مع آخر من أعيان القرية هو«خليل أبو ً األمر الذي يتسبب في مقتله دون الكشف الصريح عن هوية القاتل ،ومن هنا يزداد الشعور بالخوف لدى الجميع والتي ينتج عنها محاولة استرضاء االبن «صالح» الذي كان ينبذه الجميع ويسلبون حقوقه المادية والمعنوية ،ورد ما سلبوه من حقوق ،وعلى راضيا رغم ما الرغم من التأكيد على أن أبو شامة لن يأتي ألنه قد توفى منذ سنوات ً تعرض له من ظلم ولم يكن ينوي أي انتقام ،إال أن شائعة عودته قد أزاحت الستار عن طبيعة العالقات بين أهل القرية الذين اعتادوا فعل الظلم بالقيام به أو بغض الطرف عنه ،ولم تعد الشخصيات كما كانت مع بداية الحدث ،ومن الجدير بالذكر تأثر محمود دياب هنا بمسرحية «المفتش» للروسي نيقوالي جوجول التي كتبها عام ،1835 وخاللها ينطلق الحدث مع نبأ وصول المفتش إلحدى المدن الصغيرة ،ومع هذا النبأ الذي ينقله الثرثاران المتالزمان ،وبأسلوب كوميدي يكشف الكاتب عن منظومة الفساد العامة التي تحكم العالقات ومؤسسات المدينةبداية من حاكمها وصوالً ألفراد شعبها، وحتى من يظنه الجميع هو المفتش ال يخلو من فساد ،حيث يقوم وخادمه باستغالل الجميع ،إال أن جوجول ينهي مسرحيته بنبأ وصول المفتش الحقيقي ،األمر الذي معه يتوقع المتلقي ما سوف تواجهه هذه المنظومة الفاسدة التي تمت تعريتها مع المفتش المزعوم. وفي مسرحية «ليالي الحصاد» التي كتبها محمود دياب عام 1968يدور الحدث أيضا في إحدى القرى المنعزلة في ليلة سمر من ليالي الحصاد ،ومن خالل تكنيك ً المسرح داخل المسرح يقوم الكاتب بالتعريف بالشخصيات ،فأهل القرية هنا ال يقومون بتجسيد لعبة خارجهم ،بل إنهم يجسدون واقعهم ويقومون بتقليد بعضهم البعض في مرآة ذواتهم ،ففي بداية لعبة التشخيص يقوم أحدهم بأداء ساخر للشيخ امللتقى الفكري
33 32
حجازي حين تمت سرقة حمارته ،األمر الذي يثير حفيظته ويوشك على مغادرتهم، ثم يقوم الممثل بتعريف المتلقي مباشرة بشخصية «البكري» المرفوض من أهل القرية أيضا ،كما أنهم يرفضون «صنيورة» ابنته بالتبني التي كان قد وجدها وهو يرفضهم ً في لفافة بجوار أحد القبور ،والتي أصبحت شابة يشتهيها ويرفضها في ذات الوقت رجال القرية ،وتكنلهانساءالقريةالحقد لما تمتلكه من جمال يأسر شيوخ القرية وشبابها ونظرا لتكرار الذين يتجمعون بالقرب من مسكنها أو يقومون بمحاوالت التودد لها، ً هذا الفعل يشارك أحدهم وهو «علي الكتف» وهو من عاشقي «صنيورة» وكان قد تقدم للزواج منها ولكن البكري يرفض جميع خطابها ،فيقوم الكتف بتقليد البكري وهو يعنف من يجلسون بجوار مسكنه خوًفا على ابنته بالتبني ،وعلى الرغم من رفض أهل سببا لجميع الشرور في القرية إال أنهم ال القرية للبكري و صنيورة ورؤيتهم بأنهما ً يستطيعون الخالص من البكري ألنه يقوم باستشفاء الماشية عن طريق الكي بالنار، أحيانا ،مع تكشف مالمح الشخصيات يقوم الكاتب بل إنهم يلجأون إليه الستشفائهم ً بإدانة الجميع ،فهذه القرية تنعزل عن العالم الخارجي بفعل أحد أبناء القرية ذاتها وهو «بكري» الذي قام بكسر «المعدية» التي كانت تصل القرية بقرية «العالية» المجاورة حتى ال يتمكن حبيب صنيورة من الوصول إليها ،وذلك ما يؤكده البكري ذاته أثناء اللعبة التمثيلية الداخلية ،األمر الذي حال دون وصول الشيخ نور الدين إمام المسجد إلى القرية ليؤم المصلين ،وهو ذاته يرفض أن يسلك طريًقا أخرى قد تستغرق منه بعض الوقت للوصول إلى القرية ،رغم معرفته أنه ليس من أبناء القرية من يصلح كإمام للمصلين ،وما يكسر عزلة هذه القرية نجده يتمثل في قصاصات الجرائد التي يمسك بها البكري وهو ذاته ال يستطيع قراءتها ،وهذه القصاصات الورقية ال تحمل سوى صورة شائهة من أنباء عن حوادث أو جرائم ،وفي الوقت الذي تُستخدم فيه أيضا من خالل اللعبة الداخلية حين اللعبة التشخيصية في التعريف بالقرية وأهلها يتم ً
يجسد البكري دور القاضي وحين يواجه باالتهامات من أهل القرية فإنه يؤكد على ان صنيورة تستحق الموت ،وهنا يتحرك «علي الكتف» من مستوى اللعبة الداخلية لتحقيق هذا الحكم في لعبة التمثيل الخارجية حيث واقع القرية ،إال أنه في واقع األمر سببا في أي من شرور وآفات القرية لم يقم إال بقتل «بهية» الفتاة البريئة التي لم تكن ً التي ظهر جميع أفرادها في موقف اإلدانة. أما مسرحية «رسول من قرية تميرة لالستفهام عن مسألة الحرب والسالم»التي ُكتبت عام 1974في أعقاب حرب أكتوبر ،خاللهايتعرض محمود دياب للعالقة بين أيضا المركز واألطراف من خالل القرية التي نتعرف عليها منذ البداية ،ونتعرف ً على مجتمع المدينة بسلبيات كل منها ،ففي البداية نتعرف على قرية تميرة إحدى قرى مصر التي تبعد عن المدينة وشبه منعزلة عنها ،فال يقف عندها القطار بل إن حافلة األقاليم قد تتوقف أمام القرية للحظات ،وعلى الرغم من عزلة هذه القرية الصغيرة عن المدينة إال أنه هناك خمسة من أبنائها مجندون ،عند عودة أحدهم وهو «فكري أبو إسماعيل» لقضاء إجازته،فسرعان ما يظهر الصراع بينه وبين عمه «دسوقي» الذي يطمع في االستيالء على فدان األرض الخاص بفكري وأخيه ووالدتهما ،بدعوى أن أخاه قد باعه له قبل وفاته بشهادة إثنين من رجال دسوقي اللذين يتأكد زيفهما خالل حوار والدة فكري ،وعلى الرغم من معرفة أهل القرية لشراهة العم إال أن موقفا فاعالً لرده عن جوره ،بل إنه خالل حوارهم يذكر «أبو عارف» أحدا ال يتخذ ً ً الذي يمثل الرأي المستنير في القرية تاريخ دسوقي المزدحم بوقائع االستيالء على الممتلكات العامة والخاصة واآلن يحين الدور على أبناء أخيه. تظهر القرية منعزلة منذ البداية عن خارجها وال يصلها بما يحدث في المدينة دائما ما يتحرك بها «أبو عارف»والراديو الخرب الذي يحمله سوى الجريدة التي ً «محروس» والذي من خالله يعرف أهل القرية عبر صوت متقطع نبأ قيام الحرب، امللتقى الفكري
35 34
وهنا يقرر أهل القرية إيفاد أحدهم إلى المدينة لمعرفة ما يدور ومصير أبنائهم، فيقومون بجمع المال الالزم لسفر «أبو عارف» ،وفي المدينة وبينما كان يذهب ألحد أبناء القرية الذي يعمل بمقر إحدى الصحف الذي يعرف أنه كان قد سافر للخارج، فال يتمكن رسول القرية من معرفة أنباء بل يظهر اإلعالم المتجسد في الصحفية والمذيعة في غاية السطحية ال يسعى للقيام بدوره التنويري،األمر الذي ال يصل معه «أبو عارف» ألية معلومات ،وعند العودة للقرية وتأنيب أهلها له لعدم توصله ألية معلومات عن أبنائهم ،سرعان ما تصل سيارة عسكرية تخبرهم باستشهاد فكري خالل الحرب ،وهو الحدث الذي يدفع أهل القرية للتكتل في مواجهة العم دسوقي ومنعه من االستيالء على أرض فكري الذي استشهد وهو يدافع عن أرض وطنه ،في موازنة من الكاتب بين دسوقي والعدو اإلسرائيلي حيث يسعى كل منهما لالستيالء على األرض، وتأكيد في نهاية المسرحية على أن الحرب لم تنته بعد. من خالل النماذج السابقة يظهر محمود دياب وقد اتخذ القرية للتعبير عن شخصيات من لحم ودم تحكمها بيئة القرية وتفاصيلها ،وفي الوقت ذاته يمكن أن مناقشا من خاللها موضوعات وطبائع إنسانية تنسحب العالقات على المجتمع بشكل عام ً تتخطى حدود القرية (مكانها وزمانها) ودون إغفال الجانب السياسي واالجتماعي، عامالً على توظيف ابتعاد هذه القرى عن المدينة في التأكيد على العالقة بين المركز واألطراف وغياب المسؤول وسيادة صوت الجماعة. مؤثــرات غربيــة: في الوقت الذي ينطلق فيه محمود دياب من داخل القرية المصرية في أكثر من مسرحية ،فإنه اليمك نتجاهل أثر الثقافة الغربية التي ينعكس صداها على كتًّاب المرحلة ،فال يمكن غض الطرف عن تأثر دياب بالكتابات الغربية ،والتي ظهرت في رائدا فيه ،ولعبة تبادل اعتماده على شكل المسرح داخل المسرح الذي يعد بيرانديللو ً
األدوار والمكانة الهامة للجمهور تلك التي عني بها بيرتولت بريشت في مسرحياته التي تنتمي للمرحلة الملحمية ،فاهتم محمود دياب بدور الجمهور وردة فعله ومشاركته في اللعبة المسرحية على نحو ما ظهر في «ليالي الحصاد» و«الهالفيت» حيث يعتمد خاللها على المسرح داخل المسرح فتشارك الشخصيات في اللعبة كمؤدين ومتلقين تماما إلدخال المتلقي ورؤيته في في الوقت ذاته ،إلى جانب النهايات الغيرمغلقة ً التفسير وملئ المساحات المسكوت عنها ،وال يمكن إغفال تأثير كتابات مسرح العبث التي ظهرت بوضوح في ثالثيته «رجل طيب في ثالث حكايات» ،فعلى الرغم من أن الطابع العام الذي تتسم به أعمال محمود دياب يهيمن عليه ااألسلوب التقليدي في البناء ،حيث البنية التقليدية التي تتطور وتنمو بشكل هرمي ،كمايستخدم األسلوب نفسه فيرسم الشخصيات التي تطالعنا وهي ذات مالمح و بنية نفسية واضحة وتاريخ كثيرا مايبقى الحدث دون نهاية مغلقة، ُيبنى لدى المتلقي مع تطور الحدث ،إال أنه ً بل يبدو حرص دياب على إشراك المتلقي في اللعبة بعد طرح الكثير من التساؤالت، وفي هذه الثالثية ورغم تمسكه بالبنية التقليدية للحدث وتطوره إال أن المالمح العبثية تتضح من تأثير كتابات صمويل بيكيت ويونسكو من خالل طبيعة الشخصيات التي ال تحمل أسماء أو تتشابه مع غيرها ويتكرر ظهورها في المشهد واختفائها منه دون مبرر يحكمه المنطق. ففي مسرحية «الرجال ال يشربون القهوة» وبينما يدور الحدث في مكان عني دياب بوصف تفاصيله الواقعية أمام منزل قديم لرجل قارب على الستين من عمره، إال أن المتلقي سرعان ما يلمح بعض التأثيرات العبثية لدى كتّاب العبث بشكل عام ويونسكو بشكل خاص ،بداية من الشخصيات التي ال تحمل أسماء ،وصوالً لتكرار واحدا تلو اآلخر يحملون نفس المالمح وينطقون ذات الكلمات في ذات ظهور الغرباء ً الحركة اآللية في تراتب يستدعي معه شخصية رجل اإلطفاء في مسرحية «المغنية امللتقى الفكري
37 36
الصلعاء» لـ يونسكو الذي يتكرر ظهوره ووصوله للمنزل رغم تأكيده على أنه قد أتى للمرة األولى إلى هذا المنزل إلخماد الحريق الغير مشتعل في األساس ،أو «مرتجلة ألما» لذات الكاتب حين يتوافد على شخصية «يونسكو» الكاتب ثالثة من الشخصيات التي تحمل االسم ذاته ،فيتوافد الغرباء في مسرحية دياب ال يحملون أسماء أو تاريخ لكل منها وفي النهاية يقومون بتمزيق كافة األوراق التي تثبت هويته أو تؤكد على امتالكه لبيته. وفي مسرحية «الرجال لهم رؤوس»وفي الوقت الذي يدور فيه الحدث بين رجل وزوجته داخل منزلهما الذي يعرض الكاتب لمفرداته الواقعية في بداية المشهد معا وصوالً للحديث عن عمل كما يدور بينهما حوار تقليدي رتيب حول حياتهما ً الزوج ،يستعير دياب «الجثة» التي ظهرت لدى كتّاب مسرح العبث للموازنة بينها وبين الرجل العاجز عن الفعل في حين أنه يعاني من القهر في وظيفته ويتم تخطيه في الترقية التي يستحقها ثالث مرات ،ورغم ذلك ال يهب للدفاع عن حقه المسلوب رغم حث الزوجة له على المواجهة ،بل إنه يصر على الموقف السلبي غير الفاعل، وهنا يدق جرس الباب معلنا عن وصول طرد ضخم تم إرساله للرجل يحمل بداخله صغيرا بداخله الرأس التي جثة رجل عار بغير رأس ،وسرعان ما يصل صندوًقا ً ترى فيه الزوجة مالمح زوجها ،ومع تطور الحوار بينهما والدور الذي تلعبه الزوجة في دفعه نحو اتخاذ موقف إيجابي إزاء ما يمر به في كافة شئون حياته ،هنا يتخذ الرجل قراره بالمواجهة للمرة األولى بأن يخطو أولى خطواته في سبيل المواجهة بأن يتحرك لإلبالغ عن هذه الجثة ،عندئذ تختفي الجثة بعد أن تؤكد الزوجة عقب قرار زوجها بالفعل بأنها لم تعد ترى جثة في المنزل. اقترابا من مسرح العبث، أما المسرحية الثالثة «اضبطوا الساعات» تعد األكثر ً فالموضوع الرئيس خاللها هو فعل االنتظار ،ذلك الفعل الذي يظهر في كتابات
مسرح العبث ويعتمد عليه صمويل بيكيت في مسرحيته «في انتظار جودو» ،حين يبقى فالديمير واستراجون ينتظران مجيئ جودو الذي ال يأتي ،وفي مسرحية دياب وخالل منظر لمكان من مفردات واقعية تظهر شخصيات أسرة في المنزل الخاص عاما ورغم ذلك تصر االبنة بها ينتظر أفرادها خطيب اإلبنة الذي اختفى منذ عشرين ً عهدا بانتظاره، على رفض من يتقدمون لخطبتها منتظرة مجيئه وقد عقدت على ذاتها ً فليس هناك أزمة بالمعنى التقليدي وإنما يظهر الجميع في حالة انتظار مجيئه الذي ال يتحقق حتى النهاية. من خالل النماذج سالفة الذكر وغيرها من األعمال التي ال تكفيها دراسة واحدة لتناولها ،يظهر وعي محمود دياب في مناقشة شتى القضايا ودقته في بناء شخصياته،وتكثيفهللجمل الحوارية،في استيعاب تام لطبيعة القرية المصرية ومفرداتها في ذات الوقت الذي قد تنسحب فيه معالجاته لمناقشة قضايا إنسانية أكثر رحابة غير مقتصرة على مكان وزمان محددين في وقت كتابتها ،بل إنها كتابات تصلح ألن تقدم هنا واآلن لقدرتها على مناقشة مشكالت واقعنا الراهن دون ان تبقى أسيرة لزمن كتابتها.
امللتقى الفكري
39 38
المحور الثاني الكتابات المسرحية الجديدة
حول الفعل المسرحي :الظهور والحضور والنص عبد الناصر حنفي
-1مقدمة : عالقة ظاهرة المسرح بالنص المسرحي اللغوي أو األدبي ،وربما باللغة بصفة عامة، هي أمر فريد ومثير للدهشة ،فقد انبثقت الظاهرة المسرحية في بدايتها لمواجهة هذا التضخم الهائل ألفق التجريد الذي أنتجته الكتابة الصوتية وذلك عبر استردادها أو إعادتها وجلبها داخإلطار التعين الحسي ،فحين كانت الحضارة اإلنسانية برمتها تندفع بجنون من الشفاهة إلى التدوين ،ظهر المسرح ليسير في االتجاه العكسي ويقوم بتحويل النص المدون إلى حالة عابرة ومتبددة هي أقرب للشفاهة .وعندما كانت موجات الحداثة منذ بداية القرن الماضي تتحرك تجاه إعالء النص اللغوي بوصفه الوعاء الوحيد للفكر ،والشكل الجوهري لكل تواصل معرفي في العالم ،أو -باختصار -بيت الوجود كما يقول هيدجر؛ كان المسرح يتحرك -بعنف ضاري -بعيدا عن نصه األدبي إلى أن أنزله من «تعاليه» -مرة واحدة وإلى األبد -ليصبح مجرد عنصر ضمن مجموعة كبيرة من العناصر المسرحية التي يتكون منها العرض. ولكن إذا كان المسرح قد انبثق بوصفه نوعا من التحدي لذلك العالم المتفاقم التجريد الذي أنتجته الكتابة الصوتية ،فهذا ال يعني أنه قد خرج من جعبة اللغة أو األدب كما يفترض البعض ،فالمسرح هو من قام باستدعاء الخطاب األدبي أو الشعري وعمل على مسرحته ثم تطويعه إلى أن تم استحداث نوع أدبي جديد بناء على متطلبات المسرح ذاته. وربما شيء من المقارنة بين حدثي ظهور المسرح وظهور السينما قد يكون مفيدا في إضاءة هذه النقطة ،فنحن نستطيع أن نتفهم بسهولة أن ظاهرة السينما لم تخرج من جعبة السيناريو (اللغوي) ،بقدر ما قامت باستحداثه وتطويره ليعمل لصالحها بوصفه امللتقى الفكري
41 40
خطة تمهيدية وتنفيذية مفصلة تتيح تطوير الحالة السينمائية األولية إلى كيان جمالي أكثر تعقيدا متمثل في الفيلم السينمائي ،وهو نفس ما تم قديما مع المسرح ،فالمسرح لم يعدل من ذاته ليستقبل النص ،بقدر ما أجبر اللغة األدبية على التعديل من ذاتها من أجل التوافق مع متطلباته الخاصة ،وسعيا إلى تحقيقها. ولكن ،إذا كان من الميسور الحديث عن متطلبات السينما بوصفها نتاج مباشر لطبيعة هذه التكنولوجيا وتقنياتها وحدودها الحسية وضروراتها العملية ،والتي أدت إلى فرض عالقة شبه مستقرة بين الفيلم والسيناريو بحيث أصبح األخير محايثا لألول وممهدا له دون أن يكتسب سلطات النوع األدبي المستقل بذاته؛ فإن تحليل عالقة المسرح مع نصه اللغوي -منذ لحظة ظهوره وحتى اآلن -هو أمر أكثر صعوبة وتعقيدا بما ال يقاس ،فقد شهدت هذه العالقة العديد من التقلبات واإلزاحات واالنقالبات ،باإلضافة إلى أن األشكال والمسارات التي اتخذتها تمر وتتقاطع مع مسارات تطور أشكال التجمع اإلنساني ومع حراك األفق االبستمولوجي الذي يعيد باستمرار رسم حدود معرفتنا بالعالم ،إن لم نقل أنه يعيد خلقه. وستحاول هذه الورقة تهدف طرح بعض التحليالت والتأمالت األولية حول الفعل المسرحي وعالقته بمكوناته ومنها النص ...وصوال إلى استعراض بعض تبديات هذه العالقة في ظاهرة المسرح المصري. -2من نظرية المسرح إلى تأسيس فينومينولوجيا المسرح: ثمة إشكالية منهجية هائلة تواجهها نظرية المسرح؛ فالظاهرة المسرحية ال تكاد تتطابق أبدا مع ذاتها على أي مستوى من مستويات «حدوثها» أو ظهورها ،فالعمل المسرحي هو فعل متقطع في الزمان ،ومتبدد وعابر؛ أي أن لحظة ظهوره هي مجرد انفتاح مؤقت بين لحظة «عدم وجوده» ولحظة اختفائه أو انعدامه ،ولذلك فإن جزء كبير من مسارات هذه الظاهرة مستنفد بالكامل في خلق أفق حضور يمكنه استقبال
وإعادة إنتاج هذا الفعل وحفظ «أثره» وإتاحة إمكانية تكراره ،وعدم التوقف أمام تلك المسارات هو ما أدى دائما إلى انفالت هذه الظاهرة أمام كافة المداخل الجمالية التي تتناول «الحضور المسرحي» بوصفه واقعة بسيطة ومألوفة ،أو معطى مطروح مسبقا على نحو ال يستدعي التساؤل عن مصدره أو كيفية حدوثه وظهوره .وهذا المنحى يصدق بالطبع على كافة المقاربات المسرحية التي كانت تستمد مفاهيمها وإجراءاتها من «نظرية األدب» ،مثلما يصدق على النموذج السيميولوجي الذي ظل يوالي االلتفاف حول فرضياته الخاصة على نحو أحبط الكثير من اآلمال التي عقدت عليه بعد تراجع النموذج الدرامي المهيمن منذ أرسطو ،وصوال إلى المدخل األدائي الصاعد بشدة منذ تسعينات القرن الماضي -والذي رغم التفاته إلى الفعل المسرحيباعتباره ممارسة أو «أداء» ( )Performanceإال أن منجزه النظري ال يكاد يتراكم إال حول اقتطاع بعض تبديات هذا الفعل بوصفها عينة تحليلية يتم فحصها من أجل الكشف عن مكوناتها وعالقاتها االجتماعية –أو حتى األنثروبولوجية -أكثر مما يتم المضي معها في اتجاه تقصي الظاهرة المسرحية نفسها! وال يقدم تيار الدراسات الفينومينولوجية في مداخالته المسرحية ما يتجاوز كثيرا هذا المشهد النظري المرتبك ،فالتأطير الفينومينولوجي التقليدي للعالم داخل حدود الوعي كان يعمل دائما بمثابة حاجزيحد من تحليل حاالت «الحدوث» ،و»الظهور»؛ في عالقتها بمفاهيم «الحضور» ،و»االستحضار» ،وهي العالقات التي تنتج العالم كما هو معاش ،مثلما تنتج الفعل المسرحي بوصفه معاشا! وفي هذا اإلطار تأتي مهمة «تأسيس فينومينولوجيا المسرح» بوصفها مشروع يهدف إلى وصف هذه الظاهرة ككل في عالقتها بالعالم .وقد ناديت في تحليالت سابقة أن المضي في اتجاه هذه المهمة يتعين عليه أن يبدأ -كخطوة أولى -من التأطير العام لكل ما هو مسرحي بوصفه حالة خاصة من الممارسة االجتماعية التي تستهدف إنتاج امللتقى الفكري
43 42
العالم ،وذلك ليس فقط ألن هذه الممارسة هي ما تنتج الفعل المسرحي ،بل أيضا ألنها هي ما تقوم باستعادته وإعادة إنتاجه في كافة تبدياته ،وبمعنى آخر فهذا الفعل ال يكاد يوجد قط مستقال عن هذه الممارسة عبر كافة لحظات ظهوره أو حضوره ،وبالتالي فهذا التأطير يتيح الفرصة لمعاينة أفق انتشار وحضور ما هو مسرحي ككل في الفضاء االجتماعي مثلما يكفل اإلمكانية لرصد عمليات ظهوره وحضوره في العالم عبر كافة تبدياته االجتماعية والجمالية (.)1 أما الخطوة الثانية فتمثلت في إعادة تحليل ما هو مسرحي (بداية من الحاالت األولية بسيطة التكوين ،وصوال إلى العرض المسرحي بالغ التركيب) بوصفه ظهور لحزم من «األداءات المتعينة» المتتالية والمتشابكة والتي تمثل استجابة غير مباشرة وغير محددة في عالقتها بأفق ما هو مجرد على نحو يسمح بتمييزها عن كل من األداءات اليومية (اإلجرائية ،والمباشرة) واألداءات الطقسية «الغرضية» التي تنبني على توالي االندفاع تجاه تجريد محدد يعمل بمثابة خط النهاية أو نقطة الوصول لكل ما يقدمه الطقس من تعينات حسية (.)2 أما هنا فسنحاول أن نخطو خطوة إضافية نحو تقديم وصففينومينولوجي أولي لعالقة ما هو مسرحي بمكوناته أو عناصره ،وهو ما سيتيح لنا -ضمنا -تأسيس األرضية المنهجية التي تسمح بمقاربة العالقة بين المسرح ونصه «اللغوي». « -3الكوجيتو المسرحي» :تدريب ديكارتي على عالقات المسرح والحضور: وقبل أن نبدأ هذا التدريب الديكارتي يتعين علينا أن نرسم الحدود المنهجية للفضاء «الفينومينولوجي» الذي يمكن له أن يسري داخله ،إذتهتم الفينومينولوجيا الكانطية بتحليل «وقع» ما يظهر داخل فضاء الحضور (أو ما يمكن تسميته بظل أو أثر الشيء في ذاته) ،وتهتم الفينومينولوجيا الديكارتية الهوسرلية أوال :بالوعي باعتبارهما يحضر دوما دون انقطاع (ديكارت) ،وثانيا برد ووصف أنماط هذا الحضور ذاته
(هوسرل) ،فيما تولع التحليالت الفينومينولوجية عند هيدجر بما ينكشف بوصفه ما يؤسس أو يعيد تأسيس ميدان الحضور .وبالتالي فهذه المقارباتتترك تحليل الظهور وما يظهر خارج إطار التفكير إلى حد ما باعتباره مجرد معطى أولي (وأحيانا قبلي). وهو ما يسبب الكثير من المشاكل للفينومينولوجيا أمام «المسرح» الذي هو بالمقام األول لعب في إطار ما يظهر ،وليس في إطار ما يحضر فقط (مثلما هو الحال في بعض الممارسات الجمالية األخرى) ،فالعمل المسرحي يستهدف باألساس «إظهار» مجموعة من الوقائع المتتالية على نحو منتظم ويمكن تكراره. ولنبدأ تدريبنا بسؤال يتقصى مبدأ التعليق الفينومينولوجي عبر طرح أو إسقاط كل ما يمكن فصله أو مباعدتهفي ظاهرة المسرح :فهل يتضمن الفعل المسرحي مادة بعينها أو مكونا أصليا ال يمكن االستغناء عنه؟وهل توجد نقطة أصل أو «فعل إصدار» أو فاعل مؤسس؛ بحيث أنه باختفاء أو حذف أي منها -أو جميعها -يختفي أو يتالشى تماما كل ما هو مسرح؟ ولسنا هنا بحاجة إلى تعداد وتصنيف «المكونات المسرحية» من أجل فحص مدى ضرورةأو لزوم ارتباطهابالفعل المسرحيأو إمكانية حذفها منه ،فهذالمكونات أيا كانت ال تظهر إال داخل مجال حسي ،وعادة ما يستخدم الفعل المسرحي حاستي البصر والسمع ليصنع عبر تداخلهما المتزامن مجالظهور مركب يستخدمه كمنصة حضور للتعينات التي يقدمها ،غير أن األمر ال يسير دائما على هذا النحو ،فنحن نعرف أنبعض «اللحظات المسرحية» تتضمن فترات من االنقطاع الحسي (إظالم ،صمت) سواء للحاستين معا ،أو إلحداهما دون األخرى ،وبالطبع فهذا االنقطاع للمجال الحسي يؤدي إلى اختفاء كل التعينات الحسية المحمولة عليه ،وصحيح بالطبع أن هذه االنقطاعات المؤقتة يجري وصلها داخل أفق الحضور الذي يخلقه الفعل المسرحي لنفسه ،ولكن هذا يعني أيضا أن الفعل أو «الحدث» المسرحي -كما نعايشه -ال امللتقى الفكري
45 44
يتطابق دائما مع مكوناته الجزئية وال يتوقف عليها ،أي أنه ال يظهر بظهورها ويختفي باختفائها. ومن جهة أخرى ،وفي حاالت مسرحية بعينها سنشهد انقطاع كامل أو اختفاء دائم لحاسة بعينها ،مثلما نجد في حاالت مسرح «المايم» مثال أو المسرح البصري الخالص بشكل عام حيث يتم االستغناء تماما عن حاسة السمع ،مقابل المسرح اإلذاعي الذي يسقط حاسة اإلبصار بالكامل ،وبغض النظر عن مدى تقييمنا الكتمال أو ابتسار هذه الحاالت المسرحية فهي مطروحة ومنتشرة بهذه الدرجة أو تلك ،ناهيك عن أن ثمة «فعل مسرحي ما»هنا ال يمكن تجاهله أو نفيه باطمئنان. واآلن :بما أن كل ما يمكن اعتباره مكون أو مادة مسرحية ال يظهر إال محموال على مجال حسي بعينه ،بحيث أن انقطاع ذلك المجال يعني اختفاء أو انعدام تلك المادة ،وبما أن الفعل المسرحي يمكنه االستغناء عن أي من مجاالته الحسية األساسية (السمع واإلبصار) بكل ما يتضمنه هذا المجال من مادة أو مكونات أو عناصر مختلفة ومتباينة ،فهذا يعني أنه ال يوجد ضمن هذه «المادة» ما يمثل ضرورة مطلقة للفعل المسرحي ،وهو ما يشمل كافة العناصر المسرحية التي تم اكتشافها وتطويرها عبر التاريخ ،بداية من التمثيلوالنص اللغوي ،وصوال إلى السينوغرافياوالميزانسين... الخ ،بحيث سيبدو واضحا «هنا» أن هذه المادة هي مجرد «أعراض ثانوية» أو غير جوهرية؛ يستخدمها الفعل المسرحي كنقطة بداية ال أكثر ثم يصبح بمقدوره التحرك بعيدا عنها ،إنها محض أداة يستخدمها الفاعل المسرحي لملء المجال الحسي بما يظهر تمهيدا لتأسيس فضاء حضور مسرحي يمكنه حفظ ذاته حتى عند اختفاء أغلب هذه المادة،وهو ما ينقلنا من تحليل مكونات الفعل/الظهور إلى تحليل الفاعل المؤسس للحضور. ونحن نعرف بالطبع أن الفاعل «المؤسس» في بعض العناصر المسرحية (مثل
عنصر النص المؤلف ،أو عنصر اإلخراج) ال يكون كذلك إال على نحو غير مباشر ومن خالل فاعلين آخرين (الممثلين) يظهرون في حالة تعين حسي ،ولكن في بعض الحاالت المسرحية قد ال يكون هناك أي ظهور حسي لفاعل مباشر على وجه اإلطالق ،وهو ما نجده مثال في مسرح الدمى حيث يتعين الفعل المسرحيأمامنا عبر تحريك تلك الدمى فيما يتوارى الفاعل تماما. وإذا ما قمنا بتوسيع دائرة التحليلقليال لتشمل تلك التكوينات المسرحية التي تستجيب لتكنولوجيا التدوين الحداثية (مثل التسجيل الصوتي وأشرطة أو ملفات الفيديو أو السينما) فسنجد أنفسنا أمام فعل غير مباشر يقوم على استحضار «حدث» ظهور سبق تسجيله ،وهو ما يعني أنه ال توجد ضرورة تحتم تطابق لحظة حضور الفاعل المسرحي مع لحظة حضور فعله ،كما أن الفعل نفسه يمكن أن يتحول إلى محض «استحضار» عبر الفصل بين لحظة وقوع الفعل ولحظة حضوره ،وهو ما يسري على حالة استخدام هذه التكنولوجيا كأحد عناصر الفعل المسرحي داخل مشهد بعينه، أو كأداة لتخزين أو تدوين الفعل المسرحي بأكمله. وهكذا ،فالتدريب الديكارتي الذي نحاول إنجازه هنا يذهب بنا إلى إمكانية االنخالع أو التباعد بين ما هو مسرحي؛ وبين عناصره أو مادته التكوينية حينا ،وفاعله وواقعة فعلهحينا آخر؛ طالما أنه قد تم تأسيس أفق حضور يسمح بذلك ،وهو ما يعني أن تحقيق أو إحداث وحفظ هذا النمط من «الحضور» هو جوهر أو أصل كل ما هو مسرحي ،أو بتعبير آخر فهو ما يمنح كل ما هو مسرحي هذه الصفة ،وكما أسلفنا فإن أفق ما هو اجتماعي هو األرضية التي يتم عبرها ظهور وحضور وحفظ واستعادة ما هو مسرحي. إن العالقة بين «حدث» الظهور ،وأفق الحضور الذي يخلقه هي ما تشكل عالمنا بوصفه كذلك ،وفي الفينومينولوجيا التقليدية -كما ذكرنا -ال يتم مقاربة حدث الظهور امللتقى الفكري
47 46
إال بوصفه معطى خارجي يطرح نفسه أمام الوعي ،أما في المسرح فال يمكننا اإلقرار ببساطة بهذا األمر فواقعة ظهور ما هو مسرحي ليست معطى بقدر ما هي فعل إنساني يتالعب أو باألدق يلعب مع ما يطاله من أنماط وقواعد ظهور العالم عبر استخدام أو جلب مكونات أو عناصر هذا العالم إلى «حدث الظهور» وإخضاعها إلى عملية تحويل تتيح خلق مجال»الحضور المسرحي»،وتالقي حدث الظهور مع مجال الحضور يفضي أحيانا إلى عملية «االنكشاف» على النحو الذي حلله»هيدجر»، واالنكشاف هو اللحظة التي يصبح فيها حدث ظهور «ما هو كائن» محفزا أو ممهدا الستحداث ترابطات جديدة متعلقة به في ميدان الحضور .ولذلك فحالة االنكشاف إما أن تدفع مجال الحضور للتغير وإعادة ترتيب مكوناته أو عالقاته ،أو تدفعه على األقل إلى تمديد هذه العالقات .وبهذا المعنى فاالنكشاف هو لحظة تالقي ما هو متعين بما هو مجرد. وما أن تتم هذه العملية حتى يكون بمقدور مجال الحضور الذي خلقه الفعل المسرحي أن يتحرك بعيدا عن حدث ظهوره بكل ما يتضمنهمن مكونات؛ ومن يتضمنه من فاعلين؛ بحيث يذهب إلى «التالقي» والتماهي أكثر فأكثر مع الفضاء العام لحضور العالم.وبالنسبة لكل فعل أو حدث مسرحي مفرد فإن هذا التالقي يفضي عادة إلى الذوبان في العالم بشكل أو بآخر ،غير أنه حين تتراكم فعالية «االنكشاف» التي ينتجها هذا التالقي في بقاع بعينها من فضاء حضور العالم فإن هذا قد يؤدي إلى انبثاق ظواهر معرفية أو ابستمولوجية -آن الكشف عنها-مثل «االستباق» ()Anticipation المسرحي ،و»الجاهزية» ( )dispositifالمسرحية .وكالهما يمثالن األثر األخير واألكثر تجريدا -الذي يتبقى من الفعل المسرحي الذي يبدأ بوصفه حسيا ومتعينا.و»االستباق» المسرحي ،هو آلية ابستمولوجية كشفها -منذ عدة قرون -السير «فرانسيس بيكون» في نفس اللحظة التي ألقى فيها تعويذته -أو لعنته -عليها بوصفها
«وهم ،أو صنم المسرح» فظلت مطمورة ومهجورة ،وهويقوم على اصطناع صورة للعالم تبدأ مما قد يبدو أن هذا العالم يكونه «مسرحيا» ثم تنطلق نحو ما هو في سبيله إلى أن يكونه في الزمان؛ وهذه االستباقات الخاطفة التي تظهر وتختفي باستمرار تعطي -في حالة توافقها وتراكمها -شكال اتجاهيا داخل فضاء العالم ،أو أنها -بمعنى آخر -تعبد أمامنا طرقا للذهاب إلى العالم. ومقابل هذا االستباق الذي يحاول التالقي مع العالم كما قد يأتي في المستقبل عبر بناء جسر ما يسمح لنا باستشرافه؛ فإن تراكم حركتنا فوق هذا الجسر قد ينتج عنه انبثاق سلسلة من الترابطات المعرفية المحددة والمتماسكة بحيث يجلب بعضها بعضا؛ والتي ترتكز على صورة العالم كما تم تمثلها مسرحيا ،وهذه الترابطات يمكن استخدامها كمنصة إلعادة استحضار العالم الذي كان! -أي أنها تدعونا إلى االنفتاح على ماضي العالم -وفي استحداث توافق بين العالم كما هو كائن وبين تمثله المسرحي ،وهو ما أطلق عليه الجاهزية ( )dispositifالمسرحية ،وتلك الجاهزية هي ما تمكننا -على سبيل المثال -من التفكير في العالم بوصفه مسرحا حاضرا أو قيد الظهور ،أو التعاطي مع ذواتنا وذوات اآلخرين باعتبارها أدوارا مسرحية راسخة ومنقضية أو قابلة للعب والتبدل والتبادل واالنقالب واالختراق..الخ ،أو إعادة تمثل حياتنا برمتها أو لحظاتها المعاشة وكأنها مجرد مشاهد مسرحية -منتهية أو مستمرة -يمكننا أن نندمج أو نتماهى فيها ونصبح جزءا منها مثلما يمكننا أن نخطو بعيدا عنها بحيثنتخارج منها ونتأملها وكأنها ال تخصنا ،وكلها أمثلة تتجاوز حدود ما يمكن أن تسمح به البنية االستاتيكية لالستعارة البالغية التي عادة ما يتم طي هذه الحاالت تحت عباءتها. ومع نهاية هذا التدريب ربما يتضح أمامنا أنه ليس من قبيل التمحك الفلسفي -إذا- الحديث عن «كوجيتو مسرحي» يمكن صكه في عبارة مقتضبة أو مبتسرة مثل: «المسرح يحضر إذا هو موجود»! ،أو في صيغة أكثر شكلية مثل« :أينما كان هناك امللتقى الفكري
49 48
حضور يمكن رده إلى ما هو مسرحي فثمة مسرح أو أثر مسرحي» ،ورغم ذلك فال يزال أمام هذا التحليل الكثير مما يجب عليه إنجازه حتى يتحول من مجرد تدريب ديكارتي إلى تأسيس فينومينولوجيا للمسرح تتخطى المدارات التقليدية للفينومينولوجيا العامة. وعموما ،يمكننا القول أن ما هو مسرحي يبدأ بوصفه استحداثا للظهور عبر تبديات متعينة حسيا وينتهي إلى حضور أكثر تجريدا يندمج بشكل أو بآخر في حضور العالم على نحو يسمح بانفتاحه على ذاته في اتجاهي الزمان القادم والماضي ،أي نحو ما كانه هذا العالم وما قد يكونه ،ولذلكفالمسرح هو أحد مؤسسات إنتاج العالم. والمسافة الفاصلة بين لحظتي ظهور -أو ما قبل ظهور -ما هو مسرحي؛ ولحظة دمج حضوره في العالم؛ تمتلئ بما ال حصر له من عناصر ومواد وأفعال وفاعلين... إلخ ،وبعضها مجلوب من العالم مباشرة وبعضها قام المسرح على مدى تاريخه بتطويره ،ورغم ذلك فال يوجد ما يخص المسرح هنا بصفة مطلقة سوى تلك الرحلة التي يقطعها من الظهور إلى الحضور أو من التعين إلى التجريد ،فالمسرح في جوهره هو حركة أو عملية «تحويل» ،وكل تحويل ال يجد ما يخصه إال في مساره ال في مادته أو موضوعه ،وصحيح أن هذه النتيجة قد تأخذناإلى أفق قريب من عتبة الجماليات أو اإلستطقياالكانطية التي قد تبدو «صورية» أكثر مما ينبغي بالنسبة للمسرح ،ولكنها أيضا تفتح التحليل على الظاهرة المسرحية بوصفها كيان يتحرك في التاريخ وباعتباره كذلك فهومتغير وقابل لالنقراض أو االنمحاء في العالم مثلما هو قابل لالستبدال أو التقاطع والتماهي والذوبان في أي ظاهرة أخرى تستخدم نفس آلية التحويل التي يقوم عليها ،ولكن إذا لم يكن للمسرح -نظريا -ما يخصه بصفة مطلقة أمام أي ظاهرة قائمة أو ممكنة ،فعلى نفس النحو ليس لدى أي ظاهرة ما يخصها أمام المسرح ،بمعنى أن المسرح يمتلك إمكانية التقاط مفردات أو مكونات
أي ظاهرة وإخضاعها لعملية التحويل المسرحي ،مثلما يمكن ألي ظاهرة التقاط ما تم تخليقه أو تطويره داخل المسرح والتعاطي معه وكأنه يخصها بما في ذلك آليته التحويلية ،والواقع أن جلب ما هو في الخارج إلى فضاء المسرح ثم إزاحة ما هو مسرحي إلى خارجه؛ هي حركة لم تتوقف أبدا طوال التاريخ الذي عاشه المسرح، وهي تصل أحيانا إلى حد يصعب فيه التمييز بين ما يعود للمسرح وما يعود لغيره من الظواهر،إال أن المطالبة بالبحث عن الفواصل المطلقة بين ظواهر العالم وكأنها كيانات مفارقة لبعضها بعضا ،أواللهاث وراء التعريفات الجامعة المانعة التي ترغب في تحقيق ما هو أكثر من التمييز بين الظواهر على نحو يسمح بتصنيفها؛هي كلها هواجس نظرية لطيفة مبنية على افتراضات ميتافيزيقية لم يعد لديها ما تقدمه. ويبقى هنا أن نتوقف قليال أمام آلية التحويل المسرحي التي تنتج لنا كل ما هو مسرحي بوصفه كذلك ،وهي تعمل على عدة مستويات سنهتم هنا باثنتين منها. المستوى األول :هو استحداث «الظهور المسرحي» عبر جلب ما هو في العالم إلى حالة من التعين داخل إطار فعل مسرحييفتح أفق عالقات الحضور التي تحول تلك التعينات إلى مكون أو مادة مسرحية على النحو الذي نألفه ،وهذا المستوى يكمن وراء ما أطلق عليه «المحاكاة» المسرحية قديما ،وأيضا بعض مقاصد أو تضميناتمصطلح «المسرحة» أو التمسرح األكثر حداثة. المستوى الثاني :يمكننا أن نطلق عليه «التطويع المسرحي» ،وهو يقوم على خلخلة تركيب مجال الحضور الذاتي لهذه المكونات على نحو يجعلها أكثر توافقا -أو حتى تضاربا -مع مجال الحضور العام للعمل المسرحي ،بحيث أن أي مكون يمتلك وجودا يخصه خارج المسرح (النص مثال أو الموسيقى ،أو أي مكون أدائي آخر) سيتباعد عن قيمه أو تضميناته وعالقاته وارتباطاته الذاتية التي يمتلكها في العالم مقابل إعادة دمجه في عالقات أو ترابطات مسرحية تكسبه نمط حضور طارئ ومختلف عما امللتقى الفكري
51 50
كان عليه في حالته ما قبل المسرحية وصوال إلى إعادة إنتاجه على نحو قد يقطع تماما بينه وبين حالته األصلية ،وبعبارة أكثر اختزاال فما يدخل في الفعل المسرحي سيكتسب جمالياته وقبحه من داخل هذا الفعل نفسه ،بغض النظر عن حالته خارجه. -4ظهور الفعل المسرحي: إن كل ما يوجد أو يظهر أو يحضر هو في التحليل األخير حالة من حاالت استجابة القوى لذاتها طبقا الختالفاتها وحسب مساحة اللعب التي تفتحها لنفسها داخل أو خارج عماءها الخاص:أي حيث ال يمكن التمييز بين ما يكون وما ال يكون ،وال يختلف الفعل اإلنساني كثيرا في هذا الصدد باستثناء أن مساحة اللعب التي يسري فيها (أي احتماالت اإلمكان وعدم اإلمكان) هي أكثر اتساعا ورحابة وانفتاحا على عماء الوجود ،أما الفعل المسرحي بوصفه لعبا مع حاالت ظهور القوى التي يفترض أنه نتج عنها منذ البداية ،فهو االستجابة األكثر تراكبا وتعقيدا للعب القوى. ولكن كيف يمكن االلتفاف حول تفاعالت القوى بحيث تصبح إمكانية الظهور التي هي خاصيتها الرئيسية في التفاعل مع نفسها مجرد عامل أولي أو فضاء أصلي في مدار ألعاب الفعل اإلنساني مع ذاته؟ إن لعب القوى هو تلك المسافة المنفتحة بين اختالفاتها المستقرة واستجاباتها األكثر ترديدا ،وهو الفضاء الذي تطورت داخله عمليات استحداث تلك الكيانات المتحركةالتي تملك إمكانية الفعل ،بداية من الفعل المباشر واللحظي ،وصوال إلى سلسلة األفعال المباشرة ذات الترابط المنقوص الممتلئ بالفجوات والتي يتوقف ظهورها في كل مرة على االستجابة المباشرة للعالم -أو ما هو في الخارج -ألفعال بعينها في هذه السلسلة؛ بحيث إما أن تحدث استجابة ترأب هذه الفجوات فتستمر السلسلة نحو نهايتها ،أو تترك فجوة أو أخرى على حالها دون استجابة فينقطع ظهور السلسلة، وهذه اآللية هي ما أنتج الفعل اإلجرائي ،أما عندما يمكن أن تستمر هذه السلسلة
دون انتظار أي استجابة خارجية ألفعالها ،أي عندما تكتسب القدرة على الالمباالة أو تجاهل فجواتها الخاصة ،فهنا نكون أمام تجلي «الفعل األدائي» ،وهو اصل الفعل الطقسي وكل األفعال الجمالية بما فيها المسرح ،وهو بداية لالبتعاد عن ارتباط الفعل اإلنساني باالستجابة المباشرة التي يستهدفها أوينتظرها ،لصالح اإليغال في فتح مسافة اللعببين األفعال ،إذ أن إزاحة االستجابات الداخلية الجزئية التي كان يتطلبها المرور من فعل آلخر بحيث تتراكم خارج سلسلة الفعل األدائي هو البذرة أو األرضية التي تم عبرها خلق مجال الحضور بوصفه في األصل انصهار أو تالقي الستجابات «مؤجلة» ،قدر لها أن تظل غير مشبعة وغير منتهية على النحو الذي قد يولع «دريدا» بوصفه وتحليله. وهكذا يمكن تمييز األفعال اليومية «اإلجرائية» المعاشة عن الفعل األدائيأألولي باعتباره يقوم على تأخير «ظهور االستجابة» المصاحبة لألفعال الجزئية المكونة له. استبصار باربا: ولكن ما الذي يدشن ظهور الفعل المسرحي بالمقام األول؟ ولبدء تحليل هذا السؤال فعلينا التوقف أمام مالحظةاستثننائية لـ «يوجينيوباربا» حواللتباين الملحوظ في كم الطاقة اإلنسانية التي ينفقها الممثل في الفعل المسرحي مقابل ما يبذل لتنفيذ نفس الفعل في الحياة اليومية ،وهذه المالحظة تنطوي على استبصار يشمل الفعل المسرحي بصفة عامة وليس فن الممثل فقط ،وهو استبصار يمكن االرتقاء به تحليليا ليصير بمثابة الفرضية األساسية التي تفسر ظهور الفعل المسرحي؛ أو بمعنى آخر «فعل الظهور المسرحي» ،أيا كانت طبيعته أو امتداداته في الزمان أو مدى بساطته أو تركيبه وتعقيده. وطبقا لهذه الفرضية يتميز الفعل المسرحي بميل واضح إلىالسخاء المحسوب في إنفاق الطاقةداخل إطار لعبة استحداث ظهور تعيناته ،وهو ابتكار يعود إلىاقتصاد «الفعل امللتقى الفكري
53 52
الطقسي»؛الذي كان يتركبعادة من سلسلة أداءات محددة ومحدودة نسبيا بحيث تكاد تقتصر على بعض إيماءات حسيةوحركية محددة ومحدودة يجري تكرارها وتأكيدها المرة تلو األخرى على نحو مفرط لصالح «غرض» بعينه. وبصفة عامة ،فالفعل الطقسي هوالنقطة التي تتقاطع عندها على نحو ما ظاهرتي الفعل المسرحي والفعل اللغوي ،وبالتالي فمن الممكناستخدامه كنقطة جيوديسية لوصف بعض الخواص أو التباينات المشتركة والمتداخلة بين هذه الظواهر ،وتقنية النقطة الجيوديسية (أو اإلحداثي المرجعي) هي منهجية وصفية ترتكز على نقطة أو مساحة ذات إحداثيات معروفة أو يمكن تمييزها لوصف نقاط أو مساحات أخرى تشاطرها نفس الفضاء ،وتمتاز هذه التقنية بأنها ال تشترط أي مفاهيم أو متطلبات منهجية من قبيل األصل أو المركز ..الخ ،فهي تستطيع أن تعمل على أي فضاء يتضمن نقاطا يمكن تمييزها. واقتصاديات الفعل الطقسي هي الملمح األبرز في تمييزه عن الفعل األدائي البسيط الذي تطور عنه ،فاالستجابة المؤجلة التي كان هذا الفعل يضعها خارج تكوينه ستتحول مع الطقس إلى «غرض» يستعيد شيئا من قوة حالة التطلب المباشر التي كانت تكسب الفعل اإلجرائي تماسكه؛بحيث سيصبح هذا الغرض بمثابة نقطة النهاية التي تتوجه إليها كافة التعينات التي يقدمها الفعل الطقسي .وقد تطور تركيب الغرض الطقسي من حالة التطلب البسيط المشرعة في وجه العالم ،مثلما نرى في طقوس الصيد أو المطر ..إلخ؛ تجاه تطلبات أكثر تجريدا مما أدى إلى إنتاج األسطورة المفسرة بتكوينها اللغوي متزايد التجريد؛ والتي كانت تعيد باستمرار تركيب عالقات التطلب الطقسي بتعيناته على نحو يتعالى المرة تلو األخرى على الغرض البسيط الذي ينتظر استجابة العالم له ،بحيث أصبحت األسطورة في النهاية تحيل إلى تطلب العالم لذاته أكثر مما تؤكد على تطلب بعينه في العالم ،وهو ما ترافق مع انتشار
الكتابة الصوتية التي أدت إلى تزايد نمو األسطورة حول الطقس وبموازاته. وهكذا فالطقس هو باألساس عالقة رأسية أو هيراركية بين تعينات محددة وتطلب مجرد ،أي أنه يعمل بمثابة جسر أو طريق ضيق -بقدر ما هو متماسك -يصل بين ظهور ما هو متعين وحضور ما هو مجرد ،وهذا الترابط االستثنائي هو ما جعل الفعل الطقسي بمثابة الشكل الوحيد حصريا للممارسات التعبدية في كل الثقافات اإلنسانية على مر التاريخ ،باعتباره بوابة أو عتبة أي ميتافيزيقا أو أسطورة مفسرة تسعى للحضور في الواقع ،وبمعنى آخر فإن اقتصاديات الفعل الطقسي بما جلبته من ألعاب الظهور كانت هي العامل األساسي في إعادة خلق العالم اإلنساني على نحو يتجاوز حدود ما يظهر ،وبذلك كانت ضربة البداية التي وجهت ألعاب الظهور لصالح إنتاج فضاء حضور أكثر اتساعا واتصاال في العالم. وانطالقا من تقنية الوصف الجيوديسي نستطيع عبر مرجعية الطقس رصد ظهور الفعل المسرحي بوصفهما تكون ببطء عبر التباعد المتوالي عن التطلب الضيق الذي يتسم به الطقس؛ وفي اتجاه التطلب المنفتح نحو العالم الذي خلقته األسطورة والذي خضع لعملية إعادة تكوين داخل النص اللغوي الذي اصطنعه المسرح لنفسه ،بينما من جهة أخرى تكاثرت دائرة التعينات التي يمكن استخدامها في خلق حدث الظهور حتى أصبحت بال حدود تقريبا ،إذ لم تعد هذه التعينات تستهدف المطلب الطقسي بل تستهدف تعيين النص المسرحي بما يقدمه من مساحة لعالقات الحضور في العالم. -5المسرح والنص :مراكز الفعل وفعاليات التحويل: وهكذا فقد ظهر «النص المسرحي» بوصفه استجابة لقدرة الفعل المسرحي على التعاطي مع دوائر أكثر اتساعا من أحداث التعين مقارنة بالفعل الطقسي وهو ما جعل المسرح قادرا على اقتحام ذلك األفق التجريدي الذي خلقته الكتابة الصوتيةوإعادة تشكيل النص اللغوي الذي تقدمه بحيث يصبح حامال لمساحة -غير محدودة نظريا- امللتقى الفكري
55 54
لما هو «حاضر» في العالم؛ والتي يمكن للفعل المسرحي استخدامها كنقطة انطالق أو منصة يتم عبرها ممارسة ألعاب الظهور الخاصة به ،وهو ما يعيدنا إلى «فرضية باربا» التي تحكم ظهور الفعل المسرحي المتعين ،فطبقالتلك الفرضية يتم تخزين أو تجميع الطاقة وإنفاقها أو باألحرى توزيعها على عناصر الظهور المسرحي، وهذا التوزيع عادة ما يكون متباينا على نحو يسمح باشتقاق أنماط وصيغ جزئية تشمل عناصر بعينها دون أخرى ،وهو ما يمكن استخدامه لوصف مستويي التحويل المسرحي اللذين سبق ذكرهما. فمثال بالنسبة لعناصر مثل مفردات الديكور وقطع المالبس؛ والنص في بعض مراحله التاريخية ،سنجد أنها تكتسب ظهورها في توقيت ما قبل العرض المسرحي ،بينما ال تتغير حالتها كثيرا بعده ،أي أنها بشكل ما تتمتع بوجود موازي للعرض ،مثلما تبقى على نحو ما بعد اختفاءه،وبالتالي فهي عناصر يتم تجميع الطاقة الالزمة لظهورها لمرة واحدة عادة في مرحلة من مراحل العمل المسرحي ،ثم يجريالتعامل معها بعد ذلك بوصفها عناصر يمكن توزيع الطاقة نحوها أو حولها لتشكيل تعينات الظهور المسرحي أي لتحقيق المستوى األول للتحويل المسرحي. وبعبارة أخرى ،فإننمط التوزيع هنا يتعامل مع هذه العناصر بوصفها عامال يستخدم الستحداث ترابطات وعالقات متعينة ولكن دون أن ينتهك تركيبها الذاتي ،وبذلك فهي أقرب إلى ما يصفه هيدجر بـ «شيئية العمل الفني». ولكن برغم أن نمط التوزيع قد يكون هو نفسه بالنسبة لكل العناصر إال أنه ينتج عنه آثار هائلة االختالف إذا ما أخذنا في االعتبار قدرة كل عنصر منها على استقبال تراكم الحضور المسرحي ،فالعناصر األكثر تعينا من الزاوية المادية مثل مفردات الديكور والمالبس تتحول إلى ما يشبه المهمالت فور خروجها من الفعل المسرحي، فيما يختلف األمر تماما بالنسبة لعنصر أكثر تجريدا مثل «النص»!
فالنص «اللغوي» ليس شيئا على اإلطالق سوى غمغمة صوتية أو خربشات مرئية إن لم يتأسس في مجال حضور عام ومشترك ،ولذلك فهذا النص يأتي إلى منصة الفعل المسرحي محموال بالضرورة على أفق حضور ما ،وعندما يتم إخضاعه أللعاب الظهور المسرحي فإن تفاعل حدث ظهور النص بوصفه تعين حسي سيتفاعل مع مجال حضوره على نحو يؤدي إلى إطالق عملية «االنكشاف» بما يستتبعه ذلك من إعادة ترتيب عالقات الحضور. وهذه اآللية قد نتج عنها واحدة من أكثر االضطرابات دويا في حقل الجماليات ،فما يحضر-بحكم التعريف -هو ما يبقى أو ما يمكن استبقاؤه من حدث الظهور ،والنص اللغوي -كما ذكرنا -هو واحد من العناصر التي تبقى بعد الفعل المسرحي ،ولكن خالفا لغيره من تلك العناصر فهو يمتلك مجال حضور يخصه قبل هذا الفعل ،ولذلك فإن أفق الحضور الذي يخلقه المسرح كان عادة ما يتضايف مع مجال الحضور المسبق للنص ،بحيث أنه لفترات طويلة توارى الفعل المسرحي ذاته خلف حضور النص الذي بات يمتلك استقالال يخصه بوصفه نوعا أدبيا بالمقام األول! بحيث أنه من أجل محاولة تخطي أو تجاوز حضور النص على حساب الفعل ،أو باألحرى من أجل إعادة فتح مجال التفكير في المسرح بوصفه فعال مباينا لعالقات اللغة؛ تم ابتكار وتطوير «التحليل الدرامي» باعتباره محاولة الشتقاق أشكال انتظام سالسل الفعل المسرحي في عالقتها بالعالم. وعلى هذا النحو فقد تطور عنصر «النص» في البداية بأسرع مما تطور الفعل المسرحي الذي عاش لفترات طويلة بوصفه مجرد ظل حسي لحضور النص ،وهو ما ترسخ أكثر عبر هيمنة األفق الميتافيزيقي الذي كان يعتبر النص/الكلمة بمثابة أصل العالموهو المفهوم الذي بلغ ذروته مع القرون الوسطى. ويمكننا تفسير هذا التطور الال-متكافئ من خالل تحليل عالقات مراكز الفعل امللتقى الفكري
57 56
المسرحي ،فهذا الفعل هو ممارسة جماعية واجتماعية بينما النص يوجد على الجهة المقابلة بوصفه فعال ينحدر من فرد بعينه ،وهذه الفردية يجري منازعتها دائما من قبل مراكز الفعل األخرى داخل مجموعة العمل المسرحي ،مثلما يتم «تهديدها» من تلك الذات الجمعية «التوافقية والمؤقتة» التي تتخلق أثناء مجريات اإلعداد للعرض عبر التفاعل بين فريق العمل بأكمله ومجتمعه المحيط .وهذه التنازعات أو التفاعالت المتكسرة والمضطربة بين هؤالء الفاعلين كانت غالبا ما تجد رهانا يجمعها حول إمكان تسوية تعارضاتها -المرة تلو المرة -في إطار مجال حضور النص ،ولصالح المؤلف الفاعل ،بحيث يتحول العرض بأكمله إلى مجرد تبدي أو حتى تجلي إلرادة المؤلف الغائب والكامنة في نصه ،على نحو يجعل المركز الفردي للمؤلف بمثابة أفق ميتافيزيقي ومتعالي بالنسبة للعرض الذي اصبح يتعين عليه أن يستمد قيمته بمقدار قدرته على التحرك إلى خارج ذاته نحو هذا األفق الغامض والمتباعد ،وهنا يتحول «النص المسرحي» من مجرد كونه خطة تنفيذ أولية يتجمع حولها فريق العرض لبدء رحلتهم المسرحية إلى كيان «ميتافيزيقي» مهمته األساسية (التي يفترض أنه قد قام بأدائها بالفعل) هي اقتطاع شريحة ما -متسعة قدر اإلمكان -من عالقات العالم وجلبها إلى فريق العرض ليتقافزوا حولها أو يتسللوا إلى داخلها ،أو ينظموا إقامتهم بين جنباتها ،بحيث يكتسب العرض قيمته وتماسكه الذاتي من قدرته على مقاربة النصواستحضاره ،وبالتالي يصبح االنكشاف الذي ينبثق أثناء العرض أمرا ال يخص فاعله بقدر ما يخص عالقة النص بالعالم الذي يقدمه ،مما يؤدي إلى حالة من التخارج المستمر للفاعل المسرحي عن فعله على نحو يباعد الترابط بينهما ويعوق تطورهما معا. وربما نتيجة لهذا األمر نشأت بعض الحاالت المسرحية -األكثر شعبية -التي تكرس لما يمكن تسميته بـ «النكوص النصي» عبر االعتماد على نصوص (أو حتى مجرد
مواضيع درامية أحيانا) ذات درجة أقل من التماسك وتغطي مساحة أكثر ضآلة من عالقات العالم ،وحافلة باالنقطاعات التي يتعين على الفاعل المسرحي (الممثل عادة) أن يمألها بما يخصه .وبرغم أنه عادة ما كان يتم حذفأو تجاهل هذه الحاالت القائمة على إضعاف (متعمد أو شبه متعمد) لعنصر النص من قبل التاريخ الرسمي للمسرح؛ إال أنها كانت بمثابة الوعاء الحاضن لتطوير الفاعل المسرحي غير النصي على نحو أدى فيما بعد إلى تغير مركز النص وخفض موقعه المتعالي أمام العرض .وهو ما ينقلنا إلى تحليل المستوى الثاني من التحويل المسرحي :أي «التطويع المسرحي» في عالقته بالنص. -6التطويع المسرحي وتراجع هيمنة النص: مع استحداث أي فاعل أو عنصر مسرحي جديد (المخرج ،الدراماتورج ،السينوغرافر، الكريوجراف...،الخ) تتزايد رهافة ودقة تقسيم العمل المسرحي على نحو يستلزمإعادة التوازن للنقطة المرجعية التي يتم على أساسها تسوية تنازعات هؤالء الفاعلين ،وآلماد طويلة كان النص هو ما يقوم بهذا الدور ،أما مع الحاالت المسرحية التي تأسست على «النكوص النصي» فقد كان الممثل أو الممثلين هم من يحتلون هذا المركز انطالقا من عالقتهم المباشرة مع جمهورهم ،وصوال إلى صعود «المخرج» بوصفه الفاعل الرئيسي للعرض .وبصفة عامة فثمة عالقة بين مثل هذه التسويات وطبيعة التحويل المسرحي التي يخضع لها كل عنصر على حدة ،فكلما ابتعد هذا الفاعل أو ذاك عن احتالل مركز النقطة المرجعية تزايد احتمال خضوعه لفعالية «التطويع المسرحي»، بمعنىمباعدته عن حضوره الخاص أو تركيبه السابق أو الموازي للعرض وإعادة تركيب عالقاته الداخلية المكونة له بحيث يصبح في النهاية أقرب إلى أن يكون شيئا مسرحيا محضا وكأنه ولد ألول مرة داخل العرض المسرحي على نحو ال يتيح رده بسهولة إلى ما كان عليه قبل تلك اللحظة. امللتقى الفكري
59 58
وعلى سبيل المثال فالممثل الخاضع لعملية التطويع المسرحي تتباعد المسافة بينه وبين شخصيته المعاشة في الحياة اليومية ،بينما تتقلص نفس المسافةعند الممثل الذي يحتل مركزا مرجعيافي الفعل المسرحي سواء بين حضوره في العرض مقابل حضوره اليومي ،أو بين حضوره من عرض آلخر .وإذا ما طبقنا «فرضية باربا» حول الطاقة الالزمة لخلق المسافة بين ما هو مسرحي وما هو يومي على هذه المالحظة فهذا يعني أن خضوع عنصر ما للتطويع المسرحي الذي يباعد المسافة عما هو معاش يتطلب إنفاق قدر أكبر من الطاقة ،وهو ما يصبح متاحا أكثر فأكثر مع ارتقاء تقسيم العمل المسرحي الذي يكفل تنظيم تدفق طاقة الفاعلين على نحو متزامن تجاه عنصر بعينه أو مفردات بعينها .وبذلك فالتطويع هو الحالة األكثر اكتماال لفعالية التحويل المسرحي. وربما مع النصف الثاني للقرن التاسع عشر بدأ الفعل المسرحي في بسط هيمنة أكبر على عناصره ،وهي مرحلة أدت إلى تدشين دور المخرج بوصفه المرجعية األساسية لكل مسارات أو تنازعات العرض ،بحيث تم إحالل هذا الفاعل غير المباشر ولكن الحاضر محل المؤلف أو ذلك الفاعل غير المباشر والغائب .ومن منظور أكثر عمومية يمكننا أن نجد في هذا التبديل تناغما ما مع صعود النزعة اإلنسانية بوجهها الحداثي، ولكن مسرحيا كانت هذه الخطوة نتاجا لتطور التقنيات المسرحية وتكاثر الفاعلين المسرحيين وتعقد عالقات التوازن بينهم داخل العرض. وقبل أن نحلل أثر موجة التطويع هذه على مكانة ودور النص؛ سنتوقف أوال عند مثالدالعلى فعالية التطويع المسرحي على عنصر الموسيقى األكثر رسوخا واكتماال من الزاوية التاريخية ،ففي معركة شهيرة اتهمنيتشةفاجنر أنه قد أخضع الموسيقى للمسرح على نحو أدى بها إلى «أن ال تكون موسيقى ،...،بل خادمة للدراما» ،وبرغم اعتراف نيتشة أن هذا التطويع المسرحي لم يفتقر إلى نتائج موسيقية ملحوظة باعتباره قد «ضاعف إلى ما ال نهاية من القدرات التعبيرية للموسيقى» إال أن ذلك كان من أجل
تحويلها إلى مجرد «بالغة مسرحية» أي أن المسرح هنا -طبقا لنيتشة -قد استحدث فعال موسيقيا مندمجا في الفعل المسرحي ويعمل لصالحه أكثر مما يعمل لصالح ذاته، وبمعنى آخر :فقدت الموسيقى خصوصيتها واستقاللها لصالح المسرح وأصبحت تستمد جماليتها منه ال من تركيبها الداخلي ،وهو ما يلخصه نيتشة بقوله« :والموسيقى الفاجنرية عندما ال تكون مدعومة بحماية الذوق المسرحي ،....،هي بكل بساطة موسيقى رديئة» وهذه المعركة عادة ما كانت تتم معالجتها بعيدا عن المسرح بوصفها خالفا فكريا بين الرجلين محوره رؤية كل منهما للموسيقى ،إال أنه من الواضح أن نيتشة كان يراقب بقلق بالغ حالة صعود المسرح في أواخر القرن التاسع عشر، ويعاني من جزع شديد أمام آثار التطويع المسرحي على الفن والعالم ،فهو يتخوفمن أن «يصبح المسرح سيدا على الفنون» ،وينددا بـ «حماقة اإليمان بريادة المسرح، وبحق المسرح في السيادة على بقية الفنون ،على الفن عامة» معتبرا «المسرح شكل من التخريب في مجال األشياء التي تتعلق بالذوق» ،وصوال إلى التحذير من تناقض عالقة ما هو مسرحي بما هو حقيقي« :يكون المرء مسرحيا عندما تكون له هذه الرؤيا التي يمتاز بها عن اآلخرين والقائلة :ما يريد أن يبدو حقيقيا ،ال ينبغي له أن يكون حقيقيا» ( !)3وهنا نستطيع أن نالحظ ذلك التوافق بين نيتشة وفرانسيس بيكون، فكالهما استبصر تأثير ما هو مسرحي في عالقته بحقيقة العالم بوصفه خطرا ،خطرا على العلم عند بيكون ،وخطر على أخالقيات الحقيقة عند نيتشة. هذا القلق -الممزوج باالحتقار أحيانا -من العرض المسرحي سيظل ملحوظا والفتا خاصة في تأثيره على النص حتى فترة ما بين الحربين ،فكاتب مثل سترندبرج (في مقدمة مس جوليا) يرى أن»المسرح يخدم هؤالء الذين ال يمكنهم قراءة ما هو مطبوع ،...مثل الشباب وأنصاف المتعلمين ،والنساء الالتي مازلن يمتلكن قدرة فطرية على خداع أنفسهم» ،بينما يرى بيراندلو أن العرض المسرحي ترجمة للنص» امللتقى الفكري
61 60
وشأنه شأن أي ترجمة أخرى فهي أدنى مرتبة من األصل» ،وهي تعليقات تشير إلى لواذ هؤالء المؤلفين بالجانب األدبي للنص المسرحي بحيث يصبح العرض إما شيئا اقل على الدوام ،أو مجرد خدمة تجعل»النص المكتوب متاحا على نحو ما لمن ال يتاح لهم قراءته ،أوالذين ال يستطيعون القراءة أصال» كما يقول الفيلسوف «كروتشة» (.)4 أما «بريخت» المنظر والمخرج والمؤلف المسرحي ،فقد حاول في شبابه إعادة غرس بعض التقاليد األدبية داخل العرض عبر بث العالمات اإلرشادية واللوحات التوضيحية المماثلة للهوامش الشارحة في الكتاب .باإلضافة إلى محاولة أخرى أكثر خفة ونزقا تهدف إلى جلب «قارئ األدب» نفسه بعاداته القرائية إلى صالة العرض عبر السماح للمشاهدين بالتدخين! «ألنه من العبث أن يحاول المرء أن يسحر رجال يقوم بالتدخين ،أي رجال كفاه انشغاله بنفسه ،وبهذه الطريقة نصل إلى ملء قاعات المسارح باالختصاصيين ،وليس من المعقول أن يحاول ممثلون أن يدسوا ألمثال هؤالء المشاهدين هذين الفلسين من المحاكاة الرخيصة التي يسمحون اآلن ألنفسهم القيام بها»(.)5 وربما كانت هذه المحاولة األكثر طرافة لبريخت هي آخر نقطة استطاع بلوغها تيار مقاومة هيمنة العرض المسرحي على نصه «األدبي».بحيث لم يعد العرض بديال للمطبعة ،أو أداة للقراءة المسموعة لمن ال يجيدون أو ال يريدون القراءة ،ولم يعد الفعل المسرحي يتخفى ليدفن داخله لحظات انكشافه أو يقمعها لصالحه ،بل بات أكثر انفتاحا على مبادرات وتوافقات مبدعيه الحاضرين ،حتى ولو أتى هذا على حساب تماسك أو تمزيق عالقات أو جمل وشخصيات النص وإعادة تكوينها .وبالمجمل فقد خضع النص لعملية تطويع حولته إلى كيان محايث للعرض وال يكاد يوجد خارجه بحيث تباعدت المسافة بين النص المسرحي األدبي المكتوب مسبقا أو المطبوع ،وبين
نفس النص عندما يصبح عنصرا أو مادة في الفعل المسرحي. -7مالحظات حول الحالة المصرية: إذا فقد اجتاز المسرح الكثير من المراحل في عالقته بنصه ،بدءا من خلقه وتطويره، مرورا بالتواري خلفه والتماهي معه ،ثم االحتفاء بحاالت مسرحية تقوم على «النكوص النصي» أو اإلضعاف المتعمد للنص لصالح منح مساحات أوسع لعناصر أخرى ،وصوال إلى تراجع النص وتطويعه ليصبح عنصرا داخليا في الفعل المسرحي ينمو ويتطور معه وفي نفس اتجاهه ال يمكن فصله عنه وال وجود له تقريبا خارجه، ومقابل ذلك بات على كتاب النص المسرحي إما أن يتعاملوا معه بوصفه نوعا أدبيا له قراءه والمهتمين به بمعزل عن العرض المسرحي ،أو أن يقبلوا بلعب دور أشبه بدور كاتب السيناريو حيث يصبحون ضمن فريق عمل يلزمهم بمتطلباته وتوازناته. وقد مرت ظاهرة المسرح في مصر بهذه األحوال أو المراحل جميعها ،فبدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر عبر حالة «النكوص النصي» واستمرت في االبتعاد عنها واالقتراب منها حتى يومنا هذا ،كما مرت بمرحلة التكريس النصي ،أو إخضاع العرض لمتطلبات النص المكتوب ،مثلما شهدت وقتا تبلورت فيه مشاريع الكتابة المسرحية على نحو شديد التمايز (الستينات) ،وصوال إلى مرحلة صعود المخرج بوصفه الفاعل المسرحي الرئيسي حيث تراجع النص إلى موقع السيناريو األولي الذي ينتظر تعديله ليتناسب مع مجريات العرض.
امللتقى الفكري
63 62
الهوامش: ( )1انظر« :نحو تأسيس فنومينولوجيا المسرح :عن ظاهرة المسرح بوصفها ممارسة اجتماعية» العدد األول من نشرة المهرجان القومي للمسرح الدورة العاشرة ،وموقع الحوار المتمدن بتاريخ .2017-7-13 ( )2انظر « :في جينيالوجيا األداء المسرحي وتكون ظاهرة المسرح» -نشرة نوادي المسرح العدد الثامن .2017-9-17 ( )3انظر :نيتشة « :قضية فاغنر ،ويليه نيتشة ضد فاغنر» -ترجمة:على مصباح– منشورات الجمل – ،2016واالقتباسات على التوالي من صفحات،59 ،43 ،42 : .64 ( )4هذه االقتباسات أوردها مارفنكارلسون في « :العرض المسرحي ،رسم توضيحي أم ترجمة أم تحقق ،أم إضافة « ترجمة حازم عزمي – فصول :العدد 2003 – 62 ص .188-181( )5انظر « :مالحظات بريخت على اوبر االقروش الثالثة وطريقة قراءة الدراما»، ضمن «أوبراالقروش الثالثة -لوكلوس– بعل «ترجمة عبدالرحمن بدوي ،سلسلة المسرح العالمي ،يوليو -1977ص 143 ،142
الكتابة المسرحية الجديدة
أحمد خميس
في العام قبل الماضي كنت عضوا في لجنة إختيار العروض التي ستمثل مصر في الدورة الثالثة والعشرون للمهرجان التجريبي والذي تم تعديل إسمه ليصبح مهرجان (القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي) وكان ضمن العروض التي قدمت للجنة مسرحية بأسم «الجراية» وهي مسرحية تقوم علي ممثل أساسي وشخصية مساعدة يمكن إعتبارها ممثلة في العرض المسرحي إذ كانت تقوم بمناولة الفاكهة أو الماء أو المالبس للممثل الذي بدا وكأنه رياضي يقوم بعمل تمارين علي جهاز تزداد سرعته شيئا فشيئا وكان علي ذلك الممثل أن يمارس طقوس حياته اليومية وهو فوق ذلك الجهاز ،في البداية تبدو اللعبة الدرامية مملة إلي حد ما إذ الجهاز ذو سرعة ضعيفة والفعل الدرامي لم يتبين بعد لكن وللحق إزدادت اللعبة تشويقا وقوة كلما زادت سرعة الجهاز للحد الذي يمزج الجمال بالقسوة ,كان مضمون العرض حينها يدل علي إنسان العصر الحديث الذي طحنته الظروف المحيطة فأصبح يمارس حياته اليومية وهو علي عجلة الزمن التي ال ترحم إنه اإلنسان الذي تحول (لشئ) فأر التجربة بالنسبة للرأسمالية المتوحشة والتي تعتبره ترس في عجلة اإلنتاج يمكن تبديله في اقرب وقت لو تهاوت قواة أو إنهارت ,في اللحظات االخيرة من العرض وقبل أن يهرب الممثل من علي «الجراية» ويطلق ساقيه للعنان كانت السرعة تزداد بشكل جنوني بينما كان عليه أن يبدل مالبسه وهو يجري فوقها وبال رحمة أو هوادة كادت تفرم أوصاله وتفتك به ,وفي حين كانت الرسائل الضمنية للعرض المسرحي ذات شفرات سهلة التكوين إال أنها تحتاج لمتلقي خاص يستسيغ تلك االفعال الدرامية ويربط بينها وبين الواقع امللتقى الفكري
65 64
قد يقول البعض بأن ذلك النوع من العروض ال يحتاج مؤلفا مسرحيا بالمعني المعروف للكلمة وإنما فقط لممثل قوي وتدريب شاق ليخرج العمل في صورة تليق بكونه عرضا مسرحيا مشوقا والسؤال الذي يطرح نفسه هل للكتابة الجديدة أي دور في ذلك العرض ؟ ظني أنها صاحبة الدور المهم في تلك اللعبة الدرامية الشرسة فالكاتب الجديد هنا يفهم تماما الفارق الشاسع بين ما يكتب وبين المعني المتوارث لكلمة «مؤلف درامي» فالمكتسب المهم الذي سعي إلية معظم كتاب المسرح الجدد عندنا هو تخليص الكتابة المسرحية من جانبها األدبي وتقريبها لمفهوم اللعبة المسرحية ,وعلي نفس النهج الذي بدأت بة الدراسة قرأت تعبيرا مهما للكاتب السكندري الشاب «سامح عثمان» يقول فية إنه وعلي الرغم من وجود أكثر من 27مسرحية له في السوق إال أن المطبوع منها حتي األن 2فقط ويبدو المعني الضمني هنا أن المجد للعرض المسرحي الحي وليس للنص بالمعني القديم للكلمة ,أو أن تلك الكتابة عصية علي النشر حيث ستفقد حميمتها أو صناعتها الدقيقة التي تم االتفاق عليها بين مجموعة العمل حيث سيكون الدور األساسي للدراماتورج تجميع االلعاب الدرامية التي تم االتفاق عليها مع مجموعة العرض المسرحي والكاتب ,في هذا السياق منطقي جدا أن يستشعر الحرج من فكرة النشر ويعتبرها غير ذات جدوي أو أنها ستقلل من قيمة العمل إذ أن جزءا كبيرا من دور المؤلف وضع هوامش تشرح بعض األفعال غير المنطوقة أو التي تقوم علي الحركة وااللعاب الشعبية المعروفة ,وكانت المسرحية التي روج من خاللها إسم «سامح عثمان» كمؤلف شاب يجيد كتابة الخشبة هي مسرحية (القطة العميا) حيث اللعبة الشعبية تستدعي بعض الهواجس واألحالم والقضايا التي تخص الشباب وحيواتهم المليئة بالمعوقات ,وكان بناء المسرحية الداخلي يقوم علي التشييد والهدم فمع كل حكاية جديدة تدور رحي اللعبة الدرامية وكأنها تبدأ من حيث إنتهت
حكاية أخري في بني تخبو وتضئ كفالشات الكاميرا ,وعلي الالعبين أن يقسموا أنفسهم علي أحداث العرض بين البطولة واألدوار الهامشية الصغيرة فاللعب الدرامي هو البطل الحقيقي في الفعل المسرحي وعلي كل العب أن يقبل شروطتكوين اللعبة ليعي الغرض من فلسفتها ومردودها عند المتلقي وكانت علوم المسرح الجديدة وأخص منها (سوسيولوجيا المسرح والحداثة) قد قللت إلي حد كبير من أهمية النص الدرامي بإعتباره عنصر من عناصر العرض المسرحي ويمكن بسهولة اإلستغناء عنه فهناك الكثير من العروض في األونة األخيرة ال تقوم علي نص مكتوب وإنما يبني نص العرض أثناء تكوين اللعبة الدرامية وفي هذة الحالة يمكن اإلشارة لتوارث الفكرة من روافد عديدة منها قيام كثير من العروض علي االرتجال أو كتابة الجسد أو حتي عروض الحكي المسرحي التي إنتشرت بقوة بعد ثورة يناير 2011 ومنها أيضا تنامي دور المخرج المؤلف والتي بدأت تنتشر منذ ستينيات القرن الماضي مع المخرج الكبير «كرم مطاوع» وكنت قد تتبعت مسيرته الجمالية منذ فترة وتوصلت الي نتيجة مفادها : من يفتش في تاريخنا المسرحي القريب سيقف طويال امام تجربة المبدع «كرم مطاوع» متأمال تلك الروح التي تصر علي تتبع المناهج التي تقوم علي كسر القوالب التقليدية وتحتفي بكل ماهو غير مألوف فالمسرحيات التي تصدي لها عبر تاريخه المسرحي وأفكاره المبتكرة لم تأت من فراغ وانما من خالل وعي فارق يراهن علي السباحة في اإلتجاة المعاكس للتيار من خالل االهتمام بفنون العرض المسرحي الذي يقوم علي تفعيل فنون األداء وإعادة تشريح النص المسرحي وبناءة من جديد وتغيير وجهة النظر للعرض المسرحي من كونه صياغة محترفة الفكار الكاتب الي نوع آخر يعلي من وجود أهمية المخرج المبدع صاحب الصياغة المختلفة لكل تفاصيل العرض امللتقى الفكري
67 66
المسرحي بما فيها نص المؤلف ذاته ,فاللعبة المسرحية لدي كرم مطاوع اليمكن أن تركن عند التفاصيل االولي والبناء المنطقي وإنما علي قوة المقابلة بين نص المؤلف وأفكار المخرج ورهان الواقع وتحدياته االجتماعية والسياسية والفنية ,وإن كان هناك أخيلة ثابتة تقلد بعضها البعض في تقديم العمل المسرحي فهنا ومع كرم مطاوع انت علي موعد دائم مع التغيير واالبتكار والتحدي حتي أنه قد رسخ في مخيلة معاصروة كمشاكس اليبحث عن نص متكامل العناصر مستوفي الشروط وإنما عن نص مراوغ لم يصل بعد لقناعات تامة ماذا يقدم وباي السبل والطرق الفنية) ()1 وحينما تتبع مسيرة المخرجين الجدد الذين تتسم أعمالهم بالدراماتورجيا الجديدة ستجد العديد من األسماء منهم علي سبيل المثال ال الحصر (نورا امين – طارق الدويري – عبير علي –عفت يحي – هاني عفيفي– عمر المعتز باهلل – أحمد العطار) , أما الكتاب المهتمين بطرق الكتابة في العشر سنوات األخيرة فيبرز منهم (إبراهيم الحسيني – رشا عبد المنعم – سليم كتشنر –محمود جمال -يوسف مسلم – سامح عثمان) ومن الكتاب الشباب (ياسمين إمام – عيسي جمال( وسوف أضع هنا نموذج أعتقد أنه مهم للغاية في طور التعامل كدراماتورج مع نص كالسيكي قديم عدو الشعب أو الثورة األن فاجأتنا «نورا امين» الممثلة والمخرجة صاحبة فرقة الموزيكا للعروض المسرحية بعرض مغاير تماما لتاريخ الفرقة وعروضها التى عادة ماكانت عروض راقصة ولم اكن اتوقع بأى حال من االحوال ان يقدم العرض فى تلك القاعه الصغيره بمسرح الهوسابير فحين دخلت فوجئت بضيق المكان وضأله حجمه بالنسبه لعرض ك (عدو الشعب ) وكانت الفرقه الموسيقيه تحتل مؤخره القاعه فخرجت مسرعا وانا اتسائل عن مكان العرض المسرحى اال ان احد اعضاء الفرقه الموسيقيه امسك بى مؤكدا
بأن العرض سوف يقدم فى نفس المكان وهو ما اثار دهشتى اذ كيف يمكن لمسرحيه مكونه من خمسه فصول وشخصيات كثيره ان تنحشر فى مكان ضيق كهذا ؟ عالوه على عدم وجود سينوغرافيا بالمعنى المفهوم للكلمه فالصوره كانت فقيره للغايه برتكابالت صغيره عاريه وبعض الكراسى المتناثره وكثير من الميكروفونات وممر ضيق بين المشاهدين وهى امور قلما تجتمع اال مع رؤيه مشوهه للنص الكالسيكى, ولكن فريق العمل اثبت عكس ذلك فالمكان الضيق وخشونه التناول كانا من سمات التناول الجاد وحتى االصوات الزاعقه والمعارك الطاحنه التى دارت فى الممر الضيق والتى الهبت الحدث واعطته اهميته مع موسيقى الميتال المؤهله والشارحه والمساعده والمعلقه فى بعض االحيان كل تلك العناصر ساعدت على دمج المتلقى الموروط منذ البدايه فقد بدا مشاهدو العرض ضمن نسيج اللعبه المتقنه فهم اهل المدينه الدين يساعدون الفساد ويرضون بالكسب الضيق مع علمهم التام بأن مايجرى قد يجرهم لويالت التحمد عقباها ولكنها لعبه االنتفاع السريع اواالندماج العفوى غير المحسوب مع الرأى الشائع أو أن بعضهم قد لبى دعوه مدفوعه االجر للتضليل او التواطؤ لصالح سياسه حزب بعينه ,فتسييس القاعده الجماهيريه العريضه وتوجيه رأيها سياسه تتبعها بعض الحكومات واالنظمه الفاسده والتى اليعنيها شئ سوى الكسب السريع ,من هنا تبينت الموقف كامال فالقاعه الضيقه ومشاركه المتلقى ودمج المشاهد فى الحدث كل تلك االمور كانت مقصوده من قبل صناع العرض المسرحى لفضح الشعب الموروط و لتوجيه االتهام له صراحه فهو شعب خامل ومتخادل والثوره لن تحقق اهدافها طالما ان الشعب يعرف الفساد وصناعه ويسكت عليهم بل انه يشارك طواعيه بوصم العالم الشريف بعدو الشعب ؟؟؟ ولما كانت التيمه الرئيسيه فىالعرض تقوم على فضح الفساد وكشف االنظمه المتواطئه مع السلطه وبالتالى الوصول للنتيجه التى تقول بأن مواطنا واحدا شريفا يستطيع امللتقى الفكري
69 68
وحده ان يقاوم امه بأسرها طالما انه على حق ففى نهايه الحدث الدرامى بدا الدكتور ستوكمان وحيدا فى وجه العالم ولكنه تعلم من التجربه وفهم مغزاها فبدا صلدا اليمكن هزيمته ,وقد اعتمد جوهر التناول على تلك التفصيله الهامه وتم دمج المشاهد واعاده ترتيب االحداث وفقا لذلك الفهم وهو مافسر عدم االعتماد على التقديم التقليدى للحدث كما هو عند ابسن ودمجها بحيث يبدو الفصل الرابع هو محور التناول ومن ثم اتباع الصراع بين االخوين ( الدكتور توماس ستوكمان الطبيب المسئول عن الحمام العالجى واخوه بيتر ستوكمان القاضى العام والمسئول االول فى المدينه ورئيس مجلس اداره الحمام محور الحدث ) فبينما يصر االول على فضح الفساد المستشرى فى الحمام العالجى الدى انشأه مجموعه المستثمرين بالمدينه وبين بما اليدع مجاال للشك انه وهم كبير وضار جدا بالصحه وقد يفسد صحه اهل المدينه انفسهم ويدمر مستقبلهم لكونه يقوم على اوساخ وميكروبات ضاره جدا من جراء اختالط مياهه بمواسير الصرف العفنه وهو االمر الدى يرفضه اخوه برغم علمه بتلك الحقيقه ولكن االقرار بصحه التقرير الدى اعده الدكتور ستوكمان كان يعنى بالنسبه له وللمستثمرين دمار مشروعهم المربح وهو مايرفضه جمله وتفصيال ,من هنا تدور رحى الصراع الشرس بين ( العالم الشريف والحاكم الفاسد)()2 ومن العروض التي بينت بقوة أهمية الدراماتورج في الكتابة الجديدة يأتي عرض (الزومبي والخطايا العشر) كنموذج دال علي كيفيات دمج أكثر من عمل أدبي ودرامي في نسيج يناوش الواقع ويقف علي مشاكله األولي وعنه كتبت لجريدة القاهرة إبان تولي األستاذ سيد محمود رئاسة تحرير الجريدة الزومبى والخطايا العشر المتلقى صانع الحكايات احدث العرض المسرحى الذي قدم خشبه مسرح الهناجر لغطا كبيرا بين المهتمين
بالمسرح المصرى كونه عرض مغاير يتخذ من فنون مابعد الحداثه طريقا له فمن دخل للمسرح يبحث عن تيمه مترابطه األوصال أو من تصور أن هناك حكايه واحدة من الممكن تتبع قضاياها سيخرج من العرض خالى الوفاض ,وحتما سيلعن صناع العرض والمسئولين اللذين أعطوا لهؤالء الفرصه كى يخرجوا علينا بجنونهم غير المعتاد ؟ فالفعل المسرحى هنا قريب من عوالم السرياليه والتعبيريه حيث يسود منطق الحلم ويبدأ الحدث فى تصدير صور وافكار غير مترابطه وعلى المتلقى أن يبحث عن مأساته الخاصه ويصنع حكايته المقبوله مع العرض المسرحى وقتها من الممكن أن يتماس مع االلعاب والصور المتبدله بسرعه فائقه ويدرك حقيقه العمل ودورة فى تقديم رؤى جماليه تنحت لذاتها طريق صعب غير ممهد بدايه يقوم العرض على مجموعه من االعمال تتصدرها روايه جورج اورويل 1984وفهرنهايت 451لراى برادبرى وكتابات الشاعر اللبنانى وديع سعادة وقد تكونت ورشه كتابه من المخرج طارق الدويرى ونشوى محرم لدمج تلك االعمال وصناعه عرض مسرحى يتخذ من شخصيه (الزومبى) دليال لتسيير التيمات واالفكار المرتبطه بالصورة أكثر من كونها مرتبطه بالكلمه ,والزومبى حسب المصادر هو شخص مات ثم تمت اعادته للحياة مرة اخرى أو هو شخص تمت سرقه روحه بواسطه قوى خارقه ووصفات طبيه (عشبيه) وتم اجبارة على طاعه سيدة طاعه عمياء أو هو شخص فوضوى يميل للقتل والعنف والعشوائيه يتحرك بأليه وكأن الروح منزوعه منه وحتى تلك اللحظات التى يروى فيها حكايات عاديه يبدو االمر وكأنه غير منطقى أو غير معقول وكأنه حلم تسيح فيه اللحظات بين الممكن والمستحيل ,ومن ثم تتداعى االفكار والروايات التى تتلوها علينا الشخصيات لتبدو كأحالم غريبه متجاورة ,والحقيقه الملفته التى تواجه المتلقى أن كل شخص على خشبه المسرح إنما هو زومبى يتحرك دون منطق أو وعى كى يثبت وجودة وفعاليته امللتقى الفكري
71 70
وإشتباكه مع اللحظه الراهنه ويتخذ المخرج من الواقع السياسى واالجتماعى غير المعقول دليال للدخول لعالم الال معنى والالهدف فبعض االحداث الراهنه وبعض المواقف السياسيه واالجتماعيه هى بشكل ما حكايات اسطوريه اليمكن تصديقها او اعتبارها معقوله الحدوث وتجاور اللحظات والحكايات وااللعاب والمواقف كان هدفا فى حد ذاته فى ذلك العرض ,فقط يقف المشهد الختامى والذى تتراص فيه الشخصيات فى طابور طويل كى تعود للعالم االخر مرة اخرى كدليل على النهايه التى ستجئ حتما والتى صنعت خصيصا بإشارات سينوغرافيه داله على العالم االخر الملئ بااللوان الضبابيه الحمراء والتى تنفصل عن العالم الحقيقى من خالل بوابه الموت التى تحجز تلك الذوات وتحاكم افعالها وتعيدها مرة اخرى لعالم الموتى أو عالم التوهه والمستحيل ,وحتى االخيله التى تتصارع وتقدم فى صور متكسرة أو حيه مصورة بأكثر من طريقه ويمكن متابعتها من خالل اكثر من منصه أو كاميرا فاللحظات هنا يمكن مراقبتها وتدوير زوايا رؤيتها كى تشدك لعالم الصورة وتبتعد رويدا رويدا عن المعنى الحرفى والسببى والمنطقى للكلمات المنطوقه أو تعتبرها هامش يمكن االستعاضه عنه بالمتاهات التشكيليه الجسديه التى تسودها الفوضى , وعلى هؤالء المهمشين اللذين يشغلون الفراغ أن يصدروا افعال وتشكيالت حركيه غير منتظمه فالتصميم مرهون بتفعيل الذوات فى اطر منعزله غير متشابهه من هنا ومن هذا التراكم وتلك االلعاب حتما ستجد هناك إشارات داله وضعت كإطار خارجى يمكن منه تتبع حركه الواقع السياسى واالجتماعى الراهن فمثال إختبار سرعه البديهه أو المعرفه الذى تم إعادة تقديمه أكثر من مرة داخل نسيج العرض والذى كان يتسائل عن عدد االصابع فى الصورة المتحوله كان داال على عالقه السلطه بالمواطن االن وهنا فاى عدد من االصابع تشاهدة فى الصورة التى امامك ؟ كما جاءت االصوات الخارجيه لكل من احمد مختار وحمادة شوشه مختارة بعنايه
ووعى كى تصيغ ذلك العالم الغريب الذى يحوطنا بينما وقفت ممثله شابه فى وسط المسرح كى تلعب لعبه مغايرة قوامها االشباح واالخيله االنسانيه التى فقدت التواصل مع ذلك العالم الغريب وبدأت فى تصدير غرابه الموقف وإنعزال الذوات وشرنقتها متخذة من كتابات وديع سعادة دليال لها حيث تم انتقاء مجموعه من اشعارة ووزعت على لحظات كثيرة من العرض بذوق جمالى يدرك اين يقف وكيف يمكن ان يطور وجودة ()3 عروض الجسد وكتابة المسرح كان للمهرجان التجريبي الذي بدأ مع نهايات ثمانينات القرن الماضي دور مؤثر للغاية في مسيرة كثير من الكتاب والمخرجين في مصر حيث برز تيار المسرح الحركي الذي ال يعتمد بداهة علي حوار مسرحي وإنما تبني فلسفته علي إعطاء الجسد دور مهم للغاية في اللعبة المسرحية وكان في طليعة المخرجين الذين تأثروا بما قدم إلينا من عروض الراحل «منصور محمد» الذي أنشأ فرقة إستديو الممثل وقدم باكورة أعمالها بأسم (اللعبة) متأثرا بمنهج إحدي فرق أوروبا الغربية التي كانت قد قدمت في الدورة الثانية من عمر المهرجان عرضها الالمع (دون جوان)وعرض (اللعبة) كان يقوم بداهة علي مجموعة كبيرة من اللوحات التي تطرح فهم مجموعة من الشباب لطبيعة المشاكل التي تقابلهم يوميا سواء في الشارع أو األسرة أو اإلعالم وقد أحدث العرض جدال كبيرا بين النقاد والمهتمين لدرجة ان هناك أصوات نقدية لم تعبره عرضا مسرحيا ,وقد تطور ذلك التيار بشدة علي طريقتين أو أكثر فهناك عروض راقصة لن تجد بها حوار مسرحي بأي شكل من األشكال وهناك عروض تخلط الرقص المسرحي بالدراما وهو موضوع يحتاج دراسة مستقلة ولكن طالما كانت الدراسة تتعلق بالكتابات الجديدة فمن غير المعقول عدم اإلشارة لكتابات الجسد والتي يقوم الدراماتورج فيها بوصف الحركة الراقصة وقد وصف «مصطفي عبدالحميد» امللتقى الفكري
73 72
أول دراماتورج مع الراحل منصور محمد ماقام به بكلمة(سيناريو) سينما 30عالمة علي الكتابة الواعية بقضايا العصر ومن العروض التي أحدثت جدال كبيرا في الفترة االخيرة العرض الذي كتبه وأخرجه الكاتب والمخرج الذي حصل من قبل علي جائزة أفضل مؤلف في المهرجان القومي للمسرح المصري «محمود جمال» وأقصد هنا عرضه الشهير (سينما )30فالعرض ورغم أن كتابتة ال جديد فيها من الناحية التقنية إال أن التكوين الداخلي يظهر مهارة الكاتب ووعيه الفارق في كيفيات تالفي اإلصتدام مع السلطة بأي شكل من األشكال فالموضوع برمته يدور في ثالثينات القرن الماضي حيث فريق العمل الذي أراد ان يأخذ الكاميرا ذلك اإلختراع الجديد حينها ويذهب بها الي إحدي قري الريف لتصوير مشاهد عابرة وصناعة فيلم يبدو للوهلة االولي أنه فيلم (وثائقي) وشيئا فشيئا تتحول األحداث فسلطة القرية تعاملت بسهولة في بداية األمر إليمانها بأن الموضوع لن يتسبب في أي أزمة ولكن وعي الكاتب بكيفيات تضمين القضايا أتاحت عمال يناقش السلطة في عالقتها بالناس وكيفيات القمع والتكيل وحدة الفقر وأثرها في حياة الناس الهوامش احمد خميس ,في حضرة المبدع كرم مطاوع ,نشرة مهرجان شرم الشيخ -1 الدولي للمسرح الشبابي ,الدورة الثالثة ,العدد األول أحمد خميس ,عدو الشعب أو الثورة األن ,مسرحنا -2 أحمد خميس ,الزومبي والخطايا العشر المتلقي صانع الحكايات ,جريدة -3 القاهرة
المعنى والمعنى المضاد في الكتابات المسرحية الجديدة د /محمود سعيد مقدمة: كان بيرتولد بريخت يؤكد ضرورة اختيار موضوعات جديدة ،وعرض عالقات جديدة في شكل درامي ومسرحي جديد ،يقول محدداً فكرته: «كوارث اليوم التعرض لنا بصورة مستقيمة ومباشرة؛ وإنما هي تنمو من خالل أزمات دائرية ،فاألبطال يتغيرون مع كل مرحلة ،فهم قابلون للتبادل ،وخط الفعل الدرامي يتعقد بأفعال محبطة أو مجهضة ،والقدر لم يعد قوة أحادية ،بل نحن نالحظ ساحات قوة تخترقها تيارات متعارضة ،بل أكثر من ذلك ،فإن مجموعات القوى التعمل وحسب في تحركات تتعارض فيما بينها ،وإنما هي تخضع لتناقضات داخلية. وهذا أرمان جاتي ،يؤكد أن كل موضوع يتمتع بمسرحانية خاصة به ،وأن البحث عن البنى المعبرة عن هذه المسرحانية هو ما يشكل المسرحية ،ومع ان بيير سارازاك الذي يعلن في مستقبل الدراما أنه اليكفي في المسرح أن نقول أشياء جديدة، وإنما ينبغي أيضاً أن نقولها بطريقة مختلفة ،ننحاز في دراستنا لألعمال إلى جانب التجديدات الشكلية باعتبار أنها تكشف عن اهتمام المؤلفين بأن يأخذوا في الحسبان تطور العالم»( ). محمد أمين عبد الصمد ولعبة البطل المضاد (مسرحية الزناتي) الجميل في كتابات (محمد أمين عبدالصمد) أنه اليقلد كاتباً من الكتاب القدامى والحدثين، من العرب واألجانب الغربيين ،بل هم ال يعظمون في عينيه وال يصغرون ،فلديه (ند لهم) ،فقد سلك منهجاً منفرداً في الكتابة ،فخاصمت كتاباته المسرحية إيمان بأنه ّ المقلدين خصاماً عنيفاً ألن أعمالهم إنما هي نسخ ألعمال من انبهروا بهم إلى حد امللتقى الفكري
75 74
العمى ،لم ينبهر عبدالصمد صراحة بأحد (على حد علمي) وتلك من أجمل مفردات الكتابة لديه عدم االنبهار ،يقدر اآلخر لكن دون الوقوع في أسره ،يحترم كل الكتابات دون التحقير من شأن الضعيف. لعب عبدالصمد مع التراث أكثر من لعبه مقدماً لحلول بديلة ألحوال التعامل مع التراث والتياجتاحها الركود والسكون والتقليد والمرواءة المفزعة لتخرج كتاباته وكأنها تهتم بقضايا شتى ،إال أنها كتابة مشروطة بالتركيز على الفعل الدرامي وعلى تقنين األفكار والمشاعر والمواقف واألدوار ،مع إيجاد الكالم بين المتحاورين مع الربط بالجمهور المثقف والمتعلم وحتى األمي دون وصاية ودون إلقاء دروس تعليمية في األخالق والدين والسياسة واأليديولوجية ،ودون غمز وال همز وال لمز. ليتحول الفعل الدرامي لديه كالتجربة اإلنسانية التي يراها المتلقي بالعين المجردة، ويحياها بالفكر واإلحساس ويسهم فيها بالقبول والرفض ،كأن عبدالصمد يستكشف عوالم مجهولة حتى لو استخدم مفردات معلومة للقاصي والداني ،وهو يستنطق المجهول من المعلوم ،بفكر اإلنثروبولوجي ودهاء رجل القانون ،يتحرك النص لغوياً لديه مخاطباً جمهوره بلغة مطواعة مشكلة حسب ذائقة الشارعومكتسباته ولهجاته حتى وتحريفاته ،فاللغة االستعمالية التداولية في خطاب محمد أمين عبدالصمد هي بمثابة ابتكار وبراءة اختراع في حاجة لالعتراف الشاسع بها عبر الدرس النقدي الرصين لها. ولغة الشخصيات عربية صافية من الغريب والمهجور .أسبابها ملتصقة بلغة المجتمع« ،مفهومة في مستواها األول ولكنها ذات مستويات متعددة من المعنى واإلشارة والتصريح والرمز والعالمة ،إذ الكلمة المسرحية والجملة المسرحية والتعابير المسرحية إجماالً إنما التستهلك مستوياتها المتعددة والحافة والمتنقلة من حقل داللي إلى آخر والمشتبكة استهالكاً كلياً واحداً ،بل يبقى منها من الدالالت ما هو
جدير بالتفكير والشرح والتأويل والنقاش»( ) .وكلما أعاد المتلقي قراءة المسرحية فطن إلى دالالت وعالمات جديدة ،تلك هي طبيعة لغة المسرح الراقي المميز الذي يكتسب منطقته عبد الصمد. ففن المسرح اليحتمل اللغو ،وال المزايدات الشعاراتية! لغته اإليجاز« ،ذلك أن الجملة المسرحية – وهذا مصطلح مسرحي – سواء كانت حرفاً واحداً أو مجموعة من الكلمات والحروف هي كبيت من الشعر ،إذ للمسرح عروض خاف عمن اليدركه مثل عروض الشعر الظاهر .إال أن لكل كاتب مسرحي عروضاً خاصة حميمية في نفسه .واإليقاع في الجملة الواحدة يتناغم مع سائر الجمل المسرحية تارة ببطء وطوراً بتسارع متصاعد. والجملة المسرحية هي لبنة مادية ألنها ليست إيقاعاً فقط وال داللة وال عالمة فحسب، بل هي أيضاً شيء مادي نشيد به صرح المسرحية :فالبد حينئذ من أسس متينة يقوم عليها الصرح وينهض ،ألن هذا الصرح عبارة عن عمائر عربية ..لها تجانس ولها تشكيل ولها انسجام مع بعضها البعض من حيث التوليف والتخطيط واحتالل الموقع»( ) .تلك إحدى مخاطبات فن المسرح. من وجهة نظر الكاتب المسرحي من الضروري أن يطرق موضوعاً استولى عليه، وأن يهمه وأن يهم الجمهور ،موضوعاً من بيئته ومجتمعه ومن شعبه ولربما من أمته العربية أيضاً ،موضوعاً كلياً ينظر إليه من زاوية معينة ،اليطغى فيه الجانب السياسي مثالً على الجوانب األخرى ،واليسود الجانب الفكري العميق الرصين كالفلسفة والعلوم اإلنسانية ،وكأن لسان حال عبدالصمد يقول :كيف أحكي حكايتي؟ كيف أسرد أحداثها على الجمهور العربي؟ كيف أصف شخصياتها وأدوارها ووقائعها؟ هل يكون ذلك على الطريقة العربية وبالرؤيا العربية وبالتقنيات العربية أم على الطريقة األوروبية الحديثة؟ أم المزج المتقن والحذر بين الطريقتين؟ ،إذ أنه اليكفي أن نكتب امللتقى الفكري
77 76
مسرحية باللغة العربية حتى تكون مسرحية عربية ،وأن نتناول موضوعاً عربياً حتى تكون مسرحية عربية تنفذ إلى وعي الجمهور العربي وإلى حميميته مباشرة دون عوائق ثقافية أو معرفية ،فيجب حينئذ أن تكون الجماليات من أشكال وتقنيات سردية ووصفية ورؤى عربية وهي األسس التي يقوم عليها الصرح وينهض ،هو كاتب صاحب مشروع مهم هذا المشروع ،مشروع خاص إال أنه عام ،بمعنى أنه بعد وقت طويل نحاول أن نعمل على إسماع كلمتنا الفنية المسرحية بين الكلمات األخرى في خضم هذه الموجات العاتية التي أخذت في تنميط كل شيء! ،ذلك هو مشروع محمد عبدالصمد المسرحي. تتأسس كل األحداث اإلنسانية المرتبطة بالتفاعل االجتماعي (غالبية األفعال المسرحية) على استخدام اللغة كوسيلة أو أداة ال غنى عنها لتحقيقها ،تكون اللغة حاضرة في كل فعل إنساني ،مباشر أو غير مباشر ،بالقياس بأن كل حدث يفكر ،يقال ويقيم بواسطة أفكار ،قبل ،وأثناء وبعد التحقق .كل فعل إنساني ،مثل اللغة ،هو في األساس «حواري» ،يقود نحو آخر ،لذلك كله فإن المسرح هو كلمة في فعل أو نشاط :كلمات الكاتب األولى ،كلمات الشخصيات وكلمات يقولها المتفرجون ألنفسهم أثناء وبعد المشاركة في عرض .تأمل األحداث الحقيقية التي تثير أفعاالً ذهنية ،محفزات ،أفكاراً وانفعاالت ،التي هي أيضاً حقيقية. «المسرح حدث فني ملمحه األساسي (والمختلف) هو العالقة الخاصة التي يقيمها بين الحقيقة والخيال .في المسرح يصبح الخيال حقيقة وتتحول الحقيقة إلى خيال حقيقي وحقيقة منخيلة يجبرنا المسرح ،بسبب طبيعته الخاصة ،على التفكير في معنى الحقيقة والواقعية في الفن»( ) .كما يجبرنا محمد أمين عبدالصمد على إعادة قراءة الزناتي، الزناتي الحكاية ،أم حكاية الزناتي؟ هذا هو السؤال. كما يقول سانتياجو« :إننا ال نتواصل أبداً مع األشياء كما هي ،بل كما نبنيها ،لذلك،
التوجد حقيقة فريدة من نوعها وموحدة ،مسبقة وخارجية ،حيث أن حقيقة كتلك هي بناء معرفي موضوع اعتباراً من اللغة والثقافة .هذا الفعل هو ما يمنح مخططنا معنى، حيث يحاول تفسير كيف نبني تلك الحقيقة ودرجة االتساق والثقة التي نمنحها لكل مستوى من الحقيقة المبنية»( ). إن الحقيقة متعددة األسطح يعني أنها شيء آخر وأكثر تعقيداً ،إنها ما يعرفه الحس العام كحقيقة عادية أو حقيقة واقعية .واقعية محدودة لعرض هذه الحقيقة تكون محددة قليلة المنفعة في المسرح .على النقيض ،يفتح مفهوم للعالم مؤسس على تعددية ماهو حقيقي ،أبواب المسرح على عوالم فنية ذات معنى وعمق أكبر بكثير ،كما يظهر لنا مسرح عبدالصمد :ليس أنه يريد إخفاء الحقيقة ،بل معرفة أنها جماعية ومتعددة األسطح ،إن الشخصيات التي تسكنها متنوعة أيضاً. «يمكن أن تبنى الحقيقة المتخيلة أنواعاً مختلفة من العوالم ،عوالم ممكنة أو عوالم مستحيلة من خالل وجهة نظر الحقيقة الفعلية (عوالم حقيقية) أو عوالم محتملة أو غير محتملة من خالل وجهة نظر تماسكها أو صالبتها الداخلية (عوالم خيالية) ننشأ هنا عالقة بين الخيال والحقيقة»( ). إذا يحتاج المسرح ،لمنظورات مسرحية تُقدم في مكان وزمان ،لتحقيق «وجوده»، «إن الموقف التوصيلي الخاص بالمسرح هو جوهر العالقة – الجدلية أحياناً – التي من المعتاد تأسيسها بين المسرح والزمن الحاضر ،ويجدر بالفعل أن نقدم الحاضر كزمن لـ األداء التمثيلي وللطابع الدرامي (ذي التمثيل المباشر) أمام الماضي كزمن للمؤلفات وللطابع السردي (ذي التمثيل غير المباشر)»( ). فالمسرح يعتمد على زمن حقيقي ،تمثيلي – برجماتي :إنه زمن األثر الفني والتوصيل غير المميزين ،والذي يتمثل في ممانعة كبرى أو صالبة الدراما مقابل حرية كبرى للسرد في تمثيله للزمن ،لتبدو لنا الزناتي وكأنها مشهد تمثيلي أو هي بروفة لمسرحية امللتقى الفكري
79 78
ما كتبت منذ زمن وقد تبدو أنها لم تكتب أيضاً ،خاصة «زمن التطور السردي لألحداث أو الداللي هو المستوى الزمني الذي يشمل المضمون الكلي وزمن الخيال بكل امتداده ،على مستوى األحداث المعروضة كما على المروية بأية وسيلة بما فيها المعنى اللغوي المحض»( ). لعبة الثنائيات يجيد المؤلف اللعب على الثنائيات بشكل واضح بداية من العنوان (الزناتي) وتحول الكلمة مابين االسم والصفة االسم المحفور في ذاكرة التراث ووجدان البطل الشعبي، والصفة التي يسعى المؤلف لتوكيدها عبر أكثر من وسيلة. ففي المشهد األول ومع وصف حال الرواه ...األول ضخم قوي يرتدي الجلباب الصعيدي واآلخر نحيف يرتدي جلبات تقليدي ،إال أنه شديد التميز والسخرية... ليضعنا المؤلف أمام معضلة الثنائيات والضد منذ البداية حيث اختالف الشكل والفعل المغاير ..في كسر للمألوف عبر فعل الهدم وإعادة البناء والتفكيك ،لينطلق سؤال مهم.. لماذا هذا االختالف الواضح بين الرواه في الشكل واألداء؟ ومابين الراوي األول والثاني تنطلق الحكايات وتنساب في مرونة شديدة ،إال أنها مرونة محسوبة ،بمعنى أنها تنطلق من مناطق خاصة ،فقد تخير الكاتب مناطق معينة لإلنطالق منها ،فهو يكتب بكلتا يديه ،يد المبدع المسرحي ،ويد األنثروبولوجي المدقق في بعض التفاصيل ومابين الكاتب المسرحي واإلنثروبولوجي يبزغ لنا رجل القانون يدشن مذكرته بحرفة عالية الهثاً وراء تفاصيل وجذور األشياء ،سعياً خلف قضيته ومشروعه ،وفي مملكة الزناتي يوجد كل شيء الرجال وأشباه الرجال ،سعدى األنثى التي تتفوق على الرجال ،حاشية الزناتي وهم في نفس الوقت نقاط ضعفه ،الزناتي بقوته ،ومهارته و(الهصيص) كما يقول عنه الكاتب:
(يدخل الهصيص ...شاب يافع كأنه نسخة مصغرة من الزناتي خليفة) (المسرحية ،ص)31 وهو بذلك يقر أن لعبة الثنائيات ،مازالت مستمرة بل وتلك لعبة االستنساخ ،ليبدو الهصيص ،وكأنه صوت الضمير أو العقل للزناتي خليفة.. يستطنقه الكاتب بلسان حال األزمة عبر فعل الحكمة والتعقل. الهصيص :على الراحة عودت األمرا ...وبعدتهم عن كل حاجى ..التثور منهم وال امرا (أمارة) وال كلمة حا ..جة( ...المسرحية ،ص )33 ،32 ومن خالل هذا االعتراف من الهصيص يفتح المؤلف نافذة أخرى لألحداث ،يطل منها على مناطق أخرى هي مناطق الكشف واالعتراف بالخلل ،والتي تمثل أول مراحل االنتصار في اللعبة السياسية ،حيث االعتراف باألزمة ،وتحديد مالمحها ،هو أول خطوات وضع الحلول العقالنية لها ..أما غض الطرف عنها هو بداية االنهيار ،تلك هي الثنائية شديدة التكثيف التي يلعب عليها المؤلف. حتى الثنائيات على مستوى اللغة ،واللعب باأللفاظ ،وتحميله دالالت أكثر من المعاني المباشرة لها ،لدرجة أن استخدم المؤلف أكثر من كلمة بأكثر من معنى مثل (الخليفة – الخلف – الخالف) ،وفي موضع آخر نجد كلمات (أمير – إمارة – أملرة) وعلى تلك الوتيرة يمارس المؤلف لعبة هدم وبناء المعنى والدخول لعمق األحداث والمواقف بمهارة من يمتلك اللغة (نثراً وشعراً). على حد كلمات المسرحية... الراوي :1الزناتي حافض كتاب هللا ...وموفي فرضه ودينه ماله مولى إاله ..للخلق حماله دينه (ماعليه دين). الراوي :2في تونس ...الرجل حاكم عقولهم ...تقرأه سعدى وعالم والولد للوالدين عقولهم (عاق لهم) ناقص ربايه وعالم مأذن ماليه المدينة في كل شبر جامع هللا امللتقى الفكري
81 80
يحرس دينه ..ماحدا للندا سامع (المسرحية ص)36 ،35 وما بين اإليحاء واإليحاء المضاد يتحرك النص ،خاصة في اللعب باأللفاظ وتعدد مستويات استخدام الجمل ،بين المعنى وقلب المعنى ،حيث الكلمات (عقولهم – عاق لهم) (تقرأه سعدى وعالم – ناقص رباية وعالم) (موفي فرضه ودينه – ماله مولى إاله – للخلق ماله دينه) وهكذا يمارس المؤلف عمليات البناء والهدم في ظل لعبة الثنائيات واإليحاء بأشياء ثم عكسها ،والتأكيد على معاني ما تم تفصيلها في معالجة ذكية للتراث ،وقراءة جديدة لحدث قديم في حالة تحضير وإحضار متعمد لمواقف ما من التراث ،مواقف يستخدمها استخدام مغايير ،استخدام مواتي للظرف اآلني. الزناتي والبطل المضاد: قد تغيرت صفة البطولة في األعمال المسرحية بشكل واضح ،بل إن مالمح البطولة ذاتها تغيرت ،فقد يتحول اإلنسان الضعيف أو العادي إلى بطل ،بل إن صفات مثل الضعف والقلق واأللم قد تكون مفردات للبطولة ،وقليلة هي األعمال التي احتفظت للبطل بصورته الت اعتدناها الذي ينهي كل الصعاب ،وينقلب على كل الظروف المحيطة ،لذا فإن (محمد أمين عبدالصمد) قد وضع لنفسه بطالً خاصاً ،بل شديد الخصوصية هو البطل المضاد ،يقف بين حدي اإليجاب والسلب ،يزاوج بين كلمة الحق والسيف يحمل فكراً مغايراً وأخالقاً مختلفة وتصورات جديدة ،خاصة وهو يتحدث عن تونس وطريقة الحكم المثالية لنرى لذى إننا أمام عقل تقدمي شديد الذكاء، إال أن في كلماته القوية تبدو بذور صنفه... الزناتي :احكمها كيف بنية فتية ..هي منك وأنت منها ...وأعشق كل مافيها مسلميها ومجوسها ..وبوم ربك ما يوافي أجله وأموت ..ح يبقى اسمي دايب في اسمها.
الهصيص :عشان كده راكن االمرا ...ومحيد ملك البالد معبد الزناتي ( :يغضب) ملك البالد اللي يصونها ...واللي بيراعي أهلها واللي ديمة يحرسها من عدو ساكن أو جالها ..أنا الزناتي أبو سعدى ،على زندي أنبتت ؟؟؟؟ تونس وقضيت على كل العدا..وال باك يا واد مش حاسس وأسألوا تونس ...يا كحيلة يازينة الميدان مين ترضيه فارس؟ قولي وسمعي اآلذان. (المسرحية ص)72 يبدو من كلمات الزناتي التي تنطلق كالرصاص أحياناً ،وكالهمس أحياناً أن البطل المعتاد هو الذي يحكم والمعاني المعتادة هي التي تسود وتسوق األحداث ،حتى المعاني وتناقضاتها تتحكم في أمور الفعل الدرامي ومسار الشخوص المسرحية بشكل جعل من باقي شخوص السيرة ذاتها جميعهم أشبه بالرواة ،منذ امتألت المسرحية بالرواة ،بين التخفي والظهور ،إال شخصية الزناتي نفسه ،والذي ظهر كبطل تراجيدي يحمل بذور سقوطه بيده ،وفي نفس الوقت قد يكون هو ترزياس في رائعة سوفوكليس أوديب ،ترزياس األعمى البصير ،الحكيم المتهور وفي مكر درامي واضح رسم المؤلف شخصية الزناتي برؤية مغايرة ،وكأن المسرحية تحولت إلى فخ درامي ،نصب بشتى الشخوص الدرامية وللمتلقي أيضاً في ذات الوقت عبر البطل المضاد المعروف بالزناتي خليفة. في كتابه أيضاً (كتابه ضد) نقف خارج وداخل النص في نفس الوقت هي الكتابة المراوغة ،فقد سار بنا الكاتب في صحراء السيرة ،وهو العليم بدروبها ،سار كقصاص األثر ،إال أنه كلما تحرك خطوة محاها كي اليتبعه أحد. فعلى حد قول (سيد خطاب) «لم يعد المنسق الحكائي للمسرحية بما هو سلسلة األحداث المتتابعة زمنياً هو غاية الرواة أو مؤلفنا بل ما وراء ظواهر األحداث»( ). مسرحية تحت الترابيذة لـ سامح عتمان: امللتقى الفكري
83 82
النص وخارج النص: توجد العديد من المقاربات المختلفة للقارئ نحو النص المسرحي تجعل هناك حداً فاصالً بين النص وخارج النص إذ أن هناك القارئ المثبت في النص من جهو ،وهناك الشخص الحي الذي الكتابة بين يديه من وجهة أخرى. ومن تلك الفرضية (النص وخارج النص) نحاول اختراق الكتابة لدى سامح عتمان في نصه (تحت الترابيزة) ،عبر فعل القراءة ،خاصة أن «القراءة فعل ملموس ،وقابل للمالحظة ،يستدعي ملكات محددة بدقة للكائن البشري فعال تتحقق القراءة دون تشغيل الجهاز البصري ووظائف الدماغ المختلفة ،فالقراءة عملية إدراك وتحديد وتخزين للعالمات ،تسبق كل تحليل للمحتوي»( ). خاصة أن اللغة والحوار في المسرحية «تحمل خصائص متفردة فهي تجنح إلى التشظي المتعمد ،واالنتقال من فكرة إلى أخرى في تتابع اليسمح بالتواصل مع فكرة واحدة ،فالحوار يختلقحاالت مزاجية وأفكار متشظية التتطور في خط متصاعد وعلى المتلقي أن يلملم شتات هذه األفكار والحاالت لينتج المعنى وفق منظور المتلقي الخاص به»( ). إذن نحن أمام عملية محاولة فك الرموز ،وهي تكون غالباً سهلة حينما يتضمن النص كلمات موجزة ومعروفة ومتعددة المعاني مثل هذه المسرحية ،فمنذ البداية وكلمات الراوي وترحيبه بالناس عبر األغنية الشعبية ،أو مايسمى بالمهرجانات يدخل بنا المؤلفلعالم من التناقضات الخفية والجلية في ذات الوقت عبر االستخدامات المرنة للكلمات ،والتي قد تحمل أكثر من معنى في جدلية واضحة بين اللفظ والمعنى. المسرحية وأقنعة القارئ إن عملية التواصل األدبي مابين القارئ والنص ،تتوقف على نوعية الخطاب المكتوب، ففي اللحظة التي يكون فيها مفصوالً عن سياقه ،فإنه يضع عالمه الرجعي بقوة الكلمات
وحدها ومن ثم يستسلم كال من المرسل والمتلقي الختزال الكتابة ،لتبدو ازدواجية سلطتين المبدع والمتلقي ،وبينهما أقنعة القارئ الوهمية. «لكل عالمة مسرحية مرجع متخيل يمكن أن يكون بدوره حقيقي متجاوز للحقيقة أو خيالي ،إذ يمكن أن يبنى المسرح حقيقة متخيلة واقعية ،حقيقة متخيلة فانتازية ،أو يمزج بين االثنين ،هذا يعني ،الحقائق والعوالم الممكنة مثل غير الممكنة (تبعاً للعالم الحقيقي) ،تكون حقيقية أو فانتازية ،ممكنة أو غير ممكنة ،دائماً ستكون حقائق وعوالم ذات طبيعة متخيلة بهيئة الواقع الحقيقي»( ). خاصة أنه تفرض الصفة الحقيقية بالضرورة والمدركة للمسرح تحديداً مادياً وزمانياً على الخيال المتخيل ،عند كونها باإلضافة إلى ذلك ،نشاط محقق من قبل كائنات إنسانية ،تنتج انتقال مباشر للخيال إلى العالم الحقيقي. إذ يبنى المسرح بطريقة خيالية بواسطة اللغة الشفهية أو اللفظية ،اللغة في المسرح حقيقة حقيقية ،فاللغة المكتوبة بشكل حواري ،لها مراجعها الخاصة الداللية المادية التي هي نفسها الخاصة باللغة العادية ،وحتى تستطيع تلك المراجع الحقيقية (للعالم الحقيقي ،المتجاوز للحقيقية أو الخيالي) التحول إلى مراجع متخيلة ،فالبد وأن تكتسب معنى سياقي متماسك مع العالم العام للعرض المتخيل. فالمسافة بين المحتوى الداللي الحقيقي للعالمات الشفهية المسرحية (مدلول) ومعناها الجديد الداللي السياقي والمتخيل (معنى) يمكن أن يكون كبيراً أو صغيراً ،حسبما يحاول البناء أو االختالف لعالم خيالي متخيل واقعي أو عالم فانتازي ،لكن سيكون دائماً من الضروري انتقال ،تغيير ومقارنة استبدالية بين المراجع الحقيقية والمراجع المتخيلة»( ). فالتناقض األساسي للمسرح يتكون من خلق واقع حقيقي حقيقي فقط بشرط أن يتوقف عن كونه كذلك في الوقت نفسه لتتحول إلى حقيقية خيالية ،مختلفة ومتخيلة التي امللتقى الفكري
85 84
بدورها ،البد وأن تكون مدركة بطريقة مباشرة ،لذلك فإن المسرح يشارك بمستويين متعارضين من الحقيقة ،الحقيقة الحقيقة والحقيقة الخيالية ،الحقيقة وعدم الحقيقة، تسمح هذه الطبيعة الثنائية ،بطريقة مميزة ،باالنتقال من الحقيقة إلى الخيال ومن الخيال إلى الحقيقة ،أو أيضاً ،من العبور الحقيقي إلى الخيال ،ومن الخيال إلى العبور الحقيقي. لذلك يخلق المسرح مكان وسط حتى يستطيع ما هو متخيل مرغوب أن يصبح حقيقياً وما هو حقيقي أن يصبح خياالً ،نرغب في جعل األحالم والرغبات حقيقية ،في الوقت نفسه الذي نحتاج فيه تقليل حقيقة الواقع الحقيقية ،وأخذها بجدية أقل ،لكننا النريد خلط الحقيقة بالخيال ،بل مواجهتها ،وهو ما يحاول سامح عتمان فعله. تنتج اليوم ظاهرة جديدة تجبر على إعادة بناء أو خلق حدود جديدة بين الحقيقة والخيال ،لكن ليس تدميرها .لتبدو متعة االختالف وهي متعة مرتبطة باالختالف، باإلبداع لحقائق جديدة أو لشيء غير موجود سابقاً .هذه المتعة تذهب من الكاتب إلى المتفرج. أما متعة إعمال الفكر تشير هنا إلى المتعة التي تولد من حل مشكلة ،من ممارسة الذكاء ،المفهومة على أنها المقدرة على إيجاد تفسيرات ،عمل استنباطات منطقية، ربط فرضيات ،وبناء معنى متماسك. «إن األشكال المختلفة للمتعة الجمالية التي لها مكون معرفي قوي سنرى اآلن األشكال العاطفية للمتعة الجمالية ،الفصل بين المعرفة والعاطفة تحليلياً أكثر منه حقيقياً ،حيث إنه اليوجد تفكير بدون عاطفة ،وال عاطفة بدون تفكير ،بالرغم من ذلك ،من المؤكد أيضاً أنه ليس الشيء نفسه تجربة مهيمنة معرفية أو ذهنية, ،اخرى مهيمنة عاطفياً أو تأثيرياً»( ). لذلك لعب المؤلف على متعة التجريد حيث ،متعة تجريد الحقيقة ،تبرز الجانب
المظلم ،القبيح ،الناقص ،المجزء ،الغير منظم والمرضى للكائنات الحية وللعالم، إنه شكل للتفادي أو االبتعاد بطريقة سحرية عن الشر والقبح ،أمام استحالة إنكار وجودهما .وأيضاً ،يثير تجريد الحقيقة بنا ،أكثر من كونه ضحكة أو سخرية ،الشفقة والحنو ،أيضاً نتماثل مع الضعف ،اللين والعجز ،ما هو مشوه وما هو قبيح ،ألننا نعرف أن لدينا جميعاً جانبنا الكوميدي الخاص بنا ،الضعيف وحتى القبيح ،يمكن أن يظهر القبح أو المشوه أيضاً ممتزجاً مع مظاهر أخرى جميلة .على األقل يمتزج ماهو جميل وما هو قبيح ،المأساوي والكوميدي ،ويختلطا بسهولة ما يمكن أن يدمر الجمال المفرط بملمح سلبي واحد ،بالكيفية نفسها ملمح إيجابي يمكن أن يعوض عن القبح أو السيء ،وتلك فرضية الكتابة الضد لدى سامح عتمان. لذلك يطرح المسرح دائماً ،بسبب صفته الموضوعية ،صراعاً بين المشهد و»العالم الداخلي» ،من الصعوبة الشديدة ،أن الكتاب ،الممثلين والمخرجين يتردون في هوات الذاتية ،الالوعي ،الترابط الحر للصور ،األفعال ،اإلشارات ،الحركات ...اإليحائية جداً ربما ،لكنها في الغالب غير مفهومة ،غير مترابطة أو اعتباطية بالنسبة ألغلبية المتفرجين ،تحقق خشبة المسرح ،من البداية ،وتعيد تقييم أية كلمة ،فعل أو حركة تمثيلية لسبب بسيط وهو أن انتباه الجمهور يتبئور عليها. إذن كل ما ال يساهم في إبراز معنى العمل يعرقل معنى العمل ،اإلفراط أو التقليل المفرط هو تخفيف وإضعاف للمعنى. «يقيم كل عمل آلياته الخاصة للتماسك ،تعتمد وحدة العمل بخاصة عناصر الترابط التي تستخدم لتضع أجزاؤه في تواصل وتفاعل ،يفرض التماسك ترتيباً معيناً أو تعاقباً لألحداث أو األفعال ليس أي ترتيب ممكن ،البد وأن تكون تلك األفعال التي تولد أفعاالً أخرى أو أحداثاً واضحة .إننا النتحدث ،رغم ذلك ،عن عالقة سببية ،سيكون من المناسب هنا التمييز بين سبب ،باعث ،دافع ،البد وأن تكون األحداث في المسرح امللتقى الفكري
87 86
دافعة ،لكن ليس من الضروري أن توضح البواعث أو أسباب األفعال. والبواعث هي التعليالت ،الفردية أو الجماعية ،لألفعال ،األسباب هي الضروريات المتغيرة والكافية التي تفسر الظواهر ،يهتم المسرح بالبواعث والدوافع أكثر من األسباب ،من المعتاد أن تخفى األسباب (التفسيرات) الدوافع الحقيقية (الشعورية والالشعورية) لألفعال :السيطرة ،التحكم وخداع اآلخرين للوصول إلى موضوع الرغبة ،لذلك ،فإن للتماسك صلة بإمكانية أن يعرف المتفرج ويفهم دوافع أفعال الشخصيات واألحداث ،لكل مايحدث على المسرح»( ). مسرحية ياليلة هوووي لـشاذلي فرح الكتابة بين الثابت والمتغير لعل األهمية العظيمة لمسألة الذات ،أو مسألة أي شيء هي أننا نستطيع أن نذهب إلى أماكن جديدة توقف جريان وعينا المتعاطف ،فال نعود نتعاطف مع أشياء ثابتة وربما ميته ،وذلك كي نصل في الوقت ذاته لمناطق أخرى جديدة مغايرة ،قد تهدم الثابت وتعلي من شأن المتغير في لعبة مسرحية جديدة للشاذلي فرح ،وحكاياته الجنوبية في (ياليلة هوووي) ،والكتابة الضد المتمردة لديه ،وخاصة في الحكاية الثانية (مقتل المجرم ياسين العبادي). ومن عنوان الحكاية يحاول شاذلي فرح خلق متلقي ضمني مختلف يبتعد عن التأثير العاطفي ،وبعيداً عن ما يسمى بالتورط في المسرحية انتقاالً لمناطق أخرى مغايرة، وكأن المؤلف يستدرج المتلقي ليوقعه في شباك رؤيته ،بل وفي شباك المكان /جنوب مصر بعاداته وتقاليده المغايرة. خاصة أن «عالقة اإلنسان بالمكان تكون عالقة تضاد والتقاء في آن واحد تضم من حيث ثبات المكان وحركة الكائن والتقاءها في كونهما معاً يمثال الدارك والمدرك المحسوس ،الحاوي والمحتوى»( ).ومابين الدارك والمدرك المادي والمعنوي يدشن
شاذلي فرح نصه المسرحي وحكاياته. فالمكان «هو الكيان االجتماعي الذي يحتوي على خالصة التفاعل بين اإلنسان والمجتمع الذي يعيش فيه ،لذا فشأنه شأن أي نتاج اجتماعي آخر يحمل جزءاً من أخالقيات وأفكار ووعي ساكنيه»( ). وحاول شاذلي فرح في المسرحية خلخلة مفهوم الوعي بالمكان عبر هدم وعي ساكني المكان ،بما يعتقدون فيه ،من خالل رسم صورة لـ (ياسين) مغايرة عن المخيلة الشعبية المتوارثة في هدم وكسر للرؤية التقليدية المألوفة ،بأن حاول أن يكشف الجانب اآلخر، وهو جانب أصلي لدى (ياسين) وهو قاطع الطريق واللص على عكس الصورة المرسومة والمتوارثة عنه كبطل شعبي وعاشق صادقوتسلح شاذلي هنا بتقارير وشهادات حية (اللواء محمد صالح حربي) كنوع من تأكيد الرؤية وتدعيمها بشكل توثيقي درامي كاشفاً لجانب غامض من هذا الموروث ،والذي ارتبط أيضاً بالمكان بشكل واضح. «ويمكن تقسيم األماكن إلى أربع أنواع وفقاً للسلطة التي تخضع لها: أوالً :عندي وهو الذي أمارس فيه سلطتي ويكون لي حميماً. ثانياً :عند اآلخرين الذي أخضع فيه لسلطة غيري. ثالثاً :األماكن العامة التي يتجانس فيها كل أنواع البشر. رابعاً :المكان الالمتناهي»( ). فيقسم لنا يوري لوتمان العالقة بين المكان واإلنسان من خالل عدة مراحل يمر بها اإلنسان داخل الحياة ترتبط به وتؤثر ويتأثر إذاً فالمكان يؤثر في الشخصيات وتاريخها ويعطيها مكانة خاصة داخل العقل الباطن والالوعي فينتج منها تصرف خاص اتجاه هذا المكان المحدد. ومن خالل تلك الرؤية والرؤية المضادة للمكان ،وعبر التناول الجديد لشاذلي فرح امللتقى الفكري
89 88
لموضوع (ياسين) يبدو لنا أن «الشخصية التي تعيش في مكان محدد ينطبق عليها خصائص هذا المكان في شخصها وتؤثر وتتأثر به إما باإليجاب أو بالسلب من خالل تأقلمه أو رفضه هو نفسه بالمكان»( ). وفي حالة شاذلي فرح هو رفض وتمرد على المكان وما يحتويه من وعي مزيف لهذا البطل الشعبي المزيف أيضاً حيث أصبح (نموذجاً ضداً) عبر الشكل الملحمي المزيف مع تخليص الحدوته شيئاً فشيئاً من أية أحداث وجعلها تتمركز حول ما يعتبره المؤلف جوهرياً وهو وجود الموت /القتل ليطرح النص سؤال مهم جداً (كيف نحي؟ وماذا نحكي؟) وجاء الرد أو اإلجابة سريعاً على لسان (يس) :عشت نص عمري أحلم أني أعيش بره الصحرا وجبالها ولما لقيت حياتي يس مستحيل ..عشت نص عمري التاني أحلم أن أموت بره الصحرا وجبالها ..ياااه.. صح كل واحد متشخبط على وشه قدره ...دنيا غرورة كيف الجلبية التي متلفح بيها عرياااان... يوزباشي :قتلت وسرقت ونهبت ..تفتكر نهايتك كانت حتكون كيف ...دنيا زي ما (المسرحية ،ص)98 تاخد عما تدي من فوق كلمات (ياسين واليوزباشي) يكشف لنا شاذلي فرح عن لعبته المسرحية ،أو باألحرى عن مايسمى بالنص وخارج النص ...بمعنى أن (حلم يس) حلم مستمر إال أنه صعب التحقيق ،وواقعية اليوزباشي ،واقعية مطلوبة في تداخل جميل بين الحقيقة والخيال ،فالحقيقة قد تصنع خيال ،وقد يصنع الخيال حقيقة أيضاً في لعبة دائرية قد تبدو ساذجة مباشرة ،إال أنها تحمل عمقاً فلسفياُ شديد التكثيف ،في عالقة تقليدية عادية بين النص وخارج النص الثابت والمتغير في ظل رغبة واضحة من المؤلف لكسر الثابت والمتغير ،وتفنيد األدوار بين النص وخارجه بين (يس) في المخيلة الشعبية ،و
(يس) في أوراق (اللواء محمد صالح حربي) شاهد عيان .وبين شاهد العيان الحقيقي والعيون الشاهدة والمشهودة عبر الزمن وتعدد الحكايات سارت المسرحية يقود مجراها فعل الهدم ،هدم السائد والتقليدي .حتى اليطلب من المتلقي أن يلقي بنفسه في الحدوته خاصة أن أجزاء الحدوتة يعرض بعضها بعضاً بعناية وذلك بمنحها بنيتها الخاصة. إذ تمثل الكتابة المسرحية المتقطعة في شكل جزئيات معنونة مساحة كبرى في كتابات شاذلي فرح ،بل وفي العديد من الحكايات الجديدة لتبدو أن الكتابة تبزغ من منطقة جماليات القبح المسرحي. الهوامش ( )1جان بيير رينجير :قراءة المسرح المعاصر ،ترجمة حمادة إبراهيم ،إصدارات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ،القاهرة ،2004 ،ص.77 ( )2مجموعة مؤلفين :من ندوة المسرح العربي بين المسكن والحرك ،إصدارات الشارقة الثقافية ،اإلمارات ،2006 ،ص.19 ( )3المرجع السابق ،ص.20 ( )4سانتياجو ترانكون :نظرية المسرح قواعد لتحليل العمل الدرامي ،ترجمة رانيا الرباط، إصدارات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ،و ازرة الثقافة ،القاهرة،2010 ، ص.440 ( )5المرجع السابق ،ص.442 ( )6المرجع السابق ،ص.454 ( )7خوسيه لويس جارثيا :كيف تتعامل مع العمل المسرحي ،ترجمة نادية جمال الدين، إصدارات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ،و ازرة الثقافة ،القاهرة ،2009 ،ص،115 .116 امللتقى الفكري
91 90
( )8المرجع السابق ،ص.117 ( )9سيد خطاب :من مقدمة مسرحية الزناتي ،ص.21 ،20 ( )10فانسون جون :القراءة ،ترجمة محمد آيت لعميم وشكير نصر الدين ،دار رؤية للنشر والتوزيع ،القاهرة ،2016 ،ص.22 ( )11أيمن الخشاب :من مقدمة مسرحية تحت الترابيزة ،الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة ،2017 ،ص.13 ( )12سانتياجو ترانكون :نظرية المسرح قواعد لتحليل العمل الدرامي ،ترجمة :رانيا الرباط ،إصدارات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ،القاهرة ،2010 ،ص،460 .461 ( )13المرجع السابق ،ص.462 ( )14سانتياجو ترانكون :مرجع سابق ،ص.491 ( )15سانتياجو ترانكون :مرجع سابق ،ص.600 ( )16مصطفى الضبع :استراتيجية المكان ،الهيئة العامة لقصور الثقافة ،القاهرة، ،1998ص.59 ( )17ياسين النصير :الرواية والمكان ،دار الشئون الثقافية ،بغداد ،العراق،1986 ، ص.16 ( )18يوري لوتمان :مشكلة المكان الفني ،مجلة ألف ،ترجمة :سي از قاسم ،الصادرة عن الجامعة األمريكية ،العدد السادس ،القاهرة ،1996 ،ص.89 ( )19ب.س .ديفيز :المفهوم الحديث للزمان والمكان ،ترجمة ،السيد عطا ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة ،1996 ،ص.120
تأمالت في الكتابة كوجود وتمثل
بقلم :ليلت فهمي
الريب أن الكتابة الدرامية هى المجال المعرفي الوحيد القادر على التصدي بالتفكير لظواهر الوجود المنتاقضة والغامضة ،وليس عابراً ان تكون الدراما هى الركيزة والمرجع األول للعلوم األنسانية جميعها وخاصة ما يسمى بعلم النفس ،بل يمكن اعتبارها العلم الحقيقي الوحيد فيما يتعلق بالبحث في األنسان وقضايا الوجود ،ال ألنها األسبق ،إنما ألنها قادرة على الوقوف المستمر على أرض القلق ،في المنطقة الدامية ألسئلة الوجود األساسية والتي تشكل مناط فزع دائم لكل الحقول المعرفية األخرى والتى تتهرب بدورها من هذه االسئلة الجوهرية للوجود .بإالضافة لذلك الدراما التتواطئ على حل الوضع اإلشكالي للوجود او اإليحاء بتنظيم مؤقت لفوضاه ،بل انها ترصد العالقة اإلشكالية بين ما يبدو نظام وما يبدو فوضي ،وتكشف عن السكون المتواطئ الذي يستقر ـبفعل التكرار والعادة ـفي أفقال عالمك منظور ورؤية وفعل، فتمر عبر هذه االنتظامات التى توحى باالستقرار للمعنى وللمفهوم ولألبنية العلية والسببية إلى ماهو خفي من تناقضات و تقلبات الوجود البشري ،ولذلك ما تخبرنا به الدراما عن االنسان ال ينضب وال يزول النها تشير إلى فوضى دائمة وأزلية ،وفزع يطفو بشكل دائم على السكون واالنتظام متنكر في عوارض اخرى. أي كتابة التكشف في بواطنها ومكمنها عن إضطراب وفوضى وعدم إستقرار اليمكن أعتبارها اال موائمة ،وإنحياز ماوضوي لوجود منتهي بالفعل ،وبالتالي يمكن اعتبارها ال درامية بجدارة ،يمكن اعتبارها كتابة تأريخية اوفلسفية أو غيره ،فاالضطراب العميق والصراع الخفي بين اشكال الفوضى واشكال االنتظام وتحوراتهما هي مفتاح ميالد الكائن الدرامي ،سواء كان هذا االنتظام هو النظام القيمي للجماعة البشرية امللتقى الفكري
93 92
في مجموعة من الشروط التي تُفرض على الوجود من خارجه تسمح بالتفاعل معه وبداخله ،فى مقابل الفوضوي والالمنتظم والحيوي والمتغير والذي يعبر عن الوجود في ذاته كمتغير ذو قانون غير مدرك بشكل تام ،او االنتظام بإعتباره في اعلى تجلياته بنية دراميية او شكل ،Formفكل بنية هي انعكاس النتظام معين يعبر عن رؤية العالم كنظام وسيرورة ،في مقابله الفوضوي الشعري كمضمون Contentهو تجلي للفوضي وتعبير عن نزوع الوجود إلنفالته نحو قانونه الخاص ووجوده الحر، فالدراما هي حركة الموضوع القلقة والديناميه داخل البنية المستقرة والراسخة او التى تبدو على األقل مستقرة بشكل ظاهري. وعليه فإن البنية هي واقع اليمكن استعارته ألنها رحم الدرامي بمعنى انها مستقره وانبساقه ،وفي الوقت نفسه هي نطاق نفوره ،هذا ما يجعلنا امام تأمل طويل للكتابات الدرامية في حيزنا المحلي ،او مانسميه بالكتابة الدرامية ،بإعتبارها شكل منتظم formومضمون ،Contentبينهما توتر دائم ومع ذلك يستحيل الفصل بينهما، و أول االشكاليات هي محاولة الفصل بينهما ،وبالتالى فض التوتر وهو مايعني فض الدرامي ،وهنا يسعنا الحديث عن قضيتن اساسيتين اولهما استعارة اتجاهات وأبنية درامية من واقع فكري مغاير وهو مايعني يعنى مالحقة المضمون لشكل، وثانيهما إعتبار المسرح منصة خطابية وحامل للقضايا بإعتباره هيكل يتم حشوهه بقضايا سياسية واجتماعية وتعليمية وهو ما يعنى مالحقة الشكل للمضمون ،وكالهما يحول الحياة الدرامية الشائكة والدائمة الجدل من التوتر كجوهر الوجود الدرامي الى الالإنسجام كعرض لتشوه الكائن الدرامي. وما نلحظه في كثير في االعمال المسرحية ويسمية البعض على سبيل االستسهال حداثة او مابعد حداثة ،على ان هذه الكتابة حيث هي لهاث من المضمون وراء الشكل والعكس فقدت وجودها المنتظم الظاهري ،والظاهري هنا ال تعنى نعت بالزيف
ولكن تعني نظام لرؤية العالم متماسك تتحرك بداخله فوضى الحياة فتتشابك وتتناحر معه .وفي هذا السياق من االبنهار بالشكل في مجموعة االبنية او االنبهار باالفكار والعبارات الرنانة تم تعطيل إكتشاف الذات وموضوعاتها في مسرحنا المصري. أوالً :تتبع الشكل يمكن أن نلقي الضوء في هذا السياق على توفيق الحكيم بإعتباره رائد مسرحي ينتمي لحظة أكثر حراك ونشاط ممانحن عليها االن ،هذه اللحظة تتماس مع أسئلة الذات االجتماعية بإلحاح وإنتظام فتمثل نقطة محورية في فهم حركة المسرح المصري ،ينقل توفيق الحكيم مسرح العبث في تسمية الالمعقول ،وبذلك ومن اللحظة االولى فهو يشير عبر التسمية «الالمعقول» إلخضاع االتجاه وسماته الشكلية لمنظومة افكار اخرى، وهو بالطبع نقل يراعي الفروق الثقافية ويعبر عن فهم شخصي عميق لسياقين ثقافيين مغايرين تماماً ،ولكنه يغفل في اللحظة ذاتها عالقة هذا الشكل Formبسياقه الفكري كمنظور لرؤية العالم وتجلي له في لحظة ما ،اليتفق هذا المنظور مع لحظتنا المغايرة ثقافياً وحضارياً من ناحية ومن ناحية اخرى المغايرة كموقع من صراعات العالم، وبالتالي فيمكن اعتبار هذا النقل مجرد تشويش على تراجع أسئلة الذات االجتماعية ومساءلة الوضع الثقافي والفكري الخاص ،هذا اليعني بالضرورة أن مسرح العبث هو نقطة أعلى أو أدنى في التأمل الفكري االنساني ،قدر ما يعنى أنه معبر عن سياقه متسقاً معه ،فقد عبر عن لحظة إدانة عظمي من الثقافة الغربية لذاتها ولميراثها الفكري وحصاده،هذه ادانة لسنا ملتزمين بها في الحقيقة الننا لم نكن في نفس موقع الفعل الذي انتجه،ونقل توفيق الحكيم للعبث كشكل وتسميته بالالمعقول طاعناً بهذه التسمية في الجذور الفكرية لالتجاه،وهو نقل مضطرب بال انحياز فكري وجمالي لموقف محدد من العالم ،فهذه الجذور الفكرية هي منظور لرؤية واضحة وعليه فإن العبث كبنية ليس إال تجلي إلنتظام ما في رأس رواده ليس مجرد شكله يمكن تسديد فراغاته امللتقى الفكري
95 94
بأى محتوى ،فهو شكل يعبر عن عدم اتفاق النظام الكالسيكي كبينية ورؤية ونسق مع اآلنية االوربية أنذاك ،فهو إنقالب غاضب على الواقعية البرجوازية بإعتبارها إمتداد طبيعي للكالسيكية. وهذا االنقالب على قيم الواقعية والذي يمكن تتبع جذوره تنمو داخل بعض الكتابات الواقعية نفسها ،عبر عن موقف اشكالي للذهنية االوروبية التي تجد ان التجربة االنسانية تعيد نفسها محاطة بالفشل وأن كل نظم السلطة من الدين واالسرة والتعليم أثبت فشلها منعكساً في فشل اجتماعي وسياسي هائل ،وعليه ان حالة التكرار والعطل واالنتظار وفقدان االمل وفقدان االيمان والسخرية المريرة ،كل هذا الالمنطق الذي يكتنف العبث هو تعبير عن معقولية العالم كنظام هزلي لم يثبت جدارته ،فنفي معقولية العبث بترجمة الالمعقول من أجل إستزراعه في سياق لم يفقد االيمان بالسلطة وجميع مؤسساتها بل أنه لم يتسني له إختبارها بشكل فعلي بعيداً عن معاركه الجانبية مع االستعمار ،ليس اال «استنبات لإليكهورنية «وهو نبات أعجب به ،واستجلبه الخديوي توفيق لتزين البرك المائية وأصبح يهدد نسبة المياة في مصر ونسميه «ورد النيل «. إن خطورة إستعارة الشكل تساوي خطورة االيكهورنية على المياة ،ألنها تقضي على العالقة الوظيفية للكائن في سياقة ،وتفض التوتر الذي إستفضنا في الحديث عنه في البداية ،والذي يظهر في نص مثل إنتظار «جودو» من تناحر الشكل والمضمون، فبينما يناشد العبث في بينيته معارضة كالسيكية وتعبير عن نظام يائس يتجلى في « البنية الدائرية « اال ان هذه البنية الدائرية والتكرارية تتضمن انتظار متيقن من وجود «جودو» اوالً ومن قيمة وجوده ثانياً ،على الرغم من الدعوى الظاهرية للموضوع أنه بال دور واضح ،ولكن في المستوى الشعري والدرامي الفوض ويخلف هذه البنية نجد حضوره المحوري يعبر عن اجابة واحدة وحيدة لسؤال الجدوى ،أي أن الصخب الذي يعبر عن نفسه كوجود شعري تعارض مع تمظهر البنية وخلق هذا التوتر الدرامي
الكائن في عمق وجود النص ،والذي هو في مضمونه مصالحة مع االيمان وانتظار عابث لقيمه القديمة ومهادنة لها ،وفي هذا السياق لنصية النص يتضح منظور منتظم للعالم وتناحره مع الشعري الفوضوي ،مما اليسمح بنقله كي التنفض تناقضاته ،كما ان النقل بهذه الطريقة التي التحدث مراجعه لرؤية العالم والذي يجتزأ الشكل من سياقاته الفكرية ،ينطوي على إعتبار ضمني أن العالم مجرد شكل وتقنية ،وانه ليس سوى مجموعة من االشكال األبنية التؤدي الى شئ. أزمة االرتباك المفهومي التي تثار بوضوح وجالء بصدد ترجمة توفيق الحكيم للعبث، نجدها في عدد من النصوص المسرحية التي تصف نفسها عبر كتابها او عبر النقاد بأنها حداثية او مابعد حداثية ،دون تأمل حقيقي لمدى إتساقها شكالً ومضمونا،ودون تأمل لطبيعة الخطاب الذي تؤديه ،ودون تأمل لإلصطالح كدال له بيئة ينشط بداخلها، فالحداثة هي لفظة تعني تطور مجتمعي يتجاوز أطر تفاعله القديمة مع الواقع عبر إستحداثات تقنية وعلمية ،وال تعبر عن تقدم زمني أو مستجدات شكلية وحسب، كما انها نطاق لنشاط فكري معرفي باألساس هذه االخيرة هي ما تخصنا بصدد الدراما كنشاط معرفي ،وتحتل اللفظة مكانها كإصطالح دال على حركة مساءلة للماضي بالمعنى الجمالى والمعرفي مع شعراء مثل بودلير ورامبو وماالرمية ،ومن المثير لالنتباه ان تكون اغلب بيانات التيارات التي نسميها حداثية والتيارات المضادة للواقعية،تنطلق من الشعر والفن التشكيلي ،بينما يصك مصطلح ما بعد الحداثة من مجال العمارة ،هي نقطة تستحق التأمل ،ربما لسنا بصددها االن ،انما يمكن ان تشير الى منظوران مغايران للعالم ،أحدهم يري العالم بناء مغربل يحتوي على فراغات يمكن التشيد بداخلها من خاللها للترميم والتعديل وهو الحداثة ،واالخر يري العالم كبناء مصمت وتراتب هائل اليسمح بوجود االماهو متراتب بالفعل ،وعليه فإن إعادة تشكيله عبر تقويضه وهدمه هو الطريق وهو مابعد الحداثة. امللتقى الفكري
97 96
هذه السياقات ليست مهمة إال بقدر ما تشير إليه من فهم لمواضعات إنبثاق وتفاعل هي االهم ،فبقدر ماتدل الحداثة على موقف معرفي ،بقدر ما تخبرنا ان الجاحظ ،وابو العالء المعري ،والنفري ينتمون للحداثة أكثر مما ننتمي نحن االن ،بما لديهم من قدرة على المساءلة للموقف المعرفي ،إذ أن أي مداوالت شكلية بالموقف معرفي وجمالي من الماضي اليمكن اعتبارها شيئ يذكر من أبرز السمات الشكلية التي نتداولها بكثافة في محيطنا المسرحي يتم توصيفها بالحداثية ،نجد التقنية البراندلية الشهيرة في نموذجها «ستة شخصيات تبحث عن مؤلف» هي تقنية توصف لدينا بالحداثية ،وقد إعاد برانديللو من خاللها فحص الجدر الميلودرامي للواقعية ووضعه في موقف اشكالي كموضوع فني داخل إطار معملي هو»النص نفسه» ،بحيث يقومبتشريح للنوع عبر النص نفسه من خالل تكسير االبعاد بأليه هندسية ،استخدمها كأداة لرؤية للعالم ،وبها استطاع بسط المنظور أفقيا ،كما عند بيكاسو وكاندنسكي ،اوحتى ماتيس ،او واقعية ادوارد هوبرالتي تعتبر اللوحة إستاتيكية هندسية ،وان ارتكزت البراندلية على تعددية المنظورعلى طريقة بيكاسو ،لتكشف عن اوجه الحقيقة ،وتفرق بين الحقيقة ،Factوالواقع Realityعبر خلطهما وفصلهما لمرات ،والتي تتحقق من خاللوجود واقعان احدهما جمالى واالخر فعلي ،يناقش كل منهما االخر ،بل ويهشم كل منهما االخر ،واقع فعلي يلتزم بشروط واقعية نسميها حقيقة وهي ليست بالضرورة حقيقة ،وواقع إفتراضي جمالي له شروط مغايرة للعلية والسببية ويتسم بأنه حقيقي رغم انه ال واقعي ،وذلك من خالل تقنية المسرح داخل المسرح ،وان كانت تقنية المسرح داخل المسرح سابقة على برانديللو االانها تتحتل موقعها ال كأداة ولكن كتقنية تكشف عن اوجه وجوانب الحقيقة ،وهي تقنية مغرية تم استهالكها واستنفادها لدنيا ال من أجل الغرض نفسه الخاص ببيراندلو ،ولكن من أجل التعبير عن مجموعة من القضايا السياسية التي يصعب تقديمها االفصاح عنها وتناولها
بوضوح ،وبالتالى سهلت هذه التقنية مناقشة المجتمع والسلطة في اطار ان يكون هذا المجتمع هو مجمتع «فرقة المسرحية»كنوع من المراوغة للنظم الرقابية ،مع الحفاظ على إشارات دائمة الى مجتمع اكبر من الفرقة المسرحية ،ذلك دونالمرورالىغايات هذه التقنية الكشفية والمعرفية. أما عن السمات الشكلية التى يعبر عنها االن في مصر بإعتبارها مابعد حداثية، أوالً غياب الحدث ،ثانياً طرح مجموعة من التعليقات المطولة في صورة حوار او مونولوجات تناقش اوضاع فعلية غير مصرح عنها في الفضاء النصي ،هذه التعليقات تتجوار في النص تجاور آمن ،مما يجعلها تعبير عن لحظة محسومة مسبقاً في رأس الكاتب ،وبالتالي الكتابة ليست اال رص لمجموعة من التداعيات العاطفية والنتائج المحسومة حول الواقع ،والتى تظهر وكأنها في موقع تناحر بينما هي منتهية سلفاً في منظومة أفكار تتجه نحو العالم بإعتباره فضاء حدي مستقر يمارس ضالالً مؤقتة وسوف يعود لهداه ،وبالتالي فتنتهي هذه الكتابات الي مورالية دينية حتي وان كانت تنتصر في خطابها الدعائي لموقف علماني ،هذه المورالية تتعارض مع جوهر المسرح كدرامي وجمالي ،وتتعارض مع مايمكن ان نسميه مابعد حداثة على مستوى الممارسة المعرفية ،وإذا إعتبرنا المسرح الوعظي والتعليمي مسرحاً ،في إطار تعريف المسرح كونه ظاهرة تتضمن وجود جمهور وحدث عرض او خطاب،فإنه بنفس المنطق يمكن ان نسمي ذلك مسرحاً واليمكن بالطبع إعتباره دراما. باالضافة الى تلك التسميات والتصنيفات المرتكزة على تعميمات مخلة نجد أيضا مصطلح التفكيك ،وهى االكثر تداوالً في ميادين فنية ونقدية مختلفة ال في مجال المسرح وحسب ،يأتي كتعبير عن فوضي شكلية تخلو من الغاية او القصدية ،بحيث يعبر عن تكنيك كتابة بال وظيفة فكرية بل أنه في كثير من األحيان ينتصر لموقف فكري راسخ ومستقر باالساس ،واكثر مايتم تداوله هو تفكيك الشخصية ،بحيث يتم امللتقى الفكري
99 98
تقسيمها إلى إثنان أو ثالثة دون غاية من هذا التقسيم بل أنه في كثير من االحيان يكاد يكون تقسيم لألبعاد الكالسيكية للشخصية ،وفي احسن االحوال ال يرمي هذا التقسيم الى شيئ وان تم حذفه لن يتضرر النص او يختل العالم الدرامي خاصة وانه يمضي غالبا كتجربة شكلية تجر خلفها عدد هائل من أفكار مكونة ومنتظمة تعبر عالم منتهي ومشيد بشكل تام ،مالم يحقق التفكيك في مظهره و جوهره تهشيم بإعتباره معول هدم في شرط الوجود الدرامي في ذاته ،وبالتالي هو معول لهدم النتظام العالم فإنه يصبح كالسيكية على مستوى الخطاب فقط. ثانياً :تتبع المضمون نجد في حالة مناقضة للسابقة كيف يجر المضمون الشكل خلفه ،فيصبح الشكل هو مالحقة غير منتظمة لمجموعة أفكار متتالية فاقعة تضع االنا واالخر في مواقف تعميم ،بحيث يصلح ان يحل كل منهما محل االخر ،ليعبر النص المسرحي عن صياح كصياح الديكة لمقوالت مجردة التجد صداها كممارسة فعلية ،وال تشكل موقف من المعرفة السابقة ،بل أنها في كثير االحيان تسدعي المعرفة السابقة وتحتفي بها من جديد،وذلك من خالل إرجاء ازمات الواقع البسيطة والتى ندركها جميعاً ،إلى وجود سابق على الحياة ،فنجد تفسيرات تامة لعرض مثل العصاب وهو موضوع يتكرر في عدد من النصوص ،ويتم التعامل معه الكعرض إكتئابي أو تعبير عن االنعزالية لعدم التوافق او الكبت االجتماعي و الجنسي ،بل يتم التعامل معه بإعتباره لبس من الجن وهو تفسير الينتمى فقط بالمعنى العلمي إلى العصور الوسطى ولكنه يجيب بشكل تام إجابة منتهية ،مما اليدع مجال للتفكير أوالجدل فينفي صفة الدراما ،وفي سياق نصوص أخرى نجد الخالص األجتماعي من أعراض فشل تحدث عبر «التصوف» ،او ما يطلق عليه «الشامنية « ،هذه االحاالت لوقائع لغوية مجهولة او وقائع ميتافيزيقية ،تشكل بناء ألعماق هي في الحقيقة الغور لها ،بل أنها تساهم في
تضليل الوعي بالذات واالخر والعالم ومشكالتهم. هذا المضمون الذي يفصح عن ذاته بإعتباره خطاب يناقش الواقع ،ينتحل شكل ،هذا الشكل هيولي وسائل ألنه يتتبع رسالة ما يمكن ان تكتب على ورقة في سطر ونكون بالحاجة لنص مسرحي في خمسون صفحة اواقل او اكثر ،ولذلك نجد أن حتى الشكل المستجلب إما يتم تخريبه لصالح الخطابية ،او يتم التخلي عنه لسبب نفسه تحت دعوى المابعد حداثية . ينتحل أحيانا المضمون خطاب تنويري فيبدأ بمناقشة السلطة بأنواعها محيالً هذه السلطة الى السلطة في المجتمع االوروبي ،تحدث هذه اإلحالة عن طريق األسماء واالماكن والحوادث ،بل والموضوعاتونسق القيم االجتماعية ،مع االصرار على االتصال مع الواقع وهنا عادتاً يتعارض الشكل مع المضمون،ويظهر الخطاب مشوش وغير قادر على التعبير عن شيئ بل يعارض الرسالة المورالية التى تنتهى لها الكتابة كنوع من العجز عن تضمينها في النص. بالطبع ال يمكن الفصل بين الشكل والمضمون اال في حالة المجافاة بينهما ،هذه المجافاة التى تجعل من الشكل غطاء ،يستر مخاوف هائلة،فهنا يمكننا ان نعبر بجدارة عن موقف فكري مهتز يتسم بالخوف ،الخوف من المواجهة والخوف من االفصاح، وعليه نالحظ اختيار اجواء وعوالم درامية تحقق درجة عالية من اإلبعاد ،مثل تقديم الصراع في مجتمع صغير كمجتمع فرقة مسرحية كما اشرنا سابقاً واسقاط عالقات السلطة بالنسبة للفرقة على الواقع ،او تقديم الصراع االجتماعي في مجتمع من الموتي أو من الدمي أو األشباح وهنا يكون النص مبني مضمونياً على استعارة لغوية في االساس ويحاول داخل هذا العالم االستعاري ترجمة عالقات الواقع عبر حيل هروبية تبدأ من أفتراض استعاري ،وبالتالي مضمون خطابي مهتز ومرتبك ومتناقض. يضاف الي ذلك التاريخ كحقل تستقي منه الدراما مادتها في أحيان كثيرة ،ونجد هنا امللتقى الفكري
101 100
أن الرجوع لحوادث تاريخية سابقة تقدم التاريخ بإعتباره فانتازيا ،البإعتباره واقع «ماضي» يشكل حلقة لفهم الحاضر والمستقبل ،كما ان المادة التاريخية تلك يتم اخضاعها لتعميمات هائلة ممايجعلها تصلح إلسقاط الواقع الحالي عليها ،هذا التعميم يفسد ادراكنا للحظتان معاً ،الماضي والحاضر ،كما أنه يفقد الدراما كونها إنسانية وحية تعبر عن حياة اشخاص بكل تناقضاتهم ،باالضافة الى جعلها تقسم العالم لنصفان خير وشرير ،وهذا التقسيم الحدى هو ال درامي ويعكس العجز عن االشتباك مع الواقع وفهمه كورطة اعقد من مفهومي الخير والشر. باإلضافة لإلبعاد الدرامي الظاهر في الكتابات االحديثة ،وهو انعكاس لخوف يتجلى في أفق من الرقابة بكل أنواعها ،نستطيع هنا أيضاً أن نتناول ما يخص الرقابة الذاتية النقدية ،وهي ممارسة الكتابة كفعل تحليلي وتأويلي ال كفعل إستكشاف وهو ما يقضي على الكتابة الدرامية ،وبالتالي تظهر نوع من الكتابات ليست إال كتابة نقدية على أعمال درامية عالمية أثارت إعجاب وإنسحاق بداخلها ولم يتم التعاطي معها بندية كافية تسمح بمضاهاتها ،والحقيقة أيضاً انها أزمة ضاربة الجذور نجدها في نص «عيلة الدوغري» لنعمان عاشور على سبيل المثال ،والناس اللى تحت للكاتب نفسه، و تمثل تطور لمرحلة مابعد التعريب او التمصير ،اال انها االخطر ،ألنها تعبر عن شعور عميق بعدم الجدارة. لو أن الكتابة في جوهرها ليست خطوة جديدة على أرض مجهولة من اإلنسان والوجود فال داعي منها ،لو انها التبسط أمام كاتبها أوالً أرض جديدة لم يزرها من قبل ،بل أنه ما إن غادرها لن يتمكن من العودة لها من جديد فال ضرورة منها.
الكتابة الجديدة و شهادات الكتاب
شهادة الكاتب :سامح عثمان من باب الشعر الغنائي دخلت الي عالم المسرح...وربما دخلت حسب ما قصدت بمنطق القصيدة ال بمنطوقها...فكتبت كما كنت اكتب الشعر وقتها بذات المنطق.. مختب ار كيفية اإلدراك عن طريق الوجدان والروح ال العقل متخذا مقولة (مش مهم نفهم..المهم نحس) والتي كتبتها في مقدمة نص (القطة العمياء) عام 2003 بوصلة واتجاها...مر الوقت وانا متكئ علي هذا المعتقد وعلي نفس النسق كتبت (تسمحيلي بالرقصة دي) 2004ثم (يمامة بيضا) عام 2005محاوال تطوير طريقة الكتابة في كل مرة عن سابقتها (وفقا لمفهومي طبعا) متخذا من بعض االلعاب الشعبية والشخصيات الفلكلورية مدخال لي طوال الوقت....كنت ومازلت مؤمنا بأن كل شئ من التراث االنساني قابل للفك والتركيب واعادة التوظيف... بداية من القصص الديني نفسه وصوال الي األفالم السينمائية الراسخة في العقل الجمعي.. مع الحركة النقدية في بداية األلفية كنت امضي بالتوازي محاوال التطوير طوال الوقت...لم اكن ابدا من هؤالء الذين يرون في النقد عدوا إلبداعهم...بل علي العكس تماما...ساعدني النقد نصا تلو اآلخر علي تالفي عيوب وتطوير نسق كتابتي قدر امكاني...فالنقد مكمل طوال الوقت لمن يريد التطور..والناقد المتطور الحداثي هو بمثابة السباح المنقذ في احيان كثيرة للكاتب الباحث عن جديد في بحر مهنتنا هذه..وكثي ار ما ينقذه من موج اوهامه اذا ما انقلب بحره به مع نص (اكمل مكان النقط) والذي اعتبره رابع نص في ذات اتجاه الثالثة السابق امللتقى الفكري
105 104
ذكرهم بات األمر سهال بشدة...واصبحت كتابة النص اقل معاناة بكثير...وهنا تملكني الخوف وقررت التوقف....فتوقفت باحثا عن اشكال اخري واتجهت الي االعداد والدراماتورجيا سواء عن روايات او نصوص لمدة من الزمن .نصحني صديق بضرورة كتابة نص الحدوتة التقليدية وعلي مضض فعلت وشعرت انني قد تخلصت من عقدتي بعدها فصرت اكتب ما احب ايا كانت تقنية كتابته او شكل حبكته...النص هو الذي يفرض نفسه مع السنوات تغير الكم لصالح الكيف في معتقدي لم اعد هذا الذي من الممكن ان ينجز نصين في شهر واحد او ماشابه...صرت اكثر خوفا واهدأ حاال... نصا او نصين في العام هو معدلي الحالي باالسكندرية احب الكتابة في مقهي (البورصة التجارية) ستيناتي التصميم ...رخيص الثمن ...مطل علي البحر بغير عنجهية ...ملئ بتنويعات بشرية...غير مزعج اطالقا ...يحمل الكثير من ذكريات احبها ....اما في القاهرة فال مكان محدد حتي اآلن ،ايضا من نصوصي التي احبها ( موسم الدم – نساء شكسبير – شق القمر – سلك شائك – اربعين علي كام – فنتازيا الهروب – آخر حبة الوان – الحريق – اسطورة الفارس والبطل) وغيرهم. أؤمن بأن النص المسرحي مثل السيناريو السينمائي يكتب من اجل أن يري ويشاهد ال من اجل ان يق أر كالرواية والقصة...لهذا فالعرض المسرحي هو ما يسعدني اكثر من الكتاب المنشور...فنص المسرح يكتب من اجل المخرجين والفرقة ال من اجل القارئ العادي...هناك من يري غير ذلك ولكن هذه هي وجهة نظري
اعتبر نفسي منتميا لطائفة المسرح (مسرحجي ) وال انتمي أبدا لطائفة األدب... فأنا اكتب من اجل الفرجة ال من اجل القراءة هذا يقيني وتلك شهادتي وللجميع المحبة شهادة :الكاتب عيسى جمال بدأت بقراءة روايات الهالل و مسرحيات وليم شكسبير ،حيث كنت أذهب مع اخي الكبير الى سور األزبكية نشتري الكتب والروايات والمسرحيات وعندما أصبحت في الثانية عشرة من عمري كتبت اول قصة لي وكانت متواضعة جداً لكن اخي الكبير قال لي وقتها انها عظيمة جدا وبعد سنوات اكتشفت تواضع قصتي وان ما قاله اخي لم يكن إال محاولة لتشجيعي باالستمرار في الكتابة... تعرفت من خالل قراءتي على األدب الساخر وادب الرحالت والقصص البوليسية فقراءت ل الكبير محمود السعدني ...و اجاثا كريستي ..وقرأت معظم اعمال االديب الروسي الكبير فيدور ديستوفيسكي بجانب إطالعي على أعمال توفيق الحكيم وتجيب محفوظ وعبقرية القصة القصيرة يوسف ادريس..وعندما التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم الدراما والنقد تعرفت على العديد من كتاب المسرح العربي وهم محمود دياب وميخائيل رومان وسعد الدين وهبه ..وبدأت الكتابة للمسرح أثناء التحاقي بمسرح المدرسة قبل دخولي معهد الفنون فكتبت مسرحيتين تم عرضهما على مسرح إدارة المطرية التعليمية هما « الغاية في امللتقى الفكري
107 106
انتظار اسد « وهي مسرحية لالطفال ومسرحية « مالمح « و مسرحية « هاملت يعود حيا « ثم التحقت بمعهد الفنون ٢٠٠٥وبدأت كتاباتي لمسرح جامعة عين شمس فكتبت لكلية حقوق مسرحية»هرمجدون أو ارض الميعاد « وقدمت معالجة درامية مختلفة لمسرحية تاجر البندقيه...قدمها فريق كلية الطب... ال توجد موضوعات بعينها تستهويني كي اكتب فيها ف الكاتب عموما يترك خياله للقلم يذهب به إلى المنطقة التي يريدها والتي كثي ار ما يكون المؤلف مهموما بمجموعة من القضايا والتي ال تظهر على السطح اال من خالل كتاباته العمال درامية حصلت على جائزة التأليف من المعهد العالي للفنون المسرحية عام ٢٠٠٧ عن مسرحية هرمجدون وفي عام ٢٠١١حصلت نفس المسرحية على جائزة ملتقى الشارقة لكتاب المسرح العربي وفي عام ٢٠١٢حصلت على جائزة المركز القومي للمسرح المركز الثالث عن مسرحية الغابة في انتظار اسد وفي عام ٢٠١٦حصلت على المركز األول في مسابقة الفريد فرج للتاليف المسرحي والمقدمة من المجلس األعلى للثقافة عن مسرحية « نقطة حدود « والتي تعرض االن على مسرح السالم تحت اسم « أمر تكليف « من إخراج باسم قناوي ..وفي بداية عام ٢٠١٨حصلت على جائزة ساويرس كأفضل نص مسرحي لعام ٢٠١٧ وهو « الساعة األخيرة في حياة الكولونيل « والذي يعرض االن على خشبة مسرح الغد من إخراج االستاذ ناصر عبد المنعم.... أما عن المشاريع الحالية فأفكر جديا بمحاولة اختراق دائرة األعمال التلفزيونية...
شهادة الكاتب :شاذلى فرح ولدت فى جنوب مصر بمدينة كوم امبو محافظة اسوان و هى مدينة يجرى فيها نهر النيل بشبابه العفى و بها معبد فرعونى لالله حورس و هو معبد بطلمى تم بناءه على اطالل معبد حتشبسوت .فى طفولتى لمحت عيناى كل ما يدور من حولى ( عادات – تقاليد – طقوس – فنون ) و بدأت اسجل فى مخيلتى كل ما يدور فى جنوبنا الرائع و عندما كنت على مشارف الصبا بدأت اعى ما يدور حولى فكنت احضر كل فنون جنوبنا ( سيد الضوي راوي السيرة الهالليه – الشيخ أحمد آب برين – العجوز – أمين الدشناوى – ياسين التهامى و هم من اشهر المنشدين ( الشيخ عبد النبى الرنان اشهر المداحين – رمضان محمد احمد – ناصر جعفر – عادل كرامة – ابراهيم حسين ) و هم مطربين يقدمون الفن الجنوبى – و أبو درويش فنان النميم االول .هذه الفنون و السوامر التى كانت تقام فى جنوبنا عن العادات والتقاليد التى افرزت العديد من الطقوس فكنت دوما لصيق بها وال افوت فرصة كمشاهد او طرف فى هذه الطقوس ( التحطيب بالقوالة – العديد و هو للميت – المرماح و هو سباق الخيل – التسبيل و هو خاص بحزن الرجال على فقد عزيز غالى – الحنة – الدخلة – الخطوبة – السبوع – زيارة المقابر ليال للخلفة .كحريتة و هو جبل صغير تتدحرج عليه النساء لكى تحمل و هو موجود على مقربة من مقام الشيخ ادريس .القودة و هو خاص بتقديم الكفن لمن عليه الثأر لمجموعة التى تطلب الثأر و ذلك حقنا للدماء – المجالس العرفية لالجاويد – مجلس ردم بورة الدم و البورة حفرة و يقودهم قاضى الدم امللتقى الفكري
109 108
الذى يرتب للقودة – طقوس العزاء – الميالد – السفر – الترحال – الحج – حياة الغجر وعالمهم و دوما يستقرون على اطراف البلد .كل هذه الطقوس و العادات و التقاليد و الفنون ادركت وقتها اني نتاج بيئة تعتمد على الصورة و هنا تشكل لدى الميل نحو كتابة المسرح .و لست كاتبا رائعا و لكن انا من بيئة رائعة تحمل طقوسا و عادات وتقاليد بما لم تتوفر الى بيئة اخرى مثل الجنوب .كنت دون العشرين من عمري و كتبت بعض النصوص المسرحية الصغيرة و كنت ال اعلم لمن اعطيها او كيفية نشرها او عرضها و ساقتنى قدماى لقصر الثقافة و الذى كنت اقوم بالتمثيل فيه الى نادى االدب وهناك قابلت المخرج خالد عطاهلل و المخرج محمد الشحات و الملحن عبد المنعم الشريف و الفنان التشكيلى محمد مختار و الفنان التشكيلى على المريخي و المثقف جمال فاضل .هؤالء الستة كانوا يقرأون مسرحياتى و كانوا يوجهوننى للكتابة بشكل كبير و كنت اعتبرهم قامه في الفن واألدب و ذلك لفرق العمر بيننا فهم يكبروننى فى العمر و الثقافة وقتها. تركت الكتابة و لم اقم بكتابة اى نص مسرحى طوال عشرة اعوام و فيها اخذت ق ار ار ان احمل حقائبى و اذهب للقاهرة و قلبى وقتها يعتصر على هجرتى من جنوبى للعاصمة و انشغلت باالدارة العامة للمسرح و شرفت بالعمل مدي ار للمتابعة و اللجان ثم مدي ار الهم حركة فى مصر و هى ادارة نوادى المسرح .فى عام 2007جلست مع صديقى المخرج اشرف النوبى و قدمت له سيناريو فيلم شيخ العرب ليقرأه و بالفعل قرأه فى ساعة زمن اسفل شجرة منف ووجدته منفعل ويطالبنى ان احوله لنص مسرحى و هنا تملكنى الخوف الننى قد تركت الكتابة للمسرح منذ سنوات و امام الحاحه كتبت النص المسرحى من السيناريو و قدمه
فى قومية االقصر و نجح العرض و وجدت نفسى انساق الى الكتابة المسرحية مرة اخرى. فى عام 2010اتصل بى الصديق المخرج عادل حسان ان اقدم في مشروع لمهرجان الشباب الثانى على مسرح الطليعة وتقدمت مع العديد من المخرجين وتم الموافقه علي مشروعي ووقتها اخرجت بعض قصاصات الورق القديمة التى كنت اكتب بعض االفكار او مالمح الشخصيات و عكفت على كتابة مسرحية الجنوبى وبالفعل تم إنجاز المشروع تأليفا واخراجا ،وقمت بعمل البروفات والموسيقى وانتظرت شيك االنتاج و لكن قامت ثورة يناير 2011وتوقف المهرجان برغم مساعدة المخرج عادل حسان و المخرج هشام عطوة مدير الطليعة وقتها ومهندس الديكور وائل عبدهللا وتحمسهم لى. قمت بالتركيز فى الكتابة عامى 2011و 2012وقد انجزت العديد من النصوص و جاء فوزى بجائزة توفيق الحكيم وحصلت على الجائزة الثانية و تحمس المخرج الكبير األستاذ ناصر عبد المنعم لى كمؤلف وقام باخراج مسرحية الجنوبى و التى غير اسمها الى ليل الجنوب باالتفاق معى. مرحلتى كمعد او دراماتورج كانت مع المخرجة الموهوبة ريهام عبد الرازق تقابلنا فى المسرح العائم و اخبرتنى انها تريد تحويل نص بيت بيرنالدا البا ليوركا الى صعيدى .رفضت رفضا شديدا وهى كيفية تحويل الشخصيات االسبان الى جنوب مصر و تحويل قانونهم وعاداتهم ،ولكن امام اصرار ريهام عبد الرازق وافقت و خرج نص حريم النار و نجح نجاحا كبي ار وحصد جوائز عديدة فى مهرجان فرق البيوت و المهرجان القومى للمسرح المصرى ،ويومها اخذت اول جائزة فى امللتقى الفكري
111 110
مصر وهى جائزة الدراماتورج و بعدها تم تعميم الجائزة فى بعض المهرجانات وقد تم اخراج النص اكثر من عشرين مرة الى االن وقد وصل االمر الى ان اكثر الفتيات الالتى يقدمن فى اختبارات معهد فنون مسرحية يقدمن بأحد مونولوجات حريم النار. ناصر عبد المنعم هو من قدمنى كمؤلف والعمل معه متعة فهو استاذ يحمل فوق ظهره خبرات عديدة و تم عرض ليل الجنوب فى المانيا وتونس والجزائر .كتاباتى كلها تحمل هموم المرأة الجنوبية والعادات والتقاليد والطقوس الننى ابن بيئة لديها العديد من الفنون و الطقوس والمسرح بحاجة الى تنوع انتاج على عدة مستويات تؤرخ للوطن وما يدور فى مدنه .البعض يرى اننى تاجرت بطقوس واسرار الجنوب و المسكوت عنه وهؤالء تناسوا رائعة يحيى الطاهر عبداله فى الطوق واالسورة و روايات الكاتب الكبير عبد الوهاب االسوانى ( كرم العنب -اخبار الدراويش – النمل االبيض ) كل هذه الروايات قدمت الجنوب بما له و ما عليه. نحن نرصد مجتمعنا و بعيدا عن الصراخ او اصحاب الحقد .اجمل ما فى حياتى نصوصى المسرحية و جائزة الدولة التشجيعية فى التأليف وكون المخرج الكبير ناصر عبد المنعم يخرج لي عرضا مسرحيا
شهادة الكاتبة :صفاء البيلي ما يشبه التجربة :المسرح الشعري بين غواية اإلبداع ..وخصوصية التلقي! لم أكن أعلم أنني منذورة منذ طفولتي الغضة لخلق حيوات متعددة كتلك التي عبرت عنها ثنايا ذاكرتي المكتنزة بحكايات جدي الشهية والتي كانت كثي ار ما تنسيني لذة النوم في ليالي الشتاء الطويلة تحت الغطاء الوثير. عوالم القرية البكر! لم أكن أتصور وأنا الطفلة األولى لعائلة ريفية ميسورة الحال نعمت بالتدلل وعشت في بيت يجمع بين دفتيه ترمح بقدميها على جسر القرية المؤدي إلى المدرسة أنني سوف أمرر عليه شخصياتي الحية التي من لحم ودم. في قريتي منية سمنود إحدى قري الدقهلية العظيمة ..تلك الرابضة في حضن النيل والتي تزخرف أحد اتجاهاتها الجغرافية جزر الموز وأشجار الكافور والجميز العتيقة كانت بداياتي ..بدايات مفعمة بدراما غنية ما تكاد تنطفئ إحداها حتى تشتعل آالف غيرها مرة أخرى عبر شخصية رأيتها فأدهشني سمتها فحفرت في مخيلتي أو عبر موقف عايشته فظل مخزونا في دوالب ذكرياتي أو أشخاص تخيلتهم فصنعت معهم الحكايا وعشتها في خيال ال تنقصه سذاجة األطفال. جدي ألمي كان رجال صوفيا ال يعرف من الدنيا سوى غيطه وأبقاره و»ليالي الحضرة» التي كانت أجمل الليالي في مخيلتي ..حيث «المندرة» الكبيرة والرجال ذوي الجالبيب الكالحة وكوفياتهم الصوفية التي يتلفعون بها من صقيع الشتاء وشعرهم األشيب الذي تبدو ذوائبه عبر الطواقي العالية كأنها طود شامخ. امللتقى الفكري
113 112
تركت ليالي الحضرة في أعماقي دفء الثرثرة ودهشة محاوالتي المستميتة في فك طالسم ما تبوح به أفواه الرجال الذين عال الشيب رؤوسهم وتهشمت أسنان تخل من اإلرهاق والرضا! بعضهم األمامية في وجوه لم ُ وما بين خاتمة إنشادهم الرقراق واألخرى تطوف علينا أكواب القرفة الساخنة فتعبق رائحتها جو المكان وتترك في روحي لمساتها الشجية التي تطفو على السطح كلما سمعت زخات المطر أو هبت نسمات الشتاء الباردة. كانت جدتي تحتفظ باألكوابها المصونة في دوالب الفضة خصيصا لليالي الحضرة المباركة ،والتي كانت تقول متفاخرة في كل مرة تخرجها فيها :أن أباها الشيخ األزهري أحضرها لها من عند النبي صلى هللا عليه وسلم حين كان يؤدي فريضة الحج لذا كانت تأبى أن يشرب فيها غير ضيوف جدي الذاكرين، الساجدين المهللين المسبحين حتى تحصل على أكبر قدر من الحسنات!! تعلمت من جدي ألمي الصفاء الروحي واإليمان العميق بالقضاء والقدر والعطف والشفقة على اآلخرين.أما جدي ألبي فقد كان رجال متأنقا يحب الجمال ويعشق التنسيق في كل شيء فكنت أحب اصطحابه في كل جوالته خارج البيت، وكان محافظا يشتري طلبات البيت لجدتي ،وكان المشوار اليومي للسوق وعبور الكوبري ومن تحته النيل يجري والذي يفصل بين قريتي منية سمنود ومدينة سمنود بلد النحاس باشا..كان بمثابة جرعة من العلم أتشربها منه ذوقا وحنانا ودقة وعطفا على الفقراء الذين اعتادوا قطع الطريق عليه لتقبيل يديه فكان يردهم بيد وباألخرى يعطيهم مما أعطاه هللا. ذات يوم ونحن نتسوق شهقت وقلت :هللا يا جدي على هذه الطماطم ! إنها
حمراء كالدم! فامتعض وجه جدي وضغط بحنان على يدي التي كان يمسكها قائال :ال تقولي هذا بل قولي حمراء كالورد ،فالورد جميل والدم مقزز ومن يومها بدأت عندي ملكة انتقاء التعبيرات والتدقيق في ألفاظي قبل النطق بها وهو ما علي فيما بعد. أثر َّ كونت بدايات الذاكرة: أحداث َ كانت كثير من العادات التي أدهشت عقلي الصغير ـ والتي أعدت النظر فيها بعد علي وأتلمس أن نضجت فكريا ـ تحكم القرية كحفالت الزار والموالد ،تسيطر َّ إليها ما تيسر من سبل الفرجة عليها ففي كل عام تقام في القرية عدة موالد وللحق كان أحدها يقام بجانب بيتنا على قارعة القرية وكنت في المرحلة اإلعدادية وكنت أنتظر ليالي المولد بفارغ الصبر .وأحرص على متابعة الرجل الذي يعتلي منصة صنعوها له من ألواح الخشب وزينوها بالقماش األحمر المزركش فيكركر الرجل ويتغنى بحكايات الشاطر حسن وأبي زيد الهاللي وكنت أتلهف إلى سماع الحكايات التي حينما قرأت عرفت كيف كان الرجل يمزجها بخياالته ويؤطرها بأطر من الميثولوجيا التي ال تمت لها بصلة و التي تبهر المستمعين البسطاء وتحظى بانتباههم وإثارة خيالهم ..ويا كم كنت أغالب النعاس وأنا أستمع إلى هذا احمت فوقه مع الرجل وأتذكر أنني ذات مرة كنت سأسقط من فوق السطوح الذي تز ُ أوالد الجيران بعد ألححت على أبي الذي كان يرى أن الذهاب للمولد عيب ..ولكن أمي كانت تلح عليه فيوافق أن ألتحق بكتيبة السطوح من الجيران الذين ينخرط بعضهم في بكاء ونواح حينما يأتي المداح على ذكر موت أحد أبطاله ومن هنا بدأت الدراما تأخذ مكانها األثير في ذاكرتي وإن لم تظهر مسرحيا ولكنها ظهرت امللتقى الفكري
115 114
من خالل قصائد البدايات األولى. سيد اإلبداع! الشعر عندي هو سيد اإلبداع ولما كنت أومن بالمقولة التراثية « الشعر ديوان العرب» فقد ظللت مخلصة له حتى اآلن وسأظل إن شاء هللا فكتبت القصيدة العمودية والتفعيلة ثم قصيدة النثر ،بالرغم من اللغط الشديد الذي ُيثار حولها بالرفض والقبول. في قصائدي األولى كنت أجنح إلى استخدام تقنية قال وقلت وأزيد من استخدام فنبه هذا كثير من المبدعين الكبار الذين تربيت بينهم الشرح وااللتفات والوصف َّ في نادي أدب جامعة المنصورة و قصر ثقافة المنصورة وقصر ثقافة المحلة الكبرى وقصر ثقافة غزل المحلة وفيها كان يجتمع كبار المبدعين ففي المنصورة الكاتب الكبير فؤاد حجازي والقاص والروائي األستاذ محمد خليل والشاعر إبراهيم رضوان والشاعر محمد رمضان ومن زمالئي الذين كانوا يكبرونني بسنوات الشعراء محمود الزيات أحمد الخضري وحسني الزرقاوي وكريم عبد السالم وكثيرون من نفس عمري كضاحي عبد السالم وكثيرين ال تسعفني بهم الذاكرة ومن الغربية الراحالن الشاعر الكبيرعبد هللا سيد شرف الذي كان بيته مؤسسة ثقافية وحده والكاتب المسرحي المحالوي الكبير فتحي فضل الذي أدين له بالفضل في كتابة أول مشروع مسرحي وكانت مسرحية للطفل بعنوان» العش الذهبي» نعم هي اآلن تعتبر كتابة بدائية وساذجة ..لكنني لما عدت إليها هذه األيام أحسست بطزاجة البدايات وهلت وعطرت روحي ذكرى األحباب الذين مروا عبر بوابة الحياة. خطوة أولى في عشق المسرح
العجيب أن ما دفعني لكتابة المسرح هو حدث غزو العراق للكويت في بداية التسعينيات وكنت قد بدأت في كتابة قصيدة طويلة امتدت ألكثر من عشر صفحات مليئة بالدراما وأسميتها نوبة رجوع لجليلة بنت مرة ،فلما قرأتها في إحدى الندوات اقترح البعض علي كتابة مسرحية تعبر عن هذا المضمون معللين لهذا أن ّ قصيدتي مليئة بالدراما وفيها ما يسمى بتصاعد الحوار والحبكة الدرامية وغيرها.. وحينها لم أكن قد قرأت مسرحا بشكل منظم وال كنت أدري كيف أكتب مسرحية فبدأت في مرحلة جديدة وهي مرحلة البحث ..وأخذت أبحث عن كل ما يساعدني في ذلك ..نصحني البعض بالقراءة والبعض اآلخر نصحني بقراءة كتب النقد التي تتحدث عن المسرح ومنها كتاب ما زلت أدين له بالفضل وهو «كيف تكتب مسرحية « لمؤلفه الجوس أجري وترجمة الناقد الراحل الكبير دريني خشبة الذي بدأت معه أولى خطواتي في الكتابة المسرحية. وكأنما أراد هللا أن يكون للوالد وابنه دوران متشابهان معي في حياتي اإلبداعية.. فكما استفدت من كتاب دريني خشبة استفدت من الناقد الراحل الكبير سامي خشبة الذي فتح لي أبواب مجلة الثقافة الجديدة ألنشر فيها مقاالتي النقدية عن العروض المسرحية ولم يكن يتأخر في توجيه النصح لي وأتذكر أنه لم يختلف معي إال مرة واحدة في توضيح الفرق الجوهري بين األوبرا ..والليبرتو ويبدو أن علي ولكنه رغم ذلك رفض أن يبدل كلمة واحدة في المقال األمر كان قد اختلط َّ ومنه تعلمت كيف يكون احترام الكلمة ولو مع مبدع مبتدئ ينشر له للمرة األولى مثال ..وظللت أنشر مقاالتي النقدية وحواراتي مع المسرحيين الكبار حتى صدرت مجلة مسرحنا التي سلطت الضوء على الحياة المسرحية المصرية والعربية على امللتقى الفكري
117 116
تفوق. حد السواء وغطت معظم األحداث بجدارة وقدرة تفوقت فيها على نفسها أيما ُ بين القراءة الحرة و الدراسة األكاديمية: كنت قد استبعدت فكرة دراسة المسرح بشكل أكاديمي «ولكنني عدت مؤخ ار والحمد هلل حيث أجهز اآلن لرسالة الماجستير» وركنت حينها إلى النصيحة التي وضعتني على طريق القراءة ..في البدايات كانت القراءة المنظمة فأخذت أق أر لرواد كتاب المدارس المسرحية وفق الترتيب الزمني لمؤلفاتهم ألدرك وأكتشف لدي ركيزة نقدية بدأت أعتمد عليها في الفروق بين أعمال المؤلف الواحد وتكونت َ كتاباتي النقدية فيما بعد .فالبدايات البكر األولى تختلف بالطبع عن آخر أعمال المبدعين والتي كانت كثي ار ما تبلغ ذروة إبداعهم.. فقرأت معظم أعمال الكتاب المصريين الكبار (يسري الجندي أبو العال السالموني ألفريد فرج ومحمد سلماوي وميخائيل رومان ومحمود دياب وسعد الدين وهبة ونعمان عاشور ومحفوظ عيد الرحمن وكثيرين من كتاب المغرب العربي الكبار كالكاتب الكبير عبد الكريم برشيد ..وسعد هللا ونوس كما التهمت نصوص ابسن وبرندلو بروتلد بريخت ويونسكو ويوجين أونيل وغيرهم إضافة لذلك قراءاتي لزمالئي من كتاب جيلي والجيل السابق علي دمث الخلق الذي فقده المسرح العام ّ الماضي الراحل محمد الشربيني ومن قبله د .محسن مصيلحي وجميع األخوة واألبناء واألساتذة الذين فقدناهم في محرقة بني سويف التي لن تنمحي ذكراها من ذاكرتنا .فتشبعت بهم جميعا وأنتجت نفسي! وكتبت أولى مسرحياتي وأسميتها نوبة رجوع لجليلة بنت مرة أو باروكة للصحراء وفيها فتحت الجرح العربي الذي لم يندمل بين األخوة العرب وجاءت كتابتها بعد
حرب العراق والكويت وحاولت من خاللها تقديم نموذج للعدل الذي نريد كما زاوجت فيها كعادتي بين التراث والحاضر. أسئلة حول التراث ..الشعر المسرح؟ والعربية الفصحى؟ وأين أنا من مدارس التجريب وآلياته؟ وعالقتي بمسرح الطفل والنقد والنقاد ومسرح الدولة ..والصحافة المسرحية ..إلخ هذه أسئلة طرحها الكثيرون علي حينما استشعروا إصراري على كتابة المسرح ّ الشعري وقد يظن البعض أن هذا يكمن في إمكانات الكاتب المحدودة ولكنني أراها العكس تماما فال يستطيع االقتراب من التراث..شع ار وباللغة العربية الفصحى في سلة واحدة إال كاتب مجيد نافذ القريحة. لماذا الشعر؟! في اعتقادي أن المسرح ال ُيكتب إال شع ار كما كان في نشأته األولى ،وال أقصد بالشعر هنا الكالم الموزون المقفى ولكنني أقصد الحالة الشعرية التي تسيطر على النص وتتلبس شخصياته ،فالنص المسرحي عندي ال يعدو أن يكون نصا شعريا لكن أكثر درامية يمتلئ بحيو ٍ ات أكثر تعددية ورسوخا وتشعبا ،ومع هذا فنصي له بنيان رشيق غير مثقل بالترهالت ..تعبيراته موحية ومكتنزة وبعيدة عن التطويل بالرغم من أن عمله الحقيقي هو الحكي والبوح والتحليل والتفسير في مدبر بقوة ووعي يمتلك رؤية ثاقبة للجوهر أوقات كثيرة ،ولكنه مع هذا أيضا حكي ٌ ٌ ويساعد كل ذلك المقدرة على اإلمساك بمقود األحداث حتى ال يتوه النص! لماذا التراث؟ ألن الشعر تربة مناسبة وقماش ًة جيدة إلنتاج نص يعتمد على التراث مستدعيا امللتقى الفكري
119 118
إما شخوصه أو أحداثه ،أو كالهما معا ،وأعشق المزاوجة بين التراث والواقعي بالدرجة التي أعشق بها المسرح شعرا ..فللمسرح الشعري عندي غوايته وبقدر ما قد يري البعض غموضا في قصائدي ..إال إنهم يرون العكس تماما في لغة المسرح الشعري عندي ،وال أجد لذلك مبر ار إال ما كان من بدايات التكوين األولى ..وأعترف أنني ال أقوم بضبط الوزن الشعري في مسرحياتي بميزان حساس ،فطالما تختلط البحورعندي أو تتزاوج وكثي ار ما أستخدم الزحافات والعلل وغير ذلك دونما قصد ..وكل ما أقصده فقط وأنا أكتب أال أشعر أو يشعر القارئ بسقطات في موسيقى الشعر معنى أو شكالً. ً وهذا ال يتأتي إال بمراودة النص الذي أكتبه ..فيمر معي بعدة مراحل تبدأ فور انتهائي منه مبدئيا ،حيث أتركه مدة ..ثم أعود إليه ..وأكرر هذا وأظل في مراودة مع النص بين الهجر والعودة حتى أطمئن تماما إلى أنه صار نصا صالحا ليقرأه غيري وأبدأ فأعرضه على المقربين مني وكثي ار ما تكزن مالحظاتهم مهمة وآخذ بها. وعشقي للتراث يجعلني أغوص في أعمق أعماقه ،فأستخرج منه ما يتوافق مع ما نعيشه من شخصيات وأحداث إليماني العميق أننا نعيش نفس األحداث التي عاشها األسبقون ونشعر نفس المشاعر الني كانوا يشعرون بها ونحيا نفس األزمات التي عاشوها لكننا ال نتعلم من تجاربهم ألننا ال نأخذ بمبدأ تراكمية التجارب وبالتالي االستفادة منها. المسرح الشعري وعمالقته الكبار! أبهرني المسرح الشعري واستهواني بعد قراءة أعمال شكسبير التي أتيت عليها
كاملة تقريبا على الرغم من أن الترجمة قد تفقد النص بعض شاعريته التي تبدو متدفقة عبر لغته األم كما التهمت نصوص صالح عبد الصبور نصا..نصا وأعمال عبد الرحمن الشرقاوي كما قرأت ما كتبه الشاعر الكبير أحمد سويلم ومحمد إبراهيم أبو سنة وفاروق جويدة وكلهم تقريبا اعتمدوا على التراث في بناء أعمالهم المسرحية التي التزموا فيها روح الشاعرية. نوبة رجوع: كتبت نوبة رجوع لجليلة بنت مرة مستلهمة حرب البسوس وموقف جليلة بنت مرة الحائر بين أخيها وزوجها وهي حيرة طبيعية حتى أن القارئ يظل حائ ار طوال قراءته للنص غير قادر على استنباط إلى أيهما تنتصر! تماما كما تلبست الحيرة اإلنسان العربي مع أيهما يقف ويحارب؟ مع العراق أم الكويت ؟ وفي كلتا الحالتين سيجد المنتصر نفسه خاس ار إذ أنه في حالة االنتصار أليهما يكون قد أخزى اآلخر الذي هو أخيه وتلك هي المشكلة! المصير؛ عشر نبضات في الحب والموت: ثم كان نص المصير بعد ذلك مستلهمة فيه حياة شاعرين جاهليين كبيرين هما النابغة الذبياني والمنخل اليشكري والملك النعمان بن المنذر والمتجردة مستخدمة تقنية المسرح داخل المسرح محاولة من خاللها التركيز على العدو الداخلي والعدو كل الخارجي الذي ينفث سمه في جسد وحدتنا العربية وقد جعلت فيها الشاعرين ٌ منهم على نقيض اآلخر فالنابغة نفعي برجماتي ال يؤمن إال بسيفه الذي في يده أي شيء له من منفعة مباشرة « كاش فاليو» واآلخر المنخل ومدى ما يحققه ُّ اليشكري إنسان مثالي يرى ضرورة توحيد األمة وأن لدينا القدرة على تجميل الحياة امللتقى الفكري
121 120
بقليل من الجهد والعمل ويفكر دائما أن هناك شيئا ما ينتظره في البعيد ..شيئا جميال ورائعا ومثاليا يستحق من حوله أن ينعموا بالحياة فيه بقليل من جهاد الروح وكثير من االنتماء والحب. الخروج من اللوحة: ثم جاء نص الخروج من اللوحة وهو يعتمد أيضا في بنيته األساسية على استلهام التراث ومكتوب بلغة شاعرية متخذة من «عريب» وهي جارية أثرت أيما تأثير في حياة خمسة من خلفاء الدولة العباسية وعاشت معهم جميعا أثرت وتأثرت بهم وهم» المأمون واألمين والمعتصم والمتوكل حتى عصر ابن المعتز الذي اعترفت أنها لم تحب غيره من الخلفاء لرقته وطيبته وقد بلغ من حب هؤالء الخلفاء لهذه الجارية ما دفع المأمون ألن يقبل قدميها على رؤوس األشهاد كما أثرت في سير الحياة السياسية بسبب عقدة االضطهاد التي كانت تطاردها منذ طفولتها وهي ابنة جعفر البرمكي الذي تزوج أمها رائعة الجمال وفرق بينهما يحي أخوه فظل حقد عريب مشتعال مما أهلها في عيون األعداء أعداء العرب للقيام بدور جاسوسي مخابراتي لكنها رفضت بسبب الحب أيضا!. الشراك «مأساة ديك الجن» وبعد ذلك جاء نص «الشراك» الذي يتماس وعطيل شكسبير عن طريق استدعاء شخصية ديك الجن «عبد السالم بن رغبان» الشاعر الحمصي الكبير الذي قتل وردا حبيبته بسبب شكوكه التي ال مجال للحقيقة فيها ،كما قتل عطيل ديدمونة بعد شكه فيها ،وحاولت من خالله التأكيد على فكرة الشك والغيرة القاتلة وأنه مهما امتلكنا المقدمات التي من الممكن أن توصلنا لنتائج مرضية إال إننا نسعى إلى
أي تحقق ُّ. حتفنا لنقع في شراك الشك والغيرة دونما ّ احتفال خاص على شرف المتنبي: أما نص «احتفال خاص على شرف المتنبي» فقد كتبته حبا في شاعر العربية األول الذي تربع على عرش الشعر ومع ذلك كانت عيونه على عرش الملك فكان يتمنى أن يصبح أمي ار على إحدى المقاطعات ولم يكفه أن يكون ملكا على مملكة الشعر وقلوب الجميع ،وفيها استحضرت المتنبي لحما ودما فعاش حياتنا وتعرض لبعض ما نتعرض له فخاض االنتخابات وخطب في العالم وحوكم ودافع عن نفسه وفي النهاية يئس من حياتنا بالشكل الراهن واعترف بعجزه فرفض الحياة بعصرنا وترك عالمنا وعاد إلى عالمه مرة أخرى. الجنرال: ويأتي نص الجنرال وهو أحدث نصوصي وهو تحت الطبع ألثير فيه قضية شخصيتي المعلم يعقوب الوحدة الوطنية والمواطنة ومن خالل المزاوجة بين ِّ وسليمان الحلبي ،فسليمان لم يكن مصريا ولكنه قتل الجنرال كليبر محققا لما يعتقده من صواب أن هذا من معاني الجهاد في سبيل هللا وأنه يخلص مصر من رأس أفعى المحتل في حين أن يعقوب في ذات العصر هو أول قبطي يحاول القيام بمحاولة انفصال لألقباط عن الدولة ،وفي النص تقوم محاكمة كلتا الشخصيتين وتتاح لهما الفرصة ليعبر كل منهما عما جعله يقدم على ما قدم عليه. ومن بعد هذه النصوص تأتي نصوص « زمن الخوف /ظل السلطان /العابرون) وغيرها من النصوص الطويلة امللتقى الفكري
123 122
في المونودرما سيدة المونودراما ..هو اللقب الذي أطلقه علي أ .د .سيد علي األستاذ بكلية ّ اآلداب جامعة حلوان وأستاذ األدب العربي الحديث ونقده (المسرح) بكلية اآلداب جامعة حلوان لدىالمسرح ..وال أدري إن كنت أستحقه أم ال. في المونودراما أجد الفرصة سانحة للبوح والتحرر وبالرغم من ذلك فقد كتبت ثالثة نصوص منها فقط «المطبعي» في أوائل التسعينيات و « ما قاله السيد للسيدة» عام 2009م « وامرأة عنيفة» 2010م وفوق الشوق ..ولجوء اضطراري /بهنس، محطة عين شمس ،الدّفان ،وجوليا و 5ش المتنبي 2017وغيرها الكثير وهو ما دعا أستاذ كبير مثل أ .د .سيد علي وعدد من النقاد إطالق لقب :سيدة المونودراما علي....كما أن لدى تجربة وحيدة في الديو دراما وهى نص «جنة وهنا» 2008م ّ وهذه النصوص لم أكتبها شع ار ولكنني كتبتها بلغة شاعرية كما أحب أن أسميها. الفصحى والعامية واللغة البيضاء! أحب الكتابة باللغة العربية وأميل لها وحينما كتبت نصوصا نثرية « كتبتها بلغة بيضاء بين الفصحى والعامية فلم أستطع االنغماس في العامية وطالما ضبطت نفسي وأنا أكتب بالعامية أسطر تعبيرات فصيحة فأبقي عليها خاصة مع مناسبتها لوضعيتها ،ولعلمي أن اللغة العربية هي األبقى حيث ترسخ في ذهني منذ قديم أن العامية ال تصلح للتدوين بل مكانها األصيل الشفاهة .وسيأتي أحد القائلين متنم ار ِ وجه جمهورك كما تريد ليقول :الفصحى غير مناسبة لعوام الجمهور وهنا أقولّ : وحيث تريد ال كما يريد هو وحتماً سيصبح بعد ذلك طوع يمينك ،فصناع المسرح لو قدموا مسرحا ملتزما ناضجا نسبة منه باللغة العربية لصار طبيعيا وجود
عروض بالفصحى يقبل عليها الجمهور ويجدون لذتهم فيها مثل تلك العروض الموجودة بالعامية ..ورغم هذا صرت أكتب العامية بحب شديد وأقمت ما بيني وبينها حصونا من المودة ..ظهرت في نصوصي التي تجلت بها. التجريب وآلياته: أما عن التجريب وآلياته ..وسؤال هل يتوافق التجريب مع التراث الذي يمثل الثبات؟ فالتجريب عندي ليس الخروج عن المألوف ولكنه البحث عن أعماق جديدة فيما هو موجود وليكن هذا الموجود هو التراث ..فالغوص في مناطق عميقة حساسة تكسبني خبرة أكبر في الكتابة تجعلني أمتلك القدرة على معالجة األفكار بشكل جديد ،فالمسرح عندي ليس طرحا لمجموع األسئلة ولكنه يسعى لتقديم إجابات أو يفتح أبواب اإلجابات على مصارعيها ،وليس ضروريا أن تكون تلك اإلجابات نموذجية بقدر ما تكون محتملة التحقق. التجريب عند البعض يعني الدخول في عوالم الممنوع والمحال والمسكوت عنه، ففي المسرح ال مسكوت عنه حين أضع شخصياتي على خشبة المسرح ،دائما ما أتركها حرة تفعل ما تشاء وكثي ار ال أقوم بوضع نهايات ألعمالي المسرحية أو حتى أخطط لها كيف تسير ،بل أمسك بالفكرة فقط وأشرع في الكتابة وتظل علي حتى أنتهي ،ثم أترك النص عدة أيام وأعود إليه ألعاود الفكرة هي المسيطرة َّ قراءته مرة ثانية فثالثة وفي أثناء الكتابة وإعادة الكتابة أترك لكل شخصية الحرية في تحديد مسارها ،بل ومصيرها وتتضافر الشخوص عندي في خلق نهاية العمل ككل.. امللتقى الفكري
125 124
فالتجريب عندي يكون أحيانا في استخدام لغة بعينها أو ترتيب المشاهد بشكل مختلف أو في بناء النص نفسه ورؤية الحدث االمسرحي نفسه ومعالجته. في النقد تعمل حاسة النفد عندي عملها في نصوصي المسرحية وقد استفدت من مقولة الشاعر الكبير أحمد سويلم لي حين كان عمري 18عاما في السنة االولى بكلية اآلداب بجامعة المنصورة وكنت قد ُنشرت لي عدة قصائد في جريدة الجمهورية وأشعر أنني شاعرة كبيرة ال يدانيني أحد وناولته قصيدة كتبتها عن القدس ولما قرأها طلب مني حذف جزء كبير منها فلم أستطع ،فقال لي :ال يوجد نص مقدس إال القرآن الكريم فتعاملي مع نصوصك بقسوة حتى يحترمها اآلخرون وال تجعلي ِ فيؤذيك هذا نفسيا .ومن حينها وأنا أتعامل مع نصوصي غيرك يتعامل معها بقسوة بشيء من الحزم مع إنني أحيانا أضبط نفسي وأنا متلبسة وواقعة في إغراء مقطع في قصيدة أو حوار ألحد شخوص مسرحياتي بما ال يجعلني أستطيع الفكاك منه. استفدت من رؤيتي الخاصة لإلبداع المسرحي في كتابة النقد التطبيقي للعروض التي كنت أراها وأخرج في معظم الوقت وأنا حانقة على مؤلفيها ومخرجيها وممثليها فدفعني ذلك لكتابة سلسلة مقاالت نقدية عن العروض المسرحية في عام2004م نشرت في جريدة القاهرة التي تصدر عن و ازرة الثقافة المصرية ثم قدمت في جريدة المحيط الثقافي التي كانت تصدر عن و ازرة الثقافة باباً شهريا تحت عنوان »:مسرح المحيط» كنت أقدم من خالله قراءة لبعض العروض وبعض الشخصيات واألماكن والمصطلحات المسرحية. كذلك قدمت عدة مقاالت وحوارات مسرحية في مجلة الثقافة الجديدة حيث كان
يرأس تحريرها الناقد األستاذ سامي خشبة يرحمه هللا الذي تعلمت منه الكثير أقلها األمانة في النقد والمحايدة ..كما كتبت مقاالت كثيرة ومتنوعة وحوارات في جريدة مسرحنا عن عروض مصرية وعربية عبر المهرجانات العربية التي شاركت فيها كناقدة وإعالمية مصرية وذلك منذ أعدادها األولى. قدريون أم أغبياء؟! في كتاباتي أومن بمقولة أكررها دائما ومازلت مصرة عليها في مقدمة نصوصي وهي :هل نحن قدريون أم أغبياء؟ ذلك ألن التاريخ العربي واإلسالمي بخاصة.. مليء بالمواقف المشابهة والمتكررة لمواقف نعيشها ونحياها اآلن وبالرغم من ٍ كماض عاشه األجداد واآلباء ،وال ننظر بعين الفاهم الناقد ذلك ال نستفيد منها لنتائجها ،فنفهمها ونعيها ،بل دائما نتجاهلها أو نتلقاها بشيء من التهاون فنقع في أي شيء!! نفس أخطاء الماضي دون أن نتعلم منه شيئاَّ .. معاناة جيل! حينما أتحدث عن تجربتي المسرحية ال يمكنني أن أزعم بقيمتها العظيمة ولكنني موقنة على أقل تقدير بأنها على قدر من الجدة وااللتزام بقواعد الفن االنساني الراقي الذي يحترم عقلية القارئ أوال والمشاهد إن قدر هللا وتم عرض هذه األعمال يوما على خشبة المسرح!! وحينما أتحدث عن معاناتي ومعاناة جيلي من شباب المسرحيين في مصر أخشى أن يأتي كالمي تقليديا وربما يستشعر فيه من يقرأه السخط أو الشكوى نظ ار للحالة المتردية ألجنحة التلقي األخرى ..وأقصد بها :النقد واإلخراج ..النقد الذي يتجاهل أصحاب الكتابات الجدد ـ بالرغم من أننا لم نعد جددا فأحدثنا تجربة تجاوز العشر امللتقى الفكري
127 126
سنوات ومنا من زاد على العشرين وهي عمر معظمنا في الكتابة. كما إن المخرجين ال ينفذون إال األعمال القديمة أو المشهور أصحابها ألسباب عديدة ال أريد ذكرها ألن المخرجين األعزاء أنفسهم يعرفونها والمعنى هنا ..في بطن المخرج!! وذلك ألن نصوصي المسرحية ما تزال كسيحة حبيسة دفتي الكتب ،شخوصها ّ ميتة بين السطور وأحداثها متوقفة ..كل هذا بسبب المخرجين الشهماء الذين يمألون الجو صراخا لعدم وجود نصوص جيدة ترتقي لعبقريتهم السمحة وقدراتهم اإلخراجية العظيمة فتراهم إما يلجئون لنصوص أجنبية أو يؤلفون هم نصوصا كما يتراءى لهم ثم يقومون بإخراجها والتمثيل فيها أحيانا فينالون الحسنيين وأحيانا الثالث حسنيات!! والمؤلفون الشباب وغير الشباب من الذين حصدوا الجوائز.. فليذهبوا إلى حيث يشاءون!! مسرح الطفل وأنا تجربتي في مسرح الطفل هى أحدث تجارب الكتابة لدي! حيث كتبت أربعة نصوص للطفل فقط والخامس مازال قيد االنتهاء ..بدأتها بنص «استغماية 2012 وحصل على جائززة الهيئة العربية للمسرح 2013ثانيها نص صندوق الحكايات الذي قمت ببعض التعديالت عليه وصار بعنوان فكار يبحث عن وظيفة.. وترشح للقائمة القصيرة لجائزة الهيئة الربية للمسرح 2014ثم كتبت نص «مدينة بال أسوار ..2015ونص «كوكب ورد» وهو من نوعية الخيال العلمي لفئة هامة من 12إلى 18عاما ..ونال النص الجائزة األولى للهيئة العربية للمسرح 2017 وعن قريب انتهي من النص الخامس وهو أيضا من نصوص الخيال العلمي.
الجوائز.. يتعجب البعض حينما يعرفون أنني حصلت على أكثر من اثنتا عشرة جائزة في المسرح عدا الشعر والدراسات األدبية! وما يثير دهشتهم عدم تجسيد مسرحياتي الفائزة على خشبة المسرح ..والغريب أنني كدت أدمن تقديم أعمالي للمسابقات فقط لمجرد القراءة الجادة من كثرة يأسي من النقاد والعجب العجاب حين يهم أحد المخرجين بتقديم نصا من أعمالي ،يطلب مني الذهاب لمدير المسرح أو رئيس الهيئة حتى يتمكن من تنفيذها ..وفي نهاية األمر ..أصاب بالتوتر والخجل.. وأصمت فيصمتون كأنما بلعوا ألسنتهم التي كانت تصدح بالمديح والثناء فأشعر بالغصة تمأل قلبي وأوقن بالالجدوى!! والحق أقول :لقد أورثني هؤالء النقاد كثي ار من الزهد فيما بين أيديهم وكثي ار من الحزن! هذا الزهد كما قلت فيما في أيدي النقاد عالوة على ما في أيدي مخرجي مسارح الدولة الذين عن تقديم النوعية التي أكتبها والذين يحرضون الكتاب على الكتابة بالعامية حتى يقدموا أعمالهم! مسرح الدولة: مسرح الدولة الرسمي اآلن يعيش أقسى حاالت التوتر بينه وبين الكتاب المسرحيين المصريين ومع هذا يتساءل النقاد والمهتمون عن أسباب هذا التوتر والغاء جوائز التأليف أفي المهرجان الوحيد المعبر عن المسرح المصري أو إعطائها مجاملة ألحدهم ألسباب خاصة ..كأنهم ال يعلمون أن طريقة «الورش» واالستعانة بالكتابات العالمية أكثر من الكتابات المحلية والعربية التي تعبر عن حال المجتمع امللتقى الفكري
129 128
واإلفيهات التي يلجأ إليها بعض المخرجين ليزخرفوا بها عروضهم وهى أعظم ما توصف به أنها عروض خالية الدسم وغنية فقط بالنكات والضحكات المستفزة التي ال يعنيها سوى الضحك من أجل التسلية وبالطبع هذا ليس هو دور المسرح الحقيقي ،والبعد عن الكتاب المجيدين ليس إال لكونهم يكتبون بشكل ال يحبونه أو يكتبون بطريقة كالسيكية وغير ذلك.. تجربتان ..وغيرهما تنتظرن! امرأة عنيفة قدمت لي أول تجربة مسرحية وهى مونودراما «امرأة عنيفة» وكانت انتاج مستقل وعرضت كاستضافة على مسرح الهناجر عام 2013وسافر العرض الى دول عربية كثيرة كما تم تنفيذ النص في عدد من الدول العربية عالوة على تقريره ضمن مقرر دراسة المعهد العالي للفنون المسرحية بالجزائر. ثري دي بعد مجاهدة ..ومثابرة ..قدمت لي تجربة ظلت على مسرح الطليغة أكثر من ثالثة أشهر ونصف وهو عرض «ثري دي» من إخراج محمد عالم وقد نال العرض اهتمام النقاد والجمهور واألكاديميين حيث اعتمد على شكل جديد من الكتابة.. وقام ببطولته مجموعة من شباب األكاديمية. السرير أعتقد أنها تجربة مهمة وأرجو أن تقدم قريبا على مسرح الدولة. كوكب ورد وهو نص للطفل ..في مجال الخيال العلمي ..مغاير عن السائد لغة وموضوعا..
وسيرى النور ثريبا على مسرح الدولة وأرجو أال يحدث معه ما حدث مع نص «استغماية» النقاد نفر قليل كتب عني بطريق من بين مئات النقاد الذين تمأل مقااللتهم الدنيا ٌ المصادفة البحتة في بداية األمر ..فلوال المسابقات التي قدمت أعمالي من خاللها ما ق أر لي أحدهم فأتذكر ما كتبه الناقد الراحل الكبير رجاء النقاش عن عملي المسرحي األول نوبة رجوع حيث قال بالنص « :هذا العمل المسرحي ناضج بغير جدال فهو يجمع بين جمال اللغة وقوة الشعر وبين الحبكة المسرحية التي تميل إلى صالح العرض وحيله وفنونه». وما كتبه أ.د .رفيق الصبان عن نفس النص »:هذا العمل المسرحي فيه رؤيا مسرحية شاملة للخالف العربي وأمل بمستقبل يقوم على العدل،كما أنه ُي ُّ عد استغالال ذكيا للتراث(قصة الزير سالم) كما تسيطر على المسرحية شاعرية حقيقية ال جدال فيها». وكتب أيضا أ.د .رفيق عن عملي التالي «المصير» عشر نبضات في الحب والموت »:الفكرة جيدة تعتمد على التراث من خالل لعبة المسرح ضمن المسرح وتروي قصة المتجردة والنعمان والمنخل اليشكري ..اللغة جميلة وشعرية والعمل جيد ومتوازن وبعيد عن االبتذال» كما قدمتني د .هدى وصفي في أوائل التسعينيات وأنا غضة محدودة التجربة لكنني كنت شديدة الحماس للكتابة أقول قدمتني للناقد د .أحمد سخسوخ على إنني أصغر كاتبة مسرحية في مصر والمرأة الوحيدة التي تحصلت على جائزة تيمور امللتقى الفكري
131 130
المسرحية مرتين. وهاتفني الناقد الراحل األستاذ فاروق عبد القادر بعدما ق أر إحدى مسرحياتي قلت له والخوف يعتصر قلبي :ما رأيك يا أستاذنا؟ قال متحمسا :نص جميل وسكت لحظة وقال :ولكن قلت حينها لكن هذه هي المهمة فقال ال أدري هل أقول إنني لم أق أر نصا مثل هذا منذ وفاة الرائع صالح عبد الصبور؟ صمت ..وأردفت :ما ذا تعني يا أستاذنا ؟ قال أرى أنك امتداد لصالح عبد الصبور قلت :هل هذا مدح أم ذم؟ قال :افهميها كما تريدين!! ولكن عليك أن تتخطي صالح عبد الصبور. أما د .حسين على محمد الشاعر والكاتب المسرحي واألكاديمي فقد كتب عن مسرحية الشراك دراسة مستفيضة ونشرها عبر االنترنت ورشح أعمالي لطلبة الدراسات العليا الذين يدرسون على يدية فقام عدد منهم بدراسة أعمالي في رسائلهم الجامعية وكانت هذه نقطة ضوء شريدة في تلقي أعمالي بشكل نقدي جيد ومحترم!! كذلك الدكتورة وفاء كمالو فقد كتبت دراسة مستفيضة عن نص «الجنرال» الذي حصل على جائزة األلسكو عام 2014وسافرت حينها للعراق وكنت أول عربية تحصل على الجائزة. بين العمل اإلعالمي واإلبداع: في النهاية ..لي أن أعترف أن عملي كصحفية بل ومتخصصة في شئون المسرح ورئاستي لتحرير موقع «المسرح نيوز» أضرني في تسليط ضوء اإلعالم علي كمبدعة وبات الزمالء ينظرون لي على أنني « زميلتهم الكاتبة الصحفية ّ الشاطرة» ونسى الجميع أنني مبدعة خاصة وأنا ال أجيد التعامل مع مختلف
صنوف الميديا ولو من خالل أصدقائي الذين هم مبدعون أيضا بالدرجة نفسها!! في النهاية أتمنى أن أطير بجناحين وأرفرف بهما في سماء اإلبداع المسرحي وأرى نصوصي سواء بالعربية والفصحى حرة على خشبة المسرح كما رأيتها بين دفتي الكتب والدرس األكاديمي في رساالت الماجستير والدكتوراة ..مسرح الناس الذي أتمناه مفتوحا هو اآلخر يدخلونه متى شاءوا بال شباك تذاكر أو بيروقراطية مقيتة في األداء.. شهادة الكاتب :بكري عبد الحميد أصعب ما مكن أن يتعرض له الكاتب هو أن يتحدث عن نفسه أو عن تجربته، إذا كيف لي أن انفصل عن نفسي و انظر إلي و إلى كتابتي من بعيد ،و كيف ّ أرى كتابتي من منظوري الشخصي ،أما و قد وضعت في هذا الموقف فإنني افعله مضط ار ال راضيا. في البداية و بطبيعة الحال كانت الرغبة في الكتابة ملحة ،و لكن أيضا كانت هناك أسئلة ال بد من اإلجابة عنها قبل الشروع في الكتابة ،و من بين هذه األسئلة :ماذا ستكتب و لماذا تكتب ،و كيف تكتب و لمن ،و لكن السؤال األكثر إلحاحا و الذي مازال يراودني حتى اليوم مع كل نص مسرحي جديد اكتبه هو ما هو الجديد الذي ترغب تقديمه ،فإن لم يكن هناك جديد ما داعي الكتابة أصال ؟ هذه أسئلة أرى انه يجب أن نطرحها على أنفسنا بين حين و آخر و أال نستسلم لنفس امللتقى الفكري
133 132
الشكل من الكتابة ،أو نفس الطرح من األفكار. و كان دم السواقي هو أول أعمالي المسرحية و الذي كتبته و خبأته عن العيون حيث أنني لم أكن واثقاً مما كتبت إلى أن أقنعني صديقي الكاتب المسرحي محمد عبد هللا أن أشارك به في مسابقة محمد تيمور لإلبداع المسرحي و بعد محاوالت كثيرة معي تقدمت للمسابقة على استحياء و عندما جاء خبر فوزي لم أكن مصدقا لكنني أيقنت أنني أقدم شيئا حقيقيا يمكننا أن نتفق أو نختلف عليه. و قد أخذت على عاتقي منذ البداية أال أكون حكاء ،فأنا لست شاعر ربابة أعيد ً سرد األحداث على السامعين ،و بما أن المعين الذي اغترف منه حكاياتي هو الموروث الشعبي و هو بئر ملئ بالحكايات ،فال بد أن تختلف هنا الحكاية التي يرويها شاعر الربابة عن الحكاية التي تجسد اليوم على خشبة المسرح وال بد أن تحمل أفكا ار و رؤى معاصرة ،فعلى سبيل المثال طرحت دم السواقي فكرة الموت الذي يصاحب الحب من خالل ثالث حكايات شعبية معروفة فنجد ياسين الذي أحب بهية تنتهي حكايته بموته ،و حسن الذي حب نعيمه يموت أيضا حتى بين األخوين شفيقة و متولي ،فقد أحبت شفيقة أخيها متولي و هو أحبها لكن الحب يتقاطع عند المصالح و ينتهي أيضا بالموت ،مع ربط هذه الحكايات و قضايا األرض و الوطن و الشرف و غير هامه القضايا اآلنية ،وكان أن اهتممت في قول يا مغنواتي بأن أؤكد أن للحقيقة أكثر من وجه ،و أن كالً منا يرى الحقيقة من منظوره هو و من المكان الذي يقف فيه حيث يرى من زاوية واحدة بينما هناك زوايا عديدة للحقيقة. يمكننا لو تحركنا قليال أن نراها ،و ذلك من خالل تجسيد شخصية بدران صديق
ادهم الشرقاوي و المتهم بخيانته في الوجدان الشعبي ،و لكن ..هل بدران خان صديقه حقيقة أم أن هناك زوايا مسكوت عنها اثر الضمير الشعبي إال يذكرها. وعندما كتبت الهاللي لم أكن ارغب في سرد السيرة الهاللية التي يعرفها الجميع، قدر ما كنت أريد أن اصرخ رافضا الصمت العربي لكل أشكال القهر التي تمارس على المواطن العربي و هو ال يفعل إال أن يشكو ذله و مهانته و ضعفه و قلة حيلته ،رافضا حلمه بالبطل األوحد المخلص و الذي تمثل في شخصية ابو زيد الهاللي ،لذا كان ابو زيد في النص مجرد شبح ،لم يمكن موجوداً قدر ما كان موجوداً في مخيلة الضعفاء ،و أيضا كان فزاعة في عقل القوي يخشاها و يعمل على قتلها داخلة و داخل كل حالم بها ٍ. ال أريد أن استرسل كثي ار في الحديث عن نصوص التي تجاوزت العشرين نصا، ما بين المسرح الشعبي _ و الذي عرفت به _ و بين األشكال المسرحية األخرى لكنني أريد أن أذكـّر أن الكتابة المسرحية اآلن اختلفت كثي ار عما سبق ،و أنها أصبحت أكثر جرأة في بعض األحيان من حيث الموضوعات التي تتناولها أو من حيث التجديد على مستوى الشكل أو اللغة ،و اعتقد أن لم أكن اجزم أن الكتابات الجديدة تمثل درجة هامه في طريقي المسرحي و قد أثبتت ذاتها بالفعل خالل السنوات العشرون الماضية و ارجوا أن تستمر في عطائها في حالة توافر مناخ من الحرية و النقد الموازي لها و اللذان اعتبرهما ال يقالن أهمية عن الكتابة نفسها.
امللتقى الفكري
135 134
المحور الثالث مسرح الطفل بين الواقع والمأمول
نحو مفاهيم جديدة لمسرح األطفال
أ.د /محمد أبو الخير
إن الرؤية الى تحقيق مستقبل متطور وحضاري تعنى االهتمام باألطفال ،ألن الطفل جوهر المجتمع األنسانى المتنامى لصنع الغد ،وان بناء شخصية الطفل بصورة متكاملة فى جوانبها العقلية ،والوجدانية ،والجسدية ،يعنى بناء أمة حضارية ،قادرة إلى السير مع عجلة التاريخ المتجة دوما لألمام. ومن هنا فان ثقافة األطفال أحد الروافد الهامة فى نسيج الحياة الثقافية والفنية للطفل خاصة ،وللمجتمع عامة .ألن « ثقافة األطفال هى احدى الثقافات الفرعية فى المجتمع، فهى جزء من ثقافة المجتمع ،وهي تشارك الثقافة العامة فى صفات عدة ،ولكنها ال تشكل نسخة مكررة منها بأى حال من األحوال ،كما أنها ال تشكل تصغي ار أو تبسيطا لها ،بل هى كيان متميز )1( ».حيث أن األهتمام بثقافة األطفال هو اهتمام بتراث األمة فى ماضيها وحاضرها ونظرة مستنيره الى مستقبلها. وانطالقا من أن مسرح األطفال وما يتضمنه من فنون مختلفة يعتبر أحد الروافد األساسية التى تساهم فى تشكيل الوعي الثقافى والفنى للطفل ،لذلك فان هذه الدراسة تحاول أن تلقى مزيداً من الضوء على مالمح الدور الذي يجب أن يلعبه مسرح األطفال مع عالمنا المعاصر وما يفرضه من متغيرات يجب علينا أن نواكبها من أجل تحقيق شيء من االزدهار واالنتشار لحاضر مسرح األطفال ومستقبله. يقول مارك توين عن مسرح األطفال انه « أعظم األختراعات فى القرن العشرين ...انه أقوى معلم لألخالق وخير دافع الى السلوك الطيب اهتدت اليه عبقرية األنسان ،ألن دروسه ال تلقن بالكتب بطريقة مرهقة أو فى المنزل بطريقة مملة ،بل بالحركة المنظورة التى تبعث الحماس )2(»...وذلك ألن للمسرح خاصية متفرة ،أال وهي التحام اآلدمية امللتقى الفكري
137 136
باآلدمية ،وجها لوجه ،بال حواجز أو فواصل ،وهذا ما يمنحه التأثير المباشر على المشاهد. إن الوقت الحالي والمستقبل القريب منحنى تاريخي جديد على خريطة التطور اإلنساني، يتضمن هذا المنحنى عديداً من األكتشافات العلمية ،وثورة تكنولوجية ،وثورة فى عالم األتصاالت ،إن العالم يتغير ،ولم تصبح الحدود المكانية والزمانية تتحكم فية ،بل ظهرت مجتمعات معرفية جديدة ال تعترف بتلك الحدود ،نتيجة تطور وسائل االتصاالت اإللكترونية ،يقول بيل جيتس « سوف يأتي يوم يصبح بإمكانك فيه أن تدير أعمالك، وتدرس ،وتستكشف العالم وثقافاته ،وتستدعى على شاشة جهازك أى حفل أو عرض مسرحي كبير ،وتكسب أصدقاء جددا ...،دون أن تترك مكتبك أو كرسيك ،ولن تخلف وراءك وصلتك مع الشبكة ،...،لتصبح جواز مرورك إلى طريقة حياة جديدة قوامها الوسائط)3( ». ونتيجة لهذا التقدم التكنولوجى االتصالى الذي سيطر على الثقافة والحضارة اإلنسانية ظهر المجتمع الالمكانى ،Spaceless societyأصبحت تقنية المعلومات والمعرفة ،مكوناً هاماً من مكونات الثقافة والحضارة ،حتى أضحى علينا أن نواكب هذا التطور لتحقيق التواجد العربى على الساحة العالمية ،بحيث تكون لنا القدرة على المنافسة العالمية واستخدام لغة العصر .وبهذا يتم تحقيق االنفتاح للطفل العربى على ثقافات الطفل في العالم كأساس للتعرف على العولمة « - « Globalizationيشير إليها روبرت روبرتسون في تعريفه أنها «انضغاط العالم ،وتكثيف الوعى بالعالم ككل» ( -)4كتعددية ثقافية يجب فهمها والتعامل معها دون أن يفقد هويته .وبالتالى يصبح هناك معيارية جديدة للمجتمع ،وال بد لهذه المعيارية من تصور يتفاعل معها. إن المسرح عنصر هام فى المنظومة االجتماعية التى تعبر عنه وتعكس توجهاته ومشكالته ورؤاه وأحالمه ،ومن ثم يبرز على العقل تساؤل ،هل المتغيرات الحياتية تحتم تغير المعطيات الفنية فى ظل المتغيرات الجديدة؟ أو بمعنى أكثر وضوحا هل هناك
غائية جديدة لمسرح األطفال فى عصر العولمة؟ ومن هنا يبرز سؤال ضرورى وهو ماذا عن دور مسرح األطفال فى هذه المنظومة؟ هل سيظل كما هو أم سيتطور الى مواكبة هذا العصر المستقبلى بمفاهيم جديدة؟ ومن هنا فان هذه الدراسة تطرح مجموعة من التساؤالت: هل الموضوعات المطروحة لألطفال تتناسب مع المتغيرات الثقافية العالمية؟ هل الطفل مشارك فى العملية الفنية؟ ما هى مواصفات الممثل فى مسرح الطفل فى ظل هذه المتغيرات؟ كيف يمكن انتشارمسرح الطفل من أجل دور أكثر فاعلية؟ الروح العصرية The MODERN SPIRIT إن موضوعات مسرح األطفال يجب أن تتجه لروح العصر والواقع الحضاري الذي صنع متغيرات كثيرة سواء على المستوى السلوكي أو المعرفي أو التقني ،مثل التفكير العلمي، عالم الروبوتات ،االستنساخ ،المدن الفضائية ،البحث عمن فى الكواكب األخرى ،احترام ثقافة اآلخر...ـ ومن أهم هذه المتغيرات هو التطور األلكترونى الذى جعل العالم قرية صغيرة قائمة على شبكة اتصاالت من الحزم الضوئية ،وهذا بالطبع فرض نفسه على الواقع الثقافى والمعرفى. إن ذلك يعنى «زيادة األنفتاح الثقافى واألجتماعى بالمعنى الواسع للكلمة الذي يشمل السياسة واالقتصاد وأساليب الفكر بحيث تتصل كل مجتمعات العالم بعضها بعضا بما يحقق التبادل الثقافى على أوسع نطاق نتيجة وسائل األعالم واألتصال المتطورة، وسوف يساعد هذا األنفتاح واألتصال على معرفة الثقافات المختلفة والمتباينة فى العالم ،وإدراك كنهها ومعرفة رموزها ومعانى هذه الرموز مما يؤدى إلى احترام ثقافة األخرين» ( )5ونتيجة هذا االتصال الثقافي يمكن التعرف على األعمال الثقافية بشكل امللتقى الفكري
139 138
عام ،وعلى فن المسرح بشكل خاص فى البلدان المختلفة فى عالمنا ،وهذا يتيح التعرف على التيارات والرؤى المختلفة ،وعلى القيم فى الثقافات األخرى ،ومن ثم فهذا يولد التالحم والتنوع والتالقح مع المعارف المغايرة هذا مما يولد ابداعات جديدة .إن مجتمع اليوم قائم على الالمركزية ،وعلى الخروج من قوقعة المكان الى االتساع ،ومن فلسفة الجزر المنعزلة الى التعاون الجماعى من أجل التكامل ،واستبدال « المعرفة القديمة بمعارف مستجدة ،توضح الفرص المتاحة للتجديد ،الذى يتأسس على الفكر والمعرفة كمصادر أولية ،ويتطلب ذلك انفتاحا غير مشروط ومراجعة مستمرة ،وابداعا دائما وتقييما متواصال ومعاينه دؤبة ،وانتباها مشدودا باعتبار أن غدا يحمل مظاهر ذات جدة غير مسبوقة )6( ».انها التعددية الثقافية التى يجب أن يحياها مسرح الطفل دون التخلى عن قيمة ومعايرية المستمدة من بيئته العربية لكي يحافظ على هويته وأصالته رغم هذه المتغيرات. وانطالقا من هذه الرؤية التى تحاول أن تحيا بفكر جديد ،ومنطق جديد ،وأن تساير هذا الزمان بشجاعة وإدراك ووعى نحو التطور مع هذا العصر ،من الضرورى للنصوص المسرحية الموجههة الى األطفال أن تكون نابعة من طبيعة هذه المتغيرات .إن دورثى هسكت )7( DOROTHY HEATHCOTEتؤكد ان عرض القضايا إلى األطفال برؤية موضوعية تجعل منهم شخصيات قادرة على الرؤية الصحيحة ،وأيضاً على فهم األمور على حقيقتها دون مبالغة أو تزييف في الحقائق ،مما يساعدهم على نمو النواحى اإلدراكية في شخصياتهم ،وأيضاً على تطور الجوانب الوجدانية مما يساعد على نمو شخصياتهم بأسلوب متكامل يعمق من تفاعلهم مع الواقع وفى استبصاره نحو تحقيق ما هو أفضل. لهذا يجب أال تقتصر الموضوعات على الجانب العلمى فقط وإنما على منظومة قيم حضارية أخرى تكون « ذائعة وشائعة فى المجتمع من قاعدته إلى قمته ـ ومن ـ وأهم
تلك القيم هى :تقديس الوقت ..واأليمان بفاعليات العمل الجماعي ..واألهتمام البالغ بالبشر (الموارد البشرية) ..والتعليم القائم على األبداع (وليس التلقين) ...وإشاعة روح توخى الكمال والتميز والسعى الدءوب لألتقان ..ورسوخ فكرة عالمية المعرفة والعلم فى العقول)8( ».. كما أنه من الضرورى االهتمام بالتراث ألنه روح األمة وتاريخها الذى نستخلص منه القيم االنسانية والمعرفة ،كما ينبغي أال يقدم التراث المصرى والعربى في عالم مسرح األطفال من منظور الماضى البعيد ،إن المحاكاة للماضى ،تضع المسرح فى صورة جامدة غير متحركة وغير متفاعلة مع الحاضر ،وإنما يقدم التراث برؤية جديدة تجمع بين القديم والجديد ،الموروث والمعاصر ،ليكون امتدادا فى المستقبل برؤية متطورة، سواء كان ذلك لتراث المسرح المصرى أو العربى أو العالمى .ومن ثم تتطلب هذه المرحلة لمسرح األطفال أن يتفاعل مع القضايا الحياتية المعاصرة والمستقبلية سواء كانت محلية أو عالمية ،ألن المسرح المصرى والعربى فى ظل العولمة والقنوات الفضائية البد أن يجد له طريقاً مستني اًر داخل منظومة المجتمع. قيم فنية وتربوية ARTISTIC AND EDUCATIONAL VALUES هناك رأى ينظر إلى مسرح األطفال بإعتبارة وسيلة فنية ترفيهية ،كما أن هناك رأى أخر يقر بأن مسرح األطفال وسيلة تربوية تعليمية ،ولكل رأى مبرراته الموضوعية ،ولكن يوجد طريق ثالث يدعو إلى كال الجانبين الفني والتربوي معا فى آن واحد وذلك ألن فن المسرح تتفاعل وتتجمع فى بوتقتة عديد من الفنون المكانية والزمانية والزمكانية معا (الكلمة ،التمثيل ،الموسيقى ،الغناء ،الديكور ،المالبس ،اإلكسسوار ،النحت ،الرسم، الرقص… ).كل ذلك فى شكل مركب على خشبة المسرح ،وهذا يجعل المسرح ثرى فى رؤيته الفنية والثقافية لتنوع الوسائط الفنية لدى المتلقى (جمهور األطفال) أو مجموع األطفال المشاركين مع المؤدين المحترفين فى صنع هذه العملية الفنية. امللتقى الفكري
141 140
« فالعرض المسرحى يساعد على التكامل بين النظرية والتطبيق ،فهو يجمع بين الخبرات النفسية /العضلية والخبرات الوجدانية والمعرفية ،ويوحد الفن والتكنولوجيا ويوثق الروابط بين المؤدى والجمهور .وألن العرض المسرحى يتميز بتنوع معارفه وفنونه وبقدرته على التآلف والتكامل واألندماج بينها « ( )9وانطالقاً من ذلك نجد «أن العملية المسرحية تتحقق على مستويين متزامنين :مستوى مادى ملموس يسعى الى تجسيد العرض عن طريق اختيار العمل المسرحى واعداده للعرض امام جمهور معين فى وقت معين ،ومستوى تجريدى يتعلق بعملية التطوير والتنمية المستمرة للوظيفة الثقافية الشاملة للعرض المسرحي )10(».إن التلقى للفنون من قبل المشاهد يطور من ادراكاته وتذوقه ومعرفته للفنون المختلفه ،ومن جهة أخرى اذا كانت هذه الفنون تمارس اُثناء األعداد العملي لعرض المسرحي ،فهذا يعمل على اذكاء قدرات ومواهب الممارسين لهذه الفنون .مؤكدين في ذلك العمل مبدأ «التعلم عن طريق العمل LEARNING BY DOINGالذي نادى به المربى األمريكي جون ديوي» ()11 التفاعلية INTERACTIVE إذا كان التفاعل والمشاركة فى عالم المسرح سمة أساسية مقرونة بطبيعته حيث نجدها متمثلة أوال ً:فى مشاركة الممثلين ببعضهم البعض بروح جماعية فى التجربة المعروضة ،وثانياً :فى ذلك الحوار الخفى الذى يسرى فى العرض إلى المتفرجين و بالعكس ،أى بمعنى آخر تكون المشاركة هنا بين الممثل و المتفرج ،وثالثا ً:فى مشاركة كل متفرج و المتفرجين اآلخرين الذين يحضرون معه العرض « إن العرض المسرحي باعتباره مشاركة ،وليس مظه اًر براقاً ،أنه من الضروري لألطفال أن يتعلموا مسئولياتهم كمرسلين ومستقبلين ،ويجب أن يتفهموا أن العرض ما هو أال سعى متعاون من خاللهم وليس أعانة من اآلخرين» ( )12وهذه المشاركة تتدرج ويتفاوت بعضها من لحظة إلى أخرى فى شد قوى وجذب خفيف ،تبعاً لطبيعة العرض المسرحى فهناك لحظات تنادى
االندماج و المشاركة الوجدانية ،ولحظات أخرى تنادى يقظة العقل – وتكسر اإليهام لتصنع مشاركة عقلية ولحظات تفرضها المشاركة الحركية أو كلها معاً.إن العالقة بين المؤدى والمتلقى فى ضوء المسرح تكون تفاعلية ،إن الجمهور أحد العناصر األساسية فى العرض المسرحى ،والرؤية الجماعية للعرض المسرحى تعطى مزيدا من التوحد والحميمية داخل العمل الفنى« .وتمثل عملية دخول المتفرج الى عالم العرض عملية عبور على مستوى األدراك من منطقة الوعى التى تتصل بالعالم خارج المسرح الى منطقة الوعى التى تتصل بالعرض المسرحي»( )13المسرح فن حى تفاعلى ،والجمهور عنصر أساسى فى اتمام العرض المسرحى ،وهناك تفاعل مباشر وخط اتصال بين مفردات العرض والجمهور المتلقى وخاصة فى مسرح األطفال .إن هذه المشاركة تساهم فى نمو وتطور النواحى المعرفية لدى المشاركين ،محققة مبدأ العالم التربوى فيجتسكى )14( THE ZONE OF PROXIMAL DEVELOPMENT ان التفاعلية بين الممثلين كأشخاص ناضجين وبين األطفال فى مرحلة النمو ،وأيضا بين األطفال بعضهم البعض يعطى مزيدا من الخبرات والمعارف نتيجة األحتكاك، وتبادل األراء ،وتجسيد ما هو متخيل الى واقع عملى حى على خشبة المسرح أو فى اطار العرض المسرحى ،هذا يساعد على تنمية القدرات األبداعية للمشاركين نحو التطور. لقد تحول اليوم األسلوب التربوى فى تعليم األطفال من األسلوب التقليدى التلقينى إلى أسلوب المشاركة والتفاعلية ،وإنى أرى إن المسرح التقليدي الذي يفصل بين العرض المسرحي والمتفرجين لهو معادل لألسلوب السلبي ،ومن ثم فإننا فى حاجة إلى أسلوب جديد يكون معادالً موضوعياً بل ومحققاً روح المشاركة و التفاعلية فى كل عناصر العرض المسرحي. إن المخرج فى مسرح الطفل عليه أن يضع فى اعتباره مسألة جوهرية أال وهي امللتقى الفكري
143 142
المشاركة بين األطفال المتفرجين وعناصر العرض المسرحي ،حتى يخلق حوا اًر متبادالً بينهم ،مما يثرى العملية الفنية .لذلك بمفهوم مسرح المشاركة PARTICIPATION )15( THEATREيتم دفع عناصر المشاركة فى العرض المسرحي بين األطفال، وعناصر العرض المسرحي ،بصورة حيوية ومرسومة مسبقاً (المناقشة ،التمثيل ،الغناء تغيير الديكورات ،....ولكن تبدو تلقائية أثناء العرض من أجل أن يتحقق التفاعل بين المؤدى والمتلقي .وعلى الشاطئ اآلخر في العملية الفنية هناك تفاعلية أللوان الفنون المختلفة مثل العرائس وخيال الظل وفن التمثيل الصامت والسينما وغيرها في بوتقة مسرح األطفال مما يثرى العملية الفنية. التكنولوجيا TECHNOLOGY إن استخدام التكنولوجيا فى فن المسرح خلق جدالً كبي اًر بين المبدعين فى مجال المسرح العام ومسرح األطفال ،ويمكن تلخيص هذا الجدل فى تيارين ،التيار األول يرى المسرح ظاهرة إنسانية ويجب أن تخلو من هذه المظاهر التكنولوجية التى تعكر صفو التواصل والوجود اإلنساني في الظاهرة المسرحية ،والتيار اآلخر يؤمن بتطور العصر ويؤيد استخدام التكنولوجيا فى مفردات العرض المسرحي. إن التقدم التكنولوجى فرض بعدا جديداً في مكونات العرض المسرحي لما له من قدرة كبيرة على خلق المناخ العام للعرض وعلى عنصر اإلبهار في تقديم المشاهد واألحداث لذلك أصبح هناك تعبير معروف في الغرب وفي أمريكا بالذات يسمونه « « TECHNOLOGICAL PLAYأو المسرحية التكنولوجية التي تعتمد في تقديم نفسها للمتفرج على التقنية العالية أو ما يسمى ،) 16( HIGH TECHإن آلية التكنولوجية (أجهزة اضاءة الليزر ،LASER LIGHTINGتغير ديكور ،أجهزة صوت ،مؤثرات موسيقية )......تساهم فى مفردات العرض المسرحي لتجعل منه عرضاً مشوقاً لجمهور األطفال أو الكبار ،مثل استخدام ألوان وأطياف وشخصيات تتحرك
بألوان مبهرة على خلفيات وعلى شاشات في المسرح ،تأثيرات األمطار والسحب والبرق، أصوات الزالزل واألمواج وسفن الفضاء ،استخدام جهاز الهولوجرام HOLOGRAMS وظهور شخصيات في الفراغ المسرحي تتحرك وتتحدث باألبعاد الثالثة...كل هذه األشياء جعلت التطور التكنولوجي يطور من سبل اإلخراج في المسرح العام ومسرح األطفال. ولقد ظهر استخدام التقنية الحديثة بقوة في المسرحيات الغنائية للكبار واألطفال في مسرحيات مثل « همتى دامتى HAMPTY DUMPTYحيث اعتمد المخرج على التكنولوجيا اعتماداً كبي ار فى تغيير المناظر ،وفى اإلضاءة ،وفى المؤثرات الصوتية حتى بدت المسرحية وكأننا نشاهد عالم من الخيال المبهر ،لقد خلقت تشويقا كبي اًر لدى األطفال المشاهدين ،ومنها أيضاً « البؤساء « LES MISERABLESالمأخوذة عن نص البؤساء الشهير ل « فيكتور هوجو « أو « قطط « CATSعن قصيدة ألليوت أو « الملك األســد « THE LION KINGو «شبح األوب ار THE PHANTOM OF »THE OPERAو»سندريال.« CINDERELLA لكن هذه التكنولوجيا مكلفة من الناحية المادية وتتطلب تقنيات في المكان قد يصعب توفيرها لعروض مسرح األطفال ،هل يتوقف المسرح إذ ال بد من التكنولوجيا لكي نحقق المتعة والتعلم واإلبهار؟ ال أن المسرح يجب أن يستمر ،ألن المسرح مساحة إبداع عقلي، ومن ثم نتجه إلى فكرة المسرح البسيط. المسرح البسيط SIMPLE THEATRE تعتمد طبيعة هذا المسرح على فلسفة المينيمالية ( MINIMALISM )17كاتجاه في الفن يعتمد على مبدأ إنشاء وتكوين العمل الفني بجوهر مضمونه ،وبأقل ما يمكن من الترميز والدالالت الشكلية ،فهي بذلك تجنح نحو التقشف في اإلمكانيات ،وهذا المبدأ الذى اعتمد عليه جيرزى جروتوفسكي)1999-1933( JERZY GROTOWSKI امللتقى الفكري
145 144
المخرج البولندي ،صاحب عبارة «المسرح الفقير )18 ( »POOR THEATRE إنه يبحث عن مسرح بعيد عن اإلطار التقليدي للمسرح .إن مسرحه يمكن أن يوجد دون ديكور دون أزياء دون إضاءة ودون مؤثرات صوتية ...ولكنه ال يمكن أن يوجد دون تلك العالقة الحية بين الممثل والمتفرج .يعتبر جروتفسكى كل األشياء األخرى إضافات .وكل العناصر يمكن أن تقدم من خالل الممثل حتى ما هو سمعي وموسيقي يقدمه الممثل بصوته .إن الممثل هو بطل العرض المسرحي .لذلك من الضروري للممثل التمكن من أدواته الجسدية والصوتية واالنفعالية ،والذي يستطيع أن يعزف عليها بشكل متميز إلقناع الجمهور .ومع الممثل تستخدم المناظر البسيطة والمالبس الموحية واإلكسسوارات الدالة على األشياء ....،إن جمهور األطفال سوف يكمل الصورة الكلية بعقله وخياله ،وهذا أيضاً نوع آخر من تكاملية العملية الفنية في المسرح. الممثل الجوكر ACTOR JOKER أن الممثل هو جوهرة العرض المسرحى فى مسرح األطفال ألنه العنصر اإلنسانى الذي يصل بين رؤية المخرج وجمهور األطفال ،ومن ثم يقع على عاتقة أهمية كبيرة فى العرض المسرحى من توصيل الفكر ،وتحقيق المتعة. إن المخرج يختار الممثل الذي يمكنه أن يرسم بجسمه فى الفراغ المسرحى ويعبر بصورته وأحساسيه وعواطفه عن الشخصية التى يؤديها ،مبلو اًر رؤيته وينقلها إلى المتفرج ،بأمانة « .أنه يتحتم أن تكون أقوال كل ممثل متفقة والصفات الجسدية والنفسية واالجتماعية ألية شخصية فى المسرحية ،كما يتحتم أن يبلغ الممثل بالفكرة إلى المستوى الذي يحرك عواطف المشاهدين ويشد إنتباههم ويستولى على اهتمامهم ،وعند ذاك فقد يشعر األطفال بشعور الشخصيات ذاتها ويتجاوبون معها» ( )19من ثم يجب على الممثل أن يكون متمكناً من مرونة جسده ،بحيث يستطيع أن يؤدى كل الحركات الصعبة ،وكل ما يثير خيال الطفل ويجعله مبهو اًر ،وأيضاً ذا مهاره متميزة فى صوته
وعواطفه وأحاسيسه إلى جانب سرعة بديهته وذكائه .وإذا لم يكن ذا إعداد الئق لما يقدمه ،فعلى المخرج أن يصنع له برنامجاً تدريبياً خاصاً ،حتى تصل قدرته إلى القدر المطلوب لتوصيل المعانى المتضمنة فى العرض المسرحى. إذا كان بالمسرحية أجزاء تتيح عالقة مباشرة مع الجمهور أثناء العرض ،فعلى المخرج أن يدرس مع الممثل كل األسئلة التى يمكن أن تطرح عليهم ،وايضاً كل اإلجابات التى يمكن أن تجيب على تلك األسئلة ،ويشترط أن تحترم عقلية المشاهد ،المناقش ،وعلى الممثل أن يلم بكل موضوع المسرحية ،لمواجهة األسئلة حتى بعد العرض. أن دور الممثل فى هذا المنظور يتحول من الدور السلبي وهو األكتفاء بأداء دورة فقط الى دور أكبر وأبعد تأثي ار من الفاعلية والحيوية داخل إطار العرض المسرحى ،فهو يلعب دو ار تمثيليا وتربويا معا )20( ACTOR AS FACILITATORانه يتحول فى هذا األطار من األتجاه السلبى الى األتجاه األيجابى ،الذى يخلق مجاالت للمعرفة والتفاعل داخل اطار العرض المسرحى. إن الممثل فى هذا النسق يكسر الحائط الرابع ،فهو يحطمه ،وأيضا يكون واعى لما يقدمة تبعا لضرورة اللحظة الدرامية ،وبالتالى فهو يجب أن يكون على وعى بمناهج متعددة فى حرفة فن الممثل على سبيل المثال أن يتقن فن « البيوميكانيكية BIOMECHANICS « الذي نادى به ميير هولد )21( MEYERHOLDوذلك النوع من التدريب الذي يهدف إلى تطوير العنصر الجسدى لدى الممثلين بحيث يتمتعون بلياقة بدنية عالية تمكنهم من أداء أصعب الحركات الرياضية ،فاتقان الحركة ـ الفردية والجماعية ـ شىء مهم فى التعبير وخاصة فى مسرحيات األطفال. يجب أن يعى الممثل أيضاً مدرسة بريخت )23( BRECHTالتي تعتمد على عدم اندماج الممثل فى الشخصية التى يقوم بها ،بل يؤدى دوره وكأنه راوى له ،وذلك لكى يبعد المتفرج عن األندماج معه فى الشخصية أو الحدث ،وهذا لكى يفكر المشاهد فيما امللتقى الفكري
147 146
يراه ،بل وينقد ما يراه ،انه يصنع عالقة تباعدية ،ومن ثم فان الشخصية والممثل فى حوار مع المتفرج من أجل استنارة عقلية .من خالل هذا المنطلق البد لممثل األطفال من الوعي الكامل بمفهوم التغريب ALIENATIONوالذى يعنى أن نجعل كل ما هو مألوف غريبا ،على مستوى التمثيل ،وأيضا مستوى المفردات الفنية (الموسيقى، المالبس ،الديكور ،الموسيقى ،األكسسوار ،األضاءة ).....داخل إطار العرض المسرحي ،وهذا من أجل استنارة جمهور األطفال بالمعانى التربوية والجمالية داخل الحدث المسرحي. ليست المهارة الجسدية وحدها القادرة على توصيل المعاني في العرض المسرحي وإنما مهارة استخدام اللغة في أن تكون ليس فقط لتوصيل األفكار والمضامين والتعبير عن الشخصيات ،وإنما تتجلى أيضاً في فتح آفاق خيالية في العرض المسرحي من خالل آداء الممثل ،اللغة قادرة على التحليق في أماكن مختلفة وأزمنة مختلفة على سبيل المثال يمكن أن يتعامل الممثل مع شيء غير مرئي مثل المشي على الحبل وهو يسير على األرض ،ويمكنه الذهاب إلى مكان آخر ،إلى القمر مثال ،فإذا قلنا بأننا سوف نعد من 1إلى 10فإن ذلك يعنى أننا انتقلنا إلى القمر مع أننا فى نفس المكان ،اللغة تنقلنا من الواقع إلى الخيال ،وهنا يمكن أن يساعد الممثل الجمهور ليستخدموا خيالهم فى بناء الشيء الغير المرئى أو المتخيل ،وهذه المساعدة تتم من خالل مجموعة من التساؤالت ما هذا..؟ لماذا..؟ ماذا لو..؟ كيف يمكن أن..؟ هذه التساؤالت تفتح عوالم جديدة للتخيل ،تجعل المشاركين أكثر قدرة على الفعل وأكثر تفاعل داخل الحدث ( )24 إن الممثل فى مسرح األطفال ينتمي إلى رؤية أوجستو بوال AUGUSTO BOAL ( )25( )2009-1931فى فن الممثل حيث الممثل الجوكر الذى يمتلك مرونه جسدية ولياقة بدنية عالية تمكنه من آداء حركات السيرك ،خيال متوهج ،قدرة على األرتجال ،قدرة على التمثيل الصامت ،قدرة على الغناء والعزف على آلة موسيقية ،هذا
إلى جانب البعد الفكرى لدى الممثل وفهمه ووعيه لما يقوم به ،ويقدمه أمام األطفال. تطوير مسرح األطفال DEVELOPMENT OF CHILDREN›S THEATRE نحن نريد أن نقدم المسرح لكل األطفال ،وهنا نقطة هامة يجب االهتمام بها وهى العالقة بين المدرسة والمسرح ،حيث أن جمهور المسرح الحقيقى من األطفال، واألطفال بالمدرسة ،وحيث أن المدرسة جهاز تابع إلى و ازرة التربية والتعليم ،والمسرح جهاز تابع إلى و ازرة الثقافة ،إذن البد من التخطيط بين الو ازرتين في الق اررات التي تحقق حالة من التوازن االقتصادى بين كليهما ،وذلك بأن يحضر تالميذ المدارس عروض مسرح الطفل المحترف التي تقرها الجهة المختصة بو ازرة التربية والتعليم، مقابل أجر رمزى عن كل طالب يحضر العرض ،يتقاضاه المسرح عن طريق المدرسة أو عن طريق بطاقة المسرح للطالب ،وقد تم تنفيذ لذلك من خالل بروتوكول بين قطاع شئون اإلنتاج الثقافي وو ازرة التربية والتعليم عام .2014 ولمزيد من التطوير وانتشار مسرح األطفال ،ينبغي مراعاة الجوانب التالية باعتبارها ذات تأثير مباشر لنجاح عروض المسرح: توسيع قاعدة الجمهور عن طريق دعوة متفرجين دائمين للمسرح بوسائل الدعايةالتكنولوجية الحديثة. تحديث الدار المسرحية وخشبة المسرح وتزويدها باألجهزة التكنولوجية فى الصوتواألضاءة بما يتواكب مع التقنية الحديثة لمسرح األطفال تخفيض أو إلغاء الضرائب التي تثقل مسارح األطفال. تحقيق ترابط بين العاصمة واألقاليم عن طريق تنظيم جوالت مسرحية إنشاء مسرح متنقل بمفهوم المسرح البسيط. العمل على تحقيق تعاون متبادل مع قنوات التليفزيون لتصوير وعرض األعماللجمهور أوسع. امللتقى الفكري
149 148
عمل مسابقات في التأليف لمسرح األطفال عمل مهرجان الى مسرح األطفال للتعرف على حالته الراهنه والتطلع الى مستقبلأفضل. إفتتاح معهد فنون الطفل بأكاديمية الفنون لكي يلعب دورة فى حركة الثقافة المصريةوالعربية. ومسرح األطفال فى هذا األتجاه بحاجة ماسة الى تدعيم المؤسسات الحكومية وغير الحكومية حتى يكون له األنتشار المرجو حتى يحقق رسالته ألبناء مصر المستقبل وعالمنا العربى لغد مشرق. الهوامش ( )1الهيتى ،هادى نعمان :ثقافة األطفال ،عام المعرفة ،123الكويت، ،1988ص.33 ( )2وارد ،وينفريد ،مسرح األطفال ،ترجمة محمد شاهين الجوهرى ،مطبعة المعرفة، ابيل ،1966ص .44 ( )3جيتس ،بيل :المعلوماتية بعد األنترنت ،ترجمة عبد السالم رضوان ،عالم المعرفة ،321الكويت ،1998 ،ص .18،17 ( ) 4ريبيالتو ،دان :المسرح والعولمة ،ترجمة أريج إبراهيم ،المركز القومى للترجمة، ،2016ص .20 ( )5أبو زيد ،أحمد :الطريق إلى المعرفة ،كتاب العربى ،46الكويت،2001 ، ص167 ( )6فهمي ،فوزى :الثقافة والتجدد ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،1997 ,ص.17،18 ()7
DRAMA AS C. LONDON THE ) 1980( HEATHCOTE, DOROTHY NOTIONAL ASSOCIATION FOR THE TEACHING OF ENGLISH ONTEXT ( )8حجى ،طارق :قيم التقدم ،سلسلة أقرأ ،دار المعارف ،2001 ،ص.22،21 ( )9هلتون ،جوليان :نظرية العرض المسرحى ،ترجمة د.نهاد صليحة ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،1994 ،ص.207 ( )10نفسه ،ص .208 ( )11اللقانى ،فاروق عبد الحميد :تثقيف الطفل ،فلسفته وأهدافة ومصادره ووسائله، منشأة المعارف ،األسكندرية ،بدون تاريخ. ()12 CHILDREN AND DRAMA, LONGMAN )1981 ( SCCASLIN, NELLIE 117.SECOND EDITION, , P ( )13أسعد ،يوسف ميخائيل :رعاية الطفولة ،مطبعة نهضة مصر ،1979ص .216 (MIND IN SOCIETY, EDITED )1978( VYGOTSKY, L. S )14 BY MICHAEL COLE AND OTHERS, LONDON, HARVARD .UNIVERSITY PRESS ( )15أبو الخير ،محمد حامد :مسرح الطفل ،الهيئة المصرية العامة للكتاب،1988، ص .101 ( )16أبو الخير ،محمد :مسرح األطفال بين الكالسيكية واإلنترنت ،دار الطالئع، ،2009ص .164 ( )17 2018-7-3 )https://en.wikipedia.org/wiki/Minimalism_(visual_arts امللتقى الفكري
151 150
( )18انظر أردش ،سعد :المخرج في المسرح المعاصر ،عالم المعرفة،عدد ،19ص .309 ( )19الهيتى ،هادى نعمان ،أدب األطفال ،فلسفته ،فنونه ،وسائطه ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،األلف كتاب الثانى ( ،1986،)30ص.318 ()20 THE PROESS OF DRAMA, LONDON, )1992( :OTOOLE, JOHN ROUTLEDGE ()21 EXPERIMENTAL ) 1988( EVANS, GAMES ROOSE THEATRE FROM STANISLAVSKY TO PETER BROOK, .ROUTLEDGE & KEGANPAUL, LONDON ()23 BRECHT: THE DRAMATIST. )1976( GRAY, RONALD .CAMBRIDGE. CAMBRIDGE UNTVERSITY PRESS ( )24أبو الخير ،محمد :دراما األطفال ،المركز القومي للترجمة ،2013 ،ص.121 ( )25بوال ،أجستو ،ألعاب الممثلين وغير الممثلين ،مهرجان القاهرة الدولى التاسع للمسرح التجريبى ،ترجمة الى األنجليزية ،أدريان جاكسون ،والى العربية ،الحسين على يحيى ،مراجعة ،د .محمد أبو الخير ،1997 ،ص .312-292
مسرح الطفل بين التطور والجمود
أ.د .نبيله حسن
بالرجوع الي العديد من الدراسات واالبحاث التى تناولت مسرح الطفل بالدراسة والتحليل علي مدار الثالثون عاما السابقة نجد أن هناك ملمح أساسي يفرض نفسه وهو اإلضطراب والعشوائية في تنظيم الخريطة المسرحية والتى أدت إلي عدم تطوره ولكن جموده عند قالب واحد ال يتغير ودعونا نرصد الواقع مكان العرض :المسارح فقيرة من حيث األجهزة والمعدات الميزانيات المتاحة توجه بنسبة كبيرة لألجور وليس للخامات والتصنيع اإلخراج في األغلب األعم يعتمد علي فكرة الوصفة وهي تتكون من مجموعة مناألغاني والرقصات و النكات النصوص تعتمد علي نسبة كبيرة من المباشرة والموضوعات التقليدية التى توجه قيمةأخالقية ما. إذا كان هذا هو واقعنا والذي نحرص علي عدم تغييرة لعدم قدرتنا علي انتظام الصف وانتزاع مسرح الطفل من منظومة العمل العشوائية فكيف إذن سيتم تطويره لخدمة أطفال اليوم وهم بالتأكيد يختلفون عن األمس فمثالً دعونا ننظر إلي الخبرات المستفادة في هذا المكان ويحضرني مثالين أحد تقديمهما األول : في مجال الدوبالج بالرغم من أن شركة ديزني وشركة سوني علي سبيل المثال هي الشركة المنتجة للفيلم اال انها تطالب الشركة المنفذة للدوبالج بتقديم جدول يحدد فيه القيم اإليجابية والقيم السلبية التى يحتوي عليها كل مشهد وذلك حرصا علي التأكد بأن الدوبالج لم يسئ الي محتوي الفيلم فيقوم فريق العمل بتقديم هذه الجداول حتى يتم امللتقى الفكري
153 152
اعتماد الدوبالج. وهكذا نري حرص الشركات المنتجة علي اعمالها فيماذا نفعل نحن كخطوات إجرائية تنظم طبيعة المحتوي الذي نقوم بإعداده ألطفالنا علي سبيل المثال ال الحصر. والخبرة الثانية هي :الميكروتياترو الميكرو تياترو لألطفال وهي مسرحيات قصيرة مدتها 15دقيقة في قاعة 15متر لجمهور في حدود 15فرد حيث تقدم الحفالت لجميع المراجل العمرية حتى لألطفال الرضع ،حيث تخصص الفترة الصباحية من الساعة 11.30حتى الساعة 1.30ظه ار للترحيب باالطفال في ايام السبت واالحد من كل اسبوع يقدم خاللها أربع مسرحيات مصممة خصيصاً لألطفال حيث يتم إدخالهم إلي عالم المسرح كشكل من اشكال التعبير الفنى حيث يعيش األطفال التجربة المسرحية عن قرب وفي بعض األحيان يتم دعوتهم للمشاركة الن المساحة الصغيرة التى يستمتع بها المكروتياترو تخلق مناخاً مريحاً يتناسب مع قدرات االطفال علي التركيز في يوم كهذا. أما بالنسبة لألطفال الرضع من سن 6شهور وحتى ثالث سنوات فنجد أنهم يتلقون عروضاً تعتمد علي المنبهات الجسدية من خالل األلوان واألصوات والملمس وذلك لتنمية إدراكهم المعرفي وذلك يولد لحظة مشتركة خاصة جداً بين األطفال واآلباء وبيننا تتميز بالدفئ والثقة ألنها أول خبرة فنية تولد بيننا. ومع بداية كل شهر يتم افتتاح مسرحيات جديدة ومن المعتاد وجود مساحة عند مدخل المسرح بها طاوالت مجهزة بلوحات وأوراق بااللوان وللرسم واللعب في الفترات المتاحة بين عرض وآخر المقدمة في نفس اليوم وتقدم العروض بأسعار مخفضة في متناول الجميع حيث تباع التذكرة من 3إلي 5 يورو لكل عرض وهو لألطفال والكبار بنفس السعر ،ويتاح في كافيتيريا المسرح
وجبات خفيفة لإلفطار والمشروبات ،كل ذلك إليجاد روح األلفة وتقديم يوم ترفيهي ثقافي متكامل حيث ال يحتاج اآلباء إلي اصطحاب األطفال إلي مكان آخر الستكمال يومهم. لماذا ميكروتياترو في حالة الكساد وعدم استطاعة الجميع علي ممارسة ما تعود عليه سواء أكان عملية اإلنتاج أو االستهالك وذلك بسبب ارتفاع اسعار التذاكر جاءت فكرة الميكروتياترو ليعطينا توائم مع الواقع والظروف المعاشة للوصول بالفن الي عامة الناس ولتحقيق ذلك كانت الفكرة أن يكون صغي اًر ليمتد إلي كل شيء سواء من حيث مكان العرض ،مدة العمل أو السعر أو عدد المشاهدين .خبرة ال تفرق بين أحد الجميع داخل نفس المساحة. فمثال في عروض األطفال المعتادة سعر التذكرة 12يورو في حين أنه في الميكروتياترو بسعر 3يورو ولكن الحالة كلها مختلفة ألن حميمية العرض بين الملقي والمتلقي تجعل المشاعر أكثر توهجاً ثم بعد ذلك الخروجد والجلوس للرسم علي الورق في المكان المعد لذلك يسمح بتكوين صداقات جديدة وللنقاش في محتوي العرض واالستفادة من محتواه ثم يعود الطفل لمشاهدة عرض آخر يختلف من حيث النوع قد يكون عرض موسيقي أو قصة كالسيكية أو عرض بالعرائس. ويقدم في الميكروتياترو كل أنواع فنون العرض فيتم تقديم ميكرو استعراض ،ميكرو سحر ،ميكرو موسيقي ...الخ الميكروتياترو Micro Teatroهو شكل مسرحي مصغر ،حيث تقل مده العرض عن فردا، 15دقيقة ،ويقدمفي فراغ في حدود ً 15ا متر لعدد من الجمهور ال يزيد عن ً 15 اًماعن الممثلين فمن المعتاد أن يكونوامن واحد إلى ثالثة على األكثر ،ويتم تقديم مجموعة من األعمال تحت مسمى فمثالً في البداية كانت أعمال قدمت في بيت دعارة قديم وكانت العمال تحت مسمى «من أجل المال» وبعد ذلك كان يتم تحديد المسمى الذي يجمع مجموعة العروض التي ستقدم حيث يتم عرض نفس المسرحية 6مرات امللتقى الفكري
155 154
متتالية في نفس اليوم ،وبعد ذلك أصبح الميكروتياترو يقدم حفالت لألطفال وأخرى لكل األسرة والساعات المتأخرة من الليل تقدم عروض ذات خصوصية جنسية أو توعوية. يقدم الميكروتياترو لحظة التحويل في حياة الشخصيات الدرامية ،ويبدأ بالصراع من لحظةاالشتعال مما يجعل للعرض قوة تواصل طاغية ،وألنه يتميز بالمرونةالكافيةفي التعامل مع كافة عناصر العرض ،فإنه يسمح بعرض مواضع متنوعة لعوالم مختلفة قريبة من حياة الجمهور ،فهو حالة انطالق ال تتوقف إال مع توقف الخيال ،فهو ثقافة وفن وخبرة ال تتكرر وهو يشمل كافة أنواع العروض المسرحية حتى الموسيقية ،ولقد شبه البعض الميكروتياترو بالفيلم القصير ،حيث يحمل خصائص الفيلم الروائي ولكن بخصوصية الزمن المتاح. قرب الجمهور يجعل من التجربة المسرحية حالة متفردة من التواصل والتالحم يجمع مكان العرض 9عروض في وقت واحد مما يشكل حالة بهجة جماعية كل عرض ب 5دوالر. باإلضافة للعروض التي نشاهدها نعيش حالة من المهرجان الفني إذ يعتبر الكافيتريا مكان التقاء ،الميكروتياترو هو فرصة حقيقية لمن ليس لديهم وقت أو مال أو من يرغبون في ممارسة الفن المسرحي. يتم تقديم العرض 6حفالت متتالية وال يشعر الممثلون بالملل ألن رد فعل الجمهور يشكل روح مختلفة في الحالة المسرحية في كل مرة ،هذا مع الكبار ،أما مع األطفال نظ اًر للجميمية الشديدة فإن الطفل يصبح داخل الحدث فتصبح المشاركة التفاعلية سمة أساسية ال يمكن للممثل تجاهلها ولكن عليه التدرب واالستعداد لها. ولد الميكروتياترو عام 2009م في مدريد على يد المخرج المسرحي والتليفزيوني Miguel ALCanTUdميجيل ألكنتود ،حيث جمع أكثر من خمسون فنانا بما فيهم الممثلون والكتاب والمخرجون ولمدة أسبوعين أعمالهم المسرحية داخل بيت دعارة سابق
قبل هدمه في إطار التوعية المجتمعية يحتوى على 13غرفة ،حيث قامت الفرق المستقلة بتقديم عروض ال تزيد مدتها عن 10دقائق لجمهور ال يزيد عن 10أفراد وعمل الجميع حول موضوع واحد وهو الدعارة تحت مسمى «من أجل المال». نجاحا مذهالً بالرغم من عدم وجود دعاية وإعالن لها إال عن طريق ولقد نجحت التجربة ً األفراد وشبكة التواصل االجتماعي والنتيجةهي طوابير تصل إلى 200متفرج حيث كانت العروض تقدم أكثر من 20مرةيوميا بسعر يورو واحد كسعر رمزي. ونظ اًر لظروف الكساد االقتصادي الذى كانت تمربه إسبانيا آن ذاك ،ومع النجاح المبهر للتجربة السابقة والحتياج الممثلين والمؤلفين لتقديم أعمالهم تم استغالل ،مجزر قديم لتحويله لموقع ثابت للميكروتياترو من أجل المال وتم فتح شباك تذاكر منذ هذه اللحظة بشكل اعتقد مستقل ومقبول للجمهور من حيث السعر ألن التذاكر كانت تباع ب 3يورو للعرض الواحد ،وكذلك أصبح من الممكن تحويل غرف المجزر إلى أماكن للعرض ،فمع فتح وغلق الباب يجد المتفرج نفسه داخل عالم مختلف ويتمكن من مشاهدة 5أو 6عروض في نفس الليلة. لقد قام الميكروتياترو بعمل صدمة ثقافيةفي العديد من المدن اإلسبانية ،حيث سمح للجمهور من االقتراب للمسرح بشكل بسيط وتلقائي ،فهو يعتمد على الحميمية مع الجمهور ،فهو ال يحتاج إلى كراسي فخمة أو أجهزة معقدة،فأي مكان يمكن أن يتحول إلى مسرح ،كذلك لقد فض الميكروتياترو االشتباك في ظهور األعمال اإلبداعية فور إنتاجها ،خالف ما كان سائداً حيث أن ما ينتج ورقاً كان أكثر بكثير من الفرص المتاحة للعرض ،أي أنه أصبح فرصة حقيقية تشجع الجميع على العمل وإتاحته في كافة الظروف،فنحن أمام مفهوم جديد إلبداع مسرحي جذاب ،مختلف ،قريب ،فورى، دون التخلي عن الجوهر الحقيقي للمسرح ،فهو قوة تواصل طاغية سمحت بالوصول إلى جمهور امللتقى الفكري
157 156
جديد غير معتاد على زيارة المسرح،والكل يتبع نظام اليوم المتكامل في العروض حيث لجمهور يجد خليط مدهش من العمال التي ترضي جميع األذواق والمراحل العمرية والتوجهات الفكرية كذلك قامت بعض الجهات التي تحتاج إلى توعية المجتمع بقضايا اجتماعية وثقافية بالتعاقد معهم إللقاء الضوء على مثل هذه القضايا مثل المجاهد في أفريقيا العنصرية واألمراض غير المعروفة ،الوحدة ،نقص المياه. ومن الطريق أن الجمهور اصبح قادر على اختيار قائمة مشاهدته المسرحية وتحديد ماذا يفعل في يومه المسرحي فمثال يتناول مشروب ثم يشاهد مسرحية كوميدية ثم يتناول بيت از ويتناقش مع رفقائه ثم يشاهد عرض غنائي ثم يأخذ قهوته ثم يشاهد عرض سياسي ..الخ قائمة األعمال تحتمل التنوع حسب رغبة كل متفرج فالكل يجتمع على حب المسرح وعلى حب قضاء يوم ثقافي متنوع ومختلف كل حسب الوقت الذي يريد قضاءه في المسرح وحسب ما تسمح بيه ميزانيته الشخصية. وهذا بالطبع يذكرنا بتعاملنا اليومي مع اإلنترنت فنحن من نختار ماذا نشاهد وفي أي وقت دون أي امالء من أحد فالميكروتياترو هو إفراز وتطور طبيعي لدخول النت حياتنا وهو قد شكل استقبالنا وتذوقنا وأسلوب معيشتنا وهو يختلف عما كنا عليه في الماضي القريب. وماذا بعد رصدت الكثير من البحوث في فترة الثمانينات والتسعينات ما وقع علي المجتمع من أضرار نتيجة ألحتالل التليفزيون المكانة األهم داخل المنزل حيث يجلس الجميع في نفس الغرفة يشاهدون هذه الشاشة الساحرة وهي تملي عليهم كل ما يعد لها إال أننا اليوم نري أن هذه الشاشة وكل ما بها من اضرار قد يكون أهون بكثير مما وصلنا له اليوم فعلي أقل تقدير كان الجميع يجتمع في نفس المكان ليشاهد نفس المحتوي والكل يتكون لديه ذوق وثقافة متشابه تبعاً لنوعية األعمال الفنية والبرامج التى يتابعها الجميع فإذا كان ذلك علس مستوي االسرة الصغيرة فإنه كذلك علي مستوي
االسرة الكبيرة إال أننا اليوم ال نعرف ماذا يشاهد اآلخرون داخل نفس المنزل علي اإلنترنت وكيف يتم تشكيل الذوق والتوجه بشكل فردي داخل االسرة الواحدة فما بالنا علي مستوي الوطن حيث كان يكتب أن الطفل يعيش تحت تأثير القلب التليفزيوني فأي برنامج يحظي بمشاهدة كبيرة سيؤثر بنفس الطريقة أينما كان الطفل في اي بلد حيث سيعاني الجميع من نفس المشكلة السلبية سواء بسواء ألن التليفزيون كان هو المربي األول حيث يجلسون أمامه منذ الشهور األولي ومع العام الثالث يبدأ الطفل في إعادة التعرف بما قد شاهده واختزنه من شاشة التليفزيون في حياته اليومية وبالتالي قد عمل ذلك علي محو الخطوط الفاصلة بين عالم الطفولة وعالم الكبار وذلك لسببين ،األول أنه ليس هناك ارشادات شارحة لما يقدمه ،ثانيا ألنه ال يفصل بين أنواع المشاهدين فالجميع يستقبل نفس نوع المعلومات. وهذا بدوره انعكس علي المسرح فنري أن بداية من دور العرض وعددها وطبيعة األجهزة والمعدات ومدي تأهيل العاملين عليها وصوالً الي النصوصالتى يتم إنتاجها والمبالغ المرصودة لهذا اإلنتاج وثمن التذكرة ومدي مالءمتها لألحوال االقتصادية وبين دخل األسرة ،كل ذلك أدي إلي هجران المسرح بنسبة كبيرة .ولذلك نري أن الفنانين في اسبانيا ابتكروا فكرة المكروتياترو وبالرغم من أن فكرة المسرحيات القصيرة ليست بالجديدة اال أن الشكل الذي تم فيه المحتوي قد القي نجاح كبير وكل ما علينا أن نحدد ما هو المهم وما هو األهم وأري أنه حان الوقت ليجلس العاملين في مجال مسرح الطفل لتحديد ذلك بداية من تحديد المالمح األساسية التى تراعي في تقديم أعمال للطفل وهي تحديد العالقة التى تربط الملقي بالمتلقي فكالهما يرسل لآلخر اشارات ألنها عالقة تفاعليه داخلية تربط كال الطرفين حيث يقرر كل منهما ما يرسله اآلخير ويتجاوب معه ،وجهاز اإلستقبال لدي الطفل شديد الحساسية حيث ان زمن مسرح الطفل المنغلق قد اصبح ملمح تاريخي لم يعد هناك مكان له وإنما مسرح اليوم يعتمد علي مالمح رمزية مركبة امللتقى الفكري
159 158
ألنها االقرب لعالم الطفل فالعرض ال يكتمل إال إذا قام كال الطرفين بالتفاعل وإكمال الصورة النهائية فنحن نعلم جيدا كيف يمسك الطفل بعصا ويتعامل معها علي انها سيارة فارهة وأنه إذا ما قدمنا له ورقة وقلم ليرسم لن يرسم العصا ولكن سوف يرسم السيارة الفارهه. فالنقطة الفاصلة للنجاح أو الفشل في التعامل مع مسرح الطفل هو الرؤية من خالل عيون طفل فهو يري الواقع المحيط به من خالل خياله ويترجم كل شيئ من خالل هذه الرؤية وبالتالي إذا اردنا إقامة حوار فعال معه البد من طرحه من خالل رؤيته هو ألننا نري األمور بشكل مختلف فمثالً في مرحلة ما نجده يري الكبار يأمرون وينهون النهم كبار في الحجم في حين أن حجمه هو أصغر فإذا ماكان صاحب حجم مماثل فسيتمكن من ادارة شئونه والكل يعلم أن من خالل وجهة نظر الكبار الحجم ال أهمية له ألن العقل والمسئولية والواقع والمجتمع هي التى تجعل الكبير يتخذ هذا القرار أو ذالك ولكننا لألسف مازلنا نتعامل مع الطفل باسلوب الوصاية ومن خالل أفكارنا نحن كما لو أننا لم نستفد مما تقوم به مصانع األلعاب من عقود وهو االستعانة باالطفال في تصميمات العابهم ألنه لديهم القدرة علي تصميم العابهم الخاصة ،البد وأن يكون العرض المسرحي بالنسبة لهم مغامرة تخرج بهم من الروتين اليومي المعتاد الذي يعيشه الجميع بهدف تشجيع هذا المتلقي الصغير علي التفكير والتحليل والوصول للهدف الذي ينشده العمل الدرامي موضحين لهم نتائج الق اررات التى يتخذونها في كل موقف مع ترك فرص للتعبير التلقائي. مع األخذ في اإلعتبار أن لكل مرحلة صفات ومالمح اساسية منها علي سبيل المثال ال الحصر أن االطفال تحت سن العاشرة ال يرتكز استقبالهم علي إدراك المعاني الكبيرة وال المفاهيم المجردة ولكن في التفاصيل لشخص ما أو لشيء ما حيث يركزون مع أحد المؤثرات المركبة مثل االضاءة أو عروسة أو زي أو مؤثر موسيقي.
فمسرح الطفل اليوم هو أكثر واقعية يتم فيه تقديم رؤية للعالم تحث الطفل علي التفاعل وإدراك كيفية مواجهة هذا الواقع.
امللتقى الفكري
161 160
المحتوى
المحتويات
كلمات ص 15 املحور األول :مسرح محمود دياب ص 16 -1اإلنسان والقضية ..األقدار و..واملنافحة أ.د /حسني عبد القادر ص 29 -2القضايا االجتماعية يف مسرحيات محمود دياب .شيــماء توفيــق املحور الثاين :الكتابات املسرحية اجلديدة -1حول الفعل املسريح :الظهور واحلضور والنص .عبد الناصر حنفي -2الكتابة املسرحية اجلديدة .أحمد خميس -3املعىن واملعىن املضاد يف الكتابات اجلديدة د /محمود سعيد -4تأمالت يف الكتابة كوجود وتمثل ليلت فهيم
ص 39 ص 40 ص 64 ص 74 ص 92
الكتابة اجلديدة وشهادات الكتاب -1شهادة الكاتب :سامح عثمان -2شهادة الكاتب :عيىس جمال -3شهادة الكاتب :شاذىل فرح -4شهادة الكاتب�ة :صفاء البيلي -5شهادة الكاتب :بكري عبد احلميد
ص 102 ص 104 ص 106 ص 108 ص 110 ص 132
املحور الثالث :مسرح الطفل بني الواقع والمأمول -1حنو مفاهيم جديدة ملسرح األطفال .أ.د /محمد أبو اخلري -2مسرح الطفل بني التطور واجلمود أ.د .نبيله حسن
ص 135 ص 136 ص 152
الملتقى الفكرى للمهرجان
السبت 21يوليو ..2018
( محور عن الكاتب محمود دياب ) دكتور محمود نسيم
يدير الندوة
:
المتحدثون
:
أ .د /حسين عبدالقادر
الناقد /محمد الروبى
الباحثة /شيماء توفيق.
االحد 22يوليو .. 2018
( محور عن الكتابات الجديدة ) سما ابراهيم..
يدير الندوة
:
المتحدثون
:
الناقد /احمد خميس الناقد/
عبد
الناصر
حنفى شهادات الكتاب ( :عيسى جمال ،صفاء البيلى ،ياسمين امام)
امللتقى الفكري
االثنين 23يوليو ..2018 (محور عن الكتابات الجديدة )..
هشام ابراهيم ويتحدث
يدير الندوة
:
المتحدثون
:
الناقدة /ليليت فهمى
الباحث /رامز عماد
الباحث /د .محمود سعيد.
شهادات الكتاب ( :سامح عثمان ،شاذلى فرح ،بكرى عبدالحميد) الثالثاء 24يوليو ..2018 ( محور عن مسرح الطفل)
يدير الندوة المتحدثون
:
الفنانة عزة لبيب
:
المكان
:المجلس االعلى للثقافة
التوقيت
:الساعة 11صباحا
أ.د/محمد ابو الخير أ.د/نبيلة حسن.
4 أيام