المكرمون
رئيس المهرجان
أ.د /حسن عطية مدير المهرجان
أ /إسماعيل مختار
رئيس تحرير المطبوعات
د /مصطفى سليم المنسق العام
ماجدة عبد العليم جرافيكس المطبوعات واإلخراج الفني
محمد عبد الحكيم الكومي
كــــــلــــــمــــــات
وزير الثقافة أ.د /إيناس عبد الدايم
محمد الرفاعي
7 6
يعد المسرح أحد روافد الثقافة المصرية ،معبرا عن واقعه، ومتطلعا لتغييره ،ومشتركا مع كافة الفنون األخرى فى نشر الوعي بين الجماهير واالرتقاء بالذوق العام لمواجهة التطرف الفكري ،مما يدعونا إلى ضرورة عودة الثقافة إلى المواطن من خالل تكاتف جميع القطاعات والتنسيق فيما بينها ،وإلى العمل من أجل تحقيق التواصل بين المركز فى العاصمة واألطراف فى األقاليم ،والسعى للكشف عن هوية كل بيئة ،بما يعكس هوية هذا المجتمع األصيل الخالد. ومن ثم يعتبر المهرجان القومي للمسرح هو النافذة التى نطل منها على كل منتج إبداعي فى كافة األقاليم والقطاعات والتوجهات ..أنه بانوراما مختارة لهذا الكم الرائع من العروض المسرحية التى قدمت خالل العام الماضى ،بما يسمح بالتعرف على مالمح تطور هذا المسرح ،ورصد مساره المتقدم دوما لألمام. تحية تقدير للقائمين على هذه التظاهرة الثقافية التي تعبر عن وجه من أوجه حضارتنا متمثال في أبو الفنون ..المسرح الذي سيظل دوما مساحة من التفاعل الثقافي االبداعي الحي المعبر عن العصر وهمومه وطموحاته.
أ.د .حسن عطية رئيس المهرجان
محمد الرفاعي
9 8
أنه تكريم لهم ..وشرف للمهرجان عندما قرر المهرجان القومى للمسرح فى دورته الحالية تكريم مجموعة من رموز المسرح المصرى ،كان يسير على منوال الدورات السابقة ،ويستكمل مسيرة التكريم فى الحركة الثقافية فى المجتمع ،ويصبو ألن يمثل المكرم ذاته كمبدع وناقد وكممثل لجيل ومرحلة ومعبر عن رؤية للعالم والمجتمع والفن المسرحي ،فالمبدع أو الناقد ُيكون ذاته بنفسه ،منتميا لجيل يحمل هموم الواقع والعالم ويعبر عنها بصياغات متعددة تحكمها غالبا رؤية هذا الجيل للدور المؤثر للفن عامة والمسرح خاصة فى مجتمعه ،كما أن هذا المبدع أو الناقد يوجد داخل مرحلة زمنية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تحاول تجاوز ما سبقها وتبنى عليه أو تغير فى مفاصله أو تهدمه تماما صانعة مرحلة مغايرة لما سبقها ،مما يجعله يتخذ موقفا مسايرا أو مناوئا لهذه المرحلة الزمنية التى يعيشها ويعبر عنها وداخلها ،متسلحا برؤية للعالم والحياة َكونها باختياره مما طرحه جيله من أفكار وصياغات جمالية محددة ،وما أثارته من قضايا المرحلة أو المراحل الزمنية التى عاشها وتطور وعيه داخلها. ينتمى المبدع والناقد بالضرورة لمجتمعهما ،وال يستطيع المسرحى خاصة ،مبدعا أو ناقدا ،أن ينفلت لحظة من التعبير عن حركة مجتمعه ،فالمبدع مهما تخفي خلف األقنعة الفنية المتعارف عليها هو معبر عما يجيش به صدر
مجتمعه وناقدا لما يراه ناقصا فى واقعه أو إيديولوجية مضادة للشرائح المجتمعية التى ينتمي فكريا لها ،والناقد مهما ناور فى كتاباته الصحفية واألكاديمية وأستخدم مصطلحات ملتبسة ،فهو محاور لما تقدمه الحركة المسرحية ،وما يراه متسقا أو مخالفا لما يأمل تحقيقه للمسرح والمجتمع معا. نحن ال نصدر هذه الكتب المحتفية بالمكرمين ،والتى قد يفرض االحتفاء هيمنة النظرة الفرحة بهم ،المبتهجة بتكريم المهرجان لهم ،ولكننا نحلم أن نضع أمام األجيال الجديدة الساعية لتغيير العالم ،أو المحبطة من ظروف معوقة لهذا التغيير ،نضع أمامها نماذج من إبداع أجيال صارعت أزمانها ،وتصدت للمتغيرات المحيطة بها ،وتعرضت لمضايقات أنظمة جاءت بسياسات تعادى ما آمنت هذه األجيال بها ،لم تيأس لحظة ،ولم تمل من المواجهة ،ولم تكتف بكتابات الحوائط ،لتكون بديال عن الكتابات المسرحية والنقدية ،نزلت للشارع لتكتب مسرحا واعيا وشرسا فى مواجهة الفساد واإلرهاب وكل خلل طرأ على المجتمع وأصاب ذاكرته بالشلل ،ولتبنى مسرحا صار صرحا لشباب اليوم وتجاربه المثيرة للجدل ،ولتؤسس فرقة مستقلة تهفو ظاهريا لرسم البهجة على الوجوه ،مع أنها تسعي لتغيير وعى جمهورها بنقد حاد لما تراه من سياسات ال تؤمن بها ،ولتشارك فى صياغة الصور المسرحية الراقية المعودة للعين على إدراك الفرق بين جمال الفن وقبح الواقع ،ولتؤسس أكاديميا جيال من المخرجين والممثلين صار درة المسرح الراهن ،ولتطارد بنقدها كل مفسدات الحياة الكريمة العادلة وكل إبداع يروج ويزين لها. محمد الرفاعي
11 10
لقد تعودنا أن نذكر فى كتاباتنا أسماء مثل «ستانيسالفسكى» و»أدولف آبيا» و«بيرتولت بريشت» و«بيتر بروك» ،ونستشهد بأقوال «نيتشه» و«دريدا» و «باختين» ،ونزهو بصياغات «بيراندللو» و«بيتر بروك» و«جروتوفسكي» المسرحية ،متعالين على إبداعات «سعد أردش» و«كرم مطاوع» و«كمال ياسين» و«عبد الرحمن الشافعي» ،ومتغافلين عن أفكار «طه حسين» ود«.محمد مندور» ود«.لويس عوض» و«فاروق عبد القادر» و«سامى خشبة» ،بل وال نعرف أحيانا كتابات ألجيال قريبة من لحظتنا الراهنة ،ومازالت تكتب لنا مثل د«.أسامة أبو طالب» ود«.أحمد سخسوخ» و«عبد الرازق حسين» و«زينب منتصر» و«محمد الرفاعي» ،ومع احترامنا الكامل لكتاب الغرب ،فلكتابنا ومبدعينا حضور مهم فى حياتنا ،ومهم أن نضعهم فى ذاكرتنا الخصبة ،وننعشها بإبداعهم المدهش ابن واقعنا المعيش ،وبأفكارهم النيرة وليدة الحوار الخالق بين النظريات النقدية الغربية وحركة اإلبداع المسرحي المصرى داخل سياق مجتمعي متغير. ورغم طبيعة النشر المحدودة للمهرجان القومى ،وقلة عدد نسخ كل كتاب ،أال أننا نأمل أال يتوقف تلقي هذه الكتب ،عند االقتناء وأخبار عنها ،بل أن تفتح حوارا معها ومع أصحابها ،كى تتواصل األجيال مع بعضها البعض ،فما زلنا نرى نصوصا غربية كتبت من عدة قرون برؤى معاصرة ،ويغييب عن مسارحنا عروضا ونقادا الحديث عن ُكتاب ومخرجين ومصممى سينوجرافيا
وأساتذة أكاديميين قدموا أعماال لم تبعد عن عامنا الحالي ربع قرن فقط. هذا كتاب للحوار مع كتابه ،وحول صاحبه المبدع أو الناقد ،فهذا هو هدفنا األول من كتابته ونشره وتوزيعه ،علنا نستطيع أن نخلق تواصال بين األجيال يخلق بدوره حوارا جديدا فى ساحة اإلبداع المسرحية.
محمد الرفاعي
13 12
أ .محمد بغدادي
تـــــــقـــــــديـــــــم
لم يكن محمد الرفاعى مجرد زميل عمل ..أوصديق عمر ..ولكنه كان واحد من كبار النقاد املخلصني لقضية املسرح ..وكاتب�ا متفردا ومتمردا ..وكان الرفيق عرب أربعني عاما من العطاء ..قضين�اها معا ىف بالط صاحبة اجلاللة.. بمؤسسة روزاليوسف ..ومجلة صباح اخلري ..ىف رحلة البحث عن طاقة نور.. وطن يكون أقل غموضا.. وطن حلمنا معا أن يكون حرا جميالٍ .. نطل عربها على ٍ وأكرث وضوحا مع محبي�ه ..كانت أحالمنا بسيطة وليست مستحيلة ..فقط حلمنا سويا بضحكة صافية ..وكسرة خزب نظيفة ..وحياة شريفة ..نن�ال عنها وسام الشرف واألخالص ..ملبادئ عشنا من أجلها ..وتعذبن�ا بسببها.. وكنت أقول له كلما أشتدت األزمة « :لكل صدق عقاب ..ولكل عشق عذاب ..وحنن مازلنا صادقني ىف عشقنا لبالدنا ..الىت خبلت علين�ا بما جادت به على األخرين» ..فيقول ىل بسخريت�ه املعهودة« :بسم هللا ماشاء هللا.. يعىن إحنا حاليا بنقىض سنوات من األعمال الشاقة ..عقابا على صدقنا يعذبونا وأحنا !!» ..فأجيب�ه بنعم ..فيقول ضاحكا« :واحنا بيهمنا ..هم ٌ نن�ام مبسطوين ..يبقى مني الكسبان ..إحنا طبعا!!» ..سألىن صديق وحنن ىف سرادق العزاء« :لماذا لم يعني محمد الرفاعى يوما ما رئيسا لتحرير مجلة صباح اخلري ..وهو يستحق ذلك» ..فضحكت وحنن ىف غمرة احلزن!! ..وعاد يسألىن ما الذى يضحكك!! قلت له« :ألنها طول عمرها برتوح ألهل الثقة.. مش ألهل اخلربة» ..فابتسم قائال« :عندك حق».
محمد الرفاعي
15 14
عاش محمد الرفاعى ليقول كلمته بكل صراحة بال خوف ..كان الذعا.. بأسلوبه الساخر املتمزي ..فيقول مالم جيرؤ أحد على قوله ..وعرب بابه الثابت بمجلة صباح اخلري (قضية فني�ة) ..قدم مئات املقاالت ..انتقد من خاللها كل األوضاع املرتدية ..وأشاد وانتقد كل العروض املسرحية ..والسينمائي�ة.. والدراما التليفزيوني�ة ..اليت ال تعجبه ..وىف مقاله األسبوعي جبريدة صوت األمة (يوميات مواطن مفروس) ..قدم العديد من املقاالت اليت تنقد األوضاع السياسية حبدة وجرأة وشجاعة. إلتقين�ا كثريا من خالل األمسيات الشعرية ..وفعاليات الثقافة اجلماهريية ..قبل أن نلتقى ىف أروقة روزاليوسف ..وعندما وجدنا أنفسنا معا ىف مجلة «صباح اخلري» ذابت املسافات ..والتقت األفكار واألحالم والرؤى.. وكان يكتب ىف املسرح ..وكنت أكتب يف القضايا الثقافية بشكل عام ..كنت أرنو له مشفقا ..وهو يت�ابع بشغف مسرح الفقراء ىف األقاليم.. وكان رئيس التحرير األستاذ لويس جريس يداعبه دائمة « :يا أستاذ رفاعى إىل مىت ستظل جترى وراء الفنانني املجهولني يف األقاليم !!» ..وكان هو مؤمنن�ا برسالته ..وأشد أيمانا بهؤالء الهواة ..وتنب�أ للكثيرين منهم بأن يصبحوا جنوما ..وحتققت توقعاته لهم ..ولكنه بعد قليل أخذ يت�ابع عروض هيئ�ة املسرح وينتقدها بشدة ..وكلما شاهد عرضا هزيال ..كان يرى أن بعض العروض إهدار للمال العام ..وذات يوم طلب مىن األستاذ لويس جريس رئيس حترير
مجلة صباح اخلري ــ آنذاك ــ أن أكتب عن مسرحية (على املحطة) ..وقبل أن يكمل ..بادرته قائال« :ولما أنا بالتحديد ..وزميلى محمد الرفاعى هو املسؤول عن املسرح اآلن !!» فابتسم قائال بطريقته الساخرة« :ماهو صديقك الرفاعى رفض أن يكتب عنها» ..فقلت« :ىف هذه احلالة البد أن أسأله لماذا ؟؟ وأستأذنه أوال».. فقال حبسم « :هذا تكليف ..وقد طلبت من الرفاعى أن يذهب ويشاهد العرض ..ورفض الذهاب حىت ال يكتب ..لقد كان األستاذ عالء الديب يكتب يف املسرح ..وعندما بدأ الرفاعى يف الكتابة لم نستأذن األستاذ عالء!!» ..فقلت لألستاذ لويس« :األمر خيتلف هنا ..ألن األستاذ عالء توقف برغبت�ه ..ومن تلقاء نفسه ..بالتأكيد هناك أسباب تمنع الرفاعى عن الكتابة.. والبد ان أعرفها منه» ..فذهبت لرفاعى وسألته ..فقال ىل « :فعال لن أكتب.. واملسألة ال حتتاج ألسباب ..شاهد أنت العرض واكتب براحتك « ..فصممت على معرفة سبب رفضه للكتابة ..فقال ىل« :هذه املسرحية كتبتها مديرة التحريراألستاذة نهاد جاد ..واخرجها جالل الشرقاوى ..وبطولة سهري البابلى.. وأحمد بدير ..وحسن عابدين ..وكلهم أصدقاىئ ..ولو املسرحية لم تعجبىن.. أنت عارف لن أسكت ..فسادخل ىف خصومة مع اجلميع ..وخصوصا مدام نهاد ..فهذه أول مسرحية تعرض لها وهى زميلتن�ا وصديقتن�ا ..فال داعى لإلحراج ..فاإلعتذار أفضل»..
محمد الرفاعي
17 16
فقلت له« :يعىن أنت واألستاذ لويس عاملني َّىل كمني ..حىت أدخل ىف مشاكل مع كل هؤالء الفنانني ..وجميعهم أصدقاىئ أيضا!! وخصوصا مدام نهاد جاد.. اليت صدر لنا قرار واحد بتعينن�ا معا ..هي مدير حترير ..وأنا مدير فىن للمجلة يف نفس الوقت» ..فقال ىل « :مش جايز املسرحية تعجبك ..لكن أنا لن أدخل ىف هذه املغامرة!!».. فقلت له ضاحكا « :حىت إذا لم تعجبىن ..سأقول ذلك ..ومدام نهاد قلبها كبري والنقد ال يفسد للود قضية» ..وكانت عالقىت باملسرح عميقة إىل حد كبري ..وما من عمل دخلناه سويا أنا وصديقى الرفاعى ..أو نبي�ل بدران ..أو أحمد عبد احلميد ..أو حازم شحاته ..أو مدحت أبو بكر ..ــ رحمة هللا عليهم جميعا ــ إال ودار نقاشا عميقا بينن�ا بعد العرض ..وكم اتفقنا معا على ردائة العروض.. ونادرا ما كنا خنتلف ..ولكىن لم أكن أكتب ــ آنذاك ــ ىف املسرح ..وكنت مهتما بالكتابة يف القضايا الثقافية والشعر واألدب والفنون التشكيلية ..واحلوارات والتحقيقات الصحفية يف القضايا السياسية العامة.. خاصة وأنىن كنت مهموما بشكل خاص بالقضية الفلسطيني�ة.. العرض متوجسا ..ومسلحا بكل واإلسالم السياىس ..فذهبت ألشاهد ً ما قرأته من قبل عرب سنوات التكوين ..بدءا من كتابات د.محمد مندور.. ود.لويس عوض ..ود.على الراعى ..ومرورا بكتابات الفريد فرج ..وفاروق عبد القادر ..باإلضافة إىل كتابات بيرت بروك ...و ..إلخ ..إىل أخر الدراسات والكتب
الهامة يف مجال املسرح حىت ذلك الوقت ..باإلضافة إىل قرائىت املبكرة ملعظم كتاب املسرح املصرى والعرىب والعالىم ..وذهبت ملشاهدة العرض ..ولم يكن سيئ�ا ..وكانت العمالقة سهري البابلى ىف أجمل حاالتها ..وكذلك حسن عابدين وأحمد بدير ..واملخرج الكبري جالل الشرقاوى الذى قدم رؤية إخراجية جيدة لنص نهاد جاد ..الذى تن�اول العديد من القضايا الشائكة حول اإلنعكاسات السلبي�ة لهجرة املصريني لدول اخلليج ..وأذكر يومها أنىن كتبت رؤية نقدية للعرض نشرت على أربع صفحات ..وجاء الرفاعى بعدها مندهشا.. وأبدى اعجابه بما كتبت ..وقرأ د.سمري سرحان ما نشر ..واتصل ىب عن العرض ..وحياىن كتابىت ُ ّ معربا عن إعجابه برؤيىت النقدية اليت جاءت يف ُ ّ على هذا التن�اول ..وأبدى رغبة ملحة ألن أنضم إىل كتاب ونقاد مجلة املسرح.. وكان د.سمري سرحان ــ أنذاك ــ رئيس حترير املجلة ..وكنت املشرف الفين عليها ..ومنذ ذلك اليوم أصبحت ال اكتفى بمشاهدة العروض املسرحية ..بل بدأت بالفعل يف ممارسة كتابة النقد املسرىح.. وكان صاحب الفضل األول هو لويس جريس ..وكان املحرض األول على االقتحام ..هو الصديق محمد الرفاعى ..الذى ظل مواظبا على الكتابة إىل أن قدم العديد من املؤلفات عن املسرح منها« :جتارب املسرح العريب».. و «عربة اسمها املسرح» ..و «فلسطني يف املسرح املصرى» ..وكتب لإلذاعة والتليفزيون مجموعة من السهرات الدرامية ..منها «رحلة الزمن محمد الرفاعي
19 18
القديم» ..و«الفردوس املفقود» ..و«سنوات املجد» ..و«شعاع احلرية».. و«املعطف» ..وكتب سين�اريو مسلسل «البيضاء» ..عن رواية يوسف إدريس ..وبطولة سناء جميل ..وشيرين سيف النصر ..ومصطفى فهيم.. وكتب مسرحية «أهو ده اللي صار» ..ومنعت من العرض.. لكنها عرضت بعد ثورة ين�اير ..وحصل على جائزة مصطفى وعلي أمني عام 2000عن عموده األسبوعي «قضية فني�ة» ..ووصلت روايت�ه “كائن�ات احلزن الليلية” لقائمة البوكر الطويلة 2012وكتب مسلسل «مداح القمر» عن حياة الفنان بليغ حمدى ..إخراج الصديق الفنان مجدى أحمد على ..الذى بذال فيه جهدا مضني�ا.. وعرب ساعات وأيام وشهور أمضياها ىف جلسات االستماع لكل من عايش أو تعامل مع الفنان بيلغ حمدى ..لتوثيق شهادات واقعية عن حياته.. من خالل مصاجر حية ال يرتقى إليها الشك ..ومازال هذا النص الساحر ىف أدراج مدين�ة األنت�اج اإلعالىم منذ أكرث من سنوات ..وكنا نتمىن أن يرى هذا املسلسل النور قبل أن يرتجل فارس الكلمة املتمرد عن صهوة جواده... ولكن عزاءنا الوحيد أن كل ماقدمه سيظل باقيا ..وشاهدا على عطائه الفين الصادق ..وتبقى أجمل إجنازات الصديق محمد الرفاعى هو ورفيقة عمره القيادية بالثقافة اجلماهرية األستاذة فاطمة فرحات :إبنت�ه اجلميلة يارا..
وأبن�ه الواعد شادى الرفاعى الذى تسلم راية العطاء قبل قليل من رحيل الرفاعى الكبري ..فهو األن يكتب املسرح والرواية والقصة القصرية.
محمد الرفاعي
21 20
محمد بغدادي القاهرة /يونيو 2018
محـمد الرفـاعـى .. المتمــرد
ِ هاتفنى الناقد الكبير د .حسن عطية ..رئيس المهرجان القومى حين ِ بإعداد كتاب تذكارى عن األخ والزميل محمد ف للمسرح المصرىُ .. ألش ُر ْ الرفاعى ..داهمنى لبر ٍ صمت َمهِيب ..وذاغ البصر فى الال شىء!! لست هة ٌ أدرى بماذا أجيب!! ..وأنا لم استسلم بعد لفكرة رحيله ..ولم يخطر ببالى أن أجمع شتات كلماتى عنه فى كتاب ..وكيف لى أن أختزل رحلة صداقة دامت ألكثر من أربعين عاما فى بضعة سطور ..وهو الذى كان معى منذ أيام قليلة ..كان يومها يتألم فى صمت ..مدركا خطورة مايعانيه القلب من أوجاع ..وهو يصارع ـ بصالبة ال تلين ـ سحب النهايات القاتمة ..التى تجمعت فى آفاق هذا المساء األخير الذى قضيناه معا ..كان يتحدث عن الموت بسخرية عبثية ..وأنا أرجوه أن يتوقف قليال عن التدخين ..وهو يمارس مشاغباته مع كل الموجودين ..وكأن الموت يستحى أن يدنو منه ..وهو مقبل على الحياة ..منتقدها بقسوة ..تحاكى قسوتها التى مارستها عليه لسنوات طويلة ..فهو المتمرد علي الحياة ..وعلى الموت معا ..ال يعرهما التفاتة المتهافت ..وال هلع المتوجس الخائف ..منطلقاً بجسارة الفرسان حين يقبلون على الموت ..لتوهب لهم الحياة ..ذكرنى ليلتها وهو يواصل التدخين غير َعاِب ٍئ بصديقى الفنان حجازى رسام الكاريكاتير.. عندما كنت فى زيارته بمنزله الجديد بطنطا ..فى أيامه األخيرة ..وقد تملك منه المرض ..وهو يواصل التدخين بشراهة ..فعن لى أن أرجوه التوقف عن التدخين بطريقة ال تدخلنى فى ساحاته الحرة ..فقد كان كمحمد الرفاعى متمردا فى صمت بليغ ..ال يحب أن يناقشه أحد فى مسألة التدخين ..فسألته كم سيجارة تدخنها محمد الرفاعي
23 22
فى اليوم يا عم حجازى ..فقال لى ببساطة وبال اكتراث « :أربع علب» ..فقلت له« :كثير جدا يا حجازى ..أنت بذلك تضع نفسك فى مشكلة صحية كبيرة!!.. «فالتفت لى ساخرا ..وبطريقته المعهودة عندما يحدثك بجدية ..وهو يمازحك بهدوء ..وقال لى« :بالعكس المشكلة فى إننى أريد أن أتفوق على نفسى وأكسر هذا الرقم ..وأصل إلى خمس علب فى اليوم ..ولكنى لم أستطع أن أحقق هذا الرقم حتى اآلن ..ألن األمر يتطلب أن أدخن وأنا نائم ..وحاولت ولم أنجح فى ذالك!!» ..وضحك ..وضحكت ..وهكذا كان الصديق محمد الرفاعى ليلتها.. ساخ ار وعبسيا إلى حد بعيد ..سألته« :لماذا ال تقلع عن التدخين يا رفاعى.. يكفى ما دخنته طوال عمرك « ..فقال لي « :مادام كلنا حانموت ..يبقى نعمل اللى نفسنا فيه !! « ..كم كان ساخ ار متمردا قويا ..ومتفائال فى ذات الوقت ..ال يحنى رأسه ألحد ..حتى وإن كانت أوامر الطبيب ..ولم يكن يقاتل من أجل من يحاول أن يثنيه عن عزمه ..كان كل ما يفعله ..يلتفت للجهة األخرى وال يعره التفاتا ..ويمضى بال رجعة ..معت از برأيه ..منتص ار لصالبة إرادته ..فالغنى هو اء. المستغنى ..وكان محمد الرفاعى أكثرنا ثر ً الخطوات األولى ..وبدايات التكوين ولد محمد الرفاعى بمدينة المحلة الكبرى /محافظة الغربية ..وتلقى تعليمه األساسى بها حتى حصل على الثانوية العامة ..ثم انتقل إلى مدينة اإلسكندرية
فى نهاية الستينيات حتى بداية السبعينيات ..حيث التحق بكلية اآلداب /جامعة اإلسكندرية ..فدرس وتخرج من قسم اآلثار والدراسات اليونانية والرومانية ..وانخرط ككل أبناء هذا الجيل فى الحركة الطالبية وشارك فى مظاهرات الطلبة الغاضبين عام ..1968الذين خرجوا معترضين على األحكام الهزيلة التى صدرت ضد المتسببين فى النكسة ..ومثله مثل كل أبناء جيلنا ..مارس كل األنشطة السياسية متمردا ..ورافضا حالة الال سلم و الال حرب ..التى سادت المشهد السياسي فى أعقاب رحيل الرئيس جمال عبد الناصر ..وبدايات عهد الرئيس السادات.. وكانت هذه الفترة قد شهدت زخما سياسيا ..وحراكا ثقافيا اتخذ أشكاال طالبية وجماهيرية متعددة ..فعلى المستوى الطالبى ..كانت كل الجامعات المصرية تمور بالتمرد ..عبر األنشطة الطالبية الفنية والثقافية والسياسية ..وفى مقدمتها جامعتى القاهرة واإلسكندرية ..وكذلك جامعتى أسيوط والمنصورة ..التى تشكلت فيها معارضة طالبية صارخة ضد نظام الرئيس السادات ..الذى دفع بكوادر اإلخوان المسلمين إلى صفوف طلبة الجامعة إلرهاب طالبها ..لتقويض الحركة الطالبية المعارضة لسياسات الرئيس السادات آنذاك ..بعد إفراجه عن كل قيادات تنظيم اإلخوان المسلمين التاريخيين من السجون والمعتقالت ..وأعاد إصدار مجلة «الدعوة» بقيادة عمر التلمسانى المرشد الثالث لجماعة اإلخوان المسلمين ..لتفكيك الحركة الطالبية النشطة داخل الجامعة ..والتى تنامت بشكل غير مسبوق فى بداية السبعينيات ..متمثلة فى قطاع كبير من الطالب الذين ينتمون للتيار الناصري ..وما تبقى من منظمة الشباب وكوادرها المسيسين ..وأيضا محمد الرفاعي
25 24
للقضاء على مجموعات كبيرة من تيار الطلبة اليساريين والمثقفين الليبراليين ..أما على المستوى الجماهيرى ..فكانت هناك حركة ثقافية نشطة يقودها جهاز الثقافة الجماهيرية ..من خالل كوادرها المؤسسين ..من نخبة المثقفين فى عهد سعد كامل وما تالهم فى عهد الدكتور عبد الحميد يونس ..وسعد الدين وهبة ..وكانت اإلسكندرية على وجه التحديد زاخرة بحراك ثقافى غير مسبوق ..إذا كان بها قصر ثقافة الشاطبى ..وقصر ثقافة الحرية ..الذى كان يديره األستاذ محمد غنيم الذى أصبح رئيسا لقطاع العالقات الثقافية الخارجية فيما بعد ..وقصر ثقافة األنفوشى الذى كان يديره الفنان فاروق حسنى ـ آنذاك ـ وزير الثقافة األسبق ..وكانت هذه القصور الثالثة ..حافلة بفعاليات ثقافية وفنية تليق بتلك المرحلة ..التى كانت تمثل إنطالق ًة هامة نحو تكوين الوعى والوجدان الثقافى ألجيال بأكملها ..على نحو يكرس معنى االنتماء ..وينمى النزعة الفنية ..ويدعم المواهب الشابة ..وكان محمد الرفاعى ابن هذه المرحلة ..وواحد من أبناء هذا الجيل الذي أنتمينا إليه جميعا ..فنحن أبناء جيل الغضب ..الذين تحطمت أحالمهم عشية تنحى الرئيس عبد الناصر مساء التاسع من يونيو 1967معلنا هزميتنا ..فى ٍ حرب اعتقدنا أنها نزهة قصيرة فى سيناء للقضاء على الكيان الصهيونى ..لنعود بعدها حاملين رايات النصر ..ونياشين البطولة ..وقد وقر فى أذهاننا ـ آنذاك ـ أننا رجال الزمن القادم ..وفرسانه الموعودين بالغد األجمل ..الذى سنشارك فى صنعه ..وصياغة فنونه وثقافته ..وكان محمد الرفاعى أكثرنا تأث ار بما آلت إليه األمور فى مصر.. خاصة بعد أن صدمتنا جميعا اإلحباطات المتتالية بعد النكسة ..التى أصابت
أحالمنا فى مقتل ..فانهارت الكثير من أحالمه ..وبعدها جاء التراجع واالرتداد والتخلى عن األحالم القومية الكبرى ..وهزيمة المشروع الناصرى بأكمله ..وكانت كل هذه العوامل قد دفعت بمحمد الرفاعى إلى أن يكون أكثرنا سخطا ..وأشدنا تمردا ..وربما يكون التمرد هو مفتاح شخصية محمد الرفاعى ..الذى ظل متمردا منذ أن أدركه الوعى ..حتى يوم رحيله ..فمحمد الرفاعى الذى كان يمزق صفحات الجرائد والمجالت التى يرى أنها ال تستحق ثمن األحبار التى طبعت بها ..ويلقى بها فى سلة القمامة ..وساخ ار يقول « :هذا هو مكانها الطبيعى» ..هو نفسه الذى كان يخبئ تحت نار تمرده ..مرحا عابثا وساخ ار على كل شئ حوله ..وهو نفسه ـ أيضا ـ الذى كان يمتلك روحا سمحة هادئة ..متصالحا مع ذاته ..عطوفا على عائلته الصغيرة ..المكونة من الرقيقة المثقفة المثابرة ..رفيقة دربه الفاضلة األستاذة فاطمة فرحات ..إحدى القيادات الثقافية بهيئة قصور الثقافة ..وأزهار عمره ومشروع حياته ..يا ار وشادى الرفاعى ..وظل الرفاعى منذ أن وضع قدمه داخل مجلة «صباح الخير» حتى يوم رحيله ..رقيقا وحانيا على كل من جاء إلى المجلة متدربا ..حتى صار محررا ..ومحققا ..وكاتبا صحفيا. بدأ محمد الرفاعى نشاطه اإلبداعى شاعرا ..فاتجه نحو قصيدة الفصحى.. فكتب الشعـر فى بداية مشواره األدبى ..وكانت تجاربه األولى تنبئ عن مولد شاعر كبير ..وكان يكتب أشعاره المترعة باأللم ..والحزن الشفيف ..معب ار فيها عن تسرب األحالم الودية من بين أصابعه النحيلة ..كاشفا عن حالة اإلحباط في محمد الرفاعي
27 26
الزمن الردئ ..يشارك في المظاهرات في الصباح ..ويلقي أشعاره في المساء.. وفي الندوات التى تقام فى قصور الثقافة ..والجمعيات األدبية ..كان يناقش ويحاور ويجادل ..في ما ُيطرح من قضايا ..ثقافية وسياسية ..ولكن داخل الجماعة الثقافية السكندرية ..وفى إطارها. وظلت عالقة الرفاعى باإلبداع األدبى داخل هذا السياق ..حتى ذهب ذات ليلة صيفية لقصر ثقافة الشاطبى ..لمشاهدة فيلم سينمائى كان يعرض هناك.. وكأن القدر قد خباء له مصادفة فريدة ..قادت خطاه نحو بالط صاحبة الجاللة.. وأخذته لعالم الصحافة ..إذ كان يعقب العرض السينمائى ندوة ثقافية لمناقشة الفيلم ..فالتقى ليلتها بالناقد السينمائى رؤوف توفيق ..الذى كان يشغل منصب مدير تحرير مجلة «صباح الخير» فى ذلك الوقت ..وخالل الندوة تحدث رؤوف توفيق ..فتناول العرض السينمائى برؤي نقدية واعية بعناصر ومفردات العمل الفنى ..وشارك الرفاعى فى النقاش ..منبه ار بهذا الناقد ..وبرؤيته النقدية التى تناولت كفاة جوانب وزوايا الفيلم ..من رواية ..وإخراج ..وتمثيل ..وموسيقى.. وديكور ..ومال بس ..وكأن عالما سحريا انقتح أمامه في تلك الليلة ..وجذبته فكرة النقد التى لقت هوى فى نفسه المتمردة ..وشعر ليلتها بأن النقد هو مجاله الحيوى ..لينتقد كل ما ال يروق له ..فهو الباحث عن المثالية والكمال فى كل شئ ..ويسعى إلصالح الكون ..وسايتيح له النقد كل ما تهفو إليه ذاته المتمردة.. لتغيير الواقع ..وفى نهاية الندوة ..أقترب محمد الرفاعى من الناقد رؤوف توفيق.. تعرف عليهَ ..ح َّدثه عن قصائده وأشعاره ..اسمعه بعض األبيات ..أخبره بأنه
شارك في مظاهرات الطلبة الغاضبين عام ..1968وبدا رؤوف توفيق ليلتها ودودا معه إلى حد كبير ..فتحمس ألشعاره ..وطلب منه أن يرسل قصائده لمجلة «صباح الخير» لتنشر على صفحاتها ..إذ كانت « صباح الخير» آنذاك ..تمنح األصوات الشعرية الجديدة ..مساحة أسبوعية من خالل باب «قال الشاعر» الذى كان يشرف عليه ـ آنذاك ـ الشاعر الكبير فؤاد حداد ..وبالفعل أرسل محمد الرفاعى ُأولى قصائده لرؤوف توفيق ..وفوجئ بها منشورة على صفحات «صباح َ الخير» ..وسرعان ما وجد نفسه مشدودا للعمل بالصحافة ..حيث التقى بالكاتب الصحفى جمال حمدى ..الذى تعرف عليه فى مكتب «روزاليوسف» باإلسكندرية.. فطلب منه أن يرسل لمجلة «صباح الخير» أخبا اًر صحفية عن اإلسكندرية.. تمهيدا ليصبح مراسل روزاليوسف باإلسكندرية ..ولكن محمد الرفاعى كان قد عقد العزم على أن يكون ناقدا ..منذ تلك الليلة التى التقى فيها برؤوف توفيق ..إذ كان قد انجذب بقوة للكتابة فى النقد الفنى ..وإن كانت ُجل كتابته فيما بعد أخذت مسار النقد المسرحى ..منحا از لمسرح الفقراء والمهمشين ..والفرق المسرحية (الكادحة) فى الثقافة الجماهيرية. تخرج محمد الرفاعى من جامعة اإلسكندرية ..فوجد أن اإلسكندرية لن تحقق له مابداخله من طموحات ..فحزم أمتعته وتوجه مباشرة للقاهرة ..حيث سقف الطموحات أكثر ارتفعا ..وأوسع مجاال ..فلم يكن راغبا بالعمل فى مجال اآلثار.. بل كان بداخله إرهاصات مبدع وشاعر ..وكاتب مسرحى ..ولم يكن قد حدد محمد الرفاعي
29 28
بعد إلى أين تقوده خطاه ..وإلى أين تأخذه موهبته المبكرة ..ولم يكن قد اختار بعد إلى أى المجاالت يتجه ..فعمل فى البداية بمجلة «صباح الخير» منذ عام ..1975كمحرر فنى ..قبل أن يعين فى بداية الثمنينيات ..لينضم إلى فريق العمل فى مجلة «صباح الخير» ..وتدرب على العمل الصحفى مع الكاتب الصحفى رؤوف توفيق الذى كان يشرف على القسم الفنى ..وخالل تلك الفترة كنت ألتقى بمحمد الرفاعى فى األمسيات الشعرية ..والندوات الثقافية ..التى تقيمها الثقافة الجماهيرية فى قصر ثقافة الجيزة ..ومسرح السامر ..أو نلتقى فى مسرح الطليعة ..أو على مقاهى المثقفين بوسط البلد ..وكنت مازالت أقضى خدمتى العسكرية كضابط إحتياط ..وظل األمر هكذا حتى التقينا بمجلة «صباح الخير» ..بعد أن أنهيت خدمتى العسكرية والتحقت بمؤسسة روزاليوسف.. وكان محمد الرفاعى الصامت دائما ..يأتى على استحياء متعجال ..يسلم بضع أوراق يحملها لسكرتارية التحرير ..ويمضى فى صمت ..يجالسنى أحيانا ..أو يدخل لألستاذ رؤف توفيق ..يسلمه بعض الموضوعات الفنية ..وياخذ تكليفاته بموضوعات جديدة ..ويمضى ..ونلتقى فى المساء بمنزلنا بميدان الجيزة ..إذ كان يسكن بالقرب منى فى محيط الميدان ..وكان ينضم إلينا أحيانا الفنان صالح عنانى ..وكان ممسوسا بالسخط والتمرد هو اآلخر ..إذ كان قد حصل على تقدير أمتياز بكلية التربية الفنية ..ورفضوا تعينه معيدا ..لتمرده وسخطه أيضا على الطقوس الفنية التقليدية بالكلية ..فانضم إلي كتيبة مجلة «صباح الخير» كرسام ..بعد أن تسلمت مسئولية اإلشراف الفني على مجلة «صباح
الخير» ..وصرنا نشكل ثالثى التمرد داخل المجلة وخارجها ..وانضم إلينا فنان الكاريكاتير محمد حاكم ..ثم الصديق والكاتب الصحفى منير مطاوع ..الذى كان يشغل منصب سكرتير تحرير مجلة صباح الخير فى ذلك الوقت ..ونتيجة بعض الكتاب ..تمرد هو اآلخر على منصبه وترك المجلة.. الخالفات بينه وبين أحد ُ وكانت تربطنا به عالقات طيبة حميمة ..عندما كان مدير مكتب روزاليوسف باإلسكندرية ..فانضم إلينا لنصبح كتيبة التمرد رغم أنف الجميع ..وسرعان ما غادرنا منير مطاوع إلى لندن ..ملتحقا بالعمل بجريدة القدس اليومية ..وإن ظل حبله السرى معلقا بمجلة «صباح الخير» حتى يومنا هذا. إنطالقة مبهرة ..وضوء ساطع لم يستسلم محمد الرفاعى لفكرة كتابة األخبار الفنية ..والموضوعات الصحفية ِ يكتف بها ..فقد كان طموحه أعلى من ذلك التى كان ينشرها بالمجلة ..ولم بكثير ..فطرق أبواب اإلذاعة المصرية ..وتعرف على المخرج اإلذاعى الصديق مدحت زكى ..وعندما التقى به أقنعه بكتابة المسلسالت الدرامية لإلذاعة ..وبدأ الرفاعى إنطالقته المبهرة نحو الدراما اإلذاعية ..وكانت البداية قوية ..وموفقة للغاية حين قدم مسلسل «رحلة فى الزمن القديم» الذى أمتد إلى تسعين حلقة.. في سابقة نادرة لكاتب سيناريو يستهل باكورة أعماله بعمل درامى يستمر تسعون حلقة ..وبنجوم من العيار الثقيل ..حيث لعب دور البطولة الفنان الكبير محمود محمد الرفاعي
31 30
مرسى ..والفنانة الكبيرة أمينة رزق ..وأذيع المسلسل على موجات إذاعة البرنامج العام سنة 1980لمدة ثالثة أشهر متواصلة ..وسطع نجم محمد الرفاعى ككاتب سيناريو من خالل أهم شبكة إذاعية ..وهى البرنامج العام ..وكان هذا النجاح الكبير ..بداية أيضا لصداقة نبيلة وحميمه ..بينه وبين الفنان الكبير محمود مرسى ..ولم تمضى سوى شهور قليلة ..إال وكان محمد الرفاعى قد قدم لإلذاعة أوراق سيناريو جديد لمسلسل «الفردوس المفقود» من بطولة الفنان الكبير عزت العاليلى ..والفنانة الكبيرة زيزى البدراوى عام ..1981وتوالت النجاحات.. والمسلسالت ..وصعد نجم محمد الرفاعى في عالم الدراما اإلذاعية ..فقدم بعد عام واحد فقط العمل الثالث له ..من خالل مسلسل «نبع الينابيع» ..عن رواية تحمل نفس االسم ..للكاتب الكبير عبدهللا الطوخى ..وأذيعت عام 1982فى إذاعة «ركن السودان» ..وأتبعه بمسلسل «سنوات المجد» ..ثم كتب مسلسل «شعاع الحرية» إلذاعة البرنامج العام ..ثم «أوراق البردى» ..وبدأ الرفاعى فى كتابة سهرات إذاعية متنوعة لدار اإلذاعة المصرية ..والبرنامج العام ..وتألق نجم محمد الرفاعى في سماء الدراما اإلذاعية ..فاستعان به التليفزيون ..لتقديم سهرات تليفزيونية فقدم فيلم تليقزيونى قصير بعنوان «المعطف» عن قصة الكاتب الروسى جوجول ..بطولة الفنان عبدالسالم محمد ..والفنان أحمد بدير ..وظل حلمه الذى لم يفارقه يوما طوال حياته حتى رحيله ..أن يحول رواية الكاتب الكبير صبرى موسى «فساد األمكنة» إلى مسلسل إذاعى ..أو تليفزيونى ..أو فيلم سينمائى ..وتحمس لهذه الفكرة المخرج مدحت زكى ..وأقنع الفنان محمود
مرسى بهذه الرواية ..ولكن األستاذ صبرى موسى كان دائما ما يدخل فى نقاش طويل مع محمد الرفاعى ..مؤكدا صعوبة هذا النص ..حتى أنه صارحه فى أحد الحوارات ..أنه كان يتمنى أن يحول « فساد األمكنة» لفيلم سينمائى ..وقد حاول أن يكتب له السيناريو والحوار بنفسه ..ولكنه وجد صعوبة بالغة فى ذلك.. لخصوصية هذا النص ..خاصة وأن المعالجة الدرامية لهذه الرواية بالذات يبدو أنها شديدة التعقيد. الرفــــاعـى نــاقـدا بعد أن تم تعين محمد الرفاعى بمجلة صباح الخير فى بداية الثمانينيات كمحرر فنى اتجه للنقد المسرحى ..وتخصص فيه ..وجاءت البدايات فى متابعته المنتظمة لفعاليات وأنشطة جهاز الثقافة الجماهيرية ..قبل أن يتحول إلى هيئة عامة لقصور الثقافة ..حيث كان يتابع بانتظام عددا كبي ار من العروض المسرحية ..سواء فى القاهرة ..أو من خالل مديريات الثقافة الجماهيرية فى األقاليم ..ورغم مقاالته الالذعة وعباراته النارية ..إال أنه أستطاع أن يلتحق بكتيبة كبيرة من النقاد المسرحيين الذين كانوا يتابعون الحركة المسرحية آنذاك ..فراح يرصد بدأب حركة المسرحيين الهواة والشبان ..فى أقاليم مصر ..فقدم لهم رؤاه.. وفتح أمامهم طاقة األمل ..ومهد لهم الطريق ..ليلتحق الكثيرون منهم بالحركة المسرحية األم بالقاهرة ..حيث سلطت عليهم أضواء العاصمة التى وضعتهم فى الصفوف األولى ..ورغم أنحيازه المحب والنبيل لمسرح الفقراء ..إال أننى محمد الرفاعي
33 32
لم أره يوما يجامل أحدا ..فلم يتنازل عن رؤيته النقدية فيما يتابعه من عروض الثقافة الجماهيرية ..حتى أنهم أختاروه كثي ار فى لجان التحكيم ..إما رئيسا للجنة التحكيم ..أو عضوا فيها ..لموضوعيته الشديدة ..وحياده في تقيمه للعروض.. وعدم مجاملته ألحد ..وانطلق من عروض الثقافة الجماهيرية ..ليتجه بعدها إلى عروض مسرح الدولة ..إذ كان هذا القسم فى المجلة يقوم بتغطيته ـ آنذاك ـ الكاتب الكبير والناقد األدبى األستاذ عالء الديب ..ولكنه ومنذ بداية الثمانينيات بدأت مشاهدات عالء الديب للعروض المسرحية تقل أو تكاد تنقطع ..واكتفى ببابه الثابت «عصير الكتب» الذى كان يستعرض فيه أحدث اإلصدارات من الكتب والروايات والقصص القصيرة ..ودواوين الشعر ..ومن حين آلخر يقدم رواية مسلسلة على صفحات المجلة ..أو ترجمة لنص من النصوص األجنبية.. أو لمحات من السيرة الذاتية ..وبتوقف الروائى عالء الديب عن متابعة العروض المسرحية ..انفرد محمد الرفاعى بالكتابة عن المسرح بانتظام ..وبدأت رحلة المتابعة األسبوعية لكل العروض المسرحية ..سواء مسرح الثقافة الجماهيرية ..أو عروض مسرح الدولة ..التي يقدمها البيت الفني للمسرح ..بمسارحه المتنوعة.. القومى ..والحديث والكوميدى ..والطليعة ..ألخ ..أو عروض البيت الفني للفنون الشعبية واالستعراضية ..أو مسرح القطاع الخاص الجاد منها ..كمسرح فرقة استوديو الممثل للفنان محمد صبحى والكاتب لينين الرملى ..أو مسرح جالل الشرقاوى ..وهكذا ظلت كتابات محمد الرفاعى تقتصر على متابعة العروض المسرحية ..وبين الحين واآلخر يتناول بعض العروض السينمائية الالفتة
للنظر ..سواء لردائتها ..فيهاجمها هجوما قاسيا ..أو لجودتها فيشيد بها ..ويحيى صانعيها ..وتابع بدأب معظم أعمال الدراما التليفزيونية ..وكان له موقف حاد وساخر من األعمال التي ال ترقى للمستوى الفني الرفيع . مع تقلص العروض المسرحية ..منذ النصف الثانى من الثمانينيات .. وتدنى المستوى الفني لكثير من هذه العروض ..وإغالق عدة مسارح ألسباب غير واضحة ..في أواخر الثمانينيات ..وبداية التسعينيات ..بدا لنا جميعا أن هناك أزمة طاحنة يعانى منها المسرح المصرى ..وبدت المسارح خاوية على عروشها ..وطغى على سطح المشهد المسرحى ..مصطلح شهير« ..لدينا مسرح بال جمهور ..وعروض جيدة بال مسرح» ..إذ كان الجهاز اإلدارى للبيت الفني للمسرح ُمكبل بجيش من الموظفين ..واإلداريين ..ومع تنامى عروض المسرح التجارى المبتذلة ..ظهرت توليفة رديئة من العروض التجارية ..التي تحولت لوجبة دسمة إلفساد الذائقة الفنية ..وأصبحت دور عرض مسرح القطاع الخاص أشبه بعلب الليل ..وبديال لكباريهات شارع الهرم ..حيث قصدها السائح العربى بحثا عن المتعة بجنيهات قليلة ..حيث يقضى ليلة ترفيهية ينقصها العشاء والمشروبات ..سهرة بها الراقصة المشهورة ..تصاحبها جوقة مغمورة من الراقصات االستعراضيات للعرى واإلثارة ..ويلعب دور البطولة فيها ممثل كوميدى متواضع الموهبة الفنية ..لكنه موهوب في إلقاء (النكات والقفشات واإلفيهات) المبتذلة السخيفة ..يصاحبه ممثل مساعد أكثر منه سخافة واشد بذائ ًة ..ليمهد له محمد الرفاعي
35 34
الدخول في الحالة المذرية للحوار الممل الممجوج ..فيرمى له (اإلفيه) ..ويفرش له النكات ..ويلقى إليه بمفاتيح االبتذال ..واإليحاءات المخلة ..وكانت كل هذه العروض بال نص حقيقى ..ومن عجائب األمور في تلك الحقبة ..أن بعض مسارح الدولة كانت ترنو إلى مسارح القطاع الخاص (السياحية) وتغبطها على هذا اإلقبال الجماهيرى ..وتأمل أن تقتطع ولو جزء ضئيل من جماهير مسرح القطاع الخاص ..وتجتذبه نحو مقاعدها الخالية ..فحاولت لألسف أن تُ ِ دخل في عروضها بعض عناصر اإلثارة من توليفة الكباريه المسرحى لعروض مسرح الدولة ..ووقتعت كثير من العروض في هذا الخطأ الفادح ..فخسرت ما تبقى من جمهورها الباحث عن المسرح الذى يحترم جمهوره ..وبدا اإلصالح من داخل المؤسسة الرسمية للمسرح أمر بالغ الصعوبة ..وربما استحال اإلصالح تماما.. األمر الذى أدى إلى أن وزير الثقافة األسبق الفنان فاروق حسنى ـ حينما أعيته الحيل ـ أن يبادر بإنشاء وحدات مسرحية مستقلة صغيرة ..لتقديم عروض وتجارب جديدة ..فأنشأ بعيدا عن كهنوت المؤسسات العتيقة ..مسرح الهناجر ..وعدد من مراكز اإلبداع المتخصصة ..ليتيح الفرصة أمام شباب المسرح أن يقدموا عروضا مسرحية بأفكار جديدة ..وميزانيات مستقلة ..يمولها صندوق التنمية الثقافية . وأمام هذا المستوى الذى انحدر إليه مسرح الدولة ..بدأ محمد الرفاعى يتوقف عن كتابة موضوعات النقد المطولة ..وقرر أن يكون له زاوية ثابتة ..من خالل صفحة أسبوعية أختار أن يكون لها عنوانا أوسع وأعم ..حتى ال تكون كتاباته محصورة في النقد المسرحى ..فكان عنوانها «قضية فنية» ..ومن خالل
هذه الزاوية أتيح له أن يكتب في المسرح والسينما والتليفزيون والعديد من القضايا الفنية العامة ..فتنوعت كتاباته ..معلقا على شتى الموضوعات الثقافية ..وتجلت روحه الساخرة المتمردة فى كل ما يكتب ..وتفرد في كتاباته من خالل قضاياه الفنية بصوره الكاريكاتورية الالذعة الممرورة ..وعبر هذه الزاوية حاز بابه الثابت شهرة واسعة ..حتى حصل على جائزه مصطفى وعلي أمين للصحافه عن هذا العمود األسبوعى «قضيه فنيه» عام ..2000وظل مواظبا على كتابة هذه الزاوية حتى يوم رحيله ..وجمع هذه المقاالت ..ومجمل كتاباته بمجله «صباح الخير» ..وصدرت في كتاب ساخر ..بعنوان «ثقافة وفن وحكايات ِت ِّ موت من الضحك» ..ولكنه كان ضحكا أقرب للبكاء ..من إصدار الهيئة العامة للكتاب عام .1999 اجتذبت كتابات الرفاعى الكاريكاتورية الساخرة صحف المعارضة المستقلة ..فانضم إلى أسرة كتاب جريدة «صوت األمة» عام ..2004وأفردت له الجريدة بابا ثابتا بعنوان «يوميات مواطن مفروس» ..وحمل معه وهو فى طريقه لكتابة عموده األسبوعى «بجريدة صوت األمة» كل ما يمتلك من أدوات الكتابة الالذعة الساخرة ..التي تمرس عليها في مقاالته النقدية ..ومفرداته الجريئة.. وصوره الكاريكاتورية الموجوعة ..ليخوض بها غمار الكتابة السياسية المعارضة.. منتقدا بحدة األوضاع السياسية ..قبل ثورة 25يناير ..فكان من أوائل الكتاب المصريين الذين انتقدوا بقسوة وسخرية النظام المصري ..في أواخر عهد الرئيس األسبق حسنى مبارك ..وقت أن كان النظام المصري في ذروة امتالكه لزمام محمد الرفاعي
37 36
القوة ..ووضح ذلك من خالل مقاالتة «يوميات مواطن مفروس» ..التي ازعجت بشدة كثير من المسؤلين المصريين حينذاك. نجح محمد الرفاعى عبر مشواره النقدى الطويل ..في أن ينحت مصطلحاته النقدية الخاصة به ..فرغم بداية رحلته الصحفية التي ظهرت على استحياء في صورة تغطية صحفية تقليدية لألخبار الفنية ..إال أنه سرعان ما امتلك أدواته ومفرداته النقدية ..وصار له قاموسه الخاص ..الذى ال تخطئه العين.. حين تطالعه على صفحات المجالت المتخصصة ..وبعض الصحف العربية.. وبمرور الوقت كان يؤكد على خصوصية أسلوبه في الكتابة النقدية ..ورغم أن محمد الرفاعى لم يحاول أن يتفرغ لدراسة النقد المسرحى بشكل أكاديمى ..إال أنه استطاع أن ينمى ويعمق مفاهيمه عن النقد المسرحى بشكل مبهر ..عبر تمرسه فى كتابة النقد المسرحى االنطباعى ..من خالل المقال الصحفى ..الذى أكد عبر هذه الكتابات المتواصلة مالمح شخصيته المتفردة في الكتابة النقدية ..وعلى مدى سنوات طويلة ..ومن خالل قراءاته بتوسع في مختلف الثقافات عن فنون المسرح ..وأستطاع الرفاعى في وقت قصير ..أن يتميز وينفرد بين أبناء جيله من النقاد المسرحيين بأسلوبه الساخر ..ونقده الالذع ..وتناوله القاسى ألى عمل مسرحى ال يرقى لمستوى الذوق الرفيع ..رغم أنه كان حريصا على تشجيع الموهوبين.. والوقوف إلى الجانب التجارب المبتكرة الصادقة ..واألعمال الجادة ..إال أنه لم يكن يتهاون مع العروض الهزيلة ..وال يتوانى في أن ينتقد بقسوة كل األعمال
التي ال تحترم عقل المتلقى ..أو تستخف بذائقة جمهور المسرح الفنية ..أو تسهم بشكل ما في إفساد هذه الذائقة ..وكان دائما أكثر انحيا از لألعمال الجريئة التي تسعى لالشتباك مع الواقع ..واقتحام قضايا المجتمع ..وتسعى للتعبير بصدق عن واقعنا. بمرور الوقت تبلورت لدي الناقد محمد الرفاعى ..ذائقة نقدية مرهفة.. تميزت بالجسارة ..والصياغات الالذعة ..والرؤية الموضوعية لكل عناصر العرض المسرحى ..ولسعة اطالعه على العديد من النصوص المسرحية المصرية والعربية والعالمية ..حرص على عقد المقارنات بين النص المكتوب.. ونص العرض ..متناوال رؤية المخرج في معاجة النص األصلى ..وإلى أي مدى أضاف أو أخفق في إعالء قيمة النص ..وتوصيل رسالة المؤلف إلى المتلقى.. حتى أصبح الرفاعى أحد األسماء المهمة الالمعة فى فضاءات النقد المسرحى .. وكان حاض ار بقوة في المشهد المسرحى طوال تلك السنوات. لم تعد المساحات المتاحة لكتابة المقاالت النقدية على صفحات مجلة صباح الخير كافية للتعبير عن مجمل انطباعات محمد الرفاعى النقدية ..ولم تعد تلك الكتابات في مجلة جمهورها المستهدف هو (القارئ العادى) ..قادرة على استيعاب رؤاه ..واجتهاداته الفكرية العميقة عن الحركة المسرحية المصرية والعربية ..وأصبحت غير مرضية لطموحه في توثيق شهاداته عن الحالة المسرحية العربية ..ومن هنا بدأ الرفاعى في إصدار كتب ..ومؤلفات كاملة عن المسرح ..فقدم للمكتبة المصرية والعربية عدد من الكتب الهامة ..فأصدار كتاب محمد الرفاعي
39 38
«تجارب في المسرح العربي» ..ضمن إصدارات مهرجان المسرح التجريبى.. رصد من خالله أهم التجارب المسرحية في البالد العربية ..وتناول العديد من العروض المسرحية برؤية نقدية واعية ..مؤكدا على أهمية الدور الذى يمكن أن يلعبه المسرح في حياة الشعوب العربية ..وطرحه للقضايا السياسية واالجتماعية المسكوت عنها ..في فضاءات اإلبداع العربي ..ومن خالل هذا الكتاب ..قدم متابعات راصدة للحركة المسرحية العربية ..سواء تلك العروض التي إستضافها مهرجان القاهرة للمسرح التجريبى ..أو شاركت في المسابقة الرسمية للمهرجان.. أو العروض األخرى التي شاهدها عبر استضافته ومشاركته فى لجان التحكيم في مهرجانات المسرح العربى ..في العديد من الدول العربية ..بتونس وسوريا والعراق والمغرب ..وغيرها من المشاركات العربية. وألنه كان مهموما بقضية الصراع العربى اإلسرائيلي ..ويعتبر أن قضية فلسطين هي القضية المحورية ..وأن الكيان الصهيونى هو العدو الرئيسى ..وأن الدولة العنصرية ..هى التحدى األكبر الذى يهدد الوجود واالستقرار العربى ..فقد اجتهد في تقديم أحد أهم الكتب التي أهداها للمكتبة العربية ..وهوكتاب «فلسطين في المسرح المصري ..السؤال المراوغ والفعل المستحيل» ..حيث رصد محمد الرفاعي في هذا الكتاب الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ..عشر مسرحيات عربية ..تناولت القضية الفلسطينية من مختلف زواياها وأبعادها.. موضحاً أن هذه النصوص حاولت تقديم رؤية شاملة لقضية «الصراع العربي ـ اإلسرائيلي» ..ومؤكداً أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لم ترسم لنفسها
حدودا جغرافية ثابتة حتى اآلن ..إذ تركت دولة الكيان الصهيونى حدودها مفتوحة تلبية ألطمعها التوسعية لالستيالء على مزيد من األراضى الفلسطينية.. والعربية المتاخمة لها ..ألن المستقبل وأحالم إسرائيل وقدرتنا على الحركة.. هي التي ستحدد هذه الحدود ..وإلى أي مدى ستنجح الشعوب العربية في الحد من أطماع إسرائيل ..وإيقاف المد االستيطانى ..وانتهاكات سيادة الدول العربية المجاورة لحدود الكيان الصهيوني ..ونجح الرفاعى عبر هذا الكتاب في أن يستعرض النصوص المسرحية التي تناولت حقيقة الصراع العربى اإلسرائيلي.. وأبعاده التاريخية ..واستطاع محمد الرفاعى أن يوثق هذه النصوص تاريخيا.. فتناولها بترتيب فصول هذا الكتاب ..طبقاً لتواريخ تقديم النصوص المسرحية.. كعروض حية على خشبة المسرح ..أما النصوص التي رصدها الرفاعى في هذا الكتاب ..وتناولها فى الدراسة فكانت« :وطني عكا»« ..زهرة من دم»« ..ثورة الزنج»« ..النار والزيتون»« ..شمشون ودليلة»« ..حبيبي شامينا»« ..السؤال».. «اليهودي التائه»« ..الذباب األزرق» ..و «وا قدساه». وجد محمد الرفاعى أن ما كتبه عبر رحلته الطويلة في الكتابة عن مسرح الثقافة الجماهيرية ..ومسرح الدولة ومسارح القطاع الخاص ..سيطويها النسيان.. فقرر أن يجمع هذه التجارب في كتاب واحد ..اختار له عنوانأ معب ار عن حالة الكتابة ..وترحاله خلف العروض المسرحية ..من بلد ..إلى بلد ..ومن محافظة كبيرة ..إلى مدينة صغيرة ..ومن ضاحية ..إلى قرية منزوية في ركن من أركان المعمورة ..فصدر الكتاب يحمل هذا العنوان «عربة اسمها المسرح» ..وكأنه كان محمد الرفاعي
41 40
منطلقا بهذه العربة بطول البالد وعرضها ..ومن شمالها لجنوبها ..ليرصد ويؤرخ لحالة مسرحية لم تتكرر ..ويعد هذا الكتاب وثيقة فنية وثقافية هامة ..فهو توثيق ورصد لعدد كبير من العروض المسرحية ..وتحول هذا النص النقدى لشاهد على عصر من الزخم الثقافي ..نشأت خالله حالة مسرحية غير مسبوقة لم تتكرر حتى اآلن. وربما تكون أخر الممارسات التي تجلت فيها رؤاه النقدية بقوة ..عندما اشتركنا سويا في لجنة اإلعداد لمهرجان المسرح للجميع ..الذى جاء بمبادرة من الفنان محمد صبحى ..وبدأنا في عقد االجتماعات الختيار إثنى عشر نصا مسرحيا ليقدمها مسرح صبحى عبر ثالثة مواسم مسرحية ..بدأت عام ..1998 وكانت اللجنة تضم أيضا الكاتب المسرحى الدكتور يسرى خميس ..والناقد والكاتب نبيل بدران ..وعبر قراءات مستفيضة ..وورش عمل ..لتقديم معالجات جديدة لنصوص قديمة ..برؤية معاصرة ..تعكس معايشتها لألحداث ..وتشتبك مع الواقع ..وتطرح العديد من القضايا ..وتمخضت هذه التجربة عن اختيار ومعالجة أثنى عشرة نصوصا ..وإنتاج أربعة عروض منها في كل موسم ..عبر ثالثة مواسم ..ليبدأ بها محمد صبحى ..الموسم األول لمهرجان المسرح للجميع.. على مسرح سينما راديو ..وهى مسرحية «سكة السالمة» ..و«كارمن» ..و«لعبة الست» ..و«ملك سيام» ..من بطولة وإخراج الفنان محمد صبحى ..والفنانة سيمون ..وألحان الموسيقار عمر خيرت ..والموسيقار ياسر عبد الرحمن ..وشارك فى البطولة أعضاء فرقة الفنان محمد صبحى الفنانين( :محمود أبوزيد ..شعبان
حسين ..عبد هللا مشرف ..مجدى صبحى ..وأضاف لهم الفنان خليل مرسى.. وأمل إبراهيم ..وباقى أعضاء الفرقة) ..وقدم محمد الرفاعى جهدا نقديا موفو ار في لجنة اإلعداد ..واقترح الرفاعى على أعضاء اللجنة أن نرفض جميعا تقاضى أي مقابل عن هذه الجهود ..وقال يومها للفنان محمد صبحى ..حتى ال تحرمنا من إنتقاد العروض ومهاجمتك ..إذا جاءت روؤيتك اإلخراجية مخيبة لما كنا نحلم به معا ..وبالفعل تنازلنا جميعا عن أجورنا ..وبدأ المهرجان بأوبريت غنائى بعنوان «الفن أصل الحضارة» ..كنت قد شرفت بكتابته وقدم له ياسر عبد الرحمن الرؤية الموسيقية واأللحان ..وكذلك كتابة اغانى مسرحيتى «كارمن» و«سكة السالمة» ..وواصل محمد الرفاعى جهده فى إعداد النصوص األخرى مع الفنان محمد صبحى ..والموسم الثانى ..من خالل أختيار الوجوه الشابة الجديدة في اختبارات استوديو الممثل. وهكذا ظل محمد الرفاعى مخلصا لقضايا المسرح المصرى ..وقد اشتركنا معا وكان ثالثنا دائما الكاتب والناقد نبيل بدران ..عبر عدة لجان للقراءة ..والتحكيم عندما كان يرأس البيت الفني للمسرح الكاتب الكبير سامى خشبة ..وعبر هذه التجارب كان الرفاعى واحدا من أكثر النقاد إتساقا مع ذاته ..يقول ما يعتقد أنه الصواب ..ال يحيد عن قناعاته الخاصة ..وال يبتعد عن موضوعيته ..وال يعنيه إرضاء أحد على حساب أمانة الكلمة.
محمد الرفاعي
43 42
الرفـــاعـى مبـــدعا
بعد أن استفذت الكتابات النقدية أهدافها لدى محمد الرفاعى ..وأدلى بدلوه في كافة أوجه فعاليات الحركة المسرحية المصرية والعربية ..وإدراكه العميق لتدنى الحالة المسرحية ..إال من رحم ربى ..وفي كل موسم مسرحى جديد ينتظر طويال بحثا عن عرض جيد ..لذلك انتبه الرفاعى من جديد إلبداعه الخاص ..فعاد ليمارس كتابة السيناريو ..والمسرح ..والرواية ..فقدم للتلفزيون سيناريو مسلسل «البيضاء» ..بمعالجة درامية مأخوذة عن رواية األديب الكبير يوسف إدريس ..عام ..2001الذى أخرجه إبراهيم الشوادى ..اما فريق الممثلين فكان يضم الفنانة الكبيرة سناء جميل ومصطفى فهمى وشيرين سيف النصر وعبد الرحمن ابو زهرة وبثينة رشوان ومخلص بحيرى وشوقى شامخ وعهدى صادق وتوفيق عبد الحميد ..حيث تناول المسلسل تفاصيل الرواية فى اطار اجتماعى.. ودور المثقف فى تغيير الواقع من خالل مجموعة من المثقفين الثوريين الذين انخرطوا فى العمل السياسى قبل ثورة يوليو 1952لمقاومة االحتالل البريطاني.. والتصدى لفساد القصر. ظل الرفاعى لسنوات يكتب سيناريو وحوار مسلسل مداح القمر عن قصة حياة الفنان بليغ حمدى وبذل هو والصديق الفنان المخرج مجدى أحمد على جهدا كبي ار حتى أتمه وتعاقد على إنتاجه مع مدينة اإلنتاج اإلعالمى ..ولكنه لألسف حتى اآلن لم يرى النور ..وكتب بعد ذلك مسرحية «أهو ده اللي صار» ..بطولة الفنان لطفى لبيب ..ولكن لم يتم عرضها بسبب معارضتها للنظام السياسي قبل عام .. 2010لكن بعد ثورة يناير تم عرضها بافتتاح مسرح الهناجر عام .2012 محمد الرفاعي
45 44
وكانت آخر األعمال اإلبداعية التي نشرها محمد الرفاعى هى روايه «كائنات الحزن الليلية» التي وصلت للقائمة الطويلة بجائزة البوكر ..وقد كتب عنها الروائي إبراهيم أصالن: « كائنات الحزن الليلية ..رواية عن األحياء الفقيرة بأزقتها وحواريها ومقاهيها.. ولياليها الخالية الباردة ..وحكايات الناس ..والرفاق التي لم يبق منها غير ظاللها ..التي استطاع الكاتب استحضارها جميعاً بدرجة عالية من الحساسية.. وهى رواية عن الطفولة والصبا ..وسنوات التكوين ..وكتب ماركس ولينين.. واألحالم الصغيرة وأيام الحنين لشاعرية اللحظات الجميلة المفقودة ..هكذا الحياة دائماً ..يمضى الواقع نثا اًر محدوداً بحدود وقته العابر ..إال أنه بقوة الفن والخيال يكتمل ..يصير حاض اًر أكثر ..مؤث اًر أكثر ..ومفتوحاً على المدى ..وتلك هي معجزة الفن الحقيقية». وحول هذه الرواية حاوره «فلور مونتانارو» منسقة جائزة البوكر العالمية للرواية العربية ..فقدم الرفاعى عبر هذا الحوار ..رؤية بديعة لقنعاته الخاصة عن ماهية الفن وضرورته ..اكد خاللها أن اإلبداع الصادق ال يبتعد كثي ار عن الواقع ..فقال محمد الرفاعى: «كنت ومازلت اعتقد أن الفن بنية مماثلة لبنية الواقع ،فهو يتطلب التأمل والمعرفة ،ومن هنا فالبد من طرح الواقع اليومى البسيط ،ومن هذا الواقع يستطيع اليوم غير التقليدى ان يولد ،أن نمتلك ذلك المستحيل الخارق دون ألعاب بهلوانية، ودون أن نجد أنفسنا مرغمين على الوقوف خلف العربة التي تهاوت بفعل الزمن، أو بفعل العجز ،نحرك تلك اإلشارات الوهمية التي ال تضئ أبدآ,يكفى أن نجرد
الواقع من األسباب والنتائج ،فيصبح مستقال وعاريا ،وكنت ومازلت موجوعا بإشكالية البحث عن الزمن الضائع والمالمح الضائعة والتي نراها دوما من خالل نافذة قطار سريع ال يتوقف أبدا لدرجة انها تتداخل وتصبح مساحة لونية بال مالمح ،كنت أرتد في لحظات قصيرة إلى تلك البلدة الواقعة في وسط الدلتا ،ما بين الريف والمدينة ،وتحاورنى البيوت المنسية التي تنغلق على الخوف وتنفتح على العراء,فأرتجف ،وأحاول دائما أن أعيد امتالك تلك اللحظات التي ال ينحصر تأثيرها في نطاق االنفعاالت والحس الجمالى ،بقدر ما تمتد إلى أبعد من ذلك بكثير ،مشكلة تطلعات وأفعال اإلنسان حتى تكون بدورها نسقا اجتماعيا ،يرتكز على الحرية التامة لإلنسان في صياغة عالمة ،بالشكل الذي يتوافق مع أحالمة واحتياجاتة ،أن يكتشف اإلنسان نفسة والعالم في ذات اللحظة ويصبح قاد ار على فك أحرفه وإعادة صياغة الجملة ،بحيث تصبح تعبي ار حقيقيا وليس مجازيا وقد حاولت كثي ار رسم تلك الكائنات الطليقة المعذبة ،وهذا الزمن الضائع بين موتين لكنها ظلت تراوغنى سنوات كاملة حتى بدأت رسم مالمحها في مايو »2009 وقال الرفاعى عن كتاباته اإلبداعية « :تستهوينى فكرة أو تجربة ،فأكتب عنها علي الفكرة ،وهى التى مقالة ،أو مسرحية أو رواية ،ال يقيدنى الشكل ،وإنما تلح َّ تختار بنفسها طريقة التعبيرعنها» ..وفى النهاية يختزل محمد الرفاعى رسالته التي حرص عليها طوال مشواره اإلبداعى في جملة واحدة « :كنت دائما أكتب ما يؤلمنى».
محمد الرفاعي
47 46
قالوا عـن محـمد الرفـاعـى
الزوج ,الحبيب ,األخ ,األب ,الصديق.. صاحب القام الحر.. ..اإلنسان ..المواطن المفروس محمد الرفاعي.. شريك العمر.. ..لن ننساك
فاطمة فرحات
أبي الحبيب كل يوم أزداد فخ ار أني إبنتك أحمل أسمك ..مالمحك وأغلب صفاتك أفتخر بأني إبنة ألب عظيم ..كاتب حر وإنسانا نبيال ..أفتقدك كثيرا ..ولكنك تركت لنا إرثا كبي ار من الذكريات ..وحب الناس ..واحترامهم فبهم أحيا إلى أن القاك. يارا الرفاعي مداح القمر ...أخر محطات السفر واالنتظار اجلس بجانبه ،أاروى له قصة من تأليفي ..يقوم هو بكتابتها ثم أخذها وارسمها.. هكذا تبادلنا األدوار من أب يروى البنه الصغير قصة ما قبل النوم ..إلى طفل يسرح بخياله ..فيألف قصص دون حتى أن يتعلم الكتابة. كانت تلك هي بدايتي مع الكتابة ..من قصص عن أميرة جميلة وقصر مسحور محمد الرفاعي
49 48
و«عفريت الحيطة» الذى اخترعته ..وكان يظهر لي في الحلم ..حتى أخر رواية نشرت لي. كان هو أول من يقرأها ،بل أحيانا كثيرة كان هو الوحيد الذى يقرأها. كان هو المشجع دائما والناصح ..الناقد حتى على ابنه ..كان الصديق المثقف ..وألول مرة ال يطاوعني قلبي أو قلمي على الكتابة ..فألول مرة أكتب دون تق أر أو تبدى مالحظاتك ..ألول مرة أكتب وقلبي يوجعني...... أكتب .....وكأنى ألول مرة اكتب. فأنت دائما الضاحك الساخر ..الذى ضحكت اآلالم من كتاباته ..الباسم رغم األلم ..العاشق رغم الوجع ..محب الحياة رغم قسوتها. اليوم فقط ..أكتب عمن قضى عمرة داخل «عربة اسمها المسرح» متنقال بين مسارح األقاليم بحثا عن أخر محطات االنتظار ..رحل متمسكا بقضيته الفنية ..مخلصا «للصبوحة» مهموما بيوميات مواطنه المفروس ..رحل من عاش وسط كائنات الحزن الليلية ..ليضئ لهم الطريق ..بنور قلبه النبيل .....رحل من كان يهجو حتى نفسه ..إذا رأى منها إعوجاجا ..من نقد الجميع أمال فى التغير.. لكنه لم ينتقد عشقه األول خارج حدودها..... لم يتحمل قلبه الضعيف فراق مزيد من األحبه أو الوطن ..فاختار بنفسه أخر محطات االنتظار ......ليسترح قليالً. فلتهدأ روحك ..وتسترح. حتى نلتق مجددا. شادي الرفاعي
بقلم :عبلة الروينى /جريدة األخبار في األغلب كنا نتحرك معا ،نذهب إلي المسرح معا ،ونشارك في الندوات معا ،ونسافر لمشاهدة العروض المسرحية في محافظات مصرالمختلفة ،أو في المهرجانات المسرحية العربية أيضا معا ،األصدقاء الطيبون أطلقوا علينا «الثالثي المرح» ،واألصدقاء األش اررأسمونا «عصابة الثالثي» ،الكاتب المسرحي نبيل بدران والناقد الفنيمحمد الرفاعي وعبلة الرويني ،تجمعنا محبة المسرح ووضوح الرؤي والمواقف واللغة الحادة ،كان رفاعي هو األكثر حدة ،لغته الساخرة الالذعة، تعكس وجعا ،أكثر منها مدعاة للضحك واالبتسام ،لغة يرن من ذيل ضحكاتها البكاء ،عكس كوميديا نبيل بدران السوداء الضاحكة ،سخرية تميز كتابتهما وهي نفسها عمق الرؤية والموقف ،قبل سنوات رحل نبيل بدران ،فانفرط اللقاء الثالثي، مثلما انفرط المسرح وعروض الثقافة الجماهيرية والمهرجانات العربية ..لكن لم تنفرط المودة والصداقة ،والتاريخ المحفور في الوجدان برغم الغياب ...قبل يومين رحل محمد الرفاعي بعد وجع طويل ،توقف عن كتابة زاويته األسبوعية في مجلة صباح الخير (قضية فنية) توقف عن الذهاب إلي صباح الخير وعن الذهاب إلي «الجريون» ذلك المقهي الذي يغضب كثي ار ويتعكر يومه ،إذا دخل فوجد أن هناك من يجلس علي طاولته وكرسيه!! ..حدته الدائمة كانت مجرد قشرة خارجية، مجرد حماية يغلف بها قلبه المرهف المثقل بالمشاعر واألحالم ،قلبه المتعب دائما حتي من قبل عمليات القلب المفتوح ،والسجائر التي لم يغادرها حتي داخل غرف العناية المركزة!! ..بدأ محمد الرفاعي شاعرا ،لكنه أخفي قصائدة دائما في محمد الرفاعي
51 50
قلبه ..لم ينشرها ،حتي أرهقه اإلخفاء ..لكنه كتب صراحة الرواية (كائنات الحزن الليلية) ..وكتب المسلسل الدرامي (البيضاء) عن رواية يوسف إدريس ..بينما ظل مسلسل (مداح القمر) الذي كتبه عن حياة بليغ حمدي ،يصادفه دائما سوء الحظ والتعثر ،ويتأجل م ار ار علي مدي عشرين عاما ..وكان ذلك بعض أحزانه. وداع ًا ...محمد الرفاعى بقلم لويس جريس /صباح الخير سقط القلم الذى كان يعالج قضايانا ومشاكلنا تحت عنوان «قضية فنية» عرفت محمد الرفاعى لسنوات عديدة ..كان يجىء إلى مكتبى ويتحدث معى مناقشاً ومحاو اًر ومجادالً ،مختلفاً أحياناً ،وأحياناً قليلة جداً مؤيداً دخل مرة مكتبى ثائ اًر وألقى باستقالته أمامى ،ثم انصرف مبتسما :ممكن أسحب االستقالة؟ وبعد أيام عاد وقال ً طبعا قلت لهً : ثم أخرجتها من مكتبى ،وسلمتها له حاورنى الرفاعى ذات مرة قائالً: إن مصر فى الزمن القديم كانت واحدة من ثالث دول تحكم العالم ،أما اليوم فهى تقف محلك سر!! ..عاجزة عن خوض المعارك التى تؤثر بها فى الدول المجاورة لها ،وال تتفاعل مع العالم فيم يدور فيه من معارك أدبية وسياسية واقتصادية واجتماعية.
وأقاطعه قائالً :حيلك ..حيلك يا محمد ،المسألة ليست بالبساطة التى تتحدث بها، مصر دولة قوية ..عريقة ..لها أصول وجذور تعود إلى حضارات اندثرت ..ثم ال تنسى يا محمد أن مصر هى البلد الوحيد الذى ورد ذكره فى التوراة واإلنجيل والقرآن الكريم kوأيضا يذكر اسم مصر فى جميع المدارس والجامعات حول العالم فى دروس التاريخ والجغرافيا ..احنا بلد عريق جداً. طيبا ..يدخن بشراهة ..وينشر البهجة كان محمد الرفاعى وديعا ..بسي ً ً طاً .. إنسانا ً حوله سواء بالنكتة اللفظية أو اإليمائية. صغيرا ..يخرجه عندما يجلس إلى مكتبه ويستمع إلى كان يحمل فى جيبه راديو ً إذاعة األغانى. كان يحب أغانى فيروز ،وأعتقد أنه أطلق على ابنه اسم شادى ،ألنه كان دائم االستماع ألغنية فيروز التى تنادى فيها على شادى. صدمنى رحيل محمد الرفاعى الذى لم أره منذ سنوات ،ذلك بعد ان انقطعت عن الذهاب إلى مجلة صباح الخير لفترة طويلة. واليوم دق جرس تليفونى لتخبرنى ابنتى «مى منصور» بالنبأ األليم. دمعت عيناى وأحسست بغصة فى حلقى ووجع فى قلبى ،ولم أقدر أن أرد على فصمت. كل من يحدثنى ،األلم والفجيعة أصابت لسانى بالشلل.. ّ ومازالت صامتًا. الخلد يا محمد يا رفاعى ،وإلى لقاء قريب بإذن هللا ،وأطلب من هللا العلى إلى جنة ُ القدير ،أن يغفر لى ولك ،وأن يدخلك فسيح جناته ،أنه السميع العليم. محمد الرفاعي
53 52
كان للحلم أيام بقلم نجالء بدير /مجلة صباح الخير فى أيامى األولى فى مجلة «صباح الخير» كنت أجلس بين مكتبى محمد الرفاعى وسلوى الخطيب ..كنت كأى قادم جديد أحتاج للدعم وقد قدماه لى حتى انتقلت من االختباء بينهما إلى غرفة نهاد جاد فى قلب المجلة بالمعنى الحرفى والمجازى كان رفاعى وسلوى يتبادالن قراءة الصحف وينتقدان كل ما تقع عليه أعينهم ثم يمزق رفاعى ما يعتقد أنه األسوأ ويلقيه فى سلة المخلفات تحت مكتبه، وتشجعه سلوى وتمده بالمزيد من األوراق التى تستحق التمزيق ،ويحتفظ كل منهما بالقليل جدا الذى يتفق مع أفكارهما. ثائر يحلم بمثالية مستحيلة وكان يعبر عن غضبه بكل غاضبا ًا دائما ً كان ً ق بدءا من تمزيق الصحف وانتهاء بالكتابة. الطر ً حادا ال يعرف المجاملة نقدا غالبا ً كان محمد الرفاعى يكتب ً مسرحيا ..وكان نقده ً ً حتى ولو كان العمل المسرحى ألحد أصدقائه. كان يتابع ويكتب ويشجع المسرح الجاد ،لم تكن تفوته مسرحية واحدة قدمت فى أى مكان فى مصر. ثم يدعونا لحضور المسرحيات التى تنال إعجابه .ويظل يحدثنا عن تفاصيل العمل .ويقدم لنا أبطاله. فى ذلك الوقت (الثمانينيات) كان يبدو محمد الرفاعى لنا وكأنه مكلف
بمهمة الدفاع عن الفن المظلوم وعن فنانيه ،كجانب أساسى من الدفاع عن المظلومين فى مصر بشكل عام ومحاولة رفع الظلم عنهم. كنا وقتها نعتبر أن الصحافة رسالة قبل أن تكون أكل عيش. فى الواقع لم يكن العيش وقتها مشكلة كبيرة ،كنا نأكل ونسكن ونتمتع بأساسيات تمكننا من اعتبار الصحافة رسالة. عندما وصلنى خبر أن محمد الرفاعى فى الرعاية المركزة كانت الفكرة األولى التى استدعاها الخبر فى ذهنى هى :صديقتى طبيبة فى نفس المستشفى وبالتالى سنتمكن من أن ندخل له سيجارة فى الرعاية. من يعرف تاريخ صديقى مع المرض ،سيعرف أن الفكرة ليست مجنونة، تماما تعايش رفاعى مع المرض بقوانينه الشخصية سيعرف أنها فكرة تناسب ً وليس بقوانين األطباء. محمد الرفاعى ظل ال يقبل أن يفرض عليه أحد (حتى ولو كان الطبيب) ماذا يفعل حتى ولو كان االمتناع عن تدخين سيجارة. مرة واحدة اصطحبته إلى طبيب تربطنى به عالقة عمل ،فأنهى الحوار بينهما هذه العالقة لألبد. اشترط الطبيب على رفاعى أن يتوقف عن التدخين تماما حتى يوافق على إجراء قسطرة لتوسيع شرايين ساقه ،فرفض رفاعى ،فأصر الطبيب موضحا أن التدخين سيتسبب فى ضيق الشرايين مرة ثانية وأن ذلك يضر بسمعته كطبيب، فنهره رفاعى ألنه يحاول التدخل فيما ال يعنيه ،وترك العيادة ومضى بساقه دون عالج. محمد الرفاعي
55 54
عاش محمد الرفاعى كما أراد ورحل كما أراد لم ينحنى ال لبشر وال لمرض .بنفس العناد الذى كان يمزق به قصاصات الجرائد التى ال ترضيه كان يمزق روشتات األطباء .ويصر على الحياة بنفس الروتين الذى وضعه لنفسه ولم يجبره عليه أحد ،وينجح ويستمر. أبدا. يضا ً فاجأنى رحيل محمد الرفاعى كأنه لم يكن مر ً وكأن المفاجأة فتحت أبواب كل الذكريات. وكأننى بينما كنت أودعه كنت أودع أياما نسيت فى زحمة األيام أن أودعها.. أيام كنت أحب فيروز وأحب أن أحلم. أيضا يحب فيروز ،ابنته أسمها يا ار ..وابنه أسمه شادى. محمد الرفاعى ً أهدانى رفاعى برحيله وقتًا جميالً ،حزينا لكن جميالً.. شك ار يا صديق أيام األحالم وإلى لقاء.. كان يحمل أمواج البحر عزة بدر /مجلة صباح الخير كاتب ساخر تق أر كلماته فتضحك حتى تمتلئ عيناك بالدمع! كان يلتقط بمهارة قضاياه ،ويرسم فى مقاالته صو ار كاريكاتيرية بالكلمات ،تستطيع أن تقول: أنه أمضى حياته فى «عربة اسمها المسرح» ،وقد اختار هذا العنوان ليكون اسما ألحد كتبه ،وبالفعل كان محمد الرفاعى وال يزال أحد األسماء المهمة فى النقد
المسرحى فسافر إلى كل أقاليم مصر وكتب عن الحركة المسرحية فى بالدنا. واهتم بالعروض المسرحية التى تقدمها الثقافة الجماهيرية فى أقصى األقاليم ليضىء الطريق أمام نجوم هذا الفن من كتاب ومخرجين وممثلين ،اشتهر بمقالته «قضية فنية» على صفحات مجلة «صباح الخير» وعالج فيها شئون الفن وخاصة السينما والمسرح والتليفزيون. تتبدى روحه الساخرة المتمردة فى كل ما يكتب ،تزكى موهبته ذائقة نقدية مرهفة وجريئة ويحمل صراحة أمواج البحر فى مواجهة الشاطئ ،وتخرج محمد الرفاعى فى كلية اآلداب قسم الحضارة اليونانية والرومانية بجامعة اإلسكندرية، بدأ شاع ار فكتب قصائد من شعر الفصحى ،صدفة جميلة مخبوءة كلؤلؤة أهدته لعالم الصحافة ،ذهب للفرجة على فيلم سينمائى فى قصر ثقافة الشاطبى ،فالتقى وح َّدثه محمد الرفاعى بالناقد والكاتب الكبير رءوف توفيق الذى تناول الفيلم بالنقدَ ، عن شعره ومشاركته فى مظاهرات الطلبة عام ،1968إذ طالب الجميع بضرورة محاسبة من تسببوا فى نكسة 1967 فدعاه رءوف توفيق إلى إرسال قصائده لتنشر على صفحات مجلة «صباح الخير» وكان يشرف على الباب األدبى الشاعر الكبير فؤاد حداد، نشر محمد الرفاعى قصائده ووجد نفسه يختار العمل بالصحافة والتقى بالكاتب أخبار صحفية ولكن ًا الصحفى جمال حمدى ،الذى طلب منه أن يرسل للمجلة الرفاعى كان يرغب فى أن يكتب مقاالته النقدية فى مجال المسرح ،فارتحل إلى القاهرة وتدرب على العمل الصحفى فى «صباح الخير» وعام 1980هو العام الذى وضع محمد الرفاعى وجها لوجه أمام مواهبه المتعددة بعد أن انضم إلى محمد الرفاعي
56
57
فريق العمل الرسمى فى صباح الخير ،فكتب المقاالت النقدية ،وعالج القضايا الفنية ،وكتب عما يقدمه التليفزيون من مسلسالت وما تقدمه الشاشة الفضية من أفالم ،تألقت موهبته فى كتابة المسلسالت اإلذاعية والتليفزيونية فقدم سهرة «المعطف» عن قصة جوجول فى التليفزيون عام ،1979بطولة عبدالسالم محمد ،وأحمد بدير. وعندما التقى بمدحت زكى أقنعه بكتابة المسلسالت الدرامية لإلذاعة، فقدم مسلسل «رحلة فى الزمن القديم» تسعين حلقة من بطولة محمود مرسى، وأمينة رزق ،وأذيع المسلسل على إذاعة البرنامج العام 1980لمدة ثالثة أشهر. كما قدم «الفردوس المفقود» مسسلسل من بطولة عزت العاليلى ،وزيزى البدراوى عام ..1981ومسلسل «نبع الينابيع» عن رواية تحمل نفس االسم لعبدهللا الطوخى وأذيعت عام 1982فى إذاعة «ركن السودان» ،باإلضافة إلى مسلسل «سنوات المجد» ومسلسل «شمس الحرية» إلذاعة البرنامج العام ،ومسلسل «البيضاء» عن قصة «البيضاء» ليوسف إدريس عام ،2000عرضت على شاشة التليفزيون ،وكتب محمد الرفاعى المسرحية كما كتب الرواية ،فله مسرحية بعنوان «أهو ده اللى صار» ،ورواية نشرت مسلسلة على صفحات مجلة «صباح الخير» بعنوان« :كائنات الحزن الليلية» ،وقد رشحت الرواية لجائزة البوكر، وكتب عنها إبراهيم أصالن مبش ار بإشراقة جديدة فى مجال الرواية العربية، وتتناول الرواية الواقع المصرى من خالل شخصيات تعذبت بالواقع السياسى واالجتماعى منذ حقبة الخمسينيات والستينيات حتى بداية التسعينيات. وكان يقول محمد رفاعى عن مواهبه المتعددة« :تستهوينى فكرة أو تجربة
علي الفكرة فأكتب عنها مقالة أو مسرحية أو رواية ،ال يقيدنى الشكل وإنما تلح َّ وهى التى تختار بنفسها طريقة التعبير عنها ،ويقول أيضا فى كلمات دالة شاعرة «أكتب ما يؤلمنى» ..أصدر الرفاعى عددا من الكتب النقدية منها« :فلسطين فى المسرح المصرى» ،و«تجارب فى المسرح العربى» ،وأصدر كتابه الساخر «ثقافة وفن وحكايات ِت ِّ موت من الضحك». رحلة إبداع الرفاعى تشكلت عبر أشكال مختلفة من الكتابة ،وتجلت فى المسلسل ،والمسرحية ،والرواية ،والكتابة الساخرة ،والرؤى النقدية ،أجمل ما فيها أنها تشكلت بحرية وعلى مهل اتخذت ما تريده من أنواع أدبية وفنية. ستبقى كتاباته الصادقة المبدعة التى تركت فى وجدان قرائه أث ار عميقا وستبقى شخصيته الطيبة وصراحته وضحكته الممتلئة بالحياة لتمأل مساحات الغياب. وداعا كاتبنا المبدع محمد الرفاعى. اغسطس 2017
محمد الرفاعي
59 58
من كتابات محـمد الرفـاعـى
الهجان والشوان والزيبق اغسطس 2017 الصدفة ..اكتشفت أن قناة أون دراما ،تعيد عرض حلقات مسلسل «رأفت الهجان» ،وبعد شهرين تقريبا من عرض «الزيبق» ،الذى ظل يتطوح ويترنح ،ما بين السذاجة والبالدة ،حتى تكوم فى النهاية تكويمة الفراخ المصابة بالبرى برى ،وعندما حاول صناع العمل الدفاع عن تلك الحكايات التى فقدت مصداقيتها ودهشتها ،لم يجدوا غير تشبيهه برأفت الهجان! ومن هنا ..كان إعادة عرض الهجان بمثابة نوبة صحيان ،لعل الذى يأتى ال يضع حسابات المكسب والخسارة قبل حسابات الدراما ..ولعل هللا أن يفتح عليهم ويهديهم. محمد الرفاعي
61 60
رأفت الهجان ودموع فى عيون وقحة هما أيقونة دراما الجاسوسية، والعمالن للثنائى المدهش صالح مرسى ويحيى العلمى ،ورغم البداية التى اختصرت كثي ار من إثارة ودهشة الهجان ،حيث يبدأ المسلسل بوفاة الهجان فى ألمانيا دون أن يكتشفه أحد ،مما جعل جزءا كبي ار من الكوابيس والرعب الذى كان يواجهه ،اليتعدى حدود الوهم اللحظى الزائف ،حيث يدرك المشاهد أنه لن ينكشف أبدا ،وهو ما جعل عادل إمام يعتذر عن المسلسل ،فتم إسناد البطولة لمحمود عبدالعزيز الذى قدم واحدا من أروع أدواره على اإلطالق. وبالصدفة ..اكتشفت أننى مازلت أتابع المسلسل بنفس الحماس القديم، وبنفس درجة الترقب ،وأن بعض التفاصيل الصغيرة ،مازالت تثير دهشتنا حتى اآلن ،ومازال رأفت الهجان وجمعة الشوان لؤلؤتين على جبين الوطن ،وقصيدة عشق ال تنتهى ،حقيقة هناك أعمال كثيرة عن الجاسوسية ،لكنها لم تستطع أن تقدم نفس الحالة التى قدمها الهجان والشوان ،بل ظلت مجرد أعمال عادية سقطت من قطار الزمن السريع ،مثل الحفار والثعلب ،وحقيقة أن دراما الجاسوسية لها سحر خاص ،إال أن معظم األعمال -كتابة وإخراجا -لم تستطع أن تمنحنا ذلك السحر ،وذلك الوجد ،وتلك الدهشة المفتقدة ،ولذلك أرجو من أصحاب مسلسل «الزيبق» أن يشاهدوا «رأفت الهجان» لعله يمنحهم شيئا من ذلك العطر ،الذى مازال يفوح حتى اآلن ،يمنحهم تفاصيل تستطيع أن تحقق ما لم يحققه الجزء األول ،وتنقذ العمل من االنهيار.
النجومية ال تكيل بالركوبة اكتوبر 2017
عندما يتصور أى فنان أن النجومية -فى هذا الزمن األغبر ،الذى ال يمنحنا غير قفاه العريض -تقاس بالركوبة ،بمعنى أن المواطن راكب البغلة، غير الباش مواطن راكب الميكروباص ،فهذه فضيحة وجرسة ،وال فضيحة وجرسة الحاج جحا ،الذي شال حماره على كتفه ،وسار به فى شوارع المدينة ،والعيال تزفه زفة البهيمة الفطسانة. وعندما يتصور فنان مثل محمد رمضان -الذى نشر قبل ذلك صور سيارتيه الفارهتين -ويا ناس يا شر كفاية قر ،أن نشر صورته بجوار طائرة خاصة والعين صابتنى ورب العرش نجانى ،حتى لو كانت طيارة رش ،سوف تكبس على نافوخه عمامة اإلمارة ،وتمنحه فى غمضة عين ،نياشين وغطيان كازوزة الزعامة ،بحيث يقف صارخا ،وسط األتباع والمريدين والفاشلين من راكبى البغال والحمير والمعيز صارخا :أنا الزعيم أبوطيارة ..وغير أفندى بحمارة ..فهذا زمن الحق الضائع ..والفن الضائع! الموهبة والنجومية ..ال تكيل بالركوبة ،وال بما تضعه فوق رأسك من طرابيش وعمائم وقالنس وطواقى ،والطائرة الخاصة حتى لو كانت إيرباص مشغلها إمبابة -الوراق ،لن تضيف إلى موهبة وال نجومية أي كائن ،هى مجرد نزوة تسحب من رصيد صاحبها أمام جمهوره الفقير ،الذى يدفع ثمن تذكرة السينما محمد الرفاعي
63 62
من دم قلبه ،زمان كان فنانو مصر العظام يذهبون إلى المسرح القومى سي ار على األقدام ليقدموا لنا فنا عظيما ..حقيقة إنهم ماتوا فقراء معدمين ،لكنهم تركوا إرثا ال يكيل بركوبة محمد رمضان ،حتى الزعيم عادل إمام نفسه لم يضبط متلبسا يوما بمثل هذا الفعل ،ناد ار ما تعرف نوع السيارة التى يركبها ،رغم أنه يستحق كل ما يحصل عليه ،بعد هذا التاريخ الطويل من البهدلة فى الفن. لقد أصبح محمد رمضان ظاهرة تستحق الدراسة بالفعل ،وفى الوقت نفسه تجاهل وسائل اإلعالم لشطحاته ونزواته ،فنحن بصراحة مش ناقصين وجع قلب.. وكفاية السينما التى راحت فى الوبا ،وعبده موتة اللى بهدلنا! نقاد مكشوف عنهم الحجاب يوليو 2015 ال أحد يستطيع ـ حتى لو نفخ هللا فى صورته ،وجعله األسطى عمارة بتاع درب شكمبة ،الذى يزق الطارة ..ويفرقع بمبة أو سيد الخواتم ،أو أيوب العصر واألوان ،أن يجلس أمام التليفزيون ـ جلسة الولية اللى بترضع ـ أربعين ساعة متواصلة ،فى مواجهة إعصار تسونامى الدرامى ،ألنه ببساطة ..ليس من أهل الخطوة ،أو مكشوفاً عنه الحجاب ،يمتلك القدرة على وضع قفة المسلسالت فى حجره ،وينقى منها على ذوقه ،وال اللى بينقى كوزين درة. ال أحد يستطيع ـ حتى لو افترضنا أن معاه قرشين ،وأجرله كام عيل صايع ،وزع عليهم المسلسالت ،يعنى كل واحد منهم ياخد شوية فى منديل ،أو
فى ديل الجالبية ،أو قرطاس ،أن يخرج علينا شاه اًر سيفه ،ويضع ختم األجدع واألخيب على قفا المسلسالت إال النقاد المصريين بالصالة على النبى العدنان، تقوليش كل واحد فيهم أبوبكر البغدادى بيخلص على ثالثين رأس فى ساعة واحدة ،أو حسن أبوالروس الذى كان يغنى ويضرب المعازيم فى نفس واحد. فقد خرجت إحدى المجالت الفنية باستفتاء بين النقاد عن أحسن وأسوأ األعمال الدرامية فى رمضان ،بعد أسبوع واحد فقط ،يعنى كل ناقد يادوب شاف خمس حلقات أو أقل ..وأخذ كل ناقد من المكشوف عنهم الحجاب يلغوص فى البضاعة ويجيب مصارينها بشجاعة وفتونة يحسد عليها ،يمنح ختم الجودة ألعمال ،ويلطع أخرى على قفاها ،وكانت نتيجة هذا االستفتاء الذى يشبه االستشعار عن بعد أن أحسن مسلسل هو تحت السيطرة ـ حوارى بوخارست ـ لهفة ـ حارة اليهود ـ أستاذ ورئيس قسم ـ ألف ليلة وليلة ـ أوراق التوت ـ بعد البداية ـ العهد ،فهل شاهد هؤالء النقاد التسعة وثالثين مسلسالً ،وهل استطاعوا بعبقرية معملية فذه أن يكتشفوا األحسن واألسوأ بعد خمس حلقات فقط؟ كنت أظن ـ وبعض الظن ليس إثماً ـ أن يعترف النقاد بعدد األعمال التى شاهدوها ،وأنهم اليستطيعون الحكم على أى عمل فنى بعد خمس حلقات ،لكن يبدو أن النقاد عندنا من أولياء هللا الصالحين.
محمد الرفاعي
65 64
واحة الغـروب يوليو 2017
ما بين البداية والنهاية ،زمن للحلم ..وأزمنة للجنون. وما بين الحلم والجنون ..ينكسر العمر على عتبات الصحراء. واآلن ..تفلت تلك الرحلة من أبجديتها القديمة ،فى أروقة البيت الكبير ،الذى صار مجرد صورة باهتة على الجدار ،لتكتب نهايتها على مشارف الصحراء ،وترسم عبر بوابة الوقت ،روحا هائمة ضائعة ،حاولت أن تهرب من انكسارها القديم ،فوق أسوار اإلسكندرية ،لكنها فى ذات اللحظة ،تبدأ ترنيمة الموت الساكن فوق النخيل اآلن ..تنتهى رحلة الضابط محمود عبدالظاهر ،الذى قطعها مرغما ،وهو يدرك أنها الرحلة األخيرة ،ربما تغسل ذلك الدشم النارى فوق القلب ،حين اتهم عرابى بالخيانة حتى ال تتم محاكمته ،يمضى محمود وزوجته عبر الصحراء ،فى تلك الواحة المعزولة ،الواقفة على حافة الغربة والموت ،المختبئة خلف البيوت الواطئة من تلك الوجوه التى تأتى من آخر الدنيا ،لتقتل الرجال ،يمضى محمود عبدالظاهر فى رحلة المصالحة ،بين قبيلة الشرقيين وقبيلة الغربيين -الواقعة التاريخية التى استند عليها األديب المبدع بهاء طاهر ،فى صياغة تحفته واحة الغروب -لكن الموت يسكن روحه ،ويدمر فى طريقه تلك الروح الطليقة الجميلة المتمردة ملكية، تلك البنت التى كانت تصنع التماثيل ،كأنها تميمتها الخاصة ،حتى صارت لعنة الواحة .وها هو محمود عبدالظاهر يقف اآلن ليفجر قسم البوليس اإلنجليزى، لعله يتطهر من عاره القديم ،ويمسح عن وجه الواحة رمز السلطة اللعين ،لربما..
يستريح الموت بعيدا ولربما ..تبدأ روح أخرى رحلة التحليق. وبعيداً عن ذلك اإليقاع الذى يقف بالحدث كثي ار إلى حد الملل ،فى الجزء األول من مسلسل واحة الغروب ويجعلنا نبحث عن ظل آخر -حلقتان كاملتان لخالد النبوى وهو يعلم منة شلبى اللغة العربية -إال أن البطل الحقيقى لهذا العمل، هو مديرة التصوير نانسى عبدالفتاح التى قدمت لنا لوحات فنية ودرامية كأنها تعيد صياغة ذلك العالم ،وتمنحه روحه النبيلة ،ودهشته المفتقدة ،لقد قدمت لنا سيمفونية بصرية مذهلة ،ومن خلفها المخرجة كاملة أبوذكرى ،التى تتحمل مسئولية التطويل والرتابة فى الجزء األول ،خالد النبوى -منة شلبى ،عبقرية األداء وبساطته ،لدرجة أنك تعيش شخصيات حقيقية من لحم ودم ،تحلم معهم وتخاف معهم ،لكنك تحاول أال تنكسر معهم ..المفاجأة الحقيقية ..أداء أحمد كمال البديع فى شخصية الشيخ يحيى
محمد الرفاعي
67 66
نماذج من كتابات محمد الرفاعى
محمد الرفاعي
69 68
محمد الرفاعي
71 70
محمد الرفاعي
73 72
محمد الرفاعي
75 74
ألبوم الذكريات
محمد الرفاعي
77 76
محمد الرفاعي
79 78
محمد الرفاعي
81 80
محمد الرفاعي
83 82
محمد الرفاعي
85 84
محمد الرفاعي
87 86