رسالة للانسان عبر الزمان طلال العزاوي

Page 1

Powered by TCPDF (www.tcpdf.org)


‫رسالة لل نسان‬ ‫عبر الزمان‬ ‫طالل العزاوي‬ ‫‪2011‬‬ ‫مملكة البحرين‬


‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬ ‫الم ـقــدمــة‬

‫اليك يا أبا الماضي ‪ ،‬وأخا الحاضر ‪ ،‬وابن المستقبل ‪ ،‬في كل‬ ‫زمان ومكان ‪ ..‬لتعلم أني ما قصدت مدحـك كمـا مدح المتنبي‬ ‫سيف الدولة ‪ ،‬وال هجوتك كاهاجي جرير والفرزدق ‪ ،‬ولكن قد‬

‫أكون أصدق من الحطيئة حين ذم نفسه ‪ ،‬أوربمـا أكون جاحظ‬

‫زماني وأنت أحمـد بن عبد الوهاب فاربعـك وأدورك ‪ ،‬أو أكون ابن‬

‫زيدون وأنا بين الجد والهزل متذرعا اليك ‪ ..‬ولكني في كل االحوال‬ ‫لن أطلـب لك الغفـران في رسالتي كما طلبها المعري ‪ ،‬ولن أتبعها‬

‫بالتوابع والزوابع كما فعل أبن شهيد االندلسي ‪ ،‬ولكني سوف‬ ‫أحنطـك مثلما حنط الفراعنة مومياءاتهم ‪ ،‬وأضع تحت رأسك كتاب‬

‫الموتى الذهبي‬

‫وعالمي الذي سوف أدرج فيه ليس عالم خيـال بل هـو واقع‬ ‫قديم قد زال ‪ ،‬وحاضر بين البعـد والقـرب يتأرجح ‪ ،‬ومستقبل يعرف‬ ‫كما تعرف النبتة انها ستنتج نوعا معينا من الثمار ‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫أبصرتك بين تلك وهذه في مناطق شتى من العالم‪ :‬بطال مرة ‪،‬‬

‫وجبانا مرة أخرى ‪ ،‬فقي ار حينا ‪ ،‬وغنيا أحيانا ‪ ،‬فرحا آونة ‪ ،‬وحزينا على‬ ‫الدوام ‪.‬‬ ‫كم ضحكت من هيأتك البيئوية ‪ :‬اذ أراك في روسيا ممتلئ الجسم‬ ‫‪ ،‬بلحية كثة ‪ ،‬ورأس أصلع ‪ ،‬تشرب الفودكا لتدفئ جسمك من لذعات‬

‫الزمهرير‪ ،‬وتتدثر بالفراء فوق ثلج االسكيمو ‪ ،‬متطلعا لالفق البعيد لعلك‬

‫ترى قليال من قرص الشمس االحمر ‪.‬‬

‫أشاهدك في صحارى أفريقيا ضعيفا منكوش شعر الرأس ‪ ،‬تشرب‬

‫ماء العيون الباردة لتطفئ حرائق الجسد الملتهب ‪ ،‬وتتعرى مهلال للحياة‬ ‫والطبيعة والحرية ‪ ،‬العنا الشمس المحرقة التي تطلع كل يوم بنيرانها‬ ‫عليك ‪.‬‬ ‫تبدأ من الصين قصي ار ‪ ،‬وتتدرج بالطول حتى تصير أطول القامات‬ ‫في الغرب ‪.‬‬ ‫تبدأ من قلب أفريقيا بجسد أسود كاالبنوس ‪ ،‬ثم يسمر عند االرض‬ ‫العربية ثم يتالشى لونك تدريجيا حتى يصبح أكثر بياضا في االسكيمو ‪،‬‬ ‫فاحترت منك اذ من أين بدأت ؟‬ ‫ماذا صنعت من عجائب بهلوانية ‪ ،‬فقد مشيت على حبل واحد ثم‬ ‫مددته الى السماء وارتقيته كأنك تتسلق شجرة كما يفعل سحرة الهنود ‪،‬‬ ‫‪3‬‬


‫بل أخفيت نفسك حين تلفعت بعباءة ‪ ،‬وبلحظة‪ ..‬تسقط العباءة أمام الناس‬ ‫‪ ،‬وليس بداخلها شخصك كما يقوم بذلك سحرة أمريكا ‪ ،‬حتى عملت‬ ‫الخدع الكثيرة في التالشي والظهور كأنك في فلم سينمائي‪.‬‬

‫سيرت القوافل في الصحارى ‪ ،‬وسيرت الطائرات في السماء وسيرت‬

‫البواخر في البحار ‪ ،‬وسيرت المضادات الحيوية في االجسام ‪ ،‬وسيرت‬ ‫المعارف في العقول ‪ ،‬سيرت كل شيء ‪ ،‬تريد بذلك تقليد الخالق بنظامه‬

‫الكوني المتحرك ‪ ،‬ولم تعلم بأن هللا بعظمته وقوته ونوره طاقة هائلة تفوق‬ ‫االدراك البشري ‪ ،‬فهو يحرك الكون دون جهد وعناء ‪ ،‬وال يحده زمان وال‬ ‫مكان كما يحدانك ‪.‬‬

‫قال هللا تعالى في كتابه الكريم ‪ ( :‬ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه‬

‫ربه قال رب أرني أنظر اليك قال لن ترآني ولكن أنظر الى الجبل فان‬ ‫استقر مكانه فسوف ترآني ‪ ،‬فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ‪ ،‬وخر‬

‫موسى صعقا ‪ ،‬فلما افاق قال سبحانك تبت اليك وأنا أول المؤمنين )‬ ‫االعراف ‪. 143‬‬ ‫وتطاولت حين نظرت في التلسكوب الى السماء ‪ ،‬وتوغلت في‬ ‫اعماقها ‪ ،‬وتعب بصرك وعقلك ألنك مهما وصلت الى بعد تجد خلفه بعدا‬ ‫آخر أبعد منه بكثير ‪ ،‬فتمطي جسمك الجبلي ‪ ،‬وتفتـل عضالتك الفوالذية‬ ‫حتى تكبر وتصير عمالقا تناطح السحاب ‪..‬‬ ‫‪4‬‬


‫وترعد ‪ ..‬فتهتز تحت قدميك ذريرة االرض ‪ ،‬وتسجد لك الكواكب واالقمار‬

‫‪ ،‬فتطول حتى تصل الى الشموس والنجوم ‪ ،‬وتبتعد حتى تتوارى عن مرآة‬ ‫البصر فال يطالك التلسكوب ‪.‬‬ ‫وحينما قلبت التلسكوب الى مكروسكوب ورحت تنظر في اعماق‬

‫الذرة ‪ :‬وجدت عوالم متشابهة مع الكون ‪ ،‬ولم يبق أمامك اال اليسير‬

‫لتكتشف سر الروح في االشياء ‪ ،‬والروح في الكون النهما واحد متحد ‪..‬‬ ‫وهللا العزيز الحكيم يقول ‪ ( :‬ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي‬

‫وما أوتيتم من العلم اال قليال ) االسراء ‪. 85‬‬

‫لمحتك في أرقى الدول المتقدمة فقي ار بال سكن أو مأوى تلتجئ اليه ‪،‬‬

‫مفترشا االرصفة ‪ ،‬متدث ار بأطمارك البالية ‪ ،‬والناس يمرون ناظرين اليك‬ ‫بشزر ‪ ،‬كانك جرثومة يتجنبونها ‪ ،‬وتمد يدك طالبا عونهم لتسد جوعك ‪،‬‬

‫ولكن ال شفقة عندهم وال رحمة ‪ ،‬الكل يمرون بك ‪ ،‬ويبصقون عليك في‬ ‫دواخلهم ‪ ،‬فتسير متخاذال باحثا عن بقايا الطعام في براميل النفايات ‪،‬‬ ‫ك ما يبحث الكلب السائب عن العظام ‪ ،‬بل ان الكالب في هذه البالد‬ ‫الغنية لها مكانة تحسد عليه من قبل فقراء الهند وافريقيا ‪.‬‬ ‫وأراك في حين آخر كملك باشارة ياتيك ما تطلب ‪ ،‬أما كنت‬

‫امبراطور اليابان ( تاكاتوكي ) وكان األحرى بك أن ترعى ابناء‬ ‫‪5‬‬


‫شعبك ‪ ،‬وتعتني با لفقراء والبائسين ‪ ،‬لكنك كنت أحمق ‪ ،‬وجهت عنايتك‬ ‫للكالب حيث جمعت منها االالف وبنيت لها الحضائر من أغال االخشاب‬ ‫المطعمة بالذهب ‪ ،‬واطعمتها االسماك واللحوم الطازجة ‪ ،‬فيا لك من‬ ‫أمبراطور كالب ? ‪ ..‬أهكذا تهين شعبك ?وتفضل عليه الكالب ! بينما‬

‫الذين سودوك عليهم ال يجدون حتى بقايا الفضالت ‪ ..‬فضالت كالبك‬ ‫المتخمة ‪.‬‬ ‫كنت عظيما في عين الخلوقات ‪ ،‬فقد اخضعتها لسلطانك ‪ ،‬بل لم‬ ‫تكتف بما تقدمه لك من خدمات حتى أخذت تدربها كي تسليك بحركاتها‬ ‫البهلوانية ‪ ..‬فكيف للفيل أن يرقص على ساق واحدة ‪ ،‬وكيف للدالفين أن‬

‫ترقص فوق سطح الماء ‪ ،‬وكيف لالسود أن ترقص على أنغام الموسيقى‬ ‫‪ ،‬فيالك من عبقري ‪ ،‬مبدع ‪ .‬فكم قادك خيالك للغرائب بحيث سبقت‬ ‫المستقبل ‪ ..‬تخيلت بساطا طائ ار واخترعت بعد الف سنة الطائرة ‪ ..‬واالن‬ ‫تتخيل حرب النجوم وبعد الف سنة سيتحقق لك ذلك ‪.‬‬ ‫ولكن بقدر حبك للتسلية حبك للعنف ‪ ،‬فقد قتلت االف الحيوانات من‬ ‫أجل لحومها وجلودها وأصوافها وريشها وعاجها ‪ ..‬بل رحت تصيطر‬ ‫على بني جنسك ‪ ،‬فاخترعت االسلحة الفتاكة منها ما يفني مدينة كاملة‬ ‫‪ ..‬فيا لك من وحش رهيب يحمل اسم االنسان ‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫ولكن بعد بحث طويل اتضح ان االنسان خرافة من خرافاتك ‪ ..‬أو‬

‫ربما‬

‫انه منقرض وكان يشبه أبانا آدم ‪ ،‬أو انه جاء الى االرض كنبي أو‬ ‫رسول من ساللة االنسان ‪ ..‬ولكنك قطعا لست منه ‪ ،‬فصفاتك الشريرة‬ ‫كثرت حتى فاقت صفات أشرس الحيوانات الوحشية ‪ ،‬بل لم تنته عند هذا‬ ‫الحد حتى عمت أبناء جنسك ‪ ،‬فأنت تنهش لحم أخيك كل يوم حتى بعد‬ ‫مماته ‪ ،‬بل تقتله أسرع من قتلك الي حيوان ‪.‬‬

‫غضبك جنون ‪ ،‬وحبك جنون ‪ ،‬والكراهية عندك تحتل ثالثة أجزاء‬

‫قلبك ‪ ،‬ان كان لك قلب ! فقلبك خلعته ووضعت بدله علبة من (‬ ‫البالستك ) ولم تقف عند ذلك فصنعت لجسمك يدين بديلتين ‪ ،‬ورجلين‬

‫بديلتين واضفت ألى ذلك طقم االسنان واالنف والعيون الملونة ‪ ،‬والشعر‬ ‫المستعار واللحى والرئة المطاطية ‪ ،‬فماذا يبقى من جسمك حتى أجهزتك‬ ‫التناسلية صنعتها في معاملك ‪ ،‬هل أنت بعد كل هذا تسمى انسان كما‬ ‫جاء ذكرك في القرآن الكريم ‪ ( :‬لقد خلقنا االنسان في أحسن تقويم ) بل‬ ‫أنت في اآلية التي تليه ا ‪ ( :‬ثم رددناه أسفل السافلين ) بل أنت مجموعة‬ ‫أشياء جمعت في جسم آلي يرتبط بالعقل الذي وهبه هللا لك ‪ ،‬وعجزت أن‬ ‫تكتشفه ‪ ،‬فكيف لك أن تبدله ‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫ليت عقلك لم يكن ‪ ،‬وليتك لم تأت الى الوجود ‪ ،‬فقد أفسدت الطبيعة‬ ‫‪ ،‬وشوهت الجمال الذي طبعه هللا على الكائنات ‪ ..‬وخوفي منك أن تقيم‬ ‫القيامة الذرية قبل يوم القيامة ‪ ..‬أو هي هي ‪.‬‬

‫ولكن تنبؤك لها مرفوض ‪ ،‬فاهلل خلق الكون في ستة أيام من أيامه التي‬

‫تعادل ستة االف سنة من أيامنا لقوله تعلى ‪ ( :‬وان يوما عند ربك كألف‬

‫سنة مما تعدون ) ‪ ..‬فليس من العقل االعظم أن يبني هذا النظام الجميل‬ ‫العجيب ويفنيه بعد مائة يوم من أيامه ‪ ..‬بل الكون ما زال مستم ار في‬

‫البناء والتوسع ‪ ،‬فاعلم ذلك ايها المتخرص ‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫النـبي المـعــــذب‬ ‫ياللهول ? حين فتكت بأخيك االنسان منذ بدء الخليقة ‪ ،‬حين كنت‬ ‫قابيل الشرير الذي حسد أخاه هابيل المؤمن والمسالم والمقرب من هللا ‪،‬‬ ‫أما قال لك حين هجمت عليه لتقتله ‪:‬‬ ‫ـ ( لئن بسطت الي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي اليك ألقتلك )‬ ‫سورة المائدة ‪. 28‬‬

‫ولكنك كنت االقوى وعلى البشر أن يحملوا رسالتك في القوة ‪ ،‬ولم‬

‫ألهو هابيل المقتول وجسدوه صنما ‪ ،‬وعبدوه‬ ‫تدرك المستقبل ‪ ،‬فان أحفادك ّ‬ ‫عبر السنين وأسموه ( هبل ) ‪.‬‬ ‫ولكن الشر فيهم استشرى بعد ذلك‪ ،‬فلم ينج من بطشك االنبياء ‪ ،‬فكم‬

‫سخرت من النبي نوح عليه السالم ورجمته سنين طوال وهو يصنع الفلك‬ ‫‪.‬‬

‫وكدت تحرق نبي هللا ابراهيم عليه السالم لوال أن تداركه الل ـه بلطفه‬ ‫( قلنا يا نار كوني بردا وسالما على ابراهيم ) سورة االنبياء ‪. 69‬‬

‫وجعلت السيد المسيح عليه السالم يحمل صليبه في طريق الجلجلة‬ ‫لتصلبه عليه لوال أن رفعه هللا ‪ ،‬وجعل من موته والدة لدينه وأنتشا ار عبر‬ ‫الزمن ‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫وها أنت في مدينة الطائف تحصب خاتم االنبياء محمد (صلى هللا‬

‫عليه وسلم) بالحجارة وتدمي جسده الطاهر في أول بدء الرسالة ‪ ،‬وما‬ ‫علمت انك زدت من قوة دعوته ‪ ،‬ومن انتشار أصحابه ‪ ،‬حتى عمت‬ ‫المأل ‪.‬‬ ‫لماذا فعلت ذلك أألنهم قالوا لك اعبد الذي خلقك ‪ ،‬فتطاولت عليهم‬

‫وحاربتهم النك تظنهم سيسلبون منك دنياك وأنت شديد الحرص عليها ‪،‬‬ ‫ولم تدر أنهم ما طمعوا بدنياك ‪ ..‬فدنياهم في العالم اآلخربالقرب من‬ ‫خالق الدنيا ‪.‬‬ ‫وقد كنت نبي هللا أيوب عليه السالم ‪ ،‬وأنت منبوذ سقيم اذ شكوت‬

‫ربك أن يرفع عنك الضر ‪ ،‬فاستجاب لك ربك ‪.‬‬

‫وكنت نبي هللا نوح عليه السالم في الفلك ‪ ،‬والطوفان استمر شهو ار‬ ‫اذ ناديت ربك أن ينجي سفينتك بمن فيها ( وغيض الماء ‪ ،‬وقضي‬ ‫االمر واستوت على الجودي ) سورة هود ‪. 44‬‬

‫وكنت نبي هللا يونس عليه السالم (ذوالنون) اذ ناجيت ربك وأنت‬

‫في جوف الحوت أن يخرجك من الظلمات ( فاستجبنا له ونجيناه من الغم‬ ‫) سورة االنبياء ‪. 88‬‬

‫‪10‬‬


‫وكنت رسول هللا محمد ( صلى هللا عليه وسلم ) وأنت داخل الغار اذ‬

‫دعوت ربك أن يحميك من مطارديك القتلة ( اذ يقول لصاحبه ال تحزن‬ ‫ان هللا معنا فأنزل هللا سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ) سورة التوبة ‪40‬‬ ‫‪.‬‬ ‫فلم اعجب مثلما عجبت منك وأنت تطلب من هللا أن يهدي قومك‬

‫وأنت في مواقف شتى ومتمكنا منهم بعد أن كانوا يريدون قتلك ‪ ..‬فما‬ ‫اعظمك ! ‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫المتـصوف المـقـتـول‬ ‫الويل لك من حساب رب الملكوت ‪ ..‬الويل من بطشك الذي لم ينته‬ ‫رغم تدرجك في الحضارة ‪ ،‬ورغم انتشار الشرائع السماوية ‪ ،‬وكم باسمها‬ ‫رحت تبطش وتفتك بكل من يفكر ويبدع أفكا ار جديدة ‪.‬‬

‫في الشرق كنت الحجاج قاطف الرؤوس التي أينعت ‪ ،‬كأن ملك‬

‫الموت نصبك سيافا له ‪ ،‬تضرب من تريد دون رحمة ‪ ،‬وترسل جندك‬

‫ليأتوك بسعيد بن جبير أكبرعلماء عصرك دينا وورعا وتقوى ‪ ..‬ويسحبونه‬ ‫من مجلسه ‪ ،‬ويرمونه أمامك ‪ ،‬وتسخر من اسمه وتقول له ‪ (:‬أنت شقي‬ ‫بن كسير) ‪ ..‬وتستل سيفك وتذبحه أمام المأل ‪ ،‬والعجب انك تعلم سلفا ‪،‬‬

‫ستكون ملعونا في كل العصور ‪.‬‬

‫وأراك وأنت احد الجالدين في أول أيام عيد االضحى ‪ ،‬ترسل من‬ ‫يأتيك بـجعد بن درهم ‪ ..‬امام العابدين ‪ ،‬فتخطب في الناس المحتشدة‪:‬‬

‫_ في هذا اليوم الناس يذبحون االضاحي ‪ ..‬وأنا أضحي بجعد بن درهم‪.‬‬ ‫وتسحب سيفك من غمده ‪ ،‬وتنحره نحر الكباش أمام الناس ‪..‬‬

‫‪12‬‬


‫فيالك من طاغية ‪ ،‬طمس اسمك خير من ذكره ‪.‬‬ ‫وأراك في حلب شابا بأول رجولتك ‪ ،‬يمنحك هللا من الذكاء نو ار ‪ ،‬ومن‬

‫التقوى هيبة ‪ ،‬بحيث أرهبت دعاة عصرك من المحسوبين على العلماء ‪،‬‬ ‫وفندت مزاعمهم ‪ ،‬وبززت علمهم ‪ ،‬فتآمروا عليك ‪ -‬خوفا على مكانتهم‬ ‫الدينية بين الناس – مطالبين الوالي بأن يقتلك ‪ ،‬ونفذوا ما أرادوا ‪،‬‬

‫وتالشوا من دون ذكر لهم ‪ ،‬بينما صار أسمك عبر الزمن السهروردي‬ ‫المقتول في حلب ‪.‬‬ ‫وها أنت الخليفة المعتصم ‪ ،‬تبتدع بدعة دينية ما أنزل هللا بها من‬

‫سلطان ‪ ،‬فتدعي أن القرآن مخلوق ‪ ،‬وتطلب من العلماء والفقهاء ورجال‬ ‫الدين تصديق ما تقول ‪ ،‬ومن يرفض بدعتك تعذبه شر تعذيب وصارت‬ ‫محنة العصر ‪ ،‬وراح ضحيتها المئات ‪ ،‬وأحدهم شيخ الحنبلية االمام‬ ‫أحمد بن حنبل الذي رفض بدعتك ‪ ،‬ألن القرآن كالم هللا ‪..‬فعريته في‬ ‫ميدان بغداد أمام أنظار الجماهير المحتشدة وجلدته بالسياط ‪ ،‬وأحبابه‬

‫ومريديه يتألمون آلالمه ‪ ،‬وهو شيخ كبير ‪ ،‬حتى سالت دماؤه ‪ ،‬وتفصدت‬ ‫أضالعه‪ ،‬وتركته يئن من االوجاع بضعة سنين الى أن تداركته رحمة ربه‬ ‫‪ ،‬وبقيت الناس تترحم عليه الى يومنا هذا ‪ ،‬وزال أسمك ورمي في مزبلة‬ ‫التارخ ‪.‬‬ ‫وأعجب ما فعلت من قسوة حين هدرت دمـ ــاء أبي منصور‬ ‫‪13‬‬


‫الحلج في عصرك العباسي ‪ ،‬لماذا ? أالنه قال ان هللا في كل مكان ‪،‬‬ ‫ويستطيع أن يحل في كل مكان ‪ ،‬النه قادرعلى كل شيء ‪.‬‬ ‫فقطعت يديه ‪ ،‬ثم قدميه ‪ ،‬وعلقته على عم ـود الخشب ‪ ،‬حتى‬ ‫ساحت دماؤه ‪ ،‬وهو ال يستغيث بل يردد اسم هللا الى أن لفظ أنفاسه ‪ ،‬فلم‬ ‫تكتف بذلك بل أحرقت جثته ورميت رمادها في دجلة كأنك حققت طريقة‬ ‫الهندوس في الفناء ‪ ،‬فما أشد قسوتك تجاه بني جنسك المتنورين‪.‬‬ ‫وما فعلته في سجن القلعة بدمشق أدهى وأمر ‪ ،‬حين زججت بأتقى‬

‫التقاة الشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن الجوزي ‪ ،‬لماذا ? أألنهما أنا ار العقول‬ ‫بطريقة تختلف عن تحجر رجال الدين المتزمتين ‪ ،‬حتى ماتا في السجن‬

‫بحسرة الناس عليهما ‪ ،‬وفكرهما حلق كطيور ترفرف فوق مجتمعات‬ ‫االرض ‪.‬‬ ‫أما في الغرب فقد عملت محاكم التفتيش الدينية من المذابح البشرية‬

‫ما يقف له شعر الرأس هلعا ورعبا ‪ ،‬تم حرق المئات ‪ ..‬المئات من البشر‬ ‫بتهمة العصر التي امتدت قرونا وقرونا ‪ ،‬والتهمة ببساطة ( مرتد ‪ ..‬ملحد‬ ‫‪ ..‬ساحر ) في عصر من التخلف والهمجية ‪ ،‬بحيث تتجمهر الناس حول‬

‫عملية الحرق كأنها تحتلق حول اضرام النار للرقص واالحتفال ‪ ،‬وما‬ ‫االنسان المحروق اال خشبة من حطب هذه النــار ‪،‬‬ ‫‪14‬‬


‫وكانوا يرجمونه بكل شيء تحمله أيديهم قبل أن يصل الى مشد الخشبة‬ ‫وسط كومة الحطب‪.‬‬ ‫وكنت في سويس ار وأسمك كالفن أتيت بفكر يخالف الكاثوليك ‪،‬‬

‫وقرروا تطهير بدنك بحرقك حيا ‪ ،‬ولم تنفع توسالتك بأن يخففوا هذا‬ ‫الحكم الى الشنق أوقطع الرأس ‪ ،‬ولكن تشدد رجال الدين – والدين منهم‬

‫براء – أصروا على أن تذوق نار جهنم قبل يوم الدينونة ‪ ،‬فصرت بحق‬ ‫المؤسس للبروتستانتية ‪.‬‬

‫أما في ايطاليا وأسمك برونو أول من قال بوجود عوالم أخرى ما ال‬

‫نهاية لها في الكون المتسع ‪ ،‬فسجنوك في الفانيكان ‪ ،‬وعذبوك سنوات‬

‫حتى قرروا حرقك حيا أمام الحشود الجماهيرية ‪ ،‬وأنت تقول في استقبال‬ ‫الموت ‪:‬‬ ‫ انها وحدة تسحرني ‪ ،‬فأنا بقوة هذه الوحدة ‪ ،‬حر ‪ ،‬ولو كنت مستعبدا ‪،‬‬‫سعيد في غمرة الحزن ‪ ،‬غني في أوج الفقر ‪ ،‬حي حتى الموت ‪.‬‬ ‫وقد سخرت من رجال محاكم التفتيش بقولك ‪:‬‬ ‫ ‪ -‬حاولوا أن تكونوا حمي ار أيها الرجال ‪ ،‬حتى تسيروا الى المكانة التي ال‬‫يمكن بلوغها بالمعرفة والجهد بل بالتقليد والتلقين ‪.‬‬ ‫فكم أرتكبت بأسم الدين من مجازر ‪ ،‬وكم حرقت النار من بشر‪،‬‬

‫بأمر محاكم التفتيش ‪ ،‬فكأنك تحب أن تحرق أخاك االنسان ‪ ،‬لتزيله‬ ‫‪15‬‬


‫من الدنيا دون ان تبقي له شيئا من جسمه‪ ،‬خوفا من عودته وقيامته ‪،‬‬ ‫فيالك من شيطان أردت أن تخالف بهذه الطريقة ‪ ،‬طريقة اليهود بعد أن‬ ‫صلبوا السيد المسيح عليه السالم وتفاجأوا بقيامته ‪ ،‬لذلك أردت أن‬ ‫يتالشى الجسد باسم التطهير ‪ ،‬لكي ال يعود الى قيامة ثانية ‪ ،‬فما أشد‬ ‫مكرك وغباءك ‪ ..‬أما علمت ان الجسم في كل االحوال – بعد الموت‪-‬‬

‫يعود الى عناصره االولية في الطبيعة مهما مرت عليه السنون والقرون ‪،‬‬ ‫فهو في جوف االرض يحترق ‪ ،‬وهو في الفضاء يحترق ‪ ،‬ويعود الى‬ ‫ذريرات ذريرات‪ ،‬كل ذرة تنتظر يوم الدينونة ‪.‬‬

‫مما اثار تعجبي اذ أنت الحجاج في العراق بالعصر االموي ‪ ،‬واراك‬

‫تعود للحياة بعد الف عام باسم توركمادا في اسبانيا ‪ ،‬وترأس محاكم‬

‫التفتيش وتبطش بالناس بتهم الزندقة ‪ ،‬فتحرق المئات ‪ ..‬المئات ‪ ،‬وتذبح‬ ‫االلوف ‪ ..‬االلوف ‪ ،‬مدعيا أنك تطهر االرض من الملحدين ‪ ،‬وكانت‬

‫تدعمك الملكة مثلما دعم الخليفة الحجاج ‪.‬‬ ‫فيا لك من روح شريرة ما أن تعود للحياة حتى تعود أشد بطشا ‪،‬‬ ‫وأكثر رعبا ‪ ..‬فكم اثار اسمك الهلع في النفوس ‪ ،‬والقشعريرة في االبدان ‪.‬‬

‫‪16‬‬


‫األمـبــرواالمـــارة‬ ‫كنت آخر خلفاء بني أمية ‪ ،‬مروان بن محمد ‪ ،‬هربت ومعك عبد‬ ‫الحميد الكاتب‪ ،‬وحينما دخلت مصر قلت لعبد الحميد ‪:‬‬ ‫ انج بنفسك ‪ ،‬فانهم ان قتلوني خسرني أهلي فقط ‪ ،‬وان قتلوك‬‫خسرك العرب جميعا ‪.‬‬

‫فكم كبرت في نظري ‪ ،‬اذ تفتدي نفسك من أجل كاتب عندك وأنت‬ ‫خليفة المسلمين ‪ ،‬وان دل على شيء فانما يدل على مكانة‬ ‫األدب واألدباء في نفسك ‪ ،‬فليتك دمت في الحكم لكان خي ار من حكم‬ ‫السفاح الذي خلفك ‪ ،‬وليتك أبقيت عبد الحميد معك فهو مقتول ‪ ..‬مقتول‬ ‫‪ ،‬ولما جلب الموت البن المقفع حين اختبأ عنده بعد ذلك ‪.‬‬ ‫ولكن حينما كنت األمير عبد الرحمن الداخل ‪ ،‬وهربت من بطش‬

‫العباسيين مع أخيك الصغير ‪ ،‬لم تستطع أن تفتدي أخاك‬

‫حينما مسكه العباسيون ‪ ،‬وقالوا لك ‪ - :‬عد واال نقتل أخاك ‪.‬‬ ‫وأدركت خدعتهم ‪ ،‬فهم سيقتلونك معه حتما ‪ ،‬لذلك جعلوك تشهد قطع‬ ‫رأس أخيك ‪ ،‬وبينك وبينهم مياه نهر الفرات ‪.‬‬ ‫وانطلقت تعدو صوب المغرب مثل الصقر ‪ ،‬تقطع الفيافي والوهاد ‪،‬‬ ‫حتى وصلت اسبانيا ( االندلس ) وأعدت مجد بني أمية ثالثين سنة ‪،‬‬ ‫ولقبت بصقر قريش ‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫كم أدهشتني ارادتك فالموت فتك بكل أهلك وعشيرتك فلم توهن ولم‬ ‫تستسلم ‪ ،‬ولم يبق أمامك غير الفرار منه ‪ ،‬وهو يطاردك بجنده وخيوله‬ ‫وسيوفه ‪ ،‬وبينك وبينه قاب قوسين أو أدنى ‪ ،‬لكنك كنت تسبقه دائما ‪ ،‬بل‬ ‫ان هللا كتب لك النجاة مهما أحيط بك من أخطار‪ ،‬وكتب لك حكم‬ ‫األندلس ‪ ،‬اذ لوال سقوط دولتك في الشام لما أسست الدولة االموية في‬ ‫األندلس ‪.‬‬ ‫وا أسفي عليك فقد رأيتك في مكة يبايعك كل العرب خليفة عليهم في‬ ‫وقت ال يوجد خليفة في الشام ‪ ،‬وبعد أن يتوطد ملكك يظهر خليفة الشام‬

‫‪ ،‬ويرسل لك جيشا على رأسه الحجاج فيطوق‬

‫مكة ويرميها بالمنجنيق ‪ ،‬وتساقط رجالك ‪ ،‬وارتد أكثر مريديك حتى بقيت‬ ‫مترددا بين الصمود أو األستسالم ‪ ،‬وأنت من ؟‬ ‫_عبد هللا بن الزبير ‪ ،‬ووالدتك اسماء بنت أبي بكر الصديق(ر)‬ ‫فاستشرتها ‪ ..‬فقالت لك ‪:‬‬ ‫_ ان كنت على حق فامض لشأنك ‪ ..‬وان كنت أردت الدنيا فبئس‬ ‫العبد أنت ‪ ..‬أهلكت نفسك ومن معك ‪.‬‬ ‫فقلت لها ‪:‬‬ ‫_ يا أمت ‪ ..‬اني أخاف أن يمثلوا بي ‪.‬‬ ‫‪18‬‬


‫فقالت لك ‪:‬‬ ‫_ ان الشاة ال يضيرها سلخها بعد ذبحها ‪.‬‬ ‫وعدت تحارب الى أن فتك بك الحجاج وعلقك على عمود الخشب‬ ‫أياما ‪ ،‬حتى مرت والدتك وقالت ‪:‬‬ ‫_ أما آن لهذا الفارس أن يترجل ؟ ‪.‬‬ ‫فليتك ما رغبت بالخالفة ‪ ،‬فما من أحد صعد سدرتها اال وكانت‬ ‫نهايته غير مشرفة ‪ ..‬فالعجب كل العجب من مغرياتك أيتها االمارة‬ ‫االمارة بالموت ‪ ،‬حين أغريت أحدهم ليتسنمك ليوم واحد ‪ ،‬كما حدث ألبن‬ ‫ّ‬ ‫المعتز ‪ ،‬وراح ضحيتها ‪.‬‬

‫وارتفع مقامك في نظري ‪ ،‬حينما ترفعت عن االمارة ‪ ،‬وتركتها ألخيك‬

‫أألصغر منك منصور الحمادي ‪ ،‬وحينما أفتديته بنفسك وكان الموت منه‬ ‫قد اقترب ‪ ،‬وذلك عندما فتح العرب شمال أفريقيا ‪ ،‬واجتاحوا القيروان ‪،‬‬ ‫وهرب أميرها المعز بن باديس الى المهدية ‪ ،‬فأراد أخوك منصور أن‬ ‫ينصر أبن عمك المعز ‪ ،‬وجيش الجيوش ليصد العرب الفاتحين ‪،‬‬ ‫وحاولت أن تنصحه بعدم مقاتلة العرب وقلت له ‪:‬‬ ‫_ أنت ببالدك فابعث اليهم ‪ ،‬وصانعهم ‪ ،‬يأتوك خاضعين طامعين في‬ ‫حبائك (عطائك) ‪ ،‬فهذا من خلق العرب قديما ‪.‬‬ ‫فلم يستمع لنصحك ‪ ،‬بل سار بجيشه لمقاتلتهم وانهزم جيشــه ‪،‬‬ ‫‪19‬‬


‫وطارده العرب ليقتلوه ‪ ..‬وقلت له ‪:‬‬ ‫ ألم أنهك عن مالقاتهم بنفسك ؟ ولكن أعطني عمامتك ورآيتك‬‫ألقود الجيش المتبقي ‪ ،‬وانج أنت بنفسك ‪.‬‬ ‫فسلمك القيادة ‪ ،‬ورجع الى قلعة الحماديين في بجاية ‪ ،‬وكنت تعرف‬

‫أن الموت سيتحول أليك بعد أنكسار الجيش ‪ ،‬والمطاردون العرب يريدون‬ ‫رأس األمير وعالمته العمامة المميزة ‪ ،‬والراية التي يحملها ‪.‬‬ ‫وما هي اال ساعات حتى كانت نهايتك ‪ ،‬وكنت مثاال ألفتداء األخ‬ ‫ألخيه ‪ ،‬ومن أغرب ما فعله أمير من األمراء ‪ ،‬فما من أمير في التاريخ‬ ‫اال قتل أخاه من أجل األمارة ‪ ،‬أو قتل أباه ‪ ،‬أو قتل عمه ‪ ،‬أو أحد أقاربه‬ ‫ليستولي على األمارة ‪ ،‬ولكن كونك بهذه الحكمة وهذه التضحية من أجل‬ ‫أخيك األصغر ‪ ،‬فهذا مما يدونه التاريخ بشرف وفخر لك ‪ ،‬فليتك كنت‬

‫أنت األمير الحقيقي لقدت البالد بحكمة دون اراقة الدماء ‪ ،‬ولكن هيهات‬ ‫لالماني أن تتحقق ‪ ،‬ألن االماني للمستقبل ال للماضي المندثر ‪.‬‬

‫فكم رأيتك في مواقف شتى ‪ ،‬وتمنيت لو توقف الزمن ورجع الى‬

‫الوراء ‪ ،‬وفعلت عكس ما فعلت لتغير مجرى األحداث كليا ‪.‬‬

‫ها أنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الل ـه عنك في‬

‫معركة ( صفين ) حينما برزت في ساحة المع ـركة وبارزت عمرو‬ ‫‪20‬‬


‫أبن العاص ‪ ،‬ولويت سيفه وأسقطته عن فرسه الى األرض ‪ ،‬وراح‬ ‫يستعطفك ‪ ،‬فتركته ألنك تحمل خلق الرسول الكريم صلى هللا عليه وسلم‬ ‫‪.‬‬

‫آه لولم تتركه ‪ ،‬بل أنزلت به قانون المنازلة ‪ ،‬مثلما لو تمكن منك ‪،‬‬

‫فقد جاء قاصدا قتلك ‪ ..‬فلو قتلته تلك اللحظة لقتلت شيطان معاوية ‪،‬‬ ‫فماذا فعل بعد أن عاد الى جيش معاوية ؟ وبعد أن شاهد جيشك يوشك‬ ‫على احراز النصر ‪ ..‬ابتدع حيلة تحكيم القرآن الكريم ‪ ،‬ووضعك بين‬ ‫أمرين قبولك أو رفضك يؤديان الى انقسام جيشك وهذا ما حدث ‪،‬‬ ‫وأألدهى حينما خدع مبعوثك في التحكيم ‪ ،‬وسلب األمارة منك وقدمها‬ ‫لمعاوية بن أبي سفيان ‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫الحـكيـم والـواقـع‬ ‫سمعت عنك بأنك كنت حمورابي تستلم القوانين من األله ‪ ،‬وكان‬ ‫عصرك من العصور الذهبية ‪ ،‬اذ جعلت أنوار قوانينك تشع من ذلك‬

‫الحجر األسود ( المسلة ) التي دونت عليه ‪ ،‬وما زال البشر يستمدون‬ ‫احكامهم منها ‪.‬‬ ‫وحذا حذوك بوذا ‪ ..‬وكونفوشيوس ‪ ..‬وليقورع ‪ ..‬وماني ‪ ..‬ولم‬

‫يقولوا انهم أنبياء مبعوثون من هللا ‪ ،‬بل جاءت أفكارهم من التنوير الذي‬

‫شع في دواخلهم ‪ ،‬وجميعهم ماتوا وهم مدركون ان رسالتهم لن تمتد مثلما‬

‫أرادوا لها في الواقع التطبيقي ‪.‬‬

‫وأخبرت عنك حينما كنت الفرعون اخناتون ‪ ،‬وأبصرت النور فجعلته‬

‫أول اله خالق ثم جعلت نور الشمس هو رب المشرق والمغرب ‪ ،‬فأردت‬ ‫نشر أفكارك بطريقة الشعراء وخياالتهم ‪ ،‬فحطمت كل العبادات والعادات‬ ‫بيوم واحد ‪ ،‬فثار عليك الكهنة ‪ ،‬وحرضوا الشعب حتى اسقطوك ‪.‬‬ ‫فليتك عرفت كيف تنشر أفكارك ‪ ،‬وكيف تجعل لك قاعدة شعبية‬ ‫تنصرك على عادات وتقاليد واصنام رسخت في النفوس مئات السنين ‪،‬‬ ‫فكيف بك بيوم واحد تريد تغيير كل شيء ‪.‬‬ ‫ولكنك تعود من جديد بعد أكثر من ألفي سنة باسم زرادشــت ‪،‬‬ ‫‪22‬‬


‫تبصر الضوء والظالم الهين ‪ ،‬فتقدسهما ‪ ،‬وتبحث عن من يعينك على‬ ‫نشر أفكارك الجنونية ‪ ،‬وتجده في ملك الساسانيين ‪ ،‬فخدعت عقله وشعبه‬ ‫‪ ،‬وما علمت أنك تبصر النور فقط ‪ ،‬ولكن داخل نفسك ظالم دامس ‪.‬‬ ‫وها أنت ديجونوس تحمل فانوسا مؤتلقا في وضح النهار باحثا عن‬ ‫األنسان وعن الحقيقة ‪ ،‬فكم كان بودي أن تشعل مصباحا غيره في داخلك‬ ‫يبدد ظلمات نفسك ‪ ،‬أذ أنت تحمل الفانوس ساخ ار من األنسان وأنت‬

‫األنسان في وقت واحد ‪ ،‬ولكنك ال ترى أحدا سوى نفسك المظلمة‪.‬‬

‫كم أنت تعيس أيها األنسان غير المؤمن باهلل ‪ ،‬تبحث عن الحقيقة في‬

‫هذه الدنيا الفانية ‪ ،‬والهنود يقولون لك ان الحقيقة هي الجوهر ‪ ،‬وتسأل ‪:‬‬ ‫أين هو ؟ فيأتونك بالمشبهات فال تقتنع ‪ ،‬وتواصل البحث بجد ‪ ،‬ويمتد‬

‫بصرك الى جدران الكون ويعود حسي ار ‪ ،‬أذ ما تزال واقفا على االرض ‪،‬‬ ‫فالسماء وما فيها من قمر وشمس ونجوم أبعادك الظاهرية ‪ ،‬تبصرها‬ ‫تتحرك مثلما أنت تتحرك ‪ ،‬ومثلما األرض تتحرك ‪ ،‬فقلت انها وحدة‬

‫الوجود ‪ ،‬وقلت بأن هللا والكون كيان واحد ‪ ،‬بداللة احساسنا به جزء من‬

‫كيانه ‪ ،‬وقوته في تحريك الكون بكل جزيئاته جزء من كيانه أيضا ‪ ،‬ولم‬ ‫تقتنع وبقيت تبحث ‪ ،‬تريد أن تخرج من القمقم ‪،‬‬ ‫‪23‬‬


‫وتخترق جدران الكون ‪ ،‬ألنهم قالوا لك بأن هللا جل جالله منفصل عن‬ ‫الكون ‪ ،‬فاشتدت بك الرغبة أن تمد ابعادك الحسية حتى حدود الالحدود‪.‬‬

‫فيا لك من ضائع ‪ ،‬شريد فك ار وروحا ‪ ،‬فاهلل تعالى قد أودع أس ارره‬ ‫في جسمك ‪ ،‬وانت تبحث عن سره في اعماق السماء ‪ ،‬تمخرها طوال‬

‫وعرضا ‪ ،‬دون نتيجة ‪.‬‬

‫أذ خلية من خالياك الدموية تكفي لشرح نظام االرض ‪ ،‬وفكرة من‬ ‫أفكار عقلك تكفي لشرح حركة النور ‪ ،‬فأنت خلية تدب على االرض ‪،‬‬ ‫واالرض خلية تدب حول الشمس‪ ،‬والشمس خلية داخل المجرة ‪ ،‬والمجرة‬

‫خلية بجوف الكون ‪ ،‬والكون جسم متناسق مخلوق لغاية لن يصل ادراك‬ ‫العقل البشري لها أبدا ‪.‬‬

‫‪24‬‬


‫القـائــد الطـمــوح‬ ‫آه ‪ ..‬كم كتب عنك التاريخ ‪ ،‬فقد كنت دائما البطل الشجاع الذي‬

‫يجندل االالف بضربة سيف ‪ ،‬ألن التاريخ ال يسجل في صفحاته سوى‬ ‫من يسفك الدماء غزيرة ‪ ،‬وال يهمه مبررات القتل ‪ ،‬ان كانت حربا من‬ ‫اجل الدين أم من أجل الدنيا ‪ ،‬ألنه ترك تقرير ذلك للمؤرخين ‪ ،‬كي‬ ‫يضعوك في الصفحات البيض او السود ‪ ،‬وفي كل االحوال ال يفكر‬ ‫التاريخ بالشعوب بل ينساها ‪ ،‬ويسجلك بطال قد قتلت أبناء جنسك بقوتك‬ ‫وسطوتك وسالحك الفتاك ‪.‬‬ ‫أما كنت أخيل اليونان عندما هجمت بجيشك على طروادة ‪ ،‬وأفنيت‬ ‫الطرواديين اآلمنيين ‪ ،‬وقتلت هكتور الشجاع ‪ ،‬ومثلت به بعد موته ‪ ،‬ولم‬

‫تعلم بأنك مثلت بنفسك ‪.‬‬

‫وظننتك مت بعد أن اتاك سهم بساقك وطواك الزمن ‪ ،‬ولكنك تعود ‪،‬‬ ‫ويعود التاريخ يسجل بطوالتك ‪ ..‬عدت بصورة األسكندر المقدوني ‪،‬‬ ‫وقدت الجيوش المقدونية مجتاحا آسيا كسيل عرمرم يفتت في طريقه كل‬ ‫شيء ‪ ،‬وقد دهشت من شجاعتك وبطولتك المذهلتين ‪ ،‬اذ كنت تقوم‬

‫بتمارين رياضية عنيفة ‪ ،‬حين تنزل من العربة وهي تجري باقصى سرعة‬

‫خيولها ‪ ،‬ثم تجري خلفها وتعتليها من جديد ‪ ،‬وكم صفق ل ـك‬ ‫‪25‬‬


‫الجند حينما تنازل االسود وتقتلها بعد مصارعة حرة معها ‪ ،‬واالكثر بطولة‬ ‫هو اعتالؤك أسوار ماليا العالية مع اثنين من محاربيك ‪ ،‬وعندما تحطم‬ ‫السلم صرتم وحدكم أمام االعداء ‪ ،‬فبرهنت لجندك ما هي الشجاعة ‪،‬‬ ‫وواجهت بمفردك جيش العدو ا لذي ظن أنك لقمة سائغة بين يديه ‪ ،‬وما‬ ‫دروا أنك شوكة قاتلة ‪ ،‬وأنك تعادل جيشك بأكمله ‪ ،‬فلم ترتع ولم تهتز‬ ‫لك شعرة ‪ ،‬بل صمدت ‪ ،‬وجالدت ‪ ،‬وكافحت ببسالة حتى بدأ جندك‬

‫يدكون االسوار ويقدمون التضحيات في سبيلك ‪ ،‬وأنقذوك وأنت مثقل‬ ‫بالجروح ‪.‬‬

‫وانطلقت الى الشرق ‪ ،‬وفتحت المدن بسهولة ‪ ،‬وبعدها اردت أن‬

‫تخترق بجيشك روسيا القابعة في الشمال ‪ ،‬وقدت جيشك مخترقا صحراء‬ ‫( جد روسيا ) فهلك جندك من التعب والحر والعطش ‪ ،‬الن الصحراء‬

‫تمتد وتتسع ن والشمس فوق الرؤس حارقة ملهبة ‪،‬تشوي ‪ ،‬وتميت ‪،‬‬ ‫فتساقط جندك كأوراق الخريف اليابسة ‪ ،‬وعدت متخاذال تجر فلول جيشك‬

‫المتعب ‪ ،‬الممزق برمال الصحراء العطشى ‪.‬‬

‫حاربتك الطبيعة وانتصرت عليك ولم تتعظ ‪ ،‬فقد أبصرتك بعد الف‬

‫من السنين وأنت تعتمر قبعة على شكل زورق مقلوب فوق رأسك ‪،‬‬

‫وينادونك نابليون وتسوق أمامك آآلف القطعان البشرية عبر أوربا ‪،‬‬

‫‪26‬‬


‫وقضموا الشعوب قضم الحشائش ‪ ،‬وسيطرت على دول كثيرة بسهولة‬ ‫فائقة ‪ ،‬ولم تكتف بذلك بل توغلت عبر جبال الثلوج ‪ ،‬متجها صوب‬ ‫روسيا ‪ ،‬ولم يردعك الصقيع الول وهلة ‪ ،‬بل تصورت عظامك الرقيقة‬ ‫وجسمك القصير غير المتناسق يستطيعان الصمود أمام لذعات البرد ‪،‬‬ ‫واجتزت صحراء الثلج الروسية ‪ ،‬وتساقط جندك من شدة الزمهرير وأوحال‬ ‫الثلوج ‪ ،‬قبل الوصول الى أول مدينة ‪ ..‬ولم ترضخ للواقع اال بعد خسارة‬ ‫فادحة مع الطبيعة ‪ ،‬وانتصرت عليك ثانية ‪ ،‬وعدت تجرجر أذيال الخيبة‬ ‫والخذالن ‪.‬‬ ‫وكم تألمت من افكارك ‪ ،‬اذ كنت تتصور المجد والخلود والعظمة في‬ ‫السيطرة على شعوب الكرة االرضية ‪ ،‬ولم تتعلم بأن اعمار القادة والملوك‬ ‫والخلفاء واالباطرة قصيرة جدا ‪ ،‬وان خلودهم لعنة سوداء ‪ ،‬فأين وضع‬ ‫التاريخ ‪ ..‬جنكيزخان ‪ ..‬وهوالكو ‪ ..‬وهتلر ‪ ..‬وموسليني ‪ ..‬صارت‬ ‫شعوبهم تلعنهم ‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫قـاتـل النســـــاء‬

‫لم أفهمك ‪ ،‬واذا فهمتك أنكرت فعلتك ‪ ،‬اذ كيف لمخلوق أن يقتل‬ ‫نصفه الثاني ‪ ،‬أ ليست وحشية لم نجدها عند الوحوش ‪ ،‬فكيف تسول لك‬ ‫نفسك قتل زوجتك أو حبيبتك ‪ ،‬فليت شجرة الدر أميرة مصر تعود وتقتلك‬ ‫بقبقابها ‪ ،‬وتنتقم لبني جنسها منك ‪.‬‬ ‫فقد قرأت عنك وأنت في الماضي الضبابي ‪ ،‬وتسمى شهريار ‪،‬‬

‫تحب التمتع بالنساء ‪ ،‬فما أن تتزوج احداهن حتى تقتلها في اليوم الثاني ‪،‬‬ ‫فكم قد تمتعت وكم قد ذبحت ‪ ،‬بحجة أن ال أمآن لهن ‪ ،‬أ بسبب ؟ واحدة‬ ‫منهن قد خانتك حينما تركتها مع خادمك وذهبت للصيد والقنص لعدة ايام‬ ‫‪ ..‬وما فكرت بوحدتها ! ‪ ،‬أنت تتسلى بهوايتك ‪ ،‬وهي تقبع في القصر‬

‫دون وسيلة تسلية سوى انتظار رجوعك منتص ار على غزالن البرية ‪.‬‬

‫وسمعت عنك ثانية ويلقبونك ذا اللحية الزرقاء في بيرو الفرنسية ‪،‬‬

‫حيث وصل بك الجنون الى قتل كل زوجاتك السابقات ‪ ،‬لماذا ؟ النك‬

‫تضجر من كل امرأة تتزوجها ‪ ..‬فتسكتها لتأتي بأخرى لعلها تسعدك ‪ ،‬أما‬ ‫كان األجدر بك أن تسرحهن أو أن تهرب منهن ‪ ،‬ولكنك سفاح دماء ‪،‬‬ ‫الترضى اال ابادة الجنس اآلخر‬

‫وأبصرك في روما واسمك نيرون تترك زمام الحكم بيد أم ـك‬ ‫‪28‬‬


‫وزوجتك ‪ ،‬ألنك ضعيف الشخصية ‪ ،‬منشغل في رياضتك وغنائك ‪،‬وحين‬ ‫أصابتك هلوسة العظمة أردت أن تثبت رجولتك وسطوتك فقتلت زوجتك‬ ‫أوكتافيا ثم أمك اغريبينا وحرقت روما لتبني بدلها مدينة أحالمك ‪ ،‬فما‬

‫أشد غباء شعبك حين نصبوك امبراطو ار ‪ ،‬فجنون العظمة ال يصيب اال‬

‫البلهاء ‪.‬‬ ‫ويمضي الزمن وأراك في روسيا وأنت الداهية أبن االسكافي ستالين‬ ‫تحكم روسيا بيد من حديد ‪ ،‬أزحت من الحكم كل من تشك بوالئه لك حتى‬ ‫طال القتل زوجتك‬

‫‪ ،‬لماذا ؟ أألنها خالفت أفكارك السياسية ‪ ،‬فلم‬

‫ترتضك دكتاتو ار ‪ ،‬وكانت من الشجاعة بمكان ‪ ،‬ألنها الوحيدة التي‬ ‫جاهرت بالقول لك ‪ - :‬أنك طاغية ‪.‬‬ ‫وها أنت في أمريكا رئيسا ورقمك (‪ )35‬واسمك كنيدي ‪ ،‬تعشق‬ ‫مارلين مورلو ‪ ،‬المرأة الهشة ‪ ،‬جميلة السينما ‪ ،‬وتمضي معها أحلى‬ ‫لياليك السرية ‪ ،‬وتوعز بقتلها لوكالة االستخبارات المركزية ‪ ..‬لماذا ؟ أ‬

‫ألنها عرفت أسرار الحكم أكثر مما يجب ‪ ،‬ام انك لم تكتشف اللعبة ألنها‬ ‫انطلت عليك ‪ ،‬فزوجتك جاكلين المتسلطة لم ترتض لنفسها منافسة لها‬ ‫عند زوجها وهي الرئيسة الفعلية ال أنت ‪ ،‬فكيف تسرقك منها امرأة تملك‬ ‫عقل العصافير ‪.‬‬

‫وهذا ما حدث قبل ذلك وأنت الملك فاروق في مصر‪ ،‬حين كلفت‬

‫من يقتل حبيبتك اسمهــان صاحبة الصوت الحزيــن ‪ ،‬ولـ ــم‬ ‫‪29‬‬


‫تدرك لعبة زوجتك سيدة القصر ‪ ،‬بحيث أوحت لك بأنها تتدخل في‬ ‫حكمك وسياستك وانها جاسوسة تسرب االسرار المصرية لالعداء ‪.‬‬

‫كم أنتم قساة أيها الحكام ‪ ،‬تملكون العباد وتتخيرون أجمل النساء ‪،‬‬

‫وحين تكتفون منهن تزيحونهن من الوجود ‪.‬‬

‫فما الذي فعلته حين كنت عطيل في مسرحية شكسبير‪ ،‬حين‬ ‫شككت بزوجتك ديدمونة تخونك ‪ ،‬استللت خنجرك وطعنتها حتى الموت‬

‫‪ ،‬وهذا ما فعلته ‪ -‬حين كنت الشاعر ديــك الجن – بجاريتك‬

‫وحبيبتك حين ظننت بخيانتها لك ‪ ،‬سحبت خنجرك وذبحتها من الوريد‬ ‫الى الوريد ‪ ،‬جريمتك ال تنسى رغم تباكيك عليها بكاء شاعريا ‪.‬‬ ‫ولكن ادهى ما رأيت أن تقتل زوجتك وأنت ميت ‪ ..‬فهذا ما لم يكن‬

‫في الحسبان ‪ ،‬ففي الهند سننت قانونا استمر لقرون كثيرة ‪ ،‬وهو أن تحرق‬ ‫أو تدفن زوجتك وهي حية معك عند موتك ‪ ،‬لكي ال يتمتع بها شخص‬

‫آخر بعد موتك ‪ ،‬فيا ترى هل تمتعت بقتلها وأنت ميت ؟ وشعرت كيف‬ ‫تلفظ المسكينة انفاسها مع جثتك الهامدة ‪.‬‬ ‫وأغرب ما سمعت عنك حينما كنت عضد الدولة البويهي ‪،‬‬

‫وعشقت جاريتك ذات الجمال الخارق ‪ ،‬وتولهت بها الى درجة اشغلتك‬ ‫عن تسيير أمور الدولة ‪ ،‬فما كان منك اال أن تقتلها لتستريح وتنساها ‪،‬‬ ‫وانت تعلم انك تقتل امرأة بريئة من كل ذنب ‪.‬‬ ‫‪30‬‬


‫العـبـقـري الخـالـد‬ ‫طرحت من العلم أعظمه ‪ ،‬وخططت بهندسة دقيقة ‪ ،‬ورسمت من‬ ‫اللوحات أبدعها ‪ ،‬ونحت التماثيل ببراعة ال توصف ‪ ،‬وتنبأت عما سيحل‬ ‫باألنسان ‪ ،‬وكان اسمك دافنشي ‪.‬‬

‫حقا ان العباقرة قليلون ‪ ،‬فما خلدتك مخترعاتك من مدافع وقنابل‪،‬‬

‫وال تخطيطاتك الهندسية ‪ ،‬وال منحوتاتك الجدارية ‪ ،‬وال كتاباتك الفكريــة ‪،‬‬ ‫مثلما خلدتك لوحتان هما المونالي از والعشاء األخير ‪.‬‬ ‫في اللوحة األخيرة جسدت البشر في الحواريين بكل صفاتهم حتى‬ ‫المرأة التي بينهم ‪ ،‬وأعطيت البراءة لوجه السيد المسيح عليه السالم ‪،‬‬ ‫وجعلت يهوذا االسخريطي الذي باع سيده بدراهم معدودة بال قلب ‪،‬‬ ‫وتنطلق من وجهه الشرور الشيطانية ‪.‬‬ ‫وفي لوحة الموناليز ا الخالدة ‪ ،‬جعلت كل من ينظر اليها يحس انه‬

‫أمام امرأة تبتسم له مرة ‪ ،‬وتخفي ابتسامتها مرة اخرى ‪ ،‬فأي سحر في‬ ‫صورة امرأة توزع ابتساماتها للناظرين ‪.‬‬ ‫لكني تألمت حينما رأيتك قد رسمت لوحة أجمل من المونالي از ‪،‬‬

‫وكان اسمك انطون فيشر ‪ ،‬وجعلت الناظر اليها يتصورها تتنفس وهي‬

‫‪31‬‬


‫تنظر اليه أينما يذهب ‪ ..‬لكنها لم تلق الشهرة الختفائها بأقبية األنانيين ‪،‬‬ ‫واألشد م اررة أن يخلو سجل لوحاتك من هذه اللوحة الفريدة ‪.‬‬ ‫وكم تمنيتك يا دافنشي لو لم تكتشف عفريت الموت الكامن داخل‬ ‫القمقم ‪ ،‬فقد كان وباال على البشرية حينما اخرجوه من القمقم‪ ،‬وقد تنبأت‬ ‫بذلك حينما قلت ‪:‬‬

‫ سينفجر من تحت االرض ما سيصم أذآن الذين يقفون قريبا منه ‪،‬‬‫بصوته الصاعق ‪ ،‬وسيجعل الناس يسقطون أمواتا عندما تالمسهم‬ ‫انفاسه ‪ ،‬وانه سيمحو المدن والقالع ‪ ،‬وسيلوح للبشر بأنهم يرون‬ ‫دما ار جديدا في السماء ‪ ،‬وان اللهيب يهبط عليهم منها وستضرم‬ ‫اشعة الشمس النيران على وجه االرض ‪ ،‬فيضيء كل ما يقع‬ ‫تحت الشمس ‪ ،‬وسيتعس الناس ان يروا اعمالهم تبلى وتباد ‪.‬‬

‫نعم تحقق ما رأيته في عالم الغيب ‪ ،‬فبعد اربعة قرون اطلق البشر‬ ‫المارد من القنبلة الذرية على هيروشيما وعلى نكزاكي ‪ ،‬فأحال المدن بمن‬ ‫فيها الى رماد تذروه الرياح ‪.‬‬ ‫وأبصر اعمالك في نفس الفترة في ايطاليا أيضا وانت ميكال انجلو‬ ‫وبرعت بالرسم والنحت ‪ ،‬ونحت تمثاال أطلقت عليه اسم موسى ‪ ،‬وحين‬ ‫انتهيت منه ادهشتك دقته ‪ ،‬وكماله ‪ ،‬فرحت تصرخ به ‪:‬‬ ‫‪32‬‬


‫( انطق ‪ ..‬تكلم ) وحين لم تجد جوابا ‪ ،‬تضربه بما تحمله بقوة ‪ ،‬فيا لك‬ ‫من فنان يريد ان يقلد الخالق ‪ ..‬وماعلمت ان هللا جل وعال له مقدرة ال‬ ‫تحد وال تقلد ‪.‬‬ ‫لكنك أدهشتني أكثر حينما شاهدت ملحمتك ( يوم الدينونة ) على‬ ‫جدار قاعة في الفاتكان في روما ‪ ،‬بمساحة مهولة ‪ ،‬فاستلقيت على‬ ‫االرض ألتمعن بما ابدعته عبقريتك الفذة ‪ ،‬اذ كيف رسمت هذه الملحمة‬ ‫؟ منذ أن خلق هللا آدم الى يوم القيامة ‪ ..‬حقا انك رسمت ونحت من‬ ‫لحمك ودمك من عقلك وقلبك ‪ ،‬فجاء عملك آية خارقة مذهلة ‪.‬‬ ‫وقرأت لك في اعترافاتك تقول ‪:‬‬ ‫ ( كنت أؤمن بالطبيعة الجبارة فقط بالطبيعة التي تطلب الى‬‫االنسان أن يكون قويا ‪ ،‬وتأبى ان تشفق عليه اذا لم يكن قويا بل‬

‫وتحثه على القوة حتى وان كان ظالما ) ‪.‬‬

‫واتذكرك في القرن العاشر عبقريا واسمك الفارابي وتلقب بالمعلم‬

‫الثاني بعد ارسطو ‪ ،‬وتوحد الدين والفلسفة ‪ ،‬وتفسر اتصال االنبياء‬

‫والفالسفة بالعقل االعظم ‪ ،‬وتضع اول رؤيا للمدينة الفاضلة ‪ ،‬وتبرع‬

‫في الموسيقى حتى اخترعت آلة نغمية تحرك اوتارها فتتحرك‬

‫انفعاالت الناس ‪ ،‬فتبكيهم بلحن وتفرحهم بلحن ‪ ،‬وتجعلهم يغطون في‬ ‫نوم لذيذ بلحن آخر ‪.‬‬ ‫‪33‬‬


‫فيا لك من عبقري رحلت تاركا اضخم كتاب في الموسيقــى‬

‫ولكن مع االسف الشديد انك وضعته في الشرق النائم ‪ ،‬ولو وضعته في‬ ‫الغرب لكان لك صيت وأي صيت ! وما كل ما تشتهي النفس تدركه ‪.‬‬ ‫سمعت الحانك الموسيقبة ‪ ،‬فانتشلتني من ارض الواقع الى عوالم‬

‫أثيرية ‪ ،‬تالشيني وتحولني الى ذرة ضوئية ‪ ،‬تطوف الكون ‪ ،‬وتشعرني‬ ‫بأحاسيس خالبة ‪ ،‬فكأن كل كوكب يدورحول نجم يعزف صوتا مالئكيا‬

‫أخاذا ‪ ،‬فأذا الكون كتلة موسيقية تذوب فيها النفوس وتهوم فيها االرواح‪.‬‬

‫وأنت راقد على االرض تستلهم الحانك ‪ ،‬وتجعل مئات العازفين‬

‫يعزفونها بآآلتهم المتنوعة يقلدون بها اصوات الكون البعيد ‪ ،‬ويجسدونها‬ ‫السماع البشر ‪.‬‬

‫فيا لك من روح تخترق الحجب ‪ ،‬وتتربع على عرش الموسيقى ‪،‬‬

‫وبعبقريتك تضع تسع سيمفونيات خالدة سحرت بها العالم ‪ ،‬ولفظت‬ ‫أنفاسك االخيرة وسط العواصف ‪ ،‬وقصف الرعود ‪ ،‬ووقع الصواعق ‪،‬‬ ‫وصوت المطر ‪ ،‬وأنت تصعد بروحك الى اآلخرة ‪ ،‬فكأن الطبيعة تعزف‬

‫لك لحنها السماوي ‪ ،‬وكانت ميتتك مطابقة للحنك االخير في السيمفونية‬ ‫التاسعة ‪ ..‬فاليرحمك هللا يا بتهوفن ‪ ،‬يا مكتشف اصوات الجنة قبل أن‬ ‫تذهب اليها ‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫الشــاعـر العــ ار ف‬ ‫كم أثرت دهشتي وعجبي لتطابق في الشخصية واختالف في‬

‫الزمن ‪ ،‬في القرن السابع قبل الميالد‪ ،‬لمحتك في الصين واسمك لي بو‬ ‫قد نظمت هذه القصيدة ‪:‬‬ ‫_ لقد صنعت زورقي من خشب التوابل‬ ‫ودفته من خشب الموالن‬

‫وجلس العازفون على جانبيه‬ ‫وبيدهم نايات من الخيزران المحلى بالجواهر‬

‫ومزاميرهم المرصعة بالذهب‬ ‫أ ال ما أعظم سروري‬

‫اذا كان الى جانبي دن من الخمر اللذيذ‬ ‫وغيد حسان يغنين‬

‫ونحن نطفو فوق ظهر الماء‬ ‫تدفعنا األمواج ذات اليمين وذات الشمال‬ ‫انني حقا أسعد من حوريات السماء‬ ‫الراكبات على ظهور الغرانيقهن الصفراء‬ ‫حر أنا كعريس البحر وهو يالحق النوارس‬

‫دون غرض يبتغيه‬

‫‪35‬‬


‫اني اآلن أزلزل الجبال الخمسة‬ ‫بضربات من ريشتي الملهمة‬ ‫ها أنذا قد فرغت من قصيدتي‬

‫فأنا اضحك وسروري اوسع من البحر ‪.‬‬ ‫وكنت تعاقر الخمر وبصحبتك شاعر آخر أسمه دوفو ‪ ،‬ورحتما‬

‫تجوبان البالد وتنشدان االشعار ‪ ،‬وتنامان تحت غطاء واحد ‪.‬‬

‫ولكني أراك بعد الفين وخمسمائة عام في فرنسا ‪ ،‬تعود للحياة من‬ ‫جديد ‪ ،‬وينادونك الناس باسم رامبو تنظم هذه القصيدة المسماة (المركب‬ ‫النشوان) ‪:‬‬ ‫_ ذلك المرقش باقمار كهربائية صغيرة‬

‫اللوح المجنون المندفع في صحبة افراس البحر السوداء‬

‫عندما تسوط ح اررة تموز ضربات هراوتها‬ ‫السماوات ذات الزرقة الناصعة‬ ‫وامدافن الملتهبة‬ ‫لقد ارتجفت وأنا اشعر على بعد خمسين فرسخا‬ ‫بأنين افراس البحر‬ ‫وقد اخذتها الغمة في دوامة عاصفة‬ ‫وأنت ياما تغزل أبدا‬ ‫‪36‬‬


‫فت ار ت الركود الزرقاء‬ ‫أني اشتاق الى أوربا واسوارها العتيقة‬ ‫لقد رأيت مضايق ترصعها النجوم‬ ‫وجز ار تفتح سماواتها المحمومة‬ ‫اذرعها لمن يجرفه التيار‬ ‫أيتها القوة القادمة‬

‫كأنك مليون طائر ذهبي‬ ‫أتنامين في هذه الليالي التي بال قرار‬ ‫وتنفين نفسك‬ ‫ليت قاع مركبي يتصدع ‪ ..‬فاذهب الى البحر ‪.‬‬ ‫لقد كنت صديقا لـ فيرلين تطوف معه البالد ‪ ،‬تنشدان االشعار ‪،‬‬

‫وتنامان تحت سقف واحد ‪ ،‬وتتسكعان في االزقة والطرقات ‪ ،‬تحلمان‬ ‫بالسفر والمغامرة ‪ ،‬ورؤية المجهول ‪.‬‬ ‫فما اعجبك من شاعر تكرر ما سبق وان فعلته قبل الفين وخمسمائة‬ ‫عام ‪ ،‬اذ ما اكثر التشابه بروحيكما الشاعرة وهي تجتاز بعجلة الزمن هذه‬

‫القرون ‪ ،‬عائدة لتفكر بنفس الرؤيا ‪ ،‬ونفس الشاعرية ‪ ،‬وتسلك نفس‬ ‫المغامرات ‪.‬‬ ‫ما اكثر ما كررت رؤياك عبر العصور والحقب ‪ ..‬فها أنت الشاعر‬

‫توماس ستيرن اليوت ‪ ،‬بعد الحرب العالمية األولى تنظـ ـ ــم ‪،‬‬ ‫‪37‬‬


‫قصيدة ( االرض اليباب ) باللغة االنكليزية ‪ :‬تبين فيها ان الجدب والعقم‬ ‫سيعقبه الخصب والمطر ‪ ،‬فتقول ‪:‬‬

‫ ليس في الجبال حتى السكون‬‫بل رعد أجدب ال يمطر‬ ‫ليس في الجبال حتى الوحدة‬ ‫بل وجوه قترة حمراء تسخر وتزمجر‬ ‫خالل ابواب الدور الصينية المشققة‬ ‫لو ان هنا ماء‬ ‫بال صخر ‪ ..‬لو ان هنا صخ ار‬ ‫وماء ايضا ‪ ..‬والماء نبع عين بين الصخور‬ ‫لو انه ليس اال خرير الماء‬ ‫وليس صرير الجراد‬ ‫وخشخشة الحشيش الجا ف‬ ‫بل قطر المياه على الصخور‬ ‫يسمع في ترجيع الهزار مغنيا بين أشجار الصنوبر‬ ‫قطر ‪ ..‬قطر ‪ ..‬قطر ‪ ..‬قطر ‪ ..‬قطر‬

‫وها أنت الشاعر العراقي بدر شاكر السياب بعد الحرب العالمية‬ ‫الثانية تنظم قصيدة ( انشودة المطر ) بالعربية ‪ ،‬فكأنك ترد على اليوت‬

‫بأن الخصب والمطر ال يعقبه سوى الجوع وتقول ‪:‬‬ ‫‪38‬‬


‫أكاد أسمع العراق يذخر الرعود‬

‫ويخزن البروق في السهول والجبال‬ ‫حتى اذا مافض عنها ختمها الرجال‬ ‫لم تترك الرياح من ثمود‬ ‫في الوادي من أثر‬ ‫أكاد أسمع النخيل يشرب المطر‬

‫واسمع القرى تئن والمهاجرين‬

‫يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع‬ ‫عواصف الخليج ‪ ،‬والرعود ‪ ،‬منشدين ‪:‬‬ ‫مطر‬ ‫مطر‬ ‫مطر‬ ‫وفي العراق جوع ‪.‬‬

‫والفرق بينكما ‪ :‬اليوت يدفن زوجته فيفان والسياب تدفنه زوجته اقبال‬ ‫‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫البـصـيـر المـبـصـر‬

‫استطعت أن أتوغل أليك عبر الزمن ‪ ،‬وأجدك – في القرن التاسع‬ ‫قبل التاريخ – شاع ار بصي ار واسمك هوميروس ‪ ،‬وموطنك اليونان ‪،‬‬ ‫وضعت اعظم مالحم البطولة في التاريخ ( االلياذة واالوديسا) صورت‬ ‫فيها قعقعة الحروب ‪ ..‬وجندلة االبطال ‪ ..‬وصرخات الموت ‪ ..‬وتساقط‬ ‫القالع والمدن ‪ ،‬وجعلت الحقيقة تمتزج بالخيال ‪ ،‬كأنك تعيش االحداث‬

‫بكل تفاصيلها ‪ ،‬وتؤرخها شع ار مصو ار للواقع بدقة ‪ ،‬فأنت ترى ما ال يراه‬ ‫المبصرون ‪ ،‬فكم كان لك من تأثير على العالم عبر العصور ‪.‬‬

‫ارتفعت منزلتك في نفسي حين خلقك هللا في معرة الشام في القرن‬

‫العاشر الميالدي ‪ ،‬وحزنت عليك حين فقدت بصرك وأنت في دور‬ ‫الطفولة ‪ ،‬ولكن هللا لم يتخل عنك بل منحك عقال مبص ار ‪ ،‬وشهرة‬ ‫شاعرية ‪ ،‬فسحت ببصرك في العوالم الخفية ( الجنة والنار ) ووضعت‬ ‫رسالتك االدبية ( رسالة الغفران ) تريد بها أن ترفع عنك شبهة العصر ‪..‬‬ ‫أذ ما سلم منها شاعر أو أديب أو عالم أو متصوف ‪ ،‬فكل من له ابداع‬

‫فكري تطلق عليه تهمة الزندقة ‪ ،‬فضمنت رسالتك فحوا باطنيا وفحوا‬ ‫ظاهريا ‪ ،‬وكنت تسخر من اصحاب العقول الضعيفة من أن يدركوا ما‬ ‫رميت أليه ‪ ،‬فيا لك من‬ ‫‪40‬‬


‫بصير عبقري يا أبا العلء المعري ‪.‬‬

‫ثم تعود من جديد في القرن السابع عشر الميالدي واسمك جون‬

‫ملتون ‪ ،‬وموطنك انكلت ار ‪ ،‬وتصل الى أوج الرجولة والشاعرية ولم تبدع‬ ‫مثلما ابدعت بعد فقدانك لبصرك ‪ ،‬فوضعت ملحمتك الشعري ـة‬

‫( الفردوس المفقود والفردوس المردود ) كأنك كنت الشيطان بعينه ‪ ،‬أذ‬ ‫كيف وصفت بذلك الشعر كل ما عمله الشيطان ‪ ،‬من تكبر وصلف وتحد‬ ‫واغواء ‪.‬‬ ‫ويا عجبي منك تجوب العوالم الخفية لتفهم الناس بأن الجنة والنار‬

‫ال يراها بصورة صادقة اال المبصرون ‪.‬‬

‫أسألك بضميرك ‪ - :‬ألم تعتمد على قرآننا الكريم في استنباط‬ ‫افكارك عن الشيطان فانه لم يرد في كتابكم المقدس ذكر عنه واضحا‬ ‫ومفصال مثلما ورد في القرآن الكريم ؟ ‪.‬‬ ‫ستجيب بالنفي قائال ‪ - :‬انك اعتمدت على الكوميديا االلهية‬ ‫لـدانتي ‪..‬كأنك ما عرفت بأن دانتي اعتمد كليا على القرآن الكريم وعلى‬ ‫رسالة الغفرآن ‪.‬‬

‫وبعد أن رحلت عن الدنيا ‪ ،‬خلتك عدت الى فردوسك ووجدته‬ ‫وطابت لك االقامة فيه ‪ ..‬ولكني أبصرك ترجع من جديد في عصرنا ‪،‬‬ ‫واسمك طه حسين كفيفا في مصر ‪ ،‬ورحت تنتقد ما وضعت ــه في‬ ‫‪41‬‬


‫االزمنة السابقة ‪ ..‬ولكن اشتد عجبي اذ كيف انشطرت بجسمين متشابهين‬ ‫‪ ،‬ثانيهما في العراق تحت أسم محمد مهدي البصير ‪ ،‬في نفس الفترة‬ ‫الزمنية ‪ ..‬ترحالن الى فرنسا ‪ ،‬وتمنحان شهادة الدكتوراه ‪ ،‬ويتزوج كل‬

‫منكما بفرنسية ‪ ،‬وعقلكما واحد في النقد واألدب والشعر والثورة ‪،‬‬ ‫وعصركما واحد ‪.‬‬ ‫وقد اهتم كل منكما بالروح القديمة التي وضعت رسالة الغفران ‪،‬‬ ‫كما اهتممتما بالشعر الجاهلي وأدبه ‪ ،‬وجعلتما من القرآن الكريم نبراسا‬ ‫يشع لبني البشر ‪،‬‬

‫فيا لك من بصير تكررت دون أن ترى الدنيا ‪ ،‬ولكنك آمنت‬

‫بالجمال ورأيته في خيالك ‪ ،‬ووصفته نث ار وشع ار ‪ ،‬وصار فنا خالدا يبهر‬ ‫االجيال ‪ ،‬فماذا ستصنع لو كنت بعينين سليمتين ‪ ،‬حتما ستغريك بهجة‬ ‫الدنيا وتشغلك عن عميق االفكار التي جئت بها وأنت بصير ‪.‬‬

‫‪42‬‬


‫األديـب المـنكـوب‬ ‫تألمت لحلك وأنت أبو حيان التوحيدي ‪ ،‬تشتهر بمنادمتك للوزراء‬ ‫‪ ،‬وتقربك من قصورهم وجاههم ‪ ،‬ولكن عصرك عصر قاس ‪ ،‬فما من‬ ‫وزير دام في و ازرته وما من قصر دام في عطاياه ‪ ،‬حتى صرت وحيدا ال‬

‫تجد لقمة العيش ‪ ،‬وال كتبك تجلب لك الرزق ‪ ،‬فوصل بك اليأس الى‬ ‫تجميع كتبك في كومة ‪ ،‬وتوقد بها النار وأنت تقول لها ‪:‬‬ ‫ لن يقدركم أحد بعد موتي ‪.‬‬‫يقيم عطاء العقول‬ ‫وما علمت ان األنسان في كل الكرة االرضية ال ّ‬ ‫المتنورة اال بعد موتها ‪ ،‬لكن خوفك مما كتبت أكثر من حبك للتقييم ‪،‬‬

‫حيث يكثر المتسلقون الى الحكم عن طريق سلم الوشاية ‪ ،‬وما أسهلها‬ ‫للتأويل ان كانت مدونة ‪.‬‬ ‫أي رعب يزحف خلف الكلمة حين تخرج من شرنقتها ‪ ،‬وترفرف‬ ‫بالوانها ‪ ،‬فألف حاسد ‪ ،‬وألف حاقد ‪ ،‬يشمر ذراعيه لقتلها خوفا من أن‬ ‫تزلزل مكانتهم وتفضح زيفهم ‪ ،‬وتكشف قناعهم ‪ ،‬وتقطع أرزاقهم الفاسدة‬ ‫‪.‬‬

‫فالسيف ‪ ..‬السيف ‪ ..‬وتُسحب السيوف لمطاردة فراشات الكالم ‪،‬‬ ‫للوصول الى الفم الذي انطلقن منه ‪ ،‬لتمزقه و تسكته لالبـ ـ ــد‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫فارتهب االدباء والشعراء والعلماء والمتصوفة ‪ ،‬وصاروا يتلفون‬

‫كتبهم بعيدا عن أعين الراصدين ‪ ،‬يتمنون لو لم يخط يراعهم كلمة ‪ ،‬ولم‬ ‫يسهروا الليالي ‪ ،‬ويكدوا عقولهم بالتفكير من أجل المجتمع ‪ .‬أذ لمن‬

‫يكتبون والناس ذئاب كاسرة ‪ ،‬ووحوش فاتكة ‪ ،‬فهذا الوزير محمد بن عبد‬ ‫الملك الزيات يقول ‪:‬‬

‫ الرحمة ضعف في الطبيعة ‪.‬‬‫فما أشد قسوتك حين وضعت هذه الفكرة في مخيلتك ‪ ،‬وأخذت‬

‫تتفنن بقتل الناس دون رحمة ‪ ،‬فاخترعت تنو ار ال لصناعة الخبز بل‬ ‫لتخبز الناس المساكين به ‪ ،‬وجعلت فيه مسامير مدببة ‪ ،‬فحين تولج‬ ‫مظلوما بدخله تطبقه عليه وتشعل النار من تحته ‪ ،‬فيتخبط المسكين كأنه‬

‫جرذ داخل المصيدة ‪ ،‬حتى يتمزق جسمه ‪ ،‬وما أشد ألمه ? بل أي جحيم‬ ‫هذا الذي صنعته ؟ حتى الشياطين لم يخطر لها أن يتعذب االنسان –‬ ‫قبل قتله – بهذا التعذيب ‪.‬‬ ‫وعندما دارت الدنيا عليك ‪ ،‬رحت تستصرخ الرحمة أن ترحمك‪..‬‬ ‫لكنها أدارت وجهها عنك لهول ما شهدت منك من اجحاف بحقها ‪ ،‬مع‬ ‫العلم انك كنت محسوبا على اصحاب القلم ‪ .‬واحسرتاه عليك ‪ ..‬أية ميتة‬ ‫مت ؟ يا عبد الحميد الكاتب فلو تركك مروان بن محمد (آخر خليفة‬ ‫أموي) أن تم ــوت معــه لكان ارحــم لـك‬

‫‪44‬‬


‫ولكن السفاح العباسي حين ألقي القبض عليك ‪ ،‬أمر صاحب شرطته أن‬ ‫يحمي طشتا بالنار حتى يتقد ‪ ،‬ويضعه على رأسك عدة مرات‪ ،‬فأي اعدام‬ ‫هذا ? أال يشبه الكرسي الكهربائي الذي اخترعه االميركان في عصرنا ‪.‬‬ ‫وصديقك ‪ ،‬ما حال صديقك ابن المقفع ‪ ،‬فقد أشعل والي البصرة‬ ‫تنو ار ‪ ،‬وأمر بقطع أوصاله عضوا عضوا ‪ ،‬وراح يرميها في التنور ‪،‬‬ ‫والمسكين بين صراخ وعويل ينظر الى جسمه يقطع ‪ ،‬حتى وصل الى‬ ‫رأسه ورماه في التنور ‪.‬‬ ‫وصدق أبن المقفع حين قال لقاتله ‪:‬‬

‫ اذا مات مثلي مات بموته خلق كثير وأنت تموت ليس يدري‬‫بموتك ال صغير وال كبير ‪.‬‬ ‫أي درس في الرعب بثثته الصحاب الكلمة حتى سارعوا لؤد‬ ‫كلمتهم ‪ ..‬فها أنت أبو عمرو بن العلء وأنت من كبار العلماء العرب ‪،‬‬ ‫تدفن كتبك في باطن االرض ضنا بها على الناس الذين لم يقدروها حق‬ ‫قدرها ‪ ،‬وخوفا منهم أن يؤولوا ما كتبت ‪ ،‬فمن جملة واحدة ممكن أن‬ ‫يستنبطوا تهمة العصر ‪ ،‬فآليت أن تريح وتستريح ‪.‬‬ ‫وها أنت داود الطائي ‪ ..‬أزهد زهاد الكــوفة ‪ ،‬حين تــدرك‬ ‫‪45‬‬


‫حقيقة ما وصلت اليه ‪ ،‬تفعل عين الشيء ‪ ،‬وتطرح كتبك في نهر الفرات‬ ‫وتناجيها ‪:‬‬ ‫ نعم الدليل كنت ‪ ،‬والوقوف مع الدليل بعد الوصول عناء وذهول‬‫‪ ،‬وبالء وخمول ‪.‬‬ ‫فوقيت نفسك من تشهير بما ليس فيها ‪ ،‬وتحويرفي معانيها ‪.‬‬

‫وها أنت سفيان الثوري امام المحدثين ‪ ،‬تمزق الف جزء من كتبك‬ ‫وتطيرها في الرياح وتقول ‪:‬‬ ‫ ليت يدي قطعت من ها هنا ‪ ،‬بل من ها هنا ‪ ،‬ولم اكتب حرفا !‬‫‪.‬‬ ‫أما يكفي انك قطعتها فعال ‪ ،‬وهي التي كتبت أحاديث رسول هللا‬ ‫صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ولكن أحسن ما مزقته هو كتاب الخليفة المهدي‬ ‫حين عهد اليك قضاء الكوفة ‪ ،‬ورميته في دجلة ‪ ،‬واختفيت ‪ ..‬بحيث‬ ‫بحثوا عنك في كل مكان فلم يجدوك ‪ ..‬آه ما اشقى االنسان أمام الحرف‬ ‫وتأويله عند شياطين البشر ? ‪.‬‬ ‫وها أنت يوسف بن اسباط ‪ ،‬سيد الوعاظ ‪ ،‬تحمل كتبك الى غار‬ ‫في جبل بعيد عن اعين الناس ‪ ،‬وتطرحها فيه ‪ ،‬وتسد الغار بصخرة‬ ‫وتقول ‪:‬‬ ‫ دلنا العلم في االول ‪ ،‬ثم كاد يضلنا في الثاني ‪ ،‬فهجرناه لوجه ما‬‫وصلناه ‪ ،‬وكرهناه من أجل ما أردناه ‪.‬‬ ‫‪46‬‬


‫كان يأسك به شيء من األمل والمغامرة ‪ ،‬فعسى أن يحيهما هللا‬ ‫في زمان غير هذا الزمان المتعسف ‪ ،‬وهاجسك يتمنى أن ال تكتشف في‬ ‫زمنك ‪.‬‬ ‫وها أنت أبو سعيد السيرافي مفتي بغداد تقول لولدك ‪:‬‬ ‫ تركت لك هذه الكتب تكتسب بها خير اآلجال ‪ ،‬فاذا رأيتها تخونك‬‫فاجعلها طعمة للنار‪.‬‬

‫وأنت تعلم كل العلم ان كتبك ال تخون ‪ ،‬النك أنت كاتبها ‪ ،‬ولكن‬

‫خوفك من تأويل االنسان الذي يقرأها ‪ ،‬ويحسد أفكارها ‪ ،‬ويتمنى لصاحبها‬ ‫زوال النعمة عنه ‪ . .‬أنا ال اعتب على ما عملتم ‪ ،‬فانه عين الصواب في‬ ‫ذلك الزمن الصعب ‪ ،‬ونحن في عصرنا الحالي عصر التنوير وانتشار‬ ‫الثقافة ‪ ،‬مرت علينا محن سياسية ‪ ،‬فعلنا بكتب غيرنـا‬ ‫( التي نقرأها ) ما فعلتموه بكتبكم ‪ ،‬خوفا من أن نتهم بتهمة عصرنا ‪،‬‬ ‫وهي تهم كثيرة ‪ ،‬فدفنا مئات الكتب وحرقنا ومزقنا العشرات ‪ ،‬وعيوننا‬

‫تفيض بالدمع عليها أسفا وحسرة ‪ ،‬كأننا ندفن ونحرق ونمزق أساتذتنا‬ ‫الذين ارضعونا من دمائهم ‪ ،‬وصاروا شغاف قلوبنا‬ ‫اما الحكام ففعلوا اكثر اذ لم يكفهم أن يقتلوا أو يصلبوا أو يحرقوا‬

‫المتهم بتهمة العصر ‪ ،‬بل يعمدون الى جمع كل كتبه في ساحة‬

‫‪47‬‬


‫المدينة ويشعلون بها النار أمام المأل ‪ ،‬وكم سال من هذه الكتب ماء‬ ‫الذهب ‪ ،‬داللة على اآليات القرآنية التي كتبت به ‪.‬‬

‫وليس في الشرق فقط تحدث هذه المحن ‪ ..‬بل في الغرب أشد‬

‫واقسى فمحاكم التفتيش عملت مثلما عمل الشرقيون قبلهم ‪ ..‬فويل لك ايها‬ ‫األنسان الشرير من حساب القادر القدير‪.‬‬

‫‪48‬‬


‫عـبـد أم سـيـد‬ ‫سمعت عنك ملك الحبشة واسمك ابرهة تقود الفيلة بجيش جرار‬ ‫من اليمن متجها صوب مكة بيت هللا المنافس لمزارك الذي اتخذته‬ ‫الستقطاب العرب ‪ ،‬وفي الطريق تساقط جندك بمرض الطيور ‪ ،‬وخسرت‬

‫الحرب دون معركة ‪ ،‬ويذكرك هللا في كتابه الكريم عبرة لمن اعتبر ‪ ،‬لكنه‬ ‫الطمع قادك الى التهلكة ‪.‬‬ ‫واتعجب من تحولك عبر الزمان ‪ ،‬ففي العصر االسالمي االول‬ ‫تعود واسمك وحشي ‪ ،‬وتغتال الحمزة رضي هللا عنه ‪ ،‬عم الرسول صلى‬

‫هللا عليه وسلم ‪ ،‬لقاء بضعة دنانير أغرتك بها هند زوجة أبي سفيان ‪،‬‬ ‫وحين صرت مسلما أردت أن يغفر هللا لك خطيئتك لقتلك من نصر نبي‬ ‫هللا ونصر االسالم ‪ ،‬ربما يغفر هللا لك ذلك ‪ ،‬ولكن المسلمين هيهات أن‬

‫يغفروا فعلتك ‪.‬‬ ‫وتظهر في العصر العباسي باسم مسرور السياف تنفذ أمر‬ ‫الخلفاء بقطع الرؤوس ‪ ،‬أسرع مما ينطق به الخليفة ‪ ،‬فتحولت من خادم‬ ‫الى سيد الموت ‪ ،‬يرتجف من اسمك كل مظلوم أو ظالم ‪.‬‬ ‫وأق أر عنك في اهاجي المتنبي ‪ ،‬واسمك كافور االخشيدي ‪ ،‬خادما‬ ‫ألمير مصر ‪ ،‬جاءتك الفرصة سانحة بموت سيدك ‪ ،‬فقفزت مستوليا على‬ ‫كرسي العرش ‪ ،‬ونصبت نفسك أخشيديا على مص ـر‪،‬‬ ‫‪49‬‬


‫وخدعت أذكى الشعراء في ساعة ضعفه ‪ ،‬وسحبته الى قصرك ليمدحك‬ ‫كما يمدح الملوك ‪ ،‬وليتك اعطيته مما سرقته لبقي ذكرك ممدوحا مثلما‬ ‫مدح سيف الدولة الحمداني ولكن طبعك الجاف وعدم ادراكك أسرار‬ ‫الشعر جعلته يهرب منك ويهجوك أقذع الهجاء لعبد أمسى سيدا ‪ ،‬وما‬ ‫زال المتنبي حاض ار في القلوب ‪ ،‬وأنت تالحقك عصاته كلما ذكر اسمك ‪.‬‬

‫وأبصر ميناء البصرة آنذاك ‪ ،‬والتجارة مزدهرة والعمال يتكاثرون‬

‫على المدينة ‪ ،‬حتى صاروا أكثر مما تستوعبه المدينة ‪ ،‬وكلهم من الزنوج‬ ‫‪ ،‬جاءوا من أفريقيا أو من الجوار‪ ،‬فتفاقمت البطالة ‪ ،‬ودب الجوع وصار‬ ‫الميناء ال يسد حاجتهم ‪ ،‬وتدنت االجور ‪ ،‬وصار العامل يقبل بالنزر‬ ‫القليل وال يجده ‪ ،‬وبرزت من بينهم تشجعهم على التمرد واالنتقام من‬ ‫االسياد ‪ ،‬وحرضتهم على الثورة ‪ ،‬وقدتهم في هجوم كسيل في ليل مظلم‬ ‫يجتاح المدينة ‪ ،‬فحرقت االسواق بما فيها ‪ ،‬واستبحت البيوت ‪ ،‬وخطفت‬ ‫االطفال والدرر الحسان التي لم يطلع عليها انس وال جان ‪ ،‬وحولت‬

‫أسيادك الى رقيق تبيعه في سوق النخاسة ‪.‬‬

‫فعجبت منك ? كنت قانعا برزقك ممتنا لمن يطلب منك أن تخدمه‬ ‫‪ ،‬مستسلما لقدرك ‪ ،‬فما الذي غيرك بين يوم وليلة ‪ ،‬وتحولت من حمل‬ ‫وديع الى وحش كاسر ‪ ،‬من يد تساعد الى يد‬ ‫‪50‬‬


‫تخرب ‪ ،‬وتقتل ‪ ،‬أألنك مؤمن ؟ ولكن االيمان ما دخل قلبك ! ‪.‬‬ ‫حولت مدينة البصرة الحسناء الى كومة من رماد وخراب ‪ ،‬أكلت‬

‫النيران البيوت والمحالت ومخازن الحبوب والغذاء ‪ ،‬وانتشر الدخان الى‬

‫عنان السماء ‪ ،‬حتى صار يرى عن بعد مئات االميال ‪ ،‬وتحمل الرياح‬ ‫روائح جثث الموتى مختلطة مع روائح االخشاب والمالبس المحترقة ‪.‬‬ ‫فما الذي حولك للنهب والقتل والتخريب ‪ ،‬وكيف اتحدت الغوغاء‬

‫بمئات الزنج فيك دون رادع ‪ ،‬وتلذذت بحرق كل شيء كأنك من همج‬ ‫أفريقيا الراقصين حول النار لعبادتها ‪ ،‬بينما كنت من المسلمين ‪ ،‬فأين‬ ‫اختفى االسالم فيك ؟ ‪.‬‬ ‫وقد سمعت عنك من قبل ثورتك الزنجية بمئآت السنين ‪ ،‬ينادونك‬ ‫الرومان سبارتكوس ‪ ،‬أحد العبيد الذين يجمعونهم في الملعب الكبير ‪،‬‬

‫ويطعمونهم احسن االطعمة ‪ ،‬ويريضونهم بكل فنون القتال حتى يعدونهم‬ ‫لمنازلة بعضهم بعضا ‪ ،‬ليقتل بعضهم بعضا ‪ ،‬امام ابصار اآلف‬ ‫المتفرجين الرومانيين‪ ،‬المستمتعين بهذه الصراعات الدموية ‪ ،‬والذين‬

‫يصمدون يطلقون عليهم االسود والنمور ‪ ،‬وتكون نهايتهم حتمية‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫فكان الحق معك حين تمردت على اسيادك امام هذا التعسف البشري ضد‬ ‫البشر ‪ ،‬فقمت بثورتك ‪ ،‬ساندك فيها كل المقهورين والمستعبدين ‪ ،‬فهجمتم‬ ‫هجمة واحدة على أسيادكم‪ ،‬ونكلتم بهم أيما تنكيل ‪ ،‬وكدتم أن تحكموا‬ ‫البالد لوال مجيء جيوش القيصر ‪ ،‬وكانت نهايتكم البطولية على يد القائد‬ ‫كراسوس ‪.‬‬ ‫حقا ان االضطهاد يغلي في النفوس المظلومة حتى يتحول الى‬ ‫بركان ما أن يجد متنفسا حتى ينفجر كعفريت يكتسح كل شيء ‪ ،‬ال يقيده‬

‫منطق وال دين ‪ ،‬ال يمنعه قانون وال نظام ‪.‬‬

‫ومما أثار دهشتي حينما شاهدتك مربوطا الى سلسلة في عنقك‬

‫وأنت تجر محراث الرجل األمريكي ‪ ،‬وتعرق ويتفصد من جسدك الدم ‪،‬‬ ‫وتسقط على االرض ‪ ،‬وتنهال عليك سياط الرجل االمريكي لتنهض من‬ ‫جديد ‪.‬‬

‫وتثور صارخا في شوارع امريكا مطالبا بحقوقك كانسان دون تمييز‬ ‫عنصري ‪ ،‬وينادونك اصحابك مارثن لوثر ولم تمض عقود حتى صار‬ ‫بني جنسك أكثر من الجنس االبيض ‪ ،‬وتزعمت البيت االبيض وأسمك‬ ‫باراك أوباما ورقمك (‪ ، )44‬ولم تضطهد البيض الذين أذاقوك الويالت ‪،‬‬

‫ألن روحك ال تحمل قسوتهم وحقدهم ‪ ،‬وجعلتهم يخدمونك ويوفرون لك‬ ‫ولبني جنسك السعادة ‪ ..‬فما اسرع انتقال السلطة بين السيد والمسود‪.‬‬ ‫‪52‬‬


‫البـانـي والهـادم‬

‫ظلمك ألخيك االنسان يفوق نصرك لالنسان المظلوم من الطبيعة‬

‫‪ ،‬فها أ ارك ترمي القنابل على الشعوب وتبيدها دون رحمة ‪ ،‬وتشن‬ ‫الحروب ‪ ،‬وتتساقط الجيوش من كل االطراف المتحاربة بال مبرر سوى‬ ‫ارضاء لطموحا ت ملوك ورؤساء وقادة ‪.‬‬

‫وتأتي الطبيعة بعد ذلك بزالزلها لتبتلع مدنا وقرى ‪ ،‬واعاصيرها‬

‫لتغرق شعوبا ‪ ،‬وبراكينها لتخنق أمما ‪ ،‬وأمراضها لتفتك باآلف البشر ‪.‬‬

‫أيها العنيد كم أدهشني عنادك مع نفسك حينما كنت سيزيف وأنت‬ ‫تحمل الصخرة على ظهرك الى قمة الجبل ‪ ،‬وحينما تصل القمة تسقط‬ ‫منك وتتدحرج الى الوادي ‪ ،‬وتنحدر اليها ‪ ،‬وتحملها من جديد ‪ ،‬وتعيد‬

‫ذلك م ار ار وتك ار ار ‪ ،‬دون ملل أو كلل حتى صار األمر ممتعا لك ‪،‬‬ ‫ومغيظا آللهتك ‪.‬‬ ‫فماذا كنت تريد أن تثبت بصخرة تحملها الى االعالي ‪ ،‬وأنت نفسك‬ ‫الذي حملت صخور االهرامات ‪ ،‬وأنت نفسك حملت صخور سور الصين‬ ‫العظيم ‪.‬‬ ‫أما تخيلت بان اهراماتك هي سفينة الموتى بكل ما تحمل من أسرار‬ ‫حضارتك الى عالم المستقبــل البعيــد ‪ ..‬وما دريت بأنـك‬ ‫‪53‬‬


‫ستنهب محتوياتها في المستقبل القريب ‪.‬‬ ‫ألم تعتقد بأن سورك سيحمي الصين من هجمات االقوام الهمج الى‬

‫األبد ‪ ..‬وما علمت بأنك ستكون – رغم تحضرك – أشد همجية ‪ ،‬وتأتي‬ ‫بالطائرات والصواريخ وتدك المدن ‪ ،‬فما قيمة االسوار والحواجز االرضية‬ ‫‪.‬‬ ‫ألست أنت من شيد حدائق بابل المعلقة من أجل ارضاء زوجتك‬ ‫الكردية ؟ ‪ ،‬لكي ال تحن الى جبال كردستان ‪ ،‬ولم تعلم بأن الحنين هو‬ ‫الى األهل واالحباب السكنين تلك الجبال التي تتلفع بعباءة الثلوج مرة‬

‫وبعباءة الزهور مرة أخرى ‪.‬‬

‫وما دريت ان لغة القوم هي خير معبر عما يختلج بالنفوس ‪ ،‬فأين‬ ‫هذه من حدائقك بين أناس ال تطيق زوجتك لغتهم وال غربتهم‬ ‫أردت الخلود العمالك فنحت الجبال ‪ ،‬وما علمت أن الصخور‬ ‫التبقى لماليين السنين ‪ ،‬اذ أين مدن عاد وثمود ؟ ‪ ،‬واصحاب الرس ‪،‬‬ ‫وارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البالد؟ بل أين حضارة أطلنطك‬ ‫؟ ‪ ،‬كلها زالت وتالشت ‪ ،‬وكأنهم ما كانوا وما شادوا ‪.‬‬

‫كنت أتصور ان عقلك في تطور مستمر ‪ ،‬وخاب تصوري ‪ ،‬فها أنا‬

‫انظر الى ما شيدته قبل اآلف السنين في معابد الهند الفنية ‪ ،‬وفي أهرام‬ ‫مصر الهندسية وفي عظمــة سور الصيــن االستراتيجيـة ‪،‬‬ ‫‪54‬‬


‫فبين الفن والهندسة والعمرآن تمازج نغمي يسحرك عبر الزمن ‪ ،‬ولكن‬ ‫لماذا هذا التوقف الفجائي ‪ ،‬وبعد أآلف السنين تعود من جديد لتبني‬ ‫صرحا حضاريا آخر لكنه أقل عظمة وخلودا مما بناه اجدادك وكأنهم قد‬ ‫جاءوا من كوكب آخر ‪.‬‬

‫أم ان الهمج يهجمون عليك ويهدمون كل ما بنيته ‪ ،‬النهم‬

‫يكرهونك متطو ار عليهم ‪ ،‬ويظنونك تستعبدهم ‪ ،‬فيزيلون كل ما يذكرهم بك‬

‫‪ ،‬دون أن يشعروا بأنهم يرجعون الحضارة الى الوراء مئات السنين‪.‬‬

‫فكم من مدن أحرقت ‪ ،‬وكم من كتب أغرقت ‪ ،‬وكم من علماء‬ ‫دماؤهم سفكت ‪ ،‬وكم من نساء اعراضهن استبيحت ‪ ،‬حينما اجتاح‬ ‫المغول أسيا ‪.‬‬ ‫وقد رثيت لحالك حينما فكرت أن تبني قب ار يحفظ جسمك كما هو‬

‫دون أن يتغير عبر الزمن ‪ ،‬فبنيت االهرام ‪ ،‬ولكنك بعد االف السنين‬ ‫تعود وتنبش قبرك من جديد باحثا عن سر قد أضعته ‪ ،‬متخيال انك‬ ‫وجدته سابقا ‪ ،‬ولكن هيهات ‪ ..‬فكل عملك وقبض الريح ‪.‬‬ ‫وها أنت حاليا واضعا قبرك بين االرض والسماء ‪ ،‬يدور كما يدور‬ ‫القمر الصناعي ‪ ،‬لعل االجيال القادمة ستكتشف سر الحياة والموت‬ ‫وتعيدك للحياة ‪.‬‬ ‫‪55‬‬


‫وما علمت انك ستعود بعد اآلف السنين تبعثر ذلك القبر الفضائي‬ ‫باحثا في جوفه عن سر ربما نسيته فيه ‪ ،‬فيا لك من عقل كلما تطور‬ ‫تأخر ‪.‬‬

‫وكم انحططت في نظري حينما هدمت احدى عجائب الدنيا‬

‫السبع‪ ،‬أال وهي منارة االسكندرية ‪ ،‬فكم كنت غبيا حينما خدعك ملك‬ ‫الرومان وأنت الخليفة األموي الوليد بن عبد الملك فقد حسدك على منارة‬ ‫االسكندرية النها تحفة العالم ‪ ،‬فقد بنيت بحجارة مغموسة في الرصاص ‪،‬‬ ‫بطول مائة وعشرين مت ار ‪ ،‬وفي اعالها تماثيل من نحاس ‪ ،‬أكبرها تمثال‬ ‫رجل قد أشار بيده الى البحر ‪ ،‬ويخرج منه صوت ( انذار مبكر ) حينم‬ ‫يتحسس بهجوم االعداء من بعيد ‪ ،‬فيستعد أهل االسكندرية لهذا العدو ‪.‬‬ ‫وفيها تمثال كساعة ليلية يدق كل ساعة بصوت مبهج ‪ ،‬واالكثر‬ ‫من هذا – في القمة – مرآة من الحديد الصيني بعرض ثالثة امتار ‪ ،‬اذا‬ ‫وجهت صوب سفن العدو عكست اشعة الشمس بتركيز يحرق السفن ‪.‬‬

‫وكان الرومان يخافون على سفنهم من االحتراق فيقدمون الجزية‬

‫صاغرين ‪ ،‬وهذا ما دفع ملكهم في ابتداع حيلة ‪ ،‬حيث ارسل متسللين‬ ‫ليدفنوا تحفيات ذهبية بجانب المنارة ‪ ،‬ودس من يخبرك بأن المنــارة‬

‫‪56‬‬


‫تحتها كنز ثمين ‪ ،‬فارسلت من يحفر ويستخرج الطعم ‪ ،‬وطمعت بالكنز‬

‫فامرت بهدم المنارة ‪ ..‬ويا للطامة الكبرى ‪ ..‬ويالغبائك ? ‪ ،‬ألن المنارة‬

‫هي الكنز ‪ ،‬وحينما لم تجد شيئا ‪ ،‬أردت اعادة بنائها ‪ ،‬ولكن هيهات !!‬ ‫فما أسهل الهدم وما اصعب البناء ‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫البـاحـث عـن الخـلـود‬

‫قرأت عنك وأنت فرعون مصر تبيد االطفال ذبحا وخنقا واغراقا ‪،‬‬

‫فقد أنبأك المنجمون بأن موتك سيكون على يد مولود ولد حديثا كما‬ ‫أخبرتهم نجومهم ‪ ،‬فخفت على نفسك من الموت ‪ ،‬وما علمت ان الموت‬ ‫محتم في مجيئه اليك ‪.‬‬ ‫وحين مت حنطوك ووضعوك في قبرك الذي بنيته على شكل هرم‬ ‫ال تؤثر في صخوره التقلبات الطبيعية ‪ ،‬ووضعوا معك كل متطلبات‬ ‫الحياة ‪ ،‬عسى أن تعود الروح اليك من جديد ‪ ،‬ولكن هيهات ! ‪ ،‬فالروح‬ ‫قد رمت رداءها الجسدي ‪ ،‬وخرجت من جمجمتك ‪ ،‬فاقبع بجسمك في‬ ‫هرمك لكي تتسلى بك االجيال البشرية ‪.‬‬ ‫كم تحب الحياة الخالدة ؟ ‪ ،‬وكم تحب أن تنتصر على الموت ‪،‬‬ ‫حينما كنت جلجامش افنيت العمر بالبحث عن اكسير الخلود ‪ ،‬وجبت‬ ‫الجبال والوديان ‪ ،‬واجتزت البحار والمحيطات تريد أن تخلع جلد‬ ‫الشيخوخة عنك وتلبس جلد الشباب الدائم كما يفعل الثعبان ‪ ،‬ولكنك‬ ‫تعبت فاستسلمت للراحة االبدية ‪.‬‬ ‫وحزنت عليك ألنك أردت الشفاعة في دخول الجنة ‪ ،‬حينما كنت‬ ‫الخليفة المقتفي اذ خلعت باب الكعبة القديم ‪ ،‬وصنعت بدله بابا مصفحا‬ ‫‪58‬‬


‫بالفضة ومطعما بالذهب ‪ ،‬وعملت لنفسك تابوتا من خشب الباب القديم ‪،‬‬ ‫لتدفن فيه ‪ ،‬لعله ينجيك من الحساب والعقاب‪.‬‬ ‫وما علمت انك لن تضمن بعد موتك ال االرض التي تدفن بها ‪،‬‬ ‫وال نوع الكفن الذي تكفن به ‪ ،‬وحتى لو تحقق ذلك فان تابوتك لن يسلم‬ ‫من النابشين ‪ ،‬وستعود الى التراب ‪.‬‬ ‫وسخرت من افكارك اذ كنت تتصور ان المجد والخلود بالفتوحات‬ ‫والسيطرة على شعوب الكرة االرضية ‪.‬‬

‫ولم تعلم بان الزمن ال يخلد الملوك واالباطرة اال في بطون الكتب‬

‫التاريخية ‪ ،‬اما الشعوب فانها تنسى كل ذلك عبر الزمن ‪.‬‬ ‫أما عرض عليك مهندسك دنقراطيس أن ينحت لك جبل آثوس‬

‫الواقع في االسكندرية ‪ ،‬ويحوله تمثاال لك ‪ ،‬بحيث يصورك تقف والبحر‬

‫يغمرك الى الوسط من جسمك ‪ ،‬وتمسك بيد المرفأ وباليد االخرى المدينة‬ ‫‪ ،‬ولكنك كنت منهمكا بالحروب والفتوحات فلم تعر أهمية لتنفيذ هذا‬ ‫المشروع ‪ ،‬فضاع خلودك ‪ ،‬اذ لو تحقق ذلك الحلم لظل تمثالك ايها‬ ‫االسكندر الى أزمنة طويلة آية من آيآت الفن والجمال على شاطئ البحر‬ ‫االبيض المتوسط ‪.‬‬ ‫ما أجمل خيالك في البحث عن الخلود ‪ ،‬فها أنت أج ‪ .‬جي ‪.‬‬

‫ويلز العالم االنكليزي ‪ ،‬تتصور انك اخترعت آلة الزمن ‪ ،‬ودخلت فيها‪،‬‬ ‫‪59‬‬


‫وحركتها لتنقلك عبر الزمن الى الماضي او عبر الزمن الى المستقبل ‪،‬‬ ‫فتجد الحضارات القديمة ‪ ،‬وتتأكد من وجودها ‪ ،‬وحين تنقلك اآللة الى‬

‫المستقبل ترى انهيارات الحضارات ‪ ،‬وظهور حضارات جديدة ‪ ،‬وكلمح‬ ‫البصر تزول لتعود تنهض من جديد ‪ ،‬فاختزلت لك اآللة آالف السنين‬ ‫في لحظات سريعة ‪ ،‬فرأيت اجدادك الى الجد العشرين أو الثالثين ‪،‬‬ ‫ورأي ت احفادك الى حفيد الحفيد العشرين أو الثالثين ‪ ،‬وأنت أنت باق‬ ‫بعمرك نفسه ‪ ،‬وكنت تترك اآللة في بعض األزمنة وتقوم بمغامرات تصل‬ ‫بك الى الموت أو السجن ‪ ،‬فتهرب وتدخل آلتك ‪ ،‬وتنقذك في اللحظة‬ ‫االخيرة ‪ ،‬حين تديرها بضغطة زر لتنقلك الى زمن آخر وهي باقية في‬ ‫مكانها نفسه ‪ ،‬أما ما حولها فيتغير بسرعة ‪ ،‬فالشمس كشمس أهل الكهف‬

‫تشرق وتغرب بسرعة واالشجار تطلع وتثمر وتجف وتزول بسرعة ‪،‬‬ ‫والعمارات يتصاعد بنيانها وتنهدم بالحروب والزالزل واالعاصير ‪ ،‬والناس‬

‫يتطورون ثم يعودون وحوشا بسرعة خاطفة ‪.‬‬

‫ما أجملها من آلة لو أخترعت في المستقبل ‪ ،‬التعظت من أهوال‬

‫المستقبل ‪ ،‬وغيرت مجرى حياتك‪ ..‬ولكن هيهات ‪ ..‬فما هو مكتوب يبقى‬ ‫مكتوبا عليك ‪.‬‬

‫‪60‬‬


‫الـلـص الـكـريـم‬ ‫أيها االنسان ‪:‬‬ ‫كم أثرت رغبتي في تقصي حقيقتك حينما كنت موسى بن شاكر‬

‫المنجم ‪ ،‬اقرب المقربين الى الخليفة المأمون ‪ ،‬وأذكى علماء الفلك في‬ ‫عصرك ‪.‬‬ ‫اذ كنت من الذكاء بمكان ‪ ،‬بحيث لم يكتشف أحد شخصيتك‬

‫المزدوجة ففي النهار عالم يؤدي الفرائض في المسجد أمام الناس ‪ ،‬وفي‬

‫الليل قاطع طريق التجار في الطرق البرية ‪ ،‬ملثم على حصان سريع ‪،‬‬ ‫وسيف مشهور ‪ ،‬بحيث توحي للتجار بأن معك عصابة كاملة تحت جنح‬

‫الظالم ‪ ،‬فيقدمون لك ما لديهم من مال ‪ ،‬وتتركهم عائدا بالغنيمة ‪.‬‬

‫وكنت تظهر األنفة واالعتداد بالنفس أمام الخليفة ‪ ،‬وال تكشف عن‬

‫فقرك بل تظهر الغنى ‪ ،‬وال تكشف عن صعلكتك التي تجري في دمك من‬ ‫حب النهب الذي يدر عليك المال ‪ ،‬فتحمد هللا بعد كل غزوة تقوم بها ‪.‬‬ ‫وحين تدخل قصر الخليفة بهيبة االغنياء ‪ ،‬يفرح الخليفة لمجيئك ‪،‬‬ ‫ألنك ال تطلب منه ماال بل تطلب منه – في حالة موتك ‪ -‬أن يمسك‬ ‫ثروتك ويتعهدها ألوالدك خالل حياتهم ‪.‬‬ ‫‪61‬‬


‫عجبت مما تفعله ‪ ،‬اذ لوال ما فعلت لما نلت الحظوة لدى المأمون ‪،‬‬ ‫ولما ارتفعت مكانتك في نظره على بقية العلماء ‪.‬‬

‫فكنت تبذل المال المنهوب في سبيل العلم ‪ ،‬بحيث تكتري‬

‫المترجمين والناسخين باجور مجزية ‪ ،‬وتشتري الكتب بمبالغ طائلة ‪،‬‬ ‫بحيث تعلم أوالدك من بعدك أن يغدقوا مثلك ذلك المال ‪.‬‬ ‫وأراك بعد ذلك وأنت أبو طاهر القرمطي ‪ ،‬تفعل االعاجيب ‪ ،‬فقد‬

‫شكلت مجموعة من الفرسان لقطع طرق التجار والحجاج ‪ ،‬وتنهب قوافلهم‬

‫‪ ،‬دون أن يردعك دينك االسالمي ‪ ،‬بل جعلت من نفسك المصحح لمسار‬ ‫الدين ‪ ،‬وكانت فترتك الزمنية تخدمك ‪ ،‬فالخليفة الضعيف ال يدفع لجنوده‬ ‫اقواتهم لقلة المال في خزينته ‪ ،‬بينما أنت ينال اتباعك المال الكثير مما‬ ‫تسطو عليه ‪ ،‬فتكاثرالرجال تحت قيادتك ‪ ،‬حتى تطاولت ونهبت مكة‬ ‫المكرمة وخلعت باب الكعبة المشرفة ونهبت الذهب المغلف لها ‪ ،‬بل‬ ‫نهبت ستائرها الحريرية المقصبة بالذهب ‪ ،‬والخطأ االكبرالذي ارتكبته ‪،‬‬ ‫حينما خلعت الحجر االسود المقدس وسرقته ‪ ،‬فكانت تلك السنة ‪ 317‬هـ‬

‫السنة الوحيدة التي لم يحج بها المسلمون ‪.‬‬

‫وحلت عليك اللعنة بعد سنين حينما اصبت بالجدري ومت به ‪،‬‬

‫وقبل موتك أرجع أصحابك الحجر االسود الى مكانه ‪ ،‬ولكن هيهات أن‬ ‫‪62‬‬


‫يرضى عن فعلتك المسلمون ‪ ،‬فعسى هللا يغفر لك لما ال نعلمه ‪.‬‬

‫وها أنت في العصر البويهي ويطلقون عليك تسمية حرامي بغداد ‪،‬‬

‫وأنت من الشطار واسمك ابن حمدي مرة وأخرى ابن شاهين واالشهر‬

‫ابن فوالذ ‪ ،‬تجوس البيوت ليال لتحمل ما خف حمله وغال ثمنه من اموال‬ ‫أو مؤنة لتقدمها الى عوائل مدقعة تعيش تحت الكفاف ومن تعففها تفضل‬

‫الموت على االستجداء ‪ ،‬فكنت تفرح فرحتين االولى بما تسطو عليه‬

‫وتحمله والثانية حين تزيل الغمة عن النساء واالطفال ‪ -‬الذين بدون معيل‬ ‫– بما تقدمه لهم ‪ ،‬فتشيع السرور في الوجوه الكئيبة المتألمة من نهشة‬ ‫مخالب الجوع والفقر ‪.‬‬ ‫كم تجد من لذة في فض بيوت االغنياء المحرمة ‪ ،‬وتستكشف‬ ‫مخابئها ‪ ،‬وتطير فرحا من بيت الى بيت بما تحمله من متاع الدنيا الزائلة‬ ‫‪ ،‬فال الحاجات تطفيء رغباتك المتجددة وال أنت تنتهي عبر الزمن ‪.‬‬ ‫وما اسرع أن انعصر قلبي حزنا عليك ‪ ،‬حينما رحت تسعى شحاذا‬

‫في الهند تستعطي من الرجل االنكليزي ماال ‪ ،‬فيمد يده الى جيبك‬

‫ويعطيك ما تريده بصورة سحرية ‪ ،‬كما يفعلون معك في كل بلدان العالم‬ ‫التي رأيتك تشحذ فيها ‪ ،‬فأينما تمد يدك الى الشخص ‪ ،‬فهـو في‬

‫‪63‬‬


‫الحقيقة ال يعطيك من جيبه بل من جيبك أنت ‪ ،‬ألنه سرق مالك مسبقا ‪،‬‬ ‫واال لما كنت هكذا ‪.‬‬ ‫كم كنت دمويا من أجل نهب اموال الناس ‪ ،‬ال يكفيك ذلك بل‬ ‫صرت تنهب مدنا عامرة ‪ ،‬فها أنت تيمورلنك قائد مغولي أعرج ‪ ،‬تقود‬ ‫قطعانك المتوحشة – علما أن الدين االسالمي لم يكبح همجيتهم –‬ ‫صوب الشام ‪ ..‬وتستبيح مدينة حلب ايما استباحة ‪ ،‬ولم ينج أحد من‬ ‫الموت الذي هبطت به على هذه المدينة اآلمنة ‪ ،‬ونهب جيشك كل شيء‬ ‫‪ ،‬ولم يكفك ذلك بل سرت بجيشك بسرعة تجاه دمشق القلعة المحصنة ‪،‬‬ ‫بعد سماعك هروب سلطانها الى مصر ‪ ،‬وطوقتها ‪ ،‬وحاولت اقتحام‬ ‫أبوابها ولكن سهام ونيران حراس اسوار القلعة أرتك استحالة دخولها ‪،‬‬ ‫فاستخدمت الحيلة والخداع ‪ ،‬وطلبت منهم الصلح وارسال العلماء اليك‬

‫لمناقشتهم ‪ ،‬فلبى العلماء طلبك ‪ ،‬ونزلوا بسالل مربوطة بالحبال من فوق‬ ‫السور ‪ ،‬وكان من بينهم العالم أبن خلدون ‪ ،‬وخدعت العلماء بمطالبك‬ ‫المادية ‪ ،‬فوافقوا ‪ ،‬لكنك اشترطت عليهم أن يسمحوا لجندك بدخول المدينة‬

‫للصالة في الجامع االموي كمجاميع بال سالح ‪ ،‬وليتهم أدركوا نيتك‬ ‫السيئة وجعلوا الطريق عبر االسوار ال عبر االبواب !‪ ،‬ولكن أين لهم من‬ ‫يذكرهم بما فعلته بحلب من وحشية بالغة تبرهن بأن ال دين في قلوب‬ ‫جيشك وال رحمة لديك ‪.‬‬ ‫‪64‬‬


‫واذعن المساكين لما أردت وفتحوا لك باب دمشق ‪ ،‬وليته ــم‬ ‫ما فتحوها ‪ ،‬وتم تفتيش أول مجموعة ‪ ،‬وسمح لها بالدخول والخروج‬

‫وتلتها أخرى ‪ ..‬وأخرى حتى اطمئن الحراس بعد أن تعبوا من التفتيش ‪،‬‬ ‫وحينما تيقنت انهم تركوا الحذر غدرت بهم ‪ ،‬فارسلت مجموعة تخفي‬ ‫تحت مالبسها السيوف والفؤوس والخناجر ‪ ،‬فما أن اجتازوا البوابة حتى‬ ‫هجموا على الحراس وقتلوهم ‪ ،‬وتبعهم جيشك بسرعة خاطفة ‪ ،‬ودخلوا‬ ‫دمشق ويالهول ما فعلوا وما استباحوا ‪ ،‬لم يتركوا طفال وال شيخا وال امرأة‬ ‫أال وقتلوهم بعد أن ابادوا كل المقاتلين ‪ ،‬ثم نهبوا المدينة بصورة تقشعر‬ ‫لها االبدان ‪ ،‬ثم حرقوها ‪.‬‬

‫وخرجت عائدا بجيشك ‪ ،‬وعلى الطريق كان جنودك يرمون‬

‫االحمال الثقيلة ‪ ،‬ويخففون من جشعهم ‪ ..‬لماذا ؟ ‪ ،‬وقد قدم اهل دمشق‬ ‫لك من الذهب والمتاع ما يكفي جيشك !! ‪ ،‬ولكنك أبيت أال أن تنهب‬ ‫المدينة ألن في النهب والسلب لذة ال يعرفها أال اللصوص والقتلة من‬ ‫أمثالك ‪.‬‬ ‫يوم يقول هللا تعلى لجهنم ( هل امتألت ؟ وتقول هل من مزيد )‬ ‫وصيرك مع جيشك حطبا لجهنم ‪ ،‬فهي المنتقم الوحيد من افعالك ‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫الـرحـالـة المـتـطـلـع‬ ‫كنت قرصانا مبح ار بسفنك التي تنهب السفن التجارية ‪ ،‬ولم تكتف‬ ‫بذلك بل رحت تنهب البشر ‪ ،‬فقد رست سفنك الفينيقية على سواحل‬ ‫اسبانيا ‪ ،‬وتعجب الناس من صناعتها وجمالها ‪ ،‬فقلت لهم أن يصعدوا‬ ‫اليها ليتمتعوا بمشاهدتها وهم على ظهرها ‪ ،‬فما أن ارتقوها حتى اقلعت‬ ‫بهم مبح ار ‪ ،‬وسقتهم عبيدا ‪ ،‬تبيعهم في بلدان العالم ‪ ،‬فيا لك من مخادع‬ ‫اعماك المال عن الرحمة ‪.‬‬ ‫واستغربت من سعيك الكتشاف ما وراء المحيطات ‪ ،‬فبعد أن‬ ‫اكتشفت للعالم أمريكا وبنيت فيها المستعمرات ‪ ،‬اقتادوك الى اسبانيا مكبال‬ ‫ترسف بالسالسل واالغالل ‪ ،‬ومت مغمو ار في غرفة حقيرة ‪ ،‬تلعن فيها‬ ‫زيف هذا العالم ‪ ..‬وكان اسمك كولومبوس ‪.‬‬

‫كم اشتقت لمعرفة رحلتك وأنت ماركو بولو الشاب الوسيم النشط ‪،‬‬

‫حينما بعثك البابا من ايطاليا الى الصين حسب طلب قبلي خان قرب‬ ‫بكين ‪.‬‬ ‫فشددت الرحال ‪ ،‬ودخلت بسفينتك الخليج العربي ‪ ،‬وتركتها متجها‬ ‫الى بالد فارس ‪ ،‬واجتزت مع أبيك وعمك وأخيك الصغير مدن التتار ‪،‬‬ ‫حتى وصلت بالط الخان االعظم ‪ ،‬وما أسرع ما تعلمت – في الطريق –‬ ‫لغة التتار ‪ ،‬بحيث تكلمت مع الخان بلغته‪ ،‬مماأثر فيه ايـما‬ ‫‪66‬‬


‫تأ ثير‪ ،‬فقربك بعد ان كان يعتبر المبعوثين الغربيين اغبياء ‪ ،‬وكم فرح بك‬ ‫حين سردت عليه قصصا كان بأمس الحاجة الى سماعها ‪ ،‬وتركك‬ ‫تجوب البالد طوال وعرضا لتأتيه باخبار واحوال الناس ‪.‬‬ ‫وحينما اكتشفت سيطرة التجار العرب المسلمين على سوقين في‬ ‫مدينتين كبيرتين ‪ ،‬وعلى اكثر و ازرات الخان االعظم ‪ ،‬حزت في نفسك‬

‫هذه المكانة التي وصل اليها العرب المسلمون ‪ ،‬فتحينت الفرصة لاليقاع‬ ‫بهم ‪ ،‬وجاءتك الفرصة تسعى ‪ ،‬حينما تزوج هوالكو امرأة مسيحية تمكنت‬ ‫تلك المرأة من زرع الفتنة لدى هوالكو وابنه ضد المسلمين ‪ ،‬حينما‬

‫صورتهم انهم يقتلون كل مشرك مهما تكن ديانته ‪ ،‬فاصدر هوالكو ق ار ار‬ ‫بمنع المسلمين من الخدمة في قصور التتار ‪ ،‬وارسل ابنه رسال الى‬ ‫الخان االعظم يخبره بذلك ‪ ،‬فاستشارك الخان يا ماركو بولو أن تعلمه‬ ‫بحقيقة األمر ‪ ،‬فوجدتها الضربة المنتظرة ‪ ،‬فاوغلت صدر الخان بصحة‬

‫ما اخبروك عن المسلمين ‪ ،‬بانهم يعتبرون كل من لم يدخل االسالم‬ ‫مشركا يجب قتله ‪ ،‬فثار الخان وأمر باضطهاد المسلمين االمنين ‪ ،‬فكانت‬ ‫مجازر يندى لها جبين االنسانية ‪ ،‬فهرب التجار من البالد ‪ ،‬وشلت حركة‬ ‫التجارة ‪ ،‬وكم حاول السيد المبجل شمس الدين عمر مستشار الخان –‬

‫العربي المسلم – أن يقنع الخان بأن‬

‫‪67‬‬


‫هذا غير صحيح !! ‪ ،‬وان خسارة تجارية ستحل بالبالد ‪ ..‬لم تجدي‬ ‫باقناع الخان اال بعد سبع سنوات ‪ ،‬أي بعد خراب االقتصاد الصيني ‪.‬‬ ‫فتألمت من فعلتك ? ‪ ،‬فقد ارسلك البابا لنشر الدين المسيحي بين‬

‫اقوام ال يعدون وال يحصون‪ ،‬يعبدون االوثان وما عرفوا للثقافة بصيصا ‪،‬‬ ‫من نور هللا ‪ ،‬فاستخدمت مكرك وحقدك ضد المسلمين ‪ ،‬أما كان يكفيك‬ ‫مثاال ما فعله السيد المبجل شمس الدين عمر حينما عينه الخان حاكما‬ ‫مطلقا على احدى الواليات الشمالية ‪ ،‬وكيف غيرها من البربرية الى‬

‫التحضر ‪ ،‬من أناس يعيشون بشريعة الغاب الى أناس متمدنين لهم‬ ‫نظامهم واخالقهم وآدابهم وسلوكهم ‪.‬‬ ‫ولكن هيهات أن تعي ذلك ? ‪ ،‬فقد نسيت تعاليم دينك التي تأمرك‬

‫بلسان السيد المسيح عليه السالم القائل ‪ - :‬ال تدينوا لكي ال تدانوا ‪.‬‬ ‫وبفعلتك تدان ‪.‬‬ ‫أما يكفي ما فعل التتار بالمسلمين لتأتي أنت وتشعل نارالفتنة ‪،‬‬ ‫ولكن ( االشجار الرديئة تعطي ثما ار رديئة ) كما قال السيد المسيح عليه‬ ‫السالم ‪.‬‬ ‫وبعد ذلك تخبرني في كتابك ( تحفة االنظار في غرائب االمصار‬ ‫وعجائب االسفار ) واسمك أبن بطوطة عن رغبتك في اداء مناسك الحج‬ ‫‪ ،‬وتستأذن سلطــان المغرب ‪ ،‬فيمــدك بما تريـد ‪،‬‬ ‫‪68‬‬


‫تغرب‬ ‫وتصل الحجاز بعد صعوبات تمر بها ‪ ،‬وتؤدي مناسك الحج ثم ّ‬

‫تشرق ‪ ،‬حتى تصل دلهي ‪ ،‬وتتصل بالسلطان محمد شاه ‪،‬‬ ‫شماال وتعود ّ‬ ‫وكان قد عزم أن يرد بالمثل على هدايا الخان امبراطور الصين ‪،‬‬

‫فاختارك مبعوثا له لهذه المهمة ‪ ،‬لكن هللا ما أرادك أن تصل الصين‬ ‫بالفترة التقريبية للوصول ‪ ،‬فقد حدث ما لم يكن في الحسبان ‪ ،‬اذ كانت‬ ‫أول عقبة هي هجوم الهندوس على قافلتك‪ ،‬وحدثت معركة اندحر فيه‬

‫الكرة ويأسرونك ‪ ،‬وتهرب من‬ ‫الهندوس ‪ ،‬ولكن اللصوص يعاودون ّ‬ ‫سجنهم وتتصل باحد األم ارء ‪ ،‬فيمدك من جديد بالهدايا لتواصل رحلتك‬ ‫الى الصين ‪.‬‬ ‫وكم ركبت من سفن ‪ ،‬وكم قطعت من مسافات حتى تصل الى‬ ‫السفن الصينية التي تذهب الى الصين ‪ ،‬فما أن تضع هدايا السلطان فيها‬

‫وتنزل من احداها ‪ ،‬وتصلي على الساحل ‪ ،‬حتى تغرق سفينتك وتهرب‬ ‫بقية السفن بالهدايا وبمتاعك واعوانك سارقة كل شيء ‪ ،‬وتبقى وحيدا على‬ ‫الساحل تنظر بعين دامعة لما حدث ‪ ،‬وليس معك سوى سجادتك وبعض‬ ‫النقود في جيبك ‪ ،‬فتذهب الى جزائر ذيبة ‪ ،‬وسلطانتهم امرأة بنغالية ‪،‬‬ ‫فاكرمتك وجعلتك قاضيا ‪ ،‬وزوجتك باربع نساء ‪ ،‬وبعد عام ونصف تحن‬ ‫الى السفر فتستأذنها ‪ ،‬وتتجه الى سومطـرة وتتص ــل‬

‫‪69‬‬


‫بسلطانها الملك الظاهر ‪ ،‬فيرحب بك ويحسن ضيافتك وبعد اسابيع تطلب‬ ‫منه السماح لك بالسفر الى الصين ‪ ..‬فيمدك بهدايا ومركب كبير ‪،‬‬

‫وتبحر من جديد الى الصين ‪ ..‬وحين تصل تجد قبلي خان قد ذهب‬ ‫لمحاربة ابن عمه فيروز ‪ ،‬وما هي اال أسابيع من االنتظار حتى شاهدت‬ ‫فيروز قادما وقد حمل جثة الخان مع جثث اتباعه على الخيول ‪ ،‬وبعد‬ ‫دفنهم بمقبرة جماعية ‪ ،‬عظمت الفتن ‪ ،‬فقررت العودة والسالمة ‪ ..‬وعدت‬ ‫من حيث أتيت‪.‬‬ ‫كنت تريد وهللا يفعل ما يريد فكم من األهوال كابدت لتصل الى‬ ‫الصين ‪ ،‬ولكنك وصلت بعد فوات اآلوان ‪ ،‬وفي قديم األزمنة اخبروني‬

‫عنك وأنت سندباد العرب منذ زمن البابليين ‪ ،‬تطوف العالم وتخترق‬

‫مجاهل البحار والمحيطات بسفينة وشراع ممزق ‪ ،‬وحفنة من البحارة ‪،‬‬ ‫وبعد سنين من االهوال والعواصف ‪ ،‬والجوع والعطش ‪ ،‬والبرد والضياع‬ ‫في العوالم الغريبة الموحشة المرعبة بمخلوقاتها ‪ ،‬تعود الى موطنك‬ ‫االصلي العراق ‪ ،‬وتعود الى الخمول والكسل ‪ ،‬فتكره البقاء وتحن الى‬ ‫السفر والمغامرات ‪ ،‬وتشد الرحال من جديد ‪ ،‬وتتألم ‪ ،‬وتعصر فؤادك‬

‫الغربة ‪ ،‬ويهصر نفسك الشوق والحنين الى الوطن ‪ ،‬وتعود اليه بعد مدة‬ ‫‪ ،‬وتقص حكايات أسفارك الهلك وخالنك ‪ ،‬وتسحرهم بما اكتشفت من‬ ‫جزر خيالية ‪ ،‬ومخلوقات خرافية ‪ ،‬ويتناقل‬ ‫‪70‬‬


‫قصصك االجيال ‪ ،‬ولكن البطولة انتزعت منك ‪ ،‬ونسبها الى نفسه‬

‫المزيفون ‪ ،‬فكنت اديسيوس اليونان ‪ ،‬وسنوحي الغرب ‪ ،‬وروبنسن‬

‫كروزو ‪ ،‬ونك اردن ‪ ،‬وسويف جلفر ‪ ،‬ولكنك تبقى السندباد البحري‬ ‫البابلي العربي ‪ ،‬بهواجسك التي تشدك صوب المجهول ‪ ،‬فال تجد في‬ ‫الراحة راحة ‪ ،‬وال باالمان أمانا ‪ ،‬وال بالسعادة سعادة ‪.‬‬ ‫كنت تحلم أن تطير ببساط الريح قبل اآلف السنين ‪ ،‬وتنتقل من‬

‫مدينة الى أخرى ‪ ..‬ها قد تحقق حلمك في عصرنا باختراع الطائرة‬ ‫والصاروخ ‪ ،‬وحلمت أن تغزوالقمر والمريخ وعطارد والزهرة ‪ ،‬وكلك أمل‬ ‫بايجاد حياة عليها ‪ ،‬وكم توجست من أن ال تجد حياة ‪ ،‬وما عرفت بأنك‬ ‫ستعيد قصة انتشارك على قارات االرض ‪ ،‬اذ ستنقل الحياة على الكواكب‬ ‫‪ ،‬وتنقطع صلتك عن االرض ‪ ،‬وتعود لتغزو الكواكب ظانا انك وجدت‬ ‫بش ار غير بني جنسك ‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫الـمـخـلـوق الـعـجـيـب‬ ‫أثرت حيرتي ‪ ،‬اذ انك ثنائي في واحد ‪ ،‬فنصفك األيمن ال يشبه‬ ‫نصفك األيسر ‪ ..‬بدأ بعقلك المشطور الى نصفين ‪ ،‬األيسر يسيطر على‬ ‫نصف جسمك األيمن ‪ ،‬ونصف عقلك األيمن يسيطر على نصف جسمك‬ ‫األ يسر ‪ ..‬فلو نزل سيف وشقك من االعلى الى االسفل بالتمام والكمال‬ ‫والدقة ‪ ،‬لظهر نصفك األيمن بنصف عقل وعين واحدة ‪ ،‬ونصف أنف‬ ‫بمنخر واحد ونصف فم ونصف حنك وأذن واحدة ‪ ،‬وكتف ويد ونصف‬ ‫صدر ونصف بطن وساق واحدة ‪ ،‬كل هذه مختلفة كل االختالف عن‬

‫النصف االيسر ‪ ،‬بدأ من االفكار وانتهاء باالرادة ‪ ،‬فاحدهما قوي واالخر‬ ‫ضعيف ‪ ،‬واحدهما يحب الخير واالخر يحب الشر ‪ ،‬احدهما يخطط‬ ‫واالخر يسفه التخطيط ‪ ،‬أحدهما يريد واالخر يخالفه االرادة ‪ ..‬فيا لك من‬ ‫مسكين ايها االنسان فأنت في صراع دائم داخل نفسك ال تعرف من‬ ‫تطاوع من هذين الثنائيين ‪ ،‬المعشعشين بين لحمك وعظمك وعقلك ‪.‬‬ ‫اذ لمن تمتثل؟ ‪ ،‬للنصف الذي يشبه اباك أم للنصف الذي يشبه‬

‫أمك ‪ ،‬وأنت ال تدري من منهما يأمرك ويوجهك ‪.‬‬

‫فقلبك يميل مرة لهذا ومرة لذي ‪ ،‬فكأن مالك الميمنــة يقف‬ ‫‪72‬‬


‫على كتف ك األيمن حقيقة ‪ ،‬ومالك الميسرة يقف على كتفك األيسر حقا ‪..‬‬

‫ويوشوشان باذنك لتعمل ما يرونه ‪ ،‬وليس أمامك سوى االمتثال لواحد‬ ‫منهما ‪ ،‬وتلك هي تجربتك ‪ ،‬اما النجاح أو الفشل ‪.‬‬

‫وقد انتبه الى ثنائيتك المهرجون ‪ ،‬ولونوا نصف وجهك بصورة‬

‫امرأة ‪ ،‬والنصف اآلخر بصورة رجل ‪ ،‬وأرادوك أن تعبر عما تحمل من‬ ‫وجهين ‪ ،‬كل بشخصية منفردة ‪.‬‬

‫فما اكثر الناس الذين يحملون وجهين ‪ ،‬أحدهما صدوق واآلخر‬

‫كذاب ‪ ،‬احدهما أمين واآلخر محتال ‪ ،‬أحدهما طفولي واآلخر هرم ‪.‬‬ ‫وكم في قاموس المتناقضات من معان ونقيضها أنت طبقتها في‬ ‫حياتك ‪ ،‬فيا لك من ثنائي في واحد باشكال عجيبة ‪.‬‬ ‫وجعلت لهذا الثنائي عالمين احدهما خارجي واآلخر داخلي ‪ ،‬فهل‬ ‫كشفت عن العالمين ؟ ‪ ،‬ستقول ان عالمك الخارجي مكشوف للعيان ‪،‬‬ ‫ومعروف لدى الجميع فما من انسان على االرض اال واطلع على تاريخك‬

‫الطبيعي واالجتماعي والسياسي والثقافي والعلمي والحضاري ‪.‬‬

‫أما عالمك الداخلي فانه خاص بك ‪ ،‬سر من االسرار ‪ ،‬لن يطلع‬

‫عليه أحد سوى هللا عالم الغيوب كما يقول ابن عربي ‪:‬‬ ‫فافهم فديتك سر هللا فيك وال‬

‫تظهره فهو عن االعيان مكفون‬

‫فالسر ميت بقلب الحر مدفون‬

‫وغر عليه وصنه ما حييت به‬ ‫‪73‬‬


‫ولكنك في احيان كثيرة كشفته للناس على شكل شطحات‬ ‫المتصوفة ‪ ،‬أو على شكل مذكرات ويوميات وخلجات نفسية ‪.‬‬

‫فها أنت ماركس أرليوس امبراطور الرومان تدون يومياتك الفكرية‬

‫‪ ،‬وترسم بها طرقا لمن أراد أن يخترق بروحه حجب السماء مع العلم انك‬ ‫كنت من الوثنيين ‪ ،‬ولمن أراد أن ينشر العدالة على االرض ‪ :‬عليه أن‬ ‫يقدم نفسه قربانا لالخرين ‪.‬‬

‫وها أنت ميخائيل نعيمة تكتب قصة حياتك ( سبعون ) وتعلن‬

‫للناس كيف كنت ناسك الشحروب واحببت العديد من النساء المتزوجات ‪،‬‬

‫وكيف جعلتهن يخن ازواجهن معك ‪ ،‬وهذي لعمري اعترافات تطهرك أكثر‬ ‫مما تدينك ‪.‬‬ ‫وها أنت مكسيم غوركي تكتب ذكرياتك وأنت تطوف روسيا‬ ‫وتكتشف واقع الحياة ‪ ،‬فتجده في الشمس النها مصدر النشاط والتقدم‬ ‫والحياة ‪.‬‬ ‫فما أجرأك حين كتبت عن خبايا العالم الداخلي فهو المطهر‬ ‫الوحيد لنفسك من أدران العالم الخارجي ‪.‬‬ ‫ولكن الحق ‪ ..‬الحق أقول ‪ :‬ان عقلك النصفي المنقسم تحت‬

‫الجمجمة ال تربطه رابطة سوى روحك التي تمسك بكفتي الميزان فكلما‬

‫تدرجت نحو الشيخوخة تمكنت روحك أن تساوي بين الكفتين ‪.‬‬ ‫‪74‬‬


‫ولعل تناقضك كان السبب وراء النهايات المفجعة التي انتهيت‬ ‫اليها باختيارك ‪ ..‬حينما كنت أديبا واسمك همنجواي ‪ ،‬حيث سددت‬

‫بندقيتك الى صدرك في صبح يوم مشرق في جزيرة هادئة ‪ ..‬وحينما كنت‬ ‫مايكوفسكي اخمدت جحيمك الداخلي برصاصة من مسدسك ‪ ..‬وحين‬ ‫كنت جيراردي نرفال اطفأت شعلة روحك فشنقت نفسك في أحد ازقة‬ ‫باريس ليظن الناس انك مجنون ‪ ..‬وحينما كنت أديبا يابانيا واسمك كاوا‬ ‫باتا ونلت جائزة نوبل ‪ ،‬وانتحرت بال سبب ‪.‬‬

‫كم تناقضت بافكارك التي هي اغرب منك ‪ ،‬فها أنت الجاحظ تقول‬ ‫في رسالة التربيع والتدوير ‪:‬‬ ‫ فان الشيطان في مثلك اطماعا ال يصيبها في سواك ‪ ،‬ويجد فيك‬‫علال ال يجدها في غيرك ‪ ،‬ولست – جعلت فداك – كابليس وقد‬ ‫تقدم الخبر في بقائه الى انقضاء أمر العالم وفنائه ‪ ،‬ولوال الخبر‬ ‫لما قدمته عليك وال ساويته بك ‪ ،‬وأنت احق منه بعذر ‪ ،‬وأولى‬ ‫بستر ‪ ،‬ولو ظهر لي لما سألته كسؤالي اياك ‪ ،‬ولما ناقلته الكالم‬ ‫كمناقلتي لك ‪.‬‬

‫فترد عليه وأنت ابن زيدون في الرسالة الجدية ‪:‬‬

‫ ما أراني اال لو أني أمرت بالسجود آلدم فأبيت واستكبرت ‪ ..‬وقال‬‫لي نوح ‪ ( :‬اركب معنا ) فقلت ‪ ( :‬سآوي الى جب ــل‬ ‫‪75‬‬


‫يعصمني من الماء ) ‪ ،‬وأمرت ببناء الصرح لعلي أطلع الى اله موسى ‪،‬‬ ‫وعكفت على العجل ‪ ،‬واعتديت في السبت ‪ ،‬وتعاطيت فعقرت ‪ ،‬وشربت‬ ‫من ماء النهر الذي ابتلى به جنود طالوت وقدت الفيل البرهة ‪.‬‬ ‫وقد تعجب قبلي من تناقضاتك العالم الفرنسي باسكال اذ قال في‬ ‫خواطره ‪:‬‬

‫ ما اعجب االنسان ‪ ،‬هذا الوحش الخرافي ‪ ،‬والمخلوق العجيب‬‫الذي جمع بين كل المتناقضات ‪ ،‬يحكم بعقله على كل االشياء‬ ‫وهو الدودة الحقيرة الهائمة على وجه االرض يحمل الحقيقة بين‬ ‫جنبيه‪ ،‬وهومرتع الضالل والشك ‪ ،‬هو اعظم ما في الكون وارذله‬

‫‪ ،‬من الذين يفحمهم العقل ‪ ،‬ما مصيرك اذن ايها االنسان ؟ ‪،‬‬ ‫أنت الذي تبحث عن حقيقة كيانك بعقلك الطبيعي ‪ ،‬لن تجد‬ ‫أمامك اال واحدا من هؤالء أو أولئك ‪ ،‬ولن تستريح ألي منهم ‪.‬‬ ‫وقال لك الحكيم الفرنسي الرو شفوكو في فلسفته ‪:‬‬ ‫ ان االنانية هي التي تتحكم في جميع تصرفاتك ‪.‬‬‫ حبك لنفسك هو اعظم المتملقين ‪.‬‬‫ قيمتك كالفاكهة لها اوانها ‪.‬‬‫‪ -‬ضعفك ال يمكن أن يجعلك مخلصا ‪.‬‬

‫‪76‬‬


‫ بساطتك المتكلفة دجل مهذب ‪.‬‬‫ مكرك بديل حقير عن حكمتك ‪.‬‬‫فكم رأيتك تمكر باآلخرين وتسلب حقوقهم باسم العقل االشد حيلة‬

‫‪ ..‬مدعيا انهم حمقى ال يستحقون ما لديهم من نعمة ‪.‬‬

‫وهذا ال يبرر تصرفك وان منحك هللا القدرة على تصريف االمور‬ ‫وفق مفارقات تعجز صاحب العقل البسيط عن اكتشاف غايتك ‪ ،‬وهذا‬ ‫ايضا ال يعني ان تخدع الناس ‪ ،‬فان هللا تعالى قال في كتابه الكريم ‪( :‬‬

‫ويمكرون ويمكر هللا وهللا خير الماكرين ) االنفال ‪. 30‬‬ ‫وقد حسمها الشاعر االنكليزي كلف حينما قال ‪:‬‬

‫ ليس هنا جحيم سوى جحيم الدنيا ‪ ..‬فهي تؤدي هذا الغرض‬‫المزدوج على نحو متقن اذ انها تنزل الشرور بالتساوي على‬

‫رؤوس الظالمين والعادلين على حد سواء ‪.‬‬

‫‪77‬‬


‫الـمـضـحـك الـمـبـكـي‬ ‫سمعت عنك حين اشتهرت بين الناس بكثرة الدعابة والقصص‬

‫الهزلية ‪ ،‬وروى البشر عنك حكايات مضحكة وكان اسمك خرافة ثم‬ ‫أشعب ثم أبو الغصن الملقب بـجحا ‪ ،‬ونسبت لك كل الهزليات والملح‬ ‫واللطائف ‪ ،‬ولكن أن يأتي الملة نصر الدين التركي ويسطو على كل‬ ‫مفارقاتك فهذا اجحاف بعينه ‪.‬‬ ‫وحين بحثت عنك في دول العالم وجدتك باسماء جديدة فها أنت‬ ‫في ارمينيا تدعى أرتين وفي انكلت ار تسمى بات و سمبل وفي المانيا‬

‫ينادونك هرماجوش وفي فرنسا ماريوس و سان سيمون وفي اسبانيا‬ ‫دون كيشوت وفي ايطالي بني هيل وفي امريكا مستر بن ‪.‬‬

‫فيا لك من مدرسة لها اصولها في نشر الفكاهة والضحكة على‬

‫شفاه البشر ‪..‬فيا ترى هل أنت ضحكت من الناس ؟ أم الناس ضحكوا‬ ‫منك ! ؟‪.‬‬

‫فكم كنت داهية حين بعت دارك ‪ ،‬واشترطت على المشتري أن‬

‫تبقي مسما ار في الحائط خارج البيعة ‪ ،‬ويبقى ملكك ‪ ،‬فوافق على الفور ‪،‬‬ ‫اذ ما قيمة مسمار في الحائط ‪.‬‬ ‫ورحت تأتي مسمارك ‪ ،‬وتعلق عليه حاجياتك كل يوم وتربـط‬ ‫‪78‬‬


‫حمارك به ‪ ،‬الى أن جزع المشتري منك وترك لك الدارهاربا ‪ ،‬فأنت جحا‬ ‫حقا ‪.‬‬

‫ولكن أراك بعد قرون تطبق الطريقة الجحوية وأنت علي بابا‬

‫المشهور ‪ ،‬ترسل االربعين حرامي – داخل قلل – الى داخل القلعة لكي‬ ‫يخرجوا ليال ويسرقوا لك كنوز القلعة ‪ ،‬ولكن األميرة كهرمانة تكتشف‬ ‫حيلتك ‪ ،‬وتصب الزيت المغلي في كل قلة ‪ ،‬وتفشل خطتك ‪.‬‬ ‫وقبل االف السنين نجحت خطتك حينما احتللت طروادة ‪ ،‬عندما‬ ‫رأيت الطرواديين محصنين قي قلعتهم ‪ ،‬وباءت كل محاوالتك بالفشل من‬ ‫دخولها ‪ ،‬فابتدعت حصانا هائال متحركا من الخشب ‪ ،‬ووضعت بداخله‬ ‫أشد المقاتلين ‪ ،‬وقمت بخدعة حينما جعلت جيشك يفر تاركا خلفه‬

‫الحصان التمثال ‪ ،‬ففرح الطرواديون بهذه الغنيمة وسحبوها لداخل القلعة ‪،‬‬

‫واقاموا االفراح حتى منتصف الليل وناموا‪ ،‬عندئذ نزل المقاتلون من جوف‬ ‫الحصان ‪ ،‬واحتلوا المدينة ‪ ،‬وفتحوا بابها لجيشهم ‪ ،‬ودخل الجيش وسيطر‬ ‫على المدينة بكاملها ‪ ،‬فكم كنت داهية يا أوليسيس ‪.‬‬

‫ولكن من اعجب مفارقات الحياة أن تكون قطعة من الذهب كارثة‬

‫على نعيمك ‪.‬‬

‫‪79‬‬


‫حيث كنت تملك اآلف الهكتارات من المزارع على أحد االنهار االمريكية‬ ‫‪ ،‬وعددا ال يحصى من المواشي ‪ ،‬وزوجة وثالثة أوالد ‪ ،‬وكنت جنرال‬ ‫مشهو ار متقاعدا ‪.‬‬ ‫وفي يوم من االيام جاءك احد مزارعيك بصخرة صفراء ذات لمعان‬ ‫‪ ،‬التقطها من ضفاف ذلك النهر ‪ ،‬فكم كانت فرحتك ال توصف بما سوف‬ ‫تملكه من هذا الذهب االصفر ‪ ،‬وما دريت ان نعيمك سيزول بسبب هذه‬ ‫القطعة ‪ ،‬فليتك اكتفيت بها وقنعت بما تملك ‪ ،‬لكنه الطمع جعلك تعلن‬ ‫هذا االكتشاف على المأل ‪.‬‬ ‫وكانت كارثة ‪ ،‬حينما هجم البشر من كل المدن على مزرعتك ‪،‬‬

‫بل جاء آخرون من خلف المحيطات ‪ ،‬فاستوطنوا أرضك ‪ ،‬وذبحوا‬ ‫ماشيتك ‪ ،‬وقلعوا اشجارك ‪ ،‬وحينما أقمت الدعوى القضائية عليهم تطالبهم‬ ‫باموالك المنكوبة والمنهوبة ‪ ،‬أصدر القاضي حكمه لصالحك ‪ ..‬هاج‬ ‫الناس على القاضي وعليك ‪ ،‬فقتلوا أبناءك ‪ ،‬واضرموا النيران في مزارعك‬

‫وقصرك ‪ ،‬حتى أوصلوك الى الجنون ‪ ،‬وصرت تهيم في الشوارع والبرية‬

‫وينادونك ‪ :‬جون صتر ‪.‬‬

‫واالغرب ما حصل لك في العصر العباسي حينما كنت الخليفة‬ ‫الملقب بـالقاهر فبعد عام ونيف من خالفتك تسمل عيناك وتعزل ‪ ،‬وتصل‬ ‫بك الفاقة الى درجة وقوفك قرب مسجد ببغداد تستعطي المارة ‪ ،‬فيا لك‬

‫من انسان نال العز والذل باعاله وأوطأه‪.‬‬ ‫‪80‬‬


‫الـعـالـم بـيـديـك‬ ‫حين بلغ عمرك السبعين أبصرت رؤيا منامية ‪ ،‬فقد رأيت رب‬ ‫العالمين يناديك من السماء ‪ ،‬وهو جالس على كرسي العرش متلفعا‬ ‫بالغيوم الفضية ‪ ،‬ووجهه نور يعشي بصرك ‪ ،‬وجسمه كجبل ثلج صاف ‪،‬‬ ‫وصوته يتغلغل في دمك ‪ ،‬فيهتز جسمك ه از ‪ ،‬وترتعب من جاللة صوته‬ ‫وهو يقول لك ‪:‬‬

‫ أيها االنسان الطيب ‪ ،‬لم يبق من عمرك سوى عام واحد ‪ ،‬وقد‬‫منحتك أربع امنيات ‪ ،‬أحققها لك مهما تكن ‪ ،‬على شرط أن‬

‫تكون من اجل غيرك ال من اجل نفسك !؟ ‪.‬‬

‫واستيقظت وأنت في أوج الصفاء النفسي ‪ ،‬وال يداخلك شيء من‬ ‫الشك في هذه الرؤيا اليقينية ‪ ،‬ورحت تجيل الفكر ‪ ،‬حتى استقر رأيك‬ ‫على القضاء على أداة الحرب ‪ ،‬وانهاء ويالتها ‪ ،‬فرأيتها في البارود وما‬ ‫يشبهه ‪.‬‬ ‫فطلبت من هللا تعالى أن يحقق لك االمنية االولى وهي ازالة‬ ‫البارود وم ا يشبهه عن الكرة االرضية قاطبة ‪ ..‬وتم لك ما أردت ‪ ،‬وحول‬ ‫هللا تعالى كل البارود وما يشبهه من المتفجرات الى تراب في االرض‬ ‫كافة ‪ ،‬فال طلقة انطلقت بعد ذلك ‪ ،‬وال قنبلة انفج ـ ـرت ‪،‬‬ ‫‪81‬‬


‫وتوقفت الصواريخ ‪ ،‬واغلقت ابوابها كل المفاعالت ومعامل االسلحة ‪،‬‬ ‫ونهارت العصابات الكبيرة والصغيرة في دول العالم كافة ‪ ،‬وتوقفت‬ ‫الحروب بين الدول المتحاربة ‪.‬‬ ‫وكم عمتك الفرحة من انك حقنت الدماء وان العالم سيعيش في‬ ‫سالم دائم ‪ ،‬ولكن لم تمض ثالثة شهور اال وعاودت العصابات الى‬ ‫النهب والسلب وعادت الدول الى الحروب باستخدام السيوف والرماح‬ ‫والفؤوس والسهام والخناجر والسكاكين ‪ ،‬وصار الفتك أشد وطأة ‪ ،‬وكثرت‬ ‫الغوغاء والدماء ‪.‬‬ ‫فطلبت من هللا تعالى أن يحقق امنيتك الثانية ‪ :‬بتحويل الحديد وما يشبهه‬ ‫المصنع‬ ‫الى صخر ‪ ..‬فاستجاب هللا تعلى لما تريد ‪ ،‬وحول الحديد‬ ‫ّ‬

‫والحديد الخام وما يشبهه الى صخور ‪ ،‬فلم يبق في االرض أي أثر‬ ‫للحديد أو النحاس أو البرنز أو الاللمنيوم ‪ ،‬فكل ما هو مصنوع من هذه‬ ‫المواد تحول الى صخر ‪ ..‬فالجسور الحديدية تحولت الى جسور صخرية‬ ‫‪ ،‬والقاطرات وسكتها ‪ ،‬والعمارات منها ما سقط ومنها ما صمد والطائرات‬ ‫والسيارات الرابضة صارت كتماثيل صخرية على االرض ‪ ،‬والطائرات‬ ‫المحلقة سقطت كأنها نيازك ‪ ،‬والسيارات المنطلقة انفجرت‪ ،‬وغرقت السفن‬

‫والزوارق في المحيطات والبحار واالنهار ‪ ،‬وغلقت كل المعامل في العالم‬ ‫ابوابها الصخرية ‪ ،‬وسقطت اعمدة النور وانطفأت جميع المدن وحل‬ ‫الظالم الليلي فــي ك ــل ش ـوارع‬ ‫‪82‬‬


‫العالم وطفحت المجاري ‪ ،‬وتوقفت المستشفيات عن العمل وانتشرت‬ ‫االوبئة واالمراض ‪ ،‬ومات الكثير من البشر ‪ ،‬وهاج الناس وماجوا ‪،‬‬

‫ونهبوا المخازن والبيوت ‪ ،‬وصار أحدهم يقتل اآلخر بالحجارة ليسلب منه‬ ‫الطعام ‪ ،‬وكثر القتل وعاد االنسان الى العصور الحجرية يعيش في‬ ‫الكهوف ويستخدم الصخور كوسيلة للقتل ‪ ،‬ويصنع منها الفؤوس والرماح‬

‫والسكاكين ‪ ،‬ولم تمض ثالثة أشهر اخرى اال والدماء مألت االرض ‪.‬‬

‫فطلبت من هللا تعالى أمنيتك الثالثة بأن يحول الصخور الى تراب‬ ‫‪ ..‬واستجاب هللا لما تريد ‪ ،‬وتحولت الجبال الى هضاب ترابية وتساقطت‬ ‫الجسور والقناطر والسدود والعمارات والقالع والقصور والكاتدرائيات ‪،‬‬ ‫وتالشت االهرامات المصرية والمكسيكية ‪ ،‬ونهد سور الصين العظيم ‪،‬‬ ‫وتفتت اعمدة الرومان اآلثارية ‪ ،‬وتحولت كل التماثيل في الساحات‬ ‫والمتاحف الى حفنات من التراب ‪.‬‬ ‫فكثرت الزالزل االرضية ‪ ،‬وجفت االنهار ‪ ،‬ورتفعت ح اررة االرض‬ ‫بصورة ال تطاق ‪ ،‬وماتت معظم المخلوقات ‪ ،‬وعاد االنسان يصطاد‬ ‫بالخشب ‪ ،‬ويسقف مسكنه بالخشب ‪ ،‬وتحول الخشب الى أدوات للقتل ‪،‬‬ ‫ولم يبق من البشر على االرض اال القليل ‪ ،‬وأنت منهم ‪.‬‬

‫‪83‬‬


‫ولم يبق من عمرك اال ثالثة اشهر وامنية واحدة ‪ ،‬والحزن مأل‬ ‫قلبك ‪ ،‬اذ باءت كل افكارك النقاذ االنسان من ويالت الحروب وابادة‬ ‫االنسان لالنسان بالفشل ‪ ،‬وقد جاءت امنياتك وباال على االنسان‬ ‫والطبيعة ‪ ..‬اردت حقن الدماء فمات ماليين البشر ومعظم المخلوقات ‪.‬‬

‫فما اتعسك أمام رب الكون ألنك حطمت ميزانه الطبيعي دون‬

‫أن تدرك ذلك ‪.‬‬ ‫وكدت أن تطلب امنيتك الرابعة بازالة الخشب من الوجود لوال‬ ‫تداركك بالنتائج التي ستحل بالطبيعة ‪ ،‬فحياة كل المخلوقات مرتبطة‬ ‫بالنباتات ‪ ,‬وزوالها فناء لالحياء قاطبة ‪.‬‬ ‫فقررت التراجع ‪ ،‬وطلبت من هللا تعالى أن يعيد كل شيء على ما‬ ‫كان عليه سابقا قبل االمنيات ‪ :‬فلبى لك هللا تعالى امنيتك االخيرة ‪،‬‬

‫وعادت الحياة الى ما كانت عليه سابقا ‪ ،‬وانطوت حياتك دون أن تفيد‬ ‫البشرية بامنيتك الربانية ‪.‬‬ ‫فلو طلبت تغيير النفوس البشرية ‪ ،‬لكان خي ار لبني البشر ‪ ،‬فلو‬ ‫طلبت من هللا جل وعال أن ‪:‬‬ ‫ يمأل االيمان قلوب البشر ‪.‬‬‫ يحول طمع االنسان الى رضا ‪.‬‬‫ يحب االنسان العمل من اجل اآلخرين ‪.‬‬‫‪84‬‬


‫ يلتزم االنسان بالنظام العادل ‪.‬‬‫لكان العالم جنة االنسان على االرض ‪.‬‬

‫‪85‬‬


‫االنـسـان الـمـتـوحـد‬ ‫كم تمنى الفالسفة أن يحولوك الى انسان كامل ? ‪ ،‬فوضعوك في‬ ‫بوتقة مقترحات ونظريات وتجارب ‪ ،‬فقد وضعك ابن طفيل وابن سينا‬ ‫منذ الطفولة في غابة منعزلة عن البشر في جزيرة ( واق واق ) واطلقا‬ ‫عليك اسم حي بن يقضان ‪.‬‬ ‫وتركاك للطبيعة كي تربيك ‪ ،‬اذ ارضعتك الغزالن وعلمتك‬ ‫الحيوانات كيف تعيش ‪ ،‬وحين كبرت جاءك احد البشر واسمه آسآل ‪،‬‬ ‫وعلمك الكالم والتفكير ‪ ،‬ورحت تستنبط معاني الحياة ‪ ،‬وتتوغل في اسرار‬

‫الكون ‪ ،‬وبعدها فضلت الغابة على المدينة ‪.‬‬ ‫وتخيلك االديب دي فو بشخصية‬

‫روبنسن كروزو اذ رمت‬

‫المقادير كروزو في جزيرة نائية ‪ ،‬والتقى بك واسماك جمعة ‪ ،‬وكنت‬ ‫انسانا بدائيا ‪ ،‬وراح يعلمك اللغة والحضارة ‪ ،‬وكنت فعال تشبه حي بن‬ ‫يقضان عندما علمك آسآل اللغة ‪.‬‬ ‫ولكن المفكر االمريكي بوروز تخيلك طرزان في الغابة حيث مات‬ ‫أبواك وتركاك لوحوش الغابة ‪ ،‬فعطفت عليك القرود وربتك بينها وعلمتك‬

‫لغتها ‪ ،‬وحين كبرت صرت القرد االبيض طرزان في غابات االمزون ‪،‬‬ ‫وحين رأيت اشباهك من البشر تعلمت لغتهم ‪ ،‬فكانت وباال‬ ‫‪86‬‬


‫عليك ‪ ،‬مثلما آدم عليه السالم عندما تطلع الى شجرة المعرفة ‪ ،‬وحين‬ ‫ذاق ثمرها نال العذاب االبدي بعد أن طرد من الجنة ‪.‬‬ ‫وهذا ما حدث في الهند ايضا عندما كتب عنك كبلنج كتاب‬

‫االدغال ‪ ،‬حيث اسماك موغلي وقد ربتك ذئبة فقدت احد جرائها ‪ ،‬فنشأت‬ ‫مع الذئاب ‪ ،‬وتعلمت اصواتهم وطبائعهم ‪ ،‬وحين رأيت اشباهك من بني‬

‫جنسك البشري ‪ ،‬صرت تتابعهم وتتعلم منهم لغتهم‪.‬‬

‫وظن الفالسفة واالدباء من عزلة االنسان منذ الطفولة عن بني‬

‫البشر انه قادرعلى اكتشاف المعرفة من دون مساعدة ‪ ،‬وذلك عن طريق‬ ‫الحدس والمشاهدة ‪ ،‬وبعقل فارغ من تراكمات الذاكرة الفكرية التي تتبلور‬ ‫عن طريق اللغة ‪.‬‬ ‫وما عرفوا ان المعرفة ال تأتي اال عن طريق التراكمات البشرية‬ ‫عبر الزمن ‪ ،‬من انسان الى انسان لتنتقل الى انسان يستطيع ان يفكر‬

‫ويستخلص اعمق االفكار ‪ ،‬كما حدث لحي بن يقضان عندما علمه آسآل‬ ‫‪ ..‬وجمعة عندما علمه كروزو‪ ،‬ولطرزان وموغلي عندما تنصتا لكالم‬ ‫البشر ‪.‬‬

‫وما فرق الفالسفة بين عزلة االنسان المثقف وعزلة االنسان ذي‬

‫الطبيعة الحيوانية ‪ ،‬فان هللا تعلى خص برساالته االنسان المثقف النه‬

‫‪87‬‬


‫يملك االستعداد الكامل لتلقي رسالته ‪ ،‬فكيف يريدون من االبكم أن ينطق‬ ‫بالحكمة ‪.‬‬ ‫فاالنبياء حين اختلوا بانفسهم تمكنوا من الوصول الى معرفة‬ ‫الخالق المبدع ‪ ،‬فمدهم هللا برسالته النقاذ البشرية من الجهل به ‪،‬‬ ‫وهذا ما حدث للنبي محمد صلى هللا عليه وسلم في خلوته بغار‬ ‫حراء حيث نزل الوحي عليه ‪ ،‬وما حدث لموسى عليه السالم عندما‬ ‫اعتزل قومه وذهب الى الجبل وتلقى من ربه االلواح المدونة لتعاليم دينه ‪،‬‬ ‫واالولياء واألئمة حينما اعتزلوا المجتمع في خلوتهم دخلوا في‬ ‫فيوض ات ربانية خاصة قربتهم من هللا جل وعال ‪ ،‬كما حدث لالمام‬

‫موسى الكاظم عليه السالم حينما سجنه هارون الرشيد ‪ ،‬وصار منعزال‬ ‫يتعبد في سجنه تحت االرض ‪.‬‬

‫وكذلك حدث لالمام ابي حامد الغزالي رحمه هللا حينما هاجر من‬ ‫بغداد الى الشام واختلى في منارة دمشق متعبدا ‪.‬‬ ‫فما من ولي أو امام انعزل عن المجتمع متعبدا اال فتح هللا ملكوته‬ ‫‪ ،‬وجعله يبصر الحقيقة ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ ( :‬فكشفنا عنك غطاءك فبصرك‬ ‫اليوم حديد ) سورة ق ‪. 22‬‬ ‫فهل يستطيع أحد أن يصل الى ما وصلوا اليه ؟ ‪ ،‬أو هل يستطيع‬ ‫أحد أن يصف ما انكشف لهم ؟ ‪ ،‬ألن ما وصلوا اليه خاص‬ ‫‪88‬‬


‫جدا بهم ‪ ،‬ولن يطلع أحد عليه ألنه بينهم وبين هللا تعالى ‪.‬‬ ‫اذن لماذا وضعك الفالسفة في بوتقة العزلة منذ الصغر ؟ ‪ ،‬أألنهم‬ ‫أرادوك أن ال ترتبط بالمجتمع وتنشغل عن ادراك الحقيقة ! ? أم ألنهم‬ ‫عرفوا ان المجتمع سوف يشدك بألف خيط من االحتياجات ‪ ..‬الملبس ‪،‬‬ ‫الغذاء ‪ ،‬الشراب ‪ ،‬السكن ‪ ،‬االثاث ‪ ،‬وسائل النقل ‪ ،‬وغيرها الكثير ‪..‬‬ ‫ومثلما يمدونك فتعطيم المقابل ‪ ،‬عمل بعمل ‪ ،‬فلو تركتهم نهائيا فأنت‬ ‫وساكني الغاب أو الكهوف سواء بسواء ‪ ،‬فلن تستطيع أن تحمي نفسك‬ ‫من االخطار الطبيعية والوحشية ‪ ،‬واالنشغال بالبحث عن طعامك وشرابك‬ ‫ولباسك ومنامك ‪ ،‬وتصير اشرس من كل الحيوانات لكي ال تنتصر عليك‬ ‫‪.‬‬ ‫وشعورك بالوحدانية بعد انفصالك عن المجتمع سيسحقك ويرعبك‬

‫‪ ،‬اذ كيف لك أن تنزع عن نفسك كل شيء مثلما فعل تولستوي الثري ‪،‬‬ ‫حين وزع كل ما يملك على الفقراء ليعيش مدقعا ‪.‬‬ ‫ومثلما فعل ابراهيم االدهم رحمه هللا حينما هجر مملكته وساح في‬

‫االرض زاهدا عن الملك ‪ ،‬راضيا باطمار بالية ‪.‬‬

‫أظنه أم ار بالغ الصعوبة أن تترك ما تكيفت عليه لتعتزل الناس كليا‬ ‫‪ ،‬فالوحشة ستهجم عليك ‪ ،‬وذاتك ستطحن ذاتك ‪.‬‬

‫وخوفي عليك من أن يتمزق الغشاء الشفاف الذي يفصل الهلوسة‬

‫عن اليقين في عقلك ‪.‬‬ ‫‪89‬‬


‫وهللا جل وعال ما خلقك لهذا بل خلقك لتتحد مع البشرية وتتطور لتكتشف‬

‫الكون الواسع الذي تحتاج لبلوغه ماليين السنين من العلم ‪ ،‬عند ذلك‬

‫يكون ايمانك يقينا ال محال ‪.‬‬

‫‪90‬‬


‫الـغـربـة الـقـاتـلـة‬ ‫ما الذي دفعك ألن تهاجر من بلدك ؟ ‪ ،‬أألنك شعرت بأن ال‬

‫مكان لك بين أهلك واقاربك واصدقائك وناسك الذين يتكلمون لغتك ‪ ،‬لغة‬ ‫مشاعرك وعواطفك ؟! ‪ ،‬أوجدت نفسك وحيدا بينهم ؟‪ ،‬أم ألنك تهرب من‬ ‫قسوة السياط ‪ ،‬سياط الحكام المتسلطين ؟‪ ،‬بعدما ضاقت بك أرضك‬ ‫وسماؤك ‪ ،‬فصرت تغص بالماء القراح ! ‪.‬‬

‫أألنك رقيق المشاعر وشاعر فال تتحمل االهانة ألن كرامتك فوق‬

‫كل اعتبار ؟ ‪ ،‬ونفسك تترفع عن قول الشعر المزيف لمدح السالطين‬ ‫الطغاة ؟ ‪ ،‬فتلوذ بالفرار ‪ ..‬الى أين ؟ ! الى بالد صوروها لك جنة‬ ‫االحالم !‪ ،‬حقا انها جنة ولكن ألهلها ال لك ? ! انها جنة بال أنيس ‪،‬‬ ‫انها بالد التعرف لغتك وال تعرف لغتها ‪ ،‬انه الموت في الحياة ‪ ،‬فالحياة‬

‫هي الوطن واالهل واالصدقاء ‪ ،‬فبدونهم أنت كنخلة قلعت من الشرق‬

‫وزرعت في الغرب ‪ ،‬فال هي نخلة كنخيل العرب تعطي عثوق العسل ‪،‬‬ ‫وال هي شجرة غربية ‪ ،‬بل هي شجرة جرداء عثقها عرجون ‪ ،‬فكأنها من‬ ‫فصيلة هرمة ‪ ،‬نكرة ال فائدة ترتجى منها ‪.‬‬ ‫أي وحشة اصطدمت بها حين حططت رحالك ‪ ،‬فالناس كأنهم‬

‫‪91‬‬


‫آآلت بال مشاعر واحاسيس فيما بينهم ‪ ،‬فكيف سيشعرون بوجودك‬

‫ويتألمون أللمك ويواسونك في غربتك ‪.‬‬

‫فاألبناء تركوا آباءهم يموتون بصمت ‪ ،‬واآلباء قست قلوبهم على‬

‫أبنائهم فتركوهم منذ الطفولة برعاية ايدي أناس آخرين ال يعرفون لغة‬ ‫العواطف والمشاعر ‪ ،‬فكيف بك وأنت الغريب الذي حللت بينهم ‪ ،‬فهم‬ ‫يرفضونك حتى تثبت صالحيتك بينهم ‪.‬‬

‫كنت بين أهلك تترفع عن االعمال المتدنية ‪ ،‬ألنها متروكة لذوي‬

‫المدارك البسيطة ‪ ،‬مثل كناس الشوارع وغاسل صحون المطاعم ‪ ،‬أو‬ ‫حمال أو عتال ‪ ،‬أو صباغ االحذية ‪ ،‬أو ماسح زجاج السيارات‪.‬‬ ‫وحين حللت في المهجراجبرك الجوع أن تنحني لالخرين في سبيل‬ ‫لقمة تسد بها رمقك ‪ ،‬قد يرفسونك البسط االخطاء ‪ ،‬حتى تخرج عن‬ ‫انسانيتك الى الحيوانية المطيعة المنفذة ومنها الى الرتابة اآللية بعد أن‬ ‫تخلع عقلك وتنزع قلبك ‪.‬‬ ‫فال يفيد الندم ساعة مندم ? ‪ ،‬فقدمك وطأت أرض الغربة ‪ ،‬وبينك‬ ‫وبين التراجع جبال وبحار ومحيطات وآآلف الدنانير ‪ ،‬وأنت ال تملك‬

‫شروى نقير ‪ ،‬فكم تبجحت بشهاداتك ؟ ‪ ،‬ولم تتعظ من الذين سبقوك ‪ ،‬أما‬ ‫قرأت عن ميخائيل نعيمة وكيف حاز على ثالث شهادات عليا ‪ ،‬واحدة‬

‫من جامعة روسيا ‪ ،‬واخرى من جامعة فرنسا ‪ ،‬والثالثة‬ ‫‪92‬‬


‫من جامعة امريكا في القانون ‪ ،‬وكان يحلم أن يحمل حقيبته وهي ملئا‬ ‫بالمرافعات ‪ ،‬ولكنه حمل حقيبة تحتوي على نماذج البضاعة التي يروج‬ ‫عنها الصحاب المعامل والشركات ‪ ،‬ويمر على المحالت والبيوت عارضا‬ ‫بضاعته ‪.‬‬ ‫ولم تتعظ من ايليا أبي ماضي‬

‫و جبران خليل جبران حتى‬

‫صديقك لم تستفد منه عبرة ‪ ،‬فقد مرت عليه خمسة وعشرون عاما منذ أن‬ ‫ترك وظيفته مدرسا للرياضيات في بغداد وهرب الى كندا وحل في أوتاوا ‪،‬‬ ‫وهو مازال سائقا لسيارة أجرة ال يملكها ‪ ،‬ولم يتزوج وقد بلغ من العمر‬ ‫اكثر من الخمسين ‪ ..‬اذن تحمل تبعات مغامراتك هذي ‪.‬‬ ‫لن تصمد أمام قسوة الطبيعة ‪ ،‬وقسوة النظام ‪ ،‬ولن تصمد أمام‬ ‫قسوة العزلة ‪.‬‬ ‫ستقول ‪ :‬الطبيعة ستتكيف لها ‪ ،‬والنظام يحتمل ‪ ،‬اما العزلة فأنت‬

‫لم تفهمها ‪ ،‬وبدأت تطرق االبواب علك تجد عمال ‪ ،‬وتطلعهم على‬ ‫شهاداتك ‪ ،‬والجميع نصحوك أن ال فائدة من الشهادت هنا ‪ ،‬فكم من‬ ‫طبيب ومهندس عليه أن يعيد دراسته لسنوات حتى يحصل على شهادة‬ ‫كندية في أختصاصه ‪.‬‬ ‫فما عليك أال أن تبدا من أول الطريق وهو تنظيف االرض أو‬

‫الصحون أو السيارات أو المرافق الصحية ‪.‬‬ ‫‪93‬‬


‫وكانت صدمة ما أشدها من صدمة ‪ ،‬ولكن الجوع قاس والناس أشد قسوة‬

‫منه ‪ ،‬فهم ال يقدمون الطعام مجانا ‪.‬‬

‫فرضخت للعمل في مطعم لتغسل الصحون ‪ ،‬فطلب منك صاحب‬

‫المطعم أن تأتيه بشهادة ( حسن السيرة ) من دائرة الشرطة ‪ ،‬وذهبت الى‬ ‫الدائرة ‪ ،‬وطلبوا منك جوازك مع هوية ثبوتية ‪ ،‬ونهالوا عليك باالسئلة‬ ‫االعترافية ‪ ،‬وبعدها طالبوك بدفع خمسة وعشرين دوال ار ‪ ،‬فرجعت الى الى‬ ‫صاحب المطعم كي يسلفك هذا المبلغ ويحسمه من راتبك ‪ ،‬وآلن قلبه بعد‬ ‫أن وضعت حقيبتك في عهدته ‪.‬‬ ‫وصارالحصول على شهادة حسن السيرة كأنه نصر كبيرحقيقة بعد‬ ‫اقامتك لمدة عام من التسكع والبطالة ‪ ،‬وكأن ابواب القدر انفتحت لك ‪،‬‬

‫واستلمت مفتاح السعادة التي ستطعمك وتأويك ‪ ،‬ومرت السنون مظلمة‬ ‫متعبة ‪ ،‬وأنت تنتقل من عمل الى عمل ‪ ،‬وتلهث كالكلب من أجل تسديد‬ ‫االيجار المتصاعد سنويا ‪ ،‬ودفع قوائم الكهرباء والماء حتى قائمة االزبال‬ ‫مع العلم انك ال تملك ازباال لترميها ‪ ،‬وقد استغنيت عن التدفئة والهاتف ‪،‬‬

‫والمتبقي من شهريتك ال يكفي لشراء الخبز والزيتون والرز وبعض‬ ‫المعلبات ‪.‬‬

‫وخفت أن تمرض ‪ ،‬وان مرضت فانها الطامة الكبرى ‪ ،‬وحالك‬

‫سيكون كحال الكالب السائبة في بلدك ‪ ،‬الن الكالب في المهجر لها‬ ‫مكانة ارقى من بني جنسك ‪.‬‬ ‫‪94‬‬


‫فهل ارتضيت ذلك ‪ ،‬وان ارتضيت لن تشعر بالجنة بل بالجحيم ‪ ،‬جحيم‬ ‫العزلة التي لم تفهمها اال بعد أن عانيتها ‪ ،‬فال عالقات مع أهل البلد ‪،‬‬

‫ألنهم ال يحسنون العالقات سوى التحية السريعة ان تكرموا عليك بها ‪،‬‬ ‫فأنت ترى الناس ولكنهم ال يرونك ‪.‬‬

‫وطالما كلمتك عن دوستوفسكي االديب الروسي وما عاناه من‬ ‫قسوة الغربة حينما هرب من روسيا الى المانيا وايطاليا وفرنسا ‪ ،‬وكان ال‬ ‫يجد ثمن المبيت في االقبية ‪ ،‬فيذهب الى المالجئ ويهيم في المدن كأنه‬

‫بدوي ضائع في المدينة ‪ ،‬وهو من الشهرة في روسيا ما ال توصف ‪،‬‬ ‫يكفيه انه جعل القيصر يبكي وهو يق أر كتابه ( ذكريات بيت الموتى )‬ ‫ولكنه في بلدان الغربة ال يعرفه أحد ‪ ،‬وال يقدم له أحد بنسا واحدا ‪ ،‬بل‬

‫كان موظفو المصرف يسخرون منه ألنه كان يترددعليهم متسائال عن‬ ‫حوالة مصرفية من بلده وهي عبارة عن مائة روبل ال تكفيه لبضعة ايام‪.‬‬ ‫وكان المسكين يفضل لو بقي مسجونا في سيبيريا يعد األوتاد‬

‫البلوطية لسجنه ‪ ،‬وويتحدى الصقيع خير من التسكع بال عمل في بالد‬ ‫غريبة عليه ‪ ،‬وهو غريب بين الناس ‪ ،‬بل ال يجد انسانا صديقا مع كثرة‬ ‫البشر ‪.‬‬ ‫وقلت لك ان المغتربين على ثالث صفات ‪ :‬المهاجر الى الغربة‬ ‫من أجل لقمة العيش التي صعب الحصول عليها في بلده ‪..‬‬ ‫‪95‬‬


‫كما فعل ميخائيل نعيمة ‪ ،‬وجبران خليل جبران ‪ ،‬وايليا أبو ماضي ‪ ،‬فقد‬ ‫اشتغلوا بكل االشغال من أجل تلك اللقمة ‪ ،‬ولكن هللا منحهم الشهرة‬ ‫فاشتهروا بنبوغهم ‪.‬‬ ‫والمنفي الى الغربة ‪ ،‬دخلها مجب ار بأمر من دولته لكي يسجن‬

‫هناك بعيدا عن الوطن ‪ ،‬كما حدث لـ عبد القادر الجزائري‬

‫المنفي الى سوريا ‪ ،‬وأحمد عرابي ومحمود سامي البارودي المنفيان الى‬

‫جزيرة سيالن ‪.‬‬ ‫وكانت الغربة عليهم كأنها كابوس مظلم بل هو توقف عن حركة‬ ‫الزمن ‪ ..‬حركة الوطن ‪.‬‬ ‫اما الهارب الى الغربة ‪ ،‬فهو هارب من كلمته التي اطلقها من‬ ‫أجل الحق ‪ ،‬وادرك قسوة النظام الحاكم وبطشه ‪ ،‬فقرر النجاة بجلده خوفا‬

‫من السجن والتعذيب واالغتيال ‪ ،‬فهرب الكثيرون من الشعراء واالدباء‬ ‫ورجال الدين ‪ ،‬واالساتذة والسياسيين ‪.‬‬ ‫فما أشد ظلم الحاكم الذي يهاب الشعراء واالدباء وينكل بهم ‪،‬‬ ‫ويرسل كالبه لتنهشهم ‪ ،‬مع العلم انهم لم يزاحمونه على منصبه ‪ ،‬ولم‬ ‫ينافسونه على مكسبه ‪ ،‬حتى ضاقت الدنيا في عينيه بوجودهم ‪،‬النه ال‬ ‫يريد عمالقا أكبر من عملقته ‪ ،‬وال مشهو ار أكثر من شهرته ‪ ،‬بل يريدهم‬

‫خدما في حضرته ‪ ،‬يمسحون احذيته ‪ ،‬ويطبلون لعظمته واقواله الجوفاء ‪،‬‬ ‫ويرمي لهم بقايا طعامه المسروق من افواه االف الفقراء‪.‬‬ ‫‪96‬‬


‫ففضلت الرحيل عن الوطن تاركا كل احالمك ‪ ،‬باحثا عن االمان‬ ‫في بالد بعيدة ال يعرف شعبها عن وطنك شيئا ‪.‬‬ ‫وكان هو الجحيم الذي تسرب الى داخلك ‪ ،‬وكان أشد مضاضة‬ ‫من جحيم الوطن ‪ ،‬فليتك بقيت وذبحت بسكين الوطن خير من ألف ميتة‬ ‫تموتها في الغربة ‪.‬‬

‫‪97‬‬


‫درايـكـوال األدب‬ ‫أحب أن أسألك أخي ار ؟ ‪ ،‬فقد سمعت عنك بأنك صاحب قلم‬ ‫سيال ‪ ،‬وقد مألت مقاالتك الصحف والمجالت ‪ ،‬ولك مئات الكتب بحيث‬ ‫عجزت المكتبات عن احتوائها ‪ ،‬وكان من الممكن ان يتم ترشيحك لجائزة‬ ‫نوبل لوال انها لم تترجم الى لغات العالم ‪.‬‬ ‫× ‪ -‬هل أنت انساني النزعة ؟‬ ‫وحين حاولت استكشافك من خالل كتبك ‪ ،‬أريتك تخفي حقدك ضد‬ ‫االنسانية ‪.‬‬ ‫× ‪ -‬هل أنت وطني ؟‬ ‫النني استنبطت عدم انتمائك لوطنك من ضجرك الدائم وأنت في‬ ‫وطنك ‪ ،‬وهروبك المتكرر للخارج متبجحا بانك تكتب عن الشعوب ‪ ،‬فهل‬ ‫الوطني يهرب من معاناة بالده ويترك شعبه يعاني الفقر والجهل والمرض‬ ‫والخوف ‪ ،‬وال يخفف عنه هذه المحن ‪.‬‬ ‫× ‪ -‬وهل أنت حر القلم ؟‬ ‫فاني عرفتك تحسب الصفحات لتتقاضى عن كل كلمة كتبتها ‪،‬‬ ‫وكم بعت قلمك وفكرك للحكام ولالحزاب والصحاب المناصب ‪ ،‬وحينما‬ ‫فصلت من وظيفتك تقوقعت وخفت ارهاب الحاكم ‪ ،‬ولم تكتب كلمة واحدة‬ ‫خوفا ورعبا من أن يجني عليك قلمك بما ال‬ ‫‪98‬‬


‫يحمد عقباه ‪ ،‬أهكذا الحر ؟ ‪ ،‬فليت العبودية لم تضرب خيامها على‬ ‫أرض االحرار ! ? ‪.‬‬ ‫يؤسفني أن أكيل لك النقد الجارح ‪ ،‬فطالما رأيتك تستخدم السكين‬ ‫في وجوه االبرياء ‪ ،‬فلم تكن صريحا مع نفسك وال مع الناس ‪ ،‬فقد اخفيت‬ ‫ما كنت تعرفه عن سيرة الحاكم ‪ ،‬وصورت للناس قبل فصلك وبعد‬ ‫رجوعك للوظيفة بأن الحاكم منزه عن الخطأ ‪ ،‬ولكن حينما مات الحاكم‬ ‫صرت مع الحاكم الجديد ‪ ،‬ونزهته في حين رحت تكشف مثالب الحاكم‬ ‫القديم بل وأدهى من ذلك جعلته الحاقد على العرب ! ? ‪.‬‬ ‫ولم تكن صادقا مع اهلك واصدقائك وق ارئك ‪ ،‬اذ كنت تظهر لهم‬

‫خالف ما تبطن ‪ ،‬وكانوا يعتبرونك مثالهم الفكري ‪.‬‬

‫ولم تكن مخلصا القرب المقربين لك ‪ ،‬الذين اوقعتهم بشباك حبك‬ ‫‪ ،‬ورحت تقلبهم على نار هادئة ‪.‬‬ ‫ولم تكن وفيا لمن عاهدتهن على الزواج ونكثت عهودك بحجة انك‬ ‫كثير الترحال والتنقل ‪.‬‬ ‫ولم تكن عفيف اللسان واليد ‪ ،‬فكم منحت الشهرة لنساء ال يستحقنها‬ ‫لقاء اطفاء شهواتك الحسية ‪ ،‬وكم اقذعت لمن نقدوك ‪ ،‬وكنت فرحا‬ ‫باصحاب الجاه حين استأجروك باموالهم لكي تطيح منافسيهم عن كراسي‬ ‫المناصب ‪.‬‬ ‫‪99‬‬


‫ولم تكن شريفا فالشرف عندك فكرة عربية وافكارك غربية ‪ ،‬أما‬ ‫النزاهة واالمانة فحدث وال حرج ‪ ،‬فأنت بارع في تمثيلها كأنك تدربت على‬ ‫يد أشهر ممثلي السينما ‪ ،‬فأنت تقول ما ال تفعل‬ ‫أما الكرم والرحمة فانك تعتبرهما ضعف االغبياء ‪ ،‬ونسيت الرحمن‬ ‫الرحيم ‪.‬‬ ‫وتعتبر الشجاعة والبطولة والتضحية من المنقرضات البشرية ‪.‬‬ ‫فأين كتبك هذه الكثيرة من قول الحق ‪ ،‬فأنا لم أجد فيها ما يكشف‬ ‫اسباب تخلف شعبك وفقرهم المدقع ‪ ،‬النك تخاف أن تتهم الحكومة وان‬ ‫كنت صاحب رأي ومبدأ كما تدعي ‪ ،‬فأين التزامك بعدالة انصاف‬ ‫المظلوم ‪.‬‬ ‫وان كنت غيو ار على دينك فما هذه المحاباة للعلمانيين ? ؟ ‪.‬‬ ‫وان كنت صاحب رسالة ‪ ،‬فأين هي معجزاتك ؟ ‪ ،‬ستدعي انها‬

‫كتبك ‪ ،‬مع االسف الشديد انها فقاعات ليس فيها ماء يروى العطش‬ ‫واحالم التتحقق ‪.‬‬ ‫نشأت في عائلة غنية ‪ ،‬اذ كان أبوك قاضيا ‪ ،‬جاءت امواله الكثيرة‬ ‫من عدم انصاف المظلومين ‪ ،‬فتعلمت منه كيف يقلب الحق باطال ‪،‬‬ ‫ويأخذ ثمنا لتبرئة الظالم ‪ ،‬وحين نشأت هذا المنشأ وأكلت من السحت‬ ‫الحرام ‪ ،‬لم تترفع نفسك عن الدنايا ‪.‬‬ ‫‪100‬‬


‫فكان أبوك يتاجر بالعدلة ‪ ،‬وأنت تتاجر بالقلم ‪ ،‬ستقول ‪ :‬ـ من شابه أباه‬ ‫فما ظلم ‪.‬‬ ‫ربما يغفر هللا لك محاباتك ومداجاتك ‪ ،‬وترويجك لالوهام ‪ ،‬لكننا ال‬ ‫نغفر لك أن تتخذ من اعداء وطنك اصحابا لك ‪ ،‬وتدافع عن دينهم‬ ‫وتطعن في دين قومك ‪ ،‬وتروج ألفكارهم بين أبناء شعبك الطيبين ‪ ،‬فبدال‬ ‫من أن تصف لشعبك عالجا يشفيه من ضعفه وفقره ‪ ،‬تصف له سما‬ ‫زعافا مغلفا بعسل العقول ‪ ،‬لكي تمهد لالعداء أن يضربوه طلقة الرحمة ‪.‬‬ ‫وكل هذا وتريد أن تخلدك كتبك ‪ ،‬وما علمت ان مملكة االدب ال‬ ‫تمنح تاجها اال لمن عانى وقاسى وضحى بنفسه وبقلمه وبفكره من أجل‬ ‫الحقيقة واعالء كلمة هللا ‪.‬‬ ‫فاألديب الحقيقي مثل العالم الذي يوشك أن يكتشف عالجا ناجعا‬ ‫لمرض خبيث ‪ ،‬ويرأف بتجربته على االنسان ‪ ،‬فيتطوع ويجربه على نفسه‬ ‫‪.‬‬ ‫فأين منك هذا ؟ ‪ ،‬وأنت ال يهمك أن يتساقط كل البشر لتبقى أنت‪.‬‬

‫لقد اقسم هللا جل وعال بالقلم ‪ ،‬وأية قدسية اعطاها له ?‪ ،‬انها توازي‬

‫الكون ‪ ،‬فليتك ارتعشت لعظمة هذا القسم قبل أن تـؤلف مئات‬ ‫‪101‬‬


‫الكتب ‪ ،‬وانا واثق لو ادركت سر هذا القسم لما كتبت اال النزر القليل ‪،‬‬ ‫لكان ميزان االدب ارجح وانفع ‪ ،‬لكنك مسكت الميزان بالمقلوب ‪.‬‬ ‫واحسن عمل قمت به طوال حياتك ولم ينته لحد أيامك االخيرة هو‬ ‫سطوتك على كتابات غيرك ‪ ،‬وما اسهل هذا السطو ‪ ،‬فاللص يسطو على‬ ‫اموال غيره وحين يلقى عليه القبض ويحاكم ويدان ثم يودع السجن ‪ ..‬أما‬

‫سارق االفكار والكتابات فانه في شرقنا يصول ويجول دون عقاب ‪ ،‬وقد‬ ‫بدأ سطوك منذ ان عينوك مسؤوال للصفحة االدبية في احدى المجالت ‪،‬‬ ‫فكم سخرت من أدباء وكتاب حينما كنت تقول لهم ‪ :‬ان مواضيعهم غير‬ ‫صالحة للنشر ‪.‬‬ ‫وكذلك حين صرت رئيسا لتحرير مجلة ‪ ،‬وكنت تجمع المقاالت‬ ‫والقصص المرسلة الجيدة ‪ ،‬وتطويها لعام او اعوام ثم تعيد صياغتها‬ ‫وتغير عناوينها وتنشرها باسمك ‪ ..‬وهكذا تكونت عندك هذه الكمية الهائلة‬ ‫من الكتب التي دبجتها من افكار وكتابات غيرك ‪ ،‬وانا واحد منهم ‪.‬‬ ‫فمن يقتص منك ؟ ! ومن يستطيع من االدباء الذين وأدت االدب‬

‫في نفوسهم وجعلتهم ال يقرأون ما كتبت أن ينتبهوا الى كتاباتك المسروقة‬

‫منهم ‪ ،‬وحتى لو انتبهوا الى أين يتجهون السترداد حقهم ‪،‬‬ ‫‪102‬‬


‫فان العدالة لم تفتح عينيها على هكذا مواضيع‪ ،‬بل انها ما تزال معصوبة‬ ‫العينيين عن قضايا اكثر اهمية من االدب‪.‬‬ ‫فيا لك من ظالم جشع وقد قال فيك أبو تمام ‪:‬‬ ‫يموت مشايخ الكتاب هزال‬

‫ورزقك أنت في الستين يجري‬

‫فكم نزعت حب االدب من نفوس محبي االدب ‪ ،‬الم تكتف وترعوي‬ ‫حتى وانت في اواخر حياتك ؟ ‪.‬‬ ‫كم بعت من مؤلفات غيرك المخطوطة لطالب الدراسات العليا ‪،‬‬

‫وانطلقوا فيها ونالوا درجات النجاح دون تعب ‪.‬‬

‫وكم اتعبت مؤلفي تلك الكتب من مراجعاتهم لك ‪ ،‬حتى جعلتهم‬

‫يياسون من استردادها ‪ ،‬بل جعلتهم يقتنعون ‪ :‬بأن ال فائدة مما كتبوه ‪.‬‬

‫وكنت تحسن اختيار ضحيتك خاصة الذي جاءك بباكورته االولى‬ ‫في التأليف وقد ابدع فيها ‪.‬‬ ‫وكان سطوك على المؤلفات النسوية اسهل من السطو على مؤلفات‬ ‫الرجالية ‪ ..‬فأنت حقا من مجموعة مصاصي الدماء واقل وصف يطلق‬ ‫عليك هو درايكوال االدب ‪.‬‬

‫‪103‬‬


‫فهـرس االعـالم‬ ‫ت‬

‫اسم الشخصية‬

‫رقم الصفحة‬

‫‪1‬‬

‫المتنبي‬

‫‪2‬‬

‫‪2‬‬

‫سيف الدولة‬

‫=‬

‫‪3‬‬

‫جرير‬

‫=‬

‫‪4‬‬

‫الفرزدق‬

‫=‬

‫‪5‬‬

‫الحطيئة‬

‫=‬

‫‪6‬‬

‫الجاحظ‬

‫=‬

‫‪7‬‬

‫احمد بن عبد الوهاب‬

‫=‬

‫‪8‬‬

‫ابن زبدون‬

‫=‬

‫‪9‬‬

‫المعري‬

‫=‬

‫‪10‬‬

‫ابن شهيد االندلسي‬

‫=‬

‫‪11‬‬

‫الفراعنة‬

‫‪12‬‬

‫موسى عليه السالم‬

‫=‬ ‫‪4‬‬

‫‪13‬‬

‫تاكا توكي‬

‫‪5‬‬

‫‪14‬‬

‫قابيل‬

‫‪9‬‬

‫‪15‬‬

‫هابيل‬

‫=‬

‫‪16‬‬

‫هبل‬

‫=‬

‫‪17‬‬

‫نوح عليه السالم‬

‫=‬

‫‪18‬‬

‫ابراهيم عليه السالم‬

‫=‬

‫‪104‬‬


‫ت‬

‫اسم الشخصية‬

‫‪19‬‬

‫المسيح عليه السالم‬

‫‪9‬‬

‫‪20‬‬

‫محمد صلى هللا عليه وسلم‬

‫‪10‬‬

‫‪21‬‬

‫أيوب عليه السالم‬

‫=‬

‫‪22‬‬

‫نوح عليه السالم‬

‫=‬

‫‪23‬‬

‫يونس عليه السالم‬

‫‪24‬‬

‫سعيد بن جبير‬

‫=‬ ‫‪12‬‬

‫‪25‬‬

‫جعد بن درهم‬

‫‪26‬‬

‫السهرردي‬

‫=‬ ‫‪13‬‬

‫‪27‬‬

‫احمد بن حنبل‬

‫‪28‬‬

‫أبو منصور الحالج‬

‫=‬ ‫‪14‬‬

‫‪29‬‬

‫ابن تيمية‬

‫=‬

‫‪30‬‬

‫ابن الجوزي‬

‫‪31‬‬

‫كالفن‬

‫=‬ ‫‪15‬‬

‫‪32‬‬

‫برنو‬

‫‪33‬‬

‫المسيح عليه السالم‬

‫=‬ ‫‪16‬‬

‫‪34‬‬

‫الحجاج‬

‫=‬

‫‪35‬‬

‫توركمادا‬

‫‪36‬‬

‫مروان بن محمد‬

‫=‬ ‫‪17‬‬

‫‪37‬‬

‫عبد الحميد الكاتب‬

‫=‬

‫‪38‬‬

‫السفاح‬

‫=‬

‫‪105‬‬

‫رقم الصفحة‬


‫رقم الصفحة‬

‫ت‬

‫اسم الشخصية‬

‫‪39‬‬

‫عبد الرحمن الداخل‬

‫‪17‬‬

‫‪40‬‬

‫عبد هللا بن الزبير‬

‫=‬

‫‪41‬‬

‫اسماء بنت أبي بكر‬

‫‪42‬‬

‫ابن المعتز‬

‫=‬ ‫‪19‬‬

‫‪43‬‬

‫منصور الحمادي‬

‫=‬

‫‪44‬‬

‫المعز بن باديس‬

‫‪45‬‬

‫علي بن أبي طالب ( ع )‬

‫=‬ ‫‪20‬‬

‫‪46‬‬

‫عمرو بن العاص‬

‫‪21‬‬

‫‪47‬‬

‫معاوية بن أبي سفيان‬

‫‪22‬‬

‫‪48‬‬

‫حمورابي‬

‫=‬

‫‪49‬‬

‫بوذا‬

‫=‬

‫‪50‬‬

‫كونفوشيوس‬

‫=‬

‫‪51‬‬

‫ليقورع‬

‫=‬

‫‪52‬‬

‫ماني‬

‫=‬

‫‪53‬‬

‫اخناتون‬

‫=‬

‫‪54‬‬

‫زرادشت‬

‫‪55‬‬

‫ديجونوس‬

‫=‬ ‫‪23‬‬

‫‪56‬‬

‫أخيل‬

‫‪25‬‬

‫‪57‬‬

‫هكتور‬

‫=‬

‫‪58‬‬

‫االسكندر المقدوني‬

‫=‬

‫‪106‬‬


‫ت‬

‫اسم الشخصية‬

‫رقم الصفحة‬

‫‪59‬‬

‫نابليون‬

‫‪26‬‬

‫‪60‬‬

‫جنكيز خان‬

‫‪27‬‬

‫‪61‬‬

‫هوالكو‬

‫=‬

‫‪62‬‬

‫هتلر‬

‫=‬

‫‪63‬‬

‫موسليني‬

‫‪64‬‬

‫شجرة الدر‬

‫=‬ ‫‪28‬‬

‫‪65‬‬

‫شهريار‬

‫=‬

‫‪66‬‬

‫ذو اللحية الزرقاء‬

‫=‬

‫‪67‬‬

‫نيرون‬

‫‪68‬‬

‫أوكتافيا‬

‫‪69‬‬

‫اغريبينا‬

‫=‬

‫‪70‬‬

‫ستالين‬

‫=‬

‫‪71‬‬

‫كنيدي‬

‫=‬

‫‪72‬‬

‫مارلين مورلو‬

‫=‬

‫‪73‬‬

‫جاكلين‬

‫=‬

‫=‬ ‫‪29‬‬

‫‪74‬‬

‫فاروق‬

‫=‬

‫‪75‬‬

‫اسمهان‬

‫‪76‬‬

‫عطيل‬

‫=‬ ‫‪30‬‬

‫‪77‬‬

‫شكسبير‬

‫=‬

‫‪78‬‬

‫ديدمونة‬

‫=‬

‫‪107‬‬


‫ت‬

‫اسم الشخصية‬

‫رقم الصفحة‬

‫‪79‬‬

‫ديك الجن‬

‫‪30‬‬

‫‪80‬‬

‫عضد الدولة البويهي‬

‫‪81‬‬

‫دافنشي‬

‫=‬ ‫‪31‬‬

‫‪82‬‬

‫المسيح ( عليه السالم )‬

‫=‬

‫‪83‬‬

‫يهوذا االسخريطي‬

‫=‬

‫‪84‬‬

‫المونالي از‬

‫=‬

‫‪85‬‬

‫انطون فيشر‬

‫‪86‬‬

‫دافنشي‬

‫=‬ ‫‪32‬‬

‫‪87‬‬

‫ميكال انجلو‬

‫‪88‬‬

‫الفارابي‬

‫=‬ ‫‪33‬‬

‫‪89‬‬

‫ارسطو‬

‫‪90‬‬

‫بتهوفن‬

‫=‬ ‫‪34‬‬

‫‪91‬‬

‫لي بو‬

‫‪35‬‬

‫‪92‬‬

‫دوفو‬

‫‪36‬‬

‫‪93‬‬

‫رامبو‬

‫‪94‬‬

‫فيرلين‬

‫=‬ ‫‪37‬‬

‫‪95‬‬

‫توماس ستيرن اليوت‬

‫‪96‬‬

‫بدر شاكر السياب‬

‫=‬ ‫‪38‬‬

‫‪97‬‬

‫هوميروس‬

‫‪40‬‬

‫‪98‬‬

‫ابو العالء المعري‬

‫‪41‬‬

‫‪108‬‬


‫ت‬

‫اسم الشخصية‬

‫رقم الصفحة‬

‫‪99‬‬

‫جون ملتون‬

‫‪41‬‬

‫‪100‬‬

‫دانتي‬

‫=‬

‫‪101‬‬

‫طه حسين‬

‫‪102‬‬

‫محمد مهدي البصير‬

‫=‬ ‫‪42‬‬

‫‪103‬‬

‫ابو حيان التوحيدي‬

‫‪43‬‬

‫‪104‬‬

‫محمد بن عبد هللا الزيات‬

‫‪44‬‬

‫‪105‬‬

‫عبد الحميد الكاتب‬

‫=‬

‫‪106‬‬

‫مروان بن محمد‬

‫‪107‬‬

‫السفاح‬

‫=‬ ‫‪45‬‬

‫‪108‬‬

‫ابن المقفع‬

‫=‬

‫‪109‬‬

‫عمرو بن العالء‬

‫=‬

‫‪110‬‬

‫داود الطائي‬

‫‪111‬‬

‫سفيان الثوري‬

‫=‬ ‫‪46‬‬

‫‪112‬‬

‫الخليفة المهدي‬

‫=‬

‫‪113‬‬

‫يوسف بن أسباط‬

‫‪114‬‬

‫ابو سعيد السيرافي‬

‫=‬ ‫‪47‬‬

‫‪115‬‬

‫ابرهة‬

‫‪49‬‬

‫‪116‬‬

‫وحشي‬

‫=‬

‫‪109‬‬


‫ت‬

‫اسم الشخصية‬

‫رقم الصفحة‬

‫‪117‬‬

‫الحمزة‬

‫‪49‬‬

‫‪118‬‬

‫هند‬

‫=‬

‫‪119‬‬

‫ابو سفيان‬

‫=‬

‫‪120‬‬

‫مسرور السياف‬

‫=‬

‫‪121‬‬

‫المتنبي‬

‫=‬

‫‪122‬‬

‫كافور االخشيدي‬

‫‪123‬‬

‫سيف الدولة الحمداني‬

‫=‬ ‫‪50‬‬

‫‪124‬‬

‫سبارتكوز‬

‫‪51‬‬

‫‪125‬‬

‫القيصر‬

‫‪52‬‬

‫‪126‬‬

‫كراسوس‬

‫=‬

‫‪127‬‬

‫مارثن لوثر‬

‫=‬

‫‪128‬‬

‫باراك اوباما‬

‫‪129‬‬

‫سيزيف‬

‫=‬ ‫‪53‬‬

‫‪130‬‬

‫الوليد بن عبد الملك‬

‫‪56‬‬

‫‪131‬‬

‫جلجامش‬

‫‪58‬‬

‫‪132‬‬

‫المقتفي‬

‫‪133‬‬

‫دنقراطيس‬

‫=‬ ‫‪59‬‬

‫‪134‬‬

‫اج ‪ .‬جي ‪ .‬ويلز‬

‫‪110‬‬

‫=‬


‫ت‬ ‫‪135‬‬

‫اسم الشخصية‬ ‫موسى بن شاكر المنجم‬

‫رقم الصفحة‬ ‫‪61‬‬

‫‪136‬‬

‫الخليفة المأمون‬

‫‪137‬‬

‫أبو طاهر القرمطي‬

‫‪138‬‬

‫ابن حمدي‬

‫‪63‬‬

‫‪139‬‬

‫ابن شاهين‬

‫=‬

‫‪140‬‬

‫ابن فوالذ‬

‫‪141‬‬

‫تيمورلنك‬

‫=‬ ‫‪64‬‬

‫‪142‬‬

‫ابن خلدون‬

‫‪143‬‬

‫كولومبوس‬

‫=‬ ‫‪66‬‬

‫‪144‬‬

‫ماركو بولو‬

‫=‬

‫‪145‬‬

‫البابا‬

‫=‬

‫‪146‬‬

‫قبالي خان‬

‫‪147‬‬

‫هوالكو‬

‫=‬ ‫‪67‬‬

‫‪148‬‬

‫شمس الدين عمر‬

‫‪149‬‬

‫المسيح (عليه السالم )‬

‫=‬ ‫‪68‬‬

‫‪150‬‬

‫ابن بطوطة‬

‫‪151‬‬

‫محمد شاه‬

‫=‬ ‫‪68‬‬

‫‪152‬‬

‫الملك الظاهر‬

‫=‬

‫‪111‬‬

‫=‬ ‫‪62‬‬


‫ت‬

‫اسم الشخصية‬

‫رقم الصفحة‬

‫‪153‬‬

‫قبالي خان‬

‫‪70‬‬

‫‪154‬‬

‫أديسيوس‬

‫‪71‬‬

‫‪155‬‬

‫سنوحي‬

‫=‬

‫‪156‬‬

‫روبنسن كروزو‬

‫=‬

‫‪157‬‬

‫نك أردن‬

‫=‬

‫‪158‬‬

‫سويف جلفر‬

‫‪159‬‬

‫ابن عربي‬

‫=‬ ‫‪73‬‬

‫‪160‬‬

‫ماركس أرليوس‬

‫‪74‬‬

‫‪161‬‬

‫ميخائيل نعيمة‬

‫‪74‬‬

‫‪162‬‬

‫مكسيم غوركي‬

‫‪163‬‬

‫همنجواي‬

‫=‬ ‫‪75‬‬

‫‪164‬‬

‫مايكوفسكي‬

‫=‬

‫‪165‬‬

‫جيراردي نرفال‬

‫=‬

‫‪166‬‬

‫كاوا باتا‬

‫=‬

‫‪167‬‬

‫الجاحظ‬

‫=‬

‫‪168‬‬

‫ابن زيدون‬

‫=‬

‫‪169‬‬

‫نوح ( عليه السالم )‬

‫‪170‬‬

‫طالوت‬

‫=‬ ‫‪76‬‬

‫‪112‬‬


‫ت‬

‫اسم الشخصية‬

‫رقم الصفحة‬

‫‪171‬‬

‫باسكال‬

‫‪76‬‬

‫‪172‬‬

‫الرو شفوكو‬

‫‪173‬‬

‫كالف‬

‫=‬ ‫‪77‬‬

‫‪174‬‬

‫خرافة‬

‫‪78‬‬

‫‪175‬‬

‫اشعب‬

‫=‬

‫‪176‬‬

‫ابو الغصن جحا‬

‫=‬

‫‪177‬‬

‫الملة نصر الدين‬

‫=‬

‫‪178‬‬

‫بات‬

‫=‬

‫‪179‬‬

‫سمبل‬

‫=‬

‫‪180‬‬

‫هرماجوش‬

‫=‬

‫‪181‬‬

‫ماريوس‬

‫=‬

‫‪182‬‬

‫سان سيمون‬

‫=‬

‫‪183‬‬

‫دون كيشوت‬

‫=‬

‫‪184‬‬

‫بني هيل‬

‫=‬

‫‪185‬‬

‫مستر بن‬

‫=‬

‫‪186‬‬

‫علي بابا‬

‫‪187‬‬

‫كهرمانة‬

‫=‬ ‫‪79‬‬

‫‪188‬‬

‫أوليسسيس‬

‫=‬

‫‪113‬‬


‫ت‬

‫اسم الشخصية‬

‫رقم الصفحة‬

‫‪189‬‬

‫جون صتر‬

‫‪80‬‬

‫‪190‬‬

‫القاهر‬

‫‪191‬‬

‫ابن طفيل‬

‫=‬ ‫‪86‬‬

‫‪192‬‬

‫ابن سينا‬

‫=‬

‫‪193‬‬

‫حي بن يقضان‬

‫‪194‬‬

‫دي فو‬

‫=‬ ‫‪86‬‬

‫‪195‬‬

‫روبنسن كروزو‬

‫=‬

‫‪196‬‬

‫جمعة‬

‫=‬

‫‪197‬‬

‫بوروز‬

‫=‬

‫‪198‬‬

‫طرزان‬

‫=‬

‫‪199‬‬

‫آدم ( عليه السالم )‬

‫‪200‬‬

‫كبلنج‬

‫=‬ ‫‪87‬‬

‫‪201‬‬

‫موغلي‬

‫‪88‬‬

‫‪202‬‬

‫محمد ( صلى هللا عليه وسلم )‬

‫=‬

‫‪203‬‬

‫موسى ( عليه السالم )‬

‫=‬

‫‪204‬‬

‫موسى الكاظم ( عليه السالم )‬

‫=‬

‫‪205‬‬

‫هارون الرشيد‬

‫=‬

‫‪206‬‬

‫أبو حامد الغزالي‬

‫=‬

‫‪114‬‬


‫ت‬

‫اسم الشخصية‬

‫رقم الصفحة‬

‫تولستوي‬

‫‪89‬‬

‫‪208‬‬

‫ابراهيم االدهم‬

‫‪209‬‬

‫ميخائيل نعيمة‬

‫=‬ ‫‪92‬‬

‫‪210‬‬

‫ايليا أبو ماضي‬

‫‪93‬‬

‫‪211‬‬

‫جبران خليل جبران‬

‫‪212‬‬

‫دوستوفسكي‬

‫=‬ ‫‪95‬‬

‫‪213‬‬

‫عبد القادر الجزائري‬

‫=‬

‫‪214‬‬

‫أحمد عرابي‬

‫‪215‬‬

‫محمود سامي البارودي‬

‫=‬ ‫‪103‬‬

‫‪216‬‬

‫أبو تمام‬

‫‪217‬‬

‫د ار يكوال‬

‫‪207‬‬

‫‪115‬‬

‫=‬ ‫=‬


‫فهرست الموضوعات‬ ‫‪ -1‬الـمـقـد مـة‬

‫‪2‬‬

‫‪ -2‬الـنـبـي الـمـعـذب‬

‫‪9‬‬

‫‪ -3‬الـمـتصـوف الـمـقـتـول‬

‫‪12‬‬

‫‪ -4‬االمـيـر واالمـارة‬

‫‪17‬‬

‫‪ -5‬الـحـكـيـم والـواقـع‬

‫‪22‬‬

‫‪ -6‬الـقـائـد الـطـمـوح‬

‫‪25‬‬

‫‪ -7‬قـاتـل الـنـسـاء‬

‫‪28‬‬

‫‪ -8‬الـعـبـقـري الـخـالـد‬

‫‪31‬‬

‫‪ -9‬الـشـاعـر الـعـراف‬

‫‪35‬‬

‫‪ -10‬الـبـصـيـر الـمـبـصـر‬

‫‪40‬‬

‫‪ -11‬االديـب الـمـنـكـوب‬

‫‪43‬‬

‫‪ -12‬عـبـد أم سـيـد‬

‫‪49‬‬

‫‪ -13‬الـبـانـي والـهـادم‬

‫‪53‬‬

‫‪ -14‬الـبـاحـث عـن الـخـلـود‬

‫‪58‬‬

‫‪ -15‬الـلـص الـكـريـم‬

‫‪61‬‬

‫‪ -16‬الـرحـالـة الـمـتـطـلـع‬

‫‪66‬‬ ‫‪116‬‬


‫‪ -17‬الـمـخـلـوق الـعـجـيـب‬

‫‪72‬‬

‫‪ -18‬الـمـضـحـك الـمـبـكـي‬

‫‪78‬‬

‫‪ -19‬الـعـالـم بـيـن يـديـك‬

‫‪81‬‬

‫‪ -20‬االنـسـان الـمـتـوحـد‬

‫‪86‬‬

‫‪ -21‬الـغـربـة الـقـاتـلـة‬

‫‪91‬‬

‫‪ -23‬د اريـكـوال االدب‬

‫‪98‬‬

‫‪ -24‬فـهـرس االعـالم‬

‫‪104‬‬

‫‪ -25‬فـهـرس الـمـوضـوعـات‬

‫‪116‬‬

‫‪ -26‬اصـدارات الـمـؤلـف‬

‫‪118‬‬

‫‪117‬‬


‫اصدارات المؤلف السابقة ‪:‬‬

‫‪ – 1‬عاشق الشمس ‪ / 1964‬مطبعة العامل ‪ /‬بغداد‬ ‫( مجموعة قصص قصيرة ) ‪.‬‬ ‫‪ – 2‬ما قاله آدم ‪ / 1986‬مطبعة العدالة ‪ /‬بغداد‬ ‫( مذكرات راهب ) ‪.‬‬

‫مـعـد للطبع ‪:‬‬

‫ديوان شعر‬ ‫تأمالت‬

‫مختارات العزاوي‬

‫‪118‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.