Powered by TCPDF (www.tcpdf.org)
رسالة لل نسان عبر الزمان طالل العزاوي 2011 مملكة البحرين
بسم هللا الرحمن الرحيم الم ـقــدمــة
اليك يا أبا الماضي ،وأخا الحاضر ،وابن المستقبل ،في كل زمان ومكان ..لتعلم أني ما قصدت مدحـك كمـا مدح المتنبي سيف الدولة ،وال هجوتك كاهاجي جرير والفرزدق ،ولكن قد
أكون أصدق من الحطيئة حين ذم نفسه ،أوربمـا أكون جاحظ
زماني وأنت أحمـد بن عبد الوهاب فاربعـك وأدورك ،أو أكون ابن
زيدون وأنا بين الجد والهزل متذرعا اليك ..ولكني في كل االحوال لن أطلـب لك الغفـران في رسالتي كما طلبها المعري ،ولن أتبعها
بالتوابع والزوابع كما فعل أبن شهيد االندلسي ،ولكني سوف أحنطـك مثلما حنط الفراعنة مومياءاتهم ،وأضع تحت رأسك كتاب
الموتى الذهبي
وعالمي الذي سوف أدرج فيه ليس عالم خيـال بل هـو واقع قديم قد زال ،وحاضر بين البعـد والقـرب يتأرجح ،ومستقبل يعرف كما تعرف النبتة انها ستنتج نوعا معينا من الثمار . 2
أبصرتك بين تلك وهذه في مناطق شتى من العالم :بطال مرة ،
وجبانا مرة أخرى ،فقي ار حينا ،وغنيا أحيانا ،فرحا آونة ،وحزينا على الدوام . كم ضحكت من هيأتك البيئوية :اذ أراك في روسيا ممتلئ الجسم ،بلحية كثة ،ورأس أصلع ،تشرب الفودكا لتدفئ جسمك من لذعات
الزمهرير ،وتتدثر بالفراء فوق ثلج االسكيمو ،متطلعا لالفق البعيد لعلك
ترى قليال من قرص الشمس االحمر .
أشاهدك في صحارى أفريقيا ضعيفا منكوش شعر الرأس ،تشرب
ماء العيون الباردة لتطفئ حرائق الجسد الملتهب ،وتتعرى مهلال للحياة والطبيعة والحرية ،العنا الشمس المحرقة التي تطلع كل يوم بنيرانها عليك . تبدأ من الصين قصي ار ،وتتدرج بالطول حتى تصير أطول القامات في الغرب . تبدأ من قلب أفريقيا بجسد أسود كاالبنوس ،ثم يسمر عند االرض العربية ثم يتالشى لونك تدريجيا حتى يصبح أكثر بياضا في االسكيمو ، فاحترت منك اذ من أين بدأت ؟ ماذا صنعت من عجائب بهلوانية ،فقد مشيت على حبل واحد ثم مددته الى السماء وارتقيته كأنك تتسلق شجرة كما يفعل سحرة الهنود ، 3
بل أخفيت نفسك حين تلفعت بعباءة ،وبلحظة ..تسقط العباءة أمام الناس ،وليس بداخلها شخصك كما يقوم بذلك سحرة أمريكا ،حتى عملت الخدع الكثيرة في التالشي والظهور كأنك في فلم سينمائي.
سيرت القوافل في الصحارى ،وسيرت الطائرات في السماء وسيرت
البواخر في البحار ،وسيرت المضادات الحيوية في االجسام ،وسيرت المعارف في العقول ،سيرت كل شيء ،تريد بذلك تقليد الخالق بنظامه
الكوني المتحرك ،ولم تعلم بأن هللا بعظمته وقوته ونوره طاقة هائلة تفوق االدراك البشري ،فهو يحرك الكون دون جهد وعناء ،وال يحده زمان وال مكان كما يحدانك .
قال هللا تعالى في كتابه الكريم ( :ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه
ربه قال رب أرني أنظر اليك قال لن ترآني ولكن أنظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف ترآني ،فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ،وخر
موسى صعقا ،فلما افاق قال سبحانك تبت اليك وأنا أول المؤمنين ) االعراف . 143 وتطاولت حين نظرت في التلسكوب الى السماء ،وتوغلت في اعماقها ،وتعب بصرك وعقلك ألنك مهما وصلت الى بعد تجد خلفه بعدا آخر أبعد منه بكثير ،فتمطي جسمك الجبلي ،وتفتـل عضالتك الفوالذية حتى تكبر وتصير عمالقا تناطح السحاب .. 4
وترعد ..فتهتز تحت قدميك ذريرة االرض ،وتسجد لك الكواكب واالقمار
،فتطول حتى تصل الى الشموس والنجوم ،وتبتعد حتى تتوارى عن مرآة البصر فال يطالك التلسكوب . وحينما قلبت التلسكوب الى مكروسكوب ورحت تنظر في اعماق
الذرة :وجدت عوالم متشابهة مع الكون ،ولم يبق أمامك اال اليسير
لتكتشف سر الروح في االشياء ،والروح في الكون النهما واحد متحد .. وهللا العزيز الحكيم يقول ( :ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي
وما أوتيتم من العلم اال قليال ) االسراء . 85
لمحتك في أرقى الدول المتقدمة فقي ار بال سكن أو مأوى تلتجئ اليه ،
مفترشا االرصفة ،متدث ار بأطمارك البالية ،والناس يمرون ناظرين اليك بشزر ،كانك جرثومة يتجنبونها ،وتمد يدك طالبا عونهم لتسد جوعك ،
ولكن ال شفقة عندهم وال رحمة ،الكل يمرون بك ،ويبصقون عليك في دواخلهم ،فتسير متخاذال باحثا عن بقايا الطعام في براميل النفايات ، ك ما يبحث الكلب السائب عن العظام ،بل ان الكالب في هذه البالد الغنية لها مكانة تحسد عليه من قبل فقراء الهند وافريقيا . وأراك في حين آخر كملك باشارة ياتيك ما تطلب ،أما كنت
امبراطور اليابان ( تاكاتوكي ) وكان األحرى بك أن ترعى ابناء 5
شعبك ،وتعتني با لفقراء والبائسين ،لكنك كنت أحمق ،وجهت عنايتك للكالب حيث جمعت منها االالف وبنيت لها الحضائر من أغال االخشاب المطعمة بالذهب ،واطعمتها االسماك واللحوم الطازجة ،فيا لك من أمبراطور كالب ? ..أهكذا تهين شعبك ?وتفضل عليه الكالب ! بينما
الذين سودوك عليهم ال يجدون حتى بقايا الفضالت ..فضالت كالبك المتخمة . كنت عظيما في عين الخلوقات ،فقد اخضعتها لسلطانك ،بل لم تكتف بما تقدمه لك من خدمات حتى أخذت تدربها كي تسليك بحركاتها البهلوانية ..فكيف للفيل أن يرقص على ساق واحدة ،وكيف للدالفين أن
ترقص فوق سطح الماء ،وكيف لالسود أن ترقص على أنغام الموسيقى ،فيالك من عبقري ،مبدع .فكم قادك خيالك للغرائب بحيث سبقت المستقبل ..تخيلت بساطا طائ ار واخترعت بعد الف سنة الطائرة ..واالن تتخيل حرب النجوم وبعد الف سنة سيتحقق لك ذلك . ولكن بقدر حبك للتسلية حبك للعنف ،فقد قتلت االف الحيوانات من أجل لحومها وجلودها وأصوافها وريشها وعاجها ..بل رحت تصيطر على بني جنسك ،فاخترعت االسلحة الفتاكة منها ما يفني مدينة كاملة ..فيا لك من وحش رهيب يحمل اسم االنسان . 6
ولكن بعد بحث طويل اتضح ان االنسان خرافة من خرافاتك ..أو
ربما
انه منقرض وكان يشبه أبانا آدم ،أو انه جاء الى االرض كنبي أو رسول من ساللة االنسان ..ولكنك قطعا لست منه ،فصفاتك الشريرة كثرت حتى فاقت صفات أشرس الحيوانات الوحشية ،بل لم تنته عند هذا الحد حتى عمت أبناء جنسك ،فأنت تنهش لحم أخيك كل يوم حتى بعد مماته ،بل تقتله أسرع من قتلك الي حيوان .
غضبك جنون ،وحبك جنون ،والكراهية عندك تحتل ثالثة أجزاء
قلبك ،ان كان لك قلب ! فقلبك خلعته ووضعت بدله علبة من ( البالستك ) ولم تقف عند ذلك فصنعت لجسمك يدين بديلتين ،ورجلين
بديلتين واضفت ألى ذلك طقم االسنان واالنف والعيون الملونة ،والشعر المستعار واللحى والرئة المطاطية ،فماذا يبقى من جسمك حتى أجهزتك التناسلية صنعتها في معاملك ،هل أنت بعد كل هذا تسمى انسان كما جاء ذكرك في القرآن الكريم ( :لقد خلقنا االنسان في أحسن تقويم ) بل أنت في اآلية التي تليه ا ( :ثم رددناه أسفل السافلين ) بل أنت مجموعة أشياء جمعت في جسم آلي يرتبط بالعقل الذي وهبه هللا لك ،وعجزت أن تكتشفه ،فكيف لك أن تبدله .
7
ليت عقلك لم يكن ،وليتك لم تأت الى الوجود ،فقد أفسدت الطبيعة ،وشوهت الجمال الذي طبعه هللا على الكائنات ..وخوفي منك أن تقيم القيامة الذرية قبل يوم القيامة ..أو هي هي .
ولكن تنبؤك لها مرفوض ،فاهلل خلق الكون في ستة أيام من أيامه التي
تعادل ستة االف سنة من أيامنا لقوله تعلى ( :وان يوما عند ربك كألف
سنة مما تعدون ) ..فليس من العقل االعظم أن يبني هذا النظام الجميل العجيب ويفنيه بعد مائة يوم من أيامه ..بل الكون ما زال مستم ار في
البناء والتوسع ،فاعلم ذلك ايها المتخرص .
8
النـبي المـعــــذب ياللهول ? حين فتكت بأخيك االنسان منذ بدء الخليقة ،حين كنت قابيل الشرير الذي حسد أخاه هابيل المؤمن والمسالم والمقرب من هللا ، أما قال لك حين هجمت عليه لتقتله : ـ ( لئن بسطت الي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي اليك ألقتلك ) سورة المائدة . 28
ولكنك كنت االقوى وعلى البشر أن يحملوا رسالتك في القوة ،ولم
ألهو هابيل المقتول وجسدوه صنما ،وعبدوه تدرك المستقبل ،فان أحفادك ّ عبر السنين وأسموه ( هبل ) . ولكن الشر فيهم استشرى بعد ذلك ،فلم ينج من بطشك االنبياء ،فكم
سخرت من النبي نوح عليه السالم ورجمته سنين طوال وهو يصنع الفلك .
وكدت تحرق نبي هللا ابراهيم عليه السالم لوال أن تداركه الل ـه بلطفه ( قلنا يا نار كوني بردا وسالما على ابراهيم ) سورة االنبياء . 69
وجعلت السيد المسيح عليه السالم يحمل صليبه في طريق الجلجلة لتصلبه عليه لوال أن رفعه هللا ،وجعل من موته والدة لدينه وأنتشا ار عبر الزمن . 9
وها أنت في مدينة الطائف تحصب خاتم االنبياء محمد (صلى هللا
عليه وسلم) بالحجارة وتدمي جسده الطاهر في أول بدء الرسالة ،وما علمت انك زدت من قوة دعوته ،ومن انتشار أصحابه ،حتى عمت المأل . لماذا فعلت ذلك أألنهم قالوا لك اعبد الذي خلقك ،فتطاولت عليهم
وحاربتهم النك تظنهم سيسلبون منك دنياك وأنت شديد الحرص عليها ، ولم تدر أنهم ما طمعوا بدنياك ..فدنياهم في العالم اآلخربالقرب من خالق الدنيا . وقد كنت نبي هللا أيوب عليه السالم ،وأنت منبوذ سقيم اذ شكوت
ربك أن يرفع عنك الضر ،فاستجاب لك ربك .
وكنت نبي هللا نوح عليه السالم في الفلك ،والطوفان استمر شهو ار اذ ناديت ربك أن ينجي سفينتك بمن فيها ( وغيض الماء ،وقضي االمر واستوت على الجودي ) سورة هود . 44
وكنت نبي هللا يونس عليه السالم (ذوالنون) اذ ناجيت ربك وأنت
في جوف الحوت أن يخرجك من الظلمات ( فاستجبنا له ونجيناه من الغم ) سورة االنبياء . 88
10
وكنت رسول هللا محمد ( صلى هللا عليه وسلم ) وأنت داخل الغار اذ
دعوت ربك أن يحميك من مطارديك القتلة ( اذ يقول لصاحبه ال تحزن ان هللا معنا فأنزل هللا سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ) سورة التوبة 40 . فلم اعجب مثلما عجبت منك وأنت تطلب من هللا أن يهدي قومك
وأنت في مواقف شتى ومتمكنا منهم بعد أن كانوا يريدون قتلك ..فما اعظمك ! .
11
المتـصوف المـقـتـول الويل لك من حساب رب الملكوت ..الويل من بطشك الذي لم ينته رغم تدرجك في الحضارة ،ورغم انتشار الشرائع السماوية ،وكم باسمها رحت تبطش وتفتك بكل من يفكر ويبدع أفكا ار جديدة .
في الشرق كنت الحجاج قاطف الرؤوس التي أينعت ،كأن ملك
الموت نصبك سيافا له ،تضرب من تريد دون رحمة ،وترسل جندك
ليأتوك بسعيد بن جبير أكبرعلماء عصرك دينا وورعا وتقوى ..ويسحبونه من مجلسه ،ويرمونه أمامك ،وتسخر من اسمه وتقول له (:أنت شقي بن كسير) ..وتستل سيفك وتذبحه أمام المأل ،والعجب انك تعلم سلفا ،
ستكون ملعونا في كل العصور .
وأراك وأنت احد الجالدين في أول أيام عيد االضحى ،ترسل من يأتيك بـجعد بن درهم ..امام العابدين ،فتخطب في الناس المحتشدة:
_ في هذا اليوم الناس يذبحون االضاحي ..وأنا أضحي بجعد بن درهم. وتسحب سيفك من غمده ،وتنحره نحر الكباش أمام الناس ..
12
فيالك من طاغية ،طمس اسمك خير من ذكره . وأراك في حلب شابا بأول رجولتك ،يمنحك هللا من الذكاء نو ار ،ومن
التقوى هيبة ،بحيث أرهبت دعاة عصرك من المحسوبين على العلماء ، وفندت مزاعمهم ،وبززت علمهم ،فتآمروا عليك -خوفا على مكانتهم الدينية بين الناس – مطالبين الوالي بأن يقتلك ،ونفذوا ما أرادوا ،
وتالشوا من دون ذكر لهم ،بينما صار أسمك عبر الزمن السهروردي المقتول في حلب . وها أنت الخليفة المعتصم ،تبتدع بدعة دينية ما أنزل هللا بها من
سلطان ،فتدعي أن القرآن مخلوق ،وتطلب من العلماء والفقهاء ورجال الدين تصديق ما تقول ،ومن يرفض بدعتك تعذبه شر تعذيب وصارت محنة العصر ،وراح ضحيتها المئات ،وأحدهم شيخ الحنبلية االمام أحمد بن حنبل الذي رفض بدعتك ،ألن القرآن كالم هللا ..فعريته في ميدان بغداد أمام أنظار الجماهير المحتشدة وجلدته بالسياط ،وأحبابه
ومريديه يتألمون آلالمه ،وهو شيخ كبير ،حتى سالت دماؤه ،وتفصدت أضالعه ،وتركته يئن من االوجاع بضعة سنين الى أن تداركته رحمة ربه ،وبقيت الناس تترحم عليه الى يومنا هذا ،وزال أسمك ورمي في مزبلة التارخ . وأعجب ما فعلت من قسوة حين هدرت دمـ ــاء أبي منصور 13
الحلج في عصرك العباسي ،لماذا ? أالنه قال ان هللا في كل مكان ، ويستطيع أن يحل في كل مكان ،النه قادرعلى كل شيء . فقطعت يديه ،ثم قدميه ،وعلقته على عم ـود الخشب ،حتى ساحت دماؤه ،وهو ال يستغيث بل يردد اسم هللا الى أن لفظ أنفاسه ،فلم تكتف بذلك بل أحرقت جثته ورميت رمادها في دجلة كأنك حققت طريقة الهندوس في الفناء ،فما أشد قسوتك تجاه بني جنسك المتنورين. وما فعلته في سجن القلعة بدمشق أدهى وأمر ،حين زججت بأتقى
التقاة الشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن الجوزي ،لماذا ? أألنهما أنا ار العقول بطريقة تختلف عن تحجر رجال الدين المتزمتين ،حتى ماتا في السجن
بحسرة الناس عليهما ،وفكرهما حلق كطيور ترفرف فوق مجتمعات االرض . أما في الغرب فقد عملت محاكم التفتيش الدينية من المذابح البشرية
ما يقف له شعر الرأس هلعا ورعبا ،تم حرق المئات ..المئات من البشر بتهمة العصر التي امتدت قرونا وقرونا ،والتهمة ببساطة ( مرتد ..ملحد ..ساحر ) في عصر من التخلف والهمجية ،بحيث تتجمهر الناس حول
عملية الحرق كأنها تحتلق حول اضرام النار للرقص واالحتفال ،وما االنسان المحروق اال خشبة من حطب هذه النــار ، 14
وكانوا يرجمونه بكل شيء تحمله أيديهم قبل أن يصل الى مشد الخشبة وسط كومة الحطب. وكنت في سويس ار وأسمك كالفن أتيت بفكر يخالف الكاثوليك ،
وقرروا تطهير بدنك بحرقك حيا ،ولم تنفع توسالتك بأن يخففوا هذا الحكم الى الشنق أوقطع الرأس ،ولكن تشدد رجال الدين – والدين منهم
براء – أصروا على أن تذوق نار جهنم قبل يوم الدينونة ،فصرت بحق المؤسس للبروتستانتية .
أما في ايطاليا وأسمك برونو أول من قال بوجود عوالم أخرى ما ال
نهاية لها في الكون المتسع ،فسجنوك في الفانيكان ،وعذبوك سنوات
حتى قرروا حرقك حيا أمام الحشود الجماهيرية ،وأنت تقول في استقبال الموت : انها وحدة تسحرني ،فأنا بقوة هذه الوحدة ،حر ،ولو كنت مستعبدا ،سعيد في غمرة الحزن ،غني في أوج الفقر ،حي حتى الموت . وقد سخرت من رجال محاكم التفتيش بقولك : -حاولوا أن تكونوا حمي ار أيها الرجال ،حتى تسيروا الى المكانة التي اليمكن بلوغها بالمعرفة والجهد بل بالتقليد والتلقين . فكم أرتكبت بأسم الدين من مجازر ،وكم حرقت النار من بشر،
بأمر محاكم التفتيش ،فكأنك تحب أن تحرق أخاك االنسان ،لتزيله 15
من الدنيا دون ان تبقي له شيئا من جسمه ،خوفا من عودته وقيامته ، فيالك من شيطان أردت أن تخالف بهذه الطريقة ،طريقة اليهود بعد أن صلبوا السيد المسيح عليه السالم وتفاجأوا بقيامته ،لذلك أردت أن يتالشى الجسد باسم التطهير ،لكي ال يعود الى قيامة ثانية ،فما أشد مكرك وغباءك ..أما علمت ان الجسم في كل االحوال – بعد الموت-
يعود الى عناصره االولية في الطبيعة مهما مرت عليه السنون والقرون ، فهو في جوف االرض يحترق ،وهو في الفضاء يحترق ،ويعود الى ذريرات ذريرات ،كل ذرة تنتظر يوم الدينونة .
مما اثار تعجبي اذ أنت الحجاج في العراق بالعصر االموي ،واراك
تعود للحياة بعد الف عام باسم توركمادا في اسبانيا ،وترأس محاكم
التفتيش وتبطش بالناس بتهم الزندقة ،فتحرق المئات ..المئات ،وتذبح االلوف ..االلوف ،مدعيا أنك تطهر االرض من الملحدين ،وكانت
تدعمك الملكة مثلما دعم الخليفة الحجاج . فيا لك من روح شريرة ما أن تعود للحياة حتى تعود أشد بطشا ، وأكثر رعبا ..فكم اثار اسمك الهلع في النفوس ،والقشعريرة في االبدان .
16
األمـبــرواالمـــارة كنت آخر خلفاء بني أمية ،مروان بن محمد ،هربت ومعك عبد الحميد الكاتب ،وحينما دخلت مصر قلت لعبد الحميد : انج بنفسك ،فانهم ان قتلوني خسرني أهلي فقط ،وان قتلوكخسرك العرب جميعا .
فكم كبرت في نظري ،اذ تفتدي نفسك من أجل كاتب عندك وأنت خليفة المسلمين ،وان دل على شيء فانما يدل على مكانة األدب واألدباء في نفسك ،فليتك دمت في الحكم لكان خي ار من حكم السفاح الذي خلفك ،وليتك أبقيت عبد الحميد معك فهو مقتول ..مقتول ،ولما جلب الموت البن المقفع حين اختبأ عنده بعد ذلك . ولكن حينما كنت األمير عبد الرحمن الداخل ،وهربت من بطش
العباسيين مع أخيك الصغير ،لم تستطع أن تفتدي أخاك
حينما مسكه العباسيون ،وقالوا لك - :عد واال نقتل أخاك . وأدركت خدعتهم ،فهم سيقتلونك معه حتما ،لذلك جعلوك تشهد قطع رأس أخيك ،وبينك وبينهم مياه نهر الفرات . وانطلقت تعدو صوب المغرب مثل الصقر ،تقطع الفيافي والوهاد ، حتى وصلت اسبانيا ( االندلس ) وأعدت مجد بني أمية ثالثين سنة ، ولقبت بصقر قريش . 17
كم أدهشتني ارادتك فالموت فتك بكل أهلك وعشيرتك فلم توهن ولم تستسلم ،ولم يبق أمامك غير الفرار منه ،وهو يطاردك بجنده وخيوله وسيوفه ،وبينك وبينه قاب قوسين أو أدنى ،لكنك كنت تسبقه دائما ،بل ان هللا كتب لك النجاة مهما أحيط بك من أخطار ،وكتب لك حكم األندلس ،اذ لوال سقوط دولتك في الشام لما أسست الدولة االموية في األندلس . وا أسفي عليك فقد رأيتك في مكة يبايعك كل العرب خليفة عليهم في وقت ال يوجد خليفة في الشام ،وبعد أن يتوطد ملكك يظهر خليفة الشام
،ويرسل لك جيشا على رأسه الحجاج فيطوق
مكة ويرميها بالمنجنيق ،وتساقط رجالك ،وارتد أكثر مريديك حتى بقيت مترددا بين الصمود أو األستسالم ،وأنت من ؟ _عبد هللا بن الزبير ،ووالدتك اسماء بنت أبي بكر الصديق(ر) فاستشرتها ..فقالت لك : _ ان كنت على حق فامض لشأنك ..وان كنت أردت الدنيا فبئس العبد أنت ..أهلكت نفسك ومن معك . فقلت لها : _ يا أمت ..اني أخاف أن يمثلوا بي . 18
فقالت لك : _ ان الشاة ال يضيرها سلخها بعد ذبحها . وعدت تحارب الى أن فتك بك الحجاج وعلقك على عمود الخشب أياما ،حتى مرت والدتك وقالت : _ أما آن لهذا الفارس أن يترجل ؟ . فليتك ما رغبت بالخالفة ،فما من أحد صعد سدرتها اال وكانت نهايته غير مشرفة ..فالعجب كل العجب من مغرياتك أيتها االمارة االمارة بالموت ،حين أغريت أحدهم ليتسنمك ليوم واحد ،كما حدث ألبن ّ المعتز ،وراح ضحيتها .
وارتفع مقامك في نظري ،حينما ترفعت عن االمارة ،وتركتها ألخيك
أألصغر منك منصور الحمادي ،وحينما أفتديته بنفسك وكان الموت منه قد اقترب ،وذلك عندما فتح العرب شمال أفريقيا ،واجتاحوا القيروان ، وهرب أميرها المعز بن باديس الى المهدية ،فأراد أخوك منصور أن ينصر أبن عمك المعز ،وجيش الجيوش ليصد العرب الفاتحين ، وحاولت أن تنصحه بعدم مقاتلة العرب وقلت له : _ أنت ببالدك فابعث اليهم ،وصانعهم ،يأتوك خاضعين طامعين في حبائك (عطائك) ،فهذا من خلق العرب قديما . فلم يستمع لنصحك ،بل سار بجيشه لمقاتلتهم وانهزم جيشــه ، 19
وطارده العرب ليقتلوه ..وقلت له : ألم أنهك عن مالقاتهم بنفسك ؟ ولكن أعطني عمامتك ورآيتكألقود الجيش المتبقي ،وانج أنت بنفسك . فسلمك القيادة ،ورجع الى قلعة الحماديين في بجاية ،وكنت تعرف
أن الموت سيتحول أليك بعد أنكسار الجيش ،والمطاردون العرب يريدون رأس األمير وعالمته العمامة المميزة ،والراية التي يحملها . وما هي اال ساعات حتى كانت نهايتك ،وكنت مثاال ألفتداء األخ ألخيه ،ومن أغرب ما فعله أمير من األمراء ،فما من أمير في التاريخ اال قتل أخاه من أجل األمارة ،أو قتل أباه ،أو قتل عمه ،أو أحد أقاربه ليستولي على األمارة ،ولكن كونك بهذه الحكمة وهذه التضحية من أجل أخيك األصغر ،فهذا مما يدونه التاريخ بشرف وفخر لك ،فليتك كنت
أنت األمير الحقيقي لقدت البالد بحكمة دون اراقة الدماء ،ولكن هيهات لالماني أن تتحقق ،ألن االماني للمستقبل ال للماضي المندثر .
فكم رأيتك في مواقف شتى ،وتمنيت لو توقف الزمن ورجع الى
الوراء ،وفعلت عكس ما فعلت لتغير مجرى األحداث كليا .
ها أنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الل ـه عنك في
معركة ( صفين ) حينما برزت في ساحة المع ـركة وبارزت عمرو 20
أبن العاص ،ولويت سيفه وأسقطته عن فرسه الى األرض ،وراح يستعطفك ،فتركته ألنك تحمل خلق الرسول الكريم صلى هللا عليه وسلم .
آه لولم تتركه ،بل أنزلت به قانون المنازلة ،مثلما لو تمكن منك ،
فقد جاء قاصدا قتلك ..فلو قتلته تلك اللحظة لقتلت شيطان معاوية ، فماذا فعل بعد أن عاد الى جيش معاوية ؟ وبعد أن شاهد جيشك يوشك على احراز النصر ..ابتدع حيلة تحكيم القرآن الكريم ،ووضعك بين أمرين قبولك أو رفضك يؤديان الى انقسام جيشك وهذا ما حدث ، وأألدهى حينما خدع مبعوثك في التحكيم ،وسلب األمارة منك وقدمها لمعاوية بن أبي سفيان .
21
الحـكيـم والـواقـع سمعت عنك بأنك كنت حمورابي تستلم القوانين من األله ،وكان عصرك من العصور الذهبية ،اذ جعلت أنوار قوانينك تشع من ذلك
الحجر األسود ( المسلة ) التي دونت عليه ،وما زال البشر يستمدون احكامهم منها . وحذا حذوك بوذا ..وكونفوشيوس ..وليقورع ..وماني ..ولم
يقولوا انهم أنبياء مبعوثون من هللا ،بل جاءت أفكارهم من التنوير الذي
شع في دواخلهم ،وجميعهم ماتوا وهم مدركون ان رسالتهم لن تمتد مثلما
أرادوا لها في الواقع التطبيقي .
وأخبرت عنك حينما كنت الفرعون اخناتون ،وأبصرت النور فجعلته
أول اله خالق ثم جعلت نور الشمس هو رب المشرق والمغرب ،فأردت نشر أفكارك بطريقة الشعراء وخياالتهم ،فحطمت كل العبادات والعادات بيوم واحد ،فثار عليك الكهنة ،وحرضوا الشعب حتى اسقطوك . فليتك عرفت كيف تنشر أفكارك ،وكيف تجعل لك قاعدة شعبية تنصرك على عادات وتقاليد واصنام رسخت في النفوس مئات السنين ، فكيف بك بيوم واحد تريد تغيير كل شيء . ولكنك تعود من جديد بعد أكثر من ألفي سنة باسم زرادشــت ، 22
تبصر الضوء والظالم الهين ،فتقدسهما ،وتبحث عن من يعينك على نشر أفكارك الجنونية ،وتجده في ملك الساسانيين ،فخدعت عقله وشعبه ،وما علمت أنك تبصر النور فقط ،ولكن داخل نفسك ظالم دامس . وها أنت ديجونوس تحمل فانوسا مؤتلقا في وضح النهار باحثا عن األنسان وعن الحقيقة ،فكم كان بودي أن تشعل مصباحا غيره في داخلك يبدد ظلمات نفسك ،أذ أنت تحمل الفانوس ساخ ار من األنسان وأنت
األنسان في وقت واحد ،ولكنك ال ترى أحدا سوى نفسك المظلمة.
كم أنت تعيس أيها األنسان غير المؤمن باهلل ،تبحث عن الحقيقة في
هذه الدنيا الفانية ،والهنود يقولون لك ان الحقيقة هي الجوهر ،وتسأل : أين هو ؟ فيأتونك بالمشبهات فال تقتنع ،وتواصل البحث بجد ،ويمتد
بصرك الى جدران الكون ويعود حسي ار ،أذ ما تزال واقفا على االرض ، فالسماء وما فيها من قمر وشمس ونجوم أبعادك الظاهرية ،تبصرها تتحرك مثلما أنت تتحرك ،ومثلما األرض تتحرك ،فقلت انها وحدة
الوجود ،وقلت بأن هللا والكون كيان واحد ،بداللة احساسنا به جزء من
كيانه ،وقوته في تحريك الكون بكل جزيئاته جزء من كيانه أيضا ،ولم تقتنع وبقيت تبحث ،تريد أن تخرج من القمقم ، 23
وتخترق جدران الكون ،ألنهم قالوا لك بأن هللا جل جالله منفصل عن الكون ،فاشتدت بك الرغبة أن تمد ابعادك الحسية حتى حدود الالحدود.
فيا لك من ضائع ،شريد فك ار وروحا ،فاهلل تعالى قد أودع أس ارره في جسمك ،وانت تبحث عن سره في اعماق السماء ،تمخرها طوال
وعرضا ،دون نتيجة .
أذ خلية من خالياك الدموية تكفي لشرح نظام االرض ،وفكرة من أفكار عقلك تكفي لشرح حركة النور ،فأنت خلية تدب على االرض ، واالرض خلية تدب حول الشمس ،والشمس خلية داخل المجرة ،والمجرة
خلية بجوف الكون ،والكون جسم متناسق مخلوق لغاية لن يصل ادراك العقل البشري لها أبدا .
24
القـائــد الطـمــوح آه ..كم كتب عنك التاريخ ،فقد كنت دائما البطل الشجاع الذي
يجندل االالف بضربة سيف ،ألن التاريخ ال يسجل في صفحاته سوى من يسفك الدماء غزيرة ،وال يهمه مبررات القتل ،ان كانت حربا من اجل الدين أم من أجل الدنيا ،ألنه ترك تقرير ذلك للمؤرخين ،كي يضعوك في الصفحات البيض او السود ،وفي كل االحوال ال يفكر التاريخ بالشعوب بل ينساها ،ويسجلك بطال قد قتلت أبناء جنسك بقوتك وسطوتك وسالحك الفتاك . أما كنت أخيل اليونان عندما هجمت بجيشك على طروادة ،وأفنيت الطرواديين اآلمنيين ،وقتلت هكتور الشجاع ،ومثلت به بعد موته ،ولم
تعلم بأنك مثلت بنفسك .
وظننتك مت بعد أن اتاك سهم بساقك وطواك الزمن ،ولكنك تعود ، ويعود التاريخ يسجل بطوالتك ..عدت بصورة األسكندر المقدوني ، وقدت الجيوش المقدونية مجتاحا آسيا كسيل عرمرم يفتت في طريقه كل شيء ،وقد دهشت من شجاعتك وبطولتك المذهلتين ،اذ كنت تقوم
بتمارين رياضية عنيفة ،حين تنزل من العربة وهي تجري باقصى سرعة
خيولها ،ثم تجري خلفها وتعتليها من جديد ،وكم صفق ل ـك 25
الجند حينما تنازل االسود وتقتلها بعد مصارعة حرة معها ،واالكثر بطولة هو اعتالؤك أسوار ماليا العالية مع اثنين من محاربيك ،وعندما تحطم السلم صرتم وحدكم أمام االعداء ،فبرهنت لجندك ما هي الشجاعة ، وواجهت بمفردك جيش العدو ا لذي ظن أنك لقمة سائغة بين يديه ،وما دروا أنك شوكة قاتلة ،وأنك تعادل جيشك بأكمله ،فلم ترتع ولم تهتز لك شعرة ،بل صمدت ،وجالدت ،وكافحت ببسالة حتى بدأ جندك
يدكون االسوار ويقدمون التضحيات في سبيلك ،وأنقذوك وأنت مثقل بالجروح .
وانطلقت الى الشرق ،وفتحت المدن بسهولة ،وبعدها اردت أن
تخترق بجيشك روسيا القابعة في الشمال ،وقدت جيشك مخترقا صحراء ( جد روسيا ) فهلك جندك من التعب والحر والعطش ،الن الصحراء
تمتد وتتسع ن والشمس فوق الرؤس حارقة ملهبة ،تشوي ،وتميت ، فتساقط جندك كأوراق الخريف اليابسة ،وعدت متخاذال تجر فلول جيشك
المتعب ،الممزق برمال الصحراء العطشى .
حاربتك الطبيعة وانتصرت عليك ولم تتعظ ،فقد أبصرتك بعد الف
من السنين وأنت تعتمر قبعة على شكل زورق مقلوب فوق رأسك ،
وينادونك نابليون وتسوق أمامك آآلف القطعان البشرية عبر أوربا ،
26
وقضموا الشعوب قضم الحشائش ،وسيطرت على دول كثيرة بسهولة فائقة ،ولم تكتف بذلك بل توغلت عبر جبال الثلوج ،متجها صوب روسيا ،ولم يردعك الصقيع الول وهلة ،بل تصورت عظامك الرقيقة وجسمك القصير غير المتناسق يستطيعان الصمود أمام لذعات البرد ، واجتزت صحراء الثلج الروسية ،وتساقط جندك من شدة الزمهرير وأوحال الثلوج ،قبل الوصول الى أول مدينة ..ولم ترضخ للواقع اال بعد خسارة فادحة مع الطبيعة ،وانتصرت عليك ثانية ،وعدت تجرجر أذيال الخيبة والخذالن . وكم تألمت من افكارك ،اذ كنت تتصور المجد والخلود والعظمة في السيطرة على شعوب الكرة االرضية ،ولم تتعلم بأن اعمار القادة والملوك والخلفاء واالباطرة قصيرة جدا ،وان خلودهم لعنة سوداء ،فأين وضع التاريخ ..جنكيزخان ..وهوالكو ..وهتلر ..وموسليني ..صارت شعوبهم تلعنهم .
27
قـاتـل النســـــاء
لم أفهمك ،واذا فهمتك أنكرت فعلتك ،اذ كيف لمخلوق أن يقتل نصفه الثاني ،أ ليست وحشية لم نجدها عند الوحوش ،فكيف تسول لك نفسك قتل زوجتك أو حبيبتك ،فليت شجرة الدر أميرة مصر تعود وتقتلك بقبقابها ،وتنتقم لبني جنسها منك . فقد قرأت عنك وأنت في الماضي الضبابي ،وتسمى شهريار ،
تحب التمتع بالنساء ،فما أن تتزوج احداهن حتى تقتلها في اليوم الثاني ، فكم قد تمتعت وكم قد ذبحت ،بحجة أن ال أمآن لهن ،أ بسبب ؟ واحدة منهن قد خانتك حينما تركتها مع خادمك وذهبت للصيد والقنص لعدة ايام ..وما فكرت بوحدتها ! ،أنت تتسلى بهوايتك ،وهي تقبع في القصر
دون وسيلة تسلية سوى انتظار رجوعك منتص ار على غزالن البرية .
وسمعت عنك ثانية ويلقبونك ذا اللحية الزرقاء في بيرو الفرنسية ،
حيث وصل بك الجنون الى قتل كل زوجاتك السابقات ،لماذا ؟ النك
تضجر من كل امرأة تتزوجها ..فتسكتها لتأتي بأخرى لعلها تسعدك ،أما كان األجدر بك أن تسرحهن أو أن تهرب منهن ،ولكنك سفاح دماء ، الترضى اال ابادة الجنس اآلخر
وأبصرك في روما واسمك نيرون تترك زمام الحكم بيد أم ـك 28
وزوجتك ،ألنك ضعيف الشخصية ،منشغل في رياضتك وغنائك ،وحين أصابتك هلوسة العظمة أردت أن تثبت رجولتك وسطوتك فقتلت زوجتك أوكتافيا ثم أمك اغريبينا وحرقت روما لتبني بدلها مدينة أحالمك ،فما
أشد غباء شعبك حين نصبوك امبراطو ار ،فجنون العظمة ال يصيب اال
البلهاء . ويمضي الزمن وأراك في روسيا وأنت الداهية أبن االسكافي ستالين تحكم روسيا بيد من حديد ،أزحت من الحكم كل من تشك بوالئه لك حتى طال القتل زوجتك
،لماذا ؟ أألنها خالفت أفكارك السياسية ،فلم
ترتضك دكتاتو ار ،وكانت من الشجاعة بمكان ،ألنها الوحيدة التي جاهرت بالقول لك - :أنك طاغية . وها أنت في أمريكا رئيسا ورقمك ( )35واسمك كنيدي ،تعشق مارلين مورلو ،المرأة الهشة ،جميلة السينما ،وتمضي معها أحلى لياليك السرية ،وتوعز بقتلها لوكالة االستخبارات المركزية ..لماذا ؟ أ
ألنها عرفت أسرار الحكم أكثر مما يجب ،ام انك لم تكتشف اللعبة ألنها انطلت عليك ،فزوجتك جاكلين المتسلطة لم ترتض لنفسها منافسة لها عند زوجها وهي الرئيسة الفعلية ال أنت ،فكيف تسرقك منها امرأة تملك عقل العصافير .
وهذا ما حدث قبل ذلك وأنت الملك فاروق في مصر ،حين كلفت
من يقتل حبيبتك اسمهــان صاحبة الصوت الحزيــن ،ولـ ــم 29
تدرك لعبة زوجتك سيدة القصر ،بحيث أوحت لك بأنها تتدخل في حكمك وسياستك وانها جاسوسة تسرب االسرار المصرية لالعداء .
كم أنتم قساة أيها الحكام ،تملكون العباد وتتخيرون أجمل النساء ،
وحين تكتفون منهن تزيحونهن من الوجود .
فما الذي فعلته حين كنت عطيل في مسرحية شكسبير ،حين شككت بزوجتك ديدمونة تخونك ،استللت خنجرك وطعنتها حتى الموت
،وهذا ما فعلته -حين كنت الشاعر ديــك الجن – بجاريتك
وحبيبتك حين ظننت بخيانتها لك ،سحبت خنجرك وذبحتها من الوريد الى الوريد ،جريمتك ال تنسى رغم تباكيك عليها بكاء شاعريا . ولكن ادهى ما رأيت أن تقتل زوجتك وأنت ميت ..فهذا ما لم يكن
في الحسبان ،ففي الهند سننت قانونا استمر لقرون كثيرة ،وهو أن تحرق أو تدفن زوجتك وهي حية معك عند موتك ،لكي ال يتمتع بها شخص
آخر بعد موتك ،فيا ترى هل تمتعت بقتلها وأنت ميت ؟ وشعرت كيف تلفظ المسكينة انفاسها مع جثتك الهامدة . وأغرب ما سمعت عنك حينما كنت عضد الدولة البويهي ،
وعشقت جاريتك ذات الجمال الخارق ،وتولهت بها الى درجة اشغلتك عن تسيير أمور الدولة ،فما كان منك اال أن تقتلها لتستريح وتنساها ، وانت تعلم انك تقتل امرأة بريئة من كل ذنب . 30
العـبـقـري الخـالـد طرحت من العلم أعظمه ،وخططت بهندسة دقيقة ،ورسمت من اللوحات أبدعها ،ونحت التماثيل ببراعة ال توصف ،وتنبأت عما سيحل باألنسان ،وكان اسمك دافنشي .
حقا ان العباقرة قليلون ،فما خلدتك مخترعاتك من مدافع وقنابل،
وال تخطيطاتك الهندسية ،وال منحوتاتك الجدارية ،وال كتاباتك الفكريــة ، مثلما خلدتك لوحتان هما المونالي از والعشاء األخير . في اللوحة األخيرة جسدت البشر في الحواريين بكل صفاتهم حتى المرأة التي بينهم ،وأعطيت البراءة لوجه السيد المسيح عليه السالم ، وجعلت يهوذا االسخريطي الذي باع سيده بدراهم معدودة بال قلب ، وتنطلق من وجهه الشرور الشيطانية . وفي لوحة الموناليز ا الخالدة ،جعلت كل من ينظر اليها يحس انه
أمام امرأة تبتسم له مرة ،وتخفي ابتسامتها مرة اخرى ،فأي سحر في صورة امرأة توزع ابتساماتها للناظرين . لكني تألمت حينما رأيتك قد رسمت لوحة أجمل من المونالي از ،
وكان اسمك انطون فيشر ،وجعلت الناظر اليها يتصورها تتنفس وهي
31
تنظر اليه أينما يذهب ..لكنها لم تلق الشهرة الختفائها بأقبية األنانيين ، واألشد م اررة أن يخلو سجل لوحاتك من هذه اللوحة الفريدة . وكم تمنيتك يا دافنشي لو لم تكتشف عفريت الموت الكامن داخل القمقم ،فقد كان وباال على البشرية حينما اخرجوه من القمقم ،وقد تنبأت بذلك حينما قلت :
سينفجر من تحت االرض ما سيصم أذآن الذين يقفون قريبا منه ،بصوته الصاعق ،وسيجعل الناس يسقطون أمواتا عندما تالمسهم انفاسه ،وانه سيمحو المدن والقالع ،وسيلوح للبشر بأنهم يرون دما ار جديدا في السماء ،وان اللهيب يهبط عليهم منها وستضرم اشعة الشمس النيران على وجه االرض ،فيضيء كل ما يقع تحت الشمس ،وسيتعس الناس ان يروا اعمالهم تبلى وتباد .
نعم تحقق ما رأيته في عالم الغيب ،فبعد اربعة قرون اطلق البشر المارد من القنبلة الذرية على هيروشيما وعلى نكزاكي ،فأحال المدن بمن فيها الى رماد تذروه الرياح . وأبصر اعمالك في نفس الفترة في ايطاليا أيضا وانت ميكال انجلو وبرعت بالرسم والنحت ،ونحت تمثاال أطلقت عليه اسم موسى ،وحين انتهيت منه ادهشتك دقته ،وكماله ،فرحت تصرخ به : 32
( انطق ..تكلم ) وحين لم تجد جوابا ،تضربه بما تحمله بقوة ،فيا لك من فنان يريد ان يقلد الخالق ..وماعلمت ان هللا جل وعال له مقدرة ال تحد وال تقلد . لكنك أدهشتني أكثر حينما شاهدت ملحمتك ( يوم الدينونة ) على جدار قاعة في الفاتكان في روما ،بمساحة مهولة ،فاستلقيت على االرض ألتمعن بما ابدعته عبقريتك الفذة ،اذ كيف رسمت هذه الملحمة ؟ منذ أن خلق هللا آدم الى يوم القيامة ..حقا انك رسمت ونحت من لحمك ودمك من عقلك وقلبك ،فجاء عملك آية خارقة مذهلة . وقرأت لك في اعترافاتك تقول : ( كنت أؤمن بالطبيعة الجبارة فقط بالطبيعة التي تطلب الىاالنسان أن يكون قويا ،وتأبى ان تشفق عليه اذا لم يكن قويا بل
وتحثه على القوة حتى وان كان ظالما ) .
واتذكرك في القرن العاشر عبقريا واسمك الفارابي وتلقب بالمعلم
الثاني بعد ارسطو ،وتوحد الدين والفلسفة ،وتفسر اتصال االنبياء
والفالسفة بالعقل االعظم ،وتضع اول رؤيا للمدينة الفاضلة ،وتبرع
في الموسيقى حتى اخترعت آلة نغمية تحرك اوتارها فتتحرك
انفعاالت الناس ،فتبكيهم بلحن وتفرحهم بلحن ،وتجعلهم يغطون في نوم لذيذ بلحن آخر . 33
فيا لك من عبقري رحلت تاركا اضخم كتاب في الموسيقــى
ولكن مع االسف الشديد انك وضعته في الشرق النائم ،ولو وضعته في الغرب لكان لك صيت وأي صيت ! وما كل ما تشتهي النفس تدركه . سمعت الحانك الموسيقبة ،فانتشلتني من ارض الواقع الى عوالم
أثيرية ،تالشيني وتحولني الى ذرة ضوئية ،تطوف الكون ،وتشعرني بأحاسيس خالبة ،فكأن كل كوكب يدورحول نجم يعزف صوتا مالئكيا
أخاذا ،فأذا الكون كتلة موسيقية تذوب فيها النفوس وتهوم فيها االرواح.
وأنت راقد على االرض تستلهم الحانك ،وتجعل مئات العازفين
يعزفونها بآآلتهم المتنوعة يقلدون بها اصوات الكون البعيد ،ويجسدونها السماع البشر .
فيا لك من روح تخترق الحجب ،وتتربع على عرش الموسيقى ،
وبعبقريتك تضع تسع سيمفونيات خالدة سحرت بها العالم ،ولفظت أنفاسك االخيرة وسط العواصف ،وقصف الرعود ،ووقع الصواعق ، وصوت المطر ،وأنت تصعد بروحك الى اآلخرة ،فكأن الطبيعة تعزف
لك لحنها السماوي ،وكانت ميتتك مطابقة للحنك االخير في السيمفونية التاسعة ..فاليرحمك هللا يا بتهوفن ،يا مكتشف اصوات الجنة قبل أن تذهب اليها . 34
الشــاعـر العــ ار ف كم أثرت دهشتي وعجبي لتطابق في الشخصية واختالف في
الزمن ،في القرن السابع قبل الميالد ،لمحتك في الصين واسمك لي بو قد نظمت هذه القصيدة : _ لقد صنعت زورقي من خشب التوابل ودفته من خشب الموالن
وجلس العازفون على جانبيه وبيدهم نايات من الخيزران المحلى بالجواهر
ومزاميرهم المرصعة بالذهب أ ال ما أعظم سروري
اذا كان الى جانبي دن من الخمر اللذيذ وغيد حسان يغنين
ونحن نطفو فوق ظهر الماء تدفعنا األمواج ذات اليمين وذات الشمال انني حقا أسعد من حوريات السماء الراكبات على ظهور الغرانيقهن الصفراء حر أنا كعريس البحر وهو يالحق النوارس
دون غرض يبتغيه
35
اني اآلن أزلزل الجبال الخمسة بضربات من ريشتي الملهمة ها أنذا قد فرغت من قصيدتي
فأنا اضحك وسروري اوسع من البحر . وكنت تعاقر الخمر وبصحبتك شاعر آخر أسمه دوفو ،ورحتما
تجوبان البالد وتنشدان االشعار ،وتنامان تحت غطاء واحد .
ولكني أراك بعد الفين وخمسمائة عام في فرنسا ،تعود للحياة من جديد ،وينادونك الناس باسم رامبو تنظم هذه القصيدة المسماة (المركب النشوان) : _ ذلك المرقش باقمار كهربائية صغيرة
اللوح المجنون المندفع في صحبة افراس البحر السوداء
عندما تسوط ح اررة تموز ضربات هراوتها السماوات ذات الزرقة الناصعة وامدافن الملتهبة لقد ارتجفت وأنا اشعر على بعد خمسين فرسخا بأنين افراس البحر وقد اخذتها الغمة في دوامة عاصفة وأنت ياما تغزل أبدا 36
فت ار ت الركود الزرقاء أني اشتاق الى أوربا واسوارها العتيقة لقد رأيت مضايق ترصعها النجوم وجز ار تفتح سماواتها المحمومة اذرعها لمن يجرفه التيار أيتها القوة القادمة
كأنك مليون طائر ذهبي أتنامين في هذه الليالي التي بال قرار وتنفين نفسك ليت قاع مركبي يتصدع ..فاذهب الى البحر . لقد كنت صديقا لـ فيرلين تطوف معه البالد ،تنشدان االشعار ،
وتنامان تحت سقف واحد ،وتتسكعان في االزقة والطرقات ،تحلمان بالسفر والمغامرة ،ورؤية المجهول . فما اعجبك من شاعر تكرر ما سبق وان فعلته قبل الفين وخمسمائة عام ،اذ ما اكثر التشابه بروحيكما الشاعرة وهي تجتاز بعجلة الزمن هذه
القرون ،عائدة لتفكر بنفس الرؤيا ،ونفس الشاعرية ،وتسلك نفس المغامرات . ما اكثر ما كررت رؤياك عبر العصور والحقب ..فها أنت الشاعر
توماس ستيرن اليوت ،بعد الحرب العالمية األولى تنظـ ـ ــم ، 37
قصيدة ( االرض اليباب ) باللغة االنكليزية :تبين فيها ان الجدب والعقم سيعقبه الخصب والمطر ،فتقول :
ليس في الجبال حتى السكونبل رعد أجدب ال يمطر ليس في الجبال حتى الوحدة بل وجوه قترة حمراء تسخر وتزمجر خالل ابواب الدور الصينية المشققة لو ان هنا ماء بال صخر ..لو ان هنا صخ ار وماء ايضا ..والماء نبع عين بين الصخور لو انه ليس اال خرير الماء وليس صرير الجراد وخشخشة الحشيش الجا ف بل قطر المياه على الصخور يسمع في ترجيع الهزار مغنيا بين أشجار الصنوبر قطر ..قطر ..قطر ..قطر ..قطر
وها أنت الشاعر العراقي بدر شاكر السياب بعد الحرب العالمية الثانية تنظم قصيدة ( انشودة المطر ) بالعربية ،فكأنك ترد على اليوت
بأن الخصب والمطر ال يعقبه سوى الجوع وتقول : 38
أكاد أسمع العراق يذخر الرعود
ويخزن البروق في السهول والجبال حتى اذا مافض عنها ختمها الرجال لم تترك الرياح من ثمود في الوادي من أثر أكاد أسمع النخيل يشرب المطر
واسمع القرى تئن والمهاجرين
يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع عواصف الخليج ،والرعود ،منشدين : مطر مطر مطر وفي العراق جوع .
والفرق بينكما :اليوت يدفن زوجته فيفان والسياب تدفنه زوجته اقبال .
39
البـصـيـر المـبـصـر
استطعت أن أتوغل أليك عبر الزمن ،وأجدك – في القرن التاسع قبل التاريخ – شاع ار بصي ار واسمك هوميروس ،وموطنك اليونان ، وضعت اعظم مالحم البطولة في التاريخ ( االلياذة واالوديسا) صورت فيها قعقعة الحروب ..وجندلة االبطال ..وصرخات الموت ..وتساقط القالع والمدن ،وجعلت الحقيقة تمتزج بالخيال ،كأنك تعيش االحداث
بكل تفاصيلها ،وتؤرخها شع ار مصو ار للواقع بدقة ،فأنت ترى ما ال يراه المبصرون ،فكم كان لك من تأثير على العالم عبر العصور .
ارتفعت منزلتك في نفسي حين خلقك هللا في معرة الشام في القرن
العاشر الميالدي ،وحزنت عليك حين فقدت بصرك وأنت في دور الطفولة ،ولكن هللا لم يتخل عنك بل منحك عقال مبص ار ،وشهرة شاعرية ،فسحت ببصرك في العوالم الخفية ( الجنة والنار ) ووضعت رسالتك االدبية ( رسالة الغفران ) تريد بها أن ترفع عنك شبهة العصر .. أذ ما سلم منها شاعر أو أديب أو عالم أو متصوف ،فكل من له ابداع
فكري تطلق عليه تهمة الزندقة ،فضمنت رسالتك فحوا باطنيا وفحوا ظاهريا ،وكنت تسخر من اصحاب العقول الضعيفة من أن يدركوا ما رميت أليه ،فيا لك من 40
بصير عبقري يا أبا العلء المعري .
ثم تعود من جديد في القرن السابع عشر الميالدي واسمك جون
ملتون ،وموطنك انكلت ار ،وتصل الى أوج الرجولة والشاعرية ولم تبدع مثلما ابدعت بعد فقدانك لبصرك ،فوضعت ملحمتك الشعري ـة
( الفردوس المفقود والفردوس المردود ) كأنك كنت الشيطان بعينه ،أذ كيف وصفت بذلك الشعر كل ما عمله الشيطان ،من تكبر وصلف وتحد واغواء . ويا عجبي منك تجوب العوالم الخفية لتفهم الناس بأن الجنة والنار
ال يراها بصورة صادقة اال المبصرون .
أسألك بضميرك - :ألم تعتمد على قرآننا الكريم في استنباط افكارك عن الشيطان فانه لم يرد في كتابكم المقدس ذكر عنه واضحا ومفصال مثلما ورد في القرآن الكريم ؟ . ستجيب بالنفي قائال - :انك اعتمدت على الكوميديا االلهية لـدانتي ..كأنك ما عرفت بأن دانتي اعتمد كليا على القرآن الكريم وعلى رسالة الغفرآن .
وبعد أن رحلت عن الدنيا ،خلتك عدت الى فردوسك ووجدته وطابت لك االقامة فيه ..ولكني أبصرك ترجع من جديد في عصرنا ، واسمك طه حسين كفيفا في مصر ،ورحت تنتقد ما وضعت ــه في 41
االزمنة السابقة ..ولكن اشتد عجبي اذ كيف انشطرت بجسمين متشابهين ،ثانيهما في العراق تحت أسم محمد مهدي البصير ،في نفس الفترة الزمنية ..ترحالن الى فرنسا ،وتمنحان شهادة الدكتوراه ،ويتزوج كل
منكما بفرنسية ،وعقلكما واحد في النقد واألدب والشعر والثورة ، وعصركما واحد . وقد اهتم كل منكما بالروح القديمة التي وضعت رسالة الغفران ، كما اهتممتما بالشعر الجاهلي وأدبه ،وجعلتما من القرآن الكريم نبراسا يشع لبني البشر ،
فيا لك من بصير تكررت دون أن ترى الدنيا ،ولكنك آمنت
بالجمال ورأيته في خيالك ،ووصفته نث ار وشع ار ،وصار فنا خالدا يبهر االجيال ،فماذا ستصنع لو كنت بعينين سليمتين ،حتما ستغريك بهجة الدنيا وتشغلك عن عميق االفكار التي جئت بها وأنت بصير .
42
األديـب المـنكـوب تألمت لحلك وأنت أبو حيان التوحيدي ،تشتهر بمنادمتك للوزراء ،وتقربك من قصورهم وجاههم ،ولكن عصرك عصر قاس ،فما من وزير دام في و ازرته وما من قصر دام في عطاياه ،حتى صرت وحيدا ال
تجد لقمة العيش ،وال كتبك تجلب لك الرزق ،فوصل بك اليأس الى تجميع كتبك في كومة ،وتوقد بها النار وأنت تقول لها : لن يقدركم أحد بعد موتي .يقيم عطاء العقول وما علمت ان األنسان في كل الكرة االرضية ال ّ المتنورة اال بعد موتها ،لكن خوفك مما كتبت أكثر من حبك للتقييم ،
حيث يكثر المتسلقون الى الحكم عن طريق سلم الوشاية ،وما أسهلها للتأويل ان كانت مدونة . أي رعب يزحف خلف الكلمة حين تخرج من شرنقتها ،وترفرف بالوانها ،فألف حاسد ،وألف حاقد ،يشمر ذراعيه لقتلها خوفا من أن تزلزل مكانتهم وتفضح زيفهم ،وتكشف قناعهم ،وتقطع أرزاقهم الفاسدة .
فالسيف ..السيف ..وتُسحب السيوف لمطاردة فراشات الكالم ، للوصول الى الفم الذي انطلقن منه ،لتمزقه و تسكته لالبـ ـ ــد. 43
فارتهب االدباء والشعراء والعلماء والمتصوفة ،وصاروا يتلفون
كتبهم بعيدا عن أعين الراصدين ،يتمنون لو لم يخط يراعهم كلمة ،ولم يسهروا الليالي ،ويكدوا عقولهم بالتفكير من أجل المجتمع .أذ لمن
يكتبون والناس ذئاب كاسرة ،ووحوش فاتكة ،فهذا الوزير محمد بن عبد الملك الزيات يقول :
الرحمة ضعف في الطبيعة .فما أشد قسوتك حين وضعت هذه الفكرة في مخيلتك ،وأخذت
تتفنن بقتل الناس دون رحمة ،فاخترعت تنو ار ال لصناعة الخبز بل لتخبز الناس المساكين به ،وجعلت فيه مسامير مدببة ،فحين تولج مظلوما بدخله تطبقه عليه وتشعل النار من تحته ،فيتخبط المسكين كأنه
جرذ داخل المصيدة ،حتى يتمزق جسمه ،وما أشد ألمه ? بل أي جحيم هذا الذي صنعته ؟ حتى الشياطين لم يخطر لها أن يتعذب االنسان – قبل قتله – بهذا التعذيب . وعندما دارت الدنيا عليك ،رحت تستصرخ الرحمة أن ترحمك.. لكنها أدارت وجهها عنك لهول ما شهدت منك من اجحاف بحقها ،مع العلم انك كنت محسوبا على اصحاب القلم .واحسرتاه عليك ..أية ميتة مت ؟ يا عبد الحميد الكاتب فلو تركك مروان بن محمد (آخر خليفة أموي) أن تم ــوت معــه لكان ارحــم لـك
44
ولكن السفاح العباسي حين ألقي القبض عليك ،أمر صاحب شرطته أن يحمي طشتا بالنار حتى يتقد ،ويضعه على رأسك عدة مرات ،فأي اعدام هذا ? أال يشبه الكرسي الكهربائي الذي اخترعه االميركان في عصرنا . وصديقك ،ما حال صديقك ابن المقفع ،فقد أشعل والي البصرة تنو ار ،وأمر بقطع أوصاله عضوا عضوا ،وراح يرميها في التنور ، والمسكين بين صراخ وعويل ينظر الى جسمه يقطع ،حتى وصل الى رأسه ورماه في التنور . وصدق أبن المقفع حين قال لقاتله :
اذا مات مثلي مات بموته خلق كثير وأنت تموت ليس يدريبموتك ال صغير وال كبير . أي درس في الرعب بثثته الصحاب الكلمة حتى سارعوا لؤد كلمتهم ..فها أنت أبو عمرو بن العلء وأنت من كبار العلماء العرب ، تدفن كتبك في باطن االرض ضنا بها على الناس الذين لم يقدروها حق قدرها ،وخوفا منهم أن يؤولوا ما كتبت ،فمن جملة واحدة ممكن أن يستنبطوا تهمة العصر ،فآليت أن تريح وتستريح . وها أنت داود الطائي ..أزهد زهاد الكــوفة ،حين تــدرك 45
حقيقة ما وصلت اليه ،تفعل عين الشيء ،وتطرح كتبك في نهر الفرات وتناجيها : نعم الدليل كنت ،والوقوف مع الدليل بعد الوصول عناء وذهول ،وبالء وخمول . فوقيت نفسك من تشهير بما ليس فيها ،وتحويرفي معانيها .
وها أنت سفيان الثوري امام المحدثين ،تمزق الف جزء من كتبك وتطيرها في الرياح وتقول : ليت يدي قطعت من ها هنا ،بل من ها هنا ،ولم اكتب حرفا !. أما يكفي انك قطعتها فعال ،وهي التي كتبت أحاديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،ولكن أحسن ما مزقته هو كتاب الخليفة المهدي حين عهد اليك قضاء الكوفة ،ورميته في دجلة ،واختفيت ..بحيث بحثوا عنك في كل مكان فلم يجدوك ..آه ما اشقى االنسان أمام الحرف وتأويله عند شياطين البشر ? . وها أنت يوسف بن اسباط ،سيد الوعاظ ،تحمل كتبك الى غار في جبل بعيد عن اعين الناس ،وتطرحها فيه ،وتسد الغار بصخرة وتقول : دلنا العلم في االول ،ثم كاد يضلنا في الثاني ،فهجرناه لوجه ماوصلناه ،وكرهناه من أجل ما أردناه . 46
كان يأسك به شيء من األمل والمغامرة ،فعسى أن يحيهما هللا في زمان غير هذا الزمان المتعسف ،وهاجسك يتمنى أن ال تكتشف في زمنك . وها أنت أبو سعيد السيرافي مفتي بغداد تقول لولدك : تركت لك هذه الكتب تكتسب بها خير اآلجال ،فاذا رأيتها تخونكفاجعلها طعمة للنار.
وأنت تعلم كل العلم ان كتبك ال تخون ،النك أنت كاتبها ،ولكن
خوفك من تأويل االنسان الذي يقرأها ،ويحسد أفكارها ،ويتمنى لصاحبها زوال النعمة عنه . .أنا ال اعتب على ما عملتم ،فانه عين الصواب في ذلك الزمن الصعب ،ونحن في عصرنا الحالي عصر التنوير وانتشار الثقافة ،مرت علينا محن سياسية ،فعلنا بكتب غيرنـا ( التي نقرأها ) ما فعلتموه بكتبكم ،خوفا من أن نتهم بتهمة عصرنا ، وهي تهم كثيرة ،فدفنا مئات الكتب وحرقنا ومزقنا العشرات ،وعيوننا
تفيض بالدمع عليها أسفا وحسرة ،كأننا ندفن ونحرق ونمزق أساتذتنا الذين ارضعونا من دمائهم ،وصاروا شغاف قلوبنا اما الحكام ففعلوا اكثر اذ لم يكفهم أن يقتلوا أو يصلبوا أو يحرقوا
المتهم بتهمة العصر ،بل يعمدون الى جمع كل كتبه في ساحة
47
المدينة ويشعلون بها النار أمام المأل ،وكم سال من هذه الكتب ماء الذهب ،داللة على اآليات القرآنية التي كتبت به .
وليس في الشرق فقط تحدث هذه المحن ..بل في الغرب أشد
واقسى فمحاكم التفتيش عملت مثلما عمل الشرقيون قبلهم ..فويل لك ايها األنسان الشرير من حساب القادر القدير.
48
عـبـد أم سـيـد سمعت عنك ملك الحبشة واسمك ابرهة تقود الفيلة بجيش جرار من اليمن متجها صوب مكة بيت هللا المنافس لمزارك الذي اتخذته الستقطاب العرب ،وفي الطريق تساقط جندك بمرض الطيور ،وخسرت
الحرب دون معركة ،ويذكرك هللا في كتابه الكريم عبرة لمن اعتبر ،لكنه الطمع قادك الى التهلكة . واتعجب من تحولك عبر الزمان ،ففي العصر االسالمي االول تعود واسمك وحشي ،وتغتال الحمزة رضي هللا عنه ،عم الرسول صلى
هللا عليه وسلم ،لقاء بضعة دنانير أغرتك بها هند زوجة أبي سفيان ، وحين صرت مسلما أردت أن يغفر هللا لك خطيئتك لقتلك من نصر نبي هللا ونصر االسالم ،ربما يغفر هللا لك ذلك ،ولكن المسلمين هيهات أن
يغفروا فعلتك . وتظهر في العصر العباسي باسم مسرور السياف تنفذ أمر الخلفاء بقطع الرؤوس ،أسرع مما ينطق به الخليفة ،فتحولت من خادم الى سيد الموت ،يرتجف من اسمك كل مظلوم أو ظالم . وأق أر عنك في اهاجي المتنبي ،واسمك كافور االخشيدي ،خادما ألمير مصر ،جاءتك الفرصة سانحة بموت سيدك ،فقفزت مستوليا على كرسي العرش ،ونصبت نفسك أخشيديا على مص ـر، 49
وخدعت أذكى الشعراء في ساعة ضعفه ،وسحبته الى قصرك ليمدحك كما يمدح الملوك ،وليتك اعطيته مما سرقته لبقي ذكرك ممدوحا مثلما مدح سيف الدولة الحمداني ولكن طبعك الجاف وعدم ادراكك أسرار الشعر جعلته يهرب منك ويهجوك أقذع الهجاء لعبد أمسى سيدا ،وما زال المتنبي حاض ار في القلوب ،وأنت تالحقك عصاته كلما ذكر اسمك .
وأبصر ميناء البصرة آنذاك ،والتجارة مزدهرة والعمال يتكاثرون
على المدينة ،حتى صاروا أكثر مما تستوعبه المدينة ،وكلهم من الزنوج ،جاءوا من أفريقيا أو من الجوار ،فتفاقمت البطالة ،ودب الجوع وصار الميناء ال يسد حاجتهم ،وتدنت االجور ،وصار العامل يقبل بالنزر القليل وال يجده ،وبرزت من بينهم تشجعهم على التمرد واالنتقام من االسياد ،وحرضتهم على الثورة ،وقدتهم في هجوم كسيل في ليل مظلم يجتاح المدينة ،فحرقت االسواق بما فيها ،واستبحت البيوت ،وخطفت االطفال والدرر الحسان التي لم يطلع عليها انس وال جان ،وحولت
أسيادك الى رقيق تبيعه في سوق النخاسة .
فعجبت منك ? كنت قانعا برزقك ممتنا لمن يطلب منك أن تخدمه ،مستسلما لقدرك ،فما الذي غيرك بين يوم وليلة ،وتحولت من حمل وديع الى وحش كاسر ،من يد تساعد الى يد 50
تخرب ،وتقتل ،أألنك مؤمن ؟ ولكن االيمان ما دخل قلبك ! . حولت مدينة البصرة الحسناء الى كومة من رماد وخراب ،أكلت
النيران البيوت والمحالت ومخازن الحبوب والغذاء ،وانتشر الدخان الى
عنان السماء ،حتى صار يرى عن بعد مئات االميال ،وتحمل الرياح روائح جثث الموتى مختلطة مع روائح االخشاب والمالبس المحترقة . فما الذي حولك للنهب والقتل والتخريب ،وكيف اتحدت الغوغاء
بمئات الزنج فيك دون رادع ،وتلذذت بحرق كل شيء كأنك من همج أفريقيا الراقصين حول النار لعبادتها ،بينما كنت من المسلمين ،فأين اختفى االسالم فيك ؟ . وقد سمعت عنك من قبل ثورتك الزنجية بمئآت السنين ،ينادونك الرومان سبارتكوس ،أحد العبيد الذين يجمعونهم في الملعب الكبير ،
ويطعمونهم احسن االطعمة ،ويريضونهم بكل فنون القتال حتى يعدونهم لمنازلة بعضهم بعضا ،ليقتل بعضهم بعضا ،امام ابصار اآلف المتفرجين الرومانيين ،المستمتعين بهذه الصراعات الدموية ،والذين
يصمدون يطلقون عليهم االسود والنمور ،وتكون نهايتهم حتمية.
51
فكان الحق معك حين تمردت على اسيادك امام هذا التعسف البشري ضد البشر ،فقمت بثورتك ،ساندك فيها كل المقهورين والمستعبدين ،فهجمتم هجمة واحدة على أسيادكم ،ونكلتم بهم أيما تنكيل ،وكدتم أن تحكموا البالد لوال مجيء جيوش القيصر ،وكانت نهايتكم البطولية على يد القائد كراسوس . حقا ان االضطهاد يغلي في النفوس المظلومة حتى يتحول الى بركان ما أن يجد متنفسا حتى ينفجر كعفريت يكتسح كل شيء ،ال يقيده
منطق وال دين ،ال يمنعه قانون وال نظام .
ومما أثار دهشتي حينما شاهدتك مربوطا الى سلسلة في عنقك
وأنت تجر محراث الرجل األمريكي ،وتعرق ويتفصد من جسدك الدم ، وتسقط على االرض ،وتنهال عليك سياط الرجل االمريكي لتنهض من جديد .
وتثور صارخا في شوارع امريكا مطالبا بحقوقك كانسان دون تمييز عنصري ،وينادونك اصحابك مارثن لوثر ولم تمض عقود حتى صار بني جنسك أكثر من الجنس االبيض ،وتزعمت البيت االبيض وأسمك باراك أوباما ورقمك ( ، )44ولم تضطهد البيض الذين أذاقوك الويالت ،
ألن روحك ال تحمل قسوتهم وحقدهم ،وجعلتهم يخدمونك ويوفرون لك ولبني جنسك السعادة ..فما اسرع انتقال السلطة بين السيد والمسود. 52
البـانـي والهـادم
ظلمك ألخيك االنسان يفوق نصرك لالنسان المظلوم من الطبيعة
،فها أ ارك ترمي القنابل على الشعوب وتبيدها دون رحمة ،وتشن الحروب ،وتتساقط الجيوش من كل االطراف المتحاربة بال مبرر سوى ارضاء لطموحا ت ملوك ورؤساء وقادة .
وتأتي الطبيعة بعد ذلك بزالزلها لتبتلع مدنا وقرى ،واعاصيرها
لتغرق شعوبا ،وبراكينها لتخنق أمما ،وأمراضها لتفتك باآلف البشر .
أيها العنيد كم أدهشني عنادك مع نفسك حينما كنت سيزيف وأنت تحمل الصخرة على ظهرك الى قمة الجبل ،وحينما تصل القمة تسقط منك وتتدحرج الى الوادي ،وتنحدر اليها ،وتحملها من جديد ،وتعيد
ذلك م ار ار وتك ار ار ،دون ملل أو كلل حتى صار األمر ممتعا لك ، ومغيظا آللهتك . فماذا كنت تريد أن تثبت بصخرة تحملها الى االعالي ،وأنت نفسك الذي حملت صخور االهرامات ،وأنت نفسك حملت صخور سور الصين العظيم . أما تخيلت بان اهراماتك هي سفينة الموتى بكل ما تحمل من أسرار حضارتك الى عالم المستقبــل البعيــد ..وما دريت بأنـك 53
ستنهب محتوياتها في المستقبل القريب . ألم تعتقد بأن سورك سيحمي الصين من هجمات االقوام الهمج الى
األبد ..وما علمت بأنك ستكون – رغم تحضرك – أشد همجية ،وتأتي بالطائرات والصواريخ وتدك المدن ،فما قيمة االسوار والحواجز االرضية . ألست أنت من شيد حدائق بابل المعلقة من أجل ارضاء زوجتك الكردية ؟ ،لكي ال تحن الى جبال كردستان ،ولم تعلم بأن الحنين هو الى األهل واالحباب السكنين تلك الجبال التي تتلفع بعباءة الثلوج مرة
وبعباءة الزهور مرة أخرى .
وما دريت ان لغة القوم هي خير معبر عما يختلج بالنفوس ،فأين هذه من حدائقك بين أناس ال تطيق زوجتك لغتهم وال غربتهم أردت الخلود العمالك فنحت الجبال ،وما علمت أن الصخور التبقى لماليين السنين ،اذ أين مدن عاد وثمود ؟ ،واصحاب الرس ، وارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البالد؟ بل أين حضارة أطلنطك ؟ ،كلها زالت وتالشت ،وكأنهم ما كانوا وما شادوا .
كنت أتصور ان عقلك في تطور مستمر ،وخاب تصوري ،فها أنا
انظر الى ما شيدته قبل اآلف السنين في معابد الهند الفنية ،وفي أهرام مصر الهندسية وفي عظمــة سور الصيــن االستراتيجيـة ، 54
فبين الفن والهندسة والعمرآن تمازج نغمي يسحرك عبر الزمن ،ولكن لماذا هذا التوقف الفجائي ،وبعد أآلف السنين تعود من جديد لتبني صرحا حضاريا آخر لكنه أقل عظمة وخلودا مما بناه اجدادك وكأنهم قد جاءوا من كوكب آخر .
أم ان الهمج يهجمون عليك ويهدمون كل ما بنيته ،النهم
يكرهونك متطو ار عليهم ،ويظنونك تستعبدهم ،فيزيلون كل ما يذكرهم بك
،دون أن يشعروا بأنهم يرجعون الحضارة الى الوراء مئات السنين.
فكم من مدن أحرقت ،وكم من كتب أغرقت ،وكم من علماء دماؤهم سفكت ،وكم من نساء اعراضهن استبيحت ،حينما اجتاح المغول أسيا . وقد رثيت لحالك حينما فكرت أن تبني قب ار يحفظ جسمك كما هو
دون أن يتغير عبر الزمن ،فبنيت االهرام ،ولكنك بعد االف السنين تعود وتنبش قبرك من جديد باحثا عن سر قد أضعته ،متخيال انك وجدته سابقا ،ولكن هيهات ..فكل عملك وقبض الريح . وها أنت حاليا واضعا قبرك بين االرض والسماء ،يدور كما يدور القمر الصناعي ،لعل االجيال القادمة ستكتشف سر الحياة والموت وتعيدك للحياة . 55
وما علمت انك ستعود بعد اآلف السنين تبعثر ذلك القبر الفضائي باحثا في جوفه عن سر ربما نسيته فيه ،فيا لك من عقل كلما تطور تأخر .
وكم انحططت في نظري حينما هدمت احدى عجائب الدنيا
السبع ،أال وهي منارة االسكندرية ،فكم كنت غبيا حينما خدعك ملك الرومان وأنت الخليفة األموي الوليد بن عبد الملك فقد حسدك على منارة االسكندرية النها تحفة العالم ،فقد بنيت بحجارة مغموسة في الرصاص ، بطول مائة وعشرين مت ار ،وفي اعالها تماثيل من نحاس ،أكبرها تمثال رجل قد أشار بيده الى البحر ،ويخرج منه صوت ( انذار مبكر ) حينم يتحسس بهجوم االعداء من بعيد ،فيستعد أهل االسكندرية لهذا العدو . وفيها تمثال كساعة ليلية يدق كل ساعة بصوت مبهج ،واالكثر من هذا – في القمة – مرآة من الحديد الصيني بعرض ثالثة امتار ،اذا وجهت صوب سفن العدو عكست اشعة الشمس بتركيز يحرق السفن .
وكان الرومان يخافون على سفنهم من االحتراق فيقدمون الجزية
صاغرين ،وهذا ما دفع ملكهم في ابتداع حيلة ،حيث ارسل متسللين ليدفنوا تحفيات ذهبية بجانب المنارة ،ودس من يخبرك بأن المنــارة
56
تحتها كنز ثمين ،فارسلت من يحفر ويستخرج الطعم ،وطمعت بالكنز
فامرت بهدم المنارة ..ويا للطامة الكبرى ..ويالغبائك ? ،ألن المنارة
هي الكنز ،وحينما لم تجد شيئا ،أردت اعادة بنائها ،ولكن هيهات !! فما أسهل الهدم وما اصعب البناء .
57
البـاحـث عـن الخـلـود
قرأت عنك وأنت فرعون مصر تبيد االطفال ذبحا وخنقا واغراقا ،
فقد أنبأك المنجمون بأن موتك سيكون على يد مولود ولد حديثا كما أخبرتهم نجومهم ،فخفت على نفسك من الموت ،وما علمت ان الموت محتم في مجيئه اليك . وحين مت حنطوك ووضعوك في قبرك الذي بنيته على شكل هرم ال تؤثر في صخوره التقلبات الطبيعية ،ووضعوا معك كل متطلبات الحياة ،عسى أن تعود الروح اليك من جديد ،ولكن هيهات ! ،فالروح قد رمت رداءها الجسدي ،وخرجت من جمجمتك ،فاقبع بجسمك في هرمك لكي تتسلى بك االجيال البشرية . كم تحب الحياة الخالدة ؟ ،وكم تحب أن تنتصر على الموت ، حينما كنت جلجامش افنيت العمر بالبحث عن اكسير الخلود ،وجبت الجبال والوديان ،واجتزت البحار والمحيطات تريد أن تخلع جلد الشيخوخة عنك وتلبس جلد الشباب الدائم كما يفعل الثعبان ،ولكنك تعبت فاستسلمت للراحة االبدية . وحزنت عليك ألنك أردت الشفاعة في دخول الجنة ،حينما كنت الخليفة المقتفي اذ خلعت باب الكعبة القديم ،وصنعت بدله بابا مصفحا 58
بالفضة ومطعما بالذهب ،وعملت لنفسك تابوتا من خشب الباب القديم ، لتدفن فيه ،لعله ينجيك من الحساب والعقاب. وما علمت انك لن تضمن بعد موتك ال االرض التي تدفن بها ، وال نوع الكفن الذي تكفن به ،وحتى لو تحقق ذلك فان تابوتك لن يسلم من النابشين ،وستعود الى التراب . وسخرت من افكارك اذ كنت تتصور ان المجد والخلود بالفتوحات والسيطرة على شعوب الكرة االرضية .
ولم تعلم بان الزمن ال يخلد الملوك واالباطرة اال في بطون الكتب
التاريخية ،اما الشعوب فانها تنسى كل ذلك عبر الزمن . أما عرض عليك مهندسك دنقراطيس أن ينحت لك جبل آثوس
الواقع في االسكندرية ،ويحوله تمثاال لك ،بحيث يصورك تقف والبحر
يغمرك الى الوسط من جسمك ،وتمسك بيد المرفأ وباليد االخرى المدينة ،ولكنك كنت منهمكا بالحروب والفتوحات فلم تعر أهمية لتنفيذ هذا المشروع ،فضاع خلودك ،اذ لو تحقق ذلك الحلم لظل تمثالك ايها االسكندر الى أزمنة طويلة آية من آيآت الفن والجمال على شاطئ البحر االبيض المتوسط . ما أجمل خيالك في البحث عن الخلود ،فها أنت أج .جي .
ويلز العالم االنكليزي ،تتصور انك اخترعت آلة الزمن ،ودخلت فيها، 59
وحركتها لتنقلك عبر الزمن الى الماضي او عبر الزمن الى المستقبل ، فتجد الحضارات القديمة ،وتتأكد من وجودها ،وحين تنقلك اآللة الى
المستقبل ترى انهيارات الحضارات ،وظهور حضارات جديدة ،وكلمح البصر تزول لتعود تنهض من جديد ،فاختزلت لك اآللة آالف السنين في لحظات سريعة ،فرأيت اجدادك الى الجد العشرين أو الثالثين ، ورأي ت احفادك الى حفيد الحفيد العشرين أو الثالثين ،وأنت أنت باق بعمرك نفسه ،وكنت تترك اآللة في بعض األزمنة وتقوم بمغامرات تصل بك الى الموت أو السجن ،فتهرب وتدخل آلتك ،وتنقذك في اللحظة االخيرة ،حين تديرها بضغطة زر لتنقلك الى زمن آخر وهي باقية في مكانها نفسه ،أما ما حولها فيتغير بسرعة ،فالشمس كشمس أهل الكهف
تشرق وتغرب بسرعة واالشجار تطلع وتثمر وتجف وتزول بسرعة ، والعمارات يتصاعد بنيانها وتنهدم بالحروب والزالزل واالعاصير ،والناس
يتطورون ثم يعودون وحوشا بسرعة خاطفة .
ما أجملها من آلة لو أخترعت في المستقبل ،التعظت من أهوال
المستقبل ،وغيرت مجرى حياتك ..ولكن هيهات ..فما هو مكتوب يبقى مكتوبا عليك .
60
الـلـص الـكـريـم أيها االنسان : كم أثرت رغبتي في تقصي حقيقتك حينما كنت موسى بن شاكر
المنجم ،اقرب المقربين الى الخليفة المأمون ،وأذكى علماء الفلك في عصرك . اذ كنت من الذكاء بمكان ،بحيث لم يكتشف أحد شخصيتك
المزدوجة ففي النهار عالم يؤدي الفرائض في المسجد أمام الناس ،وفي
الليل قاطع طريق التجار في الطرق البرية ،ملثم على حصان سريع ، وسيف مشهور ،بحيث توحي للتجار بأن معك عصابة كاملة تحت جنح
الظالم ،فيقدمون لك ما لديهم من مال ،وتتركهم عائدا بالغنيمة .
وكنت تظهر األنفة واالعتداد بالنفس أمام الخليفة ،وال تكشف عن
فقرك بل تظهر الغنى ،وال تكشف عن صعلكتك التي تجري في دمك من حب النهب الذي يدر عليك المال ،فتحمد هللا بعد كل غزوة تقوم بها . وحين تدخل قصر الخليفة بهيبة االغنياء ،يفرح الخليفة لمجيئك ، ألنك ال تطلب منه ماال بل تطلب منه – في حالة موتك -أن يمسك ثروتك ويتعهدها ألوالدك خالل حياتهم . 61
عجبت مما تفعله ،اذ لوال ما فعلت لما نلت الحظوة لدى المأمون ، ولما ارتفعت مكانتك في نظره على بقية العلماء .
فكنت تبذل المال المنهوب في سبيل العلم ،بحيث تكتري
المترجمين والناسخين باجور مجزية ،وتشتري الكتب بمبالغ طائلة ، بحيث تعلم أوالدك من بعدك أن يغدقوا مثلك ذلك المال . وأراك بعد ذلك وأنت أبو طاهر القرمطي ،تفعل االعاجيب ،فقد
شكلت مجموعة من الفرسان لقطع طرق التجار والحجاج ،وتنهب قوافلهم
،دون أن يردعك دينك االسالمي ،بل جعلت من نفسك المصحح لمسار الدين ،وكانت فترتك الزمنية تخدمك ،فالخليفة الضعيف ال يدفع لجنوده اقواتهم لقلة المال في خزينته ،بينما أنت ينال اتباعك المال الكثير مما تسطو عليه ،فتكاثرالرجال تحت قيادتك ،حتى تطاولت ونهبت مكة المكرمة وخلعت باب الكعبة المشرفة ونهبت الذهب المغلف لها ،بل نهبت ستائرها الحريرية المقصبة بالذهب ،والخطأ االكبرالذي ارتكبته ، حينما خلعت الحجر االسود المقدس وسرقته ،فكانت تلك السنة 317هـ
السنة الوحيدة التي لم يحج بها المسلمون .
وحلت عليك اللعنة بعد سنين حينما اصبت بالجدري ومت به ،
وقبل موتك أرجع أصحابك الحجر االسود الى مكانه ،ولكن هيهات أن 62
يرضى عن فعلتك المسلمون ،فعسى هللا يغفر لك لما ال نعلمه .
وها أنت في العصر البويهي ويطلقون عليك تسمية حرامي بغداد ،
وأنت من الشطار واسمك ابن حمدي مرة وأخرى ابن شاهين واالشهر
ابن فوالذ ،تجوس البيوت ليال لتحمل ما خف حمله وغال ثمنه من اموال أو مؤنة لتقدمها الى عوائل مدقعة تعيش تحت الكفاف ومن تعففها تفضل
الموت على االستجداء ،فكنت تفرح فرحتين االولى بما تسطو عليه
وتحمله والثانية حين تزيل الغمة عن النساء واالطفال -الذين بدون معيل – بما تقدمه لهم ،فتشيع السرور في الوجوه الكئيبة المتألمة من نهشة مخالب الجوع والفقر . كم تجد من لذة في فض بيوت االغنياء المحرمة ،وتستكشف مخابئها ،وتطير فرحا من بيت الى بيت بما تحمله من متاع الدنيا الزائلة ،فال الحاجات تطفيء رغباتك المتجددة وال أنت تنتهي عبر الزمن . وما اسرع أن انعصر قلبي حزنا عليك ،حينما رحت تسعى شحاذا
في الهند تستعطي من الرجل االنكليزي ماال ،فيمد يده الى جيبك
ويعطيك ما تريده بصورة سحرية ،كما يفعلون معك في كل بلدان العالم التي رأيتك تشحذ فيها ،فأينما تمد يدك الى الشخص ،فهـو في
63
الحقيقة ال يعطيك من جيبه بل من جيبك أنت ،ألنه سرق مالك مسبقا ، واال لما كنت هكذا . كم كنت دمويا من أجل نهب اموال الناس ،ال يكفيك ذلك بل صرت تنهب مدنا عامرة ،فها أنت تيمورلنك قائد مغولي أعرج ،تقود قطعانك المتوحشة – علما أن الدين االسالمي لم يكبح همجيتهم – صوب الشام ..وتستبيح مدينة حلب ايما استباحة ،ولم ينج أحد من الموت الذي هبطت به على هذه المدينة اآلمنة ،ونهب جيشك كل شيء ،ولم يكفك ذلك بل سرت بجيشك بسرعة تجاه دمشق القلعة المحصنة ، بعد سماعك هروب سلطانها الى مصر ،وطوقتها ،وحاولت اقتحام أبوابها ولكن سهام ونيران حراس اسوار القلعة أرتك استحالة دخولها ، فاستخدمت الحيلة والخداع ،وطلبت منهم الصلح وارسال العلماء اليك
لمناقشتهم ،فلبى العلماء طلبك ،ونزلوا بسالل مربوطة بالحبال من فوق السور ،وكان من بينهم العالم أبن خلدون ،وخدعت العلماء بمطالبك المادية ،فوافقوا ،لكنك اشترطت عليهم أن يسمحوا لجندك بدخول المدينة
للصالة في الجامع االموي كمجاميع بال سالح ،وليتهم أدركوا نيتك السيئة وجعلوا الطريق عبر االسوار ال عبر االبواب ! ،ولكن أين لهم من يذكرهم بما فعلته بحلب من وحشية بالغة تبرهن بأن ال دين في قلوب جيشك وال رحمة لديك . 64
واذعن المساكين لما أردت وفتحوا لك باب دمشق ،وليته ــم ما فتحوها ،وتم تفتيش أول مجموعة ،وسمح لها بالدخول والخروج
وتلتها أخرى ..وأخرى حتى اطمئن الحراس بعد أن تعبوا من التفتيش ، وحينما تيقنت انهم تركوا الحذر غدرت بهم ،فارسلت مجموعة تخفي تحت مالبسها السيوف والفؤوس والخناجر ،فما أن اجتازوا البوابة حتى هجموا على الحراس وقتلوهم ،وتبعهم جيشك بسرعة خاطفة ،ودخلوا دمشق ويالهول ما فعلوا وما استباحوا ،لم يتركوا طفال وال شيخا وال امرأة أال وقتلوهم بعد أن ابادوا كل المقاتلين ،ثم نهبوا المدينة بصورة تقشعر لها االبدان ،ثم حرقوها .
وخرجت عائدا بجيشك ،وعلى الطريق كان جنودك يرمون
االحمال الثقيلة ،ويخففون من جشعهم ..لماذا ؟ ،وقد قدم اهل دمشق لك من الذهب والمتاع ما يكفي جيشك !! ،ولكنك أبيت أال أن تنهب المدينة ألن في النهب والسلب لذة ال يعرفها أال اللصوص والقتلة من أمثالك . يوم يقول هللا تعلى لجهنم ( هل امتألت ؟ وتقول هل من مزيد ) وصيرك مع جيشك حطبا لجهنم ،فهي المنتقم الوحيد من افعالك .
65
الـرحـالـة المـتـطـلـع كنت قرصانا مبح ار بسفنك التي تنهب السفن التجارية ،ولم تكتف بذلك بل رحت تنهب البشر ،فقد رست سفنك الفينيقية على سواحل اسبانيا ،وتعجب الناس من صناعتها وجمالها ،فقلت لهم أن يصعدوا اليها ليتمتعوا بمشاهدتها وهم على ظهرها ،فما أن ارتقوها حتى اقلعت بهم مبح ار ،وسقتهم عبيدا ،تبيعهم في بلدان العالم ،فيا لك من مخادع اعماك المال عن الرحمة . واستغربت من سعيك الكتشاف ما وراء المحيطات ،فبعد أن اكتشفت للعالم أمريكا وبنيت فيها المستعمرات ،اقتادوك الى اسبانيا مكبال ترسف بالسالسل واالغالل ،ومت مغمو ار في غرفة حقيرة ،تلعن فيها زيف هذا العالم ..وكان اسمك كولومبوس .
كم اشتقت لمعرفة رحلتك وأنت ماركو بولو الشاب الوسيم النشط ،
حينما بعثك البابا من ايطاليا الى الصين حسب طلب قبلي خان قرب بكين . فشددت الرحال ،ودخلت بسفينتك الخليج العربي ،وتركتها متجها الى بالد فارس ،واجتزت مع أبيك وعمك وأخيك الصغير مدن التتار ، حتى وصلت بالط الخان االعظم ،وما أسرع ما تعلمت – في الطريق – لغة التتار ،بحيث تكلمت مع الخان بلغته ،مماأثر فيه ايـما 66
تأ ثير ،فقربك بعد ان كان يعتبر المبعوثين الغربيين اغبياء ،وكم فرح بك حين سردت عليه قصصا كان بأمس الحاجة الى سماعها ،وتركك تجوب البالد طوال وعرضا لتأتيه باخبار واحوال الناس . وحينما اكتشفت سيطرة التجار العرب المسلمين على سوقين في مدينتين كبيرتين ،وعلى اكثر و ازرات الخان االعظم ،حزت في نفسك
هذه المكانة التي وصل اليها العرب المسلمون ،فتحينت الفرصة لاليقاع بهم ،وجاءتك الفرصة تسعى ،حينما تزوج هوالكو امرأة مسيحية تمكنت تلك المرأة من زرع الفتنة لدى هوالكو وابنه ضد المسلمين ،حينما
صورتهم انهم يقتلون كل مشرك مهما تكن ديانته ،فاصدر هوالكو ق ار ار بمنع المسلمين من الخدمة في قصور التتار ،وارسل ابنه رسال الى الخان االعظم يخبره بذلك ،فاستشارك الخان يا ماركو بولو أن تعلمه بحقيقة األمر ،فوجدتها الضربة المنتظرة ،فاوغلت صدر الخان بصحة
ما اخبروك عن المسلمين ،بانهم يعتبرون كل من لم يدخل االسالم مشركا يجب قتله ،فثار الخان وأمر باضطهاد المسلمين االمنين ،فكانت مجازر يندى لها جبين االنسانية ،فهرب التجار من البالد ،وشلت حركة التجارة ،وكم حاول السيد المبجل شمس الدين عمر مستشار الخان –
العربي المسلم – أن يقنع الخان بأن
67
هذا غير صحيح !! ،وان خسارة تجارية ستحل بالبالد ..لم تجدي باقناع الخان اال بعد سبع سنوات ،أي بعد خراب االقتصاد الصيني . فتألمت من فعلتك ? ،فقد ارسلك البابا لنشر الدين المسيحي بين
اقوام ال يعدون وال يحصون ،يعبدون االوثان وما عرفوا للثقافة بصيصا ، من نور هللا ،فاستخدمت مكرك وحقدك ضد المسلمين ،أما كان يكفيك مثاال ما فعله السيد المبجل شمس الدين عمر حينما عينه الخان حاكما مطلقا على احدى الواليات الشمالية ،وكيف غيرها من البربرية الى
التحضر ،من أناس يعيشون بشريعة الغاب الى أناس متمدنين لهم نظامهم واخالقهم وآدابهم وسلوكهم . ولكن هيهات أن تعي ذلك ? ،فقد نسيت تعاليم دينك التي تأمرك
بلسان السيد المسيح عليه السالم القائل - :ال تدينوا لكي ال تدانوا . وبفعلتك تدان . أما يكفي ما فعل التتار بالمسلمين لتأتي أنت وتشعل نارالفتنة ، ولكن ( االشجار الرديئة تعطي ثما ار رديئة ) كما قال السيد المسيح عليه السالم . وبعد ذلك تخبرني في كتابك ( تحفة االنظار في غرائب االمصار وعجائب االسفار ) واسمك أبن بطوطة عن رغبتك في اداء مناسك الحج ،وتستأذن سلطــان المغرب ،فيمــدك بما تريـد ، 68
تغرب وتصل الحجاز بعد صعوبات تمر بها ،وتؤدي مناسك الحج ثم ّ
تشرق ،حتى تصل دلهي ،وتتصل بالسلطان محمد شاه ، شماال وتعود ّ وكان قد عزم أن يرد بالمثل على هدايا الخان امبراطور الصين ،
فاختارك مبعوثا له لهذه المهمة ،لكن هللا ما أرادك أن تصل الصين بالفترة التقريبية للوصول ،فقد حدث ما لم يكن في الحسبان ،اذ كانت أول عقبة هي هجوم الهندوس على قافلتك ،وحدثت معركة اندحر فيه
الكرة ويأسرونك ،وتهرب من الهندوس ،ولكن اللصوص يعاودون ّ سجنهم وتتصل باحد األم ارء ،فيمدك من جديد بالهدايا لتواصل رحلتك الى الصين . وكم ركبت من سفن ،وكم قطعت من مسافات حتى تصل الى السفن الصينية التي تذهب الى الصين ،فما أن تضع هدايا السلطان فيها
وتنزل من احداها ،وتصلي على الساحل ،حتى تغرق سفينتك وتهرب بقية السفن بالهدايا وبمتاعك واعوانك سارقة كل شيء ،وتبقى وحيدا على الساحل تنظر بعين دامعة لما حدث ،وليس معك سوى سجادتك وبعض النقود في جيبك ،فتذهب الى جزائر ذيبة ،وسلطانتهم امرأة بنغالية ، فاكرمتك وجعلتك قاضيا ،وزوجتك باربع نساء ،وبعد عام ونصف تحن الى السفر فتستأذنها ،وتتجه الى سومطـرة وتتص ــل
69
بسلطانها الملك الظاهر ،فيرحب بك ويحسن ضيافتك وبعد اسابيع تطلب منه السماح لك بالسفر الى الصين ..فيمدك بهدايا ومركب كبير ،
وتبحر من جديد الى الصين ..وحين تصل تجد قبلي خان قد ذهب لمحاربة ابن عمه فيروز ،وما هي اال أسابيع من االنتظار حتى شاهدت فيروز قادما وقد حمل جثة الخان مع جثث اتباعه على الخيول ،وبعد دفنهم بمقبرة جماعية ،عظمت الفتن ،فقررت العودة والسالمة ..وعدت من حيث أتيت. كنت تريد وهللا يفعل ما يريد فكم من األهوال كابدت لتصل الى الصين ،ولكنك وصلت بعد فوات اآلوان ،وفي قديم األزمنة اخبروني
عنك وأنت سندباد العرب منذ زمن البابليين ،تطوف العالم وتخترق
مجاهل البحار والمحيطات بسفينة وشراع ممزق ،وحفنة من البحارة ، وبعد سنين من االهوال والعواصف ،والجوع والعطش ،والبرد والضياع في العوالم الغريبة الموحشة المرعبة بمخلوقاتها ،تعود الى موطنك االصلي العراق ،وتعود الى الخمول والكسل ،فتكره البقاء وتحن الى السفر والمغامرات ،وتشد الرحال من جديد ،وتتألم ،وتعصر فؤادك
الغربة ،ويهصر نفسك الشوق والحنين الى الوطن ،وتعود اليه بعد مدة ،وتقص حكايات أسفارك الهلك وخالنك ،وتسحرهم بما اكتشفت من جزر خيالية ،ومخلوقات خرافية ،ويتناقل 70
قصصك االجيال ،ولكن البطولة انتزعت منك ،ونسبها الى نفسه
المزيفون ،فكنت اديسيوس اليونان ،وسنوحي الغرب ،وروبنسن
كروزو ،ونك اردن ،وسويف جلفر ،ولكنك تبقى السندباد البحري البابلي العربي ،بهواجسك التي تشدك صوب المجهول ،فال تجد في الراحة راحة ،وال باالمان أمانا ،وال بالسعادة سعادة . كنت تحلم أن تطير ببساط الريح قبل اآلف السنين ،وتنتقل من
مدينة الى أخرى ..ها قد تحقق حلمك في عصرنا باختراع الطائرة والصاروخ ،وحلمت أن تغزوالقمر والمريخ وعطارد والزهرة ،وكلك أمل بايجاد حياة عليها ،وكم توجست من أن ال تجد حياة ،وما عرفت بأنك ستعيد قصة انتشارك على قارات االرض ،اذ ستنقل الحياة على الكواكب ،وتنقطع صلتك عن االرض ،وتعود لتغزو الكواكب ظانا انك وجدت بش ار غير بني جنسك .
71
الـمـخـلـوق الـعـجـيـب أثرت حيرتي ،اذ انك ثنائي في واحد ،فنصفك األيمن ال يشبه نصفك األيسر ..بدأ بعقلك المشطور الى نصفين ،األيسر يسيطر على نصف جسمك األيمن ،ونصف عقلك األيمن يسيطر على نصف جسمك األ يسر ..فلو نزل سيف وشقك من االعلى الى االسفل بالتمام والكمال والدقة ،لظهر نصفك األيمن بنصف عقل وعين واحدة ،ونصف أنف بمنخر واحد ونصف فم ونصف حنك وأذن واحدة ،وكتف ويد ونصف صدر ونصف بطن وساق واحدة ،كل هذه مختلفة كل االختالف عن
النصف االيسر ،بدأ من االفكار وانتهاء باالرادة ،فاحدهما قوي واالخر ضعيف ،واحدهما يحب الخير واالخر يحب الشر ،احدهما يخطط واالخر يسفه التخطيط ،أحدهما يريد واالخر يخالفه االرادة ..فيا لك من مسكين ايها االنسان فأنت في صراع دائم داخل نفسك ال تعرف من تطاوع من هذين الثنائيين ،المعشعشين بين لحمك وعظمك وعقلك . اذ لمن تمتثل؟ ،للنصف الذي يشبه اباك أم للنصف الذي يشبه
أمك ،وأنت ال تدري من منهما يأمرك ويوجهك .
فقلبك يميل مرة لهذا ومرة لذي ،فكأن مالك الميمنــة يقف 72
على كتف ك األيمن حقيقة ،ومالك الميسرة يقف على كتفك األيسر حقا ..
ويوشوشان باذنك لتعمل ما يرونه ،وليس أمامك سوى االمتثال لواحد منهما ،وتلك هي تجربتك ،اما النجاح أو الفشل .
وقد انتبه الى ثنائيتك المهرجون ،ولونوا نصف وجهك بصورة
امرأة ،والنصف اآلخر بصورة رجل ،وأرادوك أن تعبر عما تحمل من وجهين ،كل بشخصية منفردة .
فما اكثر الناس الذين يحملون وجهين ،أحدهما صدوق واآلخر
كذاب ،احدهما أمين واآلخر محتال ،أحدهما طفولي واآلخر هرم . وكم في قاموس المتناقضات من معان ونقيضها أنت طبقتها في حياتك ،فيا لك من ثنائي في واحد باشكال عجيبة . وجعلت لهذا الثنائي عالمين احدهما خارجي واآلخر داخلي ،فهل كشفت عن العالمين ؟ ،ستقول ان عالمك الخارجي مكشوف للعيان ، ومعروف لدى الجميع فما من انسان على االرض اال واطلع على تاريخك
الطبيعي واالجتماعي والسياسي والثقافي والعلمي والحضاري .
أما عالمك الداخلي فانه خاص بك ،سر من االسرار ،لن يطلع
عليه أحد سوى هللا عالم الغيوب كما يقول ابن عربي : فافهم فديتك سر هللا فيك وال
تظهره فهو عن االعيان مكفون
فالسر ميت بقلب الحر مدفون
وغر عليه وصنه ما حييت به 73
ولكنك في احيان كثيرة كشفته للناس على شكل شطحات المتصوفة ،أو على شكل مذكرات ويوميات وخلجات نفسية .
فها أنت ماركس أرليوس امبراطور الرومان تدون يومياتك الفكرية
،وترسم بها طرقا لمن أراد أن يخترق بروحه حجب السماء مع العلم انك كنت من الوثنيين ،ولمن أراد أن ينشر العدالة على االرض :عليه أن يقدم نفسه قربانا لالخرين .
وها أنت ميخائيل نعيمة تكتب قصة حياتك ( سبعون ) وتعلن
للناس كيف كنت ناسك الشحروب واحببت العديد من النساء المتزوجات ،
وكيف جعلتهن يخن ازواجهن معك ،وهذي لعمري اعترافات تطهرك أكثر مما تدينك . وها أنت مكسيم غوركي تكتب ذكرياتك وأنت تطوف روسيا وتكتشف واقع الحياة ،فتجده في الشمس النها مصدر النشاط والتقدم والحياة . فما أجرأك حين كتبت عن خبايا العالم الداخلي فهو المطهر الوحيد لنفسك من أدران العالم الخارجي . ولكن الحق ..الحق أقول :ان عقلك النصفي المنقسم تحت
الجمجمة ال تربطه رابطة سوى روحك التي تمسك بكفتي الميزان فكلما
تدرجت نحو الشيخوخة تمكنت روحك أن تساوي بين الكفتين . 74
ولعل تناقضك كان السبب وراء النهايات المفجعة التي انتهيت اليها باختيارك ..حينما كنت أديبا واسمك همنجواي ،حيث سددت
بندقيتك الى صدرك في صبح يوم مشرق في جزيرة هادئة ..وحينما كنت مايكوفسكي اخمدت جحيمك الداخلي برصاصة من مسدسك ..وحين كنت جيراردي نرفال اطفأت شعلة روحك فشنقت نفسك في أحد ازقة باريس ليظن الناس انك مجنون ..وحينما كنت أديبا يابانيا واسمك كاوا باتا ونلت جائزة نوبل ،وانتحرت بال سبب .
كم تناقضت بافكارك التي هي اغرب منك ،فها أنت الجاحظ تقول في رسالة التربيع والتدوير : فان الشيطان في مثلك اطماعا ال يصيبها في سواك ،ويجد فيكعلال ال يجدها في غيرك ،ولست – جعلت فداك – كابليس وقد تقدم الخبر في بقائه الى انقضاء أمر العالم وفنائه ،ولوال الخبر لما قدمته عليك وال ساويته بك ،وأنت احق منه بعذر ،وأولى بستر ،ولو ظهر لي لما سألته كسؤالي اياك ،ولما ناقلته الكالم كمناقلتي لك .
فترد عليه وأنت ابن زيدون في الرسالة الجدية :
ما أراني اال لو أني أمرت بالسجود آلدم فأبيت واستكبرت ..وقاللي نوح ( :اركب معنا ) فقلت ( :سآوي الى جب ــل 75
يعصمني من الماء ) ،وأمرت ببناء الصرح لعلي أطلع الى اله موسى ، وعكفت على العجل ،واعتديت في السبت ،وتعاطيت فعقرت ،وشربت من ماء النهر الذي ابتلى به جنود طالوت وقدت الفيل البرهة . وقد تعجب قبلي من تناقضاتك العالم الفرنسي باسكال اذ قال في خواطره :
ما اعجب االنسان ،هذا الوحش الخرافي ،والمخلوق العجيبالذي جمع بين كل المتناقضات ،يحكم بعقله على كل االشياء وهو الدودة الحقيرة الهائمة على وجه االرض يحمل الحقيقة بين جنبيه ،وهومرتع الضالل والشك ،هو اعظم ما في الكون وارذله
،من الذين يفحمهم العقل ،ما مصيرك اذن ايها االنسان ؟ ، أنت الذي تبحث عن حقيقة كيانك بعقلك الطبيعي ،لن تجد أمامك اال واحدا من هؤالء أو أولئك ،ولن تستريح ألي منهم . وقال لك الحكيم الفرنسي الرو شفوكو في فلسفته : ان االنانية هي التي تتحكم في جميع تصرفاتك . حبك لنفسك هو اعظم المتملقين . قيمتك كالفاكهة لها اوانها . -ضعفك ال يمكن أن يجعلك مخلصا .
76
بساطتك المتكلفة دجل مهذب . مكرك بديل حقير عن حكمتك .فكم رأيتك تمكر باآلخرين وتسلب حقوقهم باسم العقل االشد حيلة
..مدعيا انهم حمقى ال يستحقون ما لديهم من نعمة .
وهذا ال يبرر تصرفك وان منحك هللا القدرة على تصريف االمور وفق مفارقات تعجز صاحب العقل البسيط عن اكتشاف غايتك ،وهذا ايضا ال يعني ان تخدع الناس ،فان هللا تعالى قال في كتابه الكريم ( :
ويمكرون ويمكر هللا وهللا خير الماكرين ) االنفال . 30 وقد حسمها الشاعر االنكليزي كلف حينما قال :
ليس هنا جحيم سوى جحيم الدنيا ..فهي تؤدي هذا الغرضالمزدوج على نحو متقن اذ انها تنزل الشرور بالتساوي على
رؤوس الظالمين والعادلين على حد سواء .
77
الـمـضـحـك الـمـبـكـي سمعت عنك حين اشتهرت بين الناس بكثرة الدعابة والقصص
الهزلية ،وروى البشر عنك حكايات مضحكة وكان اسمك خرافة ثم أشعب ثم أبو الغصن الملقب بـجحا ،ونسبت لك كل الهزليات والملح واللطائف ،ولكن أن يأتي الملة نصر الدين التركي ويسطو على كل مفارقاتك فهذا اجحاف بعينه . وحين بحثت عنك في دول العالم وجدتك باسماء جديدة فها أنت في ارمينيا تدعى أرتين وفي انكلت ار تسمى بات و سمبل وفي المانيا
ينادونك هرماجوش وفي فرنسا ماريوس و سان سيمون وفي اسبانيا دون كيشوت وفي ايطالي بني هيل وفي امريكا مستر بن .
فيا لك من مدرسة لها اصولها في نشر الفكاهة والضحكة على
شفاه البشر ..فيا ترى هل أنت ضحكت من الناس ؟ أم الناس ضحكوا منك ! ؟.
فكم كنت داهية حين بعت دارك ،واشترطت على المشتري أن
تبقي مسما ار في الحائط خارج البيعة ،ويبقى ملكك ،فوافق على الفور ، اذ ما قيمة مسمار في الحائط . ورحت تأتي مسمارك ،وتعلق عليه حاجياتك كل يوم وتربـط 78
حمارك به ،الى أن جزع المشتري منك وترك لك الدارهاربا ،فأنت جحا حقا .
ولكن أراك بعد قرون تطبق الطريقة الجحوية وأنت علي بابا
المشهور ،ترسل االربعين حرامي – داخل قلل – الى داخل القلعة لكي يخرجوا ليال ويسرقوا لك كنوز القلعة ،ولكن األميرة كهرمانة تكتشف حيلتك ،وتصب الزيت المغلي في كل قلة ،وتفشل خطتك . وقبل االف السنين نجحت خطتك حينما احتللت طروادة ،عندما رأيت الطرواديين محصنين قي قلعتهم ،وباءت كل محاوالتك بالفشل من دخولها ،فابتدعت حصانا هائال متحركا من الخشب ،ووضعت بداخله أشد المقاتلين ،وقمت بخدعة حينما جعلت جيشك يفر تاركا خلفه
الحصان التمثال ،ففرح الطرواديون بهذه الغنيمة وسحبوها لداخل القلعة ،
واقاموا االفراح حتى منتصف الليل وناموا ،عندئذ نزل المقاتلون من جوف الحصان ،واحتلوا المدينة ،وفتحوا بابها لجيشهم ،ودخل الجيش وسيطر على المدينة بكاملها ،فكم كنت داهية يا أوليسيس .
ولكن من اعجب مفارقات الحياة أن تكون قطعة من الذهب كارثة
على نعيمك .
79
حيث كنت تملك اآلف الهكتارات من المزارع على أحد االنهار االمريكية ،وعددا ال يحصى من المواشي ،وزوجة وثالثة أوالد ،وكنت جنرال مشهو ار متقاعدا . وفي يوم من االيام جاءك احد مزارعيك بصخرة صفراء ذات لمعان ،التقطها من ضفاف ذلك النهر ،فكم كانت فرحتك ال توصف بما سوف تملكه من هذا الذهب االصفر ،وما دريت ان نعيمك سيزول بسبب هذه القطعة ،فليتك اكتفيت بها وقنعت بما تملك ،لكنه الطمع جعلك تعلن هذا االكتشاف على المأل . وكانت كارثة ،حينما هجم البشر من كل المدن على مزرعتك ،
بل جاء آخرون من خلف المحيطات ،فاستوطنوا أرضك ،وذبحوا ماشيتك ،وقلعوا اشجارك ،وحينما أقمت الدعوى القضائية عليهم تطالبهم باموالك المنكوبة والمنهوبة ،أصدر القاضي حكمه لصالحك ..هاج الناس على القاضي وعليك ،فقتلوا أبناءك ،واضرموا النيران في مزارعك
وقصرك ،حتى أوصلوك الى الجنون ،وصرت تهيم في الشوارع والبرية
وينادونك :جون صتر .
واالغرب ما حصل لك في العصر العباسي حينما كنت الخليفة الملقب بـالقاهر فبعد عام ونيف من خالفتك تسمل عيناك وتعزل ،وتصل بك الفاقة الى درجة وقوفك قرب مسجد ببغداد تستعطي المارة ،فيا لك
من انسان نال العز والذل باعاله وأوطأه. 80
الـعـالـم بـيـديـك حين بلغ عمرك السبعين أبصرت رؤيا منامية ،فقد رأيت رب العالمين يناديك من السماء ،وهو جالس على كرسي العرش متلفعا بالغيوم الفضية ،ووجهه نور يعشي بصرك ،وجسمه كجبل ثلج صاف ، وصوته يتغلغل في دمك ،فيهتز جسمك ه از ،وترتعب من جاللة صوته وهو يقول لك :
أيها االنسان الطيب ،لم يبق من عمرك سوى عام واحد ،وقدمنحتك أربع امنيات ،أحققها لك مهما تكن ،على شرط أن
تكون من اجل غيرك ال من اجل نفسك !؟ .
واستيقظت وأنت في أوج الصفاء النفسي ،وال يداخلك شيء من الشك في هذه الرؤيا اليقينية ،ورحت تجيل الفكر ،حتى استقر رأيك على القضاء على أداة الحرب ،وانهاء ويالتها ،فرأيتها في البارود وما يشبهه . فطلبت من هللا تعالى أن يحقق لك االمنية االولى وهي ازالة البارود وم ا يشبهه عن الكرة االرضية قاطبة ..وتم لك ما أردت ،وحول هللا تعالى كل البارود وما يشبهه من المتفجرات الى تراب في االرض كافة ،فال طلقة انطلقت بعد ذلك ،وال قنبلة انفج ـ ـرت ، 81
وتوقفت الصواريخ ،واغلقت ابوابها كل المفاعالت ومعامل االسلحة ، ونهارت العصابات الكبيرة والصغيرة في دول العالم كافة ،وتوقفت الحروب بين الدول المتحاربة . وكم عمتك الفرحة من انك حقنت الدماء وان العالم سيعيش في سالم دائم ،ولكن لم تمض ثالثة شهور اال وعاودت العصابات الى النهب والسلب وعادت الدول الى الحروب باستخدام السيوف والرماح والفؤوس والسهام والخناجر والسكاكين ،وصار الفتك أشد وطأة ،وكثرت الغوغاء والدماء . فطلبت من هللا تعالى أن يحقق امنيتك الثانية :بتحويل الحديد وما يشبهه المصنع الى صخر ..فاستجاب هللا تعلى لما تريد ،وحول الحديد ّ
والحديد الخام وما يشبهه الى صخور ،فلم يبق في االرض أي أثر للحديد أو النحاس أو البرنز أو الاللمنيوم ،فكل ما هو مصنوع من هذه المواد تحول الى صخر ..فالجسور الحديدية تحولت الى جسور صخرية ،والقاطرات وسكتها ،والعمارات منها ما سقط ومنها ما صمد والطائرات والسيارات الرابضة صارت كتماثيل صخرية على االرض ،والطائرات المحلقة سقطت كأنها نيازك ،والسيارات المنطلقة انفجرت ،وغرقت السفن
والزوارق في المحيطات والبحار واالنهار ،وغلقت كل المعامل في العالم ابوابها الصخرية ،وسقطت اعمدة النور وانطفأت جميع المدن وحل الظالم الليلي فــي ك ــل ش ـوارع 82
العالم وطفحت المجاري ،وتوقفت المستشفيات عن العمل وانتشرت االوبئة واالمراض ،ومات الكثير من البشر ،وهاج الناس وماجوا ،
ونهبوا المخازن والبيوت ،وصار أحدهم يقتل اآلخر بالحجارة ليسلب منه الطعام ،وكثر القتل وعاد االنسان الى العصور الحجرية يعيش في الكهوف ويستخدم الصخور كوسيلة للقتل ،ويصنع منها الفؤوس والرماح
والسكاكين ،ولم تمض ثالثة أشهر اخرى اال والدماء مألت االرض .
فطلبت من هللا تعالى أمنيتك الثالثة بأن يحول الصخور الى تراب ..واستجاب هللا لما تريد ،وتحولت الجبال الى هضاب ترابية وتساقطت الجسور والقناطر والسدود والعمارات والقالع والقصور والكاتدرائيات ، وتالشت االهرامات المصرية والمكسيكية ،ونهد سور الصين العظيم ، وتفتت اعمدة الرومان اآلثارية ،وتحولت كل التماثيل في الساحات والمتاحف الى حفنات من التراب . فكثرت الزالزل االرضية ،وجفت االنهار ،ورتفعت ح اررة االرض بصورة ال تطاق ،وماتت معظم المخلوقات ،وعاد االنسان يصطاد بالخشب ،ويسقف مسكنه بالخشب ،وتحول الخشب الى أدوات للقتل ، ولم يبق من البشر على االرض اال القليل ،وأنت منهم .
83
ولم يبق من عمرك اال ثالثة اشهر وامنية واحدة ،والحزن مأل قلبك ،اذ باءت كل افكارك النقاذ االنسان من ويالت الحروب وابادة االنسان لالنسان بالفشل ،وقد جاءت امنياتك وباال على االنسان والطبيعة ..اردت حقن الدماء فمات ماليين البشر ومعظم المخلوقات .
فما اتعسك أمام رب الكون ألنك حطمت ميزانه الطبيعي دون
أن تدرك ذلك . وكدت أن تطلب امنيتك الرابعة بازالة الخشب من الوجود لوال تداركك بالنتائج التي ستحل بالطبيعة ،فحياة كل المخلوقات مرتبطة بالنباتات ,وزوالها فناء لالحياء قاطبة . فقررت التراجع ،وطلبت من هللا تعالى أن يعيد كل شيء على ما كان عليه سابقا قبل االمنيات :فلبى لك هللا تعالى امنيتك االخيرة ،
وعادت الحياة الى ما كانت عليه سابقا ،وانطوت حياتك دون أن تفيد البشرية بامنيتك الربانية . فلو طلبت تغيير النفوس البشرية ،لكان خي ار لبني البشر ،فلو طلبت من هللا جل وعال أن : يمأل االيمان قلوب البشر . يحول طمع االنسان الى رضا . يحب االنسان العمل من اجل اآلخرين .84
يلتزم االنسان بالنظام العادل .لكان العالم جنة االنسان على االرض .
85
االنـسـان الـمـتـوحـد كم تمنى الفالسفة أن يحولوك الى انسان كامل ? ،فوضعوك في بوتقة مقترحات ونظريات وتجارب ،فقد وضعك ابن طفيل وابن سينا منذ الطفولة في غابة منعزلة عن البشر في جزيرة ( واق واق ) واطلقا عليك اسم حي بن يقضان . وتركاك للطبيعة كي تربيك ،اذ ارضعتك الغزالن وعلمتك الحيوانات كيف تعيش ،وحين كبرت جاءك احد البشر واسمه آسآل ، وعلمك الكالم والتفكير ،ورحت تستنبط معاني الحياة ،وتتوغل في اسرار
الكون ،وبعدها فضلت الغابة على المدينة . وتخيلك االديب دي فو بشخصية
روبنسن كروزو اذ رمت
المقادير كروزو في جزيرة نائية ،والتقى بك واسماك جمعة ،وكنت انسانا بدائيا ،وراح يعلمك اللغة والحضارة ،وكنت فعال تشبه حي بن يقضان عندما علمك آسآل اللغة . ولكن المفكر االمريكي بوروز تخيلك طرزان في الغابة حيث مات أبواك وتركاك لوحوش الغابة ،فعطفت عليك القرود وربتك بينها وعلمتك
لغتها ،وحين كبرت صرت القرد االبيض طرزان في غابات االمزون ، وحين رأيت اشباهك من البشر تعلمت لغتهم ،فكانت وباال 86
عليك ،مثلما آدم عليه السالم عندما تطلع الى شجرة المعرفة ،وحين ذاق ثمرها نال العذاب االبدي بعد أن طرد من الجنة . وهذا ما حدث في الهند ايضا عندما كتب عنك كبلنج كتاب
االدغال ،حيث اسماك موغلي وقد ربتك ذئبة فقدت احد جرائها ،فنشأت مع الذئاب ،وتعلمت اصواتهم وطبائعهم ،وحين رأيت اشباهك من بني
جنسك البشري ،صرت تتابعهم وتتعلم منهم لغتهم.
وظن الفالسفة واالدباء من عزلة االنسان منذ الطفولة عن بني
البشر انه قادرعلى اكتشاف المعرفة من دون مساعدة ،وذلك عن طريق الحدس والمشاهدة ،وبعقل فارغ من تراكمات الذاكرة الفكرية التي تتبلور عن طريق اللغة . وما عرفوا ان المعرفة ال تأتي اال عن طريق التراكمات البشرية عبر الزمن ،من انسان الى انسان لتنتقل الى انسان يستطيع ان يفكر
ويستخلص اعمق االفكار ،كما حدث لحي بن يقضان عندما علمه آسآل ..وجمعة عندما علمه كروزو ،ولطرزان وموغلي عندما تنصتا لكالم البشر .
وما فرق الفالسفة بين عزلة االنسان المثقف وعزلة االنسان ذي
الطبيعة الحيوانية ،فان هللا تعلى خص برساالته االنسان المثقف النه
87
يملك االستعداد الكامل لتلقي رسالته ،فكيف يريدون من االبكم أن ينطق بالحكمة . فاالنبياء حين اختلوا بانفسهم تمكنوا من الوصول الى معرفة الخالق المبدع ،فمدهم هللا برسالته النقاذ البشرية من الجهل به ، وهذا ما حدث للنبي محمد صلى هللا عليه وسلم في خلوته بغار حراء حيث نزل الوحي عليه ،وما حدث لموسى عليه السالم عندما اعتزل قومه وذهب الى الجبل وتلقى من ربه االلواح المدونة لتعاليم دينه ، واالولياء واألئمة حينما اعتزلوا المجتمع في خلوتهم دخلوا في فيوض ات ربانية خاصة قربتهم من هللا جل وعال ،كما حدث لالمام
موسى الكاظم عليه السالم حينما سجنه هارون الرشيد ،وصار منعزال يتعبد في سجنه تحت االرض .
وكذلك حدث لالمام ابي حامد الغزالي رحمه هللا حينما هاجر من بغداد الى الشام واختلى في منارة دمشق متعبدا . فما من ولي أو امام انعزل عن المجتمع متعبدا اال فتح هللا ملكوته ،وجعله يبصر الحقيقة ،لقوله تعالى ( :فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) سورة ق . 22 فهل يستطيع أحد أن يصل الى ما وصلوا اليه ؟ ،أو هل يستطيع أحد أن يصف ما انكشف لهم ؟ ،ألن ما وصلوا اليه خاص 88
جدا بهم ،ولن يطلع أحد عليه ألنه بينهم وبين هللا تعالى . اذن لماذا وضعك الفالسفة في بوتقة العزلة منذ الصغر ؟ ،أألنهم أرادوك أن ال ترتبط بالمجتمع وتنشغل عن ادراك الحقيقة ! ? أم ألنهم عرفوا ان المجتمع سوف يشدك بألف خيط من االحتياجات ..الملبس ، الغذاء ،الشراب ،السكن ،االثاث ،وسائل النقل ،وغيرها الكثير .. ومثلما يمدونك فتعطيم المقابل ،عمل بعمل ،فلو تركتهم نهائيا فأنت وساكني الغاب أو الكهوف سواء بسواء ،فلن تستطيع أن تحمي نفسك من االخطار الطبيعية والوحشية ،واالنشغال بالبحث عن طعامك وشرابك ولباسك ومنامك ،وتصير اشرس من كل الحيوانات لكي ال تنتصر عليك . وشعورك بالوحدانية بعد انفصالك عن المجتمع سيسحقك ويرعبك
،اذ كيف لك أن تنزع عن نفسك كل شيء مثلما فعل تولستوي الثري ، حين وزع كل ما يملك على الفقراء ليعيش مدقعا . ومثلما فعل ابراهيم االدهم رحمه هللا حينما هجر مملكته وساح في
االرض زاهدا عن الملك ،راضيا باطمار بالية .
أظنه أم ار بالغ الصعوبة أن تترك ما تكيفت عليه لتعتزل الناس كليا ،فالوحشة ستهجم عليك ،وذاتك ستطحن ذاتك .
وخوفي عليك من أن يتمزق الغشاء الشفاف الذي يفصل الهلوسة
عن اليقين في عقلك . 89
وهللا جل وعال ما خلقك لهذا بل خلقك لتتحد مع البشرية وتتطور لتكتشف
الكون الواسع الذي تحتاج لبلوغه ماليين السنين من العلم ،عند ذلك
يكون ايمانك يقينا ال محال .
90
الـغـربـة الـقـاتـلـة ما الذي دفعك ألن تهاجر من بلدك ؟ ،أألنك شعرت بأن ال
مكان لك بين أهلك واقاربك واصدقائك وناسك الذين يتكلمون لغتك ،لغة مشاعرك وعواطفك ؟! ،أوجدت نفسك وحيدا بينهم ؟ ،أم ألنك تهرب من قسوة السياط ،سياط الحكام المتسلطين ؟ ،بعدما ضاقت بك أرضك وسماؤك ،فصرت تغص بالماء القراح ! .
أألنك رقيق المشاعر وشاعر فال تتحمل االهانة ألن كرامتك فوق
كل اعتبار ؟ ،ونفسك تترفع عن قول الشعر المزيف لمدح السالطين الطغاة ؟ ،فتلوذ بالفرار ..الى أين ؟ ! الى بالد صوروها لك جنة االحالم ! ،حقا انها جنة ولكن ألهلها ال لك ? ! انها جنة بال أنيس ، انها بالد التعرف لغتك وال تعرف لغتها ،انه الموت في الحياة ،فالحياة
هي الوطن واالهل واالصدقاء ،فبدونهم أنت كنخلة قلعت من الشرق
وزرعت في الغرب ،فال هي نخلة كنخيل العرب تعطي عثوق العسل ، وال هي شجرة غربية ،بل هي شجرة جرداء عثقها عرجون ،فكأنها من فصيلة هرمة ،نكرة ال فائدة ترتجى منها . أي وحشة اصطدمت بها حين حططت رحالك ،فالناس كأنهم
91
آآلت بال مشاعر واحاسيس فيما بينهم ،فكيف سيشعرون بوجودك
ويتألمون أللمك ويواسونك في غربتك .
فاألبناء تركوا آباءهم يموتون بصمت ،واآلباء قست قلوبهم على
أبنائهم فتركوهم منذ الطفولة برعاية ايدي أناس آخرين ال يعرفون لغة العواطف والمشاعر ،فكيف بك وأنت الغريب الذي حللت بينهم ،فهم يرفضونك حتى تثبت صالحيتك بينهم .
كنت بين أهلك تترفع عن االعمال المتدنية ،ألنها متروكة لذوي
المدارك البسيطة ،مثل كناس الشوارع وغاسل صحون المطاعم ،أو حمال أو عتال ،أو صباغ االحذية ،أو ماسح زجاج السيارات. وحين حللت في المهجراجبرك الجوع أن تنحني لالخرين في سبيل لقمة تسد بها رمقك ،قد يرفسونك البسط االخطاء ،حتى تخرج عن انسانيتك الى الحيوانية المطيعة المنفذة ومنها الى الرتابة اآللية بعد أن تخلع عقلك وتنزع قلبك . فال يفيد الندم ساعة مندم ? ،فقدمك وطأت أرض الغربة ،وبينك وبين التراجع جبال وبحار ومحيطات وآآلف الدنانير ،وأنت ال تملك
شروى نقير ،فكم تبجحت بشهاداتك ؟ ،ولم تتعظ من الذين سبقوك ،أما قرأت عن ميخائيل نعيمة وكيف حاز على ثالث شهادات عليا ،واحدة
من جامعة روسيا ،واخرى من جامعة فرنسا ،والثالثة 92
من جامعة امريكا في القانون ،وكان يحلم أن يحمل حقيبته وهي ملئا بالمرافعات ،ولكنه حمل حقيبة تحتوي على نماذج البضاعة التي يروج عنها الصحاب المعامل والشركات ،ويمر على المحالت والبيوت عارضا بضاعته . ولم تتعظ من ايليا أبي ماضي
و جبران خليل جبران حتى
صديقك لم تستفد منه عبرة ،فقد مرت عليه خمسة وعشرون عاما منذ أن ترك وظيفته مدرسا للرياضيات في بغداد وهرب الى كندا وحل في أوتاوا ، وهو مازال سائقا لسيارة أجرة ال يملكها ،ولم يتزوج وقد بلغ من العمر اكثر من الخمسين ..اذن تحمل تبعات مغامراتك هذي . لن تصمد أمام قسوة الطبيعة ،وقسوة النظام ،ولن تصمد أمام قسوة العزلة . ستقول :الطبيعة ستتكيف لها ،والنظام يحتمل ،اما العزلة فأنت
لم تفهمها ،وبدأت تطرق االبواب علك تجد عمال ،وتطلعهم على شهاداتك ،والجميع نصحوك أن ال فائدة من الشهادت هنا ،فكم من طبيب ومهندس عليه أن يعيد دراسته لسنوات حتى يحصل على شهادة كندية في أختصاصه . فما عليك أال أن تبدا من أول الطريق وهو تنظيف االرض أو
الصحون أو السيارات أو المرافق الصحية . 93
وكانت صدمة ما أشدها من صدمة ،ولكن الجوع قاس والناس أشد قسوة
منه ،فهم ال يقدمون الطعام مجانا .
فرضخت للعمل في مطعم لتغسل الصحون ،فطلب منك صاحب
المطعم أن تأتيه بشهادة ( حسن السيرة ) من دائرة الشرطة ،وذهبت الى الدائرة ،وطلبوا منك جوازك مع هوية ثبوتية ،ونهالوا عليك باالسئلة االعترافية ،وبعدها طالبوك بدفع خمسة وعشرين دوال ار ،فرجعت الى الى صاحب المطعم كي يسلفك هذا المبلغ ويحسمه من راتبك ،وآلن قلبه بعد أن وضعت حقيبتك في عهدته . وصارالحصول على شهادة حسن السيرة كأنه نصر كبيرحقيقة بعد اقامتك لمدة عام من التسكع والبطالة ،وكأن ابواب القدر انفتحت لك ،
واستلمت مفتاح السعادة التي ستطعمك وتأويك ،ومرت السنون مظلمة متعبة ،وأنت تنتقل من عمل الى عمل ،وتلهث كالكلب من أجل تسديد االيجار المتصاعد سنويا ،ودفع قوائم الكهرباء والماء حتى قائمة االزبال مع العلم انك ال تملك ازباال لترميها ،وقد استغنيت عن التدفئة والهاتف ،
والمتبقي من شهريتك ال يكفي لشراء الخبز والزيتون والرز وبعض المعلبات .
وخفت أن تمرض ،وان مرضت فانها الطامة الكبرى ،وحالك
سيكون كحال الكالب السائبة في بلدك ،الن الكالب في المهجر لها مكانة ارقى من بني جنسك . 94
فهل ارتضيت ذلك ،وان ارتضيت لن تشعر بالجنة بل بالجحيم ،جحيم العزلة التي لم تفهمها اال بعد أن عانيتها ،فال عالقات مع أهل البلد ،
ألنهم ال يحسنون العالقات سوى التحية السريعة ان تكرموا عليك بها ، فأنت ترى الناس ولكنهم ال يرونك .
وطالما كلمتك عن دوستوفسكي االديب الروسي وما عاناه من قسوة الغربة حينما هرب من روسيا الى المانيا وايطاليا وفرنسا ،وكان ال يجد ثمن المبيت في االقبية ،فيذهب الى المالجئ ويهيم في المدن كأنه
بدوي ضائع في المدينة ،وهو من الشهرة في روسيا ما ال توصف ، يكفيه انه جعل القيصر يبكي وهو يق أر كتابه ( ذكريات بيت الموتى ) ولكنه في بلدان الغربة ال يعرفه أحد ،وال يقدم له أحد بنسا واحدا ،بل
كان موظفو المصرف يسخرون منه ألنه كان يترددعليهم متسائال عن حوالة مصرفية من بلده وهي عبارة عن مائة روبل ال تكفيه لبضعة ايام. وكان المسكين يفضل لو بقي مسجونا في سيبيريا يعد األوتاد
البلوطية لسجنه ،وويتحدى الصقيع خير من التسكع بال عمل في بالد غريبة عليه ،وهو غريب بين الناس ،بل ال يجد انسانا صديقا مع كثرة البشر . وقلت لك ان المغتربين على ثالث صفات :المهاجر الى الغربة من أجل لقمة العيش التي صعب الحصول عليها في بلده .. 95
كما فعل ميخائيل نعيمة ،وجبران خليل جبران ،وايليا أبو ماضي ،فقد اشتغلوا بكل االشغال من أجل تلك اللقمة ،ولكن هللا منحهم الشهرة فاشتهروا بنبوغهم . والمنفي الى الغربة ،دخلها مجب ار بأمر من دولته لكي يسجن
هناك بعيدا عن الوطن ،كما حدث لـ عبد القادر الجزائري
المنفي الى سوريا ،وأحمد عرابي ومحمود سامي البارودي المنفيان الى
جزيرة سيالن . وكانت الغربة عليهم كأنها كابوس مظلم بل هو توقف عن حركة الزمن ..حركة الوطن . اما الهارب الى الغربة ،فهو هارب من كلمته التي اطلقها من أجل الحق ،وادرك قسوة النظام الحاكم وبطشه ،فقرر النجاة بجلده خوفا
من السجن والتعذيب واالغتيال ،فهرب الكثيرون من الشعراء واالدباء ورجال الدين ،واالساتذة والسياسيين . فما أشد ظلم الحاكم الذي يهاب الشعراء واالدباء وينكل بهم ، ويرسل كالبه لتنهشهم ،مع العلم انهم لم يزاحمونه على منصبه ،ولم ينافسونه على مكسبه ،حتى ضاقت الدنيا في عينيه بوجودهم ،النه ال يريد عمالقا أكبر من عملقته ،وال مشهو ار أكثر من شهرته ،بل يريدهم
خدما في حضرته ،يمسحون احذيته ،ويطبلون لعظمته واقواله الجوفاء ، ويرمي لهم بقايا طعامه المسروق من افواه االف الفقراء. 96
ففضلت الرحيل عن الوطن تاركا كل احالمك ،باحثا عن االمان في بالد بعيدة ال يعرف شعبها عن وطنك شيئا . وكان هو الجحيم الذي تسرب الى داخلك ،وكان أشد مضاضة من جحيم الوطن ،فليتك بقيت وذبحت بسكين الوطن خير من ألف ميتة تموتها في الغربة .
97
درايـكـوال األدب أحب أن أسألك أخي ار ؟ ،فقد سمعت عنك بأنك صاحب قلم سيال ،وقد مألت مقاالتك الصحف والمجالت ،ولك مئات الكتب بحيث عجزت المكتبات عن احتوائها ،وكان من الممكن ان يتم ترشيحك لجائزة نوبل لوال انها لم تترجم الى لغات العالم . × -هل أنت انساني النزعة ؟ وحين حاولت استكشافك من خالل كتبك ،أريتك تخفي حقدك ضد االنسانية . × -هل أنت وطني ؟ النني استنبطت عدم انتمائك لوطنك من ضجرك الدائم وأنت في وطنك ،وهروبك المتكرر للخارج متبجحا بانك تكتب عن الشعوب ،فهل الوطني يهرب من معاناة بالده ويترك شعبه يعاني الفقر والجهل والمرض والخوف ،وال يخفف عنه هذه المحن . × -وهل أنت حر القلم ؟ فاني عرفتك تحسب الصفحات لتتقاضى عن كل كلمة كتبتها ، وكم بعت قلمك وفكرك للحكام ولالحزاب والصحاب المناصب ،وحينما فصلت من وظيفتك تقوقعت وخفت ارهاب الحاكم ،ولم تكتب كلمة واحدة خوفا ورعبا من أن يجني عليك قلمك بما ال 98
يحمد عقباه ،أهكذا الحر ؟ ،فليت العبودية لم تضرب خيامها على أرض االحرار ! ? . يؤسفني أن أكيل لك النقد الجارح ،فطالما رأيتك تستخدم السكين في وجوه االبرياء ،فلم تكن صريحا مع نفسك وال مع الناس ،فقد اخفيت ما كنت تعرفه عن سيرة الحاكم ،وصورت للناس قبل فصلك وبعد رجوعك للوظيفة بأن الحاكم منزه عن الخطأ ،ولكن حينما مات الحاكم صرت مع الحاكم الجديد ،ونزهته في حين رحت تكشف مثالب الحاكم القديم بل وأدهى من ذلك جعلته الحاقد على العرب ! ? . ولم تكن صادقا مع اهلك واصدقائك وق ارئك ،اذ كنت تظهر لهم
خالف ما تبطن ،وكانوا يعتبرونك مثالهم الفكري .
ولم تكن مخلصا القرب المقربين لك ،الذين اوقعتهم بشباك حبك ،ورحت تقلبهم على نار هادئة . ولم تكن وفيا لمن عاهدتهن على الزواج ونكثت عهودك بحجة انك كثير الترحال والتنقل . ولم تكن عفيف اللسان واليد ،فكم منحت الشهرة لنساء ال يستحقنها لقاء اطفاء شهواتك الحسية ،وكم اقذعت لمن نقدوك ،وكنت فرحا باصحاب الجاه حين استأجروك باموالهم لكي تطيح منافسيهم عن كراسي المناصب . 99
ولم تكن شريفا فالشرف عندك فكرة عربية وافكارك غربية ،أما النزاهة واالمانة فحدث وال حرج ،فأنت بارع في تمثيلها كأنك تدربت على يد أشهر ممثلي السينما ،فأنت تقول ما ال تفعل أما الكرم والرحمة فانك تعتبرهما ضعف االغبياء ،ونسيت الرحمن الرحيم . وتعتبر الشجاعة والبطولة والتضحية من المنقرضات البشرية . فأين كتبك هذه الكثيرة من قول الحق ،فأنا لم أجد فيها ما يكشف اسباب تخلف شعبك وفقرهم المدقع ،النك تخاف أن تتهم الحكومة وان كنت صاحب رأي ومبدأ كما تدعي ،فأين التزامك بعدالة انصاف المظلوم . وان كنت غيو ار على دينك فما هذه المحاباة للعلمانيين ? ؟ . وان كنت صاحب رسالة ،فأين هي معجزاتك ؟ ،ستدعي انها
كتبك ،مع االسف الشديد انها فقاعات ليس فيها ماء يروى العطش واحالم التتحقق . نشأت في عائلة غنية ،اذ كان أبوك قاضيا ،جاءت امواله الكثيرة من عدم انصاف المظلومين ،فتعلمت منه كيف يقلب الحق باطال ، ويأخذ ثمنا لتبرئة الظالم ،وحين نشأت هذا المنشأ وأكلت من السحت الحرام ،لم تترفع نفسك عن الدنايا . 100
فكان أبوك يتاجر بالعدلة ،وأنت تتاجر بالقلم ،ستقول :ـ من شابه أباه فما ظلم . ربما يغفر هللا لك محاباتك ومداجاتك ،وترويجك لالوهام ،لكننا ال نغفر لك أن تتخذ من اعداء وطنك اصحابا لك ،وتدافع عن دينهم وتطعن في دين قومك ،وتروج ألفكارهم بين أبناء شعبك الطيبين ،فبدال من أن تصف لشعبك عالجا يشفيه من ضعفه وفقره ،تصف له سما زعافا مغلفا بعسل العقول ،لكي تمهد لالعداء أن يضربوه طلقة الرحمة . وكل هذا وتريد أن تخلدك كتبك ،وما علمت ان مملكة االدب ال تمنح تاجها اال لمن عانى وقاسى وضحى بنفسه وبقلمه وبفكره من أجل الحقيقة واعالء كلمة هللا . فاألديب الحقيقي مثل العالم الذي يوشك أن يكتشف عالجا ناجعا لمرض خبيث ،ويرأف بتجربته على االنسان ،فيتطوع ويجربه على نفسه . فأين منك هذا ؟ ،وأنت ال يهمك أن يتساقط كل البشر لتبقى أنت.
لقد اقسم هللا جل وعال بالقلم ،وأية قدسية اعطاها له ? ،انها توازي
الكون ،فليتك ارتعشت لعظمة هذا القسم قبل أن تـؤلف مئات 101
الكتب ،وانا واثق لو ادركت سر هذا القسم لما كتبت اال النزر القليل ، لكان ميزان االدب ارجح وانفع ،لكنك مسكت الميزان بالمقلوب . واحسن عمل قمت به طوال حياتك ولم ينته لحد أيامك االخيرة هو سطوتك على كتابات غيرك ،وما اسهل هذا السطو ،فاللص يسطو على اموال غيره وحين يلقى عليه القبض ويحاكم ويدان ثم يودع السجن ..أما
سارق االفكار والكتابات فانه في شرقنا يصول ويجول دون عقاب ،وقد بدأ سطوك منذ ان عينوك مسؤوال للصفحة االدبية في احدى المجالت ، فكم سخرت من أدباء وكتاب حينما كنت تقول لهم :ان مواضيعهم غير صالحة للنشر . وكذلك حين صرت رئيسا لتحرير مجلة ،وكنت تجمع المقاالت والقصص المرسلة الجيدة ،وتطويها لعام او اعوام ثم تعيد صياغتها وتغير عناوينها وتنشرها باسمك ..وهكذا تكونت عندك هذه الكمية الهائلة من الكتب التي دبجتها من افكار وكتابات غيرك ،وانا واحد منهم . فمن يقتص منك ؟ ! ومن يستطيع من االدباء الذين وأدت االدب
في نفوسهم وجعلتهم ال يقرأون ما كتبت أن ينتبهوا الى كتاباتك المسروقة
منهم ،وحتى لو انتبهوا الى أين يتجهون السترداد حقهم ، 102
فان العدالة لم تفتح عينيها على هكذا مواضيع ،بل انها ما تزال معصوبة العينيين عن قضايا اكثر اهمية من االدب. فيا لك من ظالم جشع وقد قال فيك أبو تمام : يموت مشايخ الكتاب هزال
ورزقك أنت في الستين يجري
فكم نزعت حب االدب من نفوس محبي االدب ،الم تكتف وترعوي حتى وانت في اواخر حياتك ؟ . كم بعت من مؤلفات غيرك المخطوطة لطالب الدراسات العليا ،
وانطلقوا فيها ونالوا درجات النجاح دون تعب .
وكم اتعبت مؤلفي تلك الكتب من مراجعاتهم لك ،حتى جعلتهم
يياسون من استردادها ،بل جعلتهم يقتنعون :بأن ال فائدة مما كتبوه .
وكنت تحسن اختيار ضحيتك خاصة الذي جاءك بباكورته االولى في التأليف وقد ابدع فيها . وكان سطوك على المؤلفات النسوية اسهل من السطو على مؤلفات الرجالية ..فأنت حقا من مجموعة مصاصي الدماء واقل وصف يطلق عليك هو درايكوال االدب .
103
فهـرس االعـالم ت
اسم الشخصية
رقم الصفحة
1
المتنبي
2
2
سيف الدولة
=
3
جرير
=
4
الفرزدق
=
5
الحطيئة
=
6
الجاحظ
=
7
احمد بن عبد الوهاب
=
8
ابن زبدون
=
9
المعري
=
10
ابن شهيد االندلسي
=
11
الفراعنة
12
موسى عليه السالم
= 4
13
تاكا توكي
5
14
قابيل
9
15
هابيل
=
16
هبل
=
17
نوح عليه السالم
=
18
ابراهيم عليه السالم
=
104
ت
اسم الشخصية
19
المسيح عليه السالم
9
20
محمد صلى هللا عليه وسلم
10
21
أيوب عليه السالم
=
22
نوح عليه السالم
=
23
يونس عليه السالم
24
سعيد بن جبير
= 12
25
جعد بن درهم
26
السهرردي
= 13
27
احمد بن حنبل
28
أبو منصور الحالج
= 14
29
ابن تيمية
=
30
ابن الجوزي
31
كالفن
= 15
32
برنو
33
المسيح عليه السالم
= 16
34
الحجاج
=
35
توركمادا
36
مروان بن محمد
= 17
37
عبد الحميد الكاتب
=
38
السفاح
=
105
رقم الصفحة
رقم الصفحة
ت
اسم الشخصية
39
عبد الرحمن الداخل
17
40
عبد هللا بن الزبير
=
41
اسماء بنت أبي بكر
42
ابن المعتز
= 19
43
منصور الحمادي
=
44
المعز بن باديس
45
علي بن أبي طالب ( ع )
= 20
46
عمرو بن العاص
21
47
معاوية بن أبي سفيان
22
48
حمورابي
=
49
بوذا
=
50
كونفوشيوس
=
51
ليقورع
=
52
ماني
=
53
اخناتون
=
54
زرادشت
55
ديجونوس
= 23
56
أخيل
25
57
هكتور
=
58
االسكندر المقدوني
=
106
ت
اسم الشخصية
رقم الصفحة
59
نابليون
26
60
جنكيز خان
27
61
هوالكو
=
62
هتلر
=
63
موسليني
64
شجرة الدر
= 28
65
شهريار
=
66
ذو اللحية الزرقاء
=
67
نيرون
68
أوكتافيا
69
اغريبينا
=
70
ستالين
=
71
كنيدي
=
72
مارلين مورلو
=
73
جاكلين
=
= 29
74
فاروق
=
75
اسمهان
76
عطيل
= 30
77
شكسبير
=
78
ديدمونة
=
107
ت
اسم الشخصية
رقم الصفحة
79
ديك الجن
30
80
عضد الدولة البويهي
81
دافنشي
= 31
82
المسيح ( عليه السالم )
=
83
يهوذا االسخريطي
=
84
المونالي از
=
85
انطون فيشر
86
دافنشي
= 32
87
ميكال انجلو
88
الفارابي
= 33
89
ارسطو
90
بتهوفن
= 34
91
لي بو
35
92
دوفو
36
93
رامبو
94
فيرلين
= 37
95
توماس ستيرن اليوت
96
بدر شاكر السياب
= 38
97
هوميروس
40
98
ابو العالء المعري
41
108
ت
اسم الشخصية
رقم الصفحة
99
جون ملتون
41
100
دانتي
=
101
طه حسين
102
محمد مهدي البصير
= 42
103
ابو حيان التوحيدي
43
104
محمد بن عبد هللا الزيات
44
105
عبد الحميد الكاتب
=
106
مروان بن محمد
107
السفاح
= 45
108
ابن المقفع
=
109
عمرو بن العالء
=
110
داود الطائي
111
سفيان الثوري
= 46
112
الخليفة المهدي
=
113
يوسف بن أسباط
114
ابو سعيد السيرافي
= 47
115
ابرهة
49
116
وحشي
=
109
ت
اسم الشخصية
رقم الصفحة
117
الحمزة
49
118
هند
=
119
ابو سفيان
=
120
مسرور السياف
=
121
المتنبي
=
122
كافور االخشيدي
123
سيف الدولة الحمداني
= 50
124
سبارتكوز
51
125
القيصر
52
126
كراسوس
=
127
مارثن لوثر
=
128
باراك اوباما
129
سيزيف
= 53
130
الوليد بن عبد الملك
56
131
جلجامش
58
132
المقتفي
133
دنقراطيس
= 59
134
اج .جي .ويلز
110
=
ت 135
اسم الشخصية موسى بن شاكر المنجم
رقم الصفحة 61
136
الخليفة المأمون
137
أبو طاهر القرمطي
138
ابن حمدي
63
139
ابن شاهين
=
140
ابن فوالذ
141
تيمورلنك
= 64
142
ابن خلدون
143
كولومبوس
= 66
144
ماركو بولو
=
145
البابا
=
146
قبالي خان
147
هوالكو
= 67
148
شمس الدين عمر
149
المسيح (عليه السالم )
= 68
150
ابن بطوطة
151
محمد شاه
= 68
152
الملك الظاهر
=
111
= 62
ت
اسم الشخصية
رقم الصفحة
153
قبالي خان
70
154
أديسيوس
71
155
سنوحي
=
156
روبنسن كروزو
=
157
نك أردن
=
158
سويف جلفر
159
ابن عربي
= 73
160
ماركس أرليوس
74
161
ميخائيل نعيمة
74
162
مكسيم غوركي
163
همنجواي
= 75
164
مايكوفسكي
=
165
جيراردي نرفال
=
166
كاوا باتا
=
167
الجاحظ
=
168
ابن زيدون
=
169
نوح ( عليه السالم )
170
طالوت
= 76
112
ت
اسم الشخصية
رقم الصفحة
171
باسكال
76
172
الرو شفوكو
173
كالف
= 77
174
خرافة
78
175
اشعب
=
176
ابو الغصن جحا
=
177
الملة نصر الدين
=
178
بات
=
179
سمبل
=
180
هرماجوش
=
181
ماريوس
=
182
سان سيمون
=
183
دون كيشوت
=
184
بني هيل
=
185
مستر بن
=
186
علي بابا
187
كهرمانة
= 79
188
أوليسسيس
=
113
ت
اسم الشخصية
رقم الصفحة
189
جون صتر
80
190
القاهر
191
ابن طفيل
= 86
192
ابن سينا
=
193
حي بن يقضان
194
دي فو
= 86
195
روبنسن كروزو
=
196
جمعة
=
197
بوروز
=
198
طرزان
=
199
آدم ( عليه السالم )
200
كبلنج
= 87
201
موغلي
88
202
محمد ( صلى هللا عليه وسلم )
=
203
موسى ( عليه السالم )
=
204
موسى الكاظم ( عليه السالم )
=
205
هارون الرشيد
=
206
أبو حامد الغزالي
=
114
ت
اسم الشخصية
رقم الصفحة
تولستوي
89
208
ابراهيم االدهم
209
ميخائيل نعيمة
= 92
210
ايليا أبو ماضي
93
211
جبران خليل جبران
212
دوستوفسكي
= 95
213
عبد القادر الجزائري
=
214
أحمد عرابي
215
محمود سامي البارودي
= 103
216
أبو تمام
217
د ار يكوال
207
115
= =
فهرست الموضوعات -1الـمـقـد مـة
2
-2الـنـبـي الـمـعـذب
9
-3الـمـتصـوف الـمـقـتـول
12
-4االمـيـر واالمـارة
17
-5الـحـكـيـم والـواقـع
22
-6الـقـائـد الـطـمـوح
25
-7قـاتـل الـنـسـاء
28
-8الـعـبـقـري الـخـالـد
31
-9الـشـاعـر الـعـراف
35
-10الـبـصـيـر الـمـبـصـر
40
-11االديـب الـمـنـكـوب
43
-12عـبـد أم سـيـد
49
-13الـبـانـي والـهـادم
53
-14الـبـاحـث عـن الـخـلـود
58
-15الـلـص الـكـريـم
61
-16الـرحـالـة الـمـتـطـلـع
66 116
-17الـمـخـلـوق الـعـجـيـب
72
-18الـمـضـحـك الـمـبـكـي
78
-19الـعـالـم بـيـن يـديـك
81
-20االنـسـان الـمـتـوحـد
86
-21الـغـربـة الـقـاتـلـة
91
-23د اريـكـوال االدب
98
-24فـهـرس االعـالم
104
-25فـهـرس الـمـوضـوعـات
116
-26اصـدارات الـمـؤلـف
118
117
اصدارات المؤلف السابقة :
– 1عاشق الشمس / 1964مطبعة العامل /بغداد ( مجموعة قصص قصيرة ) . – 2ما قاله آدم / 1986مطبعة العدالة /بغداد ( مذكرات راهب ) .
مـعـد للطبع :
ديوان شعر تأمالت
مختارات العزاوي
118