العولمة واألمن اإلعالمي الدولي األستاذ الدكتور محمد البخاري :مستشار رئيس جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية في العالقات الدولية/أستاذ محاضر في كلية العالقات الدولية. نشرت في مجلة معلومات دولية الدمشقية العدد /56صيف .0222 مخطط البحث: تعريف "العولمة"؛ مقدمات "العولمة"؛ "العولمة" والدولة والسيادة الوطنية؛ األمم المتحدة واألمن اإلعالمي الدولي؛ األمن اإلعالمي الدولي والتفوق في تكنولوجيا االتصال؛ البنى اإلعالمية الدولية فوق الدولة؛ التهديدات الجديدة "للعولمة"؛ "العولمة" والسيطرة على الموارد اإلعالمية؛ السالح اإلعالمي في خدمة الدول الصناعية المتقدمة؛ السالح اإلعالمي وإدارة الصراع؛ مشكلة األمن اإلعالمي الدولي؛ الحرب اإلعالمية ومشكلة المصطلح؛ الحرب اإلعالمية؛ التأثير اإلعالمي؛ األسلحة اإلعالمية؛ األمن اإلعالمي؛ المجال اإلعالمي؛ الجريمة اإلعالمية؛ مجاالت تأثير الصراع اإلعالمي الدولي؛ السياسية؛ الوعي االجتماعي؛ االقتصادية؛ المالية؛ الدفاعية؛ تهديدات األمن اإلعالمي الوطني؛ تهديدات البنى التحتية اإلعالمية؛ تهديدات األمن اإلعالمي؛ تهديدات الحياة الروحية للمجتمع؛ تهديدات حقوق الفرد والحريات العامة؛ الخصائص األساسية لألسلحة اإلعالمية وأهدافها؛ أنظمة نقل المعلومات؛ الوعي االجتماعي (الرأي العام) ونظم تشكيله؛ 1
الوعي الفردي أو الشخصي؛ مجاالت استخدام السالح اإلعالمي؛ الرقابة أو اإلشراف على المجال اإلعالمي الدولي؛ سيناريوهات الحرب اإلعالمية؛ السيناريو األول؛ السيناريو الثاني؛ السيناريو الثالث؛ األمن اإلعالمي الدولي من وجهة نظر المعارضين للمشكلة؛ األمن اإلعالمي الدولي من وجهة نظر البحث العلمي؛ األمن اإلعالمي والتفاهم الدولي.
تعريف "العولمة": "العولمة" Globalizationحسب تعبير خبراء السياسة في الدول النامية ،تحمل معنى "جعل الشيء على مستوى عالمي ،أي نقله من حيز المحدود إلى آفاق "الالمحدود" .والالمحدود هنا يعني العالم بأسره ،فيكون إطار النشاط والعالقات والتعامل والتبادل والتفاعل على اختالف صوره السياسية واالقتصادية والثقافية والعلمية وغيرها ،متجاوزاً الحدود الجغرافية المعترف بها لدول العالم ،وهذا المعنى يجعل "العولمة" تطرح ضمنا ً مستقبل الدولة القومية Nation-Stateوحدود سيادتها الوطنية ،ودورها على الصعيدين الداخلي و الخارجي" .بينما جاء تعريف "العولمة" حسب المفهوم األمريكي "بتعميم نمط من األنماط الفكرية والسياسية واالقتصادية لجماعة معينة ،أو نطاق معين ،أو أمة معينة على الجميع ،أو العالم بأسره" .وبما أن "العولمة" بدأت أساسا ً من الواليات المتحدة األمريكية ،فقد جاءت نظريا ً كدعوة لتبني النموذج األمريكي في االقتصاد والسياسة والثقافة والعلوم وبالتالي طريقة الحياة بشكل عام. مقدمات "العولمة": وجاءت "العولمة" أساسا ً كنتاج للثورة العلمية والتكنولوجية ،التي كانت نقلة نوعية في تطور الرأسمالية العالمية ،في مرحلة ما بعد الثورة الصناعية التي ظهرت في منتصف القرن 11في أوروبا، ونتيجة الستخدام الطاقة ،التي غيرت بشكل جذري أسلوب وعالقات اإلنتاج ،لتبدأ معها مرحلة جديدة من مراحل التطور اإلنساني ،اتصف بالتوسع االقتصادي ،والبحث عن الموارد الطبيعية ،وفتح األسواق العالمية .وهي المسببات التي أدت لظهور االستعمار التقليدي ،وقيام الحروب األوروبية لتلبية حاجات الرأسمالية الصاعدة. ومما سارع في شيوع "العولمة" استمرار التطور العلمي والتكنولوجي ،وما رافقه من تطور هائل لوسائل االتصال ونقل المعلومات الحديثة ،التي شكلت بدورها تجديداً لنمط وطبيعة اإلنتاج والتفاعالت والتعامالت الدولية .وبذلك لم تعد الحروب وسيلة لحسم الخالفات بين الدول الرأسمالية كما كان الوضع حتى الحرب العالمية الثانية ،بل أصبحت الحاجة ملحة لتوحيد أسواق الدول الصناعية المتقدمة من خالل سوق عالمية واحدة ،أي ضرورة تجاوز الحدود السياسية القومية المعترف بها ،وإعادة توزيع الدخل القومي ،والعمل على رفع المستوى المعيشي لإلنسان ليمكن معه توسيع سوق الدول الصناعية المتقدمة ،الستيعاب المنتجات الحديثة ،أي خلق "مجتمع االستهالك الكبير Consumer .Society وشكلت هذه السمات نقطة التحول من "الرأسمالية القومية" إلى "الرأسمالية العابرة للقوميات" من خالل الشركات متعددة الجنسيات ،التي ارتبط فيها ظهور مفهوم "العولمة" الذي عبر عن ظاهرة اتساع مجال اإلنتاج والتجارة ،ليشمل السوق العالمية بأسرها .وتجاوز الفاعلية االقتصادية التي كانت لمالكي رؤوس األموال ،من تجار وصناعيين ،الذين كانت تصرفاتهم محكومة في السابق بحدود الدولة القومية 0
التي ينتمون إليها ،لتصبح الفاعلية االقتصادية مرهونة بالمجموعات المالية والصناعية العالمية الحرة، المدعومة من قبل الدول المشاركة في رأس مالها ،عبر الشركات متعددة الجنسيات .وهكذا لم تعد الدولة القومية هي المحرك الرئيسي للفاعلية االقتصادية على المستوى العالمي ،بل حل مكانها القطاع الخاص بالدرجة األولى في مجاالت اإلنتاج والتسويق والمنافسة العالمية. و"العولمة" ليست نظاما ً اقتصاديا ً فقط ،بل تعدته إلى كافة مجاالت الحياة السياسية والثقافية والعلمية واإلعالمية .ألن النمو االقتصادي الرأسمالي العالمي استلزم وجود أسواق حرة ،ووجود أنظمة سياسية من شكل معين إلدارة الحكم .كما وتعددت مراكز القوة االقتصادية العالمية للرأسمالية الدولية الحديثة ،وتعددت معها مراكز القوة السياسية ،مما خلق بدائل وتعددية في القوى على مستوى السلطة، وهو ما دعم إمكانيات التطور الديمقراطي بكل شروطه ،من عدم احتكار السلطة ،وتداولها ،وتعدد وتنوع مراكز القوة والنفوذ في المجتمع ،ومنع تركيز الثروة في يد الدولة وحدها ،محققة بذلك نوعا ً من الالمركزية في اإلدارة والحكم. ومما ساعد على االنتشار السريع "للعولمة" انتصار الرأسمالية على األنظمة األخرى ،من نازية وفاشية وشيوعية ،وانهيار اإلتحاد السوفييتي السابق ،لتحل محله الجمهوريات المستقلة .وسقوط النظم الشمولية في أوروبا الشرقية ،وتحول األنظمة الجديدة في تلك الدول نحو أشكال من الحكم الديمقراطي، الذي يربط في جوهره بين التطور الديمقراطي والنمط الرأسمالي ،الذي يعتمد على الديمقراطية في عملية التنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية .وأتاح االتصال المباشر عبر القارات من خالل شبكات االتصال العالمية للحاسب اآللي ومحطات اإلذاعة الفضائية المسموعة والمرئية ،الفرصة إلبراز مالمح "العولمة" التي أصبحت ملموسة حتى من قبل األشخاص العاديين في أي مكان في العالم .ومن المنتظر أن يتيح هذا التطور الهائل في تكنولوجيا وسائل االتصال الحديثة ،إمكانية زيادة التواصل الثقافي بين شعوب العالم، ويساعد على إيجاد آمال وأهداف ومصالح مشتركة تتجاوز المصالح القومية وال تتناقض معها. "العولمة" والدولة والسيادة الوطنية: ومع ذلك فقد أثارت العديد من الحكومات مخاوف وشكوك كثيرة .منها المخاوف السياسية التي يمكن أن تنجم عن بث برامج معادية ألنظمة الحكم ،وأفكاراً وأيديولوجيات تهدد األمن واالستقرار السياسي واالجتماعي داخل الدول .كما وعبرت بعض القوى السياسية واالجتماعية المؤثرة في العديد من دول العالم عن خشيتها من النظام اإلعالمي المفتوح الجديد الذي قد يهدد ثقافات وتقاليد وعادات ومقدسات الشعوب ،وانطلقت األصوات تطالب بتحقيق أمن إعالمي وطني ودولي .وإذا كانت "العولمة" ترتبط بسيادة نموذج اقتصاد السوق ،فإن هذا النموذج بدوره يثير قضية العالقة بالدولة ودورها ،وال يبرر االنتقال إلى اقتصاد السوق أبداً اختفاء دور الدولة ،وكل ما هنالك سيؤدي إلى تغيير محدود لهذا الدور الذي اعتادت عليه بعض الدول البطيئة التطور .ومعظم من كتب في أهمية نظام السوق ،كان يقرن ذلك دائما ً بضرورة وجود دولة قوية ،ودونها ال تستطيع السوق أن تقوم بدورها. ومن هنا ليس هناك مجال للحديث عن محاولة إلغاء أو تقليص دور الدولة ،بل بالعكس البد من التأكيد على هذا الدور وأهميته وضرورته ،مع ضرورة إجراء تعديل معين لهذا الدور ليتوافق مع نظام السوق المنفتح .فالواليات المتحدة األمريكية وهي أكبر دولة رأسمالية في العالم ،تتدخل في الحياة االقتصادية ،وتحدد شروط النشاطات االقتصادية ،والسياسات النقدية والمالية والتجارية ،والفارق المهم بين النظم المركزية ،ونظم السوق ،هو أن الدولة تتدخل في الحياة االقتصادية باعتبارها سلطة ،وليس باعتبارها منتجاً .ألن سلطة الدولة ال غنى عنها وال تتناقض مع تطور الحياة االقتصادية. واالقتصاد الحر ال يعني أبداً غياب الدولة عن النظام االقتصادي .والفرق بين النظام الليبرالي ونظام التخطيط المركزي ،ليس في مبدأ "التدخل" ولكن في مضمونه. ففي ظل التخطيط المركزي تقوم الدولة باإلنتاج المباشر للسلع والخدمات ،وتسيطر على النشاط االقتصادي ،عن طريق القطاع العام .أما في ظل االقتصاد الحر ،فإن الدولة تترك اإلنتاج المباشر للسلع والخدمات لألفراد والمشروعات الخاصة ،أي تحقق التكامل بين دور الدولة ودور القطاع الخاص ،ويكون 3
تدخلها في سير الحياة االقتصادية ،بوسائل أخرى أكثر فعالية ،من حيث الكفاءة اإلنتاجية وتحقيق العدالة االجتماعية .من خالل المحافظة على مستويات عالية في نمو الناتج القومي .والقيام بتوفير الخدمات األساسية في مجاالت التعليم والصحة ،والقضاء واألمن والدفاع ،ويدخل فيها قيام الدولة بمشروعات البنية األساسية. ومبدأ الحرية االقتصادية ال يعني أبداً إهمال مبدأ العدالة االجتماعية ،فالبالد التي أخذت بهذا المبدأ ،هي في مقدمة بالد العالم من حيث االهتمام بالفقراء ،وتحقيق العدالة في التوزيع ،وتوفير شبكة األمان لكل المواطنين ،ضد المخاطر االجتماعية بما في ذلك البطالة والعجز والشيخوخة ،وغيرها من األمراض االجتماعية. وهناك عالقة وثيقة بين الكفاءة في األداء االقتصادي وبين شروط العدالة .ذلك أن الكفاءة تعني نمو االقتصاد القومي بمعدالت عالية ،وتعاظم قدرة النظام االقتصادي لتوفير فرص العمل المنتج لكل القادرين عليه ،وهي من المقومات األساسية للعدالة االجتماعية .والدور الجديد هذا للدولة يؤهلها للتكيف مع المتغيرات العالمية الجديدة ،دون االنتقاص من سيادتها ،في ظل انتشار مفهوم "العولمة" ،وشروط النظام العالمي الجديد .الذي يقوم على مبدأ االعتماد المتبادل وليس فرض اآلراء بين دول وشعوب العالم. واالندماج اإليجابي والواعي في النظام العالمي الجديد .انطالقا ً من حقائق أن "العولمة" ليست ظاهرة بال جذور ،بل هي ظاهرة تاريخية وموضوعية نتجت عن التطور الهائل لتكنولوجيا وسائل االتصال ونقل المعلومات ،والطبيعة التوسعية لإلنتاج الرأسمالي .وال يجوز البقاء خارجها ،ويجب اللحاق بما يجري في العالم ،والتعامل معه بوعي ووفق قواعد محددة تجنبا ً للبقاء خارج إطار التاريخ. والنظام االقتصادي الجديد جاء نتيجة إلنجازات كبرى في تاريخ تطور البشرية على كافة المستويات العلمية والثقافية واالقتصادية والتقنية والسياسية والفكرية ،ويمثل نقطة جذرية مختلفة تماما ً عن كل ما سبقتها من نظم .وأن الحضارة العالمية الحديثة قامت على أنقاض حضارات القرون الوسطى وثقافاتها ،ورفضت فكرة الحق اإللهي ،وفصلت الدين عن الدولة لتفسح المجال أمام الجميع لالنتماء إلى الوطن المشترك والعمل على رفعته وتقدمه ،كما هي الحال في أكثر دول العالم الحديث. وزودت الفكر البشري برؤية عقالنية تاريخية تنويرية ،بتوجه ديمقراطي يقوم على أساس احترام الرأي ،والرأي اآلخر ،والتعددية ،وحرية التعبير ،وتكريس مبادئ حقوق اإلنسان التي ال تعرف الحدود القومية أو الجغرافية أو السياسية. و"العولمة" تفرض على الدول األقل تقدماً ،القيام بمزيد من خطوات التحديث الشامل الذي ال يمكن دون الدور الفاعل للدولة ،التي تضطلع به من خالل الترشيد واألداء االقتصادي ،وتنظيم تفاعالت السوق ،وما تتطلبه تلك العملية من وسائل وتقنيات تجعل الساحة والموارد اإلعالمية الخاصة والعامة متاحة للجميع ضمن األطر واألنظمة التي تضبط عملها في إطار العالقات على صعيد الدولة نفسها وفي عالقاتها مع غيرها من دول العالم. ولكن التجاوزات الكثيرة واألعمال التخريبية التي تعرضت لها الموارد اإلعالمية لبعض الدول، إضافة لألخطار التي يتنبأ بها المختصون بين الفينة واألخرى ،فرض على المجتمع الدولي ضرورة النظر في خطر جديد أصبح يهدد المجتمع اإلنساني ويعرف باألمن اإلعالمي الدولي. األمم المتحدة واألمن اإلعالمي الدولي: وكان من بين الوثائق الهامة التي صدرت عن الدورة 64للهيئة العامة لمنظمة األمم المتحدة، وثيقة حملت في مضمونها أبعاداً سياسية وإنسانية عميقة ،تناولت موضوع "العولمة" واستقرار إستراتيجية العمل السياسي والدبلوماسي في القرن الحادي والعشرين ،بعد أن اعترف المجتمع الدولي وللمرة األولى بوجود مشكلة األمن اإلعالمي الدولي كنتيجة حتمية "للعولمة" ،على أنها مشكلة تهدد المجتمع اإلنساني في المرحلة التالية للقرن النووي .وجاء هذا االعتراف من خالل القرار 44/64الذي تناول مشكلة "تحقيق األمن الدولي في اإلعالم واالتصاالت المرئية". 4
فقد برزت تلك المشكلة بحدة بعد التقدم الهائل في تكنولوجيا اإلعالم ووسائله المختلفة ،وخلق هذا التقدم إلى جانب النواحي اإليجابية التي حملها للبشرية التي تنتظر منه الكثير في المستقبل ،مجاالً جديداً تماما ً من التهديد تمثل في خطر استخدام منجزات التقدم التكنولوجي في اإلعالم واالتصال ألغراض تتعارض والمهام المنتظرة منها في دعم وتعزيز التفاهم واألمن واالستقرار الدولي. ومشكلة األخطار التي تهدد األمن اإلعالمي للدول األقل تطوراً ،لم تعد مشكلة منتظرة بل حقيقة قائمة خلقت نوعا ً من التبعية الواقعية لكل مجاالت النشاط اإلنساني داخل المجتمعات المحلية في الدول ذات السيادة ،اقتصادية كانت أم سياسية أم علمية ،أو ثقافية ،وأصبحت الحاجة معها ملحة لتأمين نوع من األمن القومي والمصالح الدولية المتشابكة بفعل "العولمة" وابتعاد التبادل اإلعالمي الدولي عن دوره الطبيعي ،وابتعاد استخدام شبكات التبادل اإلعالمي الدولية وشبكات االتصاالت المرئية والمسموعة العالمية ،وتقنياتها ووسائلها عن أداء وظيفتها اإليجابية المنتظرة منها. األمن اإلعالمي الدولي والتفوق في تكنولوجيا االتصال: وأدى اتساع وشمولية تلك الشبكات بفضل تكنولوجيا ووسائل االتصال واإلعالم الجماهيرية الحديثة ،إلى زيادة تأثيرها على وعي األفراد والمجتمعات .مما دفع بالكثير من الدول إلضافتها أو التفكير في إضافتها لإلمكانيات العسكرية الهائلة المتوفرة لديها ،والتي تملكها بالدرجة األولى الدول عالية التطور ،والمعدة لالستخدام في الصراعات والنزاعات الدولية .مما أدى بدوره إلى خلق تبدالت هائلة أصبحت تؤثر على توازن القوى اإلقليمية. هذا إن لم نقل أنها أضافت بذلك مصادر جديدة للتوتر بين مراكز القوى التقليدية والناشئة ،وإلى خلق مجاالت جديدة للصراع لم تكن في الحسبان لفترة قريبة .فقد أدى تفوق الدول المتقدمة في مجال تكنولوجيا ووسائل االتصال واإلعالم الجماهيرية التي تملكها ،إلى احتكار الوعي الفكري واالجتماعي، وأدى إلى استغالل التفوق التكنولوجي واإلعالمي والسياسي واالقتصادي والثقافي والعسكري ،إلى تشجيع تلك الدول على استخدام ما تملكه من إمكانيات " كسالح إعالمي " ال يتعارض استخدامه مع قواعد القانون الدولي الذي لم يتعرض جديا ً حتى اآلن لهذه المشكلة الهامة والعويصة التي أفرزتها "العولمة" اإلعالمية .فالتقدم الهائل في تقنيات وتكنولوجيا االتصال واإلعالم الجماهيري أصبح اليوم يعادل في خطره ،خطر السالح النووي الذي كان سمة من سمات القرن العشرين. وأصبح فرعا ً من فروع سباق التسلح ،الذي أصبح مرة أخرى يستنزف موارد ضخمة ،كان يجب أن توجه لخير البشرية وليس لتهديدها .خاصة وأن أكثر دول العالم غير مهيأة حاليا ً وغير مستعدة إلقامة أو تحديث وسائلها اإلعالمية المؤثرة ،رغم أن الكثير منها بدأت بالميل نحو شراء وامتالك مثل تلك الوسائل ،من الدول المتقدمة التي أصبحت مسيطرة تماما ً على األشكال الجديدة من أسلحة الدمار الشامل ومن بينها السالح اإلعالمي .ولم يقتصر األمر على الدول فقط ،بل اتسع ليشمل القوى السياسية المختلفة المتصارعة ،والتنظيمات اإلرهابية وعصابات الجريمة المنظمة ،مما خلق نوعا ً جديداً وسوقا ً مربحة لتجارة األسلحة الجديدة التي أصبحت تتضمن قوائمها تقنيات وتكنولوجيا وبرامج الحاسب اآللي ووسائل االتصال واإلعالم الجماهيرية. البنى اإلعالمية الدولية فوق الدولة: ففي ظروف العولمة وتشابك الحياة على الكرة األرضية ،وظهور وتشكل شبكات وبنى إعالمية دولية فوق الدول ،أصبحت بما ال يدع المجال ألي شك تستخدم كسالح إعالمي مؤثر على العقول والمواقف ،ووسيلة لشن حروب واسعة النطاق تطال اإلنسان أينما كان ،بفاعلية يمكن أن تؤدي نتائجها بل وتعادل قوتها وتأثيرها التدميري وتتفوق في بعض الظروف على أسلحة الدمار الشامل التقليدية المعروفة. وليس عبثا ً أن ترصد بعض الدول المتقدمة في ميزانياتها مخصصات لألمن اإلعالمي تعادل بمستواها المخصصات التي ترصد لمواجهة أخطار استخدام أسلحة الدمار الشامل التقليدية. 6
رغم اختالف استخدام السالح اإلعالمي في الحرب عن األشكال التقليدية من أسلحة الدمار الشامل ،ألن تأثيرها يمكن أن يطال الجبهة الداخلية في الصميم .مع إمكانية استخدام األسلحة اإلعالمية الد ولية التي تتميز بالقدرة المؤثرة الكبيرة ضد األهداف المدنية ،كوسيلة من وسائل الصراع على السلطة، وفي الصراعات القومية والعرقية والدينية. واألمثلة على ذلك في عالم اليوم كثيرة ،وال ينحصر تهديدها الواقعي على القوى البشرية فقط ،بل اتسع ليشمل األنظمة اإلعالمية التي تملكها الدول ،والمنظمات والهيئات الدولية ،من قبل دول معادية أو قوى اإلرهاب واإلجرام المنظم على السواء ،مما أعطى لطابع تأثيرها طبيعة كارثية من خالل ليس التسلل لداخل تلك األنظمة وحسب ،بل وفي تخريب تلك األنظمة ،والتأثير على محتوياتها من معلومات وإتالفها. وهو ما كان الدافع التخاذ القرار 44/64أثناء الدورة 64للهيئة العامة لألمم المتحدة في .1444/10/1 التهديدات الجديدة "للعولمة": وكان من الطبيعي أن تتوصل الدول األعضاء في منظمة األمم المتحدة للتفاهم حول موضوع هام يمس البشرية بأسرها في ظل العولمة .سبق ونوقش في أيار/مايو 1445أثناء المؤتمر الدولي للعولمة في المجتمع اإلعالمي الذي انعقد في ميدراند. واستعرض بجدية موضوع التهديدات الجديد للعولمة ،وأسفر عن نتائج واستجابة عاصفة من قبل كل المشاركين في المؤتمر .مما رفع من مستوى القضية لتصبح من بين القضايا الملحة التي تنتظر الحل من قبل المجتمع الدولي ،وتتطلب إيجاد حل مالئم لها قبل أن تتفاقم وتصبح مستعصية كغيرها من المشاكل العالقة في إطار الدبلوماسية الدولية حتى اليوم .وقد تبلورت المشكلة أكثر أثناء التحضيرات التي جرت لإلعداد للقاء القمة بين رئيس الواليات المتحدة األمريكية والرئيس الروسي في أيلول/سبتمبر .1441 فقد اقترح الجانب الروسي مشروع بيان مشترك للقاء القمة تناول مشكلة األمن اإلعالمي .لكن األمريكيين اكتفوا باإلطالع على المشروع ،وامتنعوا عن مناقشته .ورغم ذلك فقد تضمن البيان الختامي للقاء القمة ،إشارة صريحة للتهديدات العامة لألمن على عتبة القرن الحادي والعشرين ،حيث أعلن الجانبان أنهما :وافقا على "تنشيط الجهود المشتركة للتصدي للتهديدات العابرة للقوميات في االقتصاد واألمن للبلدين ،بما فيها تلك التي تعتبر جرائم عن طريق استخدام تكنولوجيا الحاسب اآللي وغيرها من التكنولوجيا المتقدمة"؛ واعترفا "بأهمية الجهود اإليجابية المشتركة إلضعاف التأثيرات السلبية الجارية اآلن نتيجة لثورة تكنولوجيا االتصال ،التي تعتبر مهمة وجادة في الجهود الرامية لحماية مصالح األمن اإلستراتيجي للبلدين في المستقبل". وأصبح واضحا ً بعد ذلك عزم روسيا إثارة المشكلة أبعد من ذلك ،فقام وزير الخارجية الروسي ي.س .إيفانوف بتوجيه رسالة خاصة إلى األمين العام لمنظمة األمم المتحدة في 1441/4/03تضمنت اقتراحا ً بإدراج مشكلة األمن اإلعالمي الدولي بين مواضيع عمل المنظمة ،والنظر في مشروع قرار خاص حول هذا الموضوع. وأعلن في كلمته من على منبر الدورة 63للهيئة العامة لألمم المتحدة ،بأن جوهر االقتراح الروسي يتضمن االقتراح على الدول األعضاء في منظمة األمم المتحدة ،التوصل لمفهوم محدد حول التهديد في مجال األمن اإلعالمي ،وأن تقدم كل دولة تقديراتها الخاصة للمشكلة ،بما في ذلك إعداد مبادئ دولية توف ر األمن في ظروف عولمة المنظومات اإلعالمية الدولية .وأن تتضمن تلك التقييمات التي تقدمها الدول األعضاء في المنظمة إلى األمين العام لألمم المتحدة ،إلزامه بتقديم تقرير خاص يبحث خالل الدورة التالية للهيئة العامة لمنظمة األمم المتحدة .بشكل تتوضح معه جوانب الصراع المبدئي حول موضوع التهديد باستخدام المنجزات العلمية والتقنية والتكنولوجية الحديثة في أغراض تتعارض مع أهداف تعزيز األمن واالستقرار الدولي. وجاء القرار الذي استند على االقتراح الروسي خالل الدورة 63للجمعية العامة لمنظمة األمم المتحدة 02/63عن "المنجزات في مجال اإلعالم واالتصاالت المرئية ضمن األمن الدولي" في ،1441/10/4بشكل ملطف عن المشروع الروسي حيث اختفت من القرار الكثير من المقترحات التي 5
حددت اإلجراءات الالزمة حسب التصور الروسي ،لتنظيم عملية التصدي إلمكانية استخدام التكنولوجيا اإلعالمية في الحرب ،وشرح خطر تطوير السالح اإلعالمي ،وإشعال الحروب اإلعالمية. وبذلك اعترف المجتمع الدولي من خالل منظمة األمم المتحدة وألول مرة بوجود الحرب اإلعالمية على المستوى الدولي .واعتبر هذا اإلنجاز تقدما ً سياسيا ً هاما ً رغم عدم استعداد أكثرية الدول األعضاء في منظمة األمم المتحدة لتقبل القضية كمشكلة من كل جوانبها. وعاد المجتمع الدولي وغير من موقفه من المشكلة خالل الدورة 64للجمعية العامة لمنظمة األمم المتحدة .فما الذي حدث بين الدورتين 64-63لمنظمة األمم المتحدة ؟ وهل جاء تغيير المواقف تلك نتيجة للجهود الدبلوماسية والمجامالت السياسية بين الدول ؟ أم ألن العالم استطاع خالل تلك الفترة من التعرف أكثر على أخطار "العولمة" اإلعالمية ،والدور المتصاعد لإلعالم في عالم اليوم .واستخلص العبر من استخدام سالح اإلعالم في الحروب التي جرت خالل تلك الفترة .ومن خالل أمثلة محددة تم فيها استخدام السالح اإلعالمي في عمليات محددة ،عبر من خاللها الحدود المعترف بها لمختلف دول العالم ،جنبا ً إلى جنب مع األسلحة المتقدمة األخرى المستخدمة في العمليات العسكرية ،للقضاء على الخصم أو الحد من إمكانيات دفاعه الذاتية. "العولمة" والسيطرة على الموارد اإلعالمية: فالمعارك للسيطرة على عقول الكثير من الشخصيات السياسية هي "حرب غير مرئية" على األرض رغم أنها أخذت خطا ً واقعياً ،وأصبحت بالتدريج تهدد جوهر الصراع من أجل السيطرة على وعي صاحب القرار ،ولتحد من إمكانيات أي مواجهة جادة لألخطار الخارجية ،إضافة ألخطار التأثير والتخريب المتعمد للموارد اإلعالمية المتاحة لكل دولة ،ووسائل الحصول عليها وحفظها ونشرها واستعادتها والتعامل معها. مما دفع ببعض الدول إلى الشروع بتطبيق برامج حكومية طويلة المدى على المستوى القومي، الهدف منها تأمين األمن اإلعالمي وسالمة البنى التحتية اإلعالمية الوطنية األساسية .في نفس الوقت الذي بدأت فيه بالتعامل مع "العولمة" وآثار التشابك المتبادل بين المجالين اإلعالمي الوطني والدولي. واضطرت مجبرة على االعتراف بأن نجاح الجهود الوطنية للحفاظ على الموارد اإلعالمية الخاصة بكل دولة ،ليست في النهاية سوى جهود حثيثة لرفع مستوى المناعة "السلمية" للنظام اإلعالمي الوطني في مواجهة الساحات اإلعالمية للدول األخرى التي أصبحت تشمل دوالً بعيدة جغرافيا ً عنها ،وليس بالضرورة أن تكون تلك الدول مجاورة ،ولكن يكفي أن تكون متشابكة معها من خالل شبكات االتصال الدولية في الموارد اإلعالمية بشكل موضوعي ومتشعب يصعب فصله. وموضوع السالح اإلعالمي والحرب اإلعالمية أصبح مثاراً للمناقشة من قبل المتخصصين بشكل واسع ،منذ بداية الـتسعينات من القرن العشرين .ومنذ ذلك الوقت بدأت تظهر أعداداً كبيرة من المقاالت والدراسات حول هذا الموضوع الهام في العديد من الصحف والمجالت .وبدأ يناقش ضمن موضوعات الكثير من المؤتمرات واللقاءات العلمية الوطنية واإلقليمية والدولية ،التي صبت اهتمامها بمعظمها على مواضيع األبحاث التي ال تتفق ومبادئ السالم العالمي ،وبرامج التطوير التكنولوجية الخاصة بطرق حماية الموارد اإلعالمية من التأثير الخارجي. ولك ن كل تلك المناقشات والمقاالت والدراسات المنشورة حملت طابع المحلية ،وكانت بعيدة كل البعد عن المناقشات الدولية التي كان يجب أن تتناول مشاكل "العولمة" واألمن اإلعالمي .رغم أن المشكلة حظيت ليس باهتمام المتخصصين وحسب ،بل واستحوذت على اهتمام عدد كبير من غير المتخصصين وقادة الرأي. ولهذا يمكننا اعتبار صدور القرار 02/63عن منظمة األمم المتحدة بمثابة إنذار يشير بجدية للخطر الجاثم ،الذي وقعت فيه البشرية ويهدد صميم النظم اإلعالمية الوطنية ،ويهدد اإلنسانية على عتبة القرن الحادي والعشرين .بعد أن ظهر جليا ً للمجتمع الدولي بما ال يدع مجاالً للشك ،أنه أصبح متوفراً لدى العديد من الدول المتقدمة تكنولوجيا إعالمية متطورة ،ونتائج أبحاث جاهزة وهامة يمكن استخدامها في 0
التأثير على الموارد اإلعالمية للغير .وحقائق ال تقبل الجدل من أن نتائج األبحاث تلك أدت إلى صنع وسائل تستخدم في األغراض العسكرية البحتة ،حتى ولو لم يتم تسميتها باألسلحة اإلعالمية. السالح اإلعالمي في خدمة الدول الصناعية المتقدمة: وأصبح واضحا ً أيضا ً بعد توفر معلومات كافية ،تتحدث عن شروع العديد من الدول الصناعية المتقدمة في إجراء أبحاث للحصول على تقنيات وتكنولوجيا متطورة في مجال االتصال ،وإعداد تكنولوجيا متطورة وتقنيات وطرق الستخدامها بهدف السيطرة المباشرة على الموارد اإلعالمية للخصم، والتأثير المباشر عليه. حيث أشارت بعض المصادر إلى أن أكثر من 102دولة من دول العالم وصلت وفي مستويات مختلفة لنتائج ملموسة في هذا المجال الذي ال يقل خطورة عن السالح النووي .بينما تجرى أبحاث لتطوير السالح النووي في 02دولة من دول العالم تقريبا ً فقط. وتذكر بعض المصادر أن بعض الدول أصبحت تملك وسائل جاهزة للدفاع اإلعالمي ضد العدو المتوقع في ظروف الصراعات العسكرية على مختلف المجاالت والمستويات ،حتى في زمن السلم. ويشمل اإلطارين اإلستراتيجي والعملياتي التكتيكي ،وصوالً إلى أرض المعركة. وأن االهتمام منصب اآلن على مواضيع تتعلق بحماية المجال اإلعالمي الخاص بتلك الدول من تأثير استخدام السالح اإلعالمي من قبل دول معادية ،تفاديا ً لتأثير الحرب غير المعلنة في المجال اإلعالمي .كما وبات معروفا ً أيضا ً من أن بعض الدول التي تقوم فعالً بشن الحرب اإلعالمية ،أو شنتها قد أدخلت السالح اإلعالمي فعالً في نظمها العسكرية وتقوم بإعداد وحدات عسكرية مدربة خاصة ومدعومة بالمتخصصين في هذا المجال الهام ،للقيام بالعمليات اإلعالمية الهجومية كأداة من أدوات الصراع األخرى لتحقيق النصر العسكري الحاسم على العدو. ويعتبر المهتمون بالمشكلة أن الستار قد انكشف فعالً عن استخدم السالح اإلعالمي عمليا ً في الحروب األهلية الجارية هنا وهناك ،وفي الصراع على السلطة في معظم دول العالم ،وفي الصراعات القومية والعرقية والدينية سمة الحقبة األخيرة من القرن العشرين .وأن األسلحة اإلعالمية أظهرت مقدراتها الفريدة على أرض المعركة سواء في وقت السلم أو في وقت الحرب ،وتجاوزها عمليا ً لكافة الحدود الوطنية والسياسية والجغرافية دون اعتراف ال باستقالل وال بسيادة تلك الدول. السالح اإلعالمي وإدارة الصراع: ومن خالل الصراعات الداخلية األخيرة والهامة ،أكتشف المراقبون أنها تتم ومع األسف بمساعدة ودعم كبيرين من الخارج .لنستشف من ذلك أن تلك الصراعات لم تنجو من استخدام بعض الوسائل الحديثة في الصراع في المجال اإلعالمي ،والتي يمكن اعتبارها أسلحة إعالمية. وأصبح واضحاً :أن وقت األشكال التقليدية من "التخريب اإليديولوجي" و"عمليات االختراق الفكري" قد ذهبت ،لتحل محلها الوسائل الحديثة ،وعلى مستوى جديد من التأثير .وأن مستوى استخدام تلك الوسائل قد ارتفع بشكل ال يوصف. إذ ال يمكن مقارنة الخطابة أمام حشد من الجمهور يمكن تفريقه ،أو مقالة في صحيفة يمكن مصادرتها ،أو برنامج إذاعي يمكن التشويش عليه ،بسرعة انتشار المعلومات في كل أنحاء العالم ،أو اختفاء تلك المعلومات مباشرة وبسرعة هائلة من كل أنحاء العالم ،عبر شبكات الحاسب اآللي وأشهرها شبكة "اإلنترنيت" العالمية ،وهي معلومات أصبحت اليوم مزودة بالصورة ،والتسجيالت المرئية والمسموعة. وكلها يمكن أن تعادل بفعاليتها األسلحة اإلعالمية ،التي يهدف استخدامها أن تكون فوق القوميات، وفوق الدول ،وثبت عمليا ً أن في كل أنواع "الحروب اإلعالمية األهلية" وبشكل غير مباشر هناك قوة 1
ثالثة ،وضعت ضمن أهدافها الحيوية االختراق وتخطي الحدود لداخل ضمير تلك المجتمعات الضحية. وظهر ذلك جليا ً خالل العام الماضي عندما استخدمت أراض الغير إلدارة هذا النوع من الصراعات كما حدث في إندونيسيا (تيمور الشرقية) ،وجمهورية إشكيريا (الشيشان) وفي يوغوسالفيا السابقة. فعلى مثال يوغوسالفيا انكشفت محاوالت توريط اإلتحاد الدولي لالتصاالت اإللكترونية من خالل مبادرة األمم المتحدة في كوسوفو ،وقرار تحديد نهايات األقنية المستقلة لالتصاالت التلفونية واالستيالء على الرمز الدولي لتلك الدولة ،وكان من الممكن أن يبقى ذلك اإلجراء شبه مجهول لو لم يعلن .ومثل تلك الخطوة يمكن اعتبارها بالكامل جهوداً إضافية ،الهدف منها عزل األقنية اإلعالمية للخصم وبالتالي الحد من تأثيرها وإخراجها من معادلة الصراع. ومثال أدوات الصراع من أجل استقالل تيمور الشرقية ،قيام منظمة “East Timor " campaignمباشرة بعد االقتراع على استقالل المحافظة اإلندونيسية السابقة تلك ،ومن أراضي إسبانيا والبرتغال وفرنسا بهجوم كاسح استهدف المواقع الحكومية اإلندونيسية في شبكة اإلنترنيت العالمية، خربت بنتيجتها صفحات ،WEBالخاصة ليس بالحكومة وحدها ،بل وصفحات المنظمات اإلندونيسية، وأطلقت فيروسات كمبيوتر جديدة ،بدأت بالعمل مباشرة للقضاء على المواقع اإلعالمية اإلندونيسية في شبكات الكمبيوتر العالمية. وال يمكن أن تعتبر تلك العملية اإلعالمية المنفذة من أراضي دول أوروبية بعيدة جداً عن جنوب شرق آسيا ،إال حقيقة تثبت "ال حدودية" استخدام األسلحة اإلعالمية ،ومثال الستخدامات األسلحة اإلعالمية بشكل مباشر من أجل الوصول إلى أهداف سياسية داخلية محددة رغم البعد الجغرافي الشاسع بين المؤثر والمتأثر من استخدام السالح اإلعالمي .وفي الصراع الدائر بين قوات الحكومة اإلشكيرية المتطلعة لالستقالل عن الفيدرالية الروسية ،والمقاتلين الشيشان من جهة ،والقوات الفيدرالية الروسية من جهة أخرى على األرض الشيشانية ،فنرى أن األسلحة اإلعالمية لم تبقى جانبا ً فقد استخدم المقاتلون الشيشان مختلف وسائل اإلعالم ،وكانت صفحات اإلنترنيت واحدة من ساحات القتال من أجل "استقالل إشكيريا" والتخلص من الظلم الروسي .وبفضلها اطلع العالم كله على مواد إعالمية ملموسة وواقعية تتحدث عن الوضع في شمال القفقاس ،وعن جهود أعضاء الحكومة والدبلوماسية اإلشكيرية إلطالع العاملين في مؤسسات العالقات الخارجية الرسمية بالدول المتقدمة في العالم على الحقائق ،من خالل مح اضراتهم التي دعتهم إللقائها بعض أقسام الجامعات في تلك الدول وتحدثوا من خاللها عن الشؤون الشيشانية. وفي الحالة العراقية عندما أجبرت الحكومة العراقية على إغالق مواقعها في اإلنترنيت بعد أن تم التسلل إليها ،وتغيير مضمونها لصالح المعارضة العراقية ،وفق النبأ الذي أذاعته إذاعة صوت العراق الحر من براغ يوم .0222/5/3 هذا إن لم نتحدث عن العزل اإلعالمي والتعتيم اإلعالمي شبه الكامل ،من قبل وسائل اإلعالم الدولية المؤثرة والتي هي فوق الدول ،لرأي الجانب العربي في الصراع الدائر من أجل تحقيق سالم عادل وحقيقي بين العرب وإسرائيل ،واالستعاضة عنه بإبراز رأي الجانب اإلسرائيلي فقط .مما يوحي بخلق رأي عام دولي متحيز أحادي الجانب يشوه الحقائق وينصر المعتدي على الضحية ،مما أدى إلى حرمان المعتدى عليه ضمن إطار هذا الوضع غير الطبيعي من التعبير عن رأيه عالمياً. ناهيك عن الحرب اإلعالمية غير المعلنة من الخارج إلشعال نار الفتنة وتفعيل الخالفات العربية العربية ،والعربية مع دول الجوار اإلقليمي .وهي أحادية الجانب ال تواجه أية مقاومة تذكر لضعف أدوات وفعاليات اإلعالم العربي الدولي حاليا ً على األقل .والبد أن تلك الصورة هي التي أثرت بشكل نهائي على تقدير المشكلة بالكامل من قبل دول العالم األقل تطوراً. وهي التي أدت إلى تغيير مواقف الكثير منها بشكل جذري عما كان في السابق .وظهر هذا من خالل مؤتمر جينيف حول األمن اإلعالمي الذي انعقد في آب/أغسطس ،1444والذي نظمه معهد األمم المتحدة لمشاكل نزع السالح (يونيدير) ،وإدارة قضية نزع السالح في األمانة العامة لمنظمة األمم المتحدة ،من ضمن إطار إجراءات تطبيق القرار 02/63للهيئة العامة لألمم المتحدة .وشارك في المؤتمر 4
ممثلين عن أكثر من 62بلداً ،من بينهم كل الالعبين األساسيين على أرض تكنولوجيا االتصال واإلعالم الدولية المتقدمة ،مما سمح برفع مستوى نتائجه ،ولو في إثارة المشكلة على مستوى عالمي بعد أن كانت حصراً بلقاءات المتخصصين. مشكلة األمن اإلعالمي الدولي: كما ويمكننا اعتبار أن الهدف الرئيسي ألكثرية المشاركين في المؤتمر كان إظهار الطريقة التي تتعامل فيها كل جهة من الجهات المشاركة ،مع مشكلة األمن اإلعالمي الدولي ،من خالل المناقشات التي جرت في إطار مواضيع الدورة 64للهيئة العامة لمنظمة األمم المتحدة. ولكن كان من المالحظ أنها لم تكن مستعدة لذلك مما أدى إلى حصر المناقشات حول االقتراح الروسي فقط ،ومتابعة إعداد كل المواضيع المتعلقة باألمن اإلعالمي الدولي على مستوى خبراء الدول المهتمة ،تحت رعاية منظمة األمم المتحدة. وهذا من حيث الجوهر يعتبر اعترافا ً دوليا ً بأهمية المشكلة ونجاح للدبلوماسية الروسية باختيار توقيت عرضها لالقتراح .ومحاولة التأثير في مضمون المشكلة وتوجيهها نحو مداخل تعتبر ذات أهمية خاصة لروسيا ،وتعتبر المدخل للتحديد الدقيق لتصور دولي ونهائي تدور من خالله المناقشات التالية لمشاكل األمن اإلعالمي الدولي .والتي يرى البعض أنها تنحصر في إطارين ،وهما: اإلطار األول :الذي يؤدي عمليا ً إلى إلغاء الوحدة الموضوعية للمشكلة ويحاول تجزئتها إلى قضيتين فرعيتين هي: األولى :وتتناول الجريمة اإلعالمية؛ والثانية :وتتناول اإلرهاب اإلعالمي .وفي هذا اإلطار يمكن االستمرار في إعداد األسلحة اإلعالمية وتطويرها مما يهدد بخطر اندالع الحروب اإلعالمية .وال يعترف المؤيدين لهذا اإلطار بوجود المشكلة أساساً ،بل يعتبرونها مرض ثانوي يمكن عالجه .وبالتالي وبشكل منطقي كامل تصبح وفق وجهة النظر تلك مشكلة نزع السالح اإلعالمي ملغاة تلقائياً ،وال حاجة لمناقشها. وهو ما يسمح بإخراجها من إطار منظمة األمم المتحدة وتحويلها إلى المنابر اإلقليمية والمتخصصة ،لتبقى مشكلة هامشية عالقة إلى األبد تتحول من لجنة إلى أخرى وهكذا دواليك. اإلطار الثاني :ويمثل خط الدول التي أظهرت استعدادها الفوري للمشاركة في إعداد آلية دولية محددة تواجه إقامة وسائل مؤثرة على الموارد اإلعالمية خارج إطار القانون الدولي .واقترحت بذلك تقديم ال مشكلة للمجتمع الدولي ،واتخاذ تدابير من بينها إحداث محكمة دولية خاصة للنظر في الجرائم اإلعالمية. والقيام في نفس الوقت بإعداد تكنولوجيا عالمية للوقاية من الهجمات والتعديات اإلعالمية الدولية. ورغم ذلك فإنه يمكننا اعتبار االعتراف بالمشكلة وضرورة إيجاد حلول لها في إطار قرارات الشرعية الدولية من خالل قرارات الهيئة العامة لألمم المتحدة ،ودفعها إلى األمام لتصبح واحدة من المشاكل التي تناقش في إطار منظمة األمم المتحدة من أهم نتائج المؤتمر. وبذلك يكون الهدف النهائي من القضية إعداد برامج عملية تمكن الدول من اتخاذ إجراءات ذاتية أو مشتركة لمواجهة خطر التهديدات اإلعالمية الدولية .لتتحول نتائج هذا المؤتمر من حيث الجوهر إلى مرحلة تحضيرية لنقل المشكلة الناتجة عن العولمة إلى إطار الهيئة العامة لألمم المتحدة ،بغض النظر عن الخالفات في وجهات النظر حول االعتراف بها ،أو بطرق التعامل معها بشكل مكشوف ،انطالقا ً من مصالح األمن الوطني والعالمي. الحرب اإلعالمية ومشكلة المصطلح: ومن القضايا الهامة التي تنتظر الحل من قبل المجتمع الدولي ،وخاصة منه الوسط األكاديمي الدولي في إطار المنظمات الدولية المتخصصة ،مشكلة االتفاق من حيث المبدأ على المصطلح والتوصل 12
لتعريف مشترك لماهية الحرب اإلعالمية غير المرئية تلك ،وأسلحتها وأدواتها ووسائلها المشتركة في جوهر الصراع .لتؤدي في النهاية إلى االعتراف بالحرب اإلعالمية ،مثلها مثل االعتراف بالحرب التقليدية ،والحرب النووية ،والحرب الباردة ،واألسلحة التقليدية وغير التقليدية المستخدمة في الصراعات بين الدول. ورغم ضيق الهوة بين فهم الخبراء في الدول المختلفة حول المصطلح ،فقد لوحظ تباين واضح في التوجهات .التي يمكن تحديدها ببعض االتجاهات الرئيسية والتي نلخصها بالتالي: الحرب اإلعالمية :وهي المواجهات اإلعالمية التي تهدف إلحاق الضرر أو تخريب األنظمة اإلعالمية الهامة للخصم ،وتخريب نظمه السياسية واالجتماعية ،وزعزعة األمن واالستقرار داخل المجتمع والدولة الخصم؛ والصراع اإلعالمي :وهو شكل من أشكال الصراع بين الدول ،من خالل تأثير دولة ما إعالميا ً على نظم إدارة الصراع في غيرها من الدول أو على قواتها المسلحة ،والتأثير على القيادة السياسية والعسكرية وحتى المجتمع بأسره .وكذلك التأثير على األنظمة اإلعالمية ووسائل االتصال واإلعالم الجماهيرية لتلك الدول من أجل تحقيق أهداف محددة ومناسبة لها ،والحد من تأثير أية ممارسات مشابهة قد تخرق المجال اإلعالمي للقائم بالصراع؛ والتأثير اإلعالمي :وهو الفعل الموجه ضد الخصم باستخدام األسلحة اإلعالمية المختلفة؛ واألسلحة اإلعالمية :وهي مجموعة من الوسائل التكنولوجية وغيرها من التقنيات واألساليب والتقنيات المستخدمة من قبل القائم بالصراع بغرض :السيطرة على الموارد اإلعالمية واإلمكانيات المتاحة للخصم؛ والتدخل في عمل أنظمة إدارة الخصم وشبكاته اإلعالمية ،ونظم اتصاله وغيرها ،بهدف تخريبها عملياً ،وإخراجها تماما ً من حيز العمل .والتسلل للمواقع اإلعالمية للخصم بهدف االستيالء على موارده اإلعالمية فيها ،وتحريف مضمونها أو إدخال معلومات مغايرة ،أو استبدالها بمعلومات أخرى بشكل موجه ومدروس؛ ونشر معلومات أخرى ،أو معلومات مضللة من خالل نظم تشكيل الرأي العام ومراكز اتخاذ القرار ،لصالح القائم بالصراع؛ وإتباع مجموعة من األساليب الخاصة باستخدام وسائل تؤثر على وعي وسلوك القيادة السياسية والعسكرية ،وتؤثر على الحالة المعنوية للقوات المسلحة ،وأجهزة األمن الوطني ،ومواطني الدولة الخصمة ،لتحقيق التفوق عليها أو إضعاف تأثيرها اإلعالمي؛ واألمن اإلعالمي ،ويتضمن :إجراءات محددة لحماية المجال اإلعالمي والموارد اإلعالمية ،بشكل يؤمن تشكلها وتطورها لصالح المواطنين والمؤسسات والمنظمات والدول؛ وإجراءات محددة لحماية نظم اإلعالم الخاصة باألفراد والمنظمات والدول ،التي يتم من خاللها استخدام المعلومات بأشكال محددة ودقيقة ،وضمان عدم التأثير السلبي عليها أثناء االستخدام؛ وإجراءات محددة لحماية المعلومات التي تحمل طابع السرية ،لضمان عدم وصول الغير إليها بسهولة ،وتوفير إجراءات تؤكد صعوبة الوصول إليها أو تخريبها ،والمحافظة على خصائصها وسريتها وسالمتها ،واسترجاعها عند الحاجة من قبل األشخاص والجهات المصرح لها بالوصول إلى تلك المعلومات؛ والمجال اإلعالمي :وهو مجال النشاط اإلنساني الذي يتضمن إحداث وتشكيل واستخدام نظم المعلومات من أجل :تشكيل الوعي الفردي واالجتماعي؛ وتوفير الموارد اإلعالمية ،أي البنية التحتية اإلعالمية بما فيها مجموعة األجهزة واألنظمة ،والتجهيزات التكنولوجية ،والبرامج وغيرها ،التي تؤمن تكوين وحفظ المعلومات ،وإعدادها والتعامل معها وإرسالها واستردادها وتدفقها؛ وتكوين وتوفير المعلومات الخاصة وتأمين تدفقها؛ والجريمة اإلعالمية :وهي أي تصرف يؤدي إلى حدوث تأثير سلبي على المجال اإلعالمي وموارده ،لفرد أو منظمة أو دولة ،أو ألي جزء منه بشكل مخالف للقانون .وينتج عنها أضراراً اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية بما فيها تخريب المجال اإلعالمي للغير وموارده ،ألهداف اقتصادية أو سياسية أو عسكرية. مجاالت تأثير الصراع اإلعالمي الدولي: 11
وال يستطيع أحد في الوقت الحاضر ،أن ينكر الصعاب الكثيرة التي تعترض توفير األمن اإلعالمي في ظروف الصراع اإلعالمي الدولي .الذي أصبح يستهدف كل مجاالت حياة اإلنسان اليومية. األمر الذي دعى الكثير من الخبراء للنظر في ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة توفر األمن اإلعالمي في المجاالت التالية: السياسية :بما فيها بنية النظام السياسي واالجتماعي والحكومي للدولة ،ونظم دراسة وإعداد واتخاذ القرار السياسي .واألجهزة المختصة بإجراء االنتخابات واالستفتاء العام وغيرها من أدوات قياس الرأي العام .ونظم اإلدارة المحلية والمركزية واإلقليمية ،والهياكل اإلعالمية ووسائل االتصاالت المرئية والمسموعة ،وشبكات الحاسب اآللي التابعة ألجهزة السلطات الحكومية واإلدارية؛ والوعي االجتماعي :وتشمل وسائل تشكيل الرأي العام ،ووسائل اإلعالم الجماهيرية المقروءة والمسموعة والمرئية ،واألحزاب السياسية والمنظمات واالتحادات والهيئات االجتماعية والثقافية والدينية القومية والوطنية؛ واالقتصادية :وتشمل نظم اإلدارة االقتصادية ،ونظم جمع وتخزين واسترداد وإعداد المعلومات الخاصة بالمقدرات اإلنتاجية لالقتصاد الوطني ،ونظم التحليل االقتصادي العامة ،وتوقعات تطور االقتصاد الوطني العام والخاص ،ونظم اإلدارة والتنسيق في المجاالت الصناعية والزراعية والمواصالت ،ونظم اإلدارة واإلمداد المركزية للطاقة ،ونظم اتخاذ القرار والتنسيق في حاالت الطوارئ، ونظم اإلعالم االقتصادي المقروءة والمسموعة والمرئية ،وشبكات الحاسب اآللي؛ والمالية :بما فيها بنوك المعلومات وشبكات االتصال وتبادل المعلومات ،بين البنوك واالتحادات المصرفية ،ونظم االتصال الخاصة بالتبادل المالي والحسابات المالية ،الخاصة والحكومية والدولية؛ والدفاعية :وتشمل موارد المعلومات الخاصة بالقوات المسلحة ،والهيئات العلمية والمنشآت العاملة في المجاالت الصناعة الدفاعية ،ونظم إمداد وإدارة القوات المسلحة ،ونظم السيطرة والمراقبة الدائمة ،وقنوات تدفق المعلومات ذات الطبيعة اإلستراتيجية والعملياتية واالستطالعية؛ والعلمية والتكنولوجية :بما فيها نظم إجراء البحوث العلمية النظرية والتطبيقية ،ونظم جمع وتخزين واستعادة المعلومات الخاصة بالبحوث العلمية الجارية ،واالكتشافات العلمية ،واالختراعات التي تم التوصل إليها، سواء أكانت في المجاالت التكنولوجية أم في مجاالت العلوم اإلنسانية أم في مجاالت العلوم الحية وغيرها من المواضيع الخاصة بالملكية الفكرية؛ واألمن الداخلي :وتشمل نظام التحقيق ،والتأكد ،والنيابة العامة، واإلجراءات العدلية ،والموارد اإلعالمية ألجهزة األمن ،ومنظومة جمع وحفظ وإعداد واسترجاع المعلومات واإلحصائيات الخاصة بالجريمة ،بما فيها بنوك معلومات الشرطة الدولية (اإلنتربول). تهديدات األمن اإلعالمي الوطني: ألن األمن اإلعالمي الدولي يقصد به أساسا ً كل ما يدخل في مجال تهديد األمن اإلعالمي الوطني، من: تهديدات البنى التحتية اإلعالمية :التي تستهدف تخريب مواقع تبادل المعلومات الفورية عبر شبكات الحاسب اآللي ،وتكنولوجيا معالجة المعلومات ،وتقنيات التسلل للمواقع الخاصة في شبكات الحاسب اآللي ،وجمع واستخدام ونشر المعلومات بشكل مخالف للقانون؛ وتهديدات األمن اإلعالمي :الموجهة أصالً ضد الخصائص الهامة التي يجب أن تتمتع بها المعلومات مثل السالمة والسرية وقيود أو حرية الوصول إليها؛ وتهديدات الحياة الروحية للمجتمع :والتي تتم من خالل إدخال معلومات سياسية أو دينية مغلوطة في أجهزة اإلعالم الحكومية ووسائل االتصال واإلعالم الجماهيرية بشكل يهدد المصالح الوطنية العليا والمصالح الخاصة ،ومصالح المجتمع والدولة بشكل عام .أو عن طريق االحتكار والحجب المتعمد للمعلومات الموجهة للمواطنين .أو في ترويج وبث األنباء الكاذبة ،واإلخفاء أو تحريف المتعمد للمعلومات 10
بشكل يؤدي إلى تحريف وتشويه الوسط اإلعالمي المحلي ويزعزع الحالة النفسية للمجتمع ،ويخرب ويشوه التقاليد الثقافية ،ويفسد األخالق العامة ،ويشوه القيم الجمالية والتربوية لدى الفرد والمجتمع؛ وتهديدات حقوق الفرد والحريات العامة :والتي تطال المجال اإلعالمي ،من خالل القواعد القانونية المتبعة ،والتي تحد من حقوق وحريات المواطنين في مجاالت الحياة الخاصة والعامة، والمعتقدات الدينية والسياسية ،والنشاطات اإلعالمية الفردية .بما فيها األفعال التي تهدد نظم جمع وحفظ واسترداد وتدفق المعلومات الشخصية التي من خصائصها السرية في التداول مثل المعلومات الطبية، والوثائق المدنية الشخصية ،والمعلومات الخاصة عن عمل ودخل المواطنين وغيرها .فاألمن اإلعالمي الوطني مطالب في مجتمع الديمقراطية وسيادة القانون بتأمين سرية المعلومات عن الحياة الخاصة للمواطنين واألحاديث الصريحة والخاصة التي تتم بين شخصين عبر وسائل االتصال الحديثة. وهكذا نرى أن الهدف الرئيسي من استخدام األسلحة اإلعالمية هو تحقيق أهداف إستراتيجية موجهة ضد األجهزة الحكومية الحساسة ،وتطال وعي وأمن المجتمع بأسره .وهو ما يسمح ولو بالتلميح بأن نقول أنه سالح مدمر جديد قد دخل ترسانة أسلحة الدمار الشامل .وتلك هي بعض مالمح هذا السالح الجديد اآلخذ بالتطور واالنتشار السريع .فماذا سيحدث لو لم تتمكن األبحاث العلمية الحديثة من وضع أسس ملموسة للوقاية منه ،أو الحد من تأثيره كما هي الحال مع األسلحة التقليدية وأسلحة الدمار الشامل األخرى ؟ ألن األسلحة اإلعالمية الجديدة تتميز عن غيرها من األشكال التقليدية من األسلحة السابقة بسرعة االنتشار والتأثير الفعال والسريع على الهدف الذي تستخدم ضده. الخصائص األساسية لألسلحة اإلعالمية وأهدافها: ومن تحليل لما تم نشره من أبحاث حتى اآلن يمكننا إلقاء بعض الضوء على بعض الخصائص األساسية لألسلحة اإلعالمية ،انطالقا ً من إمكانياتها األساسية في التأثير على األهداف المستخدمة ضدها، وهي: أنظمة نقل المعلومات :من نظم وشبكات االتصال ،ونظم وشبكات المعلومات والحاسب اآللي، وبنوك خزن وإعداد وتوزيع وتبادل المعلومات إلخ؛ والوعي االجتماعي (الرأي العام) ونظم تشكيله :ويتضمن التأثير على الحالة النفسية االجتماعية، وأدوات تشكل القيم األخالقية والدينية والتربوية في المجتمع ،ووسائل اإلعالم واالتصال الجماهيرية، ونظم إعداد وتنشئة وتربية األطفال والشباب وغيرها؛ وأخيراً الوعي الفردي أو الشخصي :فاألسلحة اإلعالمية ليست وسائل "للتخريب الفكري" فقط، بل هي وسائل يقصد منها أساسا ً التأثير على البنية التحتية لتدفق المعلومات الضرورية للنشاط الفكري والتي تطال وتصب داخل الوعي االجتماعي .والهدف منها أساساً ،هو :التأثير الفعال على نظم المعلومات العلمية والسياسية واالقتصادية والمالية والعسكرية والثقافية والتربوية واإلحصائية. وحتى المعلومات المخزنة داخل أجهزة السيطرة وإطالق وتفجير أسلحة الدمار الشامل واألسلحة المتطورة التي تستخدم الحاسب اآللي لمراقبة وتحديد واختيار والوصول إلى األهداف وتدميرها .أو تضليل أسلحة العدو المتطورة أو شلها أو إخراجها من ساحة المعركة؛ والتأثير النفسي والتخدير وشل قدرات العدو على استخدام نظم معلوماته أو السيطرة عليها ،والقضاء على إمكانياته المتاحة لالتصال والتنسيق داخل الدولة أو بالعالم الخارجي. مجاالت استخدام السالح اإلعالمي: وتتم عادة من خالل حاسب آلي (كمبيوتر شخصي) مزود ببرامج خاصة ،أو من خالل غيرها من أشكال األسلحة اإلعالمية األخرى .فالفيروس المرسل من كمبيوتر شخصي عبر شبكة اإلنترنيت العالمية هو اآلن أكثر فتكا ً من تأثير السالح النووي أو الجرثومي من حيث النتائج على الحضارة اإلنسانية .فنشر الجراثيم الحية لحمى إيبوال ،أو القرحة السيبيرية ،أو مرض نقص المناعة "اإليدز" وغيرها من األمراض 13
الخطيرة ،يمكن التصدي لها وحصرها ووقف انتشارها ومعالجتها ،أما فيروسات الحاسب اآللي "الكمبيوتر" مثل ) Melissa ) :و( ) I Love youأو "تشرنوبل" أو( ) DIRوغيرها من الفيروسات الجديدة التي تظهر كل يوم ،من خالل شبكات الحاسب اآللي الدولية ،لها مفعول مدمر ال يمكن التصدي له حتى اآلن وخالل ثوان فقط تدمر محتويات ملفات كاملة ،وجهود سنوات طويلة في جمع وإعداد وتخزين المعلومات وتختفي إلى األبد من على شاشات الحاسب اآللي ومن ذاكرته .والمصيبة أن ذلك يأتي في ظروف غير متوقعة ،وفي لحظة حرجة ،وتؤدي إلى إرباك كبير. ولنتصور معا ً نتائج تخريب مواقع شبكات الحاسب اآللي للعمليات المالية الدولية ،أو شبكات خطوط النقل الجوي والبري والبحري العالمية ،أو شبكات السيطرة على أسلحة التدمير الشامل ،أو شبكات الشرطة الدولية "اإلنتربول". فاإلنسانية أصبحت اليوم أكثر تهديداً من قبل ،بسالح جديد فتاك يصعب مواجهته ،وال نقول ال يمكن مواجهته ،ألن هذا يحتاج إلى رغبة الدول التي أصبحت تملك مثل تلك األسلحة والقادرة على تطوير وسائل قادرة على التصدي لمثل تلك األسلحة ،وعلى األقل ضد أولئك الذين يستخدمون تلك األسلحة بشكل مخالف للقانون .وعلى مستوى قرار تلك الدول وجديتهم في تطوير واستخدام هذا السالح الجديد ووسائل الوقاية منه يتوقف الكثير. والبد أن قرار دولي من هذا النوع سيكون من األهمية أكثر بكثير من األهمية التي تمتعت بها اتفاقية الحد من انتشار األسلحة النووية في العالم لعام .1451 الرقابة أو اإلشراف على المجال اإلعالمي الدولي: ولكن الخوف بعد مؤتمر جينيف يأتي من إمكانية فرض الدول المتقدمة نوعا ً من الرقابة أو اإلشراف على المجال اإلعالمي العالمي ! وهنا يبرز خطر حقيقي يهدد التدفق اإلعالمي الدولي الحر. ويحد من الدور الحقيقي لإلعالم ،ويجعل من الدول األقل تطوراً والدول النامية رهينة لمشيئة تلك الدول، وتصبح الساحات اإلعالمية للدول األقل تطوراً والنامية مكشوفة أمام تلك الدول ،ويحرمها وهي من دون ذلك محرومة من التدفق اإلعالمي القادم من الدول المتقدمة الحريصة على عدم انتقال التكنولوجيا المتطورة للدول األقل تطوراً والدول النامية بشكل عام. وهو ما يعني أيضا ً إشراف بعض الدول المتقدمة على الساحة اإلعالمية الدولية على األرض وفي الفضاء الكوني في آن معاً ،وعلى مختلف أوجه النشاط اإلنساني وتوجيها لصالحها والسيطرة عليها. سيناريوهات الحرب اإلعالمية: وانطالقا ً من تلك التوقعات نرى أن الكثير من مراكز البحث العلمي المتخصصة في مجاالت االتصال واإلعالم والحرب اإلعالمية ،راحت منذ مدة تعد خططا ً وسيناريوهات للحرب اإلعالمية المحتملة .وراحت تعد إستراتيجيات خاصة بها ،الغرض منها السيطرة على الساحة اإلعالمية ليس للغير وحسب ،بل ومن أجل أن تكون "عولمة" اإلعالم تحت إشرافها فقط .ولنستعرض اآلن بعضا ً من نتائج تلك األبحاث العلمية من خالل السيناريوهات التي أصبحت معروفة ،وهي: السيناريو األول :وفيه الدولة هي المبادر األساسي في شن الحرب اإلعالمية بما تملك من تفوق ساحق في مجال األسلحة اإلعالمية الهجومية ،ومن إمكانيات الحد من صالحية النظم الدفاعية ألي من الدول األخرى "الحالة العراقية" و"الحالة اليوغسالفية" .وفي هذه الحالة تفرز تلك الدولة قسما ً مما تملكه من وسائل وأسلحة الحرب اإلعالمية لتستخدم من قبل حلفائها ،أخذة على نفسها مهمة تنسيق الجهود والعمليات ،في الهجوم وفي الحد من التهديدات اإلعالمية المشابهة التي قد تتعرض لها من قبل الخصم، والمواقع التي يمكن أن ينطلق منها الخصم لتوجيه الضربة المعاكسة.
14
بحيث تضمن لنفسها التفوق وتحقيق النصر مهما كان نوع "العدوان اإلعالمي" الذي تقوم به وحلفائها ضد الخصم ،أو الذي تتعرض له هي أو أي من حلفائها من قبل الخصم في الحرب اإلعالمية غير المعلنة وغير المرئية في أكثر الحاالت. والسيناريو الثاني :احتفاظ عدد محدود من الدول المتقدمة بقدرات وإمكانيات شن الحرب اإلعالمية واحتكار تلك الدول للسالح اإلعالمي ،بشكل يسمح لها بالتفوق الكامل والقدرة على امتالك أجهزة وشبكات معلومات مستقلة .في هذه الحالة البد لواحدة من تلك الدول من االحتفاظ بالتفوق في هذا المجال .وبذلك يصبح هذا الوضع عامل تخويف للدول األخرى ،تمنعها من استخدام األسلحة اإلعالمية ضدها أو ضد أي من الدول التي تشرف عليها وبذلك تضمن التفوق حتى في المستقبل. والسيناريو الثالث :ويركز على الدولة المتفوقة إعالمياً ،ونظم دفاعاتها غير القابلة للقهر ضد أي شكل من أشكال األسلحة اإلعالمية .مما يجبر أكثر دول العالم على االمتناع عن امتالك أي شكل من أشكال األسلحة اإلعالمية الهجومية ،أي الرضوخ التام .ألنها ال تستطيع مواجهة الهجمات اإلعالمية ضدها بسبب عدم امتالك التكنولوجيا المعادلة للدولة المتفوقة. وفي هذه الحالة تستطيع الدولة المتفوقة إعالميا ً فرض نظامها الخاص لإلشراف اإلجباري على األسلحة اإلعالمية ونزعها وتدميرها ،بما يشبه ما تفعله الواليات المتحدة األمريكية من خالل برنامج تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية منذ مطلع التسعينات في الرقابة اإللكترونية واالستطالع الدائم. وبالنتيجة يمكن منع الحرب اإلعالمية ضد الدولة المتفوقة أو تخفيض خطرها إلى الحد األدنى ،والسيطرة على وسائل استعمالها المتوفرة لدى الخصم المتوقع بما يمكن من إزالتها وتدميرها .مما يوفر أرضية منطقية إلعطاء مثل هذه الخطوات في ظروف التفوق الساحق لتلك الدولة ،لتفرض على المجتمع الدولي اتخاذ قرارات دولية مناسبة تتفق ومصالح تلك الدولة المتفوقة. وإشراف كهذا على المجال اإلعالمي العالمي أصبح شبه واقعيا ً على ضوء التفوق الشامل الذي يسمح لدولة معينة ،أو لمجموعة قليلة من الدول ،بالتأثير على النظم اإلعالمية الدولية من خالل اإلمكانيات الفعلية التي تملكها ،وهو ما يسمح لهم بفرض رأيهم على اآلخرين ،بما يعني أن تكون العولمة مقرونة بإشرا ف المتفوق .وهو ما يؤكد وفق المعايير اإلقليمية واإلنسانية أنها ملكت وبالتأكيد الحد األقصى من إمكانيات اإلقناع أثناء الحروب المعلوماتية وفرض األنباء التي تراها مناسبة ،وعمليات حفظ السالم وفق منظورها الخاص. األمن اإلعالمي الدولي من وجهة نظر المعارضين للمشكلة: لهذا يعتمد خصوم وجهة النظر التي تطالب بالنظر العاجل في قضايا األمن اإلعالمي في إطار منظمة األمم المتحدة على حجج ترى من وجهة نظرهم :أن المشكلة ال تتضمن جوانب عسكرية؛ وأن الحقيقة هي في خطر استخدام المعلوماتية في المجاالت اإلجرامية واإلرهابية فقط. وهنا يبرز سؤال هام ،ماذا سيفعل المجتمع الدولي حيال إرهاب الدولة ،وحيال الجرائم المرتكبة من قبل دولة ضد دولة أخرى ،أو شعب ضد شعب آخر ألهداف التطهير العرقي أو إبادة العرق اآلخر أو ألهداف توسعية واقتصادية وسياسية ،وعدم االعتراف بالحقوق الشرعية للغير كما هي الحال في الصراع العربي اإلسرائيلي من أجل تحقيق السالم العادل ؟ فهل يمكن تسمية ذلك بغير الحرب المستمرة ؟ أليست الحروب وفق المفاهيم اإلنسانية جرائم ترتكب بحق البشرية ؟ حتى ولو قامت بها دولة معينة أو مجموعة من الدول ضد دولة أخرى أو مجموعة من الدول بقصد العدوان وليس الدفاع عن النفس. ومن يستطيع إثبات أن تلك الحروب والجرائم واألعمال اإلرهابية تتم دون استخدام األسلحة اإلعالمية التي هي سمة من سمات الحقبة األخيرة من القرن العشرين ؟ ومن الخطأ إخراج الجريمة المنظمة واإلرهاب الدولي من مفهوم األمن اإلعالمي الدولي ،ألنها تهدد الكيان اإلنساني برمته؛
16
وأنه ال وجود لألسلحة اإلعالمية وهي ليست سوى عبارة عن وسائل للتأثير على نظم اإلعالم وشبكات االتصال فقط ،وال تشمل غيرها من الوسائل والطرق التي هي من أشكال األسلحة التي تستخدم في تنفيذ الحروب النفسية؛ وأنه ال يمكن متابعة وتسجيل وضبط القائمين في التأثير اإلعالمي. وهذه بحد ذاتها حجة واهية ألن الحقائق تثبت عكس ذلك ،والتاريخ يتضمن أمثلة محددة على ذلك منها :حل مشكلة تحديد مواقع إطالق الصواريخ العابرة للقارات ،والحجم الكبير للقضايا الجنائية المرفوعة ضد المتسللين إلى شبكات الحاسب اآللي الخاصة ،ومخربي محتويات شبكات الحاسب اآللي، مما يثبت إمكانية وفعالية اإلجراءات المتبعة حتى اآلن والتي يمكن تطويرها والزيادة من فعاليتها كل يوم؛ وأن غياب المصطلحات الموحدة وغياب المداخل الموحدة لمفهوم األمن اإلعالمي يؤدي إلى الخالف في االتجاهات نحو تناول المشكلة وفق المفهوم الدولي .وهي مشكلة تحتاج للحل قبل النظر في المشكلة جديا ً ضمن إطار منظمة األمم المتحدة كهيئة سياسية دولية وحيدة تملك حق النظر في قضايا "العولمة" وآثارها؛ وأن القوانين الوطنية التي تلبي المصالح القومية العليا لمختلف الدول غير متوافقة ،وهو وضع يجب تصحيحه؛ وهنا يبرز السؤال التالي :على أي أساس يجب تصحيحه ؟ هل على أساس قوانين دولة مختارة من دول العالم ؟ ومن هي تلك الدولة المختارة صاحبة الحظ السعيد ؟ ومن يملك الحق بنشر مفاهيمه القانونية الوطنية ومصالحه القومية العليا على كافة دول العالم ؟ ومن هي تلك الدولة التي ستكون المبادرة في فرض قوانينها الوطنية والمبادرة لفرض مفهومها وإجراءاتها في الدفاع عن المجال اإلعالمي وأمنه على غيرها من دول العالم ؟ فهذا من غير الواقعي تماماً .ألن المرجعية واألساس يجب أن يكون للقانون الدولي فقط ،وهو ما دعت إليه الهيئة العامة لمنظمة األمم المتحدة في قراريها 02/63و 44/64؛ وأخيراً حجة عدم كفاية الدراسات الالزمة لإلعداد لعرض الموضوع على الهيئة العامة لألمم المتحدة ،وضرورة االنتظار حتى اكتمال واستالم نتائج البحوث العلمية والقانونية. األمن اإلعالمي الدولي من وجهة نظر البحث العلمي: والجدال حول هذه النقطة صعب ألن البحوث العلمية األساسية المنتهية والمنشورة والمناقشة على مستوى الخبراء كثيرة ،وتم اقتراح الكثير من الحلول التطبيقية للمشكلة من قبلهم .مما يفسح المجال للشك في النوايا التي يمكن أن يكون الغرض منها االنتظار حتى تنتهي بعض الدول من إعداد الوسائل العسكرية التي تعمل على إنشائها ،للوصول إلى التفوق المنتظر الذي يتيح لتلك الدول الفرصة الكاملة لفرض وجهات نظرها على الغير .ولعزل الدول التي لم تبدأ بعد بالقيام بمثل تلك اإلجراءات والحيلولة دون أن يكون لها صوت مؤثر في حل تلك المشكلة الخطيرة. ولتبقى الثغرات في األنظمة اإلعالمية لمختلف دول العالم قائمة ،ولتبقى عرضة للعدوان اإلعالمي دون القدرة حتى على الرد .وليبقى الطريق أمام الدول المتفوقة مفتوحا ً لشن الحروب اإلعالمية وفرض السيطرة واإلشراف اإلعالمي على النظم اإلعالمية للدول األضعف .ولكن هل ستقبل الدول األقل تقدما ً بهذا الوضع المختل ؟ في حال غياب آلية دولية للحد من السباق في مجال امتالك واستخدام السالح اإلعالمي ،وبالتالي منع قيام الحروب اإلعالمية. ففي ذلك الوضع ستفقد األمم المتحدة دورها الريادي في "العولمة" ،مما يؤدي إلى الفوضى اإلعالمية الدولية مع كل النتائ ج الوخيمة التي البد وأن تؤثر في صميم الثقافة اإلنسانية ،وتدفن إلى األبد أية إمكانية لقيام حوار ديمقراطي عادل بين الثقافات ،ولتحل مكانه الثقافة المفروضة من قبل الدولة األقوى. األمن اإلعالمي والتفاهم الدولي:
15
ومن الصعب اآلن أيجاد شكل محدد لتلك اآللية الدولية دون تحقيق التفاهم داخل المجتمع الدولي. ويكون مبنيا ً على مبادئ عامة دولية ،مدعومة من البداية بوثيقة دولية متعددة األطراف تحت رعاية منظمة األمم المتحدة ،تتضمن تصور شامل لألمن اإلعالمي الدولي .ويأخذ في اعتباره طبيعة كل التهديدات العسكرية واإلجرامية واإلرهابية ،بما فيها استخدام سياسة الفرض واإلكراه لفرض هيبة القانون سواء في المجال العسكري أو في المجال المدني .وهذا يتطلب من وجهة نظر أنصار "عولمة" األمن اإلعالمي القيام بما يلي: إعداد نظم للفهم المشترك ،تستخدم أثناء تحليل ومناقشة المشاكل المطروحة حول األمن اإلعالمي ،وتحديد المصادر التكنولوجية وطبيعة األخطار المتوقعة؛ وإعداد المبادئ األساسية لبناء "عولمة" النظم لتأمين األمن اإلعالمي الدولي؛ وإصدار بيان متعدد األطراف في أطار منظمة األمم المتحدة يخلق تصور لألمن اإلعالمي الدولي على أساس المبادئ األساسية المعلنة؛ وإعداد اتفاقية تتضمن المواضيع الخاصة ،مثل قضايا مكافحة اإلرهاب اإلعالمي الدولي والجريمة في مجال اإلعالم ،تتفق ومبادئ المنظمات الدولية العاملة والقائمة في مجال اإلعالم واالتصاالت المرئية ،ووسائل االتصال واإلعالم الجماهيرية وحقوق اإلنسان؛ وإعداد المبادئ األساسية الخاضعة للمحاسبة في إطار منظمة األمم المتحدة للنظر في مالئمة القوانين الوطنية بهدف التوفيق بينها؛ و إدخال جميع الدول األعضاء إلضافات وتغييرات في قوانينها األساسية بما يتفق والمبادئ األساسية المعلنة؛ وإعداد المبادئ األساسية لتنظيم آلية للرقابة والسيطرة في مجال األمن اإلعالمي الدولي ،وضمان تناسقه مع النظم العالمية العاملة في مجال المعلوماتية واالتصاالت المرئية ووسائل اإلعالم واالتصال الجماهيرية وحقوق اإلنسان ،والرقابة على تصدير مواد وتكنولوجيا اإلعالم .ويعني هذا العمل المشترك في أجهزة الرقابة على تصدير المنتجات والخدمات في مجال المعلوماتية واالتصاالت المرئية ،وخاصة منها التي يمكن أن تستخدم عسكريا ً أو لالستخدامات الثنائية ،بما فيها المواد المخصصة إلنتاج أسلحة الحرب النفسية. ويرى أنصار هذا االتجاه أن تتوج المرحلة الختامية بتوقيع كل الدول في المجتمع الدولي على اتفاقية متعددة األطراف لها صبغة نهائية تؤكد مبادئ األمن اإلعالمي الدولي ،وتفرض آلية دولية معينة لمراقبة مجال األمن اإلعالمي الدولي ووضعه حيز التطبيق .على أن يجري كل ذلك في إطار الدبلوماسية الدولية وضمن إطار منظمة األمم المتحدة ،وعلى مستوى المنظمات اإلقليمية ،وهنا يبرز دور جامعة الدول العربية ،ومجلس تعاون دول الخليج العربية وغيرها من التجمعات اإلقليمية والدبلوماسية الثنائية بين الدول ،لتحقيق أوسع تعاون دولي مفيد وواقعي وممكن يساعد على حل مشاكل األمن اإلعالمي الدولي. ويضمن تنفيذ اإلجراءات المتخذة لحل المشاكل الجديدة والصعبة الناتجة عن دخول اإلنسانية عصر "العولمة" المعلوماتية .وتوفر األمن اإلعالمي الدولي الواقعي بما يضمن المصالح الوطنية لجميع دول العالم صغيرها وكبيرها ،فقيرها وغنيها .ويتصدى ألي عدوان خارجي أو إجرامي أو إرهابي على المجال اإلعالمي ألي دولة من دول العالم. لمزيد من المعلومات حول الموضوع أنظر: د .أسامة الغزالي حرب :األحزاب السياسية في العالم الثالث .سلسلة المعرفة 1410 .سبتمبر. .1 أندريه فالديميروفيتش كروتسكيخ ،وأليكساندر فالديميروفيتش فيدروف :عن األمن اإلعالمي .0 الدولي // .موسكو :مجلة الحياة الدولية ،العدد 0لعام ( .0222باللغة الروسية) إسالم كريموف :أوزبكستان ،طريقها الخاص للتجديد والتقدم.ترجمة :أ.د .محمد البخاري .دار .3 السروات ،جدة .1444 إسالم كريموف :أوزبكستان ،نموذجها الخاص لالنتقال إلى اقتصاد السوق .ترجمة :أ.د .محمد .4 البخاري .دار السروات ،جدة .1444 10
إسالم كريموف :أوزبكستان على طريق اإلصالحات االقتصادية .شركة المطبوعات للتوزيع .6 والنشر .بيروت .1445 د .بطرس بطرس غالي :حقوق اإلنسان في 32عاماً // .القاهرة :مجلة السياسة الدولية .5 /1404يناير. د .حازم الببالوي :العرب والعولمة .القاهرة :األهرام .10.32/1440 .0 د .صابر فلحوط ،د .محمد البخاري :العولمة والتبادل اإلعالمي الدولي .دار عالء الدين .دمشق .1 .1444 عاطف الغمري :األسلحة الجديدة في ترسانة الهجوم االقتصادي العالمي // .القاهرة .صحيفة .4 األهرام /1445يناير .32 د .محمد سامي عبد الحميد :أصول القانون الدولي العام.1404 . .12 د .محمد عابد الجابري :قضايا في الفكر العربي المعاصر .مركز دراسات الوحدة العربية. .11 بيروت .1440 د .محمد علي العويني :اإلعالم الدولي بين النظرية والتطبيق .مكتبة األنجلو المصرية ،القاهرة .10 .1442 د .محمد البخاري :مبادئ الصحافة الدولية والتبادل اإلعالمي الدولي .جامعة ميرزة أولوغ بيك .13 الحكومية .طشقند .1440 د .ممدوح شوقي :األمن القومي والعالقات الدولية // .القاهرة .مجلة السياسة الدولية .14 /1440العدد .100 د .هالة مصطفى :العولمة ..دور جديد للدولة // .القاهرة .مجلة السياسة الدولية 1441 ،العدد .16 .134 د .هالة مصطفى :المشروع القومي في مصر :دور الدولة األساسي //.القاهرة :األهرام .15 .4.01/1440 ً د .هالة مصطفى :المشروع القومي بناء الداخل أوال // .القاهرة :األهرام .3.31/1440 .10 د .هالة مصطفى :حقوق اإلنسان ،وفلسفة الحرية الفردية" .نشطاء" البرنامج اإلقليمي لدراسات .11 حقوق اإلنسان 1440 .العدد .3أكتوبر. 19. Francis Fukuyama, End of History, National Interest, summer. 1989. 20. James N. Rosenau, New Dimensions of Security: The Interaction of Globalizing and Localizing Dynamics, Security Dialogue, 1994, Vol. 25 (3). 21. Paul Kennedy, Globalization and its Discontents, New Perspectives Quarterly, Vol. 13, No. 4. Fall 1996. 22. Peter Drucker, The Second Infuriation Revolution, New Perspectives Quarterly, Vol. 14, No. 2, Spring 1997. 23. Jan AART SCHOLTE, Global Capitalism and the State, International Affairs, Vol. 73, No. 3, July 1997. 24. “Joint Doctrine for Information Operations", Joint Chief of Staffs, Joint Pub. 313, October 9, 1998. 25. Hans Morganthue, Political Nations, Calcutta, Scientific Book Agency, 1965, Chap. 28. 26. Edward N. Luttwak, The Global Setting of U.S. Military Power-Washington. 1996.
11