العولمة والأمن الإعلامي الدولي

Page 1

‫العولمة واألمن اإلعالمي الدولي‬ ‫األستاذ الدكتور محمد البخاري‪ :‬مستشار رئيس جامعة طشقند‬ ‫الحكومية للدراسات الشرقية في العالقات الدولية‪/‬أستاذ‬ ‫محاضر في كلية العالقات الدولية‪.‬‬ ‫نشرت في مجلة معلومات دولية الدمشقية العدد ‪ /56‬صيف‬ ‫‪.0222‬‬ ‫مخطط البحث‪:‬‬ ‫تعريف "العولمة"؛‬ ‫مقدمات "العولمة"؛‬ ‫"العولمة" والدولة والسيادة الوطنية؛‬ ‫األمم المتحدة واألمن اإلعالمي الدولي؛‬ ‫األمن اإلعالمي الدولي والتفوق في تكنولوجيا االتصال؛‬ ‫البنى اإلعالمية الدولية فوق الدولة؛‬ ‫التهديدات الجديدة "للعولمة"؛‬ ‫"العولمة" والسيطرة على الموارد اإلعالمية؛‬ ‫السالح اإلعالمي في خدمة الدول الصناعية المتقدمة؛‬ ‫السالح اإلعالمي وإدارة الصراع؛‬ ‫مشكلة األمن اإلعالمي الدولي؛‬ ‫الحرب اإلعالمية ومشكلة المصطلح؛‬ ‫الحرب اإلعالمية؛‬ ‫التأثير اإلعالمي؛‬ ‫األسلحة اإلعالمية؛‬ ‫األمن اإلعالمي؛‬ ‫المجال اإلعالمي؛‬ ‫الجريمة اإلعالمية؛‬ ‫مجاالت تأثير الصراع اإلعالمي الدولي؛‬ ‫السياسية؛‬ ‫الوعي االجتماعي؛‬ ‫االقتصادية؛‬ ‫المالية؛‬ ‫الدفاعية؛‬ ‫تهديدات األمن اإلعالمي الوطني؛‬ ‫تهديدات البنى التحتية اإلعالمية؛‬ ‫تهديدات األمن اإلعالمي؛‬ ‫تهديدات الحياة الروحية للمجتمع؛‬ ‫تهديدات حقوق الفرد والحريات العامة؛‬ ‫الخصائص األساسية لألسلحة اإلعالمية وأهدافها؛‬ ‫أنظمة نقل المعلومات؛‬ ‫الوعي االجتماعي (الرأي العام) ونظم تشكيله؛‬ ‫‪1‬‬


‫الوعي الفردي أو الشخصي؛‬ ‫مجاالت استخدام السالح اإلعالمي؛‬ ‫الرقابة أو اإلشراف على المجال اإلعالمي الدولي؛‬ ‫سيناريوهات الحرب اإلعالمية؛‬ ‫السيناريو األول؛‬ ‫السيناريو الثاني؛‬ ‫السيناريو الثالث؛‬ ‫األمن اإلعالمي الدولي من وجهة نظر المعارضين للمشكلة؛‬ ‫األمن اإلعالمي الدولي من وجهة نظر البحث العلمي؛‬ ‫األمن اإلعالمي والتفاهم الدولي‪.‬‬

‫تعريف "العولمة"‪:‬‬ ‫"العولمة" ‪ Globalization‬حسب تعبير خبراء السياسة في الدول النامية‪ ،‬تحمل معنى "جعل‬ ‫الشيء على مستوى عالمي‪ ،‬أي نقله من حيز المحدود إلى آفاق "الالمحدود"‪ .‬والالمحدود هنا يعني العالم‬ ‫بأسره‪ ،‬فيكون إطار النشاط والعالقات والتعامل والتبادل والتفاعل على اختالف صوره السياسية‬ ‫واالقتصادية والثقافية والعلمية وغيرها‪ ،‬متجاوزاً الحدود الجغرافية المعترف بها لدول العالم‪ ،‬وهذا المعنى‬ ‫يجعل "العولمة" تطرح ضمنا ً مستقبل الدولة القومية ‪ Nation-State‬وحدود سيادتها الوطنية‪ ،‬ودورها‬ ‫على الصعيدين الداخلي و الخارجي"‪ .‬بينما جاء تعريف "العولمة" حسب المفهوم األمريكي "بتعميم نمط‬ ‫من األنماط الفكرية والسياسية واالقتصادية لجماعة معينة‪ ،‬أو نطاق معين‪ ،‬أو أمة معينة على الجميع‪ ،‬أو‬ ‫العالم بأسره"‪ .‬وبما أن "العولمة" بدأت أساسا ً من الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬فقد جاءت نظريا ً كدعوة‬ ‫لتبني النموذج األمريكي في االقتصاد والسياسة والثقافة والعلوم وبالتالي طريقة الحياة بشكل عام‪.‬‬ ‫مقدمات "العولمة"‪:‬‬ ‫وجاءت "العولمة" أساسا ً كنتاج للثورة العلمية والتكنولوجية‪ ،‬التي كانت نقلة نوعية في تطور‬ ‫الرأسمالية العالمية‪ ،‬في مرحلة ما بعد الثورة الصناعية التي ظهرت في منتصف القرن ‪ 11‬في أوروبا‪،‬‬ ‫ونتيجة الستخدام الطاقة‪ ،‬التي غيرت بشكل جذري أسلوب وعالقات اإلنتاج‪ ،‬لتبدأ معها مرحلة جديدة من‬ ‫مراحل التطور اإلنساني‪ ،‬اتصف بالتوسع االقتصادي‪ ،‬والبحث عن الموارد الطبيعية‪ ،‬وفتح األسواق‬ ‫العالمية‪ .‬وهي المسببات التي أدت لظهور االستعمار التقليدي‪ ،‬وقيام الحروب األوروبية لتلبية حاجات‬ ‫الرأسمالية الصاعدة‪.‬‬ ‫ومما سارع في شيوع "العولمة" استمرار التطور العلمي والتكنولوجي‪ ،‬وما رافقه من تطور‬ ‫هائل لوسائل االتصال ونقل المعلومات الحديثة‪ ،‬التي شكلت بدورها تجديداً لنمط وطبيعة اإلنتاج‬ ‫والتفاعالت والتعامالت الدولية‪ .‬وبذلك لم تعد الحروب وسيلة لحسم الخالفات بين الدول الرأسمالية كما‬ ‫كان الوضع حتى الحرب العالمية الثانية‪ ،‬بل أصبحت الحاجة ملحة لتوحيد أسواق الدول الصناعية‬ ‫المتقدمة من خالل سوق عالمية واحدة‪ ،‬أي ضرورة تجاوز الحدود السياسية القومية المعترف بها‪ ،‬وإعادة‬ ‫توزيع الدخل القومي‪ ،‬والعمل على رفع المستوى المعيشي لإلنسان ليمكن معه توسيع سوق الدول‬ ‫الصناعية المتقدمة‪ ،‬الستيعاب المنتجات الحديثة‪ ،‬أي خلق "مجتمع االستهالك الكبير ‪Consumer‬‬ ‫‪.Society‬‬ ‫وشكلت هذه السمات نقطة التحول من "الرأسمالية القومية" إلى "الرأسمالية العابرة للقوميات" من‬ ‫خالل الشركات متعددة الجنسيات‪ ،‬التي ارتبط فيها ظهور مفهوم "العولمة" الذي عبر عن ظاهرة اتساع‬ ‫مجال اإلنتاج والتجارة‪ ،‬ليشمل السوق العالمية بأسرها‪ .‬وتجاوز الفاعلية االقتصادية التي كانت لمالكي‬ ‫رؤوس األموال‪ ،‬من تجار وصناعيين‪ ،‬الذين كانت تصرفاتهم محكومة في السابق بحدود الدولة القومية‬ ‫‪0‬‬


‫التي ينتمون إليها‪ ،‬لتصبح الفاعلية االقتصادية مرهونة بالمجموعات المالية والصناعية العالمية الحرة‪،‬‬ ‫المدعومة من قبل الدول المشاركة في رأس مالها‪ ،‬عبر الشركات متعددة الجنسيات‪ .‬وهكذا لم تعد الدولة‬ ‫القومية هي المحرك الرئيسي للفاعلية االقتصادية على المستوى العالمي‪ ،‬بل حل مكانها القطاع الخاص‬ ‫بالدرجة األولى في مجاالت اإلنتاج والتسويق والمنافسة العالمية‪.‬‬ ‫و"العولمة" ليست نظاما ً اقتصاديا ً فقط‪ ،‬بل تعدته إلى كافة مجاالت الحياة السياسية والثقافية‬ ‫والعلمية واإلعالمية‪ .‬ألن النمو االقتصادي الرأسمالي العالمي استلزم وجود أسواق حرة‪ ،‬ووجود أنظمة‬ ‫سياسية من شكل معين إلدارة الحكم‪ .‬كما وتعددت مراكز القوة االقتصادية العالمية للرأسمالية الدولية‬ ‫الحديثة‪ ،‬وتعددت معها مراكز القوة السياسية‪ ،‬مما خلق بدائل وتعددية في القوى على مستوى السلطة‪،‬‬ ‫وهو ما دعم إمكانيات التطور الديمقراطي بكل شروطه‪ ،‬من عدم احتكار السلطة‪ ،‬وتداولها‪ ،‬وتعدد وتنوع‬ ‫مراكز القوة والنفوذ في المجتمع‪ ،‬ومنع تركيز الثروة في يد الدولة وحدها‪ ،‬محققة بذلك نوعا ً من‬ ‫الالمركزية في اإلدارة والحكم‪.‬‬ ‫ومما ساعد على االنتشار السريع "للعولمة" انتصار الرأسمالية على األنظمة األخرى‪ ،‬من نازية‬ ‫وفاشية وشيوعية‪ ،‬وانهيار اإلتحاد السوفييتي السابق‪ ،‬لتحل محله الجمهوريات المستقلة‪ .‬وسقوط النظم‬ ‫الشمولية في أوروبا الشرقية‪ ،‬وتحول األنظمة الجديدة في تلك الدول نحو أشكال من الحكم الديمقراطي‪،‬‬ ‫الذي يربط في جوهره بين التطور الديمقراطي والنمط الرأسمالي‪ ،‬الذي يعتمد على الديمقراطية في عملية‬ ‫التنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ .‬وأتاح االتصال المباشر عبر القارات من خالل شبكات االتصال‬ ‫العالمية للحاسب اآللي ومحطات اإلذاعة الفضائية المسموعة والمرئية‪ ،‬الفرصة إلبراز مالمح "العولمة"‬ ‫التي أصبحت ملموسة حتى من قبل األشخاص العاديين في أي مكان في العالم‪ .‬ومن المنتظر أن يتيح هذا‬ ‫التطور الهائل في تكنولوجيا وسائل االتصال الحديثة‪ ،‬إمكانية زيادة التواصل الثقافي بين شعوب العالم‪،‬‬ ‫ويساعد على إيجاد آمال وأهداف ومصالح مشتركة تتجاوز المصالح القومية وال تتناقض معها‪.‬‬ ‫"العولمة" والدولة والسيادة الوطنية‪:‬‬ ‫ومع ذلك فقد أثارت العديد من الحكومات مخاوف وشكوك كثيرة‪ .‬منها المخاوف السياسية التي‬ ‫يمكن أن تنجم عن بث برامج معادية ألنظمة الحكم‪ ،‬وأفكاراً وأيديولوجيات تهدد األمن واالستقرار‬ ‫السياسي واالجتماعي داخل الدول‪ .‬كما وعبرت بعض القوى السياسية واالجتماعية المؤثرة في العديد من‬ ‫دول العالم عن خشيتها من النظام اإلعالمي المفتوح الجديد الذي قد يهدد ثقافات وتقاليد وعادات ومقدسات‬ ‫الشعوب‪ ،‬وانطلقت األصوات تطالب بتحقيق أمن إعالمي وطني ودولي‪ .‬وإذا كانت "العولمة" ترتبط‬ ‫بسيادة نموذج اقتصاد السوق‪ ،‬فإن هذا النموذج بدوره يثير قضية العالقة بالدولة ودورها‪ ،‬وال يبرر‬ ‫االنتقال إلى اقتصاد السوق أبداً اختفاء دور الدولة‪ ،‬وكل ما هنالك سيؤدي إلى تغيير محدود لهذا الدور‬ ‫الذي اعتادت عليه بعض الدول البطيئة التطور‪ .‬ومعظم من كتب في أهمية نظام السوق‪ ،‬كان يقرن ذلك‬ ‫دائما ً بضرورة وجود دولة قوية‪ ،‬ودونها ال تستطيع السوق أن تقوم بدورها‪.‬‬ ‫ومن هنا ليس هناك مجال للحديث عن محاولة إلغاء أو تقليص دور الدولة‪ ،‬بل بالعكس البد من‬ ‫التأكيد على هذا الدور وأهميته وضرورته‪ ،‬مع ضرورة إجراء تعديل معين لهذا الدور ليتوافق مع نظام‬ ‫السوق المنفتح‪ .‬فالواليات المتحدة األمريكية وهي أكبر دولة رأسمالية في العالم‪ ،‬تتدخل في الحياة‬ ‫االقتصادية‪ ،‬وتحدد شروط النشاطات االقتصادية‪ ،‬والسياسات النقدية والمالية والتجارية‪ ،‬والفارق المهم‬ ‫بين النظم المركزية‪ ،‬ونظم السوق‪ ،‬هو أن الدولة تتدخل في الحياة االقتصادية باعتبارها سلطة‪ ،‬وليس‬ ‫باعتبارها منتجاً‪ .‬ألن سلطة الدولة ال غنى عنها وال تتناقض مع تطور الحياة االقتصادية‪.‬‬ ‫واالقتصاد الحر ال يعني أبداً غياب الدولة عن النظام االقتصادي‪ .‬والفرق بين النظام الليبرالي‬ ‫ونظام التخطيط المركزي‪ ،‬ليس في مبدأ "التدخل" ولكن في مضمونه‪.‬‬ ‫ففي ظل التخطيط المركزي تقوم الدولة باإلنتاج المباشر للسلع والخدمات‪ ،‬وتسيطر على النشاط‬ ‫االقتصادي‪ ،‬عن طريق القطاع العام‪ .‬أما في ظل االقتصاد الحر‪ ،‬فإن الدولة تترك اإلنتاج المباشر للسلع‬ ‫والخدمات لألفراد والمشروعات الخاصة‪ ،‬أي تحقق التكامل بين دور الدولة ودور القطاع الخاص‪ ،‬ويكون‬ ‫‪3‬‬


‫تدخلها في سير الحياة االقتصادية‪ ،‬بوسائل أخرى أكثر فعالية‪ ،‬من حيث الكفاءة اإلنتاجية وتحقيق العدالة‬ ‫االجتماعية‪ .‬من خالل المحافظة على مستويات عالية في نمو الناتج القومي‪ .‬والقيام بتوفير الخدمات‬ ‫األساسية في مجاالت التعليم والصحة‪ ،‬والقضاء واألمن والدفاع‪ ،‬ويدخل فيها قيام الدولة بمشروعات البنية‬ ‫األساسية‪.‬‬ ‫ومبدأ الحرية االقتصادية ال يعني أبداً إهمال مبدأ العدالة االجتماعية‪ ،‬فالبالد التي أخذت بهذا‬ ‫المبدأ‪ ،‬هي في مقدمة بالد العالم من حيث االهتمام بالفقراء‪ ،‬وتحقيق العدالة في التوزيع‪ ،‬وتوفير شبكة‬ ‫األمان لكل المواطنين‪ ،‬ضد المخاطر االجتماعية بما في ذلك البطالة والعجز والشيخوخة‪ ،‬وغيرها من‬ ‫األمراض االجتماعية‪.‬‬ ‫وهناك عالقة وثيقة بين الكفاءة في األداء االقتصادي وبين شروط العدالة‪ .‬ذلك أن الكفاءة تعني‬ ‫نمو االقتصاد القومي بمعدالت عالية‪ ،‬وتعاظم قدرة النظام االقتصادي لتوفير فرص العمل المنتج لكل‬ ‫القادرين عليه‪ ،‬وهي من المقومات األساسية للعدالة االجتماعية‪ .‬والدور الجديد هذا للدولة يؤهلها للتكيف‬ ‫مع المتغيرات العالمية الجديدة‪ ،‬دون االنتقاص من سيادتها‪ ،‬في ظل انتشار مفهوم "العولمة"‪ ،‬وشروط‬ ‫النظام العالمي الجديد‪ .‬الذي يقوم على مبدأ االعتماد المتبادل وليس فرض اآلراء بين دول وشعوب العالم‪.‬‬ ‫واالندماج اإليجابي والواعي في النظام العالمي الجديد‪ .‬انطالقا ً من حقائق أن "العولمة" ليست‬ ‫ظاهرة بال جذور‪ ،‬بل هي ظاهرة تاريخية وموضوعية نتجت عن التطور الهائل لتكنولوجيا وسائل‬ ‫االتصال ونقل المعلومات‪ ،‬والطبيعة التوسعية لإلنتاج الرأسمالي‪ .‬وال يجوز البقاء خارجها‪ ،‬ويجب اللحاق‬ ‫بما يجري في العالم‪ ،‬والتعامل معه بوعي ووفق قواعد محددة تجنبا ً للبقاء خارج إطار التاريخ‪.‬‬ ‫والنظام االقتصادي الجديد جاء نتيجة إلنجازات كبرى في تاريخ تطور البشرية على كافة‬ ‫المستويات العلمية والثقافية واالقتصادية والتقنية والسياسية والفكرية‪ ،‬ويمثل نقطة جذرية مختلفة تماما ً عن‬ ‫كل ما سبقتها من نظم‪ .‬وأن الحضارة العالمية الحديثة قامت على أنقاض حضارات القرون الوسطى‬ ‫وثقافاتها‪ ،‬ورفضت فكرة الحق اإللهي‪ ،‬وفصلت الدين عن الدولة لتفسح المجال أمام الجميع لالنتماء إلى‬ ‫الوطن المشترك والعمل على رفعته وتقدمه‪ ،‬كما هي الحال في أكثر دول العالم الحديث‪.‬‬ ‫وزودت الفكر البشري برؤية عقالنية تاريخية تنويرية‪ ،‬بتوجه ديمقراطي يقوم على أساس احترام‬ ‫الرأي‪ ،‬والرأي اآلخر‪ ،‬والتعددية‪ ،‬وحرية التعبير‪ ،‬وتكريس مبادئ حقوق اإلنسان التي ال تعرف الحدود‬ ‫القومية أو الجغرافية أو السياسية‪.‬‬ ‫و"العولمة" تفرض على الدول األقل تقدماً‪ ،‬القيام بمزيد من خطوات التحديث الشامل الذي ال‬ ‫يمكن دون الدور الفاعل للدولة‪ ،‬التي تضطلع به من خالل الترشيد واألداء االقتصادي‪ ،‬وتنظيم تفاعالت‬ ‫السوق‪ ،‬وما تتطلبه تلك العملية من وسائل وتقنيات تجعل الساحة والموارد اإلعالمية الخاصة والعامة‬ ‫متاحة للجميع ضمن األطر واألنظمة التي تضبط عملها في إطار العالقات على صعيد الدولة نفسها وفي‬ ‫عالقاتها مع غيرها من دول العالم‪.‬‬ ‫ولكن التجاوزات الكثيرة واألعمال التخريبية التي تعرضت لها الموارد اإلعالمية لبعض الدول‪،‬‬ ‫إضافة لألخطار التي يتنبأ بها المختصون بين الفينة واألخرى‪ ،‬فرض على المجتمع الدولي ضرورة النظر‬ ‫في خطر جديد أصبح يهدد المجتمع اإلنساني ويعرف باألمن اإلعالمي الدولي‪.‬‬ ‫األمم المتحدة واألمن اإلعالمي الدولي‪:‬‬ ‫وكان من بين الوثائق الهامة التي صدرت عن الدورة ‪ 64‬للهيئة العامة لمنظمة األمم المتحدة‪،‬‬ ‫وثيقة حملت في مضمونها أبعاداً سياسية وإنسانية عميقة‪ ،‬تناولت موضوع "العولمة" واستقرار‬ ‫إستراتيجية العمل السياسي والدبلوماسي في القرن الحادي والعشرين‪ ،‬بعد أن اعترف المجتمع الدولي‬ ‫وللمرة األولى بوجود مشكلة األمن اإلعالمي الدولي كنتيجة حتمية "للعولمة"‪ ،‬على أنها مشكلة تهدد‬ ‫المجتمع اإلنساني في المرحلة التالية للقرن النووي‪ .‬وجاء هذا االعتراف من خالل القرار ‪ 44/64‬الذي‬ ‫تناول مشكلة "تحقيق األمن الدولي في اإلعالم واالتصاالت المرئية"‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫فقد برزت تلك المشكلة بحدة بعد التقدم الهائل في تكنولوجيا اإلعالم ووسائله المختلفة‪ ،‬وخلق هذا‬ ‫التقدم إلى جانب النواحي اإليجابية التي حملها للبشرية التي تنتظر منه الكثير في المستقبل‪ ،‬مجاالً جديداً‬ ‫تماما ً من التهديد تمثل في خطر استخدام منجزات التقدم التكنولوجي في اإلعالم واالتصال ألغراض‬ ‫تتعارض والمهام المنتظرة منها في دعم وتعزيز التفاهم واألمن واالستقرار الدولي‪.‬‬ ‫ومشكلة األخطار التي تهدد األمن اإلعالمي للدول األقل تطوراً‪ ،‬لم تعد مشكلة منتظرة بل حقيقة‬ ‫قائمة خلقت نوعا ً من التبعية الواقعية لكل مجاالت النشاط اإلنساني داخل المجتمعات المحلية في الدول‬ ‫ذات السيادة‪ ،‬اقتصادية كانت أم سياسية أم علمية‪ ،‬أو ثقافية‪ ،‬وأصبحت الحاجة معها ملحة لتأمين نوع من‬ ‫األمن القومي والمصالح الدولية المتشابكة بفعل "العولمة" وابتعاد التبادل اإلعالمي الدولي عن دوره‬ ‫الطبيعي‪ ،‬وابتعاد استخدام شبكات التبادل اإلعالمي الدولية وشبكات االتصاالت المرئية والمسموعة‬ ‫العالمية‪ ،‬وتقنياتها ووسائلها عن أداء وظيفتها اإليجابية المنتظرة منها‪.‬‬ ‫األمن اإلعالمي الدولي والتفوق في تكنولوجيا االتصال‪:‬‬ ‫وأدى اتساع وشمولية تلك الشبكات بفضل تكنولوجيا ووسائل االتصال واإلعالم الجماهيرية‬ ‫الحديثة‪ ،‬إلى زيادة تأثيرها على وعي األفراد والمجتمعات‪ .‬مما دفع بالكثير من الدول إلضافتها أو التفكير‬ ‫في إضافتها لإلمكانيات العسكرية الهائلة المتوفرة لديها‪ ،‬والتي تملكها بالدرجة األولى الدول عالية‬ ‫التطور‪ ،‬والمعدة لالستخدام في الصراعات والنزاعات الدولية‪ .‬مما أدى بدوره إلى خلق تبدالت هائلة‬ ‫أصبحت تؤثر على توازن القوى اإلقليمية‪.‬‬ ‫هذا إن لم نقل أنها أضافت بذلك مصادر جديدة للتوتر بين مراكز القوى التقليدية والناشئة‪ ،‬وإلى‬ ‫خلق مجاالت جديدة للصراع لم تكن في الحسبان لفترة قريبة‪ .‬فقد أدى تفوق الدول المتقدمة في مجال‬ ‫تكنولوجيا ووسائل االتصال واإلعالم الجماهيرية التي تملكها‪ ،‬إلى احتكار الوعي الفكري واالجتماعي‪،‬‬ ‫وأدى إلى استغالل التفوق التكنولوجي واإلعالمي والسياسي واالقتصادي والثقافي والعسكري‪ ،‬إلى تشجيع‬ ‫تلك الدول على استخدام ما تملكه من إمكانيات " كسالح إعالمي " ال يتعارض استخدامه مع قواعد‬ ‫القانون الدولي الذي لم يتعرض جديا ً حتى اآلن لهذه المشكلة الهامة والعويصة التي أفرزتها "العولمة"‬ ‫اإلعالمية‪ .‬فالتقدم الهائل في تقنيات وتكنولوجيا االتصال واإلعالم الجماهيري أصبح اليوم يعادل في‬ ‫خطره‪ ،‬خطر السالح النووي الذي كان سمة من سمات القرن العشرين‪.‬‬ ‫وأصبح فرعا ً من فروع سباق التسلح‪ ،‬الذي أصبح مرة أخرى يستنزف موارد ضخمة‪ ،‬كان يجب‬ ‫أن توجه لخير البشرية وليس لتهديدها‪ .‬خاصة وأن أكثر دول العالم غير مهيأة حاليا ً وغير مستعدة إلقامة‬ ‫أو تحديث وسائلها اإلعالمية المؤثرة‪ ،‬رغم أن الكثير منها بدأت بالميل نحو شراء وامتالك مثل تلك‬ ‫الوسائل‪ ،‬من الدول المتقدمة التي أصبحت مسيطرة تماما ً على األشكال الجديدة من أسلحة الدمار الشامل‬ ‫ومن بينها السالح اإلعالمي‪ .‬ولم يقتصر األمر على الدول فقط‪ ،‬بل اتسع ليشمل القوى السياسية المختلفة‬ ‫المتصارعة‪ ،‬والتنظيمات اإلرهابية وعصابات الجريمة المنظمة‪ ،‬مما خلق نوعا ً جديداً وسوقا ً مربحة‬ ‫لتجارة األسلحة الجديدة التي أصبحت تتضمن قوائمها تقنيات وتكنولوجيا وبرامج الحاسب اآللي ووسائل‬ ‫االتصال واإلعالم الجماهيرية‪.‬‬ ‫البنى اإلعالمية الدولية فوق الدولة‪:‬‬ ‫ففي ظروف العولمة وتشابك الحياة على الكرة األرضية‪ ،‬وظهور وتشكل شبكات وبنى إعالمية‬ ‫دولية فوق الدول‪ ،‬أصبحت بما ال يدع المجال ألي شك تستخدم كسالح إعالمي مؤثر على العقول‬ ‫والمواقف‪ ،‬ووسيلة لشن حروب واسعة النطاق تطال اإلنسان أينما كان‪ ،‬بفاعلية يمكن أن تؤدي نتائجها بل‬ ‫وتعادل قوتها وتأثيرها التدميري وتتفوق في بعض الظروف على أسلحة الدمار الشامل التقليدية المعروفة‪.‬‬ ‫وليس عبثا ً أن ترصد بعض الدول المتقدمة في ميزانياتها مخصصات لألمن اإلعالمي تعادل بمستواها‬ ‫المخصصات التي ترصد لمواجهة أخطار استخدام أسلحة الدمار الشامل التقليدية‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫رغم اختالف استخدام السالح اإلعالمي في الحرب عن األشكال التقليدية من أسلحة الدمار‬ ‫الشامل‪ ،‬ألن تأثيرها يمكن أن يطال الجبهة الداخلية في الصميم‪ .‬مع إمكانية استخدام األسلحة اإلعالمية‬ ‫الد ولية التي تتميز بالقدرة المؤثرة الكبيرة ضد األهداف المدنية‪ ،‬كوسيلة من وسائل الصراع على السلطة‪،‬‬ ‫وفي الصراعات القومية والعرقية والدينية‪.‬‬ ‫واألمثلة على ذلك في عالم اليوم كثيرة‪ ،‬وال ينحصر تهديدها الواقعي على القوى البشرية فقط‪ ،‬بل‬ ‫اتسع ليشمل األنظمة اإلعالمية التي تملكها الدول‪ ،‬والمنظمات والهيئات الدولية‪ ،‬من قبل دول معادية أو‬ ‫قوى اإلرهاب واإلجرام المنظم على السواء‪ ،‬مما أعطى لطابع تأثيرها طبيعة كارثية من خالل ليس التسلل‬ ‫لداخل تلك األنظمة وحسب‪ ،‬بل وفي تخريب تلك األنظمة‪ ،‬والتأثير على محتوياتها من معلومات وإتالفها‪.‬‬ ‫وهو ما كان الدافع التخاذ القرار ‪ 44/64‬أثناء الدورة ‪ 64‬للهيئة العامة لألمم المتحدة في ‪.1444/10/1‬‬ ‫التهديدات الجديدة "للعولمة"‪:‬‬ ‫وكان من الطبيعي أن تتوصل الدول األعضاء في منظمة األمم المتحدة للتفاهم حول موضوع هام‬ ‫يمس البشرية بأسرها في ظل العولمة‪ .‬سبق ونوقش في أيار‪/‬مايو ‪ 1445‬أثناء المؤتمر الدولي للعولمة في‬ ‫المجتمع اإلعالمي الذي انعقد في ميدراند‪.‬‬ ‫واستعرض بجدية موضوع التهديدات الجديد للعولمة‪ ،‬وأسفر عن نتائج واستجابة عاصفة من قبل‬ ‫كل المشاركين في المؤتمر‪ .‬مما رفع من مستوى القضية لتصبح من بين القضايا الملحة التي تنتظر الحل‬ ‫من قبل المجتمع الدولي‪ ،‬وتتطلب إيجاد حل مالئم لها قبل أن تتفاقم وتصبح مستعصية كغيرها من المشاكل‬ ‫العالقة في إطار الدبلوماسية الدولية حتى اليوم‪ .‬وقد تبلورت المشكلة أكثر أثناء التحضيرات التي جرت‬ ‫لإلعداد للقاء القمة بين رئيس الواليات المتحدة األمريكية والرئيس الروسي في أيلول‪/‬سبتمبر ‪.1441‬‬ ‫فقد اقترح الجانب الروسي مشروع بيان مشترك للقاء القمة تناول مشكلة األمن اإلعالمي‪ .‬لكن‬ ‫األمريكيين اكتفوا باإلطالع على المشروع‪ ،‬وامتنعوا عن مناقشته‪ .‬ورغم ذلك فقد تضمن البيان الختامي‬ ‫للقاء القمة‪ ،‬إشارة صريحة للتهديدات العامة لألمن على عتبة القرن الحادي والعشرين‪ ،‬حيث أعلن‬ ‫الجانبان أنهما‪ :‬وافقا على "تنشيط الجهود المشتركة للتصدي للتهديدات العابرة للقوميات في االقتصاد‬ ‫واألمن للبلدين‪ ،‬بما فيها تلك التي تعتبر جرائم عن طريق استخدام تكنولوجيا الحاسب اآللي وغيرها من‬ ‫التكنولوجيا المتقدمة"؛ واعترفا "بأهمية الجهود اإليجابية المشتركة إلضعاف التأثيرات السلبية الجارية‬ ‫اآلن نتيجة لثورة تكنولوجيا االتصال‪ ،‬التي تعتبر مهمة وجادة في الجهود الرامية لحماية مصالح األمن‬ ‫اإلستراتيجي للبلدين في المستقبل"‪.‬‬ ‫وأصبح واضحا ً بعد ذلك عزم روسيا إثارة المشكلة أبعد من ذلك‪ ،‬فقام وزير الخارجية الروسي‬ ‫ي‪.‬س‪ .‬إيفانوف بتوجيه رسالة خاصة إلى األمين العام لمنظمة األمم المتحدة في ‪ 1441/4/03‬تضمنت‬ ‫اقتراحا ً بإدراج مشكلة األمن اإلعالمي الدولي بين مواضيع عمل المنظمة‪ ،‬والنظر في مشروع قرار‬ ‫خاص حول هذا الموضوع‪.‬‬ ‫وأعلن في كلمته من على منبر الدورة ‪ 63‬للهيئة العامة لألمم المتحدة‪ ،‬بأن جوهر االقتراح‬ ‫الروسي يتضمن االقتراح على الدول األعضاء في منظمة األمم المتحدة‪ ،‬التوصل لمفهوم محدد حول‬ ‫التهديد في مجال األمن اإلعالمي‪ ،‬وأن تقدم كل دولة تقديراتها الخاصة للمشكلة‪ ،‬بما في ذلك إعداد مبادئ‬ ‫دولية توف ر األمن في ظروف عولمة المنظومات اإلعالمية الدولية‪ .‬وأن تتضمن تلك التقييمات التي تقدمها‬ ‫الدول األعضاء في المنظمة إلى األمين العام لألمم المتحدة‪ ،‬إلزامه بتقديم تقرير خاص يبحث خالل الدورة‬ ‫التالية للهيئة العامة لمنظمة األمم المتحدة‪ .‬بشكل تتوضح معه جوانب الصراع المبدئي حول موضوع‬ ‫التهديد باستخدام المنجزات العلمية والتقنية والتكنولوجية الحديثة في أغراض تتعارض مع أهداف تعزيز‬ ‫األمن واالستقرار الدولي‪.‬‬ ‫وجاء القرار الذي استند على االقتراح الروسي خالل الدورة ‪ 63‬للجمعية العامة لمنظمة األمم‬ ‫المتحدة ‪ 02/63‬عن "المنجزات في مجال اإلعالم واالتصاالت المرئية ضمن األمن الدولي" في‬ ‫‪ ،1441/10/4‬بشكل ملطف عن المشروع الروسي حيث اختفت من القرار الكثير من المقترحات التي‬ ‫‪5‬‬


‫حددت اإلجراءات الالزمة حسب التصور الروسي‪ ،‬لتنظيم عملية التصدي إلمكانية استخدام التكنولوجيا‬ ‫اإلعالمية في الحرب‪ ،‬وشرح خطر تطوير السالح اإلعالمي‪ ،‬وإشعال الحروب اإلعالمية‪.‬‬ ‫وبذلك اعترف المجتمع الدولي من خالل منظمة األمم المتحدة وألول مرة بوجود الحرب‬ ‫اإلعالمية على المستوى الدولي‪ .‬واعتبر هذا اإلنجاز تقدما ً سياسيا ً هاما ً رغم عدم استعداد أكثرية الدول‬ ‫األعضاء في منظمة األمم المتحدة لتقبل القضية كمشكلة من كل جوانبها‪.‬‬ ‫وعاد المجتمع الدولي وغير من موقفه من المشكلة خالل الدورة ‪ 64‬للجمعية العامة لمنظمة األمم‬ ‫المتحدة‪ .‬فما الذي حدث بين الدورتين ‪ 64-63‬لمنظمة األمم المتحدة ؟ وهل جاء تغيير المواقف تلك نتيجة‬ ‫للجهود الدبلوماسية والمجامالت السياسية بين الدول ؟ أم ألن العالم استطاع خالل تلك الفترة من التعرف‬ ‫أكثر على أخطار "العولمة" اإلعالمية‪ ،‬والدور المتصاعد لإلعالم في عالم اليوم‪ .‬واستخلص العبر من‬ ‫استخدام سالح اإلعالم في الحروب التي جرت خالل تلك الفترة‪ .‬ومن خالل أمثلة محددة تم فيها استخدام‬ ‫السالح اإلعالمي في عمليات محددة‪ ،‬عبر من خاللها الحدود المعترف بها لمختلف دول العالم‪ ،‬جنبا ً إلى‬ ‫جنب مع األسلحة المتقدمة األخرى المستخدمة في العمليات العسكرية‪ ،‬للقضاء على الخصم أو الحد من‬ ‫إمكانيات دفاعه الذاتية‪.‬‬ ‫"العولمة" والسيطرة على الموارد اإلعالمية‪:‬‬ ‫فالمعارك للسيطرة على عقول الكثير من الشخصيات السياسية هي "حرب غير مرئية" على‬ ‫األرض رغم أنها أخذت خطا ً واقعياً‪ ،‬وأصبحت بالتدريج تهدد جوهر الصراع من أجل السيطرة على‬ ‫وعي صاحب القرار‪ ،‬ولتحد من إمكانيات أي مواجهة جادة لألخطار الخارجية‪ ،‬إضافة ألخطار التأثير‬ ‫والتخريب المتعمد للموارد اإلعالمية المتاحة لكل دولة‪ ،‬ووسائل الحصول عليها وحفظها ونشرها‬ ‫واستعادتها والتعامل معها‪.‬‬ ‫مما دفع ببعض الدول إلى الشروع بتطبيق برامج حكومية طويلة المدى على المستوى القومي‪،‬‬ ‫الهدف منها تأمين األمن اإلعالمي وسالمة البنى التحتية اإلعالمية الوطنية األساسية‪ .‬في نفس الوقت الذي‬ ‫بدأت فيه بالتعامل مع "العولمة" وآثار التشابك المتبادل بين المجالين اإلعالمي الوطني والدولي‪.‬‬ ‫واضطرت مجبرة على االعتراف بأن نجاح الجهود الوطنية للحفاظ على الموارد اإلعالمية الخاصة بكل‬ ‫دولة‪ ،‬ليست في النهاية سوى جهود حثيثة لرفع مستوى المناعة "السلمية" للنظام اإلعالمي الوطني في‬ ‫مواجهة الساحات اإلعالمية للدول األخرى التي أصبحت تشمل دوالً بعيدة جغرافيا ً عنها‪ ،‬وليس‬ ‫بالضرورة أن تكون تلك الدول مجاورة‪ ،‬ولكن يكفي أن تكون متشابكة معها من خالل شبكات االتصال‬ ‫الدولية في الموارد اإلعالمية بشكل موضوعي ومتشعب يصعب فصله‪.‬‬ ‫وموضوع السالح اإلعالمي والحرب اإلعالمية أصبح مثاراً للمناقشة من قبل المتخصصين بشكل‬ ‫واسع‪ ،‬منذ بداية الـتسعينات من القرن العشرين‪ .‬ومنذ ذلك الوقت بدأت تظهر أعداداً كبيرة من المقاالت‬ ‫والدراسات حول هذا الموضوع الهام في العديد من الصحف والمجالت‪ .‬وبدأ يناقش ضمن موضوعات‬ ‫الكثير من المؤتمرات واللقاءات العلمية الوطنية واإلقليمية والدولية‪ ،‬التي صبت اهتمامها بمعظمها على‬ ‫مواضيع األبحاث التي ال تتفق ومبادئ السالم العالمي‪ ،‬وبرامج التطوير التكنولوجية الخاصة بطرق حماية‬ ‫الموارد اإلعالمية من التأثير الخارجي‪.‬‬ ‫ولك ن كل تلك المناقشات والمقاالت والدراسات المنشورة حملت طابع المحلية‪ ،‬وكانت بعيدة كل‬ ‫البعد عن المناقشات الدولية التي كان يجب أن تتناول مشاكل "العولمة" واألمن اإلعالمي‪ .‬رغم أن‬ ‫المشكلة حظيت ليس باهتمام المتخصصين وحسب‪ ،‬بل واستحوذت على اهتمام عدد كبير من غير‬ ‫المتخصصين وقادة الرأي‪.‬‬ ‫ولهذا يمكننا اعتبار صدور القرار ‪ 02/63‬عن منظمة األمم المتحدة بمثابة إنذار يشير بجدية‬ ‫للخطر الجاثم‪ ،‬الذي وقعت فيه البشرية ويهدد صميم النظم اإلعالمية الوطنية‪ ،‬ويهدد اإلنسانية على عتبة‬ ‫القرن الحادي والعشرين‪ .‬بعد أن ظهر جليا ً للمجتمع الدولي بما ال يدع مجاالً للشك‪ ،‬أنه أصبح متوفراً لدى‬ ‫العديد من الدول المتقدمة تكنولوجيا إعالمية متطورة‪ ،‬ونتائج أبحاث جاهزة وهامة يمكن استخدامها في‬ ‫‪0‬‬


‫التأثير على الموارد اإلعالمية للغير‪ .‬وحقائق ال تقبل الجدل من أن نتائج األبحاث تلك أدت إلى صنع‬ ‫وسائل تستخدم في األغراض العسكرية البحتة‪ ،‬حتى ولو لم يتم تسميتها باألسلحة اإلعالمية‪.‬‬ ‫السالح اإلعالمي في خدمة الدول الصناعية المتقدمة‪:‬‬ ‫وأصبح واضحا ً أيضا ً بعد توفر معلومات كافية‪ ،‬تتحدث عن شروع العديد من الدول الصناعية‬ ‫المتقدمة في إجراء أبحاث للحصول على تقنيات وتكنولوجيا متطورة في مجال االتصال‪ ،‬وإعداد‬ ‫تكنولوجيا متطورة وتقنيات وطرق الستخدامها بهدف السيطرة المباشرة على الموارد اإلعالمية للخصم‪،‬‬ ‫والتأثير المباشر عليه‪.‬‬ ‫حيث أشارت بعض المصادر إلى أن أكثر من ‪ 102‬دولة من دول العالم وصلت وفي مستويات‬ ‫مختلفة لنتائج ملموسة في هذا المجال الذي ال يقل خطورة عن السالح النووي‪ .‬بينما تجرى أبحاث لتطوير‬ ‫السالح النووي في ‪ 02‬دولة من دول العالم تقريبا ً فقط‪.‬‬ ‫وتذكر بعض المصادر أن بعض الدول أصبحت تملك وسائل جاهزة للدفاع اإلعالمي ضد العدو‬ ‫المتوقع في ظروف الصراعات العسكرية على مختلف المجاالت والمستويات‪ ،‬حتى في زمن السلم‪.‬‬ ‫ويشمل اإلطارين اإلستراتيجي والعملياتي التكتيكي‪ ،‬وصوالً إلى أرض المعركة‪.‬‬ ‫وأن االهتمام منصب اآلن على مواضيع تتعلق بحماية المجال اإلعالمي الخاص بتلك الدول من‬ ‫تأثير استخدام السالح اإلعالمي من قبل دول معادية‪ ،‬تفاديا ً لتأثير الحرب غير المعلنة في المجال‬ ‫اإلعالمي‪ .‬كما وبات معروفا ً أيضا ً من أن بعض الدول التي تقوم فعالً بشن الحرب اإلعالمية‪ ،‬أو شنتها قد‬ ‫أدخلت السالح اإلعالمي فعالً في نظمها العسكرية وتقوم بإعداد وحدات عسكرية مدربة خاصة ومدعومة‬ ‫بالمتخصصين في هذا المجال الهام‪ ،‬للقيام بالعمليات اإلعالمية الهجومية كأداة من أدوات الصراع األخرى‬ ‫لتحقيق النصر العسكري الحاسم على العدو‪.‬‬ ‫ويعتبر المهتمون بالمشكلة أن الستار قد انكشف فعالً عن استخدم السالح اإلعالمي عمليا ً في‬ ‫الحروب األهلية الجارية هنا وهناك‪ ،‬وفي الصراع على السلطة في معظم دول العالم‪ ،‬وفي الصراعات‬ ‫القومية والعرقية والدينية سمة الحقبة األخيرة من القرن العشرين‪ .‬وأن األسلحة اإلعالمية أظهرت‬ ‫مقدراتها الفريدة على أرض المعركة سواء في وقت السلم أو في وقت الحرب‪ ،‬وتجاوزها عمليا ً لكافة‬ ‫الحدود الوطنية والسياسية والجغرافية دون اعتراف ال باستقالل وال بسيادة تلك الدول‪.‬‬ ‫السالح اإلعالمي وإدارة الصراع‪:‬‬ ‫ومن خالل الصراعات الداخلية األخيرة والهامة‪ ،‬أكتشف المراقبون أنها تتم ومع األسف بمساعدة‬ ‫ودعم كبيرين من الخارج‪ .‬لنستشف من ذلك أن تلك الصراعات لم تنجو من استخدام بعض الوسائل‬ ‫الحديثة في الصراع في المجال اإلعالمي‪ ،‬والتي يمكن اعتبارها أسلحة إعالمية‪.‬‬ ‫وأصبح واضحاً‪ :‬أن وقت األشكال التقليدية من "التخريب اإليديولوجي" و"عمليات االختراق‬ ‫الفكري" قد ذهبت‪ ،‬لتحل محلها الوسائل الحديثة‪ ،‬وعلى مستوى جديد من التأثير‪ .‬وأن مستوى استخدام‬ ‫تلك الوسائل قد ارتفع بشكل ال يوصف‪.‬‬ ‫إذ ال يمكن مقارنة الخطابة أمام حشد من الجمهور يمكن تفريقه‪ ،‬أو مقالة في صحيفة يمكن‬ ‫مصادرتها‪ ،‬أو برنامج إذاعي يمكن التشويش عليه‪ ،‬بسرعة انتشار المعلومات في كل أنحاء العالم‪ ،‬أو‬ ‫اختفاء تلك المعلومات مباشرة وبسرعة هائلة من كل أنحاء العالم‪ ،‬عبر شبكات الحاسب اآللي وأشهرها‬ ‫شبكة "اإلنترنيت" العالمية‪ ،‬وهي معلومات أصبحت اليوم مزودة بالصورة‪ ،‬والتسجيالت المرئية‬ ‫والمسموعة‪.‬‬ ‫وكلها يمكن أن تعادل بفعاليتها األسلحة اإلعالمية‪ ،‬التي يهدف استخدامها أن تكون فوق القوميات‪،‬‬ ‫وفوق الدول‪ ،‬وثبت عمليا ً أن في كل أنواع "الحروب اإلعالمية األهلية" وبشكل غير مباشر هناك قوة‬ ‫‪1‬‬


‫ثالثة‪ ،‬وضعت ضمن أهدافها الحيوية االختراق وتخطي الحدود لداخل ضمير تلك المجتمعات الضحية‪.‬‬ ‫وظهر ذلك جليا ً خالل العام الماضي عندما استخدمت أراض الغير إلدارة هذا النوع من الصراعات كما‬ ‫حدث في إندونيسيا (تيمور الشرقية)‪ ،‬وجمهورية إشكيريا (الشيشان) وفي يوغوسالفيا السابقة‪.‬‬ ‫فعلى مثال يوغوسالفيا انكشفت محاوالت توريط اإلتحاد الدولي لالتصاالت اإللكترونية من خالل‬ ‫مبادرة األمم المتحدة في كوسوفو‪ ،‬وقرار تحديد نهايات األقنية المستقلة لالتصاالت التلفونية واالستيالء‬ ‫على الرمز الدولي لتلك الدولة‪ ،‬وكان من الممكن أن يبقى ذلك اإلجراء شبه مجهول لو لم يعلن‪ .‬ومثل تلك‬ ‫الخطوة يمكن اعتبارها بالكامل جهوداً إضافية‪ ،‬الهدف منها عزل األقنية اإلعالمية للخصم وبالتالي الحد‬ ‫من تأثيرها وإخراجها من معادلة الصراع‪.‬‬ ‫ومثال أدوات الصراع من أجل استقالل تيمور الشرقية‪ ،‬قيام منظمة ‪“East Timor‬‬ ‫"‪ campaign‬مباشرة بعد االقتراع على استقالل المحافظة اإلندونيسية السابقة تلك‪ ،‬ومن أراضي إسبانيا‬ ‫والبرتغال وفرنسا بهجوم كاسح استهدف المواقع الحكومية اإلندونيسية في شبكة اإلنترنيت العالمية‪،‬‬ ‫خربت بنتيجتها صفحات ‪ ،WEB‬الخاصة ليس بالحكومة وحدها‪ ،‬بل وصفحات المنظمات اإلندونيسية‪،‬‬ ‫وأطلقت فيروسات كمبيوتر جديدة‪ ،‬بدأت بالعمل مباشرة للقضاء على المواقع اإلعالمية اإلندونيسية في‬ ‫شبكات الكمبيوتر العالمية‪.‬‬ ‫وال يمكن أن تعتبر تلك العملية اإلعالمية المنفذة من أراضي دول أوروبية بعيدة جداً عن جنوب‬ ‫شرق آسيا‪ ،‬إال حقيقة تثبت "ال حدودية" استخدام األسلحة اإلعالمية‪ ،‬ومثال الستخدامات األسلحة‬ ‫اإلعالمية بشكل مباشر من أجل الوصول إلى أهداف سياسية داخلية محددة رغم البعد الجغرافي الشاسع‬ ‫بين المؤثر والمتأثر من استخدام السالح اإلعالمي‪ .‬وفي الصراع الدائر بين قوات الحكومة اإلشكيرية‬ ‫المتطلعة لالستقالل عن الفيدرالية الروسية‪ ،‬والمقاتلين الشيشان من جهة‪ ،‬والقوات الفيدرالية الروسية من‬ ‫جهة أخرى على األرض الشيشانية‪ ،‬فنرى أن األسلحة اإلعالمية لم تبقى جانبا ً فقد استخدم المقاتلون‬ ‫الشيشان مختلف وسائل اإلعالم‪ ،‬وكانت صفحات اإلنترنيت واحدة من ساحات القتال من أجل "استقالل‬ ‫إشكيريا" والتخلص من الظلم الروسي‪ .‬وبفضلها اطلع العالم كله على مواد إعالمية ملموسة وواقعية‬ ‫تتحدث عن الوضع في شمال القفقاس‪ ،‬وعن جهود أعضاء الحكومة والدبلوماسية اإلشكيرية إلطالع‬ ‫العاملين في مؤسسات العالقات الخارجية الرسمية بالدول المتقدمة في العالم على الحقائق‪ ،‬من خالل‬ ‫مح اضراتهم التي دعتهم إللقائها بعض أقسام الجامعات في تلك الدول وتحدثوا من خاللها عن الشؤون‬ ‫الشيشانية‪.‬‬ ‫وفي الحالة العراقية عندما أجبرت الحكومة العراقية على إغالق مواقعها في اإلنترنيت بعد أن تم‬ ‫التسلل إليها‪ ،‬وتغيير مضمونها لصالح المعارضة العراقية‪ ،‬وفق النبأ الذي أذاعته إذاعة صوت العراق‬ ‫الحر من براغ يوم ‪.0222/5/3‬‬ ‫هذا إن لم نتحدث عن العزل اإلعالمي والتعتيم اإلعالمي شبه الكامل‪ ،‬من قبل وسائل اإلعالم‬ ‫الدولية المؤثرة والتي هي فوق الدول‪ ،‬لرأي الجانب العربي في الصراع الدائر من أجل تحقيق سالم عادل‬ ‫وحقيقي بين العرب وإسرائيل‪ ،‬واالستعاضة عنه بإبراز رأي الجانب اإلسرائيلي فقط‪ .‬مما يوحي بخلق‬ ‫رأي عام دولي متحيز أحادي الجانب يشوه الحقائق وينصر المعتدي على الضحية‪ ،‬مما أدى إلى حرمان‬ ‫المعتدى عليه ضمن إطار هذا الوضع غير الطبيعي من التعبير عن رأيه عالمياً‪.‬‬ ‫ناهيك عن الحرب اإلعالمية غير المعلنة من الخارج إلشعال نار الفتنة وتفعيل الخالفات العربية‬ ‫العربية‪ ،‬والعربية مع دول الجوار اإلقليمي‪ .‬وهي أحادية الجانب ال تواجه أية مقاومة تذكر لضعف أدوات‬ ‫وفعاليات اإلعالم العربي الدولي حاليا ً على األقل‪ .‬والبد أن تلك الصورة هي التي أثرت بشكل نهائي على‬ ‫تقدير المشكلة بالكامل من قبل دول العالم األقل تطوراً‪.‬‬ ‫وهي التي أدت إلى تغيير مواقف الكثير منها بشكل جذري عما كان في السابق‪ .‬وظهر هذا من‬ ‫خالل مؤتمر جينيف حول األمن اإلعالمي الذي انعقد في آب‪/‬أغسطس ‪ ،1444‬والذي نظمه معهد األمم‬ ‫المتحدة لمشاكل نزع السالح (يونيدير)‪ ،‬وإدارة قضية نزع السالح في األمانة العامة لمنظمة األمم‬ ‫المتحدة‪ ،‬من ضمن إطار إجراءات تطبيق القرار ‪ 02/63‬للهيئة العامة لألمم المتحدة‪ .‬وشارك في المؤتمر‬ ‫‪4‬‬


‫ممثلين عن أكثر من ‪ 62‬بلداً‪ ،‬من بينهم كل الالعبين األساسيين على أرض تكنولوجيا االتصال واإلعالم‬ ‫الدولية المتقدمة‪ ،‬مما سمح برفع مستوى نتائجه‪ ،‬ولو في إثارة المشكلة على مستوى عالمي بعد أن كانت‬ ‫حصراً بلقاءات المتخصصين‪.‬‬ ‫مشكلة األمن اإلعالمي الدولي‪:‬‬ ‫كما ويمكننا اعتبار أن الهدف الرئيسي ألكثرية المشاركين في المؤتمر كان إظهار الطريقة التي‬ ‫تتعامل فيها كل جهة من الجهات المشاركة‪ ،‬مع مشكلة األمن اإلعالمي الدولي‪ ،‬من خالل المناقشات التي‬ ‫جرت في إطار مواضيع الدورة ‪ 64‬للهيئة العامة لمنظمة األمم المتحدة‪.‬‬ ‫ولكن كان من المالحظ أنها لم تكن مستعدة لذلك مما أدى إلى حصر المناقشات حول االقتراح‬ ‫الروسي فقط‪ ،‬ومتابعة إعداد كل المواضيع المتعلقة باألمن اإلعالمي الدولي على مستوى خبراء الدول‬ ‫المهتمة‪ ،‬تحت رعاية منظمة األمم المتحدة‪.‬‬ ‫وهذا من حيث الجوهر يعتبر اعترافا ً دوليا ً بأهمية المشكلة ونجاح للدبلوماسية الروسية باختيار‬ ‫توقيت عرضها لالقتراح‪ .‬ومحاولة التأثير في مضمون المشكلة وتوجيهها نحو مداخل تعتبر ذات أهمية‬ ‫خاصة لروسيا‪ ،‬وتعتبر المدخل للتحديد الدقيق لتصور دولي ونهائي تدور من خالله المناقشات التالية‬ ‫لمشاكل األمن اإلعالمي الدولي‪ .‬والتي يرى البعض أنها تنحصر في إطارين‪ ،‬وهما‪:‬‬ ‫اإلطار األول‪ :‬الذي يؤدي عمليا ً إلى إلغاء الوحدة الموضوعية للمشكلة ويحاول تجزئتها إلى‬ ‫قضيتين فرعيتين هي‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬وتتناول الجريمة اإلعالمية؛‬ ‫والثانية‪ :‬وتتناول اإلرهاب اإلعالمي‪ .‬وفي هذا اإلطار يمكن االستمرار في إعداد األسلحة‬ ‫اإلعالمية وتطويرها مما يهدد بخطر اندالع الحروب اإلعالمية‪ .‬وال يعترف المؤيدين لهذا اإلطار بوجود‬ ‫المشكلة أساساً‪ ،‬بل يعتبرونها مرض ثانوي يمكن عالجه‪ .‬وبالتالي وبشكل منطقي كامل تصبح وفق وجهة‬ ‫النظر تلك مشكلة نزع السالح اإلعالمي ملغاة تلقائياً‪ ،‬وال حاجة لمناقشها‪.‬‬ ‫وهو ما يسمح بإخراجها من إطار منظمة األمم المتحدة وتحويلها إلى المنابر اإلقليمية‬ ‫والمتخصصة‪ ،‬لتبقى مشكلة هامشية عالقة إلى األبد تتحول من لجنة إلى أخرى وهكذا دواليك‪.‬‬ ‫اإلطار الثاني‪ :‬ويمثل خط الدول التي أظهرت استعدادها الفوري للمشاركة في إعداد آلية دولية‬ ‫محددة تواجه إقامة وسائل مؤثرة على الموارد اإلعالمية خارج إطار القانون الدولي‪ .‬واقترحت بذلك تقديم‬ ‫ال مشكلة للمجتمع الدولي‪ ،‬واتخاذ تدابير من بينها إحداث محكمة دولية خاصة للنظر في الجرائم اإلعالمية‪.‬‬ ‫والقيام في نفس الوقت بإعداد تكنولوجيا عالمية للوقاية من الهجمات والتعديات اإلعالمية الدولية‪.‬‬ ‫ورغم ذلك فإنه يمكننا اعتبار االعتراف بالمشكلة وضرورة إيجاد حلول لها في إطار قرارات‬ ‫الشرعية الدولية من خالل قرارات الهيئة العامة لألمم المتحدة‪ ،‬ودفعها إلى األمام لتصبح واحدة من‬ ‫المشاكل التي تناقش في إطار منظمة األمم المتحدة من أهم نتائج المؤتمر‪.‬‬ ‫وبذلك يكون الهدف النهائي من القضية إعداد برامج عملية تمكن الدول من اتخاذ إجراءات ذاتية‬ ‫أو مشتركة لمواجهة خطر التهديدات اإلعالمية الدولية‪ .‬لتتحول نتائج هذا المؤتمر من حيث الجوهر إلى‬ ‫مرحلة تحضيرية لنقل المشكلة الناتجة عن العولمة إلى إطار الهيئة العامة لألمم المتحدة‪ ،‬بغض النظر عن‬ ‫الخالفات في وجهات النظر حول االعتراف بها‪ ،‬أو بطرق التعامل معها بشكل مكشوف‪ ،‬انطالقا ً من‬ ‫مصالح األمن الوطني والعالمي‪.‬‬ ‫الحرب اإلعالمية ومشكلة المصطلح‪:‬‬ ‫ومن القضايا الهامة التي تنتظر الحل من قبل المجتمع الدولي‪ ،‬وخاصة منه الوسط األكاديمي‬ ‫الدولي في إطار المنظمات الدولية المتخصصة‪ ،‬مشكلة االتفاق من حيث المبدأ على المصطلح والتوصل‬ ‫‪12‬‬


‫لتعريف مشترك لماهية الحرب اإلعالمية غير المرئية تلك‪ ،‬وأسلحتها وأدواتها ووسائلها المشتركة في‬ ‫جوهر الصراع‪ .‬لتؤدي في النهاية إلى االعتراف بالحرب اإلعالمية‪ ،‬مثلها مثل االعتراف بالحرب‬ ‫التقليدية‪ ،‬والحرب النووية‪ ،‬والحرب الباردة‪ ،‬واألسلحة التقليدية وغير التقليدية المستخدمة في الصراعات‬ ‫بين الدول‪.‬‬ ‫ورغم ضيق الهوة بين فهم الخبراء في الدول المختلفة حول المصطلح‪ ،‬فقد لوحظ تباين واضح في‬ ‫التوجهات‪ .‬التي يمكن تحديدها ببعض االتجاهات الرئيسية والتي نلخصها بالتالي‪:‬‬ ‫الحرب اإلعالمية‪ :‬وهي المواجهات اإلعالمية التي تهدف إلحاق الضرر أو تخريب األنظمة‬ ‫اإلعالمية الهامة للخصم‪ ،‬وتخريب نظمه السياسية واالجتماعية‪ ،‬وزعزعة األمن واالستقرار داخل‬ ‫المجتمع والدولة الخصم؛‬ ‫والصراع اإلعالمي‪ :‬وهو شكل من أشكال الصراع بين الدول‪ ،‬من خالل تأثير دولة ما إعالميا ً‬ ‫على نظم إدارة الصراع في غيرها من الدول أو على قواتها المسلحة‪ ،‬والتأثير على القيادة السياسية‬ ‫والعسكرية وحتى المجتمع بأسره‪ .‬وكذلك التأثير على األنظمة اإلعالمية ووسائل االتصال واإلعالم‬ ‫الجماهيرية لتلك الدول من أجل تحقيق أهداف محددة ومناسبة لها‪ ،‬والحد من تأثير أية ممارسات مشابهة‬ ‫قد تخرق المجال اإلعالمي للقائم بالصراع؛‬ ‫والتأثير اإلعالمي‪ :‬وهو الفعل الموجه ضد الخصم باستخدام األسلحة اإلعالمية المختلفة؛‬ ‫واألسلحة اإلعالمية ‪ :‬وهي مجموعة من الوسائل التكنولوجية وغيرها من التقنيات واألساليب‬ ‫والتقنيات المستخدمة من قبل القائم بالصراع بغرض‪ :‬السيطرة على الموارد اإلعالمية واإلمكانيات‬ ‫المتاحة للخصم؛ والتدخل في عمل أنظمة إدارة الخصم وشبكاته اإلعالمية‪ ،‬ونظم اتصاله وغيرها‪ ،‬بهدف‬ ‫تخريبها عملياً‪ ،‬وإخراجها تماما ً من حيز العمل‪ .‬والتسلل للمواقع اإلعالمية للخصم بهدف االستيالء على‬ ‫موارده اإلعالمية فيها‪ ،‬وتحريف مضمونها أو إدخال معلومات مغايرة‪ ،‬أو استبدالها بمعلومات أخرى‬ ‫بشكل موجه ومدروس؛ ونشر معلومات أخرى‪ ،‬أو معلومات مضللة من خالل نظم تشكيل الرأي العام‬ ‫ومراكز اتخاذ القرار‪ ،‬لصالح القائم بالصراع؛ وإتباع مجموعة من األساليب الخاصة باستخدام وسائل‬ ‫تؤثر على وعي وسلوك القيادة السياسية والعسكرية‪ ،‬وتؤثر على الحالة المعنوية للقوات المسلحة‪ ،‬وأجهزة‬ ‫األمن الوطني‪ ،‬ومواطني الدولة الخصمة‪ ،‬لتحقيق التفوق عليها أو إضعاف تأثيرها اإلعالمي؛‬ ‫واألمن اإلعالمي‪ ،‬ويتضمن‪ :‬إجراءات محددة لحماية المجال اإلعالمي والموارد اإلعالمية‪ ،‬بشكل‬ ‫يؤمن تشكلها وتطورها لصالح المواطنين والمؤسسات والمنظمات والدول؛ وإجراءات محددة لحماية نظم‬ ‫اإلعالم الخاصة باألفراد والمنظمات والدول‪ ،‬التي يتم من خاللها استخدام المعلومات بأشكال محددة‬ ‫ودقيقة‪ ،‬وضمان عدم التأثير السلبي عليها أثناء االستخدام؛ وإجراءات محددة لحماية المعلومات التي تحمل‬ ‫طابع السرية‪ ،‬لضمان عدم وصول الغير إليها بسهولة‪ ،‬وتوفير إجراءات تؤكد صعوبة الوصول إليها أو‬ ‫تخريبها‪ ،‬والمحافظة على خصائصها وسريتها وسالمتها‪ ،‬واسترجاعها عند الحاجة من قبل األشخاص‬ ‫والجهات المصرح لها بالوصول إلى تلك المعلومات؛‬ ‫والمجال اإلعالمي‪ :‬وهو مجال النشاط اإلنساني الذي يتضمن إحداث وتشكيل واستخدام نظم‬ ‫المعلومات من أجل‪ :‬تشكيل الوعي الفردي واالجتماعي؛ وتوفير الموارد اإلعالمية‪ ،‬أي البنية التحتية‬ ‫اإلعالمية بما فيها مجموعة األجهزة واألنظمة‪ ،‬والتجهيزات التكنولوجية‪ ،‬والبرامج وغيرها‪ ،‬التي تؤمن‬ ‫تكوين وحفظ المعلومات‪ ،‬وإعدادها والتعامل معها وإرسالها واستردادها وتدفقها؛ وتكوين وتوفير‬ ‫المعلومات الخاصة وتأمين تدفقها؛‬ ‫والجريمة اإلعالمية‪ :‬وهي أي تصرف يؤدي إلى حدوث تأثير سلبي على المجال اإلعالمي‬ ‫وموارده‪ ،‬لفرد أو منظمة أو دولة‪ ،‬أو ألي جزء منه بشكل مخالف للقانون‪ .‬وينتج عنها أضراراً اقتصادية‬ ‫أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية بما فيها تخريب المجال اإلعالمي للغير وموارده‪ ،‬ألهداف اقتصادية أو‬ ‫سياسية أو عسكرية‪.‬‬ ‫مجاالت تأثير الصراع اإلعالمي الدولي‪:‬‬ ‫‪11‬‬


‫وال يستطيع أحد في الوقت الحاضر‪ ،‬أن ينكر الصعاب الكثيرة التي تعترض توفير األمن‬ ‫اإلعالمي في ظروف الصراع اإلعالمي الدولي‪ .‬الذي أصبح يستهدف كل مجاالت حياة اإلنسان اليومية‪.‬‬ ‫األمر الذي دعى الكثير من الخبراء للنظر في ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة توفر األمن اإلعالمي في‬ ‫المجاالت التالية‪:‬‬ ‫السياسية‪ :‬بما فيها بنية النظام السياسي واالجتماعي والحكومي للدولة‪ ،‬ونظم دراسة وإعداد‬ ‫واتخاذ القرار السياسي‪ .‬واألجهزة المختصة بإجراء االنتخابات واالستفتاء العام وغيرها من أدوات قياس‬ ‫الرأي العام‪ .‬ونظم اإلدارة المحلية والمركزية واإلقليمية‪ ،‬والهياكل اإلعالمية ووسائل االتصاالت المرئية‬ ‫والمسموعة‪ ،‬وشبكات الحاسب اآللي التابعة ألجهزة السلطات الحكومية واإلدارية؛‬ ‫والوعي االجتماعي‪ :‬وتشمل وسائل تشكيل الرأي العام‪ ،‬ووسائل اإلعالم الجماهيرية المقروءة‬ ‫والمسموعة والمرئية‪ ،‬واألحزاب السياسية والمنظمات واالتحادات والهيئات االجتماعية والثقافية والدينية‬ ‫القومية والوطنية؛‬ ‫واالقتصادية‪ :‬وتشمل نظم اإلدارة االقتصادية‪ ،‬ونظم جمع وتخزين واسترداد وإعداد المعلومات‬ ‫الخاصة بالمقدرات اإلنتاجية لالقتصاد الوطني‪ ،‬ونظم التحليل االقتصادي العامة‪ ،‬وتوقعات تطور‬ ‫االقتصاد الوطني العام والخاص‪ ،‬ونظم اإلدارة والتنسيق في المجاالت الصناعية والزراعية‬ ‫والمواصالت‪ ،‬ونظم اإلدارة واإلمداد المركزية للطاقة‪ ،‬ونظم اتخاذ القرار والتنسيق في حاالت الطوارئ‪،‬‬ ‫ونظم اإلعالم االقتصادي المقروءة والمسموعة والمرئية‪ ،‬وشبكات الحاسب اآللي؛‬ ‫والمالية‪ :‬بما فيها بنوك المعلومات وشبكات االتصال وتبادل المعلومات‪ ،‬بين البنوك واالتحادات‬ ‫المصرفية‪ ،‬ونظم االتصال الخاصة بالتبادل المالي والحسابات المالية‪ ،‬الخاصة والحكومية والدولية؛‬ ‫والدفاعية ‪ :‬وتشمل موارد المعلومات الخاصة بالقوات المسلحة‪ ،‬والهيئات العلمية والمنشآت‬ ‫العاملة في المجاالت الصناعة الدفاعية‪ ،‬ونظم إمداد وإدارة القوات المسلحة‪ ،‬ونظم السيطرة والمراقبة‬ ‫الدائمة‪ ،‬وقنوات تدفق المعلومات ذات الطبيعة اإلستراتيجية والعملياتية واالستطالعية؛ والعلمية‬ ‫والتكنولوجية ‪ :‬بما فيها نظم إجراء البحوث العلمية النظرية والتطبيقية‪ ،‬ونظم جمع وتخزين واستعادة‬ ‫المعلومات الخاصة بالبحوث العلمية الجارية‪ ،‬واالكتشافات العلمية‪ ،‬واالختراعات التي تم التوصل إليها‪،‬‬ ‫سواء أكانت في المجاالت التكنولوجية أم في مجاالت العلوم اإلنسانية أم في مجاالت العلوم الحية وغيرها‬ ‫من المواضيع الخاصة بالملكية الفكرية؛ واألمن الداخلي‪ :‬وتشمل نظام التحقيق‪ ،‬والتأكد‪ ،‬والنيابة العامة‪،‬‬ ‫واإلجراءات العدلية‪ ،‬والموارد اإلعالمية ألجهزة األمن‪ ،‬ومنظومة جمع وحفظ وإعداد واسترجاع‬ ‫المعلومات واإلحصائيات الخاصة بالجريمة‪ ،‬بما فيها بنوك معلومات الشرطة الدولية (اإلنتربول)‪.‬‬ ‫تهديدات األمن اإلعالمي الوطني‪:‬‬ ‫ألن األمن اإلعالمي الدولي يقصد به أساسا ً كل ما يدخل في مجال تهديد األمن اإلعالمي الوطني‪،‬‬ ‫من‪:‬‬ ‫تهديدات البنى التحتية اإلعالمية‪ :‬التي تستهدف تخريب مواقع تبادل المعلومات الفورية عبر‬ ‫شبكات الحاسب اآللي‪ ،‬وتكنولوجيا معالجة المعلومات‪ ،‬وتقنيات التسلل للمواقع الخاصة في شبكات‬ ‫الحاسب اآللي‪ ،‬وجمع واستخدام ونشر المعلومات بشكل مخالف للقانون؛‬ ‫وتهديدات األمن اإلعالمي‪ :‬الموجهة أصالً ضد الخصائص الهامة التي يجب أن تتمتع بها‬ ‫المعلومات مثل السالمة والسرية وقيود أو حرية الوصول إليها؛‬ ‫وتهديدات الحياة الروحية للمجتمع‪ :‬والتي تتم من خالل إدخال معلومات سياسية أو دينية مغلوطة‬ ‫في أجهزة اإلعالم الحكومية ووسائل االتصال واإلعالم الجماهيرية بشكل يهدد المصالح الوطنية العليا‬ ‫والمصالح الخاصة‪ ،‬ومصالح المجتمع والدولة بشكل عام‪ .‬أو عن طريق االحتكار والحجب المتعمد‬ ‫للمعلومات الموجهة للمواطنين‪ .‬أو في ترويج وبث األنباء الكاذبة‪ ،‬واإلخفاء أو تحريف المتعمد للمعلومات‬ ‫‪10‬‬


‫بشكل يؤدي إلى تحريف وتشويه الوسط اإلعالمي المحلي ويزعزع الحالة النفسية للمجتمع‪ ،‬ويخرب‬ ‫ويشوه التقاليد الثقافية‪ ،‬ويفسد األخالق العامة‪ ،‬ويشوه القيم الجمالية والتربوية لدى الفرد والمجتمع؛‬ ‫وتهديدات حقوق الفرد والحريات العامة‪ :‬والتي تطال المجال اإلعالمي ‪ ،‬من خالل القواعد‬ ‫القانونية المتبعة‪ ،‬والتي تحد من حقوق وحريات المواطنين في مجاالت الحياة الخاصة والعامة‪،‬‬ ‫والمعتقدات الدينية والسياسية‪ ،‬والنشاطات اإلعالمية الفردية‪ .‬بما فيها األفعال التي تهدد نظم جمع وحفظ‬ ‫واسترداد وتدفق المعلومات الشخصية التي من خصائصها السرية في التداول مثل المعلومات الطبية‪،‬‬ ‫والوثائق المدنية الشخصية‪ ،‬والمعلومات الخاصة عن عمل ودخل المواطنين وغيرها‪ .‬فاألمن اإلعالمي‬ ‫الوطني مطالب في مجتمع الديمقراطية وسيادة القانون بتأمين سرية المعلومات عن الحياة الخاصة‬ ‫للمواطنين واألحاديث الصريحة والخاصة التي تتم بين شخصين عبر وسائل االتصال الحديثة‪.‬‬ ‫وهكذا نرى أن الهدف الرئيسي من استخدام األسلحة اإلعالمية هو تحقيق أهداف إستراتيجية‬ ‫موجهة ضد األجهزة الحكومية الحساسة‪ ،‬وتطال وعي وأمن المجتمع بأسره‪ .‬وهو ما يسمح ولو بالتلميح‬ ‫بأن نقول أنه سالح مدمر جديد قد دخل ترسانة أسلحة الدمار الشامل‪ .‬وتلك هي بعض مالمح هذا السالح‬ ‫الجديد اآلخذ بالتطور واالنتشار السريع‪ .‬فماذا سيحدث لو لم تتمكن األبحاث العلمية الحديثة من وضع‬ ‫أسس ملموسة للوقاية منه‪ ،‬أو الحد من تأثيره كما هي الحال مع األسلحة التقليدية وأسلحة الدمار الشامل‬ ‫األخرى ؟ ألن األسلحة اإلعالمية الجديدة تتميز عن غيرها من األشكال التقليدية من األسلحة السابقة‬ ‫بسرعة االنتشار والتأثير الفعال والسريع على الهدف الذي تستخدم ضده‪.‬‬ ‫الخصائص األساسية لألسلحة اإلعالمية وأهدافها‪:‬‬ ‫ومن تحليل لما تم نشره من أبحاث حتى اآلن يمكننا إلقاء بعض الضوء على بعض الخصائص‬ ‫األساسية لألسلحة اإلعالمية‪ ،‬انطالقا ً من إمكانياتها األساسية في التأثير على األهداف المستخدمة ضدها‪،‬‬ ‫وهي‪:‬‬ ‫أنظمة نقل المعلومات‪ :‬من نظم وشبكات االتصال‪ ،‬ونظم وشبكات المعلومات والحاسب اآللي‪،‬‬ ‫وبنوك خزن وإعداد وتوزيع وتبادل المعلومات إلخ؛‬ ‫والوعي االجتماعي (الرأي العام) ونظم تشكيله‪ :‬ويتضمن التأثير على الحالة النفسية االجتماعية‪،‬‬ ‫وأدوات تشكل القيم األخالقية والدينية والتربوية في المجتمع‪ ،‬ووسائل اإلعالم واالتصال الجماهيرية‪،‬‬ ‫ونظم إعداد وتنشئة وتربية األطفال والشباب وغيرها؛‬ ‫وأخيراً الوعي الفردي أو الشخصي‪ :‬فاألسلحة اإلعالمية ليست وسائل "للتخريب الفكري" فقط‪،‬‬ ‫بل هي وسائل يقصد منها أساسا ً التأثير على البنية التحتية لتدفق المعلومات الضرورية للنشاط الفكري‬ ‫والتي تطال وتصب داخل الوعي االجتماعي‪ .‬والهدف منها أساساً‪ ،‬هو‪ :‬التأثير الفعال على نظم المعلومات‬ ‫العلمية والسياسية واالقتصادية والمالية والعسكرية والثقافية والتربوية واإلحصائية‪.‬‬ ‫وحتى المعلومات المخزنة داخل أجهزة السيطرة وإطالق وتفجير أسلحة الدمار الشامل واألسلحة‬ ‫المتطورة التي تستخدم الحاسب اآللي لمراقبة وتحديد واختيار والوصول إلى األهداف وتدميرها‪ .‬أو‬ ‫تضليل أسلحة العدو المتطورة أو شلها أو إخراجها من ساحة المعركة؛ والتأثير النفسي والتخدير وشل‬ ‫قدرات العدو على استخدام نظم معلوماته أو السيطرة عليها‪ ،‬والقضاء على إمكانياته المتاحة لالتصال‬ ‫والتنسيق داخل الدولة أو بالعالم الخارجي‪.‬‬ ‫مجاالت استخدام السالح اإلعالمي‪:‬‬ ‫وتتم عادة من خالل حاسب آلي (كمبيوتر شخصي) مزود ببرامج خاصة‪ ،‬أو من خالل غيرها من‬ ‫أشكال األسلحة اإلعالمية األخرى‪ .‬فالفيروس المرسل من كمبيوتر شخصي عبر شبكة اإلنترنيت العالمية‬ ‫هو اآلن أكثر فتكا ً من تأثير السالح النووي أو الجرثومي من حيث النتائج على الحضارة اإلنسانية‪ .‬فنشر‬ ‫الجراثيم الحية لحمى إيبوال‪ ،‬أو القرحة السيبيرية‪ ،‬أو مرض نقص المناعة "اإليدز" وغيرها من األمراض‬ ‫‪13‬‬


‫الخطيرة‪ ،‬يمكن التصدي لها وحصرها ووقف انتشارها ومعالجتها‪ ،‬أما فيروسات الحاسب اآللي‬ ‫"الكمبيوتر" مثل‪ ) Melissa ) :‬و( ‪ ) I Love you‬أو "تشرنوبل" أو( ‪ ) DIR‬وغيرها من الفيروسات‬ ‫الجديدة التي تظهر كل يوم‪ ،‬من خالل شبكات الحاسب اآللي الدولية‪ ،‬لها مفعول مدمر ال يمكن التصدي له‬ ‫حتى اآلن وخالل ثوان فقط تدمر محتويات ملفات كاملة‪ ،‬وجهود سنوات طويلة في جمع وإعداد وتخزين‬ ‫المعلومات وتختفي إلى األبد من على شاشات الحاسب اآللي ومن ذاكرته‪ .‬والمصيبة أن ذلك يأتي في‬ ‫ظروف غير متوقعة‪ ،‬وفي لحظة حرجة‪ ،‬وتؤدي إلى إرباك كبير‪.‬‬ ‫ولنتصور معا ً نتائج تخريب مواقع شبكات الحاسب اآللي للعمليات المالية الدولية‪ ،‬أو شبكات‬ ‫خطوط النقل الجوي والبري والبحري العالمية‪ ،‬أو شبكات السيطرة على أسلحة التدمير الشامل‪ ،‬أو شبكات‬ ‫الشرطة الدولية "اإلنتربول"‪.‬‬ ‫فاإلنسانية أصبحت اليوم أكثر تهديداً من قبل‪ ،‬بسالح جديد فتاك يصعب مواجهته‪ ،‬وال نقول ال‬ ‫يمكن مواجهته‪ ،‬ألن هذا يحتاج إلى رغبة الدول التي أصبحت تملك مثل تلك األسلحة والقادرة على تطوير‬ ‫وسائل قادرة على التصدي لمثل تلك األسلحة‪ ،‬وعلى األقل ضد أولئك الذين يستخدمون تلك األسلحة بشكل‬ ‫مخالف للقانون‪ .‬وعلى مستوى قرار تلك الدول وجديتهم في تطوير واستخدام هذا السالح الجديد ووسائل‬ ‫الوقاية منه يتوقف الكثير‪.‬‬ ‫والبد أن قرار دولي من هذا النوع سيكون من األهمية أكثر بكثير من األهمية التي تمتعت بها‬ ‫اتفاقية الحد من انتشار األسلحة النووية في العالم لعام ‪.1451‬‬ ‫الرقابة أو اإلشراف على المجال اإلعالمي الدولي‪:‬‬ ‫ولكن الخوف بعد مؤتمر جينيف يأتي من إمكانية فرض الدول المتقدمة نوعا ً من الرقابة أو‬ ‫اإلشراف على المجال اإلعالمي العالمي ! وهنا يبرز خطر حقيقي يهدد التدفق اإلعالمي الدولي الحر‪.‬‬ ‫ويحد من الدور الحقيقي لإلعالم‪ ،‬ويجعل من الدول األقل تطوراً والدول النامية رهينة لمشيئة تلك الدول‪،‬‬ ‫وتصبح الساحات اإلعالمية للدول األقل تطوراً والنامية مكشوفة أمام تلك الدول‪ ،‬ويحرمها وهي من دون‬ ‫ذلك محرومة من التدفق اإلعالمي القادم من الدول المتقدمة الحريصة على عدم انتقال التكنولوجيا‬ ‫المتطورة للدول األقل تطوراً والدول النامية بشكل عام‪.‬‬ ‫وهو ما يعني أيضا ً إشراف بعض الدول المتقدمة على الساحة اإلعالمية الدولية على األرض وفي‬ ‫الفضاء الكوني في آن معاً‪ ،‬وعلى مختلف أوجه النشاط اإلنساني وتوجيها لصالحها والسيطرة عليها‪.‬‬ ‫سيناريوهات الحرب اإلعالمية‪:‬‬ ‫وانطالقا ً من تلك التوقعات نرى أن الكثير من مراكز البحث العلمي المتخصصة في مجاالت‬ ‫االتصال واإلعالم والحرب اإلعالمية‪ ،‬راحت منذ مدة تعد خططا ً وسيناريوهات للحرب اإلعالمية‬ ‫المحتملة‪ .‬وراحت تعد إستراتيجيات خاصة بها‪ ،‬الغرض منها السيطرة على الساحة اإلعالمية ليس للغير‬ ‫وحسب‪ ،‬بل ومن أجل أن تكون "عولمة" اإلعالم تحت إشرافها فقط‪ .‬ولنستعرض اآلن بعضا ً من نتائج‬ ‫تلك األبحاث العلمية من خالل السيناريوهات التي أصبحت معروفة‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫السيناريو األول ‪ :‬وفيه الدولة هي المبادر األساسي في شن الحرب اإلعالمية بما تملك من تفوق‬ ‫ساحق في مجال األسلحة اإلعالمية الهجومية‪ ،‬ومن إمكانيات الحد من صالحية النظم الدفاعية ألي من‬ ‫الدول األخرى "الحالة العراقية" و"الحالة اليوغسالفية"‪ .‬وفي هذه الحالة تفرز تلك الدولة قسما ً مما تملكه‬ ‫من وسائل وأسلحة الحرب اإلعالمية لتستخدم من قبل حلفائها‪ ،‬أخذة على نفسها مهمة تنسيق الجهود‬ ‫والعمليات‪ ،‬في الهجوم وفي الحد من التهديدات اإلعالمية المشابهة التي قد تتعرض لها من قبل الخصم‪،‬‬ ‫والمواقع التي يمكن أن ينطلق منها الخصم لتوجيه الضربة المعاكسة‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫بحيث تضمن لنفسها التفوق وتحقيق النصر مهما كان نوع "العدوان اإلعالمي" الذي تقوم به‬ ‫وحلفائها ضد الخصم‪ ،‬أو الذي تتعرض له هي أو أي من حلفائها من قبل الخصم في الحرب اإلعالمية‬ ‫غير المعلنة وغير المرئية في أكثر الحاالت‪.‬‬ ‫والسيناريو الثاني‪ :‬احتفاظ عدد محدود من الدول المتقدمة بقدرات وإمكانيات شن الحرب‬ ‫اإلعالمية واحتكار تلك الدول للسالح اإلعالمي‪ ،‬بشكل يسمح لها بالتفوق الكامل والقدرة على امتالك‬ ‫أجهزة وشبكات معلومات مستقلة‪ .‬في هذه الحالة البد لواحدة من تلك الدول من االحتفاظ بالتفوق في هذا‬ ‫المجال‪ .‬وبذلك يصبح هذا الوضع عامل تخويف للدول األخرى‪ ،‬تمنعها من استخدام األسلحة اإلعالمية‬ ‫ضدها أو ضد أي من الدول التي تشرف عليها وبذلك تضمن التفوق حتى في المستقبل‪.‬‬ ‫والسيناريو الثالث‪ :‬ويركز على الدولة المتفوقة إعالمياً‪ ،‬ونظم دفاعاتها غير القابلة للقهر ضد أي‬ ‫شكل من أشكال األسلحة اإلعالمية‪ .‬مما يجبر أكثر دول العالم على االمتناع عن امتالك أي شكل من‬ ‫أشكال األسلحة اإلعالمية الهجومية‪ ،‬أي الرضوخ التام‪ .‬ألنها ال تستطيع مواجهة الهجمات اإلعالمية‬ ‫ضدها بسبب عدم امتالك التكنولوجيا المعادلة للدولة المتفوقة‪.‬‬ ‫وفي هذه الحالة تستطيع الدولة المتفوقة إعالميا ً فرض نظامها الخاص لإلشراف اإلجباري على‬ ‫األسلحة اإلعالمية ونزعها وتدميرها‪ ،‬بما يشبه ما تفعله الواليات المتحدة األمريكية من خالل برنامج‬ ‫تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية منذ مطلع التسعينات في الرقابة اإللكترونية واالستطالع الدائم‪.‬‬ ‫وبالنتيجة يمكن منع الحرب اإلعالمية ضد الدولة المتفوقة أو تخفيض خطرها إلى الحد األدنى‪ ،‬والسيطرة‬ ‫على وسائل استعمالها المتوفرة لدى الخصم المتوقع بما يمكن من إزالتها وتدميرها‪ .‬مما يوفر أرضية‬ ‫منطقية إلعطاء مثل هذه الخطوات في ظروف التفوق الساحق لتلك الدولة‪ ،‬لتفرض على المجتمع الدولي‬ ‫اتخاذ قرارات دولية مناسبة تتفق ومصالح تلك الدولة المتفوقة‪.‬‬ ‫وإشراف كهذا على المجال اإلعالمي العالمي أصبح شبه واقعيا ً على ضوء التفوق الشامل الذي‬ ‫يسمح لدولة معينة‪ ،‬أو لمجموعة قليلة من الدول‪ ،‬بالتأثير على النظم اإلعالمية الدولية من خالل اإلمكانيات‬ ‫الفعلية التي تملكها‪ ،‬وهو ما يسمح لهم بفرض رأيهم على اآلخرين‪ ،‬بما يعني أن تكون العولمة مقرونة‬ ‫بإشرا ف المتفوق‪ .‬وهو ما يؤكد وفق المعايير اإلقليمية واإلنسانية أنها ملكت وبالتأكيد الحد األقصى من‬ ‫إمكانيات اإلقناع أثناء الحروب المعلوماتية وفرض األنباء التي تراها مناسبة‪ ،‬وعمليات حفظ السالم وفق‬ ‫منظورها الخاص‪.‬‬ ‫األمن اإلعالمي الدولي من وجهة نظر المعارضين للمشكلة‪:‬‬ ‫لهذا يعتمد خصوم وجهة النظر التي تطالب بالنظر العاجل في قضايا األمن اإلعالمي في إطار‬ ‫منظمة األمم المتحدة على حجج ترى من وجهة نظرهم‪ :‬أن المشكلة ال تتضمن جوانب عسكرية؛ وأن‬ ‫الحقيقة هي في خطر استخدام المعلوماتية في المجاالت اإلجرامية واإلرهابية فقط‪.‬‬ ‫وهنا يبرز سؤال هام‪ ،‬ماذا سيفعل المجتمع الدولي حيال إرهاب الدولة‪ ،‬وحيال الجرائم المرتكبة‬ ‫من قبل دولة ضد دولة أخرى‪ ،‬أو شعب ضد شعب آخر ألهداف التطهير العرقي أو إبادة العرق اآلخر أو‬ ‫ألهداف توسعية واقتصادية وسياسية‪ ،‬وعدم االعتراف بالحقوق الشرعية للغير كما هي الحال في الصراع‬ ‫العربي اإلسرائيلي من أجل تحقيق السالم العادل ؟ فهل يمكن تسمية ذلك بغير الحرب المستمرة ؟ أليست‬ ‫الحروب وفق المفاهيم اإلنسانية جرائم ترتكب بحق البشرية ؟ حتى ولو قامت بها دولة معينة أو مجموعة‬ ‫من الدول ضد دولة أخرى أو مجموعة من الدول بقصد العدوان وليس الدفاع عن النفس‪.‬‬ ‫ومن يستطيع إثبات أن تلك الحروب والجرائم واألعمال اإلرهابية تتم دون استخدام األسلحة‬ ‫اإلعالمية التي هي سمة من سمات الحقبة األخيرة من القرن العشرين ؟ ومن الخطأ إخراج الجريمة‬ ‫المنظمة واإلرهاب الدولي من مفهوم األمن اإلعالمي الدولي‪ ،‬ألنها تهدد الكيان اإلنساني برمته؛‬

‫‪16‬‬


‫وأنه ال وجود لألسلحة اإلعالمية وهي ليست سوى عبارة عن وسائل للتأثير على نظم اإلعالم‬ ‫وشبكات االتصال فقط‪ ،‬وال تشمل غيرها من الوسائل والطرق التي هي من أشكال األسلحة التي تستخدم‬ ‫في تنفيذ الحروب النفسية؛ وأنه ال يمكن متابعة وتسجيل وضبط القائمين في التأثير اإلعالمي‪.‬‬ ‫وهذه بحد ذاتها حجة واهية ألن الحقائق تثبت عكس ذلك‪ ،‬والتاريخ يتضمن أمثلة محددة على ذلك‬ ‫منها‪ :‬حل مشكلة تحديد مواقع إطالق الصواريخ العابرة للقارات‪ ،‬والحجم الكبير للقضايا الجنائية‬ ‫المرفوعة ضد المتسللين إلى شبكات الحاسب اآللي الخاصة‪ ،‬ومخربي محتويات شبكات الحاسب اآللي‪،‬‬ ‫مما يثبت إمكانية وفعالية اإلجراءات المتبعة حتى اآلن والتي يمكن تطويرها والزيادة من فعاليتها كل يوم؛‬ ‫وأن غياب المصطلحات الموحدة وغياب المداخل الموحدة لمفهوم األمن اإلعالمي يؤدي إلى‬ ‫الخالف في االتجاهات نحو تناول المشكلة وفق المفهوم الدولي‪ .‬وهي مشكلة تحتاج للحل قبل النظر في‬ ‫المشكلة جديا ً ضمن إطار منظمة األمم المتحدة كهيئة سياسية دولية وحيدة تملك حق النظر في قضايا‬ ‫"العولمة" وآثارها؛‬ ‫وأن القوانين الوطنية التي تلبي المصالح القومية العليا لمختلف الدول غير متوافقة‪ ،‬وهو وضع‬ ‫يجب تصحيحه؛‬ ‫وهنا يبرز السؤال التالي‪ :‬على أي أساس يجب تصحيحه ؟ هل على أساس قوانين دولة مختارة‬ ‫من دول العالم ؟ ومن هي تلك الدولة المختارة صاحبة الحظ السعيد ؟ ومن يملك الحق بنشر مفاهيمه‬ ‫القانونية الوطنية ومصالحه القومية العليا على كافة دول العالم ؟ ومن هي تلك الدولة التي ستكون المبادرة‬ ‫في فرض قوانينها الوطنية والمبادرة لفرض مفهومها وإجراءاتها في الدفاع عن المجال اإلعالمي وأمنه‬ ‫على غيرها من دول العالم ؟ فهذا من غير الواقعي تماماً‪ .‬ألن المرجعية واألساس يجب أن يكون للقانون‬ ‫الدولي فقط‪ ،‬وهو ما دعت إليه الهيئة العامة لمنظمة األمم المتحدة في قراريها ‪ 02/63‬و ‪44/64‬؛ وأخيراً‬ ‫حجة عدم كفاية الدراسات الالزمة لإلعداد لعرض الموضوع على الهيئة العامة لألمم المتحدة‪ ،‬وضرورة‬ ‫االنتظار حتى اكتمال واستالم نتائج البحوث العلمية والقانونية‪.‬‬ ‫األمن اإلعالمي الدولي من وجهة نظر البحث العلمي‪:‬‬ ‫والجدال حول هذه النقطة صعب ألن البحوث العلمية األساسية المنتهية والمنشورة والمناقشة على‬ ‫مستوى الخبراء كثيرة‪ ،‬وتم اقتراح الكثير من الحلول التطبيقية للمشكلة من قبلهم‪ .‬مما يفسح المجال للشك‬ ‫في النوايا التي يمكن أن يكون الغرض منها االنتظار حتى تنتهي بعض الدول من إعداد الوسائل العسكرية‬ ‫التي تعمل على إنشائها‪ ،‬للوصول إلى التفوق المنتظر الذي يتيح لتلك الدول الفرصة الكاملة لفرض‬ ‫وجهات نظرها على الغير‪ .‬ولعزل الدول التي لم تبدأ بعد بالقيام بمثل تلك اإلجراءات والحيلولة دون أن‬ ‫يكون لها صوت مؤثر في حل تلك المشكلة الخطيرة‪.‬‬ ‫ولتبقى الثغرات في األنظمة اإلعالمية لمختلف دول العالم قائمة‪ ،‬ولتبقى عرضة للعدوان‬ ‫اإلعالمي دون القدرة حتى على الرد‪ .‬وليبقى الطريق أمام الدول المتفوقة مفتوحا ً لشن الحروب اإلعالمية‬ ‫وفرض السيطرة واإلشراف اإلعالمي على النظم اإلعالمية للدول األضعف‪ .‬ولكن هل ستقبل الدول األقل‬ ‫تقدما ً بهذا الوضع المختل ؟ في حال غياب آلية دولية للحد من السباق في مجال امتالك واستخدام السالح‬ ‫اإلعالمي‪ ،‬وبالتالي منع قيام الحروب اإلعالمية‪.‬‬ ‫ففي ذلك الوضع ستفقد األمم المتحدة دورها الريادي في "العولمة"‪ ،‬مما يؤدي إلى الفوضى‬ ‫اإلعالمية الدولية مع كل النتائ ج الوخيمة التي البد وأن تؤثر في صميم الثقافة اإلنسانية‪ ،‬وتدفن إلى األبد‬ ‫أية إمكانية لقيام حوار ديمقراطي عادل بين الثقافات‪ ،‬ولتحل مكانه الثقافة المفروضة من قبل الدولة‬ ‫األقوى‪.‬‬ ‫األمن اإلعالمي والتفاهم الدولي‪:‬‬

‫‪15‬‬


‫ومن الصعب اآلن أيجاد شكل محدد لتلك اآللية الدولية دون تحقيق التفاهم داخل المجتمع الدولي‪.‬‬ ‫ويكون مبنيا ً على مبادئ عامة دولية‪ ،‬مدعومة من البداية بوثيقة دولية متعددة األطراف تحت رعاية‬ ‫منظمة األمم المتحدة‪ ،‬تتضمن تصور شامل لألمن اإلعالمي الدولي‪ .‬ويأخذ في اعتباره طبيعة كل‬ ‫التهديدات العسكرية واإلجرامية واإلرهابية‪ ،‬بما فيها استخدام سياسة الفرض واإلكراه لفرض هيبة القانون‬ ‫سواء في المجال العسكري أو في المجال المدني‪ .‬وهذا يتطلب من وجهة نظر أنصار "عولمة" األمن‬ ‫اإلعالمي القيام بما يلي‪:‬‬ ‫إعداد نظم للفهم المشترك‪ ،‬تستخدم أثناء تحليل ومناقشة المشاكل المطروحة حول األمن‬ ‫اإلعالمي‪ ،‬وتحديد المصادر التكنولوجية وطبيعة األخطار المتوقعة؛ وإعداد المبادئ األساسية لبناء‬ ‫"عولمة" النظم لتأمين األمن اإلعالمي الدولي؛‬ ‫وإصدار بيان متعدد األطراف في أطار منظمة األمم المتحدة يخلق تصور لألمن اإلعالمي الدولي‬ ‫على أساس المبادئ األساسية المعلنة؛‬ ‫وإعداد اتفاقية تتضمن المواضيع الخاصة‪ ،‬مثل قضايا مكافحة اإلرهاب اإلعالمي الدولي‬ ‫والجريمة في مجال اإلعالم‪ ،‬تتفق ومبادئ المنظمات الدولية العاملة والقائمة في مجال اإلعالم‬ ‫واالتصاالت المرئية‪ ،‬ووسائل االتصال واإلعالم الجماهيرية وحقوق اإلنسان؛‬ ‫وإعداد المبادئ األساسية الخاضعة للمحاسبة في إطار منظمة األمم المتحدة للنظر في مالئمة‬ ‫القوانين الوطنية بهدف التوفيق بينها؛‬ ‫و إدخال جميع الدول األعضاء إلضافات وتغييرات في قوانينها األساسية بما يتفق والمبادئ‬ ‫األساسية المعلنة؛ وإعداد المبادئ األساسية لتنظيم آلية للرقابة والسيطرة في مجال األمن اإلعالمي‬ ‫الدولي‪ ،‬وضمان تناسقه مع النظم العالمية العاملة في مجال المعلوماتية واالتصاالت المرئية ووسائل‬ ‫اإلعالم واالتصال الجماهيرية وحقوق اإلنسان‪ ،‬والرقابة على تصدير مواد وتكنولوجيا اإلعالم‪ .‬ويعني‬ ‫هذا العمل المشترك في أجهزة الرقابة على تصدير المنتجات والخدمات في مجال المعلوماتية واالتصاالت‬ ‫المرئية‪ ،‬وخاصة منها التي يمكن أن تستخدم عسكريا ً أو لالستخدامات الثنائية‪ ،‬بما فيها المواد المخصصة‬ ‫إلنتاج أسلحة الحرب النفسية‪.‬‬ ‫ويرى أنصار هذا االتجاه أن تتوج المرحلة الختامية بتوقيع كل الدول في المجتمع الدولي على‬ ‫اتفاقية متعددة األطراف لها صبغة نهائية تؤكد مبادئ األمن اإلعالمي الدولي‪ ،‬وتفرض آلية دولية معينة‬ ‫لمراقبة مجال األمن اإلعالمي الدولي ووضعه حيز التطبيق‪ .‬على أن يجري كل ذلك في إطار الدبلوماسية‬ ‫الدولية وضمن إطار منظمة األمم المتحدة‪ ،‬وعلى مستوى المنظمات اإلقليمية‪ ،‬وهنا يبرز دور جامعة‬ ‫الدول العربية‪ ،‬ومجلس تعاون دول الخليج العربية وغيرها من التجمعات اإلقليمية والدبلوماسية الثنائية‬ ‫بين الدول‪ ،‬لتحقيق أوسع تعاون دولي مفيد وواقعي وممكن يساعد على حل مشاكل األمن اإلعالمي‬ ‫الدولي‪.‬‬ ‫ويضمن تنفيذ اإلجراءات المتخذة لحل المشاكل الجديدة والصعبة الناتجة عن دخول اإلنسانية‬ ‫عصر "العولمة" المعلوماتية‪ .‬وتوفر األمن اإلعالمي الدولي الواقعي بما يضمن المصالح الوطنية لجميع‬ ‫دول العالم صغيرها وكبيرها‪ ،‬فقيرها وغنيها‪ .‬ويتصدى ألي عدوان خارجي أو إجرامي أو إرهابي على‬ ‫المجال اإلعالمي ألي دولة من دول العالم‪.‬‬ ‫لمزيد من المعلومات حول الموضوع أنظر‪:‬‬ ‫د‪ .‬أسامة الغزالي حرب‪ :‬األحزاب السياسية في العالم الثالث‪ .‬سلسلة المعرفة‪ 1410 .‬سبتمبر‪.‬‬ ‫‪.1‬‬ ‫أندريه فالديميروفيتش كروتسكيخ‪ ،‬وأليكساندر فالديميروفيتش فيدروف‪ :‬عن األمن اإلعالمي‬ ‫‪.0‬‬ ‫الدولي‪ // .‬موسكو‪ :‬مجلة الحياة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 0‬لعام ‪( .0222‬باللغة الروسية)‬ ‫إسالم كريموف‪ :‬أوزبكستان‪ ،‬طريقها الخاص للتجديد والتقدم‪.‬ترجمة‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬محمد البخاري‪ .‬دار‬ ‫‪.3‬‬ ‫السروات‪ ،‬جدة ‪.1444‬‬ ‫إسالم كريموف‪ :‬أوزبكستان‪ ،‬نموذجها الخاص لالنتقال إلى اقتصاد السوق‪ .‬ترجمة‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬محمد‬ ‫‪.4‬‬ ‫البخاري‪ .‬دار السروات‪ ،‬جدة ‪.1444‬‬ ‫‪10‬‬


‫إسالم كريموف‪ :‬أوزبكستان على طريق اإلصالحات االقتصادية‪ .‬شركة المطبوعات للتوزيع‬ ‫‪.6‬‬ ‫والنشر‪ .‬بيروت ‪.1445‬‬ ‫د‪ .‬بطرس بطرس غالي‪ :‬حقوق اإلنسان في ‪ 32‬عاماً‪ // .‬القاهرة‪ :‬مجلة السياسة الدولية‬ ‫‪.5‬‬ ‫‪/1404‬يناير‪.‬‬ ‫د‪ .‬حازم الببالوي‪ :‬العرب والعولمة‪ .‬القاهرة‪ :‬األهرام ‪.10.32/1440‬‬ ‫‪.0‬‬ ‫د‪ .‬صابر فلحوط‪ ،‬د‪ .‬محمد البخاري ‪ :‬العولمة والتبادل اإلعالمي الدولي‪ .‬دار عالء الدين‪ .‬دمشق‬ ‫‪.1‬‬ ‫‪.1444‬‬ ‫عاطف الغمري‪ :‬األسلحة الجديدة في ترسانة الهجوم االقتصادي العالمي‪ // .‬القاهرة‪ .‬صحيفة‬ ‫‪.4‬‬ ‫األهرام ‪/1445‬يناير ‪.32‬‬ ‫د‪ .‬محمد سامي عبد الحميد‪ :‬أصول القانون الدولي العام‪.1404 .‬‬ ‫‪.12‬‬ ‫د‪ .‬محمد عابد الجابري‪ :‬قضايا في الفكر العربي المعاصر‪ .‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.‬‬ ‫‪.11‬‬ ‫بيروت ‪.1440‬‬ ‫د‪ .‬محمد علي العويني ‪ :‬اإلعالم الدولي بين النظرية والتطبيق‪ .‬مكتبة األنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‬ ‫‪.10‬‬ ‫‪.1442‬‬ ‫د‪ .‬محمد البخاري ‪ :‬مبادئ الصحافة الدولية والتبادل اإلعالمي الدولي‪ .‬جامعة ميرزة أولوغ بيك‬ ‫‪.13‬‬ ‫الحكومية‪ .‬طشقند ‪.1440‬‬ ‫د‪ .‬ممدوح شوقي‪ :‬األمن القومي والعالقات الدولية‪ // .‬القاهرة‪ .‬مجلة السياسة الدولية‬ ‫‪.14‬‬ ‫‪/1440‬العدد ‪.100‬‬ ‫د‪ .‬هالة مصطفى‪ :‬العولمة ‪ ..‬دور جديد للدولة‪ // .‬القاهرة‪ .‬مجلة السياسة الدولية‪ 1441 ،‬العدد‬ ‫‪.16‬‬ ‫‪.134‬‬ ‫د‪ .‬هالة مصطفى‪ :‬المشروع القومي في مصر‪ :‬دور الدولة األساسي‪ //.‬القاهرة‪ :‬األهرام‬ ‫‪.15‬‬ ‫‪.4.01/1440‬‬ ‫ً‬ ‫د‪ .‬هالة مصطفى‪ :‬المشروع القومي بناء الداخل أوال‪ // .‬القاهرة‪ :‬األهرام ‪.3.31/1440‬‬ ‫‪.10‬‬ ‫د‪ .‬هالة مصطفى ‪ :‬حقوق اإلنسان‪ ،‬وفلسفة الحرية الفردية‪" .‬نشطاء" البرنامج اإلقليمي لدراسات‬ ‫‪.11‬‬ ‫حقوق اإلنسان‪ 1440 .‬العدد‪ .3‬أكتوبر‪.‬‬ ‫‪19.‬‬ ‫‪Francis Fukuyama, End of History, National Interest, summer. 1989.‬‬ ‫‪20.‬‬ ‫‪James N. Rosenau, New Dimensions of Security: The Interaction of‬‬ ‫‪Globalizing and Localizing Dynamics, Security Dialogue, 1994, Vol. 25 (3).‬‬ ‫‪21.‬‬ ‫‪Paul Kennedy, Globalization and its Discontents, New Perspectives Quarterly,‬‬ ‫‪Vol. 13, No. 4. Fall 1996.‬‬ ‫‪22.‬‬ ‫‪Peter Drucker, The Second Infuriation Revolution, New Perspectives‬‬ ‫‪Quarterly, Vol. 14, No. 2, Spring 1997.‬‬ ‫‪23.‬‬ ‫‪Jan AART SCHOLTE, Global Capitalism and the State, International Affairs,‬‬ ‫‪Vol. 73, No. 3, July 1997.‬‬ ‫‪24.‬‬ ‫‪“Joint Doctrine for Information Operations", Joint Chief of Staffs, Joint Pub. 3‬‬‫‪13, October 9, 1998.‬‬ ‫‪25. Hans Morganthue, Political Nations, Calcutta, Scientific Book Agency, 1965, Chap.‬‬ ‫‪28.‬‬ ‫‪26. Edward N. Luttwak, The Global Setting of U.S. Military Power-Washington. 1996.‬‬

‫‪11‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.